الفتاوى الفقهية الكبرى

ابن حجر الهيتمي

مقدمة الفاكهي جامع الفتاوى

[مُقَدِّمَةُ الفاكهي جامع الفتاوى] الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ أَحْمَدَ أَعْلَم هَذِهِ الْأُمَّةِ وَشِهَابهَا الَّذِي يُزِيل عَنْهَا مِنْ دُجَى الْإِشْكَال كُلّ ظُلْمَة وَنَيِّرهَا الْوَقَّاد الَّذِي يُجْلِي بِفُتْيَاهُ ظُلْم الْمَسَائِل الْمُدْلَهِمَّة وَيُبَيِّن الصَّوَاب مِنْهَا فَلَمْ يَكُنْ أَمْرُهَا عَلَيْنَا غُمَّة نَحْمَدهُ حَمْد مَنْ نَالَ مِنْ الْعُلُوم أَوْفَر نَصِيب وَنَشْكُرهُ شُكْر مَنْ اجْتَهَدَ فِيهَا وَكَانَ فِي اجْتِهَاده ذَا سَهْم مُصِيب وَنَشْهَد أَنْ لَا إلَه إلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً نَعْتَدّهَا لِلْجَوَابِ فِي يَوْم السُّؤَال وَنَتَّخِذهَا ذَخِيرَة فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَل وَالْحَال وَنَشْهَد أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْده وَرَسُوله الَّذِي لَيْسَ لِمِلَّتِهِ عَلَى طُول الْمَدَى دُرُوس وَلَا لِعُلَمَاء أُمَّته مَزِيَّة إلَّا بِمَحَاسِن الْوُجُوه الْبَادِيَة فِي مُصَنَّفَاتهمْ وَالدُّرُوس صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الَّذِينَ عَلِمُوا وَعَلَّمُوا وَتَلْقَوْا شَرِيعَته الْغَرَّاء وَفَهِمُوا مَا حَلَّلُوا وَحَرَّمُوا. (أَمَا بَعْد) فَإِنَّ أَكَابِر الْعُلَمَاء مَا زَالَتْ تُدَوَّن أَقْوَالهمْ وَتُنْقَل أَحْوَالهمْ لَا سِيَّمَا فَتْوَاهُمْ فِي الْعَوِيصَات الَّتِي لَا يُهْتَدَى إلَيْهَا وَآرَاؤُهُمْ فِي الْمُدْلَهِمَّاتِ الَّتِي لَا يُعَوَّل إلَّا عَلَيْهَا وَاسْتِنْبَاطهمْ فِي الْمُعْضِلَات مَا هُوَ الْحَقّ الصَّرِيح وَالْمَذْهَب الصَّحِيح. وَكَانَ مِمَّنْ انْتَشَرَتْ فَتْوَاهُ شَرْقًا وَغَرْبًا وَعَجَمًا وَعَرَبًا سَيِّدنَا وَشَيْخنَا الْإِمَام الْعَالِم الْعَلَّامَة الْحَبْر الْبَحْر الْحُجَّة الْفَهَّامَة مُفْتِي الْمُسْلِمِينَ صَدْر الْمُدَرِّسِينَ بَقِيَّة الْمُجْتَهِدِينَ بَرَكَة بِلَاد اللَّه الْأَمِين أَحْمَدُ شِهَابُ الدِّينِ بْنُ حَجَرٍ الشَّافِعِيُّ فَسَّحَ اللَّه لِلْمُسْلِمِينَ فِي مُدَّتِهِ وَنَفَعَنَا اللَّه بِعُلُومِهِ وَأَعَادَ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَته أَعْظِمْ بِهِ عَالِمًا كَتَبَ الْفَتَاوَى بِقَلَمِهِ فَوَقَّعَ عَنْ الْبَارِي وَأَطْلَعَ كَوَاكِب أَلْفَاظه فِي آفَاقهَا فَقِيلَ هَذِي النُّجُوم الَّتِي يَسْرِي بِهَا السَّارِي فَرُبَّ قَضَايَا لَا يَكْشِف إشْكَالَهَا غَيْرُ فَتْوَاهُ وَأُمُور يَنْحَلُّ الْحَقّ بِبَيَانِهَا وَيُنْتَظَر جَدْوَاهُ فَإِنَّهُ لَا سِيَّمَا حِينَ اتَّخَذَ مَكَّةَ وَطَنًا وَآثَرَهَا سَكَنًا انْتَشَرَ صِيتُهُ فِي الْآفَاق وَوَقَعَ عَلَى سَعَة عِلْمه وَصِحَّة اسْتِنْبَاطه وَبَاهِر فَهْمِهِ الِاتِّفَاقُ فَقَصَدَهُ الْأَئِمَّة وَغَيْرهمْ بِالْفَتَاوَى مِنْ سَائِر الْأَقَالِيم الْمَشْهُورَة لِمَا اُشْتُهِرَ مِنْ حَدِيث فَضْله عِنْدهمْ مِنْ كُلّ طَرِيق صَحِيحَة مَأْثُورَة كَمِصْرِ وَالشَّامِ وَحَلَبَ وَبِلَادِ الْأَكْرَادِ وَالْعِرَاقَيْنِ وَالْبَصْرَةِ وَنَجْدٍ وَالْحَسَا وَالْبَحْرَيْنِ وَالْيَمَنِ وَالسَّوَاحِلِ وبر عَجَم وَحَضْرَمَوْتَ وَالْهِنْدِ وَالسِّنْدِ وَدَلْهَى وَأَعْمَالِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ لَا سِيَّمَا الْقَادِمِينَ إلَى الْحَجِّ مِنْ الْبِلَادِ الشَّاسِعَة الْمَهْجُورَة. فَحِين إذْ رَأَيْت ذَلِكَ وَمَا يَقَع فِي خِلَالِ تِلْكَ الْفَتَاوَى مِنْ الْمُهِمَّاتِ الَّتِي لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهَا وَالْمُعْضِلَاتِ الَّتِي مَا سَارَ أَحَدٌ

فِي حَلِّهَا كَسَيْرِهَا وَالْأَبْكَارِ الَّتِي لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إنْسٌ وَلَا جَانٌّ وَالْأَفْكَارِ الَّتِي حَكَّتْ أَفْكَارَ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي صِحَّةِ الِاسْتِنْبَاطِ وَالْبُرْهَانِ وَالنُّقُولِ الَّتِي طَالَمَا خَفِيَ قَبْلَ إظْهَارِهَا خَبَايَا زَوَايَاهَا عَلَى الْأَعْيَانِ وَالتَّرَاجِيحِ وَالنُّقُودِ وَالرُّدُودِ الَّتِي عَوَّلَ عَلَى فَضْلِهِ فِيهَا الْمُتَنَازِعُونَ وَانْتَهَى إلَى قَوْلِهِ فِيهَا الرَّاسِخُونَ أَرَدْت جَمْعَ الْمُهِمِّ فَبَادَرْت إلَى تَتَبُّعِهَا وَبَذَلْت فِيهِ الْجَهْدَ الْجَهِيدَ وَتَفَرَّغْت لِجَمْعِهَا الْأَزْمِنَةَ الطَّوِيلَةَ صَوْنًا لَهَا مِنْ حَاسِدٍ عَنِيدٍ أَوْ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ إلَى أَنْ ظَفِرْت مِنْهَا بِالْكَثِيرِ الطَّيِّبِ وَالْوَلِيِّ الْوَسْمِيِّ الصَّيِّبِ وَالْفَوَائِدِ الْفَرَائِدِ وَالْأَوَابِدِ الْعَوَائِدِ فَدَوَّنْتهَا فِي هَذَا الدِّيوَانِ لِيَعُمَّ النَّفْعُ بِهَا فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ وَالْأَزْمَانِ وَلِيَعُودَ عَلَى بَرَكَةِ جَمْعِهَا وَحِفْظِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِاحْتِيَاجِهِمْ إلَيْهَا فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَلَا يُجْدِي فِيهَا غَيْرُهَا لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ بَدَائِعِ التَّحْرِيرِ وَوَاضِحَاتِ الْبَرَاهِينِ لَا سِيَّمَا فِي الْوَقَائِعِ الَّتِي لَا نَقْلَ فِيهَا. وَلَا كَلَامَ لِمَنْ سَبَقَهُ يُسْتَضَاءُ بِهِ فِي قَوَادِمِهَا وَخَوَافِيهَا وَلِيَحْصُلَ لِي إنْ شَاءَ اللَّهُ ثَوَابُ ذَلِكَ الْجَزِيلِ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ فِي حَدِيثِهِ الَّذِي أَرْوَى بِهِ الْغَلِيلَ وَشَفَى بِهِ الْعَلِيلَ حَيْثُ أَفَادَ فِيهِ أَنَّ «الدَّالُّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ» وَأَنَّ الْمُعِينَ عَلَى عَمَلٍ كَعَامِلِهِ حَقَّقَ اللَّهُ لِي فِي ذَلِكَ أَفْضَلَ مِمَّا أَمَلْت وَأَعْظَمَ مِمَّا قَصَدْت وَجَعَلَ ذَلِكَ وَسِيلَةً إلَى أَنْ أَرْضَاهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَإِلَى أَنْ أَلْقَاهُ إنَّهُ بِكُلِّ خَيْرٍ كَفِيلٌ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَرَتَّبْتُهَا لِيَسْهُلَ الْكَشْفُ مِنْهَا عَلَى الْمُضْطَرِّينَ وَالظَّفَرُ بِمَا فِي زَوَايَاهَا عَلَى الْمُسْتَرْشِدِينَ وَإِذَا اشْتَمَلَ السُّؤَالُ عَلَى مَسَائِلَ مُخْتَلِفَةِ الْأَبْوَابِ فَغَالِبًا أَجْعَلُ كُلَّ مَسْأَلَةٍ بِمَا يَلِيقُ بِهَا وَقَدْ أَذْكُرُهَا جَمِيعًا فِي أَنْسَبِ الْأَبْوَابِ بِمُعْظَمِهَا لِارْتِبَاطِ الْجَوَابِ فِيهَا بِمَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ كَمَا وَقَعَ لَهُ فِي الْبَيْعِ. فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي بَعْضِ الْأَسْئِلَةِ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ بِمَا لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ لَكِنْ بِطَرِيقِ الِاسْتِطْرَادِ وَالتَّبَعِ فَذَكَرْتُهُ لِارْتِبَاطِ الْكَلَامِ فِيهِ بِمَا قَبْلَهُ مَعَ أَنَّ الْأَحَقَّ بِهِ بَابُ الْقَضَاءِ، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ فِيهَا كَثِيرَةٌ فَلْيَكُنْ ذَلِكَ عَلَى ذِكْرٍ مِنْك هَذَا، وَقَبْلَ الْخَوْضِ فِي الْمَقْصُودِ أُقَدِّمُ شَيْئًا مِنْ تَرْجَمَةِ شَيْخِنَا - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ وَنَفَعَ بِعُلُومِهِ وَأَعَادَ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَتِهِ - لِنَعْلَمَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ كَثِيرًا عِنْدَ الْأَئِمَّةِ فَأَقُولُ: هُوَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ بَدْرُ الدِّينِ بْنُ مُحَمَّدٍ شَمْسِ الدِّينِ بْنِ عَلِيٍّ نُورِ الدِّينِ بْنِ حَجَرٍ مِنْ بَنِي سَعْدٍ الْمَوْجُودِينَ الْآنَ بِالشَّرْقِيَّةِ الْإِقْلِيمِ الْمَشْهُورِ مِنْ أَقَالِيمِ مِصْرَ وَالْمُسْتَفَاضُ أَنَّهُمْ مِنْ الْأَنْصَارِ وَلَكِنْ امْتَنَعَ شَيْخُنَا مِنْ كِتَابَةِ الْأَنْصَارِيِّ تَوَرُّعًا سُمِّيَ جَدُّهُ بِحَجَرٍ لِمَا أَنَّهُ مَعَ شُهْرَتِهِ بَيْنَ قَوْمِهِ بِأَنَّهُ مِنْ أَكَابِرِ شُجْعَانِهِمْ وَأَبْطَالِ فُرْسَانِهَا كَانَ مُلَازِمًا لِلصَّمْتِ لَا يَتَكَلَّمُ إلَّا لِضَرُورَةٍ حَاقَّةٍ وَإِلَّا فَهُوَ مَشْغُولٌ عَنْ النَّاسِ بِمَا مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهِ فَلِذَلِكَ شَبَّهُوهُ بِحَجَرٍ مُلْقًى لَا يَنْطِقُ فَقَالُوا: حَجَرٌ ثُمَّ اُشْتُهِرَ بِذَلِكَ رَآهُ شَيْخُنَا وَقَدْ جَاوَزَ الْمِائَةَ وَالْعِشْرِينَ وَأَمِنَ الْخَرَفَ وَكَانَتْ لَهُ فِي هَذَا السِّنِّ عِبَادَاتٌ خَارِقَةٌ. أَصْلُ وَطَنِهِ سَلْمُنْتُ مِنْ بِلَادِ بَنِي حَرَامٍ الْآنَ ثُمَّ لَمَّا كَثُرَتْ الْفِتَنُ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ انْتَقَلَ مِنْهَا إلَى الْغَرْبِيَّةِ فَسَكَنَ مَحَلَّةَ أَبِي الْهَيْتَمِ وَاسْتَوْطَنَهَا اسْتِرَاحَةً مِنْ شَرِّ أَهْلِ الشَّرْقِيَّةِ. وَفِتَنِهِمْ وَتَعَرُّضِ السَّلَاطِينَ لَهُمْ لِتَعَرُّضِهِمْ لَهُمْ وَإِنَّمَا آثَرَهَا لِأَنَّ أَهْلَهَا كَانُوا عَلَى غَايَةٍ مِنْ الدِّيَانَةِ وَاتِّبَاعِ طَرِيقِ الصُّوفِيَّةِ وَفِيهِمْ حُفَّاظٌ كَثِيرُونَ لِلْقُرْآنِ مُدَاوِمُونَ لِقِرَاءَتِهِ وُلِدَ شَيْخُنَا بِهَا سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعمِائَةٍ فِي أَوَاخِرِهَا فَمَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ صَغِيرٌ فِي حَيَاةِ جَدِّهِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ حَفِظَ الْقُرْآنَ وَكَثِيرًا مِنْ الْمِنْهَاجِ ثُمَّ مَاتَ جَدُّهُ فَكَفَلَهُ شَيْخَا أَبِيهِ الْعَارِفَانِ الْكَامِلَانِ عِلْمًا وَعَمَلًا وَمَعْرِفَةً الشَّمْسُ الشِّنَّاوِيُّ وَشَيْخُهُ الشَّمْسُ بْنُ أَبِي الْحَمَائِلِ مِنْ أَعْظَمِ تَلَامِذَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الشَّرَفِ الْمُنَاوِيِّ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. وَلِذَا كَانَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا يُبَالِغُ فِي تَعْظِيمِهِ وَيَقُولُ أَخِي وَسَيِّدِي وَلَمَّا كَفَلَاهُ بَالَغَ ابْنُ أَبِي الْحَمَائِلِ فِي وِصَايَةِ تِلْمِيذِهِ الشِّنَّاوِيِّ بِهِ فَنَقَلَهُ مِنْ بَلَدِهِ إلَى مَقَامِ الْعَارِفِ بِاَللَّهِ السَّيِّدِ الشَّهِيرِ أَحْمَدَ الْبَدْوِيِّ - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - فَقَرَأَ عَلَى عَالِمَيْنِ كَانَا بِهِ مِنْ مَبَادِئِ الْعُلُومِ ثُمَّ نَقَلَهُ إلَى الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ أَوَّلَ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَتِسْعمِائَةٍ ثُمَّ سَلَّمَهُ لِرَجُلٍ صَالِحٍ مِنْ تَلَامِذَتِهِ وَتَلَامِذَةِ شَيْخِهِ الْمَذْكُورِ بِإِشَارَةِ شَيْخِهِ الْمَذْكُورِ فَحَفَّظَهُ حِفْظًا بَلِيغًا وَأَقْرَأَهُ مَتْنَ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرَهُ وَجَمَعَهُ بِعُلَمَاءِ مِصْرَ مَعَ صِغَرِ سِنِّهِ فَأَخَذَ عَنْ تَلَامِذَةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيِّ وَأَجَلُّهُمْ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا بَلْ أَكْثَرَ الْأَخْذَ عَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ بَقِيَّتِهِمْ قَالَ: مَا اجْتَمَعْت بِهِ قَطُّ إلَّا قَالَ أَسْأَلُ اللَّهُ أَنْ يُفَقِّهَكَ فِي الدِّينِ وَحَاجَجْت بَعْضَ أَكَابِرِ مَشَايِخِي فِي وُجُودِ الْقُطْبِ وَالْأَوْتَادِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فَلَمَّا اجْتَمَعْنَا

بِشَيْخِ الْإِسْلَامِ سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَنَصَرَنِي عَلَى ذَلِكَ الشَّيْخُ نُصْرَةً تَامَّةً وَدَعَا لِي. وَأَخَذَ أَيْضًا الشَّيْخُ عَنْ الْإِمَامِ الزَّيْنِيِّ عَبْدِ الْحَقِّ السَّنْبَاطِيِّ وَسَمِعَ عَلَيْهِ وَعَلَى الشَّيْخِ الْإِمَامِ مُجَلِّي وَمَنْ فِي طَبَقَتِهِمَا بَعْضَ كُلٍّ مِنْ الْكُتُبِ السِّتَّةِ فِي جَمْعٍ كَثِيرِينَ وَأَجَازُوا لَهُ بِبَاقِيهَا وَبِغَيْرِهَا وَعَنْ الشَّمْسِ الْمَشْهَدِيِّ وَالشَّمْسِ السَّمَنُّودِيِّ وَابْنِ عِزِّ الدِّينِ الْبَاسِطِيِّ وَالْأَمِينِ الْعُمَرِيِّ وَشَيْخِ وَالِدِهِ السَّابِقِ الشَّمْسِ بْنِ أَبِي الْحَمَائِلِ وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ عُمِّرُوا كَثِيرًا وَأَدْرَكُوا ابْنَ حَجَرٍ وَأَهْلَ عَصْرِهِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ اشْتَغَلَ بِحَلِّ مُتُونِهِ فَبَذَلَ جَهْدَهُ فِيهَا إلَى أَنْ أَجَازَهُ مَشَايِخُهُ الشِّهَابُ أَحْمَدُ الرَّمْلِيُّ وَالشَّيْخُ نَاصِرُ الدِّينِ الطَّبَلَاوِيُّ وَتَاجُ الْعَارِفِينَ الْإِمَامُ الْبَكْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَوَاخِرَ سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ بِالْإِفْتَاءِ وَالتَّدْرِيسِ وَعُمْرُهُ دُونَ الْعِشْرِينَ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ مِنْهُ لِذَلِكَ وَفِي خِلَالِ تِلْكَ الْمُدَّةِ قَرَأَ النَّحْوَ عَلَى الشَّمْسِ الْبَدْرِيِّ وَالشَّمْسِ الْحَطَّابِيِّ وَالشَّمْسِ اللَّقَانِيِّ وَالشَّمْسِ الضَّيْرُوطِيِّ وَالشَّمْسِ الطُّهَوِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَالتَّصْرِيفَ لِلْغَزِّيِّ عَلَى الطَّبَلَاوِيِّ والجارْبُرْدِيُّ عَلَى الْحَطَّابِيِّ. وَكَانَ يَقُولُ فِي إقْرَائِهِ لِهَذَا الدَّرْسِ بِحَضْرَةِ جَمْعٍ جَمٍّ مِنْ الْفُضَلَاءِ لِي زَمَانٌ مَا طَالَعْت لِقَارِئٍ فِي هَذَا الْعِلْمِ إلَّا لِهَذَا الدَّرْسِ وَالْمَعَانِي وَالْبَيَانِ عَلَى الشَّمْسِ الْمُنَاوِيِّ وَالشَّمْسِ الدُّلَجِيِّ قَالَ شَيْخُنَا وَهُوَ أَعْلَمُ مَنْ رَأَيْت فِي هَذَا الْعِلْمِ وَعِلْمِ الْأَصْلَيْنِ عَلَيْهِ وَعَلَى الشَّيْخِ نَاصِرِ الدِّينِ الطَّحَّانِ وَالطَّبَلَاوِيِّ وَالْبَكْرِيِّ وَالشِّهَابِ بْنِ عَبْدِ الْحَقِّ وَالشَّمْسِ الْعَبَّادِيِّ وَالشِّهَابِ الْبُرُلُّسِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَالْمَنْطِقِ عَلَى النُّورِ الطُّهَوِيِّ وَالْمُحَقِّقِ الشَّيْخِ عُبَيْدٍ الشِّنْشَوْرِيِّ وَالدُّلَجِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَالْفَرَائِضِ وَالْحِسَابِ عَلَى إمَامِ وَقْتِهِ فِيهِمَا الشَّمْسِ بْنِ عَبْدِ الْقَادِرِ الْفَرَضِيِّ وَغَيْرِهِ كَالشِّهَابِ الصَّالِحِ الْبَطَوِيِّ. وَحَضَرَ الطِّبَّ عِنْدَ إمَامِ وَقْتِهِ فِيهِ الشِّهَابِ الصَّائِغِ الْحَنَفِيِّ وَالتَّصَوُّفَ عَلَى الْعَبَّادِيِّ وَابْنِ الطَّحَّانِ وَالْبَكْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَلَازَمَ إمَامَ مُحَقِّقِي زَمَنِهِ الْإِمَامَ نَاصِرُ الدِّينِ اللَّقَانِيُّ فِي عِدَّةِ عُلُومٍ مُدَّةً مَدِيدَةً كَالْمَنْطِقِ لِلْغَزِّيِّ فَفِي الْقُطْبِ وَحَوَاشِيهِ وَالْأَصْلَيْنِ وَشَرْحِ الْعَقَائِدِ وَشَرْحِ الْمَوَاقِفِ وَشَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ لِلْمَحَلِّيِّ فَالْعَضُدِ وَالْمَعَانِي وَالْبَيَانِ وَالْمُخْتَصَرِ فَالْمُطَوَّلِ وَالنَّحْوِ التَّوْضِيحِ وَالصَّرْفِ شَرْحُ السَّعْدُ التَّفْتَازَانِيُّ والجارْبُرْدِيُّ. وَفِي حَالِ قِرَاءَتِهِ النَّحْوَ شَرَحَ أَلْفِيَّةِ ابْنِ مَالِكٍ شَرْحًا مَزْجًا مُتَوَسِّطًا حَاوِيًا لِأَكْثَرِ شُرُوحِهَا وَالتَّوْضِيحِ وَحَوَاشِيهِ وَفَرَغَ مِنْهُ سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَفِي سَنَةِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ أَلْزَمَهُ شَيْخُهُ الشِّنَّاوِيُّ بِالتَّزَوُّجِ فَقَالَ لَا أَمْلِك شَيْئًا فَقَالَ هِيَ بِنْتُ أُخْتِي وَالْمَهْرُ مِنْ عِنْدِي فَزَوَّجَهُ بِهَا وَهِيَ بِنْتُ ابْنِ عَمِّهِ شَقِيق أَبِيهِ ثُمَّ حَجَّ هُوَ وَشَيْخُهُ الْبَكْرِيُّ آخِرَ سَنَةِ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَجَاوَرَا سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَخَطَرَ لَهُ فِيهَا أَنْ يُؤَلِّفَ فِي الْفِقْهِ فَتَوَقَّفَ إلَى أَنْ رَأَى فِي النَّوْمِ الْحَارِثَ بْنَ أَسَدٍ الْمُحَاسِبِيَّ وَهُوَ يَأْمُرُهُ بِالتَّأْلِيفِ فَاسْتَبْشَرَ وَأَلَّفَ قَالَ وَأَذْكَرَنِي ذَلِكَ مَا كُنْت رَأَيْتُهُ أَيَّامَ الطَّلَبِ فَإِنِّي رَأَيْتُ امْرَأَةً فِي غَايَةِ الْجَمَالِ كَشَفَتْ لِي عَنْ أَسْفَلِ بَطْنِهَا وَقَالَتْ اُكْتُبْ عَلَى هَذَا مَتْنًا بِالْأَحْمَرِ وَشَرْحًا بِالْأَسْوَدِ ثُمَّ انْتَبَهْت فَفَزِعْت حَتَّى قِيلَ لِي فِي تَعْبِيرِهِ سَتَظْهَرُ مُؤَلَّفَاتُكَ فِي الدُّنْيَا بَعْدَ خَفَائِهَا الْكُلِّيِّ ظُهُورًا عَظِيمًا فَاسْتَبْشَرْت وَابْتَدَأْت فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَلَمَّا رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ اخْتَصَرَ مَتْنَ الرَّوْضِ. وَشَرَحَهُ شَرْحًا مُسْتَوْعِبًا لِمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَالْجَوَاهِرِ وَكَثِيرٍ مِنْ شُرُوحِ الْمِنْهَاجِ وَالْأَنْوَارِ ثُمَّ حَجَّ بِعِيَالِهِ هُوَ وَشَيْخُهُ الْمَذْكُورُ آخِرَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمَعَهُ شَرْحُ الْمُخْتَصَرِ الْمَذْكُورُ فَجَاوَرَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَلْحَقَ فِي هَذَا الشَّرْحِ مِنْ كُتُبِ الْيَمَنِ وَغَيْرِهِمْ شَيْئًا كَثِيرًا فَرَآهُ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْأَعَاجِمِ فَأَعْطَى مَبْلَغًا كَثِيرًا لِكِتَابَتِهِ إذَا وَصَلُوا مِصْرَ فَلَمَّا وَصَلُوهَا أُرِيدَ اسْتِنْسَاخَهُ لَهُ فَحَاسَدَهُ بَعْضُ حَاسِدِيهِ فَتَرَصَّدَ لَهُ إلَى أَنْ أَخْرَجَ الْكِتَابَ لِيَكْشِفَ مِنْهُ ثُمَّ اشْتَغَلَ ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيْهِ فَلَمْ يَرَهُ فَكَأَنَّمَا وَقَعَ فِي بِئْر أَوْ أُحْرِقَ لِوَقْتِهِ فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ خَبَرٌ حَتَّى أَصَابَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ عِلَّةٌ خَطِيرَةٌ لَا زَالَتْ تُلَازِمُهُ إلَى أَنْ تَكَادَ تُزْهِقُ نَفْسَهُ وَهَكَذَا ثُمَّ تَعَافَى مِنْهَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ثُمَّ صَبَرَ وَاحْتَسَبَ فَعَوَّضَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا حَجَّ بِعِيَالِهِ هُوَ وَشَيْخُهُ أَيْضًا سَنَةَ أَرْبَعِينَ ثُمَّ جَاوَرَا سَنَةَ إحْدَى وَأَرْبَعِينَ ثُمَّ عَزَمَ شَيْخُهُ وَأَقَامَ هُوَ بِمَكَّةَ مِنْ ذَلِكَ الزَّمَنِ يُؤَلِّفُ وَيُفْتِي وَيُدَرِّسُ فَشَرَحَ إيضَاحَ النَّوَوِيِّ. ثُمَّ شَرَحَ الْإِرْشَادَ شَرْحَيْنِ ثُمَّ شَرَحَ الْعُبَابَ وَإِلَى الْآنَ لَمْ يُكَمَّلْ لَكِنْ نَسْأَلُ اللَّهَ إكْمَالَهُ فَإِنَّهُ جَمَعَ الْمَذْهَبَ جَمْعًا لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ مَعَ غَايَةٍ مِنْ التَّحْرِيرِ وَالتَّدْقِيقِ وَالتَّنْقِيحِ مُسْتَوْعِبًا لِمَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَب مَعَ بَيَان الرَّاجِح وَالْجَوَابِ عَنْ الْمُشْكِلِ مِمَّا تَقَرُّ بِهِ الْعُيُونُ ثُمَّ شَرَحَ الْمِنْهَاجَ وَلَهُ فِي

كتاب الطهارة

خِلَالِ ذَلِكَ تَأْلِيفٌ نَحْوَ الْخَمْسِينَ مُؤَلَّفًا يَأْتِي كَثِيرٌ مِنْهَا فِي هَذِهِ الْفَتَاوَى لِأَنَّ أَكْثَرَهَا فِي مَسَائِلَ يَقَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعَاصِرِيهِ فِيهَا تَخَالُفٌ فَتَكُونُ فِي حُكْمِ الْفَتَاوَى فَلِذَا ذَكَرْت كَثِيرًا مِنْهَا هُنَا وَمِنْ طَرِيقِ مَا سَمِعْته مِنْهُ أَنَّهُ لَمَّا وَلِيَ بَعْضُ أَقْرَانِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ طَيَّشَهُ عَلِمَهُ فَرَآهُ يَوْمًا فِي طَيْشِهِ فَأَنْشَدَ ارْتِجَالًا لِنَفْسِهِ إذَا أَنْتَ لَا تَرْضَى بِأَدْنَى مَعِيشَةٍ ... مَعَ الْجِدِّ فِي نَيْلِ الْعُلَا وَالْمَآثِرِ فَبَادِرْ إلَى كَسْبِ الْغِنَى مُتَرَقِّبًا ... عَظِيمَ الرَّزَايَا وَانْطِمَاسَ الْبَصَائِرِ فَلَمْ تَمْضِ تِلْكَ السَّنَة إلَّا وَقَدْ عُزِلَ وَأُصِيبَ بِمَصَائِب عَظِيمَة سَمِعْته يَقُول قَاسَيْت فِي الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ مِنْ الْجُوع مَا لَا تَحْتَمِلهُ الْجِبِلَّة الْبَشَرِيَّة لَوْلَا مَعُونَة اللَّه وَتَوْفِيقه بِحَيْثُ إنِّي جَلَسْت فِيهِ نَحْو أَرْبَع سِنِينَ مَا ذُقْت اللَّحْم إلَّا فِي لَيْلَة دُعِينَا لِأَكْلٍ فَإِذَا هُوَ لَحْم يُوقَدُ عَلَيْهِ فَانْتَظَرْنَاهُ إلَى انْبِهَارِ اللَّيْل ثُمَّ جِيءَ بِهِ فَإِذَا هُوَ يَابِس كَمَا هُوَ نِيءٌ فَلَمْ أَسْتَطِعْ مِنْهُ لُقْمَة وَقَاسَيْت أَيْضًا مِنْ الْإِيذَاء مِنْ بَعْض أَهْل الدُّرُوس الَّتِي كُنَّا نَحْضُرُهَا مَا هُوَ أَشَدّ مِنْ ذَلِكَ الْجُوع إلَى أَنْ رَأَيْت شَيْخَنَا ابْنَ أَبِي الْحَمَائِلِ السَّابِق قَائِمًا بَيْن يَدِي سَيِّدِي أَحْمَدَ الْبَدْوِيِّ فَجِيءَ بِاثْنَيْنِ كَانَا أَكْثَر إيذَاء لِي فَضَرَبَهُمَا بَيْن يَدَيْهِ بِأَمْرَيْنِ فَمُزِّقَا كُلّ مُمَزَّقٍ وَكَذَلِكَ أُوذِيَ بِمَكَّةَ كَثِيرًا فَصَبَرَ فَكَفَاهُ اللَّه شَرّ الْمُؤْذِينَ [كِتَابُ الطَّهَارَةِ] (سُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا لَوْ كَانَ مَعَ الشَّخْصِ إدَاوَةٌ أَوْ كُوزٌ فِيهِ مَاءٌ فَأَرَادَ أَنْ يَتَوَضَّأَ، فَلَقِيَ فِيهِ قَلِيلَ نَجَاسَةٍ يَابِسَةٍ مِثْلَ الْحِمَّصَةِ فَهَلْ يَنْجُسُ الْمَاءُ إذَا كَانَ مِنْ بَعْرِ الْغَنَمِ أَوْ غَيْرِهِ؟ وَهَلْ إذَا مَسَّتْ الْأَجْنَبِيَّةُ وُضُوءَهُ هَلْ يَبْطُلُ الْوُضُوءُ بِهِ؟ وَمَا السَّبَبُ لِذَلِكَ؟ وَهَلْ إذَا جَاءَتْ الرِّيحُ بِشَيْءٍ فَأَلْقَتْهُ فِي الْإِنَاءِ الَّذِي فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ مَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟ وَهَلْ إذَا كَانَ الْإِنَاءُ فِيهِ أَثَرُ لَبَنٍ وَلَمْ يَمْتَزِجْ بِالْمَاءِ فَتَوَضَّأَ أَجْزَأَهُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - إذَا كَانَ الْمَاءُ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ يَنْجُسُ بِمُجَرَّدِ مُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ وَإِنْ قَلَّتْ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ بَعْرِ الْغَنَمِ أَوْ غَيْرِهِ، وَيَجُوزُ الْوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتْهُ الْأَجْنَبِيَّةُ وَمِمَّا أَلْقَتْ الرِّيحُ فِيهِ تُرَابًا وَمِمَّا فِيهِ أَثَرُ لَبَنٍ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ بِهِ تَغَيُّرًا كَثِيرًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ مَسْأَلَةٍ اخْتَلَفَ فِي الْجَوَابِ عَنْهَا جَمَاعَةٌ صُورَتُهَا شَخْصٌ تَنَجَّسَ ثَوْبُهُ فَأَعْطَاهُ فَاسِقًا، وَأَمَرَهُ بِتَطْهِيرِهِ مِنْ تِلْكَ النَّجَاسَةِ فَغَابَ عَنْهُ الْفَاسِقُ بِالثَّوْبِ ثُمَّ جَاءَ بِهِ وَعَلَيْهِ أَثَرُ الْغَسْلِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ طَهَّرَهُ فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي طَهَارَةِ الثَّوْبِ الْمَذْكُورِ أَمْ لَا؟ أَجَابَ الْأَوَّلُ فَقَالَ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي طَهَارَتِهِ لِأُمُورٍ أَحَدُهَا: أَنَّ الْأَئِمَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالُوا بِعَدَمِ قَبُولِ قَوْلِهِ فِي نَجَاسَةِ الْإِنَاءِ وَقِيَاسُهُ عَدَمُ قَبُولِ قَوْلِهِ فِي طَهَارَةِ الثَّوْبِ. الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّ الشَّيْخَ جَمَالَ الدِّينِ الْإِسْنَوِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بَحْثًا: أَنَّ قَوْلَ الْفَاسِقِ فِي تَغْسِيلِ الْمَيِّتِ لَا يُقْبَلُ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ الْأَذْرَعِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالتَّوَسُّطِ عَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ لَهُ، وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي عَدَمِ قَبُولِ قَوْلِهِ فِي تَطْهِيرِ الثَّوْبِ. الْأَمْرُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْفَاسِقَ لَوْ أَخْبَرَ مَنْ جَهِلَ الْقِبْلَةَ أَنَّهُ رَأَى الْكَعْبَةَ فِي هَذِهِ النَّاحِيَةِ وَهُوَ عَلَى جَبَلٍ أَوْ بِنَاءٍ عَالٍ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ، وَطَهَارَةُ الثَّوْبِ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ كَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَقِيَاسُهُ عَدَمُ قَبُولِهِ قَوْلَهُ فِي طَهَارَةِ الثَّوْبِ انْتَهَى جَوَابُ الْأَوَّلِ، وَأَجَابَ الثَّانِي فَقَالَ: الْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي طَهَارَةِ الثَّوْبِ لِأُمُورٍ أَيْضًا أَحَدُهَا: أَنَّ قَبُولَ قَوْلِهِ فِي طَهَارَةِ الثَّوْبِ هُوَ الْأَفْسَحُ لِلنَّاسِ الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّ الشَّيْخَ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيَّ نَقَلَ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ الْمُتَوَلِّي، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ نَقَلَ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ لَهُ أَنَّ الْفَاسِقَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَكَاةِ الْحَيَوَانِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ، وَنَقَلَهُ أَيْضًا جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ بْنُ الرِّفْعَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ بِعُمُومِهِ كَالصَّرِيحِ فِي قَبُولِ قَوْلِهِ فِي تَطْهِيرِ الثَّوْبِ إذْ لَوْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي تَطْهِيرِ الثَّوْبِ لَمَا قُبِلَ فِي ذَكَاةِ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ لَحْمُهُ؛ لِأَنَّ تَذْكِيَتَهُ سَبَبٌ لِطَهَارَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ. كَمَا أَنَّ إيرَادَهُ عَلَى الثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ، وَإِزَالَةَ عَيْنِ النَّجَاسَةِ سَبَبٌ لِطَهَارَةِ الثَّوْبِ وَلِأَنَّ الْفَاسِقَ مِنْ أَهْلِ الطَّهَارَةِ لِلثَّوْبِ كَمَا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ الْأَمْرُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْفَاسِقَ لَوْ أَخْبَرَ بِعَدَمِ الْمَاءِ جَازَ التَّيَمُّمُ الْأَمْرُ الرَّابِعُ: أَنَّ النَّوَوِيَّ أَيْضًا نَقَلَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْجُمْهُورِ: أَنَّ إخْبَارَ الصَّبِيِّ يُقْبَلُ فِيمَا

طَرِيقُهُ الْمُشَاهَدَةُ فَالْفَاسِقُ مِثْلُهُ الْأَمْرُ الْخَامِسُ: أَنَّ الْقُدْوَةَ بِالْفَاسِقِ صَحِيحَةٌ اعْتِمَادًا عَلَى إخْبَارِهِ عَنْ طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ، وَلَا يُشْتَرَطُ مُشَاهَدَتُنَا لِطَهَارَتِهِ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: صَلَّى ابْنُ عُمَرَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ وَكَفَى بِهِ فَاسِقًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْجَمِّ الْغَفِيرِ لَمْ يُشَاهِدُوا طَهَارَةَ الْحَجَّاجِ مَعَ تَحَقُّقِهِمْ أَنَّهُ كَانَ يَبُولُ وَيَتَغَوَّطُ فَاقْتَضَى مَقَامُ التَّوْسِيعِ وَالتَّسْهِيلِ عَلَى الْأُمَّةِ اعْتِمَادَهُ فِي ذَلِكَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّضْيِيقَ لَا يُتَلَقَّى مِنْ التَّوْسِيعِ فَقَدْ يُمْنَعُ أَيْضًا إلْحَاقُ قَوْلِهِ: بُلْت فِي الْإِنَاءِ بِقَوْلِهِ: ذَبَحْت الشَّاةَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ فِعْلِهِ لِمُعَارَضَتِهِ لِأَصْلِ الطَّهَارَةِ الَّذِي رَاعَوْا فِيهِ التَّوْسِيعَ. الْأَمْرُ السَّادِسُ: أَنَّ فِي اشْتِرَاطِ عَدَالَةِ الْمَأْمُورِ بِطَهَارَةِ الثَّوْبِ مَشَقَّةٌ وَالْمَشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ لِمَا فِي الْبَحْثِ عَنْ عَدَالَةِ الْمُطَهِّرِ مِنْ الْمَشَقَّةِ، وَلِمَا يَشْهَدُ لَهُ مِنْ مَنْقُولِ الْمَذْهَبِ الْأَمْرُ السَّابِعُ: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ اعْتِمَادُ خَبَرِ الْفَاسِقِ عَنْ حَاجَتِهِ وَتَوَقَانِهِ إلَى النِّكَاحِ حَتَّى يَجِبَ إعْفَافُهُ الْأَمْرُ الثَّامِنُ: أَنَّ قِيَاسَ الْأَوَّلِ لِإِخْبَارِهِ بِالتَّطْهِيرِ عَلَى إخْبَارِهِ بِنَجَاسَةِ الْإِنَاءِ مَمْنُوعٌ بِتَضَمُّنِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ فِيمَا إذَا أَخْبَرَ بِنَجَاسَةِ الْإِنَاءِ لِلتَّوْسِيعِ عَلَى الْأُمَّةِ فِي التَّمَسُّكِ بِأَصْلِ الطَّهَارَةِ لِقُوَّتِهِ بِحَيْثُ لَا يُقَاوِمُهُ خَبَرُ الْفَاسِقِ فَلَا يُتَلَقَّى مِنْهُ التَّضْيِيقُ بِالْمَنْعِ مِنْ رَدِّ الثَّوْبِ إلَى أَصْلِ الطَّهَارَةِ بِخَبَرِ الْفَاسِقِ عَنْ تَطْهِيرِهِ لَهُ حَيْثُ أَمْكَنَ، وَقَدْ اكْتَفَوْا بِإِمْكَانِ طُهْرِ فَمِ الْهِرَّةِ الْمَعْلُومِ نَجَاسَتُهُ حَيْثُ غَابَتْ فَلَمْ يَحْكُمُوا بِنَجَاسَةِ قَلِيلٍ وَلَغَتْ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ عَمَلًا بِأَصْلِ طَهَارَةِ الْمَاءِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ اسْتِمْرَارُ نَجَاسَةِ فَمِهَا كَمَا أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إزَالَةِ الْفَاسِقِ لِلنَّجَاسَةِ وَلَوْ عَوَّلُوا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَلَمْ يَكْتَفُوا بِخَبَرِهِ لِمَا صَحَّحُوا الْقُدْوَةَ بِالْفَاسِقِ إلَّا بِشَرْطِ مُشَاهَدَةِ طَهَارَتِهِ كَمَا سَبَقَ. الْأَمْرُ التَّاسِعُ: أَنَّ النَّوَوِيَّ أَيْضًا قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: قَالَ أَصْحَابُنَا: يُقْبَلُ قَوْلُ الْفَاسِقِ وَالْكَافِرِ فِي الْإِذْنِ فِي دُخُولِ الدَّارِ وَحَمْلِ الْهَدِيَّةِ كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الصَّبِيِّ فِيهِمَا قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا، وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ النَّبِيَّ قَبِلَ هَدَايَا الْكُفَّارِ الْمَحْمُولَةَ عَلَى أَيْدِي بَعْضِهِمْ إلَيْهِ اهـ. فَإِذَا رَجَعَ إلَى إخْبَارِ الْكَافِرِ وَالْفَاسِقِ بِذَلِكَ لِإِفَادَتِهِ فِي الْجُمْلَةِ ظَنًّا بِهِ، فَكَيْفَ لَا يَرْجِعُ بِإِخْبَارِ الْفَاسِقِ عَمَّا هُوَ أَهْلٌ لَهُ إلَى أَصْلِ الطَّهَارَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا، وَمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ صِحَّةِ تَوْكِيلِ مُسْلِمٍ لِكَافِرٍ وَفَاسِقٍ وَصِحَّةِ مُعَامَلَتِهِمَا عَلَى مَا بِأَيْدِيهِمَا ظَاهِرٌ فِي الرُّجُوعِ إلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ وَالتَّعْوِيلُ عَلَى قَوْلِهِمَا أَتَيْنَا بِالتَّصَرُّفِ الْمَأْذُونِ فِيهِ فِي ذَلِكَ الْأَمْرُ الْعَاشِرُ: أَنَّ الْإِمَامَ بَدْرَ الدِّينِ الزَّرْكَشِيّ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ الْخَادِمِ فِي الْكَلَامِ عَلَى إخْبَارِ الْفَاسِقِ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى مَا لَوْ أَخْبَرَ الْفَاسِقُ عَنْ فِعْلِهِ كَقَوْلِهِ: بُلْت فِي هَذَا الْإِنَاءِ فَقَدْ ذَكَرُوا فِيمَا لَوْ وُجِدَتْ شَاةٌ مَذْبُوحَةٌ فَقَالَ كِتَابِيٌّ أَنَا ذَبَحْتهَا تَحِلُّ اهـ. فَأُنِيطَ قَبُولُ خَبَرِهِ بِالتَّنْجِيسِ النَّاشِئِ عَنْ فِعْلِهِ مِنْ قَبُولِ خَبَرِ الْكَافِرِ بِمُقْتَضَى الْحِلِّ وَالطَّهَارَةِ النَّاشِئَيْنِ عَنْ فِعْلِهِ: فَالْفَاسِقُ أَوْلَى فَانْظُرْ إلَى السَّلَفِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ مِنْ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ مَعَ احْتِمَالِ عَدَمِ إتْيَانِهِمْ بِالشَّرْطِ فِي الذَّكَاةِ؛ وَلَمْ يَمْتَنِعْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ أَكْلِهَا لِعَدَمِ مُشَاهَدَتِهِ لِذَبْحِهَا مِنْهُمْ بَلْ عَوَّلُوا عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ لِأَهْلِيَّتِهِمْ لَهُ رُجُوعًا إلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ الْأَمْرُ الْحَادِيَ عَشَرَ أَنَّ مَا نَقَلَهُ فِي الْجَوَابِ الْأَوَّلِ عَنْ التَّوَسُّطِ لِلْإِمَامِ الْأَذْرَعِيِّ لَمْ أَرَهُ فِيهِ بَلْ تَضَمَّنَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَمْ يَرَ التَّصْرِيحَ بِهِ فَإِنَّهُ قَرَّرَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ عِبَارَةِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ اسْتِحْبَابُ كَوْنِ غَاسِلِ الْمَيِّتِ أَمِينًا كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَكَثِيرُونَ فَإِنْ صَحَّ عَنْهُ مَا ذُكِرَ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَخْبَرَ بِأَنَّ الْمَيِّتَ غُسِّلَ فَلَوْ أَخْبَرَ أَنَّهُ غَسَّلَهُ قُبِلَ قَوْلُهُ. وَقَدْ صَرَّحَ الْكَمَالُ الدَّمِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ (بِأَنَّ الْفَاسِقَ إذَا غَسَّلَ الْمَيِّتَ وَقَعَ الْمَوْقِعُ) وَقَالَ فِي الْمِنْهَاجِ: (وَلْيَكُنْ الْغَاسِلُ أَمِينًا) قَالَ الْإِمَامُ الْأَذْرَعِيُّ فَأَشْعَرَ بِالْوُجُوبِ وَوُجِّهَ بِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يُوثَقُ بِهِ، وَلَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ إلَّا فِي مَسَائِلَ لَمْ يَعُدُّوا هَذَا مِنْهَا اهـ. كَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَقَدْ يُدَّعَى أَنَّ سُكُوتَهُمْ عَنْ عَدِّهَا لِلْعِلْمِ بِصِحَّةِ غُسْلِهِ فَهُوَ أَهْلٌ لَهُ وَلِدُخُولِهِ فِي عُمُومِ قَوْلِهِمْ بِصِحَّةِ اسْتِئْجَارِ مَنْ يُغَسِّلُ الْمَيِّتَ فَأَغْنَى ذَلِكَ مَعَ ذَكَرِهِمْ لِقَبُولِ خَبَرِهِ فِي الذَّبَائِحِ عَنْ ذِكْرِهَا اهـ. الْأَمْرُ الثَّانِي عَشَرَ: أَنَّ الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ قَالَ لَوْ مَرَّ مُجْتَازُونَ بِمَيِّتٍ فِي صَحْرَاءَ لَزِمَهُمْ الْقِيَامُ بِهِ؛ فَإِنْ تَرَكُوهُ أَثِمُوا فَإِنْ كَانَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَثَرُ غُسْلٍ وَلَا تَكْفِينٍ وَجَبَ عَلَيْهِمْ غُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ أَثَرُ الْغُسْلِ وَالْكَفَنِ وَالْحَنُوطِ دَفَنُوهُ وَإِطْلَاقُ هَذَا النَّصِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّ الَّذِي غَسَّلَهُ كَانَ فَاسِقًا أَمْ لَا فَإِذَا اكْتَفَيْنَا بِوُجُودِ أَثَرِ الْغُسْلِ وَالتَّكْفِينِ

وَالْحَنُوطِ مَعَ أَنَّ تَقْدِيمَ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الَّتِي عَلَى قُبُلِ الْمَيِّتِ وَدُبُرِهِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْغُسْلِ عَلَى الرَّاجِح كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْأَصْحَابِ، فَقَبُولُ قَوْلِهِ فِي تَطْهِيرِ الثَّوْبِ مَعَ وُجُودِ أَثَرِ الْغُسْلِ عَلَيْهِ أَوْلَى. الْأَمْرُ الثَّالِثَ عَشَرَ: أَنَّ الشَّيْخَ نُورَ الدِّينِ السَّمْهُودِيَّ حَكَى عَنْ شَيْخِهِ شَرَفِ الدِّينِ يَحْيَى الْمُنَاوِيِّ أَنَّهُ حَكَى عَنْ شَيْخِهِ أَبِي زُرْعَةَ وَلِيِّ الدِّينِ الْعِرَاقِيِّ (- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) أَنَّهُ إذَا تَنَجَّسَ لَهُ ثَوْبٌ يَأْمُرُ فَتَاهُ بِتَطْهِيرِهِ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِ حَالَةَ التَّطْهِيرِ فَإِذَا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ طَهَّرَهُ لَبِسَهُ وَحَالُ الْفَتَيَانِ لَا يَخْفَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَجَابَ الثَّالِثُ فَقَالَ: الْأَقْرَبُ أَنَّهُ إنْ أَخْبَرَ بِأَنَّ الثَّوْبَ طَهُرَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَإِنْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ طَهَّرَهُ قُبِلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ كَقَوْلِهِ: بُلْت فِي هَذَا الْإِنَاءِ أَوْ أَنَا مُتَطَهِّرٌ أَوْ مُحْدِثٌ وَكَمَسْأَلَةِ مَا إذَا أَخْبَرَ بِأَنَّ الْمَيِّتَ غُسِّلَ فَلَوْ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ غَسَّلَهُ قُبِلَ قَوْلُهُ وَكَمَسْأَلَةِ الْمُتَوَلِّي الْمَذْكُورَةِ وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ أَصْلِ عَدَمِ قَبُولِ قَوْلِ الْفَاسِقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَظَهَرَ لَنَا مِنْ جَوَابِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ قَبُولُ قَوْلِ الْفَاسِقِ فِي تَطْهِيرِ الثَّوْبِ. فَهَلْ جَوَابُكُمْ كَذَلِكَ؟ فَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ الْمُنَاوِيُّ أَنَّ الْفَاسِقَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي مَسَائِلَ لَا تَخْفَى عَلَى الْفَقِيهِ الْمُطَّلِعِ عَلَى كُتُبِ الْأَئِمَّةِ وَفَتَاوِيهِمْ فَلَعَلَّ مَسْأَلَتَنَا أَنْ تَكُونَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَوْضِحُوا لَنَا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ بِجَوَابٍ شَافٍ أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ. (فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - الْمُعْتَمَدُ مِنْ هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ وَهُوَ الثَّالِثُ وَمِنْ ثَمَّ جَرَيْت عَلَى التَّفْصِيلِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَعِبَارَتِي مِنْ شَرْحِ الْعُبَابِ (وَخَرَجَ بِعَدْلِ الرِّوَايَةِ الصَّبِيُّ) وَلَوْ مُرَاهِقًا نَعَمْ تَصِحُّ رِوَايَةُ الصَّبِيِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ كُلُّ مَا سَمِعَهُ فِي صِبَاهُ عَلَى الصَّحِيحِ فَعَلَيْهِ لَوْ أَخْبَرَ بَعْدَ بُلُوغِهِ عَمَّا شَاهَدَهُ فِي صِبَاهُ مِنْ تَنَجُّسِ إنَاءٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ نَحْوِهِمَا قُبِلَ، وَوَجَبَ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي أَيْضًا وَأَمَّا الْفَاسِقُ وَالْكَافِرُ وَالْمَجْهُولُ فَلَا تُقْبَلُ أَخْبَارُهُمْ وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى - كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ - الِاحْتِيَاطَ بِاجْتِنَابِ مَا أَخْبَرَ الْمُمَيِّزُ بِتَنَجُّسِهِ سِيَّمَا إنْ جُرِّبَ بِالصِّدْقِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِهِ فِي نَحْوِ ذَلِكَ نَحْوُ فَاسِقٍ جُرِّبَ صِدْقُهُ لِأَنَّ خَبَرَهُمْ يُوَرِّثُ شُبْهَةَ مَنْ أَخْبَرَ مِنْهُمْ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ كَقَوْلِهِ: بُلْت فِي هَذَا الْإِنَاءِ قُبِلَ كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ قَالَ: أَنَا مُتَطَهِّرٌ أَوْ مُحْدِثٌ وَكَمَا يُخْبِرُ الذِّمِّيُّ عَنْ شَاتِهِ أَنَّهُ ذَكَّاهَا وَكَإِخْبَارِهِ عَنْ فِعْلِهِ بِالْأَوْلَى إخْبَارُهُ الْمُتَوَاتِرُ إذْ الْقَبُولُ حِينَئِذٍ مِنْ حَيْثُ إفَادَتُهُ الْعِلْمَ لَا مِنْ حَيْثُ الْإِخْبَارُ وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ نَحْوِ الْفَاسِقِ مِمَّنْ ذُكِرَ: طَهَّرْت الثَّوْبَ مَقْبُولٌ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ طَهُرَ وَبِهِ أَفْتَى الْمُنَاوِيُّ وَغَيْرُهُ بَلْ صَدْرُ كَلَامِهِ صَرِيحٌ فِي اعْتِمَادِ قَوْلِهِ مُطْلَقًا، وَفَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إخْبَارِهِ بِالنَّجَاسَةِ بِأَنَّ ذَلِكَ فِيهِ خُرُوجٍ عَنْ الْأَصْلِ وَهُوَ الطَّهَارَةُ وَبِالْمَشَقَّةِ لِكَثْرَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَى الْغَسَّالِينَ مَعَ فِسْقِهِمْ وَحَيْثُ قُبِلَ إخْبَارُهُ بِالطَّهَارَةِ بِأَنْ يَقُولَ: طَهَّرْته فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ مَدْلُولَهَا عِنْدَ الْمُخْبِرِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: غَمَسْته فِي الْمَاءِ وَهُوَ مِمَّا يَطْهُرُ بِالْغَمْسِ. وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي تَغْسِيلِ الْمَيِّتِ بَحْثٌ مِنْ عِنْدِهِ اسْتَدَلَّ لَهُ بِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ إلَّا فِي مَسَائِلَ لَمْ يَعُدُّوا هَذِهِ مِنْهَا وَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا سَكَتُوا عَنْ عَدِّهَا لِكَوْنِهَا فِي مَعْنَى مَا ذَكَرُوهُ وَمِنْ قَبُولِ خَبَرِهِ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ، فَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَا إذَا أَخْبَرَ بِأَنَّهُ غُسِّلَ وَطُهِّرَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: غَسَّلْته أَوْ طَهَّرْته. وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ فِي الْأَذَانِ (يُقْبَلُ قَوْلُ الصَّبِيِّ فِيمَا طَرِيقُهُ الْمُشَاهَدَةُ كَالْغُرُوبِ لَا النَّقْلُ كَالْإِفْتَاءِ وَالتَّدْرِيسِ وَالْمُعْتَمَدُ) بَلْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: (الصَّوَابُ مَا فِيهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ) وَفِي غَيْرِهِ عَنْ عَدَمِ قَبُولِ خَبَرِهِ مُطْلَقًا إلَّا فِيمَا رَأَى وَفِي نَحْوِ قَوْلِهِ فِي هَدِيَّةٍ وَدُخُولِ دَارٍ وَإِجَابَةِ صَاحِبِ وَلِيمَةٍ اهـ. كَلَامُ شَرْحِ الْعُبَابِ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُجِيبُ الثَّالِثُ عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْأَمْرِ الْعَاشِرِ وَالْحَادِيَ عَشَرَ وَغَيْرِهِمَا لَكِنْ فِي كَلَامِهِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ لَا بَأْسَ بِالْإِشَارَةِ لِبَعْضِهَا: مِنْهَا قَوْلُهُ هُوَ الْأَفْسَحُ لِلنَّاسِ كَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِمَّا مَرَّ عَنْ الْمُنَاوِيُّ وَالْوَجْهُ خِلَافُهُ وَأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا إنْ قَالَ: طَهَّرْته إذْ الْأَفْسَحُ لِلنَّاسِ إنَّمَا هُوَ الْقَبُولُ حِينَئِذٍ لَا مُطْلَقًا وَمِنْهَا مَا نَقَلَهُ عَنْ الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي قَبُولِهِ فِي الذَّكَاةِ، وَإِطْلَاقُهُ مَرْدُودٌ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا أَخْبَرَ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ: ذَكَّيْتهَا كَمَا قَدَّمْته فِي عِبَارَةِ شَرْحِ الْعُبَابِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ: لَوْ أَخْبَرَ الْفَاسِقُ بِعَدَمِ الْمَاءِ جَازَ التَّيَمُّمُ وَهُوَ بَاطِلٌ بَلْ يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ وَإِنْ ظَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ، وَخَبَرُ الْفَاسِقِ لَا يَصِلُ لِظَنِّ الْعَدَمِ إلَّا إنْ وَقَعَ فِي الْقَلْبِ صِدْقُهُ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ هُنَا لِمَا عَلِمْت مِنْ تَصْرِيحِهِمْ بِوُجُوبِ الطَّلَبِ، وَإِنْ ظَنَّ الْعَدَمَ وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ فِي الرَّابِعِ

عَنْ الْمَجْمُوعِ. وَقَدْ قَدَّمْت أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَمِنْهَا مَا قَالَهُ فِي الْأَمْرِ الْخَامِسِ وَهُوَ إخْبَارُهُ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ فَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ بَلْ الْحُجَّةُ فِيهِ لَنَا وَمِنْهَا: قَوْلُهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّوْسِيعَ إلَخْ وَهُوَ كَلَامٌ كَمَا تَرَاهُ عَلَى أَنَّهُ يَعُودُ بِالْبُطْلَانِ عَلَى مَا قَالَهُ أَوَّلًا مِنْ قَبُولِ قَوْلِهِ فِي الطُّهْرِ قِيَاسًا عَلَى قَبُولِ قَوْلِهِ فِي الذَّكَاةِ وَمِنْهَا: مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَمْرِ السَّادِسِ وَهُوَ عَيْنُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَمْرِ السَّابِعِ وَهُوَ إخْبَارُهُ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ فَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ بَلْ الْحُجَّةُ فِيهِ لَنَا أَيْضًا وَمِنْهَا: مَا ذَكَرَهُ فِي الثَّامِنِ مِنْ رَدِّ قِيَاسِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُصِبْ كُلٌّ مِنْهُمَا بَلْ إنْ أَخْبَرَ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ قُبِلَ فِي الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ وَإِنْ أَخْبَرَ لَا عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ لَمْ يُقْبَلْ فِيهِمَا وَفَرْقُ الثَّانِي بَيْنَهُمَا مُجَرَّدُ خَيَالٍ لَا أَثَرَ لَهُ وَإِنَّمَا اكْتَفَوْا بِإِمْكَانِ طُهْرِ فَمِ الْهِرَّةِ فِي عَدَمِ تَنَجُّسِ مَا وَلَغَتْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ فَلَا يَنْجُسُ بِالشَّكِّ وَإِنْ حَكَمْنَا بِبَقَاءِ نَجَاسَةِ فَمِ الْهِرَّةِ بِالِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ أَضْعَفُ مِنْ الْيَقِينِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ تَعَارَضَا نَجَاسَةَ فَمِهَا بِالِاسْتِصْحَابِ، وَطَهَارَةَ الْمَاءِ بِالْيَقِينِ فَحَكَمْنَا بِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالنِّسْبَةِ لِبَقَائِهِ عَلَى حَالِهِ وَلَمْ نَحْكُمْ بِأَنَّ الْأَضْعَفَ وَهُوَ الِاسْتِحْبَابُ يُنَجِّسُ الْأَقْوَى وَهُوَ تَيَقُّنُ الطَّهَارَةِ عَلَى أَنَّ قِيَاسَ مَسْأَلَةِ الْهِرَّةِ أَنَّ الثَّوْبَ حَيْثُ غَابَ عَنَّا، وَأَمْكَنَ تَطْهِيرُهُ لَا يُنَجِّسُ مَا وَقَعَ فِيهِ مَعَ الْحُكْمِ بِبَقَائِهِ عَلَى نَجَاسَتِهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ فَمِ الْهِرَّةِ وَالثَّوْبِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إنْ أَمْكَنَ طُهْرُهُ فِي الْغَيْبَةِ لَمْ يُنَجِّسْ مَا وَقَعَ فِيهِ لَا مِنْ حَيْثُ إخْبَارُ الْفَاسِقِ بَلْ لِإِمْكَانِ طُهْرِهِ وَلَوْ بِوُقُوعِهِ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ وَإِنْ لَمْ يَغِبْ عَنَّا فَهُوَ بَاقٍ عَلَى نَجَاسَتِهِ، وَيُنَجِّسُ مَا وَقَعَ فِيهِ فَانْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِمَسْأَلَةِ الْهِرَّةِ. وَقَوْلُهُ: وَلَوْ عَوَّلُوا عَلَى هَذَا الْأَصْلِ إلَخْ جَوَابُهُ إنَّمَا صَحَّ الِاقْتِدَاءُ بِالْفَاسِقِ لِأَنَّهُ يُقْبَلُ إخْبَارُهُ عَنْ طَهَارَتِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ وَهُوَ مَقْبُولٌ كَمَا مَرَّ. وَمِنْهَا: مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَمْرِ التَّاسِعِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ مِمَّا اُسْتُثْنِيَ لِلْحَاجَةِ وَجَرَيَانِ الْمُسَامَحَةِ فِيهِ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ بِلَا إنْكَارٍ فَلَا يُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ مِمَّا لَيْسَ كَذَلِكَ وَلَا دَلِيلَ لَهُ فِي صِحَّةِ مُعَامَلَتِهِ لِأَنَّ يَدَهُ قَرِينَةٌ شَرْعِيَّةٌ عَلَى أَنَّ مَا فِيهَا مِلْكٌ لَهُ أَوْ تَحْتَ وِلَايَتِهِ، فَاكْتَفَيْنَا فِي جَوَازِ مُعَامَلَتِهِ بِهَذِهِ الْقَرِينَةِ الشَّرْعِيَّةِ لَا بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْعَاشِرِ وَالْحَادِيَ عَشَرَ صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ مِنْ التَّفْصِيلِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ وَإِطْلَاقُ هَذَا النَّصِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّ الَّذِي غَسَّلَهُ كَانَ فَاسِقًا أَمْ لَا؟ كَلَامٌ لَا مَعْنَى لَهُ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ إذَا بَانَ أَنَّ الَّذِي غَسَّلَهُ فَاسِقٌ وَقَعَ الْمَوْقِعَ بِلَا نِزَاعٍ، وَلَا كَلَامَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِيمَا لَوْ قَالَ الْفَاسِقُ: هَذَا الْمَيِّتُ غُسِّلَ أَوْ أَنَا غَسَّلْت هَذَا الْمَيِّتَ فَيُقْبَلُ فِي الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ دَلَالَةً لِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ. وَقَوْلُهُ: (مَعَ أَنَّ تَقْدِيمَ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ إلَخْ) ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ إزَالَتَهَا بِغَسْلَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي الْحَيِّ وَلَا فِي الْمَيِّتِ وَإِنَّمَا سَكَتَ النَّوَوِيُّ عَنْ الِاسْتِدْرَاكِ فِي بَابِ الْجَنَائِزِ لِأَنَّهُ قَدَّمَهُ فِي بَابِ الْغُسْلُ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى إعَادَتِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَهُوَ أَنَّ الْمَيِّتَ يُحْتَاطُ لَهُ أَكْثَرُ وَيُرَدُّ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ، بَلْ الْحَيُّ هُوَ الَّذِي يُحْتَاطُ لَهُ فِي مِثْلِ هَذَا لِمُبَاشَرَتِهِ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا فَإِذَا اكْتَفَوْا فِيهِ بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ مَعَ ذَلِكَ وَكَوْنُهُ مُكَلَّفًا بِإِزَالَتِهَا فَلَا أَقَلَّ أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ مِثْلَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ أَوْلَى مِنْهُ، وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ لِأَنَّ الْفَتَى لَمْ يُخْبِرْهُ بِأَنَّهُ طَهُرَ بَلْ بِأَنَّهُ طَهَّرَهُ، وَنَحْنُ قَائِلُونَ بِقَبُولِ خَبَرِهِ حِينَئِذٍ. وَأَمَّا مَا قَالَهُ الْأَوَّلُ مِنْ جَمِيعِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُهُ الْإِطْلَاقُ الَّذِي زَعَمَهُ مِنْ عَدَمِ الْقَبُولِ لِأَنَّ جَمِيعَهُ إنَّمَا هُوَ مَفْرُوضٌ فِيمَا لَيْسَ بِإِخْبَارٍ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ وَنَحْنُ قَائِلُونَ بِعَدَمِ الْقَبُولِ حِينَئِذٍ فَظَهَرَ بِجَمِيعِ مَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ الْحَقَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ التَّفْصِيلُ، وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ يَبْعُدُ عَادَةً كَذِبُهُ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ إخْبَارِهِ عَنْ فِعْلِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ لَا يَبْعُدُ فِيهِ ذَلِكَ فَقَبِلْنَا الْأَوَّلَ مِنْهُ عَمَلًا بِتِلْكَ الْقَرِينَةِ الَّتِي أَبْعَدَتْ احْتِمَالَ كَذِبِهِ فَافْهَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) أَيْضًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا لَوْ سَقَطَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ مَيْتَةٌ نَحْوَ ذُبَابٍ، فَصَبَّ شَخْصٌ هَذَا الْمَاءَ وَهِيَ فِيهِ فِي مَاءٍ آخَرَ وَلَمْ يَبْلُغْ قُلَّتَيْنِ فَهَلْ هُوَ مِثْلُ مَا لَوْ أَوْقَعَ مَيْتَةً فِي الْمَاءِ أَمْ لَا؟ وَعَمَّا لَوْ خَلَطَ زَبَادًا فِيهِ شَعْرَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ بِزَبَادٍ فِيهِ مِثْلُ ذَلِكَ أَوْ لَا شَيْءَ فِيهِ فَهَلْ يُنَجِّسَانِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ - بِقَوْلِهِ أَمَّا الْأُولَى: فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ فِيهَا أَنَّهُ كَمَا لَوْ أَوْقَعَ مَيْتَةً فِي الْمَاءِ فَيَتَنَجَّسُ الْمَاءَانِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: فَبَحَثَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ مَحَلَّ الْعَفْوِ عَنْ قَلِيلِ شَعْرِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ مَا لَمْ يَكُنْ بِفِعْلِهِ فَعَلَيْهِ يُنَجَّسُ الزَّبَادَانِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ الْمَاءِ الْقَلِيلِ الَّذِي خَالَطَهُ شَيْءٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ

فَغَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ الثَّلَاثَةِ فَسَلَبَ الطَّهُورِيَّةَ ثُمَّ زَالَ التَّغَيُّرُ بِنَفْسِهِ فَهَلْ يَعُودُ طَهُورًا كَالْمَاءِ الْكَثِيرِ الَّذِي يَنْجُسُ بِالْمُخَالِطِ الْمُتَغَيِّرِ أَحَدُ أَوْصَافِهِ الثَّلَاثَةِ إذَا زَالَ التَّغَيُّرُ بِنَفْسِهِ أَمْ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُوَ أَنَّ الَّذِي يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ عَوْدُ الطَّهُورِيَّةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا مِرْيَةَ فِيهِ وَمِنْ ثَمَّ قُلْت فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: (وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَوْ تَغَيَّرَ بِمَا مَرَّ ثُمَّ زَالَ تَغَيُّرُهُ عَادَتْ طَهُورِيَّتُهُ) . اهـ. وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ أَنَاطُوا سَلْبَ الطَّهُورِيَّةَ بِوُجُودِ التَّغَيُّرِ بِشَرْطِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفَرِّقُوا فِي ذَلِكَ بَيْنَ قَلِيلِ الْمَاءِ وَكَثِيرِهِ، فَإِذَا زَالَ مَا بِهِ سَلْبُ الطَّهُورِيَّةِ عَادَتْ لِأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ وُجُودًا وَعَدَمًا مَا لَمْ يَخْلُفْهَا شَيْءٌ آخَرُ، وَهُنَا لَمْ يَخْلُفْ تِلْكَ الْعِلَّةَ أَعْنِي: التَّغَيُّرُ شَيْءٌ آخَرُ يَقْتَضِي سَلْبَ الطَّهُورِيَّةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا لَوْ خَافَ شَخْصٌ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْمُشَمَّسِ هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الْمُسَخَّنِ عِنْدَ خَوْفِ الضَّرَرِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ أَوْ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ؟ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي ثُبُوتِ الْكَرَاهَةِ فِي اسْتِعْمَالِ الْمُشَمَّسِ فِي الْبَدَنِ مَعَ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ الَّتِي ذَكَرُوهَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالْكَرَاهَةِ. وَقَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ بِعَدَمِهَا كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ الْمَرَاغِيُّ فِي شَرْحِ الزُّبَدِ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْمُخْتَارُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ وَصَحَّحَهُ فِي تَنْقِيحِهِ، وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: (أَنَّهُ الصَّوَابُ) وَقَالَ فِيهِ لَوْ بَرَدَ الْمَاءُ هَلْ تَزُولُ الْكَرَاهَةُ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ. ثَالِثُهَا: إنْ قَالَ طَبِيبَانِ أَنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ كُرِهَ وَإِلَّا فَلَا اهـ. قَالَ السَّائِلُ: فَإِنْ كَانَ فِي التَّحْرِيمِ نَصٌّ عِنْدَ خَوْفِ الضَّرَرِ فَبَيِّنُوهُ لَنَا؟ وَإِنْ كَانَ التَّحْرِيمُ إنَّمَا كَانَ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي الْمُسَخَّنِ فَأَوْضِحُوا ذَلِكَ؟ - جَزَاكُمْ اللَّهُ تَعَالَى خَيْرًا - فَإِنَّ مَا ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ التَّحْرِيمِ فِي الْمُشَمَّسِ مُشْكِلٌ عَلَيْنَا بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (أَنَّ الْمُضْطَرَّ. إذَا خَافَ مِنْ الطَّعَامِ الْمُحْضَرِ إلَيْهِ أَنَّهُ مَسْمُومٌ) جَازَ لَهُ تَرْكُهُ وَالِانْتِقَالُ إلَى الْمَيْتَةِ إذْ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُهُ. وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ الْمَذْكُورُ نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ اهـ. وَهُوَ مُشْكِلٌ أَيْضًا بِقَوْلِهِمْ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّهُ إذَا خَافَ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ مَحْذُورًا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ وَمُقْتَضَاهُ: جَوَازُ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ أَوْ نَدْبُهُ، وَإِنْ خَافَ مَحْذُورًا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا صَرَّحَ بِحُرْمَةِ اسْتِعْمَالِهِ حِينَئِذٍ بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ فَالْمَقْصُودُ التَّفَهُّمُ وَالِانْتِفَاعُ لَا الِاعْتِرَاضُ عَلَى كَلَامِ الْعُلَمَاءِ بِالِاسْتِشْكَالِ مِنْ غَيْرِ إحَاطَةٍ وَاطِّلَاعٍ كَمَا يَقَعُ ذَلِكَ لِبَعْضِ النُّفُوسِ الشِّرِّيرَةِ وَالطِّبَاعِ - آجَرَكُمْ اللَّهُ وَزَادَكُمْ كَمَالَ الِاطِّلَاعِ -. (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُقَدَّمَةٍ وَهِيَ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ لِمَ لَا؟ قَالُوا بِتَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِ الْمُشَمَّسِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ إذَا شَهِدَ عَدْلَانِ أَنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ وَأَجَابَ بِأَنَّ الضَّرَرَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إلَّا نَادِرًا بِخِلَافِ اسْتِعْمَالِ الْمَسْمُومِ اهـ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ عَقِبُهُ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ بَلْ يَحْصُلُ أَيْ الضَّرَرُ لِمَنْ دَاوَمَ عَلَيْهِ وَلِهَذَا قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: مَتَى خَافَ الضَّرَرَ حَرُمَا. كَلَامُ الزَّرْكَشِيُّ فَهُوَ نَاقِلٌ عَنْ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ التَّصْرِيحَ بِالتَّحْرِيمِ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِضَرَرِ الْمُشَمَّسِ وَأَنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ وَهَذَا نَصٌّ فِي التَّحْرِيمِ أَيْضًا، وَكَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ السُّبْكِيّ مَتَى شَهِدَ طَبِيبَانِ أَوْ طَبِيبٌ وَاحِدٌ بِأَنَّهُ يُوجِبُ الْبَرَصَ تَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ أَوْ التَّحْرِيمِ اهـ. وَيُؤَيِّدُ التَّحْرِيمَ قَوْلُهُ فِي الْحَلَبِيَّاتِ: اسْتِعْمَالُ الْمَرِيضِ الْمَاءَ مَعَ ظَنِّ تَرَتُّبِ ضَرَرٍ يُخَافُ مِنْهُ حَرَامٌ وَمَعَ الشَّكِّ أَوْ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ جَائِزٌ نَعَمْ هَذَا، وَلَك أَنْ تَجْمَعَ بَيْنَ الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَالْقَوْلِ بِالتَّحْرِيمِ الَّذِي مَرَّ عَنْ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ وَمَنْ بَعْدَهُ بِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْعَدْلَيْنِ أَوْ الْعَدْلَ بِنَاءً عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِهِ الَّذِي يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ تَارَةً يُخْبِرَانِ بِضَرَرِ الْمُشَمَّسِ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَتَارَةً يُخْبِرَانِ بِضَرَرِهِ لِإِنْسَانٍ بِخُصُوصِهِ لِمُقْتَضٍ قَامَ بِمِزَاجِهِ فَالْأَوَّلُ: هُوَ مَحَلُّ الْكَرَاهَةِ لَا الْحُرْمَةِ لِأَنَّ مَا نَدَرَ تَرَتُّبُ الضَّرَرِ عَلَيْهِ لَا يَحْرُمُ. كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَجَعَلَ مِنْهُ الْمُشَمَّسَ إذْ هُوَ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا بِالنِّسْبَةِ لِمِزَاجٍ مَخْصُوصٍ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الضَّرَرُ إلَّا نَادِرًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ رَئِيسُ الْأَطِبَّاءِ ابْنُ النَّفِيسِ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ. وَالثَّانِي: هُوَ مَحَلُّ الْحُرْمَةِ وَيُؤَيِّدُهُ تَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ طَبِيبٌ بِضَرَرِ الْمَاءِ لِبَرْدٍ أَوْ مَرَضٍ حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ وَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرْته فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ حِكَايَةِ وَجْهِ أَنَّ الْمُشَمَّسَ لَا يُكْرَهُ إلَّا إنْ قَالَ طَبِيبَانِ أَنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْوَجْهِ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ أَنَّ الْمَاءَ الْمُشَمَّسَ يَتَوَلَّدُ عَنْهُ بَرَصٌ فَاشْتَرَطَ شَهَادَةَ طَبِيبَيْنِ فِي ثُبُوتِهِ

لَهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَهْمٌ لَا يُخَالِفُ غَيْرَهُ فِي الْكَرَاهَةِ حِينَئِذٍ، وَإِنَّمَا تُخَالِفُهُمَا قَبْلَ شَهَادَتِهِمَا فَهُوَ يَنْفِي الْكَرَاهَةَ إنْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ مُوجِبُهَا وَغَيْرُهُ قَبِلَ شَهَادَتَهُمَا لِأَنَّ مُوجِبَهَا ثَابِتٌ مِنْ غَيْرِ شَهَادَةٍ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ جَاءَ فِي الْخَبَرِ الصَّحِيحِ «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ» وَلَا شَكَّ أَنَّ اسْتِعْمَالَهُ مُرِيبٌ، وَقَدْ رَدَّ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ دَعْوَى النَّوَوِيِّ أَنَّ الْمُوَافِقَ لِلدَّلِيلِ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ بِأَنَّهُ صَحَّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَهُ. وَقَالَ: إنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالَفَتُهُ؛ فَكَانَ إجْمَاعًا ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَالَ: تَوْقِيفًا إذْ لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ وَيُؤَيِّدُهُ الْخَبَرُ الضَّعِيفُ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ وَضْعَهُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «سَخَّنْتُ لِلنَّبِيِّ مَاءً فِي الشَّمْسِ فَقَالَ لَا تَفْعَلِي يَا حُمَيْرَاءُ فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ» ، وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ الْأَطِبَّاءِ فِيهِ شَيْءٌ شَهَادَةُ نَفْيٍ وَكَفَى فِي إثْبَاتِهِ إخْبَارُ السَّيِّدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُ الَّذِي هُوَ أَعْرَفُ بِالطِّبِّ مِنْ غَيْرِهِ، وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ خَبَرٌ لَا تَقْلِيدٌ فَهُوَ وَقَوْلُ جَمْعٍ آخَرِينَ لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ مِنْ الْأَطِبَّاءِ إلَى أَنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ يَرُدُّ بِذَلِكَ أَيْضًا. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ بْنُ النَّفِيسِ فِي شَرْحِهِ عَلَى التَّنْبِيهِ وَبَيَّنَ هَذَا أَيْ أَنَّهُ لَا يُورِثُ الْبَرَصَ لَكِنْ عَلَى نُدُورٍ وَهُوَ عُمْدَةٌ فِي ذَلِكَ لِجَلَالَتِهِ فِيهَا. وَقَدْ سُقْت عِبَارَتَهُ بِتَمَامِهَا فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى مَسَائِلَ نَفِيسَةٍ فَيَنْبَغِي مُرَاجَعَتُهَا، وَقَوْلُهُ عَنْهُ أَنَّهُ عُمْدَةٌ فِي ذَلِكَ لِجَلَالَتِهِ فِيهِ هُوَ كَذَلِكَ كَمَا شَهِدَتْ بِهِ كُتُبُهُ وَتَرَاجِمُ الْأَئِمَّةِ لَهُ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ عُمْدَةُ الْأَطِبَّاءِ بَعْدَهُ إلَى زَمَانِنَا بِإِجْمَاعِ الْفِرَقِ؛ فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْته ظُهُورُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَنَّ الْكَرَاهَةَ هِيَ الْحَقُّ الْمُوَافِقُ لِلدَّلِيلِ. وَالْمَعْنَى وَإِنْ كَثُرَ الْمُتَنَازِعُونَ فِيهَا لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى شَهَادَةِ أَحَدٍ مِنْ الْأَطِبَّاءِ بَعْدَ إخْبَارِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَبِمَا جَمَعْت بِهِ بَيْنَ الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ وَالْقَوْلِ بِالْحُرْمَةِ يُعْلَمُ أَنَّ مَا هُنَا مِنْ حُرْمَةِ الْمُشَمَّسِ وَالْمُسَخَّنِ عِنْدَ إخْبَارِ طَبِيبَيْنِ أَوْ طَبِيبٍ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ يَضُرُّ الْمُسْتَعْمِلَ بِالنِّسْبَةِ لِمُقْتَضٍ قَامَ بِمِزَاجِهِ لَا يُنَافِي مَا فِي السُّؤَالِ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمُضْطَرِّ إذَا خَافَ السُّمَّ لِأَنَّهُ فِي مُجَرَّدِ خَوْفٍ لَمْ يَسْتَنِدْ لِعَلَامَةٍ تُغَلِّبُ عَلَى الظَّنِّ الضَّرَرَ وَمَا هُنَا فِي خَوْفٍ اسْتَنَدَ لِعَلَامَةٍ هِيَ إخْبَارُ الْعَدْلِ أَوْ مَعْرِفَتُهُ نَفْسِهِ بِالطِّبِّ يُغَلِّبُ عَلَى الظَّنِّ الضَّرَرَ فَمِنْ ثَمَّ جَازَ تَنَاوُلُ الطَّعَامِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُضْطَرِّ وَحَرُمَ اسْتِعْمَالُ الْمُشَمَّسِ وَالْمُسَخَّنِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ مَا ظُنَّ تَرَتُّبُ الضَّرَرِ عَلَيْهِ غَالِبًا حَرَامٌ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَقَامَ الظَّنَّ مَقَامَ الْعِلْمِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ وَمَا شُكَّ فِي تَرَتُّبِهِ عَلَيْهِ جَائِزٌ كَمَا مَرَّ عَنْ السُّبْكِيّ فِي حَلَبِيَّاتِهِ وَكَذَا يُقَالُ فِي السُّؤَالِ عَنْهُمَا فِي التَّيَمُّمِ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ خَوْفٍ لَا ظَنَّ مَعَهُ كَمَا مَرَّ التَّصْرِيحُ بِهِ عَنْ السُّبْكِيّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا إذَا انْغَمَسَ جُنُبٌ فِي مَاءٍ دُونَ قُلَّتَيْنِ فَنَوَى فِي حَالَةِ انْغِمَاسِهِ وَارْتَفَعَ حَدَثُهُ ثُمَّ لَوْ أَحْدَثَ حَدَثًا آخَرَ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْفَعَهُ بِمَا انْغَمَسَ فِيهِ وَلَوْ مَسَحَ جَمِيعَ رَأْسِهِ ثُمَّ رَدَّدَ الْمَاءَ لَمْ يَحْصُلْ التَّثْلِيثُ لِأَنَّ الْمَاءَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا وَإِنْ لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْ الرَّأْسِ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ حَصَلَ لِلنَّفْلِ مَزِيَّةٌ عَلَى الْفَرْضِ مَا الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ؟ فَإِنَّهُ فِي غَايَةِ الْإِشْكَالِ. (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لِلنَّفْلِ مَزِيَّةٌ فِيمَا ذُكِرَ لِأَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَم الْحُكْمِ بِالِاسْتِعْمَالِ عَلَى الْمَاءِ فِي الْأُولَى وَهُوَ ظَاهِرٌ لِبَقَاءِ صُورَةِ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَعَلَى الْحُكْمِ عَلَيْهِ فِي الثَّانِيَةِ، وَهَذَا هُوَ الْمُشْكِلُ وَمِنْ ثَمَّ اسْتَشْكَلَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَتَكَلَّفَ بَعْضُهُمْ الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ بِمَا فِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ بَيَّنْت ذَلِكَ مَعَ الْجَوَابِ الصَّحِيحِ الَّذِي لَا غُبَارَ عَلَيْهِ فِي كِتَابِي شَرْحُ مُخْتَصَرِ الرَّوْضِ فَاطْلُبْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا صُورَتُهُ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ فِي مُخْتَصَرِ الْكِفَايَةِ (لَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي نَحْوِ أَحَدِ الْكُمَّيْنِ أَوْ أَحَدِ طَرَفَيْ الْعِمَامَةِ وَاشْتَبَهَ فَهَلْ يَجْتَهِدُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا لَا. وَعَلَيْهِمَا يُخَرَّجُ مَا لَوْ أَخْبَرَهُ شَخْصٌ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِي أَحَدِهِمَا فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ قَبُولُ خَبَرِهِ؟ إنْ قُلْنَا يَجْتَهِدُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا) اهـ. فَمَا وَجْهُ التَّخْرِيجِ فَإِنَّهُ أُشْكِلَ عَلَى كَثِيرٍ. (فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ - بِقَوْلِهِ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا التَّخْرِيجَ طَرِيقَةٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ وَإِلَّا فَكَلَامُ الْأَكْثَرِينَ يَقْتَضِي قَبُولُ خَبَرِهِ مُطْلَقًا وَهُوَ الْوَجْهُ الَّذِي لَا مَحِيدَ عَنْهُ لِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ الْمُخْبِرُ ثِقَةً وَبَيَّنَ النَّجَاسَةَ، أَوْ كَانَ مُوَافِقًا لِلْمُخْبَرِ فِي بَابِ تَنْجِيسِ الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا وَجَبَ قَبُولُ خَبَرِهِ. وَإِنْ قَالَ لَهُ وَقَعَتْ النَّجَاسَةُ فِي نَحْوِ أَحَدِ الْكُمَّيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ عَرَفَ عَيْنَ الْمُتَنَجِّسِ كَانَ هَذَا الْإِيهَامُ لَا يَقْتَضِي طَعْنًا فِي الْخَبَرِ لِإِفَادَةِ خَبَرِهِ تَحَقُّقَ نَجَاسَةِ أَحَدِهِمَا وَعِنْدَ تَحَقُّقِهِمَا يَجِبُ غَسْلُهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ وَيَجْتَهِدُ عَلَى مُقَابِلِهِ فَنَتَجَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْوَجْهَ قَبُولُ

خَبَرِهِ سَوَاءٌ أَقُلْنَا يَجْتَهِدُ أَمْ لَا وَلَك أَنْ تَقُولَ قَدْ يُمْكِنُ تَوْجِيهُ تِلْكَ الطَّرِيقَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ بِأَنَّ الْإِيهَامَ فِي الْخَبَرِ يُورِثُ فِيهِ رِيبَةً لَكِنَّهَا لَيْسَتْ قَوِيَّةً فَلَمْ تَقْوَ عَلَى رَدِّهِ مُطْلَقًا بَلْ مَعَ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الِاجْتِهَادِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ مَشَقَّةِ وُجُوبِ غَسْلِهِمَا بِخِلَافِ مَا إذَا قُلْنَا بِجَوَازِ الِاجْتِهَادِ فَإِنَّهُ لَا مَشَقَّةَ حِينَئِذٍ فَجَازَ الْقَبُولُ ثُمَّ فَرْضُهُ الْخِلَافَ فِي جَوَازِ الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ بِهِ نَظَرٌ إنْ أَرَادَ بِالْجَوَازِ إبَاحَةً؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِحُرْمَةِ الْقَبُولِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ بَلْ هُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْوُجُوبَ كَانَ لَهُ وَجْهٌ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمُرَادُ بِهَلْ يَجُوزُ قَبُولُ إلَخْ؟ هَلْ يَجِبُ؟ (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ امْرَأَةٍ عَلَى يَدِهَا أَسَاوِرُ فَتَوَضَّأَتْ فَجَرَى الْمَاءُ عَلَى يَدِهَا فَإِذَا وَصَلَ لِلْأَسَاوِرِ فَمِنْهُ مَا يَعْلُو فَوْقَهَا ثُمَّ يَسْقُطُ عَلَى يَدِهَا وَمِنْهُ مَا يَجْرِي تَحْتَهَا ثُمَّ يَجْرِي الْجَمِيعُ عَلَى بَاقِي يَدِهَا بَعْدَ الْأَسَاوِرِ فَهَلْ يَكْفِي جَرَيَانُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً بِهَذِهِ الصِّفَةِ؟ (فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ - بِقَوْلِهِ: قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِذَلِكَ وَأَنَّهُ يَكْفِي جَرَيَانُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً بِهَذِهِ الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ ثَوْبٍ صُبِغَ بِنِيلٍ مُتَنَجِّسٍ فَهَلْ يُشْتَرَطُ خُرُوجُهُ صَافِيًا؟ وَحِينَئِذٍ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا تَنَجَّسَ نَحْوُ تُرَابٍ أَوْ عَجِينٍ فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ مَاءً وَأَوْصَلَهُ لِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ. (فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ - بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يُشْتَرَطُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْغُسْلِ بِحَيْثُ تَزُولُ أَوْصَافُ الصِّبْغِ وَلَا يَبْقَى إلَّا مَا عَسُرَ زَوَالُهُ مِنْ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ؛ لِاخْتِلَاطِ النَّجَاسَةِ بِأَجْزَائِهِ فَمَا دَامَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ أَوْصَافِ النِّيلِ الْمُتَنَجِّسِ الَّذِي أَقَمْنَاهُ مَقَامَ الْعَيْنِ النَّجِسَةِ مَعَ سُهُولَةِ التَّمْيِيزِ فَالنَّجَاسَةُ بَاقِيَةٌ فِي الثَّوْبِ كَمَا يَدُلُّ لَهُ كَلَامُ الْأَنْوَارِ وَصَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ حَيْثُ قَالَ بِأَنَّ اللَّوْنَ عَرَضٌ، وَالنَّجَاسَةُ لَا تُخَالِطُ الْأَعْرَاضَ وَإِنَّمَا تُخَالِطُ الْعَيْنَ فَإِذَا زَالَتْ الْعَيْنُ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ النَّجَاسَةِ زَالَتْ النَّجَاسَةُ بِزَوَالِهَا. وَعِبَارَةُ الْبَغَوِيِّ (إذَا صُبِغَ الثَّوْبُ بِصِبْغٍ نَجِسٍ فَمَا دَامَ عَيْنُ الصِّبْغِ عَلَيْهِ فَهُوَ نَجِسٌ. فَإِنْ زَالَتْ الْعَيْنُ وَبَقِيَ اللَّوْنُ فَهُوَ طَاهِرٌ كَلَوْنِ الْحِنَّاءِ النَّجِسِ) . وَعِبَارَةُ الْغَزَالِيِّ (وَمَا تَعَسَّرَ إزَالَتُهُ كَأَثَرِ الْحِنَّاءِ النَّجِسِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ يُعْفَى عَنْهُ) ، وَيُحْكَمُ بِطَهَارَةِ الْمَحَلِّ مَعَ بَقَاءِ أَثَرِهِ كَمَا فِي أَثَرِ الدَّمِ وَكَلَامُ هَؤُلَاءِ مُصَرِّحٌ بِاشْتِرَاطِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَمَّا قَوْلُ الْقَاضِي لَوْ صُبِغَ الثَّوْبُ بِصِبْغٍ نَجِسٍ، ثُمَّ غُسِلَ بِالْمَاءِ وَانْغَمَسَ وَبَقِيَ اللَّوْنُ قَالُوا يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ يَقْدِرُ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَرَفْعِهَا وَلَا يَقْدِرُ عَلَى قَطْعِ الْأَلْوَانِ وَرَفْعِهَا مِنْ الْمَحَلِّ فَإِذَا أَوْرَدَ الْمَاءَ عَلَيْهِ عَلِمْنَا أَنَّ مَا غَمَرَهُ الْمَاءُ مِنْ النَّجَاسَةِ قَدْ زَالَ وَإِنَّمَا بَقِيَ اللَّوْنُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الصِّبْغَ النَّجِسَ عِنْدَ الِانْفِرَادِ إذَا غُمِرَ بِالْمَاءِ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ، وَاللَّوْنُ دَائِمٌ كَمَا قَبْلَ الْغَسْلِ فَضَعِيفٌ إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ بِمَا يُوَافِقُ مَا مَرَّ وَفَارَقَ ذَلِكَ مَا نَظَرَ بِهِ السَّائِلُ بِأَنَّ الْمُتَنَجِّسَ فِي مَسْأَلَتِنَا مَائِعٌ وَهُوَ مُتَعَذِّرُ التَّطْهِيرِ بِخِلَافِهِ فِيمَا ذَكَرَهُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا صُورَتُهُ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُسْتَعْمَلِ إذَا جُمِعَ فَبَلَغَ قُلَّتَيْنِ وَالْقَلِيلِ الْمُكَمَّلِ قُلَّتَيْنِ بِمَائِعٍ لَا يُغَيِّرُهُ حَيْثُ يَتَأَثَّرُ هَذَا الثَّانِي بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَأَيْضًا فَقَدْ نَزَّلُوا الْمَائِعَ الْمُسْتَهْلَكَ فِي الثَّانِي مَنْزِلَةَ الْمَاءِ فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِ الْجَمِيعِ لَا فِي دَفْعِ النَّجَاسَةِ عَنْ نَفْسِهِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ رَفْعَ الْحَدَثِ وَإِزَالَةَ النَّجَسِ مِنْ بَابِ الرَّفْعِ وَدَفْعَ النَّجَاسَةِ مِنْ بَابِ الدَّفْعِ، وَالدَّافِعُ أَقْوَى مِنْ الرَّافِعِ فَالدَّافِعُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى مِنْ الرَّافِعِ قِيلَ وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ كَوْنِ الْمُسْتَعْمَلِ إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ كَانَ فِي عَوْدِهِ طَهُورًا وَجْهَانِ وَلَوْ اسْتَعْمَلَ الْقُلَّتَيْنِ ابْتِدَاءً لَمْ يَصِرْ مُسْتَعْمَلًا بِلَا خِلَافٍ اهـ. فَهَلْ هَذَا الْفَرْقُ صَحِيحٌ؟ وَكَيْفَ صُورَةُ الدَّفْعِ وَصُورَةُ الرَّفْعِ؟ وَمَا وَجْهُ قُوَّةُ الدَّافِعِ؟ (فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - بِقَوْلِهِ: هَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مُقَدِّمَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْقَلِيلَ الْمُسْتَعْمَلَ هَلْ الْعِلَّةُ فِي عَدَمِ طَهُورِيَّتِهِ كَوْنُهُ مَسْلُوبًا أَوْ مَغْلُوبًا؟ وَفِي ذَلِكَ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا الثَّانِي وَمَعْنَى السَّلْبِ أَنَّ الطَّهُورَ بِهِ قُوَّةُ التَّطْهِيرِ، فَإِذَا اُسْتُعْمِلَ بِشَرْطِهِ سَلَبَ مَحَلُّ الْحَدَثِ تِلْكَ الْقُوَّةَ مِنْهُ كَمَا أَنَّ الْحِنَّاءَ فِيهِ قُوَّةُ الصِّبْغِ فَإِذَا حُنِّيَتْ بِهِ يَدٌ سَلَبَتْ مِنْهُ تِلْكَ الْقُوَّةَ بِحَيْثُ إنَّهُ إذَا حُنِيِّ بِهِ ثَانِيًا لَمْ يَصْبُغْ. وَمَعْنَى كَوْنِهِ مَغْلُوبًا أَنَّهُ إذَا تُطُهِّرَ بِهِ مَعَ قِلَّتِهِ فَأَصْلُ مَعْنَى التَّطْهِيرِ بَاقٍ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ ضَعُفَ بِانْتِقَالِ الْمَانِعِ إلَيْهِ فَصَارَ مَغْلُوبًا لِذَلِكَ. إذْ الْمَانِعُ حِينَئِذٍ شَبِيهٌ بِنَحْوِ صَبْرِ الْمَحَلِّ فِي مَاءٍ فَعُذُوبَةُ الْمَاءِ بَاقِيَةٌ فِيهِ غَيْرُ مَسْلُوبَةٍ عَنْهُ لَكِنَّ مَرَارَةَ الصَّبْرِ قَدْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ فَغَلَبَتْ عُذُوبَتَهُ فَالْمَانِعُ مِثْلُهُ فِي انْتِقَالِهِ مِنْ الْعُضْوِ إلَى الْمَاءِ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا. فَالْمُسْتَعْمَلُ إذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ إنْ قُلْنَا: إنَّهُ مَسْلُوبٌ،

فَالسَّلْبُ بَاقٍ مَعَ كَثْرَتِهِ أَيْضًا إذْ الْمَسْلُوبُ لَا يُمْكِنُ عَوْدُهُ فَهُوَ كَالْمَائِعِ لَا يَرْفَعُ حَدَثًا، وَلَا يُزِيلُ نَجَسًا وَلَا يُدْفَعُ بِهِ فَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ مَغْلُوبٌ فَمَا ذَاكَ إلَّا لِضَعْفِهِ بِالْقِلَّةِ فَإِذَا اُسْتُعْمِلَ وَهُوَ كَثِيرٌ لَمْ يَتَأَثَّرْ بِالِاسْتِعْمَالِ فَإِذَا جُمِعَ الْقَلِيلُ الْمُسْتَعْمَلُ حَتَّى كَثُرَ زَالَ ضَعْفُهُ فَبَرَزَ مَعْنَى الطَّهُورِيَّةِ الْكَامِنُ فِيهِ فَصَارَ رَافِعًا لِلْحَدَثِ وَمُزِيلًا لِلنَّجَسِ، وَدَافِعًا لَهُ فَلَمْ يَتَأَثَّرْ بِهِ إذَا وَقَعَ فِيهِ بِخِلَافِ الَّذِي بَلَغَ قُلَّتَيْنِ بِتَكْمِيلِ الْمَائِعِ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ فَإِنَّهُ طَهُورٌ؛ لِبَقَاءِ اسْمِهِ فَهُوَ كَمَا كَانَ قَبْلَ انْضِمَامِ الْمَائِع لَهُ لِأَنَّهُ كَالْمَعْدُومِ حِينَئِذٍ حَتَّى يَجُوزَ اسْتِعْمَالُهُ وَلَا يَجِبُ تَبْقِيَةُ قَدْرِ الْمَائِعِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَدْفَعُ النَّجَسَ عَنْ نَفْسِهِ لِمَفْهُومِ إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا وَهَذَا لَمْ يَبْلُغْ قُلَّتَيْنِ بِمَحْضِ الْمَاءِ، فَهُوَ نَاقِصٌ عَنْهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ إذْ الْمُخَالِطُ فِي مَعْنَى الْمَعْدُومِ. فَإِنْ قِيلَ بَلْ هُوَ مَوْجُودٌ حِسًّا، وَقَدْ جَعَلْتُمُوهُ كَالْمَاءِ فِي الطَّهَارَةِ بِهِ فَلْيَكُنْ كَالْمَاءِ فِي دَفْعِ النَّجَاسَةِ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي السُّؤَالِ. قُلْنَا: وُجُودُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى دَفْعِهَا كَعَدَمِهِ كَمَا مَرَّ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَثُرَ الْمَائِعُ لَا يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ وَوُجُوبُ اسْتِعْمَالِهِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ لَيْسَ بِكَوْنِ الْمَائِعِ صَارَ مَاءً وَلَا مِثْلَهُ فِي الدَّفْعِ بَلْ إنَّهُ لَمْ يَسْلُبْهُ اسْمَ الْمَاءِ لِقِلَّتِهِ، فَالْحُكْمُ لِلْمَاءِ وَإِذَا سَلِمَ قَوْلُ الْقَائِلِ أَنَّ الدَّافِعَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى مِنْ الرَّافِعِ فَعَوْدُ الطَّهُورِيَّةِ لِلْقُلَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ مِنْ مَحْضِ الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ اُسْتُعْمِلَ لِكَوْنِهِمَا أَقْوَى مِنْ قُلَّتَيْنِ: بَعْضُهُمَا مَاءٌ وَبَعْضُهُمَا مَائِعٌ نَعَمْ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الدَّافِعَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ إذْ الطَّلَاقُ رَافِعٌ لِلنِّكَاحِ غَيْرُ دَافِعٍ لَهُ وَالْإِحْرَامُ دَافِعٌ لَهُ غَيْرُ رَافِعٍ. وَالطَّلَاقُ بِالنِّسْبَةِ إلَى النِّكَاحِ أَقْوَى مِنْ الْإِحْرَامِ فَالرَّافِعُ هُنَا أَقْوَى وَكَالْإِحْرَامِ عِدَّةُ الشُّبْهَةِ وَحَقِيقَةُ الرَّافِعِ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ أَثَرٍ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ مَا يَرْفَعُ ذَلِكَ الْأَثَرَ كَالطَّلَاقِ إذَا وَرَدَ عَلَى النِّكَاحِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَرَدَ عَقْدُ نِكَاحِ الرَّجُلِ عَلَى مُطَلَّقَتِهِ الرَّجْعِيَّةِ فَإِنَّ النِّكَاحَ لَا يَنْدَفِعُ بِذَلِكَ الطَّلَاقِ السَّابِقِ، وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهَا أَنَّهَا مُطَلَّقَتُهُ وَحَقِيقَةُ الدَّفْعِ أَنْ يُرَدَّ شَيْءٌ عَلَى مَحَلٍّ قَابِلٍ لِتَأَثُّرِهِ بِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ دَافِعٌ فَيُصَادِفُ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ شَيْئًا يَدْفَعُهُ وَيَمْنَعُ تَأَثُّرَهُ فِيهِ كَالْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ إذَا وَرَدَ عَقْدُ النِّكَاحِ عَلَى الْمُحْرِمَةِ مَثَلًا دَفَعَهُ الْإِحْرَامُ فَلَا يَنْعَقِدُ وَإِنْ وَرَدَ الْإِحْرَامُ عَلَى النِّكَاحِ لَا يَرْفَعُهُ بَلْ يَدُومُ مَعَهُ وَالْأَغْلَبُ أَنَّ كُلَّ رَافِعٍ دَافِعٌ وَعَكْسُهُ، وَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ دَافِعًا فَقَطْ كَالْإِحْرَامِ وَعِدَّةُ الشُّبْهَةِ وَقَدْ يَكُونُ رَافِعًا فَقَطْ كَالطَّلَاقِ وَالْمَاءِ الْقَلِيلِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ شَجَرٍ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ يَخْرُجُ مِنْهُ عِنْدَ انْتِشَارِ الرِّيَاحِ بُخَارٌ كَالدُّخَانِ وَيَرْشَحُ مَائِعًا كَالْمَاءِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ فَهَلْ لَهُ حُكْمُ الْمَاءِ فِي الطَّهُورِيَّةِ؟ (فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ - بِقَوْلِهِ: لَيْسَ حُكْمُهُ حُكْمَهُ فِي ذَلِكَ بَلْ هُوَ كَالْمَائِعِ جَزْمًا، وَفَارَقَ بُخَارَ الطَّهُورِ الْمَغْلِيَّ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَاءِ بِخِلَافِ هَذَا إذْ هُوَ كَمَاءِ الشَّجَرِ وَهُوَ لَيْسَ بِطَهُورٍ قَطْعًا قَالَ بَعْضُهُمْ: وَبَلَغَنِي أَنَّ الْقَوَافِلَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ إذَا عَدِمُوا الْمَاءَ حَفَرُوا حُفْرَةً ثُمَّ سَتَرُوهَا بِشَيْءٍ مِنْ الشَّجَرِ وَتَرَكُوهَا مُدَّةً ثُمَّ يَصْعَدُ بُخَارٌ مِنْ الْحُفْرَةِ يَعْلَقُ بِالشَّجَرَةِ يَرْشَحُ مَائِعًا عَلَى هَيْئَةِ الْمَاءِ وَيَجْتَمِعُ مِنْهُ فِي الْحُفْرَةِ مَا يَكْفِيهِمْ وَهُوَ غَيْرُ طَهُورٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ إذْ هُوَ مَاءُ شَجَرٍ أَيْضًا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا صُورَتُهُ حَرَّكَتْ الرِّيحُ التُّرَابَ الْمُخْتَلِطَ بِالنَّجَاسَةِ وَحَمَلَتْ مِنْهُ أَجْزَاءً كَالذَّرِّ وَأَلْقَتْهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْمَائِعَاتِ هَلْ يُنَجِّسُهُ؟ (فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ - بِقَوْلِهِ: ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُدْرِكَهُ الطَّرْفُ أَمْ لَا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا صُورَتُهُ لَوْ تَنَجَّسَ حَبٌّ أَوْ أَعْيَانٌ مُتَعَدِّدَةٌ صَغِيرَةٌ أَوْ كَبِيرَةٌ فَجُمِعَ الْحَبُّ أَوْ الْأَعْيَانُ فِي إنَاءٍ طَاهِرٍ أَوْ مُتَنَجِّسٍ، وَأُورِدَ عَلَيْهِ مَاءٌ قَلِيلٌ وَأُدِيرَ حَتَّى غَمَرَ الْأَعْيَانَ وَجَوَانِبَ الْإِنَاءِ وَزَالَتْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ فَإِنْ قُلْتُمْ بِالطَّهَارَةِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَمَا الْحُكْمُ لَوْ كَانَ الْمَوْضُوعُ فِي الْإِنَاءِ عَيْنًا وَاحِدَةً أَهُوَ كَذَلِكَ أَيْضًا أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ - بِقَوْلِهِ: إذَا وُضِعَتْ أَعْيَانٌ أَوْ عَيْنٌ مُتَنَجِّسَةٌ نَجَاسَةً حُكْمِيَّةً فِي إنَاءٍ مُتَنَجِّسٍ نَجَاسَةً حُكْمِيَّةً أَيْضًا، ثُمَّ صُبَّ عَلَيْهَا مَاءٌ حَتَّى غَمَرَهَا وَغَمَرَ جَوَانِبَ الْإِنَاءِ أَوْ أَدَارَهُ حَتَّى طَهُرَتْ جَوَانِبُهُ طَهُرَ الْإِنَاءُ وَمَا فِيهِ وَإِلَّا فَلَا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِيمَا إذَا جَرَى الْمَاءُ عَلَى عُضْوِ الْمُتَطَهِّرِ إلَى عُضْوِهِ الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ الْمُتَطَهِّرُ جُنُبًا فَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْبَحْرِ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا وَلَا يَرْفَعُ الْجَنَابَةَ عَنْ الْعُضْوِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ كَالْمُحْدِثِ قَالَا وَأَصَحُّهُمَا لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا حَتَّى يَنْفَصِلَ عَنْ كُلِّ الْبَدَنِ لِأَنَّهُ كُلَّهُ كَعُضْوٍ. وَقَالَ الْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ إذَا صَبَّ الْجُنُبُ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ فَسَقَطَ مِنْ الرَّأْسِ

إلَى الْبَطْنِ وَخَرَقَ الْهَوَاءَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا لِانْفِصَالِهِ، وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْكَلَامَ عَنْ بَعْضِ الْمُصَنِّفِينَ وَيَعْنِي بِهِ صَاحِبَ الْإِبَانَةِ الْفُورَانِيَّ. قَالَ الْإِمَامُ فِي هَذَا فَضْلُ نَظَرٍ فَإِنَّ الْمَاءَ إذَا كَانَ يَتَرَدَّدُ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَهِيَ مُتَفَاوِتَةُ الْخِلْقَةِ وَقَعَ فِي جَرَيَانِهِ بَعْضُ التَّقَاذُفِ مِنْ عُضْوٍ إلَى عُضْوٍ لَا مَحَالَةَ، وَلَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْ هَذَا كَيْفَ وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِالِاعْتِنَاءِ بِهَذَا أَصْلًا فَمَا كَانَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ فَهُوَ عَفْوٌ مُطْلَقًا وَأَمَّا التَّقَاذُفُ الَّذِي لَا يَقَعُ إلَّا نَادِرًا فَإِنْ كَانَ عَنْ قَصْدٍ فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ، وَإِنْ اتَّفَقَ ذَلِكَ بِلَا قَصْدٍ لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يُعْفَى عَنْهُ فَإِنَّ الْغَالِبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ أَمْثَالَ هَذَا لِلْأَوَّلِينَ وَمَا وَقَعَ عَنْهُ بَحْثٌ مِنْ سَائِلٍ وَلَا تَنْبِيهُ مُرْشِدٍ اهـ. لَفْظُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. وَعِبَارَةُ التَّحْقِيقِ (وَلَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا مَا دَامَ يَتَرَدَّدُ عَلَى الْعُضْوِ فَإِنْ فَارَقَهُ صَارَ وَيُقَال: لَا مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ وَبَدَنُ جُنُبٍ كَعُضْوِ مُحْدِثٍ وَقِيلَ: لَا يَضُرُّ انْفِصَالُهُ إلَى بَاقِي بَدَنِهِ وَقِيلَ إنْ نَقَلَهُ ضَرَّ) اهـ. هَذِهِ عِبَارَتُهُ الَّتِي وَقَفْت عَلَيْهَا وَفِي الْعُمْدَةِ لِابْنِ النَّحْوِيِّ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا عَلَى الْعُضْوِ فَإِنْ فَارَقَهُ صَارَ، وَقِيلَ: لَا مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ؛ لِأَنَّهُمَا كَعُضْوِ وَبَدَنِ جُنُبٍ كَمُحْدِثٍ كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَقِيلَ: يَضُرُّ انْفِصَالُهُ إلَى بَاقِي بَدَنِهِ، وَقِيلَ: إنْ تَقَاصَرَ اهـ. لَفْظُ الْعُمْدَةِ. فَعِبَارَتُهُ فِيهَا حَذْفُ لَا بَعْدَ قِيلَ فَهَلْ يُقَالُ: إنَّهُ وَقَفَ عَلَى نُسْخَةٍ مِنْ نُسَخِ التَّحْقِيقِ بِحَذْفِ لَا؟ وَعِبَارَةُ جَامِعِ الْمُخْتَصَرَاتِ (أَوْ جَرَى عَلَى عُضْوٍ أَصْغَرَ قِيلَ: أَوْ أَكْبَرَ) وَفِي شَرْحِهِ إذَا انْفَصَلَ الْمَاءُ مِنْ عُضْوٍ إلَى آخَرَ يَجْرِي الْمَاءُ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَمُسْتَعْمَلٌ وَفِي الْيَدَيْنِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَوْ فِي الْأَكْبَرِ. فَالْأَصَحُّ فِي التَّحْقِيقِ وِفَاقًا لِلرُّويَانِيِّ وَالْمَاوَرْدِيِّ بَقَاءُ طَهُورِيَّتِهِ إذْ جَمِيعُهُ كَعُضْوٍ، وَرَجَّحَ الْخُرَاسَانِيُّونَ خِلَافَهُ اهـ. وَعِبَارَتُهُ فِي الْمُنْتَقَى وَإِنْ انْفَصَلَ مِنْ عُضْوٍ لِآخَرَ فِي الْوُضُوءِ فَمُسْتَعْمَلٌ وَفِي الْبَيَانِ وَجْهٌ شَاذٌّ فِي الْيَدَيْنِ أَوْ الْجَنَابَةِ صَحَّحَ الْحَاوِي وَالْبَحْرُ الْمَنْعَ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ، وَرَجَّحَ الْخُرَاسَانِيُّونَ خِلَافَهُ وَقَالَ الْإِمَامُ: إنْ قُصِدَ فَنَعَمْ وَإِلَّا فَلَا اهـ. فَهَذَا الْإِمَامُ النَّسَائِيّ الْمَوْصُوفُ بِالتَّحْقِيقِ الْعَظِيمِ لِكَلَامِ الشَّيْخَيْنِ نَقَلَ عَنْ التَّحْقِيقِ عَدَمَ الِاسْتِعْمَالِ، وَاعْتَمَدَ ابْنُ النَّحْوِيِّ عَدَمَ الِاسْتِعْمَالِ وَنَقَلَ فِي الْمُهِمَّاتِ عَنْ التَّحْقِيقِ الِاسْتِعْمَالَ، وَكَذَا ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ وَكَذَا الشَّيْخُ زَكَرِيَّا، وَنَقَلَهُ عَنْ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَعِبَارَتُهُ فِي الْغُرَرِ (وَلَوْ انْفَصَلَ مَاءُ الْجُنُبِ مِنْ عُضْوٍ إلَى آخَرَ فَوَجْهَانِ: الْأَصَحُّ عِنْدَ صَاحِبَيْ الْحَاوِي وَالْبَحْرِ مَنْعُ اسْتِعْمَالِهِ وَرَجَّحَ الْخُرَاسَانِيُّونَ خِلَافَهُ) حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَرَجَّحَ فِي تَحْقِيقِهِ الثَّانِيَ وَوَهِمَ مَنْ قَالَ أَنَّهُ رَجَّحَ فِيهِ الْأَوَّلَ وَعِبَارَتُهُ فِيهِ (وَلَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا عَلَى الْعُضْوِ) فَإِنْ فَارَقَهُ صَارَ وَبَدَنُ جُنُبٍ وَكَعُضْوٍ مُحْدِثٍ وَقِيلَ لَا يَضُرُّ انْفِصَالُهُ إلَى بَاقِي بَدَنِهِ اهـ. وَكَانَ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا يُقَدِّرُ عِبَارَةَ التَّحْقِيقِ بِنَحْوِ هَذَا التَّقْدِيرِ وَبَدَنُ جُنُبٍ كَعُضْوِ مُحْدِثٍ أَيْ فَلَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا مَا دَامَ يَتَرَدَّدُ عَلَى بَدَنِ الْجُنُبِ، فَإِنْ فَارَقَ الْمَاءُ بَدَنَ الْجُنُبِ وَلَوْ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ مِنْهُ صَارَ مُسْتَعْمَلًا؛ فَيَحْسُنُ مَعَ التَّقْدِيرِ. هَذَا إثْبَاتٌ لَنَا، وَلَنَا أَنْ نَقُولَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَإِنْ فَارَقَهُ صَارَ؛ أَيْ فَارَقَ الْبَدَنَ جَمِيعَهُ وَانْفَصَلَ عَنْهُ إلَى خَارِجٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمُفَارَقَةَ إلَى بَعْضِهِ لِأَنَّ كُلَّهُ كَعُضْوِ وَاحِدٍ، وَمَعَ هَذَا يَسْقُطُ احْتِجَاجُهُ وَيَدُلُّ لَنَا مَا يَأْتِي عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَتَأَمَّلُوا كَلَامَهُ هَذَا فِي اعْتِمَادِ الِاسْتِعْمَالِ فَإِنَّ تَعْلِيلَهُمْ لِلْوَجْهِ الضَّعِيفِ فِيمَا إذَا انْتَقَلَ مَاءُ الْمُتَوَضِّئِ مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ بِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِأَنَّهُمَا كَعُضْوٍ وَاحِدٍ يَرُدُّ مَا قَالَهُ، وَكَذَا قَوْلُهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بَعْدَ هَذَا وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُمَا عُضْوَانِ مُتَمَيِّزَانِ وَإِنَّمَا عَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ فِي الْعُضْوِ الْوَاحِدِ؛ لِلضَّرُورَةِ فِيهِ. أَعْظَمُ شَاهِدٍ عَلَى رَدِّ مَا اعْتَمَدَهُ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي التَّيَمُّمِ مَا لَفْظُهُ (قَالُوا: فَإِنْ قِيلَ: إذَا سَقَطَ فَرْضُ الرَّاحَتَيْنِ صَارَ التُّرَابُ الَّذِي عَلَيْهِمَا مُسْتَعْمَلًا فَكَيْفَ يَجُوزُ مَسْحُ الذِّرَاعَيْنِ بِهِ وَلَا يَجُوزُ نَقْلُ الْمَاءِ الَّذِي غَسَلْتَ إحْدَى الْيَدَيْنِ بِهِ إلَى الْأُخْرَى؟ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْيَدَيْنِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ وَلِهَذَا جَازَ تَقْدِيمُ الْيَسَارِ عَلَى الْيَمِينِ وَلَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إلَّا بِانْفِصَالِهِ وَالْمَاءُ يَنْفَصِلُ عَنْ الْيَدِ الْمَغْسُولَةِ فَيَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا. الثَّانِي: أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى هَذَا هُنَا فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُيَمِّمَ الذِّرَاعَ بِكَفِّهَا، بَلْ يَفْتَقِرُ إلَى الْكَفِّ الْأُخْرَى فَصَارَ كَنَقْلِ الْمَاءِ مِنْ بَعْضِ الْعُضْوِ إلَى بَعْضِهِ، وَهَذَانِ الْجَوَابَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ الصَّبَّاغِ وَهُمَا مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ) اهـ. الْمَقْصُودُ مِنْ كَلَامِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. فَقَوْلُهُ: (كَنَقْلِ الْمَاءِ مِنْ بَعْضِ الْعُضْوِ إلَى بَعْضِهِ) فِيهِ أَعْظَمُ شَاهِدٍ وَدَلِيلٍ عَلَى أَنَّ نَقْلَ الْمَاءِ مِنْ بَعْضِ

أَعْضَاءِ الْجُنُبِ إلَى بَعْضٍ لَا يُصَيِّرُهُ مُسْتَعْمَلًا، وَإِنْ كَانَ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا بَحَثَ هُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ بِنَقْلِ الْمَاءِ مُفَارَقَةَ الَّذِي يَغْلِبُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الرَّافِعِيُّ اهـ كَلَامُهُ. وَبَحْثُهُ هَذَا يَأْبَاهُ كَلَامُ الْمُهَذَّبِ وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ لَمَّا ذَكَرَ مَذْهَبَ مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّرْتِيبَ فِيهِ وَاحْتِجَاجَهُمْ بِأَنَّهُ طَهَارَةٌ؛ فَلَمْ يَجِبْ فِيهَا تَرْتِيبٌ كَالْجَنَابَةِ مَا لَفْظُهُ (وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى غُسْلِ الْجَنَابَةِ أَنَّ جَمِيعَ بَدَنِ الْجُنُبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَلَمْ يَجِبْ تَرْتِيبُهُ كَالْوَجْهِ بِخِلَافِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهَا مُتَغَايِرَةٌ وَمُتَفَاصِلَةُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ بَدَنَ الْجُنُبِ وَاحِدٌ أَنَّهُ لَوْ جَرَى الْمَاءُ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى غَيْرِهِ أَجْزَأَهُ كَالْعُضْوِ الْوَاحِدِ فِي الْوُضُوءِ؛ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ لَوْ انْتَقَلَ مِنْ الْوَجْهِ إلَى الْيَدِ لَمْ يُجْزِئْهُ) اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَاسْتَدَلَّ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُمْ عَلَى طَهَارَةِ الْمُسْتَعْمَلِ «بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اغْتَسَلَ وَنَسِيَ لُمْعَةً ثُمَّ عَصَرَ عَلَيْهَا شَعْرًا.» قَالَ: وَجَوَابُهُ مِنْ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ. وَالثَّانِي: لَوْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى بَلَلٍ بَاقٍ مِنْ الْغَسْلَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ حُكْمَ الِاسْتِعْمَالِ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ عَنْ الْعُضْوِ وَهَذَا لَمْ يَنْفَصِلْ، وَبَدَنُ الْجُنُبِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ؛ وَلِهَذَا لَا تَرْتِيبَ فِيهَا. وَفِي هَذَا أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى اعْتِمَادِ عَدَمِ الِاسْتِعْمَالِ فَحِينَئِذٍ الْقَصْدُ مِنْ تَفَضُّلِكُمْ إمْعَانُ النَّظَرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتَبْيِينُ مَا تَعْتَمِدُونَهُ فِيهَا فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِمَّنْ اجْتَمَعَتْ بِهِ وَأُخِذَتْ عَنْهُ يَعْتَمِدُ الِاسْتِعْمَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَلَكِنْ تَأَمَّلُوا الْكَلَامَ الَّذِي ذَكَرْته وَاكْتُبُوا الْجَوَابَ بِمَا يَتَرَجَّحُ. (فَأَجَابَ) - شَكَرَ اللَّهُ سَعْيَهُ - بِقَوْلِهِ: سَبَبُ اخْتِلَافِ الْمُتَأَخِّرِينَ - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَشَكَرَ سَعْيَهُمْ - فِي فَهْمِ عِبَارَةِ التَّحْقِيقِ وَالنَّقْلِ عَنْهَا أَنَّ نُسَخَهُ مُخْتَلِفَةٌ فَفِي بَعْضِهَا بَلْ أَكْثَرِهَا مَا حَكَاهُ السَّائِلُ - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ - بِقَوْلِهِ: وَعِبَارَةُ التَّحْقِيقِ (وَلَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا. .. إلَخْ) وَهُوَ مَا حَكَاهُ شَيْخُنَا زَكَرِيَّا خَاتِمَةُ الْمُحَقِّقِينَ - سَقَى اللَّهُ عَهْدَهُ صَوْبَ الرَّحْمَةِ وَالرِّضْوَانِ وَأَعْلَى دَرَجَتَهُ فِي الْجِنَانِ آمِينَ - لَكِنَّهُ حَذَفَ مِنْ الْعِبَارَةِ حِكَايَةَ الضَّعِيفِ لِعَدَمِ غَرَضٍ لَهُ فِيهِ. وَفِي بَعْضِهَا، وَقِيلَ: لَا وَيَضُرُّ انْفِصَالُهُ بِزِيَادَةِ وَاوٍ فَمَنْ نَقَلَ عَنْهُ تَرْجِيحَ الِاسْتِعْمَالِ كَالْإِسْنَوِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ كَشَيْخِنَا لَعَلَّهُ إنَّمَا رَأَى النُّسْخَةَ الَّتِي سَقَطَتْ مِنْهَا الْوَاوُ وَمَنْ نَقَلَ عَنْهُ تَرْجِيحَ عَدَمِ الِاسْتِعْمَالِ كَالنَّشَائِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ لَعَلَّهُ إنَّمَا رَأَى النُّسْخَةَ الَّتِي ثَبَتَتْ فِيهَا الْوَاوُ وَعِبَارَةُ ابْنِ الْمُلَقِّنِ الْمَذْكُورَةُ فِي السُّؤَالِ لَا تُوَافِقُ كُلًّا مِنْ النُّسْخَتَيْنِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ نُسْخَتَهُ فِيهَا حَذْفُ لَا مَعَ الْوَاوِ فَإِنْ قُلْت: مَا وَجْهُ فَهْمِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْعِبَارَةِ عَلَى كِلَا الطَّرِيقَيْنِ؟ قُلْت: أَمَّا عَلَى إثْبَاتِ الْوَاوِ فَيَكُونُ مَعْنَى الْعِبَارَةِ وَبَدَنُ جُنُبٍ كَعُضْوِ مُحْدِثٍ فِي حَالَةِ تَرَدُّدِ الْمَاءِ عَلَيْهِ بِلَا انْفِصَالٍ فَلَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا وَقِيلَ لَا فَيَكُونُ مُسْتَعْمَلًا ثُمَّ قَالَ وَيَضُرُّ انْفِصَالُهُ إلَى بَاقِي بَدَنِهِ فَاتَّجَهَ حِينَئِذٍ نَقْلُ عَدَمِ الِاسْتِعْمَالِ عِنْدَ الْجَرْيِ عَلَى الِاتِّصَالِ عَنْ عِبَارَةِ التَّحْقِيقِ، فَإِنْ قُلْت: تَعْبِيرُ النَّشَائِيِّ بِالِانْفِصَالِ يُنَافِي مَا ذَكَرْت قُلْت: قَوْلُهُ يَجْرِي الْمَاءُ إلَيْهِ ظَاهِرٌ فِيمَا ذَكَرْتُ مِنْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْجَرْيِ عَلَى الِاتِّصَالِ. وَعَلَى تَسْلِيمِ ظَاهِرِ التَّعْبِيرِ بِالِانْفِصَالِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى انْفِصَالٍ يَغْلِبُ فِيهِ التَّقَاذُفُ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ كَمَا يَأْتِي عَنْ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا عَلَى حَذْفِ الْوَاوِ فَيَكُونُ مَعْنَى الْعِبَارَةِ وَبَدَنُ جُنُبٍ كَعُضْوِ مُحْدِثٍ فِي أَنَّ الْمَاءَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا لِمُفَارَقَتِهِ بَعْضَ الْأَعْضَاءِ إلَى بَعْضٍ آخَرَ وَقِيلَ لَا يَضُرُّ انْفِصَالُهُ إلَى بَاقِي بَدَنِهِ فَاتَّضَحَ حِينَئِذٍ نَقْلُ الِاسْتِعْمَالِ لَكِنْ عِنْدَ جَرَيَانِ الْمَاءِ لَا عَلَى الِاتِّصَالِ كَمَا يُفْهِمُهُ التَّعْبِيرُ بِالْمُفَارَقَةِ، وَبِتَأَمُّلِ هَذَا الَّذِي قَرَّرْته يَتَّضِحُ أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ مَا فَهِمَهُ الْإِسْنَوِيِّ وَالنَّشَائِيُّ؛ لِأَنَّ كُلًّا فَهِمَ حَالَةً حُكْمُهَا صَحِيحٌ وَلَك أَنْ تَسْلُكَ فِي وَجْهِ اخْتِلَافِ فَهْمِهَا مِنْ الْعِبَارَةِ طَرِيقًا آخَرَ، وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُمَا إنَّمَا اطَّلَعَا عَلَى النُّسْخَةِ الْمَحْذُوفِ مِنْهَا الْوَاوُ لِكَوْنِهَا الْأَكْثَرَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَ التَّحْقِيقِ وَلَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا مَا دَامَ يَتَرَدَّدُ عَلَى الْعُضْوِ فَإِنْ فَارَقَهُ صَارَ فِيهِ حُكْمَانِ: هُمَا عَدَمُ الِاسْتِعْمَالِ عِنْدَ التَّرَدُّدِ، وَالِاسْتِعْمَالُ عِنْدَ الْمُفَارَقَةِ. وَقَوْلُهُ: (وَبَدَنُ جُنُبٍ كَعُضْوِ مُحْدِثٍ) يَحْتَمِلُ أَنَّ التَّشْبِيهَ فِيهِ فِي كُلٍّ مِنْ الْحُكْمَيْنِ، وَأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي لَكِنَّ قَوْلَهُ " وَقِيلَ لَا يَضُرُّ انْفِصَالُهُ إلَى بَاقِي بَدَنِهِ " صَرِيحٌ فِي أَنَّ التَّشْبِيهَ فِي الْحُكْمِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَجْهَ الْمَحْكِيَّ مُقَابِلٌ لَهُ فَقَطْ، وَالتَّشْبِيهُ فِي الْحُكْمِ الْأَوَّلِ مُحْتَمَلُ الْوُجُودِ وَالِانْتِفَاءِ إذْ لَا قَرِينَةَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَمَنْ نَقَلَ عَنْهُ عَدَمَ الِاسْتِعْمَالِ فَهِمَ أَنَّ التَّشْبِيهَ إنَّمَا هُوَ فِي الْحُكْمِ الْأَوَّلِ فَقَطْ، وَهُوَ فَهْمٌ بَعِيدٌ لِأَنَّ قَرِينَةَ قَوْلِهِ: وَقِيلَ لَا يَضُرُّ انْفِصَالُهُ تَبْعُدُ مِنْ ذَلِكَ وَمَنْ نَقَلَ عَنْهُ الِاسْتِعْمَالَ

فَهِمَ أَنَّ التَّشْبِيهَ فِي الْحُكْمِ الثَّانِي بِقَرِينَةِ حِكَايَةِ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ فَهْمٌ قَرِيبٌ لِقِيَامِ الْقَرِينَةِ عَلَيْهِ، وَمِنْ ثَمَّ سَاغَ لِشَيْخِنَا أَنْ يَحْكُمَ عَلَى الْفَهْمِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ وَهْمٌ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ آخِرَ الْعِبَارَةِ أَعْنِي حِكَايَةَ الْوَجْهِ السَّابِقِ يَرُدُّهُ. نَعَمْ شَيْخُنَا لَمْ يُوهِمْهُ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ لِمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ وَلِمَا سَنَذْكُرُهُ بَلْ مِنْ حَيْثُ فَهْمُ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَةِ وَنَقْلُهُ عَنْهَا وَإِنَّمَا يَتِمُّ هَذَا لِلشَّيْخِ إنْ كَانَتْ النُّسْخَةُ الَّتِي رَآهَا النَّشَائِيُّ بِحَذْفِ الْوَاوِ كَمَا تَقَرَّرَ. أَمَّا إذَا كَانَتْ الَّتِي رَآهَا بِإِثْبَاتِهَا فَمَا فَهِمَهُ مِنْ التَّشْبِيهِ فِي الْحُكْمِ الْأَوَّلِ فَقَطْ هُوَ صَرِيحُ الْعِبَارَةِ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ وَلَا إيهَامَ وَقَعَ مِنْهُ هَذَا، وَالْأَوْجَهُ فِي الْعِبَارَةِ الْمَحْذُوفِ مِنْهَا الْوَاوُ أَنْ يَجْعَلَ التَّشْبِيهَ فِيهَا رَاجِعًا لِكُلٍّ مِنْ الْحُكْمَيْنِ وَقَوْلُ السَّائِلِ - نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ - اعْتِرَاضًا عَلَى مَا فَهِمَهُ شَيْخُنَا مِنْ الْعِبَارَةِ وَلَنَا أَنْ نَقُولَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَإِنْ فَارَقَهُ صَارَ أَيْ فَارَقَ الْبَدَنَ جَمِيعَهُ وَانْفَصَلَ عَنْهُ إلَى خَارِجٍ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمُفَارَقَةَ إلَى بَعْضِهِ. .. إلَخْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَ التَّحْقِيقِ: (فَإِنْ فَارَقَهُ صَارَ. وَيُقَالُ: لَا مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ) صَرِيحٌ فِي أَنَّ مُرَادَهُ بِالْمُفَارَقَةِ مَا يَشْمَلُ الْمُفَارَقَةَ مِنْ أَحَدِ الْيَدَيْنِ إلَى الْأُخْرَى بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: (وَيُقَالُ لَا مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ) وَمَا يَشْمَلُ الْمُفَارَقَةَ بِالْكُلِّيَّةِ فَاتَّضَحَ مَا فَهِمَهُ شَيْخُنَا كَالْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعِبَارَةِ، وَانْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ بِمَا ذُكِرَ وَاعْتِمَادُ هَؤُلَاءِ لِلِاسْتِعْمَالِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُفَارَقَةِ الَّذِي هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ التَّحْقِيقِ كَمَا تَقَرَّرَ لَا يَرُدُّهُ تَعْلِيلُهُمْ الْوَجْهَ الضَّعِيفَ خِلَافًا لِمَا فِي السُّؤَالِ لِأَنَّهُمْ حَكَمُوا بِالِاسْتِعْمَالِ. عِنْدَ انْفِصَالِ الْمَاءِ مِنْ إحْدَى الْيَدَيْنِ إلَى الْأُخْرَى مَعَ كَوْنِهِمْ جَعَلُوهُمَا كَعُضْوٍ وَاحِدٍ فِي عَدَمِ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ وَنَحْوِهِ فَعَلِمْنَا أَنَّ تَعْلِيلَ الْوَجْهِ الضَّعِيفِ بِمَا ذُكِرَ لَا يُنْتِجُ لِلسَّائِلِ مَا ذَكَرَ. وَكَوْنُ الضَّعِيفِ لَا يُعَلَّلُ بِمَا يُوَافِقُهُ الصَّحِيحُ عَلَيْهِ كَثِيرٌ لَا أَكْثَرِيٌّ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ كُلِّيًّا، وَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ (وَالصَّوَابُ. .. إلَخْ) لَيْسَ فِيهِ رَدٌّ لِمَا مَرَّ مِنْ اعْتِمَادِ الِاسْتِعْمَالِ بَلْ قَوْلُهُ وَإِنَّمَا عَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ فِي الْعُضْوِ الْوَاحِدِ لِلضَّرُورَةِ مُؤَيِّدٌ لِلِاسْتِعْمَالِ؛ لِأَنَّ عُضْوَ الْمُحْدِثِ يُضْطَرُّ فِيهِ لِانْتِقَالِ الْمَاءِ مِنْ بَعْضِهِ لِمَزِيدِ الْقُرْبِ بَيْنَ الْمَحَلَّيْنِ، وَبَدَنُ الْجُنُبِ لَا يُضْطَرُّ فِي جَمِيعِهِ إلَى ذَلِكَ بَلْ إنَّمَا يُضْطَرُّ إلَى ذَلِكَ فِيمَا يَغْلِبُ فِيهِ التَّقَاذُفُ فَقَطْ كَمَا يَأْتِي، وَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ (كَنَقْلِ الْمَاءِ مِنْ بَعْضِ الْعُضْوِ إلَى بَعْضٍ) يَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُهُ بِمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا حَتَّى يُوَافِقَ مَا ذَكَرَهُ عَنْ الرَّافِعِيِّ وَمَا سَنَذْكُرُهُ وَأَيْضًا فَإِبْقَاءُ كَلَامِهِ هَذَا عَلَى ظَاهِرِهِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ انْفَصَلَ الْمَاءُ مِنْ كَفِّ الْمُحْدِثِ ثُمَّ عَادَ إلَى مَرْفِقِهِ لَا يَضُرُّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إذْ الْفَرْقُ بَيْنَ عُضْوِ الْمُحْدِثِ وَبَدَنِ الْجُنُبِ وَاضِحٌ كَمَا أَشَرْت إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ. وَكَلَامُ الْمَجْمُوعِ فِي عُضْوِ الْمُحْدِثِ فَلَا يُقَاسُ بِهِ بَدَنُ الْجُنُبِ عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا مَرَّ وَلِمَا يَأْتِي وَكَلَامُ الْمَجْمُوعِ الْمَذْكُورُ فِي السُّؤَالِ الَّذِي فِي الْوُضُوءِ، وَمَا بَعْدَهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّفْصِيلِ الْآتِي فَلَا شَاهِدَ فِيهِ إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْجُمَلُ وَعُلِمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالسُّؤَالِ فَلَا بَأْسَ بِالْإِشَارَةِ إلَى خُلَاصَةِ حُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي بَدَنَ الْجُنُبِ، وَإِنْ كُنْت أَشَرْت إلَى مَا يُفِيدُهُ فِيمَا مَرَّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ النَّوَوِيَّ نَقَلَ فِيهَا الْخِلَافَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ كَمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ. وَلَمْ يُرَجِّحْ فِي الْكِتَابَيْنِ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا لَكِنَّهُ رَجَّحَ فِي التَّحْقِيقِ كَمَا تَقَدَّمَ مَبْسُوطًا الِاسْتِعْمَالَ عِنْدَ الْمُفَارَقَةِ وَعَدَمَهُ عِنْدَ التَّرَدُّدِ عَلَى عُضْوِ الْمُحْدِثِ وَبَدَنِ الْجُنُبِ بِلَا مُفَارَقَةٍ وَالْحُكْمُ بِعَدَمِ الِاسْتِعْمَالِ عِنْدَ الْجَرْيِ عَلَى الِاتِّصَالِ الْمَحْسُوسِ لَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ النَّقِيبِ فِي مُخْتَصَرِ الْكِفَايَةِ وَأَمَّا عِنْدَ الِانْفِصَالِ فَتَارَةً يَكُونُ بِأَنْ يَخْرُجَ عَنْ الْبَدَنِ وَيَخْرِقُ الْهَوَاءَ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَيْهِ كَأَنْ يَنْفَصِلَ مِنْ رَأْسِهِ وَيَفْقَأَ طُولًا عَلَى فَخِذِهِ، وَهَذَا هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَتَبِعَهُ مَا يَغْلِبُ فِيهِ التَّقَاذُفُ فَلَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بِالِانْفِصَالِ إلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا صَحَّحَهُ فِي الْكِفَايَةِ مِنْ مَنْعِ الِاسْتِعْمَالِ وَكَذَا مَا نَقَلَهُ النَّشَائِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ التَّحْقِيقِ كَمَا مَرَّ تَارَةً يَكُونُ بِأَنْ يَنْفَصِلَ عَنْ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ إلَى بَعْضٍ بِتَرَدُّدٍ وَجَرَيَانٍ مِنْ غَيْرِ خُرُوجٍ فِي الْهَوَاءِ وَلَيْسَ فِيهِ اتِّصَالٌ حِسِّيٌّ وَهَذَا لَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا قَطْعًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَحَاوَلَ فِي الْكِفَايَةِ مَجِيءَ وَجْهٍ فِيهِ وَلَا وَجْهَ لَهُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَقَالَ كَشَيْخِهِ الْأَذْرَعِيِّ فِي قَوْلِ الرَّوْضَةِ وَقَالَ الْإِمَامُ: إنْ نَقَلَهُ قَصْدًا وَإِلَّا فَلَا. هَذَا مَا قَالَهُ الْإِمَامُ فِي التَّقَاذُفِ الَّذِي لَا يَقَعُ إلَّا نَادِرًا وَأَمَّا الَّذِي لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَقَالَ: إنَّهُ عَفْوٌ قَطْعًا لِأَنَّ الْبَدَنَ لَيْسَ سَطْحًا بَسِيطًا وَمِمَّا يُزِيحُ الْإِشْكَالَ جَمِيعَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِبَارَةُ الْغَزَالِيِّ فِي بَسِيطِهِ وَهِيَ (لَوْ انْفَصَلَ مِنْ عُضْوٍ وَتَقَاطَرَ عَلَى عُضْوٍ آخَرَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ جَمِيعَ.

الْبَدَنِ فِي حُكْمِ الْعُضْوِ الْوَاحِدِ) وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ وَهُوَ الْمَنْقُولُ فِي الْمَذْهَبِ، وَعَدَمُ الْمَنْعِ مِنْ الْأَوَّلِينَ لِذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ فِي تَرَادُفِ قَطَرَاتِ مَاءٍ وَتَتَابُعِهَا وَذَلِكَ بَيَانٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ انْتَهَى. فَاشْدُدْ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ يَدَيْك فَإِنَّك لَنْ تَجِدَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ أَحْسَنَ مِنْهَا وَاحْمِلْ عَلَيْهَا كَلَامَ إمَامِهِ الَّذِي حَكَاهُ السَّائِلُ عَنْهُ عَنْ الْمَجْمُوعِ وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ وَهُوَ الْمَنْقُولُ فِي الْمَذْهَبِ يَتَّضِحُ لَك مَا مَرَّ عَنْ الْإِسْنَوِيِّ وَشَيْخِنَا وَغَيْرِهِمَا مِنْ اعْتِمَادِهِمْ الِاسْتِعْمَالَ. وَيَتَّضِحُ لَك أَيْضًا أَنَّهُ الْحَقِيقِيُّ بِالِاعْتِمَادِ وَأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ مَا أَوْهَمَ خِلَافَهُ مِنْ ظَوَاهِرِ عِبَارَاتٍ أُشِيرُ إلَى بَعْضِهَا فِي السُّؤَالِ وَكَانَ هَذَا هُوَ الْحَامِلُ لِلزَّرْكَشِيِّ عَلَى قَوْلِهِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا لِأَنَّ الْمَاءَ لَوْ انْفَصَلَ مِنْ الْعُضْوِ صَارَ مُسْتَعْمَلًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَكَيْفَ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ انْتَهَى. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ ذُكِرَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَا لَفْظُهُ (إذَا كَانَ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْمُتَوَضِّئِ أَوْ الْمُغْتَسِلِ نَجَاسَةٌ حُكْمِيَّةٌ فَغَسَلَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ وَإِزَالَةِ النَّجَسِ أَوْ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ وَحْدَهَا حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ عَنْ النَّجَاسَةِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ يَطْهُرُ عَنْ الْحَدَثِ أَوْ الْجَنَابَةِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَصَحُّهُمَا يَطْهُرُ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي كِتَابِهِ الِانْتِخَابُ وَابْنُ الصَّبَّاغِ لِأَنَّ مُقْتَضَى الطَّهَارَتَيْنِ وَاحِدٌ فَكَفَاهُمَا غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ غُسْلُ جَنَابَةٍ وَغُسْلُ حَيْضٍ. وَالثَّانِي لَا يَطْهُرُ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَاهُ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَصَحَّحَهُ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُعْتَمَدِ وَالرَّافِعِيُّ، وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ. ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي هَذَا الْبَابِ وَذَكَرَهَا صَاحِبُ الشَّامِلِ فِي بَابِ الِاجْتِهَادِ فِي الْأَوَانِي وَالْمُتَوَلِّي فِي الْمِيَاهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي بَابِ الْغُسْلِ، وَلَوْ كَانَ عَلَى يَدِهِ عَجِينٌ أَوْ طِينٌ وَنَحْوُهُ فَغَسَلَهَا بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ لَا يُجْزِئُهُ وَإِذَا جَرَى الْمَاءُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لَا يُحْسَبُ عَنْ الطَّهَارَةِ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. لَفْظُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِحُرُوفِهِ. وَكَمَالُهُ ذَكَرَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى النِّيَّةِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ السُّؤَالِ قَوْلُهُ وَإِذَا جَرَى الْمَاءُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لَا يُحْسَبُ عَنْ الطَّهَارَةِ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي أَيِّ صُورَةٍ هَذَا الْكَلَامُ وَإِنَّمَا سُقْنَا الْكَلَامَ إلَى آخِرِهِ مَعَ شُهْرَةِ مَا قَبْلَ ذَلِكَ. وَوُضُوحِهِ وَمَعْرِفَةِ طَرِيقَةِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لِتُبَيِّنُوا لَنَا كَلَامَهُ هَذَا هَلْ لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَا تَقَدَّمَ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ السَّمْهُودِيِّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ دُرَرُ السُّمُوطِ مَا لَفْظُهُ. (وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَإِذَا جَرَى الْمَاءُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ. . . إلَخْ) أَنَّهُ جَرَى الْمَاءُ الَّذِي غَسَلَ بِهِ النَّجَاسَةَ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْيَدِ لَيْسَ عَلَيْهِ حَائِلٌ لَا يُحْسَبُ عَنْ الطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَعْمَلًا فِي غَسْلِ النَّجَاسَةِ وَهَذَا عَلَى طَرِيقَةِ الْقَاضِي فِي أَنَّ الْغَسْلَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَكْفِي لِلْحَدَثِ وَالنَّجَسِ؛ وَلِهَذَا نَسَبَهُ لِلْقَاضِي ثُمَّ ذَكَرَ تَمَامَ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ فَتَلَقَّفُوا عَلَيْهِ فَعَلَى هَذَا مَا جَوَابُ مَسْأَلَةِ الْعَجِينِ بِنَفْسِهَا إذَا انْفَرَدَتْ؟ فَإِذَا كَانَ عَلَى يَدِهِ عَجِينٌ أَوْ طِينٌ وَنَحْوُهُ وَغَسَلَهَا بِنِيَّةٍ رَفْعِ الْحَدَثِ وَجَرَى الْمَاءُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ وَكَانَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ هَلْ يُقَالُ يُحْسَبُ عَنْ الطَّهَارَةِ وَكَذَا لَوْ كَانَ مُتَغَيِّرًا مَا حُكْمُهُ؟ وَرَأَيْت فِي التَّجْرِيدِ لِلْمُزَجَّدِ مَا لَفْظُهُ لَوْ كَانَ عَلَى يَدِهِ عَجِينٌ أَوْ طِينٌ وَنَحْوُهُ فَغَسَلَهَا بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ لَمْ يُجْزِهِ. وَإِذَا جَرَى الْمَاءُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الطَّهَارَةِ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ الْقَاضِي. قُلْت هَذَا إطْلَاقٌ مُنْتَقَدٌ إذَا لَمْ يَرْفَعْ الْمَاءُ حَدَثًا فَمَا وَجْهُ الْحُكْمِ بِاسْتِعْمَالِهِ نَعَمْ إنْ تَغَيَّرَ بِالْعَجِينِ وَنَحْوِهِ تَغَيُّرًا فَاحِشًا اتَّجَهَ عَدَمُ رَفْعِهِ لِتَغَيُّرِهِ لَا لِكَوْنِهِ مُسْتَعْمَلًا اهـ كَلَامُ الْمُزَجَّدِ وَفَهْمُ الْمُزَجَّدِ هَذَا غَيْرُ مَا فَهِمَهُ السَّمْهُودِيُّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَا يَلِيقُ فَهْمُ الْمُزَجَّدِ هَذَا بِكَلَامٍ نَقَلَهُ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ الْإِمَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَقَرَّرَهُ وَعَلَّلَهُ بِالِاسْتِعْمَالِ فَلْيَتَأَمَّلْ الْمَسْئُولُ ذَلِكَ تَأَمُّلًا حَسَنًا وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ الْإِيضَاحَ الَّذِي لَا يَبْقَى مَعَهُ رَيْبٌ، وَنَقَلَ فِي الْعُمْدَةِ شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلْإِمَامِ ابْنِ النَّحْوِيِّ مَسْأَلَةَ الْعَجِينِ وَنَحْوِهِ مُسْتَقِلَّةً وَلَمْ يُصَدِّرْهَا بِمَا صَدَّرَ بِهَا الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ وَلَفْظُهُ: (فَرْعٌ لَوْ كَانَ عَلَى يَدِهِ عَجِينٌ أَوْ طِينٌ وَنَحْوُهُمَا فَغَسَلَهَا بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ لَا يُجْزِؤُهُ وَإِذَا جَرَى إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لَا يُحْسَبُ عَنْ الطَّهَارَةِ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ) اهـ. وَكَذَا نَقَلَهَا مُسْتَقِلَّةً الدَّمِيرِيّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمِنْهَاجِ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْغُسْلِ اهـ. فَتَأَمَّلُوا نَقْلَ ابْنِ النَّحْوِيِّ وَالدَّمِيرِيِّ الْمَسْأَلَةَ مُسْتَقِلَّةً وَأَوْضِحُوهُ لَنَا وَمَا مَعْنَى الْحُكْمِ بِالِاسْتِعْمَالِ مَعَ كَوْنِهِمَا

ذَكَرَاهَا مُسْتَقِلَّةً؟ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْسَبَ إلَى الْإِمَامِ ابْنِ النَّحْوِيِّ وَالدَّمِيرِيِّ التَّقْرِيرُ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالِاسْتِعْمَالِ لِشَيْءٍ لَا يُحْكَمُ فِيهِ بِالِاسْتِعْمَالِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِكَلَامِهِمَا مَعْنًى آخَرَ لَمْ يُدْرِكْهُ فَهْمُنَا فَبِاَللَّهِ أَمْعِنُوا النَّظَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَانْظُرُوا تَعْلِيقَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَغَيْرِهِ مِنْ مُصَنَّفَاتِهِ وَانْظُرُوهُ نَظَرًا تَامًّا وَأَمْعِنُوا فِي تَحْقِيقِ طَلَبِ ذَلِكَ فَضْلًا مِنْكُمْ مَأْجُورِينَ. (فَأَجَابَ) - شَكَرَ اللَّهُ سَعْيَهُ - بِقَوْلِهِ: قَوْلُ الْمَجْمُوعِ (لَوْ كَانَ عَلَى يَدِهِ عَجِينٌ. .. إلَخْ) ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ مَسْأَلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَا قَبْلَهَا وَهُوَ مَا فَهِمَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ الدَّمِيرِيّ وَغَيْرُهُمَا كَالْفَتَى وَصَاحِبِ الْأَنْوَارِ فَقَالَ لَوْ كَانَ عَلَى يَدِهِ عَجِينٌ أَوْ فِي شُقُوقِهَا شَمَعٌ أَوْ تَحْتَ أَظْفَارِهِ وَسَخٌ فَالْغَسْلَةُ الَّتِي تُزِيلُهُ لَا تُحْسَبُ مِنْ الْوُضُوءِ اهـ. لَكِنْ قَيَّدَ ذَلِكَ تِلْمِيذُ الْقَاضِي الْإِمَامُ الْبَغَوِيّ بِمَا إذَا تَغَيَّرَ الْمَاءُ بِذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لِلنِّيَّةِ حُسِبَتْ أَيْ الْغَسْلَةُ عَنْ الطَّهَارَةِ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ كَمَا لَوْ نَوَى التَّنْظِيفَ وَهُوَ نَاسٍ لِلنِّيَةِ اهـ. وَقَضِيَّةُ تَشْبِيهِهِ عَدَمَ الْحُسْبَانِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ الْأَلْيَقُ بِكَلَامِهِمْ فَإِنْ قُلْت: إطْلَاقُ الْقَاضِي عَدَمَ الْإِجْزَاءِ هَلْ لَهُ وَجْهٌ؟ قُلْت إنْ كَانَ الْفَرْضُ أَنَّ الْحَائِلَ يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْعُضْوِ وَلَا يَزُولُ بِتِلْكَ الْغَسْلَةِ فَالْإِطْلَاقُ صَحِيحٌ، وَإِنْ كَانَ الْفَرْضُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ وَيَتَغَيَّرُ الْمَاءُ بِهِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْفَرْضُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ وَلَا يَتَغَيَّرُ الْمَاءُ بِهِ وَقُصِدَ مَعَ رَفْعِ الْحَدَثِ إزَالَةُ ذَلِكَ الْحَائِلِ بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَيُوَجَّهُ عَدَمُ ارْتِفَاعِ الْحَدَثِ حِينَئِذٍ بِأَنَّهُ يَشْتَرِكُ بَيْنَ وَاجِبٍ وَغَيْرِهِ، وَذَلِكَ الْغَيْرُ لَا يَحْصُلُ ضِمْنًا فَضَرَّ قَصْدُهُ بِخِلَافِ نِيَّةِ التَّبَرُّدِ مَثَلًا فَإِنَّهُ يَحْصُلُ ضِمْنًا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَلَمْ يَضُرَّ قَصْدُهُ وَإِنْ كَانَ الْفَرْضُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ وَلَا يَتَغَيَّرُ الْمَاءُ بِهِ وَلَا قَصَدَ مَعَ رَفْعِ الْحَدَثِ شَيْئًا آخَرَ فَلَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِأَنَّ الْغَسْلَةَ حِينَئِذٍ لَا تَرْفَعُ الْحَدَثَ وَبِتَأَمُّلِ تَفْصِيلِ الْبَغَوِيِّ بَيْنَ التَّغَيُّرِ وَعَدَمِهِ الَّذِي قَدَّمْته وَأَنَّهُ مِنْ الْمُوَافِقِينَ لِلْقَاضِي فِي أَنَّهُ لَا يَكْفِي لِلْحَدَثِ وَالْخَبَثِ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ يُعْلَمُ أَنَّ مَسْأَلَتَنَا هَذِهِ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَا قَبْلَهَا فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُمْكِنْ الْبَغَوِيّ التَّفْصِيلَ الْمَذْكُورَ لِأَنَّ الْغَسْلَةَ عِنْدَهُ لَا تُجْزِئُ عَنْ الْحَدَثِ الْمُقَارِنِ لِلْخَبَثِ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهِ، وَلَمَّا كَانَ لِإِطْلَاقِ الْقَاضِي عَدَمَ الْإِجْزَاءِ وَجْهٌ بَلْ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ أَجْزَأَهُ عَنْ الْخَبَثِ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الصَّرْفَ إذْ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ بِخِلَافِ الْحَدَثِ فَلَمَّا أَطْلَقَ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ، وَفَصَلَ تِلْمِيذُهُ بَيْنَ التَّغَيُّرِ وَعَدَمِهِ وَأَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ ذَاكِرًا لِلنِّيَّةِ وَتَارَةً لَا عَلِمْنَا أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ أَصْلًا، وَأَنَّ كَلَامَهُمَا فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ إنَّمَا هُوَ لِمَعْنًى وَمَدْرَكٍ آخَرَ غَيْرِ مَدْرَكِهِمَا فِي مَسْأَلَةِ اجْتِمَاعِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ فَإِنْ قُلْت: قِيَاسُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي مَسْأَلَتِنَا أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الِاجْتِمَاعِ لَا يَزُولُ الْخَبَثُ فَلِأَيِّ مَعْنًى فَرَّقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ قُلْت الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّ النَّجَاسَةَ تَطْلُبُ الطَّهَارَةَ فَلَمْ يَعُدْ قَصْدُ إزَالَتِهَا صَارِفًا مُنَافِيًا لِقَصْدِ إزَالَةِ الْحَدَثِ فَأَجْزَأَتْ الْغَسْلَةُ عَنْ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِالِانْدِرَاجِ أَوْ عَنْ الْخَبَثِ فَقَطْ عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ فَمَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ الِانْدِرَاجِ بَنَاهُ عَلَى قَاعِدَتِهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ ارْتِفَاعُ الْحَدَثِ إلَّا بَعْدَ زَوَالِ الْخَبَثِ فَتَلَخَّصَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْعَجِينِ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَسْأَلَةِ اجْتِمَاعِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ أَصْلًا وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ (وَإِذَا جَرَى الْمَاءُ إلَى مَوْضِعٍ. .. إلَخْ) يُحْتَمَلُ عَوْدُهُ إلَى مَسْأَلَةِ النَّجَاسَةِ وَيَكُونُ النَّوَوِيُّ وَسَّطَ مَسْأَلَةَ الْعَجِينِ لِأَنَّ لَهَا تَعَلُّقًا بِمَسْأَلَةِ النَّجَاسَةِ مِنْ حَيْثُ الْمُشَابَهَةُ الَّتِي مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهَا، وَالْجَوَابُ عَنْهَا وَهَذَا مَا فَهِمَهُ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ وَعَلَيْهِ فَلَا إشْكَالَ فِي التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ. وَيُحْتَمَلُ عَوْدُهُ إلَى مَسْأَلَةِ الْعَجِينِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ لِظَاهِرِ الْعِبَارَةِ وَهُوَ مَا فَهِمَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ وَغَيْرُهُ وَعَلَيْهِ فَالتَّعْلِيلُ بِالِاسْتِعْمَالِ مُشْكِلٌ إلَّا أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْقَاضِيَ أَرَادَ الِاسْتِعْمَالَ اللُّغَوِيَّ الَّذِي نَشَأَ مِنْهُ عَدَمُ ارْتِفَاعِ الْحَدَثِ عَنْ مَحَلِّ الْعَجِينِ لِمَا تَقَرَّرَ فَإِذَا جَرَى إلَى مَحَلٍّ آخَرَ لَا يَرْفَعُ حَدَثَهُ أَمَّا عِنْدَ فَرْضِ التَّغَيُّرِ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا عِنْدَ عَدَمِ فَرْضِهِ فَلِأَنَّ جَرَيَانَهُ إلَى الْمَحَلِّ الْآخَرِ حَصَلَ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ مِنْ الْمُتَطَهِّرِ إلَى إجْرَائِهِ؛ وَلِذَا عَبَّرَ بِجَرَى وَلَمْ يُعَبِّرْ بِأَجْرِي فَانْتِفَاءُ رَفْعِهِ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي الْأَوَّلِ النَّاشِئِ عِنْدَ جَرَيَانِهِ إلَى الْمَوْضِعِ الثَّانِي مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَأَطْلَقَ الِاسْتِعْمَالَ عَلَى مَا يَعُمُّ الِاسْتِعْمَالَ اللُّغَوِيَّ وَوَجْهُ ذَلِكَ: أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ اللُّغَوِيَّ هُوَ الَّذِي نَشَأَ مِنْهُ عَدَمُ الرَّفْعِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ نَشَأَ مِنْهُ الْجَرَيَانُ إلَى الْمَحَلِّ الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ

قَصْدٍ، وَأَمَّا قَصْدُهُ رَفْعَ الْحَدَثِ أَوَّلًا فَغَيْرُ صَحِيحٍ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْقَاضِي وَلَك حَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الشَّرْعِيِّ. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا صُبَّ الْمَاءُ عَلَى نَحْوِ الْعَجِينِ الْغَالِبِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَمَسَّ الْمَاءُ شَيْئًا مِنْ مُحَاذِي الْحَائِلِ لِأَنَّ مَسَّ الْمَاءِ لِلْعَجِينِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ مَسٍّ لِشَيْءٍ مِمَّا حَاذَاهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ وَوَاضِحٌ أَنَّ مَاءَ ذَلِكَ الْجُزْءِ الْمُحَاذِي الَّذِي لَا حَائِلَ عَلَيْهِ مُسْتَعْمَلٌ، وَقَدْ اخْتَلَطَ بِبَقِيَّةِ الْمَاءِ وَإِذَا جَرَى الْمَاءُ جَمِيعُهُ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ بَعْدَ جَرَيَانِهِ عَلَى ذَلِكَ وَعَدَمُ تَغَيُّرِهِ بِهِ لَا يَرْفَعُ حَدَثًا لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ إذْ الطَّهُورُ إذَا اخْتَلَطَ بِهِ مُسْتَعْمَلٌ يَصِيرُ كُلُّهُ مُسْتَعْمَلًا فَإِنْ قُلْت شَرْطُ الْمُسْتَعْمَلِ الِانْفِصَالُ قُلْت الْقَاضِي حُسَيْنٌ لَا يَشْتَرِطُ ذَلِكَ، بَلْ يُثْبِتُ لِلْمَاءِ حُكْمَ الِاسْتِعْمَالِ وَإِنْ لَمْ يَنْفَصِلْ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَذْهَبِهِ فِي مَسْأَلَةِ اجْتِمَاعِ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ فَظَهَرَ صِحَّةُ تَعْلِيلِهِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ. وَإِنْ فَرَضْنَا انْقِطَاعَ مَسْأَلَةِ الْعَجِينِ عَمَّا قَبْلَهَا، وَأَنَّ مُرَادَهُ الِاسْتِعْمَالُ الشَّرْعِيُّ لَا اللُّغَوِيُّ وَأَنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى طَرِيقَتِهِ وَلَمَّا لَمْ يَظْهَرْ لِلسَّيِّدِ السَّمْهُودِيّ هَذَا الْحَمْلُ بِقِسْمَيْهِ جَعَلَ هَذَا مُتَعَلِّقًا بِمَسْأَلَةِ النَّجَاسَةِ وَرَأَى أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى ذَلِكَ نَظَرًا لِصِحَّةِ الْمَعْنَى بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ أَوْلَى وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ يَأْبَى ذَلِكَ وَلَمَّا ظَهَرَ لِابْنِ الْمُلَقِّنِ وَمَنْ تَبِعَهُ صِحَّةُ حَمْلِهِ عَلَى نَحْوِ مَا ذُكِرَ نَقَلُوهُ وَأَقَرُّوهُ مَشْيًا مَعَ ظَاهِر الْعِبَارَةِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا تَجَوُّزٌ بَعِيدٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَمْلِ الْأَوَّلِ وَحُمِلَ عَلَى مَا يُوَافِقُ الْغَالِبَ لَا مُطْلَقًا بِالنِّسْبَةِ لِلْحَمْلِ الثَّانِي. وَالتَّجَوُّزُ الْبَعِيدُ يَقَعُ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ كَثِيرًا اتِّكَالًا عَلَى فَهْمِ النَّاظِرِينَ فِي كُتُبِهِمْ وَكَانَ اللَّائِقُ بِالْمُزَجَّدِ أَنْ يُؤَوِّلَ كَلَامَ الْقَاضِي عَلَى نَحْوِ مَا أَوَّلْنَا بِهِ وَلَا يَعْتَرِضُ عَلَى ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا وَاضِحٌ لَكِنْ عُذْرُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ النَّاظِرِينَ فِي كَلَامِ غَيْرِهِمْ تَخْتَلِفُ مَقَاصِدُهُمْ فَمِنْهُمْ: مَنْ يَتَرَجَّحُ عِنْدَهُ النَّظَرُ إلَى ظَوَاهِرِ الْعِبَارَاتِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْقَوَاعِدِ وَغَيْرِهَا فَيُبَيِّنُ مَا فِيهَا مِنْ اعْتِرَاضٍ وَنَقْدٍ وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا رَدَّهُ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ أَوْ كَانَ جَلِيًّا قَصَدَ بِتَبْيِينِهِ الْأَغْبِيَاءَ وَتَشْحِيذَ أَذْهَانِ غَيْرِهِمْ وَمِنْهُمْ: مَنْ يَتَرَجَّحُ عِنْدَهُ النَّظَرُ مَعَ ذَلِكَ إلَى مُرَاعَاةِ الْقَوَاعِدِ وَالنَّظَائِرِ فَلَا يَعْتَرِضُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهَا تَعْوِيلًا عَلَى الْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ فِي أَبْوَابِهَا وَمَحَالِّهَا، وَالْمُتَأَخِّرُونَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - انْقَسَمُوا إلَى هَذَيْنِ الْفِرْقَتَيْنِ وَكِلَاهُمَا حَسَنٌ لَكِنَّ الثَّانِيَةَ قَدْ يَتَرَجَّحُ حُسْنُهَا، وَمِنْ ثَمَّ لَمَّا نَقَلَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْكَلَامَ عَنْ الْقَاضِي، وَتَعْلِيلَهُ بِالِاسْتِعْمَالِ لَمْ يَعْتَرِضْهُ بِأَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ أَنْ يُزِيلَ مَانِعًا وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْفُقَهَاءَ قَدْ يُرِيدُونَ بِالِاسْتِعْمَالِ الِاسْتِعْمَالَ اللُّغَوِيَّ. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَنَعُودُ إلَى مَا فِي السُّؤَالِ فَنَقُولُ بِتَأَمُّلِ مَا أَوْضَحْنَاهُ يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ فَعَلَى هَذَا مَا جَوَابُ مَسْأَلَةِ الْعَجِينِ إذَا انْفَرَدَتْ. .. إلَخْ؟ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْأَوْجَهَ فِيهَا مَا مَرَّ عَنْ الْبَغَوِيِّ مَبْسُوطًا مِنْ أَنَّهُ إنْ تَغَيَّرَ الْمَاءُ أَوْ لَمْ يُزِلْ الْحَائِلَ لَمْ يَرْتَفِعْ الْحَدَثُ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَزَالَ الْحَائِلُ بِتِلْكَ الْغَسْلَةِ فَإِنْ قَصَدَ رَفْعَ الْحَدَثِ أَوْ أَطْلَقَ ارْتَفَعَ الْحَدَثُ، وَإِنْ قَصَدَ إزَالَةَ الْحَائِلِ فَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لِلنِّيَّةِ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يَرْتَفِعْ لِأَنَّ قَصْدَ الْإِزَالَةِ حِينَئِذٍ صَارِفٌ. وَعَنْ قَوْلِهِ: (وَلَا يَلِيقُ فَهْمُ الْمُزَجَّدِ. .. إلَخْ) وَذَلِكَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ تَقْرِيرَ النَّوَوِيِّ لِلْقَاضِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ مُسْتَقِلٌّ إنَّمَا هُوَ لِوُضُوحِ الْمُرَادِ وَالْعِلْمِ بِهِ مِمَّا قَدَّمَهُ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ الِاعْتِرَاضَ عَلَى ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ بِنَاءً عَلَى سُلُوكِ الطَّرِيقَةِ الْأُولَى السَّابِقَةِ وَإِنْ كَانَ خِلَافَهَا قَدْ يَكُونُ أَحْسَنَ وَعَنْ قَوْلِهِ: (وَمَا مَعْنَى الْحُكْمِ بِالِاسْتِعْمَالِ مَعَ كَوْنِهِمَا ذَكَرَاهَا مَسْأَلَةً مُسْتَقِلَّةً؟ وَذَلِكَ لِمَا قَدَّمْتُهُ مِنْ أَنَّهُمَا فَهِمَا أَنَّ الْقَاضِي أَرَادَ الِاسْتِعْمَالَ اللُّغَوِيَّ أَوْ الشَّرْعِيَّ بِالطَّرِيقَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا وَبِهَذَا عُلِمَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ أَيْضًا، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْسَبَ إلَى الْإِمَامِ ابْنِ النَّحْوِيِّ وَالدَّمِيرِيِّ التَّقْرِيرُ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالِاسْتِعْمَالِ. .. إلَخْ) فَوَضَحَ الْمُرَادُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَزَالَ مَا فِيهَا مِنْ الْإِشْكَالِ نَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ وَالسَّدَادَ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ آمِينَ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ - بِمَا لَفْظُهُ إذَا انْغَمَسَ الْمُحْدِثُ حَدَثًا أَصْغَرَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ فَهَلْ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ عَنْ جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ فِي آخِرِ بَابِ الْوُضُوءِ وَهَلْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: لَا يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ إلَّا عَنْ وَجْهِهِ فَقَطْ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ انْغِسَالِهِ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بِالنِّسْبَةِ إلَى بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ، وَتَعَدُّدِ مَحَلِّ الْحَدَثِ فَيَصِيرُ حِينَئِذٍ كَجُنُبَيْنِ انْغَمَسَا فِي مَاءٍ قَلِيلٍ، وَتَقَدَّمَتْ نِيَّةُ أَحَدِهِمَا فَيَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ تَأَخَّرَتْ نِيَّتُهُ. وَإِطْلَاقُ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ فِي آخِرِ بَابِ الْوُضُوءِ مُقَيَّدٌ بِمَا ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ: (وَالْمُسْتَعْمَلُ

فِي فَرْضِ الطَّهَارَةِ غَيْرُ طَهُورٍ) فَاكْتَفَى بِهَذَا عَنْ إعَادَتِهِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ كَمَا اكْتَفَى بِقَوْلِهِ: فِي بَابِ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ (إنَّ الْمُحْدِثَ إذَا كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ يَكْفِي لَهَا غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ) عَنْ إعَادَتِهِ فِي بَابِ الْجِنَازَةِ فِي قَوْلِهِ: (وَالْوَاجِبُ تَعْمِيمُ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ بَعْدَ إزَالَةِ النَّجَسِ. وَهَلْ صَرَّحَ أَحَدٌ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ؟ وَهَلْ فَرَّقَ بَيْنَ تَعَدُّدِ الْمَحَلِّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِهِمْ لَوْ انْغَمَسَ جُنُبٌ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ نَاوِيًا رَفْعَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ أَحْدَثَ فِيهِ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْهُ حَدَثًا أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ صَحَّ رَفْعُ حَدَثِهِ الثَّانِي بِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْهُ فَيُعِيدُ الِانْغِمَاسَ فِيهِ لِلْمُحْدِثِ الثَّانِي وَيُجْزِئُهُ أَنَّ الْمُنْغَمِسَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ لِلْوُضُوءِ بِهِ كَالْجُنُبِ فِيمَا ذُكِرَ فَيَرْتَفِعُ حَدَثُهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ انْغِمَاسِ الْجُنُبِ، وَمِثْلُهُ الْمُتَوَضِّئُ وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَأَقَرَّهُ وَبِهِ صَرَّحَ أَيْضًا الْخُوَارِزْمِيُّ فِي كَافِيهِ حَيْثُ قَالَ: إنَّمَا يُحْكَمُ بِاسْتِعْمَالِ الْغُسَالَةِ بَعْدَ الْفَصْلِ حَتَّى لَوْ دَخَلَ جُنُبٌ مَاءً قَلِيلًا ثُمَّ انْغَمَسَ فِيهِ ارْتَفَعَتْ جَنَابَتُهُ فَلَوْ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ ثُمَّ انْغَمَسَ ثَانِيًا صَحَّتْ طَهَارَتُهَا. فَمَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّرَفُ الْمُنَاوِيُّ كَالشَّرَفِ ابْنِ الْمُقْرِي مِنْ أَنَّ حَدَثَهُ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا عَنْ الْوَجْهِ لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ فِيهِ بِخِلَافِ الْجُنُبِ يُرَدُّ حُكْمًا بِأَنَّ الْمَنْقُولَ خِلَافُهُ كَمَا عَلِمْت، وَتَعْلِيلًا بِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا فِي مَسْأَلَةِ ارْتِفَاعِ الْحَدَثِ فِي مَسْأَلَةِ الِانْغِمَاسِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْوُضُوءِ بِأَنَّ عِلَّةَ ارْتِفَاعِهِ بِذَلِكَ مَعَ فَقْدِ التَّرْتِيبِ فِيهِ أَنَّ التَّرْتِيبَ تَقْدِيرِيٌّ فِي لَحْظَةٍ لَطِيفَةٍ، وَأَنَّهُ يَصِيرُ وُضُوءُهُ غُسْلًا وَالْمُعْتَمَدُ هُوَ الْعِلَّةُ الْأُولَى وَكُلٌّ مِنْ الْعِلَّتَيْنِ تَقْتَضِي ارْتِفَاعَ جَمِيعِ حَدَثِهِ وَلَا نَظَرَ لِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ تَقْدِيرِيٌّ فَلَا يُلَاحَظُ أَوْ أَنَّهُ صَيَّرَ وُضُوءَهُ غُسْلًا وَهُوَ لَا يَجِبُ فِيهِ تَرْتِيبٌ، فَاعْتِمَادُ بَعْضُهُمْ لِلثَّانِي وَتَأْوِيلُهُ لِكَلَامِ صَاحِبِ الْكَافِي الَّذِي ذَكَرْتُهُ بِمَا يَصْرِفُهُ عَنْ ظَاهِرِهِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَجُنُبَيْنِ أَوْ مُحْدِثَيْنِ انْغَمَسَا فِي مَاءٍ قَلِيلٍ وَتَقَدَّمَتْ نِيَّةُ أَحَدِهِمَا. وَمَشَى الزَّرْكَشِيُّ فِي الْخَادِمِ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ صَاحِبِ الْكَافِي وَلَمْ يُؤَوِّلْهُ بَلْ ارْتَضَى ظَاهِرَهُ وَمَا وَقَعَ لَهُ فِيهِ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ كَمَا يُعْلَمُ بِمُرَاجَعَةِ كَلَامِهِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُ فِي الْوُضُوءِ: (إنَّ نَفْيَ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا رَاعَى التَّرْتِيبَ فِي الْوُضُوءِ، مَحَلُّهُ إذَا كَثُرَ الْمَاءُ وَإِلَّا كَانَ بِارْتِفَاعِ الْحَدَثِ عَنْ وَجْهِهِ مُسْتَعْمِلًا لِكُلِّهِ فَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ غَيْرِهِ لِلْفَرْقِ الظَّاهِرِ بَيْنَ وُقُوعِ الِانْغِمَاسِ مُرَتَّبًا عَلَى تَرْتِيبِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَلَا يَكْفِي عَنْ غَيْرِ الْوَجْهِ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ التَّرْتِيبِ حِينَئِذٍ وَعَلَى هَذَا قَدْ يُحْمَلُ كَلَامُ الشَّرَفَيْنِ، بَلْ كَلَامُ الْأَوَّلِ كَالصَّرِيحِ فِيهِ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَقَعَ كَذَلِكَ بِأَنْ تُؤَخَّرَ النِّيَّةُ إلَى تَمَامِ الِانْغِمَاسِ فَيَكْفِي، وَيَرْتَفِعُ حَدَثُهُ عَنْ جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لِإِمْكَانِ تَقْدِيرِ التَّرْتِيبِ حِينَئِذٍ فَاعْتَمِدْ ذَلِكَ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا خَالَفَهُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ تَنَجَّسَ الْفَمُ وَبَيْنَ الْأَسْنَانِ أَعْيَانٌ فَهَلْ تَجِبْ إزَالَتُهَا بِنَحْوِ تَخْلِيلٍ أَوْ يَكْفِي التَّمَضْمُضُ لِتَطْهِيرِ الْفَمِ؟ وَتِلْكَ الْأَعْيَانُ إذَا زَالَ بِهِ أَوْصَافَ النَّجَاسَةِ. (فَأَجَابَ) : بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ إزَالَةُ مَا بَيْنَ الْأَسْنَانِ فِيهَا بَلْ يَكْفِي إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا وَصَلَتْ إلَيْهِ النَّجَاسَةُ مِنْهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَغَيَّرَ وَلَا يَزِيدَ وَزْنُهُ، وَأَنْ يَزُولَ أَوْصَافُ النَّجَاسَةِ بِتَفْصِيلِهِ الْمَعْرُوفِ وَلَا يُقَالُ النَّجَاسَةُ تَسْرِي إلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهَا لِأَنَّ الْمَاءَ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ ذَلِكَ لَهُ قُوَّةُ سَرَيَانٍ أَكْثَرُ فَهُوَ يَصِلُ إلَى مَا وَصَلَتْ إلَيْهِ النَّجَاسَةُ الْأُولَى. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا لَوْ تَنَجَّسَ شَعْرُ شَخْصٍ أَوْ جَسَدُهُ وَهُوَ مُدَّهِنٌ الِادِّهَانَ الْمَعْرُوفَ بِحَيْثُ لَوْ لَمَسَ لَظَهَرَ بِمُلَامَسَتِهِ أَثَرٌ مِنْهُ وَلَا يُمْكِنُ إزَالَتُهُ بِإِجْرَاءِ الْمَاءِ عَلَيْهِ بَلْ يَحْتَاجُ إلَى نَحْوِ سِدْرٍ أَوْ كَانَ أَثَرُهُ ضَعِيفًا كَمَاسِّ اللَّحْمِ وَالْأَلْيَةِ يَعْلَقُ بِيَدِهِ أَثَرٌ فَهَلْ يَكْفِي إجْرَاءُ الْمَاءِ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ حُكْمِيَّةً أَوْ عَيْنِيَّةً وَزَالَتْ بَقِيَّةُ أَوْصَافِهَا دُونَ ذَلِكَ الْأَثَرِ؟ بَيِّنُوا لَنَا حَدَّ أَثَرِ الِادِّهَانِ الَّذِي يَطْهُرُ بِنَفْسِ جَرَيَانِ الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَمَا يُعْفَى وَيُتَسَامَحُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ؛ فَالِادِّهَانُ مِنْ الْمَنْدُوبَاتِ وَضَرُورِيٌّ خُصُوصًا فِي مَظَانِّ الْبِرِّ. (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَنْ أَكَلَ مَيْتَةً وَلَا يُمْكِنُ إزَالَةُ دُسُومَتِهَا مِنْ أَسْنَانِهِ إلَّا بِالسِّوَاكِ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِيَاكُ لِتَوَقُّفِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ عَلَيْهِ فَقِيَاسُهُ أَنَّهُ مَتَى تَنَجَّسَ الشَّعْرُ أَوْ الْبَدَنُ وَعَلَيْهِ دُهْنٌ وَلَمْ يُمْكِنْ إزَالَةُ الدُّهْنِ إلَّا بِنَحْوِ سِدْرٍ أَنَّهُ يَجِبُ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَنَجِّسًا، وَإِزَالَتُهُ الْوَاجِبَةُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَمَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ كَانَ وَاجِبًا وَلَا نَظَرَ إلَى كَوْنِ الِادِّهَانِ قُرْبَةً؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِي بَابِ تَطْهِيرِ النَّجَاسَةِ عَلَى إزَالَتِهَا بِجَمِيعِ أَوْصَافِهَا إلَّا

اللَّوْنَ أَوْ الرِّيحَ إنْ عَسُرَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى كَوْنِهِ عَصَى بِسَبَبِ ذَلِكَ أَمْ لَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَكْلُ الْمَيْتَةِ لِلِاضْطِرَارِ وَتَوَقَّفَتْ إزَالَةُ الدُّسُومَةِ عَلَى نَحْوِ السِّوَاكِ أَنَّهُ يَجِبُ. فَمَسْأَلَةُ الِادِّهَانِ كَذَلِكَ مِنْ بَابِ أَوْلَى. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ مَيْتَةٍ لَا دَمَ لَهَا سَائِلٌ وَقَعَتْ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ ثُمَّ زِيدَ عَلَيْهِ - وَهِيَ فِيهِ - مَاءٌ آخَرُ فَهَلْ يَبْقَى الْعَفْوُ؟ (أَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يُمْكِنُ تَخْرِيجُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَسْأَلَةِ ابْنِ أَبِي الصَّيْفِ الْمَشْهُورَةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا فِيهِ مَا يَضُرُّ فِي الْأَصْلِ لَكِنَّهُ عُفِيَ عَنْهُ لِلْمَشَقَّةِ، فَمَنْ نَظَرَ إلَى خُصُوصِ الْمَشَقَّةِ يَقُولُ فِيهَا بِالتَّأْثِيرِ إذْ لَا مَشَقَّةَ فِي خُصُوصِ هَذِهِ وَكَذَا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ، وَمَنْ نَظَرَ إلَى أَنَّ الْمَشَقَّةَ اقْتَضَتْ طَهُورِيَّةَ الْمَاءِ وَأَلْغَى هَذَا الْمَانِعَ يَقُولُ بِعَدَمِ التَّأْثِيرِ، ثُمَّ رَأَيْتنِي صَرَّحْت بِالْمَسْأَلَتَيْنِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ. وَجَعَلْت صُورَةَ السُّؤَالِ شَاهِدًا لِمَا رَجَّحْتُهُ فِي مَسْأَلَةِ ابْنِ أَبِي الصَّيْفِ مِنْ عَدَمِ التَّأْثِيرِ وَعِبَارَتُهُ: (وَلَوْ صُبَّ مُتَغَيِّرٌ بِخَلِيطٍ لَا يُؤَثِّرُ عَلَى غَيْرِ مُتَغَيِّرٍ فَغَيَّرَهُ كَثِيرًا ضَرَّ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا عَلَى مَا ارْتَضَاهُ جُمِعَ لِسُهُولَةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، لَكِنْ مَشَى آخَرُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَهُوَ الْأَقْرَبُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ ذُبَابٌ فِي مَائِعٍ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ فَصُبَّ عَلَى مَائِعٍ آخَرَ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِطَهَارَتِهِ الْمُسْتَثْنِيَةِ عَنْ مَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ، فَكَذَلِكَ لَا يَضُرُّ هَذَا لِطَهُورِيَّتِهِ الْمُسْتَثْنِيَةِ عَنْ ذَلِكَ انْتَهَتْ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ أَرْوَاثِ الْفِئْرَانِ هَلْ يُعْفَى عَنْهَا وَعَنْ آثَارِهَا لِشِدَّةِ الْبَلْوَى بِهَا كَذَرْقِ الطُّيُورِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: صَرَّحَ بِالْعَفْوِ عَنْهَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا نَقَلْتُهُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَالْعُبَابِ وَفِيهِ وَقْفَةٌ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ خِلَافُهُ لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ بِهَا لَمْ يَعُمَّ كَعُمُومِهِ بِذَرْقِ الطُّيُورِ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ، وَالْمُشَاهَدَةُ قَاضِيَةٌ بِذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ الِاحْتِيَاطُ فِي ذَلِكَ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ إخْبَارِ الْقَصَّارِ الْكَافِرِ بِتَنَجُّسِ الثَّوْبِ عِنْدَهُ مَعَ بَيَانِ سَبَبِهِ وَبِغَسْلِهِ وَإِخْبَارِهِ عَنْ غَسْلِ الثَّوْبِ الَّذِي كَانَ مُتَنَجِّسًا قَبْلَ التَّسْلِيمِ إلَيْهِ مَعَ عَدَمِ عِلْمِهِ بِشُرُوطِ التَّطْهِيرِ هَلْ يُعْتَمَدُ خَبَرُهُ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَهَلْ الْكَافِرُ كَالْفَاسِقِ فِي الْإِخْبَارِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: (أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إخْبَارُ الْفَاسِقِ وَالْكَافِرِ بِنَجَاسَةٍ وَلَا بِطَهَارَةٍ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا بَلَغَ الْمُخْبَرَ مِنْ الْفَاسِقِ أَوْ الْكَافِرِ عَدَدُ التَّوَاتُرِ، بِأَنْ كَانُوا جَمْعًا يُؤْمَنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَأَخْبَرُوا عَنْ عِيَانٍ فَيُقْبَلُ خَبَرُهُمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْفُقَهَاءُ وَالْأُصُولِيُّونَ ثُمَّ إنَّهُمْ إنْ وَافَقُوا الْمُخْبِرَ فِي مَذْهَبِهِ فِي بَابِ النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ لَمْ يُشْتَرَطْ بَيَانُ السَّبَبِ وَإِلَّا اُشْتُرِطَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ أَيْضًا مَا إذَا أَخْبَرَ الْكَافِرُ أَوْ الْفَاسِقُ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ وَبَيْنَ السَّبَبِ كَقَوْلِهِ: بُلْت فِي هَذَا الْإِنَاءِ أَوْ طَهَّرْت الثَّوْبَ بِمَاءِ كَذَا حَتَّى زَالَتْ عَيْنُ النَّجَاسَةِ عَنْهُ، فَيُقْبَلُ خَبَرُهُ هُنَا أَيْضًا فَفِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَوْ وُجِدَتْ شَاةٌ مَذْبُوحَةٌ فَقَالَ ذِمِّيٌّ: أَنَا ذَبَحْتهَا حَلَّتْ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ انْتَهَى. فَإِذَا قُبِلَ إخْبَارُ الْكَافِرِ عَنْ فِعْلِ الذَّكَاةِ قُبِلَ إخْبَارُهُ عَنْ فِعْلِهِ التَّنْجِيسَ أَوْ التَّطْهِيرَ مَعَ بَيَانِ سَبَبِهَا بِالْمُسَاوَاةِ إنْ لَمْ يَكُنْ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ يُحْتَاطُ فِيهَا مَا لَا يُحْتَاطُ فِي ذَيْنِكَ وَقَدْ أَطْلَقَ السَّلَفُ إبَاحَةَ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَمْ يَشْتَرِطُوا مُشَاهَدَتَنَا لِذَبْحِهَا، بَلْ عَوَّلُوا عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ تَوْسِيعًا فِي الرُّجُوعِ إلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ وَمَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ صِحَّةُ الِاقْتِدَاءِ بِالْفَاسِقِ وَإِنْ شُوهِدَ سَبْقُ حَدَثِهِ وَلَمْ يُشَاهَدْ وُضُوءُهُ وَلَيْسَ مَلْحَظُهُ إلَّا أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ تَوَضَّأَ قُبِلَ خَبَرُهُ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فَقِيهُ عَصْرِهِ وَأُسْتَاذُ أَهْلِ مِصْرِهِ الشَّرَفُ الْمُنَاوِيُّ: كَانَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْوَلِيُّ أَبُو زُرْعَةَ إذَا تَنَجَّسَ ثَوْبُهُ دَفَعَهُ لِفَتَاهُ وَأَمَرَهُ بِتَطْهِيرِهِ فَإِذَا أَتَاهُ بِهِ وَقَالَ طَهَّرْته لَبِسَهُ وَحَالُ الْفِتْيَانِ لَا يَخْفَى اهـ. وَأَشَارَ الشَّرَفُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ ذَلِكَ الْفَتَى الَّذِي كَانَ الْوَلِيُّ يَدْفَعُ إلَيْهِ ثَوْبَهُ لِيُطَهِّرَهُ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومَ الْعَدَالَةِ، وَإِلَّا لَمْ يَقُلْ الشَّرَفُ وَحَالُ الْفِتْيَانِ لَا يَخْفَى وَحِينَئِذٍ فَهَذَا مِنْ الْوَلِيِّ وَتِلْمِيذِهِ الشَّرَفِ اعْتِمَادٌ لِمُقْتَضَى الْقِيَاسِ الَّذِي قَدَّمْته عَلَى إخْبَارِ الذِّمِّيِّ بِالذَّكَاةِ، وَأَنَّ الْفَاسِقَ وَمِثْلُهُ الْكَافِرُ مَتَى قَالَ طَهَّرْته أَوْ نَجَّسْته وَبَيَّنَ السَّبَبَ أَوْ كَانَ الْفَاسِقُ مُوَافِقًا عَارِفًا بِالطَّهَارَةِ أَوْ النَّجَاسَةِ قُبِلَ خَبَرُهُ وَقَدْ أَفْتَى الْمُنَاوِيُّ بِذَلِكَ كَمَا يَأْتِي وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا إطْبَاقُهُمْ بِحَسَبِ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَنْ اسْتَأْجَرَ فَاسِقًا أَيْ عَنْ نَفْسِهِ، بِأَنْ كَانَ مَعْضُوبًا لِيَحُجَّ عَنْهُ صَحَّتْ إجَارَتُهُ وَقُبِلَ قَوْلُهُ حَجَجْت مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ وَلَا بَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ مَرْجِعَهُ إلَى النِّيَّةِ وَلَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهَا. وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الدَّبِيلِيُّ لَوْ قَالَ لِلْأَجِيرِ جَامَعْتَ فِي إحْرَامِكَ فَأَفْسَدْتَهُ لَمْ تُسْمَعْ هَذِهِ

الدَّعْوَى فَلَا يَحْلِفُ الْأَجِيرُ وَكَذَا لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ تَأَخُّرَ إحْرَامِهِ عَنْ الْمِيقَاتِ أَوْ نَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ أَمِينٌ عَلَيْهَا. وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا لَوْ قَالَتْ تَزَوَّجْت بِرَجُلٍ وَطِئَنِي ثُمَّ طَلَّقَنِي وَاعْتَدَدْت قُبِلَ قَوْلُهَا بِلَا يَمِينٍ أَيْ وَإِنْ كَانَتْ فَاسِقَةً كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي تَصْدِيقِهَا فِي ذَلِكَ إنْكَارُ الزَّوْجِ الثَّانِي مَا نَسَبَتْهُ إلَيْهِ، ثُمَّ إنْ ظَنَّ الْأَوَّلُ صِدْقَهَا نَكَحَهَا بِلَا كَرَاهَةٍ وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ ذَلِكَ نُدِبَ لَهُ الْإِعْرَاضُ عَنْهَا فَإِنْ صَرَّحَ بِكَذِبِهَا امْتَنَعَ عَلَيْهِ تَزَوُّجُهَا حَتَّى يَقُولَ تَبَيَّنْتُ صِدْقَهَا. وَقَوْلُ الْفُورَانِيِّ وَتَبِعَهُ الْغَزَالِيُّ: (إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ كَذِبُهَا لَمْ تَحِلَّ لَهُ) غَلَطٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى الْحِلِّ حَيْثُ أَمْكَنَ صِدْقُهَا وَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ كَذِبُهَا، وَبِهِ يُصَرِّحُ نَصُّ الْأُمِّ، وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِصِحَّةِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى تَغْسِيلِ الْمَيِّتِ وَلَمْ يَشْتَرِطُوا كَوْنَ الْأَجِيرِ ثِقَةً فَاقْتَضَى ذَلِكَ قَبُولُ قَوْلِهِ حَيْثُ لَمْ يُكَذِّبْهُ الْمُسْتَأْجِرُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ هُنَا لِلْغَيْرِ وَبِهِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي مُدَّعِيَةِ التَّحْلِيلِ. وَقَدْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ عِنْدَ قَوْلِ الرَّوْضَةِ: (يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْغَاسِلُ أَمِينًا) كَذَا عِبَارَةُ جَمَاعَةٍ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَكَثِيرُونَ ثُمَّ قَالَ وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ تُشْعِرُ بِالْوُجُوبِ وَوُجِّهَ بِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يُوثَقُ بِهِ وَلَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ إلَّا فِي مَسَائِلَ لَمْ يَعُدُّوا هَذِهِ مِنْهَا اهـ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ إنَّمَا سَكَتُوا عَلَى اسْتِثْنَائِهَا لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى مَا ذَكَرُوهُ مِنْ إخْبَارِ الذِّمِّيِّ بِالذَّكَاةِ، وَفِي التَّوَسُّطِ أَيْضًا عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى الِازْدِحَامِ عَلَى الْغُسْلِ أَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّ الصِّبَا وَالْفِسْقَ لَا يُؤَثِّرَانِ قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ، وَلَيْسَا مِنْ أَهْلِهَا. وَقَدْ جَزَمَ الصَّيْمَرِيُّ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْفَاسِقِ وَلَا لِغَيْرِ الْبَالِغِ فِي الصَّلَاةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ هُنَا كَذَلِكَ بَلْ أَوْلَى اهـ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ مِنْ عَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ مَمْنُوعٌ وَأَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ وَإِنْ سَلِمَ لَا يُعَكِّرُ عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي تَزَاحُمِ ذَوِي حُقُوقٍ فَلَا يُقَدَّمُ مِنْهُمْ عَلَى الْبَاقِينَ إلَّا كَامِلٌ، وَالصَّبِيُّ وَالْفَاسِقُ لَيْسَا كَذَلِكَ فَعَدَمُ تَقْدِيمِ الْفَاسِقِ هُنَا؛ إنَّمَا هُوَ لِمَا ذَكَرْتُهُ فَلَا يَقْتَضِي بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ عَدَمَ قَبُولِ قَوْلِهِ إذَا أَخْبَرَ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ. فَإِنْ قُلْت اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى قَبُولِ قَوْلِ الْفَاسِقِ وَالْكَافِرِ فِي الْإِذْنِ فِي دُخُولِ الدَّارِ وَإِيصَالِ الْهَدِيَّةِ كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الصَّبِيِّ فِيهَا لِلْأَحَادِيثِ أَنَّهُ قَبِلَ هَدَايَا الْكُفَّارِ أَيْ الْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ عَلَى أَيْدِيهِمْ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ هَذَا مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِبَاحَةِ، وَالْإِذْنُ فِي الدُّخُولِ وَالْإِرْسَالِ، وَهُمَا فِعْلُ غَيْرِهِ فَإِذَا قَبِلُوا قَوْلَ الْفَاسِقِ وَالْكَافِرِ هُنَا مُطْلَقًا فَلِمَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا فِي النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ مُطْلَقًا قُلْت فِي هَذَا تَأْيِيدٌ ظَاهِرٌ لِمَا قَدَّمْته مِنْ قَبُولِ خَبَرِهِمَا عَنْ فِعْلِهِمَا وَإِنَّمَا لَمْ نَأْخُذْ بِقَضِيَّةِ هَذَا مِنْ قَبُولِ خَبَرِهِمَا مُطْلَقًا لِأَنَّ السَّلَفَ وَالْخَلْفَ اكْتَفَوْا بِهِمَا فِيمَا ذُكِرَ دُونَ غَيْرِهِ لِعُمُومِ إضْرَارِ النَّاسِ إلَى إنَابَتِهِمَا فِي نَحْوِ الْإِذْنِ وَالْإِرْسَالِ؛ لِأَنَّا لَوْ كُلِّفْنَا أَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَعَاطَى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَوْ لَا يَسْتَنِيبُ فِيهِ إلَّا ثِقَةً لَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ مَشَقَّةً عَظِيمَةً؛ فَاقْتَضَتْ الضَّرُورَةُ الْمُسَامَحَةَ فِي قَبُولِهِمَا فِي ذَلِكَ فَلَا يُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ مِمَّا لَا مَشَقَّةَ فِيهِ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ مِثْلَ تِلْكَ الْمَشَقَّةِ. وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا جَازَ لِلْمَشَقَّةِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ فَقَالَ لَوْ أَذِنَ فِي الدُّخُولِ أَوْ فِي حَمْلِ الْهَدِيَّةِ فَاسِقٌ فَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِقْدَامُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ قَوْلَهُ مَقْبُولٌ شَرْعًا وَجَرَاءَتُهُ أَبْعَدُ مِنْ جَرَاءَةِ الصِّبْيَانِ أَيْ الْمُكْتَفَى بِإِخْبَارِهِمْ فِي ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يُجَرَّبْ عَلَيْهِمْ كَذِبٌ، وَلَا وَقْفَةَ عِنْدِي فِي الْمَسْتُورِ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ وَاسْتُثْنِيَ ذَلِكَ لِمَا عَلَى الْمَالِكِ مِنْ الْمَشَقَّةِ فِي مُبَاشَرَةِ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْأَشْيَاءَ إذَا ضَاقَتْ اتَّسَعَتْ اهـ. وَأَيَّدَهُ الزَّرْكَشِيُّ «بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ ابْنَ أُمِّ أُرَيْقِطٍ اللَّيْثِيَّ وَهُوَ مُشْرِكٌ دَلِيلًا حِينَ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ» فَعُلِمَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ (وَاسْتُثْنِيَ ذَلِكَ. .. إلَخْ) قَبُولُ قَوْلِ الْكَافِرِ أَوْ الْفَاسِقِ فِي مَسْأَلَتِنَا إذَا أَخْبَرَا عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِمَا بِالْأَوْلَى لَا سِيَّمَا فِي التَّطْهِيرِ؛ لِأَنَّ تَعَاطِيَهُ بِالنَّفْسِ لَوْ وَجَبَ لَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ مَشَقَّةً عَظِيمَةً فَاقْتَضَى التَّوْسِيعُ الْمُتَلَقَّى مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ السَّمْحَاءِ قَبُولَ قَوْلِهِ: طَهَّرْته إذَا وَافَقَ مَذْهَبَ الْمُخْبِرِ أَوْ بَيَّنَ السَّبَبَ، وَأَمَّا إفْتَاءُ بَعْضِهِمْ بِعَدَمِ قَبُولِ قَوْلِهِمَا مُطْلَقًا فِي التَّطْهِيرِ كَمَا لَوْ أَخْبَرَا بِالتَّنْجِيسِ أَوْ بِأَنَّ الْكَعْبَةَ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ فَهُوَ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ؛ لِمَا سَبَقَ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِمَّا يُصَرَّحُ بِخِلَافِهِ، وَقِيَاسُهُ عَنْ التَّنْجِيسِ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ الَّذِي فِي التَّطْهِيرِ فَهُمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٌ مِنْ قَبُولِ خَبَرِ الْكَافِرِ أَوْ الْفَاسِقِ

عَنْهُمَا إنْ أَخْبَرَ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ وَقَدْ بَيَّنَ السَّبَبَ أَوْ وَافَقَ الْمُخْبَرَ. وَيَلْحَقُ بِهِمَا الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ الَّذِي لَمْ يُجَرَّبْ عَلَيْهِ الْكَذِبُ. وَقِيَاسُهُ عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْ الْكَعْبَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمْ يُخْبِرْ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ وَنَحْنُ إنَّمَا نَعْتَمِدُ خَبَرَهُ إنْ كَانَ عَنْ فِعْلِ نَفْسِهِ وَمِمَّنْ أَفْتَى بِنَحْوِ مَا ذَكَرْته: السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ - شَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى سَعْيَهُ - وَكَذَا شَيْخُهُ الْمُنَاوِيُّ، وَمُلَخَّصُ عِبَارَتِهِ (الْأَظْهَرُ قَبُولُ خَبَرِ الْفَاسِقِ فَإِنَّهُ الْأَصْلَحُ لِلنَّاسِ وَكَمَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ بِتَذْكِيَةِ شَاةٍ وَبِعَدَمِ الْمَاءِ فَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ) وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ يُقْبَلُ خَبَرُ الصَّبِيِّ فِيمَا طَرِيقُهُ الْمُشَاهَدَةُ فَالْفَاسِقُ مِثْلُهُ، وَقِيَاسُ صِحَّةِ الْقُدْوَةِ بِالْفَاسِقِ صِحَّةُ اعْتِمَادِ إخْبَارِهِ عَنْ طَهَارَتِهِ عَنْ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ وَمِنْ نَظَائِرِ ذَلِكَ اعْتِمَادُ خَبَرِ الْفَاسِقِ عَنْ حَاجَتِهِ وَتَوَقَانِهِ إلَى النِّكَاحِ حَتَّى يَجِبَ إعْفَافُهُ، فَحِينَئِذٍ الْأَصَحُّ مَا قُلْنَاهُ مَا عَلَيْهِ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ وَلِمَا فِي الْبَحْثِ عَنْ حَالِ الْمُطَهَّرِ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَلِمَا يَشْهَدُ لَهُ مِنْ مَنْقُولِ الْمَذْهَبِ وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ مَا يَشْهَدُ لَهُ نَظَرٌ فَقَدْ قَوِيَ بِانْضِمَامِهِ إلَى غَيْرِهِ. وَقَدْ اُسْتُثْنِيَ فِي الْخَادِمِ مِنْ عَدَمِ قَبُولِ خَبَرِ الْفَاسِقِ بِنَجَاسَةِ الْإِنَاءِ مَا لَوْ كَانَ التَّنْجِيسُ مِنْ فِعْلِهِ كَمَا لَوْ قَالَ: بُلْت فِي الْإِنَاءِ، وَالتَّطْهِيرُ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ نَفْسِهِ وَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ لَعَلَّهُ وَجْهٌ ضَعِيفٌ اهـ. وَقَوْلُهُ: (وَبِعَدَمِ الْمَاءِ فَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ) لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَالْوَجْهُ خِلَافُهُ بَلْ لَا يَجُوزُ اعْتِمَادُ الْمُخْبِرِ بِالْمَاءِ أَوْ بِفَقْدِهِ إلَّا إنْ كَانَ ثِقَةً. وَقَوْلُهُ: وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ. .. إلَخْ هُوَ أَعْنِي مَا فِيهِ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ خَبَرُ الصَّبِيِّ إلَّا فِي نَحْوِ دُخُولِ الدَّارِ وَإِيصَالِ الْهَدِيَّةِ وَالدَّعْوَةِ لِلْوَلِيمَةِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - عَنْ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ: (مِقْدَارُ الْقُلَّتَيْنِ بِالْمِسَاحَةِ فِي الْمُرَبَّعِ ذِرَاعٌ وَرُبُعٌ طُولًا وَعَرْضًا وَعُمْقًا وَفِي الْمُدَوَّرِ ذِرَاعَانِ طُولًا وَذِرَاعٌ عَرْضًا وَعُمْقًا. وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ الْمُرَادُ بِالطُّولِ فِي الْمُدَوَّرِ الْعُمْقُ، وَبِالْعَرْضِ فِيهِ مَا بَيْنَ حَائِطَيْ الْبِئْرِ مِنْ سَائِرِ الْجَوَانِبِ فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ هَلْ يُسَاوِي الْمُدَوَّرُ الْمُرَبَّعَ فِي الْمِقْدَارِ أَوْ يَتَفَاوَتُ مَا بَيْنَهُمَا؟ وَإِنْ تَفَاوَتَ فَهَلْ التَّفَاوُتُ قَدْرُ مَا يُعْفَى عَنْهُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يَتَفَاوَتَانِ لَكِنْ بِالْقَدْرِ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ، وَبَيَانُهُ يُعْلَمُ مِنْ سَوْقِ عِبَارَتِي فِي شَرْحِ الْعُبَابِ مَعَ فَوَائِدَ أُخْرَى نَفِيسَةٍ اشْتَمَلَتْ عَلَيْهَا، وَهِيَ: وَهُمَا بِالْمِسَاحَةِ فِي الْمَوْضِعِ الْمُرَبَّعِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ: (الْمُسْتَوِي الْأَضْلَاعِ أَيْ الْأَبْعَادِ الثَّلَاثَةِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالْعُمْقِ، ذِرَاعٌ وَرُبُعٌ طُولًا وَذِرَاعٌ وَرُبُعٌ عَرْضًا وَذِرَاعٌ وَرُبُعٌ عُمْقًا كَمَا فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ يَظْهَرُ بِأَنْ يُكَعَّبَ مَا سَبَقَ بِأَنْ يُضْرَبَ الطُّولُ فِي الْعَرْضِ وَالْحَاصِلُ فِي الْعُمْقِ لَكِنْ بَعْدَ أَنْ يُبْسَطَ كُلًّا مِنْهَا أَرْبَاعًا لِلْكَسْرِ الزَّائِدِ عَلَى الذِّرَاعِ وَهُوَ الرُّبُعُ فَبَسْطُ الطُّولِ خَمْسَةُ أَرْبَاعٍ تَضْرِبُهَا فِي خَمْسَةِ الْعَرْضِ ثُمَّ الْحَاصِلُ فِي خَمْسَةِ الْعُمْقِ يَحْصُلُ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ رُبُعًا يَخُصُّ كُلَّ رُبُعٍ أَرْبَعَةُ أَرْطَالٍ، ثُمَّ اجْعَلْ هَذَا مِيزَانًا تَنْسُبُ إلَيْهِ وَتَقِيسُ عَلَيْهِ مَا شِئْت فَتُكَعِّبُهُ بَعْدَ الْبَسْطِ أَرْبَاعًا أَيْضًا كَمَا صَنَعْت فِي الْمِيزَانِ لِتَتَّضِحَ لَك النِّسْبَةُ بَيْنَهُمَا. فَإِنْ سَاوَاهَا فَقُلَّتَانِ وَإِلَّا فَانْقُصْ أَوْ زِدْ لَائِقًا بِالْحَالِ ثُمَّ بَيَّنْت فِيهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّرَاعِ هُنَا ذِرَاعُ الْآدَمِيِّ، وَأَنَّهُ شِبْرَانِ تَقْرِيبًا وَأَنَّ ذَلِكَ هَلْ هُوَ عَلَى مُرَجَّحُ النَّوَوِيِّ فِي رِطْلِ بَغْدَادَ فَقَطْ أَوْ عَلَى مُرَجَّحِ الرَّافِعِيِّ أَيْضًا وَأَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنَّهُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَهُمَا يَسِيرٌ، ثُمَّ بَيَّنْت مَا يَتَعَلَّقُ بِمُنْحَرِفِ الْأَضْلَاعِ وَمَا وَقَعَ لِلنَّاسِ فِي ذَلِكَ مِنْ الْوَهْمِ بِكَلَامٍ طَوِيلٍ مَبْسُوطٍ ثُمَّ قُلْت: وَالْعِبْرَةُ فِي الْمُدَوَّرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَنْ الْمُهَنْدِسِينَ وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالْعِجْلِيِّ وَغَيْرُهُمَا ذِرَاعَانِ طُولًا أَيْ عُمْقًا بِذِرَاعِ النَّجَّارِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَخْذًا مِنْ كَوْنِ الْقَاضِي حَكَاهُ عَنْ الْمُهَنْدِسِينَ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ لِمَا يَأْتِي. قَالَ شَيْخُنَا أَيْ زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهُوَ بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ ذِرَاعٌ وَرُبُعٌ تَقْرِيبًا وَقَالَ غَيْرُهُ: اعْتَبَرْته فَوَجَدْته ذِرَاعًا وَنِصْفًا اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ كَوْنِهِ ذِرَاعًا وَنِصْفًا يُؤَدِّي إلَى زِيَادَةِ ذَلِكَ عَلَى مِقْدَارِ الْقُلَّتَيْنِ بِكَثِيرٍ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي قَرِيبًا، ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ أَشَارَ فِي غَيْرِ هَذَا الْبَابِ إلَى أَنَّهُ ذِرَاعٌ وَثُلُثٌ وَبِهِ يَتَأَيَّدُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ. وَذِرَاعُ بِذِرَاعِ الْآدَمِيِّ الْمَذْكُورُ فِي الْمُرَبَّعِ عَرْضًا وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ الذِّرَاعُ فِي الْكُلِّ وَاحِدًا قَالَ شَيْخُنَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الذِّرَاعُ فِي طُولِ الْمُدَوَّرِ، أَيْ عُمْقِهِ، وَطُولِ الْمُرَبَّعِ وَاحِدًا مِمَّا مَرَّ؛ لَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الطُّولُ فِي الْمُدَوَّرِ ذِرَاعَيْنِ وَنِصْفًا تَقْرِيبًا إذَا كَانَ الْعَرْضُ ذِرَاعًا، وَجْهُهُ أَنْ يُبْسَطَ كُلٌّ مِنْ الْعَرْضِ وَمُحِيطِهِ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَمْثَالِهِ وَسُبْعٌ وَالطُّولُ أَرْبَاعًا لِوُجُودِ مَخْرَجِهَا فِي الْقُلَّتَيْنِ فِي الْمُرَبَّعِ ثُمَّ يُضْرَبُ نِصْفُ

الْعَرْضِ وَهُوَ اثْنَانِ فِي نِصْفِ الْمُحِيطِ وَهُوَ سِتَّةٌ وَسُبْعَانِ تَبْلُغُ اثْنَيْ عَشَرَ وَأَرْبَعَةَ أَسْبَاعٍ وَهُوَ بَسْطُ الْمُسَطَّحِ فَيُضْرَبُ فِي بَسْطِ الطُّولِ وَهُوَ عَشَرَةٌ تَبْلُغُ مِائَةً وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ رُبْعًا مَبْلَغُ مِقْدَارِ مَسْحِ الْقُلَّتَيْنِ فِي الْمُرَبَّعِ وَهُوَ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ رُبُعًا مَعَ زِيَادَةِ خَمْسَةِ أَسْبَاعِ رُبُعٍ، وَبِهَا حَصَلَ التَّقْرِيبُ فَلَوْ كَانَ الذِّرَاعُ فِي طُولِ الْمُدَوَّرِ وَالْمُرَبَّعِ وَاحِدًا، وَطُولُ الْمُدَوَّرِ ذِرَاعَيْنِ لَكَانَ الْحَاصِلُ مِائَةَ رُبُعٍ وَأَرْبَعَةَ أَسْبَاعِ رُبُعٍ، وَهِيَ أَنْقَصُ مِنْ مِقْدَارِ مَسْحِ الْقُلَّتَيْنِ بِخُمُسٍ تَقْرِيبًا اهـ. وَبِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ. نَقَلَ الْقَمُولِيُّ عَنْ الْعِجْلِيّ أَنَّهُ فِي الْمُدَوَّرِ ذِرَاعٌ فِي عُمْقِ ذِرَاعَيْنِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ لَا يُمْكِنُ صِحَّتُهُ فَإِنَّ الْمُرَبَّعَ إذَا كَانَ ذِرَاعًا وَرُبُعًا طُولًا وَعَرْضًا كَذَلِكَ كَانَ دَوْرُهُ خَمْسَةَ أَذْرُعٍ فَإِذَا كَانَتْ فِي عُمْقِ ذِرَاعٍ وَرُبُعٍ كَانَتْ سِتَّةً وَرُبُعًا، وَالْمُدَوَّرُ إذَا كَانَ عَرْضُهُ ذِرَاعًا كَانَ دَوْرُهُ ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ وَسُبْعَ ذِرَاعٍ فَإِذَا كَانَ عُمْقَ ذِرَاعَيْنِ كَانَ مَجْمُوعُهُ سِتَّةَ أَذْرُعٍ وَسُبْعَيْ ذِرَاعٍ، وَالسُّبْعَانِ أَكْثَرُ مِنْ الرُّبُعِ اهـ. فَاعْتَمَدَ فِي التَّغْلِيطِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ آخِرًا مِنْ أَنَّ السُّبْعَيْنِ أَكْثَرُ مِنْ الرُّبُعِ، وَفَاتَهُ أَنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَهُمَا لَا نَظَرَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ تَقْرِيبِيٌّ كَمَا تَقَرَّرَ عَلَى أَنَّهُ جَزَمَ بِهَذَا الَّذِي غَلِطَ فِيهِ الْقَمُولِيُّ قَبْلَ ذَلِكَ وَنَقَلَ ثَانِيًا عَنْ الْعِجْلِيّ كَذَلِكَ وَكَانَ سَبَبُ الِاشْتِبَاهِ أَنَّهُ عَبَّرَ فِيمَا جَزَمَ وَنَقَلَهُ عَنْ الْعِجْلِيّ بِالطُّولِ وَفِيمَا نَقَلَهُ عَنْ الْقَمُولِيّ بِالْعُمْقِ فَظُنَّ التَّخَالُفُ، وَإِنْ كَانَ صَرَّحَ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالطُّولِ الْعُمْقُ وَبِالْعَرْضِ مَا بَيْنَ حَائِطَيْ الْبِئْرِ مِنْ سَائِرِ الْجَوَانِبِ، وَوَقَعَ هَذَا التَّوَهُّمُ لِلرَّيْمِيِّ فِي تَفْقِيهِهِ وَسُقْت عِبَارَتَهُ وَعِبَارَةَ الْجَوَاهِرِ مَعَ اخْتِلَافِ نُسَخِهَا، وَبَسَطْت مَا فِي ذَلِكَ وَغَيْرَهُ مِمَّا لَا حَاجَةَ لَنَا بِبَسْطِهِ هُنَا وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ لِنَفَاسَتِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ بَسْطَ الْمُدَوَّرِ كَبَسْطِ الْمُرَبَّعِ إلَّا أَنَّ الْمُدَوَّرَ يَزِيدُ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ مِمَّا يُعْفَى عَنْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا إذَا تَغَيَّرَ الْمَاءُ بِمَا عَلَى الْعُضْوِ مِنْ زَعْفَرَانٍ وَنَحْوِهِ وَلَمْ يَمْنَعْ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرِ هَلْ يَصِحُّ الْوُضُوءُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْمَنْقُولُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَضُرُّ تَغَيُّرُ الْمَاءِ بِمَا عَلَى الْعُضْوِ مِنْ مُخَالِطٍ كَزَعْفَرَانٍ أَوْ سِدْرٍ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْحَيُّ وَالْمَيِّتُ كَمَا بَسَطْت ذَلِكَ وَحَرَّرْته فِي شَرْحَيْ الْعُبَابِ وَالْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِمَا وَوَقَعَ لِجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُلْتَفَتَ إلَيْهِ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فَاحْذَرْهُ. (وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَمَّنْ وَضَعَ يَدَهُ فِي إنَاءٍ بِنِيَّةِ الِاغْتِرَافِ فَانْغَسَلَ ظَاهِرُهَا وَبَاطِنُهَا فِيهِ ثُمَّ خَرَجَ بِالْمَاءِ الَّذِي فِيهَا وَغَسَلَ بِهِ سَاعِدَهُ فَهَلْ يَرْتَفِعُ حَدَثُ ظَاهِرِ يَدِهِ بِانْغِسَالِهِ فِي الْمَاءِ قَبْلَ خُرُوجِهَا أَوْ لَا بُدَّ مِنْ جَرَيَانِ الْمَاءِ الَّذِي فِيهَا عَلَى ظَاهِرِهَا بَعْدَ خُرُوجِهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا بُدَّ مِمَّا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ مَنْ لَازَمَ نِيَّةَ الِاغْتِرَافِ مَنَعَهَا لِارْتِفَاعِ حَدَثِ الْعُضْوِ الْمُلَاقِي لِلْمَاءِ فِيهِ، فَحِينَئِذٍ لَا تَطْهُرُ الْيَدُ بِمَا فِيهَا إلَّا بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْ الْمَاءِ، وَالْمَاءُ بَعْدَ خُرُوجِهَا إنَّمَا يُلَاقِي بَاطِنَهَا فَلَا بُدَّ مِنْ إمْرَارِهِ عَلَى ظَاهِرِهَا كَبَاطِنِهَا يَرْتَفِعُ فِي الْمَاءِ فَلَا يُحْتَاجُ بَعْدَ خُرُوجِهَا إلَى إمْرَارِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ بَلْ لَهُ غَسْلُ سَاعِدِهَا بِمَا فِيهَا عَلَى الْمَنْقُولِ الْمُعْتَمَدِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّا لَوْ كَانَ بِكَفَّيْهِ نَجَاسَةٌ وَغَسَلَهُمَا مَعًا هَلْ يَطْهُرَانِ أَمْ لَا بُدَّ لِطَهَارَتِهِمَا مِنْ غَسْلِ كُلِّ كَفٍّ مُنْفَرِدًا لِأَنَّهُمَا عُضْوَانِ؟ إذْ حُكْمُ الْخَبَثِ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَعَدَمِهِ حُكْمُ الْحَدَثِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَفِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ أَنَّ الْمَاءَ إذَا جَرَى مِنْ عُضْوِ الْمُتَوَضِّئِ إلَى عُضْوٍ آخَرَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا عَلَى الصَّحِيحِ، وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَجْهٌ شَاذٌّ مَحْكِيٌّ فِي كِتَابِ التَّيَمُّمِ مِنْ الْبَيَانِ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا لِأَنَّ الْيَدَيْنِ كَعُضْوٍ اهـ. كَلَامُ الرَّوْضَةِ. لَكِنْ فِي مُهِمَّاتِ الْإِسْنَوِيِّ مَا لَفْظُهُ: (قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْمَاءَ إذَا طَهَّرَ أَحَدَ الْيَدَيْنِ لَا يَجُوزُ نَقْلُهُ إلَى تَطْهِيرِ الْأُخْرَى عَلَى الْمَعْرُوفِ فَإِذَا اسْتَحْضَرْت مَا قَالُوهُ وَجَدْته هُنَا مُشِقًّا يَقَعُ فِيهِ كُلُّ مُغْتَرِفٍ وَلَا يَمُرُّ بِالْبَالِ فَتَأَمَّلْهُ وَلَا أَظُنُّ أَحَدًا هُنَا يُوجِبُ مَا تَقْتَضِيه تِلْكَ الْمَقَالَةُ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ مُخَالِفًا وَالصَّوَابُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ هُنَا اهـ. فَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ دَالٌّ عَلَى الطَّهَارَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ؟ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ مَحْمُولًا عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الْكَفَّيْنِ أَوْ يَكُونُ ضَعِيفًا. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنْ صُبَّ الْمَاءُ عَلَى الْكَفَّيْنِ الْمُتَنَجِّسَيْنِ مَعًا، وَلَمْ يَتَقَاطَرْ مِنْ مَاءِ أَحَدِهِمَا الْمُسْتَعْمَلِ عَلَى الْأُخْرَى شَيْءٌ ارْتَفَعَ خَبَثُهُمَا إذْ لَا مُوجِبَ لِلِاسْتِعْمَالِ حِينَئِذٍ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْمَاءَ صُبَّ عَلَيْهِمَا مَعًا مَعَ انْفِصَالِ كُلٍّ عَنْ الْأُخْرَى وَأَمَّا إذَا صُبَّ عَلَيْهِمَا مَعًا وَإِحْدَاهُمَا

أَسْفَلُ مِنْ الْأُخْرَى فَجَرَى الْمَاءُ عَلَى الْعُلْيَا ثُمَّ عَلَى السُّفْلَى فَلَا يُطَهِّرُ إلَّا الْعُلْيَا دُونَ السُّفْلَى؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْوَاصِلَ إلَيْهَا مُسْتَعْمَلٌ لِانْفِصَالِهِ عَنْ مَحَلِّهِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْيَدَيْنِ فِي هَذَا الْبَابِ عُضْوٌ مُسْتَقِلٌّ. وَزَعْمُ الْوَجْهِ الشَّاذِّ أَنَّهُ لَا تَرْتِيبَ بَيْنَهُمَا فَكَانَا كَجُنُبٍ بَرَدَ كَمَا بَسَطْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ بِأَنَّ التَّرْتِيبَ إنَّمَا سَقَطَ ثَمَّ لِلْعُسْرِ فَلِرِعَايَتِهِ جَعَلَ بَدَنَهُ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ مُطْلَقًا، وَأَمَّا سُقُوطُهُ هُنَا فَهُوَ لِاتِّحَادِ الِاسْمِ لِلْمَشَقَّةِ، وَاتِّحَادُهُ لَا دَخَلَ لَهُ فِي جَعْلِ الِانْفِصَالِ الْحِسِّيِّ كَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمَشَقَّةِ. وَأَنْتَ مَعَ هَذَا الَّذِي تَقَرَّرَ فِي الْفَرْقِ خَبِيرٌ بِقُوَّةِ هَذَا الْوَجْهِ لِقُوَّةِ قِيَاسِهِ فَدَعْوَى الرَّوْضَةِ فِيهَا شُذُوذُهُ فِيهَا نَظَرٌ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّهُ شَاذٌّ نَقْلًا لَا مَعْنًى وَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ قَوْلُ الْقَاضِي وَتَبِعَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ لَوْ كَانَتْ نَجَاسَةٌ بِمَحَلَّيْنِ فَمَرَّ الْمَاءُ عَلَى أَعْلَاهُمَا ثُمَّ عَلَى الْأُخْرَى طَهُرَا؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ كَمَا بَيَّنْته فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَكُونَا عَلَى بَدَنٍ وَاحِدٍ وَيَجْرِي الْمَاءُ إلَيْهِمَا عَلَى الِاتِّصَالِ وَكَذَا إنْ انْفَصَلَ وَكَانَ الْمَحَلَّانِ قَرِيبَيْنِ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ التَّقَاذُفُ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي الْجُنُبِ. أَمَّا إذَا تَبَاعَدَا وَلَمْ يَجْرِ عَلَى الِاتِّصَالِ فَإِنَّ الْخَبَثَ لَا يَرْتَفِعُ لِأَنَّ الْمَاءَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا بِانْفِصَالِهِ الْمَذْكُورِ، وَانْفِصَالُهُ مِنْ الْيَدِ إلَى الْأُخْرَى كَهَذَا الِانْفِصَالِ الضَّارِّ لَا كَالِانْفِصَالِ فِي إحْدَى الصُّورَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ، وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ السَّائِلُ عَنْ الْمُهِمَّاتِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ عَلَى عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ الَّتِي سَاقَهَا السَّائِلُ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ عَلَى قَوْلِهَا فِي بَابِ الْوُضُوءِ ثُمَّ مَنْ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ وَلَمْ يَتَيَقَّنْ طَهَارَتَهَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ مِنْ قَبْلِ الْغَسْلِ فَقَالَ عَقِبَ ذَلِكَ فِيهِ أُمُورٌ: أَحَدُهَا: أَنَّ تَعْبِيرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَلَمْ يَتَيَقَّنْ طَهَارَتَهَا يَدْخُلُ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ وَهِيَ تَيَقُّنُ النَّجَاسَةِ وَظَنُّهَا وَتَوَهُّمُهَا، وَاسْتِوَاءُ الْأَمْرَيْنِ وَدُخُولُهَا صَحِيحٌ إلَّا الْقِسْمَ الْأَوَّلَ ثُمَّ قَالَ: الْأَمْرُ الثَّانِي قَدْ سَبَقَ فِي الطَّهَارَةِ أَنَّ الْمَاءَ إذَا طَهَّرَ إحْدَى الْيَدَيْنِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ، وَهُوَ كَلَامٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ وَإِنْ نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَأَقَرُّوهُ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ كَلَامَهُ إنْ كَانَ فِي الْخَبَثِ بِأَنْ كَانَتْ يَدَاهُ نَجِسَتَيْنِ لَمْ يَخْلُ إمَّا أَنْ يَغْتَرِفَ بِيَدِهِ إلَى يَدِهِ الْأُخْرَى مِنْ مَاءٍ كَثِيرٍ أَوْ قَلِيلٍ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ طَهُرَتْ الْيَدُ بِغَمْسِهَا فِيهِ بِشَرْطِهِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَالْمَاءُ كُلُّهُ صَارَ نَجِسًا فَلَمْ يَصِحَّ مَا قَالَهُ فِي صُورَةِ الْخَبَثِ فَإِنْ قُلْتَ يُمْكِنُ تَصْوِيرُهُ بِأَنْ يُدْخِلَ يَدَهُ فِي الْكَثِيرِ وَلَا تَطْهُرُ لِبَقَاءِ وَصْفِ النَّجَاسَةِ السَّهْلِ الْإِزَالَةُ قُلْتُ هَذَا نَادِرٌ وَلَا مَشَقَّةَ فِيهِ فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ كَلَامُهُ. وَإِنْ كَانَ فِي الْحَدَثِ بِأَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ فَرْضَ ذَلِكَ فِي الِاغْتِرَافِ بِيَدِهِ إلَى الْأُخْرَى بَعْدَ كَمَالِ غَسْلِ الْوَجْهِ لَمْ يَخْلُ أَيْضًا إمَّا أَنْ يَغْتَرِفَ مِنْ كَثِيرٍ أَوْ قَلِيلٍ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَقَدْ ارْتَفَعَ حَدَثُهُ بِدُخُولِهَا فِيهِ فَالْمَاءُ الَّذِي فِيهَا غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ فَيَصِحُّ أَنْ تَطْهُرَ بِهِ الْأُخْرَى، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي بِأَنْ لَمْ يَنْوِ الِاغْتِرَافَ أَوْ نَوَاهُ فَمَا أَخَذَهُ بِيَدِهِ يُطَهِّرُهَا وَلَا يَرْفَعُ حَدَثَ الْأُخْرَى لَوْ نَقَلَهُ إلَيْهَا، ثُمَّ إنْ كَانَ نَوَى الِاغْتِرَافَ احْتَاجَ إلَى غَرْفَةٍ ثَانِيَةٍ لِيَدِهِ الْأُخْرَى إذَا لَمْ يَغْتَرِفْ بِهَا لِاسْتِعْمَالِ مَاءِ الْأُولَى وَهَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ مَعْلُومٌ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي بَحْثِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَلَمْ يَذْكُرُوا هُنَا مَا يُخَالِفُهُ أَصْلًا لِأَنَّ الَّذِي ذَكَرُوهُ هُنَا أَنَّ إدْخَالَ الْيَدَيْنِ فِي الْإِنَاءِ مَعَ عَدَمِ تَيَقُّنِ طُهْرِهِمَا مَكْرُوهٌ وَإِنْ نَجِسَ الْمَاءُ فِي صُورَةِ تَيَقُّنِ النَّجَاسَةِ، وَاسْتِشْكَالُ الْإِسْنَوِيِّ رَدَّهُ جَمَاعَةٌ كَمَا بَسَطْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ. فَلَيْسَ فِي هَذَا اغْتِرَافٌ. وَلَا مُخَالَفَةَ لِمَا ذَكَرُوهُ فِي بَحْثِ الْمُسْتَعْمَلِ مِنْ أَنَّ إحْدَى الْيَدَيْنِ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ الْأُخْرَى فِي الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ فَانْدَفَعَ قَوْلُهُ، وَلَا أَظُنُّ أَحَدًا هُنَا. . . إلَخْ وَبَانَ وَاتَّضَحَ أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ وَأَنَّ التَّصْوِيبَ وَالِاعْتِرَاضَ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي غَيْرِ مَحَلِّهِمَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ، لِأَنَّ جَمَاعَةً نَقَلُوا كَلَامَ الْإِسْنَوِيِّ هَذَا وَسَكَتُوا عَلَيْهِ، وَهُوَ عَجِيبٌ لِوُضُوحِ فَسَادِهِ كَمَا يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ فَإِنْ قُلْتَ قَدْ يَقَعُ لِبَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ يَغْتَرِفُ بِيَدِهِ الْمُتَنَجِّسَةِ مِنْ الْقَلِيلِ لِتَطْهِيرِ الْأُخْرَى وَلِبَعْضِهِمْ أَنْ يَغْتَرِفَ مِنْ الْقَلِيلِ بِلَا نِيَّةِ اغْتِرَافٍ لِتَطْهِيرِ يَدِهِ الْأُخْرَى قُلْتُ: لَا يَسَعُ الْإِسْنَوِيُّ أَنْ يُصَوِّبَ فِي هَذِهِ مَا يُوهِمُهُ كَلَامُهُمْ هُنَا أَنَّ هَذَا الْمَاءَ يُطَهِّرُ يَدَهُ الْأُخْرَى وَلَمْ يُبَالُوا بِهَذَا الْإِيهَامِ لَوْ فُرِضَ وُجُودُهُ وَإِلَّا فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا إيهَامَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْته؛ لِأَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ مَعْلُومٌ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الْمُسْتَعْمَلِ، وَمِثْلُ هَذَا السَّفْسَافِ لَا يُورَدُ عَلَى الْأَئِمَّةِ. فَإِنْ قُلْتَ: قَدْ يَقَعُ أَيْضًا أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يُدْخِلُ يَدَهُ بِنِيَّةِ الِاغْتِرَافِ فَيَأْخُذُ بِهَا الْمَاءَ لِتَطْهِيرِ الْأُخْرَى وَهُوَ لَا يُطَهِّرُهَا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَعْمَلًا بِرَفْعِهِ حَدَثَهَا قُلْتُ: لَا يَصِحُّ فَرْضُ كَلَامِ الْإِسْنَوِيُّ فِي هَذِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ

باب النجاسة

سَلْبَ الطَّهُورِيَّةِ فِيهَا هُوَ صَرِيحُ قَوْلِ الرَّوْضَةِ (أَنَّ الْمَاءَ إذَا جَرَى مِنْ عُضْوِ الْمُتَوَضِّئِ إلَى عُضْوٍ آخَرَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا) فَكَيْفَ يُصَوِّبُ خِلَافَ ذَلِكَ الْمُوَافِقِ لِلْوَجْهِ الشَّاذِّ الْمُتَقَدِّمِ قَرِيبًا، وَبِسَبْرِ هَذِهِ الصُّوَرِ مَعَ بَيَانِ عَدَمِ صِحَّةِ تَأَتِّي كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ فِيهَا (بِأَنَّ فَسَادَ عِبَارَتِهِ هَذِهِ كَمَا تَقَرَّرَ وَبَعْدَ أَنْ تَتَأَمَّلَ ذَلِكَ كُلَّهُ يَظْهَرُ لَك انْدِفَاعُ قَوْلِ السَّائِلِ فَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ. .. إلَخْ. وَوَجْهُ انْدِفَاعِهِ مَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ لَا مَعْنَى لَهُ وَبِفَرْضِ صِحَّتِهِ فَهُوَ فِي الِاغْتِرَافِ، وَالْمَسْئُولُ عَنْهُ لَيْسَ فِيهِ اغْتِرَافٌ وَانْدِفَاعُ قَوْلِهِ أَعْنِي السَّائِلَ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ. .. إلَخْ. وَوَجْهُ انْدِفَاعِ هَذَا أَيْضًا أَنَّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ يَشْمَلُ الِاغْتِرَافَ بِإِحْدَى الْيَدَيْنِ وَالصَّبَّ عَلَيْهِمَا لِيَصِلَ الْمَاءُ إلَى الْأُخْرَى، وَكُلُّهُ صَحِيحٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْهُ يَظْهَرْ لَك الصَّوَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - أَيُّمَا أَفْضَلُ الْأَنْهَارِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نِيلُ مِصْرَ لِمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - " نِيلُ مِصْرَ سَيِّدُ الْأَنْهَارِ سَخَّرَ اللَّهُ لَهُ كُلَّ نَهْرٍ مِنْ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ". (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيُّمَا أَفْضَلُ مَاءُ زَمْزَمَ أَوْ الْكَوْثَرُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْبُلْقِينِيُّ مَاءُ زَمْزَمَ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ غَسَّلُوا بِهِ قَلْبَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ شَقُّوهُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ مَعَ قُدْرَتِهِمْ عَلَى مَاءِ الْكَوْثَرِ فَاخْتِيَارُهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ دَلِيلٌ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ وَلَا يُعَارِضُهُ أَنَّهُ عَطِيَّةُ اللَّهِ لِإِسْمَاعِيلَ، وَالْكَوْثَرُ عَطِيَّةُ اللَّهِ لِنَبِيِّنَا لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي عَالَمِ الدُّنْيَا لَا الْآخِرَةِ وَلَا مِرْيَةَ أَنَّ الْكَوْثَرَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ أَعْظَمِ مَزَايَا نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ ثَمَّ قَالَ تَعَالَى {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1] بِنُونِ الْعَظَمَةِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَبِمَا قَرَّرْتُهُ عُلِمَ الْجَوَابُ عَمَّا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَى الْبُلْقِينِيُّ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ أَرْوَاثِ الْفِئْرَانِ إذْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِهَا فِي بِلَادِ مِلِيبَارَ هَلْ يُعْفَى عَنْهَا لِأَنَّ عُمُومَ الْبَلْوَى بِهَا أَكْثَرُ وَأَظْهَرُ مِنْ ذَرْقِ الطُّيُورِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِقَوْلِهِ - صَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ بِأَنَّهُ يُعْفَى عَنْ النَّجَاسَةِ الَّتِي عَلَى مَنْفَذِ الْفَأْرِ إذَا وَقَعَتْ تِلْكَ الْفَأْرَةُ وَعَلَى مَنْفَذِهَا النَّجَاسَةُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَوْ مَائِعٍ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ. وَلَمَّا ذَكَرْت ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ قُلْتُ عَقِبَهُ: (وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ بِالْأَوْلَى الْعَفْوُ عَمَّا تُلْقِيه الْفَأْرَةُ فِي بُيُوتِ الْأَخْلِيَةِ مِنْ النَّجَاسَةِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْفَزَارِيّ يُعْفَى عَنْ بَعْرِهَا إذَا وَقَعَ فِي مَائِعٍ وَعَمَّتْ الْبَلْوَى بِهَا، وَيُوَافِقُهُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْعِمَادِ عَنْ مَشَايِخِ مَشَايِخِهِ مِنْ الْعَفْوِ عَنْ بَعْرِ الشِّيَاهِ الْوَاقِعِ فِي اللَّبَنِ حَالَ الْحَلْبِ، لَكِنْ فِي هَذَا نَظَرٌ فَإِنَّ الِاحْتِرَازَ لَا يُعْسِرُ عَنْ ذَلِكَ عُسْرًا يُلْحِقُهُ بِمَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ، وَنَقَلَ أَيْضًا عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ مُمَاسَّةِ الْعَسَلِ لِلْكُوَّارَةِ الْمَجْعُولَةِ مِنْ رَوْثِ الْبَقَرِ وَنَحْوِهِ اهـ. الْمَقْصُودُ مِنْ عِبَارَةِ شَرْحِ الْعُبَابِ وَبِهَا عُلِمَ أَنَّ الْفَزَارِيّ وَهُوَ مِنْ مَعَاصِرِي النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - قَائِلٌ بِالْعَفْوِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ فِي الْمَعْنَى لَكِنْ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ خِلَافُهُ، وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَرْقِ الطُّيُورِ بِأَنَّ الْبَلْوَى بِهَا عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَحَلٍّ وَيَتَعَذَّرُ الصَّوْنُ عَنْهَا وَلَا كَذَلِكَ الْفِئْرَانُ فَإِنَّ الْبَلْوَى بِهَا مُخْتَصَّةٌ بِبَعْضِ الْأَمَاكِنِ وَمَعَ ذَلِكَ يَسْهُلُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا بِتَغْطِيَةِ الْإِنَاءِ وَإِحْكَامِ غِطَائِهِ، وَهَذَا أَمْرٌ سَهْلٌ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ فَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَسْمَحْ الْأَصْحَابُ بِالْعَفْوِ عَنْ زِبْلِ الْفِئْرَانِ وَإِنْ سَمَحُوا بِالْعَفْوِ عَمَّا عَلَى مَنَافِذِهَا إلْحَاقًا لَهَا بِسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ فِي ذَلِكَ فَيَنْبَغِي لِذِي الْوَرَعِ الِاحْتِيَاطُ وَالتَّحَرُّزُ عَمَّا وَقَعَ فِيهِ بَعْرُهَا، وَلَا يُقَلِّدُ الْفَزَارِيّ فِي الْعَفْوِ عَنْهُ لِمَا عَلِمْت أَنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ ظَاهِرٌ فِي رَدِّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ النَّجَاسَةِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ الْمُسْلِمِينَ - عَنْ مَسْأَلَةٍ، قَالَ سَائِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَقَعَ فِي نَفْسِي بِسَبَبِهَا شَيْءٌ مَعَ كَثْرَةِ النَّقْلِ فِيهَا فَتْوَى وَغَيْرُهَا وَهِيَ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ الشَّعْرَ طَاهِرٌ مَا لَمْ يُعْلَمْ كَوْنُهُ مِنْ غَيْرِ مُذَكَّاةٍ دُونَ بَقِيَّةِ أَجْزَاءِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لَا تَصِيرُ أَجْزَاؤُهَا طَاهِرَةً إلَّا بِالذَّكَاةِ، وَنَحْنُ نَجِدُهُمْ يَأْتُونَ بِالسَّمْنِ مِنْ الْحَبَشَةِ وَغَيْرِهَا وَكَذَا الزَّبَادُ مِنْ السَّوَاحِلِ فِي بِطَاطٍ وَقُرُونٍ مِنْ بَلَدٍ فِيهَا مُسْلِمُونَ وَكُفَّارٌ أَوْ خَالِصُ أَحَدِهِمَا يَأْتِي بِهِ الْمُسْلِمُ أَوْ غَيْرُهُ وَيَشْتَرِيه الْمُسْلِمُ أَوْ غَيْرُهُ وَكَالشِّفَارِ بِمَكَّةَ تُبَاعُ، وَأَنْصِبَتُهَا عِظَامٌ أَوْ بَعْضُهَا وَفِي نَفْسِي مِنْ هَذِهِ أَكْثَرُ فَإِنَّ عِظَامَ صَيْدِ الْبَحْرِ طَاهِرَةٌ فَكَيْفَ يُقَالُ بِالنَّجَاسَةِ مُطْلَقًا فِي الْعِظَامِ؟ بَيِّنُوا ذَلِكَ وَابْسُطُوهُ

(فَأَجَابَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِأَنَّ مَا نُقِلَ مِنْ أَنَّ الشَّعْرَ طَاهِرٌ مَا لَمْ يُعْلَمْ كَوْنُهُ مِنْ غَيْرِ مُذَكَّاةٍ دُونَ بَقِيَّةِ أَجْزَاءِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لَا تَصِيرُ أَجْزَاؤُهَا طَاهِرَةً إلَّا بِالذَّبْحِ لَمْ أَرَهُ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَكَأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّ الشَّعْرَ أَيْ وَنَحْوَهُ كَالصُّوفِ وَالْوَبَرِ وَالرِّيشِ إذَا كَانَ مِنْ مَأْكُولٍ، وَانْفَصَلَ فِي الْحَيَاةِ يَكُونُ طَاهِرًا بِخِلَافِ نَحْوِ الْقَرْنِ وَالْعَظْمِ وَالظِّلْفِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ طَاهِرَةً مِنْ الْمَأْكُولِ إلَّا إذَا انْفَصَلَتْ بَعْدَ الذَّبْحِ دُونَ مَا إذَا انْفَصَلَتْ قَبْلَهُ فَقَدْ عُهِدَ لِنَحْوِ الشَّعْرِ حَالَةٌ يُحْكَمُ لَهُ فِيهَا بِالطَّهَارَةِ مَعَ الْحُكْمِ بِالنَّجَاسَةِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِنَحْوِ الْعَظْمِ فَمِنْ ثَمَّ افْتَرَقَا فَهَذَا الْفَرْقُ، وَإِنْ تُخُيِّلَ لَكِنَّهُ لَا يُجْدِي مَا ذُكِرَ مِنْ الْحُكْمِ بِالطَّهَارَةِ لِنَحْوِ الشَّعْرِ وَالنَّجَاسَةِ لِنَحْوِ الْعَظْمِ. فَإِنَّ هَذَا الْفَرْقَ إنَّمَا يَتَأَتَّى فِي نَحْوِ شَعْرٍ عُلِمَ حَالُهُ وَنَحْوِ عَظْمٍ كَذَلِكَ وَهَذَا لَا كَلَامَ فِيهِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِيمَا جُهِلَ حَالُهُ مِنْهُمَا فَلَمْ يُدْرَ هَلْ هُوَ مِنْ مَأْكُولٍ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ انْفَصَلَ قَبْلَ الذَّبْحِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ فِي حَالِ الْحَيَاةِ أَوْ الْمَوْتِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا حِينَئِذٍ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ؛ لِأَنَّا إنْ نَظَرْنَا لِحَالَةِ اتِّصَالِهِمَا فَهُمَا طَاهِرَانِ أَوْ لِحَالَةِ انْفِصَالِهِمَا بَعْدَ الذَّبْحِ، وَهُمَا مِنْ مَأْكُولٍ فَهُمَا كَذَلِكَ أَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ فَهُمَا نَجِسَانِ أَوْ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ فَأَمْرُهُمَا مَشْكُوكٌ، فَهُمَا عِنْدَ الْجَهْلِ بِحَالِهِمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ بِطَهَارَتِهِمَا أَوْ نَجَاسَتِهِمَا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْكُلَّ طَاهِرٌ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ مَأْكُولٍ، وَأَنَّهُ انْفَصَلَ مِنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا طَهَارَتَهُ عِنْدَ اتِّصَالِهِ وَشَكَكْنَا فِي مُوجِبِ نَجَاسَتِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ مِنْ غَيْرِ مَأْكُولٍ انْفَصَلَ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ فِي حَيَاتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِنَحْوِ الْعَظْمِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ طَرْقِ مَا يُنَجِّسُهُ فَهُوَ مِنْ قَاعِدَةٍ تُعَارِضُ الْأَصْلَ وَغَيْرَهُ. وَحَاصِلُ مَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ فِيهَا عَنْ الْأَصْحَابِ، أَنَّ الْأَصْلَ وَالْيَقِينَ لَا يُتْرَكُ حُكْمُهُ بِالشَّكِّ إلَّا فِي مَسَائِلَ يَسِيرَةٍ لِأَدِلَّةٍ خَاصَّةٍ، وَبَعْضُهَا إذَا حُقِّقَ كَانَ دَاخِلًا فِي الْقَاعِدَةِ فَلَوْ كَانَ مَعَهُ نَحْوُ مَاءٍ أَوْ عَصِيرٍ مِمَّا أَصْلُهُ الطَّهَارَةُ وَتَرَدَّدَ فِي نَجَاسَتِهِ لَمْ يَضُرَّ تَرَدُّدُهُ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى طَهَارَتِهِ سَوَاءٌ كَانَ تَرَدُّدُهُ بَيْنَ الطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ مُسْتَوِيًا أَوْ تَرَجَّحَ احْتِمَالُ النَّجَاسَةِ حَتَّى غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ الْحُكْمُ بِهَا، فَإِنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَإِنْ اسْتَنَدَ الْحُكْمُ بِهَا إلَى سَبَبٍ مُعَيَّنٍ لَا بِقَيْدِهِ الْآتِي، كَمَقْبَرَةٍ شُكَّ فِي نَبْشِهَا وَثِيَابِ مُتَدَيِّنِينَ بِالنَّجَاسَةِ وَمُدْمِنِي الْخَمْرِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَالْقَصَّابِينَ وَالْجُوخِ، وَقَدْ اُشْتُهِرَ عَمَلُهُ بِشَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَالْوَرَقِ يُنْشَرُ رَطْبًا عَلَى الْحِيطَانِ النَّجِسَةِ وَالْخَزَفِ الْآجُرِّ خِلَافًا لِمَنْ قَطَعَ بِنَجَاسَتِهِ كَالْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ نَظَرًا لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ بِاسْتِعْمَالِ السِّرْجِينِ فِيهِ وَالْجُبْنِ الْمَجْلُوبِ مِنْ بِلَادِ الْفِرِنْجِ. وَإِنْ اُشْتُهِرَ عَمَلُهُ بِإِنْفَحَةِ الْخِنْزِيرِ أَوْ الْمِلْحِ الَّذِي فِي جِلْدِهَا وَالْفِرَاءِ السِّنْجَابِ وَنَحْوِهَا وَإِنْ اُشْتُهِرَ أَنَّهَا لَا تُذْبَحُ وَإِنَّمَا تُخْنَقُ، فَكُلُّ هَذِهِ مَحْكُومٌ بِطَهَارَتِهَا عَمَلًا بِالْأَصْلِ نَعَمْ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ مَا غَلَبَتْ فِيهِ النَّجَاسَةُ، ثُمَّ مَحَلُّ الْعَمَلِ بِالْأَصْلِ إذَا اسْتَنَدَ ظُنَّ النَّجَاسَةُ إلَى غَلَبَتِهَا فَحَسْبُ. أَمَّا لَوْ اسْتَنَدَ إلَى عَلَامَةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ فَيُعْمَلُ بِهَا كَمَا لَوْ رَأَى ظَبْيَةً تَبُولُ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ فَوَجَدَهُ عَقِبَ الْبَوْلِ مُتَغَيِّرًا وَشَكَّ فِي أَنَّ تَغَيُّرَهُ بِهِ أَوْ بِنَحْوِ طُولِ الْمُكْثِ وَاحْتُمِلَ تَغَيُّرُهُ بِهِ فَحِينَئِذٍ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ؛ لِاسْتِنَادِهِ إلَى سَبَبٍ مُعَيَّنٍ كَخَبَرِ الْعَدْلِ بِخِلَافِ مَا لَمْ يُوجَدْ عَقِبَ الْبَوْلِ مُتَغَيِّرًا بِأَنْ غَابَ عَنْهُ زَمَنًا ثُمَّ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا أَوْ وُجِدَ عَقِبَ الْبَوْلِ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ ثُمَّ تَغَيَّرَ، وَلَمْ يَقُلْ أَهْلُ الْخِبْرَةِ أَنَّ تَغَيُّرَهُ مِنْهُ أَوْ وُجِدَ عَقِبَهُ مُتَغَيِّرًا وَلَمْ يُحْتَمَلْ تَغَيُّرُهُ بِهِ لِقِلَّتِهِ فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ لَمْ يُعَارِضْهُ شَيْءٌ. وَكَمَا لَوْ وَجَدَ قِطْعَةَ لَحْمٍ مَكْشُوفَةً فِي غَيْرِ إنَاءٍ أَوْ كَانَتْ فِي إنَاءٍ أَوْ خِرْقَةٍ لَكِنْ فِي بَلَدٍ فِيهِ مَنْ لَا يَحِلُّ ذَبْحُهُ وَمَنْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ سَوَاءٌ اسْتَوَيَا أَوْ غَلَبَ مَنْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ حِينَئِذٍ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ أَمَّا عِنْدَ غَلَبَةِ مَنْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ فَوَاضِحٌ وَأَمَّا عِنْدَ اسْتِوَائِهِمَا فَتَغْلِيبًا لِلْمَانِعِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مَنْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ أَغْلَبُ فَإِنَّهَا تَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهَا ذَبِيحَةُ مُسْلِمٍ، وَكَمَا لَوْ جَرَحَ صَيْدًا فَغَابَ عَنْهُ ثُمَّ وُجِدَ مَيِّتًا فَإِنْ وُجِدَ الْمَوْتُ عَقِبَ الْجُرْحِ أُحِيلَ عَلَى السَّبَبِ وَإِلَّا فَلَا فَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ وَنَحْوِهَا أَعْنِي مَسْأَلَةَ الظَّبْيَةِ وَمَا بَعْدَهَا حُكِمَ فِيهَا بِالنَّجَاسَةِ أَوْ عَدَمِ الْحِلِّ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ أَوْ سَبَبٍ قَوِيٍّ اقْتَضَى ذَلِكَ، وَهُوَ الْعَلَامَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْعَيْنِ الظَّاهِرِ أَثَرُهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِمَّا مَرَّ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ سَبَبٌ قَوِيٌّ كَذَلِكَ يَقْتَضِي الْخُرُوجَ عَنْ الْأَصْلِ فَحُكِمَ بِطَهَارَتِهِ عَلَى الْأَصْلِ فَكَذَا يُقَالُ فِي نَحْوِ الشَّعْرِ وَالْعِظَامِ: الْأَصْلُ فِيهِ الطَّهَارَةُ وَلَمْ يُوجَدَ سَبَبٌ قَوِيٌّ كَذَلِكَ يُخْرِجُهُ عَنْ الْأَصْلِ فَعُمِلَ بِهِ فِيهِ. فَإِنْ قُلْت لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ وُجُودِ

سَبَبٍ فِيهِ كَذَلِكَ يُخْرِجُهُ عَنْ الْأَصْلِ بَلْ وُجِدَ مَا أَخْرَجَهُ عَنْهُ، نَظِيرُ مَا تَقَرَّرَ فِي مَسْأَلَةِ الْقِطْعَةِ اللَّحْمِ الْمَذْكُورَةِ قُلْتُ الَّذِي تَقَرَّرَ فِي طَعْمِ اللَّحْمِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِحِلِّ أَكْلِهَا وَعَدَمِهِ كَمَا قَدَّمْنَا الْإِشَارَةَ إلَيْهِ بِفَرْضِ الْحُكْمِ فِي حِلِّ الْأَكْلِ وَعَدَمِهِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّجَاسَةِ فَلَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ مُخْتَصَرِي الرَّوْضَةِ حَيْثُ قَالَ عَقِبَ التَّفْصِيلِ فِي الْقِطْعَةِ اللَّحْمِ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْأَكْلِ أَمَّا لَوْ أَصَابَتْ شَيْئًا فَلَا تُنَجِّسُهُ اهـ. فَإِنْ قُلْتَ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ حِلِّ الْأَكْلِ وَحُرْمَتِهِ وَالطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ؟ قُلْتُ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي اللَّحْمِ حَالَ اتِّصَالِهِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ حُرْمَةُ أَكْلِهِ؛ فَعَمِلْنَا فِيهِ بِالْأَصْلِ الْمَذْكُورِ حَتَّى يُوجَدَ سَبَبٌ قَوِيٌّ يَقْتَضِي حِلَّهُ وَهُوَ كَوْنُهُ فِي إنَاءٍ وَمَنْ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ أَغْلَبُ. وَالْأَصْلُ فِي نَحْوِ الشَّعْرِ وَالْعَظْمِ حَالَ اتِّصَالِهِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ الطَّهَارَةُ فَعَمِلْنَا بِهَا فِيهِ حَتَّى يُوجَدَ سَبَبٌ قَوِيٌّ يَقْتَضِي نَجَاسَتَهُ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِيهِ؛ فَأَبْقَيْنَاهُ عَلَى أَصْلِهِ وَلَمْ نَنْظُرْ إلَى أَنَّ مَا يُوجَدُ مِنْهُمَا مَرْمِيًّا مَثَلًا الْغَالِبُ أَنَّهُ يَكُونُ مِنْ مَيْتَةٍ عَلَى أَنَّهُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْغَالِبَ ذَلِكَ فَظَهَرَ فَرْقَانِ: مَا بَيْنَ حِلِّ الْأَكْلِ وَحُرْمَتِهِ وَالطَّهَارَةِ وَالنَّجَاسَةِ فَلَا يُشْكِلُ عَلَيْك بَعْدَ ذَلِكَ إحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى. وَمَا قُلْنَاهُ فِي قِطْعَةِ اللَّحْمِ يَأْتِي حَرْفًا بِحَرْفٍ فِيمَا قَالُوهُ فِي صَيْدٍ جَرَحَهُ فَغَابَ عَنْهُ ثُمَّ وُجِدَ مَيِّتًا وَبِهَذَا الْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرْته هُنَا اتَّضَحَ قَوْلِي فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الرَّوْضِ بَعْدَ ذِكْرِ التَّفْصِيلِ فِي قِطْعَةِ اللَّحْمِ: وَهَلْ نَحْوُ الْجِلْدِ وَالشَّعْرِ وَالْعِظَامِ الْمُلْقَاةِ فِي الشَّوَارِعِ كَاللَّحْمِ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ أَوْ هِيَ طَاهِرَةٌ مُطْلَقًا؟ لِأَنَّ كَوْنَ قِطْعَةِ اللَّحْمِ مَرْمِيَّةً بِلَا إنَاءٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهَا مَيْتَةٌ بِخِلَافِ هَذِهِ، الظَّاهِرُ الثَّانِي اهـ. وَبِمَا قَرَّرْته يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ - حَفِظَهُ اللَّهُ - وَنَحْنُ نَجِدُهُمْ يَأْتُونَ بِالسَّمْنِ. . . إلَخْ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ؛ الْمَعْلُومُ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ أَيْضًا وَأَنَّ الْقَوْلَ بِنَجَاسَةِ ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا عَلِمْته عَلَى أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْقَائِلَ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ نَحْوِ الشَّعْرِ وَنَحْوِ الْعَظْمِ جَرَى فِي ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَالْمُزَنِيِّ وَابْنِ الْمُنْذِرِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ الشَّعْرَ وَالْوَبَرَ وَالصُّوفَ وَالرِّيشَ مِنْ الْمَيْتَةِ طَاهِرَةٌ، وَالْعَظْمُ وَالْقَرْنُ وَالسِّنُّ وَالظُّفْرُ نَجِسَةٌ وَقَالَ آخَرُونَ: إنَّ هَذِهِ نَجِسَةٌ لَكِنَّهَا تَطْهُرُ بِالْغُسْلِ وَقَدْ اُسْتُوْفِيَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ حِكَايَةُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَالِاسْتِدْلَالُ لِمَذْهَبِنَا مِنْ أَنَّ الْحَيَاةَ تُحِلُّ الْجَمِيعَ بِمَا لَيْسَ هَذَا مَحَلَّ بَسْطِهِ. وَعَلَى التَّنَزُّلِ وَالْقَوْلِ بِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ نَحْوَ الْعَظْمِ نَجَسٌ مَا لَمْ يُعْلَمَ أَنَّهُ انْفَصَلَ مِنْ مُذَكَّاةٍ فَلَا نَقُولُ بِنَجَاسَةِ السَّمْنِ وَالزَّبَادِ وَوِعَائِهِمَا وَأَنْصِبَةِ الشِّفَارِ وَلِأَنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ مِنْ ذَلِكَ مَا هُوَ مِنْ مُذَكًّى وَمَا هُوَ مِنْ غَيْرِهِ. وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ اشْتَبَهَ إنَاءُ بَوْلٍ بِأَوَانِي بَلَدٍ أَوْ مَيْتَةٌ بِمُذَكَّيَاتِهِ أَخَذَ مِنْهُمَا مَا شَاءَ بِلَا اجْتِهَادٍ إلَّا وَاحِدًا، وَذِكْرُ الْإِنَاءِ مِثَالٌ فَلَوْ اشْتَبَهَ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ أَخَذَ مَا عَدَا الْعَدَدِ الْمُشْتَبَهِ فَكَذَا يُقَالُ هُنَا: قَدْ اشْتَبَهَ أَعْيَانٌ نَجِسَةٌ بِأَعْيَانٍ طَاهِرَةٍ فَيَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْهَا بِلَا اجْتِهَادٍ وَلَا نَحْكُمُ بِنَجَاسَةِ بَعْضِهَا عَلَى التَّعْيِينِ. وَقَدْ نُقِلَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ أَنَّهُ بَالَغَ فِي ذَمِّ مَنْ يَغْسِلُ فَاهُ بَعْدَ أَكْلِ الْخُبْزِ زَاعِمًا أَنَّ الْحِنْطَةَ تُدَاسُ بِالْبَقَرِ وَهِيَ تَبُولُ وَتَرُوثُ عَلَيْهَا أَيَّامًا طَوِيلَةٍ، وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرِو بْنِ الصَّلَاحِ أَنَّهُ قَالَ: (وَالْفِقْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَا بِأَيْدِي النَّاسِ مِنْ الْقَمْحِ الْمُتَنَجِّسِ بِذَلِكَ قَلِيلٌ جِدًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقَمْحِ السَّالِمِ مِنْ النَّجَاسَةِ فَقَدْ اشْتَبَهَ إذًا وَاخْتَلَطَ قَمْحٌ قَلِيلٌ مُتَنَجِّسٌ بِقَمْحٍ طَاهِرٍ وَلَا يَنْحَصِرُ وَلَا مَنْعَ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ يَجُوزُ التَّنَاوُلُ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ أَرَادَ كَمَا لَوْ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِنِسَاءٍ لَا يَنْحَصِرْنَ؛ فَلَهُ نِكَاحُ مَنْ شَاءَ وَهَذَا أَوْلَى بِالْجَوَازِ) اهـ. هـ. وَبِهِ يَتَأَيَّدُ مَا ذَكَرْته وَإِنْ كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى ضَعِيفٍ وَهُوَ أَنَّ بَوْلَ الْبَقَرِ عَلَى الْحِنْطَةِ مَثَلًا وَهِيَ تَدُوسُهَا لَا يُعْفَى عَنْهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - مَتَّعَ اللَّهُ بِحَيَاتِهِ - عَنْ رُطُوبَةِ الْفَرْجِ الْمَنْصُوصِ عَلَى طَهَارَتِهَا هَلْ تَشْمَلُ الرُّطُوبَةَ الْوَاقِعَةَ حَالَ الْجِمَاعِ الَّتِي قَدْ تَخْرُجُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - حَشَرَنِي اللَّهُ فِي زُمْرَتِهِ - بِأَنَّ الَّذِي صَرَّحُوا بِهِ أَنَّ رُطُوبَةَ فَرْجِ الْحَيَوَانِ الطَّاهِرِ طَاهِرَةٌ إنْ كَانَتْ فِي الظَّاهِرِ، وَهِيَ مَا يُوجَدُ عِنْدَ مُلْتَقَى الشَّفْرَيْنِ وَلَا فَرْقَ فِي طَهَارَةِ هَذِهِ بَيْنَ الْمُنْفَصِلَةِ وَالْمُتَّصِلَةِ خِلَافًا لِمَنْ وَهِمَ فِيهِ بِخِلَافِ رُطُوبَةِ الْبَاطِنِ الَّذِي وَرَاءَ مُلْتَقَى الشَّفْرَيْنِ فَإِنَّهَا نَجِسَةٌ لَكِنْ لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا إلَّا إنْ انْفَصَلَتْ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْجَوْفِ لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ حَتَّى يَنْفَصِلَ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَةٍ

ذَكَرِ الْمُجَامِعِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ خُرُوجِ الرُّطُوبَةِ الْبَاطِنَةِ الَّتِي هِيَ نَجِسَةٌ، فَإِنْ عُلِمَ خُرُوجُهَا مَعَ الْجِمَاعِ نَجَّسَتْ ظَاهِرَ الْفَرْجِ وَذَكَرَ الْمُجَامِعِ؛ فَعُلِمَ أَنَّ الرُّطُوبَةَ الْخَارِجَةَ حَالَ الْجِمَاعِ إنْ عُلِمَ أَنَّهَا مِنْ الظَّاهِرِ أَوْ شُكَّ هَلْ هِيَ مِنْهُ أَوْ مِنْ الْبَاطِنِ؟ حُكِمَ بِطَهَارَتِهَا وَشَمَلَهَا قَوْلُهُمْ: وَرُطُوبَةُ الْفَرْجِ طَاهِرَةٌ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهَا مِنْ الْبَاطِنِ كَانَتْ نَجِسَةً كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَلَمْ يَشْمَلْهَا كَلَامُهُمْ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا يَخْرُجُ مِنْ الْعَقْرَبِ حَالَةَ قَتْلِهَا هَلْ هُوَ دَمٌ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يُعْفَى عَنْهُ وَلَوْ خَالَطَتْهُ رُطُوبَةٌ أُخْرَى أَجْنَبِيَّةٌ؟ فَإِنَّهُ قَدْ عَمَّ الْبَلَاءُ بِقَتْلِ الْعَقْرَبِ فِي الْمَسْجِدِ فَيُلَاقِي مَا يَخْرُجُ مِنْهَا رِجْلَ الْمُتَطَهِّرِ حَالَ رُطُوبَتِهَا أَمْ لَا يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا: أَنَّ الْعَقْرَبَ لَيْسَ لَهُ دَمٌ يَسِيلُ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَخَرَجَ بِيَسِيلُ مَا فِيهِ رُطُوبَةٌ حَمْرَاءُ لَا تُفَارِقُهُ بِالسَّيَلَانِ فَلَا أَثَرَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى دَمًا إذْ الدَّمُ مَا يَجْتَمِعُ فِي عِرْقٍ وَيَخْرُجُ بِفَتْقِ ذَلِكَ الْعِرْقِ؛ أَيْ وَمَعَ كَوْنِ هَذِهِ الرُّطُوبَةِ لَا تُسَمَّى دَمًا هِيَ نَجِسَةٌ فَلَوْ تَحَقَّقَ بِقَتْلِهَا فِي الْمَسْجِدِ إصَابَةُ هَذِهِ الرُّطُوبَةِ لِشَيْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ حَرُمَ قَتْلُهَا فِيهِ، وَكَوْنُ الشَّارِعِ نَدَبَ إلَى قَتْلِهَا لَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ عُذْرٌ فِي عَدَمِ تَنَجُّسِ الْمَسْجِدِ وَإِذَا أَصَابَتْ هَذِهِ الرُّطُوبَةُ بَدَنَ الْمُصَلِّي أَوْ ثَوْبَهُ عُفِيَ عَنْ قَلِيلِهَا كَدَمِ الْأَجْنَبِيِّ، بَلْ أَوْلَى نَعَمْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُلَاقِيَهَا رُطُوبَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ، لَكِنْ الرُّطُوبَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ مَاءِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ مِمَّا يُضْطَرُّ لِمُلَاقَاتِهِ لَا يَمْنَعُ مُلَاقَاتُهُ الْعَفْوَ عَنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - أَمَدَّنَا اللَّهُ مِنْ مَدَدِهِ - مَا الْحِكْمَةُ فِي تَنَجُّسِ الْكَلْبِ؟ وَهَلْ سُمُّ الْحَيَّاتِ وَنَحْوِهَا نَجَسٌ؟ (فَأَجَابَ) - أَفَاضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ فَيْضِ مَدَدِهِ - الْحِكْمَةُ فِي تَنَجُّسِ الْكَلْبِ التَّنْفِيرُ مِمَّا كَانَ يَعْتَادُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ الْقَبَائِحِ كَمُؤَاكَلَةِ الْكِلَابِ، وَزِيَادَةِ إلْفِهَا وَمُخَالَطَتِهَا مَعَ مَا فِيهَا مِنْ الدَّنَاءَةِ وَالْخِسَّةِ الْمَانِعَةِ لِذَوِي الْمُرُوآت وَأَرْبَابِ الْعُقُولِ مِنْ مُعَاشَرَةِ مَنْ تَحَلَّى بِهِمَا وَمِنْ ثَمَّ حَرُمَ الْجُلُوسُ عَلَى نَحْوِ جِلْدِ النُّمُورِ وَالسِّبَاعِ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِعْلَ الْمُتَكَبِّرِينَ مِنْ الْجَاهِلِيَّةِ؛ فَنَهَى الشَّارِعُ عَنْ التَّأَسِّي بِهِمْ فِي ذَلِكَ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي التَّأَسِّي بِهِمْ هُنَا مَا لَيْسَ فِيهِ مِنْ الدَّنَاءَةِ ثُمَّ كَانَ ثَمَّ حُرْمَةٌ وَنَجَاسَةٌ، وَهُنَا حُرْمَةٌ فَقَطْ. وَسُمُّ نَحْوِ الْحَيَّاتِ نَجَسٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ وَمُتَأَخِّرُونَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يَجُوزُ التَّدَاوِي بِحَافِرِ الْمَيْتَةِ وَعَظْمِهَا؟ (فَأَجَابَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - يَجُوزُ التَّدَاوِي بِحَافِرِ الْمَيْتَةِ وَعِظَامِهَا بِسَائِرِ النَّجَاسَاتِ صِرْفِهَا وَمَخْلُوطِهَا إلَّا الْخَمْرَ فَلَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِصِرْفِهَا وَيَجُوزُ بِمَخْلُوطِهَا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ تَنَجَّسَ بِكَلْبِيَّةٍ فَمَا حُكْمُهُ؟ (فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ حُكْمِيَّةً طَهُرَتْ بِمُرُورِ الْمَاءِ عَلَيْهَا سَبْعًا مَعَ التَّرْتِيبِ فِي إحْدَاهَا، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنِيَّةً لَمْ تَطْهُرْ إلَّا إذَا زَالَتْ الْعَيْنُ وَصِفَاتُهَا، ثُمَّ غُسِلَتْ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ الْعَيْنَ لَمْ تَزُلْ إلَّا بِسِتِّ غَسَلَاتٍ كَانَتْ كُلُّهَا غَسْلَةً وَاحِدَةً عَلَى الْأَصَحِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا كُحِّلَ بِنَجَسٍ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ بَاطِنِ عَيْنِهِ؟ (فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِحَيَاتِهِ - يَجِبُ غَسْلُ بَاطِنِ الْعَيْنِ مِنْ النَّجَاسَةِ بِخِلَافِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ لِنُدْرَةِ النَّجَاسَةِ وَتَكَرُّرِهِمَا فَلَوْ أُمِرَ بِغَسْلِهِ فِيهِمَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى ضَرَرٍ؛ مِنْ ثَمَّ لَمْ يُنْدَبْ غَسْلُهُ فِيهِمَا لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ خِلَافٌ لِقَوْلِ جَمْعٍ مِنْ أَصْحَابِنَا بِنَدْبِهِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّهُ لَيْسَ ظَاهِرًا فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَا فِي فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؛ لِأَنَّهُ مَذْهَبٌ لَهُ بَلْ صَرَّحَ الدَّارِمِيَّ بِكَرَاهَةِ غَسْلِهِ أَيْ لِمَنْ تَأَذَّى بِهِ أَذًى خَفِيفًا وَإِلَّا فَالْوَجْهُ تَحْرِيمُهُ. ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ أَشَارَ إلَيْهِ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ أَخَذَ بِقَضِيَّةِ إطْلَاقِ الدَّارِمِيِّ فَصَرَّحَ بِكَرَاهَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَأَذَّ بِهِ لَكِنْ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَتَضَرَّرَ بِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - وَبَرَكَتِهِ إذَا أَكَلَ لَحْمَ كَلْبٍ أَوْ شَرِبَ لَبَنَهُ فَأَخْرَجَهُ مِنْ أَسْفَلَ عَلَى صُورَتِهِ هَلْ يَجِبُ تَسْبِيعُ الْمَخْرَجِ أَوْ يَكْفِي غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ أَكَلَ لَحْمَ كَلْبٍ مَثَلًا طَهُرَ فَمُهُ بِالتَّسْبِيعِ وَيَكْفِيه فِي الْفَرْجَيْنِ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْ فَضْلَتِهِ وَلَوْ بِالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ؛ لِزَوَالِ حُكْمِ الْمُغَلَّظِ بِاسْتِحَالَتِهِ. قَالَ الرُّويَانِيُّ بَعْد نَقْلِهِ ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيِّ: وَعَلَى ذَلِكَ الْعَمَلُ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ، وَتَشْكِيكُ النَّفْسِ فِيهِ مِنْ الْوَسْوَاسِ اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمُسْتَحِيلَ فِي الْمَعِدَةِ كَالْمُسْتَحَالِ إلَيْهِ طَهَارَةً وَنَجَاسَةً

أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّبَنَ النَّجِسَ لَمَّا اسْتَحَالَ إنْفَحَةً صَارَ مِثْلَهَا فِي الطَّاهِرِيَّةِ فَكَذَا اللَّحْمُ الْمُغَلَّظُ لَمَّا اسْتَحَالَ غَائِطًا صَارَ مِثْلَهُ، وَبِهَذَا يُرَدُّ عَلَى ابْنِ الْعِمَادِ قَوْلُهُ لَوْ تَقَيَّأَ لَزِمَهُ إعَادَةُ تَسْبِيعِ فَمِهِ وَتَتْرِيبِهِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ قَبْلَ الِاسْتِحَالَةِ وَمَعَ ذَلِكَ فَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا لِمَا مَرَّ مِنْ نَجَاسَةِ الْقَيْءِ بِمُجَرَّدِ وُصُولِهِ لِلْمَعِدَةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ، إعْطَاءٌ لَهُ حُكْمَ مَا فِيهَا بِمُجَرَّدِ مُلَاقَاتِهِ لَهَا فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اسْتِحَالَتِهِ وَعَدَمِهَا، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا اقْتَضَاهُ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ فِي تَنَجُّسِ مَا لَاقَاهَا وَمَا لَاقَتْهُ مِنْ نَجَاسَةٍ هِيَ أَغْلَظُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ شَرِبَتْ شَاةٌ مَاءً مُتَنَجِّسًا بِمُغَلَّظٍ فَذُبِحَتْ فَوْرًا لَمْ يَجِبْ تَسْبِيعُ مَا وَصَلَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْمَاءُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَمِ وَالسَّبِيلَيْنِ حَيْثُ يَجِبُ تَسْبِيعُهُ دُونَهُمَا كَمَا مَرَّ وَإِنْ خَرَجَ الْمَأْكُولُ عَلَى هَيْئَتِهِ فَإِنَّهُمَا لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُمَا بِدَلِيلِ مَا لَوْ أَكَلَ نَجَسًا غَيْرَ مُغَلَّظٍ يُجْزِئُهُ الْحَجَرُ وَيَتَعَيَّنُ غَسْلُ الْفَمِ بِالْمَاءِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَاسْتِحَالَةِ الْكَلْبِ مِلْحًا فَإِنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى تَغْلِيظِهِ فِي حَالِ انْقِلَابِهِ إلَى الْمِلْحِ أَيْضًا بِأَنَّ مَحَلَّ النَّجَسِ وَرَدَ التَّخْفِيفُ فِيهِ رُخْصَةً فَعَمَّ ذَلِكَ التَّخْفِيفَ الْمُغَلَّظَ وَغَيْرَهُ بِعَدَمِ تَعَرُّضِ النُّصُوصِ فِيهِ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، بَلْ وَتَبِعَهُ التَّخْفِيفُ فِي غَيْرِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ عَذِرَةَ لَحْمِ الْمُغَلَّظِ الْخَارِجَةَ مِنْ أَكْلِهِ لَا تَسْبِيعَ عَلَى مُمَاسِّهَا كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ النَّصِّ، وَأَمَّا قَوْلُ الْبُلْقِينِيُّ: (يَجِبُ التَّسْبِيعُ وَالتَّتْرِيبُ حَتَّى فِي الْفَرْجِ) فَضَعِيفٌ وَقَدْ بَيَّنْت مَا فِي كَلَامِهِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ مَسْأَلَةٍ صُورَتُهَا: سُئِلَ قَاضِي مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ بُرْهَانُ الدِّينِ إبْرَاهِيمُ بْنُ ظَهِيرَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ الْأَمْعَاءِ مِنْ الشَّاةِ وَنَحْوِهَا هَلْ يَجِبُ غَسْلُهَا بَعْدَ إزَالَةِ الْفَرْثِ مِنْهَا أَمْ يُعْفَى عَنْهَا؟ وَهَلْ صَرَّحَ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ بِذَلِكَ. فَأَجَابَ الْقَاضِي الْمَذْكُورُ بِقَوْلِهِ: يَجِبُ فِيهَا بَعْدَ إزَالَةِ الْفَرْثِ الْغُسْلُ وَلَا يُعْفَى عَمَّا هُنَاكَ مِنْ الْأَثَرِ؛ إذْ لَا مَشَقَّةَ فِي ذَلِكَ. وَقَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ بَدْرُ الدِّينِ الزَّرْكَشِيُّ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْإِنْفَحَةِ اسْتِطْرَادًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ انْتَهَى جَوَابُهُ. وَسُئِلَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ السَّمْهُودِيُّ شَيْخُ الْحَرَمِ النَّبَوِيِّ عَمَّا إذَا رُئِيَ عَلَيْهَا أَثَرُ الْغَسْلِ وَالنَّظَافَةِ وَطِيبِ الرَّائِحَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ هَلْ يَجِبُ السُّؤَالُ عَنْ غَسْلِهَا قَبْلَ الْأَكْلِ مِنْهَا أَمْ لَا؟ حَيْثُ رُئِيَ عَلَيْهَا مَا سَبَقَ. فَأَجَابَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ الظَّاهِرُ عَدَمُ وُجُوبِ السُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ حَيْثُ شَاهَدَ نَظَافَةَ الْمَطْبُوخِ مِنْ ذَلِكَ وَطِيبَ رِيحِهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ فَإِنَّهَا آثَارٌ دَالَّةٌ عَلَى تَقَدُّمِ الْغَسْلِ كَمَا قَالُوهُ فِي الْمُجْتَازِينَ بِمَيِّتٍ فِي صَحْرَاءَ وَعَلَيْهِ أَثَرُ الْغُسْلِ وَالْكَفَنِ وَالْحَنُوطِ فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَدْفِنُونَهُ فَإِنْ انْتَفَى الْأَثَرُ الدَّالُّ عَلَى ذَلِكَ وَجَبَ الْغُسْلُ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى جَوَابُ السَّمْهُودِيِّ. فَعَلَى هَذَا إذَا وَجَدْنَا عَلَى ثَوْبٍ كَانَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ أَثَرَ الْغَسْلِ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَهَلْ يَكْفِي عَنْ السُّؤَالِ عَنْ طَهَارَتِهِ كَالْأَمْعَاءِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا أَوْ لَا؟ بَيِّنُوا ذَلِكَ بَيَانًا شَافِيًا أَثَابَكُمْ اللَّهُ. (فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - أَمَّا مَا قَالَهُ الْمُجِيبُ الْأَوَّلُ مِنْ عَدَمِ الْعَفْوِ عَنْ الْأَثَرِ فَهُوَ صَحِيحٌ، وَقَدْ ذَكَرْت فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ مَا يُوَافِقُهُ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ (وَأَفْتَى جَمْعٌ يَمَنِيُّونَ بِأَنَّ مَا يَبْقَى فِي نَحْوِ الْكَرِشِ مِمَّا يَشُقُّ غَسْلُهُ وَتَنْقِيَتُهُ مِنْهُ يُعْفَى عَنْهُ بَلْ بَالَغَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ الَّذِي عَلَيْهِ عَمَلُ مَنْ عَلِمْت مِنْ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ جَوَازُ أَكْلِ الْمَصَارِينِ وَالْأَمْعَاءِ إذَا نُقِّيَتْ عَمَّا فِيهَا مِنْ الْفَضَلَاتِ وَإِنْ لَمْ تُغْسَلْ بِخِلَافِ الْكَرِشِ) اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ، وَالْوَجْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهَا إذْ لَا مَشَقَّةَ فِي ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَنْقِيَةِ نَحْوِ الْكَرِشِ مِمَّا فِيهِ مَا لَمْ يَبْقَ فِيهِ رِيحٌ يَعْسُرُ زَوَالُهُ انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ. وَمَا ذَكَرَهُ السَّمْهُودِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ السُّؤَالُ، فَهُوَ مُتَّجِهٌ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِمْ وَغَيْرِهِمْ؛ لِلْعَادَةِ الْمُطَّرِدَةِ أَنَّهَا لَا تُطْبَخُ إلَّا بَعْدَ غَسْلِهَا وَتَنْقِيَتِهَا، بَلْ وَمَزِيدِ الْمُبَالَغَةِ فِي نَظَافَتِهَا وَلَا يُقَاسُ بِهَا الثَّوْبُ إذَا عَلِمْنَا نَجَاسَتَهَا ثُمَّ رَأَيْنَاهَا مَغْسُولَةً مُطَيَّبَةً وَلَمْ نَدْرِ مَنْ غَسَلَهَا بَلْ نَحْكُمُ مَعَ ذَلِكَ بِبَقَائِهَا عَلَى نَجَاسَتِهَا إلَّا أَنَّ قِيَاسَ مَا قَالُوهُ فِي الْهِرَّةِ: أَنَّهُ إذَا غَابَتْ عَنَّا وَأَمْكَنَ تَطْهِيرُ فَمِهَا لَا تُنَجِّسُ مَا وَقَعَتْ فِيهِ لَكِنَّا نَحْكُمُ بِبَقَائِهَا عَلَى نَجَاسَتِهَا اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ الَّذِي عَمِلْنَاهُ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَرِشِ بِأَنَّ ذَلِكَ سُومِحَ فِيهِ لِلْمَشَقَّةِ فِي السُّؤَالِ عَنْهُ وَلِاطِّرَادِ الْعَادَةِ فِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَكَانَ الْوَجْهُ عَدَمَ إلْحَاقِهِ بِالْكَرِشِ فِيمَا ذُكِرَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) أَيْضًا - أَدَامَ اللَّهُ وُجُودَهُ - سُؤَالًا صُورَتُهُ إذَا كَانَ مَوْضِعٌ مِنْ أَرْضٍ أَوْ ثَوْبٍ مَثَلًا مُتَنَجِّسًا فَوَقَعَ عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ الْمُتَنَجِّسِ مَاءٌ فَهَلْ يَطْهُرُ ذَلِكَ فَقَطْ أَمْ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِغَسْلِ الْجَمِيعِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إذَا وَقَعَ

الْمَاءُ عَلَى بَعْضِ الْمُتَنَجِّسِ فَإِنْ كَانَتْ نَجَاسَتُهُ حُكْمِيَّةً طَهُرَ مَا أَصَابَهُ الْمَاءُ، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنِيَّةً وَزَالَتْ يَجِبُ فِي غَسْلِ الْبَاقِي إدْخَالُ جُزْءٍ مِمَّا أَصَابَهُ الْمَاءُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا إذَا مَاتَ النَّحْلُ وَفِيهِ عَسَلٌ فَهَلْ يَنْجُسُ؟ (فَأَجَابَ) الْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ؛ لِأَنَّ مَيْتَتَهَا لَا تُنَجِّسُ مَا مَسَّتْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - بِمَا صُورَتُهُ فُرِضَ آدَمِيٌّ مُتَوَلَّدٌ بَيْنَ آدَمِيٍّ وَكَلْبٍ فَمَا حُكْمُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْوَجْهُ كَمَا اقْتَضَاهُ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ يَكُونُ نَجِسُ الْعَيْنِ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ حَتَّى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَحُرْمَةِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ إلَّا مَعَ أَمْنِ التَّلْوِيثِ، وَتُغْتَفَرُ نَجَاسَتُهُ بِالْقِيَاسِ إلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَلَا تُغْتَفَرُ بِالنَّظَرِ إلَى غَيْرِهِ وَلَوْ نَحْوَ زَوْجَتِهِ فِيمَا يَظْهَرُ قَالَ بَعْضُهُمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ صَلَاتِهِ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَى الِاقْتِدَاءِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ وَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ: كُلُّ مَنْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ مِنْ غَيْرِ إعَادَةٍ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ صِحَّةَ الْقُدْوَةِ بِهِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ فَهُوَ كَالسَّلَسِ وَالْمُسْتَحَاضَةِ. (وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَنْ ثَوْبٍ بِهِ نَجَاسَةٌ مَعْفُوٌّ عَنْهَا كَدَمِ بَرَاغِيثَ، فَوَقَعَ فِيهِ نَجَسٌ آخَرُ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهُ وَأُرِيدَ غَسْلُهُ فَهَلْ يَجِبُ أَيْضًا إزَالَةُ الْمَعْفُوِّ عَنْهُ تَبَعًا أَمْ لَا؟ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْسُرُ زَوَالُهُ وَقَدْ يَشُقُّ لِكَثْرَتِهِ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إزَالَتُهُ، لَكِنْ أَفْتَى بَعْضُ الْيَمَنِيِّينَ بِخِلَافِهِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ قَدْ يَنْتَشِرُ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ بِمَاءِ التَّطْهِيرِ فَهُوَ كَانْتِشَارِهِ بِالْعَرَقِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ تَخَيَّلَ مُتَخَيِّلٌ أَنَّ الْمَاءَ يَتَأَثَّرُ بِوُصُولِهِ إلَى الْمَعْفُوِّ عَنْهُ ثُمَّ يَسْرِي إلَى بَاقِي الثَّوْبِ فَقَدْ ذَكَرَ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَى مَوْضِعَيْنِ مُتَفَرِّقَيْنِ مِنْ بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ فَصَبَّ الْمَاءَ عَلَى أَعْلَاهُمَا فَمَرَّ عَلَيْهِ ثُمَّ انْحَدَرَ لِلْأَسْفَلِ فَإِنَّهُمَا يَطْهُرَانِ جَمِيعًا، فَإِذَا كَانَ الْمَاءُ فِيمَا ذَكَرَهُ يُطَهِّرُ النَّجِسَ الْأَسْفَلَ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يُطَهِّرُ الْأَعْلَى وَلَا يَتَأَثَّرُ بِهِ، فَصُورَتُنَا أَوْلَى بِعَدَمِ التَّأَثُّرِ هَذَا إنْ كَانَتْ النَّجَاسَتَانِ عَلَى مَوْضِعَيْنِ مُتَفَرِّقَيْنِ وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ تَجِبُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْغَسْلِ بِحَيْثُ تَزُولُ أَوْصَافُهُمَا أَوْ يَبْقَى مَا تَعَسَّرَ إزَالَتُهُ مِنْ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ، وَيَبْقَى النَّظَرُ فِيمَا إذَا بَقِيَ لَوْنُ إحْدَاهُمَا وَرِيحُ الْأُخْرَى فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ قَدْ يُفْهِمُ الطَّهَارَةَ اهـ. وَفِيهِ تَأَمُّلٌ لَا يَخْفَى عَلَى الْفَقِيهِ. (وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَنْ رُطُوبَةِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ الَّتِي هِيَ مَاءٌ أَبْيَضُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْمَذْيِ وَالْعَرَقِ هَلْ يُفَرَّقُ فِي طَهَارَتِهَا بَيْنَ الْمُنْفَصِلَةِ وَغَيْرِهَا؟ وَهَلْ قَوْلُ الْأَقْفَهْسِيِّ فِي شَرْحِ مَنْظُومَتِهِ فِي النَّجَاسَاتِ، وَأَمَّا رُطُوبَةُ الْفَرْجِ فَالصَّحِيحُ طَهَارَتُهَا مَا لَمْ تَنْفَصِلْ مُعْتَمَدٌ أَعْنِي تَقْيِيدَهُ بِعَدَمِ الِانْفِصَال حَتَّى إذَا انْفَصَلَتْ عَنْ الْفَرْجِ تَكُونُ نَجِسَةً، وَكَذَا نَقَلَ شَيْخُنَا الْعَلَامَةُ مُوسَى بْنُ زَيْنِ الْعَابِدِينَ عَنْ الْخَادِمِ مَا لَفْظُهُ: (هَذَا كُلُّهُ فِي حَالِ اتِّصَالِهَا فَلَوْ انْفَصَلَتْ فَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهَا نَجِسَةٌ بِلَا شَكٍّ يَعْنِي بِلَا خِلَافٍ) اهـ. هَلْ كَلَامُهُ هَذَا فِي الرُّطُوبَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ قَعْرِ الرَّحِمِ الْمَوْصُوفَةِ أَنَّهَا مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَ الْعَرَقِ وَالْمَذْيِ أَوْ فِي الرُّطُوبَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ الْبَاطِنِ، فَإِنْ كَانَ فِي الْأُولَى فَكَيْفَ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا وَهِيَ مَقِيسَةٌ عَلَى الْعَرَقِ، وَالْعَرَقُ طَاهِرٌ مُطْلَقًا انْفَصَلَ أَوْ لَمْ يَنْفَصِلْ، وَأَيْضًا فَإِنَّ سَيِّدَنَا الشَّيْخَ أَبَا إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيَّ ذَكَرَ فِي الْمُهَذَّبِ لَمَّا حَكَى الْخِلَافَ فِيهَا مَا لَفْظُهُ: (وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ كَسَائِرِ رُطُوبَاتِ الْبَدَنِ) اهـ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ رُطُوبَاتِ الْبَدَنِ طَاهِرَةٌ مُطْلَقًا وَإِنْ انْفَصَلَتْ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ (وَكَذَا رُطُوبَةُ فَرْجِ الْمَرْأَةِ قَالَ فِي شَرْحِهِ فَإِنَّهَا طَاهِرَةٌ كَعَرَقِهِ وَمَنِيِّهِ) لَكِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ (وَأَمَّا الرُّطُوبَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ بَاطِنِ الْفَرْجِ فَنَجِسَةٌ) اهـ. فَقَوْلُهُ: (بَاطِنُ الْفَرْجِ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ عَبَّرَ بِهَا هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ - نَفَعَ اللَّهُ بِهِمْ - وَلَكِنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَبْقَى الْإِنْسَانُ مَعَهُ فِي الْحَيْرَةِ الْعَظِيمَةِ؛ لِأَنَّ الرُّطُوبَةَ الْمُخْتَلَفَ فِيهَا الْمُصَحَّحَ فِيهَا الطَّهَارَةُ لَا شَكَّ أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ بَاطِنِ الْفَرْجِ، وَعِبَارَةُ الْجَوْجَرِيِّ بَعْدَ قَوْلِ الْإِرْشَادِ وَلَا مُتَرَشَّحَ مِنْ طَاهِرٍ، وَمِنْ هَذَا الْقِسْمِ رُطُوبَةُ الْفَرْجِ طَاهِرَةٌ مِنْ الْحَيَوَانِ الطَّاهِرِ وَنَجِسَةٌ مِنْ النَّجِسِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ (وَهِيَ مَاءٌ أَبْيَضُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْمَذْيِ وَالْعَرَقِ قَالَ، وَأَمَّا الرُّطُوبَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ بَاطِنِ الْمَرْأَةِ فَهِيَ نَجِسَةٌ اهـ. كَلَامُ الْجَوْجَرِيِّ، وَعِبَارَةُ الْإِسْعَادِ (أَمَّا الرُّطُوبَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ جَوْفِ الْمَرْأَةِ مَثَلًا إلَى دَاخِلِ الْفَرْجِ فَإِنَّهَا نَجِسَةٌ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَحْكُمْ بِنَجَاسَةِ ذَكَرِ الْمُجَامِعِ لِأَصْلِ الطَّهَارَةِ) اهـ فَالْقَصْدُ مِنْ تَفَضُّلِكُمْ تَحْرِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الِانْفِصَالِ وَعَدَمِهِ فِي الرُّطُوبَةِ

الْخَارِجَةِ مِنْ قَعْرِ الرَّحِمِ فِيهِ بُعْدٌ عَظِيمٌ، وَكَذَا قَوْلُهُمْ أَمَّا الرُّطُوبَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ بَاطِنِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ فَحَرِّرُوا لَنَا ذَلِكَ تُؤْجَرُوا وَلَمْ أَزَلْ أَسْتَشْكِلُ كَلَامَهُمْ هُنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (فَأَجَابَ - شَكَرَ اللَّهُ سَعْيَهُ - بِقَوْلِهِ: مَأْخَذُ الْخِلَافِ فِي طَهَارَةِ الرُّطُوبَةِ وَنَجَاسَتِهَا هُوَ كَوْنُهَا مُتَرَدِّدَةً بَيْنَ الْمَذْيِ وَالْعَرَقِ فَالْقَائِلُونَ بِنَجَاسَتِهَا غَلَّبُوا شَبَهَهَا بِالْمَذْيِ، وَالْقَائِلُونَ بِطَهَارَتِهَا غَلَّبُوا شَبَهَهَا بِالْعَرَقِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَمَّا كَانَ شَبَهُهَا بِالْعَرَقِ أَقْوَى لِكَوْنِهَا مُجَرَّدَ رُطُوبَةٍ لَا تَنْفَصِلُ غَالِبًا كَالْعَرَقِ كَانَ الْحُكْمُ بِالطَّهَارَةِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِالرُّطُوبَةِ الْمَذْكُورَةِ الَّتِي وَقَعَ هَذَا الْخِلَافُ فِيهَا هِيَ الَّتِي تُوجَدُ عِنْدَ مُلْتَقَى الشَّفْرَيْنِ وَهَذَا الْمَحَلُّ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ عِنْدَ جُلُوسِ الثَّيِّبِ عَلَى قَدَمَيْهَا؛ وَمِنْ ثَمَّ وَجَبَ غَسْلُهُ فِي الْغُسْلِ مِنْ نَحْوِ الْجَنَابَةِ أَمَّا الرُّطُوبَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ الْبَاطِنِ الَّذِي وَرَاءَ هَذَا الْمَحَلِّ فَهِيَ نَجِسَةٌ، وَلَا فَرْقَ فِي طَهَارَةِ الْأُولَى بَيْنَ الْمُنْفَصِلَةِ وَالْمُتَّصِلَةِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا إلَّا إنْ انْفَصَلَتْ؛؛ لِأَنَّ مَا فِي الْجَوْفِ لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ حَتَّى يَنْفَصِلَ. وَأَمَّا مَا وَقَعَ لِابْنِ الْعِمَادِ وَالزَّرْكَشِيِّ مِنْ تَقْيِيدِ الْأُولَى بِعَدَمِ الِانْفِصَالِ فَهُوَ وَهْمٌ مُنْشَؤُهُ عَدَمُ التَّأَمُّلِ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ وَفِي كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ النَّاقِلِ لِذَلِكَ عَنْ الْإِمَامِ فَإِنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ وَتَبِعَهُ ابْنُ النَّقِيبِ فِي مُخْتَصَرِ الْكِفَايَةِ لَمَّا شَرَحَا قَوْلَ التَّنْبِيهِ (وَرُطُوبَةُ فَرْجِ الْمَرْأَةِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَبَيَّنَّا وَجْهَ الْخِلَافِ فِيهَا وَتَعْلِيلَ الصَّحِيحِ وَالضَّعِيفِ) قَالَا: فِي آخِرِ كَلَامِهِمَا بَعْدَ أَنْ فَرَغَا مِنْ ذَلِكَ (وَلَوْ خَرَجَ مِنْ بَاطِنِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ رُطُوبَةٌ قَالَ الْإِمَامُ: فَلَا شَكَّ فِي نَجَاسَتِهَا وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِالطَّهَارَةِ. .. إلَخْ) وَبِتَأَمُّلِ صَرِيحِ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ فِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ تَقْيِيدًا لِلْأُولَى بِحَالِ الِاتِّصَالِ يَظْهَرُ مَا قَدَّمْته وَقَدْ تَبِعَ ابْنَ الرِّفْعَةِ فِي هَذَا السِّيَاقِ وَالْحِكَايَةِ لِكَلَامِ الْإِمَامِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْقَمُولِيُّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ الرَّحِمِ ثُمَّ قَالَ قَالَ الْإِمَامُ: أَمَّا الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ الْبَاطِنِ فَلَا شَكَّ فِي نَجَاسَتِهَا اهـ. وَكَذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ لَكِنْ بِزِيَادَةٍ، وَعِبَارَتُهُ قَالَ الْإِمَامُ: (وَتَسَاهَلَ الْأَئِمَّةُ فِي إطْلَاقِهِمْ الْخِلَافَ فِي رُطُوبَةِ الْفَرْجِ، وَمُرَادُهُمْ أَنَّ تِلْكَ الرُّطُوبَةِ هَلْ ثَبَتَ لَهَا حُكْمٌ؟ وَهَلْ تُنَجِّسُ مَا خَرَجَ؟ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ خَرَجَ مِنْ بَاطِنِ فَرْجِهَا رُطُوبَةٌ فَلَا شَكَّ فِي نَجَاسَتِهَا) اهـ. وَكَذَلِكَ ابْنُ الْمُلَقِّنِ فَإِنَّهُ حَكَى الْخِلَافَ فِي نَجَاسَتِهَا وَطَهَارَتِهَا ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا إذَا خَرَجَ مِنْ بَاطِنِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ رُطُوبَةٌ قَالَ الْإِمَامُ: لَا شَكَّ فِي نَجَاسَتِهَا وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِالطَّهَارَةِ؛ لِأَنَّا لَا نَقْطَعُ بِخُرُوجِهَا اهـ. فَأَفْهَمَتْ هَذِهِ الْعِبَارَاتُ الصَّرِيحَةُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ الَّذِي قَالَ الْإِمَامُ فِيهِ بِالنَّجَاسَةِ إنَّمَا هُوَ الرُّطُوبَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ الْبَاطِنِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَاطِنِ غَيْرُ الْمُرَادِ بِقَعْرِ الرَّحِمِ، وَأَنَّ الْإِمَامَ نَفْسَهُ قَائِلٌ بِالطَّهَارَةِ مُطْلَقًا انْفَصَلَتْ أَوْ اتَّصَلَتْ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ خُرُوجُهَا مِنْ الْبَاطِنِ وَإِلَّا كَانَتْ رُطُوبَةُ الْفَرْجِ الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ نَجِسَةً أَمَّا الْبَاطِنَةُ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا الظَّاهِرَةُ فَلِاتِّصَالِهَا بِهَا وَأَنَّ الصَّوَابَ خِلَافُ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ عِبَارَةُ ابْنِ الْعِمَادِ، وَخِلَافُ قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ هَذَا كُلُّهُ فِي حَالِ اتِّصَالِهَا فَإِنْ انْفَصَلَتْ فَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهَا نَجِسَةٌ بِلَا شَكٍّ يَعْنِي بِلَا خِلَافٍ اهـ. فَقَوْلُهُ: هَذَا كُلُّهُ فِي حَالِ اتِّصَالِهَا لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الرُّطُوبَةِ الظَّاهِرَةِ، وَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ إنَّمَا هُوَ فِي الرُّطُوبَةِ الْبَاطِنَةِ كَمَا عَلِمْته مِمَّا مَرَّ فَكَيْفَ يُقَيَّدُ هَذَا بِذَلِكَ؟ ثُمَّ قَوْلُهُ: بِلَا شَكٍّ يَعْنِي بِلَا خِلَافٍ غَيْرُ صَحِيحٍ فَقَدْ ذَكَرَ هُوَ بَعْدَ ذَلِكَ خِلَافًا فِي الْمَاءِ الَّذِي يَخْرُجُ مَعَ الْوَلَدِ، وَاعْتَمَدَ فِيهِ النَّجَاسَةَ وَهُوَ مِنْ الرُّطُوبَةِ الْبَاطِنَةِ قَطْعًا. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ وَاتَّضَحَ الْحَقُّ فِيهِ وَأَنَّ الصَّوَابَ خِلَافُ مَا وَقَعَ لِابْنِ الْعِمَادِ وَالزَّرْكَشِيِّ فَلْنَرْجِعْ إلَى مَا فِي السُّؤَالِ فَقَوْلُهُ: فَإِنْ كَانَ فِي الْأُولَى فَكَيْفَ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا وَهِيَ مَقِيسَةٌ عَلَى الْعَرَقِ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْكَلَامَ لَيْسَ فِي الْأُولَى كَمَا تَقَرَّرَ مُوَضَّحًا وَقَوْلُهُ: وَلَكِنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَبْقَى الْإِنْسَانُ مَعَهُ فِي الْحَيْرَةِ لِأَنَّ الرُّطُوبَةَ الْمُخْتَلَفَ فِيهَا الْمُصَحَّحَ فِيهَا الطَّهَارَةُ لَا شَكَّ أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ بَاطِنِ الْفَرْجِ يُجَابُ عَنْهُ أَيْضًا بِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْخَارِجَةِ مِنْ الْمَحَلِّ الَّذِي يَجِبُ غَسْلُهُ، وَأَنَّ الْخَارِجَةَ مِنْ الْجَوْفِ نَجِسَةٌ قَطْعًا أَوْ مَعَ خِلَافٍ ضَعِيفٍ جِدًّا، وَمَنْ عَبَّرَ عَنْ الْأُولَى بِرُطُوبَةِ بَاطِنِ الْفَرْجِ أَرَادَ بِالْبَاطِنِ مَا هُوَ مَسْتُورٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ الظَّاهِرِ وَهَذَا هُوَ مُرَادُ مَنْ عَبَّرَ أَيْضًا بِقَعْرِ الرَّحِمِ وَمَنْ عَبَّرَ عَنْ الثَّانِيَةِ بِرُطُوبَةِ بَاطِنِ الْفَرْجِ أَيْضًا أَرَادَ بِالْبَاطِنِ الْجَوْفَ. فَحِينَئِذٍ قَوْلُ السَّائِلِ لَا شَكَّ أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ بَاطِنِ الْفَرْجِ إنْ أَرَادَ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ فَمُسَلَّمٌ وَإِنْ أَرَادَ

الْمَعْنَى الثَّانِيَ فَمَمْنُوعٌ لِتَصْرِيحِهِمْ بِخِلَافِهِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - عَنْ لَفْظِ الْخَمْرِ الْوَاقِعِ عِنْدَ ذِكْرِ طَهَارَةِ الْخَمْرِ بِالتَّخَلُّلِ هَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَيْهِمَا حَتَّى يَشْمَلَ النَّبِيذَ؟ وَهَلْ يَلْزَمُ مِنْ الْحَمْلِ عَلَيْهِمَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مَعًا فِي لَفْظٍ بِاعْتِبَارٍ وَاحِدٍ؟ وَهَلْ الْأَصَحُّ طَهَارَةُ النَّبِيذِ بِالتَّخَلُّلِ أَوْ لَا؟ وَهَلْ الْمُسْكِرُ الْمَائِعُ الْمَحْلُوبُ مِنْ أَشْجَارِ النَّارْجِيلِ مِنْ غَيْرِ اخْتِلَاطِ شَيْءٍ بِهِ حُكْمُهُ حُكْمُ النَّبِيذِ أَوْ هُوَ مِنْ النَّبِيذِ أَوْ هُوَ خَمْرٌ كَالْمُشْتَدِّ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ؟ وَمَا قَوْلُكُمْ فِيمَا إذَا كَانَ فِي إنَاءٍ خَمْرٌ فَأُدْخِلَ فِيهَا شَيْءٌ حَتَّى ارْتَفَعَتْ، ثُمَّ أُخْرِجَ مِنْهَا وَعَادَتْ كَمَا كَانَتْ ثُمَّ تَخَلَّلَتْ فَهَلْ تَطْهُرُ أَوْ لَا؟ إلَّا إذَا صُبَّ عَلَيْهَا خَمْرٌ وَارْتَفَعَتْ إلَى الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ قَبْلَ الْجَفَافِ كَمَا حُكِيَ عَنْ الْبَغَوِيِّ أَوْ بَعْدَ الْجَفَافِ أَيْضًا وَهَلْ الْمُعْتَمَدُ قَوْلُ الْبَغَوِيِّ أَوْ لَا؟ وَمَا قَوْلُكُمْ فِيمَا إذَا كَانَ فِي إنَاءٍ خَمْرٌ ثُمَّ أُرِيقَتْ ثُمَّ صُبَّ فِيهِ خَمْرٌ أُخْرَى قَبْلَ غَسْلِهِ ثُمَّ نُقِلَتْ مِنْهُ إلَى إنَاءٍ آخَرَ طَاهِرٍ ثُمَّ تَخَلَّلَتْ فِيهِ فَهَلْ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهَا أَوْ لَا؟ لِمُلَاقَاتِهَا الْمَحَلَّ الْمُتَنَجِّسَ بِالْخَمْرِ فِي الْإِنَاءِ الْأَوَّلِ، وَهَلْ يُفَرَّقُ هُنَا بَيْنَ مَا إذَا صُبَّتْ قَبْلَ الْجَفَافِ وَبَيْنَ مَا إذَا صُبَّتْ بَعْدَهُ أَوْ لَا؟ وَهَلْ الْحُكْمُ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا مُخْتَصٌّ بِإِنَاءِ التَّخَلُّلِ أَوْ شَامِلٌ لَهُ وَلِغَيْرِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْخَمْرُ حَقِيقَتُهُ هِيَ الْمُشْتَدُّ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ ثُمَّ إلْحَاقُ غَيْرِهَا مِنْ الْأَنْبِذَةِ بِهَا؛ إمَّا بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ لُغَةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ اللُّغَةَ تَثْبُتُ قِيَاسًا وَهُوَ مَا عَلَيْهِ جَمْعٌ مُحَقِّقُونَ مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِنَا كَابْنِ سُرَيْجٍ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ وَالْإِمَامِ الرَّازِيِّ وَنَقَلَهُ ابْنُ بُرْهَانٍ وَابْنُ السَّمْعَانِيِّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا قَالُوا: فَإِذَا اشْتَمَلَ مَعْنَى اسْمٍ عَلَى وَصْفٍ مُنَاسِبٍ لِلتَّسْمِيَةِ كَالْخَمْرِ أَيْ الْمُسْكِرِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ لِتَخْمِيرِهِ أَيْ تَغْطِيَتِهِ لِلْعَقْلِ وَوُجِدَ ذَلِكَ الْوَصْفُ فِي مَعْنًى آخَرَ كَالنَّبِيذِ أَيْ الْمُسْكِرُ مِنْ غَيْرِ مَاءِ الْعِنَبِ ثَبَتَ لَهُ بِالْقِيَاسِ ذَا الِاسْمُ لُغَةً، فَيُسَمَّى النَّبِيذُ خَمْرًا فَيَجِبُ اجْتِنَابُهُ بِآيَةِ {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} [المائدة: 90] الْآيَةَ لَا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْخَمْرِ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ؛ فَالنَّبِيذُ يُسَمَّى خَمْرًا حَقِيقَةً فَيَشْمَلُهُ قَوْلُ أَصْحَابِنَا: تَطْهُرُ الْخَمْرُ بِالتَّخَلُّلِ؛ وَإِمَّا بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ شَرْعًا بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ وَهُوَ: أَنَّ اللُّغَةَ لَا تَثْبُتُ قِيَاسًا وَعَلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَالْآمِدِيِّ وَنَقَلَهُ فِي الْمَحْصُولِ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَجُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ؛ فَعَلَيْهِ لَا يُسَمَّى النَّبِيذُ خَمْرًا وَإِنْ أُعْطِيَ حُكْمُهَا فَلَا يَشْمَلُهُ قَوْلُهُمْ: تَطْهُرُ الْخَمْرُ بِالتَّخَلُّلِ بَلْ قِيَاسًا فَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْته. أَنَّ لَفْظَ الْخَمْرِ عَلَى الْأَوَّلِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمُسْكِر مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ وَالْمُسْكِرِ مِنْ غَيْرِهِ وَعَلَى الثَّانِي حَقِيقَةٌ فِي الْأَوَّلِ مَجَازٌ فِي الثَّانِي وَفِي اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ مَعْنَيَيْهِ خِلَافٌ فِي الْأُصُولِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ - لُغَةً - إطْلَاقُهُ عَلَى مَعْنَيَيْهِ مَثَلًا مَعًا، بِأَنْ يُرَادَا بِهِ مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَاحِدٍ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ إنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لَكِنَّ ذَلِكَ مَجَازٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوضَعْ لَهُمَا مَعًا، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرِهِ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ نَظَرًا لِوَضْعِهِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيهِمَا عِنْدَ التَّجَرُّدِ عَنْ الْقَرَائِنِ الْمُعَيِّنَةِ لِأَحَدِهِمَا، وَفِي اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ الْخِلَافُ فِي الْمُشْتَرَكِ، فَعَلَى الْأَصَحِّ يَصِحُّ لُغَةً مَجَازًا أَنْ يُرَادَا مَعًا بِاللَّفْظِ الْوَاحِدِ كَمَا فِي قَوْلِك: رَأَيْت الْأَسَدَ وَتُرِيدُ الْحَيَوَانَ الْمُفْتَرِسَ وَالرَّجُلَ الشُّجَاعَ، وَقَوْلُ الْبَاقِلَّانِيِّ: (لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ مُتَنَافِيَيْنِ حَيْثُ أُرِيدَ بِاللَّفْظِ الْمَوْضُوعُ لَهُ أَيْ أَوَّلًا، وَغَيْرُ الْمَوْضُوعِ لَهُ مَعًا مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَ هَذَيْنِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَمْ يَمْنَعْ الْبَاقِلَّانِيُّ اسْتِعْمَالَهُ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ وَإِنَّمَا مَنَعَ حَمْلَهُ عَلَيْهِمَا بِغَيْرِ قَرِينَةٍ قِيلَ: وَمَوْضِعُ الْخِلَافِ مَا إذَا سَاوَى الْمَجَازُ الْحَقِيقَةَ لِشُهْرَتِهِ وَإِلَّا امْتَنَعَ الْحَمْلُ عَلَيْهِمَا قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ لَا يُعْلَمُ تَنَاوُلُ اللَّفْظِ لَهُ إلَّا بِتَقْيِيدٍ، وَالْحَقِيقَةُ تُعْلَمُ بِالْإِطْلَاقِ وَمَحَلِّهِ أَيْضًا حَيْثُ لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ بِالْحَمْلِ عَلَيْهِمَا كَمَا فَعَلَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَيْثُ حَمَلَ الْمُلَامَسَةَ فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] عَلَى الْجَسِّ بِالْيَدِ وَالْوَطْءِ. فَعُلِمَ أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِالْحَمْلِ عَلَيْهِمَا فِي لَفْظٍ بِاعْتِبَارٍ وَاحِدٍ وَأَنَّهُ لَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ السَّائِلِ - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - ثُمَّ ذَكَرْته أَوَّلًا مِنْ أَنَّ الْخَمْرَ حَقِيقَةً هِيَ الْمُعْتَصَرُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ وَالنَّبِيذُ هُوَ الْمُعْتَصَرُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ هُوَ مَا حَكَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ فِي الْأَشْرِبَةِ؛ لَكِنْ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَهْلِ الْأَثَرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ الْخَمْرَ اسْمٌ لِكُلِّ مُسْكِرٍ وَعَلَيْهِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى التَّخْرِيجِ السَّابِقِ عَلَى أَنَّ اللُّغَةَ تَثْبُتُ قِيَاسًا أَوَّلًا وَعَلَيْهِ أَيْضًا فَلَيْسَ هُنَا

جَمْعٌ بَيْنَ حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ وَعَلَى كُلٍّ فَالْمُعْتَمَدُ طَهَارَةُ النَّبِيذِ بِالتَّخَلُّلِ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَعِبَارَتُهُ بَعْدَ قَوْلِ الْعُبَابِ. (وَإِلَّا الْخَمْرَ وَكَذَا النَّبِيذُ فِي الْمُخْتَارِ مِنْ الْمُعْتَمَدِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ كَالْأَصْحَابِ فِي بَابَيْ الرِّبَا وَالسَّلَمِ لِإِطْبَاقِهِمْ عَلَى صِحَّةِ السَّلَمِ فِي خَلِّ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ الْمُسْتَلْزِمَةِ طَهَارَتُهُمَا، إذْ النَّجِسُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا السَّلَمُ فِيهِ اتِّفَاقًا وَعَلَى الصِّحَّةِ تَارَةً وَالْبُطْلَانِ أُخْرَى فِي مَسْأَلَةِ الْخُلُولِ الْعَشَرَةِ الْآتِي بَيَانُهَا فِي بَابِ الرِّبَا. فَعُلِمَ أَنَّهُمْ مُصَرِّحُونَ بِطَهَارَةِ خَلِّ النَّبِيذِ بِالتَّخَلُّلِ، وَأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ مَذْهَبًا وَدَلِيلًا لَا دَلِيلًا فَحَسْبُ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ كَالسُّبْكِيِّ بِالْمُخْتَارِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْبَغَوِيّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْقَمُولِيُّ وَغَيْرُهُمَا: (وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَمْ أَرَهُ فِي تَهْذِيبِهِ وَلَا فِي فَتَاوِيهِ إذَا أُلْقِيَ فِي الْعَصِيرِ مَاءٌ حَالَ الْعَصْرِ طَهُرَ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ ضَرُورَتِهِ) وَسَبَقَهُ أَيْ الْبَغَوِيّ لِذَلِكَ شَيْخُهُ الْقَاضِي فَقَالَ لَوْ صُبَّ الْمَاءُ فِي الْعَصِيرِ وَاسْتَحَالَ لِلْخَلِّ فَهُوَ طَاهِرٌ اهـ. وَوَجْهُ كَوْنِ الْمَاءِ مِنْ ضَرُورَتِهِ أَنَّهُ مِنْ ضَرُورَةِ اسْتِقْصَاءِ عَصْرِهِ حَتَّى يَخْرُجَ جَمِيعُ مَا فِيهِ. إذْ لَوْ كُلِّفَ النَّاسُ الْإِعْرَاضَ عَمَّا بَقِيَ فِيهِ لَشَقَّ بِهِمْ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ مَالِيَّةٍ عَلَيْهِمْ؛ فَعُلِمَ أَنَّهُ مِنْ ضَرُورَتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِإِخْرَاجِ مَا بَقِيَ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ مِنْ أَصْلِ ضَرُورَةِ عَصْرِهِ لِسُهُولَتِهِ بِدُونِهِ وَإِذَا تُسُومِحَ فِي هَذَا الْمَاءِ وَقِيلَ فِيهِ بِالْمُسَامَحَةِ كَمَا عَرَفْت فَأَوْلَى مَاءُ النَّبِيذِ لِتَوَقُّفِ الْعَصْرِ عَلَيْهِ وَبِمَا وَجَّهْت بِهِ كَلَامَهُ انْدَفَعَ اعْتِرَاضُ الزَّرْكَشِيّ عَلَيْهِ بِقَوْلِ الشَّيْخَيْنِ لَوْ طُرِحَ عَصِيرٌ عَلَى خَلٍّ فَغَلَبَهُ الْعَصِيرُ وَانْغَمَرَ الْخَلُّ فِيهِ عِنْدَ الِاشْتِدَادِ فَانْقَلَبَ خَلًّا لَمْ يَطْهُرْ قَالَ فَإِذَا كَانَ لَا يَطْهُرُ بِخَلْطِ الْخَلِّ مَعَ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ فَأَوْلَى لَا يَطْهُرُ فِي الْمَاءِ اهـ. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا مُسَاوَاةَ فَضْلًا عَنْ الْأَوْلَوِيَّةِ لِأَنَّ خَلْطَ الْخَلِّ بِالْعَصِيرِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَخَلْطَ الْمَاءِ بِهِ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ فَضْلًا عَنْ الِاحْتِيَاجِ فَكَيْفَ يُشْكَلُ هَذَا بِهَذَا؟ وَقَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ: (لَا يَطْهُرُ النَّبِيذُ بِالتَّخَلُّلِ لِوُجُودِ الْمَاءِ فِيهِ) ضَعِيفٌ وَإِنْ حَكَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ لِمَا عَلِمْت مِنْ تَصْرِيحِهِمْ بِخِلَافِهِ وَلَا نَظَرَ لِوُجُودِ الْمَاءِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورِيَّاتِهِ كَمَا تَقَرَّرَ وَعَجِيبٌ مِنْ السُّبْكِيّ حَيْثُ تَبِعَ الْبَغَوِيَّ عَلَى هَذَا هُنَا وَاعْتَرَضَهُ فِي بَابِ الْغَصْبِ بِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الْمَاءِ، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ لَا حَاجَةَ إلَى الْمَاءِ لَعَلَّهُ سَهْوٌ وَإِلَّا فَالْوَجْهُ أَنَّهُ قَاضٍ بِالْحَاجَةِ، بَلْ الضَّرُورَةُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى خَلِّ النَّبِيذِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْمَاءِ فِي عَصْرِ مَا مِنْهُ النَّبِيذُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالنَّظَرُ إلَى ذَلِكَ تَأْبَاهُ جَلَالَتُهُ. وَلَوْ حَصَرْنَا الْأَمْرَ فِي خَلِّ الْعِنَبِ لَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ لِأَنَّهُ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ لِخَلِّ غَيْرِهِ فَإِنْ قُلْت: مَا قَالُوهُ فِي السَّلَمِ وَالرِّبَا لَا يُنَافِي مَا قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ لِإِمْكَانِ حَمْلِ كَلَامِهِ عَلَى مَا إذَا تَحَقَّقَ التَّخَمُّرُ ثُمَّ التَّخَلُّلُ، وَكَلَامُهُمْ عَلَى خِلَافِهِ قُلْت: وَإِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ لَكِنَّهُ أَعْنِي التَّخَمُّرُ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلٍ نَادِرٌ لِمَا يَأْتِي عَنْ الْحَلِيمِيِّ وَغَيْرِهِ، أَنَّ الْعَصِيرَ لَا يَصِيرُ خَلًّا مِنْ غَيْرِ تَخَمُّرٍ إلَّا فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ قَلِيلٌ فِعْلُهَا فَكَانَ التَّخَلُّلُ مِنْ غَيْرِ تَخَمُّرٍ نَادِرًا جِدًّا؛ فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ بَلْ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ كَمَا يَأْتِي بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَوَسُّطِ الشِّدَّةِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ، وَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِ أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّ نَبِيذَ الرُّطَبِ يَطْهُرُ بِالتَّخَلُّلِ قَطْعًا لِأَنَّهُ لَا مَاءَ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ كَالْأَصْحَابِ فِي الرِّبَا لَكِنْ مَنَعَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَقَالُوا لَا يَأْتِي إلَّا بِالْمَاءِ. وَمَالَ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ نَوْعَانِ ثُمَّ رَأَيْت مَا وَجَّهْت بِهِ كَلَامَ الْبَغَوِيِّ فِي الْمَاءِ مُصَرَّحًا بِهِ فِي كَلَامِ ابْنِ الْعِمَادِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا وُضِعَ مَاءٌ فِي الْعَصِيرِ لَا لِحَاجَةٍ أَوْ لِاسْتِعْجَالِ التَّخَلُّلِ فَوَجْهَانِ، أَيْ وَالرَّاجِحُ عَدَمُ الطَّهَارَةِ فَإِنْ وَضَعَهُ لِحَاجَةٍ طَهُرَ بِلَا خِلَافٍ وَعَلَيْهِ يُنَزَّلُ قَوْلُ الْبَغَوِيِّ: (لَوْ أُلْقِيَ الْمَاءُ حَالَ الْعَصْرِ طَهُرَ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَتِهِ بِخِلَافِ نَحْوِ الْبَصَلِ وَبِخِلَافِ إلْقَاءِ مَا بَعْدَ الْعَصْرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَتِهِ، وَمُرَادُهُ بِإِلْقَائِهِ حَالَ الْعَصْرِ مَا يُصَبُّ عَلَى الثُّفْلِ لِيُسْتَخْرَجَ بِهِ مَا بَقِيَ فِيهِ مِنْ الْحَلَاوَةِ وَبَقِيَّةِ مَاءِ الْعِنَبِ وَسَأَلْت عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ: إنَّهُمْ يَسْتَخْرِجُونَ حَلَاوَةَ الثُّفْلِ بِصَبِّ الْمَاءِ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ يُصَبُّ ذَلِكَ عَلَى الْعَصِيرِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا يُوضَعُ عَلَى الْعَصِيرِ مِنْ الْمَاءِ تَكْثِيرًا لَهُ وَمَا يُوضَعُ فِيهِ مِنْ السُّكَّرِ وَنَحْوِهِ تَكْثِيرًا لِلْحَلَاوَةِ فَفِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ يَطْهُرُ اهـ. وَتَنْزِيلُهُ الضَّرُورَةَ فِي كَلَامِ الْبَغَوِيِّ عَلَى الْحَاجَةِ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْته، وَمَا ذُكِرَ فِي إلْقَاءِ الْمَاءِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَاضِحٌ إذْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَضْلًا عَنْ الضَّرُورَةِ، وَبِهِ يُرَدُّ مَا ذَكَرَهُ فِي وَضْعِهِ عَلَى الْعَصِيرِ تَكْثِيرًا لَهُ لَكِنْ سَبَقَهُ لِنَحْوِ ذَلِكَ الْقَاضِي فَقَالَ: لَا يَضُرُّ صَبُّ الْمَاءِ فِي الْعَصِيرِ اسْتِعْجَالًا لِلنَّحْلِ وَلَا صَبُّ الْمَاءِ فِي الْعَصِيرِ حَالَ

عَصْرِهِ تَكْثِيرًا لِلْخَلِّ أَوْ لِاسْتِخْرَاجِ الْحَلَاوَةِ مِنْ الثُّفْلِ فَإِنَّ لَهُ فِي ذَلِكَ غَرَضًا صَحِيحًا اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأَوَّلَيْنِ لَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى رَأْيِهِ الضَّعِيفِ الْآتِي أَنَّ مُصَاحَبَةَ الْعَيْنِ لَا تَضُرُّ لَكِنَّ تَعْلِيلَهُ يُفْهِمُ أَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَصَحِّ وَحِينَئِذٍ فَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّ الْمَلْحَظَ الْحَاجَةُ، وَلَا حَاجَةَ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ مُجَرَّدُ الْغَرْضِ حَاجَةً كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ. وَحَاصِلُهَا أَنَّ الْمَنْقُولَ الْمُعْتَمَدَ طَهَارَةُ سَائِرِ الْأَنْبِذَةِ بِالتَّخَلُّلِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ ضَرُورَتِهَا، وَإِنَّ مِثْلَهَا فِي ذَلِكَ ثُفْلُ الْعِنَبِ الَّذِي يَحْتَاجُ فِي اسْتِقْصَاءِ عَصْرِهِ إلَى مَاءٍ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَةِ اسْتِخْرَاجِ بَقِيَّةِ مَا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ يَضُرُّ طَرْحُهُ فَإِذَا تَخَلَّلَ مَا طُرِحَ فِيهِ لَا يَطْهُرُ وَإِنْ وُضِعَ عَلَيْهِ الْمَاءُ قَبْلَ التَّخَمُّرِ؛ لِأَنَّهُ صَاحَبَتْهُ عَيْنٌ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا فَنَجَّسَتْهُ وَمِثْلُ الْمَاءِ فِي ذَلِكَ نَحْوُ السُّكَّرِ الَّذِي يُوضَعُ فِي الْعَصِيرِ تَكْثِيرًا لِلْحَلَاوَةِ فَيَضُرُّ إلَّا إنْ فُرِضَ تَخَمُّرِهِ فَإِنَّهُ يَطْهُرُ بِالتَّخَلُّلِ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ عَصَرَ أَنْبِذَةً مُخْتَلِفَةً ثُمَّ خَلَطَهَا وَهِيَ عَصِيرٌ فَتَخَمَّرَتْ ثُمَّ تَخَلَّلَتْ طَهُرَتْ وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ وَلَا يُنَافِيهِ كَلَامُهُمْ فِيمَا لَوْ طُرِحَ عَلَى الْخَلِّ عَصِيرٌ؛ لِأَنَّ الْخَلَّ يَسْتَحِيلُ تَخَمُّرُهُ فَنَظَرُوا ثَمَّ لِلْغَالِبِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْكُلَّ يَتَخَمَّرُ فَإِذَا تَخَلَّلَ طَهُرَ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ فِيمَا لَوْ وُضِعَ خَمْرٌ عَلَى خَمْرٍ أُخْرَى فَإِنَّهُمَا يَطْهُرَانِ. وَإِنْ كَانَا مِنْ جِنْسَيْنِ كَمَا يَأْتِي وَأَنَّ الرُّطَبَ إذَا اُعْتُصِرَ وَلَمْ يَخْتَلِطْ بِهِ مَاءٌ وَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ طَهُرَ قَطْعًا وَلَمْ يَأْتِ فِيهِ خِلَافُ النَّبِيذِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ مَاءَ النَّارْجِيلِ إذَا لَمْ يُخَالِطْهُ غَيْرُهُ فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ طَهُرَ قَطْعًا أَيْضًا وَلَا يَأْتِي فِيهِ خِلَافُ النَّبِيذِ لِمَا عَلِمْت مِنْ الْفَرْقِ أَنَّ ذَاكَ فِيهِ مَاءٌ وَهَذَا لَا مَاءَ فِيهِ، وَالْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الرُّطَبِ لَيْسَ فِي طَهَارَةِ خَلِّهِ بِالتَّخَلُّلِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي أَنَّ عَصِيرَهُ هَلْ يَأْتِي مِنْهُ خَلٌّ مِنْ غَيْرِ مَاءٍ أَوْ لَا؟ فَالْقَائِلُونَ لَا يَأْتِي مِنْهُ إلَّا بِالْمَاءِ يَقُولُونَ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ أُتِيَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ مَاءٍ طَهُرَ قَطْعًا، فَالْخِلَافُ لَيْسَ فِي طَهَارَتِهِ بِفَرْضِ أَنَّهُ جَاءَ مِنْهُ خَلٌّ فَكَذَا يُقَالُ فِي مَاءِ النَّارْجِيلِ، وَقَوْلُ السَّائِلِ وَمَا قَوْلُكُمْ فِيمَا إذَا كَانَ فِي إنَاءٍ خَمْرٌ إلَى آخِرِ جَوَابِهِ ذَكَرْته فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَعِبَارَتُهُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَالْغَزِّيُّ وَإِنْ تَعَقَّبَهُ ابْنُ شُهْبَةَ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَ ذَلِكَ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ وَغَيْرِهِمَا وَاعْتَمَدَهُ لَوْ نَقَصَ مِنْ خَمْرِ الدَّنِّ أَوْ أُدْخِلَ فِيهِ شَيْءٌ فَارْتَفَعَتْ بِسَبَبِهِ ثُمَّ أُخْرِجَ فَعَادَتْ كَمَا كَانَتْ أَيْ فَلَا تَطْهُرُ إلَّا إنْ صُبَّ عَلَيْهَا خَمْرٌ قَبْلَ الْجَفَافِ حَتَّى ارْتَفَعَتْ إلَى الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ اهـ. لَكِنْ عِبَارَةُ أُولَئِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ مَسْأَلَةُ النَّقْصِ وَلَوْ أَخَذَ مِنْهَا شَيْئًا وَهِيَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ بِالنَّقْصِ لِشُمُولِهِ لِمَا لَوْ كَانَ بِسَبَبِ تَشَرُّبِ الدَّنِّ أَوْ انْعِقَادِهَا بِوَاسِطَةِ هَوَاءٍ وَنَحْوِهِ، وَالْحُكْمُ بِعَدَمِ طَهَارَةِ الْخَلِّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ، بَلْ الَّذِي يَتَّجِهُ الطَّهَارَةُ هُنَا نَظِيرُ الِارْتِفَاعِ بِالْغَلَيَانِ؛ لِأَنَّ كُلًّا لَيْسَ بِفِعْلِ فَاعِلٍ فَسُومِحَ بِهِ قَالَ أَعْنِي الْبَغَوِيَّ وَإِنَّمَا لَمْ يَطْهُرْ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى وَهِيَ مَا لَوْ ارْتَفَعَتْ بِفِعْلِ فَاعِلٍ كَأَنْ وُضِعَ فِي الدَّنِّ ظَرْفٌ فَارْتَفَعَتْ بِسَبَبِهِ، أَمَّا الدَّنُّ فَلِعَدَمِ الضَّرُورَةِ وَأَمَّا الْخَمْرُ فَلِاتِّصَالِهَا بِنَجَسٍ بِخِلَافِهِ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ مَا لَوْ غُمِرَ الْمُرْتَفِعُ قَبْلَ جَفَافِهِ بِخَمْرٍ أُخْرَى فَإِنَّهَا تَطْهُرُ بِالتَّخَلُّلِ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الدَّنِّ الْمُلَاقِيَةِ لِلْخَلِّ لَا خِلَافَ فِي طَهَارَتِهَا تَبَعًا لَهُ اهـ. وَقَوْلُهُ: قَبْلَ جَفَافِهِ الَّذِي تَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ عَلَيْهِ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ فِيمَا لَوْ غَمَرَهُ بِهَا بَعْدَ جَفَافِهِ، وَتَعْلِيلُهُ يَقْتَضِي خِلَافَهُ. قَالَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا - سَقَى اللَّهُ عَهْدَهُ -: (وَالْمُوَافِقُ لِكَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ مُطْلَقًا لِمُصَاحِبَتِهَا عَيْنًا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِهَا) وَقَالَ غَيْرُهُ لَعَلَّهُ تَصْوِيرٌ لِتَحَقُّقِ انْغِمَارِ مَوْضِعِ الِارْتِفَاعِ وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي كَلَامِ شَيْخِنَا الْمَذْكُورِ وَلَعَلَّ مَأْخَذَهُ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَابْنِ الْعِمَادِ

وَاحْتَرَزَ الشَّيْخَانِ بِفَرْضِهِمَا التَّفْصِيلَ الْآتِي فِي طَرْحِ الْعَصِيرِ عَلَى خَلٍّ عَمَّا لَوْ طُرِحَ خَمْرٌ فَوْقَ خَمْرٍ فَإِنَّهَا تَطْهُرُ، وَيُحْتَمَلُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخَمْرُ مِنْ جِنْسِهَا فَتَطْهُرُ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا كَمَا إذَا صُبَّ النَّبِيذُ عَلَى خَمْرٍ فَلَا تَطْهُرُ اهـ. وَكَأَنَّ مَا قَالَاهُ أَوَّلًا مُسَاوٍ لِمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ إطْلَاقِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ طَرْحُ خَمْرٍ فَوْقَ خَمْرٍ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ، وَبِهَا يُعْلَمُ أَنَّ الِارْتِفَاعَ مَتَى كَانَ بِفِعْلِ فَاعِلٍ لَا تَطْهُرُ إذَا لَمْ يُغْمَرْ الْمُرْتَفِعُ بِخَمْرٍ أُخْرَى، وَهَذِهِ الصُّورَةُ لَا نِزَاعَ فِيهَا وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِيمَا لَوْ غَمَرَهَا بِخَمْرٍ أُخْرَى وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ تَرْجِيحُهُ الطَّهَارَةُ حِينَئِذٍ سَوَاءٌ مَا قَبْلَ الْجَفَافِ وَمَا بَعْدَهُ لِمَا عَلَّلَ بِهِ الْبَغَوِيّ الْمُقْتَضِي أَنَّ فَرْضَهُ الْكَلَامَ قَبْلَ الْجَفَافِ إنَّمَا هُوَ لِلتَّصْوِيرِ لَا لِلِاحْتِرَازِ وَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا يُنَازِعُ فِيهِ كَلَامَ الزَّرْكَشِيّ وَابْنِ الْعِمَادِ فَإِنَّهُمَا ذَكَرًا الطَّهَارَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ نَقْلِ الْمَذْهَبِ، ثُمَّ أَبْدَيَا فِي مُقَابَلَتِهِ احْتِمَالًا لَهُمَا مُفَصَّلًا وَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ إلَّا أَنَّ مَا أَطْلَقَاهُ مِنْ الطَّهَارَةِ الْمُوَافِقَ لِعِلَّةِ الْبَغَوِيِّ السَّابِقَةِ هُوَ اللَّاحِقُ بِالِاعْتِمَادِ؛ لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ، وَتَعْلِيلُ شَيْخِنَا بِمُصَاحَبَةِ الْعَيْنِ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ تِلْكَ الْمُصَاحَبَةِ لَا تَضُرُّ لِاشْتِرَاكِ كُلٍّ مِنْ الْعَيْنَيْنِ فِي التَّخَلُّلِ الْمُقْتَضِي لِلطَّهَارَةِ فَلَيْسَتْ كَمُصَاحَبَةِ عَيْنٍ غَيْرَ خَمْرٍ نَعَمْ قَدْ يُقَالُ فِي خُصُوصِ مِثَالِهِمَا وَهُوَ النَّبِيذُ: إذَا وُضِعَ عَلَى خَمْرٍ وَمِثْلُهُ عَكْسُهُ أَنَّ الْأَوْجَهَ فِيهِ عَدَمُ الطَّهَارَةِ لِأَنَّ النَّبِيذَ فِيهِ الْمَاءُ فَفِي ذَلِكَ وَضْعُ الْمَاءِ عَلَى الْخَمْرِ بِلَا حَاجَةٍ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يَضُرُّ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا اُغْتُفِرَ فِيهِ الْمَاءُ لِلْحَاجَةِ كَانَ كَالْعَدَمِ فَلَمْ يَضُرَّ طَرْحُ مَا هُوَ فِيهِ مِنْ النَّبِيذِ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهُ وَيُغْتَفَرُ فِي الشَّيْءِ تَابِعًا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِيهِ مَقْصُودًا وَبِهَذَا الَّذِي تَقَرَّرَ فِي مَسْأَلَةِ الْبَغَوِيِّ تُعْلَمُ الطَّهَارَةُ فِيمَا لَوْ أُرِيقَتْ الْخَمْرُ مِنْ دَنٍّ ثُمَّ صُبَّ فِيهِ خَمْرٌ أُخْرَى قَبْلَ الْجَفَافِ أَوْ بَعْدَهُ ثُمَّ نُقِلَتْ مِنْهُ إلَى إنَاءٍ طَاهِرٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا عُلِمَ أَنَّ الْمَنْقُولَ فِيمَا إذَا صُبَّتْ خَمْرٌ عَلَى خَمْرٍ أُخْرَى الطَّهَارَةُ مُطْلَقًا فَمَا هُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّ صَبَّهَا فِي الدَّنِّ الْمُتَنَجِّسِ بِالْخَمْرِ غَايَتُهُ أَنَّهُ كَصَبِّهَا فِي دَنٍّ ارْتَفَعَتْ إلَيْهِ بِفِعْلِ فَاعِلٍ ثُمَّ نَزَلَتْ عَنْهُ. وَقَدْ مَرَّ أَنَّ ظَاهِرَ الْمَنْقُولِ طَهَارَتُهُ سَوَاءٌ أَصَبَّهَا عَلَيْهِ قَبْلَ الْجَفَافِ أَمْ بَعْدَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ الْجِنْسِ أَمْ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ عَلَى مَا مَرَّ فِيهِ هَذَا عَلَى مَا اعْتَمَدْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الْبَغَوِيِّ، وَأَمَّا عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا فِيهَا مِنْ عَدَمِ الطَّهَارَةِ مُطْلَقًا، فَقِيَاسُهُ هُنَا النَّجَاسَةُ وَأَنَّهَا لَا تَطْهُرُ بِالتَّخَلُّلِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الشَّيْخَ يَجْعَلُ مُلَاقَاةَ الْخَمْرِ لِأُخْرَى كَمُلَاقَاةِ الْعَيْنِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَاَلَّذِي مَرَّ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ وَابْنِ الْعِمَادِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْخَمْرَ الْأُخْرَى تُشَارِكُ الْأُولَى فِي التَّخَلُّلِ الْمُقْتَضِي لِطَهَارَتِهِمَا فَلَمْ تَكُنْ كَالْعَيْنِ الْأَجْنَبِيَّةِ الَّتِي لَا تَقْبَلُ ذَلِكَ، وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ وَهَلْ الْحُكْمُ الْمُتَقَدِّمُ. .. إلَخْ وَهُوَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ لِمَا تَلَا عَلَيْك وَاضِحًا مُبَيَّنًا. وَفِي الْأَنْوَارِ لَوْ نُقِلَتْ مِنْ دَنٍّ إلَى آخَرَ طَهُرَتْ بِالتَّخَلُّلِ قَالَ الْبَغَوِيّ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَتْ مِنْهُ، ثُمَّ صُبَّ فِيهِ عَصِيرٌ فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ لَا يَطْهُرُ اهـ. وَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ فِي وَضْعِ الْخَمْرِ عَلَى خَمْرٍ أُخْرَى لِمَا سَبَقَ مِنْ الْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَخْبَرَهُ عَدْلٌ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ حَدَثٌ فَهَلْ يَلْزَمُهُ قَبُولُ خَبَرِهِ أَوْ لَا كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ أَهْلِ الْيَمَنِ. (فَأَجَابَ) - مَتَّعَ اللَّهُ بِحَيَاتِهِ - الصَّوَابُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَزَعَمَ أَنَّ خَبَرَهُ لَا يُفِيدُ الْيَقِينَ، بَلْ الظَّنَّ وَلَا يُرْفَعُ يَقِينُ طُهْرٍ بِظَنِّ حَدَثٍ يُبْطِلُهُ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَهُ بِوُقُوعِ نَجَاسَةٍ فِي الْمَاءِ لَزِمَهُ قَبُولُ خَبَرِهِ مَعَ وُجُودِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ ظَنًّا إلَّا أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْيَقِينِ شَرْعًا فِي أَبْوَابٍ كَثِيرَةٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ - مَا حُكْمُ اسْتِعْمَالِ الْوَرَقِ الْبَالِي مِنْ الْكُتُبِ أَغْشِيَةً لَهَا؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتِعْمَالُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْوَرَقِ أَغْشِيَةً جَائِزٌ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قُرْآنٌ وَلَا عِلْمٌ شَرْعِيٌّ وَلَا اسْمُ اللَّهِ أَوْ نَبِيِّهِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ كُلِّ اسْمٍ مُعَظَّمٍ وَإِلَّا فَهُوَ حَرَامٌ وَمَنْ أَطْلَقَ الْإِفْتَاءَ بِالْجَوَازِ فَقَدْ أَبْعَدَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يُكْرَهُ لِدَاخِلِ الْخَلَاءِ حَمْلُ مَا كُتِبَ عَلَيْهِ ذِكْرٌ؟ وَهَلْ يَعُمُّ مَا إذَا قَصَدَ حَمْلَ الْأَمْتِعَةِ فَقَطْ أَوْ لَا؟ كَحَمْلِ الْمُصْحَفِ فِي أَمْتِعَةٍ. (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْأَوْجَهَ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْمُحْدِثَ إنَّمَا مُنِعَ مِنْ الْحَمْلِ الْمُخِلِّ بِالتَّعْظِيمِ، وَلَا إخْلَالَ إذَا كَانَ الْمُصْحَفُ تَابِعًا، وَمَنَاطُ الْكَرَاهَةِ هُنَا اسْتِصْحَابُ مَا عَلَيْهِ الذِّكْرُ وَإِدْخَالُهُ الْمَكَانَ الْخَسِيسَ الْمُقْتَضِي لِامْتِهَانِهِ، وَالْإِخْلَالِ بِتَعْظِيمِهِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يَحْرُمُ دَوْسُ الْوَرَقِ أَوْ الْخِرْقَةِ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهَا اسْمُ اللَّهِ وَاسْمُ رَسُولِهِ. - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يَحْرُمُ دَوْسُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ إهَانَةً لَهُ فَهُوَ كَجَعْلِ الدَّرَاهِمِ فِيهِ، بَلْ أَوْلَى وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِذَلِكَ كُلُّ اسْمٍ مُعَظَّمٍ كَمَا قَالُوهُ فِي دُخُولِ الْخَلَاءِ بِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مِنْ الْإِهَانَةِ مَا فِي دَوْسِهِ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَمَّنْ وَجَدَ وَرَقَةً مُلْقَاةً فِي الطَّرِيقِ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ مَا الَّذِي يَفْعَلُ بِهَا (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْأَوْلَى غَسْلُهَا لِأَنَّ وَضْعَهَا فِي الْجِدَارِ تَعْرِيضٌ لِسُقُوطِهَا وَالِاسْتِهَانَةِ بِهَا، وَقِيلَ: تُجْعَلُ فِي حَائِطٍ وَقِيلَ: يُفَرِّقُ حُرُوفَهَا وَيُلْقِيهَا ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ، فَأَمَّا كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَهُوَ مُتَّجِهٌ لَكِنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِ حُرْمَةُ جَعْلِهَا فِي حَائِطٍ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ خِلَافُهُ وَأَنَّ

الْغَسْلَ أَفْضَلُ فَقَطْ، وَأَمَّا التَّمْزِيقُ فَقَدْ ذَكَرَ الْحَلِيمِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَمْزِيقُ وَرَقَةٍ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ أَوْ اسْمُ رَسُولِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْطِيعِ الْحُرُوفِ وَتَفْرِيقِ الْكَلِمَةِ وَفِي ذَلِكَ إزْرَاءٌ بِالْمَكْتُوبِ، فَالْوَجْهُ الثَّالِثُ شَاذٌّ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْت: وَجْهُ الضَّعِيفِ أَيْضًا أَنَّ هَذِهِ الْحُرُوفَ لَمَّا رُكِّبَ مِنْهَا هَذَا الِاسْمُ الْمُعَظَّمُ ثَبَتَ لَهَا التَّعْظِيمُ، فَتَفْرِيقُهَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ إهْدَارَ مَا ثَبَتَ لَهَا. قُلْت إنَّمَا يَأْتِي ذَلِكَ عَلَى مَا مَالَ إلَيْهِ السُّبْكِيّ مِنْ أَنَّ الْحُرُوفَ الْمُقَطَّعَةَ حُكْمُهَا حُكْمُ الْكَلِمَاتِ الشَّرِيفَةِ، وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ خِلَافُهُ فَإِنْ قُلْت: يُنَافِي ذَلِكَ حُرْمَةُ تَلَفُّظِ الْجُنُبِ بِحَرْفٍ مِنْ الْقُرْآنِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ، وَأَصْلُهَا وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ. قُلْت: لَا يُنَافِيه؛ لِأَنَّ تَلَفُّظَهُ بِهِ بِقَصْدِ الْقِرَاءَةِ شُرُوعٌ فِي الْمَعْصِيَةِ؛ فَالتَّحْرِيمُ لِذَلِكَ لَا لِكَوْنِهِ يُسَمَّى قَارِئًا وَبِهَذَا أَيْضًا يُجَابُ عَنْ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: لَا ثَوَابَ فِي قِرَاءَةِ أَحَدِ جُزْأَيْ الْكَلِمَةِ فَمَا تَوَهَّمَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ يُخَالِفُ مَا مَرَّ وَأَنَّ الْأَوْجَهَ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ التَّلَفُّظُ يُرَدُّ بِمَا ذَكَرْتُهُ، وَيُرَدُّ بِهِ أَيْضًا عَلَى مَنْ اعْتَمَدَ كَلَامَ الْإِسْنَوِيِّ وَأُخِذَ مِنْهُ أَنَّ الَّذِي يَجِبُ احْتِرَامُهُ مِنْ الْقُرْآنِ هُوَ الْجُمَلُ الْمُفِيدَةُ، بَلْ هَذَا الْأَخِيرُ زَلَّةٌ يُسْتَغْفَرُ مِنْهَا. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّا إذَا وَجَدَ الْقَارِئُ غَلَطًا فِي شَكْلِ الْمُصْحَفِ الْكَرِيمِ أَوْ حُرُوفِهِ هَلْ يَلْزَمُهُ إصْلَاحُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ مِلْكَهُ أَوْ عَلِمَ رِضَا مَالِكِهِ لَزِمَهُ إصْلَاحُهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ وَقْفًا، وَخَطُّهُ لَا يَعِيبُهُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لَهُ إصْلَاحُهُ وَهَذَا التَّفْصِيلُ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ ثُمَّ رَأَيْتنِي ذَكَرْت فِي شَرْحِ الْعُبَابِ مَا لَفْظُهُ: وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْعَبَّادِيِّ أَنَّ مَنْ اسْتَعَارَ كِتَابًا فَوَجَدَ فِيهِ خَطَأً لَمْ يَجُزْ لَهُ إصْلَاحُهُ وَإِنْ كَانَ مُصْحَفًا وَجَبَ، وَقَيَّدَهُ الْبَدْرُ بْنُ جَمَاعَةَ وَالسَّرَّاجُ الْبُلْقِينِيُّ بِالْمَمْلُوكِ قَالَا أَمَّا الْمَوْقُوفُ فَيَجُوزُ إصْلَاحُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا كَانَ خَطُّهُ مُسْتَصْلَحًا اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْعَبَّادِيِّ أَنَّ الْمُصْحَفَ يَجِبُ إصْلَاحُهُ مُطْلَقًا وَلَهُ وَجْهٌ إنْ لَمْ يُعِبْهُ ذَلِكَ الْإِصْلَاحُ فَإِنَّ عَيَّبَهُ لِرَدَاءَةِ خَطِّ الْمُصْلِحِ فَيَنْبَغِي تَحْرِيمُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ الْوُجُوبِ أَيْضًا مَا إذَا كَانَ ذَلِكَ الْإِصْلَاحُ قَلِيلًا لَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا بِحَيْثُ يُقَابَلُ بِهَا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا إنْ جَعَلَ لَهُ مَالِكُ الْمُصْحَفِ أَوْ نَاظِرُهُ أُجْرَةً فِي مُقَابَلَتِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ لَوْ سُئِلَ فِي تَعْلِيمِ الْفَاتِحَةِ لِمَنْ يَجْهَلُهَا وَجَبَ عَلَيْهِ تَعْلِيمُهُ إيَّاهَا وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غَيْرُهُ لَكِنْ لَا مَجَّانًا بَلْ بِأُجْرَةٍ فَلَمْ يَجْعَلُوا التَّعَيُّنَ مَانِعًا مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْأُجْرَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ صَرَّحُوا بِأَنَّ نِسْيَانَ الْقُرْآنِ كَبِيرَةٌ فَكَيْفَ ذَلِكَ مَعَ خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ لَا يَقُولُ أَحَدُكُمْ نَسِيت آيَةَ كَذَا وَكَذَا، بَلْ يَقُولُ نُسِّيت وَخَبَرُهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ فَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَقَدْ أَذْكَرَنِي آيَةً كُنْت أَسْقَطْتُهَا وَمَا الْمُرَادُ بِالنِّسْيَانِ وَهَلْ يُعْذَرُ بِهِ إذَا كَانَ لِاشْتِغَالِهِ بِمَعِيشَةِ عِيَالِهِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا؟ وَهَلْ يَشْمَلُ ذَلِكَ نِسْيَانَ الْخَطِّ بِأَنْ كَانَ يَقْرَؤُهُ غَيْبًا، وَمِنْ الْمُصْحَفِ فَصَارَ لَا يَقْرَؤُهُ إلَّا غَيْبًا وَفِي عَكْسِهِ هَلْ يَحْرُمُ أَيْضًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَالْحَدِيثِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ نِسْيَانَ الْقُرْآنِ كَبِيرَةٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِأَنْ يَقُولَ نُسِّيتُ بِتَشْدِيدِ السِّينِ أَوْ أُنْسِيت إنَّمَا هُوَ لِرِعَايَةِ الْأَدَبِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فِي إضَافَةِ الْأَشْيَاءِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مِنْهُ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا، وَنِسْبَتُهَا لِلْعَبْدِ إنَّمَا هِيَ مِنْ حَيْثُ الْكَسْبُ وَالْمُبَاشَرَةُ فَأَمَرَنَا بِرِعَايَةِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ الْعَظِيمَةِ النَّفْعِ الْعَزِيزَةِ الْوَقْعِ الَّتِي ضَلَّ فِيهَا الْمُعْتَزِلَةُ وَمَنْ تَبِعَهُمْ كَالزَّيْدِيَّةِ، فَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النِّسْيَانَ كَبِيرَةٌ وَلَا أَنَّهُ غَيْرُ كَبِيرَةٍ كَمَا اتَّضَحَ مِمَّا قَرَّرْته. وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّسْيَانِ الْمُحَرَّمِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ مُعَاوَدَةُ حِفْظِهِ الْأَوَّلِ إلَّا بَعْدَ مَزِيدِ كُلْفَةٍ وَتَعَبٍ لِذَهَابِهِ عَنْ حَافِظَتِهِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَأَمَّا النِّسْيَانُ الَّذِي يُمْكِنُ مَعَهُ التَّذَكُّرُ بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ أَوْ إعْمَالِ الْفِكْرِ فَهَذَا سَهْوٌ لَا نِسْيَانٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَلَا يَكُونُ مُحَرَّمًا وَتَأَمَّلْ تَعْبِيرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَسْقَطْتُهَا دُونَ أُنْسِيتهَا يَظْهَرُ لَك مَا قُلْنَاهُ وَلَا يُعْذَرُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لِاشْتِغَالِهِ بِمَعِيشَةٍ ضَرُورِيَّةٍ لِأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يُمْكِنُهُ الْمُرُورُ عَلَيْهِ بِلِسَانِهِ أَوْ قَلْبِهِ فَلَمْ يُوجَدْ فِي الْمَعَايِشِ مَا يُنَافِي هَذَا الْمُرُورَ فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهَا عُذْرًا فِي النِّسْيَانِ نَعَمْ الْمَرَضُ الْمُشْغِلُ أَلَمُهُ لِلْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالْمُضْعِفُ لِلْحَافِظَةِ عَنْ أَنْ يَثْبُتَ فِيهَا مَا كَانَ فِيهَا لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ عُذْرًا؛ لِأَنَّ النِّسْيَانَ النَّاشِئَ مِنْ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ بِهِ مُقَصِّرًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِاخْتِيَارِهِ، إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ شُغِلَ قَهْرًا عَنْهُ بِمَا لَمْ يُمْكِنْهُ

مَعَهُ تَعَهُّدَهُ وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْتُهُ أَنَّ الْمَدَارَ فِي النِّسْيَانِ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْإِزَالَةِ عَنْ الْقُوَّةِ الْحَافِظَةِ بِحَيْثُ صَارَ لَا يَحْفَظُهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ كَالصِّفَةِ الَّتِي كَانَ يَحْفَظُهُ عَلَيْهَا قَبْلُ. وَنِسْيَانُ الْكِتَابَةِ لَا شَيْءَ فِيهِ وَلَوْ نَسِيَهُ عَنْ الْحِفْظِ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ وَلَكِنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْرَأَهُ فِي الْمُصْحَفِ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ عَنْهُ إثْمُ النِّسْيَانِ لِأَنَّا مُتَعَبَّدُونَ بِحِفْظِهِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ، وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحَ الْأَئِمَّةُ بِأَنَّ حِفْظَهُ كَذَلِكَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْأُمَّةِ، وَأَكْثَرُ الصَّحَابَةِ كَانُوا لَا يَكْتُبُونَ وَإِنَّمَا يَحْفَظُونَهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْحَدِيثِ الثَّانِي بِأَنَّ نِسْيَانَ مِثْلِ الْآيَةِ أَوْ الْآيَتَيْنِ لَا عَنْ قَصْدٍ لَا يَخْلُو مِنْهُ إلَّا النَّادِرُ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ نِسْيَانٌ يُنْسَبُ فِيهِ إلَى تَقْصِيرٍ، وَهَذَا غَفْلَةٌ عَمَّا قَرَّرْتُهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ النِّسْيَانِ وَالْإِسْقَاطِ، فَالنِّسْيَانُ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْته حَرَامٌ بَلْ كَبِيرَةٌ وَلَوْ لِآيَةٍ مِنْهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، بَلْ وَلَوْ لِحَرْفٍ كَمَا جَزَمْت بِهِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ مَتَى وَصَلَ بِهِ النِّسْيَانُ وَلَوْ لِلْحَرْفِ إلَى أَنْ صَارَ يَحْتَاجُ فِي تَذَكُّرِهِ إلَى عَمَلٍ وَتَكْرِيرٍ فَهُوَ مُقَصِّرٌ آثِمٌ، وَمَتَى لَمْ يَصِلْ إلَى ذَلِكَ بَلْ يَتَذَكَّرُهُ بِأَدْنَى تَذْكِيرٍ فَلَيْسَ بِمُقَصِّرٍ وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَلَّ مَنْ يَخْلُو عَنْهُ مِنْ حُفَّاظِ الْقُرْآنِ؛ فَسُومِحَ بِهِ وَمَا قَدَّمْته مِنْ حُرْمَةِ النِّسْيَانِ وَإِنْ أَمْكَنَ مَعَهُ الْقِرَاءَةُ مِنْ الْمُصْحَفِ نَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ مُحَقِّقِي الْعُلَمَاءِ وَهُوَ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - هَلْ يَجُوزُ كِتَابَةُ قُرْآنٍ أَوْ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي حِرْزٍ لِكَافِرٍ يَعْتَقِدُ بِهِ حُصُولَ الْخَيْرِ لَهُ؟ وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا يُكْتَبُ تَكْسِيرًا حَرْفِيًّا أَوْ عَدَدِيًّا أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ يَحْرُمُ بِالِاتِّفَاقِ السَّفَرُ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْكُفْرِ سَوَاءٌ كَانَ أَهْلُهَا ذِمِّيِّينَ أَمْ حَرْبِيِّينَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ. (وَمَحَلُّهُ إذَا خِيفَ وُقُوعُهُ بِأَيْدِيهِمْ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِهِ لِلِامْتِهَانِ) وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إنْ أُمِنَ ذَلِكَ كَدُخُولِهِ فِي الْجَيْشِ الظَّاهِرِ عَلَيْهِمْ فَلَا مَنْعَ وَلَا كَرَاهَةَ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بِالنَّهْيِ مُطْلَقًا لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَخَشْيَةً مِنْ أَنْ تَنَالَهُ الْأَيْدِي قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ اهـ. قَالَ أَئِمَّتُنَا: وَلَا يَحْرُمُ بِالِاتِّفَاقِ كِتَابَةُ نَحْوِ آيَتَيْنِ ضِمْنَ مُكَاتَبَتِهِمْ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ إلَى هِرَقْلَ؛ وَلِأَنَّهُ لَا امْتِهَانَ فِيهِ اهـ. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ، فَكِتَابَةُ مَحْضِ الْقُرْآنِ حِرْزًا لِكَافِرٍ مَمْنُوعَةٌ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ قَدْ يَظْهَرُ لَنَا أَنَّهُ لَا يَمْتَهِنُهُ فَإِذَا اخْتَلَى بِهِ امْتَهَنَهُ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُلْحَقَ بِهِ الْأَسْمَاءُ الْمُعَظَّمَةُ، فَإِنْ قُلْت يَجُوزُ إسْمَاعُهُ الْقُرْآنَ وَتَعْلِيمُهُ شَيْئًا مِنْهُ إنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ فَهَلْ فَصَّلْت كَذَلِكَ فِي كِتَابَةِ بَعْضِ الْقُرْآنِ حِرْزًا لَهُ قُلْت: مُجَرَّدُ الْإِسْمَاعِ أَوْ التَّعْلِيمِ لَا يَقْبَلُ امْتِهَانًا بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ أَمَّا لَوْ كَتَبَ آيَةً أَوْ آيَتَيْنِ ضِمْنَ حِرْزٍ، فَقِيَاسُ مَا تَقَرَّرَ جَوَازُهُ؛ لِأَنَّ وُقُوعَهُ ضِمْنَ غَيْرِهِ صَيَّرَهُ تَابِعًا غَيْرَ مُعَرَّضٍ بِذَاتِهِ لِلِامْتِهَانِ، وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ الْجَوَازِ هُنَا أَيْضًا لِأَنَّ كِتَابَةَ نَحْوِ الْآيَةِ فِي ضِمْنِ مُكَاتَبَاتِهِمْ يُحْتَاجُ إلَيْهَا فِي وَعْظِهِمْ وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا كِتَابَةُ الرُّقَى لَهُمْ فَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَيْهَا فَحُرِّمَتْ مُطْلَقًا، ثُمَّ إذَا قُلْنَا بِحُرْمَةِ الْكِتَابَةِ إلَيْهِمْ فَمَحَلُّهَا فِي كِتَابَةٍ لِلَفْظِ الْقُرْآنِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُكَسَّرَةً تَكَسُّرًا حَرْفِيًّا، أَوْ غَيْرَهُ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - عَنْ رُقْيَةِ الْكَافِرِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهَا تَتَضَمَّنُ كُفْرًا هَلْ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا لِلْمُسْلِمِينَ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَعْمِلَ رُقْيَةً سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ كَافِرٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا إذَا عَلِمَ أَنَّهَا غَيْرُ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى كُفْرٍ أَوْ مُحَرَّمٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ «أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا سَأَلُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رُقَاهُمْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ فِيهَا حَتَّى أَمَرَهُمْ بِأَنْ يَعْرِضُوهَا عَلَيْهِ فَعَرَضُوهَا عَلَيْهِ فَقَالَ لَا بَأْسَ» ، وَحَيْثُ كَانَ فِي الرُّقْيَةِ اسْمٌ سُرْيَانِيٌّ مَثَلًا لَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُهَا قِرَاءَةً وَلَا كِتَابَةً إلَّا إنْ قَالَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمَوْثُوقِ بِهِمْ: إنَّ مَدْلُولَ ذَلِكَ الِاسْمِ مَعْنًى جَائِزٌ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَسْمَاءَ الْمَجْهُولَةَ الْمَعْنَى قَدْ تَكُونُ دَالَّةً عَلَى كُفْرٍ أَوْ مُحَرَّمٍ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَئِمَّتُنَا فَلِذَلِكَ حَرَّمُوهَا قَبْلَ عِلْمِ مَعْنَاهَا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا إذَا بَانَ عَظْمُ أَجْنَبِيَّةٍ فَهَلْ يُنْقِضُ مَسُّهُ الْوُضُوءَ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي مِلْت إلَيْهِ فِي كُتُبِي الْفِقْهِيَّةِ أَنَّهُ لَا يُنْقِضُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَظِنَّةً لِلشَّهْوَةِ بِوَجْهٍ فَهُوَ كَالسِّنِّ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهَا يُلْتَذُّ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا، وَهَذَا لَا يُلْتَذُّ بِهِ. وَلَا بِالنَّظَرِ إلَيْهِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّقْضَ إنَّمَا يَكُونُ بِمَا يُلْتَذُّ بِمَسِّهِ دُونَ نَظَرِهِ، وَأَمَّا مَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ مَنْ أَنَّهُ يُنْقِضُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِكَلَامِ الْأَنْوَارِ، فَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - هَلْ تَحْرُمُ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بِالْعَجَمِيَّةِ كَقِرَاءَتِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَضِيَّةُ مَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ التَّحْرِيمُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ:

وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ سَلْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (أَنَّ قَوْمًا مِنْ الْفُرْسِ سَأَلُوهُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ فَكَتَبَ لَهُمْ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ بِالْفَارِسِيَّةِ، فَأَجَابَ عَنْهُ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ كَتَبَ تَفْسِيرَ الْفَاتِحَةِ لَا حَقِيقَتَهَا اهـ. فَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ صَرِيحٌ فِي تَحْرِيمِ كِتَابَتِهَا بِالْعَجَمِيَّةِ فَإِنْ قُلْت: كَلَامُ الْأَصْحَابِ إنَّمَا هُوَ جَوَابٌ عَنْ حُرْمَةِ قِرَاءَتِهَا بِالْعَجَمِيَّةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْكِتَابَةِ بِهَا فَلَا دَلِيلَ لَكُمْ فِيهِ قُلْت: بَلْ هُوَ جَوَابٌ عَنْ الْأَمْرَيْنِ، وَزَعْمُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ بِالْعَجَمِيَّةِ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى الْكِتَابَةِ بِهَا مَمْنُوعٌ بِإِطْلَاقِهِ، فَقَدْ يُكْتَبُ بِالْعَجَمِيَّةِ وَيُقْرَأُ بِالْعَرَبِيَّةِ وَعَكْسُهُ، فَلَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا كَمَا هُوَ وَاضِحٌ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا تَلَازُمٌ كَانَ الْجَوَابُ عَمَّا فَعَلَهُ سَلْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي ذَلِكَ ظَاهِرًا فِيمَا قُلْنَاهُ عَلَى أَنَّ مِمَّا يُصَرَّحُ بِهِ أَيْضًا أَنَّ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُئِلَ هَلْ يُكْتَبُ الْمُصْحَفُ عَلَى مَا أَحْدَثَهُ النَّاسُ مِنْ الْهِجَاءِ؟ فَقَالَ لَا إلَّا عَلَى الْكَتْبَةِ الْأُولَى أَيْ كَتْبَةِ الْإِمَامِ، وَهُوَ الْمُصْحَفُ الْعُثْمَانِيُّ قَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْقُرَّاءِ وَنَسَبْتُهُ إلَى مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ الْمَسْئُولُ وَإِلَّا فَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ. قَالَ أَبُو عَمْرٍو: وَلَا مُخَالِفَ لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ هُوَ الْحَقُّ إذْ فِيهِ بَقَاءُ الْحَالَةِ الْأُولَى إلَى أَنْ يَتَعَلَّمَهَا الْآخَرُونَ، وَفِي خِلَافِهَا تَجْهِيلُ آخِرِ الْأُمَّةِ أَوَّلَهُمْ، وَإِذَا وَقَعَ الْإِجْمَاعُ كَمَا تَرَى عَلَى مَنْعِ مَا أَحْدَثَ النَّاسُ الْيَوْمَ مِنْ مِثْلِ كِتَابَةِ الرِّبَا بِالْأَلْفِ مَعَ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلَفْظِ الْهِجَاءِ، فَمَنْعُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْهِجَاءِ أَوْلَى، وَأَيْضًا فَفِي كِتَابَتِهِ بِالْعَجَمِيَّةِ تَصَرُّفٌ فِي اللَّفْظِ الْمُعْجِزِ الَّذِي حَصَلَ التَّحَدِّي بِهِ بِمَا لَمْ يَرِدْ بَلْ بِمَا يُوهِمُ عَدَمَ الْإِعْجَازِ، بَلْ الرَّكَاكَةَ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ الْعَجَمِيَّةَ فِيهَا تَقْدِيمُ الْمُضَافِ إلَيْهِ عَلَى الْمُضَافِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يُخِلُّ بِالنَّظْمِ وَيُشَوِّشُ الْفَهْمَ. وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ التَّرْتِيبَ مِنْ مَنَاطِ الْإِعْجَازِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي حُرْمَةِ تَقْدِيمِ آيَةٍ عَلَى آيَةٍ كِتَابَةً كَمَا يَحْرُمُ ذَلِكَ قِرَاءَةً، فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْقِرَاءَةَ بِعَكْسِ السُّوَرِ مَكْرُوهَةٌ وَبِعَكْسِ الْآيَاتِ مُحَرَّمَةٌ وَفَرَّقُوا بِأَنَّ تَرْتِيبَ السُّوَرِ عَلَى النَّظْمِ الْمُصْحَفِيِّ مَظْنُونٌ، وَتَرْتِيبُ الْآيَاتِ قَطْعِيٌّ. وَزَعْمُ أَنَّ كِتَابَتَهُ بِالْعَجَمِيَّةِ فِيهَا سُهُولَةٌ لِلتَّعْلِيمِ كَذِبٌ مُخَالِفٌ لِلْوَاقِعِ وَالْمُشَاهَدَةِ فَلَا يُلْتَفَتُ لِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَلِمَ صِدْقُهُ لَمْ يَكُنْ مُبِيحًا لِإِخْرَاجِ أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ عَمَّا كُتِبَتْ عَلَيْهِ، وَأَجْمَعَ عَلَيْهَا السَّلَفُ وَالْخَلَفُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ مُدْخِلِي الْمَيِّتِ قَبْرَهُ إذَا أَصَابَهُمْ شَيْءٌ مِنْ تُرَابِ قَبْرِهِ مَعَ رُطُوبَةٍ، وَلَمْ يَتَحَقَّقْ نَبْشُ الْقَبْرِ هَلْ يُنَجِّسُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يُنَجِّسُ إذْ لَا نَجَاسَةَ مَعَ الشَّكِّ، ثُمَّ إنْ قَرُبَ احْتِمَالُ النَّجَاسَةِ فَالْأَوْلَى غَسْلُ ذَلِكَ وَإِلَّا الْأَوْلَى تَرْكُ غَسْلِهِ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. (مِنْ الْبِدَعِ الْمَذْمُومَةِ غَسْلُ الثَّوْبِ الْجَدِيدِ، أَيْ الَّذِي لَا يَقْرُبُ احْتِمَالُ نَجَاسَتِهِ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَاجِبٌ غَسْلُ حَصَى الْجِمَارِ، أَيْ لِقُرْبِ احْتِمَالِ تَنَجُّسِهَا لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي مِثْلِهَا أَنْ تُصِيبَهُ نَجَاسَةُ الْمَارِّينَ وَنَحْوِهِمْ فَافْهَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَلَا يُعَارِضُهُ مَا نُقِلَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ كَانُوا يَمْشُونَ حُفَاةً فِي الطُّرُقَاتِ وَالطِّينِ وَيُصَلُّونَ مِنْ غَيْرِ غَسْلِ أَرْجُلِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ قَصَدُوا بِذَلِكَ، إمَّا بَيَانُ الْعَفْوِ عَنْ طِينِ الشَّوَارِعِ وَنَحْوِهِ أَوْ أَنَّ هَذَا الدِّينَ سَهْلٌ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ عَلَيْنَا فِيهِ مِنْ حَرَجٍ خِلَافًا لِقَوْمٍ غَلَبَ الشَّيْطَانُ عَلَى عُقُولِهِمْ فَزَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ الْوَسْوَسَةَ فِي الطِّهَارَاتِ مِنْ شَعَائِرِ الْمُتَّقِينَ، وَمَا دَرَوْا أَنَّهَا مِنْ الْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ عَلَى فَسَادِ الْعَقْلِ وَقِلَّةِ الدِّينِ، نَعَمْ هِيَ شِعَارٌ، أَيْ شِعَارٌ عِنْدَ الشِّيعَةِ الَّذِينَ خَذَلَهُمْ اللَّهُ وَأَرْكَسَهُمْ وَمِنْ خَيْرِ مَا عِنْدَهُ حَرَمَهُمْ وَعَنْهُ طَرَدَهُمْ فَيَلْحَقُ بِهِمْ الْمُوَسْوَسُونَ، فَإِنَّ مَنْ كَانَ عَلَى طَرِيقَةِ قَوْمٍ حُشِرَ مَعَهُمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى يُوَفِّقُنَا لِمَرْضَاتِهِ وَيَمُنُّ عَلَيْنَا بِجَزِيلِ هِبَاتِهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَعَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ هَلْ يَتَيَمَّمُ لِلصَّلَاةِ مَعَ وُجُودِ النَّجَاسَةِ أَوْ يُصَلِّي بِغَيْرِ تَيَمُّمٍ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ مَعَ النَّجَاسَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يَتَيَمَّمُ مَعَ وُجُودِ النَّجَاسَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَقَوْلُهُمْ لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ مِمَّنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ مَحَلُّهُ فِيمَنْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ لَا يَكْفِيه إلَّا لِإِزَالَتِهَا دُونَ الْوُضُوءِ مَثَلًا فَهَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَيَمَّمَ عَنْ الْوُضُوءِ ثُمَّ بَعْدَ التَّيَمُّمِ يَغْسِلُ بِمَا مَعَهُ نَجَاسَةَ بَدَنِهِ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ؛ لِأَنَّهُ؛ لِلْإِبَاحَةِ، وَلَا إبَاحَةَ مَعَ وُجُودِ النَّجَاسَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَهَا وَلَا يُمْكِنُهُ الصَّلَاةُ بِغَيْرِ تَيَمُّمٍ؛ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلتُّرَابِ فَعَلَيْهِ التَّيَمُّمُ بِهِ ثُمَّ الصَّلَاةُ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ ثُمَّ الْقَضَاءُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ كَلْبٍ مَسَّ دَرَجَةَ بِرْكَةٍ كَبِيرَةٍ وَفِيهَا مَاءٌ كَثِيرٌ فَهَلْ يَنْجُسُ مَا لَاقَاهُ مِنْ

الْمَاءِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يَنْجُسُ مُلَاقِي الْكَلْبِ فِي خِلَالِ الْمَاءِ الْكَثِيرِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ الْمَاءِ مَانِعَةٌ مِنْ وُصُولِ أَثَرِ النَّجَسِ إلَى غَيْرِهِ لِتَضَادِّ مَا بَيْنَهُمَا. (وَسُئِلَ) - أَدَامَ اللَّهُ النَّفْعَ بِهِ - عَمَّنْ تَنَجَّسَ بَاطِنُ عَيْنِهِ هَلْ يَلْزَمُهُ غَسْلُهُ وَإِنْ خَافَ مِنْهُ تَلَفًا أَوْ بُطْءَ بُرْءٍ أَوْ قِلَّةَ ضَوْءٍ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: يَلْزَمُهُ غَسْلُهُ مِنْ النَّجَاسَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ غَسْلُهُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّجَاسَةَ أَفْحَشُ مِنْ الْحَدَثِ لِأَنَّهُ مَعْنَوِيٌّ وَهِيَ حِسِّيَّةٌ فَشُدِّدَ فِيهَا مَا لَمْ يُشَدَّدْ فِي الْحَدَثِ، وَمَحَلُّ وُجُوبِ غَسْلِهَا مِنْ النَّجَاسَةِ حَيْثُ لَمْ يُخْشَ مُبِيحٌ تَيَمَّمَ، وَالْأَصْلِيُّ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَأَعَادَ وُجُوبًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ مُصْحَفٍ لِيَتِيمٍ أَوْ مَوْقُوفٍ بَالَ عَلَيْهِ كَلْبٌ مَثَلًا وَلَمْ يُمْكِنْ تَطْهِيرُهُ إلَّا بِإِزَالَةِ حُرُوفِ كِتَابَتِهِ وَبُطْلَانِ مَالِيَّتِهِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَوْ النَّاظِرِ التَّطْهِيرُ الْمُؤَدِّي إلَى ذَلِكَ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ - بِقَوْلِهِ: الَّذِي مِلْت إلَيْهِ الْوُجُوبُ ثُمَّ رَأَيْت غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ أَفْتَى بِهِ أَخْذًا بِعُمُومِ قَاعِدَةِ أَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ، وَقِيَاسًا عَلَى إزَالَةِ نَجَاسَةِ بَدَنِ الشَّهِيدِ وَإِنْ أَدَّى إلَى إزَالَةِ دَمِهِ وَأَقُولُ لَا يُحْتَاجُ لِذَلِكَ، بَلْ لِلْأَصْحَابِ فِي النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ كَلَامٌ يَعُمُّ مَسْأَلَتَنَا. وَقَدْ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ إذَا دَخَلَتْ تَحْتَ عُمُومِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ كَانَتْ مَنْقُولَةً، وَذَلِكَ الْكَلَامُ الشَّامِلُ لِمَسْأَلَتِنَا هُوَ قَوْلُهُمْ يَجِبُ التَّتْرِيبُ وَإِنْ أَدَّى إلَى فَسَادِ نَحْوِ الثَّوْبِ وَإِذْهَابِ مَالِيَّتِهِ. وَهَذَا شَامِلٌ لِمَسْأَلَتِنَا فَيَكُونُونَ مُصَرِّحِينَ فِيهَا بِوُجُوبِ التَّطْهِيرِ وَإِنْ أَدَّى إلَى إزَالَةِ الْكِتَابَةِ وَإِبْطَالِ الْمَالِيَّةِ فَإِنْ قُلْت: صَرَّحُوا بِأَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ لَا تَجِبُ إلَّا فِي صُوَرٍ وَلَمْ يَذْكُرُوا هَذِهِ مِنْهَا فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ النَّجَاسَةَ لَا تَجِبُ إزَالَتُهَا. وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمُصْحَفَ لَا تَعَبُّدَ عَلَيْهِ، فَبَقَاءُ النَّجَاسَةِ عَلَيْهِ لِهَذَا الْعُذْرِ وَهُوَ بَقَاءُ الْمَالِيَّةِ لِلْيَتِيمِ، وَالِانْتِفَاعُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا قُلْت: هُوَ كَذَلِكَ لَوْلَا مَا عَارَضَ ذَلِكَ مِنْ أَنَّ بَقَاءَ النَّجَاسَةِ عَلَى الْمُصْحَفِ فِيهِ ازْدِرَاءٌ، وَعَدَمُ الْقِيَامِ بِاحْتِرَامِهِ فَاقْتَضَتْ رِعَايَةُ ذَلِكَ وُجُوبَ تَطْهِيرِهِ وَإِنْ أَدَّى إلَى مَحْوِهِ وَبُطْلَانِ مَالِيَّتِهِ، وَغَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ تَعَارَضَ مَعَنَا حَقُّ آدَمِيٍّ وَهُوَ النَّظَرُ؛ لِبَقَاءِ الْمَالِيَّةِ وَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ تَعْظِيمُ الْمُصْحَفِ وَإِزَالَةُ مَا يُنَافِي تَعْظِيمَهُ، فَتَقْدِيمُنَا هَذَا الثَّانِي عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ مِنْ تَقْدِيمِ حَقِّ الْآدَمِيِّ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْخَطَرَ فِي بَقَاءِ النَّجَاسَةِ هُنَا أَعْظَمُ مِنْ خَطَرِ فَوَاتِ الْمَالِيَّةِ عَلَى أَنَّ فَوَاتَهَا لِأَجْلِ تَعْظِيمِ مَا أُمِرْنَا بِهِ مِنْ تَعْظِيمِ الْمُصْحَفِ لَا خَطَرَ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّ قِنَّ الْيَتِيمِ يَجِبُ قَتْلُهُ بِنَحْوِ تَرْكِ الصَّلَاةِ تَقْدِيمًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى حَقِّ الْآدَمِيِّ، وَكَذَلِكَ الْقِنُّ الْمَوْقُوفُ فَعَلِمْنَا أَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي لَا بَدَلَ لَهَا وَلَا تُسْتَدْرَكُ مَفْسَدَتُهَا تُقَدَّمُ عَلَى حُقُوقِ الْآدَمِيِّ، وَبِهَذَا ظَهَرَ مَا قُلْنَاهُ وَاتَّضَحَ مَا حَرَّرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ الْخَمْرِ إذَا تَخَلَّلَتْ هَلْ يُقَالُ انْقَلَبَتْ عَيْنُهَا أَمْ لَا؟ كَمَا قَالَ بِكُلٍّ قَائِلٌ. (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: إنْ أُرِيدَ بِانْقِلَابِهَا مَعَ التَّخَلُّلِ أَنَّ جِسْمَهَا عَادَ بِعَيْنِهِ جِسْمًا آخَرَ هُوَ الْخَلُّ فَهُوَ مُحَالٌ؛ لِأَنَّ الْجِسْمَ لَا يَصِيرُ جِسْمًا آخَرَ، كَمَا أَنَّ الْجَوْهَرَ لَا يَصِيرُ جَوْهَرًا آخَرَ، وَكَمَا لَا يَرْجِعُ الْجَوْهَرُ عَرَضًا وَعَكْسُهُ، بَلْ وَلَا الْعَرَضُ عَرَضًا آخَرَ كَالْبَيَاضِ سَوَادًا أَوْ عَكْسِهِ، بَلْ وَلَا الْبَيَاضِ بَيَاضًا آخَرَ فَإِذَا صَارَ ثَوْبٌ أَبْيَضُ أَسْوَدَ لَمْ يَنْقَلِبْ الْبَيَاضُ سَوَادًا، لَكِنْ أَعْدَمَ اللَّهُ الْبَيَاضَ وَأَخْلَفَ مَكَانَهُ سَوَادًا بِقُدْرَتِهِ، وَكَذَا سَائِرُ الصِّفَاتِ. وَإِنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ جِسْمَ الْخَمْرِ انْعَدَمَ وَخَلَّفَ الْخَلَّ مَكَانَهُ بِغَيْرِ فَصْلٍ فَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ، وَإِنْ جَازَ فِي الْقُدْرَةِ إذْ لَيْسَ كُلُّ جَائِزٍ فِيهَا وَاقِعًا إلَّا أَنْ يُعْلَمَ بِالْحِسِّ أَوْ بِخَبَرِ الصَّادِقِ أَلَا تَرَى أَنَّ إعْدَامَ الْخَمْرِ وَإِخْلَافَ مَكَانِهِ الْخَلَّ جَائِزٌ فِي الْقُدْرَةِ، لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ وَجَبَ تَكْذِيبُ مُدَّعِيهِ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ تَعَالَى بِحَضْرَتِنَا خَلْقًا وَلَا يَخْلُقُ لَنَا إدْرَاكًا لَهُ وَلَوْ ادَّعَاهُ مُدَّعٍ لَمْ نُصَدِّقْهُ، بَلْ لَا نَشُكُّ فِي كَذِبِهِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ جِنْسَ الْخَمْرِ بَعْدَ التَّخَلُّلِ هُوَ الْخَمْرُ بِعَيْنِهِ لَا شَكَّ فِيهِ، وَلَوْ جَازَ الشَّكُّ فِيهِ لَشَكَّ الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ إذَا تَغَيَّرَتْ حَالُهُ مِنْ صِحَّةٍ لِمَرَضٍ وَعَكْسِهِ هَلْ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ؟ وَهَذَا لَا يُمْكِنُ ضَرُورَةً عَاقِلًا أَنْ يَتَوَهَّمَهُ وَكَذَا الْخَمْرُ، وَإِنَّ الْعِلْمَ بِكَوْنِ صِفَاتِ الْخَلِّ الْوَارِدَةِ عَلَيْهِ غَيْرَ صِفَاتِ الْخَمْرِ

الْمَوْجُودِ قَبْلَ التَّخَلُّلِ فُقِدَتْ وَأَخْلَفَتْهَا صِفَةُ الْخَلِّ ضَرُورِيٌّ، وَلَا يَشُكُّ فِي هَذَا إلَّا مُعَانِدٌ أَوْ مَخْذُولٌ فَذَاتُ الْخَمْرِ بَاقِيَةٌ وَهُوَ جِسْمُهَا، وَصِفَاتُهَا مَعْدُومَةٌ وَأَخْلَفَتْهَا صِفَاتُ الْخَلِّ وَاسْمُ الْخَمْرِ لَا يُطْلَقُ عَلَى ذَاتِهَا دُونَ صِفَاتِهَا وَلَا عَكْسِهِ بَلْ عَلَى مَجْمُوعِهَا فَإِطْلَاقُ الِانْقِلَابِ عَلَيْهَا إذَا تَخَلَّلَتْ تَجُوزُ فِي الْعِبَارَةِ إذْ هُوَ حَقِيقَةً الِانْتِقَالُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا} [المطففين: 31] الْآيَةَ {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ} [آل عمران: 174] {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء: 227] . وَفِي حَدِيثِ صَفِيَّةَ «ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْلِبُهَا» وَفِي حَدِيثِ عُثْمَانَ حِينَ عَاتَبَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمَّا تَخَلَّفَ عَنْ حُضُورِ الْجُمُعَةِ إلَى أَنْ طَلَعَ عُمَرُ الْمِنْبَرَ انْقَلَبْت مِنْ السُّوقِ، فَسَمِعْت النِّدَاءَ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا قَلَبْت الْإِنَاءَ لِأَنَّ مَا فِيهِ انْتَقَلَ مِنْ فَوْقَ إلَى أَسْفَلَ وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الِانْقِلَابَ الِانْتِقَالُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان كَانَ ذَلِكَ مُحَالًا فِي الْأَعْرَاضِ، فَالْمُرَادُ بِانْقَلَبَتْ مِنْ الْخَمْرِ إلَى التَّخَلُّلِ أَنَّ أَعْرَاضَهَا هِيَ الْمُتَبَدِّلَةُ دُونَ جِسْمِهَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ: مَاءُ الْعِنَبِ يُغَيِّرُهُ اللَّهُ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ فِي الرَّائِحَةِ وَاللَّوْنِ وَالْفِعْلِ وَالطَّعْمِ لَا أَنَّهُ ذَهَبَ مَاءُ الْعِنَبِ، وَحَدَثَ غَيْرُهُ وَإِنَّمَا دَخَلَتْ الشُّبْهَةُ عَلَى مَنْ قَالَ انْتَقَلَتْ عَيْنُهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْخَمْرَ مُحَرَّمَةُ الذَّاتِ نَجِسَتُهَا، وَالْخَلُّ حَلَالُ الذَّاتِ طَاهِرٌ فَظُنَّ اسْتِحَالَةُ الْحُكْمِ عَلَى الذَّاتِ الْوَاحِدَةِ بِالضِّدِّ مِنْ النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ وَالْحُرْمَةِ، وَالْحِلِّ، وَلَيْسَ كَمَا ظُنَّ بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ: هُوَ أَنَّ النَّجِسَ إمَّا لِأَصْلِهِ كَالْبَوْلِ أَوْ لِمَا طَرَأَ عَلَيْهِ كَزَيْتٍ مَاتَتْ بِهِ فَأْرَةٌ، فَالْأَوَّلُ تَسْتَحِيلُ طَهَارَتُهُ بِاسْتِحَالَةِ أَصْلِهِ بِخِلَافِ الثَّانِي الطَّارِئِ عَلَيْهِ مَا هُوَ الْعِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ فِي نَجَاسَتِهِ؟ فَإِذَا ارْتَفَعَتْ صَحَّ ارْتِفَاعُ النَّجَاسَةِ عَنْهُ شَرْعًا. وَنَجَاسَةُ الْخَمْرِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ لِأَنَّهُ كَانَ طَاهِرًا قَبْلَ وُجُودِ صِفَةِ الْخَمْرِيَّةِ فِيهِ، فَإِذَا أُورِدَتْ وَجَبَتْ نَجَاسَتُهَا فَإِذَا زَالَتْ وَجَبَتْ طَهَارَتُهَا إلَّا إذَا كَانَ بِمُصَاحَبَةِ عَيْنٍ عَلَى اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ فِي مَذْهَبِنَا فَجِسْمُ الْخَمْرِ يَطْهُرُ بِزَوَالِ صِفَةِ الْخَمْرِيَّةِ كَمَا يَطْهُرُ الثَّوْبُ مِنْ النَّجَسِ بِالْمَاءِ فَإِنْ قُلْت: لَا فَرْقَ فِي الْحَقِيقَةِ بَيْنَ الْبَوْلِ وَالْخَمْرِ وَالزَّيْتِ إذْ الْمَاءُ أَصْلُ الْبَوْلِ فَسَاوَاهُمَا قُلْت: أُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُقَرَّرَ أَنَّ الْمَاءَ أَصْلٌ لِكُلِّ مَا فِيهِ بِلَّةٌ مِنْ جَمِيعِ النَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ فَلَمَّا كَانَ الْمَاءُ مُسْتَهْلَكًا فِي جَمِيعِ مَا يَحْصُلُ مِنْهُ كَانَ مُلْغًى، وَوَجَبَ اعْتِبَارُ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ كَالْعَصِيرِ وَالْبَوْلِ، فَالْبَوْلُ أَصْلٌ فِي نَفْسِهِ لَمَّا أُلْغِيَ أَصْلُهُ، كَمَا أَنَّ الْعَصِيرَ أَصْلٌ لَمَّا أُلْغِيَ أَصْلُهُ عَلَى أَنَّ الْبَوْلَ لَيْسَ عَيْنَ الْمَشْرُوبِ، وَإِنَّمَا هُوَ وَسَخٌ يَصِلُ لِلْمَثَانَةِ يَجْتَمِعُ مِنْ بِلَّةِ الْجِسْمِ وَرُطُوبَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُشْرَبْ الْمَاءُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَلَدَ يَبُولُ عَقِبَ الْوِلَادَةِ قَبْلَ أَنْ يَشْرَبَ مَاءً وَإِنَّمَا لَمْ يُجْعَلْ الْخَمْرُ أَصْلًا فِي نَفْسِهِ كَالْعَصِيرِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعَصِيرِ لَمْ يُسْتَهْلَكْ بَعْدَ صِفَةِ الْخَمْرِيَّةِ بِخِلَافِ الْمَاءِ الَّذِي شُرِبَ أَوْ يُسْقَى بِهِ الْكَرْمُ فَإِنَّهُ اُسْتُهْلِكَ فِي الْجِسْمِ وَالْكَرْمِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ كَلْبٍ لَاقَى دَرَجَةَ بِرْكَةٍ وَفِيهَا مَاءٌ كَثِيرٌ فَهَلْ يَنْجُسُ مَا لَاقَاهُ بَيْنَ الْمَاءِ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: كَثْرَةُ الْمَاءِ مَانِعَةٌ مِنْ النَّجَاسَةِ؛ لِتَعَذُّرِهَا مَعَهَا وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أَمْسَكَ كَلْبًا دَاخِلَ الْمَاءِ الْكَثِيرِ لَمْ تَنْجُسْ يَدُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ - عَنْ الزَّبَادِ هَلْ يَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ مَعَ وُجُودِ الشُّعُورِ وَهَلْ يُعْفَى عَنْهَا؟ وَمَا قَدْرُ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا؟ ، وَعُسْرُ الِاحْتِرَازِ وَوُجُودُ الْخِلَافِ فِي الْهِرَّةِ الْوَحْشِيَّةِ هَلْ يَقْتَضِيَانِ الْعَفْوَ مُطْلَقًا لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ؟ (فَأَجَابَ) - فَسَّحَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُدَّتِهِ - بِقَوْلِهِ يَحِلُّ اسْتِعْمَالُ الزَّبَادِ وَيُعْفَى عَنْ شَعْرِهِ الْقَلِيلِ عُرْفًا كَالثِّنْتَيْنِ وَالثَّلَاثِ وَعِبَارَةُ شَرْحِي عَلَى الْعُبَابِ مَعَ مَتْنِهِ فَرْعٌ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ (الزَّبَادُ طَاهِرٌ وَهُوَ لَبَنُ سِنَّوْرٍ بَحْرِيٍّ يُجْلَبُ كَالْمِسْكِ رِيحًا، وَاللَّبَنِ بَيَاضًا يَسْتَعْمِلُهُ أَهْلُ الْبَحْرِ طِيبًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَأَشَارَ إلَى خِلَافٍ فِيهِ بِنَاءً عَلَى نَجَاسَةِ لَبَنِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ لَكِنْ تَعَقَّبَهُمَا فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّ الصَّوَابَ طَهَارَتُهُ، وَصِحَّةُ بَيْعِهِ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ جَمِيعَ حَيَوَانِ الْبَحْرِ طَاهِرٌ يَحِلُّ لَحْمُهُ وَلَبَنُهُ أَوْ عَرَقُ سِنَّوْرٍ بَرِّيٍّ كَمَا هُوَ الْمُشَاهَدُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ الَّذِي سَمِعْته مِنْ ثِقَاتِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَعَلَى هَذَا هُوَ طَاهِرٌ بِلَا خِلَافٍ) اهـ. وَقَدْ يُقَالُ لَا مُنَافَاةَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لَبَنُ الْبَحْرِيِّ كَذَلِكَ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الرِّفْعَةِ قَالَ: وَطَرِيقُ الْجَمْعِ أَنَّهُ نَوْعَانِ لَكِنَّ الْغَالِبَ الثَّانِي، وَبِهِ يُرَدُّ قَوْلُ الدَّمِيرِيِّ: أَنَّ مَا فِي الْحَاوِي

وَالْبَحْرِ وَهْمٌ وَفِي الْقَامُوسِ: وَالزَّبَادُ الطِّيبُ وَهُوَ رَشْحٌ يَجْتَمِعُ تَحْتَ ذَنَبِهَا عَلَى الْمَخْرَجِ فَتُمْسَكُ الدَّابَّةُ، وَتُمْنَعُ الِاضْطِرَابَ وَيُسْلَتُ ذَلِكَ الْوَسَخُ الْمُجْتَمَعُ هُنَالِكَ بِلِيطَةٍ أَوْ خِرْقَةٍ اهـ. وَيَتَّجِهُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ الْعَفْوُ عَنْ يَسِيرِ شَعْرِهِ؛ لِمَا يَأْتِي مِنْ الْعَفْوِ عَنْ يَسِيرِ شَعْرِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ وَبِهِ يُخَصُّ عُمُومُ قَوْلِ الْمَجْمُوعِ: (أَنَّهُ يَغْلِبُ اخْتِلَاطُهُ بِمَا يَتَسَاقَطُ مِنْ شَعْرِهِ فَلْيُحْذَرْ عَمَّا وُجِدَ فِيهِ، فَإِنَّ الْأَصَحَّ نَجَاسَةُ شَعْرِ مَا لَا يُؤْكَلُ، وَمَنْعُ أَكْلِ السِّنَّوْرِ الْبَرِّيِّ) انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ جُرِحَ جَفْنُ عَيْنِهِ فَخَرَجَ مِنْهُ دَمٌ، وَدَخَلَ عَيْنَهُ هَلْ يَلْزَمُهُ غَسْلُ بَاطِنِهَا؟ فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ وَكَانَ يَخَافُ مِنْ غَسْلِهَا تَلَفَهَا أَوْ بُطْءَ بُرْئِهَا أَوْ قِلَّةَ ضَوْئِهَا مَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - بِقَوْلِهِ: يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ الدَّمِ مَا لَمْ يَخْتَلِطْ بِالدَّمْعِ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ غَسْلُ مَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ بَاطِنِ الْعَيْنِ مَا لَمْ يُخْشَ مِنْ غَسْلِهِ مُبِيحٌ تَيَمَّمَ كَحُدُوثِ رَمَدٍ أَوْ بُطْءِ بُرْئِهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ لَحْمِ الْمُذَكَّاةِ يَخْرُجُ مِنْهُ عُرُوقٌ يَخْرُجُ مِنْهَا دَمٌ هَلْ هُوَ طَاهِرٌ أَوْ نَجِسٌ يُعْفَى عَنْهُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ نَجِسٌ وَأَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ، وَمَنْ قَالَ إنَّهُ طَاهِرٌ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ حُكْمُ الطَّاهِرِ بِاعْتِبَارِ الْعَفْوِ عَنْهُ، وَلَا حُجَّةَ لِمَنْ زَعَمَ حَقِيقَةَ الطَّهَارَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الأنعام: 145] لِأَنَّ هَذَا مَسْفُوحٌ وَإِنَّمَا مَنَعَ جَرَيَانَهُ قِلَّتُهُ؛ فَلَمْ يَصِحَّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فِي الْآيَةِ بِالْمَسْفُوحِ وَإِنَّمَا هُوَ احْتِرَازٌ عَنْ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ لِأَنَّهُمَا لَمَّا انْعَقَدَ أُخْرِجَا عَنْ السَّفْحِ فَصَارَا طَاهِرَيْنِ وَحَلَّ أَكْلُهُمَا بِنَصِّ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُحِلَّ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ.» (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ: فِي جِهَتِنَا تَصْلُحُ الْبُيُوتُ بِالطِّينِ وَكَذَلِكَ كُوَّارَاتُ النَّحْلِ يُعْجَنُ طِينُهَا بِالزِّبْلِ هَلْ يُعْفَى عَنْهُ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ لَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إذْ لَيْسَ هَذَا مِمَّا يُضْطَرُّ إلَيْهِ وَزَعَمَ أَنَّ الطِّينَ لَا يُعْجَنُ وَلَا يُلْتَئَمُ إلَّا بِالزِّبْلِ مَمْنُوعٌ، بَلْ دَقِيقُ تِبْنِ نَحْوِ الْفُولِ أَحْسَنُ فِي الْخَلْطِ وَالِالْتِئَامِ مِنْ الزِّبْلِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْآجُرِّ الْمَعْجُونِ طِينُهُ بِالزِّبْلِ فَلَا يُعْفَى عَنْهُ كَذَلِكَ وَلَقَدْ شَاهَدْنَا كَثِيرًا مَنْ يَعْجِنُونَهُ بِالتِّبْنِ الْمَذْكُورِ فَيَأْتِي أَحْسَنَ مِمَّا عُجِنَ بِالزِّبْلِ، فَالْعَجْنُ بِهِ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ فَضْلًا عَنْ زَعْمِ أَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّا فِي فَتَاوَى الشَّيْخِ زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَذَلِكَ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّا صُورَتُهُ إذَا بَالَ الرَّجُلُ وَلَمْ يَسْتَنْجِ أَوْ اسْتَنْجَى بِحَجَرٍ هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْوَطْءُ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْوَطْءُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضَمُّخِ بِالنَّجَاسَةِ وَهُوَ حَرَامٌ اهـ. كَلَامُهُ. فَهَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَمْ لَا؟ لَكِنْ فِي الْخَادِمِ نَبَّهَ الصَّيْمَرِيُّ فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ عَلَى أَمْرٍ حَسَنٍ، وَهُوَ أَنَّ الْغَالِبَ مِنْ حَالِ كُلِّ إنْسَانٍ أَنَّهُ عِنْدَ الْجِمَاعِ يَسْبِقُ مِنْهُ خُرُوجُ الْمَذْيِ قَبْلَ الْمَنِيِّ لَا سِيَّمَا مَنْ يَحْصُلُ مِنْهُ مُلَاعَبَةٌ، وَإِذَا سَبَقَ الْمَنِيُّ تَنَجَّسَ رَأْسُ الذَّكَرِ وَكَذَا مَنِيُّهُ الْخَارِجُ عَقِبَهُ مُتَنَجِّسٌ؛ فَيَنْبَغِي لَهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَيَتَعَدَّى ذَلِكَ إلَى مَنِيِّ الْمَرْأَةِ فَيُنَجِّسُهُ اهـ. وَظَاهِرُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَدَمُ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ خِلَافُ مَا فِي فَتَاوَى الشَّيْخِ الْمَذْكُورِ فَمَا الْمُعْتَمَدُ مِنْ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَمَّا مَا قَالَهُ فِيمَنْ لَمْ يَسْتَنْجِ فَظَاهِرٌ وَإِنَّمَا التَّرَدُّدُ فِيمَا قَالَهُ فِي الْمُسْتَنْجِي بِالْحَجَرِ، وَالْكَلَامُ فِيهِ فِي مَقَامَيْنِ: الْأَوَّلُ فِي أَنَّ الذَّكَرَ هَلْ يَتَنَجَّسُ بِمُلَاقَاةِ الْفَرْجِ حِينَئِذٍ أَوْ لَا؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ فَقَدْ قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ مَحَلُّ قَوْلِهِمْ إذَا عَرِقَ مَحَلُّ اسْتِجْمَارِهِ وَلَمْ يُجَاوِزْ صَفْحَتَهُ أَوْ حَشَفَتَهُ عُفِيَ عَنْهُ وَإِنْ تَلَوَّثَ بِهِ غَيْرُهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ نَحْوَ ثَوْبِهِ دُونَ ثَوْبِ غَيْرِهِ اهـ. وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ إذَا لَاقَى رُطُوبَةً أُخْرَى، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ. (وَلَمْ أَرَ تَعَرُّضًا لِلْمَرْأَةِ الْمُسْتَجْمِرَةِ بِالْحَجَرِ، وَظَاهِرٌ أَنَّهَا كَالرَّجُلِ فِيمَا ذَكَرُوا، وَأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي فَرْجِهَا بِمُجَاوَزَةِ شُفْرَيْهَا قِيَاسًا عَلَى حَشَفَةِ الذَّكَرِ وَأَنَّ ذَكَرَ مُجَامِعِهَا لَا يُعْفَى عَمَّا يُصِيبُهُ مِنْ رُطُوبَةِ فَرْجِهَا مَا دَامَتْ مُسْتَجْمِرَةً بِالْحَجَرِ، ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيّ أَخَذَ نَحْوَ هَذَا الْأَخِيرِ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ الْعَفْوَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَعْنِي قَوْلَهُمْ: أَوْ تَلَوَّثَ بِهِ غَيْرُهُ لِعُسْرِ تَجَنُّبِهِ، أَيْ وَذَلِكَ لَا يَعْسُرُ تَجَنُّبُهُ، وَسَبَقَهُ إلَيْهِ ابْنُ الْعِمَادِ) انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورَةِ، وَإِذَا قُلْنَا بِتَنَجُّسِ الذَّكَرِ فَهَلْ نَقُولُ بِحُرْمَةِ الْوَطْءِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضَمُّخِ بِالنَّجَاسَةِ أَوْ لَا يَحْرُمُ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ؟ وَالصَّوَابُ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ اسْتَنْجَى

بِالْحَجَرِ لِعَدَمِ الْمَاءِ جَازَ لَهُ الْوَطْءُ لِلْحَاجَةِ أَوْ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ لَمْ يَجُزْ لَهُ؛ إذْ لَا حَاجَةَ حِينَئِذٍ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ الشَّيْخِ. وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَوَطَّنَ بَادِيَةً لَا مَاءَ بِهَا وَأَنْ يُجَامِعَ زَوْجَتَهُ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَبِذَلِكَ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: وَصَحَّ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُقِيمُ بِالرَّبْذَةِ، أَيْ وَهِيَ بَادِيَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ الْمَدِينَةِ وَيَفْقِدُ الْمَاءَ أَيَّامًا، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التُّرَابُ كَافِيك وَإِنْ لَمْ تَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ» ، وَرَوَى أَحْمَدُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يَغِيبُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ، أَيُجَامِعُ أَهْلَهُ؟ قَالَ نَعَمْ» اهـ. حَاصِلُ مَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَهُوَ كَمَا تَرَى صَرِيحٌ فِي جَوَازِ الْوَطْءِ عِنْدَ الِاسْتِجْمَارِ بِالْحَجَرِ لِفَاقِدِ الْمَاءِ، وَيُوَافِقُ ذَلِكَ اتِّفَاقَ أَئِمَّتِنَا عَلَى جِوَازِ وَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ بِلَا كَرَاهَةٍ. وَإِنْ كَانَ الدَّمُ يَجْرِي، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ أَيْضًا؛ لِلْخَبَرِ الْحَسَنِ أَنَّ حَمْنَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً، وَكَانَ زَوْجُهَا يَطَؤُهَا فَهَذَا تَضَمُّخٌ بِالنَّجَاسَةِ لَكِنَّهُ عُفِيَ عَنْهُ لِلْحَاجَةِ فَإِنْ قُلْت: مَا ذَكَرْته فِي الْقِسْمِ الثَّانِي، وَحَمَلْت عَلَيْهِ إفْتَاءَ الشَّيْخِ فِيهِ نَظْرٌ، فَفِي الْجَوَاهِرِ يَجُوزُ وَطْءُ الرَّجُلِ زَوْجَتَهُ فِي ثُقْبَةٍ انْفَتَحَتْ تَحْتَ مَعِدَتِهَا مَعَ انْفِتَاحِ الْأَصْلِيِّ أَوْ انْسِدَادِهِ، وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ مَعَ مُبَاشَرَتِهِ لِلنَّجَاسَةِ، وَعَدَمِ تَعَاطِيهِ مُخَفِّفًا لَهَا، فَلْيَجُزْ فِي مَسْأَلَتِنَا دُنُوٌّ مَعَ الْمَاءِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الِاسْتِجْمَارَ بِالْحَجَرِ رُخْصَةٌ تُصَيِّرُ الْمَحَلَّ كَالْمَحْكُومِ لَهُ بِالطَّهَارَةِ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ قُلْت: هَذَا ظَاهِرٌ لَوْ كَانَ مَا فِي الْجَوَاهِرِ سَالِمًا عَنْ النِّزَاعِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ نَازَعَ فِيهِ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ التَّضَمُّخَ بِالْغَائِطِ أَشَدُّ مِنْهُ بِالدَّمِ، أَيْ فِي وَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ؛ وَلِذَا عُفِيَ عَنْ يَسِيرِهِ دُونَ يَسِيرِ الْغَائِطِ، وَلِذَا حُرِّمَ الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ اهـ. وَهُوَ نِزَاعٌ مُتَّجَهٌ مُوَافِقٌ لِعُمُومِ قَوْلِ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ: لَا يَثْبُتُ لِلْمُنْفَتِحِ الْمَذْكُورِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْفَرْجِ، فَاسْتِثْنَاءُ الْقَمُولِيِّ ذَلِكَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، نَعَمْ يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى وَطْءٍ لَيْسَ فِيهِ تَضَمُّخٌ بِغَائِطٍ بَلْ بِدَمٍ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ نَظِيرُ وَطْءِ الْمُسْتَحَاضَةِ، وَقَوْلُ السَّائِلِ - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - إنَّ كَلَامَ الْخَادِمِ الَّذِي ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ فِي جَوَازِ الْوَطْءِ فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ لَيْسَ ظَاهِرُهُ ذَلِكَ وَلَا قَضِيَّتُهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: فَيَنْبَغِي لَهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ أَيْ عَنْ الْمَنِيِّ فَلْيَغْسِلْ مَا أَصَابَهُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ نَحْكُمْ بِنَجَاسَتِهِ احْتِيَاطًا؛ رِعَايَةً لِلْغَالِبِ الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ سَبْقِ الْمَذْيِ النَّجِسِ لِلْمَنِيِّ الَّذِي يَعْقُبُهُ، فَلَيْسَ فِي هَذَا تَعَرُّضٌ لِوَطْءٍ وَلَا دَلَالَةٌ عَلَى حُكْمِهِ أَصْلًا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْأَفْيُونِ الَّذِي يُجْلَبُ مِنْ الْهِنْدِ وَالْيَمَنِ، هَلْ يَحْرُمُ أَكْلُهُ أَوْ لَا؛ لِعَدَمِ إسْكَارِهِ وَإِضْرَارِهِ؟ وَفِي السَّمْنِ الَّذِي يَجْلِبُهُ الْكُفَّارُ الْوَثَنِيُّونَ مِنْ الْجَبَلِ فِي الْجِلْدِ الَّذِي لَمْ يُدْبَغْ، وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ الْمَذْبُوحِ أَوْ غَيْرِهِ، وَهُمْ يَقُولُونَ أَنَّهُ ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ، هَلْ يَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ لِلْمُسْلِمِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَكْلُ الْأَفْيُونِ حَرَامٌ إلَّا لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ وَخَشِيَ الْهَلَاكَ مِنْ فَقْدِهِ فَيُبَاحُ لَهُ لَكِنْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، لَا مُطْلَقًا كَلَحْمِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ، وَكَثِيرُونَ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ الَّذِينَ اُبْتُلُوا بِهِ يَظُنُّونَ أَنَّ مُجَرَّدَ خَشْيَةِ هَلَاكِهِمْ بِفَقْدِهِ يَجُوزُ لَهُمْ تَنَاوُلُهُ كَيْفَ أَرَادُوا وَهَذَا تَخَيُّلٌ فَاسِدٌ زَيَّنَهُ لَهُمْ الشَّيْطَانُ لِيَدُومَ ضَحِكُهُ عَلَيْهِمْ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمَانِ. وَإِنَّمَا الْحَقُّ فِي ذَلِكَ مَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ يَصِيرُ كَلَحْمِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ فَلَا يَتَنَاوَلُ إلَّا حَالَةَ الِاضْطِرَارِ وَلَا يَتَنَاوَلُ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إلَّا الْقَدْرَ الْيَسِيرَ جِدًّا الَّذِي يَنْدَفِعُ بِهِ خَشْيَةَ الْمَوْتِ، وَمَنْ أَدَمْنَ ذَلِكَ انْقَطَعَ عَنْهُ سَرِيعًا فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَنْقَطِعُ بِالتَّدْرِيجِ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَى الْمُبْتَلَى بِهِ أَنْ يَتَدَرَّجَ فِي قَطْعِهِ حَتَّى يَسْلَمَ مِنْ عَظِيمِ إثْمِهِ، وَقَوْلُ السَّائِلِ: لِعَدَمِ إسْكَارِهِ وَإِضْرَارِهِ عَجِيبٌ مِنْهُ فَقَدْ صَرَّحَ الْأَئِمَّةُ بِحُرْمَتِهِ وَعَدُّوهُ مِنْ السَّمُومِ الْمُخَدِّرَةِ الْمُسْكِرَةِ. وَهَذَا مُشَاهَدٌ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى ذَوْقٍ أَوْ إحْسَاسٍ اللَّهُمَّ إلَّا عَلَى مَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ، وَارْتَبَكَ فِيهِ فَهَذَا لَا عَقْلَ لَهُ وَلَا دِينَ لِأَنَّهُ يُخْرِجُهُ عَنْ حَيِّزِ الْآدَمِيِّينَ إلَى حَيِّزِ الْمَمْسُوخِينَ مِنْ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ، وَكَمْ شَاهَدْنَا مَنْ اُبْتُلِيَ بِهِ فَمُسِخَ بَدَنُهُ حَتَّى صَارَ لَا يُدْرَكُ مِنْهُ إلَّا خَيَالُهُ، وَمُسِخَ عَقْلُهُ حَتَّى صَارَ لَا يَصْدُرُ مِنْهُ إلَّا هَدَرُهُ وَخَبَالُهُ، وَالسَّمْنُ الْمَذْكُورُ طَاهِرٌ كَمَا هُوَ بَدِيهِيٌّ مِنْ قَاعِدَةِ أَنَّ مَا غَلَبَتْ النَّجَاسَةُ فِي نَوْعِهِ وَلَمْ تُعْلَمْ فِيهِ بِعَيْنِهِ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ، وَمَا كَمَسْأَلَةِ بَوْلِ الظَّبْيَةِ إنَّمَا هُوَ لِمَعْنًى انْضَمَّ لِلْمُشَاهَدَةِ لَا يَتَأَتَّى هُنَا كَمَا هُوَ وَاضِحٌ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا لَوْ وَلَغَتْ هِرَّةٌ فِي مُتَنَجِّسٍ بِنَجَاسَةٍ كَلْبِيَّةٍ ثُمَّ غَابَتْ بِحَيْثُ يُحْتَمَلُ وُلُوغُهَا فِي مَاءٍ كَثِيرٍ، ثُمَّ وَلَغَتْ فِي إنَاءٍ

باب الاجتهاد

فَهَلْ يُحْكَمُ بِطَهَارَةِ سُؤْرِهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ كَسَائِرِ أَحْوَالِهَا أَوْ لَا؛ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمُغَلَّظَةِ وَالْمُخَفَّفَةِ؟ وَهَلْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَمَسْأَلَةِ طِينِ الشَّوَارِعِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يُحْكَمُ بِطَهَارَةِ فَمِهَا بِغَيْبَتِهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَلَا فِي غَيْرِهَا خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ بَعْضُ الْعِبَارَاتِ، وَكَأَنَّ السَّائِلَ تَوَهَّمَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ تِلْكَ الْعِبَارَاتِ، وَإِنَّمَا الْمُعْتَمَدُ الْمَنْقُولُ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْهِرَّةَ أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي تَخْتَلِطُ بِالنَّاسِ وَغَيْرِهَا إذَا أَكَلَتْ نَجَاسَةً، ثُمَّ غَابَتْ وَاحْتُمِلَ فِي الْعَادَةِ وُلُوغُهَا فِيمَا يُطَهِّرُ فَمَهَا بِأَنْ يَكُونَ كَدَرًا بِالنِّسْبَةِ لِلنَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ فَإِذَا غَابَتْ وَاحْتُمِلَ طُهْرُ فَمِهَا كَمَا ذُكِرَ، ثُمَّ عَادَتْ وَوَلَغَتْ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَوْ مَائِعٍ، أَوْ مَسَّتْ بِفَمِهَا ثَوْبًا مَثَلًا فَلَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ مَا لَاقَى فَمُهَا، وَإِنْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى نَجَاسَتِهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهَا. وَإِنَّمَا لَمْ نَحْكُمْ بِنَجَاسَةِ مَا لَاقَى فَمَهَا مَعَ الْحُكْمِ بِنَجَاسَتِهِ أَعْنِي الْفَمَ عَمَلًا بِالْأَصْلَيْنِ الْمُتَعَارِضَيْنِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا مَسَّتْهُ الطَّهَارَةُ، وَالْأَصْلُ فِي فَمِهَا النَّجَاسَةُ، وَلَكِنْ بِغَيْبَتِهَا ضَعُفَ أَصْلُ النَّجَاسَةِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ التَّنْجِيسُ فَبَقِيَ مَا مَسَّتْهُ عَلَى طَهَارَتِهِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ النَّجَاسَةِ التَّنْجِيسُ فَعُلِمَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ كَطِينِ الشَّوَارِعِ، وَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ مُتَيَقَّنَةً فِيهِمَا؛ لِأَنَّ طِينَ الشَّوَارِعِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ مَعَ تَحَقُّقِ نَجَاسَتِهِ وَعَدَمِ مَا يُعَارِضُهَا لَكِنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا يُعْفَى عَمَّا يَتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ مَلْحَظُ الْعَفْو فِيهِ، وَأَمَّا فَمُ الْهِرَّةِ فَلَا يُقَالُ إنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، وَإِنَّمَا يُقَالُ: نَجِسٌ لَمْ يُنَجِّسْ لِضَعْفِهِ بِاحْتِمَالِ زَوَالِهِ بِالْوُلُوغِ فِي مَاءٍ يُطَهِّرُهُ عِنْدَ الْغَيْبَةِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ النَّجِسُ الَّذِي أَكَلَهُ نَحْوَ الْهِرَّةِ مُغَلَّظًا أَوْ غَيْرَهُ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي الْمُغَلَّظِ احْتِمَالُ وُلُوغِهِ فِي مَاءٍ كَدِرٍ بِتُرَابٍ يَكْفِي فِي النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ فَإِذَا اُحْتُمِلَ وُلُوغُهُ فِي ذَلِكَ لَمْ يُنَجِّسْ مَا وَلَغَ فِيهِ، وَلَا مَا مَسَّهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الِاجْتِهَادِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رَجُلٍ تَحْتَ يَدِهِ غَلَّاتُ أَوْقَافٍ مُتَّحِدَةُ الْمَصَارِفِ أَوْ مُخْتَلِفَتُهَا مِنْ شَخْصٍ أَوْ أَشْخَاصِ، فَوَضَعَ غَلَّاتِهَا فِي مَوَاضِعَ فَالْتُبِسَتْ عَلَيْهِ فَهَلْ يَسُوغُ لَهُ التَّحَرِّي فِيهَا فَإِنْ قُلْتُمْ: نَعَمْ فَلَوْ تَحَرَّى فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ دَلِيلٌ، هَلْ يَضْمَنُ كَمَا لَوْ نَسِيَ الْوَدِيعَةَ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: نَعَمْ فَمَا يَكُونُ حُكْمُ الْغَلَّاتِ الْمُشْتَبِهَةِ، هَلْ يَمْلِكُهَا النَّاظِرُ وَيَنْفُذُ تَصَرُّفَهُ فِيهَا قَبْلَ الضَّمَانِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَنْ تَحْتَ يَدِهِ الْغَلَّاتُ الْمَذْكُورَةُ يَجُوزُ لَهُ التَّحَرِّي فِيهَا إذَا كَانَ نَاظِرًا عَلَيْهَا، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ سِوَاهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَالُوا يَجُوزُ لَهُ التَّحَرِّي فِي الْأَمْوَالِ الْمُشْتَبِهَةِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ شَرْطٌ لِصِحِّيَّةِ التَّصَرُّفِ وَيُمْكِنُ التَّوَصُّلُ إلَى مَعْرِفَتِهِ بِالِاجْتِهَادِ لِأَنَّ لِلْعَلَامَةِ فِيهَا مَجَالًا فَشُرِعَ فِيهِ الِاجْتِهَادُ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ بِعَلَامَةٍ تُغَلِّبُ ظَنَّ الْمِلْكِ فِي الْمَأْخُوذِ. وَغَلَبَةُ الظَّنِّ كَافِيَةٌ فِي الْأَمْوَالِ بِدَلِيلِ اعْتِمَادِهِ عَلَى خَطِّ أَبِيهِ الْمَوْثُوقِ بِهِ بِدَيْنٍ وَحَلَّفَهُ عَلَيْهِ، وَمِنْ ثَمَّ جَازَ الِاجْتِهَادُ فِي الْمَالَيْنِ مَعَ انْتِفَاءِ أَصْلِ الْحِلِّ فِي أَحَدِهِمَا اهـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا فِي جَوَازِ الِاجْتِهَادِ لِلنَّاظِرِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنْ قُلْت: لَا نُسَلِّمُ ظُهُورَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ عَبِّرُوا بِالْمِلْكِ فِي قَوْلِهِمْ، لِأَنَّ الْمِلْكَ، وَقَوْلُهُمْ: يُغَلِّبُ ظَنَّ الْمِلْكِ، وَهَذَا يَقْتَضِي امْتِنَاعَ الِاجْتِهَادِ فِي ذَلِكَ قُلْت: التَّعْبِيرُ بِالْمِلْكِ، إمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِصِحَّةِ التَّصَرُّفِ الشَّامِلِ لِمِلْكِ الْعَيْنِ، وَلِلْوِلَايَةِ عَلَيْهَا وَأَمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ مِلْكَ الْعَيْنِ فَقَطْ، وَكَلَامُهُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرَطَ لِصِحَّةِ التَّصَرُّفِ هُوَ عُمُومُ الْأَوَّلِ لَا خُصُوصُ الثَّانِي. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُمْ: وَغَلَبَةُ الظَّنِّ كَافِيَةٌ فِي الْأَمْوَالِ أَيْ فِي جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِيهَا فَإِنْ قُلْت: يُنَافِي ذَلِكَ أَنَّ أَبَا ثَوْرٍ لَمَّا سَأَلَ الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ اشْتَرَى بَيْضَةً مِنْ رَجُلٍ وَبَيْضَةً مِنْ آخَرَ، وَوَضَعَهُمَا فِي كُمِّهِ فَانْكَسَرَتْ إحْدَاهُمَا فَخَرَجَتْ مَذِرَةً فَعَلَى مَنْ يَرُدُّهَا؟ قَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ اُتْرُكْهُ حَتَّى يُدْعَى قَالَ: يَقُولُ: لَا أَدْرِي قَالَ لَهُ الشَّافِعِيُّ أَقُولُ لَهُ انْصَرِفْ حَتَّى تَدْرِيَ فَإِنَّا مُفْتُونَ لَا مُعْلِمُونَ وَهُوَ بِسُكُونِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ اللَّامِ، وَهَذَا كَمَا تَرَى صَرِيحٌ فِي أَنْ لَا يُجْتَهَدَ فِي بَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَرُدَّهَا بِالِاجْتِهَادِ قُلْت: لَا يُنَافِي مَا قَرَّرْتُهُ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يُمْنَعْ فِيهِ الِاجْتِهَادُ لِذَاتِهِ؛ وَإِنَّمَا هُوَ لَمَا فِيهِ مِنْ إلْزَامِ الْغَيْرِ بِالِاجْتِهَادِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي الْأَمْوَالِ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ: وَمِثْلُهُ لَوْ قَبَضَ مِنْ شَخْصٍ دَرَاهِمَ فَخَلَطَهَا، فَوَجَدَ فِيهَا نُحَاسًا.

وَيُحْتَمَلُ هُنَا أَنْ يُجْتَهَدَ إنْ كَانَ ثَمَّ أَمَارَةً اهـ. وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ فِي هَذِهِ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ الِاجْتِهَادَ؛ لِإِلْزَامِ الْغَيْرِ بِجَعْلِ النُّحَاسِ لَهُ لَمْ يُفِدْهُ اجْتِهَادُهُ ذَلِكَ. وَإِنْ أَرَادَ بِهِ تَمْيِيزَ حَقِّهِ مِنْ حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى يَحِلَّ لَهُ تَنَاوُلُ مَا ظَهَرَ لَهُ بِالِاجْتِهَادِ أَنَّهُ لَهُ جَازَ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ قُلْت: هَلْ يَلْحَقُ بِالنَّاظِرِ الْوَلِيُّ مِنْ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْوَصِيِّ وَالْحَاكِمِ وَقَيِّمِهِ إذَا كَانَ تَحْتَ يَدِهِ أَمْوَالُ لِمَحَاجِيرِهِ وَالْتُبِسَتْ، أَوْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمُلَّاكَ هُنَا يُرْجَى كَمَالُهُمْ وَاجْتِهَادُهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ فَلَا حَاجَةَ إلَى اجْتِهَادِ الْوَلِيِّ بِخِلَافِ مَصَارِفِ الْوَقْفِ إذَا كَانَتْ جِهَاتٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهَا اجْتِهَادٌ، قُلْت: قَضِيَّةُ تَسْوِيَتِهِمْ فِي بَابِ الْوَقْفِ بَيْنَ النَّاظِرِ وَالْوَلِيِّ فِي مَسَائِلِ إلْحَاقِهِ بِهِ هُنَا فِي أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّحَرِّي، نَعَمْ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ إلَّا فِيمَا اُضْطُرَّ إلَى التَّصَرُّفِ فِيهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَأَمَّا مَا لَا يُضْطَرُّ إلَى التَّصَرُّفِ فِيهِ مِنْهَا فَيُبْقِيه عَلَى اشْتِبَاهِهِ الَّذِي لَا يُضَرُّ بِهِ إلَى كَمَالِ مَالِكِيهِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الِاجْتِهَادَ يَجِبُ فِيمَا اُضْطُرَّ إلَى تَنَاوُلِهِ كَشَاةٍ مَيْتَةٍ اُلْتُبِسَتْ بِمَذْبُوحَةٍ وَاضْطُرَّ إلَى الْأَكْلِ، وَيَجُوزُ فِيمَا لَمْ يُضْطَرَّ إلَيْهِ فَكَذَا يُقَالُ بِنَظِيرِ ذَلِكَ فِي النَّاظِرِ وَالْوَلِيِّ فَإِنْ قُلْت: مَا ذُكِرَ فِي النَّاظِرِ إنَّمَا يَتَّجِهُ إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَى جِهَاتٍ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الِاجْتِهَادُ. أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى مُسْتَحَقِّينَ كَامِلِينَ يُمْكِنُ اجْتِهَادُهُمْ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الِاجْتِهَادُ لِلنَّاظِرِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ بِهِ إلَيْهِ قُلْت: هُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ يَمْلِكُ الْغَلَّةَ فَإِذَا كَانَ كَامِلًا وَاشْتُبِهَتْ غَلَّتُهُ الَّتِي مَلَكَهَا بِغَلَّةِ غَيْرِهِ اجْتَهَدَ هُوَ؛ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ لَا النَّاظِرُ فَإِذَا ظَهَرَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَنَّ الْغَلَّةَ الَّتِي صِفَتُهَا كَذَا هِيَ الَّتِي مَلَكَهَا تَوَلَّى النَّاظِرُ حِينَئِذٍ إعْطَاءَهَا إلَيْهِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي: أَنَّ الْوَكِيلَ لَوْ كَانَتْ تَحْتَ يَدِهِ أَمْوَالٌ لِمُوَكِّلِهِ أَوْ لِمُوَكِّلِيهِ وَاشْتَبَهَتْ لَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِيهَا، بَلْ يُبْقِيهَا عَلَى حَالِهَا حَتَّى يَجْتَهِدَ فِيهَا مُلَّاكُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ بِهِ إلَى ذَلِكَ الَّذِي قَدْ يَقَعُ بِسَبَبِهِ نَقْصٌ وَتَنَازُعٌ بَيْنَ الْمُلَّاكِ لَا غَايَةَ لَهُ: فَإِنْ قُلْت: هَذَا أَعْنِي اجْتِهَادَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ مُتَّحِدًا أَوْ مُتَعَدِّدًا، وَاتَّفَقُوا عَلَى الْعَلَامَةِ الْمُمَيِّزَةِ لِمِلْكِهِمْ، فَإِنْ كَانُوا مُتَعَدِّدِينَ وَاخْتَلَفُوا فِي الْعَلَامَةِ مَا حُكْمُهُ؟ قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يُرْجَعُ إلَى قَوْلِ النَّاظِرِ لِأَنَّ الْيَدَ لَهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ الْآتِي وَقَدْ أُشْكِلَ عَلَى الْوَدِيعِ مُسْتَحِقُّهُ مِنْهُمَا إذْ قَضِيَّتُهُ: أَنَّ الْوَدِيعَ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي التَّعْيِينِ، وَإِذَا رَجَعَ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَالنَّاظِرُ أَوْلَى بِهَذَا مِنْهُ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ أَقْوَى، وَمِنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ اشْتَبَهَ مَالُهُ بِمَالِ غَيْرِهِ وَاجْتَهَدَ فَظَهَرَ لَهُ أَنَّ أَحَدَ الْمَالَيْنِ بِعَيْنِهِ هُوَ مَالُهُ وَنَازَعَهُ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ ذِي الْيَدِ فَإِنْ قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ النَّاظِرُ مُمَيِّزًا لِأَحَدِ الْمَالَيْنِ هُنَا أَوْ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ مَا حُكْمُهُ؟ قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ تُوقَفُ الْأَمْوَالُ الْمُشْتَبِهَةُ حَتَّى يَصْطَلِحَ مُلَّاكُهَا عَلَى شَيْءٍ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُمْ: وَإِنْ اُسْتُوْقِفَ مَالَ إلَى اصْطِلَاحِ الْمُتَنَازِعِينَ فِيهِ كَمَالِ وُقِفَ لِشَخْصَيْنِ عِنْدَ وَدِيعٍ وَقَدْ أُشْكِلَ عَلَى الْوَدِيعِ مُسْتَحِقُّهُ مِنْهُمَا فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَأْخُذَهُ أَحَدُهُمَا، فَيُعْطِي الْآخَرَ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ بَيْعَ لَهُ، وَشَرْطُهُ تَحَقُّقُ الْمِلْكِ فِي الْعِوَضَيْنِ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ عَلَى أَنْ يَتَفَاضَلَا فِيهِ جَازَ لِلضَّرُورَةِ؛ وَلِأَنَّهُ نُزُولٌ عَنْ بَعْضِ الْحَقِّ وَقَوْلُهُمْ: لَوْ مَاتَ عَنْ أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ قَبْلَ التَّعْيِينِ وُقِفَ لَهُنَّ مِيرَاثُ الزَّوْجَاتِ حَتَّى يَصْطَلِحْنَ؛ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِعَيْنِ مُسْتَحِقِّهِ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُنَّ بِحَسَبِ اصْطِلَاحِهِنَّ بِتَسَاوٍ أَوْ تَفَاوُتٍ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُنَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِنَّ مَحْجُورٌ عَلَيْهَا لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ وَصَالَحَ عَنْهَا وَلِيُّهَا فَيَمْتَنِعُ بِدُونِ حُصُولٍ مِنْ عَدَدِهِنَّ اهـ. فَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ كُلِّهِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنْ قَلَّتْ: إنَّمَا يُتَصَوَّرُ الْوَقْفُ إلَى الصُّلْحِ إذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ يُمْكِنُ اصْطِلَاحُهُمْ فَإِنْ كَانَ نَحْوَ جِهَاتٍ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهَا ذَلِكَ مَا حُكْمُهُ؟ قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ حِينَئِذٍ أَنَّ النَّاظِرَ يَقْسِمُ تِلْكَ الْأَمْوَالَ بَيْنَ تِلْكَ الْجِهَاتِ عَلَى السَّوَاءِ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِيمَا إذَا انْدَرَسَتْ شُرُوطُ الْوَاقِفِ مِنْ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَلَى جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ أَوْ جِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ قُسِمَتْ الْغَلَّةُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ. فَإِنْ قُلْت: إذَا قُلْت: بِالرُّجُوعِ إلَى قَوْلِ النَّاظِرِ وَادَّعَى أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مُمَيِّزًا فَهَلْ لِلْمُسْتَحِقِّينَ تَحْلِيفُهُ؟ قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ لَهُمْ تَحْلِيفَهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ إنْ ادَّعَوْهُ عَلَيْهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ قَالَ مَنْ تَحْتَ يَدِهِ عَيْنٌ لِاثْنَيْنِ ادَّعَيَا عَلَيْهِ هِيَ وَدِيعَةٌ عِنْدِي وَلَا أَدْرِي أَهِيَ لَكُمَا أَمْ لِأَحَدِكُمَا أَمْ لِغَيْرِكُمَا حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ إنْ ادَّعَيَاهُ وَتُرِكَتْ فِي يَدِهِ لِمَنْ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ بِهَا وَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا تَحْلِيفُ

الْآخَرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدٌ وَلَا اسْتِحْقَاقٌ اهـ وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ: فَلَوْ تَحَرَّى فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ دَلِيلٌ وَقَسَمَهَا بَيْنَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ عَلَى السَّوِيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْهَا شَيْءٌ بِالِاشْتِبَاهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا نَقَصَ مِنْهَا شَيْءٌ بِالِاشْتِبَاهِ أَوْ تَلِفَ مِنْهَا شَيْءٌ بَعْدَ الِاشْتِبَاهِ فَقِيَاسُ كَلَامِهِمْ فِي بَابِ الْوَدِيعَةِ أَنَّهُ يَضْمَنُ النَّقْصَ فِي الْأُولَى، وَالتَّالِفَ فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الِاشْتِبَاهَ نَاشِئٌ عَنْ نِسْيَانِهِ فَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بِهِ لِأَنَّهُ لَا اخْتِيَارَ لَهُ فِيهِ فَإِنْ قُلْت: هَلْ هَذَا الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ الضَّمَانُ عَامٌّ سَوَاءٌ أَصَدَّقَهُ الْمُسْتَحِقُّونَ عَلَى أَنَّ سَبَبَ الِاشْتِبَاهِ النِّسْيَانُ أَمْ كَذَّبُوهُ أَوْ خَاصٌّ بِمَا إذَا كَذَّبُوهُ؟ قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ لِي تَفْصِيلٌ فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ مَا تَلِفَ بِالِاشْتِبَاهِ يَضْمَنُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ بِسَبَبِ فِعْلِهِ كَمَا تَقَرَّرَ وَمَا تَلِفَ بِسَبَبِ فِعْلِهِ لَا فَرْقَ فِي الضَّمَانِ بَيْنَ أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمَالِكُ عَلَى أَنَّهُ تَلِفَ بِذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبَهُ وَمَا تَلِفَ بَعْدَ الِاشْتِبَاهِ لَا يَضْمَنُهُ إلَّا إنْ كَذَّبَهُ الْمُسْتَحِقُّونَ فِي النِّسْيَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا صَدَّقُوهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ تَنَازَعَ اثْنَانِ الْوَدِيعَةَ فَصَدَّقَ الْوَدِيعُ أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ فَلِلْآخَرِ تَحْلِيفُهُ وَإِنْ صَدَّقَاهُ فَالْيَدُ لَهُمَا وَالْخُصُومَةُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ قَالَ هِيَ لِأَحَدِكُمَا وَنَسِيتُهُ فَإِنْ كَذَّبَاهُ فِي النِّسْيَانِ ضَمِنَ كَالْغَاصِبِ لِتَقْصِيرِهِ بِنِسْيَانِهِ. وَإِنْ صَدَّقَاهُ فِيهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اهـ. وَالْجَامِعُ بَيْنَ هَذِهِ وَمَسْأَلَتِنَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمْ يَكُنْ النِّسْيَانُ فِيهَا سَبَبًا لِلتَّلَفِ وَإِنَّمَا هُوَ سَبَبٌ لِلْجَهْلِ بِالْمُسْتَحِقِّ فَكَمَا فَصَلُوا فِي هَذِهِ بَيْنَ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ كَذَلِكَ يُفْصَلُ فِي مَسْأَلَتِنَا بَيْنَ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ، وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ: فَإِنْ قُلْتُمْ: نَعَمْ فَمَا يَكُونُ حُكْمُ الْغَلَّاتِ الْمُشْتَبِهَةِ. .. إلَخْ. فَجَوَابُهُ قَدْ عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْتُهُ سَابِقًا، وَذَلِكَ لِأَنَّا لَا نَضْمَنُهُ إلَّا مَا تَلِفَ بِسَبَبِ الِاشْتِبَاهِ أَوْ مَا تَلِفَ بَعْدَ الِاشْتِبَاهِ. وَأَمَّا مَا بَقِيَ مُشْتَبِهًا فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ عَلَامَةٌ تُمَيِّزُ بَعْضَهُ عَنْ بَعْضٍ يَقْسِمُهُ بَيْنَ الْمُسْتَحَقِّينَ أَوْ يَتْرُكُهُ إلَى أَنْ يَصْطَلِحُوا كَمَا مَرَّ تَفْصِيلُهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ ضَمَانٌ فِي الْبَاقِي بِلَا نَقْصٍ هَذَا كُلُّهُ حَيْثُ كَانَ هُنَاكَ مُجَرَّدُ اشْتِبَاهٍ مِنْ غَيْرِ اخْتِلَاطٍ، أَوْ مَعَ اخْتِلَاطٍ لَا بِفِعْلِ النَّاظِرُ، وَأَمْكَنَ التَّمْيِيزُ أَمَّا إذَا كَانَ مَعَ اخْتِلَاطٍ لَا بِفِعْلِ النَّاظِرِ وَلَمْ يُمْكِنْ التَّمْيِيزُ فَإِنَّهَا تَصِيرُ مُشْتَرَكَةً كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَسَيَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهِ عَنْ الشَّيْخَيْنِ فِي الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ، أَوْ بِفِعْلِ النَّاظِرِ وَلَمْ يُمْكِنْ التَّمْيِيزُ فَإِنَّ تِلْكَ الْغَلَّاتِ تَصِيرُ كَالْهَالِكَةِ سَوَاءٌ اخْتَلَطَ كُلٌّ مِنْهَا بِمِثْلِهِ أَمْ بِأَجْوَدَ أَمْ بِأَرْدَأَ لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ فَيَمْلِكُهَا النَّاظِرُ وَلَهُ إبْدَالُهَا أَوْ إعْطَاءُ الْمُسْتَحَقِّينَ مِمَّا اخْتَلَطَ بِمِثْلِهِ أَوْ بِأَجْوَدَ لَا بِأَرْدَأَ إلَّا بِرِضَاهُمْ فَلَهُ ذَلِكَ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْأَرْشُ، وَمَا قَرَّرْتُهُ هُنَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُ مُخْتَصِرِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهِ فِيمَنْ غَصَبَ مِنْ اثْنَيْنِ زَيْتَيْنِ أَوْ نَحْوِهِمَا كَدِرْهَمَيْنِ وَخَلَطَهُمَا بِحَيْثُ صَارَا لَا يَتَمَيَّزَانِ فَيَكُونُ الْمَخْلُوطُ كَالْهَالِكِ وَيَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ خِلَافًا لِقَوْلِ الْبُلْقِينِيُّ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْهُ وَلَا يَكُونُ كَالْهَالِكِ، نَعَمْ صَرَّحَ جَمْعٌ بِأَنَّهُ وَإِنْ مَلَكَهُ لَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ إلَّا بَعْدَ إيفَاءِ صَاحِبِهِ حَقَّهُ. وَصَرَّحَ الشَّيْخَانِ فِي الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ بِأَنَّهُ لَوْ اخْتَلَطَ نَحْوُ زَيْتَيْنِ لِمَالِكَيْنِ بِانْصِبَابٍ وَنَحْوِهِ كَصَبِّ بَهِيمَةٍ أَوْ بِرِضَا مَالِكِيهِمَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا؛ لِعَدَمِ التَّعَدِّي اهـ. فَكَذَا يُقَالُ بِنَظِيرِهِ هُنَا إذَا لَمْ يَتَعَدَّ النَّاظِرُ بِالْخَلْطِ كَمَا مَرَّ وَفِي صُورَةِ الِاخْتِلَاطِ بِغَيْرِ تَعَدٍّ يُجْبَرُ صَاحِبُ الْأَرْدَإِ عَلَى الْأَخْذِ مِنْ عَيْنِ الْمُخْتَلِطِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ عَيْنُ حَقِّهِ وَبَعْضَهُ خَيْرٌ مِنْهُ بِخِلَافِ صَاحِبِ الْأَجْوَدِ فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْأَخْذِ وَلَا الْبَدَلِ مِنْ الْمُخْتَلَطِ، بَلْ يُبَاعُ الْمُخْتَلَطُ وَيُقْسَمُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا بِنِسْبَةِ الْقِيمَةِ، وَلَا يَجُوزُ قِسْمَةُ عَيْنِ الْمُتَفَاضِلَيْنِ عَلَى نِسْبَةِ الْقِيمَةِ لِلتَّفَاضُلِ فِي الْكَيْلِ وَنَحْوِهِ. وَيَأْتِي فِي الْخَلْطِ بِغَيْرِ الْجِنْسِ كَالزَّيْتِ بِالشَّيْرَجِ مَا تَقَرَّرَ فِي خَلْطٍ أَوْ اخْتِلَاطٍ نَحْوُ الزَّيْتَيْنِ مِنْ أَنَّهُ يَصِيرُ كَالْهَالِكِ وَمِنْ أَنَّ الْمُتَعَدِّي بِالْخَلْطِ يَمْلِكُهُمَا، وَمِنْ أَنَّهُ يَكُونُ مُشْتَرَكًا فِي صُورَةِ الِاخْتِلَاطِ بِلَا تَعَدٍّ وَهُنَا يَجُوزُ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْمُفَاضَلَةِ فِي الْقِسْمَةِ لِأَنَّ التَّفَاضُلَ جَائِزٌ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِبَرَكَاتِهِ - عَنْ شَاةٍ مَذْبُوحَةٍ وُجِدَتْ فِي مَحَلَّةِ الْمُسْلِمِينَ بِبَلَدِ كُفَّارٍ وَثَنِيَّةٍ، وَلَيْسَ فِيهِمْ مَجُوسِيٌّ وَلَا يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، فَهَلْ يَحِلُّ أَكْلُ تِلْكَ الشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ الَّتِي وُجِدَتْ فِي تِلْكَ الْمَحَلَّةِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ بِبَلَدٍ فِيهِ مَنْ يَحِلُّ ذِبْحُهُ كَمُسْلِمٍ أَوْ

يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ، وَمَنْ لَا يَحِلُّ ذِبْحُهُ كَمَجُوسِيٍّ أَوْ وَثَنِيٍّ أَوْ مُرْتَدٍّ أَوْ مُتَوَلَّدٍ بَيْنَ مَنْ يَحِلُّ ذِبْحُهُ وَمَنْ لَا يَحِلُّ ذِبْحُهُ، وَرُئِيَ بِتِلْكَ الْبَلَدِ شِيَاهٌ مَذْبُوحَةٌ مَثَلًا وَشُكَّ هَلْ ذَبَحَهَا مَنْ يَحِلُّ ذِبْحُهُ لَمْ تَحِلَّ لِلشَّكِّ فِي الذَّبْحِ الْمُبِيحِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ نَعَمْ بَحَثَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ مَنْ يَحِلُّ ذِبْحُهُ لَوْ كَانَ أَغْلِبَ فِي تِلْكَ الْبَلَدِ كَأَنْ كَانَ أَكْثَرُهَا مُسْلِمِينَ أَوْ كِتَابِيِّينَ حَلَّتْ تِلْكَ الشِّيَاهُ الْمَذْبُوحَةُ مَثَلًا، وَالْعِبْرَةُ فِي ذَلِكَ بِالْبَلَدِ دُونَ الْمَحَلَّةِ مِنْهَا حَتَّى لَوْ كَانَ فِي بَلَدٍ مَحَلَّةٌ كُلُّ أَهْلِهَا مُسْلِمُونَ وَبَقِيَّةُ مَحَالِّهَا كُفَّارٌ أَوْ كُفَّارٌ وَمُسْلِمُونَ، وَمَنْ لَا يَحِلُّ ذِبْحُهُ أَكْثَرُ حُرِّمَتْ تِلْكَ الشَّاةُ وَإِنْ وُجِدَتْ فِي مَحَلَّةٍ مِنْ الْبَلَدِ، وَلَيْسَ بِتِلْكَ الْمَحَلَّةِ كَافِرٌ. لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لَيْسَ بِالْمَحَلَّةِ وَحْدَهَا، بَلْ بِجَمِيعِ الْبَلَدِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الشَّكِّ فَحَيْثُ شُكَّ فِي ذَابِحِ تِلْكَ الشَّاةِ، وَمَنْ لَا يَحِلُّ ذِبْحُهُ أَكْثَرُ حُرِّمَتْ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ أَرْضٍ بَعْضُهَا صَدَقَةٌ عَلَى جِهَةٍ أَوْ مُعَيَّنٍ، وَبَاقِيهَا مِلْكٌ لِطَائِفَةٍ وَجَهِلَ كَمْ قَدْرُ الصَّدَقَةِ مِنْ الْأَرْضِ، أَيَجُوزُ التَّحَرِّي هُنَا أَوْ لَا؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: نَعَمْ فَتَحَرَّى فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ مَا حُكْمُهُ؟ وَكَذَلِكَ نَخْلَةٌ عَلَى جِهَةٍ أَوْ مُعَيَّنٍ فِي نَخَلَاتٍ مَمْلُوكَةٍ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يَجُوزُ التَّحَرِّي فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَمَا صَرَّحُوا بِمَا يَعُمُّ ذَلِكَ وَغَيْرَهُ فِي بَابِ الِاجْتِهَادِ، وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَجْوِبَةِ أَسْئِلَةِ الْفَقِيهِ الْإِمَامِ عُثْمَانَ، وَيُوَافِقُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي بَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ لَوْ اخْتَلَطَ حَمَامُهُ بِحَمَامِ غَيْرِهِ وَلَمْ يَتَمَيَّزَا فَلَهُ أَخْذُ قَدْرِ مِلْكِهِ بِالِاجْتِهَادِ وَالْوَرَعِ لَا يَخْفَى، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا تَحَرَّى وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ شَيْءٌ يَلْزَمُهُ أَنْ لَا يَأْخُذَ إلَّا مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ صَدَقَةٌ وَمَا شَكَّ فِيهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ هَذَا إنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْبَعْضِ الصَّدَقَةَ وَالْبَعْضُ الْمِلْكَ مُفْرَزًا عَنْ الْآخَرِ قَبْلَ الِاشْتِبَاهِ، فَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْأَرْضِ صَدَقَةً مَشَاعًا وَبَعْضُهَا مِلْكًا مَشَاعًا، وَانْبَهَمَ فَيَجُوزُ الِاجْتِهَادُ أَيْضًا وَلَهُ أَخْذُ مَا ظَنَّهُ حَقَّهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِ: لَوْ اخْتَلَطَ دِرْهَمٌ أَوْ دُهْنٌ حَرَامٌ بِدَرَاهِمِهِ أَوْ دُهْنِهِ مَثَلًا فَلَهُ إفْرَازُ غَيْرِ مِلْكِهِ، وَصَرْفُهُ لِجِهَةِ اسْتِحْقَاقِهِ وَالتَّصَرُّفُ فِي الْبَاقِي وَجَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الشَّرِيكَ لَا يَسْتَقِلُّ بِالْقِسْمَةِ فَلْيَرْفَعْهُ إلَى الْقَاضِي؛ لِيُقَاسِمَهُ عَنْ الْمَالِكِ إذَا تَعَذَّرَتْ مَعْرِفَتُهُ أَوْ حُضُورُهُ، فَإِلْحَاقُ الرَّافِعِيِّ لَهُ بِالِاخْتِلَاطِ الْحَمَامَيْنِ كَأَنَّهُ أَرَادَ فِي طَرِيقِ التَّصَرُّفِ اهـ. وَيُجَابُ بِأَنَّ الْأَوْجَهَ بَقَاءُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ حَاضِرًا وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِالْقِسْمَةِ هُنَا عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ؛ لِلضَّرُورَةِ إذْ لَوْ كَلَّفْنَاهُ الرَّفْعَ لِلْقَاضِي احْتَاجَ إلَى إثْبَاتِ مِلْكِهِ وَالِاخْتِلَاطِ مَعَ مَا فِي الرَّفْعِ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَالْكُلْفَةِ؛ فَلِذَلِكَ سَاغَ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِالْقِسْمَةِ فِيمَا ذُكِرَ كَمَا جَازَ لِلدَّائِنِ الظَّفَرُ بِمَالِ مَدِينِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ وَيَجْرِي نَظِيرُ هَذَا فِي صُورَتِنَا فِيمَا يَظْهَرُ فَلَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِأَخْذِ جُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ مَثَلًا بِقَدْرِ حِصَّةِ حَقِّهِ ظَنًّا، وَلَا يَلْزَمُهُ الرَّفْعُ لِلْقَاضِي لِلضَّرُورَةِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ اخْتَلَطَ حَمَامُهُ بِحَمَامَةٍ فَلَهُ أَكْلُهُ بَعْدَ الِاجْتِهَادِ فِيهِ إلَّا وَاحِدَةً، وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ كَمَا لَوْ اخْتَلَطَ ثَمَرُ غَيْرِهِ بِثَمَرِهِ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ وَاحِدَةً حَتَّى يُصَالِحَ ذَلِكَ الْغَيْرَ أَوْ يُقَاسِمَهُ، وَلِنَاظِرِ الصَّدَقَةِ وَالْمَالِكِ الْقِسْمَةُ بِالرِّضَا إنْ رَأَى النَّاظِرُ الْمَصْلَحَةَ فِي الْقِسْمَةِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ فِي اخْتِلَاطِ الْحَمَامِ: لِلْمَالِكَيْنِ ذَلِكَ مَعَ الْجَهْلِ لِلضَّرُورَةِ وَإِنَّمَا اشْتَرَطْت فِي النَّاظِرِ مَا ذَكَرْته؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ عَنْ الْغَيْرِ فَلَزِمَ أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ لَهُ إلَّا بِالْمَصْلَحَةِ كَمَا هُوَ شَأْنُ كُلِّ مُتَصَرِّفٍ عَنْ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - بِمَا لَفْظُهُ هَلْ غَلَبَةُ الظَّنِّ تُخَالِفُ مُجَرَّدَ الظَّنِّ إذْ هُوَ الطَّرَفُ الرَّاجِحُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: جَرَى ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى اتِّحَادِهِمَا حَيْثُ قَالَ فِي قَوْلِ الْغَزَالِيِّ فِي الْقَذْفِ: (وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ زِنَاهَا) اسْتَعْمَلَ هُوَ وَغَيْرُهُ الظَّنَّ هُنَا فِي مُطْلَقِ التَّرَدُّدِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الرَّاجِحِ مِنْهُ، وَهُوَ اصْطِلَاحُ الْمُتَقَدِّمِينَ إذْ جَعَلَ غَلَبَةَ الظَّنِّ هِيَ الْمُؤَثِّرَةُ، وَلَوْ اسْتَعْمَلَهُ بِحَسَبِ اصْطِلَاحِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَقْيِيدِهِ بِالْغَلَبَةِ لِأَنَّ أَوَّلَ الدَّرَجَاتِ تَكْفِي فِيهِ إذَا لَا ضَابِطَ بَعْدَهَا وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ فِي اكْتِفَائِهِ هُنَا بِمُجَرَّدِ الرُّجْحَانِ نَظَرًا، بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ خِلَافُهُ، وَأَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى مُجَرَّدِ الرُّجْحَانِ وَكَذَا فَهِمَهُ صَاحِبُ الْإِمَامِ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْهُ فَقَالَ: إذَا عَلِمَ زِنَاهَا يَقِينًا أَوْ

باب الاستنجاء

غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ قَرِيبًا مِنْ الْعِلْمِ، وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِي كُتُبِهِ: (أَوْ ظَنَّهُ ظَنًّا مُؤَكَّدًا) يُشِيرُ لِذَلِكَ، وَاعْتِبَارُهُمْ لِجَوَازِ الْقَذْفِ الطَّرَفَ الْمَذْكُورَ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي مُطْلَقُ الظَّنِّ، بَلْ ظَنٌّ خَاصٌّ غَالِبٌ وَهُوَ يَنْشَأُ عَنْ الطَّرَفِ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى مُجَرَّدِ الرُّجْحَانِ اهـ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ حَسَنٌ بَالِغٌ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَوْلُهُمْ فِي بَابِ الْآنِيَةِ: لَوْ تَحَيَّرَ الْأَعْمَى قَلَّدَ بَصِيرًا فَإِنْ فَقَدَ الْبَصِيرَ تَيَمَّمَ الْأَعْمَى، مَا ضَابِطُ الْفَقْدِ هُنَا؟ هَلْ يُضْبَطُ بِمَا قَالُوهُ فِي التَّيَمُّمِ فِي فَقْدِ الْمَاءِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؟ وَمَا هُوَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنَّ الَّذِي يُتَّجَهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَقْدِ فِيهِ وَفِي نَظَائِرِهِ كَالْوَقْتِ وَالْقِبْلَةِ عَدَمُ وُجُودِ مُخْبِرٍ لَهُ حَالَةَ التَّحَيُّرِ فَلَا يُكَلَّفُ طَلَبَهُ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَالُوهُ فِي الْمَاءِ بِأَنَّ الْغَالِبَ فِي طَلَبِ الْمَاءِ أَنَّهُ يُحَصِّلُهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَرْقًا بَيْنَ تَوَهُّمِ الْمَاءِ وَتَوَهُّمِ الْبُرْءِ. وَلَيْسَ الْغَالِبُ فِي طَلَبِ الْمُقَلِّدِ تَحْصِيلَهُ بِالْوَصْفِ الْمَقْصُودِ؛ لِأَنَّهُ بِفَرْضِ وُجُودِهِ قَدْ يَتَحَيَّرُ أَيْضًا فَلَمْ يَكُنْ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ حُصُولِ مَقْصُودِهِ بِالطَّلَبِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ وَاكْتُفِيَ فِي تَيَمُّمِهِ بِمُجَرَّدِ عَدَمِ وُجُودِهِ حَالَةَ التَّحَيُّرِ، نَعَمْ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ إنْسَانًا حِينَئِذٍ سَأَلَهُ وَهَلْ يَجِبُ سُؤَالُهُ احْتِيَاطًا أَوْ لَا يَجِبُ؟ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَحَيَّرُ أَيْضًا كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَيُتَّجَهُ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ حَيْثُ لَا مَشَقَّةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ يُؤَخِّرْ إلَى أَنْ يَضِيقَ الْوَقْتُ، لَعَلَّهُ يَجِدُ مَنْ يُقَلِّدُهُ؟ قُلْت: فِي صَبْرِهِ لِذَلِكَ مَشَقَّةٌ بَلْ وَخَشْيَةُ فَوَاتٍ بِطَرْقِ مَوْتٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلَمْ يُكَلَّفْهُ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ بَحْثُ مَنْ بَحَثَ فِي الْبَصِيرِ الْمُتَحَيِّرِ وَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ وَنَحْوِهِمَا الصَّبْرَ إلَى ضِيقِ الْوَقْتِ ضَعِيفًا كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ. فَإِنْ قُلْت: الْبُرْءُ فِعْلُ اللَّهِ فَكَيْفَ قِيلَ: بِوُجُوبِ طَلَبِهِ أَوْ بِعَدَمِ وُجُوبِهِ، أَيْ بَلْ يَنْدُبُهُ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ، قُلْت: الْمُرَادُ بِطَلَبِ الْبُرْءِ الْكَشْفُ عَنْهُ هَلْ وُجِدَ أَمْ لَا وَهَذَا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ فِعْلَ اللَّهِ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ هُوَ إيجَادُ الْبُرْءِ لَا هُوَ، بَلْ هُوَ أَثَرُهُ، وَكَذَلِكَ وُجُودُ الْمَاءِ فَإِيجَادُهُ فِعْلُ اللَّهِ، وَوُجُودُهُ أَثَرُ فِعْلِهِ فَكَمَا قَالُوا فِيهِ بِالطَّلَبِ إثْبَاتًا وَنَفْيًا، فَكَذَلِكَ قَالُوا فِي الْبُرْءِ. [بَابُ الِاسْتِنْجَاءِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ كَرَاهَةِ الْبَوْلِ تَحْتَ الشَّجَرِ الْمُثْمِرِ هَلْ تَخْتَصُّ بِمَا إذَا كَانَ الْغَالِبُ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَقَعُ عَلَى مَكَانِهَا قَبْلَ الثَّمَرَةِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِأَنَّ الْجَوَابَ عَنْهُ قَدْ ذَكَرْت فِي شَرْحِي لِلْإِرْشَادِ وَمُخْتَصَرِهِ مَا يُصَرِّحُ بِهِ حَيْثُ قُلْت وَيُكْرَهُ قَضَاءُ الْحَاجَةِ تَحْتَ شَجَرٍ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُثْمِرَ وَلَوْ مُبَاحًا، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ وَقْتِ الثَّمَرَةِ صِيَانَةً لَهَا عَنْ التَّلْوِيثِ عِنْدَ الْوُقُوعِ فَتَعَافُهَا الْأَنْفُسُ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ يَأْتِي تَحْتَهَا مَا يُزِيلُ ذَلِكَ قَبْلَ الثَّمَرَةِ فَلَا كَرَاهَةَ، وَبِهِ صَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ بَحْثًا فَقَالَ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُكْرَهَ تَحْتَ شَجَرَةٍ تُسْقَى قَبْلَ طُلُوعِ الثَّمَرَةِ اهـ. وَوَجْهُهُ حُصُولُ الْأَمْنِ مِنْ التَّلْوِيثِ حِينَئِذٍ كَمَا تَقَرَّرَ وَيَكْفِي فِي حُصُولِهِ اطِّرَادُ الْعَادَةِ بِذَلِكَ، فَاسْتِبْعَادُ بَعْضِهِمْ لَهُ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي جِهَةٍ لَا يَحْصُلُ السَّقْيُ مِنْهَا أَوْ بِطَرْقِ مَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ لِمَوْضِعِ الْبَوْلِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ إذْ الصُّورَةُ أَنَّهُ يَغْلِبُ عَادَةً مَجِيءُ الْمَاءِ إلَى مَحَلِّ الْبَوْلِ فَيُطَهِّرُهُ. وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ لِأَنَّ التَّنْجِيسَ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ، وَبَحْثُ الرَّافِعِيِّ أَنَّ كَرَاهَةَ الْبَوْلِ أَشَدُّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجِفُّ وَقَدْ يَخْفَى فَلَا يُحْتَرَزُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْغَائِطِ اهـ. حَاصِلُ مَا ذَكَرْته فِي هَذَا الْمَحَلِّ عَنْ الشَّرْحَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَبِهِ يَتَّضِحُ الْجَوَابُ عَمَّا فِي السُّؤَالِ، ثُمَّ تَعْطِيلُ الرَّافِعِيِّ كَوْنَ كَرَاهَةِ الْبَوْلِ أَشَدَّ بِمَا ذُكِرَ قَدْ يُنَازَعُ فِيهِ وَيُقَالُ: بَلْ كَرَاهَةُ الْغَائِطِ أَشَدُّ؛ لِأَنَّ الْعَافِيَةَ فِيهِ أَشَدُّ أَلَا تَرَى أَنَّ كَثِيرًا مِنْ النُّفُوسِ لَا تَعَافُ أَكْلَ الَّذِي غُسِلَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْبَوْلِ، وَتَكْرَهُ أَكْلَ مَا تَلَوَّثَ بِالْغَائِطِ وَإِنْ غُسِلَ وَأُمْعِنَ فِي غَسْلِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِمَا صُورَتُهُ قَوْلُهُمْ: إذَا هَبَّتْ رِيحٌ عَنْ يَمِينِ الْقِبْلَةِ أَوْ شِمَالِهَا جَازَ مُحَاذَاتُهَا مُشْكِلٌ، فَإِنَّ مُحَاذَاةَ الْقِبْلَةِ حَرَامٌ، وَمُحَاذَاةَ الرِّيحِ مَكْرُوهَةٌ، وَلَوْ فِي حَالِ هُبُوبِهَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَعِبَارَتُهُ: (يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الرِّيحِ بِالْبَوْلِ فَكَيْفَ جَازَ ارْتِكَابُ الْحَرَامِ لِاجْتِنَابِ مَا هُوَ مَكْرُوهٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنَّمَا جَازَ الِاسْتِقْبَالُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ عَدَمَهُ يَعُودُ إلَى ضَرَرٍ يَلْحَقُ الْمُكَلَّفَ، وَهُوَ عَوْدُ الرَّشَاشِ عَلَيْهِ الْمُنَجِّسِ لِبَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ؛ فَسَقَطَ الْإِشْكَالُ الْمَذْكُورُ، وَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ: مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ عَوْدُ رَشَاشٍ يُنَجِّسُهُ وَإِلَّا حُرِّمَ

كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ أَوْ الِاسْتِنْجَاءِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ هَلْ يَحْرُمُ أَوْ لَا؟ كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُ الْمُدَرِّسِينَ وَفَعَلَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ: الِاسْتِتَارُ أَدَبٌ وَيَحْصُلُ وَلَوْ بِإِرْخَاءِ الذَّيْلِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ لِذَلِكَ لِتَنَجُّسِ مَاءِ الْبُيُوتِ بِمَا تُلْقِيه الْفِئْرَانُ فِي حِيضَانِهَا مَعَ قِلَّةِ مَائِهَا، وَلِأَنَّهُ يَبْعُدُ مِنْ النَّاسِ النَّظَرُ إلَى عَوْرَةِ الْمُسْتَنْجِي كَاشِفًا لِعَوْرَتِهِ بَلْ كُلُّهُمْ يَغُضُّونَ عَنْهُ، وَعَلَى تَقْدِيرِ النَّظَرِ إلَيْهِ فَالْحُرْمَةُ عَلَيْهِمْ لَا عَلَيْهِ فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟ اُبْسُطُوهُ مَعَ دَلِيلِهِ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يَحْرُمُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالِاسْتِنْجَاءِ وَغَيْرِهِمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي بَابِ جَوَازِ الِاغْتِسَالِ عُرْيَانًا فِي الْخَلْوَةِ، وَعِبَارَتُهُ: (يَجُوزُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ فِي الْخَلْوَةِ، وَذَلِكَ كَحَالَةِ الِاغْتِسَالِ وَحَالَةِ الْبَوْلِ وَحَالِ مُبَاشَرَةِ الزَّوْجَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذَا كُلُّهُ جَائِزٌ فِيهِ التَّكَشُّفُ فِي الْخَلْوَةِ، وَأَمَّا بِحَضْرَةِ النَّاسِ فَيَحْرُمُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ اهـ. فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ - تَجِدْهُ صَرِيحًا فِي الْمُدَّعِي، وَأَبْلُغَ رَادٍّ عَلَى مَنْ زَعَمَ إبَاحَةَ ذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُهُ إطْلَاقُهُمْ تَحْرِيمَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ وَوُجُوبَ سَتْرِهَا وَلَوْ خَارِجَ الصَّلَاةِ، وَلَمْ يَسْتَثْنُوا مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْكَشْفَ فِي الْخَلْوَةِ لِحَاجَةٍ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِعْيَارُ الْعُمُومِ، فَنَتَجَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ كَلَامَهُمْ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَلَا يُقَالُ أَنَّهُ مِنْ تَفَرُّدَاتِهِ، وَأَمَّا عَدُّهُمْ السَّتْرَ مِنْ الْأَدَبِ الْمُسْتَحَبِّ لِقَاضِي الْحَاجَةِ، فَمُرَادُهُمْ بِهِ السَّتْرُ فِي الْخَلْوَةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ مَا مَرَّ مِنْ كَلَامِ النَّوَوِيِّ وَالْأَصْحَابِ، فَإِذَا قَضَى الْحَاجَةَ خَالِيًا بِالصَّحْرَاءِ وَنَحْوِهَا سُنَّ لَهُ السَّتْرُ بِشَرْطِهِ مِنْ الِارْتِفَاعِ وَالْقُرْبِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَكْفِي فِيهِ إرْخَاءُ الذَّيْلِ، وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مُرَادُهُمْ تَعْلِيلُهُمْ النَّدْبَ بِقَوْلِهِمْ؛ لِئَلَّا يَمُرَّ بِهِ أَحَدٌ فَيَرَى عَوْرَتَهُ. أَمَّا مَنْ بِحَضْرَةِ النَّاسِ فِي نَحْوِ الصَّحْرَاءِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ أَدَبَانِ الْإِبْعَادِ وَالِاسْتِتَارِ بِجُمْلَتِهِ عَنْ الْأَعْيُنِ وَاِتِّخَاذِ السُّتْرَةِ إذَا صَارَ مُسْتَتِرًا عَنْ الْأَعْيُنِ؛ لِئَلَّا يَمُرَّ بِهِ أَحَدٌ فَيَرَى عَوْرَتَهُ، وَذَلِكَ لِمَا صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طُرُقٍ «أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ انْطَلَقَ حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ» وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبَ رَمْلٍ - فَلْيَسْتَتِرْ بِهِ» . وَأَدَبُ السَّتْرِ فِي حَقِّ قَاضِي الْحَاجَةِ فِي الْبُنْيَانِ أَنْ يَسْتَتِرَ بِجُمْلَتِهِ فِي بِنَاءٍ مُسَقَّفٍ أَوْ نَحْوِهِ، وَأَمَّا سَتْرُ الْعَوْرَةِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى حُكْمِهِ مِنْ الْوُجُوبِ وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ فِي الظُّهُورِ بِحَيْثُ لَا يَتَوَهَّمُ أَحَدٌ سِوَاهُ؛ لَمْ يُصَرِّحُوا بِالتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ فِي بَابِ الِاسْتِطَابَةِ؛ اكْتِفَاءً بِإِطْلَاقِهِمْ وُجُوبَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَنَقْلَهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي قَدْرِهَا، وَقَدْ ظَهَرَ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ حُصُولَ الْفَرْضِ مِنْ السَّتْرِ بِإِرْخَاءِ الذَّيْلِ لَا يُنَافِي وُجُوبَهُ بِحَضْرَةِ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ أَدَبًا بَلْ هُوَ مِمَّا يَتَأَدَّى بِهِ وَاجِبُ السَّتْرِ فَلَا يُؤَيِّدُ زَعْمَ مَنْ ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ، وَزَعْمُهُ الِاحْتِيَاجَ لِذَلِكَ بِمَا ذَكَرَ بَاطِلٌ فَإِنَّ الزَّرْكَشِيّ صَرَّحَ بِأَنَّ مَا تُلْقِيه الْفِئْرَانُ فِي حِيَاضِ الْبُيُوتِ الْقَلِيلَةِ الْمَاءِ مِنْ الْغَائِطِ يُعْفَى عَنْهُ، أَيْ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، فَإِنْ قُلْت هَذَا ظَاهِرٌ إنْ تَحَقَّقَ إلْقَاءُ الْفِئْرَانِ لَهُ. قُلْت: هُوَ الظَّاهِرُ وَلَا نَظَرَ لِاحْتِمَالِ خِلَافِهِ؛ لِبُعْدِ صُدُورِ ذَلِكَ مِنْ عَاقِلٍ، وَزَعْمُهُ أَنَّهُ يَبْعُدُ مِنْ النَّاسِ النَّظَرُ إلَيْهِ زَعْمٌ بَاطِلٌ أَيْضًا فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، نَعَمْ إنْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَثِقُ مِنْهُ بِعَدَمِ النَّظَرِ إلَيْهِ - جَازَ التَّكَشُّفُ لِلِاسْتِنْجَاءِ وَنَحْوِهِ بِحَضْرَتِهِ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إلَّا زَوْجَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَزَعْمُهُ أَنَّهُ إذَا كَشَفَ عَوْرَتَهُ كَانَتْ الْحُرْمَةُ عَلَيْهِمْ لَا عَلَيْهِ بَاطِلٌ أَيْضًا، بَلْ الْحُرْمَةُ عَلَيْهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ فِي الْحَرَامِ وَمُعِينٌ عَلَيْهِ، فَإِنْ قُلْت: قَدْ لَا يُوجَدُ فِي حِيضَانِ الْبُيُوتِ مَاءٌ وَيَضِيقُ الْوَقْتُ أَوْ يَخْشَى فَوَاتَ الْجُمُعَةِ لَوْ لَمْ يَسْتَنْجِ إلَّا مَعَ كَشْفِ الْعَوْرَةِ فَهَلْ يُبَاحُ لَهُ حِينَئِذٍ الِاسْتِنْجَاءُ مَعَ كَشْفِهَا لِلضَّرُورَةِ قُلْت: يُحْتَمَلُ الْجَوَازُ حِينَئِذٍ حَيْثُ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ مَاءٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ وَلَا حَجَرٌ يُجْزِئُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ؛ لِلضَّرُورَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُصَلِّي عَلَى حَالِهِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَيُعِيدُ، فَإِنْ قُلْت: هَذَانِ الِاحْتِمَالَانِ هَلْ هُمَا فِي الْجَوَازِ أَوْ الْوُجُوبِ؟ قُلْت: يُحْتَمَلُ اخْتِصَاصُهُمَا بِالْجَوَازِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَطْعًا؛ لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِ كَشْفَ عَوْرَتِهِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ مَشَقَّةٌ وَخَرْمُ مُرُوءَةٍ لَا يُطَاقُ تَحَمُّلُهَا لَا سِيَّمَا إنْ كَانَتْ لَهُ وَجَاهَةٌ أَوْ مَرْتَبَةٌ تَأْبَى ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ جَرَيَانُهُمَا فِي الْوُجُوبِ أَيْضًا لِأَنَّ هَذَا كَشْفٌ لِضَرُورَةٍ، وَمَعَ الضَّرُورَةِ لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ، وَاَلَّذِي يَنْقَدِحُ الْآنَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجِبُ لِمَا ذَكَرَتْهُ، وَأَنَّ

الْجَوَازَ مُحْتَمَلٌ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَيْفَ قَوْلُهُمْ يُكْرَهُ لِقَاضِي الْحَاجَةِ مُحَاذَاةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَعَ أَنَّ الْقِبْلَةَ إنَّمَا كَانَتْ صَخْرَتَهُ لَا هُوَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْقِبْلَةَ هِيَ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهُوَ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهَا الصَّخْرَةُ، فَإِطْلَاقُ اسْمِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ عَلَيْهَا مَجَازٌ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ هَلْ يَجُوزُ غَسْلُ الثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ بِمَطْعُومٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ عَنْ «امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْدَفَهَا عَلَى حَقِيبَةٍ فَحَاضَتْ فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْسِلَ الدَّمَ بِمَاءٍ وَمِلْحٍ الْحَدِيثُ.» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الْخَطَّابِيِّ: الْمِلْحُ مَطْعُومٌ فَقِيَاسُهُ جَوَازُ غَسْلِ الثَّوْبِ بِالْعَسَلِ كَثَوْبِ الْإِبْرَيْسَمِ الَّذِي يُفْسِدُهُ الصَّابُونُ، وَبِالْخَلِّ إذَا أَصَابَهُ حِبْرٌ وَنَحْوُهُ، قَالَ: وَيَجُوزُ عَلَى هَذَا التَّدَلُّكُ بِالنُّخَالَةِ، وَغَسْلُ الْأَيْدِي بِدَقِيقِ الْبَاقِلَّاءِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَهُ قُوَّةُ الْجِلَاءِ، وَحَدَّثُونَا عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ دَخَلْت الْحَمَّامَ بِمِصْرَ فَرَأَيْت الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَتَدَلَّكُ بِالنُّخَالَةِ اهـ. فَعُلِمَ بِهِ جَوَازُ اسْتِعْمَالِ الْمَطْعُومِ فِي إزَالَةِ الْأَوْسَاخِ وَالنَّجَاسَةِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ، وَيُفَارِقُ الِاسْتِنْجَاءَ بِأَنَّهُ أَفْحَشُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ الْمُزِيلَ هُوَ الْمَاءُ بِوَاسِطَتِهِ فَلَمْ يُبَاشِرْ النَّجَاسَةَ كَمُبَاشَرَتِهِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِكُتُبِ الْمَنْطِقِ وَالْفَلْسَفَةِ وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ؟ وَهَلْ يَحْرُمُ مُطَالَعَةُ هَذَيْنِ وَالِاشْتِغَالِ بِالْأَوَّلَيْنِ أَوْ لَا؟ الْقَصْدُ بَسْطُ ذَلِكَ وَتَحْرِيرُهُ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِجَوَازِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْأَوَّلَيْنِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ فِي كُتُبِ الْفَلْسَفَةِ وَاضِحٌ، وَأَمَّا فِي كُتُبِ الْمَنْطِقِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى مَا يَأْتِي عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِهِ فَشَرْطُهُ كَالْأَوَّلِ أَنْ يَخْلُوَ ذَلِكَ الطِّرْسُ الْمُسْتَنْجَى بِهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ اسْمٌ مُعَظَّمٌ كَمَا شَمِلَهُ قَوْلُ الْكِفَايَةِ وَغَيْرُهَا: يَحْرُمُ الِاسْتِنْجَاءُ بِمَا عَلَيْهِ اسْمٌ مُعَظَّمٌ كَاسْمِ اللَّهِ أَوْ اسْمِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ الْمَلَائِكَةِ. وَقَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ: التَّقْيِيدُ بِذَلِكَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي كَلَامِ مُتَقَدِّمٍ وَلَا مُتَأَخِّرٍ، بَلْ كُلُّهُمْ أَطْلَقُوا الْقَوْلَ بِجَوَازِ الِاسْتِنْجَاءِ بِذَلِكَ وَهْمٌ، فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا مَا قَيَّدْنَا بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ بِسَطْرٍ وَنَحْوِهِ فَأَيُّ حَاجَةٍ إلَى التَّقْيِيدِ بِهِ حِينَئِذٍ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِجَوَازِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالتَّوْرَاةِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَقَيَّدَهُ مَنْ بَعْدَهُ بِمَا عُلِمَ تَبْدِيلُهُ مِنْهَا وَإِلَّا فَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ يَجِبُ تَعْظِيمُهُ، وَوَاضِحٌ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِمَا إذَا خَلَا عَنْ اسْمٍ مُعَظَّمٍ، ثُمَّ فِي تَبْدِيلِهَا أَقْوَالٌ: أَحَدُهَا: أَنَّهَا كُلَّهَا بُدِّلَتْ، فَلَعَلَّ الْقَاضِيَ اعْتَمَدَ هَذَا؛ فَأَطْلَقَ مَا مَرَّ. ثَانِيهَا: بُدِّلَ أَكْثَرُهَا، وَأَدِلَّتُهُ كَثِيرَةٌ، وَالْأَوَّلُ قِيلَ: مُكَابَرَةً إذْ الْأَخْبَارُ وَالْآيَاتُ كَثِيرَةٌ فِي أَنَّهُ بَقِيَ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ يُبَدَّلْ. ثَالِثُهَا: بُدِّلَ أَقَلُّهَا وَنَصَرَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَابِعُهَا: بُدِّلَ مَعْنَاهَا فَقَطْ دُونَ لَفْظِهَا، وَاخْتَارَهُ الْبُخَارِيُّ فِي آخِرِ صَحِيحِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاغْتَرَّ بِهَذَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي حُجَجِهِ وَجَوَّزَ مُطَالَعَتَهَا، وَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُمْ حَرَّفُوا وَبَدَّلُوا، وَالِاشْتِغَالُ بِالنَّظَرِ فِيهَا وَبِكِتَابَتِهَا لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ «، وَقَدْ غَضِبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ رَأَى مَعَ عُمَرَ صَحِيفَةً فِيهَا شَيْءٌ مِنْهَا وَقَالَ لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا وَمَا وَسِعَهُ إلَّا اتِّبَاعِي» ، وَلَوْلَا أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ مَا غَضِبَ مِنْهُ اهـ. لَكِنْ تَعَقَّبَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ فَقَالَ: إنْ ثَبَتَ الْإِجْمَاعُ فَلَا كَلَامَ، وَقَدْ قَيَّدَهُ بِالِاشْتِغَالِ بِكِتَابَتِهَا وَنَظَرِهَا فَإِنْ أَرَادَ مَنْ يَتَشَاغَلُ بِذَلِكَ فَقَطْ فَلَا يَحْصُلُ الْمَطْلُوبُ؛ لِأَنَّهُ يُفْهِمُ الْجَوَازَ إذَا تَشَاغَلَ بِغَيْرِهِ مَعَهُ، وَإِنْ أَرَادَ مُطْلَقَ التَّشَاغُلِ فَهُوَ مَحَلُّ النَّظَرِ، وَفِي وَصْفِهِ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ بِالْبُطْلَانِ نَظَرٌ أَيْضًا فَإِنَّهُ نُسِبَ لِوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، وَهُوَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالتَّوْرَاةِ وَلِابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ تَرْكُ الدَّفْعِ بِالصَّدْرِ، وَلَا دَلَالَةَ فِي قَضِيَّةِ عُمَرَ إذْ قَدْ يَغْضَبُ مِنْ فِعْلِ الْمَكْرُوهِ، وَخِلَافِ الْأَوْلَى مِمَّنْ لَا يَلِيقُ بِهِ كَتَطْوِيلِ مُعَاذٍ الصُّبْحَ بِالْقِرَاءَةِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ كَرَاهَةَ ذَلِكَ لِلتَّنْزِيهِ، وَالْأَوْلَى التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الرَّاسِخِ فِي الْإِيمَانِ فَلَهُ النَّظَرُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِينَ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ نَقْلُ الْأَئِمَّةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا مِنْ التَّوْرَاةِ وَإِلْزَامُهُمْ الْيَهُودَ بِالتَّصْدِيقِ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا يَسْتَخْرِجُونَهُ مِنْ كِتَابِهِمْ، وَلَوْلَا اعْتِقَادُهُمْ جَوَازَ النَّظَرِ فِيهِ لَمَا فَعَلُوهُ وَتَوَارَدُوا عَلَيْهِ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ وَاضِحٌ فَلَا مَحِيدَ عَنْهُ، وَإِنْ اعْتَمَدَ السُّبْكِيّ مَا ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَأَطَالَ فِي الِانْتِصَارِ لَهُ، وَنَقَلَهُ عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ مَنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مِنْ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ وَالشَّافِعِيُّ

وَأَصْحَابُهُ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ: (وَبَعْضُ النَّاسِ يَعْتَقِدُ أَنَّ نَظَرَهُ فِي ذَلِكَ فَضِيلَةٌ، وَهُوَ عَيْنُ النُّقْصَانِ) وَقَالَ قَبْلَ ذَلِكَ احْتِجَاجًا عَلَى وُجُوبِ إعْدَامِهَا: (إذَا دَخَلَتْ تَحْتَ أَيْدِينَا أَنَّهَا جَمَعَتْ شَيْئًا مِنْ كَلَامٍ بَاطِلٍ قَطْعًا، وَقَدْ اخْتَلَطَ بِمَا لَمْ يُبَدَّلْ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ فَوَجَبَ إعْدَامُ الْجَمِيعِ وَلَا يَتَوَقَّفُ فِي هَذَا إلَّا جَاهِلٌ اهـ. فَلْيُحْمَلْ مَا ذَكَرَهُ هُوَ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَلَى غَيْرِ مُتَمَكِّنٍ أَوْ مُتَمَكِّنٍ لَمْ يَقْصِدْ بِالنَّظَرِ فِيهَا مَصْلَحَةً دِينِيَّةً أَمَّا مُتَمَكِّنٌ قَصَدَ ذَلِكَ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ وَيَأْتِي مَا ذُكِرَ فِيهَا فِي الْإِنْجِيلِ، وَأَمَّا الِاشْتِغَالُ بِالْفَلْسَفَةِ وَالْمَنْطِقِ فَقَدْ أَفْتَى بِتَحْرِيمِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَشَنَّعَ عَلَى الْمُشْتَغِلِ بِهِمَا وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ، وَفِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ إخْرَاجُ أَهْلِهِمَا مِنْ مَدَارِسِ الْإِسْلَامِ وَسَجْنُهُمْ وَكِفَايَةُ شَرِّهِمْ قَالَ: وَإِنْ زَعَمَ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَقِدٍ لِعَقَائِدِهِمْ، فَإِنَّ يُكَذِّبُهُ، وَأَمَّا اسْتِعْمَالَاتُ الِاصْطِلَاحَاتِ الْمَنْطِقِيَّةِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَمِنْ الْمُنْكَرَاتِ الْمُسْتَشْنَعَةِ، وَلَيْسَ بِهَا افْتِقَارٌ إلَى الْمَنْطِقِ أَصْلًا، وَمَا يَزْعُمُهُ الْمَنْطِقِيُّ لِلْمَنْطِقِ مِنْ الْحَدِّ وَالْبُرْهَانِ فَقَعَاقِعُ قَدْ أَغْنَى اللَّهُ عَنْهَا كُلَّ صَحِيحِ الذِّهْنِ لَا سِيَّمَا مَنْ خَدَمَ نَظَرِيَّاتِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ هَذَا حَاصِلُ شَيْءٍ مِنْ كَلَامِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْفَلْسَفَةِ صَحِيحٌ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَمَا ذَكَرْته مِنْ تَحْرِيمِهَا هُوَ الصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ، وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ الشَّيْخُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ، وَنُصُوصُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَاصَّةٌ عَلَى تَقْبِيحِ تَعَاطِيهِ، وَنُقِلَ عَنْهُ التَّعْزِيرُ عَلَى ذَلِكَ اهـ. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَنْطِقِ فَمُعَارَضٌ بِقَوْلِ الْغَزَالِيِّ فِي مُقَدِّمَةِ الْمَنْطِقِ فِي أَوَّلِ الْمُسْتَصْفَى: (هَذِهِ مُقَدِّمَةُ الْعُلُومِ كُلِّهَا وَمَنْ لَا يُحِيطُ بِهَا فَلَا ثِقَةَ لَهُ بِمَعْلُومِهِ أَصْلًا) . وَقَوْلُهُ فِي الْمُنْقِذِ مِنْ الضَّلَالِ. (وَأَمَّا الْمَنْطِقِيَّاتُ فَلَا يَتَعَلَّقُ شَيْءٌ مِنْهَا فِي الدِّينِ نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا، بَلْ وَهُوَ نَظَرٌ فِي طُرُقِ الْأَدِلَّةِ وَالْمَقَايِيسِ وَشُرُوطِ مُقَدِّمَةِ الْبُرْهَانِ وَكَيْفِيَّةِ تَرْكِيبِهَا وَشُرُوطِ الْحَدِّ الصَّحِيحِ وَكَيْفِيَّةِ تَرْتِيبِهَا، وَإِنَّ الْعِلْمَ، إمَّا تَصَوُّرٌ وَسَبِيلُ مَعْرِفَتِهِ الْحَدُّ، وَإِمَّا تَصْدِيقٌ وَسَبِيلُ مَعْرِفَتِهِ الْبُرْهَانُ، وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْكَرَ فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ مَا يَتَمَسَّكُ بِهِ الْمُتَكَلِّمُونَ، وَأَهْلُ النَّظَرِ فِي الْأَدِلَّةِ، وَإِنَّمَا يُفَارِقُونَهُمْ فِي الْعِبَارَاتِ وَالِاصْطِلَاحَاتِ، وَبِزِيَادَةِ الِاسْتِقْصَاءِ فِي التَّفْرِيعَاتِ وَالتَّشْعِيبَاتِ، وَمِثَالُ كَلَامِهِمْ فِيهِ: إذَا ثَبَتَ أَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ حَيَوَانٌ لَزِمَ مِنْهُ أَنَّ بَعْضَ الْحَيَوَانِ إنْسَانٌ، وَأَنَّ كُلَّ مَنْ ثَبَتَ أَنَّهُ إنْسَانٌ ثَبَتَ أَنَّهُ حَيَوَانٌ وَيُعَبِّرُونَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْمُوجَبَةَ الْكُلِّيَّةَ تَسْتَلْزِمُ مُوجَبَةً جُزْئِيَّةً، وَهَذَا حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهِ فَكَيْفَ يَنْبَغِي أَنْ يُجْحَدَ وَيُنْكَرَ؟ عَلَى أَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمُهِمَّاتِ الدِّينِ ثُمَّ مَتَى أُنْكِرَ مِثْلُ هَذَا لَزِمَ مِنْهُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَنْطِقِ سُوءُ الِاعْتِقَادِ فِي عَقْلِ الْمُنْكِرِ بَلْ فِي دِينِهِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّ فِيهِ إبْطَالُ مِثْلِ هَذَا) اهـ. فَتَأَمَّلْهُ تَأَمُّلًا خَالِيًا عَنْ التَّعَصُّبِ تَجِدْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَدْ أَوْضَحَ الْمَحَجَّةَ وَأَقَامَ الْحُجَّةَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا يُنْكَرُ وَلَا مِمَّا يَجُرُّ إلَى مَا يُنْكَرُ، وَعَلَى أَنَّهُ يَنْفَعُ فِي الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ كَأُصُولِ الدِّينِ وَالْفِقْهِ، وَقَدْ أَطْلَقَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ مَا يَنْفَعُ فِي الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ مُحْتَرَمٌ يَحْرُمُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ، وَيَجِبُ تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ عَلَى الْكِفَايَةِ كَالطِّبِّ وَالنَّحْوِ وَالْحِسَابِ وَالْعَرُوضِ ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ كَالْإِسْنَوِيِّ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَطْرَيْنِ: (إنَّ الْمَنْطِقَ غَيْرُ مُحْتَرَمٍ فَعَلِمْنَا أَنَّ مُرَادَهُ الْمَنْطِقُ الَّذِي لَا يَنْفَعُ فِي الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ الَّذِي يَعُودُ مِنْهُ ضَرَرٌ عَلَى الدِّينِ، وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ مَنْطِقِ الْفَلَاسِفَةِ الْأُوَلِ يَبْحَثُونَ فِيهِ عَنْ نَحْوِ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ ثُمَّ يُدْرِجُونَ فِيهِ الْبَحْثَ عَنْ حَالِ الْمَوْجُودَاتِ وَكَيْفِيَّةِ تَرَاكِيبِهَا وَمَفَاهِيمِهَا وَأَعْرَاضِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُخَالِفُونَ فِيهِ عُلَمَاءَ الْإِسْلَامِ حَتَّى انْتَصَبُوا لَهُمْ، وَرَدُّوا جَمِيعَ مَقَالَاتِهِمْ الْفَظِيعَةِ الشَّنِيعَةِ، فَمِثْلُ هَذَا الْفَنِّ مِنْ الْمَنْطِقِ هُوَ الَّذِي يَحْرُمُ الِاشْتِغَالُ بِهِ. وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ ابْنِ الصَّلَاحِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ فِيمَا مَرَّ عَنْهُ: (كِفَايَةُ شَرِّهِمْ) ، وَقَوْلُهُ: (وَإِنْ زَعَمَ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَقِدٍ لِعَقَائِدِهِمْ فَإِنَّ يُكَذِّبُهُ) فَعَلِمْنَا أَنَّ كَلَامَهُ فِي مَنْطِقٍ لَهُ شَرٌّ وَلَهُ أَهْلٌ يَعْتَقِدُونَ خِلَافَ عَقَائِدِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ النَّوْعُ الَّذِي ذَكَرْته لَا غَيْرَ، وَأَمَّا الْمَنْطِقُ الْمُتَعَارَفُ الْآنَ بَيْنَ أَيْدِي أَكَابِرِ عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا يُنْكَرُ وَلَا شَيْءٌ مِنْ عَقَائِدِ الْمُتَفَلْسِفِينَ، بَلْ هُوَ عِلْمٌ نَظَرِيٌّ يَحْتَاجُ لِمَزِيدِ رِيَاضَةٍ وَتَأَمُّلٍ يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى التَّحَرُّزِ عَنْ الْخَطَإِ فِي الْفِكْرِ مَا أَمْكَنَ فَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يُنْكِرَ ذَلِكَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَلَا أَدْوَنَ مِنْهُ وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّشْنِيعُ عَلَيْهِ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لِأَنَّهُمْ جَهِلُوهُ فَعَادَوْهُ كَمَا قِيلَ: (مَنْ جَهِلَ شَيْئًا عَادَاهُ) وَكَفَى بِهِ نَافِعًا فِي الدِّينِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ تُرَدَّ شُبْهَةٌ مِنْ شُبَهِ الْفَلَاسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْفَرْقِ إلَّا بِمُرَاعَاتِهِ

وَمُرَاعَاةِ قَوَاعِدِهِ وَكَفَى الْجَاهِلُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّفَوُّهِ مَعَ الْفَلْسَفِيِّ وَغَيْرِهِ الْعَارِفِ بِهِ بِبِنْتِ شَفَةٍ بَلْ يَصِيرُ نَحْوَ الْفَلْسَفِيِّ يَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ، وَذَلِكَ الْجَاهِلُ بِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْأَكَابِرِ سَاكِتًا لَا يُحِيرُ جَوَابًا وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَرَافِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ وَأَجَادَ حَيْثُ جَعَلَهُ شَرْطًا مِنْ شَرَائِطِ الِاجْتِهَادِ وَأَنَّ الْمُجْتَهِدَ مَتَى جَهِلَهُ سُلِبَ عَنْهُ اسْمُ الِاجْتِهَادِ فَقَالَ فِي بَحْثِ شُرُوطُ الِاجْتِهَادِ: (يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ شَرَائِطِ الْحَدِّ وَالْبُرْهَانِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَمَنْ عَرَفَهُمَا اسْتَضَاءَ بِهِمَا؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ هِيَ الَّتِي تَضْبِطُ الْحَقَائِقَ التَّصَوُّرِيَّةَ فَمَنْ عَلِمَ ضَابِطَ شَيْءٍ اسْتَضَاءَ بِهِ، فَأَيُّ مَحَلٍّ وَجَدَهُ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ عَلِمَ أَنَّهُ تِلْكَ الْحَقِيقَةُ وَمَا لَا فَلَا، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ إذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي الْحَقَائِقِ فَحَكِّمُوا الْحُدُودَ، وَالْمُجْتَهِدُ يَحْتَاجُ فِي كُلِّ حُكْمٍ لِذَلِكَ الَّذِي يَجْتَهِدُ فِيهِ إنْ كَانَ حَقِيقَةً بَسِيطَةً - فَلَا يَضْبِطُهَا إلَّا الْحَدُّ، وَإِنْ كَانَ تَصْدِيقًا بِبَعْضِ الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ - فَكُلُّ تَصْدِيقٍ مُفْتَقِرٌ لِتَصَوُّرَيْنِ فَيَحْتَاجُ فِي مَعْرِفَتِهِمَا لِضَابِطِهِمَا، فَهُوَ مُحْتَاجٌ لِلْحَدِّ كَيْفَ اتَّجَهَ فِي اجْتِهَادِهِ، وَشَرَائِطُهُ مَعْلُومَةٌ فِي عِلْمِ الْمَنْطِقِ، وَهُوَ وُجُوبُ الِاطِّرَادِ وَالِانْعِكَاسِ، وَأَنْ لَا يُحَدَّ بِالْأَخْفَى وَلَا بِالْمُسَاوِي فِي الْخَفَاءِ، وَلَا بِمَا لَا يُعْرَفُ الْمَحْدُودُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ وَأَنْ لَا يَأْتِيَ بِاللَّفْظِ الْمُجْمَلِ، وَلَا بِالْمَجَازِ الْبَعِيدِ وَأَنْ يُقَدَّمَ الْأَعَمُّ عَلَى الْأَخَصِّ، وَأَمَّا شَرَائِطُ الْبُرْهَانِ فَيَحْتَاجُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ يَدُلُّهُ عَلَى الْحُكْمِ قَطْعِيٍّ أَوْ ظَنِّيٍّ، وَكُلُّ دَلِيلٍ فَلَهُ شُرُوطٌ مُحَرَّرَةٌ فِي عِلْمِ الْمَنْطِقِ مَنْ أَخَطَأَ شَرْطًا مِنْهَا فَسَدَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ، وَهُوَ يَعْتَقِدُهُ صَحِيحًا، وَتِلْكَ الشُّرُوطُ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ مَوَارِدِ الْأَدِلَّةِ وَضُرُوبِ الْأَشْكَالِ الْقِيَاسِيَّةِ وَبَسَطَ ذَلِكَ عِلْمُ الْمَنْطِقِ، فَيَكُونُ الْمَنْطِقُ شَرْطًا فِي مَنْصِبِ الِاجْتِهَادِ فَلَا يُمْكِنُ حِينَئِذٍ أَنْ يُقَالَ: الِاشْتِغَالُ بِهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ أَوْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ الْمُتَقَدِّمِينَ كَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ لَمْ يَكُونُوا عَالَمِينَ بِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَقْدَحُ فِي حُصُولِ مَنْصِبِ الِاجْتِهَادِ لَهُمْ، نَعَمْ هَذِهِ الْعِبَارَاتُ الْخَاصَّةُ وَالِاصْطِلَاحَاتُ الْمُعَيَّنَةُ فِي زَمَانِنَا لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهَا، بَلْ مَعْرِفَةُ مَعَانِيهَا فَقَطْ اهـ. فَتَأَمَّلْ هَذَا الْكَلَامَ الْجَلِيلَ مِنْ هَذَا الْإِمَامِ الْجَلِيلِ - تَجِدْهُ قَدْ أَشْفَى الْعَيَّ وَأَزَالَ الْغَيَّ، وَنَاهِيك بِالسُّبْكِيِّ جَلَالَةً حَيْثُ قَالَ: (يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى الِاشْتِغَالِ فِيهِ الِاشْتِغَالُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْفِقْهِ حَتَّى يَتَرَوَّى مِنْهَا وَيَرْسَخَ فِي ذِهْنِهِ الِاعْتِقَادَاتُ الصَّحِيحَةُ، وَيَعْلَمَ مِنْ نَفْسِهِ صِحَّةَ الذِّهْنِ بِحَيْثُ لَا تَرُوجُ عِنْدَهُ الشُّبْهَةُ عَلَى الدَّلِيلِ، فَإِذَا وَجَدَ شَيْخًا نَاصِحًا دَيِّنًا حَسَنَ الْعَقِيدَةِ جَازَ لَهُ الِاشْتِغَالُ بِالْمَنْطِقِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ وَيُعِينُهُ عَلَى الْعُلُومِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ الْعُلُومِ، وَأَنْفَعِهَا فِي كُلِّ بَحْثٍ، وَمَنْ قَالَ أَنَّهُ كُفْرٌ أَوْ حَرَامٌ فَهُوَ جَاهِلٌ فَإِنَّهُ عِلْمٌ عَقْلِيٌّ مَحْضٌ كَالْحِسَابِ، غَيْرَ أَنَّ الْحِسَابَ لَا يَجُرُّ إلَى فَسَادٍ وَلَيْسَ مُقَدِّمَةً لِعِلْمٍ آخَرَ فِيهِ مَفْسَدَةٌ، وَالْمَنْطِقُ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَلَمْ تُصِبْهُ سَابِقَةٌ صَحِيحَةٌ خُشِيَ عَلَيْهِ التَّزَنْدُقُ أَوْ التَّغَلْغُلُ بِاعْتِقَادٍ فَلْسَفِيٍّ مِنْ حَيْثُ يَشْعُرُ أَوْ لَا يَشْعُرُ، قَالَ: وَفَصْلُ الْقَوْلِ فِيهِ أَنَّهُ كَالسَّيْفِ يُجَاهِدُ بِهِ شَخْصٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيَقْطَعُ بِهِ آخَرُ الطَّرِيقَ ا. هـ. بِتَأَمُّلِهِ تَجِدُهُ نَصًّا فِيمَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّ الْمَنْطِقَ قِسْمَانِ: قِسْمٌ: مِنْهُ لَا يُخْشَى عَلَى الْمُشْتَغِل بِهِ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرَهُ، وَالْقِسْمُ الْآخَرُ: وَهُوَ الْمُدْرَجُ فِيهِ كَثِيرٌ مِنْ الْعَقَائِدِ الْفَلْسَفِيَّةِ لَا يَجُوزُ الْخَوْضُ فِيهِ إلَّا لِمَنْ أَتْقَنَ مَا ذَكَرَهُ وَوَجَدَ شَيْخًا بِالصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا، فَهَذَا يَجُوزُ لَهُ الِاشْتِغَالُ حَتَّى بِهَذَا الْقِسْمِ لِأَنَّهُ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ إذَا وُجِدَتْ فِيهِ هَذِهِ الشُّرُوطُ الْمَيْلُ إلَى مَا فِيهِ مِنْ الشُّبَهِ الْفَاسِدَةِ، وَلَقَدْ اشْتَغَلَ بِهَذَا الْقِسْمِ كَثِيرٌ مِنْ فَحَوْلِ الْإِسْلَامِ حَتَّى أَحْكَمُوهُ وَتَمَكَّنُوا بِهِ مِنْ تَمَامِ الرَّدِّ عَلَى الْفَلَاسِفَةِ وَتَزْيِيفِ مَقَالَاتِهِمْ الْبَاطِلَةِ، وَتَأَمَّلْ تَجْهِيلَهُ لِمَنْ قَالَ: إنَّهُ حَرَامٌ يُعَرِّضُ بِذَلِكَ لِابْنِ الصَّلَاحِ، لَكِنْ إذَا حُمِلَ كَلَامُ ابْنِ الصَّلَاحِ عَلَى مَا قَدَّمْته اتَّجَهَ عَلَى أَنَّهُ بَانَ لَك مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ أَنَّهُ يَجُوزُ الِاشْتِغَالُ بِهَذَا النَّوْعِ أَيْضًا بِشَرْطِهِ السَّابِقِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يَحْرُمُ إخْرَاجُ النَّجِسِ لِلْقِبْلَةِ كَالْقَيْءِ وَالْفَصْدِ؟ أَوْ هُوَ خَاصٌّ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: هُوَ خَاصٌّ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، فَشَرْطُ عَدَمِ السَّاتِرِ الشَّرْعِيِّ فِي غَيْرِ الْمَكَانِ الْمُعَدِّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ، وَأَمَّا الْفَصْدُ وَالْقَيْءُ وَنَحْوُهُمَا لِلْقِبْلَةِ فَلَا حُرْمَةَ فِيهَا، لِأَنَّ اسْتِقْذَارَهَا لَيْسَ كَاسْتِقْذَارِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَمِنْ ثَمَّ أَبَاحُوا الْفَصْدَ فِي الْمَسْجِدِ فِي إنَاءٍ - إذَا أُمِنَ تَلْوِيثُهُ - وَلَمْ يُبِيحُوا الْبَوْلَ فِيهِ فِي إنَاءٍ - وَإِنْ أُمِنَ تَلْوِيثُهُ - وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ الْبَوْلَ أَقْذَرُ وَلِذَا عُفِيَ عَنْ قَلِيلِ الدَّمِ وَكَثِيرِهِ فِي صُوَرٍ وَلَمْ يُعْفَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْبَوْلِ، وَالْغَائِطُ أَوْلَى مِنْهُ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

باب الوضوء

بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الِاسْتِنْجَاءِ بِحَدِيثِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْهُ فَقَالَ: «مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ» فَهَلْ الْحَدِيثُ كَذَلِكَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَيْسَ هَذَا لَفْظُ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا لَفْظُهُ: «مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ» وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَا دَلِيلَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْإِيتَارِ لَا فِي أَصْلِ الِاسْتِنْجَاءِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ لَمْسِ الْمَرْأَةِ وَنَظَرِهَا مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ كَثَوْبٍ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - بِقَوْلِهِ: لَمْسُ الْأَجْنَبِيَّةِ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ جَوَازُهُ، وَلَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَسٍّ لَا يُحَرِّكُ شَهْوَةً وَلَا يُؤَدِّي لِفِتْنَةٍ قَطْعًا، أَمَّا مَا هُوَ كَذَلِكَ كَمَسِّ الْفَرْجِ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ، فَلَا رَيْبَ فِي تَحْرِيمِهِ ثُمَّ رَأَيْت فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: (الْمَدَارُ فِي بَابِ النَّقْضِ عَلَى إيقَاعِ الِاسْمِ وَلِذَا نَقَضَ مُجَرَّدُ لَمْسِ الْأَجْنَبِيَّةِ بِلَا قَصْدٍ دُونَ مُعَانَقَتِهَا مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ رَقِيقٍ، مَعَ أَنَّهُ لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُمَا فِي الْقُبْحِ) اهـ. فَقَوْلُهُ: (لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُمَا فِي الْقُبْحِ) ظَاهِرٌ فِيمَا ذَكَرْته مِنْ تَحْرِيمِ الْمَسِّ الْمَذْكُورِ، وَهُوَ وَاضِحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (سُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ: قَوْلُهُمْ: (يُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ يَشْمَلُ مَا لَوْ ابْتَدَأَ بِأَثْنَاءِ سُورَةٍ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَيَانِ) اهـ. فَهَلْ كَذَلِكَ مَا إذَا ابْتَدَأَ بِأَوَّلِ (بَرَاءَةٌ) لِخَبَرِ " كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ " أَمْ يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يُسَنُّ كَمَا فِي تِبْيَانِ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرِهِ: (الْبَسْمَلَةُ وَإِنْ ابْتَدَأَ مِنْ أَثْنَاءِ السُّورَةِ نَعَمْ اخْتَلَفُوا فِي أَثْنَاءِ (بَرَاءَةٌ) فَقَالَ السَّخَاوِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ الْقِرَاءَةِ: لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ يُسَنُّ الْبُدَاءَةَ أَثْنَاءَهَا بِالتَّسْمِيَةِ وَفَرَّقَ بَيْنَ أَثْنَائِهَا وَأَوَّلِهَا لَكِنْ بِمَا لَا يُجْدِي وَرَدَّ عَلَيْهِ الْجَعْبَرِيُّ مِنْهُمْ وَهُوَ الْأَوْجَهُ إذْ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِتَرْكِ الْبَسْمَلَةِ أَوَّلَهَا، مِنْ كَوْنِهَا نَزَلَتْ بِالسَّيْفِ، وَفِيهَا مِنْ التَّسْجِيلِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ بِفَضَائِحِهِمْ الْقَبِيحَةِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا مَوْجُودٌ فِي أَثْنَائِهَا، فَمِنْ ثَمَّ لَمْ تُشْرَعْ التَّسْمِيَةُ فِي أَثْنَائِهَا كَمَا فِي أَوَّلِهَا لِمَا تَقَرَّرَ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ اسْتِحْبَابِ التَّكْبِيرِ مِنْ سُورَةِ الضُّحَى إلَى الْآخِرِ هَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِمَنْ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ أَوْ عَامٌّ فِيمَنْ ابْتَدَأَ الْقِرَاءَةَ أَوْ مِمَّا قَبْلَهَا وَفِيمَنْ ابْتَدَأَهَا مِمَّا بَعْدَهَا؟ وَكَيْفَ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي حَكَاهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْحَلِيمِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ وَابْنِ الْجَزَرِيِّ فِي النَّشْرِ عَنْ طَوَائِفَ مِنْ السَّلَفِ وَجَمْعٍ مِنْ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ، وَأَطَالَ فِيهِ (أَنَّ مِنْ سُنَنِ الْقِرَاءَةِ التَّكْبِيرُ فِي آخِرِ سُورَةِ الضُّحَى إلَى أَنْ يَخْتِمَ، وَهِيَ قِرَاءَةُ أَهْلِ مَكَّةَ أَخَذَهَا ابْنُ كَثِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ نَحْوَهُ وَصَحَّحَهُ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: (إنْ تَرَكْت التَّكْبِيرَ فَقَدْ تَرَكْت سُنَّةً مِنْ سُنَنِ نَبِيِّك يَقْتَضِي تَصْحِيحُهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ) اهـ. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ التَّكْبِيرَ مُقَيَّدٌ بِقِرَاءَةِ تِلْكَ السُّوَرِ سَوَاءٌ أَقَرَأَ قَبْلَهَا شَيْئًا أَمْ لَا، وَأَنَّهُ لَوْ ابْتَدَأَ مِنْ بَعْضِهَا - كَبَّرَ عَقِبَ مَا يَقْرَؤُهُ مِنْهَا، وَاقْتَضَى إطْلَاقُهُمْ أَيْضًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ بِقِرَاءَةِ ابْنِ كَثِيرٍ وَغَيْرِهَا، فَقَوْلُ سُلَيْمٍ الرَّازِيِّ: يُكَبِّرُ الْقَارِئُ بِهَا لَعَلَّهُ؛ لِكَوْنِهِ الرَّاوِيَ لِذَلِكَ كَمَا مَرَّ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - هَلْ يَحْرُمُ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِحُرْمَةِ ذَلِكَ وَأَطَالَ فِي الِاسْتِدْلَالِ لَهُ لَكِنْ بِمَا فِي دَلَالَتِهِ لِمَا أَفْتَى بِهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ. [بَابُ الْوُضُوءِ] (وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُدَّتِهِ - عَنْ وُجُوبِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ حَدَثٍ هَلْ هُوَ مِنْ قَوْلِهِ: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] إلَخْ أَوْ لَا؟ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ الْأُصُولِيَّةَ أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ هُوَ مِنْ الْآيَةِ لِأَنَّ مَحَلَّ الْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا إذَا تَجَرَّدَ الْأَمْرُ عَنْ التَّرَتُّبِ عَلَى شَرْطٍ أَوْ صِفَةٍ تُثْبِتُ عِلِّيَّتَهُمَا لِلْحُكْمِ بِدَلِيلٍ خَارِجِيٍّ، كَقَوْلِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ: اسْقِنِي مَاءً، أَمَّا إذَا تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي التَّكْرَارِ بِوَاسِطَةِ الشَّرْطِ أَوْ الصِّفَةِ؛ لِوُجُوبِ وُجُودِ الْمَعْلُولِ حَيْثُمَا وُجِدَتْ عِلَّتُهُ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْله تَعَالَى {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2] فَإِنَّ الزِّنَا عِلَّةٌ شَرْعِيَّةٌ لِلْحَدِّ، وَالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَإِنَّ الْحَدَثَ عِنْدَ الْقِيَامِ

إلَى الصَّلَاةِ سَبَبٌ شَرْعِيٌّ، لِوُجُوبِ الْوُضُوءِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - بِمَا صُورَتُهُ الْفَمُ وَالْأَنْفُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ الظَّاهِرِ أَوْ الْبَاطِنِ، فَإِنْ كَانَا مِنْ الظَّاهِرِ فَلِمَ لَمْ يَجِبْ غَسْلُهُمَا فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَلَمْ يُفْطِرْ إذَا ابْتَلَعَ رِيقَهُ مِنْهُمَا؟ وَإِنْ كَانَا مِنْ الْبَاطِنِ فَلِمَ يَجِبُ غَسْلُهُمَا إذَا تَنَجَّسَا، وَيُفْطِرُ الصَّائِمُ إذَا تَقَايَأَ وَوَصَلَ الْقَيْءُ إلَيْهِمَا، وَلَمْ يُجَاوِزْهُمَا ثُمَّ رَجَعَ مِنْهُ شَيْءٌ لِلْجَوْفِ عَمْدًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: هُمَا مِنْ الْبَاطِنِ إلَّا فِي مَسَائِلِ النَّجَاسَةِ بِالنِّسْبَةِ لِوُجُوبِ الْغُسْلِ وَالْإِفْطَارِ وَنَحْوِهِمَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّجَاسَةَ أَغْلَظُ وَأَفْحَشُ فَمِنْ ثَمَّ وَجَبَ غَسْلُهَا حَيْثُ سَهُلَ وَإِنْ كَانَتْ فِي مَحَلٍّ مَحْكُومٍ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ الْبَاطِنِ فَجُعِلَ بِالنِّسْبَةِ لَهَا ظَاهِرًا لِسُهُولَةِ ذَلِكَ مَعَ فُحْشِهَا وَغِلَظِهَا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا صُورَتُهُ الْحَدَثُ الَّذِي يَنْوِي الْمُتَوَضِّئُ رَفْعَهُ هُوَ الْمَنْعُ مِنْ نَحْوِ الصَّلَاةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ، وَهَذَا يَرْفَعُهُ التَّيَمُّمُ وَوُضُوءُ الضَّرُورَةِ فَكَيْفَ تَقُولُونَ أَنَّ هَذَيْنِ لَا يَرْفَعَانِ الْحَدَثَ؟ (فَأَجَابَ) الْمُرَادُ بِالْمَنْعِ الَّذِي يَنْوِيه الْمُتَوَضِّئُ السَّلِيمُ مَنْعٌ مُطْلَقٌ مِنْ سَائِرِ الْفُرُوضِ وَالنَّوَافِلِ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى الْحَدَثِ، وَهَذَا لَا يَرْفَعُهُ نَحْوُ التَّيَمُّمِ وَإِنَّمَا يَرْفَعُ مَنْعًا خَاصًّا هُوَ بَعْضُ مَاصَدَقَاتِ الْحَدَثِ فَلَمْ يَحْسُنْ أَنْ يُقَالَ أَنَّهُمَا يَرْفَعَانِ الْحَدَثَ بَلْ شَيْئًا ماصدقاته فَقَطْ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا لَوْ وَقَفَ مُتَوَضِّئٌ تَحْتَ مِيزَابٍ وَتَلَقَّى مِنْهُ الْمَاءَ بِكَفَّيْهِ مُجْتَمِعَيْنِ بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ اغْتِرَافٍ فَهَلْ يُحْكَمُ عَلَى مَا يَكْفِيه بِالِاسْتِعْمَالِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالِاسْتِعْمَالِ لِرَفْعِ حَدَثِ الْيَدَيْنِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا عُضْوٌ مُسْتَقِلٌّ هُنَا وَحِينَئِذٍ فَلَا، يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَغْسِلَ سَاعِدَيْهِ وَلَا أَحَدَهُمَا؛ لِأَنَّهُ إذَا غَسَلَهُمَا بِهِ فَكَأَنَّهُ غَسَلَ كُلًّا بِمَاءِ كَفِّهَا وَمَاءِ كَفِّ الْأُخْرَى، وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ سَاعِدِهَا وَإِنْ غَسَلَ بِهِ سَاعِدًا وَاحِدًا فَقَطْ فَقَدْ غَسَلَهَا بِمَائِهَا وَمَاءِ كَفِّ الْأُخْرَى، وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ انْغَمَسَ جُنُبَانِ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ، وَنَوَيَا قَبْلَ تَمَامِ الِانْغِمَاسِ، أَمَّا إذَا نَوَى الِاغْتِرَافَ فَإِنَّهُ لَا يَرْفَعُ حَدَثَ الْكَفَّيْنِ، فَلَهُ أَنْ يَغْسِلَ بِهِ سَاعِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا وَكَالْمِيزَابِ فِيمَا ذُكِرَ مَا لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ مِنْ إبْرِيقٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ قُلْت: هَلْ يُتَصَوَّرُ الِاحْتِيَاجُ إلَى نِيَّةِ الِاغْتِرَافِ فِي الْوُضُوءِ مِنْ نَحْوِ إبْرِيقٍ؟ قُلْت: إنْ كَانَ يَأْخُذُ الْمَاءَ بِيَدَيْهِ - احْتَاجَ إلَيْهَا كَمَا تَقَرَّرَ، وَإِنْ كَانَ يَأْخُذُهُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ - لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهَا إلَّا بِالنِّسْبَةِ لِحُصُولِ سُنَّةِ تَثْلِيثِ الْوَجْهِ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ وُجُوبِ نِيَّةِ الِاغْتِرَافِ بَعْدَ الْغَسْلَةِ الْأُولَى وَإِلَّا ارْتَفَعَ حَدَثُ الْيَدِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِهَا بَعْدَ غَسْلَتِهِ الْأُولَى - ارْتَفَعَ حَدَثُ الْيَدِ فَتَفُوتُ سُنَّةُ التَّثْلِيثِ فِي الْوَجْهِ؛ لِتَعَذُّرِ حُصُولِهِ بَعْدَ ارْتِفَاعِ حَدَثِ الْكَفِّ، وَكَذَا يُقَالُ بِذَلِكَ لَوْ كَانَ يَغْتَرِفُ مِنْ بَحْرٍ وَعَلَيْهِ فَلْيَغْتَرِفْ بِذَلِكَ وَيُقَالُ لَنَا مُتَوَضِّئٌ مِنْ بَحْرٍ يَحْتَاجُ لِنِيَّةِ الِاغْتِرَافِ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَمَّا طَالَ مِنْ شَعْرِ مَنَابِتِ الرَّأْسِ الْمُتَّصِلِ بِالْوَجْهِ الَّذِي يَجِبُ غَسْلُهُ لِأَجَلِ اسْتِيعَابِ الْوَجْهِ هَلْ يَجِبُ غَسْلُهُ عَلَى طُولِهِ إذْ كُلُّ شَعْرٍ وَجَبَ غَسْلُ مَنْبَتِهِ وَجَبَ غَسْلُهُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْوَاجِبُ الْقَدْرُ الَّذِي يَتَحَقَّقُ اسْتِيعَابُ الْوَجْهِ بِغَسْلِهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: يَجِبُ غَسْلُ شَيْءٍ مِمَّا حَاذَاهُ، فَإِذَا وَصَلَ الْغَسْلُ إلَى أَدْنَى شَيْءٍ مِنْ مَنَابِتِ جَمِيعِ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُتَّصِلِ بِالْوَجْهِ، فَقَدْ تَحَقَّقَ اسْتِيعَابُ الْوَجْهِ بِالْغَسْلِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْعِبْ مَا طَالَ مِنْهُ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ مُحْدِثٍ انْغَمَسَ بِنِيَّةِ رَفْعِ حَدَثِهِ هَلْ يَرْتَفِعُ وَإِنْ لَمْ يَمْكُثْ أَوْ كَانَ مَنْكُوسًا؟ وَمَا مَعْنَى قَوْلِ جَامِعُ الْمُخْتَصَرَاتِ: (ثَالِثُهَا وَدُونَهُ وَرَجِّحْ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَاءِ كَثِيرًا؟ (فَأَجَابَهُ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ عَنْ جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَإِنْ لَمْ يَمْكُثْ أَوْ كَانَ مَنْكُوسًا أَوْ الْمَاءُ قَلِيلًا كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الرَّوْضِ، وَأَمَّا مَعْنَى قَوْلِ النَّشَائِيِّ: (ثَالِثُهَا وَدُونَهُ وَرَجِّحْ) أَيْ دُونَ إمْكَانِ حُصُولِ تَرْتِيبِ فِعْلِ الْمُتَوَضِّئِ حُكْمًا إذْ التَّرْتِيبُ قِسْمَانِ: الْقِسْمُ الْأَوَّلُ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا: تَرْتِيبٌ حِسِّيٌّ، وَالثَّانِي: تَرْتِيبٌ حُكْمِيٌّ بِأَنْ يَمْكُثَ بَعْدَ انْغِمَاسِهِ وَنِيَّتِهِ زَمَنًا يُمْكِنُهُ فِيهِ غَسْلُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ حِسًّا لَوْ أَرَادَهُ وَالْقِسْمُ الثَّانِي: تَرْتِيبُ انْغِسَالِ الْأَعْضَاءِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى فِعْلِهِ، وَهَذَا هُوَ التَّرْتِيبُ التَّقْدِيرِيُّ وَتَسْمِيَتُهُ تَرْتِيبًا مَجَازٌ. وَقَوْلُهُ: (السَّادِسُ التَّرْتِيبُ) مُرَادٌ بِهِ النَّوْعُ الْأَوَّلُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ: (أَوْ إمْكَانُهُ) مُرَادُهُ بِهِ النَّوْعُ الثَّانِي وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ قَوْلُهُ: (وَدُونَهُ) مُرَادُهُ بِهِ الْقِسْمُ الثَّانِي، وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَإِمْكَانُ حُصُولِ التَّرْتِيبِ غَيْرُ إمْكَانِ تَقْدِيرِهِ.

وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - بِمَا لَفْظُهُ مَا مُحَصِّلُ الْخِلَافِ فِي مُوجِبِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ؟ وَمَا فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ كَثِيرٌ لِذَلِكَ فَوَائِدَ فَهَلْ هِيَ صَحِيحَةٌ كُلُّهَا؟ وَاخْتَلَفَ تَعْبِيرُهُمْ فِي حِكَايَةِ الْأَوْجَهِ فِي مُوجِبِ ذَلِكَ فَمَا التَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؟ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ لِلْمُحَصِّلِينَ. (فَأَجَابَ) - شَكَرَ اللَّهُ سَعْيَهُ - بِقَوْلِهِ: الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ يَسْتَدْعِي مَزِيدَ بَسْطٍ وَطُولٍ، وَمِنْ ثَمَّ صَنَّفَ فِيهِ بَعْضُهُمْ. وَحَاصِلُ التَّحْقِيقِ فِي ذَلِكَ أَنَّ فِي مُوجِبِ الْوُضُوءِ أَوْجُهًا: الْأَوَّلُ: وَعَلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ مُوجِبَهُ الْحَدَثُ وُجُوبًا مُوَسَّعًا مَا لَمْ يَدْخُلْ الْوَقْتُ وَيَبْقَى مَا يَسَعُهُ، وَيَسَعُ الصَّلَاةَ فَقَطْ، وَدَلِيلُهُ أَنَّهُ لَوْلَاهُ لَمْ يَجِبْ، وَالدَّوَرَانُ دَلِيلُ الْعِلِّيَّةِ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ مُوجِبًا مَعَ عَدَمِ الْإِثْمِ بِتَأْخِيرِ الْوُضُوءِ عَنْهُ إجْمَاعًا وَعَدَمِ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي الْعِصْيَانِ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الْوَقْتِ مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ أَنَّ سَبَبَ الْوُجُوبِ يَنْعَقِدُ بِهِ كَمَا يُقَالُ: (تَجِبُ الزَّكَاةُ بِحَوَلَانِ الْحَوْلِ) بِمَعْنَى انْعِقَادِ الْوُجُوبِ مَعَ تَوَقُّفِ الِاسْتِقْرَارِ فِيهَا عَلَى التَّمَكُّنِ أَوْ أَنَّهُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْوُضُوءِ أَوْ لِوُجُوبِ تَرْكِ نَحْوِ صَلَاةِ النَّفْلِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ، فَهُوَ سَبَبُ وُجُوبِ وَاجِبٍ مُخَيَّرٍ قَبْلَ الْوَقْتِ وَمُعَيَّنٍ بَعْدَهُ. فَإِنْ قِيلَ: السَّبَبِيَّةُ إنَّمَا تَثْبُتُ بِالْجَعْلِ وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا قُلْنَا: قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» مُقْتَضٍ لِكَوْنِ الْحَدَثِ سَبَبًا إذْ لَا فَارِقَ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ وَبَنَى الرَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صِحَّةَ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ الْخَبَثُ مُوجِبًا لِلطُّهْرِ كَالْحَدَثِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، لِأَنَّ طَهَارَتَهُ مِنْ بَابِ التُّرُوكِ، وَطَهَارَةَ الْحَدَثِ مِنْ بَابِ الْأَفْعَالِ وَالْكَلَامُ فِي الْمُوجِبِ لِهَذِهِ لَا تِلْكَ. الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ مُوجِبَهُ دُخُولُ الْوَقْتِ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِإِرَادَةِ الْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ أَيْ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا يُتَوَقَّفُ عَلَيْهِ، وَبَعْضُهُمْ عَبَّرَ بِالْأَوَّلِ وَهُوَ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ الْمُحَقِّقُ لِلْوُجُوبِ وَبَعْضُهُمْ بِالثَّانِي، وَهُوَ أَوْفَقُ لِدَلِيلِ هَذَا الْوَجْهِ. وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة: 6] الْآيَةَ، وَمَعْنَى كَوْنِ الْإِرَادَةِ أَوْ دُخُولِ الْوَقْتِ مُوجِبًا أَنَّهُ سَبَبٌ لِلْمُوجِبِ، وَهُوَ الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ إذْ وُجُوبُهَا مُوجِبٌ لِلْوُضُوءِ فَالْمُحَقِّقُ لِهَذَا الْوُجُوبِ هُوَ الْوَقْتُ أَوْ الْإِرَادَةُ فَأَحَدُهُمَا سَبَبٌ لِلسَّبَبِ هَذَا عَلَى التَّعْبِيرِ عَنْ هَذَا الْوَجْهِ بِمَا مَرَّ، وَأَمَّا مَنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِنَفْسِ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ إلَيْهَا مُوجِبٌ بِذَاتِهِ لَا سَبَبٌ لِلْمُوجِبِ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ تُسْتَشْكَلُ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَأَجَابَ الرَّافِعِيُّ وَتَبِعَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (بِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا مَا يَلْزَمُ الْإِتْيَانُ بِهِ وَإِلَّا لَامْتَنَعَ وُضُوءُ الصَّبِيِّ بِهَذِهِ النِّيَّةِ، بَلْ نِيَّةُ الطُّهْرِ الْمَشْرُوطِ لِلصَّلَاةِ. وَشَرْطُ الشَّيْءِ يُسَمَّى فَرْضًا، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنَّ اعْتِقَادَ كَوْنِ النَّفْلِ فَرْضًا لَا يُبْطِلُهُ لِأَنَّ مَحَلَّهُ فِي الْجَاهِلِ لَا الْمُعْتَقِدِ لِلنَّفْلِيَّةِ إذَا نَوَى بِالنَّفْلِ مَا يَلْزَمُهُ الْإِتْيَانُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ وَلَا يُنَافِيهِ أَيْضًا وُجُوبُ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ فِي صَلَاةِ الصَّبِيِّ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْفَرْضُ صُورَةً أَوْ مَا هُوَ فَرْضٌ عَلَى الْمُكَلَّفِ كَمَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْهُ نَفْلًا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْفَرْضِيَّةِ بَلْ لَوْ نَوَاهَا بَطَلَتْ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ نَوَى بِالْأَدَاءِ الْقَضَاءَ وَهُوَ عَكْسُهُ مُرِيدًا لِمَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ، وَهُوَ عَالِمٌ بِالْحَالِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُوجِبَ الْحَدَثُ مَعَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِشَرْطِ الْآخَرِ، وَلَا خِلَافَ فِي الْمَعْنَى، وَإِنْ عَبَّرَ بِكُلٍّ مُعَبِّرُونَ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ جُزْءٍ عِلَّةً أَوْ أَحَدُهُمَا عِلَّةً وَالْآخَرُ شَرْطًا فِيهَا. وَجَعْلُهُ فِي الْمُهِمَّاتِ هَذَيْنِ وَجْهَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ لَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ، وَيُعَبَّرُ عَنْ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ هُنَا بِدُخُولِ الْوَقْتِ أَيْضًا، وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَفِي مُوجِبِ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ هَذِهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ، وَالصَّحِيحُ فِيهِ هُوَ الثَّالِثُ أَيْضًا، وَإِنْ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا الْقَصْدُ بِهِ تَبْيِينُ عِلَّةِ الْحُكْمِ فَمِنْ ذَلِكَ: نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ قَبْلَ الْوَقْتِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَصِحُّ مُطْلَقًا، وَعَلَى الثَّانِي لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَأْوِيلٍ كَمَا مَرَّ وَمِنْهَا إذَا أَحْدَثَ ثُمَّ دَخَلَ الْوَقْتُ ثُمَّ مَاتَ. وَقُلْنَا: يَعْصِي، فَعَلَى الْأَوَّلِ عِصْيَانُهُ بِتَرْكِ الْوُضُوءِ مِنْ حِينِ الْحَدَثِ، وَعَلَى الثَّانِي مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ كَذَا قِيلَ وَقَدْ مَرَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ عِصْيَانِهِ قَبْلَ الْوَقْتِ وَمِنْهَا وَصْفُهُ بِالْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ، فَيُوصَفُ بِهِمَا عَلَى الثَّانِي فَقَطْ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ حِينَئِذٍ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَهُوَ مَحْدُودُ الطَّرَفَيْنِ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ أَيْضًا أَيْ، وَالثَّالِثُ يَكُونُ وَقْتُهُ مَحْدُودَ الطَّرَفَيْنِ، وَفَائِدَةُ اتِّصَافِهِ بِذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ وُجُوبُ التَّعَرُّضِ لَهُ فِي النِّيَّةِ أَوَّلًا قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ وَهَلْ يَلْحَقُ

بِالصَّلَاةِ فِيمَا لَوْ نَوَى بِالْأَدَاءِ الْقَضَاءَ الشَّرْعِيَّ أَوْ عَكْسَهُ عَالِمًا عَامِدًا فَيَبْطُلُ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ اتِّصَافَهُ بِذَلِكَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَلِأَنَّهُ بِطَرِيقِ التَّبَعِ لِلصَّلَاةِ لَا الْقَصْدِ وَمِنْهَا: أَنَّ مَاءَ الْغُسْلِ بِالْجِمَاعِ إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ وَجَبَ عَلَى الزَّوْجِ إذْ هُوَ سَبَبُهُ أَوْ بِالثَّانِي فَلَا، ذَكَرَهُ فِي الْخَادِمِ. وَكَانَ وَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْمُوجِبَ لَيْسَ مِنْ سَبَبِهِ لَكِنَّهُ مَمْنُوعٌ إذْ الْقَائِلُ بِالثَّانِي لَا يَقْطَعُ النَّظَرَ عَنْ الْأَوَّلِ إذْ هُوَ الْمُوجِبُ حَقِيقَةً، وَإِنْ تَوَقَّفَ إيجَابُهُ عَلَى دُخُولِ الْوَقْتِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَمِنْهَا إذَا صَبَّ الْمَاءَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، ثُمَّ تَيَمَّمَ فَعَلَى كَوْنِ الْمُوجِبِ دُخُولَ الْوَقْتِ يُعِيدُ، وَعَلَى كَوْنِهِ الْقَيَّامَ إلَى الصَّلَاةِ فَلَا، كَذَا فِي الْخَادِمِ. قِيلَ وَهُوَ وَهْمٌ مُنْشَؤُهُ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ الْوَجْهُ الثَّالِثُ إذْ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ إذَا صَبَّهُ بَعْدَ الْوَقْتِ لَا يُعِيدُ، وَإِنْ أَثِمَ، وَاخْتِلَافُ مَأْخَذِ عَدَمِ الْقَضَاءِ فِي ذَلِكَ لَا يَضُرُّ، وَمُرَادُهُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ الْوَجْهُ الثَّانِي، فَلَا وَهْمَ لَكِنْ قَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ عَلَى الْأَوَّلِ يَجِبُ الْقَضَاءُ قَالَ فِي الْخَادِمِ: (وَلَمْ نَرَهُ وَمِنْهَا إذَا تَوَضَّأَ قَبْلَ الْوَقْتِ، فَأَحْدَثَ فِي أَثْنَائِهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يُثَابُ عَلَى مَا مَضَى ثَوَابَ الْوَاجِبِ وَعَلَى خِلَافِهِ ثَوَابَ نَفْلٍ) وَمِنْهَا: قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: قَدْ يُقَالُ مِنْ فَوَائِدِهِ مَا لَوْ شَرَعَ فِيهِ ثُمَّ أَرَادَ قَطْعَهُ بِاللَّمْسِ مَثَلًا، وَقُلْنَا بِالصَّحِيحِ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَطْعُ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ أَمَّا قَطْعُهُ بِمَا لَهُ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ فَلَا إشْكَالَ فِي جَوَازِهَا. اهـ. وَتَعَقَّبَهُ أَبُو زُرْعَةَ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ فِي اللَّمْسِ غَرَضٌ صَحِيحٌ فَيُسَاوِي غَيْرَهُ، وَبِجَوَازِ الْحَدَثِ بَعْدَهُ وَلَوْ بِلَا غَرَضٍ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ حَتَّى يَجْرِيَ مَجْرَى غَيْرِهِ مِنْ الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ، وَابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّهُ صَحِيحٌ إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَإِلَّا فَخَطَأٌ إذْ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْوُضُوءِ سُنَّةٌ وَالْخُرُوجُ مِنْهُ جَائِزٌ قَطْعًا كَالْخُرُوجِ مِنْ النَّافِلَةِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ اهـ. وَحَاصِلُ كَلَامِهِمَا أَنَّهُ يَجُوزُ قَطْعُهُ بِلَا غَرَضٍ حَتَّى عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَمِنْهَا أَدْرَكَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرَ الْفَرْضِ، ثُمَّ طَرَأَ نَحْوُ جُنُونٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُعْتَبَرُ مُضِيُّ قَدْرِ الطَّهَارَةِ لِسَبْقِ مُوجِبِهَا وَعَلَى الْآخَرَيْنِ يُعْتَبَرُ، ذَكَرَهُ فِي الْخَادِمِ وَقَضِيَّتُهُ: أَنَّ الصَّحِيحَ اعْتِبَارُ قَدْرِهَا. وَإِنْ كَانَتْ طَهَارَةَ رَفَاهِيَةٍ. وَمِنْهَا: أَنَّهُ سُنَّةٌ قَبْلَ الْوَقْتِ فَعَلَى الثَّانِي وَالثَّالِثِ يُسْتَثْنَى مِنْ قَاعِدَةِ: أَنَّ الْوَاجِبَ أَفْضَلُ مِنْ النَّفْلِ، وَمِنْهَا: التَّعْلِيقُ كَإِنْ وَجَبَ عَلَيْكِ وُضُوءٌ أَوْ غُسْلٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَقَعُ بِالْحَدَثِ وَهَذِهِ أَصَحُّ الْفَوَائِدِ لِمَا عَلِمْته، وَلِأَنَّهَا تَتَفَرَّعُ عَلَى الْخِلَافِ الْآتِي فِي الْحَيْضِ أَيْضًا هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِمُوجِبِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَفَائِدَةِ الْخِلَافِ فِيهِ، وَأَمَّا الْغُسْلُ مِنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فَمُوجِبُهُ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّمِ كَخُرُوجِ الْبَوْلِ فِي الْوُضُوءِ وَقِيلَ: انْقِطَاعُهُ لِحَدِيثِ «وَإِذَا أَدْبَرَتْ، أَيْ الْحَيْضَةُ فَاغْتَسِلِي» وَقِيلَ: الْخُرُوجُ عِنْدَ الِانْقِطَاعِ كَمَا يُوجِبُ الْوَطْءُ الْعِدَّةَ عِنْدَ الطَّلَاقِ، وَالنِّكَاحُ الْإِرْثَ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَلِعَدَمِ صِحَّةِ الْغُسْلِ قَبْلَهُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ لَا يَأْتِي فِي الْحَدَثِ وَالْجَنَابَةِ لَكِنْ عِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ تَقْتَضِي جَرَيَانَهُ فِيهِمَا، وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُهُمْ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي لِعَدَمِ صِحَّةِ الْوُضُوءِ قَبْلَهُ أَيْضًا، وَاعْتَذَرَ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ إنَّمَا لَمْ يُجْرُوهُ، ثَمَّ لِأَنَّ زَمَنَ الْحَدَثِ فِيهِمَا يَقْصُرُ فَلَا يَسَعُ زَمَنَ الطَّهَارَةِ مَعَهُمَا غَالِبًا بِخِلَافِ الْحَيْضِ فَإِنَّ زَمَنَهُ يَطُولُ، وَاسْتُشْكِلَ فِي الْمُهِمَّاتِ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ يُسَلِّمُ عَدَمَ صِحَّةِ الْغُسْلِ إلَّا عِنْدَ الِانْقِطَاعِ. وَأَجَابَ فِي الْخَادِمِ (بِأَنَّ الثَّالِثَ يَشْتَرِطُ مَعَ الِانْقِطَاعِ الْقِيَامَ إلَى الصَّلَاةِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَرُدَّ بِأَنَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ غَايَرَ بَيْنَ الْقَائِلِ بِالْخُرُوجِ وَالْقَائِلِ بِالِانْقِطَاعِ وَالْقَائِلِ بِالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ وَالْقَائِلِ بِالثَّلَاثَةِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْأَوَّلَ يَشْتَرِطُ الِانْقِطَاعَ لِصِحَّةِ مَا وَجَبَ عِنْدَهُ بِالْخُرُوجِ، وَالثَّانِي الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَنْ أَصْلِ الرَّوْضَةِ يَجْعَلُهُ جُزْءَ عِلَّةٍ أَوْ شَرْطًا لَهَا، وَاَلَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمَجْمُوعِ يَجْعَلُهُ هُوَ الْعِلَّةُ فَقَطْ وَالْمُعْتَمَدُ هُنَا أَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ الْخُرُوجُ بِشَرْطِ الِانْقِطَاعِ، وَإِرَادَةِ فِعْلِ نَحْوِ الصَّلَاةِ أَوْ الْخُرُوجِ مَعَهُمَا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ عَلَى مَا مَرَّ، وَتَصْحِيحُ الْمَجْمُوعِ لِلْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُوجِبَ الِانْقِطَاعُ فَقَطْ، وَأَصْلُ الرَّوْضَةِ لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُ الْخُرُوجُ مِنْ الِانْقِطَاعِ أَوْ بِشَرْطِهِ لَا يُنَافِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا سَكَتَ عَنْ الْخُرُوجِ وَالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ لِلْعِلْمِ مِمَّا قَدَّمَهُ فِي الْوُضُوءِ عَلَى أَنَّهُ قِيلَ: إنَّ تَصْحِيحَ الْمَجْمُوعِ الْمَذْكُورِ

مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ وَإِنَّ الْقَوْلَ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِالِانْقِطَاعِ هُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَة بِالْخُرُوجِ مَعَ الِانْقِطَاعِ وَبِهِ يُعْلَمُ انْدِفَاعُهُ مَا فِي الْجَوَاهِرِ مِنْ جَعْلِهِ وَجْهًا خَامِسًا فِي الْمَسْأَلَةِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِ: (وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخِلَافِ فَائِدَةٌ فِقْهِيَّةٌ) ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ فَائِدَةً عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ، وَفِي الْخَادِمِ عَنْ صَاحِبِ الْوَافِي (تَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَنْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا فَعَلَى الِانْقِطَاعِ لَا غُسْلَ لِأَنَّهَا عَادِمَتُهُ) وَرُدَّ بِأَنَّ عَدَمَ الْغُسْلِ لِعَدَمِ تَسْمِيَةِ الْوَلَدِ مَنِيًّا لَا لِمَا ذُكِرَ، وَفِي جَوَازِ اللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ الِانْقِطَاعِ فَيَحْرُمُ إنْ أَوْجَبْنَاهُ بِالْخُرُوجِ فَقَطْ وَإِلَّا فَهِيَ اسْتِحَاضَةٌ وَرُدَّ بِأَنَّ التَّحْرِيمَ مُرْتَبِطٌ بِحُصُولِ حَدَثِ الْحَيْضِ، وَلَا أَثَرَ لِكَوْنِ الْغُسْلِ وَجَبَ أَوْ لَمْ يَجِبْ، وَأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ عَلَيْهَا مِنْ مُدَّةِ الِاعْتِكَافِ زَمَنٌ فَانْقَضَى قَبْلَ الِانْقِطَاعِ فَيُحْسَبُ عَلَى غَيْرِ الْأَوَّلِ. وَرُدَّ بِأَنَّ الْحَيْضَ مُنَافٍ لِلِاعْتِكَافِ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ مَا ذَكَرَهُ فِي هَذَيْنِ عَجِيبٌ بَلْ غَلَطٌ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ اغْتِسَالُهَا مِنْ الْجَنَابَةِ عَلَى غَيْرِ الْأَوَّلِ لَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ حَدَثَانِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَرْفَعَ أَحَدَهُمَا مَعَ قِيَامِ الْآخَرِ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا تَعَاطِي عِبَادَةً فَاسِدَةً وَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ طُهْرَهَا حَرَامٌ حَتَّى عَلَى غَيْرِ الْأَوَّلِ، وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ جِهَةِ الْحُرْمَةِ فَإِنْ قُلْنَا بِالضَّعِيفِ، وَهُوَ حِلُّ الْقِرَاءَةِ لِلْحَائِضِ الَّتِي لَا جَنَابَةَ عَلَيْهَا أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ بِحِلِّ غُسْلِهَا؛ لِهَذَا الْعُذْرِ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ. وَفِي الْبَيَانِ يَصِحُّ غُسْلُهَا لِلْإِحْرَامِ عَلَى غَيْرِ الْأَوَّلِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْبَغَوِيَّ مِنْ الْقَائِلِينَ بِالْأَوَّلِ، وَقَدْ قَالَ بِاسْتِحْبَابِهِ لَهَا، وَأَنَّ لَهَا الْمُطَالَبَةَ بِثَمَنِ مَاءِ غُسْلِ النِّفَاسِ أَوْ الْحَيْضِ عَلَى وَجْهٍ فِي الْحَالِ إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ وَالْمُطَالَبَةَ بِهِ لَوْ طَلَّقَهَا فِي النِّفَاسِ أَوْ الْحَيْضِ وَقَبْلَ الِانْقِطَاعِ عَلَى الْأَوَّلِ لِوُجُودِ مُوجِبِهِ حَالَ الزَّوْجِيَّةِ، وَلَوْ نَكَحَ نُفَسَاءَ وَلَدَتْ مِنْهُ بِشُبْهَةٍ ثُمَّ طَهُرَتْ فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ عَلَى غَيْرِ الْأَوَّلِ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ سَبَبَ النِّفَاسِ لَمْ يَكُنْ مِنْ النِّكَاحِ، فَلَا وُجُوبَ مُطْلَقًا وَلَوْ هَايَأَتْ الْمُبَعَّضَةُ سَيِّدَهَا أَوْ هَايَأَهَا سَيِّدَاهَا، فَنَفِسَتْ فِي نَوْبَةٍ وَطَهُرَتْ فِي أُخْرَى. فَعَلَى الْأَوَّلِ يَجِبُ ثَمَنُ مَاءِ نِفَاسِهَا عَلَى السَّيِّدِ الْأَوَّلِ، وَعَلَى الثَّانِي يَجِبُ عَلَى الثَّانِي وَاَلَّذِي يَظْهَرُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ مُرَكَّبٌ وَقَدْ وُجِدَ عِنْدَ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ هَذَا إنْ كَانَ الْوَلَدُ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مِنْ زَوْجٍ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا أَوْ مِنْ أَحَدِ السَّيِّدَيْنِ، فَوَاضِحٌ أَنَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا. (وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - بِمَا لَفْظُهُ إذَا قُلْتُمْ: يُسْتَحَبُّ لِلْمُتَوَضِّئِ أَنْ يَنْوِيَ رَفْعَ الْحَدَثِ مَثَلًا عِنْدَ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ وَيَسْتَحِبُّهَا إلَى فَرَاغِ الْوُضُوءِ، وَقَدْ قَالُوا إذَا انْغَسَلَ شَيْءٌ مِنْ الْوَجْهِ مَعَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ مُقَارِنًا لِنِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ كَفَى فِي حُصُولِ النِّيَّةِ، وَلَمْ تَحْصُلْ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِمَا، فَقَدْ يُقَالُ: كَوْنُهُ مَأْمُورًا بِالنِّيَّةِ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ يُؤَدِّي إلَى كَوْنِهِ مَأْمُورًا مَنْهِيًّا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِالنِّيَّةِ عِنْدَهُمَا لِيَحْصُلَ لَهُ فَضْلُهُمَا، وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ؛ لِلدَّوْرِ أَوْ إلَى تَحَمُّلِ مَشَقَّةٍ كَأَنْ يَتَمَضْمَضَ وَيَسْتَنْشِقَ بِنَحْوِ أُنْبُوبَةٍ أَوْ يُقَالُ: لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ هُوَ مَأْمُورٌ بِالنِّيَّةِ عِنْدَهُمَا فِي الْجُمْلَةِ فَإِذَا انْغَسَلَ مَعَهُمَا شَيْءٌ مِنْ الْوَجْهِ حُكِمَ بِعَدَمِ حُصُولِهِمَا لِفَوَاتِ مَحَلِّهِمَا. (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ أَمْرِهِ بِالنِّيَّةِ عِنْدَ التَّسْمِيَةِ وَبِاسْتِصْحَابِهَا ذِكْرًا إلَى آخِرِ الْوُضُوءِ كَوْنُهُ مَأْمُورًا مَنْهِيًّا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ فِي السُّؤَالِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ اسْتِصْحَابِ النِّيَّة عِنْد الْمَضْمَضَةِ مَثَلًا انْغِسَالُ شَيْءٍ مِنْ حُمْرَةِ الشَّفَةِ مَعَهَا لِسُهُولَةِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى الْفَمِ مِنْ غَيْرِ انْغِسَالِ شَيْءٍ مِنْ حُمْرَةِ الشَّفَةِ وَلِإِمْكَانِ إيصَالِهِ إلَى دَاخِلِ الْأَنْفِ مِنْ غَيْرِ انْغِسَالِ شَيْءٍ مِنْ حَدِّ الظَّاهِرِ مِنْ الْوَجْهِ وَإِنَّمَا غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ هَذَا الثَّانِي فِيهِ عُسْرٌ لَكِنَّهُ يُحْتَمَلُ لِمَزِيدِ فَضْلِهِ وَلَا يُقَالُ: أَنَّ فِيهِ حَرَجًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ مَنْدُوبٌ فَمَنْ أَرَادَ فَضْلَهُ فَلْيَفْعَلْهُ مَعَ عُسْرِهِ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ الْمَضْمَضَةَ دُونَ غَسْلِ الْوَجْهِ أَجْزَأَتْهُ الْمَضْمَضَةُ، وَإِنْ نَوَى عِنْدَهَا وَانْغَسَلَ مَعَهَا شَيْءٌ مِنْ حُمْرَةِ الشَّفَةِ لَكِنْ الْأَوْجَهُ خِلَافُهُ، فَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِخِلَافِهِ، وَقَدْ يُجَابُ أَيْضًا بِحَمْلِ قَوْلِهِمْ: وَيَسْتَصْحِبُهَا إلَى فَرَاغِ الْوُضُوءِ عَلَى مَا عَدَا الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ فَلَا يَسْتَصْحِبُهَا عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ يَنْغَسِلُ مَعَهُمَا شَيْءٌ مِنْ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ تَحْصِيلِهِمَا أَتَمُّ مِنْ مَصْلَحَةِ الِاسْتِصْحَابِ لِأَنَّهُ قِيلَ بِوُجُوبِهِمَا فِي الْوُضُوءِ

وَالِاسْتِصْحَابِ قِيلَ: بِعَدَمِ نَدْبِهِ، وَفَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْنَ مَا اُخْتُلِفَ فِي مَطْلُوبِيَّتِهِ وَمَا اُتُّفِقَ عَلَى مَطْلُوبِيَّتِهِ وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ كَوْنُهُمْ أَطْلَقُوا نَدْبَ الِاسْتِصْحَابِ لِأَنَّهُمْ وَكَلُوهُ عَلَى مَا قَرَّرُوهُ قَبْلُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ مِمَّا يُصَرِّحُ بِمَا قُلْنَاهُ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ فِعْلَهُمَا وَلَمْ يَنْغَسِلْ مَعَهُمَا شَيْءٌ مِنْ الْوَجْهِ اسْتَصْحَبَ النِّيَّةَ عِنْدَهُمَا كَغَيْرِهِمَا وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ يَنْغَسِلُ مَعَهُمَا شَيْءٌ مِنْ الْوَجْهِ تُرِكَ الِاسْتِصْحَابُ عِنْدَهُمَا مُرَاعَاةً لِمَصْلَحَةِ حُصُولِهِمَا الْآكَدِ مِنْ حُصُولِ الِاسْتِصْحَابِ كَمَا تَقَرَّرَ. (سُئِلَ) - فُسِّحَ فِي مُدَّتِهِ - عَمَّنْ هَجَمَ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَتَوَضَّأَ بِأَحَدِ الْمُشْتَبِهَيْنِ اعْتِمَادًا عَلَى أَصْلِ الطَّهَارَةِ وَصَلَّى لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ قَطْعًا وَلَا وُضُوءُهُ عَلَى الْأَصَحِّ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فَمَا وَجْهُ الْقَطْعِ مَعَ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي الْوُضُوءِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَدْ يُقَالُ وَجْهُهُ أَنَّ الصَّلَاةَ هِيَ أَعْلَى مَا طُلِبَ لَهُ الْوُضُوءُ؛ فَلِذَلِكَ اُحْتِيطَ فِي أَمْرِهَا وَلَمْ يُقَلْ بِإِبَاحَتِهَا بِهَذَا الْوُضُوءِ، وَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّتِهِ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ خَلَلٍ فِي شَرْطِهِ الْأَعْظَمِ وَهُوَ احْتِمَالُ النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ عَلَى السَّوَاءِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهِ وَإِبَاحَتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ مَثَلًا إبَاحَتُهُ لِلصَّلَاةِ؛ لِمَا عَرَفْت مِنْ أَنَّهَا لِعِظَمِ خَطَرِهَا لَا يَكْتَفِي فِي إبَاحَتِهَا إلَّا بِوُضُوءٍ بِمَاءٍ مُتَيَقَّنِ الطَّهَارَةِ، أَوْ مَظْنُونِهَا وَلَمْ يُوجَدْ. (وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُدَّتِهِ عَنْ الْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ هَلْ يُنْوَى بِهِ رَفْعُ الْحَدَثِ أَوْ التَّجْدِيدُ، وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ كَلَامٌ فِيهِ حَقِّقُوهُ نَفَعَ اللَّهُ بِكُمْ آمِينَ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَدْ ذَكَرْت الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ مُوَضَّحَةً وَعِبَارَتُهُ (وَيُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِهِ الْوُضُوءُ الْمُجَدَّدُ فَلَا يَكْفِي فِيهِ نِيَّةُ الرَّفْعِ أَوْ الِاسْتِبَاحَةِ عَلَى الْأَوْجَهِ خِلَافًا لِابْنِ الْعِمَادِ، وَلَا يُقَاسُ بِنِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ الْمُعَادَةِ عَلَى مَا يَأْتِي فِيهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُشْكِلٌ خَارِجٌ عَنْ الْقَوَاعِدِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ كَذَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ. وَأَوْلَى مِنْهُ أَنْ يُقَالَ: الْأَصْلِيَّةُ لَيْسَ لَهَا إلَّا هَذِهِ النِّيَّةُ فَاعْتُبِرَتْ فِي الْعَادَةِ لِتَحْكِيمِهَا، وَهَذَا الْوُضُوءُ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي هَاتَيْنِ الْكَيْفِيَّتَيْنِ فَلَا حَاجَةَ لِلتَّعَرُّضِ لَهُمَا لِإِمْكَانِ الْمُحَاكَاةِ بِغَيْرِهِمَا وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ فِيمَا لَوْ نَذَرَ التَّجْدِيدَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ فَرْضِ الْوُضُوءِ وَنَحْوِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَكْفِي نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ أَوْ الِاسْتِبَاحَةِ هُنَا أَيْضًا) انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورَةُ، وَفِيهَا تَحْقِيقٌ لِمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَبَيَانُ الْمُعْتَمَدِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَرَدٌّ لِقَوْلِ ابْنِ الْعِمَادِ: (وَتَخْرِيجُهُ عَلَى الصَّلَاةِ لَيْسَ بِبَعِيدِ لِأَنَّ قَضِيَّةَ التَّجْدِيدِ أَنْ يُعِيدَ الشَّيْءَ بِصِفَتِهِ الْأُولَى وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ تَجْدِيدًا. وَيُرَدُّ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ صِفَتِهِ الْأُولَى إلَّا مُطْلَقُ نِيَّةٍ تُجْزِئُ فِي الْأَوَّلِ لَا خُصُوصَ نِيَّةِ الْأَوَّلِ بِعَيْنِهَا إذَا كَانَ لِلنِّيَّةِ فِيهِ كَيْفِيَّاتٌ يَصِحُّ صِدْقُ بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّا إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ فِي الْعَادَةِ لَوَجَبَ عَلَى نَاوِيهَا أَنْ لَا يَقْصِدَ بِهَا حَقِيقَةَ الْفَرْضِ وَإِلَّا كَانَ مُتَلَاعِبًا بَلْ أَنْ يَقْصِدَ بِهَا صُورَةَ الْفَرْضِ أَوْ مَا هُوَ فَرْضٌ عَلَى الْمُكَلَّفِ فِي الْجُمْلَةِ فَعَلِمْنَا أَنَّ صِفَةَ النِّيَّةِ لَيْسَتْ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْإِعَادَةِ فَكَمَا أَنَّهُ هُنَا أَتَى بِنِيَّةٍ مُغَايِرَةٍ لِصِفَةِ نِيَّةِ الْأُولَى مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرْضِ فِي الْأُولَى حَقِيقَتُهُ وَفِي الْمُعَادَةِ غَيْرُ حَقِيقَتِهِ، فَكَذَا يُقَالُ بِنَظِيرِهِ فِي الْوُضُوءِ، فَإِذَا نَوَى فِي الْأَوَّلِ نِيَّةَ رَفْعِ الْحَدَثِ أَوْ نِيَّةَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ، ثُمَّ أَرَادَ التَّجْدِيدَ قُلْنَا: يَلْزَمُك نِيَّةٌ بِكَيْفِيَّةٍ مِنْ الْكَيْفِيَّاتِ الْأُخَرِ غَيْرِ هَاتَيْنِ وَلَا يَصِحُّ نِيَّتُك وَاحِدَةً مِنْهُمَا؛ لِعَدَمِ صِدْقِهِمَا إذْ لَا رَفْعَ حِينَئِذٍ وَلَا اسْتِبَاحَةَ فَإِنْ قُلْت يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا قَاصِدًا بِهِمَا الْمُحَاكَاةَ وَالصُّورَةَ قُلْت: إنَّمَا أَتَى بِالْفَرْضِ فِي الْمُعَادَةِ قَاصِدًا ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا مَنْدُوحَةَ فِي الْمُحَاكَاةِ عَنْ الْإِتْيَانِ بِهِ، وَهُنَا أَنَّهُ مَنْدُوحَةٌ فِي الْمُحَاكَاةِ عَنْ هَذَيْنِ فَلَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِمَا وَلَا إلَى تَأْوِيلِهِمَا عَلَى أَنَّ شَرْطَ التَّخْرِيجِ عَلَى حُكْمٍ أَنْ يَكُونَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، أَوْ الْحُكْمُ فِيهِ أَظْهَرُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، وَنِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ فِي الْمُعَادَةِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَلَمْ يَتِمَّ لِابْنِ الْعِمَادِ التَّخْرِيجُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ وَقَفَ أَرْضًا عَلَى مَنْ يَسْتَقِي كُلَّ يَوْمٍ قَدْرًا مَعْلُومًا مِنْ الْمَاءِ لِلتَّطْهِيرِ بِمَسْجِدِ كَذَا هَلْ يَجُوزُ التَّجْدِيدُ وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ عَنْ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِهِ مِنْ كُلِّ غُسْلٍ مَسْنُونٍ أَوْ طَهَارَةٍ مَسْنُونَةٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَوْلِي فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ: (إنَّ الْمَاءَ الْمَوْقُوفَ يَحْرُمُ الزِّيَادَةُ مِنْهُ عَلَى الثَّلَاثِ. وَقَوْلِي فِي شَرْحِ الْعُبَابِ (وَقَيَّدَ الزَّرْكَشِيُّ كَرَاهَةَ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثِ بِغَيْرِ الْمَاءِ الْمَوْقُوفِ عَلَى مَنْ يَتَطَهَّرُ أَوْ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ كَمَاءِ الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ الَّتِي يُسَاقُ إلَيْهَا

الْمَاءُ وَإِلَّا حُرِّمَتْ بِلَا خِلَافٍ لِتَحْرِيمِ السَّرَفِ وَلِأَنَّهَا غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهَا) اهـ. فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ جَائِزَةٌ فِي الْمَاءِ الْمَوْقُوفِ عَلَى مَنْ يَتَطَهَّرُ، وَإِذَا جَازَ هَاتَانِ جَازَتْ كُلُّ طَهَارَةٍ مَسْنُونَةٍ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَاتَيْنِ، وَالْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ وَالْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ. وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ مُصَرِّحٌ بِهِ حَيْثُ أَدْرَجُوا فِي الطَّهَارَةِ الطَّهَارَةَ الْمَسْنُونَةَ كَالْوَاجِبَةِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُسَمَّى طَهَارَةً لُغَةً وَشَرْعًا، وَقَوْلُ الْوَاقِفِ لِلتَّطْهِيرِ بِمَسْجِدِ كَذَا يَشْمَلُ كُلَّ طَهَارَةٍ وَاجِبَةٍ وَمَنْدُوبَةٍ فَنَزَلَ كَلَامُهُ عَلَيْهِمَا نَعَمْ لَوْ اطَّرَدَتْ عَادَةٌ فِي زَمَنِهِ بِشَيْءٍ وَعَرَفَ تِلْكَ الْعَادَةَ نَزَلَ وَقْفُهُ عَلَيْهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ بِقَوْلِهِمْ: إنَّ الْعَادَةَ الْمُطَّرِدَةَ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ إذَا عَرَفَهَا تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ شَرْطِهِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ: (وَالرُّبُطُ الَّتِي يُسَاقُ إلَيْهَا الْمَاءُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ نَابِعًا مِنْ الْمَحَلِّ الْمَوْقُوفِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَقْفُ عَلَى الْمُسْتَقِي مِنْ مَاءٍ مَمْلُوكٍ يُبَاحُ الِاسْتِقَاءُ مِنْهُ أَوْ مُبَاحٌ أَبَاحَهُ الْوَاقِفُ أَوْ غَيْرُهُ. وَقَوْلُهُ: (لِلتَّطْهِيرِ بِمَسْجِدِ كَذَا) صَرَّحَ فِي الْمَنْعِ مَنْ نَقَلَهُ إلَى غَيْرِ مَسْجِدِ كَذَا، وَإِنْ قَرُبَ مِنْهُ مَا لَمْ يُنْسَبْ إلَيْهِ عُرْفًا لِمَا هُوَ مَعْلُومٌ أَنَّ الْوَاقِفَ لَا يَقْصِدُ التَّطَهُّرَ بِهِ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ فَحَسْبُ؛ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ فَيُشَوِّشُ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ. وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ أَنْ يَتَطَهَّرَ بِهِ فِيهِ أَوْ فِي مَحَلٍّ مَنْسُوبٍ إلَيْهِ وَهَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَا عَادَةَ بِشَرْطِهَا السَّابِقِ وَإِلَّا عُمِلَ بِهَا لِمَا مَرَّ، فَإِنْ اقْتَضَتْ جَوَازَ النَّقْلِ مُطْلَقًا أَوْ لِمَنْ هُوَ مُتَّصِفٌ بِصِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ جَازَ النَّقْلُ بِحَسَبِهَا، وَلَا عِبْرَةَ بِعَادَةٍ لَمْ تَطَّرِدْ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ أَوْ لَمْ يَعْرِفْهَا، وَحَيْثُ جَازَ نَقْلُهُ لِشَرْطٍ أَوْ عَادَةٍ، فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى قَدْرِ كِفَايَتِهِ لِتِلْكَ الطَّهَارَةِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدَّخِرَهُ لِصَلَاةٍ أُخْرَى أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي نَبَاتِ الْحَرَمِ لَا يَجُوزُ أَخْذُهُ لِدَوَاءٍ أَوْ عَلَفٍ أَوْ نَحْوِهِمَا إلَّا بَعْدَ وُجُودِ نَحْوِ الْمَرَضِ أَوْ الْحَيَوَانِ عِنْدَهُ لَا قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا جَازَ لِضَرُورَةٍ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، فَكَذَلِكَ الْأَخْذُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ إنَّمَا جَازَ لِضَرُورَةِ التَّطَهُّرِ لِلصَّلَاةِ، فَلَا يَجُوزُ أَخْذُهُ قَبْلَ أَنْ تَحِقَّ ضَرُورَتُهُ إلَيْهِ، وَلَوْ جَوَّزْنَا لَهُ أَخْذَ أَكْثَرِ مِنْ كِفَايَةِ طَهَارَتِهِ الَّتِي يُرِيدُهَا بِنِيَّةِ أَنْ يَدَّخِرَهُ إلَى طَهَارَةٍ أُخْرَى، لَكُنَّا قَدْ جَوَّزْنَا لَهُ أَخْذَ هَذَا الزَّائِدِ قَبْلَ أَنْ تُحَقَّقَ ضَرُورَتُهُ إلَيْهِ. فَإِنْ قُلْت: النَّبَاتُ الْحَرَمِيُّ يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ مَثَلًا أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَقَيَّدَ بِقَدْرِ مَا يَسْتَعْمِلُهُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَكَذَلِكَ الْمُضْطَرُّ يَجُوزُ لَهُ التَّزَوُّدُ مِنْ الْمَيْتَةِ، قُلْت يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ سَبَبَ جَوَازِهِ الْأَخْذُ لِلْمَرَضِ وَالِاضْطِرَارِ، وَبَعْدَ وُقُوعِهِ الْأَصْلُ دَوَامُهُ فَلَمْ يَتَقَيَّدْ الْأَخْذُ بِشَيْءٍ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ كُلَّ طَهَارَةٍ لَهَا سَبَبٌ مُسْتَقِلٌّ فَلَوْ جَوَّزْنَا لَهُ الْأَخْذَ لِطَهَارَةِ صَلَاةٍ أُخْرَى لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا لَكُنَّا جَوَّزْنَا لَهُ تَقْدِيمَ الْأَخْذِ عَلَى سَبَبِهِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ كَمَا تَقَرَّرَ فَإِنْ قُلْت فِي الْخَادِمِ عَنْ الْعَبَّادِيِّ أَنَّهُ يَحْرُمُ نَقْلُ شَيْءٍ مِنْ الْمَاءِ الْمُسَبَّلِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ كَمَا لَوْ أَبَاحَ لِوَاحِدٍ طَعَامًا لِيَأْكُلَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ حَمْلُ الْحَبَّةِ مِنْهُ، وَلَا صَرْفُهُ لِغَيْرِ الْأَكْلِ ثُمَّ قَالَ: وَفِي هَذَا تَضْيِيقٌ شَدِيدٌ وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَى خِلَافِهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ. وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ النَّقْلِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ، قُلْت: لَيْسَ قَضِيَّتُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ: بِمَسْجِدِ كَذَا، فَوَجَبَ اتِّبَاعُ تَقْيِيدِهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِهِ. وَشَرْطُهُ حَيْثُ لَمْ يُخَالِفْ الشَّرْعَ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ بِخِلَافِ الْمُسَبَّلِ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبَّادِيِّ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ فَأَمْكَنَ الزَّرْكَشِيُّ أَنْ يَقُولَ فِيهِ مَا ذُكِرَ. عَلَى أَنَّ الْأَوْجَهَ كَمَا ذَكَرْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ هُوَ مَا قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ حَالِ الْمُسَبَّلِ تَقْتَضِي أَنَّهُ قَصَدَ رِفْقَ أَهْلِ تِلْكَ الْمَحَلَّةِ بِمَا سَبَّلَهُ فِيهَا، وَالْقَرَائِنُ لَهَا أَثَرٌ بَيِّنٌ فِي ذَلِكَ فَعَمِلَ بِهَا قِيَاسًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْإِبَاحَةِ، وَعَلَيْهِ فَهَلْ الْمُرَادُ بِالْمَحَلَّةِ فِي كَلَامِهِ الْمَحَلَّةُ الَّتِي هُوَ فِيهَا كَنَقْلِ الزَّكَاةِ أَوْ مَوْضِعُهُ الْمَنْسُوبُ إلَيْهِ عَادَةً بِحَيْثُ يَقْصِدُ الْمُسَبِّلُ أَهْلَهُ بِذَلِكَ؟ مَحَلُّ نَظَرٍ، وَالثَّانِي أَقْرَبُ فَإِنْ قُلْت: الْقِيَاسُ أَنَّ الطَّهَارَةَ لَا تَشْمَلُ إلَّا الْوَاجِبَةَ أَخْذًا مِمَّا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَأَقَرُّوهُ مِنْ أَنَّ مَا وُقِفَ لِلتَّكْفِينِ لَا يُعْطَى مِنْهُ الْمَيِّتُ إلَّا ثَوْبٌ سَابِغٌ وَلَا يُعْطَى الْقُطْنَ وَالْحَنُوطَ فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْأَثْوَابِ الْمُسْتَحْسَنَةِ الَّتِي لَا تُعْطَى عَلَى الْأَظْهَرِ الْمَحْفُوظِ فِي نَظِيرِهِ اهـ. قُلْت يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِأَنَّ لَفْظَ الْوَاقِفِ ثَمَّ وَهُوَ التَّطْهِيرُ يَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ لُغَةً وَشَرْعًا كَمَا مَرَّ فَحُمِلَ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ التَّكْفِينِ فَإِنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْقُطْنَ وَالْحَنُوطَ فَلَمْ يَحْصُلْ عَلَيْهِمَا، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فِيهِ شُمُولٌ لِلزَّائِدِ

عَلَى سَاتِرِ الْعَوْرَةِ أُعْطِيهِ كَمَا أَفَادَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ بِقَوْلِهِ: وَيَكُونُ سَابِغًا فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ يُعْطَاهُ، وَإِنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّوْبِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ بِأَنَّهُ آكَدُ مِنْهُمَا وَلِهَذَا لَمْ يُلْتَفَتْ لِمَنْعِ الْغُرَمَاءِ لَهُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْمُسْتَحَبَّاتِ، وَلَا يُنَافِي قَوْلُنَا وَأَقَرُّوهُ. قَوْلَ ابْنِ الْأُسْتَاذِ إنْ قَيَّدَ الْوَاقِفُ بِالْوَاجِبِ أَوْ الْأَكْمَلِ اُتُّبِعَ، وَإِنْ أَطْلَقَ وَاقْتَضَتْ الْعَادَةُ شَيْئًا نَزَلَ عَلَيْهِ. وَوَجْهُ عَدَمِ الْمُنَافَاةِ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ الصَّلَاحِ مَفْرُوضٌ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ حَيْثُ لَا نَصَّ مِنْ الْوَاقِفِ، وَلَا مَا هُوَ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ نَصِّهِ، وَهُوَ الْعَادَةُ الْمُطَّرِدَةُ فِي زَمَنِهِ، فَحِينَئِذٍ يُعْمَلُ بِمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَأَمَّا مَعَ نَصِّهِ عَلَى الْوَاجِبِ فَقَطْ أَوْ عَلَيْهِمَا أَوْ وُجِدَتْ عَادَةٌ لَهُ بِذَلِكَ فَلَا إشْكَالَ أَنَّ ذَلِكَ يُعْمَلُ بِهِ حَتْمًا فَظَهَرَ أَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَ كَلَامَيْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَابْنِ الْأُسْتَاذِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - هَلْ يَصِحُّ وُضُوءُ مَنْ بِسُفْلِ رِجْلِهِ شَوْكَةٌ، وَإِذَا تَعَذَّرَ إخْرَاجُهَا مَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: عِبَارَةُ شَرْحِي لِلْعُبَابِ (قَالَ الزَّرْكَشِيّ هُنَا شَيْءٌ يُغْفَلُ عَنْهُ وَهُوَ أَنْ تَقَعَ شَوْكَةٌ فِي يَدِهِ مَثَلًا، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إنْ ظَهَرَ بَعْضُهَا - وَجَبَ قَلْعُهُ وَغَسْلُ مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ فَإِنْ اسْتَتَرَتْ كُلُّهَا صَارَتْ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ فَيَصِحُّ وُضُوءُهُ لَكِنَّهَا تَنَجَّسَتْ بِالدَّمِ فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ مَعَهَا كَالْوَشْمِ) اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ تَنَجُّسَهَا بِذَلِكَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَفَارَقَتْ مَسْأَلَةَ الْوَشْمِ بِأَنَّ الدَّمَ ظَهَرَ ثَمَّ، وَاخْتَلَطَ بِأَجْنَبِيٍّ بِخِلَافِهِ هُنَا عَلَى أَنَّهُ مَرَّ أَنَّهُ لَوْ أَدْخَلَ عُودًا فِي دُبُرِهِ وَغَيَّبَهُ كُلَّهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، فَهَذَا أَوْلَى ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ قَيَّدَ مَا قَالَهُ فِيمَا إذَا ظَهَرَ بَعْضُهَا بِمَا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَتْ لَوْ نُقِشَتْ بَقِيَ مَحَلُّهَا مَثْقُوبًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَحَلُّ يَلْتَئِمُ عِنْدَ قَلْعِهَا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ وُجُودُهَا، وَلَفْظُ الْفَتَاوَى شَوْكَةٌ دَخَلَتْ أُصْبُعَهُ يَصِحُّ وُضُوءُهُ، وَإِنْ كَانَ رَأْسُهَا ظَاهِرًا لِأَنَّ مَا حَوَالَيْهِ يَجِبُ غَسْلُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَمَا سَتَرَهُ الشَّوْكُ فَهُوَ بَاطِنٌ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ نَقَّبَ عَنْ الشَّوْكِ بَقِيَ نَقْبُهُ حِينَئِذٍ لَا يَصِحُّ وُضُوءُهُ إنْ كَانَ رَأْسُ الشَّوْكِ خَارِجًا حَتَّى يَنْزِعَهُ اهـ. وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ الشِّقِّ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا جَاوَزَتْ الْجِلْدَ إلَى اللَّحْمِ، وَغَاصَتْ فِيهِ لَا يَضُرُّ ظُهُورُ رَأْسِهَا حِينَئِذٍ لِأَنَّهَا فِي الْبَاطِنِ وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا سَتَرَتْ رَأْسُهَا جُزْءًا مِنْ ظَاهِرِ الْجِلْدِ بِأَنْ بَقِيَ جُزْءٌ مِنْهَا فِيهِ، وَنُظِرَ فِيمَا قَالَهُ آخِرًا بِنَحْوِ مَا ذَكَرْته فَقَالَ: (الظَّاهِرُ أَنَّهَا لَا تَلْحَقُ بِالْوَشْمِ لِلْعَفْوِ عَنْ مِثْلِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَنْظُرُوا فِي الْوَشْمِ لِذَلِكَ لِظُهُورِهِ بِفِعْلِهِ وَعُدْوَانِهِ، وَلِتَحْرِيمِهِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مَفْقُودٌ فِيمَا إذَا غَاصَ بَعْضُهَا وَقَدْ مَرَّ عَنْ الْبَغَوِيِّ فِيهِ الصِّحَّةُ فَلَا وَجْهَ لِإِلْحَاقِهِ بِالْوَشْمِ) انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ، وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى جَوَابِ السُّؤَالِ مَعَ الزِّيَادَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ انْقَلَبَتْ بَوَاطِنُ أَصَابِعِهِ إلَى ظَهْرِ الْكَفِّ فَهَلْ الْعِبْرَةُ بِمَا سَامَتْ بَطْنَ الْكَفِّ أَوْ بِالْبَاطِنِ وَإِنْ سَامَتْ ظَهْرَ الْيَدِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: بَحَثَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يُنْقِضُ بَاطِنُهَا لِأَنَّهُ بِظَهْرِ الْكَفِّ وَلَا ظَاهِرُهَا؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْبَاطِنِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُمْ شَرَطُوا فِي النَّقْضِ بِالزَّائِدَةِ أَنْ تَكُونَ عَلَى السُّنَنِ وَإِنْ تَسَامَتْ فَكَمَا لَا يُنْقِضُ الَّتِي لَيْسَتْ عَلَى السُّنَنِ وَإِنْ سَامَتَتْ وَلَا غَيْرَ الْمُسَامَتَةِ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى السُّنَنِ فَكَذَا هَذِهِ فَإِنْ قُلْت: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ هَذِهِ أَصْلِيَّةٌ فَلَا تَحْتَاجُ لِشَرْطٍ وَتِلْكَ زَائِدَةٌ، وَالْأَصْلُ فِيهَا عَدَمُ النَّقْضِ فَاحْتَاجَتْ لِشَرْطٍ قُلْت: لَمَّا خَالَفَتْ هَذِهِ وَضْعَ الْأَصْلِيَّاتِ خَرَجَتْ عَلَى أَنْ تَكُونَ مُتَمَحِّضَةَ الْأَصَالَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَانَ إلْحَاقُهَا بِالزَّائِدَةِ غَيْرَ بَعِيدٍ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ حَدِيثِ «مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْرٍ كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ» هَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَوْ ضَعِيفٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْمَشْهُورُ أَنَّهُ ضَعِيفٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ لَكِنْ قَضِيَّةُ كَلَامِ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ صَالِحٌ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ، فَهُوَ عِنْدَهُ حَسَنٌ لِأَنَّ مَنْ ضُعِّفَ لِأَجَلِهِ لَمْ يُتَّفَقْ عَلَى ضَعْفِهِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ حَدِيثِ «الْوُضُوءُ نُورٌ عَلَى نُورٍ» مَنْ خَرَّجَهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَالزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ لَمْ نَقِفْ عَلَى مَنْ خَرَّجَهُ: وَاعْتُرِضَا بِأَنَّ رَزِينًا أَوْرَدَهُ فِي كِتَابِهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ حَدِيثِ «مَنْ قَرَأَ فِي أَثَرِ وُضُوئِهِ إنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ مَرَّةً وَاحِدَةً كَانَ مِنْ الصِّدِّيقِينَ وَمَنْ قَرَأَهَا مَرَّتَيْنِ كُتِبَ فِي دِيوَانِ الشُّهَدَاءِ وَمَنْ قَرَأَهَا ثَلَاثًا حَشَرَهُ اللَّهُ مَحْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ» مَنْ رَوَاهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ، وَفِي سَنَدِهِ

مَجْهُولٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ الْمُتَوَضِّئِ إذَا سَمِعَ الْأَذَانَ هَلْ تُسَنُّ لَهُ الْإِجَابَةُ حِينَئِذٍ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ أَمَّا حَالُ الْوُضُوءِ فَيُجِيبُ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَضِّئَ إنَّمَا يُسَنُّ لَهُ السُّكُوتُ عَنْ غَيْرِ الذِّكْرِ، وَأَذْكَارُ الْأَعْضَاءِ فِي نَدْبِهَا خِلَافٌ بَلْ الْأَصَحُّ عَدَمُ نَدْبِهَا كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ؛ لِأَنَّ أَحَادِيثَهَا لَا تَخْلُو عَنْ كَذَّابٍ أَوْ مُتَّهَمٍ بِالْكَذِبِ، وَاعْتِرَاضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَيْهِ رَدَدْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَالْعُبَابِ، وَأَمَّا الْإِجَابَةُ فَمَنْدُوبَةٌ اتِّفَاقًا وَلِذَا قَالُوا بِنَدْبِهَا لِلطَّائِفِ مَعَ أَنَّ لَهُ أَذْكَارًا مَطْلُوبَةً اتِّفَاقًا، فَالْمُتَوَضِّئُ أَوْلَى وَأَمَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْوُضُوءِ بِأَنْ وَافَقَ فَرَاغُ وُضُوئِهِ فَرَاغَ الْمُؤَذِّنِ، فَيَأْتِي بِذِكْرِ الْوُضُوءِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ مُقَدِّمًا لَهُ عَلَى الذِّكْرِ عَقِبَ الْأَذَانِ لِأَنَّهُ لِلْعِبَادَةِ الَّتِي فَرَغَ مِنْهَا ثُمَّ يَذْكُرُ الْأَذَانَ قَالَ، وَحَسَنٌ أَنْ يَأْتِيَ بِشَهَادَتَيْ الْوُضُوءِ ثُمَّ بِدُعَاءِ الْأَذَانِ لِتَعَلُّقِهِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ بِالدُّعَاءِ لِنَفْسِهِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - عَمَّنْ قُطِعَ أَنْفُهُ أَوْ أُنْمُلَتُهُ فَجَعَلَ مَحَلَّهُ بَدَلَهُ مِنْ ذَهَبٍ مَثَلًا فَهَلْ يَجِبُ غَسْلُهُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ أَوْ إزَالَتُهُ وَهَلْ يَمْسَحُهُ بَدَلًا عَمَّا تَحْتَهُ كَالْجَبِيرَةِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْبَدَلُ بِحَيْثُ يُمْكِنُ بِلَا خَشْيَةِ مُبِيحِ تَيَمُّمٍ إزَالَتُهُ وَعَوْدُهُ وَجَبَتْ إزَالَتُهُ وَغَسْلُ مَا تَحْتَهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ بُنِيَ عَلَيْهِ اللَّحْمُ أَوْ الْجِلْدُ وَسَتَرَهُ - وَجَبَ غَسْلُهُ وَكَذَا لَوْ بُنِيَ عَلَى بَعْضِهِ فَيَجِبُ غَسْلُ ذَلِكَ الْبَعْضِ وَهَذَا ظَاهِرٌ أَيْضًا، وَأَمَّا الظَّاهِرُ الَّذِي لَمْ يُبْنَ عَلَيْهِ اللَّحْمُ وَلَا الْجِلْدُ فَهُوَ مَحَلُّ تَرَدُّدِ النَّظَرِ، وَقَدْ ذَكَرُوا فِي الْجِنَايَاتِ فِي السِّنِّ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ ذَهَبٍ أَنَّهُ لَا أَرْشَ فِيهَا وَإِنْ كَانَ نَفْعُهَا أَكْثَرَ مِنْ نَفْعِ الصَّحِيحَةِ، وَإِنَّمَا فِيهَا حُكُومَةٌ. وَهَذَا نَاطِقٌ بِأَنَّهُمْ لَمْ يُلْحِقُوهَا بِالسِّنِّ الْأَصْلِيَّةِ الَّتِي هِيَ بَدَلٌ عَنْهَا وَإِذَا لَمْ يُلْحِقُوهَا بِهَا فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مَعَ بِنَائِهَا عَلَى الْمُضَايَقَةِ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يُلْحِقُوا الْبَدَلَ فِي مَسْأَلَتِنَا بِالْأَصْلِيِّ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَيْهِ فَلَا يَجِبُ غَسْلُ مَا لَمْ يَنْبُتْ عَلَيْهِ لَحْمٌ وَلَا جِلْدٌ مِنْ أَنْفِ النَّقْدِ وَلَا أُنْمُلَتِهِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ وُصِلَ عَظْمُهُ بِعَظْمٍ نَجِسٍ بَلْ هَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ غَسْلَ الطَّاهِرِ مَعْهُودٌ بِخِلَافِ غَسْلِ نَجِسِ الْعَيْنِ وَكَذَا لَوْ وَصَلَهُ بِعَظْمٍ طَاهِرٍ لَكِنْ لَا أَوْلَوِيَّةَ هُنَا بَلْ قَدْ يُدَّعَى عَدَمُ الْمُسَاوَاةِ، لِأَنَّ النَّقْدَ لَا يُشْبِهُ الْعُضْوَ الْمَفْقُودَ بِوَجْهٍ بِخِلَافِ الْعَظْمِ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ حَيَوَانٍ فَإِنَّهُ يُشْبِهُ الْعُضْوَ الْمَفْقُودَ، فَإِنْ قُلْت: سَلَّمْنَا عَدَمَ وُجُوبِ غَسْلِ الظَّاهِرِ مِنْ النَّقْدِ الْمَذْكُورِ فَمَا يُصْنَعُ فِيمَا سَتْرُهُ مِنْ مَحَلِّ الْقَطْعِ الَّذِي بَاشَرَهُ الْقَطْعُ فَظَهَرَ بِهِ، وَصَارَ ظَاهِرًا يَجِبُ غَسْلُهُ. قُلْت: إذَا اسْتَحْضَرْت أَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ خُشِيَ مِنْ إزَالَتِهِ مَحْذُورُ التَّيَمُّمِ ظَهَرَ لَك أَنَّ اللَّحْمَ أَوْ الْجِلْدَ بُنِيَ عَلَيْهِ إذْ لَا يُخْشَى ذَلِكَ الْمَحْذُورُ إلَّا حِينَئِذٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَإِذَا بُنِيَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَجَبَ غَسْلُ مَا اسْتَتَرَ مِنْهُ بِهِ دُونَ مَا عَدَاهُ كَمَا مَرَّ، وَبِفَرْضِ أَنَّهُ لَمْ يُبْنَ عَلَيْهِ شَيْءٌ هُوَ آيِلٌ إلَى الْبِنَاءِ عَلَيْهِ وَيَصِيرُ بَعْضُهُ إنْ لَمْ يَعُمَّهُ نَحْوُ اللَّحْمِ أَوْ كُلُّهُ إنْ عَمَّهُ عُضْوًا مَغْسُولًا، وَبِهَذَا فَارَقَ وُجُوبَ مَسْحِ الْجَبِيرَةِ بَدَلًا عَمَّا أَخَذْته مِنْ أَطْرَافِ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ آيِلَةً إلَى الْعُضْوِيَّةِ بَلْ هِيَ بِصَدَدِ الزَّوَالِ فَلَمْ يُنْتَظَرْ فِيهَا ذَلِكَ عَلَى أَنَّ مَسْحَهَا كَالْخُفِّ رُخْصَةً فَلَا تَجْرِي فِي غَيْرِهِمَا لِامْتِنَاعِ الْقِيَاسِ فِي الرُّخَصِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَخَرَجَ بِقَوْلِي: (مَحَلُّ الْقَطْعِ الَّذِي ظَهَرَ بِهِ. .. إلَخْ) بَاطِنُ الْأَنْفِ الْمُسْتَتَرُ بِالْقَصَبَةِ وَالْمَارِنِ، فَهَذَا لَوْ فُرِضَ ظُهُورُهُ لَمْ يَجِبْ غَسْلُهُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِيهِ وَهُوَ كَوْنُهُ بَاطِنًا، وَإِذَا لَمْ يَجِبْ غَسْلُهُ بِفَرْضِ ظُهُورِهِ فَمَا سَتَرَهُ مِنْ أَنْفِ النَّقْدِ أَوْلَى إذْ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ وَلَا يَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْأُنْمُلَةِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مَا ظَهَرَ يَجِبُ غَسْلُهُ، لِأَنَّهُ قَبْلَ الْقَطْعِ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ لِتَعَذُّرِ ظُهُورِهِ، وَبَاطِنُ الْأَنْفِ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ بِالْبَاطِنِيَّةِ مَعَ تَأَتِّي غَسْلِهِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَك الْفَرْقُ بَيْنَ إيجَابِهِمْ غَسْلَ مَا ظَهَرَ بِالْقَطْعِ دُونَ مَا كَانَ مُسْتَتَرًا بِالْقَصَبَةِ وَالْمَارِنِ، وَكَذَا بَاطِنُ الْفَمِ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ أَفْتَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَجِبُ مَسْحُهُ كَالْجَبِيرَةِ مَعَ سَتْرِ كُلٍّ لِمَا يَجِبُ غَسْلُهُ، وَقَدْ عَلِمْت فَسَادَ الْقِيَاسِ سِيَّمَا مَعَ ظُهُورِ الْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرْته عَلَى أَنَّهُ تَوَقَّفَ بَعْدَ ذَلِكَ فِيهَا بَحْثُهُ مِنْ وُجُوبِ الْمَسْحِ كَالْجَبِيرَةِ، ثُمَّ قَالَ: يَنْبَغِي إنْ الْتَحَمَ جَانِبُ الْأَنْفِ وَجَبَ غَسْلُ الْمُلْتَحِمِ، وَكَذَا بَقِيَّةُ أَنْفِ النَّقْدِ تَبَعًا قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ جَبَرَ عَظْمَهُ بِعَظْمٍ طَاهِرٍ فَالْتَحَمَ جَانِبَاهُ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ وُجُوبُ غَسْلِ الْجَمِيعِ وَقِيَاسًا عَلَى انْكِشَاطِ جِلْدَةِ الْعَضُدِ وَالْتِصَاقِهَا بِالسَّاعِدِ فَإِنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِ مَا يُحَاذِي الْفَرْضَ مِنْهَا مَعَ مَا تَحْتَهُ إنْ تَجَافَتْ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا كَوْنُ كُلٍّ

باب الغسل

مِنْهُمَا لَا يَجِبُ غَسْلُهُ مِنْ قَبْلُ، وَإِنَّمَا وَجَبَ غَسْلُهُ تَبَعًا لَا أَصَالَةً. اهـ. وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا قَدَّمْته فَسَادَ الْقِيَاسِ عَلَى الْجِلْدَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ مَا يَجِبُ غَسْلُهُ فَإِذَا صَارَتْ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ نُسِبَتْ إلَيْهِ وَعُدَّتْ مِنْهُ فَوَجَبَ غَسْلُهَا لِذَلِكَ، وَأَمَّا أَنْفُ النَّقْدِ فَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا يَجِبُ غَسْلُهُ فِي الطَّهَارَةِ بِحَالٍ فَلَمْ يَصِحَّ قِيَاسُهُ وَلَا جَامِعُهُ الْمَذْكُورَانِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، وَأَمْعِنْ النَّظَرَ فِيمَا قَرَّرْته لَك فَإِنَّهُ مُهِمٌّ إذْ لَمْ يُصَرِّحُوا فِيهِ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا أَخَذْنَا ذَلِكَ مِنْ فَحَوَى كَلَامِهِمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْمُوَفِّقُ، وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - عَنْ الدَّاخِلِ إلَى بَيْتِهِ وَالْخَارِجِ مِنْهُ مَا الَّذِي يُقَدِّمُ مِنْ رِجْلَيْهِ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَمْ أَرَ فِي خُصُوصِ ذَلِكَ كَلَامًا لِأَصْحَابِنَا وَرَأَيْت لِلْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يُقَدِّمُ يَمِينَهُ فِيهِمَا. وَاَلَّذِي يَجْرِي عَلَى قَوَاعِدِنَا أَنَّهُ يُقَدِّمُ يَمِينَهُ فِي الدُّخُولِ وَيَسَارَهُ فِي الْخُرُوجِ لِأَنَّ مَنْزِلَ الْإِنْسَانِ يَشْرُفُ بِشَرَفِهِ؛ وَلِذَا طُلِبَ مِنْهُ أَنْ يَجْعَلَ لِمَنْزِلِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلَاتِهِ وَأَنْ لَا يَتَّخِذَهُ قَبْرًا، أَيْ كَالْقَبْرِ يَهْجُرُهُ عَنْ وُقُوعِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فِيهِ فَطَلَبُ الشَّارِعُ ذَلِكَ فِيهِ يَدُلُّ عَلَى شَرَفِهِ، وَأَيْضًا طَلَبَ الشَّارِعُ مِنْ دَاخِلِهِ أَنْ يَأْتِيَ بِبَعْضِ الْأَذْكَارِ عِنْدَ دُخُولِهِ وَرَتَّبَ عَلَى بَعْضِهَا أَنَّهُ إذَا قَالَهُ ارْتَحَلَ الشَّيْطَانُ عَنْهُ وَصَارَ مُنَزَّهًا عَنْهُ وَهَذَا فِيهِ تَشْرِيفٌ لَهُ أَيُّ تَشْرِيفٍ. وَإِذَا ثَبَتَ شَرَفُهُ عَلَى مَا يَلِيه بِهَذِهِ الِاعْتِبَارَاتِ الَّتِي ذَكَرْتهَا لَزِمَ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ يَمِينَهُ عِنْدَ دُخُولِهِ لَهُ وَيَسَارَهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْهُ قِيَاسًا لَهُ عَلَى الْمَسْجِدِ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ فَإِنْ قُلْت: الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ وَاضِحٌ. قُلْت: لَا نَظَرَ لِخُصُوصِ الْمَسْجِدِيَّةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَدْرَسَةَ وَمُصَلَّى الْعِيدِ وَنَحْوَهُمَا مِنْ مَحَالِّ الْعِبَادَةِ يَجُوزُ الْمُكْثُ فِيهِمَا لِلْجُنُبِ، وَلَا يَثْبُتُ لَهُمَا شَيْءٌ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُخْتَصَّةِ بِالْمَسْجِدِيَّةِ وَمَعَ ذَلِكَ يُقَدِّمُ يَمِينَهُ دُخُولًا وَيَسَارَهُ خُرُوجًا فِيهِمَا كَمَا هُوَ وَاضِحٌ مِنْ كَلَامِهِمْ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِيهِمَا نَظَرًا إلَى أَنَّهُمَا مَحَلُّ عِبَادَةٍ طُلِبَتْ فِيهِمَا، فَكَذَلِكَ الْمَنْزِلُ لِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِعِبَادَاتِ مَخْصُوصَةٍ طُلِبَتْ فِيهِ بِخُصُوصِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَتَأَمَّلْهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا شَرَفَ فِيهِ هُوَ لَا خِسَّةَ فِيهِ اتِّفَاقًا، وَكُلُّ مَا لَا شَرَفَ فِيهِ وَلَا خِسَّةَ يُبْدَأُ فِيهِ بِالْيَمِينِ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَإِذَا بَدَأَ فِي دُخُولِهِ بِالْيَمِينِ بَدَأَ فِي الْخُرُوج مِنْهُ بِالْيَسَارِ. [بَابُ الْغُسْلِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَتَّعَ بِحَيَاتِهِ الْمُسْلِمِينَ - عَنْ رَجُلٍ يَجْمَعُ عِدَّةً مِنْ الْأَطْفَالِ بِأَلْوَاحِهِمْ وَفُرُشِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ لِإِقْرَائِهِمْ الْقُرْآنَ، وَتَارَةً يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ فَيُشَوِّشُونَ عَلَى الْمُصَلِّينَ وَكَثِيرًا يُلَوِّثُونَ الْمَسْجِدَ بِالْمِيَاهِ فَهَلْ تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ بِالْمَسْجِدِ مِنْ حَيْثُ هُوَ حَرَامٌ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يُمْنَعُ الْمُعَلِّمُ مِنْ ذَلِكَ وَيُمْنَعُ الْأَطْفَالُ عَنْهُ فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ عُزِّرَ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ إقْرَاءُ الْقُرْآنِ فِي الْمَسْجِدِ قُرْبَةٌ عَظِيمَةٌ فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «إنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لِذِكْرِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ» قَالَ تَعَالَى: {وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} [النور: 36] وَهَذَا عَامٌّ فِي إقْرَاءِ الْبَالِغِينَ وَغَيْرِهِمْ بِشَرْطِهِمْ الْآتِي. وَأَمَّا مَا رَآهُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ كَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ فِي الْمُصْحَفِ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَنَّهُ بِدْعَةٌ أَحْدَثَهَا الْحَجَّاجُ وَأَنْ يُقَامُوا إذَا اجْتَمَعُوا لِلْقِرَاءَةِ يَوْمَ الْخَمِيسِ أَوْ غَيْرِهِ فَهُوَ رَأْيٌ انْفَرَدَ بِهِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ هَذَا اسْتِحْسَانٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ السَّلَفُ وَالْخَلْفُ اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْمِيرِهَا بِالذِّكْرِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، أَيْ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ هَذَا كُلُّهُ حَيْثُ كَانَ الْمُتَعَلِّمُونَ مُمَيِّزِينَ يُؤْمَنُ مِنْهُمْ تَنْجِيسُ الْمَسْجِدِ وَتَقْذِيرُهُ وَعَدَمُ التَّشْوِيشِ عَلَى الْمُصَلِّينَ فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ غَيْرُ مُمَيِّزِينَ لَا يُؤْمَنُ تَنْجِيسُهُمْ أَوْ تَقْذِيرُهُمْ لَهُ حَرُمَ عَلَى الْمُعَلِّمِ إدْخَالُهُمْ وَعَلَى الْحَاكِمِ - وَفَّقَهُ اللَّهُ وَسَدَّدَهُ - زَجْرُهُ وَرَدْعُهُ عَنْ إدْخَالِهِ مِثْلَ هَؤُلَاءِ، وَكَذَلِكَ عَلَيْهِ نَهْيُهُ أَيْضًا عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ لِإِقَامَةِ صَلَاةٍ فِيهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ بِالْكُلِّيَّةِ لِأَجْلِ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ أَوَّلًا مِنْ تَمْكِينِهِ مِنْ تَنْجِيسِ الْمَسْجِدِ أَوْ تَقْذِيرِهِ بِمَنْ يَدْخُلُ إلَيْهِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ يُمْنَعُ مِنْ تَمْكِينِهِ مَنْ يَرْفَعُ صَوْتَهُ إذَا كَانَ ثَمَّ مَنْ يُصَلِّي فَإِذَا أَصَرَّ الْمُعَلِّمُ عَلَى مَا مُنِعَ مِنْهُ، وَرَأَى الْحَاكِمُ أَنَّ نَهْيَهُ وَزَجْرَهُ عَمَّا ذُكِرَ لَا يُفِيدُ جَازَ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ بِالْكُلِّيَّةِ لِعِصْيَانِهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَلِعِنَادِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ أَكَلَ نَحْوَ ثُومٍ أَوْ بَصَلٍ

أَوْ كُرَّاثٍ أَوْ فُجْلٍ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ مَعَ كَرَاهَةِ دُخُولِهِ: فَقِيَاسُهُ أَنْ يَجُوزَ لَهُ مَنْعُ الْمُعَلِّمِ الْمَذْكُورِ إذَا وُجِدَ مِنْهُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يَتَوَقَّفُ حُصُولُ السُّنَّةِ فِي نَحْوِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ عَلَى غَسْلِ جَمِيعِ بَدَنِهِ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يَتَوَقَّفُ حُصُولُ السُّنَّةِ عَلَى غَسْلِ جَمِيعِهِ لَا صِحَّةَ الْغُسْلِ عَلَى ذَلِكَ فَلَوْ غَسَلَ بَعْضَهُ صَحَّ غُسْلُهُ، لَكِنْ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ حَتَّى يُكْمِلَ غَسْلَ الْبَاقِي مِنْهُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ عَلِمَ أَنَّ فِي الْحَمَّامِ مَنْ يَكْشِفُ عَوْرَتَهُ، فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ دُخُولُهُ وَيَجِبُ الْإِنْكَارُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يَجُوزُ دُخُولُهُ فَإِنْ قَدَرَ أَنْكَرَ، وَإِلَّا كَرِهَ بِقَلْبِهِ وَأُثِيبَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُنْكِرُ عَلَى مَنْ كَشَفَ السَّوْأَتَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ مَا لَمْ يَكُنْ فَاعِلُ ذَلِكَ يَعْتَقِدُ التَّحْرِيمَ كَذَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَنَقَلَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ وَأَقَرَّهُ، فَإِنْ قُلْت: هَذَا ظَاهِرٌ إنْ اُحْتُمِلَ تَقْلِيدُ الْعَارِي لِلْقَائِلِ بِالْحِلِّ بِخِلَافِ الْعَوَامّ الَّذِينَ لَا يُحْتَمَلُ فِيهِمْ ذَلِكَ. قُلْت: حَيْثُ لَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ اعْتِقَادُ التَّحْرِيمِ لَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مُعْتَقِدٌ الْإِبَاحَةَ أَوْ لَيْسَ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمًا وَلَا إبَاحَةً، وَالْحَالَةُ الْأُولَى وَاضِحَةٌ وَكَذَا الثَّانِيَةُ لِأَنَّ شُبْهَةَ الْخِلَافِ أَسْقَطَتْ وُجُوبَ الْإِنْكَارِ، بَلْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ الشَّافِعِيَّةِ: مَنْ شَرِبَ النَّبِيذَ لَا يُفَسَّقُ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا بَلْ شَاذًّا وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِشُبْهَةِ الْخِلَافِ فِيهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ هَلْ هُمَا سُنَّتَانِ فِي الْغُسْلِ مِنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ حَتَّى لَوْ أَتَى بِهِ مُجَرَّدًا عَنْ الْوُضُوءِ سُنَّ لَهُ الْإِتْيَانُ بِهِمَا، فَإِنْ قُلْتُمْ: لَا فَذَاكَ، وَإِنْ قُلْتُمْ: نَعَمْ. فَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي الِاعْتِدَادِ بِهِمَا أَنْ تُقَارِنَهُمَا نِيَّةُ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ لِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُمَا أَمْ لَا؟ وَعَلَى الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِ الْمُقَارَنَةِ أَوْ عَدَمِهَا، فَهَلْ يَدْخُلَانِ فِي مَضْمَضَةِ الْوُضُوءِ وَاسْتِنْشَاقِهِ سَوَاءٌ قَدَّمَهُ أَوْ وَسَّطَهُ أَوْ أَخَّرَهُ إذْ لَا مَعْنَى لِتَوَالِي مَضْمَضَتَيْنِ وَاسْتِنْشَاقَيْنِ فِي طَهَارَةٍ وَاحِدَةٍ أَمْ لَا؟ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ كَسُنَّةِ الْعِشَاءِ وَالْوِتْرِ مَثَلًا. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: بِأَنَّ الْمَنْقُولَ الْمُعْتَمَدَ فَقَدْ جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُنْدَبُ فِي الْغُسْلِ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ ثُمَّ الْوُضُوءُ كَامِلًا بِأَنْ يَأْتِيَ بِجَمِيعِ سُنَنِهِ، وَمِنْهَا التَّسْمِيَةُ وَمَا بَعْدَهَا كَالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَغَيْرِهِمَا، وَأَنَّهُ يُكْرَهُ تَرْكُ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ كُلًّا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ، فَيُعِيدُ الثَّلَاثَةَ لَكِنْ نَدْبُ إعَادَةِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ آكَدُ، وَمِنْ ثَمَّ نَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى نَدْبِ إعَادَتِهِمَا وَسَكَتَ عَنْ إعَادَةِ الْوُضُوءِ وَوَجَّهَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي وُجُوبِهِمَا كَانَ فِي زَمَنِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَحَبَّ الْخُرُوجَ مِنْهُ بِخِلَافِ الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ؛ وَلِأَنَّ الْمَاءَ قَدْ وَصَلَ مَوْضِعَ الْوُضُوءِ دُونَ مَوْضِعِهِمَا فَأَمَرَ بِإِيصَالِهِ إلَى مَحَلِّهِمَا، وَبِهَذَا يُعْلَمُ سُقُوطُ مَا فَهِمَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَنَّ حَاصِلَ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهِ وَيَأْتِي بِهِمَا. وَشَرْطُ الِاعْتِدَادِ بِالثَّلَاثَةِ لِيُثَابَ عَلَيْهَا تَأَخُّرُهَا عَنْ نِيَّةِ نَحْوِ الْجَنَابَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَيُوَجَّهُ نَدْبُ طَلَبِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ مُسْتَقِلَّيْنِ مَعَ اشْتِمَالِ الْوُضُوءِ الْمَنْدُوبِ عَلَيْهِمَا بِأَنَّ مَحَلَّهُمَا يَكْثُرُ فِيهِ الْأَذَى وَالْقَذَرُ فَطُلِبَ مَزِيدَ التَّنَظُّفِ فِيهِ بِتَكْرَارِ غَسْلِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ؛ وَلِذَا جَرَى خِلَافٌ فِي وُجُوبِهِمَا وَخِلَافٌ فِي وُجُوبِ الْوُضُوءِ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يَجْرِ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَعْضَاءِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ: وَيَجِبُ قَرْنُهَا، أَيْ نِيَّةِ الْجَنَابَةِ بِأَوَّلِ فَرْضٍ وَفِي تَقْدِيمِهَا عَلَى السُّنَنِ وَعُزُوبِهَا مَا مَرَّ فِي الْوُضُوءِ، هَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ النِّيَّةَ مَحَلُّهَا عِنْدَ إفَاضَةِ الْمَاءِ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُهُ كَالْوَجْهِ فَكَمَا لَا يَكْفِي اقْتِرَانُ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ بِسُنَّةٍ قَبْلَ الْوَجْهِ كَذَلِكَ، وَلَا يَكْفِي اقْتِرَانُهَا هُنَا بِسُنَّةٍ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ كَغَسْلِ الْكَفَّيْنِ فِيمَا إذَا قَدَّمَ الْوُضُوءَ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ مَعَ سَائِرِ بَدَنِهِ، وَإِنْ غَسَلَهَا بِنِيَّةِ رَفْعِ الْجَنَابَةِ مَثَلًا فَيَكْتَفِي حِينَئِذٍ بِاقْتِرَانِهَا بِغَسْلِ الرَّأْسِ دُونَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ، وَالْكُلُّ مَحَلٌّ لِلْحَدَثِ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ تَحِلُّ جَمِيعَ الْبَدَنِ فَنَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ أَوْ مُرَادُهُ بِأَوَّلِ فَرْضٍ غَسْلُ جُزْءٍ مِنْ بَدَنِهِ وَلَوْ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَفِي تَقْدِيمِهَا عَلَى السُّنَنِ وَعُزُوبِهَا مَا مَرَّ فِي الْوُضُوءِ فَهُوَ مَتَى نَوَى عِنْد غَسْلِ الْكَفَّيْنِ كَفَى، فَلَا يَبْقَى

لِقَوْلِهِ وَفِي تَقْدِيمِهَا عَلَى السُّنَنِ وَعُزُوبِهَا بِهَا مَا مَرَّ فِي الْوُضُوءِ مَعْنًى إذْ لَمْ يَبْقَ لَنَا سُنَّةٌ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى غَسْلِ الْكَفَّيْنِ تُقَارِنُ غُسْلًا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الرَّوْضِ كَأَصْلِهِ وَيَجِبُ قَرْنُهَا. .. إلَخْ أَنَّهُ يَجِبُ قَرْنُهَا بِأَوَّلِ مَفْرُوضٍ وَهُوَ أَوَّلُ مَا يُغْسَلُ مِنْ الْبَدَنِ مِنْ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِمَا وَإِنَّمَا وَجَبَ قَرْنُهَا فِي الْوُضُوءِ بِالْوَجْهِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ التَّرْتِيبُ وَلَا يُمْكِنُ خُلُوُّ أَوَّلِ الْوَاجِبَاتِ عَنْهَا فَلَوْ جَوَّزْنَا اقْتِرَانَهَا بِغَسْلِ الْيَدِ لَخَلَا الْوَجْهُ عَنْهَا، وَهُوَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّهُ لَا تَرْتِيبَ فِيهِ فَأَيُّ جُزْءٍ مِنْ الْبَدَنِ غَسَلَهُ نَاوِيًا مَعَهُ وَقَعَ غُسْلُهُ عَنْ الْجَنَابَةِ، فَأَوَّلُ مَغْسُولٍ هُنَا كَالْوَجْهِ فِي الْوُضُوءِ، فَلَوْ نَوَى بَعْدَ غَسْلِ جُزْءٍ وَجَبَ إعَادَةُ الْمَغْسُولِ، فَوَجَبَ قَرْنُهَا بِالْأَوَّلِ لِيُعْتَدَّ بِهِ لَا لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَرْنُهَا بِمَا بَعْدَهُ نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِي غَسْلِ الْوَجْهِ فِي الْوُضُوءِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: وَفِي تَقْدِيمِهَا عَلَى السُّنَنِ. .. إلَخْ أَنَّهُ لَوْ خُلِّيَ عَنْهَا شَيْءٌ مِنْ السُّنَنِ بِأَنْ أَتَى بِهِ قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِالنِّيَّةِ لَمْ يُثَبْ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَوْ أَتَى بِهَا فِي أُولَاهُنَّ كَالسِّوَاكِ لَكِنَّهَا عَزَبَتْ قَبْلَ غَسْلِ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ الْبَدَنِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا، فَتَجِبُ إعَادَتُهَا عِنْدَ غَسْلِ أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ الْبَدَنِ، فَعُلِمَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ فَنَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ، وَعَنْ قَوْلِهِ: إذْ لَمْ يَبْقَ لَنَا سُنَّةٌ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى غَسْلِ الْكَفَّيْنِ تُقَارِنُ غُسْلًا. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - بِمَا صُورَتُهُ إذَا أَتَى الْمُغْتَسِلُ بِالْأَكْمَلِ فِي الْغُسْلِ وَقَدَّمَ الْوُضُوءَ فَهَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَنْوِي عِنْدَ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ نِيَّةَ رَفْعِ الْجَنَابَةِ، وَنِيَّةَ رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ إنْ لَمْ تَتَجَرَّدْ جَنَابَتُهُ عَنْهُ أَوْ نِيَّةُ الْغُسْلِ إنْ تَجَرَّدَتْ وَيَسْتَصْحِبُ نِيَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى فَرَاغِهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَوْ يَكْتَفِي بِنِيَّةِ الْغُسْلِ عَنْ الْجَنَابَةِ أَوْ مَا الْحُكْمُ فِيهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنَّ جَنَابَتَهُ تَارَةً تَتَجَرَّدُ عَنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ كَأَنْ يَلُوطَ أَوْ يَطَأَ بَهِيمَةً أَوْ يُنْزِلَ بِنَحْوِ ضَمِّ امْرَأَةٍ بِحَائِلٍ، وَحِينَئِذٍ فَيَنْوِي بِالْوُضُوءِ سُنَّةَ الْغُسْلِ، وَتَارَةً لَا تَتَجَرَّدُ وَحِينَئِذٍ فَيَنْوِي بِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ يَنْدَرِجُ فِي الْغُسْلِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ، وَتَصْرِيحُ ابْنُ الرِّفْعَةِ كَابْنِ خَلَفٍ الطَّبَرِيِّ بِمَا ظَاهِرُهُ يُخَالِفُ ذَلِكَ مُؤَوَّلٌ، وَلَيْسَتْ النِّيَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْقِسْمَيْنِ وَاجِبَةٌ بَلْ مَنْدُوبَةٌ فِي أَوَّلِ كُلٍّ وَلَا يُشْتَرَطُ اسْتِصْحَابُهَا إلَى آخِرِهِ قِيَاسًا عَلَى نَحْوِ الطَّوَافِ فِي الْحَجِّ لِشُمُولِ نِيَّةِ الْغُسْلِ لِلْوُضُوءِ، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ لَا يُتَصَوَّرُ شُمُولُ نِيَّةِ الْغُسْلِ لِلْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ ارْتَفَعَتْ الْجَنَابَةُ عَنْ الْمَغْسُولِ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَيَكُونُ الْمَأْتِيُّ بِهِ غُسْلًا لَا وُضُوءً غَلَطٌ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْجَنَابَةِ لَا يُنَافِي الْإِتْيَانَ بِصُورَةِ الْوُضُوءِ. وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ حُصُولَ صُورَتِهِ لَا يُنَافِي ارْتِفَاعَ الْجَنَابَةِ فِي أَعْضَائِهِ، فَبَحَثَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَدَمَ ارْتِفَاعِهَا؛ لِأَنَّهُ غَسَلَهَا بِنِيَّةِ السُّنَّةِ يُرَدُّ بِأَنَّ قَصْدَ ذَلِكَ لَا يُنَافِي نِيَّةَ رَفْعِ الْحَدَثِ إذْ هُوَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِهَا، وَإِذَا لَمْ تَتَجَرَّدْ جَنَابَتُهُ وَأَخَّرَ الْوُضُوءَ إلَى مَا بَعْدَ الْغُسْلِ فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ أَنَّهُ يَنُوبُ رَفْعُ الْحَدَثِ هُنَا أَيْضًا، وَلَيْسَ بِتَلَاعُبٍ خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ النَّوَوِيُّ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ ذَلِكَ إنَّمَا هِيَ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ انْدِرَاجِ الْأَصْغَرِ فِي الْأَكْبَرِ، وَالْأَصْغَرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يَرْتَفِعْ عِنْدَ الْقَائِلِ بِذَلِكَ فَشُرِعَتْ نِيَّتُهُ عِنْدَ الْإِتْيَانِ بِهِ وَلَوْ بَعْدَ الْغُسْلِ لِيَرْتَفِعَ عِنْدَ ذَلِكَ الْقَائِلِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ قَوْلِ الْأَصْحَابِ، وَالْعِبَارَةُ لِلْإِرْشَادِ (وَنُدِبَ لِجُنُبٍ غَسْلُ فَرْجٍ وَوُضُوءٌ لِنَوْمٍ وَوَطْءٍ وَطُعْمٍ هَلْ يَنْوِي الْوُضُوءَ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ؟ كَمَا أَنَّهُ يَنْوِي فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ أَسْبَابَهَا إلَّا الْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ فَيَنْوِي كُلٌّ مِنْهُمَا رَفْعَ الْجَنَابَةِ؟) فَإِنْ قُلْتُمْ بِهِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَدْ ذَكَرْت الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ مَعَ نَظَائِرِهَا مِنْ كُلِّ وُضُوءٍ مَسْنُونٍ، وَعِبَارَةُ الشَّرْحِ مَعَ الْمَتْنِ (وَالْمُرَادُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ الَّتِي قُلْنَا يُسَنُّ الْوُضُوءُ فِيهَا الْوُضُوءُ الشَّرْعِيُّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي نَحْوِ الْغِيبَةِ وَصَوَّبَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ مُسْتَنِدًا إلَى مَا يَأْتِي عَنْ الشَّاشِيِّ، وَهُوَ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ مَعَ النِّيَّةِ وَالتَّرْتِيبِ لَا اللُّغَوِيِّ الَّذِي هُوَ مُجَرَّدُ النَّظَافَةِ خِلَافًا لِلْمُتَوَلِّي وَابْنِ الصَّبَّاغِ، فَقَدْ اسْتَبْعَدَ الشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ حَمْلَ الثَّانِي اسْتِحْبَابَ الشَّافِعِيِّ الْوُضُوءَ مِنْ الْكَلَامِ الْخَبِيثِ عَلَى غَسْلِ الْفَمِ بِأَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الشَّرْعِيُّ قَالَ: وَالْمَعْنَى يُؤَيِّدُهُ فَإِنَّ غَسْلَ الْفَمِ لَا يُؤَثِّرُ فِيمَا جَرَى وَإِنَّمَا الْقَصْدُ بِهِ التَّكْفِيرُ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالتَّطْهِيرُ مِنْ الذُّنُوبِ) اهـ. نَعَمْ قَالَ الْحَلِيمِيُّ: (الْمُرَادُ بِهِ لِمُعَاوَدَةِ الْوَطْءِ

اللُّغَوِيِّ لِلتَّصْرِيحِ بِهِ فِي رِوَايَةٍ) اهـ. وَنَقَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِخَبَرِ «فَلْيَغْسِلْ فَرْجَهُ» مَكَانَ " فَلْيَتَوَضَّأْ " وَنَقَلَ عَنْ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْمُرَادَ بِوُضُوءِ الْجُنُبِ لِلْأَكْلِ غَسْلُ يَدَيْهِ لِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ، وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ غَسَلَ يَدَيْهِ ثُمَّ يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ» اهـ. وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّ الْمُرَادَ الْوُضُوءُ الشَّرْعِيُّ فِي الْكُلِّ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْفِيفِ الْحَدَثِ، وَأَنَّ غَسْلَ الْفَرْجِ فِي الْأَوَّلِ وَالْيَدَيْنِ فِي الثَّانِي يَحْصُلُ بِهِ أَصْلُ السُّنَّةِ لَا كَمَالُهَا) انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ، وَبِمَا ذُكِرَ فِيهَا مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ الْوُضُوءُ الشَّرْعِيُّ وَأَنَّهُ النِّيَّةُ، وَغَسْلُ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ مَعَ التَّرْتِيبِ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَنْوِي بِهِ نِيَّةً مِنْ نِيَّاتِهِ الْمُجْزِئَةِ لَا أَسْبَابَهَا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَا رَفْعُ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ إمَّا لِيُخِفَّ حَدَثَهُ الْأَكْبَرَ فِي صُورَةِ الْجُنُبِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ، وَإِمَّا لِتَحْصُلَ لَهُ حَقِيقَةُ الطَّهَارَةِ، فَيُكَفَّرُ إثْمُهُ فِي نَحْوِ التَّكَلُّمِ بِكَلَامٍ فِيهِ إثْمٌ أَوْ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ فِي الصُّوَرِ الَّتِي جَرَى فِيهَا خِلَافٌ بِنَقْضِ الْوُضُوءِ، أَوْ يَزْدَادُ تَأَهُّلُهُ وَتَعْظِيمُهُ فِي نَحْوِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَالْعِلْمِ وَنَحْوِ الْأَذَانِ وَالذِّكْرِ بِمَا تَقَرَّرَ هُنَا مِنْ هَذِهِ الْفَوَائِدِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى مَا قُلْنَاهُ أَنَّهُ يَنْوِي بِالْوُضُوءِ نَحْوَ رَفْعِ الْحَدَثِ يُفَرِّقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ نِيَّته فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ أَسْبَابُهَا إلَّا الْمَجْنُونُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَيُؤَيِّدُ الْفَرْقَ اسْتِثْنَاءُ هَذَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ فِي أَمْرِهِمَا بِالْغُسْلِ رَفْعُ الْجَنَابَةِ الْمُحْتَمَلَةِ؛ فَلِذَلِكَ طُلِبَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا نِيَّةُ رَفْعِهَا، فَكَذَا الْقَصْدُ بِالْوُضُوءِ فِي تِلْكَ الصُّوَرِ مَا مَرَّ مِنْ تَخْفِيفِ الْحَدَثِ وَمَا بَعْدَهُ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِنِيَّةِ رَفْعِهِ أَوْ نَحْوِهَا فَتَأَمَّلْ هَذَا الْفَرْقَ، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ لَا خَفَاءَ فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا إذَا وَقَفَ جُنُبٌ عَلَى سَطْحٍ أَطْرَافُ جُذُوعِهِ عَلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ، وَالطَّرَفُ الْآخَرُ عَلَى جِدَارٍ بِجَانِبِهِ أَيَجُوزُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِالْجَوَازِ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَاقِفًا فِي الْمَسْجِدِ وَلَا فِيمَا هُوَ مِنْ تَوَابِعِ الْمَسْجِدِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِالْحُرْمَةِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ وَقَفَ بِجَنَاحٍ بِجِدَارِهِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، وَإِنْ كَانَ كُلُّهُ فِي هَوَاءِ الشَّارِعِ كَمَا يَقْتَضِيه كَلَامُ الْمَجْمُوعِ فِي الِاعْتِكَافِ، وَعَلَى مَا لَوْ وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْأُخْرَى خَارِجَهُ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا فَإِنَّ الْأَوْجَهَ الْحُرْمَةُ، وَيُجَابُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَسْأَلَتِنَا وَهَاتَيْنِ. أَمَّا الْجَنَاحُ فَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَصْلُهُ جَمِيعُهُ فِي جِدَارِ الْمَسْجِد، وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ شَيْءٌ خَارِجٌ عَنْ الْمَسْجِدِ كَانَ يُعَدُّ مِنْ تَوَابِعِ الْمَسْجِدِ نَظَرًا لِأُصُولِهِ وَلَمْ يُنْظَرْ لِخُرُوجِ هَوَائِهِ عَنْ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ فَأَعْرَضَ النَّظَرَ عَنْهُ وَنَظَرَ لِلْمَتْبُوعِ فَقَطْ بِخِلَافِ صُورَةِ السُّؤَالِ فَإِنَّ أُصُولَ السَّطْحِ الْوَاقِفِ عَلَيْهِ لَيْسَتْ مِنْ تَوَابِعِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا فِيهِ وَبَعْضَهَا فِي غَيْرِهِ فَلَمْ تَكُنْ نِسْبَتُهَا لِلْمَسْجِدِ أَوْلَى مِنْ نِسْبَتِهَا لِغَيْرِهِ بَلْ تَعَارَضَا، وَالْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ. وَأَمَّا الْوُقُوفُ عَلَى الرِّجْلَيْنِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا فَلِأَنَّهُ بَاشَرَ بِبَدَنِهِ أَرْضَ الْمَسْجِدِ مَعَ الِاعْتِمَادِ فَكَانَ كَالْوَاقِفِ كُلُّهُ فِيهِ فَحَرُمَ بِخِلَافِ صُورَةِ السُّؤَالِ، فَإِنَّ الْوَاقِفَ عَلَى السَّطْحِ لَمْ يُبَاشِرْ الْمَسْجِدَ، وَلَا مَا هُوَ مِنْ تَوَابِعِ الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَكُنْ لِلْحُرْمَةِ مُقْتَضٍ حَتَّى تُنَاطَ بِهِ فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ حِينَئِذٍ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ الْجَوَازُ لِمَا عَلِمْته مِمَّا تَقَرَّرَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا صُورَتُهُ مَا الْحِكْمَةُ فِي قَوْلِ الْحَاوِي: (مَقْرُونًا فِي الْغُسْلِ هُنَا) ، وَتَأْنِيثُهُ فِي الْوُضُوءِ، وَالْجَمِيعُ صِفَةٌ لِلنِّيَّةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَوْلُ الْحَاوِي مَقْرُونَةٌ فِي الْوُضُوءِ وَمَقْرُونًا فِي الْغُسْلِ نَبَّهَ عَلَى فَائِدَةٍ حَسَنَةٍ، وَهِيَ أَنَّ الْفِعْلَ وَمَا تَفَرَّعَ عَنْهُ فِي الْعَمَلِ كَاسْمِ الْمَفْعُولِ هُنَا إذَا أُسْنِدَ إلَى مُؤَنَّثٍ ظَاهِرٍ مَفْصُولٍ مِنْهُ جَازَ تَأْنِيثُ الْعَامِلِ وَتَذْكِيرُهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُؤَنَّثُ حَقِيقِيُّ التَّأْنِيثِ فَمَجَازِيُّهُ أَوْلَى؛ لِجَوَازِ الْأَمْرَيْنِ فِيهِ بِلَا فَصْلٍ أَيْضًا لَكِنْ الْأَوْلَى التَّأْنِيثُ، وَمِنْ ثَمَّ بَدَأَ بِهِ الْحَاوِي فِي الْوُضُوءِ، ثُمَّ ذَكَرَهُ فِي الْغُسْلِ؛ تَنْبِيهًا عَلَى اللُّغَتَيْنِ، وَأَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالْأَفْصَحِ أَوْلَى، وَبِمَا تَقَرَّرَ انْدَفَعَ قَوْلُ السَّائِلِ، وَالْجَمِيعُ صِفَةٌ لِلنِّيَّةِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ: صَرَّحَ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ لَوْ نَزَلَ مَنِيُّهُ لِقَصَبَةِ ذَكَرِهِ فَرَبَطَهُ بِخِرْقَةٍ صَحَّ غُسْلُهُ هَلْ هُوَ مُعْتَمَدٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ بَلْ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ قَطْعًا لِإِطْبَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْغُسْلِ هُوَ خُرُوجُ الْمَنِيِّ، وَهَذَا مُخْرِجٌ لِنُزُولِهِ إلَى قَصَبَةِ الذَّكَرِ مِنْ غَيْرِ خُرُوجٍ وَلَوْ أَحَسَّ مُتَوَضِّئٌ بِبَوْلٍ فِي قَصَبَةِ ذَكَرِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ حِينَئِذٍ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ، وَفِيهِ أَبْلَغُ رَدٍّ أَيْضًا

لِمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - هَلْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَنَوَّرَ أَوْ لَا، كَمَا أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ كَمَا قَالَهُ الْحَافِظُ الْعِمَادُ بْنُ كَثِيرٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا طَلَى بَدَأَ بِعَوْرَتِهِ فَطَلَاهَا وَطَلَى سَائِرَ جَسَدِهِ أَهْلُهُ» . وَفِي رِوَايَةٍ مُرْسَلَةٍ سَنَدُهَا جَيِّدٌ أَيْضًا «أَنَّهُ أَطْلَى وَوَلِيَ عَانَتَهُ بِيَدِهِ» وَفِي أُخْرَى عِنْدَ الْخَرَائِطِيِّ وَابْنِ سُفْيَانَ وَابْنِ عَسَاكِرَ «أَنَّهُ قِيلَ لِثَوْبَانَ مَوْلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَدْخُلُ الْحَمَّامَ، وَأَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْخُلُ الْحَمَّامَ، وَكَانَ يَتَنَوَّرُ» وَفِي أُخْرَى عِنْدَ ابْنِ عَسَاكِرَ عَنْ وَاثِلَةَ «لَمَّا فَتَحَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ أَكَلَ مُتَّكِئًا، وَأَطْلَى وَأَصَابَتْهُ الشَّمْسُ وَلَبِسَ الظُّلَّةَ» ، وَكَانَ الْمُرَادُ بِ " أَصَابَتْهُ " الشَّمْسُ أَنَّهَا أَثَّرَتْ فِيهِ لِكِبَرِ سِنِّهِ أَكْثَرَ مَا كَانَتْ تُؤَثِّرُ فِيهِ قَبْلُ، وَمِنْ ثَمَّ أَعْقَبَهُ بِقَوْلِهِ لَبِسَ الظُّلَّةَ، أَيْ مَا يُجْعَلُ عَلَى الرَّأْسِ مِمَّا لَهُ ظِلٌّ يَقِي الْوَجْهَ وَالْعُنُقَ وَنَحْوَهُمَا عَنْ الشَّمْسِ. وَفِي أُخْرَى مُرْسَلَةٍ رَوَاهَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ «كَانَ إذَا أَطْلَى وَلِيَ عَانَتَهُ بِيَدِهِ» وَفِي أُخْرَى مُرْسَلَةٍ أَيْضًا رَوَاهَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ «أَنَّهُ لَمَّا فَتَحَ خَيْبَرَ أَكَلَ مُتَّكِئًا وَتَنَوَّرَ» وَفِي أُخْرَى مُرْسَلَةٍ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ وَالْبَيْهَقِيِّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى «أَنَّ رَجُلًا نَوَّرَ رَسُولَ اللَّهِ فَلَمَّا بَلَغَ الْعَانَةَ كَفَّ الرَّجُلُ، وَنَوَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفْسَهُ» وَفِي أُخْرَى سَنَدُهَا ضَعِيفٌ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَنَوَّرُ كُلَّ شَهْرٍ وَيُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ كُلَّ خَمْسَ عَشَرَةَ» قِيلَ: وَفِيهَا فَائِدَةٌ نَفِيسَةٌ وَهِيَ ذِكْرُ التَّوْقِيتِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ بَدَنَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي غَايَةِ الِاعْتِدَالِ فَلَا يُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِيمَا صَحَّ أَنَّهُ كَانَ يُوَضِّئُهُ الْمُدُّ وَيُغَسِّلُهُ الصَّاعُ أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِمَنْ بَدَنُهُ كَبَدَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لُيُونَةً وَاعْتِدَالًا وَإِلَّا زِيدَ وَنَقَصَ بِحَسَبِ التَّفَاوُتِ، فَكَذَا هُنَا وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْأَئِمَّةُ فِي حَلْقِ الْعَانَةِ وَالْإِبْطِ وَالْقَلْمِ وَقَصِّ الشَّارِبِ: (أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَقَيَّدُ بِمُدَّةٍ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَبَدَانِ وَالْمَحَالِّ فَيُعْتَبَرُ وَقْتُ الْحَاجَةِ إلَى إزَالَةِ ذَلِكَ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ بِمَا يُنَاسِبُهُ) فَتَأَمَّلْهُ وَمَا قِيلَ: أَنَّهُ يُكْرَهُ التَّنَوُّرُ فِي أَقَلَّ مِنْ شَهْرٍ أَخْذًا مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُرَدُّ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْتَاجُ إلَى نَهْيٍ، فَإِنْ أُرِيدَ بِهَا الْكَرَاهَةُ الْإِرْشَادِيَّةُ لِمَا صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ آثَرَ الْحَلْقَ عَلَى التَّنَوُّرِ، أَيْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ، وَقَالَ: إنَّ التَّنَوُّرَ يُرِقُّ الْجِلْدَ كَانَ صَحِيحًا، وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ الْحَمَّامِيَّ كَانَ يُنَوِّرُهُ فَإِذَا بَلَغَ حِقْوَهُ قَالَ لَهُ اُخْرُجْ، أَيْ وَتَوَلَّى الْعَوْرَةَ بِنَفْسِهِ اقْتِدَاءً بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي أَوَّلِ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ، وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ الْحَدِيثِ الْأَخِيرِ الْمُقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَطْلِ إلَّا عَانَتَهُ فَقَطْ، وَأَنَّهُ مَكَّنَ الرَّجُلَ مِنْ إطْلَاءِ مَا عَدَاهَا مِنْ بَقِيَّةِ الْعَوْرَةِ عَلَى أَنَّهُ مُرْسَلٌ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِلْقَائِلِ بِأَنَّ الْعَوْرَةَ مَا عَدَا السَّوْأَتَيْنِ وَلَا يُعَارِضُ مَا مَرَّ خَبَرُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانُوا لَا يَطْلُونَ» ؛ لِأَنَّهُ نَفْيٌ وَمَا مَرَّ إثْبَاتٌ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّ هَذَا مُرْسَلٌ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، وَوَرَدَ رِوَايَتَانِ أُخْرَيَانِ كَذَلِكَ سَنَدُهُمَا مُنْقَطِعٌ، وَأُخْرَى أَنَّهُ كَانَ لَا يَتَنَوَّرُ فَإِذَا كَبِرَ شَعْرُهُ حَلَقَهُ، وَهِيَ مَوْصُولَةٌ لَكِنَّهَا ضَعِيفَةٌ وَبِتَقْدِيرِ صِحَّةِ ذَلِكَ كَانَ يَتَنَوَّرُ فِي وَقْتٍ وَيَحْلِقُ فِي وَقْتٍ وَجَاءَ فِي رِوَايَاتٍ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَرِهَ التَّنُّورَ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ مِنْ النَّعِيمِ فِي رِوَايَةٍ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا كَرِهَ كَثْرَةَ طِلَاءِ النُّورَةِ، وَجَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَا أَطْلَى نَبِيٌّ قَطُّ، وَمَعْنَاهُ مَا مَالَ نَبِيٌّ إلَى هَوًى لِأَنَّهُ مِنْ أَطْلَى الرَّجُلُ إذَا مَالَتْ عُنُقُهُ لِلْمَوْتِ أَوْ غَيْرِهِ، ثُمَّ اُسْتُعِيرَ لِلْمَيْلِ عَنْ الْحَقِّ وَقَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ: أَصْلُهُ مِنْ مَيْلِ الطِّلَاءِ، وَهِيَ الْأَعْنَاقُ وَاحِدَتُهَا طِلَاءَةٌ يُقَالُ: أَطْلَى الرَّجُلُ إطْلَاءً إذَا مَالَتْ عُنُقُهُ إلَى أَحَدِ الشِّقَّيْنِ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ، وَابْنُ عَدِيٍّ وَالطَّبَرَانِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَوَّلُ مَنْ صُنِعَتْ لَهُ النُّورَةُ وَدَخَلَ الْحَمَّامَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمَا» وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ " أَنَّ بِلْقِيسَ كَانَتْ شَعْرَاءَ فَاسْتَقْبَحَ سُلَيْمَانُ حَلْقَهُ بِالْمُوسَى لِقُبْحِ أَثَرِهِ فَجَعَلَتْ لَهُ الشَّيَاطِينُ النُّورَةَ مِنْ أَصْدَافٍ " وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ قَوْلِ الشَّيْخِ زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتَاوِيهِ: (وَلَا يُسَنُّ الْوُضُوءُ لِلْغُسْلِ الْمَسْنُونِ بَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْوَاجِبِ كَمَا قَيَّدَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ) اهـ كَلَامُهُ.

لَكِنْ ذَكَرَ الْمُزَجَّدُ فِي عُبَابِهِ مَا لَفْظُهُ: (وَصِفَتُهُ يَعْنِي الْغُسْلَ لِلْجُمُعَةِ كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ فَيُتَوَضَّأُ قَبْلَهُ اهـ. وَغَيْرُ خَافٍ عَلَى سَيِّدِي تَدَافُعُ الْكَلَامَيْنِ فَمَا الْمُعْتَمَدُ مِنْ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مَذْكُورٌ فِي شَرْحِي لِلْعُبَابِ وَعِبَارَتُهُ (هَذَا وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْوُضُوءَ إنَّمَا يَكُونُ سُنَّةً فِي الْغُسْلِ الْوَاجِبِ، وَبِهِ صَرَّحَ أَبُو زُرْعَةَ وَغَيْرُهُ تَبَعًا لِلْمَحَامِلِيِّ، وَقَدْ يَقْتَضِيه قَوْلُ الرَّافِعِيِّ، وَإِنَّمَا بَعْدَ الْوُضُوءِ مِنْ مَنْدُوبَاتِ الْغُسْلِ إذَا كَانَ جُنُبًا غَيْرَ مُحْدِثٍ أَوْ قُلْنَا بِالِانْدِرَاجِ وَإِلَّا فَلَا، وَعَلَى هَذَا يَحْتَاجُ إلَى إفْرَادِهِ بِنِيَّةٍ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَعَلَى الْأَصَحِّ لَا ا. هـ. فَقَوْلُهُ وَإِلَّا يَشْمَلُ غَيْرَ الْجُنُبِ أَصْلًا، وَلَوْ قِيلَ بِنَدْبِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ السُّنَنِ الَّتِي ذَكَرُوهَا هُنَا فِي الْغُسْلِ الْمَسْنُونِ أَيْضًا لَمْ يَبْعُدْ، بَلْ قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ الْمَذْكُورِ أَنَّ وَجْهَ تَخْصِيصِ الْوَاجِبِ بِالذِّكْرِ الِاكْتِفَاءُ بِنِيَّتِهِ عَنْ نِيَّةِ الْوُضُوءِ بِخِلَافِ نِيَّةِ الْغُسْلِ الْمَسْنُونِ فَإِنَّهَا لَا تَكْفِي عَنْ نِيَّةِ الْوُضُوءِ فَهُوَ أَعْنِي الْوُضُوءَ إنْ قِيلَ: بِنَدْبِهِ يَكُونُ مَنْدُوبًا عِنْدَ الْغُسْلِ الْمَسْنُونِ لَا فِيهِ إذْ لَا يُكْتَفَى بِنِيَّتِهِ عَنْهُ ثُمَّ رَأَيْت الْمُصَنِّفَ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ جَزَمَ بِهَذَا الِاحْتِمَالِ) انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَبِهَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَأَنَّ مُرَادَ مَنْ قَالَ بِنَدْبِهِ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ عِنْدَ الْغُسْلِ، وَمَنْ قَالَ بِعَدَمِهِ عَدَمُ نَدْبِهِ فِي الْغُسْلِ. فَتَأَمَّلْهُ يَظْهَرُ لَك أَنَّهُ لَا تَدَافُعَ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ أَصْلًا وَلِمَا ذَكَرْت فِي شَرْحِ الْعُبَابِ قَوْلُهُ فَيُتَوَضَّأُ قَبْلَهُ قُلْت عَقِبَهُ: نَدْبًا بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْته فِي بَابِ الْغُسْلِ مِنْ نَدْبِ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْغُسْلِ الْمَسْنُونِ وَعَلَيْهِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ النِّيَّةِ اهـ. فَأَشَرْت هُنَا أَيْضًا إلَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَاذَا يَنْوِي الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ إذَا تَوَضَّأَ لِلْوَطْءِ وَالطُّعْمِ هَلْ يَنْوِي سُنَّةَ الْغُسْلِ أَوْ رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِهِمْ بِتَقْلِيلِ الْحَدَثِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنَّهُ لَا يَنْوِي شَيْئًا مِمَّا ذَكَرَهُ السَّائِلُ وَإِنَّمَا يَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِي لِلْعُبَابِ (وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ تَخْفِيفُ الْحَدَثِ غَالِبًا وَالتَّنْظِيفُ إذْ الْأَصَحُّ أَنَّ الْوُضُوءَ يُؤَثِّرُ فِي حَدَثِ الْجُنُبِ وَيُزِيلُهُ عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ خِلَافًا لِقَوْلِ الْإِمَامِ لَا يَرْتَفِعُ شَيْءٌ مِنْ الْحَدَثِ حَتَّى تَكْمُلَ الطَّهَارَةُ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، وَضَمِيرُ يُزِيلُهُ لِلْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، فَعَلَيْهِ لَا إشْكَالَ وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ فِي قَوْلِ الْقَاضِي وَابْنِ الصَّبَّاغِ: (وُضُوءُ الْجُنُبِ يُزِيلُ الْجَنَابَةَ عَنْ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ وَأَطْلَقَ أَوْ يُؤَوَّلُ عَلَى أَنَّهُ يَصْلُحُ لِإِزَالَتِهَا عَنْ غَالِبِ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ فِيمَا إذَا ظَنَّ حَدَثَهُ الْأَصْغَرَ فَنَوَاهُ. وَقِيلَ الْحِكْمَةُ لَعَلَّهُ يَنْشَطُ لِلْغُسْلِ ثُمَّ مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرُوهُ الْوُضُوءُ الشَّرْعِيُّ هُوَ مَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ بَعْضُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ غَسْلُ الْيَدَيْنِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ مُفَسَّرًا بِهِ فِي خَبَرِ الْبَيْهَقِيّ وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ هُوَ فِي الْعَوْدِ لِلْوَطْءِ غَسْلُ فَرْجِهِ لِرِوَايَةٍ بِهِ، قِيلَ: وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَيَرُدُّهُ خَبَرُ مُسْلِمٍ «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا وُضُوءً» فَأُكِّدَ بِالْمَصْدَرِ؛ دَفْعًا لِإِرَادَةِ الْمَجَازِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ. وَبِتَأَمُّلِ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ وَاسْتِشْكَالِ مَا بَعْدَهُ مَعَ الْجَوَابِ عَنْهُ يَتَّضِحُ انْدِفَاعُ قَوْلِ السَّائِلِ: أَوْ رَفْعُ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ. .. إلَخْ. وَمُرَادُهُمْ بِتَقْلِيلِ الْحَدَثِ تَقْلِيلُهُ بِرَفْعِ الْأَصْغَرِ، فَإِنْ قُلْت: هَذَا ظَاهِرٌ إنْ كَانَ عَلَيْهِ أَصْغَرُ أَمَّا إذَا تَجَرَّدَتْ جَنَابَتُهُ عَنْهُ فَتَبْقَى نِيَّةُ رَفْعِ الْأَكْبَرِ إذْ التَّقْلِيلُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِذَلِكَ قُلْت: الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَعَلَيْهِ قَدْ يُحْمَلُ قَوْلُ السَّائِلِ: أَوْ رَفْعُ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ. .. إلَخْ. فَإِنْ قُلْت: هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ يَنْوِي بِالْوُضُوءِ هُنَا سُنَّةَ الْوُضُوءِ كَمَا فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ؟ قُلْت: يُمْكِنُ ذَلِكَ لَوْلَا قَوْلُهُمْ: الْقَصْدُ مِنْ هَذَا الْوُضُوءِ تَقْلِيلُ الْحَدَثِ، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يَنْوِي الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا فَالْأَكْبَرُ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَالْوُضُوءِ وَالْمُقَدِّمَةِ لِلْغُسْلِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ الْقَصْدَ بِهَذَا شَيْئَانِ: الْخُرُوجُ مِنْ خِلَافِ مَنْ مَنَعَ الِانْدِرَاجَ وَزِيَادَةَ النَّظَافَةِ لِيَكُونَ مُقَدِّمَةً لِلْغُسْلِ فَإِذَا فَاتَ الْأَوَّلُ بَقِيَ الثَّانِي وَكَفَتْ فِيهِ نِيَّةُ السُّنَّةِ، وَأَمَّا ذَاكَ فَالْقَصْدُ بِهِ تَخْفِيفُ الْحَدَثِ فَحَيْثُ أَمْكَنَتْ نِيَّتُهُ لَمْ يَنْوِ غَيْرَهُ وَإِذَا تَعَيَّنَ فِي الْوُضُوءِ الْمَسْنُونِ لِنَحْوِ الْقِرَاءَةِ وَالْمُجَدَّدِ نِيَّةً مِمَّا يُجْزِئُ فِي الْأَصْلِ فَأَوْلَى هَذَا عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ فِي الْوُضُوءِ الْمُقَدَّمَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ لِإِجْزَاءِ نِيَّةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ عَنْهُ كَمَا

باب مسح الخفين

تَحَقَّقَ فِي مَحَلِّهِ، وَالنِّيَّةُ فِي الْوُضُوءِ لِنَحْوِ الْأَكْلِ وَاجِبَةٌ فَلَا تُقَاسُ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى، وَحِينَئِذٍ اتَّجَهَ مَا ذَكَرْته وَانْدَفَعَ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ الْقِيَاسِ السَّابِقِ فَتَأَمَّلْهُ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - عَنْ رَجُلٍ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فِي صَلَاتِهِ مَا صُورَتُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: هُوَ فَاقِدُ الطَّهُورَيْنِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ قِرَاءَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الْفَاتِحَةِ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَنْ الْكَافِرَةِ الْمُمْتَنِعَةِ، هَلْ يَجِبُ عَلَى مُغَسِّلِهَا النِّيَّةُ كَالْمُسْلِمَةِ الْمُمْتَنِعَةِ أَوْ لَا؟ وَيُفَرِّقُ، وَقَدْ نُقِلَ تَرْجِيحُ عَدَمِ الْوُجُوبِ عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَعِبَارَةُ التَّكْمِلَةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ (أَمَّا إذَا امْتَنَعَتْ فَيُغَسِّلُهَا الزَّوْجُ وَيَسْتَبِيحُهَا، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ نِيَّةٌ لِلضَّرُورَةِ وَقِيلَ: يَنْوِي عَنْهَا وَهُوَ ضَعِيفٌ كَذَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ كَلَامُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي مَسْأَلَةِ نِيَّةِ الْكَافِرَةِ مُتَنَاقِضٌ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ وَيُعْتَبَرُ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَحَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي (نِيَّةُ الْكَافِرَةِ اسْتِبَاحَةُ التَّمَتُّعِ، وَالْأَوْلَى نِيَّتُهَا لِإِيهَامِهِ عَدَمَ اشْتِرَاطِ كَوْنِهَا كِتَابِيَّةً، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ فِي بَحْثِ الْمُسْتَعْمَلِ وَمَا فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ الْمَجْمُوعِ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ نِيَّتِهَا مَحْمُولٌ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا فِي مَوَانِعِ النِّكَاحِ عَلَى الْمُمْتَنِعَةِ الْمُغْتَسِلَةِ بِإِجْبَارِ الْحَلِيلِ، وَنِيَّةِ غَاسِلِ الْمَجْنُونَةِ وَغَاسِلِ الْمُمْتَنِعَةِ، وَلَا فَرْقَ فِيهِمَا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ كَالْمَجْمُوعِ بَيْنَ الْمُسْلِمَةِ وَغَيْرِهَا. وَفِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْقَاضِي يَنْوِي الزَّوْجُ عَنْهَا كَمَا يَنْوِي عَنْ الْمَجْنُونَةِ اهـ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمَجْنُونَةَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهَا قَصْدٌ مُقَوِّمٌ لِفِعْلِهَا، وَالْكَافِرُ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ ذَلِكَ بَلْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ النِّيَّةُ بَلْ تَلْزَمُهُ فِيمَا إذَا ظَاهَرَ، وَأَرَادَ الْإِعْتَاقَ يُرَدُّ بِأَنَّهُمْ لَوْ نَظَرُوا لِذَلِكَ أَوْجَبُوا عَلَى حَلِيلِ الْمُسْلِمَةِ الْمُمْتَنِعَةِ النِّيَّةَ عَلَى أَنَّ الِامْتِنَاعَ صَيَّرَهَا كَالْمَجْنُونَةِ، وَتَصَوُّرُ النِّيَّةِ مِنْهَا إنَّمَا هُوَ بِتَقْدِيرِ زَوَالِ الِامْتِنَاعِ، وَحِينَئِذٍ الْمَجْنُونَةُ كَذَلِكَ تُتَصَوَّرُ النِّيَّةُ مِنْهَا بِتَقْدِيرِ زَوَالِ الْجُنُونِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا انْتَهَتْ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - هَلْ الْمَدَارِسُ تُسَمَّى مَسَاجِدَ فَتَكُونُ لَهَا تَحِيَّةٌ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْمَدْرَسَةُ غَيْرُ الْمَسْجِدِ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ وَاقِفَهَا جَعَلَهَا مَسْجِدًا، فَتَصِيرُ مَدْرَسَةً وَمَسْجِدًا حِينَئِذٍ فَيَثْبُتُ لَهَا أَحْكَامُهُ مِنْ التَّحِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَأَمَّا إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ وَقَفَهَا مَسْجِدًا فَلَا يَثْبُتُ لَهَا مِنْ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ شَيْءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ] (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَعْرَبَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ الْمِنْهَاجِ: (سَاتِرَ) مَحَلِّ فَرْضِهِ وَمَا بَعْدَهُ أَحْوَالًا مَنْ ضَمِيرِ يَلْبَسُ هَلْ يَصِحُّ وَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ قَوْلَهُ: بَعْدَ كَمَالِ طُهْرٍ كَذَلِكَ هَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْأَوَّلَ صَحِيحٌ، وَالثَّانِي مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ ظَرْفٌ لِيَلْبَسَ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَصْفًا لِلْخُفِّ، فَلَمْ يَصِحَّ جَعْلُهُ حَالًا مِنْ ضَمِيرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ التَّيَمُّمِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ شَخْصٍ تَيَمَّمَ وَعَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ مَعْفُوٌّ عَنْهَا كَأَنْ اسْتَنْجَى بِالْقَلْعِ بِالْحِجَارَةِ مَثَلًا بِشُرُوطِهِ، وَكَانَ التَّيَمُّمُ وَالْقَلْعُ فِي مَكَان الْغَالِبُ فِيهِ عَدَمُ الْمَاءِ فَهَلْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا صَلَّاهُ بِالتَّيَمُّمِ إذَا كَانَ الْمُتَيَمِّمُ إنَّمَا اسْتَنْجَى بِالْقَلْعِ لِأَنَّ شَرْطَ التَّيَمُّمِ طَهَارَةُ الْبَدَنِ. وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ سَوَاءٌ فِي الطَّهَارَةِ مَحَلِّ النَّجْوِ وَغَيْرِهِ، وَصَرَّحَ بِهِ شَارِحُ الْإِرْشَادِ فِي شَرْحِهِ الْمُسَمَّى بِالْإِمْدَادِ الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّصْحِيحِ عَلَى الْإِسْعَادِ، وَكَذَا صَنَعَ فِي كِتَابِهِ الْمَنْهَجِ الْقَوِيمِ بِشَرْحِ مَسَائِلِ التَّعْلِيمِ، لَكِنْ هَلْ الْمُرَادُ بِذَلِكَ حَيْثُ كَانَ ذَلِكَ فِي مَكَان الْغَالِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ؛ لِأَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ إنَّمَا هِيَ شَرْطٌ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ، فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا صَلَّاهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِفَقْدِ الطَّهَارَةِ الْمَشْرُوطَةِ أَوْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءٌ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْقَلْعُ وَالتَّيَمُّمُ بِمَكَانٍ الْغَالِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ أَوْ عَدَمِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمِنْهَاجِ فِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ حَيْثُ قَالَ: (وَيُعْفَى عَنْ مَحَلِّ اسْتِجْمَارِهِ) ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِمُتَوَضِّئٍ وَلَا مُتَيَمِّمٍ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَصَرَّحَ بِذَلِكَ النَّاشِرِيُّ فِي إيضَاحِهِ فَقَالَ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُتَوَضِّئُ وَالْمُتَيَمِّمُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُتَوَضِّئِ. وَأَمَّا الْمُتَيَمِّمُ فَقَدْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الْحَدَثُ وَالنَّجَسُ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: الْمُعْتَمَدُ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ أَنَّ مَنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ حَدَثٌ وَنَجَاسَةٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهَا، وَوَجَدَ مَا يَكْفِي أَحَدَهُمَا فَقَطْ تَعَيَّنَ الْمَاءُ لِلنَّجَاسَةِ الَّتِي بِمَحَلِّ النَّجْوِ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ لِلزَّرْكَشِيِّ، وَأَطَالَ فِيهِ بِمَا لَا يَصِحُّ

هَذَا إذَا كَانَ مُسَافِرًا، أَيْ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ فَقْدُ الْمَاءِ أَمَّا الْحَاضِرُ، أَيْ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ فَلَا يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ لِخُبْثِهِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْإِعَادَةِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، وَالْمُعْتَمَدُ أَيْضًا أَنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُ غَسْلِهَا عَلَى التَّيَمُّمِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ؛ لِأَنَّهُ لِلْإِبَاحَةِ وَلَا إبَاحَةَ مَعَ الْمَانِعِ فَأَشْبَهَ التَّيَمُّمَ قَبْلَ الْوَقْتِ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ هُنَا بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْحَاضِرِ وَإِنْ لَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ بِكُلِّ تَقْدِيرٍ، وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِيمَا مَرَّ لِأَنَّ مُوجِبَ التَّعْيِينِ ثَمَّ عَدِمُ الْإِعَادَةِ، وَهُمَا يَفْتَرِقَانِ فِيهَا وَالْمَلْحَظُ هُنَا أَنَّهُ لَا إبَاحَةَ مَعَ الْمَانِعِ وَهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي ذَلِكَ. وَصَوَّبَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِي لِإِزَالَةِ الْخَبَثِ فَقَطْ، قَالَ: وَيُتَصَوَّرُ أَيْضًا فِيمَنْ تَيَمَّمَ لِنَحْوِ مَرَضٍ بِحَيْثُ لَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِي الْحَدَثِ وَيَجِبُ فِي الْخَبَثِ لِقِلَّتِهِ. اهـ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَصَوَّرَ أَيْضًا فِيمَنْ تَيَمَّمَ لِنَحْوِ مَرَضٍ، وَمَعَهُ مَاءٌ يَكْفِي لِإِزَالَةِ الْخَبَثِ وَبَعْضِ الْحَدَثِ، وَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ جَمْعٍ مُتَقَدِّمِينَ أَنَّ مَحَلَّ بُطْلَانِ تَيَمُّمِ مَنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ إذَا كَانَ مَعَهُ مَاءٌ يَكْفِيهَا أَمَّا لَوْ عَدِمَ الْمَاءَ فَتَيَمَّمَ، وَلَوْ مَعَ وُجُودِهَا صَحَّ قَالُوا لِأَنَّا لَوْ لَمْ نُصَحِّحْ تَيَمُّمَهُ لَعَجَزَ عَنْ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ نَجَاسَةَ الْبَدَنِ لَا تُزَالُ إلَّا بِالْمَاءِ اهـ. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي مَقَامَيْنِ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَاءٌ صَحَّ تَيَمُّمُهُ مَعَ وُجُودِ النَّجَاسَةِ مُطْلَقًا ثُمَّ إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهَا لَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَتْ مَعْفُوًّا عَنْهَا كَاَلَّتِي بِمَحَلِّ النَّجْوِ بِشُرُوطِهِ، فَإِنْ كَانَ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ فَقْدُ الْمَاءِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ وَإِلَّا لَزِمَتْهُ؛ لِأَنَّ وُجُودَ مَاءٍ بِمَحَلِّ النَّجْوِ حِينَئِذٍ كَعَدَمِهِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ فَإِنْ غَسَلَ بِهِ النَّجَاسَةَ ثُمَّ تَيَمَّمَ صَحَّ تَيَمُّمُهُ مُطْلَقًا ثُمَّ إنْ كَانَ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ الْفَقْدُ فَلَا إعَادَةَ وَإِلَّا فَالْإِعَادَةُ، وَإِنْ تَيَمَّمَ ثُمَّ غَسَلَ النَّجَاسَةَ بَطَل تَيَمُّمُهُ فَيَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ مُطْلَقًا، فَإِنْ أَعَادَ التَّيَمُّمَ بَعْدَ غَسْلِهَا تَأَتَّى فِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَمَّنْ خَشِيَ مِنْ الْغُسْلِ فِي الْبَحْرِ الْمِلْحِ الْقَمْلَ أَوْ كَثْرَتَهُ، فَهَلْ يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ إنْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ عَارِفٌ ثِقَةٌ، أَوْ اطَّرَدَتْ الْعَادَةُ بِهِ أَوْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ كَلَامٍ ذَكَرُوهُ فِي التَّيَمُّمِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ خَافَ زِيَادَةَ الْأَلَمِ أُبِيحَ لَهُ التَّيَمُّمُ. وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي الْقَمْلِ أَلَمًا يُسَاوِي زِيَادَةَ أَلَمِ الْمَرَضِ بَلْ يَزِيدُ، وَقِيَاسًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ اللِّبَاسِ مِنْ أَنَّهُ يُبَاحُ الْحَرِيرُ لِحَكَّةٍ وَقَمْلٍ وَجَرَبٍ، وَالْجَامِعُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ كُلًّا مِنْ التَّيَمُّمِ وَلُبْسِ الْحَرِيرِ لِلرَّجُلِ إنَّمَا يَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ، وَعَدُّوا مِنْهَا فِي كُلِّ بَابٍ أَسْبَابًا يَتَّحِدَانِ فِي أَكْثَرِهَا فَلْيَتَّحِدَا فِي الْبَاقِي، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ بِأَنَّ الضَّرَرَ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ أَخَفُّ وَمِنْ ثَمَّ أُبِيحَ لِلنِّسَاءِ مُطْلَقًا وَبِأَنَّ التَّيَمُّمَ عِبَادَةٌ وَوَسِيلَةٌ إلَى الصَّلَاةِ فَلْيَحْتَطْ لَهَا أَكْثَرَ وَبِأَنَّ الطُّهْرَ بِالْمَاءِ وَاجِبٌ إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ السَّبَبُ الْمُسْقِطُ لَهُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ قَوْلُهُمْ فِي التَّيَمُّمِ: لَوْ خَشِيَ التَّأَلُّمَ فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْشَى مَرَضًا لَا يُخْشَى مِنْهُ مَا ذَكَرُوهُ لَمْ يُبَحْ لَهُ التَّيَمُّمُ، فَعُمُومُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ بِخَشْيَةِ حُدُوثِ الْقَمْلِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ بِالرُّخَصِ وَتَخْفِيفَاتِ الشَّرْعِ أَشْبَهُ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ مَعَهُ مَاءٌ لَكِنَّهُ يَخْشَى الْعَطَشَ فِي الْمَآلِ، وَهُنَاكَ عَطْشَانُ فِي الْحَالِ فَهَلْ يَجِبْ عَلَيْهِ بَذْلُهُ لَهُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: ذَكَرَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي الْمُقَدَّمِ مِنْهُمَا وَجْهَيْنِ وَلَمْ أَرَ مَنْ رَجَّحَ مِنْهُمَا شَيْئًا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْعَطْشَانُ فِي الْحَالِ إذَا خَشِيَ مِنْ الْعَطَشِ الْهَلَاكَ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ مُهْجَتِهِ مُحَقَّقٌ بِخِلَافِ الْمَالِكِ فَإِنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ لَهُ مَاءٌ فَإِنْ كَانَ بِبَرِّيَّةٍ أَيِسَ فِيهَا مِنْ حُصُولِ مَاءٍ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْهَلَاكُ لَوْ بَذَلَ مَا مَعَهُ فَلِلنَّظَرِ فِي ذَلِكَ مَجَالٌ، وَعَدَمُ وُجُوبِ الْبَذْلِ حِينَئِذٍ أَقْرَبُ وَكَذَا لَوْ خَشِيَ الْعَطْشَانُ مِنْ الْعَطَشِ فِي الْحَالِ إتْلَافَ عُضْوٍ أَوْ حُدُوثَ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ، وَخَشِيَ الْمَالِكُ مِنْ الْعَطَشِ فِي الْمَآلِ إتْلَافَ النَّفْسِ، فَلَا يَجِبُ الْبَذْلُ أَيْضًا عَلَى الْأَقْرَبِ فَإِنْ قُلْت: هَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَ غَيْرُ الْوَجْهَيْنِ الْمُطْلَقَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْمَجْمُوعِ قُلْت: لَا يَضُرُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ غَيْرَهُمَا، بَلْ هُوَ تَرْجِيحٌ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَرْطٍ لَمْ يَذْكُرْهُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِعَدَمِ تَعَرُّضِهِ لِلتَّرْجِيحِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ فِي التَّيَمُّمِ، وَبِرَمْلٍ فِيهِ غُبَارٌ هَلْ الْمُرَادُ بِغُبَارِ الرَّمْلِ مَا يَحْصُلُ مِنْ التُّرَابِ لَا مَا خُلِقَ

مِنْ نَفْسِ الرَّمْلِ بِدَلِيلِ مَا قَدْ يُوهِمُ ذَلِكَ مَنْ قَوْلِ الْمَنْهَجِ يَتَيَمَّمُ بِتُرَابٍ وَلَوْ بِرَمْلٍ، أَوْ الْمُرَادُ أَعَمُّ. وَإِنَّمَا عَبَّرَ الْمَنْهَجُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْغُبَارَ الْمَخْلُوقَ مِنْ نَفْسِ الرَّمْلِ يُسَمَّى تُرَابًا وَإِلَّا لَكَانَ قَوْلُ الشَّارِحِ الْمَحَلِّيّ بَعْدَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ وَكَانَ فِي مَعْنَى التُّرَابِ ضَائِعًا (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَدْ صَرَّحَ الْوَلِيُّ أَبُو زُرْعَةَ بِأَنَّ غُبَارَ الرَّمْلِ لَا يُسَمَّى تُرَابًا. وَعِبَارَةُ الْحَاوِي كَالرَّوْضِ وَالْإِرْشَادِ وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ أَنَّهُ يُسَمِّيهِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُ شَارِحِي الْإِرْشَادِ: مَثَّلَ بِغُبَارِ الرَّمْلِ لِيُفِيدَ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ التُّرَابِ أَوْ مِنْ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَنْظِيرًا لِمَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ مِنْ غَيْرِ التُّرَابِ بِالتُّرَابِ، وَقَدْ يُحْمَلُ كَلَامُ أَبِي زُرْعَةَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَمِّيهِ حَقِيقَةً، وَكَلَامُ غَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ يُسَمِّيهِ مَجَازًا، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ عِبَارَةُ شَرْحِ الْإِرْشَادِ الْمَذْكُورَةِ حَيْثُ جَوَّزَ أَنْ يَكُونَ تَمْثِيلًا وَأَنْ يَكُونَ تَنْظِيرًا، نَعَمْ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ: الرَّمْلُ ضَرْبَانِ: مَا لَهُ غُبَارٌ، فَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ التُّرَابِ. وَمَا لَا غُبَارَ لَهُ فَلَا، لِعَدَمِ الْغُبَارِ لَا لِخُرُوجِهِ عَنْ اسْمِ التُّرَابِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُسَمَّى تُرَابًا حَقِيقَةً إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ مَا ذَكَرَ، وَبِتَأَمُّلِ مَا تَقَرَّرَ اتَّضَحَ كَلَامُ الْمَنْهَجِ مَعَ كَلَامِ الشَّارِحِ الْمُحَقِّقِ أَعْنِي الْجَلَالَ الْمَحَلِّيَّ، وَأَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا لِصِحَّةِ التَّيَمُّمِ بِهِ سَوَاءٌ أَقُلْنَا إنَّهُ تُرَابٌ حَقِيقَةً أَمْ مَجَازًا. وَقَوْلُ الْغَزِّيِّ: لَوْ سُحِقَ رَمْلٌ وَصَارَ لَهُ غُبَارٌ صَحَّ التَّيَمُّمُ بِهِ بِخِلَافِ الْحَجَرِ الْمَسْحُوقِ يَرُدُّهُ قَوْلُهُمْ: لَا يَصِحُّ بِالرَّمْلِ النَّاعِمِ لِأَنَّهُ حَصًى مُتَصَاغِرَةٌ جِدًّا كَالْحِجَارَةِ الْمَدْقُوقَةِ فَإِنْ قُلْت: أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الْمَدْقُوقِ وَالْغُبَارِ وَإِنْ تَحَقَّقْنَا أَنَّهُ مِنْ الرَّمْلِ قُلْت: الْفَرْقُ أَنَّ الْغُبَارَ لَيْسَ حَصًى مُتَصَاغِرَةً وَلَا قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يَنْفَصِلُ عَنْ تِلْكَ الْحَصَى بِوَاسِطَةِ الْتِصَاقِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ أَوْ بِنَحْوِ ذَلِكَ فَفِيهِ مَعْنَى غُبَارِ التُّرَابِ الْحَقِيقِيِّ بِخِلَافِ الرَّمْلِ الْمَدْقُوقِ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بِالدَّقِّ، وَإِنْ بُولِغَ فِيهِ عَنْ كَوْنِهِ حَصًى مُتَصَاغِرَةً جِدًّا، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَعْنَى غُبَارِ التُّرَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَنْ الْفَقْدِ الشَّرْعِيِّ، هَلْ يَكُونُ كَالْفَقْدِ الْحِسِّيِّ فِيمَا إذَا حَمَلَ الْمُسَافِرُونَ مَا لَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ فِي الْحَالِ وَيَحْتَاجُونَ إلَيْهِ فِي الْمَآلِ حَتَّى لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ تَيَمُّمِهِمْ تَقَدُّمُ طَلَبٍ لِلْمَاءِ، أَوْ يُقَالُ شَرْطُ الْفَقْدِ الْحِسِّيِّ أَنْ يَعْلَمَ أَنْ لَا ثَمَّ مَاءٌ، فَمَتَى حَصَلَ لَهُمْ عِلْمٌ بِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَزِيدُ عَلَى حَاجَتِهِمْ لِلشُّرْبِ وَنَحْوِهِ اسْتَوَى الْفِقْدَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَقِيَ مَعَهُ تَرَدُّدٌ فِي أَنَّهُ هَلْ يَزِيدُ عَلَى الْحَاجَةِ أَمْ لَا وَمَا الْحُكْمُ فِيهَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ وَاحْتَاجَهُ لِعَطَشِ مُحْتَرَمٍ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ كَرُفْقَتِهِ وَلَوْ مَآلًا تَيَمَّمَ وَإِنْ ظَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ فِي الْمَآلِ دَفْعًا لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّرَرِ النَّاجِزِ أَوْ الْمُتَوَقَّعِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: (وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالرَّفِيقِ الْمُخَالِطِ خَاصَّةً بَلْ لَوْ عَلِمَ فِي الْقَافِلَةِ مَنْ يَحْتَاجُهُ لِعَطَشِهِ حَالًا أَوْ مَآلًا لَزِمَهُ التَّيَمُّمُ وَصَرْفُ الْمَاءِ إلَيْهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ) اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ التَّرَدُّدُ لَهُ إنْ أَمْكَنَهُ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهُ حَيْثُ عَلِمَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ احْتِيَاجُ أَحَدٍ مِنْ الْقَافِلَةِ إلَيْهِ مَآلًا لَزِمَهُ التَّزَوُّدُ لَهُ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا وَلَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ الطَّلَبُ إلَّا إذَا تَوَهَّمَ مَاءً فِي حَدِّ الْقُرْبِ أَوْ الْغَوْثِ بِشَرْطِهِ زَائِدًا عَلَى مَا يَحْتَاجُهُ النَّاسُ أَوْ دَوَابُّهُمْ لِشُرْبِهِ، وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَبٌ؛ لِأَنَّهُ عَبَثٌ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ مَعَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ حَالًا أَوْ مَآلًا كَفَقْدِهِ الْحِسِّيِّ، وَأَنَّهُ مَتَى عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى حَاجَتِهِمْ كَانَ كَفَقْدِهِ فَلَا يَجِبُ طَلَبُهُ، بَلْ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مِنْ تُرَابِ أَرْضِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؟ وَمَنْ عَلَيْهِ نَجَسٌ، وَلَمْ يَجِدْ مَاءً هَلْ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي؟ وَإِذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ نَجَسٌ وَلَمْ يُوجَدْ مَاءٌ هَلْ يَتَيَمَّمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مِنْ تُرَابِ أَرْضِ الْغَيْرِ الَّذِي لَا يَظُنُّ رِضَاهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَنَظِيرُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَتْرِيبُ الْكِتَابِ مِنْ أَرْضِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَمَنْ عَلَيْهِ نَجَسٌ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً يَلْزَمُهُ التَّيَمُّمُ، وَالصَّلَاةُ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ ثُمَّ الْقَضَاءُ، وَكَذَا يَجِبُ أَنْ يُيَمَّمَ الْمَيِّتُ الَّذِي عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ وَلَمْ يُوجَدْ مَاءٌ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ الْمُتَيَمِّمِ إذَا فَرَّقَ نِيَّةَ التَّيَمُّمِ عَلَى أَعْضَائِهِ هَلْ تُجْزِئُهُ تِلْكَ النِّيَّةُ مُفَرَّقَةً قِيَاسًا عَلَى تَفْرِيقِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يَتَأَتَّى تَفْرِيقُ النِّيَّةِ فِي التَّيَمُّمِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرِهِ: التَّفْرِيقُ فِي الْوُضُوءِ إنَّمَا يَتَأَتَّى عِنْدَ نِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ، أَيْ وَالطَّهَارَةِ عَنْهُ لِأَنَّ التَّجَزِّي إنَّمَا

يَظْهَرُ فِي هَاتَيْنِ بِخِلَافِ نَحْوِ نِيَّةِ التَّيَمُّمِ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهَا تَجَزٍّ فَهَذَا صَرِيحٌ وَاضِحٌ فِي أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ تَفْرِيقٌ؛ لِامْتِنَاعِ نِيَّةِ الْحَدَثِ وَالطَّهَارَةِ فِيهِ إذْ لَيْسَ فِيهِ رَفْعُ حَدَثٍ حَتَّى تُفَرَّقَ فِيهِ نِيَّةُ الِاسْتِبَاحَةِ وَهِيَ لَا تَقْبَلُ التَّفْرِيقَ إذْ لَا تُوجَدُ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ التَّيَمُّمِ، وَأَمَّا رَفْعُ الْحَدَثِ فِي الْوُضُوءِ، فَإِنَّهُ يُوجَدُ عَقِبِ فَرَاغِ كُلِّ عُضْوٍ فَجَازَ تَفْرِيقُ نِيَّتِهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مِنْ تُرَابِ أَرْضِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يَجُوزُ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً، وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ هَلْ يَتَيَمَّمُ أَمْ يُصَلِّي بِغَيْرِ تَيَمُّمٍ وَإِذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ هَلْ يُيَمَّمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يَتَيَمَّمُ فِي الْأُولَى وُجُوبًا، وَقَوْلُهُمْ: لَا يَتَيَمَّمْ مَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ قَبْلَ إزَالَتِهَا فَرَضُوهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ مَاءٌ يُرِيدُ غَسْلَهَا بِهِ وَلَا يُيَمَّمُ الْمَيِّتُ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ عَنْهُ لَيْسَتْ شَرْطًا لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ لِلتَّيَمُّمِ عَنْهَا بِخِلَافِ الْحَيِّ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يَكْفِي مَنْ عَلَيْهِ جَنَابَةٌ وَحَدَثٌ أَصْغَرُ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ كَمَا يَكْفِيه غُسْلٌ أَمْ لَا لِضَعْفِ اسْتِبَاحَةِ التَّيَمُّمِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يَكْفِيه لَهُمَا تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ وَهَذَا وَاضِحٌ جَلِيٌّ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِيهِ أَنَّ خِلَافَ انْدِرَاجِ الْوُضُوءِ فِي الْغُسْلِ هَلْ يَجْرِي هُنَا بِجَامِعِ أَنَّهُمَا طَهَارَتَانِ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ حَصَّلَهُمَا فِعْلٌ وَاحِدٌ أَوْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ مُخْتَلِفَا الِاسْمِ وَالْحَقِيقَةِ؟ فَجَرَى الْخِلَافُ حِينَئِذٍ فِي الِانْدِرَاجِ لِأَنَّ مَنْ نَظَرَ إلَى ذَلِكَ الِاخْتِلَافِ يَمْنَعُ الِانْدِرَاجَ، وَمَنْ يَرَى أَنَّ الْغُسْلَ يُحَصِّلُ مَقْصُودَ الْوُضُوءِ وَزِيَادَةً يُجَوِّزُهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ مَبْنَى الطِّهَارَاتِ عَلَى التَّدَاخُلِ وَلِأَنَّ الْمَدَارَ فِيهَا عَلَى تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ وَلَوْ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ. وَأَمَّا التَّيَمُّمُ الَّذِي عَنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ، وَالتَّيَمُّمُ الَّذِي عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ فَحَقِيقَتُهُمَا وَمَعْنَاهُمَا وَصُورَتُهُمَا وَالْمَقْصُودُ مِنْهُمَا وَاحِدٌ فَلَا يُتَخَيَّلُ حِينَئِذٍ مَعَ الِانْدِرَاجِ إذْ لَا وَجْهَ لَهُ هُنَا، وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى الْأَمْرِ بِتَيَمُّمَيْنِ مُتَوَالِيَيْنِ حَتَّى يَسْتَبِيحَ مَا تَيَمَّمَ لَهُ مَا يُشْبِهُ الْعَبَثَ لِأَنَّهُ إذَا تَيَمَّمَ أَوَّلًا لِاسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ اسْتَبَاحَهَا بِهِ، فَإِيجَابُ الثَّانِي عَبَثٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ عَدَمَ الِانْدِرَاجِ هُنَا إنَّمَا يُتَصَوَّرُ تَخَيُّلُهُ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ أَنَّهُ يَكْفِي نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ أَمَّا عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الِاسْتِبَاحَةِ سَوَاءٌ كَانَ مُحْدِثًا أَمْ جُنُبًا فَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ نَوَى الِاسْتِبَاحَةَ عِنْدَ حَدَثِ الْجَنَابَةِ وَعَلَيْهِ الْأَصْغَرُ أَوْ عَكْسُهُ لَمْ يَضُرَّ اتِّفَاقًا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَوْلِهِ فِي شَرْحِهِ لِلْإِرْشَادِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ عِنْدَ قَوْلِهِ لِخُطْبَةٍ: فَلَا يَسْتَبِيحُهُمَا مَعًا إنْ تَيَمَّمَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ الْخُطْبَةَ وَإِنْ كَانَتْ فَرْضُ كِفَايَةٍ إلَّا أَنَّهُمْ رَاعَوْا الْقَوْلَ بِأَنَّهَا نَائِبَةٌ عَنْ رَكْعَتَيْنِ اهـ كَلَامُهُ، لَكِنْ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ مَا قَدْ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ، وَكَذَا فِي بَعْضِ نُسَخِ شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَفِي بَعْضٍ آخَرَ مِنْهُ مَا لَفْظُهُ: فَإِنْ نَوَى فَرْضًا فَلَهُ نَفْلٌ وَصَلَاةُ جِنَازَةٍ بِخِلَافِ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ اهـ. فَهَلْ يُقَالُ تُفَارِقُ الْخُطْبَةُ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ وَإِنْ شَارَكَتْهَا فِي أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ بِانْحِصَارِهَا وَبِامْتِيَازِهَا بِوَقْتٍ وَجَمْعٍ مَخْصُوصَيْنِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِي فِي شَرْحِ الْعُبَابِ؟ (إلَّا الْجُمُعَةَ وَخُطْبَتَاهَا فَلَا يَسْتَبِيحُهُمَا مَعًا إذَا تَيَمَّمَ لِأَحَدِهِمَا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ، وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: قَوْلُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَصَلَاتِهَا لَمْ يَسْبِقْهُ إلَيْهِ أَحَدٌ. وَالصَّوَابُ الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ وَجَّهَهُ بِمَا لَا يَصِحُّ وَبَحَثَ غَيْرُهُ أَخْذًا مِنْ أَنَّ فَرَضَ الْكِفَايَةِ كَالنَّفْلِ إنَّهُ إنْ تَيَمَّمَ لِلْخُطْبَةِ لِمَ يَسْتَبِحْ الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَلَا يُؤَدِّي بِالتَّيَمُّمِ لَهَا فَرْضَ عَيْنٍ أَوْ عَكْسَهُ اسْتَبَاحَهَا وَيُمْكِنُ تَوْجِيهُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ بِأَنَّهُمَا رَاعَيَا الْقَوْلَ بِأَنَّهُمَا نَائِبَتَانِ عَنْ رَكْعَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا إذْ الضَّعِيفُ قَدْ يُرَاعَى كَمَا لَا يَخْفَى وَهَذَا أَوْلَى مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْخُطْبَةِ بِانْحِصَارِهَا وَامْتِيَازِهَا بِوَقْتٍ وَجَمْعٍ مَخْصُوصَيْنِ، لِأَنَّ هَذَا لَا يُنْتِجُ إلْحَاقَهَا بِفَرْضِ الْعَيْنِ الْأَصْلِيِّ إلَّا بِتَكَلُّفٍ، وَظَاهِرُ مَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ يَصِحُّ لِغَيْرِ الْخَطِيبِ التَّيَمُّمُ لِلْجُمُعَةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، لَكِنْ أَخَذَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَا يَتَيَمَّمُ لِفَرْضٍ قَبْلَ وَقْتِ فِعْلِهِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ، وَقَدْ يُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ تَيَمُّمِ الْمُصَلِّي عَلَى الْمَيِّتِ قَبْلَ طُهْرِهِ، وَالتَّيَمُّمُ لِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ قَبْلَ دُخُولِهِ وَلِلسُّنَّةِ الْبَعْدِيَّةِ قَبْلَ فِعْلِ الْفَرْضِ وَعَلَيْهِ، فَهَلْ الْإِمَامُ كَذَلِكَ أَوْ لَا؟ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَحِينَئِذٍ فَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُ

لَوْ تَيَمَّمَ لِلْجُمُعَةِ اسْتَبَاحَهُمَا مَمْنُوعٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ التَّيَمُّمَ لِلْجُمُعَةِ لَا يَصِحُّ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، وَبِذَلِكَ يَقْوَى مَا مَرَّ عَنْ قَضِيَّةِ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ لِأَنَّهُ إنْ تَيَمَّمَ لِلْخُطْبَةِ فَوَاضِحٌ أَوْ لِلْجُمُعَةِ فَلِعَدَمِ دُخُولِ وَقْتِ فِعْلِهَا فَلَا يَسْتَبِيحُ بِهِ شَيْئًا أَوَّلُهُمَا فَهَلْ يُغَلَّبُ الْمُصَحِّحُ أَوْ الْمُبْطِلُ؟ الْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ قِيَاسًا عَلَى مَا مَرَّ فِيمَا لَوْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ فُرُوضٍ) انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ، وَبِهَا يَتَّضِحُ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ وَبَيَانُ صِحَّةِ مَا لِلنَّاسِ فِيهَا وَفَسَادِهِ فَتَأَمَّلْهَا. وَقَوْلُهُ أَوْ لَا فَلَا يَسْتَبِيحُهُمَا مَعًا إذَا تَيَمَّمَ لِأَحَدِهِمَا لَا يُنَافِيه تَوَقُّفُ صِحَّةِ التَّيَمُّمِ لِلْجُمُعَةِ عَلَى انْقِضَاءِ الْخُطْبَةِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ جَرَى عَلَى مَا اقْتَضَاهُ الْإِطْلَاقُ وَالثَّانِي مُبَيِّنٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْإِطْلَاقَ غَيْرُ مُرَادٍ بِهِ عُمُومَهُ فَتَأَمَّلْهُ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ قَوْلِهِمْ: إنَّ الْعَطْشَانَ يَأْخُذُ الْمَاءَ قَهْرًا بِقِيمَتِهِ مِنْ مَالِكِهِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ بَذْلِهِ بَيْعًا وَغَيْرَهُ هَلْ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ فِي أَخْذِهِ بِالْقِيمَةِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ مِنْ الشَّفِيعِ وَالْمُعِيرِ وَالْمُلْتَقِطِ أَمْ لَا؟ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْإِتْلَافِ بِالْإِذْنِ الشَّرْعِيِّ بِعِوَضٍ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ أَيْضًا: لَا يُؤْثِرُ الْمَالِكُ عَلَى نَفْسِهِ أَحَدًا عِنْدَ حَاجَتِهِ إلَى الطُّهْرِ لِأَنَّ الْإِيثَارَ إنَّمَا شُرِعَ فِي حَظِّ النَّفْسِ لَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقُرْبِ، وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى تَلَفِ مُهْجَتِهِ، هَلْ كَذَلِكَ السَّابِقُ فِي الْمِيضَأَةِ لَيْسَ لَهُ إيثَارُ غَيْرِهِ بِتَقْدِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ إيثَارٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقُرْبِ إذْ لِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ أَمْ لَا؟ ذَلِكَ مَعَ سَعَةِ الْوَقْتِ دُونَ ضِيقِهِ، وَكَذَلِكَ الْمُؤْثَرُ بِفَتْحِ الثَّاءِ إذَا كَانَ لَهُ فَضِيلَةُ عِلْمٍ أَوْ صَلَاحٍ فَلَا يَمْتَنِعُ فِيهِ وَيَمْتَنِعُ فِي غَيْرِهِ أَوْ كَانَ الْمُؤْثِرُ بِكَسْرِ الثَّاءِ نَحْوَ صَبِيٍّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِي أَخْذِهِ مَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ مِنْ نَحْوِ مَاءٍ وَطَعَامٍ وَوِقَايَةِ حَرٍّ وَبَرْدٍ مِنْ مَالِكِهِ الْغَيْرِ الْمُضْطَرِّ إلَيْهِ الْمُمْتَنِعِ مِنْ بَذْلِهِ وَلَوْ بِعِوَضِ مِثْلِهِ إلَى لَفْظٍ كَمَا أَرْشَدَ إلَيْهِ تَعْبِيرُ بَعْضِهِمْ عَنْ هَذَا الْأَخْذِ بِالْغَصْبِ الْمُقْتَضِي أَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ مُجَرَّدُ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَخْذُ قَهْرًا حَيْثُ لَا خَوْفَ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْقِتَالُ عَلَيْهِ إلَّا إذَا كَانَ الْمَالِكُ كَافِرًا كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ كَمَا لَا يَجِبُ دَفْعُ الصَّائِلِ الْمُسْلِمِ، بَلْ أَوْلَى فَإِيجَابُ الْأَخْذِ وَجَعْلُهُ كَدَفْعِ الصَّائِلِ ظَاهِرَانِ فِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ لَفْظٌ، وَبِهَذَيْنِ فَارَقَ وُجُوبَ اللَّفْظِ فِي الشَّفِيعِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَلِّكٌ حَقَّ الْغَيْرِ اخْتِيَارًا مِنْهُ فَلَزِمَهُ مُقْتَضَى التَّمَلُّكِ مِنْ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَا كَذَلِكَ الْمُضْطَرُّ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ شَرْعًا عَلَى هَذَا الْإِتْلَافِ فَلَمْ يُنَاسِبْهُ وُجُوبُ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَالْقِيَاسُ فِي مَسْأَلَةِ السَّابِقِ إلَى الْمِيضَأَةِ أَنَّهُ إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ أَوْ أَمْكَنَ الْمُؤْثِرُ بِكَسْرِ الثَّاءِ الصَّلَاةَ مَعَ حَقْنِهِ جَازَ لَهُ الْإِيثَارُ إذْ لَيْسَ فِيهِ حِينَئِذٍ تَفْوِيتُ حَقٍّ لِلَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ مَا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ وَتَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فِي وَقْتِهَا إلَّا بَعْدَ تَفْرِيغِ نَفْسِهِ فِيمَا سَبَقَ إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِيثَارُ حِينَئِذٍ بِمَاءِ الطُّهْرِ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُؤْثِرَ بِمَاءِ الطُّهْرِ يُمْكِنُهُ الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ بَعْدَ اسْتِعْمَالِ الْمُؤْثَرِ لَهُ، وَهُنَا لَا يُمْكِنُ الصَّلَاةُ مَعَ الْإِيثَارِ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ فَإِنْ قُلْت مَا أَفْهَمَهُ هَذَا التَّقْرِيرُ مِنْ جَوَازِ الْإِيثَارِ مَعَ سَعَةِ الْوَقْتِ، وَإِنْ أَدَّى إلَى لُحُوقِ ضَرَرٍ لِلْمُؤْثِرِ بِالْكَسْرِ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ التَّسَبُّبَ فِي إضْرَارِ النَّفْسِ، لَا يَجُوزُ قَالَ تَعَالَى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ابْدَأْ بِنَفْسِك» قُلْت: مَحَلُّ هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَبْرٌ عَلَى تَحَمُّلِ الضَّرَرِ أَمَّا مَنْ لَهُ صَبْرٌ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ رَأَى غَيْرَهُ اُضْطُرَّ إلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ الْآنَ وَإِلَّا لَحِقَهُ ضَرَرٌ فَيُنْدَبُ لَهُ إيثَارُهُ حِينَئِذٍ بِلَا خِلَافٍ حَيْثُ كَانَ مُسْلِمًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَضِيلَةُ عِلْمٍ وَلَا صَلَاحٍ أَخْذًا بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] نَعَمْ قَالَ الْمُتَوَلِّي؟ (الْأَوْلَى إنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ نَفْعٌ لِلدِّينِ وَلِلْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يُؤْثِرَ غَيْرَهُ) بَلْ وَقَعَ فِي الْإِبَانَةِ وَالْبَحْرِ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُؤْثَرَ بِالْفَتْحِ فِي نَظِيرِ مَسْأَلَتِنَا الْقَبُولَ، لَكِنْ نَظَرَ فِيهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَالنَّظَرُ وَاضِحٌ جَلِيٌّ إذَا كَانَ الْمُؤْثَرُ مِمَّنْ يَصْبِرُ أَيْضًا فَالْوَجْهُ خِلَافُهُ بَلْ يَنْبَغِي نَدْبُ عَدَمِ الْقَبُولِ إبْقَاءً لِمُهْجَةِ الْمُؤْثِرِ بِالْكَسْرِ حَيْثُ آثَرَ غَيْرَهُ عَلَيْهَا، أَمَّا إذَا كَانَ الْمُؤْثَرُ بِالْفَتْحِ لَا يَصْبِرُ فَلَا يَبْعُدُ وُجُوبُ الْقَبُولِ أَخْذًا مِنْ تَحْرِيمِهِمْ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُؤْثِرُ غَيْرَهُ، وَعَلَى هَذَا الْقِسْمِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْإِبَانَةِ وَالْبَحْرِ وَبَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ أَنْ مَحَلَّ جَوَازِ الْإِيثَارِ إذَا ظَنَّ سَلَامَةَ نَفْسِهِ رَدَدْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ بَعْدَ ذِكْرِ ذَلِكَ جَمِيعِهِ بِأَنَّهُ غَفْلَةٌ عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْإِيثَارِ، وَإِنْ خَافَ هَلَاكَ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ شَامِلَةٌ لِلْجَمِيعِ وَهُوَ مِنْ شِيَمِ الصَّالِحِينَ اهـ. وَمُرَادُهُ بِالْجَوَازِ

الْجِنْسُ الْأَعَمُّ الصَّادِقُ بِالْمَنْدُوبِ، وَأَشَارَ الْإِمَامُ بِمَا عَلَّلَ بِهِ إلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ بَابِ الْإِيثَارِ بِقُرْبَةٍ حَتَّى يُكْرَهَ أَوْ يَكُونَ خِلَافَ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ هُنَا رِعَايَةُ حُظُوظِ النَّفْسِ وَالنَّظَرُ إلَيْهَا فَكَانَ الْخُرُوجُ عَنْهَا بِإِيثَارِ الْغَيْرِ مَعَ الصَّبْرِ غَايَةً فِي الْقُرْبَةِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْإِيثَارِ بِالْقُرْبَةِ بِخِلَافِ نَحْوِ تَقْدِيمِ الْغَيْرِ بِمَوْضِعِهِ فِي صَفٍّ فَاضِلٍ مِنْ غَيْرِ مُقْتَضٍ لِذَلِكَ، وَمِنْ ثَمَّ قُلْت فِي شَرْحِ الْعُبَابِ: (لَا يُقَالُ قَوْلُهُمْ يُسَنُّ لِلْمَجْرُورِ مُسَاعَدَةُ الْجَارِّ لَهُ مِنْ الصَّفِّ يُخَالِفُهُ قَوْلُهُمْ: الْإِيثَارُ بِالْقُرَبِ مَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ هَذَا إيثَارًا بِقُرْبَةٍ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ، بَلْ هُوَ تَحْصِيلُ فَضِيلَةٍ لِلْغَيْرِ مَعَ بَقَاءِ فَضِيلَتِهِ؛ لِوُجُودِ خَلَفٍ عَنْهَا هُوَ فَضِيلَةُ الْمُعَاوَنَةِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى الْمُعَادِلَةُ لِفَضِيلَةِ مَا فَاتَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّفِّ، وَإِنَّمَا الْإِيثَارُ بِالْقُرْبَةِ مِثْلُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الصَّفِّ قَبْلَ الصَّلَاةِ لِيُدْخِلَ غَيْرَهُ مَوْضِعَهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ تَفْوِيتُ فَضِيلَةٍ عَلَى النَّفْسِ لَا إلَى بَذْلٍ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ تَقْدِيمُ مَنْ هُوَ أَحَقُّ مِنْهُ بِتِلْكَ الْقُرْبَةِ كَتَقْدِيمِ الْأَقْرَإِ عَلَى الْأَفْقَهِ فِي الْإِمَامَةِ، وَإِنْ كَانَ الْأَقْرَأُ قَدْ تَقَدَّمَ إلَيْهَا عَلَى أَنَّ فِي ذَلِكَ مِنْ امْتِثَالِ أَمْرِ الشَّارِعِ مَا يَجْبُرُ فَضِيلَةَ تَقَدُّمِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ لَزِمَهُ تَيَمُّمَانِ فَأَكْثَرُ لِجِرَاحَاتٍ بِأَعْضَاءٍ هَلْ يَجِبُ تَعْيِينُ مَا وَقَعَ التَّيَمُّمُ لِأَجْلِهِ مِنْ جِرَاحَةِ وَجْهٍ أَوْ يَدٍ أَوْ يَكْفِي الْإِطْلَاقُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْوَجْهُ فِيمَنْ عَلَيْهِ تَيَمُّمَاتٌ لِجِرَاحَاتِ أَعْضَاءٍ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَعْيِينُ كُلِّ جِرَاحَةٍ فِي تَيَمُّمٍ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الِاسْتِبَاحَةُ وَمِنْ ثَمَّ كَفَتْ فِي نِيَّةِ التَّيَمُّمِ لِلْحَدَثِ وَلِلْجَنَابَةِ وَلَمْ يَجِبْ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا تَعْيِينُهُمَا بَلْ لَا يُتَصَوَّرُ هُنَا تَعْيِينٌ لِأَنَّهُ فِي كُلِّ تَيَمُّمٍ يَقْصِدُ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ مَثَلًا، وَحِينَئِذٍ يَتَعَذَّرُ أَنْ يَقْصِدَ تِلْكَ الِاسْتِبَاحَةَ بِطُهْرِ الْيَدِ أَوْ الْوَجْهِ مَثَلًا، وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ مَا حَرَّرْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ أَنَّ تَفْرِيقَ نِيَّةِ الْوُضُوءِ عَلَى أَعْضَائِهِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي نِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ وَالطَّهَارَةِ عَنْهُ لِأَنَّ التَّجَزِّيَ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي هَاتَيْنِ بِخِلَافِ نَحْوِ التَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ التَّجَزِّي فَلَمْ يُمْكِنْ فِيهِ التَّفْرِيقُ، وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا اتَّضَحَ عَدَمُ تَصَوُّرِ التَّعْيِينِ فِي تِلْكَ التَّيَمُّمَاتِ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ وَاضِحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - هَلْ يَسْتَوِي فِيمَا ذَكَرُوهُ فِي التَّيَمُّمِ فِي الِازْدِحَامِ عَلَى الْبِئْرِ الْمُقِيمُ وَالْمُسَافِرُ أَوْ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْمُسَافِرِ كَمَا صَوَّرْته فِي الْعُبَابِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُ (مُسَافِرُونَ) خَاصٌّ بِمَسْأَلَةِ الْبِئْرِ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ صَنِيعُهُ، وَلَا يُعِيدُ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ فِي الْحَالِ وَجِنْسُ عُذْرِهِ غَيْرُ نَادِرٍ حَتَّى فِي الْأَخِيرَةِ، أَيْ وَهِيَ قَوْلُ الْمَتْنِ (أَوْ مَقَامٌ خِلَافًا لِمَنْ نَازَعَ فِيهِ وَبِهِ فَارَقَ الْعَاجِزَ الَّذِي مَعَهُ مَاءٌ لَا يَجِدُ مَنْ يُوَضِّئُهُ بِهِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُعِيدُ؛ لِنُدْرَةِ عُذْرِهِ. وَقَدْ يَسْتَشْكِلُ عَدَمُ الْقَضَاءِ فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ بِأَنَّهُ كَمَنَ كَانَ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ عَدَمَ تَمَكُّنِهِ مِنْهَا فِي الْوَقْتِ صَيَّرَهَا كَالْعَدَمِ. وَإِنَّمَا لَمْ تُؤَثِّرْ الْقُدْرَةُ هُنَا بِعَدِّهِ قِيَاسًا عَلَى الْعَاجِزِ عَنْ الْقِيَامِ وَعَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِيهِ مَعَ غَلَبَةِ ظَنِّ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِمَا بِعَدِّهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَنَجَّسَ ثَوْبُهُ، وَكَانَ مَعَهُ مَاءٌ لَوْ اشْتَغَلَ بِغَسْلِهِ بِهِ خَرَجَ الْوَقْتُ فَإِنَّهُ يَجِبُ انْتِظَارُهُ كَمَا مَرَّ لِأَنَّ الْبِئْرَ وَالثَّوْبَ وَالْمَكَانَ هُنَا لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهَا فِي قَبْضَتِهِ، وَالثَّوْبُ ثَمَّ فِي قَبْضَتِهِ فَيَنْتَظِرُ كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ يَتَوَضَّأُ بِهِ أَوْ يَغْرِفُهُ مِنْ بِئْرٍ، وَلَا مُزَاحِمَ لَهُ وَقَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُ وَلَا يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ وَخَرَجَ بِالْمُسَافِرِينَ فِي الْأُولَى الْمُقِيمُونَ فَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالتَّيَمُّمِ فِي الْوَقْتِ لِمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا لَزِمَهُ طَلَبُ الْمَاءِ. .. إلَخْ) انْتَهَتْ. وَعِبَارَتُهُ ثَمَّ، وَإِنْ كَانَ فَاقِدُ الْمَاءِ مُقِيمًا لَزِمَهُ طَلَبُ الْمَاءِ إنْ أَمِنَ مَا مَرَّ، وَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ بِطَلَبِهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ لِنُدْرَةِ فَقْدِهِ ثَمَّ، أَيْ فِي مَحَلِّ الْإِقَامَةِ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى تَعْلِيلِ الشَّيْخَيْنِ بِقَوْلِهِمَا؟ (لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْقَضَاءِ، أَيْ لِتَيَمُّمِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَنُدْرَةِ فَقْدِهِ ثُمَّ فَلَا يُرَدُّ جَوَازُ التَّيَمُّمِ لِلْبَرْدِ مَعَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ، وَأَفْهَمَ التَّعْلِيلُ أَنَّ الْحُكْمَ مَنُوطٌ بِمَنْ هُوَ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ وَلَوْ مُسَافِرًا إذْ هُوَ الَّذِي يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ كَمَا يَأْتِي مُوَضَّحًا، فَتَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ بِالْمُسَافِرِ فِيمَا مَرَّ وَبِالْمُقِيمِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّ الْمُقِيمَ يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ إذَا لَمْ يَتَيَقَّنْ عَدَمَ الْمَاءِ حَوَالَيْهِ فِي حَدِّ الْقُرْبِ هُوَ مَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ، وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ (إذَا تَيَقَّنَ وُجُودَ الْمَاءِ حَوَالَيْهِ فَلَهُ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ: إحْدَاهَا: أَنْ يَكُونَ فِي حَدِّ الْقُرْبِ فَيَلْزَمُهُ طَلَبُهُ، الثَّانِيَةُ:

أَنْ يَكُونَ بَعِيدًا بِحَيْثُ لَوْ سَعَى إلَيْهِ لَفَاتَهُ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَيَتَيَمَّمُ، الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ فَيَزِيدُ عَلَى حَدِّ الْقُرْبِ، وَلَا يَخْرُجُ الْوَقْتُ قَبْلَ وُصُولِهِ فَيَتَيَمَّمُ أَيْضًا هَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ، وَأَمَّا الْمُقِيمُ فَذِمَّتُهُ مَشْغُولَةٌ بِالْقَضَاءِ لَوْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ، وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ لَوْ سَعَى إلَى الْمَاءِ) انْتَهَتْ مُلَخَّصَةً. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَوْلِهِمْ: لَا قَضَاءَ عَلَى مَنْ تَيَمَّمَ ثُمَّ ظَهَرَ بِئْرٌ خَفِيَّةٌ بِقُرْبِهِ مَا صُورَتُهَا؟ وَهَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ قَدِيمَةً، وَالْغَالِبُ وُجُودُ الْمَاءِ فِيهَا أَوْ لَا؟ وَيَكُونُ خَفَاؤُهَا يَجْعَلُهَا كَالْعَدَمِ أَوْ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْحَائِلِ وَالْمَانِعِ كَالسَّبُعِ وَخَوْفِ الْوُقُوعِ لَوْ اسْتَقَى رَاكِبُ السَّفِينَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: صَوَّرَهَا فِي الشَّامِلِ بِأَنْ تَكُونَ بِبِسَاطٍ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا عَلَامَةَ عَلَيْهَا وَحِينَئِذٍ اُتُّجِهَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَدِيمَةِ وَالْحَادِثَةِ، وَمَا الْغَالِبُ وُجُودُ الْمَاءِ فِيهَا وَغَيْرِهَا لِأَنَّ مَلْحَظَ عَدَمِ الْإِعَادَةِ عَدَمُ تَقْصِيرِهِ، وَإِذَا كَانَتْ خَفِيَّةً كَمَا ذَكَرَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ تَقْصِيرٌ أَلْبَتَّةَ، فَتَكُونُ حِينَئِذٍ كَالْمَعْدُومَةِ كَرَحْلِ الْمَضْلُولِ فِي رِحَالٍ وَقَدْ أَمْعَنَ فِي الطَّلَبِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْغَالِبَ وُجُودُهَا بِالطَّلَبِ فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى تَقْصِيرٍ فِي الطَّلَبِ فَوَجَبَتْ الْإِعَادَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ - عَنْ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ: أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا تَيَمَّمَ وَكَانَ الْمَاءُ بِحَدِّ الْقُرْبِ مِنْهُ وَلَوْ سَعَى إلَيْهِ خَرَجَ الْوَقْتُ تَيَمَّمَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ سَوَاءٌ كَانَ التَّيَمُّمُ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ أَمْ لَا فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي رَاكِبِ السَّفِينَةِ لَوْ خَافَ الْغَرَقَ لَوْ اسْتَقَى مِنْ الْبَحْرِ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ وَذَكَرُوا أَنَّهُ مَتَى تَيَمَّمَ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَمَا الْمُرَادُ بِالْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ؟ أَهُوَ مَوْضِعُ الْغَوْثِ وَمَا حَوْلَهُ مِمَّا هُوَ بَعْدَ الْمَاءِ لَوْ قُدِّرَ وُجُودُهُ تَحْتَ حَوْزَتِهِ بِحَيْثُ يَسْهُلُ اسْتِعْمَالُهُ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ أَمْ هُوَ مُقَدَّرٌ بِحَدِّ الْقُرْبِ فَمَا دُونِهِ؟ فَإِنْ قُدِّرَ بِحَدِّ الْقُرْبِ وَقَدَّرْنَا وُجُودَهُ، وَكَانَ لَوْ سَعَى إلَيْهِ مِنْ مَحَلِّ الْقُرْبِ خَرَجَ الْوَقْتُ، هَلْ يُقَالُ الْقَضَاءُ حِينَئِذٍ كَمَا لَوْ كَانَ مَوْجُودًا حَقِيقَةً أَمْ لَا يَجِبُ أَوْ يَجِبُ فِي الصُّورَتَيْنِ مَعًا؟ (فَأَجَابَ) - أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ عُلُومِهِ - بِأَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي مَوَاضِعَ مِنْ بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي عَدَمِ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ ذَكَرَ أَوَّلَ السُّؤَالِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ أَوْ لَا فَمِنْ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ قَوْلُهُمْ: وَمَنْ زُوحِمَ عَلَى بِئْرٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَقِيَ مِنْهَا إلَّا وَاحِدٌ، وَقَدْ تَنَاوَبَهَا جَمْعٌ وَعَلِمَ خُرُوجَ الْوَقْتِ وَلَوْ فِي بَعْضِ الصَّلَاةِ قَبْلَ انْتِهَاءِ النَّوْبَةِ إلَيْهِ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ فِي الْحَالِ، وَجِنْسُ عُذْرِهِ غَيْرُ نَادِرٍ، وَإِنَّمَا لَمْ تُؤَثِّرْ الْقُدْرَةُ بَعْدَ الْوَقْتِ كَمَا فِي الْعَاجِزِ عَنْ الْقِيَامِ وَعَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِيهِ مَعَ غَلَبَةِ ظَنِّ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِمَا بَعْدَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَنَجَّسَ ثَوْبُهُ، وَكَانَ مَعَهُ مَاءٌ لَوْ اشْتَغَلَ بِغَسْلِهِ خَرَجَ الْوَقْتُ فَإِنَّهُ يَجِبُ انْتِظَارُهُ؛ لِأَنَّ الْبِئْرَ هُنَا لَيْسَتْ فِي قَبْضَتِهِ، وَالثَّوْبَ ثَمَّ فِي قَبْضَتِهِ فَيَنْتَظِرُ كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ يَتَوَضَّأُ أَوْ يَغْتَرِفُهُ مِنْ بِئْرٍ وَلَا مُزَاحِمَ لَهُ وَقَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُ، وَلَا يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ. وَقَوْلُهُمْ: لَوْ ضَلَّ رَحْلُهُ فِي رِحَالٍ، وَفِيهِ الْمَاءُ وَأَمْعَنَ فِي الطَّلَبِ أَوْ أُدْرِجَ الْمَاءُ فِي رَحْلِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِبِئْرٍ خَفِيَّةٍ هُنَاكَ أَوْ ضَلَّ عَنْ الْقَافِلَةِ أَوْ الْمَاءِ أَوْ غُصِبَ رَحْلُهُ، وَفِيهِ الْمَاءُ لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ لِمَا صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ، وَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَسِيَ الْمَاءَ فِي حَدِّ الْقُرْبِ الَّذِي يَلْزَمُهُ طَلَبُهُ مِنْهُ أَوْ أَضَلَّهُ فِي رَحْلِهِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ، وَإِنْ أَمْعَنَ فِي الطَّلَبِ لِوُجُودِ الْمَاءِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا، وَنِسْبَتُهُ فِي إهْمَالِهِ حَتَّى نَسِيَهُ أَوْ أَضَلَّهُ إلَى تَقْصِيرٍ. وَقَوْلُهُمْ: يَحْرُمُ الطُّهْرُ بِالْمُسَبَّلِ وَالْمُودَعِ وَالْمَرْهُونِ وَالْمَغْصُوبِ، بَلْ يَجِبُ التَّيَمُّمُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَيَمَّمَ

بِحَضْرَةِ الْمَاءِ الْمَذْكُورِ كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ بِحَضْرَةِ مَا يَحْتَاجُهُ لِلْعَطَشِ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حَائِلٌ كَسَبُعٍ، وَكَمَا لَوْ كَانَ بِسَفِينَةٍ، وَخَافَ مِنْ الْبَحْرِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ الْمَذْكُورِ كَالْعَدَمِ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذِهِ الْفُرُوعِ الَّتِي ذَكَرُوهَا أَنَّ قَوْلَهُمْ: مَنْ تَيَمَّمَ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا غَلَبَ ثَمَّ وُجُودُ الْمَاءِ، وَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ مَانِعٌ حِسِّيٌّ أَوْ شَرْعِيٌّ وَمِنْ ثَمَّ قُلْت فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الرَّوْضِ وَقَدْ يَسْتَشْكِلُ عَدَمُ الْقَضَاءِ فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ بِأَنَّهُ كَمَنَ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ عَدَمَ تَمَكُّنِهِ مِنْهَا فِي الْوَقْتِ صَيَّرَهَا كَالْعَدَمِ، وَقُلْت فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ الْمُسَبَّلِ فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ؟ (وَلَا قَضَاءَ إذَا تَيَمَّمَ بِحَضْرَةِ الْمَاءِ الْمُسَبَّلِ كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ بِحَضْرَةِ مَاءٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُمْ: إذَا تَيَمَّمَ بِمَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ قَضَى مُقَيَّدٌ بِمَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْعَدَمِ) اهـ. وَالْمُرَادُ بِالْمَحَلِّ الَّذِي يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ أَوْ فَقْدُهُ هُوَ مَحَلُّ التَّيَمُّمِ دُونَ مَحَلِّ الصَّلَاةِ كَمَا جَرَيْت عَلَيْهِ فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ حَيْثُ قُلْت فِيهِ فِي الْأَعْذَارِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَضَاءِ: (أَوْ تَيَمَّمَ لِفَقْدِ مَاءٍ بِمَحَلٍّ يَنْدُرُ فِيهِ فَقْدُهُ وَلَوْ مُسَافِرًا لِنُدْرَةِ فَقْدِهِ بِخِلَافِهِ بِمَحَلٍّ لَا يَنْدُرُ فِيهِ ذَلِكَ بِأَنْ غَلَبَ فِيهِ أَوْ اسْتَوَى وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ وَلَوْ مُقِيمًا، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي غَلَبَةِ الْفَقْدِ وَعَدَمِهَا بِمَحَلِّ التَّيَمُّمِ دُونَ مَحَلِّ الصَّلَاةِ) اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ: وَلَوْ مَرَّ بِالْمَاءِ فِي الْوَقْتِ وَبَعُدَ عَنْهُ بِحَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ طَلَبُهُ ثُمَّ تَيَمَّمَ لَمْ يَقْضِ لِفَقْدِهِ لَهُ عِنْدَ التَّيَمُّمِ، وَإِذَا قُلْنَا بِاعْتِبَارِ مَحَلِّ التَّيَمُّمِ، فَالْمُرَادُ بِهِ فِيمَا يَظْهَرُ مَحَلُّ الْغَوْثِ، وَكُلُّ مَحَلِّ نُسِبَ إلَيْهِ مِمَّا يَجِبُ طَلَبُ الْمَاءِ مِنْهُ مَعَ التَّوَهُّمِ، وَذَلِكَ الْمَحَلُّ الْمَنْسُوبُ إلَيْهِ دُونَ حَدِّ الْقُرْبِ لِأَنَّهُمْ قَدَّرُوا الْمَحَلَّ الَّذِي يَجِبُ الطَّلَبُ مِنْهُ مَعَ التَّوَهُّمِ بِغَلْوَةِ سَهْمٍ وَيُسَمَّى حَدَّ الْغَوْثِ، وَهُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الرُّفْقَةُ اسْتِغَاثَتَهُ مِنْهُ مَعَ اشْتِغَالِهِمْ بِأَشْغَالِهِمْ وَتَفَاوُضِهِمْ فِي أَقْوَالِهِمْ وَيَخْتَلِف ذَلِكَ بِاسْتِوَاءِ الْأَرْضِ وَاخْتِلَافهَا صُعُودًا وَهُبُوطًا، وَهَذَا دُونَ حَدِّ الْقُرْبِ بِكَثِيرٍ؛ لِأَنَّهُمْ حَدُّوهُ بِالْمَحَلِّ الَّذِي يَقْصِدُهُ الرُّفْقَةُ لِلِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ، قَالُوا: وَهَذَا فَوْقَ حَدِّ الْغَوْثِ السَّابِقِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى صَاحِبُ الْغَزَالِيِّ وَلَعَلَّهُ يَقْرُبُ مِنْ نِصْفِ فَرْسَخٍ فَإِنْ قُلْت: قَضِيَّةُ مَا ذَكَرْته فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَدُّ الْقُرْبِ لَا حَدَّ الْغَوْثِ، وَعِبَارَتُهُ (وَلُغِيَ بَيْعُ الْمَاءِ وَهِبَتُهُ فِي الْوَقْتِ بِلَا حَاجَةٍ وَلُغِيَ تَيَمُّمُهُ مَا قَدَرَ عَلَى اسْتِرْجَاعِهِ أَوْ بَعْضِهِ وَالتَّطَهُّرِ بِهِ لِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ وَوُجُوبِ اسْتِرْدَادِهِ، وَقَيَّدَ ذَلِكَ فِي الْإِرْشَادِ بِأَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ بِحَدِّ الْقُرْبِ فِيمَا إذَا كَانَ مُسَافِرًا وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ شَارِحُوهُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ، وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ عُرِضَتْ عَلَيْهِ الْهِبَةُ أَوْ نَحْوُهَا مِمَّا يَجِبُ قَبُولُهُ فَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ مَا دَامَ قَادِرًا عَلَى قَبُولِ ذَلِكَ وَالتَّطَهُّرِ بِهِ، وَهُوَ بِحَدِّ الْقُرْبِ إذَا كَانَ مُسَافِرًا قُلْت: لَيْسَ قَضِيَّتُهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ هُنَا إنَّمَا أَلْغَى مَا ذَكَرَ بِالنِّسْبَةِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَقَدْ تَعَدَّى بِنَحْوِ بَيْعِهِ مَعَ احْتِيَاجِهِ لَهُ لِلتَّطَهُّرِ بِهِ فَلَزِمَهُ حَيْثُ كَانَ بِمَحَلِّ الْقُرْبِ طَلَبُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ لِتَيَقُّنِهِ بِمَحَلِّ الْقُرْبِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ طَلَبِهِ لَهُ، وَأَمَّا مَسْأَلَتُنَا فَصُورَتُهَا أَنَّهُ لَمْ يَتَيَقَّنْ فِيهَا مَاءً بِمَحَلِّ غَوْثٍ وَلَا قُرْبٍ وَإِلَّا لَزِمَهُ طَلَبُهُ وَإِنَّمَا الْمَدَارُ فِيهَا عَلَى اعْتِبَارِ الْمَحَلِّ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ غَلَبَةُ وُجُودِهِ فِيهِ أَوْ غَلَبَةُ فَقْدِهِ بِحَيْثُ تَيَمَّمَ بِمَحَلٍّ مِنْ شَأْنِهِ غَلَبَةُ الْفَقْدِ فِيهِ، وَفِيمَا يُنْسَبُ إلَيْهِ إلَى حَدِّ الْغَوْثِ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ أَوْ بِمَحَلٍّ مِنْ شَأْنِهِ غَلَبَةُ الْوُجُودِ أَوْ اسْتِوَاءُ الْأَمْرَيْنِ فِيهِ وَفِيمَا يُنْسَبُ إلَيْهِ مِمَّا ذُكِرَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ، فَالِاعْتِبَارُ هُنَا لِذَلِكَ الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ لُزُومِ الْقَضَاءِ وَعَدَمِهِ، وَالِاعْتِبَارُ فِيمَا مَرَّ بِحَدِّ الْقُرْبِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ لُزُومِ الطَّلَبِ بِشَرْطِ تَيَقُّنِ وُجُودِ الْمَاءِ فِيهِ وَإِلْغَاءِ التَّيَمُّمِ وَغَيْرِهِ مِمَّا مَرَّ، فَالْمَلْحَظُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مُخْتَلِفٌ كَمَا تَقَرَّرَ فَلَا يُشْكِلُ عَلَيْك إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ -: فَمَا الْمُرَادُ بِالْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ. .. إلَخْ، وَعَنْ قَوْلِهِ: فَإِنْ قَدَّرَ بِحَدِّ الْقُرْبِ إلَى آخِرِهِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَوَاضِحٌ جَوَابُهُ مِمَّا مَرَّ، وَأَمَّا الثَّانِي فَكَذَلِكَ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ مُقَدَّرًا بِحَدِّ الْقُرْبِ بِالنِّسْبَةِ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ وَعَدَمِهِ بَلْ بِالنِّسْبَةِ لِوُجُوبِ الطَّلَبِ وَعَدَمِهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ تَقْدِيرَ وُجُودِهِ فِي الْأَوَّلِ بَلْ اعْتِبَارُ الْغَالِبِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ مِنْ غَلَبَةِ الْفَقْدِ أَوْ الْوُجُودِ وَلَا فِي الثَّانِي، بَلْ الْمُرَادُ فِيهِ وُجُودُهُ وَلَوْ وَهْمًا فِي حَدِّ الْغَوْثِ وَحَقِيقَةً فِي حَدِّ الْقُرْبِ مَعَ الْأَمْنِ عَلَى نَحْوِ مَالٍ وَمَعَ سَعَةِ الْوَقْتِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا لَوْ غَسَلَ الْجُنُبُ الصَّحِيحَ وَتَيَمَّمَ عَنْ الْجَرِيحِ، ثُمَّ أَحْدَثَ حَدَثًا أَصْغَرَ وَتَوَضَّأَ أَوْ لَمْ يُحْدِثْ وَبَرِئَ هَلْ يَحِلُّ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْقِرَاءَةُ بِظَهْرِ الْغَيْبِ دُونَ غَسْلِ الْجَرِيحِ؟ (فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - بِأَنَّ الَّذِي صَرَّحُوا بِهِ أَنَّ حَدَثَ الْمُتَيَمِّمِ لِلْجَنَابَةِ أَوْ الْحَيْضِ يَنْقُضُ طُهْرَهُ الْأَصْغَرَ دُونَ الْأَكْبَرِ، فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ حَدَثًا أَصْغَرَ وَيَسْتَمِرُّ تَيَمُّمُهُ عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ حَتَّى يَطْرَأَ عَلَيْهِ مَا يُبْطِلُهُ. قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ؟ (وَلَا يُعْرَفُ جُنُبٌ تُبَاحُ لَهُ الْقِرَاءَةُ أَوْ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ دُونَ نَحْوِ الصَّلَاةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ إلَّا هَذَا) اهـ. وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ الْمَذْكُورَ إنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَصْغَرَ جَازَ لَهُ

الْقِرَاءَةُ وَالْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ وَإِنْ بَرِئَ لِمَ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبُرْءَ يُبْطِلُ التَّيَمُّمَ بِخِلَافِ الْمُحْدِثِ حَدَثًا أَصْغَرَ فَإِنَّهُ لَا يُبْطِلُ التَّيَمُّمَ عَنْ الْجَنَابَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ التُّرَابِ الْمُتَنَاثِرِ بَعْدَ إيصَالِهِ مَحَلَّ التَّيَمُّمِ أَنَّ شَرْطَ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ أَنْ يُعْرِضَ عَنْهُ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْعَزِيزِ وَحَذَفَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَحِينَئِذٍ فَلَوْ انْفَصَلَ فَبَادَرَ إلَى أَخْذِهِ مِنْ الْهَوَاءِ وَتَيَمَّمَ بِهِ صَحَّ) اهـ. قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ؟ (وَهَذَا الَّذِي فَهِمَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَعَلَى مُقْتَضَاهُ، فَلَا يَتَقَيَّدُ بِالْأَخْذِ مِنْ الْهَوَاءِ أَوْ مِنْ الْأَرْضِ، وَهَذَا بَعِيدٌ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ إذَا انْفَصَلَ عَنْ الْعُضْوِ وَصَارَ فِي الْهَوَاءِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ عَلَى بَاقِي بَدَنِ الْمُتَيَمِّمِ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِاسْتِعْمَالِهِ كَالْمَاءِ الْمُنْفَصِلِ بِلَا فَرْقٍ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَصْحَابِ وَلَيْسَ مُرَادُ الرَّافِعِيِّ مَا تَوَهَّمَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ) اهـ فَهَلْ ذَلِكَ صَحِيحٌ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ ضَعِيفٌ وَمَا ذَكَرَهُ فِي السُّؤَالِ عَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ كَلَامٌ سَقِيمٌ أَمَّا أَوَّلًا: فَاَلَّذِي فَهِمَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فَهُوَ الصَّوَابُ فِي الْفَهْمِ، وَأَمَّا ثَانِيًا: فَقَوْلُهُ؟ (وَعَلَى مُقْتَضَاهُ. .. إلَخْ) غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ مُقْتَضَى تَقْيِيدِ الرَّافِعِيِّ بِمَا إذَا انْفَصَلَ بِالْكُلِّيَّةِ وَأَعْرَضَ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا وَصَلَ إلَى الْأَرْضِ وَأَعْرَضَ عَنْهُ امْتَنَعَ الْإِجْزَاءُ بِهِ حَتَّى عِنْدَ الرَّافِعِيِّ. وَأَمَّا ثَالِثًا: فَقَوْلُهُ: (بَلْ الصَّوَابُ. .. إلَخْ) فِيهِ خَلْطُ طَرِيقَةٍ بِطَرِيقَةٍ إذْ هَذَا التَّصْوِيبُ إنَّمَا يَلِيقُ بِطَرِيقَةِ النَّوَوِيِّ لَا بِطَرِيقَةِ الرَّافِعِيِّ. وَأَمَّا رَابِعًا: فَقَوْلُهُ؟ (كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ) غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا عَلِمْت مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ طَرِيقَتِهِمَا. وَأَمَّا خَامِسًا: فَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ مُرَادُ الرَّافِعِيِّ. .. إلَخْ) غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا لِمَا تَقَرَّرَ أَوَّلًا يَتَّضِحُ ذَلِكَ كُلُّهُ مَعَ اسْتِفَادَةِ أُمُورٍ أُخْرَى لَمْ تُذْكَرْ بِسَوْقِ عِبَارَةِ شَرْحِ الْعُبَابِ مَعَ مَتْنِهِ، وَهِيَ وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا بِمُسْتَعْمَلٍ وَهُوَ مَا وَصَلَ لِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ فِي حَالَةِ التَّيَمُّمِ، وَإِنْ تَنَاثَرَ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ عُضْوِهِ أَوْ انْفَصَلَ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ خِلَافًا لِتَقْيِيدِ الرَّافِعِيِّ الْمُتَنَاثِرِ بِمَا إذَا انْفَصَلَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَأَعْرَضَ عَنْهُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُسْتَعْمَلًا، وَذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى الْمُتَقَاطِرِ مِنْ الْمَاءِ بِجَامِعِ أَنَّهُ قَدْ تَأَدَّى بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَرْضٌ، نَعَمْ قَدْ يُؤَيِّدُ تَقْيِيدَهُ بِذَلِكَ جَوَازُ رَفْعِ الْيَدِ وَوَضْعِهَا الْآتِي إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَفِي تَكْلِيفِهِ الِاحْتِرَازَ عَنْهُ مَشَقَّةٌ وَبِخِلَافِ هَذَا. وَقِيلَ: الْمُتَنَاثِرُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ التُّرَابَ لِكَثَافَتِهِ إذَا عَلِقَتْ مِنْهُ صَفْحَةٌ بِالْمَحَلِّ مَنَعَتْ الْتِصَاقَ غَيْرِهَا بِهِ، وَمَا يَلْتَصِقُ بِهِ لَا يَتَنَاثَرُ بِخِلَافِ الْمَاءِ، فَإِنَّهُ لِرِقَّتِهِ يُلَاقِي جَمِيعَ الْبَدَنِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُلْتَصِقَ وَالْمُتَنَاثِرَ تَرَدَّدَانِ حَالَ الْمَسْحِ مِنْ مَحَلٍّ لِآخَرَ، فَسَقَطَ الْفَرْضُ بِالْجَمِيعِ وَاسْتَشْكَلَ الزَّرْكَشِيُّ كَالْأَذْرَعِيِّ الْخِلَافَ بِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ إذْ تَعْلِيلُ الرَّاجِحِ يَقْتَضِي التَّصْوِيرَ بِأَنَّهُ أَصَابَ الْعُضْوَ، وَتَعْلِيلُ مُقَابِلِهِ يَقْتَضِي عَكْسَهُ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ مَحَلَّهُ مَا إذَا لَمْ يَتَيَقَّنْ اتِّصَالَهُ بِالْعُضْوِ وَلَا عَدَمَهُ، فَالضَّعِيفُ يَنْظُرُ إلَى الْكَثَافَةِ فَيَحْكُمُ بِوَاسِطَتِهَا عَلَى الْمُتَنَاثِرِ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَّصِلْ فَلَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا، وَالرَّاجِحُ يَنْظُرُ إلَى أَنَّ الْمَسْحَ يَقْتَضِي التَّرَدُّدَ وَالِاتِّصَالَ فَيَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالِاسْتِعْمَالِ بِوَاسِطَةِ ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ، وَإِنَّمَا تَنَاثَرَ بَعْدَ أَنْ لَاقَى مَا لَصِقَ بِهِ كَانَ غَيْرَ مُسْتَعْمَلٍ بِاتِّفَاقِ الضَّعِيفِ وَمُقَابِلِهِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الْمُلْصَقَ بِالْمَحَلِّ مُسْتَعْمَلٌ قَطْعًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخَانِ، لَكِنْ حُكِيَ فِيهِ وَجْهٌ، وَهُوَ قِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الْمَاءِ مِنْ أَنَّهُ مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا عَلَى الْعُضْوِ لَا يُحْكَمُ بِاسْتِعْمَالِهِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الْخَادِمِ: الْمُرَادُ بِالْمُلْتَصِقِ الْمُلْتَصِقُ بِالْعُضْوِ ثُمَّ يَنْفَصِلُ أَمَّا الْمُلْتَصِقُ حَالَ الْتِصَاقِهِ فَكَالْمَاءِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ لَيْسَ مُسْتَعْمَلًا إذْ لَهُ إمْرَارُهُ عَلَى مَا لَمْ يَمَسَّهُ عَلَى أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْحُكْمِ لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِهِ لِتَعَذُّرِهِ لِذَلِكَ لِلْفَرْضِ وَغَيْرِهِ إلَّا بِالِاتِّصَالِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِهِ لِوَاحِدٍ) انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ، وَقَدْ اشْتَمَلَتْ عَلَى فَوَائِدَ يَعْرِفُهَا مَنْ تَأَمَّلَهَا حَقَّ التَّأَمُّلِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ نَذَرَ الْوَتْرَ إحْدَى عَشْرَةَ أَوْ الضُّحَى ثَمَانِيَةً فَهَلْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ كُلَّ الْوَتْرِ أَوْ كُلَّ الضُّحَى بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ مَعَ التَّسْلِيمِ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ إذْ يُقَالُ: إنَّهُ لَزِمَهُ بِالنَّذْرِ الْمَذْكُورِ فَرِيضَةٌ لَا فَرَائِضَ، وَمُجَرَّدُ التَّسْلِيمِ لَا تَصِيرُ بِهِ الْفَرِيضَةُ فَرَائِضَ، وَإِنْ دَخَلَهَا التَّعَدُّدُ صُورَةً أَمْ لَا، وَهَلْ فَرْقٌ بَيْنَ الضُّحَى وَالْوَتْرِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَكْرِيرُ التَّيَمُّمِ بِتَكْرِيرِ الْفُصُولِ مِنْ نَحْوِ الْوَتْرِ أَوْ الضُّحَى؛ لِأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يُسَمَّى صَلَاةً وَاحِدَةً مَنْذُورَةً وَمِمَّا يُسْتَأْنَسُ بِهِ لِذَلِكَ قَوْلُهُمْ إنَّ

باب الحيض

تَعَلُّمَ الْجُنُبِ فَرْضًا عَيْنِيًّا كَالْفَاتِحَةِ يَكْفِي فِيهِ تَيَمُّمٌ، فَكَمَا لَمْ يُوجِبُوا هُنَا التَّيَمُّمَ لِكُلِّ آيَةٍ مَعَ انْفِصَالِهَا عَنْ غَيْرِهَا نَظَرًا إلَى أَنَّ الْفَاتِحَةَ بِكَمَالِهَا تُسَمَّى بِالنِّسْبَةِ لِتَعَلُّمِهَا فَرْضًا وَاحِدًا فَكَذَلِكَ الْوَتْرُ الْمَنْذُورُ يُسَمَّى صَلَاةً وَاحِدَةً، وَإِنْ فُصِلَتْ أَجْزَاؤُهُ، وَمِمَّا يُسْتَأْنَسُ بِهِ لِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلِي فِي شَرْحِ الْعُبَابِ؟ (وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَإِنْ فُرِضَ تَعَيُّنُهَا لِخَوْفِ نِسْيَانٍ فَهَلْ يَسْتَبِيحُ مِنْهَا بِتَيَمُّمِهِ لَهَا مَا نَوَاهُ وَإِنْ تَعَدَّدَ الْمَجْلِسُ أَوْ مَا دَامَ الْمَجْلِسُ مُتَّحِدًا، أَوْ مَا لَمْ يَقْطَعْهَا بِنِيَّةِ الْإِعْرَاضِ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَاَلَّذِي يَنْقَدِحُ الثَّالِثُ، وَلَا يُقَالُ إنَّ قِرَاءَةَ كُلِّ آيَةٍ فَرْضٌ فَيَحْتَاجُ إلَى تَيَمُّمٍ آخَرَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ الَّتِي لَا تُطَاقُ) انْتَهَتْ. [بَابُ الْحَيْضِ] (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ وَمُتِّعَ بِحَيَاتِهِ فِيمَا إذَا رَأَتْ الْمَرْأَةُ الدَّمَ فِي بَاطِنِ فَرْجِهَا هَلْ لَهُ حُكْمُ الْحَيْضِ فِي طُرُوِّهِ، وَلَا يُحْكَمُ بِانْقِطَاعِهِ إذَا بَقِيَ بَعْدَ ظُهُورِهِ فِي حَدِّ الْبَاطِنِ، وَإِنَّمَا الْحُكْمُ لِمَا وَقَعَ فِي حَدِّ الظَّاهِرِ وَمَا حَدُّ الْبَاطِنِ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: الْحُكْمُ لِلظَّاهِرِ، فَأَكْثَرُ النِّسَاءِ أَوْ كُلُّهُنَّ إذَا رَأَيْنَ الدَّمَ فِي حَدِّ الظَّاهِرِ ثُمَّ فَتَرَ وَبَقِيَ فِي حَدِّ الْبَاطِنِ يَحْكُمْنَ بِأَنَّهُ كُلَّهُ حَيْضٌ، وَرُبَّمَا يُفْتَى بِذَلِكَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الدَّمَ فَتَرَاتٌ فَتَارَةً يَكُونُ فِي حَدِّ الظَّاهِرِ وَتَارَةً فِي حَدِّ الْبَاطِنِ بَيِّنُوا ذَلِكَ كُلَّهُ بَيَانًا شَافِيًا يُرْخَى فِيهِ عَنَانُ الْعِبَارَةِ مُسْتَوْفًى فِيهِ لَطَائِفُ الْإِشَارَةِ أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ الدَّمَ فِي بَاطِنِ الْفَرْجِ لَهُ حُكْمُ الْحَيْضِ وَعِبَارَتُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا: الْقَوْلَانِ فِي التَّلْفِيقِ (هُمَا فِيمَا إذَا كَانَ النَّقَاءُ زَائِدًا عَلَى الْفَتَرَاتِ الْمُعْتَادَةِ بَيْنَ دَفَعَاتِ الْحَيْضِ، فَأَمَّا الْفَتَرَاتُ فَحَيْضٌ بِلَا خِلَافٍ، ثُمَّ إنَّ الْجُمْهُورَ لَمْ يَضْبِطُوا الْفَرْقَ بَيْنَ حَقِيقَتَيْ الْفَتَرَاتِ وَالنَّقَاءِ، وَهُوَ مِنْ الْمُهِمَّاتِ الَّتِي تَأَكَّدَ الِاعْتِنَاءُ بِهَا، وَيَتَأَكَّدُ الِاحْتِيَاجُ إلَيْهَا، وَيَقَعُ فِي الْفَتَاوَى كَثِيرًا وَقَدْ رَأَيْتُ ذَلِكَ وَوَجَدْت ضَبْطَهُ فِي أَشَدِّ مَظَانِّهِ وَأَحْسَنِهَا وَأَكْمَلِهَا وَأَجْوَدِهَا فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ: لَا يَكُونُ الْحَيْضُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ وَصَاحِبُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ وَصَاحِبُهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ مُصَنِّفُ الْكِتَابِ، أَيْ الْمُهَذَّبِ فِي تَعَالِيقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْفَتْرَةَ هِيَ الْحَالَةُ الَّتِي يَنْقَطِعُ فِيهَا جَرَيَانُ الدَّمِ وَيَبْقَى لَوْنٌ خَفِيفٌ بِحَيْثُ لَوْ أَدْخَلَتْ فِي فَرْجِهَا قُطْنَةً لَخَرَجَ عَلَيْهَا أَثَرُ الدَّمِ مِنْ حُمْرَةٍ أَوْ صُفْرَةٍ أَوْ كُدْرَةٍ فَهِيَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَيْضٌ قَوْلًا وَاحِدًا طَالَ ذَلِكَ أَوْ قَصُرَ، وَالنَّقَاءُ هُوَ أَنْ يَصِيرَ فَرْجُهَا بِحَيْثُ لَوْ أَدْخَلَتْ الْقُطْنَةَ فِيهِ لَخَرَجَتْ بَيْضَاءَ، فَهَذَا مَا ضَبَطَهُ بِهِ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالشُّيُوخُ الثَّلَاثَةُ، وَلَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فِي وُضُوحِهِ وَصِحَّةِ مَعْنَاهُ مِنْ الْوُثُوقِ بِقَائِلِهِ اهـ. الْمَقْصُودُ مِنْهَا وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِيمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ الدَّمَ الَّذِي فِي بَاطِنِ الْفَرْجِ وَهُوَ مَا لَا يَظْهَرُ بِالْجُلُوسِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ حَيْضٌ إذَا وُجِدَ فِي وَقْتِ إمْكَانِهِ وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْخَادِمِ فِي الْكَلَامِ عَلَى رُطُوبَةِ الْفَرْجِ عَنْ بَعْضِهِمْ مَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ أَيْضًا، وَلَا نَظَرَ لِمَا لَا يُدَلُّ لَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثِيَّةٍ أُخْرَى كَمَا يُعْلَمُ بِتَأَمُّلِهِ، فَإِنْ قُلْت: قَدْ يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: (أَيْضًا النَّجَاسَةُ الْمُسْتَقِرَّةُ فِي الْبَاطِنِ لَا حُكْمَ لَهَا مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا شَيْءٌ مِنْ الظَّاهِرِ مَعَ بَقَاءِ حُكْمِ الظَّاهِرِ عَلَيْهِ قُلْت: لَا مُنَافَاةَ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمِ عَلَى الْبَدَنِ وَمَا اتَّصَلَ بِالنَّجَاسَةِ وَعَدَمِهَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي نَجَاسَةٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ فِي حُكْمِهَا بِأَنْ اتَّصَلَ بِهَا مَا ذُكِرَ. وَأَمَّا الْحُكْمُ بِحَدَثِ الْحَيْضِ وَأَحْكَامِهِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهِ، فَمَدَارُهُ عَلَى الْعِلْمِ بِوُجُودِ دَمٍ فِي الْفَرْجِ يُمْكِنُ كَوْنُهُ حَيْضًا بِحَيْثُ إنْ وُجِدَ فِيهِ ذَلِكَ حُكِمَ بِالْحَيْضِ وَحَيْثُ لَا فَلَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّجَاسَةِ وَالْحَيْضِ أَنَّ النَّجَاسَةَ دَائِمَةٌ فِي الْبَاطِنِ فَلَوْ ثَبَتَ لَهَا التَّنَجُّسُ لَتَعَذَّرَ تَطْهِيرُهَا وَكَانَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ مَا لَا يَخْفَى، وَأَمَّا الْحَيْضُ فَهُوَ يَطْرَأُ وَيَزُولُ فَحَيْثُ وُجِدَ فِي الْفَرْجِ حَكَمْنَا، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَى ظَاهِرِهِ وَهُوَ مَا يَظْهَرُ بِالْجُلُوسِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ إذْ لَا مَشَقَّةَ فِي الْحُكْمِ حِينَئِذٍ بِأَنَّهُ حَيْضٌ، وَتَعْلِيلُهُمْ حُرْمَةَ وَطْءِ الْحَائِضِ بِتَلَوُّثِ الذَّكَرِ بِالدَّمِ ظَاهِرٌ أَيْضًا فِيمَا تَقَرَّرَ مِنْ ثُبُوتِ أَحْكَامِ الْحَيْضِ لِلدَّمِ الْمَوْجُودِ فِي الْفَرْجِ مُطْلَقًا عَلَى أَنَّ لَك أَنْ تَقُولَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ هُنَا وُجُودُ الدَّمِ إلَّا بِأَنْ يَظْهَرَ عَلَى نَحْوِ قُطْنَةٍ أَوْ أُصْبُعٍ، وَحِينَئِذٍ فَقَدْ اتَّصَلَ بِهِ ظَاهِرٌ فَيَكُونُ كَالنَّجَاسَةِ الْبَاطِنَةِ

إذَا اتَّصَلَ بِهَا ظَاهِرٌ فَإِنْ قُلْت: صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمَنِيَّ لَوْ نَزَلَ إلَى قَصَبَةِ الذَّكَرِ فَحَبَسَهُ حَتَّى ارْتَدَّ إلَى مَحَلِّهِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمٌ فَهَلَّا كَانَ الْحَيْضُ كَذَلِكَ؟ قُلْت: فَرْقٌ ظَاهِرٌ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْمَنِيَّ إذَا ارْتَدَّ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَثَرٌ بِالْكُلِّيَّةِ، وَأَمَّا الْحَيْضُ فَإِنَّهُ إذَا وُجِدَ بِبَاطِنِ الْفَرْجِ فَعَرَفَتْهُ بِالْخُرُوجِ عَلَى نَحْوِ قُطْنَةٍ ظَهَرَ لَهُ أَثَرٌ فَلَا يُقَاسُ هَذَا بِذَاكَ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْمَرْأَةِ إذَا تَحَيَّرَتْ فِي قَدْرِ الْحَيْضِ إذَا صَامَتْ، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ تَرَى طُهْرًا وَيَوْمَيْنِ حَيْضًا أَوْ بِضِدِّ ذَلِكَ، وَلَمْ تَعْرِفْ مَا كَانَتْ عَلَيْهِ وَاشْرَحُوا لَنَا - شَرَحَ اللَّهُ صُدُورَكُمْ - قَوْلَهُ فِي الْمِنْهَاجِ؟ (تَصُومُ شَهْرَيْنِ يَصِحُّ لَهَا مِنْ كُلِّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَتَصُومُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ الثَّالِثِ. . . إلَخْ) وَمَا صُورَةُ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ - بِأَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ حَيْثُ أُطْلِقَتْ أُرِيدَ بِهَا النَّاسِيَةُ لِعَادَتِهَا قَدْرًا وَوَقْتًا سَوَاءٌ كَانَتْ تَرَى يَوْمًا نَقَاءً وَيَوْمًا حَيْضًا أَوْ عَكْسَهُ أَمْ لَا، وَحُكْمُهَا أَنَّهُ يَلْزَمُهَا مَا يَلْزَمُ الطَّاهِرَةَ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْوَطْءُ وَنَحْوُهُ كَالْحَائِضِ فَيَلْزَمُهَا فِعْلُ الصَّلَوَاتِ وَقَضَاؤُهَا بِالْكَيْفِيَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْأَئِمَّةُ، وَيَلْزَمُهَا صَوْمُ رَمَضَانَ فَإِذَا صَامَتْهُ حَصَلَ لَهَا مِنْهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ إنْ كَمُلَ، وَثَلَاثَةَ عَشَرَ إنْ نَقَصَ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّ حَيْضَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ، وَأَنَّهُ يُقْبِلُ فِي يَوْمٍ وَيَنْقَطِعُ فِي يَوْمٍ فَيَفْسُدُ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ تَصُومُ بَعْدَهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَاءً فَيَحْصُلُ لَهَا مِنْهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَيَبْقَى عَلَيْهَا يَوْمَانِ، وَلَهَا فِي كَيْفِيَّةِ قَضَائِهِمَا صُوَرٌ مِنْهَا: أَنَّهَا تَصُومُ يَوْمًا وَخَامِسَهُ وَعَاشِرَهُ وَسَابِعَ عَشَرِهِ وَحَادِي عَشَرَيْهِ أَوْ تَصُومُ يَوْمًا وَثَالِثَهُ وَخَامِسَهُ وَسَابِعَ عَشَرِهِ وَتَاسِعَ عَشَرِهِ أَوْ يَوْمًا وَرَابِعَهُ وَسَادِسَهُ وَسَابِعَ عَشَرِهِ وَيَوْمَ الْعِشْرِينَ مِنْهُ، وَتَعْلِيلُ ذَلِكَ تَضِيقُ الْوَرَقَةُ عَنْهُ فَإِنْ صَامَتْ عَلَى غَيْرِ النَّحْوِ الْمَذْكُورِ لَمْ تَبْرَأْ كَأَنْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَثَالِثَهُ وَسَابِعَ عَشَرِهِ وَتَاسِعَ عَشَرِهِ أَوْ الْأَوَّلَ وَثَالِثَهُ وَسَابِعَ عَشَرِهِ وَتَاسِعَ عَشَرِهِ وَحَادِي عَشَرَيْهِ أَوْ صَامَتْ الْأَيَّامَ الْخَمْسَةَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ الْأَوَّلَ وَثَانِيَهُ وَثَالِثَهُ وَسَابِعَ عَشَرِهِ وَثَامِنَ عَشَرِهِ أَوْ الْأَوَّلَ وَثَالِثَهُ وَخَامِسَهُ وَسَابِعَ عَشَرِهِ وَثَامِنَ عَشَرِهِ، وَتَوْجِيهُ ذَلِكَ مَذْكُورٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ - عَنْ امْرَأَةٍ عَادَةُ حَيْضِهَا سِتَّةُ أَيَّامٍ وَطُهْرُهَا ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَرَأَتْ الدَّمَ فِي دَوْرِ حَيْضِهَا الْمُعْتَادِ ثُمَّ طَهُرَتْ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ ثَمَانِيًا وَانْقَطَعَ وَلَا تَمْيِيزَ لَهَا فَمَا حُكْمُ الدَّمِ الَّذِي رَأَتْهُ بَعْدَ الْأَحَدَ عَشَرَ هَلْ هُوَ اسْتِحَاضَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ الْيَوْمَ الَّذِي كَانَتْ تَحِيضُ فِيهِ أَوْ نَأْخُذُ لَهَا مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ تَكْمِلَةً لِلطُّهْرِ وَالْبَاقِي حَيْضٌ؟ أَفْتُونَا مَعَ التَّوْضِيحِ، فَالضَّرُورَةُ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْأَصَحُّ فِيهَا أَنَّ أَرْبَعَةً مِنْ الدَّمِ الْعَائِدِ طُهْرٌ وَالْبَاقِي حَيْضٌ أَخْذًا مِمَّا فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ كَالْعَزِيزِ، وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ؟ (أَمَّا بَيَانُ قَدْرِ الطُّهْرِ إذَا تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ فَفِيهِ صُوَرٌ فَإِذَا كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَرَأَتْ فِي شَهْرٍ الْخَمْسَةَ الثَّانِيَةَ فَقَدْ صَارَ دَوْرُهَا الْمُتَقَدِّمُ عَلَى هَذِهِ الْخَمْسَةِ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ مِنْهَا خَمْسَةٌ حَيْضٌ وَثَلَاثُونَ طُهْرٌ فَإِنْ تَكَرَّرَ هَذَا ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ وَأَطْبَقَ الدَّمُ الْمُبْهَمُ رُدَّتْ إلَى هَذِهِ أَبَدًا اتِّفَاقًا، فَيَكُونُ لَهَا خَمْسَةٌ حَيْضًا وَثَلَاثُونَ طُهْرًا، وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ بِأَنْ اسْتَمَرَّ الدَّمُ مِنْ أَوَّلِ الْخَمْسَةِ الثَّانِيَةِ فَفِيهِ خِلَافٌ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ حَيْضَهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْمُبْتَدِئِ، وَهِيَ الْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ ثُمَّ إنْ أَثْبَتْنَا الْعَادَةَ بِمَرَّةٍ جَعَلْنَا دَوْرَهَا خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ مِنْهَا خَمْسَةٌ حَيْضٌ وَالْبَاقِي طُهْرٌ، وَهَكَذَا أَبَدًا وَإِنْ لَمْ نُثْبِتْهَا بِمَرَّةٍ، فَالصَّحِيحُ أَنَّ طُهْرَهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ بَعْدَ الْخَمْسَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُتَكَرِّرُ مِنْ طُهْرِهَا ثُمَّ قَالَ: أَمَّا إذَا كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَرَأَتْ الدَّمَ فِي الْخَمْسَةِ الثَّانِيَةِ، وَانْقَطَعَ ثُمَّ عَادَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ فَقَدْ صَارَ دَوْرُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَإِنْ تَكَرَّرَ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ رُدَّتْ إلَى ذَلِكَ، وَجُعِلَ دَوْرُهَا أَبَدًا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرَ فَالْخَمْسَةُ الْأُولَى حَيْضٌ اتِّفَاقًا. وَأَمَّا الطُّهْرُ، فَإِنْ أَثْبَتْنَا الْعَادَةَ بِمَرَّةٍ فَهُوَ عِشْرُونَ وَإِلَّا فَهُوَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ أَمَّا إذَا حَاضَتْ خَمْسَتَهَا الْمَعْهُودَةَ أَوَّلَ الشَّهْرِ ثُمَّ طَهُرَتْ عِشْرِينَ ثُمَّ عَادَ الدَّمُ فِي الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ حَيْضُهَا وَصَارَ دَوْرُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، فَإِنْ تَكَرَّرَ ثُمَّ اسْتَحَاضَتْ رُدَّتْ إلَيْهَا وَجُعِلَ دَوْرُهَا أَبَدًا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ الدَّمُ بِأَنْ اسْتَمَرَّ الدَّمُ مِنْ الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَحَاصِلُ مَا تَخَرَّجَ مِنْ طُرُقِ الْأَصْحَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَظَائِرِهَا أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ: أَصَحُّهَا

تَحِيضُ خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ وَتَطْهُرُ عِشْرِينَ، وَهَكَذَا أَبَدًا ثُمَّ قَالَ: أَمَّا لَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَحَاضَتْ خَمْسَتَهَا وَطَهُرَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ عَادَ الدَّمُ وَاسْتَمَرَّ فَالْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ خَمْسَتِهَا، وَالدَّمُ نَاقِصٌ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: أَصَحُّهَا أَنَّ يَوْمًا مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْعَائِدِ اسْتِحَاضَةٌ تَكْمِيلًا لِلطُّهْرِ وَخَمْسَةً بَعْدَهُ حَيْضٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ وَصَارَ دَوْرُهَا عِشْرِينَ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ مِنْ الدَّمِ الْعَائِدِ اسْتِحَاضَةٌ ثُمَّ الْعَشَرَةَ الْبَاقِيَةَ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ مَعَ خَمْسَةٍ مِنْ أَوَّلِ الَّذِي يَلِيه حَيْضٌ، وَمَجْمُوعُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ تَطْهُرُ خَمْسَةً تَمَامَ الشَّهْرِ وَتُحَافِظُ عَلَى دَوْرِهَا الْقَدِيمِ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ مِنْ الدَّمِ الْعَائِدِ اسْتِحَاضَةٌ وَبَعْدَهُ خَمْسَةٌ حَيْضٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ طُهْرٌ وَكَذَا أَبَدًا. وَالرَّابِعُ: أَنَّ جَمِيعَ الْعَائِدِ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ اسْتِحَاضَةٌ وَيُفْتَتَحُ دَوْرُهَا الْقَدِيمُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ السَّابِقِ) انْتَهَتْ عِبَارَتُهُ مُلَخَّصَةً، وَالصُّورَةُ الْأَخِيرَةُ فِيهَا الْمَحْكِيُّ فِيهَا هَذِهِ الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ هِيَ نَظِيرَةُ الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ فَيَجْرِي فِي تِلْكَ مَا ذَكَرُوهُ فِي هَذِهِ مِمَّا تَقَرَّرَ كَمَا أَشَرْت إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِي أَوَّلًا؟ (الْأَصَحُّ فِيهَا أَنَّ أَرْبَعَةً. .. إلَخْ) وَمَا عَبَّرْت عَنْهُ بِالطُّهْرِ عُبِّرَ عَنْ نَظِيرِهِ فِي الْمَجْمُوعِ بِالِاسْتِحَاضَةِ وَلَا تَنَافِي؛ لِأَنَّ أَيَّامَ الِاسْتِحَاضَةِ أَيَّامُ طُهْرٍ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ وَنَفَعَ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ - فِي امْرَأَةٍ مُعْتَادَةٍ غَيْرِ مُمَيِّزَةٍ لَهَا حَيْضٌ وَطُهْرٌ وَهِيَ تَعْلَمُهُمَا قَدْرًا وَوَقْتًا، وَعَادَتُهَا تَحِيضُ فِي أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ سَبْعَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ تَطْهُرُ ثُمَّ جَاوَزَ حَيْضُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا غَيْرَ الْعَادَةِ شَهْرًا، ثُمَّ الثَّانِي كَذَلِكَ، ثُمَّ الثَّالِثُ كَذَلِكَ فَإِذَا اسْتَمَرَّ هَكَذَا فِي كُلِّ شَهْرٍ إلَى مَا لَا يَنْتَهِي هَلْ تُرَدُّ إلَى عَادَتِهَا الْأُولَى قَدْرًا وَوَقْتًا وَهِيَ سَبْعَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ؟ فَإِذَا قُلْتُمْ: نَعَمْ تَغْتَسِلُ بَعْدَ السَّبْعِ وَتَصُومُ وَتُصَلِّي مَثَلًا أَوْ تَصْبِرُ حَتَّى تُجَاوِزَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَتَقْضِي مَا عَلَيْهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ الْفَائِتَةِ بَعْدَ السَّبْعَةِ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ، فَمَا فَائِدَةُ قَوْلِهِمْ: تَثْبُتُ الْعَادَةُ بِمَرَّةٍ، وَالْحَالُ قَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا بِمَرَّاتٍ عَدِيدَةٍ؟ وَمَا الْحُكْمُ أَيْضًا فِيمَا إذَا اضْطَرَبَ عَلَيْهَا وَصَارَ مَرَّةً يُجَاوِزُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَمَرَّةً لَا يُجَاوِزُهَا؟ (فَأَجَابَ) - أَمَدَّنَا اللَّهُ مِنْ مَدَدِهِ - بِقَوْلِهِ: نَعَمْ تُرَدُّ إلَى عَادَتِهَا وَهِيَ السَّبْعَةُ الْمَذْكُورَةُ، فَعَقِبَهَا تَغْتَسِلُ وَلَهَا حُكْمُ الطَّاهِرَةِ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْوَطْءِ وَغَيْرِهَا وَلَا تُمْسِكُ إلَى آخِرِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّا عَلِمْنَا بِالشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَمَا بَعْدَهُ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ، وَالِاسْتِحَاضَةُ عِلَّةٌ مُزْمِنَةٌ، فَالظَّاهِرُ دَوَامُهَا وَمَتَى انْقَطَعَ فِي دَوْرٍ لِلْخَمْسَةِ عَشَرَ أَوْ دُونَهَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْكُلَّ حَيْضٌ فَتُعِيدُ الْغُسْلَ وَتَقْضِي مَا صَامَتْهُ مَعَ الدَّمِ لِبُطْلَانِهِ. وَلَا تَأْثَمُ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْوَطْءِ الْوَاقِعَةِ بَعْدَ الْعَادَةِ، وَإِنْ بَانَ وُقُوعُهَا فِي الْحَيْضِ بِأَنَّهَا كَانَتْ جَاهِلَةً أَنَّ ذَلِكَ الزَّمَنَ حَيْضٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهَا ذَلِكَ إلَّا بِالِانْقِطَاعِ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ بَلْ كَانَتْ مَأْمُورَةً بَعْدَ السَّبْعِ بِنَحْوِ الصَّلَاةِ ظَنًّا أَنَّ دَمَهَا يُجَاوِزُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ عَلَى مِنْوَالِ مَا سَبَقَهُ، فَلَمَّا انْقَطَعَ قَبْلَ مُجَاوَزَتِهَا أَلْزَمْنَاهَا بِحُكْمِ الطَّاهِرَاتِ فِيمَا بَعْدَ الرَّدِّ، وَهِيَ السَّبْعَةُ هُنَا مِنْ غَيْرِ أَنْ نُؤَثِّمَهَا لِعُذْرِهَا كَمَا تَقَرَّرَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي امْرَأَةٍ تَحِيضُ فِي نِصْفِ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةَ أَوْ سِتَّةَ أَيَّامٍ، وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ مَعَهَا بُرْهَةً مِنْ الزَّمَانِ، ثُمَّ أَخَلَّ بِهَا فَصَارَ يَطْرُقُهَا فِي آخِرِ كُلِّ شَهْرٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَاسْتَمَرَّ كَذَلِكَ بُرْهَةً مِنْ الزَّمَانِ، ثُمَّ أَخَلَّ بِهَا أَيْضًا فَصَارَ يَطْرُقُهَا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً خَمْسَةُ أَيَّامٍ كَالْعَادَةِ وَمَرَّةً يَوْمًا وَلَيْلَةً وَمَرَّةً يُجَاوِزُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَمَرَّةً يَوْمًا وَلَيْلَةً وَمَرَّةً يَكُونُ الطُّهْرُ بَيْنَ الدَّمَيْنِ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَتَحَيَّرَتْ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَصَارَتْ لَا تَعْرِفُ أَيَّامَ حَيْضَتِهَا قَدْرًا وَلَا وَقْتًا، فَهَلْ يَكُونُ حُكْمُهَا كَالْمُتَحَيِّرَةِ أَوْ الْمُعْتَادَةِ الَّتِي تُرَدُّ إلَى عَادَتِهَا الْأُولَى وَهِيَ خَمْسَةُ أَيَّامٍ فِي نِصْفِ كُلِّ شَهْرٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَيْفَ تَعْرِفُ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا وَصِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ وَكَمْ تَصُومُ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ وَكَمْ يَبْقَى عَلَيْهَا أَوْضِحُوهُ لَنَا وَبَيِّنُوهُ لَنَا بَيَانًا شَافِيًا أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ؟ (فَأَجَابَ) - مَتَّعَنَا اللَّهُ بِحَيَاتِهِ - بِقَوْلِهِ لَهَا حُكْمُ الْمُتَحَيِّرَةِ، فَتَعْمَلُ أَعْمَالَهَا وَتَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ مَا لَمْ تَحْفَظْ مِقْدَارَ دَوْرِهَا، فَإِنْ حَفِظَتْهُ أَوْ قَالَتْ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى سِتَّةٍ مَثَلًا اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ أَدْوَارٍ وَتَصُومُ شَهْرَ رَمَضَانَ وَيُحْسَبُ لَهَا مِنْهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا إنْ كَمُلَ وَإِلَّا فَثَلَاثَةَ عَشَرَ لِأَنَّ الْأَسْوَأَ أَنْ يُقَدَّرَ ابْتِدَاءُ الدَّمِ فِي يَوْمٍ وَانْقِطَاعُهُ فِي آخَرَ مَعَ فَرْضِ أَنَّهُ أَكْثَرُ

الْحَيْضِ فَيُفْسِدُ عَلَيْهَا مِنْهُ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ امْرَأَةٍ تَحِيضُ، وَهِيَ حَافِظَةٌ لِلْقَدْرِ وَالْوَقْتِ وَتَخْتَلِفُ عَلَيْهَا أَوْقَاتُهُ فَمَرَّةً فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَمَرَّةً فِي وَسَطِهِ وَمَرَّةً فِي آخِرِهِ وَمَرَّةً يَنْقُصُ عَنْ الْقَدْرِ الْمُعْتَادِ، وَلَكِنَّهُ أَكْثَرَ مِنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ، وَمَرَّةً يَزِيدُ عَلَى الْعَادَةِ وَلَا يُجَاوِزُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَمَا حُكْمُهَا فِي الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْوَطْءِ فَكَيْفَ يُعْرَفُ حَيْضُهَا مِنْ طُهْرِهَا، وَالْحَالُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُتَحَيِّرَةً؟ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: الْحَافِظَةُ الْمَذْكُورَةُ إذَا وَقَعَ لَهَا تَمْيِيزٌ أَوْ انْقِطَاعٌ مُخَالِفٌ لِلْعَادَةِ، وَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ نَقْصٌ عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ، وَلَا زِيَادَةٌ عَلَى أَكْثَرِهِ تَعْمَلُ بِذَلِكَ التَّمْيِيزِ أَوْ الِانْقِطَاعِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْعَمَلِ بِالْعَادَةِ حَيْثُ لَمْ يُعَارِضْهَا مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا، وَكُلٌّ مِنْ ذَيْنِكَ الْمَذْكُورَيْنِ أَقْوَى مِنْهَا فَقُدِّمَا عَلَيْهَا فَإِذَا انْقَطَعَ دُونَ قَدْرِ الْعَادَةِ لَزِمَهَا أَنْ تَفْعَلَ مَا يَفْعَلُهُ الطَّاهِرُ وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَنْتَظِرَ قَدْرَ الْعَادَةِ حِينَئِذٍ، وَإِذَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْعَادَةِ وَلَمْ يُجَاوِزْ خَمْسَةَ عَشَرَ لَزِمَهَا أَنْ تَبْقَى عَلَى أَحْكَامِ الْحَائِضِ لِمَا قَرَرْته أَنَّهُ عَارَضَ الْعَادَةَ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا فَقُدِّمَ عَلَيْهَا، وَمَتَى انْقَطَعَ وَعَادَ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بَانَ أَنَّ الْعَادَةَ حَيْضٌ فَتَجْرِي عَلَى أَحْكَامِهِ، وَإِنْ خَالَفَ ذَلِكَ عَادَتَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) أَيْضًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ امْرَأَةٍ كَانَ مِنْ عَادَتِهَا أَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ تَقْعُدُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا لَمْ يَأْتِهَا الطُّهْرُ، فَلَمَّا أَنْ وَلَدَتْ الْوَلَدَ الثَّانِيَ لَمْ تَنْظُرْ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ شَيْئًا مِنْ عَادَتِهَا الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا، وَهِيَ الْأَرْبَعِينَ فَهَلْ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي إذَا لَمْ تَرَ الدَّمَ، وَإِذَا انْقَطَعَ عَنْهَا أَيَّامًا، ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا فَمَا الْحُكْمُ فِيمَا صَلَّتْهُ، هَلْ تَقْضِيه أَمْ لَا؟ وَكَيْفَ تَصْنَعُ إذَا كَانَتْ تَحِيضُ، ثُمَّ انْقَطَعَ حَيْضُهَا عَنْ مَرَضٍ وَأَرَادَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَ، وَقَدْ حَاضَتْ حَيْضَةً أَوْ حَيْضَتَيْنِ؟ أَفْتُونَا؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّهُ حَيْثُ انْقَطَعَ دَمُ الْحَائِضِ أَوْ النُّفَسَاءِ بِأَنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَوْ أَدْخَلَتْ الْقُطْنَةَ إلَى فَرْجِهَا خَرَجَتْ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ، وَتُصَلِّيَ وَجَازَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا سَوَاءٌ انْقَطَعَ دَمُهَا قَبْلَ عَادَتِهَا أَمْ لَا، فَإِذَا عَادَ قَبْلَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ وِلَادَتِهَا أَوْ حَيْضِهَا تَبَيَّنَّا أَنَّ أَيَّامَ الِانْقِطَاعِ حَيْضٌ أَوْ نِفَاسٌ فَلَا تَقْضِي صَلَوَاتِ تِلْكَ الْأَيَّامِ إنْ كَانَتْ أَثِمَتْ وَتَرَكَتْهَا. وَأَمَّا إذَا عَادَ فِي مَسْأَلَةِ النِّفَاسِ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَهُوَ حَيْضٌ، وَزَمَنُ الِانْقِطَاعِ طُهْرٌ فَتَقْضِي صَلَوَاتِهِ إنْ فَاتَتْهَا، وَإِنْ عَادَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَيْضِ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنْ كَانَ مِنْ حِينِ انْقِطَاعِهِ إلَى حِينِ عَوْدِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَهُوَ حَيْضٌ جَدِيدٌ. وَمُدَّةُ الِانْقِطَاعِ طُهْرٌ فَتَقْضِي صَلَوَاتِهِ إنْ تَرَكَتْهَا، وَإِنْ كَانَ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ، وَمَنْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا لِمَرَضٍ لَمْ يَجُزْ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ إذَا لَزِمَتْهَا عِدَّةٌ حَتَّى يَمْضِيَ عَلَيْهَا ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ بِأَنْ تَشْرَعَ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ إنْ لَزِمَتْهَا الْعِدَّةُ، وَهِيَ طَاهِرٌ أَوْ فِي الرَّابِعَةِ إنْ لَزِمَتْهَا وَهِيَ حَائِضٌ هَذَا إنْ كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ فَتَصْبِرُ لِذَلِكَ، وَإِنْ مَضَى عَلَيْهَا سُنُونَ كَثِيرَةٌ حَتَّى تَيْأَسَ إلَى أَنْ تَصِلَ إلَى اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ سَنَةً فَحِينَئِذٍ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، وَيَجُوزُ لَهَا أَنْ تَنْكِحَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْمُسْتَحَاضَةِ الَّتِي تَعْتَادُ الِانْقِطَاعَ وَالْعَوْدَ، وَيَسَعُ زَمَنُ الِانْقِطَاعِ وُضُوءَ الصَّلَاةِ فَهَلْ وُضُوءُهَا فِي زَمَنِ الِانْقِطَاعِ وُضُوءُ ضَرُورَةٍ حَتَّى لَا تَكْفِيَهَا نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ أَمْ وُضُوءُ رَفَاهِيَةٍ فَتَكْفِيَهَا نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: إنَّ وُضُوءَهَا وُضُوءُ رَفَاهِيَةٍ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ مَعَ زِيَادَةِ حُكْمٍ آخَرَ وَعِبَارَتِي فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ (وَيَجِبُ عَلَيْهَا انْتِظَارُ انْقِطَاعٍ اعْتَادَتْهُ أَثْنَاءَ الْوَقْتِ إنْ وَثِقَتْ بِانْقِطَاعِهِ فِيهِ بِحَيْثُ تَأْمَنُ خُرُوجَهُ لِاسْتِغْنَائِهَا حِينَئِذٍ عَنْ الصَّلَاةِ بِالْحَدَثِ وَالنَّجَسِ، فَإِنْ رَجَتْ انْقِطَاعَهُ فِيهِ وَلَمْ تَثِقْ، فَالتَّقْدِيمُ أَفْضَلُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَإِنْ رَجَّحَ الزَّرْكَشِيُّ وُجُوبَ التَّأْخِيرِ، وَالسَّلِسُ كَالْمُسْتَحَاضَةِ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيْضًا وَفَسَّحَ فِي مُدَّتِهِ عَمَّنْ إذَا بَالَ لَا يَنْقَطِعُ بَوْلُهُ إلَّا بَعْدَ حِينٍ أَوْ زَمَنٍ طَوِيلٍ حَتَّى لَوْ بَالَ قُبَيْلَ الْغُرُوبِ أَوْ قُبَيْلَ الطُّلُوعِ لَا يَنْقَطِعُ بَوْلُهُ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الْمَغْرِب أَوْ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَهَلْ لَهُ حُكْمُ دَائِمِ الْحَدَثِ؟ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْصِبَ وَيُصَلِّيَ أَوْ يَصْبِرَ إلَى أَنْ يَنْقَطِعَ وَيُصَلِّيَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ رُخْصَةً لَهُ فِي إخْرَاجِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَطَهَّرَ طُهْرَ

السَّلِسِ بِشُرُوطِهِ، وَيُصَلِّيَ فِي الْوَقْتِ مَعَ حَدَثِهِ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَضَابِطُ السَّلِسِ الَّذِي ذَكَرُوا فِيهِ الْعَصْبَ وَالْحَشْوَ وَالْمُوَالَاةَ وَغَيْرَهَا هُوَ مَنْ لَا يَمْضِي عَلَيْهِ جُزْءٌ مِنْ الْوَقْتِ يَسَعُ الطُّهْرَ وَالصَّلَاةَ بِلَا حَدَثٍ سَوَاءٌ كَانَ حَدَثُهُ كَذَلِكَ فِي الْوَقْتِ الْآخَرِ وَهَكَذَا أَمْ اخْتَصَّ ذَلِكَ بِبَعْضِ الْأَوْقَاتِ دُونَ بَعْضٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَفَسَّحَ فِي مُدَّتِهِ عَمَّنْ رَعَفَ وَدَامَ رُعَافُهُ فَهَلْ يُصَلِّي مَعَهُ أَوْ يَنْتَظِرُ انْقِطَاعَهُ، وَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ كَالسَّلِسِ فَحَيْثُ ظَنَّ خُلُوَّ قَدْرِ مَا يَسَعُ الصَّلَاةَ مِنْ الْوَقْتِ عَنْ النَّجَاسَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ إيقَاعُ الصَّلَاةِ فِيهِ وَإِلَّا صَبَرَ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ الصَّلَاةَ وَنَحْوَ طُهْرِهَا فَتَجِبُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ مَعَ النَّجَاسَةِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ مُتَحَيِّرَةٍ عَلَيْهَا قَضَاءُ يَوْمَيْنِ فَصَامَتْ مُفَرِّقَةً أَوَّلَ الشَّهْرِ وَخَامِسَهُ وَحَادِي عَشَرِهِ وَسَابِعَ عَشَرِهِ وَالثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ فَهَلْ تَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَصْدُقْ عَلَى صَوْمِهَا أَنَّ كُلًّا مِنْ الْآخِرِ سَابِعَ عَشَرَ نَظِيرُهُ وَلَا خَامِسَ ثَانِيهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ تَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ لِأَنَّهَا صَامَتْ سَابِعَ عَشَرَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ وَاضِحٌ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تُؤَخِّرَ نَظِيرَ الْيَوْمِ الثَّانِي إلَى خَامِسَ عَشَرَ أَوْ الْحَادِيَ عَشَرَ فَتَصُومُهُ أَوْ تَصُومُ يَوْمًا مِنْ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي قَبْلَهُ وَبَعْدَ الْعِشْرِينَ، فَجَوَازُ التَّأْخِيرِ لِخَامِسَ عَشَرَ الثَّانِي لَيْسَ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَتَحَتَّمُ صَوْمُهُ دُونَ مَا قَبْلَهُ، بَلْ بِمَعْنَى أَنَّهُ غَايَةٌ لِجَوَازِ التَّأْخِيرِ حَتَّى يَمْتَنِعَ تَأْخِيرُ الصَّوْمِ إلَى مَا بَعْدَهُ، فَصَوْمُهَا الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ هُنَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي قَبْلَ خَامِسَ عَشَرَ ثَانِي الْخَامِسِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ امْرَأَةٍ عَادَتُهَا أَنْ تَحِيضَ سِتًّا أَوَّلَ الشَّهْرِ وَتَطْهُرَ بَاقِيهِ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ فَحَاضَتْ سِتَّتَهَا ثُمَّ طَهُرَتْ إلَى سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ، وَرَأَتْ الدَّمَ فِيهَا إلَى يَوْمِ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ بِلَيْلَتِهِ، ثُمَّ نَقِيَتْ يَوْمَ الثَّانِي أَرْبَعًا، ثُمَّ دَمِيَتْ سِتًّا، فَهَلْ حَيْضُهَا السِّتُّ الْأُوَلُ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ لِكَوْنِهَا بَعْدَ طُهْرٍ صَحِيحٌ؟ وَيَوْمًا مِنْهَا مِنْ الْعَادَةِ أَوْ السِّتُّ الْأَخِيرَةُ لِتَأَخُّرِهَا وَقُرْبِهَا مَعَ اتِّصَالِ دَمِهَا أَوْ آخِرُ الدَّمِ الْأَوَّلِ يَوْمًا وَيَوْمًا أَوَّلَ الْأَخِيرِ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ النَّقَاءِ لِكَوْنِهَا أَيَّامَ الْعَادَةِ فَإِنْ قُلْتُمْ: السِّتُّ الْأَخِيرَةُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ أَوَّلُهَا مِنْ أَيَّامِ الْعَادَةِ بِأَنْ رَأَتْهُ يَوْمَ سَبْعٍ يَكُونُ كَذَلِكَ أَوْ الْأَوَّلُ لِأَنَّ يَوْمًا مِنْهُ مِنْهَا فَإِنْ قُلْتُمْ بِهَذَا فَكَانَ مِنْ أَوَّلِ الْأَوَّلِ إلَى آخِرِهِ أَكْثَرَ مِنْ سِتٍّ بِأَنْ رَأَتْهُ لِثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ إلَى الْحَادِي كَمَا ذُكِرَ فَهَلْ تَحِيضُ السِّتَّ الْأَخِيرَةَ مِنْهَا لِيَكُونَ مِنْهَا يَوْمُ الْعَادَةِ أَوْ مِنْ الْأَخِيرِ؛ لِقُرْبِهِ أَوْ يَوْمُ الْعَادَةِ أَوَّلُ الثَّلَاثِينَ فَقَطْ، وَحَيْثُ غَلَبَ يَوْمُ الْعَادَةِ مَعَ غَيْرِهِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ لَيْلَةٌ انْغَلَبَ لِتَمَامِهِ بِغَيْرِهِ أَوْ يَكُونُ كَالْعَدَمِ فَيُنْظَرُ إلَى الْأَقْرَبِ أَوْ الْمُتَأَخِّرِ كَمَا عَرَفْت قَاعِدَةَ ذَلِكَ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْحَيْضُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَمَّا الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَهُوَ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا الْخَمْسَةَ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ وَبَاقِيهِ طُهْرٌ فَحَاضَتْ عَادَتَهَا، ثُمَّ بَعْدَ طُهْرِهَا عِشْرِينَ حَاضَتْ الْخَمْسَةَ الْأَخِيرَةَ مِنْ الشَّهْرِ صَارَ دَوْرُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، لِأَنَّ حَيْضَهَا يُقَدَّمُ عَنْ وَقْتِهِ بِخَمْسَةٍ فَتُرَدُّ إلَيْهِ إذَا اُسْتُحِيضَتْ سَوَاءٌ أَطَهُرَتْ بَعْدَ الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ عِشْرِينَ أَيْضًا، ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ أَمْ لَمْ تَطْهُرْ بَعْدَهَا بَلْ اسْتَمَرَّ الدَّمُ فَتَحِيضُ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَوْجُهٍ أَرْبَعَةٍ خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْمُسْتَمِرِّ وَخَمْسَةً مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ وَهَكَذَا أَبَدًا اهـ. وَيُشْكِلُ عَلَى هَذَا الْفَرْعِ فَرْعٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهَا لَوْ رَأَتْ خَمْسَتَهَا الْمَعْهُودَةَ ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ عَادَ الدَّمُ وَاسْتَمَرَّ، فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ عِنْدَ جَمَاعَةٍ وَعَادَتُهَا بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا فَلَهَا الْخَمْسَةُ الْأُولَى مِنْ كُلِّ شَهْرٍ حَيْضًا وَبَاقِيهِ طُهْرٌ. وَقَدْ أَجَبْتُ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ، وَكَذَا مَعَ الْبَسْطِ فِيهِ فِي إتْحَافِ أَهْلِ الْفِطْنَةِ وَالرِّيَاضَةِ بِحَلِّ مُشْكِلَاتِ أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالِاسْتِحَاضَةِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي التَّنَقُّلِ الْقَرِيبِ لِوُقُوعِهِ كَثِيرًا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي التَّنَقُّلِ الْبَعِيدِ؛ لِنُدْرَتِهِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ لَوْ تَعَارَضَ دَمَانِ قُدِّمَ أَقْرَبُهُمَا إلَى أَوَّلِ الْعَادَةِ إذْ لَيْسَ مَلْحَظُهُ إلَّا مَا ذَكَرْت إذَا عَلِمْت ذَلِكَ عَلِمْت الْجَوَابَ عَنْ جَمِيعِ التَّرْدِيدَاتِ الَّتِي فِي السُّؤَالِ بِمَا حَاصِلُهُ: أَنَّهَا إذَا رَأَتْ سِتَّتَهَا الَّتِي هِيَ أَوَّلُ الشَّهْرِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ يَوْمَ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ أَوْ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ مَثَلًا، فَإِنْ انْقَطَعَ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَالْكُلُّ حَيْضٌ، وَإِنْ جَاوَزَهَا

وَاسْتَمَرَّ، فَحَيْضُهَا السِّتَّةُ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْعَائِدِ كَمَا أَنَّ حَيْضَهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الَّتِي ذَكَرْتهَا الْخَمْسَةُ الْأَخِيرَةُ مِنْ الشَّهْرِ وَتَوْجِيهُ السَّائِلِ - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - لِكَوْنِ الْحَيْضِ السِّتَّ الْأَخِيرَةَ بِقُرْبِهَا، وَاتِّصَالُ دَمِهَا غَيْرُ مُوَافِقٍ لِكَلَامِهِمْ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يُعْتَبَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى قَدْرِ طُهْرِهَا إلَى اسْتِئْنَافِ حَيْضَةٍ أُخْرَى كَمَا يُعْلَمُ بِسَوْقِ حَاصِلِ عِبَارَةِ الْمَجْمُوعِ الدَّالَّةِ لِمَا قُلْنَاهُ فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ. وَهُوَ إذَا انْتَقَلَتْ عَادَتُهَا بِتَقَدُّمٍ أَوْ تَأَخُّرٍ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ وَتَقَطَّعَ دَمُهَا، فَفِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَالْأَصْحَابِ فِي مُرَاعَاةِ الْأَوَّلِيَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي حَالِ إطْبَاقِ الدَّمِ، وَيَعُودُ الْخِلَافُ فِي ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ مِثَالُ التَّقَدُّمِ كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً مِنْ ثَلَاثِينَ، فَرَأَتْ فِي بَعْضِ الْأَدْوَارِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ دَمًا وَمَا يَلِيه نَقَاءً وَتَقَطَّعَ دَمُهَا وَهَكَذَا، وَجَازَ خَمْسَةَ عَشَرَ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: حَيْضُهَا أَيَّامَهَا الْقَدِيمَةَ وَمَا قَبْلَهَا اسْتِحَاضَةٌ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ: وَهُوَ الْمَذْهَبُ تَنْتَقِلُ الْعَادَةُ بِمَرَّةٍ فَإِنْ سَحَبْنَا أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ مُتَوَالِيَةٌ أَوَّلُهَا يَوْمُ الثَّلَاثِينَ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثَالَ التَّأَخُّرِ فَقَالَ: هَذَا بَيَانُ حَيْضِهَا مَا قَدْرُ طُهْرِهَا إلَى اسْتِئْنَافِ حَيْضَةٍ أُخْرَى، فَيُنْظَرُ إنْ كَانَ التَّقَطُّعُ بِحَيْثُ يَنْطَبِقُ الدَّمُ عَلَى أَوَّلِ الدَّوْرِ فَهُوَ ابْتِدَاءُ الْحَيْضَةِ الْأُخْرَى. وَإِنْ لَمْ يَنْطَبِقْ فَابْتِدَاؤُهَا أَقْرَبُ نُوَبِ الدِّمَاءِ إلَى الدَّوْرِ تَقَدَّمَتْ أَوْ تَأَخَّرَتْ، فَإِنْ اسْتَوَيَا تَقَدُّمًا أَوْ تَأَخُّرًا، فَابْتِدَاءُ حَيْضِهَا النَّوْبَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ ثُمَّ قَدْ يَتَّفِقُ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ فِي بَعْضِ أَدْوَارِ الِاسْتِحَاضَةِ دُونَ بَعْضٍ، وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنْ تَأْخُذَ نَوْبَةَ دَمٍ وَنَوْبَةَ نَقَاءٍ وَتَطْلُبَ عَدَدًا صَحِيحًا يَحْصُلُ مِنْ ضَرْبِ مَجْمُوعِ النَّوْبَتَيْنِ فِيهِ مِقْدَارُ دَوْرِهَا، فَإِنْ وُجِدْنَ فَاعْلَمْ انْطِبَاقَ الدَّمِ عَلَى أَوَّلِ الدَّوْرِ وَإِلَّا فَاضْرِبْهُ فِي عَدَدٍ يَكُونُ الْحَاصِلُ مِنْهُ أَقْرَبَ إلَى دَوْرِهَا زَائِدًا كَانَ أَوْ نَاقِصًا، وَاجْعَلْ حَيْضَهَا الثَّانِيَ أَقْرَبَ الدِّمَاءِ إلَى أَوَّلِ الدَّوْرِ. فَإِنْ اسْتَوَى طَرَفَا الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ، فَالِاعْتِبَارُ بِالزَّائِدِ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ مَا ذَكَرَهُ تَعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي مَقَامَيْنِ: الْأَوَّلُ فِي حَيْضِهَا عِنْدَ ابْتِدَاءِ التَّقَطُّعِ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْمَذْهَبَ يَعْتَبِرُ التَّقَدُّمَ عَلَى أَوَّلِ الْعَادَةِ فَحِينَئِذٍ هُوَ فِي مَسْأَلَتِنَا السِّتَّةُ مِنْ يَوْمِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ لِوُقُوعِهِ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَالثَّانِي فِي ابْتِدَاءِ حَيْضِهَا الثَّانِي إذَا جَاوَزَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَاسْتَمَرَّ مُتَقَطِّعًا، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ حُكْمَهُ أَنَّ التَّقَطُّعَ إنْ كَانَ بِحَيْثُ يَنْطَبِقُ الدَّمُ عَلَى أَوَّلِ الدَّوْرِ فَهُوَ ابْتِدَاءُ الْحَيْضَةِ الْأُخْرَى، وَإِنْ لَمْ يَنْطَبِقْ فَابْتِدَاؤُهَا أَقْرَبُ نُوَبِ الدِّمَاءِ إلَى الدَّوْرِ تَقَدَّمَتْ أَوْ تَأَخَّرَتْ فَعُلِمَ بِذَلِكَ انْدِفَاعُ قَوْلِ السَّائِلِ: أَوْ السِّتُّ الْأَخِيرَةُ وَقَوْلُهُ: أَوْ آخِرُ الدَّمِ الْأَوَّلِ. .. إلَخْ. وَقَوْلُهُ: فَإِنْ قُلْتُمْ: السِّتُّ الْأَخِيرَةُ وَمَا فَرَّعَهُ عَلَيْهِ وَكَذَا قَوْلُهُ كَمَا عَرَفْت قَاعِدَةَ ذَلِكَ لِمَا عَلِمْتَ أَنَّ قَاعِدَةَ ذَلِكَ لَيْسَتْ فِي ابْتِدَاءِ التَّقَطُّعِ، وَإِنَّمَا هِيَ فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَعْقُبُهُ وَالْحَيْضَةِ الَّتِي تَعْقُبُ هَذَا الطُّهْرَ فَاتَّضَحَ بِعَوْنِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ جَمِيعُ مَا قُلْنَاهُ وَحَرَّرْنَاهُ فَاعْتَمِدْهُ وَلَا تُعَوِّلْ عَلَى سِوَاهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَمَّا أَفْتَى بِهِ الْبَارِزِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ أَنَّ ذَاتَ الْقُرْءِ إذَا انْقَطَعَ حَيْضُهَا تَتَرَبَّصُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ تَتَزَوَّجُ هَلْ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ خُصُوصًا فِي هَذِهِ الْبِلَادِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا بَيْتُ مَالٍ أَوْ لَا (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْبَارِزِيِّ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ مَا أَفْتَى بِهِ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ الَّذِينَ هُمْ أَجَلُّ مِنْهُ قَدْرًا، وَأَوْسَعُ مِنْهُ عِلْمًا عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُجْتَهِدٍ، وَغَيْرُ الْمُجْتَهِدِ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ بِخِلَافِهِمْ فَإِنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ، فَالصَّوَابُ لِمَنْ أَلْجَأَتْهَا الضَّرُورَةُ أَنْ تَرْفَعَ أَمْرَهَا إلَى أَهْلِ مَذْهَبٍ مُجْتَهِدٍ كَمَالِكٍ أَوْ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَتُقَلِّدُ مَنْ تَرَى لَهَا فُسْحَةً عِنْدَهُ فَإِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَمَا جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْنَا فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، لَكِنْ بِشَرْطِ رِعَايَةِ الْقَوَاعِدِ وَالْتِزَامِ مَا قَالُوهُ مِنْ الْوَسَائِلِ وَالْمَقَاصِدِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَجْعَلُ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا فَرَجًا وَمَخْرَجًا بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَ بِهِ - عَمَّا قَالَهُ الْمُزَجَّدُ فِي عُبَابِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمُتَحَيِّرَةِ مَا لَفْظُهُ (وَتَقْتَصِرُ أَعْنِي الْمُتَحَيِّرَةَ فِي أَفْعَالِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى أَقَلِّ وَاجِبٍ، هَلْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: نَعَمْ فَمُشْكِلٌ فَقَدْ صَرَّحُوا بِجَوَازِ قِرَاءَةِ السُّورَةِ بَلْ يَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَهُ عَدَمُ جَوَازِ النَّافِلَةِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِجَوَازِهَا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، نَعَمْ رَأَيْتُ بَعْضَهُمْ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ مَا فِي الْعُبَابِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ امْتِنَاعِ التَّثْلِيثِ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ وَوُجُوبِ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَرَّةٍ

وَاحِدَةٍ مُبَادَرَةً لِلصَّلَاةِ فَلْيُتَأَمَّلْ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِي فِي شَرْحِ الْعُبَابِ عِنْدَ قَوْلِهِ؟ (وَتَقْتَصِرُ فِي أَفْعَالِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى أَقَلِّ وَاجِبٍ) تَبِعَ فِيهِ غَيْرَهُ، وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ بَحْثِ الزَّرْكَشِيّ وُجُوبَ الِاقْتِصَارِ عَلَى مَرَّةٍ فِي وُضُوءِ الْمُسْتَحَاضَةِ، وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ بَحْثٌ مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ، فَالْوَجْهُ عَدَمُ وُجُوبِ مَا ذَكَرَهُ الْمَتْنُ هُنَا بَلْ هُوَ عَجِيبٌ مِنْهُ كَيْفَ وَمَا ذَكَرَهُ قَبْلُ صَرِيحٌ فِي رَدِّهِ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ لَهَا التَّأْخِيرُ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ - فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ لَهَا الْإِتْيَانُ بِسُنَنِ الصَّلَاةِ الْمُشْتَمِلَةِ هِيَ عَلَيْهَا، بَلْ مَرَّ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا قِرَاءَةُ السُّورَةِ وَهُوَ أَوْضَحُ دَلِيلٍ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْبَحْثِ) انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ، وَهِيَ نَصٌّ فِيمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ -. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ حَائِضٍ هَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّصَدُّقُ بِالدِّينَارِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّهُمْ فَصَلُوا فِي نَدْبِهَا بَيْنَ كَوْنِ الْوَطْءِ مِنْ عَامِدٍ عَالِمٍ بِالتَّحْرِيمِ مُخْتَارٍ لَهُ فَيُنْدَبُ، وَبَيْنَ مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا يُنْدَبُ لَهُ. وَهَذَا التَّفْصِيلُ إنَّمَا يَتَأَتَّى فِي الْحَلِيلَةِ لِأَنَّهَا الَّتِي يُتَصَوَّرُ فِي وَطْئِهَا فِي الْحَيْضِ أَنَّهُ تَارَةً يَحْرُمُ فَيُنْدَبُ وَتَارَةً لَا يَحْرُمُ فَلَا يُنْدَبُ، وَأَمَّا الْمَزْنِيُّ بِهَا فَلَا يَكُونُ وَطْؤُهَا إلَّا حَرَامًا وَلَوْ مِنْ مُكْرِهٍ إذْ الْأَصَحُّ أَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يُبِيحُ الزِّنَا، وَإِنْ أُسْقِطَ حَدُّهُ لِلشُّبْهَةِ وَجَاهِلٍ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَجْهَلُ حُرْمَةَ الزِّنَا إلَّا النَّادِرُ الَّذِي لَمْ يُخَالِطْ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَسْمَعُ بِأَخْبَارِهِمْ الثَّانِي: أَنَّهُمْ عَلَّلُوا عَدَمَ وُجُوبِهَا خِلَافًا لِلْقَوْلِ الْقَدِيمِ الْمُوجِبِ لَهَا بِأَنَّهُ وَطْءٌ مُحَرَّمٌ؛ لِلْأَذَى فَلَمْ يَجِبْ بِهِ كَفَّارَةٌ كَاللِّوَاطِ، فَقَوْلُهُمْ: مُحَرَّمٌ لِلْأَذَى مُخْرِجٌ لِوَطْءِ الزِّنَا فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ لِذَاتِهِ لَا لِعَارِضٍ، فَلَمْ يُنْدَبْ فِيهِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَطْرَأْ لَهُ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ أَصْلِهِ بِخِلَافِ وَطْءِ الْحَلِيلَةِ فَإِنَّهُ حَلَالٌ لِذَاتِهِ فَإِذَا طَرَأَ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ عَنْ ذَلِكَ نَاسَبَ أَنْ يُكَفِّرَ، وَأَنْ تَكُونَ كَفَّارَتُهُ مَنْدُوبَةً نَظَرًا لِحِلِّهِ فِي الْأَصْلِ لَا وَاجِبَةً، وَبِذَلِكَ فَارَقَ وُجُوبَ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ؛ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ لِذَاتِهِ فَإِنْ قُلْت: قَضِيَّةُ الْقِيَاسِ عَلَى اللِّوَاطِ نُدِبَ التَّصَدُّقُ فِيهِ. قُلْتُ: لَيْسَ قَضِيَّتُهُ ذَلِكَ كَمَا فُهِمَ مِمَّا قَرَرْته لِأَنَّ الْقِيَاسَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ رَدٌّ لِلْوُجُوبِ، وَأَمَّا إثْبَاتُ السُّنِّيَّةِ فَهُوَ لِمَا قَرَرْته أَنَّهُ وَطْءٌ مُبَاحٌ أَصَالَةً ثُمَّ عَرَضَ لَهُ مُحَرِّمٌ لِعَارِضٍ هُوَ الْأَذَى فَكَفَّرَ ذَلِكَ لِيَرْجِعَ إلَى أَصْلِهِ مِنْ عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ. الثَّالِثُ: قَوْلُ بَعْضِهِمْ: الْحِكْمَةُ فِي اخْتِلَافِ قَدْرِ الْكَفَّارَةِ بِأَوَّلِهِ وَآخِرِهِ أَنَّهُ فِي أَوَّلِهِ حَدِيثُ عَهْدٍ بِالْجِمَاعِ فَغُلِّظَ عَلَيْهِ فِي الْكَفَّارَةِ إذْ لَا عُذْرَ لَهُ بِخِلَافِهِ فِي آخِرِهِ، فَإِنَّهُ بَعِيدُ عَهْدٍ بِهِ فَخُفِّفَ عَلَيْهِ فِيهَا لِعُذْرِهِ فَتَأَمَّلْ هَذَا، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ أَوْ صَرِيحٌ فِي أَنَّ وَطْءَ الزِّنَا لَيْسَ مُرَادًا هُنَا إذْ لَا عُذْرَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فِي كَوْنِهِ أَوَّلَ الدَّمِ أَوْ آخِرَهُ، بَلْ وَلَا مَعَ عَدَمِ الدَّمِ بِالْكُلِّيَّةِ فَإِنْ قُلْتَ: هَلْ يُمْكِنُ أَنَّ لِذَلِكَ الِاخْتِلَافِ حِكْمَةٌ أُخْرَى أَظْهَرُ: قُلْتُ: نَعَمْ لِأَنَّ أَوَّلَ الدَّمِ الْغَالِبُ فِيهِ النَّتْنُ وَمَزِيدُ الْقَذَارَةِ فَكَانَ التَّعَدِّي بِالْوَطْءِ فِيهِ أَقْبَحَ فَغُلِّظَ فِي كَفَّارَتِهِ بِخِلَافِهِ فِي آخِرِهِ فَإِنَّهُ خَفَّ الْأَذَى فَخُفِّفَ فِي كَفَّارَتِهِ، وَأَلْحَقُوا بِهَذَا مَا بَعْدَ انْقِطَاعِهِ إلَى الْغُسْلِ، وَإِنْ زَالَ الْأَذَى لِأَنَّ زَوَالَهُ حِسِّيٌّ لَا شَرْعِيٌّ؛ لِبَقَاءِ قَذَارَةِ الْبَدَنِ إلَى الْآنَ فَنُدِبَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ أَيْضًا. الرَّابِعُ: أَنَّ وَطْءَ الزِّنَا فِيهِ الْحَدُّ، وَهُوَ يُغْنِي عَنْ الْكَفَّارَةِ إذْ لَا يَجْتَمِعَانِ غَالِبًا فَإِنْ قُلْتَ: الْبَعِيدُ اجْتِمَاعُهُمَا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا كَذَلِكَ هُنَا فَإِنَّ الْحَدَّ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ وَطْءَ زِنًا، وَالْكَفَّارَةُ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ وَطْئًا فِي حَيْضٍ قُلْتُ: إنَّمَا يَظْهَرُ مُلَاحَظَةُ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ لَوْ طَرَأَ بِهَا تَحْرِيمُ حَلَالٍ كَمَا فِي الْحَلِيلَةِ، أَمَّا فِي الْأَجْنَبِيَّةِ فَلَا يَحْسُنُ مُرَاعَاتُهَا، فَإِنَّهَا لَمْ يُقَدَّرْ تَجَدُّدُ تَحْرِيمٍ يُنَاطُ بِهِ طَلَبُ كَفَّارَةٍ. الْخَامِسُ: الْقِيَاسُ عَلَى مُسَافِرٍ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ بِالزِّنَا بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ أَوْ لَا؟ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَأْثَمْ لِأَجْلِ الصَّوْمِ وَحْدَهُ، بَلْ لِأَجْلِ الزِّنَا وَحْدَهُ أَوْ مَعَ عَدَمِ نِيَّةِ التَّرَخُّصِ فَلَمْ يُنَاسَبْ مُخَاطَبَتُهُ بِالْكَفَّارَةِ الْمَطْلُوبَةِ لِأَجْلِ الصَّوْم، فَكَذَا يُقَالُ هُنَا: الزَّانِي فِي الْحَيْضِ لَمْ يَأْثَمْ لِأَجْلِ الْحَيْضِ وَحْدَهُ فَلَمْ يُنَاسَبْ مُخَاطَبَتُهُ بِالْكَفَّارَةِ الْمَطْلُوبَةِ لِأَجَلِ الْحَيْضِ فَتَأَمَّلْ هَذَا الْقِيَاسَ، فَإِنَّهُ دَلِيلٌ وَاضِحٌ فِي مَسْأَلَتِنَا، فَإِنْ قُلْتَ: هَلْ الْوَاطِئُ بِالشُّبْهَةِ كَالْحَلِيلِ فِي نَدْبِ الْكَفَّارَةِ، قُلْتُ: الْقِيَاسُ نَعَمْ؛ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ لَمَّا رَفَعَتْ تَحْرِيمَ الْوَطْءِ الذَّاتِيِّ بَقِيَ تَحْرِيمُ الْوَطْءِ الْعَرَضِيِّ لِأَجْلِ الْحَيْضِ فَنَاسَبَ جَبْرَهُ بِطَلَبِ الْكَفَّارَةِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ عَلَى تَوَاتُرِ نَعْمَائِهِ وَتَوَارُدِ آلَائِهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ

عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَشَرَفٌ وَمَجْدٌ (اعْلَمْ) وَفَّقَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكَ أَنَّ سَيِّدَنَا وَشَيْخَنَا الْإِمَامَ الَّذِي خَضَعَتْ لِرَفِيعِ مَنْصِبِهِ مَنَازِلُ النَّيِّرَيْنِ الْقَمَرِ وَالشَّمْسِ، وَالْعَالِمَ الَّذِي أَعْرَبَتْ بَدَاهَتُهُ عَمَّا اسْتَعْجَمَ عَلَى الْقُوَّتَيْنِ الْفِكْرِ وَالْحَدْسِ، وَالْفَهَّامَةَ الَّذِي أَزَاحَتْ سَوَاطِعُ فَهْمِهِ غَيَاهِبَ الظُّلْمَتَيْنِ الشَّكِّ وَاللَّبْسِ، وَالْعَلَّامَةَ الَّذِي كُلِّفَ بِالْعِلْمِ حَتَّى صَارَ مَلْهَجَ لِسَانِهِ وَرَوْضَةَ أَجْفَانِهِ وَمُنْتَزَهَ جَنَانِهِ أَبَا الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ شِهَابَ الدِّينِ بْنَ حَجَرٍ الشَّافِعِيَّ الْأَنْصَارِيَّ لَا زَالَتْ ذَاتُهُ كَعْبَةً يَطُوفُ بِهَا كُلُّ عَالِمٍ وَيَقِفُ بِأَبْوَابِهَا كُلُّ فَاضِلٍ، وَلَا بَرِحَتْ رِحَابُهُ الزَّكِيَّةُ مُنَاخَ مَطَايَا أَرْبَابِ الْفَضَائِلِ أَرْسَلَ لَهُ بَعْضُ عُلَمَاءِ حَضْرَمَوْتَ مُؤَلَّفًا كَتَبَهُ فِي الْحَيْضِ جَمَعَ فِيهِ مَسَائِلَ كَثِيرَةً مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ، وَضَمَّ إلَيْهَا أَبْحَاثًا مِنْ عِنْدِهِ وَإِشْكَالَاتٍ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، وَطَلَبَ مِنْهُ الْكِتَابَةَ عَلَيْهِ بِتَقْرِيرِ مَا فِيهِ أَوْ رَدِّهِ وَإِصْلَاحِ خَطَئِهِ وَخَطَلِهِ؛ لِصُعُوبَةِ بَابِ الْحَيْضِ وَكَثْرَةِ الْغَلَطِ الْوَاقِعِ فِيهِ لِلْأَكَابِرِ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ. وَقَالَ فِي ظَهْرِ كِتَابِهِ الْمَذْكُورِ مَا لَفْظُهُ: يَقُولُ مُلَخِّصُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَفَا عَنْهُ - كَتَبْتُ هَذِهِ النُّبْذَةَ بِحَسَبِ جَهْدِي وَأَرْسَلْتهَا لِفَقِيهِ الْعَصْرِ وَمُفْتِيهِ الْعَالِمِ الْعَلَّامَةِ الْخَائِفِ الرَّاجِي ذِي الْعَقْدِ السَّلِيمِ وَالنِّيَّةِ الْخَالِصَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَرْضَاهُ وَوَفَّقَهُ لِلصَّوَابِ وَالْهِدَايَةِ فِي جَمِيعِ مَا نَحَاهُ وَجَعَلَهُ مِمَّنْ يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَكَانَ لَهُ وَتَوَلَّاهُ وَوَفَّقَهُ وَأَعَانَهُ وَوَالَاهُ وَحَفِظَهُ وَعَافَاهُ وَنَفَعَنَا وَالْمُسْلِمِينَ بِهِ وَبِعُلُومِهِ لِيَنْظُرَهَا فَيُصْلِحَ فَسَادَهَا إنْ كَانَ وَيُتَمِّمُ نَاقِصَهَا وَيَحُلُّ مُشْكِلَهَا كَانَ اللَّهُ لَهُ وَجَزَاهُ عَنَّا خَيْرًا فَإِنَّ بِضَاعَتَنَا مُزْجَاةٌ، وَجِهَتُنَا خَالِيَةٌ عَنْ أَمْثَالِهِ مَتَّعَ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ. فَلَمَّا عُرِضَ ذَلِكَ عَلَى شَيْخِنَا فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ رَأَى الْكِتَابَةَ عَلَيْهِ مُتَعَيِّنَةً؛ لِصُعُوبَةِ هَذَا الْبَابِ وَكَثْرَةِ التَّخْلِيطِ وَالْغَلَطِ الْوَاقِعِ فِيهِ وَلِكَوْنِ هَذَا الْمُؤَلَّفِ صَارَ لِمَا ذَكَرْته فِي حُكْمِ الْفَتَاوَى ذَكَرْته فِيهَا هُنَا بِجَمِيعِ رُمَّتِهِ، ثُمَّ أَذْكُرُ بَعْدَهُ مَا كَتَبَهُ شَيْخُنَا - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَلَيْهِ فَإِنَّهُ بَيَّنَ مَا فِيهِ مَعَ زِيَادَاتٍ وَتَحْقِيقَاتٍ مُهِمَّاتٍ وَكَشَفَ عَوِيصَاتٍ وَمُعْضِلَاتٍ لَا يَهْتَدِي إلَيْهَا إلَّا الْمُوَفَّقُونَ، وَلَا يَعْقِلُهَا إلَّا الْعَالِمُونَ فَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا وَرَضِيَ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ وَجَعَلَ جَنَّاتِ الْمَعَارِفِ مُتَقَلَّبَهُ وَمَثْوَاهُ، قَالَ مُؤَلِّفُ ذَلِكَ الْكِتَابِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَائِرِ النَّبِيِّينَ وَالصَّالِحِينَ وَبَعْدُ، فَهَذِهِ مَسَائِلُ مُلْتَقَطَةٌ مِنْ كِتَابِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِلْإِمَامِ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُنَبِّهٌ بِهَا عَلَى أُمُورٍ قَدْ تَخْفَى عَلَى مَنْ يَأْخُذُ عِلْمَ بَابِ الْحَيْضِ مِنْ مُخْتَصَرَاتِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ مُقَدِّمٌ عَلَيْهَا قَوَاعِدَ الْبَابِ لِيُتَنَبَّهَ بِهَا عَلَى وَجْهِ خَفَائِهَا أَوْ مُخَالَفَتِهَا لَهَا فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ اعْلَمْ أَنَّ الْحَيْضَ هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ بَطْنِ الرَّحِمِ فِي وَقْتِهِ بِحُكْمِ الْجِبِلَّةِ لَا لِعِلَّةٍ، وَأَقَلُّ سِنٍّ يُمْكِنُ فِيهِ تِسْعُ سِنِينَ تَقْرِيبًا فَكُلُّ دَمٍ لَمْ يُحْكَمْ بِهِ حَيْضًا فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ لَا يَمْنَعُ الْعِبَادَةَ وَالْوَطْءَ وَهِيَ دَمٌ يَخْرُجُ مِنْ عِرْقٍ فِي أَدْنَى الرَّحِمِ يُسَمَّى الْعَاذِلُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، وَضِدُّ الْحَيْضِ الطُّهْرُ وَأَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ يَعْنِي أَنْ يَظْهَرَ الدَّمُ عَلَى الْفَرْجِ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَاعَةً وَلَوْ مُتَفَرِّقَةً فِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَقَلَّ، وَأَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مُتَّصِلَةً لَا بَيْنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فَمَنْ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ وَلَوْ يَوْمًا فَأَقَلَّ ثُمَّ، وَلَدَتْ فَرَأَتْ الدَّمَ، فَالدَّمُ الَّذِي قَبْلَ الْوِلَادَةِ حَيْضٌ عَلَى الْأَصَحِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ وَمَا بَعْدَهَا نِفَاسٌ، وَمَا بَيْنَهُمَا طُهْرٌ قَطْعًا، وَكَذَا لَوْ نَفِسَتْ أَكْثَرَ النِّفَاسِ ثُمَّ طَهُرَتْ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ فَالنَّقَاءُ طُهْرٌ وَمَا بَعْدَهُ حَيْضٌ عَلَى الْأَصَحِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْمَنْقُولِ فِي مَسْأَلَةِ حَدِّ طُهْرِ الْحَيْضِ مِنْهُ عَنْ التَّتِمَّةِ وَأَقَرَّهُ وَأَخَذَ بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ خِلَافًا لِمَا فِي الْإِرْشَادِ وَشَرْحِهِ لِمُصَنِّفِهِ مِنْ أَنَّهُ اسْتِحَاضَةٌ أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلٍ فِي الْعَزِيزِ ثُمَّ مَنْ رَأَتْ الدَّمَ لِسَنَةٍ حَكَمْنَا بِهِ حَيْضًا فَتَجْتَنِبُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ وَالْوَطْءَ، فَإِنْ جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ تَبَيَّنَ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ ثُمَّ إنْ انْقَطَعَ بَعْدُ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ وَجَاوَزَ الْمَرَدَّ الْآتِيَ بَيَانُهُ لِلْمُسْتَحَاضَةِ حَكَمْنَا بِهِ طُهْرًا كَالنَّقَاءِ، فَإِنْ انْقَطَعَ لِدُونِ خَمْسَةَ عَشَرَ تَبَيَّنَ كَوْنُهُ حَيْضًا فَتُعِيدُ مَا صَامَتْهُ فِيهِ إنْ كَانَ فَرْضًا، وَلَا إثْمَ بِمَا فَعَلَتْهُ لِجَهْلِهَا، وَسَوَاءٌ فِي كُلِّ

ذَلِكَ الْمُبْتَدِئَةُ وَالْمُعْتَادَةُ ثُمَّ الْمُسْتَحَاضَةُ تَكُونُ مُبْتَدَأَةً وَتَكُونُ مُعْتَادَةً وَتَكُونُ مُتَّفِقَةَ الدَّمِ وَمُخْتَلِفَتَهُ فَهُمَا أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: الْأُولَى مُبْتَدِئَةٌ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ بِأَنْ تَرَى دَمًا مُسْتَوِيًا فَوْقَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَالْأَظْهَرُ أَنَّ حَيْضَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ، وَطُهْرَهَا تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا إنْ اسْتَمَرَّ الدَّمُ إلَيْهَا، فَإِنْ زَادَ فَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ أَوَّلِهِ حَيْضٌ وَتِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ طُهْرٌ وَكَذَا مَا لَمْ يَنْقَطِعْ الدَّمُ أَوْ تَتَغَيَّرْ صِفَتُهُ، وَمِثْلُهَا مَنْ تَرَى الدَّمَ بِصِفَتَيْنِ فَأَكْثَرَ، لَكِنْ فَقَدْت شَيْئًا مِنْ شُرُوطِ التَّمْيِيزِ الْآتِيَةِ فِي الثَّانِيَةِ، فَلَوْ نَسِيَتْ هَذِهِ ابْتِدَاءَ دَمِهَا أَوْ لَمْ تَعْلَمْهُ كَأَنْ رَأَتْهُ فِي جُنُونِهَا فَأَفَاقَتْ وَهُوَ بِهَا فَهِيَ مُتَحَيِّرَةٌ يَأْتِي حُكْمُهَا. الثَّانِيَةُ: مُبْتَدِئَةٌ مُمَيِّزَةٌ تَرَى دَمًا قَوِيًّا وَضَعِيفًا وَيَزِيدَانِ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ، فَالْقَوِيُّ هُوَ الْحَيْضُ إنْ كَانَ يَوْمًا وَلَيْلَةً إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ، وَالضَّعِيفُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَأَكْثَرُ مُتَّصِلًا أَوْ مَعَهُ نَقَاءٌ يُتِمُّهَا كَأَنْ تَرَى خَمْسَةَ أَيَّامٍ أَسْوَدَ، ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ فَأَكْثَرَ أَحْمَرَ أَوْ أَشْقَرَ أَوْ مَعَ نَقَاءٍ مُتَّصِلٍ بِهِ، وَإِنْ طَالَ زَمَنُهُ فَهُوَ طُهْرٌ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ الدَّمُ إنْ اتَّصَلَ بِأَقْوَى مِنْهُ وَلَوْ سِنِينَ كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا قَالَ الشَّيْخَانِ وَفِيهِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ، وَصِفَاتُ الْقُوَّةِ ثَلَاثٌ: اللَّوْنُ بِالسَّوَادِ ثُمَّ الْحُمْرَةِ ثُمَّ الشُّقْرَةِ ثُمَّ الصُّفْرَةِ ثُمَّ الْكُدْرَةِ، وَثِخَنُ الدَّمِ، وَنَتْنُ رِيحِهِ فَمَا تَجَرَّدَ عَنْ الْأَخِيرَتَيْنِ أَوْ وَقَعَتَا فِيهِ، فَقُوَّتُهُ بِاللَّوْنِ فَقَطْ وَمَا اتَّفَقَ لَوْنُهُ وَوَقَعَ فِي شَيْءٍ مِنْ إحْدَاهُمَا فَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْآخَرِ كَأَحْمَرَ أَوْ أَسْوَدَ ثَخِينٍ أَوْ مُنْتِنٍ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَآخَرُ لَوْنُهُ بِغَيْرِ ثِخَنٍ وَلَا نَتْنٍ وَيَزِيدُ الْمَجْمُوعُ عَلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَاَلَّذِي فِيهِ الثِّخَنُ أَوْ النَّتْنُ أَقْوَى، فَهُوَ الْحَيْضُ وَالْآخَرُ طُهْرٌ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ وَكَذَا مَا اجْتَمَعَ فِيهِ مَنْ الصِّفَاتِ أَكْثَرُ هُوَ الْأَقْوَى كَأَسْوَدَ نَتْنٌ ثَخِينٌ مَعَ أَسْوَدَ بِأَحَدِهِمَا فَقَطْ وَكَأَحْمَرَ مُنْتِنٍ ثَخِينٍ مَعَ أَسْوَدَ مُجَرَّدٍ عَنْهُمَا فَالْأَحْمَرُ أَقْوَى فَإِنْ اسْتَوَتْ الْمَرْتَبَتَانِ، فَالْأَقْوَى هُوَ السَّابِقُ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ الْمُتَوَلِّي، وَأَقَرُّوهُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ هُوَ مَوْضِعُ تَأَمُّلٍ وَقَدْ جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ وَتَبِعَهُ خَلْقٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ ثُمَّ إنْ وُجِدَ فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ ثَلَاثَةُ دِمَاءٍ وَجَاوَزَهَا الْأَخِيرُ فَإِنْ كَانَ هُوَ الْأَقْوَى وَصَلُحَ لِلْحَيْضِ، فَهُوَ الْحَيْضُ كَخَمْسَةٍ أَشْقَرَ ثُمَّ خَمْسَةٍ أَحْمَرَ ثُمَّ عَشْرَةٍ أَسْوَدَ فَالْحَيْضُ الْأَسْوَدُ وَمَا قَبْلَهُ اسْتِحَاضَةٌ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَقْوَى فَهُوَ حَيْضٌ فَإِنْ كَانَ الَّذِي يَلِيه أَقْوَى مِنْ الثَّالِثِ وَلَمْ يَزِدْ مَجْمُوعُهُمَا عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ فَهُمَا مَعًا حَيْضٌ كَخَمْسَةٍ سَوَادٍ ثُمَّ خَمْسَةٍ حُمْرَةٍ ثُمَّ سِتَّةٍ فَأَكْثَرَ شُقْرَةٍ فَلَوْ كَانَ الثَّالِثُ أَقْوَى مِنْ الثَّانِي كَخَمْسَةٍ سَوَادٍ ثُمَّ خَمْسَةٍ أَشْقَرَ ثُمَّ عَشَرَةٍ حُمْرَةٍ، فَالْحَيْضُ هُوَ الْأَسْوَدُ دُونَ الْأَشْقَرِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي التَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ، وَمِثْلُهُ قِيَاسًا مَا لَوْ رَأَتْ سَبْعَةً سَوَادًا ثُمَّ سَبْعَةً حُمْرَةً ثُمَّ سَبْعَةً سَوَادًا فَيَكُونُ حَيْضُهَا الْأَسْوَدَ الْأَوَّلَ وَمَا بَعْدَهُ طُهْرٌ، فَقَدْ سَوَّى بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَلَكِنَّهُ نَقَلَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي هَذِهِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ حَيْضَهَا الْأَسْوَدُ الْأَوَّلُ مَعَ الْحُمْرَةِ وَأَقَرَّهُ، وَهُوَ مُشْكِلٌ بِمَسَائِلَ تَأْتِي عَنْهُ، وَتَرْجِيحُ التَّحْقِيقِ فِي الْأُولَى قَاضٍ بِمُخَالَفَةِ ابْنِ سُرَيْجٍ فِي هَذَا لِتَسَاوِيهِمَا وَقَدْ ذَكَرَ فِي عُبَابِ الْمُزَجَّدِ فِي هَذِهِ وَجْهَيْنِ، وَقَالَ الْأَقْوَمُ أَنَّ الْحَيْضَ هُوَ السَّوَادُ الْأَوَّلُ فَقَطْ، وَمِثْلُ الْمَسْأَلَةِ مَا لَوْ رَأَتْ ثَمَانِيَةً سَوَادًا ثُمَّ سَبْعَةً أَحْمَرَ ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ أَسْوَدَ، فَالْحَيْضُ السَّوَادُ الْأَوَّلُ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ مَعَ الْحُمْرَةِ، وَلَمَّا ذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ مَسْأَلَةَ ابْنِ سُرَيْجٍ، قَالَ: وَحُكْمُهَا يُؤْخَذُ مِنْ شُرُوطِ التَّمْيِيزِ وَهُوَ يُشِيرُ إلَى مُخَالَفَتِهِ فَإِنَّ الْأَسْوَدَيْنِ لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُمَا حَيْضًا لِتَفَاصُلِهِمَا، وَالْأَحْمَرُ ضَعِيفٌ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا فَكَيْفَ يَكُونُ هُوَ الْحَيْضُ وَالْقَوِيُّ بَعْدَهُ طُهْرًا؟ بَلْ يَكُونَانِ كَدَمٍ مُتَّحِدٍ فَرُجِّحَ السَّوَادُ الْأَوَّلُ لِسَبْقِهِ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ الْمُتَوَلِّي، وَيَأْتِي مَا يُؤَيِّدُهُ فَلَوْ رَأَتْ الْمُبْتَدِئَةُ مَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ حَيْضًا وَطُهْرًا كَسِتَّةَ عَشَرَ دَمًا أَحْمَرَ، ثُمَّ بَعْدَهُ أَسْوَدَ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَالْأَسْوَدُ حَيْضٌ وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ الْقَطْعُ بِأَنَّ الْأَوَّلَ كُلَّهُ طُهْرٌ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَجِيءَ فِيهِمَا مَا فِي مَسْأَلَةِ مَنْ كَانَتْ عَادَتُهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَرَأَتْ أَوَّلَ شَهْرٍ سِتَّةَ عَشَرَ أَحْمَرَ ثُمَّ أَسْوَدَ وَالْمَذْهَبُ فِيهَا أَنَّ أَوَّلَ الشَّهْرِ حَيْضٌ بِالْعَادَةِ وَبَقِيَّةُ الْأَحْمَرِ طُهْرٌ لِصَلَاحِيَّتِهِ وَالْأَسْوَدُ حَيْضٌ لِقُوَّتِهِ وَأَنْ يَكُونَا كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي عَقِبِهَا، وَهِيَ أَنَّ الْأَسْوَدَ

لَوْ جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَقَدْ فُقِدَ شَرْطُ التَّمْيِيزِ فَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ الْأَوَّلِ حَيْضٌ، وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ كَامِلٌ، ثُمَّ هَلْ تُكْمِلُ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ مِنْ الْأَسْوَدِ طُهْرًا أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ كَوْنَهَا غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ وَهُوَ يَقْتَضِي التَّكْمِيلَ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمُهَذَّبِ وَشَرْحِهِ، وَقَالَ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ، وَنَقَلَ الشَّيْخُ فِي الْمُهَذَّبِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ أَوَّلَ السَّوَادِ حَيْضٌ جَدِيدٌ فَهِيَ مُبْتَدِئَةٌ فَيَكُونُ مِنْهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمُبْتَدِئَةِ وَذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ ثُمَّ قَالَ: وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنْ تَكُونَ مُعْتَادَةً فَيَكُونُ حَيْضُهَا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ وَاللَّيْلَةَ مِنْ الْأَسْوَدِ لِكَوْنِهَا مُعْتَادَةً بِالْحُكْمِ الْأَوَّلِ ثُمَّ تَطْهُرُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا كَالطُّهْرِ الْأَوَّلِ، وَبِقَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ هَذَا جَزَمَ الْمُزَجَّدُ فِي عُبَابِهِ، وَبِكَوْنِهَا مُعْتَادَةً، وَأَظُنُّهُ أَخَذَ بِكَلَامٍ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي آخِرِ نَقْلِ كَلَامِ ابْنِ سُرَيْجٍ أَوْهَمَ فِيهِ أَنَّهُ صَحَّحَهُ وَلَيْسَ كَمَا أَوْهَمَ فَقَدْ صَرَّحَ قَبْلُ بِأَنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهُ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْهُ الْآنَ، وَتَصْحِيحُهُ الْأَخِيرُ رَاجِعٌ لِغَيْرِ ذَلِكَ يَعْرِفُهُ مَنْ اسْتَوْفَى تَدَبَّرْهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ قِيَاسُ الْمُعْتَادَةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا احْتَمَلْنَاهُ هُنَا عَلَى أَنَّهُ مَرْجُوحٌ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَادَةَ أَصْلٌ بُنِيَ عَلَيْهِ فَأَخَذْنَا بِهِ حَيْثُ لَا مُعَارِضَ، ثُمَّ حُدُوثُ الْقَوِيِّ وَقَعَ بَعْدَ طُهْرٍ كَامِلٍ فَكَأَنَّهُ دَمٌ وَقَعَ بَعْدَ نَقَاءٍ يَصْلُحُ طُهْرًا، وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِعَيْنِ الْمَسْأَلَةِ، أَمَّا لَوْ كَانَ الْأَسْوَدُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الشَّهْرِ فَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ حَيْضًا إنْ كَانَ صَلَحَ لِلْحَيْضِ وَإِلَّا، فَمُبْتَدِئَةٌ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ فَإِنْ اتَّصَلَ بِآخِرِ الشَّهْرِ فَحَيْضُهَا أَوَّلَهُ وَإِلَّا فَمِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْكَائِنِ فِيهِ، مِثَالُهُ: رَأَتْ شَهْرًا أَحْمَرَ فَقَطْ أَوْ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْهُ نَقَاءٌ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهَا أَسْوَدُ أَوَّلَ الثَّانِي، فَلَهَا أَوَّلَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ حَيْضٌ وَبَاقِيهِ طُهْرٌ، ثُمَّ إنْ كَانَ انْقَطَعَ الْأَسْوَدُ لِدُونِ عَشْرٍ فَكُلُّهُ حَيْضٌ فَإِنْ اتَّصَلَ بِهِ دَمٌ أَضْعَفُ مِنْهُ حَتَّى جَاوَزَهَا، فَهِيَ مُمَيِّزَةٌ فَتَنْتَقِلُ لِحُكْمِ التَّمْيِيزِ، فَلَا يُحْكَمُ بِكَوْنِهِ حَيْضًا مَا لَمْ يَنْقَطِعْ ثُمَّ تَرَى غَيْرَهُ أَوْ يَتَغَيَّرُ بِأَقْوَى فَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ الْأَسْوَدُ بَعْدَ النَّقَاءِ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَجَاوَزَ، فَلَهُ حُكْمُ الْأَوَّلِ فِي قَدْرِ الْحَيْضِ، وَتَكُونُ بِهِ مُعْتَادَةً حَيْضُهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ أَوَّلِهِ وَطُهْرُهَا بِقَدْرِ مَا بَيْنَ حَيْضَتَيْهَا فِي هَذَا، وَالشَّهْرِ الْأَوَّلِ.؟ (تَنْبِيهٌ) الدَّمُ إذَا كَانَ أَحْمَرَ وَفِيهِ خُطُوطٌ سُودٌ كَالْأَسْوَدِ الْخَالِصِ الْمُتَّصِلِ كَمَا فَهِمَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ كَلَامِهِمْ وَأَقَرَّهُ النَّوَوِيُّ، وَقَالَ: صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ، وَكَذَا مَا تَخَلَّلَ بَيْنَ الْأَسْوَدَيْنِ مِنْ حُمْرَةٍ أَوْ نَقَاءٍ إذَا جُعِلَا كَالْمُتَّصِلِ كَمَا ذَكَرُوهُ. (خَاتِمَةٌ) إذَا فَرَّعْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ فِيمَنْ رَأَتْ سَبْعَةً وَسَبْعَةً سَوَادًا بَيْنَهُمَا حُمْرَةٌ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ أَوْ ثَمَانِيَةً أَسْوَدَ ثُمَّ سَبْعَةً أَحْمَرَ ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ أَسْوَدَ، فَمَا بَعْدَ الْحَيْضِ طُهْرٌ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ بِلَا شَكٍّ أَنْ يَحْدُثَ سَوَادٌ أَقْوَى مِنْ الْأَوَّلَيْنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَيَكُونُ حَيْضًا آخَرَ إنْ كَانَ انْقَطَعَ لِخَمْسَةَ عَشَرَ فَأَقَلَّ، وَكَذَا فِيمَا بَعْدَ الشَّهْرِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مُمَيِّزَةً إلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ إنَّهَا فِي الْأَصْلِ مُبْتَدِئَةٌ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ، حَيْضُهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ السَّبْعِ الْأُولَى بِمُقْتَضَى قَوْلِ الرَّوْضَةِ: (إنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ شُرُوطِ التَّمْيِيزِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى تَرْجِيحِ السَّبْقِ) فَيَكُونُ حَيْضُهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ أَوَّلِهِ، وَطُهْرُهَا بَاقِيهِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى قَوَاعِدِ الْمُخْتَصَرَاتِ، وَكَلَامُ الْمَجْمُوعِ وَالرَّوْضَةِ فِيمَنْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا أَسْوَدَ ثُمَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ نَقَاءً ثُمَّ أَسْوَدَ أَنَّهَا غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا، وَكَذَا حُكْمُ مَنْ رَأَتْ ثَمَانِيَةً وَثَمَانِيَةً بَيْنَهُمَا حُمْرَةٌ كَمَا يَأْتِي أَيْضًا. وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي الْكُلِّ يَقْتَضِي أَنَّهَا غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ فَتَحِيضُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَتَطْهُرُ كَمَا قُلْنَا آخِرَ الشَّهْرِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِكَوْنِ الْأَسْوَدِ الْأَوَّلِ حَيْضًا، وَإِنْ كَثُرَ فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ كَوْنَهُ حَيْضًا فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الْأَئِمَّةِ وَأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ قَوِيَ الْإِشْكَالُ، وَاَللَّهُ يُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. وَلَمْ أَرَ مَنْ حَلَّ إشْكَالَهَا تَصْرِيحًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ نَذْكُرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقِسْمَيْنِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُرَادَةِ لِمَا ذَكَرْنَا عَنْ الْمَجْمُوعِ. (مَسْأَلَةٌ) رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ أَسْوَدَ ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ، فَهِيَ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ إذْ لَا يَصْلُحُ الْأَسْوَدُ لِلْحَيْضِ وَحْدَهُ وَكَذَا لَوْ رَأَتْ الْأَسْوَدَ سِتَّةَ عَشَرَ ثُمَّ الْأَحْمَرَ كَذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ قَالَ، وَكَذَا لَوْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ ثُمَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَحْمَرَ ثُمَّ عَادَ الْأَسْوَدُ وَهُوَ مُشْكِلٌ بِمَسْأَلَةِ السَّبْعَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَبِالْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ، فَإِنَّ مُقْتَضَاهُمَا حَيْثُ حَكَمْنَا بِكَوْنِ السَّوَادِ الْأَوَّلِ حَيْضًا

أَنْ تَكُونَ مُمَيِّزَةً حَتَّى لَوْ زَادَ السَّوَادُ الْأَوَّلُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَانَ حَيْضًا كُلَّهُ. (مَسْأَلَةٌ) رَأَتْ ثَمَانِيَةً سَوَادًا ثُمَّ ثَمَانِيَةً حُمْرَةً ثُمَّ سَوَادًا، فَحَيْضُهَا السَّوَادُ الْأَوَّلُ بِالِاتِّفَاقِ، وَكَذَا لَوْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ أَسْوَدَ ثُمَّ نِصْفَهُ حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ أَسْوَدَ، فَحَيْضُهَا السَّوَادُ الْأَخِيرُ بِالِاتِّفَاقِ. (مَسْأَلَةٌ) رَأَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ دَمًا ثُمَّ اثْنَيْ عَشَرَ نَقَاءً ثُمَّ ثَلَاثَةً دَمًا وَانْقَطَعَ، فَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ حَيْضٌ وَالثَّانِيَةُ دَمُ فَسَادٍ لِكَوْنِهَا تَمَامَ قَدْرِ الطُّهْرِ وَكَذَا لَوْ رَأَتْ أَوَّلًا يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ طَهُرَتْ، وَرَأَتْ دَمًا قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ أَوَّلِ الطُّهْرِ، وَانْقَطَعَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ كَوْنُ الدَّمَيْنِ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَا خِلَافَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا، وَكَذَا لَوْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا ثُمَّ ثَلَاثَةَ عَشَرَ نَقَاءً ثُمَّ ثَلَاثَةً دَمًا، فَحَيْضُهَا الثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ عَلَى الْحَاصِلِ مِنْ رَاجِحِ الْمَذْهَبِ ذَكَرَ هَذَا النَّوْعَ فِي فَصْلِ التَّلْفِيقِ آخِرَ الْحَيْضِ، وَفِي أَوَّلِهِ إشَارَةٌ إلَيْهِ. (مَسْأَلَةٌ) رَأَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ حُمْرَةً ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ سَوَادًا، فَحَيْضُهَا الْحُمْرَةُ كَذَا ذَكَرَهُ وَتَبِعَهُ الْمُزَجَّدُ فِي عُبَابِهِ، وَمِثْلُهُ لَوْ تَقَدَّمَ الْأَسْوَدُ نِصْفَ يَوْمٍ، وَهَذَا مُشْكِلٌ إذْ فَقَدَتْ شَرْطَ التَّمْيِيزِ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ خِلَافًا. (مَسْأَلَةٌ) رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً حُمْرَةً وَانْقَطَعَ، فَالْكُلُّ حَيْضٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الَّذِي قَطَعُوا بِهِ وَفِي الْحُمْرَةِ السَّابِقَةِ وَجْهٌ فَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً، ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ أَسْوَدَ ثُمَّ أَطْبَقَ الْأَحْمَرُ، وَجَاوَزَ الْأَكْثَرَ فَهِيَ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ، وَلَوْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ أَسْوَدَ، ثُمَّ نِصْفَهُ أَحْمَرَ ثُمَّ كَذَا خَمْسًا ثُمَّ السَّادِسَ سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ وَجَاوَزَتْ، فَالسَّادِسُ وَمَا قَبْلَهُ حَيْضٌ وَالْبَاقِي طُهْرٌ وَكَذَا كُلُّ سَوَادَيْنِ حَكَمَ بِهِمَا حَيْضًا، فَالضَّعِيفُ بَيْنَهُمَا حَيْضٌ عَلَى الْأَصَحِّ. (مَسْأَلَةٌ) رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا أَسْوَدَ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً أَحْمَرَ وَهَكَذَا إلَى آخِرِ الشَّهْرِ، فَهَذِهِ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْقَوِيِّ أَنْ لَا يُجَاوِزَ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَحَيْضُهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ أَوَّلِهِ، وَكَذَا لَوْ تَقَطَّعَ بِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَا لَمْ تَبْلُغْ النَّوْبَتَانِ خَمْسَةَ عَشَرَ ذَكَرَهُ فِيهِ فَلَوْ نَقَصَ كُلٌّ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَنَمَا بِنَقَاءٍ فَلَا حَيْضَ لَهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَالْكُلُّ دَمُ فَسَادٍ فَلَوْ أَمْكَنَ تَمْيِيزٌ كَأَنْ تَقَطَّعَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَسْوَدَ وَيَوْمًا أَحْمَرَ ثُمَّ أَطْبَقَ الْأَحْمَرُ مِنْ السَّادِسَ عَشَرَ أَوْ قَبْلَهُ، فَالسَّوَادُ كُلُّهُ وَمَا تَخَلَّلَهُ حَيْضٌ وَمَا بَعْدَهُ طُهْرٌ. (مَسْأَلَةٌ) رَأَتْ الْمُبْتَدِئَةُ دَمًا أَحْمَرَ فَتُؤْمَرُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ كَوْنُهُ حَيْضًا كَمَا مَرَّ فَلَوْ بَلَغَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْ أَسْوَدَ تَبَيَّنَ كَوْنُ الْأَوَّلِ فَسَادًا فَتَتْرُكُهَا أَيْضًا فَلَوْ اسْتَمَرَّ السَّوَادُ حَتَّى جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ بَانَ أَنَّهَا غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ، وَأَنَّ حَيْضَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرَيْنِ فَتَتْرُكُ الصَّلَاةَ أَوَّلَ الثَّانِي، ثُمَّ تَقْضِي صَلَاةَ مَا زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ الْأَوَّلِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ (وَقِيَاسُهُ أَنَّهَا لَوْ رَأَتْ أَوَّلًا خَمْسَةَ عَشَرَ كُدْرَةً مُجَرَّدَةً ثُمَّ صُفْرَةً كَذَلِكَ ثُمَّ شُقْرَةً ثُمَّ حُمْرَةً ثُمَّ سَوَادًا ثُمَّ رَأَتْ كُلًّا مِنْ ذَلِكَ ثَخِينًا بِلَا نَتْنٍ ثُمَّ كَذَلِكَ مَعَ النَّتْنِ أَنْ تُؤْمَرَ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ كَثِيرًا لِقُوَّةِ كُلٍّ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهَا تَعْمَلُ بِحُكْمِ التَّمْيِيزِ، وَإِنْ سَبَقَ الْأَقْوَى زَمَنٌ يَصْلُحُ لِمَرَدِّ حَيْضِ الْمُبْتَدِئَةِ وَطُهْرِهَا، وَهُوَ ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَفِيهِ إشْكَالٌ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ أَنَّ الدَّمَ الْأَوَّلَ إذَا أَمْكَنَ كَوْنُهُ حَيْضًا مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ، فَلَا سَبِيلَ إلَى إلْغَائِهِ، وَقَدْ جَعَلَ الْأَصْحَابُ حُكْمَ مَا لَمْ يَدُلَّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَعْيِينِ كُلِّ دَوْرٍ شَهْرًا رَدًّا لِلْغَالِبِ، فَلْيَكُنْ حَيْضُهَا فِي مَسْأَلَةِ تَعَاقُبِ الدِّمَاءِ بَعْدَ الشَّهْرِ يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ أَوَّلِهِ وَبَاقِيهِ طُهْرًا، ثُمَّ يَتَجَدَّدُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي لَهَا حُكْمٌ آخَرُ حَتَّى لَوْ حَدَثَ الدَّمُ الثَّالِثُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ. وَقَدْ مَضَى مَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ طُهْرًا وَحَيْضًا يَكُونُ الْحُكْمُ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ وَيُتَمَّمُ الشَّهْرُ طُهْرًا؛ لِأَنَّ حُدُوثَ الثَّالِثِ أَقْوَى مِنْ الثَّانِي، لِأَنَّ بِهِ ضِعْفَ الثَّانِي ثُمَّ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي قَطْعًا حُكْمُ عَدَمِ التَّمْيِيزِ فَتَحِيضُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَتَطْهُرُ بَاقِيهِ لِتَبَيُّنِ كَوْنِهَا غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ؛ لِظَاهِرِ دَوَامِ الدِّمَاءِ فَلَوْ انْقَطَعَ دَمُهَا الثَّالِثُ بِنَقَاءٍ أَوْ دَمٍ أَضْعَفَ، وَقَدْ بَلَغَ أَوَّلَ الثَّالِثِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، فَهُوَ الْحَيْضُ فَإِنْ كَانَ حُدُوثُ الْقَوِيِّ فِي آخِرِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ الْحَيْضُ وَمَا قَبْلَهُ كُلُّهُ فَسَادٌ. وَإِنْ وَسِعَ حَيْضًا وَطُهْرًا بِنَاءً عَلَى مَا قُلْنَا قَبْلُ إنَّهُ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِيمَنْ رَأَتْ سِتَّةَ عَشَرَ حُمْرَةً ثُمَّ سَوَادًا يَصْلُحُ حَيْضًا، وَكَذَا فِيمَا زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ أَوَّلِ الْأَوَّلِ لَوْ أَطْبَقَ السَّوَادُ مِثْلُهُ أَوْ أَكْثَرُ فَلَوْ قُلْنَا بِمَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ فِيهَا،

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُبَابِ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِنْ الْحُمْرَةِ طُهْرٌ مُتَّحِدٌ وَيُبْتَدَأُ لِلْأَسْوَدِ حُكْمٌ جَدِيدٌ وَيُجْعَلُ مَا قَبْلَهُ دَوْرًا كَامِلًا يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوَّلَهُ حَيْضًا، وَبَاقِيهِ فَقَطْ طُهْرٌ جَعَلْنَا لِلثَّالِثِ هُنَا حُكْمًا جَدِيدًا وَمَا قَبْلَهُ دَوْرًا كَامِلًا يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوَّلَهُ حَيْضًا، وَبَاقِيَهُ طُهْرًا وَتَكُونُ بِهِ مُعْتَادَةً عَلَى مَا بَحَثَهُ النَّوَوِيُّ تَأْخُذُ بِهِ فِيهِمَا مَا لَمْ يَكُنْ تَمْيِيزٌ مُعْتَبَرٌ. وَإِنْ كَانَ حُدُوثُ الثَّالِثِ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي فَقَدْ مَضَى الْأَوَّلُ بِدَوْرِهِ حَيْضًا وَطُهْرًا بِحُكْمِ عَدَمِ التَّمْيِيزِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهَا لَوْ رَأَتْ شَهْرًا دَمًا أَحْمَرَ ثُمَّ حَدَثَ لَهَا أَسْوَدُ بَعْدَهُ أَنَّ لَهَا فِي الْأَوَّلِ حَيْضًا وَطُهْرًا بِحُكْمِ غَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ، وَفِي هَذَا الثَّانِي نَنْظُرُ فِي دَمِهَا إنْ كَانَ وُجِدَتْ شُرُوطُ التَّمْيِيزِ - فَمُمَيِّزَةٌ وَإِلَّا فَكَمَنْ لَمْ تَتَغَيَّرْ صِفَةُ دَمِهَا الثَّانِي أَنَّ الشَّيْخَيْنِ نَقَلَا عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ امْرَأَةٌ تُؤْمَرُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ إحْدَى وَثَلَاثِينَ يَوْمًا إلَّا هَذِهِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ مَا قُلْنَاهُ إذْ لَوْ كَانَ مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْإِسْنَوِيِّ مِنْ نَسْخِ الدَّمِ لِمَا قَبْلَهُ مُطْلَقًا، وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ مُعْتَبَرًا لَمْ يَقُولُوا إنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ، وَهُمْ الَّذِينَ ذَكَرُوا صِفَاتِ الْقُوَّةِ، وَطَوَّلُوا أَمْثِلَتَهَا بِمَا لَا يَكَادُ يَقَعُ حِرْصًا عَلَى الْبَيَانِ. الثَّالِثُ: مَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا عَنْ الْمَذْهَبِ فِيمَنْ حُكِمَ لَهَا بِالتَّمْيِيزِ وَجُعِلَ قَوِيُّ دَمِهَا حَيْضًا، وَأَنَّ مَا لَحِقَهُ طُهْرٌ، وَإِنْ تَطَاوَلَ زَمَنُهُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ بِسَبَبِهِ أَنَّ الْحُكْمَ لَهَا بِالتَّمْيِيزِ فَلَا يُغَيَّرُ إلَّا بِمُغَيِّرٍ إذْ الضَّعِيفُ كَالنَّقَاءِ فِي حَقِّهَا، فَهِيَ كَمَنَ حَاضَتْ أَيَّامًا ثُمَّ رَأَتْ النَّقَاءَ سَنَةً أَمَّا مَنْ لَمْ يُحْكَمْ لَهَا بِتَمْيِيزٍ فَحُكْمُهَا يُبْنَى عَلَى صِحَّةِ الطَّبِيعَةِ، وَأَنَّ دَمَهَا الصَّالِحَ لِلْحَيْضِ فِي وَقْتِهِ حَيْضٌ؛ وَلِذَلِكَ لَوْ رَأَتْ خَمْسًا حُمْرَةً ثُمَّ سِتَّةَ عَشَرَ سَوَادًا فَأَكْثَرَ جَعَلْنَا حَيْضَهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ وَلَا نُلْغِيه لِمَا عَقِبَهُ مِنْ السَّوَادِ الَّذِي لَا يَصْلُحُ لِلْحَيْضِ. وَقَدْ قُلْنَا فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ أَيْضًا أَعْنِي مَسْأَلَةَ تَعَاقُبِ الدِّمَاءِ فِي الْأَشْهُرِ أَنَّ كُلَّ دَمٍ عَقِبَهُ أَقْوَى مِنْهُ، وَكِلَاهُمَا يَصْلُحُ لِلْحَيْضِ، الْحُكْمُ لِلْأَقْوَى إنْ كَانَ لَمْ يَعْقُبْهُ أَقْوَى مِنْهُ أَيْضًا وَإِلَّا فَيَكُونَانِ كَدَمٍ مُبْهَمٍ وَتَحِيضُ فِي كُلِّ شَهْرٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ أَوَّلِهِ حَتَّى يَحْصُلَ لَهَا مَا لَا إشْكَالَ فِيهِ مِنْ تَمْيِيزٍ أَوْ صِحَّةِ نَقَاءٍ، وَحَيْثُ اسْتَمَرَّتْ بِدَمٍ وَاحِدٍ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مُعْتَادَةً بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ حَيْضًا وَتِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ طُهْرًا كَمَا سَبَقَ عَنْ النَّوَوِيِّ فِيمَنْ رَأَتْ سِتَّةَ عَشَرَ دَمًا أَحْمَرَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ الْأَسْوَدُ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَيَكُونُ حَيْضُهَا الْيَوْمَ وَاللَّيْلَةَ بِحُكْمِ الْعَادَةِ إذْ مَضَى لَهَا حَيْضٌ كَذَلِكَ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لِأَنَّ سَبَبَهُ اخْتِلَافُ دَمِهَا، وَنَسْخُ الْأَقْوَى مَا حَكَمَ بِهِ طُهْرًا بِاسْتِوَاءِ دَمِهِ فَهُوَ كَالْحُكْمِ بِالدَّوْرِ بِتَمْيِيزٍ كَامِلٍ هَذَا مَا ظَهَرَ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ نَصٌّ فَسَمْعًا وَطَاعَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الرَّابِعُ: أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْحَقِيقَةِ وَتُؤْخَذُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الْمَنْقُولَةِ أَيْضًا فِيمَنْ رَأَتْ سِتَّةَ عَشَرَ أَحْمَرَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ أَسْوَدَ كَذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّ الْأَصْحَابَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ فِي الدَّمَيْنِ حَيْضَتَيْنِ، وَأَنَّ أَوَّلَ الْأَحْمَرِ حَيْضٌ وَحَكَمُوا فِيمَا بَعْدَهُ أَنَّ لَهَا طُهْرًا وَحَيْضًا حَيْثُ لَمْ يَصْلُحْ الْأَسْوَدُ؛ لِكَوْنِهِ حَيْضًا خَالِصًا. وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: إنَّ أَوَّلَ الْحَيْضِ الثَّانِي أَوَّلُهُ وَبِهِ جَزَمَ فِي الْعُبَابِ كَمَا سَبَقَ، وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ أَوَّلُ الشَّهْرِ الثَّانِي، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ أَنَّ أَوَّلَ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ يَخْلُو عَنْ الْحَيْضِ لَوْ انْقَطَعَ الْأَسْوَدُ بِأَقْوَى مِنْهُ لِثِخَنٍ أَوْ نَتْنٍ، وَتَصْرِيحُ ابْنِ سُرَيْجٍ بِاجْتِمَاعِ الْحَيْضَتَيْنِ فِي الشَّهْرِ دَلِيلٌ عَلَى إطْبَاقِهِمْ عَلَى مُرَاعَاةِ ثُبُوتِ الْحَيْضِ فِي كُلِّ شَهْرٍ بِدَمٍ صَالِحٍ لَهُ كَغَالِبِ الْعَادَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ مِنْ عِلَّةِ الِاسْتِحَاضَةِ. (بَيَانُ مَا يُشْكِلُ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ) اعْلَمْ أَنَّهَا مُخْتَلِفَةُ الْمَأْخَذِ، وَوُجُوهُ اخْتِلَافِهَا عَلَى أَنْمَاطٍ ثَلَاثَةٍ: أَوَّلُهَا: مَسْأَلَتُنَا مَنْ رَأَتْ سَبْعَةً أَسْوَدَ ثُمَّ سَبْعَةً أَحْمَرَ ثُمَّ سَبْعَةً أَسْوَدَ وَمَنْ رَأَتْ ثَمَانِيَةً أَسْوَدَ ثُمَّ سَبْعَةً أَحْمَرَ ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ أَسْوَدَ حَيْثُ حَكَمُوا بِأَنَّ الْحَيْضَ السَّوَادُ الْأَوَّلُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْأَحْمَرِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَمَسْأَلَةُ ثَمَانِيَةٌ أَسْوَدُ ثُمَّ ثَمَانِيَةٌ أَحْمَرُ ثُمَّ ثَمَانِيَةٌ أَسْوَدُ، فَالثَّلَاثُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْقَوِيَّ الصَّالِحَ لِلْحَيْضِ إذَا سَبَقَ ثُمَّ لَحِقَهُ مِثْلُهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ جَمْعُهُمَا وَبَيْنَهُمَا ضَعِيفٌ، فَالْأَوَّلُ حَيْضٌ وَهِيَ مُمَيِّزَةٌ بِالسَّبْقِ وَإِنْ طَالَ زَمَنُ الْأَخِيرِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ بِأَقْوَى مِنْهُ، وَمِثْلُهَا مَا لَوْ كَانَ الْقَوِيُّ الْأَوَّلُ دُونَ الْحَيْضِ وَالْآخَرُ قَدْرَهُ، وَلَا يَجْتَمِعَانِ حَيْضًا كَنِصْفِ يَوْمٍ أَسْوَدَ ثُمَّ نِصْفِهِ أَحْمَرَ، وَكَذَا ثَلَاثَةٌ أَحْمَرُ ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ أَسْوَدُ، فَالْأَخِيرُ هُوَ الْحَيْضُ فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ وَجْهُهَا وَاحِدٌ وَإِشْكَالُهَا مِنْ فَقْدِ شَرْطِ التَّمْيِيزِ فَإِنَّ مِنْ شُرُوطِهِ أَنْ لَا يَزِيدَ الْقَوِيُّ عَلَى خَمْسَةَ

عَشَرَ يَوْمًا بِمَا تَخَلَّلَهُ إنْ كَانَ حُكِمَ لَهُ بِحُكْمِهِ، وَجَوَابُهُ الْحُكْمُ لِمَا قُلْنَا بِأَنَّهُ حَيْضٌ بِالْقُوَّةِ بِالسَّبْقِ فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ وَبِصَلَاحِيَّتِهِ لِلْحَيْضِ دُونَ الْأَوَّلِ لِقِلَّتِهِ فِي الْأَخِيرِ وَالْمُتَخَلِّلُ غَيْرُ مُلْحَقٍ بِهِ فَهُوَ طُهْرٌ لَكِنْ فِيهِ إشْكَالٌ آخَرُ فِي الثَّلَاثِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْقُوَّةَ بِالسَّبْقِ قَالَ فِيهِ الرَّافِعِيُّ: وَهُوَ مَوْضِعُ تَأَمُّلٍ، وَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ حَكَمُوا بِالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ السَّوَادَ الْمَذْكُورَ حَيْضٌ، وَإِنْ كَثُرَ فَلْيَكُنْ الِاتِّفَاقُ عَلَى هَذِهِ دَلِيلًا لِلْقُوَّةِ بِالسَّبْقِ وَبَقِيَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ أَيْضًا إشْكَالٌ بِمَا فِي النَّمَطِ الثَّانِي. ثَانِيهَا: مَنْ رَأَتْ الْأَسْوَدَ سِتَّةَ عَشَرَ ثُمَّ الْأَحْمَرَ كَذَلِكَ وَمَنْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ، ثُمَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَحْمَرَ ثُمَّ عَادَ الْأَسْوَدُ وَدَامَ وَمَنْ رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ أَسْوَدَ، ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ حَتَّى جَاوَزَتْ، وَمَنْ رَأَتْهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ ثُمَّ مِثْلَهُ أَحْمَرَ ثُمَّ كَذَلِكَ أَسْوَدَ ثُمَّ مِثْلَهُ أَحْمَرَ وَتَكَرَّرَ حَتَّى جَاوَزَ، وَمَنْ رَأَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ أَحْمَرَ ثُمَّ مِثْلَهَا أَسْوَدَ بِلَا نَتْنٍ ثُمَّ مِثْلَهَا مُنْتِنًا حَيْثُ قُلْنَا فِي الْكُلِّ تَحِيضُ يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ ثُمَّ تَطْهُرُ بَاقِيَ الشَّهْرِ عَلَى قَاعِدَةِ عَدَمِ التَّمْيِيزِ، وَإِشْكَالُهَا فِي مَسْأَلَةِ سِتَّةَ عَشَرَ ثُمَّ مَثَّلَهَا بِمَا قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ فِيمَنْ رَأَتْ سِتَّةَ عَشَرَ أَحْمَرَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ الْأَسْوَدُ مِثْلُهَا أَوْ أَكْثَرُ حَيْثُ حَكَمَ بِأَنَّ لَهَا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ دَمٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً حَيْضًا فَهَلَّا كَانَتْ هَذِهِ عِنْدَهُ كَذَلِكَ أَمَّا عَلَى مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِيهِ، فَلَا إشْكَالَ، وَهَذِهِ الْأَخِيرَةُ دَلِيلٌ لَهُ وَإِشْكَالُ مَسْأَلَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَسْوَدَ ثُمَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَحْمَرَ ثُمَّ أَسْوَدَ مُسْتَمِرًّا بِالْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ فِي النَّمَطِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْأَسْوَدَ الْأَوَّلَ صَالِحٌ لِلْحَيْضِ وَلَا يَصْلُحُ جَمْعُهُ مَعَ الْأَخِيرِ فَلْتَكُنْ مُمَيِّزَةً بِالْأَوَّلِ مِثْلَهُنَّ حَتَّى لَوْ زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَانَ كُلُّهُ حَيْضًا، أَوْ لِتَكُنْ الثَّلَاثُ مِثْلَهَا فَتَحِيضُ يَوْمًا وَلَيْلَةً كُلُّهُنَّ مِنْ أَوَّلِ الدِّمَاءِ بِحُكْمِ عَدَمِ التَّمْيِيزِ، وَمِثْلُ هَذِهِ مَنْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ ثُمَّ مِثْلَهَا أَحْمَرَ وَتَكَرَّرَ حَتَّى جَاوَزَ، فَإِنَّ الدَّمَ الْأَوَّلَ سَابِقٌ صَالِحٌ لِلْحَيْضِ، فَقِيَاسُ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْحَيْضُ وَإِنْ زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ يُضَمُّ إلَيْهِ كُلُّ سَوَادٍ فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ حُمْرَةٍ لِصَلَاحِيَتِهِمَا جَمِيعًا لَهُ وَانْفِصَالِ مَا بَعْدَهَا عَنْهُ مَعَ قُوَّةِ الْأَوَّلِ بِالسَّبْقِ، لَكِنْ بَيْنَ صُورَتَيْ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَرْقٌ، وَهُوَ أَنَّ السَّوَادَ هُنَا تَكَرَّرَ فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ بِخِلَافِ أُولَئِكَ، فَلَعَلَّهُمْ لِتَكَرُّرِهِ فِيهَا جَعَلُوهُ كَالْمُتَّصِلِ الْمَحْضِ وَأَلْحَقُوهُ بِمَا بَعْدَهَا لِاتِّحَادِ صِفَةِ الدِّمَاءِ، مَعَ أَنَّ عَوْدَ الدَّمِ بِصِفَةٍ مُتَكَرِّرَةٍ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهَا دَمًا وَاحِدًا فَلْيُحَرَّرْ، وَمِثْلُهَا مَسْأَلَةُ مَنْ رَأَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ حُمْرَةً ثُمَّ مِثْلَهَا سَوَادًا ثُمَّ أَقْوَى مِنْهُ بِثِخَنٍ حَيْثُ حُكِمَ بِأَنَّهَا غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ، مَعَ أَنَّ سَوَادَهَا صَالِحٌ لِلْحَيْضِ لَكِنَّهُ بِقُوَّةِ مَا عَقِبَهُ صَارَ ضَعِيفًا بِالْحُكْمِ إذْ لَوْ قُضِيَ بِكَوْنِهِ حَيْضًا فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ حُكِمَ بِأَنَّ مَا بَعْدَهُ حَيْضٌ فِي الثَّانِي وَاتَّصَلَ حَيْضَانِ مِنْ غَيْرِ طُهْرٍ بَيْنَهُمَا نَعَمْ قَدْ قُلْنَا فِي الشَّهْرِ الثَّانِي يُنْظَرُ إنْ كَانَ عَقِبَهُ أَقْوَى مِنْهُ، وَانْقَطَعَ لِخَمْسَةَ عَشَرَ فَأَقَلَّ بِنَقَاءٍ أَوْ ضَعِيفٍ، فَهُوَ الْحَيْضُ وَمَا قَبْلَهُ طُهْرٌ، وَكَذَا لَوْ عَقِبَ الْأَوَّلَ أَضْعَفُ مِنْهُ أَوْ نَقَاءٌ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ الْأَكْثَرِ. فَالْأَوَّلُ حَيْضُ هَذَا الشَّهْرِ بِالتَّمْيِيزِ كَمَا سَبَقَ وَلْيَرُدَّ النَّظَرَ فِيهَا، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ مَنْ رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ أَسْوَد ثُمَّ اسْتَمَرَّ الْأَحْمَرُ حَيْثُ قُلْنَا هِيَ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ فَيَكُونُ حَيْضُهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ أَوَّلِهِ، فَإِشْكَالُهَا مِنْ حَيْثُ اعْتَبَرَ الْقُوَّةَ بِالسَّبْقِ حَيْثُ حَصَلَ بَيْن الدَّمَيْنِ مَا يُخَالِفهُمَا لَكِنَّهُ هُنَا أَقْوَى، فَلَمَّا لَمْ يُعْتَبَرْ قُوَّتُهُ جُعِلَ كَدَمٍ أَحْمَرَ أَوْ نَقَاءٍ، وَكِلَاهُمَا لَا تَمْيِيزَ مَعَهُ. ثَالِثُهَا: مَنْ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا ثُمَّ اثْنَيْ عَشَرَ نَقَاءً ثُمَّ ثَلَاثَةً دَمًا، وَانْقَطَعَ أَوْ يَوْمًا فَأَقَلَّ دَمًا ثُمَّ اثْنَيْ عَشَرَ نَقَاءً ثُمَّ ثَلَاثَةً دَمًا وَانْقَطَعَ حَيْثُ حَكَمُوا بِالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْحَيْضَ فِي الْأُولَى الدَّمُ الْأَوَّلُ وَفِي الْأَخِيرَةِ الْأَخِيرُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالْإِشْكَالُ فِي الْأُولَى مِنْ حَيْثُ إنَّهَا عَلَى قَاعِدَةِ مَنْ لَمْ تُمَيِّزْ، فَلْيَكُنْ لَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ الْأَوَّلِ حَيْضًا وَبَاقِيهِ طُهْرًا، وَقَدْ قَالَ فِيهَا الْمَرَاغِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ شَيْخُنَا أَنَّ لَهَا حُكْمُ الْمُسْتَحَاضَةِ عَلَى أَشْهَرِ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ يُعْطِي مَا ذَكَرْنَاهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْوَجْهَيْنِ فِيهَا مَشْهُورَانِ، وَلَكِنَّ نَفْيَ الْخِلَافِ فِيهَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَقِلَّةٌ ذَكَرَهَا فِي الْمُصَنَّفَاتِ بِعَيْنِهَا يُخَالِفُهُ، وَتَحَيُّضُهَا الثَّلَاثَ دَلِيلٌ لِقُوَّةِ السَّبْقِ كَمَا فِي مَسَائِلِ النَّمَطِ الْأَوَّلِ. وَكَذَا إلْغَاءُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مَعَ صَلَاحِيَّتِهِ لِاجْتِمَاعِهِ بِبَعْضِ الثَّلَاثِ الْأَخِيرَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لِيَكُونَا حَيْضًا

دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا لَا يَصْلُحُ لِلْحَيْضِ لِقِلَّتِهِ يَكُونُ كَالنَّقَاءِ، وَأَنَّ الدَّمَ الْمُتَّصِلَ أَوْلَى بِكَوْنِ حُكْمِهِ وَاحِدًا، وَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ مَنْ رَأَتْ خَمْسَةً أَسْوَدَ ثُمَّ عَشْرَةً أَحْمَرَ ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ أَسْوَدَ حَيْثُ أُلْغِيَ الْأَخِيرُ بِالِاتِّفَاقِ، وَمِثْلُهَا مَسْأَلَةُ مَنْ رَأَتْ خَمْسَةً أَحْمَرَ ثُمَّ يَوْمًا فَقَطْ أَسْوَدَ ثُمَّ خَمْسَةً أَحْمَرَ فَلَا حُكْمَ لِلسَّوَادِ بِلَا شَكٍّ كَمَا سَبَقَ وَتَكُونُ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ وَمِثْلُهَا مَسْأَلَةُ مَنْ رَأَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ حُمْرَةً وَبَعْدَهَا أَوْ قَبْلَهَا نِصْفَ يَوْمٍ أَسْوَدَ حَيْثُ أُلْغِيَ، وَجُعِلَ الْأَحْمَرُ كُلُّهُ حَيْضًا وَلَمْ يُذْكَرُ فِيهِ خِلَافٌ، وَهُوَ مُشْكِلٍ إذْ أَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ كَدَمٍ أَحْمَرَ فَيَكُونَ كَمَنَ رَأَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَنِصْفَ يَوْمٍ دَمًا أَحْمَرَ، فَتَكُونُ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ كَالْأُولَى فَتَحِيضُ يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ أَوَّلِهِ فَعُدِمَ الْخِلَافُ فِيهَا وَفِي مَسْأَلَةِ أَوَّلِ هَذَا النَّمَطِ فِيهِ بِقُوَّتِهِ لِمَا فِي النَّمَطِ الْأَوَّلِ مِنْ كَوْنِ اخْتِلَافِ الدِّمَاءِ وَانْفِصَالِهَا لَهُ أَثَرٌ فِي عَدَمِ إعْطَاءِ الْمُتَّصِلِ حُكْمًا وَاحِدًا، وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي الْأُولَى بِعَدَمِ التَّمْيِيزِ لِكَوْنِ الْأَحْمَرَيْنِ كَالْوَاحِدِ وَمَا بَيْنَهُمَا كَالْعَدَمِ فَهَذَا فَارِقٌ بَيْنَهُمَا. (خَاتِمَةٌ) قَدْ يُؤْخَذُ بِالتَّأَمُّلِ الْجَمْعُ بَيْنَ مَا ذُكِرَ بِأَنَّ كُلَّ دَمٍ مُتَطَرِّفٍ دُونَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُ مَعَ مَا يَتَّصِلُ بِهِ بِغَيْرِ صِفَتِهِ يَكُونُ كَالنَّقَاءِ الْمَحْضِ، كَمَا فِي مَسْأَلَةِ مَنْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ أَسْوَدَ ثُمَّ مِثْلَهُ أَحْمَرَ ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ أَسْوَدَ، وَمَسْأَلَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ حُمْرَةً مَعَ نِصْفِ يَوْمٍ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا أَسْوَدَ حَيْثُ حَكَمُوا بِأَنَّ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فِيهِنَّ حَيْضٌ، وَأَنَّ مَا تَوَسَّطَ دَمَيْنِ دُونَهُ فَهُوَ مِثْلُهُمَا كَمَسْأَلَةِ خَمْسًا حُمْرَةً ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ أَسْوَدَ ثُمَّ أَطْبَقَ الْأَحْمَرُ حَيْثُ جَعَلُوهَا غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ، وَإِنَّ الدِّمَاءَ إذَا تَكَرَّرَتْ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ مَعَ فَصْلِ نَقَاءٍ أَوْ ضَعِيفٍ بَيْنَهَا بِحَيْثُ يُمْكِنُ جَمْعُهَا حَيْضًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ تَكَرُّرُهَا حَتَّى جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ تَكُونُ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ وَلَا قُوَّةَ لِلْأَوَّلِ كَمَسْأَلَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ أَسْوَدَ ثُمَّ كَذَا أَحْمَرَ، وَهَكَذَا حَتَّى جَاوَزَ حَيْثُ قَالَ: هِيَ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ حَيْضُهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ أَوَّلِهِ ثُمَّ تَطْهُرُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ، وَإِنْ لَمْ تَتَكَرَّرْ فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ بِحَيْثُ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا، وَفَصَلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ نَقَاءٌ أَوْ ضَعِيفٌ. فَإِنْ صَلَحَ أَحَدُهُمَا لِلْحَيْضِ دُونَ الْآخَرِ، فَهُوَ الْحَيْضُ كَمَسْأَلَةِ يَوْمٍ بِلَا لَيْلَةٍ دَمًا ثُمَّ اثْنَيْ عَشَرَ نَقَاءً ثُمَّ ثَلَاثًا دَمًا حَيْثُ جَعَلُوا الْحَيْضَ الْأَخِيرَ، وَأَنَّ الدَّمَ الْمُتَّصِلَ أَوْلَى مِنْ لَفْقِ بَعْضِهِ بِغَيْرِهِ دُونَ بَعْضِهِ كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا أَنْ تَقْتَضِيَهُ عَادَتُهَا فِي الْمُعْتَادَةِ، وَإِنْ صَلُحَا لِلْحَيْضِ، فَالْأَوَّلُ هُوَ الْحَيْضُ دُونَ الْبَاقِي كَمَسْأَلَةِ مَنْ رَأَتْ ثَلَاثًا دَمًا ثُمَّ اثْنَيْ عَشَرَ نَقَاءً ثُمَّ ثَلَاثًا دَمًا حَيْثُ قَالُوا الْحَيْضُ الْأَوَّلُ، وَمَسْأَلَةُ سَبْعٍ وَسَبْعٍ وَسَبْعٍ وَثَمَانٍ وَثَمَانٍ سَوَادًا بَيْنهمَا سَبْعٌ حُمْرَةٌ حَيْثُ جَعَلُوا السَّوَادَ الْأَوَّلَ كُلَّهُ حَيْضًا، وَزَادَ ابْنُ سُرَيْجٍ الْحُمْرَةَ الْمُتَخَلِّلَةَ مَعَهُ عَلَى مَا سَبَقَ. الثَّالِثَةُ: الْمُعْتَادَةُ الْمُمَيِّزَةُ بِأَنْ يَكُونَ لَهَا عَادَةٌ فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ ثُمَّ يَحْدُثُ عَلَيْهَا فِي بَعْضِ الْأَدْوَارِ دَمَانِ أَوْ دِمَاءٌ مُخْتَلِفَةٌ بِالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ كَمَا فِي الْمُبْتَدِئَةِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي الْعَادَةِ تَحِيضُ خَمْسًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ فَرَأَتْ فِي شَهْرٍ أَوَّلَهُ خَمْسًا أَحْمَرَ ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ أَسْوَدَ أَوْ رَأَتْ أَوَّلَهُ ثَلَاثًا أَسْوَدَ ثُمَّ بَاقِيَهُ أَحْمَرَ، وَفِيهَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا تُرَدُّ إلَى عَادَتِهَا قَدْرًا وَوَقْتًا كَمَا سَيَأْتِي فِي غَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ، فَحَيْضُهَا خَمْسٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالثَّانِي، وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا إلَّا النَّادِرَ اعْتِبَارُ التَّمْيِيزِ فِيهَا كَالْمُبْتَدِئَةِ فِي كُلِّ مَا سَبَقَ، فَحَيْضُهَا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ السَّوَادُ وَكَذَا لَوْ ظَهَرَ الْقَوِيُّ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا كَأَنْ رَأَتْ أَوَّلَ الشَّهْرِ أَحْمَرَ ثُمَّ نِصْفَهُ الْآخَرَ أَسْوَدَ ثُمَّ أَحْمَرَ مُسْتَمِرًّا، فَحَيْضُهَا عَلَى الْأَصَحِّ الْأَسْوَدُ. وَعَلَى الْأَوَّلِ خَمْسٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَبَاقِي الشَّهْرِ طُهْرٌ فَلَوْ رَأَتْ الْخَمْسَ الْأَوَّلَ أَسْوَدَ وَبَاقِيَ الشَّهْرِ أَحْمَرَ، أَوْ فِي آخِرِهِ شَيْئًا أَسْوَدَ فَحَيْضُهَا الْخَمْسُ الْأُوَلُ وَبَاقِيهِ طُهْرٌ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. الرَّابِعَةُ: الْمُعْتَادَةُ غَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ بِأَنْ سَبَقَ لَهَا حَيْضٌ وَطُهْرٌ وَلَا تَمْيِيزَ لَهَا وَهِيَ ذَاكِرَةٌ وَقْتَهُمَا وَقَدْرَهُمَا فَتُرَدُّ إلَيْهِمَا قَدْرًا وَوَقْتًا، وَلَوْ لَمْ يَتَكَرَّرْ لَهَا ذَلِكَ كَمَا سَبَقَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا إذَا لَمْ يَخْتَلِفْ الدَّم أَنَّ حَيْضَهَا الْخَمْسُ الْأُوَلُ حَتَّى لَوْ رَأَتْ الْمُبْتَدِئَةُ حَيْضًا وَطُهْرًا بِحُكْمِ التَّمْيِيزِ صَارَتْ عَادَةً لَهَا تَعْمَلُ بِهَا فِيمَا بَعْدُ كَأَنْ رَأَتْ شَهْرًا أَوَّلَهُ أَحْمَرَ ثُمَّ خَامِسَهُ أَسْوَدَ إلَى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَمَرَّ أَحْمَرَ إلَى آخِرِهِ ثُمَّ رَأَتْ أَسْوَدَ مُسْتَمِرًّا، فَحَيْضُهَا سِتٌّ مِنْ أَوَّلِهِ، أَيْ الْأَسْوَدِ وَبَعْدَهَا عِشْرُونَ طُهْرًا وَيَصِيرُ دَوْرُهَا سِتًّا وَعِشْرِينَ، فَلَوْ رَأَتْ مُبْتَدِئَةٌ أَوَّلَ الشَّهْرِ خَمْسًا أَحْمَرَ ثُمَّ عِشْرِينَ نَقَاءً ثُمَّ دَمًا مُسْتَمِرًّا بِأَيِّ صِفَةٍ، فَحَيْضُهَا خَمْسٌ مِنْ أَوَّلِهِ

وَكَذَا لَوْ كَانَ مَا بَعْدَ الْخَمْسِ الْأُوَلِ أَشْقَرَ إلَى عِشْرِينَ ثُمَّ أَحْمَرَ مُسْتَمِرًّا وَيَكُونُ طُهْرُهَا فِيهِمَا عِشْرِينَ، فَلَوْ رَأَتْ أَوَّلَ الشَّهْرِ سَبْعًا أَحْمَرَ ثُمَّ ثَمَانِيَةً أَسْوَدَ ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ أَشْقَرَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ أَحْمَرَ، فَحَيْضُهَا ثَمَانِيَةُ السَّوَادِ، وَطُهْرُهَا الشُّقْرَةُ ثُمَّ تَأْخُذُ مِنْ الْأَحْمَرِ الثَّانِي ثَمَانِيَةً عَادَةَ الْحَيْضِ بِالتَّمْيِيزِ ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا عَادَتَهَا بِهِ ثُمَّ تَحِيضُ وَتَطْهُرُ كَذَلِكَ إنْ كَانَ اسْتَمَرَّ مَا لَمْ يَقْطَعْهُ نَقَاءٌ أَوْ أَقْوَى مِنْهُ فَلَوْ اخْتَلَفَتْ عَادَتُهَا مَعَ انْتِظَامٍ كَأَنْ تَرَى حَيْضًا ثَلَاثًا وَحَيْضًا خَمْسًا وَحَيْضًا سَبْعًا وَتَطْهُرُ بَاقِيَ الشَّهْرِ ثُمَّ تَحِيضُ ثَلَاثًا ثُمَّ خَمْسًا ثُمَّ سَبْعًا كَذَلِكَ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ رُدَّتْ إلَى ذَلِكَ، فَيُحْكَمُ لَهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ كَمَا مَضَى بِتَرْتِيبِهِ إنْ كَانَ تَكَرَّرَ ذَلِكَ وَلَوْ مَرَّتَيْنِ حَيْضًا وَطُهْرًا كَمَا مَثَّلَنَا. وَإِنْ اخْتَلَفَتْ وَلَمْ تُكَرَّرْ أَوْ تَكَرَّرَتْ، وَلَمْ تَنْتَظِمْ رُدَّتْ إلَى آخِرِهَا كَأَنْ حَاضَتْ ثَلَاثًا ثُمَّ خَمْسًا ثُمَّ سَبْعًا ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ خَمْسًا ثُمَّ سِتًّا ثُمَّ ثَلَاثًا ثُمَّ يَوْمَيْنِ ثُمَّ خَمْسًا ثُمَّ سَبْعًا ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ رُدَّتْ إلَى السَّبْعِ وَكَذَا فِي الطُّهْرِ إنْ كَانَ اسْتَمَرَّ بِعَادَةٍ عُمِلَ بِهَا وَلَوْ مُخْتَلِفًا إنْ كَانَ انْتَظَمَتْ وَتَكَرَّرَتْ، وَإِلَّا رُدَّتْ إلَى آخِرِ دَوْرٍ كَمَا لَوْ كَانَتْ تَحِيضُ خَمْسًا أَوَّلَ الشَّهْرِ، وَتَطْهُرُ آخِرَهُ فَحَاضَتْ فِي شَهْرٍ آخِرَهُ خَمْسًا وَانْقَطَعَ، فَطُهْرُهَا حِينَئِذٍ عِشْرُونَ ثُمَّ طَهُرَتْ ثَلَاثِينَ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ، فَيَكُونُ حَيْضُهَا خَمْسًا عَادَتُهَا مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ، وَطُهْرُهَا ثَلَاثِينَ بِالْعَادَةِ الْأَخِيرَةِ بِهِ ثُمَّ إنَّهُ قَدْ تَتَغَيَّرُ الْعَادَةُ فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ مَعًا بِلَا انْتِظَامٍ فَتَعْمَلُ بِالْأَخِيرِ كَمَا قُلْنَا فِيهِمَا كَمَا لَوْ كَانَتْ تَحِيضُ خَمْسًا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ فَحَاضَتْ فِي شَهْرٍ الْخَمْسَ الثَّانِيَةَ، ثُمَّ طَهُرَتْ ثَلَاثِينَ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ، فَحَيْضُهَا خَمْسٌ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ، وَهِيَ الْخَمْسُ الثَّالِثَةُ مِنْ شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ، وَطُهْرُهَا بَعْدَهُ ثَلَاثُونَ. فَالتَّغَيُّرُ قَدْ يَكُونُ فِي الْوَقْتِ دُونَ الْقَدْرِ فِي الْحَيْضِ كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الْقَدْرِ دُونَ الْوَقْتِ كَأَنْ رَأَتْ ذَاتُ الْخَمْسِ أَيَّامٍ عَادَتَهَا، وَزَادَ يَوْمَيْنِ ثُمَّ تُسْتَحَاضُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي فَيَكُونُ حَيْضُهَا أَيَّامَ عَادَتِهَا سَبْعًا وَطُهْرُهَا كَالْأَوَّلِ فَلَوْ رَأَتْ مَكَانَ الْخَمْسِ ثَلَاثًا نَقَصَ حَيْضُهَا يَوْمَيْنِ وَهِيَ فِي الطُّهْرِ بِعَادَتِهَا، وَقَدْ يَتَغَيَّرَانِ مَعًا كَأَنْ تَرَى ذَاتُ الْخَمْسِ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ أَوَّلَ الثَّانِي نَقَاءً إلَى عَشْرٍ ثُمَّ تَحِيضُ إلَى عِشْرِينَ ثُمَّ تَطْهُرُ سَبْعًا وَعِشْرِينَ ثُمَّ تُسْتَحَاضُ، فَأَصْلُ عَادَتِهَا خَمْسُ أَوَّلُ الشَّهْرِ، وَطُهْرُهَا خَمْسٌ وَعِشْرُونَ آخِرَهُ فَتَغَيَّرَتْ فِي الْأَخِيرِ بِعَشْرٍ حَيْضًا فِي غَيْرِ وَقْتِ الْأَوَّلِ، وَهِيَ الْعَشْرُ الْوُسْطَى، وَصَارَ الطُّهْرُ بَيْنَهُمَا خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ ثُمَّ صَارَ طُهْرُهَا بَعْدَ الْعَشْرِ سَبْعًا وَعِشْرِينَ. فَتَعْمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْأَخِيرُ وَيَكُونُ حَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ عَشْرًا، وَطُهْرُهَا سَبْعَةً وَعِشْرِينَ، وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ فِيمَا لَوْ تَكَرَّرَ لَهَا حَيْضٌ وَطُهْرٌ بِحُكْمِ التَّمْيِيزِ كَأَنْ يَكُونَ كُلُّ طُهْرٍ فِي مَسَائِلِنَا دَمًا ضَعِيفًا، وَحَيْضُهُ دَمًا ضَعِيفًا ثُمَّ تُسْتَحَاضُ فَتَعْمَلُ بِعَادَتِهَا عَلَى صِفَةِ التَّمْيِيزِ فَإِنْ انْتَظَمَ بِهِ عَادَاتٌ وَتَكَرَّرَتْ عَمِلَتْ بِهَا كَمَا قُلْنَا فِي النَّقَاءِ، وَمِنْ مَسَائِلِ النَّقْلِ: أَنَّ مَنْ عَادَتُهَا خَمْسٌ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ وَبَاقِيهِ طُهْرٌ فَرَأَتْ فِي شَهْرٍ الْخَمْسَ الْأَخِيرَةَ وَاسْتَمَرَّ الدَّمُ فَفِيهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ: أَحَدُهُمَا قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ سُرَيْجٍ: حَيْضُهَا خَمْسٌ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ وَيَصِيرُ طُهْرُهَا عِشْرِينَ؛ لِأَنَّهُ دَمٌ يَصْلُحُ لِلْحَيْضِ بَعْدَ طُهْرٍ كَامِلٍ فَتَحِيضُ مَا دَامَتْ الِاسْتِحَاضَةُ كَذَلِكَ خَمْسًا، وَتَطْهُرُ عِشْرِينَ وَالثَّانِي: وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ حَيْضُهَا الْخَمْسُ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي مُرَاعَاةً لِوَقْتِ عَادَتِهَا إذَا ثَبَتَ مَنَاطُ الْحُكْمِ فَلَا يُغَيَّرُ إلَّا بِنَاسِخٍ، وَمَا قَبْلَهَا فِي آخِرِ الْأَوَّلِ دَمُ فَسَادٍ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الدَّمَ الثَّانِيَ لَوْ انْقَطَعَ بِخَمْسٍ كَانَ هُوَ الْحَيْضُ وَيَصِيرُ دَوْرُهَا خَمْسًا وَعِشْرِينَ فِي حَيْضٍ، وَعِشْرُونَ فِي طُهْرٍ فَلَوْ رَأَتْ الدَّمَ مُسْتَمِرًّا بَعْد عِشْرِينَ نَقَاءً أَخَذْنَا لَهَا مِنْ أَوَّلِهَا خَمْسًا حَيْضًا وَعِشْرِينَ طُهْرًا. وَهَكَذَا مَا دَامَتْ الِاسْتِحَاضَةُ، فَتَغَيُّرُ الزَّمَانِ إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا تَكَرَّرَ وَانْسَحَبَ الدَّمُ عَلَيْهِ كَمَا سَبَقَ التَّمْثِيلُ بِهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِأَوَّلِ شَهْرٍ وَلَا آخِرِهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ تَعْتَادُ الْخَمْسَ الْأُولَى مِرَارًا ثُمَّ رَأَتْهَا فِي شَهْرٍ نَقَاءً وَرَأَتْ الدَّمَ فِي الْخَمْسِ الثَّانِيَةِ يَكُونُ حَيْضُهَا خَمْسًا مِنْهُ إنْ كَانَ اسْتَمَرَّ حَتَّى جَاوَزَ الْأَكْثَرَ، وَذَلِكَ كُلُّهُ فِيمَنْ يَنْسَحِبُ دَمُهَا أَوْ يَتَقَطَّعُ فِي وَقْتِ الْحُكْمِ بِالطُّهْرِ لِمَا لَا يَقَعُ طُهْرًا كَأَنْ تَحِيضَ خَمْسَةَ الْعَادَةِ، ثُمَّ تَطْهُرُ عَشْرًا ثُمَّ تَرَى الدَّمَ مُسْتَمِرًّا فَإِنَّ حَيْضَهَا إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ مُضِيِّ قَدْرِ الطُّهْرِ الْمُعْتَادِ، وَأَمَّا مَنْ يَتَكَرَّرُ تَقَطُّعُ دَمِهَا بِنَقَاءٍ

مُتَكَرِّرٍ بَيْنَ الدِّمَاءِ، وَيَسْتَمِرُّ ذَلِكَ بِهَا عَلَى أَوَّلِ دَوْرٍ آخَرَ، فَلَهَا حُكْمٌ يَطُولُ شَأْنُهُ وَسَيَأْتِي ثُمَّ الْحُكْمُ بِثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ هُوَ الْأَصَحُّ. وَمُرَاعَاةُ الْأَخِيرِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْعَادَةِ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ كَمَا بَنَيْنَا عَلَيْهِ الْمَسَائِلَ الْمَذْكُورَةَ وَلَنَا وَجْهٌ بِاشْتِرَاطِ تَكَرُّرِهَا مَرَّتَيْنِ وَوَجْهٌ بِهِ ثَلَاثًا، وَلَنَا وَجْهٌ بِمُرَاعَاةِ الْأَوَّلِيَّةِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ أَعْنِي وَلَوْ قَبْلَ عَادَةِ الْحَيْضِ كَمَا سَبَقَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ قَرِيبًا فَلْنَذْكُرْ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ بِبَيَانِ رَفْعِ الْإِشْكَالِ فِي مَسْأَلَةٍ مِنْهُ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ، فَنَأْتِي بِكَلَامِهِمَا عَلَى وَجْهِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ سَبَقَ ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْهُ ثُمَّ نَذْكُرُ الْمُشْكِلَ. قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رَوْضَتِهِ وَكَذَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ نَقْلًا عَنْ الرَّافِعِيِّ بِلَفْظِهِ فِيهِ غَالِبًا فِيمَنْ تَحِيضُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسًا أَوَّلَهُ إذَا حَاضَتْ خَمْسَتَهَا الْمَعْهُودَةَ أَوَّلَ الشَّهْرِ ثُمَّ طَهُرَتْ عِشْرِينَ ثُمَّ عَادَ الدَّمُ فِي الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْهُ فَقَدْ تَقَدَّمَ حَيْضُهَا وَصَارَ دَوْرُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، فَإِنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ بِأَنْ انْقَطَعَ بَعْدَ الْخَمْسِ الْأَخِيرَةِ ثُمَّ طَهُرَتْ عِشْرِينَ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ خَمْسًا ثُمَّ طَهُرَتْ عِشْرِينَ، وَهَكَذَا مَرَّاتٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ اسْتَحَاضَتْ رُدَّتْ إلَى ذَلِكَ وَجُعِلَ دَوْرُهَا أَبَدًا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ بِأَنْ اسْتَمَرَّ الدَّمُ مِنْ الْخَمْسِ الْأَخِيرَةِ يَعْنِي بَعْدَ أَنْ رَأَتْ دَوْرَ الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ دَمًا وَنَقَاءً مَرَّةً وَاحِدَةً قَالَ الرَّافِعِيُّ (فَحَاصِلُ مَا يُخَرَّجُ طُرُقُ الْأَصْحَابِ فِيهَا وَفِي نَظَائِرِهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: أَصَحُّهَا: تَحِيضُ خَمْسًا مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ وَتَطْهُرُ عِشْرِينَ أَبَدًا، وَالثَّانِي: تَحِيضُ خَمْسًا وَتَطْهُرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَالثَّالِثُ: تَحِيضُ عَشْرَةً مِنْ هَذَا الدَّمِ وَتَطْهُرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ تُحَافِظُ عَلَى دَوْرِهَا الْقَدِيمِ، وَالرَّابِعُ: أَنَّ الْخَمْسَ الْأَخِيرَةَ، وَهِيَ أَوَّلُ الدَّمِ اسْتِحَاضَةٌ وَتَحِيضُ بَعْدَهَا خَمْسًا أَوَّلَ الشَّهْرِ الثَّانِي ثُمَّ تَطْهُرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ أَمَّا لَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَحَاضَتْ خَمْسَتَهَا وَطَهُرَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ عَادَ الدَّمُ وَاسْتَمَرَّ، فَالْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ خَمْسَتِهَا وَالدَّمُ نَاقِصٌ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: أَصَحُّهَا أَنَّ يَوْمًا مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْعَائِدِ اسْتِحَاضَةٌ تَكْمِيلًا لِلطُّهْرِ وَخَمْسَةً بَعْدَهُ حَيْضٌ ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ وَصَارَ دَوْرُهَا عِشْرِينَ، وَالثَّانِي: أَنَّ أَوَّلَ يَوْمٍ اسْتِحَاضَةٌ كَالْأَوَّلِ ثُمَّ الْعَشَرَةُ الْبَاقِيَةُ مِنْ ذَا الشَّهْرِ مَعَ خَمْسٍ مِنْ الْآخَرِ حَيْضٌ ثُمَّ تَطْهُرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ تُحَافِظُ عَلَى دَوْرِهَا الْقَدِيمِ، وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ اسْتِحَاضَةٌ وَبَعْدَهُ خَمْسٌ حَيْضٌ ثُمَّ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ طُهْرٌ، وَهَكَذَا أَبَدًا، وَالرَّابِعُ: جَمِيعُ الْعَائِدِ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ اسْتِحَاضَةٌ وَتَفْتَحُ دَوْرَهَا الْقَدِيمَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. وَقَدْ تَبِعَهُ عَلَى هَذَا مُخْتَصِرُ الرَّوْضَةِ وَصَاحِبُ جَامِعِ الْمُخْتَصَرَاتِ وَشَارِحُ رَوْضِ ابْنِ الْمُقْرِي الشَّيْخُ زَكَرِيَّا بَلْ قَرَّرَهُ بِمَا يُزِيدُ الْإِشْكَالَ الْآتِي، وَمِثْلُهُ الْمُزَجَّدُ فِي عُبَابِهِ وَقَدْ اُسْتُشْكِلَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ بِأَنَّهُ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ لَهَا دُورٌ هُوَ عِشْرُونَ فِي هَذَا التَّصْوِيرِ فَتَرْجِعُ إلَيْهِ، وَقَدْ قَرَّرَ فِي الْمَجْمُوعِ عَقِبَ ذَلِكَ أَنَّهَا لَوْ طَهُرَتْ بَعْدَ خَمْسِ الْعَادَةِ عَشْرًا ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ رُدَّتْ إلَى عَادَتِهَا بِلَا خِلَافٍ فَكَيْفَ يُقْدَحُ فِي عَدَدِ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ. وَحَدُّهَا التَّكْمِيلُ بِيَوْمِ الطُّهْرِ ثُمَّ تَحِيضُ تَحَكُّمًا بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَقِيَاسُهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُصَوَّرَةِ عَنْ الرَّافِعِيِّ أَنْ تَكُونَ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا إنْ كَانَتْ مَسْبُوقَةً بِهَا فَتَطْهُرُ سِتًّا مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ، ثُمَّ تَحِيضُ خَمْسًا فَدَوْرُهَا خَمْسٌ وَعِشْرُونَ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا مَرَّ فِيهَا وَيَخْتَلِفُ الْخِلَافُ فِيهَا، فَإِنَّ لِهَذِهِ عَادَةً قَدْ تَكَرَّرَتْ مَرَّتَيْنِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَسْبُوقَةً بِهَا، بَلْ كَانَتْ تَحِيضُ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَوَّلَهُ خَمْسًا فَرَأَتْهَا فِي شَهْرٍ ثُمَّ طَهُرَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ كَمَا وَقَعَ التَّصْوِيرُ بِهِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ مِمَّنْ وَافَقَ وَمَنْ اسْتَشْكَلَ، فَقِيَاسُ مَا سَبَقَ وَقَاعِدَتُهُ أَنْ يَكُونَ حَيْضُهَا عَلَى الْأَصَحِّ خَمْسًا أَوَّلَ الشَّهْرِ الثَّانِي وَمَا قَبْلَهُ اسْتِحَاضَةٌ، وَتُحَافِظُ عَلَى دَوْرِهَا الْقَدِيمِ كَمَا هُوَ الْوَجْهُ الرَّابِعُ فِيمَا ذَكَرَهُ وَلَمْ يُنَبِّهْ أَحَدٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ عَلَى هَذِهِ الْمُخَالَفَةِ بَلْ تَنَبَّهَ لَهُ شُيُوخُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَرَأَوْا الرَّدَّ فِي ذَلِكَ إلَى مَا اقْتَضَتْهُ الْقَوَاعِدُ وَظَهَرَ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - أَنَّ فِيهَا كَلَامًا سَقَطَ أَوَّلُهُ كَمَا يَقْتَضِيهِ تَرْتِيبُهُ فِي تَنَقُّلِ الْعَادَةِ فِي الطُّهْرِ، فَإِنَّهُ قَالَ قَدْ يَتَغَيَّرُ قَدْرُ الطُّهْرِ دُونَ الْحَيْضِ، فَذَكَرَ صُورَةً مِنْ دَوْرِهَا ثَلَاثُونَ كَمَا ذَكَرْنَا. وَطُهْرُهَا مِنْهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ عِشْرِينَ مِنْهُ فَنَقَصَ مِنْهُ خَمْسٌ ثُمَّ طَهُرَتْ عِشْرِينَ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ فَصَارَ دَوْرُهَا خَمْسًا وَعِشْرِينَ بِالصِّفَةِ

الْأَخِيرَةِ فَلَوْ لَمْ يَتَكَرَّرْ، بَلْ اُسْتُحِيضَتْ بَعْدَ الْعِشْرِينَ الطُّهْرُ أَوَّلَ مَرَّةٍ رُدَّتْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْأَخِيرُ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْمَذْكُورَةَ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا انْقِطَاعًا بِأَقَلَّ، فَقِيَاسُ سِيَاقِ كَلَامِهِ أَنْ يَقُولَ أَمَّا لَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَحَاضَتْ خَمْسَتَهَا ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ خَمْسًا ثُمَّ انْقَطَعَ وَطَهُرَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْهُ فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: وَيَذْكُرُ ذَلِكَ عَلَى مَا صَوَّرْتُهُ، وَهَذَا عِنْدِي لَا شَكَّ فِيهِ مِنْ حَيْثُ النَّظَرِ. وَأَظُنُّ هَذَا الِاخْتِلَافَ شَبِيهٌ بِمَا فَهِمَهُ الْوَلِيُّ أَبُو زُرْعَةَ مِنْ الرَّوْضَةِ فِيمَنْ صَلَّى بِصَلَاةِ الْإِمَامِ عَلَى مُرْتَفَعٍ، وَهُوَ لَا يُحَاذِيه بِجُزْءٍ مِنْهُ حَيْثُ وَقَعَ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَنَّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي اشْتِرَاطِ قُوَّةِ الِاتِّصَالِ وَالْقُرْبِ وَهِيَ مُرَجَّحَةٌ عِنْدَ النَّوَوِيِّ وَبِمَا فَهِمَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ مِمَّا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ النَّصِّ وَالْجُمْهُورِ فِيمَنْ قَالَ: إنْ كَانَ فَعَلْت كَذَا فَمَا لِي صَدَقَةٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إنْ كَانَ فَعَلَهُ التَّصَدُّقُ بِكُلِّ مَالِهِ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِمَا يُسَمَّى فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ كَمَا هُوَ قَوْلٌ، وَلَكِنَّهُ مَرْجُوحٌ وَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ نَذْرِ اللَّجَاجِ، وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ يُؤْخَذُ مِنْ طَيِّ كَلَامِ النَّوَوِيِّ وَتَبِعَهُمَا غَيْرُهُمَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَوْ لَعَلَّ مَا ظَنَنَّاهُ سَقَطَ مِنْ نُسْخَةِ الْعَزِيزِ الَّتِي اخْتَصَرَ مِنْهَا الرَّوْضَةَ فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهَا سَقِيمَةٌ وَتَبِعَهُ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ لِلسَّقْطِ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَقَدْ أَثْبَتَهُ فِي النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ كَمَا ذَكَرُوا أَنَّ الرَّافِعِيَّ فِي الْعَزِيزِ نَقَلَ عَنْ الْجَدِيدِ أَنَّ مَنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ بِعَبْدِهِ لَا يُسَنُّ لَهُ أَنْ يُسَمِّيَ مَهْرًا وَرُوِيَ عَنْ الْقَدِيمِ أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ ذَلِكَ وَعَكْسُهُ فِي الرَّوْضَةِ فَقَالَ؟ (يُسَنُّ فِي الْجَدِيدِ دُونَ الْقَدِيمِ قَالُوا، وَسَبَبُهُ سِقَمُ نُسْخَتِهِ مِنْ الْعَزِيزِ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ النَّشَائِيُّ وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ مَنْ خَلْفَهُ وَأَشْيَاءُ غَيْرُ ذَلِكَ فِيهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَلْنُبَيِّنْ مَا بَنَيْت عَلَيْهِ الْوُجُوهَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِتَعْرِفَ صِحَّةَ مَا قَرَّرْنَاهُ، فَفِي الْأُولَى وَهِيَ مَنْ رَأَتْ الدَّمَ خَمْسًا ثُمَّ طَهُرَتْ عِشْرِينَ ثُمَّ رَأَتْهُ وَاسْتُحِيضَتْ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ وَجْهُ الْأَصَحِّ ثُبُوتُ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ وَأَنَّ مَنْ اخْتَلَفَتْ أَدْوَارُهَا تَأْخُذُ بِالْأَخِيرِ، وَوَجْهُ الثَّانِي أَنْ تَحِيضَ خَمْسَةً أَوَّلَهُ لِتَكَرُّرِهَا ثُمَّ تَطْهُرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ كَعَادَتِهَا الْقَدِيمَةِ إذْ لَمْ يَتَكَرَّرْ الطُّهْرُ الْأَخِيرُ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ تَكَرُّرِهَا، وَوَجْهُ الثَّالِثِ تَحِيضُ عَشَرَةً اعْتِبَارًا بِأَوَّلِ الدَّمِ فِي خَمْسٍ وَمُحَافَظَةً عَلَى وَقْتِ الْأُولَى لِتَكَرُّرِهَا مِرَارًا. وَوَجْهُ الرَّابِعِ أَنَّ حَيْضَهَا مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَمَا قَبْلَهُ اسْتِحَاضَةٌ مُرَاعَاةً لِتَكَرُّرِ الْعَادَةِ فِي الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ مِرَارًا فَتَرْجِعُ لِلْقَدِيمَةِ، وَأَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ بِنَاءً عَلَى مَا قَرَرْنَاهُ فِيمَنْ لَهَا خَمْسٌ حَيْضٌ أَوَّلَ الشَّهْرِ وَبَاقِيهِ طُهْرٌ ثُمَّ رَأَتْ فِي شَهْرٍ بَعْدَ حَيْضِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ نَقَاءً ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ خَمْسًا ثُمَّ طَهُرَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْهُ، وَجْهُ الْأَصَحِّ أَنَّ يَوْمًا مِنْ أَوَّلِ دَمِهَا اسْتِحَاضَةٌ وَبَعْدَهُ خَمْسٌ حَيْضٌ ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ ثُبُوتُ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ فِيهِمَا، وَاعْتِمَادُ الْأَخِيرَةِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَوَجْهُ الثَّالِثِ أَنْ تَحِيضَ خَمْسَةً كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ تَكَرَّرَ بِهَا وَتَطْهُرُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ كَعَادَتِهَا الْقَدِيمَةِ إذَا لَمْ تَرَهُ زَمَنَ الصِّحَّةِ إلَّا مَرَّةً بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِهَا، وَهُوَ كَالثَّانِي فِي الْأُولَى، وَوَجْهُ الثَّانِي هُنَا أَنَّهَا تَحِيضُ خَمْسَةَ عَشَرَ عَشَرًا مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ مُرَاعَاةً لِأَوَّلِيَّتِهِ، وَخَمْسًا مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ مُرَاعَاةً لِوَقْتِ عَادَتِهَا الْقَدِيمَةِ لِتَكَرُّرِهَا فِيهِ وَهُوَ عَلَى نَمَطِ الْوَجْهِ الثَّالِثِ فِي الْأُولَى، وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ هُنَا يُرَاعِي الْعَادَةَ الْقَدِيمَةَ فِي وَقْتِهَا حَيْضًا وَطُهْرًا لِتَكَرُّرِهَا مِرَارًا كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. أَقُولُ: وَهَذَا مِمَّا مَنَّ اللَّهُ بِهِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي حَلِّ إشْكَالِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ طُولِ الْبَحْثِ وَالْفِكْرِ فِيهَا مَعَ عَدَمِ مَنْ نَظَرَ فِي ذَلِكَ بَعْدَ وُجُودِهِ، وَإِنَّمَا ظَهَرَ ذَلِكَ بِمَدَدٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بَعْد اللَّجْءِ إلَيْهِ فِيهِ فَأَلْهَمَنِي فَهْمَ مَا سَقَطَ مِنْ تَصْوِيرِهَا فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ كَمَا سَبَقَ، وَبِذَلِكَ أَيْ - رُدَّ السَّاقِطُ فِي مَحَلِّهِ - يَنْتَظِمُ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ كَمَا قَرَّرْنَاهُ قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي فَضْلٍ؟ (وَلَمْ أَرَ مَنْ تَنَبَّهَ لِهَذَا الْإِشْكَالِ إلَّا زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَلَمْ يَحُلَّهُ) اهـ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُعْتَادَةَ إذَا عَرَفَتْ عَادَةً ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهَا مَا يُوجِبُ التَّمْيِيزَ عَمِلَتْ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَبَقَ فِيمَنْ كَانَتْ تَحِيضُ أَوَّلَ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسًا لَوْ رَأَتْ قَبْلَ خَمْسِهَا خَمْسًا دَمًا أَقْوَى مِنْ دَمِ خَمْسِهَا، فَحَيْضُهَا الْقَوِيُّ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ وَيَصِيرُ دَوْرُهَا خَمْسًا

وَعِشْرِينَ وَكَذَا لَوْ رَأَتْ الْقَوِيَّ بَعْدَ خَمْسِهَا فَتَنْتَقِلُ إلَيْهِ، وَيَصِيرُ دَوْرُهَا خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ فَلَوْ رَأَتْ الْخَمْسَةَ الْمُعْتَادَةَ ثُمَّ نَقَاءً خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْ دَمًا أَقْوَى مِنْ دَمِهَا خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ ضَعُفَ وَاسْتَمَرَّ فَقَالَ الْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ: الْخَمْسَةُ الْأُولَى مِنْ الدَّمِ حَيْضٌ بِالْعَادَةِ ثُمَّ النَّقَاءُ طُهْرٌ ثُمَّ يَكُونُ الْقَوِيُّ حَيْضًا لِصَلَاحِيَّةِ كُلٍّ لِمَا ذُكِرَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي الرَّوْضَةِ فَلَوْ رَأَتْ خَمْسَتَهَا أَحْمَرَ ثُمَّ أَطْبَقَ أَسْوَدُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: فَالْمَذْهَبُ أَنَّ السَّوَادَ يَرْفَعُ حُكْمَ الْأَحْمَرِ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَادًا، فَحَيْضُهَا هُنَا خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْأَسْوَدِ، فَاعْرِفْ هَذِهِ الْأَخِيرَةَ فَقَدْ تَخْفَى عَلَى الْمُتَفَقِّهِ فَيَحْسَبُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ لِلْحَيْضِ خَمْسُ الْعَادَةِ فِي وَقْتِهَا لِعَدَمِ صَلَاحِيَّةِ الْأَسْوَدِ لِكَوْنِهِ كُلُّهُ حَيْضًا وَيَصِيرُ دَوْرُهَا فِي الْأَوَّلِ مَعَ الْخَمْسِ عِشْرِينَ، وَفِي هَذِهِ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ إنْ كَانَ لَمْ يَحْصُلْ تَمْيِيزٌ بَعْدُ مُعْتَبَرٌ أَوْ انْقِطَاعُ، هَذَا كُلُّهُ حُكْمُ مَنْ لَمْ يَنْقَطِعْ دَمُ اسْتِحَاضَتِهَا أَوْ انْقَطَعَ وَانْسَحَبَ الدَّمُ عَلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا، وَأَمَّا ذَاتُ الْمُتَقَطِّعِ، فَاعْلَمْ أَنَّ النَّقَاءَ الْوَاقِعَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ الْمَحْكُومِ بِكَوْنِهِمَا حَيْضًا وَاحِدًا حُكْمُهُمَا كَالدَّمِ فِي كَوْنِهِ حَيْضًا عَلَى الْأَظْهَرِ كَنَقَاءِ مَنْ لَمْ يُجَاوِزْ دَمُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ أَوْ الَّذِي بَيْنَ دَمَيْ مَنْ جَاوَزَهَا فِيمَا حُكِمَ بِهِمَا حَيْضًا لِتَمْيِيزٍ أَوْ عَادَةٍ عَلَى مَا سَبَقَ، كَأَنْ رَأَتْ دِمَاءً مُتَقَطِّعَةً فِيهَا سَوَادٌ يَبْلُغُ مَجْمُوعُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ تَقَطَّعَ أَحْمَرَ فَقَطْ، فَالسَّوَادُ وَمَا تَخَلَّلَهُ مِنْ دَمٍ أَوْ نَقَاءٍ حَيْضٌ وَالْبَاقِي طُهْرٌ حَتَّى يَتَغَيَّرَ بِأَقْوَى يَصْلُحُ حَيْضًا آخَرَ، وَأَمَّا مَنْ تَقَطَّعَ دَمُهَا بِصِفَةٍ حَتَّى جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَكُلُّهُ اسْتِحَاضَةٌ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْمَرَدُّ السَّابِقُ سَوَاءٌ كَانَ الْخَامِسَ عَشَرَ وَمَا يَلِيهِ دَمًا أَوْ نَقَاءً، فَإِنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً أَخَذَتْ بِالتَّمْيِيزِ أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدِئَةً فَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ أَوْ أَثْنَائِهِ إنْ كَانَ لَمْ يَبْلُغْهَا، الْأَوَّلُ حَيْضٌ وَبَاقِي الشَّهْرِ اسْتِحَاضَةٌ أَعْنِي تِسْعًا وَعِشْرِينَ بَعْدَ الْحَيْضِ، فَلَوْ تَقَطَّعَ الدَّمُ بِأَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كُلُّهُ كَيَوْمٍ دَمٌ وَلَيْلَةٍ نَقَاءٌ، فَلَا حَيْضَ لَهَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَمِثْلُهَا مَنْ عَادَتُهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَانْطَبَقَ الدَّمُ عَلَى أَيَّامِ الْعَادَةِ، فَهِيَ الْحَيْضُ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا بَلْ سَبَقَهَا دَمٌ وَتَأَخَّرَ عَنْهَا دَمٌ أَخَذْنَا قَدْرَ عَادَتِهَا مِنْ أَوَّلِ أَقْرَبِ الدَّمَيْنِ إلَى أَوَّلِ الْعَادَةِ كَأَنْ كَانَتْ تَحِيضُ سِتًّا أَوَّلَ الشَّهْرِ فَرَأَتْهَا ثُمَّ رَأَتْ سِتًّا آخِرَهُ وَنَقَاءً أَوَّلَ الثَّانِي ثُمَّ دَمًا لِثَمَانٍ مِنْهُ فَإِنَّ حَيْضَهَا السِّتُّ السَّابِقَةُ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى أَوَّلِ الْعَادَةِ بِيَوْمٍ، فَإِنْ اتَّفَقَتَا فِي الْقُرْبِ فَحَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ الْمُتَأَخِّرَةِ، كَمَا لَوْ رَأَتْهُ فِي مِثَالِنَا السَّبْعَ مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي، فَحَيْضُهَا الْأَخِيرَةُ، فَلَوْ كَانَ حَيْضُهَا أَوَّلَ الشَّهْرِ فَرَأَتْهُ فِي شَهْرٍ آخَرَ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ وَاسْتَمَرَّ سَبْعًا أَوْ تَقَطَّعَ بِنَقَاءٍ فِي خِلَالِهَا أَيَّامَ عَادَتِهَا، وَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ اسْتِحَاضَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَبَقَ، وَإِنْ اسْتَمَرَّ سِتًّا فَقَطْ وَلَوْ بِنَقَاءٍ فِي أَوْسَاطِهَا حَيَّضْنَاهَا سِتًّا مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَا لَوْ تَأَخَّرَ الدَّمُ عَنْ أَوَّلِ الْعَادَةِ فَإِنَّا نُتِمُّ الْعَادَةَ مِمَّا بَعْدَهُ، وَكَذَا إنْ كَانَ لَمْ تَرَ الدَّمَ هَذِهِ إلَّا لِعَشْرٍ مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي فَإِنَّا نَأْخُذُ لَهَا سِتًّا مِنْهُ حَيْضًا بِمَا تَخَلَّلَهَا، وَيَزِيدُ طُهْرُهَا تِسْعًا فَتَثْبُتُ عَادَتُهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ إنْ كَانَ اتَّصَلَ، وَحَيْثُ حُكِمَ لَهَا بِابْتِدَاءِ الْحَيْضِ مِنْ دَمٍ وَلَمْ يُمْكِنْ اسْتِيفَاءُ الْعَادَةِ إلَّا بِنَقَاءٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ نَقَصَ حَيْضُهَا كَأَنْ يَكُونَ عَادَتُهَا خَمْسًا أَوَّلَ الشَّهْرِ فَرَأَتْهُ أَوَّلَهُ يَوْمَيْنِ ثُمَّ يَوْمًا نَقَاءً ثُمَّ يَوْمًا دَمًا وَهَكَذَا فَحَيْضُهَا الْأَرْبَعُ الْأُولَى دُونَ النَّقَاءِ الْأَخِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْتَوِشْهُ دِمَاءُ حَيْضٍ إذْ لَوْ حَيَّضْنَاهَا السَّادِسَ لَزِدْنَا عَلَى قَدْرِ الْعَادَةِ، وَكَذَا لَوْ لَمْ تَرَهُ إلَّا ثَانِيَةً وَتَقَطَّعَ يَوْمًا دَمًا فَيَوْمَيْنِ نَقَاءً، فَحَيْضُهَا الثَّانِي وَثَلَاثٌ بَعْدَهُ لَا الْأَوَّلُ إذْ لَمْ يَسْبِقْهُ دَمٌ وَلَا مَا بَعْدَهَا لِمَا سَبَقَ فَلَوْ رَأَتْ الدَّمَ فِي الدَّوْرِ الثَّانِي أَوَّلَ الثَّلَاثِينَ حَيَّضْنَاهَا مِنْ أَوَّلِهِ، وَلَا يَصِيرُ نَقَاءً وَلَهَا مَعَ التَّقَطُّعِ عَادَةٌ، وَهَكَذَا مَا دَامَ التَّقَطُّعُ فَنَأْخُذُ مَا انْطَبَقَ عَلَى أَيَّامِ الْعَادَةِ، فَإِنْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ مِنْهُ فِيهَا، فَأَوَّلُ حَيْضِهَا أَقْرَبُ أَوَّلِ الدَّمَيْنِ إلَى أَوَّلِهَا فَإِنْ اسْتَوَيَا فَالْأَخِيرَةُ كَمَا سَبَقَ، فَلَوْ كَانَ حَيْضُهَا أَوَّلَ الشَّهْرِ خَمْسًا كَمَا ذُكِرَ فَرَأَتْهُ أَرْبَعًا وَثَلَاثَةً نَقَاءً وَاسْتَمَرَّ، فَحَيْضُهَا الْأَرْبَعُ مِنْ يَوْمِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ لَا مِنْ يَوْمِ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَقْرَبُ لِأَوَّلِ دَمَ الْعَادَةِ وَفِي الدَّوْرِ الثَّانِي مِنْ أَوَّلِ الثَّلَاثِينَ الثَّانِيَةِ، لِأَنَّهَا أَيَّامُ عَادَتِهَا أَصْلًا، وَكَذَا تَدُورُ بِمُرَاعَاتِهَا عَلَى مَا ذُكِرَ مَا دَامَتْ كَذَلِكَ فَلَوْ رَأَتْ هَذِهِ يَوْمَيْنِ

وَيَوْمَيْنِ فَاتَّفَقَ أَوَّلُ دَمِهَا يَوْمَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَيَوْمَ الثَّالِثِ وَالثَّلَاثِينَ حَيَّضْنَاهَا مِنْ الثَّانِي لِاسْتِوَاءِ أَقْرَبِهِمَا وَتَأَخُّرِهِ فَهُوَ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا مَنْ نَسِيَتْ عَادَتَهَا قَدْرًا وَوَقْتًا فَهِيَ الْمُتَحَيِّرَةُ وَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا هِيَ كَالْمُبْتَدِئَةِ لَا تَمْيِيزَ لَهَا فَتُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ أَوَّلِهِ حَيْضًا فَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ أَوَّلَهُ فَمِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الْهِلَالِيِّ عَلَى الْأَصَحِّ وَتِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ طُهْرًا أَبَدًا، وَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ الِاحْتِيَاطِ فَيَحْرُمُ الْوَطْءُ وَنَحْوُهُ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَالْقِرَاءَةُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَتُصَلِّي الْفَرَائِضَ أَبَدًا، وَكَذَا النَّفَلُ فِي الْأَصَحِّ وَتَقْرَأُ فِيهَا الْفَاتِحَةَ وَالسُّورَةَ، وَمِثْلُهَا فَرْضًا وَنَفْلًا الصَّوْمُ وَالطَّوَافُ وَتَدْخُلُ لَهُ الْمَسْجِدَ، وَكَذَا الْجَمَاعَةُ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَتَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرْضٍ أَوْ صَلَاةِ نَفْلٍ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتٍ مَا اغْتَسَلَتْ لَهُ فِي الْأَصَحِّ نَعَمْ إنْ كَانَ ذَكَرَتْ وَقْتَ انْقِطَاعِ دَمِهَا كَوَقْتِ الظُّهْرِ لَمْ تَغْتَسِلْ إلَّا ذَلِكَ الْوَقْتَ كُلَّ يَوْمٍ وَتَصُومُ رَمَضَانَ ثُمَّ تَقْضِيهِ مَرَّةً أُخْرَى لِاحْتِمَالِ وُقُوعِ بَعْضِهِ فِي الْحَيْضِ فَتَحْتَاطُ، وَهَلْ يَلْزَمُهَا قَضَاءٌ؟ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ لَا، وَنَقَلَهُ جَمْعٌ عَنْ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا، وَصَحَّحَ جَمْعٌ وُجُوبَهُ، أَيْ قَضَاءَ صَلَاةٍ مُبْهَمَةٍ لِكُلِّ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَصَحَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، لِاحْتِمَالِ انْقِطَاعِ الدَّمِ بَيْنَ الْغُسْلِ وَفَرَاغِ الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) . وَلِقَضَائِهَا صِفَةٌ طَوِيلَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ. وَأَمَّا مَنْ نَسِيَتْ قَدْرَ عَادَتِهَا وَعَرَفَتْ أَوَّلَ دَمِهَا فَتَحِيضُ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ تَحْتَاطُ كَالْمُتَحَيِّرَةِ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَبَعْدَهَا هِيَ طَاهِرَةٌ إلَى يَوْمِ أَوَّلِ الْعَادَةِ، وَمَنْ عَرَفَتْ قَدْرَهَا وَجَهِلَتْ وَقْتَهَا بِالْكُلِّيَّةِ فَإِنْ لَمْ تَدْرِ أَنَّهَا تَحِيضُ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَوْ مُدَّةٍ مَعْرُوفَةٍ مَكَثَتْ سِتَّةً أَوَّلَ الدَّمِ قَدْرَ الْعَادَةِ تُصَلِّي كُلَّ فَرْضٍ بِوُضُوءٍ فِي وَقْتِهِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَفْعَلُ مَا تَفْعَلُ الْمُتَحَيِّرَةُ أَبَدًا، وَإِنْ عَرَفَتْهُ فِي زَمَنٍ مَعْرُوفٍ طَوِيلٍ كَشَهْرٍ، وَلَمْ تَعْرِفْ عَيَنَهُ مِنْهُ لَا أَوَّلَهُ وَلَا آخِرَهُ صَلَّتْ بِالْوُضُوءِ أَوَّلَ ذَلِكَ الزَّمَنِ حَتَّى يَمْضِيَ قَدْرُ الْحَيْضِ ثُمَّ تَحْتَاطُ إلَى أَوَّلِ مِثْلِهِ وَتَغْتَسِلُ لِلِاحْتِيَاطِ كَالْمُتَحَيِّرَةِ إلَى حَيْثُ لَا يُحْتَمَلُ انْقِطَاعُ الدَّمِ عَادَةً، فَتَقْتَصِرُ عَلَى الْوُضُوءِ، وَحَيْثُ عَرَفَتْ وَقْتَ الِانْقِطَاعِ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَتَقْتَصِرُ عَلَى الْغُسْلِ عِنْدَهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّهُ أَمْثِلَةٌ هَذَا أَصْلُهَا وَمَنْ لَهَا عَادَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ غَيْرُ مُنْتَظِمَةٍ وَلَمْ تَعْلَمْ أُخْرَاهَا رُدَّتْ فِي الِاسْتِحَاضَةِ لِأَقَلِّهَا فِي الْحَيْضِ ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَتَفْعَلُ مَا تَفْعَلُ الْمُتَحَيِّرَةُ إلَى أَنْ يَمْضِيَ قَدْرُ أَكْثَرِ عَادَاتِهَا ثُمَّ هِيَ طَاهِرَةٌ إلَى مِثْلِ وَقْتِ حَيْضِهَا ثُمَّ هَكَذَا، وَلَا يَخْفَى قِيَاسُ مَنْ اخْتَلَفَتْ عَادَةُ طُهْرِهَا كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (خَاتِمَةٌ) قَدْ عُرِفَ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْحَائِضِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ، وَتَزِيدُ بِتَحْرِيمِ الطَّهَارَةِ وَالصَّوْمِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَعُبُورِ الْمَسْجِدِ إنْ كَانَ خَافَتْ تَلْوِيثَهُ، وَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا وَكَذَا الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَقِيلَ: لَا يَحْرُمُ وَاخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ، وَيَجُوزُ نَظَرُ عَوْرَتِهَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتَمْتِعَ بِمَا بَيْنَ سُرَّةِ زَوْجِهَا وَرُكْبَتِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ قَوِيٌّ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ خِلَافُهُ وَتَقْضِي الصَّوْمَ دُونَ الصَّلَاةِ، وَلِلْمُسْتَحَاضَةِ فِيهِ حُكْمُ الصَّحِيحَةِ عَلَى الْأَصَحِّ إلَّا الْمُتَحَيِّرَةَ، فَحَيْثُ يُحْكَمُ بِطُهْرِهَا فَلَهَا حُكْمُ الطَّاهِرَاتِ مُطْلَقًا فَلِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا لَكِنَّهَا فِي أَوَّلِ أَمْرِهَا إذَا زَادَ الدَّمُ عَلَى عَادَتِهَا قَبْلَ أَنْ يَصِلَ خَمْسَةَ عَشَرَ تَبْقَى عَلَى حُكْمِ الْحَيْضِ لِرَجَاءِ انْقِطَاعِهِ فِيهَا فَيَكُونُ كُلُّهُ حَيْضًا فَإِذَا جَاوَزَهَا تَبَيَّنَ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى عَادَتِهَا طُهْرٌ، فَتَقْضِي صَلَاتَهُ ثُمَّ فِي الدَّوْرِ الثَّانِي إذَا مَضَتْ عَادَةُ حَيْضِهَا، وَبِهَا الدَّمُ تَغْتَسِلُ وَيُحْكَمُ بِطُهْرِهَا فَإِنْ انْقَطَعَ لِخَمْسَةَ عَشَرَ فَأَقَلَّ تُبُيِّنَ كَوْنُهُ كُلُّهُ حَيْضًا هَذَا إنْ كَانَ مُتَّصِلًا، وَكَذَا إنْ كَانَ مُتَفَاصِلًا بِنَقَاءٍ لَا يَكُونُ طُهْرًا مُسْتَقِلًّا عَلَى مَا رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ، وَعَلَيْهِ جَمْعٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَضِدُّهُ أَنَّ مَنْ تَقَطَّعَ دَمُهَا فَلَهَا حُكْمُ الْمُبْتَدِئَةِ تَفْعَلُ مَا تَفْعَلُ الْحَائِضُ إنْ كَانَ رَأَتْ الدَّمَ وَالطَّاهِرَةُ مِنْهُ إذَا انْقَطَعَ وَتَغْتَسِلُ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ دَوْرٍ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَإِنْ كَثُرَتْ الْأَدْوَارُ كَذَلِكَ، وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (خَاتِمَةٌ) لِلْخَاتِمَةِ الْمُسْتَحَاضَةُ حَيْثُ أُمِرَتْ بِالصَّلَاةِ بِلَا غُسْلٍ أَوْ بِهِ تَتَوَضَّأُ كَسَلِسِ الْبَوْلِ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ بَعْدَ أَنْ تَغْسِلَ فَرْجَهَا ثُمَّ تَحْشُوهُ بِنَحْوِ قُطْنٍ طَاهِرٍ ثُمَّ إنْ كَانَ لَمْ يَمْنَعْ الدَّمَ كُلَّهُ عَصَبَتْ عَلَيْهِ بِعِصَابَةٍ إنْ كَانَ لَمْ يُؤْذِهَا الدَّمُ، فَإِنْ كَانَتْ صَائِمَةً كَفَتْ الْعِصَابَةُ عَنْ الْحَشْوِ وَيُبَادِرَانِ بِالصَّلَاةِ، فَإِنْ انْتَظَرَا جَمَاعَةً أَوْ أَخَّرَا لِنَحْوِ

فصل في النفاس وما يتعلق به

سَتْرٍ وَأَذَانٍ لَمْ يَضُرَّ وَإِلَّا ضَرَّ، وَيَنْوِيَانِ بِأَنَّ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ مَعَ ذِكْرِ الْفَرِيضَةِ فِي الْفَرْضِيَّةِ عِنْدَ أَوَّلِ الْوَجْهِ، وَلَا تَكْفِي نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ، وَيَنْبَغِي ضَمُّهَا لِلْأَوَّلِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهَا وَيُعِيدَانِ التَّعْصِيبَ وَالْوُضُوءَ لِكُلِّ فَرْضٍ وَيَتْبَعُهُ كُلُّ نَفْلٍ فِي وَقْتِهِ لَا بَعْدَهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [فَصْلٌ فِي النِّفَاسِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ] ِ النِّفَاسِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ) هُوَ دَمُ الْوِلَادَةِ، وَأَقَلُّهُ مَجَّةٌ، وَغَالِبُهُ أَرْبَعُونَ وَأَكْثَرُهُ سِتُّونَ قَالَ الرَّافِعِيُّ: (وَفِي أَوَّلِ وَقْتِهِ أَوْجُهٌ: الْأَوَّلُ: مِنْ عِنْدِ الطَّلْقِ، وَالثَّانِي: عِنْدَ الْوِلَادَةِ، وَالثَّالِثُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ انْفِصَالِ الْوَلَدِ، وَحَكَى الْإِمَامُ وَجْهًا أَنَّ مَنْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا أَيَّامًا دُونَ أَقَلِّ الطُّهْرِ ثُمَّ رَأَتْهُ، فَابْتِدَاؤُهَا يُحْسَبُ مِنْ خُرُوجِ الدَّمِ لَا مِنْ الْوِلَادَةِ، وَهَذَا وَجْهٌ رَابِعٌ) اهـ. وَهَذَا لَفْظُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الرَّافِعِيِّ فِي أَوَّلِ النِّفَاسِ عَلَى سَقَمٍ فِي نُسْخَتِهِ: وَأَقَرَّهُ ثُمَّ قَالَ فِي أَثْنَاءِ النِّفَاسِ: لَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا أَيَّامًا ثُمَّ رَأَتْهُ، فَهَلْ يَكُونُ ابْتِدَاءُ مُدَّةِ النِّفَاسِ مِنْ رُؤْيَتِهِ أَوْ مِنْ الْوِلَادَةِ؟ وَجْهَانِ: حَكَاهُمَا الْإِمَامُ، أَصَحُّهُمَا: مِنْ رُؤْيَتِهِ وَكَذَا صَحَّحَ فِي التَّحْقِيقِ أَنَّهُ مِنْ رُؤْيَتِهِ، وَقَدْ يُوهِمُ تَنَاقُضٌ بَيْنَ كَلَامَيْهِمَا وَكَلَامِ الرَّوْضَةِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ بَيْنَهُمَا، بَلْ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي تَصْحِيحِهِ أَنَّهُ مِنْ الْوِلَادَةِ، أَيْ وَقْتَ ابْتِدَاءِ السِّتِّينَ، وَأَنَّ النِّفَاسَ الدَّمُ الْخَارِجُ بَعْدَهَا فَإِنْ تَأَخَّرَ فَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ النَّقَاءِ طُهْرٌ كَمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ: أَنَّ أَوَّلَ النِّفَاسِ مِنْ خُرُوجِ الدَّمِ لَا مِنْ الْوِلَادَةِ، أَيْ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَرْأَةِ أَحْكَامُهُ مِنْ تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ وَالْوَطْءِ وَنَحْوِهِ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ الدَّمِ، وَلَهَا قَبْلَهُ حُكْمُ الطَّاهِرَاتِ وَبِهَذَا صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ، وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ كَمَا قُلْنَا: أَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَمُرَادُنَا بِالْأَوَّلِ قَدْرُ زَمَنِ الدَّمِ، وَإِنْ تَفَرَّقَ وَبِالثَّانِي مُطْلَقُ الزَّمَنِ حَتَّى يَكُونَ مَا بَعْدَهُ غَيْرَ حَيْضٍ وَإِنْ لَمْ تَرَ قَبْلَهُ إلَّا قَدْرَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مُفَرَّقًا سِيَّمَا عِنْدَ مَنْ يَرَى تَلْفِيقَ الدِّمَاءِ الْمُتَفَرِّقَةِ، وَيَكُونُ مَا بَيْنَهُمَا طُهْرًا وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّافِعِيَّ أَرَادَ هُنَا حِكَايَتَهُ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ عَنْ الْإِمَامِ: أَنَّهَا إذَا رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ بِأَيَّامٍ فَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْهُ وَضَعَّفَهُ، وَكَذَا أَقَرَّهُ النَّوَوِيُّ وَصَحَّحَ أَنَّ النِّفَاسَ مِنْ الدَّمِ، وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى تَفْسِيرِهِ بِالدَّمِ. فَالْمَقْصُودُ بِتَصْحِيحِهِ كَوْنُهُ مِنْ انْفِصَالِ الْوَلَدِ ابْتِدَاءَ الْمُدَّةِ مُقَابِلًا لِلْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ قَبْلَهُ أَنَّهُ مِنْ الطَّلْقِ، أَوْ مُقَارِنُ الْوِلَادَةِ لَا كَوْنُهَا نِفَاسًا بَعْدَهَا، وَإِنْ لَمْ تَرَ الدَّمَ إلَّا بَعْدَ أَيَّامٍ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ بَلْ الْمَأْخُوذُ مِنْ كَلَامِهِمَا اتِّفَاقُهُمَا عَلَى أَنَّهَا طَاهِرَةٌ مَا لَمْ تَرَهُ إلَّا عِنْدَ مَنْ اعْتَبَرَ دَمَ الطَّلْقِ أَوْ مُقَارِنَ الْوِلَادَةِ إنْ كَانَ وُجِدَا، فَإِنَّ النِّفَاسَ عِنْدَهُ يَسْتَمِرُّ مِنْ حِينَئِذٍ أَمَّا عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِهِمَا فَإِنَّمَا النِّفَاسُ بَعْدَ رُؤْيَةِ الدَّمِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَابْتِدَاءِ السِّتِّينَ مِنْ الْوِلَادَةِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ الدَّمُ عَنْهَا حَتَّى يَجِيءَ فَمَا تَرَى بَعْدَ السِّتِّينَ مِنْهَا حُكْمُ مَا جَاوَزَ الْأَكْثَرِ كَمَا سَيَأْتِي إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ الْإِمَامُ: ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ خُرُوجِ الدَّمِ لَا مِنْ الْوِلَادَةِ اهـ. فَلْنُفَرِّعْ عَلَى ذَلِكَ فَنَقُولُ: مَنْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا فَلَا نِفَاسَ لَهَا أَصْلًا، فَإِذَا اغْتَسَلَتْ فَلَهَا حُكْمُ الطَّاهِرَاتِ فِي كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا رَأَتْهُ قَبْلَ مُضِيِّ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَمْ يُجَاوِزْ سِتِّينَ - فَهُوَ نِفَاسٌ بِأَيِّ صِفَةٍ كَانَ، وَكَذَلِكَ مَا تَخَلَّلَهُ مِنْ نَقَاءٍ عَلَى الْأَظْهَرِ فَإِنْ جَاوَزَ الدَّمَ السِّتِّينَ مِنْ غَيْرِ اتِّصَالٍ بِهَا بِأَنْ رَأَتْ النَّقَاءَ بَعْدَهَا بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ ظَهَرَ الدَّمُ - فَهُوَ حَيْضٌ إنْ كَانَ بَلَغَ يَوْمًا وَلَيْلَةً عَلَى مَا سَبَقَ، وَكَذَا إنْ كَانَ رَأَتْهُ قَبْلَ مُضِيِّ الْخَمْسَةَ عَشَرَ عَلَى الْأَصَحِّ السَّابِقِ بَيَانُهُ أَوَّلَ الْحَيْضِ، وَإِنْ اتَّصَلَ بِآخِرِ السِّتِّينَ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ حُكْمُهَا كَهِيَ فِي الْحَيْضِ، وَتَفْصِيلُهُ أَنَّهَا تَكُونُ مُمَيِّزَةً وَغَيْرُهَا مُبْتَدِئَةً أَوْ مُعْتَادَةً. الْأُولَى: الْمُبْتَدِئَةُ الْمُمَيِّزَةُ بِأَنْ تَرَى قَوِيًّا وَضَعِيفًا، فَالْقَوِيُّ هُوَ النِّفَاسُ إنْ كَانَ لَمْ يُجَاوِزْ السِّتِّينَ، وَإِلَّا فَهِيَ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ، وَالضَّعِيفُ طُهْرٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ إنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ نَعَمْ إنْ كَانَ سَبَقَ الدَّمَيْنِ نَقَاءٌ خَمْسَةَ عَشَرَ فَأَكْثَرَ، فَالْقَوِيُّ حَيْضٌ كَمَا سَبَقَ فَلَوْ رَأَتْ عَقِبَ الْوِلَادَةِ دَمًا أَحْمَرَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَوْ نَقَاءً دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ دَمًا أَحْمَرَ يُتِمُّهَا ثُمَّ أَسْوَدَ دُونَ السِّتِّينَ مِنْ الْوِلَادَةِ ثُمَّ اسْتَمَرَّ أَحْمَرَ أَوْ أَشْقَرَ، فَقِيَاسُ كَوْنِ الضَّعِيفِ طُهْرًا أَنْ يَكُونَ الْأَسْوَدُ حَيْضًا لِتَقَدُّمِ مُدَّةِ الطُّهْرِ عَلَيْهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الدَّمَانِ الْأَوَّلَانِ نِفَاسًا لِوُجُودِ الْوِلَادَةِ وَصَلَاحِيَّتهمَا لَهُ، وَانْقِلَابُ الدَّمِ

بَعْدَ السِّتِّينَ دَلَالَةٌ عَلَى كَوْنِهِ دَمَ اسْتِحَاضَةٍ، وَهَذَا الْأَمْرُ أَيْضًا يَعُمُّ مَا لَوْ كَانَ الْأَوَّلُ أَضْعَفَ مِنْ الْأَخِيرِ الَّذِي بَعْدَ السِّتِّينَ كَأَنْ تَرَى أَوَّلًا عِشْرِينَ يَوْمًا دَمًا أَشْقَرَ ثُمَّ أَرْبَعِينَ أَسْوَدَ ثُمَّ دَمًا أَحْمَرَ فَيَكُونُ الْأَوَّلَانِ نِفَاسًا دُونَ الْأَخِيرِ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَتْ الْأَخِيرَ قَبْلَ السِّتِّينَ، وَجَاوَزَهَا مُتَّصِلًا فَهُوَ طُهْرٌ مِنْ أَوَّلِهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقُولُ: ابْتِدَاءُ حُكْمِ النِّفَاسِ مِنْ الْوِلَادَةِ، وَإِنْ لَمْ تَرَ دَمًا إذَا رَأَتْهُ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ بِعُمُومِهِ، وَكَيْفَ يَكُونُ الضَّعِيفُ كَالنَّقَاءِ وَهِيَ لَوْ رَأَتْ نَقَاءً ثُمَّ حَدَثَ الدَّمُ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَهُوَ مَحْسُوبٌ مِنْ مُدَّةِ النِّفَاسِ، بَلْ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّ مَنْ رَأَتْ عَقِبَ الْوِلَادَةِ مُتَّصِلًا، أَوْ بَعْدَ قُرْبٍ دَمًا ضَعِيفًا وَرَأَتْ بَعْدَهُ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ قَوِيًّا وَجَاوَزَ، الْأَكْثَرُ أَنْ يَكُونَ الضَّعِيفُ طُهْرًا وَهُوَ بَعِيدٌ، وَالْمَسْأَلَةُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى بَيْنَ أَنْ يَحْكُمَ بِأَنْ لَا نِفَاسَ لَهَا، وَيَكُونُ الْقَوِيُّ حَيْضًا أَوْ يَكُونُ هُوَ وَمَا قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ نِفَاسًا فَيَكُونُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا رَأَتْ الْقَوِيَّ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَوْلَى، وَهَذَا عِنْدِي أَقْرَبُ فَهْمًا لِإِطْلَاقِهِمْ أَنَّ الدَّمَ إذَا وَقَعَ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ يَكُونُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ نِفَاسًا، وَلِتَصْوِيرِهِمْ مَسْأَلَةَ الْحَيْضِ فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ بِمَا سَبَقَهُ نَقَاءٌ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَهَذَا مَا رَآهُ بَعْضُ أَفَاضِلِ الْعَصْرِ أَيْضًا أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ فَلَوْ رَأَتْ قَوِيًّا ثُمَّ ضَعِيفًا، ثُمَّ أَضْعَفَ مِنْهُ كَأَسْوَدَ ثُمَّ أَحْمَرَ ثُمَّ أَصْفَرَ، وَجَاوَزَ السِّتِّينَ فَهُوَ طُهْرٌ، وَالْأَوَّلَانِ نِفَاسٌ كَمَا يُعْرَفُ مِنْ مِثْلِهِ فِي الْحَيْضِ، وَكَذَا لَوْ رَأَتْ أَسْوَدَ ثُمَّ أَحْمَرَ ثُمَّ أَسْوَدَ فِيهِمَا ثُمَّ أَشْقَرَ وَجَاوَزَ فَهُوَ طُهْرٌ، وَالْأَحْمَرُ مَعَ الْأَسْوَدَيْنِ نِفَاسٌ، وَإِنْ زَادَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ النِّفَاسِ تَزِيدُ عَلَيْهَا، وَقَدْ وَقَعَ بَيْنَ أَسْوَدَيْنِ يَصْلُحَانِ نِفَاسًا، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُتَخَلِّلُ شُقْرَةً أَوْ كُدْرَةً، فَلَوْ زَادَ الْأَسْوَدُ الثَّانِي حَتَّى جَاوَزَ السِّتِّينَ فَهِيَ مِثْلُ مَنْ رَأَتْ فِي الْحَيْضِ سَبْعَةً أَسْوَدَ ثُمَّ سَبْعَةً أَحْمَرَ ثُمَّ سَبْعَةً أَسْوَدَ فَمَنْ قَالَ: السَّوَادُ الْأَوَّلُ مَعَ الْحُمْرَةِ حَيْضٌ قَالَ: فِي الْأَحْمَرِ هُنَا أَنَّهُ نِفَاسٌ وَإِلَّا فَالسَّوَادُ الْأَوَّلُ فَقَطْ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فِي مَسْأَلَةِ تَخَلُّلِ الْحُمْرَةِ بَيْنَ السَّوَادَيْنِ الصَّالِحَيْنِ حَيْثُ قُلْنَا: إنَّهَا نِفَاسٌ مَعَ بُعْدِهَا مِنْ الْوِلَادَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبُهُ تُعَرِّفُكَ أَنَّ الْحُمْرَةَ قَبْلَ السَّوَادِ مَعَ قُرْبِهَا مِنْ الْوِلَادَةِ أَوْلَى كَمَا رَأَيْنَاهُ آنِفًا، وَلِتَرُدَّ النَّظَرَ فِي تَفْصِيلِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ بَلَّغَهَا حَقَّهَا حَتَّى فِي الْمُطَوَّلَاتِ، بَلْ يُحِيلُونَهَا عَلَى اسْتِحَاضَةِ الْحَيْضِ. الثَّانِيَةُ: الْمُبْتَدِئَةُ غَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ، وَهِيَ مَنْ كَانَ دَمُهَا بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ بِصِفَتَيْنِ وَتَأَخَّرَ الْقَوِيُّ حَتَّى جَاوَزَ السِّتِّينَ، وَالْأَظْهَرُ رَدُّهَا إلَى أَقَلِّ النِّفَاسِ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ وَهُوَ مَجَّةٌ، وَطُهْرُهَا بَعْدَهُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ ثُمَّ تَحِيضُ حَيْضَ الْمُبْتَدِئَةِ يَوْمًا وَلَيْلَةً عَلَى الْأَظْهَرِ، ثُمَّ تَطْهُرُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ كَمَا مَرَّ فِي الْحَيْضِ هَذَا إنْ كَانَ لَمْ تَكُنْ قَدْ حَاضَتْ قَبْلُ أَصْلًا، فَإِنْ كَانَتْ قَدْ حَاضَتْ كَمَا هُوَ الْأَغْلَبُ طَهُرَتْ بَعْدَ الْمَجَّةِ عَادَةَ طُهْرِهَا مِنْ الْحَيْضِ ثُمَّ تَحِيضُ عَادَةَ حَيْضِهَا فَلَوْ لَمْ تَحِضْ إلَّا آخِرَ حَمْلِهَا وَطَهُرَتْ بَعْدُ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَوَلَدَتْ - رُدَّتْ بَعْدَ الْمَجَّةِ إلَى تِسْعٍ وَعِشْرِينَ طُهْرًا ثُمَّ قَدْرِ مَا حَاضَتْ حَيْضًا بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ عَادَةِ الْحَيْضِ بِمَرَّةٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا فِي الْحَيْضِ عَشْرًا وَطُهْرُهَا مِنْهُ عِشْرِينَ ثُمَّ ابْتَدَأَهَا نِفَاسٌ وَرَأَتْ الدَّمَ عِشْرِينَ ثُمَّ طَهُرَتْ مِنْهُ عِشْرِينَ ثُمَّ، اُسْتُحِيضَتْ تَحِيضُ عَشَرًا عَادَتَهَا ثُمَّ، تَطْهُرُ عِشْرِينَ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِالْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ كَمَا سَبَقَ، وَلَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا ثُمَّ رَأَتْهُ بَعْدَ أَيَّامٍ دُونَ قَدْرِ الطُّهْرِ وَجَاوَزَ أَخَذْت قَدْرَ الْمَجَّةِ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ نِفَاسًا، وَفِي النَّقَاءِ قَبْلَهُ وَجْهَانِ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ طُهْرٌ. الثَّالِثَةُ: الْمُعْتَادَةُ غَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ، وَتُرَدُّ إلَى عَادَتِهَا نِفَاسًا وَطُهْرًا ثُمَّ تَحِيضُ عَلَى عَادَتِهَا إنْ كَانَتْ قَدْ حَاضَتْ، وَإِلَّا فَهِيَ مُبْتَدِئَةٌ فِي الْحَيْضِ فَلَوْ اعْتَادَتْ أَيَّامًا فَرَأَتْ النَّقَاءَ الْمَذْكُورَ ثُمَّ الدِّمَاءَ أَخَذْت مِنْهَا عَادَتَهَا كُلَّهَا، وَمَا قَبْلَهَا طُهْرٌ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَبَقَ لَكِنْ لَا يَثْبُتُ بِهِ عَادَةً فِي الطُّهْرِ؛ لِأَنَّهُ دُونَ أَقَلِّهِ، فَلَوْ كَانَتْ قَدْ وَلَدَتْ مِرَارًا وَلَمْ تَرَ دَمًا ثُمَّ وَلَدَتْ، فَهِيَ الْآنَ مُبْتَدِئَةٌ وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ النِّفَاسِ عَادَةً، وَلَوْ اخْتَلَفَ نِفَاسُهَا وَلَمْ يَنْتَظِمْ بِعَادَةٍ مُتَكَرِّرَةٍ رُدَّتْ إلَى قَدْرِ الْأَخِيرِ مِنْهُ، وَإِنْ انْتَظَمَ بِعَادَةٍ مُتَكَرِّرَةٍ كَأَنْ كَانَتْ تَرَى الدَّمَ بِوَلَدٍ أَرْبَعِينَ وَبِوَلَدٍ سِتِّينَ وَتَكَرَّرَ مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ، فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الرُّجُوعُ إلَى ذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفَتْ بِالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَتَكَرَّرَ، وَمِنْ هُنَا تَنْتُجُ مَسْأَلَةٌ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهَا لَكِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ قَاعِدَةِ الْبَابِ، وَهِيَ أَنَّهُمْ قَالُوا: الْمَرْجِعُ فِي الطُّهْرِ إلَى آخِرِ الْعَادَاتِ، وَالْغَالِبُ أَنَّ

النِّسَاءَ فِي مُدَّةِ حَمْلِهِنَّ لَا يَحِضْنَ فَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً عَادَتُهَا فِي الْحَيْضِ خَمْسٌ، وَطُهْرُهَا عِشْرُونَ مَثَلًا ثُمَّ حَمَلَتْ فَاسْتَمَرَّ بِهَا الطُّهْرُ لِأَجْلِهِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مُدَّةَ الْحَمْلِ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ وَلَدَتْ وَنَفِسَتْ وَجَاوَزَ دَمُهَا السِّتِّينَ فَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهَا بَعْدَ مَرَدِّ النِّفَاسِ تَطْهُرُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا إذْ هِيَ أَقْرَبُ أَطْهَارِهَا ثُمَّ تَحِيضُ قَدْرَ عَادَةِ الْحَيْضِ وَهُوَ كَالْمُسْتَبْعَدِ فِي الذِّهْنِ، وَيُتَخَيَّلُ أَنَّهَا تُرَدُّ إلَى طُهْرِهَا الْغَالِبِ بَيْنَ الْحَيْضِ وَمَا قَبْلَهُ إنْ كَانَ وَفَّى خَمْسَةَ عَشَرَ، وَهُوَ فِيهَا عِشْرُونَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ انْقِطَاعُ الدَّمِ لِلْحَمْلِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ، لَكِنْ الْجَارِي عَلَى الْقَاعِدَةِ هُوَ الْأَوَّلُ إنْ كَانَ لَمْ يَرِدْ نَقْلٌ بِخِلَافِهِ كَمَا مَرَّ أَنَّ مَنْ ابْتَدَأَهَا دَمٌ قَوِيٌّ يَصْلُحُ لِلْحَيْضِ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بَعْدَهُ ضَعِيفٌ سِتَّةً أَوْ أَكْثَرُ لَمْ يَجْعَلُوا لَهَا حَيْضًا إلَّا الْأَوَّلَ الْقَوِيَّ قَالَ الْإِمَامُ: وَهُوَ كَالْمُسْتَبْعَدِ، وَلَكِنَّهُ الْقِيَاسُ، وَبِهِ أَخَذَ الْأَئِمَّةُ ثُمَّ لَوْ حَاضَتْ بَعْدَ طُهْرٍ صَحِيحٍ وَطَهُرَتْ كَذَلِكَ ثَبَتَ لَهَا بِذَلِكَ عَادَةً فَلَوْ حَمَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ وَانْقَطَعَ الدَّمُ لِلْحَمْلِ كَالْأَوَّلِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ انْقِطَاعُهُ لَهُ عَادَةً يَزِيدُ الطُّهْرَ بِهَا حَالَ الْحَمْلِ لَا غَيْرُ بِنَاءً عَلَى الْأَخْذِ بِالْعَادَةِ الْمُخْتَلِفَةِ إذَا انْتَظَمَتْ وَتَكَرَّرَتْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. الرَّابِعَةُ: الْمُعْتَادَةُ الْمُمَيِّزَةُ بِأَنْ تَرَى الدَّمَ بِصِفَةِ الْمُبْتَدِئَةِ الْمُمَيِّزَةِ وَعَادَتُهَا تُخَالِفُ التَّمْيِيزَ، كَأَنْ كَانَتْ تَرَى النِّفَاسَ عَادَةً أَرْبَعِينَ فَرَأَتْ فِي دَوْرٍ أَوَّلَهُ عِشْرِينَ أَسْوَدَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ أَحْمَرَ وَجَاوَزَ السِّتِّينَ فَهَلْ تُرَدُّ إلَى الْعَادَةِ وَهِيَ أَرْبَعُونَ أَوْ إلَى التَّمْيِيزِ وَهُوَ الْعِشْرُونَ الْأَسْوَدُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ كَالْحَيْضِ: الْأَصَحُّ الرَّدُّ إلَى التَّمْيِيزِ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا ثَلَاثِينَ مُتَّصِلَةً بِالْوِلَادَةِ فَرَأَتْ بَعْدَ وِلَادَةٍ عَشْرَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَحْمَرَ، ثُمَّ اتَّصَلَ أَسْوَدُ وَانْقَطَعَ لِدُونِ السِّتِّينَ ثُمَّ احْمَرَّ وَجَاوَزَهَا، فَالْأَصَحُّ أَنَّ نِفَاسَهَا مُدَّةَ الْأَسْوَدِ وَمَا قَبْلَهُ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ طُهْرٌ كَمَا سَبَقَ فِي الْمُبْتَدِئَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. مَا أَرَدْنَا ذِكْرَهُ مُلْتَقَطًا مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مُفَرَّقًا بِالْمَعْنَى وَمِنْ غَيْرِهِ كَمَا يُعْرَفُ مِنْهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُذَاكَرَ بِهِ مَنْ عِنْدَهُ تَأَهُّلٌ لِلْعِلْمِ وَالنَّظَرِ فِيهِ لِيُبَيِّنَ مُشْكِلَهُ وَيُصْلِحَ خَطَأَهُ إنْ كَانَ مَأْجُورًا عَلَى ذَلِكَ مَنْ عَرَضَهُ وَمَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ لِلصَّوَابِ وَجَعَلَ ذَلِكَ مُوجِبًا لِرِضَاهُ آمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ أَبَدًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هَذَا تَمَامُ مُؤَلَّفِ الْإِمَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَكَمِ بْنِ أَبِي قُشَيْرٍ الْحَضْرَمِيِّ. وَهَاكَ مَا كَتَبَهُ عَلَيْهِ شَيْخُنَا مُفَرِّغًا لَهُ الذِّهْنَ مُعْتَنِيًا بِتَفَهُّمِهِ وَالْإِحَاطَةِ بِمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِيهِ مِمَّا لَمْ نَجِدْهُ إلَّا فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَشَرْحَيْ الْإِرْشَادِ وَالْعُبَابِ لَهُ - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَبِهِمَا - آمِينَ قَالَ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَفَسَّحَ فِي مُدَّتِهِ وَنَفَعَنِي وَالْمُسْلِمِينَ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ -: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى مَزِيدِ إنْعَامِهِ، وَأَشْكُرُهُ عَلَى مَزَايَا إلْهَامِهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً أَتَبَوَّأُ بِهَا مَقَاعِدَ الصِّدْقِ فِي دَارِ إكْرَامِهِ وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي أَبَانَ لِوَارِثِيهِ عَنْ قَوَاعِدِ الْحَقِّ وَأَحْكَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - الَّذِينَ بَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ فِي تَقْرِيرِ الدِّينِ وَأَحْكَامِهِ صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ بِدَوَامِهِ آمِينَ (أَمَّا بَعْدُ) . فَإِنَّهُ وَرَدَ عَلَيَّ أَوَاخِرَ شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ كِتَابٌ فِي أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالِاسْتِحَاضَةِ لَخَصَّهُ مُؤَلِّفُهُ الْإِمَامُ الْعَلَّامَةُ الْوَرِعُ الصَّالِحُ الْفَهَّامَةُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي قُشَيْرٍ الْحَضْرَمِيُّ - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ وَمَدَدِهِ - مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ مَعَ ضَمَّ إشْكَالَاتٍ إلَيْهِ لِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ إلَيَّ طَالِبًا مِنِّي النَّظَرَ فِيهِ بِتَتْمِيمِ نَاقِصِهِ وَحَلِّ مُشْكِلِهِ وَإِصْلَاحِ مَا يَنْبَغِي إصْلَاحُهُ فَأَجَبْته إلَى ذَلِكَ بِالْكَلَامِ عَلَى مُشْكِلَاتِ مَسَائِلِهِ وَبَيَانِ مَا فِيهَا مَعَ تَقْرِيرِ وَجْهِ الصَّوَابِ بِدَلَائِلِهِ رَاجِيًا دُعَاءَهُ الصَّالِحَ وَنَفْعَ الْمُسْلِمِينَ وَمُؤَمِّلًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَنْفَعُنِي بِذَلِكَ إنَّهُ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ وَأَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، وَمَا تَوْفِيقِي إلَّا بِاَللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَإِلَيْهِ أُنِيبُ. وَلْنُقَدِّمْ عَلَى الْكَلَامِ عَلَيْهِ مُقَدِّمَةً نَافِعَةً قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَا حَاصِلُهُ: اعْلَمْ أَنَّ بَابَ الْحَيْضِ مِنْ عَوِيصِ الْأَبْوَابِ، وَمِمَّا غَلِطَ فِيهِ كَثِيرُونَ مِنْ الْكُتَّابِ لِدِقَّةِ مَسَائِلِهِ وَاعْتَنَى بِهِ الْمُحَقِّقُونَ وَأَفْرَدُوهُ بِالتَّصْنِيفِ فِي كُتُبٍ مُسْتَقِلَّةٍ وَأَفْرَدَ أَبُو الْفَرَجِ الدَّارِمِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ مَسْأَلَةَ الْمُتَحَيِّرَةِ فِي مُجَلَّدٍ ضَخْمٍ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُهَا، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَأَتَى فِيهِ بِنَفَائِسَ لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهَا، وَحَقَّقَ أَشْيَاءَ مُهِمَّةً مِنْ أَحْكَامِهَا، وَجَمَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ فِي

بَابِ الْحَيْضِ نَحْوَ نِصْفِ مُجَلَّدٍ. وَقَالَ بَعْدَ مَسَائِلِ الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ: لَا يَنْبَغِي لِلنَّاظِرِ فِي أَحْكَامِ الِاسْتِحَاضَةِ أَنْ يَضْجَرَ مِنْ تَكْرِيرِ الصُّوَرِ وَإِعَادَتِهَا فِي الْأَبْوَابِ وَبَسَطَ أَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - مَسَائِلَ الْحَيْضِ أَبْلَغَ بَسْطٍ وَأَكْمَلُوهُ أَوْضَحَ إيضَاحٍ، وَاعْتَنَوْا بِتَفَارِيعِهِ أَشَدَّ اعْتِنَاءٍ وَبَالَغُوا فِي تَقْرِيبِ مَسَائِلِهِ بِتَكْثِيرِ الْأَمْثِلَةِ وَتَكْرِيرِ الْأَحْكَامِ، وَقَدْ كُنْت جَمَعْت فِي الْحَيْضِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مُجَلَّدًا كَبِيرًا مُشْتَمِلًا عَلَى نَفَائِسَ ثُمَّ رَأَيْت الْآنَ اخْتِصَارَهُ وَالْإِتْيَانَ بِمَقَاصِدِهِ وَمَقْصُودِي بِمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ أَنْ لَا يَضْجَرَ مُطَالِعُهُ بِإِطَالَتِهِ فَإِنِّي أَحْرِصُ إنْ كَانَ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنْ لَا أُطِيلَهُ إلَّا بِمُهِمَّاتٍ وَقَوَاعِدَ وَفَوَائِدَ مَطْلُوبَاتٍ. وَمَا يَنْشَرِحُ بِهِ قَلْبُ مَنْ لَهُ طَلَبٌ مَلِيحٌ وَقَصْدٌ صَحِيحٌ، وَلَا الْتِفَاتَ إلَى كَرَاهَةِ ذَوِي الْمَهَانَةِ وَالْبَطَالَةِ فَإِنَّ مَسَائِلَ الْحَيْضِ يَكْثُرُ الِاحْتِيَاجُ إلَيْهَا؛ لِعُمُومِ وُقُوعِهَا، وَقَدْ رَأَيْت مَا لَا يُحْصَى مِنْ الْمَرَّاتِ مَنْ يَسْأَلُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَنْ مَسَائِلَ دَقِيقَةٍ وَقَعَتْ فِيهَا لَا يَهْتَدِي إلَى الْجَوَابِ الصَّحِيحِ فِيهَا إلَّا أَفْرَادٌ مِنْ الْحُذَّاقِ الْمُعْتَنِينَ بِبَابِ الْحَيْضِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَيْضَ مِنْ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ الْمُتَكَرِّرَةِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا لَا يُحْصَى مِنْ الْأَحْكَامِ كَالطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْحَجِّ وَالْبُلُوغِ وَالْوَطْءِ وَالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالْإِيلَاءِ وَكَفَّارَةِ الْعُدْوَانِ وَغَيْرِهَا وَالْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ، فَيَجِبُ الِاعْتِنَاءُ بِمَا هَذِهِ حَالُهُ، وَقَدْ قَالَ الدَّارِمِيُّ فِي كِتَابِ الْمُتَحَيِّرَةِ: الْحَيْضُ كِتَابٌ ضَائِعٌ لَمْ يُصَنَّفْ فِيهِ تَصْنِيفٌ يَقُومُ بِحَقِّهِ وَيَشْفِي الْقَلْبَ. وَأَنَا أَرْجُو مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ مَا أَجْمَعُهُ فِي هَذَا الشَّرْحِ يَقُومُ بِحَقِّهِ أَكْمَلَ قِيَامٍ، وَأَنَّهُ لَا تَقَعُ مَسْأَلَةٌ إلَّا وَتُوجِدُ فِيهِ نَصًّا أَوْ اسْتِنْبَاطًا، لَكِنْ قَدْ يَخْفَى مَوْضِعُهَا عَلَى مَنْ لَا يُكْمِلُ مُطَالَعَتَهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ اهـ. وَجَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ حَقٌّ وَاقِعٌ فِيهِ سِيَّمَا عَوِيصُ مَسَائِلِهِ، وَلَقَدْ وَقَعَتْ بَيْنَ فُضَلَاءِ الْيَمَنِ مَبَاحِثُ فِي بَعْضِ عَوِيصَاتِهِ حَتَّى حَجَّ بَعْضُهُمْ مُمْتَحِنًا أَوْ سَائِلًا عَنْهَا، فَأَلَّفْت فِيهَا تَأْلِيفًا نَفِيسًا فَغَلَبَ الْحَسَدُ عَلَى بَعْضِ مَنْ لَا تَوْفِيقَ عِنْدَهُ فَسَرَقَ ذَلِكَ التَّأْلِيفَ قَبْلَ كِتَابَةِ نُسْخَةٍ أُخْرَى مِنْهُ، لَكِنْ يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ - فِي شَرْحِ الْعُبَابِ فِي تِلْكَ الْعَوِيصَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ مَسَائِلِ هَذَا الْبَابِ مَا تَقَرُّ بِهِ الْعُيُونُ وَيُعَوِّلُ عَلَيْهِ الْمُحَصِّلُونَ كَمَا سَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا التَّأْلِيفِ، وَقَدْ اسْتَوْفَيْت فِي هَذَا الشَّرْحِ مَسَائِلَ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهَا فَعَلَيْك بِهِ، فَإِنَّك لَا تَجِدُ فِي هَذَا الْبَابِ أَجْمَعَ لِرُءُوسِ الْمَسَائِلِ مِنْهُ تَقَبَّلَهُ اللَّهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ وَيَسَّرَ إتْمَامَهُ فِي عَافِيَةٍ بِلَا مِحْنَةٍ إنَّهُ أَكْرَمُ كَرِيمٍ وَأَرْحَمُ رَحِيمٍ. قَوْلُهُ فِي تَعْرِيفِ الْحَيْضِ: هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ مِنْ بَطْنِ الرَّحِمِ فِي وَقْتِهِ بِحُكْمِ الْجِبِلَّةِ لَا لِعِلَّةٍ) تَبِعَ فِي قَوْلِهِ فِي وَقْتِهِ مَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَفِيهِ دَوْرٌ إذْ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: فِي وَقْتِهِ يَرْجِعُ إلَى الْحَيْضِ الْمُعَرَّفِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: الْحَيْضُ هُوَ الدَّمُ الْخَارِجُ فِي وَقْتِ الْحَيْضِ فَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةَ الْأَوَّلِ حَتَّى يُعْرَفَ الثَّانِي وَعَكْسُهُ، فَتَوَقَّفَتْ مَعْرِفَةُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ حَقِيقَةُ الدَّوْرِ، وَلَا يَصِحُّ الْجَوَابُ بِرِعَايَةِ اخْتِلَافِ مَدْلُولَيْ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ إذَا عَادَ عَلَى الْحَيْضِ اللُّغَوِيِّ أَفْسَدَ التَّعْرِيفَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى لِأَنَّ الْحَيْضَ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ يَشْمَلُ النِّفَاسَ وَغَيْرَهُ، فَلَمْ يَكُنْ هَذَا التَّعْرِيفُ مَانِعًا، فَالْأَوْلَى تَعْرِيفُهُ بِمَا جَرَيْت عَلَيْهِ تَبَعًا لَهُمْ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ بِقَوْلِي: وَهُوَ لُغَةً السَّيَلَانُ، ثُمَّ قُلْت: وَشَرْعًا دَمُ جِبِلَّةٍ أَيْ يَقْتَضِيه الطَّبْعُ السَّلِيمُ يَخْرُجُ مِنْ أَقْصَى رَحِمِ الْمَرْأَةِ فِي أَوْقَاتِ الصِّحَّةِ. ثُمَّ بَيَّنْت أَنَّ قَوْلَهُمْ فِي أَوْقَاتِ الصِّحَّةِ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ إلَّا مُجَرَّدُ الْإِيضَاحِ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُفِيدَ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْجِبِلَّةِ إذْ هِيَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ الْخِلْقَةُ، أَيْ الدَّمُ الْمُعْتَادُ الَّذِي يَخْرُجُ فِي حَالِ السَّلَامَةِ فَإِنْ قُلْت: يَصِحُّ رُجُوعُ الضَّمِيرِ إلَى الدَّمِ، وَالْمُرَادُ بِأَوْقَاتِ الدَّمِ أَوْقَاتُ الصِّحَّةِ بَعْد تِسْعِ سِنِينَ، فَآلَتْ الْعِبَارَتَانِ إلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ قُلْت: ذَلِكَ مُمْكِنٌ، لَكِنَّهُ خَفِيٌّ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْبُعْدِ عَنْ مَظَانِّ التَّعْرِيفِ إذْ مَبْنَاهُ عَلَى الْإِيضَاحِ مَا أَمْكَنَ، لِأَنَّ الْقَصْدَ كَشْفُ الْمَاهِيَّةِ وَهُوَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِتَجَنُّبِ الْمَجَازِ وَالِاشْتِرَاكِ وَخَفِيِّ الدَّلَالَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُخِلُّ بِالْفَهْمِ عَلَى أَنَّ الِاعْتِرَاضَ عَلَى الْمُؤَلِّفِ أَظْهَرُ مِنْهُ عَلَى الْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ قَدَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ التَّعْرِيفِ قَوْلَ الْأَزْهَرِيِّ فِي تَعْرِيفِهِ: دَمٌ يُرْخِيه رَحِمُ الْمَرْأَةِ بَعْدَ بُلُوغِهَا فِي أَوْقَاتٍ مُعْتَادَةٍ فَهَذَا مُبَيِّنٌ لِلضَّمِيرِ فِي التَّعْرِيفِ الَّذِي ذَكَرَهُ عَقِبَهُ فَفِي كَلَامِهِ قَرِينَةٌ عَلَى الْمُرَادِ

وَأَمَّا الْمُؤَلِّفُ فَلَمْ يُقَدِّمُ مَا يُبَيِّنُ مُرَادَهُ، وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ سَهْلٌ، وَإِنَّمَا الْقَصْدُ تَشْحِيذُ الْأَذْهَانِ بِمِثْلِ ذَلِكَ، قَوْلُهُ: تِسْعُ سِنِينَ، أَيْ قَمَرِيَّةٍ، قَوْلُهُ؟ (فَكُلُّ دَمٍ لَهُ يُحْكَمُ بِهِ حَيْضًا فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ) عِبَارَةٌ قَلِقَةٌ إذْ التَّقْدِيرُ لَمْ يُحْكَمْ بِهِ فِي حَالِ كَوْنِهِ حَيْضًا، وَهَذَا لَيْسَ هُوَ الْمُرَادُ لِفَسَادِهِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ لَمْ يُحْكَمْ بِكَوْنِهِ حَيْضًا فَتَأَمَّلْهُ. وَقَوْلُهُ؟ (فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ) فِيهِ نَظَرٌ وَصَوَابُهُ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ أَوْ نِفَاسٌ فَالْأَوْلَى قَوْلُنَا فِي شَرْحِ الْعُبَابِ (كُلُّ دَمٍ خَرَجَ مِنْ فَرْجٍ غَيْرِهِمَا، أَيْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ اسْتِحَاضَةٌ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ سِنَّ الْحَيْضِ أَوْ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. قَوْلُهُ؟ (بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ) ، أَيْ فِي الْأَشْهَرِ وَإِلَّا فَقَدْ حَكَى ابْنُ سِيدَهْ إهْمَالَهَا وَالْجَوْهَرِيُّ مَعَ إعْجَامِهَا بَدَلَ اللَّامِ رَاءً. قَوْلُهُ؟ (وَأَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ) يَعْنِي أَنْ يَظْهَرَ الدَّمُ عَلَى الْفَرْجِ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَاعَةً وَلَوْ مُتَفَرِّقَةً فِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِكَوْنِ الدَّمِ حَيْضًا إلَّا إذَا ظَهَرَ خَارِجَ الْفَرْجِ وَاسْتَمَرَّ كَذَلِكَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ سَاعَةً، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ إذَا وَصَلَ إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي يَجِبُ غَسْلُهُ وَهُوَ مَا يَظْهَرُ عِنْدَ الْجُلُوسِ عَلَى قَدَمَيْهَا كَانَ لَهُ حُكْمُ الْخَارِجِ عَنْ الْفَرْجِ، نَعَمْ لَا يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ دَمًا إلَّا إذَا خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى خَارِجِ الْفَرْجِ وَحِينَئِذٍ يُحْكَمُ بِكَوْنِهِ حَيْضًا، وَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا بِأَقْصَى الرَّحِمِ؛ لِخُرُوجِ بَعْضِهِ إلَى ظَاهِرِ الْفَرْجِ إذْ ذَلِكَ كَافٍ فِي الْحُكْمِ عَلَى صَاحِبَتِهِ بِكَوْنِهَا حَائِضًا مَا دَامَتْ الْقُطْنَةُ تَخْرُجُ مُلَوَّثَةً، وَإِنْ لَمْ يَسِلْ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ فَرْجِهَا عِنْدَ جُلُوسِهَا عَلَى قَدَمَيْهَا، وَعِبَارَةُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا؟ (وَتَثْبُتُ أَحْكَامُ الْحَيْضِ بِظُهُورِ الدَّمِ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَهِيَ مُوَافَقَةٌ لِمَا ذَكَرْته أَنَّ الظُّهُورَ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِلْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالْحَيْضِ فِي الِابْتِدَاءِ دُونَ الدَّوَامِ كَمَا تَقَرَّرَ. قَوْلُهُ (فَالدَّمُ الَّذِي قَبْلَ الْوِلَادَةِ حَيْضٌ عَلَى الْأَصَحِّ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ وَمَا بَعْدَهَا بِنِفَاسٍ وَمَا بَيْنَهُمَا طُهْرٌ قَطْعًا) مُرَادُهُ بِمَا بَيْنَهُمَا مَا بَيْنَ قَبْلَ الْوِلَادَةِ وَبَعْدَهَا وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مَعَ الْوِلَادَةِ. وَقَوْلُهُ؟ (إنَّهَا طُهْرٌ) قَطْعًا غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ، وَصَوَابُ الْعِبَارَةِ وَمَا بَعْدَهَا نِفَاسٌ قَطْعًا وَمَا بَيْنَهُمَا طُهْرٌ عَلَى الْأَصَحِّ، وَحَاصِلُ عِبَارَةِ الْمَجْمُوعِ أَنَّ الْخَارِجَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ نِفَاسٌ قَطْعًا وَمَعَهَا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَصَحُّهَا لَيْسَ بِنِفَاسٍ بَلْ لَهُ حُكْمُ الدَّمِ قَبْلَهَا، وَقَدْ قَارَبَهَا، وَحُكْمُهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا أَنَّهُ لَيْسَ بِنِفَاسٍ بَلْ لَهُ حُكْمُ دَمِ الْحَامِلِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي: إنْ كَانَ انْفَصَلَ عَمَّا بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَلَيْسَ بِنِفَاسٍ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ اتَّصَلَ بِهِ فَقِيلَ نِفَاسٌ وَقِيلَ لَا، وَقَدْ أَوْضَحَ الرَّافِعِيُّ الْمَسْأَلَةَ فَقَالَ لَوْ رَأَتْ الْحَامِلُ الدَّمَ عَلَى عَادَتِهَا وَاتَّصَلَتْ الْوِلَادَةُ بِآخِرِهِ وَلَمْ يَتَخَلَّلْ طُهْرٌ أَصْلًا - فَوَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ حَيْضٌ، وَالثَّانِي: دَمُ فَسَادٍ وَلَيْسَ بِنِفَاسٍ اتِّفَاقًا إذْ لَا يَسْبِقُ الْوِلَادَةَ؛ وَلِهَذَا قَطَعَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ مَا يَبْدُو عِنْدَ الطَّلْقِ لَيْسَ بِنِفَاسٍ، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ نِفَاسٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ آثَارِ الْوِلَادَةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ غَيْرُ حَيْضٍ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَتُسْتَثْنَى هَذِهِ مِنْ قَوْلِنَا: الْحَامِلُ تَحِيضُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي كَوْنِهَا تَحِيضُ بَيْنَ أَنْ تَرَى الدَّمَ فِي زَمَنِ عَادَتِهَا أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا بَيْنَ أَنْ يَتَّصِلَ بِالْوِلَادَةِ أَوْ لَا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا تَقَرَّرَ اهـ. حَاصِلُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ وَدَلَالَتُهُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ ظَاهِرَةٌ جَلِيَّةٌ وَعُلِمَ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَ الْمُؤَلَّفِ وَمَا بَيْنَهُمَا طُهْرٌ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، بَلْ الْمُتَّصِلُ مِنْ ذَلِكَ بِحَيْضِهَا الْمُتَقَدِّمِ حَيْضٌ، فَمَحَلُّ كَوْنِ الدَّمِ الْخَارِجِ مَعَ الْوَلَدِ أَوْ حَالَ الطَّلْقِ طُهْرًا مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِحَيْضٍ مُتَقَدِّمٍ. قَوْلُهُ؟ (الْمَنْقُولُ فِي مَسْأَلَةِ حَدِّ طُهْرِ الْحَيْضِ مِنْهُ عَنْ التَّتِمَّةِ) كَلَامٌ لَا مَعْنَى لَهُ، وَصَوَابُهُ الْمَنْقُولُ فِي فَرْعٍ إذَا قُلْنَا: دَمُ الْحَامِلِ حَيْضٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ الْمَنْقُولِ عَنْ التَّتِمَّةِ وَحَذَفَ مَا بَيْنَهُمَا لَكَانَ هُوَ الصَّوَابُ. قَوْلُهُ: (أُخِذَ مِنْ تَعْلِيلٍ فِي الْعَزِيزِ) بَيَّنْت فِي شَرْحِ الْعُبَابِ أَنَّ فِي الْعَزِيزِ عَقِبَهُ مَا يُصَرِّحُ بِمُوَافَقَتِهِ لِكَلَامِ الْمَجْمُوعِ وَيَرُدُّ عَلَى مَا تَوَهَّمَهُ ابْنُ الْمُقْرِي مِنْهُ، وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ رَدَّ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى ذَلِكَ. قَوْلُهُ؟ (ثُمَّ إنْ كَانَ انْقَطَعَ بَعْدُ، ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ وَجَاوَزَ الْمَرَدَّ الْآتِيَ بَيَانُهُ لِلْمُسْتَحَاضَةِ حَكَمْنَا بِهِ طُهْرًا كَالنَّقَاءِ فَإِنْ انْقَطَعَ لِدُونِ خَمْسَةَ عَشَرَ تُبُيِّنَ كَوْنُهُ حَيْضًا. .. إلَخْ) هَذِهِ عِبَارَةٌ قَلِقَةٌ أَوْ فَاسِدَةٌ إذْ مُؤَدَّاهَا لَا يُوَافِقُ مُرَادَ قَائِلِهَا الْمُوَافِقَ لِكَلَامِهِمْ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ مِنْ تَقْرِيرِ حَاصِلِ كَلَامِهِمْ الْمَبْسُوطِ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِسَائِرِ أَقْسَامِهَا الْآتِيَةِ بِحَيْثُ إنَّ لَهَا أَحْكَامَ الْحَيْضِ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ

الدَّمِ ثُمَّ إنْ كَانَ انْقَطَعَ لِدُونِ أَقَلِّهِ بَانَ أَنْ لَا حَيْضَ أَوْ لِفَوْقِ أَقَلِّهِ، وَدُونَ مُجَاوَزَةِ أَكْثَرِهِ، فَالْكُلُّ حَيْضٌ، وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا وَضَعِيفًا تَقَدَّمَ الضَّعِيفُ أَوْ تَأَخَّرَ، وَإِنْ جَاوَزَ أَكْثَرَهُ رُدَّتْ لِلتَّمْيِيزِ إنْ كَانَ وُجِدَ وَإِلَّا حُيِّضَتْ الْمُبْتَدِئَةُ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَالْمُعْتَادَةُ عَادَتُهَا، وَقَضَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا وَقَعَ فِي الزَّمَنِ الَّذِي بَعْدَ مَرَدِّهَا مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ، وَفِي الدَّوْرِ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ هُمَا بَعْدَ الْمَرَدِّ طَاهِرَتَانِ مُسْتَحَاضَتَانِ نَعَمْ مَتَى شُفِيَتْ فِي دَوْرٍ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ بَانَ أَنَّهُ كُلَّهُ حَيْضٌ، فَتُعِيدُ غُسْلَهَا وَتَقْضِي مَا صَامَتْهُ وَلَا تَأْثَمُ بِنَحْوِ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَوَطْءٍ فَعَلَتْهُ بَعْدَ الْمَرَدِّ لِعُذْرِهَا. قَوْلُهُ؟ (وَتَكُونُ مُتَّفِقَةَ الدَّمِ وَمُخْتَلِفَتَهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَيْنِ قِسْمَانِ مُغَايِرَانِ لِلْأَوَّلَيْنِ، وَلَيْسَ مُرَادًا إذْ وَصْفُ الِاتِّفَاقِ أَوْ عَدَمُهُ لَازِمٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَلَوْ قَالَ: تَبَعًا لَهُمْ وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا مُتَّفِقَةُ الدَّمِ، وَإِمَّا مُخْتَلِفَتُهُ لَسَلِمَ مِنْ ذَلِكَ الْإِيهَامِ. قَوْلُهُ: (تَرَى. .. إلَخْ) الْأَوْضَحُ قَوْلُ غَيْرِهِ بِأَنْ تَرَى: لِأَنَّ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ هَذَا بَيَانٌ لَهَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: إنْ كَانَ اسْتَمَرَّ الدَّمُ إلَيْهَا فَإِنْ زَادَ فَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ. إلَخْ) لَا يُحْتَاجُ إلَى هَذَا الشَّرْطِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ جَاوَزَ دَمُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ وَاسْتَمَرَّ، وَإِلَّا لَمْ تَكُنْ مُسْتَحَاضَةً بَلْ هُوَ مُوهِمٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ إذَا اسْتَمَرَّ إلَيْهَا ثُمَّ انْقَطَعَ وَشُفِيَتْ يَحْكُمُ بِأَنَّ حَيْضَهَا فِي هَذَا الدَّوْرِ الَّذِي شُفِيَتْ فِيهِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَطُهْرُهَا تِسْعٌ وَعِشْرُونَ وَكَلَامُهُمْ يُنَافِيه؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا جَعَلُوا ذَلِكَ لِلْمُسْتَحَاضَةِ وَبِانْقِطَاعِهِ فِي هَذَا الدَّوْرِ بَانَ أَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَحَاضَةٍ فَيَكُونُ حَيْضُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ وَمَا بَعْدَهَا طُهْرٌ. قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَنْقَطِعْ الدَّمُ صَحِيحٌ) وَلَيْتَهُ عَبَّرَ بِهِ فِي الْأَوَّلِ أَيْضًا وَتَرَكَ قَوْلَهُ فِيهِ إنْ كَانَ اسْتَمَرَّ الْمُوهِمُ مَا مَرَّ، وَزَادَ الْإِيهَامُ مُغَايَرَةَ الْأُسْلُوبَيْنِ بِقَوْلِهِ فِي ذَلِكَ: إنْ كَانَ اسْتَمَرَّ وَفِي هَذَا مَا لَمْ يَنْقَطِعْ الدَّمُ، وَبَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ فَرْقٌ ظَاهِرٌ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَرَرْته فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ؟ (أَوْ بِتَغَيُّرِ صِفَتِهِ) ، أَيْ تَغَيُّرًا يَقْتَضِي التَّمْيِيزَ لَا مُطْلَقًا إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّغَيُّرِ التَّمْيِيزُ. قَوْلُهُ (وَمِثْلُهَا مَنْ تَرَى الدَّمَ بِصِفَتَيْنِ فَأَكْثَرَ. .. إلَخْ) . ظَاهِرُهُ أَنَّ فَاقِدَةَ شَرْطِ التَّمْيِيزِ لَا تُسَمَّى غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ أَيْضًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا قَوْلُهُ (وَيَزِيدَانِ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ. .. إلَخْ) أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ الْمَجْمُوعِ: (إذَا تَقَدَّمَ قَوِيٌّ وَاسْتَمَرَّ بَعْدَهُ ضَعِيفٌ وَاحِدٌ بِأَنْ رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ، فَالْحَيْضُ هُوَ السَّوَادُ سَوَاءٌ انْقَطَعَتْ الْحُمْرَةُ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ بِيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَإِنْ طَالَ زَمَانُهَا طُولًا كَثِيرًا. وَقَوْلُهُ: أَوْ مَعَهُ نَقَاءٌ يُتِمُّهَا، ثُمَّ قَالَ: أَوْ مَعَ نَقَاءٍ مُتَّصِلٍ بِهِ لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ الِاتِّصَالِ بِهِ لَا بُدَّ مِنْ احْتِوَاشِ دَمَيْ حَيْضٍ لِلنَّقَاءِ كَمَا يُعْلَمُ مَعَ فَوَائِدَ أُخْرَى مِنْ قَوْلِ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ جَاوَزَ التَّقَطُّعُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَهِيَ مُمَيِّزَةٌ، كَأَنْ تَرَى يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ ثُمَّ مِثْلَهَا نَقَاءً، ثُمَّ كَذَلِكَ ثَانِيًا وَثَالِثًا وَرَابِعًا وَخَامِسًا ثُمَّ بَعْدَ هَذِهِ الْعَشَرَةِ تَرَى يَوْمًا وَلَيْلَةً أَحْمَرَ ثُمَّ مِثْلَهَا نَقَاءً ثُمَّ كَذَلِكَ ثَانِيًا وَثَالِثًا وَيُجَاوِزُ خَمْسَةَ عَشْرَةَ مُتَقَطِّعًا كَذَلِكَ أَوْ مُتَّصِلًا بِدَمٍ أَحْمَرَ فَيُحْكَمُ لَهَا بِالتَّمْيِيزِ، وَحِينَئِذٍ فَالْعَاشِرُ وَمَا بَعْدَهُ طُهْرٌ، وَدَمُ التِّسْعَةِ وَنَقَاؤُهَا حَيْضٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهَا الْعَاشِرُ؛ لِأَنَّ النَّقَاءَ إنَّمَا يَكُونُ حَيْضًا إذَا كَانَ بَيْنَ دَمَيْ حَيْضٍ وَتَخَلَّلَ الضَّعِيفُ كَالنَّقَاءِ فِيمَا ذُكِرَ، فَيُحْكَمُ بِأَنَّهُ حَيْضٌ بِشَرْطِهِ فَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ ثُمَّ مِثْلَهَا أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ أَوْ أَكْدَرَ خِلَافًا لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْأَحْمَرِ بِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلْأَسْوَدِ مِنْهُمَا، وَهَكَذَا إلَى آخِرِ السَّادِسَ عَشَرَ ثُمَّ اتَّصَلَ الْأَحْمَرُ أَوْ تَخَلَّلَهُ نَقَاءٌ، فَهِيَ مُمَيِّزَةٌ أَيْضًا وَحَيْضُهَا الْخَمْسَةَ عَشَرَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الدَّمَ الضَّعِيفَ الْمُتَخَلِّلُ مِنْ الدِّمَاءِ الْقَوِيَّةِ كَالنَّقَاءِ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَمِرَّ الضَّعِيفُ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَحْدَهُ، وَضَابِطُهُ أَنَّ حَيْضَهَا الدِّمَاءُ الْقَوِيَّةُ فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ مَعَ مَا تَخَلَّلَهَا مِنْ النَّقَاءِ أَوْ الدَّمِ الضَّعِيفِ، وَلَوْ لَمْ يَتَّصِلْ الْأَحْمَرُ بَلْ اسْتَمَرَّ التَّقَطُّعُ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ وَمِثْلَهُمَا أَحْمَرَ، وَهَكَذَا إلَى آخِرِ الشَّهْرِ كَانَتْ فَاقِدَةً لِشَرْطِ التَّمْيِيزِ؛ لِأَنَّ دَمَهَا الْقَوِيَّ جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ. قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ الدَّمُ إنْ كَانَ اتَّصَلَ بِأَقْوَى مِنْهُ وَلَوْ سِنِينَ) لَا فَائِدَةَ لِقَوْلِهِ إنْ كَانَ اتَّصَلَ بِأَقْوَى مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّهُ يُوهِمُ الِاكْتِفَاءَ بِكُلِّ تَغَيُّرٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالصَّوَابُ حَذْفُ قَوْلِهِ إنْ كَانَ اتَّصَلَ؛ لِيَصِيرَ قَوْلُهُ: بِأَقْوَى مُتَعَلِّقًا بِتَغَيُّرٍ، وَقَوْلُهُ: وَلَوْ سِنِينَ غَايَةٌ لِقَوْلِهِ: فَهُوَ طُهْرٌ. قَوْلُهُ؟ (ثُمَّ الْكُدْرَةُ) لَا حَاجَةَ لِذَكَرِهِ لِأَنَّهُ آخِرُ الْمَرَاتِبِ، وَذِكْرُهُ بِثُمَّ يُوهِمُ أَنَّ بَعْدَهُ مَرْتَبَةٌ أُخْرَى. قَوْلُهُ: (فَمَا تَجَرَّدَ عَنْ الْأَخِيرَتَيْنِ

أَوْ وَقَعَتَا فِيهِ فَقُوَّتُهُ بِاللَّوْنِ فَقَطْ) مُرَادُهُ أَنَّ الدِّمَاءَ الْمُتَجَرِّدَةَ عَنْ الثِّخَنِ وَالنَّتْنِ أَوْ الصِّفَةِ كُلِّهَا، الْقَوِيُّ مِنْهَا هُوَ ذُو اللَّوْنِ الْأَقْوَى. قَوْلُهُ؟ (وَوَقَعَ فِي شَيْءٍ) الْأَوْلَى بَلْ الصَّوَابُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِهِ. قَوْلُهُ؟ (وَكَذَا مَا اجْتَمَعَ فِيهِ. .. إلَخْ) يُوهِمُ أَنَّ مَا قَبْلَ كَذَا لَمْ يَجْتَمِعْ فِيهِ ذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ؟ (وَأَقَرَّهُ) عَجِيبٌ مَعَ قَوْلِهِ عَقِبَهُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ: عَلَى أَنَّهُ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ ذَلِكَ أَيْضًا وَقَدْ اُسْتُشْكِلَ مَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَذَكَرْت فِي شَرْحِ الْعُبَابِ الْجَوَابَ عَنْهُ، وَعَنْ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ فِيهِ هُوَ مَوْضِعُ تَأَمُّلٍ. قَوْلُهُ: (فَقَدْ سَوَّى بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَكِنَّهُ إلَخْ) فِيهِ مُؤَاخَذَاتٌ إذْ قَوْلُهُ؟ (فَقَدْ سَوَّى) بِفَاءِ التَّفْرِيعِ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ مُحْتَمَلٌ بَلْ مَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِي عِبَارَتِهَا كَأَصْلِهَا فَهِمَ مِنْهُمَا أَنَّهُمَا إنَّمَا سَوَّيَا بَيْنَهُمَا فِي أَنَّ حَيْضَتَهَا السَّوَادُ مَعَ الْحُمْرَةِ الَّذِي يَقُولُ بِهِ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا نَقَلَ كَلَامَهُ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ عَقِبَهُ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ. وَقَوْلُهُ (لَكِنَّهُ. .. إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُنَافِي قَوْلَهُ قَبْلَهُ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ لِأَنَّهُ إذَا أَقَرَّ ابْنَ سُرَيْجٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ وَخَالَفَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَلَى مَا زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ كَمَا يَأْتِي فَكَيْفَ يَقُولُ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِيهَا، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ الَّذِي وَقَعَتْ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا مَا فِيهِ فِي الْكِتَابَيْنِ، وَقَوْلُهُ؟ (وَأَقَرَّهُ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ بَدَلَهُ بِقَوْلِهِ وَرَجَّحَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَقَلَهُ فِيهِ قَالَ عَقِبَهُ؟ (إنَّهُ الْمَذْهَبُ) نَعَمْ جَرَيْت فِي شَرْحِ الْعُبَابِ عَلَى مُخَالَفَتِهِ فَقُلْت: وَعَلَى كُلٍّ فَالْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ مُخَالِفًا فِيهِ ابْنَ سُرَيْجٍ أَنَّ حَيْضَهَا السَّوَادُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الصُّفْرَةَ، أَيْ وَمِثْلُهَا الشُّقْرَةُ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ دَارَتْ بَيْنَ أَنْ تَلْحَقَ بِالْقَوِيِّ قَبْلهَا وَبِالضَّعِيفِ بَعْدَهَا، وَالِاحْتِيَاطُ هُوَ الثَّانِي فَيُصَارُ إلَيْهِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْحُمْرَةِ بَيْنَ السَّوَادَيْنِ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَوِيًّا اهـ. وَمِنْ ثَمَّ صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ، وَمَشَى عَلَيْهِ شُرَّاحُ الْحَاوِي وَفُرُوعِهِ. قَوْلُهُ: (وَتَرْجِيحُ التَّحْقِيقِ فِي الْأُولَى. .. إلَخْ) الْمَنْقُولُ عَنْ التَّحْقِيقِ أَنَّهُ صَرَّحَ فِي نَفْسِ مَسْأَلَةِ ابْنِ سُرَيْجٍ بِمُخَالَفَتِهِ وَإِنَّ الْحَيْضَ هُوَ السَّوَادُ فَقَطْ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُحْتَاجُ لِقَوْلِ الْمُؤَلِّفِ؟ (وَتَرْجِيحُ التَّحْقِيقِ. .. إلَخْ) لِمَا عَلِمْت أَنَّ التَّحْقِيقَ مُصَرِّحٌ بِذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ مُقْتَضَى كَلَامِهِ. قَوْلُهُ: (وَهُوَ يُشِيرُ إلَى مُخَالَفَتِهِ) تَبِعَ فِيهِ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَيْسَ بِقَوِيمٍ كَمَا أَشَرْت إلَيْهِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ يُعْلَمُ بِسَوْقِ عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ ثُمَّ الْكَلَامِ عَلَيْهَا، وَعِبَارَتُهَا (أَمَّا إذَا تَقَدَّمَ بَعْدَ الْقَوِيِّ أَضْعَفُ الضَّعِيفِينَ فَرَأَتْ سَوَادًا ثُمَّ صُفْرَةً ثُمَّ حُمْرَةً، فَإِنَّهُ يُبْنَى عَلَى مَا إذَا تَوَسَّطَتْ الْحُمْرَةُ فَإِنْ أَلْحَقْنَاهَا بِمَا بَعْدَهُ وَقُلْنَا: الْحَيْضُ هُوَ السَّوَادُ وَحْدَهُ فَهُنَا أَوْلَى وَإِنْ أَلْحَقْنَاهَا بِالسَّوَادِ، فَحُكْمُهَا كَمَا إذَا رَأَتْ سَوَادًا ثُمَّ حُمْرَةً ثُمَّ عَادَ السَّوَادُ، وَذَلِكَ يَعْلَمُ مِمَّا ذَكَرَاهُ فِي شُرُوطِ التَّمْيِيزِ) انْتَهَتْ، وَاَلَّذِي قَدَّمَهُ فِي تَوَسُّطِ الْحُمْرَةِ بِأَنْ تَرَى خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ صُفْرَةً طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا الْقَطْعُ بِأَنَّ الْقَوِيَّ مَعَ الضَّعِيفِ الْأَوَّلِ حَيْضٌ، وَالثَّانِي: وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا هَذَا. وَالثَّانِي: حَيْضُهَا الْقَوِيُّ وَحْدَهُ، وَالْغَالِبُ فِي مِثْلِ هَذَا أَنَّ الرَّاجِحَ مِنْهُ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ الْمُوَافِقُ لِلطَّرِيقَةِ الْقَاطِعَةِ، فَيَكُونُ الْأَرْجَحُ أَنَّ حَيْضَهَا هُنَا السَّوَادُ وَالْحُمْرَةُ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ أَصَحُّهُمَا إلْحَاقُ الْحُمْرَةِ بِالسَّوَادِ فَيَكُونَانِ حَيْضًا، وَالصُّفْرَةُ طُهْرٌ؛ لِأَنَّهُمَا قَوِيَّانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصُّفْرَةِ، وَهُمَا فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَقِيلَ: السَّوَادُ فَقَطْ فَعَلَى هَذَا الضَّعِيفِ يَكُونُ الْحُكْمُ فِي مَسْأَلَةِ تَخَلُّلِ الصُّفْرَةِ أَنَّ السَّوَادَ هُوَ الْحَيْضُ فَقَطْ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأَحْمَرَ فِي مَسْأَلَةِ تَوَسُّطِ الْحُمْرَةِ إذَا أُلْحِقَ بِالْأَصْفَرِ مَعَ أَنَّهُ أَعْنِي الْأَحْمَرَ أَقْرَبُ إلَى الْأَسْوَدِ مِنْ الْأَصْفَرِ، فَبِالْأَوْلَى أَنَّ الْأَصْفَرَ الْمُتَوَسِّطَ يَلْحَقُ بِالْأَحْمَرِ الْمُتَأَخِّرِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ. وَجْهُ قَوْلِ الرَّوْضَةِ، فَهُنَا أَوْلَى وَعَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ إلْحَاقُ الْأَحْمَرِ بِالْأَسْوَدِ يَكُونُ الْحُكْمُ فِي تِلْكَ أَيْضًا أَعَنَى مَسْأَلَةَ تَخَلُّلِ الصُّفْرَةِ كَتَخَلُّلِ الْحُمْرَةِ بَيِّنًا بِجَامِعِ أَنَّ الْمُتَوَسِّطَ ضَعِيفٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا قَبْلَهُ، وَافْتِرَاقُ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي أَنَّهُ ثَمَّ قَوِيٌّ بِالنِّسْبَةِ لِمَا بَعْدَهُ بِخِلَافِهِ هُنَا لَا يُؤَثِّر؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إنَّمَا هُوَ إلَى أَنَّ الْأَوَّلَ الْأَقْوَى مِنْ حَيْثُ اللَّوْنِ وَمِنْ حَيْثُ السَّبْقِ هَلْ يَسْتَتْبِعُ مَا بَعْدَهُ فَعَلَى كَلَامِ ابْنِ سُرَيْجٍ نَعَمْ لِإِمْكَانِهِ إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُمَا دُونَ الْأَكْثَرِ وَعَلَى كَلَامِ غَيْرِهِ لَا لِاسْتِوَاءِ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ فِي الْقُوَّةِ فَلَا بُدَّ فِي إلْحَاقِهِ بِأَحَدِهِمَا مِنْ مُرَجِّحٍ

وَهُوَ الِاحْتِيَاطُ لِلْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ خِطَابُهَا بِهَا فَلَا يَسْقُطُ عَنْهَا إلَّا بِيَقِينٍ وَهُوَ لَا يُوجَدُ إلَّا فِي السَّوَادِ الْأَوَّلِ فَقَطْ فَكَانَ هُوَ الْحَيْضُ وَحْدَهُ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي تَعْلِيلِهِمْ جَعْلَ حَيْضِ الْمُبْتَدِئَةِ غَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوَّلُهُ، وَطُهْرَهَا تِسْعٌ وَعِشْرُونَ وَلَمْ يَجْعَلُوا حَيْضَهَا غَالِبَ الْحَيْضِ سِتًّا أَوْ سَبْعًا، وَلِكَوْنِ مُدْرَكِ هَذَا أَظْهَرُ كَمَا بَانَ مِمَّا قَرَّرْتُهُ جَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ، وَلِكَوْنِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الَّذِي مَرَّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ هُوَ الْأَوْفَقُ لِمَا ذُكِرَ فِي شُرُوطِ التَّمْيِيزِ مِنْ أَنَّهُ حَيْثُ وُجِدْت الشُّرُوطُ الثَّلَاثَةُ فِي دَمٍ وَجَبَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ حَيْضٌ إلَّا لِعَارِضٍ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّهُ الْمَذْهَبُ فَتَأَمَّلْ سَبَبَ اخْتِلَافِ نَظَرِ النَّوَوِيِّ وَحِكْمَةَ اعْتِمَادِهِ فِي التَّحْقِيقِ مُقَابِلَ كَلَامِ ابْنِ سُرَيْجٍ. وَفِي الْمَجْمُوعِ كَلَامَ ابْنِ سُرَيْجٍ، وَبِتَأَمُّلِ مَا قَرَّرْت بِهِ كَلَامَ ابْنِ سُرَيْجٍ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الرَّوْضَةِ: وَذَلِكَ يُعْلَمُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فِي شُرُوطِ التَّمْيِيزِ ظَاهِرٌ فِي تَرْجِيحِ كَلَامِ ابْنِ سُرَيْجٍ لِمَا عَلِمْت أَنَّ وَجْهَ مَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ مَا ذَكَرُوهُ فِي شُرُوطِ التَّمْيِيزِ مِنْ أَنَّهَا حَيْثُ وُجِدَتْ فِي دَمٍ حُكِمَ بِأَنَّهُ حَيْضٌ، وَقَدْ وُجِدَ الشَّرْطَانِ الْأَوَّلَانِ مِنْهَا فِيمَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَمَحَلُّ اشْتِرَاطِهِ كَمَا يَأْتِي إنْ كَانَ اسْتَمَرَّ الدَّمُ لَا إنْ كَانَ انْقَطَعَ كَمَا هُوَ الْفَرْضُ هُنَا فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِالْحَيْضِ عَلَى السَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ مَعًا، وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى هَذَا تَخْصِيصُهُمْ الْحُكْمَ بِالْقَوِيِّ فِي قَوْلِهِمْ أَنْ لَا يَزِيدَ الْقَوِيُّ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَا يَنْقُصُ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؛ لِأَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ يَجْعَلُ الْحُمْرَةَ هُنَا تَابِعَةً لِلْقَوِيِّ وَمُنْدَرِجَةً فِيهِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ لَمْ يَقْصِدْ الضَّعِيفَ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا فَشَمِلَهَا كَلَامُهُمْ عَلَى مَا ادَّعَاهُ، فَظَهَرَ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - بِمَا قَرَرْت بِهِ كَلَامَ الرَّوْضَةِ مِمَّا لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْهُ مَلْحَظٌ تُخَالِفُ التَّحْقِيقَ وَالْمَجْمُوعَ وَرُدَّ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ قَوْلَ الرَّوْضَةِ (وَأَصْلُهَا وَحُكْمُهَا يُؤْخَذُ مِنْ شُرُوطِ التَّمْيِيزِ مُشِيرًا إلَى ضَعِيفِ كَلَامِ ابْنِ سُرَيْجٍ كَيْفَ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي تَقْوِيَتِهِ وَاعْتِمَادِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَرْته فِيهِ الرَّادُّ لِقَوْلِ الْمُؤَلِّفِ، فَإِنَّ الْأَسْوَدَيْنِ لَا يُمْكِنُ كَوْنُهُمَا حَيْضًا. .. إلَخْ) وَوَجْهُ رَدِّهِ أَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ لَمْ يَقُلْ إنَّ الْأَسْوَدَيْنِ حَيْضٌ، وَكَوْنُ الْأَحْمَرِ ضَعِيفًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا يُجَابُ عَنْهُ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ سُرَيْجٍ بِأَنَّ تَبَعِيَّتَهُ لِلْأَوَّلِ اقْتَضَتْ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِحُكْمِهِ لِإِمْكَانِهِ بِخِلَافِ الْقَوِيِّ لِعَدَمِ إمْكَانِهِ فَانْدَفَعَ قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ فَكَيْفَ هُوَ الْحَيْضُ إلَخْ. .. قَوْلُهُ: (فَلَوْ رَأَتْ الْمُبْتَدِئَةُ مَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ حَيْضًا وَطُهْرًا) إلَى قَوْلِهِ (وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِعَيْنِ الْمَسْأَلَةِ) فِيهِ أُمُورٌ: أَحَدُهَا الْأُولَى وَلَوْ رَأَتْ. .. إلَخْ) لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ مَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ هَذِهِ. ثَانِيهَا: مَا ذَكَرَ أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ ظَاهِرٌ لِأَنَّهَا مُبْتَدِئَةٌ مُمَيِّزَةٌ إذْ الضَّعِيفُ لَمْ يَنْقُصْ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ، وَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ وَالْقَوِيُّ لَمْ يُجَاوِزْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَلَا نَقَصَ عَنْ أَقَلِّهِ، وَحَيْثُ وُجِدَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ فَحَيْضُهَا الْقَوِيُّ، وَإِنْ تَأَخَّرَ فَإِنْ قُلْت: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ مَا ذُكِرَ وَلَا أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ الْأَسْوَدَ الثَّانِيَ انْقَطَعَ لِدُونِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَمْ يَخْلُفْهُ أَضْعَفُ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ فِي قَوْلِهِ وَأَنْ يَكُونَ كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي عَقِبَهَا وَهِيَ أَنَّ الْأَسْوَدَ لَوْ جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ. .. إلَخْ وَإِنْ كَانَ الْفَرْضُ ذَلِكَ فَهَذِهِ بَانَ بِانْقِطَاعِ الْأَسْوَدِ لِدُونِ خَمْسَةَ عَشَرَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُسْتَحَاضَةً حَتَّى يُنْظَرَ هَلْ لَهَا تَمْيِيزٌ أَوْ لَا، وَإِنَّمَا وُجِدَ لَهَا دَمَانِ وَطُهْرَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا وَطُهْرًا فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ وَإِنَّ الدَّوْرَ الْأَوَّلَ أَوَّلُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ حَيْضٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ، وَالدَّوْرُ الثَّانِي أَسْوَدُهُ حَيْضٌ وَنَقَاؤُهُ طُهْرٌ. قُلْت: بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَوْ صَرِيحُهُ مَا ذُكِرَ كَمَا يُعْرَفُ بِتَدَبُّرِ مَا ذَكَرْته الْمُوَافِقِ لِمَا عُرِفَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ حَيْثُ وُجِدَتْ شُرُوطُ التَّمْيِيزِ وَجَبَ الْحُكْمُ بِالْحَيْضِ لِلْقَوِيِّ وَبِالطُّهْرِ لِلضَّعِيفِ تَقَدَّمَ الضَّعِيفُ أَوْ تَأَخَّرَ زَادَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ سَاوَاهَا انْقَطَعَ الدَّمُ كُلُّهُ قَبْلَ مُضِيِّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنْ ابْتِدَاءِ الدَّمِ أَوْ اسْتَمَرَّ، وَنَقْصُهُ عَنْ ثَلَاثِينَ لَا يُبَيِّنُ أَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَحَاضَةٍ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُمْ حَيْثُ جَاوَزَ الدَّمُ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ (الشَّامِلُ) لِمَا إذَا اسْتَمَرَّ الدَّمُ أَوْ انْقَطَعَ قَبْلَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ الثَّانِيَةِ. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ وَأَنَّهَا مُمَيِّزَةٌ فَلَمْ يُوجَدْ لَهَا إلَّا طُهْرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الضَّعِيفُ وَحَيْضٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْقَوِيُّ أَمَّا لَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ الْأَسْوَدُ، وَإِنَّمَا اسْتَمَرَّ عَلَى لَوْنِهِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْمَجْمُوعِ الْآتِيَةُ وَأَمَّا لَوْ انْقَطَعَ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَكِنْ عَقِبَهُ مَا هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُ، فَهِيَ

مُمَيِّزَةٌ أَيْضًا، فَحَيْضُهَا الْقَوِيُّ أَيْضًا دُونَ مَا قَبْلَهُ مِنْ الْأَحْمَرِ وَأَمَّا بَحْثُ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُعْتَمَدِ الَّذِي قَدَّمَهُ وَبَانَ لَكَ بِمَا قَرَّرْتُهُ أَنَّهُ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ بِقَوْلِهِ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَجِيءَ فِيهَا. .. إلَخْ فَبَعِيدٌ إذْ كَيْفَ يُقَاسُ مَنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهَا إلَى الْآنَ حَيْضٌ وَلَا طُهْرٌ، وَهِيَ الَّتِي كَلَامُنَا فِيهَا عَلَى مَنْ عُرِفَ وَاسْتَقَرَّ لَهَا ذَلِكَ، وَهِيَ الَّتِي قَاسَ عَلَيْهَا عَلَى أَنَّهُ سَيُنَبِّهُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَبِقَوْلِهِ (وَأَنْ يَكُونَ كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي يَعْقُبُهَا. .. إلَخْ) فَهُوَ أَبْعَدُ لِأَنَّ هَذِهِ لَا تَمْيِيزَ لَهَا كَمَا سَنَذْكُرُهُ عَنْ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ، وَاَلَّتِي فِي مَسْأَلَتِنَا مُمَيِّزَةٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَكَيْفَ يُقَاسُ مُمَيِّزَةٌ عَلَى غَيْرِ مُمَيِّزَةٍ. وَقَوْلُهُ: (الَّتِي عَقِبَهَا) كَأَنَّ مُرَادَهُ بِكَوْنِهَا عَقِبَهَا أَنَّهُ ذَكَرَهَا عَقِبَهَا، وَقَوْلُهُ: (ثُمَّ قَالَ وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ لَمْ يَقُلْ النَّوَوِيُّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ، فَالصَّوَابُ حَذْفُ قَوْلِ الْمُؤَلَّفِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ حَتَّى يُوَافِقَ كَلَامَ النَّوَوِيِّ وَقَوْلُهُ: (وَأَظُنُّهُ. .. إلَخْ) هُوَ كَمَا ظَنَّهُ جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا، وَمِنْ ثَمَّ قُلْت فِي شَرْحِ الْعُبَابِ بَعْدَ أَنْ شَرَحْت كَلَامَهُ. (تَنْبِيهٌ) هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ إنَّمَا هُوَ بِنَاءٌ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ سُرَيْجٍ لَا عَلَى الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ قَبْلَ ذَلِكَ مَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُهَذَّبِ (إنَّهُ لَا تَمْيِيزَ لَهَا فَيَكُونُ حَيْضُهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْأَحْمَرِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ) ، ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَرَّرَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ، هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعْدُودَةٌ مِنْ مُشْكِلَاتِ الْمَذْهَبِ وَلَا أَرَهَا مُشْكِلَةً، فَأَمَّا مَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَأَنَّهُ لَا تَمْيِيزَ لَهَا، وَأَنَّ حَيْضَهَا مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَيْ عَلَى الْأَصَحِّ أَوْ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ، أَيْ عَلَى مُقَابِلِهِ، وَبَاقِي الشَّهْرِ طُهْرٌ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ، وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ ثُمَّ قَرَّرَ مَقَالَةَ ابْنِ سُرَيْجٍ الْمَذْكُورَةَ فِي الْمَتْنِ ثُمَّ بَحَثَ فِيهَا مَا مَرَّ وَحِينَئِذٍ، فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِكَلَامِ ابْنِ سُرَيْجٍ ثُمَّ نَقَلَهُ عَنْ النَّوَوِيِّ مَا مَرَّ غَيْرُ صَحِيحٍ لِإِيهَامِهِ أَنَّ الْأَوَّلَ مَنْقُولُ الْمَذْهَبِ، وَأَنَّ بَحْثَ النَّوَوِيِّ الْمَذْكُورَ فِي مُقَابَلَةِ الْمَنْقُولِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا النَّوَوِيُّ قَرَّرَ الْمَذْهَبَ أَوَّلًا، وَهُوَ أَنَّهَا غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ، أَيْ لِأَنَّ قَوِيَّهَا، وَهُوَ السَّوَادُ زَادَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَأَنَّهَا تُرَدُّ إلَى مَرَدِّ الْمُبْتَدِئَةِ غَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ، وَهُوَ عَلَى الْأَصَحِّ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ حَيْضًا وَتِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ طُهْرًا، ثُمَّ ذَكَرَ مَقَالَةَ ابْنِ سُرَيْجٍ الْمُخَالِفَةَ لِلْمَنْقُولِ وَالْمَبْنِيَّةَ عَلَى رَأْيِهِ مِنْ الْمُسَارَعَةِ إلَى تَصْحِيحِ الْحَيْضِ مَا أَمْكَنَ وَلَوْ بِتَعَسُّفٍ وَتَقْدِيرٍ بَعِيدٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ تَخْرِيجَاتِهِ الْمَحْكِيَّةِ عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَلَمَّا ذَكَرَ أَيْ النَّوَوِيُّ مَقَالَتَهُ، أَيْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهَا بَيَّنَ أَنَّهَا مُحْتَمِلَةٌ لِوَجْهَيْنِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ أَحَدِهِمَا أَنَّهُ الظَّاهِرُ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِهِ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ هَذَا أَيْضًا أَنَّهُ الصَّحِيحُ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى طَرِيقَتِهِ، ثُمَّ تَعَقَّبَهُ عَلَى طَرِيقَتِهِ بِمَا مَرَّ فَظَنَّ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ رَجَّحَهُ مِنْ حَيْثُ الْمَذْهَبُ فَجَزَمَ بِهِ وَذَكَرَ التَّعْقِيبَ بَعْدَهُ وَلَوْ نَظَرَ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ عَمَّا صَحَّحَهُ آخَرُ أَنَّهُ الظَّاهِرُ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِهِ، أَيْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَمِنْ قَوْلِهِ: أَوْ لَا، فَأَمَّا مَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَأَنَّهُ لَا تَمْيِيزَ لَهَا وَأَنَّ حَيْضَهَا مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَبَاقِيَ الشَّهْرِ طُهْرٌ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ. .. إلَخْ) لَمَّا وَقَعَ فِي ذَلِكَ وَلَكِنَّ السَّهْوَ وَالنِّسْيَانَ مِمَّا جُبِلَ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ وَمِمَّا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ تَفْرِيعُهُ مَا ذَكَرَهُ عَلَى قَوْلِهِ فَلَا تَمْيِيزَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهَا تَمْيِيزٌ كَانَ طُهْرُهَا تِسْعًا وَعِشْرِينَ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ خَمْسَةَ عَشَرَ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَقَالَ الْإِمَامُ: إنَّهُ اتِّبَاعُ لَفْظٍ وَإِعْرَاضٌ عَنْ الْمَعْنَى فَكَيْفَ مَعَ ذَلِكَ يُرَتِّبُ هَذَا الْوَجْهَ الضَّعِيفَ الْمُوَافِقَ لِمَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ عَلَى قَوْلِهِ، فَلَا تَمْيِيزَ، وَيُعْرِضُ عَنْ الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّ طُهْرَهَا تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ كُلَّهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ اهـ مَا فِي شَرْحِ الْعُبَابِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِعَيْنِ الْمَسْأَلَةِ) يُنَاقِضُ. قَوْلَهُ (أَوْ لَا) ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ قَوْلُهُ: (أَمَّا لَوْ كَانَ الْأَسْوَدُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الشَّهْرِ فَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ حَيْضًا إنْ كَانَ صَلُحَ لِلْحَيْضِ وَإِلَّا فَمُبْتَدَأَةٌ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ فَإِنْ اتَّصَلَ بِآخِرِ الشَّهْرِ فَحَيْضُهَا أَوَّلُهُ وَإِلَّا فَمِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْكَائِنِ فِيهِ، مِثَالُهُ: رَأَتْ شَهْرًا أَحْمَرَ فَقَطْ. .. إلَخْ) لَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا التَّعْبِيرِ سِيَّمَا عِنْدَ تَأَمُّلِ الْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَإِلَّا فَمُبْتَدِئَةٌ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ مُوهِمٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَرَادَ أَنَّهَا فِي الشَّهْرِ الثَّانِي مُبْتَدِئَةٌ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنَّمَا الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ فَحُكْمُهَا مِنْ الدَّوْرِ الثَّانِي حُكْمُ الْمُبْتَدِئَةِ غَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ مِنْ أَنَّ حَيْضَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَطُهْرُهَا تِسْعٌ وَعِشْرُونَ أَوْ أَنَّهَا فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ كَذَلِكَ فَهِيَ كَذَلِكَ صَلُحَ ذَلِكَ لِلْحَيْضِ أَوْ لَا، وَقَوْلُهُ: فَإِنْ اتَّصَلَ بِآخِرِ الشَّهْرِ فَحَيْضُهَا

أَوَّلُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِآخِرِ الشَّهْرِ آخِرُ الشَّهْرِ الَّذِي ابْتَدَأَهَا فِيهِ الدَّمُ، وَحِينَئِذٍ فَحَيْضُهَا أَوَّلُ هَذَا الشَّهْرِ وَهُوَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ سَوَاءٌ اتَّصَلَ بِآخِرِهِ سَوَادٌ أَمْ لَا، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا السَّوَادَ الْمُتَّصِلَ بِآخِرِهِ لَا يَكُونُ حَيْضًا مُطْلَقًا، وَلَيْسَ مُرَادًا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ مِثَالُهُ، وَقَوْلُهُ: وَإِلَّا فَمِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْكَائِنِ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ وَإِلَّا مَعْنَاهُ وَأَلَّا يَتَّصِلَ الْأَسْوَدُ بِآخِرِ الشَّهْرِ وَحِينَئِذٍ فَيَصِيرُ مُشْتَرَطًا فِي كَوْنِ الْأَسْوَدِ حَيْضًا أَنْ لَا يَتَّصِلَ بِآخِرِ الشَّهْرِ وَلَيْسَ مُرَادًا أَيْضًا، وَصَوَابُ الْعِبَارَةِ أَمَّا لَوْ وُجِدَ الْأَسْوَدُ بَعْدَ تَمَامِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ صَلُحَ لِلْحَيْضِ فَهُوَ حَيْضٌ، وَابْتِدَاءُ دَوْرِهَا مِنْ أَوَّلِهِ، وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ اسْتَمَرَّ عَلَيْهَا حُكْمُ الْمُبْتَدِئَةِ غَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ تِلْكَ الْعِبَارَةِ مَعَ طُولِهَا وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِمَّا أَشَرْتُ إلَيْهِ، وَدَلَّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمِثَالِ. وَقَوْلُهُ: (فَلَا يُحْكَمُ. .. إلَخْ) لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ بِمُجَاوَزَةِ الضَّعِيفِ الَّذِي عَقِبَ الْقَوِيِّ الْمُتَقَطِّعِ قَبْلَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ لِلْخَمْسَةِ عَشَرَ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقَوِيَّ هُوَ الْحَيْضُ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُ: (فَتَنْتَقِلُ لِحُكْمِ التَّمْيِيزِ) ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ تَفْرِيعُهُ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يُحْكَمُ. .. إلَخْ) عَجِيبًا وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ كَثِيرِينَ لَوْ رَأَتْ الْمُبْتَدِئَةُ دَمًا أَحْمَرَ وَاسْتَمَرَّ شَهْرًا ثُمَّ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ بَاقِيَهُ حُمْرَةً ثُمَّ رَأَتْ فِي الثَّالِثِ دَمًا مُبْهَمًا وَأَطْبَقَ، فَفِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ هِيَ مُبْتَدِئَةٌ لَا تَمْيِيزَ لَهَا وَفِي مَرَدِّهَا الْقَوْلَانِ، أَيْ وَأَصَحُّهُمَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَطُهْرُهَا تِسْعٌ وَعِشْرُونَ، وَفِي الشَّهْرِ الثَّانِي مُمَيِّزَةٌ تُرَدُّ إلَى التَّمْيِيزِ وَفِي الثَّالِثِ إنْ كَانَ قُلْنَا تَثْبُتُ الْعَادَةُ بِمَرَّةٍ، أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَحَيْضُهَا خَمْسَةُ أَيَّامٍ وَلَوْ رَأَتْ الْمُبْتَدِئَةُ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ بَاقِيَ الشَّهْرِ حُمْرَةً، ثُمَّ أَطْبَقَ الدَّمُ الْمُبْهَمُ فِي الثَّانِي رُدَّتْ إلَى الْخَمْسَةِ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ اهـ. مُلَخَّصًا. وَفِيهِ أَيْضًا رَأَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ حُمْرَةً ثُمَّ مِثْلَهَا سَوَادًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ، فَهِيَ فَاقِدَةٌ لِلتَّمْيِيزِ، فَحَيْضُهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ وَتُمْسِكُ عَمَّا تُمْسِكُ عَنْهُ الْحَائِضُ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِذَا انْقَلَبَ الدَّمُ إلَى السَّوَادِ أُمِرَتْ بِالْإِمْسَاكِ أَيْضًا؛ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَيَكُونُ الْأَسْوَدُ هُوَ الْحَيْضُ، فَإِذَا جَاوَزَ الْأَسْوَدُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ عَلِمْنَا أَنَّهَا فَاقِدَةٌ لِلتَّمْيِيزِ لَكِنَّ دَوْرَهَا قَدْ انْقَضَى فَتَبْتَدِئُ الْآنَ حَيْضًا يَوْمًا وَلَيْلَةً اهـ. مُلَخَّصًا أَيْضًا. وَبِتَأَمُّلِ هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ يُعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ هَذَا، لَكِنَّهُ سَنَذْكُرُهُ بَعْدَ مَا يَتَّضِحُ بِهِ مُرَادُهُ. قَوْلُهُ: (إلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ. .. إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الَّذِي مَرَّ فِي نَحْوِ هَذِهِ أَنَّ الرُّويَانِيَّ يَقُولُ: الْحَيْضُ السَّوَادُ فَقَطْ وَجَرَى عَلَيْهِ فِي التَّحْقِيقِ وَابْنُ سُرَيْجٍ يَقُولُ: الْحَيْضُ السَّوَادُ مَعَ الْحُمْرَةِ. وَاعْتَمَدَهُ فِي الْمَجْمُوعِ، فَبِاتِّفَاقِهِمَا أَنَّهَا مُبْتَدِئَةٌ مُمَيِّزَةٌ، فَكَيْفَ يَسُوغُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّهَا فِي الْأَصْلِ مُبْتَدِئَةٌ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ، وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَقَوْلُ الرَّوْضَةِ مَا ذُكِرَ لَا يُؤَيِّدُ هَذَا الْقَوْلِ بَلْ يَرُدُّهُ وَيَشْهَدُ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ كَمَا بَسَطْته فِيمَا سَبَقَ قَوْلُهُ: وَكَلَامُ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ فِيمَنْ رَأَتْ. .. إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ فُقِدَ فِيهَا شَرْطُ تَمْيِيزٍ فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى مَسْأَلَتِنَا الْمَوْجُودِ فِيهَا جَمِيعُ شُرُوطِ التَّمْيِيزِ. قَوْلُهُ: (وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي الْكُلِّ. . . إلَخْ) يُرَدُّ بِمَنْعِ اقْتِضَائِهِ لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَقْتَضِيه كَلَامُ الرَّوْضَةِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ، أَنَّ حَيْضَهَا السَّوَادُ وَعِنْدَ آخَرِينَ أَنَّ حَيْضَهَا السَّوَادُ مَعَ الْحُمْرَةِ وَبِاتِّفَاقِهِمَا هِيَ مُمَيِّزَةٌ. قَوْلُهُ: (فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى ذَلِكَ) فِيهِ قَلَاقَةٌ وَخَفَاءُ الْمُرَادِ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا ذَكَرَ كَوْنَهُ حَيْضًا. .. إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ إلَّا فِيمَا لَوْ رَأَتْ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ أَسْوَدَ ثُمَّ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ أَحْمَرَ ثُمَّ ثَمَانِيَةً أَسْوَدَ، وَكَوْنُ السَّوَادِ الْأَوَّلِ فَقَطْ هُوَ الْحَيْضُ اتِّفَاقًا فِي هَذِهِ وَاضِحٌ جَلِيٌّ إذْ لَا يُمْكِنُ ضَمُّ غَيْرِهِ إلَيْهِ فَهِيَ مُمَيِّزَةٌ أَيْضًا فَانْدَفَعَ قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ؛ فَلِذَلِكَ قَوِيَ الْإِشْكَالُ، وَأَيُّ أَشْكَالٍ فِي ذَلِكَ إذْ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ هَذِهِ كَمَسْأَلَتِنَا فِي أَنَّ كُلًّا مُمَيِّزَةٌ، وَإِنَّمَا افْتَرَقَا فِي أَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ يَقُولُ فِي تِلْكَ أَنَّ الْأَحْمَرَ حَيْضٌ مَعَ الْأَسْوَدِ؛ لِإِمْكَانِ ضَمِّهِ إلَيْهِ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: (وَلَمْ أَرَ مَنْ حَلَّ إشْكَالَهَا تَصْرِيحًا يُقَالُ: عَلَيْهَا قَدْ اتَّضَحَ مِمَّا قَرَرْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ إشْكَالٌ ضَعِيفٌ فَضْلًا عَنْ قَوِيٍّ حَتَّى تَعَرَّضَ أَحَدٌ إلَى حَلِّهِ، وَلَعَلَّ هَذَا الْمُؤَلِّفَ أَرَادَ غَيْرَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ عِبَارَتُهُ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ أَرَادَ إشْكَالًا صَحِيحًا بِبَادِي الرَّأْيِ، وَهُوَ أَنَّ مَسْأَلَةَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَنَحْوِهَا كَمَسْأَلَةِ الثَّمَانِيَّاتِ الْمَذْكُورَةِ اخْتَلَّ فِيهَا أَحَدُ شُرُوطِ التَّمْيِيزِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَنْقُصَ

الضَّعِيفُ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ، وَفِي هَذِهِ وَنَحْوِهَا نَقَصَ الضَّعِيفُ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ، فَتَكُونُ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ، فَتَحِيضُ أَقَلَّهُ وَتَطْهُرُ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ فَكَيْفَ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: حَيْضُهَا السَّوَادُ وَالْحُمْرَةُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: حَيْضُهَا السَّوَادُ فَقَطْ، وَكَيْفَ اتَّفَقُوا فِي مَسْأَلَةِ الثَّمَانِيَاتِ عَلَى أَنَّ الثَّمَانِيَةَ الْأُولَى حَيْضٌ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَمَسْأَلَةِ مَنْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ، ثُمَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَحْمَرَ ثُمَّ أَسْوَدَ بِأَنَّهَا غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ فَتَحِيضُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَتَطْهُرُ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ، فَلِمَ لَمْ يَقُلْ فِي هَذِهِ أَنَّ حَيْضَهَا الْأَسْوَدُ وَالْأَحْمَرُ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ سُرَيْجٍ أَوْ الْأَسْوَدُ فَقَطْ عَلَى مُقَابِلِهِ، وَقَدْ تَعَرَّضْت فِي شَرْحِ الْعُبَابِ لِحَلِّ هَذَا الْإِشْكَالِ حَيْثُ قُلْت: عَقِبَ مَسْأَلَةِ ابْنِ سُرَيْجٍ، فَإِنْ قُلْت: قَضِيَّةُ مَا مَرَّ مِنْ اشْتِرَاطِ أَنْ لَا يَنْقُصَ الضَّعِيفُ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ أَنَّهَا غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ فِي مَسْأَلَةِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَنَحْوِهَا. قُلْت: يَتَعَيَّنُ تَصْوِيرُهَا بِمَا إذَا انْقَطَعَ بَعْدَ السَّبْعَةَ الثَّالِثَةِ لِمَا مَرَّ عَنْ الْمُتَوَلِّي: أَنَّ مَحَلَّ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ إذَا اسْتَمَرَّ الدَّمُ وَإِلَّا عَمِلَتْ بِتَمْيِيزِهَا، وَإِنْ نَقَصَ الضَّعِيفُ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ اهـ. وَاَلَّذِي مَرَّ فِيهِ عَنْ الْمُتَوَلِّي هُوَ قَوْلِي عَقِبَ ذِكْرِ شُرُوطِ التَّمْيِيزِ الثَّلَاثَةِ: وَمَحَلُّ اشْتِرَاطِ الثَّالِثِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي إنْ كَانَ اسْتَمَرَّ الدَّمُ وَإِلَّا فَلَوْ رَأَتْ عَشَرَةً سَوَادًا ثُمَّ عَشَرَةً حُمْرَةً أَوْ نَحْوَهُمَا، وَانْقَطَعَ الدَّمُ فَإِنَّهَا تَعْمَلُ بِتَمْيِيزِهَا مَعَ نَقْصِ الضَّعِيفِ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ اهـ. وَمِنْ ثَمَّ قَيَّدْت مَسْأَلَةَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَمْثَالَهَا الْمَذْكُورَةَ فِي مَتْنِ الْعُبَابِ بِقَوْلِي: عَقِبَ كُلٍّ وَانْقَطَعَ لِمَا مَرَّ عَنْ الْمُتَوَلِّي فَاتَّضَحَ أَنَّهُ لَا إشْكَالَ، وَأَنَّ مَنْشَأَ الْإِشْكَالِ الْغَفْلَةُ عَنْ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي الْمُلَاحَظِ فِي كُلٍّ مِنْ صُوَرِ التَّمْيِيزِ الْمُوهِمَةِ اخْتِلَالَ الشَّرْطِ الثَّالِثِ مِنْهَا، وَقَدْ نَبَّهَ فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى كَلَامِ الْمُتَوَلِّي فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَقَالَ: لَوْ رَأَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ أَحْمَرَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ أَسْوَدَ وَانْقَطَعَ فَحَيْضُهَا الْأَسْوَدُ، وَإِنْ اسْتَمَرَّ الْأَسْوَدُ وَلَمْ يَنْقَطِعْ لَمْ تَكُنْ مُمَيِّزَةً فَحَيْضُهَا مِنْ ابْتِدَاءِ الدَّمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَتَفْصِيلُهُ بَيْنَ الِانْقِطَاعِ وَالِاسْتِمْرَارِ هُوَ عَيْنُ مَقَالَةِ الْمُتَوَلِّي. قَوْلُهُ: (أَوْ أَقَلُّ) ، أَيْ أَوْ أَكْثَرُ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ عَادَ الْأَسْوَدُ) ، أَيْ وَاسْتَمَرَّ لِمَا تَقَرَّرَ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا عِنْدَ عَوْدِ الْأَسْوَدِ هُنَا عَدَدًا مُعَيَّنًا، فَدَلَّ عَلَى اسْتِمْرَارِهِ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ السَّبْعَاتِ وَالثَّمَانِيَاتِ فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا عِنْدَ عَوْدِ الْأَسْوَدِ عَدَدًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ إلَّا ذَلِكَ الْعَدَدُ، وَبِهَذَا عَلِمْت أَنَّ صَنِيعَهُمْ صَرِيحٌ فِيمَا مَرَّ عَنْ الْمُتَوَلِّي، وَأَنَّ هَذَا لَا يُشْكِلُ بِمَسْأَلَةِ السَّبْعَاتِ وَلَا غَيْرِهَا، وَأَنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ وَهُوَ مُشْكِلٍ بِمَسْأَلَةِ السَّبْعَاتِ الْآتِيَةِ سَبَبُهُ الْغَفْلَةُ عَمَّا مَرَّ عَنْ الْمُتَوَلِّي (قَوْلُهُ: ثُمَّ سَوَادًا) ، أَيْ ثُمَّ ثَمَانِيَةً سَوَادًا وَانْقَطَعَ لِمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ سَوَادًا) ، أَيْ وَانْقَطَعَ. قَوْلُهُ: (فَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ حَيْضٌ) ، أَيْ لِأَنَّهُ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ. قَوْلُهُ: (ثُمَّ طَهُرَتْ وَرَأَتْ. . . إلَخْ) الْأَوْضَحُ ثُمَّ رَأَتْ النَّقَاءَ تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَأَكْثَرَ دَمًا، فَالْأَوَّلُ حَيْضٌ وَالْآخِرُ دَمُ فَسَادٍ قَوْلُهُ: (وَهَذَا مُشْكِلٌ. .. إلَخْ) قَدّ عَلِمْت مِنْ نَظِيرِ مَا قَدَّمْته عَنْ الْمُتَوَلِّي وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ: أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِهَا غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ عِنْدَ فَقْدِ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ أَيْضًا أَنْ لَا يَنْقَطِعَ الدَّمُ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَإِلَّا، فَالْحَيْضُ مَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ حَيْضًا وَهُوَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ الْأَحْمَرُ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ النِّصْفُ الْيَوْمِ الْأَسْوَدُ أَمْ تَأَخَّرَ؛ لِأَنَّ عَدَمَ صَلَاحِيَتِهِ مَعَ انْقِطَاعِهِ صَيَّرَهُ كَالْعَدَمِ، وَيُوَضِّحُ هَذَا أَعْنِي التَّقْيِيدَ بِالِانْقِطَاعِ مَا مَرَّ آنِفًا عَنْ الْمَجْمُوعِ فِيمَنْ رَأَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ دَمًا أَحْمَرَ ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ أَسْوَدَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الِانْقِطَاعِ وَعَدَمِهِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ (أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ أَحْمَرَ، ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ أَسْوَدَ أَوْ عَكْسَهُ، وَانْقَطَعَ أَيْضًا آخِرَ يَوْمٍ نَظِيرُ مَا مَرَّ عَنْ الْمُتَوَلِّي، فَحَيْضُهَا الْأَحْمَرُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَصْلُحُ لِلْحَيْضِ دُونَ الْآخَرِ فَكَانَ كَالْعَدَمِ، فَلَا يُقَالُ: إنَّهَا فَاقِدَةُ شَرْطِ تَمْيِيزٍ فَتَأَمَّلْ) انْتَهَتْ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الْمَجْمُوعِ: (لَوْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ أَسْوَدَ ثُمَّ نِصْفَهُ أَحْمَرَ ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ سَوَادًا، فَالسَّوَادُ الثَّانِي هُوَ الْحَيْضُ بِالِاتِّفَاقِ) اهـ. وَلَا يَتَّضِحُ الْحُكْمُ فَضْلًا عَنْ الِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ إلَّا بِمَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ انْقَطَعَ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ، فَحِينَئِذٍ مَا أَمْكَنَ جَعْلُهُ حَيْضًا جُعِلَ، وَهُوَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ السَّوَادُ وَمَا لَا فَلَا، وَهُوَ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ الَّذِي نِصْفُهُ سَوَادٌ ثُمَّ نِصْفُهُ حُمْرَةٌ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا كُلُّ سَوَادَيْنِ. .. إلَخْ) ، أَيْ كَمَا لَوْ رَأَتْ يَوْمَيْنِ أَوْ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ ثُمَّ اثْنَيْ عَشَرَ أَحْمَرَ ثُمَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ ثُمَّ حُمْرَةً مُسْتَمِرَّةً، فَالسَّوَادُ بِقِسْمَيْهِ حَيْضٌ، وَكَذَا مَا تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا مِنْ الْحُمْرَةِ وَمَا بَعْدَ السَّوَادِ الثَّانِي

طُهْرٌ. قَوْلُهُ: (وَيَوْمًا وَلَيْلَةً أَحْمَرَ) ، أَيْ أَوْ أَصْفَرَ أَوْ أَكْدَرَ خِلَافًا لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْأَحْمَرِ بِأَنَّهُ أَقْرَبُ لِلْأَسْوَدِ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: (غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ) ، أَيْ اتِّفَاقًا. (قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَبْلُغْ النَّوْبَتَانِ خَمْسَةَ عَشَرَ) ذِكْرُهُ فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِيهِ كَذَلِكَ سِيَّمَا مَعَ هَذَا الْإِيهَامِ الَّذِي وَقَعَ لِلْمُؤَلِّفِ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِحَاصِلِ عِبَارَتِهِ وَهُوَ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا فَرَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا، وَمِثْلَهُمَا نَقَاءً أَوْ يَوْمَيْنِ وَيَوْمَيْنِ أَوْ خَمْسَةً وَخَمْسَةً أَوْ سِتَّةً وَسِتَّةً أَوْ سَبْعَةً وَسَبْعَةً أَوْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا وَثَلَاثَةَ عَشَرَ نَقَاءً وَيَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، فَحُكْمُ ذَلِكَ كُلَّهُ سَوَاءٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَأَيَّامُ الدَّمِ حَيْضٌ بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَا النَّقَاءُ عَلَى الْأَظْهَرِ. فَإِنْ جَاوَزَهَا لَمْ يُلْتَقَطْ لَهَا أَيَّامُ الْحَيْضِ مَنْ جَمِيعِ الشَّهْرِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ مَجْمُوعُ الْمُلْتَقَطِ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَلَكِنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ اخْتَلَطَ حَيْضُهَا بِالِاسْتِحَاضَةِ وَهِيَ ذَاتُ تَقَطُّعٍ فَإِنْ رَتَّبَ رُدَّتْ إلَى التَّمْيِيزِ فَفِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَسْوَدُ، ثُمَّ مِثْلُهُمَا نَقَاءٌ ثُمَّ مِثْلُهُمَا أَسْوَدُ ثُمَّ مِثْلُهُمَا نَقَاءٌ، وَهَكَذَا حَتَّى جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ مُتَقَطِّعًا كَذَلِكَ أَوْ مُتَّصِلًا أَحْمَرَ، حَيْضُهَا التِّسْعَةُ الْأَيَّامِ الْأُولَى، وَالْعَاشِرُ وَمَا بَعْدَهُ طُهْرٌ؛ لِأَنَّ النَّقَاءَ إنَّمَا يَكُونُ حَيْضًا عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ: الْأَصَحُّ إذَا كَانَ بَيْنَ دَمَيْ حَيْضٍ فَإِنْ فُقِدَ أَحَدُ شُرُوطِ التَّمْيِيزِ كَأَنْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ ثُمَّ مِثْلَهُمَا أَحْمَرَ، وَهَكَذَا إلَى آخِرِ الشَّهْرِ فَهَذِهِ. وَإِنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً فِي الصُّورَةِ لَيْسَتْ مُمَيِّزَةً فِي الْحُكْمِ اتِّفَاقًا؛ لِمُجَاوَزَةِ دَمِهَا الْقَوِيِّ خَمْسَةَ عَشَرَ اهـ. حَاصِلُ الْمَجْمُوعِ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ: (مَا لَمْ يَبْلُغْ النَّوْبَتَانِ خَمْسَةَ عَشَرَ) مُوهِمٌ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ فِي التَّقَطُّعِ بِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا فِي التَّقَطُّعِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ثُمَّ لَمْ يَبِنْ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ النَّوْبَتَيْنِ إذَا بَلَغَتَا خَمْسَةَ عَشَرَ مَا حُكْمُهُمَا وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا ذَكَرْته لَك عَنْ الْمَجْمُوعِ حُكْمَ ذَلِكَ بِتَفْصِيلِهِ. قَوْلُهُ: (فَلَوْ نَقَصَ كُلٌّ. .. إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا لِإِيهَامِهِ أَنَّ نَقْصَ كُلٍّ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ يَصِيرُ الْجَمِيعُ دَمَ فَسَادٍ، وَإِنْ بَلَغَ مَجْمُوعُ الدِّمَاءِ أَقَلَّ الْحَيْضِ وَلَيْسَ مُرَادًا. وَاَلَّذِي فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ لَوْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا وَنِصْفَهُ نَقَاءً، وَهَكَذَا إلَى آخِرِ الْخَامِسَ عَشَرَ. قَضِيَّةُ قَوْلَيْ السَّحْبِ وَاللَّقْطِ كَمَا إذَا بَلَغَ كُلُّ دَمٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَعَلَى الْأَصَحِّ حَيْضُهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَنِصْفُ يَوْمٍ؛ لِأَنَّ النِّصْفَ الْأَخِيرَ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ دَمَيْ حَيْضٍ، هَذَا كُلُّهُ إذَا بَلَغَ مَجْمُوعُ الدِّمَاءِ أَقَلَّ الْحَيْضِ وَإِلَّا كَأَنْ رَأَتْ سَاعَةً دَمًا وَسَاعَةً نَقَاءً، وَهَكَذَا وَلَمْ يَبْلُغْ الْمَجْمُوعُ يَوْمًا وَلَيْلَةً لَمْ يَكُنْ لَهَا حَيْضٌ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الدَّمَ لَمْ يَبْلُغْ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا. قَوْلُهُ: (فَلَوْ أَمْكَنَ تَمْيِيزُ. .. إلَخْ) . يُوَضِّحُهُ وَيَرْفَعُ مَا فِيهِ مِنْ الْإِيهَامِ قَوْلُ الْمَجْمُوعِ: لَوْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ ثُمَّ مِثْلَهُمَا أَحْمَرَ وَهَكَذَا إلَى أَنْ رَأَتْ الْخَامِسَ عَشَرَ أَسْوَدَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ أَحْمَرَ، ثُمَّ اتَّصَلَتْ الْمَرَّةُ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ تَخَلُّلِ النَّقَاءِ بَيْنَهَا، فَهِيَ أَيْضًا مُمَيِّزَةٌ، فَالْخَمْسَةَ عَشَرَ كُلُّهَا حَيْضٌ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الدَّمَ الضَّعِيفَ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الدِّمَاءِ الْقَوِيَّةِ كَالنَّقَاءِ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَمِرَّ الضَّعِيفُ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَحْدَهُ فَعَلَى السَّحْبِ، الْأَصَحُّ حَيْضُهَا الدِّمَاءُ الْقَوِيَّةُ فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ مَعَ مَا تَخَلَّلَهَا مِنْ النَّقَاءِ أَوْ الدَّمِ الضَّعِيفِ. قَوْلُهُ: (دَمًا أَحْمَرَ) سَيَأْتِي مَا يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ وَأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى أَنْ تَرَى ضَعِيفًا خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ قَوِيًّا. قَوْلُهُ: (تَتْرُكُ الصَّلَاةَ) ؛ أَيْ وَالصَّوْمَ وَالْوَطْءَ وَنَحْوَهُمَا. قَوْلُهُ: كَوْنُ الْأَوَّلِ فَسَادًا) ، أَيْ وَالثَّانِي حَيْضًا. قَوْلُهُ: (مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرَيْنِ) صَوَابُهُ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ كَمَا عَبَّرُوا بِهِ. قَوْلُهُ: (فَتَتْرُكُ. .. إلَخْ) الْمُرَادُ وَقَدْ تَرَكَتْ الصَّلَاةَ فِيمَا إذَا لَمْ يُجَاوِزْ الثَّانِي الثَّلَاثِينَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَفِيمَا إذَا جَاوَزَهَا أَحَدًا وَثَلَاثِينَ فَتَقْضِي مَا زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ كُلٍّ مِنْ الشَّهْرَيْنِ. قَوْلُهُ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ. .. إلَخْ) بِهِ اخْتِصَارٌ وَبَسَطَهُ بِأَنَّ النَّوَوِيَّ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَالْأَصْحَابِ: (أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَرْكُ مُسْتَحَاضَةٍ لِلصَّلَاةِ أَحَدًا وَثَلَاثِينَ يَوْمًا إلَّا هَذِهِ وَاعْتَرَضَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْبَارِزِيِّ وَالسُّبْكِيُّ وَالْفُورَانِيُّ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَمْرُهَا بِتَرْكِهَا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَنِصْفٍ بَلْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَنِصْفٍ وَأَكْثَرَ بِأَنْ تَرَى كُدْرَةً رَقِيقَةً خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ ثَخِينَةً كَذَلِكَ ثُمَّ مُنْتِنَةً كَذَلِكَ، ثُمَّ صُفْرَةً كَذَلِكَ بِأَقْسَامِهَا ثُمَّ شُقْرَةً كَذَلِكَ ثُمَّ حُمْرَةً كَذَلِكَ ثُمَّ سَوَادًا كَذَلِكَ؛ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الثَّلَاثِينَ وَهِيَ قُوَّةُ الْمُتَأَخِّرِ عَلَى الْمُتَقَدِّمِ مَعَ رَجَاءِ انْقِطَاعِهِ. وَرُدَّ بِأَنَّهُمْ اقْتَصَرُوا عَلَى الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ الْخَمْسَةَ عَشَرَ الْأُولَى ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الْحَيْضِ

بِالظُّهُورِ، وَالثَّانِيَةَ بِالِاجْتِهَادِ لِقُوَّةِ مَا فِيهَا فَلَوْ نَسَخْنَاهَا بِقَوِيٍّ يَجِيءُ بَعْدَهَا لَزِمَ نَقْضُ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ؛ وَلِأَنَّ دَوْرَ الْمَرْأَةِ غَالِبًا شَهْرٌ وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ الْأُولَى ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الْحَيْضِ بِالظُّهُورِ؛ فَإِذَا جَاءَ بَعْدَهَا مَا يَنْسَخُهَا لِلْقُوَّةِ رَتَّبْنَا الْحُكْمَ عَلَيْهِ فَلَمَّا جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ عَلِمْنَا أَنَّهَا غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ، وَبَقِيَ لِذَلِكَ تَتِمَّاتٌ ذَكَرْتهَا فِي شَرْحِ الْعُبَابِ قَوْلُهُ: (وَفِيهِ إشْكَالٌ مِنْ وُجُوهٍ) يُقَالُ عَلَيْهِ قَدْ بَانَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ رَدُّ كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ فَلَا يُحْتَاجُ لِاسْتِشْكَالِهِ إذْ لَا عَمَلَ بِقَضِيَّتِهِ الْمَذْكُورَةِ بَلْ هِيَ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ مِنْ حِينِ مُجَاوَزَةِ الدَّمِ الثَّانِي لِلْخَمْسَةِ عَشَرَ فَتُبَيِّنَ أَنَّ عَلَيْهَا فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ صَلَوَاتِ مَا زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَكَذَا فِي الشَّهْرِ الثَّانِي، وَهَكَذَا وَإِنْ كَانَتْ تَنْتَقِلُ فِي الدِّمَاءِ مِنْ ضَعِيفٍ إلَى قَوِيٍّ وَمِنْ قَوِيٍّ إلَى أَقْوَى عَلَى أَنَّ الْإِسْنَوِيَّ وَمَنْ مَعَهُ أَنْ يَرُدُّوا مَا اسْتَشْكَلَ بِهِ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهِمْ أَخْذًا مِمَّا أَشَرْت إلَيْهِ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ وَالرَّدِّ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يُقَالَ: قَوْلُك مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ فِي مَحَلِّ الْمَنْعِ بَلْ هُوَ عَيْنُ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا، وَكَفَى بِنَسْخِ الْأَقْوَى لِلضَّعِيفِ مَانِعًا وَجَعَلَ الْأَصْحَابُ مَا ذَكَرْت لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ لَا دَلِيلَ وَهُمْ قَدْ قَرَّرُوا الدَّلِيلَ قَوْلُهُ: بَعْدَ الشَّهْرِ ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ: يُعَاقَبُ لَا لِحَيْضِهَا لِلتَّنَاقُصِ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ وَسِعَ) أَيْ مَا قَبْلَهُ. قَوْلُهُ: (فِيمَنْ رَأَتْ) مُتَعَلِّقٌ بِقُلْنَا. قَوْلُهُ: (وَكَذَا. .. إلَخْ) لَا مَعْنَى لِهَذَا الْكَلَامِ فَيُرْجَعُ فِيهِ إلَى مُرَادِ قَائِلِهِ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ قُبَيْلَهُ، وَقَدْ بَلَغَ أَوَّلَ الثَّالِثِ يَوْمًا وَلَيْلَةً، أَيْ وَكَذَا مَا زَادَ عَلَيْهِمَا إذَا اسْتَمَرَّ السَّوَادُ. قَوْلُهُ: جَعَلْنَا لِلثَّالِثِ هُنَا. .. إلَخْ) لَا يُحْتَاجُ إلَى هَذَا كُلِّهِ هُنَا؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مُقَرَّرٌ فِي مَسْأَلَةِ ابْنِ سُرَيْجٍ السَّابِقَةِ، وَحَاصِلُهُ عِنْدَهُ أَنَّهَا لَوْ رَأَتْ سِتَّةَ عَشَرَ أَحْمَرَ ثُمَّ أَسْوَدَ مُسْتَمِرًّا فَلَا تَمْيِيزَ لَهَا فَتَحِيضُ يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ، وَبَاقِيه وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ ثُمَّ تَحِيضُ يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ أَوَّلِ الْأَسْوَدِ وَبَاقِيه اسْتِحَاضَةٌ وَقَالَ النَّوَوِيُّ عَلَيْهِ بَلْ هِيَ بَعْدَ الدَّوْرِ الْأَوَّلِ مُعْتَادَةٌ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ وَقَدْ مَضَى لَهَا دَوْرٌ سِتَّةَ عَشَرَ فَلْيَكُنْ دَوْرُهَا مِنْ السَّوَادِ سِتَّةَ عَشَرَ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ حَيْضٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ ثُمَّ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ حَيْضٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ، وَهَكَذَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ يَظْهَرُ لَك مَا فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ قَوْلُهُ: (الثَّانِي. .. إلَخْ) لِلْإِسْنَوِيِّ أَنْ يَقُولَ: لَمْ أَخْتَرِعْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ بِمُقْتَضَى عِلَّتِهِمْ فَكَأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِهِ. قَوْلُهُ: (الثَّالِثُ. .. إلَخْ) لَا يُشْكِلُ هَذَا عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْإِسْنَوِيِّ، فَإِيرَادُ الْمُصَنِّفِ لَهُ فِي حَيِّزِ الْإِشْكَالَاتِ عَلَيْهِ فِيهِ اسْتِرْوَاحٌ. قَوْلُهُ: (وَنَسَخَ الْأَقْوَى مَا حُكِمَ بِهِ طُهْرًا بِاسْتِوَاءِ دَمِهِ) هَذَا يُرْجَعُ فِيهِ إلَى مُرَادِ قَائِلِهِ إذْ لَا مَعْنَى لَهُ. قَوْلُهُ: (هَذَا مَا ظَهَرَ. .. إلَخْ) لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ زَائِدٍ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ النَّوَوِيِّ وَابْنِ سُرَيْجٍ فِي مَسْأَلَتِهِمَا السَّابِقَةِ غَيْرَ مَرَّةٍ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَرَّرْتُهُ فِيهَا سِيَّمَا مَا مَرَّ قَرِيبًا، فَلَا يُحْتَاجُ إلَى قَوْلِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ نَصٌّ فَسَمْعًا وَطَاعَةً؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُوَ مَعْنَى مَا ذَكَرَاهُ فَأَيُّ شَيْءٍ خَالَفَ فِيهِ حَتَّى يُطْلَبَ فِيهِ النَّصُّ؟ قَوْلُهُ: (الرَّابِعُ. .. إلَخْ) مَا ذَكَرَهُ فِيهِ هُوَ عَيْنُ مَا ذَكَرَهُ فِي بَعْضِ الثَّالِثِ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الرَّابِعِ هِيَ صُورَةُ ابْنِ سُرَيْجٍ الَّتِي تَكَلَّمَ عَلَيْهَا فِي الثَّالِثِ. قَوْلُهُ: (وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ. .. إلَخْ) هَذِهِ لَا تُشْبِهُ مَسْأَلَةَ الْإِسْنَوِيِّ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ السَّادِسَ عَشَرَ عَلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ الْحُمْرَةِ صَيَّرَتْهَا غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ مِنْ حِينَئِذٍ، وَإِنْ طَرَأَ السَّوَادُ بَعْدَهُ فَيَسْتَمِرُّ لَهَا هَذَا الْحُكْمُ إلَّا إنْ كَانَ بَانَ لَهَا تَمْيِيزٌ صَحِيحٌ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْإِسْنَوِيِّ فَهِيَ بِانْتِقَالِهَا عَنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ الْحُمْرَةُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا عَدَمُ التَّمْيِيزِ، فَتَرَجَّتْ أَنَّ السَّوَادَ هُوَ الْحَيْضُ فَأَمْسَكَتْ عَمَّا تُمْسِكُ عَنْهُ الْحَائِضُ فَلَا جَامِعَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ حَتَّى يَرِدَ ذَلِكَ عَلَى الْإِسْنَوِيِّ، وَحِينَئِذٍ انْدَفَعَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ. .. إلَخْ) لِمَا ظَهَرَ مِنْ وُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ: (وَإِنْ طَالَ زَمَنُ الْأَخِيرِ. .. إلَخْ) غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا قَدَّمَتْهُ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَالْمَجْمُوعُ مِنْ أَنَّ شَرْطَ ذَلِكَ أَنْ يَتَقَطَّعَ، وَإِلَّا كَانَتْ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ وَلِفَهْمِ الْمُؤَلِّفُ صِحَّةَ هَذَا الَّذِي صَرَّحَ بِهِ بَنَى عَلَى الْإِشْكَالَاتِ فِيمَا مَرَّ، وَقَدْ رَدَدْتهَا ثَمَّ بِهَذَا فَاسْتَحْضِرْهُ لِيَظْهَرَ لَك رَدُّ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَإِشْكَالُهَا مِنْ فَقْدِ شَرْطِ التَّمْيِيزِ. قَوْلُهُ (فَإِنَّ مِنْ شُرُوطِهِ إلَخْ) عَجِيبٌ فَإِنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ لَمْ يُفْقَدْ، وَإِنَّمَا الْمَفْقُودُ أَنْ لَا يَنْقُصَ الضَّعِيفُ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ، وَقَدْ مَرَّ الْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ يَنْقَطِعْ، وَإِلَّا حُكِمَ بِالتَّمْيِيزِ، وَإِنْ كَانَ الضَّعِيفُ دُونَ أَقَلِّ الطُّهْرِ. قَوْلُهُ: (وَجَوَابُهُ. .. إلَخْ) لَيْسَ الْجَوَابُ مُطْلَقًا لِلْإِشْكَالِ الْمَبْنِيِّ عَلَى.

فَهْمِ غَيْرِ الْمُرَادِ فَتَأَمَّلْهُ. قَوْلُهُ: (قَالَ فِيهِ الرَّافِعِيُّ. .. إلَخْ) مَرَّ مَا فِيهِ مَبْسُوطًا وَأَنَّهُ لَا إشْكَالَ فِيهِ. قَوْلُهُ: (حَكَوْا الِاتِّفَاقَ) مُرَادُهُ فِي نَحْوِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى اتِّفَاقُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَمُخَالِفِهِ، فَإِنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ السَّوَادَ حَيْضٌ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا فِي الْحُمْرَةِ فَابْنُ سُرَيْجٍ يُلْحِقُهَا بِالْأُولَى وَغَيْرُهُ يُلْحِقُهَا بِالثَّانِيَةِ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (دَلِيلًا لِلْقُوَّةِ بِالسَّبْقِ) قَصَدَ بِهَذَا الرَّدَّ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْإِسْنَوِيِّ وَمُتَابَعِيهِ وَلَا رَدَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْأَسْوَدَ هُنَا لَمْ يَأْتِ مَا يَنْسَخُهُ فَلَا جَامِعَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ. قَوْلُهُ: (فَهَلَّا كَانَتْ هَذِهِ عِنْدَهُ. .. إلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى طَرِيقَتِهِ وَاضِحٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ فِي تِلْكَ مَا مَرَّ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ عِنْدَهُ أَيْضًا، لَكِنَّهُ يُثَابِرُ عَلَى تَصْحِيحِ الدَّوْرِ مَا أَمْكَنَ كَمَا مَرَّ فَفِي صُورَتِهِ: لَمَّا رَأَتْ الْأَحْمَرَ سِتَّةَ عَشَرَ مَا أَمْكَنَ أَنْ يَجْعَلَهَا حَيْضًا وَطُهْرًا فَجَعَلَهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ لَمَّا انْتَقَلَتْ إلَى الْأَسْوَدِ حَصَلَ لَهَا نَوْعُ تَمْيِيزٍ بِانْتِقَالِهَا إلَى الْأَقْوَى فَجَعَلَ أَوَّلَهُ حَيْضًا رِعَايَةً لِقُوَّتِهِ، وَأَمَّا هَذِهِ فَإِنَّ الْأَسْوَدَ الْأَقْوَى قَدْ تَقَدَّمَ فِيهَا فَإِذَا جَاوَزَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ صَارَتْ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ، فَمَرَدُّهَا مَرَدُّ غَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ أَوَّلَ الْأَسْوَدِ، وَلَا نَظَرَ إلَى الْأَحْمَرِ؛ لِأَنَّهُ لِضَعْفِهِ وَتَأَخُّرِهِ عَنْ الْقَوِيِّ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الطُّهْرِ فَلَا مُقْتَضَى لِكَوْنِهِ يَجْعَلُ أَوَّلَهُ حَيْضًا نَظِيرَ مَا فَعَلَ فِي الْأَسْوَدِ؛ لِمَا عَلِمْت أَنَّ ثَمَّ مُقْتَضِيًا هُوَ تَأَخُّرُ الْقَوِيِّ، وَأَنَّ الِانْتِقَالَ إلَيْهِ عَنْ الضَّعِيفِ مَعْهُودٌ، وَلَيْسَ هُنَا نَظِيرُ ذَلِكَ إذْ لَمْ يُعْهَدْ الِانْتِقَالُ مِنْ الْقَوِيِّ إلَى الضَّعِيفِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (أَمَّا عَلَى مَا نَقَلْنَاهُ) أَيْ مِنْ خِلَافِ مَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ: مِنْ أَنَّ حَيْضَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ. قَوْلُهُ: (وَإِشْكَالُ مَسْأَلَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. .. إلَخْ) لَا تُشْكِلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِالثَّلَاثِ السَّابِقَةِ؛ لِأَنَّهَا فِيمَا إذَا اسْتَمَرَّ الْأَسْوَدُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لَهُمْ، وَهُنَّ فِيمَا إذَا انْقَطَعَ كَمَا قَدَّمْت مِرَارًا، وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، وَلَقَدْ كَرَّرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْإِشْكَالَ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةً عَلَى أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَكُلُّهَا غَفْلَةٌ عَمَّا قَدَّمْته عَنْ الْمُتَوَلِّي وَالْمَجْمُوعِ (قَوْلُهُ: فَقِيَاسُ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ) مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذَكَرَ وَجَوَابُهُ مَا تَقَرَّرَ أَنَّ تِلْكَ الثَّلَاثَ فِيمَا إذَا انْقَطَعَ وَمَسْأَلَةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَسْوَدُ وَمِثْلُهُمَا أَحْمَرُ وَهَكَذَا حَتَّى جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ فِيمَا إذَا اسْتَمَرَّ التَّقَطُّعُ كَذَلِكَ وَبِهَذَا انْدَفَعَ فَرْقُهُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِمَا اسْتَنَدَ فِيهِ إلَى تَرَجِّي مَا لَا يُوَافِقُ قَوَاعِدَهُمْ إذْ مُجَرَّدُ التَّكَرُّرِ لَمْ يُعَوِّلُوا عَلَيْهِ تَصْرِيحًا وَلَا تَلْوِيحًا بِخِلَافِ مَا أَجَبْنَا بِهِ فَإِنَّهُمْ عَوَّلُوا عَلَيْهِ تَصْرِيحًا وَتَلْوِيحًا (قَوْلُهُ: فَلْيُحَرَّرْ) قَدْ عُرِفَ تَحْرِيرُ هَذَا الْمَقَامِ لَكِنْ بِغَيْرِ مَا فَرَّقَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَعَوَّلَ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهَا مَسْأَلَةُ مَنْ رَأَتْ إلَخْ) مَا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ كَلَامٌ يُرْجَعُ فِي فَهْمِ الْمُرَادِ مِنْهُ إلَيْهِ فَإِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ هِيَ أَصْلُ هَذَا الْمَبْحَثِ الَّذِي ذَكَرَ فِيهِ مَا مَرَّ عَنْ الْإِسْنَوِيِّ وَالشَّيْخَيْنِ وَاسْتَشْكَلَهُ بِتِلْكَ الْإِشْكَالَاتِ الَّتِي مَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهَا ثُمَّ أَعَادَهَا وَتَكَلَّمَ عَلَيْهَا بِهَذَا الْكَلَامِ الَّذِي لَا حَاصِلَ لَهُ إلَّا مَا ذَكَرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ: نَعَمْ قُلْنَا إلَخْ وَكَأَنَّهُ لِاسْتِشْعَارِهِ ذَلِكَ قَالَ وَلْيُزِدْ النَّظَرَ فِيهَا. (قَوْلُهُ: فَإِشْكَالُهَا مِنْ حَيْثُ اعْتِبَارُ الْقُوَّةِ بِالسَّبْقِ إلَخْ) لَيْسَ هَذَا مِنْ مَظَانِّ اعْتِبَارِ الْقُوَّةِ بِالسَّبْقِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ حَيْثُ اتَّحَدَا فِي الصِّفَاتِ كَأَحْمَرَ ثَخِينٍ وَأَسْوَدَ رَقِيقٍ وَوُجِدَتْ شُرُوطُ التَّمْيِيزِ فِي كُلٍّ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَا إشْكَالَ حَتَّى يُحْتَاجَ إلَى تَكَلُّفِ الْجَوَابِ عَنْهُ. بِمَا لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: لَكِنَّهُ هُنَا أَقْوَى فَلِمَ لَمْ تُعْتَبَرْ قُوَّتُهُ فِيهِ تَنَافٍ (قَوْلُهُ: ثَالِثُهَا مَنْ رَأَتْ إلَخْ) بَسَطَ ذَلِكَ فِي الْمَجْمُوعِ بِمَا حَاصِلُهُ رَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا ثُمَّ اثْنَيْ عَشَرَ نَقَاءً ثُمَّ ثَلَاثَةً دَمًا ثُمَّ انْقَطَعَ فَالثَّلَاثَةُ الْأُولَى حَيْضٌ لِأَنَّهُ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَالثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ دَمُ فَسَادٍ لَا حَيْضٍ مَعَ الْأُولَى لِمُجَاوَزَتِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَا مُنْفَرِدًا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ أَقَلُّ طُهْرٍ وَهَكَذَا لَوْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً أَوْ خَمْسَةً أَوْ سِتَّةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ثُمَّ رَأَتْ النَّقَاءَ تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَأَكْثَرَ دَمًا فَالْأَوَّلُ حَيْضٌ وَالْأَخِيرُ دَمُ فَسَادٍ وَلَا خِلَافَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا وَلَوْ رَأَتْ دَمًا دُونَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ نَقَاءً تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ دَمًا يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ خَمْسَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ فَالْأَوَّلُ دَمُ فَسَادٍ وَالثَّانِي حَيْضٌ لِوُقُوعِهِ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَلَوْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا ثُمَّ تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ نَقَاءً ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا فَالدَّمَانِ جَمِيعًا دَمُ فَسَادٍ وَلَا حَيْضَ لَهَا اتِّفَاقًا لِعَدَمِ إمْكَانِ ضَمِّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ لِمُجَاوَزَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ. وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا بِلَا لَيْلَةٍ دَمًا ثُمَّ ثَلَاثَةَ عَشَرَ نَقَاءً ثُمَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ دَمًا فَقَدْ رَأَتْ.

فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمَيْنِ دَمًا فِي أَوَّلِهَا يَوْمًا وَفِي آخِرِهَا يَوْمًا فَإِنْ قُلْنَا لَا تَلْفِيقَ فَحَيْضُهَا الدَّمُ الثَّانِي كُلُّهُ وَالْأَوَّلُ دَمُ فَسَادٍ وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُبْتَدِئَةَ تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَيْسَ فِي هَذَا الزَّمَانِ مَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ حَيْضًا وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ مُدَّةِ الْإِمْكَانِ وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنْ قُلْنَا الْمُبْتَدِئَةُ تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ حَيَّضْنَاهَا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ وَمِنْ الْخَامِسَ عَشَرَ مِقْدَارَ لَيْلَةٍ لِيَتِمَّ لَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْإِشْكَالُ فِي الْأُولَى إلَخْ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى إشْكَالَاتِهِ السَّابِقَةِ الْمَبْنِيَّةِ كُلِّهَا عَلَى تَوَهُّمِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُتَقَطِّعِ وَالْمُسْتَمِرِّ. وَلَوْ تَأَمَّلَ قَوْلَهُ كَالْمَجْمُوعِ ثُمَّ ثَلَاثَةً دَمًا وَانْقَطَعَ لَزَالَ عَنْهُ هَذَا الْإِشْكَالُ، وَبَقِيَّةُ الْإِشْكَالَاتِ السَّابِقَةِ وَلَعَلِمَ أَنَّ هَذَا رَدٌّ لِإِشْكَالِهِ وَمُصَرِّحٌ بِمَا قَدَّمْته مِرَارًا عَنْ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَنَّهُ حَيْثُ انْقَطَعَ عَمَلٌ بِالتَّمْيِيزِ وَإِنْ نَقَصَ الضَّعِيفُ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ وَأَنَّ غَيْرَ الْمُمَيِّزَةِ إنَّمَا يَتَأَتَّى لَهَا ذَلِكَ حَيْثُ اسْتَمَرَّ عَلَيْهَا الدَّمُ (قَوْلُهُ: فَلْيَكُنْ لَهَا إلَخْ) لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ لِمَا تَقَرَّرَ سِيَّمَا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَجْمُوعَ مُصَرِّحٌ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَكَذَا صُرِّحَ فِي مَسَائِلَ أُخْرَى سَبَقَتْ بِنَفْيِ الْخِلَافِ وَوَقَعَ لِلْمُصَنِّفِ اسْتِشْكَالُهَا بِمَا ذَكَرَ وَمَرَّ رَدُّ جَمِيعِهَا بِمَا ذَكَرْته هُنَا وَتَصْرِيحُ الْمَرَاغِيِّ يُنْظَرُ فِيهِ. فَإِنْ صَوَّرَ بِالِانْقِطَاعِ كَمَا صَوَّرَ بِهِ الْمَجْمُوعُ فَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا اسْتَمَرَّ الدَّمُ فَانْدَفَعَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَظَاهِرُهُ إلَخْ (قَوْلُهُ: وَتَحَيُّضُهَا الثَّلَاثَ إلَخْ) يُرَدُّ بِأَنَّ الْحُكْمَ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ بِالْحَيْضِ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ السَّبْقُ بَلْ لِوُقُوعِهِ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَحْدَهُ دُونَ الْأَخِيرَةِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا إلْغَاءُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ إلَخْ) قَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْته آنِفًا عَنْ الْمَجْمُوعِ أَنَّ صَلَاحِيَّةَ الْأَوَّلِ لِاجْتِمَاعِهِ بِبَعْضِ الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى الضَّعِيفِ الَّذِي مَرَّ آخِرَ عِبَارَةِ الْمَجْمُوعِ السَّابِقَةِ عَنْهُ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ الْأَوْلَوِيَّةِ. بَلْ لَا دَلِيلَ فِيهِ أَيْضًا وَإِنْ قُلْنَا بِهَذَا الضَّعِيفِ لِأَنَّ صَلَاحِيَتَهُ لِلِاجْتِمَاعِ إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ مُعَارِضٍ لَهُ أَقْوَى بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْإِسْنَوِيِّ الَّذِي يُرِيدُ الْمُصَنِّفُ اسْتِشْكَالَهَا فَإِنَّهُ عَارَضَ الدَّمَ الْأَوَّلَ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ: وَتَكُونُ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ) مَحَلُّهُ إنْ كَانَ اسْتَمَرَّ الدَّمُ وَإِلَّا كَانَتْ الْخَمْسَةُ الْحُمْرَةُ ثُمَّ السَّوَادُ ثُمَّ الْخَمْسَةُ الْحُمْرَةُ كُلُّهَا حَيْضًا كَمَا مَرَّ وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْمَجْمُوعِ لَوْ رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَلَا تَمْيِيزَ لَهَا (قَوْلُهُ وَهُوَ مُشْكِلٌ) قَدْ مَرَّ لَهُ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ مِرَارًا وَمَرَّ الْجَوَابُ عَنْهُ كَذَلِكَ وَكَأَنَّهُ إنَّمَا زَادَ فِي تَكْرِيرِ ذَلِكَ لِقُوَّةِ هَذِهِ الْإِشْكَالَاتِ عِنْدَهُ (قَوْلُهُ: فَتَكُونُ إلَخْ) لَا يُجْدِيه هَذَا شَيْئًا لِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ إنْ كَانَ انْقَطَعَ الدَّمُ فِيهَا فَهِيَ مِثْلُ الْأُولَى فِي التَّمْيِيزِ وَإِلَّا فَهِيَ مِثْلُهَا فِي عَدَمِهِ فَزَالَ مَا حَاوَلَهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا تَقْوِيَةَ فِيهِ لِمَا فِي النَّمَطِ الْأَوَّلِ خِلَافًا لِمَا حَاوَلَهُ أَيْضًا (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي الْأُولَى بِعَدَمِ التَّمْيِيزِ) مُرَادُهُ بِهَا مَنْ رَأَتْ خَمْسَةً أَحْمَرَ ثُمَّ يَوْمًا أَسْوَدَ ثُمَّ خَمْسَةً أَحْمَرَ وَقَدَّمْتُ فِيهَا آنِفًا شَرْطَ عَدَمِ التَّمْيِيزِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ نَفْسُهُ فِيمَا يَأْتِي قَرِيبًا وَبِهِ مَعَ مَا مَرَّ فِي تَقْرِيرِ مَا بَعْدَهَا يَرُدُّ فَرْقَ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنْ تَقْتَضِيَهُ عَادَةٌ) سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الثَّالِثَةِ الْمُعْتَادَةِ الْمُمَيِّزَةِ. (قَوْلُهُ: خَمْسَةً أَسْوَدَ) أَيْ ثُمَّ أَطْبَقَ الْأَحْمَرُ (قَوْلُهُ: وَجْهَانِ) أَيْ بَلْ ثَلَاثَةٌ أَصَحُّهَا تَقْدِيمُ التَّمْيِيزِ مُطْلَقًا وَافَقَ الْعَادَةَ أَوْ زَادَ أَوْ نَقَصَ وَثَانِيهَا تَقْدِيمُ الْعَادَةِ مُطْلَقًا وَثَالِثُهَا إنْ كَانَ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عُمِلَ بِهِمَا وَإِلَّا سَقَطَا وَكَانَتْ كَمُبْتَدِئَةٍ لَا تَمْيِيزَ لَهَا فَفِيمَنْ اعْتَادَتْ خَمْسَةً أَوَّلَ الشَّهْرِ لَوْ رَأَتْ أَوَّلَهُ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ حَيْضُهَا السَّوَادُ بِاتِّفَاقِهِمْ، أَوْ عَشَرَةً سَوَادًا، ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَحَيْضُهَا السَّوَادُ كُلُّهُ عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ وَخَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِهِ عَلَى الثَّانِي، أَوْ خَمْسَةً حُمْرَةً، ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا، ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَهُوَ السَّوَادُ عَلَى الْأَوَّلِ وَخَمْسَةُ الْحُمْرَةِ عَلَى الثَّانِي. وَالْعَشَرَةُ عَلَى الثَّالِثِ، أَوْ السَّوَادُ يَوْمًا إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَهُوَ السَّوَادُ مُطْلَقًا عَلَى الْأَوَّلِ وَخَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ مُطْلَقًا عَلَى الثَّانِي وَالْأَكْثَرُ مِنْ التَّمْيِيزِ وَالْعَادَةِ عَلَى الثَّالِثِ (قَوْلُهُ: وَكَذَا لَوْ ظَهَرَ الْقَوِيُّ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا) هَذَا عَيَّنَ مَا قَبْلَهُ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: خَمْسًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ أَيْ مِنْ أَوَّلِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ عَلَى الضَّعِيفِ الْمُقَدَّمِ عَلَى الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا خَمْسٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ رَأَتْ) أَيْ مَنْ عَادَتُهَا الْخَمْسَةُ الْأُولَى مِنْ كُلِّ شَهْرٍ (قَوْلُهُ: أَوْ فِي آخِرِهِ شَيْءٌ أَسْوَدُ إلَخْ) قَدّ يُنَافِيه.

حَاصِلُ قَوْلِ الْمَجْمُوعِ فِي هَذِهِ أَعْنِي الْمُعْتَادَةَ خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ لَوْ رَأَتْ عِشْرِينَ حُمْرَةً، ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا، ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ كَانَتْ الْخَمْسَةُ الْأُولَى مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ حَيْضًا كَعَادَتِهَا وَأَيَّامُ السَّوَادِ حَيْضٌ آخَرُ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا طُهْرًا كَامِلًا قَالَ جَمَاعَةٌ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِيهِ خِلَافًا اهـ فَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ لَوْ رَأَتْ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ خَمْسَةً أَسْوَدَ، ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ أَحْمَرَ، ثُمَّ خَمْسَةً أَسْوَدَ، ثُمَّ أَطْبَقَ الْأَحْمَرُ أَنْ يَكُونَ الْأَسْوَدُ الثَّانِي حَيْضًا لِأَنَّهُ تَخَلَّلَ بَيْنَ السَّوَادَيْنِ أَقَلُّ طُهْرٍ نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِي تِلْكَ قُلْت يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ تَعَارُضٌ، ثُمَّ عَادَةٌ وَتَمْيِيزٌ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا لِإِمْكَانِهِ. وَانْتَسَخَ بِذَلِكَ عَادَتُهَا فِي الطُّهْرِ وَأَمَّا هُنَا فَالْعَادَةُ وَافَقَتْ التَّمْيِيزَ فَكَانَتْ عَادَتُهَا فِي الطُّهْرِ وَأَنَّهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا فَإِذَا جَاءَ فِيهَا الْأَسْوَدُ ثُمَّ عَقِبَهُ الْأَحْمَرُ الْمُسْتَمِرُّ بَانَ أَنَّهُ اسْتِحَاضَةٌ لِوُقُوعِهِ فِي زَمَنِ الطُّهْرِ فَتَأَمَّلْهُ. (قَوْلُهُ: كَمَا سَبَقَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا) لَمْ يَسْبِقْ لَهُ ذَلِكَ صَرِيحًا بَلْ اقْتِضَاءٌ فَقَطْ. (قَوْلُهُ: إذَا لَمْ يَخْتَلِفْ الدَّمُ أَنَّ حَيْضَهَا الْخَمْسُ الْأُوَلُ) هَذَا يُرْجَعُ فِيهِ إلَى مُرَادِ قَائِلِهِ إذْ لَا مَعْنَى لَهُ صَحِيحٌ وَحَاصِلُ مَا فِي الْمَجْمُوعِ هُنَا إذَا اعْتَادَتْ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَجَاوَزَ عَادَتهَا لَزِمَهَا اتِّفَاقًا وَإِنْ جَرَى وَجْهٌ شَاذٌّ فِي الْمُبْتَدِئَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي اسْتِمْرَارِ الْحَيْضِ هُنَا أَنْ تُمْسِكَ عَمَّا تُمْسِكُ عَنْهُ الْحَائِضُ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَيَكُونُ الْجَمِيعُ حَيْضًا، ثُمَّ إنْ كَانَ انْقَطَعَ لِخَمْسَةَ عَشَرَ فَأَقَلَّ فَالْكُلُّ حَيْضٌ وَإِنْ جَاوَزَهَا فَمُسْتَحَاضَةٌ فَيَلْزَمُهَا الْغُسْلُ ثُمَّ إنْ كَانَتْ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ رُدَّتْ لِعَادَتِهَا فَحَيْضُهَا أَيَّامُ عَادَتِهَا قَدْرًا وَوَقْتًا وَمَا عَدَاهُ طُهْرٌ تَقْضِي صَلَاتَهُ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كَوْنُ عَادَتِهَا أَقَلَّ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ أَوْ غَالِبَهُمَا، أَوْ أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَأَقَلَّ الطُّهْرِ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَإِنْ طَالَ زَمَنُ الطُّهْرِ فَلَوْ كَانَتْ تَحِيضُ خَمْسَةً وَتَطْهُرُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَدَوْرُهَا عِشْرُونَ، أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ فَدَوْرُهَا ثَلَاثُونَ، أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَأَقَلَّ وَتَطْهُرُ تَمَامَ عَشْرِ سِنِينَ فَدَوْرُهَا عَشْرُ سِنِينَ. خِلَافًا لِفِرْقَةٍ جَعَلُوا غَايَتَهُ تِسْعِينَ الْحَيْضُ مَا يُتَّفَقُ وَالْبَاقِي طُهْرٌ لِأَنَّهَا عِدَّةُ الْآيِسَةِ وَيَبْعُدُ الْحُكْمُ بِالطُّهْرِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مَعَ جَرَيَانِ الدَّمِ. ثُمَّ الْأَصَحُّ بِاتِّفَاقِهِمْ مِنْ أَوْجُهٍ أَرْبَعَةٍ أَنَّ الْعَادَةَ تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ مُطْلَقًا مُبْتَدِئَةً كَانَتْ، أَوْ غَيْرَهَا فَلَوْ رَأَتْ مُبْتَدِئَةٌ أَوَّلَ الشَّهْرِ عَشَرَةً دَمًا وَبَاقِيَهُ طُهْرًا وَفِي ثَانٍ خَمْسَةً وَثَالِثٍ أَرْبَعَةً، ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ فِي الرَّابِعِ رُدَّتْ لِلْأَرْبَعَةِ بِلَا خِلَافٍ، أَوْ أَرْبَعَةً ثُمَّ خَمْسَةً، ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ رُدَّتْ إلَى الْخَمْسَةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ بِالتَّمْيِيزِ عَلَى الْأَصَحِّ بَلْ الصَّوَابُ كَمَا تَثْبُتُ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ وَإِنْ زَادَ عَلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا خِلَافًا لِجَمْعٍ. فَلَوْ رَأَتْ بَعْدَ شَهْرِ التَّمْيِيزِ دَمًا مُبْهَمًا اغْتَسَلَتْ بَعْدَ مُضِيِّ قَدْرِ أَيَّامِ التَّمْيِيزِ وَفَعَلَتْ مَا تَفْعَلُهُ الطَّاهِرُ الْمُسْتَحَاضَةُ نَعَمْ إنْ كَانَ انْقَطَعَ الدَّمُ فِي بَعْضِ الشُّهُورِ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ كَانَ جَمِيعُ مَا رَأَتْهُ فِي هَذَا الشَّهْرِ حَيْضًا فَعُلِمَ أَنَّهَا لَوْ اعْتَادَتْ خَمْسَةً سَوَادًا وَبَاقِيَ الشَّهْرِ حُمْرَةً وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِرَارًا، ثُمَّ رَأَتْ فِي دَوْرٍ عَشَرَةً سَوَادًا، ثُمَّ بَاقِيَهُ حُمْرَةً، ثُمَّ فِيمَا يَلِيهِ أَطْبَقَ السَّوَادُ، أَوْ دَمٌ مُبْهَمٌ فَحَيْضُهَا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ عَشَرَةٌ وَاسْتَشْكَلَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ حَيْثُ الْخِلَافُ لَا الْحُكْمُ وَلَوْ رَأَتْ مُبْتَدِئَةٌ دَمًا أَحْمَرَ شَهْرًا وَفِي شَهْرٍ ثَانٍ خَمْسَةً سَوَادًا.، ثُمَّ بَاقِيَهُ حُمْرَةً، ثُمَّ رَأَتْ فِي الثَّالِثِ دَمًا مُبْهَمًا وَأَطْبَقَ فَفِي الْأَوَّلِ هِيَ مُبْتَدِئَةٌ لَا تَمْيِيزَ لَهَا تُرَدُّ لِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَفِي الثَّانِي تُرَدُّ لِلتَّمْيِيزِ وَفِي الثَّالِثِ لِخَمْسَةٍ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ وَيَجُوزُ أَنْ تَنْتَقِلَ الْعَادَةُ فَتَتَقَدَّمُ وَتَتَأَخَّرُ وَتَزِيدُ وَتَنْقُصُ وَحِينَئِذٍ فَتُرَدُّ إلَى آخِرِ مَا رَأَتْ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ. فَمَنْ اعْتَادَتْ الْخَمْسَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الشَّهْرِ وَلَوْ رَأَتْ فِي شَهْرٍ الْخَمْسَةَ الْأُولَى دَمًا وَانْقَطَعَ فَقَدْ تَقَدَّمَتْ عَادَتُهَا وَحَيْضُهَا بِحَالِهِ دُونَ طُهْرِهَا فَإِنَّهُ نَقَصَ وَصَارَ عِشْرِينَ بَعْدَ أَنْ كَانَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ.، أَوْ الثَّالِثَةَ، أَوْ الرَّابِعَةَ، أَوْ الْخَامِسَةَ أَوْ السَّادِسَةَ فَحَيْضُهَا بِحَالِهِ أَيْضًا وَلَكِنْ زَادَ طُهْرُهَا، أَوْ الثَّانِيَةَ مَعَ الثَّالِثَةِ زَادَ حَيْضُهَا وَتَأَخَّرَتْ عَادَتُهَا، أَوْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ زَادَ حَيْضُهَا وَتَقَدَّمَتْ عَادَتُهَا، أَوْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ زَادَ حَيْضُهَا إذْ صَارَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَتَقَدَّمَتْ عَادَتُهَا وَتَأَخَّرَتْ، أَوْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَأَقَلُّ مِنْ خَمْسَتِهَا الْمُعْتَادَةِ نَقَصَ حَيْضُهَا وَلَمْ تَنْتَقِلْ عَادَتُهَا، أَوْ مِنْ الْخَمْسَةِ الْأُولَى نَقَصَ حَيْضُهَا وَتَقَدَّمَتْ عَادَتُهَا، أَوْ مِنْ الْخَمْسَةِ الثَّالِثَةِ، أَوْ مَا بَعْدَهَا نَقَصَ حَيْضُهَا وَتَأَخَّرَتْ عَادَتُهَا، ثُمَّ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ الْمُتَّفَقِ.

عَلَيْهَا إذَا اُسْتُحِيضَتْ فَأَطْبَقَ دَمُهَا بَعْدَ عَادَةٍ مِنْ هَذِهِ الْعَادَاتِ رُدَّتْ إلَيْهَا وَإِنْ لَمْ تَتَكَرَّرْ. وَمِنْ مِثْلِ قَدْرِ الطُّهْرِ إذَا تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ مَا لَوْ رَأَتْ مُعْتَادَةٌ خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الْخَمْسَةَ الثَّانِيَةَ فَقَدْ صَارَ دَوْرُهَا الْمُتَقَدِّمُ عَلَى هَذِهِ الْخَمْسَةِ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ مِنْهَا خَمْسَةٌ حَيْضٌ وَثَلَاثُونَ طُهْرٌ بِأَنْ تَكَرَّرَ هَذَا بِأَنْ رَأَتْ بَعْدَ هَذِهِ الْخَمْسَةِ ثَلَاثِينَ طُهْرًا، ثُمَّ عَادَ الدَّمُ فِي الْخَمْسَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ الشَّهْرِ الْآخَرِ وَهَكَذَا، ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ وَأَطْبَقَ الدَّمُ الْمُبْهَمُ رُدَّتْ إلَى هَذَا أَبَدًا فَخَمْسَةٌ حَيْضٌ وَثَلَاثُونَ طُهْرٌ اتِّفَاقًا وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ. بِأَنْ اسْتَمَرَّ الدَّمُ مِنْ أَوَّلِ الْخَمْسَةِ الثَّانِيَةِ فَعَلَى الْأَصَحِّ حَيْضُهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْمُبْتَدِئِ وَهِيَ الْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ وَيَكُونُ دَوْرُهَا خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ خَمْسَةٌ حَيْضٌ وَثَلَاثُونَ طُهْرٌ وَلَوْ اعْتَادَتْ خَمْسَةً أَوَّلَ الشَّهْرِ فَرَأَتْهُ الْخَمْسَةَ الثَّانِيَةَ وَانْقَطَعَ، ثُمَّ عَادَ أَوَّلَ الشَّهْرِ الثَّانِي وَانْقَطَعَ صَارَ دَوْرُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَإِنْ تَكَرَّرَ فَوَاضِحٌ أَنَّهَا تُرَدُّ إلَيْهِ وَكَذَا إنْ كَانَ لَمْ يَتَكَرَّرْ فَإِنْ عَادَ فِي الْخَمْسَةِ الْأُولَى وَاسْتَمَرَّ فَهَذِهِ الْخَمْسَةُ حَيْضٌ اتِّفَاقًا وَالطُّهْرُ عِشْرُونَ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ الْعَادَةَ تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ وَلَوْ حَاضَتْ خَمْسَتَهَا الْمَعْهُودَةَ أَوَّلَ الشَّهْرِ. ثُمَّ طَهُرَتْ عِشْرِينَ، ثُمَّ عَادَ الدَّمُ فِي الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ حَيْضُهَا وَصَارَ دَوْرُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَتُرَدُّ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ بِأَنْ اسْتَمَرَّ الدَّمُ مِنْ الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ فَتَحِيضُ خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ وَتَطْهُرُ عِشْرِينَ وَهَكَذَا وَلَوْ لَمْ تَطْهُرْ إلَّا أَرْبَعَةَ عَشَرَ، ثُمَّ عَادَ الدَّمُ وَاسْتَمَرَّ كَانَ يَوْمٌ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْعَائِدِ اسْتِحَاضَةً تَكْمِيلًا لِلطُّهْرِ وَخَمْسَةٌ بَعْدَهُ حَيْضٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ وَصَارَ دَوْرُهَا عِشْرِينَ وَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا الْخَمْسَةَ الثَّانِيَةَ فَرَأَتْ الدَّمَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَاتَّصَلَ. فَالصَّحِيحُ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ وَشَيْخِهِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَصَاحِبِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهِمْ. أَنَّ حَيْضَهَا الْخَمْسَةُ الْمُعْتَادَةُ لِأَنَّ الْعَادَةَ ثَبَتَتْ فِيهَا فَلَا تَغَيُّرَ إلَّا بِحَيْضٍ صَحِيحٍ فَعَلَيْهِ يَبْقَى دَوْرُهَا كَمَا كَانَ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ حَيْضُهَا الْخَمْسَةُ الْأُولَى مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَيَنْقُصُ طُهْرُهَا خَمْسَةُ أَيَّامٍ وَلَوْ طَهُرَتْ هَذِهِ دُونَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ وَاتَّصَلَ بَقِيَتْ عَلَى عَادَتِهَا اتِّفَاقًا وَلَوْ اعْتَادَتْ الْخَمْسَةَ الْأُولَى فَرَأَتْهَا، ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ أَطْبَقَ الدَّمُ وَاسْتَمَرَّ فَالْمَذْهَبُ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ وَشَيْخِهِ الْمَذْكُورِ وَغَيْرِهِمَا حَيْضُهَا خَمْسَةٌ أَوَّلَ كُلِّ شَهْرٍ وَبَاقِيه طُهْرٌ وَلَا أَثَرَ لِلدَّمِ الْمَوْجُودِ فِيهِ وَقِيلَ الْخَمْسَةُ الْأُولَى مِنْ الدَّمِ الثَّانِي حَيْضٌ فَيَصِيرُ دَوْرُهَا عِشْرِينَ. وَلَوْ رَأَتْ الْخَمْسَةَ الْمُعْتَادَةَ وَطَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ رَأَتْ دَمًا رُدَّتْ لِخَمْسَتِهَا الْمُعْتَادَةِ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ اتِّفَاقًا وَلَوْ رَأَتْ مُعْتَادَةُ خَمْسَةِ أَوَّلِ الشَّهْرِ خَمْسَةً حُمْرَةً أَوَّلَ الشَّهْرِ، ثُمَّ أَطْبَقَ السَّوَادُ إلَى آخِرِهِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ الْأَسْوَدَ يَرْفَعُ حُكْمَ الْأَحْمَرِ حَيْضُهَا خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْأَسْوَدِ وَقَدْ انْتَقَلَتْ عَادَتُهَا. فَإِنْ لَمْ يُطْبِقْ السَّوَادُ بَلْ رَأَتْهُ بَعْدَ خَمْسَةِ الْحُمْرَةِ خَمْسَةً، ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَحَيْضُهَا الْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ مَذْكُورٍ فِي الْمُبْتَدِئَةِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْعَادَةِ الْوَاحِدَةِ فَإِنْ كَانَ لَهَا عَادَاتٍ فَقَدْ تَنْتَظِمُ وَقَدْ لَا وَسَيَأْتِي وَإِنَّمَا أَطَلْت فِي ذَلِكَ. لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ مِنْ عَادَتِهِ فِي هَذَا الْكِتَابِ أَنَّهُ يُجْمِلُ الْقَوَاعِدَ فَلَا يَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ عَلَى مَسَائِلَ مُتَفَرِّعَةٍ عَلَى تِلْكَ الْأُصُولِ لَا يُمْكِنُ الْإِحَاطَةُ بِهَا كَمَا يَنْبَغِي إلَّا بَعْدَ الْإِحَاطَةِ بِأُصُولِهَا وَمَوَادِّهَا فَدَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى بَيَانِ ذَلِكَ بِأُصُولِ مَآخِذِهِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُ سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ وَكَلَامِنَا (قَوْلُهُ: سِتٌّ مِنْ أَوَّلِهِ) أَيْ الْأَسْوَدُ؛ لِأَنَّهُ حَيْضُهَا بِحُكْمِ التَّمْيِيزِ الْوَاقِعِ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ إذْ مِنْ الْخَامِسِ إلَى آخِرِ الْعَاشِرِ هُوَ حَيْضُهَا فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ الْأَقْوَى (قَوْلُهُ: أَشْقَرُ) أَيْ لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَحْمَرِ كَالطُّهْرِ. (قَوْلُهُ: فَحَيْضُهَا ثَمَانِيَةُ السَّوَادِ) أَيْ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ تَأْخُذُ مِنْ الْأَحْمَرِ الثَّانِي) أَيْ: مِنْ أَوَّلِهِ (قَوْلُهُ: حَيْضًا ثَلَاثًا إلَخْ) أَيْ: فِي ثَلَاثِ شُهُورٍ مُتَوَالِيَةٍ (قَوْلُهُ: وَكَذَا فِي الطُّهْرِ إلَخْ) قَدْ مَرَّ فِي كَلَامِ الْمَجْمُوعِ بَسَطَ ذَلِكَ بِأَمْثِلَةٍ بِأَوْضَحَ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُهُ: وَتَطْهُرُ آخِرَهُ أَيْ: إلَى آخِرِهِ وَقَوْلُهُ: ثُمَّ طَهُرَتْ ثَلَاثِينَ إلَخْ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى مُرَادِ قَائِلِهِ لِعَدَمِ الْتِئَامِهِ بِمَا قَبْلَهُ وَقَوْلُهُ: ذَاتُ الْخَمْسِ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ: كُلِّ بَلْ هُوَ مُوهِمٌ إذْ الْعَادَةُ فِيهَا تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي وَقَوْلُهُ: أَوَّلُ الثَّانِي أَيْ: الْيَوْمُ الثَّانِي وَقَوْلُهُ: وَحَيْضَتُهَا دَمًا ضَعِيفًا صَوَابُهُ.

دَمًا قَوِيًّا وَإِلَّا فَلَا تَمْيِيزَ وَقَوْلُهُ: وَتَكَرَّرَتْ لَيْسَ بِشَرْطٍ كَمَا عَلِمْت مِمَّا مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ وَقَوْلُهُ: فَفِيهَا وَجْهَانِ إلَخْ غَيْرُ صَحِيحٍ مِنْ حَيْثُ حِكَايَةُ الْخِلَافِ وَمِنْ حَيْثُ قَوْلُهُ: فِي الثَّانِي أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ كَمَا مَرَّ حَاصِلُهَا أَمَّا إذَا حَاضَتْ خَمْسَتَهَا الْمَعْهُودَةَ أَوَّلَ الشَّهْرِ، ثُمَّ طَهُرَتْ عِشْرِينَ، ثُمَّ عَادَ الدَّمُ فِي الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ حَيْضُهَا وَصَارَ دَوْرُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَإِنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ بِأَنْ رَأَتْ الْخَمْسَةَ الْأَخِيرَةَ دَمًا وَانْقَطَعَ، ثُمَّ طَهُرَتْ عِشْرِينَ.، ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ خَمْسَةً، ثُمَّ طَهُرَتْ عِشْرِينَ وَهَكَذَا مَرَّاتٍ، أَوْ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ رُدَّتْ إلَى ذَلِكَ وَجُعِلَ دَوْرُهَا أَبَدًا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ بِأَنْ اسْتَمَرَّ الدَّمُ مِنْ الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَحَاصِلُ مَا يَخْرُجُ مِنْ طُرُقِ الْأَصْحَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَظَائِرِهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا تَحِيضُ خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ وَتَطْهُرُ عِشْرِينَ وَهَكَذَا أَبَدًا وَالثَّانِي تَحِيضُ خَمْسَةً وَتَطْهُرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَالثَّالِثُ تَحِيضُ عَشَرَةً مِنْ هَذَا الدَّمِ وَتَطْهُرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ تُحَافِظُ عَلَى دَوْرِهَا الْقَدِيمِ وَالرَّابِعُ أَنَّ الْخَمْسَةَ الْأَخِيرَةَ اسْتِحَاضَةٌ وَتَحِيضُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ خَمْسَةً وَتَطْهُرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ. عَلَى عَادَتِهَا الْقَدِيمَةِ انْتَهَتْ بِلَفْظِهَا وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي رَدِّ مَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي رَدِّ قَوْلِهِ عَنْ هَذَا الْوَجْهِ الرَّابِعِ الضَّعِيفِ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَقَوْلِ الْمَجْمُوعِ بَعْدَهَا بِأَسْطُرٍ: أَمَّا إذَا كَانَتْ عَادَتُهَا الْخَمْسَةَ الْأُولَى فَرَأَتْهَا، ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ أَطْبَقَ الدَّمُ فَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَشَيْخِهِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهَا عَلَى عَادَتِهَا فَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ وَبَاقِيه طُهْرٌ وَلَا أَثَرَ لِلدَّمِ الْمَوْجُودِ فِيهِ وَالثَّانِي أَنَّ الْخَمْسَةَ الْأُولَى مِنْ الدَّمِ الثَّانِي حَيْضٌ فَعَلَى هَذَا يَصِيرُ دَوْرُهَا عِشْرِينَ خَمْسَةٌ حَيْضٌ وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ وَبَيَّنَ فِي الْمُهَذَّبِ. أَنَّ هَذَا الثَّانِيَ لِابْنِ سُرَيْجٍ قُلْت هَذِهِ الصُّورَةُ هِيَ صُورَةُ وَجْهَيْ الْمُصَنِّفِ اللَّذَيْنِ سَبَقَا عَنْهُ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ فَهُوَ إمَّا وَاهِمٌ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ نَظَرُهُ فَأَجْرَى فِي تِلْكَ الصُّورَةِ حُكْمَ هَذِهِ وَهَذَا أَقْرَبُ بِدَلِيلِ تَعْلِيلِهِ لِلْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا أَوْ قَايَسَ قِيَاسًا غَيْرَ صَحِيحٍ فَأَجْرَى حُكْمَ هَذِهِ فِي تِلْكَ مَعَ فَرْقِهِمْ بَيْنَهُمَا حُكْمًا وَخِلَافًا ثُمَّ رَأَيْت الْمُصَنِّفَ نَفْسَهُ نَقَلَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى الصَّوَابِ فِيمَا يَأْتِي وَأَشَارَ إلَى إشْكَالٍ وَسَأَذْكُرُ حَلَّهُ مَعَ حَلِّ هَذَا الْإِشْكَالِ أَيْضًا بِحَمْدِ اللَّهِ وَمَعُونَتِهِ وَتَوْفِيقِهِ وَهِدَايَتِهِ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ رَأَتْ الدَّمَ مُسْتَمِرًّا بَعْدَ عِشْرِينَ نَقَاءً) . هَذِهِ هِيَ الصُّورَةُ الَّتِي حَكَى فِيهَا الْوَجْهَيْنِ وَقَدْ نَاقَضَ نَفْسَهُ فَحَكَى فِيهَا فِيمَا مَرَّ الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ إنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ أَنَّ حَيْضَهَا لَيْسَ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ بَلْ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ عَمَلًا بِعَادَتِهَا وَجَزَمَ فِيهَا هُنَا بِأَنَّ الْحَيْضَ خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْعَائِدِ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ كَمَا قَدَّمْته عَنْ الْمَجْمُوعِ وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا (قَوْلُهُ: إذَا تَكَرَّرَ) لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ إلَّا فِي الْعَادَةِ الْمُنْتَظِمَةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ (قَوْلُهُ: يَعْنِي بَعْد أَنْ رَأَتْ دَوْرَ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ دَمًا مَرَّةً وَنَقَاءً مَرَّةً وَاحِدَةً) هَذَا لَيْسَ مُرَادُهُمْ بَلْ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ مُصَرِّحٌ بِمَا يَرُدُّ هَذَا التَّأْوِيلَ وَقَدْ سُقْته بِلَفْظِهِ قَرِيبًا. فَرَاجِعْهُ عَلَى أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ مُنَاقِضٌ لِقَوْلِ الْمُؤَلِّفِ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ بِأَنْ اسْتَمَرَّ الدَّمُ مِنْ الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ إذْ قَوْلُهُ: يَعْنِي إلَخْ فِيهِ إثْبَاتُ تَكَرُّرِهِ مَعَ أَنَّ الْمُتَقَدِّمَ عَدَمُ تَكَرُّرِهِ فَكَيْفَ يَلْتَئِمَانِ؟ وَكَأَنَّهُ ذَكَرَ هَذَا ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ يَنْدَفِعُ بِهِ مَا يَأْتِي مِنْ الْإِشْكَالِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ التَّخَالُفِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ فِيمَا مَرَّ وَهُنَا حَيْثُ حَكَى فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَوَّلًا وَجْهَيْنِ وَأَنَّ ظَاهِرَ الْمَذْهَبِ مِنْهُمَا إلْغَاءُ الدَّمِ فِي الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ، ثُمَّ بَعْدَ أَسْطُرٍ جَزَمَ فِيهَا بِأَنَّ الْخَمْسَةَ الْأَخِيرَةَ حَيْضٌ مِنْ غَيْرِ هَذَا التَّأْوِيلِ.، ثُمَّ بَعْدَ أَسْطُرٍ ذَكَرَ فِيهَا ذَلِكَ مَعَ هَذَا التَّأْوِيلِ وَذَلِكَ مِمَّا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ اسْتَشْكَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ بِأَنَّهُ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ إلَخْ) لَيْسَ فِيهِ خِلَافٌ لَهَا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْعَادَةَ فِي الطُّهْرِ تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ كَالْحَيْضِ وَهِيَ هُنَا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا طَهُرَتْ بَعْدَ خَمْسَتِهَا عِشْرِينَ، ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ رَأَتْهُ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ فَجُعِلَ حَيْضًا وَيَلْزَمُ مَنْ جَعَلَهُ حَيْضًا أَنَّ مَا قَبْلَهُ طُهْرٌ صَحِيحٌ فَقَدْ اسْتَقَرَّ لَهَا طُهْرٌ صَحِيحٌ وَقَعَتْ عَقِبَهُ الِاسْتِحَاضَةُ فَرُدَّتْ إلَيْهِ فِي الطُّهْرِ كَمَا رُدَّتْ إلَى مِثْلِ خَمْسَتِهَا فِي الْحَيْضِ وَحِينَئِذٍ لَزِمَ أَنَّ أَوَّلَ الدَّمِ الْعَائِدِ خَمْسَةٌ حَيْضًا وَعِشْرُونَ.

طُهْرًا عَمَلًا فِي الْحَيْضِ بِالْعَادَةِ الْمُسْتَقِرَّةِ مِنْ جِهَةِ الْقَدْرِ لَا الزَّمَنِ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهَا وَفِي الطُّهْرِ بِالْعَادَةِ الْأَخِيرَةِ الثَّابِتَةِ بِمَرَّةِ الَّتِي وَلِيَتْهَا الِاسْتِحَاضَةُ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ السَّابِقَةُ أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ تُرَدُّ إلَى آخِرِ الْعَادَاتِ الَّتِي وَلِيَهَا شَهْرُ الِاسْتِحَاضَةِ هَذَا جَوَابُ هَذَا الْإِشْكَالِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمَجْمُوعِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا الدَّوْرُ حَدَثَ فِي زَمَنِ الِاسْتِحَاضَةِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ فَقَدْ أَثْبَتِنَا عَادَةَ الِاسْتِحَاضَةِ مَعَ دَوَامِ الِاسْتِحَاضَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ الْمُمَيِّزَةَ ثَبَتَتْ لَهَا بِالتَّمْيِيزِ عَادَةٌ مَعْمُولٌ بِهَا اهـ. وَأَمَّا مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُشْكِلَةِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَسَيَأْتِي جَوَابُهُ فِي عِبَارَةِ شَرْحِ الْعُبَابِ (قَوْلُهُ: تَحَكُّمًا بِغَيْرِ دَلِيلٍ) كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَصْدُرَ مِنْهُ مِثْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي حَقِّ النَّوَوِيِّ التَّابِعِ لِلْأَصْحَابِ فِيمَا ذَكَرَهُ وَإِنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنْ يَقُولَ: هَذَا مُشْكِلٌ وَنَحْوُهُ عَلَى أَنَّهُ سَيَأْتِي دَلِيلُهُ (قَوْلُهُ: وَقِيَاسُهُ إلَخْ) سَيَأْتِي فِي تِلْكَ الْعِبَارَةِ مَا يَرُدُّ هَذَا الْقِيَاسَ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَتَنَبَّهْ أَحَدٌ إلَخْ) قَدْ تَنَبَّهْت لِذَلِكَ بِمَعُونَةِ اللَّهِ وَإِلْهَامِهِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَأَجَبْت بِمَا تَقَرُّ بِهِ الْعَيْنُ حَسَبَ جَهْدِي عَمَّا أَبْدَيْتُهُ فِيهِ مِنْ التَّنَاقُضِ بَيْنَ مَسَائِلَ مِنْهَا هَذِهِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ. وَمَسَائِلَ أُخْرَى كُلُّهَا فِي الْمَجْمُوعِ (قَوْلُهُ: وَرَأَوْا الرَّدَّ إلَخْ) هَذَا الرَّأْيُ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ مُخَالَفَةَ صَرِيحِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ لَا تَجُوزُ وَإِنْ خَالَفَ الْقَوَاعِدَ فِي ظَنِّ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ وَغَيْرُهُمْ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَزِمَهُ الرُّجُوعُ إلَيْهِمْ وَالِاسْتِمْسَاكُ بِهَدْيِهِمْ وَآرَائِهِمْ وَإِنْ ظَنَّهَا مُخَالِفَةً لِلْقَوَاعِدِ بِحَسَبِ تَصَوُّرِهِ (قَوْلُهُ: وَظَهَرَ لِي مِنْ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ إلَخْ) سَيَظْهَرُ مِمَّا سَأَذْكُرُهُ عَنْ شَرْحِ الْعُبَابِ إيضَاحُ كَلَامِهِمَا عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ لَا سَقَطَ فِيهِ بِوَجْهٍ عَلَى أَنَّ دَعْوَى السَّقَطِ مِنْهُ. وَأَنَّهُمَا وَمَنْ بَعْدَهُمَا غَفَلُوا عَنْ ذَلِكَ فِيهَا الْجَرَاءَةُ عَلَيْهِمَا وَعَلَى جَمِيعِ مَنْ بَعْدَهُمَا بِالْغَلَطِ وَهَذَا لَا يَنْبَغِي وَإِنَّمَا الَّذِي يَنْبَغِي لِمَنْ قَامَ عِنْدَهُ إشْكَالُ شَيْءٍ أَنْ يَقْضِيَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْقُصُورِ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ فَإِنَّ الْفِقْهَ مِنْهُ مُشْكِلٌ وَمِنْهُ غَيْرُ مُشْكِلٌ وَغَايَةُ الْعُلَمَاءِ الْآنَ وَقَبْلَهُ أَنْ يَفْهَمُوا نَحْوَ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَيُقَرِّرُونَهُ عَلَى وَجْهِهِ مَعَ اعْتِرَافِهِمْ بِأَنَّ فِيهِ مُشْكِلَاتٍ تَحْتَاجُ إلَى تَمَحُّلَاتٍ حَتَّى يَقْرُبَ فَهْمُهَا وَيَتَّضِحَ عِلْمُهَا وَمِنْ ثَمَّ أَعْرَضُوا عَنْ مُغَلِّطِيهِمَا وَالْمُعْتَرِضِينَ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَيْهِمْ وَإِنْ جَلَّتْ مَرَاتِبُهُمْ وَكَذَلِكَ الشَّيْخَانِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى مَعَ الْأَصْحَابِ. فَإِنَّهُمَا يَنْقُلَانِ عَنْهُمْ غَرَائِبَ يُقِرَّانِ أَكْثَرَهَا وَلِذَلِكَ قَدْ يَعْرِضُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لِلتَّغْلِيطِ وَأَمَّا الْمَجْمُوعُ فَهُوَ فِيهِ كَالْمُجْتَهِدِ فَلِذَا أَكْثَرَ فِيهِ مِنْ التَّغْلِيطِ وَلَا دَلَالَةَ لِلْمُصَنِّفِ فِيمَا ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ وَمَا بَعْدَهُ إذْ لَيْسَ فِيهِ دَعْوَى سَقَطٍ عَلَى أَنَّ جَمْعًا مُحَقِّقِينَ قَالُوا إنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الطَّرِيقَتَيْنِ كَمَا بَيَّنْت ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَالْعُبَابِ وَغَيْرِهِمَا وَكَذَا مَا فَهِمَهُ الْإِسْنَوِيّ وَغَيْرُهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا حَمْلُ عِبَارَتِهَا عَلَى أَنَّهَا مُفَرَّعَةٌ عَلَى ضَعِيفٍ وَهَذَا يَقَعُ كَثِيرًا لِلْمُتَكَلِّمِينَ عَلَيْهَا وَعَلَى أَصْلِهَا أَنَّهُمْ يُفَرِّعُونَ مَا فِيهَا عَلَى ضَعِيفٍ لِأَدِلَّةٍ قَامَتْ عِنْدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: وَلَعَلَّ مَا ظَنَنَّاهُ إلَخْ لَا يَتِمُّ لَهُ إلَّا لَوْ رَأَى مَا ظَنَّهُ سَاقِطًا مِنْ الرَّوْضَةِ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْعَزِيزِ كَمَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي اسْتَشْهَدَ بِهِ وَأَمْثَالِهِ فَإِنَّهُمْ لَا يَحْكُمُونَ عَلَى الرَّوْضَةِ بِذَلِكَ إلَّا وَيَسْتَنِدُونَ فِيهِ إلَى أَنَّ هَذَا السَّاقِطَ مِنْهَا مَوْجُودٌ فِي نُسَخِ الْعَزِيزِ الْمُعْتَمَدَةِ فَحِينَئِذٍ يَسُوغُ لَهُمْ أَنْ يَدَّعُوا أَنَّهُ تَبِعَهُ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ لِلسَّقَطِ عَلَى أَنَّ جَمَاعَةً مِنْهُمْ قَدْ يَنْتَصِرُونَ لِمَا فِيهَا وَإِنْ خَالَفَ مَا فِي أَكْثَرِ نُسَخِ أَصْلِهَا كَمَا فِي مَسْأَلَةِ مَا لَوْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ فِي شُغْلِ الِارْتِحَالِ مِنْ مِنًى كَمَا بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي حَاشِيَةِ مَنَاسِكِ النَّوَوِيِّ الْكُبْرَى وَغَيْرِهَا. وَقَوْلُهُ: وَلْنُبَيِّنْ مَا بَنَيْتُ عَلَيْهِ الْوُجُوهَ إلَخْ قَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ وَغَيْرَهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ عَلَى وَجْهٍ أَظْهَرَ وَأَمَتْنَ مِمَّا ذَكَرَهُ كَمَا يُعْلَمُ بِتَدَبُّرِ عِبَارَتِهِ وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِمَّا لَمْ أُسْبَقُ إلَيْهِ إلَّا أَنَّنِي وَالْمُؤَلِّفَ جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا وَقَعَ لَنَا مُوَافَقَةٌ فِي قَلِيلٍ مِنْهُ فَعَلَى النَّاظِرِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُمْعِنَ التَّأَمُّلَ فِيهِ فَإِنَّ هَذَا الْمَحَلَّ مَزَلَّةُ قَدَمٍ فِي الْمَجْمُوعِ كَمَا ذَكَرْته فِي تِلْكَ الْعِبَارَةِ وَلَفْظِهَا مَعَ الْمَتْنِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ (وَمَنْ عَادَتُهَا الْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ فَرَأَتْهُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَجَاوَزَ) نِصْفَهُ (وَاسْتُحِيضَتْ) بِأَنْ اسْتَمَرَّ (فَحَيْضُهَا) عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَشَيْخِهِ أَبِي الطَّيِّبِ وَصَاحِبِ الْبَيَانِ.

وَغَيْرِهِمْ الْخَمْسَةُ (الثَّانِيَةُ) لِأَنَّ الْعَادَةَ ثَبَتَتْ بِهَا فَلَا تَغَيُّرَ إلَّا بِحَيْضٍ صَحِيحٍ (وَ) عَلَى هَذَا يَبْقَى (دَوْرُهَا كَمَا كَانَ) عَمَلًا بِعَادَتِهَا الَّتِي وَلِيَهَا شَهْرُ الِاسْتِحَاضَةِ وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ حَيْضُهَا خَمْسَةُ الشَّهْرِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِهَا فِي وَقْتٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا فَعَلَيْهِ نَقَصَ طُهْرُهَا خَمْسَةً وَصَارَ دَوْرُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ (وَلَوْ رَأَتْ) هَذِهِ (خَمْسَتَهَا) الْمُعْتَادَةَ وَهِيَ الثَّانِيَةُ (وَطَهُرَتْ دُون أَقَلِّهِ) أَيْ: الطُّهْرِ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا كَأَنْ طَهُرَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ (ثُمَّ اتَّصَلَ) الدَّمُ (فَهِيَ عَلَى عَادَتِهَا) بِلَا خِلَافٍ وَوَافَقَ عَلَيْهِ أَبُو الْعَبَّاسِ، ثُمَّ قُلْت (وَمَنْ عَادَتُهَا الْخَمْسَةُ الْأُولَى) مِنْ الشَّهْرِ (لَوْ حَاضَتْهَا، ثُمَّ) بَعْدَ طُهْرِهَا عِشْرِينَ حَاضَتْ الْخَمْسَةَ (الْأَخِيرَةَ) مِنْهُ (فَدَوْرُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ) ؛ لِأَنَّ حَيْضَهَا تَقَدَّمَ عَنْ وَقْتِهِ بِخَمْسَةٍ (فَتُرَدُّ إلَيْهِ إذَا اُسْتُحِيضَتْ) سَوَاءٌ أَطَهُرَتْ بَعْدَ الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ عِشْرِينَ أَيْضًا ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ أَمْ لَمْ تَطْهُرْ بَعْدَهَا بَلْ اسْتَمَرَّ الدَّمُ (فَتَحِيضُ) عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَوْجُهٍ أَرْبَعَةٍ (خَمْسَةٍ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْمُسْتَمِرِّ وَخَمْسَةٍ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ وَهَكَذَا) أَبَدًا وَقِيلَ تَحِيضُ خَمْسَةً وَتَطْهُرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَقِيلَ تَحِيضُ عَشَرَةً مِنْ هَذَا الدَّمِ وَتَطْهُرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ، ثُمَّ تُحَافِظُ عَلَى دَوْرِهَا الْقَدِيمِ وَقِيلَ الْخَمْسَةُ الْأَخِيرَةُ اسْتِحَاضَةٌ وَتَحِيضُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ خَمْسَةً وَتَطْهُرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ عَلَى عَادَتِهَا الْقَدِيمَةِ (وَإِنْ رَأَتْ) مَنْ كَانَتْ تَحِيضُ خَمْسَةً أَوَّلَ الشَّهْرِ وَتَطْهُرُ بَاقِيَهُ (خَمْسَتَهَا وَطَهُرَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ) بِأَنْ عَادَ الدَّمُ بَعْدَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَاسْتَمَرَّ فَالْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ خَمْسَتِهَا وَالدَّمُ نَاقِصٌ عَنْ أَقَلِّ الطُّهْرِ فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا تُكْمِلُ أَقَلَّ الطُّهْرِ لِاسْتِحَالَةِ الْحُكْمِ بِالْحَيْضِ قَبْلَ أَقَلِّهِ فَلِذَا (كَمُلَ طُهْرُهَا بِيَوْمٍ مِنْ أَوَّلِ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ الْعَائِدِ وَتَحِيضُ خَمْسَةً بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِدُخُولِ وَقْتِ إمْكَانِ الْحَيْضِ حِينَئِذٍ (وَخَمْسَةَ عَشَرَ) مِنْ ذَلِكَ الدَّمِ بَعْدَ الْخَمْسَةِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهَا بِالْحَيْضِ (طُهْرُهَا) أَيْ: تُجْعَلُ كَذَلِكَ وَحِينَئِذٍ (فَدَوْرُهَا عِشْرُونَ) وَقِيلَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ الْعَائِدِ اسْتِحَاضَةٌ، ثُمَّ بَاقِي هَذَا الشَّهْرِ وَهُوَ عَشَرَةٌ مَعَ خَمْسَةٍ مِمَّا يَلِيه حَيْضٌ، ثُمَّ تَطْهُرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ تَمَامَ الشَّهْرِ وَتُحَافِظُ عَلَى دَوْرِهَا الْقَدِيمِ وَقِيلَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ الْعَائِدِ اسْتِحَاضَةٌ وَبَعْدَهُ خَمْسَةٌ حَيْضٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ طُهْرٌ وَهَكَذَا أَبَدًا وَقِيلَ جَمِيعُ الدَّمِ الْعَائِدِ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ اسْتِحَاضَةٌ وَتَفْتَتِحُ دَوْرَهَا الْقَدِيمَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الثَّانِي (أَوْ) رَأَتْ خَمْسَتَهَا (وَطَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ، أَوْ عَشَرَةً، ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ) بِأَنْ عَادَ الدَّمُ وَاسْتَمَرَّ (فَعَادَتُهَا بِحَالِهَا) عَلَى الْمَذْهَبِ فِي الْأُولَى عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَشَيْخِهِ وَغَيْرِهِمَا. وَبِالِاتِّفَاقِ فِي الثَّانِيَةِ فَحِينَئِذٍ (خَمْسَةٌ مَنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ حَيْضٌ وَبَاقِيهِ طُهْرٌ) فَعَلَى هَذَا يَكُونُ بَاقِي الشَّهْرِ طُهْرًا وَلَا أَثَرَ لِلدَّمِ الْمَوْجُودِ فِيهِ اهـ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ وَكَثِيرٌ مِنْهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا سِيَّمَا مَسْأَلَةُ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ الَّتِي فِيهَا الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ فَإِنْ قُلْت وَقَعَ فِي كَلَامِهِ تَنَاقُضٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ السَّابِقَ آنِفًا وَلَوْ رَأَتْ خَمْسَتَهَا وَطَهُرَتْ دُونَ أَقَلِّهِ، ثُمَّ اتَّصَلَ فَهِيَ عَلَى عَادَتِهَا يُنَافِي قَوْلَهُ هُنَا وَإِنْ رَأَتْ خَمْسَتَهَا وَطَهُرَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ إلَخْ إذْ الصُّورَةُ فِي الْحَالَيْنِ وَاحِدَةٌ وَمَعَ ذَلِكَ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ بَلْ وَحُكِيَ فِيهِ الِاتِّفَاقُ فِي الْأُولَى وَالْخِلَافُ فِي الثَّانِيَةِ. وَقَوْلُهُ: هُنَا، أَوْ عَشْرَةٌ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا وَمُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ ثَانِيًا فِي الْحُكْمِ وَالْخِلَافِ أَيْضًا قُلْت هُوَ كَذَلِكَ وَزَادَ الْإِشْكَالَ جَمْعُ الْمُصَنِّفِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ كَذَلِكَ بَلْ وَزَادَ فِي الْإِيهَامِ بِمُخَالَفَتِهِ أُسْلُوبَ الْمَجْمُوعِ وَإِدْرَاجِهِ مَسْأَلَةَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَالْعَشَرَةِ مَعَ مَا قَبْلَهَا مَعَ أَنَّهُ كَانَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُهَا عَقِبَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى إذْ الثَّلَاثَةُ مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ كَمَا صَنَعَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَدْ كُنْت اُسْتُفْتِيتُ فِي نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ نَوَاحِي الْيَمَنِ فَكَتَبْت فِيهِ مُؤَلَّفًا شَافِيًا وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي وَاَلَّذِي يَتَّضِحُ بِهِ هَذَا الْمَحَلُّ. وَإِنْ كَانَ مَزَلَّةَ قَدَمٍ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ الصُّورَةَ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةَ أَعْنِي قَوْلَهُ: وَلَوْ رَأَتْ خَمْسَتَهَا وَطَهُرَتْ دُونَ أَقَلِّهِ إلَخْ وَقَوْلُهُ: أَوْ عَشَرَةً، ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ إلَخْ مَفْرُوضَانِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْجَوَاهِرِ فِي الْأُولَى فِيمَا إذَا تَكَرَّرَتْ عَادَتُهَا بِمَا وَقَعَ فِيمَا قَبْلَ شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ مَرَّتَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ بِأَنْ كَانَ حَيْضُهَا الْخَمْسَةَ الثَّانِيَةَ وَبَقِيَّةُ الشَّهْرِ مَعَ الْخَمْسَةِ الْأُولَى طُهْرٌ وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ وَحِينَئِذٍ فَلَا وَجْهَ لِلْخِلَافِ.

لِأَنَّ الْعَادَةَ الْمُتَكَرِّرَةَ يُرْجَعُ إلَيْهَا بِالِاتِّفَاقِ وَلَا نَظَرَ لِمَا وَقَعَ فِي شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ لِأَنَّهُ عَارَضَهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ وَهُوَ مَا وَقَعَ مُتَكَرِّرًا فِيمَا قَبْلَ شَهْرِهَا مَعَ ضَعْفِ الطُّهْرِ الَّذِي فِي شَهْرِهَا بِمَجِيءِ الدَّمِ قَبْلَ إمْكَانِهِ وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ أَعْنِي قَوْلَهُ وَإِنْ رَأَتْ خَمْسَتَهَا وَطَهُرَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ إلَخْ فَمَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا لَمْ تَتَكَرَّرْ عَادَتُهَا كَأَنْ رَأَتْ فِي شَهْرٍ خَمْسَةً أَوَّلَهُ وَطَهُرَتْ بَاقِيَهُ، ثُمَّ فِي الَّذِي يَلِيه رَأَتْ الْخَمْسَةَ الْأُولَى وَطَهُرَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ عَادَ الدَّمُ وَاسْتَمَرَّ وَكَأَنْ حَاضَتْ الْخَمْسَةَ الْأُولَى وَطَهُرَتْ عِشْرِينَ، ثُمَّ حَاضَتْ الْخَمْسَةَ الْأَخِيرَةَ، ثُمَّ طَهُرَتْ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ فَهَذِهِ هِيَ مَحَلُّ الْخِلَافِ لِأَنَّ مَنْ أَثْبَتَ الْعَادَةَ بِمَرَّةٍ يُكْمِلُ الطُّهْرَ بِيَوْمٍ مِنْ هَذَا الدَّمِ، ثُمَّ يَجْعَلُ خَمْسَةً حَيْضًا ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ فِيهِ عَمَلًا بِعَادَتِهَا الثَّابِتَةِ فِي شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ وَإِعْرَاضًا عَنْ عَادَتِهَا فِي الَّذِي قَبْلَهُ وَتَكْمِيلُ الطُّهْرِ بِيَوْمٍ لِضَرُورَةِ الْإِمْكَانِ لَا يُنَافِي جَعْلَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا لَهَا وَأَنَّهَا هِيَ عَادَتُهَا الَّتِي تَرْجِعُ إلَيْهَا دُونَ عَادَتِهَا السَّابِقَةِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْعَادَةَ الَّتِي تَلِيهَا الِاسْتِحَاضَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُثْبِتْ الْعَادَةَ بِمَرَّةٍ فَيَقُولُ إنَّهَا تَرْجِعُ لِدَوْرِهَا الْقَدِيمِ وَمِنْ ثَمَّ اتَّفَقَتْ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَةُ عَلَى ذَلِكَ. وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الرُّجُوعِ إلَيْهِ كَمَا يُعْلَمُ بِتَأَمُّلِهَا وَيُوَجَّهُ هَذَا أَيْضًا بِأَنَّ مَنْ لَمْ يُثْبِتْهَا بِمَرَّةٍ لَا يُعَوِّلُ عَلَى مَا فِي هَذَا الشَّهْرِ بَلْ إمَّا يَنْظُرُ لِعَادَتِهَا الْقَدِيمَةِ فَيُجْرِيهَا عَلَيْهَا فِيمَا بَعْدَ هَذَا الشَّهْرِ وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي وَالرَّابِعُ، أَوْ فِيهِ أَيْضًا وَهُوَ الثَّالِثُ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الثَّانِي وَالرَّابِعُ فِيهِ لِأَنَّ الثَّانِي نَظَرَ لِإِمْكَانِ جَعْلِ الْعَائِدِ حَيْضًا فَجَعَلَ مِنْهُ بَعْدَ الْيَوْمِ الْمُكَمِّلِ لِلطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ حَيْضًا وَخَمْسَةً طُهْرًا تَمَامَ الشَّهْرِ، ثُمَّ تُحَافِظُ عَلَى دَوْرِهَا الْقَدِيمِ وَالرَّابِعُ أَعْرَضَ عَمَّا فِيهِ فَجَعَلَهُ اسْتِحَاضَةً مُحَافَظَةً عَلَى حِكَايَةِ دَوْرِهَا الْقَدِيمِ. بِاسْتِفْتَاحِهِ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَإِنْ قُلْت الْفَرْضُ أَنَّ مَا قَبْلَهُ لَمْ يَتَكَرَّرْ فَكَيْفُ تَرْجِعُ إلَيْهِ هَذِهِ الْأَوْجُهُ؟ قُلْت قَدْ يُقَالُ إنَّمَا رَجَعَتْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ قَوِيٌّ بِمُوَافَقَتِهِ لِلْإِمْكَانِ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّ مُخَالَفَةَ مَا فِيهِ لِلْإِمْكَانِ أَضْعَفَتْهُ فَلَمْ يُعْمَلْ بِمَا فِيهِ بَلْ بِمَا قَبْلَهُ لِقُوَّتِهِ كَمَا تَقَرَّرَ فَإِنْ قُلْت فَلِمَ قَطَعُوا بِبَقَائِهَا عَلَى عَادَتِهَا فِيمَا إذَا رَأَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَوْ عَشَرَةً مَثَلًا كَمَا مَرَّ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ رَأَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ قُلْت يَتَعَيَّنُ فَرْضُ صُورَةِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ هَذِهِ فِيمَا إذَا تَكَرَّرَتْ عَادَتُهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا فِي شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ كَمَا فَرَضْنَا الْآخَرِينَ كَذَلِكَ. وَحِينَئِذٍ فَيُوَجَّهُ جَرَيَانُ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ بِأَنَّ طُهْرَ شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ قَوِيٌّ فِيهَا بِكَوْنِ الدَّمِ لَمْ يَأْتِ إلَّا بَعْدَ إمْكَانِهِ فَسَاغَ لِلْوَجْهِ الضَّعِيفِ أَنْ يُجْعَلَ الْخَمْسَةُ الْأُولَى مِنْ هَذَا الدَّمِ حَيْضًا فَيَصِيرُ دَوْرُهَا عِشْرِينَ لِتَنْتَقِلَ عَادَتُهَا تَنَقُّلًا صَحِيحًا وَمَعَ التَّنَقُّلِ الصَّحِيحِ لَا نَظَرَ لِتَكَرُّرِ الْعَادَةِ السَّابِقَةِ وَعَدَمِ تَكَرُّرِهَا وَأَمَّا الْوَجْهُ الصَّحِيحُ فَيَنْظُرُ إلَى أَنَّ هَذَا التَّنَقُّلَ ضَعُفَ بِاسْتِمْرَارِ الدَّمِ الْجَائِيِّ قَبْلَ وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ فَرَجَعَ بِهَا إلَى عَادَتِهَا الْمُسْتَقِرَّةِ قَبْلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَقْوَى وَأَمَّا الصُّورَتَانِ الْأُخْرَيَانِ أَعْنِي صُورَةَ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ وَالْعَشَرَةِ الْمَقْطُوعَ فِيهِمَا بِبَقَائِهِمَا عَلَى عَادَتِهَا الْمُسْتَقِرَّةِ. قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا لَمْ يَجْرِ فِيهِمَا الْخِلَافُ لِضَعْفِ طُهْرِ شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ بِكَوْنِ الدَّمِ جَاءَ قَبْلَ إمْكَانِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَمْ يُعَارِضْ الْعَادَةَ الْمُتَكَرِّرَةَ قَبْلَ شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ إلَّا ضَعِيفٌ فَلَمْ يَنْظُرْ إلَيْهِ أَحَدٌ وَقَالُوا كُلُّهُمْ بِالرُّجُوعِ لِتِلْكَ الْعَادَةِ الْقَوِيَّةِ الْمُتَكَرِّرَةِ فَإِنْ قُلْت فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ رُؤْيَتِهَا مِنْ الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ وَاسْتَمَرَّ حَيْثُ جُعِلَتْ حَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ الْأَوْجُهِ الْأَرْبَعَةِ السَّابِقَةِ وَرُؤْيَتُهَا مِنْ بَعْدِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَاسْتَمَرَّ حَيْثُ أُلْغِيَ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ مَعَ أَنَّ الْفَاصِلَ فِي كُلٍّ مِنْ الصُّورَتَيْنِ طُهْرٌ صَحِيحٌ إذْ هُوَ عِشْرُونَ فِي الْأُولَى وَخَمْسَةَ عَشَرَ فِي الثَّانِيَةِ. قُلْت يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ التَّنَقُّلَ الْقَرِيبَ يُغْتَفَرُ فِيهِ لِوُقُوعِهِ كَثِيرًا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي التَّنَقُّلِ الْبَعِيدِ لِنُدْرَتِهِ وَمِنْ الْقَوَاعِدِ أَنَّ نَادِرَ الْوُقُوعِ يُلْحَقُ بِكَثِيرِهِ، أَوْ غَالِبِهِ بِخِلَافِ كَثِيرِهِ لَا يُلْحَقُ بِشَيْءٍ بَلْ يَكُونُ لَهُ حُكْمٌ مُسْتَقِلٌّ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَعَوْدُ الدَّمِ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ بَعِيدٌ مِنْ أَوَّلِ الْعَادَةِ الَّذِي هُوَ أَوَّلُ الشَّهْرِ وَبَيْنَهُمَا فَاصِلٌ وَهُوَ الْخَمْسَةُ الْأَخِيرَةُ فَلَمْ يُجْعَلْ حَيْضًا مُسْتَقِلًّا بَلْ أَلْغَوْهُ وَأَعْرَضُوا عَنْهُ لِضَعْفِهِ بِنُدْرَتِهِ فَلَمْ يَقْوَ عَلَى تَقَدُّمِهِ عَلَى الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ وَأَمَّا عَوْدُهُ مِنْ أَوَّلِ الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ أَوَّلِ الْعَادَةِ وَمُتَّصِلٌ بِهِ فَجُعِلَ.

حَيْضًا مُسْتَقِلًّا لِأَنَّ هَذَا التَّقَدُّمَ وَالنَّقْلَ فِي عَادَاتِ الْحَيْضِ كَثِيرٌ فَقَوِيَ عَلَى تَقَدُّمِهِ عَلَى الْعَادَةِ وَصَارَ لِاتِّصَالِهِ بِهَا كَأَنَّهُ هِيَ فَلِذَا حَكَمُوا عَلَى الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ بِأَنَّهَا حَيْضٌ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ بِخِلَافِ الْمَرْئِيِّ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهُ دَمُ فَسَادٍ عَلَى مَا مَرَّ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا يَأْتِي قَرِيبًا فِي التَّقَطُّعِ أَنَّهُ لَوْ تَعَارَضَ دَمَانِ فَدَمُ أَقْرَبِهِمَا إلَى أَوَّلِ الْعَادَةِ وَلَيْسَ مَلْحَظُهُ إلَّا مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ مَا قَرُبَ إلَيْهَا كَانَ إلَى كَوْنِهِ حَيْضًا أَقْرَبَ مِنْ الْأَبْعَدِ عَنْهَا لِكَثْرَةِ تَنَقُّلِهَا فِي الْقُرْبِ وَنُدْرَتِهِ فِي الْبُعْدِ فَإِنْ قُلْت هَذَا الْفَرْقُ ظَاهِرٌ لَكِنْ هَلْ لِكَوْنِ الْخِلَافِ فِي الْأَوَّلِ أَرْبَعَةَ أَوْجُهٍ. وَفِي الثَّانِيَةِ وَجْهَيْنِ مُدْرَكٌ يُنَاطُ بِهِ قُلْت نَعَمْ لِذَلِكَ مُدْرَكٌ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ فَأَمَّا مُدْرَكُ الْأَصَحِّ فِيهِمَا فَقَدْ تَقَرَّرَ وَأَمَّا مُدْرَكُ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ فِي الْأُولَى فَهُوَ أَنَّ ثَانِيَهَا نَظَرَ لِإِمْكَانِ الْحَيْضِ كَمَا نَظَرَ إلَيْهِ الْأَصَحُّ وَأُبْقِيَ طُهْرُهَا عَلَى حَالِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَارِضْهُ شَيْءٌ وَثَالِثُهَا عَمِلَ بِقَضِيَّةِ الْإِمْكَانِ وَالْعَادَةِ فَجَعَلَ الْعَشَرَةَ حَيْضًا وَأَبْقَى طُهْرَهَا عَلَى حَالِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَارِضْهُ شَيْءٌ وَثَالِثُهَا عَمِلَ بِقَضِيَّةِ الْإِمْكَانِ وَالْعَادَةِ فَجَعَلَ الْعَشَرَةَ حَيْضًا وَأَبْقَى الطُّهْرَ عَلَى حَالِهِ لِمَا ذُكِرَ وَالرَّابِعُ قَدَّمَ الْعَادَةَ عَلَى الدَّمِ الْعَائِدِ قَبْلَهَا لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْهُ وَنَظَرَ فِي الطُّهْرِ. إلَى مَا نَظَرَ إلَيْهِ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَأَمَّا مُدْرَكُ الْوَجْهِ الثَّانِي فِي الثَّانِيَةِ فَهُوَ أَنَّهُ نَظَرَ لِمُجَرَّدِ إمْكَانِ الْحَيْضِ وَلِعَدَمِ اتِّصَالِ الْعَادَةِ بِهِ انْتَفَى الثَّالِثُ الْقَائِلُ بِأَنَّ الْحَيْضَ عَشَرَةٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَجْرِ نَظِيرُ الثَّانِي هَذَا مِنْ بَقَاءِ الطُّهْرِ بِحَالِهِ لِإِمْكَانِهِ ثُمَّ لِأَنَّهُ إذَا حَيَّضَهَا الْخَمْسَةَ الْأَخِيرَةَ بَقِيَ مِنْ الشَّهْرِ التَّالِي لَهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ طُهْرًا فَلَمْ يَقُلْ بِالتَّنَقُّلِ فِيهِ لِإِمْكَانِ بَقَائِهِ عَلَى أَصْلِهِ إذْ لَا مُعَارِضَ لَهُ بِخِلَافِ الْحَيْضِ وَأَمَّا هُنَا فَلَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ عَلَى أَصْلِهِ لِأَنَّ مَنْ يُحَيِّضُهَا مِنْ ابْتِدَاءِ الدَّمِ يَرَى أَنَّهَا يَوْمُ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ طَاهِرَةٌ فَانْتَسَخَ الطُّهْرُ الْأَوَّلُ بِكَوْنِ بَعْضِهِ. صَارَ لِهَذَا الْحَيْضِ الطَّارِئِ وَإِذَا زَالَ مِنْهُ لِهَذَا الطَّارِئِ خَمْسَةٌ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا عِشْرُونَ فَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَجْرِ قَوْلٌ بِأَنَّ حَيْضَهَا خَمْسَةٌ مِنْ الدَّمِ الْعَائِدِ وَطُهْرَهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ كَمَا جَرَى نَظِيرُ ذَلِكَ فِي الْأُولَى لِمَا عَلِمْت مِنْ بَقَاءِ الطُّهْرِ، ثُمَّ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ فَنَظَرَ الثَّانِي إلَيْهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ نَظَرَ إلَى أَنَّ تَقَدُّمَ الْحَيْضِ يَسْتَلْزِمُ نَقْصَ الطُّهْرِ وَأَمَّا هُنَا فَلَمْ يَبْقَ عَلَى أَصْلِهِ لِوُجُودِ الْمُعَارِضِ لَهُ فَلَمْ يَجْرِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْخَمْسَةَ مِنْ الدَّمِ الْعَائِدِ حَيْضٌ خِلَافٌ فِي الطُّهْرِ لِذَلِكَ الْمُعَارِضِ الَّذِي قَدَّمْته فَعُلِمَ أَنَّ الرَّابِعَ وَالثَّانِيَ فِي تِلْكَ لَا يُمْكِنُ جَرَيَانُهُمَا هُنَا وَأَنَّ لِإِجْرَائِهِمْ ثَمَّ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ وَهُنَا وَجْهَيْنِ فَقَطْ مُدْرَكًا ظَاهِرًا عُثِرَ عَلَيْهِ كَمَا قَبِلَهُ الْفِكْرُ الْفَاتِرُ الْقَاصِرُ لَكِنْ بِعَوْنِ الْكَرِيمِ الْوَهَّابِ الْقَادِرِ وَكَيْفَ لَا وَمُتَقَدِّمُهُمْ وَمُتَأَخِّرُهُمْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا بَلْ وَلَا أَشَارُوا لِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْته فِي هَذَا الْمَقَامِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى غَايَةٍ مِنْ فَرْطِ الْخَفَاءِ وَالتَّنَاقُضِ الظَّاهِرِ بِبَادِئِ الرَّأْيِ إلَى أَنْ صَارَ مَضَلَّةً لِلْأَفْهَامِ وَمَزَلَّةً لِلْأَقْدَامِ فَاعْتَنِ بِتَحْرِيرِهِ لِتَسْلَمَ مِنْ وَصْمَةِ الْحَيْرَةِ وَالتَّوَقُّفِ عِنْدَ تَقْرِيرِهِ فَإِنْ قُلْت هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الرَّاجِحُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْعَائِدَ حَيْضٌ لِوُقُوعِهِ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ أَيْضًا وَلَا نَظَرَ إلَى ذَلِكَ الْفَرْقِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ تَعَسُّفٍ وَتَمَحُّلٍ قُلْت نَعَمْ يُمْكِنُ ذَلِكَ بَلْ يُتَّجَهُ؛ لِأَنَّ مَا مَرَّ فِي الْأُولَى اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ صَرِيحًا وَأَمَّا مَا ذُكِرَ فِي الثَّانِيَةِ فَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمْعٍ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِاعْتِمَادِهِ بَلْ أَشَارَ إلَى نَوْعٍ تَبْرَأَ مِنْهُ بِقَوْلِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَشَيْخِهِ وَغَيْرِهِمَا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ حَكَى مُقَابِلَهُ أَنَّ الْعَائِدَ حَيْضٌ وَهُوَ قِيَاسُ مَا قَالَ فِيهِ كَالرَّافِعِيِّ قُبَيْلَهَا إنَّهُ الْأَصَحُّ وَيَكُونُ النَّوَوِيُّ إنَّمَا تَرَكَ الِاعْتِرَاضَ عَلَى مَا حَكَاهُ فِي تِلْكَ لِلْعِلْمِ بِضَعْفِهِ مِمَّا ذَكَرَهُ كَالرَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ قِيلَ تِلْكَ انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ بِلَفْظِهَا إلَّا بَعْضَ تَغْيِيرٍ بِبَسْطٍ فِي آخِرِهَا. (قَوْلُهُ: فَلَوْ رَأَتْ الْخَمْسَ الْمُعْتَادَةَ ثُمَّ نَقَاءً خَمْسَةَ عَشَرَ إلَخْ) لَيْسَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ هِيَ صُورَةُ الْفُورَانِيِّ وَمَنْ مَعَهُ الْمَذْكُورَةُ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَإِنَّمَا صُورَتُهُمْ الْمَذْكُورَةُ فِيهِمَا مَا دَلَّ عَلَيْهَا قَوْلُ الْمَجْمُوعِ الْمُوَافِقُ لِعِبَارَةِ الرَّوْضَةِ وَلَوْ رَأَتْ أَيْ: مَنْ عَادَتُهَا خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ عِشْرِينَ حُمْرَةً، ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَقَالَ الْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ الْخَمْسَةُ الْأُولَى مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ عَلَى عَادَتِهَا وَأَيَّامُ السَّوَادِ حَيْضٌ آخَرُ وَمَا بَيْنَهُمَا طُهْرٌ قَالُوا وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَجْرَى الرَّافِعِيُّ نَقْلًا عَنْ غَيْرِهِ فِيهَا خِلَافًا اهـ. الْمَقْصُودُ.

مِنْهَا وَبَيْنَ هَذِهِ وَصُورَةِ الْمُصَنِّفِ فَرْقٌ ظَاهِرٌ فِي الْحُكْمِ مِنْ حَيْثُ مُدْرَكِ الْخِلَافِ وَوَجْهُ جَرَيَانِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَأْتِيَ إلَّا بِصُورَةِ الْأَصْحَابِ فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَمَا مَرَّ فِيمَا لَوْ رَأَتْ خَمْسَتَهَا الْمَعْهُودَةَ ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ أَطْبَقَ الدَّمُ وَاسْتَمَرَّ مِنْ أَنَّ الْعَائِدَ دَمُ فَسَادٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ وَجْهَيْنِ قُلْت الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ هُنَا تَمْيِيزًا وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْعَادَةِ مُطْلَقًا فَلَمْ يُمْكِنْ إلْغَاؤُهُ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ فَإِنَّهُ لَمْ يُعَارِضْ الْعَادَةَ ثَمَّ شَيْءٌ مَعَ مَا قَرَّرْنَاهُ فِيهَا فَأُلْغِيَ الدَّمُ الْعَائِدُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مُعْتَادًا) لَمْ يُصَرِّحْ شَرْحُ الْمُهَذَّبِ هَكَذَا وَإِنَّمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ. (قَوْلُهُ: فَحَيْضُهَا هُنَا خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْأَسْوَدِ) أَيْ: وَقَدْ انْتَقَلَتْ عَادَتُهَا (قَوْلُهُ: فِي الْأُولَى عِشْرِينَ) وَهُوَ الصَّوَابُ وَأَلْحَقَ الْمُصَنِّفُ بِخَطِّهِ قَبْلُ عِشْرِينَ مَعَ الْخَمْسِ وَلَيْسَ فِي مَحَلِّهِ (قَوْلُهُ: خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ) أَيْ:؛ لِأَنَّ حَيْضَهَا تَأَخَّرَ خَمْسَةً فَتُضَمُّ إلَى دَوْرِهَا وَهُوَ ثَلَاثُونَ فَصَارَ مَجْمُوعُهُ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ قَبْلَ الِاسْتِحَاضَةِ فَتَجْرِي عَلَيْهِ فِيهِمَا (قَوْلُهُ: حُكْمُهُمَا) صَوَابُهُ حُكْمُهُ أَيْ: النَّقَاءِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُرِيدُ بَيَانَ حُكْمِهِ (قَوْلُهُ: أَوْ الَّذِي) أَيْ: أَوْ كَالنَّقَاءِ الَّذِي بَيْنَ دَمَيْ مَنْ جَاوَزَهَا (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَظْهَرِ) مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي نَقَاءٍ لَا يَبْقَى مَعَهُ دَمٌ فِي الْفَرْجِ بِحَيْثُ لَوْ أَدْخَلَتْ الْقُطْنَةُ خَرَجَتْ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً. أَمَّا إذَا خَرَجَتْ وَبِهَا أَثَرُ دَمٍ وَلَوْ كُدْرَةً فَهُوَ حَيْضٌ قَطْعًا طَالَ زَمَنُهُ، أَوْ قَصُرَ (قَوْلُهُ: فِيمَا حُكِمَ بِهِمَا حَيْضًا) صَوَابُهُ إذَا حُكِمَ بِكَوْنِهِمَا حَيْضًا وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ: (بَيْنَ) أَنَّ غَيْرَ الْمُتَخَلِّلِ دَمُ فَسَادٍ كَأَنْ يَنْقَطِعَ يَوْمًا وَيَوْمًا إلَى تَمَامِ الثَّالِثَ عَشَرَ وَيَعُودُ فِي السَّادِسَ عَشَرَ فَالرَّابِعَ عَشَرَ وَتَالِيهِ طُهْرٌ قَطْعًا؛ لِأَنَّ النَّقَاءَ فِيهِمَا لَمْ يَتَعَقَّبْهُ دَمٌ فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ تَقَطَّعَ أَحْمَرَ فَقَطْ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا لَوْ اسْتَمَرَّ التَّقَطُّعُ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا أَسْوَدَ وَمِثْلَهُمَا أَحْمَرَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ؛ لِأَنَّهَا فَاقِدَةُ شَرْطِ تَمْيِيزٍ وَهُوَ أَنْ لَا يُجَاوِزَ الدَّمُ الْقَوِيُّ خَمْسَةَ عَشَرَ فَلَا تَكُونُ مُمَيِّزَةً فِي الْحُكْمِ. وَإِنْ كَانَتْ صُورَتُهَا صُورَةَ مُمَيِّزَةٍ (قَوْلُهُ: بِصِفَةٍ) أَيْ وَاحِدَةٍ، أَوْ صِفَتَيْنِ وَفَقَدَتْ شَرْطَ تَمْيِيزٍ (قَوْلُهُ: الْمَرَدُّ السَّابِقُ) أَيْ: مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِمُبْتَدِئَةٍ غَيْرِ مُمَيِّزَةٍ وَعَادَةٍ لِمُعْتَادَةٍ وَتَمْيِيزٍ لَهُمَا (قَوْلُهُ: أَوْ أَثْنَائِهِ إنْ كَانَ لَمْ يَبْلُغْهُمَا الْأَوَّلُ) يُرْجَعُ فِيهِ لِمُرَادِ قَائِلِهِ إذْ مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُ كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ مَرَّاتِ الدَّمِ أَقَلَّهُ فَحِينَئِذٍ يُحْسَبُ الْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ سَوَاءٌ أَبَلَغَ أَقَلَّهُ أَمْ لَا. (قَوْلُهُ: فَلَوْ تَقَطَّعَ الدَّمُ بِأَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كُلُّهُ إلَخْ) لَيْسَ هَذَا خَاصًّا بِهَذَا الْقِسْمِ بَلْ لَا بُدَّ فِي سَائِرِ أَقْسَامِ التَّقَطُّعِ. أَنْ لَا يَنْقُصَ مَجْمُوعُ الدِّمَاءِ فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَإِلَّا فَالْكُلُّ دَمُ فَسَادٍ (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهَا) أَيْ: فِي الْحَيْضِ لَا الطُّهْرِ فَإِنَّ مُعْتَادَةَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ حَيْضًا قَدْ يَكُونُ طُهْرُهَا تِسْعًا وَعِشْرِينَ، أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَكْثَرَ وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ عَادَتُهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لَوْ رَأَتْ فِي شَهْرٍ يَوْمًا دَمًا وَلَيْلَةً نَقَاءً وَهَكَذَا حَتَّى جَاوَزَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَيْضٌ وَإِلَّا لَزِمَ كَوْنُ حَيْضِهَا أَقَلَّ مِنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ مَرَدِّهَا، أَوْ كَوْنُ النَّقَاءِ الَّذِي لَمْ يَحْتَوِشْ بِدَمَيْ الْحَيْضِ حَيْضًا وَكُلُّ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ (قَوْلُهُ: فِي غَيْرِ ذَلِكَ) الْأَوْلَى أَزْيَدُ مِنْ ذَلِكَ أَيْ: الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ. (قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إلَخْ) الْأَوْضَحُ قَوْلُ غَيْرِهِ وَيَثْبُتُ انْتِقَالُ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ وَأَمَّا طُهْرُهَا إلَى الْحَيْضَةِ الْأُخْرَى فَإِنْ انْطَبَقَ الدَّمُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى أَوَّلِ الدَّوْرِ فَظَاهِرٌ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْحَيْضِ مِنْهُ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ جُعِلَ أَوَّلُ دَوْرِهَا أَقْرَبَ نُوَبِ الدَّمِ إلَى الدَّوْرِ تَقَدَّمَتْ، أَوْ تَأَخَّرَتْ فَإِنْ اسْتَوَيَا تَقَدَّمَا، أَوْ تَأَخَّرَا فَأَوَّلُ الدَّوْرِ النَّوْبَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ (فَرَأَتْهَا، ثُمَّ رَأَتْ سِتًّا آخِرَهُ) الْمُرَادُ فَرَأَتْهَا، ثُمَّ سِتًّا نَقَاءً وَسِتًّا دَمًا آخِرَهُ وَنَقَاءً أَوَّلَ الشَّهْرِ الثَّانِي (قَوْلُهُ: فَلَوْ كَانَ حَيْضُهَا) أَيْ: مَنْ عَادَتُهَا السِّتُّ الْأُوَلُ مِنْ الشَّهْرِ. (قَوْلُهُ:، ثُمَّ يَوْمًا دَمًا، ثُمَّ يَوْمًا دَمًا) صَوَابُهُ ثُمَّ يَوْمًا دَمًا، ثُمَّ يَوْمًا نَقَاءً وَكَلَامُهُ بَعْدَهُ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ) اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي ذَاتِ التَّقَطُّعِ بَالَغَ فِي اخْتِصَارِهِ بِذِكْرِ صُوَرٍ مِنْهُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أُصُولٍ مَبْسُوطَةٍ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَطْمَعُ فِي إيضَاحِهِ إلَّا بِمُرَاجَعَةِ أُصُولِهِ لِيَتَبَيَّنَ بِهَا مَا فِيهِ وَلَوْلَا خَشْيَةُ الْإِطَالَةِ لَبَسَطْتُ ذَلِكَ عَلَى أَنِّي بَسَطْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ. (قَوْلُهُ: فَهِيَ الْمُتَحَيِّرَةِ) قَدْ أَجْحَفَ الْمُصَنِّفُ فِي اخْتِصَارِ مَسَائِلِهَا أَيْضًا مَعَ قَوْلِ الْمَجْمُوعِ أَنَّ مَسَائِلَهَا هِيَ عَوِيصُ بَابِ الْحَيْضِ بَلْ هِيَ مُعْظَمُهُ وَهِيَ كَثِيرَةُ

الصُّوَرِ وَالْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ وَالتَّمْهِيدَاتِ وَالْمَسَائِلِ الْمُشْكِلَاتِ. وَقَدْ غَلَّطَ الْأَصْحَابُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا فِي كَثِيرٍ مِنْهَا وَاهْتَمُّوا بِهَا حَتَّى صَنَّفَ الدَّارِمِيُّ فِيهَا مُجَلَّدَةً ضَخْمَةً لَيْسَ فِيهَا غَيْرُ مَسْأَلَةِ الْمُتَحَيِّرَةِ وَتَصْوِيرُهَا وَتَحْقِيقُ أُصُولِهَا وَاسْتِدْرَاكَاتٌ كَثِيرَةٌ اسْتَدْرَكَهَا هُوَ عَلَى الْأَصْحَابِ. وَقَدْ كُنْتُ اخْتَصَرْتُ مَقَاصِدَ تِلْكَ الْمُجَلَّدَةِ فِي نَحْوِ خَمْسِ كَرَارِيسَ وَيَنْبَغِي لِلنَّاظِرِ فِيهَا أَنْ يَعْتَنِيَ بِحِفْظِ ضَوَابِطِهَا وَأُصُولِهَا فَيَسْهُلُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ جَمِيعُ مَا يَرَاهُ مِنْ صُوَرِهَا اهـ مُلَخَّصًا وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ بَعْدَ أَنْ أَفْرَدَ هَذَا الْبَابَ بِالْكِتَابَةِ أَنْ يَعْتَنِيَ بِهَا وَيَبْسُطُ فِيهَا وَلَوْ أَدْنَى بَسْطٍ لِمَا عَلِمْت أَنَّهَا مُعْظَمُهُ وَأَشْكَلُهُ وَمِنْ ثَمَّ سُمِّيَتْ أَيْضًا مُحَيِّرَةً بِكَسْرِ الْيَاءِ؛ لِأَنَّهَا حَيَّرَتْ الْفَقِيهَ فِي أَمْرِهَا. (قَوْلُهُ: قَوْلَانِ) هَذِهِ أَصَحُّ الطُّرُقِ وَأَشْهُرُهَا وَقَطَعَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا جَمْعٌ فَالطُّرُقُ ثَلَاثَةٌ. (قَوْلُهُ: أَحَدُهُمَا إلَخْ) زَعَمَ صَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَفِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ هُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ فَلَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ وَلَا عَمَلَ (قَوْلُهُ: فَمِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الْهِلَالِيِّ) أَيْ:؛ لِأَنَّ الْمَوَاقِيتَ الشَّرْعِيَّةَ هِيَ الْأَهِلَّةُ وَعُلِّلَ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُزَيَّفٌ مَرْدُودٌ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ بَعْدَ أَنَّ عَلَّلَهُ بِذَلِكَ. قَالَ وَهَذَا الْقَوْلُ مُزَيَّفٌ لَا أَصْلَ لَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ مَتَى أَطْلَقْنَا الشَّهْرَ فِي الْمُسْتَحَاضَاتِ أَرَدْنَا بِهِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا سَوَاءٌ كَانَ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ أَوَّلِ الْهِلَالِ أَمْ لَا وَلَا يَعْنِي بِهِ الشَّهْرَ الْهِلَالِيَّ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ (قَوْلُهُ: الْوَطْءُ وَنَحْوُهُ) أَيْ: وَإِنْ وَصَلَتْ لِسِنِّ الْيَأْسِ خِلَافًا لِأَبِي شُكَيْل؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفِي احْتِمَالَ الْحَيْضِ الَّذِي الْأَصْلُ بَقَاؤُهُ (قَوْلُهُ: وَالْقِرَاءَةُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ) أَيْ: وَإِنْ خَافَتْ النِّسْيَانَ؛ لِأَنَّهُ يَنْدَفِعُ بِإِجْرَائِهَا عَلَى قَلْبِهَا وَبِالنَّظَرِ فِي الْمُصْحَفِ مِنْ غَيْرِ نُطْقٍ وَبِهِ انْدَفَعَ قَوْلُ جَمْعٍ مُتَقَدِّمِينَ لَهَا الْقِرَاءَةُ خَوْفَ النِّسْيَانِ. (قَوْلُهُ: لِجَمَاعَةِ الصَّلَاةِ) أَيْ: وَلِفِعْلِهَا فِيهِ وَلَوْ مُنْفَرِدَةً أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الشَّاشِيِّ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ (قَوْلُهُ: فِي الْأَصَحِّ) مَمْنُوعٌ بَلْ الْأَصَحُّ خِلَافُهُ كَمَا بَيَّنْتُهُ، ثُمَّ (قَوْلُهُ: أَيْ: قَضَاءُ صَلَاةٍ مُبْهَمَةٍ لِكُلِّ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا) هَذَا عَجِيبٌ مَعَ قَوْلِهِمْ إنْ كَانَتْ تُصَلِّي أَوَّلَ الْوَقْتِ دَائِمًا لَمْ يَلْزَمْهَا لِكُلِّ خَمْسَةَ عَشَرَ إلَّا صَلَاةُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ لَمْ تُصَلِّ أَوَّلَهُ كَذَلِكَ لَزِمَهَا لِكُلِّ خَمْسَةَ عَشَرَ صَلَاةُ يَوْمَيْنِ وَلَيْلَتَيْنِ وَوَجَّهُوا ذَلِكَ بِمَا هُوَ مَشْهُورٌ (قَوْلُهُ: أَوَّلُ دَمِهَا) أَيْ: أَوَّلُ حَيْضِهَا. (قَوْلُهُ: وَمَنْ عَرَفَتْ قَدْرَهَا وَجَهِلَتْ وَقْتَهَا بِالْكُلِّيَّةِ) . يُنَافِيهِ قَوْلُهُ: عَقِبَهُ مَكَثَتْ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ قَدْرَ الْعَادَةِ لِأَنَّهَا إذَا عَرَفَتْ أَوَّلَ الدَّمِ أَيْ: الْحَيْضِ لَمْ تَجْهَلْ الْوَقْتَ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ تَكُونُ حَافِظَةً لِلْقَدْرِ وَالْوَقْتِ فَلَا تَكُونُ مِنْ أَقْسَامِ الْمُتَحَيِّرَةِ وَالْمُوَافِقُ لِقَوْلِهِ وَجَهِلَتْ وَقْتَهَا بِالْكُلِّيَّةِ أَنَّهُ أَرَادَ بِأَوَّلِ الدَّمِ مَعْرِفَتَهَا بِأَوَّلِ طُرُوِّهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَعْرِفَ أَنَّهُ حَيْضٌ، أَوْ لَا لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ فَسَادُ الْحُكْمِ الَّذِي رَتَّبَهُ عَلَى ذَلِكَ كَمَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ لَمْ تَجْهَلْ الْوَقْتَ بِالْكُلِّيَّةِ وَاَلَّذِي فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ هُنَا إذَا ذَكَرَتْ الْقَدْرَ دُونَ الْوَقْتِ فَمَا تَيَقَّنَتْهُ مِنْ حَيْضٍ فَلَهُ حُكْمُهُ، أَوْ طُهْرٍ فَلَهُ حُكْمُ الِاسْتِحَاضَةِ. وَمَا شَكَّتْ فِيهِ تَكُونُ فِيهِ كَالْمُتَحَيِّرَةِ فَتُجْعَلُ فِي الْعِبَادَاتِ كَطَاهِرٍ وَفِي نَحْوِ الِاسْتِمْتَاعِ كَحَائِضٍ وَإِنَّمَا تَخْرُجُ عَنْ التَّحَيُّرِ الْمُطْلَقِ بِحِفْظِ قَدْرِ الدَّوْرِ وَأَوَّلِهِ فَإِنْ قَالَتْ كَانَ حَيْضِي أَكْثَرَهُ وَأَضْلَلْته فِي دَوْرِي وَلَمْ تَعْرِفْ غَيْرَ هَذَا أَوْ كَانَ حَيْضِي أَكْثَرَهُ، وَأَوَّلُ دَوْرِي يَوْمُ كَذَا وَلَمْ تَعْرِفْ قَدْرَ دَوْرِهَا فَهِيَ فِيهَا مُتَحَيِّرَةٌ وَنَازَعَ الْقُونَوِيُّ فِي الثَّانِيَةِ بِامْتِنَاعِ احْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ فِيهَا قَبْلَ مُضِيِّ قَدْرِ الْحَيْضِ مِنْ ابْتِدَاءِ مَا عَيَّنَتْهُ، أَوْ قَالَتْ كَانَ حَيْضِي خَمْسَةً مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ وَلَمْ تَعْرِفْ ابْتِدَاءً وَلَا انْتِهَاءً وَلَا فِي أَيِّ وَقْتٍ مِنْ الشَّهْرِ فَمُتَحَيِّرَةٌ كَذَلِكَ إلَّا فِي الصِّيَامِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ. فَإِنْ ذَكَرَتْ قَدْرَ الدَّوْرِ وَأَوَّلَهُ فَقَدْ يَحْصُلُ يَقِينُ حَيْضٍ وَيَقِينُ طُهْرٍ وَشَكٌّ يَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ وَشَكٌّ لَا يَحْتَمِلُهُ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ لَهَا يَقِينُهُمَا وَقَدْ يَحْصُلُ يَقِينُ طُهْرٍ لَا حَيْضٍ وَيَسْتَحِيلُ عَكْسُهُ وَبَسْطُ ذَلِكَ فِي الْمُطَوَّلَاتِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ فَإِنْ لَمْ تَدْرِ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ وَصَرِيحُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا فِي كُلِّ ذَلِكَ كَالْمُتَحَيِّرَةِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ عَنْ التَّحَيُّرِ الْمُطْلَقِ إلَّا إذَا عَرَفَتْ قَدْرَ الدَّوْرِ وَأَوَّلَهُ. وَأَمَّا مَعْرِفَةُ مُطْلَقِ أَوَّلِ الدَّمِ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةِ أَنَّهُ حَيْضٌ وَقَدْرُ الْعَادَةِ يُفِيدُهَا شَيْئًا فَإِنْ قُلْتَ هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُفِيدَهَا عَلَى مَا مَرَّ عَنْ.

الْقُونَوِيِّ قُلْت لَا؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْقُونَوِيِّ فِيمَا إذَا عَرَفَتْ أَوَّلَ دَوْرِهَا وَقَدْرَ حَيْضِهَا وَجَهِلَتْ قَدْرَ الدَّوْرِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ لَيْسَ فِيهِ بِقِسْمَيْهِ إلَّا مَعْرِفَةُ قَدْرِ الْعَادَةِ وَهَذَا لَا يُفِيدُهَا خُرُوجًا عَنْ التَّحَيُّرِ الْمُطْلَقِ فِي زَمَنٍ مِنْ الْأَزْمِنَةِ؛ لِأَنَّ كُلَّ زَمَنٍ يَمُرُّ عَلَيْهَا مُحْتَمِلٌ لِلْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالِانْقِطَاعِ وَلَا نَظَرَ لِحِفْظِهَا قَدْرَ الْعَادَةِ فَإِنَّ الْفَرْضَ أَنَّهَا تَجْهَلُ وَقْتَهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ لِتَعْلَمَ بِهِ مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: وَتَزِيدُ بِتَحْرِيمِ الصَّلَاةِ) هَذَا سَهْوٌ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا دَاخِلٌ فِيمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ (قَوْلُهُ: وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ) هُوَ سَهْوٌ أَيْضًا.؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِيمَا يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ (قَوْلُهُ: وَعُبُورُ الْمَسْجِدِ إلَخْ) لَا يَخْتَصُّ بِهَا بَلْ كُلُّ ذِي نَجَاسَةٍ يُخْشَى مِنْهَا تَلْوِيثُهُ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ: نَظَرَ عَوْرَتَهَا) أَيْ: إلَّا بِشَهْوَةٍ كَمَا اقْتَضَاهُ تَعْبِيرُهُ كَالنَّوَوِيِّ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا بِالِاسْتِمْتَاعِ بِخِلَافِ التَّعْبِيرِ بِالْمُبَاشَرَةِ الْوَاقِعِ فِي عِبَارَةِ جَمَاعَةٍ كَالتَّحْقِيقِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ النَّظَرَ مُطْلَقًا فَيُحَلُّ وَيُدْخِلُ اللَّمْسَ مُطْلَقًا فَيُحَرَّمُ وَعَلَى الْعِبَارَةِ الْأُولَى لَا يَحْرُمُ اللَّمْسُ كَالنَّظَرِ إلَّا بِشَهْوَةٍ وَهُوَ الْأَوْجَهُ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ أَنَّ ذَلِكَ رُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ إجْمَاعًا وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ عِنْدَ الشَّهْوَةِ. وَفِي ذَلِكَ مَزِيدٌ بَسَطْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ. (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ إلَخْ) عِبَارَتِي فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَبَحْثِ الْإِسْنَوِيِّ أَنَّ تَمَتُّعَهَا بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ كَعَكْسِهِ وَاعْتَرَضَهُ كَثِيرُونَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ دَمٌ حَتَّى يَلْحَقَ بِهَا فَمَسُّهَا لِذَكَرِهِ غَايَتُهُ أَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ بِكَفِّهَا وَهُوَ جَائِزٌ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُفَرَّعٌ عَلَيْهِ وَفِي الْكُلِّ نَظَرٌ إذْ الدَّمُ لَيْسَ لَهُ مَدْخَلٌ فِي عِلَّةِ حُرْمَةِ تَمَتُّعِهِ بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا وَإِنَّمَا عِلَّتُهُ مَا مَرَّ نَعَمْ نَظَرَ فِيهِ بِأَنَّهُ خِلَافُ قَضِيَّةِ كَلَامِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ أَبَاحُوا لَهُ التَّمَتُّعَ بِذَكَرِهِ فِي كَفِّهَا مَثَلًا وَيَلْزَمُ مِثْلُ ذَلِكَ بِتَمَتُّعِهَا بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ. وَحِينَئِذٍ فَالْفَرْقُ أَنَّ تَمَتُّعَهُ هُوَ بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا أَقْوَى فِي الدِّعَايَةِ إلَى الْوَطْءِ مِنْ عَكْسِهِ فَانْدَفَعَ بِذَلِكَ مَا فِي الْإِسْعَادِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ مِنْ الْمَيْلِ إلَى مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُمْ الْحُكْمُ بِحِلِّ تَمَتُّعِهِ بِذَكَرِهِ فِي كَفِّهَا وَحُرْمَةِ تَمَتُّعِهَا بِكَفِّهَا فِي ذَكَرِهِ مَعَ أَنَّهُمَا سَبَبَانِ فِي الدِّعَايَةِ لِلْوَطْءِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَعَ ذَلِكَ تَحَكُّمٌ اهـ. وَفِي شَرْحِ الْعُبَابِ زِيَادَةٌ فِي هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا فَلَا بَأْسَ بِسَوْقِ عِبَارَتِهِ لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْفَوَائِدِ وَهِيَ (وَ) يَحْرُمُ (الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ) إنْ كَانَ وَقَعَ (بِلَا حَائِلٍ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَشَرَةِ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] أَيْ الْحَيْضِ وَيَدُلُّ لَهُ اتِّفَاقُهُمْ أَنَّهُ الْمُرَادُ أَوَّلَ الْآيَةِ، أَوْ زَمَنُهُ، أَوْ مَحَلُّهُ وَهُوَ الْفَرْجُ وَلِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَمَّا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ فَقَالَ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ وَخَصَّ بِمَفْهُومِهِ عُمُومَ خَبَرِ مُسْلِمٍ اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ وَيُحْتَمَلُ جَعْلُ هَذَا مُخَصِّصًا لِمَفْهُومِ ذَلِكَ فَلَا يَحْرُمُ إلَّا الْوَطْءُ وَاخْتَارَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي عِدَّةٍ مِنْ كُتُبِهِ وَنَقَلَ عَنْ الْقَدِيمِ لَكِنْ اسْتَحْسَنَ فِي الْمَجْمُوعِ وَجْهًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ وَثِقَ بِتَرْكِ الْوَطْءِ لِوَرَعٍ، أَوْ قِلَّةِ شَهْوَةٍ جَازَ. وَإِلَّا فَلَا. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ بِأَنَّ فِيهِ رِعَايَةَ الْأَحْوَطِ لِمَا صَحَّ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ وَأَيْضًا فَدَعْوَى تَخْصِيصِ الثَّانِي لِمَفْهُومِ الْأَوَّلِ مَمْنُوعَةٌ لِأَنَّ مَنْطُوقَ الْأَوَّلِ حِلُّ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ وَمَفْهُومُهُ حُرْمَةُ مَا تَحْتَهُ الشَّامِلُ لِلنِّكَاحِ وَمَنْطُوقُ الثَّانِي حِلُّ مَا عَدَا النِّكَاحَ وَمَفْهُومُهُ حُرْمَةُ النِّكَاحِ فَلَا يَسْتَقِيمُ تَخْصِيصُ مَفْهُومِ الْأَوَّلِ بِمَفْهُومِ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَعْضِ أَفْرَادِهِ وَذِكْرُ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ لَا يُخَصِّصُ بِخِلَافِ مَنْطُوقِ الثَّانِي بِمَفْهُومِ الْأَوَّلِ إذْ هُوَ وَلَيْسَ مِنْ أَفْرَادِهِ إذْ حُكْمُهُ الْحُرْمَةُ وَحُكْمُ الثَّانِي الْحِلُّ فَحِينَئِذٍ مَنْطُوقُهُ يُخَصَّصُ بِأَمْرَيْنِ. أَحَدُهُمَا مُتَّصِلٌ وَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ وَالثَّانِي مُنْفَصِلٌ وَهُوَ مَفْهُومُ الْأَوَّلِ فَظَهَرَ بِذَلِكَ رُجْحَانُ دَلِيلِ الْمَذْهَبِ وَتَعْبِيرُهُ بِالِاسْتِمْتَاعِ الشَّامِلِ لِلَّمْسِ وَالنَّظَرِ بِشَهْوَةٍ لَا بِغَيْرِهَا فِيهِمَا هُوَ مَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ وَالْكِفَايَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنَّهُ عَبَّرَ فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ بِالْمُبَاشَرَةِ وَمُقْتَضَاهَا تَحْرِيمُ اللَّمْسِ بِلَا شَهْوَةٍ دُونَ النَّظَرِ بِشَهْوَةٍ فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ قَالَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْمُتَّجَهُ أَنَّ التَّحْرِيمَ مَنُوطٌ بِالْمُبَاشَرَةِ وَلَوْ بِلَا شَهْوَةٍ بِخِلَافِ النَّظَرِ وَلَوْ بِشَهْوَةٍ وَلَيْسَ هُوَ أَعْظَمَ مِنْ تَقْبِيلِهَا فِي وَجْهِهَا بِشَهْوَةٍ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ

وَالْأَوْجَهُ مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى التَّمَتُّعِ إذْ عِلَّةُ التَّحْرِيمِ أَنَّ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ أَقْوَى فِي الْإِفْضَاءِ إلَى الْوَطْءِ الْمُحَرَّمِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يَحْصُلُ الْإِفْضَاءُ إلَى ذَلِكَ إلَّا مَعَ الشَّهْوَةِ فَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ هُوَ أَعْظَمَ مِنْ تَقْبِيلِهَا فِي وَجْهِهَا بِشَهْوَةٍ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ لِمَا مَرَّ مِنْ خَبَرِ مَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى وَبَحَثَ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ تَمَتُّعَهَا بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ كَعَكْسِهِ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ أَبُو زُرْعَةَ بَلْ قَالَ مَا قَالَهُ غَلَطٌ عَجِيبٌ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ دَمٌ حَتَّى يُلْحَقَ بِهَا فَمَسُّهَا لِذَكَرِهِ غَايَتُهُ أَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ بِكَفِّهَا وَهُوَ جَائِزٌ قَطْعًا وَبِأَنَّهَا إذَا لَمَسَتْ ذَكَرَهُ. فَقَدْ اسْتَمْتَعَ بِمَا فَوْقَ سُرَّتِهَا وَهُوَ جَائِزٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِاللَّمْسِ بِيَدِهِ، أَوْ بِسَائِرِ بَدَنِهِ، أَوْ بِلَمْسِهَا لَهُ وَبِأَنَّهُ كَانَ الصَّوَابُ فِي نَظْمِ الْقِيَاسِ أَنْ يَقُولَ كُلُّ مَا مَنَعْنَاهُ مِنْهُ نَمْنَعُهَا أَنْ تَلْمَسَهُ بِهِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَلْمَسَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ سَائِرَ بَدَنِهَا إلَّا مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ تَمْكِينُهَا مِنْ لَمْسِهِ بِمَا مَسَّهَا قَالَ شَيْخُنَا وَفِيمَا اعْتَرَضَ بِهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى وَكَانَ وَجْهُهُ أَنَّ وُجُودَ الدَّمِ بِالْفِعْلِ لَيْسَ لَهُ مَدْخَلٌ فِي الْعَلِيَّةِ فَبَطَلَ مَا تَفَرَّعَ عَلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ الَّذِي يُتَّجَهُ خِلَافُ مَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ لَا لِمَا ذَكَرُوهُ بَلْ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ. إنَّمَا هِيَ وُجُودُ التَّمَتُّعِ فِي مَظِنَّةِ الدَّمِ، أَوْ حِمَاهَا وَذَلِكَ مَوْجُودٌ عِنْدَ تَمَتُّعِهِ بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا بِخِلَافِ تَمَتُّعِهَا هِيَ بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ لَمْسُ مَظِنَّةِ دَمٍ وَلَا حِمَاهَا فَكَانَ الْأَوْجَهُ جَوَازُهُ وَجَوَازُ تَمْكِينِهِ لَهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْعُو لِلْوِقَاعِ كَدِعَايَةِ لَمْسِهِ هُوَ لِمَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا ضَرُورَةُ تَمْيِيزِ الْحَيِّ عَنْ غَيْرِهِ وَدَعْوَى أَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ خَشْيَةُ الْوُقُوعِ فِي الْجِمَاعِ الْمُحَرَّمِ مَمْنُوعَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهَا تَحْرِيمُ التَّمَتُّعِ بِمَا فَوْقَ السُّرَّةِ إذَا خُشِيَ مِنْهُ ذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ثُمَّ رَأَيْت الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ. مَا بِهِ مِنْ الْأَذَى وَتَحْرِيمُ غَيْرِهِ خَوْفَ أَنْ يُصِيبَهُ شَيْءٌ مِنْهُ وَاسْتَشْكَلَهُ الْإِمَامُ بِأَنَّ تَضَمُّخَهُ بِالْأَذَى بَعْدَ انْفِصَالِهِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ لَهُ وَوَطْءُ حَائِضٍ لَا أَذَى بِفَرْجِهَا بِوَجْهٍ مُحَرَّمٍ وَيُجَابُ عَنْهُ بِمَا أَشَرْتُ إلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْأَذَى بِالْفِعْلِ بَلْ إنَّهُ مَظِنَّةٌ لَهُ وَمَا نِيطَ بِالْمَظِنَّةِ لَا يَضُرُّ فِيهِ التَّخَلُّفُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَمَعْنَى قَوْلِ الْإِمَامِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ أَيْ: تَحْرِيمَ الْحَيْضِ الْمُقْتَضِي لِكَوْنِهِ كَبِيرَةً فَانْدَفَعَ اعْتِرَاضُ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَغَيْرِهِ عَلَيْهِ بِأَنَّ التَّضَمُّخَ بِالنَّجَاسَةِ حَرَامٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَقْصِدَ هِيَ اللَّمْسَ الْمُحَرَّمَ، أَوْ يَقْصِدُهُ هُوَ إلَّا أَنَّهُ إذَا مَنَعَهَا لَمْسَ شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ حَرُمَ عَلَيْهَا مُطْلَقًا. وَإِذَا مَنَعَتْهُ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ إلَّا لِمُوجِبٍ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَجِمَاعُ الْحَيْضِ يُورِثُ عِلَّةً مُؤْلِمَةً لِلْمُجَامِعِ وَجُذَامًا فِي الْوَلَدِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ (وَقَوْلُهُ: فِيهِ) أَيْ: الْوَطْءِ فَحَيْثُ يُحْكَمُ بِطُهْرِهَا أَيْ: بِأَنْ كَانَ تَحَيُّرُهَا نِسْبِيًّا لَا مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: عَلَى الْأَصَحِّ) عِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ يَجُوزُ عِنْدَنَا وَطْءُ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي الزَّمَنِ الْمَحْكُومِ بِأَنَّهُ طُهْرٌ وَإِنْ كَانَ الدَّمُ جَارِيًا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَنَقَلَهُ جَمْعٌ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ انْتَهَتْ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْأَصَحِّ لَعَلَّهُ أَرَادَ حِكَايَةَ الْخِلَافِ الْحَالِيِّ (قَوْلُهُ: لَكِنَّهَا إلَخْ) لَا يَخْتَصُّ هَذَا بِالْمُتَحَيِّرَةِ وَلَا بِالْمُعْتَادَةِ. بَلْ كُلُّ مَنْ رَأَتْ دَمًا يُمْكِنُ كَوْنُهُ حَيْضًا يَلْزَمُهَا أَنْ تُمْسِكَ إلَى أَنْ يُجَاوِزَ خَمْسَةَ عَشَرَ (قَوْلُهُ: صَلَاتُهُ) أَيْ: الزَّائِدِ عَلَى مَرَدِّهَا (قَوْلُهُ: وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَقَدْ صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَالرَّوْضَةِ وَنَقَلَهُ فِيهَا عَنْ ظَاهِرِ نَصِّ الْأُمِّ وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ والخراسانيي ن وَأَيَّدَهُ بِنَصِّ الْأُمِّ وَلَمْ يَنْقُلْ الثَّانِي إلَّا عَنْ تَصْحِيحِ الرَّافِعِيِّ وَقَطْعِ صَاحِبِ الْحَاوِي فَقَطْ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ تَحْشُوهُ) الْوَجْهُ فَتَحْشُوهُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالْحَشْوِ وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعَصْبِ وَبَيْنَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَالْوُضُوءِ وَبَيْنَ أَفْعَالِهِ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ لَمْ يُؤْذِهَا الدَّمُ) . أَيْ: إيذَاءً شَدِيدًا لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً وَلَمْ تَكُنْ مُفْطِرَةً بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ (قَوْله كَفَتْ الْعِصَابَةُ) أَيْ: نَهَارًا لَا مُطْلَقًا (قَوْلُهُ: وَيُبَادِرَانِ) أَيْ: الْمُسْتَحَاضَةُ وَالسَّلِسُ وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُصَرِّحَ بِمُسَاوَاتِهِمَا فِي الْحَشْوِ وَالْعَصْبِ وَغَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ فِي الْكُلِّ (قَوْلُهُ: لَمْ يَضُرَّ) أَيْ: وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ (قَوْلُهُ: وَيَنْوِيَانِ إلَخْ) حُكْمُهُمَا حُكْمُ الْمُتَيَمِّمِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرُوهُ فِيهِ وَيَلْزَمُهَا أَيْضًا تَجْدِيدُ الِاحْتِيَاطِ لِكُلِّ فَرْضٍ وَإِنْ لَمْ تُزِلْ الْعِصَابَةَ عَنْ مَحَلِّهَا وَلَا ظَهَرَ الدَّمُ بِجَوَانِبِهَا.

وَيَلْزَمُهَا ذَلِكَ التَّجْدِيدُ لَوْ أَحْدَثَتْ حَدَثًا خَاصًّا قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَوْ زَالَتْ الْعِصَابَةُ، أَوْ أَحْكَامُهَا فَخَرَجَ دَمٌ أَوْ زَادَ، أَوْ خَرَجَ دَمٌ لِتَقْصِيرِهِ فِي الْحَشْوِ بَطَلَ الْوُضُوءُ وَكَذَا لَوْ شُفِيَتْ إنْ كَانَ خَرَجَ الدَّمُ أَثْنَاءَ الْوُضُوءِ، أَوْ بَعْدَهُ وَإِلَّا لَمْ يَبْطُلْ بِلَا خِلَافٍ (قَوْلُهُ: لَا بَعْدَهُ عَلَى الْأَصَحِّ) هُوَ مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ وَفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُتَيَمِّمِ بِأَنَّ حَدَثَهَا مُتَجَدِّدٌ وَنَجَاسَتَهَا مُتَزَايِدَةٌ لَكِنْ صَوَّبَ فِي الرَّوْضَةِ عَدَمَ الْفَرْقِ. فَصْلٌ فِي النِّفَاسِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا لَفْظُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ) لَيْسَ لَفْظَهُ وَلَا قَرِيبًا مِنْهُ بَلْ فِيهِ تَحْرِيفٌ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ قَوْلَهُ دُونَ أَقَلِّ الطُّهْرِ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ فِي حِكَايَةِ هَذَا الْوَجْهِ الرَّابِعِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا الْإِمَامُ أَطْلَقَ الْأَيَّامَ فَقَيَّدَهَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ بِأَنَّ مَحَلَّهَا حَيْثُ كَانَتْ دُونَ أَقَلِّ الطُّهْرِ (قَوْلُهُ: عَلَى سَقَمٍ فِي نُسَخِهِ) أَيْ:؛ لِأَنَّهُ نَقَلَ فِيهِ فِي حِكَايَةِ الرَّابِعِ أَنَّ أَوَّلَهُ مِنْ الْوِلَادَةِ لَا مِنْ خُرُوجِ الدَّمِ وَاَلَّذِي فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْهُ عَكْسُ ذَلِكَ لَكِنْ كِلَاهُمَا حَكَاهُ الْإِمَامُ فَلَا يَبْعُدُ أَنَّ نُسَخَ الْعَزِيزِ فِي بَعْضِهَا حِكَايَةُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الَّذِي رَآهُ حَالَ تَأْلِيفِهِ لِلْمَجْمُوعِ. وَفِي بَعْضِهَا حِكَايَةُ الْآخَرِ وَهُوَ الَّذِي رَآهُ حَالَ تَأْلِيفِ الرَّوْضَةِ فَلَا سَقَمَ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْوَجْهَيْنِ حَكَاهُ الْإِمَامُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ بَعْدَ ذَلِكَ وَصَحَّحَ أَنَّهُ مِنْ الدَّمِ لَكِنَّهُ أَحَالَ فِيهِ، ثُمَّ عَلَى مَا فِيهِ هُنَا مَعَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّخَالُفِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ رَأَتْهُ) أَيْ: قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ الْوِلَادَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ فَحَذْفُ الْمُصَنِّفِ لِذَلِكَ مِنْ عِبَارَتِهِ غَيْرُ حَسَنٍ. (قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ إلَخْ) سَيَنْقُلُهُ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ، ثُمَّ تَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ فَإِنَّ كَلَامَ الْبُلْقِينِيُّ مَرْدُودٌ وَالتَّنَاقُضُ ظَاهِرٌ وَعِبَارَةُ شَرْحِي لِلْعُبَابِ مَعَ الْمَتْنِ (أَوَّلَ وَقْتِهِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَلَدِ) . وَقَبْلَ أَقَلِّ الطُّهْرِ (وَلَوْ) كَانَ الْوَلَدُ (عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً قَالَ الْقَوَابِلُ هِيَ مُبْتَدَأُ آدَمِيٍّ، أَوْ) عَطْفٌ عَلَى مَا بَعْدَ لَوْ (تَأَخَّرَ خُرُوجُ الدَّمِ عَنْ الْوَضْعِ، ثُمَّ رَأَتْهُ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَوَّلُهُ حِينَئِذٍ مِنْ الْخُرُوجِ لَا مِنْ الْوِلَادَةِ) كَمَا صَحَّحَهُ فِي التَّحْقِيقِ وَمَوْضِعٍ مِنْ الْمَجْمُوعِ وَيَدُلُّ لَهُ تَعْرِيفُهُ السَّابِقُ بِأَنَّهُ الدَّمُ الْخَارِجُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَقِيلَ مِنْهَا وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَمَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْمَجْمُوعِ وَقَضِيَّةُ الْأَوَّلِ أَنَّ زَمَنَ النَّقَاءِ لَا يُحْسَبُ مِنْ السِّتِّينَ لَكِنْ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ بِخِلَافِهِ فَقَالَ ابْتِدَاءُ السِّتِّينَ مِنْ الْوِلَادَةِ، وَزَمَنُ النَّقَاءِ لَا نِفَاسَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مَحْسُوبًا مِنْ السِّتِّينَ. وَلَمْ أَرَ مَنْ حَقَّقَ هَذَا اهـ. وَرُدَّ بِأَنَّ حُسْبَانَ النَّقَاءِ مِنْ السِّتِّينَ مِنْ غَيْرِ جَعْلِهِ نِفَاسًا فِيهِ تَدَافُعٌ بِخِلَافِ جَعْلِ ابْتِدَائِهَا مِنْ الدَّمِ (قَوْلُهُ: كَمَا قُلْنَا) أَيَّدَ بِهِ مَقَالَةَ الْبُلْقِينِيُّ وَلَا تَأْيِيدَ فِيهِ لَهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: قَلَّ، أَوْ كَثُرَ) الْأَنْسَبُ أَوْ أَكْثَرُ (قَوْلُهُ: نَعَمْ إلَخْ) أَيْ: بِأَنْ لَمْ تَرَ بَعْدَ وِلَادَتِهَا دَمًا إلَى تَمَامِ خَمْسَةَ عَشَرَ، ثُمَّ رَأَتْهُ قَوِيًّا، ثُمَّ ضَعِيفًا فَلَا نِفَاسَ وَمَا رَأَتْهُ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ إنْ كَانَ وَجَدَتْ فِيهِ شُرُوطَ تَمْيِيزِ الْحَيْضِ عُمِلَ بِهِ وَإِلَّا فَهِيَ فَاقِدَةُ شَرْطِ تَمْيِيزٍ فِي الْحَيْضِ فَتَحِيضُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَتَطْهُرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ (قَوْلُهُ: فَقِيَاسُ كَوْنِ الضَّعِيفِ طُهْرًا إلَخْ) . هَذَا الْقِيَاسُ مَمْنُوعٌ وَالْوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ وَيَنْبَغِي إلَخْ لَكِنْ لَا لِمَا ذَكَرَهُ فَحَسْبُ بَلْ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ هُنَا صَرِيحٌ فِيهِ فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمُمَيِّزَةَ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ دَمُهَا الْقَوِيُّ السِّتِّينَ تُرَدُّ إلَيْهِ عَمَلًا بِالتَّمْيِيزِ وَصَرَّحُوا مَعَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّ الضَّعِيفِ فَحِينَئِذٍ هُمْ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّ الْأَسْوَدَ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ هُوَ النِّفَاسُ لِوُجُودِ الشُّرُوطِ الَّتِي ذَكَرُوهَا هُنَا فِيهِ وَيَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ نِفَاسًا أَنَّ مَا قَبْلَهُ وَبَعْدَ الْوِلَادَةِ يَنْسَحِبُ عَلَيْهِ حُكْمُهُ لِاسْتِحَالَةِ الْحُكْمِ بِالنِّفَاسِ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَيُحْكَمُ عَلَيْهَا بِأَنَّهَا طُهْرٌ. وَلِأَجْلِ هَذِهِ الِاسْتِحَالَةِ فَارَقَ نَظِيرَهُ فِي الْحَيْضِ. فِيمَا لَوْ رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا، ثُمَّ حُمْرَةً مُسْتَمِرَّةً مِنْ أَنَّ الْحَيْضَ هُوَ الْأَسْوَدُ وَالْحُمْرَةُ الْأُولَى دَمُ فَسَادٍ إذْ لَا اسْتِحَالَةَ فِي ذَلِكَ وَالْقَوِيُّ إنَّمَا يَسْتَتْبِعُ مَا بَعْدَهُ دُونَ مَا قَبْلَهُ وَيَجْرِي هَذَا الَّذِي ذَكَرْته فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ بَعْدَهُ كَمَا لَوْ رَأَتْ عَقِبَ الْوِلَادَةِ عِشْرِينَ أَشْقَرَ ثُمَّ أَرْبَعِينَ، أَوْ ثَلَاثِينَ أَسْوَدَ، ثُمَّ أَحْمَرَ فَالْأَسْوَدُ هُوَ النِّفَاسُ وَاسْتَتْبَعَ مَا قَبْلَهُ فَحُكِمَ عَلَيْهِ بِحُكْمِهِ نَظَرًا لَتِلْكَ الِاسْتِحَالَةِ أَيْضًا وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الضَّعِيفِ الْمُجَاوِزِ طُهْرٌ فَإِنْ قُلْت أَيُّ فَرْقٍ هُنَا بَيْنَ الضَّعِيفِ وَالنَّقَاءِ إذْ لَوْ رَأَتْ عَقِبَ الْوِلَادَةِ نَقَاءً خَمْسَةَ عَشَرَ كَانَ مَا بَعْدَهَا.

حَيْضًا لَا نِفَاسًا فَلِمَ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فِي الضَّعِيفِ مَعَ حُكْمِهِمْ بِاسْتِوَائِهِمَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ؟ قُلْت الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ فَإِنَّ النَّقَاءَ فَاصِلٌ حِسِّيٌّ فَلِذَا أَوْجَبَ لِلسَّوَادِ الْحُكْمَ بِأَنَّهُ حَيْضٌ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِتَمْيِيزٍ وَلَا لِعَدَمِهِ. وَأَمَّا الضَّعِيفُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ لِكَوْنِهِ مِنْ جِنْسِ مَا بَعْدَهُ وَفِيهِ صِفَةٌ تَقْتَضِي تَقَدَّمَهُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ عَلَى قَوْلٍ وَهِيَ الْأَوَّلِيَّةُ فَبَيْنَهُمَا تَعَارُضٌ فَقَدَّمْنَا اللَّوْنَ مَثَلًا؛؛ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ أَقْوَى مِنْ مُجَرَّدِ السَّبْقِ وَإِذَا قُدِّمَ فَتَارَةً يُمْكِنُ إلْغَاءُ السَّابِقِ كَمَا قَالُوهُ فِي الْحَيْضِ وَتَارَةً لَا يُمْكِنُ إلْغَاؤُهُ لِأَمْرٍ خَارِجٍ هُوَ الِاسْتِحَالَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا هُنَا فَوَجَبَ انْدِرَاجُهُ فِي الْقَوِيِّ وَالْحُكْمُ عَلَيْهِ بِحُكْمِهِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا حَكَمْنَا عَلَى النَّقَاءِ الْحَقِيقِيِّ بِذَلِكَ لِضَرُورَةِ السَّحْبِ عَلَى الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ: وَهُوَ لَا بُعْدَ فِيهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ) ؛ لِأَنَّهَا فَاقِدَةٌ لِشَرْطِ التَّمْيِيزِ هُنَا وَهُوَ أَنْ لَا يُجَاوِزَ الْقَوِيُّ السِّتِّينَ وَحِينَئِذٍ فَتُرَدُّ إلَى مَرَدِّ الْمُبْتَدِئَةِ غَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ (قَوْلُهُ: قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ لَوْ رَأَتْ تِسْعَةً وَخَمْسِينَ ضَعِيفًا، ثُمَّ يَوْمًا قَوِيًّا وَجَاوَزَ كَانَتْ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ. وَمِنْهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي وَهِيَ مَنْ كَانَ دَمُهَا بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ بِصِفَتَيْنِ وَتَأَخَّرَ حَتَّى جَاوَزَ السِّتِّينَ (قَوْلُهُ: وَالْمَسْأَلَةُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى إلَخْ) هَذَا ذَكَرَهُ تَأْيِيدًا. مَعَ ظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ لِمَا عَلِمَتْ أَنَّهَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى لَمْ تَفْقِدْ شَرْطَ التَّمْيِيزِ فَحَكَمْنَا عَلَيْهَا بِهِ بِخِلَافِهَا هُنَا فَإِنَّهَا بِمُجَاوَزَةِ الْقَوِيِّ الْمَرْئِيِّ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ، أَوْ بَعْدَهَا فَقَوِيَّةٌ فَكَانَ الْوَجْهُ فِيهَا كَمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّهَا تُرَدُّ إلَى مَرَدِّ الْمُبْتَدِئَةِ غَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ وَقَوْلُهُ لِإِطْلَاقِهِمْ: إنَّ الدَّمَ إلَخْ مَمْنُوعٌ إذْ لَمْ يُطْلِقُوا كَذَلِكَ بَلْ فَصَّلُوا كَمَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنْ فُرِضَ إطْلَاقُ أَحَدٍ مِنْهُمْ كَذَلِكَ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَعْلُومِ الْمُقَرَّرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَبِهَذَا انْدَفَعَ قَوْلُهُ: أَيْضًا أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ فَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ كَلَامَهُمْ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ. (قَوْلُهُ: فَلَوْ رَأَتْ قَوِيًّا ثُمَّ ضَعِيفًا إلَخْ) مَا ذَكَرَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ظَاهِرٌ مَعْلُومٌ مِنْ كَلَامِهِمْ هُنَا وَفِي الْحَيْضِ نَعَمْ قَوْلُهُ: أَوْلَى كَمَا رَأَيْنَاهُ مَمْنُوعٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ السَّابِقِ عَلَى الْقَوِيِّ وَالْمُتَأَخِّرِ عَنْهُ وَأَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ مَا مَرَّ فِي الْحَيْضِ أَنْ يَكُونَ السَّابِقُ دَمَ فَسَادٍ لَوْلَا مَا عَارَضَهُ مِنْ الِاسْتِحَالَةِ السَّابِقَةِ (قَوْلُهُ: رُدَّتْ بَعْدَ الْمَجَّةِ إلَى تِسْعٍ وَعِشْرِينَ طُهْرًا) وَجْهُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ طُهْرٍ بَيْنَ النِّفَاسِ وَالْحَيْضِ لَا جَائِزٌ أَنْ يُعْتَبَرَ طُهْرُهَا؛ لِأَنَّهُ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ بِعَارِضِ الْوِلَادَةِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ الْعَارِضُ وَلَا أَنْ يُعْتَبَرَ أَقَلُّ الطُّهْرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْبَقْ لَهَا. فَتَعَيَّنَ إدَارَةُ الْأَمْرِ عَلَى كَوْنِهَا مُبْتَدِئَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ فِي النِّفَاسِ فَرُدَّتْ إلَى طُهْرِهَا وَهُوَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ. (قَوْلُهُ: النَّقَاءُ الْمَذْكُورُ) أَيْ: دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا (قَوْلُهُ: لَكِنَّ الْجَارِيَ عَلَى الْقَاعِدَةِ هُوَ الْأَوَّلُ) هُوَ كَمَا قَالَ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ مَنْ انْقَطَعَ دَمُهَا لِعَارِضِ مَرَضٍ، أَوْ دَوَاءٍ سِنِينَ، ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ أَوْ حَاضَتْ كَانَ ذَلِكَ الطُّهْرُ الْمُتَطَاوِلُ طُهْرًا تُرَدُّ إلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ هُنَا وَقَرَأَ فِي الثَّانِي كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ الْعِدَّةِ وَفَّقَنَا اللَّهُ لِطَاعَتِهِ وَجَعَلَنَا مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ إلَيْهِ فِي دَارِ كَرَامَتِهِ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَوَّلًا وَآخِرًا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ أَفْضَلَ صَلَاةٍ وَأَكْمَلَ سَلَامٍ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ عَدَدَ مَعْلُومَاتِك وَمِدَادَ كَلِمَاتِك كُلَّمَا ذَكَرَك. وَذَكَرَهُ الذَّاكِرُونَ وَكُلَّمَا غَفَلَ عَنْ ذِكْرِك وَذِكْرِهِ الْغَافِلُونَ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ سُبْحَانَ رَبِّك رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ اُبْتُلِيَ بِتَقْطِيرِ الْبَوْلِ بَعْدَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَلَيْسَ بِسَلَسٍ فِي الْحَقِيقَةِ لِضَعْفٍ فِي الْمَثَانَةِ هَلْ يُعْفَى عَنْ هَذَا التَّقْطِيرِ أَوْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ لَا يُعْفَى عَنْهُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَهَلْ قَالَ أَحَدٌ بِالْعَفْوِ عَنْهُ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ، أَوْ لَا؟ وَهَلْ تَقْطِيرُهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ مَعَ الْقِلَّةِ جِدًّا حَسْبَمَا يُرَطِّبُ الْمَجْرَى نَاقِضٌ، أَوْ لَا فَيُعْفَى عَنْهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالسَّلَسِ الَّذِي تَجْرِي عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْفُقَهَاءُ مِنْ قَطْرِ بَوْلِهِ مَثَلًا لِضَعْفِ الْمَثَانَةِ بَلْ مَنْ لَمْ يَمْضِ عَلَيْهِ زَمَنٌ بِلَا خُرُوجِ شَيْءٍ مِنْ حِينِ دُخُولِ الْوَقْتِ إلَى.

كتاب الصلاة

خُرُوجِهِ يَسَعُ أَقَلَّ مُجْزِئٍ مِنْ وَاجِبِ الطُّهْرِ وَالصَّلَاةِ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ زَمَنٌ كَذَلِكَ فَهُوَ السَّلَسُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ وَفِي التَّنْبِيهِ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ يَسِيرِ حَدَثِ السَّلَسِ الَّذِي يُصِيبُ غَيْرَ مَحَلِّ الِاسْتِنْجَاءِ مِنْ بَدَنٍ، أَوْ ثَوْبٍ وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ سَوَاءٌ أَخَرَجَ قَبْلَ الطَّهَارَةِ أَمْ بَعْدَهَا قَالَا بَلْ فِي الْكِفَايَةِ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِ السَّلَسِ وَكَثِيرِهِ وَفَارَقَ وُجُوبَ تَجْدِيدِ الْعِصَابَةِ بِأَنَّهَا لَا مَالِيَّةَ لَهَا لِاِتِّخَاذِهَا غَالِبًا مِنْ الْخِرَقِ الْبَالِيَةِ فَلَا مَشَقَّةَ فِي تَجْدِيدِهَا بِخِلَافِ غَسْلِ الثَّوْبِ كُلَّ سَاعَةٍ فَإِنَّهُ يَقْطَعُهُ وَيُبْلِيه وَهُوَ بَحْثٌ لَائِقٌ بِالرُّخْصَةِ. وَأَمَّا مَنْ يَمْضِي لَهُ زَمَنٌ كَذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَتَحَرَّى ذَلِكَ الْوَقْتَ لِيُوقِعَ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ فِيهِ وَلَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ يُصِيبُهُ نَعَمْ لِمَالِكٍ قَوْلٌ مَشْهُورٌ يَجُوزُ الْإِفْتَاءُ وَالْعَمَلُ بِهِ أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ سُنَّةٌ لَا وَاجِبَةٌ فَيَجُوزُ تَقْلِيدُ هَذَا الْقَوْلِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَلْتَزِمَ أَحْكَامَ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِلَّا جَاءَ تَلْفِيقُ التَّقْلِيدِ وَهُوَ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ بَلْ عَبَّرَ بَعْضُهُمْ بِالْإِجْمَاعِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الدَّمِ الَّذِي عِنْدَ الطَّلْقِ وَعِنْدَ خُرُوجِ الْوَلَدِ تَارَةً يَتَّصِلُ بِدَمٍ قَبْلَهُ يَبْلُغُ أَقَلَّ الْحَيْضِ وَتَارَةً يَنْقَطِعُ عِنْدَ خُرُوجِ الْوَلَدِ، أَوْ بِتَمَامِهِ وَتَارَةَ يَسْتَمِرُّ، فَفِي أَيِّ حَالٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ لَا يَكُونُ حَيْضًا وَفِي أَيِّ حَالٍ يَكُونُ دَمَ فَسَادٍ؟ حَرِّرُوا لَنَا ذَلِكَ فَقَدْ حَصَلَ فِيهِ تَرَدُّدٌ وَمُنَازَعَةٌ نَشَأَتْ مِنْ عِبَارَةِ شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَعِبَارَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ وَنَحْوِهِمَا. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا خَرَجَ غَيْرَ مُتَّصِلٍ بِدَمٍ مَحْكُومٍ بِأَنَّهُ حَيْضٌ عِنْدَ أَوَّلِ الطَّلْقِ إلَى تَمَامِ خُرُوجِ الْوَلَدِ دَمُ فَسَادٍ وَمَا اتَّصَلَ بِحَيْضٍ يَسْتَمِرُّ حُكْمُ الْحَيْضِ عَلَيْهِ إلَى تَمَامِ خُرُوجِ الْوَلَدِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ نِفَاسًا وَعِبَارَةُ شَرْحِي لِلْعُبَابِ وَالدَّمُ وَالْخَارِجُ مَعَ الْوَلَدِ، أَوْ حَالَ الطَّلْقِ دَمُ فَسَادٍ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ؛ لِأَنَّهُ مِنْ آثَارِ الْوِلَادَةِ وَلِأَنَّ انْزِعَاجَ الْبَدَنِ بِالطَّلْقِ يَدُلُّ عَلَى خُرُوجِهِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ لَا لِلْجِبِلَّةِ وَلَا نِفَاسَ لِتَقَدُّمِهِ عَلَى خُرُوجِ الْوَلَدِ نَعَمْ الْمُتَّصِلُ مِنْ ذَلِكَ بِحَيْضِهَا الْمُتَقَدِّمِ حَيْضٌ انْتَهَتْ وَمَا فِيهَا مِنْ التَّفْصِيلِ يَقْضِي عَلَى الْمُطْلَقِ وَتَعَيَّنَ حَمْلُ إطْلَاقِهِ عَلَى أَحَدِ ذَيْنِك الشِّقَّيْنِ فَإِنْ قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ نِفَاسًا وَإِنْ اتَّصَلَ بِهِ وَحِينَئِذٍ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ كَوْنِ اتِّصَالِهِ بِدَمِ الْحَيْضِ يُصَيِّرُهُ حَيْضًا وَبِدَمِ النِّفَاسِ لَا يُصَيِّرهُ نِفَاسًا. قُلْت فَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْنَ جَعْلِ الْمُتَأَخِّرِ تَابِعًا لِمَا قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ تَأَخُّرَهُ عَنْهُ مُقْتَضٍ لِتَبَعِيَّتِهِ لَهُ دُونَ الْمُتَقَدِّمِ عَلَيْهِ إذْ تَبَعِيَّتُهُ يَأْبَاهَا تَقَدُّمُهُ فَجُعِلَ غَيْرَ تَابِعٍ لِلنِّفَاسِ وَتَابِعًا لِلْحَيْضِ. وَأَيْضًا فَفَاصِلُ النِّفَاسِ عَمَّا قَبْلَهُ مَحْسُوسٌ يُدْرِكُهُ كُلُّ أَحَدٍ وَهُوَ تَمَامُ خُرُوجِ الْوَلَدِ فَلَمْ يُمْكِنْ التَّبَعِيَّةُ مَعَهُ بِخِلَافِ ذَاكَ فَإِنَّ ابْتِدَاءَ الطَّلْقِ خَفِيٌّ لَا يُدْرِكُهُ إلَّا الْمَرْأَةُ فَلَمْ يَكُنْ فَاصِلًا حَقِيقِيًّا بَيْنَ مَا خَرَجَ عِنْدَهُ وَمَا اتَّصَلَ بِهِ مِنْ الْحَيْضِ قَبْلَهُ فَحَكَمْنَا عَلَى الْكُلِّ بِأَنَّهُ حَيْضٌ فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَالدَّمِ الْخَارِجِ بَعْدَ خُرُوجِ عُضْوٍ مِنْ وَلَدٍ مُجْتَنٍّ دُونَ بَاقِيه فَإِنَّهُ حَيْضٌ بِشَرْطِهِ؟ قُلْت الْفَرْقُ أَنَّهُ ثَمَّ وُجِدَ صَارِفٌ عَنْ كَوْنِهِ دَمَ جِبِلَّةً وَهُوَ وُجُودُ الطَّلْقِ وَالْوِلَادَةِ فَكَانَ دَمَ فَسَادٍ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ هُنَا إذْ لَا طَلْقَ هُنَا وَلَا وِلَادَةَ وَمَا يُقَارِنُ خُرُوجَ الْعُضْوِ مِنْ الْوَجَعِ مِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ خَفِيفٌ. فَلَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُنَاطَ بِهِ خُرُوجُ الْجِبِلَّةِ عَنْ قَضِيَّتِهَا. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ امْرَأَةٍ عَادَتُهَا تَحِيضُ الْخَمْسَةَ الْأَخِيرَةَ مِنْ الشَّهْرِ فَرَأَتْ الدَّمَ فِي شَهْرٍ مِنْ الشُّهُورِ فِي الْعِشْرِينَ الْأُولَى مِنْهُ ثُمَّ انْقَطَعَ وَلَمْ يَعُدْ هَلْ تَحِيضُ وَمَا تَحِيضُ تَحِيضُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا رَأَتْهُ بَعْدَ طُهْرٍ صَحِيحٍ حُكِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ تَقَدَّمَ عَلَى الْعَادَةِ بِأَنَّهُ حَيْضٌ بِشَرْطِهِ سَوَاءٌ أَبَلَغَ خَمْسًا أَمْ لَا وَهَذَا وَاضِحٌ وَلَعَلَّ فِي السُّؤَالِ خَلَلًا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فِي الْعِشْرِينَ الْأُولَى فَإِنَّ هَذَا بِظَاهِرِهِ غَيْرُ مُنْتَظِمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ [كِتَابُ الصَّلَاةِ] [بَابُ الْمَوَاقِيتِ] (كِتَابُ الصَّلَاةِ) (بَابُ الْمَوَاقِيتِ) (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا لَوْ أَخَّرَ الْمَرِيضُ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ زَالَ مَرَضُهُ قَبْلَ أَدَاءِ الظُّهْرِ فَهَلْ يَكُونُ ظُهْرُهُ أَدَاءً أَوْ قَضَاءً (فَأَجَابَ) : - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّ الْجَمْعَ بِالْمَرَضِ لَا يَجُوزُ عَلَى الْمَنْقُولِ الْمُعْتَمَدِ فِي مَذْهَبِنَا، وَاخْتَارَ جَمْعٌ جَوَازَهُ وَعَلَيْهِ فَإِذَا زَالَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَقَبْلَ فِعْلِ الَّتِي خَرَجَ وَقْتُهَا

صَارَتْ قَضَاءً لَكِنَّهُ لَا إثْمَ فِيهِ، نَظِيرُ: مَا لَوْ أَخَّرَ الْمُسَافِرُ الظُّهْرَ مَثَلًا عَلَى نِيَّةِ التَّأْخِيرِ، حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا، ثُمَّ أَرَادَ دُخُولَ مَنْزِلِهِ قَبْلَ فِعْلِهَا فِي السَّفَرِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْأَوْجَهِ، كَمَا بَيَّنْته فِي حَاشِيَةِ مَنَاسِكِ النَّوَوِيِّ الْكُبْرَى؛ رَادًّا عَلَى مَنْ زَعَمَ خِلَافَهُ، وَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّ فِعْلَهَا فِي السَّفَرِ إنَّمَا يَحْصُلُ وَصْفُ الْأَدَاءِ فَقَطْ. بِخِلَافِ فِعْلِهَا فِي الْحَضَرِ، فَإِنَّهُ يُزِيلُ ذَلِكَ الْوَصْفَ وَيَجْعَلُهَا قَضَاءً، وَهَذَا لَا يَقْتَضِي الْحُرْمَةَ؛ لِأَنَّا وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهَا قَضَاءٌ لَا إثْمَ فِيهِ؛ إذْ الْقَضَاءُ الَّذِي فِيهِ الْإِثْمُ أَنْ يَتَعَمَّدَ خُرُوجَهَا عَنْ الْوَقْتِ لَا لِعُذْرٍ، وَهَذَا إنَّمَا تَعَمَّدَ خُرُوجَهَا عَنْهُ لِعُذْرِ السَّفَرِ. فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ مَدَّ فِيهَا بِنَحْوِ الْقِرَاءَةِ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُهَا، وَلَمْ يُوقِعْ مِنْهَا رَكْعَةً فِيهِ، فَإِنَّهَا تَكُونُ مَقْضِيَّةً وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. وَالسَّفَرُ وَإِنْ جَعَلَ الْوَقْتَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْتِ الْوَاحِدِ لَكِنَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِتَسْمِيَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا مُؤَدَّاةً وَإِنْ وَقَعَتْ فِي وَقْتِ الْأُخْرَى، لَا بِالنِّسْبَةِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ إيقَاعُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي السَّفَرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا وَجْهَ لَهُ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ يُؤَخِّرُ الْعَصْرَ حَتَّى تَكَادَ الشَّمْسُ تَغْرُبُ، هَلْ يَأْثَمُ بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَمْ هُوَ فِي الْوَقْتِ مَا لَمْ تَغْرُبْ؟ وَهَلْ إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ هَذَا طُولَ عُمُرِهِ يَكُونُ عَدْلًا أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ -: بِأَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُ صَلَاةِ الْعَصْرِ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا بِشَرْطِ أَنْ يُوقِعَهَا جَمِيعَهَا فِي الْوَقْتِ قَبْلَ الْغُرُوبِ؛ فَإِنْ كَانَ الْمَسْئُولُ عَنْهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لَمْ يَأْثَمْ بِالتَّأْخِيرِ؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ وَيَكُونُ عَدْلًا وَإِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ، لَكِنْ يَنْبَغِي لَهُ تَرْكُهُ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ، حَتَّى إذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ، قَامَ فَيَنْقُرُهَا أَرْبَعًا، لَا يَذْكُرُ اللَّهَ فِيهَا إلَّا قَلِيلًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ وَمُتِّعَ بِحَيَاتِهِ -: هَلْ يُوجَدُ ضَابِطٌ صَحِيحٌ مُعْتَمَدٌ فِي مَعْرِفَةِ أَوَّلِ وَقْتَيْ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَتَفَضَّلُوا بِهِ، وَكَذَلِكَ فِي مَعْرِفَةِ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ مِنْ السَّنَةِ الرُّومِيَّةِ؛ فَقَدْ كَثُرَتْ الضَّوَابِطُ فِي ذَلِكَ، وَكَثُرَ اخْتِلَافُهَا (فَأَجَابَ) : - أَمَدَّنِي اللَّهُ مِنْ مَدَدِهِ وَحَشَرَنِي فِي زُمْرَتِهِ -: الضَّابِطُ الصَّحِيحُ فِي ذَلِكَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى تَعَلُّمِ عِلْمِ الْمِيقَاتِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهِ لِمَنْ لَا يَعْرِفُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفَسَحَ فِي مُدَّتِهِ - عَنْ قَوْلِهِمْ: تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَإِذَا كَانَ بِمَوْضِعٍ يَمُرُّ فِيهِ السَّيْلُ، وَهُوَ طَرِيقٌ أَيْضًا؛ فَأُقِيمَتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ لِلصَّلَاةِ فَهَلْ هِيَ مَكْرُوهَةٌ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: هِيَ مَكْرُوهَةٌ. فَمَا تَعْلِيلُ الْكَرَاهَةِ؛ وَقَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ: الْكَرَاهَةُ تُجَامِعُ الثَّوَابَ؟ وَهَلْ شَيْخُ الْإِسْلَامِ يُجْرِي ذَلِكَ فِي جَمِيعِ مَا يُكْرَهُ أَمْ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ دُونَ بَعْضٍ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ (فَأَجَابَ) - مَتَّعَنِي اللَّهُ بِحَيَاتِهِ وَنَفَعَنِي بِمَعْلُومَاتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ -: بِأَنَّ مَحَلَّ الْكَرَاهَةِ اشْتِغَالُ الْقَلْبِ بِالْمَارَّةِ فَيَنْتَفِي الْخُشُوعُ أَوْ كَمَالُهُ؛ وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْمَدَارَ فِي الْكَرَاهَةِ عَلَى مَا يُشَوِّشُ الْخُشُوعَ؛ فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ الطَّرِيقَ فِي الْبُنْيَانِ لَا مَارَّةَ فِيهَا وَفِي الصَّحْرَاءِ فِيهَا مَارَّةٌ؛ كُرِهَتْ الصَّلَاةُ فِي الطَّرِيقِ الَّتِي بِالصَّحْرَاءِ دُونَ الَّتِي فِي الْبُنْيَانِ؛ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ. وَإِنَّمَا أَطْلَقُوا الْكَرَاهَةَ فِي الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى؛ جَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ؛ وَهُوَ أَنَّ طَرِيقَ الْبُنْيَانِ لَا يَخْلُو عَنْ مَارٍّ بِخِلَافِ طَرِيقِ الصَّحْرَاءِ؛ وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ أَيْضًا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الطَّرِيقِ الَّتِي يَغْلِبُ فِيهَا الْمُرُورُ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ خَارِجِهِ بَلْ كُلُّ مَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ الْمُرُورُ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَرِيقًا - تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ حَالَ مُرُورِ النَّاسِ؛ كَمَنْ يُصَلِّي فِي الْمَطَافِ وَقْتَ طَوَافِ النَّاسِ فَيُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِاشْتِغَالِهِ بِالْمَارَّةِ؛ كَالْمُصَلِّي فِي الطَّرِيقِ فِي الْبُنْيَانِ، وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ أَيْضًا فِي مَحَلِّ مُرُورِ السَّيْلِ إذَا غَلَبَ مُرُورُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؛ لِاشْتِغَالِ الْقَلْبِ بِهِ إذَا مَرَّ؛ لِلْخَوْفِ مِنْهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، فَيَنْتَفِي الْخُشُوعُ أَيْضًا. ثُمَّ الْكَرَاهَةُ فِي الصَّلَاةِ تَارَةً تَكُونُ ذَاتِيَّةً وَهَذِهِ تُنَافِي انْعِقَادَ الصَّلَاةِ فَضْلًا عَنْ ثَوَابِهَا؛ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فَإِنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ حَتَّى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ. وَمَعْنَى كَوْنِهَا ذَاتِيَّةً؛ أَنَّ الْكَرَاهَةَ بِسَبَبِ كَوْنِهَا صَلَاةً، وَتَارَةً تَكُونُ غَيْرَ ذَاتِيَّةٍ؛ بِأَنْ يَكُونَ سَبَبُهَا أَمْرًا خَارِجًا عَنْ كَوْنِهَا صَلَاةً، فَهَذِهِ لَا تُنَافِي الثَّوَابَ مِنْ أَصْلِهِ وَإِنَّمَا تُنَافِي كَمَالَهُ، فَمِنْهَا: الِالْتِفَاتُ فِي الصَّلَاةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَرَفْعُ الْبَصَرِ فِيهَا إلَى السَّمَاءِ، وَالْبُصَاقُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَظْهَرَ مَعَهُ حَرْفَانِ قُبَالَتَهُ، أَوْ عَنْ

يَمِينِهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ فِي الصَّلَاةِ لِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهَا، وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا؛ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْأُمِّ - فِي أَقَلِّ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ؛ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِ مَكْرُوهٌ؛ لَا أَنَّ ذَاتَه مَكْرُوهَةٌ وَكَذَا قَوْلُهُمْ: إنَّ صَلَاةَ الْوِتْرِ رَكْعَةً مَكْرُوهَةٌ، مَعْنَاهُ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهَا مَكْرُوهٌ فَيُثَابُ عَلَيْهَا وَعَلَى أَقَلِّ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ لَمْ تَحْصُلْ إلَّا مِنْ حَيْثُ الِاقْتِصَارُ عَلَى ذَلِكَ وَتَرْكُهُ لِلْأَكْمَلِ، لَا مِنْ حَيْثُ الصَّلَاةُ. نَعَمْ، الصَّلَاةُ الَّتِي لَا خُشُوعَ فِيهَا مَكْرُوهَةٌ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهَا؛ فَيَجُوزُ أَنْ يَخْتَصَّ ذَلِكَ بِفَقْدِ الْخُشُوعِ؛ لِتَأَكُّدِ شَأْنِهِ. وَمِنْ ثَمَّ قَالَ كَثِيرُونَ: إنَّهُ فِي جُزْءٍ مِنْ الصَّلَاةِ شَرْطٌ فَمَتَى لَمْ يَحْصُلْ فِي جُزْءٍ مِنْهَا كَانَتْ بَاطِلَةً عِنْدَهُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: الْفَائِتُ بِفَقْدِ الْخُشُوعِ إنَّمَا هُوَ ثَوَابُ الْحُضُورِ فِي الصَّلَاةِ وَتَدَبُّرُ أَذْكَارِهَا وَأَفْعَالِهَا مَا عَدَا ذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رَجُلٍ صَلَّى فِي مَقَابِرِ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ - فَهَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ بِلَا كَرَاهَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ فَإِنْ كَانُوا أَحْيَاءً فَهَلْ حَيَاتُهُمْ كَحَيَاتِنَا، فَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَلْبَسُونَ وَهَلْ هُمْ مُكَلَّفُونَ بِالْعِبَادَةِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ، أَوْ بِعِبَادَةِ أُخْرَى. (فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ -: تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِحَيَاةِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ - حَيَاةً كَحَيَاتِنَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ حَتَّى يَقْتَضِيَ الِاحْتِيَاجَ إلَى نَحْوِ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَالتَّكْلِيفَ بِنَحْوِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ؛ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهَا أَنَّهَا كَحَيَاةِ الْمَلَائِكَةِ؛ فِي عَدَمِ احْتِيَاجِهَا إلَى ذَلِكَ؛، أَوْ فِي أَنَّ الْعِبَادَاتِ الَّتِي تَقَعُ مِنْهُمْ إنَّمَا هِيَ عَلَى وَجْهِ التَّلَذُّذِ بِخِطَابِ الْحَقِّ وَشُهُودِهِ فِي تَعَاطِي صُوَرِ مَا عَظُمَ شَأْنُهُ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ فِي ذَلِكَ أَجَلُّ وَأَكْمَلُ. فَمِنْ ثَمَّ خُصُّوا بِجَرَيَانِ أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ عَلَى أَجْسَامِهِمْ وَأَرْوَاحِهِمْ الْبَاقِيَةِ الْأَبَدِيَّةِ تَخْصِيصًا لَهُمْ بِاتِّسَاعِ مَوَاطِنِ الْقُرْبِ، وَإِتْحَافًا لَهُمْ بِإِسْبَاغِ سَوَابِقِ الرِّضَا وَالْمَحَبَّةِ، وَإِعْلَامًا لِغَيْرِهِمْ بِأَنَّ مَوَائِدَ الْإِنْعَامِ وَمَزِيدَ الْإِكْرَامِ لَمْ تَزَلْ مُنَزَّلَةً عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ انْقِطَاعٍ لَهَا عَنْهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ وَشَرَّفَ وَكَرَّمَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) : - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَثِيرُ الْوَسْوَسَةِ هَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِغَالِبِ ظَنِّهِ فِي أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ فِي الصَّلَاةِ وَالطَّهَارَةِ لِتَعَسُّرِ الْيَقِينِ مِنْهُ؟ (فَأَجَابَ) - فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ -: بِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي إعْدَادِ الصَّلَاةِ مِنْ الْيَقِينِ، وَأَمَّا نَحْوُ الْفَاتِحَةِ فِيهَا فَلَا يَضُرُّ الشَّكُّ فِيهَا بَعْدَ فَرَاغِهَا، وَكَذَا سَائِرُ أَرْكَانِهَا، كَمَا أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلشَّكِّ فِي غَيْرِ النِّيَّةِ وَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ السَّلَامِ، وَأَمَّا الشُّرُوطُ فَلَا يُشْتَرَطُ تَيَقُّنُهَا بَلْ يَكْفِي ظَنُّهَا؛ وَمِنْ ثَمَّ جَازَ لِمَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا نَظَرَ لِشَكِّهِ عَمَلًا بِأَصْلِ اسْتِصْحَابِ الطَّهَارَةِ. وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَإِنْ شَكَّ فِي بَعْضِ أَرْكَانِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ لَمْ يُؤَثِّرْ أَوْ قَبْلَ فَرَاغِهِ أَثَّرَ، وَيَكْتَفِي فِي غَسْلِ نَحْوِ الْوَجْهِ بِظَنِّ عُمُومِ الْمَاءِ لَهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَيَقُّنُ ذَلِكَ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي الْفَاتِحَةِ أَنَّهُ إنْ كَانَ شَكَّ فِي اسْتِيعَابِهِ قَبْلَ فَرَاغِ غَسْلِهِ أَثَّرَ، أَوْ بَعْدَ فَرَاغِ غَسْلِهِ لَمْ يُؤَثِّرْ؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلْت) مَا الْحِكْمَةُ فِي جَعْلِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ وَجَعْلِ الْمَثْنَى فِي وَقْتِهَا وَغَيْرِهَا فِي وَقْتِهَا؟ (فَأَجَبْت) : يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مِنْ الْحِكَمِ فِي جَعْلِ الصُّبْحِ رَكْعَتَيْنِ فِي وَقْتِهَا الْمَعْرُوفِ؛ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَقِبَ الِاسْتِيقَاظِ مِنْ النَّوْمِ - وَذَلِكَ وَقْتٌ يَغْلِبُ فِيهِ التَّكَاسُلُ، أَوْ عَدَمُ النَّشَاطِ - نَاسَبَ أَنْ يُخَفَّفَ فِي وَظِيفَتِهِ بِجَعْلِهَا أَقَلَّ الْفُرُوضِ عَدَدًا. وَأَيْضًا فَالْإِنْسَانُ فِي هَذَا الْوَقْتِ لَا يَسْبِقُ مِنْ أَوَّلِ نَهَارِهِ - وَهُوَ الْفَجْرُ الثَّانِي إلَى الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ - كَبِيرُ فَرَطَاتٍ وَزَلَّاتٍ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى كَبِيرِ عَمَلٍ يَتَدَارَكُهَا بِهِ. وَإِنَّمَا لَمْ يُجْعَلْ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ التَّعَدُّدَ مَقْصُودٌ كَمَا يَأْتِي، وَالْوَاحِدُ لَيْسَ بِعَدَدٍ وَإِنَّمَا هُوَ مَبْدَؤُهُ فَضُمَّ إلَيْهِ مِثْلُهُ فَصَارَ إلَى مَرْتَبَةِ أَقَلِّ الْعَدَدِ. وَأَيْضًا فَالتَّعَبُّدُ بِالرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ فِي غَيْرِ الْوِتْرِ غَيْرُ مُعْتَادٍ وَلَا مَأْلُوفٍ حَتَّى عِنْدَ ذَوِي الْبَطَالَاتِ وَالتَّكَاسُلِ عَنْ الْعِبَادَاتِ؛ فَلَمْ يُجْعَلْ الصُّبْحُ رَكْعَةً لِذَلِكَ بَلْ رَكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ جَلَاءِ الْقَلْبِ، وَطَهَارَةِ السِّرِّ مَا لَا يَخْفَى؛ فَنَاسَبَ طَلَبَ تَكْرَارِ ذَلِكَ أَوَّلَ النَّهَارِ إشْعَارًا بِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي هَذَا الْأَمْرِ - أَعْنِي التَّطْهِيرَ - مِنْ التَّكْرَارِ وَلَوْ بِأَقَلِّ مَرَاتِبِهِ وَهُوَ الِاثْنَانِ، فَاتَّضَحَتْ حِكْمَةُ كَوْنِهَا رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ قُلْت يُنَافِي

ذَلِكَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ أَخْذًا مِنْ السُّنَّةِ؛ أَنَّ الْأَكْمَلَ فِي الصُّبْحِ لِلْمُنْفَرِدِ وَإِمَامِ الْمَحْصُورِينَ بِشُرُوطِهِ تَطْوِيلُهَا عَلَى سَائِرِ الْخَمْسِ، وَمَا ذَكَرْته لَا يَتَأَتَّى مَعَ ذَلِكَ؛ قُلْت: كَلَامُنَا أَوَّلًا إنَّمَا هُوَ فِي حِكْمَةِ الْوُجُوبِ، وَهَذَا التَّطْوِيلُ أَمْرٌ مَنْدُوبٌ، وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَالتَّطْوِيلُ صِفَةٌ تَابِعَةٌ وَهِيَ يُغْتَفَرُ فِيهَا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَقْصُودِ بِالذَّاتِ فِي هَذَا السُّؤَالِ؛ وَهُوَ عَدَدُ الرَّكَعَاتِ عَلَى أَنَّ لَهُ حِكْمَةً ظَاهِرَةً هِيَ أَنَّ الْقَلْبَ لَمْ يَتِمَّ شَغْلُهُ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ إلَى الْآنَ خَالٍ مِنْ سَائِرِ الْأَشْغَالِ؛ لِمَا عَلِمْت مِنْ قُرْبِ الْعَهْدِ بَيْنَ يَقِظَتِهِ مِنْ النَّوْمِ وَبَيْنَ دُخُولِهِ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي هَذَا الزَّمَنِ لَمْ يُعَانِ مِنْ الِاشْتِغَالِ مَا يَشْغَلُ قَلْبَهُ عَمَّا يُوَجِّهُهُ إلَيْهِ، فَكَانَتْ الْقَابِلِيَّةُ فِيهِ هُنَا إلَى التَّطْوِيلِ مُتَوَفِّرَةً، بِخِلَافِهِ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ، فَإِنَّهُ عَانَى الِاشْتِغَالَ وَبَاشَرَهَا وَارْتَبَكَ فِيهَا؛ فَلَمْ يَتِمَّ لَهُ مِنْ الْفَرَاغِ مَا يَتِمُّ لَهُ فِي الصُّبْحِ؛ فَلِذَلِكَ لَمْ يُطْلَبْ مِنْهُ تَطْوِيلُ غَيْرِ الصُّبْحِ مِثْلُ مَا طُلِبَ مِنْهُ تَطْوِيلُهَا. وَمِنْ الْحِكَمِ فِي جَعْلِ الظُّهْرِ أَرْبَعًا فِي وَقْتِهَا الْمَخْصُوصِ؛ أَنَّهَا بَعْدَ مُضِيِّ نَحْوِ نِصْفِ النَّهَارِ الْمُبْتَدِئِ أَوَّلُهُ بِرَكْعَتَيْنِ لِلْحِكْمَةِ السَّابِقَةِ فَضُوعِفَتَا بِأَقَلِّ مَرَاتِبِ التَّضْعِيفِ - وَهُوَ مَرَّةٌ -؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ مُكَفِّرًا لِمَا وَقَعَ مِنْ الْهَفَوَاتِ وَالْمُخَالَفَاتِ مِنْ انْقِضَاءِ الصُّبْحِ إلَى الشُّرُوعِ فِي الظُّهْرِ وَلَمْ يُضَاعَفَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ؛ إشَارَةً إلَى أَنَّ مَبْنَى هَذَا الدِّينِ عَلَى السُّهُولَةِ وَالْيُسْرِ مَا أَمْكَنَ، فَحَيْثُ أَمْكَنَ الِاكْتِفَاءُ فِيهِ بِمَرْتَبَةٍ لَمْ يُنْتَقَلْ عَنْهَا إلَى أَشَقَّ مِنْهَا، وَقَدْ عُلِمَ الِاكْتِفَاءُ بِتَضْعِيفِ الثِّنْتَيْنِ مَرَّةً حَتَّى يَصِيرَا أَرْبَعًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ كَافِيَةٌ فِيمَا قُصِدَتْ الصَّلَاةُ لَهُ مِنْ تَكْفِيرِ الزَّلَّاتِ تَارَةً وَرَفْعِ الدَّرَجَاتِ أُخْرَى، وَأَيْضًا فَالصُّبْحُ أَوَّلُ رُبْعِ النَّهَارِ الْأَوَّلِ، وَالظُّهْرُ آخِرُ رُبْعِ النَّهَارِ الثَّانِي تَقْرِيبًا، فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ الظُّهْرُ ضِعْفَ عَدَدِ الصُّبْحِ؛ لِأَنَّهَا خَاتِمَةُ رُبْعِ النَّهَارِ فَتَكَرَّرَ فِيهَا الرُّبْعُ مَرَّتَيْنِ. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الرُّبْعَ الْأَوَّلَ اُبْتُدِئَ بِرَكْعَتَيْنِ فَلْيُخْتَمْ الرُّبْعُ الثَّانِي بِأَرْبَعٍ؛ نَظَرًا إلَى اشْتِمَالِ هَذَا الْخَتْمِ عَلَى ذَيْنِك الرُّبْعَيْنِ تَقْدِيرًا. وَأُخِّرَتْ الظُّهْرُ إلَى هَذَا الْوَقْتِ؛ لِتَقَعَ خَاتِمَةَ هَذَا النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ النَّهَارِ. وَالْخَوَاتِيمُ يُحْتَاطُ لَهَا؛ لِأَنَّ بِهَا قِوَامَ الْأَشْيَاءِ، وَعَلَيْهَا مَدَارُ حَقِيقَتِهَا، فَمِنْ ثَمَّ زِيدَ فِي عَدَدِهَا ضِعْفُ مَا بِهِ الِابْتِدَاءُ؛ إشَارَةً لِهَذَا الِاعْتِنَاءِ بِالْخَاتِمَةِ، وَلَمْ يُجْعَلْ خَاتِمَةُ رُبْعِ النَّهَارِ الْأَوَّلِ وَاجِبًا اكْتِفَاءً بِمَا وَقَعَ ابْتِدَاؤُهُ بِهِ مَعَ تَمَامِ التَّفَرُّغِ وَالْإِقْبَالِ. فَكَانَ تَمَيُّزُهُ بِذَلِكَ عَلَى مَا عَدَاهُ قَائِمًا مَقَامَ خَاتِمَةِ هَذَا الرُّبْعِ، عَلَى أَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ لَهُ خَاتِمَةً لَكِنْ مَنْدُوبَةً وَهِيَ الضُّحَى؛ فَإِنَّ وَقْتَهَا الْمُخْتَارَ إذَا مَضَى رُبْعُ النَّهَارِ؛ حَتَّى لَا يَخْلُوَ خَتْمُ كُلِّ رُبْعٍ مِنْ النَّهَارِ عَنْ صَلَاةٍ، لَكِنْ قَدْ عَلِمْت الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا الرُّبْعِ وَالرُّبْعِ الثَّانِي وَالرُّبْعِ الثَّالِثِ، فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ خُتِمَ بِصَلَاةٍ وَاجِبَةٍ إذْ الظُّهْرُ آخِرُ الرُّبْعِ الثَّانِي وَالْعَصْرُ آخِرُ الرُّبْعِ الثَّالِثِ. وَمِمَّا يُوَضِّحُ هَذَا؛ أَنَّ الْعَصْرَ لَمَّا كَانَتْ الْوُسْطَى وَكَانَ فِيهَا مِنْ الْفَضَائِلِ مَا يَفُوقُ الصُّبْحَ، وَكَانَتْ مِثْلَهَا فِي أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِهَا أَوَّلُ رُبْعٍ كَانَتْ غَنِيَّةً عَنْ أَنْ تَحْتَاجَ لِخَاتِمَةٍ، أَلَا تَرَى أَنَّ الرُّبْعَ الْأَوَّلَ لَمَّا اُبْتُدِئَ بِالصُّبْحِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى خَاتِمَةٍ، فَكَذَلِكَ الرُّبْعُ الْأَخِيرُ لَمَّا اُبْتُدِئَ بِالْعَصْرِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى خَاتِمَةٍ. وَلَمَّا تَرَاخَتْ الصُّبْحُ عَنْ الْعَصْرِ فِي الْفَضْلِ نُدِبَ لِرُبْعِهَا خَاتِمَةٌ وَهِيَ الضُّحَى، بِخِلَافِ الْعَصْرِ فَإِنَّهُ لَمْ يُنْدَبْ لِرُبْعِهَا خَاتِمَةٌ إشْعَارًا بِأَنَّهَا غَنِيَّةٌ عَنْ الِاحْتِيَاجِ إلَى جَبْرِ غَيْرِهَا لَمَّا ابْتَدَأَتْ بِهِ، بَلْ زِيدَ فِي الْإِشْعَارِ بِهَذَا الِاسْتِغْنَاءِ؛ فَحَرُمَتْ الصَّلَاةُ الَّتِي لَا سَبَبَ لَهَا بَعْدَهَا إلَى آخِرِ رُبْعِهَا؛ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْكَامِلَ قَدْ يَمْنَعُ النَّاقِصَ مِنْ الِاجْتِمَاعِ مَعَهُ فِي مَرْتَبَتِهِ مُطْلَقًا، بِخِلَافِ غَيْرِ الْكَامِلِ فَإِنَّ النَّاقِصَ قَدْ يَجْتَمِعُ بِهِ وَقَدْ يَمْنَعُ مِنْ الِاجْتِمَاعِ بِهِ؛ وَبِهَذَا ظَهَرَتْ الْحِكْمَةُ فِي امْتِدَادِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ مِنْ فِعْلِ الْعَصْرِ إلَى دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ الَّتِي تَلِيهَا، وَهِيَ الْمَغْرِبُ، وَلَمْ تَمْتَدَّ فِي الصُّبْحِ إلَى دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ الَّتِي تَلِيهَا - وَهِيَ الظُّهْرُ - بَلْ انْقَضَى وَقْتُ الْكَرَاهَةِ بِارْتِفَاعِ الشَّمْسِ كَرُمْحٍ، وَشُرِعَ لَهُ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ التَّطَوُّعُ بِالضُّحَى جَبْرًا لِمَا عَسَاهُ لَمْ يَنْجَبِرْ بِالصُّبْحِ؛ لِأَنَّهَا نَاقِصَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَصْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوُسْطَى الَّتِي هِيَ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ إنَّمَا هِيَ الْعَصْرُ. وَهُوَ الَّذِي صَرَّحَتْ بِهِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، وَمِنْ الْحِكَمِ فِي جَعْلِ الْعَصْرِ أَرْبَعًا أَيْضًا؛ أَنَّهَا آخِرُ نَحْوِ الرُّبْعِ الثَّالِثِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ خَاتِمَةُ النَّهَارِ. فَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ أَيْضًا عَلَى رُبْعَيْهِ الْبَاقِيَيْنِ، فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ أَرْبَعًا

كَالظُّهْرِ؛ لِمَا تَقَرَّرَ فِيهَا أَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى رُبْعَيْهِ الْأَوَّلَيْنِ بِالِاعْتِبَارِ السَّابِقِ، فَكَذَلِكَ الْعَصْرُ لَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَى رُبْعَيْهِ الْأَخِيرَيْنِ بِالِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ وَأُلْحِقَتْ بِالظُّهْرِ فِي الْعَدَدِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي ذَلِكَ الِاشْتِمَالِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُشْرَعْ بَعْدَ الْعَصْرِ صَلَاةٌ لِمَا عُلِمَ مِنْ حُرْمَةِ، أَوْ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَهَا حَذَرًا مِنْ التَّشْبِيهِ بِعُبَّادِ الشَّمْسِ فِي سُجُودِهِمْ لَهَا عِنْدَ غُرُوبِهَا كَطُلُوعِهَا؛ فَاتَّضَحَ بِمَا قَرَّرْته أَنَّ كُلَّ رُبْعٍ مِنْ النَّهَارِ مُقَابَلٌ بِرَكْعَتَيْنِ، وَأَنَّ الْعَصْرَ آخِرُ النَّهَارِ، وَأَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى رُبْعَيْهِ الْأَخِيرَيْنِ حَقِيقَةً، وَاتَّضَحَ أَيْضًا كَوْنُهَا الْوُسْطَى لِانْتِفَاءِ هَذَا الِاشْتِمَالِ الْحَقِيقِيِّ عَنْ الظُّهْرِ وَالصُّبْحِ. وَأَيْضًا فَهِيَ لَمْ تَأْتِ إلَّا وَقَدْ امْتَلَأَ الْقَلْبُ بِالْأَغْيَارِ وَمُعَانَاةِ الْمَشَاقِّ وَالْأَشْغَالِ وَوَرَطَاتِ الْأَوْهَامِ وَالْخَوَاطِرِ فَاحْتِيجَ إلَى مَا هُوَ أَبْلَغُ فِي تَطْهِيرِ ذَلِكَ وَإِزَالَتِهِ وَتَكْفِيرِ نَقَائِصِهِ، وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا إنْ كَانَتْ تِلْكَ الْآلَةُ الْمُزِيلَةُ لِذَلِكَ أَكْمَلَ الْآلَاتِ وَأَحَدَّهَا وَأَقْطَعَهَا، فَتَفَضَّلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - وَلَهُ الْفَضْلُ وَالْمِنَّةُ - وَجَعْلُ الْعَصْرِ كَذَلِكَ لِتَصْلُحَ مُزِيلَةً لِمَا وَقَعَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى آخِرِهِ، مِنْ ذَلِكَ الِاشْتِغَالِ الْكُلِّيِّ الْمُحْتَاجِ إلَى أَبْلَغِ مُطَهِّرٍ وَأَكْمَلِهِ؛ وَبِهَذَا اتَّضَحَ كَوْنُ الْوُسْطَى لَيْسَتْ مِنْ الصَّلَوَاتِ اللَّيْلِيَّةِ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ الِاشْتِغَالُ وَإِنَّمَا هُوَ مَحَلُّ رَاحَةٍ وَتَخَلٍّ عَنْ الْعَنَاءِ؛ وَمِنْ ثَمَّ خُصَّ بِأَوْقَاتِ التَّجَلِّي وَالْقُرْبِ وَشُهُودِ جَمَالِ الْحَقِّ وَإِنْعَامِهِ الَّذِي تَفَضَّلَ بِهِ عَلَى خَوَاصِّهِ فِيهِ؛ فَهُوَ وَقْتُ تَحَلٍّ بِالْكَمَالَاتِ النَّاشِئَةِ عَنْ ذَلِكَ الْقُرْبِ الْأَعْظَمِ، بِخِلَافِ النَّهَارِ فَإِنَّهُ وَقْتُ تَخَلٍّ لِذَلِكَ الْعَنَاءِ الصِّرْفِ وَالِارْتِبَاكِ بِحَضْرَةِ الْأَغْيَارِ الْمَانِعَةِ لِاسْتِجْلَاءِ أَنْوَارِ الشُّهُودِ. فَاحْتِيجَ فِيهِ إلَى مَزِيدٍ لِذَلِكَ؛ فَشُرِعَتْ الْوُسْطَى فِيهِ لِتَتَكَفَّلَ بِتِلْكَ الْإِزَالَةِ وَكَانَتْ الْعَصْرَ لِأَنَّهَا الْأَحَقُّ بِتِلْكَ الْإِزَالَةِ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ النَّهَارِيَّةِ؛ لِمَا قَرَّرْته وَأَوْضَحْته، وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِي التَّكْلِيفِ بِالصَّلَاةِ فِي اللَّيْلِ مَشَقَّةُ التَّكْلِيفِ بِهَا فِي النَّهَارِ؛ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الْأَشْغَالِ وَاللَّهْوِ وَعُرُوضِ مَا يُضَادُّ الْعِبَادَةَ وَالشُّرُوعَ فِيهَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ؛ مِنْ تَتَابُعِ الْأَغْيَارِ وَالْوُقُوعِ فِي مَهَامِهِ الْأَخْطَارِ، فَكَانَ فِي الْإِتْيَانِ بِالْعَصْرِ مَعَ ذَلِكَ الَّذِي يَكْثُرُ فِي وَقْتِهَا كَثْرَةٌ لَا يُوجَدُ مِثْلُهَا فِي وَقْتَيْ الظُّهْرِ وَالصُّبْحِ؛ مِنْ إظْهَارِ الطَّاعَةِ وَعَدَمِ تَأْثِيرِ الْقَوَاطِعِ فِيهِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهَا؛ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَيْضًا حِكْمَةُ كَوْنِ الصَّلَوَاتِ النَّهَارِيَّةِ أَكْثَرَ مِنْ الصَّلَوَاتِ اللَّيْلِيَّةِ؛ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الِامْتِحَانَ وَالْمَشَقَّةَ فِي تِلْكَ أَكْثَرُ وَأَظْهَرُ، فَطُلِبَ مِنْ الْمُكَلَّفِ أَنْ يَكُونَ مَا فُرِضَ عَلَيْهِ بِالنَّهَارِ أَكْثَرَ مِنْهُ بِاللَّيْلِ؛ لِيَعْظُمَ أَجْرُهُ وَيَظْهَرَ طَوْعُهُ وَيَطْهُرَ سِرُّهُ وَيَخْرُجَ عَنْ مَأْلُوفَاتِهِ وَقَوَاطِعِهِ وَعَادَاتِهِ. ثُمَّ لَمَّا انْقَضَى النَّهَارُ افْتَتَحَ اللَّيْلَ بِثَلَاثٍ بِزِيَادَةِ رَكْعَةٍ عَلَى مَا افْتَتَحَ بِهِ النَّهَارَ؛ إشَارَةً لِمَا مَرَّ أَنَّ اللَّيْلَ هُوَ مَحَلُّ التَّجَلِّي الْأَعْظَمِ وَالْقُرْبِ الْأَكْمَلِ الْأَتَمِّ، فَنَاسَبَ أَنْ يُشَارَ إلَى تَمْيِيزِهِ عَنْ النَّهَارِ بِذَلِكَ بِأَدْنَى مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّمْيِيزُ وَهُوَ رَكْعَةٌ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَبْنَى هَذَا الدِّينِ عَلَى السُّهُولَةِ وَالْيُسْرِ مَا أَمْكَنَ، وَأَنَّهُ حَيْثُ أَمْكَنَ الِاكْتِفَاءُ فِيهِ لَمْ يَتَجَاوَزْ إلَى أَشَقَّ مِنْهَا، فَاتَّضَحَتْ حِكْمَةُ كَوْنِ الْمَغْرِبِ ثَلَاثًا لَمَّا كَانَتْ النَّفْسُ مَجْبُولَةً عَلَى حُبِّ النَّوْمِ وَمَطْبُوعَةً عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ، خُفِّفَ عَنْهَا بَعْضَ التَّخْفِيفِ؛ فَسُومِحَتْ فِي تَرْكِ ثُمُنِ اللَّيْلِ بِلَا مُقَابِلٍ، وَعُمِلَ لَهَا وَقْتُ الْعِشَاءِ وَجُعِلَتْ أَرْبَعًا؛ لِتَكُونَ مُقَابِلَ رُبْعَيْنِ مِنْ اللَّيْلِ، وَأَمَّا الْمَغْرِبُ فَإِنَّهَا مُقَابِلَةٌ لِرُبْعِهِ وَثُمُنِهِ لِمَا تَقَرَّرَ فِي فُرُوضِ النَّهَارِ أَنَّ كُلَّ مِنْهُ رُبْعٍ مُقَابَلٌ بِرَكْعَتَيْنِ، فَكَذَلِكَ اللَّيْلُ لَكِنْ مَعَ الْمُسَامَحَةِ بِثُمُنِهِ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُقَابَلْ بِشَيْءٍ لِمَا عَلِمْت وَلِتَمْيِيزِ النَّهَارِ - كَمَا أَوْضَحْته فِيمَا سَبَقَ - لَمْ يُجْعَلْ مَا اُفْتُتِحَ بِهِ مُقَابِلًا لِشَيْءٍ مِنْهُ فِي الْحَقِيقَةِ؛ لِمَا مَرَّ أَنَّ الظُّهْرَ مُقَابِلٌ لِرُبْعَيْهِ الْأُولَيَيْنِ وَالْعَصْرَ مُقَابِلٌ لِرُبْعَيْهِ الْأَوَّلَيْنِ. وَأَمَّا الصُّبْحُ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ مَبْدَأٌ وَمُهَيِّئٌ لِقَطْعِ تِلْكَ الْمَفَاوِزِ وَالْمَشَاقِّ التَّكْلِيفِيَّةِ النَّهَارِيَّةِ؛ الَّتِي هِيَ أَشَقُّ وَأَبْلَغُ مِنْ التَّكْلِيفَاتِ اللَّيْلِيَّةِ إذْ النَّفْسُ تَسْمَحُ أَنْ تَقُومَ لَيْلَةً، وَلَا تَسْمَحُ أَنْ تَتْرُكَ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاهَا مَا يُقَابِلُ فَلْسًا وَمِنْ ثَمَّ وَرَدَ فِي صِفَةِ الْأَبْدَالِ أَنَّ اللَّهَ بِهِمْ يُحْيِي وَبِهِمْ يُمِيتُ وَبِهِمْ يُغِيثُ الْعِبَادَ وَالْبِلَادَ؛ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَنَالُوا ذَلِكَ بِكَبِيرِ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ؛ وَإِنَّمَا نَالُوهُ بِالسَّخَاءِ وَالنَّصِيحَةِ لِلْمُسْلِمِينَ؛ فَعَلِمْنَا أَنَّ السَّخَاءَ أَعْظَمُ وَأَشَقُّ عَلَى النُّفُوسِ مِنْ صِيَامِ النَّهَارِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ؛ فَلِذَلِكَ احْتَاجَتْ التَّكْلِيفَاتُ النَّهَارِيَّةِ إلَى

مُهَيِّئٍ يَعُودُ عَلَيْهَا بِالْإِغَاثَةِ وَالتَّسْهِيلِ، وَهُوَ افْتِتَاحُهَا بِرَكْعَتَيْ الصُّبْحِ. وَلَمْ تَحْتَجْ التَّكْلِيفَاتُ اللَّيْلِيَّةُ إلَى ذَلِكَ فَكَانَ مَا اُفْتُتِحَتْ بِهِ مَحْسُوبًا مِنْهَا مُقَابِلًا لِرُبْعِ اللَّيْلِ وَثُمُنِهِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا قَدَّمْته فِي حِكْمَةِ كَوْنِهَا ثَلَاثًا، مِنْ الْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ اللَّيْلَ هُوَ مَحَلُّ ذَلِكَ التَّجَلِّي وَالْقُرْبِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْإِشَارَةَ لَيْسَتْ عَامَّةً لِكُلِّ أَحَدٍ؛ بَلْ خَاصَّةٌ بِمَنْ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى وَاجِبَةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ؛ بَلْ أَتَى بِهِمَا فِي وَقْتِهِمَا وَضَمَّ إلَيْهِمَا التَّطَوُّعَ وَالتَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ بِقِيَامِ مَا تَيَسَّرَ لَهُ مِنْ اللَّيْلِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ أَتَى بِوَاجِبَاتِ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ وَضَمَّ إلَيْهَا ذَلِكَ لَا بُدَّ أَنْ يُشَارَ لَهُ فِي تَمَيُّزِهِ عَلَى مَنْ لَمْ يَضُمَّ لِتِلْكَ الْوَاجِبَاتِ شَيْئًا. وَذَلِكَ التَّمَيُّزُ يَحْصُلُ بِتَمْيِيزِ زَمَنِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ؛ وَهُوَ اللَّيْلُ، فَهُوَ مُتَمَيِّزٌ عَلَى النَّهَارِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ الْمُشِيرَةِ إلَى مَا اُخْتُصَّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ التَّجَلِّي الْأَقْدَسِ وَالْقُرْبِ الْأَنْزَهِ الْأَنْفَسِ، وَكَوْنُهُ مَحَلًّا لِذَلِكَ لَا يَقْتَضِي أَنَّ وَاجِبَهُ أَفْضَلُ مِنْ وَاجِبَاتِ النَّهَارِ؛ لِمَا قَدَّمْته مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ. وَقَدْ يَكُونُ فِي الْمَفْضُولِ مَزِيَّةٌ بَلْ مَزَايَا لَا تُوجَدُ فِي الْفَاضِلِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ اللَّيْلَ مُتَمَيِّزٌ مِنْ حَيْثُ النَّوَافِلُ الَّتِي لَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَتَقَرَّبُ بِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ حَتَّى يَصِيرَ مَحْبُوبًا، ثُمَّ سَمْعًا وَبَصَرًا وَيَدًا وَرِجْلًا؛ كِنَايَةً عَنْ مَزِيدِ الْقُرْبِ وَالتَّوَلِّي وَتَمَامِ الْخِلَافَةِ وَالِاسْتِنَابَةِ وَنِهَايَةِ الْمَحَبَّةِ وَالْعِنَايَةِ بِأُمُورِهِ وَأَحْوَالِهِ وَحِفْظِهَا عَنْ الْأَغْيَارِ وَالْأَخْطَارِ، وَأَنَّهُ صَارَ عِنْدَ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بِمَنْزِلَةٍ عَظِيمَةٍ، لَوْ أُرِيدَ التَّعْبِيرُ عَنْ كُنْهِهَا لَمْ يُمْكِنْ فِي الْعَادَةِ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْهُ إلَّا بِنَحْوِ تِلْكَ الْعِبَارَاتِ فَهُوَ مِنْ الْكِنَايَةِ، أَوْ مَجَازِ التَّمْثِيلِ، أَوْ غَيْرِهِمَا، كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ مَارَسَ فُنُونَ الْبَلَاغَةِ وَأَسَالِيبَ الْفَصَاحَةِ. وَلَيْسَ ذَلِكَ مُشِيرًا لِحُلُولٍ وَلَا اتِّحَادٍ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُمَا الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ أَهْلِ الظَّاهِرِ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ وَالْجَاحِدُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا. وَهَذَا مَا يَسَّرَهُ لِلْعَبْدِ الضَّعِيفِ الْحَقِيرِ؛ مَعَ أَنِّي لَمْ أَرَ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ، وَإِلَيْهِ تَعَالَى أَتَوَسَّلُ بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُسْبِلَ عَلَيَّ ذَيْلَ سَتْرِهِ، وَأَنْ يَمْنَحَنِي مِنْ خَزَائِنِ كَرَمِهِ وُجُودِهِ وَفَضْلِهِ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، وَأَنْ يَعْصِمَنِي مِنْ كُلِّ زَلَّةٍ وَفِتْنَةٍ وَمِحْنَةٍ إلَى أَنْ أَلْقَاهُ وَهُوَ رَاضٍ عَنِّي، وَأَنْ يَكْفِيَنِي مَا أَهَمَّنِي وَمَا لَا أَهْتَمُّ لَهُ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، إنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْهِ، لَا رَبَّ غَيْرُهُ، وَلَا مَأْمُولَ إلَّا خَيْرُهُ، لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَإِلَيْهِ أُنِيبُ. ثُمَّ بَلَغَنِي أَنَّ الْحَكِيمَ التِّرْمِذِيَّ تَكَلَّمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَتَطَلَّبْتُهُ فَلَمْ أَرَهُ، فَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا فَذَاكَ، وَإِلَّا فَالْمُخَالَفَةُ فِي ذَلِكَ لَا تَأْثِيرَ لَهَا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَوْجُودَاتِ مُتَعَدِّدَةٌ لَا نِهَايَةَ لَهَا، وَإِنَّمَا يَمْنَحُ اللَّهُ كُلَّ مَنْ أَلْهَمَهُ الْكَلَامَ فِيهَا بِحَسَبِ اسْتِعْدَادِهِ وَقُوَّتِهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ يَجُوزُ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى صِيَاحِ الدِّيكِ الْمُجَرَّبِ، وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ اعْتِمَادُ أَذَانِ الْمُؤَذِّنِ الثِّقَةِ يَوْمَ الْغَيْمِ مَعَ أَنَّ هَذَا أَوْلَى مِنْ الدِّيكِ، فَمَا وَجْهُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: وَجْهُهُ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ الْمَذْكُورَ مُجْتَهِدٌ، وَالْمُجْتَهِدُ لَا يُقَلِّدُ مُجْتَهِدًا، وَلَيْسَ هَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودًا فِي مَسْأَلَةِ الدِّيكِ؛ لِأَنَّ صِيَاحَهُ مُجَرَّدُ عَلَامَةٍ، وَالْمُجْتَهِدُ إنَّمَا هُوَ السَّامِعُ فَجَازَ لَهُ اعْتِمَادُهَا كَالْوِرْدِ وَنَحْوِهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا صُورَته: لِمَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْوَقْتُ الِاجْتِهَادُ؛ وَإِنْ أَمْكَنَهُ الْيَقِينُ بِأَنْ يَخْرُجَ فَيَرَى الشَّمْسَ مَثَلًا، وَهُوَ مُشْكِلٌ، فَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِي الْمِيَاهِ وَامْتِنَاعِهِ فِي الْقِبْلَةِ حَيْثُ قَدَرَ عَلَى الْيَقِينِ فِي كُلٍّ؛ بِأَنَّ الْيَقِينَ فِي الْقِبْلَةِ حَاصِلٌ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ، بِخِلَافِهِ فِي الْمَاءِ فَهَلَّا امْتَنَعَ الِاجْتِهَادُ فِي الْوَقْتِ أَيْضًا كَالْقِبْلَةِ لِأَنَّ الْيَقِينَ فِيهِ أَيْضًا فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الِاجْتِهَادِ فِي الْوَقْتِ وَالِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ بِأَنَّ الْأَمَارَاتِ الْمُحَصِّلَةَ لِلظَّنِّ بِدُخُولِ الْوَقْتِ أَقْوَى مِنْ أَمَارَاتِ الْقِبْلَةِ؛ فَكَانَ الظَّنُّ فِي الْوَقْتِ أَقْوَى، فَأُلْحِقَ فِيهِ بِالْيَقِينِ لِقُوَّتِهِ وَلَمْ يُلْحَقْ فِي الْقِبْلَةِ بِالْيَقِينِ لِضَعْفِهِ. (وَسُئِلَ) - فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - هَلْ يُعْتَبَرُ اخْتِلَافُ الْمَطَالِعِ فِي الصَّلَاةِ كَالصَّوْمِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ فِي الْخَادِمِ: إذَا قُلْنَا: الْعِبْرَةُ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ فِي الصَّوْمِ فَهَلْ يُعْتَبَرُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى إذَا غَرَبَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فِي بَلْدَةٍ، وَكَانَ صَاحِبُ خُطْوَةٍ فَحَضَرَ مَطْلِعًا آخَرَ لَمْ تَغْرُبْ فِيهِ بَعْدَ مَا صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي الْبَلَدِ الْأَوَّلِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا كَالصَّوْمِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَتَكَرَّرُ بِخِلَافِ الصَّوْمِ

باب الأذان

وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الصَّبِيِّ إذَا صَلَّى أَوَّلَ الْوَقْتِ، ثُمَّ بَلَغَ فِي أَثْنَائِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُ الصَّلَاةِ، وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ بِالْبُلُوغِ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ قَبْلَهُ قَدْ أَسْقَطَتْ الْفَرْضَ، فَكَذَلِكَ هُنَا، هَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَقَطَ الْفَرْضُ بِالْفِعْلِ فَلَأَنْ يَسْقُطَ بِالْغُرُوبِ أَوْلَى اهـ. وَمَا رَجَّحَهُ فِي الْخَادِمِ مُتَّجِهٌ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّوْمِ أَيْضًا بِأَنَّ الَّذِي وَجَبَ فِي الصَّوْمِ إنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ الْإِمْسَاكِ مُوَافَقَةً لِأَهْلِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَلَيْسَ بِصَوْمٍ حَقِيقِيٍّ، وَمِثْلُ هَذَا الْإِمْسَاكِ قَدْ عُهِدَ وُجُوبُهُ فِي الصَّوْمِ فِي نَحْوِ مَنْ أَصْبَحَ وَقَدْ نَسِيَ النِّيَّةَ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ فِيهَا مِثْلُ ذَلِكَ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ وُلِدَ أَصَمَّ أَعْمَى أَخْرَسَ فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: صَرَّحَ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ؛ كَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ مُوَافِقٌ لِمَا عَلَيْهِ أَئِمَّتُنَا وَغَيْرُهُمْ؛ أَنَّهُ لَا تَكْلِيفَ إلَّا بَعْدَ عِلْمٍ فَحَيْثُ انْتَفَى عَنْ هَذَا الْعِلْمُ بِالشَّرْعِ مِنْ أَصْلِهِ، فَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ بِالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا. [بَابُ الْأَذَانِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ نَصَّ أَحَدٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلَ الْإِقَامَةِ (فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ - بِقَوْلِهِ: لَمْ أَرَ مَنْ قَالَ بِنَدْبِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ أَوَّلَ الْإِقَامَةِ، وَإِنَّمَا الَّذِي ذَكَرَهُ أَئِمَّتُنَا أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ عَقِبَ الْإِقَامَةِ كَالْأَذَانِ، ثُمَّ بَعْدَهُمَا: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ. .. إلَخْ، وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: مَنْ قَالَ مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ؛ فَإِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ، قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِك وَرَسُولِك، وَأَبْلِغْهُ دَرَجَةَ الْوَسِيلَةِ فِي الْجَنَّةِ، دَخَلَ فِي شَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ نَالَتْهُ شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ وَالنُّمَيْرِيُّ وَعَنْ يُوسُفَ بْنِ أَسْبَاطٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَمْ يَقُلْ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ الْمُسْتَجْمِعَةِ الْمُسْتَجَابِ لَهَا، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، وَزَوِّجْنَا مِنْ الْحُورِ الْعِينِ، قُلْنَ الْحُورُ الْعِينُ: مَا كَانَ أَزْهَدَك فِينَا. رَوَاهُ الدِّينَوَرِيُّ فِي الْمُجَالَسَةِ وَالنُّمَيْرِيُّ. وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ جَمَاعَةٍ مُقِيمِينَ بِبَعْضِ الْقُرَى يُقِيمُونَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ بِمَسْجِدِهَا، وَيُؤَذِّنُ بَعْضُهُمْ قُبَيْلَ الْفَجْرِ بِسَاعَةٍ مَثَلًا، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْأَذَانَ يَجُوزُ فِي الْوَقْتِ الْمَعْرُوفِ مِنْ اللَّيْلِ، فَهَلْ يُجْزِئُ - أَيْ: ذَلِكَ الْأَذَانُ الثَّانِي - عِنْدَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ وَإِذَا أَذَّنَ أَحَدُ الْجَمَاعَةِ فِي وَسَطِ الْمَسْجِدِ هَلْ تَحْصُلُ لَهُ الْفَضِيلَةُ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ - مَعَ أَنَّهُمْ لَوْ سَمِعُوهُ مَا حَضَرَ أَحَدٌ غَيْرُ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا قُبَيْلَ الصُّبْحِ - ؟ وَإِذَا أَذَّنَ فِي وَسَطِ الْمَسْجِدِ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْجَمَاعَةِ يُجْزِيه أَمْ لَا بُدَّ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ؛ كَمَا وَرَدَ أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ وَهَلْ تَحْصُلُ الْفَضِيلَةُ لِلْأَوَّلِ وَالْآخِرِ جَمِيعًا أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - بِقَوْلِهِ: يُجْزِيه الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَذَانِ الَّذِي قَبْلَ الْفَجْرِ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُؤَذِّنَ مَرَّتَيْنِ؛ مَرَّةً قَبْلَ الْفَجْرِ، وَمَرَّةً بَعْدَهُ، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَرَّةٍ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْفَجْرِ. وَإِذَا أَذَّنَ فِي وَسَطِ الْمَسْجِدِ؛ فَإِنْ كَانَ نِيَّتُهُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْمُقِيمِينَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَطْ كَفَاهُ إسْمَاعُ نَفْسِهِ فِي الْأُولَى وَإِسْمَاعُ الْحَاضِرِينَ فِي الثَّانِيَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يُؤَذِّنُ لِأَهْلِ الْبَلَدِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُؤَذِّنَ فِي مَحَلٍّ مُرْتَفِعٍ بِصَوْتٍ عَالٍ بِحَيْثُ يَسْمَعُ الْأَذَانَ مَنْ أَصْغَى إلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ، سَوَاءٌ كَانُوا لَوْ سَمِعُوهُ لَحَضَرُوا أَمْ لَا. وَاَلَّذِي وَرَدَ عَنْ بِلَالٍ وَغَيْرِهِ مِنْ مُؤَذِّنِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مَنْ أَرَادَ مِنْهُمْ الْأَذَانَ لِإِسْمَاعِ النَّاسِ كَانَ يُؤَذِّنُ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ. وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - عَمَّا لَوْ سَمِعَ بَعْضَ الْأَذَانِ هَلْ يُجِيبُ فِيهِ فِيهِ أَوْ لَا؟ فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ؛ فَإِذَا سَمِعَ مِنْ آخِرِهِ فَهَلْ يُجِيبُ فِيهِ ثُمَّ يُعِيدُ جَوَابَ مَا مَضَى، ثُمَّ يَدْعُو، أَوْ يَبْتَدِئُ الْجَوَابَ مِنْ أَوَّلِهِ حَتَّى يُتِمَّهُ، ثُمَّ يَدْعُوَ؟ وَكَيْفَ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ وَإِذَا سَمِعَ الْمُتَوَضِّئُ الْأَذَانَ فَهَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِجَابَةُ حِينَئِذٍ، أَوْ لَا وَإِنْ قُلْتُمْ: لَا فَهَلْ عَلَى الْقَوْلِ بِاسْتِحْبَابِ دُعَاءِ الْأَعْضَاءِ، أَوْ لَا وَهَلْ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسْنُونَةٌ قَبْلَ الْأَذَانِ كَمَا هِيَ بَعْدَهُ، أَوْ لَا وَهَلْ الْإِقَامَةُ كَالْأَذَانِ فِي سَنِّهَا، أَوْ لَا وَهَلْ يُسَنُّ أَنْ يُقَالَ قَبْلَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْأَذَانِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، أَوْ لَا وَهَلْ يُنْهَى عَنْهُ وَعَنْ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -

قَبْلَ الْأَذَانِ، أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: عِبَارَتِي فِي شَرْحِ الْعُبَابِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: وَلَوْ سَمِعَ بَعْضَهُ أَجَابَ فِيهِ، وَفِيمَا لَا يَسْمَعُهُ تَبَعًا فِيمَا يَظْهَرُ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا ذَكَرُوهُ فِي إجَابَتِهِ فِي التَّرْجِيعِ إذَا لَمْ يَسْمَعْهُ، انْتَهَتْ، وَظَاهِرُ عَطْفِهِمْ بِالْوَاوِ فِي قَوْلِهِمْ: أَجَابَ فِيهِ وَفِيمَا لَا يَسْمَعُهُ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُجِيبَ فِيمَا سَمِعَهُ آخِرًا، ثُمَّ يُعِيدَ جَوَابَ مَا مَضَى، ثُمَّ يَدْعُوَ، وَأَنْ يُجِيبَ فِيمَا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَوَّلِهِ، ثُمَّ يُتِمَّهُ فَتَحْصُلَ السُّنَّةُ بِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِمْ تَبَعًا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَوَّلَ أَكْمَلُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ: الْأَوْلَى أَنْ لَا يَشْتَغِلَ حَالَ الْإِجَابَةِ بِشَيْءٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا سَمِعَ مِنْ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَثَلًا، ثُمَّ أَجَابَ مَا قَبْلَهَا حِينَئِذٍ كَانَ مُشْتَغِلًا عَنْ إجَابَةِ مَا يَسْمَعُهُ بِغَيْرِهِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ خِلَافُ الْأَفْضَلِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَغَلَ بِإِجَابَةِ مَا يَسْمَعُهُ إلَى أَنْ فَرَغَ، ثُمَّ أَجَابَ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ فَإِنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ الْأَكْمَلَ حِينَئِذٍ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ وَأَنَّ الْأَفْضَلَ أَنَّهُ يُجِيبُ مَا سَمِعَهُ، فَإِذَا فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ أَجَابَ، مَا لَمْ يَسْمَعْهُ، ثُمَّ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ. .. إلَخْ وَأَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ فِيمَنْ وَافَقَ فَرَاغُ وُضُوئِهِ فَرَاغَ الْمُؤَذِّنِ: بِأَنَّهُ يَأْتِي بِذِكْرِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّهُ لِلْعِبَادَةِ الَّتِي فَرَغَ مِنْهَا، ثُمَّ بِذِكْرِ الْأَذَانِ قَالَ: وَحَسُنَ أَنْ يَأْتِيَ بِشَهَادَتَيْ الْوُضُوءِ، ثُمَّ بِدُعَاءِ الْأَذَانِ لِتَعَلُّقِهِ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ بِالدُّعَاءِ لِنَفْسِهِ اهـ. ، وَمَا ذَكَرَهُ فِيمَا بَعْدَ فَرَاغِهِمَا كَمَا عَلِمْت، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْإِجَابَةِ حَالَ الْوُضُوءِ، وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَقْطَعُ الْوُضُوءَ وَيُجِيبُ إلَى أَنْ يَفْرُغَ، ثُمَّ يُكْمِلُ وُضُوءَهُ قِيَاسًا عَلَى مَا قَالُوهُ فِي الطَّوَافِ؛ مِنْ أَنَّ السُّنَّةَ لِلطَّائِفِ؛ كَالتَّالِي، وَالْمُدَرِّسِ قَطَعَ مَا هُوَ فِيهِ لِلْإِجَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ، وَالْإِجَابَةُ تَفُوتُ. وَوَجْهُ قِيَاسِ الْوُضُوءِ عَلَى الطَّوَافِ؛ أَنَّ كُلًّا لَهُ أَذْكَارٌ فِي أَثْنَائِهِ؛ بِنَاءً عَلَى نَدْبِ دُعَاءِ الْأَعْضَاءِ فِي الْوُضُوءِ، فِيهِ الْخِلَافُ الْمَعْرُوفُ، وَالرَّاجِحُ عَدَمُ نَدْبِهِ؛ لِأَنَّ أَحَادِيثَهُ لَا تَخْلُو عَنْ كَذَّابٍ، أَوْ مُتَّهَمٍ بِالْكَذِبِ، وَالْحَدِيثُ الضَّعِيفُ إذَا اشْتَدَّ ضَعْفُهُ لَا يُعْمَلُ بِهِ وَلَا فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ، كَمَا بَيَّنْت ذَلِكَ كُلَّهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ، وَالْإِرْشَادِ فَإِذَا كَانَ الطَّوَافُ الْمُتَّفَقُ عَلَى نَدْبِ ذِكْرِهِ يُسَنُّ لَهُ قَطْعُهُ إلَى فَرَاغِ الْإِجَابَةِ، فَأَوْلَى الْوُضُوءُ، فَإِنْ لَمْ يَقْطَعْهُ فَهَلْ يُرَاعِي ذِكْرَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِنَدْبِهِ، وَيُقَدِّمُهُ عَلَى الْإِجَابَةِ،، أَوْ يُرَاعِيهَا فَيُقَدِّمُهَا؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، لَكِنْ الْأَوْجَهُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهَا آكَدُ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى نَدْبِهَا بِخِلَافِ أَذْكَارِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَإِنْ قُلْت: قَضِيَّةُ تَعْلِيلِ الْبُلْقِينِيُّ السَّابِقِ بِأَنَّ ذِكْرَ الْوُضُوءِ لِلْعِبَادَةِ الَّتِي فَرَغَ مِنْهَا تَقْدِيمُ ذِكْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ عَلَى الْإِجَابَةِ، قُلْت: لَيْسَ قَضِيَّتُهُ ذَلِكَ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ، فَإِنَّ الذِّكْرَ عَقِبَ الْوُضُوءِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، كَالذِّكْرِ عَقِبَ الْأَذَانِ فَإِذَا تَعَارَضَا قُدِّمَ مَا هُوَ لِلْعِبَادَةِ الَّتِي فَرَغَ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ يَعُودُ عَلَيْهَا بِكَمَالٍ آخَرَ عَقِبَ فَرَاغِهَا، وَهُوَ أَكْمَلُ مِمَّا لَوْ فَصَلَ بَيْنَهُمَا فَاصِلٌ؛ وَأَمَّا ذِكْرُ الْأَذَانِ فَلَيْسَ فِيهِ هَذِهِ الْمَزِيَّةُ؛ فَلِذَا أَخَّرَهُ إلَى الْفَرَاغِ مِنْ ذِكْرِ الْوُضُوءِ؛ وَأَمَّا ذِكْرُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَمُخْتَلَفٌ فِي نَدْبِهِ؛ بَلْ الرَّاجِحُ عَدَمُ نَدْبِهِ كَمَا مَرَّ فَإِذَا تَعَارَضَ هُوَ وَالْإِجَابَةُ قَدَّمَهَا عَلَيْهِ كَمَا تَقَرَّرَ؛ وَأَمَّا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فَإِنَّهُمَا مَنْدُوبَانِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا. وَمِمَّا جَاءَ بِهِ ذَلِكَ خَبَرُ مُسْلِمٍ وَالْأَرْبَعَةِ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا،، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ تَعَالَى لِي الْوَسِيلَةَ؛ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ هُوَ أَنَا، فَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ. وَفِي رِوَايَةٍ: مَنْ سَأَلَهَا لِي حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَخَبَرُ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا: «مَنْ قَالَ - حِينَ يُنَادِي الْمُنَادِي -: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَارْضَ عَنْهُ رِضًا لَا سَخَطَ بَعْدَهُ؛ اسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَهُ.» وَفِي رِوَايَةٍ - فِيهَا ابْنُ لَهِيعَةَ -: «مَنْ قَالَ - حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ -: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِك وَرَسُولِك، وَأَعْطِهِ الْوَسِيلَةَ وَالشَّفَاعَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي.» وَخَبَرُ ابْنِ أَبِي عَاصِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُولُ - إذَا سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ يُقِيمُ - اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآتِهِ سُؤْلَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَكَانَ يُسْمِعُهَا مَنْ حَوْلَهُ، وَيُحِبُّ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ

ذَلِكَ إذَا سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ، وَمَنْ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ إذَا سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ؛ وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الدُّعَاءِ وَالْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَلَفْظُهُ: «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ قَالَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِك وَرَسُولِك، وَاجْعَلْنَا فِي شَفَاعَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ قَالَ عِنْدَ هَذَا النِّدَاءِ جَعَلَهُ اللَّهُ فِي شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَفِيهِمَا صَدَقَةُ السَّمِينُ، لَكِنْ لَهُ شَاهِدٌ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ. وَخَبَرُ الطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ فِيهِ لِينٌ: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَبَلِّغْهُ دَرَجَةَ الْوَسِيلَةِ عِنْدَك، وَاجْعَلْنَا فِي شَفَاعَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَجَبَتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ» وَظَاهِرُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَبَرِ الثَّانِي: مَنْ قَالَ حِينَ يُنَادِي الْمُنَادِي، وَفِي الْخَبَرِ الثَّالِثِ: مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ. أَنَّهُ يَأْتِي بِالذِّكْرِ الْمَذْكُورِ حَالَ سَمَاعِهِ الْأَذَانُ، وَلَا يَتَقَيَّدُ بِفَرَاغِهِ مِنْهُ، لَكِنَّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ نَصٌّ فِي أَنَّهُ إنَّمَا يَأْتِي بِذَلِكَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأَذَانِ، وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ الثَّانِي، وَالثَّالِثُ وَمُقَيَّدٌ وَهُمَا مُطْلَقَانِ، فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِمَا، وَمَعْنَى حَلَّتْ: وَجَبَتْ، كَمَا صَحَّ فِي عِدَّةِ رِوَايَاتٍ. فَمُضَارِعُهُ: تَحِلُّ؛ بِكَسْرِ الْحَاءِ،، أَوْ اسْتَحَقَّتْ، أَوْ نَزَلَتْ بِهِ، فَمُضَارِعُهُ بِضَمِّهَا؛ لَا مِنْ الْحِلِّ لِأَنَّهَا لَمْ تَحْرُمْ قَبْلَ ذَلِكَ؛ وَلَامُ " لَهُ " بِمَعْنَى: عَلَى؛ لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ: حَلَّتْ عَلَيْهِ، وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ لِقَائِلِ ذَلِكَ؛ أَعْظَمُهَا - أَنَّهُ يَمُوتُ عَلَى الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ شَفَاعَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا تَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ أُمَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنَّ هَذِهِ شَفَاعَةٌ مَخْصُوصَةٌ؛ إذْ شَفَاعَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعَامَّةُ تَشْمَلُ مُذْنِبِي أُمَّتِهِ قَبْلُ، وَلَا يَنَالُ هَذَا الثَّوَابَ إلَّا مَنْ قَالَ ذَلِكَ مُخْلِصًا مُسْتَحْضِرًا إجْلَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَا مَنْ قَصَدَ بِهِ مُجَرَّدَ الثَّوَابِ وَنَحْوِهِ. وَرَدَّهُ بَعْضُ مُحَقِّقِي الْحُفَّاظِ بِأَنَّهُ تَحَكُّمٌ غَيْرُ مَرْضِيٍّ وَلَوْ أَخْرَجَ الْغَافِلَ اللَّاهِي لَكَانَ أَشْبَهَ. وَفَائِدَةُ طَلَبِ الْوَسِيلَةِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَنَّهُ يَرْجُوهَا، وَرَجَاؤُهُ لَا يَخِيبُ - عَوْدُ ثَمَرَةِ ذَلِكَ عَلَيْنَا؛ بِامْتِثَالِ مَا أُمِرْنَا بِهِ فِي جِهَتِهِ الْكَرِيمَةِ، وَالْإِعْلَامُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، وَبِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَايَةِ الْخُضُوعِ وَالتَّوَاضُعِ لِلَّهِ؛ حَيْثُ يَسْأَلُهُ وَيَطْلُبُ مِنْهُ طَلَبَ الْعَبْدِ الْمُحْتَاجِ. وَكَذَا يُقَالُ فِي صَلَاتِنَا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَإِنَّهَا لِهَذِهِ الْأَغْرَاضِ الْجَلِيلَةِ؛ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، وَاعْتَنِ بِحِفْظِهِ وَتَحْقِيقِهِ. وَوَرَدَتْ أَحَادِيثُ أُخَرُ بِنَحْوِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ، وَلَمْ نَرَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا التَّعَرُّضَ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْأَذَانِ، وَلَا إلَى مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ بَعْدَهُ وَلَمْ نَرَ أَيْضًا فِي كَلَامِ أَئِمَّتِنَا تَعَرُّضًا لِذَلِكَ أَيْضًا، فَحِينَئِذٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ فِي مَحَلِّهِ الْمَذْكُورِ فِيهِ، فَمَنْ أَتَى بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ مُعْتَقِدًا سُنِّيَّتَهُ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ الْمَخْصُوصِ نُهِيَ عَنْهُ وَمُنِعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَشْرِيعٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ؛ وَمَنْ شَرَّعَ بِلَا دَلِيلٍ يُزْجَرُ عَنْ ذَلِكَ وَيُنْهَى عَنْهُ. (فَائِدَةٌ) قَدْ أَحْدَثَ الْمُؤَذِّنُونَ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ عَقِبَ الْأَذَانِ لِلْفَرَائِضِ الْخَمْسِ؛ إلَّا الصُّبْحَ وَالْجُمُعَةَ فَإِنَّهُمْ يُقَدِّمُونَ ذَلِكَ فِيهِمَا عَلَى الْأَذَانِ؛ وَإِلَّا الْمَغْرِبَ فَإِنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَهُ غَالِبًا لِضِيقِ وَقْتِهَا، وَكَانَ ابْتِدَاءُ حُدُوثِ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ السُّلْطَانِ النَّاصِرِ صَلَاحِ الدِّينِ بْنِ أَيُّوبَ وَبِأَمْرِهِ فِي مِصْرَ وَأَعْمَالِهَا. وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَاكِمَ الْمَخْذُولَ لَمَّا قُتِلَ أَمَرَتْ أُخْتُهُ الْمُؤَذِّنِينَ أَنْ يَقُولُوا فِي حَقِّ وَلَدِهِ السَّلَامُ عَلَى الْإِمَامِ الطَّاهِرِ، ثُمَّ اسْتَمَرَّ السَّلَامُ عَلَى الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ إلَى أَنْ أَبْطَلَهُ صَلَاحُ الدِّينِ الْمَذْكُورُ وَجَعَلَ بَدَلَهُ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَنِعْمَ مَا فَعَلَ، فَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا وَلَقَدْ اُسْتُفْتِيَ مَشَايِخُنَا وَغَيْرُهُمْ فِي الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الْأَذَانِ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا الْمُؤَذِّنُونَ فَأَفْتَوْا بِأَنَّ الْأَصْلَ سُنَّةٌ وَالْكَيْفِيَّةُ بِدْعَةٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْته مِنْ الْأَحَادِيثِ (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ مَسْجِدٍ أُقِيمَتْ فِيهِ جَمَاعَتَانِ مُتَرَتِّبَتَانِ بِأَذَانٍ سَابِقٍ لَهُمَا فَهَلْ يَحْصُلُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَضِيلَةُ الْأَذَانِ أَمْ لَا وَهَلْ يَنْقَدِحُ أَنْ يُقَالَ يُنْظَرُ إلَى قَصْدِ الْمُؤَذِّنِ، أَوْ دُخُولِهِ فِي الْجَمَاعَةِ؛ فَإِنْ قَصَدَ الْأُولَى مَثَلًا، أَوْ صَلَّى مَعَهَا حَصَلَ لَهُ فَضِيلَةُ الْأَذَانِ، أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ فِي مَقَامَيْنِ؛ الْأَوَّلُ: سُقُوطُ

الطَّلَبِ الْمُسْتَلْزِمِ لِسُقُوطِ الْكَرَاهَةِ الْمُتَرَتَّبَةِ عَلَى تَرْكِ الْأَذَانِ، وَالثَّانِي: حُصُولُ فَضِيلَةِ الْأَذَانِ؛ فَأَمَّا بِالنَّظَرِ إلَى الْأَوَّلِ فَيَكْفِي أَذَانٌ وَاحِدٌ عَنْ جَمِيعِ الْجَمَاعَاتِ الْمُتَكَرِّرَةِ فِي الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ؛ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الثَّانِي فَلَا يَكْفِي الْأَذَانُ الْوَاحِدُ إلَّا عَنْ الْجَمَاعَةِ الَّتِي تَلِيهِ. وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِالْأَوَّلِ قَوْلُهُمْ: تَحْصُلُ سُنَّةُ الْأَذَانِ بِظُهُورِهِ مِنْ نَحْوِ بَلَدٍ صَغِيرٍ، أَوْ مَوَاضِعَ مِنْ كَبِيرٍ؛ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ مَنْ أَصْغَى لَهُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ لِيَنْتَشِرَ فِي جَمِيعِ أَهْلِهِ؛ قَالَ الْقَمُولِيّ وَغَيْرُهُ: فَإِنْ أَذَّنَ وَاحِدٌ فِي جَانِبٍ فَقَطْ حَصَلَتْ السُّنَّةُ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ. وَفِي الْمَجْمُوعِ - عَنْ جَمْعٍ -: أَنَّا إذَا قُلْنَا بِفَرْضِيَّتِهِ سَقَطَ بِفِعْلِهِ لِصَلَاةٍ مِنْ الْخَمْسِ، ثَمَّ صَوَّبَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ؛ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ ثَمَّ قَالَ: وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ سُنَّةٌ حَصَلَ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ إذَا قُلْنَا إنَّهُ فَرْضٌ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ فِي الْخَادِمِ فَارِقًا بِأَنَّ الشِّعَارَ الْمَفْرُوضَ يَحْصُلُ بِمَرَّةٍ، وَالْإِعْلَامَ الْمَنْدُوبَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْخَمْسِ، فَإِنْ قُلْت: مُقْتَضَى هَذَا مَعَ مَا يَأْتِي فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ؛ مِنْ أَنَّهَا لَوْ أُقِيمَتْ بِمَحَلٍّ مِنْ بَلَدٍ كَبِيرٍ وَلَمْ يَظْهَرْ الشِّعَارُ لَمْ يَكْفِ فِي الْخُرُوجِ عَنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ أَنَّ السُّنَّةَ لَا تَحْصُلُ هُنَا فِي الْجَانِبِ الَّذِي أَذَّنَ فِيهِ فَقَطْ، وَقَدْ مَرَّ حُصُولُهَا، قُلْت: الْقَصْدُ بِظُهُورِ الشِّعَارِ فِي الْجَمَاعَةِ تَعَدُّدُهَا بِمَحَالٍّ؛ بِحَيْثُ يَسْهُلُ حُضُورُهَا عَلَى كُلِّ مَنْ أَرَادَهَا؛ إذْ لَا يَتَأَتَّى مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَحْدَهُ، بِخِلَافِ الْأَذَانِ؛ فَإِنَّهُ مَطْلُوبٌ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ عَلَى حِدَتِهِ لِتَأَتِّيه مِنْهُ؛ فَلِذَا حَصَلَتْ سُنَّتُهُ وَسَقَطَ فَرْضُهُ عَنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْجَانِبِ فَقَطْ، وَلَمْ يَسْقُطْ بِالنِّسْبَةِ لِلْجَمَاعَةِ. وَاسْتُشْكِلَ قَوْلُ النَّوَوِيِّ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ، وَفِي الْجَمَاعَةِ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ؛ مَعَ أَنَّهُمَا وَسِيلَةٌ إلَيْهَا، وَلِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ. وَأَيْضًا مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَيُرَدُّ بِمَنْعِ كَوْنِهِمَا وَسِيلَةً، وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَالْجَمَاعَةُ غَيْرُ مُتَوَقِّفَةٍ عَلَيْهِمَا، عَلَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى الضَّعِيفِ أَنَّ الْأَذَانَ حَقٌّ لِلْجَمَاعَةِ. وَسَيَأْتِي قَرِيبًا نَظِيرُ ذَلِكَ ذَكَرْتُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ فَإِنْ قُلْت: تَعْبِيرُهُمْ بِحُصُولِ سُنَّةِ الْأَذَانِ بِمَا تَقَرَّرَ يُنَافِي مَا اسْتَدْلَلْت بِهِ عَلَيْهِ مِنْ سُقُوطِ الطَّلَبِ فَقَطْ قُلْت: لَا يُنَافِيه بَلْ هُوَ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِمْ تَحْصُلُ سُنَّةُ التَّحِيَّةِ بِفَرْضٍ، أَوْ نَفْلٍ آخَرَ؛ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْحُصُولِ ثَمَّ سُقُوطُ الطَّلَبِ تَارَةً وَحُصُولُ الْفَضِيلَةِ وَالثَّوَابِ أُخْرَى، فَكَذَا هُنَا بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي مِنْ نَدْبِهِ لِكُلِّ أَحَدٍ؛ وَإِنْ سَمِعَ أَذَانَ غَيْرِهِ. وَفِي شَرْحِ الْعُبَابِ أَيْضًا - بَعْدَ قَوْلِهِمْ أَنَّ الْأَذَانَ سُنَّةُ كِفَايَةٍ -: يَحْصُلُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ كَابْتِدَاءِ السَّلَامِ، وَفَرَّعَ الزَّرْكَشِيُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ. وَفِي السِّيَرِ أَنَّهُ لَوْ أَذَّنَ وَاحِدٌ لِجَمْعٍ لَمْ يُسَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤَذِّنَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا يَأْتِي عَنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ نَدْبُهُ لِكُلٍّ، كَمَا أَنَّ التَّسْمِيَةَ عَلَى الْأَكْلِ سُنَّةُ كِفَايَةٍ. وَإِذَا أَتَى بِهَا أَحَدُ الْآكِلِينَ لَا نَقُولُ لِلْبَقِيَّةِ لَا يُسَنُّ لَكُمْ الْإِتْيَانُ بِهَا، وَإِنَّمَا الَّذِي يُقَالُ لَهُمْ - كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ -: سَقَطَ عَنْكُمْ حَرَجُ تَرْكِهَا فَقَطْ، وَفَرْقٌ ظَاهِرٌ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ. انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ. وَفِيهَا كَاَلَّذِي قَبْلَهَا أَوْضَحُ شَاهِدٍ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ سُقُوطِ الطَّلَبِ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ عَنْ جَمِيعِ الْجَمَاعَاتِ الْمُتَكَرِّرَةِ فِي الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ بَلْ وَالْقَرِيبِ مِنْهُ؛ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ الْمُصْغِي إلَيْهِ وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِالثَّانِي - أَعْنِي أَنَّ الْأَذَانَ لَا تَحْصُلُ فَضِيلَتُهُ وَثَوَابُهُ إلَّا لِلْجَمَاعَةِ الَّتِي تَلِيهِ - قَوْلُهُمْ - وَالْعِبَارَةُ لِشَرْحِ الْعُبَابِ -: وَيُشْرَعُ الْأَذَانُ لِجَمَاعَةٍ ثَانِيَةٍ أُرِيدَ إقَامَتُهَا فِي مَوْضِعِ مَسْجِدٍ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَمْكِنَةِ الْجَمَاعَةِ، وَلَوْ مَطْرُوقًا وَأُقِيمَتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ، أَوْ صَلَّوْا فُرَادَى وَانْصَرَفُوا؛ فَيُسَنُّ حِينَئِذٍ الْأَذَانُ لَكِنْ بِلَا مُبَالَغَةٍ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ؛ أَيْ: لَا يُنْدَبُ لَهُ ذَلِكَ لِئَلَّا يُوهِمَ السَّامِعِينَ دُخُولُ وَقْتِ صَلَاةٍ أُخْرَى لَا سِيَّمَا فِي يَوْمِ الْغَيْمِ، وَتَبِعَ فِي نَفْيِ الْمُبَالَغَةِ دُونَ أَصْلِ الرَّفْعِ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ كَمَا فِي الْخَادِمِ. وَكَذَا الْأَذْرَعِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ: الْمُرَادُ بِلَا رَفْعٍ بَالِغٍ؛ لِأَنَّ الرَّفْعَ شَرْطٌ فِي الْأَذَانِ لِلْجَمَاعَةِ اهـ. وَلَا يُعَارِضُهُ قَوْلُ التَّحْقِيقِ: وَحَيْثُ لَا يَرْفَعُ. قَالَ الْأَصْحَابُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَالْإِمَامَ مِنْ عِنْدِهِ، لَا؛ لِأَنَّهُ فِي الْمُنْفَرِدِ، وَلَا قَوْلُ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: وَيُسِرُّ مُؤَذِّنُ الْجَمَاعَةِ الثَّانِيَةِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا تَقَرَّرَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إسْمَاعِ وَاحِدٍ؛ لِمَا يَأْتِي أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ فِي الْأَذَانِ لِلْجَمَاعَةِ. أَمَّا إذَا فُقِدَ شَرْطٌ مِمَّا ذُكِرَ فَيُسَنُّ لَهُ الرَّفْعُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ انْتَهَى حُكْمُهُ بِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ الْأُولَى؛ وَلَا إيهَامَ، وَحَيْثُ

سُنَّ الرَّفْعُ فِي الْجَمَاعَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُكْرَهَ؛ بِأَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَطْرُوقٍ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ لَمْ يَأْذَنْ، كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْكِفَايَةِ، أَوْ لَا، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ وَاسْتِشْكَالُ الْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ لِلْأُولَى وَقَوْلُهُمْ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُسَنَّ الْأَذَانُ لَهَا، وَكَيْفَ يُسَنُّ الدُّعَاءُ إلَيْهَا مَعَ كَرَاهَتِهَا وَمَعَ أَنَّ لِلْوَسَائِلِ حُكْمَ الْمَقَاصِدِ وَإِنْ كَانَ لَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَلَا فَائِدَةَ لَهُ؛ إذْ الْأَذَانُ لِلْجَمَاعَةِ لَا يُجْزِئُ مَعَ الْإِسْرَارِ بِشَيْءٍ مِنْهُ - مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ هُنَا لَيْسَتْ لِذَاتِ الْجَمَاعَةِ؛ بَلْ الْأَمْرُ خَارِجٌ عَنْهَا، كَمَا سَأَذْكُرُهُ فِي التَّنْبِيهِ الْآتِي مَعَ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ لَمْ يَدْعُ إلَيْهَا غَائِبًا. وَإِنَّمَا يُؤَذِّنُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ مَعَهُ فَيَكْفِي إسْمَاعُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، كَمَا مَرَّ وَبِأَنَّ كَرَاهَةَ الصَّلَاةِ لَا تَمْنَعُ نَدْبَ الْأَذَانِ لَهَا كَمَا لَوْ أُقِيمَتْ فِي نَحْوِ حَمَّامٍ، وَبِأَنَّ الْأَذَانَ حَقٌّ لِلْوَقْتِ عَلَى الْجَدِيدِ وَلِلصَّلَاةِ عَلَى الْقَدِيمِ الْمُعْتَمَدِ؛ وَعَلَيْهِمَا فَلَيْسَ وَسِيلَةً لِلْجَمَاعَةِ، أَوْ حَقًّا لِلْجَمَاعَةِ، عَلَى مَا فِي الْإِمْلَاءِ؛ وَعَلَيْهِ يَنْبَنِي مَا ذَكَرُوهُ، وَالتَّقْيِيدُ بِانْصِرَافِهِمْ هُوَ مَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ. فَيُسَنُّ الرَّفْعُ قَبْلَهُ لِعَدَمِ خَفَاءِ الْحَالِ عَلَيْهِمْ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ حَذَفَهُ لِتَنْظِيرِ الْإِسْنَوِيِّ فِيهِ بِأَنَّهُ يُوهِمُ غَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ. قَالَ: وَإِنَّمَا قَيَّدُوا بِوُقُوعِ جَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ لَهُ الْأَذَانُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ مَدْعُوٌّ بِالْأَوَّلِ وَلَمْ يَنْتَهِ حُكْمُهُ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا يَأْتِي عَنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُمْ إنَّمَا قَيَّدُوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى ثَانِيَةً إلَّا إنْ كَانَ سَبَقَتْهَا جَمَاعَةٌ أُولَى؛ عَلَى أَنَّهُ مَرَّ أَنَّ الْجَمَاعَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا؛ بَلْ لَوْ صَلَّوْا فُرَادَى كَانَ كَذَلِكَ. (تَنْبِيهٌ) أَغْرَبَ الْمَاوَرْدِيُّ فَقَطَعَ بِتَحْرِيمِ إقَامَةِ جَمَاعَةٍ بَعْدَ جَمَاعَةٍ فِي مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ بِوِلَايَةِ سُلْطَانٍ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّقَاطُعِ وَشَقِّ الْعَصَا وَتَفْرِيقِ الْجَمَاعَاتِ وَتَشْتِيتِ الْكَلِمَةِ اهـ. كَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ جَمْعٌ، وَعِبَارَتُهُ: لَمْ يَجُزْ، وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُهَا بِحَمْلِهَا عَلَى نَفْيِ الْجَوَازِ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ لِيُوَافِقَ كَلَامَ غَيْرِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ الْمَطْرُوقِ؛ أَمَّا الْمَطْرُوقُ كَمَسَاجِدِ الْأَسْوَاقِ وَكَالْجَوَامِعِ فَلَا يُكْرَهُ إقَامَةُ الْجَمَاعَةِ فِيهَا مِرَارًا. ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ، بَلْ صَرَّحَ ابْنُ الرِّفْعَةِ - وَأَقَرَّهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ -: بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ كَرَاهَةِ الْجَمَاعَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْمَطْرُوقِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ وَسُقْتهَا مَعَ طُولِهَا؛ لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْفَوَائِدِ سِيَّمَا الْمُتَعَلِّقَةُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ فَتَأَمَّلْهَا تَجِدْهَا مَعَ النَّظَرِ لِمَا قَدَّمْته فِي بَيَانِ الْمَقَامِ الْأَوَّلِ ظَاهِرَةً فِيمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ نَدْبَ الْأَذَانِ ثَانِيًا وَثَالِثًا. وَهَكَذَا لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ سُقُوطَ الطَّلَبِ؛ لِأَنَّهُ سَقَطَ بِالْأَوَّلِ؛ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ حُصُولُ الثَّوَابِ، وَتَأَمَّلْ أَيْضًا رَدَّ قَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ وَإِنَّمَا قَيَّدُوا بِوُقُوعِ جَمَاعَةٍ. .. إلَخْ تَجِدْهُ ظَاهِرًا فِي ذَلِكَ أَيْضًا. وَمِمَّا يَزِيدُ ذَلِكَ وُضُوحًا قَوْلُهُمْ - وَالْعِبَارَةُ لِشَرْحِ الْعُبَابِ أَيْضًا - (وَيُسَنُّ الْأَذَانُ لِلْمُنْفَرِدِ) وَفِي الْقَدِيمِ - عَلَى نِزَاعٍ فِي ثُبُوتِهِ - بَلْ غَلِطَ فِي التَّنْقِيحِ مَنْ أَثْبَتَهُ، لَا يُسَنُّ، وَاسْتَشْكَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِقَوْلِهِ - أَيْ: الْقَدِيمِ - بِنَدْبِهِ لِلْفَائِتَةِ، وَيُجَابُ: بِأَنَّهُ بِالصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ عَمَلٌ بِقَضِيَّةِ الْأَذَانِ؛ إذْ هُوَ الدُّعَاءُ لِلصَّلَاةِ فَوَقَعَ أَذَانُ الْغَيْرِ مُجْزِئًا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ امْتَثَلَهُ بِخِلَافِهِ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ، فَإِنَّهُ فِي الْفَائِتَةِ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ فَلَمْ يَقَعْ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْتَثِلْهُ وَهَذَا أَوْلَى وَأَوْضَحُ مِمَّا فَرَّقَ بِهِ ابْنُ الْعِمَادِ فَإِنَّهُ مَرْدُودٌ؛ وَأَمَّا حَمْلُ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ قَوْلَهُ بِنَدْبِهِ لِلْفَائِتَةِ عَلَى مَا إذَا فُعِلَتْ جَمَاعَةً؛ قَالَ: لِيُجَامِعَ الْقَدِيمَ فِي الْمُؤَدَّاةِ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُؤَذِّنْ الْمُنْفَرِدُ لَهَا؛ فَالْفَائِتَةُ أَوْلَى، كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فَلَيْسَ فِي مَحَلِّهِ، كَيْفَ وَكَلَامُ الْمَجْمُوعِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ قَائِلٌ بِنَدْبِهِ لِلْفَائِتَةِ؛ حَتَّى مِنْ الْمُنْفَرِدِ فَإِنَّهُ حَكَى مُقَابِلَهُ قَوْلَيْنِ؛ عَدَمُ الْأَذَانِ مُطْلَقًا، وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ وَالِانْفِرَادِ (وَإِنْ سَمِعَ أَذَانَ غَيْرِهِ) كَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَالتَّنْقِيحِ، وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ وَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ، وَلَا يُنَافِيه قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ؛ فِيمَنْ دَخَلَ مَسْجِدًا قَبْلَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ، أَوْ بَعْدَهُ يُجْزِئُهُ أَذَانُ الْمُؤَذِّنِ وَإِقَامَتُهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ بِمُوجِبِهِ مِنْ الْإِجْزَاءِ حَتَّى لَا يُكْرَهَ لَهُ تَرْكُهُمَا؛ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي نَدْبِهِمَا لَهُ، وَلَا تَعَرُّضَ مِنْهُمْ لِنَفْيِهِ، لَكِنْ صَحَّحَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ إذَا سَمِعَ أَذَانَ الْجَمَاعَةِ لَا يَشْرَعُ وَقَوَّاهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ مَعَهُمْ، وَالْأَوَّلُ خِلَافُهُ، ثَمَّ رَأَيْت ابْنَ الرِّفْعَةِ قَالَ وَتَبِعَهُ الْقَمُولِيُّ وَغَيْرُهُ: مَنْ حَضَرَ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ بِمَحَلِّ إقَامَةِ الصَّلَاةِ لَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لَوْ بَلَغَهُ النِّدَاءُ فَحَضَرَ قَبْلَ الصَّلَاةِ

أَوْ بَعْدَهَا وَأَدْرَكَ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ مَدْعُوٌّ مُجِيبٌ فَلَا مَعْنَى إذًا لِإِتْيَانِهِ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَضَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْجَمَاعَةِ، ثَمَّ حَكَى خِلَافَ ذَلِكَ وَضَعَّفَهُ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته. وَكَالْمُنْفَرِدِ فِي ذَلِكَ الْجَمَاعَةُ الثَّانِيَةُ كَمَا مَرَّ. انْتَهَتْ، وَفِيهِ أَيْضًا: وَيُسَنُّ الْأَذَانُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَإِنْ تَقَارَبَتْ وَسَمِعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ صَاحِبِ الْعُدَّةِ وَغَيْرِهِ؛ وَوُجِّهَ بِأَنَّ فِيهِ إحْيَاءً لَهَا بِإِقَامَةِ الْجَمَاعَةِ فِي كُلِّهَا. وَسَيَأْتِي عَنْ الْقَاضِي أَنَّ إقَامَةَ الْجَمَاعَةِ فِي جَمِيعِهَا أَفْضَلُ مِنْ اجْتِمَاعِهِمْ فِي بَعْضِهَا؛ لِأَنَّ فِي تَكْثِيرِهَا تَكْثِيرًا لِإِقَامَةِ الشِّعَارِ. انْتَهَتْ. فَتَأَمَّلْ قَوْلَ الْأَصْحَابِ: يُجْزِئُهُ أَذَانُ الْمُؤَذِّنِ وَإِقَامَتُهُ وَحُمِلَ الْإِجْزَاءُ عَلَى عَدَمِ كَرَاهَةِ التَّرْكِ. وَتَأَمَّلْ أَيْضًا مَا جَمَعْتُ بِهِ بَيْنَ مَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَغَيْرِهِ - تَجِدْ ذَلِكَ كُلَّهُ صَرِيحًا فِيمَا قَدَّمْتُهُ مِنْ أَنَّ كَلَامَهُمْ فِي مَقَامَيْنِ: إسْقَاطُ الطَّلَبِ، وَحُصُولُ الثَّوَابِ؛ وَبِهَذَا يَجْتَمِعُ مُتَفَرِّقَاتُ كَلِمَاتِهِمْ الْمُوهِمَةُ لِلتَّنَافِي عِنْدَ مَنْ لَمْ يُمْعِنْ النَّظَرَ فِي سِيَاقِهَا وَمَدَارِكِهَا، فَإِنْ قُلْت صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي إيجَازِهِ بِأَنَّ مَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ وَأَجَابَهُ وَصَلَّى فِي جَمَاعَةٍ لَا يُجِيبُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَدْعُوٍّ بِهَذَا الْأَذَانِ، وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا مَرَّ مِنْ إسْقَاطِ الطَّلَبِ بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ، وَغَيْرُ مُوَافِقٍ لِمَا مَرَّ مِنْ نَدْبِ تَكْرَارِ الْأَذَانِ لِلْجَمَاعَاتِ الْمُتَكَرِّرَةِ قُلْت: كَلَامُ الرَّافِعِيِّ مَرْدُودٌ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ: إنَّهُ اخْتِيَارٌ لَهُ، وَالْفَتْوَى عَلَى خِلَافِهِ. وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: إنَّ نَدْبَ الْجَمَاعَةِ لِمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ يَخْدِشُهُ؛ أَيْ: لِأَنَّ قِيَاسَ طَلَبِ الْجَمَاعَةِ ثَانِيًا يَقْتَضِي نَدْبَ الْأَذَانِ ثَانِيًا؛ لِأَنَّهُ مَدْعُوٌّ بِالثَّانِي مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُنْدَبُ لَهُ الْإِعَادَةُ مَعَهُمْ، وَلَا يُنَافِيه عَدَمُ نَدْبِ الْأَذَانِ لِلْمُعَادَةِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ لَهُ قَصْدًا؛ وَكَلَامُنَا هُنَا فِيمَنْ يُؤَذِّنُ لِجَمَاعَةٍ غَيْرِ مُعَادَةٍ لَكِنْ سَمِعَهُ مَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ فَهَلْ هَذَا الْأَذَانُ مُعْتَدٌّ بِهِ فِي حَقِّهِ أَيْضًا حَتَّى يُسَنَّ لَهُ إجَابَتُهُ، أَوْ لَا وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ الِاعْتِدَادُ بِهِ لَهُ مِنْ حَيْثُ تَبَعِيَّتُهُ لِغَيْرِهِ لَا اسْتِقْلَالًا؛ فَتَأَمَّلْهُ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلِي فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا، فَإِنْ قُلْت: كَانَ قِيَاسُ الْمُعْتَمَدِ مِنْ أَنَّهُ حَقٌّ لِلْفَرْضِ تَكْرِيرُ الْأَذَانِ لِلْفَوَائِتِ أَيْ الْمُتَوَالِيَةِ وَالْمَجْمُوعَتَيْنِ أَيْ: الْمُتَوَالِيَتَيْنِ، قُلْت: عَارَضَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا وَالَى بَيْنَهُمَا كَانَ مَا بَعْدَ الْأَوَّلِ تَابِعًا لَهُ فَلَمْ يُفْرَدْ بِأَذَانٍ ثَانٍ، ثُمَّ رَأَيْته فِي الْمَجْمُوعِ ذَكَرَ ذَلِكَ فَقَالَ: فَإِنْ قِيلَ إذَا جَمَعَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ وَبَدَأَ بِالظُّهْرِ لِمَ لَا يُؤَذَّنُ لِلْعَصْرِ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَهَا. فَالْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ؛ أَنَّ الْعَصْرَ فِي حُكْمِ التَّابِعَةِ لِلظُّهْرِ هُنَا. قَالَ: وَالْوَجْهُ الْقَائِلُ بِنَدْبِ الْأَذَانِ لِلْكُلِّ غَلَطٌ. فَانْدَفَعَ مَا فِي الْخَادِمِ هُنَا، وَفِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا. وَنَظَرُ الْإِسْنَوِيُّ فِي نَدْبِ الْأَذَانِ فِي وَقْتِ الْأُولَى؛ أَيْ مِنْ الْمَجْمُوعَتَيْنِ إذَا نَوَى جَمْعَ التَّأْخِيرِ، قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَيَظْهَرُ تَخْرِيجُهُ عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِلْوَقْتِ، أَوْ الصَّلَاةِ؛ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ أَذَّنَ وَإِلَّا فَلَا. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ لَهَا؛ لِأَنَّهُ فِي الْقَدِيمِ الْمُعْتَمَدِ حَقٌّ لِلصَّلَاةِ أَيْ: الْمَفْرُوضَةِ، وَفِي الْجَدِيدِ غَيْرِ الْإِمْلَاءِ حَقٌّ لِلْوَقْتِ، وَفِي الْإِمْلَاءِ حَقٌّ لِلْجَمَاعَةِ. وَتُقَاسُ الْفَوَائِتُ بِالْمَجْمُوعَتَيْنِ اهـ. فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ حَقًّا لِلْفَرْضِ لَا لِلْجَمَاعَةِ فَكَيْفَ تَكَرَّرَ بِتَكَرُّرِ الْجَمَاعَةِ؟ قُلْت: لَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ لِلْجَمَاعَةِ فِي الْفَرْضِ؛ بَلْ نَفْيُ تَقَيُّدِهِ بِالْجَمَاعَةِ حَتَّى يَدْخُلَ الْمُنْفَرِدُ، وَإِثْبَاتُ تَقَيُّدِهِ بِالْفَرْضِ حَتَّى تَخْرُجَ الْمُعَادَةُ؛ وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - هَلْ يَنْقَدِحُ. .. إلَخْ فَجَوَابُهُ: أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُنْقَدِحٍ عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْمَدَارَ بِالنِّسْبَةِ لِإِسْقَاطِ الطَّلَبِ عَلَى ظُهُورِ الشِّعَارِ وَعَدَمِ ظُهُورِهِ. وَبِالنِّسْبَةِ لِلثَّوَابِ عَلَى وُقُوعِ الْأَذَانِ مِنْ كُلٍّ سَوَاءٌ الْمُنْفَرِدُ وَالْجَمَاعَاتُ الْمُتَعَدِّدَةُ إلَّا فِيمَا مَرَّ فِيمَنْ سَمِعَ أَذَانَ غَيْرِهِ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ التَّنَاقُضِ وَالْجَمْعِ بِمَا قَدَّمْته. وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ مَدَارَ الْإِسْقَاطِ وَالثَّوَابِ عَلَى مَا ذُكِرَ اُتُّجِهَ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِقَصْدِ الْمُؤَذِّنِ وَلَا بِدُخُولِهِ فِي الْجَمَاعَةِ الَّتِي أَذَّنَ لَهَا، نَعَمْ، الظَّاهِرُ أَنَّ أَذَانَهُ لَا يَقَعُ لِلْجَمَاعَةِ حَتَّى يُثَابُوا عَلَيْهِ؛ حَتَّى يَأْمُرُوهُ بِالْأَذَانِ لَهُمْ، أَوْ يَتَسَبَّبُوا فِيهِ وَيُؤَذِّنُ بِقَصْدِهِمْ؛ أَمَّا لَوْ أَذَّنَ بِقَصْدِ نَفْسِهِ فَقَطْ أَوْ بِقَصْدِهِمْ وَلَمْ يَتَسَبَّبُوا فِي تَأْذِينِهِ لَهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ لَا يُثَابُونَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِمَا هُوَ مَعْلُومٌ أَنَّ الثَّوَابَ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى مَا فَعَلَهُ الْإِنْسَانُ، أَوْ تَسَبَّبَ فِيهِ. وَقَدْ ذَكَرُوا فِي الْكَلَامِ عَلَى حُصُولِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ بِغَيْرِهَا مَا يُوَضِّحُ ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ. فَإِنْ قُلْت قَدْ

اعْتَبَرُوا قَصْدَ الْمُؤَذِّنِ حَيْثُ قَالُوا: إنْ كَانَ أَذَّنَ لِجَمَاعَةٍ اُشْتُرِطَ إسْمَاعُ وَاحِدٍ جَمِيعَ كَلِمَاتِهِ مَا عَدَا التَّرْجِيعَ؛؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ تَحْصُلُ بِإِمَامٍ وَمَأْمُومٍ مَعَ أَنَّ الْقَصْدَ الْإِعْلَامُ، وَإِنْ أَذَّنَ لِنَفْسِهِ اُشْتُرِطَ إسْمَاعُ نَفْسِهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ الذِّكْرُ لَا الْإِعْلَامُ؛ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى انْقِدَاحِ مَا قَالَهُ السَّائِلُ، قُلْت: لَا نُسَلِّمُ دَلَالَته عَلَى ذَلِكَ بِإِطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِيمَا يَرْجِعُ لِلصِّحَّةِ وَعَدَمِهَا إنَّمَا هُوَ بِاعْتِقَادِ الْفَاعِلِ دُونَ غَيْرِهِ، فَاعْتِبَارُهُمْ الْقَصْدَ هُنَا لَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ قَصْدِهِ مُطْلَقًا. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَذَّنَ وَاحِدٌ فِي مَحَلٍّ صَغِيرٍ، أَوْ مُتَعَدِّدُونَ فِي كَبِيرٍ سَقَطَ الطَّلَبُ عَنْ الْبَاقِينَ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْمُؤَذِّنُ إلَّا نَفْسَهُ، وَسِرُّهُ مَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّ الْمَدَارَ إنَّمَا هُوَ عَلَى ظُهُورِ الشِّعَارِ وَعَدَمِهِ. وَفِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ إنْ كَانَ نُصِّبَ لِلْأَذَانِ اُشْتُرِطَ لِصِحَّةِ أَذَانِهِ مَعْرِفَتُهُ بِالْوَقْتِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُنَصَّبْ لَهُ، أَوْ أَذَّنَ لِنَفْسِهِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ صَلَّى فِي فَضَاءٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ مُنْفَرِدًا فَهَلْ يَحْصُلُ لَهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ وَيَبَرُّ لَوْ حَلَفَ لَيُصَلِّيَن جَمَاعَةً وَيَنْوِي الْإِمَامَةَ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: وَقَعَ فِي فَتَاوَى السُّبْكِيّ أَنَّ الْجَمَاعَةَ تَحْصُلُ بِالْمَلَائِكَةِ أَيْضًا، قَالَ: وَقَدْ وَجَدْت ذَلِكَ نَقْلًا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا فِيمَنْ صَلَّى بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ فِي فَضَاءٍ مُنْفَرِدًا، مُنْفَرِدًا ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ صَلَّى بِالْجَمَاعَةِ يَكُونُ بَارًّا فِي يَمِينِهِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِمَا وَرَدَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَالَ: صَلَّتْ الْمَلَائِكَةُ خَلْفَهُ صُفُوفًا» فَإِذَا حَلَفَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى لَا يَحْنَثُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَدْ أَفْتَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِنَظِيرِهِ؛ فِيمَنْ ذَكَرَ اللَّهَ فِي حَلْقَةِ ذِكْرٍ ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَأَرَادَ الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَذَا لَوْ جَلَسَ فِي الرَّوْضَةِ الشَّرِيفَةِ وَحَلَفَ أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ وَأَرَادَ الْمَعْنَى الَّذِي أَرَادَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَوْنِ الرَّوْضَةِ مِنْ الْجَنَّةِ. أَمَّا لَوْ أَطْلَقَ فَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ التَّقْيِيدُ بِكَوْنِهِ أَرَادَ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِي الْأَيْمَانِ الْمُطْلَقَةِ عَلَى الْعُرْفِ وَهُوَ قَاضٍ بِأَنَّ الْمُصَلِّي فِي الْفَضَاءِ وَالْجَالِسِ فِي الْحَلْقَةِ، أَوْ الرَّوْضَةِ لَيْسَ فِي جَمَاعَةٍ وَلَا فِي الْجَنَّةِ؛ وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ الْأَوَّلَ لَوْ نَوَى الْإِمَامَةَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّا لَا نَدْرِي مَا حَقِيقَةُ صَلَاةِ الْمَلَائِكَةِ خَلْفَهُ؛ هَلْ هُوَ مَعَ اقْتِدَائِهِمْ بِهِ فِي عَيْنِ تِلْكَ الصَّلَاةِ أَوْ يَتَعَبَّدُونَ وَرَاءَهُ لِتَعُودَ عَلَيْهِ بَرَكَةُ صَلَاتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ، أَوْ يَدْعُونَ لَهُ؟ إذْ الصَّلَاةُ لُغَةً: الدُّعَاءُ؛ فَلَمَّا أَشْكَلَ عَلَيْنَا دَرْكُ ذَلِكَ الْأَمْرِ عَلَى مَا أَخْبَرَ بِهِ الصَّادِقُ نَزَّلْنَاهُ مُنْفَرِدًا. وَقُلْنَا: لَيْسَ لَك أَنْ تَنْوِيَ الْإِمَامَةَ فَإِنْ فَعَلْت بَطَلَتْ صَلَاتُك؛ لِأَنَّك مُنْفَرِدٌ يَقِينًا، وَالِاقْتِدَاءُ بِك مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ لَك نِيَّةُ الْإِمَامَةِ مَعَ الشَّكِّ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَنِي اللَّهُ بِعُلُومِهِ - عَنْ الْجَمَاعَةِ أَوْ الْمُنْفَرِدِ إذَا صَلَّوْا بِأَذَانِ الْمُؤَذِّنِ الرَّاتِبِ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الْجَمَاعَةُ هَلْ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُمْ الْأَذَانُ؛ أَخْذًا مِنْ. قَوْلِ الْإِسْنَوِيّ؟ (وَإِنَّمَا قَيَّدُوا بِوُقُوعِ جَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ لَهُ الْأَذَانُ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ مَدْعُوٌّ بِالْأَوَّلِ وَلَمْ يَنْتَهِ حُكْمُهُ) أَمْ يُسْتَحَبُّ لَهُمْ الْأَذَانُ. وَإِنَّمَا يُقَالُ: إنَّهُمْ مَدْعُوُّونَ بِالْأَوَّلِ إذَا أَرَادُوا الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ، وَأَمَّا إذَا أَرَادُوا الصَّلَاةَ وَحْدَهُمْ فَيُسَنُّ لَهُمْ الْأَذَانُ. وَذَكَرَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا أَنَّهُ لَوْ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَجَاءَ شَخْصٌ وَصَلَّى مُنْفَرِدًا قَبْلَ أَنْ يُصَلُّوا الْجَمَاعَةَ بِأَذَانِهِمْ أَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَى تَجْدِيدِ أَذَانٍ، وَأَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَأْخُذُ حُكْمَ أَذَانِهِمْ، فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْجَوَابُ عَنْهُ يَحْتَاجُ لِمُقَدِّمَةٍ؛ وَهِيَ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا: هَلْ الْأَذَانُ حَقٌّ لِلْوَقْتِ، أَوْ الصَّلَاةِ، أَوْ الْجَمَاعَةِ أَقْوَالٌ، أَظْهَرُهَا: الثَّانِي؛ وَمِنْ ثَمَّ يُسَنُّ لِلْمُنْفَرِدِ؛ وَإِنْ سَمِعَ أَذَانَ غَيْرِهِ، كَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَالتَّنْقِيحِ. وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ، وَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ، وَلَا يُنَافِيه قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ؛ فِيمَنْ دَخَلَ مَسْجِدًا قَبْلَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ، أَوْ بَعْدَهَا يُجْزِئُهُ أَذَانُ الْمُؤَذِّنِ وَإِقَامَتُهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ بِمُوجِبِهِ مِنْ الْإِجْزَاءِ حَتَّى لَا يُكْرَهُ لَهُ تَرْكُهُمَا، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي نَدْبِهِمَا وَلَا تَعَرُّضَ مِنْهُمْ لِنَفْيِهِ بَلْ لِإِثْبَاتِهِ؛ إذْ هَذَا هُوَ شَأْنُ سُنَّةِ الْكِفَايَةِ كَفَرْضِهَا، وَخَالَفَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ صَحَّحَ فِيهِ أَنَّهُ: إنْ كَانَ سَمِعَ أَذَانَ الْجَمَاعَةِ لَا يَشْرَعُ وَقَوَّاهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ. وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ لَا يَتَأَكَّدُ حَتَّى لَا يُكْرَهُ تَرْكُهُ، أَوْ عَلَى مَا إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ مَعَهُمْ، وَالْأَوَّلُ عَلَى خِلَافِهِ، ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الرِّفْعَةِ قَالَ وَتَبِعَهُ الْقَمُولِيّ وَغَيْرُهُ: مَنْ حَضَرَ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ بِمَحَلِّ إقَامَةِ الصَّلَاةِ

باب استقبال القبلة

لَمْ يُسْتَحَبَّا لَهُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لَوْ بَلَغَهُ النِّدَاءُ فَحَضَرَ قَبْلَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا وَأَدْرَكَ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ مَدْعُوٌّ مُجِيبٌ، فَلَا مَعْنَى إذًا لِإِتْيَانِهِ بِذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَضَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْجَمَاعَةِ، ثُمَّ حَكَى خِلَافَ ذَلِكَ وَضَعَّفَهُ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته مِنْ الْجَمْعِ الثَّانِي بَيْنَ تَنَاقُضِ كُتُبِ النَّوَوِيِّ وَكَالْمُنْفَرِدِ فِي ذَلِكَ: الْجَمَاعَةُ الثَّانِيَةُ فِي نَدْبِ الْإِتْيَانِ بِالْأَذَانِ مُطْلَقًا. وَإِنَّمَا التَّفْصِيلُ فِي نَدْبِ الرَّفْعِ لَهُمْ، فَإِنْ انْصَرَفَ الْأَوَّلُونَ فَلَا رَفْعَ لِلْإِيهَامِ، وَإِلَّا سُنَّ. وَاعْتِرَاضُ الْإِسْنَوِيّ التَّقْيِيدَ بِانْصِرَافِهِمْ بِأَنَّهُ يُوهِمُ غَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ - يُرَدُّ بِأَنَّ الْإِيهَامَ فِي حَقِّهِمْ أَشَقُّ لِحُضُورِهِمْ، فَرُوعُوا دُونَ غَيْرِهِمْ. وَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا قَيَّدُوا بِوُقُوعِ جَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَنُّ لَهُ الْأَذَانُ قَبْلَهُ؛؛ لِأَنَّهُ مَدْعُوٌّ بِالْأَوَّلِ وَلَمْ يَنْتَهِ حُكْمُهُ، إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى مَا تَقَرَّرَ عَنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ ضَعِيفٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْته، وَالْوَجْهُ أَنَّهُمْ إنَّمَا قَيَّدُوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى ثَانِيَةً إلَّا إنْ كَانَ سَبَقَتْهَا جَمَاعَةٌ أُولَى، عَلَى أَنَّهُ تَقَرَّرَ أَنَّ الْجَمَاعَةَ غَيْرُ شَرْطٍ؛ بَلْ لَوْ صَلَّوْا فُرَادَى كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ. وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ صَاحِبِ الْعُدَّةِ وَغَيْرِهِ يُسَنُّ الْأَذَانُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَإِنْ تَقَارَبَتْ الْمَسَاجِدُ، وَسَمِعَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا؛ أَيْ: لَا يُنْدَبُ إقَامَةُ الْجَمَاعَةِ فِي كُلٍّ مِنْهَا إحْيَاءً لَهُ وَتَكْثِيرًا لِإِقَامَةِ الشِّعَارِ، إذَا تَقَرَّرَ لَك هَذَا، وَأَحَطْت بِهِ اتَّضَحَ لَك أَنَّهُ: إذَا صَلَّى بِأَذَانِ الْمُؤَذِّنِ الرَّاتِبِ جَمَاعَةٌ، أَوْ وَاحِدٌ سُنَّ لِلْبَاقِينَ الْأَذَانُ ثَانِيًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَإِنْ تَرَكُوهُ وَصَلَّوْا بِالْأَوَّلِ وَقَدْ سَمِعُوهُ لَمْ يُكْرَهْ لَهُمْ تَرْكُهُ؛ لِأَنَّهُمْ مَدْعُوُّونَ بِالْأَوَّلِ، وَلَمْ يَنْتَهِ حُكْمُهُ بِالنِّسْبَةِ لِدَفْعِهِ لِلْكَرَاهَةِ فِي حَقِّ الْبَاقِينَ، وَإِنْ انْتَهَى حُكْمُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُصَلِّينَ. وَاتَّضَحَ لَك أَيْضًا ضَعْفُ مَا ذُكِرَ عَنْ الْإِسْنَوِيِّ وَأَنَّ قَوْلَ السَّائِلِ وَإِنَّمَا يُقَالُ. .. إلَخْ صَحِيحٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُمْ مَدْعُوُّونَ بِالْأَوَّلِ مُطْلَقًا. لَكِنْ إنْ كَانَ صَلَّوْا مَعَ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ لَمْ يَتَأَكَّدْ لَهُمْ؛ فَلَا يُكْرَهُ لَهُمْ تَرْكُهُ وَإِلَّا تَأَكَّدَ لَهُمْ، وَكُرِهَ لَهُمْ تَرْكُهُ. وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَا ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عَلَى إطْلَاقِهِ، وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنَّهُ يَأْخُذُ بِحُكْمِ أَذَانِ غَيْرِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَإِنَّمَا الْوَجْهُ الْمَفْهُومُ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ نَفْسَهُ إنْ كَانَ سَمِعَ ذَلِكَ الْأَذَانَ لَمْ يُكْرَهْ لَهُ تَرْكُهُ وَإِلَّا كُرِهَ. وَأَمَّا الْجَمَاعَةُ فَيُسَنُّ لَهُمْ الْأَذَانُ ثَانِيًا وَلَا يُكْرَهُ لَهُمْ تَرْكُهُ، فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ الْإِمَامُ بِأَخْذِ حُكْمِ أَذَانِهِمْ نَدْبَهُ لَهُمْ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ فِي تَرْكِهِمْ لَهُ اتَّجَهَ مَا قَالَهُ هَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَنَّهُ حَقٌّ لِلصَّلَاةِ، أَمَّا عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِلْوَقْتِ فَحَيْثُ وُجِدَ أَجْزَأَ عَمَّنْ سَمِعَهُ وَمَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ، وَأَمَّا عَلَى أَنَّهُ حَقٌّ لِلْجَمَاعَةِ فَلَا يُسَنُّ لِلْمُنْفَرِدِ، وَلَا تُؤَثِّرُ صَلَاتُهُ فِي حَقِّ الْجَمَاعَةِ مُطْلَقًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ] سُئِلَ - فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَنْ السَّفَرِ الْمُجَوِّزِ لِلتَّنَفُّلِ رَاكِبًا وَمَاشِيًا لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، مَا حَدُّهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: حَدَّهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِمِيلٍ، أَوْ نَحْوِهِ وَالْبَغَوِيُّ بِأَنْ يَخْرُجَ إلَى مَكَان لَا يَسْمَعُ فِيهِ النِّدَاءَ. وَبَيْنَهُمَا تَقَارُبٌ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْجَهُ الثَّانِي، لَا يُقَالُ مُقْتَضَى مَا ذَكَرُوهُ فِي الْقَصْرِ مِنْ جَوَازِهِ بِمُجَرَّدِ مُجَاوَزَةِ السُّورِ، أَوْ الْعُمْرَانِ جَوَازُ التَّنَفُّلِ بِمُجَرَّدِ مُجَاوَزَةِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ سَفَرُهُ مِيلًا وَلَا مَحَلًّا لَا يُسْمَعُ فِيهِ النِّدَاءُ، وَلَا مَا يَقْرُبُ مِنْ ذَلِكَ بِخُطًى يَسِيرَةٍ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا اشْتِبَاهٌ فَإِنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَقْصِدِ الَّذِي يُسَافِرُ إلَيْهِ، فَفِي نَحْوِ الْقَصْرِ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَرْحَلَتَيْنِ، وَفِي نَحْوِ التَّنَفُّلِ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ عَلَى مِيلٍ، أَوْ نَحْوِهِ مِنْ الْبَلَدِ، وَأَمَّا جَوَازُ الْقَصْرِ بِمُجَاوَزَةِ مَا ذُكِرَ - فَمِثْلُهُ جَوَازُ التَّنَفُّلِ بِمُجَاوَزَتِهِ، فَهُمَا مُسْتَوِيَانِ بِالنِّسْبَةِ لِمُجَاوَزَةِ السُّورِ وَنَحْوِهِ، وَيَخْتَلِفَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَقْصِدِ فَبَطَل مَا تُوُهِّمَ مِنْ الِاشْتِبَاهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ صَلَاةِ الْأَعْمَى أَنْ يَمَسَّ الْقِبْلَةَ إذَا أَمْكَنَهُ أَوْ شَيْئًا يَدُلُّ عَلَيْهَا أَوْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ مِنْ غَيْرِ مَسٍّ؛ بِأَنْ أَخْبَرَهُ جَمَاعَةٌ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: حَيْثُ قَدَرَ عَلَى مَسِّ الْكَعْبَةِ، أَوْ الْمِحْرَابِ الْمُعْتَمَدِ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْمُخْبِرِ، وَلَوْ عَنْ عِلْمٍ؛ مَا لَمْ يَصِلْ لِعَدَدِ التَّوَاتُرِ، أَوْ يَكُونُ نَشَأَ بِمَكَّةَ، أَوْ بِذَلِكَ الْمَسْجِدِ، وَارْتَسَمَ فِي ذِهْنِهِ مِنْ الْأَمَارَاتِ مَا يَحْصُلُ لَهُ الْيَقِينُ الْجَازِمُ فَحِينَئِذٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَسُّ أَخْذًا مِنْ قُوَّةِ كَلَامِهِمْ؛ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ: لِلضَّرِيرِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الرُّجُوعُ إلَى خَبَرِ الْمُعَايِنِ لِلْكَعْبَةِ إنْ كَانَ جَمْعًا يَبْلُغُونَ عَدَدَ التَّوَاتُرِ.

وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ لِلصَّلَاةِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْهَا، وَشَرْطُنَا الِاسْتِقْبَالُ بِكُلِّ بَدَنِهِ، وَاسْتَقْبَلَ بِكُلِّ بَدَنِهِ إلَّا أَنَّ طَرَفَ ثَوْبِهِ خَارِجٌ عَنْهَا، فَهَلْ يَضُرُّ طَرَفُ ثَوْبِهِ الْخَارِجُ حَتَّى لَا يَصِحَّ هَذَا الِاسْتِقْبَالُ، أَوْ يُفَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُتَحَرِّكًا بِحَرَكَتِهِ كَمَا فِي السُّجُودِ أَوْ لَا يُفَرَّقَ كَمَا فِي النَّجَاسَةِ، أَوْ لَا يَضُرُّ طَرَفَ ثَوْبِهِ الْخَارِجُ بَلْ الْمُعْتَبَرُ بَدَنُهُ خَاصَّةً (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنَّ كَلَامَهُمْ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الِاسْتِقْبَالِ بِالْبَدَنِ لَا بِالثَّوْبِ، فَلَا يَضُرُّ خُرُوجُهُ عَنْ سَمْتِ الْكَعْبَةِ مُطْلَقًا؛ فَإِنْ قُلْت: يُنَافِي هَذَا مَا ذَكَرْته فِي حَاشِيَةِ مَنَاسِكِ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الثَّوْبَ كَالْبَدَنِ فِي مُحَاذَاةِ هَوَاءِ الْبَيْتِ حَتَّى يَبْطُلَ طَوَافُهُ؛ قُلْت: لَا يُنَافِيه لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الِاسْتِقْبَالِ بِالْمُسَامَتَةِ؛ وَهِيَ إنَّمَا تَكُونُ بِالْبَدَنِ لَا بِغَيْرِهِ، وَأَمَّا الْعِبْرَةُ فِي الطَّوَافِ فَهِيَ بِخُرُوجِ الطَّائِفِ وَمَا يُنْسَبُ إلَيْهِ عَنْ الْبَيْتِ وَهَوَائِهِ، وَالثَّوْبُ مِمَّا يُنْسَبُ إلَيْهِ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ أَنَّ الْمُسْتَقْبِلَ لَوْ أَخْرَجَ يَدَهُ عَنْ السَّمْتِ لَمْ يَضُرَّ، وَلَوْ اسْتَقْبَلَ الْهَوَاءَ لَمْ يَكْفِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ، بِخِلَافِ الطَّائِفِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ دُخُولُ يَدِهِ وَلَوْ فِي هَوَاءِ الْبَيْتِ، وَمَا هُوَ مِنْهُ وَلَوْ ظَنًّا كَالشَّاذَرْوَانِ، أَوْ غَيْرَ ظَنِّيٍّ كَهَوَاءِ حَائِطِ الْحَجَرِ فَاتَّضَحَ بِذَلِكَ فَرْقُ مَا بَيْنَ الطَّوَافِ وَالِاسْتِقْبَالِ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - هَلْ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي بِنَاءِ الْكَعْبَةِ وَطُولِهَا وَعَرْضِهَا - زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا وَتَعْظِيمًا - وَمَنْ تَعَدَّى وَفَعَلَ هَلْ يُهْدَمُ مَا فَعَلَهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: صَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّهَا لَا تُغَيَّرُ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ بِنَاءِ الْحَجَّاجِ؛ أَيْ: بِالنِّسْبَةِ لِنَاحِيَةِ الْحِجْرِ وَتَعْلِيَةِ بَابِ الْبَيْتِ وَسَدِّ بَابِهِ الْغَرْبِيِّ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي فَعَلَهُ الْحَجَّاجُ فِيهَا وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ بِنَاءِ ابْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَقَوْلُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا لَا تُغَيَّرُ عَنْ ذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي حُرْمَةِ تَغْيِيرِهَا؛ وَمِنْ ثَمَّ لَمَّا سَأَلَ الرَّشِيدُ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي تَغْيِيرِ بِنَاءِ الْحَجَّاجِ. قَالَ مَالِكٌ: نَشَدْتُك اللَّهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَجْعَلْ هَذَا الْبَيْتَ مِلْعَبَةً لِلْمُلُوكِ، لَا يَشَاءُ أَحَدٌ إلَّا نَقَضَهُ وَبَنَاهُ؛ فَتَذْهَبُ هَيْبَتُهُ مِنْ صُدُورِ النَّاسِ. وَاسْتَحْسَنَ النَّاسُ هَذَا مِنْ مَالِكٍ وَأَثْنَوْا عَلَيْهِ بِهِ؛ فَصَارَ كَالْإِجْمَاعِ عَلَى مَنْعِ تَغْيِيرِ بِنَائِهَا؛ بَلْ نُقِلَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ أَرَادَ هَدْمَ بِنَاءِ الْحَجَّاجِ - لَمَّا بَلَغَهُ وَصَحَّ عِنْدَهُ أَنَّ مَا فَعَلَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ هُوَ الْحَقُّ الْمُوَافِقُ لِمَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لَوْلَا حِدْثَانُ قُرَيْشٍ بِكُفْرٍ لَنَقَضْت الْكَعْبَةَ وَجَعَلْتهَا عَلَى قَوَاعِدِ إبْرَاهِيمَ، فَمَنَعَهُ الزُّهْرِيُّ مِنْ ذَلِكَ نَظِيرُ مَنْعِ مَالِكٍ الرَّشِيدَ. وَمَنْ تَعَدَّى وَزَادَ فِي الطُّولِ، أَوْ الْعَرْضِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ تَيَسَّرَ هَدْمُ مَا زَادَهُ مِنْ غَيْرِ فِتْنَةٍ وَلَا إخْلَالٍ بِبِنَائِهَا الْأَوَّلِ وَجَبَ وَإِلَّا امْتَنَعَ؛ وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فِي امْتِنَاعِ الْعُلَمَاءِ مِنْ تَغْيِيرِ بِنَاءِ الْحَجَّاجِ. وَفِي مُفْهِمِ الْقُرْطُبِيِّ: مَا فَعَلَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ كَانَ صَوَابًا، وَقَبَّحَ اللَّهُ الْحَجَّاجَ وَعَبْدَ الْمَلِكِ؛ لَقَدْ جَهِلَا سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ - حِينَ بَلَغَتْهُ السُّنَّةُ -: لَوْ سَمِعْت ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُهْدَمَ لَتَرَكْته عَلَى بِنَاءِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْذُورٍ؛ فَإِنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا بِالتَّثَبُّتِ فِي السُّؤَالِ وَلَمْ يَفْعَلْ فَاسْتَعْجَلَ، فَاَللَّهُ حَسِيبُهُ وَمُجَازِيهِ، وَلَقَدْ اجْتَرَأَ عَلَى بَيْتِ اللَّهِ وَعَلَى أَوْلِيَائِهِ اهـ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِمَ أَحَبَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّوَجُّهَ لِلْكَعْبَةِ مَعَ كَوْنِهِ مَأْمُورًا بِالتَّوَجُّهِ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَمَعَ أَنَّهُ يَجِبُ الرِّضَا بِالْمَأْمُورِ وَمَحَبَّتُهُ؛ وَمِنْ ثَمَّ امْتَنَعَ الدُّعَاءُ بِتَغْيِيرِ الْأَحْكَامِ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنَّمَا أَحَبَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ لِمَصَالِحَ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ؛ وَهِيَ كَوْنُهَا قِبْلَةَ أَبِيهِ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِمَا وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَسَلَّمَ - وَكَوْنُ الْعَرَبِ يُعَظِّمُونَهَا؛ فَرَجَا إسْلَامَهُمْ بِهَا وَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَكَوْنُ الصَّلَاةِ إلَيْهَا أَفْضَلَ، عَلَى مَا اسْتَنْبَطَهُ السُّبْكِيّ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِأَنَّ الزَّمَانَ الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ التَّوَجُّهَ إلَيْهَا أَطْوَلُ مِنْ الزَّمَانِ الَّذِي أَوْجَبَ فِيهِ التَّوَجُّهَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَكُلَّمَا كَانَ طَلَبُهُ أَكْثَرَ كَانَ أَفْضَلَ؛ وَلِأَنَّهَا نَاسِخَةٌ لِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَالنَّاسِخُ أَفْضَلُ مِنْ الْمَنْسُوخِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ كُلَّهُ فِي مَحَبَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التَّوَجُّهَ إلَيْهَا قَبْلَ وُجُوبِهِ وَنَسْخِهِ لِغَيْرِهِ، فَالْأَحْسَنُ: الْجَوَابُ الثَّانِي، وَيَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَهُ أَنْ يُقَالَ: لِمَ لَا. أَحَبَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرُّجُوعَ إلَى مَكَّةَ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِيهَا عِنْدَنَا أَفْضَلُ مِنْهَا بِالْمَدِينَةِ

باب صفة الصلاة

بِأَضْعَافٍ مُضَاعَفَةٍ؟ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ أَنَّ صَلَاتَهُ كَالْمُهَاجِرِينَ فِي الْمَدِينَةِ كَفَضْلِهَا بِمَكَّةَ؛ لِأَنَّهُمْ أُخْرِجُوا مِنْهَا كُرْهًا؛ فَاسْتَمَرَّ لَهُمْ ثَوَابُ حَسَنَاتِهَا أَخْذًا مِنْ خَبَرِ: «إذَا سَافَرَ الْعَبْدُ، أَوْ مَرِضَ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُهُ صَحِيحًا مُقِيمًا» . وَزَوَالُ الْإِكْرَاهِ بِفَتْحِ مَكَّةَ لَا يَقْتَضِي طَلَبَ الرُّجُوعِ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا تُرِكَتْ لِلَّهِ وَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَرْجِعُ فِيهِ. وَوُجُوبُ الرِّضَا بِالْمَأْمُورِ وَمَحَبَّتُهُ الْمَذْكُورَيْنِ فِي السُّؤَالِ لَا يَمْنَعَانِ طَلَبَ الْأَفْضَلِ مِنْ حَيْثِيَّةِ مَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْقُرْبِ، وَامْتِنَاعُ طَلَبِ تَغْيِيرِ الْأَحْكَامِ مَحِلُّهُ فِي زَمَنٍ لَا يَقْبَلُ ذَلِكَ؛ كَمَا بَعْدَ مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِهِ قَبْلَهُ؛ لِجَوَازِ النَّسْخِ، فَلَمْ تَمْتَنِعْ إرَادَةُ التَّغْيِيرِ لِتِلْكَ الْمَصَالِحِ السَّابِقَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَحَشَرَنِي فِي زُمْرَتِهِ - عَنْ تَقْبِيلِ الْيَدَيْنِ بَعْدَ كُلِّ دُعَاءٍ خَارِجَ الصَّلَاةِ هَلْ لَهُ أَصْلٌ كَمَسْحِ الْوَجْهِ بِهِمَا أَمْ لَا؟ وَإِذَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ فَهَلْ هُوَ صَحِيحٌ، أَوْ خَبَرُهُ ضَعِيفٌ (فَأَجَابَ) - فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ -: بِأَنِّي لَمْ أَرَ لَهُ أَصْلًا صَحِيحًا وَلَا ضَعِيفًا بَعْدَ مَزِيدِ الْبَحْثِ وَالتَّفْتِيشِ؛ فَلَا يَنْبَغِي فِعْلُهُ. (وَسُئِلَ) - أَمَدَّنَا اللَّهُ مِنْ مَدَدِهِ -: عَنْ وُجُوبِ مُقَارَنَةِ النِّيَّةِ بِالتَّكْبِيرِ، هَلْ الْكَافِي مُقَارَنَةُ الْمَجْمُوعِ مِنْ النِّيَّةِ بِالْمَجْمُوعِ مِنْ التَّكْبِيرِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ مُقَارَنَةِ الْمَجْمُوعِ مِنْهَا بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ فَإِذَا قُلْتُمْ بِالْأَوَّلِ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ قُلْتُمْ بِالثَّانِي فَهَلْ الْمُرَادُ بِالْإِجْزَاءِ الْإِجْزَاءُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ، أَوْ الْإِجْزَاءُ الْأَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ بِوَاسِطَةٍ أَمْ لَا فَإِذَا قُلْتُمْ بِالثَّانِي فَهَلْ تُعْتَبَرُ حُرُوفُ: اللَّهُ أَكْبَرُ تِسْعَةً أَمْ ثَمَانِيَةً، بِعَدِّ الْمُدْغَمِ وَاحِدًا؛ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ اسْتِحْضَارُ النِّيَّةِ فِي هَذِهِ الْحُرُوفِ التِّسْعَةِ، أَوْ الثَّمَانِيَةِ، فَتَكُونُ النِّيَّةُ مُسْتَحْضَرَةً ثَمَانِيَ مَرَّاتٍ، أَوْ تِسْعَ مَرَّاتٍ. وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ كَوْنُ الْقَصْدِ وَاحِدًا ثَابِتًا؛ لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ اسْتِحْضَارِهِ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ مُتَعَدِّدٌ، فَهَلْ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمَهُ السَّائِلُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِمُقَارَنَةِ النِّيَّةِ لِلتَّكْبِيرِ أَنْ يَسْتَحْضِرَ مَا يُعْتَبَرُ فِي النِّيَّةِ مِنْ قَصْدِ الْفِعْلِ وَالتَّعْيِينِ وَنِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ، وَيَجْعَلَ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ حَاضِرَةً فِي قَلْبِهِ ثَمَّ يَنْطِقُ بِ (اللَّهُ أَكْبَرُ) بِحَيْثُ تَقَعُ جَمِيعُهَا وَتِلْكَ الثَّلَاثَةُ حَاضِرَةٌ فِي قَلْبِهِ لَمْ يَعْزُبْ عَنْهُ مِنْهَا شَيْءٌ. وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا تَكْفِي مُقَارَنَةُ الْمَجْمُوعِ مِنْ النِّيَّةِ بِالْمَجْمُوعِ مِنْ التَّكْبِيرِ وَلَا بِجَمِيعِهِ، وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِ حُرُوفِ التَّكْبِيرِ تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً وَأَنَّ النِّيَّةَ لَيْسَتْ مُسْتَحْضَرَةً ثَمَانِ مَرَّاتٍ وَلَا تِسْعَ مَرَّاتٍ؛ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْقَصْدَ وَمَا مَعَهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُهُ مَوْجُودًا مُسْتَحْضَرًا مِنْ حِينِ النُّطْقِ بِالْهَمْزَةِ إلَى النُّطْقِ بِالرَّاءِ، وَمَتَى عَزَبَ وَاحِدٌ مِنْ الثَّلَاثَةِ ثَمَّ عَادَ - وَلَوْ عَلَى الْفَوْرِ - وَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ عَادَ قَبْلَ مُضِيِّ حَرْفٍ مِنْ التَّكْبِيرِ - كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُهُمْ - لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ. وَهَذَا عَسِرٌ جِدًّا إلَّا عَلَى مَنْ صَفَا قَلْبُهُ وَنَارَ سِرُّهُ؛ فَإِنَّهُ سَهْلٌ عَلَيْهِ، وَمِنْ ثَمَّ أَوْجَبَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ سَهْلٌ، وَأَنَّ الْقُلُوبَ بِهَا مِنْ الصَّفَا مَا بِقَلْبِهِ، لَكِنْ لَمَّا اخْتَبَرَ مُتَأَخِّرُو أَصْحَابِهِ الْقُلُوبَ وَعَالَجُوهَا، رَأَوْا ذَلِكَ يَكْبُرُ عَلَيْهَا وَيَشُقُّ فَاخْتَارُوا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ الِاكْتِفَاءَ بِالْمُقَارَنَةِ الْعُرْفِيَّةِ بِحَيْثُ يُعَدُّ عُرْفًا أَنَّهُ مُسْتَحْضِرٌ لِلصَّلَاةِ؛ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِمُقَارَنَتِهَا لِأَوَّلِ التَّكْبِيرِ. وَقَدْ بَالَغَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الِانْتِصَارِ لِهَذَا وَالْقَدْحِ فِي الْأَوَّلِ حَتَّى زَعَمَ أَنَّهُ مُحَالٌ، وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ عَلَى الْعُمُومِ إذْ لَا يَسْتَحِيلُ إلَّا فِي حَقِّ قُلُوبٍ لَمْ تَتَحَلَّ بِحِلْيَةِ الصَّفَاءِ وَلَمْ تَخْلُ مِنْ الْأَغْيَارِ وَالْوَسَاوِسِ النَّفْسَانِيَّةِ، وَهَذَا مَقَامٌ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى عِظَمِ مَقَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا أَشَرْت إلَيْهِ أَوَّلًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْمُصَلِّي إذَا عَزَبَتْ النِّيَّةُ قَبْلَ قَوْلِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ، فَهَلْ يَرْجِعُ لِابْتِدَائِهِ مَرَّةً أَوْ تُجْزِئُهُ إذَا تَذَكَّرَهَا فِي آخِرِ الْإِحْرَامِ؟ وَإِذَا أَرَادَ هَذَا الْمُصَلِّي أَنْ يَقْنُتَ عِنْدَ حُدُوثِ بَعْضِ النَّوَازِلِ مِنْ عَدُوٍّ، أَوْ غَيْرِهِ كَمَا ذَكَرُوا وَأَتَى بِالدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ، ثُمَّ ثَنَّى عَلَى أَثَرِهِ بِقِرَاءَةِ الْآيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ نُوحٍ، - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ ذَكَرَ السَّادَةُ الْعُلَمَاءُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيمَا سَأَلْت نَقْلٌ يُنَصُّ بِهِ عَلَى قِرَاءَتِهِ الْآيَةَ الْمَذْكُورَةَ وَهِيَ: قَوْله تَعَالَى: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10] فَإِذَا لَمْ يَقْرَأْهَا فِي الصَّلَاةِ لِعَدَمِ النَّقْلِ فِيهَا فَهَلْ إذَا دَعَا بِقَوْلِهِ:

اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إنَّك كُنْت غَفَّارًا فَأَرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا، هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اقْتِرَانِ النِّيَّةِ وَجَمِيعِ مَا يُعْتَبَرُ فِيهَا بِجَمِيعِ أَجْزَاءِ قَوْلِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَمَتَى عَزَبَ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النِّيَّةِ عِنْدَ شَيْءٍ مِنْ حُرُوفِ اللَّهُ أَكْبَرُ لَمْ تَنْعَقِدْ الصَّلَاةُ. هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ الِاكْتِفَاءَ بِالْمُقَارَنَةِ الْعُرْفِيَّةِ بِحَيْثُ يُعَدُّ أَنَّهُ مُسْتَحْضِرٌ لِلصَّلَاةِ؛ فَعَلَيْهِ لَا يَضُرُّ عُزُوبُهَا عِنْدَ بَعْضِ حُرُوفِ اللَّهُ أَكْبَرُ، وَيُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلَ الْقُنُوتِ، أَوْ بَعْدَهُ، وَلَا بَأْسَ بِقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُك. .. إلَخْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - فِي أَنَّ الْمُصَلِّيَ يَقُولُ: أُصَلِّي فَرْضَ صَلَاةِ الظُّهْرِ أَوْ صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَهَلْ فِي هَذَا خِلَافٌ وَمَا الصَّحِيحُ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: فَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ فَرْضِ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَفَرْضِ الظُّهْرِ، فَقَالَ: إنَّ الْأُولَى صَحِيحَةٌ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الظُّهْرَ اسْمٌ لِلْوَقْتِ لَا لِلْعِبَادَةِ وَهُوَ فَرْقٌ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ الصِّحَّةُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، وَمَا عُلِّلَ بِهِ مَمْنُوعٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - عَمَّا لَوْ نَسِيَ قِرَاءَةَ السَّجْدَةِ فِي الْأُولَى مِنْ صُبْحِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، الْجُمُعَةِ أَوْ سُبِقَ بِالْأُولَى، هَلْ يُسَنُّ لَهُ قِرَاءَتُهَا فِي الثَّانِيَةِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - أَمَدَّنِي اللَّهُ مِنْ مَدَدِهِ -: بِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَعْلُومَةٌ مِمَّا قَالُوهُ فِي نَظِيرِهَا؛ وَهُوَ قِرَاءَةُ الْجُمُعَةِ، أَوْ سَبِّحْ فِي أُولَى الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقُونَ، أَوْ الْغَاشِيَةُ فِي ثَانِيَتِهَا، مِنْ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ قِرَاءَةَ الْجُمُعَةُ فِي الْأُولَى فَإِنْ قَرَأَ بَدَلَهَا الْمُنَافِقُونَ قَرَأَ الْجُمُعَةُ فِي الثَّانِيَةِ، وَإِذَا قَرَأَ غَيْرَهَا قَرَأَهُمَا فِي الثَّانِيَةِ سَوَاءٌ نَسِيَ ذَلِكَ أَمْ تَعَمَّدَهُ؛ لِئَلَّا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ مِنْهُمَا، فَإِنْ قِيلَ يَلْزَمُ مِنْ جَمْعِهِمَا فِي الثَّانِيَةِ تَطْوِيلُهَا عَنْ الْأُولَى - وَهُوَ مَكْرُوهٌ. قُلْنَا: مَحَلُّ كَرَاهَتِهِ إذَا لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهِ وَهُنَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ؛ إذْ الْمُنَافِقُونَ أَطَوَلُ مِنْ الْجُمُعَةِ، وَأَيْضًا فَفَضِيلَةُ تَطْوِيلِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ لَا تُقَاوِمُ فَضِيلَةَ السُّورَتَيْنِ، كَمَا قَالُوهُ وَأَفْهَمُ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ يَقْرَؤُهُمَا فِي الثَّانِيَةِ؛ وَإِنْ كَانَ الَّذِي قَرَأَهُ فِي الْأُولَى بَعْدَهُمَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ خِلَافًا لِمَنْ حَمَلَهُ عَلَى مَا إذَا قَرَأَ مَا قَبْلَهُمَا؛ لِأَنَّهُ تَعَارَضَتْ مَصْلَحَةُ تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ وَأَنْ لَا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ فَقَدَّمَ الثَّانِي لِمَصْلَحَتِهِ الْخَاصَّةِ. هَذَا مَا ذَكَرُوهُ فِيمَا يُقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَيَأْتِي نَظِيرُهُ فِيمَا يُقْرَأُ فِي صُبْحِهَا؛ فَيُقَالُ: إذَا تَرَكَ قِرَاءَةَ {الم - تَنْزِيلُ} [السجدة: 1 - 2] السَّجْدَةَ فِي الْأُولَى وَقَرَأَ غَيْرَهَا مِمَّا فَوْقَهَا، أَوْ تَحْتَهَا قَرَأَهَا فِي الثَّانِيَةِ، وَإِنْ تَعَمَّدَ لِئَلَّا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْهَا، وَيَأْتِي مَا مَرَّ مِنْ الْإِشْكَالِ وَالْجَوَابِ، وَكَتَرْكِهَا مِنْ الْأُولَى مَا لَوْ سَبَقَ بِهَا فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ؛ أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ قِرَاءَتُهَا فِي الثَّانِيَةِ لِئَلَّا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْهَا. وَوَاضِحٌ أَنَّ الْكَلَامَ فِي مَأْمُومٍ يُنْدَبُ لَهُ قِرَاءَةُ السُّورَةِ بِأَنْ يَكُونَ بَعِيدًا عَنْ الْإِمَامِ لَا يَسْمَعُهُ، أَوْ يَسْمَعُ صَوْتًا لَا يَفْهَمُهُ، أَمَّا الْمَأْمُومُ الَّذِي يَسْمَعُ إمَامَهُ فَإِنَّهُ لَا يُخَاطَبُ بِالسُّورَةِ. نَعَمْ، إذَا سَبَقَ هَذَا فَثَانِيَةُ الْإِمَامِ الَّتِي يَقْرَأُ فِيهَا هَلْ أَتَى، أُولَاهُ؛ فَإِذَا قَامَ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ لِيَأْتِيَ بِثَانِيَتِهِ فَهَلْ يَقْرَأُ فِيهَا هَلْ أَتَى وَحْدَهَا؛ لِأَنَّ أُولَاهُ قَرَأَ فِيهَا الْإِمَامُ، وَقِرَاءَتُهُ قَائِمَةٌ مَقَامَ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ الَّذِي يَسْمَعُهُ، أَوْ الْجُمُعَةَ وَهَلْ أَتَى؛ لِأَنَّ أُولَاهُ لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا هُوَ وَلَا مَنْ يَقُومُ قِرَاءَتُهُ مَقَامَ قِرَاءَتِهِ الْجُمُعَةُ، فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَرَأَ هَلْ أَتَى فِي أُولَاهُ، وَمَنْ قَرَأَهَا فِي أُولَاهُ يُسَنُّ لَهُ قِرَاءَتُهُمَا فِي الثَّانِيَةِ، كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَالثَّانِي هُوَ الْأَقْرَبُ فَيُسَنُّ لَهُ قِرَاءَتُهُمَا فِي الثَّانِيَةِ؛ لِئَلَّا تَخْلُو صَلَاتُهُ عَنْهُمَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ وَمَتَّعَ بِوُجُودِهِ الْمُسْلِمِينَ - هَلْ يَضَعُ الْمُصَلِّي يَدَيْهِ حِينَ يَأْتِي بِذِكْرِ الِاعْتِدَالِ كَمَا يَضَعُهُمَا بَعْدَ التَّحَرُّمِ أَوْ يُرْسِلُهُمَا (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ - أَنَّهُ يَضَعُ يَدَيْهِ فِي الِاعْتِدَالِ كَمَا يَضَعُهُمَا بَعْدَ التَّحَرُّمِ وَعَلَيْهِ جَرَيْت فِي شَرْحِي عَلَى الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يَجِبُ وَضْعُ أَعْضَاءِ السُّجُودِ دَفْعَةً وَاحِدَةً؟ (فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - ذَكَرَ جَمْعٌ وُجُوبَ ذَلِكَ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ، وَإِنْ قِيلَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ خِلَافُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا لَوْ حَرَّكَ الشَّخْصُ يَدَيْهِ مَعًا فِي الصَّلَاةِ، هَلْ تُحْسَبُ حَرَكَتُهُمَا إذَا وَقَعَتَا مَعًا فِيهَا حَرَكَةً أَمْ حَرَكَتَيْنِ وَكَذَا الرِّجْلَانِ

حُكْمُهُمَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ أَنَّ حَرَكَةَ الْيَدَيْنِ تُحْسَبُ حَرَكَتَيْنِ سَوَاءٌ وَقَعَتَا مَعًا أَمْ مُرَتَّبًا، حَتَّى لَوْ حَرَّكَهُمَا مَعَ رَأْسِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَفْعَالٍ مُتَوَالِيَةٍ وَعَلَى ذَلِكَ جَرَيْت فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَعِبَارَتُهُ: كَثَلَاثِ خُطُوَاتٍ - بِضَمِّ الْخَاءِ - وَإِنْ كَانَتْ بِقَدْرِ خُطْوَةٍ مُغْتَفَرَةٍ وَثَلَاثِ مَضَغَاتٍ وَتَحْرِيكِ يَدَيْهِ وَرَأْسِهِ، وَلَوْ مَعًا؛ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: لَا فَرْقَ عِنْدَ كَثْرَةِ الْأَفْعَالِ بَيْنَ كَوْنِهَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، أَوْ أَكْثَرَ انْتَهَتْ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ شَخْصٍ عَلَيْهِ فَوَائِتُ كَثِيرَةٌ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَهَا مَعَ مُؤَدَّيَاتِهِ؛ لِعُسْرِ تَوَالِيهَا عَلَيْهِ، فَهَلْ يُسَنُّ لَهُ تَقْدِيمُ كُلٍّ مِنْهَا عَلَى الْمُؤَدَّاةِ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَهَا، وَلَا يَفُوتُهُ بِذَلِكَ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَإِذَا أَخَّرَهَا عَنْ الصُّبْحِ، أَوْ الْعَصْرِ تَكُونُ مَكْرُوهَةً لِقَوْلِ الرَّافِعِيِّ كَمَا لَوْ تَعَمَّدَ تَأْخِيرَ فَائِتَةٍ؛ لِيَقْضِيَهَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ، أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ نَدْبُ تَقْدِيمِ الْفَائِتَةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْحَاضِرَةِ عَلَيْهَا؛ إذْ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْجَمَاعَةِ أَوْلَى مِنْهَا عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ مَنْ وَجَدَ إمَامًا يُصَلِّي الْحَاضِرَةَ وَعَلَيْهِ فَائِتَةٌ صَلَّى الْفَائِتَةَ مُنْفَرِدًا، ثُمَّ إنْ كَانَ أَدْرَكَ الْحَاضِرَةَ مَعَهُمْ فَذَاكَ، وَإِلَّا صَلَّاهَا مُنْفَرِدًا أَيْضًا اهـ. فَإِذَا قُدِّمَتْ الْفَائِتَةُ عَلَى الْجَمَاعَةِ الْمُقَدَّمَةِ عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ، فَتَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ أَوْلَى. وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا تَفُوتُهُ فَضِيلَةُ أَوَّلِهِ لَكِنْ لَوْ قِيلَ مَحَلُّهُ فِيمَنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ فِعْلِهَا قَبْلَ الْوَقْتِ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ، وَإِذَا قَضَاهَا بَعْدَ الْعَصْرِ، أَوْ الصُّبْحِ لَمْ تُكْرَهْ. وَمُرَادُ الرَّافِعِيِّ بِمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ مَا إذَا أَخَّرَ الْفَائِتَةَ لِأَجْلِ إيقَاعِهَا فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ وَقْتَ كَرَاهَةٍ، وَهُنَا لَمْ يَقْصِدْ مُؤَخِّرُهَا إلَّا التَّخْفِيفَ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مُرَاغَمَةٌ لِلشَّرْعِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَرَأَ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ} [الفلق: 1] ، عَلَى نِيَّةِ أَنْ يُكْمِلَ سُورَةَ الْفَلَقِ فَطَرَأَ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] فَبَنَى عَلَى مَا أَتَى بِهِ مِمَّا ذَكَرَ فَهَلْ تَحْصُلُ لَهُ قِرَاءَةُ سُورَةٍ كَامِلَةٍ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: نَعَمْ، تَحْصُلُ لَهُ لِاتِّفَاقِ السُّورَتَيْنِ فِي هَذَا اللَّفْظِ الَّذِي أَتَى بِهِ، وَقَصْدُهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْ قُرْآنٍ إلَى غَيْرِهِ حَتَّى يَكُونَ صَارِفًا بَلْ مِنْ قُرْآنٍ إلَى قُرْآنٍ آخَرَ وَهُوَ لَا يَضُرُّ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا صُورَتُهُ: وَرَدَ قِرَاءَةُ النَّظَائِرِ فِي تَهَجُّدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهِيَ عِشْرُونَ سُورَةً عَلَى غَيْرِ تَرْتِيبِ مُصْحَفِ الْإِمَامِ، فَهَلْ الْأَوْلَى لِمَنْ أَرَادَ قِرَاءَتَهَا فِي تَهَجُّدِهِ اتِّبَاعُ مَا وَرَدَ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ التَّوَالِي عَلَى تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْوَارِدُ عَدُّهَا بِالْوَاوِ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ وَقَعَ سَرْدُ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: الرَّحْمَنُ وَالنَّجْمُ فِي رَكْعَةٍ، وَاقْتَرَبَتْ وَالْحَاقَّةُ فِي رَكْعَةٍ، وَالطُّورُ وَالذَّارِيَاتُ فِي رَكْعَةٍ، ثُمَّ قَالَ: وَالدُّخَانُ وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ فِي رَكْعَةٍ، وَذَكَرَ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّ آخِرَهُنَّ مِنْ الْحَوَامِيمِ حم الدُّخَانُ وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَقَالَ أَيْضًا عَنْ الْأَعْمَشِ هُنَّ عِشْرُونَ سُورَةً؛ أُولَاهُنَّ: الرَّحْمَنُ؛ وَآخِرُهُنَّ: الدُّخَانُ. وَقَالَ أَيْضًا: وَالذَّارِيَاتُ وَالطُّورُ وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَالدُّخَانُ اهـ. وَلَا يُنَافِيه قِرَاءَةُ السُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الطُّورُ وَالذَّارِيَاتُ مَثَلًا فِي رَكْعَةٍ حَصَلَ الْمَقْصُودُ بِتَقْدِيمِ الذَّارِيَاتِ وَتَأْخِيرِهَا. وَالْحَدِيثُ لَا يُنَافِيه لَكِنْ إذَا قُدِّمَتْ الذَّارِيَاتُ حَصَلَ سُنَّتَا التَّرْتِيبِ وَالتَّوَالِي الْمَعْهُودُ فِي الْمُصْحَفِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قُدِّمَتْ الطُّورُ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ إلَّا التَّوَالِي وَعَلَى كُلِّ حَالٍ يَتَعَيَّنُ تَقْدِيمُ الرَّحْمَنِ عَلَى النَّجْمِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَتَأْخِيرُ الدُّخَانِ فِي الْأَخِيرَةِ لِقَوْلِهِ: أُولَاهُنَّ: الرَّحْمَنُ، وَآخِرُهُنَّ: الدُّخَانُ. وَأَمَّا التَّوَالِي فَلَا يُمْكِنُ إلَّا فِي بَعْضِ السُّوَرِ؛ لَا فِي الرَّحْمَنِ وَالنَّجْمِ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا فَاصِلًا لَكِنَّ عَدَمَ التَّوَالِي مَعْهُودٌ لِقِرَاءَةِ السَّجْدَةِ وَهَلْ أَتَى فِي صُبْحِ الْجُمُعَةِ وَالْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصُ فِي أَمَاكِنِهِمَا الْمَعْرُوفَةِ، فَتُسَنُّ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْعِشْرِينَ سُورَةً فِي التَّهَجُّدِ؛ لِلِاتِّبَاعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا تَوَالٍ قِيَاسًا عَلَى مَا ذُكِرَ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ رَدَّدَ كَلِمَةً مِنْ الْفَاتِحَةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِأَجْلِ مَخْرَجِ حَرْفٍ، هَلْ يَسْتَأْنِفُ الْقِرَاءَةَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: حَيْثُ رَدَّدَ الْكَلِمَةَ الَّتِي هُوَ فِيهَا ثَلَاثًا، أَوْ أَكْثَرَ لَمْ تَبْطُلْ قِرَاءَتُهُ وَلَا مُوَالَاتُهُ؛ سَوَاءٌ كَانَ لِعُذْرٍ أَمْ لِغَيْرِهِ. (وَسُئِلَ) - فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَمَّنْ أَفْسَدَ صَلَاتَهُ فِي الْوَقْتِ هَلْ يُصَلِّيهَا فِيهِ أَدَاءً أَوْ قَضَاءً؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مَنْ

أَفْسَدَ صَلَاتَهُ فِي الْوَقْتِ - وَلَوْ تَعَدِّيًا - أَعَادَهَا فِيهِ أَدَاءً لَا قَضَاءً؛ خِلَافًا لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ وَمَنْ تَبِعَهُ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ الْأُصُولِيُّونَ وَالْفُقَهَاءُ فِعْلُ الْعِبَادَةِ فِي وَقْتِهَا الْمُقَدَّرِ لَهَا شَرْعًا، وَالْقَضَاءُ بِخِلَافِهِ، وَهَذِهِ مَفْعُولَةٌ فِي وَقْتِهَا الْمُقَدَّرِ لَهَا شَرْعًا، فَلَا وَجْهَ لِتَسْمِيَتِهَا قَضَاءً إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْقَاضِي بِذَلِكَ أَنَّهَا كَالْقَضَاءِ فِي الْعِصْيَانِ؛ بِجَامِعِ الْإِثْمِ بِالْقَضَاءِ مِنْ حَيْثُ التَّأْخِيرُ. وَالْإِثْمُ بِهَذِهِ أَوْلَى مِنْ حَيْثُ الْقَطْعِ فَحِينَئِذٍ يَتَّجِهُ كَلَامُهُ نَوْعَ اتِّجَاهٍ، وَيَلْزَمُهُ إنْ كَانَ أَرَادَ بِالْقَضَاءِ حَقِيقَتَهُ - أَنَّهُمْ لَوْ شَرَعُوا فِي الْجُمُعَةِ، ثُمَّ أَفْسَدُوهَا فِي الْوَقْتِ، وَالْوَقْتُ مُتَّسِعٌ لَا يُعِيدُونَهَا جُمُعَةً بَلْ ظُهْرًا؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُقْضَى وَهُوَ بَعِيدٌ، وَلَا أَظُنُّ الْقَاضِي يَلْتَزِمُهُ. (وَسُئِلَ) - فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَمَّنْ مَضَى عَلَيْهِ عِشْرُونَ سَنَةً مَثَلًا وَهُوَ يُصَلِّي الظُّهْرَ قَبْلَ وَقْتِهَا؛ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ عِشْرِينَ سَنَةً سَنَةً أَوْ قَضَاءُ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي أَفْتَى بِهِ الْبَارِزِيُّ الثَّانِي؛ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْقَضَاءِ؛؛ لِأَنَّ صَلَاةَ كُلِّ يَوْمٍ تَكُونُ قَضَاءً لِلْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ، لَكِنْ مَشَى ابْنُ الْمُقْرِي عَلَى خِلَافِهِ. وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ نَوَى كُلَّ يَوْمٍ فِعْلَ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِاَلَّتِي ظَنَّ الْآنَ دُخُولَ وَقْتِهَا تَعَيَّنَ مَا قَالَهُ الْبَارِزِيُّ؛ إذْ لَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لِلْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ وَيَصِحُّ أَحَدُهُمَا بِنِيَّةِ الْآخَرِ عِنْدَ الْجَهْلِ كَغَيْمٍ وَنَحْوِهِ، وَمِنْ ثَمَّ اشْتَغَلَتْ ذِمَّتُهُ بِمَقْضِيَّةٍ وَمُؤَدَّاةٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ؛ كَالظُّهْرِ فَنَوَى الظُّهْرَ الْمَفْرُوضَةَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ صَحَّ خِلَافًا لِمَا اعْتَمَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَحَصَلَتْ لَهُ إحْدَاهُمَا، ثَمَّ تَحْصُلُ لَهُ الْأُخْرَى بِنِيَّةٍ كَذَلِكَ، كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ؛ تَفْرِيعًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِنْ نَوَى كُلَّ يَوْمٍ الْفَرْضَ الَّذِي ظَنَّ الْآنَ دُخُولَ وَقْتِهِ، عَبَّرَ عَنْهُ بِالْأَدَاءِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فَرْضًا؛ لِأَنَّهُ يَنْوِي كُلَّ يَوْمٍ صَلَاةً لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا وَلَا أَثَرَ لِظَنِّهِ دُخُولَهُ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمُقْرِي. وَإِنَّمَا لَمْ تَقَعْ صَلَاتُهُ هَذِهِ عَنْ مِثْلِهَا الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ صَرَفَهَا عَنْ ذَلِكَ بِقَصْدِهِ بِهَا الَّتِي ظَنَّ دُخُولَ وَقْتِهَا، فَحَيْثُ بَطَلَتْ لِتَبَيُّنِ خَطَإِ ظَنِّهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَقَعَ عَمَّا عَلَيْهِ. وَفِي التَّتِمَّةِ: تَعْيِينُ الْيَوْمِ الَّذِي فَاتَتْ فِيهِ الصَّلَاةُ لَيْسَ بِشَرْطٍ، فَلَوْ عَيَّنَ وَأَخْطَأَ لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ وَقْتَ الْفِعْلِ أَيْ: الْقَضَاءَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ لَهُ بِالشَّرْعِ وَإِنَّمَا يَقْضِي عَنْ ذِمَّتِهِ وَاَلَّتِي عَلَيْهِ مَا نَوَاهَا، وَاَلَّتِي نَوَاهَا فَلَيْسَتْ عَلَيْهِ، وَأَوْرَدَهُ فِي الْخَادِمِ - كَابْنِ الرِّفْعَةِ - عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ. وَصِحَّةُ كُلٍّ بِنِيَّةِ الْآخَرِ إلْزَامًا عَلَى ابْنِ الصَّبَّاغِ وَأَجَابَ عَنْهُ نَقْلًا عَنْ صَاحِبِ الْوَافِي بِمَا يُحَقِّقُ مَا ذَكَرْنَاهُ، فَتَأَمَّلْهُ وَلَا تَغْتَرَّ بِقَوْلِ صَاحِبِ الذَّخَائِرِ: يُمْكِنُ الْتِزَامُ ذَلِكَ. (وَسُئِلَ) - فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَنْ قَوْلِهِمْ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ مَعَ النَّظَرِ لِمَا يُلْهِي كَثَوْبٍ لَهُ أَعْلَامٌ هَلْ الْمُرَادُ مَا يُلْهِي بِالْفِعْلِ، أَوْ مَا مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مَا مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ فَيَلْتَهِي بِهِ، فَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ لِعَمًى، أَوْ تَغْمِيضِ عَيْنَيْهِ أَوْ نَحْوِ اسْتِغْرَاقِهِ فِي مَعَانِي مَتْلُوِّهِ فَلَا كَرَاهَةَ، عَلَى مَا فِي الْأَخِيرَةِ مِنْ وَقْفَةٍ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ - لَمَّا صَلَّى فِي ثَوْبٍ لَهُ أَعْلَامٌ -: أَلْهَتْنِي أَعْلَامُهُ» وَلَيْسَ الْمُرَادُ وُقُوعَ اللَّهْوِ بِهَا قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُنَزَّهٌ عَنْ الْمَكْرُوهِ بَلْ مَعْصُومٌ مِنْ وُقُوعِهِ مِنْهُ مَكْرُوهًا؛ فَالْمُرَادُ قَارَبَتْ أَنْ تُلْهِيَنِي، أَوْ أَلْهَانِي التَّحَفُّظُ عَنْ اللَّهْوِ بِهَا عَمَّا كُنْت بِصَدَدِهِ مِمَّا هُوَ أَعْلَى مِنْ ذَلِكَ. وَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَغَيْرُهُ أَوْلَى، فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ يَنْظُرُ ذَلِكَ كُرِهَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ النَّظَرِ إلَيْهِ اللَّهْوَ بِهِ، فَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى أَحْوَالِ الْمُصَلِّينَ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - هَلْ يُقْنَتُ لِلْوَبَاءِ وَالطَّاعُونِ وَالطَّاعُونِ أَوْ لَا؟ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الطَّاعُونُ أَخَصُّ مِنْ الْوَبَاءِ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يُقْنَتُ لِرَفْعِ الْوَبَاءِ الْخَالِي عَنْ الطَّاعُونِ وَلَا يُقْنَتُ لِرَفْعِ الطَّاعُونِ، عَلَى مَا اخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ بِهِ بَلْ وَفِي زَمَنِهِ - وَإِنْ لَمْ يَمُتْ بِهِ - بَلْ وَفِي غَيْرِ زَمَنِهِ إذَا مَكَثَ فِي بَلَدِهِ أَيَّامَهُ؛ صَابِرًا مُحْتَسِبًا رَاضِيًا بِمَا يَنْزِلُ بِهِ - يَكُونُ شَهِيدًا. وَالشَّهَادَةُ لَا يُسْأَلُ رَفْعُهَا بِخِلَافِ الْمَيِّتِ بِمُطْلَقِ الْوَبَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ شَهِيدًا؛ فَلِذَا شُرِعَ الْقُنُوتُ لِرَفْعِهِ. وَقَالَ جَمْعٌ: وَيَدُلُّ لَهُ كَلَامُ شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ: يُقْنَتُ لِرَفْعِهِ وَعَلَّلَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يُفْنِي الْعُلَمَاءَ وَالصُّلَحَاءَ حَتَّى يَخْتَلَّ نِظَامُ الدِّينِ، فَفِي رَفْعِهِ مَصْلَحَةٌ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ، وَيُؤَيِّدُهُ سُؤَالُ

النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْ لَا يَدْخُلَ الطَّاعُونُ مَدِينَتَهُ الشَّرِيفَةَ» قَالُوا: وَمِنْ حِكَمِهِ؛ أَنَّهَا صَغِيرَةٌ فَلَوْ دَخَلَهَا لَرُبَّمَا أَفْنَى أَهْلَهَا؛ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَصْدُرُ لِلْمُسْلِمِ إلَّا مِنْ كَفَرَةِ الْجِنِّ، وَرِوَايَةُ (فَإِنَّهُ طَعْنُ إخْوَانِكُمْ) لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا أُخُوَّةَ الدِّينِ، عَلَى أَنَّ فِيهَا مَقَالًا. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا «قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا فَشَا الزِّنَا فِي قَوْمٍ إلَّا سُلِّطَ عَلَيْهِمْ الطَّعْنُ» فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ عُقُوبَةٌ، وَإِنْ كَانَ شَهَادَةً، أَوْ يُقَالُ: كَوْنُهُ شَهَادَةً مَحْضَةً إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْكُمَّلِ الَّذِينَ حُفِظُوا مِنْ الْمُخَالَفَاتِ، وَأَدَامُوا الطَّاعَاتِ. (وَسُئِلَ) - فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَمَّنْ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، بِكَسْرِ اللَّامِ، فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالُ: تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ غَيَّرَ الْمَعْنَى؛ إذْ الْعَالَمِينَ بِفَتْحِ اللَّامِ جَمْعُ عَالَمٍ؛ وَهُوَ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى، وَبِكَسْرِهَا جَمْعُ عَالِمٍ، وَهُوَ مَنْ قَامَتْ بِهِ صِفَةُ الْعِلْمِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالُ: لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُغَيِّرْ الْمَعْنَى مِنْ أَصْلِهِ، وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ، وَأَيْضًا فَذَلِكَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ يُفْهِمُ مَا حَذَفَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فَأَوْلَى غَيْرُهُمْ. وَاَلَّذِي يَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ - الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ تَغْيِيرَ الْمَعْنَى لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ - فِيمَا يَظْهَرُ - رَفْعَ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ مِنْ أَصْلِهِ؛ بَلْ أَنْ يَصِيرَ وَضْعُ الْكَلِمَةِ لَا يُفْهِمُ الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ بِتَمَامِهِ، كَمَا هُنَا. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - بِمَا لَفْظُهُ: حَيْثُ لَا يُسَنُّ لِلْمَأْمُومِ قِرَاءَةُ السُّورَةِ، وَفَرَغَ مِنْ فَاتِحَتِهِ قَبْلَ رُكُوعِ الْإِمَامِ، فَهَلْ يَسْكُتُ، أَوْ يَقْرَأُ، أَوْ يَشْتَغِلُ بِذِكْرٍ وَهَلْ إذَا فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ قَبْلَهُ، يَسْكُتُ، أَوْ يَشْتَغِلُ بِبَقِيَّةِ التَّشَهُّدِ مَعَ الدُّعَاءِ بَعْدَهُ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْمَأْمُومَ إذَا فَرَغَ مِنْ فَاتِحَتِهِ وَلَمْ يَسْمَعْ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ؛ كَأَنْ بَعُدَ عَنْهُ أَوْ سَمِعَ صَوْتًا لَا يَفْهَمُهُ؛ أَوْ كَانَ فِي سِرِّيَّةٍ، وَفِي الثَّالِثَةِ، أَوْ فِي الرَّابِعَةِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ، سُنَّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ، أَوْ يَدْعُوَ، وَالْقِرَاءَةُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ مَحَلُّهَا، وَلَا يَسْكُتُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا سُكُوتَ فِيهَا إلَّا فِي مَوَاضِعَ لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا. وَكَذَا إذَا فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ قَبْلَ إمَامِهِ فَإِنَّهُ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالدُّعَاءِ لَا بِالصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ؛ لِأَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ فِيهَا نَقْلَ رُكْنٍ قَوْلِيٍّ عَلَى قَوْلٍ وَهُوَ مُبْطِلٌ عَلَى قَوْلٍ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ: إذَا قَامَ الْإِمَامُ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ الْمَأْمُومُ مِنْهُ فَهَلْ يُتَابِعُ الْإِمَامَ أَوْ يُتِمُّهُ فَإِنْ قُلْتُمْ بِالْمُتَابَعَةِ فَذَاكَ، وَإِنْ قُلْتُمْ يُتِمُّهُ فَفَرَغَ مِنْهُ وَقَامَ، فَهَلْ يَكُونُ كَالْمَسْبُوقِ فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ فَذَاكَ، وَإِنْ قُلْتُمْ لَا فَأَتَمَّ فَاتِحَتَهُ، فَهَلْ لَهُ حُكْمُ التَّخَلُّفِ بِعُذْرٍ، أَوْ مَا الْحُكْمُ فِيهَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ قَدْ كَثُرَ كَلَامُهُمْ وَاضْطِرَابُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَقِيَاسُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فِي مَسْأَلَةِ مَا لَوْ تَرَكَ إمَامُهُ الْقُنُوتَ حَيْثُ قَالُوا: يُسَنُّ لَهُ الْإِتْيَانُ بِهِ إنْ كَانَ أَدْرَكَهُ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ السَّجْدَةِ الْأُولَى، وَفِي الْمَسْبُوقِ حَيْثُ قَالُوا: يُسَنُّ لَهُ الِاشْتِغَالُ بِالِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ إنْ كَانَ ظَنَّ إدْرَاكَ الْفَاتِحَةِ لَوْ أَكْمَلَهُ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنَّمَا لَمْ يُكْمِلْ الْمَأْمُومُ السُّورَةَ بَعْدَ رُكُوعِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بَعْضًا، بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ. وَالْمَحْذُورُ إنَّمَا هُوَ التَّخَلُّفُ لِلْإِتْيَانِ بِهِ لَا إتْمَامُهُ، وَإِذَا تَخَلَّفَ لِإِتْمَامِهِ وَأَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي أَثْنَاءِ فَاتِحَتِهِ، فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ كَمَسْبُوقٍ اشْتَغَلَ بِنَحْوِ الِافْتِتَاحِ فَرَكَعَ إمَامُهُ فِي أَثْنَاءِ فَاتِحَتِهِ، وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَخَلَّفَ بِقَدْرِ مَا فَوَّتَ، فَإِذَا قَرَأَ بِقَدْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَرْفَعْ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَكَعَ مَعَهُ، وَكَانَ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ وَإِلَّا فَهَلْ يَكُونُ كَالْمُوَافِقِ يَجْرِي عَلَى نَظْمِ صَلَاةِ نَفْسِهِ مَا لَمْ يُسْبَقْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ، أَوْ يُتَابِعُهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ وَتَفُوتُهُ الرَّكْعَةُ قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ كَالْبَغَوِيِّ الْأَوَّلُ، وَمَشَى عَلَيْهِ كَثِيرُونَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَكَلَامُ الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقُ يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ فَهُوَ الْأَقْرَبُ، وَإِنْ مَشَى جَمْعٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَتَبِعَهُمْ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ عَلَى الثَّانِي. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - هَلْ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاجِبَةٌ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ عَدَمُ الْوُجُوبِ، بَلْ قَوْلُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْمُتَوَلِّي: أَنَّ مُوَالَاةَ التَّشَهُّدِ وَاجِبَةٌ كَالْفَاتِحَةِ فِيهِ وَقْفَةٌ لَكِنَّهُمْ اعْتَمَدُوهُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ أَحْرَمَ بِفَرْضِ الظُّهْرِ مَثَلًا ثُمَّ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِهَا عَلَى وَجْهِ الِاحْتِيَاطِ أَوْ مُعَادَةً بِنِيَّةِ فَرْضِ الْوَقْتِ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْقَاعِدَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ التَّرَدُّدَ إنْ كَانَ بَيْنَ مُبْطِلَيْنِ، أَوْ مُبْطِلٍ وَمُصَحِّحٍ يَأْتِي فِيهِ التَّفْصِيلُ بَيْنَ طُولِ الزَّمَنِ وَمُضِيِّ رُكْنٍ وَضِدِّهِمَا، وَهُوَ

مَشْهُورٌ كَالشَّكِّ؛ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ؛، أَوْ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهَا. وَإِنْ كَانَ بَيْنَ صَحِيحَيْنِ لَمْ يُؤَثِّرْ؛ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ ثُمَّ شَكَّ هَلْ نَوَاهَا مَثَلًا أَوْ الْعَصْرَ، ثُمَّ بَانَ لَهُ أَنَّهُ نَوَى الْعَصْرَ لَمْ يُؤَثِّرْ شَكُّهُ الْمَذْكُورُ وَإِنْ طَالَ زَمَنُهُ وَفَعَلَ مَعَهُ أَرْكَانًا، إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْمُعَادَةُ لِلِاحْتِيَاطِ: تَارَةً تَكُونُ بَاطِلَةً؛ بِأَنْ يَقْصِدَ بِهَا مُجَرَّدَ الِاحْتِيَاطِ وَلَا جَمَاعَةَ يُعِيدُ مَعَهُمْ، فَهَذِهِ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَطْلُوبَةٍ وَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ طَلَبِ الصَّلَاةِ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهَا صَلَاةً - بُطْلَانُ فِعْلِهَا؛ وَتَارَةً تَكُونُ صَحِيحَةً بِأَنْ جَرَى فِي صَلَاتِهِ الْأُولَى قَوْلٌ بِالْبُطْلَانِ، فَيُسَنُّ لَهُ إعَادَتُهَا وَلَوْ مُنْفَرِدًا كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ. وَالْمُعَادَةُ مَعَ جَمَاعَةٍ: تَارَةً تَكُونُ صَحِيحَةً؛ بِأَنْ يَنْوِيَ بِهَا الْفَرْضَ؛ أَيْ: صُورَةً، أَوْ مَا هُوَ فَرْضٌ عَلَى الْمُكَلَّفِ فِي الْجُمْلَةِ؛ وَتَارَةً تَكُونُ غَيْرَ صَحِيحَةٍ عَلَى مَا فِي الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ بِأَنْ يَنْوِيَ بِهَا صَلَاةَ الْوَقْتِ فَإِذَا أَعَادَ مَعَ جَمَاعَةٍ وَتَرَدَّدَ بَيْنَ نِيَّتِهِ الْفَرْضَ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ، وَنِيَّتِهِ صَلَاةَ الْوَقْتِ، فَهَذَا تَرَدُّدٌ بَيْنَ صَحِيحٍ وَبَاطِلٍ عَلَى مَا فِي الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ، فَيَأْتِي فِيهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ. وَبَيْنَ صَحِيحَيْنِ عَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا فَلَا يَضُرُّ مُطْلَقًا وَإِذَا أَعَادَ وَحْدَهُ وَتَرَدَّدَ هَلْ إعَادَتُهُ لِأَجْلِ جَرَيَانِ قَوْلٍ بِبُطْلَانٍ، أَوْ لَا، أَوْ لِمُجَرَّدِ الِاحْتِيَاط مِنْ غَيْرِ جَرَيَانِ قَوْلٍ كَذَلِكَ يَأْتِي فِيهِ التَّفْصِيلُ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ تَرَدُّدٌ بَيْنَ صَحِيحٍ وَبَاطِلٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قُنُوتِ النَّازِلَةِ هَلْ وَرَدَ فِيهِ أَلْفَاظٌ مَخْصُوصَةٌ مَثَلًا أَوْ لَا وَهَلْ يُقْرَأُ مَعَهُ قُنُوتُ الصُّبْحِ؟ وَهَلْ يَقُومُ مَقَامَهُ قُنُوتُ الصُّبْحِ مَثَلًا أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي وَرَدَ فِي ذَلِكَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَنَتَ شَهْرًا فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَدْعُو عَلَى قَاتِلِي أَصْحَابِهِ الْقُرَّاءِ بِبِئْرِ مَعُونَةَ» ، وَيُقَاسُ بِالْعَدُوِّ غَيْرُهُ. وَالْقَوْلُ بِمَنْعِ الْقُنُوتِ لَهَا، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: غَلَطٌ مُخَالِفٌ لِهَذِهِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَفِيهِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّ قَوْلَ الطَّحَاوِيِّ: لَمْ يَقُلْ بِهِ فِيهَا غَيْرُ الشَّافِعِيِّ - غَلَطٌ مِنْهُ بَلْ قَنَتَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْمَغْرِبِ بِصِفِّينَ اهـ. وَصَرَّحَ أَئِمَّتُنَا بِأَنَّ لَفْظَ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ وَالنَّازِلَةِ وَالْوِتْرِ فِي نِصْفِ رَمَضَانَ الثَّانِي: اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْت. .... إلَخْ (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ تَعَلَّمَ الْفَاتِحَةَ وَفِي حَرْفٍ مِنْهَا خَلَلٌ؛ لِثِقَلٍ فِي اللِّسَانِ هَلْ تُجْزِيهِ صَلَاتُهُ أَوْ لَا وَهَلْ يَجِبُ التَّعَلُّمُ فِي جَمِيعِ عُمُرِهِ أَوْ لَا وَهَلْ تَصِحُّ الْجُمُعَةُ إذَا لَمْ يَكْمُلْ الْعَدَدُ إلَّا بِهِ مَثَلًا أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنْ كَانَ ذَلِكَ الْخَلَلُ نَحْوَ فَأْفَأَةٍ بِأَنْ صَارَ يُكَرِّرُ الْحَرْفَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَالْقُدْوَةُ بِهِ، لَكِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ، وَتَكْمُلُ الْجُمُعَةُ بِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ التَّعَلُّمُ. وَإِنْ كَانَ لُثْغَةً؛ فَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً بِحَيْثُ يَخْرُجُ الْحَرْفُ صَافِيًا وَإِنَّمَا فِيهِ شَوْبُ اشْتِبَاهٍ بِغَيْرِهِ فَهَذَا أَيْضًا تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَإِمَامَتُهُ وَتَكْمُلُ الْجُمُعَةُ بِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ التَّعَلُّمُ؛ وَإِنْ كَانَ لُثْغَةً حَقِيقِيَّةً؛ بِأَنْ كَانَ يُبْدِلُ الْحَرْفَ بِغَيْرِهِ فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ لَا الْقُدْوَةُ بِهِ، إلَّا لِمَنْ هُوَ مِثْلُهُ؛ بِأَنْ اتَّفَقَا فِي الْحَرْفِ الْمُبْدَلِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْبَدَلِ؛ فَلَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يُبْدِلُ الرَّاءَ لَكِنَّ أَحَدَهُمَا يُبْدِلُهَا لَامًا وَالْآخَرُ عَيْنًا صَحَّ اقْتِدَاءُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يُبْدِلُ الرَّاءَ وَالْآخَرُ يُبْدِلُ السِّينَ لَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاءُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ. هَذَا فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ، أَمَّا فِيهَا فَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي الْعُبَابِ وَشَرْحِي لَهُ، وَعِبَارَتُهُمَا: لَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ أَرْبَعُونَ أُمِّيًّا فَقَطْ وَاتَّفَقُوا أُمِّيَّةً بِحَيْثُ يَجُوزُ اقْتِدَاءُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ قَالَ الْبَغَوِيّ وَأَقَرَّهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: يَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُمْ الْجُمُعَةُ؛ لِصِحَّةِ اقْتِدَاءِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ،، أَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ أَرْبَعُونَ وَبَعْضُهُمْ - وَلَوْ وَاحِدًا - أُمِّيٌّ وَقَدْ قَصَّرَ فِي التَّعَلُّمِ كَمَا تُفْهِمُهُ الْعِلَّةُ الْآتِيَةُ، فَلَا تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ لِارْتِبَاطِ صَلَاةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، فَأَشْبَهَ اقْتِدَاءَ قَارِئٍ بِأُمِّيٍّ، أَمَّا إذَا لَمْ يُقَصِّرْ الْأُمِّيُّ فِي التَّعَلُّمِ فَتَصِحُّ الْجُمُعَةُ إنْ كَانَ الْإِمَامُ قَارِئًا، وَكَذَا لَا تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ إذَا اخْتَلَفُوا أُمِّيَّةً؛ كَأَنْ عَرَفَ بَعْضٌ أَوَّلَ الْفَاتِحَةِ وَبَعْضٌ آخِرَهَا؛ لِعَدَمِ صِحَّةِ صَلَاةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، كَمَا عُرِفَ ذَلِكَ مِمَّا مَرَّ فِي صِفَةِ الْأَئِمَّةِ. قَالَ الْبَغَوِيّ أَيْضًا: وَلَوْ جَهِلُوا كُلُّهُمْ الْخُطْبَةَ لَمْ تَجُزْ الْجُمُعَةُ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا جَهِلَهَا بَعْضُهُمْ، وَمُرَادُهُ بِجَوَازِهَا فِي الشِّقِّ الثَّانِي مَا يَصْدُقُ بِالْوُجُوبِ؛ فَإِنَّهُ إذَا عَرَفَهَا وَاحِدٌ مِنْ الْأُمِّيِّينَ الْمُسْتَوِينَ لَزِمَتْهُمْ كَمَا مَرَّ عَنْهُ، ثُمَّ رَأَيْته صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي مَوْضِعٍ فَقَالَ: لَوْ أَحْسَنَ الْخُطْبَةَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَيْ: وَقَدْ اتَّفَقُوا أُمِّيَّةً كَمَا تَقَرَّرَ فَقَدْ وُجِدَ شَرْطُ الْجُمُعَةِ

فَجَازَ لَهُمْ إقَامَتُهَا بَلْ وَجَبَ، انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ. وَمَنْ كَانَ بِلِسَانِهِ خَلَلٌ فِي الْفَاتِحَةِ مَثَلًا فَمَتَى رُجِيَ زَوَالُهُ عَادَةً لِتَعَلُّمٍ لَزِمَهُ - وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ - وَمَتَى لَمْ يَرْجُهُ كَذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْمُبَلِّغِ أَنْ يَكُونَ ثِقَةً مُصَلِّيًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ، يُشْتَرَطُ فِي الْمُبَلِّغِ أَنْ يَكُونَ ثِقَةً، وَكَذَا الْإِمَامُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى مُجَرَّدِ صَوْتِهِ، إلَّا إنْ كَانَ ثِقَةً، وَكَذَلِكَ الْمُؤَذِّنُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى صَوْتِهِ إلَّا إنْ كَانَ ثِقَةً، وَإِنْ صَحَّ أَذَانُ الْفَاسِقِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ شَيْئَانِ؛ إظْهَارُ الشِّعَارِ؛ وَالْإِعْلَامُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ. وَالْأَوَّلُ مَوْجُودٌ فِي أَذَانِ الْفَاسِقِ؛ وَلِذَلِكَ صَحَّ أَذَانُهُ، وَالثَّانِي غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ اعْتِمَادُ صَوْتِهِ وَأَمَّا كَوْنُ الْمُبَلِّغِ مُصَلِّيًا، أَوْ طَاهِرًا فَغَيْرُ شَرْطٍ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الدَّلَالَةُ عَلَى فِعْلِ الْإِمَامِ حَتَّى يَتْبَعَهُ الْمُقْتَدُونَ، وَهَذَا حَاصِلٌ بِتَبْلِيغِ الثِّقَةِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُصَلٍّ وَلَا مُتَطَهِّرٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - أَدَامَ اللَّهُ النَّفْعَ بِعُلُومِهِ - هَلْ لِلطَّاعُونِ قُنُوتٌ مَخْصُوصٌ فَتَفَضَّلُوا بِهِ إنْ كَانَ كَانَ وَإِلَّا فَيُجْمَعُ قُنُوتٌ لَهُ، وَهَلْ أَحَدٌ مِنْ الْحُكَمَاءِ ذَكَرَ لَهُ دَوَاءً جُرِّبَ فَنَفَعَ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي الْقُنُوتِ لِلطَّاعُونِ؛ فَكَثِيرٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْنَتُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ يُقْنَتُ لَهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَكَوْنُهُ شَهَادَةً لَا يَمْنَعُ الْقُنُوتَ لَهُ، كَمَا أَنَّ هُجُومَ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ يَقْتَضِي الْقُنُوتَ لَهُ، كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ مِنْهُمْ شَهِيدًا، عَلَى أَنَّهُ مِنْ النَّوَازِلِ الْعِظَامِ؛ إذْ فِيهِ مَوْتُ الْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ وَبَقَاءُ الرَّعَاعِ وَالْجَهَلَةِ وَالطَّغَامِ، وَفِي ذَلِكَ مِنْ اخْتِلَافِ شَمْلِ الدِّينِ مَا لَا يَخْفَى، فَطُلِبَ صَرْفُهُ لِذَلِكَ؛ وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ شَهَادَةً، وَعَلَيْهِ فَلَا قُنُوتَ لَهُ مَخْصُوصٌ، بَلْ يُقْنَتُ فِيهِ بِقُنُوتِ الصُّبْحِ لَكِنْ يَتَعَرَّضُ فِي آخِرِهِ لِسُؤَالِ رَفْعِهِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا بِصَرْفِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَنَقْلِ وَبَائِهَا إلَى الْجُحْفَةِ وَقَدْ ذَكَرَ الْحُكَمَاءُ لَهُ أَدْوِيَةً كَثِيرَةً مِنْ أَعْظَمِهَا شَمُّ الْعَنْبَرِ وَالِاحْتِرَازُ عَنْ الْهَوَاءِ مَا أَمْكَنَ وَاسْتِعْمَالُ الْأَدْوِيَةِ الْقَلِيلَةِ الْكَيْمُوسِ الَّتِي لَا تُورِثُ ثِقَلًا وَلَا تَخْلِيطًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يُصَلِّيهِمَا النَّاسِكُونَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ لِبَقَاءِ الْإِيمَانِ هَلْ يَنْوِي بِهِمَا بَقَاءَ الْإِيمَانِ مَثَلًا أَوْ مُطْلَقَ فِعْلِ الصَّلَاةِ؟ وَفِيمَا بَعْدَ الْمَغْرِبِ غَيْرَ سُنَّتِهَا مِنْ صَلَاةِ الْأَوَّابِينَ وَغَيْرِهَا هَلْ تُضَافُ فِي الْمَغْرِبِ فِي النِّيَّةِ مَثَلًا أَوْ لَا وَكَيْفَ يَنْوِي بِهِ وَفِي سُنَّةِ الظُّهْرِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَالْمُتَأَخِّرَةِ أَيَجِبُ تَعْيِينُهَا بِاَلَّتِي قَبْلَهَا وَاَلَّتِي بَعْدَهَا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ، أَوْ لَا؟ إلَّا إذَا أَخَّرَ الْمُتَقَدِّمَةَ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ، أَوْ لَا يَجِبُ مُطْلَقًا وَمَا الرَّاجِحُ وَالْحَرِيُّ بِالِاعْتِمَادِ، وَإِنْ قُلْتُمْ بِالْوُجُوبِ فَهَلْ يُلْحِقُ بِهَا سُنَّةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ الْمُتَقَدِّمَةَ وَالْمُتَأَخِّرَةَ، أَوْ لَا؟ وَإِنْ قُلْتُمْ لَا، فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الرَّكْعَتَانِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ سُنَّةٌ؛ فَقَدْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ بِنَدْبِ صَلَاةِ الْأَوَّابِينَ قَالَا: وَتُسَمَّى صَلَاةَ الْغَفْلَةِ لِحَدِيثٍ بِذَلِكَ، وَأَكْمَلُهَا عِشْرُونَ؛ لِخَبَرِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّيهَا عِشْرِينَ وَيَقُولُ: هَذِهِ صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ، فَمَنْ صَلَّاهَا غُفِرَ لَهُ. وَكَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ يُصَلُّونَهَا قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهَا دُونَ صَلَاةِ الضُّحَى فِي التَّأْكِيدِ اهـ. وَرُوِيَ فِيهَا أَحَادِيثُ وَآثَارٌ كَثِيرَةٌ، ذَكَرَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْحَقِّ مِنْهَا جُمْلَةً، قَالَ جَمْعٌ: وَرُوِيَتْ سِتًّا فَفِي التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ صَلَّى سِتَّ رَكَعَاتٍ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ كُتِبَتْ لَهُ عِبَادَةُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً» وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ لَكِنْ بِزِيَادَةِ «لَا يَتَكَلَّمُ بَيْنَهُنَّ بِسُوءٍ» . وَفِي حَدِيثٍ غَرِيبٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَنْدَهْ «غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» . وَرُوِيَتْ أَرْبَعًا وَرُوِيَتْ رَكْعَتَيْنِ، وَهُمَا الْأَقَلُّ اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ تَيْنِك الرَّكْعَتَيْنِ يُسَمَّيَانِ صَلَاةَ الْغَفْلَةِ وَصَلَاةَ الْأَوَّابِينَ، وَأَمَّا كَوْنُهُمَا لِبَقَاءِ الْإِيمَانِ فَهُوَ لَا أَصْلَ لَهُ؛ إذْ لَمْ نَرَ مَنْ ذَكَرَهُ، وَلَا دَلِيلَ لَهُ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ. وَالْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أُرِيدَ بِكَوْنِهِمَا لِبَقَاءِ الْإِيمَانِ عَوْدُ بَرَكَتِهِمَا عَلَى مُصَلِّيهِمَا حَتَّى يُحْفَظَ فِي إيمَانِهِ - اُحْتِيجَ إلَى إقَامَةِ دَلِيلٍ يُخَصِّصُهُمَا بِذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ بَقِيَّةِ النَّوَافِلِ وَالْفُرُوضِ أَوْ الدُّعَاءَ فِيهِمَا بِخُصُوصِهِمَا بِذَلِكَ، أَوْ الشُّكْرَ بِهِمَا بِخُصُوصِهِمَا عَلَى بَقَائِهِ إلَى

وَقْتِ فِعْلِهِمَا فَهُوَ تَحَكُّمٌ مَحْضٌ، أَوْ إلَى أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ فَذَلِكَ غَيْبٌ لَا يُعْلَمُ فَاتَّضَحَ بُطْلَانُ زَعْمِ أَنَّهُمَا لِبَقَاءِ الْإِيمَانِ، وَحِينَئِذٍ فَمَنْ صَلَّاهُمَا نَاوِيًا بِهِمَا ذَلِكَ كَانَتْ صَلَاتُهُ بَاطِلَةً بَلْ يَنْوِي بِهِمَا سُنَّةَ الْغَفْلَةِ، أَوْ سُنَّةَ صَلَاةِ الْأَوَّابِينَ فَإِنْ أَطْلَقَ وَقَعَتَا نَافِلَةً مُطْلَقَةً فَلَا يُثَابُ عَلَيْهِمَا إلَّا مِنْ حَيْثُ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ دُونَ خُصُوصِهَا، وَأَمَّا قَوْلُ الْحُبَيْشِيِّ الْيَمَانِيِّ أَنَّ تَيْنِك الرَّكْعَتَيْنِ يُفْعَلَانِ لِلْمَوْتِ عَلَى الْإِيمَانِ وَذَكَرَ لَهُمَا دُعَاءً فِيهِ ذَلِكَ وَغَيْرُهُ؛ فَهُوَ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ، وَلَيْسَ الرَّجُلُ بِحُجَّةٍ فِي مِثْلِ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُسْنِدْهُ لِخَبَرٍ ضَعِيفٍ فَضْلًا عَنْ صَحِيحٍ بَلْ وَلَا لِأَثَرٍ كَذَلِكَ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا شَيْءٌ انْفَرَدَ بِهِ هُوَ؛ إذْ مِثْلُهُ مِمَّنْ لَا يَتَقَيَّدُ بِكَلَامِ الْأَئِمَّةِ وَأَدِلَّتِهِمْ وَإِنَّمَا يَقُولُ مَا يَسْتَحْسِنُهُ مِنْ غَيْرِ نِسْبَةٍ لِقِيَاسٍ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الْأَدِلَّةِ الضَّعِيفَةِ فَضْلًا عَنْ الْقَوِيَّةِ، فَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُمَا بِنِيَّةِ الْبَقَاءِ عَلَى الْإِيمَانِ الْآنَ وَلَا إلَى الْمَوْتِ لِمَا قَدَّمْته مَبْسُوطًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ صَلَاةَ الْغَفْلَةِ أَقَلُّهَا وَمَا فَوْقَهُ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا كَالْوِتْرِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا تُفْعَلُ فِي وَقْتِ غَيْرِهَا لَكِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ رَوَاتِبِهِ؛ فَحِينَئِذٍ لَا تُضَافُ لِلْمَغْرِبِ فَيَنْوِي بِهِمَا سُنَّةَ الْغَفْلَةِ، أَوْ سُنَّةَ صَلَاةِ الْأَوَّابِينَ، فَإِنْ أَضَافَهَا لِلْمَغْرِبِ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ كَمَا لَوْ أَضَافَ الْوِتْرَ لِلْعِشَاءِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ، كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ يَصِحُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ فِي مَوَاضِعَ أَنَّهُ مِنْ الرَّوَاتِبِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْهَا بِاعْتِبَارِ تَقَيُّدِهِ بِوَقْتِ فَرْضٍ هُوَ الْعِشَاءُ لَا بِاعْتِبَارِ إضَافَتِهِ إلَيْهَا، وَالْمَنْقُولُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِكَوْنِهَا الْقَبْلِيَّةَ، أَوْ الْبَعْدِيَّةَ سَوَاءٌ أَخَّرَ الْقَبْلِيَّةَ عَنْ الْفَرْضِ أَمْ لَا، وَمِثْلُهَا فِي ذَلِكَ كُلُّ رَاتِبَةٍ فِيهَا قَبْلِيَّةٌ وَبَعْدِيَّةٌ؛ كَسُنَّةِ الْمَغْرِبِ وَسُنَّةِ الْعِشَاءِ. وَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ ضَعِيفٌ كَمَا جَرَيْت عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ: وَيَكْفِي سُنَّةُ الظُّهْرِ أَيْ: نِيَّةُ ذَلِكَ فِي رَاتِبَتِهَا الَّتِي قَبْلَهَا، أَوْ الَّتِي بَعْدَهَا، ظَاهِرُ هَذَا مَعَ قَوْلِهِ السَّابِقِ: كَسُنَّةِ الصُّبْحِ أَوْ الظُّهْرِ، بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي رَاتِبَةِ الظُّهْرِ - وَمِثْلُهَا كُلُّ فَرِيضَةٍ لَهَا رَاتِبَةٌ قَبْلَهَا وَرَاتِبَةٌ بَعْدَهَا - غَيْرُ إضَافَتِهَا إلَى فَرْضِهَا وَهُوَ فَاسِدٌ؛ فَفِي الْمَجْمُوعِ وَفِي الرَّوَاتِبِ تَعَيُّنٌ بِالْإِضَافَةِ فَيَنْوِي سُنَّةَ الصُّبْحِ، أَوْ سُنَّةَ الظُّهْرِ الَّتِي قَبْلَهَا، أَوْ الَّتِي بَعْدَهَا، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يَكْفِي الِاقْتِصَارُ عَلَى سُنَّةِ الظُّهْرِ مُطْلَقًا وَتَبِعَهُ السُّبْكِيّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَوَجْهُهُ أَنَّ تَعَيُّنَهُمَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ؛ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الِاسْمِ وَالْوَقْتِ، وَإِنْ لَمْ تُؤَخَّرْ الْمُقَدَّمَةُ، كَمَا يَجِبُ تَعْيِينُ الظُّهْرِ لِئَلَّا تَلْتَبِسَ بِالْعَصْرِ فَانْدَفَعَ قَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ: لَا وَجْهَ لِاشْتِرَاطِهِ عِنْدَ تَقْدِيمِ الْمُقَدَّمَةِ، لَا فِيهَا وَلَا فِي الْمُؤَخَّرَةِ، فَإِنْ أَخَّرَهَا اُحْتُمِلَتْ الشَّرْطِيَّةُ اهـ. ثُمَّ رَأَيْت الْمُصَنِّفَ قَالَ فِي تَجْرِيدِهِ: الَّذِي يُعْطِيه كَلَامُ الْمَجْمُوعِ الِاكْتِفَاءُ بِذَلِكَ فِيهِمَا لَا مَا فَهِمَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَيْ: مِنْ الِاشْتِرَاطِ، وَفِي الْمَطْلَبِ مَا يَقْتَضِيه اهـ. وَهُوَ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ مَعَ تَأَمُّلِ عِبَارَةِ الْمَجْمُوعِ الَّتِي ذَكَرْتهَا، انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ وَبِهَا يُعْلَمُ مَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّ الْمَنْقُولَ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الَّتِي قَبْلَهَا وَاَلَّتِي بَعْدَهَا مُطْلَقًا، أَمَّا إذَا أُخِّرَتْ الْمُقَدَّمَةُ فَوَاضِحٌ؛ لِلِاشْتِبَاهِ الظَّاهِرِ حِينَئِذٍ فِي الِاسْمِ وَالْوَقْتِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تُؤَخَّرْ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالنِّيَّةِ التَّمْيِيزُ، وَعِنْدَ الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ لَا يَحْصُلُ التَّمْيِيزُ إلَّا بِالْوَصْفِ، فَسُنَّةُ الظُّهْرِ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ الْقَبْلِيَّةِ وَالْبَعْدِيَّةِ فَلَا مُمَيِّزَ لِبَعْضِ مَا قَدْ فَاتَهُ عَنْ بَعْضٍ إلَّا بِنَحْوِ الَّتِي قَبْلَهَا، أَوْ الَّتِي بَعْدَهَا، فَإِنْ قُلْت الَّتِي بَعْدَهَا لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا إلَى الْآنَ فَكَيْفَ اُحْتِيجَ إلَى تَمْيِيزِهَا؟ قُلْت: قَدْ عَلِمْت أَنَّ سَبَبَ التَّمْيِيزِ الِاشْتِرَاكُ الْوَاقِعُ فِيهَا وَهَذَا حَاصِلٌ سَوَاءٌ قُدِّمَتْ أَوْ أُخِّرَتْ، وَكَوْنُ الْخَارِجِ يُخَصِّصُ النِّيَّةَ بِالْمُقَدَّمَةِ لِعَدَمِ دُخُولِ الْمُؤَخَّرَةِ لَا يُنْظَرُ إلَيْهِ، لِأَنَّهُ قَرِينَةٌ خَارِجِيَّةٌ وَالْقَرَائِنُ الْخَارِجِيَّةُ لَا تُخَصَّصُ، سِيَّمَا هُنَا؛ لِأَنَّ مَنَاطَ النِّيَّةِ الْقَلْبُ، وَلَا ارْتِبَاطَ لَهُ بِالْقَرِينَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا التَّعْيِينَ فِي الظُّهْرِ مَثَلًا، وَقَالُوا: لِئَلَّا يَشْتَبِهَ بِالْعَصْرِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهُ بَلْ لَمْ يَكْتَفُوا عَنْ تَعْيِينِهِ بِصَلَاةِ الْوَقْتِ لِصِدْقِهِ بِفَائِتَةٍ تَذَكَّرَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً، أَوْ لَيْسَ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ بِالْكُلِّيَّةِ، فَعَلِمْنَا أَنَّهُمْ لَا يَعْتَدُّونَ فِي النِّيَّاتِ بِالْقَرَائِنِ الْخَارِجِيَّةِ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا يَنْظُرُونَ إلَى إمْكَانِ الِالْتِبَاسِ بِاعْتِبَارِ صِدْقِ

الِاسْمِ وَإِنْ شَهِدَ الْوَاقِعُ بِخِلَافِهِ، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ نَفِيسٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَوْلِ التَّعَقُّبَاتِ: إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ وَضْعِ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ - وَهُوَ الْأَظْهَرُ - فَلَا بُدَّ مِنْ الطُّمَأْنِينَةِ بِهَا؛ كَالْجَبْهَةِ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَضَعَهَا حَالَةَ وَضْعِ الْجَبْهَةِ حَتَّى لَوْ وَضَعَهَا، ثُمَّ رَفَعَهَا، ثُمَّ وَضَعَ الْجَبْهَةَ، أَوْ عَكَسَ لَمْ يَكْفِ؛ لِأَنَّهَا أَعْضَاءٌ تَابِعَةٌ لِلْجَبْهَةِ، وَإِذَا رَفَعَ الْجَبْهَةَ مِنْ السَّجْدَةِ الْأُولَى وَجَبَ عَلَيْهِ رَفْعُ الْكَفَّيْنِ أَيْضًا؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الْيَدَيْنِ تَسْجُدَانِ كَمَا تَسْجُدُ الْجَبْهَةُ، فَإِذَا سَجَدْتُمْ فَضَعُوهُمَا، وَإِذَا رَفَعْتُمْ فَارْفَعُوهُمَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ. وَلِأَصْحَابِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ اهـ. فَصَرَّحَ بِوُجُوبِ الطُّمَأْنِينَةِ بِهَا وَبِوُجُوبِ رَفْعِ الْكَفَّيْنِ مِنْ السَّجْدَةِ الْأُولَى وَلَمْ نَرَ مِثْلَ مَا ذَكَرَهُ، فَهَلْ خَالَفَ غَيْرَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ، أَوْ خَصَّصَ كَلَامَهُمْ بِمَا ذَكَرَهُ، وَمَا الرَّاجِحُ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ وُجُوبِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي وَضْعِ غَيْرِ الْجَبْهَةِ قِيَاسًا عَلَى الْجَبْهَةِ فَظَاهِرٌ، وَإِنَّمَا التَّرَدُّدُ فِي أَنَّهُ: هَلْ يَجِبُ التَّحَامُلُ عَلَيْهَا كَمَا يَجِبُ عَلَى الْجَبْهَةِ، أَوْ لَا يَجِبُ بَلْ يُسَنُّ وَاَلَّذِي قَالَهُ شَيْخُنَا زَكَرِيَّا: الْأَوَّلُ، وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا؛ حَيْثُ جَعَلَا الِاعْتِمَادَ عَلَى بَطْنِ الْقَدَمَيْنِ مِنْ الْأَكْمَلِ، وَاعْتَمَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ التَّنْبِيهِ: إنَّ تَعْبِيرَهُمْ بِالْوَضْعِ يُفْهِمُهُ هُوَ الثَّانِي، وَجَرَيْت عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ وَأَطَلْت فِي الِانْتِصَارِ لَهُ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ وُجُوبِ وَضْعِهَا حَالَةَ وَضْعِ الْجَبْهَةِ ظَاهِرٌ أَيْضًا كَمَا جَرَيْت عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ مَعَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ، وَعِبَارَتُهُ: وَتَجِبُ مُقَارَنَةُ وَضْعِهَا لِوَضْعِ الْجَبْهَةِ؛ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهَا فَلَوْ تَأَخَّرَتْ عَنْهَا، أَوْ تَقَدَّمَتْ عَلَيْهَا لَمْ يَكْفِ، كَمَا بَحَثَهُ ابْنُ الْعِمَادِ. بَلْ يَتَّجِهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وَضْعِهَا كُلِّهَا مَعَ وَضْعِ الْجَبْهَةِ فِي آنٍ وَاحِدٍ فَلَوْ وَضَعَ يَدَيْهِ، ثُمَّ رَفَعَهُمَا ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ رَفَعَهُمَا، ثُمَّ رِجْلَيْهِ ثُمَّ رَفَعَهُمَا، أَوْ عَكَسَ وَالْجَبْهَةُ مَوْضُوعَةٌ فِي الْجَمِيعِ لَمْ يَكْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى سَاجِدًا إلَّا إذَا اجْتَمَعَ وَضْعُ السِّتَّةِ مَعَ وَضْعِ الْجَبْهَةِ فِي آنٍ وَاحِدٍ مَعَ الطُّمَأْنِينَةِ، انْتَهَتْ. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ وُجُوبِ رَفْعِ الْكَفَّيْنِ ضَعِيفٌ، وَالْمَنْقُولُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ: وَلَوْ وَضَعَهُمَا عَلَى الْأَرْضِ حَوْلَهُ فَكَإِرْسَالِهِمَا قَائِمًا، فَإِنْ أَمِنَ الْعَبَثَ بِهِمَا لَمْ يُكْرَهْ، وَإِلَّا كُرِهَ، نَظِيرُ مَا مَرَّ. وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: يَجِبُ رَفْعُهُمَا وَوَضْعُهُمَا ثَانِيًا، كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ بَلْ كَلَامُ الْأَصْحَابِ صَرِيحٌ فِي خِلَافِهِ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَخَبَرُ أَبِي دَاوُد أَنَّ الْيَدَيْنِ يَسْجُدَانِ كَمَا يَسْجُدُ الْوَجْهُ فَإِذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ فَلْيَضَعْ يَدَيْهِ، وَإِذَا رَفَعَهُ فَلْيَرْفَعْهُمَا - مَحْمُولٌ عَلَى رَفْعِهِمَا عَنْ مَوْضِعِهِمَا فِي حَالِ السُّجُودِ عَلَى مَا هُوَ السُّنَّةُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَا بِإِزَاءِ مَنْكِبَيْهِ؛ إذْ يَتَعَذَّرُ بَقَاؤُهُمَا عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ مَعَ اسْتِوَاءِ جُلُوسِهِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّا لَوْ رَفَعَ الْمُسَبِّحَةَ فِي التَّشَهُّدِ عِنْدَ: إلَّا اللَّهُ، فَهَلْ يُسْتَحَبُّ رَفْعُهَا إلَى تَمَامِ الصَّلَاةِ مَثَلًا أَوْ لَا وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ عَنْ نَصِّ الْمَقْدِسِيِّ أَنَّهُ إذَا رَفَعَ الْمُسَبِّحَةَ فِي التَّشَهُّدِ عِنْدَ: إلَّا اللَّهُ يُقِيمُهَا وَلَا يَضَعُهَا. وَقَالَ الْجَوْجَرِيُّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ أَنَّهُ يُعِيدُهَا إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ وَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ تَصْرِيحٌ، فَهَلْ الْأَوْلَى بِالْعَمَلِ قَوْلُ نَصْرٍ الْمَقْدِسِيِّ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ نَصْرٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ: قَالَ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي كَافِيهِ أَنَّهُ يُقِيمُهَا وَلَا يَضَعُهَا وَلَا يُحَرِّكُهَا اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي بَقَائِهَا مَرْفُوعَةً إلَى السَّلَامِ. وَقَوْلُ جَمْعٍ مُتَأَخِّرَيْنِ: لَمْ نَرَ فِيهِ نَقْلًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعِيدُهَا. بَحْثٌ مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ كَمَا عَلِمْت، وَإِنْ تَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: وَفِيهِ نَظَرٌ، انْتَهَتْ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - عَمَّنْ رَاءَى بِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ؛ وَهُوَ التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى مَعَ النِّيَّةِ هَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ ظَاهِرًا أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنَّ النِّيَّةَ حَيْثُ كَانَتْ جَازِمَةً مُسْتَوْفِيَةً لِشُرُوطِهَا الْمُقَرَّرَةِ فِي مَحَلِّهَا، فَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ مُنْعَقِدَةٌ وَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ قَارَنَ ذَلِكَ قَصْدٌ دُنْيَوِيٌّ؛ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ أَئِمَّتُنَا: لَوْ قِيلَ لَهُ: صَلِّ وَلَك دِينَارٌ، فَصَلَّى بِذَلِكَ الْقَصْدِ، صَحَّتْ صَلَاتُهُ. وَقَالُوا أَيْضًا لَوْ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ وَالِاشْتِغَالِ بِهَا عَنْ غَرِيمٍ يُطَالِبُهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ. وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الثَّوَابِ وَقَدْ حَرَّرْت الْكَلَامَ فِيهِ فِي أَوَائِلِ حَاشِيَةِ إيضَاحِ النَّوَوِيِّ فَانْظُرْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ. وَلَا أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا بَسَطَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ وَلَا أَنَّهُ جَمَعَ فِيهِ مَا جَمَعْته مَعَ

تَحْرِيرِهِ وَتَنْقِيحِهِ. وَوَقَعَ لِلْكَمَالِ الدَّمِيرِيِّ وَالسَّرَّاجِ بْنِ الْمُلَقِّنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُمْ نَقَلُوا عَنْ الْفَخْرِ الرَّازِيِّ وَأَقَرُّوهُ أَنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55] : أَجْمَعَ الْمُتَكَلِّمُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ عَبَدَ وَدَعَا لِأَجْلِ الْخَوْفِ مِنْ الْعَذَابِ وَالطَّمَعِ فِي الثَّوَابِ لَا تَصِحُّ عِبَادَتُهُ، وَأَنَّهُ جَزَمَ فِي أَوَائِلِ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أُصَلِّي لِثَوَابِ اللَّهِ أَوْ الْهَرَبِ مِنْ عِقَابِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ اهـ. . وَالْعَجَبُ فِي تَقْرِيرِ أُولَئِكَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِمْ بِقَوْلِ الْأَصْحَابِ الَّذِي قَدَّمْته فِيمَنْ صَلَّى بِقَصْدِ حُصُولِ الدُّنْيَا لَهُ، أَوْ دَفْعِ الْغَرِيمِ عَنْهُ، وَكَأَنَّهُمْ فَهِمُوا أَنَّ مُرَادَ الْفَخْرِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ مَا إذَا لَاحَظَ فِي عِبَادَتِهِ الْخَوْفَ، أَوْ الطَّمَعَ مَعَ ضَمِّهِ إلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْلَا ذَلِكَ مَا عَبَدَهُ وَحِينَئِذٍ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ بِذَلِكَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي إسْلَامِ مَنْ جَرَّدَ قَصْدَهُ إلَى ذَلِكَ فَحَسْبُ، لَا أَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ اسْتِحْقَاقَ اللَّهِ لِلطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ لِذَاتِهِ، وَمَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ جَزْمًا، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ هَذَا لَا يَقْصِدُهُ مُسْلِمٌ. وَإِنَّمَا غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ النَّاسَ يَرْجُونَ بِعِبَادَتِهِمْ حُصُولَ الثَّوَابِ وَالنَّجَاةَ مِنْ الْعَذَابِ. وَهَذَا الرَّجَاءُ، أَوْ الْخَوْفُ لَا يُنَافِي حُصُولَ الثَّوَابِ، كَيْفَ؟ وَاَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِخَلْقِهِ بِمَا تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ نَيْلِ الدَّرَجَاتِ وَإِسْبَاغِ الْهِبَاتِ فِي مُقَابَلَةِ امْتِثَالِهِمْ لِأَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِهِمْ لِنَوَاهِيهِ. وَذِكْرُ فَوَائِدِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَضُرُّ رِعَايَةُ تِلْكَ الْفَوَائِدِ وَرَجَاءُ حُصُولِهَا، وَقَدْ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْإِحْيَاءِ فِي مَوَاضِعَ بِحُصُولِ الثَّوَابِ وَصِحَّةِ النِّيَّةِ وَإِنْ قَارَنَتْ الرَّجَاءَ وَالْخَوْفَ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْته؛ فَقَالَ - فِي أَوَاخِرِ مَبْحَثِ النِّيَّةِ وَالْإِخْلَاصِ -: غَايَةُ مَنْ مَالَ قَلْبُهُ إلَى الدُّنْيَا وَغَلَبَتْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَذَكَّرَ النَّارَ وَيُحَذِّرَ نَفْسَهُ عِقَابَهَا، أَوْ نَعِيمَ الْجَنَّةِ وَيُرَغِّبَ نَفْسَهُ فِيهَا، فَرُبَّمَا تَنْبَعِثُ لَهُ دَاعِيَةٌ ضَعِيفَةٌ فَيَكُونُ ثَوَابُهُ بِقَدْرِ رَغْبَتِهِ وَنِيَّتِهِ، وَالطَّاعَةُ عَلَى نِيَّةِ إجْلَالِ اللَّهِ - لِاسْتِحْقَاقِهِ الطَّاعَةَ وَالْعُبُودِيَّةَ - لَا تَتَيَسَّرُ لِلرَّاغِبِ فِي الدُّنْيَا، وَهَذِهِ أَعَزُّ النِّيَّاتِ وَأَعْلَاهَا، وَيَعِزُّ مَنْ يَفْهَمُهَا فَضْلًا عَمَّنْ يَتَعَاطَاهَا. وَنِيَّاتُ النَّاسِ أَقْسَامٌ؛ إذْ مِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ عَمَلُهُ إجَابَةً لِبَاعِثِ الْخَوْفِ فَإِنَّهُ يَتَّقِي النَّارَ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُ إجَابَةً لِبَاعِثِ الرَّجَاءِ وَهُوَ الرَّغْبَةُ فِي الْجَنَّةِ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ نَازِلًا بِالْإِضَافَةِ إلَى قَصْدِ طَاعَةِ اللَّهِ وَتَعْظِيمِهِ لِذَاتِهِ وَجَلَالِهِ لَا لِأَمْرٍ سِوَاهُ - فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ النِّيَّاتِ الصَّحِيحَةِ لِأَنَّهُ مَيْلٌ إلَى الْمَوْجُودِ فِي الْآخِرَةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْمَأْلُوفِ فِي الدُّنْيَا اهـ. كَلَامُ الْغَزَالِيِّ، وَهُوَ كَمَا تَرَى جَازِمٌ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ النِّيَّاتِ الصَّحِيحَةِ، وَإِنَّمَا خِلَافُهُ أَكْمَلُ وَأَفْضَلُ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - هَلْ يَجُوزُ ضَمُّ رَاءِ (أَكْبَرُ) مِنْ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يَجُوزُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ، بَلْ قَوْلُهُمْ: لَوْ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَجَلُّ وَأَعْظَمُ، صَحَّ كَالصَّرِيحِ فِيهِ؛؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ ضَمُّ الرَّاءِ، وَمِنْ ثَمَّ أَفْتَى بِهِ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ كَالنَّجْمَيْنِ الْأَصْفُونِيِّ وَالطَّبَرِيِّ وَالسَّرَّاجِ بْنِ الْمُلَقِّنِ، وَقَوْلُ ابْنِ يُونُسَ أَنَّهُ مُبْطِلٌ - ضَعِيفٌ وَإِنْ تَبِعَهُ ابْنُ الْعِمَادِ وَالدَّمِيرِيُّ وَالنَّاشِرِيُّ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي خَبَرِ التَّكْبِيرِ جَزْمٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ جَزْمُ الْقَلْبِ لَا اللَّفْظِ؛؛ لِأَنَّ الْجَزْمَ مِنْ خَوَاصِّ الْأَفْعَالِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - عَمَّنْ أَبْدَلَ هَمْزَةَ (أَكْبَرُ) وَاوًا فَهَلْ يَصِحُّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَوْجَهِ، وَزَعَمَ ابْنُ الْعِمَادِ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْمُنِيرِ الْمَالِكِيِّ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ قَدْ تُبْدَلُ وَاوًا كَإِشَاحٍ وَوِشَاحٍ غَيْرُ بَعِيدٍ فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ هُوَ بَعِيدٌ؛ إذْ الْمَدَارُ فِي لَفْظِ التَّكْبِيرِ عَلَى الِاتِّبَاعِ مَا أَمْكَنَ، وَكَذَا لَوْ أَبْدَلَ الْكَافَ هَمْزَةً. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يَقُومُ (أَعْظَمُ) مَقَامَ (أَكْبَرُ) وَمَعْنَاهُمَا كَالْجَلِيلِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يَقُومُ مَقَامَ (أَكْبَرُ) شَيْءٌ لِلِاتِّبَاعِ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ - تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِ -: لَا يَقُومُ (أَعْظَمُ) مَقَامَ (أَكْبَرُ) ؛؛ لِأَنَّ الرِّدَاءَ أَشْرَفُ مِنْ الْإِزَارِ أَيْ: الْمُشَارِ إلَيْهِ؛ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللَّهِ «الْعَظَمَةُ إزَارِي وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، مَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَصَمْته» وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ التَّجَمُّلَ يَكُونُ بِالرِّدَاءِ. وَهَذَا تَمْثِيلٌ كُنِّيَ بِهِ عَنْ الصِّفَةِ، وَالثَّوْبِ يُكَنَّى بِهِ عَنْ الصِّفَةِ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: 26] . قَالَ الْغَزَالِيُّ وَمَعْنَى الْكَبِيرِ: ذُو الْكِبْرِ، وَالْكِبْرِيَاءُ: كَمَالُ الذَّاتِ، وَأَعْنِي بِكَمَالِ الذَّاتِ كَمَالَ الْوُجُودِ؛ وَهُوَ يَرْجِعُ إلَى شَيْئَيْنِ، أَحَدُهُمَا: دَوَامُهُ أَزَلًا وَأَبَدًا، فَكُلُّ مَوْجُودٍ مَقْطُوعٍ بِعَدَمِ سَابِقٍ، أَوْ لَاحِقٍ فَهُوَ نَاقِصٌ. وَالثَّانِي:

أَنَّ وُجُودَهُ هُوَ الَّذِي يَصْدُرُ عَنْهُ كُلُّ مَوْجُودٍ. قَالَ: وَالْجَلِيلُ: الْمَوْصُوفُ بِنُعُوتِ الْجَلَالِ الَّتِي هِيَ الْعِزُّ وَالْمُلْكُ وَالْقُدْسُ وَالْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ، وَغَيْرُهَا مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا، فَالْجَامِعُ لِجَمِيعِهَا هُوَ الْجَلِيلُ الْمُطْلَقُ، فَالْجَلِيلُ الْمُطْلَقُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَطْ. فَكَأَنَّ الْكَبِيرَ يَرْجِعُ إلَى كَمَالِ الذَّاتِ، وَالْجَلِيلَ إلَى كَمَالِ الصِّفَاتِ وَالْعَظِيمَ إلَى كَمَالِ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ جَمِيعًا. قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: مَعْنَى أَفْعَلْ التَّفْضِيلِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى النَّعْتُ؛ فَأَكْبَرُ بِمَعْنَى كَبِيرٍ؛ إذْ لَا مُسَاوِيَ لَهُ تَعَالَى فِي كَمَالِ الْوُجُودِ أَزَلًا وَأَبَدًا، وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَاهُ أَنَّ مَا خَطَرَ بِبَالِ الْعَبْدِ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ وَتَمَامِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْقُدْسِ - فَاَللَّهُ تَعَالَى مِنْ وَرَاءِ مَا خَطَرَ لَهُ إذْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكَبِيرَ يَرْجِعُ إلَى كَمَالِ الذَّاتِ وَالْجَلِيلَ إلَى كَمَالِ الصِّفَاتِ، وَالْعَظِيمَ إلَى كَمَالِهِمَا. وَسُئِلَ - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ أَوَّلِ مَا نَطَقَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآخِرِ مَا نَطَقَ بِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَوَّلُ مَا نَطَقَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (اللَّهُ أَكْبَرُ) كَمَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْحَافِظُ الشِّهَابُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ، وَأَمَّا آخِرُ مَا نَطَقَ بِهِ فَهُوَ: اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى، كَمَا فِي الصَّحِيحِ، قِيلَ: وَهُوَ أَعْلَى الْمَنَازِلِ كَالْوَسِيلَةِ الَّتِي هِيَ أَعْلَى الْجَنَّةِ، فَمَعْنَاهُ أَسْأَلُك يَا اللَّهُ أَنْ تُنِيلَنِي أَعْلَى مَرَاتِبِ الْجَنَّةِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: أُرِيدُ أَلْقَاك يَا رَفِيقُ يَا أَعْلَى، وَالرَّفِيقُ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «إنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ» فَكَأَنَّهُ طَلَبَ لِقَاءَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَعْلَى صِفَاتِ الرِّفْقِ وَاللُّطْفِ بِهِ وَقَدْ حَقَّقَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ، جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْ وَارِثِيهِ وَحَشَرَنَا مَعَهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يَجِبُ فِي السُّجُودِ وَضْعُ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ مَعًا مَثَلًا أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يَجِبُ اجْتِمَاعُهُمَا بِقَدْرِ الطُّمَأْنِينَةِ، سَوَاءٌ وَضَعَهَا وَرَفَعَهَا مَعًا أَمْ مُرَتِّبًا صَرَّحَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ النَّحْوِيِّ وَغَيْرُهُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْك يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ، هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ، تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِتَعَمُّدِ ذَلِكَ وَعِلْمِ عَدَمِ وُرُودِهِ؛ لِأَنَّهُ زَادَ حَرْفَيْنِ فَإِنْ جَهِلَ، أَوْ نَسِيَ لَمْ تَبْطُلْ. (وَسُئِلَ) - فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَمَّنْ يَدْعُو بِنَحْوِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، فَمَا يَزِيدُ إحْسَانِي سُلْطَانَك وَلَا تُقَبِّحُ إسَاءَتِي مُلْكَك، وَنَحْوِ ذَلِكَ هَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا مَنْعَ فِي ذَلِكَ، حَيْثُ اعْتَقَدَ الدَّاعِي أَنَّ اللَّهَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَأَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ. وَالْأَوْلَى فِي الْمُنَاجَاةِ الْإِقْرَارُ بِالذَّنْبِ، وَالتَّضَرُّعُ فِي سُؤَالِ الْغُفْرَانِ مِنْ غَيْرِ إقَامَةِ حُجَّةٍ وَلَا تَعْلِيلٍ، فَذَلِكَ أَوْلَى بِالْمُذْنِبِ الْمَمْلُوكِ مَعَ مَوْلَاهُ الْقَادِرِ عَلَيْهِ، الْفَاعِلِ لِمَا يَشَاءُ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ شَخْصٍ سَبَّحَ بِنَحْوِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ. .. إلَخْ، هَلْ الْمَرَّةُ مِنْهُ أَفْضَلُ مِمَّنْ يُسَبِّحُ بِسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، وَيُعَدِّدُ مِنْ ذَلِكَ أَلْفَ مَرَّةٍ مَثَلًا. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ، هُوَ أَفْضَلُ مِنْ أُلُوفٍ مُؤَلَّفَةٍ؛ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَى بَعْضِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَعِنْدَهَا حَصَوَاتٌ كَثِيرَةٌ سَبَّحَتْ بِهَا، فَقَالَ: «لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً عَدَلَتْ جَمِيعَ مَا قُلْتِ؛ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ» الْحَدِيثَ، وَلَمَّا سُئِلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ نَحْوِ مَا فِي السُّؤَالِ قَالَ: قَدْ يَكُونُ بَعْضُ الْأَذْكَارِ أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ لِعُمُومِهَا وَشُمُولِهَا لِجَمِيعِ الْأَوْصَافِ الثُّبُوتِيَّةِ وَالسَّلْبِيَّةِ وَالذَّاتِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ، فَيَكُونُ الْقَلِيلُ مِنْ هَذَا النَّوْعِ أَفْضَلَ مِنْ الْكَثِيرِ؛ كَمَا جَاءَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَاءَ نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ» وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِيَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِيهِمَا قَدْ أَفَادَتْ الِاتِّصَافَ بِكُلِّ جَلَالٍ وَكَمَالٍ، فَأَعْطَتْ اسْتِغْرَاقَ الْجِنْسِ فِي الْإِكْرَامِ وَالْجَلَالِ. فَإِذًا لَا إكْرَامَ إلَّا مِنْهُ وَلَا جَلَالَ وَكَمَالَ إلَّا وَقَدْ اتَّصَفَ بِهِ اهـ. وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِبَعْضِ نِسَائِهِ - حِينَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَوَجَدَهَا تُسَبِّحُ بِالْحَصَى -: «أَدُلُّك عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ، فَقُولِي: سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا فِي السَّمَوَاتِ، سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا فِي الْأَرْضِ، سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ مِثْلَ ذَلِكَ» . وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ ذَلِكَ يُكْتَبُ لَهُ مِثْلُ الْعَدَدِ الَّذِي ذَكَرَهُ، وَبِهِ تُقَاسُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ قَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَدَدَ خَلْقِك كُتِبَ لَهُ

صَلَوَاتٍ بِعَدَدِ الْخَلْقِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَمِنَّتِهِ، وَمِنْ مَزِيدِ كَرَمِهِ وَسَابِغِ مِنَّتِهِ. وَقِيلَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ - تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ» الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: تَعْدِلُ ثُلُثَهُ بِلَا تَضْعِيفٍ. وَقِيلَ: إنَّهَا ثُلُثُ مَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْأَحْكَامُ وَالْقَصَصُ وَالتَّوْحِيدُ. وَقِيلَ: تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ لِمَنْ لَمْ يُحْسِنْ إلَّا هِيَ وَيَمْنَعُهُ مِنْ تَعَلُّمِ غَيْرِهَا مَانِعٌ. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. (وَسُئِلَ) - فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - بِمَا لَفْظُهُ: مَا حُكْمُ مَنْ يُنْكِرُ الدُّعَاءَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ: لَا يُنْكِرُ الدُّعَاءَ إلَّا كَافِرٌ مُكَذِّبٌ بِالْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَعَبَّدَ عِبَادَهُ بِهِ فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ، وَوَعَدَهُمْ بِالِاسْتِجَابَةِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّهُ بَيْنَ إحْدَى ثَلَاثَةٍ؛ إمَّا اسْتِجَابَةٌ أَوْ ادِّخَارٌ، أَوْ يُكَفِّرُ عَنْهُ. وَفِيهِ أَنَّ دَعْوَةَ الْمُسْلِمِ لَا تُرَدُّ مَا لَمْ تَكُنْ بِإِثْمٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ؛ فَفِي إحْدَى الثَّلَاثَةِ اسْتِجَابَةٌ وَفِي الْآخَرَيْنِ تَعْوِيضُ الِاسْتِجَابَةِ، قَالَ تَعَالَى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ} [المؤمنون: 71] وَفِي الْحَدِيثِ: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَبْتَلِي الْعَبْدَ وَهُوَ يُحِبُّهُ لِيَسْمَعَ تَضَرُّعَهُ» . وَمِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ أَنْ يَعْزِمَ الْمَسْأَلَةَ؛ فَلَا يَقُلْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ إنْ شِئْت، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إظْهَارِ الِاسْتِغْنَاءِ وَعَدَمِ الِافْتِقَارِ. وَالدُّعَاءُ إنَّمَا وُضِعَ لِمَزِيدِ التَّذَلُّلِ وَإِظْهَارِ الِافْتِقَارِ وَالِاحْتِيَاجِ، وَفِي الْحَدِيثِ: «يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ» أَيْ: بَلْ يَنْبَغِي الْإِلْحَاحُ فِي الْمَسْأَلَةِ؛ لِمَا فِي الْحَدِيثِ: «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ» ، وَلَا تَيْأَسْ مِنْ الْإِجَابَةِ وَلَا تَسْأَمْ مِنْ الرَّغْبَةِ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يُحْرَمْ مِنْ إحْدَى تِلْكَ الثَّلَاثِ. وَمَنْ أَدْمَنَ قَرْعَ بَابِ الْكَرِيمِ يُوشِكُ أَنْ يَفْتَحَ لَهُ، قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ: قَوْلُهُ: يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ، يَحْتَمِلُ الْوُجُوبَ وَالْجَوَازَ؛ فَإِنْ كَانَ الْخَبَرُ الْأَوَّلَ - فَلَا بُدَّ مِنْ إحْدَى الثَّلَاثِ فَإِذَا عَجِلَ بَطَلَ وُجُوبُ أَحَدِهَا، وَتَعَرَّى الدُّعَاءُ عَنْ جَمِيعِهَا. وَعَلَى الْجَوَازِ تَكُونُ الْإِجَابَةُ بِفِعْلِ مَا دَعَا وَيَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ اسْتِعْجَالُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ضَعْفِ الْيَقِينِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَدْعُوَ وَهُوَ مُوقِنٌ بِالْإِجَابَةِ وَبِقَلْبٍ حَاضِرٍ لِخَبَرٍ بِذَلِكَ رَوَاهُ الْخَطِيبُ، وَهُوَ: «اُدْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَسْتَجِيبُ الدُّعَاءَ مِنْ قَلْبٍ لَاهٍ» . وَآكَدُ آدَابِ الدُّعَاءِ أَكْلُ الْحَلَالِ وَلُبْسُهُ، وَلَهُ آدَابٌ كَثِيرَةٌ بَيَّنْتهَا مَعَ شُرُوطِهِ وَوَاجِبَاتِهِ وَحُرُمَاتِهِ وَمُكَفِّرَاتِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ - بِمَا لَمْ يُجْمَعْ مِثْلُهُ فِيمَا أَحْسِبُ فَاطْلُبْ ذَلِكَ مِنْهُ فَإِنَّهُ نَفِيسٌ مُهِمٌّ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ دَاءِ الْوَسْوَسَةِ هَلْ لَهُ دَوَاءٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَهُ دَوَاءٌ نَافِعٌ وَهُوَ الْإِعْرَاضُ عَنْهَا جُمْلَةً كَافِيَةً. وَإِنْ كَانَ فِي النَّفْسِ مِنْ التَّرَدُّدِ مَا كَانَ - فَإِنَّهُ مَتَى لَمْ يَلْتَفِتْ لِذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ بَلْ يَذْهَبُ بَعْدَ زَمَنٍ قَلِيلٍ كَمَا جَرَّبَ ذَلِكَ الْمُوَفَّقُونَ، وَأَمَّا مَنْ أَصْغَى إلَيْهَا وَعَمِلَ بِقَضِيَّتِهَا فَإِنَّهَا لَا تَزَالُ تَزْدَادُ بِهِ حَتَّى تُخْرِجَهُ إلَى حَيِّزِ الْمَجَانِينِ بَلْ وَأَقْبَحَ مِنْهُمْ، كَمَا شَاهَدْنَاهُ فِي كَثِيرِينَ مِمَّنْ اُبْتُلُوا بِهَا وَأَصْغَوْا إلَيْهَا وَإِلَى شَيْطَانِهَا الَّذِي جَاءَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: «اتَّقُوا وَسْوَاسَ الْمَاءِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْوَلْهَانُ» أَيْ: لِمَا فِيهِ مِنْ شِدَّةِ اللَّهْوِ وَالْمُبَالَغَةِ فِيهِ كَمَا بَيَّنْت ذَلِكَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي شَرْحِ مِشْكَاةِ الْأَنْوَارِ، وَجَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته وَهُوَ أَنَّ مَنْ اُبْتُلِيَ بِالْوَسْوَسَةِ فَلْيَعْتَقِدْ بِاَللَّهِ وَلْيَنْتَهِ. فَتَأَمَّلْ هَذَا الدَّوَاءَ النَّافِعَ الَّذِي عَلَّمَهُ مَنْ لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى لِأُمَّتِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ حُرِمَهُ فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ؛ لِأَنَّ الْوَسْوَسَةَ مِنْ الشَّيْطَانِ اتِّفَاقًا، وَاللَّعِينُ لَا غَايَةَ لِمُرَادِهِ إلَّا إيقَاعُ الْمُؤْمِنِ فِي وَهْدَةِ الضَّلَالِ وَالْحَيْرَةِ وَنَكَدِ الْعَيْشِ وَظُلْمَةِ النَّفْسِ وَضَجَرِهَا إلَى أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الْإِسْلَامِ. وَهُوَ لَا يَشْعُرُ أَنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاِتَّخِذُوهُ عَدُوًّا. وَجَاءَ فِي طَرِيقٍ آخَرَ فِيمَنْ اُبْتُلِيَ بِالْوَسْوَسَةِ فَلْيَقُلْ: آمَنْت بِاَللَّهِ وَبِرُسُلِهِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ اسْتَحْضَرَ طَرَائِقَ رُسُلِ اللَّهِ سِيَّمَا نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَجَدَ طَرِيقَتَهُ وَشَرِيعَتَهُ سَهْلَةً وَاضِحَةً بَيْضَاءَ بَيِّنَةً سَهْلَةً لَا حَرَجَ فِيهَا وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، وَمَنْ تَأَمَّلَ ذَلِكَ وَآمَنَ بِهِ حَقَّ إيمَانِهِ ذَهَبَ عَنْهُ دَاءُ الْوَسْوَسَةِ وَالْإِصْغَاءِ إلَى شَيْطَانِهَا. وَفِي كِتَابِ ابْنِ السُّنِّيِّ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «مَنْ بُلِيَ بِهَذَا الْوَسْوَاسِ فَلْيَقُلْ: آمَنَّا بِاَللَّهِ وَبِرُسُلِهِ ثَلَاثًا، فَإِنَّ ذَلِكَ يُذْهِبُهُ عَنْهُ» وَذَكَرَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ نَحْوَ مَا قَدَّمْته فَقَالُوا: دَوَاءُ الْوَسْوَسَةِ أَنْ

يَعْتَقِدَ أَنَّ ذَلِكَ خَاطِرٌ شَيْطَانِيٌّ، وَأَنَّ إبْلِيسَ هُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ يُقَاتِلُهُ، فَيَكُونُ لَهُ ثَوَابُ الْمُجَاهِدِ؛ لِأَنَّهُ يُحَارِبُ عَدُوَّ اللَّهِ، فَإِذَا اسْتَشْعَرَ ذَلِكَ فَرَّ عَنْهُ، وَأَنَّهُ مِمَّا اُبْتُلِيَ بِهِ نَوْعُ الْإِنْسَانِ مِنْ أَوَّلِ الزَّمَانِ وَسَلَّطَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِحْنَةً لَهُ؛ لِيُحِقَّ اللَّهُ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. وَفِي مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي فَقَالَ: ذَلِكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ، فَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْهُ وَاتْفُلْ عَنْ يَسَارِك ثَلَاثًا، فَفَعَلْت فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي. وَفِي رِسَالَةِ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَطَاءٍ قَالَ: ضَاقَ صَدْرِي لَيْلَةً لِكَثْرَةِ مَا صَبَبْت مِنْ الْمَاءِ، وَلَمْ يَسْكُنْ قَلْبِي فَقُلْت: يَا رَبِّ عَفْوَك، فَسَمِعْت هَاتِفًا يَقُولُ: الْعَفْوُ فِي الْعِلْمِ؛ فَزَالَ ذَلِكَ عَنِّي اهـ. وَبِهِ تَعْلَمُ صِحَّةَ مَا قَدَّمْته أَنَّ الْوَسْوَسَةَ لَا تُسَلَّطُ إلَّا عَلَى مَنْ اسْتَحْكَمَ عَلَيْهِ الْجَهْلُ وَالْخَبَلُ وَصَارَ لَا تَمْيِيزَ لَهُ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ عَلَى حَقِيقَةِ الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ الِاتِّبَاعِ وَلَا يَمِيلُ إلَى الِابْتِدَاعِ. وَأَقْبَحُ الْمُبْتَدِعِينَ الْمُوَسْوَسُونَ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ شَيْخِهِ رَبِيعَةَ - إمَامِ أَهْلِ زَمَنِهِ -: كَانَ رَبِيعَةُ أَسْرَعَ النَّاسِ فِي أَمْرَيْنِ فِي الِاسْتِبْرَاءِ وَالْوُضُوءِ، حَتَّى لَوْ كَانَ غَيْرَهُ - قُلْت: مَا فَعَلَ. وَكَانَ ابْنُ هُرْمُزَ بَطِيءَ الِاسْتِبْرَاءِ وَالْوُضُوءِ، وَيَقُولُ: مُبْتَلًى لَا تَقْتَدُوا بِي. وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ بُلِيَ بِالْوَسْوَسَةِ فِي الْوُضُوءِ، أَوْ الصَّلَاةِ أَنْ يَقُولَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ إذَا سَمِعَ الذِّكْرَ خَنَسَ؛ أَيْ: تَأَخَّرَ وَبَعُدَ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ - رَأْسُ الذِّكْرِ وَلِذَلِكَ اخْتَارَ صَفْوَةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ - مِنْ أَصْحَابِ التَّرْبِيَةِ وَتَأْدِيبِ الْمُرِيدِ - قَوْلَ (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) لِأَهْلِ الْخَلْوَةِ، وَأَمَرُوهُمْ بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهَا، وَقَالُوا: أَنْفَعُ عِلَاجٍ فِي دَفْعِ الْوَسْوَسَةِ الْإِقْبَالُ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا شَكَوْت إلَى الدَّارَانِيِّ الْوَسْوَسَةَ فَقَالَ: إذَا أَرَدْت قَطْعَهُ فَمَتَى أَحْسَسْت بِهِ فَافْرَحْ فَإِذَا فَرِحْت انْقَطَعَ عَنْك فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَبْغَضَ إلَى الشَّيْطَانِ مِنْ سُرُورِ الْمُؤْمِنِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ إنَّمَا يُبْتَلَى بِهِ مَنْ كَمُلَ إيمَانُهُ؛ فَإِنَّ اللِّصَّ لَا يَسْرِقُ مِنْ بَيْتِ لِصٍّ مِثْلِهِ اهـ. وَهَذَا إنْ سَلِمَ فَهُوَ فِي الْوَسْوَاسِ فِي الْعَقَائِدِ؛ لِمَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَحْضُ الْإِيمَانِ. عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ ابْنَ عَرَفَةَ قَالَ إنَّمَا يُبْتَلَى بِهِ فِي الدِّينِ مَنْ أَخَذَهُ تَقْلِيدًا دُونَ مَنْ عَرَفَ بَرَاهِينَهُ؛ لِأَنَّ الْوَسْوَاسَ شَكٌّ وَهُوَ لَا يَجْتَمِعُ مَعَ الِاعْتِقَادِ الْجَازِمِ الْمُسْتَنِدِ إلَى دَلِيلٍ لِكَوْنِهِ ضِدَّهُ. وَقَالَ الْعَارِفُ أَبُو الْحَسَنِ الشَّاذِلِيُّ: إذَا كَثُرَ عَلَيْك الْوَسْوَاسُ فَقُلْ: سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْخَلَّاقِ {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} [إبراهيم: 19] {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [إبراهيم: 20] ، أَذْهَبَ اللَّهُ عَنَّا سَائِرَ الْمَضَارِّ وَالْمَخَاوِفِ وَالْفِتَنِ، وَأَنَالَنَا كُلَّ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَجَعَلَنَا مِنْ أَهْلِ وِلَايَةِ أَهْلِ النِّعَمِ وَالْمِنَنِ إنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ وَبِالْإِجَابَةِ جَدِيرٌ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - بِمَا لَفْظُهُ ذَكَرَ: الشَّيْخُ زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ أَنَّهُ إذَا اسْتَوَى مُعْتَدِلًا بَعْدَ رُكُوعِهِ أَرْسَلَ يَدَيْهِ إرْسَالًا خَفِيفًا إلَى تَحْتِ صَدْرِهِ فَقَطْ. وَقَالَ غَيْرُهُ بِإِرْسَالِهِمَا فَمَا الْمُعْتَمَدُ مِنْ ذَلِكَ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ يُرْسِلُهُمَا وَلَا يَجْعَلُهُمَا تَحْتَ صَدْرِهِ، وَعِبَارَةُ شَرْحِي لِلْعُبَابِ بَعْدَ قَوْلِهِ (فَإِذَا انْتَصَبَ أَرْسَلَهُمَا) : وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّهُ لَا يَجْعَلُهُمَا تَحْتَ صَدْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ أَوْهَمَ إطْلَاقُهُمْ جَعْلَهُمَا تَحْتَهُ فِي الْقِيَامِ خِلَافَهُ، ثُمَّ رَأَيْتهمْ صَرَّحُوا بِمَا ذَكَرْته؛ فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الْقُنُوتِ فَقَالَ كَثِيرُونَ: لَا يَرْفَعُ كَدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: بَلْ يَرْفَعُ، وَفَرَّقُوا بِأَنَّ لِيَدَيْهِ ثَمَّ وَظِيفَةً أَيْ: وَهِيَ جَعْلُهُمَا تَحْتَ صَدْرِهِ وَلَا وَظِيفَةَ لَهُمَا هُنَا اهـ. فَقَوْلُهُمْ: لَا وَظِيفَةَ لَهُمَا هُنَا صَرِيحٌ فِي إرْسَالِهِمَا، وَأَنَّهُ لَا يُنْدَبُ جَعْلُهُمَا تَحْتَ الصَّدْرِ وَإِلَّا لَمْ يَتَأَتَّ الْفَرْقُ بِمَا ذُكِرَ، انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ قَوْلِ الْأَئِمَّةِ فِي السَّلَامِ: يَنْوِي بِهِ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَلَى يَمِينِهِ مِنْ مَلَائِكَةٍ وَإِنْسٍ وَجِنٍّ؛ فَلَوْ دَخَلَ عَلَى الْمُصَلِّي دَاخِلٌ حِينَئِذٍ فَهَلْ يَجِبُ الرَّدُّ عَلَيْهِ لِسَلَامِ الْمُصَلِّي أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مَا ذُكِرَ عَنْ الْأَئِمَّةِ لَا يَقْتَضِي وُجُوبَ الرَّدِّ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَعِبَارَتُهُ: اُعْتُرِضَ قَوْلُهُمْ يَنْوِي السَّلَامَ عَلَى مَنْ ذُكِرَ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ؛ فَإِنَّ الْخِطَابَ كَافٍ فِي الصَّرْفِ إلَيْهِمْ، فَأَيُّ مَعْنًى

لِلنِّيَّةِ؛ وَالصَّرِيحُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَبِأَنَّ كَلَامَ جَمْعٍ يَقْتَضِي حُصُولَ السُّنَّةِ بِالْخِطَابِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، كَمَا لَا يَحْتَاجُ الْمُسْلِمُ خَارِجَ الصَّلَاةِ إلَى نِيَّةٍ فِي أَدَاءِ السُّنَّةِ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ لَهُ مَعْنًى وَاضِحًا؛ فَإِنَّ السَّلَامَ هُنَا جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ حَقِيقَةً أَوْ تَبَعًا، فَلَمْ يَصِحَّ التَّخَاطُبُ الْعَادِيُّ بِهِ فَاحْتَاجَ فِي صَرْفِهِ لِذَلِكَ إلَى نِيَّةٍ، وَبِهِ فَارَقَ السَّلَامَ خَارِجَ الصَّلَاةِ، أَوْ نَقُولُ مَا فِيهِ مِنْ الْخِطَابِ صَيَّرَهُ مُغَايِرًا لِبَقِيَّةِ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ فَاحْتَاجَ صَرْفُهُ إلَيْهَا إلَى نِيَّةٍ لِيُثَابَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مِنْ أَجْزَائِهَا لَا لِيَصْلُحَ لِلتَّخَاطُبِ بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ لَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ؛ وَبِهَذَا يَقْرُبُ احْتِمَالُ وُجُوبِ الرَّدِّ عَلَى غَيْرِ مُصَلٍّ خُوطِبَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ عَدَمُ الْوُجُوبِ أَوْجَهَ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُصَلٍّ غَيْرُ مُتَأَهِّلٍ لِلْخِطَابِ الْعَادِيِّ، وَلَكِنْ بِهِ يُؤْمَنُ غَيْرُهُ بِسَلَامَتِهِ مِنْهُ فَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ الْمَعْنَى الْمَطْلُوبُ لَهُ السَّلَامُ بِوَجْهٍ، انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ. وَنُقِلَ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ أَفْتَى بِوُجُوبِ الرَّدِّ فَإِنْ صَحَّ عَنْهُ فَوَجْهُهُ مَا أَشَرْت إلَيْهِ، لَكِنِّي مَعَ ذَلِكَ لَا أَعْتَمِدُهُ؛ لِمَا ذَكَرْته، فَتَأَمَّلْهُ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ قُنُوتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَهْرًا يَدْعُو عَلَى أَعْدَائِهِ هَلْ كَانَ بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِالْقُنُوتِ: اللَّهُمَّ اهْدِنَا. .. إلَخْ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَالَ الْحَافِظُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ: لَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَعَ بَيْنَ هَذَيْنِ بَلْ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ اقْتَصَرَ فِي قُنُوتِهِ عَلَى الدُّعَاءِ عَلَيْهِمْ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - عَنْ حَدِيثِ: لَا تُسَيِّدُونِي فِي الصَّلَاةِ هَلْ لَهُ أَصْلٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا أَصْلَ لَهُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ وَرَدَ أَنَّ بِلَالًا أَوْ غَيْرَهُ أَذَّنُوا بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَمْ يَرِدْ ذَلِكَ إلَّا فِي أَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا، وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَنَطَقَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ الْأَذَانَ إنَّمَا شُرِعَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُؤَذِّنْ قَبْلَهَا بِلَالٌ وَلَا غَيْرُهُ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ خَبَرِ التِّرْمِذِيِّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ: إنَّ اللَّهَ يَكْرَهُ الْعُطَاسَ وَالنُّعَاسَ وَالتَّثَاؤُبَ فِي الصَّلَاةِ. وَلَهُ شَاهِدٌ ضَعِيفٌ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، هَلْ يُعَارِضُهُ الْخَبَرُ الضَّعِيفُ أَيْضًا الْمَوْقُوفُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ: إنَّ اللَّهَ يَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ وَيُحِبُّ الْعُطَاسَ فِي الصَّلَاةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يُعَارِضُهُ؛ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامَانِ: مَقَامُ إطْلَاقٍ وَمَقَامٌ نِسْبِيٌّ؛ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّ التَّثَاؤُبَ وَالنُّعَاسَ كِلَاهُمَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَإِذَا وَقَعَا فِي الصَّلَاةِ مَعَ كَوْنِهِمَا مِنْ الشَّيْطَانِ فَالْعُطَاسُ فِي الصَّلَاةِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ التَّثَاؤُبِ فِيهَا، وَالتَّثَاؤُبُ فِيهَا أَكْرَهُ إلَيْهِ مِنْ الْعُطَاسِ فِيهَا، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ أَثَرُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَهُوَ رَاجِعٌ إلَى تَفَاوُتِ رُتَبِ بَعْضِ الْمَكْرُوهِ عَلَى بَعْضٍ. كَذَا قِيلَ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي فِي الْجَوَابِ حَمْلُ الْعُطَاسِ الْمَحْبُوبِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى قَلِيلِهِ الَّذِي لَا يُخِلُّ بِخُشُوعِهَا وَالْمَكْرُوهِ فِيهَا عَلَى كَثِيرِهِ الَّذِي يُخِلُّ بِخُشُوعِهَا. وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَبْعٌ مِنْ الشَّيْطَانِ، فَذَكَرَ مِنْهَا شِدَّةَ الْعُطَاسِ، وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته فَتَأَمَّلْهُ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ حَدِيثِ: التَّكْبِيرُ جَزْمٌ، مَنْ خَرَّجَهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا أَصْلَ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَوْلِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَفَسَّرَهُ أَوْ الرَّاوِي عَنْهُ أَوْ عَبْدُ الرَّزَّاقِ الْمُخَرِّجُ لَهُ عَنْهُ؛ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُمَدُّ، وَفَسَّرَهُ بِذَلِكَ أَيْضًا فِي الْعَزِيزِ كَابْنِ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ وَجَمَاعَةٍ، وَبِهِ رُدَّ تَفْسِيرُ آخَرِينَ لَهُ بِأَنَّهُ تَسْكِينُ الرَّاءِ. عَلَى أَنَّ إطْلَاقَ الْجَزْمِ عَلَى حَذْفِ الْحَرَكَةِ لَمْ يَكُنْ مَعْهُودًا فِي زَمَنِ النَّخَعِيِّ وَإِنَّمَا هُوَ اصْطِلَاحٌ حَادِثٌ بَعْدَهُ فَلَا يَصِحُّ الْحَمْلُ عَلَيْهِ، وَخَبَرُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَنْطِقْ بِالتَّكْبِيرِ إلَّا مَجْزُومًا، قَالَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ: لَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ فَصَاحَتَهُ الْعَظِيمَةَ تَقْتَضِي ذَلِكَ. وَأَخْذُ جَمْعٍ مِنْ ذَلِكَ اشْتِرَاطَ جَزْمِ الرَّاءِ - وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ - ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ لَحْنٌ، وَهُوَ إذَا لَمْ يُغَيِّرْ الْمَعْنَى لَا يُبْطِلُ فِي الْفَاتِحَةِ وَلَا غَيْرِهَا؛ مَعَ أَنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِلَحْنٍ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ تَصْرِيحٍ بِالْحَرَكَةِ فِي حَالِ الْوَقْفِ وَهُوَ دُونَ اللَّحْنِ؛ وَمِنْ ثَمَّ كُرِهَ تَعَمُّدُ هَذَا هُنَا، وَحَرُمَ تَعَمُّدُ اللَّحْنِ وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ، وَمَنْ فَهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ اشْتِرَاطَ الْجَزْمِ فَقَدْ اسْتَرْوَحَ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي النَّدْبِ لَا غَيْرُ بِقَرِينَةِ ذِكْرِهِ ذَلِكَ مَعَ مَسْأَلَةِ الْمَدِّ. وَمَدُّ التَّكْبِيرِ لَا يُبْطِلُ بِلَا خِلَافٍ، وَحَذْفُهُ سُنَّةٌ بِلَا خِلَافٍ. وَنَصُّ الْأُمِّ عَلَى جَزْمِهِ مُرَادُهُ بِهِ حَذْفُهُ وَعَدَمُ

مَدِّهِ وَتَمْطِيطِهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ لِلسُّبْحَةِ أَصْلٌ فِي السُّنَّةِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ، وَقَدْ أَلَّفَ فِي ذَلِكَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ؛ فَمِنْ ذَلِكَ مَا صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْقِدُ التَّسْبِيحَ بِيَدِهِ.» وَمَا صَحَّ عَنْ صَفِيَّةَ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيْنَ يَدَيَّ أَرْبَعَةُ آلَافِ نَوَاةٍ أُسَبِّحُ بِهِنَّ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا بِنْتَ حُيَيٍّ. قُلْت: أُسَبِّحُ بِهِنَّ، قَالَ: قَدْ سَبَّحْت مُنْذُ قُمْت عَلَى رَأْسِك أَكْثَرَ مِنْ هَذَا، قُلْت: عَلِّمْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: قُولِي سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ مِنْ شَيْءٍ. » وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ: «عَلَيْكُنَّ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّقْدِيسِ وَلَا تَغْفُلْنَ فَتَنْسَيْنَ التَّوْحِيدَ، وَاعْقِدْنَ بِالْأَنَامِلِ فَإِنَّهُنَّ مَسْئُولَاتٌ وَمُسْتَنْطَقَاتٌ.» وَجَاءَ التَّسْبِيحُ بِالْحَصَى وَالنَّوَى وَالْخَيْطِ الْمَعْقُودِ فِيهِ عُقَدٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَأَخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ مَرْفُوعًا: نِعْمَ الْمُذَكِّرُ السُّبْحَةُ. وَعَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ: عَقْدُ التَّسْبِيحِ بِالْأَنَامِلِ أَفْضَلُ مِنْ السُّبْحَةِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. وَفَصَّلَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ: إنْ أَمِنَ الْمُسَبِّحُ الْغَلَطَ كَانَ عَقْدُهُ بِالْأَنَامِلِ أَفْضَلَ وَإِلَّا فَالسُّبْحَةُ أَفْضَلُ؟ (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّا قِيلَ إنَّ أَكْثَرَ قِرَاءَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ كَانَتْ بِقِرَاءَةِ نَافِعٍ هَلْ لَهُ أَصْلٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَالَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ لَا أَصْلَ لِذَلِكَ؛ إذْ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ أَلْبَتَّةَ، وَلَا خَرَّجَهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَا بِإِسْنَادٍ غَيْرِ صَحِيحٍ؛ بَلْ كَانَ يَقْرَأُ بِجَمِيعِ الْأَحْرُفِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَيْهِ. وَفِي الذَّخِيرَةِ لِلْقَرَافِيِّ: يُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ بِتَسْهِيلِ الْهَمْزَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لُغَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ حَسَنٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ؛ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ لُغَتَهُ لُغَةُ قُرَيْشٍ، وَلُغَتُهُمْ تَسْهِيلُ الْهَمْزَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَكْثَرِيَّةُ قِرَاءَتِهِ؛ بَلْ كَانَ تَارَةً يَقْرَأُ بِتَسْهِيلِهَا الَّذِي هُوَ لُغَتُهُ، وَتَارَةً بِتَحْقِيقِهَا الَّذِي هُوَ لُغَةُ غَيْرِ قُرَيْشٍ، وَتَارَةً بِتَرْكِ الْإِمَالَةِ كَلُغَةِ الْحِجَازِ، وَبِالْإِمَالَةِ كَلُغَةِ تَمِيمٍ. (وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَمَّا قِيلَ إنَّ الْقِرَاءَةَ بِالتَّرْقِيقِ فِي الصَّلَاةِ مَكْرُوهَةٌ لِإِذْهَابِهَا الْخُشُوعَ، صَحِيحٌ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ إذْ لَا بُدَّ لِلْكَرَاهَةِ مِنْ نَهْيٍ خَاصٍّ أَوْ قِيَاسٍ صَحِيحٍ، وَزَعْمُ إذْهَابِهَا الْخُشُوعَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْفِكْرِ فِي أَدَاءِ تِلْكَ الْهَيْئَةِ - فَجَمِيعُ هَيْئَاتِ الْأَدَاءِ كَذَلِكَ. وَالْفِكْرُ فِي أَدَاءِ الْأَلْفَاظِ الْقُرْآنِيَّةِ عَلَى الْهَيْئَةِ الَّتِي نَزَلَتْ عَلَيْهَا لَا يُنَافِي الْخُشُوعَ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ حَتَّى فِي الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا الْمُنَافِي لِلْخُشُوعِ الْفِكْرُ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَأَيْضًا الْقِرَاءَةُ بِالْأَحْرُفِ الثَّابِتَةِ فِي السَّبْعَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ إجْمَاعًا، فَكَيْفَ يُوصَفُ مَا هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ بِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ؟ وَكَأَنَّ مَا فِي السُّؤَالِ تَوَهُّمٌ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَأَكْرَهُ التَّرْقِيقَ وَالتَّفْخِيمَ وَالرَّوْمَ وَالْإِشْمَامَ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهَا تُشْغِلُ عَنْ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ. وَلَيْسَ ذَلِكَ التَّوَهُّمُ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدِينَ قَدْ يُطْلِقُونَ الْكَرَاهَةَ عَلَى الْإِرْشَادِيَّةِ الَّتِي لَا ثَوَابَ فِي تَرْكِهَا وَلَا قُبْحَ فِي فِعْلِهَا. وَنَظِيرُهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَنَا أَكْرَهُ الْإِمَامَةَ؛ لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ، وَأَنَا أَكْرَهُ سَائِرَ الْوِلَايَاتِ لَمْ يُرِدْ الْكَرَاهَةَ الشَّرْعِيَّةَ لِأَنَّهَا مِنْ قِسْمِ الْقَبِيحِ. وَالْإِمَامَةُ فَرْضُ كِفَايَةٍ لِتَوَقُّفِ الْجَمَاعَةِ الَّتِي هِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَيْهَا بَلْ هِيَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَذَانِ عِنْدَ كَثِيرِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَمُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يُحِبُّ الدُّخُولَ فِيهَا وَلَا يَخْتَارُهُ، وَلَا أَنَّهُ لَا ثَوَابَ فِيهَا إذْ الْكَرَاهَةُ وَالثَّوَابُ لَا يَجْتَمِعَانِ؛ فَكَذَلِكَ مُرَادُ مَالِكٍ بِذَلِكَ أَنَّهُ أَحَبَّ وَاخْتَارَ أَنْ لَا يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ لَا أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ شَرْعًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ حَيِّزِ الْقَبِيحِ، وَالْقِرَاءَةُ الْمَذْكُورَةُ لَا تُوصَفُ بِذَلِكَ قَطْعًا. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ يُصَلِّي وَيَقُولُ فِي الْفَاتِحَةِ: وَلَا الظَّالِّينَ، هَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ؟ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَؤُمَّ بِالْمُسْلِمِينَ؟ وَهَلْ يَكُونُ آثِمًا فِي إمَامَتِهِ أَمْ مُثَابًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَمَّا صَلَاتُهُ فَلَا تَصِحُّ إلَّا إنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ النُّطْقِ بِالضَّادِ، وَيَلْزَمُهُ التَّعَلُّمُ لِلنُّطْقِ بِهَا مَا أَمْكَنَهُ، وَلَوْ بِأُجْرَةٍ لِمَنْ يُعَلِّمُهُ، وَمَتَى تَرَكَ ذَلِكَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ وَيُعَزَّرُ عَلَيْهِ التَّعْزِيرَ الْبَلِيغَ الزَّاجِرَ لَهُ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْقَبَائِحِ الَّتِي يُفَسَّقُ مُرْتَكِبُهَا. وَأَمَّا إمَامَتُهُ لِلنَّاسِ فَلَا تَصِحُّ فَيُعَزَّرُ عَلَيْهَا أَيْضًا؛ إلَّا إنْ كَانَ الْمُؤْتَمُّ بِهِ مِثْلَهُ فِي الْعَجْزِ عَنْ النُّطْقِ بِالضَّادِ فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ إمَامَتُهُ بِهِ، وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَضَاعُوا حُقُوقَ الْقُرْآنِ وَمَا يَجِبُ لَهُ مِنْ تَعَلُّمِ إخْرَاجِ الْحُرُوفِ مِنْ مَخَارِجِهَا فَأَثِمُوا بَلْ فَسَقُوا وَبَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ وَشَهَادَتُهُمْ؛ فَيَتَعَيَّنُ

عَلَيْهِمْ السَّعْيُ فِيمَا قُلْنَاهُ، وَبَذْلُ الْجُهْدِ فِي التَّعَلُّمِ مَا أَمْكَنَهُمْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ قَوْلِ الْأَصْحَابِ: تُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ عَلَى تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ وَمُتَوَالِيًا، فَإِذَا شُرِعَتْ لِلْإِمَامِ قِرَاءَةُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ جَهْرًا مَثَلًا، وَقُلْتُمْ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَسْكُتَ بَعْدَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ بِقَدْرِ مَا يَقْرَؤُهَا الْمَأْمُومُ، وَأَنَّ الْأَفْضَلَ لَهُ فِي سُكُوتِهِ الْقِرَاءَةُ؛ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ فِي سُكُوتِهِ الْأَوَّلِ يَقْرَأُ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ سِرًّا؛ لِاتِّصَالِهَا بِمَا يَقْرَؤُهُ جَهْرًا مِنْ سُورَةِ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، وَمَا الَّذِي يَقْرَؤُهُ فِي السُّكُوتِ الثَّانِي؟ هَلْ يَقْرَأُ سُورَةَ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ سِرًّا ثُمَّ جَهْرًا؟ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَكْرِيرٌ مُحَافَظَةً عَلَى النَّمَطِ السَّابِقِ أَوْ الْحُكْمُ غَيْرُ ذَلِكَ؟ وَمَا هُوَ أَثَابَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَأَدَامَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ السَّابِغَةَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْوَجْهُ أَنَّهُ يَقْرَأُ النَّاسَ سِرًّا ثُمَّ جَهْرًا. وَلَا نَظَرَ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ تَكْرِيرِ قِرَاءَتِهَا؛ لِأَنَّهُ صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَرَأَ فِي الصُّبْحِ بِإِذَا زُلْزِلَتْ مَرَّتَيْنِ كُلُّ مَرَّةٍ فِي رَكْعَةٍ فَلَا مُخَالَفَةَ فِي ذَلِكَ لِلسُّنَّةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَلَّ بِتَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ أَوْ الْمُوَالَاةِ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الصَّرِيحَةِ. هَذَا إنْ فُرِضَ أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ قِرَاءَةُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ بِخُصُوصِهِمَا جَهْرًا كَمَا فِي السُّؤَالِ، وَكَذَا يُقَالُ بِنَظِيرِ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ وَسَبِّحْ وَهَلْ أَتَاك، فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ؛ فَفِي الثَّانِيَةِ يَقْرَأُ مِنْ الْمُنَافِقِينَ أَوْ هَلْ أَتَاك فِي سُكُوتِهِ بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ، ثُمَّ يَقْرَأُ السُّورَةَ بِكَمَالِهَا وَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ التَّكْرِيرِ؛ لِمَا تَقَرَّرَ. أَمَّا إذَا لَمْ يُسَنَّ الْجَهْرُ فِيهِمَا بِخُصُوصِهِمَا فَالْأَوْلَى أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي السُّكُوتِ الثَّانِي قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، ثُمَّ يَقْرَأُ جَهْرًا مِنْ أَوَّلِ الْبَقَرَةِ؛ كَمَا إذَا قَرَأَ جَهْرًا فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ بِ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] ، فَإِنَّهُ يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ بِأَوَّلِ الْبَقَرَةِ، كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ. وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّهُ يُلْزَمُ عَلَى قِرَاءَةِ النَّاسِ؛ إمَّا تَطْوِيلُ الثَّانِيَةِ إنْ أَكْمَلَ الْبَقَرَةَ؛ وَإِمَّا عَكْسُ التَّرْتِيبِ إنْ قَرَأَ بِغَيْرِهَا، وَكُلٌّ مِنْهُمَا خِلَافُ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّا لَا نَأْمُرُهُ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ، وَإِنَّمَا نَأْمُرُهُ بِقِرَاءَةِ نَحْوِ آيَتَيْنِ مِنْ أَوَّلِ الْبَقَرَةِ، كَمَا أَفْهَمَهُ قَوْلُ الْمَجْمُوعِ قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ أَوَّلَ الْبَقَرَةِ، وَإِنَّمَا آثَرُوا هَذَا لِلِاضْطِرَارِ إلَى أَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ. وَهَذَا أَخَفُّ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ؛ إذْ تَطْوِيلُ الثَّانِيَةِ الَّذِي لَمْ يَرِدْ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الصَّرِيحَةِ فَارْتِكَابُ بَعْضِ السُّورَةِ أَوْلَى مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَفْرِيقِهِ الْأَعْرَافَ عَلَى رَكْعَتَيْ الْمَغْرِبِ وَقِرَاءَتِهِ آيَتَيْ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ. وَكَذَلِكَ الْقِرَاءَةُ عَلَى عَكْسِ تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ مُخَالِفَةٌ لِلسُّنَّةِ الصَّرِيحَةِ أَيْضًا؛ فَكَانَ ارْتِكَابُ بَعْضِ السُّورَةِ أَوْلَى مِنْهُ. وَأَمَّا قِرَاءَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَكْعَةٍ بِالْبَقَرَةِ ثُمَّ بِالنِّسَاءِ ثُمَّ بِآلِ عِمْرَانَ - فَهُوَ إيمَاءٌ إلَى أَنَّ آلَ عِمْرَانَ كَانَتْ مُؤَخَّرَةً كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، أَوْ أَنَّهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ. وَأَمَّا أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْمُنَافِقِينَ فِي أُولَى الْجُمُعَةِ بِقِرَاءَةِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ فِي ثَانِيَتِهَا فَهُوَ إنَّمَا هُوَ لِحِكْمَةٍ اقْتَضَتْ ذَلِكَ؛ وَهِيَ إعْلَامُهُ بِأَنْ لَا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ الْمَقْصُودَتَيْنِ لِذَاتِهِمَا، وَأَيْضًا تَرْتِيبُ السُّوَرِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَقِرَاءَةُ سُورَةٍ كَامِلَةٍ ثَبَتَ اجْتِهَادًا فَكَانَتْ مُخَالَفَةُ هَذَا الثَّانِي بِقِرَاءَةِ أَوَّلِ الْبَقَرَةِ أَخَفَّ مِنْ مُخَالَفَةِ الْأَوَّلِ بِقِرَاءَةِ غَيْرِهَا، فَتَأَمَّلْهُ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ الْإِحْضَارِ الْمَذْكُورِ مِنْ شَرَائِطِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ هَلْ هُوَ شَرْطٌ لِلنِّيَّةِ حَتَّى تَتِمَّ أَوْ شَيْءٌ آخَرُ؟ وَهَلْ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِهِمْ فَيُحْضِرُهُ؛ أَيْ مَا يَجِبُ قَصْدُهُ حَتْمًا وَيَتَلَفَّظُ بِهِ نَدْبًا، ثُمَّ يَقْصِدُهُ مُقَارِنًا لِأَوَّلِ التَّكْبِيرِ أَنَّ النِّيَّةَ وَالْإِحْضَارَ شَيْئَانِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْإِحْضَارُ الْمَذْكُورُ شَرْطٌ لِلِاعْتِدَادِ بِالنِّيَّةِ، فَهُوَ غَيْرُهَا، كَمَا صَرَّحُوا بِهِ حَيْثُ قَالُوا مَا حَاصِلُهُ: الْمَذْهَبُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ تَجِبُ مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى جَمِيعِ مَا يُعْتَبَرُ فِيهَا مِنْ قَصْدِ الْفِعْلِ أَوْ وَالتَّعْيِينِ أَوْ وَالْفَرْضِيَّةِ أَوْ وَالْقَصْرِ أَوْ وَالِاقْتِدَاءِ أَوْ وَالْإِمَامَةِ فِي الْجُمُعَةِ لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ؛ بِأَنْ يَسْتَحْضِرَ فِي ذِهْنِهِ ذَاتَ الصَّلَاةِ. وَمَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهُ فِيهَا مِمَّا ذُكِرَ، ثُمَّ يَقْصِدُ إلَى فِعْلِ هَذَا الْمَعْلُومِ، وَيَجْعَلُ قَصْدَهُ هَذَا مُقْتَرِنًا بِأَوَّلِ التَّكْبِيرَةِ، وَيَسْتَدِيمُ اسْتِحْضَارَ قَصْدِهِ لِتِلْكَ الْمَعْلُومَاتِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَيْهَا النِّيَّةُ فِي قَلْبِهِ حَتَّى يُفْرِغَ الرَّاءَ مِنْ (أَكْبَرُ) . قَالَ بَعْضُهُمْ: وَتَسْمِيَةُ هَذِهِ الْإِدَامَةِ اسْتِمْرَارًا لِلنِّيَّةِ مَجَازٌ؛ إذْ اسْتِحْضَارُ النِّيَّةِ غَيْرُهَا؛ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَقْدِيمُ الْقَصْدِ عَلَى ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ. وَقِيلَ: يَجِبُ، وَأَنَّهُ لَا يَكْفِي تَوْزِيعُهُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَبْتَدِئَهُ مَعَ ابْتِدَائِهِ

وَيُنْهِيَهُ مَعَ انْتِهَائِهِ؛ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ خُلُوِّ مُعْظَمِ التَّكْبِيرِ عَنْ تَمَامِ النِّيَّةِ، وَهَذَا هُوَ مُرَادُ الْأَنْوَارِ مِنْ قَوْلِهِ: وَلَا يَجِبُ أَنْ يُقَدِّمَ النِّيَّةَ أَيْ الْقَصْدَ إلَى تِلْكَ الْمَعْلُومَاتِ عَلَى التَّكْبِيرِ. وَلَوْ قَدَّمَ فَالِاعْتِبَارُ بِالْمُقَارَنِ بَلْ الْوَاجِبُ أَنْ يَتَقَدَّمَ الْإِحْضَارُ فِي الذِّهْنِ ثُمَّ الْقَصْدُ إلَى الْمَعْلُومِ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَ النِّيَّةَ بِالْقَلْبِ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ بِاللِّسَانِ وَيَفْرُغَ مِنْهَا مَعَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّكْبِيرِ اهـ. وَقِيلَ: يَكْفِي ذَلِكَ التَّوْزِيعُ، قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ - مُتَعَقِّبًا قَوْلَ إمَامِهِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ -: حَقِيقَةُ الْمُقَارَنَةِ الَّذِي ذَكَرُوهُ لَا تَحْوِيهِ الْقُدْرَةُ الْبَشَرِيَّةُ اهـ. وَأَمْرُ هَذِهِ الْمُقَارَنَةِ سَهْلٌ، وَإِنَّمَا سَبَبُ عُسْرِهِ الْوَسْوَسَةُ أَوْ الْجَهْلُ بِحَقِيقَتِهَا، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ وَأَطَالَ فِيهِ بِمَا بَيَّنْت مَا فِيهِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ تَرَكَ تَسْبِيحَ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ الْأَوَّلِ فَهَلْ يُعِيدُهُ فِي الثَّانِي كَمَا فِي قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ تُجْبَرُ الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ؟ وَإِذَا سَبَّحَ فِي الْأُولَى مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَهَلْ يُعِيدُ الْبَاقِيَ فِي الثَّانِيَةِ مَعَ الَّتِي فِيهَا أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَأْتِي بِمَا تَرَكَهُ سَوَاءٌ الْكُلُّ أَوْ الْبَعْضُ فِي مُمَاثِلِهِ الَّذِي يَلِيه مِنْ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي تَعْقُبُ الْمَتْرُوكَ فِيهَا، وَالسُّجُودِ الَّذِي يَلِي الْمَتْرُوكَ فِيهِ مِنْ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ؛ بِأَنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ مِنْهُ السُّجُودَ الْأَوَّلَ أَوْ رَكْعَةٍ أُخْرَى؛ بِأَنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ مِنْهُ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ، سَوَاءٌ كَانَ التَّرْكُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا؛ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِمْ: لَوْ تَرَكَ قِرَاءَةَ الْجُمُعَةِ أَوْ سَبِّحْ مِنْ أُولَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا قَرَأَهَا مَعَ الْمُنَافِقِينَ أَوْ هَلْ أَتَاك فِي الثَّانِيَةِ. وَإِنْ لَزِمَ تَطْوِيلُهَا عَلَى الْأُولَى؛ لِأَنَّ مَحَلَّ كَرَاهَتِهِ إذَا لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِهِ، وَهُنَا وَرَدَ بِهِ إذْ الْمُنَافِقُونَ وَالْغَاشِيَةُ أَطْوَلُ مِنْ الْجُمُعَةِ أَوْ سَبِّحْ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ: وَلِأَنَّ تَرْكَهُ أَدَبٌ لَا يُقَاوِمُ فَضْلَهُمَا. وَنَظَرَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ الْجُمُعَةُ فَاتَ مَحَلُّهَا مَعَ مُخَالَفَةِ سُنَّةِ التَّرْتِيبِ وَمَعَ التَّطْوِيلِ عَلَى الْمَأْمُومِينَ، وَيُرَدُّ بِمَنْعِ فَوَاتِ مَحَلِّهَا لِقَوْلِهِمْ: الْقَصْدُ أَنْ لَا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْهُمَا، وَبِأَنَّ هَذَا أَوْلَى مِنْ رِعَايَةِ التَّرْتِيبِ. وَالتَّطْوِيلُ إنَّمَا يُذَمُّ حَيْثُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ بِخُصُوصِهِ وَإِلَّا لَمْ يُعْتَبَرْ رِضَاهُمْ مُطْلَقًا، وَلَوْ قَرَأَ الثَّانِيَةَ فِي الْأُولَى قَرَأَ الْأُولَى فَقَطْ فِي الثَّانِيَةِ؛ كَيْ لَا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْهُمَا كَمَا تَقَرَّرَ، وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ يُسَنُّ لَهَا سُورَتَانِ مَخْصُوصَتَانِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِهِ مُطْلَقًا؛ قِيَاسًا عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ أَوْ الْمُنْفَرِدُ التَّكْبِيرَاتِ السَّبْعَ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ لَمْ يَتَدَارَكْهَا فِي الثَّانِيَةِ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْأُمِّ وَجَرَى عَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ. وَقَوْلُ الْعُبَابِ: إنَّهُ يَتَدَارَكُهَا فِي الثَّانِيَةِ مَعَ تَكْبِيرِهَا - سَهْوٌ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِهِ، وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي أَثْنَاءِ التَّكْبِيرَاتِ لَمْ يَتَدَارَكْ الْفَائِتَ نَدْبًا فِي الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَتَحَمَّلُهُ عَنْهُ قَالُوا: وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَبَّرَ مَعَهُ خَمْسًا، وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا فَقَطْ؛ لِأَنَّ فِي قَضَاءِ ذَلِكَ تَرْكَ سُنَّةٍ أُخْرَى، وَبِهِ فَارَقَ مَا مَرَّ فِي الْجُمُعَةِ، وَفَارَقَ مَا يَأْتِي فِي قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ؛ بِأَنَّ السُّنَّةَ عَدَمُ السَّبْعِ فِي الثَّانِيَةِ. وَلَيْسَتْ السُّنَّةُ عَدَمَ السُّورَةِ فِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ بَلْ لَا تُسَنُّ فِيهِمَا. وَفَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَرْبِعَاءَ لَا يُسَنُّ صَوْمُهُ مَعَ أَنَّ مَنْ صَامَهُ أُثِيبَ؛ لِإِتْيَانِهِ بِعِبَادَةٍ، وَبِأَنَّ السُّنَّةَ فِي تَكْبِيرِ الْعِيدِ الْجَهْرُ، فَلَوْ أَتَى بِالتَّكْبِيرَةِ السَّادِسَةِ أَوْ السَّابِعَةِ جَهْرًا غَيَّرَ شِعَارَ الثَّانِيَةِ، بِخِلَافِ السُّوَرِ فَإِنَّهُ يُسَنُّ الْإِسْرَارُ بِهَا فَلَيْسَ فِي الْإِتْيَانِ بِهَا تَغْيِيرُ شِعَارِ الْأَخِيرَتَيْنِ. وَقِيَاسًا أَيْضًا عَلَى مَا لَوْ تَرَكَ رَمَلَ الطَّوَافِ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ لَا يَأْتِي بِهِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِيهَا الْمَشْيُ، وَعَلَى مَا لَوْ فُقِدَتْ يَمِينُهُ فَإِنَّهُ لَا يَفْعَلُ فِي تَشَهُّدِ الصَّلَاةِ بِيَسَارِهِ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ فِيهِ بِيَمِينِهِ؛ لِفَوَاتِ سُنَّةِ بَسْطِ الْيَسَارِ، وَيُحْتَمَلُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الْمَعْذُورِ فَيَأْتِي بِذَلِكَ وَغَيْرِهِ، فَلَا يَأْتِي بِهِ؛ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِمْ: لَوْ فَاتَهُ مَعَ الْإِمَامِ أُوِّلَتَا الرُّبَاعِيَّةِ - قَرَأَ السُّورَةَ سِرًّا فِي أَخِيرَتَيْهِمَا؛ لِئَلَّا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ مِنْهُمَا، فَلَمْ يَقُولُوا بِنَدْبِ التَّدَارُكِ هُنَا إلَّا لِلْمَعْذُورِ دُونَ غَيْرِهِ؛ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: لَوْ أَدْرَكَ ثَانِيَةَ رُبَاعِيَّتِهِ وَأَمْكَنَتْهُ السُّورَةُ فِي أُولَيَيْهِ تَرَكَهَا فِي الْبَاقِي، وَإِنْ تَعَذَّرَتْ فِي ثَانِيَتِهِ دُونَ ثَالِثَتِهِ قَرَأَهَا، وَلَا يَقْرَؤُهَا فِي الرَّابِعَةِ اهـ. فَإِنْ قُلْتَ: قَدْ ظَهَرَ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ الثَّلَاثِ وَجْهًا وَسَنَدًا مِنْ كَلَامِهِمْ، فَمَا الَّذِي يَتَرَجَّحُ مِنْهَا؟ قُلْتُ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ إمَامَ

غَيْرِ الْمَحْصُورِينَ لَا يُتَدَارَكُ؛ لِأَنَّهُ يُطَوِّلُ عَلَيْهِمْ بِمَا لَمْ يَرِدْ؛ إذْ السُّنَّةُ لَهُ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ، وَبِهَذَا فَارَقَ مَا مَرَّ فِي الْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَهُ قِرَاءَةُ تَيْنِك السُّورَتَيْنِ، وَإِنْ طَوَّلَ عَلَيْهِمْ؛ لِوُرُودِهِمَا فِيهَا بِخُصُوصِهِمَا. وَالْمَأْمُومُ تَابِعٌ لِإِمَامِهِ تَطْوِيلًا وَضِدَّهُ. وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ وَإِمَامُ الْمَحْصُورِينَ الرَّاضِينَ بِشَرْطِهِمْ فَيُتَدَارَكُ كُلٌّ مِنْهُمَا إنْ عُذِرَ؛ بِأَنْ يَأْتِيَ بِمَا يُسَنُّ فِي الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَبِمَا فَوَّتَهُ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي الْجُمُعَةِ بِأَنَّهُ وَرَدَ فِيهِ شَيْءٌ بِخُصُوصِهَا، فَتَأَكَّدَتْ الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهِ، وَإِنْ طَوَّلَ أَوْ أَخَلَّ بِالتَّرْتِيبِ أَوْ تَعَمَّدَ التَّرْكَ كَمَا مَرَّ. وَالسُّجُودُ وَالرُّكُوعُ لَمْ يَرِدْ فِيهِمَا شَيْءٌ خَاصٌّ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ؛ فَكَانَتْ أَذْكَارُهُمَا أَشْبَهَ بِمُطْلَقِ السُّورَةِ فِي الصَّلَاةِ، فَيَأْتِي فِيهِمَا مَا فِيهَا، وَفَارَقَ مَا مَرَّ فِي الْعِيدِ وَالطَّوَافِ وَالتَّشَهُّدِ بِأَنَّ التَّدَارُكَ ثَمَّ يَلْزَمُهُ فَوَاتُ شِعَارٍ مَنْدُوبٍ وَلَا كَذَلِكَ هُنَا، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّا صُورَتُهُ: ذَكَرُوا أَوَائِلَ بَابِ الصَّلَاةِ كَمَا فِي الْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ فِيمَا لَوْ شَكَّ بَعْدَ الْوَقْتِ، هَلْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ؟ وَذَكَرُوا فِي بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ مَا قَدْ يُخَالِفُ ذَلِكَ؛ حَيْثُ قَالُوا - وَاللَّفْظُ لِلْعُبَابِ -: وَإِذَا أَحْدَثَ وَمَسَحَ وَصَلَّى عَقِبَهُ صَلَوَاتٍ، إلَى قَوْلِهِ: وَفِي الْمَسْحِ بِأَنَّهُ لِزَمَنٍ يَسَعُ أَرْبَعًا اهـ فَإِنَّ فِي هَذَا إلْزَامًا بِالْقَضَاءِ بِالشَّكِّ بَعْدَ الْوَقْتِ، كَمَا لَا يَخْفَى؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا مُخَالَفَةَ؛ لِأَنَّ صُورَةَ الْأُولَى كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ أَنْ يَشُكَّ: هَلْ لَزِمَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ ذِمَّتَهُ أَوْ لَا؟ وَعَدَمُ اللُّزُومِ فِي هَذِهِ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ شَغْلُ الذِّمَّةِ بِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ: هَلْ صَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ؟ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ هُنَا تَيَقَّنَ لُزُومَهَا لِذِمَّتِهِ، وَشَكَّ فِي أَدَائِهَا فَلَزِمَهُ، وَكَذَا فِيمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ؛ لِأَنَّ الصَّلَوَاتِ الْمَقْضِيَّةَ لَزِمَتْ ذِمَّتَهُ يَقِينًا ثُمَّ شَكَّ فِي بَعْضِهَا: هَلْ فَعَلَهُ أَوْ لَا؟ فَلَزِمَهُ فِعْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ فِعْلِهِ لَهُ، فَإِنْ قُلْتَ: شَكُّهُ فِي أَنَّهَا هَلْ لَزِمَتْ ذِمَّتَهُ شَكٌّ فِي أَنَّهُ هَلْ صَلَّاهَا أَوْ لَا؟ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. قُلْتُ: مَمْنُوعٌ بَلْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي اللُّزُومِ شَكٌّ فِي طَارِئٍ عَلَى بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، وَالشَّكُّ فِي الْفِعْلِ شَكٌّ فِي مُسْقِطٍ لِمَا لَزِمَ الذِّمَّةَ، وَكَوْنُ مَا حَصَلَ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ قَدْ يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ لَا نَظَرَ إلَيْهِ؛ لِبُعْدِهِ وَعَدَمِ تَبَادُرِهِ مِنْ ذَلِكَ. ثُمَّ رَأَيْتُنِي فِي شَرْحِ الْعُبَابِ ذَكَرْتُ حَاصِلَ مَا مَرَّ مَعَ نَقْلِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الْمَجْمُوعِ وَعِبَارَتُهُ: قَالَ فِي الذَّخَائِرِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا - وَأَقَرَّهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ -: وَمَنْ تَرَدَّدَ فِيمَا مَضَى مِنْ صَلَاةِ شَهْرٍ مَثَلًا؛ أَيْ هَلْ هِيَ عَلَيْهِ أَوْ لَا؟ لَمْ يُؤَثِّرْ قَطْعًا اهـ وَيُؤَيِّدُهُ - بَلْ يُصَرِّحُ بِهِ - قَوْلُ الْمَجْمُوعِ: لَوْ شَكَّ بَعْدَ الْوَقْتِ هَلْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ؟ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهَا، فَإِنْ قَضَاهَا فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا عَلَيْهِ لَمْ تُجْزِئْهُ اتِّفَاقًا اهـ وَجَرَى عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ. وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ بَعْدَ الْوَقْتِ هَلْ صَلَّى أَوْ لَا؟ لَزِمَتْهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ؛ لِمَا فِي كُلٍّ مِنْ الْعَمَلِ بِالْأَصْلِ؛ إذْ هُوَ فِي الْأُولَى أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ عَدَمُ فِعْلِهَا. وَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ اتِّحَادَهُمَا؛ فَنَقَلَ فِي هَذِهِ عَنْ الْمَجْمُوعِ عَدَمَ اللُّزُومِ، وَهُوَ غَفْلَةٌ عَمَّا ذَكَرْتُهُ مِنْ الْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْنَهُمَا؛ إذْ الَّذِي فِيهِ إنَّمَا هُوَ الْأُولَى، وَلَيْسَتْ الثَّانِيَةُ مِثْلَهَا كَمَا عَلِمْتَ. نَعَمْ، نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ شَكَّ هَلْ قَضَى الْفَائِتَةَ الَّتِي عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاؤُهَا اهـ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ. وَلَا يُنَافِي مَا فِي الْمَتْنِ قَوْلُ الْقَفَّالِ لَوْ لَمْ يَدْرِ عَدَدَ فَائِتَتِهِ؛ فَإِنْ ذَكَرَ الْيَوْمَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الشَّكُّ؛ كَأَنْ قَالَ: أَنَا شَاكٌّ فِي أَنِّي تَرَكْت الصَّلَاةَ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ رَمَضَانَ، أَوْ لَمْ أَتْرُكْ إلَّا صَلَوَاتِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَقَطْ - لَزِمَهُ قَضَاءُ صَلَوَاتِ جَمِيعِ الْعَشْرِ، وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ شَكَّ فِي الْعَشْرِ الْأُوَلِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: أَشُكُّ هَلْ هِيَ عَشْرُ صَلَوَاتٍ مِنْ الشَّهْرِ أَوْ جَمِيعُهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْأَقَلُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفْ الْوَقْتَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الشَّكُّ اهـ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَرَّ عَنْهُ أَوَّلَ الْفَرْعِ. وَقِيَاسُ مَا مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُنَا عَدَمُ التَّرْكِ، فَهُوَ كَأَصْلِ أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِ ثَمَّ، وَهُنَا فِي صُورَتِهِ الثَّانِيَةِ فَلَا يَلْزَمُهُ فِيهَا، وَلَا الْأَقَلُّ؛ لِلْأَصْلِ الَّذِي قُلْنَاهُ، وَمَعَ النَّظَرِ إلَيْهِ لَا تَظْهَرُ تَفْرِقَتُهُ الْمَذْكُورَةُ بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْرِفَ وَقْتَ الشَّكِّ وَأَنْ لَا. وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ أَيْضًا ضَعْفُ قَوْلِهِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ، فَلَوْ كَانَ لَهُ إبِلٌ وَبَقَرٌ وَغَنَمٌ وَنَقْدٌ فَشَكَّ هَلْ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ أَوْ الْكُلِّ؟ لَزِمَهُ الْكُلُّ، أَوْ هَلْ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ مِنْ جُمْلَةِ الزَّكَاةِ أَوْ أَرْبَعُونَ

دِرْهَمًا وَلَمْ يَعْرِفْ عَيْنَ ذَلِكَ الْمَالِ؟ لَزِمَهُ الدِّرْهَمُ فَقَطْ اهـ وَقِيَاسُ مَا مَرَّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَرْبَعُونَ؛ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَوْ كَانَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ وَلَمْ يَدْرِ هَلْ هِيَ بَقَرَةٌ أَوْ شَاةٌ لَزِمَاهُ؛ قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمِنْهُ يُعْلَمُ التَّصْوِيرُ بِمَا إذَا لَزِمَهُ الْأَمْرَانِ وَأَخْرَجَ أَحَدَهُمَا وَشَكَّ فِيهِ، أَمَّا إذَا لَزِمَهُ أَحَدُهُمَا فَقَطْ وَشَكَّ فِي عَيْنِهِ فَيَتَّجِهُ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ. وَنُقِلَ عَنْ الْبَيَانِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فِي كِيسٍ وَمِثْلُهُمَا فِي آخَرَ، وَشَكَّ هَلْ بَقِيَ عَلَيْهِ خَمْسَةٌ مِنْ جُمْلَةِ زَكَاةِ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ فِي مِائَتَيْنِ فِي كِيسٍ بِعَيْنِهِ هَلْ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ أَوْ لَا؟ فَإِنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهَا وَعَلَيْهِ إخْرَاجُهَا. وَمِثْلُهُ لَوْ لَزِمَهُ كَفَّارَاتٌ فَأَعْتَقَ ثُمَّ شَكَّ فِي بَقَاءِ شَيْءٍ عَلَيْهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَكَّ هَلْ كَفَّرَ عَنْ ظِهَارِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مَثَلًا اهـ وَقِيَاسُ مَا مَرَّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْخَمْسَةُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى أَيْضًا، وَالتَّكْفِيرُ عَمَّا لَمْ يَتَيَقَّنْ التَّكْفِيرَ عَنْهُ، وَالضَّابِطُ أَنَّهُ مَتَى لَزِمَهُ شَيْءٌ وَشَكَّ هَلْ أَخْرَجَهُ أَوْ لَا - لَزِمَهُ إخْرَاجُهُ؛ لِتَيَقُّنِ شَغْلِ الذِّمَّةِ بِهِ، فَلَا تَبْرَأُ إلَّا بِتَيَقُّنِ إخْرَاجِهِ، وَمَتَى شَكَّ هَلْ لَزِمَهُ كَذَا، أَوْ لَا؟ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ: لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَشَكَّ فِي قَدْرِهِ لَزِمَهُ إخْرَاجُ الْيَقِينِ فَقَطْ، قَطَعَ بِهِ الْإِمَامُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تَشْتَغِلَ الذِّمَّةُ بِالْأَصْلِ فَلَا تَبْرَأُ إلَّا بِيَقِينٍ؛ كَمَا لَوْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ، انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مَبْنِيٌّ، عَلَى مَا مَرَّ عَنْهُ أَوَّلَ الْفَرْعِ، إلَى قَوْلِهِ: وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ فَوَائِتُ لَا يَدْرِي قَدْرَهَا وَعَدَدَهَا؛ كَأَنْ عَلِمَ تَرْكَ صَلَوَاتٍ مِنْ شَهْرٍ مَثَلًا وَجَهِلَ قَدْرَهَا، قَضَى مَا لَا يَتَيَقَّنُ فِعْلَهُ مِنْهَا، كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ بَعْضِ الْأَصْحَابِ لِمَنْ قَالَ: عَلَيَّ فَوَائِتُ لَا أَذْكُرُ عَدَدَهَا - نَرُدُّكَ إلَى زَمَنِ بُلُوغِك: فَمَا تَتَحَقَّقُ مِنْ وَقْتِ بُلُوغِك أَنَّك قَدْ فَعَلْته فَذَاكَ، وَمَا شَكَكْت فِيهِ وَجَبَ عَلَيْك قَضَاؤُهُ اهـ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا قَوْلُ الْقَفَّالِ: يَلْزَمُهُ مَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ تَرَكَهُ، وَمَا شَكَّ فِيهِ لَا يَلْزَمُهُ، فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَعْدَ تَيَقُّنِ التَّرْكِ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْجَمِيعِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ أَدَائِهِ لَهُ فَلَزِمَهُ قَضَاءُ مَا شَكَّ فِي أَدَائِهِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ رَدِّ الْقَاضِي لَهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى أَنَّ مَنْ شَكَّ فِي تَرْكِ فَرْضٍ بَعْدَ السَّلَامِ لَا يُؤَثِّرُ؛ لِأَنَّ ذَاكَ هُوَ الْأَصَحُّ حَيْثُ كَانَ الْمَشْكُوكُ فِيهِ غَيْرَ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ. وَأَمَّا تَضْعِيفُهُ - أَعْنِي الْقَفَّالَ لِلْأَوَّلِ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا لَا يَتَذَكَّرُ صَلَاةَ أُسْبُوعٍ، فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى التَّضْيِيقِ، فَيُرَدُّ بِأَنَّهُ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَى بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مَا أَمْكَنَ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ عُسْرٌ وَمَشَقَّةٌ اهـ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ فَكَّ الْإِدْغَامَ عَمْدًا مَعَ الْإِتْيَانِ بِالْحَرْفَيْنِ هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ وَجَرَيْتُ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ الْبُطْلَانُ، وَعِبَارَتُهُ: أَوْ خَفَّفَ حَرْفًا مُشَدَّدًا بِحَذْفِ الشَّدَّةِ أَوْ فَكَّ الْمُدْغَمَ، كَذَا قِيلَ. وَالثَّانِي غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ فَكَّهُ حَذْفٌ لَهَا بِلَا عُذْرٍ؛ أَيْ بِأَنْ قَدَّرَ أَوْ قَصَّرَ بِتَرْكِ التَّعَلُّمِ بَطَلَتْ قِرَاءَتُهُ لِتِلْكَ الْكَلِمَةِ؛ لِتَغْيِيرِهِ النَّظْمَ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَسْطُرٍ: وَمَحَلُّ بُطْلَانِ الْقِرَاءَةِ دُونَ الصَّلَاةِ بِتَخْفِيفِ الْمُشَدَّدِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهِ الْمَعْنَى وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، كَمَا قَالَ - تَبَعًا لِلْأَنْوَارِ - وَلَوْ تَرَكَ تَشْدِيدَ الْجَلَالَةِ مِنْ بِسْمِ اللَّهِ، أَيْ مَثَلًا، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ أَيْ لِأَنَّهُ يُغَيِّرُ الْمَعْنَى بَلْ رُبَّمَا يُؤَدِّي إلَى الْكُفْرِ وَإِلَّا يَتْرُكُهُ عَمْدًا. فَقِرَاءَتُهُ هِيَ الَّتِي تَبْطُلُ فَيُعِيدُهَا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، أَوْ تَرَكَ تَشْدِيدَ إيَّاكَ عَمْدًا عَالِمًا بِمَعْنَاهُ كَفَرَ؛ لِأَنَّ الْإِيَا ضَوْءُ الشَّمْسِ. هَذَا إنْ قَصَدَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ الْقِرَاءَةَ الشَّاذَّةَ، وَأَنَّ إيَّا إنَّمَا خُفِّفَتْ لِكَرَاهَةِ ثِقَلِ تَشْدِيدِهَا بَعْدَ كَسْرَةٍ؛ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ عَدَمُ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَمْ يَتَغَيَّرْ عِنْدَ مُرَاعَاةِ ذَلِكَ الْقَصْدِ، وَيُحْتَمَلُ الْبُطْلَانُ؛ لِأَنَّ نَقْصَ الْحَرْفِ فِي الشَّاذَّةِ مُبْطِلٌ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَعْنَى. وَتَرْكُ الشَّدَّةِ كَتَرْكِ الْحَرْفِ، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ؛ لِمَا يَأْتِي مِنْ رَدِّ عِلَّةِ الثَّانِي، أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا سَجَدَ لِلسَّهْوِ اهـ وَبِمَا ذَكَرَهُ فِي إيَّاكَ صَرَّحَ الْخَطَّابِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَيُوَافِقُ مَا قَالُوهُ مِنْ سُجُودِ السَّهْوِ مَا يَأْتِي عَنْ التَّتِمَّةِ وَالْبَحْرِ وَقَوْلُ الْكِفَايَةِ: وَحَيْثُ بَطَلَتْ قِرَاءَتُهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. وَهُوَ ظَاهِرٌ لِلْقَاعِدَةِ الْآتِيَةِ: إنَّ مَا أَبْطَلَ عَمْدُهُ يُسْجَدُ لِسَهْوِهِ. وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: لَا سُجُودَ لِلسَّهْوِ؛ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْإِبْدَالَ وَتَخْفِيفَ الشَّدَّةِ بِلَا عُذْرٍ يُبْطِلَانِ الْقِرَاءَةَ لَا الصَّلَاةَ، يُرَدُّ بِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ ذَلِكَ - كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ - عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَعْنَى بِدَلِيلِ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ

كَالْأَصْحَابِ فِي اللَّحْنِ الْمُغَيِّرِ لِلْمَعْنَى كَ (أَنْعَمْت) بِضَمٍّ أَوْ كَسْرٍ؛ إنْ تَعَمَّدَهُ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ، انْتَهَتْ. وَمِنْهَا فِي مَوَاضِعَ يُعْلَمُ نَقْلُ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ فَكَّ الْمُدْغَمِ مُبْطِلٌ لِلْقِرَاءَةِ، تَارَةً بِأَنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَعْنَى، وَلِلصَّلَاةِ أُخْرَى بِأَنْ تَغَيَّرَ، فَإِنْ قُلْتَ: مَا وَجْهُ بُطْلَانِ الْقِرَاءَةِ بِفَكِّ الْإِدْغَامِ مَعَ عَوْدِ حَرْفٍ بَدَلَ الشَّدَّةِ فَلَمْ يَفُتْ شَيْءٌ قُلْتُ: وَجْهُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْحَرْفَ الْمُدْغَمَ صَارَ نَسْيًا مَنْسِيًّا، أَلْغَى الشَّارِعُ اعْتِبَارَهُ وَجَعَلَ الشَّدَّةَ بَدَلَهُ، فَإِذَا حَذَفَهَا صَارَ تَارِكًا لِحَرْفٍ مِنْ الْفَاتِحَةِ، وَلَمْ يَنْظُرُوا لِلْحَرْفِ الْعَائِدِ بِحَذْفِهَا؛ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الشَّارِعَ أَعْرَضَ عَنْهُ وَأَلْغَى اعْتِبَارَهُ بِدَلِيلِ حُرْمَةِ تَعَمُّدِهِ ذَلِكَ بِلَا عُذْرٍ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ، وَإِطْبَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ تَخْفِيفَ الْمُشَدَّدِ مُبْطِلٌ لِلْقِرَاءَةِ تَارَةً، وَلِلصَّلَاةِ أُخْرَى دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ؛ أَنَّهُمْ أَلْغَوْا اعْتِبَارَ ذَلِكَ الْحَرْفِ الْمُدْغَمِ وَلَمْ يَنْظُرُوا لِعَوْدِهِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - عَمَّنْ اقْتَدَى فِي ثَانِيَةِ صُبْحِ الْجُمُعَةِ هَلْ يَقْرَأُ إذَا قَامَ إلَى ثَانِيَتِهِ الم تَنْزِيلُ أَوْ هَلْ أَتَى أَوْ غَيْرَهُمَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يُؤْخَذُ حُكْمُ هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ تَرَكَ سُورَةَ الْجُمُعَةِ أَوْ سَبِّحْ فِي أُولَى الْجُمُعَةِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا وَقَرَأَ بَدَلَهَا الْمُنَافِقِينَ أَوْ الْغَاشِيَةَ - قَرَأَ الْجُمُعَةَ أَوْ سَبِّحْ فِي الثَّانِيَةِ، وَلَا يُعِيدُ الْمُنَافِقِينَ وَلَا الْغَاشِيَةَ؛ لِتَقَدُّمِ قِرَاءَتِهَا فِي الْأُولَى، وَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَى الْجُمُعَةَ وَلَا سَبِّحْ قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ الْجُمُعَةَ وَالْمُنَافِقِينَ أَوْ سَبِّحْ وَالْغَاشِيَةَ؛ كَيْ لَا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْهُمَا. وَلَا نَظَرَ لِتَطْوِيلِ الثَّانِيَةِ عَنْ الْأُولَى؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِخِلَافِهِ كَمَا هُنَا؛ إذْ الْمُنَافِقُونَ وَالْغَاشِيَةُ أَطْوَلُ مِنْ الْجُمُعَةِ وَسَبِّحْ اهـ فَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ - إنْ قَرَأَ فِي أُولَاهُ الَّتِي مَعَ الْإِمَامِ بِأَنْ لَمْ يَسْمَعْ قِرَاءَتَهُ - هَلْ أَتَى قَرَأَ فِي ثَانِيَتِهِ الم تَنْزِيلُ وَلَا يُعِيدُ هَلْ أَتَى، وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ فِي أُولَاهُ شَيْئًا أَوْ قَرَأَ غَيْرَ الم تَنْزِيلُ وَهَلْ أَتَى قَرَأَهُمَا فِي الثَّانِيَةِ؛ كَيْ لَا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْهُمَا. وَلَا نَظَرَ لِتَطْوِيلِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهَا هُنَا أَطْوَلُ مِنْ الْأُولَى ضَرُورَةَ أَنَّ هَلْ أَطْوَلُ مِنْ الم تَنْزِيلُ، وَلَوْ سَمِعَ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ فِي أُولَاهُ - أَعْنِي الْمَأْمُومَ - فَهُوَ كَقِرَاءَتِهِ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ قَرَأَ هَلْ أَتَى قَرَأَ الْمَأْمُومُ فِي ثَانِيَتِهِ الم تَنْزِيلُ. وَإِنْ كَانَ قَرَأَ غَيْرَهَا قَرَأَ الْمَأْمُومُ الم تَنْزِيلُ وَهَلْ أَتَى؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ الَّتِي سَمِعَهَا الْمَأْمُومُ بِمَنْزِلَةِ قِرَاءَتِهِ، فَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي رُكُوعِ الْأُولَى فَكَمَا لَوْ لَمْ يَقْرَأْ شَيْئًا فَيَقْرَأُ الم تَنْزِيلُ وَهَلْ أَتَى فِي الثَّانِيَةِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ كَيْ لَا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْهُمَا، هَذَا مَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: وَإِذَا عَلِمَ أَنَّ مَا أَدْرَكَهُ مَعَهُ أَوَّلَ صَلَاتِهِ، وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَتَيْنِ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ، وَلَمْ يَقْرَأْ السُّورَةَ فِي أُولَيَيْهِ قَضَى السُّورَتَيْنِ فِي الرُّبَاعِيَّةِ بِأَنْ يَقْرَأَهُمَا فِي أَخِيرَتَيْهِ؛ لِئَلَّا تَخْلُوَ مِنْهُمَا صَلَاتُهُ، وَلِأَنَّ إمَامَهُ لَمْ يَقْرَأْهُمَا فِيهِمَا، وَفَاتَهُ فَضْلُهُمَا فَيَتَدَارَكُهُمَا فِي الْبَاقِي كَسُورَةِ الْجُمُعَةِ فِي أُولَى الْجُمُعَةِ، فَإِنَّهُ يَقْرَؤُهَا مَعَ الْمُنَافِقِينَ فِي الثَّانِيَةِ، أَمَّا إذَا كَانَ قَرَأَ السُّورَةَ فِي أُولَيَيْهِ فَلَا يَقْرَؤُهَا فِي أَخِيرَتَيْهِ. قَالَ الْجُوَيْنِيُّ: وَعَلَى هَذَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِي ثَانِيَةِ الرُّبَاعِيَّةِ وَتَمَكَّنَ مِنْ قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي أُولَيَيْهِ لَا يَقْرَؤُهَا فِي الْبَاقِي، وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهَا فِي ثَانِيَتِهِ وَتَمَكَّنَ مِنْهَا فِي ثَالِثَتِهِ قَرَأَهَا فِيهَا، ثُمَّ لَا يَقْرَؤُهَا فِي رَابِعَتِهِ اهـ وَأَقَرَّهُ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ، وَتَعَقَّبْتُهُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَقُلْتُ: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّ الثَّانِيَةَ الَّتِي أَدْرَكَهَا مَعَ الْإِمَامِ لَا يَقْضِي سُورَتَهَا؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ مَحَلَّ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ قِرَاءَةِ السُّورَةِ وَأَنْ لَا، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ أُولَيَيْهِ وَلَمْ يَسْمَعْ قِرَاءَتَهُ لَا يَقْضِيهَا فِي ثَالِثَتِهِ وَرَابِعَتِهِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، فَكَذَا هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِيَةِ. وَأَمَّا ثَانِيَتُهُ الَّتِي هِيَ ثَالِثَةُ الْإِمَامِ فَيَقْرَؤُهَا فِيهَا، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ فَفِيمَا بَعْدَهَا، وَلَوْ رَابِعَةَ نَفْسِهِ؛ لِئَلَّا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْ السُّورَةِ الَّتِي طُلِبَتْ مِنْهُ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِيَةِ فَتَأَمَّلْهُ، انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْإِرْشَادِ. وَبِتَمَامِهَا مَعَ مَا قَدَّمْته يَتَّضِحُ مَا ذَكَرْته فِي جَوَابِ السُّؤَالِ؛ فَإِنْ قُلْتَ: قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ أُولَيَيْهِ وَلَمْ يَسْمَعْ قِرَاءَتَهُ لَا يَقْضِيهَا فِي ثَالِثَتِهِ وَرَابِعَتِهِ، وَهَذَا قَدْ يُنَافِي مَا قَدَّمْته، قُلْتُ: لَا مُنَافَاةَ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَسْمَعْ قِرَاءَتَهُ كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَقْرَأَ، فَلَمَّا تَرَكَ فَوَّتَ السُّنَّةَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمْ يُطْلَبْ مِنْهُ قَضَاءٌ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ؛ فَإِنَّهُ لَا قَضَاءَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ مَحَلُّ الْقِرَاءَةِ بِخِلَافِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ فَتَأَمَّلْهُ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - هَلْ الْأَوْلَى قِرَاءَةُ الْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَةِ سِرًّا؟ وَكَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وَإِذَا جَهَرَ بِهَا فِي مَسْجِدٍ وَثَمَّ مُصَلُّونَ

باب شروط الصلاة

يُشَوِّشُ عَلَيْهِمْ هَلْ يُمْنَعُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: السُّنَّةُ فِي أَكْثَرِ الْأَدْعِيَةِ وَالْأَذْكَارِ الْإِسْرَارُ إلَّا لِمُقْتَضٍ، وَعِبَارَةُ شَرْحِي لِلْعُبَابِ مَعَ مَتْنِهِ: وَيُسَنُّ الدُّعَاءُ وَالذِّكْرُ سِرًّا، وَيَجْهَرُ بِهِمَا بَعْدَ السَّلَامِ الْإِمَامُ لِتَعْلِيمِ الْمَأْمُومِينَ، فَإِذَا تَعَلَّمُوا أَسَرُّوا. وَمَا اقْتَضَتْهُ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الذِّكْرِ الْجَهْرُ لَا الْإِسْرَارُ غَيْرُ مُرَادٍ؛ لِمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ عَنْ النَّصِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّ السُّنَّةَ الْإِسْرَارُ؛ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: السُّنَّةُ فِي سَائِرِ الْأَذْكَارِ الْإِسْرَارُ إلَّا التَّلْبِيَةَ وَالْقُنُوتَ لِلْإِمَامِ وَتَكْبِيرَ لَيْلَتَيْ الْعِيدِ، وَعِنْدَ رُؤْيَةِ الْأَنْعَامِ فِي عَشْرِ الْحِجَّةِ، وَبَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ مِنْ الضُّحَى إلَى آخِرِ الْقُرْآنِ، وَذِكْرَ السُّوقِ الْوَارِدَ؛ أَيْ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. . . إلَخْ، وَعِنْدَ صُعُودِ الْهَضَبَاتِ وَالنُّزُولِ مِنْ الشُّرُفَاتِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَحَادِيثَ الْجَهْرِ عَلَى مَنْ يُرِيدُ التَّعْلِيمَ. وَفِي كَلَامِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِ مَا يَقْتَضِي اسْتِحْبَابَ رَفْعِ الْجَمَاعَةِ الصَّوْتَ بِالذِّكْرِ، دَائِمًا وَهُوَ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ؛ أَيْ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: وَإِنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ - أَيْ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ - كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَالَ: وَفِي النَّفْسِ مِنْ حَمْلِهَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شَيْءٌ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي مَحْصُورِينَ. وَأَمَّا الْمَسْجِدُ الَّذِي عَلَى الشَّارِعِ مَثَلًا فَلَا؛ لِأَنَّهُ يَطْرُقُهُ مَنْ لَمْ يَدْخُلْهُ قَبْلُ، فَهُوَ كَمَسْجِدِهِ الشَّرِيفِ كَانَتْ تَرِدُهُ الْأَعْرَابُ وَأَهْلُ الْبَوَادِي، فَفِيهِ يَظْهَرُ نَدْبُ إدَامَةِ الرَّفْعِ؛ لِيَتَعَلَّمَ كُلَّ مَرَّةٍ مَنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ فِيمَا قَبْلَهَا اهـ وَلَا شَيْءَ فِيهِ، فَقَدْ اسْتَدَلَّ فِي الْأُمِّ عَلَى نَدْبِ الْإِسْرَارِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ} [الإسراء: 110] نَزَلَتْ فِي الدُّعَاءِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَبِأَنَّ غَالِبَ الرِّوَايَاتِ لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا بَعْدَ التَّسْلِيمِ تَهْلِيلٌ وَلَا تَكْبِيرٌ؛ أَيْ فَحُمِلَ مَا فِيهِ الْجَهْرُ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لِلتَّعْلِيمِ، وَاسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرُهُ لِطَلَبِ الْإِسْرَارِ بِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُمْ بِتَرْكِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ «وَقَالَ: إنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إنَّهُ مَعَكُمْ، إنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ» وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ - أَعْنِي الْأَذْرَعِيَّ - آخِرًا فَهُوَ دَاخِلٌ فِي طَلَبِ الشَّافِعِيِّ الْجَهْرَ لِتَعْلِيمِ الْمَأْمُومِينَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ ظَاهِرَ مَا مَرَّ عَنْ الْأَذْرَعِيِّ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِمَظِنَّةِ وُجُودِ مَنْ يَتَعَلَّمُ، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ وُجُودِهِ، وَكَلَامُ الزَّرْكَشِيّ صَرِيحٌ فِي اعْتِمَادِ الْأَوَّلِ، بَلْ جَعَلَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْجَهْرِ أَنْ يُرِيدَ تَأْمِينَهُمْ عَلَى دُعَائِهِ فَيَجْهَرَ حَتَّى يَعْلَمُوا مَا يُؤَمِّنُونَ عَلَيْهِ، انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ. وَالْجَهْرُ بِحَضْرَةِ نَحْوِ مُصَلٍّ أَوْ نَائِمٍ مَكْرُوهٌ، كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ، وَلَعَلَّهُ حَيْثُ لَمْ يَشْتَدَّ الْأَذَى، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي تَحْرِيمُهُ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - نَقَلَ التَّاجُ السُّبْكِيّ فِي طَبَقَاتِهِ الْكُبْرَى عَنْ أَبِي عُثْمَانَ الصَّابُونِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مُذْ صَحَّ عِنْدِي أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ فِي رَكْعَتَيْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ مَا تَرَكْتُ قِرَاءَتَهُمَا فِيهِمَا، هَلْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ أَوْ لَا؟ وَلَمْ نَرَ مَنْ ذَكَرَهُ مِنْ الْفُقَهَاءِ، وَقَالَ السُّيُوطِيّ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ إنَّهُ يَقْرَأُ فِيهِمَا: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ، فَأَيُّهُمَا أَصَحُّ وَأَوْفَقُ لِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: عِبَارَتِي فِي شَرْحِ الْعُبَابِ: صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ فِي عِشَاءِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ سُورَةَ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ، وَفِي مَغْرِبِهَا الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصُ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ سُنَّةً، وَهُوَ مَا اعْتَمَدَهُ التَّاجُ السُّبْكِيّ وَدَاوَمَ عَلَيْهِ مُدَّةَ إمَامَتِهِ بِالْجَامِعِ الْأُمَوِيِّ، وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ أَئِمَّتِنَا وَهُوَ أَبُو عُثْمَانَ الصَّابُونِيُّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَتْرُكُ ذَلِكَ سَفَرًا وَلَا حَضَرًا، انْتَهَتْ. وَبِهَا يُعْلَمُ أَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ. وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ تَحْرِيفٌ مِنْ النَّاسِخِ إنْ لَمْ يَكُنْ سَهْوًا مِنْ الْمُؤَلِّفِ، وَأَنَّ الْفُقَهَاءَ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِذَلِكَ هُوَ جَارٍ عَلَى الْقَوَاعِدِ، عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي اعْتِمَادُ الْإِمَامِ أَبِي عُثْمَانَ الْمَذْكُورِ وَالتَّاجِ السُّبْكِيّ وَغَيْرِهِمَا، وَكَمْ مِنْ مَسْأَلَةٍ لَا يَذْكُرُهَا أَوْ يَعْتَمِدُهَا إلَّا وَاحِدٌ وَيَكُونُ مَا قَالَهُ فِيهَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَنَا بِعُلُومِهِ - عَنْ الرُّطُوبَةِ الْمُنْفَصِلَةِ بِقَتْلِ الْعَقْرَبِ مِنْهَا أَيُعْفَى عَنْهَا أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - بِأَنَّهُ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِ تِلْكَ الرُّطُوبَةِ كَقَلِيلِ دَمِ الْقَمْلَةِ الْمَقْتُولَةِ عَمْدًا؛ أَخْذًا مِنْ إلْحَاقِهِمْ بِالْبَرَاغِيثِ كُلَّ مَا لَا دَمَ لَهُ سَائِلٌ، وَالْعَقْرَبُ مِمَّا لَا دَمَ لَهُ سَائِلٌ، فَحُكْمُ رُطُوبَتِهَا حُكْمُ دَمِ نَحْوِ الْبَرَاغِيثِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْمَقْتُولَ مِنْهَا عَمْدًا يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ فَكَذَلِكَ الْعَقْرَبُ الْمَقْتُولَةُ عَمْدًا يُعْفَى عَنْ قَلِيلِ رُطُوبَتِهَا. نَعَمْ، سُمُّهَا لَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ جَمْعٍ مُتَقَدِّمِينَ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّجَاسَةِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا إذَا لَاقَتْهَا رُطُوبَةٌ هَلْ يُعْفَى عَنْهَا أَمْ لَا؟ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ رَأْسِ الْمَحْلُوقِ دَمٌ قَلِيلٌ ثُمَّ بَلَّهُ الْحَالِقُ وَحَلَقَهُ هَلْ يُعْفَى عَنْهُ أَمْ لَا فَإِنَّ هَذِهِ كَثِيرَةُ الْبَلْوَى. (فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَبِعُلُومِهِ - بِقَوْلِهِ: إذَا لَاقَى النَّجَاسَةَ الْمَعْفُوَّ عَنْهَا رُطُوبَةٌ صَارَتْ غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهَا. نَعَمْ، إنْ كَانَتْ مُلَاقَاةُ تِلْكَ الرُّطُوبَةِ ضَرُورِيَّةً أَوْ يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا؛ كَمُلَاقَاةِ مَلْبُوسِهِ الَّذِي فِيهِ دَمُ بَرَاغِيثَ مَثَلًا لِبَدَنِهِ بَعْدَ الْغُسْلِ، وَكَمُلَاقَاةِ مَا يَتَقَاطَرُ مِنْ نَحْوِ وُضُوئِهِ أَوْ مِنْ حِلَاقَةِ رَأْسِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لِثَوْبِهِ عُفِيَ عَنْهُ؛ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - مَتَّعَ اللَّهُ بِحَيَاتِهِ - عَمَّنْ خَرَجَ مِنْ لِثَتِهِ دَمٌ قَلِيلٌ فَبَزَقَ حَتَّى صَفَا أَوْ لَمْ يَصْفُ وَبَلَعَ رِيقَهُ، هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ يُفْطِرُ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: نَعَمْ، فَهَلْ يُعْفَى عَنْهُ لَوْ لَمْ يَبْلَعْهُ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ، وَأَمَّا الْعَفْوُ عَنْهُ لَوْ لَمْ يَبْتَلِعْهُ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ كَمَا ذَكَرْت ذَلِكَ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الرَّوْضِ مَعَ تَحْرِيرِ الْمُعْتَمَدِ مِنْهُ، وَعِبَارَتِي: ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي الْعَفْوِ عَنْ دَمِ الْمَنَافِذِ فَقَالَ جَمَاعَةٌ: لَا يُعْفَى عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ: يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَطَالَمَا تَوَقَّفْت فِي ذَلِكَ حَتَّى رَأَيْت فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ فِي مَسْأَلَةِ مَا لَوْ رُعِفَ الْإِمَامُ مَا يُعْلَمُ بِتَأَمُّلِهِ أَنَّ الْأَصْحَابَ مُتَّفِقُونَ عَلَى الْعَفْوِ عَنْ يَسِيرِ الرُّعَافِ، وَهَذَا قَاطِعٌ لِلنِّزَاعِ، وَكَأَنَّ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ - أَيْ الْقَائِلَيْنِ بِالْعَفْوِ وَبِعَدَمِهِ - غَفَلَ عَنْ ذَلِكَ لِذِكْرِهِ لَهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ. وَرَأَيْت فِي الْمَجْمُوعِ أَيْضًا مَا لَفْظُهُ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ أَدِلَّتِهِمْ فَحَدِيثُ عَائِشَةَ أَيْ وَهُوَ قَوْلُهَا: مَا كَانَ لِإِحْدَانَا إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ تَحِيضُ فِيهِ، فَإِذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ قَالَتْ بِرِيقِهَا فَمَصَصْته أَيْ أَذْهَبْته بِهِ. أَجَابَ عَنْهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الدَّمِ الْيَسِيرِ لَا تَجِبُ إزَالَتُهُ بَلْ تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَهُ، وَيَكُونُ عَفْوًا، وَلَمْ تُرِدْ عَائِشَةُ غَسْلَهُ وَتَطْهِيرَهُ بِالرِّيقِ؛ وَلِهَذَا لَمْ تَقُلْ: كُنَّا نَغْسِلُهُ بِالرِّيقِ، وَإِنَّمَا أَرَادَتْ إذْهَابَ صُورَتِهِ لِقُبْحِ مَنْظَرِهِ، فَبَقِيَ الْمَحَلُّ نَجِسًا كَمَا كَانَ وَلَكِنَّهُ مَعْفُوٌّ فِيهِ لِقِلَّتِهِ اهـ. لَفْظُهُ بِحُرُوفِهِ فَتَأَمَّلْهُ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِي الْعَفْوِ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ الْفَرْجِ وَمَعَ اخْتِلَاطِهِ بِالرِّيقِ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ، وَفِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ عَلَى مَذْهَبِ الْمُخَالِفِ فَقَطْ بَلْ عَلَى مَذْهَبِنَا أَيْضًا، فَهَلْ بَقِيَ بَعْدَ هَذَا رِيبَةٌ فِي الْعَفْوِ عَنْ الْقَلِيلِ مِنْ دَمِ الْمَنَافِذِ؟ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْعَفْوِ عَنْهَا أَيْضًا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ ابْنُ غَانِمٍ الْمَقْدِسِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَابْنُ الْعِمَادِ، وَعِبَارَةُ الزَّرْكَشِيّ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِ الدَّمِ الْخَارِجِ مِنْ الذَّكَرِ، فَإِطْلَاقُهُمْ وُجُوبَ الِاسْتِنْجَاءِ فِيهِ غَفْلَةٌ عَنْ هَذَا، فَانْظُرْ كَيْفَ حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِالْغَفْلَةِ، فَلَوْلَا أَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي كَلَامِهِمْ لَمْ يَصِحَّ الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ؛ فَعُلِمَ أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْقَلِيلِ مِنْ دَمِ جَمِيعِ الْمَنَافِذِ هُوَ الْمَنْقُولُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَاعْتَمَدَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَأَنَّ مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي غَيْرِ مَظِنَّتِهِ كَمَا عَرَفْتَ. وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْعِمَادِ الَّذِي قَدَّمْته فِي الِاسْتِنْجَاءِ أَنَّ مَحَلَّ الْعَفْوِ عَنْ الدَّمِ الْخَارِجِ مِنْ أَحَدِ الْفَرْجَيْنِ أَنْ لَا يَكُونَ خَارِجًا مِنْ مَعْدِنِ النَّجَاسَةِ؛ كَالْمَثَانَةِ وَمَحَلِّ الْغَائِطِ، وَأَنَّهُ لَا يَضُرُّ مُلَاقَاتُهُ لِمَجْرَاهَا؛ لِأَنَّ الْبَاطِنَ لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ؛ وَلِأَنَّ مُلَاقَاتَهُ ضَرُورِيَّةٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَلْحَقَ بِالدَّمِ فِي ذَلِكَ نَحْوُهُ مِنْ قَيْحٍ وَصَدِيدٍ، وَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ قَوْلُ الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ: إذَا غَسَلَ فَمَهُ الْمُتَنَجِّسَ فَلْيُبَالِغْ فِي الْغَرْغَرَةِ، وَلَا يَبْتَلِعْ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا قَبْلَ غَسْلِهِ لِئَلَّا يَكُونَ آكِلًا نَجَاسَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنُصَّ عَلَى أَنَّهُ مُتَنَجِّسٌ بِدَمِ لِثَتِهِ مَثَلًا، وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَيُحْمَلُ عَلَى دَمِ اللِّثَةِ الْكَثِيرِ بِدَلِيلِ كَلَامِهِ السَّابِقِ، وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِذَلِكَ وَيَكُونَ مَحَلُّ الْعَفْوِ إذَا لَمْ يَخْتَلِطْ بِمَأْكُولٍ أَوْ مَشْرُوبٍ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى اخْتِلَاطِهِ بِهِ، انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورَةُ، وَهِيَ مُوفِيَةٌ لِلْغَرَضِ فِي هَذَا الْمَقَامِ، فَلِرَبِّنَا سُبْحَانَهُ أَتَمُّ الْحَمْدِ وَأَكْمَلُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ - عَمَّنْ صَلَّى عَلَى السَّطْحِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّطْحِ أَيْ الْجَانِبِ الَّذِي إلَى الشَّارِعِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ وَلَا حَائِطَ عَلَى السَّطْحِ مُرْتَفِعٌ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ، فَهَلْ يُغْنِي عَنْ السُّتْرَةِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَكَلَامُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ مَا ذُكِرَ لَا يُغْنِي عَنْ السُّتْرَةِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ السُّتْرَةِ دَفْعُ الشَّيْطَانِ وَالْمَارِّ حَتَّى لَا يَقْطَعَا عَلَيْهِ صَلَاتَهُ بِاشْتِغَالِهِ بِوَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ؛ لِأَنَّهَا تَقْوَى وَتَزِيدُ عِنْدَ عَدَمِ السُّتْرَةِ وَبِمُرُورِ الْمَارِّ. وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَلَى مَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ: إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئًا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَلْيَنْصِبْ عَصًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا فَلْيَخُطَّ خَطًّا ثُمَّ لَا يَضُرُّهُ مَا فِي أَمَامِهِ» . وَصَحَّ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا لَا يَقْطَعُ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ» وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا وَضَعَ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلَ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ فَلْيُصَلِّ وَلَا يُبَالِي بِمَا مَرَّ وَرَاءَ ذَلِكَ» وَقَالَ «اسْتَتِرُوا فِي صَلَاتِكُمْ وَلَوْ بِسَهْمٍ» وَقَالَ «يُجْزِي مِنْ السُّتْرَةِ مُؤْخِرَةُ الرَّحْلِ وَلَوْ بِدِقَّةِ شَعْرَةٍ» وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يُعَرِّضُ رَاحِلَتَهُ فَيُصَلِّي إلَيْهَا» . فَدَلَّتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سَاتِرٍ بَيْن يَدَيْ الْمُصَلِّي؛ حَتَّى يَمْتَنِعَ بِسَبَبِهِ النَّاسُ مِنْ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَشْتَغِلَ بِهِمْ وَالشَّيْطَانُ مِنْ التَّعَرُّضِ لَهُ، فَيَقْطَعُ صَلَاتَهُ بِوَسْوَسَتِهِ لِقُوَّتِهَا حِينَئِذٍ كَمَا مَرَّ، وَأَنَّ قُرْبَهُ مِنْ السَّطْحِ الْمَذْكُورِ لَا يُغْنِي عَنْ السُّتْرَةِ وَإِنْ امْتَنَعَ بِسَبَبِهِ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَادَةً لِبَقَاءِ مُرُورِ الشَّيْطَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُهُ مِنْهُ. وَالْمَحْذُورُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى مُرُورِهِ أَقْوَى مِمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى مُرُورِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ الْمَفْسَدَةَ الْحَاصِلَةَ بِوَسْوَسَتِهِ أَسْرَعُ وُقُوعًا وَأَقْبَحُ جِنْسًا وَنَوْعًا. وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ؛ إذْ حَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ مِنْهُ أَنَّهُ يُسَنُّ لِمُرِيدِ الصَّلَاةِ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى نَحْوِ جِدَارٍ أَوْ عَمُودٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ فَإِلَى شَاخِصٍ طُولُهُ ثُلُثَا ذِرَاعٍ بِذِرَاعِ الْيَدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَرْضٌ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ فَإِلَى مُصَلًّى يَفْتَرِشُهُ كَسَجَّادَةٍ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا فَإِلَى خَطٍّ يَخُطُّهُ مِنْ قَدَمَيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ طُولًا لَا عَرْضًا، وَمَتَى عَدَلَ عَنْ رُتْبَةٍ إلَى دُونِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا كَانَتْ كَالْعَدَمِ. وَسَكَتُوا عَنْ قَدْرِ الْمُصَلَّى وَالْخَطِّ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُمَا كَالشَّاخِصِ وَيُسَنُّ أَنْ يُمِيلَ السُّتْرَةَ عَنْ وَجْهِهِ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً وَيَجِبُ أَنْ لَا يُبْعِدَهَا عَنْ قَدَمَيْهِ ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ، وَمَتَى اسْتَتَرَ بِسُتْرَةٍ مُعْتَبَرَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَرَهَا مُقَلِّدُ الْمَارِّ فِيمَا يَظْهَرُ حَرُمَ الْمُرُورُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَلَوْ لِضَرُورَةٍ، وَلَوْ بَعْدَ إزَالَتِهَا فِي الْأَثْنَاءِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ مَا لَمْ يُقَصِّرْ الْمُصَلِّي بِنَحْوِ وُقُوفٍ بِقَارِعَةِ طَرِيقٍ أَوْ شَارِعٍ أَوْ دَرْبٍ ضَيِّقٍ أَوْ بَابِ مَسْجِدٍ أَوْ بِالْمَطَافِ وَقْتَ طَوَافِ النَّاسِ. هَذَا حَاصِلُ كَلَامِهِمْ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ الْقُرْبَ مِنْ طَرَفِ السَّطْحِ الْمَذْكُورِ لَا يُغْنِي عَنْ السَّتْرِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (سُئِلَ) - مَتَّعَ اللَّهُ بِحَيَاتِهِ - عَمَّا لَوْ وُجِدَ إمَامُ الْجَامِعِ أَوْ شَخْصٌ آخَرُ يُصَلِّي إلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ، هَلْ يُنْدَبُ لِمَنْ يُصَلِّي مُقْتَدِيًا بِمَنْ ذُكِرَ أَنْ يَقْرَبَ مِنْ سُتْرَةٍ وَإِنْ أَدَّى إلَى الِانْفِرَادِ عَنْ الصَّفِّ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: نَعَمْ، فَهَلْ يُرَاعَى التَّرْتِيبُ الْمَذْكُورُ فِي الشَّاخِصِ حَتَّى لَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَبْسُطَ مُصَلًّى وَيَقْرَبَ مِنْ الْأَوَّلِ لَا يَعْدِلُ إلَيْهِ حَتَّى لَا يَجِدَ حَائِطًا أَوْ سَارِيَةً وَإِنْ بَعُدَتْ، وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْخَطُّ فِي الْمَسْجِدِ لِكَوْنِهِ مُجَصَّصًا، هَلْ لَهُ أَنْ يَخُطَّ فِيهِ بِمِدَادٍ وَنَحْوِهِ؟ (فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - بِقَوْلِهِ: إنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ لِي أَنَّهُ حَيْثُ تَعَارَضَ السُّتْرَةُ وَالِانْفِرَادُ فِي الصَّلَاةِ؛ بِأَنْ كَانَ لَوْ اسْتَتَرَ السُّتْرَةَ الْمُعْتَبَرَةَ وَقَفَ مُنْفَرِدًا، وَلَوْ وَقَفَ فِي الصَّفِّ وَقَفَ بِلَا سُتْرَةٍ - قَدَّمَ الْوُقُوفَ فِي الصَّفِّ؛ لِأَنَّ اعْتِنَاءَ الشَّارِعِ بِهِ أَكْثَرُ بِدَلِيلِ الْخِلَافِ الشَّهِيرِ فِي أَنَّ مَنْ وَقَفَ مُنْفَرِدًا عَنْ الصَّفِّ مَعَ إمْكَانِ الدُّخُولِ فِيهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِنَا؛ لِقُوَّةِ دَلِيلِهِ عِنْدَهُمْ، بَلْ وَعِنْدَ غَيْرِهِمْ لَكِنْ أَجَبْتُ عَنْهُ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الرَّوْضِ بِمَا ظَهَرَ بِهِ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - وُضُوحُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَئِمَّتُنَا، بِخِلَافِ مَنْ صَلَّى بِلَا سُتْرَةٍ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ لَمْ يَجْرِ فِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ خِلَافٌ، كَذَلِكَ وَمَا جَرَى خِلَافٌ فِي الْإِبْطَالِ بِفَقْدِهِ أَوْلَى مِمَّا لَمْ يَجْرِ فِي فَقْدِهِ خِلَافٌ، بَلْ مَا جَرَى فِي الْإِبْطَالِ بِفَقْدِهِ خِلَافٌ قَوِيٌّ أَوْلَى مِمَّا جَرَى فِي الْإِبْطَالِ بِفَقْدِهِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ؛ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مُتَفَرِّقَاتُ

كَلَامِهِمْ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: لَوْ تَعَارَضَ إدْرَاكُ الْجَمَاعَةِ وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَ الْفَرَائِضِ؛ بِأَنْ دَخَلَ مَنْ عَلَيْهِ فَائِتَةُ الظُّهْرِ مَثَلًا. وَرَأَى الْجَمَاعَةَ فِي الْعَصْرِ قَدَّمَ التَّرْتِيبَ؛ فَيُصَلِّي الْفَائِتَةَ وَحْدَهُ، وَإِنْ خَشِيَ عَدَمَ إدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ فَرْضَ كِفَايَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَنَا وَفَرْضَ عَيْنٍ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ أَحْمَدَ لَكِنْ الْقَائِلُ بِذَلِكَ لَا يَرَى بُطْلَانَ الصَّلَاةِ بِفَقْدِهَا، وَلَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا غَايَةُ مَا يَقُولُ بِهِ أَنَّ مَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ أَثِمَ، بِخِلَافِ تَرْتِيبِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِفَرْضِيَّتِهِ فَإِنَّهُ يَرَى بُطْلَانَ الصَّلَاةِ عِنْدَ فَقْدِهِ. قَالُوا: فَكَانَتْ رِعَايَتُهُ آكَدَ مِنْ رِعَايَةِ الْجَمَاعَةِ؛ لِأَنَّهُ أَهَمُّ فَقُدِّمَ عَلَيْهَا، وَإِنْ خَشِيَ أَوْ عَلِمَ فَوْتَهَا. وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مِنْ أَنَّ فَقْدَهَا مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ فَهُوَ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ عِنْدَ أَصْحَابِهِ فَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهَا، بِخِلَافِ الْإِبْطَالِ بِفَقْدِ التَّرْتِيبِ فَإِنَّهُ مُتَّفِقٌ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِهِ عَلَى أَنَّ فَقْدَهُ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ؛ فَثَبَتَ أَنَّهُ آكَدُ مِنْ الْجَمَاعَةِ، وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْته الرَّدُّ عَلَى الْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ فِي قَوْلِهِمْ بِتَقْدِيمِ الْجَمَاعَةِ عَلَيْهِ، وَإِذَا تَقَرَّرَ لَكَ ذَلِكَ تَقَرَّرَ مَا فِي الْجَمَاعَةِ وَالتَّرْتِيبِ، وَعَلِمْت أَنَّ الْأَصَحَّ تَقْدِيمُ التَّرْتِيبِ لِمَا ذَكَرْته. وَظَهَرَ لَك مِمَّا مَرَّ أَنَّ الدُّخُولَ فِي الصَّفِّ مَعَ عَدَمِ السُّتْرَةِ أَوْلَى مِنْ الْوُقُوفِ مُنْفَرِدًا مَعَ وُجُودِهَا. نَعَمْ، مَنْ أَحْرَمَ بِلَا سُتْرَةٍ وَأَمْكَنَهُ - وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ - أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ بِفِعْلٍ قَلِيلٍ إلَى سُتْرَةٍ مُعْتَبَرَةٍ، وَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى ذَلِكَ خُرُوجُهُ مِنْ الصَّفِّ - كَانَ الْأَوْلَى لَهُ التَّقْدِيمَ أَوْ التَّأْخِيرَ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْقَلِيلَ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ سُنَّةٌ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ: يُسَنُّ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ سَعَةً إذَا أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا أَنْ يَجُرَّ فِي الْقِيَامِ آخَرَ مِنْ الصَّفِّ إلَيْهِ؛ لِيَصْطَفَّ مَعَهُ، وَكَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ فَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَقُمْت عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِرَأْسِي فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ.» وَمِنْ ثَمَّ قُلْتُ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الرَّوْضِ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الْآتِي أَنَّهُ يُسَنُّ لِلْإِمَامِ إذَا فَعَلَ أَحَدٌ مِنْ الْمَأْمُومِينَ خِلَافَ السُّنَّةِ أَنْ يُرْشِدَهُ إلَيْهَا بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا، لَكِنْ إنْ وَثِقَ مِنْهُ بِالِامْتِثَالِ. وَقِيَاسُ الْمَأْمُومِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ غَيْرُ بَعِيدٍ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ هَذَا مُسْتَثْنَى أَيْضًا مِنْ كَرَاهَةِ الْفِعْلِ الْقَلِيلِ، ثَمَّ رَأَيْته فِي الْمُهَذَّبِ قَالَ: فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ عَلَّمَهُ الْإِمَامُ، كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِابْنِ عَبَّاسٍ. وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته لَكِنْ ظَاهِرُهُ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِالْجَاهِلِ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ لَكِنْ قَضِيَّةُ قَوْلِ شَرْحِهِ: فَإِنْ لَمْ يَتَحَوَّلْ الْمَأْمُومُ اُسْتُحِبَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَهُ، وَقَوْلُ التَّحْقِيقِ: فَإِنْ وَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ خَلْفَهُ نُدِبَ التَّحَوُّلُ إلَى الْيَمِينِ، وَإِلَّا فَلْيُحَوِّلْهُ الْإِمَامُ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ، انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ تَرَدُّدٌ فِي كُلِّ صَفٍّ هَلْ هُوَ سُتْرَةٌ لِمَا خَلْفَهُ إذَا كَانَ بَيْنَ كُلِّ صَفَّيْنِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ؟ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ سُتْرَةٌ؛ وَمِنْ ثَمَّ قُلْتُ: فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ: قَالَ فِي التَّتِمَّةِ: وَلَا يُسْتَحَبُّ السَّتْرُ بِآدَمِيٍّ أَوْ حَيَوَانٍ؛ لِشَبَهِهِ بِعِبَادَةِ عُبَّادِ الْأَصْنَامِ. وَفِي مُسْلِمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُعَرِّضُ رَاحِلَتَهُ إلَيْهَا فَيُصَلِّي إلَيْهَا» ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - يَفْعَلُهُ، قَالَ النَّوَوِيُّ فَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْ الشَّافِعِيَّ وَمَذْهَبُهُ اتِّبَاعُ الْحَدِيثِ فَيَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِهِ؛ إذْ لَا مُعَارِضَ لَهُ. وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الْمُرُورُ؛ لِأَنَّ السَّتْرَ بِذَلِكَ غَيْرُ مَطْلُوبٍ بَلْ يُكْرَهُ إنْ اسْتَقْبَلَ الْآدَمِيُّ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً وَرَاءَهُ. وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ كُلَّ مَا كُرِهَ اسْتِقْبَالُهُ كَجِدَارٍ نَجِسٍ أَوْ مُزَوَّقٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ السَّتْرُ بِهِ فَلَا يَحْرُمُ الْمُرُورُ، وَأَنَّ كُلَّ صَفٍّ يَكُونُ سُتْرَةً لِمَا خَلْفَهُ إنْ قَصَدُوا الِاسْتِتَارَ بِهِمْ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ فِيهِ شَبَهٌ بِمَا مَرَّ عَنْ التَّتِمَّةِ اهـ. وَحَيْثُ قُلْنَا: يُنْدَبُ لِمَنْ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَقْرُبَ مِنْ السُّتْرَةِ، فَلْيُرَاعِ التَّرْتِيبَ الَّذِي ذَكَرُوهُ، وَهُوَ أَنَّهُ يُقَدِّمُ الْجِدَارَ أَوْ نَحْوَهُ كَالْعَمُودِ؛ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُمَا فَالشَّاخِصُ مِنْ نَحْوِ عَصًا أَوْ مَتَاعٍ يَجْمَعُهُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ طُولُهُ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرَ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ افْتَرَشَ مُصَلًّى كَسَجَّادَةٍ؛ فَإِنْ عَجَزَ خَطَّ خَطًّا مِنْ قَدَمَيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ طُولًا لَا عَرْضًا كَمَا رَجَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ السُّتْرَةَ لَا تَحْصُلُ إذَا جَعَلَهُ عَرْضًا مِنْ يَمِينِهِ إلَى يَسَارِهِ أَوْ عَكْسِهِ لَكِنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْحَاوِي وَفُرُوعِهِ حُصُولُهَا. وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُهُمْ، وَحَمَلَ عِبَارَةَ الرَّوْضَةِ عَلَى الْأَكْمَلِ، وَعِبَارَةَ غَيْرِهَا عَلَى حُصُولِ أَصْلِ السُّنَّةِ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَمَا ذَكَرْته

مِنْ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْمُصَلِّي وَالْخَطِّ هُوَ مَا فِي التَّحْقِيقِ وَشَرْحِ مُسْلِمٍ، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ: الْحَقُّ مَا فِي الْإِقْلِيدِ مِنْ التَّخْيِيرِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ لَمْ يَرِدْ فِيهِ خَبَرٌ وَلَا أَثَرٌ وَإِنَّمَا قَاسُوهُ عَلَى الْخَطِّ، فَكَيْفَ يَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ - مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْمَقِيسَ قَدْ يَكُونُ أَوْلَى بِالْحُكْمِ مِنْ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ؛ نَظَرًا لِلْمَقْصُودِ كَمَا فِي الْخَطِّ مَعَ الْإِيتَاءِ فِي الْكِتَابَةِ، وَبِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ أَوْلَى نَظَرًا لِلْمَعْنَى - وَهُوَ ظُهُورُ السَّتْرِ - لَكِنْ الْخَطُّ خَالَفَ فِيهِ كَثِيرُونَ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَمْنَعُوا الْمُصَلِّيَ؛ لِمَا ذُكِرَ وَلَوْ عَجَزَ عَمَّا عَدَا الْخَطِّ أَوْ كَانَ بِمَحَلٍّ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَخُطَّ فِيهِ خَطًّا كَأَنْ يَكُونَ بِمَسْجِدٍ مُجَصَّصٍ ثُمَّ خَطَّ بَيْنَ يَدَيْهِ طُولًا أَوْ عَرْضًا عَلَى مَا مَرَّ خَطًّا بِمِدَادٍ، أَوْ جَعَلَ مَحَلَّ الْخَطِّ عَلَامَةً أُخْرَى؛ كَأَنْ كَانَ مَعَهُ عَصًا وَلَمْ يُمْكِنْهُ نَصْبُهَا فَبَسَطَهَا عَلَى هَيْئَةِ الْخَطِّ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ ذَلِكَ يَقُومُ مَقَامَ الْخَطِّ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِ إشْعَارُ الْمَارِّ بِمَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي، وَبِأَنَّ الْقَصْدَ بِالسُّتْرَةِ لَيْسَ دَفْعَ الْمَارِّ فَحَسْبُ، بَلْ دَفْعُ تَسَلُّطِ الشَّيْطَانِ عَلَى الْمُصَلِّي الْمُسَبَّبِ مِنْ عَدَمِ السُّتْرَةِ، كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ مَا صَحَّ عِنْدَ الْحَاكِمِ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا، لَا يَقْطَعُ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ» . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ ذَلِكَ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْخَطِّ فَلَا تَحْصُلُ سُنَّةُ السَّتْرِ بِذَلِكَ، وَيَحْرُمُ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي؛ لِأَنَّ السَّتْرَ بِهِ غَيْرُ مُعْتَادٍ فِي الصَّلَاةِ، فَيَكُونُ الْمَارُّ مَعَ وُجُودِهِ مَعْذُورًا. وَلَعَلَّ الْأَقْرَبَ هُوَ الْأَوَّلُ فَيَحْصُلُ بِهِ سُنَّةُ السَّتْرِ بِذَلِكَ. وَيَحْرُمُ الْمُرُورُ عَلَى مَنْ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ سُتْرَةٌ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ السُّتْرَةَ يُشْتَرَطُ اعْتِيَادُهَا؛ فَإِنَّ الْخَطَّ نَفْسَهُ لَمْ يُعْتَدَّ السَّتْرُ بِهِ إلَّا نَادِرًا، فَتَكُونُ هَذِهِ مُلْحَقَةً بِهِ بِجَامِعِ عَدَمِ ظُهُورِ السُّتْرَةِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنَّ الْخَطَّ لَيْسَ فِيهِ سُتْرَةٌ ظَاهِرَةٌ؛ وَمِنْ ثَمَّ وَقَعَ الْخِلَافُ الْقَوِيُّ لَوْلَا صِحَّةُ الْحَدِيثِ بِهِ فِي الِاعْتِدَادِ بِهِ. وَمَعَ عَدَمِ ظُهُورِ السُّتْرَةِ فِيهِ جَعَلُوهُ سُتْرَةً؛ تَبَعًا لِلْحَدِيثِ وَأَلْحَقُوا بِهِ الْمُصَلِّيَ الْأَوْلَى مِنْهُ بِالْحُكْمِ؛ لِظُهُورِ السُّتْرَةِ فِيهِ كَمَا مَرَّ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ ظُهُورَ السُّتْرَةِ لَيْسَ شَرْطًا، وَعَلَى أَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِالْخَطِّ لَيْسَ تَعَبُّدًا بَلْ هُوَ مَعْقُولُ الْمَعْنَى؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِ إشْعَارُ الْمَارِّ بِمَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْمُرُورِ وَالشَّيْطَانِ بِمَا يَمْنَعُهُ مِنْ التَّسَلُّطِ عَلَى الْمُصَلِّي؛ لِقَطْعِ صَلَاتِهِ. وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي وَضْعِ الْعَصَا عَلَى هَيْئَةِ الْخَطِّ بِالْمِدَادِ السَّابِقِ وَنَحْوِهِمَا فَظَهَرَ إلْحَاقُهُمَا بِهِ وَالِاعْتِدَادُ بِهِمَا فِي السُّتْرَةِ، وَعَلَيْهِ فَهَلْ هُمَا فِي مَرْتَبَةِ الْخَطِّ؛ لِأَنَّهُمَا مُلْحَقَانِ بِهِ أَوْ فِي مَرْتَبَةِ الْمُصَلِّي؟ الَّذِي يَتَّجِهُ - الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ فِيهِ مِنْ ظُهُورِ السُّتْرَةِ مَا لَيْسَ فِيهَا فَكَانَ إلْحَاقُهُمَا بِالْخَطِّ وَجَعْلُهُمَا فِي مَرْتَبَتِهِ أَوْلَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ فَتْحِ الْمَأْمُومِ عَلَى إمَامِهِ الَّذِي غَلِطَ فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ تَوَقَّفَتْ عَلَيْهِ هَلْ تَبْطُلُ بِهِ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ إذَا قَصَدَ الرَّدَّ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَمْ لَا عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ كَالدَّمِيرِيِّ وَابْنِ الْعِمَادِ وَمَا الَّذِي يُفْتَى بِهِ الْأَوَّلُ أَوْ الثَّانِي؟ وَهَلْ نَصَّ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمُونَ أَمْ لَا؟ وَهَلْ قَصْدُ الْقِرَاءَةِ مُخْتَصٌّ بِالْفَاتِحَةِ إذَا تَوَافَقَ مَحَلُّ قِرَاءَتِهَا أَمْ لَا؟ وَالتَّسْبِيحُ لِلتَّنْبِيهِ وَالْجَهْرُ بِالتَّكْبِيرِ لِلْإِعْلَامِ كَالْفَتْحِ أَمْ لَا؟ وَقَدْ تَنَاقَضَ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ بَيِّنُوا لَنَا بَيَانًا شَافِيًا؟ (فَأَجَابَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - بِقَوْلِهِ: أَمَّا مَسْأَلَةُ الْفَتْحِ وَالتَّنْبِيهِ وَالْإِعْلَامِ بِالتَّكْبِيرِ فَفِيهَا اضْطِرَابٌ، وَحَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ مِنْهُ أَنَّهُ مَنْ نَبَّهَ غَيْرَهُ بِقُرْآنٍ أَوْ ذِكْرٍ؛ كَأَنْ قَالَ لِجَمَاعَةٍ اسْتَأْذَنُوا فِي الدُّخُولِ عَلَيْهِ: اُدْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ أَوْ بِاسْمِ اللَّهِ، فَإِنْ قَصَدَ التَّنْبِيهَ وَحْدَهُ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، كَمَا فِي تَحْقِيقِ النَّوَوِيِّ وَدَقَائِقِهِ، وَبَحَثَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ إنْ كَانَ انْتَهَى فِي قِرَاءَتِهِ إلَى تِلْكَ الْآيَةِ لَمْ تَبْطُلْ وَإِلَّا بَطَلَتْ وَاعْتَمَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ، بَلْ حَيْثُ وُجِدَ صَارِفٌ فَلَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ الْقُرْآنِ أَوْ الذِّكْرِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ مِمَّا يَأْتِي، وَيَأْتِي هَذَا التَّفْصِيلُ فِي الْفَتْحِ عَلَى الْإِمَامِ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِالذِّكْرِ؛ كَأَنْ أُرْتِجَ عَلَيْهِ نَحْوُ كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ فِي التَّشَهُّدِ فَقَالَهَا الْمَأْمُومُ، وَفِي الْجَهْرِ بِالتَّكْبِيرِ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ الْمُبَلِّغِ فَإِنْ قَصَدَ الْقُرْآنَ أَوْ الذِّكْرَ أَوْ التَّكْبِيرَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ قَصْدِ الْإِعْلَامِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ قَصَدَ الْإِعْلَامَ وَحْدَهُ أَوْ أَطْلَقَ بَطَلَتْ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَا لَا يَصْلُحُ لِتَخَاطُبِ النَّاسِ بِهِ مِنْ نَظْمِ الْقُرْآنِ وَالْأَذْكَارِ وَمَا يَصْلُحُ، خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ؛

لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصَّلَاةِ الْخُضُوعُ لِلْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَمُنَاجَاتُهُ بِتِلَاوَةِ كِتَابِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْخَاصِّ الْمَشْرُوعِ كَمَا أَرْشَدَ إلَيْهِ حَدِيثُ مُسْلِمٍ «إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» ، فَقَصْدُ التَّنْبِيهِ أَوْ الْفَتْحِ مَثَلًا مَعَ قَصْدِ الْقُرْآنِ أَوْ الذِّكْرِ تَابِعٌ لِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ فَلَا يُؤَثِّرُ، بِخِلَافِ مُجَرَّدِ قَصْدِ التَّنْبِيهِ أَوْ الْفَتْحِ أَوْ الْإِعْلَامِ لِصَرْفِهِ الذِّكْرَ أَوْ الْقُرْآنَ عَنْ مَقْصُودِ الصَّلَاةِ الْأَصْلِيِّ إلَى مَعْنَى مَا يُتَخَاطَبُ بِهِ، فَأَشْبَهَ كَلَامَ النَّاسِ فَانْطَبَقَ عَلَيْهِ تَعْلِيلُهُمْ؛ إذْ (سُبْحَانَ اللَّهِ) حِينَئِذٍ بِمَعْنَى تَنْبِيهٍ (وَاَللَّهُ أَكْبَرُ) بِمَعْنَى رَكَعَ الْإِمَامُ. وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا لِلْإِسْنَوِيِّ هُنَا، ثُمَّ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّسْوِيَةِ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ مِنْ الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ مِمَّا تَقَرَّرَ، هُوَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَاعْتَمَدَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَنَازَعَ فِيهِ جَمَاعَةٌ كَابْنِ الْمُقْرِي تَبَعًا لِلْبُلْقِينِيِّ وَغَيْرِهِ بِأُمُورٍ طَوِيلَةٍ بَيَّنْتُ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِي لِلرَّوْضَةِ أَنَّهَا كُلَّهَا مَرْدُودَةٌ، وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّ الْفَتْحَ سُنَّةٌ؛ لِأَنَّ شَرْطَ كَوْنِهِ سُنَّةً قَصْدُ الْقِرَاءَةِ فَلَا بِدَعَ عِنْدَ انْتِفَاءِ ذَلِكَ فِي الْإِبْطَالِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَصَلَ الْإِفْهَامُ الْمُجَرَّدُ مِنْهُ أَشْبَهَ كَلَامَ الْبَشَرِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ بِالنَّذْرِ أَوْ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ إفْهَامَ أَحَدٍ وَإِنَّمَا هُوَ إنْشَاءُ قُرْبَةٍ؛ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ قَصَدَ بِهِ إفْهَامَ الْغَيْرِ الْعِتْقَ أَوْ الْتِزَامَ الصَّدَقَةِ بِحَيْثُ أَخْرَجَهُ مِنْ الْإِنْشَاءِ إلَى الْإِخْبَارِ أَبْطَلَ بِلَا شَكٍّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يُعْفَى عَمَّا يُصِيبُ ثَدْيَ الْمُرْضِعَةِ مِنْ رِيقِ الرَّضِيعِ الْمُتَنَجِّسِ؛ كَقَيْءٍ أَوْ ابْتِلَاعِ نَجَاسَةٍ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - يُعْفَى عَنْ فَمِ الصَّغِيرِ وَإِنْ تَحَقَّقَتْ نَجَاسَتُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَقَالَ: يُعْفَى عَمَّا اتَّصَلَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ أَفْوَاهِ الصِّبْيَانِ مَعَ تَحَقُّقِ نَجَاسَتِهَا، وَأَلْحَقَ بِهِ غَيْرُهُ أَفْوَاهَ الْمَجَانِينِ وَجَزَمَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ نَقْلُ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ، وَاعْتَمَدَهُ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ جِرَّةِ الْبَعِيرِ فَلَا يَنْجُسُ مَا يُشْرَبُ مِنْهُ، وَيُعْفَى عَمَّا تَطَايَرَ مِنْ رِيقِهِ الْمُتَنَجِّسِ، وَأَلْحَقَ بِهِ فَمَ مَا يُجْتَرُّ مِنْ وَلَدِ الْبَقَرِ وَالضَّأْنِ إذَا الْتَقَمَ أَخْلَافَ أُمِّهِ؛ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْ ذَلِكَ سِيَّمَا فِي حَقِّ الْمُخَالِطِ لَهَا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورٍ أَنَّهُ يُعْفَى عَمَّا تَحَقَّقَ إصَابَةُ بَوْلِ ثَوْرِ الدِّيَاسَةِ لَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (سُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يُعْفَى فِي حَقِّ مَنْ تَحْضُنُ الطِّفْلَ عَنْ الْقَلِيلِ مِنْ بَوْلِهِ وَغَائِطِهِ وَقَيْئِهِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) لَا يُعْفَى عَمَّا ذُكِرَ لَا لِلْحَاضِنَةِ وَلَا لِغَيْرِهَا. (وَسُئِلَ) أَيْضًا مَا حُكْمُ النَّعْلِ الْمُسَلَّمَةِ إلَى الْإِسْكَافِيِّ الطَّهَارَةُ أَوْ النَّجَاسَةُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: حُكْمُ النَّعْلِ الْمُسَلَّمَةِ لِمَنْ ذُكِرَ الطَّهَارَةُ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ. (وَسُئِلَ) أَيْضًا هَلْ يُعْفَى عَنْ عَرَقِ الرِّجْلِ فِي النِّعَالِ الْمُتَنَجِّسَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُعْفَى عَمَّا يُصِيبُ الرِّجْلَ مِنْ النِّعَالِ الْمُتَنَجِّسَةِ بِوَاسِطَةِ الْعَرَقِ إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ الَّتِي فِي النِّعَالِ مَعْفُوًّا عَنْهَا؛ وَإِلَّا لَمْ يُعْفَ عَنْ ذَلِكَ. (وَسُئِلَ) أَيْضًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ حِيَاضِ الْبِرَكِ وَالْآبَارِ الَّتِي يَشْرَبُ فِيهَا الْكِلَابُ وَيَعْسُرُ تَطْهِيرُهَا؛ لِكَثْرَةِ شُرْبِ الْكِلَابِ مِنْ مَائِهَا، وَكَذَلِكَ الْآنِيَةُ الْمَوْضُوعَةُ فِي الْبُيُوتِ لِشُرْبِ نَحْوِ الدَّجَاجِ وَالْكِلَابِ يُشْرَبُ مِنْ مَائِهَا وَيَعْسُرُ تَطْهِيرُهَا بَعْدَ كُلِّ مَرَّةٍ، هَلْ يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ لِلْمَشَقَّةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يُعْفَى عَمَّا يَشْرَبُ مِنْهُ الْكِلَابُ مِمَّا مَاؤُهُ قَلِيلٌ بَلْ هُوَ نَجِسٌ يَجِبُ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ أَنْ يَغْسِلَ الْمَحَلَّ الَّذِي أَصَابَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ إحْدَاهَا بِالتُّرَابِ الطَّهُورِ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمَوْضُوعُ لِشُرْبِ الدَّجَاجِ أَوْ غَيْرِهِ. (وَسُئِلَ) أَيْضًا عَنْ الشَّارِعِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ فِيهِ طِينٌ وَفِيهِ سِرْجِينُ وَعَذِرَةُ الْآدَمِيِّينَ وَزِبْلُ الْكِلَابِ هَلْ يُعْفَى إذَا حَصَلَ الْمَطَرُ عَمَّا يُصِيبُ الثَّوْبَ وَالرِّجْلَ مِنْهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يُعْفَى عَمَّا ذُكِرَ فِي الشَّارِعِ مِمَّا يَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ لِكَوْنِهِ عَمَّ جَمِيعَ الطُّرُقِ، وَلَمْ يُنْسَبْ صَاحِبُهُ إلَى سَقْطَةٍ وَلَا إلَى كَبْوَةٍ وَقِلَّةِ تَحَفُّظٍ. (وَسُئِلَ) أَيْضًا عَنْ الْأَوَانِي الَّتِي عَلَيْهَا وَنِيمُ الذُّبَابِ إذَا لَمَسَهَا مَعَ رُطُوبَةِ يَدِهِ أَوْ هِيَ هَلْ يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يُعْفَى عَنْ لَمْسِ الْآنِيَةِ الَّتِي عَلَيْهَا وَنِيمُ الذُّبَابِ، وَلَوْ مَعَ رُطُوبَةِ يَدِهِ، لَكِنْ بِعَرَقٍ وَنَحْوِهِ لَا مُطْلَقًا وَلَا مَعَ رُطُوبَةِ الْآنِيَةِ. (وَسُئِلَ) أَيْضًا عَنْ ذَرْقِ الطُّيُورِ فِي أَمَاكِنِ الصَّلَاةِ الْمُهَيَّأَةِ لَهَا غَيْرِ الْمَسَاجِدِ، وَفِي الْآبَارِ، وَالْبِرَكِ الْقَلِيلَةِ الْمَاءِ، وَالسِّقَايَاتِ هَلْ يُعْفَى عَنْهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يُعْفَى عَنْ ذَرْقِ الطُّيُورِ فِي أَمَاكِنِ

الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَسَاجِدَ، وَمَنْ عَبَّرَ بِالْمَسَاجِدِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَيُعْفَى عَنْهُ أَيْضًا فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ مَا لَمْ يُغَيِّرْهُ. (وَسُئِلَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ عَنْ قَوْلِهِمْ: تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِحَرْفٍ مُفْهِمٍ؛ هَلْ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَكُونَ مُفْهِمًا عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ مُفْهِمًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ لُغَتِهِ. (فَأَجَابَ) - أَبْقَاهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ: الَّذِي يَتَّجِهُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَتَعْلِيلِهِمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُفْهِمًا عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصْلُحُ لِلتَّخَاطُبِ بِهِ بِالنِّسْبَةِ لِمُعْتَقِدِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُفْهَمْ عِنْدَهُ، وَإِنْ أَفْهَمَ عِنْدَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ بِحَسَبِ ظَنِّهِ مَا يَقْتَضِي قَطْعَ نَظْمِ الصَّلَاةِ؛ وَبِهَذَا يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَمَّا يُورَدُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعِبَادَاتِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا بِمَا فِي ظَنِّ الْمُكَلَّفِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِي شُرُوطِ الْعِبَادَاتِ وَنَحْوِهَا، أَمَّا مُبْطِلَاتُهَا فَالْمَدَارُ فِيهَا عَلَى مَا يَقْطَعُ نَظْمَ الصَّلَاةِ، وَالْكَلَامُ لَا يَقْطَعُ نَظْمَهَا إلَّا إنْ كَانَ مُفْهِمًا عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ، فَإِنْ جَهِلَ الْإِفْهَامَ بِمَا هُوَ مُفْهِمٌ تَأَتَّى فِيهِ مَا قَالُوهُ فِي الْجَهْلِ؛ لِحُرْمَةِ الْكَلَامِ مِنْ أَنَّهُ إنْ عُذِرَ فِي ذَلِكَ لِقُرْبِ إسْلَامِهِ أَوْ نَشْئِهِ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عُذِرَ وَإِلَّا فَلَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَنْ الْوَشْمِ هَلْ يَجِبُ كَشْطُهُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: صَرِيحُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ وَاجِبٌ حَيْثُ لَمْ يَخْشَ ضَرَرًا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، وَقَضِيَّةُ مَا فِي الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ وَمَا فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ وُجُوبُ إزَالَتِهِ مُطْلَقًا، وَعَلَى كُلٍّ فَمَحَلُّهُ إذَا فَعَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَمَجْلِيٌّ فِي الذَّخَائِرِ فِي نَزْعِ الْعَظْمِ أَمَّا إذَا فُعِلَ بِهِ مُكْرَهًا أَوْ فَعَلَهُ، وَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَلَا تَجِبُ إزَالَتُهُ مُطْلَقًا، كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ انْتَفَتْ خَشْيَةُ مَحْذُورِ التَّيَمُّمِ فَأَيُّ عُذْرٍ فِي بَقَاءِ النَّجَاسَةِ؟ وَلَوْ وَشَمَ الْكَافِرُ نَفْسَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ وَجَبَ عَلَيْهِ نَزْعُهُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا صُورَتُهُ: كَثِيرٌ مِنْ الْمُوَسْوَسِينَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُبَسْمِلَ يَقُولُ: بِسْ، وَيُكَرِّرُهَا فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنْ قَصَدَ بِذَلِكَ الْقِرَاءَةَ لَمْ تَبْطُلْ، وَلَا يُنَافِيه قَوْلُهُمْ: إنَّ الْوَسْوَسَةَ فِي الْقِرَاءَةِ لَيْسَتْ بِعُذْرٍ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ يُمْكِنُهُ الْمُفَارَقَةُ، فَرَبْطُهُ صَلَاتَهُ بِصَلَاتِهِ مَعَ فُحْشِ التَّخَلُّفِ تَقْصِيرٌ؛ فَأَبْطَلَ بِخِلَافِهِ هُنَا؛ إذْ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ. فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ بِالْبُطْلَانِ هُنَا فِيهِ نَظَرٌ. (وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَنْ الْمُصَلِّي إذَا قَالَ فِي دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ: وَجَّهْت وَجْهِي وَأَسْلَمْت قَلْبِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِزِيَادَةِ (وَأَسْلَمْت قَلْبِي) ؟ . (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ ذُكِرَ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ أَذْكَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللَّهُمَّ أَسْلَمْت وَجْهِي إلَيْك.» (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَحْرِيكِ الْأَجْفَانِ وَاللِّسَانِ ثَلَاثًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُهَا أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ وَأَمَّا الْحَرَكَاتُ الْخَفِيفَةُ إذَا كَثُرَتْ وَتَوَالَتْ فَلَا تَضُرُّ، فَشَمِلَ حَرَكَةَ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهَا أَعْضَاءٌ خَفِيفَةٌ؛ إذْ الْمُرَادُ خِفَّةُ الْعُضْوِ الْمُتَحَرِّكِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ: إنَّ الْمَضْغَ وَحْدَهُ فِعْلٌ يُبْطِلُ كَثِيرُهُ مَعَ خِفَّةِ الْمَضْغِ، لَكِنْ آلَتُهُ، وَهِيَ اللَّحْيُ عُضْوٌ غَيْرُ خَفِيفٍ. نَعَمْ، أَفْتَى غَيْرُهُ بِالْبُطْلَانِ بِتَحْرِيكِ الْأَجْفَانِ، وَقِيَاسُهُ الْبُطْلَانُ بِتَحْرِيكِ اللِّسَانِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَتَتْ نُخَامَةٌ مُصَلِّيًا؛ إنْ لَفَظَهَا ظَهَرَ حَرْفَانِ، وَإِنْ تَرَكَهَا نَزَلَتْ لِجَوْفِهِ، فَمَا حُكْمُهُ؟ (فَأَجَابَ) بَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ جَوَازَ لَفْظِهَا: وَإِنْ ظَهَرَ حَرْفَانِ تَقْدِيمًا لِمَصْلَحَةِ الصَّوْمِ؛ أَيْ وَلَوْ نَفْلًا؛ أَيْ فَإِنَّ الْفَرْضَ أَنَّهَا نَزَلَتْ لِحَدِّ الظَّاهِرِ مِنْ الْفَمِ؛ وَهُوَ مَخْرَجُ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ إخْرَاجُهَا إلَّا بِظُهُورِ حَرْفَيْنِ مَثَلًا، فَيُغْتَفَرُ أَنَّ لَهُ خَشْيَةً مِنْ نُزُولِهَا لِلْبَاطِنِ فَيَفْسُدُ صَوْمُهُ. وَظَاهِرٌ أَنَّ مُرَادَهُ بِجَوَازِ ذَلِكَ وَجُوَبُهُ إنْ كَانَ الصَّوْمُ فَرْضًا، وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ رِعَايَةِ تَقْدِيمِ مَصْلَحَةِ الصَّوْمِ عَلَى الصَّلَاةِ - قَوْلُهُمْ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ الصَّائِمَةِ إنَّهَا تَتْرُكُ الْحَشْوَ نَهَارًا؛ رِعَايَةً لِمَصْلَحَةِ الصَّوْمِ دُونَ مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ قُلْت: يُشْكِلُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمُنْظَرِ وَالْمُنْظَرِ بِهِ تَقْدِيمُهُمْ مَصْلَحَةَ الصَّلَاةِ عَلَى الصَّوْمِ فِيمَنْ ابْتَلَعَ بَعْضَ خَيْطٍ قَبْلَ الْفَجْرِ وَطَرَفُهُ خَارِجٌ، ثُمَّ أَصْبَحَ صَائِمًا فَإِنَّهُ إنْ ابْتَلَعَ بَاقِيَهُ أَوْ نَزَعَهُ أَفْطَرَ وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، فَطَرِيقُهُ فِي صِحَّتِهِمَا أَنَّهُ يُنْزَعُ مِنْهُ وَهُوَ غَافِلٌ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ عَلَى نَزْعِهِ وَلَا يُفْطِرُ؛ كَالْمُكْرَهِ. قَالَ: وَلَوْ قِيلَ: لَا يُفْطِرُ وَإِنْ نَزَعَهُ بِاخْتِيَارِهِ لَمْ يَبْعُدْ؛ تَنْزِيلًا لِإِيجَابِ الشَّرْعِ مَنْزِلَةَ

الْإِكْرَاهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَطَأَهَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ، فَوَجَدَهَا حَائِضًا لَا يَحْنَثُ بِتَرْكِ الْوَطْءِ اهـ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مَحَلَّ تَنْزِيلِ إيجَابِ الشَّرْعِ مَنْزِلَةَ الْإِكْرَاهِ إذَا كَانَ لَا يَجِدُ مَنْدُوحَةً كَالْمَسْأَلَةِ الَّتِي نُظِرَ بِهَا، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ لَهُ مَنْدُوحَةً عَنْ تَعَمُّدِ النَّزْعِ بِرَفْعِ أَمْرِهِ إلَى الْحَاكِمِ أَوْ بِالنَّزْعِ مِنْهُ وَهُوَ غَافِلٌ. نَعَمْ، إنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا وَلَا مَنْ يَنْزِعُهُ وَهُوَ غَافِلٌ اتَّضَحَ حِينَئِذٍ مَا بَحَثَهُ، قُلْت: قَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْخَيْطِ وَالْحَشْوِ الْمُنْظَرِ بِهَا بِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ عِلَّةٌ مُزْمِنَةٌ، فَالظَّاهِرُ دَوَامُهَا، فَلَوْ رُوعِيَتْ الصَّلَاةُ فِيهَا؛ لَتَعَذَّرَ قَضَاءُ الصَّوْمِ لِلْحَشْوِ؛ وَلِأَنَّ الْمَحْذُورَ فِيهَا لَا يَنْتَفِي بِالْكُلِّيَّةِ - فَإِنَّ الْحَشْوَ يَتَنَجَّسُ، وَهِيَ حَامِلَتُهُ بِخِلَافِهِ ثَمَّ، وَلَك أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْخَيْطِ وَمَسْأَلَةِ النُّخَامَةِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ عُهِدَ فِيهَا اغْتِفَارُ الْكَلَامِ الْقَلِيلِ، وَلَوْ مَعَ التَّعَمُّدِ وَالْعِلْمِ وَالِاخْتِيَارِ، وَلِلْعُذْرِ كَالتَّنَحْنُحِ لِلْجَهْرِ بِأَذْكَارِ الِانْتِقَالَاتِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى سَمَاعِ الْمَأْمُومِينَ، كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ، وَكَالتَّنَحْنُحِ عِنْدَ تَزَاحُمِ الْبَلْغَمِ بِحَلْقِهِ إذَا خَشِيَ أَنْ يَخْتَنِقَ، كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَكَالضَّحِكِ وَالْبُكَاءِ وَالْأَنِينِ وَالتَّنَحْنُحِ مَعَ الْغَلَبَةِ. قَالُوا: لِأَنَّ الْكَثِيرَ يَقْطَعُ نَظْمَهَا دُونَ الْقَلِيلِ، وَكَالتَّلَفُّظِ فِيهَا بِقُرْبَةٍ كَنَذْرٍ وَعِتْقٍ حَيْثُ لَا تَعْلِيقَ وَلَا خِطَابَ. وَأَمَّا الصَّوْمُ فَلَا يُغْتَفَرُ فِيهِ إدْخَالُ شَيْءٍ إلَى الْجَوْفِ، وَلَا إخْرَاجُ شَيْءٍ مِنْهُ مَعَ التَّعَمُّدِ وَالْعِلْمِ وَالِاخْتِيَارِ، وَلَوْ لِعُذْرٍ، فَعَلِمْنَا انْقِطَاعَ نَظْمِهِ بِأَحَدِ هَذَيْنِ، فَلَمْ يُغْتَفَرْ لِلصَّائِمِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَعَدَمُ انْقِطَاعِ نَظْمِ الصَّلَاةِ بِالْكَلَامِ الْقَلِيلِ لِلْعُذْرِ فَاغْتَفَرْنَاهُ، وَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ فِي الْفَرْضِ، وَأَبَحْنَا لَهُ فِي التَّنَفُّلِ التَّنَخُّمَ، وَإِنْ ظَهَرَ مِنْهُ حَرْفَانِ مَثَلًا، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّ مَا مَرَّ عَنْ الزَّرْكَشِيّ فِي التَّنَخُّمِ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْته فِي الْخَيْطِ؛ لَوْلَا مُلَاحَظَةُ هَذَا الْفَرْقِ الْجَلِيِّ. (وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَنْ عَارٍ مُتَنَجِّسٍ لَمْ يَجِدْ إلَّا ثَوْبًا مُتَنَجِّسًا لَا يُمْكِنُهُ تَطْهِيرُهُ وَلَمْ يَجِدْ مَاءً يَتَطَهَّرُ بِهِ، هَلْ يُصَلِّي عَارِيًّا أَوْ يَلْبَسُ الثَّوْبَ لِسَتْرِ الْعَوْرَةِ؛ فَقَدْ قِيلَ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ إنَّهُ يَلْبَسُ الثَّوْبَ؛ تَخْرِيجًا عَلَى قَاعِدَةِ ارْتِكَابِ أَخَفِّ الْأَمْرَيْنِ، وَنُقِلَ عَنْ بَعْضٍ آخَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ لُبْسُ الثَّوْبِ الْمَذْكُورِ؛ أَخْذًا مِنْ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ يُصَلِّي عَارِيًّا؛ إذْ ظَاهِرٌ ذَلِكَ، سَوَاءٌ كَانَ بَدَنُهُ طَاهِرًا أَمْ نَجِسًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: فِي كَلَامِهِمْ إشَارَةٌ إلَى كُلٍّ مِنْ الرَّأْيَيْنِ؛ لَكِنَّهُ إلَى الثَّانِي أَمْيَلُ، وَبَيَانُهُ تَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ وَاجِبَانِ أَوْ حَرَامَانِ قُدِّمَ آكَدُهُمَا، وَفِي مَسْأَلَتِنَا تَعَارَضَ حَرَامَانِ: لُبْسُ الثَّوْبِ النَّجِسِ، وَكَشْفُ الْعَوْرَةِ، فَيُقَدَّمُ آكَدُهُمَا؛ وَهُوَ عَدَمُ اللُّبْسِ. وَوَجْهُ آكَدِيَّتِهُ قَوْلُهُمْ: هَلْ يُصَلِّي الْعَارِي قَائِمًا وَيُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ مُحَافَظَةً عَلَى الْأَرْكَانِ؟ أَوْ يُصَلِّي قَاعِدًا مُومِيًا مُحَافَظَةً عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ؟ أَوْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا أَوْجُهٌ ثَلَاثَةٌ؟ وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ؛ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ تَمَامَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ آكَدُ مِنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ صَرَّحُوا فِيمَنْ جَلَسَ عَلَى نَجَاسَةٍ مُمَاسَّةٍ لِبَعْضِ بَدَنِهِ أَوْ مَلْبُوسِهِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهَا - أَنَّهُ يُصَلِّي عَلَيْهَا قَائِمًا حَتْمًا، وَيَلْزَمُهُ خَفْضُ رَأْسِهِ لِلسُّجُودِ إلَى حَيْثُ لَوْ زَادَ أَصَابَهَا. وَلَا يَجُوزُ لَهُ إصَابَتُهَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّنْقِيحِ وَالتَّحْقِيقِ. وَوَجَّهُوهُ بِأَنَّ اجْتِنَابَ النَّجَاسَةِ آكَدُ مِنْ اسْتِيفَاءِ السُّجُودِ؛ إذْ قَدْ يَسْقُطُ الْقَضَاءُ مَعَ الْإِيمَاءِ بِخِلَافِهِ مَعَهَا، فَإِذَا كَانَتْ آكَدَ مِنْ اسْتِيفَاءِ السُّجُودِ كَانَتْ آكَدَ مِنْ السَّتْرِ بِالْأَوْلَى؛ لِمَا عَلِمْت أَوَّلًا أَنَّ اسْتِيفَاءَ السُّجُودِ آكَدُ مِنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ فَإِذَا قَدَّمَ اجْتِنَابَهَا عَلَى الْآكَدِ مِنْ السَّتْرِ فَلَأَنْ تُقَدَّمَ عَلَى السَّتْرِ أَوْلَى، لَا يُقَالُ: هُوَ يَلْزَمُهُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، فَمَا فَائِدَةُ اجْتِنَابِهَا؟ لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ - وَإِنْ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ - صَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ مُخْرِجَةٌ لِلْعُهْدَةِ عَنْ إثْمِ إخْرَاجِهَا عَنْ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ وَتَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ إنْ اُجْتُنِبَتْ النَّجَاسَةُ فِيهَا مَهْمَا أَمْكَنَ. وَلَيْسَ مِنْ أَعْذَارِ الْمُتَضَمِّخِ بِالنَّجَاسَةِ فِي الصَّلَاةِ كَشْفُ الْعَوْرَةِ؛ فَقَدْ عَدُّوا مِنْ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِكَشْفِهَا فِي الصَّلَاةِ مَا لَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا ثَوْبًا مُتَنَجِّسًا، فَوُجُودُ الثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ مُبِيحٌ لِلْكَشْفِ، وَتَنَجُّسُ بَعْضِ الْبَدَنِ لَيْسَ مُبِيحًا لِلُبْسِ الثَّوْبِ النَّجِسِ، فَنَتَجَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ الْأَوْجَهَ بَلْ الْمُصَرَّحُ بِهِ كَمَا عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لُبْسُ الثَّوْبِ النَّجِسِ، وَأَنَّهُ يُصَلِّي عَارِيًّا - وَإِنْ لَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ - فَإِنْ قُلْت: يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ - فِي حَاضِرٍ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يَكْفِي لِلْحَدَثِ أَوْ النَّجَاسَةِ بِبَدَنِهِ - أَنَّهُ

يَتَخَيَّرُ بَيْنَ صَرْفِهِ لَهَا أَوْ لِلْحَدَثِ؛ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، قُلْت: لَا يُنَافِيهِ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا شَرْطٌ لِلصِّحَّةِ فَبَيْنَهُمَا نَوْعُ تَسَاوٍ، وَأَيْضًا فَلِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا صَرْفَهُ لَهَا حِينَئِذٍ لَكَانَ مُصَلِّيًا مَعَ الْحَدَثِ فَلَمْ يُفِدْ الْوُجُوبُ شَيْئًا، وَأَمَّا مَا يُتَخَيَّلُ مِنْ أَنَّهُ يُفِيدُ تَخْفِيفًا فَإِنَّهُ لَوْ صُرِفَ لَهَا صَلَّى بِحَدَثٍ عَنْهُ بَدَلٌ؛ وَهُوَ التَّيَمُّمُ، وَلَوْ صُرِفَ لَهُ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ لَيْسَ عَنْهَا بَدَلٌ، فَيُجَابُ عَنْهُ بِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ تَقَارُبَهُمَا فِي الشَّرْطِيَّةِ - مَعَ وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ - اقْتَضَى الْمُسَامَحَةَ لَهُ حَتَّى خُيِّرَ، وَإِنْ كَانَ هَذَا التَّخَيُّلُ هُوَ مَلْحَظَ مَا فِي بَعْضِ كُتُبِ النَّوَوِيِّ أَيْضًا، وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ مِنْ إطْلَاقِ وُجُوبِ تَقْدِيمِهَا، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ ذَرْقِ الذُّبَابِ إذَا وَقَعَ فِي الدَّوَاةِ هَلْ يُعْفَى عَنْهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: صَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي النُّكَتِ بِأَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا صُورَتُهُ: مَا الْحُكْمُ فِيمَا لَوْ تَحَرَّكَ فِي الصَّلَاةِ حَرَكَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ، ثُمَّ أَرَادَ حَرَكَةً لِشَيْءٍ مَسْنُونٍ فِي الصَّلَاةِ؛ كَأَنْ رَأَى بَيْنَ قَدَمَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ شِبْرٍ وَأَرَادَ تَقْرِيبَهُمَا، أَوْ رَآهُمَا زَائِلَتَيْنِ عَنْ سَمْتِ الْقِبْلَةِ وَأَرَادَ تَوَجُّهَهُمَا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ لَوْ خَطَا بِإِحْدَى رِجْلَيْهِ ثُمَّ نَقَلَ الْأُخْرَى إلَى مُحَاذَاتِهَا لَا يُعَدُّ خُطْوَتَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ، فَهَلْ حُكْمُ كُلِّ مَسْنُونٍ فِي الصَّلَاةِ كَذَلِكَ؟ وَلَوْ زَالَتْ الْأَقْدَامُ وَأَطْرَافُهَا عَنْ مَحَلِّهَا حَالَ الْقِيَامِ عِنْدَ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ هَلْ يُعَدُّ ذَلِكَ حَرَكَاتٍ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ تَصْفِيقَ الْمَرْأَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَدَفْعَ الْمُصَلِّي لِلْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ مُتَوَالِيَةٍ مَعَ كَوْنِهِمَا مَنْدُوبَتَيْنِ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْبُطْلَانُ فِيمَا لَوْ تَحَرَّكَ حَرَكَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ عَقَّبَهُمَا بِحَرَكَةٍ أُخْرَى مَسْنُونَةٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ لَا تُغْتَفَرُ فِي الصَّلَاةِ؛ لِنِسْيَانٍ وَنَحْوِهِ مَعَ الْعُذْرِ، فَأَوْلَى فِي هَذِهِ الصُّورَةِ. وَشَرْطُ الْحَرَكَةِ الَّتِي تُبْطِلُ ضَمُّ حَرَكَتَيْنِ إلَيْهَا - أَنْ تَكُونَ بِعُضْوٍ مُسْتَقِلٍّ فَلَا أَثَرَ لِحَرَكَةِ نَحْوِ الْأَصَابِعِ وَإِنْ كَثُرَتْ، وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ الْكَافِي بِأَنَّ الذَّهَابَ وَالْعَوْدَ فِي الْحَكِّ وَالرَّفْعِ وَالْوَضْعِ مُغَايَرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَحِينَئِذٍ فَيُعْرَفُ حُكْمُ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ مِنْ زَوَالِ أَطْرَافِ الْأَقْدَامِ أَوْ نَفْسِهَا عَنْ مَحَلِّهَا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا صُورَتُهُ: ذَكَرُوا أَنَّ مَحَلَّ الْعَفْوِ فِي النَّجَاسَةِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا مَا لَمْ يُبَاشِرْهَا مَائِعٌ، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «مَا كَانَ لِأَحَدِنَا إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ» . . . إلَخْ - فِيهِ الرِّيقُ، وَهُوَ مَائِعٌ، فَهَلْ يُقَالُ: هُوَ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مُطَهِّرٌ لِلنَّجَاسَةِ - يَكُونُ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي التَّنْجِيسِ، وَيُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مَا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى التَّطْهِيرِ بِالْمَائِعِ وَلَا عَلَى عَدَمِهِ، وَلَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ الِاخْتِلَاطُ بِهِ أَوْ يُؤَثِّرُ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهَا لَمْ تَقُلْ إنَّهَا صَلَّتْ فِي الثَّوْبِ الَّذِي أَصَابَهُ، ذَلِكَ قَبْلَ تَطْهِيرِهِ، وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَهُوَ مَذْهَبُ صَحَابِيٍّ، وَهُوَ غَيْرُ حُجَّةٍ عِنْدَنَا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِ الْبَوْلِ وَغَيْرِهِ؛ مِنْ السَّلَسِ وَغَيْرِهِ، اُبْسُطُوا لَنَا الْجَوَابَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ سَلَسَ الْبَوْلِ وَالْمَذْيَ وَغَيْرَهُمَا كَالْمُسْتَحَاضَةِ، وَقَيَّدَهُ فِي الْمَجْمُوعِ بِسَلَسٍ هُوَ عَادَةٌ وَمَرَضٌ، أَمَّا مَنْ خَرَجَ مِنْهُ مَذْيٌ بِسَبَبٍ حَادِثٍ كَنَظَرٍ وَقُبْلَةٍ فَلَهُ حُكْمُ سَائِرِ الْأَحْدَاثِ فِي وُجُوبِ غَسْلِهِ وَالْوُضُوءِ مِنْهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ لِلنَّفْلِ وَالْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَرَجَ فِيهِ، قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: وَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِ سَلَسِ الْبَوْلِ فِي الثَّوْبِ وَالْعِصَابَةِ بِالنِّسْبَةِ لِتِلْكَ الصَّلَاةِ خَاصَّةً، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ الْآتِيَةِ فَيَجِبُ غَسْلُهُ أَوْ تَجْفِيفُهُ وَغَسْلُ الْعِصَابَةِ أَوْ تَجْدِيدُهَا بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَيُعْفَى عَنْ كَثِيرِ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ إنْ لَمْ يُمْكِنْهَا الْحَشْوُ لِتَأَذِّيهَا بِهِ اهـ. وَقَوْلُهُ: يُعْفَى عَنْ قَلِيلِ بَوْلِ السَّلَسِ فِي الثَّوْبِ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ التَّنْبِيهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ اعْتِمَادُهُ، لَكِنْ تَفْرِقَتُهُ فِي الْعَفْوِ بَيْنَ بَوْلِ السَّلَسِ وَدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ فِيهَا نَظَرٌ، وَالْوَجْهُ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الْعَفْوِ؛ عَنْ قَلِيلِهِمَا بِالنِّسْبَةِ لِلثَّوْبِ؛ وَعَنْ كَثِيرِهِمَا بِالنِّسْبَةِ لِلْعِصَابَةِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الرَّوْضَةِ: وَأَصْلُهَا الضَّرْبُ السَّادِسُ؛ أَيْ مِنْ النَّجَاسَاتِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا فِي أَنْوَاعٍ مُتَفَرِّقَةٍ، مِنْهَا النَّجَاسَةُ الَّتِي تَسْتَصْحِبُهَا الْمُسْتَحَاضَةُ، وَسَلَسُ الْبَوْلِ، فَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْعَفْوِ، وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. عَلَى أَنَّ الرَّافِعِيَّ بَحَثَ الْعَفْوَ عَنْ قَلِيلِ الْبَوْلِ مِنْ الصَّحِيحِ، قَالَ: لِأَنَّ الِابْتِلَاءَ بِهِ أَغْلَبُ وَأَعَمُّ مِنْ الدَّمِ.

لَكِنْ أَجَابَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّهُمْ لَمَحَوَا فِيهِ زِيَادَةَ الِاسْتِقْذَارِ. وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الدَّمَ لَيْسَ لَهُ مَخْرَجٌ مَخْصُوصٌ، وَلَا يَخْرُجُ بِالِاخْتِيَارِ غَالِبًا؛ فَيَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْبَوْلِ. وَاعْتَمَدَ الْأَذْرَعِيُّ الْبَحْثَ لَا عَلَى إطْلَاقِهِ فَقَالَ: (لَا يَبْعُدُ إلْحَاقُ يَسِيرِ الْبَوْلِ بِالدَّمِ الْيَسِيرِ فِي الْعَفْوِ فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْهَرِمِ وَالشَّيْخَةِ، وَمَنْ اسْتَرْخَى ظَهْرُهُ لِهَرَمٍ أَوْ مَرَضٍ، أَوْ إحْلِيلُهُ لِعُنَّةٍ أَوْ شَلَلٍ؛ فَإِنَّ تَحَفُّظَهُ مِمَّا يَبْقَى فِي الْمَخْرَجِ عَسِرٌ أَوْ مُتَعَذَّرٌ، وَإِنْ اسْتَبْرَأَ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ تَنَجَّسَ بَعْضُ ثَوْبِهِ وَانْبَهَمَ فَمَسَّ بَعْضَهُ رَطْبٌ لَمْ يَتَنَجَّسْ بِهِ، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى بَعْضِهِ وَصَلَّى لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، فَمَا الْفَرْقُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْفَرْقُ أَنَّ الصَّلَاةَ يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا ظَنُّ طَهَارَةِ الثَّوْبِ، وَلَمْ يُوجَدْ. وَالنَّجَاسَةُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَحَقُّقِ مُمَاسَّةِ الْمَحَلِّ النَّجِسِ، وَلَمْ يُوجَدْ، فَاخْتَلَفَ مَأْخَذُهُمَا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ: يَجُوزُ أَكْلُ دُودِ الطَّعَامِ وَرَوْثِ الْجَرَادِ وَنَحْوِهِ مَعَهُ، هَلْ الْعَفْوُ عَنْ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَكْلِ فَقَطْ أَوْ مُطْلَقًا حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ غَسْلُ فَمِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا، أَوْ إذَا أَكَلَهُ لَيْلًا وَأَصْبَحَ صَائِمًا، وَلَمْ يَغْسِلْ فَمَهُ وَازْدَرَدَ رِيقَهُ، أَوْ مَا الْحُكْمُ فِيهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنَّ الَّذِي صَرَّحُوا بِهِ فِي دُودِ نَحْوِ الْخَلِّ أَنَّهُ لَا يُنَجِّسُ مَا هُوَ فِيهِ مِمَّا نُشُوءُهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ نَجِسًا؛ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَكْلُهُ مَعَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ الْفَمِ مِنْهُ. وَصَرِيحُ هَذَا أَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ مُطْلَقًا، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ الْفَمِ مِنْهُ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ، وَلَا لِلصَّوْمِ وَلَا لِغَيْرِهِمَا، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ مِنْ جَوَازِ أَكْلِ رَوْثِ الْجَرَادِ وَنَحْوِهِ مَعَهُ - فَهُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ فِي صِغَارِ السَّمَكِ، وَأَلْحَقَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ الْجَرَادَ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْقَمُولِيِّ وَغَيْرِهِ، فَلَا يَتَنَجَّسُ الْفَمُ، وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ لِلصَّلَاةِ وَلَا لِغَيْرِهَا، نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي الدُّودِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ تَنَحْنَحَ؛ لِتَعَذُّرِ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ، فَهَلْ يُعْذَرُ وَإِنْ ظَهَرَ بِهِ حُرُوفٌ كَثِيرَةٌ عُرْفًا أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ؛ كَمَا إذَا غَلَبَهُ الضَّحِكُ وَنَحْوُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ وَالرَّوْضَةِ؛ وَأَصْلِهَا أَنَّهُ لَا يُعْذَرُ فِي التَّنَحْنُحِ لِلذِّكْرِ الْوَاجِبِ إلَّا إذَا لَمْ يَظْهَرْ بِهِ حُرُوفٌ كَثِيرَةٌ عُرْفًا؛ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرَاهُ فِي التَّنَحْنُحِ وَنَحْوِهِ لِلْغَلَبَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ. نَعَمْ، لَوْ تَعَذَّرَ الْإِتْيَانُ بِالْوَاجِبِ الْقَوْلِيِّ إلَّا بِتَنَحْنُحٍ كَثِيرٍ - فَيَنْبَغِي عَدَمُ الْبُطْلَانِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَحْوِ الْغَلَبَةِ بِأَنَّ هَذَا لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ ذَاكَ. (وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَنْ الْإِشَارَةِ بِالْعَيْنِ أَوْ الرَّأْسِ وَفِي تَحْرِيكِ الْأَجْفَانِ وَاللِّسَانِ فِي الصَّلَاةِ، هَلْ هِيَ مِنْ الْأَفْعَالِ الْخَفِيفَةِ حَتَّى لَا تَبْطُلَ الصَّلَاةُ بِكَثِيرِهَا، أَوْ لَا حَتَّى تَبْطُلَ بِثَلَاثٍ؟ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْأَنْوَارِ أَنَّ الْإِشَارَةَ بِالْعَيْنِ أَوْ الْيَدِ أَوْ الرَّأْسِ قَلِيلٌ، وَهَلْ الْمُرَادُ الْإِشَارَةُ الْوَاحِدَةُ أَوْ أَعَمُّ؟ وَهَلْ الْيَدُ وَالرَّأْسُ وَالْعَيْنُ مِنْ الْأَعْضَاءِ الصِّغَارِ حَتَّى لَا تَبْطُلَ بِكَثِيرٍ مِنْهَا أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَمَّا تَحْرِيكُ الرَّأْسِ ثَلَاثًا مُتَوَالِيَةً - فَمُبْطِلٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَأَمَّا تَحْرِيكُ الْأَجْفَانِ وَاللِّسَانِ فَقَدْ ذَكَرْت حُكْمَهُمَا فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ، وَعِبَارَتُهُ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمِنْ الْقَلِيلِ إدَامَةُ تَحْرِيكِ الْأَجْفَانِ، وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ: وَلَا تَبْطُلُ بِإِدَامَةِ تَحْرِيكِ الْأَجْفَانِ فِي الْأَصَحِّ اهـ وَكَأَنَّهُمْ نَظَرُوا لِكَوْنِهَا غَيْرَ مُسْتَقِلَّةٍ بِالْحَرَكَةِ، فَهِيَ كَالْأَصَابِعِ وَيَتَّجِهُ إلْحَاقُ اللِّسَانِ بِهَا فِي ذَلِكَ، انْتَهَتْ. وَوَجْهُ الْإِلْحَاقِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِالْحَرَكَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَحَرَّكَ لَا يَتَحَرَّكُ كُلُّهُ بَلْ بَعْضُهُ فَهُمَا كَالْأَصَابِعِ، بِخِلَافِ نَحْوِ الرَّأْسِ فَإِنَّهُ يَتَحَرَّكُ كُلُّهُ، وَبِخِلَافِ الْيَدِ مَثَلًا فَإِنَّهَا كَذَلِكَ؛ وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا: شَرْطُ عَدَمِ الْبُطْلَانِ بِتَحْرِيكِ الْأَصَابِعِ أَنْ لَا يَتَحَرَّكَ كَفُّهُ بِالذَّهَابِ وَالْإِيَابِ، كَمَا فِي الْكَافِي. وَقِيلَ: لَا يَضُرُّ تَحْرِيكُهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْبَدَنِ سَاكِنٌ، وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِسُكُونِ أَكْثَرِ الْبَدَنِ مَعَ اسْتِقْلَالِ الْعُضْوِ الْمُتَحَرِّكِ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ هُنَا عَلَى الْعُرْفِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعُرْفَ يَعُدُّ تَحَرُّكَ الْيَدِ وَحْدَهَا الْمُتَوَالِي ثَلَاثًا كَثِيرًا، فَأَبْطَلَ لِمُنَافَاتِهِ لِلصَّلَاةِ؛ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ الْبَدَنِ سَاكِنًا. وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ أَنَّ مُرَادَ الْأَنْوَارِ بِقَوْلِهِ: الْإِشَارَةُ بِالْيَدِ أَوْ الرَّأْسِ قَلِيلٌ، تَحْرِيكُ أَحَدِهِمَا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا غَيْرَ مُتَوَالِيَةٍ؛ أَمَّا الثَّلَاثُ الْمُتَوَالِيَةُ بِأَحَدِهِمَا فَلَا شَكَّ بِالْبُطْلَانِ بِهِ؛ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. (وَسُئِلَ) - أَدَامَ اللَّهُ النَّفْعَ بِعُلُومِهِ - عَمَّا لَوْ عَرَضَتْ لِلْمُصَلِّي نُخَامَةٌ وَبِإِخْرَاجِهَا يَظْهَرُ حَرْفَانِ، هَلْ يُخْرِجُهَا وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ أَوْ يَبْتَلِعُهَا وَإِنْ بَطَلَتْ

صَلَاتُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: عِبَارَتِي فِي شَرْحِ الْعُبَابِ: وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ إذَا تَرَاكَمَ الْبَلْغَمُ بِحَلْقِهِ أَوْ غَصَّ بِرِيقِهِ، وَخَشِيَ أَنْ يَنْخَنِقَ إنْ لَمْ يَتَنَحْنَحْ فَتَنَحْنَحَ لِلضَّرُورَةِ لَمْ يَضُرَّ. وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ صَائِمًا وَحَصَلَتْ نُخَامَةٌ - إنْ تَنَحْنَحَ - خَرَجَتْ فَيَصِحُّ صَوْمُهُ أَنَّهُ يَلْفِظُهَا وَإِنْ لَزِمَ إظْهَارُ حَرْفَيْنِ، وَوَجْهُهُ مَا فِيهِ مِنْ تَصْحِيحِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ؛ إذْ يُبْطِلُهَا مَا يُبْطِلُهُ؛ لِأَنَّ إظْهَارَ الْحَرْفَيْنِ إذَا اُغْتُفِرَ لِتَعَذُّرِ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ - فَلْيُغْتَفَرْ لِصَوْنِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ عَنْ الْإِبْطَالِ سِيَّمَا إنْ كَانَا فَرْضَيْنِ أَوْ أَحَدَهُمَا، بَلْ يَنْبَغِي وُجُوبُ لَفْظِهَا إنْ كَانَ الصَّوْم وَاجِبًا، وَكَذَا الصَّلَاةُ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ. وَبِمَا وَجَّهْته بِهِ يُرَدُّ عَلَى مَنْ نَازَعَ فِيهِ. وَأَفْتَى الشَّرَفُ الْمُنَاوِيُّ بِأَنَّ مَنْ عَرَضَتْ لَهُ نُخَامَةٌ فَوَصَلَتْ لِحَدِّ الظَّاهِرِ؛ وَلَمْ يُمْكِنْهُ مَجُّهَا إلَّا بِالتَّنَحْنُحِ وَإِلَّا وَصَلَتْ لِلْبَاطِنِ - يَتْرُكُهَا تَنْزِلُ إلَيْهِ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ وَصَلَتْ لِحَدِّ الظَّاهِرِ لِعُذْرِهِ بِسَبَبِ إبْطَالِ الصَّلَاةِ بِالتَّنَحْنُحِ حَالًا اهـ وَكَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْجَلَالِ الْبُلْقِينِيُّ. (سُئِلْت) عَمَّا لَوْ عَرَضَتْ لَهُ نُخَامَةٌ؛ إنْ قَطَعَهَا وَمَجَّهَا ظَهَرَ مِنْهُ حَرْفَانِ؛ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ. وَإِنْ تَرَكَهَا بَطَلَتْ وَأَفْطَرَ، فَمَا الَّذِي يَرْتَكِبُهُ مِنْ هَاتَيْنِ الْمَفْسَدَتَيْنِ؟ فَأَجَبْت بِأَنَّهُ يَرْتَكِبُ التَّرْكَ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ اهـ. وَلَك رَدُّ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ وُصُولَهَا لِلْبَاطِنِ بَعْدَ خُرُوجِهَا لِحَدِّ الظَّاهِرِ مُبْطِلٌ، وَكَذَا التَّنَحْنُحُ لِإِخْرَاجِهَا عَلَى مَا زَعَمَهُ، فَمَا الْمُرَجِّحُ لِاغْتِفَارِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي؛ فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ بِتَخْيِيرِهِ بَيْنَ تَرْكِ التَّنَحْنُحِ حَتَّى تَنْزِلَ، وَفِعْلِهِ لِإِخْرَاجِهَا؛ لِتَعَارُضِ مُبْطِلَيْنِ بِلَا مُرَجِّحٍ. أَوْ يُقَالُ بِالْبُطْلَانِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا أَوْ بِاغْتِفَارِ التَّنَحْنُحِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ عُهِدَ اغْتِفَارُ تَعَمُّدِهِ لِأَجْلِ الْعُذْرِ فِي الصَّلَاةِ، بِخِلَافِ تَعَمُّدِ الْمُفْطِرِ، وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ. وَالثَّانِي بِأَنَّهُ إذَا ارْتَكَبَ التَّرْكَ؛ فَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ: يُقَدَّمُ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ - سَاوَى كَلَامَ الْمُنَاوِيِّ فَيُرَدُّ بِمَا رَدَدْته بِهِ؛ وَإِنْ قَالَ بِإِبْطَالِهَا، فَالْقِيَاسُ تَخْيِيرُهُ لَا تَعَيُّنُ التَّرْكِ. ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ فِي مُفْطِرٍ، أَمَّا الصَّائِمُ فَأَمْرُهُ بِالتَّرْكِ الْمُؤَدِّي لِإِفْطَارِهِ وَبُطْلَانِ صَلَاتِهِ عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي، وَلِإِفْطَارِهِ فَقَطْ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ - لَا وَجْهَ لَهُ. ثُمَّ رَأَيْت أَخَاهُ صَالِحًا قَالَ: مَحَلُّهُ فِي الْمُفْطِرِ، وَإِلَّا ارْتَكَبَ الْقَطْعَ؛ لِأَنَّهُ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ إذَا ظَهَرَ مِنْهُ حَرْفَانِ، وَلَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ، وَالتَّرْكُ يُبْطِلُهُمَا اهـ. وَدَعْوَاهُ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ إذَا مَجَّ فَظَهَرَ حَرْفَانِ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا مَرَّ، وَقَدْ أَفْتَى ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ بِوُجُوبِ الْمَجِّ، فَإِنْ تَرَكَهُ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ، ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ لَزِمَ إظْهَارُ حَرْفَيْنِ لِتَصْحِيحِ الصَّوْمِ، وَكَذَا الصَّلَاةُ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ إظْهَارَهُمَا لَا يَضُرُّ لِضَرُورَةٍ؛ كَتَعَذُّرِ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ، وَهُنَا صَوْنُ الصَّوْمِ عَنْ الْإِبْطَالِ وَاجِبٌ، وَقَلْعُ النُّخَامَةِ مِنْ الظَّاهِرِ مُبْطِلٌ، وَكَانَ لَفْظُهَا ضَرُورِيًّا فَلَمْ تَبْطُلْ الصَّلَاةُ؛ وَإِنْ تَضَمَّنَ إظْهَارَ حَرْفَيْنِ اهـ. انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ، وَمِنْهَا يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَمَّا فِي السُّؤَالِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ سَتَرَ وَرِكَهُ الَّذِي يَلِي الْأَرْضَ بِهَا فَهَلْ يُجْزِئُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إذَا انْكَشَفَ بَعْضُ وَرِكِهِ فِي تَشَهُّدِهِ مَثَلًا فَسَتَرَهُ فَوْرًا بِإِلْصَاقِهِ بِالْأَرْضِ، فَالظَّاهِرُ - وِفَاقًا لِبَعْضِهِمْ - أَنَّهُ يَكْفِي كَالسَّتْرِ بِيَدِهِ، وَكَمَا لَوْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فِي حُفْرَةٍ ضَيِّقَةِ الرَّأْسِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ قَوْلِ الْمُصَلِّي: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَنَحْوِهَا، لِدَاخِلٍ، وَقَوْلِ غَيْرِهِ لِذَلِكَ؛ لِلْإِعْلَامِ بِفَرَاغِ مُدَّةِ قِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ، هَلْ تَحْرُمُ أَوْ تُكْرَهُ؟ وَهَلْ قَالَ أَحَدٌ إنَّ ذَلِكَ شِرْكٌ، كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ؟ . (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يَحْرُمُ ذَلِكَ بَلْ، وَلَا يُكْرَهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ أَوْ يَجِبُ، كَمَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ: مِنْ أَنَّ التَّنْبِيهَ فِي الصَّلَاةِ بِنَحْوِ تَسْبِيحٍ أَوْ تَصْفِيقٍ إنْ كَانَ لِوَاجِبٍ فَوَاجِبٌ، أَوْ لِمُسْتَحَبٍّ فَمُسْتَحَبٌّ، أَوْ لِحَرَامٍ أَوْ مَكْرُوهٍ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ وَلِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ. وَإِذَا جَرَى هَذَا فِي الْمُصَلِّي جَرَى فِي غَيْرِهِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى. وَتَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّهُ لَوْ قَصَدَ الْإِعْلَامَ وَالذِّكْرَ فِي الصَّلَاةِ جَازَ - صَرِيحٌ فِي أَنَّ قَصْدَ الْإِعْلَامِ وَحْدَهُ لِغَيْرِ الْمُصَلِّي لَا يَحْرُمُ، بَلْ وَكَذَا لِلْمُصَلِّي إنْ كَانَ فِي نَافِلَةٍ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ قَطْعُهَا. وَحُرْمَةُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي الْفَرْضِ لَيْسَ إلَّا لِكَوْنِ تَعَمُّدِ قَطْعِهِ حَرَامًا، وَتَوَهُّمُ اغْتِفَارِ قَصْدِ الْإِعْلَامِ مَعَ الذِّكْرِ لِلْمُصَلِّي إنَّمَا هُوَ لِحُرْمَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَنْ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ يُبْطِلُهُ أَنَّ الْمُصَلِّيَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْإِفْهَامِ بِالْإِشَارَةِ، وَلَمْ يَنْظُرُوا لِذَلِكَ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْجُنُبَ لَوْ

قَرَأَ آيَةً بِقَصْدِ الْإِعْلَامِ وَحْدَهُ جَازَ، فَإِذَا جَازَ هَذَا فِي الْقُرْآنِ فَفِي غَيْرِهِ أَوْلَى. وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مِنْ السُّنَّةِ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيْقَظَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ؟ (اللَّهُ أَكْبَرُ) رَافِعًا بِهَا صَوْتَهُ؛ بِقَصْدِ الْإِعْلَامِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ إيقَاظُهُ بِنَحْوِ يَدِهِ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ. وَقَدْ جَعَلَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلَ الْمُضِيفِ لِلضَّيْفِ؟ (بِسْمِ اللَّهِ) قَرِينَةً لَفْظِيَّةً عَلَى الْإِذْنِ فِي الْأَكْلِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي جَوَازِهَا بِقَصْدِ الْإِعْلَامِ بِهَا أَنَّهُ أَذِنَ فِي الْأَكْلِ وَلَمْ يُحْفَظْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْعُلَمَاءِ قَالَ إنَّ ذَلِكَ شِرْكٌ، فَيُؤَدَّبُ مَنْ يَقُولُ عَلَى الْعُلَمَاءِ مَا هُمْ بَرِيئُونَ مِنْهُ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ النُّخَامَةِ الْعَارِضَةِ لِلْمُصَلِّي هَلْ قَطْعُهَا أَوْ بَلْعُهَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مَتَى لَمْ تَصِلْ لِحَدِّ الظَّاهِرِ لَا يَتَعَرَّضُ لَهَا؛ فَإِنَّ نُزُولَهَا لِلْجَوْفِ حِينَئِذٍ غَيْرُ مُبْطِلٍ، فَإِنْ تَعَرَّضَ لَهَا وَظَهَرَ مِنْهُ حَرْفَانِ أَوْ حَرْفٌ مُفْهِمٌ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَمَتَى وَصَلَتْ لِحَدِّ الظَّاهِرِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ قَطْعُهَا وَمَجُّهَا فَكَذَلِكَ، وَمَتَى وَصَلَتْ لَهُ وَأَمْكَنَهُ ذَلِكَ جَازَ لَهُ قَطْعُهَا؛ وَإِنْ ظَهَرَ مِنْهُ نَحْوُ حَرْفَيْنِ عَلَى الْأَوْجَهِ؛ صَوْنًا لِلصَّلَاةِ عَنْ الْإِبْطَالِ فَإِنْ قُلْت: كُلٌّ مِنْ الْحَرْفَيْنِ وَنُزُولِ أَجْنَبِيٍّ إلَى الْجَوْفِ مُبْطِلٌ، فَلِمَ اغْتَفَرْتُمْ الْحَرْفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ؟ قُلْت: لِأَنَّهُمْ اغْتَفَرُوا النُّطْقَ بِهِمَا فِي مَوَاضِعَ دُونَ تَعَمُّدِ نُزُولِ شَيْءٍ إلَى الْجَوْفِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَغْتَفِرُوهُ كَذَلِكَ، فَكَانَتْ مُنَافَاةُ هَذَا لَهَا أَشَدَّ؛ فَلَمْ يُعْفَ عَنْهُ وَعُفِيَ عَنْ النُّطْقِ بِنَحْوِ حَرْفَيْنِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ صَلَّى ثُمَّ بَانَ فِي ثَوْبِهِ قَمْلَةٌ أَوْ بَقَّةٌ مَيْتَةٌ، هَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ فَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا. نَعَمْ، صِئْبَانُ الْقَمْلِ الْمَحْشُوُّ فِي الْخِيَاطَةِ الْمُتَعَذَّرُ الْإِخْرَاجَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْفَى عَنْهُ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - أَدَامَ اللَّهُ النَّفْعَ بِهِ - هَلْ يُعْفَى عَنْ كُلِّ مَا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَطِينِ الشَّارِعِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ، يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ بِتَفْصِيلِهِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ فِي كُتُبِهِمْ الْمَبْسُوطَةِ، وَاسْتِيعَابُهُ يَطُولُ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - حَيْثُ جَاءَ ذِكْرُ الْعِمَامَةِ فِي الصَّلَاةِ، فَمَا حَدُّهَا الَّذِي تَحْصُلُ بِهِ الْفَضِيلَةُ وَالْإِجْزَاءُ؟ وَهَلْ صَحَّ كَمْ كَانَ قَدْرُ عِمَامَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وَأَيْضًا فَحَيْثُ قِيلَ بِاسْتِحْبَابِ الْعِمَامَةِ فِي الصَّلَاةِ فَهَلْ يَقُومُ مَقَامَهَا عِنْدَ عَدَمِهَا أَوْ وُجُودِهَا غَيْرُهَا مِنْ قَلَنْسُوَةٍ أَوْ شِبْهِهَا، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ جِلْدٍ، وَأَهْلُ الْمَشْرِقِ يُسَمُّونَ ذَلِكَ خُوذَةً، وَأَيْضًا فَحَيْثُ قِيلَ بِاسْتِحْبَابِ التَّخَتُّمِ، وَأَنَّهُ سُنَّةٌ فَهَلْ يَكْفِي فِي إحْرَازِ الْفَضِيلَةِ التَّخَتُّمُ بِالْحَلْقَةِ وَمَا شَابَهَهَا مِمَّا يَكُونُ فِي مَعْنَاهَا أَمْ لَا، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ قَدْرَ عِمَامَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَبْعَةُ أَذْرُعٍ وَهُوَ عِنْدِي غَيْرُ صَحِيحٍ؟ . (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: حَدُّ الْعِمَامَةِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا الْفَضِيلَةُ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِحَدِيثِ «صَلَاةٌ بِعِمَامَةٍ خَيْرٌ مِنْ سَبْعِينَ صَلَاةً بِلَا عِمَامَةٍ» - الْعُرْفُ؛ فَمَا سَمَّاهُ الْعُرْفُ عِمَامَةً - قَلَّ أَوْ كَثُرَ - حَصَلَتْ بِهِ الْفَضِيلَةُ، وَمَا لَا فَلَا. وَتَحْدِيدُهَا بِنَحْوِ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ كَابْنِ الْحَاجِّ الْمَالِكِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي مَدْخَلِهِ: وَإِذَا كَانَتْ الْعِمَامَةُ مِنْ بَابِ الْمُبَاحِ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ فِعْلِ سُنَنٍ تَتَعَلَّقُ بِهَا؛ مِنْ تَنَاوُلِهَا بِالْيَمِينِ وَالتَّسْمِيَةِ وَالذِّكْرِ الْوَارِدِ - إنْ كَانَتْ مِمَّا لُبِسَ جَدِيدًا - وَامْتِثَالِ السُّنَّةِ فِي صِفَةِ التَّعْمِيمِ مِنْ فِعْلِ التَّحْنِيكِ وَالْعَذَبَةِ وَتَصْغِيرِ الْعِمَامَةِ - يَعْنِي سَبْعَةَ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوَهَا - يُخْرِجُونَ مِنْهَا التَّحْنِيكَ وَالْعَذَبَةَ، فَإِنْ زَادَ فِي الْعِمَامَةِ قَلِيلًا؛ لِأَجْلِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ فَيُتَسَامَحُ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ: قَوْله تَعَالَى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] : فَعَلَيْك أَنْ تَتَسَرْوَلَ قَاعِدًا، وَتَتَعَمَّمَ قَائِمًا، وَنَحْوُ الْقَلَنْسُوَةِ لَا تُحَصِّلُ فَضِيلَةَ الْعِمَامَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى عِمَامَةً. وَصَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ سُنَّةَ التَّخَتُّمِ بِالْفِضَّةِ تَحْصُلُ بِلُبْسِ الْخَاتَمِ بِفَصٍّ وَبِدُونِ فَصٍّ، وَمَنْ اشْتَرَطَ فِي حِلِّ لُبْسِ الْخَاتَمِ الْفَصَّ فَقَدْ سَهَا. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ الْمُصَلِّي الْمُتَقَمِّصِ إذَا كَانَ مَعَهُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ، هَلْ الْأَوْلَى أَنْ يَتَعَمَّمَ بِهِ أَوْ يَرْتَدِيَ بِهِ أَوْ يَتَّزِرَ بِهِ أَوْ يَجْعَلَهُ مُصَلًّى أَوْ مَاذَا يَفْعَلُ بِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ يُسَنُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبَيْنِ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَلْبَسْ ثَوْبَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ أَنْ يُتَزَيَّنَ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيَتَّزِرْ إذَا صَلَّى، وَلَا يَشْتَمِلْ اشْتِمَالَ الصَّمَّاءِ» وَأَنْ

يَتَقَمَّصَ وَيَتَعَمَّمَ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: لِمَا يُرْوَى عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «صَلَاةٌ بِعِمَامَةٍ خَيْرٌ مِنْ سَبْعِينَ صَلَاةً بِغَيْرِ عِمَامَةٍ» وَيَتَطَيْلَسُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَأَقَرُّوهُ، بَلْ قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ يَنْبَغِي تَفْضِيلُهُ عَلَى الرِّدَاءِ؛ أَيْ لِصَوْنِهِ الْبَصَرَ عَنْ جِهَةِ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ، وَهُوَ مَطْلُوبٌ فِي الصَّلَاةِ وَيَرْتَدِي وَيَتَّزِرُ أَوْ يَتَسَرْوَلُ، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى ثَوْبَيْنِ فَالْأَفْضَلُ قَمِيصٌ مِنْ رِدَاءٍ أَوْ مَعَ إزَارٍ أَوْ مَعَ سَرَاوِيلَ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ: وَأَفْضَلُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْقَمِيصُ مَعَ الرِّدَاءِ؛ لِأَنَّ سَتْرَ الرِّدَاءِ يَعُمُّ، وَخَالَفَهُ أَبُو زُرْعَةَ فَقَالَ: الْقَمِيصُ مَعَ مِثْلِهِ أَوْ مَعَ إزَارٍ أَوْلَى مِنْ الْقَمِيصِ مَعَ الرِّدَاءِ؛ لِأَنَّ ذَيْنِك أَبْلَغُ فِي السَّتْرِ، وَلَكَ أَنْ تَقُولَ: قَوْلُهُمْ إنْ اقْتَصَرَ عَلَى ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَالْأَوْلَى قَمِيصٌ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لِلْبَدَنِ، ثُمَّ رِدَاءٌ - وَهُوَ مَا عَلَى الْكَتِفِ - لِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَيَفْضُلُ مِنْهُ مَا يَكُونُ عَلَى الْكَتِفِ، ثُمَّ إزَارٌ ثُمَّ سَرَاوِيلُ اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ حَمْلُ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الرِّدَاءُ سَابِغًا؛ لِأَنَّهُ يُحَصِّلُ مَصْلَحَةَ الْإِزَارِ وَزِيَادَةً. وَكَلَامُ أَبِي زُرْعَةَ فِي الْإِزَارِ أَوْ السَّرَاوِيلِ - عَلَى مَا إذَا كَانَ الرِّدَاءُ لَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ، فَكُلٌّ مِنْ الْإِزَارِ وَالسَّرَاوِيلِ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا الرِّدَاءِ؛ لِأَنَّ رِعَايَةَ الْمُبَالَغَةِ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ أَوْلَى مِنْ رِعَايَةِ مُجَرَّدِ التَّجَمُّلِ بِالرِّدَاءِ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ هَذَا الثَّوْبَ الَّذِي مَعَ الْمُتَقَمِّصِ - إنْ كَانَ يَعُمُّ عَوْرَتَهُ إذَا ارْتَدَى بِهِ - فَالِارْتِدَاءُ أَفْضَلُ مِنْ الِاتِّزَارِ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعُمُّهَا فَالِاتِّزَارُ بِهِ أَفْضَلُ مِنْ الِارْتِدَاءِ بِهِ، وَأَنَّ كُلًّا مِنْ الِارْتِدَاءِ وَالِاتِّزَارِ أَفْضَلُ مِنْ التَّعَمُّمِ. وَالْخَبَرُ الْمَذْكُورُ فِي الْعِمَامَةِ لَمْ يَثْبُتْ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ فَقَدْ حَكَمَ الْحُفَّاظُ عَلَى حَدِيثِ: «صَلَاةٌ بِعِمَامَةٍ تَعْدِلُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً، وَجُمُعَةٌ بِعِمَامَةٍ تَعْدِلُ سَبْعِينَ جُمُعَةً» ، وَحَدِيثِ: «الصَّلَاةُ فِي الْعِمَامَةِ بِعَشَرَةِ آلَافِ حَسَنَةٍ» بِأَنَّهُمَا مَوْضُوعَانِ بَاطِلَانِ؛ فَلَوْ وَرَدَ ذَلِكَ اللَّفْظُ لَذَكَرُوهُ. وَلَمْ يُطْلِقُوا الْحُكْمَ بِالْوَضْعِ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ. قَالُوا: وَمِنْ الْمَوْضُوعِ أَيْضًا: «صَلَاةٌ بِخَاتَمٍ تَعْدِلُ سَبْعِينَ صَلَاةً بِغَيْرِ خَاتَمٍ.» ثُمَّ رَأَيْت الدَّيْلَمِيَّ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ، وَلَفْظُهُ: «رَكْعَتَانِ بِعِمَامَةٍ خَيْرٌ مِنْ سَبْعِينَ رَكْعَةً بِلَا عِمَامَةٍ.» وَفِي أَحَادِيثِ الدَّيْلَمِيِّ الَّتِي تَفَرَّدَ بِهَا مَا هُوَ مَشْهُورٌ. وَقَوْلُ ابْنِ الْعِمَادِ (يَنْبَغِي تَفْضِيلُ الطَّيْلَسَانِ عَلَى الرِّدَاءِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَصْلَحَةَ الرِّدَاءِ أَعْظَمُ، فَالْأَوْجَهُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ مِنْ تَفْضِيلِ الرِّدَاءِ. هَذَا كُلُّهُ إنْ وَجَدَ سُتْرَةً فِي صَلَاتِهِ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَجِدْهَا وَلَا أَمْكَنَهُ الْخَطُّ الْمُحَصِّلُ لِفَضْلِهَا فَهَلْ الْأَوْلَى جَعْلُهُ سُتْرَةً يُصَلِّي إلَيْهِ أَوْ زِيَادَةُ التَّجَمُّلِ بِهِ؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ. وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ السُّتْرَةَ وَاجِبَةٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ؛ وَلِأَنَّ الْأَحَادِيثَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَضَعْ السُّتْرَةَ ضَرَّهُ مَا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ لِتَقْصِيرِهِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَعَلَّ سَبَبَ هَذَا الضَّرَرِ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِهِ، وَأَنَّهُ يَأْثَمُ؛ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ السُّتْرَةِ؛ لِأَنَّهُ - بِتَرْكِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا - مُعِينٌ عَلَى حَرَامٍ؛ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَوْ صَلَّى لِغَيْرِ سُتْرَةٍ وَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ مَارٌّ - أَثِمَا جَمِيعًا إلَّا إنْ وَقَفَ بِطَرِيقٍ فَيَأْثَمُ الْمُصَلِّي فَقَطْ اهـ وَفِيهِ - أَعْنِي مَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ نَظَرٌ. وَالْوَجْهُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ قَطْعُ الصَّلَاةِ بِالْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَبِالضَّرَرِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْأَحَادِيثِ قَطْعُ الْخُشُوعِ. وَضَرَرُ الِاشْتِغَالِ بِالْمَارِّ بَلْ وَتَمَكُّنُ الشَّيْطَانِ مِنْهُ بِالْوَسْوَسَةِ وَالْمُخَادَعَةِ وَإِلْفَاتِهِ عَمَّا هُوَ فِيهِ؛ حَتَّى لَا يَعْقِلَ مِنْ صَلَاتِهِ شَيْئًا أَوْ إلَّا أَقَلَّهَا فَيَفُوتَ عَلَيْهِ الثَّوَابُ، فَكُلُّ ذَلِكَ هُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَقْطَعُ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ» فَاتَّضَحَ بِذَلِكَ أَنَّ جَعْلَ الثَّوْبِ الْمَذْكُورِ فِي السُّؤَالِ سِتْرَةً - إذَا لَمْ يَجِدْ سِتْرَةً غَيْرَهُ يُصَلِّي إلَيْهَا - أَوْلَى مِنْ الِارْتِدَاءِ وَالتَّعَمُّمِ وَالِاتِّزَارِ بِهِ؛ لِمَا عَلِمْت مِنْ الْخِلَافِ فِي وُجُوبِهِ، بَلْ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ: «اسْتَتِرُوا فِي صَلَاتِكُمْ وَلَوْ بِسَهْمٍ» ، يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ هَذَا الْخِلَافِ، فَكَانَتْ رِعَايَتُهُ أَوْلَى. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ (إذَا كَانَ الثَّوْبُ ضَيِّقًا) : «كَانَ رِجَالٌ يُصَلُّونَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَاقِدِي أُزُرِهِمْ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ كَهَيْئَةِ الصِّبْيَانِ» وَقَالَ لِلنِّسَاءِ: «لَا تَرْفَعْنَ رُؤْسَكُنَّ حَتَّى يَسْتَوِيَ الرِّجَالُ جُلُوسًا» اهـ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَغَيْرُهُ: إنَّمَا نُهِينَ عَنْ الرَّفْعِ؛ خَشْيَةَ أَنْ يَلْمَحْنَ شَيْئًا مِنْ عَوْرَاتِ الرِّجَالِ عِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ اهـ فَهَلْ يُفْهَمُ مِنْ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِانْكِشَافِ شَيْءٍ مِنْ الْعَوْرَةِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ، أَوْ لِضِيقِ ثَوْبٍ

أَوْ لِقِلَّتِهِ، أَوْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ الَّذِي لَمْ يَسْتَقِرَّ فِيهِ أَمْرُ الشَّرْعِ، أَوْ لَا؟ وَإِنْ قُلْتُمْ: لَا، فَأَيُّ مَعْنًى لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: «لَا تَرْفَعْنَ رُءُوسَكُنَّ» عَنْ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ الَّتِي هِيَ آكَدُ الْأُمُورِ فِي الْقُدْوَةِ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا» فَإِنْ قُلْتُمْ: إنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ؛ لِاحْتِمَالِ الِانْكِشَافِ، فَهَلْ يُمْنَعُ عَنْ السُّنَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِلِاحْتِمَالِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ أَمْ لَا؟ . وَهَلْ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ تَمَسَّكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ بِهِ أَمْ لَا؟ وَإِذَا وَجَبَ عَلَى الْمُصَلِّي سَتْرُ جَمِيعِ الْجَوَانِبِ فِي الْأَعْلَى فَهَلْ يَجِبُ سَتْرُ الْمَوْضِعِ الْمُنْخَفِضِ عِنْدَ فَقَارِ الظَّهْرِ؛ فَإِنَّ بَعْضَ النَّاسِ لَهُ انْخِفَاضٌ كَثِيرٌ هُنَاكَ، وَإِذَا اتَّزَرَ هَذَا لَمْ يُلْصِقْ ثَوْبَهُ إلَى فَقَارِ الظَّهْرِ وَيَكُونُ هُنَاكَ فُرْجَةٌ فَهَلْ يَجِبُ سَتْرُ هَذَا الْمَوْضِعِ - إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَمِيصٌ - أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ التَّصْرِيحُ بِانْكِشَافِ عَوْرَاتِهِمْ بَلْ بِخَشْيَةِ انْكِشَافِ شَيْءٍ مِنْهَا وَأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ وُقُوعِهِ لَا يَضُرُّ، وَنَحْنُ قَائِلُونَ بِذَلِكَ؛ فَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ مَنْ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ بِلَا تَقْصِيرٍ فَسَتَرَهَا فَوْرًا - بِأَنْ لَمْ يَمْضِ زَمَنٌ مَحْسُوسٌ عُرْفًا - لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ الِانْكِشَافُ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ. وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّ رُؤْيَةَ الْعَوْرَةِ مِنْ الْأَسْفَلِ لَا تَضُرُّ؛ حَتَّى قَالُوا: لَوْ وَقَفَ عَلَى سَطْحٍ، وَالنَّاسُ يَمُرُّونَ مِنْ تَحْتِهِ وَيَنْظُرُونَ إلَى عَوْرَتِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَخَالَفَهُمْ الْإِمَامُ فَاخْتَارَ بُطْلَانَهَا. قَالَ: لِأَنَّهُ مُنْهَتِكٌ لَا مُسْتَتِرٌ، إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ انْكِشَافُ شَيْءٍ مِنْ عَوْرَاتِهِمْ فِي سُجُودِهِمْ - كَانَ غَيْرَ ضَارٍّ؛ إمَّا لِأَنَّهُ انْكَشَفَ وَرَدُّوهُ فَوْرًا؛ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ انْكِشَافًا مِنْ الْأَسْفَلِ، وَهُوَ لَا يَضُرُّ مُطْلَقًا؛ وَحِينَئِذٍ فَمِنْ الْوَاضِحِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ بِوَجْهٍ لِمَنْ قَالَ: إنَّهُ يُغْتَفَرُ ظُهُورُ رُبْعِ الْعَوْرَةِ أَوْ نِصْفِهَا أَوْ دُونَ دِرْهَمٍ مِنْ السَّوْأَتَيْنِ، وَعَلَى مُدَّعِي وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْآرَاءِ الثَّلَاثَةِ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ وُجُوبُ سَتْرِ جَمِيعِهَا، فَدَعْوَى اغْتِفَارِ ظُهُورِ بَعْضِهَا تَخْصِيصٌ، وَهُوَ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِدَلِيلٍ ظَاهِرٍ. وَمَا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ مِنْ أَنَّ حِكْمَةَ نَهْيِهِنَّ عَنْ الْمُبَادَرَةِ بِالرَّفْعِ؛ خَشْيَةَ أَنْ يَلْمَحْنَ شَيْئًا مِنْ عَوْرَاتِ الرِّجَالِ عِنْدَ الرَّفْعِ - صَحِيحٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ مِنْ جُمْلَةِ الْمَصَالِحِ، وَوُقُوعُ نَظَرِهِنَّ عَلَى بَعْضِ عَوْرَاتِ الرِّجَالِ - بِفَرْضِ وُقُوعِهِ - مِنْ بَابِ الْمَفَاسِدِ وَأَيِّ الْمَفَاسِدِ وَقَدْ قَرَّرَ الْأَئِمَّةُ أَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ، فَطُلِبَ مِنْهُنَّ عَدَمُ الْمُبَادَرَةِ بِالرَّفْعِ؛ وَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ فَاتَ بِهِ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ؛ تَقْدِيمًا لِمَا هُوَ أَخْطَرُ وَأَعْظَمُ. عَلَى أَنَّ لَنَا أَنْ نَمْنَعَ أَنَّ أَمْرَهُنَّ بِالْمُكْثِ إلَى ارْتِفَاعِ الرِّجَالِ يُفَوِّتُ الْمُتَابَعَةَ؛ إذْ مِنْ الْوَاضِحِ أَنَّهَا لَا تَفُوتُ إلَّا بِالتَّقَدُّمِ بِرُكْنٍ أَوْ بِالتَّخَلُّفِ بِهِ أَوْ بِمَا تَفْحُشُ الْمُخَالَفَةُ فِيهِ؛ كَمَا بَسَطُوهُ فِي مَبْحَثِهَا. وَلَيْسَ فِي تَأَخُّرِهِمْ أَدْنَى زَمَنٍ إلَى رَفْعِ الرِّجَالِ تَفْوِيتُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بَلْ وَلَا كَمَالُ الْمُتَابَعَةِ، بَلْ كَمَالُهَا حَاصِلٌ لَهُنَّ - وَإِنْ تَأَخَّرْنَ كَمَا أُمِرْنَ - لِأَنَّ التَّخَلُّفَ عَنْ الْإِمَامِ بِعُذْرٍ لَا يَمْنَعُ كَمَالَ الْمُتَابَعَةِ، وَهَذَا تَخَلُّفٌ بِعُذْرٍ؛ وَهُوَ امْتِثَالُ النَّهْيِ عَنْ الْمُبَادَرَةِ بِالرَّفْعِ. عَلَى أَنَّ هَذَا تَأَخُّرٌ يَسِيرٌ جِدًّا، وَهُوَ مُغْتَفَرٌ لَوْ فُرِضَ أَنْ لَا عُذْرَ فَكَيْفَ مَعَ الْعُذْرِ؟ فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يُقَدَّمُ الْمَوْهُومُ مِنْ خَشْيَةِ النَّظَرِ عَلَى الْمُحَقَّقِ مِنْ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ؟ قُلْت: بِمَا قَرَّرْتُهُ مِنْ حُصُولِ الْمُتَابَعَةِ مَعَ ذَلِكَ التَّأَخُّرِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُقَدَّمُ هُنَا مَوْهُومٌ عَلَى مُحَقَّقٍ، وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَالْمَوْهُومُ - بِفَرْضِ وُقُوعِهِ - قَدْ تَعْظُمُ مَفْسَدَتُهُ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْمُحَقَّقِ الَّذِي لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ. وَقَوْلُ السَّائِلِ - زَادَ تَوْفِيقُهُ وَالنَّفْعُ بِهِ - فَهَلْ يَجِبُ سَتْرُ الْمَوْضِعِ الْمُنْخَفِضِ. . . إلَخْ - جَوَابُهُ: نَعَمْ، يَجِبُ عَلَيْهِ مَتَى كَانَ شَيْءٌ مِنْ عَوْرَتِهِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يُرَى مِنْهُ، فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ مِنْ الْأَعْلَى بِسَائِرِ جِهَاتِهِ، وَمِنْ الْجَوَانِبِ بِسَائِرِ جِهَاتِهَا؛ فَحَيْثُ كَانَتْ تُرَى مِنْ بَعْضِ الْجِهَاتِ لِأَحَدِ الْجَوَانِبِ وَجَبَ سَتْرُ ذَلِكَ الْمَحَلِّ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ ثَوْبٍ فِيهِ نَجَاسَةٌ لَا يُعْلَمُ مَحَلُّهَا، فَوَضَعَ الْمُصَلِّي يَدَهُ عَلَيْهِ هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؛ كَالْبِسَاطِ، أَمْ لَا؛ كَالْيَدِ الرَّطْبَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِذَلِكَ، وَفَارَقَ عَدَمُ تَنَجُّسِ مُمَاسِّ الرَّطْبِ لِبَعْضِهِ بِأَنَّ الْمَدَارَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى ظَنِّ الطَّهَارَةِ، وَبِمَسِّ ذَلِكَ الْبَعْضِ زَالَ ذَلِكَ الظَّنُّ، وَفِي النَّجَاسَةِ عَلَى تَيَقُّنِ مُمَاسَّتِهَا وَلَمْ يُوجَدْ. (وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَمَّنْ احْتَجَمَ وَوَصَلَ مَحَلَّ الْحَجْمِ مَاءٌ أَوْ دُهْنٌ بِسَبَبِ الْحَجْمِ، هَلْ يُعْفَى عَنْهُ لِلْحَاجَةِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ)

بِقَوْلِهِ: يُعْفَى عَمَّا اُحْتِيجَ إلَيْهِ فِيهَا كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ طَافَ وَهُوَ حَامِلٌ مَائِعًا فِيهِ مَيْتَةٌ مَعْفُوٌّ عَنْهَا هَلْ يَبْطُلُ طَوَافُهُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ - الَّذِي حَرَّرْته فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ - أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْ حَمْلِ مَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ فِي صَلَاةٍ وَلَا طَوَافٍ، لَا عَمْدًا وَلَا سَهْوًا، خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ، لَكِنَّهُ خَصَّهُ بِأَيَّامِ الِابْتِلَاءِ بِكَثْرَةِ الذُّبَابِ كَثْرَةً يَتَعَسَّرُ أَوْ يَتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ عَنْ مُمَاسَّتِهَا لِمَحْمُولِهِ أَوْ مُمَاسِّهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا إذَا سَجَدَ الْمُصَلِّي وَخَرَجَتْ عَوْرَتُهُ مِنْ ذَيْلِ ثَوْبِهِ؛ بِحَيْثُ إنَّ الَّذِي وَرَاءَهُ يَنْظُرُهَا هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا تَضُرُّ رُؤْيَةُ الْعَوْرَةِ مَا دَامَتْ تُسَمَّى مَسْتُورَةً، بِخِلَافِ مَا لَوْ انْكَشَفَ الثَّوْبُ عَنْهَا وَلَمْ يُرَدَّ فَوْرًا. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّا إذَا فَتَحَ الْمَأْمُومُ عَلَى إمَامِهِ بِقَصْدِ الرَّدِّ هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ؟ أَمْ لَا كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَالدَّمِيرِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْمَنْقُولُ الْمُعْتَمَدُ: الْبُطْلَانُ؛ حَتَّى فِي حَالَةِ الْإِطْلَاقِ فَضْلًا عَنْ قَصْدِ الرَّدِّ وَحْدَهُ. وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ، وَكَذَا فِي شَرْحِ الْعُبَابِ لَكِنْ بِمَا هُوَ أَبْسَطُ وَأَوْضَحُ. وَعِبَارَةُ الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ: (وَلَوْ أَعْلَمَ) غَيْرَهُ غَرَضًا (بِنَظْمِ الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ) وَقَدْ رَأَى عَجَبًا لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، أَوْ وَقَدْ قَعَدَ إمَامُهُ فِي الثَّانِيَةِ مَثَلًا {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] ؛ لِقُعُودِ إمَامِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ أَوْ {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر: 46] أَوْ {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ} [مريم: 12] . (لِمُسْتَأْذِنٍ) عَلَيْهِ فِي الدُّخُولِ أَوْ فِي أَخْذِ شَيْءٍ. قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ، وَتَبِعَهُ جَمْعٌ: وَهُوَ وَاضِحٌ (أَوْ حَمِدَ اللَّهَ لِعُطَاسٍ أَوْ تَجَدُّدِ نِعْمَةٍ أَوْ اسْتَرْجَعَ لِمُصِيبَةٍ) قَالَ الشَّيْخَانِ فِي الرَّوْضَةِ. وَأَصْلِهَا: أَوْ نَبَّهَ إمَامَهُ أَوْ غَيْرَهُ أَوْ فَتَحَ عَلَى مَنْ أُرْتِجَ عَلَيْهِ (فَإِنْ قَصَدَ) فِي الْكُلِّ (الْإِعْلَامَ وَحْدَهُ بَطَلَتْ بِلَا خِلَافٍ وَلَا نَظَرٍ إلَى كَوْنِهِ فِي نَحْوِ التَّنْبِيهِ مِنْ مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ، خِلَافًا لِجَمْعٍ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُشْبِهُ كَلَامَ الْبَشَرِ، وَهُوَ يُبْطِلُهَا، وَإِنْ كَانَ لِمَصْلَحَتِهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ (أَوْ أَطْلَقَ بَطَلَتْ) أَيْضًا كَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَالدَّقَائِقِ، وَقَالَ: هِيَ نَفِيسَةٌ لَا يُسْتَغْنَى عَنْ بَيَانِهَا وَزَادَ فِي التِّبْيَانِ فَنَسَبَ ذَلِكَ لِلْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي. وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - أَيْ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ - الْبُطْلَانُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُفْصَلَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ انْتَهَى فِي قِرَاءَتِهِ إلَيْهَا فَلَا تَبْطُلُ، أَوْ لَا فَتَبْطُلُ. وَاعْتَمَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ: وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا هُوَ مُحْتَمَلٌ أَمَّا مَا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْقُرْآنِ، أَوْ كَانَ ذِكْرًا مَحْضًا فَلَا تَبْطُلُ بِهِ قَطْعًا عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، قَالَ: وَلْيَنْظُرْ فِيمَا لَوْ أَطْلَقَ فِي الْمُحْتَمَلِ، وَلَا قَرِينَةَ تَنْصَرِفُ إلَيْهَا؛ بِأَنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ ثُمَّ {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: 12] وَنَحْوَهَا ثُمَّ رَكَعَ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ اهـ وَفِيمَا اعْتَمَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَبَحَثَهُ - نَظَرٌ؛ أَمَّا الْأَوَّلُ؛ فَلِأَنَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ لَمَّا بَحَثَ ذَلِكَ التَّفْصِيلَ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: وَدَلِيلُ إطْلَاقِ الْبُطْلَانِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يُشْبِهُ كَلَامَ الْآدَمِيِّ، وَقَدْ سَبَقَ فِي تَحْرِيمِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْجُنُبِ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِ - أَنَّ مِثْلَ هَذَا النَّظْمِ لَا يَكُونُ قُرْآنًا إلَّا بِالْقَصْدِ، فَإِذَا أَطْلَقَهُ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ شَيْئًا لَا يَحْرُمُ اهـ. فَهَذَا التَّقْرِيرُ مِنْهُ - أَعْنِي الْمَجْمُوعَ - صَرِيحٌ فِي اعْتِمَادِهِ الْبُطْلَانَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ مُطْلَقًا. وَفَرَّقَ الْمَطْلَبُ بَيْنَ الْمُصَلِّي وَالْجُنُبِ بِأَنَّ كَوْنَهُ فِي الصَّلَاةِ قَرِينَةٌ تَصْرِفُ ذَلِكَ لِلْقُرْآنِ؛ لِامْتِنَاعِ كَلَامِ الْآدَمِيِّ فِيهَا، وَالْجَنَابَةُ تَصْرِفُهُ لِغَيْرِ الْقِرَاءَةِ؛ لِتَحْرِيمِ الْقِرَاءَةِ مَعَهَا يُرَدُّ بِأَنَّ الْقَرِينَةَ الْعَارِضَةَ كَالِاسْتِئْذَانِ أَقْوَى فِي الصَّرْفِ عَنْ الْقُرْآنِيَّةِ إلَيْهَا، فَاحْتِيجَ حِينَئِذٍ إلَى نِيَّةِ الْقُرْآنِيَّةِ. عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْ قَرِينَتَيْهِ خَفِيَّةٌ فَلَا تَصْلُحُ لِلتَّخْصِيصِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ صَارِفٌ لَمْ يُشْتَرَطْ الْقَصْدُ وَلَوْ فِي الْمُحْتَمَلِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُنُبِ بِأَنَّ هُنَا قَرِينَةً ظَاهِرَةً تَصْرِفُهُ إلَى الْقُرْآنِيَّةِ، وَهِيَ تَلَبُّسُهُ بِالصَّلَاةِ الْمَوْضُوعَةِ بِخِلَافِهِ فِي الْجُنُبِ، وَحَيْثُ وُجِدَ صَارِفٌ اُشْتُرِطَ قَصْدُ الْقُرْآنِ، وَلَوْ فِي غَيْرِ الْمُحْتَمَلِ، وَإِلَّا بَطَلَتْ؛ نَظَرًا إلَى الصَّارِفِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عَنْ الْمَجْمُوعِ. وَيُرَدُّ اعْتِمَادُ جَمْعٍ مُتَأَخِّرِينَ عَدَمَ الْبُطْلَانِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُشْبِهُ كَلَامَ الْآدَمِيِّينَ، وَلَا يَكُونُ قُرْآنًا إلَّا بِالْقَصْدِ، وَيُوَافِقُهُ مَا مَرَّ مِنْ جَوَازِ الْقِرَاءَةِ حِينَئِذٍ لِلْجُنُبِ، وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمِنْهَاجِ وَاعْتَمَدَهُ جَمْعٌ؛ مِنْ الْحِنْثِ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا، وَأَتَى بِآيَةٍ يَفْهَمُ

مِنْهَا زَيْدٌ مُرَادَهُ بِلَا قَصْدٍ فَثَبَتَ لَهُ مَعَ الْإِطْلَاقِ حُكْمُ كَلَامِ الْآدَمِيِّ فَأُبْطِلَ هُنَا، وَأُبِيحَ لِلْجُنُبِ، وَحَنِثَ بِهِ الْحَالِفُ عَلَى تَرْكِ الْكَلَامِ. وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ عُذْرَ عَامِّيٍّ جَهِلَ الْإِبْطَالَ بِالْقُرْآنِ أَوْ الذِّكْرِ، وَلَوْ مَعَ قَصْدِ الْإِعْلَامِ فَقَطْ، ثُمَّ قَالَ: وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ وَمَا بَحَثَهُ غَيْرُ بَعِيدٍ؛ لِمَا وَرَدَ فِي التَّنَحْنُحِ (وَإِلَّا) بِأَنْ قَصَدَ الْقُرْآنَ أَوْ الذِّكْرَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ التَّنْبِيهِ فَلَا تَبْطُلُ؛ سَوَاءٌ انْتَهَى فِي قِرَاءَتِهِ إلَيْهَا أَمْ أَنْشَأَهَا حِينَئِذٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، قَالَ: لِعُمُومِ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ السَّابِقِ، وَعِبَارَتُهُمَا - أَعْنِي مَتْنَ الْعُبَابِ وَشَرْحِي لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ -: (لَا إنْ فَتَحَ) الْمَأْمُومُ مَثَلًا (عَلَى مَنْ) أَيْ إمَامٍ لَهُ أَوْ غَيْرِهِ (أُرْتِجَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مَعَ تَخْفِيفِ الْجِيمِ، وَتَشْدِيدُهَا قَلِيلٌ لَا لَحْنٌ، خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ؛ فَقَدْ نَقَلَهَا ابْنُ هِشَامٍ فِي شَرْحِ الْفَصِيحِ عَنْ الْمُبَرِّدِ؛ أَيْ أُغْلِقَ (عَلَيْهِ الْقُرْآنُ أَوْ نَبَّهَ نَاسِيًا لِذِكْرِ) آخِرِ كَلِمَةٍ فِي التَّشَهُّدِ (أَوْ جَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ أَوْ بِالتَّسْمِيعِ) أَيْ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَلَوْ لِمَحْضِ الْإِعْلَامِ؛ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؛ عَلَى مَا قَالَهُ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ، وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لِخَبَرِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيّ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانَ يُلَقِّنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الصَّلَاةِ وَاحْتَجَّ لَهُ ابْنُ الْمُقْرِي بِمَا يَأْتِي مَعَ رَدِّهِ. وَزَعَمَ الدَّمِيرِيُّ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ فِي الْفَتْحِ، وَنُقِلَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ لَا يَتَخَرَّجُ عَلَى مَا مَرَّ، قَالَ: وَبِهِ صَرَّحَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا؛ حَيْثُ قَالَ: لَوْ صَلَّى حَالِفٌ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا خَلْفَهُ فَفَتَحَ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ قَرَأَ آيَةً فُهِمَ مِنْهَا مَقْصُودُهُ - لَمْ يَحْنَثْ إنْ قَصَدَ الْقِرَاءَةَ وَإِلَّا حَنِثَ اهـ وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ. أَمَّا نَفْيُهُ الْخِلَافَ فِيهِ فَلَيْسَ فِي مَحَلِّهِ؛ لِمَا عَلِمْت وَسَتَعْلَمُهُ. وَأَمَّا مَا قَالَاهُ فِي الْأَيْمَانِ فَمَحْمُولٌ كَقَوْلِ الْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَوْ كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ وَقَصَدَ إعْلَامَ النَّاسِ لَمْ تَبْطُلْ؛ عَلَى مَا قَرَّرَاهُ هُنَا مِنْ التَّفْصِيلِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّمْته عَنْهُمَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّنْبِيهِ. وَقَدْ اعْتَمَدَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ - حَتَّى الْفَتْحِ عَلَى إمَامِهِ - التَّفْصِيلَ السَّابِقَ فِيمَا لَوْ أُعْلِمَ بِنَظْمِ الْقُرْآنِ، وَبِهِ - أَعْنِي الْفَتْحَ - صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ فَإِنَّهُ أَدْرَجَهُ مَعَ مَا مَرَّ فِيمَنْ أُعْلِمَ بِنَظْمِ الْقُرْآنِ، وَاسْتَدَلَّ لِلْإِطْلَاقِ فِيهِ، وَفِي غَيْرِهِ بِمَا قَدَّمْته عَنْهُ؛ فَإِنْ قَصَدَ الْقُرْآنَ أَوْ الذِّكْرَ أَوْ التَّكْبِيرَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ قَصْدِ الْفَتْحِ أَوْ التَّبْلِيغِ - لَمْ تَبْطُلْ، وَإِنْ قَصَدَ أَحَدَ هَذَيْنِ وَحْدَهُ أَوْ أَطْلَقَ بَطَلَتْ. وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُحَرَّرِ وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمَا أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ هُنَا وَفِيمَا مَرَّ يَجْرِي، وَلَوْ فِيمَا لَا يَصْلُحُ لِتَخَاطُبِ النَّاسِ بِهِ؛ مِنْ نَظْمِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ؛ إذْ الْقَصْدُ مِنْ الصَّلَاةِ الْخُضُوعُ لِلْحَقِّ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - وَمُنَاجَاتُهُ بِتِلَاوَةِ كِتَابِهِ وَذِكْرُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْخَاصِّ الْمَشْرُوعِ كَمَا أَرْشَدَ إلَيْهِ حَدِيثُ مُسْلِمٍ: «إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» . فَقَصْدُ التَّنْبِيهِ أَوْ الْفَتْحِ أَوْ التَّبْلِيغِ مَعَ قَصْدِ الذِّكْرِ تَابِعٌ لِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ، بِخِلَافِ قَصْدِ مُجَرَّدِ التَّنْبِيهِ مَثَلًا؛ لِصَرْفِهِ الْقُرْآنَ أَوْ الذِّكْرَ عَنْ مَقْصُودِ الصَّلَاةِ الْأَصْلِيِّ إلَى مَعْنَى مَا يُتَخَاطَبُ بِهِ، فَأَشْبَهَ كَلَامَ النَّاسِ فَانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ تَعْلِيلُهُمْ؛ إذْ (سُبْحَانَ اللَّهِ) مَثَلًا بِمَعْنَى تَنَبَّهْ، (وَاَللَّهُ أَكْبَرُ) بِمَعْنَى رَكَعَ الْإِمَامُ، وَكَذَا إذَا قَصَدَ الْفَتْحَ فَقَطْ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ لِلْإِمَامِ: الَّذِي نَسِيتَهُ كَذَا، وَصَوَابُ التِّلَاوَةِ كَذَا. فَأَشْبَهَ كَلَامَ النَّاسِ، فَانْدَفَعَ بِهَذَا قَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ الْمُتَّجِهُ اخْتِصَاصُ التَّفْصِيلِ بِمَا يَصْلُحُ لِتَخَاطُبِ النَّاسِ بِهِ؛ مِنْ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ نَحْوُ (سُبْحَانَ اللَّهِ) وَإِنْ تَجَرَّدَ لِقَصْدِ الْإِفْهَامِ. كَمَا صَرَّحَ بِهَذَا التَّخْصِيصِ الْمَاوَرْدِيُّ وَدَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُهَذَّبِ، وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ، وَدَلَّ عَلَيْهِ أَيْضًا تَعْلِيلُهُمْ الْبُطْلَانَ فِي نَحْوِ {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ} [الحجر: 46] بِأَنَّهُ يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ اهـ وَانْدَفَعَ بِهِ أَيْضًا تَأْيِيدُ ابْنِ الْمُقْرِي لِمَا جَرَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِ الشَّامِلِ: إذَا أَفْهَمَ الْآدَمِيِّينَ بِالتَّسْبِيحِ وَالْقُرْآنِ لَمْ تَبْطُلْ، وَبِتَعْلِيلِهِمْ الْبُطْلَانَ فِي {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ} [الحجر: 46] بِأَنَّهُ يُشْبِهُ كَلَامَ الْآدَمِيِّينَ وَإِنْ وَافَقَ نَظْمَ الْقُرْآنِ، قَالَ: وَاَلَّذِي يَفْتَحُ لَمْ يَنْطِقْ بِكَلَامِنَا وَلَا قَصَدَهُ، وَبِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْتَرِطُوا عَلَى مَنْ سَبَّحَ لِمَا نَابَهُ، وَلَا عَلَى إمَامٍ جَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ بِنِيَّةِ الذِّكْرِ أَوْ التَّكْبِيرِ؛ مَعَ أَنَّ هَذَا أَوْلَى مِنْ الْفَاتِحِ؛ لِقَصْدِهِ بِالْقُرْآنِ تَفْهِيمَ الْقُرْآنِ، بِخِلَافِ هَذَا، وَبِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَكَيْفَ تَبْطُلُ وَكَيْفَ يَنْوِي بِفِعْلِهَا غَيْرَهَا؟ وَبِمَا يَأْتِي مِنْ عَدَمِ الْبُطْلَانِ بِالنَّذْرِ وَنَحْوِهِ؛ لِتَضَمُّنِهِ الْقُرْبَةَ، وَإِنْ كَانَ صَرِيحَ كَلَامِنَا فَكَيْفَ تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ أَتَى بِكَلَامِ اللَّهِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ وَامْتِثَالِ

الْأَمْرِ اهـ وَوَجْهُ انْدِفَاعِهِ أَنَّ كَلَامَ الشَّامِلِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ مَعَ الْإِفْهَامِ التَّسْبِيحَ وَالْقِرَاءَةَ، أَوْ الْبَاءُ فِيهِ بِمَعْنَى مَعَ؛ لِيُوَافِقَ كَلَامَ غَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ: الَّذِي يَفْتَحُ. . . إلَخْ مَمْنُوعٌ عِنْد تَجْرِيدِ الْقَصْدِ لِلْإِفْهَامِ فَقَطْ. وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مِنْ الْإِطْلَاقِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ كَمَنْ قَصَدَ بِنَحْوِ {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ} [الحجر: 46] الْإِذْنَ بِعَيْنِ مَا قَالُوهُ فِي تَعْلِيلِ الْبُطْلَانِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِنَا وَإِنْ وَافَقَ نَظْمَ الْقُرْآنِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: (لَمْ يَشْتَرِطُوا. . . إلَخْ) مَمْنُوعٌ أَيْضًا؛ فَقَدْ جَزَمَ الْإِسْنَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِيمَنْ سَبَّحَ لِمَا نَابَهُ، وَسَبَقَهُ إلَيْهِ فِي الْجَوَاهِرِ كَمَا قَدَّمْته. وَشَرْطُ كَوْنِ الْفَتْحِ سُنَّةً قَصْدُ الْقِرَاءَةِ، فَلَا بِدَعَ عِنْدَ انْتِفَاءِ ذَلِكَ فِي الْإِبْطَالِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِحُصُولِ الْإِفْهَامِ الْمُجَرَّدِ مِنْهُ أَشْبَهَ كَلَامَ الْبَشَرِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَنْ جَرَّدَ قَصْدَهُ لِإِفْهَامِ الْآيَةِ عَنْ الْقِرَاءَةِ قَدْ امْتَثَلَ الْأَمْرَ فِي الْفَتْحِ عَلَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ مَا يَأْتِي بِهِ حِينَئِذٍ خَارِجٌ عَنْ سُنَنِ الْقُرْآنِ وَالْقِرَاءَةِ وَعَمَّا قَصَدَ لَهُ، وَمَا يَأْتِي بِهِ فِي نَحْوِ النَّذْرِ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ إفْهَامَ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ إنْشَاءُ قُرْبَةٍ، فَهُوَ بِالتَّسْبِيحِ أَشْبَهُ؛ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ قَصَدَ بِهِ إفْهَامَ الْغَيْرِ الْعِتْقَ أَوْ الْتِزَامَ الصَّدَقَةِ؛ بِحَيْثُ أَخْرَجَهُ مِنْ الْإِنْشَاءِ إلَى الْإِخْبَارِ أَبْطَلَ بِلَا شَكٍّ. (تَنْبِيهٌ) قَدْ عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْته غَرَابَةُ قَوْلِ جَمْعٍ مُتَقَدِّمِينَ: لَا يَضُرُّ قَصْدُ الْإِفْهَامِ وَالتَّنْبِيهِ وَالتَّبْلِيغِ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ خَالِصٌ لِلَّهِ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ مَعْنَى الذِّكْرِ، بِخِلَافِ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْقُرْآنِ وَكَلَامِ الْآدَمِيِّينَ، انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ، وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ - بِحَمْدِ اللَّهِ - عَلَى نَفَائِسَ وَتَحْقِيقَاتٍ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهَا، فَلْيَتَأَمَّلْهَا السَّائِلُ - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - فَإِنَّهُ إذَا تَأَمَّلَهَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّ الْحَقَّ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا - التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ نَحْوَ الْإِعْلَامِ أَوْ الْفَتْحِ، أَوْ لَا يَقْصِدَ شَيْئًا؛ فَتَبْطُلَ صَلَاتُهُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ؛ وَبَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ الْقُرْآنَ أَوْ الذِّكْرَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْإِعْلَامِ أَوْ الْفَتْحِ مَثَلًا فَلَا تَبْطُلُ؛ لِمَا ظَهَرَ وَتَقَرَّرَ وَاتَّضَحَ وَتَحَرَّرَ، وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ، وَفَّقَنَا اللَّهُ لِطَاعَتِهِ؛ إنَّهُ هُوَ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ وَصْلِ الْمَرْأَةِ شَعْرَهَا بِشَعْرٍ نَجِسٍ أَوْ شَعْرِ آدَمِيٍّ؛ هَلْ يَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ الْوَصْلِ وَصْلَ كُلِّ شَعْرَةٍ لَهَا بِشَعْرَةٍ مِنْ الْخَارِجِ، أَوْ أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ كَمَا يَفْعَلُهُ نِسَاءُ مِليِبَارَ؛ فَإِنَّهُنَّ يَفْتِلْنَ شُعُورَهُنَّ وَتَكُونُ مُرْسَلَةً عَلَى حَالِهَا، ثُمَّ يَجْمَعْنَ شُعُورًا أَوْ حَرِيرًا أَوْ صُوفًا عَلَى حِدَةٍ فِي مِثْلِ نِصْفِ حَجْمِ شُعُورِهِنَّ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، ثُمَّ يَضَعْنَ ذَلِكَ مَعَ الشُّعُورِ وَيَرْبِطْنَهَا مَعًا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ؛ فَهَلْ هَذَا مِنْ الْوَصْلِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يَحْرُمُ وَصْلُ الشَّعْرِ بِشَعْرٍ نَجِسٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ثَمَّ رُطُوبَةٌ، وَلَا وَصَلَتْ فِيهِ، وَكَذَا بِشَعْرِ آدَمِيٍّ وَإِنْ أَذِنَ الزَّوْجُ أَوْ السَّيِّدُ. وَيَحْرُمُ أَيْضًا بِشَعْرِ غَيْرِهِمَا وَبِصُوفٍ وَخِرَقٍ مَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الْحَلِيلُ، وَخَرَجَ بِالْوَصْلِ رَبْطُهُ بِخَيْطِ حَرِيرٍ أَوْ نَحْوِهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُحَرَّمٍ؛ إذْ لَا وَصْلَ فِيهِ، كَذَا ذَكَرَهُ أَئِمَّتُنَا، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ مَتَى تَمَيَّزَ ذَلِكَ الْحَرِيرُ أَوْ نَحْوُهُ؛ كَالشَّعْرِ لِلْأَجْنَبِيِّ عَنْ شَعْرِ الرَّأْسِ؛ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِلًا بِهِ - كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ وَصْلٍ فَلَا نَهْيَ عَنْهُ، وَمَتَى اتَّصَلَ بِهِ كَانَ وَصْلًا وَإِنْ تَمَيَّزَ عَنْهُ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّهُ لَوْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ كُرِهَ رَدُّهُ، لَكِنْ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَا يَقْتَضِي خِلَافَهُ وَهَذَا لَفْظُهُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: وَالْفِعْلُ الْقَلِيلُ الَّذِي لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ مَكْرُوهٌ إلَّا لِوُجُوهٍ؛ أَحَدُهَا: أَنْ يَفْعَلَهُ نَاسِيًا، الثَّانِي: أَنْ يَفْعَلَهُ لِحَاجَةٍ مَقْصُودَةٍ، الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَنْدُوبًا إلَيْهِ؛ كَقَتْلِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَنَحْوِهِمَا؛ وَكَدَفْعِ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالصَّائِلِ عَلَيْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ اهـ وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ - فِي بَابِ الْخُطْوَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ -: إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ. وَقَالَ أَيْضًا فِيهِ عَلَى قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ (الَّذِي سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَجَعَلُوا - يَعْنِي الصَّحَابَةَ - يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ؛ يَعْنِي فَعَلُوا ذَلِكَ لِيُسْكِتُوهُ) : وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى جَوَازِ الْفِعْلِ الْقَلِيلِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ اهـ فَهَذَا كُلُّهُ مِنْ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْإِحْيَاءِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِسُقُوطِ الرِّدَاءِ انْكِشَافُ الْعَاتِقِ فَالرَّدُّ مُسْتَحَبٌّ لَا مَحَالَةَ، وَهُوَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْقِسْمِ الثَّالِثِ الَّذِي سَبَقَ عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِسُقُوطِهِ انْكِشَافُ الْعَاتِقِ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْحَاجَةِ الْمَقْصُودَةِ، وَهُوَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي بَلْ لَوْ قِيلَ

باب أحكام المساجد

بِالِاسْتِحْبَابِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا، فَمَا الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْفِعْلَ الْقَلِيلَ كَخُطْوَتَيْنِ إنَّمَا يُكْرَهُ تَعَمُّدُهُ إنْ كَانَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ مَقْصُودَةٍ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ عَبَثٌ، وَالْفِعْلُ الْخَفِيفُ؛ كَتَحْرِيكِ أَصَابِعِهِ بِسُبْحَةٍ أَوْ عَدِّ فِعْلِهِ بِلَا حَاجَةٍ لِذَلِكَ - خِلَافُ الْأَوْلَى لَا مَكْرُوهٌ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْعَبَثَ فِي الْقَلِيلِ أَفْحَشُ؛ لِأَنَّ كَثِيرَهُ مُبْطِلٌ بِخِلَافِ الْخَفِيفِ، وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا فِي الْإِحْيَاءِ مِنْ أَنَّهُ: لَوْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ كُرِهَ رَدُّهُ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى رَدِّهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابُ أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا صُورَتُهُ: عَمَّرَ إنْسَانٌ مَسْجِدًا وَلَمْ يُوقِفْ آلَتَهُ فَهَلْ يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ؟ وَلَوْ الْتَمَسَ مِنْ النَّاسِ آلَةً لِبِنَاءِ مَسْجِدٍ فَهَلْ يَصِيرُ مَسْجِدًا بِنَفْسِ الْبِنَاءِ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: قَالَ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْبَحْرِ: إنَّ الْآلَةَ فِي الْأُولَى عَارِيَّةٌ يَرْجِعُ فِيهَا مَتَى شَاءَ، وَقَالَ الْعَبَّادِيُّ فِي الثَّانِيَةِ: إنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى إنْشَاءِ وَقْفٍ؛ كَمَا لَوْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَجَعَلَهَا مَسْجِدًا فَإِنَّهَا تَصِيرُ مَسْجِدًا بِالنِّيَّةِ، وَمَا ذُكِرَ عَنْ الْبَحْرِ مُتَّجِهٌ، وَأَمَّا كَلَامُ الْعَبَّادِيِّ فَفِيهِ نَظَرٌ، وَمُقْتَضَى اسْتِثْنَائِهِمْ مِنْ اشْتِرَاطِ اللَّفْظِ فِي الْوَقْفِ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي قَاسَ عَلَيْهَا فَقَطْ؛ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اللَّفْظِ فِي مَسْأَلَتِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْآلَةَ إمَّا عَلَى مِلْكِ مُعْطِيهَا أَوْ آخِذِهَا، وَعَلَى كُلٍّ فَلَا بُدَّ مِنْ تَلَفُّظِ مَالِكِهَا بِالْوَقْفِ، وَإِلَّا فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ. قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: وَيُشْكِلُ عَلَى الْعَبَّادِيِّ مَا فِي الْإِحْيَاءِ مِنْ أَنَّ مُرِيدَ الصُّوفِيَّةِ إذَا كَانَ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يَسْأَلَ فَيُعْطَى؛ لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ يُوصِلُهُ لَهُمْ مِلْكُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ وَلَا يُشَارِكُونَهُ فِيهِ، قَالَ: وَقِيَاسُهُ مِلْكُ هَذَا؛ لِمَا أَخَذَهُ لِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ دَافِعَ الْآلَاتِ لَمْ يُعْرِضْ عَنْهَا جُمْلَةً؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ يَنْتَفِعُ بِالْمَسْجِدِ بِخِلَافِ الطَّعَامِ، وَأَيْضًا فَمُلْتَمِسُ الْآلَاتِ صَرَّحَ بِأَنَّهُ يَبْنِي بِهَا مَسْجِدًا فَأُعْطِيَ عَلَى ذَلِكَ الشَّرْطِ، وَزَعِيمُ الصُّوفِيَّةِ لَمْ يُصَرِّحْ بِشَيْءٍ. نَعَمْ، إنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ خَاصَّةٌ عَلَى قَصْدِ الْمَالِكِ لَهُ وَلَهُمْ أَوْ قَالَ الْمَالِكُ: نَوَيْت ذَلِكَ - اشْتَرَكُوا فِيهِ؛ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ: لَوْ أُعْطِيَ دَنِسُ الثِّيَابِ صَابُونًا لِغَسْلِهَا تَعَيَّنَ لَهَا، وَلَا يُخَالِفُهُ قَوْلُهُ فِي الشَّهَادَاتِ: لَهُ الصَّرْفُ فِيمَا شَاءَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا دَلَّتْ قَرِينَةٌ قَوِيَّةٌ عَلَى قَصْدِ الْمَالِكِ التَّصَرُّفَ فِي غَسْلِ الثِّيَابِ لَا غَيْرُ، وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا لَمْ تَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ قَرِينَةٌ قَوِيَّةٌ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يَجُوزُ رَمْيُ الْقَمْلَةِ فِي الْمَسْجِدِ حَيَّةً وَمَيْتَةً، وَقَتْلُهَا فِي الصَّلَاةِ؟ وَمَنْ وَقَعَ مِنْهُ خَبَثٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فِيهِ هَلْ يَلْزَمُهُ غَسْلُهُ؟ وَإِذَا وَقَعَ وَنِيمُ الذُّبَابِ عَلَى الْوَرَقِ وَجَرَى عَلَيْهِ الْقَلَمُ هَلْ يُعْفَى عَنْهُ؟ وَإِذَا كَانَ بِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ دَمُ بَرَاغِيثَ لَمْ يَزُلْ بِالْمَاءِ وَلَا يَمْنَعُ وُصُولَهُ الْبَشَرَةَ هَلْ يَصِحُّ وُضُوءُهُ وَيَجِبُ غَسْلُ الدَّمِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يَجُوزُ رَمْيُ الْقَمْلَةِ فِي الْمَسْجِدِ مَيْتَةً، وَرَمْيُهَا فِيهِ حَيَّةً خِلَافُ الْأَوْلَى، خِلَافًا لِجَمْعٍ؛ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَابْنُ الْعِمَادِ، وَيَجُوزُ قَتْلُهَا فِي الصَّلَاةِ؛ حَيْثُ لَمْ يَلْزَم مِنْهُ إمْسَاكُ جِلْدِهَا فِيهِ وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْعِمَادِ، وَمَنْ وَقَعَ مِنْهُ خَبَثٌ فِي الْمَسْجِدِ وَجَبَ عَلَيْهِ تَطْهِيرُهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ، وَكَذَا إنْ رَآهُ فِيهِ حَيْثُ قَدَرَ عَلَيْهِ. وَيُعْفَى عَنْ الْوَنِيمِ الْمَذْكُورِ. وَيَصِحُّ الْوُضُوءُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ، وَيُعْفَى عَنْ اخْتِلَاطِ مَائِهِ بِهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يَجُوزُ بِنَاءُ الْمَسْجِدِ بِاللَّبِنِ الْمَعْجُونِ بِالْمَاءِ النَّجِسِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَمِنْ قَوْلِهِ: (بِنَاءُ الْمَسْجِدِ) يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ بَنَى بِهِ ثُمَّ وَقَفَهُ مَسْجِدًا لَمْ يَحْرُمْ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدِيَّةَ تَأَخَّرَتْ عَنْ الْبِنَاءِ وَهُوَ مُتَّجِهُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ مِنْ أَنْ تُنْشَدَ الضَّالَّةُ فِي الْمَسْجِدِ هَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِمَا إذَا ضَلَّ مِنْ الْمَسْجِدِ؟ أَوْ هُوَ عَامٌّ فِيمَا ضَلَّ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: هُوَ عَامٌّ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ أَنَّهُ مُنَافٍ لِوَضْعِ الْمَسْجِدِ؛ سَوَاءٌ كَانَ الْإِضْلَالُ فِيهِ أَمْ فِي غَيْرِهِ، وَلِكَوْنِ الْعِلَّةِ ذَلِكَ نُدِبَ أَنْ يُقَالَ لَهُ زَجْرًا وَتَأْدِيبًا: لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْك. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ عَلِمَ بِنَجَاسَةٍ بِمَسْجِدٍ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إعْلَامُ النَّاسِ بِهَا أَوْ مَنْ قَصَدَ مَكَانَهَا فَقَطْ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يَجِبُ عَلَيْهِ هُوَ إزَالَتُهَا فَوْرًا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ إلَى أَنْ يَعْلَمَ النَّاسُ بِهَا، وَعِبَارَتِي فِي شَرْحِ الْعُبَابِ:

وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ إزَالَةُ بُصَاقٍ رَآهُ فِي الْمَسْجِدِ؛ كَمَنْ رَأَى نَجَاسَةً فِيهِ أَيْ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا كَذَرْقِ الطَّيْرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ عَيْنًا إزَالَتُهَا فَوْرًا؛ لِأَنَّهَا أَفْحَشُ، انْتَهَتْ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ مَسْجِدٍ لَا مُرْتَفَقَ لَهُ إلَّا مَحَلٌّ بِرَحْبَتِهِ يَبُولُ النَّاسُ فِيهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ هَذَا حَادِثٌ مَمْنُوعٌ عَنْهُ أَوْ أَصْلِيٌّ اسْتَثْنَاهُ الْوَاقِفُ، وَإِنَّمَا الَّذِي عُرِفَ فِيهِ أَنَّ النَّاسَ لَمْ يَزَالُوا يَفْعَلُونَ فِيهِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ؛ فَهَلْ يَسُوغُ اسْتِمْرَارُهُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ، يَجُوزُ بَقَاءُ ذَلِكَ عَلَى مَا اطَّرَدَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ؛ فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّا لَوْ رَأَيْنَا جُذُوعًا عَلَى جِدَارِهِ وَلَمْ نَعْلَمْ هَلْ وُضِعَتْ بِحَقٍّ أَوْ لَا - أَبْقَيْنَاهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وَضْعُهَا بِحَقٍّ، فَلَا تُزَالُ إلَّا إنْ عُرِفَ تَعَدِّي وَاضِعِهَا، وَلَهُمْ مِنْ ذَلِكَ صُوَرٌ كَثِيرَةٌ حَكَمُوا فِيهَا بِبَقَاءِ الشَّيْءِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ؛ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ وَلَمْ يَثْبُتْ تَعَدِّي وَاضِعِهِ، فَكَذَا هَذَا الظَّاهِرُ أَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ، وَلَمْ يُعْلَمْ تَعَدِّي النَّاسِ بِذَلِكَ فَيُقَرُّونَ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَفْتَى أَبُو مَخْرَمَةَ بِأَنَّ الْجِرَارَ وَالْخَوَابِيَ الَّتِي عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فِيهَا الْمَاءُ إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ لِلشُّرْبِ أَوْ الْوُضُوءِ وَنَحْوِهِ - يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا عَلَى مَا عُهِدَ فِيهَا عِنْدَ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، وَمَحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى الْجَوَازِ وَالصِّحَّةِ، وَكَأَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ كَذَلِكَ اهـ وَأَفْتَى النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ مَسْجِدٌ فِيهِ قَنَاةٌ تَحْتَ الْأَرْضِ يَجْرِي فِيهَا مَاءٌ إلَى أَمَاكِنَ، وَفِيهِ مَكَانٌ تَصْلُحُ مِنْهُ الْقَنَاةُ بِوَضْعِ الزِّبْلِ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّ الْقَنَاةَ عُمِّرَتْ قَبْلَ الْمَسْجِدِ أَوْ بَعْدَهُ - فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا عُمِّرَتْ قَبْلَهُ؛ فَلَيْسَ لِنَاظِرِهِ تَغْيِيرُ ذَلِكَ، وَلَا الْمَنْعُ مِنْ إدْخَالِ الزِّبْلِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ، وَلَا يُكَلَّفُ أَصْحَابُ الْقَنَاةِ الْبَيِّنَةَ بَلْ يَكْفِي اسْتِمْرَارُ الِانْتِفَاعِ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ عُدْوَانٌ اهـ فَتَأَمَّلْ تَعْوِيلَهُ عَلَى الْقَرِينَةِ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ. وَيُوَافِقُهُ قَوْلُهُ فِي الرَّوْضَةِ: لَوْ مَرَّ مُسَافِرٌ بِخَابِيَةِ مَاءٍ مُسَبَّلٍ تَيَمَّمَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، فَحُكْمُ الْقَرِينَةِ هُنَا؛ إذْ الظَّاهِرُ مِنْ وَضْعِ الْخَابِيَةِ بِطَرِيقِ الْمُسَافِرِ أَنَّهُ لِشُرْبِهِ لَا لِوُضُوئِهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ عَلِمَ بِنَجَاسَةٍ بِمَسْجِدٍ هَلْ يَلْزَمُهُ إعْلَامُ النَّاسِ بِهَا أَوْ بِمَحَلِّهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مَنْ عَلِمَ بِنَجَاسَةٍ فِي الْمَسْجِدِ لَزِمَهُ إزَالَتُهَا فَوْرًا، وَمَتَى قَصَّرَ فِي ذَلِكَ أَوْ تَرَاخَى فِيهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَثِمَ، وَمَنْ رَأَى مُصَلِّيًا بِنَجَسٍ لَا يُعْفَى عَنْهُ فِي ثَوْبِهِ أَوْ مَكَانِهِ - لَزِمَهُ إعْلَامُهُ، فَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ نَاسٍ لَهُ فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ - أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: يُسَنُّ إيقَاظُ النَّائِمِ لِلصَّلَاةِ، وَلَا يَجِبُ، وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ - أَنَّهُ لَا يَجِبُ إعْلَامُهُ بَلْ يُسَنُّ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا اعْتَادَهُ الصُّوفِيَّةُ مِنْ عَقْدِ حِلَقِ الذِّكْرِ وَالْجَهْرِ بِهِ فِي الْمَسَاجِدِ هَلْ فِيهِ كَرَاهَةٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ أَحَادِيثَ اقْتَضَتْ طَلَبَ الْجَهْرِ نَحْوَ: «وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْته فِي مَلَأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَاَلَّذِي فِي الْمَلَإِ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ جَهْرٍ، وَكَذَا حِلَقُ الذِّكْرِ وَطَوَافُ الْمَلَائِكَةِ بِهَا، وَمَا فِيهَا مِنْ الْأَحَادِيثِ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْجَهْرِ بِالذِّكْرِ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيّ: «مَرَّ بِرَجُلٍ يَرْفَعُ صَوْتَهُ، قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَسَى أَنْ يَكُونَ هَذَا مُرَائِيًا، قَالَ: لَا وَلَكِنَّهُ أَوَّاهٌ وَأُخْرَى اقْتَضَتْ طَلَبَ الْإِسْرَارِ؛» بِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ، كَمَا جَمَعَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِذَلِكَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الطَّالِبَةِ لِلْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ وَالطَّالِبَةِ لِلْإِسْرَارِ بِهَا؛ فَحِينَئِذٍ لَا كَرَاهَةَ فِي الْجَهْرِ بِالذِّكْرِ أَلْبَتَّةَ؛ حَيْثُ لَا مُعَارِضَ بَلْ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ إمَّا صَرِيحًا أَوْ الْتِزَامًا، وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ خَبَرَ الذِّكْرِ الْخَفِيِّ، كَمَا لَا يُعَارَضُ أَحَادِيثُ الْجَهْرِ بِالْقُرْآنِ بِخَبَرِ «السِّرُّ بِالْقُرْآنِ كَالسِّرِّ بِالصَّدَقَةِ» ، وَقَدْ جَمَعَ النَّوَوِيُّ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْإِخْفَاءَ أَفْضَلُ حَيْثُ خَافَ الرِّيَاءَ أَوْ تَأَذَّى بِهِ مُصَلُّونَ أَوْ نِيَامٌ. وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِيهِ أَكْثَرُ؛ وَلِأَنَّ فَائِدَتَهُ تَتَعَدَّى لِلسَّامِعِينَ؛ وَلِأَنَّهُ يُوقِظُ قَلْبَ الْقَارِئِ وَيَجْمَعُ هَمَّهُ إلَى الْفِكْرِ وَيَصْرِفُ سَمْعَهُ إلَيْهِ وَيَطْرُدُ النَّوْمَ وَيَزِيدُ النَّشَاطَ؛ فَكَذَلِكَ الذِّكْرُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. وقَوْله تَعَالَى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ} [الأعراف: 205] الْآيَةَ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهَا مَكِّيَّةٌ كَآيَةِ الْإِسْرَاءِ {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: 110] وَقَدْ نَزَلَتْ حِينَ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْهَرُ بِالْقُرْآنِ فَيَسْمَعُهُ الْمُشْرِكُونَ؛ فَيَسُبُّونَ الْقُرْآنَ وَمَنْ أَنْزَلَهُ، فَأُمِرَ بِتَرْكِ الْجَهْرِ؛ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ كَمَا نُهِيَ عَنْ سَبِّ الْأَصْنَامِ كَذَلِكَ، وَقَدْ زَالَ هَذَا الْمَعْنَى، أَشَارَ لِذَلِكَ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ، وَبِأَنَّ بَعْضَ شُيُوخِ مَالِكٍ وَابْنِ جَرِيرٍ وَغَيْرِهِمَا حَمَلُوا

باب سجود السهو

الْآيَةَ عَلَى الذِّكْرِ حَالَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَأَنَّهُ إنَّمَا أُمِرَ بِالذِّكْرِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ؛ تَعْظِيمًا لِلْقُرْآنِ أَنْ تُرْفَعَ عِنْدَهُ الْأَصْوَاتُ، وَيُقَوِّيه اتِّصَالُهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ} [الأعراف: 204] . . . إلَخْ. قِيلَ: وَكَأَنَّهُ لَمَّا أُمِرَ بِالْإِنْصَاتِ خَشِيَ مِنْ ذَلِكَ الْإِخْلَادَ إلَى الْبَطَالَةِ فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ؛ وَإِنْ كَانَ مَأْمُورًا بِالسُّكُوتِ بِاللِّسَانِ - فَتَكْلِيفُ الذِّكْرِ بِالْقَلْبِ بَاقٍ حَتَّى لَا يَغْفُلَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَلِذَا خَتَمَ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ {وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف: 205] وَبِأَنَّ السَّادَةَ الصُّوفِيَّةَ قَالُوا: الْأَمْرُ فِي الْآيَةِ خَاصٌّ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكَامِلُ الْمُكَمَّلُ، وَأَمَّا غَيْرُهُ - مِمَّنْ هُوَ مَحَلُّ الْوَسَاوِسِ وَالْخَوَاطِرِ الرَّدِيئَةِ - فَمَأْمُورٌ بِالْجَهْرِ؛ لِأَنَّهُ أَشَدُّ تَأْثِيرًا فِي دَفْعِهَا، وَيُؤَيَّدُ بِحَدِيثِ الْبَزَّارِ: «مَنْ صَلَّى مِنْكُمْ بِاللَّيْلِ فَلْيَجْهَرْ بِقِرَاءَتِهِ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُصَلِّي بِصَلَاتِهِ وَتَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِهِ» وَإِنَّ مُؤْمِنِي الْجِنِّ الَّذِينَ يَكُونُونَ فِي الْهَوَاءِ وَجِيرَانَهُ مَعَهُ فِي مَسْكَنِهِ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ وَيَسْتَمِعُونَ قِرَاءَتَهُ، وَأَنَّهُ يَنْطَرِدُ بِجَهْرِهِ بِقِرَاءَتِهِ عَنْ دَارِهِ، وَعَنْ الدُّورِ الَّتِي حَوْلَهُ - فُسَّاقُ الْجِنِّ وَمَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ. وَأَمَّا تَفْسِيرُ الِاعْتِدَاءِ فِي {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55] بِالْجَهْرِ بِالدُّعَاءِ - فَمَرْدُودٌ بِأَنَّ الرَّاجِحَ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ تَجَاوُزُ الْمَأْمُورِ بِهِ أَوْ اخْتِرَاعُ دَعْوَةٍ لَا أَصْلَ لَهَا. وَصَحَّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ سَمِعَ ابْنَهُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُك الْقَصْرَ الْأَبْيَضَ عَنْ يَمِينِ الْجَنَّةِ؛ فَقَالَ: إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدُّعَاءِ» فَهَذَا تَفْسِيرُ صَحَابِيٍّ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُرَادِ، وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَالْآيَةُ فِي الدُّعَاءِ لَا فِي الذِّكْرِ، وَالدُّعَاءِ بِخُصُوصِهِ الْأَفْضَلُ فِيهِ الْإِسْرَارُ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ. وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا يُهَلِّلُونَ بِرَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: مَا أُرَاكُمْ إلَّا مُبْتَدِعِينَ حَتَّى أَخْرَجَهُمْ مِنْ الْمَسْجِدِ، فَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ بَلْ لَمْ يَرِدْ؛ وَمِنْ ثَمَّ أَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ يَنْهَى عَنْ الذِّكْرِ؛ مَا جَالَسْتُ عَبْدَ اللَّهِ مَجْلِسًا قَطُّ إلَّا ذَكَرَ اللَّهَ فِيهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا لَفْظُهُ: صَحَّتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» ، وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ مُسْنَدٍ وَمَرَاسِيلَ النَّهْيُ عَنْهُ، فَمَا التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا وَمَا حُكْمُ كَرَاهَتِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَئِمَّتِنَا حَمْلُ كَرَاهَتِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِالْمَسْجِدِ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ، وَكَذَا إنْ كَانَ قَاصِدًا الْمَسْجِدَ لِلصَّلَاةِ مُتَطَهِّرًا، كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ مُسْتَدِلًّا بِخَبَرِ أَبِي دَاوُد: «إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يُشَبِّكَنَّ بِيَدِهِ فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ أَوْ كَانَ مُصَلِّيًا» . وَحِكْمَةُ الْكَرَاهَةِ حِينَئِذٍ أَنَّهُ عَبَثٌ لَا يَلِيقُ بِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ، مَعَ أَنَّهُ يُوجِبُ النَّوْمَ الْمُوجِبَ لِلْحَدَثِ، وَمَعَ أَنَّ صُورَتَهُ تُشْبِهُ صُورَةَ الِاخْتِلَافِ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُسْلِمِينَ: «وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ» وَحَمْلُ إبَاحَتِهِ عَلَى مَا عَدَا ذَلِكَ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ تَخْصِيصُ النَّهْيِ بِالصَّلَاةِ لَا غَيْرُ. وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ مُحْتَبِيًا بِيَدَيْهِ هَكَذَا.» زَادَ الْبَيْهَقِيّ: «وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ.» [بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَفَاضَ عَلَيْنَا مِنْ مَدَدِهِ -: فِيمَا إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ لِلتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَشَكَّ الْمَأْمُومُ أَثَالِثَةٌ هِيَ أَمْ رَابِعَةٌ؟ أَوْ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَشَكَّ أَثَانِيَةٌ هِيَ أَمْ أُولَى؟ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ مُتَابَعَتُهُ فِي الْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ، وَيَأْتِي بَعْدَ السَّلَامِ بِبَاقِي صَلَاتِهِ أَمْ لَا يَجُوزُ الْمُتَابَعَةُ فَيَنْتَظِرُهُ قَائِمًا أَوْ يُفَارِقُهُ؟ (فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ - بِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مِمَّا ذَكَرْته فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الرَّوْضِ؛ وَلِاشْتِمَالِ عِبَارَتِهِ عَلَى فَوَائِدَ أَحْبَبْت ذِكْرَهَا - وَإِنْ كَانَتْ طَوِيلَةً - وَهِيَ: وَإِنْ قَامَ الْإِمَامُ لِخَامِسَةٍ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ لِمَسْبُوقٍ؛ عَلِمَ ذَلِكَ أَوْ ظَنَّهُ وَعَلِمَ حُرْمَةَ مُتَابَعَتِهِ؛ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ رَكْعَةٍ، قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ - نَقْلًا عَنْ الْمَجْمُوعِ، فِي الْجَنَائِزِ -: وَلَا انْتِظَارُهُ بَلْ يُسَلِّمُ، وَاسْتَظْهَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ فَإِنَّهُ فِي انْتِظَارِهِ مُقِيمٌ عَلَى مُتَابَعَتِهِ فِيمَا يَعْتَقِدُهُ مُخْطِئًا فِيهِ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ عَادَ مِنْ الْقِيَامِ إلَى التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ جَازَ انْتِظَارُهُ؛ مَعَ أَنَّهُ لَوْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَمِنْ أَنَّهُ لَوْ تَنَحْنَحَ إمَامٌ لَمْ تَجِبْ مُفَارَقَتُهُ؛ حَمْلًا عَلَى الْعُذْرِ، وَمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَامَ

لِخَامِسَةٍ سَجَدَ إنْ فَارَقَهُ بَعْدَ بُلُوغِ حَدِّ الرَّاكِعِ لَا قَبْلَهُ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْمُفَارَقَةُ بِهِ هُنَا، وَبِهِ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي كَالْقَاضِي وَغَيْرِهِ، وَمَا عَلَّلَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ مَمْنُوعٌ؛ فَإِنَّ انْتِظَارَهُ لَيْسَ مُتَابَعَةً كَمَا هُوَ جَلِيٌّ، عَلَى أَنَّ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ: قَوْلُهُ فِي الْكِفَايَةِ: وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَلَا يُتَابِعُهُ فِيهِ - صَحِيحٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُتَابَعَةِ الْحِسِّيَّةِ دُونَ الْحُكْمِيَّةِ؛ وَهِيَ دَوَامُ الْقُدْرَةِ بَلْ لَهُ انْتِظَارُهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِالْمَنْظُومِ وَيُتَابِعَهُ فِيهِ فَإِنَّ الْقُدْوَةَ تَنْقَطِعُ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَهُوَ لَا يَخْرُجُ بِفِعْلِ السَّهْوِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَجِبَ مُفَارَقَتُهُ، وَلَهُ انْتِظَارُهُ إلَّا إذَا أَدَّى إلَى تَطْوِيلِ رُكْنٍ قَصِيرٍ اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ مِنْهُ فِي رَدِّ كَلَامِهِ السَّابِقِ لَا يُقَالُ: يُشْكِلُ عَلَى مَا رَجَّحْته مَا يَأْتِي مِنْ وُجُوبِ الْمُفَارَقَةِ عَلَى مَنْ اقْتَدَى فِي الْمَغْرِبِ بِمُصَلِّي الْعِشَاءِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: إنَّمَا وَجَبَتْ ثَمَّ؛ لِأَنَّهُ يُحْدِثُ تَشَهُّدًا وَجُلُوسًا لَمْ يُشْرَعْ لِلْإِمَامِ، بِخِلَافِهِ هُنَا ثُمَّ رَأَيْته فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ - فِيمَا لَوْ سَجَدَ إمَامُهُ الْحَنَفِيُّ مَثَلًا لِ (ص) أَنَّ لَهُ مُفَارَقَتَهُ وَانْتِظَارَهُ؛ كَمَا لَوْ قَامَ إمَامُهُ إلَى خَامِسَةٍ، وَرَأَيْته فِيهِ أَيْضًا صَرَّحَ بِأَنَّ الْمَسْبُوقَ لَوْ عَلِمَ بِقِيَامِهِ لِلْخَامِسَةِ انْتَظَرَهُ؛ لِأَنَّ التَّشَهُّدَ مَحْسُوبٌ لَهُ وَهَذَانِ صَرِيحَانِ فِي مَسْأَلَتِنَا بِعَيْنِهَا، وَفِي رَدِّ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَلَا يُشْكِلُ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْمُتَابَعَةِ وُجُوبُهَا فِي سُجُودِ السَّهْوِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ؛ لِأَنَّ قِيَامَهُ لِخَامِسَةٍ لَمْ يُعْهَدْ، بِخِلَافِ سُجُودِهِ فَإِنَّهُ مَعْهُودٌ لِسَهْوِ إمَامِهِ. وَأَمَّا مُتَابَعَةُ الْمَأْمُومِينَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قِيَامِهِ لِلْخَامِسَةِ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ؛ فَلِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَحَقَّقُوا زِيَادَتَهَا؛ لِأَنَّ الزَّمَنَ كَانَ زَمَنَ الْوَحْيِ وَإِمْكَانَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ؛ وَلِهَذَا قَالُوا: زِيدَ فِي الصَّلَاةِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ وَلَوْ قَعَدَ إمَامُهُ يَتَشَهَّدُ فِي ثَالِثَةِ الرُّبَاعِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى ظَنِّ الْمَأْمُومِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَشَهَّدَ مَعَهُ؛ عَمَلًا بِظَنِّ الْإِمَامِ ثُمَّ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ؛ عَمَلًا بِظَنِّهِ أَوْ لَا؛ لِقَوْلِهِمْ: لَا يَجُوزُ مُتَابَعَتُهُ فِي فِعْلِ السَّهْوِ؟ أَوْ يُفَصَّلُ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ خَطَأَهُ فَلَا يَجُوزُ أَوْ يَظُنُّهُ فَيَجُوزُ؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ. وَالْأَقْرَبُ الْأَخِيرُ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْجَوَاهِرِ عَنْ الرُّويَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ احْتِمَالَيْنِ؛ فِيمَا لَوْ شَكَّ خَلْفَ الْإِمَامِ أَصَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا هَلْ يُسَبِّحُ لَهُ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي الصَّلَاةِ كَالْيَقِينِ بِدَلِيلِ اسْتِوَائِهِمَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ؟ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا وَهُوَ لَا يَتَيَقَّنُ خَطَأَهُ فَلَا يُشَكِّكْهُ وَرَجَّحَ بَعْضُ مُخْتَصِرِي الرَّوْضَةِ الثَّانِيَ ثُمَّ قَالَ الْقَمُولِيُّ: وَلَوْ فَارَقَهُ حَالًا عَلَى الثَّانِي بَعْدَ مَا سَبَّحَ لَهُ وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّهَا أَرْبَعًا وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ إنْ كَانَ شَكَّ خَلْفَ الْإِمَامِ لِلزِّيَادَةِ الْمُتَوَهَّمَةِ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ اهـ وَبِتَأَمُّلِ قَوْلِهِ: وَلَوْ فَارَقَهُ. . . إلَخْ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْمُفَارَقَةُ، فَيَتَأَيَّدُ بِهِ مَا رَجَّحَهُ مِنْ الِاحْتِمَالِ الثَّالِثِ، لَكِنْ مُقْتَضَى قَوْلِ الْأَنْوَارِ - لَيْسَ لَهُمْ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْمُتَابَعَةِ فِيمَا زَادَ أَوْ نَقَصَ، وَتَبْطُلُ بِهَا بَلْ تَجِبُ الْمُفَارَقَةُ. وَالِانْتِظَارُ فِي رُكْنٍ طَوِيلٍ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى الْعِلْمِ بِالنَّقْصِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَنَحْوِهَا؛ فَيُوَافِقَ حِينَئِذٍ الثَّالِثَ أَيْضًا، وَخَرَجَ بِتَقْيِيدِي الْمَسْبُوقَ بِمَا مَرَّ - مَا لَوْ جَهِلَ ذَلِكَ فَتَابَعَهُ بِأَنَّ الرَّكْعَةَ تُحْسَبُ لَهُ إنْ قَرَأَ فِيهَا الْفَاتِحَةَ؛ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَتَحَمَّلُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. وَلَوْ سَجَدَ إمَامُهُ مِنْ قِيَامٍ لَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ؛ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ، وَقَيَّدَهُ فِي الْخَادِمِ بِمَا إذَا مَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُهُ فِيهِ قِرَاءَةُ آيَةِ السَّجْدَةِ وَإِنْ لَمْ يَسَعْ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لَهُ مُتَابَعَتُهُ؛ حَمْلًا عَلَى السَّهْوِ، انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ، وَهِيَ - كَمَا عَلِمْت - مُشْتَمِلَةٌ عَلَى جَوَابِ مَا فِي السُّؤَالِ الثَّانِي؛ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ خَطَأَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ مُتَابَعَتُهُ، وَإِنْ شَكَّ فِيهِ جَازَ لَهُ مُتَابَعَتُهُ، وَفِي الْحَالَيْنِ لَهُ أَنْ يَنْتَظِرَهُ قَائِمًا، وَهُنَا زِيَادَةٌ نَفِيسَةٌ يَتَعَيَّنُ تَفَهُّمُهَا وَحِفْظُهَا لِغَرَابَتِهَا نَقْلًا وَتَحْقِيقًا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي شَخْصٍ شَافِعِيٍّ صَلَّى الصُّبْحَ خَلْفَ حَنَفِيٍّ، وَتَابَعَهُ فِي الصَّلَاةِ وَتَرَكَ الْقُنُوتَ؛ خَوْفًا مِنْ عَدَمِ إدْرَاكِهِ فِي السُّجُودِ، وَسَجَدَ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ؛ لِتَرْكِ قُنُوتِ نَفْسِهِ هَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - لَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الْعَامِّيِّ بِذَلِكَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يُعْذَرُ بِجَهْلِهِ؛ لِخَفَائِهِ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَإِنَّ مَحْضَ سُجُودِهِ لِتَرْكِ الْإِمَامِ فَقَطْ؛ بِأَنْ قَصَدَ بِهِ جَبْرَ صَلَاةِ الْإِمَامِ، أَوْ لِتَرْكِ نَفْسِهِ فَقَطْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ زَادَ فِيهَا مَا لَا يُشْرَعُ لَهُ فِعْلُهُ، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ جَبْرَ الْخَلَلِ الْحَاصِلِ فِي صَلَاتِهِ مِنْ تَرْكِ الْإِمَامِ لَهُ الْمُنَزَّلِ مَنْزِلَةَ سَهْوِهِ اللَّاحِقِ لِلْمَأْمُومِ - لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بَلْ يُسَنُّ لَهُ السُّجُودُ حِينَئِذٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ شَخْصٍ مَأْمُومٍ يَتَشَهَّدُ مَعَ الْإِمَامِ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ؛ شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا هَلْ يَلْزَمُهُ الْمُفَارَقَةُ مِنْ حِينِ حَدَثَ الشَّكُّ وَيُتِمُّ صَلَاتَهُ - كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْيَمَنِ -؟ أَوْ يَتَشَهَّدُ مَعَ الْإِمَامِ فَإِذَا سَلَّمَ قَامَ وَأَتَى بِرَكْعَةٍ كَمَا نُقِلَ عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَوْ يَقُومُ وَيُتِمُّ قَائِمًا بِلَا مُفَارَقَةٍ فَرُبَّمَا يَتَذَكَّرُ الْإِمَامُ أَنَّهُ سَهَا، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ يَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا مَحَلٌّ لِلتَّشَهُّدِ؛ كَمَا لَوْ صَلَّى خَلْفَ حَنَفِيٍّ فَسَجَدَ لِ (ص) لَا يَسْجُدُ مَعَهُ بَلْ يُتِمُّ قَائِمًا فَهَلْ مَسْأَلَتُنَا كَذَلِكَ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْمُفَارَقَةُ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الْجَوَاهِرِ؛ فَإِنَّهُ حَكَى فِي صُورَةِ السُّؤَالِ عَنْ الرُّويَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ احْتِمَالَيْنِ فِي أَنَّهُ هَلْ يُسَبِّحُ لِإِمَامِهِ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ كَالْيَقِينِ بِدَلِيلِ اسْتِوَائِهِمَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ أَوْ لَا؟ وَالثَّانِي لَا يُسَبِّحُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا، وَهُوَ لَا يَتَيَقَّنُ خَطَأَهُ فَلَا يُشَكِّكْهُ. وَلَوْ فَارَقَهُ حَالًا عَلَى الثَّانِي بَعْدَ مَا سَبَّحَ، وَلَمْ يَرْجِعْ لَهُ عَلَى الْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّهَا أَرْبَعًا وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ؛ وَإِنْ كَانَ قَدْ شَكَّ خَلْفَ الْإِمَامِ لِلزِّيَادَةِ الْمُتَوَهَّمَةِ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ اهـ مُلَخَّصًا فَأَفْهَمَ التَّرَدُّدَ فِي التَّسْبِيحِ. وَقَوْلُهُ: بَعْدَهُ وَلَوْ فَارَقَهُ. . . إلَخْ أَنَّ الْمُفَارَقَةَ لَا تَجِبُ، وَإِلَّا لَمَا سَاغَ ذَلِكَ التَّرَدُّدُ الثَّانِي؛ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُسَبِّحُ لَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ مُصَرِّحٌ بِمَا ذَكَرْته، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ: لَوْ قَامَ الْإِمَامُ لِخَامِسَةٍ نَاسِيًا لَمْ يَلْزَمْ الْمَأْمُومَ مُفَارَقَتُهُ بَلْ لَهُ انْتِظَارُهُ حَتَّى يُسَلِّمَ، وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ: يَلْزَمُهُ مُفَارَقَتُهُ، كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ فِي الْجَنَائِزِ - ضَعِيفٌ وَإِنْ تَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ فِي انْتِظَارِهِ مُقِيمٌ عَلَى مُتَابَعَتِهِ فِيمَا يَعْتَقِدُهُ مُخْطِئًا فِيهِ؛ فَفِي الْمَجْمُوعِ: لَوْ سَجَدَ إمَامُهُ الْحَنَفِيُّ لِ (ص) جَازَ لَهُ مُفَارَقَتُهُ وَانْتِظَارُهُ، كَمَا لَوْ قَامَ إمَامُهُ إلَى خَامِسَةٍ. وَفِيهِ أَيْضًا: لَوْ عَلِمَ قِيَامَ إمَامِهِ لِخَامِسَةٍ انْتَظَرَهُ؛ لِأَنَّ التَّشَهُّدَ مَحْسُوبٌ لَهُ فَهَذَانِ صَرِيحَانِ فِي ضَعْفِ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْجَنَائِزِ، وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِضَعْفِهِ أَيْضًا قَوْلُهُمْ: لَوْ عَادَ إمَامُهُ مِنْ الْقِيَامِ إلَى التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ جَازَ لِلْمَأْمُومِ انْتِظَارُهُ، وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ لَوْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ تَأْيِيدٌ لِمَا قُلْنَا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ بِالْأَوْلَى؛ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهَا قَدْ تَحَقَّقَ فِيهِ فِعْلُ السَّهْوِ أَوْ مَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ؛ كَسُجُودِ الْحَنَفِيِّ لِ (ص) ، وَلِكَوْنِ جِنْسِ السُّجُودِ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ مُغْتَفَرًا فِي الصَّلَاةِ لَمْ يُنْظَرْ هُنَا لِاعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ؛ نَظِيرُ مَا لَوْ اقْتَدَى شَافِعِيٌّ بِحَنَفِيٍّ فَقَصَّرَ فِيمَا لَمْ يُجَوِّزْهُ الشَّافِعِيُّ، وَإِذَا لَمْ تَجِبْ الْمُفَارَقَةُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مَعَ تَحَقُّقِ الْمَأْمُومِ ذَلِكَ مِنْ الْإِمَامِ فَأَوْلَى أَنْ لَا تَجِبَ فِي صُورَتِنَا، فَإِنْ قُلْت: لَا نُسَلِّمُ الْمُسَاوَاةَ فَضْلًا عَنْ الْأَوْلَوِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمَحَلَّ الَّذِي يُنْتَظَرُ فِيهِ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ مَحْسُوبٌ لَهُ فَلَمْ يُحْدِثْ مَا يُنَافِي صِحَّةَ صَلَاتِهِ؛ لِاسْتِمْرَارِهِ فِي الْقِيَامِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَنَفِيِّ وَفِي الْجُلُوسِ فِي غَيْرِهَا، وَهُمَا مَحْسُوبَانِ لَهُ؛ فَهُوَ مُنْتَظِرٌ لِلْإِمَامِ لَا مُتَابِعٌ لَهُ فِي فِعْلِ السَّهْوِ؛ بِخِلَافِهِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ فَإِنَّا إذَا قُلْنَا: يَنْتَظِرُهُ فِي صُورَةِ الْجُلُوسِ فَهُوَ غَيْرُ مَحْسُوبٍ لَهُ فِي ظَنِّهِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ؛ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ مُتَابِعًا لَهُ فِي فِعْلِ السَّهْوِ لَا مُنْتَظِرًا لَهُ، وَمُتَابَعَتُهُ فِي فِعْلِ السَّهْوِ لَا تَجُوزُ بِحَالٍ. قُلْت: لَنَا فِي الِانْفِصَالِ عَنْ ذَلِكَ مَسْلَكَانِ؛ أَحَدُهُمَا أَنَّا نَقُولُ لَا يَنْتَظِرُهُ جَالِسًا بَلْ يَقُومُ وُجُوبًا ثُمَّ يَنْتَظِرُهُ فِي الْقِيَامِ إنْ شَاءَ. وَإِنَّمَا أَلْزَمْنَاهُ بِالْقِيَامِ لِمَا يَلْزَمُ عَلَى انْتِظَارِهِ فِي الْجُلُوسِ مَا ذُكِرَ، وَمِنْ تَطْوِيلِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ فِي ظَنِّهَا، وَتَطْوِيلُهَا مُبْطِلٌ عَلَى الْمَنْقُولِ الْمُعْتَمَدِ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ؛ وَالثَّانِي أَنَّا وَإِنْ قُلْنَا: يَنْتَظِرُهُ جَالِسًا؛ لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ؛ فَقَدْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قَوْلُ الْكِفَايَةِ: (وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَلَا يُتَابِعُهُ فِيهِ) - صَحِيحٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُتَابَعَةِ الْحِسِّيَّةِ دُونَ الْحُكْمِيَّةِ؛ وَهِيَ دَوَامُ الْقُدْوَةِ بَلْ لَهُ انْتِظَارُهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِالْمَنْظُومِ وَيُتَابِعَهُ فِيهِ بِأَنَّ الْقُدْوَةَ إنَّمَا تَنْقَطِعُ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَهُوَ لَا يَخْرُجُ بِفِعْلِ السَّهْوِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَجِبَ مُفَارَقَتُهُ، وَلَهُ انْتِظَارُهُ؛ إلَّا إنْ أَدَّى إلَى تَطْوِيلِ رُكْنٍ قَصِيرٍ اهـ. وَلَا يُشْكِلُ هَذَا بِإِيجَابِهِمْ الْمُفَارَقَةَ عَلَى مَنْ اقْتَدَى فِي الْمَغْرِبِ بِمُصَلِّي الْعِشَاءِ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ ثَمَّ أَنَّهُ يُحْدِثُ تَشَهُّدًا أَوْ جُلُوسًا لَمْ يُشْرَعْ لِلْإِمَامِ بِخِلَافِهِ هُنَا، فَإِنْ قُلْتَ مَا الَّذِي يَتَّجِهُ؛ هَلْ هُوَ وُجُوبُ الْقِيَامِ عَلَيْهِ إذَا أَرَادَ الِانْتِظَارَ، أَوْ جَوَازُهُ جَالِسًا؟ قُلْتُ: الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِظَارُ جَالِسًا بَلْ يَلْزَمُهُ عِنْدَ وُقُوعِ الشَّكِّ الْمَذْكُورِ الْقِيَامُ فَوْرًا ثُمَّ إنْ شَاءَ فَارَقَ وَأَتَمَّ لِنَفْسِهِ بِحَسَبِ ظَنِّهِ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ، فَإِذَا سَلَّمَ أَتَمَّ بِحَسَبِ ظَنِّهِ. وَإِنَّمَا

أَلْزَمْنَاهُ بِالْقِيَامِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى انْتِظَارِهِ فِي الْجُلُوسِ أَنَّهُ مُتَابِعٌ لَا مُنْتَظِرٌ، وَلَا يُنَافِيه مَا قَدَّمْته عَنْ الزَّرْكَشِيّ؛ لِأَنَّ انْتِظَارَهُ فِي الْجُلُوسِ مُتَابَعَةٌ حِسِّيَّةٌ لَا حُكْمِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ تَابَعَهُ فِيمَا لَا يُحْسَبُ لَهُ بِخِلَافِ انْتِظَارِهِ لَهُ فِي الْقِيَامِ أَوْ الْجُلُوسِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَإِنَّهَا مَحْضُ مُتَابَعَةٍ حُكْمِيَّةٍ؛ لِتَبَايُنِهِمَا حِسًّا، وَكَذَا انْتِظَارُهُ فِي الْقِيَامِ فِي صُورَتِنَا فَإِنَّهُ مَحْضُ مُتَابَعَةٍ حُكْمِيَّةٍ؛ عَلَى أَنَّا لَوْ فَرَضْنَا أَنَّ انْتِظَارَهُ فِي الْجُلُوسِ مُتَابَعَةٌ حُكْمِيَّةٌ فَقَطْ كَانَ مُمْتَنِعًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ؛ وَهُوَ أَنَّ الزَّرْكَشِيّ قَيَّدَ جَوَازَ الْمُتَابَعَةِ الْحُكْمِيَّةِ بِمَا إذَا لَمْ تُؤَدِّ إلَى تَطْوِيلِ رُكْنٍ قَصِيرٍ، وَهِيَ هُنَا تُؤَدِّي إلَى تَطْوِيلِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ، وَتَطْوِيلُهَا كَتَطْوِيلِ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ فِي الْبُطْلَانِ كَمَا مَرَّ؛ فَإِنْ قُلْت: تَطْوِيلُهَا هُنَا لِلْمُتَابَعَةِ، وَهُوَ لَا يَضُرُّ. قُلْت: هِيَ مُتَابَعَةٌ فِي فِعْلِ السَّهْوِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ امْتِنَاعُهَا، وَيُؤَيِّدُ مَا قَرَّرْته مِنْ امْتِنَاعِهَا فِي التَّشَهُّدِ - قَوْلُ الْمَجْمُوعِ السَّابِقُ انْتَظَرَهُ؛ لِأَنَّ التَّشَهُّدَ مَحْسُوبٌ لَهُ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي امْتِنَاعِهِ فِي صُورَتِنَا فِي التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْسُوبٍ لَهُ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْته. وَيُؤَيِّدُ وُجُوبَ الْقِيَامِ الَّذِي قُلْنَاهُ قَوْلُهُمْ: لَوْ انْتَصَبَ الْإِمَامُ وَحْدَهُ بِلَا تَشَهُّدٍ أَوَّلٍ لَزِمَ الْمَأْمُومَ الْقِيَامُ، وَإِنْ عَادَ الْإِمَامُ فَإِنْ لَمْ يَقُمْ أَوْ قَامَ وَعَادَ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَكِنْ مَتَى عَلِمَ أَوْ تَذَكَّرَ لَزِمَهُ الْقِيَامُ فَوْرًا، وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَإِنْ لَمْ يَقُمْ الْإِمَامُ فَمَنْعُهُمْ لَهُ مِنْ الْمُوَافَقَةِ فِي الْجُلُوسِ صَرِيحٌ فِي مَنْعِهِ مِنْهَا فِي مَسْأَلَتِنَا؛ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهَا مِمَّا قَرَّرْنَاهُ سَابِقًا، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَنْ شَخْصٍ خُوطِبَ بِسُنَّةٍ فَلَزِمَتْهُ فَرِيضَةٌ مَا صُورَتُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: صُورَتُهُ مَا إذَا سَلَّمَ وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ نَاسِيًا لَهُ فَإِنَّهُ يُشْرَعُ لَهُ الْعَوْدُ إلَى الصَّلَاةِ إنْ قَرُبَ الْفَصْلُ لِأَجْلِ السُّجُودِ، وَبِعَوْدِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الصَّلَاةِ بِسَلَامِهِ؛ وَحِينَئِذٍ فَلَوْ شَكَّ فِي تَرْكِ نَحْوِ الْفَاتِحَةِ لَزِمَهُ رَكْعَةٌ، فَهَذَا خُوطِبَ بِسُنَّةٍ، وَهِيَ سُجُودُ السَّهْوِ فَلَزِمَتْهُ فَرِيضَةٌ؛ وَهِيَ الْإِتْيَانُ بِرَكْعَةٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَعُدْ فَإِنَّهُ لَا أَثَرَ لِلشَّكِّ بَعْدَ السَّلَامِ الَّذِي لَا يُشْرَعُ بَعْدَهُ عَوْدٌ إلَى الصَّلَاةِ فِي تَرْكِ غَيْرِ النِّيَّةِ وَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَطْرَأَ الشَّكُّ قَبْلَ عَوْدِهِ إلَى السُّجُودِ أَوْ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّا بِالْعَوْدِ نَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الصَّلَاةِ كَمَا تَقَرَّرَ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيْضًا عَنْ شَخْصٍ صَلَّى الظُّهْرَ بِثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَثَمَانِ قِيَامَاتٍ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ فِي كُلِّ قِيَامٍ وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، فَمَا صُورَتُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ صُورَتَهُ أَنْ يَرْكَعَ قَبْلَ إمَامِهِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ عَامِدًا سُنَّ لَهُ الْعَوْدُ وَإِلَّا جَازَ، وَعَلَى كُلٍّ فَإِذَا رَجَعَ وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ صَدَقَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ، وَفِي السُّجُودِ يُسَنُّ لَهُ الْعَوْدُ أَيْضًا أَوْ يَجُوزُ. وَعَلَيْهِ فَيُزَادُ عَلَى مَا ذُكِرَ فَيُقَالُ بِثَمَانِ رُكُوعَاتٍ وَثَمَانِ سَجَدَاتٍ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْقَفَّالِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْعَوْدُ ثُمَّ الرُّكُوعُ ثُمَّ الْعَوْدُ. وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِ غَيْرِهِ جَوَازُهُ مَرَّةً ثَالِثَةً وَرَابِعَةً مَا لَمْ تَتَوَالَ أَفْعَالُهُ، وَعَلَيْهِ فَيُقَالُ بَدَلُ ثَمَانِ رُكُوعَاتٍ سِتَّةَ عَشَرَ رُكُوعًا أَوْ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ سُجُودًا أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِذَا عَادَ إلَى الْقِيَامِ ثُمَّ فَارَقَ إمَامَهُ فَهَلْ يُحْسَبُ لَهُ ذَلِكَ الرُّكُوعُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ رُكُوعٍ ثَانٍ فِيهِ نَظَرٌ؟ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ عَوْدَهُ إلَى الْإِمَامِ فِيهِ إبْطَالٌ لِذَلِكَ الرُّكُوعِ. (وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ وَأَعَادَ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَتِهِ - عَنْ إمَامٍ سَجَدَ إحْدَى سَجْدَتَيْ السَّهْوِ فَأَدْرَكَهُ مَسْبُوقٌ فِيهَا ثُمَّ أَحْدَثَ فَهَلْ يَسْجُدُ الْمَسْبُوقُ الثَّانِيَةَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُهَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَأَعَادَ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَتِهِ - هَلْ تَجِبُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ فَوْرًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يَجِبُ ذَلِكَ؛ فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ وَلَمْ يَسْجُدْ الْمَأْمُومُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَلَمْ يَأْتِ بِشَرَائِطِ السُّجُودِ، فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ إنْ طَرَأَ لَهُ عَدَمُ الْإِتْيَانِ بِالشَّرَائِطِ بَعْدَ أَنْ أَتَى بِصُورَةِ السَّجْدَةِ فَعَادَ فَوْرًا إلَى الْقُعُودِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ سَجَدَ قَاصِدًا عَدَمَ الْإِتْيَانِ بِهَا أَوْ طَرَأَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أَتَى بِصُورَةِ السُّجُودِ وَاسْتَمَرَّ فِيهِ وَطَالَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. هَذَا هُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ خِلَافًا لِمَنْ أَطْلَقَ الصِّحَّةَ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ قَامَ

قَبْلَ إمَامِهِ سَهْوًا مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَهَلْ يُفَرِّقُ بَيْنَ قِيَامِهِ قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ لِلتَّشَهُّدِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ قَامَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ التَّشَهُّدِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْعَوْدُ؛ لِتَقْصِيرِ الْإِمَامِ بِجُلُوسِهِ حِينَئِذٍ أَوْ قَبْلَهُ وَجَبَ الْعَوْدُ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ صَلَّى مِنْ رُبَاعِيَّةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ نَاسِيًا ثُمَّ أَحْرَمَ بِصَلَاةٍ أُخْرَى لَغَا مَا أَحْرَمَ بِهِ وَبَنَى عَلَى الْأُولَى إنْ قَصُرَ الْفَصْلُ فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا لَوْ ظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ بِصَلَاةٍ كَانَ أَحْرَمَ بِهَا فَجَدَّدَ الْإِحْرَامَ فَإِنَّهُ يُلْغِي إحْرَامَهُ الثَّانِيَ، وَيَعْتَدُّ بِمَا أَتَى بِهِ فَلِأَيِّ مَعْنًى لَمْ يَعْتَدَّ بِمَا أَتَى بِهِ فِي الْأَوَّلِ كَمَا هُنَا أَوْ لَمْ يُلْغِ مَا هُنَا كَمَا هُنَاكَ؟ (أَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّهُ فِي الْأُولَى أَتَى بِمَا أَتَى بِهِ بَعْدَ سَلَامِهِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ مِنْ صَلَاةٍ أُخْرَى مُغَايِرَةٍ لِلْأُولَى فَكَانَ ذَلِكَ صَارِفًا عَنْ الِاعْتِدَادِ بِهِ عَمَّا بَقِيَ مِنْهَا، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَمَا أَتَى بِهِ كَانَ مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ مِنْ تِلْكَ الصَّلَاةِ بِعَيْنِهَا فَأَلْغَى إحْرَامَهُ لِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ سَهْوًا وَاعْتَدَّ بِمَا أَتَى بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ شَيْئًا آخَرَ فَلَا صَارِفَ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ صَلَّى فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّجَافِي فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْ حَصَلَ رِيحٌ كَرِيهٌ أَوْ رُؤْيَةُ مَنْ يَكْرَهُهُ أَوْ نَظَرُ مَا يُلْهِيه فَهَلْ يَكُونُ الصَّفُّ الثَّانِي أَوْ غَيْرُهُ إذَا خَلَا عَنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْفَضِيلَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِذَاتِ الْعِبَادَةِ أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْفَضِيلَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَكَانِهَا - أَنَّ الصَّفَّ الثَّانِيَ أَوْ غَيْرَهُ إذَا خَلَا عَمَّا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ أَوْ نَحْوِهِ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ الصَّفِّ الْأَوَّلِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ حَصَلَ لَهُ مِنْ نَحْوِ الزَّحْمَةِ وَرُؤْيَةِ مَا ذَكَرَ مَا يَسْلُبُ خُشُوعَهُ أَوْ يُنْقِصُهُ، وَإِلَّا فَفِي كَوْنِ الصَّفِّ الثَّانِي الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِالتَّجَافِي أَفْضَلَ مِنْ الْأَوَّلِ وَقْفَةٌ؛ لِأَنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِهِمْ يُسَنُّ الدُّخُولُ لِلصَّفِّ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فُرْجَةٌ بَلْ مَا يَسَعُهُ لَوْ تَضَامَّ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ فَوَاتُ التَّجَافِي أَوْ لَا وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظَرِ مَا يُلْهِيه وَنَحْوِهِ أَنَّ نَظَرَ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ بِخِلَافِ تَرْكِ التَّجَافِي عَلَى مَا حَقَقْته فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ مِنْ حَمْلِ قَوْلِ الْمَجْمُوعِ يُكْرَهُ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ عَلَى السُّنَنِ الْمُتَأَكَّدَةِ كَالْأَبْعَاضِ أَوْ الَّتِي قِيلَ بِوُجُوبِهَا أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَرَاهَةِ خِلَافُ الْأَوْلَى. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ ثُمَّ بَعْدَ الصَّلَاةِ تَبَيَّنَ كَوْنَهُ مُحْدِثًا لَمْ تَجِبْ الْإِعَادَةُ بِخِلَافِ مَا لَوْ صَلَّى خَلْفَ مَالِكِيٍّ مَثَلًا فَلَا يُبَسْمِلُ ثُمَّ تَبَيَّنَ فَإِنَّهُ تَجِبُ الْإِعَادَةُ فَمَا الْفَرْقُ مَعَ أَنَّ الْإِمَامَ فِيهِمَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى اعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْحَدَثِ أَنَّهُ لَا يُبْحَثُ عَنْهُ وَلَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ غَالِبًا بِخِلَافِ الْعَقِيدَةِ فَإِنَّ مِنْ شَأْنِهَا الْبَحْثَ عَنْهَا، وَيُطَّلَعُ عَلَيْهَا غَالِبًا فَكَانَ الْمَأْمُومُ هُنَا صَادِرًا مِنْهُ نَوْعُ تَقْصِيرٍ فَأُمِرَ بِالْإِعَادَةِ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَدَثِ فَإِنَّهُ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ أَلْبَتَّةَ فَلَمْ يُؤْمَرْ بِالْإِعَادَةِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يُكْرَهُ ارْتِفَاعُ الْمَأْمُومِ عَلَى إمَامِهِ فِي الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا الْكَرَاهَةُ لَكِنْ اخْتَارَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَدَمَهَا أَخْذًا مِنْ نَصٍّ فِي الْأُمِّ وَيُجَابُ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَهُ نَصٌّ آخَرُ بِكَرَاهَةِ الِارْتِفَاعِ فِي الْمَسْجِدِ فَقَدْ كَرِهَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَلَاةَ الْإِمَامِ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ، وَالْمَأْمُومُونَ خَارِجُهَا وَعَلَّلَهُ بِعُلُوِّهِ عَلَيْهِمْ فَقَدْ تَحَصَّلَ أَنَّ لَهُ نَصَّيْنِ أَخَذَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا بِهَذَا النَّصِّ الْمُوَافِقِ لِلْقِيَاسِ وَتَرَكُوا النَّصَّ الْآخَرَ لِمُخَالَفَتِهِ الْقِيَاسَ؛ إذْ ارْتِفَاعُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ يُخِلُّ نِظَامَ تَمَامِ الْمُتَابَعَةِ الْمَطْلُوبَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ الْأُمِّ لَيْسَ نَصًّا فِي نَفْيِ الْكَرَاهَةِ، وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَهُوَ فِي الْعُلُوِّ لِحَاجَةٍ كَمَا يُعْلَمُ بِتَأَمُّلِهِ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ وَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ لِنَفْيِ الْحُرْمَةِ وَنَفْيِ الْكَرَاهَةِ ثُمَّ اسْتَدَلَّ بِعُلُوِّ الْمُؤَذِّنِينَ فَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ صَرِيحَةٌ عَلَى مُخَالَفَةِ إطْلَاقِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. ((وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ إتْيَانِ الْمُصَلِّي بِرُكْنٍ كَالْقِرَاءَةِ حَالَةَ النِّسْيَانِ هَلْ تُحْسَبُ لَهُ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ أَتَى بِهِ حَالَةَ الشَّكِّ، وَلَوْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ رُبَاعِيَّةٍ فَقَامَ وَأَحْرَمَ بِنَافِلَةٍ نَاسِيًا وَأَتَى بِالسُّجُودِ عَلَى قَصْدِ النَّافِلَةِ هَلْ يُحْسَبُ عَنْ سُجُودِ الرُّبَاعِيَّةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يُحْسَبُ مَا قَرَأَهُ فِي حَالَةِ النِّسْيَانِ لَا الشَّكِّ؛ لِأَنَّ النَّاسِيَ غَيْرُ مَنْسُوبٍ لِتَقْصِيرٍ بِخِلَافِ الشَّاكِّ، وَتُحْسَبُ تِلْكَ السَّجْدَةُ، وَإِنْ أَتَى بِهَا

عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا مِنْ النَّافِلَةِ كَمَا قَالَهُ الْعَلَائِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَقَالَ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ: لَا تُحْسَبُ وَانْتَصَرَ لَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ النَّفَلَ إنَّمَا يَقُومُ مَقَامَ الْفَرْضِ إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ النِّيَّةُ كَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ بِخِلَافِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَالنَّفَلِ الْمُسْتَقِلِّ أَوْلَى بِعَدَمِ الِاحْتِسَابِ مِنْ سَجْدَةِ الِاسْتِرَاحَةِ اهـ وَيُرَدُّ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ اشْتِمَالِ النِّيَّةِ عَلَى تِلْكَ السَّجْدَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَسِيَ كَانَ مَا أَتَى بِهِ مِنْ الْإِحْرَامِ وَمَا بَعْدَهُ لَغْوًا إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى مَحَلِّ السَّجْدَةِ الْمَتْرُوكَةِ فَتُحْسَبُ لَهُ حِينَئِذٍ، وَإِنْ أَتَى بِهَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ فِي نَافِلَةٍ أُخْرَى لِعُذْرِهِ بِنِسْيَانِهِ الْمُتَسَبِّبِ عَنْهُ هَذَا الظَّنُّ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ بِأَنَّ هَذِهِ فَعَلَهَا لِعَارِضٍ فِي الصَّلَاةِ، وَهُوَ التِّلَاوَةُ مَعَ عِلْمِهِ بِالْحَالِ فَكَانَ ذَلِكَ صَارِفًا لِنِيَّةِ الصَّلَاةِ فَلَمْ تُحْسَبْ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ عَنْ سُجُودِهَا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ هُنَا صَارِفًا غَيْرَ مَعْذُورٍ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحُسْبَانِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ لَحِقَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ مَثَلًا وَسَجَدَ الْإِمَامُ سُجُودَ السَّهْوِ وَهُوَ جَالِسٌ نَاسٍ فَذَكَرَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَلَمْ يَسْجُدْ أَوْ سَجَدَ سَجْدَةً وَبَقِيَتْ الثَّانِيَةُ هَلْ يَسْجُدُهَا أَوْ يَسْجُدُ الْجَمِيعَ إذَا لَمْ يَسْجُدْ أَوْ يَتْرُكْ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي فِي شَرْحِي لِلْمِنْهَاجِ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ بِفِعْلِ الْإِمَامِ لَهُ يَسْتَقِرُّ عَلَى الْمَأْمُومِ وَيَصِيرُ كَالرُّكْنِ حَتَّى لَوْ سَلَّمَ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ سَاهِيًا عَنْهُ لَزِمَهُ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ إنْ قَرُبَ الْفَصْلُ وَإِلَّا تُعَادَ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ تَرَكَ مِنْهَا رُكْنًا وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِسُجُودِ إمَامِهِ لِلتِّلَاوَةِ إلَّا وَقَدْ فَرَغَ مِنْهُ لَمْ يُتَابِعْهُ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ فَاتَ مَحَلُّهُ بِخِلَافِهِ هُنَا اهـ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ عَنْ مَأْمُومٍ سَلَّمَ إمَامُهُ فَقَامَ لِإِتْيَانِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ فَرَأَى فِي قِيَامِهِ سُجُودَ إمَامِهِ لِلسَّهْوِ فَهَلْ عَلَيْهِ الْعَوْدُ لِلسُّجُودِ لِمُتَابَعَةِ إمَامِهِ أَوْ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ وَيَسْجُدُ آخِرَ صَلَاةِ نَفْسِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ عَلَيْهِ الْعَوْدُ لِلسُّجُودِ لِمُتَابَعَةِ إمَامِهِ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ خَطَأَهُ فِي عَوْدِهِ؛ لِأَنَّهُ بِعَوْدِهِ إلَيْهِ بِشَرْطِهِ يَعُودُ إلَى الصَّلَاةِ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ سَلَامَهُ لَمْ يَقَعْ بِهِ تَحَلُّلٌ لِمَا قَرَّرُوهُ أَنَّ السَّلَامَ مَتَى شُرِعَ بَعْدَهُ الْعَوْدُ لِسُجُودِ السَّهْوِ بَانَ أَنَّهُ غَيْرُ سَلَامِ التَّحَلُّلِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ سَلَامَ مَنْ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ مَوْقُوفٌ فَإِنْ عَادَ لِلصَّلَاةِ بِشَرْطِهِ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَلَّلْ بِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْعَوْدُ بَانَ أَنَّهُ لِلتَّحَلُّلِ وَالْمَأْمُومُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقِيَامُ لِلْإِتْيَانِ بِمَا عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ الَّذِي يَخْرُجُ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَإِلَّا لَزِمَهُ الْعَوْدُ إلَى الْجُلُوسِ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ قَدْ سَلَّمَ بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمَأْمُومُ بِذَلِكَ إلَّا وَقَدْ صَلَّى رَكْعَةً أَوْ أَكْثَرَ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْقُعُودِ وَيُلْغِي مَا أَتَى بِهِ ثُمَّ يَقُومُ وَيَأْتِي بِجَمِيعِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ لَوْ قَامَ عَقِبَ سَلَامِ الْإِمَامِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا إذَا قَامَ الْإِمَامُ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ بَعْدَ إتْمَامِهِ إيَّاهُ وَالْمَأْمُومُ لَمْ يَفْرُغْ مِنْهُ بَعْدُ أَيَلْزَمُهُ الْقِيَامُ وَتَرْكُ الْبَقِيَّةِ رِعَايَةً لِلْمُتَابَعَةِ أَمْ لَهُ الْقُعُودُ لِلْإِتْمَامِ إتْيَانًا بِمَا أُمِرَ بِهِ أَوْ يُقَالُ إنْ لَمْ يَطُلْ الْمُكْثُ بِقِرَاءَةِ الْبَقِيَّةِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، وَإِذَا قِيلَ بِالْجَوَازِ فَهَلْ الْأَوْلَى الْمُتَابَعَةُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: اضْطَرَبَتْ فِي ذَلِكَ فَتَاوَى مَشَايِخِنَا وَأَهْلِ عَصْرِهِمْ، وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ تَرْجِيحُهُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةِ التَّخَلُّفِ لِإِتْمَامِهِ كَمَا يَجُوزُ لَهُ الْقُنُوتُ عِنْدَ تَرْكِ إمَامِهِ لَهُ إذَا لَحِقَهُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى بِجَامِعِ أَنَّهُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ لَمْ يَأْتِ بِهِ الْإِمَامُ، وَإِنَّمَا أَدَامَ مَا كَانَ فِيهِ الْإِمَامُ فَلَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ فَاحِشَةٌ وَبِهِ فَارَقَ عَدَمَ إتْيَانِهِ بِالتَّشَهُّدِ عِنْدَ تَرْكِ إمَامِهِ لَهُ لِمَا فِيهِ حِينَئِذٍ مِنْ الْمُخَالَفَةِ الْفَاحِشَةِ وَمِنْ ثَمَّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ عَلِمَ وَتَعَمَّدَ وَمَنْ أَتَمَّ التَّشَهُّدَ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ اتِّفَاقًا فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِاتِّفَاقِ الْقَائِلِينَ بِالتَّخَلُّفِ لِلْإِتْمَامِ وَالْقَائِلِينَ بِعَدَمِهِ فَلَا يُقَاسُ الْإِتْمَامُ بِأَصْلِ الْإِتْيَانِ فَتَدَبَّرْهُ لِيَظْهَرَ لَك ضَعْفُ مَنْ مَنَعَ التَّخَلُّفَ لِلْإِتْمَامِ كَالتَّخَلُّفِ لِلْإِتْيَانِ بِهِ مِنْ أَصْلِهِ، وَإِنَّمَا سَوَّوْا بَيْنَ التَّخَلُّفِ لِقِرَاءَةِ السُّورَةِ وَالتَّخَلُّفِ لِإِتْمَامِهَا فِي امْتِنَاعِهِمَا عِنْدَ رُكُوعِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ لَا سُورَةَ لَهُ بِالْأَصَالَةِ بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ مَطْلُوبٌ مِنْ الْمَأْمُومِ بِالْأَصَالَةِ، وَأَيْضًا فَهُوَ مِنْ الْأَبْعَاضِ وَهِيَ آكَدُ مِنْ السُّورَةِ نَعَمْ قَيَّدَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فِي فَتَاوِيهِ جَوَازَ التَّخَلُّفِ لِذَلِكَ بِمَا إذَا كَانَ يَسِيرًا وَمُرَادُهُ أَنَّهُ لَوْ تَخَلَّفَ إلَى إنْ قَامَ الْإِمَامُ مِنْ الرُّكُوعِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِتَخَلُّفِهِ بِتَمَامِ رُكْنَيْنِ فِعْلِيَّيْنِ لِسُنَّةٍ وَالتَّخَلُّفُ بِهِمَا وَلَوْ لِسُنَّةٍ مُبْطِلٌ وَإِذَا قِيلَ بِالْجَوَازِ

فَالْأَوْلَى الْمُتَابَعَةُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ نَعَمْ قَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ لَا يَشْتَغِلُ بِسُنَّةٍ بَعْدَ التَّحَرُّمِ كَالِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ إلَّا إنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُدْرِكُ الْفَاتِحَةَ بِكَمَالِهَا قَبْلَ رُكُوعِ الْإِمَامِ أَنَّهُ هُنَا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يُدْرِكُ الْفَاتِحَةَ بِكَمَالِهَا قَبْلَ رُكُوعِ الْإِمَامِ سُنَّ لَهُ التَّخَلُّفُ لِلْإِتْمَامِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ فِي الْقُنُوتِ فَإِنْ قُلْت: إذَا تَخَلَّفَ لِلْإِتْمَامِ فَهَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمُوَافِقِ أَوْ الْمَسْبُوقِ قُلْت إذَا تَخَلَّفَ لِذَلِكَ فَإِنْ أَدْرَكَ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ مِنْ قِرَاءَةِ نَفْسِهِ فَهُوَ الْمُوَافِقُ فَيَتَخَلَّفُ لِإِتْمَامِ الْفَاتِحَةِ مَا لَمْ يُسْبَقْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ فَهُوَ كَالْمَسْبُوقِ فَيَقْرَأُ بِقَدْرِ مَا فَوَّتَ نَظِيرُ مَا لَوْ اشْتَغَلَ الْمَسْبُوقُ بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ بِجَامِعِ تَقْصِيرِ كُلٍّ بِاشْتِغَالِهِ بِسُنَّةٍ عَنْ فَرْضِ الْمُتَابَعَةِ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ الْفَاتِحَةُ كُلُّهَا مُطْلَقًا فَيَتَخَلَّفُ لَهَا مَا لَمْ يُسْبَقْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ ثُمَّ إذَا رَكَعَ الْإِمَامُ وَعَلَيْهِ بَقِيَّةٌ مِمَّا لَزِمَهُ فَإِنْ أَتَمَّهُ وَأَدْرَكَ الرُّكُوعَ بِشَرْطِهِ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهَا فَإِنْ فَرَغَ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الْهُوِيِّ لِلسُّجُودِ وَافَقَهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ وَفَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ فَإِنْ رَكَعَ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ أَرَادَ الْإِمَامُ الْهُوِيَّ لِلسُّجُودِ وَبَقِيَتْ عَلَيْهِ بَقِيَّةٌ فَقَدْ تَعَارَضَ فِي حَقِّهِ وَاجِبَانِ إكْمَالُ مَا فَوَّتَهُ وَمُتَابَعَةُ الْإِمَامِ وَلَا مُخَلِّصَ لَهُ عَنْ ذَلِكَ إلَّا بِنِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ فَتَلْزَمُهُ، هَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُشْتَغِلَ بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ غَيْرُ مَعْذُورٍ، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ جَمْعٌ مُحَقِّقُونَ، وَقَالَ آخَرُونَ: إنَّهُ مَعْذُورٌ فَيَتَخَلَّفُ بِثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ، وَيُدْرِكُ الرَّكْعَةَ كَالْمُوَافِقِ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ نَقَلَ تَسْبِيحَ الرُّكُوعِ إلَى السُّجُودِ أَوْ عَكَسَ هَلْ يُسَنُّ لَهُ سُجُودُ السَّهْوِ لِذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَوْ لَا فَرْقَ إلَّا فِي الْأَعْلَى وَالْعَظِيمِ أَوْ لَا وَلَوْ كَرَّرَ الْفَاتِحَةَ مَرَّتَيْنِ هَلْ يُسَنُّ لَهُ السُّجُودُ كَمَا فِي الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ أَوْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ فَمَا الْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ، وَمَنْ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَهَلْ يَطَّرِدُ ذَلِكَ فِي التَّشَهُّدِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ نَقْلَ التَّسْبِيحِ يَقْتَضِي السَّهْوَ، وَاعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا سُجُودَ لِنَقْلِ الِافْتِتَاحِ وَالتَّسْبِيحِ وَالدُّعَاءِ إلَى غَيْرِ مَحَلِّهَا لَكِنْ كَلَامُ الْكِفَايَةِ يَقْتَضِي السُّجُودَ وَبِأَنَّهُ لَا يُقَاسُ نَقْلُ نَحْوِ التَّسْبِيحِ عَلَى نَقْلِ نَحْوِ الْقُنُوتِ؛ لِأَنَّ الْأَبْعَاضَ آكَدُ مِنْ بَقِيَّةِ السُّنَنِ، وَإِنَّمَا أُلْحِقَتْ السُّورَةُ بِالْفَاتِحَةِ لِتَأَكُّدِهَا وَشِبْهِهَا بِهَا اهـ. وَلَمَّا ذَكَرْت ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ قُلْت عَقِبَهُ: قَدْ تَتَبَّعْت مَا نُقِلَ عَنْ الْمَجْمُوعِ فِي مَظَانِّهِ فَلَمْ أَرَهُ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي عِنْدِي فَإِنْ وُجِدَ فِيهِ فَلَا كَلَامَ، وَإِلَّا فَالْأَوْجَهُ مَا مَرَّ عَنْ الْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ، وَعَلَيْهِ فَنَقْلُ أَذْكَارِ الرُّكُوعِ وَالِاعْتِدَالِ وَالسُّجُودِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ إلَى غَيْرِ مَحَالِّهَا الْمَطْلُوبَةِ فِيهِ يَقْتَضِي سُجُودَ السَّهْوِ، وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِهِمْ قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْقِيَامَ مَحَلُّ التَّسْبِيحِ فِي الْجُمْلَةِ بِدَلِيلِ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ وَالِافْتِتَاحِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ. . . إلَخْ وَلَا كَذَلِكَ الْقِرَاءَةُ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ أَوْ بَدَلَهُ فَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي نَقْلِ التَّسْبِيحِ الْمُخْتَصِّ بِمَحَلٍّ كَسُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ فِي الرُّكُوعِ، وَسُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى فِي السُّجُودِ مَثَلًا، وَالْقِيَامُ لَيْسَ مَحَلًّا لِذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ التَّسْبِيحِ خَارِجَةٌ عَنْ الْقِيَاسِ، وَمُخْتَلَفٌ فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا وَيُبْطِلُ مَا ذَكَرَهُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ بِنِيَّتِهِ مُقْتَضٍ لِلسُّجُودِ مَعَ أَنَّ الْقِيَامَ مَحَلٌّ لِلدُّعَاءِ فِي الْجُمْلَةِ فِي دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّقْيِيدِ فِي هَذِهِ بِالنِّيَّةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي نَقْلِ نَحْوِ التَّسْبِيحِ مِنْ أَنَّهُ يَنْوِي بِهِ أَنَّ هَذَا تَسْبِيحٌ نَحْوُ الرُّكُوعِ كَالْقُنُوتِ بَلْ أَوْلَى ثُمَّ رَأَيْت الْفَتَى وَشَيْخَنَا زَكَرِيَّا رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى. بَحَثَا ذَلِكَ وَسَوَاءٌ فِي نَقْلِ مَا مَرَّ النَّقْلُ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِتَرْكِهِ التَّحَفُّظَ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي الصَّلَاةِ فَرْضِهَا وَنَفْلِهَا أَمْرًا مُتَأَكَّدًا كَتَأَكُّدِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ اهـ الْمَقْصُودُ مِنْ عِبَارَةِ شَرْحِ الْعُبَابِ وَمِنْهَا يُعْلَمُ أَنَّ نَقْلَ تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ الْمُخْتَصِّ بِهِ إلَى السُّجُودِ بِنِيَّةِ كَوْنِهِ تَسْبِيحَ الرُّكُوعِ وَعَكْسِهِ يَقْتَضِي السُّجُودَ لِتَرْكِهِ التَّحَفُّظَ الْمَذْكُورَ، وَخَرَجَ بِقَوْلِي: الْمُخْتَصِّ مَا اشْتَرَكَ فِيهِ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ نَقْلٌ؛ لِأَنَّ مَا وَقَعَ مِنْهُ فِي أَحَدِهِمَا يَقَعُ فِي مَحَلِّهِ. وَاَلَّذِي فِي شَرْحِ الْعُبَابِ أَيْضًا أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ أَيْضًا فِي تَكْرِيرِ الْفَاتِحَةِ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الرَّافِعِيِّ

باب في صلاة النفل

وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَإِنْ جَزَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِخِلَافِهِ لَكِنْ إنْ كَرَّرَهَا عَمْدًا لِجَرَيَانِ وَجْهٍ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِذَلِكَ فَالسُّجُودُ لَهُ أَوْلَى مِنْهُ لِنَقْلِ نَحْوِ السُّورَةِ، وَيُحْتَمَلُ إلْحَاقُ تَكْرِيرِهَا سَهْوًا أَوْ شَكًّا بِذَلِكَ، وَهُوَ قَرِيبٌ قِيَاسًا عَلَى مَا مَرَّ فِي نَقْلِ ذَلِكَ لِتَرْكِهِ التَّحَفُّظَ السَّابِقَ وَبِمَا قَرَّرْته يُعْلَمُ أَنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّ تَكْرِيرَ التَّشَهُّدِ كَتَكْرِيرِ الْفَاتِحَةِ فِي التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ وَأَنَّ مَا فِي الْخَادِمِ عَنْ الْقَاضِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَرَّرَهُ نَاسِيًا أَوْ شَكَّ فِيهِ فَأَعَادَهُ لَمْ يَسْجُدْ - فِيهِ نَظَرٌ اهـ. وَمِنْهَا يُعْلَمُ جَوَابُ مَا فِي السُّؤَالِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابٌ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ] (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَنْ تَكْرِيرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ فِي التَّرَاوِيحِ هَلْ يُسَنُّ وَإِذَا قُلْتُمْ لَا فَهَلْ يُكْرَهُ أَمْ لَا وَقَدْ رَأَيْت فِي الْمُعْلِمَاتِ لِابْنِ شُهْبَةَ أَنَّ تَكْرِيرَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ فِي التَّرَاوِيحِ ثَلَاثًا كَرِهَهَا بَعْضُ السَّلَفِ قَالَ: لِمُخَالَفَتِهَا الْمَعْهُودَ عَمَّنْ تَقَدَّمَ؛ وَلِأَنَّهَا فِي الْمُصْحَفِ مَرَّةً فَلْتَكُنْ فِي التِّلَاوَةِ مَرَّةً اهـ فَهَلْ كَلَامُهُ مُقَرَّرٌ مُعْتَمَدٌ أَمْ لَا بَيِّنُوا ذَلِكَ وَأَوْضِحُوهُ لَا عَدِمَكُمْ الْمُسْلِمُونَ (فَأَجَابَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِقَوْلِهِ: تَكْرِيرُ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ أَوْ غَيْرِهَا فِي رَكْعَةٍ أَوْ كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ التَّرَاوِيحِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ، وَلَا يُقَالُ: مَكْرُوهٌ عَلَى قَوَاعِدِنَا. لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ مَخْصُوصٌ، وَقَدْ أَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّ قِرَاءَةَ الْقَدْرِ الْمُعْتَادِ فِي التَّرَاوِيحِ هُوَ التَّجْزِئَةُ الْمَعْرُوفَةُ بِحَيْثُ يُخْتَمُ الْقُرْآنُ جَمِيعُهُ فِي الشَّهْرِ أَوْلَى مِنْ سُورَةٍ قَصِيرَةٍ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ السُّنَّةَ الْقِيَامُ فِيهَا بِجَمِيعِ الْقُرْآنِ، وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ وَاعْتَمَدَ ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: وَيُقَاسُ بِذَلِكَ كُلُّ مَا وَرَدَ فِيهِ الْأَمْرُ بِبَعْضٍ مُعَيَّنٍ كَآيَتَيْ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ فِي سُنَّةِ الصُّبْحِ، أَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ مَنْ قَرَأَ سُورَةً فِي رَكْعَتَيْنِ إنْ فَرَّقَهَا لِعُذْرٍ أُثِيبَ عَلَيْهَا ثَوَابَ السُّورَةِ الْكَامِلَةِ. لِأَنَّهُ صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ بِالْأَعْرَافِ فِي أَوَّلَتَيْ الْمَغْرِبِ وَأَمَّا سُورَةٌ نَحْوُ ثَلَاثِ أَوْ أَرْبَعِ آيَاتٍ فَتَفْرِيقُهَا خِلَافُ السُّنَّةِ وَفِي الْخَادِمِ عَنْ الْبَيْهَقِيّ عَنْ الرَّبِيعِ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ بَيْنَ سُوَرٍ فَقَالَ نَعَمْ وَأَفْعَلُهُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَقَدْ عَرَفْت النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرِنُ بَيْنَهُنَّ فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ وَيَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ سُورَتَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْأَقْرَبَ لِلسُّنَّةِ أَنَّ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ لَا جَائِزٌ فَقَطْ، وَلَوْ كَرَّرَ السُّورَةَ فِي رَكْعَتَيْنِ. فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُحَصِّلُ أَصْلَ سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ فِي الصُّبْحِ {إِذَا زُلْزِلَتِ} [الزلزلة: 1] فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا حُكْمُ الْجَمْعِ عِنْدَ قُبُورِ الصَّالِحِينَ وَفِي مَسْجِدِ الْجُنْدِ فِي لَيْلَةِ أَوَّلِ جُمُعَةٍ مِنْ رَجَبٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا اعْتَادَتْهُ الْعَامَّةُ مِنْ الْقَبَائِحِ الَّتِي يَفْعَلُونَهَا لَيْلَةَ أَوَّلِ جُمُعَةٍ مِنْ رَجَبٍ بِدْعَةٌ شَدِيدَةُ الْقُبْحِ وَالْفُحْشِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى وُلَاةِ الْأَمْرِ أَيَّدَ اللَّهُ بِهِمْ الدِّينَ وَأَزَالَ بِسُيُوفِ عَدْلِهِمْ الْمُفْسِدِينَ مَنْعُ الْعَامَّةِ مِنْ إظْهَارِ تِلْكَ الْمَفَاسِدِ الَّتِي تَحْصُلُ مِنْ اجْتِمَاعِهِمْ فِي الْأَمَاكِنِ الْفَاضِلَةِ وَجَمِيعُ مَا رُوِيَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُشْتَهِرَةِ فِي فَضَائِلِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَلَيْلَةِ نِصْفِ شَعْبَانَ بَاطِلٌ كَذِبٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَإِنْ وَقَعَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْأَكَابِرِ كَالْإِحْيَاءِ لِلْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ التَّحِيَّةِ هَلْ يُخَاطَبُ بِهَا الْمَارُّ وَهَلْ يَجُوزُ فِعْلُهَا مِنْ قُعُودٍ وَلَوْ دَخَلَ وَقَرَأَ آيَةَ سُجُودٍ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ فِي تَحْصِيلِهِمَا مَعَ أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ فَاتَتْ أَوْ صَلَّاهَا فَاتَ السُّجُودُ لِطُولِ الْفَصْلِ وَلَوْ خَرَجَ الْمُعْتَكِفُ لِحَاجَةٍ ثُمَّ عَادَ فَهَلْ يُشْرَعُ لَهُ التَّحِيَّةُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي يَتَّجِهُ. وَذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ أَخْذًا مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْجُلُوسِ فِي نَحْوِ حَدِيثِ «فَلَا تَجْلِسْ حَتَّى تُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ» أَنَّ الْمَارَّ لَا يُخَاطَبُ بِهَا وَنَظَرَ فِيهِ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّ ذَلِكَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَيَكُونُ الْأَمْرُ بِهَا مُعَلَّقًا عَلَى مُطْلَقِ الدُّخُولِ تَعْظِيمًا لِلْبُقْعَةِ، وَأَمَّا فِعْلُهَا مِنْ قُعُودٍ فَيَجُوزُ سَوَاءٌ نَوَى قَائِمًا ثُمَّ جَلَسَ أَوْ قَارَنَتْ نِيَّتُهُ الْجُلُوسَ بِخِلَافِ مَا إذَا جَلَسَ ثُمَّ نَوَى فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّهَا تَفُوتُ بِالْجُلُوسِ عَمْدًا وَإِنْ قَلَّ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الطَّرِيقَ فِي تَحْصِيلِ مَا ذُكِرَ أَنْ يُحْرِمَ

بِالرَّكْعَتَيْنِ وَيَقْرَأَ الْآيَةَ فِيهِمَا ثُمَّ يَسْجُدَ وَخَطَّأَهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّ السُّجُودَ لِقِرَاءَتِهِ الَّتِي فِي الصَّلَاةِ لَا لِتِلْكَ الْمُتَقَدِّمَةِ ثُمَّ قَالَ: إنَّ طَرِيقَ ذَلِكَ أَنْ يَسْجُدَ لِلتِّلَاوَةِ فَإِذَا جَلَسَ نَوَى قَبْلَ سَلَامِهِ زِيَادَةَ رَكْعَتَيْنِ وَيَقُومُ فَيُصَلِّيهِمَا؛ لِأَنَّ النَّفَلَ الْمُطْلَقَ يَجُوزُ فِيهِ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ اهـ. وَفِي كَوْنِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ مِنْ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ نَظَرٌ لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ لِتَعْرِيفِهِمْ لَهُ بِأَنَّهُ الَّذِي لَا يَتَقَيَّدُ بِوَقْتٍ وَلَا سَبَبٍ وَهَذَا مُتَقَيِّدٌ بِسَبَبِ الْقِرَاءَةِ، وَقَدْ يُقَالُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ بِفِعْلِ السُّجُودِ تَفُوتُهُ التَّحِيَّةُ؛ لِأَنَّهُ جُلُوسٌ قَصِيرٌ لِعُذْرٍ فَهُوَ كَالْجُلُوسِ الْقَصِيرِ نَاسِيًا. وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمُعْتَكِفِ فَالْأَوْجَهُ فِيهَا أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالتَّحِيَّةِ سَوَاءٌ قُلْنَا: إنَّ اعْتِكَافَهُ بَاقٍ أَمْ لَا لِوُجُودِ الدُّخُولِ مِنْهُ فَقَدْ شَمِلَهُ كَلَامُهُمْ وَالْخَبَرُ وَقَوْلُ ابْنِ الْعِمَادِ إنَّ الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ الْقَوَاعِدُ خِلَافُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ حُكْمًا فَهُوَ كَالْقُدْوَةِ الْحُكْمِيَّةِ يُفَارِقُ الْمَأْمُومُ فِيهَا الْإِمَامَ حِسًّا لَا حُكْمًا يُرَدُّ بِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْخُرُوجِ الْحِسِّيِّ سَوَاءٌ أَصَحِبَهُ خُرُوجٌ حُكْمِيٌّ أَمْ لَا بَلْ الْخُرُوجُ هُنَا وَجَدَ حُكْمًا أَيْضًا، وَإِنَّمَا لَمْ يَقْطَعْ الِاعْتِكَافَ؛ لِأَنَّ الْعَزْمَ عَلَى الْعَوْدِ عِنْدَ الْخُرُوجِ بِمَنْزِلَةِ النِّيَّةِ إذَا دَخَلَ فَمِنْ ثَمَّ اكْتَفَى بِهِ عَنْهُمَا، وَلِأَنَّ الْخُرُوجَ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَنَحْوِهِ كَأَنَّهُ مُسْتَثْنًى حَالَ النِّيَّةِ فَلَمْ تَشْمَلْهُ فَلَا يُقَالُ: الِاعْتِكَافُ فِي حَالِ الْخُرُوجِ بَاقٍ حُكْمًا وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ كَالْمَأْمُومِ فِي الْقُدْوَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّا إنَّمَا جَعَلْنَا الْقُدْوَةَ حُكْمِيَّةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْمَأْمُومِ مَا يُنَافِيهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ لِأَنَّا عَهِدْنَا فِيهَا فِي الْجُمْلَةِ تَخَلُّفًا عَنْ الْإِمَامِ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَلَا يَكُونُ مُبْطِلًا، وَبِأَنَّ الَّذِي أَلْجَأَنَا إلَى ذَلِكَ مُرَاعَاةُ مَصَالِحَ تَعُودُ عَلَى الْمَأْمُومِ كَتَحَمُّلِ سَهْوِهِ، وَهُنَا وُجِدَ مَا يُنَافِي الِاعْتِكَافَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهُوَ الْخُرُوجُ، وَلَا مَصَالِحَ تَعُودُ عَلَى الْخَارِجِ لَوْ قُلْنَا بِبَقَاءِ اعْتِكَافِهِ حُكْمًا لِأَنَّا وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِذَلِكَ نَقُولُ لَا يَنْقَطِعُ اعْتِكَافُهُ بِذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا لِبَقَاءِ الِاعْتِكَافِ الْحُكْمِيِّ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ خَصَّ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ بِصَلَاةِ التَّسْبِيحِ فَهَلْ يُكْرَهُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يُكْرَهُ لِشُمُولِ قَوْلِهِمْ يُكْرَهُ تَخْصِيصُ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ وَفِعْلُهَا كُلَّ أُسْبُوعٍ يُمْكِنُ فِي غَيْرِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَمَا حَكَاهُ الدَّمِيرِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ مِنْ أَنَّ وَقْتَهَا لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ وَيَوْمُهَا غَرِيبٌ فَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِلَيْلَتِهَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ، وَمِثْلُ لَيْلَتِهَا يَوْمُهَا فِي أَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِهِ لَا فِي أَنَّهَا تُكْرَهُ فِيهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ فَاتَهُ حِزْبُهُ لَيْلًا وَفِيهِ اللَّهُمَّ إنِّي أَمْسَيْت أُشْهِدُك. . . إلَخْ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهَلْ إذَا قَضَاهُ نَهَارًا يُسَنُّ لَهُ الْإِتْيَانُ بِلَفْظِ الْمَسَاءِ وَنَحْوِهِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْ يَقْبَلَنِي فِي هَذِهِ الْغَدَاةِ أَوْ الْعَشِيَّةِ» أَوْ بَيْنَ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ فَرْقٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَأْتِي بِاللَّفْظِ الْوَارِدِ عِنْدَ الْقَضَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُنَاسِبًا لِذَلِكَ الْوَقْتِ، وَيَنْوِي الْمَسَاءَ الْمَاضِيَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي نَحْوِ أَمْسَيْت دُونَ نَحْوِ هَذِهِ الْعَشِيَّةِ إلَّا أَنْ يُنَزِّلَ مَا مَضَى مَنْزِلَةَ الْحَاضِرِ فَيُشِيرَ إلَيْهِ بِإِشَارَتِهِ كَمَا أَشَارُوا إلَى مَا لَمْ يُوجَدْ، وَأَقَامُوهُ مَقَامَ الْحَاضِرِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ غَيْرُ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ هَلْ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ فِيهَا بِأَنْ يَنْوِيَ ثِنْتَيْنِ وَيُصَلِّيَ أَرْبَعًا أَوْ عَكْسُهُ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مُقْتَضَى تَقْيِيدِهِمْ ذَلِكَ بِالنَّفْلِ الْمُطْلَقِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ؛ إذْ الْأَصْلُ فِي الْعِبَادَةِ وُجُوبُ الْبَقَاءِ عَلَى نِيَّتِهَا فِي الِابْتِدَاءِ وَخَرَجَ عَنْ ذَلِكَ النَّفَلُ الْمُطْلَقُ لِعَدَمِ انْحِصَارِهِ فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ صَلَّى الْوِتْرَ ثَلَاثًا فَهَلْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْبَاقِيَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِنِيَّةِ الْوِتْرِ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ لَهُ ذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ إذْ مَعْنَى كَوْنِهِ وِتْرًا أَنَّ فِيهِ الْوِتْرَ، وَهُوَ كَذَلِكَ سَوَاءٌ تَوَسَّطَ الْوِتْرُ أَمْ تَقَدَّمَ أَمْ تَأَخَّرَ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُنَّةُ الظُّهْرِ الْبَعْدِيَّةُ هَلْ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الظُّهْرِ بَعْدَ الْوَقْتِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ فِيهَا وَجْهَانِ وَجْهٌ يَحْتَمِلُ تَرْجِيحَ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ إنَّمَا كَانَتْ فِي الْوَقْتِ وَقَدْ زَالَتْ بِزَوَالِهِ وَوَجْهٌ يَحْتَمِلُ تَرْجِيحَ الْمَنْعِ إجْرَاءً لِمَا بَعْدَ الْوَقْتِ مَجْرَى مَا فِيهِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ هَلْ يَجُوزُ التَّغْيِيرُ وَالنَّقْصُ فِي الْوِتْرِ وَسُنَّةِ الظُّهْرِ مَثَلًا كَالنَّافِلَةِ الْمُطْلَقَةِ، وَهَلْ يَجُوزُ جَمْعُ سُنَّةِ الظُّهْرِ الْقَبْلِيَّةِ وَالْبَعْدِيَّةِ إذْ صَلَّاهُمَا بَعْدَ الْفَرْضِ بِتَسْلِيمَةٍ وَهَلْ يَجُوزُ تَقْدِيمُ سُنَّةِ الظُّهْرِ الْبَعْدِيَّةِ عَلَيْهَا إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يَجُوزُ التَّغْيِيرُ وَالنَّقْصُ فِيمَا ذُكِرَ

وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّافِلَةِ الْمُطْلَقَةِ وَغَيْرِهَا وَاضِحٌ جَلِيٌّ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ، وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا جَمْعُ مَا ذُكِرَ بِتَسْلِيمَةٍ فِي نِيَّةٍ وَإِنْ اقْتَضَتْ عِبَارَةُ بَعْضِهِمْ خِلَافَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْأَرْبَعَةَ تَقَعُ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا هُوَ وَاضِحٌ وَلَا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ تَقَعُ عَنْ الْقَبْلِيَّةِ وَالْأَخِيرَتَيْنِ تَقَعُ عَنْ الْبَعْدِيَّةِ وَلَا عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْمُتَأَخِّرَتَيْنِ لَا تُقَارِنُ فِعْلَهُمَا حِينَئِذٍ، وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأَخِيرَةُ فَفِيهَا وَجْهَانِ وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الْجَوَازِ إلْحَاقًا لِمَا بَعْدَ الْوَقْتِ بِمَا فِيهِ، وَلَا يُقَالُ: إنَّ التَّبَعِيَّةَ زَالَتْ بِزَوَالِ الْوَقْتِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلٍّ تَابَعَ تَأَخُّرُهُ عَنْ مَتْبُوعِهِ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ فَالْحُكْمُ بِخِلَافِهِ يَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ صَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ قَاعِدًا فَهَلْ تُجْزِئُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنْ أَحْرَمَ بِهَا قَائِمًا ثُمَّ قَعَدَ وَصَلَّاهَا قَاعِدًا أَجْزَأَتْهُ عَنْ التَّحِيَّةِ، وَإِلَّا فَلَا بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ الْجُلُوسَ الْيَسِيرَ عَمْدًا يُفَوِّتُهَا. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ لَوْ نَوَى التَّحِيَّةَ وَالظُّهْرَ حَصَلَا قَطْعًا وَالْجَنَابَةَ وَالْجُمُعَةَ حَصَلَا عَلَى الْأَصَحِّ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا عَلَى تَسْلِيمِ مَا ذُكِرَ، وَإِنْ اقْتَضَى قَوْلُهُمْ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ حُصُولِ غُسْلِ الْعِيدِ بِنِيَّةِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَعَكْسه وَعَدَمُ حُصُولِ التَّحِيَّةِ أَيْ ثَوَابُهَا بِنِيَّةِ سُنَّةِ الظُّهْرِ مَبْنَى الطِّهَارَاتِ عَلَى التَّدَاخُلِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ أَنَّ مَسْأَلَةَ الطَّهَارَةِ أَوْلَى بِالْقَطْعِ بِأَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ قِيلَ بِوُجُوبِهِ فَجَرَى فِي انْدِرَاجِهِ نَظَرًا لِتَأَكُّدِهِ وَلِلْقَوْلِ بِوُجُوبِهِ فَلَمْ يَكْفِ اقْتِرَانُهُ بِغَيْرِهِ بِخِلَافِ التَّحِيَّةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَكَانَ لَا وَجْهَ لِعَدَمِ انْدِرَاجِهَا مَعَ نِيَّتِهَا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُؤَكَّدَتَيْنِ مِنْ الْأَرْبَعِ وَغَيْرِ الْمُؤَكَّدَتَيْنِ هَلْ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ وَيُقَالُ: مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ يُقَالُ فِيهِ اقْتَصَرَ عَلَى الْمُؤَكَّدِ، وَمَنْ أَتَى بِالْأَرْبَعِ أَتَى بِالْمُؤَكَّدِ وَغَيْرِ الْمُؤَكَّدِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ أَمْ الْمُرَادُ غَيْرُ ذَلِكَ وَمَا هُوَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَمْيِيزُ الْمُؤَكَّدِ مِنْ غَيْرِهِ بِالنِّيَّةِ كَمَا لَا يَجِبُ تَمْيِيزُ الْقَضَاءِ عَنْ الْأَدَاءِ بَلْ أَوْلَى وَأَنَّهُ إنْ اقْتَصَرَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَقَعَتَا عَنْ الْمُؤَكَّدِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى بِتَأَكُّدِ طَلَبِهِ كَمَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ أَدَاءً وَقَضَاءً عَلَى صَلَاةٍ تَنْصَرِفُ لِلْأَدَاءِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لِقُوَّةِ الْأَدَاءِ، وَأَنَّهُ إنْ صَلَّى الْأَرْبَعَ أُثِيبَ عَلَى الْمُؤَكَّدِ وَغَيْرِهِ، وَلَا فَائِدَةَ لِلتَّمْيِيزِ حِينَئِذٍ لِحُصُولِ الثَّوَابَيْنِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ هَلْ تُسَنُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ تَسْلِيمَاتِ التَّرَاوِيحِ أَوْ هِيَ بِدْعَةٌ يُنْهَى عَنْهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الصَّلَاةُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ بِخُصُوصِهِ. لَمْ نَرَ شَيْئًا فِي السُّنَّةِ وَلَا فِي كَلَامِ أَصْحَابِنَا فَهِيَ بِدْعَةٌ يُنْهَى عَنْهَا مَنْ يَأْتِي بِهَا بِقَصْدِ كَوْنِهَا سُنَّةً فِي هَذَا الْمَحَلِّ بِخُصُوصِهِ دُونَ مَنْ يَأْتِي بِهَا لَا بِهَذَا الْقَصْدِ كَأَنْ يَقْصِدَ أَنَّهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ سُنَّةٌ مِنْ حَيْثُ الْعُمُومُ بَلْ جَاءَ فِي أَحَادِيثَ مَا يُؤَيِّدُ الْخُصُوصَ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ كَافٍ فِي الدَّلَالَةِ لِذَلِكَ، وَمِنْهُ مَا صَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ أَنَّ مَنْ قَامَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ لَا يَعْلَمُ بِهِ أَحَدٌ فَتَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ وَمَجَّدَهُ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَفْتَحَ الْقَوْلَيْنِ فَذَاكَ الَّذِي يَضْحَكُ اللَّهُ إلَيْهِ يَقُولُ اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي قَائِمًا لَا يَرَاهُ أَحَدٌ غَيْرِي. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَكِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ سَنَدٌ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَتَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ كَبَّرَ عَشْرًا وَسَبَّحَ عَشْرًا وَتَبَرَّأَ مِنْ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَحْسَنَ الصَّلَاةَ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ مِنْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَوَى أَبُو الشَّيْخِ مِنْ طَرِيقِ الدَّيْلَمِيِّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ لَهُ. وَكَذَا الضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ وَقَالَ: لَا أَعْرِفُ الْحَدِيثَ إلَّا بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا، وَفِي رِوَايَةِ مَنْ فِيهِ بَعْضُ الْمَقَالِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ أَوَى إلَى فِرَاشِهِ ثُمَّ قَرَأَ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك: 1] ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ رَبَّ الْحِلِّ وَالْحَرَامِ وَرَبَّ الْبَلَدِ الْحَرَامِ وَرَبَّ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ وَرَبَّ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِحَقِّ كُلِّ آيَةٍ أَنْزَلْتهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بَلِّغْ رُوحَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ تَحِيَّةً وَسَلَامًا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ مَلَكَيْنِ حَتَّى يَأْتِيَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا فَيَقُولَا لَهُ إنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ يُقْرِئُك السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللَّهِ فَأَقُولُ عَلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ مِنِّي السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ» وَمِمَّا يَشْهَدُ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ تَسْلِيمَاتِ التَّرَاوِيحِ أَنَّهُ يُسَنُّ الدُّعَاءُ عَقِبَ السَّلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الدَّاعِيَ يُسَنُّ لَهُ

الصَّلَاةُ أَوَّلَ الدُّعَاءِ وَأَوْسَطَهُ وَآخِرَهُ وَهَذَا مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ، وَصَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ شَيْئًا فَلْيَبْدَأْ بِمَدْحِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَسْأَلُ بَعْدُ فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ يُنَجَّحَ أَوْ يُصِيبَ» وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الدُّعَاءُ كُلُّهُ مَحْجُوبٌ حَتَّى يَكُونَ أَوَّلُهُ ثَنَاءً عَلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَصَلَاةً عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ يَدْعُو فَيُسْتَجَابُ لِدُعَائِهِ» وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ وَالتَّيْمِيُّ وَأَبُو الْيُمْنِ بْنُ عَسَاكِرَ وَابْنُ بَشْكُوَالَ وَغَيْرُهُمْ وَفِي سَنَدِهِ الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا مِنْ دُعَاءٍ إلَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ حِجَابٌ حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ انْخَرَقَ ذَلِكَ الْحِجَابُ وَدَخَلَ الدُّعَاءُ، وَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ رَجَعَ الدُّعَاءُ» . وَرَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي جَامِعِهِ وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ وَالتَّيْمِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالضِّيَاءُ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالدَّيْلَمِيُّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تَجْعَلُونِي كَقَدَحِ الرَّاكِبِ قِيلَ: وَمَا قَدَحُ الرَّاكِبِ قَالَ: إنَّ الْمُسَافِرَ إذَا فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ صَبَّ فِي قَدَحِهِ مَاءً فَإِنْ كَانَ لَهُ إلَيْهِ حَاجَةٌ تَوَضَّأَ مِنْهُ أَوْ شَرِبَهُ، وَإِلَّا أَهْرَاقَهُ اجْعَلُونِي فِي أَوَّلِ الدُّعَاءِ وَأَوْسَطِهِ وَآخِرِهِ» وَالْقَدَحُ بِفَتْحِ أَوَّلَيْهِ. قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ كَالْهَرَوِيِّ أَرَادَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تُؤَخِّرُونِي فِي الذِّكْرِ وَالرَّاكِبُ يُعَلِّقُ قَدَحَهُ فِي آخِرِ رَحْلِهِ وَيَجْعَلُهُ خَلْفَهُ وَالْهَاءُ فِي أَهْرَاقَهُ. وَفِي رِوَايَةٍ هَرَاقَ مُبْدَلَةٌ مِنْ هَمْزَةِ أَرَاقَ يُقَالُ أَرَاقَ الْمَاءَ يُرِيقُهُ وَأَهْرَاقَهُ يُهَرِيقهُ بِفَتْحِ الْهَاءِ هِرَاقَةً وَيُقَالُ فِيهِ أَهَرَقْت الْمَاءَ أُهْرِيقُهُ إهْرَاقًا فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ، وَمِمَّا يَشْهَدُ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا مَرَّ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ لَمْ يَلْقَ أَخَاهُ وَيُصَافِحُهُ إلَّا حِينَئِذٍ خَبَرُ «مَا مِنْ عَبْدَيْنِ مُتَحَابَّيْنِ فِي اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ» . وَفِي رِوَايَةٍ «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَسْتَقْبِلُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ وَيُصَلِّيَانِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا لَمْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يُغْفَرَ لَهُمَا ذُنُوبُهُمَا مَا تَقَدَّمَ مِنْهَا، وَمَا تَأَخَّرَ» أَخْرَجَهُ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ وَأَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدَيْهِمَا وَابْنُ حِبَّانَ فِي الضُّعَفَاءِ لَهُ وَابْنُ بَشْكُوَالَ وَغَيْرُهُمْ وَجَاءَ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ، وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ مِنْ اللَّهِ تِرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ» حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ «مَا مِنْ قَوْمٍ جَلَسُوا مَجْلِسًا ثُمَّ قَامُوا مِنْهُ لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا كَانَ ذَلِكَ الْمَجْلِسُ عَلَيْهِمْ تِرَةً» أَيْ بِكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ وَرَاءٍ مُخَفَّفَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ تَاءٍ - حَسْرَةً وَنَدَامَةً كَمَا فِي رِوَايَةٍ «إلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً وَإِنْ دَخَلُوا الْجَنَّةَ لِمَا يَرَوْنَ مِنْ الثَّوَابِ» . وَفِي أُخْرَى إلَّا قَامُوا عَنْ أَنْتَنِ جِيفَةٍ وَرِجَالُهَا رِجَالُ الصَّحِيحِ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ الْحَلِيمِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ الْمَشْرُوعَ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ أَنْ تُصَلَّى بَعْدَ رُبْعِ اللَّيْلِ قَالَ: وَأَمَّا إقَامَتُهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مَعَ الْعِشَاءِ فَمِنْ بِدَعِ الْكُسَالَى وَالْمُتْرَفِينَ وَلَيْسَ مِنْ الْقِيَامِ الْمَسْنُونِ فِي شَيْءٍ إنَّمَا الْقِيَامُ الْمَسْنُونُ مَا كَانَ فِي وَقْتِ النَّوْمِ فَمَنْ قَامَ لَا فِي وَقْتِ النَّوْمِ فَهُوَ كَسَائِرِ الْمُتَطَوِّعِينَ اهـ فَمَا ذَكَرَهُ هَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ غَيْرِهِ أَوْ لَا وَهَلْ هُوَ مُعْتَمَدٌ أَوْ لَا وَعَلَى قَوْلِهِ فَهَلْ الْأَوْلَى لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْجَمَاعَةَ إلَّا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ التَّعْجِيلُ لِتَحْصِيلِ ثَوَابِ الْجَمَاعَةِ أَوْ التَّأْخِيرُ لِيَكُونَ آتِيًا بِالْقِيَامِ الْمَسْنُونِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَدْ ذَكَرْت الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَعِبَارَتُهُ أَمَّا وَقْتُ التَّرَاوِيحِ الْمُخْتَارُ فَقَالَ الْحَلِيمِيُّ يَدْخُلُ بِمُضِيِّ رُبْعِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُمْ أَيْ فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانُوا يَنَامُونَهُ وَيَقُومُونَ رُبْعَيْنِ وَيَنْصَرِفُونَ فِي الرَّابِعِ لِسُحُورِهِمْ وَحَوَائِجِهِمْ قَالَ وَأَمَّا فِعْلُهَا عَقِبَ الْعِشَاءِ فَمِنْ بِدَعِ الْكُسَالَى وَالْمُتْرَفِينَ، وَلَيْسَ مِنْ الْقِيَامِ الْمَسْنُونِ فِي شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا سُمِّيَ قِيَامًا لِاسْتِدْعَائِهِ الْقِيَامَ مِنْ الْمَضْجَعِ فَهُوَ كَسَائِرِ الْمُتَطَوِّعِينَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا اهـ. وَظَاهِرُهُ بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّ وَقْتَهَا عِنْدَهُ يَدْخُلُ بِفِعْلِ الْعِشَاءِ فَفَهْمُ الْأَذْرَعِيِّ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَدْخُلُ بِمُضِيِّ الرُّبْعِ بَعِيدٌ مُنَافٍ لِكَلَامِهِ كَمَا عَلِمْت، وَمَا جَرَى عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ وَقْتَ اخْتِيَارِهَا ذَلِكَ لِمَا ذَكَرَهُ اعْتَمَدَهُ جَمْعٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ، وَيَرُدُّ مَا احْتَجَّ بِهِ مَا فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّ أُبَيًّا فِي زَمَنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -

كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَنَامُوا، وَبِهِ يَتَّجِهُ خِلَافُ مَا قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ، وَهُوَ وَقْتُ الْوِتْرِ الْمُخْتَارُ، وَهُوَ ثُلُثُ اللَّيْلِ كَالْعِشَاءِ، وَمَحَلُّهُ فِيمَنْ لَمْ يُرِدْ التَّهَجُّدَ أَمَّا مَنْ يُرِيدُهُ فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ النَّوْمِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ أَرَادَ التَّرَاوِيحَ أَوْ الْوِتْرَ قَبْلَ النَّوْمِ امْتَدَّ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ فِي حَقِّهِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ، وَمَنْ أَرَادَ أَحَدَهُمَا بَعْدَهُ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْوِتْرِ آخِرَ اللَّيْلِ، وَفِي التَّرَاوِيحِ قَبْلَ ذَلِكَ. وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ الْحَلِيمِيِّ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ إنَّمَا بَنَى كَلَامَهُ عَلَى مَا حَكَاهُ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنَامُونَ الرُّبْعَ الْأَوَّلَ وَيَقُومُونَ رُبْعَيْنِ بَعْدَهُ وَأَنَّ الَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ خِلَافُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُمْ إنَّمَا كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلَ النَّوْمِ فَبِهَذَا يُرَدُّ مَا قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ عَلَى أَنَّ مَا قَالَهُ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ غَيْرِهِ فَإِنَّ الْأَصْحَابَ أَلْحَقُوا التَّرَاوِيحَ بِالْعِشَاءِ فِي الْوَقْتِ فَظَاهِرُهُ أَنَّ تَقْدِيمَهَا أَوَّلَ الْوَقْتِ أَفْضَلُ وَإِنَّمَا خَالَفَهُمْ الْحَلِيمِيُّ لِظَنِّهِ صِحَّةَ مَا حَكَاهُ عَنْ الصَّحَابَةِ مِمَّا ذُكِرَ وَقَدْ بَانَ عَدَمُ صِحَّتِهِ فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ مَا مَرَّ مِنْ التَّفْصِيلِ، وَلَوْ تَعَارَضَ فِعْلُهَا أَوَّلَ الْوَقْتِ فِي جَمَاعَةٍ، وَفِعْلُهَا أَثْنَاءَهُ بَعْدَ النَّوْمِ بِلَا جَمَاعَةٍ فَالْأَفْضَلُ رِعَايَةُ الْجَمَاعَةِ إنْ كَانَتْ مَشْرُوعَةً مُشْتَمِلَةً عَلَى آدَابِهَا وَمُعْتَبَرَاتِهَا لَا كَمَا اُعْتِيدَ مِنْ تَعَدُّدِ الْجَمَاعَاتِ الْمُقْتَرِنَةِ بِقَبَائِحَ مِنْ الْمُخَالَفَاتِ. بَلْ وَالْمُفْسِدَاتِ فَهَذِهِ الْجَمَاعَةُ وَالصَّلَاةُ الَّتِي مَعَهَا لَيْسَ فِيهِمَا شَيْءٌ مِنْ الْكَمَالِ فَيَنْبَغِي لِلْمُوَفَّقِ أَنْ يَتَنَبَّهَ لِذَلِكَ لِئَلَّا يَضِيعَ عَمَلُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ يُحْسِنُ صُنْعًا وَفَّقَنَا اللَّهُ لِمَرْضَاتِهِ آمِينَ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ صَلَاةِ الْإِشْرَاقِ كَمَا فِي الْإِحْيَاءِ هَلْ هِيَ مِنْ الضُّحَى أَوْ لَا وَإِنْ قُلْتُمْ لَا فَلِمَ لَمْ يَذْكُرْهَا مَنْ بَعْدَ حُجَّةِ الْإِسْلَامِ كَالشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجَعَلُوهَا مِنْ الضُّحَى أَمْ كَيْفَ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ، وَكَيْفَ يَنْوِي بِهَا، وَإِذَا مَضَى وَقْتُهَا فَهَلْ يُصَلِّيهَا أَوْ لَا، وَكَيْفَ يَنْوِي بِهَا حِينَئِذٍ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الضُّحَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحُجَّةُ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَرَكْعَتَا الْإِشْرَاقِ غَيْرُ الضُّحَى وَوَقْتُهَا عِنْدَ الِارْتِفَاعِ لِلشَّمْسِ كَرُمْحٍ قَالَ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْله تَعَالَى {يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ} [ص: 18] أَيْ يُصَلِّينَ اهـ وَفِي جَعْلِهِ لَهَا غَيْرَ الضُّحَى نَظَرٌ فَفِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهَا هِيَ صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ وَهِيَ صَلَاةُ الضُّحَى وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِخَبَرِ «لَا يُحَافِظُ عَلَى صَلَاةِ الضُّحَى إلَّا أَوَّابٌ» وَهِيَ صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَحِينَئِذٍ فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْإِشْرَاقِ إذَا لَمْ يَرِدْ فِيهَا شَيْءٌ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْجَوَاهِرِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ جَعَلَهَا مِنْ صَلَاةِ الضُّحَى وَهُوَ مُتَّجِهٌ لِمَا عَلِمْت انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ وَبِهَا يُعْلَمُ أَنَّ الْغَزَالِيَّ مُصَرِّحٌ بِأَنَّهَا غَيْرُ الضُّحَى، وَغَيْرُهُ مُصَرِّحٌ بِأَنَّهَا مِنْ الضُّحَى، وَأَنَّ هَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِالْقَوَاعِدِ؛ لِأَنَّ مُغَايَرَتَهَا لِلضُّحَى لَمْ يَصِحَّ فِيهِ شَيْءٌ، وَمَبْنَى الصَّلَوَاتِ عَلَى التَّوْقِيفِ مَا أَمْكَنَ وَكَأَنَّ هَذَا الَّذِي أَشَرْت إلَيْهِ مِمَّا يُضَعِّفُ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ هُوَ السِّرُّ فِي حَذْفِ أَكْثَرِ مَنْ بَعْدَهُ لَهُ وَعَدَمِ تَعْوِيلِهِمْ عَلَيْهِ بَلْ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ الْحُجَّةُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَنَّهَا صَلَاةُ الضُّحَى فَعَلَى كَلَامِ الْغَزَالِيِّ يَنْوِي بِهَا سُنَّةَ صَلَاةِ الْإِشْرَاقِ وَإِنْ قَضَاهَا لَيْلًا مَثَلًا كَمَا يَنْوِي بِصَلَاةِ الضُّحَى سُنَّةَ صَلَاةِ الضُّحَى، وَإِنْ قَضَاهَا لَيْلًا أَيْضًا وَعَلَى مَا قَالَهُ غَيْرُ الْغَزَالِيِّ يَنْوِي بِهَا سُنَّةَ صَلَاةِ الضُّحَى وَلَا يَزِيدُ بِهَا الضُّحَى عَلَى الثَّمَانِ بَلْ يَكُونُ مِنْ جُمْلَتِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الثَّمَانِ أَكْثَرُهَا، وَعَلَى أَنَّ أَكْثَرَهَا ثِنْتَا عَشْرَةَ هِيَ أَعْنِي صَلَاةَ الْإِشْرَاقِ مِنْ جُمْلَةِ تِلْكَ الثِّنْتَيْ عَشْرَةَ وَسَوَاءٌ جَعَلْنَاهَا هِيَ أَوْ غَيْرُهَا يُسَنُّ قَضَاؤُهَا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ وَيَنْوِي بِهَا مَا مَرَّ مِنْ سُنَّةِ صَلَاةِ الْإِشْرَاقِ عَلَى مَقَالَةِ الْغَزَالِيِّ أَوْ سُنَّةِ صَلَاةِ الضُّحَى عَلَى مَقَالَةِ غَيْرِهِ الَّتِي هِيَ أَوْجَهُ وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا إذَا كَانَ عَلَى شَخْصٍ فَائِتَةٌ وَأَرَادَ أَنْ يَقْضِيَهَا مَعَ رَاتِبَتِهَا فَهَلْ يُقَدِّمُ الرَّاتِبَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ عَلَى الْفَرْضِ أَوْ يُؤَخِّرُهَا عَنْهُ أَوْ لَا يَقْضِي الرَّوَاتِبَ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْفَرَائِضِ إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ وَمَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ فَوَائِتُ كَثِيرَةٌ فَهَلْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ النَّوَافِلَ مَعَ قَضَاءِ تِلْكَ الْفَوَائِتِ أَمْ لَا وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الرَّوَاتِبِ وَغَيْرِهَا فِي ذَلِكَ أَوْ لَا وَبَيْنَ رَوَاتِبِ الْفَائِتَةِ وَالْحَاضِرَةِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي رَجَّحْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَقْدِيمُ الْبَعْدِيَّةِ

عَلَى الْفَائِتِ كَالْحَاضِرِ وَعِبَارَتُهُ: وَلَوْ فَاتَتْهُ الْعِشَاءُ فَهَلْ لَهُ قَضَاءُ الْوِتْرِ قَبْلَهَا وَجْهَانِ فِي الْبَحْرِ أَوْجَهُهُمَا كَمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقَضَاءِ أَنَّهُ يَحْكِي الْأَدَاءَ وَدَعْوَى قُصُورِ التَّبَعِيَّةِ عَلَى الْوَقْتِ تَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ مُخْتَصِرِي الرَّوْضَةِ وَمُحَشِّيهَا رَجَّحَا مَا رَجَّحْته وَبَعْضُ شُرَّاحِ الْإِرْشَادِ رَجَّحَ مُقَابِلَهُ. وَاسْتَنَدَ لِهَذِهِ الدَّعْوَى الْمَرْدُودَةِ، وَابْنُ عُجَيْلٍ رَجَّحَ مَا رَجَّحْته أَيْضًا فَقَالَ: الْقِيَاسُ فِي الرَّوَاتِبِ الْمُتَأَخِّرَةِ يَقْضِي بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّرْتِيبِ فِي الْقَضَاءِ كَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ تَرْتِيبَ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى لَا يَتَعَلَّقُ بِوَقْتٍ بِخِلَافِ الْفَرَائِضِ فَإِنَّ تَرْتِيبَ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ اُسْتُحِقَّ لِأَجْلِ الْوَقْتِ فَسَقَطَ بِفَوَاتِهِ وَبِخِلَافِ صَوْمِ السَّبْعَةِ الْأَيَّامِ وَصَوْمِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي أَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَهُمَا هَلْ كَانَ فِي الْأَدَاءِ لِأَجْلِ الْوَقْتِ فَسَقَطَ بِفَوَاتِهِ أَوْ كَانَ مِنْ حَيْثُ الْعَمَلُ فَلَمْ يَسْقُطْ بِفَوَاتِهِ وَأَمَّا هَذَا فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ أَحَدٌ، وَلَا يُشْرَعُ فِيهِ اخْتِلَافٌ اهـ. وَاعْتَمَدَهُ الرِّيمِيُّ فِي تَفْقِيهِهِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ، وَمِنْهَا عُلِمَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الَّذِي عَلَيْهِ ابْنُ عُجَيْلٍ وَالرِّيمِيُّ وَبَعْضُ مُخْتَصِرِي الرَّوْضَةِ وَبَعْضُ مُحَشِّيهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْمُتَأَخِّرَةِ عَلَى الْفَرْضِ بِمَا تَقَرَّرَ، وَأَنَّ مَنْ رَجَّحَ جَوَازَ تَقْدِيمِهَا زَاعِمًا قُصُورَ التَّبَعِيَّةِ عَلَى الْوَقْتِ يَحْتَاجُ لِإِقَامَةِ دَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ الزَّعْمِ، وَلَنْ نَجِدَهُ بَلْ الْمَوْجُودُ فِي كَلَامِهِمْ رَدُّهُ وَمَنْ عَلَيْهِ فَوَائِتُ فَإِنْ كَانَتْ فَائِتَةً بِعُذْرٍ جَازَ لَهُ قَضَاءُ النَّوَافِلِ مَعَهَا سَوَاءٌ الرَّاتِبَةُ وَغَيْرُهَا؛ إذْ مِنْ الْمُقَرَّرِ عِنْدَنَا أَنَّهُ يُسَنُّ قَضَاءُ النَّوَافِلِ الْمُؤَقَّتَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَإِنْ لَمْ تُشْرَعْ لَهَا جَمَاعَةٌ طَالَ الزَّمَانُ أَوْ قَصُرَ، وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ وَإِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إنَّهُ الصَّحِيحُ وَإِنَّ عَلَيْهِ عَامَّةَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَقْضِي إلَّا الْمُسْتَقِلَّةَ كَالْعِيدِ دُونَ الرَّاتِبَةِ. وَفِي آخَرَ ضَعِيفٍ قَالَ بِهِ الْقَفَّالُ أَنَّ التَّرَاوِيحَ لَا تُقْضَى نَعَمْ لَا يُقْضَى ذُو سَبَبٍ كَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالتَّحِيَّةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُفْعَلُ لِعَارِضٍ زَالَ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ لِذَلِكَ الْعَارِضِ وَقَدْ زَالَ، وَلَوْ اعْتَادَ صَلَاةً، وَلَوْ غَيْرَ مُؤَقَّتَةٍ فَفَاتَتْهُ سُنَّ لَهُ قَضَاؤُهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ: وَقَدْ يُنْدَبُ قَضَاءُ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ كَأَنْ شَرَعَ فِيهِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ. وَإِنْ كَانَتْ فَاتَتْ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ فِعْلُ شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ قَبْلَ قَضَائِهَا؛ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَوْرًا وَبِصَرْفِ الزَّمَنِ لِلنَّوَافِلِ تَفُوتُ الْفَوْرِيَّةُ فَلَزِمَهُ الْمُبَادَرَةُ لِقَضَائِهَا، وَهِيَ لَا تُوجَدُ إلَّا إنْ صَرَفَ لَهَا جَمِيعَ زَمَنِهِ فَيَجِبُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ فَوَائِتُ بِغَيْرِ عُذْرٍ أَنْ يَصْرِفَ جَمِيعَ زَمَنِهِ إلَى قَضَائِهَا، وَلَا يَسْتَثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الزَّمَنَ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى صَرْفِهِ فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنْ نَحْوِ نَوْمِهِ وَتَحْصِيلِ مُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَزِمَهُ الْقَضَاءُ فَوْرًا كَانَ مُخَاطَبًا بِهِ خِطَابًا إيجَابِيًّا إلْزَامِيًّا فِي كُلِّ لَحْظَةٍ فَمَا اُضْطُرَّ لِصَرْفِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ بِعُذْرٍ فِي التَّأْخِيرِ بِقَدْرِهِ. وَمَا لَمْ يُضْطَرَّ لِصَرْفِهِ فِي شَيْءٍ يَجِبُ عَلَيْهِ صَرْفُهُ فِي ذَلِكَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ الْفَوْرِيِّ، وَإِلَّا كَانَ عَاصِيًا آثِمًا بِالتَّأْخِيرِ كَمَا أَنَّهُ عَاصٍ آثِمٌ بِالتَّرْكِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ يُرِيدُ التَّهَجُّدَ وَالْغَالِبُ أَنَّهُ يَفُوتُهُ فَيَقْضِيه فَهَلْ الْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهُ بَعْدَ الْعِشَاءِ وِتْرًا إنْ قُلْنَا التَّهَجُّدُ هُوَ الْوِتْرُ أَوْ لَا فَيَقْضِيه وَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ لَا يُمْكِنُهُ الْقِيَامُ فِيهَا فَهَلْ الْأَفْضَلُ أَنْ يُقَدِّمَهُ وِتْرًا أَوْ لَا وَهَلْ الْأَفْضَلُ إذَا قَضَاهُ أَنْ يُصَلِّيَهُ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إنْ وَسِعَ الْوَقْتُ أَوْ يَجُوزُ بَعْدَهَا قَبْلَ مُضِيِّ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ أَوْ يَصْبِرَ إلَى أَنْ يَمْضِيَ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا فَاتَهُ تَهَجُّدٌ سُنَّ لَهُ قَضَاؤُهُ سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّ الْوِتْرَ هُوَ التَّهَجُّدُ أَمْ غَيْرُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي صَلَاةِ بَعْدِ النَّوْمِ بِنِيَّةِ الْوِتْرِ وَانْفِرَادِ الْوِتْرِ بِصَلَاةِ قَبْلِ النَّوْمِ بِنِيَّةِ الْوِتْرِ وَانْفِرَادِ التَّهَجُّدِ بِصَلَاةِ بَعْدِ النَّوْمِ لَا بِنِيَّةِ الْوِتْرِ، وَإِذَا أَرَادَ التَّهَجُّدَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ نِيَّةِ الْوِتْرِ بِهِ فَإِنَّمَا يُسَنُّ ذَلِكَ لِمَنْ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ؛ إذْ هَذَا هُوَ وَقْتُ التَّهَجُّدِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ، وَأَمَّا الْأَفْضَلُ فَهُوَ أَنَّهُ إنْ وَثِقَ بِيَقَظَتِهِ سُنَّ لَهُ تَأْخِيرُ وِتْرِهِ إلَى مَا بَعْدَ يَقَظَتِهِ؛ لِأَنَّهُ الِاتِّبَاعُ الْمَعْرُوفُ مِنْ أَحْوَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغَالِبَةِ وَإِنْ لَمْ يَثِقْ بِذَلِكَ سُنَّ لَهُ تَقْدِيمُ وِتْرِهِ قَبْلَ نَوْمِهِ، وَإِذَا قَضَاهُ فَالْأَوْلَى أَنْ يُبَادِرَ بِهِ كَمَا أَنَّ الْمُبَادَرَةَ بِقَضَاءِ الْفَرَائِضِ الَّتِي فَاتَتْ بِعُذْرٍ سُنَّةٌ، وَإِذَا سُنَّ لَهُ الْمُبَادَرَةُ بِهِ فَالْأَوْلَى قَضَاؤُهُ قَبْلَ

فِعْلِ الصُّبْحِ إنْ وَسِعَ الْوَقْتُ، وَإِلَّا فَبَعْدَ مُضِيِّ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ وَإِنْ جَازَ فِعْلُهُ فِيهِ لِأَنَّهُ ذُو سَبَبٍ مَا لَمْ يَتَحَرَّ بِهِ الْوَقْتَ الْمَكْرُوهَ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ حَيْثُ قِيلَ بِاسْتِحْبَابِهَا عَلَى الرَّاجِحِ عَلَى مَا فِي أَحَادِيثِهَا مِنْ الضَّعْفِ هَلْ هِيَ مِنْ النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ أَوْ الْمُقَيَّدَةِ بِالْيَوْمِ أَوْ الْجُمُعَةِ أَوْ الشَّهْرِ أَوْ السَّنَةِ أَوْ الْعُمُرِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «إنْ اسْتَطَعْت أَنْ تُصَلِّيَهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً فَافْعَلْ» إلَخْ وَإِذَا قُلْتُمْ إنَّهَا مِنْ النَّوَافِلِ الْمُقَيَّدَةِ يَكُونُ قَضَاؤُهَا مُسْتَحَبًّا، وَتَكْرَارُهَا فِي الْيَوْمِ أَوْ اللَّيْلَةِ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ أَمْ لَا، وَإِذَا قُلْتُمْ إنَّهَا مِنْ النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ يَكُونُ قَضَاؤُهَا غَيْرَ مُسْتَحَبٍّ، وَتَكْرَارُهَا فِي الْيَوْمِ مُسْتَحَبٌّ أَمْ لَا، وَهَلْ التَّسْبِيحُ فِيهَا فَرْضٌ أَوْ بَعْضٌ أَوْ هَيْئَةٌ، وَعَلَى كُلِّ الْأَحْوَالِ لَوْ نَوَاهَا، وَلَمْ يُسَبِّحْ أَوْ عَكَسَ تَكُونُ صَلَاةَ تَسْبِيحٍ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا ثَوَابُهَا أَوْ لَا وَهَلْ يُفَرَّقُ فِي تَرْكِ التَّسْبِيحِ بَيْنَ الْعَمْدِ أَوْ السَّهْوِ أَمْ لَا وَهَلْ إذَا سَهَا عَنْ التَّسْبِيحِ فِي رُكْنٍ وَانْتَقَلَ إلَى مَا بَعْدَهُ وَتَذَكَّرَ يَرْجِعُ إلَيْهِ لِيُسَبِّحَ فِيهِ وَيُلْغِيَ مَا بَعْدَهُ أَوْ يَتَدَارَكَ مَا فَاتَهُ مِنْ التَّسْبِيحِ فِي حَالِ سَهْوِهِ سَوَاءٌ كَانَ تَسْبِيحَ رُكْنٍ أَوْ أَكْثَرَ وَيَأْتِي بِهِ فِي مَحَلِّ التَّذَكُّرِ مَعَ تَسْبِيحِ ذَلِكَ الرُّكْنِ الَّذِي يُذْكَرُ فِيهِ أَمْ لَا. وَهَلْ التَّسْبِيحُ فِيهَا تَابِعٌ لِلْقِرَاءَةِ فِي السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ أَمْ يُسَرُّ بِهِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ كَسَائِرِ أَذْكَارِ الصَّلَوَاتِ وَهَلْ تَجِبُ بِالنَّذْرِ، وَتَكُونُ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِ الْمَنْذُورَةِ أَمْ لَا، وَهَلْ الْفَصْلُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ الْوَصْلِ مَعَ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ: أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ أَمْ الْوَصْلُ أَفْضَلُ أَمْ كَيْفَ الْحَالُ وَمَا حُكْمُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي ذَلِكَ أَفْتُونَا وَابْسُطُوا الْجَوَابَ أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِكَرْمِهِ آمِينَ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ اللَّهُمَّ هِدَايَةً لِلصَّوَابِ، الْحَقُّ فِي حَدِيثِ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ أَنَّهُ حَسَنٌ لِغَيْرِهِ فَمَنْ أَطْلَقَ تَصْحِيحَهُ كَابْنِ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمِ يُحْمَلُ عَلَى الْمَشْيِ عَلَى أَنَّ الْحَسَنَ يُسَمَّى لِكَثْرَةِ شَوَاهِدِهِ صَحِيحًا، وَمَنْ أَطْلَقَ ضَعْفَهُ كَالنَّوَوِيِّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ وَمَنْ بَعْدَهُ أَرَادَ مِنْ حَيْثُ مُفْرَدَاتُ طُرُقِهِ. وَمَنْ أَطْلَقَ أَنَّهُ حَسَنٌ أَرَادَ بِاعْتِبَارِ مَا قُلْنَاهُ فَحِينَئِذٍ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ عِبَارَاتِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ الْمُخْتَلِفَةِ فِي ذَلِكَ حَتَّى إنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ يَتَنَاقَضُ كَلَامُهُ فِي كُتُبِهِ فَيَقُولُ فِي بَعْضِهَا حَسَنٌ وَفِي بَعْضِهَا ضَعِيفٌ كَالنَّوَوِيِّ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ الْعَسْقَلَانِيِّ. وَمَحْمَلُ ذَلِكَ النَّظَرُ لِمَا قَرَّرْته فَاعْلَمْهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا مِنْ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ فَتَحْرُمُ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ، وَوَجْهُ كَوْنِهَا مِنْ الْمُطْلَقِ أَنَّهُ الَّذِي لَا يَتَقَيَّدُ بِوَقْتٍ وَلَا سَبَبٍ وَهَذِهِ كَذَلِكَ لِنَدْبِهَا كُلَّ وَقْتٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ مَا عَدَا وَقْتَ الْكَرَاهَةِ لِحُرْمَتِهَا فِيهِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَعِبَارَةُ الرُّويَانِيِّ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْتَادَهَا فِي كُلِّ حِينٍ، وَلَا يَتَغَافَلَ عَنْهَا، وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ يَنْبَغِي الْحِرْصُ عَلَيْهَا وَمَا يَسْمَعُ بِعَظِيمِ فَضْلِهَا وَيَتَهَاوَنُ فِيهَا إلَّا مُتَهَاوِنٌ بِالدِّينِ وَعُلِمَ مِنْ كَوْنِهَا مُطْلَقَةً أَنَّهَا لَا تُقْضَى لِأَنَّهَا لَيْسَ لَهَا وَقْتٌ مَحْدُودٌ حَتَّى يُتَصَوَّرَ خُرُوجُهَا عَنْهُ وَتُفْعَلُ خَارِجَهُ لِمَا أَفَادَهُ الْخَبَرُ. وَكَلَامُ أَصْحَابِنَا أَنَّ كُلَّ وَقْتٍ غَيْرَ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ وَقْتٌ لَهَا وَأَنَّهُ يُسَنُّ تَكْرَارُهَا، وَلَوْ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةً فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالتَّسْبِيحَاتُ فِيهَا هَيْئَةٌ كَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ بَلْ أَوْلَى فَلَا يُسْجَدُ لِتَرْكِ شَيْءٍ مِنْهَا، وَلَوْ نَوَاهَا وَلَمْ يُسَبِّحْ فَالظَّاهِرُ صِحَّةُ صَلَاتِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُطَوِّلَ الِاعْتِدَالَ وَلَا الْجُلُوسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَلَا جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ إذْ الْأَصَحُّ الْمَنْقُولُ أَنَّ تَطْوِيلَ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ مُبْطِلٌ كَمَا حَرَّرْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ. وَإِنَّمَا اشْتَرَطْت أَنْ لَا يُطَوِّلَ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اُغْتُفِرَ تَطْوِيلُهَا بِالتَّسْبِيحِ الْوَارِدِ فَحَيْثُ لَمْ يَأْتِ بِهِ امْتَنَعَ التَّطْوِيلُ، وَصَارَتْ نَافِلَةً مُطْلَقَةً بِحَالِهَا لَكِنَّهَا لَا تُسَمَّى صَلَاةَ تَسْبِيحٍ، فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ يَنْوِي صِفَةً ثُمَّ يَتْرُكُهَا؟ قُلْت: لَا بُعْدَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الصِّفَةَ كَمَالٌ، وَهُوَ لَا يَلْزَمُ بِنِيَّتِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ نَوَى سُجُودَ السَّهْوِ فَسَجَدَ وَاحِدَةً ثُمَّ طَرَأَ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا جَازَ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى الِاقْتِصَارَ عَلَى سَجْدَةٍ ابْتِدَاءً لِنِيَّتِهِ مَا لَا يَجُوزُ حِينَئِذٍ. فَإِنْ قُلْت: قَضِيَّةُ هَذَا الْأَخِيرِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى صَلَاةَ التَّسْبِيحِ، وَفِي عَزْمِهِ حَالَ النِّيَّةِ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِالتَّسْبِيحِ عَدَمُ صِحَّةِ صَلَاتِهِ قُلْت يُفَرَّقُ أَنَّهُ هُنَا نَوَى مُبْطِلًا، وَهُوَ سَجْدَةٌ فَرَدَّهُ، وَهِيَ لَا تُسَمَّى سُجُودَ سَهْوٍ، وَإِنَّمَا جَازَ الِاقْتِصَارُ

عَلَيْهَا إذَا طَرَأَ بَعْدَ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا نَفْلٌ، وَهُوَ لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، وَأَمَّا ثَمَّ أَعْنِي فِي صُورَةِ التَّسْبِيحِ فَهُوَ لَمْ يَنْوِ مُبْطِلًا. وَإِنَّمَا نَوَى تَرْكَ كَمَالٍ فَلَمْ تَبْطُلْ بِنِيَّتِهِ؛ إذْ غَايَتُهُ أَنَّ نَافِلَتَهُ حِينَئِذٍ لَا تُسَمَّى صَلَاةَ تَسْبِيحٍ، وَهُوَ غَيْرُ مُنَافٍ لِصِحَّةِ السُّنَّةِ نَعَمْ إنْ نَوَى صَلَاةَ التَّسْبِيحِ نَاوِيًا أَنْ لَا يَأْتِيَ بِهِ، وَأَنَّهُ يُطَوِّلُ رُكْنًا قَصِيرًا بِغَيْرِ تَسْبِيحٍ فَالْبُطْلَانُ وَاضِحٌ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ نَوَى مُبْطِلًا حِينَئِذٍ، وَلَوْ لَمْ يَنْوِ صَلَاةَ التَّسْبِيحِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ، وَهَذَا هُوَ مُرَادُ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِقَوْلِهِ أَوْ عَكَسَ جَازَ لَهُ الْإِتْيَانُ بِهِ مَا لَمْ يُطِلْ بِهِ رُكْنًا قَصِيرًا؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ انْعَقَدَتْ نَافِلَةً لَا تُسَمَّى صَلَاةَ تَسْبِيحٍ، وَهُمْ لَمْ يَغْتَفِرُوا تَطْوِيلَ الْقَصِيرِ إلَّا فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ اتِّبَاعًا لِلْوَارِدِ مَا أَمْكَنَ، وَلَوْ سَهَا عَنْ التَّسْبِيحِ فِي رُكْنٍ وَانْتَقَلَ لِمَا بَعْدَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ إلَيْهِ فَإِنْ فَعَلَ عَامِدًا عَالِمًا فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَخْفَى عَلَى الْعَوَامّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِذَا لَمْ يَجُزْ لَهُ الْعَوْدُ إلَيْهِ تَدَارَكَهُ فِيمَا يَلِيهِ إنْ كَانَ غَيْرَ قَصِيرٍ كَتَسْبِيحِ الِاعْتِدَالِ فِي السُّجُودِ. فَإِنْ كَانَ قَصِيرًا كَأَنْ تَرَكَ تَسْبِيحَ الرُّكُوعِ وَاعْتَدَلَ لَمْ يَتَدَارَكْهُ فِي الِاعْتِدَالِ لِأَنَّهُ لَا يُطَوِّلُهُ عَنْ الْوَارِدِ بَلْ فِي السُّجُودِ؛ لِأَنَّهُ طَوِيلٌ ذَكَرَ ذَلِكَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالسُّنَّةُ الْإِسْرَارُ بِتَسْبِيحِهَا لَيْلًا وَنَهَارًا وَأَمَّا قِرَاءَتُهَا فَفِي النَّهَارِ يُسِرُّهَا وَفِي اللَّيْلِ يَتَوَسَّطُ فِيهَا بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ كَسَائِرِ النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ وَتَجِبُ بِالنَّذْرِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي بَابِ النَّذْرِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهَا سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ يَجِبُ بِالنَّذْرِ. وَإِذَا نُذِرَتْ صَارَتْ وَاجِبَةً فَيُثَابُ عَلَيْهَا ثَوَابَ الْوَاجِبِ سَوَاءٌ قُلْنَا: إنَّ النَّذْرَ نَفْسَهُ مَكْرُوهٌ، وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ النَّذْرَ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ أَوْ مَنْدُوبٌ إنْ كَانَ غَيْرَ نَذْرِ لَجَاجٍ، وَهُوَ الَّذِي يُعْتَمَدُ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ وَيَجُوزُ فِيهَا الْفَصْلُ وَالْوَصْلُ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ يَتَنَاوَلُهُمَا لَكِنْ اسْتَحْسَنَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّهُ إذَا صَلَّاهَا فِي النَّهَارِ وَصَلَهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ. وَإِنْ صَلَّاهَا فِي اللَّيْلِ فَصَلَهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ أَيْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى» لَكِنْ فِي رِوَايَةٍ: صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى، وَكَأَنَّ الْغَزَالِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّمَا أَخَذَ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى لِأَنَّهَا أَشْهَرُ هَذَا مَا تَيَسَّرَ الْآنَ وَنَحْنُ عَلَى جَنَاحِ سَفَرٍ مَعَ فَقْدِ الْكُتُبِ لَا سِيَّمَا شَرْحِي لِلْعُبَابِ الَّذِي جَمَعَ فَأَوْعَى وَشَرْحِي لِلْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِمَا. وَقَدْ ذَكَرْت فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ مِنْ الْأَبْحَاثِ وَالْفَوَائِدِ مَا لَا يَسْتَغْنِي فَاضِلٌ عَنْ مُرَاجَعَتِهِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ فَاتَهُ التَّسْبِيحُ وَالتَّحْمِيدُ وَالتَّكْبِيرُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَيَأْتِي بِهَا عِنْدَ أَخْذِ الْمَضْجَعِ هَلْ تَتَأَدَّى بِهِ السُّنَّتَانِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنْ طَالَ الْفَصْلُ بَيْنَ سَلَامِهِ مِنْ الْعِشَاءِ وَأَخْذِ الْمَضْجَعِ بِحَيْثُ لَا يُنْسَبُ عُرْفًا ذَلِكَ الذِّكْرُ إلَى الصَّلَاةِ فَاتَتْهُ سُنَّةُ ذَلِكَ الذِّكْرِ بَعْدَ الصَّلَاةِ؛ إذْ مِنْ الْوَاضِحِ أَنَّ مُرَادَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ أَنَّ الْأَذْكَارَ الَّتِي تُسَنُّ بَعْدَ سَلَامِ الصَّلَاةِ إنَّمَا تَحْصُلُ سُنَّتُهَا حَيْثُ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا طُولًا تَخْرُجُ بِهِ الْأَذْكَارُ عَنْ أَنْ تُنْسَبَ إلَى الصَّلَاةِ، وَإِنْ قَصُرَ الْفَصْلُ وَقُصِدَ بِهِ الْإِتْيَانُ لَهُمَا اُحْتُمِلَ أَنْ يُقَالَ تَحْصُلُ لَهُ السُّنَّتَانِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ وُقُوعُ النَّوْمِ عَلَى ذِكْرٍ، فَإِذَا أَتَى بِهِ لِلصَّلَاةِ وَلَهُ كُفِيَ لَهُمَا، وَلَوْ أَتَى بِهِ بِقَصْدِ الصَّلَاةِ فَقَطْ أَوْ بِقَصْدِ النَّوْمِ فَقَطْ حَصَلَ مَا نَوَاهُ، وَلَمْ يُثَبْ عَلَى الْآخَرِ، وَلَكِنْ يَسْقُطُ عَنْهُ طَلَبُهُ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ إذَا صَلَّى غَيْرَهَا أَنَّهُ لَا يُحَصِّلُ فَضْلَهَا إلَّا إنْ نَوَيْت، وَإِلَّا سَقَطَ طَلَبُهَا عَلَى مَا فِيهِ مِمَّا بَسَطْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا هُنَا أَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا أَنْ لَا يُنْتَهَكَ الْمَسْجِدُ بِالْجُلُوسِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ وَكَانَ قِيَاسُهُ حُصُولَ فَضْلِهَا كَمَا قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ لَكِنْ خَبَرُ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» يَرُدُّهُ. فَجَمْعُنَا يَجْعَلُ الْكَلَامَ فِي مَقَامَيْنِ سُقُوطُ الطَّلَبِ فَيَحْصُلُ بِأَيِّ صَلَاةٍ كَانَتْ، وَحُصُولُ الثَّوَابِ فَيُتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ، وَالْقَصْدُ هُنَا وُقُوعُ النَّوْمِ عَلَى ذِكْرٍ وَخَتْمُ الصَّلَاةِ بِهِ فَأُعْطِيَ حُكْمَ التَّحِيَّةِ فِيمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُمَا إنْ نُوِيَا حُصِّلَا وَإِلَّا حَصَّلَ مَا نَوَى فَقَطْ، وَسَقَطَ طَلَبُ الْآخَرِ وَيَأْتِي ذَلِكَ فِيمَا إذَا طَالَ الْفَصْلُ وَقُلْنَا بِنَدْبِ قَضَاءِ مِثْلِ هَذَا الذِّكْرِ فَإِذَا أَتَى بِهِ فِي مَضْجَعِهِ نَاوِيًا بِهِ الْقَضَاءَ

وَذِكْرَ النَّوْمِ حُصِّلَا، وَإِلَّا حَصَّلَ مَا نَوَاهُ فَقَطْ هَذَا حَاصِلُ مَا يَظْهَرُ فِي هَذَا الْمَسْأَلَةِ، وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِشَيْءٍ مِنْهُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْقَصْدَ وُقُوعُ النَّوْمِ عَلَى الذِّكْرِ وَخَتْمُ الصَّلَاةِ بِهِ وَهُمَا حَاصِلَانِ بِوَاحِدٍ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ قَضَى الْفَرْضَ مَعَ رَاتِبَتِهِ فَهَلْ تُقَدَّمُ الرَّاتِبَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ عَلَى فَرْضِهَا أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي رَجَّحْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَقْدِيمُهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقَضَاءِ أَنَّهُ يَحْكِي الْأَدَاءَ وَدَعْوَى قُصُورِ التَّبَعِيَّةِ عَلَى الْوَقْتِ تَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ وَسَبَقَنِي لِذَلِكَ بَعْضُ مُخْتَصِرِي الرَّوْضَةِ وَبَعْضُ مُحَشِّيهَا وَابْنُ عُجَيْلٍ وَالرِّيمِيُّ فِي تَفْقِيهِهِ فَرَجَّحُوا مَا رَجَّحْته أَيْضًا، وَعِبَارَةُ ابْنِ عُجَيْلٍ الْقِيَاسُ فِي الرَّوَاتِبِ الْمُتَأَخِّرَةِ يَقْضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّرْتِيبِ فِي الْقَضَاءِ كَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ تَرْتِيبَ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى لَا يَتَعَلَّقُ بِوَقْتٍ بِخِلَافِ الْفَرَائِضِ فَإِنَّ تَرْتِيبَ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ اُسْتُحِبَّ لِأَجْلِ الْوَقْتِ فَسَقَطَ بِفَوَاتِهِ وَبِخِلَافِ صَوْمِ السَّبْعَةِ الْأَيَّامِ وَصَوْمِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي أَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَهُمَا هَلْ كَانَ فِي الْأَدَاءِ لِأَجْلِ الْوَقْتِ فَسَقَطَ بِفَوَاتِهِ أَوْ كَانَ مِنْ حَيْثُ الْفِعْلُ فَلَمْ يَسْقُطْ بِفَوَاتِهِ. وَأَمَّا هَذَا فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ أَحَدٌ وَلَا يَسُوغُ فِيهِ خِلَافٌ اهـ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ قِرَاءَةِ الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصُ تُسَنُّ فِي كَمْ نَافِلَةً؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: تُسَنُّ فِي سُنَّةِ الْمَغْرِبِ وَالطَّوَافِ وَالِاسْتِخَارَةِ وَالرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ إرَادَةِ السَّفَرِ وَفِي سُنَّةِ الْإِحْرَامِ وَقِيسَ بِهَا التَّحِيَّةُ وَالضُّحَى وَسُنَّةُ الزَّوَالِ وَنَحْوُهَا وَتُسَنُّ فِي صُبْحِ الْجُمُعَةِ لِلْمُسَافِرِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَكَذَا فِي مَغْرِبِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَتُسَنُّ فِي عِشَاءِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ قِرَاءَةُ سُورَةِ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ أَوْ سَبِّحْ وَهَلْ أَتَاك قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَتُسَنُّ قِرَاءَةُ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ فِي كُلٍّ مِنْ أَوَّلَتَيْ الْوِتْرِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّا يُسَنُّ لِلرَّجُلِ إذَا زُفَّتْ إلَيْهِ امْرَأَةٌ وَدَخَلَ بِهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُسَنُّ لَهُ إذَا دَخَلَ بِهَا أَنْ يَأْخُذَ بِنَاصِيَتِهَا وَيَقُولَ بَارَكَ اللَّهُ لِكُلٍّ مِنَّا فِي صَاحِبِهِ ثُمَّ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَهُوَ «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتهَا عَلَيْهِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جَبَلْتهَا عَلَيْهِ» وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ أَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهِيَ أَيْضًا خَلْفَهُ وَتَقُولُ «اللَّهُمَّ بَارِكْ لِي فِي أَهْلِي وَبَارِكْ لِأَهْلِي فِي وَارْزُقْنِي مِنْهُمْ اللَّهُمَّ اجْمَعْ بَيْنَنَا مَا جَمَعْت فِي خَيْرٍ وَفَرِّقْ بَيْنَنَا إذَا فَرَّقْت فِي خَيْرٍ» وَيُسَنُّ لِمَنْ اشْتَرَى خَادِمًا أَوْ بَهِيمَةً أَنْ يَأْخُذَ بِنَاصِيَتِهِ وَيَقُولُ «اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا جَبَلْتهَا عَلَيْهِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جَبَلْتهَا عَلَيْهِ» . (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ أَحْرَمَ بِسُنَّةِ الظُّهْرِ أَوْ الْوِتْرِ مَثَلًا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ عَدَدٍ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْأَرْبَعِ مِنْهَا بِتَسْلِيمَةٍ أَوْ أَحْرَمَ بِرَكْعَتَيْنِ مَثَلًا بِالتَّعْيِينِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْأَرْبَعِ بِتَسْلِيمَةٍ أَوْ عَكَسَ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا غَيَّرَ النِّيَّةَ كَمَا فِي النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ أَوْ لَا وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الصُّورَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَقَدْ رَأَيْت فِي فَتَاوَى ابْنِ الْعِرَاقِيِّ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِرَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَرَادَ الزِّيَادَةَ مَا هَذَا لَفْظُهُ: الَّذِي يَتَبَيَّنُ وَيُفْهَمُ مِنْ نُصُوصِهِمْ نَصًّا وَتَعْلِيلًا أَنَّ ذَلِكَ لَا تَتَأَدَّى بِهِ السُّنَّةُ الرَّاتِبَةُ وَحَسْبُك مِنْ قَوْلِ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ وَإِنْ كَانَتْ نَافِلَةً غَيْرَ رَاتِبَةٍ أَجْزَأَتْهُ نِيَّةُ فِعْلِ الصَّلَاةِ وَمَا قَبْلَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ ذَلِكَ فَيُفْهَمُ مِنْهُ اشْتِرَاطُ التَّعْيِينِ، وَمَنْعُ الْإِجْمَالِ، وَبَحْثُهُمْ فِي ذَلِكَ مَشْهُورٌ هَذَا لَفْظُهُ، وَلَمْ يُعْرَفْ مُرَادُهُ مِمَّا نَقَلَهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ، وَلَعَلَّ فِي الْكَلَامِ سَقْطًا بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ وَهَلْ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى الْفَرْضِ وَالْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهُ فِي تَسْلِيمَةٍ إذَا أَخَّرَ الْمُتَقَدِّمَةَ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَدْ تَرَدَّدَ الْإِسْنَوِيُّ فِيمَا لَوْ نَوَى الْوِتْرَ مِنْ غَيْرِ عَدَدٍ هَلْ يَلْغُو لِإِبْهَامِهِ أَوْ يَصِحُّ، وَيُحْمَلُ عَلَى رَكْعَةٍ؛ لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنَةُ أَوْ عَلَى ثَلَاثٍ؛ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ كَنِيَّةِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَنْعَقِدُ رَكْعَتَيْنِ مَعَ صِحَّةِ الرَّكْعَةِ أَوْ إحْدَى عَشْرَةَ لِأَنَّهَا الْغَايَةُ فَحُمِلَ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فِيهِ نَظَرٌ اهـ وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ عَهْدَهُ صَبِيبَ الرَّحْمَةِ وَالرِّضْوَانِ وَأَسْكَنَهُ أَعْلَى فَرَادِيسِ الْجِنَانِ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَيُحْمَلُ عَلَى مَا يُرِيدُهُ مِنْ رَكْعَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ خَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ أَوْ تِسْعٍ أَوْ إحْدَى عَشْرَةَ اهـ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ شَفْعًا كَأَرْبَعٍ وَيُسَلِّمَ مِنْهَا وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا نَوَى الْوِتْرَ وَهُوَ حَقِيقَةٌ

لَا تَنْصَرِفُ إلَّا إلَى الْوِتْرِ دُونَ الشَّفْعِ، وَإِنَّمَا جَازَ فِيمَا إذَا أَوْتَرَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَةٍ أَنْ يَنْوِيَ بِكُلِّ شَفْعٍ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْوِتْرِ بَلْ هُوَ الْأَوْلَى عَلَى الْمَنْقُولِ الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّهُمَا مِنْ سُنَّةٍ هِيَ وِتْرٌ نَعَمْ لَوْ لَمْ يَنْوِ الْوِتْرَ بَلْ نَوَى مِنْ الْوِتْرِ فَظَاهِرٌ أَنَّ لَهُ تَعْيِينَ الشَّفْعِ كَالْأَرْبَعِ وَيُسَلِّمُ مِنْهَا حِينَئِذٍ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَرْبَعَ تُسَمَّى مِنْ الْوِتْرِ، وَلَا تُسَمَّى الْوِتْرَ فَلَزِمَهُ فِي نِيَّةِ الْوِتْرِ أَنْ يُعَيِّنَ عَدَدًا هُوَ وِتْرٌ حَقِيقَةً بِخِلَافِهِ فِي نِيَّةٍ مِنْ الْوِتْرِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ شَفْعًا هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِنِيَّةِ الْوِتْرِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ عَدَدٍ، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِنِيَّةِ سُنَّةِ الظُّهْرِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ عَدَدٍ فَإِنْ قُلْنَا فِيهَا بِجَوَازِ الْوَصْلِ كَالْوِتْرِ يَأْتِي فِيهَا نَظِيرُ مَا سَبَقَ فِي الْوِتْرِ، وَإِنْ قُلْنَا فِيهَا بِامْتِنَاعِ ذَلِكَ لَزِمَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا فَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَجَرَى عَلَيْهِ فِي مَجْمُوعِهِ وَاعْتَمَدَهُ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ أَنَّهُ تَصِحُّ نِيَّةُ سُنَّةِ الظُّهْرِ الْأَرْبَعِ الْقَبْلِيَّةِ أَوْ الْبَعْدِيَّةِ بِتَسْلِيمَةٍ بِتَشَهُّدٍ أَوْ تَشَهُّدَيْنِ. وَبَحَثَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَأَبُو شُكَيْل أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَفَرَّقَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بَيْنَ هَذِهِ، وَامْتِنَاعِ جَمْعِ أَرْبَعٍ مِنْ التَّرَاوِيحِ فِي تَسْلِيمَةٍ بِأَنَّ التَّرَاوِيحَ أَشْبَهَتْ الْفَرْضَ بِطَلَبِ الْجَمَاعَةِ فَلَا تَغَيُّرَ عَمَّا وَرَدَ فِيهَا، وَأَيْضًا فَجِنْسُ الرَّاتِبَةِ وَرَدَ فِيهِ الْوَصْلُ كَالْوِتْرِ بَلْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ الْوَصْلُ فِي سُنَّةِ الظُّهْرِ وَسُنَّةِ الْعَصْرِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْغَزَالِيُّ: إنَّ الْوَصْلَ هُنَا أَفْضَلُ لَكِنْ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْفَصْلَ هُنَا أَفْضَلُ كَالْوِتْرِ، وَلِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَنِيَّةُ الْعَدَدِ لَا تَجِبُ فَيَجُوزُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْجَوَازِ وَالْمَنْعِ نِيَّةُ سُنَّةِ الظُّهْرِ الْقَبْلِيَّةِ أَوْ الْبَعْدِيَّةِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ ثُمَّ عَلَى الْأَوَّلِ الْمُعْتَمَدِ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَيُسَلِّمَ، وَأَنْ يُصَلِّيَ الْأَرْبَعَ بِتَسْلِيمَةٍ وَعَلَى الثَّانِي يَلْزَمُهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَلَا تَجُوزُ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِمَا. هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ عَدَدًا، وَأَمَّا إذَا عَيَّنَ عَدَدًا كَرَكْعَتَيْنِ مِنْ إحْدَى الرَّوَاتِبِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا عَيَّنَهُ بِوَجْهٍ؛ لِأَنَّ ذَاكَ إنَّمَا هُوَ فِي النَّفْلِ الْمُطْلَقِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ أَنَّ الشَّارِعَ لَمَّا لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عَدَدًا وَفَوَّضَهُ إلَى خِيرَةِ الْمُتَعَبِّدِ كَانَ أَمْرُهُ أَخَفَّ مِنْ غَيْرِهِ فَجَازَ لِمَنْ نَوَى مِنْهُ عَدَدًا أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُنْقِصَ عَنْهُ بِشَرْطِ تَعْيِينِ النِّيَّةِ قَبْلَ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ. وَأَمَّا غَيْرُ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ مِنْ الرَّوَاتِبِ وَغَيْرِهَا فَمَتَى نَوَى عَدَدًا مِنْهُ لَا يَجُوزُ نَقْصُهُ، وَلَا الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ، وَمَا نُقِلَ فِي السُّؤَالِ عَنْ ابْنِ الْعِرَاقِيِّ كَلَامٌ إجْمَالِيٌّ يَصِحُّ تَنْزِيلُهُ عَلَى وَجْهٍ صَحِيحٍ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ غَيْرَ صَحِيحٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: إذَا أَحْرَمَ بِرَكْعَتَيْنِ أَنَّهُمَا مِنْ الرَّاتِبَةِ صَحَّ قَوْلُهُ: لَا يَتَأَدَّى بِهِ السُّنَّةُ الرَّاتِبَةُ أَيْ بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ زَادَ عَلَيْهِمَا جَاهِلًا وَقَعَ لَهُ جَمِيعُ مَا أَتَى بِهِ نَفْلًا مُطْلَقًا، وَلَمْ يُحْسَبْ لَهُ عَنْ الرَّاتِبَةِ. وَإِنْ زَادَ عَالِمًا بِعَدَمِ جَوَازِ الزِّيَادَةِ بَطَلَ جَمِيعُ مَا أَتَى بِهِ وَلَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مِنْ الرَّاتِبَةِ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِرَكْعَتَيْنِ مِنْ النَّافِلَةِ الْمُطْلَقَةِ صَحَّ كَلَامُهُ أَيْضًا بِحَمْلِهِ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ زِيَادَةُ رَكْعَتَيْنِ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ الْمَنْوِيَّتَيْنِ، وَلَا يَقَعُ لَهُ ذَلِكَ عَنْ السُّنَّةِ الرَّاتِبَةِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى صُورَتِهَا وَقَوْلُهُ: وَمَا قَبِلَ أَيْ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ ذَلِكَ كَلَامٌ غَيْرُ مُلْتَئِمٍ، وَقَوْلُهُ: فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَيْ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخِ أَجْزَأَتْهُ نِيَّةُ فِعْلِ الصَّلَاةِ، وَمَا ذُكِرَ أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخِ هَذَا اشْتِرَاطُ التَّعْيِينِ، وَمَنْعُ الْإِجْمَالِ كَلَامٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ الشَّيْخَ لَمَّا اكْتَفَى فِي النَّافِلَةِ الْمُطْلَقَةِ بِنِيَّةِ فِعْلِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ زَائِدٍ عَلَى ذَلِكَ أَفْهَمَ أَنَّ الرَّاتِبَةَ وَنَحْوَهَا لَا بُدَّ فِيهِمَا مِنْ التَّعْيِينِ، وَأَخْذُ هَذَا الْحُكْمِ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَإِنَّهُ مَذْكُورٌ حَتَّى فِي الْمُخْتَصَرَاتِ فَاسْتِنْبَاطُهُ مِمَّا ذُكِرَ قُصُورٌ أَيُّ قُصُورٍ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُنَاسِبٍ لِمَا مَهَّدَهُ قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ الَّذِي يَتَبَيَّنُ إلَخْ. وَإِذَا أَخَّرَ الرَّاتِبَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ إلَى مَا بَعْدَ الْفَرْضِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُتَأَخِّرَةِ فِي نِيَّةٍ وَاحِدَةٍ اتِّفَاقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَمَّا عِنْدَ الْمَانِعِينَ لِجَمْعِ الْأَرْبَعِ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا عِنْدَ الْمُجَوِّزِينَ لَهُ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ أَنَّ النِّيَّةَ ثَمَّ وَاحِدَةٌ فَأَمْكَنَ الْجَمْعُ، وَأَمَّا النِّيَّةُ هُنَا فَمُخْتَلِفَةٌ؛ إذْ لَا بُدَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنْ يُعَيِّنَ فِي نِيَّةِ سُنَّةِ الظُّهْرِ الْمُتَقَدِّمَةَ وَالْمُتَأَخِّرَةَ اتِّفَاقًا، وَإِذَا اُشْتُرِطَ تَعْيِينُ كُلٍّ اسْتَحَالَ الْجَمْعُ؛ إذْ مِنْ الْبَيِّنِ إلْغَاءُ قَوْلِهِ: أُصَلِّي ثَمَانِ رَكَعَاتٍ سُنَّةَ الظُّهْرِ الْمُتَقَدِّمَةَ وَالْمُتَأَخِّرَةَ؛ لِأَنَّ هَذَا لَوْ جَازَ لَكَانَتْ الثَّمَانِيَةُ بِجَمِيعِ.

أَجْزَائِهَا وَاقِعَةً عَنْ الْقَبْلِيَّةِ عَلَى حِدَتِهَا وَعَنْ الْبَعْدِيَّةِ عَلَى حِدَتِهَا، وَهَذَا مُبْطِلٌ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَدَاءُ الْقَبْلِيَّةِ بِثَمَانٍ وَالْبَعْدِيَّةِ بِثَمَانٍ، وَهُوَ تَلَاعُبٌ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّا إذَا دَخَلَ شَخْصٌ الْمَسْجِدَ بِقَصْدِ الطَّوَافِ وَقُلْتُمْ بِسُقُوطِ التَّحِيَّةِ عَنْهُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ بِنِيَّةِ التَّحِيَّةِ هَلْ تَنْعَقِدُ أَمْ لَا لِأَنَّهَا صَلَاةٌ لَا سَبَبَ لَهَا؟ (فَأَجَابَ) أَدَامَ اللَّهُ وُجُودَهُ بِقَوْلِهِ: تَنْعَقِدُ بِلَا رَيْبٍ وَدَعْوَى أَنَّهُ لَا سَبَبَ لَهَا لَيْسَتْ فِي مَحَلِّهَا بَلْ سَبَبُهَا بَاقٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَعِبَارَةُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ إنَّمَا لَمْ يَبْدَأْ بِهَا ثُمَّ بِالطَّوَافِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِدُخُولِ الْمَسْجِدِ الْبَيْتُ؛ وَتَحِيَّتُهُ إنَّمَا هِيَ الطَّوَافُ فَبُدِئَ بِهِ؛ لِأَنَّ التَّحِيَّةَ تَنْدَرِجُ فِي رَكْعَتَيْهِ فَالْبُدَاءَةُ بِهِ لَا تُفَوِّتُهَا بِخِلَافِ عَكْسِهِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ: وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بِأَنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ بِلَا صَلَاةٍ بَعْدَ الطَّوَافِ قَبْلَ الْجُلُوسِ فَقَدْ فَوَّتَ التَّحِيَّةَ أَيْ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ كَمَا لَوْ جَلَسَ فِيهِ بَعْدَ الطَّوَافِ بِلَا صَلَاةٍ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ الْكَعْبَةَ لَا تُسَنُّ لَهُ التَّحِيَّةُ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الطَّوَافُ تَحِيَّةُ رُؤْيَتِهَا فَيُسَنُّ لَهُ تَحِيَّةُ دُخُولِهَا رَكْعَتَانِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ، وَقَوْلُ جَمْعٍ: الطَّوَافُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ دُونَ الْبَيْتِ مَرْدُودٌ بِتَصْرِيحِ كَثِيرِينَ بِخِلَافِهِ اهـ وَاعْتَرَضَهُ الزَّرْكَشِيُّ فَقَالَ: قَوْلُهُ الطَّوَافُ تَحِيَّةُ الرُّؤْيَةِ عَجِيبٌ. وَإِنَّمَا هُوَ تَحِيَّةُ الْبَيْتِ وَلَا تُسَنُّ التَّحِيَّةُ عِنْدَ دُخُولِ الْبَيْتِ فِيمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ الْمُتَّصِلَةَ لَهَا حُكْمُ الْوَاحِدِ، وَقَدْ صَلَّى عَنْ الْأَوَّلِ فَلَا يُصَلِّي لِلثَّانِي اهـ وَرُدَّ مَا قَالَهُ أَوَّلًا بِأَنَّهُ لَا عَجَبَ فِيهِ؛ إذْ الْعِبَارَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَمَا قَالَهُ ثَانِيًا بِقَوْلِهِ نَفْسِهِ فِي خَادِمِهِ الْقِيَاسُ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالطَّوَافِ أَوَّلًا تَحِيَّةً لِلْبَيْتِ وَهُوَ مَعَ الْمَسْجِدِ تَخْتَلِفُ أَحْكَامُهُمَا وَهُمَا كَمَسْجِدَيْنِ؛ وَلِهَذَا فُضِّلَتْ النَّافِلَةُ دَاخِلَهُ عَلَيْهَا فِي الْمَسْجِدِ خَارِجَهُ اهـ فَكَوْنُهُمَا كَمَسْجِدَيْنِ مُؤَيِّدٌ لِمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَمَانِعٌ لِقِيَاسِ الزَّرْكَشِيّ لَهُ عَلَى بَقِيَّةِ الْمَسَاجِدِ الْمُتَلَاصِقَةِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) أَدَامَ اللَّهُ النَّفْعَ بِعُلُومِهِ عَنْ قَوْلِهِ: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَك رَبَّنَا وَإِلَيْك الْمَصِيرُ عِنْدَ تَرْكِ السُّجُودِ لِآيَةِ السَّجْدَةِ لِحَدَثٍ أَوْ عَجْزٍ عَنْ السُّجُودِ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ عِنْدَنَا هَلْ يَقُومُ الْإِتْيَانُ بِهَا مَقَامَ السُّجُودِ كَمَا قَالُوا بِذَلِكَ فِي دَاخِلِ الْمَسْجِدِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ أَنَّهُ يَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ فَإِنَّهَا تَعْدِلُ رَكْعَتَيْنِ كَمَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الرَّوْضِ عَنْ الْإِحْيَاءِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي سُجُودِهِ سُجُودِهِ سَجَدَ وَجْهِي الْفَانِي لِوَجْهِك الْبَاقِي هَلْ لِذَلِكَ سَنَدٌ مُعْتَبَرٌ أَوْ يُقَالُ لَا بَأْسَ بِهِ لِلْمُنَاسَبَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّ ذَلِكَ لَا أَصْلَ لَهُ. فَلَا يَقُومُ مَقَامَ السَّجْدَةِ بَلْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ إنْ قَصَدَ الْقِرَاءَةَ وَلَا يُتَمَسَّكُ بِمَا فِي الْإِحْيَاءِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا قَالَ الْغَزَالِيُّ: إنَّهُ يُقَالُ: إنَّ ذَلِكَ يَعْدِلُ رَكْعَتَيْنِ فِي الْفَضْلِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: إنَّ ذَلِكَ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ، وَمِثْلُ هَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ بِفَرْضِ صِحَّتِهِ فَكَيْفَ مَعَ عَدَمِ صِحَّتِهِ. وَأَمَّا ثَانِيًا فَمِثْلُ ذَلِكَ لَوْ صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ لِلْقِيَاسِ فِيهِ مَسَاغٌ؛ لِأَنَّ قِيَامَ لَفْظٍ مَفْضُولٍ مَقَامَ فِعْلٍ فَاضِلٍ مَحْضٍ فَضْلٌ فَإِذَا صَحَّ فِي صُورَةٍ لَمْ يَجُزْ قِيَاسُ غَيْرِهَا عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا ثَالِثًا فَتِلْكَ الْأَلْفَاظُ الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي التَّحِيَّةِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ إلَخْ فِيهَا فَضَائِلُ وَخُصُوصِيَّاتٌ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهَا مِنْهَا أَنَّهَا صَلَاةُ الْحَيَوَانَاتِ وَالْجَمَادَاتِ وَمِنْهَا أَنَّهَا الْمُرَادَةُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44] وَمِنْهَا أَنَّهَا الْكَلِمَاتُ الطَّيِّبَاتُ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ وَمِنْهَا أَنَّهَا الْقَرْضُ الْحَسَنُ فِي قَوْله تَعَالَى {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [الحديد: 11] . وَمِنْهَا أَنَّهَا الذِّكْرُ الْكَثِيرُ فِي قَوْله تَعَالَى {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} [الأحزاب: 41] {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب: 35] وَمَا اُعْتِيدَ مِنْ قَوْلِ الْعَامَّةِ فِي السُّجُودِ سَجَدَ وَجْهِي الْفَانِي لِوَجْهِك الْبَاقِي لَا أَصْلَ لَهُ فِيمَا أَعْلَمُ فَيَتَأَكَّدُ تَرْكُهُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ هَلْ صَحَّ أَوْ وَرَدَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى التَّرَاوِيحَ عِشْرِينَ رَكْعَةً؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ بَلْ الْأَمْرُ بِقِيَامِ رَمَضَانَ وَالتَّرْغِيبُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ عَدَدٍ، وَصَلَاتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهِمْ صَلَاةٌ لَمْ يُذْكَرْ عَدَدُهَا لَيَالِيَ ثُمَّ تَأَخَّرَ فِي رَابِعِ لَيْلَةٍ خَشْيَةَ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْهِمْ فَيَعْجِزُوا عَنْهَا، وَأَمَّا مَا وَرَدَ مِنْ طُرُقٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَالْوِتْرَ.

وَفِي رِوَايَةٍ زِيَادَةُ (فِي غَيْرِ جَمَاعَةٍ) فَهُوَ شَدِيدُ الضَّعْفِ اشْتَدَّ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ فِي أَحَدِ رُوَاتِهِ تَجْرِيحًا وَذَمًّا وَمِنْهُ أَنَّهُ يُرْوَى فِي الْمَوْضُوعَاتِ كَحَدِيثِ مَا هَلَكَتْ أُمَّةٌ إلَّا فِي إدَارٍ وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا فِي إدَارٍ وَأَنَّ حَدِيثَهُ هَذَا الَّذِي فِي التَّرَاوِيحِ مِنْ جُمْلَةِ مَنَاكِيرِهِ. وَقَدْ صَرَّحَ السُّبْكِيّ بِأَنَّ شَرْطَ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ أَنْ لَا يَشْتَدَّ ضَعْفُهُ قَالَ الذَّهَبِيُّ وَمَنْ يُكَذِّبُهُ مِثْلُ شُعْبَةَ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى حَدِيثِهِ وَمِمَّا يَرُدُّهُ مَا صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمْ يَزِدْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نِعْمَت الْبِدْعَةُ أَيْ التَّرَاوِيحُ. فَهُوَ صَرِيحٌ فِي حُدُوثِهَا بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهِ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتَبِعُوهُ لَكِنَّهَا بِدْعَةٌ حَسَنَةٌ، نَعَمْ رَوَى ابْنَا خُزَيْمَةَ وَحِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِهِمْ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ ثُمَّ أَوْتَرَ ثُمَّ انْتَظَرُوهُ فِي الْقَابِلَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِمْ» . (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ نَسِيَ قِرَاءَةَ سَبِّحْ وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ فِي الْوِتْرِ فَهَلْ يَقْرَؤُهُ إذَا تَذَكَّرَ ذَلِكَ فِي الثَّالِثَةِ فِيمَا إذَا أَوْتَرَ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ وَصَلَهَا فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَتَدَارَكُ ذَلِكَ فِي الثَّالِثَةِ. نَظِيرُ مَا لَوْ تَرَكَ سُورَتَيْ أُولَيَيْ الْمَغْرِبِ فَإِنَّ الْقِيَاسَ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ أَنَّهُ يَتَدَارَكُهُمَا فِي ثَالِثَتِهَا، وَأَمَّا إذَا فَصَلَهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَتَدَارَكُ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْأُولَى صَارَتْ الثَّلَاثَةُ فِيهَا صَلَاةً وَاحِدَةً فَلَحِقَ بَعْضَهَا نَقْصُ بَعْضٍ فَشُرِعَ فِيهَا التَّدَارُكُ جَبْرًا لِذَلِكَ الْبَعْضِ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّ الثَّالِثَةَ بِالْفَصْلِ صَارَتْ كَأَجْنَبِيَّةٍ عَنْ الْأُولَيَيْنِ فَلَمْ يُشْرَعْ تَدَارُكٌ فِيهَا. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِمَا لَفْظُهُ مَا مُلَخَّصُ مَا لِلنَّاسِ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَدْ جَمَعَ التَّقِيُّ السُّبْكِيّ فِي ذَلِكَ تَأْلِيفًا نَافِعًا سَمَّاهُ إشْرَاقَ الْمَصَابِيحِ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ. فَانْظُرُوهُ وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ تَلْخِيصِهِ إلَّا ضِيقُ الْوَقْتِ وَكَثْرَةُ الِاشْتِغَالِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِمَا لَفْظُهُ أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ صَلَاةَ الضُّحَى مُحْتَجًّا بِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «مَا رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسَبِّحُ سُبْحَةَ الضُّحَى وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا» وَبِخَبَرِ مُسْلِمٍ «أَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الضُّحَى قَالَتْ لَا إلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ» فَالْقَصْدُ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مُقَدِّمِينَ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثَ الْمُثْبِتَةَ لَهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مِمَّا يُثْبِتُهَا حَدِيثُ الشَّيْخَيْنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ مَا حَدَّثَنَا أَحَدٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الضُّحَى غَيْرُ أُمُّ هَانِئٍ. فَإِنَّهَا قَالَتْ: إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَخَلَ بَيْتَهَا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَاغْتَسَلَ وَصَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ فَلَمْ أَرَ صَلَاةً أَخَفَّ مِنْهَا غَيْرَ أَنَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ» . وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ «نُزُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ بِأَعْلَى مَكَّةَ وَأَنَّهُ لَمَّا صَلَّى الثَّمَانِ سَأَلَتْهُ مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ قَالَ صَلَاةُ الضُّحَى» وَرَوَى مُسْلِمٌ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعًا وَيَزِيدُ مَا شَاءَ» وَصَحَّ عَنْ أَنَسٍ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ صَلَّى سُبْحَةَ الضُّحَى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ» وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الضُّحَى سِتَّ رَكَعَاتٍ فَمَا تَرَكَهُنَّ بَعْدَ ذَلِكَ» وَفِي أُخْرَى سَنَدُهَا حَسَنٌ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ. «رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الضُّحَى» وَفِي أُخْرَى عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ حُذَيْفَةَ «خَرَجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى حَرَّةِ بَنِي مُعَاوِيَةَ وَتَبِعْت أَثَرَهُ فَصَلَّى الضُّحَى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ طَوَّلَ فِيهِنَّ ثُمَّ انْصَرَفَ» وَفِي أُخْرَى لِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الضُّحَى بِبَقِيعِ الزُّبَيْرِ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَقَالَ إنَّهَا صَلَاةُ رَغَبٍ وَرَهَبٍ» وَفِي أُخْرَى لِأَحْمَدَ عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى سُبْحَةَ الضُّحَى فَقَامُوا وَرَاءَهُ فَصَلَّوْا» وَفِي أُخْرَى لِلْبَزَّارِ وَابْنِ عَدِيٍّ وَالْبَيْهَقِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ يَوْمَ بُشِّرَ بِرَأْسِ أَبِي جَهْلٍ وَبِالْفَتْحِ» وَفِي أُخْرَى لِأَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ «عَنْ عَائِذِ بْنِ عُمَرَ وَكَانَ فِي النَّافِلَةِ فَتَوَضَّأَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ صَلَّى بِنَا الضُّحَى» وَفِي أُخْرَى سَنَدُهَا ضَعِيفٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَتْرُكُ صَلَاةَ الضُّحَى فِي سَفَرٍ وَلَا غَيْرِهِ» وَفِي أُخْرَى رِجَالُهَا ثِقَاتٌ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الضُّحَى» وَفِي أُخْرَى عَنْهُ.

رَوَاهَا جَمْعٌ «كَانَتْ الشَّمْسُ إذَا ارْتَفَعَتْ قَيْدَ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَمْهَلَ حَتَّى ارْتَفَعَ الضُّحَى صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ» وَفِي أُخْرَى لِابْنِ مَنْدَهْ وَابْنِ شَاهِينَ عَنْ قُدَامَةَ وَحَنْظَلَةَ الثَّقَفِيَّيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَا «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا ارْتَفَعَ النَّهَارُ وَذَهَبَ كُلُّ أَحَدٍ، وَانْقَلَبَ النَّاسُ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعًا ثُمَّ يَنْصَرِفُ» . وَفِي أُخْرَى لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا «كُتِبَ عَلَيَّ النَّحْرُ وَلَمْ يُكْتَبْ عَلَيْكُمْ، وَأُمِرْت بِصَلَاةِ الضُّحَى وَلَمْ تُؤْمَرُوا بِهَا» أَيْ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ؛ إذْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِهَا وَالتَّرْغِيبُ فِيهَا مِنْ رِوَايَةِ بِضْعٍ وَعِشْرِينَ صَحَابِيًّا مِنْ ذَلِكَ خَبَرُ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ. «مَنْ صَلَّى الضُّحَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ قَصْرًا فِي الْجَنَّةِ مِنْ ذَهَبٍ» وَخَبَرُ أَبِي الشَّيْخِ «رَكْعَتَانِ مِنْ الضُّحَى تُعْدَلَانِ عِنْدَ اللَّهِ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مُتَقَبَّلَتَيْنِ» وَخَبَرُ الْأَصْبَهَانِيِّ وَغَيْرِهِ «يَا أَنَسُ صَلِّ صَلَاةَ الضُّحَى فَإِنَّهَا صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ» . وَخَبَرُ الْأَصْبَهَانِيِّ «مَنْ صَلَّى الضُّحَى فَقَرَأَ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ عَشْرًا وَآيَةَ الْكُرْسِيِّ عَشْرًا اسْتَوْجَبَ رِضْوَانَ اللَّهِ الْأَكْبَرَ» وَخَبَرُ مُسْلِمٍ وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمِضُ الْفِصَالُ أَيْ تَبْرُكُ مِنْ شِدَّةِ حَرِّ الْأَرْضِ فِي أَخْفَافِهَا وَذَلِكَ إذَا مَضَى رُبُعُ النَّهَارِ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ هَذَا أَفْضَلَ أَوْقَاتِهَا عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا. وَخَبَرُ الدَّيْلَمِيِّ «الْمُنَافِقُ لَا يُصَلِّي الضُّحَى وَلَا يَقْرَأُ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ» وَخَبَرُ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ «عَلَى كُلِّ سُلَامَى أَيْ مِفْصَلٍ مِنْ ابْنِ آدَمَ فِي كُلِّ يَوْمٍ صَدَقَةٌ وَيُجْزِي عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ رَكْعَتَا الضُّحَى» وَخَبَرُ أَحْمَدَ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ بَعَثَ سَرِيَّةً فَغَنِمُوا وَأَسْرَعُوا الرَّجْعَةَ فَتَحَدَّثَ النَّاسُ بِقُرْبِ مَغْزَاهُمْ وَكَثْرَةِ غَنِيمَتِهِمْ وَقُرْبِ رَجْعَتِهِمْ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَقْرَبَ مِنْهُمْ مَغْزًى وَأَكْثَرَ غَنِيمَةً وَأَوْشَكَ رَجْعَةً مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ غَدَا إلَى الْمَسْجِدِ لِسُبْحَةِ الضُّحَى فَهُوَ أَقْرَبُ مِنْهُمْ مَغْزًى وَأَكْثَرُ غَنِيمَةً وَأَوْشَكَ رَجْعَةً» وَخَبَرُ الطَّبَرَانِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ «مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ ثُمَّ ثَبَتَ فِيهِ حَتَّى يُصَلِّيَ الضُّحَى كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ أَوْ مُعْتَمِرٍ تَامٍّ لَهُ حَجَّتُهُ وَعُمْرَتُهُ» وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَنِيعٍ وَالْبَيْهَقِيِّ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَلْقَمَهُ أَوْ تَطْعَمَهُ. وَخَبَرُ الْبَيْهَقِيّ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ الضُّحَى بِسُورَتَيْهِمَا الشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالضُّحَى» وَخَبَرُ أَحْمَدَ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى «ابْنَ آدَمَ لَا تَعْجِزْ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ أَوَّلَ النَّهَارِ أَكْفِك آخِرَهُ» وَخَبَرُ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «مَنْ قَعَدَ فِي مُصَلَّاهُ حَتَّى يَنْصَرِفَ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَحَتَّى يُسَبِّحَ رَكْعَتَيْ الضُّحَى لَا يَقُولُ إلَّا خَيْرًا غُفِرَ لَهُ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ الْبَحْرِ.» وَخَبَرُ جَمَاعَةٍ فِي مَسَانِيدِهِمْ «يَا أَبَا ذَرٍّ أَصَلَّيْت الضُّحَى قَالَ لَا قَالَ قُمْ فَصَلِّ الضُّحَى فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ» وَخَبَرُ أَبِي نُعَيْمٍ «صَلِّ صَلَاةَ الضُّحَى فَإِنَّهَا صَلَاةُ الْأَبْرَارِ» . وَخَبَرُ الطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ «مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الْغَدَاةِ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ جَلَسَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ انْقَلَبَ بِأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ» وَخَبَرُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ «أَوْصَانِي حَبِيبِي بِثَلَاثٍ لَا أَدْعُهُنَّ مَا عِشْت أَوْصَانِي بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَصَلَاةِ الضُّحَى وَأَنْ لَا أَنَامَ حَتَّى أُوتِرَ» وَخَبَرُ الشَّيْخَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَخَبَرُ الطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ «مَنْ صَلَّى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُكْتَبْ مِنْ الْغَافِلِينَ. وَمَنْ صَلَّى أَرْبَعًا كُتِبَ مَعَ الْعَابِدِينَ وَمَنْ صَلَّى سِتًّا كُفِيَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَمَنْ صَلَّى ثَمَانِيًا كُتِبَ مِنْ الْقَانِتِينَ، وَمَنْ صَلَّى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» وَخَبَرُ الْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ لَا يُحَافِظُ عَلَى صَلَاةِ الضُّحَى إلَّا أَوَّابٌ قَالَ: وَهِيَ صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ، وَخَبَرُ أَبِي يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ «مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فَقَعَدَ فِي مَقْعَدِهِ فَلَمْ يَلْغُ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، وَيَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى يُصَلِّيَ الضُّحَى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ لَا ذَنْبَ لَهُ» . وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ سُئِلَ هَلْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلُّونَ الضُّحَى قَالَ نَعَمْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَلِّي أَرْبَعَةً مِنْهُمْ مَنْ يَمُدُّ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْجَوَابُ عَنْ خَبَرِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ فِي السُّؤَالِ أَنَّ ذَلِكَ نَفْيٌ مِنْهَا فَتُقَدَّمُ عَلَيْهِ الرِّوَايَاتُ الْمُثْبِتَةُ لَهَا عَلَى أَنَّ قَوْلَهَا إلَّا أَنْ يَجِيءَ مِنْ مَغِيبِهِ فِيهِ إثْبَاتٌ مِنْهَا لَهَا لَا يُقَالُ: لَوْ فَعَلَهَا لَمْ يَخْفَ عَلَى عَائِشَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُلَازِمًا لِعَائِشَةَ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِهِ بَلْ قَدْ يَكُونُ.

مُسَافِرًا أَوْ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهَا مِنْ نِسَائِهِ أَوْ أَصْحَابِهِ فَلَمْ يُصَادِفْ وَقْتَ الضُّحَى عِنْدَهَا إلَّا نَادِرًا، وَمَا رَأَتْهُ صَلَّاهَا فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ النَّادِرَةِ فَقَالَتْ: مَا رَأَيْته وَلَا يُنَافِيه أَنْ يَبْلُغَهَا بِإِخْبَارِهِ أَوْ إخْبَارِ غَيْرِهِ أَنَّهُ صَلَّاهَا، وَلِذَلِكَ وَرَدَ عَنْهَا أَنَّهُ صَلَّاهَا. وَمِمَّا يَتَّضِحُ بِهِ هَذَا الْمَقَامُ خَبَرُ التِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الضُّحَى حَتَّى نَقُولَ لَا يَدَعُهَا وَيَدَعُهَا حَتَّى نَقُولَ لَا يُصَلِّيهَا فَمَنْ نَفَى لَمْ يَطَّلِعْ إلَّا عَلَى تِلْكَ الْأَوْقَاتِ الَّتِي كَانَ يَتْرُكُهَا فِيهَا» وَأَمَّا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ دَخَلْت الْمَسْجِدَ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ. فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ جَالِسٌ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ الضُّحَى فِي الْمَسْجِدِ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ صَلَاتِهِمْ فَقَالَ بِدْعَةٌ. فَأَجَابَ عَنْهُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَعِيَاضٍ بِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ إظْهَارَهَا فِي الْمَسْجِدِ وَالِاجْتِمَاعَ لَهَا هُوَ الْبِدْعَةُ لَا أَنَّ أَصْلَ صَلَاتِهَا بِدْعَةٌ وَلَمَّا ذَكَرَ الْإِمَامُ الْمُجْتَهِدُ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ مَا جَاءَ فِيهَا مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ قَالَ مَا حَاصِلُهُ: وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدَنَا صَحِيحٌ غَيْرُ مُتَدَافِعٍ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ رَوَى أَنَّهُ رَآهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الضُّحَى أَرْبَعًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَآهُ فِي حَالِ فِعْلِهِ ذَلِكَ فَقَطْ وَرَآهُ غَيْرُهُ فِي حَالٍ أُخْرَى صَلَّاهَا رَكْعَتَيْنِ وَرَآهُ غَيْرُهُ فِي حَالَةٍ أُخْرَى صَلَّاهَا سِتًّا وَهَكَذَا أَوْ سَمِعَهُ وَاحِدٌ يَحُثُّ عَلَى عَدَدٍ. وَآخَرُ عَلَى عَدَدٍ آخَرَ فَأَخْبَرَ كُلٌّ مِنْهُمْ عَمَّا رَأَى وَعَمَّا سَمِعَ وَكَذَلِكَ مَنْ حَكَى عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا قَطُّ إنَّمَا هُوَ خَبَرٌ مِنْهُ عَمَّا عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ بِذَلِكَ فَلَا يُدْفَعُ قَوْلُ مَنْ عَلِمَهُ يُصَلِّيهَا بِرُؤْيَتِهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ: لَمْ يُصَلِّهَا لَيْسَ خَبَرًا مِنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لَمْ أُصَلِّهَا قَطُّ، وَلَا أُصَلِّيهَا، وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ مِنْهُ عَنْ نَفْسِهِ بِمَا عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ خَبَرُ «مَنْ صَلَّى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُكْتَبْ مِنْ الْغَافِلِينَ وَمَنْ صَلَّاهَا أَرْبَعًا» الْحَدِيثُ السَّابِقُ وَفِي رِوَايَةٍ مُرْسَلَةٍ «صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الضُّحَى يَوْمًا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَوْمًا أَرْبَعًا ثُمَّ يَوْمًا سِتًّا ثُمَّ يَوْمًا ثَمَانِيًا ثُمَّ تَرَكَ يَوْمًا.» فَقَدْ أَبَانَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ صِحَّةَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ احْتِمَالِ خَبَرِ كُلِّ مُخْبِرٍ أَنْ يَكُونَ إخْبَارُهُ عَلَى قَدْرِ مَا شَاهَدَهُ أَوْ سَمِعَهُ اهـ. (سُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ قَالَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ إنَّ الْإِيتَارَ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ أَفْضَلُ مِنْ الْإِيتَارِ بِخَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ كَمَا قَالَ فَمَا سَبَبُ قِلَّةِ الْفَضِيلَةِ بِزِيَادَةِ الْأَعْمَالِ وَفِي الْحَدِيثِ «فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ» فَهَلْ يَدُلُّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ أَفْضَلُ أَوْ عَلَى أَنَّ الْكُلَّ سَوَاءٌ. (فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - بِقَوْلِهِ: مَا ذُكِرَ مِنْ تَفْضِيلِ الثَّلَاثِ عَلَى الْخَمْسِ مَثَلًا. لَيْسَ بِصَحِيحٍ عَلَى إطْلَاقِهِ وَكَأَنَّ قَائِلَهُ نَظَرَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَصِحُّ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَفْضِيلُ الثَّلَاثِ عَلَى الْأَحَدَ عَشَرَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ بَلْ صَحَّ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُوتِرُوا بِثَلَاثٍ وَأَوْتِرُوا بِخَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ وَلَا تُشَبِّهُوا الْوِتْرَ بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ» وَبِهَذَا يُعْلَمُ ضَعْفُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ تَعْيِينِ الثَّلَاثِ وَكَوْنِهَا مَوْصُولَةً لِمُخَالَفَتِهِ لِهَذِهِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، وَلِمَا صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْإِيتَارِ بِخَمْسٍ وَبِسَبْعٍ وَبِتِسْعٍ مَوْصُولَةٍ وَمَفْصُولَةٍ وَبِثَلَاثٍ، وَأَخَذَ السُّبْكِيّ وَتَبِعَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَسَبَقَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الثَّلَاثِ. أَنَّهُ يُكْرَهُ الْإِيتَارُ بِثَلَاثٍ مَوْصُولَةٍ وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى مَا ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْفَصْلُ فِي كُلِّ عَدَدٍ أَفْضَلُ مِنْ الْوَصْلِ قَالَ السُّبْكِيّ: وَحِينَئِذٍ فَالثَّلَاثُ الْمَوْصُولَةُ أَدْنَى مَرَاتِبِ أَعْدَادِ الْوِتْرِ فِي الْفَضِيلَةِ وَالْإِحْدَى عَشْرَ الْمَفْصُولَةُ أَعْلَاهَا وَكُلُّ عَدَدٍ مَفْصُولٍ أَفْضَلُ مِنْهُ وَمِمَّا دُونَهُ مَوْصُولًا وَلَوْ تَعَارَضَتْ زِيَادَةُ الْعَدَدِ وَالْفِعْلِ كَخَمْسٍ مَوْصُولَةٍ مَعَ ثَلَاثٍ مَفْصُولَةٍ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي النَّظَرُ إلَى زِيَادَةِ الرَّكَعَاتِ دُونَ الْفَصْلِ فَتُرَجَّحُ الْخَمْسُ الْمَوْصُولَةُ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ اهـ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَعَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ. وَضَعَّفَ قَوْلَ الْمَجْمُوعِ عَنْ الْإِمَامِ وَأَقَرَّهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّحْقِيقِ، وَالْخِلَافُ فِي التَّفْضِيلِ بَيْنَ الْفَصْلِ وَالْوَصْلِ إنَّمَا هُوَ فِي الْوَصْلِ بِثَلَاثٍ أَمَّا فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا فَالْفَصْلُ أَفْضَلُ قَطْعًا اهـ وَأَقُولُ الْأَوْجَهُ أَنَّ الْخَمْسَ الْمَوْصُولَةَ أَفْضَلُ مِنْ حَيْثُ زِيَادَةُ الْعَمَلِ.

باب سجود التلاوة

وَالثَّلَاثُ الْمَفْصُولَةُ أَفْضَلُ مِنْ حَيْثُ الْفَصْلُ الْأَكْثَرُ مِنْ أَحْوَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَ التَّقَابُلِ لَا شَكَّ أَنَّ الزِّيَادَةَ الْأُولَى أَكْثَرُ ثَوَابًا، وَمُجَرَّدُ التَّفَاوُتِ فِي مُوَافَقَةِ الْأَكْثَرِ لَا تَقْتَضِي أَنْ يَعْدِلَ زِيَادَةَ الرَّكْعَتَيْنِ بِخِلَافِ مَا هُوَ مُوَافِقٌ لِلِاتِّبَاعِ كَصَلَاةِ الضُّحَى ثَمَانِيًا فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْأَكْثَرِ الَّذِي لَا يُوَافِقُهُ كَصَلَاتِهَا اثْنَيْ عَشَرَ؛ لِأَنَّ فِي زِيَادَةِ الِاتِّبَاعِ مَا يَرْبُو عَلَى زِيَادَةِ الْعَمَلِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَدْ يَكُونُ قَلِيلُ الْعَمَلِ الْبَدَنِيِّ وَخَفِيفُهُ أَفْضَلَ مِنْ كَثِيرِهِ وَثَقِيلِهِ كَتَفْضِيلِ الْقَصْرِ عَلَى الْإِتْمَامِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ عِنْدَ مَنْ يَرَاهَا الْوُسْطَى، وَلَوْ كَانَ الثَّوَابُ عَلَى قَدْرِ التَّعَبِ لَمَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَلَمَا فُضِّلَتْ رَكْعَةُ الْوِتْرِ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ اهـ. وَقَالَ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ: لَا يَصِحُّ الْإِيتَارُ بِالثَّلَاثِ الْمَوْصُولَةِ مِنْ الْمُتَعَمِّدِ الْعَالِمِ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ وِتْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُعَيِّنُ الثَّلَاثَ الْمَوْصُولَةَ وَيُبْطِلُ مَا عَدَاهَا مِنْ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ الْمَفْصُولِ وَالْمَوْصُولِ، وَالْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ يُبْطِلُونَ مَا عَيَّنَهُ وَبِمَا قَرَّرْته عُلِمَ أَنَّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فِي السُّؤَالِ مِنْ تَسَاوِي الْكُلِّ فِي الْفَضْلِ غَيْرُ مُرَادٍ. وَإِنَّمَا الْمُرَادُ التَّسَاوِي فِي الْجَوَازِ، وَعَلَيْهِ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ بَلْ هُوَ مَدْلُولُهُ كَمَا لَا يَخْفَى فَتَأَمَّلْهُ. [بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا لَوْ تَعَدَّدَ قِرَاءَةُ آيَةِ السَّجْدَةِ أَوْ سَمَاعُهَا هَلْ الْمَشْرُوعُ حِينَئِذٍ سَجْدَةٌ أَوْ سَجْدَتَانِ مِنْ الْقَارِئِ وَغَيْرِهِ أَوْ لَا فَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ لِلشَّيْخِ زَكَرِيَّا وَالْخَادِمِ كَلَامٌ فِي ذَلِكَ تَفَضَّلُوا بِبَيَانِ الْمُعْتَمَدِ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ وَفَسَّحَ فِي مُدَّتِهِ: أَمَّا الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ تَحْرِيرِ مَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَالْخَادِمِ فَوَجَدْتنِي ذَكَرْت فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الرَّوْضِ حَاصِلَ ذَلِكَ، وَعِبَارَةُ مَتْنِهِ وَشَرْحِهِ فِي ذَلِكَ وَيَتَكَرَّرُ السُّجُودِ بِسَمَاعِ آيَةٍ وَقِرَاءَتِهَا فِيمَا يَظْهَرُ لِتَعَدُّدِ السَّبَبِ ثُمَّ رَأَيْته فِي الْخَادِمِ اعْتَمَدَ ذَلِكَ، وَكَذَا بِقِرَاءَةٍ أُخْرَى وَبِتَكَرُّرِ قِرَاءَةِ آيَةٍ. وَلَوْ كَانَ تَكْرِيرُهَا بِصَلَاةٍ فِي رَكْعَةٍ أَوْ أَكْثَرَ سَوَاءٌ أَقَرُبَ الْفَصْلُ، أَوْ طَالَ اتَّحَدَ الْمَكَانُ أَوْ اخْتَلَفَ خِلَافًا لِمَا فِي الْبَيَانِ وَالْمَجْمُوعِ لِتَجَدُّدِ السَّبَبِ بَعْدَ تَوْفِيَةِ حُكْمِ الْأَوَّلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ مَنْ يُكَرِّرُهَا لِلْحِفْظِ فَيَكْفِيه مَرَّةٌ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ عَنْ قِرَاءَتِهِ وَحِفْظِهِ وَمَنْ يُكَرِّرُهَا لِلتَّدَبُّرِ وَالْإِيمَانِ فَيُعِيدُهُ اهـ وَهُوَ قَرِيبٌ لَكِنْ كَلَامُهُمْ يُخَالِفُهُ فَلَا فَرْقَ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْجُدَ الْإِمَامُ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ إلَّا مَرَّةً وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ كَثْرَةِ الْجَمْعِ وَالْحَوَائِلِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشْوِيشِ وَالتَّطْوِيلِ وَالِابْتِدَاعِ وَيَجِبُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فِي السِّرِّيَّةِ اهـ. وَوَاضِحٌ مِمَّا يَأْتِي أَنَّ مَحَلَّ سَنِّ التَّكْرِيرِ بَلْ السُّجُودِ إذَا أَمِنَ التَّشْوِيشَ وَإِلَّا لَمْ يُسَنَّ السُّجُودُ فَأَوْلَى التَّكْرِيرُ وَأَمَّا الْحُرْمَةُ فَلَا وَجْهَ لَهَا لِأَنَّهُمْ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ يُفَارِقُوهُ وَكَفَى لِلْكُلِّ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ الشَّارِحُ أَيْ شَيْخُنَا زَكَرِيَّا فِي شَرْحِهِ لِلْأَصْلِ، وَهُوَ الرَّوْضُ: وَقَضِيَّةُ تَعْبِيرِهِمْ بِكَفَاهُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَعَدُّدُهَا وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ وَبِمُقْتَضَى هَذَا النَّظَرِ أَخَذَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْإِرْشَادِ فَجَزَمَ كَالْوَلِيِّ الْعِرَاقِيِّ بِأَنَّهُ لَا يَسْجُدُ إلَّا سَجْدَةً وَاحِدَةً، وَهَذَا مِنْهُمْ غَفْلَةٌ عَمَّا يَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ طَافَ أَسَابِيعَ، وَلَمْ يُصَلِّ عَقِبَ كُلِّ سُنَّةٍ سُنَّ فَضْلًا عَنْ الْجَوَازِ أَنْ يُوَالِيَ رَكَعَاتِهَا كَمَا وَالَاهَا. فَكَذَا يُقَالُ بِمِثْلِهِ هُنَا وَبِهَذَا يُعْلَمُ الرَّاجِحُ مِنْ قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ وَهَلْ الْمَشْرُوعُ سَجَدَاتٌ وَتَرْجِعُ إلَى وَاحِدَةٍ أَوْ لَا تُشْرَعُ إلَّا سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ فِيهِ احْتِمَالَانِ اهـ فَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ أَنَّهَا تَرْجِعُ إلَى وَاحِدَةٍ أَنَّهُ يُكْتَفَى مِنْهُ بِهَا لَا أَنَّهُ لَا يُسَنُّ لَهُ غَيْرُهَا وَإِلَّا كَانَ هُوَ الثَّانِي ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ الْأَصْلِ أَيْ ابْنَ الْمُقْرِي مَشَى عَلَى مَا رَجَّحْته أَوَّلًا انْتَهَتْ عِبَارَةُ الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَبِهَا يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - هَلْ الْمَشْرُوعُ إلَخْ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِمَا لَفْظُهُ سَجَدَ إمَامُهُ الْحَنَفِيِّ لِلشُّكْرِ فِي الصَّلَاةِ فَهَلْ إذَا لَمْ يُتَابِعْهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِانْتِظَارِهِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ صَدَرَ مِنْهُ وَقَدْ نَزَلَ مَنْزِلَةَ السَّهْوِ فَيَحْمِلُهُ إمَامُهُ بَلْ يَسْجُدُ لِسُجُودِ إمَامِهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السَّهْوِ إذَا كَانَ الْقِيَاسُ وُجُوبَ الْمُفَارَقَةِ عَلَى الْمَأْمُومِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَقِيدَتِهِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ

كتاب صلاة الجماعة

السُّجُودُ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ سُومِحَ فِيهِ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ السَّهْوِ، وَالْإِمَامُ لَمْ يَسْجُدْ لَهُ فَيَسْجُدُ لَهُ الْمَأْمُومُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ، وَيَدُلُّ لِمَا قُلْته مِنْ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ وَمُخَالَفَتِهِ قَوْلَهُمْ: لَوْ نَوَى مُسَافِرَانِ شَافِعِيٌّ وَحَنَفِيٌّ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِمَوْضِعٍ انْقَطَعَ بِوُصُولِهَا سَفَرُ الشَّافِعِيِّ فَقَطْ وَجَازَ لَهُ مَعَ أَنَّهُ يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِالْحَنَفِيِّ مَعَ اعْتِقَادِهِ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ لِقَصْرِهِ فِي الْحَضَرِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي اعْتِبَارِ اعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ إذَا تَرَكَ الْإِمَامُ وَاجِبًا فِي تَرْكِ وَاجِبٍ لَا يُجَوِّزُهُ الشَّافِعِيُّ مُطْلَقًا بِخِلَافِهِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ. فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْقَصْرُ وَالسُّجُودُ فِي الْجُمْلَةِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُمْ لَا يَضُرُّ اعْتِقَادُ الْمُخَالِفِ حَيْثُ أَتَى بِصُورَةِ الْوَاجِبِ كَوْنُهُ نَفْلًا بِخِلَافِ الْإِمَامِ الْمُوَافِقِ لِعِلْمِ الْمَأْمُومِ بِبُطْلَانِهَا عِنْدَهُمَا. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ عَمَّنْ سَجَدَ إمَامُهُ سُجُودَ التِّلَاوَةِ وَهُوَ نَاسٍ فَذَكَرَ بَعْدَ مَا رَفَعَ الْإِمَامُ هَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَهْوِيَ إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي الْإِمَامُ فِيهِ أَمْ لَا؟ . (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِقَوْلِهِ: لَا يَلْزَمُهُ هُوِيٌّ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْهُوِيَّ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا هُوَ تَابِعٌ لِلسُّجُودِ فَحَيْثُ سَقَطَ عَنْهُ السُّجُودُ سَقَطَ عَنْ تَابِعِهِ. [كِتَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الصَّفِّ الْأَوَّلِ هَلْ هُوَ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ سَوَاءٌ أَكَانَ بِهِ خَلَلٌ مِنْ نَحْوِ سَارِيَةٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُتَّصِلًا بِالصُّفُوفِ أَمْ لَا فَإِنَّ بَعْضَ مَشَايِخِ الْيَمَنِ يَقُولُ: الْمُرَادُ بِالصَّفِّ الْأَوَّلِ هُوَ السَّالِمُ مِنْ الْخَلَلِ، وَأَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا، وَلَوْ كَانَ الصَّفَّ الْأَخِيرَ وَلَا الْتِفَاتَ إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ إذَا كَانَ بِالْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْمَنْقُولُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الصَّفَّ الْأَوَّل هُوَ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ وَإِنْ تَخَلَّلَهُ مِنْبَرٌ أَوْ مَقْصُورَةٌ أَوْ أَعْمِدَةٌ أَوْ غَيْرُهَا سَوَاءٌ جَاءَ صَاحِبُهُ مُتَقَدِّمًا أَمْ مُتَأَخِّرًا وَقِيلَ الْأَوَّلُ مَا لَمْ يَتَخَلَّلْهُ شَيْءٌ وَإِنْ تَأَخَّرَ وَقِيلَ هُوَ مَنْ جَاءَ أَوَّلًا، وَإِنْ صَلَّى فِي صَفٍّ مُتَأَخِّرٍ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ. وَهَذَانِ غَلَطٌ صَرِيحٌ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ مَا فِي السُّؤَالِ عَنْ بَعْضِ الْيَمَنِيِّينَ غَلَطٌ فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَغْتَرَّ بِهِ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَدْ كَثُرَ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ خُرُوجُ النِّسَاءِ إلَى الْأَسْوَاقِ وَالْمَسَاجِدِ لِسَمَاعِ الْوَعْظِ وَلِلطَّوَافِ وَنَحْوِهِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ عَلَى هَيْئَاتٍ غَرِيبَةٍ تَجْلِبُ إلَى الِافْتِتَانِ بِهِنَّ قَطْعًا، وَذَلِكَ أَنَّهُنَّ يَتَزَيَّنَّ فِي خُرُوجِهِنَّ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُهُنَّ مِنْ أَنْوَاعِ الزِّينَةِ وَالْحُلِيِّ وَالْحُلَلِ كَالْخَلَاخِيلِ وَالْأَسْوِرَةِ وَالذَّهَبِ الَّتِي تُرَى فِي أَيْدِيهِنَّ وَمَزِيدِ الْبَخُورِ وَالطَّيِّبِ وَمَعَ ذَلِكَ يَكْشِفْنَ كَثِيرًا مِنْ بَدَنِهِنَّ كَوُجُوهِهِنَّ وَأَيْدِيهِنَّ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَيَتَبَخْتَرْنَ فِي مِشْيَتِهِنَّ بِمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ يَنْظُرُ إلَيْهِنَّ قَصْدًا أَوْ لَا عَنْ قَصْدٍ. فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ مَنْعُهُنَّ وَكَذَا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ ذَوِي الْوِلَايَاتِ وَالْقُدْرَةِ حَتَّى مِنْ الْمَسَاجِدِ وَحَتَّى مِنْ مَسْجِدِ مَكَّةَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُنَّ الْإِتْيَانُ بِالطَّوَافِ خَارِجَهُ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ وَمَا الَّذِي يَتَلَخَّصُ فِي ذَلِكَ مِنْ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ الْمُوَافِقِينَ وَالْمُخَالِفِينَ أَوْضِحُوا الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمَفْسَدَةَ بِهِنَّ قَدْ عَمَّتْ، وَطُرُقُ الْخَيْرِ عَلَى الْمُتَعَبِّدِينَ وَالْمُتَدَيَّنِينَ قَدْ انْسَدَّتْ أَثَابَكُمْ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ جَزِيلَ الْمِنَّةِ وَرَقَّاكُمْ إلَى أَعْلَى غُرَفِ الْجَنَّةِ آمِينَ. (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ يَسْتَدْعِي طُولًا وَبَسْطًا لَا يَلِيقُ لَا بِتَصْنِيفٍ مُسْتَقِلٍّ. فِي الْمَسْأَلَةِ، وَحَاصِلُ مَذْهَبِنَا أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ خُرُوجِ الْمَرْأَةِ سَافِرَةَ الْوَجْهِ وَعَلَى الرِّجَالِ غَضُّ الْبَصَرِ وَاعْتُرِضَ بِنَقْلِ الْقَاضِي عِيَاضٍ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَنْعِهَا مِنْ ذَلِكَ. وَأَجَابَ الْمُحَقِّقُونَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْإِجْمَاعَيْنِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ لَهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَاتِهَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْغَيْرِ وَالثَّانِي بِالنِّسْبَةِ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ وَنَحْوِهِ أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ مَنْعُ النِّسَاءِ مِنْ ذَلِكَ خَشْيَةَ افْتِتَانِ النَّاسِ بِهِنَّ. وَبِذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ ذَكَرَ مَنْعَ النِّسَاءِ مِنْ الْخُرُوجِ مُطْلَقًا إذَا فَعَلْنَ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ مِمَّا يَجُرُّ إلَى الِافْتِتَانِ بِهِنَّ انْجِرَارًا قَوِيًّا. عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَقْصِدْ كَشْفَهُ لِيُرَى أَوْ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ أَحَدًا يَرَاهُ أَمَّا إذَا كَشَفَتْهُ لِيُرَى فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا ذَلِكَ لِأَنَّهَا قَصَدَتْ التَّسَبُّبَ فِي وُقُوعِ الْمَعْصِيَةِ وَكَذَا لَوْ عَلِمَتْ أَنَّ أَحَدًا يَرَاهُ مِمَّنْ لَا يَحِلُّ لَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهَا سَتْرُهُ، وَإِلَّا كَانَتْ مُعِينَةً لَهُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ بِدَوَامِ كَشْفِهِ الَّذِي هِيَ قَادِرَةٌ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ كُلْفَةٍ وَقَدْ صَرَّحَ جَمْعٌ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى

الْمُسْلِمَةِ أَنْ تَكْشِفَ لِلذِّمِّيَّةِ مَا لَا يَحِلُّ لَهَا نَظَرُهُ مِنْهَا هَذَا مَعَ أَنَّهَا امْرَأَةٌ مِثْلُهَا فَكَيْفَ بِالْأَجْنَبِيِّ، وَتَخَيُّلُ فَرْقٍ بَيْنَهُمَا بَاطِلٌ وَبِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِنَّ السَّتْرُ عَنْ الْمُرَاهِقِ مَعَ جَوَازِ نَظَرِهِ فَكَيْفَ بِالْبَالِغِ الَّذِي يَحْرُمُ نَظَرُهُ فَنَتَجَ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ غَيْرِهِ الْمَعْلُوم لِمَنْ تَدَبَّرَ كَلَامَهُمْ أَنَّ الصَّوَابَ حَمْلُ كَلَامِ الْإِمَامِ عَلَى مَا قَدَّمْته فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَجِبُ مَنْعُهُنَّ إذَا فَعَلْنَ مَا يُخْشَى مِنْهُ الْفِتْنَةُ حَتَّى مِنْ مَسْجِدِ مَكَّةَ إذَا قَصَدَتْ الطَّوَافَ الَّذِي لَا يَتَأَتَّى لَهُنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ وَقَدْ يَكُونُ فَرْضًا عَلَيْهِنَّ قُلْت: لِأَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِح. وَلِأَنَّهُنَّ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْمَجِيءِ إلَيْهِ فِي ثِيَابٍ رَثَّةٍ بِحَيْثُ لَا يُخْشَى مِنْهُنَّ افْتِتَانٌ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا وَجَبَ عَلَيْهَا الطَّوَافُ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ عَجُوزًا أَوْ شَابَّةً فَإِنْ كَانَتْ عَجُوزًا مُكِّنَتْ مِنْ الْإِتْيَانِ لِفِعْلِهِ إذَا كَانَتْ فِي ثِيَابٍ رَثَّةٍ وَكَذَا مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ لِأَنَّهُ لَا خَشْيَةَ فِتْنَةٍ حِينَئِذٍ، وَإِنْ كَانَتْ شَابَّةً فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ عَزَبَةً أَوْ مُتَزَوِّجَةً فَإِنْ كَانَتْ عَزْبَةً فَلَا ضَرُورَةَ عَلَيْهَا فِي تَأْخِيرِهِ إلَى وَقْتِ خُلُوِّ الْمَطَافِ وَقْتَ الْقَيْلُولَةِ فَتَفْعَلُهُ وَإِنْ كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً وَأَمَرَهَا الزَّوْجُ بِهِ وَخَشِيَتْ الْفِتْنَةَ بِخُرُوجِهَا وَلَوْ فِي ثِيَابٍ رَثَّةٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ وَحْدَهَا. بَلْ تَقُولُ لَهُ: إمَّا أَنْ تَخْرُجَ مَعِي إلَى أَنْ أُؤَدِّيَهُ هُوَ وَالسَّعْيَ، وَإِمَّا أَنْ لَا تَأْمُرَنِي بِهِ فَحِينَئِذٍ اسْتَوَى الطَّوَافُ وَغَيْرُهُ وَقَدْ ذَكَرُوا لِخُرُوجِهَا لِلْجَمَاعَةِ وَغَيْرِهَا شُرُوطًا تَأْتِي فِي خُرُوجِهَا لِلْأَسْوَاقِ، وَغَيْرُهَا بِالْأَوْلَى فَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ ذَلِكَ وَنَقْلِهِ مَبْسُوطًا لِيُعْلَم مِنْهُ مَا أَشَارَ السَّائِلُ إلَيْهِ ثُمَّ نَذْكُرُ شَيْئًا مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ مِنْ غَيْرِ مَذْهَبِنَا لِيُعْلَمَ مُوَافَقَتُهُمْ لَنَا أَوْ عَدَمُهَا فَنَقُولُ قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي بَابِ خُرُوجِ النِّسَاءِ إلَى الْمَسَاجِدِ إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ فِتْنَةٌ وَأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مُتَطَيِّبَةً وَانْظُرْ إلَى قَوْلِهِ إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ فِتْنَةٌ مَا أَحْسَنَهُ فِيمَا قَدَّمْته مِنْ وُجُوبِ الْمَنْعِ حَيْثُ تَرَتَّبَتْ الْفِتْنَةُ عَلَى خُرُوجِهِنَّ فَإِنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ» هَذَا وَشَبَهُهُ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهَا لَا تُمْنَعُ مِنْ الْمَسْجِدِ لَكِنْ بِشُرُوطٍ ذَكَرَهَا الْعُلَمَاء مَأْخُوذَةٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَهِيَ أَنْ لَا تَكُونَ مُتَطَيِّبَةً وَلَا مُتَزَيِّنَةً ذَاتَ خَلَاخِل يُسْمَعُ صَوْتُهَا وَلَا ثِيَابًا فَاخِرَةً وَلَا مُخْتَلِطَةً بِالرِّجَالِ وَلَا شَابَّةً وَنَحْوَهَا مِمَّنْ يُفْتَتَنُ بِهَا وَأَنْ لَا يَكُونَ بِالطَّرِيقِ مَا يُخَافُ بِهِ مَفْسَدَةٌ وَنَحْوُهَا وَهَذَا النَّهْيُ عَنْ مَنْعِهِنَّ مِنْ الْخُرُوجِ مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ وَوُجِدَتْ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ وَلَا سَيِّدٌ حَرُمَ الْمَنْعُ إذَا وُجِدَتْ الشُّرُوطُ اهـ فَافْهَمْ قَوْلُهُ لَكِنْ بِشُرُوطِ إلَخْ إنَّ هَذِهِ شُرُوطٌ لِعَدَمِ الْمَنْعِ، وَأَنَّهُ حَيْثُ فُقِدَ وَاحِدٌ مِنْهَا مُنِعَتْ لَكِنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي جَوَازَ الْمَنْعِ أَوْ وُجُوبَهُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ سَاكِتٌ عَنْ التَّعَرُّض لِأَحَدِ الْقِسْمَيْنِ وَقَدْ صَرَّحَ غَيْرُهُ بِالْوُجُوبِ كَمَا يَأْتِي عَنْ الْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ السَّابِقُ إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ فِتْنَةٌ فَإِنَّهُ شَرْطٌ لِلْخُرُوجِ أَيْ لِجَوَازِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَحَيْثُ حَرُمَ الْخُرُوجُ وَجَبَ الْمَنْعُ وَلِيَكُنْ عَلَى ذِكْرٍ مِنْك جَعْلُهُ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الطَّرِيقِ مَا يُخَافُ بِهِ مَفْسَدَةٌ، وَأَنْ لَا تَخْتَلِطَ بِالرِّجَالِ. وَيُؤَيِّدُ الْمَنْعَ أَيْضًا قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَوْ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ بَعْدَهُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسَاجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إسْرَائِيل لَكِنَّ كَلَامَهَا مُحْتَمِلٌ أَيْضًا لِوُجُوبِ الْمَنْعِ وَلِجَوَازِهِ، وَاحْتِمَالِهِ لِوُجُوبِهِ أَقْرَبُ وَيَدُلُّ عَلَيْهَا الْمُلَازَمَةُ الْمَذْكُورَةُ الْمُسْتَنْبَطَةُ مِنْ الْقَوَاعِد الدِّينِيَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِحَسْمِ مَوَادِّ الْفَسَادِ وَيُؤَيِّدُ مَا اسْتَنْبَطْتُهُ قَوْلُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَحْدُثُ لِلنَّاسِ فَتَاوَى بِقَدْرِ مَا أَحْدَثُوا مِنْ الْفُجُورِ وَإِنَّمَا نُسِبَ لِمَالِكٍ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ قَالَهُ وَإِلَّا فَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ يَقُولُونَ بِذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى مِنْ مَذَاهِبِهِمْ وَمَنْ تَخَيَّلَ أَنَّ هَذَا مِنْ التَّمَسُّكِ بِالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ الَّتِي يَقُولُ بِهَا مَالِكٌ وَهِيَ مُبَايِنَةٌ لِلشَّرِيعَةِ فَقَدْ وَهِمَ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ مَا أَرَادَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِنْ أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ أَمْرًا يَقْتَضِي أُصُولُ الشَّرِيعَةِ فِيهِ غَيْرَ مَا اقْتَضَتْهُ قَبْلَ حُدُوثِ ذَلِكَ الْأَمْرِ يُجَدَّدُ لَهُ حُكْمٌ بِحَسَبِ مَا أَحْدَثَهُ لَا بِحَسَبِ مَا كَانَ قَبْلَ إحْدَاثِهِ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ وَقَوْلُهَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ لَا مِنْ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ الْمُخْتَلَفِ فِي كَوْنِهِ حُجَّةً لِأَنَّهَا اطَّلَعَتْ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ إذَا اطَّلَعَ عَلَى مَا أَحْدَثَتْ النِّسَاءُ لِمَنْعِهِنَّ وَيُؤَيِّدُ.

ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ عَنْهَا «بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ إذْ دَخَلَتْ امْرَأَةٌ مُزَيَّنَةٌ تَرْفُلُ فِي زِينَةٍ لَهَا فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا أَيُّهَا النَّاسُ انْهَوْا نِسَاءَكُمْ عَنْ لِبْسِ الزِّينَةِ وَالتَّبَخْتُرِ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ لَمْ يُلْعَنُوا حَتَّى لَبِسَ نِسَاؤُهُمْ الزِّينَةَ وَتَبَخْتَرُوا فِي الْمَسَاجِدِ» قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِتَحْرِيمِ الْفِعْلِ لِتَرَتُّبِ اللَّعْنِ عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ لَا تَخْرُجُ إلَّا كَذَلِكَ مُنِعَتْ اهـ وَاعْتَذَرَ فِي الْإِحْيَاءِ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ أَوْلَادِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَ لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ بَلَى وَاَللَّهِ لَنَمْنَعَهُنَّ فَضَرَبَ صَدْرَهُ وَغَضِبَ. قَالَ الْغَزَالِيُّ وَإِنَّمَا اسْتَجْرَأَ عَلَى الْمُخَالَفَةِ لِعِلْمِهِ بِتَغَيُّرِ الزَّمَانِ وَإِنَّمَا غَضِبَ عَلَيْهِ لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ بِالْمُخَالَفَةِ ظَاهِرًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ اهـ فَتَأَمَّلْهُ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِي اعْتِمَادِ مَا مَرَّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ كُلَّهُ قَوْلُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي فَتْحِ الْبَارِي فِي تَمَسُّكِ بَعْضِهِمْ فِي مَنْعِ النِّسَاءِ مُطْلَقًا بِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ تَغَيُّرُ الْحُكْمِ لِأَنَّهَا عَلَّقَتْهُ عَلَى شَرْطٍ لَمْ يُوجَدْ بِنَاءً عَلَى ظَنٍّ ظَنَّتْهُ فَقَالَتْ لَوْ رَأَى لَمَنَعَ فَيُقَالُ عَلَيْهِ لَمْ يَرَ وَلَمْ يَمْنَعْ فَاسْتَمَرَّ الْحُكْمُ حَتَّى أَنَّ عَائِشَةَ لَمْ تُصَرِّحْ بِالْمَنْعِ وَإِنْ كَانَ كَلَامُهَا يُشْعِرُ بِأَنَّهَا كَانَتْ تَرَى الْمَنْعَ. وَأَيْضًا فَقَدْ عَلِمَ سُبْحَانَهُ مَا سَيُحْدِثْنَ فَمَا أَوْحَى إلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَنْعِهِنَّ وَلَوْ كَانَ مَا أَحْدَثْنَ يَسْتَلْزِمُ مَنْعَهُنَّ مِنْ الْمَسَاجِدِ لَكَانَ مَنْعُهُنَّ مِنْ غَيْرِهَا أَوْلَى وَأَيْضًا فَالْإِحْدَاثُ إنَّمَا وَقَعَ مِنْ بَعْضِ النِّسَاءِ لَا مِنْ جَمِيعِهِنَّ فَإِنْ تَعَيَّنَ الْمَنْعُ فَلْيَكُنْ لِمَنْ أَحْدَثَتْ وَالْأَوْلَى أَنْ يُنْظَرَ إلَى مَا يُخْشَى مِنْهُ الْفِتْنَةُ فَلْيَجْتَنِبْ لِإِشَارَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى ذَلِكَ بِمَنْعِ الطِّيبِ وَالزِّينَةِ وَكَذَا التَّقَيُّد بِاللَّيْلِ كَمَا سَبَقَ اهـ. فَتَأَمَّلْهُ تَجِدْهُ إنَّمَا سَاقَهُ هَذَا كُلَّهُ رَدًّا عَلَى مَنْ فَهِمَ مِنْ كَلَامِ عَائِشَةَ مَنْعَ النِّسَاءِ مُطْلَقًا وَحِينَئِذٍ فَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الرَّدِّ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ وَإِنْ فُرِضَ دَلَالَةُ كَلَامِهَا عَلَى ذَلِكَ. فَصَرِيحُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة يُخَالِفُ ذَلِكَ فَتَعَيَّنَ الرَّدُّ عَلَى مَنْ فَهِمَ مِنْ كَلَامِهَا مَنْعَ النِّسَاءِ مِنْ الْمَسَاجِدِ مُطْلَقًا إذْ لَا مَعْنَى لِمَنْعِ عَجُوزٍ هَرِمَةٍ فِي ثِيَابٍ بِذْلَةٍ وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَلَّقَتْهُ عَلَى شَرْطٍ لَمْ يُوجَدْ إلَخْ أَيْ: إنْ فَهِمْت أَيُّهَا الْقَائِلُ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهَا فَالشَّرْطُ لَمْ يُوجَدْ لِأَنَّ النِّسَاءَ كُلَّهُنَّ لَمْ يُحْدِثْنَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فَالْإِحْدَاثُ إنَّمَا وَقَعَ مِنْ بَعْضِ النِّسَاءِ وَلَمْ يَرِدْ رَدُّ مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهَا مِنْ مَنْعِ مَنْ أَحْدَثَ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِاعْتِمَادِهِ فِي آخِرِ كَلَامِهِ كَمَا عَلِمْت وَمَعْنَى قَوْلِهِ كَلَامُهَا يُشْعِرُ بِالْمَنْعِ أَيْ: مُطْلَقًا مِنْ حَيْثُ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى النِّسَاءِ الَّذِي هُوَ مُحَلَّى بِاللَّامِ الْمُفِيدَةِ لِلْعُمُومِ. وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مُرَادًا لَهَا وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَكَانَ مَنْعُهُنَّ مِنْ غَيْرِهَا أَوْلَى أَيْ: عِنْدَك أَيُّهَا الْقَائِلُ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا مِنْ الْمَسَاجِدِ دُونَ غَيْرِهَا أَيْ: وَهَذَا تَحَكُّمٌ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَسَاجِدِ مِنْ الْأَسْوَاق وَنَحْوِهَا أَوْلَى بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا لِمَا هُوَ جَلِيٌّ فَكَيْفَ لَا يَقُولُ بِالْمَنْعِ فِيهِ مُطْلَقًا وَيَقُولُ بِذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنَّمَا بَيَّنْت مُرَادَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ فَهِمَ مِنْ كَلَامِهِ غَيْرَ الْمُرَادِ فَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِمَا لَا يُجْدِي وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا قَدَّمْته مِنْ وُجُوبِ الْمَنْعِ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ وَاعْتِمَادِ كَلَامِ عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْإِحْيَاء فِي الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ الْمُنْكَرَاتِ الْمَأْلُوفَةِ وَيَجِبُ أَنْ يُضْرَبَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ حَائِلٌ يَمْنَعُ مِنْ النَّظَرِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَيْضًا مَظِنَّةُ الْفَسَادِ وَيَجِبُ مَنْعُ النِّسَاءِ مِنْ حُضُورِ الْمَسَاجِد لِلصَّلَاةِ وَلِمَجَالِس الْعِلْمِ وَالذِّكْرِ إذَا خِيفَتْ الْفِتْنَةُ بِهِنَّ فَقَدْ مَنَعَتْهُنَّ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَقِيلَ لَهَا إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا مَنَعَهُنَّ مِنْ الْجَمَاعَاتِ فَقَالَتْ لَوْ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَحْدَثْنَ بَعْدَهُ لَمَنَعَهُنَّ اهـ وَيُوَافِقهُ قَوْلُ ابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِنَا صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ كَانَتْ تَعْدِلُ أَلْفَ صَلَاةٍ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ صَلَاةَ الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ فَإِذَا كَانَتْ أَفْضَلَ فَاَلَّذِي يُخْرِجُهَا مِنْ بَيْتِهَا إمَّا الرِّيَاءُ أَوْ السُّمْعَةُ وَهُوَ حَرَامٌ وَإِمَّا لِغَرَضٍ آخَرَ مِنْ أَغْرَاضِ النَّفْسِ مِنْ تَفَرُّجٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مُخْرِجٌ لِلْعَمَلِ عَنْ الْإِخْلَاص وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ أَوْ يَأْذَنَ فِي تَرْكِ الْإِخْلَاص اهـ وَفِي بَعْضِ مَا ذَكَرَهُ نَظَرٌ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ دِرَايَةٌ بِالْمَذْهَبِ وَفِي مَنْسَكِ ابْنِ جَمَاعَةَ الْكَبِيرِ وَمِنْ أَكْبَرِ الْمُنْكَرَاتِ مَا يَفْعَلُهُ جَهَلَةُ الْعَوَامّ فِي الطَّوَافِ مِنْ مُزَاحَمَةِ الرِّجَالِ

بِأَزْوَاجِهِمْ سَافِرَات عَنْ وُجُوهِهِنَّ وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي اللَّيْلِ وَبِأَيْدِيهِمْ الشُّمُوعُ مُتَّقِدَةٌ وَمِنْ الْمُنْكَرَاتِ أَيْضًا مَا يَفْعَلُهُ نِسَاءُ مَكَّةَ وَغَيْرُهُنَّ عِنْدَ إرَادَةِ الطَّوَافِ وَعِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ مِنْ التَّزَيُّن وَاسْتِعْمَالِ مَا تَقْوَى رَائِحَتُهُ مِنْ الطِّيبِ بِحَيْثُ يُشَمُّ عَلَى بُعْدٍ فَتُشَوِّشُ بِذَلِكَ عَلَى النَّاسِ وَيَجْتَلِبْنَ بِسَبَبِهِ اسْتِدْعَاء النَّظَرِ إلَيْهِنَّ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاسِد نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُلْهِمَ وَلِيَّ الْأَمْرِ إزَالَةَ الْمُنْكَرَاتِ آمِينَ اهـ فَتَأَمَّلْهُ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِي وُجُوبِ الْمَنْعِ حَتَّى مِنْ الطَّوَافِ عِنْدَ ارْتِكَابهنَّ دَوَاعِي الْفِتْنَةِ فَيَتَأَيَّدُ بِهِ مَا قَدَّمْته. وَحَدِيثُ «كُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ» «وَالْمَرْأَة إذَا اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ بِالْمَجْلِسِ فَهِيَ كَذَا وَكَذَا» مَعْنَى زَانِيَةٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ حَدِيثَ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ وَكُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ» قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَمِنْ الْبِدَعِ مَا يَقَعُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَهُوَ نَوْمُ النِّسَاءِ فِي الْجَامِعِ وَدُخُولهنَّ مَعَ الرِّجَالِ الْمَرَافِقَ فَذَلِكَ حَرَامٌ لَا يَرْضَى بِهِ لِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا قَلِيلُ النَّخْوَةِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَرْضَى بِهِ أَحَدٌ لِامْرَأَتِهِ وَكَيْفَ لَا يَجِبُ مَنْعُهَا وَكَيْفَ يُقَالُ بِوُجُوبِ الْمَنْعِ وَيَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ هَذَا لَا يَكُونُ فِي الشَّرْعِ. قَالَ وَمِنْ الْمُحَرَّمَاتِ مُزَاحَمَتُهُنَّ الرِّجَالَ فِي الْمَسْجِدِ وَالطَّرِيقِ عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَأَنْ يَزْحَمَ رَجُلًا خِنْزِيرٌ مُتَلَطِّخٌ بِطِينٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَزْحَمَ مَنْكِبَيْهِ امْرَأَةٌ لَا تَحِلُّ لَهُ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الطُّرْطُوشِيِّ مِنْ الْمَالِكِيَّة وَأَبِي شَامَةَ مِنَّا أَنَّهُمَا أَنْكَرَا ذَلِكَ وَبَالَغَا فِيهِ وَأَنَّهُ مِنْ الْفُسُوقِ وَأَنَّ مَنْ تَسَبَّبَ فِيهِ يُفَسَّقُ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قُلْت أَتَقُولُ بِمَنْعِ خُرُوجِ النِّسَاءِ إلَى الْمَسَاجِد وَالْمَوَاعِيد وَزِيَارَةِ الْقُبُورِ غَيْرَ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْت: كَيْفَ لَا أَقُولُ بِهِ وَقَدْ صَارَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ لِعَدَمِ شَرْطِ جَوَازِ الْخُرُوجِ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ التُّقَى وَالْعَفَافُ. وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ الشَّيْخَانِ الْإِمَامَانِ الزَّاهِدَانِ الْوَرِعَانِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْحِصْنِيُّ وَشَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّجَّارِيُّ تَغَمَّدَهُمَا اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ وَفِيمَا ذَكَرَاهُ كِفَايَةٌ لِمَنْ تَرَكَ هَوَاهُ وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الْقَوْلَ بِالتَّحْرِيمِ وَادِّعَاءَ الِاتِّفَاق عَلَى الْمَنْعِ مُخَالِفٌ لِلْمَذْهَبِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَعَلَى مَا أَذْكُرُ كَلَامًا مَجْمُوعًا مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِ يُوَضِّحُ مُرَادَهُمَا وَيُبَيِّنُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيمَا قَالَاهُ وَأَنَّ مَنْ يُخَالِفُهُمَا فَلِعَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَى مَا عَلِمَاهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الِاطِّلَاع لِلْبَعْضِ الْعَدَمُ لِلْكُلِّ. فَمَا ذَكَرَاهُ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مَنْعُ خُرُوجِهِنَّ وَلَا يَتَوَقَّفُ فِي ذَلِكَ إلَّا غَبِيٌّ تَابِعٌ لِهَوَاهُ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَام تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ أَهْلِ الزَّمَانِ وَهَذَا صَحِيحٌ عَلَى مَذَاهِبِ الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ نَقْلًا عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ قَالَ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي خُرُوجِهِنَّ لِلْعِيدَيْنِ فَرَأَى جَمَاعَةٌ أَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ عَلَيْهِنَّ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَابْنُهُ وَغَيْرُهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُنَّ مِنْ ذَلِكَ مِنْهُمْ عُرْوَةُ وَالْقَاسِمُ وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ أَجَازَهُ مَرَّةً وَمَنَعَهُ أُخْرَى، وَفِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ لِابْنِ الْمُلَقِّنِ: وَمَنَعَ بَعْضُهُمْ فِي الشَّابَّةِ دُونَ غَيْرِهَا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي يُوسُفَ قَالَ الطَّحَاوِيُّ كَانَ الْأَمْرُ بِخُرُوجِهِنَّ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَام لِيَكْثُر الْمُسْلِمُونَ فِي عَيْنِ الْعَدُوِّ اهـ. وَفِي شَرْحِ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ الْوَقْتَ أَهْلُ الْإِسْلَام فِي حَيِّزِ الْقِلَّةِ فَاحْتِيجَ إلَى الْمُبَالَغَةِ فِي إخْرَاجِ الْعَوَاتِق وَذَوَات الْخُدُورِ وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ الْعَطَّارِ وَيَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهَا بَلْ تَلْزَمُ قَعْرَهُ فَإِنَّهَا كُلَّهَا عَوْرَةٌ وَالْعَوْرَة يَجِبُ سَتْرُهَا وَأَمَّا الْخُرُوجُ إلَى الْمَسَاجِد فِي الْغَلَسِ عِنْدَ أَمْنِ الضَّرَرِ وَالْفِتْنَة فَقَدْ كَانَ مَأْذُونًا فِيهِ زَمَنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَزَمَانَ بَعْضِ أَصْحَابِهِ. ثُمَّ مُنِعَ مِنْهُ لِمَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ مِنْ الِافْتِتَان بِهِنَّ وَالتَّبَهْرُجِ وَالتَّطَيُّب وَفِتْنَتهنَّ بِالرِّجَالِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي مَنْعِهِنَّ ثُمَّ قَالَ وَيَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ إذَا خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهَا أَنْ لَا تَتَزَيَّنَ وَلَا تَتَطَيَّبَ وَلَا تَمْشِي وَسَطَ الطَّرِيقِ وَأَنْ لَا يَكُونَ خُرُوجُهَا لِحَاجَةٍ شَرْعِيَّةٍ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا وَيَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يُعِينَ زَوْجَتَهُ وَلَا امْرَأَةً مِمَّنْ يَحْكُمُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِنْ أَسْبَابِ الْإِعَانَة عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهَا وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ الْإِذْنُ لَهُنَّ يَوْمَ الْعِيدِ وَالْخُرُوجُ إلَى الْمُصَلَّى مُتَلَفِّعَات بِمُرُوطِهِنَّ حَتَّى الْحُيَّضُ

لِيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ وَيَعْتَزِلْنَ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ مُنِعَ هَذَا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَزْمَان لِمَا فِي حُضُورِهِنَّ مِنْ الْمَفَاسِد الْمُحَرَّمَةِ قَالَ حُجَّةُ الْإِسْلَام فِي الْإِحْيَاءِ وَقَدْ كَانَ أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلنِّسَاءِ فِي حُضُورِ الْمَسَاجِد وَالصَّوَابُ الْآنَ الْمَنْعُ إلَّا الْعَجَائِز بَلْ اسْتُصْوِبَ ذَلِكَ فِي زَمَنِ الصَّحَابَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - حَتَّى قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَذَكَرَ مَا مَرَّ عَنْهَا وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَيَجِبُ مَنْعُ النِّسَاءِ مِنْ حُضُورِ الْمَسَاجِد لِلصَّلَاةِ وَمَجَالِسِ الذِّكْرِ إذَا خِيفَتْ الْفِتْنَةُ بِهِنَّ فَهَذِهِ أَقَاوِيلُ الْعُلَمَاء فِي اخْتِلَافِ الْحُكْمِ فِيهَا بِتَغَيُّرِ الزَّمَانِ. وَأَهْلُ الْأَقَاوِيلِ الْمَذْكُورَةِ هُمْ جُمْهُورُ الْعُلَمَاء مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ وَالْأَئِمَّة الْمُتَّقِينَ وَالْفُقَهَاءِ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ الْمُمَهِّرِينَ فَيَجِبُ الْأَخْذُ بِأَقَاوِيلِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَمُ الْأُمَّةِ وَاخْتِيَارُهُمْ لَنَا خَيْرٌ مِنْ اخْتِيَارِنَا لِأَنْفُسِنَا وَمَنْ خَالَفَهُمْ فَهُوَ مُتَّبِعٌ لِهَوَاهُ فَإِنْ قِيلَ فَمَا الْجَوَابُ عَنْ إطْلَاقِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ غَيْرِ مَنْ مَرَّ فَالْجَوَابُ أَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ لَمْ يُرِيدُوا كَرَاهَةَ التَّحْرِيم مَا إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى خُرُوجِهِنَّ خَشْيَةُ فِتْنَةٍ وَأَمَّا إذَا تَرَتَّبَ ذَلِكَ فَهُوَ حَرَامٌ بِلَا شَكٍّ كَمَا مَرَّ نَقْلُهُ عَمَّنْ ذُكِرَ وَالْمُرَادُ بِالْفِتْنَةِ الزِّنَا وَمُقَدِّمَاته مِنْ النَّظَرِ وَالْخَلْوَة وَاللَّمْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلِذَلِكَ أَطْلَقُوا الْحُكْمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة بِدُونِ ذِكْرِ مُحَرَّمٍ يَقْتَرِنُ بِالْخُرُوجِ وَأَمَّا عِنْدَ اقْتِرَانِ مُحَرَّمٍ بِهِ أَوْ لُزُومِهِ لَهُ فَالصَّوَابُ الْقَطْعُ بِالتَّحْرِيمِ وَلَا يَتَوَقَّفُ فِي ذَلِكَ فَقِيهٌ وَيَتَّضِحُ الْأَمْرُ بِذِكْرِ تِلْكَ الْمُحَرَّمَاتِ الْمُقْتَرِنَةِ بِالْخُرُوجِ فَمِنْهَا أَنَّ خُرُوجَهَا مُتَبَرِّجَة أَيْ: مُظْهِرَةً لِزِينَتِهَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِالنَّصِّ قَالَ تَعَالَى {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب: 33] وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «يَكُونُ فِي أُمَّتِي رِجَالٌ يَرْكَبُونَ عَلَى سُرُجٍ كَأَشْبَاهِ الرِّجَالِ يَنْزِلُونَ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ نِسَاؤُهُمْ كَاسِيَاتٌ عَارِيَّاتٌ عَلَى رُءُوسِهِنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْعِجَافِ الْعَنُوهُنَّ. فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ وَفِيهِ فَإِنَّهُنَّ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا» وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَجْمُوعَ هَذِهِ الصِّفَات لَا تَحْصُلُ لِلْمَرْأَةِ وَهِيَ فِي بَيْتِهَا بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي خُرُوجِهَا مِنْ بَيْتِهَا عِنْدَ حُصُولِ هَذِهِ الْهَيْئَةِ فِيهَا وَخَوْفِ الِافْتِتَان بِهَا وَلِذَلِكَ شَرَطَ الْعُلَمَاء لِخُرُوجِهَا أَنْ لَا تَكُونَ بِزِينَةٍ وَلَا ذَاتَ خَلَاخِل يُسْمَعُ صَوْتُهَا فَكَيْفَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُرَخِّصَ فِي سَبَبِ اللَّعْنِ، وَحِرْمَانُ الْجَنَّةِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَذْهَب الْقَائِلُ بِأَنَّ كُلَّ حَالَةٍ يُخَافُ مِنْهَا الِافْتِتَان حَرَامٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّبَرُّج حَرَامٌ وَمِنْهَا تَحْرِيمُ نَظَرِ الْأَجَانِب إلَيْهَا وَنَظَرِهَا إلَيْهِمْ كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَمِنْهَا مُزَاحَمَةُ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ الطَّرِيقِ عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ وَرَوَى أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ «سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلنِّسَاءِ اسْتَأْخَرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تُحَفِّفْنَ الطَّرِيقَ عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ» قَالَ فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تُلْصَقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى أَنَّ ثَوْبَهَا لَيَعْلَقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ فَهَذِهِ الْأَحَادِيث دَالَّةٌ عَلَى مَنْعِ الْمُزَاحَمَة بَيْنَ الرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ وَالْمَرْأَةِ. انْتَهَى كَلَامُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مُلَخَّصًا وَمَا أَحْسَنَهُ وَأَحَقَّهُ بِالصَّوَابِ وَفِي الْأَنْوَارِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْجِهَادِ الْمُنْكَرَاتُ الْمَأْلُوفَةُ أَنْوَاعٌ؛ الْأَوَّلُ مُنْكَرَاتُ الْمَسَاجِد، قَالَ وَلَوْ كَانَ الْوَاعِظُ شَابًّا مُتَزَيِّنًا كَثِيرَ الْأَشْعَار وَالْحَرَكَات وَالْإِشَارَاتِ وَقَدْ حَضَرَ مَجْلِسَهُ النِّسَاءُ وَجَبَ الْمَنْعُ فَإِنَّ فَسَادَهُ أَكْثَرُ مِنْ صَلَاحِهِ بَلْ لَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُسَلَّمَ الْوَعْظُ إلَّا لِمَنْ ظَاهِرُهُ الْوَرَعُ وَهَيْئَتُهُ السَّكِينَة وَالْوَقَارُ وَزِيُّهُ زِيُّ الصَّالِحِينَ وَإِلَّا فَلَا يَزْدَادُ النَّاسُ بِهِ إلَّا تَمَادِيًا فِي الضَّلَالِ فَيَجِبُ أَنْ يُضْرَبَ بَيْنَ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءِ حَائِلٌ يَمْنَعُ مِنْ النَّظَرِ فَإِنَّهُ مَظِنَّةُ الْفَسَادِ. وَيَجِبُ مَنْعُ النِّسَاءِ مِنْ حُضُورِ الْمَسَاجِد لِلصَّلَاةِ وَلِمَجَالِس الذِّكْرِ إذَا خِيفَتْ الْفِتْنَةُ اهـ. فَتَأَمَّلْهُ تَجِدْهُ صَرِيحًا أَيْضًا فِيمَا قَدَّمْته وَفِي الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَلِأَنَّهَا أَيْ: الْمَرْأَةُ لَا تَخْتَلِطُ بِالرِّجَالِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَتَأَمَّلْهُ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِي حُرْمَةِ الِاخْتِلَاط وَهُوَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْفِتْنَةِ وَبِهِ يَتَأَيَّدُ مَا مَرَّ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الْحِصْنِيِّ كَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِهِ فِي شَرْحِ أَبِي شُجَاعٍ وَغَيْرِهِ وَقَدْ

أَطَالَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي الْقَطْعُ فِي زَمَانِنَا بِتَحْرِيمِ خُرُوجِ الشَّابَّات وَذَوَات الْهَيْئَات لِكَثْرَةِ الْفَسَادِ وَالْمَعْنَى الْمُجَوِّزُ لِلْخُرُوجِ فِي خَيْرِ الْقُرُونِ قَدْ زَالَ وَأَيْضًا فَكُنَّ لَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ وَيَغْضُضْنَ أَبْصَارهنَّ وَكَذَا الرِّجَالُ وَمَفَاسِدُ خُرُوجِهِنَّ الْآنَ مُحَقَّقَةٌ وَذَكَرَ مَا مَرَّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَنَقَلَهُ عَنْ غَيْرِهَا أَيْضًا مِمَّنْ مَرَّ ذِكْرُهُمْ ثُمَّ قَالَ: وَلَا يَتَوَقَّفُ فِي مَنْعِهِنَّ إلَّا غَبِيٌّ جَاهِلٌ قَلِيلُ الْبِضَاعَة فِي مَعْرِفَةِ أَسْرَارِ الشَّرِيعَة قَدْ تَمَسَّك بِظَاهِرِ دَلِيلٍ حَمْلًا عَلَى ظَاهِرِهِ دُونَ فَهْمِ مَعْنَاهُ مَعَ إهْمَالِهِمْ فَهْمَ عَائِشَةَ وَمَنْ نَحَا نَحْوَهَا وَمَعَ إهْمَالِ الْآيَات الدَّالَّةِ عَلَى تَحْرِيمِ إظْهَارِ الزِّينَةِ وَعَلَى وُجُوبِ غَضِّ الْبَصَرِ فَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِالتَّحْرِيمِ وَالْفَتْوَى بِهِ اهـ. وَهَذَا حَاصِلُ مَذْهَبِنَا وَاحْذَرْ مِنْ إنْكَارِ شَيْءٍ مِمَّا مَرَّ قَبْلَ التَّثَبُّت فِيهِ وَلَا تَغْتَرّ بِمَنْ تَمَوَّهَ بِلِسَانِهِ وَتَفَوَّهَ بِمَا لَا خِبْرَةَ لَهُ بِهِ فَإِنَّ الْعِلْمَ أَمَانَةٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلِيُّ التَّوْفِيق وَالْإِعَانَة سُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا صُورَتُهُ مَا حَدُّ جَارِ الْمَسْجِدِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْقَفَّالِ جِوَارُهُ أَرْبَعُونَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ. كَمَا فِي الْوَصِيَّة وَقَالَ غَيْرُهُ أَخْذًا مِنْ الْأَحَادِيث هُوَ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ أَيْ: إذَا كَانَ الْمُنَادِي فِي أَرْضِ الْمَسْجِدِ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ هُنَا لِتَسْمِيَةِ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ جَارًا مَا ذَكَرُوهُ فِي الْجُمُعَةِ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرِ نِدَاءٌ حَيْثُ يُؤَذِّنُ كَعَادَتِهِ وَهُوَ عَلَى الْأَرْضِ فِي طَرَفِ الْمَسْجِدِ الَّذِي يَلِيهِمْ وَالْأَصْوَات هَادِيَةٌ وَالرِّيَاحُ رَاكِدَةٌ وَأَنْ يَكُونَ الْمُصْغِي لِلنِّدَاءِ مُعْتَدِلَ السَّمْعِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ قَوْلِ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ حَرُمَ عَلَى الْإِمَامِ الِانْتِظَارُ هَلْ هُوَ مُشْكِلٌ بِكَرَاهَةِ الِانْتِظَارِ فِي الصَّلَاةِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَيْسَ بِمُشْكِلٍ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِالِانْتِظَارِ فِي الصَّلَاةِ يَحْصُلُ لِلْمَأْمُومِينَ فِي مُقَابَلَةِ تَضَرُّرِهِمْ بِهِ عِبَادَةٌ بِخِلَافِ الِانْتِظَارِ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْصُلَ لَهُمْ فِي مُقَابَلَته شَيْءٌ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ قَوْلِهِمْ يُسَنُّ انْتِظَارُ الْمَأْمُوم فِي الرُّكُوعِ وَالتَّشَهُّد الْأَخِيرِ هَلْ يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ شَيْءٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُزَادُ عَلَيْهِ الْمَزْحُوم فَيُسَنُّ انْتِظَاره فِي الْقِرَاءَة وَالْمُوَافِق الْبَطِيءُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُسَنَّ انْتِظَاره فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَة وَيَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ يُلْحَقَ بِالْمَزْحُومِ الْمُوَافِق إذَا شَرَعَ الْإِمَامُ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ. ثُمَّ جَرَى هُوَ جَهْلًا عَلَى تَرْتِيبِ صَلَاةِ نَفْسِهِ فَيُسَنُّ انْتِظَاره فِي الْقِيَامِ أَيْضًا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ إذَا كَانَ الْمَسْجِدُ مَطْرُوقًا كَالْجَامِعِ عِنْدَنَا بِالشَّحْنِ وَلَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ مُتَوَلِّي وَظِيفَةَ الْإِمَامَة عَلَى حَسَبِ مَا ذَكَرَهُ الْوَاقِفُ فَهَلْ لِغَيْرِهِ أَنْ يُقِيمَ الْجَمَاعَة فِيهِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّي الْإِمَامُ الْمَذْكُور وَعِبَارَةُ سَيِّدِنَا الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ فِي الْمُهَذَّبِ وَإِنْ حَضَرُوا وَالْإِمَامُ لَمْ يَحْضُرْ فَإِنْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ إمَامٌ رَاتِبٌ قَرِيبٌ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُبْعَثَ إلَيْهِ لِيَحْضُر؛ لِأَنَّ فِي تَفْوِيتِ الْجَمَاعَة عَلَيْهِ افْتِيَاتًا وَإِفْسَادًا لِلْقُلُوبِ. وَإِنْ خُشِيَ فَوَاتُ أَوَّلِ الْوَقْتِ لَمْ يَنْتَظِرُوا؛ لِأَنَّ «النَّبِيَّ ذَهَبَ لِيُصْلِحَ بَيْنَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَقَدَّمَ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَحَضَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يُنْكِرْ» . قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِهِ لِلْمُهَذَّبِ حَدِيثُ قِصَّةِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَصْحَاب إذَا حَضَرَتْ الْجَمَاعَة وَلَمْ يَحْضُرْ إمَامٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَسْجِدِ إمَامٌ رَاتِبٌ قَامَ وَاحِدٌ وَصَلَّى بِهِمْ وَإِنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا بَعَثُوا إلَيْهِ مَنْ يَسْتَعْلِمُ خَبَرَهُ لِيَحْضُر أَوْ يَأْذَنَ لِمَنْ يُصَلِّي بِهِمْ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا أَوْ لَمْ يُوجَدْ فِي مَوْضِعِهِ. فَإِنْ عَرَفُوا مِنْ حُسْنِ خُلُقِهِ أَنَّهُ لَا يَتَأَذَّى بِتَقَدُّمِ غَيْرِهِ وَلَا تَحْصُلُ بِسَبَبِهِ فِتْنَةٌ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَحَدُهُمْ وَيُصَلِّي بِهِمْ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُور وَيُحْفَظُ أَوَّلُ الْوَقْتِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْلَاهُمْ بِالْإِمَامَةِ وَأَحَبُّهُمْ إلَى الْإِمَامِ فَإِنْ خَافُوا أَذَاهُ أَوْ فِتْنَةً انْتَظَرُوهُ وَإِنْ طَالَ الِانْتِظَارُ وَخَافُوا فَوَاتَ الْوَقْتِ كُلِّهِ صَلَّوْا جَمَاعَةً هَكَذَا ذَكَرَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَاب اهـ. كَلَامُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِحُرُوفِهِ. وَقَالَ سَيِّدُنَا الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ فِي الْمُهَذَّبِ وَإِنْ حَضَرَ وَقَدْ فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ إمَامٌ رَاتِبٌ كُرِهَ

لَهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ فِيهِ الْجَمَاعَة؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ قَصَدَ الْكِيَادَ وَالْإِفْسَادَ فَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ فِي السُّوقِ أَوْ مَمَرِّ النَّاسِ لَمْ يُكْرَهْ أَنْ يَسْتَأْنِفَ فِيهِ الْجَمَاعَة؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْأَمْرُ الْكِيَادَ وَالْإِفْسَادَ فَإِنْ حَضَرَ وَلَمْ يَجِدْ إلَّا مَنْ صَلَّى اُسْتُحِبَّ لِمَنْ حَضَرَ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُ لِتَحْصُل لَهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَة. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَقَامَ رَجُلٌ فَصَلَّى» مَعَهُ اهـ. لَفْظُ الْمُهَذَّبِ بِحُرُوفِهِ قَالَ فِي شَرْحِهِ سَيِّدُنَا الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ إنَّ الْمَسْجِدَ الْمَطْرُوق لَا تُكْرَهُ فِيهِ جَمَاعَةٌ بَعْدَ جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَة فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ إمَامٌ رَاتِبٌ وَلَيْسَ هُوَ مَطْرُوقًا كُرِهَ لِغَيْرِهِ إقَامَةُ الْجَمَاعَة فِيهِ ابْتِدَاءً قَبْلَ فَوَاتِ مَجِيءِ إمَامِهِ وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ كُرِهَ أَيْضًا جَمَاعَةٌ أُخْرَى فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. إذًا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُور وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْأَذَانِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ مَطْرُوقًا أَوْ غَيْرَ مَطْرُوقٍ وَلَيْسَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ لَمْ يُكْرَهْ إقَامَةُ الْجَمَاعَة الثَّانِيَة فِيهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ اهـ لَفْظُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِحُرُوفِهِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَلَوْ حَضَرَ قَوْمٌ فِي مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ. فَهُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ. فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ إمَامُهُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُبْعَثَ إلَيْهِ لِيَحْضُر وَإِنْ خِيفَ فَوَاتُ أَوَّلِ الْوَقْتِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَتَقَدَّمَ غَيْرُهُ. قُلْت تَقَدُّمُ غَيْرِهِ مُسْتَحَبٌّ إنْ لَمْ يُخَفْ فِتْنَةٌ فَإِنْ خِيفَ صَلَّوْا فُرَادَى وَيُسْتَحَبّ لَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا مَعَهُ إذَا حَضَرَ بَعْدَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ فِي آخِرِ الْبَابِ وَلَوْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ إمَامٌ رَاتِبٌ كُرِهَ لِغَيْرِهِ إقَامَةُ الْجَمَاعَة فِيهِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ مَطْرُوقًا فَلَا بَأْسَ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَة فِي بَابِ الْأَذَانِ اهـ لَفْظُهُ هُنَا بِحُرُوفِهِ وَكَلَامُهُ هُنَا فِي الرَّوْضَةِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَطْرُوقًا لَا تُكْرَهُ الْجَمَاعَة الْأُولَى فِيهِ. وَكَلَامُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ السَّابِقِ يُخَالِفُهُ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَ ذَلِكَ بِالْجَمَاعَةِ الثَّانِيَة وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بَابُ تَقْدِيمِ الْجَمَاعَة مَنْ يُصَلِّي بِهِمْ إذَا تَأَخَّرَ الْإِمَامُ فِيهِ حَدِيثُ تَقَدُّمِ أَبِي بَكْرٍ وَحَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَأَنَّ الْإِمَامَ إذَا تَأَخَّرَ عَنْ الصَّلَاةِ تَقَدَّمَ غَيْرُهُ إذَا لَمْ يُخَفْ فِتْنَةٌ وَإِنْكَارٌ مِنْ الْإِمَامِ اهـ وَهَذَا يُخَالِفُهُ أَيْضًا فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ فِي الْمَطْرُوق وَفِي شَرْحِ التَّنْبِيه لِلْأَزْرَقِيِّ بَعْدَ قَوْلِ التَّنْبِيه إذَا كَانَ لِلْمَسْجِدِ إمَامٌ رَاتِبٌ كُرِهَ لِغَيْرِهِ إقَامَةُ الْجَمَاعَة فِيهِ مَا لَفْظُهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ لِلْإِمَامِ حَالَيْنِ فَذَكَرَ الْحَالَ الْأَوَّلَ وَالْخِلَافَ فِيهِ ثُمَّ قَيَّدَهُ بِالْمَطْرُوقِ. ثُمَّ قَالَ الْحَالَةُ الثَّانِيَة إنْ كَانَ الْإِمَامُ لَمْ يَصِلْ وَذَكَرَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ إلَى آخِرِهِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْمَطْرُوقِ كَمَا قَيَّدَ بِهِ الْحَالَةَ الْأُولَى وَأَمَّا الشَّيْخُ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فَقَالَ فِيهِ فِي آخِرِ الْبَابِ بَعْدَ قَوْلِ الرَّوْضِ وَيُكْرَهُ أَنْ تُقَامَ جَمَاعَةٌ فِي مَسْجِدٍ بِغَيْرِ إذْنِ إمَامِهِ الرَّاتِبِ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ مَعَهُ إلَّا إنْ كَانَ الْمَسْجِدُ مَطْرُوقًا فَلَا يُكْرَهُ إقَامَتُهَا فِيهِ وَقَالَ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ بَعْدَ قَوْلِ الرَّوْضِ وَإِمَامُ الْمَسْجِدِ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ وَيُبْعَثُ لَهُ فَإِنْ خِيفَ فَوَاتُ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَأُمِنَتْ الْفِتْنَةُ أَمَّ غَيْرُهُ وَإِلَّا صَلَّوْا فُرَادَى قَالَ فِي شَرْحِهِ ثُمَّ مَحَلُّ ذَلِكَ فِي مَسْجِدٍ غَيْرِ مَطْرُوقٍ. وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلُّوا أَوَّلَ الْوَقْتِ جَمَاعَةً كَمَا سَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ اهـ فَأَخَذَ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِظَاهِرِ إطْلَاقِ الرَّوْضَةِ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى مُخَالَفَةِ كَلَامِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِهَذَا الظَّاهِرِ وَلَا نَظَرَ أَيْضًا إلَى كَلَامِ شَرْحِ مُسْلِمٍ. وَلَا شَكَّ أَنَّا إذَا اعْتَمَدْنَا هَذَا الظَّاهِرَ كَانَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِكَلَامِ الشَّيْخِ فِي الْمُهَذَّبِ نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ وَكَلَامِ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَتَأَمَّلُوا حَفِظَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ وَهَلْ لِعِبَارَتِهِ هَذِهِ مَحْمَلٌ آخَرُ وَفِي الْمُنْتَقَى لِلنَّشَائِيِّ وَلَوْ حَضَرَ قَوْمٌ بِمَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ فَهُوَ أَوْلَى فَإِنْ غَابَ نُدِبَ طَلَبُهُ إنْ أُمِنَ وَقْتُ الْفَضِيلَة وَإِلَّا فَيُقَدَّمُ غَيْرُهُ قُلْت بِأَمْنِ الْفِتْنَةِ وَإِلَّا صَلَّوْا فُرَادَى وَإِنْ حَضَرَ بَعْدَ إقَامَةِ الْجَمَاعَة لَمْ يُكْرَهْ لَهُمْ إقَامَتُهَا. إذَا لَمْ يَكُنْ رَاتِبٌ أَقُولُ وَفِيهِ وَجْهٌ وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ فِي الْأَذَانِ يُكْرَهُ قُلْت وَلَا كَرَاهَةَ بِالْمَطْرُوقِ كَيْفَ خُصِّصَ الْمَطْرُوق بِالصُّورَةِ الثَّانِيَة وَلَمْ يَذْكُرْهُ حَيْثُ ذَكَرَهُ آخِرَ الْبَابِ فِي الرَّوْضَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّعْلِيل بِأَنَّ فِي تَفْوِيتِ الْجَمَاعَة عَلَيْهِ افْتِيَاتًا وَإِفْسَادًا لِلْقُلُوبِ يَشْمَلُ الْمَطْرُوق وَغَيْرَهُ ` فَتَأَمَّلُوا ذَلِكَ حَفِظَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى تَأَمُّلًا شَافِيًا وَأَوْضِحُوا الْجَوَابَ وَاذْكُرُوا النَّقْلَ فِي الْمَسْأَلَة إنْ كَانَ. وَإِنْ كَانَ

لِلْمُتَأَخِّرِينَ كَلَامٌ فِيهَا فَاسْتَوْعِبُوهُ مَأْجُورِينَ لَا عَدِمَكُمْ الْمُسْلِمُونَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ بَلْ صَرَّحَتْ بِهِ وَأَقَرَّهَا الْمُتَأَخِّرُونَ أَنَّ الْمَسْجِدَ الْمَطْرُوق لَا تُكْرَهُ الْجَمَاعَة فِيهِ قَبْلَ الْإِمَامِ وَلَا بَعْدَهُ بَلْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ كَرَاهَةِ الْجَمَاعَة الثَّانِيَة وَجَزَمَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِأَنَّ إقَامَةَ الْجَمَاعَة مَعَهُ كَذَلِكَ وَلَّى مُدَّة طَوِيلَة أَتَطْلُبُ لَهُ صَرِيحًا مِنْ كَلَامِهِمْ فَلَمْ أَجِدْهُ وَإِنَّمَا غَايَةُ مَا يُسْتَدَلُّ لَهُ بِهِ عُمُومُ إطْلَاقهمْ أَنَّ الْمَطْرُوق يُخَالِفُ غَيْرَهُ لَكِنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ بَحْثٍ وَوَجْهُ عَدَمِ كَرَاهَةِ مَا ذُكِرَ فِي الْمَطْرُوق. انْتِفَاءُ السَّبَبِ الَّذِي كُرِهَ لِأَجْلِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ يُورِثُ قَدْحًا فِي الْإِمَامِ وَطَعْنًا فِيهِ وَإِنَّمَا يَقْوَى ذَلِكَ عِنْدَ كَوْنِ الْمَسْجِدِ غَيْرَ مَطْرُوقٍ بِخِلَافِ الْمَطْرُوق فَإِنَّ النَّاسَ يَكْثُرُ وُرُودُهُمْ عَلَيْهِ فَلَا يُتَخَيَّلُ فِي تَعَدُّدِ الْجَمَاعَاتِ حِينَئِذٍ قَدْحٌ فِي الْإِمَامِ نَعَمْ إنْ أَلِفَ ذَلِكَ إلَّا مِنْ مُتَصَدٍّ لَهُ بِحَيْثُ يُقْطَعُ مِنْ قَرَائِنِ أَحْوَالِهِ أَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ بِذَلِكَ مُضَادَّةَ الْإِمَامِ وَالطَّعْنَ فِيهِ فَلَا يَبْعُدُ حِينَئِذٍ الْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ وَإِنْ تُخُيِّلَ مِنْ كَلَامِهِمْ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا قَيَّدُوا بِذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرِ الْمَطْرُوق لَكِنْ نَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ النَّصِّ. وَاعْتَمَدُوهُ أَنَّ مَحَلَّ كَرَاهَةِ إقَامَةِ الْجَمَاعَة بَعْدَهُ فِي غَيْرِ الْمَطْرُوق مَا إذَا كَانُوا يُعَادُونَهُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الْعَدَاوَةِ وَالِاخْتِلَافِ فَيُفَوِّتُ مَقْصُودَ الْجَمَاعَة وَاعْتَمَدَ صَاحِبُ الْوَافِي أَيْضًا ذَلِكَ فَقَالَ مَحَلُّ كَرَاهَةِ ذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَطْرُوق فِي جَمْعِ مَخْصُوصِينَ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى إفْسَادهمْ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّفَقَ ذَلِكَ لِأَعْذَارٍ خَلَّفَتْهُمْ عَنْهُ فَلَا يُكْرَهُ وَكَذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ فَقَالَ وَيُشْبِهُ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا أُقِيمَتْ الْجَمَاعَة بَعْدَهُ مُرَاغَمَةً لَهُ أَوْ إظْهَارًا لِكَرَاهَةِ الصَّلَاةِ مَعَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَصْحَاب مَا يُعَضِّدُهُ اهـ لَكِنْ قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلهمْ الْكَرَاهَة بِمَا ذُكِرَ الْكَرَاهَة فِي مَسْأَلَتنَا أَيْضًا. وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ مَفْرُوضَةً فِي غَيْرِ الْمَطْرُوق وَمَسْأَلَتنَا مَفْرُوضَةٌ فِي الْمَطْرُوق وَكَثِيرًا مَا يَذْكُرُونَ تَعَارُضَ الْعِلَّةِ وَالْمُعَلَّلِ وَيَأْخُذُونَ بِقَضِيَّةِ الْعِلَّةِ تَارَةً وَالْمُعَلَّلِ أُخْرَى بِحَسَبِ الْمُدْرَكِ وَالْعَمَلُ هُنَا بِقَضِيَّةِ الْعِلَّةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَهُ مَزِيدُ اعْتِنَاءٍ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى وُقُوعِ الْأُلْفَةِ وَعَدَمِ التَّنَافُر وَإِظْهَارِ الْعَدَاوَة بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ هَذَا مَا يَتَلَخَّصُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة وَبَعْدَ ذَلِكَ نَرْجِعُ إلَى مَا فِي السُّؤَالِ فَنَقُولُ قَوْلَ الْمَجْمُوع. قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَاب إذَا حَضَرَتْ الْجَمَاعَة وَلَمْ يَحْضُرْ إمَامٌ إلَخْ مَحَلُّهُ فِي الْمَطْرُوق لِمَا صَرَّحَ بِهِ هُوَ بَعْدَ ذَلِكَ وَالتَّقْيِيدِ فِي قَوْلِهِ وَخَافُوا فَوَاتَ الْوَقْتِ كُلِّهِ. إنَّمَا هُوَ؛ لِأَنَّهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُسَنُّ لَهُمْ التَّجَمُّع وَإِنْ خَافُوا فِتْنَتَهُ كَمَا بَسَطْته فِي بُشْرَى الْكَرِيمِ وَقَوْلُ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَكَلَامُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ يُخَالِفُهُ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَ ذَلِكَ بِالْجَمَاعَةِ الثَّانِيَة يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَلْ صَرَّحَ فِيهِ بِمَسْأَلَةِ الْجَمَاعَة الْأُولَى أَيْضًا حَيْثُ قَالَ كَمَا حَكَى فِي السُّؤَال قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ إمَامٌ رَاتِبٌ وَلَيْسَ هُوَ مَطْرُوقًا كُرِهَ لِغَيْرِهِ إقَامَةُ الْجَمَاعَة ابْتِدَاءً إلَخْ فَقَيَّدَ كَرَاهَةَ الْجَمَاعَة الْأُولَى قَبْلَ الْإِمَامِ بِغَيْرِ الْمَطْرُوق فَأَفْهَمَ أَنَّ الْمَطْرُوق لَا تُكْرَهُ فِيهِ الْجَمَاعَة الْأُولَى قَبْلَ الْإِمَامِ ثُمَّ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا تُكْرَهُ فِيهِ الْجَمَاعَة الثَّانِيَة أَيْضًا. فَلَا مُخَالَفَةَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يُكْرَهْ إقَامَةُ الْجَمَاعَة الثَّانِيَة فِيهِ لَا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ الْأُولَى بَلْ هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ وَلَك حَمْلُ قَوْلِهِ الثَّانِيَة عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا أَنَّهَا ثَانِيَةٌ بِالنَّظَرِ إلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ فَتَشْمَلُ الْمُتَقَدِّمَة عَلَيْهَا وَالْمُتَأَخِّرَة عَنْهَا فَحِينَئِذٍ لَا مُخَالَفَةَ أَيْضًا بَلْ يَكُونُ مُصَرِّحًا بِالْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ. وَمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ مِنْ مُخَالَفَةِ مُسْلِمٍ لِمَا فِي الرَّوْضَةِ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ كَلَامَهُ فِي الْمَطْرُوق عَلَى مَا فِيهِ لَا نُسَلِّمُ الْمُخَالَفَةَ فَإِنَّهُ قَيْدٌ تَقَدَّمَ غَيْرُهُ بِمَا إذَا لَمْ تُخَفْ فِتْنَةٌ وَنَحْنُ نَلْتَزِمُ أَنَّهُ فِي الْمَطْرُوق لَوْ خُشِيَ مِنْ تَقَدُّمِ غَيْرِهِ عِنْدَ غَيْبَتِهِ الْقَرِيبَة فِتْنَةٌ كُرِهَ عَلَى مَا قَدَّمْنَا بَلْ قَدْ يَنْتَهِي الْأَمْرُ إلَى الْحُرْمَةِ بِحَسَبِ تَفَاقُمِ تِلْكَ الْفِتْنَةِ وَعَدَمِهِ وَفَرْقٌ بَيْنَ الْفِتْنَةِ الَّتِي هِيَ نَحْوُ الضَّرْبِ وَمُجَرَّدِ تَشَاحُنٍ أَوْ تَقَاطُعٍ وَمَا ذُكِرَ عَنْ الْأَزْرَقِيِّ وَهُوَ كَوْنُهُ لَمْ يُقَيَّدْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ مَعَ مَا تَقَرَّرَ مِنْ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا وَقَوْلُ السَّائِلِ فَأَخَذَ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِظَاهِرِ إطْلَاقِ الرَّوْضَةِ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى مُخَالَفَةِ كَلَامِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إلَخْ عُلِمَ الْجَوَابُ عَنْهُ مِمَّا مَرَّ وَأَنَّ كَلَامَ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مُوَافِقٌ لَا مُخَالِفٌ. وَقَوْلُهُ

فَانْظُرْ كَيْفَ خَصَّ الْمَطْرُوق بِالصُّورَةِ الثَّانِيَة إلَخْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ عِبَارَتَهُ تَقْتَضِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مَا قَبْلُ قُلْت فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَة بَلْ عِبَارَتُهُ تَقْضِي بِإِطْلَاقِهَا أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي الْمَطْرُوق مُطْلَقًا وَعَلَى التَّنَزُّل فَهُوَ حَاكٍ لِعِبَارَةِ الرَّوْضَةِ وَعِبَارَتُهَا صَرِيحَةٌ فِي الْإِطْلَاق فَلَا نَظَرَ لِعِبَارَتِهِ وَقَوْلُهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّعْلِيل أَنَّ فِي تَفْوِيتِ الْجَمَاعَة عَلَيْهِ إلَخْ قَدْ مَرَّ الْجَوَابُ عَنْهُ. (سُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ مَسْبُوقٍ رَكَعَ مَعَ الْإِمَامِ وَشَكَّ فِي رُكُوعِهِ فِي نِيَّةِ الِاقْتِدَاء هَلْ يَنْوِي فِيهِ الِاقْتِدَاء كَالْمُوَافِقِ أَوْ لَا حَتَّى يَعُودَ إلَى الْقِيَامِ وَإِذَا عَلَّقَ الْمَأْمُوم إبْطَالَ الْمُتَابَعَةِ بِشَيْءٍ هَلْ تَبْطُلُ بِهِ الْمُتَابَعَةُ أَوْ لَا حَتَّى يُوجَدَ الْمُعَلَّق عَلَيْهِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَد كَمَا حَرَّرْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ أَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي نِيَّةِ الِاقْتِدَاء صَارَ كَالْمُنْفَرَدِ فَإِنْ تَابَعَهُ بَعْدَ أَنْ انْتَظَرَهُ كَثِيرًا لِذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا وَفَرَّقْت ثَمَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّكِّ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا أَثَّرَ لِكَوْنِهِ فِي الْحَقِيقَة لَيْسَ فِي صَلَاةٍ وَإِنَّمَا اُغْتُفِرَ لَهُ ذَلِكَ مَعَ قِصَرِ الزَّمَنِ لِكَثْرَةِ عُرُوض مِثْلِ ذَلِكَ فَلَوْ لَمْ يُغْتَفَرْ قَلِيلُهُ لَشَقَّ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ. وَإِنْ شَكَّ فِي نِيَّةِ الِاقْتِدَاء هُوَ فِي الْحَقِيقَة فِي صَلَاةٍ فَهُوَ كَالْمُنْفَرِدِ. فَلَا فَرْقَ وَلَا بُدَّ مِنْ مُبْطِلٍ وَهُوَ مَا مَرَّ مِنْ الْمُتَابَعَةِ مَعَ الِانْتِظَارِ الْكَثِيرِ وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ بِالشَّكِّ فِي نِيَّةِ الِاقْتِدَاء يَصِيرُ مُنْفَرِدًا فَإِذَا كَانَ مَسْبُوقًا وَعَرَضَ لَهُ ذَلِكَ فِي رُكُوعِهِ مَعَ الْإِمَامِ قَبْلَ أَنْ يُتِمّ الْفَاتِحَة لَزِمَهُ بِمُجَرَّدِ عُرُوضِهِ لَهُ الْعَوْدُ إلَى الْقِيَامِ وَإِكْمَالِ الْفَاتِحَة؛ لِأَنَّ الْفَاتِحَة لَا تَسْقُطُ إلَّا عَنْ مَسْبُوقٍ مُتَحَقِّقٍ نِيَّة الْقُدْوَةِ لِيَتَحَمَّل عَنْهُ الْإِمَامُ حِينَئِذٍ وَأَمَّا مَعَ الشَّكِّ فَلَا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ بِالشَّكِّ صَارَ مُنْفَرِدًا وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَمِنْ ثَمَّ لَمَّا ذَكَرَ الْعُبَابُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُقْرِنْ نِيَّةَ الِاقْتِدَاء بِالْإِحْرَامِ صَارَ مُنْفَرِدًا فَإِنْ نَوَى مُفَارَقَتَهُ فَوَاضِحٌ. وَإِنْ تَابَعَهُ بِلَا تَجْدِيدِ نِيَّةٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ انْتَظَرَهُ كَثِيرًا عُرْفًا وَإِلَّا فَلَا قُلْت فِي شَرْحِ ذَلِكَ تَقْيِيدًا لَهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ نَقْلًا عَنْ الْمُعْتَمَد وَالذَّخَائِرِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُخِلَّ تَرْتِيبَ صَلَاةِ نَفْسِهِ وَيَقْرَأَ حَالَ قِيَامِهِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي صَلَاتِهِ بِحُكْمِ الِانْفِرَادِ فَإِنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مِمَّا يَتَحَمَّلهُ الْإِمَامُ بَطَلَتْ قَطْعًا اهـ. وَهُوَ وَاضِحٌ وَبِهِ يُعْلَمُ مَا ذَكَرْته فِي مَسْأَلَتنَا أَنَّ الْمَسْبُوق بِمُجَرَّدِ الشَّكِّ فِي نِيَّةِ الِاقْتِدَاء وَهُوَ فِي الرُّكُوعِ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ لِلْقِيَامِ وَإِتْمَامِ الْفَاتِحَة ثُمَّ بَعْدَ إتْمَامِهَا إنْ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ لَزِمَهُ مُوَافَقَته وَإِلَّا اسْتَمَرَّ عَلَى حُكْمِ الِانْفِرَادِ. وَبِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الشَّكِّ فِي نِيَّةِ الِاقْتِدَاء يَصِيرُ مُنْفَرِدًا يُعْلَمُ أَنَّهُ إذَا عَلَّقَ نِيَّةَ قَطْعِهَا عَلَى شَيْءٍ يُحْتَمَلُ وُجُودُهُ وَلَوْ نَادِرًا بَطَلَتْ نِيَّةُ اقْتِدَائِهِ وَصَارَ مُنْفَرِدًا لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ التَّعْلِيق يُنَافِي الْجَزْمَ فَهُوَ بَعْدَهُ كَالشَّاكِّ بِجَامِعِ فَوَاتِ الْجَزْمِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الشَّكِّ يَصِيرُ مُنْفَرِدًا لِفَوَاتِ الْجَزْمِ الْمُشْتَرَطِ فِي النِّيَّات فَكَذَلِكَ بِمُجَرَّدِ التَّعْلِيق الْمَذْكُور يَصِيرُ مُنْفَرِدًا لِفَوَاتِ الْجَزْمِ الْمَذْكُور وَقَدْ ذَكَرُوا فِي تَعْلِيقِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ مَا يُصَرِّحُ بِمَا ذَكَرْته. (وَسُئِلَ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ إعَادَةِ الصَّلَاةِ مَعَ جَمَاعَةٍ هَلْ تَتَقَيَّدُ بِمَرَّةٍ كَمَا قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ أَوْ لَا كَمَا فِي التَّعَقُّبَاتِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَعَادَهَا مَرَّةً ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً ثَالِثَةً فَاَلَّذِي يَظْهَرُ الِاسْتِحْبَابُ كَالثَّانِيَةِ وَهَكَذَا أَبَدًا اهـ. فَإِنْ قُلْتُمْ تَتَقَيَّدُ بِمَرَّةٍ فَمَا الدَّلِيلُ عَلَيْهِ وَهَلْ يُحْكَمُ عَلَى مَنْ زَادَ عَلَى مَرَّةٍ بِالْكَرَاهَةِ أَوْ الْبُطْلَانِ وَالتَّحْرِيمِ وَظَاهِرُ بَعْضِ الْأَحَادِيث الَّتِي رَأَيْنَاهَا مُطْلَقَةٌ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِمَرَّةٍ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ لَا يَدُلُّ عَلَى تَكْرَارٍ وَلَا عَلَى مَرَّةٍ وَالْحُكْمُ الْمُرَتَّب عَلَى الْوَصْفِ الْمُنَاسِب يُشْعِرُ بِعِلِّيَّتِهِ فَيَتَكَرَّر الْحُكْمُ بِتَكَرُّرِ عِلَّتِهِ كَمَا لَا يَخْفَى فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَمَا وَجْهُ الْمَنْعِ مِنْ الزِّيَادَة وَمَا وَجْهُ التَّقْيِيد بِالْمَرَّةِ وَهَلْ وَرَدَ شَيْءٌ بِالتَّقْيِيدِ. أَوْ بِالْمَنْعِ مِنْ الزِّيَادَة أَوْ لَا أَلَيْسَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ» كَقَوْلِهِ «إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ. وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْفَى فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى التَّكْرَار هُنَا وَالتَّقْيِيدِ ثَمَّ بِالْمَرَّةِ وَقَالَ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَعْلِيلًا وَإِلَّا لَزِمَ اسْتِغْرَاق ذَلِكَ لِلْوَقْتِ اهـ فَلَوْ اسْتَغْرَقَهُ مُتَجَرِّدٌ لِلْعِبَادَةِ بَعْدَ أَدَاءِ جَمِيعِ نَوَافِلِ الْوَقْتِ آدَابِهَا بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ فَهَلْ يُكْرَهُ أَوْ يَحْرُمُ وَهَلْ يُمْنَعُ فَاعِلُهُ أَوْ لَا مَعَ أَنَّ

الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَاءَة وَالذِّكْرِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِمَا. وَإِنَّمَا أَطَلْنَا الْكَلَامَ فِي هَذَا بِمَا لَا يَلِيقُ طَلَبًا لِزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ وَالتَّحْقِيقِ وَلِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ مُوَاظِبُونَ عَلَيْهَا فَالْمَسْئُول كَشَفَ ذَلِكَ بِمَا هُوَ الْأَلْيَقُ لِلْمُتَجَرِّدِ لِلْعِبَادَةِ بَعْدَ أَدَاءِ نَوَافِلِ الْوَقْتِ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ عِبَارَتِي فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَإِنَّمَا تُسَنُّ الْإِعَادَة مَرَّةً فَقَطْ فَفِي الْخَادِمِ كَالتَّوَسُّطِ أَنَّ الْإِمَامَ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْإِعَادَة إنَّمَا تُسَنُّ مَرَّةً وَاحِدَةً قَالَ يَعْنِي الْإِمَام وَإِلَّا لَزِمَ اسْتِغْرَاق الْوَقْتِ وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنْ السَّلَفِ قَالَ جَمْعٌ مُحَقِّقُونَ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ يُفْهَمُ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَعِبَارَته وَيُصَلِّي الرَّجُلُ قَدْ صَلَّى مَرَّةً مَعَ الْجَمَاعَة كُلَّ صَلَاةٍ فَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرَّةً ظَاهِرٌ فِي الِاحْتِرَاز عَمَّنْ صَلَّى مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ وَبِهَذَا يُعْلَمُ تَزْيِيفُ قَوْلِ بَعْضِهِمْ وَمَا ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ التَّقْيِيد بِمَرَّةٍ لَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَمْ يَعْتَمِدْهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ سِوَى الْأَذْرَعِيِّ وَالْمُعْتَمَد اسْتِحْبَاب الْإِعَادَة مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَرَّةٍ أَوْ مَرَّات اهـ. فَقَوْلُهُ لَمْ يُوجَدْ إلَخْ يَرُدُّهُ وُجُودُهُ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ وَظُهُورُ النَّصِّ فِيهِ وَقَوْلُهُ لَمْ يَعْتَمِدْهُ إلَخْ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ ذَكَرَهُ وَرَدَّهُ وَكَفَى بِاعْتِمَادِ الْأَذْرَعِيِّ لَهُ مَعَ قَوْلِهِ إنَّ قُوَّةَ كَلَامِ الْإِمَامِ يُرْشِدُ إلَيْهِ. عَلَى أَنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ حَكَى عَنْ الْأَصْحَاب مَا يُصَرِّحُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّقْيِيد بِالْمَرَّةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ لِلْوَجْهِ الْقَائِلِ بِمَنْعِ الْإِعَادَة لِمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ دَلِيلًا وَتَعْلِيلًا أَمَّا الدَّلِيلُ فَخَبَرُ أَبِي دَاوُد «لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ» وَأَمَّا التَّعْلِيل فَهُوَ قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْإِعَادَة لِتَحْصِيلِ فَضْلِ الْجَمَاعَة وَقَدْ حَصَلَتْ لَهُ. وَلَوْ قِيلَ بِالْإِعَادَةِ لَقِيلَ إنَّهُ يُعِيدُهَا ثَانِيَةً وَثَالِثَةً وَرَابِعَةً وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَوَّلُونَ اهـ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمُلَازَمَةَ الَّتِي أَوْرَدَهَا قَائِلُ هَذَا الْوَجْهِ عَلَى الْقَائِلِينَ بِالْأَصَحِّ تَجِدْهَا مَعَ رِعَايَةِ أَنَّهَا لَا تَكُونُ غَالِبًا إلَّا فِي مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ صَرِيحَةً فِي امْتِنَاعِ الْإِعَادَة أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَاب الْقَائِلِينَ بِالْأَصَحِّ وَمُقَابِله وَإِلَّا لَمْ تَحْسُنْ الْمُلَازَمَةُ الْمَذْكُورَةُ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا حُجَّةٌ. قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَتَصْوِيرُهُمْ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْإِعَادَةَ إنَّمَا تُسْتَحَبُّ إذَا حَضَرَ فِي الثَّانِيَة مَنْ لَمْ يَحْضُرْ فِي الْأُولَى وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِلَّا لَزِمَ اسْتِغْرَاق ذَلِكَ لِلْوَقْتِ وَقَدْ يُقَالُ بِالِاسْتِحْبَابِ إذَا اخْتَلَفَتْ الْأَئِمَّة اهـ وَقَدْ نُظِرَ فِيهِ بِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَقُولَ تُسَنُّ الْإِعَادَة مَرَّةً فَقَطْ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ فَلَا مَعْنَى لِمَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ اسْتِغْرَاق وَإِنْ قَالَ بِالثَّانِي فَالِاسْتِغْرَاقُ لَازِمٌ لَهُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ وَعَجِيبٌ مِنْ شَيْخِنَا حَيْثُ اعْتَمَدَ نَدْبَ الْإِعَادَة مَرَّةً فَقَطْ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَهُ عَقِبَ ذَلِكَ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَلَا خَفَاءَ أَنَّ مَحَلَّ سَنِّهَا حَيْثُ لَمْ يُعَارِضْهَا مَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهَا وَإِلَّا فَقَدْ تَحْرُمُ وَقَدْ تُكْرَهُ وَقَدْ تَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ وَمِنْهَا يُعْلَمُ أَنَّ الْمَنْقُول الْمَنْصُوص عَلَيْهِ أَنَّ الْإِعَادَة لَا تُسَنُّ إلَّا مَرَّةً أَمَّا كَوْنُهُ الْمَنْقُول فَلِأَنَّ الْأَصْحَاب الْمَذْكُورِينَ مُتَّفِقُونَ عَلَيْهِ كَمَا قَرَّرْته وَأَمَّا كَوْنُهُ الْمَنْصُوص عَلَيْهِ لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلِقَوْلِهِ السَّابِقِ وَيُصَلِّي الرَّجُلُ قَدْ صَلَّى مَرَّةً مَعَ الْجَمَاعَة كُلَّ صَلَاةٍ فَقَوْلُهُ قَدْ صَلَّى مَرَّةً لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ فَائِدَةٌ وَإِلَّا كَانَ لَغْوًا. وَالشَّافِعِيُّ مِنْ أَعْلَامِ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ الَّذِينَ يُؤْخَذُ بِلُغَاتِهِمْ فَلَا يَقَعُ مِنْهُ هَذَا التَّقْيِيد وَهُوَ قَوْله مَرَّةً إلَّا لِفَائِدَةٍ هِيَ تَقْيِيدُ نَدْبِ الْإِعَادَة بِالْمَرَّةِ حَتَّى لَوْ صَلَّى مَرَّتَيْنِ لَمْ يُنْدَبْ لَهُ الثَّالِثَة فَصَحَّ لَنَا أَنْ نَقُولَ إنَّ التَّقْيِيد بِالْمَرَّةِ هُوَ الْمَنْقُول عَلَيْهِ وَيُعْلَمُ مِمَّا سَبَقَ أَيْضًا أَنَّ التَّعْلِيل بِاسْتِغْرَاقِ الْوَقْتِ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ لَا مِنْ كَلَامِ شَيْخِنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا لِمَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَلَكِنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَيْهِ حَتَّى يَرُدّ عَلَيْهِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ مِنْ اسْتِشْكَاله بَلْ ضَمَّ إلَيْهِ ضَمِيمَةً تُوَضِّحُ الْمُرَادَ. وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنْ السَّلَفِ أَيْ: مَعَ مَا عُلِمَ مِنْ أَحْوَالهمْ الْعَلِيَّة وَهِمَمِهِمْ الزَّكِيَّة وَمُثَابَرَتِهِمْ عَلَى أَنْوَاعِ الْعِبَادَات سِيَّمَا الصَّلَوَات فَلَوْ كَانَتْ الْإِعَادَة أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ مَشْرُوعَةً لَبَادَرُوا إلَيْهَا وَلَفَعَلُوهَا كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ فَلَمَّا أَعْرَضُوا عَنْهَا جُمْلَةً كَانَ فِي ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى عَدَمِ مَشْرُوعِيَّتِهَا فَحِينَئِذٍ مَعْنَى التَّعْلِيل بِاسْتِغْرَاقِ الْوَقْتِ أَنَّهُ لَوْ طُلِبَتْ إعَادَةٌ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ لَطُلِبَ مِنْ الشَّخْصِ اسْتِغْرَاق الْوَقْتِ بِهَا وَهَكَذَا فِي كُلِّ وَقْتٍ؛ لِأَنَّك إذَا فَرَضْته صَلَّى الظُّهْرَ أَوَّلَ وَقْتِهَا سُنَّ لَهُ إعَادَتُهَا إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ

فَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ سُنَّ لَهُ الْمُبَادَرَةُ بِهَا ثُمَّ إعَادَتُهَا إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ فَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ فَعَلَ كَذَلِكَ فَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ الْعِشَاءِ فَعَلَ كَذَلِكَ فَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ الصُّبْحِ فَعَلَ كَذَلِكَ فَلَزِمَ اسْتِغْرَاق جَمِيعِ أَوْقَاتِهِ وَفَاتَتْ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مَطْلُوبَاتِهِ وَمُهِمَّاتِهِ وَالْإِعَادَةُ لَيْسَتْ مِنْ السُّنَنِ الْمُتَأَكَّدَةِ لِوُقُوعِ الْخِلَافِ الشَّهِيرِ فِي امْتِنَاعِهَا فَلَا يَفُوتُ لِأَجْلِهَا مَطْلُوبَاتٌ أَهَمُّ مِنْهَا وَمِنْ ثَمَّ قَيَّدَ الْأَذْرَعِيُّ سَنَّ الْإِعَادَة مَعَ أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِنَدْبِهَا إلَّا مَرَّةً بِمَا إذَا لَمْ يُعَارِضْهَا مَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهَا قَالَ وَإِلَّا فَقَدْ تَحْرُمُ وَقَدْ تُكْرَهُ وَقَدْ تَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى اهـ. فَإِنْ قُلْتَ ذَلِكَ الِاسْتِغْرَاقُ إنَّمَا يَصْلُحُ عِلَّةً لِلْمَنْعِ فِي حَقٍّ غَيْرِ مُنْقَطِعٍ لِلْعِبَادَةِ لَا شُغْلَ لَهُ غَيْرُهَا أَمَّا هُوَ فَمَا وَجْهُ الْمَنْعِ فِيهِ قُلْتُ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْإِعَادَةَ مِنْ السُّنَنِ الَّتِي وَقَعَ الْخِلَافُ فِي أَصْلِ جَوَازِهَا فَضْلًا عَنْ تَكْرِيرِهَا فَالْأَوْلَى بِالتَّعَبُّدِ الْمَذْكُورِ الْإِعْرَاض عَنْهَا وَالِاشْتِغَالُ بِمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهَا حَتَّى مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ وَهِيَ النَّوَافِلُ الْمُطْلَقَةُ إذْ الِاشْتِغَالُ بِهَا وَاسْتِغْرَاقُ غَيْرِ أَوْقَاتِ الْكَرَاهَة بِهَا لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ بَلْ نَدْبِهِ فَكَانَ اللَّائِقُ بِهِ أَنْ يُمْنَعَ مِمَّا فِي جَوَازِهِ الْخِلَافُ الْقَوِيُّ وَيُؤْمَرُ بِالِاشْتِغَالِ بِمَا لَا خِلَافَ فِي فَضْلِهِ وَعَظِيمِ ثَوَابِهِ وَهُوَ النَّوَافِلُ الْمُطْلَقَةُ وَنَحْوُهَا فَنَتَجَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ بِأَحَدٍ إلَى أَنْ تُبَاحَ لَهُ الْإِعَادَة أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ. فَتَأَمَّلْهُ لِيُفْهَمَ مِنْهُ حِكْمَةُ مَنْعِ الْإِعَادَة أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ وَقَوْلُ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَهَلْ يُحْكَمُ عَلَى مَنْ زَادَ عَلَى الْمَرَّةِ بِالْكَرَاهَةِ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّا حَيْثُ قَيَّدْنَا بِالْمَرَّةِ قُلْنَا إنَّ الزِّيَادَة عَلَيْهَا مُحَرَّمَةٌ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مَتَى انْتَفَى الطَّلَبُ عَنْهَا لِذَاتِهَا كَانَتْ فَاسِدَةً فَيَحْرُمُ التَّلَبُّسُ بِهَا عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّ التَّلَبُّسَ بِالْعِبَادَةِ الْفَاسِدَة حَرَامٌ بَلْ لَوْ قُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ كَانَتْ فَاسِدَةً أَيْضًا نَظِيرَ مَا قَالُوهُ فِي الصَّلَاة الَّتِي لَا سَبَبَ لَهَا فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوه أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْكَرَاهَة لِلتَّنْزِيهِ وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ نَحْوَ ذَلِكَ. فَقُلْتُ فِيهِ مِنْ جُمْلَةِ مَسَائِل كَثِيرَةٍ أَبْدَيْتُهَا هُنَا لَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا ثُمَّ رَأَيْتُ مَا يُوَافِقُ مَا أَبْدَيْتُهُ. سَادِسُهَا أَنَّهُ لَوْ أَعَادَ مُنْفَرِدًا لَمْ تَنْعَقِدْ إذْ لَا عُذْرَ لَهُ وَالْأَصْلُ مَنْعُ الْإِعَادَة إلَّا لِسَبَبٍ وَلَمْ يُوجَدْ. وَأَمَّا مَا كَانَ يَفْعَلُهُ الْمُزَنِيّ مِنْ إعَادَةِ الَّتِي تَفُوتُهُ مَعَ الْجَمَاعَة خَمْسًا وَعِشْرِينَ مَرَّةً فَهُوَ إنْ صَحَّ عَنْهُ اخْتِيَارٌ لَهُ وَهَلْ مِنْ السَّبَبِ وُجُودُ قَوْلٍ بِالْبُطْلَانِ فِي صَلَاتِهِ الْأُولَى لِلنَّظَرِ فِيهِ مَجَالٌ. ثُمَّ رَأَيْتُ الْإِسْنَوِيَّ قَالَ أَوَّلَ هَذَا الْكِتَابِ وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِالْفَرَائِضِ عَنْ الصَّلَاةِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا بِسَبَبٍ مَا كَالشَّكِّ فِي الطَّهَارَةِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ الْجَمَاعَة لَا تَجِبُ فِيهَا قَطْعًا. وَإِنْ كَانَتْ تُسْتَحَبُّ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي سَنِّ الْإِعَادَة وَحْدَهُ إذَا كَانَ فِي صَلَاتِهِ الْأُولَى خَلَلٌ وَمِنْهُ جَرَيَانُ خِلَافٍ فِي بُطْلَانِهَا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْقَاضِي لَوْ تَلَبَّسَ بِحَاضِرَةٍ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَائِتَةً أَتَمَّهَا ثُمَّ يُصَلِّي الْفَائِتَة ثُمَّ يُعِيدُ الْحَاضِرَةَ اهـ. وَلَا مَلْحَظَ لِإِعَادَةِ الْحَاضِرَةِ حِينَئِذٍ إلَّا الْخُرُوجَ مِنْ الْخِلَافِ الْقَائِلِ بِوُجُوبِ التَّرْتِيب بَلْ صَرَّحَ الْأَصْحَاب بِذَلِكَ حَيْثُ حَمَلُوا أَمْرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَنْ رَآهُ يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ بِالْإِعَادَةِ عَلَى النَّدْبِ وَهَذَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ أَحْمَدَ وَغَيْرَهُ يَقُولُونَ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ بَلْ عُمُومُ كَلَامِهِمْ رُبَّمَا يَقْتَضِي سَنَّ الْإِعَادَة وَلَوْ مُنْفَرِدًا لِكُلِّ مَنْ ارْتَكَبَ مَكْرُوهًا. وَإِنْ لَمْ يَجْرِ خِلَافٌ فِي الْبُطْلَانِ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ جِدًّا اهـ. وَقَوْلُ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَظَاهِرُ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي رَأَيْنَاهَا إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّ الَّذِي جَاءَ فِي الْإِعَادَة مِنْ السُّنَّةِ إثْبَاتًا وَمَنْعًا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى الصُّبْحَ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ بِمِنًى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَلَمَّا انْفَتَلَ مِنْ صَلَاتِهِ رَأَى فِي آخِرِ الْقَوْمِ رَجُلَيْنِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ فَقَالَ عَلَيَّ بِهِمَا فَأُتِيَ بِهِمَا تَرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا أَيْ: جَمْعُ فَرِيصَةٍ وَهِيَ لَحْمَةٌ عِنْدَ الْقَلْبِ تَضْطَرِبُ لِلْخَوْفِ فَقَالَ مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا فَقَالَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا فَقَالَ إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَاهَا مَعَهُمْ. فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَنَّ مُعَاذًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِشَاءَ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ «وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ وَقَدْ جَاءَ بَعْدَ صَلَاتِهِ الْعَصْرَ رَجُلٌ إلَى الْمَسْجِدِ مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ فَصَلَّى مَعَهُ رَجُلٌ» حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَهَذَا الْمُتَصَدِّقُ هُوَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ

صَلَّى وَحْدَهُ ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً فَلِيُصَلِّ إلَّا الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ» أُعِلَّ بِالْوَقْفِ وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ الَّذِي وَصَلَهُ ثِقَةٌ اهـ وَيُجَابُ بِأَنَّ خَبَرَيْ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ السَّابِقِينَ أَصَحُّ فَقُدِّمَا وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد كَمَا مَرَّ لَكِنْ بِلَفْظِ «أَتَيْت ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَلَى الْبَلَاطِ أَيْ: مَحَلٍّ بِالْمَدِينَةِ وَهُمْ يُصَلُّونَ فَقُلْت أَلَا تُصَلِّي مَعَهُمْ قَالَ قَدْ صَلَّيْت إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ» وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْعِ أَصْلِ الْإِعَادَة مُطْلَقًا خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِمَنْعِ الْإِعَادَة مَعَ الْجَمَاعَة إلَّا بِطَرِيقِ الْعُمُومِ. وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِتِلْكَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَة الْمُصَرِّحَةِ بِنَدْبِهَا وَكَأَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْ ابْنَ عُمَرَ وَمَنْ وَافَقَهُ فَأَخَذُوا بِالْعُمُومِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ «يَزِيدَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ جِئْت وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ فَجَلَسْت وَلَمْ أَدْخُلْ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَانْصَرَفَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَأَى يَزِيدَ جَالِسًا فَقَالَ أَلَمْ تُسْلِمْ يَا يَزِيدُ قُلْت بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَسْلَمْتُ قَالَ فَمَا مَنَعَك أَنْ تَدْخُلَ مَعَ النَّاسِ فِي صَلَاتِهِمْ قَالَ كُنْتُ صَلَّيْتُ فِي مَنْزِلِي وَأَنَا أَحْسَبُ أَنْ قَدْ صَلَّيْتُمْ فَقَالَ إذَا جِئْت إلَى الصَّلَاةِ فَوَجَدْت النَّاسَ فَصَلِّ مَعَهُمْ وَإِنْ كُنْت قَدْ صَلَّيْتَ تَكُنْ لَك نَافِلَةً وَهَذِهِ مَكْتُوبَةٌ» وَرَوَى أَبُو دَاوُد أَيْضًا «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فِي رَحْلِهِ ثُمَّ أَدْرَكَ الْإِمَامَ وَلَمْ يُصَلِّ فَلْيُصَلِّ مَعَهُ فَإِنَّهَا لَهُ نَافِلَةٌ» وَبِهَذَا كَالْأَحَادِيثِ السَّابِقَة يَتَّضِحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَهَذِهِ مَكْتُوبَةٌ الْأُولَى لَا الثَّانِيَة خِلَافًا لِمَنْ اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ الْمُعَادَة هِيَ الْفَرْضُ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْإِعَادَة وَبَيَانِ الْحُجَّةِ فِيهَا وَالْجَوَابِ عَنْهَا وَأَمَّا مَا أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ مِنْ أَنَّ الْأَوَّلَ مِنْهَا يَدُلُّ عَلَى تَكَرُّرِ الْإِعَادَة؛ لِأَنَّهُ رَتَّبَهَا عَلَى الْوَصْفِ الْمُنَاسِب فَلْتَتَكَرَّرْ بِتَكَرُّرِهِ وَقِيَاسًا عَلَى خَبَرِ إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ. وَعَلَى الْآيَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا فَجَوَابُهُ مَنْعُ مَا عَلَّلَ بِهِ وَمَنْعُ قِيَاسِهِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مَحَلَّ تَكَرُّرِ الْمُسَبَّب بِتَكَرُّرِ سَبَبِهِ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ التَّكَرُّرِ مَانِعٌ وَهُنَا مَنَعَ مِنْهُ مَانِعٌ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ مَنْعُ الْإِعَادَة عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ هُنَا سَبَبٌ يَتَكَرَّرُ كَمَا سَيَتَّضِحُ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ مَنْعُ الْإِعَادَة هُوَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ قَالُوا بِامْتِنَاعِهَا عَمَلًا بِذَلِكَ الْأَصْلِ الْمُوَافِقِ لِعُمُومِ الْخَبَرِ السَّابِقِ «لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ» وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَيْضًا امْتِنَاعُ الْإِعَادَة مَعَ الِانْفِرَادِ كَمَا مَرَّ وَامْتِنَاعُهَا لِمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ عَلَى وَجْهٍ قَالَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا. فَاتَّضَحَ بِذَلِكَ أَنَّ الْإِعَادَة عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَأَنَّ الْأَصْلَ امْتِنَاعُهَا لَكِنْ لَمَّا وَرَدَ بِهَا النَّصُّ فِيمَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا أَوْ جَمَاعَةً اسْتَنْبَطَ الْأَئِمَّةُ لِذَلِكَ سَبَبًا فَقَالُوا وَإِنَّمَا سُنَّتْ الْإِعَادَة فِيمَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا لِتَحْصِيلِ الْجَمَاعَة فِي فَرِيضَةِ الْوَقْتِ حَتَّى كَأَنَّهَا فُعِلَتْ كَذَلِكَ لِشِدَّةِ الِاعْتِنَاءِ بِهَا وَفِيمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ لِاحْتِمَالِ اشْتِمَالِ الثَّانِيَة عَلَى فَضِيلَةٍ لَمْ تُوجَدْ فِي الْأُولَى وَإِنْ كَانَتْ الْأُولَى أَكْمَلُ فِي الظَّاهِرِ اهـ. فَتَأَمَّلْهُ تَجِدْهُ دَالًّا عَلَى أَنَّ السَّبَبَ فِي الْأَوَّلِ هُوَ تَحْصِيلُ الْجَمَاعَة فِي فَرْضِهِ وَفِي الثَّانِي هُوَ رَجَاءُ مَا ذُكِرَ وَهَذَا غَيْرُ مُتَكَرِّرٍ.؛ لِأَنَّهُ بِإِعَادَتِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ حَصَلَتْ لَهُ الْجَمَاعَة فِي فَرْضِهِ وَالرَّجَاءُ الْمَذْكُورُ فَإِذَا أَعَادَهَا مَرَّةً أُخْرَى كَانَتْ هَذِهِ الْإِعَادَة وَاقِعَةً بِلَا سَبَبٍ؛ لِأَنَّ حُصُولَ الْجَمَاعَة فِي فَرْضِهِ وَالرَّجَاءَ الْمَذْكُورَيْنِ لَا يَتَكَرَّرَانِ وَقَدْ مَرَّ لَنَا أَنَّ الْأَصْلَ مَنْعُ الْإِعَادَة إلَّا لِسَبَبٍ وَلَا سَبَبَ هُنَا لِلْإِعَادَةِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ فَامْتَنَعَتْ فَعُلِمَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ السَّابِقَةَ مُطْلِقَةٌ لِلْإِعَادَةِ وَمُرَتِّبَة لَهَا عَلَى الصَّلَاةِ الْأُولَى مَعَ الِانْفِرَادِ أَوْ الْجَمَاعَة وَمِنْ قَوَاعِدِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يَسْتَنْبِطُ مِنْ النَّصِّ مَعْنًى يُخَصِّصُهُ أَوْ يُعَمِّمُهُ وَلَا يَسْتَنْبِطُ مِنْهُ نَصًّا يَعُودُ عَلَيْهِ بِالْبُطْلَانِ. فَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ تَشْمَلُ تَكَرُّرَ الْإِعَادَة بِطَرِيقِ الْعُمُومِ لِكَوْنِهَا وَقَائِعَ قَوْلِيَّةً لَكَانَتْ تِلْكَ الْعِلَلُ الْمُسْتَنْبَطَةُ مُوجِبَةً لِتَخْصِيصِهَا بِالْمَرَّةِ الْأُولَى كَمَا بَيَّنْته قَرِيبًا بِقَوْلِي فَتَأَمَّلْهُ تَجِدْهُ إلَخْ فَاتَّضَحَ وَجْهُ الْمَنْعِ مِنْ الزِّيَادَة وَوَجْهُ التَّقْيِيد بِالْمَرَّةِ وَأَمَّا الثَّانِي أَعْنِي مَنْعَ الْقِيَاسِ عَلَى الْخَبَرِ وَالْآيَةِ الْمَذْكُورَيْنِ فَلِأَنَّ الْأَدِلَّة فِي تِينِكَ قَامَتْ عَلَى التَّكَرُّرِ صَرِيحًا وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ مَانِعٌ بِخِلَافِهِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَإِيضَاحُهُ أَنَّ الْقَصْدَ مِنْ إجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ الْإِذْعَانُ لِمَا قَالَهُ بِذِكْرِ مِثْلِهِ وَهَذَا لَا يَتَقَيَّدُ بِأَوَّلَ

وَلَا بِغَيْرِهِ فَسُنَّ مُطْلَقًا. وَأَمَّا الْآيَةُ فَالْأَمْرُ فِيهَا مُعَلَّقٌ بِسَبَبٍ هُوَ الْجَنَابَةُ فَتَكَرَّرَ بِتَكَرُّرِهِ إجْمَاعًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَمْرَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ لَا يَقْتَضِي فَوْرًا وَلَا تَكْرَارًا لَكِنَّهُ إذَا عُلِّقَ بِسَبَبٍ فَتَارَةً يَدُلُّ الدَّلِيلُ عَلَى تَكَرُّرِهِ بِتَكَرُّرِ السَّبَبِ كَسَمَاعِ الْمُؤَذِّنِ وَالْجَنَابَةِ فَيَتَكَرَّرُ الْمُسَبِّب وَهُوَ الْإِجَابَةُ وَالتَّطَهُّرُ لِشَهَادَةِ الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ لِلتَّكَرُّرِ وَتَارَةً يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ تَكَرُّرِ السَّبَبِ بِمُقْتَضَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْعِلَّةُ الْمُسْتَنْبَطَةُ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَا تَكَرُّرَ فَاتَّضَحَ فُرْقَانُ مَا بَيْنَ أَخْبَارِ الْإِعَادَة وَأَخْبَارِ إجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ وَنَحْوِهَا وَانْدَفَعَ مَا رَتَّبَ السَّائِلُ إشْكَالَهُ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ السَّبَبَ تَكَرَّرَ فِي أَخْبَارِ الْإِعَادَة فَاقْتَصَرْنَا بِهَا عَلَى الْأَمْرِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ فَقَطْ وَلَمْ نُجَوِّزْهَا فِي غَيْرِهِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ الَّذِي أَقَمْنَا عَلَيْهِ الدَّلَائِل السَّابِقَةِ فَلْيَتَأَمَّلْ السَّائِلُ وَفَّقَهُ اللَّهُ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ هَذَا الْجَوَابُ حَقَّ التَّأَمُّلِ فَإِنَّهُ يَتَّضِحُ لَهُ الصَّوَابُ وَيَتَخَلَّصُ بِهِ مِنْ وَرْطَةِ الشَّكِّ وَالِارْتِيَابِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ عَمَّنْ سَجَدَ فِي أَثْنَاءِ فَاتِحَتِهِ لِتِلَاوَةِ إمَامِهِ مَعَهُ فَلَمَّا عَادَ مِنْ السُّجُودِ اسْتَأْنَفَ الْفَاتِحَةَ مِنْ أَوَّلِهَا إمَّا نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُوَسْوَسًا فَرَكَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ إتْمَامِهِ الْفَاتِحَةَ فَمَاذَا يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ. وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَعَمَّنْ انْتَظَرَ سَكْتَةَ الْإِمَامِ لِيَقْرَأ فِيهَا الْفَاتِحَةَ فَرَكَعَ الْإِمَامُ عَقِبَ فَاتِحَتِهِ فَمَاذَا يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِيهِ احْتِمَالَيْنِ وَلَمْ يُصَحِّحْ شَيْئًا. وَقَالَ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ الْقِيَاسُ أَنَّهُ كَالنَّاسِي خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ فِي سُقُوطِ الْفَاتِحَةِ اهـ. هَلْ الْأَقْرَبُ أَنَّهُ كَالنَّاسِي أَوْ لَا كَالْمُشْتَغِلِ بِسُنَّةٍ حَتَّى يَقْرَأَ قَدْرَ السَّكْتَةِ وَيُعْذَر؛ لِأَنَّ هَذِهِ السَّكْتَةَ سُنَّةٌ وَمَا مُرَادُ الزَّرْكَشِيّ بِسُقُوطِ الْفَاتِحَةِ أَهُوَ إذَا كَانَ مَسْبُوقًا أَوْ لَا وَمَا هُوَ الْأَصَحُّ الْمُعْتَمَدُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَعَلَى أَيِّ الْعَمَلِ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ أَدْرَكَ مِنْ قِيَامِ الْإِمَامِ قَبْلَ رُكُوعِهِ سَوَاءٌ مَا قَبْلَ السُّجُودِ وَمَا بَعْدَهُ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ بِالنِّسْبَةِ لِقِرَاءَةِ نَفْسِهِ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَوْ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ فِيمَا يَظْهَرُ لِي وَأَطَلْتُ الِاسْتِدْلَالَ لَهُ وَلِتَزْيِيفِ غَيْرِهِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ فَهُوَ مُوَافِقٌ فَيَتَخَلَّف وُجُوبًا وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ عَلِمَ وَتَعَمَّدَ وَإِلَّا لَغَتْ رَكْعَتُهُ لِإِتْمَامِ الْفَاتِحَةِ مَا لَمْ يَقُمْ الْإِمَامُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَة وَيَجْلِسُ إنْ أَرَادَ الْجُلُوسَ أَوْ يَتِمُّ انْتِصَابُهُ قَائِمًا إنْ أَرَادَ الْقِيَامَ فَمَتَى وَصَلَ لِذَلِكَ قَبْلَ إتْمَامِهِ الْفَاتِحَةَ تَابَعَهُ وُجُوبًا وَأَتَى بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ. وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ كُلَّهَا. كَمَا ذُكِرَ فَهُوَ مَسْبُوقٌ فَمَتَى فَاتَهُ إدْرَاكُ الرُّكُوعِ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ وَمَتَى تَخَلَّفَ بَعْدَ قِيَامِ إمَامِهِ مِنْ الرُّكُوعِ لِإِتْمَامِ فَاتِحَتِهِ إلَى أَنْ هَوَى إمَامُهُ لِلسُّجُودِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِ الشَّهِيرِ بَيْنَ الْمُتَأَخِّرِينَ هَذَا كُلُّهُ فِي النَّاسِي وَالْجَاهِلِ وَأَمَّا الْمُوَسْوِسُ فَإِنْ كَانَ قَدْ أَعَادَ الْفَاتِحَةَ لِمُوجِبٍ بِأَنْ شَكَّ فِي بَعْضِهَا فَكَذَلِكَ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُتَخَلِّفٌ لِوَاجِبٍ إذْ الشَّكُّ فِي بَعْضِهَا قَبْلَ فَرَاغِهَا يُوجِبُ إعَادَةَ مَا مَضَى مِنْهَا. وَإِنْ كَانَ يُكَرِّرُ أَلْفَاظَهَا أَوْ يُعِيدُهَا لِغَيْرِ مُوجِبٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّأَخُّرُ إلَّا لِتَمَامِ رُكْنَيْنِ الرُّكُوعِ وَالِاعْتِدَالِ فَإِنْ فَرَغَ مِنْ الْفَاتِحَةِ. قَبْلَ هُوِيِّهِ لِلسُّجُودِ فَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا رَكَعَ وَاعْتَدَلَ وَلَحِقَهُ وَأَدْرَكَ الرَّكْعَةَ وَإِنْ أَرَادَ الْإِمَامُ الْهُوِيَّ لِلسُّجُودِ وَهُوَ لَمْ يَفْرُغْ مِنْ الْفَاتِحَةِ لَزِمَتْهُ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ؛ لِأَنَّهُ تَعَارَضَ فِي حَقِّهِ وَاجِبَانِ إتْمَامُ الْفَاتِحَةِ وَمُتَابَعَة الْإِمَامِ وَقَدْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَلَزِمَهُ السَّعْيُ فِي تَصْحِيحِ صَلَاتِهِ وَهُوَ هُنَا لَا يُمْكِنُهُ إلَّا نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ فَلَزِمَتْهُ وَأَمَّا الْمَسْبُوقُ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقْرَأَ بِقَدْرِ مَا فَوَّتَ فَإِنْ فَرَغَ مِنْهُ قَبْلَ فَوَاتِ الرُّكُوعِ رَكَعَ وَأَدْرَكَ الرَّكْعَةَ وَإِلَّا كَمَّلَ إلَى أَنْ يَهْوِيَ الْإِمَامُ لِلسُّجُودِ فَيَلْزَمُهُ حِينَئِذٍ الْمُفَارَقَةُ أَيْضًا لِمَا مَرَّ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ مُتَفَرِّقَاتِ كَلَامِهِمْ. وَاطْرُدْهُ فِيمَا يُشَابِهُهُ كَالْمُشْتَغِلِ بِنَحْوِ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ أَوْ التَّعَوُّذِ وَالْأَوْجَهُ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ. وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْبَحِيُّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُنْتَظِرَ سَكْتَةَ الْإِمَامِ لِيَقْرَأ فِيهَا الْفَاتِحَةَ فَرَكَعَ إمَامُهُ عَقِبَهَا أَنَّهُ كَالنَّاسِي بِجَامِعِ عُذْرِهِمَا فَيَكُونُ كَبَطِيءِ الْقِرَاءَة حَتَّى يَتَخَلَّفَ لِقِرَاءَتِهَا مَا لَمْ يُتِمَّ انْتِصَابَهُ أَوْ جُلُوسَهُ كَمَا مَرَّ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ بِسُقُوطِهَا عَنْهُ بَعِيدٌ إذْ غَايَةُ أَمْرِهِ أَنَّهُ مَعْذُورٌ بِفِعْلِ السُّنَّةِ وَقَدْ صَرَّحُوا فِي الْمَعْذُور وَالْمُدْرِكِ لِزَمَنٍ يَسَعُ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ أَنَّهُ يَتَخَلَّفُ لِقَرَاءَتِهَا مَا لَمْ يَقُمْ الْإِمَامُ أَوْ يَجْلِسْ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمَعْذُور كَالْمُوَسْوِسِ السَّابِقِ وَكَمَنْ تَعَمَّدَ تَرْكَهَا

حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ فَيَلْزَمُ كُلًّا مِنْهُمَا كَمَا يُصَرِّحُ بِالْأَوَّلِ كَلَامُ النَّوَوِيِّ وَكَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ عَنْ الْقَاضِي وَأَقَرُّوهُ أَنَّهُ يُفَارِقُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَيْ: إنْ خُشِيَ التَّخَلُّف عَنْهُ بِرُكْنَيْنِ فِعْلِيَّيْنِ فَحِينَئِذٍ الْأَوْجَهُ أَنَّهُ يَشْتَغِلُ بِقِرَاءَتِهَا إلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْهُ بِهِمَا فَحِينَئِذٍ تَلْزَمُهُ مُفَارَقَته بِالنِّيَّةِ كَمَا مَرَّ هَذَا حَاصِلُ مَا يَتَعَلَّقُ بِمَا قَالَهُ السَّائِلُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ أَوَّلًا كَالْمُشْتَغِلِ بِسُنَّةٍ إلَخْ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُوَافِقِ فَحَيْثُ رَكَعَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَقْرَأْ لَزِمَهُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ كُلِّهَا فَإِنْ فَرَغَ مِنْهَا قَبْلَ قِيَامِ الْإِمَامِ أَوْ جُلُوسِهِ وَإِلَّا وَافَقَهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ. وَأَتَى بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَإِنْ كَانَ الْمُنْتَظِرُ السَّكْتَةَ مَسْبُوقًا تَخَلَّفَ لِقِرَاءَةِ قَدْرَ مَا أَدْرَكَ فَإِنْ فَرَغَ مِنْهُ وَأَدْرَكَ الرُّكُوعَ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ وَإِلَّا اسْتَمَرَّ حَتَّى يَهْوِيَ الْإِمَامُ لِلسُّجُودِ فَحِينَئِذٍ يُفَارِقُهُ كَمَا مَرَّ وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِي إنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ مَفْرُوضٌ فِي الْمُوَافِقِ بِدَلِيلِ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ كَبَطِيءِ الْقِرَاءَة أَنَّ الزَّرْكَشِيّ يَقُولُ بِسُقُوطِهَا عَنْ الْمُوَافِقِ وَإِذَا قَالَ بِسُقُوطِهَا عَنْ الْمُوَافِقِ فَالْمَسْبُوقُ أَوْلَى. (وَسُئِلَ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ مُدَافَعَةِ الْحَدَثِ إذَا خِيفَ مَعَهَا فَوَاتُ الصَّلَاةِ الْمَسْنُونَةِ كَالرَّوَاتِبِ أَوْ فَوْتُ الْجَمَاعَة مَا الَّذِي يُقَدِّمُهُ وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا إذَا رَجَا قَضَاءَهَا أَوْ لَا. وَبَيْنَ مَوْضِعٍ يَقِلُّ فِيهِ الْمَاءُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِقَوْلِهِ مَتَى خَافَ مِنْ الْمُدَافَعَةِ ضَرَرًا شَدِيدًا فَهِيَ عُذْرٌ فِي إخْرَاجِ النَّافِلَةِ بَلْ وَالْفَرِيضَةُ عَنْ وَقْتِهَا فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ وَقْتِهَا إلَّا مَا يَسَعُهَا وَهُوَ مُتَوَضِّئٌ لَكِنَّهُ خَشِيَ مِنْ حَبْسِ نَحْوِ رِيحٍ دَافَعَهُ ضَرَرًا قُدِّمَ تَفْرِيغُ نَفْسِهِ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ خَشْيَةً مِنْ الضَّرَرِ الَّذِي يَلْحَقُهُ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ مِنْهُ ضَرَرًا فَالْأَوْلَى لَهُ تَفْرِيغُ نَفْسِهِ وَإِنْ خَشِيَ فَوْتَ الْجَمَاعَة خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَبْطَلَ الصَّلَاةَ مَعَ مُدَافَعَةِ الْحَدَثِ وَإِذَا قُدِّمَ تَفْرِيغُ النَّفْسِ عَلَى الْجَمَاعَة مَعَ كَوْنِهَا فَرْضًا فَأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَهُ عَلَى النَّافِلَةِ وَإِنْ خَشِيَ خُرُوجَ وَقْتِهَا سَوَاءٌ أَرَجَا قَضَاءَهَا أَمْ لَا سَوَاءٌ أَكَانَ فِي مَوْضِعٍ يَقِلُّ فِيهِ الْمَاءُ أَمْ لَا. (وَسُئِلَ أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَتِهِ بِمَا صُورَتُهُ. نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْعُلَمَاء أَنَّ الْأَجْذَمَ وَالْأَبْرَصَ يُمْنَعَانِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَمِنْ الْجُمُعَةِ وَمِنْ اخْتِلَاطِهِمَا بِالنَّاسِ فَهَلْ الْمَنْعُ مِمَّا ذُكِرَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ وَهَلْ يَكُونُ مَا ذُكِرَ عُذْرًا لَهُمَا مُسْقِطًا عَنْهُمَا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِاحْتِيَاجِهِمَا إلَى الْمَسْجِدِ وَالِاخْتِلَاطِ بِالنَّاسِ أَمْ لَا أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَبَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِعَدَمِ تَكَرُّرِهِمَا دُونَ الْجُمُعَةِ وَهَلْ حَجُّ التَّطَوُّعِ كَالْفَرْضِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ قَالَ الْقَاضِي قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاء يَنْبَغِي إذَا عُرِفَ أَحَدٌ بِالْإِصَابَةِ بِالْعَيْنِ أَنَّهُ يُجْتَنَبُ لِيُحْتَرَز مِنْهُ وَيَنْبَغِي لِلسُّلْطَانِ مَنْعُهُ مِنْ مُخَالَطَةِ النَّاسِ وَيَأْمُرُهُ بِلُزُومِ بَيْتِهِ وَيَرْزُقُهُ إنْ كَانَ فَقِيرًا. فَإِنَّ ضَرَرَهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الْمَجْذُومِ الَّذِي مَنَعَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْعُلَمَاءُ بَعْدَهُ مِنْ الِاخْتِلَاطِ بِالنَّاسِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ صَحِيحٌ مُتَعَيَّنٌ وَلَا يُعْرَفُ عَنْ غَيْرِهِ خِلَافٌ اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ سَبَبَ الْمَنْعِ فِي نَحْوِ الْمَجْذُومِ خَشْيَةَ ضَرَرِهِ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْمَنْعُ وَاجِبًا فِيهِ وَفِي الْعَائِنِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ بِالْأَوْلَى حَيْثُ أَوْجَبُوا عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَنْ نَازَعَ فِيهِ عَلَى الْمُحْتَسِبِ الْأَمْرَ بِنَحْوِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَمَنْع الْخَوَنَةِ مِنْ مُعَامَلَةِ النِّسَاءِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِح الْعَامَّة وَأَنَّ الْمَدَارَ فِي الْمَنْع عَلَى الِاخْتِلَاطِ بِالنَّاسِ فَلَا مَنْعَ مِنْ دُخُولِ مَسْجِدٍ وَحُضُورِ جُمُعَةٍ أَوْ جَمَاعَةٍ لَا اخْتِلَاطَ فِيهِ بِهِمْ وَحِينَئِذٍ ظَهَرَ عَدَمُ عَدِّ ذَلِكَ عُذْرًا فِي نَدْبٍ أَوْ وُجُوبِ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ وَلَوْ كِفَايَةً لِإِمْكَانِ فِعْلِهِمَا مَعَ عَدَمِ الِاخْتِلَاطِ وَبِفَرْضِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إلَّا مَعَ ذَلِكَ يُجَابُ بِأَنَّ وُجُوبَ النُّسُكِ آكَدُ مِنْ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدِّ ذَلِكَ عُذْرًا فِيهَا فَلَا يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ مَا اعْتَمَدْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ أَنَّ خَبَثَ الرِّيحِ عُذْرٌ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَخْتَلِطْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ جَمَاعَةٍ اجْتَمَعُوا لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِمَقْبَرَةٍ فَمَرُّوا بِآيَةِ سَجْدَةٍ وَفِيهِمْ كَثِيرٌ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ بَلْ مِنْ أَهْلِهِ. فَلَمْ يَسْجُدُوا ظَنًّا أَنَّ كَرَاهَةَ نَحْوِ الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ رَفَعَتْ عَنْهُمْ الْخِطَابَ بِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فَهَلْ الْأَمْرُ كَمَا ظَنُّوهُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَمَا ظَنُّوهُ فَقَدْ صَرَّحَ الْفُقَهَاء أَنَّ مَحَلَّ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ وَنَحْوِهَا مَا لَمْ يُخَفْ خُرُوجُ الْوَقْتِ،

وَإِلَّا وَجَبَتْ فِيهَا إنْ كَانَتْ وَاجِبَةً وَسُنَّتْ إنْ كَانَتْ سُنَّةً وَحِينَئِذٍ فَالْمُجْتَمِعُونَ عَلَى الْقِرَاءَة إنْ كَانَ فِي عَزْمِهِمْ عَدَمُ الْخُرُوجِ مِنْهَا فَوْرًا سُنَّ لَهُمْ السُّجُودُ وَيَكُونُ خَوْفُ خُرُوجِ وَقْتِ السُّجُودِ بِطُولِ الْفَصْلِ رَافِعًا لِكَرَاهَتِهِ فِي الْمَقْبَرَةِ كَمَا عَلِمْته مِنْ كَلَامِهِمْ وَإِنْ كَانَ فِي عَزْمِهِمْ الْخُرُوجُ مِنْهَا فَوْرًا سُنَّ لَهُمْ تَأْخِيرُ السُّجُودِ إلَى الْخُرُوجِ مِنْهَا وَكُرِهَ لَهُمْ فِيهَا إذْ لَا عُذْرَ حِينَئِذٍ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ حَدِيثِ «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» صَحِيحٌ أَوْ ضَعِيفٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ النَّفْيِ فِي خَبَرِ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ هَلْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ بِمَعْنَى نَفْيِ الْكَمَالِ أَوْ الْمُرَادُ بِهِ النَّهْيُ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَصِحُّ كُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ أَيْ: لَا صَلَاةَ كَامِلَةٌ حِينَئِذٍ إلَّا الْمَكْتُوبَةُ أَوْ لَا تُصَلُّوا إلَّا الْمَكْتُوبَةَ وَمَنْ قَالَ إنَّ الْمُرَادَ هَذَا دُونَ الْأَوَّلِ فَقَدْ أَبْعَدَ بَلْ وَهِمَ وَلَعَلَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّ صَلَاةَ غَيْرِ الْمَكْتُوبَةِ حِينَئِذٍ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ مُنْعَقِدَةٌ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَة تَنْزِيهِيَّةٌ لَا لِذَاتِ الصَّلَاةِ بَلْ لِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهَا وَهُوَ تَفْوِيتُ فَضِيلَةِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَام وَغَيْرِهَا مَعَ الْإِمَامِ. فَإِنْ قُلْت إذَا كَانَ النَّفْيُ لِلْكَمَالِ تُؤْخَذُ الْكَرَاهَة الَّتِي ذَكَرُوهَا مِنْ أَيْنَ قُلْت تُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِنَفْيِ الْكَمَالِ إلَّا ذَلِكَ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ حَدِيثِ مُسْلِمٍ النَّاهِي لِمَنْ أَرَادُوا بَيْعَ دُورِهِمْ لِبُعْدِهَا عَنْ الْمَسْجِدِ مَعَ تَرْغِيبِهِمْ بِأَنَّ لَهُمْ بِكُلِّ خُطْوَةٍ دَرَجَةٌ وَحَدِيثِ الْأَبْعَدُ فَالْأَبْعَدُ مِنْ الْمَسْجِدِ أَعْظَمُ أَجْرًا هَلْ يُعَارِضَانِ حَدِيثَ أَحْمَدَ فَضْلُ الدَّارِ الْقَرِيبَةِ مِنْ الْمَسْجِدِ عَلَى الدَّارِ الشَّاسِعَةِ كَفَضْلِ الْغَازِي عَلَى الْقَاعِدِ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يُعَارِضَانِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مَفْرُوضٌ فِي حَالَةٍ تَخُصُّهُ فَالْأَوَّلَانِ فِيمَا إذَا اُحْتِيجَ لِلْبُعْدِ لِحِرَاسَةِ الْبَلَدِ. أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَالْأَخِيرُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي سُكْنَى الْبَعِيدِ حَاجَةٌ وَاسْتَشْهَدَ لِذَلِكَ بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ لَمَّا وَرَدَتْ فِي تَفْضِيلِ مَيَامِنِ الصُّفُوفِ رَغِبَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ وَعَطَّلُوا مَيْسَرَةَ الْمَسْجِدِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مَيْسَرَةَ الْمَسْجِدِ قَدْ تَعَطَّلَتْ فَقَالَ مَنْ عَمَّرَ مَيْسَرَةَ الْمَسْجِدِ كُتِبَ لَهُ كِفْلَانِ مِنْ الْأَجْرِ فَأَعْطَى أَهْلَ الْمَيْسَرَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ضِعْفَ مَا لِأَهْلِ الْمَيْمَنَةِ مِنْ الْأَجْرِ وَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ فِي كُلِّ حَالٍ. وَإِنَّمَا خَصَّهُمْ بِذَلِكَ لَمَّا تَعَطَّلَتْ تِلْكَ الْجِهَةُ فَكَذَا مَا نَحْنُ فِيهِ الْأَصْلُ تَفْضِيلُ الْقَرِيبَة مِنْ الْمَسْجِدِ عَلَى الْبَعِيدَةِ مِنْهُ فَلَمَّا ثَبَتَ لَهَا هَذَا الْفَضْلُ رَغِبَ كُلٌّ مِنْ النَّاسِ فِي ذَلِكَ. حَتَّى «أَرَادَ بَنُو سَلَمَةَ أَنْ يُعَرُّوا ظَاهِرَ الْمَدِينَةِ وَيَقْرُبُوا مِنْ الْمَسْجِدِ فَكَرِهَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ وَأَعْطَاهُمْ ذَلِكَ الْفَضْلَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَنَزَلَ فِيهِمْ {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس: 12] فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ نَزَلَتْ الْآيَةُ يَا بَنِي سَلَمَةَ دِيَارُكُمْ تَكْتُبُ آثَارَكُمْ» وَمِنْ هَذَا يُؤْخَذُ تَأْيِيدُ مَا كُنْتُ دَائِمًا أَبْحَثُهُ وَأُقْرِرْهُ أَنَّ مَحَلَّ أَفْضَلِيَّةِ أَيْمَنِ الصُّفُوفِ مَا إذَا جَاءَ الْمَأْمُومُ وَرَأَى الصُّفُوفَ قَدْ صُفَّتْ أَوْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى الْمُسَابَقَةِ لِذَلِكَ خُلُوُّ مَيَاسِرِ الصُّفُوفِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مَفْضُولًا لِئَلَّا يَرْغَبَ النَّاسُ كُلُّهُمْ عَنْهُ وَيُقَاسُ بِذَلِكَ مَا فِي مَعْنَاهُ وَفِيهِ تَأْيِيدٌ لِمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَيْضًا. أَنَّ صُفُوفَ الْجِنَازَةِ الثَّلَاثَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ مُتَسَاوِيَة فِي الْفَضْلِ لِئَلَّا يَرْغَبَ النَّاسُ عَنْ غَيْرِ الْأَوَّلِ فَيَفُوتَ عَلَى الْمَيِّتِ فَضِيلَةُ جَعْلِ الْمُصَلِّينَ عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ وَلِمَا اسْتَدْرَكْتُهُ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ مَحَلَّ مَا ذَكَرَهُ فِيمَنْ جَاءَ أَوَّلًا. أَمَّا مَنْ جَاءَ وَقَدْ صُفَّتْ الثَّلَاثَةُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَحَرَّى أَوَّلُهَا لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ السَّابِقَةِ آنِفًا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ شَخْصٍ يَكُونُ إمَامًا لَا مَأْمُومًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هُوَ أَعْمَى أَصَمُّ لَيْسَ بِإِزَائِهِ أَحَدٌ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِغَيْرِهِ وَيَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْغَيْرِ بِهِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِمَا لَفْظُهُ قَالَ التَّاجُ فِي أَلْغَازِهِ وَقَائِلٍ لَا قِصَاصَ فِي الشُّعُورِ بَلَى ... إنَّ الْقِصَاصَ لَفِي شَعْرٍ وَفِي ظُفْرٍ ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْأَوَّلُ فِي نَحْوِ الْجَائِفَةِ وَغَيْرِ الْمُوضِحَةِ وَالثَّانِي الْقِصَاصُ فِيهِ مِنْ قَصَّ الشَّعْرَ يَقُصُّهُ وَفِي الْحَدِيثِ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْجُدُ عَلَى قِصَاصِ الشَّعْرِ» وَهُوَ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح مُنْتَهَى شَعْرِ الرَّأْسِ حَيْثُ يُؤْخَذُ بِالْمِقَصِّ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ عَمَّا إذَا لَحِقَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ ثُمَّ خَرَجَ إمَامُهُ مِنْ صَلَاتِهِ بَعْدَ رَكْعَتَيْنِ لِمُلَاقَاةِ نَجَاسَةٍ لَهُ.

مَثَلًا حِينَئِذٍ هَلْ يَكُونُ الْمُقْتَدِي بِهِ الْمَذْكُورُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ لَا لِعَدَمِ حُسْبَانِ رُكُوعِهِ وَهَلْ يُقَالُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ رُكُوعُهُ غَيْرُ مَحْسُوبٍ وَهَلْ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا لَاقَى النَّجَاسَةَ مِنْ أَوَّلِ الصَّلَاةِ أَوْ آخِرِهَا سَوَاءٌ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَكُونُ الْمُقْتَدِي مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ حَيْثُ طَرَأَ لِإِمَامِهِ بَعْدَ الرُّكُوعِ مُبْطِلٌ لِصَلَاتِهِ كَحَدَثٍ أَوْ نَجَاسَةٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي أَثْنَائِهَا أَمْ آخِرِهَا فَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فِي سُجُودِهِ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي إدْرَاكِ الْمَأْمُومِ الرَّكْعَةَ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ رُكُوعًا مَحْسُوبًا لِلْإِمَامِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا ذَكَرْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ. ثُمَّ قُلْت وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ حَدَثَهُ بَعْدَ أَنْ لَحِقَهُ الْمَأْمُومُ فِي الرُّكُوعِ وَاطْمَأَنَّ كَذَلِكَ أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ أَيْ: وَهُوَ كَوْنُهُ أَدْرَكَ رُكُوعًا مَحْسُوبًا لِلْإِمَامِ وَقْتَ إدْرَاكِهِ ثُمَّ رَأَيْتُ الْقَاضِيَ الْحُسَيْنَ صَرَّحَ بِمَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ رَاكِعًا فَاقْتَدَى بِهِ ثُمَّ فَارَقَهُ عِنْدَ قِيَامِهِ حُسِبَتْ لَهُ الرَّكْعَةُ اهـ قَالَ غَيْرُهُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّحَمُّل بَقَاؤُهُ مَأْمُومًا بِهِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ التَّحَمُّل قَدْ وُجِدَ وَهُوَ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ فِي الرُّكُوعِ كَمَا لَوْ بَطَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ صَلَاةُ الْإِمَامِ اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته اهـ. كَلَامُ شَرْحِ الْعُبَابِ وَذَكَرَ فِيهِ إثْرَ ذَلِكَ كَلَامًا لِابْنِ الْعِمَادِ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ مَعَ مَا قَدَّمْنَا فِي ذَلِكَ وَبَيَّنْتُ مَا فِيهِ بِكَلَامٍ مَبْسُوطٍ أَعْرَضْت عَنْهُ هُنَا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَمَّا إذَا قَامَ إمَامُهُ لِخَامِسَةٍ هَلْ الْأَوْلَى انْتِظَاره أَوْ فِرَاقُهُ وَفِيمَا إذَا كَانَ مَسْبُوقًا هَلْ هُوَ كَغَيْرِهِ أَوْ لَا حَتَّى تَجُوزَ مُفَارَقَته؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْأَوْلَى انْتِظَاره وَسَوَاءٌ الْمَسْبُوقُ وَغَيْرُهُ وَعِبَارَةُ شَرْحِي لِلْعُبَابِ لَوْ قَامَ الْإِمَامُ لِزِيَادَةٍ كَخَامِسَةٍ سَهْوًا لَمْ يَجُزْ لَهُ مُتَابَعَته وَإِنْ كَانَ شَاكًّا فِي فِعْلِ رَكْعَةٍ أَوْ مَسْبُوقًا عَلِمَ ذَلِكَ أَوْ ظَنَّهُ فَإِنْ تَابَعَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ عَلِمَ وَتَعَمَّدَ وَلَا نَظَرَ إلَى احْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ رَكْعَةٍ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ عَلِمَ الْحَالَ أَوْ ظَنَّهُ وَحِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَ الْمَأْمُومُ مُوَافِقًا فَظَاهِرٌ أَنَّهُ أَتَمَّ صَلَاتَهُ يَقِينًا أَوْ غَيْرَ مُوَافِقٍ فَهِيَ غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ لِلْإِمَامِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ مُتَابَعَته فِي فِعْلِ السَّهْوِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ كَالْإِسْنَوِيِّ نَقْلًا عَنْ الْمَجْمُوع فِي الْجَنَائِزِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ انْتِظَاره بَلْ يُسَلِّمُ فَإِنَّهُ فِي انْتِظَاره مُقِيمٌ عَلَى مُتَابَعَته فِيمَا يَعْتَقِدُهُ مُخْطِئًا فِيهِ وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُ مَا قَالَاهُ وَإِنْ جَرَى عَلَيْهِ جَمْعٌ فَفِي الْمَجْمُوع نَفْسِهِ لَوْ سَجَدَ إمَامُهُ الْحَنَفِيُّ مَثَلًا لص جَازَ لَهُ مُفَارَقَته وَانْتِظَاره كَمَا لَوْ قَامَ إمَامُهُ إلَى خَامِسَةٍ وَفِيهِ أَيْضًا لَوْ عَلِمَ الْمَسْبُوقُ بِقِيَامِ إمَامِهِ لِخَامِسَةٍ انْتَظَرَهُ؛ لِأَنَّ التَّشَهُّدَ مَحْسُوبٌ لَهُ وَصَرَّحَ الزَّرْكَشِيُّ كَابْنِ الْعِمَادِ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا تَرَكَ فَرْضًا جَازَ لِلْمَأْمُومِ انْتِظَاره حَتَّى يَأْتِيَ بِالْمُنْتَظِمِ وَيُتَابِعهُ فِيهِ فَإِنَّ الْقُدْوَةَ إنَّمَا تَنْقَطِعُ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ مِنْ الصَّلَاةِ وَهُوَ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا بِفِعْلِ السَّهْوِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَجِبَ مُفَارَقَته اهـ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي رَدِّ قَوْلِهِ السَّابِقِ فَإِنَّهُ فِي انْتِظَاره مُقِيمٌ عَلَى مُتَابَعَته إلَخْ وَإِنَّمَا حَرَّمُوا عَلَيْهِ الْمُتَابَعَةَ هُنَا وَأَوْجَبُوهَا عَلَيْهِ فِيمَا إذَا سَجَدَ إمَامُهُ لِلسَّهْوِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ سَبَبَهُ؛ لِأَنَّ قِيَامَهُ لِخَامِسَةٍ لَمْ يُعْهَدْ بِخِلَافِ سُجُودِهِ لِلسَّهْوِ فَإِنَّهُ مَعْهُودٌ لِسَهْوِ إمَامِهِ وَأَمَّا مُتَابَعَتُهُمْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قِيَامِهِ لِلْخَامِسَةِ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فَهُوَ لِكَوْنِهِمْ لَمْ يَتَحَقَّقُوا زِيَادَتَهَا؛ لِأَنَّ الزَّمَنَ كَانَ زَمَنَ الْوَحْيِ وَإِمْكَانِ الزِّيَادَة وَالنَّقْصِ وَلِهَذَا قَالُوا فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ: أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَخَرَجَ بِتَقْيِيدِي الْمَسْبُوقَ بِمَا مَرَّ مَا لَوْ جَهِلَ ذَلِكَ فَتَابَعَهُ فَإِنَّ الرَّكْعَةَ تُحْسَبُ لَهُ لَكِنْ إنْ قَرَأَ فِيهَا الْفَاتِحَةَ كَمَا فِي الْمَجْمُوع؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَتَحَمَّلُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْمَقْصُودَ مِنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ مُصَلٍّ وَقْتَ تَرَائِي الْهِلَالِ هَلْ يَنْظُرُ إلَى مَحَلِّ سُجُودِهِ فِي صَلَاتِهِ عَمَلًا بِإِطْلَاقِهِمْ تَحْصِيلَ السُّنَّةِ أَوْ إلَى مَطْلَعِ الْهِلَالِ؛ لِأَنَّ تَرَائِيه فَرْضُ كِفَايَةٍ وَالْقِيَاسُ عَلَى رُؤْيَةِ الْمُصَلِّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ إلَيْهَا عِنْدَ مَنْ اخْتَارَهُ قِيَاسُ أَوْلَى إنْ لَمْ يَكُنْ مُسَاوِيًا؛ لِأَنَّ نَظَرَهَا سُنَّةٌ وَالتَّرَائِي فَرْضُ كِفَايَةٍ حَتَّى لَوْ قِيلَ بِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ نَظَرِ الْمُصَلِّي مَحَلَّ السُّجُودِ وَلَوْ عِنْدَهَا لَمْ يَكُنْ يُعِيدُ الْفَرِيضَة التَّرَائِي أَوْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ تَرَائِي الْهِلَالِ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ تَفْرِقَةٌ لَيْسَتْ فِي نَظَرِ الْكَعْبَةِ وَيَزِيدُ الْفَرْقُ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَثْنُوا حَالَةَ التَّرَائِي.

فِي عُمُومِ قَوْلِهِمْ يَنْظُرُ إلَى مَحَلِّ السُّجُودِ مَعَ الْجَزْمِ بِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ لَا تَعْزُبُ عَنْهُمْ وَهُوَ الَّذِي يَتَبَادَرُ إلَى رَأْيِ الْفَقِيهِ بَلْ الْمُتَفَقِّهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: النَّظَرُ لِلسَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ مَكْرُوهٌ إلَّا لِحَاجَةٍ فَإِنْ فُرِضَ احْتِيَاجُهُ لِتَرَائِيِ الْهِلَالِ لِانْحِصَارِهِ فِيهِ مَثَلًا لَمْ يُكْرَهْ وَإِلَّا كُرِهَ وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِهِ فَرْضَ كِفَايَةٍ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْفَرْضَ عَدَمُ انْحِصَاره فِيهِ فَلَمْ تَعُمّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ ظَاهِرٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَى غَيْرِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ قَوْلِهِمْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ فَلَوْ تَرَكَ هَذَا الْمُسْتَحَبَّ هَلْ يَكُونُ مَكْرُوهًا كَمَا لَوْ سَاوَاهُ فِي الْمَوْقِفِ وَحِينَئِذٍ تَفُوتُهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَة كَمَا أَجَابَ بِهِ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا أَمْ لَا تَفُوتُ كَمَا قَالَ بِهِ غَيْرُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ صَفَّ صَفًّا ثَانِيًا قَبْلَ إكْمَالِ الْأَوَّلِ هَلْ يَكُونُ كَذَلِكَ مَكْرُوهًا تَفُوتُ بِهِ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَة؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ كُلُّ مَا ذُكِرَ مَكْرُوهٌ مُفَوِّتٌ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَة فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوع السُّنَّةُ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَ الْإِمَامِ وَمَنْ خَلْفَهُ مِنْ الرِّجَالِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ تَقْرِيبًا كَمَا بَيْنَ كُلِّ صَفَّيْنِ أَمَّا النِّسَاءُ فَيُسَنُّ لَهُمْ التَّخَلُّف كَثِيرًا وَفِي الْمَجْمُوع اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى اسْتِحْبَاب الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ وَيَمِينِ الْإِمَامِ وَسَدِّ فُرَجِ الصُّفُوفِ وَإِتْمَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ مَا يَلِيه وَهَكَذَا وَلَا يُشْرَعُ فِي صَفٍّ حَتَّى يَتِمّ مَا قَبْلَهُ. وَفِي شَرْحِي لِلْعُبَابِ كُلُّ مَا قِيلَ بِنَدْبِهِ فِي هَذَا الْبَابِ تُكْرَهُ مُخَالَفَته كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الْمَجْمُوع فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ الْمَوْقِفِ قَالَ: قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا كُلُّهُ مُسْتَحَبٌّ وَمُخَالَفَتُهُ مَكْرُوهَةٌ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ أَحْكَامٍ أُخَرَ لِلْمَوْقِفِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَوَاقِف الْمَذْكُورَةَ كُلَّهَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ فَإِنْ خَالَفَهَا كُرِهَ اهـ. وَمِنْ هُنَا قَالَ السُّبْكِيّ تَكَرَّرَ مِنْ النَّوَوِيِّ إطْلَاقُ الْكَرَاهَة عَلَى الْمُخَالَفَةِ فِي جَمِيعِ مَا اُسْتُحِبَّ فِي هَذَا الْبَابِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ كَابْنِ الْعِمَادِ وَسَبَقَهُمَا الْأَحْنَفُ عَصْرِيٍّ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُسَاوَاةِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَحْصُلَ لَهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَة كَمَا لَوْ قَارَنَهُ فِي الْأَفْعَال اهـ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْمُسَاوَاةِ بِذَلِكَ بَلْ سَائِرُ الْمَكْرُوهَاتِ فِي هَذَا الْبَابِ كَذَلِكَ لِمَا يَأْتِي مَبْسُوطًا أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ مَكْرُوهًا مِنْ حَيْثُ الْجَمَاعَة يَمْنَعُ فَضْلَهَا انْتَهَتْ عِبَارَتُهُ وَحَاصِلُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ أَنَّهُ يَأْتِي أَنَّ الْمُقَارَنَةَ أَوْ التَّقَدُّم الْغَيْرَ الْمُبْطِلِ مَكْرُوهٌ مُفَوِّتٌ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَة وَاعْتَرَضَهُ كَثِيرُونَ بِمَا رَدَّهُ آخَرُونَ مِنْهُمْ أَبُو زُرْعَةَ. قَالَ: لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا فَاتَتْ الْجَمَاعَة بَلْ فَاتَ فَضْلُهَا فَهِيَ جَمَاعَةٌ صَحِيحَةٌ لَكِنْ لَا ثَوَابَ فِيهَا. وَفَائِدَةُ صِحَّتِهَا مَعَ انْتِفَاءِ الثَّوَابِ فِيهَا سُقُوطُ الْإِثْمِ عَلَى الْقَوْلِ بِفَرْضِيَّتِهَا عَيْنًا أَوْ كِفَايَةً وَالْكَرَاهَةُ عَلَى الْقَوْلِ بِسُنِّيَّتِهَا لِقِيَامِ الشِّعَارِ الظَّاهِرِ وَمِنْهُمْ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ لِأَنَّ الصِّحَّةَ لَا تَسْتَلْزِمُ الثَّوَابَ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ حُصُولِهَا مَعَ انْتِفَاءِ فَضْلِهَا بِدَلِيلِ مَا لَوْ صَلَّى جَمَاعَةً فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ وَكَوْنِ الْمُدْرِكِ لَهَا فِي التَّشَهُّد فِي جَمَاعَةٍ قَطْعًا وَمَعَ ذَلِكَ قِيلَ لَا يَحْصُلُ لَهُ فَضْلُهَا وَالْبَغَوِيُّ إنَّمَا نَفَى فَضْلَهَا وَلَمْ يَقُلْ بَطَلَتْ فَدَلَّ عَلَى بَقَائِهَا حَتَّى يَتَحَمَّلَ عَنْهُ السَّهْوَ وَغَيْرَهُ قَالَ وَالْعَجَبُ مِنْ أُولَئِكَ الْمَشَايِخ أَيْ: الْمُعْتَرِضِينَ كَيْفَ غَفَلُوا عَنْ هَذَا وَتَتَابَعُوا عَلَى هَذَا الْفَسَادِ. وَأَنَّ فَوَاتَ الْفَضِيلَة يَسْتَلْزِمُ الْخُرُوجَ عَنْ الْمُتَابَعَةِ مَعَ وُضُوحِ عَدَمِ التَّلَازُم بَيْنَهُمَا وَجَزْمُ الْبَارِزِيِّ بِحُصُولِ ثَوَابِهَا أَعْجَبُ؛ لِأَنَّ الْمَكْرُوه لَا ثَوَابَ فِيهِ وَكَيْفَ يُتَخَيَّلُ حُصُولُهُ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّ الْمُفَارَقَةَ الْآتِيَةَ تُفَوِّتُ الْفَضِيلَة وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي مُسَاوَاةِ الْإِمَامِ فِي الْمَوْقِفِ فَإِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ. وَالضَّابِطُ أَنَّهُ حَيْثُ فَعَلَ مَكْرُوهًا مَعَ الْجَمَاعَة أَيْ: بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ حَالَةَ الِانْفِرَادِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْمَأْمُور بِالْمُوَافَقَةِ وَالْمُتَابَعَةِ فَاتَهُ فَضْلُهَا إذْ الْمَكْرُوه لَا ثَوَابَ فِيهِ اهـ. الْغَرَضُ مِنْ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ مُلَخَّصًا وَهُوَ ظَاهِرٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِمَا لَفْظُهُ مَنْ كَانَ مَسْبُوقًا. وَسَجَدَ مَعَ الْإِمَامِ السَّجْدَةَ الْأُولَى وَلَمْ يَسْجُدْ الثَّانِيَة حَتَّى قَامَ الْإِمَامُ هَلْ يَسْجُدُهَا أَوْ يَقُومُ مُوَافِقًا لِلْإِمَامِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَيْثُ لَمْ يَقُمْ الْمَأْمُوم سَجَدَ الثَّانِيَة. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ الْمَأْمُوم إذَا أَطَالَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَقَامَ فَرَكَعَ الْإِمَامُ هَلْ يَقْرَأُ الْفَاتِحَة وَيُعْذَرُ إلَى ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ أَوْ يُتَابِعُهُ وَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ أَوْ يُفَارِقُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا

فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ نَظَرَ لِعُذْرِهِ بِالتَّخَلُّفِ فَقَالَ إنَّهُ كَمَنْ سَهَا فِي السُّجُودِ فَلَمْ يَتَذَكَّرْ إلَّا وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ فَإِنَّهُ يَقُومُ وَيَرْكَعُ وَتَسْقُطُ الْفَاتِحَة عَنْهُ قَالَ فَكَذَا هَذَا لَمَّا نُدِبَ لَهُ التَّخَلُّف لِإِكْمَالِ التَّشَهُّد كَانَ مَعْذُورًا فَإِذَا أَكْمَلَهُ وَقَامَ فَإِنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا رَكَعَ مَعَهُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْقِرَاءَة وَإِلَّا قَرَأَ بِقَدْرِ مَا لَحِقَ وَرَكَعَ مَعَهُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْبَقِيَّة كَالْمَسْبُوقِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُنْدَبُ لَهُ التَّخَلُّف لِإِكْمَالِهِ ثُمَّ يَقُومُ وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَة فَإِنْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ الرُّكُوعِ فَذَاكَ وَإِنْ رَكَعَ الْإِمَامُ وَهُوَ فِيهَا كَمَّلَهَا وَيَسْعَى خَلْفَهُ وَيُغْتَفَرُ لَهُ التَّخَلُّف بِثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ؛ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِإِدْرَاكِهِ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَة كُلَّهَا مَعَ الْإِمَامِ بِالْقُوَّةِ وَإِنَّمَا مَنَعَهُ عَنْ ذَلِكَ تَخَلُّفُهُ لِإِتْمَامِ التَّشَهُّدِ وَهُوَ غَيْرُ مُقَصِّرٍ بِهِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ لَهُ، وَفَارَقَ الْمَسْبُوقَ إذَا تَخَلَّفَ لِإِتْمَامِ الْفَاتِحَةِ لِكَوْنِهِ اشْتَغَلَ بِافْتِتَاحٍ أَوْ تَعَوُّذٍ وَهَذَانِ الِاثْنَانِ بَعِيدَانِ وَأَوَّلُهُمَا أَغْرَبُ وَأَبْعَدُ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ السَّاهِيَ الَّذِي قَاسَ عَلَيْهِ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ أَلْبَتَّةَ بِخِلَافِ الْمُتَخَلِّفِ لِإِتْمَامِ التَّشَهُّد فَإِنَّهُ حَصَلَ مِنْهُ نَوْعُ تَقْصِيرٍ فَلَمْ يَصِحّ لَهُ ذَلِكَ الْقِيَاسُ وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ أَنَّ مَا أَطْلَقَهُ مِنْ نَدْبِ التَّخَلُّف لِإِكْمَالِ التَّشَهُّد إنَّمَا يَتِمُّ لَهُ ذَلِكَ إنْ ظَنَّ أَنَّ الْإِمَامَ يُطِيلُ حَتَّى يُكْمِلَ وَيَلْحَقَهُ وَيُدْرِكَ كُلَّ الْفَاتِحَة قَبْلَ رُكُوعِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ إذَا ذَكَرُوا ذَلِكَ فِي الْجَائِي بَعْدَ إحْرَامِ الْإِمَامِ. فَقَالُوا وَلَا يَشْتَغِلُ الْمَسْبُوق بِسُنَّةٍ بَعْدَ التَّحَرُّم إلَّا إنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يُدْرِكُ الْفَاتِحَة قَبْلَ رُكُوعِ الْإِمَامِ فَإِذَا لَمْ يَسْتَحِبُّوا لَهُ الْإِتْيَانَ بِالِافْتِتَاحِ أَوْ التَّعَوُّذ إلَّا بِالشَّرْطِ الْمَذْكُور مَعَ أَنَّهُ فِي مَحَلِّهِمَا هُوَ وَالْإِمَامُ فَمَنْ فِي التَّشَهُّد يَكُونُ كَذَلِكَ بِالْأَوْلَى لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ بِقِيَامِ الْإِمَامِ عَنْهُ وَمِنْ ثَمَّ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إلَى تَقْصِيرِهِ بِإِكْمَالِ التَّشَهُّد مُطْلَقًا. وَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّ الْمَسْبُوق يَشْتَغِلُ بِمَا ذُكِرَ بِشَرْطِهِ وَالْفَرْقُ مَا أَشَرْت إلَيْهِ مِنْ فَوَاتِ مَحَلِّ التَّشَهُّد هُنَا بِقِيَامِ الْإِمَامِ عَنْهُ بِخِلَافِهِ فِي الْمَسْبُوق وَبِهَذَا يَتَّضِحُ تَقْصِيرُ هَذَا الْمُتَخَلِّفِ لِإِكْمَالِ التَّشَهُّد وَأَمَّا ادِّعَاءُ أَنَّ هَذَا مُوَافِقٌ. وَالْمُوَافِقُ وَإِنْ قَصَّرَ يَتَخَلَّفُ لِإِكْمَالِ الْفَاتِحَة مَا لَمْ يُسْبَقْ بِأَكْثَر مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ فَمَمْنُوعٌ كَيْفَ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمَسْبُوق هُوَ مَنْ يُدْرِكُ مِنْ قِيَامِ الْإِمَامِ مَا يَسَعُ الْفَاتِحَة وَالْمُتَخَلِّفُ لِلتَّشَهُّدِ لَمْ يُدْرِكْ ذَلِكَ فَهُوَ مَسْبُوقٌ لَا مُوَافِقٌ وَإِذَا كَانَ مَسْبُوقًا تَعَيَّنَ إلْحَاقُهُ بِالْمَسْبُوقِ إذَا اشْتَغَلَ بِافْتِتَاحٍ أَوْ تَعَوُّذٍ بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ بِذَلِكَ كَمَا مَرَّ وَإِذَا اتَّضَحَ أَنَّهُ كَالْمَسْبُوقِ تَعَيَّنَ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ مَا قَالُوهُ فِيمَا إذَا اشْتَغَلَ بِافْتِتَاحٍ أَوْ تَعَوُّذٍ فَرَكَعَ الْإِمَامُ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَخَلَّفَ وَقَرَأَ بِقَدْرِ مَا فَاتَهُ مِنْ الْفَاتِحَة وَحِينَئِذٍ فَهَلْ يُعْذَرُ بِالتَّخَلُّفِ بِثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ كَالْمُوَافِقِ لِعُذْرِهِ. بِوُجُوبِ التَّخَلُّف عَلَيْهِ أَوْ لَا يُعْذَرُ إلَّا بِرُكْنَيْنِ فِيهِ خِلَافٌ وَعَلَى كُلٍّ كَثِيرُونَ وَعَلَى الثَّانِي الَّذِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ جَمْعٍ مُحَقِّقِينَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فَإِنْ فَرَغَ مِمَّا لَزِمَهُ قَبْلَ أَنْ يَهْوِيَ الْإِمَامُ لِلسُّجُودِ وَافَقَهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ وَفَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ وَإِنْ لَمْ يَفْرُغْ وَقَدْ آنَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَهْوِيَ فَقَدْ تَعَارَضَ فِي حَقِّهِ وَاجِبَانِ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَخَلَّفَ بِأَكْثَر مِنْ رُكْنَيْنِ وَالتَّخَلُّفُ لِقِرَاءَةِ قَدْرِ مَا فَوَّتَهُ وَلَا مُخَلِّصَ لَهُ عَنْ هَذَيْنِ الْوَاجِبَيْنِ إلَّا بِنِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ فَيَلْزَمُهُ وَحِينَئِذٍ فَيُكْمِلُ الْفَاتِحَة وَيَمْشِي عَلَى نَظْمِ صَلَاةِ نَفْسِهِ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يُنْسَبُ كُلٌّ مِنْ الْمُشْتَغِلِ بِإِكْمَالِ التَّشَهُّد وَبِالِافْتِتَاحِ أَوْ التَّعَوُّذ إلَى تَقْصِيرٍ مَعَ نَدْبِ تَخَلُّفِهِ وَاشْتِغَاله بِذَلِكَ وَوُجُوبِ تَخَلُّفِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِقِرَاءَةِ قَدْرِ مَا فَوَّتَهُ قُلْت النَّدْبُ لَهُ لَا يُنَافِي نِسْبَةً إلَى تَقْصِيرٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ نُدِبَ مَشْرُوطًا بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَة أَيْ: فَإِنْ بَانَ أَنَّهُ أَدْرَكَ الْفَاتِحَة بَانَ أَنْ لَا تَقْصِيرَ وَإِلَّا بَانَ أَنَّ ثَمَّ تَقْصِيرًا أَوْجَبَ لَهُ احْتِيَاطًا فَهُوَ تَقْصِيرٌ عَادَ عَلَى عِبَادَتِهِ بِالِاحْتِيَاطِ لَا بِالتَّسَاهُلِ أَوْ الْإِبْطَال وَحِينَئِذٍ فَذَلِكَ التَّقْصِير مُنَاسِبٌ لِلنَّدْبِ لَا أَنَّهُ مُنَافٍ لَهُ فَتَأَمَّلْهُ فَقَدْ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّا وَإِنْ أَوْجَبْنَا عَلَى الْمَسْبُوق الْمَذْكُور التَّخَلُّف لِقِرَاءَةِ كُلِّ الْفَاتِحَة هُوَ مُقَصِّرٌ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْإِيجَابَ عَلَيْهِ لَا يُنَافِي نِسْبَتَهُ لِلتَّقْصِيرِ وَزَعْمُ أَنَّ هَذَا مِنْ تَفَرُّدِ الْمُتَوَلِّي مَمْنُوعٌ بَلْ لَوْ سَلِمَ كَانَ كَافِيًا فِي الْحُجَّةِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ بِالْأَوْلَى مِنْ أَنَّ وُجُوبَ التَّخَلُّف لِنَقْصِ الْفَاتِحَة لَا يَمْنَعُ مِنْ نِسْبَةِ تَقْصِيرٍ إلَيْهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْمُشْتَغِلَ

بِإِكْمَالِ التَّشَهُّد كَالْمُشْتَغِلِ بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ أَوْ التَّعَوُّذ فِي أَنَّهُ مَسْبُوقٌ وَفِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَخَلَّفَ لِقِرَاءَةِ قَدْرِ مَا فَوَّتَهُ. وَفِي أَنَّهُ لَا يَتَخَلَّفُ إلَّا بِرُكْنَيْنِ وَفِي أَنَّ الرَّكْعَةَ تَفُوتُ بِفَوَاتِ رُكُوعِ الْإِمَامِ وَفِي أَنَّهَا إذَا فَاتَتْهُ لَا يَأْتِي بِهَا وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ عَلِمَ وَتَعَمَّدَ وَفِي أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ مَعَهُ الْوَاجِبَانِ السَّابِقَانِ لَزِمَتْهُ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ وَإِذَا تَأَمَّلْت مَا قَرَّرْته عَلِمْت الْجَوَابَ عَنْ جَمْعِ مَا وَقَعَ فِي فَتَاوَى السَّمْهُودِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِمَّا يُؤَيِّدُ الْإِفْتَاء الثَّانِيَ السَّابِقَ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَنْ تَقَارُنِ رَاءِ تَحَرَّمَ الْمَأْمُوم وَمِيمِ سَلَامِ الْإِمَامِ. فَهَلْ يَنَالُ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَة أَوْ لَا فَيَبْطُلُ اقْتِدَاؤُهُ بَلْ وَصَلَاتُهُ إنْ تَعَمَّدَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَحْصُلُ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَة لِإِطْبَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ شَرْطَ حُصُولِهِ إدْرَاكُ جُزْءٍ مِنْ صَلَاة الْإِمَامِ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَهَذَا لَمْ يُدْرِكْ جُزْءًا كَذَلِكَ وَأَمَّا بُطْلَانُ صَلَاتِهِ بِذَلِكَ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْبِطْ صَلَاتَهُ ابْتِدَاءً بِمَنْ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ بَلْ بِمَنْ هُوَ فِيهَا لَكِنَّهُ لَمْ يَتِمّ لَهُ مَا ظَنَّهُ مِنْ إدْرَاكِ الرَّاءِ قَبْلَ الْمِيمِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ظَنُّ ذَلِكَ بَلْ يَكْفِي تَجْوِيزُهُ فَهُوَ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ الْبُطْلَانِ مَعْذُورٌ وَمِنْ حَيْثُ عَدَمُ إدْرَاكِ الْجَمَاعَة غَيْرُ مَعْذُورٍ؛ لِأَنَّ مَدَارَ الْأَوَّلِ عَلَى التَّقْصِير وَلَمْ يُوجَد. وَمَدَارُ الثَّانِي عَلَى تَحَقُّقِ إدْرَاكِ جُزْءٍ مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَمْ يُوجَدْ فَظَهَرَ افْتِرَاقِهِمَا وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ حِيَازَةِ الْفَضِيلَة وَبُطْلَانِ الِاقْتِدَاءِ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَحْرَمَ وَالْإِمَامُ فِي الْجِلْسَةِ الْأَخِيرَة فَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ فَهَلْ عَلَى الْمَأْمُوم أَنْ يَقْعُدَ ثُمَّ يَقُومَ أَوْ يَمْضِي عَلَى صَلَاتِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ عَقِبَ إحْرَامِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْقُعُودُ بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُ لِانْقِضَاءِ الْمُتَابَعَةِ الْمُوجِبَة لِلْمُوَافَقَةِ فِيمَا لَمْ يُحْسَبْ لَهُ فَيَصِيرُ جُلُوسُهُ زِيَادَةً فِي الصَّلَاةِ وَهِيَ مُبْطَلَةٌ وَإِذَا أَحْرَمَ وَلَمْ يُسَلِّمْ الْإِمَامُ وَلَمْ يَجْلِسْ عَامِدًا عَالِمًا بَلْ اسْتَمَرَّ قَائِمًا. إلَى أَنْ سَلَّمَ الْإِمَامُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُخَالَفَةِ الْفَاحِشَة نَعَمْ يَظْهَرُ أَنَّهُ يُغْتَفَرُ هُنَا التَّخَلُّف بِقَدْرِ جَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ أَخْذًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ إمَامُهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ تَشَهُّدِهِ فَتَخَلَّفَ وَلَمْ يَقُمْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ زَادَ تَخَلُّفُهُ عَلَى قَدْرِ جَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ وَإِلَّا فَلَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَعُدُّوا مُخَالَفَةَ الْإِمَامِ بِهَا فِيمَا لَوْ تَرَكَهَا وَفَعَلَهَا الْمَأْمُوم مُخَالِفًا فَاحِشَةً فَكَذَا يُقَالُ بِنَظِيرِهِ هُنَا وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ جَلَسَ بَعْدَ الْهُوِيِّ مِنْ الِاعْتِدَالِ جَلْسَةً يَسِيرَةً لَمْ يَضُرّ مَعَ أَنَّ الْمَوْضِعَ لَيْسَ مَوْضِعَ جُلُوسٍ فَاتَّضَحَ بِذَلِكَ مَا ذَكَرْته وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ. هَلْ تَجُوزُ صَلَاةُ الرَّغَائِب وَالْبَرَاءَةِ جَمَاعَةً أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَمَّا صَلَاةُ الرَّغَائِب فَإِنَّهَا كَالصَّلَاةِ الْمَعْرُوفَةِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانُ بِدْعَتَانِ قَبِيحَتَانِ مَذْمُومَتَانِ وَحَدِيثهمَا مَوْضُوعٌ فَيُكْرَهُ فِعْلُهُمَا فُرَادَى وَجَمَاعَةً وَأَمَّا صَلَاةُ الْبَرَاءَة فَإِنْ أُرِيدَ بِهَا مَا يُنْقَلُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ صَلَاةِ الْمَكْتُوبَاتِ الْخَمْسِ بَعْد آخِرِ جُمُعَةٍ فِي رَمَضَانَ مُعْتَقِدِينَ أَنَّهَا تُكَفِّرُ مَا وَقَعَ فِي جُمْلَةِ السَّنَةِ مِنْ التَّهَاوُن فِي صَلَاتِهَا فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ شَدِيدَةُ التَّحْرِيم يَجِبُ مَنْعُهُمْ مِنْهَا لِأُمُورٍ مِنْهَا أَنَّهُ تَحْرُمُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا وَلَوْ فِي جَمَاعَةٍ وَكَذَا فِي وَقْتِهَا بِلَا جَمَاعَةٍ وَلَا سَبَبٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ وَمِنْهَا أَنَّ ذَلِكَ صَارَ سَبَبًا لِتَهَاوُنِ الْعَامَّةِ فِي أَدَاءِ الْفَرَائِض لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ فِعْلَهَا عَلَى تِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ يُكَفِّرُ عَنْهُمْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَمَّا إذَا رَكَعَ الْمَأْمُوم قَبْلَ الْإِمَامِ عَمْدًا هَلْ يَنْتَظِرُهُ فِيهِ أَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَوْدُ لِلْمُتَابَعَةِ وَإِذَا كَانَ سَاهِيًا فَهَلْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ سُنَّ لَهُ الْعَوْدُ إلَى الْقِيَامِ وَإِنْ سَهَا تَخَيَّرَ بَيْنَ الْعَوْدِ إلَيْهِ وَانْتِظَاره فِي الرُّكُوعِ وَفَارَقَ مَا لَوْ قَامَ عَنْ التَّشَهُّد الْأَوَّلِ قَبْلَ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ إنْ تَعَمَّدَ تَخَيَّرَ بَيْنَ الْبَقَاءِ وَالْعَوْدِ. وَإِنْ سَهَا لَزِمَهُ الْعَوْدُ بِأَنَّ هَذَا أَفْحَشُ فِي الْمُخَالَفَةِ فَلَزِمَ السَّاهِيَ الْعُودُ؛ لِأَنَّهُ لَا قَصْدَ لَهُ يُعْتَدُّ بِهِ بِخِلَافِ الْعَامِدِ فَإِنَّهُ انْتَقَلَ عَنْ فَرْضِ الْمُتَابَعَةِ إلَى فَرْضٍ آخَرَ وَهُوَ الْقِيَامُ فَكَانَ لَهُ قَصْدٌ صَحِيحٌ فَتَخَيَّرَ وَأَمَّا مَنْ رَكَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَمْ يُخَالِفْهُ مُخَالَفَةً فَاحِشَةً لِقُرْبِ الرُّكُوعِ مِنْ الْقِيَامِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْعَوْدُ مُطْلَقًا وَتَخَيَّرَ عِنْدَ السَّهْوِ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ مَعَ عَدَمِ فُحْشِ الْمُخَالَفَةِ وَنُدِبَ لَهُ الْعَوْدُ عِنْدَ التَّعَمُّد؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَ الرُّكُوعِ فِيهِ وَاجِبَانِ فَرْضُ الْقِيَامِ وَفَرْضُ الْمُتَابَعَةِ فَكَانَ

باب شروط الإمامة وما يتعلق بها

الْعَوْدُ إلَيْهِ أَوْلَى مِنْ الْبَقَاءِ فِي الرُّكُوعِ وَلَا كَذَلِكَ فِي التَّشَهُّد وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ عَمَّا إذَا حَضَرَ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ جَمَاعَةٌ بَعْدَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ إمَامٌ فَهَلْ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ الَّذِي صَلَّى أَوْ لَا أَنْ يَؤُمّهُمْ كَذَلِكَ مَرَّةً أَوْ أَكْثَرَ وَهَلْ هَذَا الِاسْتِحْبَابُ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ اللَّذَيْنِ صَلَّيَا أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْجَوَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا أَنَّ الْمَنْقُول الْمَنْصُوص عَلَيْهِ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْإِعَادَة لَا تَجُوزُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَأَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي نَدْبِهَا مَرَّةً بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ سَوَاءٌ أَحَضَرَ مَنْ لَمْ يُصَلِّ أَمْ لَا. وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْإِمَامُ فِي الْأُولَى هُوَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَة أَمْ لَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْجَمَاعَة الْأُولَى إمَامًا وَمَأْمُومًا فَقَطْ سُنَّ لَهُمَا بَعْدَ فَرَاغِهِمَا إعَادَتُهَا ثَانِيًا وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الْأُولَى هُوَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَة لَكِنْ تَجِبُ نِيَّةُ الْإِمَامَة فِي الْمُعَادَة فِي وَقْتِ الْكَرَاهَة. وَقَالَ بَعْضُهُمْ مُطْلَقًا وَقَدْ حَرَّرْت ذَلِكَ مَعَ فَوَائِدَ نَفِيسَةٍ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ حَاصِلُ بَعْضِهَا وَتُسَنُّ الْإِعَادَة وَلَوْ فِي صُبْحٍ أَوْ عَصْرٍ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَبَهَا إيمَاءً فِي الصُّبْحِ وَصَرِيحًا فِي الْعَصْرِ وَتُسَنُّ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ إمَامُ الْأُولَى أَكْمَلَ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَبَهَا مَعَ كَوْنِهِ الْإِمَامَ فِي الْأُولَى وَلَا نَظَرَ لِوَقْتِ الْكَرَاهَة؛ لِأَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ لَهَا سَبَبٌ وَهُوَ حِيَازَةُ الْجَمَاعَة لِمَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا وَرَجَاءُ حِيَازَةِ فَضِيلَةٍ أُخْرَى لِمَنْ صَلَّى جَمَاعَةً وَقَضِيَّته أَنَّ مَحَلَّ نَدْبِ الْإِعَادَة إذَا لَمْ يُكْرَهُ الِاقْتِدَاءُ بِإِمَامِ الْمُعَادَة فَإِنْ كُرِهَ الِاقْتِدَاءُ بِهِ لَمْ تَجُزْ الْإِعَادَة خَلْفَهُ لِعَدَمِ الْفَضِيلَة حِينَئِذٍ سَوَاءٌ كَانَ مُبْتَدِعًا أَمْ فَاسِقًا أَمْ غَيْرَهُمَا إذْ كُلُّ مَكْرُوهٍ مِنْ حَيْثُ الْجَمَاعَة يَمْنَعُ فَضِيلَتَهَا. وَمِنْ ثَمَّ بَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ كَالْأَذْرَعِيِّ أَنَّ مَحَلَّ سَنِّ الْإِعَادَة مَعَ جَمَاعَةٍ إذَا كَانُوا فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ تُكْرَهُ إقَامَةُ الْجَمَاعَة فِيهِ ثَانِيًا وَمَحَلَّ نَدْبِهَا مَعَ الْمُنْفَرِدِ إذَا اعْتَقَدَ الْمُنْفَرِدُ إبَاحَتَهَا أَوْ نَدْبَهَا وَإِلَّا امْتَنَعَتْ لِانْتِفَاءِ الْفَرْضِيَّةِ. إذْ الصَّلَاةُ خَلْفَ الْمُخَالِف مَكْرُوهَةٌ مِنْ حَيْثُ الْجَمَاعَة وَيَلْزَمُ مَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ أَعَادَهَا إمَامًا لِأُخْرَى وَقْتَ الْكَرَاهَة نِيَّةُ الْإِمَامَة؛ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُجَوِّزَ لِلْإِعَادَةِ حِينَئِذٍ حَوْزُ الْفَضِيلَة وَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى نِيَّةِ الْإِمَامَة فَمَعَ عَدَمِهَا يَكُونُ نَفْلًا لَا سَبَبَ لَهُ بَلْ لَا يُبْعِدُ وُجُوبَ نِيَّةِ الْإِمَامَة مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْإِعَادَة فِي هَذِهِ حَوْزُ الْفَضِيلَة وَهُوَ مُنْتَفٍ حَيْثُ انْتَفَتْ نِيَّةُ الْإِمَامَة أَمَّا لَوْ أَعَادَ مَعَ مُنْفَرِدٍ أَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا ثُمَّ أَعَادَ مَعَ جَمَاعَةٍ فَلَا يَلْزَمُ نِيَّةُ الْإِمَامَة فِيهِمَا؛ لِأَنَّ تَحْصِيلَ الثَّوَابِ لِلْمُنْفَرِدِ فِي الْأُولَى وَحُصُولُ صُورَةِ الْجَمَاعَة فِي الثَّانِيَة مَطْلُوبٌ فَلْيَكُنْ ذَلِكَ سَبَبًا مُخْرِجًا لِصَلَاتِهِ الْمُعَادَة عَنْ كَوْنِهَا نَفْلًا لَا سَبَبَ لَهُ أَوْ لَا مُقْتَضَى لِإِعَادَتِهَا ثُمَّ رَأَيْت الْجَلَالَ الْبُلْقِينِيُّ. قَالَ لَوْ دَخَلَ إلَى مَحَلٍّ بَعْدَ أَنْ صَلَّى الصُّبْحَ أَوْ الْعَصْرَ وَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ إمَامًا وَيُصَلِّيَ مَعَهُ مَنْ حَضَرَ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَأْنِفٌ لِصَلَاةٍ لَا سَبَبَ لَهَا فِي وَقْتِ الْكَرَاهَة بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَأْمُومًا اهـ. وَيَتَعَيَّن حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَة لِمَا قَدَّمْته وَالزَّرْكَشِيُّ قَالَ لَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا ثُمَّ أَرَادَ إعَادَتَهَا بِجَمَاعَةٍ وَلَمْ يَنْوِ الْإِمَامَة لَمْ يُسْتَحَبّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُعِيدًا مُنْفَرِدًا بِلَا سَبَبٍ وَالْأَذْرَعِيُّ سَبَقَهُ لِذَلِكَ بِزِيَادَةٍ فَقَالَ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا صَلَّى مُنْفَرِدًا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ أَرَادَ إعَادَتَهَا مَعَ جَمَاعَةٍ تُقَامُ وَيَكُونُ هَذَا إمَامَهُمْ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ بِهِ الْإِعَادَة عَلَى الرَّاجِحِ إلَّا أَنْ يَنْوِي الْإِمَامَة إذْ لَا تُسْتَحَبُّ الْإِعَادَة مُنْفَرِدًا بِلَا سَبَبٍ يَقْتَضِيهَا اهـ. وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْإِمَامَة مُطْلَقًا وَلَوْ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْكَرَاهَة وَمَشَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْيَمَنِيِّينَ اهـ. حَاصِلُ مَا أَرَدْت نَقْلَهُ مِنْ شَرْحِ الْعُبَابِ لِمَزِيدِ الْفَائِدَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابُ شُرُوطِ الْإِمَامَة وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذَا كَانَ فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ بَابٌ نَافِذٌ مَفْتُوحٌ عُلْوِيٌّ يَمْنَعُ الْمُرُورَ أَوْ كَانَ بِهِ شُبَّاكٌ يُغْلَقُ عُلْوِيٌّ أَوْ سُفْلِيٌّ يَمْنَعُ الْمُرُورَ أَيْضًا أَوْ كَانَ لَهُ بَابٌ سُفْلِيٌّ مَفْتُوحٌ لَا يَمْنَعُ الْمُرُورَ وَلَا الرُّؤْيَةَ ثُمَّ جُعِلَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ يَمْنَعُ الرُّؤْيَةَ دُونَ الْمُرُورِ أَوْ رُدَّ بَعْضُهُ أَوْ سُتِرَ بَعْضُهُ بِالثَّوْبِ بِحَيْثُ لَا يَمْنَعُ الرُّؤْيَةَ فَهَلْ تَصِحُّ قُدْوَةُ الْمَأْمُوم بِإِمَامِ الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ خَلْفَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا إذَا كَانَ يُعْلَمُ حَالُ الْإِمَامِ أَوْ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ أَنَّ الْخَوْخَةَ كَالشِّبَاكِ

فَتَكُونُ مِمَّا يَمْنَعُ الْمُرُورَ لَكِنْ يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى خَوْخَةٍ صَغِيرَةٍ أَوْ عَالِيَةٍ فِي الْجِدَارِ لَا يُتَطَرَّقُ مِنْهَا عَادَةً إذْ الْمَدَارُ عَلَى الِاسْتِطْرَاقِ الْعَادِيِّ وَحَيْثُ وُجِدَ صَحَّتْ الْقُدْوَةُ وَإِلَّا فَلَا كَمَا يَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَيْضًا إذَا وَقَفَ الْإِمَامُ عَلَى السَّهْلِ وَالْمَأْمُومُ عَلَى الْجَبَلِ فَإِنْ كَانَ الْجَبَلُ يُمْكِنُ صُعُودُهُ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ إذَا كَانَ مَكَانُ الِارْتِقَاءِ فِي الْجِهَةِ الَّتِي فِيهَا الْإِمَامُ. وَإِنْ كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ كَانَ الْحُكْمُ بِخِلَافِهِ؛ لِأَنَّ الْجَبَلَ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ السُّورِ الْمُنَيَّفِ يَقِفُ عَلَيْهِ الْمُقْتَدِي وَالْإِمَامُ عَلَى الْقَرَارِ اهـ. فَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ فِي السُّورِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِسُهُولَةِ الِاسْتِطْرَاقِ لَا بِإِمْكَانِهِ عَلَى بُعْدٍ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْقَمُولِيِّ فِيمَا لَوْ صَلَّى الْإِمَامُ بِصَحْنِ الْمَسْجِدِ وَالْمَأْمُومُ بِسَطْحِ دَارِهِ وَعَلَى الطَّرِيقَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ إمْكَانِ الِاسْتِطْرَاقِ إلَيْهِمَا وَلَا تَكْفِي الْمُشَاهَدَةُ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَلَوْ كَانَ الْمُرُورُ مُمْكِنًا لَكِنْ بِانْعِطَافٍ فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ وَإِلَّا لَصَحَّتْ الصَّلَاةُ فِي كُلِّ مَحَلٍّ يُمْكِنُ فِيهِ التَّوَصُّل إلَيْهِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ بِانْعِطَافٍ وَبِتَسَوُّرِ جِدَارٍ وَنَحْوِهِمَا وَقَدْ صَحَّحُوا بُطْلَانَ الْخَارِجِ مِنْ الْمَسْجِدِ الْمُسَامِت لِجِدَارِهِ. وَإِنْ قَرُبَ مِنْهُ لِحَيْلُولَةِ الْجِدَارِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ أَيْ: وَإِنْ أَمْكَنَ رُقِيُّهُ وَالْوُصُولُ مِنْهُ إلَى الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ اسْتِطْرَاقًا عَادِيًّا. فَإِنْ قُلْت يُخَالِفُ مَا ذُكِرَ قَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّهُ لَوْ كَانَا عَلَى سَطْحَيْنِ صَحَّ اقْتِدَاءُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا شَارِعٌ عَرِيضٌ؛ لِأَنَّهُ كَالنَّهْرِ وَهُوَ لَا يَضُرُّ. قُلْت لَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ يُعَدَّانِ مُجْتَمِعِينَ؛ لِأَنَّهُ لَا تَغَايُرَ بَيْنَ بِنَائِهِمَا بِخِلَافِ مَنْ فِي بِنَاءِ جِدَارِهِ جِدَارُ الْمَسْجِدِ فَإِنَّ الْبِنَاءَ مُخْتَلِفٌ فَاشْتُرِطَ سُهُولَةُ الِاسْتِطْرَاقِ مِنْ تِلْكَ الْخَلْوَةِ فِي ذَلِكَ الْجِدَارِ وَلَمَّا تَغَايَرَ بِنَاءُ مَنْ بِالسَّطْحِ وَمَنْ بِقَرَارِ الْمَسْجِدِ اُشْتُرِطَ إمْكَانُ الِاسْتِطْرَاقِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْقَمُولِيِّ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَكِنَّ إطْلَاقَهُ الْبُطْلَانَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ لِلْمَسْجِدِ. إلَّا بِنَحْوِ انْعِطَافٍ وَازْوِرَارٍ أَيْ: مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْإِمَامِ بِحَيْثُ لَا يُوَلِّيهَا ظَهْرَهُ. وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ ابْنِ التِّلْمِسَانِيِّ أَنَّ السِّتْرَ الْمُرْخَى كَالْبَابِ الْمَرْدُود؛ لِأَنَّ الْحَيْلُولَةَ بِهِ تَمْنَعُ الِاجْتِمَاعَ بِخِلَافِ حَيْلُولَةِ نَحْوِ الشَّارِعِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رَجُلٍ إذَا قَرَأَ الْفَاتِحَة غَيَّرَ بَعْضَ حُرُوفِهَا فَيَقُولُ فِي الْمُسْتَقِيمِ الْمُصْطَقِيمَ هَلْ يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ أَمْ لَا إذَا وُجِدَ أَقْرَأُ مِنْهُ؟ . (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَنْ أَبْدَلَ حَرْفًا مِنْ الْفَاتِحَة لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ بِأَنْ كَانَ يُبْدِلُ ذَلِكَ الْحَرْفَ الَّذِي يُبْدِلُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ كَيْفِيَّةِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَقُولُ الْمُصَلِّي أُصَلِّي سُنَّةَ الْعِيدِ. وَكَذَا فِي الْوِتْرِ أُصَلِّي صَلَاةَ الْوِتْرِ وَكَذَا الضُّحَى أَصَلَّى صَلَاةَ الضُّحَى وَكَذَا سُنَّةُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَكَيْفَ يَنْوِي صَلَاةَ الْجِنَازَة وَمَا أَحْسَنَ مَا يَقُولُهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنَّ الْأَوْلَى فِي ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ سُنَّةُ صَلَاةِ الْعِيدِ أَوْ الْوِتْرِ أَوْ الضُّحَى أَوْ الْكُسُوفِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْأَوْلَى نِيَّةُ الْوِتْرِ ضَعِيفٌ وَيَجِبُ أَنْ يُعَيِّنَ أَنَّ الْعِيدَ الْأَكْبَرُ أَوْ الْأَصْغَرُ وَأَنَّ الْكُسُوفَ لِلشَّمْسِ أَوْ الْقَمَرِ وَكَيْفِيَّةُ صَلَاةِ الْجِنَازَة أُصَلِّي عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ أَوْ عَلَى فُلَانٍ إنْ كَانَ غَائِبًا أَوْ عَلَى مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ الْإِمَامُ فَرْضَ كِفَايَةٍ مَأْمُومًا إنْ كَانَ فِي جَمَاعَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ شَخْصٍ لَهُ بَيْتٌ مُلَاصِقٌ لِجِدَارِ الْمَسْجِدِ. وَلَهُ بَابٌ يُفْتَحُ وَيُغْلَقُ مِنْ جِهَةِ الْمَسْجِدِ فَإِذَا كَانَ حَالَ الصَّلَاة وَالْقُدْوَة بِإِمَامِ الْمَسْجِدِ فَتَحَ الْبَابَ لَكِنْ فِي مَوْقِفِهِ لَمْ يَرَ الْإِمَامَ وَلَا بَعْضَ الْمَأْمُومِينَ وَإِنَّمَا يَسْمَعُ الْمُبَلِّغَ فَقَطْ بِالتَّكْبِيرِ فَهَلْ يَكُونُ هَذَا التَّبْلِيغ كَافٍ مِنْ الْمُؤَذِّن أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَتَصِحُّ الْقُدْوَةُ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ وَيَكُونُ الْحُكْمُ أَيْضًا إذَا كَانَ الْإِمَامُ بِالْمَسْجِدِ وَالْمَأْمُومُ خَارِجَهُ بِالشَّارِعِ الْمَطْرُوق أَوْ بِالْفَضَاءِ بِشُرُوطِهِ يَكْفِي التَّبْلِيغ مَعَ عَدَمِ الرُّؤْيَةِ لِلْإِمَامِ أَوْ لِبَعْضِ الْمَأْمُومِينَ وَسَوَاءٌ وَقَفَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ أَحَدٌ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَيْثُ كَانَ الْمَأْمُوم فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ اُشْتُرِطَ رُؤْيَتُهُ لِلْإِمَامِ أَوْ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ كَالْوَاقِفِ بِبَابِ الْمَسْجِدِ وَلَا يَكْفِي هُنَا سَمَاعُ صَوْتِ الْمُبَلِّغِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا حَقِيقَةُ رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَرِيمِهِ وَهَلْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَمِنْ الْمُهِمِّ بَيَانُ حَقِيقَةِ هَذِهِ الرَّحْبَةِ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ صَاحِبِ الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ أَنَّهَا

مَا كَانَ مُضَافًا إلَى الْمَسْجِدِ مُحْجَرًا عَلَيْهِ لِأَجْلِهِ وَأَنَّهَا مِنْهُ وَأَنَّ صَاحِبَ الْبَيَانِ وَغَيْرَهُ نَقَلُوا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ صِحَّةَ الِاعْتِكَافِ فِيهَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَاب عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ لَوْ صَلَّى فِيهَا مُقْتَدِيًا بِإِمَامِ الْمَسْجِدِ صَحَّ وَإِنْ حَالَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ يَمْنَعُ الِاسْتِطْرَاقَ؛ لِأَنَّهَا مِنْهُ كَمَا مَرَّ قَالَ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْمَحَلَّ الَّذِي بِبَابِ جَامِعِ دِمَشْقَ الْمُسَمَّى بِبَابِ السَّاعَات رَحْبَةٌ وَخَالَفَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ ذَاهِبًا إلَى أَنَّهَا صَحْنُ الْمَسْجِدِ وَطَالَ النِّزَاعُ بَيْنَهُمَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَتَأَمَّلْت مَا صَنَعَهُ أَبُو عَمْرٍو وَاسْتِدْلَالَهُ فَلَمْ أَرَ فِيهِ دَلَالَةً عَلَى الْمَقْصُودِ اهـ. وَلَيْسَتْ تُوجَدُ لِكُلِّ مَسْجِدٍ وَصُورَتُهَا أَنْ يَقِفَ الْإِنْسَانُ بُقْعَةً مَحْدُودَةً مَسْجِدًا ثُمَّ يَتْرُكَ مِنْهَا قِطْعَةً أَمَامَ الْبَابِ فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ لَهُ رَحْبَةٌ وَكَانَ لَهُ حَرِيمٌ أَمَّا لَوْ وَقَفَ دَارًا مَحْفُوفَةً بِالدُّورِ مَسْجِدًا فَهَذَا لَا رَحْبَةَ لَهُ وَلَا حَرِيمَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِجَانِبِهَا مَوَاتٌ فَإِنَّهُ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ لَهُ رَحْبَةٌ وَحَرِيمٌ وَيَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ تَمْيِيزُهَا مِنْهُ فَإِنَّ لَهَا حُكْمَ الْمَسْجِدِ دُونَهُ وَهُوَ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِطَرْحِ الْقِمَامَاتِ وَالزِّبَالَاتِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِالْمُوَسْوِسِ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّاكِّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ صَحِيحَةٌ لَكِنْ قَالَ أَبُو الْفُتُوحِ الْعِجْلِيّ فِي نُكَتِ الْوَسِيطِ إنَّهَا خَلْفَهُ مَكْرُوهَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَشُكُّ فِي أَفْعَالِ نَفْسِهِ وَعَلَيْهِ فَالصَّلَاةُ خَلْفَ غَيْرِهِ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ جَمَاعَةً قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ وَيَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ عَزْلُهُ؛ لِأَنَّ الْوَسْوَسَةَ بِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَقَدْ عَزَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إمَامًا بَصَقَ فِي الْمَسْجِدِ عَنْ الْإِمَامَةِ اهـ. وَفِي الْوُجُوبِ نَظَرٌ وَالْحَدِيثُ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ لَا الْوُجُوبِ عَلَى أَنَّ الْأَوْجَهَ أَنَّهُ لَا يَجُوزَ عَزْلُهُ حَيْثُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَلَمْ يَضُرَّ بِالْمَأْمُومِينَ بِإِبْطَاءٍ أَوْ تَطْوِيلٍ وَفُرِّقَ بَيْنَ الْوَسْوَسَةِ وَالشَّكِّ بِأَنَّهُ يَكُونُ بِعَلَامَةٍ كَتَرْكِ ثِيَابٍ مِنْ عَادَتِهِ مُبَاشَرَةُ النَّجَاسَةِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ خَلْفَ مَنْ عَادَتُهُ التَّسَاهُلُ فِي إزَالَتِهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَهُوَ الطَّهَارَةُ قَدْ عَارَضَهُ غَلَبَةُ النَّجَاسَةِ وَالِاحْتِيَاطُ هُنَا مَطْلُوبٌ بِخِلَافِ الْوَسْوَسَةِ فَإِنَّهَا الْحُكْمُ بِالنَّجَاسَةِ مِنْ غَيْرِ عَلَامَةٍ بِأَنْ لَمْ يُعَارِضْ الْأَصْلَ شَيْءٌ كَإِرَادَةِ غَسْلِ ثَوْبٍ جَدِيدٍ أَوْ اشْتَرَاهُ احْتِيَاطًا وَذَلِكَ مِنْ الْبِدَعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَالِاحْتِيَاطُ حِينَئِذٍ تَرْكُ هَذَا الِاحْتِيَاطِ وَبِأَنَّ الْمُوَسْوِسَ يُقَدِّرُ مَا لَمْ يَكُنْ كَائِنًا ثُمَّ يَحْكُمُ بِحُصُولِهِ كَأَنْ يَتَوَهَّمَ وُقُوعَ نَجَاسَةٍ بِثَوْبِهِ ثُمَّ يَحْكُمُ بِوُجُودِهَا مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ ظَاهِرٍ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَبِي الْفُتُوحِ الْعِجْلِيّ الْوَسْوَسَةُ تَقْدِيرُ مَا لَمْ يَكُنْ إنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ يَكُونُ ثُمَّ يَحْكُمُ بِكَوْنِهِ كَائِنًا حَتَّى يَكُونَ الْوَاجِبُ غَسْلَهُ عِنْدَهُ. وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُوَسْوِسِينَ يُحْرِمُ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَيُحْرِمُ وَهَكَذَا وَهُوَ دَائِرٌ بَيْنَ حَرَامَيْنِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ إنْ كَانَتْ قَدْ صَحَّتْ حَرُمَ الْخُرُوجُ مِنْهَا وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَإِنْ قَالَ بِهِ كَثِيرُونَ وَإِلَّا حَرُمَ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ؛ لِأَنَّهُ تَلَبُّسٌ بِعِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ رَأَى عَلَى نَحْوِ بَدَنِ فَاسِقٍ نَجَاسَةً ثُمَّ رَآهُ يُصَلِّي فَهَلْ لَهُ الِائْتِمَامُ بِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ صِحَّةُ صَلَاتِهِ وَإِنْ كَانَ لَوْ أَخْبَرَ بِطَهَارَةِ ثَوْبِهِ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ. (وَسُئِلَ) عَنْ تَعْرِيفِ الْمَسْبُوقِ بِمَنْ لَمْ يُدْرِكْ زَمَنًا يَسَعُ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ هَلْ ذَلِكَ بِقِرَاءَةِ نَفْسِهِ أَمْ بِقِرَاءَةٍ مُعْتَدِلَةٍ إذَا كَانَ هُوَ بَطِيءَ الْقِرَاءَة؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْمَسْبُوقِ وَالْمُوَافِقِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِحَالِ الشَّخْصِ نَفْسِهِ فِي السُّرْعَةِ وَالْبُطْء وَاَلَّذِي رَجَّحْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَبَيَّنْته فِي غَيْرِهِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يُتَصَوَّرُ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ إنَّ الْمُوَافِقَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ كَأَنْ كَانَ بَطِيءَ الْقِرَاءَةِ يَتَخَلَّفُ لِإِتْمَامِهَا مَا لَمْ يُسْبَقْ بِأَكْثَر مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ وَلَوْ اعْتَبَرُوا قِرَاءَةَ نَفْسِهِ لَكَانَ مَسْبُوقًا وَهُوَ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّخَلُّف. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْمَأْمُومِ إذَا الْتَبَسَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فِي حَالِ كَوْنِهِ مُوَافِقًا أَوْ مَسْبُوقًا مَاذَا يَفْعَلُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا شَكَّ الْمَأْمُومُ هَلْ هُوَ مُوَافِقٌ أَوْ مَسْبُوقٌ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا مُنْذُ سِنِينَ مَعَ تَطَلُّبِهِ وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي الْآنَ فِيهِ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ تَعَارَضَ مَعَهُ وَاجِبَانِ وَأَصْلَانِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ وَقَضِيَّته وُجُوبُ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَعَدَمُ جَوَازِ التَّخَلُّف لِإِتْمَامِهَا كَمَنْ يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ مَسْبُوقٌ وَالْأَصْلُ أَيْضًا أَنَّ الْمَأْمُومَ مُخَاطَبٌ بِالْفَاتِحَةِ وَأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ حَتَّى يَتَحَقَّق أَنَّهُ مَسْبُوقٌ

وَقَضِيَّتُهُ وُجُوبُ التَّخَلُّف لِإِكْمَالِ الْفَاتِحَةِ وَعَدَمُ جَوَازِ الْمُتَابَعَةِ وَإِذَا تَعَارَضَ أَصْلَانِ وَوَاجِبَانِ وَلَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا أَوْ كَانَ مُرَجِّحُ أَحَدِهِمَا ضَعِيفًا أَوْ أَمْكَنَ إلْغَاؤُهُمَا وَالْعَمَلُ بِغَيْرِهِمَا وَجَبَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي مَوَاضِع كَثِيرَةٍ وَحِينَئِذٍ فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ لِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ وَتَكُونُ مُفَارَقَةً بِعُذْرٍ فَلَا تَفُوتُ عَلَيْهِ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَة وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ جَعَلَ نَفْسَهُ مَسْبُوقًا عَمَلًا بِالْأَصْلِ الْأَوَّلِ فَوَّتَ وُجُوبَ تَكْمِيلِ الْفَاتِحَةِ نَظَرًا لِلْأَصْلِ الثَّانِي أَوْ مُوَافِقًا نَظَرًا لِلْأَصْلِ الثَّانِي فَوَّتَ وُجُوبَ الْمُتَابَعَةِ نَظَرًا لِلْأَصْلِ الْأَوَّلِ وَلَا مَخْرَجَ عَنْ ذَلِكَ إلَّا بِمَا قُلْنَاهُ. فَإِنْ قُلْت إسْقَاطُ الْفَاتِحَةِ أَوْ بَعْضِهَا عَنْ الْمَسْبُوقِ وَإِدْرَاكُهُ الرَّكْعَةَ رُخْصَةٌ فَلَا يُصَارُ إلَيْهَا إلَّا بِيَقِينٍ فَلِمَ لَمْ يَجْعَلُوهُ مُوَافِقًا قُلْت وَاغْتِفَارُ تَخَلُّفِ الْمُوَافِقِ بِأَكْثَر مِنْ رُكْنَيْنِ رُخْصَةٌ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِيَقِينٍ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا صُورَتُهُ فَرِّقْ مَنْ يَأْتِي بَيْنَ الشَّكِّ وَالْوَسْوَاسِ؟ فَقَالَ إنَّ مَا يَخْتَصُّ وُقُوعُهُ بِالْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ فَهُوَ وَسْوَاس لَا الْتِفَاتَ إلَيْهِ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَمَا يَقَعُ فِي الْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ عَلَى السَّوَاءِ فَهُوَ الشَّكُّ وَكُلّ مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ مُتَعَاطِي الْعِبَادَةِ أَنَّهُ يَقَعُ قَبْلَ أَنْ يُوجَدَ فَذَلِكَ هُوَ الْوَسْوَاسُ وَلَيْسَ بِسَهْوٍ وَحُكْمُ السَّهْوِ أَنَّهُ يَجِبُ تَدَارُكُهُ وَأَمَّا الْوَسْوَاسُ فَيَجِبُ تَرْكُهُ. وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي الِاعْتِمَادُ عَلَى جَمِيعِ مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِلنَّوَوِيِّ لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِالْوَسْوَاسِ وَالظَّنُّ عِبَارَةٌ عَنْ اعْتِيَادِ شَيْءٍ بِالتَّكْرَارِ وَهُوَ ثَلَاثُ مَرَّات فَمَا فَوْقُ وَالْعِبَادَاتُ عِبَارَةٌ عَنْ امْتِثَالِ الْأَوَامِر وَاجْتِنَابِ النَّوَاهِي وَالْأَوَامِرُ هِيَ الْوَاجِبُ وَالْمُسْتَحَبُّ وَالْمَنَاهِي الْحَرَامُ وَالْمَكْرُوهُ وَلَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يَتَذَكَّرَ مَا مَضَى مِنْ عِبَادَتِهِ وَإِنْ قَرُبَ الْعَهْدُ بِهِ حَتَّى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَذَكَّرَ الْبَسْمَلَةَ بَعْدَ أَنْ صَارَ فِي الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَذَكَّرَ الرُّكُوعَ بَعْدَ صَيْرُورَتِهِ فِي الِاعْتِدَالِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَإِذَا شَرَعَ الْمُصَلِّي فِي الْإِقَامَةِ ذَاكِرًا لِلصَّلَاةِ الَّتِي يُرِيدُ الشُّرُوعَ فِيهَا فَلَا تَعْزُبُ تِلْكَ النِّيَّةُ وَلَا يُمْكِنُ نِسْيَانُهَا إلَّا لِهُجُومِ حَادِثٍ عَظِيمٍ وَمَنْ عَرَفَ مِنْ نَفْسِهِ حِفْظَ أَشْيَاء وَذَكَرَهَا ثُمَّ اعْتَرَاهُ نِسْيَانٌ فِي شَيْءٍ مَخْصُوصٍ فَذَلِكَ هُوَ الْوَسْوَاسُ الَّذِي يَنْبَغِي تَرْكُهُ اعْتِمَادًا عَلَى مَا يَعْتَادُ مِنْ نَفْسِهِ مِنْ حِفْظِ أَشْيَاء وَعَدَمِ نِسْيَانِهَا فَذَلِكَ مِثْلُهَا وَمُجَرَّدُ التَّكْبِيرِ كَافٍ فِي انْعِقَادِ الصَّلَاةِ اهـ. مَا أَوْرَدَهُ سَيِّدُنَا الْفَقِيهُ الْعَلَّامَة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ مُحَرِّمُهُ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَرَحِمَهُ مِنْ الضَّابِطِ وَالْمَسْئُولِ مِنْ سَيِّدِي حَفِظَهُ اللَّهُ وَزَادَهُ عِلْمًا وَنُورًا وَتَوْفِيقًا وَكَمَالًا أَنْ يَشْرَحَ جَمِيعَ الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ بِبَسْطٍ وَإِيضَاحٍ وَتَمْثِيلٍ خُصُوصًا عَلَى قَوْلِهِ. وَكُلُّ مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ مُتَعَاطِي الْعِبَادَةِ أَنَّهُ يَقَعُ قَبْلَ أَنْ يُوجَدَ. وَقَوْلِهِ وَالظَّنُّ عِبَارَةٌ إلَخْ وَهَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الشَّاشِيُّ فِي الْحِلْيَةِ الْجَامِعَةِ لِأَقَاوِيلِ الْعُلَمَاء مَا لَفْظُهُ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ شَكُّهُ فِي ذَلِكَ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ الشَّكُّ يَعْتَادُهُ وَيَتَكَرَّرُ لَهُ بَنَى عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ فَإِنْ لَمْ يَقَعْ لَهُ ظَنٌّ بَنَى عَلَى الْأَقَلِّ اهـ. وَقَوْلِهِ فِي الضَّابِطِ وَلَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يَتَذَكَّرَ مَا مَضَى مِنْ عِبَادَتِهِ إلَخْ هَلْ مُرَادُهُ لَا يَجِبُ مَا لَمْ يَعْرِضْ لَهُ الشَّكُّ فِي تَرْكِ رُكْنٍ أَوْ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ تَرْكُهُ أَوْ مُطْلَقًا حَتَّى لَوْ شَكَّ لَمْ يَبْنِ عَلَى الْأَقَلِّ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ. وَمَا الْحُكْمُ لَوْ كَانَ الشَّكُّ بِسَبَبِ مُشَوِّشٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنْ لَوْلَاهُ لَمْ يَكُنْ الشَّكُّ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَمَّا الضَّابِطُ الْمَذْكُورُ فَأَكْثَرُهُ لَا يُوَافِقُ كَلَامَ أَئِمَّتِنَا فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَبَيَانُهُ أَنَّ تَخْصِيصَهُ الْوَسْوَاسَ وَالشَّكَّ بِالْفَرْضِ دُونَ النَّفْلِ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا يَجْرِي فِي كُلٍّ مِنْ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَأَمَّا تَفْسِيرُهُ الْوَسْوَاسَ بِقَوْلِهِ: وَكُلُّ مَا غَلَبَ إلَخْ فَمَمْنُوعٌ وَكَذَا قَوْلُهُ وَأَمَّا الْوَسْوَاسُ فَيَجِبُ تَرْكُهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَسْوَاسُ إمَّا مَذْمُومٌ وَهُوَ الْعَمَلُ بِكُلِّ مَا طَرَقَ الذِّهْنَ أَوْ يَتَخَيَّلهُ الْوَهْمُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَقَامَ الْأَئِمَّةُ النَّكِيرَ عَلَى فَاعِلِهِ وَأَكْثَرُوا مِنْ ذَمِّهِ وَتَقْبِيحِ طَرِيقِهِ وَذَمِّ مَا هُوَ عَلَيْهِ بَلْ شَبَّهَ بَعْضُهُمْ مَنْ هَذِهِ طَرِيقَتُهُ بِقَوْمٍ مِنْ كُفَّارِ الْهِنْدِ الْمُتَغَالِينَ فِي كُفْرِهِمْ حَتَّى أَنْكَرُوا جَمِيعَ الْحَقَائِق الْمَوْجُودَة الْمُشَاهَدَةِ بِالْحِسِّ وَقَالُوا إنَّهَا كُلَّهَا خَيَالٌ وَبَاطِلٌ وَفَرَّعُوا عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ مِنْ الْقَبَائِح الشَّنِيعَةِ الَّتِي يَبْرَأُ عَنْهَا السَّمْعُ وَلَا يَقُولُ بِهَا عَاقِلٌ مَا إهْمَالُهُ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ.

فَالْمُوَسْوِسُونَ كَهَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّ الشَّخْصَ مِنْهُمْ كَمَا شَاهَدْنَاهُ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَجْعَلُ يَدَهُ أَوْ بَدَنَهُ دَاخِلَ الْمَاءِ وَلَا يَزَالُ يَغْمِسُهَا الْمَرَّات الْكَثِيرَةَ الَّتِي تَزِيدُ عَلَى الْمِائَةِ حَتَّى يَتَيَقَّنَ ارْتِفَاعَ حَدَثِهَا بَلْ قَدْ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَأَكْثَرَ مِنْهُ وَلَا يَتَيَقَّنُ رَفْعَ حَدَثٍ كَمَا حَكَى لِي بَعْضُ الثِّقَات أَنَّ مُوَسْوِسَيْنِ أَجْنَبَا فَخَرَجَا إلَى بَحْرِ النِّيلِ لِيَغْتَسِلَا فِيهِ فَوَصَلَا إلَيْهِ بَعْدَ الْفَجْرِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ انْزِلْ انْغَمِسْ فِي الْمَاءِ وَأَنَا أَعُدُّ لَك وَأُخْبِرُك هَلْ عَمَّ الْمَاءُ رَأْسَك أَوْ لَا فَنَزَلَ وَاسْتَمَرَّ يَنْغَمِسُ وَذَلِكَ يَقُولُ لَهُ بَقِيَ عَلَيْك شَيْءٌ يَسِيرٌ مِنْ رَأْسِك لَمْ يَعُمّهُ الْمَاءُ فَلَا زَالَ كَذَلِكَ إلَى قُرْبِ الظُّهْرِ فَتَعِبَ وَطَلَعَ مِنْ الْمَاءِ وَلَمْ يَتَيَقَّنْ رَفْعَ جَنَابَتِهِ ثُمَّ قَالَ لِلْآخَرِ انْزِلْ وَأَنَا أَعُدُّ لَك فَنَزَلَ وَفَعَلَ كَمَا فَعَلَ الْأَوَّلُ وَهُوَ يَقُولُ لَهُ كَمَا قَالَ لَهُ وَاسْتَمَرَّ إلَى قُرْبِ الْغُرُوبِ وَلَمْ يَتَيَقَّنْ أَيْضًا رَفْعَ جَنَابَتِهِ فَطَلَعَ وَرَجَعَا شَاكَّيْنِ فِي بَقَاءِ جَنَابَتِهِمَا وَتَرَكَا صَلَاةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَهَذَا يُشْبِهُ طَرِيقَةَ الْكَفَرَةِ الْمَذْكُورِينَ وَاعْتِقَادَهُمْ بَلْ أَقْبَحُ وَأَفْحَشُ وَقَدْ قَوِيَ الْوَسْوَاسُ عَلَى بَعْضِ مَنْ أَدْرَكْته حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ عِيَالِهِ وَأَوْلَادِهِ فَارًّا عَلَى وَجْهِهِ فِي الْبَرَارِي فَلَمْ يُدْرَ لَهُ الْآنَ مَكَانٌ وَلَمْ يُسْمَعْ لَهُ خَبَرٌ وَبِالْجُمْلَةِ هُوَ دَاءٌ عُضَالٌ قَلَّ مَنْ يَقَعُ فِي وَرْطَتِهِ وَيَنْجُو مِنْهَا وَالْجُنُونُ دُونَهُ بِكَثِيرٍ فَإِنَّهُ يُنْحِلُ الْبَدَنَ وَيُذْهِبُ الْعَقْلَ بَلْ وَالْإِدْرَاكَ وَالْفَهْمَ وَيَصِيرُ الْمُبْتَلَى بِهِ كَالْبَهِيمَةِ لَا يَهْتَدِي لِخَيْرٍ قَطُّ. وَلَا تَصِحُّ لَهُ عِبَادَةٌ عَلَى مَذْهَبِ أَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ لِاسْتِيلَاءِ الشَّيْطَانِ عَلَى فِكْرِهِ وَجَعْلِهِ سُخْرِيَةً وَهُزُءًا يَلْعَبُ بِهِ كَيْفَ أَرَادَ وَقَدْ شَاهَدْت أَيْضًا مَنْ لَهُ فِطْنَةٌ وَذَكَاءٌ وَفَهْمٌ دَقِيقٌ فِي الْعُلُومِ وَجَمَالٌ مُفْرِطٌ اُبْتُلِيَ بِهِ حَتَّى انْتَحَلَ وَتَغَيَّرَتْ صُورَتُهُ الْآدَمِيَّةُ وَتَوَحَّشَ وَاعْتَزَلَ النَّاس جُمْلَة وَلَمْ يَصِرْ لَهُ مَأْوًى إلَّا بُيُوت الْأَخْلِيَةِ وَالْمَاء الَّذِي عِنْدهَا فَهَذَا هُوَ الَّذِي أَنْكَرَهُ الْأَئِمَّةُ وَبَالَغُوا فِيهِ وَهُوَ حَقِيقٌ بِذَلِكَ وَقَدْ قَالَ فِي الْمَجْمُوع مِنْ الْبِدَعِ الْمَذْمُومَةِ غَسْلُ الثَّوْبِ الْجَدِيدِ. وَقَدْ قَالُوا يُكْرَهُ إمَامَةُ الْمُوَسْوِسِ. وَأَمَّا مَحْمُودٌ وَهُوَ الِاحْتِيَاطُ لِلْعِبَادَةِ بِأَنْ لَا يُوقِعَهَا إلَّا عَلَى وَجْهٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَنْبَغِي الْوَرَعُ فِي الْعِبَادَاتِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ طَرِيقَةَ السَّلَفِ فَقَدْ كَانُوا يَمْشُونَ حُفَاةً وَيُصَلُّونَ مِنْ غَيْرِ غَسْلِ أَرْجُلِهِمْ وَقَدْ أَكَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَوَانِي الْمَجُوسِ وَلَبِسَ جُبَّةً مِنْ نَسْجِهِمْ وَأَحْوَالُ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ شَهِيرَةٌ لَا تَخْفَى عَلَى الْمُوَفَّقِ. وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأُحِبُّ أَنْ يُغْسَلَ حَصَى الْجِمَارِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ مَحَلَّ كَوْن غَسْلِ الثَّوْبِ الْجَدِيدِ مَذْمُومًا مَا لَمْ يَغْلِبْ احْتِمَالُ النَّجَاسَةِ فِيهِ وَقَوْلُهُ وَالظَّنُّ إلَخْ لَيْسَ بِصَحِيحٍ أَيْضًا بَلْ الَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ أَئِمَّتُنَا وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ الطَّوَافُ الرَّاجِحُ سَوَاءٌ كَانَ الرُّجْحَان نَشَأَ مِنْ التَّكْرَارِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ وَلَا يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ إلَخْ صَحِيحٌ وَالْكَلَامُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْعِبَارَة فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَكَلَّفَ التَّذْكِيرِ وَلَا أَنْ يُخْطِرَهُ بِبَالِهِ. وَأَمَّا إذَا وَقَعَ التَّذَكُّرُ فَوَاضِحٌ سَوَاءٌ كَانَ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مُبْهَمٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِقَضِيَّتِهِ وَأَمَّا إذَا وَقَعَ التَّرَدُّدُ فَإِنْ زَالَ فَوَاضِحٌ أَيْضًا أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَزُلْ وَكَانَ فِي وَاجِبٍ تَعَيَّنَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِقَضِيَّتِهِ سَوَاءٌ كَانَ وَهْمًا أَيْ: طَرَفًا مَرْجُوحًا أَمْ ظَنًّا أَيْ: طَرَفًا رَاجِحًا أَمْ شَكًّا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ سَوَاءٌ أَنَشَأَ مِنْ سَبَبٍ مُشَوَّشٍ أَمْ لَا وَمَا ذُكِرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُوَافِقُ عَلَيْهِ أَئِمَّتُنَا كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ. وَقَوْلُهُ وَإِذَا شَرَعَ الْمُصَلِّي إلَخْ غَيْرُ صَحِيحٍ كَيْفَ وَقَدْ أَجْمَعَ أَئِمَّتُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الصَّلَاةِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ التَّحَرُّم وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْمُقَارَنَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَخْصُوص وَقَدْ تَعْزُبُ النِّيَّةُ لِشِدَّةِ اشْتِغَالِ النَّفْسِ أَوْ تَعَلُّقِهَا بِمَأْلُوفٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلِذَا لَمْ يَكْتَفُوا بِوُجُودِهَا عِنْدَ الْمُقَدِّمَاتِ بَلْ اشْتَرَطُوا وُجُودَهَا حَقِيقَةً عِنْدَ أَوَّلِ الْمَقَاصِدِ. وَقَوْلُهُ وَقَدْ عَرَفَ نَفْسَهُ إلَخْ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا تَقَرَّرَ أَوَّلًا عَلَى أَنَّ حَصْرَهُ الْوَسْوَاسَ فِي هَذَا مُخَالِفٌ لِتَعْرِيفِهِ لَهُ بِمَا ذَكَرَهُ وَإِلَّا فَكِلَا الْأَمْرَيْنِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَكَذَا قَوْلُهُ وَمُجَرَّدُ التَّكْبِيرِ إلَخْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْقُدْوَةِ بِمَنْ شَكَّ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ لِأَجْلِ قِلَّةِ مُحَافَظَتِهِ عَلَى شَرَائِطِ الصَّلَاةِ وَأَرْكَانِهَا هَلْ تَصِحُّ الْقُدْوَةُ بِهِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّ الْقُدْوَةَ تَصِحُّ بِمَنْ ذُكِرَ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّهُ ارْتَكَبَ مُبْطِلًا لِصَلَاتِهِ فِي اعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ

شَخْصٍ رَأَى مُصَلِّيًا جَالِسًا فَظَنَّ أَنَّهُ فِي التَّشَهُّدِ وَأَرَادَ الِاقْتِدَاءَ بِهِ فَأَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ وَجَلَسَ مَعَهُ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ أَنَّ جُلُوسَ ذَلِكَ الْمُصَلِّي بَدَلٌ عَنْ الْقِيَامِ لِعَجْزِهِ عَنْهُ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الشَّخْصِ الْمَذْكُورِ الْقِيَامُ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ وَقَامَ فَهَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَسْبُوقِ أَوْ حُكْمَ الْمُوَافِقِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَسْبُوقِ قِيَاسًا عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ مَشَايِخِنَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِمْ فِي الْمَسْأَلَةِ الشَّهِيرَة بِطُولِ النِّزَاعِ فِيهَا وَهِيَ أَنْ يَظُنّ عِنْدَ سَمَاعِ التَّكْبِيرِ أَنَّهُ لِلتَّشَهُّدِ فَيَجْلِسُ ثُمَّ يَتَذَكَّرُ عِنْدَ تَكْبِيرِ الرُّكُوعِ. فَأَفْتَى شَيْخُنَا خَاتِمَةُ الْمُتَأَخِّرِينَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا وَالْكَمَالُ الرَّدَّادُ شَارِحُ الْإِرْشَادِ وَصَاحِبُ الْعُبَابِ وَالْكَمَالُ الْقَادِرِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَسْبُوقِ وَأَفْتَى السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ وَالْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ وَالشَّمْسُ الْجَوْجَرِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّهُ كَالْمُوَافِقِ وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ كَالسَّاهِي عَنْ الْقِرَاءَة حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ وَلَيْسَ كَالسَّاهِي عَنْ الْقُدْوَةِ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ؛ لِأَنَّ هَذَا لَهُ ذِكْرٌ فَغَلَطُهُ إنَّمَا يَلْحَقُ بِالنَّاسِي لِلْقِرَاءَةِ يُرَدُّ بِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَأْمُوم فِي صُورَةِ النِّزَاعِ وَبَيْنَ السَّاهِي عَنْ الْقِرَاءَة فَإِنَّ السَّاهِيَ عَنْهَا أَدْرَكَ مَحَلَّ الْقِرَاءَة بِالْفِعْلِ فَلَزِمَهُ التَّخَلُّف لَهَا وَغَايَةُ عُذْرِهِ أَنَّهُ مَنَعَ الْبُطْلَانَ بِتَخَلُّفِهِ بِخِلَافِ الْمَأْمُوم فِي مَسْأَلَتنَا وَنَظِيرَتهَا فَإِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مَحَلَّ الْقِرَاءَة بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ظَنَّ الْإِمَامَ جَالِسًا لِلتَّشَهُّدِ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ الْإِتْيَان بِالْجُلُوسِ فَانْتِقَاله إلَيْهِ كَانْتِقَالِ الْمَزْحُوم لِلْجَرْيِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَكَمَا أَنَّ الْمَزْحُوم بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ السُّجُودِ يَكُونُ كَالْمَسْبُوقِ لِعُذْرِهِ بِإِلْزَامِهِ بِالتَّخَلُّفِ الْمُفَوِّت عَلَيْهِ مَحَلَّ الْقِرَاءَة كَذَلِكَ الْمَأْمُوم فِيمَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّهُ إنَّمَا تَخَلَّفَ لِوَاجِبٍ عَلَيْهِ فِي ظَنِّهِ فَإِذَا فَاتَ بِسَبَبِهِ إدْرَاكُ مَحَلِّ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَة سَقَطَتْ عَنْهُ قِيَاسًا عَلَى الْمَزْحُوم بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا وَجَبَ عَلَيْهِ التَّخَلُّف حَتَّى فَاتَ مَحَلُّ الْقِرَاءَة. فَإِنْ قُلْت يُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي الْمَزْحُوم مُطَابِقٌ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَهُنَا إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِظَنِّهِ فَقَطْ عَلَى أَنَّهُ بَانَ خَطَؤُهُ وَالظَّنّ وَحْده لَا عِبْرَة بِهِ فِي الْعِبَادَات وَإِنْ لَمْ يَبِنْ خَطَؤُهُ فَمَا بَالُك وَقَدْ بَانَ خَطَؤُهُ قُلْت مَحَلُّ عَدَمِ اعْتِبَارِ الظَّنِّ إنَّمَا هُوَ فِيمَا لَا يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ. وَأَمَّا مَا سَقَطَ بِهِ كَالْفَاتِحَةِ فَيُؤَثِّرُ فِيهِ الظَّنُّ إذَا مَنَعَهُ مِنْ إدْرَاكِ مَحَلِّهِ بِالْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَعْذَار وَمِنْ ثَمَّ اتَّجَهَ الْفَرْقُ بَيْنَ السَّاهِي عَنْ الْقِرَاءَة وَعَنْ الْقُدْوَةِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ أَدْرَكَ مَحَلَّهَا بِالْفِعْلِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ السَّهْوُ بِخِلَافِ الثَّانِي فَكَانَ غَايَةُ الظَّنِّ أَنَّهُ كَالسَّهْوِ. وَأَلْحَقْنَاهُ بِالسَّهْوِ عَنْ الْقُدْوَةِ كَالْقِرَاءَةِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ مَنْعٌ مِنْ إدْرَاكِ مَحَلِّ الْقِرَاءَة بِالْفِعْلِ عَلَى أَنَّ لَنَا أَنْ نَقُولَ إنَّ كَلَامَهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الزَّحْمَةِ شَامِلٌ لِمَنْ ظَنَّ الزَّحْمَةَ فَتَخَلَّفَ ثُمَّ بَانَ أَنْ لَا زَحْمَةَ فَيَجْرِي عَلَى تَرْتِيبِ صَلَاةِ نَفْسِهِ وَإِذَا لَمْ يَقُمْ إلَّا وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ سَقَطَتْ عَنْهُ الْفَاتِحَة أَوْ وَالْإِمَامُ قَرِيبٌ مِنْ الرُّكُوعِ سَقَطَ عَنْهُ بَعْضُهَا وَحِينَئِذٍ فَيَنْدَفِعُ الْقَوْلُ بِإِمْكَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ أَصْلِهِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ مَنْ نَامَ مُتَمَسِّكًا فِي تَشَهُّدِهِ الْأَوَّلِ فَانْتَبَهَ فَوَجَدَ إمَامَهُ رَاكِعًا تَخَلَّفَ وَجَرَى عَلَى نَظْمِ صَلَاةِ نَفْسِهِ كَالنَّاسِي لِلْقِرَاءَةِ وَلَا يَتَحَمَّلُ الْإِمَامُ عَنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَسْبُوقًا. وَلَا فِي حُكْمِهِ؛ لِأَنَّ تَخَلُّفَهُ لَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَبِهِ فَارَقَ مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَتنَا وَرُبَّمَا يُنْسَبُ فِيهِ إلَى تَقْصِير وَبِهِ فَارَقَ مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ السَّاهِي عَنْ الْقُدْوَةِ. وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّ مَنْ تَخَلَّفَ لِإِكْمَالِ تَشَهُّدِهِ الْأَوَّلِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِقِيَامِ إمَامِهِ فَلَمْ يَقُمْ إلَّا وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ أَوْ قَرِيبٌ مِنْ الرُّكُوعِ لَزِمَهُ التَّخَلُّف لِقِرَاءَةِ قَدْرِ مَا فَوَّتَهُ مِنْ الْفَاتِحَة لِتَقْصِيرِهِ بِاشْتِغَالِهِ عَنْ الْوَاجِبِ مِنْ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَة بِالنِّسْبَةِ فَهُوَ أَشَدُّ تَقْصِيرًا مِنْ مَأْمُومٍ اشْتَغَلَ بِافْتِتَاحٍ أَوْ تَعَوُّذٍ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْإِمَامِ إذَا تَرَكَ الْفَاتِحَة سَهْوًا فِي صَلَاةٍ جَهْرِيَّةٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَأْمُوم بِذَلِكَ فَتَابَعَهُ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ نَظِيرَ مَا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ بِظَاهِرِ ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَة فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَإِنْ بَعُدَ عَنْ الْإِمَامِ بِحَيْثُ لَا يَرَاهَا أَوْ كَانَ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ كَانَ أَعْمَى وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِنِسْبَتِهِ إلَى نَوْعِ تَقْصِيرٍ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ

لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَة نَظِيرَ مَا قَالُوهُ أَيْضًا لَوْ اقْتَدَى الْمَأْمُوم بِالْإِمَامِ فِي رَكْعَةٍ أَصْلِيَّةٍ فَبَانَ الْإِمَامُ سَاهِيًا فِي إتْيَانِهِ بِزَائِدَةٍ قَامَ إلَيْهَا فَقَامَ مَعَهُ جَاهِلًا زِيَادَتَهَا وَأَتَى بِأَرْكَانِهَا كُلِّهَا فَإِنَّهَا تُحْسَبُ لَهُ إذْ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ لِخَفَاءِ الْحَالِ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْتُمْ بِالْأَوَّلِ أَشْكَلَ الثَّانِي وَإِنْ قُلْتُمْ بِالثَّانِي أَشْكَلَ الْأَوَّلُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَة كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ حَيْثُ قَالُوا لَوْ بَانَ أَنَّ إمَامَهُ تَرَكَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَام وَلَوْ سَهْوًا لَزِمَ الْمَأْمُوم الْإِعَادَة بِخِلَافِ مَا لَوْ بَانَ أَنَّهُ تَرَكَ النِّيَّةَ؛ لِأَنَّ تَرْكَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَام لَا يَخْفَى فَيُنْسَبُ الْمَأْمُوم إلَى تَقْصِيرٍ بِخِلَافِ تَرْكِ النِّيَّةِ فَتَأَمَّلْهُ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِي مَسْأَلَتنَا فَإِنَّ الْفَاتِحَة وَتَكْبِيرَة الْإِحْرَام عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فَإِذَا أَلْزَمُوهُ بِالْإِعَادَةِ فِي تَرْكِ التَّحَرُّم وَلَوْ سَهْوًا فَكَذَلِكَ نُلْزِمُهُ فِي تَرْكِ الْفَاتِحَة لِاسْتِوَائِهِمَا فِي أَنَّ تَرْكَ كُلٍّ مِنْهُمَا لَا يَخْفَى سَوَاءٌ كَانَتْ الصَّلَاةُ سِرِّيَّةً أَمْ جَهْرِيَّةً إذْ التَّحَرُّم لَا فَرْقَ فِي تَرْكِهِ بَيْنَ السِّرِّيَّة وَالْجَهْرِيَّة لَا يُقَالُ يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ تَرْكَ التَّحَرُّم يُوجِبُ عَدَمَ الِانْعِقَادِ بِخِلَافِ تَرْكِ الْقِرَاءَة؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ كَانَ هَذَا هُوَ الْمَلْحَظُ لَسَاوَى النِّيَّةَ. وَقَدْ عَلِمْت الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهَا تَخْفَى بِخِلَافِهِ فَكَانَ هَذَا هُوَ الْمَلْحَظُ وَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ تَرْكَ الْفَاتِحَة كَتَرْكِ التَّحَرُّم. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا صَرَّحَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ نَقْلًا عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالنَّصُّ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ صَلَّى قَاعِدًا لِمَرَضٍ فَزَالَ فِي أَثْنَائِهَا فَلَمْ يَقُمْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ دُونَهُمْ وَإِنْ دَامُوا عَلَى مُتَابَعَته مَا لَمْ يُمْكِنْهُمْ مَعْرِفَةُ قُدْرَتِهِ بِنَحْوِ سُرْعَةِ حَرَكَتِهِ فَحِينَئِذٍ تَلْزَمُهُمْ الْإِعَادَة وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مُبْطِلٍ لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاع عَلَيْهِ إذَا طَرَأَ كَنِيَّةِ الْقَطْعِ لَا يُؤَثِّرُ فِي صَلَاةِ الْمَأْمُوم بِخِلَافِ مَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاع عَلَيْهِ وَلَوْ بِوَجْهٍ مَا كَسُرْعَةِ الْحَرَكَةِ الدَّالَّةِ. عَلَى زَوَالِ الْمَرَضِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَة. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاء بِالْأُمِّيِّ وَلَوْ فِي السِّرِّيَّة وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بِحَالِهِ أَيْ: لِإِمْكَانِ الِاطِّلَاع عَلَى حَالِهِ عَادَةً بِخِلَافِ نَحْوِ الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ وَقَوْلُهُمْ تَصِحُّ الْقُدْوَةُ بِمَجْهُولِ الْحَالِ بِالنِّسْبَةِ لِلْقِرَاءَةِ مَا لَمْ يُسِرَّ فِي جَهْرِيَّةٍ فَلَا يَصِحُّ حِينَئِذٍ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ فَإِنْ اقْتَدَى بِهِ أَعَادَ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْمَجْمُوع إذْ الظَّاهِرُ لَوْ كَانَ قَارِئًا لَجَهَرَ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ لَا يُحْسِنُهَا فَلَا نَظَرَ لِاحْتِمَالِ نِسْيَانِهِ لِلْجَهْرِ وَقَوْلُ الْبَغَوِيِّ فِي فَتَاوِيهِ وَلَوْ عَجَزَ إمَامُهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ عَنْ الْقِرَاءَة لِخَرَسٍ فَارَقَهُ وُجُوبًا. بِخِلَافِ عَجْزِهِ عَنْ الْقِيَامِ لِصِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْقَائِمِ بِالْقَاعِدِ بِخِلَافِ اقْتِدَاءِ الْقَارِئِ بِالْأَخْرَسِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِحُدُوثِ الْخَرَسِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ أَعَادَ؛ لِأَنَّ حُدُوثَهُ نَادِرٌ بِخِلَافِ حُدُوثِ الْحَدَثِ. فَإِنْ قُلْت قَدْ يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ لَحَنَ إمَامُهُ لَحْنًا مُغَيِّرًا وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ كَالْمُصَلِّي خَلْفَ جُنُبٍ قُلْت هَذِهِ مَقَالَةٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ تَصْرِيحهمْ بِعَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْأُمِّيِّ وَلَوْ فِي سِرِّيَّةٍ وَإِنْ جُهِلَ حَالُهُ وَاللَّحْنُ الْمُغَيِّر أَوْلَى بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْأُمِّيِّ فِي نَفْسهَا صَحِيحَةٌ مُطْلَقًا بِخِلَافِ صَلَاةِ اللَّاحِنِ لَحْنًا يُغَيِّرُ. وَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَمَنْ اقْتَدَى بِمَنْ ظَنَّهُ فِي رَكْعَةٍ أَصْلِيَّةٍ فَبَانَ إتْيَانُهُ بِزَائِدَةٍ وَلَوْ عَمْدًا عَلَى نِزَاعٍ فِيهِ فَإِنْ قَامَ إلَيْهَا فَقَامَ مَعَهُ وَأَتَى بِأَرْكَانِهَا كُلِّهَا فَيَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بَلْ وَتُحْسَبُ لَهُ الرَّكْعَةُ بِأَنَّهُ لَا قَرِينَةَ هُنَا يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى الزِّيَادَة حَالَ وُجُودِهَا؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ أَنَّهُ ظَنَّهُ فِي أَصْلِيَّةٍ وَلَا يُتَصَوَّرُ هَذَا الظَّنُّ إلَّا مَعَ انْتِفَاءِ الْقَرَائِن الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ قَائِمٌ لِزَائِدَةٍ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ فَإِنْ تَرَكَهُ لِلتَّحَرُّمِ أَوْ لِلْفَاتِحَةِ عَلَيْهِ قَرَائِنُ يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى التَّرْكِ حَالَ وُجُودِهَا وَلَمْ يَقُمْ فِي نَفْسِ الْمَأْمُوم مَا يُحِيلُ الْمُبْطِلَ فَكَانَ مُقَصِّرًا فَلَزِمَهُ الْإِعَادَة. وَأَمَّا هُنَا فَلَا تَقْصِيرَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ. لِمَا قَرَّرْته أَنَّهُ لَا قَرَائِن يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى الزِّيَادَة حَالَ وُجُودِهَا سِيَّمَا وَقَدْ قَامَ فِي نَفْسِهِ مَا يُحِلُّ الزِّيَادَة وَهُوَ ظَنُّهُ أَنَّهُ فِي رَكْعَةٍ أَصْلِيَّةٍ وَمَعَ هَذَا الظَّنِّ لَا يُتَصَوَّر وُجُودُ قَرِينَةٍ عَلَى الزِّيَادَة وَإِلَّا لَمْ يَظُنّ أَنَّهُ فِي أَصْلِيَّةٍ فَاتَّضَحَ بِذَلِكَ تَعْلِيلُهُمْ لِصِحَّةِ الْقُدْوَةِ هُنَا بِعَدَمِ التَّقْصِير مِنْهُ لِخَفَاءِ الْحَالِ عَلَيْهِ وَلِعَدَمِ صِحَّتِهَا فِي تَرْكِ التَّحَرُّم بِأَنَّهَا لَا تَخْفَى فَنُسِبَ إلَى تَقْصِيرٍ وَهَذَانِ وَإِنْ تُوُهِّمَ بِبَادِئِ الرَّأْيِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَحَكُّمٌ لَكِنْ عِنْدَ تَأَمُّلِ مَا قَرَّرْته يَظْهَرُ وَجْهُهُمَا وَيَنْدَفِعُ ذَلِكَ التَّوَهُّم فَاسْتَفِدْ ذَلِكَ وَأَمْعِنْ النَّظَرَ فِيهِ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَوْلِهِمْ يُرَاعِي الْمَسْبُوق نَظْمَ الْمُسْتَخْلِف فَإِذَا أَتَمَّ الْإِمَامُ الْفَاتِحَة وَخَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَاسْتَخْلَفَ مَنْ لَمْ يَقْرَأْ الْفَاتِحَة فَهَلْ عَلَى الْخَلِيفَة الرُّكُوعُ وَيَأْتِي

بَعْدَ سَلَامِهِ بِرَكْعَةٍ أَمْ لَا فَإِذَا قَرَأَ الْفَاتِحَة فَهَلْ تُحْسَبُ لَهُ هَذِهِ أَمْ لَا تُحْسَبُ لِكَوْنِ قِرَاءَتِهِ لَيْسَتْ مَحَلَّ قِرَاءَةِ إمَامِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ يَقْرَأُ الْفَاتِحَة وَتُحْسَبُ لَهُ وَهَذَا ظَاهِرٌ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا تَلْزَمُهُ قِرَاءَةُ التَّشَهُّد إذَا جَلَسَ بِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى بَقَاءِ إمَامِهِ حَقِيقَةً وَهُوَ لَوْ بَقِيَ لَمْ يَجِبْ عَلَى هَذَا الْمَسْبُوق قِرَاءَةُ التَّشَهُّد اهـ فَكَذَا يُقَالُ هُنَا لَوْ بَقِيَ إمَامُهُ قَرَأَ الْفَاتِحَة خَلْفَهُ فَكَذَا إذَا خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ فَيَقْرَؤُهَا فِي مَحَلِّهَا بِفَرْضِ بَقَاءِ الْإِمَامِ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُمْ مُصَرِّحُونَ بِرِعَايَةِ هَذَا الْفَرْضِ أَعْنِي فَرْضَ بَقَائِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْمَأْمُوم إذَا كَانَ بَعِيدًا أَوْ بِهِ صَمَمٌ وَقَرَأَ سُورَةً بَعْدَ الْفَاتِحَة وَلَمْ يَرْكَعْ إمَامُهُ هَلْ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً ثَانِيَةً وَثَالِثَةً وَأَكْثَرَ أَوْ يَسْكُتَ أَوْ يَقْرَأَ شَيْئًا مِنْ أَوْرَادِهِ وَهَلْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ بِأَنَّ فِي الْمَجْمُوع يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ صُورَتَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ الْآتِيَ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ مُرَادَهُ الْجَوَازُ الصَّادِقُ بِالنَّدْبِ إذْ الْحَدِيثُ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ صَرِيحٌ فِيهِ وَمِنْ ثَمَّ حَكَى الْبَيْهَقِيّ عَنْ الرَّبِيعِ قُلْت لِلشَّافِعِيِّ أَيُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ بَيْنَ سُوَرٍ فَقَالَ نَعَمْ وَأَفْعَلُهُ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ لَقَدْ عَرَفْت النَّظَائِرَ. الَّتِي كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرُنُ بَيْنَهُنَّ فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ كُلُّ سُورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ يُسَنُّ لِمَنْ ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً ثَانِيَةً وَثَالِثَةً وَأَكْثَرَ إلَى أَنْ يَرْكَعَ الْإِمَامُ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ تَكْرِيرِهِ السُّورَةَ الْوَاحِدَة فَلَوْ كَرَّرَهَا فِي رَكْعَتَيْنِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْصُلُ أَصْلُ سُنَّةِ الْقِرَاءَة وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَرَأَ فِي الصُّبْحِ إذَا زُلْزِلَتْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ جَلَسَ هُوَ وَإِمَامُهُ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَقَامَ إمَامُهُ وَهُوَ فِي أَثْنَائِهِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يُكْمِلَهُ وَإِذَا كَمَّلَهُ وَقَامَ فَرَكَعَ الْإِمَامُ فِي أَثْنَاءِ فَاتِحَتِهِ فَهَلْ يَكُونُ مَسْبُوقًا فَمَا حُكْمُهُ أَوْ مُوَافِقًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قِيَاسُ كَلَامِهِمْ فِي مَسْأَلَةِ مَا لَوْ تَرَكَ إمَامَهُ لِلْقُنُوتِ حَيْثُ قَالُوا يُسَنُّ لَهُ الْإِتْيَانُ بِهِ وَإِنْ أَدْرَكَهُ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ السَّجْدَةِ الْأُولَى وَفِي الْمَسْبُوقِ حَيْثُ قَالُوا يُسَنُّ لَهُ الِاشْتِغَالُ بِالِافْتِتَاحَ إنْ ظَنَّ إدْرَاكَ الْفَاتِحَةِ لَوْ أَكْمَلَهُ وَلَحِقَ الْإِمَامَ وَحِينَئِذٍ فَإِذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي أَثْنَاءِ فَاتِحَتِهِ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ كَمَسْبُوقٍ اشْتَغَلَ بِنَحْوِ الِافْتِتَاحِ فَرَكَعَ إمَامُهُ فِي أَثْنَاءِ فَاتِحَتِهِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَخَلَّفَ بِقَدْرِ مَا فَوَّتَ فَإِذَا قَرَأَ بِقَدْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَرْفَعْ الْإِمَامُ مِنْ الرُّكُوعِ رَكَعَ مَعَهُ وَكَانَ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ وَإِلَّا فَهَلْ يَكُونُ كَالْمُوَافِقِ يَجْرِي عَلَى نَظْمِ صَلَاةِ نَفْسِهِ مَا لَمْ يُسْبَقْ بِأَكْثَر مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ أَوْ يُتَابِعُهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ وَتَفُوتُهُ الرَّكْعَةُ قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ كَالْبَغَوِيِّ الْأَوَّلُ وَمَشَى عَلَيْهِ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ وَكَلَامُ الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقِ يَدُلُّ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْته فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِي لِلرَّوْضِ ثُمَّ رَأَيْته فِي الْخَادِمِ ذَكَرَهُ أَيْضًا فَهُوَ الْأَقْرَبُ لِكَلَامِهِمْ لَكِنْ مَشَى جَمْعٌ مِنْ الْأَصْحَاب مِنْهُمْ الْغَزَالِيُّ وَتَبِعَهُمْ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ عَلَى الثَّانِي. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا صُورَته مَا ضَابِطُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَهَلْ يَقْطَعُهُ تَخَلُّلُ نَحْوِ مِنْبَرٍ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ إنَّ الْمِنْبَرَ يَقْطَعُ الصَّفَّ الْأَوَّلَ وَغَلَّطَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَبَيَّنَ أَنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ الْمَمْدُوحَ هُوَ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهُ مُتَقَدِّمًا أَوْ مُتَأَخِّرًا وَسَوَاءٌ تَخَلَّلَهُ مَقْصُورَةٌ وَنَحْوُهَا أَمْ لَا ثُمَّ قَالَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي تَقْتَضِيه ظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَصَرَّحَ بِهِ الْجُمْهُورُ ثُمَّ نَقَلَ فِيهِ قَوْلًا أَنَّهُ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَخَلَّلَهُ نَحْوُ مَقْصُورَةٍ وَآخَرَ أَنَّهُ الَّذِي سَبَقَ إلَى الْمَسْجِدِ وَإِنْ صَلَّى فِي صَفٍّ مُتَأَخِّرٍ وَغَلَّطَهُمَا وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ مُتَأَخِّرًا أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فُرْجَةٌ كَانَ الْمُقَابِل لَهَا مِنْ الصَّفِّ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ مَثَلًا صَفًّا أَوَّلَ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ بَعْدَهُ وَهُوَ قَرِيبٌ إنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الذَّهَابُ إلَيْهَا. وَإِلَّا فَوُقُوفُهُ دُونَهَا مَكْرُوهٌ إذْ يُكْرَهُ الْوُقُوفُ فِي صَفٍّ قَبْلَ إكْمَالِ الَّذِي يَلِيهِ (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَوْلِ الْمَاوَرْدِيُّ يُكْرَهُ اقْتِدَاءُ خُنْثَى بَانَتْ أُنُوثَتُهُ بِامْرَأَةٍ وَرَجُلٍ بِخُنْثَى بَانَتْ ذُكُورَتُهُ هَلْ هُوَ مُعْتَمَدٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هُوَ مُتَّجَهٌ لَكِنْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ فِي الْأَوَّلِ بِمَا إذَا بَانَتْ أُنُوثَتُهُ بِغَيْرِ الْوِلَادَةِ وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِلْكَرَاهَةِ حِينَئِذٍ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ

تَصْوِيرِ ابْنِ الْأُسْتَاذِ صِحَّةَ اقْتِدَاءِ الشَّافِعِيِّ بِحَنَفِيٍّ افْتَصَدَ بِمَا إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا هَلْ هُوَ مُعْتَمَدٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هُوَ مُتَّجَهٌ وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ حَتَّى فِي اعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ فَكَيْفَ يَرْبِطُ صَلَاتَهُ بِهِ لَكِنَّ مُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ خِلَافُهُ. (وَسُئِلَ) رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَنْ رَجُلٍ اقْتَدَى بِخُنْثَى مُعْتَقِدًا أَنَّهُ رَجُلٌ ثُمَّ بَعْدَ الصَّلَاةِ بَانَ أَنَّهُ خُنْثَى ثُمَّ بَانَ رَجُلًا فَهَلْ تَصِحُّ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ اقْتَدَى الْخُنْثَى بِامْرَأَةٍ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا رَجُلٌ ثُمَّ بَانَ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَنَّ الْخُنْثَى أُنْثَى حَيْثُ صَحَّحَ الرُّويَانِيُّ الْإِعَادَة؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْمُعْتَمَدُ عَدَمُ وُجُوبِ الْإِعَادَة فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَة وَالْفَرْقُ أَنَّهُ فِي الْأُولَى اعْتَقَدَ مَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَمْ تَجِبْ الْإِعَادَة إذْ الْعِبْرَةُ فِي الْعِبَادَاتِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَظَنِّ الْمُكَلَّف وَهُنَا تَطَابَقَا وَأَمَّا فِي الثَّانِيَة فَقَدْ اعْتَقَدَ غَيْرَ الْوَاقِعِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَأُلْغِيَ هَذَا الِاعْتِقَادُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَا ذُكِرَ وَإِذَا لُغِيَ لَزِمَ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ فَوَجَبَتْ الْإِعَادَة. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ جَرَّ شَخْصًا مِنْ الصَّفِّ لِيُحْرِم مَعَهُ فَهَلْ تَفُوتُهُ سُنَّةُ الصَّفِّ وَهَلْ هُوَ مِنْ الْإِيثَارِ بِالْقُرْبِ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَيْسَ هُوَ مِنْ الْإِيثَارِ بِالْقُرْبِ؛ لِأَنَّهُ أُمِرَ بِمُطَاوَعَتِهِ لِجَارِّهِ فَلَمْ يَتْرُكْ قُرْبَةً إيثَارًا لِغَيْرِهِ بِهَا بَلْ امْتِثَالًا لِأَمْرِ الشَّارِعِ فَلَا كَرَاهَةَ بَلْ فَضِيلَةُ الصَّفِّ لَمْ تَفُتْهُ وَإِنْ قُلْنَا بِفَوْتِ ثَوَابِ الْجَمَاعَة لِمَنْ تَرَكَهَا بِعُذْرٍ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ لَمْ يُؤْمَرْ بِتَرْكِهَا وَإِنَّمَا رُخِّصَ لَهُ فِيهِ بِخِلَافِهِ هُنَا وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَيَنْبَغِي أَنَّ ثَوَابَ مُطَاوَعَتِهِ أَعْلَى مِنْ ثَوَابِ الصَّفِّ؛ لِأَنَّ فِيهَا نَفْعًا مُتَعَدِّيًا بِخِلَافِهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْمُنْفَرِدِ عَنْ الصَّفِّ هَلْ تَفُوتُهُ فَضِيلَةُ الصَّفِّ أَوْ الْجَمَاعَة؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَفُوتُهُ ثَوَابُ الْجَمَاعَة لِقَوْلِهِمْ كُلُّ مَكْرُوهٍ مِنْ حَيْثُ الْجَمَاعَة يَفُوتُ ثَوَابُهَا أَيْ: وَإِنْ وَقَعَتْ الصَّلَاةُ جَمَاعَةً حَتَّى لَا كَرَاهَةَ وَلَا حُرْمَةَ عَلَى مَنْ فَعَلَهَا مَعَ ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَكْرُوهِ مِنْ حَيْثُ الْجَمَاعَة مَا تَوَقَّفَ وُجُودُهُ عَلَى وُجُودِهَا بِأَنْ لَا يُتَصَوَّرَ وُقُوعُهُ مِمَّنْ يُصَلِّي وَحْدَهُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صَلَّى صُفُوفٌ وَرَاءَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ مَعَ فُرْجَةٍ فِيهِ تَسَعُ جَمَاعَةً أَوْ وَاحِدًا فَهَلْ يَفُوتُ غَيْرَ مَنْ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَة؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُكْرَهُ عَدَمُ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ وَحَيْثُ تَرَكُوا فُرْجَةً فَلَا تَسْوِيَةَ وَهَذَا مَكْرُوهٌ مِنْ حَيْثُ الْجَمَاعَة فَتَفُوتُ فَضِيلَتُهَا وَهَلْ تَفُوتُ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ كُلِّهِمْ مَا عَدَا أَهْلَ الصَّفِّ مِمَّنْ يُمْكِنُهُ الْمَجِيءُ إلَى تِلْكَ الْفُرْجَةِ أَوْ عَلَى مَنْ يَلِيهَا مِنْ أَهْلِ الصَّفِّ الثَّانِي فَقَطْ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ. وَالْأَقْرَب فَوَاتُهَا عَلَى مَنْ عَلِمَ بِهَا وَأَمْكَنَهُ الْمَجِيءُ إلَيْهَا مِنْ أَهْلِ الصَّفِّ الثَّانِي وَغَيْرِهِمْ لِتَقْصِيرِ الْكُلِّ كَمَا يَشْهَدُ لَهُ كَلَامُهُمْ فِي مَسْأَلَةِ خَرْقِ الصُّفُوفِ لِلْفُرْجَةِ وَالْمُرُورِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ سُتْرَتِهِمْ وَإِنْ زَادُوا عَلَى ثَلَاثَةٍ خِلَافًا لِمَنْ قَيَّدَ ذَلِكَ بِصَفَّيْنِ لِتَوَهُّمِهِ أَنَّهُ مِثْلُ التَّخَطِّي فِي الْجُمُعَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا تَقْصِيرَ مِمَّنْ جَلَسَ وَبَيْنَ يَدِهِ فُرْجَةٌ بِخِلَافِ مَنْ صَلَّى كَذَلِكَ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ تَشَهَّدَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ دُونَ إمَامِهِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَنَتَ دُونَهُ مُصَلِّي الظُّهْرَ وَرَاءَهُ أَوْ غَيْرُهُ فَمَا الْفَرْقُ مَعَ أَنَّ التَّخَلُّف لِسُنَّةٍ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يُفَرَّقُ بِأَنَّهُ فِي الْأُولَى أَحْدَثَ جُلُوسًا لَمْ يَفْعَلْهُ الْإِمَامُ أَلْبَتَّةَ بِخِلَافِهِ فِي الثَّانِيَة فَإِنَّمَا طَوَّلَ قِيَامًا فَعَلَهُ الْإِمَامُ وَلَمْ يُحْدِثْ قِيَامًا لَمْ يَفْعَلْهُ وَمِنْ ثَمَّ جَلَسَ الْإِمَامُ وَلَوْ لِكَلِمَةٍ مِنْ التَّشَهُّدِ كَانَ لِلْمَأْمُومِ التَّخَلُّف لِإِتْمَامِهِ كَالْقُنُوتِ فَالْمَسْأَلَتَانِ عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ مَا ضَابِطُ الْمَسْبُوقِ وَالْمُوَافِقِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي ضَابِطِهِمَا فَقَالَ جَمَاعَةٌ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُوَافِقَ مَنْ أَدْرَكَ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ مَعَ الْإِمَامِ وَالْمَسْبُوقُ بِخِلَافِهِ وَقَالَ آخَرُونَ وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْمُوَافِقَ مَنْ أَحْرَمَ مَعَ الْإِمَامِ وَالْمَسْبُوقُ بِخِلَافِهِ. وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ لِمَا يَلْزَمُ عَلَى الثَّانِي مِنْ أَنَّ مَنْ لَمْ يُحْرِمْ مَعَ الْإِمَامِ مَسْبُوقٌ وَإِنْ أَدْرَكَ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ وَأَضْعَافَهُ وَالْتِزَامُ ذَلِكَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ وَالْمُنَافَاةِ لِكَلَامِهِمْ وَمِنْ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ لَنَا مَسْبُوقٌ فِي غَيْرِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَقَدْ صَرَّحُوا بِخِلَافِهِ نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ هَذَا الثَّانِي بِأَنَّ التَّعْبِير بِالْإِحْرَامِ مَعَ الْإِمَامِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَحِينَئِذٍ فَالْمُوَافِقُ فِي غَيْرِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ مِنْ أَوَّلِهَا فَإِنْ قُلْت هَلْ

يُمْكِنُ رَدُّ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ قُلْت نَعَمْ إنَّمَا عَبَّرُوا بِالْإِحْرَامِ مَعَ الْإِمَامِ وَمِثْلُهُ إدْرَاكُ الرَّكْعَةِ مِنْ أَوَّلِهَا لِمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ أَدْرَكَ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ أَحْرَمَ بَعْدَهُ وَأَدْرَكَ زَمَنًا يَسَعُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ مَثَلًا إذْ لَا يَظُنُّ مَنْ لَهُ أَدْنَى مَسَكَةٍ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُوَافِقٍ جَزْمًا وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهَلْ الْمُرَادُ بِمَا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ مِنْ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ أَوْ الْمَأْمُومِ أَوْ بِالنِّسْبَةِ لِلزَّمَنِ الْمُعْتَدِلِ؟ احْتِمَالَات لَمْ أَرَهَا وَالْأَخِيرُ مِنْهَا أَقْرَبُ وَأَضْبَطُ لِمَا يَلْزَمُ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْإِمَامُ بَطِيئًا وَأَمْكَنَ الْمَأْمُومَ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فَأَكْثَرَ بِالنِّسْبَةِ إلَى قِرَاءَةِ نَفْسِهِ أَوْ الزَّمَنُ الْمُعْتَدِلُ دُونَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ أَنَّهُ يَكُونُ مَسْبُوقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ وَلِمَا يَلْزَمُ عَلَى الثَّانِي مِنْ أَنَّ الْبَطِيءَ إذَا لَمْ يَشْتَغِلْ بِغَيْرِ الْفَاتِحَةِ يَكُونُ دَائِمًا مَسْبُوقًا وَمَفْهُومُ كَلَامِهِمْ خِلَافُهُ ثُمَّ قَوْلُهُمْ يَسَعُ الْفَاتِحَةَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيمَنْ لَزِمَتْهُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ أَوْ بَدَلِهَا مِنْ قُرْآنٍ أَوْ ذِكْرٍ أَوْ وُقُوفٍ بِقَدْرِهَا. فَلَوْ رَكَعَ الْإِمَامُ فِي فَاتِحَةِ مُوَافِقٍ فَجَرَى عَلَى نَظْمِ صَلَاةِ نَفْسِهِ فَعِنْدَ وُصُولِهِ لِإِيَّاكَ نَعْبُدُ مَثَلًا قَامَ الْإِمَامُ فَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ لِكَوْنِهِ مُوَافِقًا أَوْ مَسْبُوقًا بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا الْقِيَامِ الثَّانِي اتِّسَاعُهُ لِقِرَاءَةِ مَا بَقِيَ وَعَدَمُهُ لَا لِقِرَاءَةِ جَمِيعِ الْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ بَعْضُهَا لَا كُلُّهَا. (وَسُئِلَ) عَنْ مَأْمُومٍ تَشَهَّدَ ظَانًّا أَنَّ الْإِمَامَ يَفْعَلُهُ ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْهُ وَقَامَ رَأَى الْإِمَامَ رَاكِعًا فَهَلْ هُوَ حِينَئِذٍ مَسْبُوقٌ أَوْ مُوَافِقٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ فَأَفْتَى جَمْعٌ بِأَنَّهُ مُوَافِقٌ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ لَوْ لَمْ يَظُنّ مَا ذُكِرَ فَغَايَةُ ظَنِّهِ أَنْ يَكُونَ دَافِعًا لِلْبُطْلَانِ لَا مُسْقِطًا لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَأَفْتَى آخَرُونَ بِأَنَّهُ مَسْبُوقٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ وَالْأَقْرَب الثَّانِي وَالتَّعْلِيلُ الْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَامَ وَجَلَسَ إمَامُهُ لِلِاسْتِرَاحَةِ أَوْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى إطْلَاقِهِمْ حُرْمَةُ التَّقَدُّمِ عَلَى إمَامِهِ بِفِعْلٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ لَكِنَّ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ لَا تَجِبُ مُوَافَقَتُهُ فِي نَحْوِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَفْعَلَهَا الْإِمَامُ وَيَتْرُكُهَا الْمَأْمُومُ أَوْ عَكْسُهُ وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي إلْحَاقُ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ بِذَلِكَ وَيَشْهَدُ لَهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَائِمِ عَامِدًا وَسَاهِيًا بِالنِّسْبَةِ لِوُجُوبِ الْعَوْدِ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ لَهُ قَصْدٌ صَحِيحٌ حَيْثُ تَرَكَ فَرْضَ الْمُتَابَعَةِ إلَى فَرْضٍ آخَرَ وَهُوَ الْقِيَامُ بِخِلَافِ الثَّانِي فَمُقْتَضَى صِحَّةِ الْقَصْدِ عَدَمُ الْحُرْمَةِ فِيهِ عَلَى أَنَّا نَقُولُ لَا تَقَدُّمَ عَلَى الْإِمَامِ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقِيَامَ دَخَلَ وَقْتُهُ بِإِتْمَامِ السُّجُودِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ الْمَأْمُومُ فِيهِمَا عَلَى الْإِمَامِ بِرُكْنٍ مُخَالِفٍ لِلرُّكْنِ الَّذِي هُوَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي رُكْنٍ بَلْ فِي مُقَدِّمَةِ الرُّكْنِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمَأْمُومُ فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْنَ قِيَامِ الْمَأْمُومِ قَبْلَ تَشَهُّدِ الْإِمَامِ وَعَكْسِهِ حَيْثُ حَرُمَ وَأَبْطَلَ الصَّلَاةَ قُلْت الْفَرْقُ أَنَّهُ فِي صُورَةِ الْعَكْسِ لَا غَرَضَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ فَرْضًا لِسُنَّةٍ مَعَ فُحْشِ الْمُخَالَفَةِ بِخِلَافِهِ فِي الْأَوَّلِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ شَكَّ هَلْ أَدْرَكَ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ أَوْ لَا فَهَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَسْبُوقِ أَوْ الْمُوَافِقِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا وَيُحْتَمَلُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ الْفَاتِحَةِ عَلَى مَنْ رَكَعَ الْإِمَامُ فِي فَاتِحَتِهِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ خِلَافُهُ وَيُحْتَمَلُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ حَتَّى يَتَحَقَّقَ مُسْقِطُهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ تَحَمُّلِ الْإِمَامِ عَنْ الْمَأْمُومِ مَا لَزِمَهُ وَلِأَنَّ إدْرَاكَ الْمَسْبُوقِ الرَّكْعَةَ رُخْصَةٌ أَوْ فِي مَعْنَى الرُّخْصَةِ فَلَا يُنَاطُ مَعَ الشَّكِّ فِي السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لَهُ وَلِأَنَّ التَّخَلُّف عَنْ الْإِمَامِ لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِيَاطِ مِنْ تَرْكِ إكْمَالِهَا وَمُتَابَعَة الْإِمَامِ وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ هَاوِيًا هَلْ يَصِحُّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ مَتَى أَنْهَى تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَام قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ أَقْرَبَ إلَى أَقَلِّ الرُّكُوعِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا. وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَإِنْ كَانَ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا قَدْ يَقْتَضِي خِلَافَهُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ عَارٍ أَفْقَهَ وَمَسْتُورٍ فَقِيهٍ مَنْ الْمُقَدَّم مِنْهُمَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْعَارِيَ مُقَدَّمٌ إذْ لَا نَقْصَ فِيهِ يُعَارِضُ فَضِيلَتَهُ الَّتِي زَادَ بِهَا وَأَيْضًا فَفَضِيلَتُهُ ذَاتِيَّةٌ وَذَاكَ كَمَالُهُ بِالسَّتْرِ عَرَضِيٌّ لَا ذَاتِيٌّ وَيُقَاسُ بِمَا ذُكِرَ كُلُّ مُقَدَّمٍ اخْتَلَّ فِيهِ شَرْطٌ لَا يُوجِبُ الْإِعَادَة كَالتَّيَمُّمِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

عَنْ قَوْلِهِمْ إذَا شَرَعَ فِي الرَّابِعِ وَالْمُوَافِقُ لَمْ يَرْكَعْ وَجَبَ عَلَيْهِ مُتَابَعَته هَلْ يَشْمَلُ الْجُلُوسَ لِلتَّشَهُّدِ وَالْقِيَامَ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَشْمَلُهُمَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي الْمُرَادِ بِالشُّرُوعِ هَلْ هُوَ الْأَخْذُ فِي مُقَدِّمَتِهِ فَحَيْثُ شَرَعَ فِي الْجُلُوسِ أَوْ الْقِيَامِ وَجَبَتْ مُتَابَعَته وَإِنْ كَانَ إلَى الْجُلُوسِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقِيَامِ وَإِلَى السُّجُودِ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّشَهُّدِ أَقْرَبَ أَوْ الِانْتِهَاءِ إلَى مَا يُجْزِئُ مِنْ الْجُلُوسِ وَالْقِيَامِ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ قَلِيلُ انْحِنَاءٍ. كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَلَكِنَّ الثَّانِي أَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ فَهُوَ الْأَوْجَهُ ثُمَّ هَلْ مُرَادُهُمْ بِجُلُوسِ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ؛ لِأَنَّهُ الرُّكْنُ أَوْ مَا يَشْمَلُ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ عَلَى صُورَةِ الرُّكْنِ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ أَيْضًا وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى كَلَامِهِمْ أَيْضًا فَعَلَيْهِ إذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ لَا تَجِبُ مُتَابَعَته حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ وَيَشْرَعَ فِي الْقِيَامِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يَجُوزُ لِلْمُنْفَرِدِ أَنْ يَقْتَدِيَ فِي اعْتِدَاله بِغَيْرِهِ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَيُتَابِعهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ وَبِهِ صَرَّحَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُغْتَفَرُ لَهُ هُنَا تَطْوِيلُ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ لِأَجْلِ الْمُتَابَعَةِ كَمَا لَوْ اقْتَدَى بِمَنْ يَرَى جَوَازَ تَطْوِيلِهِ فَيَجُوزُ لَهُ مُتَابَعَته فِيهِ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْتَظِرَهُ سَاجِدًا وَكَمَا لَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ الْمَزْحُومُ مِنْ السُّجُودِ إلَّا فِي سَجْدَةِ الْإِمَامِ الثَّانِيَة. مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَة فَسَجَدَهَا مَعَهُ ثُمَّ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَسْتَمِرّ فِيهَا حَتَّى يُسَلِّمَ الْإِمَامُ فَيَسْجُدَ الْأُخْرَى وَأَنْ يَجْلِسَ مَعَهُ حَتَّى يُسَلِّمَ ثُمَّ يَسْجُدَ الْأُخْرَى وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ فِي هَذِهِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الشِّقُّ الْأَوَّلُ مَرْدُودٌ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْجُدَ الْأُخْرَى قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ لِئَلَّا يُؤَدِّي إلَى الْمُخَالَفَةِ وَلَا يُنَافِيه قَوْلُ الرَّافِعِيِّ عَنْ التَّتِمَّةِ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ السُّجُودِ حَتَّى تَشَهَّدَ الْإِمَامُ سَجَدَ ثُمَّ إنْ فَرَغَ مِنْهُ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ حَصَّلَ الْجُمُعَةَ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ وَهُوَ أَنَّهُ يَجْرِي عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ وَأَمَّا عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ أَنَّهُ يُتَابِعُهُ فَلَا يَسْجُدُ بَلْ يَجْلِسُ مَعَهُ بَعْدَ سَلَامِهِ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ وَيُتِمُّهَا ظُهْرًا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ إمَامٍ اقْتَدَى بِهِ جَمَاعَةٌ ثُمَّ اقْتَدَى بِإِمَامٍ آخَرِ هَلْ لَهُ ذَلِكَ فَإِنْ قُلْتُمْ لَا فَكَيْفَ صَحَّ اقْتِدَاءُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَى عِلْمِكُمْ فَإِنْ قُلْتُمْ نَوَى الْمُفَارَقَةَ عَنْ الْجَمَاعَة ثُمَّ اقْتَدَى بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ صَحَّ اقْتِدَاءُ الْجَمَاعَة الْمَذْكُورِينَ بِهِ أَوْضِحُوا لَنَا كَيْفِيَّةَ ذَلِكَ مُفَصَّلًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِإِمَامٍ آخَرَ سَوَاءٌ نَوَى مُفَارَقَةَ الْمَأْمُومِينَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ مَتْبُوعٌ لَا تَابِعٌ بِخِلَافِ الْمَأْمُومِ لَيْسَ لَهُ الِاقْتِدَاءُ بِإِمَامٍ آخَرَ إلَّا إنْ نَوَى مُفَارَقَةَ إمَامِهِ الْأَوَّلِ. وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُقْتَدِيًا بِاثْنَيْنِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ وَإِذَا اقْتَدَى الْإِمَامُ بِإِمَامٍ آخَرَ بَطَلَ اقْتِدَاءُ الْأَوَّلِينَ بِهِ فَإِنْ عَلِمُوا فَوْرًا وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ مُفَارَقَته فِي الْحَالِ وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ إنْ تَابَعُوهُ فِي فِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي سَلَامٍ بَعْدَ انْتِظَارٍ كَثِيرٍ وَكَذَا إنْ جَهِلُوا وَاسْتَمَرُّوا عَلَى مُتَابَعَته؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الصَّلَاةِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَهَذَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ. فَهُوَ كَمَا لَوْ بَانَ إمَامُهُ مِمَّنْ لَا تَصِحُّ الْقُدْوَةُ بِهِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ وَإِنْ ظَنَّهُ مِمَّنْ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَإِذَا بَطَلَ اقْتِدَاءُ الْأَوَّلِينَ بِهِ فَلَهُمْ أَنْ يَقْتَدُوا بِمَنْ اقْتَدَى إمَامُهُمْ بِهِ وَلَهُمْ أَنْ يُتِمُّوا مُنْفَرِدِينَ وَهَذَا أَعْنِي جَوَازَ اقْتِدَاءِ الْإِمَامِ بِإِمَامٍ آخَرَ وَبُطْلَانَ الْأَوَّلِينَ بِهِ وَجَوَازَ اقْتِدَائِهِمْ بِمَنْ اقْتَدَى إمَامُهُمْ بِهِ مَأْخُوذٌ مِنْ قِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ «فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا جَاءَ وَتَأَخَّرَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهِ وَنَوَى النَّاسُ مُفَارَقَةَ أَبِي بَكْرٍ وَالِاقْتِدَاءَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَأَمَّا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّ النَّاسَ اقْتَدَوْا بِأَبِي بَكْرٍ خَلْفَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مُقْتَدِينَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُهُمْ التَّكْبِيرَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا فَنَتَجَ مِنْ مَجْمُوعِ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ كِلَاهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مَا قُلْنَاهُ. وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَّى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ خَلَفَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -» فَقَالَ فِيهِ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ إنْ صَحَّ هَذَا كَانَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ كَمَا أَجَابَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَاب وَقَدْ اسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ نِيَّةِ الْمُنْفَرِدِ الِاقْتِدَاءَ أَثْنَاءَ صَلَاتِهِ بِقَضِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ الْمَذْكُورَةِ وَبَيَّنُوا ذَلِكَ بِأَنَّ الْإِمَامَ فِي حُكْمِ الْمُنْفَرِدِ وَبِمَا رَوَاهُ

أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ مِنْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَحْرَمَ فَأَحْرَمَ النَّاسُ خَلْفَهُ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ فَأَشَارَ إلَيْهِمْ كَمَا أَنْتُمْ ثُمَّ خَرَجَ وَاغْتَسَلَ وَرَجَعَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ وَتَحَرَّمَ بِهِمْ» . وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ أَنْشَئُوا اقْتِدَاءً جَدِيدًا لِانْفِرَادِهِمْ بَعْدَ خُرُوجِهِ وَلَا يُنَافِيه خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ» ؛ لِأَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ إذَا نَوَى شَخْصٌ الِاقْتِدَاءَ بِرَجُلٍ ثُمَّ نَوَاهُ ثَانِيًا وَثَالِثًا وَهَكَذَا فَهَلْ يَدْخُلُ فِي الْجَمَاعَة بِالْأَوْتَارِ وَيَخْرُجُ بِالْأَشْفَاعِ كَمَا قَالُوهُ فِيمَنْ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ تَكْبِيرَات. وَنَوَى بِكُلٍّ افْتِتَاحَ الصَّلَاةِ قَالُوا: لِأَنَّ نِيَّةَ الثَّانِيَة تَتَضَمَّنُ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَا يَحْصُلُ دُخُولٌ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ خَارِجًا بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ دَاخِلًا بِهِ فِيهَا فَهَلْ يَأْتِي هَذَا التَّوْجِيهُ فِي مَسْأَلَتِنَا وَأَيْضًا فِي حُصُولِ النِّيَّةِ الثَّانِيَة لَهُ فِي مَسْأَلَتِنَا تَحْصِيلٌ لِلْحَاصِلِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ فِي الْجَمَاعَة قَدْ حَصَلَ بِالنِّيَّةِ الْأُولَى أَوْ ثَمَّ فَرْقٌ بَيْنَ نِيَّةِ الصَّلَاةِ وَنِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ فَإِنْ كَانَ فَتَفَضَّلُوا بِهِ جَزَاكُمْ اللَّهُ خَيْرًا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّ تَكْرَارَ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ لَا يَقْتَضِي دُخُولًا فِي الْجَمَاعَة وَلَا خُرُوجًا مِنْهَا. وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ تَكْبِيرَات وَنَوَى بِكُلٍّ الِافْتِتَاحَ بِأَنَّ نِيَّةَ الِافْتِتَاحِ تَقْتَضِي قَطْعَ مَا هُوَ فِيهِ إذْ لَا يَكُونُ افْتِتَاحًا إلَّا إذَا لَمْ يَسْتَقِرّ شَيْءٌ فَمَفْهُومُ الِافْتِتَاحِ يُنَافِي مَا هُوَ فِيهِ فَأَبْطَلَهُ بِخِلَافِ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ فَإِنَّهَا لَا تَقْتَضِي بُطْلَانَ الِاقْتِدَاءِ السَّابِقِ؛ لِأَنَّهَا إمَّا أَنْ تَكُونَ مُؤَكِّدَةً لِلْأُولَى فَهِيَ تَزِيدُهَا قُوَّةً؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُنَافِيَةٍ لَهَا وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُؤَكِّدَةٍ فَتَكُونَ تَحْصِيلًا لِلْحَاصِلِ وَهُوَ مُحَالٌ فَيَلْغُو فَهِيَ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا تَقْتَضِي الْأُولَى؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْجَمَاعَة تَقْبَلُ التَّأْكِيد، بِخِلَافِ نِيَّةِ الِافْتِتَاحِ فَإِنَّهَا لَا تَقْبَلُهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ نِيَّةٍ مِنْ نِيَّات الِافْتِتَاحِ مُنَاقِضَةٌ لِلْأُخْرَى؛ لِأَنَّ وَاحِدَةً تَقْتَضِي الدُّخُولَ وَأُخْرَى تَقْتَضِي الْخُرُوجَ فَتَعَذَّرَ حَمْلُهَا عَلَى التَّأْكِيد فَلِذَا قَالُوا إنَّهُ يَدْخُلُ بِالْأَوْتَارِ وَيَخْرُجُ بِالْأَشْفَاعِ وَأَمَّا نِيَّةُ الْجَمَاعَة فَلَا تُنَاقِضُ الْجَمَاعَة السَّابِقَةِ بَلْ تُوَافِقُهَا فَكَانَتْ مُؤَكِّدَةً لَهَا أَوْ لَغْوًا عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ السَّابِقَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ إذَا قَامَ الْإِمَامُ إلَى خَامِسَةٍ سَهْوًا قِيلَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ انْتِظَاره فَلَوْ انْتَظَرَهُ جَاهِلًا بِالتَّحْرِيمِ وَسَجَدَ مَعَهُ لِلسَّهْوِ أَيْ: جَاهِلًا فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا قَامَ. الْإِمَامُ لِخَامِسَةٍ يُخَيَّرُ الْمَأْمُومُ بَيْنَ الْمُفَارَقَةِ وَالِانْتِظَارِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوع وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ وَقَعَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ أَنَّهُ لَا يَنْتَظِرُهُ وَاغْتَرَّ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَلَيْهِ فَإِنَّمَا يَضُرُّ الِانْتِظَارُ مِنْ عَامِدٍ عَالِمٍ بِخِلَافِ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ غَيْرِ الْمُقَصِّرِ بَلْ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْفُرُوعِ الْخَفِيَّة وَالتَّعَلُّمُ إنَّمَا يَجِبُ عَلَيْنَا فِي الْفُرُوعِ الظَّاهِرَة دُونَ الْخَفِيَّة. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّا إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَسَبَقَ الصِّبْيَانُ الرِّجَالَ إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ أَوْ كَانُوا قُعُودًا فِيهِ فَأُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَجَاءَ الرِّجَالُ فَهَلْ لَهُمْ إخْرَاجُهُمْ مِنْ الصَّفِّ الْأَوَّلِ كَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ أَوْ لَيْسَ لَهُمْ إخْرَاجُهُمْ وَيَكُونُ الصِّبْيَانُ أَحَقَّ بِهِ لِسَبْقِهِمْ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ كَمَا أَفْتَى بِهِ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ بِالْمُحَقِّقِ وَفِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ هَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَاب فِي مَوْقِفِ الْمَأْمُومِينَ فِيمَا إذَا حَضَرُوا جَمِيعًا. أَمَّا إذَا حَضَرَ الصِّبْيَانُ أَوَّلًا قَبْلَ الرِّجَالِ فَلَيْسَ لَهُمْ إزَالَتُهُمْ عَنْ مَوْضِعِهِمْ هَلْ الْمُرَادُ بِالْحُضُورِ مَجِيئُهُمْ وَاجْتِمَاعُهُمْ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ مَعًا أَمْ الْمُرَادُ الْحُضُورُ فِي الْمَسْجِدِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الصِّبْيَانَ مَتَى سَبَقُوا الْبَالِغِينَ إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ إخْرَاجُهُمْ بِخِلَافِ الْخَنَاثَى وَالنِّسَاءِ كَمَا جَزَمْت بِذَلِكَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَعِبَارَته (وَ) نُدِبَ أَنْ يَقِفَ (ذُكْرَانٌ) وَلَوْ غَيْرَ بَالِغِينَ، أَوْ بَالِغًا وَصَبِيًّا قَصَدَا الِاقْتِدَاءَ بِمُصَلٍّ أَوْ تَأَخَّرَا عَنْهُ أَوْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِمَا فِيمَا مَرَّ أَوْ رِجَالٌ قَصَدُوا ذَلِكَ (خَلْفَهُ) صَفًّا (ثُمَّ) إنْ ضَاقَ صَفُّ الرِّجَالِ وَقَفَ (صِبْيَانٌ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَحُكِيَ ضَمُّهُ خَلْفَهُمْ وَإِنْ تَمَيَّزُوا عَنْهُمْ بِعِلْمٍ وَنَحْوِهِ خِلَافًا لِلدَّارِمِيِّ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ جِنْسِهِمْ وَلَوْ لَمْ يَضِقْ صَفُّ الرِّجَالِ كُمِّلَ بِالصِّبْيَانِ وَلَوْ حَضَرَ الصِّبْيَانُ أَوَّلًا لَمْ يُنَحَّوْا لِلْبَالِغِينَ (ثُمَّ) يَقِفُ (خَنَاثَى) خَلْفَ صَفِّ الصِّبْيَانِ وَإِنْ لَمْ يَضِقْ صَفُّهُمْ لِاحْتِمَالِ ذُكُورَتِهِمْ وَلَمْ يُكَمَّلْ بِهِمْ لِاحْتِمَالِ أُنُوثَتِهِمْ (ثُمَّ نِسَاءٌ) خَلْفَ الْخَنَاثَى وَإِنْ لَمْ يَضِقْ عَنْهُمْ أَيْضًا وَيَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْبَالِغَاتِ مِنْهُنَّ

باب صلاة المسافر

قِيَاسًا عَلَى مَا مَرَّ فِي الصِّبْيَانِ انْتَهَتْ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِحُضُورِ الصِّبْيَانِ أَوَّلًا حُضُورَهُمْ فِي مُطْلَقِ الْمَسْجِدِ بَلْ إنَّمَا يُقَدَّمُونَ إنْ حَضَرُوا فِي خُصُوصِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَلَوْ قَبْلَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ فَحِينَئِذٍ لَا يُنَحَّوْنَ لِلرِّجَالِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُمْ مِنْ جِنْسِهِمْ بِخِلَافِ مَنْ بَعْدَهُمْ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْمَأْمُومِ إذَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ زَمَنًا يَسَعُ قِرَاءَةَ آيَات فَكَرَّرَ آيَتَيْنِ لِلشَّكِّ فِي مَخَارِجِ الْحُرُوفِ فَلَمْ يَقْرَأْ إلَّا أَرْبَعًا هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْكَعَ مَعَ الْإِمَامِ أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّخَلُّف لِلْآيَتَيْنِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَلْزَمُ الْمَأْمُومَ التَّخَلُّفُ لِقِرَاءَةِ الْآيَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بِإِدْرَاكِهِ زَمَنَهُمَا خُوطِبَ بِقِرَاءَتِهِمَا فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِشَكٍّ وَلَا غَيْرِهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ أَحْرَمَ وَفَاتَهُ الرُّكُوعُ وَالْإِمَامُ فِي السُّجُودِ الثَّانِي وَلَمْ يَسْجُدْ مَعَهُ أَوْ هَوَى وَجَلَسَ وَلَمْ يَسْجُدْ أَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ مَا رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ وَقَبْلَ الْقِيَامِ هَلْ يَلْزَمُهُ الْمُوَافَقَةُ فَإِنْ خَالَفَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَلْزَمُ الْمَأْمُومَ الْمُوَافَقَةُ فِيهَا وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ عَلِمَ وَتَعَمَّدَ نَعَمْ قَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ لَا يَلْزَمُهُ مُتَابَعَته فِي فِعْلِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ أَوْ تَرْكِهَا لِعَدَمِ فُحْشِ الْمُخَالَفَةِ أَنَّهُ فِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ أَعْنِي مَا إذَا أَحْرَمَ وَالْإِمَامُ فِي جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ أَوْ قَائِمٌ مِنْ السُّجُودِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْهُوِيُّ إلَيْهِ لِعَدَمِ فُحْشِ الْمُخَالَفَةِ هُنَا أَيْضًا. [بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِر] (وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاته لِمَ رَاعَوْا خِلَافَ الْقَائِلِ بِمَنْعِ الْجَمْعِ فَقَالُوا بِجَوَازِهِ دُونَ نَدْبِهِ مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ الْمُخَالِف لَا يُرَاعِي خِلَافَهُ إذَا خَالَفَ سُنَّةً صَحِيحَةً وَهُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّهُ ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْجَمْعُ كَثِيرًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَكَى الْغَزَالِيُّ اتِّفَاقَ الْأَصْحَاب عَلَى ذَلِكَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُمْ بِأَنَّ الْجَمْعَ لَمَّا كَانَ فِيهِ إخْلَاءُ أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ عَنْ الصَّلَاةِ بِالْكُلِّيَّةِ كَانَ بَعِيدًا عَمَّا اسْتَقَرَّ فِي الشَّرْعِ بِخِلَافِ الْقَصْرِ فَلِذَلِكَ حَمَلُوا مَا ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ تَكَرُّرِ الْجَمْعِ عَلَى الْجَوَازِ فَقَطْ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ ظَاهِرِ السُّنَّةِ وَرَاعَوْا خِلَافَ أَبِي حَنِيفَةَ لِذَلِكَ عَلَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ يَنْفَرِدْ بِذَلِكَ. بَلْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيْضًا عَنْ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ هَلْ يُبَاحُ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَالتَّيَمُّمُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ الْأَصْحَاب لَا يُبَاحُ لَهُ أَكْلُ الْمَيْتَةِ لِلِاضْطِرَارِ؛ لِأَنَّهُ تَخْفِيفٌ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ دَفْعِ الْهَلَاكِ بِالتَّوْبَةِ فَإِنْ لَمْ يَتُبْ وَمَاتَ كَانَ عَاصِيًا بِتَرْكِهِ التَّوْبَةَ وَبِقَتْلِهِ نَفْسَهُ لَكِنْ نَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَأَقَرَّهُ أَنَّ مَحَلَّ كَوْنِ أَكْلِهَا مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ يَنْشَأُ الِاضْطِرَارُ عَنْهُ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ أَقَامَ لَمْ يُضْطَرّ وَفَرَّقَ الْقَفَّالُ كَمَا فِي الْمَجْمُوع عَنْهُ وَأَقَرَّهُ بَيْنَ الْمُقِيمِ حَيْثُ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهَا وَلَوْ عَاصِيًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْمُسَافِرِ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ بِأَنْ أَكَلَهَا فِي السَّفَرِ سَبَبُهُ سَفَرُهُ وَهُوَ مَعْصِيَةٌ فَكَانَ كَمَا لَوْ جُرِحَ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمِ لِذَلِكَ الْجُرْحِ مَعَ أَنَّ الْجَرِيحَ الْحَاضِرَ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ أَكْلَهَا إذَا كَانَ سَبَبُهُ الْإِقَامَةَ وَهِيَ مَعْصِيَةٌ كَإِقَامَةِ الْعَبْدِ الْمَأْمُور بِالسَّفَرِ لَا تَجُوزُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ سَبَبُهُ إعْوَازَ الْحَلَالِ. وَإِنْ كَانَتْ الْإِقَامَةُ مَعْصِيَةً وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْحَاب الْجَوَاز مُطْلَقًا وَلَك أَنْ تَقُولَ لَا شَكَّ أَنَّ أَكْلَ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ رُخْصَةٌ وَقَدْ قَالُوا إنَّ الرُّخْصَ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي فَمَتَى كَانَ السَّبَبُ الْمُوقِعُ فِي الِاضْطِرَارِ مَعْصِيَةً كَأَنْ عَصَى بِسَفَرِهِ أَوْ إقَامَتِهِ. وَكَانَا هُمَا السَّبَبَ فِي الِاضْطِرَارِ بِأَنْ كَانَ لَوْ تَرَكَ السَّفَرَ أَوْ الْإِقَامَةَ زَالَ عَنْهُ الِاضْطِرَارُ امْتَنَعَ الْأَكْلُ مِنْ الْمَيْتَةِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ فَلَا يُنَاطُ بِمَعْصِيَةٍ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الْأَصْحَاب جَوَازُ الْأَكْلِ حِينَئِذٍ وَمَتَى كَانَ السَّبَبُ لَيْسَ مُوقِعًا فِيهِ كَأَنْ فَقَدَ الْحَلَالَ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ جَازَ الْأَكْلُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْأَكْلِ لَيْسَ هُوَ السَّفَرَ وَلَا الْحَضَرَ فَجَازَ وَإِنْ عَصَى بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ قَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْعَاصِي بِإِقَامَتِهِ كَالْمُسَافِرِ إذَا كَانَ الْأَكْلُ عَوْنًا لَهُ عَلَى الْإِقَامَةِ وَقَوْلُهُمْ تُبَاحُ الْمَيْتَةُ لِلْمُقِيمِ الْعَاصِي بِإِقَامَتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ اهـ. وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا قُلْته وَأَمَّا التَّيَمُّمُ فَإِنْ كَانَ لِفَقْدِ الْمَاءِ فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يُنْظَرَ فِيهِ لِلتَّفْصِيلِ السَّابِقِ فِي الْمُضْطَرّ؛ لِأَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ عَصَى بِنَحْوِ السَّفَرِ الَّذِي نَشَأَ الْفَقْدُ عَنْهُ فَيَمْتَنِعُ وَتَارَةً لَا يَجُوز لَكِنْ خَالَفْنَا ذَلِكَ هُنَا نَظَرًا لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ سِوَاهُ فَجَوَّزْنَاهُ

لَهُ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ لِجُرْحٍ أَوْ نَحْوِهِ فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْقَفَّالِ السَّابِقِ أَنَّهُ إنْ عَصَى بِالسَّفَرِ أَوْ الْإِقَامَةِ امْتَنَعَ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ وَالْإِقَامَةَ لَا دَخْلَ لَهُمَا فِي إبَاحَتِهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهُمَا السَّبَبَ لِنَحْوِ الْجُرْحِ الْمُجَوِّز لِلتَّيَمُّمِ فَإِنْ تُصُوِّرَ ذَلِكَ زَالَ الْإِشْكَال. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَوْلِهِمْ إنَّ جَمْعَ التَّقْدِيمِ أَوْ التَّأْخِير قَدْ يَكُونُ أَفْضَلِ وَلَا تَفَاضُلَ بَيْنَ الْجَائِزَيْنِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْجَمْعُ وَإِنْ كَانَ جَائِزًا لَا مَنْدُوبًا لَكِنَّ التَّفَاضُلَ بَيْنَ نَوْعَيْهِ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُ الْجَمْعِ الْجَائِز حَتَّى يُرَدَّ مَا ذُكِرَ بَلْ مِنْ حَيْثُ مَا اقْتَرَنَ بِأَحَدِهِمَا مِنْ الْكَمَالِ الَّذِي عَادَ عَلَى الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ بِكَمَالٍ خَلَى عَنْهُ الْجَمْعُ الْآخَر. (وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ فِي جَمْعِ التَّقْدِيم وَجَبَ إعَادَتهمَا؛ لِأَنَّ كُلًّا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الرُّكْنَ مِنْهَا وَيُمْنَعُ جَمْعُ التَّقْدِيمِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الثَّانِيَة فَيَطُولَ بِهَا الْفَصْلُ فَوَجَبَ فِعْلُهُمَا فِي وَقْتَيْهِمَا وَامْتَنَعَ جَمْعُ التَّقْدِيمِ أَخْذًا بِالْأَسْوَأِ فِيهِمَا فَهَلْ يَمْتَنِعُ جَمْعُ التَّأْخِيرِ أَيْضًا أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ صَرَّحَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ وَوَجْهُهُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ خِلَافَهُ أَنَّهُ حَيْثُ أُمِرَ بِإِعَادَتِهِمَا. فَكَأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَفْعَلهُمَا فَيَجُوزُ لَهُ جَمْعُ التَّأْخِيرِ فَإِنْ قُلْت مُقْتَضَى هَذَا جَوَازُ جَمْعِ التَّقْدِيمِ لِمَا ذُكِرَ وَأَيْضًا فَكَمَا رُوعِيَ فَسَادُ الثَّانِيَة حَتَّى امْتَنَعَ جَمْعُ التَّقْدِيمِ يَنْبَغِي مُرَاعَاتُهُ حَتَّى يَمْتَنِعَ جَمْعُ التَّأْخِيرِ قُلْت إنَّمَا رَاعَيْنَا ذَلِكَ الِاحْتِمَالَ بِالنِّسْبَةِ لِجَمْعِ التَّقْدِيم؛ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نُرَاعِهِ لَوَقَعَتْ الْعَصْرُ فَاسِدَةً عَلَى أَحَدِ التَّقَادِيرِ فَكَانَ الْأَسْوَأُ امْتِنَاعَهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا وَأَمَّا الْأُولَى فَصَحِيحَةٌ عَلَى سَائِرِ التَّقَادِيرِ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ هِيَ الْفَاسِدَة فَوَاضِحٌ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ أَدَاءٌ وَإِنْ كَانَ الْفَاسِد الثَّانِيَة فَقَدْ صَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا وَلَا يَضُرُّ ضَمُّهُ إلَيْهَا صُورَةَ فَرْضٍ آخَرَ احْتِيَاطًا لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ فَمَنْ أَطَالَ فِي الرَّدِّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا كَأَنَّهُ لَمْ يَلْحَظْ مَا قُلْنَاهُ وَلَمْ يَتَأَمَّلْهُ إذْ بِتَأَمُّلِهِ يَتَّضِحُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ وَيَظْهَرُ بُطْلَانُ جَمِيعِ مَا أَوْرَدَهُ الْمُعْتَرِضُ وَتَكَثَّرَ أَوْ شَنَّعَ بِهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ شَخْصٍ سَافَرَ وَدَارُهُ خَارِجَ السُّورِ لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى الدُّخُولِ مِنْ السُّورِ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهُ إلَى مَقْصِدِهِ فَهَلْ يَكُونُ ابْتِدَاءُ سَفَرِهِ مَاذَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا كَانَ وَرَاءَ السُّورِ عِمَارَاتٌ وَسَافَرَ مَنْ دَارُهُ خَارِجَهُ وَاحْتَاجَ فِي الذَّهَابِ إلَى مَقْصِدِهِ لِلدُّخُولِ مِنْ السُّورِ ثُمَّ الْخُرُوجِ مِنْهُ ثُمَّ قَطْعِ الْعِمَارَاتِ الَّتِي وَرَاءَهُ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ أَنَّهُ لَا يَتَرَخَّص حَتَّى يُجَاوِزَ الْعِمَارَاتِ الَّتِي وَرَاءَ السُّورِ مِنْ الْجِهَةِ الْأُخْرَى وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ السُّورَ لَا عِبْرَةَ بِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ بَلْ جَمِيعِ الْعِمَارَاتِ الَّتِي خَارِجَ السُّورِ بِمَنْزِلَةِ بَلَدِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُجَاوَزَتِهَا وَإِنْ خَرَجَ مِنْ السُّورِ. (وَسُئِلَ) أَيْضًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ مُسَافِرٍ صَلَّى الظُّهْرَ فِي وَقْتِهَا ثُمَّ أَعَادَهَا جَمَاعَةً فَهَلْ لَهُ جَمْعُ الْعَصْرِ تَقْدِيمًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إذْ الْفَرْضُ هُوَ الْأُولَى فَالْمُعَادَةُ فَاضِلَةٌ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْمُسَافِر إذَا أَرَادَ الْجَمْعَ تَأْخِيرًا ثُمَّ أَرَادَ دُخُولَ مَقْصِدِهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ قَبْلَ فِعْلِ الظُّهْرِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ بِأَنَّ الْأَوْجَهَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ دُخُولُ مَقْصِدِهِ قَبْلَ فِعْلِ الظُّهْرِ كَمَا قَدَّمْته مَبْسُوطًا وَأَشَرْت ثَمَّ إلَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَبْسُوطَةٌ أَيْضًا فِي حَاشِيَتِي عَلَى إيضَاحِ النَّوَوِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ هَلْ السَّفَرُ لِلتَّنَزُّهِ كَالسَّفَرِ لِرُؤْيَةِ الْبِلَادِ أَوْ لَا فَمَا الْفَرْقُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي ذَكَرُوهُ أَنَّ التَّنَزُّهَ قَصْدٌ صَحِيحٌ يُبِيحُ الْقَصْرَ بِخِلَافِ مُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ لَكِنْ فَرَضُوا الْكَلَامَ فِي التَّنَزُّهِ فِيمَا لَوْ سَلَكَ أَبْعَدِ الطَّرِيقَيْنِ لِذَلِكَ وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ قَاصِدَ الثَّانِي غَيْرُ جَازِمٍ بِمَقْصِدٍ مَعْلُومٍ؛ لِأَنَّهُ كَالْهَائِمِ بِخِلَافِهِ فِي التَّنَزُّهِ. قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَالْوَجْهُ أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ التَّنَزُّهَ هُنَا لَيْسَ هُوَ الْحَامِلَ عَلَى السَّفَرِ بَلْ الْحَامِلُ عَلَيْهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ كَسَفَرِ التِّجَارَةِ وَلَكِنَّهُ سَلَكَ أَبْعَدَ الطَّرِيقَيْنِ لِلتَّنَزُّهِ فِيهِ بِخِلَافِ مُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ فَإِنَّهُ الْحَامِلُ عَلَى السَّفَرِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الْحَامِلَ عَلَيْهِ كَانَ كَالتَّنَزُّهِ هُنَا وَلَوْ كَانَ التَّنَزُّهُ هُوَ الْحَامِلُ عَلَيْهِ كَانَ كَمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ فِي تِلْكَ اهـ. وَحَاصِلُ كَلَامِهِ التَّسَاوِي بَيْنَهُمَا وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْوَجْهُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ التَّنَزُّهَ غَرَضٌ صَحِيحٌ يُقْصَدُ فِي الْعَادَةِ لِلتَّدَاوِي وَنَحْوِهِ كَإِزَالَةِ

الْعُفُونَاتِ النَّفْسِيَّةِ وَاعْتِدَالِ الْمِزَاجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِخِلَافِ مُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ إذَا خَلَا عَنْ ذَلِكَ كَأَنْ قَصَدَ السَّفَرَ لِبَلَدِ كَذَا لِيَنْظُر بِنَاءَهَا مِنْ مَاذَا أَوْ هَلْ هِيَ صَغِيرَةٌ أَوْ كَبِيرَةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ بِالْعَبَثِ أَشْبَهُ فَمِنْ ثَمَّ جَازَ لِلْأَوَّلِ الْقَصْرُ لِصِحَّةِ غَرَضِهِ بِخِلَافِ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ لَهُ مَقْصِدٌ مَعْلُومٌ لِفَسَادِ غَرَضِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إتْعَابَ نَفْسِهِ وَدَابَّتِهِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ صَلَّى فِي جَمْعِ التَّأْخِيرِ الظُّهْرَ ثُمَّ تَيَقَّنَ بَعْدَ إحْرَامِهِ بِالْعَصْرِ تَرْكَ رُكْنٍ مِنْ الْأُولَى هَلْ يَبْطُلَانِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ طَالَ الْفَصْلُ بَيْنَ تَذَكُّرِهِ وَسَلَامِ الْأُولَى بَطَّلْنَا الظُّهْرَ لِتَعَذُّرِ الْبِنَاءِ عَلَيْهَا. وَالْعَصْرَ لِوُقُوعِهَا وَتَحَرُّمُ الْأُولَى بَاقٍ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ بَيْنَ التَّذَكُّرِ وَسَلَامِ الْأُولَى لَغَا مَا أَتَى بِهِ مِنْ الْعَصْرِ وَكَمَّلَ الظُّهْرَ وَإِطْلَاقُ الرُّويَانِيِّ بُطْلَانَهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى الْحَالَةِ الْأُولَى وَإِلَّا فَهُوَ ضَعِيفٌ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ ثُمَّ نَوَى وَهُوَ سَائِرٌ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ الْبَلَدَ الْفُلَانِيَّةَ يُقِيمُ بِهَا أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَهَلْ يَنْقَطِعُ سَفَرُهُ بِوُصُولِهَا أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الظَّاهِرُ انْقِطَاعُ سَفَرِهِ بِوُصُولِهَا مَا لَمْ يَكُنْ عَازِمًا عَلَى فِعْلٍ يُنَاقِضُ نِيَّته الْأُولَى وَلَا أَثَرَ لِنِيَّتِهِ الْأُولَى وَهُوَ سَائِرٌ حَيْثُ كَانَ مُسْتَقِلًّا وَأَمَّا قَوْلُ الْمَجْمُوع شَرْطُ تَأْثِيرِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ أَنْ يَكُونَ حَالَ النِّيَّةِ مَاكِثًا فَهُوَ فِيمَنْ نَوَى الْإِقَامَةَ الْآنَ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ سَائِرًا لَمْ يُعْتَدّ بِهَا؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ يُكَذِّبُهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَاكِثًا سَوَاء أَصَلُحَ الْمَحَلُّ لِلْإِقَامَةِ أَوْ لَا أَمَّا فِي صُورَتِنَا فَنِيَّتُهُ صَحِيحَةٌ وَلَا فِعْلَ صَدَرَ مِنْهُ يُعَارِضُهَا فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِتَأْثِيرِهَا إذَا وَصَلَ الْمَحَلَّ الَّذِي نَوَى الْإِقَامَةَ بِهِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ أَذَّنَ الظُّهْرُ مَثَلًا وَهُوَ عَلَى مَاءٍ فَهَلْ لَهُ نِيَّةُ تَأْخِيرِهَا إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ وَإِنْ كَانَ يُصَلِّيهِمَا وَيَتَيَمَّمُ بِمَحَلٍّ لَا مَاءَ فِيهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقهمْ فِي بَابِ السَّفَرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُلْحَقَ بِمَنْ مَرَّ بِمَاءٍ فِي الْوَقْتِ وَهَذَا أَقْرَبُ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ عَدَمُ وُجُوبِ الْوُضُوءِ لَكِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ الْقِيَاسُ وُجُوبُهُ كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَعَلَيْهِ فَيَتَقَيَّد بِمَا فِي قَبُولِهَا مِنْ اشْتِرَاطِ كَوْنِهَا فِي الْوَقْتِ وَأَنْ لَا يُمْكِنَ تَحْصِيلُهُ بِغَيْرِهَا وَأَنْ لَا يَحْتَاجَ إلَيْهِ الْمَالِكُ وَأَنْ يَضِيقَ الْوَقْتُ عَنْ طَلَبِهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا أُكْرِهَ عَلَى سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَعَاطَى شَيْئًا مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ مِنْ الْوَاضِحِ أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ عَاصٍ بِسَفَرِهِ فَيَتَعَاطَى سَائِرَ رُخَصِ السَّفَرِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَابِهِ بِشَرْطِهِ الْمُقَرَّر. ثَمَّ (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ إذَا كَانَ عَلَى رَجُلٍ لِآخَر دَيْنٌ حَالٌّ وَهُوَ مَلِيءٌ بِهِ وَأَرَادَ أَنْ يُسَافِرَ فَهَلْ إذَا تَحَقَّقَ رِضَاهُ بِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ لَمْ يَمْنَعْهُ السَّفَرَ يَجُوزُ لَهُ السَّفَرُ فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ فَذَاكَ وَإِنْ قُلْتُمْ لَا فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ أَكْلِ طَعَامِهِ إذَا تَحَقَّقَ رِضَاهُ مَعَ أَنَّ فِي الْأَكْلِ هَلَاكَ مَالِهِ وَهَلْ فَرْقٌ بَيْنَ كَوْنِ الدَّيْنِ كَثِيرًا أَوْ أَقَلَّ مَا يَتَمَوَّلُ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ كَالصَّرِيحِ فِي جَوَازِ السَّفَرِ فَمَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ بِهِ لَمْ يَمْنَعْهُ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَالُ قَلِيلًا أَمْ كَثِيرًا بِشَرْطِ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ مَعَ كَثْرَتِهِ فَإِنْ تَرَدَّدَ أَوْ جَهِلَ حَالَ الدَّائِنِ امْتَنَعَ عَلَيْهِ السَّفَرُ وَإِنْ قَصَرَ إلَّا بَعْدَ صَرِيحِ الْإِذْنِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ الْمَدْيُونِ الْمَلِيءِ إذَا سَافَرَ بِغَيْرِ إذْنِ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ نَاسِيًا لِلدَّيْنِ فَلَمْ يَذْكُرْهُ إلَّا فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إرْسَالِ دَيْنِهِ إلَّا مِنْ الْبَلَدِ الَّتِي هُوَ قَاصِدُهَا إمَّا لِخَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَكَانَ يَتَعَاطَى رُخَصَ السَّفَرِ مِنْ أَوَّلِ سَفَرِهِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَرَخَّصَ فِي سَفَرِهِ وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِي مَا قَصَرَهُ أَوْ صَلَّاهُ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ كَأَنْ جَمَعَ تَقْدِيمًا أَوْ أَفْطَرَ صَوْمًا وَاجِبًا أَمْ لَا؟ فَإِذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُرْسِلَ بِالدَّيْنِ غَيْرَهُ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَرَخَّصَ قَبْلَ وُصُولِ الدَّيْنِ إلَى صَاحِبِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ إذَا تَذَكَّرَ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ إرْسَالُ الدَّيْنِ لِدَائِنِهِ بِنَفْسِهِ وَلَا بِوَكِيلِهِ لِخَوْفٍ أَوْ نَحْوِهِ فَهُوَ لَيْسَ بِآثِمٍ فَيَتَرَخَّص بِالْقَصْرِ وَغَيْرِهِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ سَفَرُهُ أَوْ يَقْدِرَ عَلَى الْإِرْسَال وَإِذَا قَدَرَ عَلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ الثِّقَةِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الطَّرِيقِ نَحْوُ خَوْفٍ وَجَبَ عَلَيْهِ إرْسَالُهُ فَوْرًا وَمَتَى أَخَّرَهُ عَصَى بِسَفَرِهِ إلَى جِهَةِ مَقْصِدِهِ وَامْتَنَعَ عَلَيْهِ الرُّخَصُ مُطْلَقًا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا إذَا.

باب صلاة الجمعة

تَعَارَضَ الْقَصْرُ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ فِي حَقِّ الْمُسَافِر وَالْجَمَاعَةُ بِأَنْ لَمْ يَجِدْهَا إلَّا وَرَاءَ مُتِمٍّ فَمَا الْأَفْضَلُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْجَمَاعَة فَرْضُ كِفَايَةٍ وَالْقَصْرُ سُنَّةٌ وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ أَفْضَلُ مِنْ السُّنَّةِ وَأَيْضًا فَأَبُو حَنِيفَةَ الْقَائِلُ بِوُجُوبِهِ يُوجِبُ الْإِتْمَامَ عِنْدَ الِاقْتِدَاءَ بِمُتِمٍّ فَانْدَفَعَتْ مُرَاعَاةُ خِلَافِهِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ هَلْ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ الْقَصْرُ وَالْجَمْعُ وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ وَالْفِطْرُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ الرُّخَصِ الْمُبَاحَة إذَا كَانَ الْغَرِيمُ ظَاهِرًا فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ بِأَنْ كَانَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فِي الْبَحْرِ وَكَانَ مَنْ وَجَدَهُ مَثَلًا قَتَلَهُ وَأَسَرَهُ وَنَهَبَهُ فَهَلْ يَجُوزُ لِذَلِكَ الْمُسَافِر الْإِقْدَام عَلَى مِثْلِ هَذَا السَّفَرِ. وَيَجُوزُ لَهُ التَّرَخُّص بِجَمِيعِ الرُّخَصِ الْمُبَاحَة أَمْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ يَجُوزُ وَلَا يَحِلُّ مِثْلُ ذَلِكَ فَهَلْ ارْتِكَابُ مِثْلِ هَذَا مِنْ الْكَبَائِرِ أَمْ لَا وَمَا الْمُعْتَمَدُ عِنْدَكُمْ فِي التَّرْجِيح أَيْضًا وَذَلِكَ فِيمَا إذَا أَقَامَ الرَّجُلُ بِبَلْدَةٍ وَكَانَ بِنِيَّةِ الِارْتِحَالِ كُلَّ وَقْتٍ مِنْهَا فَهَلْ لَهُ الْفِطْرُ كَالْقَصْرِ وَغَيْرِهِ إلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَمْ لَا وَأَيْضًا قَدْ سُئِلَ الْمَمْلُوكُ فِي إقَامَته هَذِهِ فِيمَا إذَا شَرِبَتْ الْأَرْضُ فِي شَهْرِ شَعْبَانَ مَثَلًا وَكَانَ لَا يَصْلُحُ وَيَحْسُنُ بَذْرُهَا إلَّا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَذَلِكَ اتَّفَقَ فِي الْيَمَنِ فِي السَّنَةِ هَذِهِ وَكَانَ أَهْلُهَا أَيْ: الْأَرْضُ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى بَذْرِهَا لِشِدَّةِ الْجُوعِ وَالظَّمَإِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَهَلْ يُبَاحُ لَهُمْ الْفِطْرُ أَوْ لَا. وَهَلْ الْأَرْبَعُ رَكَعَات الَّتِي كَانَ يَفْعَلُهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ هِيَ سُنَّةُ الظُّهْرِ أَوْ هِيَ غَيْرُهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَيْثُ غَلَبَ فِي سَفَرِ الْبَحْرِ أَخْذُ الْفِرِنْجِ وَأَسْرُهُمْ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ حَرُمَ السَّفَرُ فِيهِ وَكَانَ مَعْصِيَةً فَلَا يُبَاحُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ وَالْإِلْقَاءُ بِالنَّفْسِ إلَى الْهَلَاكِ كَبِيرَةٌ بَلْ مِنْ أَعْظَمِ الْكَبَائِرِ كَمَا بَيَّنْته فِي كِتَابِي الزَّوَاجِرِ عَنْ اقْتِرَافِ الْكَبَائِرِ وَمَنْ كَانَ سَفَرُهُ سَفَرًا يُبِيحُ الرُّخَصَ بِالْفِطْرِ وَالْقَصْرِ وَنَحْوِهِمَا فَأَقَامَ بِبَلَدٍ لِحَاجَةٍ يَتَوَقَّعُ قَضَاءَهَا قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ وَيُفْطِرَ فِي رَمَضَانَ وَيَفْعَلَ سَائِرَ رُخَصِ السَّفَرِ إلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَيُبَاحُ الْفِطْرُ لِنَحْوِ الْحَرَّاثِ وَالضَّمَّامِ وَهُوَ مَنْ يَقْطَعُ الزَّرْعَ إذَا يَبِسَ إذَا وَقَعَ ذَلِكَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَلَمْ يُمْكِنْهُمْ فِعْلُهُ لَيْلًا وَلَا تَأْخِيرُهُ إلَى فَرَاغِ رَمَضَانَ لِلْخَوْفِ عَلَيْهِ وَلَوْ مِنْ الدَّوَابِّ فَقَدْ أَفْتَى بِذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَبِهِ صَرَّحُوا فِي الْفِطْرِ لِإِنْقَاذِ مَالٍ مُشْرِفٍ عَلَى تَلَفٍ وَهَذَا مِنْهُ. وَبِفَرْضِ وُقُوعِ خِلَافٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمَانِعِ مِنْ الْفِطْرِ فِيهَا عَلَى مَا أَشَرْت إلَيْهِ وَهُوَ مَا إذَا أَمْكَنَ التَّأْخِيرُ لَيْلًا أَوْ إلَى فَرَاغِ رَمَضَانَ وَإِلَّا فَكَلَامُهُ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ وَالسُّقُوطِ وَسُنَّةُ الزَّوَالِ أَرْبَعٌ وَهِيَ غَيْرُ سُنَّةِ الظُّهْرِ الَّتِي هِيَ أَرْبَعٌ أَيْضًا وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُبَّمَا جَمَعَ وَرُبَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ بِحَسَبِ فَرَاغِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاشْتِغَالِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ جَمَاعَةٍ يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ وَإِمَامُهُمْ قَارِئٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يُحْسِنُهَا فَهَلْ تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ حَيْثُ كَانَ إمَامُهُمْ قَارِئًا أَمْ لَا تَصِحُّ وَأَنَّا رَأَيْنَا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ كَلَامًا لَمْ يُفْهَمْ الرَّاجِحُ مِنْهُ فَبَيِّنُوا لَنَا مَا هُوَ الرَّاجِحُ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ أَرْبَعُونَ أُمِّيًّا فَقَطْ وَاتَّفَقُوا أُمِّيَّةً لَزِمَتْهُمْ الْجُمُعَةُ لِصِحَّةِ اقْتِدَاءِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَعْضُهُمْ أُمِّيًّا وَبَعْضُهُمْ قَارِئًا فَإِنَّ جُمُعَتَهُمْ لَا تَصِحُّ لِارْتِبَاطِ صَلَاةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ فَأَشْبَهَ اقْتِدَاءَ الْقَارِئِ بِالْأُمِّيِّ وَكَذَا لَوْ اخْتَلَفُوا أُمِّيَّةً وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَعْرِفُ أَوَّلَ الْفَاتِحَةِ وَبَعْضُهُمْ يَعْرِفُ آخِرَهَا فَإِنَّ جُمُعَتَهُمْ لَا تَصِحُّ لِمَا ذَكَرُوا فِي الْبَغَوِيِّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ لَكِنْ قَالَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فِيمَا إذَا كَانَ بَعْضُهُمْ أُمِّيًّا وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا إذَا قَصَّرَ الْأُمِّيُّ فِي التَّعَلُّم وَإِلَّا فَتَصِحُّ الْجُمُعَةُ إذَا كَانَ الْإِمَامُ قَارِئًا قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ جَهِلُوا كُلُّهُمْ الْخُطْبَةَ لَمْ تَجُزْ الْجُمُعَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا جَهِلَهَا بَعْضُهُمْ فَإِنَّهَا تُشْرَطُ لِصِحَّتِهَا وَمُرَادُهُ بِجَوَازِهَا فِي الشِّقِّ الثَّانِي مَا يَصْدُقُ بِالْوُجُوبِ فَإِنَّهُ إذَا عَرَفَهَا وَاحِدٌ مِنْ الْأُمِّيِّينَ الْمُسْتَوِينَ لَزِمَتْهُمْ كَمَا مَرَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفَسَّحَ فِي مُدَّتِهِ -

عَمَّا إذَا كَانَ فِي قَرْيَةٍ مَسْجِدٌ ثُمَّ تَعَطَّلَ لِكَوْنِهِ بَعِيدًا عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ أَوْ لِكَوْنِ مَا حَوْلَهُ مُتَعَطِّلًا فَأَرَادُوا أَنْ يَعْمَلُوا مَسْجِدًا آخَرَ وَالْمَسْجِدُ الثَّانِي تَحْضُرُهُ الْجَمَاعَة فَهَلْ لَهُمْ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّهُ يَجُوزُ بِنَاءُ الْمَسَاجِدِ الْكَثِيرَةِ فِي الْبَلَدِ وَلَوْ صَغِيرَةً وَلَا حَجْرَ عَلَى أَحَدٍ فِي ذَلِكَ نَعَمْ لَا يَجُوزُ تَعْدِيدُ الْجُمُعَةِ فِي بَلَدٍ إلَّا إذَا ضَاقَ مَسْجِدُهَا عَنْ أَهْلِهَا فَلَهُمْ حِينَئِذٍ بِنَاءُ مَسْجِدٍ آخَرَ وَإِقَامَةُ جُمُعَةٍ ثَانِيَةٍ فَهُوَ بِخِلَافِ مَا إذَا وَسِعَهُمْ مَسْجِدُهَا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ بِنَاءُ مَسْجِدٍ لِأَجْلِ إقَامَةِ جُمُعَةٍ أُخْرَى فِيهِ لِامْتِنَاعِهَا حِينَئِذٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَنْ أَدْرَكَ إمَامَ الْجُمُعَةِ فِي الثَّانِيَة. بَعْدَ أَنْ فَارَقَهُ الْقَوْمُ فِيهَا وَقُلْنَا إنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ الْجَمَاعَة فِي الثَّانِيَة فَهَلْ يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ بِصَلَاتِهِ لِلرَّكْعَةِ الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ فَقَطْ فَيُضِيفُ إلَيْهَا أُخْرَى وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ الْأُولَى مَعَ أَرْبَعِينَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - بِأَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ بِمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ رَكْعَةَ الْإِمَامِ الثَّانِيَة وَقَدْ أَطْلَقَ الْأَئِمَّةُ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الثَّانِيَة مَعَ الْإِمَامِ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ وَلَا نَظَرَ لِمُفَارَقَةِ الْمَأْمُومِينَ لَهُ فِيهَا؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْعَدَدِ فِيهِمْ بَاقٍ إلَى انْقِضَاءِ الْجُمُعَةِ وَكَأَنَّهُمْ بَاقُونَ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا إذَا اخْتَلَفَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي مَسْأَلَةٍ وَلَمْ نَعْلَمْ الرَّاجِحَ فَأَيُّهُمَا نَعْمَلُ بِقَوْلِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْعِبْرَةُ بِمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَجَزَاهُ عَنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ خَيْرًا فَإِنَّهُ الْحَبْرُ الْحُجَّةُ الْمُطَّلِعُ الْمُحَرِّرُ بِاتِّفَاقِ جَمِيعِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُعْدَلُ عَمَّا رَجَّحَهُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ كَانَ بِالْخَلَاءِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ يَسْمَعُ الْخَطِيبَ خَارِجًا عَنْ الْمَسْجِدِ هَلْ يُعَدُّ مِنْ الْأَرْبَعِينَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ أَنْ يُعْتَدّ بِسَمَاعِ مَنْ بِالْخَلَاءِ وَنَحْوِهِ فَقَدْ قَالُوا لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ وَالْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ فَتَنْعَقِدُ بِهِمْ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ بِالْخَلَاءِ وَنَحْوِهِ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَتَنْعَقِدُ بِهِ. وَكَوْنُهُ حَالَةَ السَّمَاعِ عَلَى هَيْئَةٍ تُنَافِي الصَّلَاةَ لَا أَثَرَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ اشْتِرَاطِ سَمَاعِهِمْ اتِّعَاظُهُمْ بِمَا يَسْمَعُونَ فِي الْجُمْلَةِ وَهَذَا الْمَقْصُودُ حَاصِلٌ بِسَمَاعِ مَنْ بِالْخَلَاءِ وَنَحْوِهِ وَمَنْ عَبَّرَ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ حُضُورُ أَرْبَعِينَ لَمْ يُرِدْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِهِمْ سَوَاءٌ كَانُوا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ خَارِجَهُ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ إقَامَتِهَا الْمَسْجِدُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَلَوْ أَقَامُوهَا فِي فَضَاءٍ بَيْنَ الْعُمْرَانِ صَحَّتْ. فَإِنْ قُلْت عَبَّرَ بَعْضُهُمْ بِالسَّمَاعِ وَبَعْضُهُمْ بِالْحُضُورِ وَبَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ إذْ يَجْتَمِعَانِ فِي حَاضِرٍ يَسْمَعُ. وَتَنْفَرِدُ الْأُولَى فِي حَاضِرٍ أَصَمَّ وَالثَّانِيَةُ فِي بَعِيدٍ يَسْمَعُ فَمَا الْمُعْتَمَدُ مِنْهُمَا قُلْت هَذَا إنَّمَا يَصِحُّ لَوْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ وَاحِدٌ. أَمَّا إذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُمَا وَاحِدًا وَهُوَ السَّمَاعُ فَلَا عُمُومَ وَلَا خُصُوصَ وَقَوْلُ الشَّاشِيِّ لَا يُشْتَرَطُ السَّمَاعُ حَتَّى لَوْ كَانُوا صُمًّا كَفَى حُضُورُهُمْ شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَإِنْ تَبِعَهُ عَلَيْهِ فِي الْبَيَانِ فَإِنْ قُلْت قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ فِي الْجُمُعَةِ مُبَاهَاةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَهَذِهِ الْحِكْمَةُ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِحُضُورِهِمْ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ عَلَى صِفَات الْكَمَالِ فَيَخْرُجُ مَنْ بِالْخَلَاءِ وَنَحْوِهِ فَلَا يُعْتَدُّ بِحُضُورِهِ وَلَا سَمَاعِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى صِفَةِ أَهْلِ الْكَمَالِ. قُلْت هَذَا الَّذِي قِيلَ لَا يَصِحُّ وَإِنَّمَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حِكْمَةً لِأَصْلِ الِاجْتِمَاعِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَتَخْصِيصه بِخُصُوصِيَّاتٍ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدِ الْمُؤْمِنِينَ وَفِيهِ سَاعَةُ الْإِجَابَةِ وَفِيهِ خُلِقَ آدَم وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ الَّتِي تَزِيدُ عَلَى الْمِائَةِ وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ ذَلِكَ حِكْمَةٌ لِأَصْلِ الِاجْتِمَاعِ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ جَمَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْجُمُعَةُ فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ إنَّ لِلْيَهُودِ يَوْمًا يَجْتَمِعُونَ فِيهِ كُلَّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ وَلِلنَّصَارَى مِثْلُ ذَلِكَ فَهَلُمَّ فَلْنَجْعَلْ لَنَا يَوْمًا نَجْتَمِعُ فِيهِ نَذْكُرُ بِهِ اللَّهَ تَعَالَى. وَنُصَلِّي وَنَشْكُرُهُ فَجَعَلُوهُ يَوْمَ الْعُرُوبَةِ وَاجْتَمَعُوا إلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ فَصَلَّى بِهِمْ يَوْمئِذٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا لَكِنْ لَهُ شَاهِدٌ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ وَاشْتِرَاطُ حُضُورِهِمْ وَسَمَاعِهِمْ لِأَرْكَانِ الْخُطْبَةِ

فَلَيْسَ أَمْرًا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مِقْدَارِ الْعَدَدِ الْمُشْتَرَطِ فِيهَا بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى اشْتِرَاطِ مُطْلَقِ الْعَدَدِ وَالْقَوْلُ بِصِحَّتِهَا مِنْ الْوَاحِدِ لَعَلَّهُ غَلَطٌ وَإِنْ نَقَلَهُ ابْنُ حَزْمٍ لِمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوع أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِي الْجُمُعَةِ وَطَالَ اخْتِلَافُهُمْ فِي ذَلِكَ وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ قَوْلًا أَدْنَاهَا يُشْتَرَطُ اثْنَانِ وَأَعْلَاهَا يُشْتَرَطُ ثَمَانُونَ. وَمَحَلُّ بَسْطِ الِاسْتِدْلَالِ لِمَذْهَبِنَا كُتُبُ أَصْحَابِنَا وَقَدْ وَفَّى بِمَا فِيهَا النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ وَزَادَ عَلَيْهِ فَجَزَاهُ اللَّهُ عَنْ الْمَذْهَبِ وَأَهْلِهِ خَيْرَ الْجَزَاءِ وَأَكْمَلَهُ وَأَتَمَّهُ وَأَعَمَّهُ. ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ صَرَّحَ بِمَا ذَكَرْته مِنْ الِاعْتِدَادِ. بِسَمَاعِ مَنْ بِالْخَلَاءِ وَنَحْوِهِ فَقَالَ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فَائِدَةً أَغْرَبَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ أَنْ يَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ وَسَتْرٍ حَالَ الْخُطْبَةِ كَالْخَطِيبِ وَكَلَامُ الْإِمَام يُفْهِمُ جَرَيَانَ الْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ فِيهِمْ قَالَ صَاحِبُ التَّنْجِيزِ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ وَالْمَشْهُورُ خِلَافُهُ. قُلْت كَلَامُ الْجَمَاعَة سَاكِتٌ عَنْهُ وَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهِمْ مِنْ الْكَمَالِ مَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الْإِمَامِ أَوْ بِأَنَّ عَدَمَ ذَلِكَ قَدْ يُفْضِي إلَى عَدَمِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ وَعِلَّةُ تَوْجِيهِهِ مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْإِمَامِ مِنْ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ فِيهِمْ تُرَدُّ بِأَنَّهُمْ لَيْسُوا كَالْإِمَامِ لِلْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ مِنْ الْكَمَالِ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِمْ إلَّا إنْ كَانَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ دُونَ مَا إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَيْهِمْ وَكَوْنُ عَدَمِ ذَلِكَ قَدْ يُفْضِي إلَى عَدَمِ الْمُوَالَاةِ لَا يُؤَثِّرُ كَمَا لَا يَخْفَى فَاتَّضَحَ مَا قَالَهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ هَذِهِ الْمَقَالَة غَرِيبَةٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ - عَنْ بَلَدٍ تُسَمَّى رَاوَانَ بِهَا ثَلَاثُ قُرًى مَفْصُولَةٍ مُخْتَصَّةٍ كُلُّ قَرْيَةٍ بِاسْمٍ وَصِفَةٍ بَيْنَ كُلِّ قَرْيَةٍ وَقَرْيَةٍ أَقَلُّ مِنْ خَمْسِينَ ذِرَاعًا مَثَلًا فَبَنَوْا مَسْجِدًا لِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِي خُطَّةِ أَبْنِيَةِ أَوْطَانِ الْمُجْمِعِينَ فَصَلَّوْا فِيهِ مُدَّةً مَدِيدَةً فَحَصَلَ بَيْنَهُمْ مُقَاتَلَةٌ فَانْفَرَدَتْ قَرْيَةٌ مِنْ الثَّلَاثِ بِجُمُعَةٍ فِي قَرْيَتِهِمْ وَأَهْلُ الْقَرْيَتَيْنِ بَنَوْا مَسْجِدًا ثَانِيًا لِجُمُعَةٍ أُخْرَى وَيَتِمُّ الْعَدَدُ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ فَهَلْ الْجُمُعَتَانِ صَحِيحَتَانِ أَوْ بَاطِلَتَانِ. فَإِنْ قُلْتُمْ بِالصِّحَّةِ لِلضَّرُورَةِ وَحَصَلَ بَيْنَهُمْ أَمَانٌ فَهَلْ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَجْتَمِعُوا لِجُمُعَةٍ وَاحِدَةٍ وَتَبْطُلُ الْأُخْرَى بِوُجُودِ الْأَمَانِ بَيْنَهُمْ لِكَوْنِ كُلٍّ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ بِاللُّزُومِ وَامْتَنَعُوا مِنْ الْحُضُورِ لِجُمُعَةٍ وَاحِدَةٍ فَهَلْ الْجُمُعَتَانِ صَحِيحَتَانِ أَوْ بَاطِلَتَانِ أَوْ إحْدَاهُمَا صَحِيحَةٌ وَالْأُخْرَى بَاطِلَةٌ فَإِذَا لَمْ تُعْلَمْ السَّابِقَةُ مِنْهُمَا فَهَلْ يَلْزَمُ كُلًّا مِنْ الْفَرِيقَيْنِ إقَامَةُ جُمُعَةٍ وَإِعَادَةُ ظُهْرٍ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ حَيْثُ كَانَتْ الْقُرَى الْمَذْكُورَةُ مُتَمَايِزًا بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ وَكَانَ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَرْبَعُونَ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ لَزِمَ أَهْلُ كُلِّ قَرْيَةٍ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي بَلَدِهِمْ وَلَمْ يَجُزْ لَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا بَلَدَهُمْ مِنْ غَيْرِ إقَامَةِ جُمُعَةٍ فِيهَا وَيَذْهَبُوا إلَى أُخْرَى فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ أَثِمُوا إثْمًا شَدِيدًا لَكِنَّ جُمُعَتَهُمْ صَحِيحَةٌ فَلَا يَلْزَمُهُمْ إعَادَةُ الظُّهْرِ وَإِذَا أَقَامَ أَهْلُ كُلِّ قَرْيَةٍ الْجُمُعَةَ فِي بَلَدِهِمْ خَرَجُوا عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ وَصَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ سَوَاءٌ الْمُتَقَدِّمَةُ وَالْمُتَأَخِّرَةُ. وَإِنَّمَا يَأْتِي التَّفْصِيلُ بَيْنَ عِلْمِ السَّابِقَةِ وَغَيْرِهَا إذَا أُقِيمَتْ جُمُعَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ فِي بَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَاحِدَةٍ مَعَ عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى التَّعَدُّدِ بِأَنْ كَانَ بَيْنَ أَبْنِيَةِ الْبَلَدِ مَسْجِدٌ أَوْ فَضَاءٌ يَسَعُ أَهْلَهَا فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ لَهُمْ تَعَدُّدُهَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَحَلٌّ يَسَعُهُمْ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُمْ التَّعَدُّدُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَإِنْ زَادَ التَّعَدُّدُ عَلَى الْحَاجَةِ فَالسَّابِقَةُ إذَا عُلِمَتْ هِيَ الصَّحِيحَة وَالْمُعْتَبَرُ فِي السَّبْقِ رَاءُ تَكْبِيرَةِ إحْرَامِ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ السَّابِقَةُ أَوْ عُلِمَتْ ثُمَّ نُسِيَتْ وَجَبَ الظُّهْرُ عَلَى الْجَمِيعِ وَإِنْ عُلِمَ وُقُوعُهُمَا مَعًا أَوْ لَمْ يُعْلَمْ سَبْقٌ وَلَا مَعِيَّةٌ أُعِيدَتْ الْجُمُعَةُ إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ وَيُنْدَبُ لَهُمْ أَنْ يُقِيمُوا الْجُمُعَةَ ثُمَّ الظُّهْرَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ عِبَارَةِ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ. وَلَوْ تَرَكَهَا أَهْلُ الْبَلَدِ وَصَلَّوْا الظُّهْرَ لَمْ يَصِحّ مَا لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ عَنْ خُطْبَتَيْنِ وَرَكْعَتَيْنِ انْتَهَتْ الْمَسْئُولُ مَعْرِفَةُ هَذَا الْقَدْرِ مِنْ الْوَقْتِ فَقَدْ لَا يَعْرِفُهُ بَعْضُ الْفُقَهَاء فَضْلًا عَنْ الْعَوَامّ فَهَلْ لَهُ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُمْ يَتْرُكُونَهَا أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَهَلْ الْمُرَادُ بِالْخُطْبَتَيْنِ الِاقْتِصَار عَلَى لَفْظِ الْأَرْكَان فَقَطْ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ وَعْظٍ يُضَافُ إلَيْهَا لِتُسَمَّى خُطْبَةً؟ (فَأَجَابَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِقَوْلِهِ

لَا يَصِحُّ الظُّهْرُ مِمَّنْ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ إلَّا بِالْيَأْسِ مِنْهَا بِأَنْ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ أَوْ يَضِيقَ الْوَقْتُ عَنْ أَقَلِّ وَاجِبٍ فِي الْخُطْبَتَيْنِ وَالرَّكْعَتَيْنِ وَيَكْفِي فِي الْوَعْظِ اتَّقُوا اللَّهَ وَمَعَ ذَلِكَ تُسَمَّى خُطْبَةً خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ السَّائِلِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ لِمَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ أَهْلَ بَلَدِهِ لَا يُقِيمُونَ الْجُمُعَةَ صَلَاةَ الظُّهْرِ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ فِي خَادِمِهِ بَعْدَ كَلَامٍ سَاقَهُ عَنْ الْإِمَامِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْإِمَامَ يُؤَخِّرُهَا أَيْ: الْجُمُعَةَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ بِإِخْبَارِهِ أَوْ بِجَرَيَانِ عَادَتِهِ بِذَلِكَ وَأَمْكَنَهُ الذَّهَابُ وَالْعَوْدُ وَإِدْرَاكُهُ الْإِمَامَ قَبْلَ رُكُوعِ الثَّانِيَة يَعْنِي قَبْلَ الِاعْتِدَالِ مِنْهُ جَازَ لَهُ السَّفَرُ حِينَئِذٍ فَتُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَهُوَ فَرْعٌ نَفِيسٌ اهـ فَإِذَا جُوِّزَ لَهُ السَّفَرُ أَوَّلَ وَقْتِهَا اعْتِمَادًا عَلَى غَلَبَةِ ظَنِّهِ بِتَأْخِيرِهَا بِإِخْبَارٍ أَوْ عَادَةٍ فَيُدْرِكُهَا مَعَ أَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَتَخَلَّفُ بِأَنْ يُصَلِّيَهَا أَوَّلَ الْوَقْتِ فَلَا يُدْرِكُهَا فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الظُّهْرُ فِي مَسْأَلَتِنَا أَوَّلَ الْوَقْتِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ بِإِخْبَارِ الْإِمَامِ أَوْ بِالْعَادَةِ أَنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَهَا بَلْ الْجَوَازُ فِي مَسْأَلَتِنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ الظُّهْرَ أَوَّلَ الْوَقْتِ لَا تُؤَدِّي إلَى فَوَاتِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ وَإِنْ صَلَّى الظُّهْرَ أَوَّلَهُ ثُمَّ أُقِيمَتْ الْجُمُعَةُ لَزِمَتْهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّا إنَّمَا قَنَعْنَا مِنْهُ بِالظُّهْرِ أَوَّلَهُ ظَنًّا أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُقَامُ فَإِذَا أُقِيمَتْ الْجُمُعَةُ بَانَ خِلَافُ ذَلِكَ الظَّنِّ وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهَا فَلَزِمَهُ إقَامَتُهَا مَعَهُمْ وَأَمَّا السَّفَرَ أَوَّلَ الْوَقْتِ فَقَدْ يُؤَدِّي إلَى فَوَاتِهَا لَوْ قَدَّمُوهَا أَوَّلَهُ فَإِذَا جَوَّزُوا لَهُ السَّفَرَ مَعَ أَنَّهُ قَدْ يُفَوِّتُهَا فَلَأَنْ يَجُوزَ لَهُ تَقْدِيمُ الظُّهْرِ الَّذِي لَا يُفَوِّتُهَا بِالْأَوْلَى كَمَا تَقَرَّرَ. وَمَا ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ بَحْثًا سَبَقَهُ إلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ فَإِنَّهُ لَمَّا نَقَلَ عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِحِلِّ السَّفَرِ الْعِلْمُ بِإِدْرَاكِهَا قَالَ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ وَالْمُتَّجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ اهـ. وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ مُرَادَ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِالْعِلْمِ غَلَبَةُ الظَّنِّ نَظِيرُ مَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِقَوْلِهِمْ يَقْضِي الْقَاضِي بِعِلْمِهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُ الْبَيْضَاوِيِّ فَإِنْ ظَنَّ كُلٌّ أَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَى الْمَيِّتِ لَزِمَتْهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّهَا فُعِلَتْ سَقَطَتْ فَتَعْبِيرُ الرَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ بِالْعِلْمِ مُرَادُهُ بِهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ كَمَا بَيَّنَتْهُ عِبَارَةُ الْبَيْضَاوِيِّ الْمَذْكُورَةُ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُهُمْ يَجُوزُ الْأَكْلُ وَغَيْرُهُ مِنْ مَالِ الصَّدِيقِ إنْ عُلِمَ رِضَاهُ ثُمَّ بَيَّنُوا أَنَّ الظَّنَّ هُنَا كَافٍ فَعُلِمَ أَنَّهُمْ كَثِيرًا مَا يُطْلِقُونَ الْعِلْمَ وَيُرِيدُونَ غَلَبَةَ الظَّنِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ لِلْمُعَلِّمِينَ فِي تَرْكِ التَّعْلِيم يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَثَرٌ؟ (فَأَجَابَ) أَطَالَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ حِكْمَةُ تَرْكِ التَّعْلِيم وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَشْغَالِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ يَوْمُ عِيدِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا وَرَدَ وَيَوْمُ الْعِيدِ لَا يُنَاسِبُهُ أَنْ يُفْعَلَ فِيهِ الْأَشْغَالُ وَأَيْضًا فَالنَّاسُ مَأْمُورُونَ فِيهِ بِالتَّبْكِيرِ إلَى الْمَسْجِدِ مَعَ التَّهَيُّؤِ قَبْلَهُ بِالْغُسْلِ وَالتَّنْظِيفِ بِإِزَالَةِ الْأَوْسَاخِ وَجَمِيعِ مَا يُزَالُ لِلْفِطْرَةِ كَحَلْقِ الرَّأْسِ لِمَنْ اعْتَادَهُ وَشَقَّ عَلَيْهِ بَقَاءُ الشَّعْرِ فَإِنَّ الْحَلْقَ حِينَئِذٍ سُنَّةٌ وَكَنَتْفِ الْإِبْطِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ وَقَصِّ الْأَظْفَارِ وَالتَّكَحُّلِ وَالتَّطَيُّبِ بِشَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الطِّيبِ وَأَفْضَلُهُ الْمِسْكُ مَعَ مَاءِ الْوَرْدِ وَلَا أَشُكُّ أَنَّ مَنْ خُوطِبَ بِفِعْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا مَعَ التَّبْكِيرِ بَعْدَهَا. لَا يُنَاسِبُهُ شُغْلٌ فَكَانَ ذَلِكَ هُوَ حِكْمَةُ تَرْكِ سَائِرِ الْأَشْغَالِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ هَذَا فِيمَا قَبْلَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَأَمَّا بَعْدَهَا فَالنَّاسُ مُخَاطَبُونَ بِدَوَامِ الْجُلُوسِ فِي الْمَسَاجِدِ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ لِمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْفَضْلِ الْعَظِيمِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ لَمْ يَبْقَ مَجَالٌ لِلشُّغْلِ عَلَى أَنَّ النَّاسَ مَأْمُورُونَ بِالِاجْتِهَادِ فِي الدُّعَاءِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إلَى غُرُوبِ شَمْسِهِ لَعَلَّ أَنْ يُصَادِفُوا سَاعَةَ الْإِجَابَةِ فَاتَّضَحَ وَجْهُ تَرْكِ الشُّغْلِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ جَمِيعِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ إذَا كَانَ فِي بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَرْبَعُونَ غَالِبُهُمْ أُمِّيُّونَ. وَنَحْوُ ثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ قُرَّاء فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ أَوْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ بِالْوُجُوبِ فَذَاكَ وَإِنْ قُلْتُمْ بِخِلَافِهِ وَسَمِعُوا النِّدَاءَ فِي بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ وَكَانَ بَيْنَهُمْ مُقَاتَلَةٌ فَهَلْ هُوَ عُذْرٌ فِي تَرْكِهَا أَوْ لَا وَهَلْ إذَا أَقَامُوهَا فِي بَلْدَتِهِمْ وَصَلَّوْا بَعْدَهَا ظُهْرًا أَجْزَأَهُمْ ذَلِكَ أَوْ التَّرْكُ لِهَذِهِ الْأُمُورِ أَوْلَى بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُرَادُ بِالْأُمِّيِّ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاء مَنْ لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ بِأَنْ يُخِلّ بِحَرْفٍ أَوْ تَشْدِيدَةٍ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْعَامِّيَّ إذْ هُوَ كَغَيْرِهِ حَتَّى فِي الْجُمُعَةِ، حَتَّى لَوْ كَانَ إمَامُهَا عَامِّيًّا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ

وَالصَّلَاةَ صَحَّتْ وَإِنْ كَانَ وَرَاءَهُ عُلَمَاءُ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَإِذَا كَانَ فِي بَلَدٍ أَرْبَعُونَ أُمِّيًّا فَقَطْ وَاتَّفَقُوا أُمِّيَّةً قَالَ الْبَغَوِيّ فَيَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُمْ الْجُمُعَةُ لِصِحَّةِ اقْتِدَاءِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ قَالَ فَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْأَرْبَعِينَ أُمِّيًّا وَبَعْضُهُمْ قَارِئًا أَيْ: كَمَا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ لَمْ تَصِحّ الْجُمُعَةُ لِارْتِبَاطِ صَلَاةِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ فَأَشْبَهَ اقْتِدَاءَ قَارِئٍ بِأُمِّيٍّ وَكَذَا إذَا اخْتَلَفُوا أُمِّيَّةً كَأَنْ أَحْسَنَ بَعْضُهُمْ مِنْ الْفَاتِحَةِ مَا لَا يُحْسِنُهُ الْآخَرُونَ اهـ وَأَقَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَحَلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ بَعْضُهُمْ أُمِّيًّا إذَا قَصَّرَ الْأُمِّيُّ فِي التَّعَلُّم وَإِلَّا فَتَصِحُّ الْجُمُعَةُ إذَا كَانَ الْإِمَامُ قَارِئًا. وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الصُّورَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي السُّؤَالِ فِيهَا تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّ الْأُمِّيِّينَ إنْ قَصَّرُوا أَوْ قَصَّرَ بَعْضُهُمْ فِي التَّعَلُّم لَمْ تَصِحّ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا صَحَّتْ فَيَلْزَمُهُمْ إقَامَتُهَا وَإِذَا لَمْ تَصِحّ فَيَلْزَمُ مَنْ قَصَّرَ فِي التَّعَلُّم التَّعَلُّمُ حَتَّى تَصِحّ الْجُمُعَةُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ جَهِلُوا كُلُّهُمْ الْخُطْبَةَ لَمْ تَجُزْ الْجُمُعَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا جَهِلَهَا بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّهَا تُشْرَطُ لِصِحَّتِهَا وَمُرَادُهُ بِجَوَازِهَا فِي الشِّقِّ الثَّانِي مَا يَصْدُقُ بِالْوُجُوبِ فَإِنَّهُ إذَا عَرَفَهَا وَاحِدٌ مِنْ الْأُمِّيِّينَ الْمُسْتَوِينَ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ كَمَا مَرَّ عَنْهُ وَحَيْثُ لَمْ تَلْزَمْهُمْ الْجُمُعَةُ وَسَمِعُوا النِّدَاءَ بِشَرْطِهِ مِنْ بَلَدِ الْجُمُعَةِ وَلَمْ يَخْشَوْا مِنْ الذَّهَابِ إلَيْهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ. وَلَا مَالِهِمْ لَزِمَهُمْ الذَّهَابُ إلَيْهِمْ وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ مَعَهُمْ وَإِلَّا أَثِمُوا وَإِنْ أَجْزَأَتْهُمْ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَأَمَّا صَلَاةُ الْجُمُعَةِ إذَا فُقِدَ شَرْطُهَا فَلَا تَجُوزُ وَلَا تُجْزِئُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَوْلِهِمْ وَلَا يَسْتَخْلِفُ فِي الْجُمُعَةِ إلَّا مُقْتَدِيًا بِهِ قَبْلَ حَدَثِهِ فَهَلْ فِي عِبَارَتهمْ مَا يُفْهِمُ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا تَذَكَّرَ حَدَثَهُ قَبْلَ دُخُولِ الصَّلَاةِ لَا يُمْكِنُ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ أَحَدًا مِنْ الْمَأْمُومِينَ؛ لِأَنَّهُمْ اقْتَدَوْا بِالْإِمَامِ بَعْدَ الْحَدَثِ أَمْ لَا يُفْهَمُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَة ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِقَوْلِهِ إنَّ فِي عِبَارَتهمْ مَا يُفْهِمُ جَوَازَ الِاسْتِخْلَافِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَّلُوا امْتِنَاعه بِمَنْ لَمْ يَقْتَدِ بِهِ قَبْلَ حَدَثِهِ بِأَنَّ فِيهِ إنْشَاءَ جُمُعَةٍ بَعْدَ أُخْرَى أَوْ فِعْلَ الظُّهْرِ قَبْلَ فَوْتِ الْجُمُعَةِ وَكِلَاهُمَا مُمْتَنِعٌ وَإِنَّمَا يَتَأَتَّى هَذَا التَّعْلِيل فِيمَنْ ابْتَدَأَ الدُّخُولَ فِي الْجَمَاعَة بَعْدَ عِلْمِهِ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى ابْتِدَائِهِ الْجَمَاعَة حِينَئِذٍ أَحَدُ ذَيْنِك الشَّيْئَيْنِ الْمُمْتَنِعَيْنِ وَأَمَّا مَنْ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ الزَّائِدِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ الْمُحْدِثِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَجُمُعَتُهُ خَلْفَهُ صَحِيحَةٌ إذْ الصَّلَاةُ خَلْفَ الْمُحْدِثِ صَحِيحَةٌ مُحَصِّلَةٌ لِلْجَمَاعَةِ فِي الْجُمُعَةِ بِشَرْطِهَا وَفِي غَيْرِهَا وَيَتَرَتَّب عَلَيْهَا سَائِرُ أَحْكَامِ الْجَمَاعَة كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. وَإِذَا صَحَّتْ جُمُعَتُهُ فِي صُورَتِنَا قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ لَمْ يَلْزَمْ عَلَى اسْتِخْلَافِهِ إنْشَاءُ جُمُعَةٍ بَعْدَ أُخْرَى وَلَا فِعْلُ الظُّهْرِ قَبْلَ فَوْتِ الْجُمُعَةِ فَلَا مُقْتَضَى حِينَئِذٍ لِامْتِنَاعِ اسْتِخْلَافِهِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَانِعَ لَهُ هُوَ مَا يَلْزَمُ مِنْ ذَيْنِك الْأَمْرَيْنِ وَهُنَا لَا يَلْزَمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرْته عَنْهُمْ مِنْ أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْمُحْدِثِ صَحِيحَةٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا سَائِرُ أَحْكَامِ الْجَمَاعَة بِشَرْطِهَا وَفِي غَيْرِهَا صَرِيحٌ فِي الْجَوَازِ فِي مَسْأَلَتِنَا إذْ مِنْ أَحْكَامِ الْجَمَاعَة جَوَازُ اسْتِخْلَاف أَحَدِ الْمَأْمُومِينَ الَّذِينَ صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ وَجَمَاعَتُهُمْ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَهَذَا هُوَ عَيْنُ مَسْأَلَتِنَا فَتَكُونُ بِهَذَا التَّقْرِير دَاخِلَةً فِي عِبَارَتهمْ. وَوَجْهُهَا ظَاهِرٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْته أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ عَلَى الِاسْتِخْلَافِ مِنْ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ وَلَا عَلَى تَقَدُّمِهِ بِنَفْسِهِ مَحْذُورٌ فَلَا يَتَّضِحُ لِامْتِنَاعِ ذَلِكَ هُنَا وَجْهٌ حَتَّى يُقَالَ بِهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَوْلِهِمْ شَرْطُ الْجُمُعَةِ الْجَمَاعَة إلَّا فِي الثَّانِيَة فَيَجُوزُ لِلْمَأْمُومِينَ أَنْ يُتِمّ كُلٌّ جُمُعَتَهُ فُرَادَى فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَة فَإِذَا جَاءَ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ الرَّكْعَةَ الْأُولَى فَهَلْ لَهُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِإِمَامِ الْجُمُعَةِ أَوْ لَهُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِأَيِّ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمَأْمُومِينَ فَإِذَا قُلْتُمْ نَعَمْ فَذَاكَ فَكَيْفَ يُحْرِمُ مَنْ جَاءَ فَإِنْ قُلْتُمْ يُحْرِمُ بِالظُّهْرِ فَكَيْفَ تَصِحُّ ظُهْرُهُ قَبْلَ الْيَأْسِ مِنْ الْجُمُعَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَنْبَنِي عَلَى مُقَدَّمَةٍ وَهِيَ أَنَّ صَاحِبَ الْبَيَانِ نَقَلَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَأَقَرَّهُ أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى بِإِمَامِ الْمَسْبُوقِينَ الَّذِي مِنْهُمْ شَخْصٌ لَيْسَ مِنْهُمْ وَصَلَّى مَعَهُمْ رَكْعَةً وَسَلَّمُوا فَلَهُ أَنْ يُتِمّهَا جُمُعَةً؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ اسْتَفْتَحَ الْجُمُعَةَ فَهُوَ تَابِعٌ لِلْإِمَامِ وَالْإِمَامُ مُسْتَدِيمٌ لَا مُسْتَفْتِحٌ وَاعْتَمَدَ ذَلِكَ جَمْعٌ يَمَنِيُّونَ وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ مِمَّنْ شَرَحَ الْإِرْشَادَ فِيمَا وَقَعَ لِشَيْخِنَا زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ -

فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ لَكِنْ فِي هَذَا التَّنْظِير نَظَرٌ فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْأَصْحَاب امْتِنَاعُ ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ جَزَمْت بِهِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا إشْكَالَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ أَنَّ الدَّاخِلَ يَلْزَمُهُ الِاقْتِدَاءَ بِوَاحِدٍ مِنْ الْمَأْمُومِينَ وَيُتِمُّهَا جُمُعَةً إنْ أَدْرَكَ مَعَهُ رُكُوعَ الثَّانِيَة؛ لِأَنَّهُمْ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ صُورَةِ صَاحِبِ الْبَيَانِ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ صَحِيحَةٌ لِكُلٍّ مِنْ هَؤُلَاءِ بِلَا نِزَاعٍ بِخِلَافِ أُولَئِكَ فَإِذَا كَانَ الْمُقْتَدِي ثَمَّ مُحَصِّلًا لِلْجُمُعَةِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِإِمَامِهِ وَإِمَامُهُ مُسْتَدِيمٌ لَا مُسْتَفْتِحٌ فَكَذَا الْمُقْتَدِي بِوَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِإِمَامِهِ وَإِمَامُهُ مُسْتَدِيمٌ لَا مُسْتَفْتِحٌ. فَإِنْ قُلْت قِيَاسُ تِلْكَ وُجُوبُ الِاقْتِدَاءِ هُنَا بِالْإِمَامِ قُلْت لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ إنَّمَا وَجَبَ الِاقْتِدَاءُ بِالْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْبَقِيَّةَ مُؤْتَمُّونَ بِهِ فَلَمْ يُمْكِنْ الِاقْتِدَاءُ بِغَيْرِهِ وَأَمَّا هُنَا فَكُلٌّ مِنْهُمْ مُنْفَرِدٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ فَاسْتَوَى الْإِمَامُ مَعَ غَيْرِهِ فَجَازَ لِلدَّاخِلِ الِاقْتِدَاءُ بِمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُمْ لَوْ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ مُقْتَدِيًا بِهِ فِي الثَّانِيَة أَتَمَّ الْخَلِيفَة ظُهْرًا بِخِلَافِ مَنْ جَاءَ وَاقْتَدَى بِهَذَا الْخَلِيفَة فَإِنَّهُ يُتِمُّ جُمُعَةً وَالْفَرْقُ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّ الْخَلِيفَة لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً مَعَ إمَامٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ فَلِهَذَا لَمْ نَجْعَلْهُ مُدْرِكًا لَهَا وَأَمَّا الْمُقْتَدِي بِهِ فَقَدْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مَعَ خَلِيفَةِ الْإِمَامِ فَحُكْمُ صَلَاتِهِ حُكْمُ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ فَلِهَذَا أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ يَجْرِي عَلَى تَرْتِيبِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَكَأَنَّهُ هُوَ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِي اهـ. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْمَسْبُوقَ لَوْ اقْتَدَى بِالْخَلِيفَةِ بَعْدَ سَلَامِ الْقَوْمِ وَأَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً أَدْرَكَ بِهَا الْجُمُعَةَ أَيْضًا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ حَالٌّ مَحَلَّ الْإِمَامِ وَإِنْ لَزِمَهُ هُوَ الظُّهْرُ. وَكَلَامُ الْبَغَوِيِّ فِي التَّهْذِيبِ مُصَرِّحٌ بِذَلِكَ عَنْهُمْ حَيْثُ قَالَ وَعِنْدِي إنَّمَا يُصَلِّي الْمَسْبُوقُ الْجُمُعَةَ إذَا أَدْرَكَ الْخَلِيفَةَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَأَمَّا إذَا أَدْرَكَهُ فِي الثَّانِيَة فَلَا يُصَلِّي الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّهَا قَدْ فَاتَتْ حِينَ تَمَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ اهـ. فَهَذَا اخْتِيَارٌ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ كَلَامِ الْأَصْحَاب فَفِيهِ تَصْرِيحٌ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِأَنَّهُ يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ سَوَاءٌ أَدْرَكَهُ فِي الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الْخَلِيفَة أَمْ فِي الثَّانِيَة الَّتِي هِيَ بَعْدَ سَلَامِ الْقَوْمِ وَكَلَامُ الْقَاضِي السَّابِقُ يُفْهِمُهُ كَمَا عَلِمْت فَإِذَا صَحَّتْ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ لِمَسْبُوقٍ أَدْرَكَ الْخَلِيفَة بَعْدَ تَمَامِ صَلَاةِ الْقَوْمِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ يُرَاعَى نَظْمُ صَلَاةِ الْإِمَامِ الَّتِي انْقَضَتْ فَبِالْأَوْلَى أَنْ تَحْصُلَ لَهُ الْجُمُعَةُ فِي مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الْقَوْمِ لَمْ تَنْقَضِ وَكُلٌّ مِنْهُمْ مُرَاعٍ لِنَظْمِ صَلَاةِ الْإِمَامِ مَعَ مَا بَيْنَهُمْ مِنْ تَمَامِ الرَّابِطَةِ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ. وَمِنْ ثَمَّ لَوْ كَانُوا أَرْبَعِينَ فَقَطْ وَبَطَلَتْ صَلَاةُ وَاحِدٍ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ أَيْ: جُمُعَتُهُمْ لِفَقْدِ الْعَدَدِ الْمُشْتَرَطِ مِنْ أَوَّلِ الْجُمُعَةِ إلَى آخِرهَا وَبِهَذَا يَتَّضِحُ لَك أَنَّهُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ يَقْتَدِي بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ وَيُصَلِّي الْجُمُعَةَ وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِمَا مَرَّ أَوَّلًا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَمَنْ تَبِعَهُ؛ لِأَنَّا وَإِنْ قُلْنَا ثَمَّ بِامْتِنَاعِ الِاقْتِدَاءِ نَحْنُ قَائِلُونَ بِإِدْرَاكِ الْجُمُعَةِ بِمَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيِّ وَيَلْزَمُ مِنْ إدْرَاكِهَا هُنَا إدْرَاكُهَا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ كَمَا تَقَرَّرَ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ بَانَ حَدَثُ الْأَرْبَعِينَ صَحَّتْ لِلْإِمَامِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِي لِلْإِرْشَادِ وَالْعُبَابِ رَادًّا عَلَى مَنْ نَازَعَ فِيهِ وَلِلْمُتَطَهِّرِ أَنْ يَأْتَمّ بِالْإِمَامِ. وَتَحْصُلُ لَهُ الْجُمُعَةُ خَلْفَهُ تَبَعًا لَهُ وَإِنْ فَاتَ الْعَدَدُ؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَ فَوَاتِهِ لِمَعْنًى يَخْتَصُّ بِالْإِمَامِ فَبَقِيَتْ لَهُ الْجُمُعَةُ. وَيَلْزَمُ مِنْ بَقَائِهَا لَهُ بَقَاؤُهَا لِمَنْ يَقْتَدِي بِهِ فَإِذَا نَوَاهَا الْمُتَطَهِّرُ وَحَصَلَتْ لَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَفِي صُورَةِ السُّؤَالِ أَوْلَى كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّ هَذَا كَافٍ فِي الدَّلَالَة لِمَا قُلْنَاهُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ وَإِنْ قُلْنَا بِمَا مَرَّ مِنْ اخْتِيَارِ الْبَغَوِيِّ فَنَتَجَ أَنَّا إنْ قُلْنَا بِمَا مَرَّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَمُوَافِقِيهِ أَوْ بِمَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ فَوَاضِحٌ وَإِنْ قُلْنَا بِمُقَابِلِهِمَا فَهَذَا الَّذِي اعْتَمَدَهُ الشَّيْخَانِ. كَافٍ فِي الدَّلَالَة لِمَا قُلْنَاهُ ثُمَّ عَلَى فَرْضِ عَدَمِ إدْرَاكِهَا الْوَجْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْتَدِي بِأَحَدِهِمْ وَيَنْوِي الظُّهْرَ؛ لِأَنَّ فِيهِ فِعْلَ الظُّهْرِ قَبْلَ الْيَأْسِ مِنْ الْجُمُعَةِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَلَا يَأْسَ هُنَا لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ صَلَاةِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعِينَ بُطْلَانُ صَلَاةِ الْكُلِّ أَيْ: جُمُعَتِهِمْ وَبِفَرْضِ أَنَّهُمْ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِينَ يُحْتَمَلُ بُطْلَانُ صَلَاةِ الْجَمِيعِ فَتُسْتَأْنَفُ الْجُمُعَة فَلَمْ يَحْصُلْ الْيَأْسُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالسَّلَامِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ اسْتَشْكَلُوا مَا مَرَّ فِي خَلِيفَةِ الثَّانِيَة إذَا لَمْ يُدْرِكْ الْأُولَى بِأَنَّ فِيهِ فِعْلَ الظُّهْرِ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ وَهُوَ

لَا يَجُوزُ وَغَايَةُ مَا تَمَحَّلُوا لَهُ أَنَّهُ عُذِرَ بِتَقْدِيمِ الْإِمَامِ لَهُ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ حُرْمَةُ تَقَدُّمِهِ بِنَفْسِهِ وَعَدَمُ انْعِقَادِ ظُهْرِهِ وَإِطْلَاقُهُمْ يَأْبَاهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّقَدُّمَ مَطْلُوبٌ فِي الْجُمْلَةِ فَهَذَا كُلُّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّا إذَا لَمْ نُجَوِّزْ لِلدَّاخِلِ الْجُمُعَةَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ حَرُمَ عَلَيْهِ الِاقْتِدَاءُ بِأَحَدِهِمْ بِنِيَّةِ الظُّهْرِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى تَفُوتَ الْجُمُعَةُ وَلَا يُمْكِنُ هُنَا أَنْ يُقَالَ يَقْتَدِي بِأَحَدِهِمْ بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ كَمَا قَالُوهُ فِيمَنْ دَخَلَ وَالْإِمَامُ فِي التَّشَهُّدِ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ ثَمَّ يُمْكِنُ إدْرَاكُهَا بِتَقْدِيرِ تَذَكُّرِ الْإِمَامِ رُكْنًا فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ مَعَهُ وَهُنَا لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فَكَانَتْ نِيَّةُ الْجُمُعَةِ عَبَثًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاته عَمَّا إذَا كَانَ فِي بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَرْبَعُونَ رَجُلًا أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَأَرَادُوا إقَامَةَ جُمُعَةٍ وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَعْلَمُ شُرُوطَ الصَّلَاةِ وَأَرْكَانَهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا فَهَلْ تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ وَيَتِمُّ الْعَدَدُ بِهِمْ أَوْ لَا وَهَلْ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ وَمَعَهُمْ أَوْ تَرْكُهُ أَوْلَى وَهَلْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ أَوْ إثْمٌ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَيْثُ أَتَى الْعَامِّيُّ بِالشُّرُوطِ وَالْأَرْكَانِ عَلَى وَجْهِهَا الشَّرْعِيّ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الرُّكْنَ مِنْ الشَّرْطِ وَلَا الْفَرْضَ مِنْ السُّنَّةِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِفَرْضٍ مُعَيَّنٍ النَّفْلِيَّةَ إذَا عُرِفَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْأَرْبَعِينَ الْمَذْكُورِينَ إذَا كَانُوا كَذَلِكَ تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ. وَيُصَلِّي بِهِمْ وَمَعَهُمْ الْعَالِمُ وَغَيْرُهُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا إثْمَ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ بِأَنْ عُلِمَ أَنَّهُمْ يَتْرُكُونَ بَعْضَ الْأَرْكَان أَوْ الشُّرُوطِ أَوْ يَأْتُونَ بِهَا لَا عَلَى وَجْهِهَا الشَّرْعِيّ أَوْ أَنَّهُمْ يَقْصِدُونَ بِفَرْضِ رُكْنٍ أَوْ شَرْطٍ النَّفْلِيَّةَ لَمْ يَصِحّ مِنْهُمْ جُمُعَةٌ وَلَا غَيْرُهَا فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ وَلَا مَعَهُمْ بَلْ يَجِبُ عَلَى مَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ مَا يُصَحِّحُونَ بِهِ صَلَاتَهُمْ وَيَلْزَمُهُمْ الْمُبَادَرَةُ بِالتَّعَلُّمِ وَبَذْلِ أُجْرَةٍ لِمَنْ يُعَلِّمُهُمْ وَمَتَى تَرَكُوا ذَلِكَ أَثِمُوا وَفَسَقُوا وَلَزِمَهُمْ قَضَاءُ جَمِيعِ الصَّلَوَات الَّتِي صَلَّوْهَا بَعْدَ إمْكَانِ التَّعَلُّم وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ تَحْرُمُ الصَّلَاةُ وَالْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي مَكَّة وَهَلْ الطَّوَافُ وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ كَالصَّلَاةِ وَهَلْ يَحْرُمُ اسْتِدَامَةُ الصَّلَاةِ كَابْتِدَائِهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ تَحْرُمُ الصَّلَاةُ وَالْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي مَكَّة كَمَا هُوَ وَاضِحٌ وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ هَذَا عَلَى الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ لِوُرُودِ النَّصِّ ثَمَّ وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي حُرِّمَتْ الصَّلَاةُ لِأَجْلِهَا هُنَا مِنْ إشْعَارِ الصَّلَاةِ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الْخَطِيبِ مَوْجُودَةٌ فِي مَكَّة وَغَيْرِهَا وَعِلَّةُ النَّهْيِ إمَّا غَيْرُ مَعْقُولَةِ الْمَعْنَى فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ أَوْ مَعْقُولَته فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَوْجُودَةً هُنَا وَالْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ هُنَا غَيْرُ مَوْجُودَةٍ ثَمَّ فَبَطَلَ الْقِيَاسُ أَيْضًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الطَّوَافَ لَيْسَ كَالصَّلَاةِ. وَعَلَيْهِ تَدُلُّ الْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ وَالِاسْتِمَاعَ لَا يُنَافِيه بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَالْأَشْعَارُ فِيهَا أَقْوَى وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ يُحْتَمَلُ حُرْمَتُهَا إلْحَاقًا لَهَا بِالصَّلَاةِ كَمَا أَلْحَقُوهَا بِهَا فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ حُرْمَتِهَا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ أَنَّهَا فِي مَعْنَى الصَّلَاةِ وَلَيْسَتْ بِصَلَاةٍ وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَلْحَقُوهَا بِهَا ثَمَّ فَهُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذَا أَضْيَقُ إذْ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ مَا لَهَا سَبَبٌ وَغَيْرِهَا حَتَّى الْفَائِتَة الْفَوْرِيَّةِ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ هُنَا خِلَافًا لِمَنْ اعْتَمَدَ خِلَافَهُ وَظَاهِرُ تَعْبِيرهمْ بِتَحْرِيمِ ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ عَدَمُ حُرْمَةِ الِاسْتِدَامَةِ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَنَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ. قَالَ وَخَرَجَ بِابْتِدَائِهِ دَوَامُهُ نَعَمْ يَحْرُمُ التَّطْوِيلُ اهـ. وَإِنَّمَا حُرِّمَ التَّطْوِيلُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ فِي نَحْوِ التَّحِيَّةِ أَنْ تَكُونَ مُخَفَّفَةً بِأَنْ يُقْتَصَرَ عَلَى قَدْرِ الْوَاجِبِ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ هَلْ يَحْرُمُ أَكْلُ نَحْوِ الْبَصَلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِقَصْدِ إسْقَاطِهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَحْرُمُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْعِمَادِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ سَافَرَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَفَارَقَ مَا لَوْ سَافَرَ بِقَصْدِ الْقَصْرِ أَوْ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ فِي السَّفَرِ بِشَرْطِهِ وَقَدْ وُجِدَ بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّ إسْقَاطَهُ لِلْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ لَيْسَ مِنْ بَابِ الرُّخَصِ وَإِنْ عَبَّرَ بِهِ جَمَاعَةٌ بَلْ أَكْلُهُ جِنَايَةٌ أَوْجَبَتْ لِفَاعِلِهَا الْبُعْدَ عَنْ الْمَسْجِدِ لِتَأَذِّي الْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ بِرِيحِهِ فَالْإِسْقَاطُ لَيْسَ رِفْقًا بِهِ بَلْ بِغَيْرِهِ هَكَذَا فَرَّقَ بِهِ ابْنُ الْعِمَادِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْقَصْرَ وَالْفِطْرَ فِيهِمَا إسْقَاطُ صِفَةٍ أَوْ شَيْءٍ إلَى بَدَلٍ وَهُنَا فِيهِ إسْقَاطٌ لَا إلَى بَدَلٍ بِالْكُلِّيَّةِ أَمَّا الْجَمَاعَة فَوَاضِحٌ وَأَمَّا الْجُمُعَةُ فَلَيْسَ الظُّهْرُ بَدَلًا عَنْهَا بِخِلَافِهِ ثَمَّ وَأَيْضًا فَالْقَصْرُ وَالْفِطْرُ قَدْ يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَطْلُوبًا بَلْ

أَفْضَلُ فَلَمْ يَضُرّ قَصْدُهُمَا بِخِلَافِ أَكْلِ نَحْوِ الْبَصَلِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَطْلُوبٍ بَلْ مَكْرُوهٌ فَضُيِّقَ فِيهِ مَا لَمْ يُضَيَّقْ فِي غَيْرِهِ وَأَيْضًا فَذَاكَ فِيهِ قَصْدُ تَرَخُّصٍ لَكِنْ بَعْدَ مُقَاسَاةِ مَشَقَّةِ السَّفَرِ وَشَدَائِدِهِ فَلَمْ يُنْظَرْ لِلْقَصْرِ مَعَ ذَلِكَ الْقَصْدِ وَهُنَا فِيهِ قَصْدُ إسْقَاطِ شَيْءٍ بِلَا مَشَقَّةٍ أَلْبَتَّةَ بَلْ لِغَرَضِ النَّفْسِ الْمَحْضِ فَحَرُمَ وَمِثْلُ أَكْلِ ذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ تَعَاطِي سَائِرِ الْأَسْبَاب الْمُسْقِطَةِ لِلْجُمُعَةِ بِنِيَّةٍ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا ضَرُورَةٍ وَحَيْثُ حَرُمَ عَلَيْهِ أَكْلُ مَا ذُكِرَ ثُمَّ أَمْكَنَهُ إزَالَةُ رِيحِهِ وَجَبَتْ خُرُوجًا عَنْ الْمَعْصِيَةِ. (وَسُئِلَ) الْمَجْذُومُ وَالْأَبْرَصُ وَذُو الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَة هَلْ تَسْقُطُ عَنْهُ الْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَةُ وَيُمْنَعُ مِنْ شُهُودِهِمَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَقَلَ ابْنُ الْعِمَادِ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ أَنَّ الْأَبْخَرَ وَمَنْ بِهِ صُنَانٌ مُسْتَحْكِمٌ كَمَنْ أَكَلَ نَحْوَ الثُّومِ بَلْ أَفْحَشَ قَالَ وَمَنْ رَائِحَةُ ثِيَابِهِ كَرِيهَةٌ كَذَلِكَ وَعَنْ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ مَنْ اُبْتُلِيَ بِجُذَامٍ أَوْ بَرَصٍ وَهُوَ مِنْ سُكَّانِ الْمَدَارِسِ وَالرِّبَاطَاتِ أُزْعِجَ وَأُخْرِجَ لِحَدِيثِ «فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الْأَسَدِ» «وَأَتَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَجْذُومٌ لِيُبَايِعَهُ فَقَالَ أَمْسِكْ يَدَك فَقَدْ بَايَعْتُك» وَوَرَدَ أَنَّهُ أَكَلَ مَعَهُ. وَلَعَلَّهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَيُمْنَعُ مَنْ بِهِ ذَلِكَ مِنْ شُهُودِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَمِنْ الشُّرْبِ مِنْ السِّقَايَاتِ الْمُسَبَّلَةِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ وَحْدَهُ خَلْفَ الصُّفُوفِ وَلِلْغَيْرِ مَنْعُهُ مِنْ الْوُقُوفِ مَعَهُ. (مَسْأَلَة) هَلْ وَرَدَ قِرَاءَةُ الضُّحَى وَأَلَمْ نَشْرَحْ فِي الْجُمُعَةِ (الْجَوَابُ) لَمْ يُحْفَظْ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ وَلَعَلَّ مُسْتَنَدَ مَنْ يَقْرَؤُهُمَا فِيهَا قَوْلُ الْمَرْوَزِيِّ لَا أُحِبُّ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى شَيْءٍ كَأَنْ يَقْرَأَ كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ بِالْجُمُعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِئَلَّا يَعْتَقِدَ الْعَامَّةُ وُجُوبَهُ وَحَكَوْا عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ كَمَا فِي التَّوَسُّطِ. وَمَا قَالَاهُ مَفْهُومُ كَلَامِ بَقِيَّةِ الْأَصْحَاب خِلَافُهُ عَلَى أَنَّ هَذَا التَّوَهُّم يَنْتَفِي بِقِرَاءَةِ سَبِّحْ وَهَلْ أَتَاك فِي جُمُعَةٍ وَالْجُمُعَة وَالْمُنَافِقِينَ فِي أُخْرَى. (مَسْأَلَةٌ) ذَهَبَ مِنْ بَلَدِهِ لِبَلَدٍ أُخْرَى فَصَلَّى مَعَهُمْ الْجُمُعَةَ ثُمَّ رَجَعَ فَرَأَى أَهْلَ بَلَدِهِ لَمْ يُصَلُّوهَا وَالْعَدَدُ لَا يَكْمُلُ إلَّا بِهِ فَهَلْ يُعِيدُهَا مَعَهُمْ وَتَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ (الْجَوَابُ لَا خَفَاءَ أَنَّهُ إذَا أَعَادَهَا جَمَاعَةً تَكُونُ لَهُ نَفْلًا وَحِينَئِذٍ فَلَا يَتِمُّ بِهِ الْعَدَدُ فَيَمْتَنِعُ فِعْلُ الْجُمُعَةِ إلَّا إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ. (مَسْأَلَةٌ) قَرْيَةٌ بَعْضُهَا بُيُوتٌ وَبَعْضُهَا خِيَامٌ لَا يَظْعَنُونَ وَبَيْنهمَا شَارِعٌ ضَيِّقٌ وَلَا يَتِمُّ عَدَدُ الْجُمُعَةِ إلَّا بِالْفَرِيقَيْنِ فَهَلْ تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ (الْجَوَابُ) الَّذِي عَبَّرُوا بِهِ أَنَّ أَهْلَ الْخِيَامِ لَوْ لَازَمُوا الصَّحْرَاءَ أَبَدًا فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الصَّحْرَاءُ فِيهِ قَيْدًا فَحِينَئِذٍ تَلْزَمُ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ فِي السُّؤَالِ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ فَعَلَيْهِ لَا تَلْزَمُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى هَيْئَةِ الْمُسَافِرِينَ وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ لِكَلَامِهِمْ وَاسْتِدْلَالِهِمْ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَأْمُرْ الَّذِينَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ بِالْجُمُعَةِ لِذَلِكَ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَرْيَةٍ بِهَا كَثِيرُونَ يُقِيمُونَ بِهَا الْجُمُعَةَ وَشَعَائِر الْإِسْلَامِ ثُمَّ صَارُوا يَنْتَقِلُونَ صَارُوا إلَى مَزَارِعِهِمْ. حَتَّى خَلَتْ الْقَرْيَةُ وَعَطَّلُوهَا مِنْ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا فَهَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ رَدُّهُمْ إلَى قَرْيَتِهِمْ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُذْرٌ فِي الِانْتِقَالِ الْمَذْكُورِ وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ وَكُلِّ مَنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ رَدُّهُمْ إلَى قَرْيَتِهِمْ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَرْيَةٍ لَهَا سُورٌ وَلَا يَكْمُلُ الْعَدَدُ إلَّا بِمَنْ هُوَ دَاخِلُهُ وَخَارِجُهُ فَهَلْ تَلْزَمُ الْكُلَّ وَيَجُوزُ إقَامَتُهَا دَاخِلَ السُّورِ وَخَارِجَهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ النَّوَوِيِّ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِر وَكَلَامهمْ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ أَنَّهُمْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَجُوزُ لَهُمْ إقَامَتُهَا خَارِجَ السُّورِ لِجَوَازِ الْقَصْرِ بِمُجَاوَزَتِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ بُنْيَانٌ لَكِنَّ سُكْنَى بَعْضِهِمْ خَارِجَهُ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهُ مِنْ الْمُقِيمِينَ الْمُسْتَوْطِنِينَ فَيَتِمُّ الْعَدَدُ بِهِ إذَا أُقِيمَتْ دَاخِلَهُ أَمَّا إذَا كَانَ خَارِجَهُ أَرْبَعُونَ فَأَكْثَرُ وَدَاخِلُهُ كَذَلِكَ فَلِلْخَارِجِينَ عَنْهُ حَيْثُ عَسِرَ اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَكَان دَاخِلَهُ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ إقَامَتِهِمْ وَإِنْ كَانَ بِالنِّسْبَةِ لِلدَّاخِلِينَ مَحَلَّ سَفَرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (سُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا صُورَتُهُ مَا تَقُولُ السَّادَةُ الْعُلَمَاء - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي خَطِيبٍ خَطَبَ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَأَتَى بِكُلِّ الْأَرْكَان إلَّا أَنَّهُ صَلَّى عَلَى الْمُضْمَرِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَرْيًا عَلَى قَاعِدَةِ الْخُطَبَاءِ كَالْإِمَامِ ابْنِ نَبَاتَةَ وَغَيْرِهِ فَهَلْ تَصِحُّ الْخُطْبَةُ وَالصَّلَاةُ أَمْ لَا أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ مُثَابِينَ لَا عَدِمَكُمْ الْمُسْلِمُونَ؟

(فَأَجَابَ) سَيِّدُنَا وَمَوْلَانَا الْإِمَامُ عَلَمُ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَام وَمِصْبَاحُ الظَّلَامِ شِهَابُ الدِّينِ أَحْمَدُ ابْنُ الْقَاضِي أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ النَّاشِرِيُّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَنَفَعَ بِهِمْ وَأَعَادَ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِمْ بِمَا صُورَتُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْمُوَفِّقِ لِلصَّوَابِ اعْلَمْ أَنَّ الْخُطَبَ قَدْ صَنَّفَ فِيهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاء عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ وَفُحُولِهِمْ مِمَّنْ لَا يَجْهَلُ الْوَاجِبَاتِ كَالْإِمَامِ ابْنِ نَبَاتَةَ وَالْإِمَامِ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا وَلَمْ يَكُنْ فِي أَكْثَرِ خُطَبِهِمْ إلَّا الصَّلَاةَ بِالضَّمِيرِ وَخَطَبُوا بِذَلِكَ. وَخَطَبَ بِهَا غَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاء وَصَلَّى مَعَهُمْ كُلُّ مَوْجُودٍ فِي كُلِّ قُطْرٍ مِنْ الْعُلَمَاء الْمُعْتَبَرِينَ الْعَارِفِينَ بِاَللَّهِ وَبِأَحْكَامِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَزَمَانٍ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْعُلَمَاء الْمُعْتَبَرِينَ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ وَلَا قَالَ بِبُطْلَانِ الْخُطْبَةِ وَبُطْلَانِ الصَّلَاةِ بَعْدَهَا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا لَوَجَبَ عَلَى الْعُلَمَاء إنْكَارُهُ وَالرَّدُّ عَلَى قَائِلِهِ وَفَاعِلِهِ وَلَمْ يَسَعْهُمْ السُّكُوتُ عَلَى ذَلِكَ إذْ هُمْ حُجَّةُ الْأَئِمَّةِ فِي أَرْضِهِ. وَهُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَنُجُومٌ لِلِاهْتِدَاءِ وَأَئِمَّةٌ لِلِاقْتِدَاءِ وَلَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى ضَلَالَةٍ وَلَا تَأْخُذُهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ وَلَوْ رَأَوْا الصَّلَاةَ عَلَى الْمَظْهَرِ فِي الْخُطْبَةِ وَاجِبًا لَمَا جَازَ لَهُمْ الْعَمَلُ بِخِلَافِ الْوَاجِبِ وَلَمَا جَازَ لَهُمْ الْمُتَابَعَةِ كَغَيْرِهِمْ عَلَى ذَلِكَ وَهُمْ بُرَآءُ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ قِيلَ بِذَلِكَ لَمْ تَصِحّ صَلَاةُ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ يَخْطُبُ بِهَذِهِ الْخُطَبِ مِنْ ذَلِكَ الزَّمَانِ إلَى هَذَا الزَّمَانِ وَلَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا فِي هَذَا الْقَرْنِ بَعْدَ الْعِشْرِينَ وَالثَّلَاثِينَ بِسَبَبِ سُؤَالٍ أَجَابَ عَنْهُ بَعْضُ الْعُلَمَاء الْمَالِكِيَّةِ الْمُتَعَلِّقِينَ بِعِلْمِ الْأُصُولِ أَجَابَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخُطْبَةِ إلَّا عَلَى الْمُظْهَر كَالتَّشَهُّدِ. وَاحْتَجَّ بِحُجَجٍ كُلُّهَا لَا تَصِحُّ أَنْ تَكُونَ حُجَّةً لَهُ فِيمَا احْتَجَّ بِهِ عَلَيْهِ فَلَمَّا وَقَفَ عُلَمَاءُ الْفَنِّ عَلَى ذَلِكَ تَعَلَّقَ أَكْثَرُهُمْ وَعَمِلُوا بِهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ مِنْهُمْ فِي تَحْقِيقِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَا فِيمَا يَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا بَلْ قَلَّدُوا الْمُخَالِف لِمَذْهَبِهِمْ إذْ الْمَالِكِيَّةُ لَا يُوجِبُونَ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّشَهُّدِ وَيَعْتَرِضُونَ عَلَى الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي إيجَابِهِ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّشَهُّدِ فَكَيْفَ يُقَلِّدُونَهُ فِيمَا يَقْتَضِي الطَّعْنَ فِي مَذْهَبِهِمْ وَالرَّدَّ عَلَى عُلَمَائِهِمْ وَلَمْ يَبْحَثُوا عَنْ حُجَّةِ أَهْلِ مَذْهَبِهِمْ الَّتِي تَقْتَضِي الرَّدَّ عَلَى الْمُخَالِف وَالِانْتِصَارَ لِمَذْهَبِهِمْ وَالذَّبَّ عَنْ الطَّعْنِ فِي عُلَمَائِهِمْ فَلَمَّا سَكَتَ عُلَمَاءُ الْيَمَنِ عَلَى ذَلِكَ وَعَمِلَ أَكْثَرُهُمْ بِمُقْتَضَى الْفَتْوَى الْمَذْكُورَةِ ظَنَّ كَثِيرٌ مِنْ الطَّلَبَةِ وَالْعَوَامّ وُجُوبَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَخْطُبُ بِخُطَبِ الْعُلَمَاء الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَشَاعُوا فِي النَّاسِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ إعَادَةُ هَذِهِ الصَّلَاةِ ظُهْرًا وَهَذَا جَهْلٌ قَبِيحٌ وَمُنْكَرٌ صَرِيحٌ إذْ فِي ذَلِكَ إنْكَارٌ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ وَطَعْنٌ فِي أَقْوَالهمْ وَإِبْطَالُ تَصْدِيقهمْ فَلَمَّا وَرَدَ السُّؤَالُ عَنْ ذَلِكَ أُوجِبَ الْبَحْثُ وَالْفَحْصُ عَمَّا يَكُونُ بِهِ حُجَّةَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَمَا يَكُونُ بِهِ الذَّبُّ عَنْ الطَّعْنِ فِيهِمْ فَأَقُولُ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ: اعْلَمْ أَنَّ الْمُتَعَلِّقِينَ بِالْقَوْلِ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُظْهَر فِي الْخُطَبِ تَعَلَّقُوا بِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا الْقِيَاسُ عَلَى التَّشَهُّدِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْفَتْوَى الْمَذْكُورَةِ. وَالْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِقَوْلِ الْعُلَمَاء فِي كَلَامِهِمْ عَلَى أَرْكَانِ الْخُطْبَةِ فَقَالُوا مِنْهَا الْحَمْدُ لِلَّهِ وَيَتَعَيَّن لَفْظُهُ وَمِنْهَا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إبْدَالُ لَفْظِ الْحَمْدُ بِغَيْرِهِ مِثْلَ الشُّكْرِ وَالثَّنَاءِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَشْكُرُ اللَّهَ أَوْ أُثْنِي عَلَى اللَّهِ بَدَلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا يَجُوزُ إبْدَالُ لَفْظِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَفْظٍ غَيْرِ لَفْظِ الصَّلَاةِ مِثْلِ الرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ. وَلَا يَجُوزُ اللَّهُمَّ ارْحَمْ مُحَمَّدًا وَلَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِمُحَمَّدٍ أَوْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ أَوْ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ إنْ كَانَ قَدْ مَرَّ لَهُ ذِكْرٌ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ بَدَلَ لَفْظِ الصَّلَاةِ أَمَّا تَعَلُّقُهُمْ بِتَعَيُّنِ اللَّفْظِ الْوَارِدِ فِي التَّشَهُّدِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُظْهَر فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمُظْهَر فِي التَّشَهُّدِ وَرَدَ الْأَمْرُ بِهِ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالصَّلَاةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ «سُؤَالُ السَّائِلِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَّا

السَّلَامُ عَلَيْك فَقَدْ عَرَفْنَاهُ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك إذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْك فِي صَلَاتِنَا؟ قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ» إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ فَاخْتَصَّ بِالصَّلَاةِ إذْ لَا عُمُومَ وَأَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْتَضِي الْوُجُوبَ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَقَلَهُ عَنْهُ عُلَمَاءُ الْمَذْهَبِ مِنْ غَيْرِ مُعَارَضَةٍ لَهُ فِي ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخُطَبِ فَأَكْثَرُ مَا رُوِيَ فِي الْخُطَبِ الَّتِي هِيَ الْمَنْسُوبَةُ إلَى فُحُولِ الْعُلَمَاء الصَّلَاةُ بِالْمُضْمَرِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاء وَعَمِلَ أَكْثَرُ الْأَمْصَارِ فِي جَمِيعِ الْأَقْطَارِ عَلَى ذَلِكَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالْخُطْبَةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعُلَمَاء اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ آخِرَ التَّشَهُّدِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ ذَكَرُوا وُجُوبَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ التَّشَهُّدِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَذَكَرُوا أَقَلَّهُ الْمُجْزِئَ مِنْهُ وَكَانَ الصَّلَاةُ عَلَى الظَّاهِر أَوْلَى مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ غَيْرُ التَّشَهُّدِ وَلَوْ أَتَى بِالْمُضْمَرِ لَمْ يَصِحّ؛ لِأَنَّهُ عَائِدٌ إلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ؛ لِأَنَّ التَّشَهُّدَ قَدْ تَمَّ وَهَذَا كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ غَيْرُهُ بِخِلَافِ الْخُطْبَةِ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ وَاحِدٌ فَجَازَتْ الصَّلَاةُ عَلَى الْمُضْمَرِ عَائِدًا إلَى الْمُظْهَر قَبْلَهُ فَهَذَا فَرْقٌ بَيْنَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخُطْبَةِ. فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ أَنَّهُ أَيُّ لَفْظٍ أَتَى بِهِ الْخَطِيبُ مِنْ أَلْفَاظِ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجْزَأَهُ وَعَلَى هَذَا مَضَى أَهْلُ الْأَعْصَارِ فِي جَمِيعِ الْأَقْطَارِ وَهُوَ الْمَوْجُود فِي جَمِيعِ خُطَبِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ مِنْ غَيْرِ اعْتِرَاضٍ عَلَيْهِمْ مِنْ الْعُلَمَاء الْمُعْتَبَرِينَ وَلَا إنْكَارٍ وَنَقُولُ إنَّ لَفْظَ الْحَمْدِ يَتَعَيَّنُ وَلَا نَقُولُ إنَّ لِلْحَمْدِ لَفْظًا مُتَعَيَّنًا مِنْ أَلْفَاظِ الْحَمْدِ مَخْصُوصًا لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ بَلْ أَيُّ لَفْظٍ مِنْ أَلْفَاظِ الْحَمْدِ أَتَى بِهِ أَجْزَأَهُ سَوَاءٌ كَانَ اسْمًا أَوْ فِعْلًا مَاضِيًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا وَإِنَّمَا أَرَادُوا بِالتَّعْيِينِ الِاحْتِرَازِ عَنْ غَيْرِ لَفْظِ الْحَمْدِ كَالشُّكْرِ وَالثَّنَاءِ كَمَا بَيَّنَّاهُ أَوَّلًا. وَكَذَلِكَ نَقُولُ لَفْظُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَعَيَّنُ. وَلَا نَقُولُ إنَّ لِلصَّلَاةِ لَفْظًا مُتَعَيَّنًا مِنْ أَلْفَاظِ الصَّلَاةِ مَخْصُوصًا لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ بَلْ الْمُرَادُ بِتَعَيُّنِ الصَّلَاةِ الِاحْتِرَازُ عَنْ لَفْظٍ غَيْرِ لَفْظِ الصَّلَاةِ كَالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ كَمَا بَيَّنَّاهُ أَوَّلًا فَعَلَى هَذَا أَيُّ لَفْظٍ أَتَى بِهِ مِنْ أَلْفَاظِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجْزَأَهُ سَوَاءٌ كَانَ مُظْهَرًا أَوْ مُضْمَرًا إذَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُضْمَرِ وَلِأَنَّهُ إذَا صَحَّتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَظْهَرِ الَّذِي يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُوَ فَكَيْفَ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُضْمَرِ الَّذِي هُوَ أَعْرَفُ الْمَعَارِف وَلَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ غَيْرُهُ. وَتَخْصِيصه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ بِلَفْظٍ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُضْمَرِ وَكَوْنِهِ الْأَوْلَى قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ عَلِيمٍ {صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56] وَلَمْ يَقُلْ صَلُّوا عَلَى مُحَمَّدٍ وَلَا عَلَى النَّبِيِّ وَكَانَ اتِّبَاعُ الْقُرْآنِ الَّذِي نَزَلَ بِأَفْصَحِ لِسَانٍ وَأَبْلَغِ بَيَانٍ أَوْلَى وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُضْمَرِ أَوْلَى عِنْدَ تَقَدُّمِ ذِكْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةُ الْمُحَدِّثِينَ عَلَيْهِ عِنْدَ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ وَالْمُسْتَمِعِينَ لِلْحَدِيثِ. وَكَذَلِكَ جَمِيعُ رُوَاةِ الْحَدِيثِ لَا تَكُونُ صَلَاتُهُمْ جَمِيعُهُمْ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا عَلَى مُضْمَرٍ عَائِدٍ عَلَى مُظْهَرٍ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ أَفْصَحُ وَأَوْلَى مَعَ جَوَازِ الْجَمِيعِ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. وَأَجَابَ سَيِّدُنَا وَمَوْلَانَا وَقُدْوَتُنَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى بُرْهَانُ الدِّينِ أَوْحَدُ الْعُلَمَاء الْعَامِلِينَ وَبَقِيَّةُ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ مُطَيْرٌ مَتَّعَ اللَّهُ بِحَيَاتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ صِحَّةِ الْجَوَابِ وَتَقْرِيره مَنْ يُعْتَمَدُ قَوْلُهُ وَيَجُوزُ تَقْلِيدُهُ؟ فَأَجَابَ بِمَا صُورَتُهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَنْصَارِ دِينِ اللَّهِ وَبَعْدُ فَقَدْ وَرَدَ سُؤَالٌ عَلَى شَيْخِ شُيُوخِنَا الْإِمَامِ الْعَلَّامَة حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَهْذَلِيِّ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهَا قَوْلُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ أَعْنِي إظْهَارَ الِاسْمِ أَوْ يَكْفِي الْإِتْيَانُ

بِالضَّمِيرِ كَمَا هُوَ وَضْعُ الْخُطَبِ الْمُصَنَّفَات لِلْجُمَعِ وَغَيْرِهَا فَقَالَ: الْجَوَابُ أَنَّهُ إنْ خَطَبَ بِخُطْبَةٍ مُسْتَوْفِيًا طَرَفَيْهَا سَبَقَ فِيهَا ذِكْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلًا وَذِكْرُ نَعْتِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَفَى الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِالضَّمِيرِ لِعَوْدِهِ عَلَى مُظْهَرٍ وَهُوَ أَبْلَغُ وَأَحْرَى حِينَئِذٍ مِنْ الْإِظْهَار إذْ الْإِظْهَار يُوهِمُ أَنَّهُ غَيْرُهُ بِخِلَافِ الْإِضْمَار فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي عَوْدِهِ عَلَى الْمَذْكُورِ. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا قَالُوهُ فِي التَّشَهُّدِ فَإِنَّ الْمُرَجَّح عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ اشْتِرَاطُ الْإِظْهَار اتِّبَاعًا لِلَفْظِ الْحَدِيثِ وَكَانَ الْقِيَاسُ يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ بِالضَّمِيرِ أَيْضًا فِي التَّشَهُّدِ وَهُوَ وَجْهٌ مَشْهُورٌ رَجَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ. وَأَمَّا إذَا خَطَبَ بِخُطْبَةٍ مُخْتَصَرَةٍ لَمْ يَسْبِقْ فِيهَا ذِكْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَقَلُّ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَأْتِيَ بِهَا مَعَ الْإِظْهَار لِلِاسْمِ وَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالْبِرْمَاوِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْإِظْهَار فَهُوَ وَهْمٌ وَغُلُوٌّ فِي الْجَرْيِ عَلَى الظَّاهِرِ كَعَادَةِ الظَّاهِرِيَّةِ وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا عَلَيْهِ السَّلَفُ بِمُجَرَّدِ مَفْهُومٍ بَعِيدٍ شَاذٍّ لَوْ قِيلَ بِهِ لَزِمَ مِنْهُ إبْطَالُ مَا لَا يُحْصَى مِنْ الْجُمَعِ فِي أَعْصَارٍ وَقُرُونٍ مَاضِيَةٍ وَمُسْتَقْبَلَةٍ وَذَلِكَ مِنْ الْمَفْهُومَاتِ الْبَوَارِدِ الَّتِي لَا يُرِيدُهَا الْمُصَنِّفُونَ وَيَسْتَرْسِلُ بِهَا فِي التَّعَلُّق بِهَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ اهـ. الْمَقْصُودُ مِنْ جَوَابِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ وَبِكَلَامِهِ يَدُلُّ عَلَى فُحُولَتِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَصْحَابه مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ الْمُجْتَهِدِينَ الْمُوَافِقِينَ لَهُ فِي الِاجْتِهَادِ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ التَّابِعِينَ بِالتَّقْلِيدِ بِحُكْمِ الِاعْتِقَادِ الْمَشْهُورِينَ بِالتَّصَانِيفِ الْمُعْتَمَدَةِ فِي أَكْثَرِ الْبِلَادِ فِيمَا غَبَرَ مِنْ الدُّهُورِ وَالْآحَادِ لَمْ يَشْتَرِطُوا التَّصْرِيحَ بِاسْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ظَاهِرًا بَلْ أَطْلَقُوا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتَدَلُّوا بِمَا لَا خَفَاءَ فِيهِ قَالَ فِي التَّفْقِيهِ وَقَدْ تَعَجَّبَ بَعْضُ الْمُتَأَخَّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ كَوْنِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوْجَبَ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخُطْبَةِ وَالْخُطْبَةُ الَّتِي نُقِلَتْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْسَ فِيهَا صَلَاةٌ عَلَيْهِ. وَالْآيَةُ وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى الصَّلَاةِ تَعَيَّنَ حَمْلُهَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِتَرْكِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا فَالْمَنْقُولُ الْأَوَّلُ اهـ. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْأَئِمَّةُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى ذَكَرُوا أَرْكَانَ الْخُطْبَةِ مُجْمَلَةً وَقَالُوا يُشْتَرَطُ لَفْظُ الْحَمْدِ وَلَفْظُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ شَامِلٌ لِلظَّاهِرِ وَالْمُضْمَر. وَالْمُرَادُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْخَطِيبَ صَلَّى عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْآيَةِ صَلُّوا عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْأَحَادِيثُ إذْ الْغَرَضُ أَنْ لَا تَخْلُوَ الْخُطْبَةُ مِنْ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِالظَّاهِرِ وَالْمُضْمَر وَمَنْ صَرَّحَ مِنْ الْعُلَمَاء بِاشْتِرَاطِ الْإِتْيَانِ بِالِاسْمِ الشَّرِيفِ ظَاهِرًا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَسْبِقْ لَهُ ذِكْرٌ إذْ يُشْتَرَطُ مَا يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ ذِكْرِهِ فَإِذَا لَمْ يَسْبِقْ لَهُ ذِكْرٌ وَقَالَ الْخَطِيبُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَحْصُلْ الْمَقْصُودُ فَتَعَيَّنَ حَمْلُ الْإِطْلَاق عَلَى ذَلِكَ نَعَمْ ذَكَرَ الْقَاضِي زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ مَا نَصُّهُ وَلَا يَكْفِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ إنْ تَقَدَّمَ اسْمُهُ عَلَى الضَّمِيرِ فَفِيهِ نَظَرٌ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ بِاسْمِهِ فِي الصَّلَاةِ وَبِهِ أَفْتَيْت هَذَا لَفْظُهُ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ يَتَعَيَّنُ لَفْظُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ كَاَللَّهُمِ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ فَخَرَجَ رَحِمَ اللَّهُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ نَحْوُ ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى سَبِيلِ الْبَحْثِ وَإِنْ ذَكَرَهُ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ تَقْلِيد الْبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَلَفْظُهُ وَهَلْ يَكْفِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلَفْظٍ بَدَلِ الظَّاهِرِ الْمُتَّجَهِ عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ كَمَا لَا يَكْفِي فِي التَّشَهُّدِ اهـ. فَنَقُولُ النَّصُّ فِي الْمَسْأَلَةِ غَيْرُ مَوْجُودٍ وَالْأَدِلَّةُ مُحْتَمِلَةٌ بِطُرُقِهَا التَّأْوِيلَ وَوَجَدْنَا الْإِجْمَاع السُّكُوتِيَّ مِنْ الْعُلَمَاء فِي الْأَمْصَارِ مَعَ تَطَاوُلِ الْأَعْصَارِ عَلَى تَقْرِيرِ الْخَطِيبِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالضَّمِيرِ عِنْدَ سَبْقِ الذِّكْرِ وَقُرْبِهِ فَإِنْ قِيلَ الْإِتْيَانُ بِالظَّاهِرِ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَار يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ الِاعْتِنَاءِ قُلْنَا ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِهْجَانِ عِنْدَ فَوْتِ الذِّكْرِ الْمُنَافِي لِلْفَصَاحَةِ الْمَطْلُوبَةِ. فِي الْخُطْبَةِ وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى التَّشَهُّدِ فَقَدْ يَخْتَلِفُ بِأَنَّ الْخُطْبَةَ لَيْسَتْ كَالتَّشَهُّدِ إذْ التَّشَهُّدُ فِي عِبَادَةٍ يُبْطِلُهَا الْكَلَامُ وَلَا كَذَلِكَ الْخُطْبَةُ وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ بِخِلَافِهَا. فَظَهَرَ بِمَا تَقَرَّرَ صِحَّةُ جَوَابِ الْإِمَامِ الْأَهْذَلِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ مَا قَوْلُكُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَنَفَعَ بِعُلُومِكُمْ

فِي هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ هَلْ هِيَ صَحِيحَةٌ فَيَجُوزُ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهَا أَمْ مَهْجُورَةٌ فَتُلْغَى بَيِّنُوا ذَلِكَ لَنَا بَيَانًا شَافِيًا وَسُوقُوا فِيمَا أَوْقَعَ الْإِشْكَالَ وَاللَّبْسَ دَلِيلًا كَافِيًا أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ فَمُرَادُنَا الْإِفَادَةُ لَا التَّعَصُّبُ كَمَا هُوَ لِأَهْلِ الْوَقْتِ عَادَةٌ جَعَلَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ يَسْتَمِعُ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ وَأَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ؟ فَأَجَابَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سِرَاجُ الدِّينِ عُمَرُ بْنُ الْمَقْبُول الْأَسَدِيُّ قَاضِي قُضَاةِ أَبِي عَرِيشٍ بِالْيَمَنِ بِمَا صُورَتُهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَعَلَيْهِ نَتَوَكَّلُ وَبِهِ نَسْتَعِينُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الْجَوَابُ وَاَللَّهُ الْهَادِي لِلصَّوَابِ أَنَّ الْأَجْوِبَةَ الْمَذْكُورَةَ صَحِيحَةٌ مُنَقَّحَةٌ صَرِيحَةٌ وَأَنَّ جَوَابَ الْفَقِيهِ الْعَلَّامَة الْأَجَلِّ الْبَحْرِ الْحَبْرِ الْفَهَّامَةِ غُرَّةِ وَجْهِ الزَّمَنِ وَأَعْلَمِ عُلَمَاءِ الْيَمَنِ بُرْهَانِ الدِّينِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ مُطَيْرٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الصِّحَّةِ وَالتَّحْقِيقِ جَامِعٌ لِأَنْوَاعِ التَّحْرِيرِ وَالتَّدْقِيقِ. وَلَقَدْ أَجَابَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَجَادَ وَأَصَابَ الْغَرَضَ وَأَفَادَ بِجَوَابٍ طَابَقَ مَعْنَى السُّؤَالِ وَجَلَّى بِصُبْحِ فَهْمِهِ لَيْلَ الْإِشْكَال وَدَفَعَ بِيَدِ عِلْمِهِ عَنْ وَجْهِ الْحَقِّ جِلْبَابَ الْبَاطِلِ وَأَزَالَ فَلَا مُخَالَفَةَ فِي تَصْحِيحِ مَقَالَتِهِ وَلَا رَدَّ لِصَرِيحِ عِبَارَتِهِ؛ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي جَوَابِهِ بِمَا لَمْ يُنْسَجْ عَلَى مِنْوَالِهِ، وَلَا جَرَتْ أَقْلَامُ الْفُقَهَاء الْمُعْتَبَرِينَ بِمِثَالِهِ حَيْثُ جَمَعَ جَوَابُهُ بَيْنَ كَلَامِ الْمُوَافِقِ وَالْمُخَالِفِ فَلِلَّهِ دَرُّهُ مِنْ مُحَقِّقٍ عَارِفٍ فَصَدَّرَ الْكَلَامَ بِقَوْلِ الْحُسَيْنِ الْأَهْذَلِيِّ ثُمَّ عَقَّبَهُ بِقَوْلِ زَكَرِيَّا وَذَيَّلَ فَحَلَّ بِذَلِكَ عُرَى الِالْتِبَاسِ وَأَزَالَ الْإِشْكَالَ وَالْوَسْوَاسَ فَالْحَاصِلُ عِنْدَنَا صِحَّةُ الْأَجْوِبَةِ وَأَمْضَاهَا وَجَوَازُ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهَا فَلَا مُخَالَفَةَ لِذَلِكَ وَلَا مَزِيدَ عَلَى مَا هُنَالِكَ وَالْحُكْمُ فِيمَا إذَا اتَّفَقَ أَهْلُ عَصْرٍ مِنْ الْفُقَهَاء الْمُجْتَهِدِينَ وَقَالَ بِهِ أَئِمَّةُ الْعُلَمَاء الْعَامِلِينَ إنَّهُ يَصِيرُ حُجَّةً وَإِجْمَاعًا وَعَلَيْهِ التَّعْوِيلُ وَلَا يَسَعُ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ الِاجْتِهَادُ فِي إبْطَالِ ذَلِكَ بِحُكْمٍ أَوْ تَفْصِيلٍ كَمَا هُوَ الْمُقَرَّر وَالْمُهَذَّبُ فِي كُتُبِ الْأَصْحَاب وَأُصُولِ الْمَذْهَبِ. وَمَا جَزَمَ بِهِ بُرْهَانُ الدِّينِ تَبَعًا لِلنَّاشِرِيِّ وَالْأَهْذَلِيِّ فِي أَثْنَاءِ الْجَوَابِ يُفْصِحُ عَنْ تَحْقِيقِ الْبَحْثِ وَإِصَابَةِ الصَّوَابِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ وَالْمُؤَيِّدُ لِمَا هُنَالِكَ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي بَابِ الْقَضَاءِ مِنْ شَرْحِهِ لِلرَّوْضِ مَا لَفْظُهُ فَإِنْ اخْتَلَفَ الْمُفْتِيَانِ جَوَابًا وَصِفَةً وَلَا نَصَّ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ مَعَ أَحَدِهِمَا قُدِّمَ الْأَعْلَمُ وَكَذَا إذَا اُعْتُقِدَ أَحَدُهُمَا أَعْلَمَ أَوْ أَوْرَعَ كَمَا يُقَدَّمُ أَرْجَحُ الدَّلِيلَيْنِ وَأَوْثَقُ الرِّوَايَتَيْنِ وَيُقَدَّمُ الْأَعْلَمُ عَلَى الْأَوْرَعِ؛ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْفَتْوَى بِالْعِلْمِ أَشَدُّ مِنْ تَعَلُّقِهَا بِالْوَرَعِ. فَلَوْ كَانَ ثَمَّ نَصٌّ قُدِّمَ مَنْ مَعَهُ النَّصُّ وَكَالنَّصِّ الْإِجْمَاع اهـ. لَفْظُهُ هَهُنَا ثُمَّ ذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بَعْدَ هَذَا بِنَحْوِ وَرَقَةٍ مَا لَفْظُهُ وَلَوْ تَعَارَضَ جَزْمُ مُصَنَّفَيْنِ فَكَتَعَارُضِ الْوَجْهَيْنِ فَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْبَحْثِ كَمَا مَرَّ وَكَذَا يُرَجَّحُ بِالْكَثْرَةِ فَلَوْ جَزَمَ مُصَنِّفَانِ بِشَيْءٍ وَثَالِثٌ مُسَاوٍ لِأَحَدِهِمَا بِخِلَافِهِ رَجَّحْنَاهُمَا عَلَيْهِ اهـ. لَفْظُهُ وَقَدْ اتَّضَحَ ذَلِكَ كُلَّ الِاتِّضَاحِ وَظَهَرَ بُرْهَانُ الْحَقِّ وَلَاحَ. وَهَذَا مَا تَيَسَّرَ لَنَا مِنْ الْجَوَابِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ قَالَ ذَلِكَ وَكَتَبَهُ الْفَقِيرُ إلَى اللَّهِ. الْقَدِيرِ عُمَرُ بْنُ الْمَقْبُولِ بْنِ عُمَرَ الْأَسَدِيُّ عَامَلَهُ اللَّهُ بِلُطْفِهِ الْخَفِيِّ وَغَفَرَ لَهُ وَلِوَالِدَيْهِ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَجَابَ الشَّيْخُ الْعَلَّامَة الْبَحْرُ الْحَبْرُ الْفَهَّامَةُ الْفَقِيهُ الْهَادِي بْنُ حَسَنٍ الصَّيْرَفِيُّ بِمَا صُورَته الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ الْأَجْوِبَةُ صَحِيحَةٌ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهَا وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ ذَلِكَ وَكَتَبَهُ الْفَقِيرُ إلَى اللَّهِ الْهَادِي بْنُ حَسَنٍ الصَّيْرَفِيُّ لَطَفَ اللَّهُ بِهِ وَبِوَالِدَيْهِ وَبِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ؟ (فَأَجَابَ) سَيِّدُنَا وَشَيْخُنَا الْعَلَّامَة الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى شِهَابُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ مَتَّعَ اللَّهُ بِحَيَاتِهِ وَنَفَعَ بِعُلُومِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِمَا صُورَتُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدَ مُعْتَرِفٍ بِتَقْصِيرِهِ مُغْتَرِفٍ مِنْ بِحَارِ مَدَدِهِ وَتَيْسِيرِهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ أَظْهَرَ الدِّينَ بَعْدَ خَفَائِهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ كَمَالِ عَلْيَائِهِ مَا دَامَتْ شَرِيعَتُهُ الْغَرَّاءُ مُشَيَّدَةَ الْأَرْكَان بِأَئِمَّةِ التَّحْقِيق وَفُرْسَانِ الْبُرْهَانِ وَبَعْدُ فَقَدْ وَرَدَ عَلَيَّ هَذَا السُّؤَالُ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ ذَوِي الْفَصَاحَةِ وَاللُّسُنِ طَلَبًا لِحَلِّ إشْكَالِهِ وَإِزَالَةِ

غَيْهَبِ جِدَالِهِ فَقَصَدْت إلَى ذَلِكَ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِأَنِّي لَسْت هُنَالِكَ. وَإِنَّمَا تَرْآبُ التَّطَفُّلِ عَلَى بِسَاطِ الْكَرَمِ أَنْتَجَ مَزِيدَ الْإِنْعَامِ بِجَلَائِلِ النِّعَمِ عَلَى أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الرَّدِّ وَالتَّزْيِيفِ حَقِيقٌ أَنْ يُرْدَف بِالتَّرْصِيفِ بِتَصْنِيفٍ لَكِنَّ الِاشْتِغَالَ بِسُوءِ الْمُقْتَرَفِ هُوَ الْمَانِعُ لِي فِي الرُّقِيِّ إلَى هَذِهِ الْغُرَفِ فَأَسْأَلُ الْمَنَّانَ بِفَضْلِهِ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْ أَهْلِهِ إنَّهُ جَوَّادٌ كَرِيمٌ رَءُوف رَحِيمٌ فَأَقُولُ اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَئِمَّتِنَا صَرِيحًا وَتَلْوِيحًا أَنَّ الْإِتْيَان بِالضَّمِيرِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخُطْبَةِ لَا يَكْفِي سَوَاءٌ تَقَدَّمَ لَهُ ذِكْرٌ أَمْ لَا. وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْغَزِّيُّ وَابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ الْكَبِيرُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمِنْهَاجِ وَنُكَتِهِ عَلَى التَّنْبِيهِ حَيْثُ نَقَلَهُ وَأَقَرَّهُ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَعِبَارَته أَقَلُّ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ أَوْ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ أَوْ عَلَى رَسُولِهِ وَشُرُوطُهَا شُرُوطُ التَّشَهُّدِ وَأَنْ يَذْكُرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُظْهَرًا لَا مُضْمَرًا فَفِي الْخُطْبَةِ لَوْ قَرَأَ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ أَوْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ لَمْ يَكْفِ اهـ. فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يَكْفِي الْإِتْيَانُ بِالضَّمِيرِ فِي الْخُطْبَةِ وَإِنْ تَقَدَّمَ مَا يَرْجِعُ إلَيْهِ كَمَا أَفَادَهُ صَرِيحُ قَوْلِهِ فَلَوْ قَرَأَ إلَخْ الشَّامِلِ لِلْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ. وَجَزْمُهُ بِذَلِكَ مُشْعِرٌ بَلْ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ بَحْثٍ بَلْ مِنْ جُمْلَةِ مَنْقُولِ الْمَذْهَبِ صَرِيحًا أَوْ اقْتِضَاءً وَمِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ قَوْلُ الْخُوَارِزْمِيِّ فِي كَافِيهِ وَهُوَ مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِنَا أَصْحَابِ الْوُجُوهِ فَرَائِضُ الْخُطْبَةِ خَمْسٌ التَّحْمِيدُ وَأَقَلُّهُ أَنْ يَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَقَلُّهَا أَنْ يَقُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ فَذِكْرُهُ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ أَقَلُّ مَا يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ صَرِيحٌ أَوْ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُ لَا يَكْفِي اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ وَنَحْوُهُ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُ ابْنِ النَّقِيبِ فِي جَامِعِهِ أَخْذًا مِنْ عِبَارَةِ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ الثَّانِي الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مُحَمَّدٍ أَوْ رَسُولِ اللَّهِ اهـ. فَأَفْهَمَ التَّقْسِيم الْمُفِيد لِلْحَصْرِ. وَالظَّاهِرُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي الْإِتْيَانُ بِالضَّمِيرِ وَإِجْزَاءُ نَحْوِ الْمَاحِي وَالْعَاقِبِ وَالْحَاشِر عُلِمَ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ بَلْ قَضِيَّةُ هَذِهِ الْعِبَارَة أَنَّهُ لَا يَكْفِي صَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَلَمَّا كَانَتْ عِبَارَةُ أَكْثَرِهِمْ مُقْتَضِيَةً لِذَلِكَ أَيْضًا وَكَانَ الْمُصَحَّح عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ إجْزَاءَهُ أَبْرَزَ ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ حَيْثُ قَالَ فِي تَوَسُّطِهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِهِ هَلْ تُجْزِي وَالظَّاهِرُ أَنَّ كُلَّ مَا أَجْزَأَ فِي التَّشَهُّدِ يُجْزِئُ هُنَا وَقَالَ فِي قُوَّتِهِ وَكَذَا لَوْ قَالَ وَالصَّلَاةُ عَلَى مُحَمَّدٍ أَوْ النَّبِيِّ أَوْ رَسُولِ اللَّهِ كَفَى وَالظَّاهِرُ أَنَّ كُلَّ مَا كَفَى مِنْهَا فِي التَّشَهُّد يُجْزِئُ هُنَا اهـ. فَأَفْهَمَ صَرِيحُ كَلَامِهِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْخُطْبَةِ مَقِيسَةٌ عَلَى الصَّلَاةِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَاب كَمَا يَأْتِي وَأَنَّ بَحْثَهُ الْإِجْزَاء هُنَا قِيَاسًا عَلَى الْإِجْزَاء بِالصَّلَاةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا أَتَى مَعَ الضَّمِيرِ بِلَفْظِ رَسُولٍ لِخِفَّةِ الْإِيهَامِ بَلْ عَدَمِهِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ كَأَنْ قَالَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ قَطْعًا وَلَيْسَ هُوَ مِنْ مَحَلِّ الْبَحْثِ فِي شَيْءٍ بَلْ هُوَ الْمَنْقُول صَرِيحًا أَوْ اقْتِضَاءً كَمَا قَدَّمْته. وَلَعَلَّ شَيْخَنَا شَيْخَ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ عَهْدَهُ إنَّمَا أَتَى فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ بِمَا تَوَهَّمَ مِنْهُ الْمُجِيبُ الثَّانِي أَنَّهُ بَحْثٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ كَلَامَ الْأَنْوَارِ وَلَا غَيْرِهِ مِمَّا ذَكَرْته. وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ عِبَارَتَهُ عِنْدَ التَّحْقِيق لَا تَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ بَحْثٌ بَلْ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَنْ قَالَ بِذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ جَزَمَ بِهِ فِي غَيْرِ شَرْحِ الْبَهْجَةِ كَشَرْحِ الرَّوْضِ وَغَيْرِهِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ وَعَلِمْت أَنَّ عَدَمَ الْإِجْزَاء هُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ الَّذِي يُرْجَعُ إلَيْهِ فَلْتَجُرَّ ذَيْلَ الْمَقَالِ عَلَى ثَرَى حُجَجِ هَؤُلَاءِ الْمُجِيبِينَ وَتَزْيِيفِهَا لِئَلَّا يَغْتَرّ بِهَا ضَعِيفُ الْعَقْلِ لِمَا أَكْثَرُوهُ مِنْ تَنْمِيقِهَا بِمَا لَا يُجْدِي عِنْدَ التَّأَمُّلِ وَاسْتِحْضَارِ الْقَوَاعِد وَالْأُصُولِ فَنَقُولُ احْتِجَاجُ الْمُجِيبِ الْأَوَّلِ بِأَكْثَرِ مَا فِي خُطَبِ ابْنِ نَبَاتَةَ مُزَيَّفٌ فَإِنَّ ابْنَ نَبَاتَةَ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ الَّذِينَ يُحْتَجُّ بِكَلَامِهِمْ. وَأَمَّا ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فَكَانَ مَالِكِيًّا ثُمَّ تَشَفَّعَ فَيُحْتَمَلُ تَصْنِيفُهُ لِمَا نُقِلَ عَنْهُ وَهُوَ مَالِكِيٌّ عَلَى أَنَّهُ تَرَقَّى إلَى أَنْ يَقُولَ بِمَا ظَهَرَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوَافِقًا لِأَدِلَّةِ مَذْهَبِهِ وَلَا قَوَاعِدِهَا وَقَوْلُهُ وَخَطَبَ بِهَا غَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاء وَصَلَّى مَعَهُ كُلُّ مَوْجُودٍ فِي كُلِّ قُطْرٍ إلَخْ وَقَوْلُهُ عَلَى هَذَا مَضَى أَهْلُ الْأَعْصَارِ فِي جَمِيعِ الْأَقْطَارِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ نَحْوِ هَذَا الْعُمُومِ الَّذِي لَا مُسْتَنَدَ لَهُ أَلْبَتَّةَ مَمْنُوعٌ عَلَى أَنَّهُ نَاقَضَ نَفْسَهُ

حَيْثُ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ أَكْثَرَ عُلَمَاءِ الْيَمَنِ عَلَى عَدَمِ إجْزَاءِ الضَّمِيرِ وَأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا وَقَعَ فِي خُطَبِ الْأَكْثَرِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْأَخِيرَ مَمْنُوعٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مِصْرَ وَإِقْلِيمَهَا الْمُشْتَمِلِ مِنْ الْعُلَمَاء قَدِيمًا وَحَدِيثًا مَا لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ الْأَقَالِيمِ لَا يُوجَدُ فِيهِ مَنْ يَذْكُرُ فِي خُطْبَتِهِ الضَّمِيرَ إلَّا إنْ كَانَ جَاهِلًا وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ قَلِيلٌ وَرُبَّمَا اسْتَغْنَى عَنْهُ أَهْلُ بَلَدِهِ أَوْ مَحَلَّتِهِ حَتَّى يَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ فَسَادُ جَمِيعِ مَا فَرَّعَهُ عَلَى ذَلِكَ مِمَّا يَمُجُّهُ السَّمْعُ وَيَتَنَزَّهُ عَنْهُ سَلِيمُ الطَّبْعِ لَا سِيَّمَا قَوْلَهُ فَلَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ مَعَ مَا قَدَّمْته عَنْ الْأَئِمَّةِ. وَقَوْله إنَّ ذَلِكَ إنَّمَا حَدَثَ فِي هَذَا الْقَرْنِ إلَخْ وَمَا رَتَّبَهُ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ وَهَذَا جَهْلٌ قَبِيحٌ إلَخْ مِمَّا لَا يَنْبَغِي صُدُورُهُ مِنْ عَالِمٍ إلَّا بَعْدَ إيضَاحِ سَبِيلِهِ وَلَمْ يُوجَدْ وَقَوْلُهُ وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَمْرَيْنِ ظَاهِرٌ وَذَلِكَ إلَخْ يُرَدُّ بِمَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّ الْحُجَّةَ فِي ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ هَذَا الَّذِي زَعَمَهُ بَلْ التَّصْرِيحُ بِهِ أَوْ بِمَا يَدُلّ عَلَيْهِ كَمَا ذَكَرْته أَوَّلًا وَقَوْلُهُ أَحَدُهُمَا أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمُظْهَر فِي التَّشَهُّدِ إلَخْ لَا يُجْدِي شَيْئًا؛ لِأَنَّا لَمْ نَقُلْ إنَّ عَدَمَ الْإِجْزَاء فِي الْخُطْبَةِ بِطَرِيقِ أَنَّ النَّصَّ يَدُلُّ عَلَيْهِ لِشُمُولِهِ كَمَا تَوَهَّمَهُ هَذَا الْمُجِيبُ فَبَنَى عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ أَخْذًا مِنْ احْتِجَاجِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي الْخُطْبَةِ بِالْقِيَاسِ عَلَى وُجُوبِهَا فِي الصَّلَاةِ وَمِنْ قَوْلِ الْأَذْرَعِيِّ لَا يَبْعُدُ مَجِيءُ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ هُنَا وَنَحْوُ هَذِهِ الْعِبَارَة مِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَسَاوِي الْبَابَيْنِ كَثِيرًا فِي كَلَامِهِ وَكَلَامِ غَيْرِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ تَصَفُّحِهِ وَقَوْلُهُ فَأَكْثَرُ مَا رُوِيَ إلَخْ مَمْنُوعٌ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا تَقَرَّرَ. وَفَرْقُهُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالْخُطْبَةِ بِمَا ذَكَرَهُ فِيهِ مِنْ التَّهَافُتِ وَعَدَمِ الْجَرْيِ عَلَى الْقَوَاعِد مَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى مُسْكَة مِنْ الْعُلُومِ؛ لِأَنَّ رُجُوعَ الضَّمِيرِ الْمَذْكُورِ لِمَا قَبْلَهُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلَا إيهَامٍ أَمْرٌ صِنَاعِيٌّ وَكَوْنُ مَا قَبْلَهُ رُكْنٌ وَهُوَ رُكْنٌ آخَرُ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ اعْتِبَارِيٌّ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِذَلِكَ فَحِينَئِذٍ كَيْفَ يُقَالُ إنَّ التَّشَهُّدَ قَدْ تَمَّ وَإِنَّ هَذَا كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ إلَخْ وَمِمَّا يُبْطِلُ مَا زَعَمَهُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي الْمَجْمُوع عَنْ الرَّافِعِيِّ وَفِي وَجْهٍ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ وَالْكِنَايَةُ تَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ فِي التَّشَهُّدِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ وَهَذَا نَظَرٌ إلَى الْمَعْنَى اهـ فَأَفْهَمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْمُكْتَفِي بِالضَّمِيرِ إنَّمَا رَاعَى صِحَّةَ الْمَعْنَى وَأَنَّ الْمَانِعَ لَهُ إنَّمَا رَاعَى الِاتِّبَاع لَهُ فَقَطْ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى صَحِيحًا فَبَطَلَ الْفَرْقُ الْمَذْكُورُ عَلَى أَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ صَحِيحٌ فَلِلْخُطْبَةِ أَرْكَانٌ مُخْتَلِفَةٌ أَيْضًا فَاشْتِمَالُهَا عَلَى تِلْكَ الْأَرْكَان الْمُخْتَلِفَةِ. كَاشْتِمَالِ الصَّلَاةِ عَلَى أَرْكَانِهَا فَيَلْزَمُهُ جَرَيَانُ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُكْنًا مُسْتَقِلًّا جَارِيًا بَعْدَ تَمَامِ رُكْنِ الْحَمْدِ فَلَا فَارِقَ حِينَئِذٍ بَيْنَهُمَا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ بِوَجْهٍ وَكَانَ يَنْبَغِي لِهَذَا الْمُجِيبِ أَنْ يُعْرِضَ عَنْ هَذَا وَيَحْتَجَّ بِأَنَّ كَلَامَهُمْ صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَأَنَّهُمْ اغْتَفَرُوا فِي الْخُطْبَةِ مَا لَمْ يَغْتَفِرُوهُ ثَمَّ حَيْثُ قَالُوا لَا يُجْزِئُ فِي الصَّلَاةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَى أَحْمَدَ بِخِلَافِهِ فِي الْخُطْبَةِ وَلَوْ قَالَ وَالصَّلَاةُ عَلَى مُحَمَّدٍ أَجْزَأَ هُنَا لَا هُنَاكَ؛ لِأَنَّ بَابَ الْخُطْبَةِ أَوْسَعُ. فَإِنْ قُلْت فَهَذَا حِينَئِذٍ يُشْكِلُ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ عَدَمِ الْإِجْزَاء فِي الضَّمِيرِ قِيَاسًا عَلَى التَّشَهُّدِ قُلْت لَا يُشْكِلُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ أَحْمَدَ عَلَمٌ وَلَا اشْتِرَاكَ فِيهِ وَضْعًا بَلْ هُوَ فِيهِ عَرَضِيٌّ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهِ بِخِلَافِ الضَّمِيرِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ أَعْرَفَ مِنْ الْعَلَمِ مِنْ حَيْثِيَّةٍ أُخْرَى لَكِنَّ رُجُوعَهُ إلَى الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ حَتْمًا غَيْرُ وَضْعِيٍّ لِاحْتِمَالِ عَوْدِهِ إلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ احْتِمَالًا قَرِيبًا جَائِزًا لُغَةً فَكَانَ فِيهِ مِنْ نَوْعِ الْإِيهَامِ مَا لَيْسَ فِي دَلَالَةِ أَحْمَدَ عَلَى مُسَمَّاهُ فَمِنْ ثَمَّ أَجْزَأَ أَحْمَدُ هُنَا دُونَ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْقِيَاسِ فِي فَرْعٍ لِاتِّضَاحِ عِلَّتِهِ الْقِيَاسُ فِي فَرْعٍ آخَرَ لَمْ تَتَّضِحْ تِلْكَ الْعِلَّةُ فِيهِ إيضَاحَهَا فِي ذَاكَ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا نَوْعُ مُشَابَهَةٍ. وَبِهَذَا التَّقْرِير يَظْهَرُ لَك انْدِفَاعُ قَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ إذَا صَحَّتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَظْهَرِ الَّذِي يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُوَ فَكَيْفَ لَا تَصِحُّ بِالْمُضْمَرِ الَّذِي هُوَ أَعْرَفُ الْمَعَارِف وَلَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ غَيْرُهُ وَيَظْهَرُ لَك أَيْضًا أَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهِ مَعْنَى قَوْلِهِمْ الْمُضْمَرُ أَعْرَفُ الْمَعَارِف وَتَوَهَّمَ مِنْهُ غَيْرَ الْمُرَادِ وَبَنَى عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ وَقَوْلُهُ بَلْ أَيُّ لَفْظٍ مِنْ أَلْفَاظِ

الْحَمْدِ أَتَى أَجْزَأَهُ إلَخْ مَبْنِيٌّ عَلَى كَلَامٍ لِلْجِيلِيِّ وَغَيْرِهِ وَرَدَّهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّهُ غَرِيبٌ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ. وَقَوْلُهُ وَلَا نَقُولُ إنَّ لِلْحَمْدِ لَفْظٌ مُتَعَيَّنٌ إلَخْ مَبْنِيٌّ عَلَى لُغَةٍ غَيْرِ مَشْهُورَةٍ وَهِيَ إهْمَالٌ. وَقَوْلُهُ وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُضْمَرِ وَكَوْنِهِ أَوْلَى قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] إلَخْ إنْ أَرَادَ الِاحْتِجَاجَ بِهِ لِلْجَوَازِ الْمُطْلَقِ فَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ أَوْ لِلْجَوَازِ فِي الْخُطْبَةِ قِيلَ لَهُ سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْت مُغَرِّبًا شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبٍ وَإِذَنْ قَدْ انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى الْجَوَابِ الْأَوَّلِ الْمَعْلُوم مِنْهُ. رَدُّ بَقِيَّةِ الْأَجْوِبَةِ لِمَنْ تَأَمَّلَ ذَلِكَ لَكِنْ مِنْ حَقِّ هَذَا الْمَقَامِ أَنْ يُزَادَ فِي إيضَاحِهِ وَبَسْطِهِ فَنَقُولُ: قَوْلُ الثَّانِي نَقْلًا عَمَّنْ ذَكَرَهُ وَهُوَ أَبْلَغُ وَأَجْزَلُ إلَخْ إذَا أَرَادَ بِهِ إطْلَاقَ الْأَبْلَغِيَّةِ فَمَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ مِنْ قَوَاعِدِهِمْ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّ الظَّاهِرَ قَدْ يُؤْتَى بِهِ بَدَلًا عَنْ الضَّمِيرِ لِزِيَادَةِ التَّقْرِير وَالتَّمْكِينِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54] وَقَدْ يُؤْتَى بِهِ لِتَعْظِيمِ الْمُحَدَّثِ عَنْهُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [العنكبوت: 19] وَقَدْ يُؤْتَى بِهِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ مَا أُسْنِدَ إلَيْهِ هُوَ اللَّائِقُ بِهِ. وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى الْآيَةُ الثَّانِيَة أَيْضًا وقَوْله تَعَالَى {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ} [النساء: 64] وَلَمْ يَقُلْ وَاسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الرَّسُولِ يُنْبِئُ عَنْ قَبُولِ شَفَاعَتِهِ وَإِذَا أَرَادَ بِهِ خُصُوصِيَّةَ ذَلِكَ لِبَعْضِ الْأَمْكِنَةِ فَمُسَلَّمٌ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ بَلْ هُوَ مِنْ الْمَوَاضِع الَّتِي يَكُونُ الْإِتْيَانُ فِيهَا لَفْظًا بِالظَّاهِرِ أَجْزَلَ؛ لِأَنَّ الْبَلَاغَة فِي الْخُطْبَةِ مَطْلُوبَةٌ شَرْعًا وَالْبَلَاغَةُ فِيهِ أَبْلَغُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْقَوَاعِد الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرْتهَا تَتَأَتَّى فِيهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْخَطِيبِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ أَوْ النَّبِيِّ أَوْ الْحَاشِرِ أَوْ الْمَاحِي أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. وَلَوْ بَعْدَ سَبْقِ ذِكْرِهِ يَدُلُّ عَلَى التَّقْرِير وَالتَّمْكِينِ وَيَدُلُّ عَلَى تَعْظِيمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ لَمْ يَكْتَفِ فِي التَّسْوِيَةِ بِمَزِيدِ شَرَفِهِ إلَّا بِاسْمِهِ الظَّاهِرِ دُونَ ضَمِيرٍ يَرْجِعُ لِمَا سَبَقَ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَبَبَ طَلَبِ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ اسْمُهُ أَوْ وَصْفُهُ الشَّرِيفُ مِنْ زِيَادَةِ تَحَلِّيه مِنْ مَحَامِد الْهِبَةِ أَوْ الْإِنْبَاءِ أَوْ الرِّسَالَة عَنْ اللَّهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَك أَتَمَّ ظُهُورٍ وَيَتَّضِحُ لَك أَكْمَلَ إيضَاحٍ عِلَّةُ وُجُوبِهِمْ الْإِظْهَار فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَعَدَمِ إجْزَاءِ الضَّمِيرِ إذْ عَوْدُهُ عَلَى الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ هُوَ الْأَصْلُ وَلَا يَتَيَقَّظُ السَّامِعُ عِنْدَ سَمَاعِهِ لِنُكْتَةٍ فِيهَا مَزِيدُ تَشْرِيفٍ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا عُدِلَ عَنْ الْأَصْلِ إلَى غَيْرِهِ وَهُوَ ذِكْرُ الْمُظْهَرِ فَإِنَّ السَّامِعَ حِينَئِذٍ يَتَنَبَّهُ إلَى نُكْتَةِ الْعُدُولِ فَيَسْتَفِيدُهَا فَفِيهِ مِنْ رِعَايَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى شَرَفِهِ بِكُلِّ طَرِيقٍ أَمْكَنَ مَا لَا يَخْفَى. وَقَوْلُهُ وَكَانَ الْقِيَاسُ إلَخْ مَمْنُوعٌ لِإِيضَاحِ الْفَارِقِ كَمَا مَرَّ وَقَوْلُهُ وَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَخْ هُوَ الْوَاهِمُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ بَحْثٍ وَقَوْلُهُ وَغُلُوٌّ فِي الْجُمُودِ عَلَى الظَّاهِرِ هُوَ الْجُمُودُ الْمَحْضُ الْمُنْبِئُ عَنْ عَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَى الْفَوَائِدِ وَالْقَوَاعِدِ الَّتِي أَشَرْت إلَيْهَا وَقَوْلُهُ وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا عَلَيْهِ السَّلَفُ مُجَرَّدُ دَعْوَى كَمَا وَقَعَ لِمَنْ قَبْلَهُ كَمَا قَدَّمْت رَدَّهُ. وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ مِنْ الْمَفْهُومَات الْبَوَارِدِ هُوَ الْبَارِدُ النَّاشِئُ عَنْ بَرْدِ الْقُطْنَةِ وَجُمُودِ الْقَرِيحَةِ وَقَوْلُ الثَّانِي وَكَلَامُهُ يَدُلُّ عَلَى فُحُولَتِهِ مُجَرَّدُ تَقْلِيدٍ مِنْ غَيْرِ مُسْتَنَدٍ وَقَوْلُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَخْ هُوَ مِنْ التَّهْوِيلِ بَلْ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَوَّلُ مِمَّا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ وَلَا يَقْبَلُهُ إلَّا غَبِيٌّ خَفِيَتْ عَلَيْهِ الْمَآخِذُ وَالْقَوَاعِدِ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ التَّفْقِيه مِنْ التَّعَجُّبِ مِنْ إيجَابِ الشَّافِعِيِّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخُطْبَةِ مَمْنُوعٌ وَقَدْ بَيَّنَ أَصْحَابُنَا دَلِيلَ ذَلِكَ مِنْ الْقِيَاسِ وَفِعْلِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ. وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ شَامِلٌ لِلظَّاهِرِ وَالْمُضْمَر إلَخْ. نَاشِئٌ عَنْ النَّظَرِ لِبَعْضِ كَلَامِهِمْ مَعَ الْغَفْلَةِ عَنْ بَاقِيه وَعَنْ مَدَارِكِهِ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ لَفْظَ الْآيَةِ {صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: 56] هُوَ نَظِيرُ مَا وَقَعَ لِلْمُجِيبِ الْأَوَّلِ مِمَّا مَرَّ فِيهِ أَنَّهُ لَا مُطَابَقَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدْلُول كَوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الِاسْتِدْلَالَاتِ كَمَا لَا يَخْفَى وَقَوْلُهُ إذْ الْغَرَضُ إلَخْ مَمْنُوعٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ الْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْنَهُمَا وَقَوْلُهُ مَحْمُولٌ إلَخْ لَا دَلِيلَ لِهَذَا الْحَمْلِ بَلْ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَهُّمُ نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ سَبْقِ مَا يَرْجِعُ

إلَيْهِ الضَّمِيرُ وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِلنِّزَاعِ حِينَئِذٍ بَلْ هُوَ مُكَابَرَةٌ وَعِنَادٌ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ الَّتِي نَقَلَهَا عَنْهُ اخْتَصَرَهَا وَأَجْحَفَ بِمَا قَدْ يُؤَدِّي لِإِيهَامِ هِيَ سَالِمَةٌ عَنْهُ وَقَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ إلَخْ مَمْنُوعٌ كَمَا مَرَّ وَقَوْلُهُ وَوَجَدْنَا الْإِجْمَاع السُّكُوتِيَّ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا سَبَقَ لَهُ كَالْأَوَّلِ مِنْ أَنَّ كُلَّ الْعُلَمَاء فِي كُلِّ الْأَمْصَارِ وَالْأَعْصَارِ اكْتَفُوا بِالضَّمِيرِ وَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا مَرَّ وَقَوْلُهُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِهْجَانِ إلَخْ هُوَ الْمُسْتَهْجَنُ لِمُنَافَاتِهِ لِقَوَاعِدِ الْبُلَغَاء الَّتِي أَشَرْت إلَيْهَا فِيمَا مَرَّ وَفَرْقُهُ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالتَّشَهُّدِ بِمَا ذَكَرَهُ لَوْ سَكَتَ عَلَيْهِ لَكَانَ أَوْلَى لِاقْتِضَائِهِ أَنَّ الضَّمِيرَ لَا يُجْزِئُ فِي الْخُطْبَةِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِصَارِ وَحَذْفِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَغْنَى عَنْهُ إذَا لَمْ يَجُزْ فِي الصَّلَاةِ الْمَطْلُوب فِيهَا التَّحَرُّزُ عَنْ كَلَامِ النَّاسِ مَا أَمْكَنَ فَلَا يُجْزِئُ فِي الْخُطْبَةِ الَّتِي لَا يُطْلَبُ فِيهَا التَّحَرُّزُ الْمَذْكُورُ بِالْأَوْلَى. وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْمُجِيبُ الثَّالِثُ مِنْ اعْتِمَادِ الْأَجْوِبَةِ فَمَمْنُوعٌ وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُخْرَى الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا أَيْضًا فَمَقْبُولٌ وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ إذْ الْإِجْمَاع عَلَى جَوَازِ الضَّمِيرِ بَلْ وَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِ لِأَنَّ الْمُخَالِف إنَّمَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا وَلَوْ فِي الْفَتْوَى وَلَمْ يُوجَدْ بَلْ وَجَدْنَا مُجْتَهِدِينَ بِهَا مُصِرِّينَ بِالْمَنْعِ. فَوَجَبَ عَلَيْنَا اتِّبَاعهمْ فِي ذَلِكَ لِعَدَمِ بُلُوغِنَا لِمَا نَالُوهُ مِنْ عَلِيِّ الْمَسَالِك وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَنْ جُمُعَةٍ تُقَامُ فِي بَلْدَةٍ بِشُرُوطِهَا فَقَصَّرَ حَتَّى فَاتَتْهُ ثُمَّ سَمِعَ النِّدَاءَ مِنْ بَلَدٍ أُخْرَى فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ السَّعْي إلَيْهِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ السَّعْيَ إنَّمَا يَجِبُ بِسَمَاعِ النِّدَاءِ مِنْ بَلَدٍ أُخْرَى عَلَى مَنْ لَا جُمُعَةَ فِي بَلَدِهِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ لِأَنَّ بَلَدَهُ حِينَئِذٍ لَا جُمُعَةَ فِيهَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مُقَصِّرًا وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ لِإِطْلَاقِهِمْ وَالثَّانِي أَقْرَبُ لِلْمَعْنَى وَكَوْنُ جُمُعَةِ بَلَدِهِ هِيَ الْأَصْلِيَّةُ فِي حَقِّهِ فَإِذَا فَاتَتْ وَجَبَ عَلَيْهِ الظُّهْرُ أَدَاءً لَا قَضَاءً بِأَمْرٍ جَدِيدٍ لَا بَدَلَ عَنْ الْجُمُعَةِ لَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَ وَاحِدٍ مِنْ الِاحْتِمَالَيْنِ لَكِنَّ تَعَرُّضَ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِلصِّحَّةِ إذَا خَرَجَ وَصَلَّاهَا مَعَ أَهْلِ الْبَلَدِ الْأُخْرَى دُونَ الْوُجُوبِ قَدْ يُومِئ إلَى تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يُكْرَهُ السَّفَرُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى قَوْلِ الْغَزَالِيِّ فِي الْخُلَاصَةِ مَنْ سَافَرَ لَيْلَتَهَا دَعَا عَلَيْهِ مَلَكَاهُ الْكَرَاهَة. وَهُوَ مُتَّجَهٌ إنْ قَصَدَ بِذَلِكَ الْفِرَارَ مِنْ الْجُمُعَةِ قِيَاسًا عَلَى بَيْعِ النِّصَابِ الزَّكَوِيِّ قَبْلَ الْحَوْلِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْحَوْلَ ثَمَّ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ انْعَقَدَ فِي حَقِّهِ بِخِلَافِهِ هُنَا وَكَأَنَّ هَذَا هُوَ مَدْرَكُ قَوْلِ بَعْضِهِمْ لَمْ أَرَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَصْحَاب مَا يَقْتَضِي الْكَرَاهَة. (وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاته بِمَا صُورَته تَقَدَّمَ إحْرَامُ أَرْبَعِينَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ عَلَى إحْرَامِ مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ كَغَيْرِ الْمُسْتَوْطِنِ هَلْ هُوَ شَرْطٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ذَكَرَ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ أَنَّهُ شَرْطٌ وَتَبِعَهُمَا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْمُوَافِقُ لِإِطْلَاقِهِمْ خِلَافُهُ وَمِنْ ثَمَّ ضَعَّفَ مَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مُتَأَخِّرُونَ. وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي التَّأَخُّر خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَلَا تَفُوتُهُ بِذَلِكَ فَضِيلَةُ التَّحَرُّم فِيمَا يَظْهَرُ لِأَنَّهُ تَأَخَّرَ لِعُذْرٍ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا صُورَته صَحَّ أَنَّ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْخَطِيبُ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الصَّلَاةُ فَهَلْ هَذَا فِي كُلِّ خَطِيبٍ أَوْ لَا فَإِنَّ أَوْقَاتَ الْخُطَبِ تَخْتَلِفُ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ تَعَدُّدُ سَاعَةِ الْإِجَابَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَمْ يَزَلْ فِي نَفْسِي مُنْذُ سِنِينَ حَتَّى رَأَيْت النَّاشِرِيَّ نَقَلَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ سَاعَةُ الْإِجَابَةِ فِي جَمَاعَةٍ غَيْرَهَا فِي حَقِّ آخَرِينَ وَهُوَ غَلَطٌ ظَاهِرٌ وَسَكَتَ عَلَيْهِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ سَاعَةُ الْإِجَابَةِ فِي حَقِّ كُلِّ خَطِيبٍ وَسَامِعِيهِ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ إلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الصَّلَاةُ كَمَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ فَلَا دَخْلَ لِلْعَقْلِ فِي ذَلِكَ بَعْدَ صِحَّةِ النَّقْلِ فِيهِ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَمَّنْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً وَقْتَ الْخُطْبَةِ هَلْ يُصَلِّيهَا وَيَتْرُكُ سَمَاعَ الْخُطْبَةِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يُصَلِّي الْفَائِتَة الَّتِي تَذَكَّرَهَا وَقْتَ الْخُطْبَةِ. (وَسُئِلَ) عَنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ فِي مَسْجِدٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهَا نَحْوَ أَرْبَعمِائَةِ ذِرَاعٍ وَالْحَالُ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ

الْجُمُعَةَ فِيهِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَأَنَّ بِالْقَرْيَةِ الْمَذْكُورَةِ مَسْجِدًا لَطِيفًا وَقُدَّامُهُ رِحَابٌ فَهَلْ لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنْ يُصَلُّوا فِيهِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ الْمُنْفَصِلِ عَنْهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ الْمَسْجِدُ الْمُنْفَصِلُ مُعَدًّا مِنْ حَرِيمِ الْبَلَدِ بِأَنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ كَانَ كَاَلَّذِي بَيْنَ عُمْرَانِهَا فَلِأَهْلِ الْبَلَدِ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي أَحَدِهِمَا وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْهَا فَإِنْ جَاوَزَ حَرِيمَهَا كَالْمَذْكُورِ فِي السُّؤَالِ فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ حَرِيمَ الْبَلَدِ لَا يَبْلُغُ أَرْبَعمِائَةِ ذِرَاعٍ لَمْ يَجُزْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا ثُمَّ خَرِبَ مَا حَوْلَهُ أَمْ لَا خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ. (وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاته لَوْ اتَّصَلَتْ قَرْيَتَانِ فَهَلْ يَجُوزُ تَعَدُّدُ الْجُمُعَةِ فِيهِمَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُمْ حَيْثُ عَدُّوهُمَا كَالْقَرْيَةِ الْوَاحِدَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُجَاوَزَةِ عُمْرَانِهِمَا فِي السَّفَرِ امْتَنَعَ تَعَدُّدُهَا وَإِلَّا جَازَ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي تَوْجِيهِ تَعَدُّدِ الْجُمُعَةِ فِي بَغْدَادَ أَنَّهَا كَانَتْ قُرًى ثُمَّ اتَّصَلَتْ وَلَا فَرْقَ حَيْثُ اتَّصَلَتَا الِاتِّصَالَ الَّذِي ذَكَرُوهُ بَيْنَ أَنْ يَتَمَيَّزَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِاسْمٍ أَوْ لَا وَلَا بَيْنَ أَنْ يَحْجِزَ بَيْنَ بَعْضِ جَوَانِبَهُمَا نَهْرٌ أَوْ لَا. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ ذَكَرُوا أَنَّ أَهْلَ الْبَلَدِ الَّذِينَ لَا يُمْكِنُهُمْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ بِبَلَدِهِمْ إذَا سَمِعُوا النِّدَاءَ تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ فَإِنْ كَانَتْ فِي وَهْدَةٍ أَوْ قُلَّةِ جَبَلٍ قُدِّرَتْ مُعْتَدِلَةً فَإِنْ سُمِعَتْ لَزِمَتْهُمْ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا فَلَا هَلْ يَشْمَلُ ذَلِكَ مَا لَوْ كَانَتْ الْوَهْدَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَجْهِ الْأَرْضِ يَوْمَانِ أَوْ أَكْثَرُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَشْمَلُ ذَلِكَ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُمْ أَيْضًا يَجِبُ عَلَى بَعِيدِ الدَّارِ السَّعْيُ قَبْلَ الْوَقْتِ إذْ قَوْلُهُمْ قَبْلَ الْوَقْتِ يَشْمَلُ مَا قَبْلَ الْفَجْرِ وَقَوْلُهُمْ يَجِبُ السَّعْيُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ إذْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ بَطِيءَ الْمَشْيِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَصِلَ لِبَلَدِ الْجُمُعَةِ إلَّا إنْ سَافَرَ مِنْ يَوْمِ الْخَمِيسِ وَجَبَ عَلَيْهِ السَّعْيُ مِنْ حِينَئِذٍ. وَلَا يُسْتَبْعَدُ ذَلِكَ لِأَنَّ الصُّورَةَ أَنَّهُ انْتَفَتْ عَنْهُ سَائِرُ أَعْذَارِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَمِنْ هَذَا يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُمْ سَائِرُ أَعْذَارِ الْجَمَاعَة عُذْرٌ لِلْجُمُعَةِ إلَّا نَحْوَ الرِّيحِ الْعَاصِفَةِ بِاللَّيْلِ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ فَإِنَّهُ حَيْثُ سُلِّمَ وُجُوبُ السَّعْيِ لَيْلًا يَنْبَغِي بَلْ يَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ الرِّيحُ الْعَاصِفَةُ بِاللَّيْلِ عُذْرًا فِي حَقِّهِ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ تِلْكَ الْقَرْيَةَ الَّتِي تَحْتَ الْأَرْضِ إنْ كَانَتْ فِي سِرْبٍ نَازِلٍ عَلَى الِاسْتِوَاءِ اعْتَبَرْنَاهَا عَلَى رَأْسِهِ أَوْ مَعَ انْحِرَافٍ اعْتَبَرْنَاهَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ الْمُسَامِتِ لَهَا لَا عَلَى رَأْسِ السِّرْبِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ قَالُوا لَا بُدَّ فِي إقَامَةِ الْجُمُعَةِ أَنْ تَكُونَ فِي مَحَلٍّ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ فِيهِ فَهَلْ إذَا أَقَامَهَا مَنْ دُورُهُمْ خَارِجَ السُّورِ وَتَكَمَّلُوا بِوَاحِدٍ مِمَّنْ دَارُهُ دَاخِلَ السُّورِ تَنْعَقِدُ بِهِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِهِ لِأَنَّهُ فِي مَحَلٍّ يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ فِيهِ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَالْمُسَافِرِ إذْ لَيْسَ هُوَ دَارَ إقَامَتِهِ وَلَوْ دَخَلَ مَنْ دَارُهُ خَارِجَ السُّورِ إلَى دَاخِلِهِ انْعَقَدَتْ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ عَلَى مَا أَفْتَيْتُ بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ السَّفَرَ وَاحْتَاجَ إلَى قَصْرٍ دَاخِلَ السُّورِ لِكَوْنِهِ فِي مَقْصِدِهِ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ السُّورِ ثُمَّ يُجَاوِزَ الْعُمْرَانَ الَّذِي وَرَاءَهُ لِأَنَّ السُّورَ لَا عِبْرَةَ بِهِ فِي حَقِّهِ وَإِنَّمَا الْعُمْرَانُ الَّذِي خَارِجَهُ كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ دَارُ إقَامَتِهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا صُورَتُهُ قَبَضَ الْخَطِيبُ حَرْفَ الْمِنْبَرِ الْمُعْوَجِّ وَنَحْوِهِ فَهَلْ تَبْطُلُ خُطْبَتُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ لَمْ يُؤَثِّرْ كَمَا لَوْ جَعَلَهَا عَلَى حَبْلٍ مُتَّصِلٍ بِكَلْبٍ وَإِنْ وَضَعَهَا مَعَ قَبْضٍ فَتَارَةً يَكُونُ صَغِيرًا بِحَيْثُ يَنْجَرُّ بِجَرِّهِ فَتَبْطُلُ خُطْبَتُهُ كَمَا لَوْ قَبَضَ حَبْلًا مُتَّصِلًا بِسَفِينَةٍ صَغِيرَةٍ فِيهَا نَجَسٌ وَتَارَةً يَكُونُ كَبِيرًا بِحَيْثُ لَا يَنْجَرُّ بِجَرِّهِ فَلَا يُؤَثِّرُ كَالسَّفِينَةِ الْكَبِيرَةِ وَلَا فَرْقَ فِي النَّجَاسَةِ الَّتِي عَلَيْهِ بَيْنَ ذَرْقِ الطُّيُورِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَنَّ حَمْلَ مَا فِيهِ ذَرْقُهَا لَا يُعْفَى عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ تَبَعًا لِبَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَإِنْ عُفِيَ عَنْ الْوُقُوفِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لَائِحٌ لَكِنْ اعْتَمَدَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا الْعَفْوَ عَنْهُ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَالْمَكَانِ وَهُوَ حَسَنٌ لَوْ سَاعَدَهُ عَلَيْهِ نَقْلٌ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِمَا صُورَته سَلَّمَ الْإِمَامُ فِي الْوَقْتِ وَالْمَأْمُومُونَ خَارِجَهُ فَهَلْ تَصِحُّ جُمُعَتُهُ أَوْ لَا وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ بَانُوا مُحْدِثِينَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ بَلْ صَرِيحُهُ عَدَمُ صِحَّةِ جُمُعَةِ الْإِمَامِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَوْلَى وَعَلَيْهِ فَفَارَقَ وَمَا ذُكِرَ بِأَنَّ صُورَةَ الْجُمُعَةِ

وَقَعَتْ فِي الْوَقْتِ فَصَحَّتْ مِنْ الْإِمَامِ رِعَايَةً لِذَلِكَ وَبِأَنَّ الْمُحْدِثَ قَدْ تَصِحُّ مِنْهُ الصَّلَاةُ كَفَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ خَارِجَ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ صِحَّتُهَا وَبِأَنَّ أَمْرَ الْجُمُعَةِ إلَى الْإِمَامِ فَتَأْخِيرُهَا تَقْصِيرٌ مِنْهُ بِخِلَافِ تَبَيُّنِ حَدَثِهِمْ فَإِنَّهُ لَا حِيلَةَ لَهُ فِيهِ وَمُقْتَضَى هَذَا الْأَخِيرِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَقْصِيرٌ بِالتَّأْخِيرِ صَحَّتْ جُمُعَتُهُ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَقَالَ إنَّهُ الْأَوْجَهُ وَفِيهِ وَقْفَةٌ بَلْ الْأَوْجَهُ مَا اقْتَضَاهُ الْفَرْقَانِ الْأَوَّلَانِ مِنْ عَدَمِ صِحَّتِهَا مِنْهُ مُطْلَقًا لِأَنَّ اعْتِنَاءَ الشَّارِعِ بِالْوَقْتِ أَكْثَرُ مِنْهُ بِالْعَدَدِ وَلِذَا اخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْعَدَدِ فِي مَسْأَلَةِ الِانْقِضَاضِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي الْوَقْتِ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِمَا صُورَته قَالُوا فِي غُسْلِ الْجُمُعَةِ يُكْرَهُ تَرْكُهُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ مَخْصُوصٌ فَمَا سَبَبُ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ عَلَّلُوا الْكَرَاهَة بِتَأَكُّدِهِ بِكَثْرَةِ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَة الْحَاثَّةِ عَلَيْهِ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ كَذَلِكَ بِأَنْ وَرَدَتْ فِيهِ أَخْبَارٌ صَحِيحَةٌ كَثِيرَةٌ بِطَلَبِهِ يُكْرَهُ تَرْكُهُ وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ مَا اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ أَوْ حُرْمَتِهِ فَيُكْرَهُ تَرْكُهُ أَوْ فِعْلُهُ بِالْأَوْلَى وَيَصِيرُ تَأَكُّدُ طَلَبِهِ أَوْ الِاخْتِلَافُ فِي وُجُوبِهِ أَوْ حُرْمَتِهِ بِمَنْزِلَةِ النَّهْيِ الْمَخْصُوصِ وَإِذَا تَأَمَّلْتَ مَا قَرَّرْته هُنَا عَلِمْتَ أَنَّ قَوْلَ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ يُكْرَهُ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى السُّنَنِ الْمُتَأَكِّدَةِ أَوْ الْمُخْتَلَفِ فِي وُجُوبِهَا كَالسُّورَةِ وَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَإِلَّا فَإِطْلَاقُهُ الْكَرَاهَة لَا يَتَمَشَّى عَلَى اصْطِلَاحِهِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْمَكْرُوه مِنْ كَوْنِهِ مُغَايِرًا لِخِلَافِ الْأَوْلَى. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَوْلِهِمْ يُشْتَرَطُ فِي خَلِيفَةِ الْجُمُعَةِ أَنْ يَكُونَ مُقْتَدِيًا بِالْإِمَامِ قَبْلَ حَدَثِهِ هَلْ يَشْمَلُ الْمُتَنَفِّلَ وَغَيْرَهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا بُدَّ مِنْ اقْتِدَائِهِ بِهِ قَبْلَ حَدَثِهِ وَإِلَّا لَأَدَّى إلَى إنْشَاءِ جُمُعَةٍ بَعْدَ انْعِقَادِ أُخْرَى أَوْ إلَى جَعْلِهَا ظُهْرًا قَبْلَ فَوْتِ الْجُمُعَةِ وَلَا يُرَدُّ الْمَسْبُوقُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَا مُنْشِئٌ قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ نَعَمْ لَوْ كَانَ غَيْرَ الْمُقْتَدِي لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ نَاوِيًا غَيْرَهَا فَلَا يَخْفَى جَوَازُهُ اهـ وَلِلنَّظَرِ فِيهِ مَجَالٌ إذْ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ تُنَازِعُ فِيهِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ سَافَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ بَلَدِهِ قَبْلَ الْفَجْرِ إلَى بَلَدٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَهَا نَحْوَ مِيلٍ بَلْ أَقَلَّ وَنِيَّتُهُ الْعَوْدُ مِنْهَا بَعْدَ الْجُمُعَةِ أَوْ يَوْمَ السَّبْتِ فَهَلْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ فِي تِلْكَ الْبَلَدِ مَعَ سَمَاعِهِ النِّدَاءَ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ فِي بَابِ السَّفَرِ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُهُ لِقَوْلِهِمْ لَا يَنْقَطِعُ سَفَرُهُ بِوُصُولِهِ مَقْصِدَهُ إلَّا إنْ نَوَى الْإِقَامَةَ مُطْلَقًا أَوْ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ لِأَنَّهَا إذَا لَزِمَتْ فِي بَلَدٍ أُخْرَى بِسَمَاعِ النِّدَاءِ فَهَذَا أَوْلَى وَقَوْلُهُمْ السَّابِقُ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى انْقِطَاعِ السَّفَرِ الْمُجَوِّزِ لِلْقَصْرِ لَا الْمُسْقِطِ لِلْجُمُعَةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَلَوْ كَانَ لَهُ بِتِلْكَ الْبَلْدَةِ زَوْجَةٌ يَأْتِيهَا كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ فَهَلْ يُقَالُ لَا تَلْزَمُهُ أَوْ يُقَالُ تَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى مُقِيمًا بِمُجَرَّدِ وُصُولِهِ لِأَنَّهَا وَطَنٌ لَهُ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَلَعَلَّ الْأَقْرَبَ الثَّانِي وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ الْعِبْرَةُ فِي الْوَطَنِ إذَا كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ بِكُلٍّ مِنْ بَلَدَيْنِ بِمَا كَثُرَتْ إقَامَتُهُ فِيهِ لِأَنَّ ذَاكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَطَنِ طَنِ الْمُقْتَضِي لِكَوْنِ الْجُمُعَةِ مُنْعَقِدَةً بِهِ وَأَمَّا مُطْلَقُ الْوَطَنِ الَّذِي تَلْزَمُ بِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّاجِرَ وَالْفَقِيهَ إذَا كَانَ عَزَمَ كُلٌّ عَلَى الْعَوْدِ إلَى بَلَدِهِ. وَلَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ بَلَدٍ بِهَا جَامِعَانِ قَدِيمَانِ وَأَحَدُهُمَا أَقْدَمُ وَأَصْغَرُ لَكِنَّهُ لَا يَسَعُ أَهْلَهَا إذَا اجْتَمَعُوا فِيهِ لِلْجُمُعَةِ فَأَمَرَ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ أَهْلَهَا بِعَدَمِ تَعَدُّدِ الْجُمُعَةِ فَخَالَفُوا فَهَلْ تَصِحُّ صَلَاتُهُمْ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَعْتَقِدُ جَوَازَ التَّعَدُّدِ وَهَلْ بِمُخَالَفَتِهِمْ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ يَحِلُّ لَهُ رِقَابُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ لِتَرْكِهِمْ الصَّلَاةَ وَيُفَسَّقُونَ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُمْ وَهَلْ إذَا انْتَقَلَ أَحَدُ إمَامَيْ الْجَامِعَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَهُوَ حَنْبَلِيٌّ إلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَقَالَ أَنَا عِفْت مَذْهَبَ أَحْمَدَ وَتَرَكْتُهُ يُعَزَّرُ وَيَصِيرُ بِذَلِكَ مَالِكِيًّا وَهَلْ انْتِقَالُهُ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ جَائِزٌ وَتَصِحُّ إمَامَتُهُ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ مِنْ الْمَعْلُوم الْمُقَرَّر أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا يَجُوزُ تَعَدُّدُهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعِنْدَ كَثِيرِينَ مِنْ الْعُلَمَاء إلَّا إنْ اُحْتِيجَ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ مَحَلٌّ يَسَعُ أَهْلَهَا فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ التَّعَدُّدُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَقَطْ وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِإِقَامَتِهَا الْمَسْجِدُ بَلْ مَتَى كَانَ فِي الْبَلَدِ مَحَلٌّ يَسَعُ أَهْلَهَا وَلَوْ غَيْرَ مَسْجِدٍ وَجَبَتْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهِ وَأَنَّهُ إذَا وَقَعَ تَعَدُّدٌ غَيْرُ مُحْتَاجٍ.

إلَيْهِ كَانَتْ الْجُمُعَةُ الصَّحِيحَةُ هِيَ السَّابِقَةُ وَالْعِبْرَةُ فِي السَّبْقِ بِالتَّحَرُّمِ لَا بِغَيْرِهِ وَأَنَّ الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ إذَا أَمَرَ بِمَا لَا مَعْصِيَةَ فِيهِ وَجَبَ امْتِثَالُ أَمْرِهِ وَعَلَى مَنْ خَالَفَهُ التَّعْزِيرُ الشَّدِيدُ الزَّاجِرُ لِأَمْثَالِهِ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْعَامِّيِّ أَيْ مَنْ لَمْ يَتَأَهَّلْ لِمَعْرِفَةِ الْأَدِلَّةِ عَلَى قَوَانِينِهَا تَقْلِيدُ مَنْ شَاءَ مِنْ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَغَيْرِهِمَا مَا لَمْ يَتَتَبَّعْ الرُّخَصَ أَوْ يَحْصُلْ تَلْفِيقٌ لَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ مِمَّنْ قَلَّدَهُمْ فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَوَاعِدُ عُلِمَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ الْمُقَلِّدِينَ لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الِاجْتِمَاعُ لِلْجُمُعَةِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَلَدِ حَيْثُ أَمْكَنَ. وَمَتَى خَالَفُوا ذَلِكَ وَصَلَّوْا صَلَاةً فَاسِدَةً أَثِمُوا وَفَسَقُوا وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ وَعَزَّرَهُمْ الْإِمَامُ التَّعْزِيرَ الْبَلِيغَ لَكِنْ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُمْ إلَّا إنْ تَرَكُوا الْجُمُعَةَ وَإِنْ قَالُوا نُصَلِّي الظُّهْرَ بَدَلَهَا فَيَسْتَتِيبُهُمْ الْإِمَامُ فَإِنْ أَبَوْا قَتَلَهُمْ قَتْلَ تَارِكِ الصَّلَاةِ بِشَرْطِهِ الْمَعْرُوفِ فِي بَابِهِ وَلَا تَحِلُّ أَمْوَالُهُمْ إلَّا إنْ اسْتَحَلُّوا تَرْكَ فَرْضِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ سَوَاءٌ الْجُمُعَةُ وَغَيْرُهَا فَإِنَّهُمْ حِينَئِذٍ يَكُونُونَ مُرْتَدِّينَ فَإِذَا قَتَلَهُمْ بِذَلِكَ كَانَتْ أَمْوَالُهُمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَفِيمَا عَدَا مَا ذُكِرَ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُمْ وَلَا أَمْوَالُهُمْ إلَّا إنْ بَغَوْا عَلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ فَلَهُ قِتَالُهُمْ كَالْبُغَاةِ إنْ وَجَدَ فِيهِمْ شُرُوطَهُمْ الْمُقَرَّرَةَ فِي بَابِهَا. وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِكَوْنِ الْإِمَامِ مَالِكِيًّا أَوْ غَيْرَهُ بَلْ إذَا عَدَّدَ الْجُمُعَةَ مَنْ يُجَوِّزُ مَذْهَبُهُ التَّعَدُّدَ وَجَبَ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلَدِ أَنْ يُصَلُّوا مَعَ السَّابِقَةِ فَإِنْ لَمْ يُدْرَ سَبْقٌ أَوْ عُلِمَتْ مَعِيَّةٌ أَوْ سَبْقٌ دُونَ السَّابِقِ أَوْ سَبْقٌ وَسَابِقٌ وَنُسِيَتْ عَيْنُهُ أَوْ شُكَّ فِي السَّبْقِ أَوْ الْمَعِيَّةِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ فِيمَا عَدَا الْحَالَةَ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ ثَانِيًا لِعَدَمِ وُقُوعِ جُمُعَةٍ مُجْزِئَةٍ مِنْهُمْ وَفِي الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ إقَامَتُهَا ظُهْرًا وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالتَّقْلِيدِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ الْعَمَلِ عَلَى مَذْهَبِ إمَامٍ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ وَمِنْ وُجُودِ الشُّرُوطِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ. وَقَوْلُ الْحَنْبَلِيِّ الْمَذْكُورُ مَا ذُكِرَ عَنْهُ إنْ أَرَادَ تَنْقِيصَ مَذْهَبِ أَحْمَدَ أَوْ تَنْقِيصَ مِقْدَارِهِ أُدِّبَ التَّأْدِيبَ الْبَلِيغَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الِانْتِقَالُ عَنْ مَذْهَبِهِ لِمَذْهَبٍ آخَرَ لِقَصْدِ أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ فَيُعَزَّرُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا وَيُصَدَّقُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ فِي كَوْنِهِ انْتَقَلَ لَا لِقَصْدٍ دُنْيَوِيٍّ وَحَيْثُ صَحَّ تَقْلِيدُهُ لِإِمَامٍ مُجْتَهِدٍ جَازَتْ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ مَا لَمْ يَرْتَكِبْ مُبْطِلًا فِي اعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ. وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّ الْإِمَامَ أَوْ نَائِبَهُ إذَا أَمَرَ بِعَدَمِ تَعَدُّدِ الْجُمُعَةِ فِي بَلَدٍ وَجَبَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِهَا وَإِنْ كَانُوا أَوْ بَعْضُهُمْ مُقَلِّدِينَ لِمَنْ يُجَوِّزُ التَّعَدُّدَ امْتِثَالُ أَمْرِهِ وَتَرْكُ التَّعَدُّدِ فَإِنْ خَالَفُوا عَزَّرَهُمْ وَأَثِمُوا وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ. كَمَا مَرَّ وَلَا تَحِلُّ أَمْوَالُهُمْ وَلَا رِقَابُهُمْ إلَّا بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ وَمُجَرَّدُ مُخَالَفَةِ الْوَاجِبَاتِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا أَوْ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا لَا يَقْتَضِي كُفْرًا وَلَا حُرْمَةَ زَوْجَةٍ وَإِنْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ تَحْلِيلُ حَرَامٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ مَعْلُومٍ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ كَالزِّنَا أَوْ تَحْرِيمُ حَلَالٍ كَذَلِكَ كَالنِّكَاحِ كَانَ ذَلِكَ التَّحْلِيلُ أَوْ التَّحْرِيمُ هُوَ الْكُفْرُ وَالرِّدَّةُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْءُ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ وَيُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَرْيَةٍ لَمْ تُقَمْ فِيهَا الْجُمُعَةُ إلَّا فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ وَإِمَامُ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ لَمْ يُحْسِنْ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَغَيْرُهُ يُحْسِنُ قِرَاءَتَهَا فَهَلْ يَكُونُ لِذَلِكَ الْغَيْرِ الَّذِي يُحْسِنُ قِرَاءَتَهَا عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ أَوْ لَا وَإِذَا حَضَرَ ذَلِكَ الشَّخْصُ الَّذِي يُحْسِنُ قِرَاءَتَهَا وَصَلَّى الْجُمُعَةَ مُقْتَدِيًا بِالْإِمَامِ الَّذِي لَمْ يُحْسِنْ قِرَاءَتَهَا فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ مَرَّةً ثَانِيَةً أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ لَهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِمَنْ لَا يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ، وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ إحْسَانِ الْقِرَاءَةِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ يُبْدِلُ حَرْفًا بِآخَرَ أَوْ يَلْحَنُ لَحْنًا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى أَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّا إذَا جَلَسَ الْخَطِيبُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ هَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ فِي جُلُوسِهِ دُعَاءٌ أَوْ قِرَاءَةٌ أَوْ لَا وَهَلْ يُسَنُّ لِلْحَاضِرِينَ. حِينَئِذٍ أَنْ يَشْتَغِلُوا بِقِرَاءَةٍ أَوْ دُعَاءٍ أَوْ صَلَاةٍ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَفْعِ الصَّوْتِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: ذُكِرَ فِي الْعُبَابِ أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ قِرَاءَةُ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ وَقُلْتُ فِي شَرْحِهِ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِنَدْبِهَا بِخُصُوصِهَا فِيهِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ السُّنَّةَ قِرَاءَةُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فِيهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ ابْنِ حِبَّانَ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فِي جُلُوسِهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ السُّنَّةَ ذَلِكَ فَهِيَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا لِمَزِيدِ ثَوَابِهَا

وَفَضَائِلِهَا وَخُصُوصِيَّاتِهَا قَالَ الْقَاضِي وَالدُّعَاءُ فِي هَذِهِ الْجِلْسَةِ مُسْتَجَابٌ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَيُؤْخَذُ مِمَّا ذُكِرَ عَنْ الْقَاضِي أَنَّ السُّنَّةَ لِلْحَاضِرِينَ الِاشْتِغَالُ وَقْتَ هَذِهِ الْجِلْسَةِ بِالدُّعَاءِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ مُسْتَجَابٌ حِينَئِذٍ وَإِذَا اشْتَغَلُوا بِالدُّعَاءِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ سِرًّا لِمَا فِي الْجَهْرِ مِنْ التَّشْوِيشِ عَلَى بَعْضِهِمْ وَلِأَنَّ الْإِسْرَارَ هُوَ الْأَفْضَلُ فِي الدُّعَاءِ إلَّا لِعَارِضٍ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّا إذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ فَأَدْرَكَ مَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ مِنْ الْمَعْذُورِينَ أَوْ مَنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ فَهَلْ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَعَهُمْ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا تَجُوزُ الْإِعَادَةُ فِيمَا ذُكِرَ. كَمَا جَزَمْتُ بِهِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَعِبَارَتُهُ وَدَخَلَ فِي الْمَكْتُوبَةِ فَتُسَنُّ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ إعَادَتُهَا عِنْدَ جَوَازِ التَّعَدُّدِ أَوْ سَفَرِهِ لِبَلَدٍ آخَرَ وَرَآهُمْ يُصَلُّونَهَا وَلَوْ صَلَّى مَعْذُورٌ الظُّهْرَ ثُمَّ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ أَوْ مَعْذُورِينَ يُصَلُّونَ الظُّهْرَ سُنَّتْ لَهُ الْإِعَادَةُ فِيهِمَا وَلَا يَجُوزُ إعَادَةُ الْجُمُعَةِ ظُهْرًا وَكَذَا عَكْسُهُ لِغَيْرِ الْمَعْذُورِ انْتَهَتْ وَوَجْهُ الْمَنْعِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ أَنَّ الْإِعَادَةَ إنَّمَا نُدِبَتْ لِتَحْصِيلِ كَمَالٍ فِي فَرِيضَةِ الْوَقْتِ يَقِينًا إنْ صَلَّى الْأُولَى مُنْفَرِدًا أَوْ ظَنًّا أَوْ رَجَاءً إنْ صَلَّاهَا جَمَاعَةً وَلَوْ بِجَمَاعَةٍ أَكْمَلَ ظَاهِرًا وَمَنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ كَانَتْ هِيَ فَرْضُ وَقْتِهِ فَإِعَادَتُهُ الظُّهْرَ لَا تَرْجِعُ بِكَمَالٍ عَلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي هِيَ فَرْضُ وَقْتِهِ أَصْلًا فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي إعَادَةِ الظُّهْرِ كَمَالٌ يَرْجِعُ لِفَرْضِ الْوَقْتِ امْتَنَعَتْ إعَادَةُ الظُّهْرِ لِأَنَّهَا عَبَثٌ وَالْعِبَادَةُ يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَحَلِّ وُرُودِهَا أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ الْخَطِيبِ إذَا اقْتَصَرَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ عَلَى الْأَرْكَانِ بِأَنْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ اتَّقُوا اللَّهَ وَقَرَأَ آيَةً وَفِي الثَّانِيَةِ أَتَى بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَيَرْحَمْكُمْ اللَّهُ هَلْ يُجْزِئُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إذَا اقْتَصَرَ عَلَى أَرْكَانِ الْخُطْبَتَيْنِ وَأَتَى بِشُرُوطِهِمَا أَجْزَأَهُ وَهَذَا ظَاهِرٌ جَلِيٌّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) أَدَامَ اللَّهُ النَّفْعَ بِعُلُومِهِ مَا الْحِكْمَةُ فِي سَنِّ غُسْلِ غَاسِلِ الْمَيِّتِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حِكْمَةُ ذَلِكَ أَنَّ فِي مُمَاسَّةِ الْمَيِّتِ تَقْذِيرًا لِلْبَدَنِ فَطُلِبَ مِنْهُ إزَالَةُ ذَلِكَ الْقَذَرِ بِغَسْلِ جَمِيعِ بَدَنِهِ وَأَيْضًا فَذَلِكَ الْقَذَرُ مِمَّا يَجُرُّ لِلْبَدَنِ فُتُورًا فَطُلِبَ إنْعَاشُهُ بِالْمَاءِ كَمَا أَنَّ الْحَمَّامَ لَمَّا كَانَ يَجُرُّ فُتُورًا لِلْبَدَنِ فَطُلِبَ الْغُسْلُ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْهُ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ لِيُحَصِّلَ ذَلِكَ الْإِنْعَاشَ وَيَزُولَ ذَلِكَ الْفُتُورُ فَتُقْبِلُ النَّفْسُ حِينَئِذٍ عَلَى عِبَادَتِهَا وَنَحْوِهَا بِأَعْظَمِ قَابِلِيَّةٍ وَأَتَمِّ تَوَجُّهٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا رَقَى الْخَطِيبُ الْمِنْبَرَ هَلْ يَلْتَفِتُ لِاسْتِقْبَالِهِمْ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي يَنْبَغِي أَنَّهُ يَلْتَفِتُ يَمِينًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ جُلُوسُهُ وَكَذَا وُقُوفُهُ كَمَا يُفْهِمُهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ بِجَانِبِ الْمِنْبَرِ الْأَيْمَنِ إنْ وَسِعَ فَإِذَا آثَرَ الْجَانِبَ الْأَيْمَنَ بِالْجُلُوسِ أَوْ الْوُقُوفِ فَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤْثِرَ جِهَةَ الْيَمِينِ بِأَنْ يَجْعَلَ الِالْتِفَاتَ مِنْهَا عَلَيْهِمْ ثُمَّ رَأَيْتُ الْأَصْبَحِيَّ قَالَ فِي فَتَاوِيهِ إذَا رَقَى الْخَطِيبُ الْمِنْبَرَ هَلْ يَلْتَفِتُ عَلَى يَمِينِهِ إلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ أَمْ عَلَى شِمَالِهِ إلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ أَجَابَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَالِانْصِرَافِ مِنْ الصَّلَاةِ وَفِيهِ كَلَامٌ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ اهـ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرْتُهُ لِأَنَّ الِانْصِرَافَ مِنْ الصَّلَاةِ. يَكُونُ إلَى الْيَمِينِ حَيْثُ لَا حَاجَةَ فِي جِهَةٍ أُخْرَى وَلَوْ قَاسَهُ بِالْتِفَاتِ الْإِمَامِ إلَى الْمَأْمُومِينَ بَعْدَ السَّلَامِ إلَى فَرَاغِ الدُّعَاءِ لَكَانَ أَقْرَبَ فِي الْقِيَاسِ وَهَذَا الِالْتِفَاتُ يَكُونُ إلَى الْيَمِينِ أَيْضًا فَيَتَأَيَّدُ بِهِ مَا ذَكَرْتُهُ أَيْضًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ رَفْعِ الْيَدَيْنِ بَعْدَ فَرَاغِ الْخُطْبَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ هَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ أَوْ بِدْعَةٌ وَهَلْ الْأَوْلَى رَفْعُهُمَا فِي زَمَنِنَا هَذَا وَقَدْ اسْتَوْلَى عَلَيْنَا الْفِرِنْجُ الْمَلْعُونُونَ وَقَدْ مَنَعَ مِنْ رَفْعِهِمَا بَعْضُ فُقَهَاءِ بِلَادِنَا مُتَمَسِّكًا بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَفَعَهُمَا لِلِاسْتِسْقَاءِ لَا غَيْرُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِقَوْلِهِ: رَفْعُ الْيَدَيْنِ سُنَّةٌ. فِي كُلِّ دُعَاءٍ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَرْفَعْهُمَا إلَّا فِي دُعَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ فَقَدْ سَهَا سَهْوًا بَيِّنًا وَغَلِطَ غَلَطًا فَاحِشًا. وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ مَعَ شَرْحِي لَهُ (يُسَنُّ لِلدَّاعِي خَارِجَ الصَّلَاةِ رَفْعُ يَدَيْهِ الطَّاهِرَتَيْنِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ صَحِيحَةٍ فِي عِدَّةِ مَوَاطِنَ مِنْهَا الِاسْتِسْقَاءُ وَغَيْرُهُ كَمَا بَيَّنَهَا فِي الْمَجْمُوعِ. وَقَالَ مَنْ ادَّعَى حَصْرَهَا فَهُوَ.

غَالِطٌ غَلَطًا فَاحِشًا. اهـ. وَهَذِهِ لِكَوْنِهَا مُثْبَتَةً مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَتِهِمَا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الدُّعَاءِ إلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَاسْتَحَبَّ الْخَطَّابِيُّ كَشْفَهُمَا فِي سَائِرِ الْأَدْعِيَةِ وَيُكْرَهُ لِلْخَطِيبِ رَفْعُهُمَا فِي حَالِ الْخُطْبَةِ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيّ وَاحْتَجَّ لَهُ بِحَدِيثٍ فِي مُسْلِمٍ صَرِيحٍ فِيهِ رِعَايَةُ الرَّفْعِ حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إبْطَيْهِ وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثًا لَكِنْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد الْمَسْأَلَةُ أَنْ تَرْفَعَ يَدَيْك حَذْوَ مَنْكِبَيْك وَنَحْوِهِمَا. وَالِاسْتِغْفَارُ أَنْ تُشِيرَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ. وَالِابْتِهَالُ أَنْ تَمُدَّ يَدَيْك جَمِيعًا وَهُوَ يَدُلُّ لِلْأَوَّلِ. وَيَنْبَغِي حَمْلُ الثَّانِي أَيْ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ عَلَى مَا إذَا اشْتَدَّ الْأَمْرُ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي مُسْلِمٍ «مِنْ رَفْعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَيْهِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ حَتَّى رُئِيَ بَيَاضُ إبْطَيْهِ» . اهـ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْحِ الْعُبَابِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ هَلْ يَجُوزُ لِلْحَاضِرِينَ وَالْمُؤَذِّنِينَ إذَا سَمِعُوا اسْمَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ أَحَدٍ مِنْ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ أَنْ يُصَلُّوا عَلَيْهِ جَهْرًا وَيَدْعُوا لَهُمْ بِالرِّضْوَانِ وَيُؤَمِّنُوا جَهْرًا إذَا دَعَا بَعْدَ فَرَاغِ الْخُطْبَتَيْنِ أَمْ لَا أَوْ يُسْتَحَبُّ التَّرَضِّي فِي هَذَا الزَّمَانِ لِظُهُورِ الرَّافِضَةِ وَانْتِشَارِهِمْ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَمَّا حُكْمُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ سَمَاعِ ذِكْرِهِ بِرَفْعِ الصَّوْتِ مِنْ غَيْرِ مُبَالَغَةٍ فَهُوَ جَائِزٌ بِلَا كَرَاهَةٍ بَلْ هُوَ سُنَّةٌ وَعِبَارَةُ الْعُبَابِ. وَشَرْحِي لَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَا يُكْرَهُ أَيْضًا رَفْعُ الصَّوْتِ بِلَا مُبَالَغَةٍ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَرَأَ الْخَطِيبُ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] الْآيَةَ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ ذَلِكَ عَنْ الْأَصْحَابِ فَقَالَ: يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كَالتَّشْمِيتِ لِأَنَّ كُلًّا سَنَةٌ فَقَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الِاسْتِمَاعَ ضَعِيفٌ بَلْ صَوَّبَ الزَّرْكَشِيُّ خِلَافَهُ عَلَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي فَضَجَّ النَّاسُ أَنَّ هَذَا رَفْعٌ بِمُبَالَغَةٍ وَحِينَئِذٍ فَالْكَرَاهَةُ وَاضِحَةٌ كَمَا يَأْتِي فَلَمْ يُخَالِفْ غَيْرَهُ وَقَوْلُ الْكَافِي: لَا يُصَلِّي لِأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ اتِّفَاقًا وَفِي الْإِنْصَاتِ خِلَافٌ يُرَدُّ بِمَنْعِ الِاتِّفَاقِ كَيْفَ؟ وَقَدْ قَالَ أَئِمَّةٌ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ بِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلَّمَا ذُكِرَ اسْمُهُ وَفِي أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ مَا يَدُلُّ لَهُمْ كَمَا ذَكَرْتُهُ فِي تَأْلِيفٍ لِي مَبْسُوطٍ فِي أَحْكَامِهَا وَفَضَائِلِهَا وَيُقَاسُ بِذَلِكَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُؤَذِّنُونَ مِنْ رَفْعِ أَصْوَاتِهِمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ عِنْدَ تَصْلِيَتِهِ بِجَامِعِ طَلَبِ الصَّلَاةِ عِنْدَ سَمَاعِ ذِكْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا يُطْلَبُ عِنْدَ الْأَمْرِ بِهَا فِي {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْجَوَاهِرِ فِي الْحَجِّ مِنْ أَنَّهُ يُسَنُّ لِكُلِّ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِهَا لَكِنْ لَا يُبَالِغُ فِي الرَّفْعِ مُبَالَغَةً فَاحِشَةً وَقَوْلُهُ: لَكِنْ، يَرُدُّ عَلَى مَنْ قَالَ تَأْيِيدًا لِكَرَاهَةِ مَا يَفْعَلُهُ الْمُؤَذِّنُونَ لَعَلَّهُ لَمْ يُرِدْ التَّعْمِيمَ. وَقَوْلُ شَيْخِنَا: الْأَوْلَى تَرْكُ مَا يَفْعَلُونَهُ لِمَنْعِهِ الِاسْتِمَاعَ الْمَطْلُوبَ. وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ مَطْلُوبًا فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْأَوْلَى فِعْلُهُ كَالتَّشْمِيتِ وَلَا نُسَلِّمُ مَا عَلَّلَ بِهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ حَيْثُ لَا مُبَالَغَةَ فِي الرَّفْعِ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِمَاعَ وَخَرَجَ بِلَا مُبَالَغَةٍ الرَّفْعُ بِالْمُبَالَغَةِ فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَأَمَّا حُكْمُ التَّرَضِّي عَنْ الصَّحَابَةِ فِي الْخُطْبَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ سَوَاءٌ أَذَكَرَ أَفَاضِلَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ الْآنَ أَمْ أَجْمَلَهُمْ. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَا يَدْعُو فِي الْخُطْبَةِ لِأَحَدٍ بِعَيْنِهِ. فَإِنْ فَعَلَ كَرِهْتُهُ فَيُحْمَلُ عَلَى ذِكْرِ مَنْ لَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِهِ كَالدُّعَاءِ لِلسُّلْطَانِ مَعَ الْمُجَازَفَةِ فِي وَصْفِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُجَازِفْ لِأَنَّ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - دَعَا فِي خُطْبَتِهِ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأُنْكِرَ عَلَيْهِ الْبُدَاءَةُ بِعُمَرَ قَبْلَ الْبُدَاءَةِ بِأَبِي بَكْرٍ وَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ فَقَالَ لِلْمُنْكِرِ: أَنْتَ أَذْكَى مِنْهُ وَأَرْشَدُ. وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَ يَقُولُ عَلَى مِنْبَرِ الْبَصْرَةِ: اللَّهُمَّ أَصْلِحْ عَبْدَك وَخَلِيفَتَك عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ يُنْدَبُ لِلْخَطِيبِ الدُّعَاءُ لِلْمُسْلِمِينَ وَوُلَاتِهِمْ بِالصَّلَاحِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى الْحَقِّ وَالْقِيَامِ بِالْعَدْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلِجُيُوشِ الْإِسْلَامِ. اهـ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ عَلِمْتُ لِي دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً لَخَصَصْتُ بِهَا السُّلْطَانَ فَإِنَّ خَيْرَهُ عَامٌّ وَخَيْرَ غَيْرِهِ خَاصٌّ. وَأَمَّا التَّأْمِينُ عَلَى ذَلِكَ جَهْرًا فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الِاسْتِمَاعَ وَيُشَوِّشُ عَلَى الْحَاضِرِينَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا حَاجَةٍ إلَيْهِ. وَأَمَّا مَا أَطْبَقَ

النَّاسُ عَلَيْهِ مِنْ التَّأْمِينِ جَهْرًا سِيَّمَا مَعَ الْمُبَالَغَةِ فَهُوَ مِنْ الْبِدَعِ الْقَبِيحَةِ الْمَذْمُومَةِ فَيَنْبَغِي تَرْكُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ عَمَّا إذَا رَقَى الْخَطِيبُ الْمِنْبَرَ هَلْ يَلْتَفِتُ لِإِسْمَاعِهِمْ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْيَمِينَ أَوْلَى. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ عَنْ الْحِكْمَةِ فِي سَنِّ غُسْلِ غَاسِلِ الْمَيِّتِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مِنْ شَأْنِ الْمَيِّتِ أَنْ يَكُونَ بِهِ قَذَرٌ وَمِنْ شَأْنِ مَاسِّهِ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ نَوْعُ تَقَذُّرٍ مِنْهُ فَسُنَّ غُسْلُ غَاسِلِهِ لِإِزَالَةِ مَا حَصَلَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ بَلْدَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَلِلنَّصَارَى الْحَرْبِيِّينَ الْحُكْمُ عَلَيْهَا وَقَدْ تَوَافَقَتْ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُمْ أَنَّ الْوَاصِلَ مِنْهُمْ آمِنٌ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَكَذَلِكَ النَّصَارَى وَافَقُوهُمْ أَنَّ الطَّالِعَ إلَى بِلَادِهِمْ آمِنٌ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَالنَّصَارَى لَا يَدْفَعُونَ لِلْمُسْلِمِينَ مَالًا وَكُلُّ مَنْ دَخَلَ الْبَلَدَ وَكَانَ مَعَهُ مَا يَسْتَحِقُّ الْعُشُورَ أُخِذَ مِنْهُ عَلَى قَاعِدَةِ الْبَلَدِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّصَارَى ثُمَّ يُقْسَمُ مَا يُجْمَعُ النِّصْفُ لِلْمُسْلِمِينَ وَالنِّصْفُ لِلنَّصَارَى ثُمَّ إنَّ الْمُسْلِمِينَ يُقِيمُونَ الْجُمُعَةَ عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ فَهَلْ الْجُمُعَةُ صَحِيحَةٌ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْجُمُعَةُ صَحِيحَةٌ إذَا وُجِدَتْ شُرُوطُهَا وَإِنْ كَانَ الْمُقِيمُونَ لَهَا فُسَّاقًا إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي مُقِيمِهَا الْعَدَالَةُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّا إذَا سَلَّمَ إمَامُ الْجُمُعَةِ بِالْقَوْمِ وَخَلْفَهُ مَسْبُوقُونَ فَقَامُوا لِإِكْمَالِ صَلَاتِهِمْ فَهَلْ يَتَخَيَّلُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يَقْتَدِيَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ نَاوِيًا الْجُمُعَةَ وَتَحْصُلُ لَهُ لِأَنَّ شَرْطَ الْجُمُعَةِ الْجَمَاعَةُ وَوُقُوعُهَا مِنْ أَرْبَعِينَ وَقَدْ وُجِدَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَدْ ذَكَرْت فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ مَا يُفْهِمُ جَوَازَ الِاقْتِدَاءِ بِمَسْبُوقٍ أَدْرَكَ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ. إذَا قَامَ لِيَأْتِيَ بِهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَتَحْصُلُ لَهُ الْجُمُعَةُ وَعِبَارَتُهُ قَالَ أَيْ الْجَمَّالُ بْنُ كَبَّنَ حَتَّى لَوْ اقْتَدَى بِإِمَامِ الْمَسْبُوقِينَ الَّذِي مِنْهُمْ شَخْصٌ لَيْسَ مِنْهُمْ وَصَلَّى مَعَهُمْ رَكْعَةً وَسَلَّمُوا فَلَهُ أَنْ يُتِمَّهَا جُمُعَةً لِأَنَّهُ وَإِنْ اسْتَفْتَحَ الْجُمُعَةَ فَهُوَ تَابِعٌ لِلْإِمَامِ وَالْإِمَامُ مُسْتَدِيمٌ لَهَا لَا مُسْتَفْتِحٌ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَأَقَرَّهُ وَكَذَلِكَ الرِّيمِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلتَّنْبِيهِ انْتَهَتْ فَأَفْهَمَ تَعْلِيلُهُمْ الْمَذْكُورُ إدْرَاكَ الْجُمُعَةِ فِي صُورَتِنَا لِأَنَّ مَا ذَكَرُوهُ فِي صُورَتِهِمْ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَسْبُوقِينَ إذَا قَامُوا لِيُكْمِلُوا الْجُمُعَةَ جَازَ لَهُمْ أَنْ يَقْتَدُوا بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ. فَإِذَا اقْتَدَوْا بِهِ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَجَازَ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ وَيُدْرِكَ الْجُمُعَةَ لِمَا عَلَّلُوا بِهِ مِنْ أَنَّ هَذَا الْمُقْتَدِيَ وَإِنْ اسْتَفْتَحَ الْجُمُعَةَ لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْإِمَامِ وَالْإِمَامُ مُسْتَدِيمٌ لَهَا لَا مُسْتَفْتِحٌ فَلَأَنْ يَجُوزَ فِي مَسْأَلَتِنَا بِالْمُسَاوَاةِ إنْ لَمْ يَكُنْ بِالْأَوْلَى لِأَنَّ اقْتِدَاءَ مَنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ مَعَ الْإِمَامِ بِمَسْبُوقٍ قَامَ لِيُكْمِلَ مَوْجُودٌ فِيهِ مَا عَلَّلُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ تَابِعٌ لِلْإِمَامِ الْغَيْرِ الْمُسْتَفْتِحِ مَعَ زِيَادَةِ أَنَّ مَا فِي صُورَتِهِمْ فِيهِ إنْشَاءُ صُورَةِ جُمُعَةٍ بَعْدَ أُخْرَى، وَلَا كَذَلِكَ فِي صُورَتِنَا فَإِنَّ الْمَسْبُوقَ لَمَّا قَامَ لِيَأْتِيَ بِمَا عَلَيْهِ يَجُوزُ لِغَيْرِهِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ قَطْعًا وَإِنَّمَا التَّرَدُّدُ فِي أَنَّهُ إذَا اقْتَدَى بِهِ يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ أَوْ لَا وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا قَرَّرْتُهُ أَنَّهُ يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ بِعَيْنِ مَا ذَكَرُوهُ مَعَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا الْمُرَجِّحَةِ لِإِدْرَاكِهَا فِي صُورَتِنَا بِالْأَوْلَى لِأَنَّ صُورَتَهُمْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي أَصْلِ جَوَازِ الِاقْتِدَاءِ فِيهَا وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَاب امْتِنَاعُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إنْشَاءِ صُورَةِ جُمُعَةٍ بَعْدَ أُخْرَى وَمَعَ ذَلِكَ يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ فَلْيُدْرِكْهَا فِي صُورَتِنَا الَّتِي لَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ فِيهَا بِالْأَوْلَى فَإِنْ قُلْت الْقَائِلُونَ بِإِدْرَاكِهَا فِي تِلْكَ الصُّورَةِ إنَّمَا فَرَّعُوا ذَلِكَ عَلَى اخْتِيَارِهِمْ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ. أَمَّا عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ فَضْلًا عَنْ إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ فَلَا دَلِيلَ فِيمَا قَالُوهُ عَلَى مَا قَدَّمْته قُلْتُ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْمَانِعِينَ لِلِاقْتِدَاءِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ عَلَّلُوهُ بِمَا لَا يَأْتِي فِي صُورَتِنَا وَهُوَ إنْشَاءُ جُمُعَةٍ بَعْدَ أُخْرَى وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمَسْبُوقِينَ لَمَّا أَدْرَكُوا الْجُمُعَةَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ بَعْدَ سَلَامِهِ أَنْشَئُوا بِاقْتِدَائِهِمْ بِبَعْضِهِمْ قُدْوَةً أُخْرَى فِي الْجُمُعَةِ كَانُوا مُنْشَئِينَ لِصُورَةِ جُمُعَةٍ بَعْدَ أُخْرَى وَأَمَّا فِي صُورَتِنَا فَالْمُؤْتَمُّ الْمَسْبُوقُ لَمْ يُدْرِكْ جُمُعَةً وَلَا اقْتَدَى قَبْلُ بِإِمَامِ الْجُمُعَةِ فَلَمْ يَكُنْ فِي اقْتِدَائِهِ بِمَسْبُوقٍ قَامَ لِلتَّكْمِيلِ إنْشَاءُ جُمُعَةٍ لَا مَعْنًى وَلَا صُورَةً وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهِ إنْشَاءٌ رَبْطُ صَلَاتِهِ بِصَلَاةِ ذَلِكَ الْمَسْبُوقِ التَّابِعِ لِلْإِمَامِ الْمُدْرِكِ لِلْجُمُعَةِ.

وَهَذَا الرَّبْطُ يُصَيِّرُهُ تَابِعًا لِلْإِمَامِ وَمُنَزَّلًا مَنْزِلَةَ مَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً لِأَنَّ تَابِعَ التَّابِعِ تَابِعٌ وَحِينَئِذٍ اتَّضَحَ إدْرَاكُهُ لِلْجُمُعَةِ. وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِمَا اخْتَارَهُ ابْنُ كَبَّنَ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ مِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّ التَّبَعِيَّةَ لِلْإِمَامِ تَقْتَضِي الْحُكْمَ بِإِدْرَاكِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ التَّابِعُ رَكْعَةً فِي جَمَاعَةٍ أَنَّهُ لَوْ بَانَ حَدَثُ الْأَرْبَعِينَ صَحَّتْ الْجُمُعَةُ لِلْإِمَامِ وَكَذَا لِمَنْ يَقْتَدِي بِهِ تَبَعًا لَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَإِذَا صَحَّتْ لِتَابِعِهِ فِي هَذِهِ فَأَوْلَى فِي مَسْأَلَتِنَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَعْنِي سَنَةَ إحْدَى وَسِتِّينَ وَتِسْعِمِائَةِ بِدَرْسِنَا فِي رَمَضَانَ أَثْنَاءَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ إلَيْهَا أُخْرَى» . فَقُلْت يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ: مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُمُومِ أَنَّ مَنْ جَاءَ فَوَجَدَ إمَامَ الْجُمُعَةِ سَلَّمَ وَوَجَدَ مَسْبُوقًا أَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً فَاقْتَدَى بِهِ فِيهَا أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ بِنَصِّ هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْمُقْتَدِي بِهَذَا الْمَسْبُوقِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ فَطَارَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَاسْتَشْكَلَهَا الْفُضَلَاءُ وَكَأَنَّهَا لَمْ تَطْرُقْ أَسْمَاعَهُمْ إلَّا حِينَئِذٍ فَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَهَا وَصَمَّمَ غَيْرَ مُسْتَنِدٍ إلَّا لِقَضَاءِ عَقْلِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ رَجَعَ لَمَّا رَأَى بَعْضَ مَا مَرَّ وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَا فَرَّعْتُهُ عَلَى الْإِدْرَاكِ. الَّذِي أَفْتَيْتُ بِهِ أَنَّ هَذَا الْمُقْتَدِيَ لَوْ قَامَ لِيَأْتِيَ بِالرَّكْعَةِ الْبَاقِيَةِ عَلَيْهِ فَاقْتَدَى بِهِ آخَرُ أَدْرَكَ وَلَوْ اقْتَدَى بِهَذَا آخَرُ أَدْرَكَ وَلَوْ اقْتَدَى بِهَذَا آخَرُ أَدْرَكَهَا أَيْضًا وَهَكَذَا وَوَقَعَ الْمَيْلُ إلَى الْقَوْلِ بِالْإِدْرَاكِ لِأَنَّ الْكُلَّ تَبَعٌ لِلْإِمَامِ فَكَأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ أَدْرَكُوهُ فِي رَكْعَتِهِ الثَّانِيَةِ وَلَا نَظَرَ لِوُقُوعِ صَلَاتِهِمْ مَعَ انْتِفَاءِ الْعَدَدِ الْمُشْتَرَطِ بَقَاؤُهُ إلَى السَّلَامِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ التَّابِعِ كَمَا تَقَرَّرَ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا شَنَّعَ بِهِ بَعْضُ الطَّلَبَةِ أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَامَ جَمَاعَةٌ مَسْبُوقُونَ لِلتَّكْمِيلِ فَاقْتُدِيَ بِكُلِّ وَاحِدٍ أَدْرَكَ كُلٌّ الْجُمُعَةَ. وَفِي هَذَا تَعَدُّدٌ لِلْجُمُعَةِ إلَى غَايَةٍ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ كَلَامِهِمْ وَوَجْهُ انْدِفَاعِهِ مَا تَقَرَّرَ أَنَّ اقْتِدَاءَ كُلٍّ مِنْ الْجَائِينَ بِكُلٍّ مِنْ الْمَسْبُوقِينَ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ اقْتِدَائِهِمْ كُلِّهِمْ بِالْإِمَامِ فِي رَكْعَتِهِ الثَّانِيَةِ كَمَا تَقَرَّرَ فَإِنْ قُلْت هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لَوْ أَمْكَنَهُمْ كُلَّهُمْ الِاقْتِدَاءُ بِمَسْبُوقٍ وَاحِدٍ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ تَعَدُّدُ الِاقْتِدَاءِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَعَدُّدَ صُورَةِ الْجَمَاعَةِ مَعَ إمْكَانِ عَدَمِهِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْكُلَّ تَبَعٌ فِي الْحَقِيقَةِ لِلْإِمَامِ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ تَعَدُّدٌ أَصْلًا كَمَا مَرَّ. (وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ وَبَرَكَاتِ عُلُومِهِ عَنْ رَجُلَيْنِ أَحْرَمَا بِالْجُمُعَةِ مَعَ إمَامِهَا الْأَوَّلُ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ وَالثَّانِي أَدْرَكَ التَّشَهُّدَ فَقَطْ. ثُمَّ انْتَصَبَ الْإِمَامُ قَائِمًا وَلَمْ يُعْلَمْ هَلْ قَامَ سَاهِيًا أَوْ مُتَدَارِكًا فَهَلْ يَجُوزُ لَهُمَا الْقِيَامُ مَعَهُ، الْأَوَّلُ لِيُصَلِّيَ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، وَالثَّانِي لِيُدْرِكَ مَعَهُ رَكْعَةً فَيُدْرِكُ الْجُمُعَةَ أَمْ لَا يَجُوزُ لَهُمَا الْقِيَامُ لِلْجَهْلِ بِحَالِ الْإِمَامِ وَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِ الْجَوَازِ فَمَا صُورَةُ الْعِلْمِ الَّتِي يَقُومَانِ مَعَهُ لِيُدْرِكَ كُلٌّ مَعَهُ مَا ذُكِرَ كَمَا وَقَعَ فِي كَلَامِهِمْ وَمَا صُورَةُ الْعِلْمِ الَّتِي يَقُومُ فِيهَا الثَّانِي وَيَمْتَنِعُ الْأَوَّلُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يَجُوزُ لَهُ الْقِيَامُ مَعَهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ مُتَابَعَتُهُ فِي فِعْلِ السَّهْوِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ بِقَوْلِهِمْ وَلَوْ قَامَ الْإِمَامُ لِزِيَادَةٍ كَخَامِسَةٍ سَهْوًا. لَمْ يَجُزْ لَهُ مُتَابَعَتُهُ وَإِنْ كَانَ شَاكًّا فِي فِعْلِ رَكْعَةٍ أَوْ مَسْبُوقًا عَلِمَ ذَلِكَ أَوْ ظَنَّهُ وَلَا نَظَرَ إلَى احْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ رَكْعَةٍ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ عَلِمَ الْحَالَ أَوْ ظَنَّهُ وَحِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَ الْمَأْمُومُ مُوَافِقًا انْتَظَرَهُ لِأَنَّهُ أَتَمَّ صَلَاتَهُ يَقِينًا أَوْ غَيْرَ مُوَافِقٍ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الرَّكْعَةَ غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ لِلْإِمَامِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ مُتَابَعَتُهُ فِي فِعْلِ السَّهْوِ، وَصُورَةُ الْعِلْمِ فِيمَا ذُكِرَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَتَتِمُّ بِالثَّانِيَةِ وَيَبْقَى عَلَيْهِ رَكْعَةٌ فَإِذَا قَامَ وَقَامَ مَعَهُ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ أَصْلِيَّةٌ لَا زَائِدَةٌ. وَقَدْ ذَكَرْت ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ فَلْنَذْكُرْ عِبَارَتَهُ مَعَ طُولِهَا. لِمَا فِيهَا مِنْ الْفَوَائِدِ وَلَفْظُهَا مَعَ الْمَتْنِ وَلَوْ لَمْ يُدْرِكْ رُكُوعَ الثَّانِيَةِ أَوْ شَكَّ هَلْ أَدْرَكَ رُكُوعَهَا الْمُجْزِئَ أَوْ لَا لَمْ يُدْرِكْ الْجُمُعَةَ لِمَا مَرَّ سَوَاءٌ أَعَلِمَ بِالْحَالِ أَمْ لَا فَيُتِمُّهَا ظُهْرًا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي مَسْأَلَةِ الشَّكِّ لَكِنْ يُحْرِمُ بِهَا أَيْ الْجُمُعَةِ حَتْمًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ مُوَافَقَةً لِلْإِمَامِ فَقَوْلُ الْأَنْوَارِ جَوَازًا. وَقَوْلُ غَيْرِهِ نَدْبًا ضَعِيفٌ إذْ يَلْغُو عَقْدُ الظُّهْرِ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ كَمَا سَيَأْتِي لِمَا أَنَّ الْيَأْسَ مِنْهَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِسَلَامِ الْإِمَامِ إذْ قَدْ

يَتَذَكَّرُ إمَامُهُ تَرْكَ رُكْنٍ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ فَيُدْرِكُ الْجُمُعَةَ لَكِنَّ تَذَكُّرَهُ ذَلِكَ لَيْسَ بِكَافٍ وَحْدَهُ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ عِلْمِ الْمَأْمُومِ بِتَرْكِهِ لِلرُّكْنِ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ مُتَابَعَتُهُ إذَا قَامَ لِيَأْتِيَ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ مُتَابَعَتُهُ لِقَوْلِهِمْ لَوْ بَقِيَ عَلَيْهِ رَكْعَةٌ فَقَامَ الْإِمَامُ إلَى خَامِسَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ مُتَابَعَتُهُ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ تَذَكَّرَ تَرْكَ رُكْنٍ وَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ لَوْ صَلَّى الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ ثَلَاثًا نَاسِيًا فَأَدْرَكَهُ مَسْبُوقٌ فِي الثَّالِثَةِ لَمْ يُدْرِكْ الْجُمُعَةَ قَطْعًا لِأَنَّ الثَّالِثَةَ غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ لِلْإِمَامِ فَإِنْ عَلِمَ الْإِمَامُ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً سَاهِيًا فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى. انْجَبَرَتْ الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ وَصَارَتْ الثَّالِثَةُ ثَانِيَةً وَحُسِبَتْ لِلْمَسْبُوقِ وَأَدْرَكَ بِهَا الْجُمُعَةَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَحَلَّهَا لَمْ يُدْرِكْ الْجُمُعَةَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا مِنْ الثَّانِيَةِ فَتَتِمُّ بِسَجْدَةٍ مِنْ الثَّالِثَةِ وَيَلْغُو بَاقِيهَا. اهـ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي رَكْعَةٍ غَيْرِ مَحْسُوبَةٍ لِلْإِمَامِ لِحَدَثِهِ أَوْ سَهْوِهِ بِزِيَادَتِهَا فَفِيهِ تَفْصِيلٌ مَرَّ فِي الْجَمَاعَةِ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ بِقِرَاءَتِهَا فَإِنْ عَلِمَ بِزِيَادَتِهَا أَوْ بِحَدَثِهِ لَمْ تُحْسَبْ لَهُ بَلْ لَا تَنْعَقِدُ وَإِلَّا حُسِبَتْ عَنْ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا كَالصَّلَاةِ خَلْفَ الْمُحْدِثِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَانَ إمَامُهُ كَافِرًا أَوْ امْرَأَةً لِأَنَّهُمَا لَيْسَا أَهْلًا لِلْإِمَامَةِ بِحَالٍ وَقَوْلُ الْقَمُولِيِّ لَوْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ بِكَمَالِهَا. صَحَّتْ عَلَى الِانْفِرَادِ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ وَقَوْلِ غَيْرِهِ إنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْمُحْدِثِ جَمَاعَةٌ حَتَّى فِي الْجُمُعَةِ إذَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعِينَ أَمَّا إذَا أَدْرَكَ رُكُوعَهَا فَقَطْ فَلَا تُحْسَبُ لَهُ مُطْلَقًا انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَبِتَأَمُّلِ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ وَمَا قَبْلَهُ يُعْلَمُ اتِّضَاحُ مَا ذَكَرْته فِي صُورَةِ الْعِلْمِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مُدْرِكِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَمُدْرِكِ التَّشَهُّدِ وَحْدَهُ فِي أَنَّ مَنْ عَلِمَ قِيَامَ الْإِمَامِ لِأَصْلِيَّةٍ تَابَعَهُ وَمَنْ لَا لَمْ يَجُزْ لَهُ مُتَابَعَتُهُ وَإِنَّ مَنْ تَابَعَهُ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا أَوْ أَدْرَكَهُ فِي رَكْعَةٍ زَائِدَةٍ فَإِنْ أَدْرَكَ الْفَاتِحَةَ بِكَمَالِهَا حُسِبَتْ لَهُ الرَّكْعَةُ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا. وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهَا بِكَمَالِهَا لَمْ تُحْسَبْ لَهُ الرَّكْعَةُ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ شَرْطَ تَحَمُّلِ الْإِمَامِ لِلْفَاتِحَةِ أَوْ بَعْضِهَا أَنْ يَكُونَ فِي رَكْعَةٍ مَحْسُوبَةٍ لَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّا اتَّفَقَ لِأَهْلِ قَرْيَةِ بُرُومَ أَنَّهُمْ مِنْ مُدَّةٍ مَدِيدَةٍ يَقُومُونَ فِي بُرُومَ غَالِبَ سَنَتِهِمْ. وَذَلِكَ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ السَّنَةِ ثُمَّ فِي بَاقِي السَّنَةِ يَنْتَقِلُونَ مِنْهَا إلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى تُسَمَّى الْهَجْلَةَ فَيُقِيمُونَ بِهَا بَاقِيَ السَّنَةِ خَوْفًا مِنْ مَحْذُورِ الْإِفْرِنْجِ وَقْتَ تَوَهُّمِ خُرُوجِهِمْ مِنْ بِلَادِ الْهِنْدِ فَاسْتَمَرَّ حَالُهُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ مُدَّةً مَدِيدَةً يَزِيدُ قَدْرُهَا عَلَى عِشْرِينَ سَنَةً بِحَيْثُ إنَّهُمْ قَدْ بَنَوْا بِالْقَرْيَةِ. الْمُسَمَّاةِ بِالْهَجْلَةِ دُورًا وَاِتَّخَذُوهَا لَهُمْ وَطَنًا فِي بَعْضِ السَّنَةِ فَنَشَأَ مِنْ ذَلِكَ سُؤَالٌ وَهُوَ أَنَّ الْجُمُعَةَ هَلْ تَجِبُ عَلَى أَهْلِ قَرْيَةِ بُرُومَ فِي كِلَا قَرْيَتَيْهَا بُرُومَ وَالْهَجْلَةِ أَيْ فَفِي مُدَّةِ إقَامَتِهِمْ فِي بُرُومَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ إقَامَتُهَا فِيهَا وَفِي مُدَّةِ إقَامَتِهِمْ بِالْهَجْلَةِ يَجِبُ عَلَيْهِمْ إقَامَتُهَا بِهَا كَذَلِكَ، أَمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ إقَامَتُهَا فِيهِمَا كَذَلِكَ مَعًا لِعَدَمِ وُجُودِ الِاسْتِيطَانِ فِي إحْدَاهُمَا أَمْ تَقُولُونَ إنَّمَا تَجِبُ إقَامَتُهَا عَلَيْهِمْ فِي بُرُومَ فَقَطْ فِي أَيَّامِ إقَامَتِهِمْ بِهَا لِأَنَّهَا مَحَلُّ الِاسْتِيطَانِ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْأَغْلَبِ وَالِانْتِقَالُ الْعَارِضُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْهَا إلَى الْقَرْيَةِ الْمَذْكُورَةِ حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ انْتَقَلَ لِحَاجَةٍ. فَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي سُقُوطِهَا عَنْهُمْ مُدَّةَ إقَامَتِهِمْ بِهَا الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ. فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ تَجِبُ إقَامَتُهَا عَلَيْهِمْ فِي أَيَّامِ إقَامَتِهِمْ فِي بُرُومَ وَتَنْعَقِدُ جُمُعَةً لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ كَوْنُهَا مَحَلَّ الِاسْتِيطَانِ قُلْنَا فَمَا الْحُكْمُ فِي وُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ فِي مُدَّةِ أَيَّامِ إقَامَتِهِمْ بِالْهَجْلَةِ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ هَلْ تَقُولُونَ بِوُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَيْهِمْ فِي بُرُومَ وَإِنْ صَارَتْ خَلِيَّةً مِنْ الْمُقِيمِينَ بِهَا كَمَا أَنَّ ذَلِكَ صِفَتُهَا الْآنَ وَتُوجِبُونَ عَلَيْهِمْ إنْشَاءَ سَفَرٍ إلَى بُرُومَ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ لِأَجْلِ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ بِهَا كَمَا رَأَيْتَ أَهْلَ قَرْيَةِ بُرُومَ قَدْ اعْتَادُوا ذَلِكَ فَنَجِدُهُمْ فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ يُنْشِئُونَ سَفَرًا إلَى قَرْيَةِ بُرُومَ وَيُقِيمُونَ الْجُمُعَةَ بِهَا عَلَى هَيْئَتِهَا اعْتِقَادًا مِنْهُمْ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ وَتَنْعَقِدُ لَهُمْ جُمُعَةً وَلَمْ يَرَوْا بِذَلِكَ بَأْسًا وَمَضَتْ لَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ سُنُونَ كَثِيرَةٌ يَزِيدُ قَدْرُهَا فَوْقَ مَا قَدَّرْنَاهُ أَوَّلًا ثُمَّ الْآنَ هُمْ بَاقُونَ عَلَى ذَلِكَ الِاسْتِمْرَارِ مَا بَقِيَ تَخَوُّفُهُمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَجُمْلَةُ الْحَالِ فِي هَذَا السُّؤَالِ أَنَّ أَهْلَ قَرْيَةِ بُرُومَ لَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبُهُمْ مُنْذُ بَدَأَ ظُهُورُ الْإِفْرِنْجِ فِي نَوَاحِي.

بِلَادِ الْهِنْدِ وَتَعَوَّدُوا الْخُرُوجَ مِنْهَا إلَى أَرْضِ الْعَرَبِ إلَى الْآنَ ثُمَّ هُمْ الْآنَ عَلَى ذَلِكَ الْعَزْمِ لَا يَزَالُ دَأْبُهُمْ يَنْتَقِلُونَ فِي بَعْضِ السَّنَةِ مَا زَالُوا يَتَوَهَّمُونَ خُرُوجَهُمْ وَلَا شَكَّ أَنَّ انْقِطَاعَ هَذَا التَّخَوُّفِ لَا يَكُونُ إلَّا بِانْقِطَاعِ شَوْكَةِ الْحَرْبِيِّينَ مِنْ أَرْضِ بِلَادِ الْهِنْدِ وَذَلِكَ إمَّا بِزَوَالِ دَوْلَتِهِمْ وَذَهَابِهَا رَأْسًا أَوْ اسْتِيلَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى جَمِيعِ سَوَاحِلِهِمْ الَّذِينَ يُنْشِئُونَ تَجَاهِيزَهُمْ مِنْهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ زَوَالَ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ وَحِينَئِذٍ فَهَلْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ إلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ فِي حَقِّ أَهْلِ قَرْيَةِ بُرُومَ حَالَ إقَامَتِهِمْ بِهَا وَحَالَ انْتِقَالِهِمْ عَنْهَا أَقْرَبُ مِنْ الْقَوْلِ بِانْعِقَادِهَا فِي حَقِّهِمْ فِيهَا فِي الْحَالَيْنِ أَمْ يُقَالُ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِهِ وَمَا قَوْلُكُمْ فِي قَوْلِ صَاحِبِ الْأَنْوَارِ وَشَرْطُ الْكَفِّ عَنْ اعْتِيَادِ النُّزُولِ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَالرِّحْلَةِ فِي وَقْتٍ آخَرَ فَلَوْ كَانُوا يَنْزِلُونَ فِي مَوْضِعٍ صَيْفًا وَيَرْتَحِلُونَ شِتَاءً وَبِالْعَكْسِ كَالْأَكْرَادِ وَالْأَتْرَاكِ فَلَيْسُوا بِمُتَوَطِّنِينَ هَلْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى عَدَمِ انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ لِمَنْ ذَكَرْنَا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَنْوَارِ غَيْرُ الْمَذْكُورِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ فَلَا يُسْتَدَلُّ لِذَلِكَ بِهِ وَإِنَّمَا مَأْخَذُ انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ فِي حَقِّ أَهْلِ بُرُومَ مُدَّةَ إقَامَتِهِمْ بِهَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ قَبْلَ ذَلِكَ. وَالتَّوَطُّنُ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ فِي بَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ عَلَى التَّأْبِيدِ إلَّا لِحَاجَةٍ كَتِجَارَةٍ وَزِيَارَةٍ وَعِيَادَةٍ وَخَوْفِ غَارَةٍ وَنَحْوِهَا. قُلْنَا قَدْ عُلِمَ مِنْ حَالِ أَهْلِ قَرْيَةِ بُرُومَ أَنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا يَعْتَادُونَ النُّزُولَ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ مِنْ السَّنَةِ إلَى الْقَرْيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَذَلِكَ الْوَقْتُ هُوَ وَقْتُ التَّخَوُّفِ مِنْ الْإِفْرِنْجِ وَقْتُ إقْبَالِ مَجِيءِ الْأَذْيَبِ وَأَنَّ نِيَّتَهُمْ النُّزُولُ إلَيْهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَلَى الدَّوَامِ مَا بَقِيَ مَعَهُمْ تَخَوُّفٌ مِنْهُمْ سَوَاءٌ كَانُوا فِي ذَلِكَ الْحَالِ مُسْتَشْعِرِينَ خُرُوجَهُمْ أَمْ لَا فَبَيَّنُوا لَنَا ذَلِكَ. فَإِنْ قُلْتُمْ: إنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ لَهُمْ فِي الْقَرْيَتَيْنِ أَوْ تَنْعَقِدُ فِي بُرُومَ فَقَطْ حَالَ إقَامَتِهِمْ بِهَا فَقَطْ. قُلْنَا فَإِنْ قُلْتُمْ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ حَالَ إقَامَتِهِمْ بِالْهَجْلَةِ وَوُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ حَالَ إقَامَتِهِمْ بِبُرُومِ فَقَطْ قُلْنَا فَهَلْ تَقُولُونَ بِجَوَازِ إقَامَتِهَا فِي بُرُومَ حَيْثُ كَانَتْ خَلِيَّةً كَمَا مَرَّ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ أَوْ بِاسْتِحْبَابِ إقَامَتِهَا إنْ قُلْتُمْ بِالْجَوَازِ وَمَا الْحُكْمُ فِي الَّذِينَ لَهُمْ مَالٌ مِنْ نَخْلٍ أَوْ غَيْرِهِ إذَا كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ الِانْتِقَالُ لِأَجْلِ الْخَرِيفِ كُلَّ سَنَةٍ وَكَانُوا يُقِيمُونَ فِي الْبَلَدِ الَّذِي يَنْتَقِلُونَ إلَيْهِ الشَّهْرَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةِ فَالْفَرْضُ أَنَّ لَهُمْ ثَمَّ دُورًا وَضِيَاعًا وَكَانَ ذَلِكَ دَأْبَهُمْ دَوَامًا مُدَّةَ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَأَكْثَرَ فَهَلْ يُقَالُ إنَّ الْجُمُعَةَ تَنْعَقِدُ بِهِمْ فِي الْبَلَدِ الَّتِي إقَامَتِهِمْ بِهَا أَكْثَرُ. كَمَا فِي بُرُومَ فِي حَقِّ بَعْضِ أَهْلِهَا أَمْ يُقَالُ لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ وَكَذَلِكَ الشَّخْصُ إذَا كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ فِي بَلَدَيْنِ وَلَهُ مَالَانِ فِيهِمَا أَوْ مَالٌ فِي أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَإِقَامَتُهُ فِي الْبَلْدَتَيْنِ غَيْرُ مُنْضَبِطَةٍ بَلْ تَارَةً يُقِيمُ بِإِحْدَاهُمَا أَكْثَرَ وَتَارَةً بِالْعَكْسِ. وَتَارَةً يَسْتَوِي الْأَمْرَانِ أَوْ قَدْ تَنْضَبِطُ إقَامَتُهُ بِهِمَا عَلَى السَّوَاءِ وَمَضَى لَهُ عَلَى هَذَا الْحَالِ نَحْوُ خَمْسِينَ سَنَةً فَمَا الْمُعْتَمَدُ عِنْدَكُمْ فِي انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ بِهِ فِيهِمَا وَوُجُوبِهَا عَلَيْهِ فَقَدْ رَأَيْت فِي ذَلِكَ أَجْوِبَةً مُضْطَرِبَةً فَحَقِّقُوا لَنَا الْمُعْتَمَدَ عِنْدَكُمْ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - بِقَوْلِهِ: عِبَارَةُ شَرْحِي عَلَى الْمِنْهَاجِ وَمَنْ لَهُ مَسْكَنَانِ. يَأْتِي فِيهِ التَّفْصِيلُ الْآتِي فِي {حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] وَلَا يُنَافِيهِ مَا فِي الْأَنْوَارِ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا بِمَحَلٍّ شِتَاءً وَبِآخَرَ صَيْفًا لَمْ يَكُونُوا مُتَوَطِّنِينَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ مَحَلَّ هَذَا فِيمَنْ لَمْ يَتَوَطَّنُوا مَحَلَّيْنِ مُعَيَّنَيْنِ يَنْتَقِلُونَ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ وَلَا يَتَجَاوَزُونَهُمَا إلَى غَيْرِهِمَا بِخِلَافِ مَنْ تَوَطَّنُوا مَحَلَّيْنِ كَذَلِكَ لَكِنْ اخْتَلَفَ حَالُهُمْ فِي إقَامَتِهِمْ فِيهِمَا فَإِنَّ التَّوَطُّنَ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا يُنَاطُ بِمَا يُنَاطُ بِهِ التَّوَطُّنُ فِي حَاضِرِي الْحَرَمِ وَأَفْتَى الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ فِي أَهْلِ بَلَدٍ يُفَارِقُونَهَا فِي الصَّيْفِ إلَى مَضَايِعِهِمْ بِأَنَّهُمْ إنْ سَافَرُوا عَنْهَا وَلَوْ سَفَرًا قَصِيرًا لَمْ تَنْعَقِدْ بِهِمْ. وَإِنْ خَرَجُوا عَنْ الْمَسَاكِنِ وَتَرَكُوا بِهَا أَمْوَالَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا ظَعْنًا لِأَنَّهُ السَّفَرُ فَتَلْزَمُهُمْ وَلَوْ فِيمَا خَرَجُوا إلَيْهِ إنْ عُدَّ مِنْ الْخُطَّةِ وَإِلَّا لَزِمَتْهُمْ فِيهَا وَمَا قَالَهُ فِي خُرُوجِهِمْ عَنْ الْمَسَاكِنِ ظَاهِرٌ إلَّا قَوْلَهُ وَتَرَكُوا أَمْوَالَهُمْ فَلَيْسَ بِقَيْدٍ وَمَا قَالَهُ فِي سَفَرِهِمْ إنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ فِي مَضَايِعِهِمْ فَوَاضِحٌ نَعَمْ تَلْزَمُهُمْ إنْ أُقِيمَتْ فِيهَا جُمُعَةٌ مُعْتَبَرَةٌ أَوْ أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ فِي بَلَدِهِمْ لَوْ عَادُوا إلَيْهَا فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ خُرُوجَهُمْ عَنْهَا لِحَاجَةٍ لَا يَمْنَعُ اسْتِيطَانَهُمْ بِهَا إذَا

عَادُوا إلَيْهَا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ الْمَتْنُ وَإِنَّمَا تَسْقُطُ عَنْهُمْ الْجُمُعَةُ نَعَمْ إنْ سَمِعُوا النِّدَاءَ وَلَمْ يَخْشَوْا عَلَى أَمْوَالِهِمْ لَوْ ذَهَبُوا لِلْجُمُعَةِ لَزِمَتْهُمْ مُطْلَقًا وَانْعَقَدَتْ بِهِمْ فِي بَلَدِهِمْ وَلَوْ أَكْرَهَ الْإِمَامُ أَهْلَ بَلَدٍ عَلَى سُكْنَى غَيْرِهَا فَامْتَثَلُوا لَكِنَّهُمْ عَازِمُونَ عَلَى الرُّجُوعِ لِبَلَدِهِمْ مَتَى زَالَ الْإِكْرَاهُ لَمْ تَنْعَقِدْ بِهِمْ فِي الثَّانِيَةِ بَلْ فِي الْأُولَى لَوْ عَادُوا إلَيْهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَمِنْهَا عُلِمَ أَنَّ وَطَنَ الْمَذْكُورِينَ إنَّمَا هُوَ بُرُومَ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُمْ أَجْرَوْا فِيمَنْ لَهُ مَسْكَنَانِ تَفْصِيلَ حَاضِرِي الْحَرَمِ وَقَدْ قَالُوا هُنَاكَ لَوْ كَانَ لَهُ وَطَنَانِ اُعْتُبِرَ مَا إقَامَتُهُ بِهِ أَكْثَرُ. وَقَدْ ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ أَنَّ إقَامَتَهُمْ بِبُرُومِ أَكْثَرُ فَلْتَكُنْ هِيَ وَطَنَهُمْ بِنَصِّ كَلَامِهِمْ الْمَذْكُورِ دُونَ الْهَجْلَةِ وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ بُرُومَ هِيَ وَطَنُهُمْ لَا غَيْرُ فَإِذَا خَرَجُوا عَنْهَا لِحَاجَةِ الْخَوْفِ الْمَذْكُورِ جَازَ لَهُمْ ذَلِكَ ثُمَّ إنْ كَانَ بِالْهَجْلَةِ أَرْبَعُونَ مُتَوَطِّنُونَ غَيْرُ أَهْلِ بُرُومَ لَزِمَتْهُمْ الْجُمُعَةُ وَلَزِمَ أَهْلَ بُرُومَ صَلَاتُهَا مَعَهُمْ وَلَا يُحْسَبُونَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْهَجْلَةِ أَرْبَعُونَ كَذَلِكَ فَإِنْ سَمِعُوا النِّدَاءَ مِنْ بَلَدٍ فِيهَا جُمُعَةٌ مُعْتَبَرَةٌ لَزِمَتْهُمْ فِيهَا وَإِلَّا صَلَّى الْكُلُّ الظُّهْرَ. وَأَمَّا رُجُوعُ أَهْلِ بُرُومَ إلَيْهَا فِي كُلِّ يَوْمِ جُمُعَةٍ فَلَا يَلْزَمُهُمْ إلَّا إنْ زَالَ الْخَوْفُ الَّذِي فَارَقُوا بَلَدَهُمْ لِأَجْلِهِ وَقَرُبُوا مِنْهَا. بِحَيْثُ لَوْ خَرَجُوا مِنْ الْهَجْلَةِ إلَيْهَا قَبْلَ الْفَجْرِ أَمْكَنَهُمْ إدْرَاكُ الْجُمُعَةِ فِيهَا كَمَا مِلْت إلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَعِبَارَتُهُ بَعْدَ مَا مَرَّ: وَلَوْ خَرَجَ أَهْلُ الْبَلَدِ كُلُّهُمْ لِحَاجَةٍ كَالصَّيْفِ وَأَمْكَنَهُمْ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ بِوَطَنِهِمْ فَهَلْ يَلْزَمُهُمْ السَّعْيُ إلَيْهَا مِنْ حِينِ الْفَجْرِ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُعَطِّلُوهَا مِنْ الْجُمُعَةِ كَمَا مَرَّ أَوْ يُنْظَرَ فِي مَحَلِّهِمْ فَإِنْ كَانَ يَسْمَعُ أَهْلُهُ النِّدَاءَ مِنْ بَلَدِهِمْ لَزِمَهُمْ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ فِي حُكْمِ بَعْضِ أَجْزَائِهِ وَإِلَّا فَلَا مَحَلَّ نَظَرٍ وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ. انْتَهَتْ. وَعُلِمَ مِنْ الْعِبَارَةِ السَّابِقَةِ حُكْمُ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ فِي بَعْضِ السَّنَةِ إلَى مَضَايِعِهِمْ وَحُكْمُ مَنْ لَهُ مَسْكَنَانِ بِبَلَدَيْنِ. وَحَاصِلُ هَذَا أَنَّا نَعْتَبِرُ مَا إقَامَتُهُ بِهِ أَكْثَرُ فَهُوَ وَطَنُهُ دُونَ الْآخَرِ فَإِنْ اسْتَوَتْ إقَامَتُهُ بِهِمَا اُعْتُبِرَ مَا فِيهِ أَهْلُهُ أَيْ زَوْجَتُهُ أَوْ سُرِّيَّتُهُ وَمَحَاجِيرُ أَوْلَادِهِ دُونَ نَحْوِ آبَائِهِ وَإِخْوَتِهِ فَإِنْ كَانَ لَهُ بِكُلٍّ أَهْلٌ اُعْتُبِرَ مَا إقَامَةُ أَهْلِهِ بِهِ دَائِمًا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ بِكُلٍّ مَالٌ اُعْتُبِرَ مَا فِيهِ مَالُهُ دَائِمًا أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ كَانَ أَهْلُهُ بِبَلَدٍ وَمَالُهُ بِبَلَدٍ اُعْتُبِرَ مَا فِيهِ أَهْلُهُ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي كُلِّ ذَلِكَ انْعَقَدَتْ بِهِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا بَيَّنْت ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَنْ أَهْلِ بَلْدَةٍ تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ إذَا تَفَرَّقُوا وَسَكَنُوا فِي الْبَوَادِي. عَلَى نَحْوِ فَرْسَخٍ أَوْ فَرْسَخَيْنِ مِنْ بَلْدَتِهِمْ وَيَجْتَمِعُونَ إلَيْهَا لِلْجُمُعَةِ مَعَ أَنَّهُمْ يُنْسَبُونَ إلَيْهَا فَهَلْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ فِي بَلْدَتِهِمْ الْأَصْلِيَّةِ إذَا لَمْ يَكْمُلْ الْعَدَدُ إلَّا بِهِمْ أَمْ لَا وَالْحَالُ أَنَّهُمْ لَا يَجِيئُونَ إلَيْهَا إلَّا لِحَاجَةٍ أَوْ جُمُعَةٍ أَوْ عِيدٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ فِيمَا ذُكِرَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْجَلَالِ الْبُلْقِينِيُّ سُئِلْت عَنْ بَلْدَةٍ لَا يُقِيمُ أَهْلُهَا بِهَا فِي الصَّيْفِ وَإِنَّمَا يَخْرُجُونَ إلَى مَصَايِفَ لَهُمْ هَلْ تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الظَّعْنَ هُوَ السَّفَرُ فَإِنْ كَانُوا يُسَافِرُونَ عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ بِحَيْثُ يُطْلَقُ عَلَى ذَلِكَ اسْمُ سَفَرٍ وَلَوْ قَصِيرًا فَلَيْسُوا مُتَوَطِّنِينَ. فَلَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا يَخْرُجُونَ عَنْ الْمَسَاكِنِ فَقَطْ وَيَتْرُكُونَ بِهَا أَمْوَالَهُمْ وَأَمْتِعَتَهُمْ فَلَيْسَ هَذَا بِظَعْنٍ فَتَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ فَإِنْ كَانَ الْفَضَاءُ الَّذِي خَرَجُوا إلَيْهِ مَعْدُودًا مِنْ خُطَّةِ الْبَلَدِ صَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا وَيَلْزَمُهُمْ فِعْلُهَا فِي خُطَّةِ الْبَلَدِ. اهـ. فَافْهَمْ مَا ذَكَرَهُ فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ مَا ذَكَرْته فِي صُورَةِ السُّؤَالِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّ مَنْ ذَكَرَهُمْ لَا يُفَارِقُونَ بَلَدَهُمْ إلَّا أَيَّامَ الصَّيْفِ فَقَطْ عَلَى نِيَّةِ الرُّجُوعِ وَالتَّوَطُّنِ فِيهَا وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِمْ أَنَّهُمْ إنْ كَانُوا يُسَافِرُونَ عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ. بِحَيْثُ يُطْلَقُ عَلَى ذَلِكَ اسْمُ سَفَرٍ وَلَوْ قَصِيرًا فَلَيْسُوا بِمُتَوَطِّنِينَ فَإِذَا ذُكِرَ هَذَا فِي هَؤُلَاءِ فَهُوَ فِيمَا فِي السُّؤَالِ أَوْلَى لِأَنَّ بُعْدَهُمْ عَنْ الْبَلَدِ نَحْوَ فَرْسَخٍ يُطْلَقُ عَلَيْهِ عُرْفًا أَنَّهُ سَفَرٌ. وَيُطْلَقُ عَلَى سَاكِنِيهِ أَنَّهُمْ غَيْرُ مَنْسُوبِينَ لِذَلِكَ الْبَلَدِ مِنْ حَيْثُ الْإِقَامَةُ وَإِنْ نُسِبُوا إلَيْهَا مِنْ حَيْثُ الْإِضَافَةُ إذْ الْمُتَغَرِّبُ عَنْ مَكَّةَ مَثَلًا وَإِنْ فَحُشَ بُعْدُهُ عَنْهَا وَطَالَتْ غَيْبَتُهُ يُقَالُ لَهُ مَكِّيٌّ إضَافَةً لَهُ إلَى أَصْلِ مَسْكَنِهِ وَإِنْ كَانَ سَاكِنًا بِمَحَلِّ غَيْرِهِ فَهُوَ مَكِّيٌّ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَلَيْسَ مَكِّيًّا الْآنَ مِنْ

حَيْثُ السُّكْنَى وَالْإِقَامَةُ وَالْعِبْرَةُ هُنَا إنَّمَا هِيَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى وَظَاهِرُ قَوْلِ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ: وَالْحَالُ أَنَّهُمْ لَا يَجِيئُونَ إلَيْهَا إلَخْ. أَنَّهُمْ أَعْرَضُوا عَنْ سُكْنَاهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَلَكِنَّهُمْ يَتَرَدَّدُونَ إلَيْهَا لِحَاجَةٍ أَوْ جُمُعَةٍ أَوْ عِيدٍ فَإِنْ كَانَ حَالُهُمْ كَذَلِكَ فَهُمْ غَيْرُ مُتَوَطِّنِينَ بِذَلِكَ الْبَلَدِ قَطْعًا لِإِعْرَاضِهِمْ عَنْ سُكْنَاهُ بِنِيَّتِهِمْ عَدَمَ الْعَوْدِ إلَيْهِ إلَّا لِحَاجَةٍ وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا تَرَدُّدَ فِيهِ وَإِنَّمَا التَّرَدُّدُ فِيمَنْ يُفَارِقُونَ الْبَلَدَ فِي بَعْضِ فُصُولِ السَّنَةِ لِرَبِيعٍ أَوْ صَيْفٍ مَعَ عَزْمِهِمْ عَلَى الْعَوْدِ عِنْدَ انْقِضَاءِ غَرَضِهِمْ وَحُكْمُهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْجَلَالُ أَنَّهُمْ إنْ بَعُدُوا عَنْهَا بِحَيْثُ يُسَمَّى سَفَرًا وَانْقَطَعَتْ نِسْبَتُهُمْ إلَيْهَا فِي السُّكْنَى فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ صَارُوا غَيْرَ مُتَوَطِّنِينَ بِهَا فَلَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ وَإِلَّا فَهُمْ بَاقُونَ عَلَى تَوَطُّنِهِمْ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّوَطُّنِ وَعَدَمِهِ حَتَّى يُحْسَبُوا مِنْ الْأَرْبَعِينَ أَوْ لَا وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلُّزُومِ فَإِنْ سَمِعُوا النِّدَاءَ بِشُرُوطِهِ لَزِمَهُمْ الْحُضُورُ لِمَحَلِّهِ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - هَلْ يَلْزَمُ الْمَحْبُوسِينَ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي الْحَبْسِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْقِيَاسُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ إذَا وُجِدَتْ شُرُوطُ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَشُرُوطُ صِحَّتِهَا وَلَمْ يُخْشَ مِنْ إقَامَتِهَا فِي الْحَبْسِ فِتْنَةٌ لَكِنْ أَفْتَى غَيْرُ وَاحِدٍ بِأَنَّهَا لَا تَلْزَمُهُمْ مُطْلَقًا وَقَدْ بَالَغَ السُّبْكِيّ فَقَالَ لَا يَجُوزُ لَهُمْ إقَامَتُهَا وَإِنْ جَازَ تَعَدُّدُهَا وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا وَإِنْ أَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ فِي فَتَاوِيهِ وَالِاسْتِدْلَالِ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ بِأَنَّ الْحُبُوسَ لَمْ تَزَلْ مَشْحُونَةً مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ أَقَامَهَا فِي الْحَبْسِ يُمْكِنُ الْخَدْشُ فِيهِ بِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا إنْ ثَبَتَ أَنَّهُ وُجِدَ فِي حَبْسٍ أَرْبَعُونَ شَافِعِيًّا مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِفِعْلِهِمْ وَلَمْ يُقِيمُوهَا مَعَ تَوَفُّرِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الشُّرُوطِ وَعَدَمِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ فَمَنْ أَثْبَتَ هَذَا اتَّضَحَ لَهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَمَنْ لَمْ يُثْبِتْهُ يَلْزَمْهُ أَنْ يَقُولَ بِالْوُجُوبِ. فَإِنَّهُ الَّذِي يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ أَصْحَابِنَا. وَلَقَدْ كَانَ الْبُوَيْطِيُّ وَهُوَ فِي قُيُودِهِ فِي الْحَبْسِ يَغْتَسِلُ وَيَلْبَسُ نَظِيفَ ثِيَابِهِ وَيَأْتِي إلَى بَابِ السِّجْنِ فَيُشَاوِرُ السَّجَّانَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَيَمْنَعُهُ فَيَرْجِعُ وَيَقُولُ الْآنَ سَقَطَتْ الْجُمُعَةُ عَنِّي فَتَأَمَّلْ مُحَافَظَةَ هَذَا الْإِمَامِ الَّذِي هُوَ أَجَلُّ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلِذَا اسْتَخْلَفَهُ فِي حَلَقَتِهِ وَأَخْبَرَهُ بِهَذِهِ الْمِحْنَةِ الَّتِي وَقَعَتْ لَهُ بِقَوْلِهِ لَهُ: سَتَمُوتُ فِي قُيُودِك عَلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، مَعَ مَا هُوَ عَلَيْهِ تَجِدُهُ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُ لَوْ أَمْكَنَهُ إقَامَتُهَا فِي الْحَبْسِ لَفَعَلَهَا فِيهِ فَإِنْ قُلْت إنْ أَقَامُوهَا قَبْلَ جُمُعَةِ الْبَلَدِ أَفْسَدُوهَا عَلَى أَهْلِهَا أَوْ بَعْدَهَا لَمْ تَنْعَقِدْ لَهُمْ. قُلْت مَمْنُوعٌ فِيهِمَا بَلْ عُذْرُ الْحَبْسِ لَا يَبْعُدُ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّعَدُّدُ فَيَفْعَلُونَهَا مَتَى شَاءُوا قَبْلُ أَوْ بَعْدُ وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ. (وَسُئِلَ) - أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ - عَنْ بَيْتٍ وَاحِدٍ فِيهِ أَرْبَعُونَ مُتَوَطِّنُونَ بِصِفَةِ مَنْ تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ فَهَلْ يَلْزَمُهُمْ إقَامَتُهَا أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَفْتَى جَمْعٌ يَمَنِيُّونَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: الشَّرْطُ أَنْ تُقَامَ بَيْنَ الْأَبْنِيَةِ وَلَا أَبْنِيَةَ هُنَا وَقِيَاسًا عَلَى أَهْلِ الْخِيَامِ، وَأَفْتَى آخَرُونَ بِوُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ وَهَذَا هُوَ الْأَوْجَهُ وَلَا دَلِيلَ لِلْأَوَّلَيْنِ فِي تَعْبِيرِ الْأَصْحَابِ بِالْأَبْنِيَةِ لِأَنَّهُ لِلْغَالِبِ وَلَا فِي الْقِيَاسِ عَلَى أَهْلِ الْخِيَامِ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ أَرْبَابِهَا النُّجْعَةَ وَعَدَمَ تَوَطُّنِ مَحَلٍّ وَاحِدٍ بِخِلَافِ أَهْلِ الْبِنَاءِ الْوَاحِدِ فَإِنَّ مِنْ شَأْنِهِمْ تَوَطُّنَ بِنَائِهِمْ وَعَدَمَ النُّقْلَةِ مِنْهُ وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ فَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ أَهْلَ الْبِنَاءِ الْوَاحِدِ أَوْلَى بِعَدَمِ الْوُجُوبِ مِنْ أَهْلِ الْخِيَامِ غَلَطٌ وَاضِحٌ إذْ لَا مُسَاوَاةَ بِوَجْهٍ فَضْلًا عَنْ الْأَوْلَوِيَّةِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ قَوْلِهِمْ تَصِحُّ الْجُمُعَةُ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ وَالْمُحْدِثِ هَلْ يُشْتَرَطُ سَمَاعُهُمَا لِلْخُطْبَةِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْأَوَّلِ سَمَاعُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى صِحَّةِ الْجُمُعَةِ لَهُمْ خَلْفَهُ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ خِلَافُهُ وَيُفَارِقُ الْخَلِيفَةُ إذَا شَرَطْنَا سَمَاعَهُ بِأَنَّهُ يَبْنِي صَلَاتَهُ عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ. وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بَعْدَ سَمَاعِهِ صَحَّتْ خَلْفَهُمَا إذَا زَادَا عَلَى الْأَرْبَعِينَ لِوُجُودِ صُورَةِ الْجَمَاعَةِ لَا حَقِيقَتِهَا فَلَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ السَّمَاعِ وَجْهٌ. - (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْحَسَنِ «مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسَ تَوَاضُعًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ حُلَلِ الْإِيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا» مَا مَعْنَاهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ:

مَعْنَاهُ مَا ذَكَرَهُ أَئِمَّتُنَا أَنَّهُ يُسَنُّ تَرْكُ التَّرَفُّعِ فِي اللِّبَاسِ الْمُبَاحِ بِأَنْ لَا يَلْبَسَ أَرْفَعَ الْجِنْسِ الَّذِي يُبَاحُ لَهُ لُبْسُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ شَهْوَةِ النَّفْسِ وَتَرَفُّعِهَا بِهِ عَلَى غَيْرِهَا وَقَدْ نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَإِنَّمَا السُّنَّةُ لُبْسُ أَوْسَطِ الْجِنْسِ الَّذِي يُبَاحُ لَهُ لُبْسُهُ بَلْ قَالَ أَصْحَابُنَا: يُكْرَهُ لُبْسُ الْخَشِنِ لِغَيْرِ غَرَضٍ شَرْعِيٍّ لِخَبَرِ النَّسَائِيّ «إذَا أَعْطَاك اللَّهُ مَالًا فَكَثِّرْ أَثَرَ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْك وَكَرَامَتِهِ» وَلِأَنَّ الْخَشِنَ ثَوْبُ الشُّهْرَةِ كَالرَّفِيعِ أَمَّا لُبْسُ الْخَشِنِ وَالْمُزْرِي مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الرَّفِيعِ لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ كَهَضْمِ النَّفْسِ وَاقْتِدَائِهَا بِزُهَّادِ هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّذِينَ لَبِسُوا الشِّمَالَ وَالْخَشِنَ فَهُوَ مَحْبُوبٌ. كَمَا أَنَّ لُبْسَ الرَّفِيعِ لِلْعُلَمَاءِ مَحْبُوبٌ بِقَصْدِ امْتِثَالِ أَوَامِرِهِمْ وَإِشَارَاتِهِمْ وَإِجْلَالِ الْعِلْمِ وَإِيقَاعِ هَيْبَتِهِ فِي قُلُوبِ الْعَامَّةِ لِيَتَلَقَّى عَنْهُمْ مَا بَرَزَ مِنْهُمْ مِنْ الْأَوَامِر وَالنَّوَاهِي وَالزَّوَاجِرِ وَالتَّغْلِيظَاتِ وَقَدْ لَبِسَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ زِيَّ الزُّهَّادِ بِمَكَّةَ لَمَّا حَجَّ فَأَمَرَ بِمَعْرُوفٍ وَنَهَى عَنْ مُنْكَرٍ فَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ. فَقِيلَ لَهُ: لَسْت مِنْ أَهْلِ الْإِنْكَارِ وَإِنَّمَا يُنْكِرُ الْعُلَمَاءُ فَلَبِسَ الثِّيَابَ النَّفِيسَةَ كَالطَّيْلَسَانِ وَذَوَاتِ الْأَكْمَامِ الْوَسِيعَةِ وَنَحْوِهَا فَامْتُثِلَ أَمْرُهُ وَخُضِعَ لِقَوْلِهِ فَعُلِمَ أَنَّ مَصْلَحَةَ هَذَا أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْهَضْمِ الَّذِي لَا يُمْتَثَلُ مَعَهُ أَمْرٌ فَرَجَعَ إلَى لُبْسِ شِعَارِ الْعُلَمَاءِ عَمَلًا بِأَرْجَحِ الْمَصْلَحَتَيْنِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ اقْتَصَرَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ عَلَى الْأَرْكَانِ بِأَنْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، اتَّقُوا اللَّهَ وَقَرَأَ آيَةً وَفِي الثَّانِيَةِ أَتَى بِالثَّلَاثَةِ وَبِيَرْحَمُكُمْ اللَّهُ هَلْ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ حَتَّى فِي صَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّا إذَا قَرَأَ الْخَطِيبُ آيَةً فِي الْخُطْبَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِهَا وَلَا قَصْدِ غَيْرِهَا مِنْ الْأَرْكَانِ كَأَنْ يَقْرَأَ {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب: 56] الْآيَةَ أَوْ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل: 90] الْآيَةَ وَنَحْوَهُمَا مِنْ الْآيَاتِ فِي أَثْنَاءِ الْوَعْظِ أَوْ غَيْرِهِ هَلْ يُجْزِئُ عَنْ الْآيَةِ أَوْ لَا؟ إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهَا شَيْئًا وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْخَطِيبِ أَنْ يَكُونَ مُتَذَكِّرًا لِفَرْضِهَا حِينَ الْقِرَاءَةِ أَمْ لَا. وَإِذَا تَرَكَ الْخَطِيبُ الْآيَةَ فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى وَجَلَسَ لِلْفَصْلِ بَيْنَهُمَا فَلَمَّا قَامَ تَذَكَّرَ وَقَرَأَ الْآيَةَ مُوَافَقَةً لِعَادَتِهِ ثُمَّ جَلَسَ لِلْفَصْلِ فَهَلْ يَقْطَعُ الْجُلُوسَ الْأَوَّلَ مُوَالَاةٌ الْخُطْبَةِ الْأُولَى أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ الْخُطْبَةِ وَلَا نِيَّةُ فَرْضِيَّتِهَا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ وَجَزَمَ بِهِ أَيْضًا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي فَتَاوِيهِ. وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهَا أَذْكَارٌ وَأَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ وَقِرَاءَةٌ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ لِأَنَّهُ مُمْتَازٌ بِصُورَتِهِ مُنْصَرِفٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِحَقِيقَتِهِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ تَصْرِفُهُ إلَيْهِ وَهَذَا أَوْجَهُ مِمَّا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْقَاضِي مِنْ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ وَإِنْ جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ كَالْأَذْرَعِيِّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَكَلَامُ الرَّوْضَةِ مُشِيرٌ إلَى ضَعْفِ كَلَامِ الْقَاضِي بَلْ الْقَاضِي نَفْسُهُ إنَّمَا فَرَّعَهُ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ عَنْهُ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ أَنَّهَا بَدَلٌ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ انْتَهَتْ وَبِهَا يُعْلَمُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْآيَةِ فِي الْخُطْبَةِ لَا يُشْتَرَطُ فِي وُقُوعِ الِاعْتِدَادِ بِهَا عَنْهَا نِيَّةُ كَوْنِهَا مِنْهَا. بَلْ يَكْفِي الْإِتْيَانُ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا لِانْصِرَافِهَا إلَيْهَا بِلَا نِيَّةٍ كَمَا تَقَرَّرَ نَعَمْ الشَّرْطُ عَدَمُ الصَّارِفِ بِأَنْ لَا يَقْصِدَ غَيْرَ الْخُطْبَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَفِي شَرْحِ الْعُبَابِ أَيْضًا وَالتَّاسِعُ أَنْ يَعْلَمَ الْخَطِيبُ وَاجِبَهَا أَيْ الْخُطْبَةِ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ وَلَيْسَ كَلَامُهُ بِظَاهِرٍ بَلْ الَّذِي يَظْهَرُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي الصَّلَاةِ أَنَّ الشَّرْطَ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِفَرْضٍ مُعَيَّنٍ النَّفْلِيَّةَ فَإِذَا عَلِمَ أَنَّ فِيهَا وَاجِبَاتٍ وَأَتَى بِهَا وَلَمْ يَقْصِدْ بِوَاحِدٍ مُعَيَّنٍ مِنْهَا أَنَّهُ نَفْلٌ صَحَّتْ عَلَى قِيَاسِ الصَّلَاةِ بِالْأَوْلَى. اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْخَطِيبِ أَنْ يَكُونَ مُتَذَكِّرًا لِفَرْضِ الْقِرَاءَةِ حِينَ قِرَاءَتِهِ الْآيَةَ بَلْ الشَّرْطُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِهَا النَّفْلِيَّةَ وَفِيهِ أَيْضًا بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ: الْخَامِسُ أَيْ مِنْ الْأَرْكَانِ قِرَاءَةُ آيَةٍ مُفْهِمَةٍ فِي إحْدَى الْخُطْبَتَيْنِ وَتُجْزِئُ كَمَا فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهَا قَبْلَهُمَا وَبَعْدَهُمَا وَبَيْنَهُمَا لِأَنَّهَا إمَّا فِي الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ وَالثَّابِتُ الْقِرَاءَةُ فِي الْخُطْبَةِ دُونَ تَعْيِينٍ نَعَمْ تُسَنُّ فِي الْأُولَى كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ. اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ قِرَاءَةَ الْخَطِيبِ لِلْآيَةِ فِيمَا ذَكَرَ آخِرَ السُّؤَالِ وَقَعَتْ فِي مَحَلِّهَا لَمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الثَّانِيَةَ مَحَلٌّ لَهَا كَالْأُولَى وَأَنَّهُ مُخْطِئٌ بِالْجُلُوسِ الثَّانِي فَلَا يَضُرُّ إنْ كَانَ جَاهِلًا وَقَصُرَ الْفَصْلُ وَإِلَّا ضَرَّ

باب اللباس

وَلَزِمَهُ. إعَادَةُ الْخُطْبَةِ وَأَنَّ جُلُوسَهُ الْأَوَّلَ وَقَعَ فِي مَحَلِّهِ أَيْضًا لِأَنَّ قِرَاءَتَهَا فِي الْأُولَى سُنَّةٌ لَا وَاجِبَةٌ كَمَا تَقَرَّرَ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ خَطِيبٍ يَتْرُكُ لُبْسَ الطَّيْلَسَانِ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ هَلْ زَعْمُهُ صَوَابٌ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَيْسَ مَا زَعَمَهُ بِصَوَابٍ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ سُنَّةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا وَلِلْجَلَالِ السُّيُوطِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مُؤَلَّفٌ مُسْتَقِلٌّ فِي سُنِّيَّةِ لُبْسِ الطَّيْلَسَانِ جَمَعَ فِيهِ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ وَبَيَّنَ مَا فِيهَا وَالرَّدَّ عَلَى مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ فَشَكَرَ اللَّهُ سَعْيَهُ. وَلَقَدْ كَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْحَسَنِ الْبَكْرِيُّ - سَقَى اللَّهُ ثَرَاهُ - يُدِيمُ لُبْسَهُ أَوَّلَ أَمْرِهِ فِي دُرُوسِهِ وَغَيْرِهَا فَاعْتَرَضَهُ بَعْضُ مَنْ لَهُ اعْتِيَادٌ مَا بِالْحَدِيثِ فَبَالَغَ الشَّيْخُ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ بِذِكْرِ الرِّوَايَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى نَدْبِ لُبْسِهِ ثُمَّ قَالَ لِلْمُنْكِرِ أَمَا تُنْكِرُ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنْ صِفَةِ كَذَا وَكَذَا وَبَيَّنَ لَهُ أُمُورًا مُجْمَعًا عَلَى ذَمِّهَا فَكَانَ ذَلِكَ مَانِعًا لِلنَّاسِ مِنْ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ كَمَا أَنَّهُمْ لَمَّا أَنْكَرُوا عَلَى الْجَلَالِ فِي إدَامَةِ لُبْسِهِ فِي سَائِرِ الْمَوَاكِبِ وَغَيْرِهَا صَنَّفَ فِيهِ فَأَجَادَ وَأَفَادَ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَرْحَمُنَا وَإِيَّاهُمَا وَسَائِرَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ. [بَابُ اللِّبَاسِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ - عَنْ فَتْخَةِ الْفِضَّةِ الْمُسَمَّاةِ عِنْدَنَا بِالْحَلْقَةِ هَلْ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ لُبْسُهَا أَمْ لَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ حِينَئِذٍ دَاخِلَةً فِي مُسَمَّى الْخَاتَمِ لُغَةً كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي الْعُمْدَةِ قَالَ وَلَمْ يُجَوِّزُوا لِلرَّجُلِ لُبْسَ شَيْءٍ مِنْ حُلِيِّ الْفِضَّةِ إلَّا الْخَاتَمَ وَلَيْسَتْ هَذِهِ خَاتَمًا كَمَا تَقَدَّمَ. اهـ كَلَامُهُ بِمَعْنَاهُ لَكِنْ فِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ أَنَّ الْحَلْقَةَ خَاتَمٌ بِلَا فَصٍّ فَسَمَّاهَا خَاتَمًا فَمَا الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ أَفِيدُونَا مَتَّعَ اللَّهُ بِكُمْ الْمُسْلِمِينَ؟ (فَأَجَابَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - بِقَوْلِهِ: الَّذِي يُتَّجَهُ جَوَازُ الْحَلْقَةِ الْمَذْكُورَةِ. فَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي جَوَازِ لُبْسِ الْخَاتَمِ بَلْ نَدْبُهُ لِلرَّجُلِ بَيْنَ مَا لَهُ فَصٌّ وَمَا لَا فَصَّ لَهُ فَأَفْهَمَ ذَلِكَ أَنَّ كُلًّا مِمَّا لَهُ فَصٌّ وَمَا لَا فَصَّ لَهُ يُسَمَّى عِنْدَهُمْ خَاتَمًا وَإِنْ كَانَ الْخَاتَمُ لُغَةً لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى مَا لَهُ فَصٌّ فَقَدْ قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَالْفَتْخَةُ بِالتَّحْرِيكِ حَلْقَةٌ مِنْ فِضَّةٍ لَا فَصَّ فِيهَا فَإِذَا كَانَ فِيهَا فَصٌّ فَهِيَ الْخَاتَمُ. اهـ. فَأَفْهَمَ أَنَّ الْحَلْقَةَ غَيْرُ الْخَاتَمِ لُغَةً فَعُلِمَ بِمَا تَقَرَّرَ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ وَاللُّغَوِيِّينَ أَنَّ الْخَاتَمَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْفَصُّ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ كَلَامُهُمْ صَرِيحًا فِيمَا ذَكَرْته مِنْ جَوَازِ الْحَلْقَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَزَعْمُ ابْنِ الْمُلَقِّنِ مَا ذُكِرَ عَنْهُ فِي السُّؤَالِ يَرُدُّهُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ عَدَمَ دُخُولِهَا فِي مُسَمَّى الْخَاتَمِ لُغَةً لَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَهَا لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ صَرَّحُوا بِحِلِّ مَا لَا فَصَّ لَهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى خَاتَمًا لُغَةً فَعُلِمَ أَنَّهُمْ لَمْ يُرِيدُوا بِالْخَاتَمِ فِي كَلَامِهِمْ الْخَاتَمَ فِي اللُّغَةِ بَلْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ فَانْدَفَعَ نَظَرُهُ بِلَمْ يُسَمَّ خَاتَمًا لُغَةً وَكَأَنَّهُ غَفَلَ عَمَّا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ الْفُقَهَاءَ يُسَمُّونَهُ خَاتَمًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَصٌّ وَاللُّغَوِيِّينَ يَخُصُّونَ اسْمَ الْخَاتَمِ بِمَا لَهُ فَصٌّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَا لَا فَصَّ لَهُ اسْمُ الْخَاتَمِ أَيْضًا كَمَا يَدُلُّ لَهُ كَلَامُ ابْنِ الْأَثِيرِ الْمَذْكُورُ فِي السُّؤَالِ. فَإِنْ قُلْت يَنْبَغِي تَحْرِيمُهَا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهِيَ كَوْنُهَا مِنْ شَأْنِ النِّسَاءِ وَقَدْ صَرَّحَ الْأَئِمَّةُ بِأَنَّ التَّشَبُّهَ بِالنِّسَاءِ حَرَامٌ وَعَكْسُهُ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنْ الرِّجَالِ وَالْمُتَشَبِّهَات مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ» قُلْت إنَّمَا يَحْرُمُ التَّشَبُّهُ بِهِنَّ بِلُبْسِ زِيِّهِنَّ الْمُخْتَصِّ بِهِنَّ اللَّازِمِ فِي حَقِّهِنَّ كَلُبْسِ السِّوَارِ وَالْخَلْخَالِ وَنَحْوِهِمَا بِخِلَافِ لُبْسِ الْخَاتَمِ بِلَا فَصٍّ وَهُوَ الْحَلْقَةُ الْمَذْكُورَةُ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شِعَارِهِنَّ الْمُخْتَصِّ بِهِنَّ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْأُمِّ: وَلَا أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ لُبْسَ اللُّؤْلُؤِ إلَّا لِلْأَدَبِ فَإِنَّهُ مِنْ زِيِّ النِّسَاءِ لَا لِلتَّحْرِيمِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ رَدًّا عَلَى الرَّافِعِيِّ الْفَاهِمُ مِنْ هَذَا النَّصِّ تَبَعًا لِلشَّاشِيِّ أَنَّ التَّشَبُّهَ بِهِنَّ مَكْرُوهٌ فَقَطْ وَلَيْسَ كَمَا قَالَاهُ بَلْ الصَّوَابُ الْحُرْمَةُ وَأَمَّا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ فَلَيْسَ مُخَالِفًا لِهَذَا لِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ زِيِّ النِّسَاءِ لَا أَنَّهُ زِيٌّ لَهُنَّ مُخْتَصٌّ بِهِنَّ لَازِمٌ فِي حَقِّهِنَّ. اهـ. وَكَذَلِكَ نَقُولُ: الْحَلْقَةُ الْمَذْكُورَةِ إنْ سُلِّمَ أَنَّهَا زِيٌّ لَهُنَّ أَيْ مِنْ جِنْسِ زِيِّهِنَّ لَا أَنَّهَا بِهِنَّ لَازِمَةٌ فِي حَقِّهِنَّ. وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ فَصُّهُ مِنْهُ» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ

«أَنَّ فَصَّ خَاتَمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ حَبَشِيًّا» . قَالَ النَّوَوِيُّ نَقْلًا عَنْ الْعُلَمَاءِ يَعْنِي كَانَ حَجَرًا حَبَشِيًّا أَيْ فَصًّا مِنْ جَزْعٍ أَوْ عَقِيقٍ فَإِنَّ مَعْدِنَهُمَا بِالْحَبَشَةِ وَالْيَمَنِ. اهـ. وَلَا يُنَافِيهِ هَذِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي قَبْلَهَا بِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَهُ خَاتَمَانِ مِنْ فِضَّةٍ أَحَدُهُمَا فَصُّهُ مِنْهُ وَالْآخَرُ فَصُّهُ حَبَشِيٌّ أَيْ جَزْعٌ أَوْ عَقِيقٌ وَوَرَدَ فِي التَّخَتُّمِ بِالْعَقِيقِ أَحَادِيثُ مِنْهَا أَنَّهُ يَنْفِي الْفَقْرَ وَأَنَّهُ مُبَارَكٌ وَأَنَّ مَنْ تَخَتَّمَ بِهِ لَمْ يَزَلْ يَرَ خَيْرًا وَكُلُّهَا لَمْ يَثْبُتْ مِنْهَا شَيْءٌ كَمَا قَالَهُ الْحُفَّاظُ وَوَرَدَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ «أَنَّ التَّخَتُّمَ بِالْيَاقُوتِ الْأَصْفَرِ يَمْنَعُ الطَّاعُونَ» وَبِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْفَصَّ تَارَةً يَكُونُ مِنْ الْخَاتَمِ. وَتَارَةً يَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ مَعَ قَوْلِهِمْ السَّابِقِ يَجُوزُ لُبْسُ الْخَاتَمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَصٌّ يَظْهَرُ مَا مَرَّ مِنْ جَوَازِ لُبْسِ الْحَلْقَةِ الْمَذْكُورَةِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ شَيْءٌ يُلْبَسُ فِي الْإِصْبَعِ مِنْ الْفِضَّةِ وَلُبْسُ فَصِّهِ مِنْهُ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ يُسَمَّى خَاتَمًا وَهُوَ غَيْرُ الْحَلْقَةِ الْمَذْكُورَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ وَاضِحٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مَا ذَكَرْته مِنْ حِلِّ الْحَلْقَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى أَنَّ الْمُتَوَلِّيَ وَالْغَزَالِيَّ فِي الْفَتَاوَى شَذَّا فَقَالَا: لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ التَّحَلِّي بِغَيْرِ الْخَاتَمِ مِنْ حُلِيِّ الْفِضَّةِ كَالسِّوَارِ وَالدُّمْلُجِ وَالطَّوْقِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْفِضَّةِ إلَّا تَحْرِيمُ الْأَوَانِي وَتَحْرِيمُ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ. اهـ. وَمَا قَالَاهُ ضَعِيفٌ جِدًّا فَإِنَّ هَذَا مِنْ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَابْنِ حِبَّانَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِرَجُلٍ رَآهُ لَابِسًا خَاتَمًا مِنْ شَبَهٍ مَا لِي أَجِدُ مِنْك رِيحَ الْأَصْنَامِ فَطَرَحَهُ ثُمَّ جَاءَ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ فَقَالَ مَا لِي أَرَى عَلَيْك حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَتَّخِذُهُ قَالَ اتَّخِذْهُ مِنْ وَرِقٍ لَا تُتِمَّهُ مِثْقَالًا» هَلْ الْحَدِيثُ صَحِيحٌ وَمَا حُكْمُ الْخَاتَمِ الْمُتَّخَذِ مِنْ الْأَنْوَاعِ الْمَذْكُورَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْحَدِيثُ حَسَنٌ صَحِيحٌ كَذَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَكَأَنَّهُ تَعَقَّبَ بِذَلِكَ قَوْلَ النَّوَوِيِّ إنَّهُ ضَعِيفٌ وَالشَّبَهُ بِمُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ صِنْفٌ مِنْ النُّحَاسِ كَلَوْنِ الذَّهَبِ، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ فِي كَرَاهَتِهِ وَلَيْسَ فِي سِيَاقِهِ مَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ وَكَذَا الْقَوْلُ فِي خَاتَمِ الْحَدِيدِ وَجَوَازُ خَاتَمِ الْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ لَا نِزَاعَ فِيهِ وَاشْتِرَاطُ الْوَزْنِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا أَبُو سَعِيدٍ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَصَوَّبَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ: لَيْسَ فِي كَلَامِهِمْ مَا يُخَالِفُهُ لَكِنَّ الْأَوْجَهَ ضَبْطُهُ بِمَا لَا يُعَدُّ إسْرَافًا فِي الْعُرْفِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْخَلْخَالِ. (وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - هَلْ يَجُوزُ التَّفَرُّجُ عَلَى الزِّينَةِ إذَا أَمَرَ بِهَا نُوَّابُ السُّلْطَانِ لِفَتْحِ بِلَادٍ حَصَلَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ أَوْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ تَزْيِينَ الْجُدْرَانِ بِالْحَرِيرِ مُنْكَرٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يَحْرُمُ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ قَالَ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُعْمَلُ لَأَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا وَهُوَ الْعِلَّةُ الْغَائِيَّةُ الْمَطْلُوبَةُ مِنْهَا فَفِي تَحْرِيمِ النَّظَرِ إلَيْهَا حَمْلٌ عَلَى تَرْكِهَا وَنَقَلَهُ عَنْهُ السُّبْكِيّ وَارْتَضَاهُ بَلْ وَأَخَذَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ فَتَحَ بَابًا فِي جِدَارِ مَسْجِدٍ وَقُلْنَا بِحُرْمَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ سَوَاءٌ أَكَانَ لِمَصْلَحَةِ نَفْسِهِ أَمْ لَا يَحْرُمُ الْمُرُورُ مِنْهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ عَتَبُهُ عَرِيضَةً أَمْ لَا فَإِنْ قُلْت مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ ظَاهِرٌ إنْ لَمْ يَكُونُوا مُكْرَهِينَ عَلَى الزِّينَةِ بِخُصُوصِ الْحَرِيرِ وَإِلَّا كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ الْآنَ فَلَا يَنْبَغِي حِينَئِذٍ حُرْمَةُ النَّظَرِ إلَيْهَا لِجَوَازِهَا قُلْت هَذَا مُحْتَمَلٌ إنْ وُجِدَتْ شُرُوطُ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْحَرِيرِ بِخُصُوصِهِ وَلَمْ يُكْتَفَ بِغَيْرِهِ. وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ الْأَقْرَبُ الْحُرْمَةُ وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْحَرِيرِ بِخُصُوصِهِ وَلَمْ يُكْتَفَ بِغَيْرِهِ وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ الْأَقْرَبُ الْحُرْمَةُ وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْمُحَرَّمِ إنَّمَا يُبِيحُهُ لِلْمُكْرَهِ لَا لِغَيْرِهِ فَأَصْحَابُ الدَّكَاكِينِ وَإِنْ أُبِيحَ لَهُمْ الزِّينَةُ بِالْحَرِيرِ وَالْجُلُوسُ تَحْتَهُ لِأَجْلِ الْإِكْرَاهِ لَا يُبَاحُ لِغَيْرِهِمْ النَّظَرُ إلَى ذَلِكَ لِلتَّفَرُّجِ عَلَيْهِ وَلَا الْمُرُورِ فِي الْأَسْوَاق الْمُزَيَّنَةِ بِذَلِكَ بِلَا حَاجَةٍ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إغْرَاءَ الْعَوَامّ وَإِيهَامَهُمْ أَنَّهَا حَلَالٌ مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ فَفِي تَوَاطُؤِ النَّاسِ عَلَى عَدَمِ التَّفَرُّجِ عَلَيْهَا حَمْلٌ لِنُوَّابِ الْإِمَامِ عَلَى عَدَمِ الْإِكْرَاهِ الْمُحَرَّمِ عَلَيْهِمْ كَمَا لَا يَخْفَى وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى تَرْكِ الْمُحَرَّمِ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ. (وَسُئِلَ) - أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ - هَلْ يَحْرُمُ لُبْسُ اللُّؤْلُؤِ عَلَى الرِّجَالِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَفْظُهُ لَا أَكْرَهُ لُبْسَ اللُّؤْلُؤِ إلَّا لِلْأَدَبِ فَإِنَّهُ.

مِنْ زِيِّ النِّسَاءِ لَا لِلتَّحْرِيمِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِتَحْرِيمِ لُبْسِهِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ قَوْلِ الْمَحَامِلِيِّ فِي الْمُقْنِعِ لُبْسُ الثِّيَابِ الْمَصْبُوغَةِ مِنْ تَرْكِ الْمُرُوءَةِ هَلْ هُوَ وَإِطْلَاقُهُ مُعْتَمَدٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ إنْ لَمْ يَلِقْ بِهِ ذَلِكَ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا صَوَّرْته مَا أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرُهُ مِنْ حُرْمَةِ كَوْنِ وَثِيقَةِ الصَّدَاقِ حَرِيرًا إنْ أُرِيدَ كِتَابَةُ الرِّجَالِ فِيهِ فَهُوَ كَخِيَاطَةِ الْحَرِيرِ وَهُوَ جَائِزٌ لِلرِّجَالِ أَوْ اتِّخَاذُ النِّسَاءِ لَهُ فَاِتِّخَاذُ الْمَرْأَةِ لِلْحَرِيرِ وَافْتِرَاشُهَا لَهُ جَائِزٌ فَمَا وَجْهُ الْحُرْمَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْأَوَّلُ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ كَالْخِيَاطَةِ. لِأَنَّ الثَّوْبَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ لُبْسُهُ إلَّا بِهَا بِخِلَافِ كَوْنِ الْمَكْتُوبِ فِيهِ حَرِيرًا فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ أَصْلًا وَأَيْضًا فَالْكِتَابَةُ فِي شَيْءٍ اسْتِعْمَالٌ لَهُ عُرْفًا بِخِلَافِ خِيَاطَتِهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يَجُوزُ عَمَلُ عَصَائِبِ النِّسَاءِ مِنْ الْوَرَقِ الْبَيَاضِ وَيَجُوزُ دَوْسُهُ وَالِاسْتِنْجَاءُ بِهِ أَوْ لَا لِتَعْظِيمِهِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ خُلِقَ لَأَنْ يُكْتَبَ فِيهِ نَحْوُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَكِتَابَةُ غَيْرِهَا فِيهِ لَمْ يُخْلَقْ لَهَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ السُّبْكِيّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ جَوَازُ عَمَلِ الْعَصَائِبِ مِنْهُ قَالَ: وَأَمَّا حَدِيثُ لَهُنَّ رُءُوسٌ كَأَسْنِمَةِ الْإِبِلِ فَلَا يَتَنَاوَلُ مَا نَحْنُ فِيهِ. وَهَذَا مِنْ الزِّينَةِ الْمُبَاحَةِ وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْقَمُولِيِّ وَأَقَرَّهُ جَوَازُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْوَرَقِ الْكَاغَدِ إنْ كَانَ خَشِنًا مُزِيلًا وَصَرَّحَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَنَقَلُوهُ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ الدَّوْسِ بِالْأَوْلَى وَرُدَّ مَا قَالَهُ السُّبْكِيّ مِمَّا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ وَمِنْ حُرْمَةِ دَوْسِهِ وَلَوْ سَلَّمْنَا خَلْقَهُ لِذَلِكَ فَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا لَمْ يُخْلَقْ لَهُ خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ حَيْثُ قَالَ: إنَّهُ يَقْتَضِيهِ لَا يُقَالُ الْوَرَقُ فِيهِ النَّشَاءُ وَهُوَ مَطْعُومٌ لِأَنَّا نَقُولُ الْكَلَامُ فِي وَرَقٍ لَا نَشَاءَ فِيهِ عَلَى أَنَّ النَّشَاءَ مُسْتَهْلَكٌ فَلَا أَثَرَ لِوُجُودِهِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ وَرَقَةٍ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى. هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ فِيهَا فِضَّةٌ وَنَحْوُهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَقَلَ السُّبْكِيّ عَنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ وَأَنَّ الْقُرْآنَ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يُقْصَدَ بِهِ الدِّرَاسَةَ أَوْ لَا وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى كُلُّ اسْمٍ مُعَظَّمٍ. (وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - بِمَا لَفْظُهُ: شُكَّ فِي تَسَاوِي الْحَرِيرِ وَغَلَبَتِهِ فَهَلْ يَجُوزُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يَجُوزُ ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى مَا قَالُوهُ فِي الضَّبَّةِ وَقَوْلُ الْأَنْوَارِ يَحْرُمُ، ضَعِيفٌ عَلَى أَنَّ نُسَخَهُ مُخْتَلِفَةٌ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ نَصَبَ ثَوْبَ حَرِيرٍ وَجَلَسَ تَحْتَهُ بِحَيْثُ يُسَامِتُ رَأْسُهُ بَعْضَ الثَّوْبِ الْمَنْصُوبِ. وَيَصِيرُ تَحْتَهُ كَمَا اعْتَادَهُ أَهْلُ مِصْرَ فِي نَصْبِ الْبَشَّاخِينَ وَالنَّوَامِيسِ عِنْدَ دَعْوَتِهِمْ النَّاسَ إلَى وَلِيمَةٍ وَنَحْوِهَا فَهَلْ يَحِلُّ الْجُلُوسُ تَحْتَ مَا ذُكِرَ أَوْ لَا وَهَلْ يَجُوزُ نَصْبُ مَا ذُكِرَ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي يَظْهَرُ حُرْمَةُ الْجُلُوسِ تَحْتَ مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لَهُ عُرْفًا وَمَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ اسْتِعْمَالَ نَحْوِ الْبُشْخَانَةِ إنَّمَا هُوَ بِالْجُلُوسِ دَاخِلَهَا فَقَدْ غَفَلَ عَنْ أَنَّ لَهَا فِي الْعَادَةِ اسْتِعْمَالَيْنِ أَحَدُهُمَا مَعَ الْعِيَالِ وَهُوَ بِمَا ذُكِرَ وَالثَّانِي اسْتِعْمَالُ الْمَدْعُوِّينَ وَتَزَيُّنُهُمْ بِهَا وَلَيْسَ هُوَ إلَّا بِجُلُوسِهِمْ تَحْتَهَا وَهِيَ مَنْصُوبَةٌ فَإِنْ قُلْت يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجُلُوسُ الْمَذْكُورُ مُبَاحًا لِأَنَّا شَكَكْنَا فِي كَوْنِهِ اسْتِعْمَالًا أَوْ غَيْرَهُ فَلَا يَحْرُمُ بِالشَّكِّ قُلْت الْعُرْفُ قَاضٍ بِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ بِلَا شَكٍّ وَعَلَى تَسْلِيمِ مَا ذُكِرَ فَالْأَصْلُ فِي الْحَرِيرِ الْحُرْمَةُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْوَجْهُ الْمُجَوِّزُ لِاسْتِعْمَالِهِ وَهُوَ هُنَا أَنْ يُجْمِعَ أَهْلُ الْعُرْفِ عَلَى أَنَّ مَا ذُكِرَ لَيْسَ اسْتِعْمَالًا وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَكَانَ الْبَقَاءُ مَعَ الْأَصْلِ أَوْلَى وَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَصْلِ جَوَازُ لُبْسِ الثَّوْبِ الْمَشْكُوكِ فِي كَوْنِ أَكْثَرِهِ حَرِيرًا أَوْ كَتَّانًا مَثَلًا خِلَافًا لِمَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْأَنْوَارِ وَقِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ الضَّبَّةِ لِأَنَّا نَقُولُ الْأَصْلُ فِي الْمُخْتَلَطِ عَدَمُ زِيَادَةِ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ. وَجَوَازُ اسْتِعْمَالِهِ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّ الْأَكْثَرَ هُوَ الْحَرِيرُ. وَلَمْ يُعْلَمْ فَغَلَّبْنَا هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ عَلَى الْأَصْلِ السَّابِقِ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ وُجُودُهُ فِي صَرْفِ الْحَرِيرِ فَلَا تُرَدُّ مَسْأَلَةُ الْمُخْتَلَطِ أَصْلًا وَأَمَّا نَصْبُ مَا ذُكِرَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ تَزْيِينِ الْجُدْرَانِ بِالْحَرَائِرِ الَّذِي قَالُوا بِحُرْمَتِهِ إنْ قَصَدَتْ الْمَرْأَةُ بِنَصْبِهَا أَنَّهَا تَسْتَعْمِلُهَا وَحْدَهَا فَإِنْ قَصَدَتْ بِهِ جُلُوسَ الرِّجَالِ تَحْتَهَا أَوْ زِينَةَ الْجِدَارِ أَوْ الْبَيْتِ أَوْ اسْتِعْمَالَهَا بِجُلُوسِهَا هِيَ وَزَوْجُهَا فِيهَا حَرُمَ نَصْبُهَا.

وَكَانَ ذَلِكَ مُنْكَرًا مَانِعًا مِنْ وُجُوبِ الْإِجَابَةِ فِي الْوَلِيمَةِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - هَلْ الْأَفْضَلُ لُبْسُ الْخَاتَمِ فِي الْيَمِينِ أَوْ الْيَسَارِ وَمَا حُكْمُ نَقْشِهِ بِالذِّكْرِ أَوْ غَيْرِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: وَرَدَ فِي أَحَادِيثَ إيثَارُ الْيَمِينِ وَفِي أُخْرَى إيثَارُ الْيَسَارِ وَقَدْ بَيَّنْتُهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ لِلتِّرْمِذِيِّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَفْضَلَ عِنْدَنَا لُبْسُهُ فِي الْيَمِينِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ» أَيْ مِمَّا هُوَ مِنْ بَابِ التَّكْرِيمِ وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي التَّخَتُّمِ تَكْرِيمًا - أَيُّ تَكْرِيمٍ - فَيَكُونُ فِي الْيَمِينِ وَاعْتَرَضَ بَعْضُ النَّاسِ قَوْلَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُكْرَهُ فِي الْيَمِينِ. وَيَكُونُ فِي الْيَسَارِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْخَاتَمِ مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ الْخَوَاتِيمِ فِيهَا نَقْشُ الْقُرْآنِ وَالْأَذْكَارِ وَهُوَ اعْتِرَاضٌ وَاهٍ لِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ سَهْلٍ مِنْ أَنْ يَقْلَعَهُ مِنْ يَسَارِهِ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ حَتَّى فِي الْخَلَاءِ وَيَجْعَلَهُ فِي فَمِهِ، وَحُجَّةُ مَالِكٍ فِي كَرَاهِيَةِ جَعْلِهِ فِي الْيَمِينِ أَنَّهُ عِنْدَهُ لَيْسَ مِنْ التَّكْرِيمِ وَإِنَّمَا يُجْعَلُ فِي الْيَدِ لِلْخَتْمِ بِهِ لِمَا فِي الْحَدِيثِ «أَنَّ كِسْرَى وَقَيْصَرَ لَا يَقْبَلُونَ إلَّا كِتَابًا مَطْبُوعًا فَاتَّخَذَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - خَاتَمًا وَنَقَشَ عَلَيْهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» فَإِذَا كَانَ مَوْضُوعًا فِي الْيَدِ فَيَتَنَاوَلُ لِلْخَتْمِ بِهِ فَالتَّنَاوُلُ إنَّمَا يُسَنُّ بِالْيَمِينِ وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ بِالْيَسَارِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يُتَّجَهُ أَنْ لَوْ كَانَتْ سُنَّةُ لُبْسِهِ مُتَقَيِّدَةً بِالْخَتْمِ بِهِ أَمَّا إذَا لَمْ تَتَقَيَّدْ بِذَلِكَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ مَا جَاءَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَهُ خَاتَمَانِ خَاتَمٌ يَخْتِمُ بِهِ وَخَاتَمٌ يَلْبَسُهُ دَائِمًا» فَلَا يُتَّجَهُ ذَلِكَ الَّذِي قَالَهُ مَالِكٌ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْمَالِكِيَّةِ الْتَزَمَ مَا فِي الِاعْتِرَاضِ فَقَالَ: إنْ كَانَ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ فَالْأَحْسَنُ إزَالَتُهُ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ وَإِلَّا فَالْأَمْرُ وَاسِعٌ وَرَأَيْت بَعْضَهُمْ ذَكَرَ مَا أَجَبْت بِهِ عَنْ احْتِجَاجِ مَالِكٍ فَقَالَ: الْخَاتَمُ زِينَةٌ مُرَخَّصٌ فِيهَا أَصْلُهَا الْحَاجَةُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا اتَّخَذَهُ لِطَبْعِ الْكُتُبِ حِينَ قِيلَ لَهُ إنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ إلَّا الْكِتَابَ الْمَطْبُوعِ. وَلَكِنْ رُخِّصَ فِيهِ لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ مَعَ أَنَّهُ يُثْقِلُهَا وَيَشْغَلُ الْبَالَ وَافْتَرَقَتْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إلَى قِسْمَيْنِ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي الْيَمِينِ وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي الْيَسَارِ وَبَالَغَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ الْبَاجِيُّ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ فَقَالَ: الثَّانِي هُوَ الَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَكَرِهَ التَّخَتُّمَ فِي الْيَمِينِ قَالَ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَجْعَلَ الْخَاتَمَ فِي يَمِينِهِ لِلْحَاجَةِ يَتَذَكَّرَهَا أَوْ يَرْبِطَ خَيْطًا فِي أُصْبُعِهِ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ الْخَاتَمِ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ يَلْبَسُهُ فِي الشِّمَالِ وَيَسْتَنْجِي بِهِ وَرَوَى أَبُو دَاوُد «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا أَرَادَ الْخَلَاءَ وَضَعَ خَاتَمَهُ» وَهُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ. اهـ. وَفِيهِ مَا فِيهِ وَخَبَرُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ عَشْرِ خِصَالٍ وَمِنْهَا وَعَنْ التَّخَتُّمِ إلَّا لِذِي سُلْطَانٍ» قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ وَفِي الْمُوَطَّإِ أَنَّهُ أَفْتَى بِجَوَازِ لُبْسِ الْخَاتَمِ أَيْ مُطْلَقًا وَقَالَ لِمَنْ أَفْتَاهُ أَخْبِرْ النَّاسَ أَنِّي أُفْتِيك بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَرَادَ مَالِكٌ بِذَلِكَ الْإِنْكَارَ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ فِي إنْكَارِهِمْ لَهُ إلَّا لِذِي سُلْطَانٍ وَهُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ أَلْبَسُهُ عَلَى الْجَنَابَةِ وَأَدْخُلُ بِهِ الْخَلَاءَ وَأَكْتُبُ فِيهِ ذِكْرَ اللَّهِ. وَأَجَازَ الْحَسَنُ نَقْشَ الْآيَةِ فِيهِ وَكَرِهَهُ النَّخَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَكَرِهَ ابْنُ سِيرِينَ أَنْ يَكُونَ فِي الْخَاتَمِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ: وَقَدْ ثَبَتَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّخَذَ خَاتَمًا وَزْنُهُ دِرْهَمَانِ وَفَصُّهُ مِنْهُ وَنُقِشَ عَلَيْهِ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَنَهَى أَنْ يَنْقُشَ أَحَدٌ عَلَيْهِ وَكَانَ فِي يَدِهِ حَتَّى مَاتَ» وَنَقَشَ مَالِكٌ فِي خَاتَمِهِ: حَسْبِي اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَلَبِسَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَرَّمَ وَجْهَهُ خَاتَمَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَهُ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثُمَّ سَقَطَ مِنْ غُلَامِهِ مُعَيْقِيبٍ أَوْ مِنْهُ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ مِنْ خِلَافَتِهِ فِي بِئْرِ أَرِيسَ عِنْدَ قُبَاءَ فَالْتُمِسَ فَلَمْ يُوجَدْ وَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ فَتْحِ بَابِ الْفِتْنَةِ الَّتِي مَا زَالَتْ تَطْمُو إلَى أَنْ قُتِلَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثُمَّ تَزَايَدَتْ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مَشْهُورٌ، وَلَمَّا سَقَطَ مِنْ عُثْمَانَ اتَّخَذَ بَدَلَهُ مَنْ وَرِقٍ وَنَقَشَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أَيْضًا قِيلَ: وَذَكَرَتْ الْهَوَاتِفُ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ أَمَنَةً لِلصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَمِنْ حِينِ سُقُوطِهِ دَخَلَ بَيْنَهُمْ مَا دَخَلَ مِنْ الْخِلَافِ وَالْفِتَنِ وَتَغْيِيرِ الْقُلُوبِ وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ ثُمَّ نَبَذَهُ» فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ لِبَيَانِ تَحْرِيمِ الذَّهَبِ عَلَى الرِّجَالِ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ لِلنِّسَاءِ وَرُوِيَ فِي كَرَاهَتِهِ لَهُنَّ مَا لَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ.

وَتَمْوِيهُهُ بِالذَّهَبِ حَرَامٌ عِنْدَنَا مُطْلَقًا ثُمَّ إنْ حَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْعَرْضِ عَلَى النَّارِ حَرُمَتْ اسْتِدَامَتُهُ وَحَرُمَ لُبْسُهُ وَإِلَّا فَلَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَكَرِهَ فِي الْعُتْبِيَّةِ لِلْمَالِكِيَّةِ أَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ فِي خَاتَمِهِ مِنْ الْفِضَّةِ قَدْرَ الْحَبَّةِ مِنْ الذَّهَبِ لِئَلَّا يَصْدَأَ أَوْ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ لَمْ أَزَلْ أَسْمَعُ أَنَّ الْحَدِيدَ يُكْرَهُ التَّخَتُّمُ بِهِ وَكَرِهَهُ أَبُو حَنِيفَةَ لِلرِّجَالِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيّ وَقَدْ جَاءَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ شَبَهٍ أَيْ: نُحَاسٍ فَقَالَ لَهُ: إنِّي لَأَجِدُ مِنْهُ رِيحَ الْأَصْنَامِ وَقَالَ لِآخَرَ: مَا لِي أَرَى عَلَيْك حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ» لَكِنْ اسْتَدَلَّ لَهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ الصَّدَاقِ «اتَّخِذْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ.» وَجَاءَ «عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَالَ: نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ أَتَخَتَّمَ فِي هَذِهِ وَهَذِهِ يَعْنِي الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةَ» وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ التَّخَتُّمَ فِي الْإِصْبَعَيْنِ وَاعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّة فَقَالَ: إنَّمَا الْمَعْنَى - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - لَا يَتَشَبَّهُ الرَّجُلُ بِالنِّسَاءِ فِي التَّخَتُّمِ فِي الْأَصَابِعِ كُلِّهَا قِيلَ: وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ أَنَّهُ يُجْعَلُ فِي الْخِنْصِرِ وَثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ وَزْنَهُ دِرْهَمَانِ مِنْ فِضَّةٍ وَأَنَّ فَصَّهُ مِنْهُ وَأَنَّهُ جَعَلَهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ. اهـ. وَالْأَخِيرَانِ مُسْلِمَانِ وَالْأَوَّلُ فِيهِ نَظَرٌ فَفِي الْحَدِيثِ وَلَا يَبْلُغُ بِهِ مِثْقَالًا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ: مَا حُكْمُ لُبْسِ زِيِّ الصُّلَحَاءِ وَالْعُلَمَاءِ لَهُمْ. أَوْ لِغَيْرِهِمْ وَمَا الْعَمَلُ الَّذِي يَسُدُّ خَوْفَ الرِّيَاءِ وَكَيْفَ حَالُ سَنَدِهِمْ فِي لُبْسِ الْخِرْقَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مَنْ تَزَيَّا زِيَّ صَالِحٍ أَوْ عَالِمٍ فَإِنْ قَوِيَ يَقِينُهُ بِحَيْثُ لَمْ يَخْشَ عَلَى نَفْسِهِ رِيَاءً وَنَحْوَهُ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ بَأْسٌ، وَإِنْ خَشِيَ تَرَكَهُ وَإِنْ كَانَ صَالِحًا أَوْ عَالِمًا ذَكَرَهُ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ: وَالْعَمَلُ إمَّا أَنْ يُشْرَعَ فِيهِ السِّرُّ وَالْخَفَاءُ كَقِيَامِ اللَّيْلِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ فَهَذَا لَا يُظْهِرُهُ وَإِلَّا خَالَفَ السُّنَّةَ وَتَعَرَّضَ لِلرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَإِمَّا أَنْ يُشْرَعَ فِيهِ الْجَهْرُ كَالْأَذَانِ وَتَشْيِيعِ الْجَنَائِزِ وَالْجِهَادِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ وَالْوِلَايَاتِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْإِمَامَةِ. فَهَذَا لَا يُتْرَكُ خَوْفَ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ بَلْ يُجَاهِدُ نَفْسَهُ فِي دَفْعِهِمَا وَعَلَى هَذَا دَرَجَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ، وَإِمَّا أَنْ يُخَيِّرَ الشَّرْعُ فِيهِ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالسِّرِّ كَالصَّدَقَةِ قَالَ تَعَالَى {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: 271] الْآيَةَ فَهَذَا إخْفَاؤُهُ خَيْرٌ مِنْ إظْهَارِهِ لِلْأَمْنِ مِنْ الرِّيَاءِ نَعَمْ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ فَإِظْهَارُهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ أَفْضَلُ إذَا قَوِيَ عَلَى حِفْظِ نَفْسِهِ مِنْ شَوَائِبِ الْفِتْنَةِ وَالرِّيَاءِ لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ فِي التَّوْسِعَةِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَمَثُوبَةِ الْأَغْنِيَاءِ وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا. اهـ. وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ كَرِهُوا الْإِفْرَاطَ فِي بَذَاذَةِ اللِّبَاسِ وَعُلُوِّهِ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ: الْبَسْ مِنْ الثِّيَابِ مَا لَا يُشْهِرُك عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَلَا يُحَقِّرُك عِنْدَ السُّفَهَاءِ. وَأَغْرَاضُ السَّلَفِ مُتَفَاوِتَةٌ فِي إيثَارِ الرَّفِيعِ وَالْخَسِيسِ فَكَانَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَلْبَسُ الْخَزَّ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَلْبَسُ الصُّوفَ وَلَا يُنْكِرُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَكَانَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ لَا يَلْبَسُونَ الْخَزَّ لِأَنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ الزُّهْدِ وَدَاعٍ إلَى الزَّهْوِ فَفِي الْمُوَطَّإِ كَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَلْبَسُ ثَوْبًا قَدْ رَقَّعَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ بِرِقَاعٍ ثَلَاثٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ قَالَ الْبَاجِيُّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ رَقَّعَهُ مَرَّةً وَتَخَرَّقَ ثُمَّ رَقَّعَهُ بَعْدُ مَرَّةً أُخْرَى، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِي بَيْتِهِ وَيَلْبَسَ غَيْرَ ذَلِكَ بَيْنَ النَّاسِ أَوْ يَكُونَ لَيْسَ مِثْلُ ذَلِكَ فَاشِيًا بَيْنَ أَبْنَاءِ الزَّمَانِ فَلَا يُشْتَهَرُ بِهِ مَنْ لَبِسَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَخَذَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ وَإِنْ اُشْتُهِرَ بِالتَّقَدُّمِ فِي الدِّينِ وَشُهِدَ لَهُ بِالْجَنَّةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَالَهُ لَمْ يَتَّسِعْ لِأَكْثَرَ وَكَانَ يُحِبُّ التَّقْلِيلَ مِنْ الْأَخْذِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَكَانَ فِي هَذِهِ بَعْدَ الْوِلَايَةِ أَقْوَى مِنْهُ قَبْلَهَا وَكَذَا كَانَ بَعْضُ ذُرِّيَّتِهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَلَبِسَ أَبُو بَكْرٍ الْكِسَاءَ حَتَّى عُرِفَ بِهِ وَقَالَتْ غَطَفَانُ فِي الرِّدَّةِ مَا كُنَّا نُتَابِعُ صَاحِبَ الْكِسَاءِ وَكَانَ عَلَى غَايَةٍ مِنْ الْخُشُونَةِ فِي لِبَاسِهِ وَمَطْعَمِهِ كَانَ قَمِيصُهُ إلَى نِصْفِ سَاقِهِ وَكُمَّاهُ إلَى طَرَفِ يَدِهِ. وَقَالَ هُوَ أَجْمَعُ لِلْقَلْبِ وَأَبْعَدُ مِنْ الْكِبْرِ وَأَحْرَى أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ الْمُؤْمِنُ وَكَانَ سَلْمَانُ وَأَبُو ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي غَايَةٍ مِنْ الزُّهْدِ وَالرِّضَا بِالْيَسِيرِ وَرَأَى ابْنُ عُمَرَ أَبَاهُ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَعَلَيْهِ إزَارٌ فِيهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ رُقْعَةً بَعْضُهَا مِنْ أَدَمٍ وَكَتَبَ إلَى بَعْضِ عُمَّالِهِ لِيَكُنْ طَعَامُكُمْ وَلِبَاسُكُمْ خَشِنًا خَلَقًا قِيلَ: وَمِنْ

هَذِهِ الْآثَارِ أَخَذَ الْمُتَصَوِّفَةُ لِبَاسَ الْخِرْقَةِ وَالتَّزَيِّي وَقَدْ رَوَاهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالشَّيْخِ يُوسُفَ الْعَجَمِيِّ الْمَدْفُونِ بِقَرَافَةِ مِصْرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. وَذَكَرَ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ سَنَدَهُ فِي الْخِرْقَةِ وَالْمُرَقَّعَةِ إلَى أُوَيْسٍ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَإِلَى الْحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَإِلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَلِمَنْ ثَبَتَتْ عَقِيدَتُهُ فِيهِمْ وَقَوِيَ يَقِينُهُ وَأَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْهِ آثَارُ بَاطِنِهِ أَنْ يَلْبَسَ زِيَّهُمْ وَهُوَ الْخِرْقَةُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَزَيَّا بِزِيِّ قَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ وَمَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمِ فَهُوَ مِنْهُمْ» وَذَكَرَ غَيْرُ سَيِّدِي يُوسُفَ الْعَجَمِيِّ مِنْ الْمُؤَلِّفِينَ فِي طَرِيقِ السَّائِرِينَ إلَى اللَّهِ أَنَّهُ إذَا صَحَّ لِلْمُرِيدِ مَقَامُ التَّوْبَةِ وَالْوَرَعِ وَشَرَعَ فِي مَقَامِ الزُّهْدِ فَقَدْ آنَ لَهُ لُبْسُ الْخِرْقَةِ إنْ رَغِبَ فِيهَا فَلْيُرَاعِ مَا يَلْزَمُهُ فِي لُبْسِهَا لَكِنْ قَدْ ارْتَفَعَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَانْحَلَّ النِّظَامُ وَوَقَعَ الرِّضَا مِنْ جِهَةِ الِاتِّبَاعِ بِالْأَوْفَقِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَتْبُوعِينَ بِالِابْتِدَاعِ وَمِنْ ذَلِكَ يَنْتَشِرُ الْفَسَادُ وَيَظْهَرُ الْعِنَادُ فَلَابِسُ الْمُرَقَّعَةِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَدَّبَ نَفْسَهُ بِالْآدَابِ وَرَاضَهَا بِالْمُجَاهَدَاتِ وَالْمُكَابَدَاتِ وَتَحَمَّلَ الْمَشَاقَّ وَتَجَرَّعَ الْمَرَارَاتِ وَجَاوَزَ الْمَقَامَاتِ وَاقْتَدَى بِالْمَشَايِخِ أَهْلِ الِاتِّبَاعِ وَالِاقْتِدَاءِ وَصَحِبَ رِجَالَ الصِّدْقِ وَعَرَفَ أَحْكَامَ الدِّينِ وَحُدُودَ أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَحَرَامٌ عَلَيْهِ التَّعَرُّضُ لِلْمَشْيَخَةِ وَالْإِرَادَةِ. اهـ. قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ صَدَقَ الشَّيْخُ فِيمَا ذَكَرَ لِأَنَّهُ لَا يَلْبَسُ الْخِرْقَةَ وَالْمُرَقَّعَةَ وَزِيَّ الصَّالِحِينَ الْيَوْمَ إلَّا كُلُّ مُدَّعٍ لَيْسَ مَعَهُ مِنْ حِلْيَةِ الْقَوْمِ إلَّا الْقِشْرَةَ خَاصَّةً خَلِيٌّ مِنْ الْمَعْنَى لَا تَرَى إلَّا دَعَاوَى بَاطِلَةً وَأُصُولًا وَاهِيَةً وَاتِّبَاعَ الْآثَارِ بِالظَّوَاهِرِ خَاصَّةً لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْقَوْمِ وَرُبَّمَا لَبِسَهَا بَعْضُ الْعَوَامّ يُلْبِسُونَ عَلَى النَّاسِ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِهَا وَلَيْسُوا كَذَلِكَ وَرُبَّمَا لَبِسَتْ بَقِيَّةٌ مِنْ لُصُوصٍ وَنَحْوِهِمْ وَهَذَا لَهُ مَنْدُوحَةٌ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ لِلضَّرُورَةِ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ مَنْ يَتَوَصَّلُ لِتَحْصِيلِ الدُّنْيَا بِطَرِيقَةِ الصَّلَاحِ أَشَرُّ مِنْ الظَّلَمَةِ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الصُّوفِيَّةُ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ صُوفِيَّةُ الْحَقَائِقِ وَحَالُهُمْ تَرْكُ الْكَدَرِ وَامْتِلَاءُ الْفِكَرِ وَاسْتِوَاءُ الْحَجَرِ وَالْمَدَرِ قِيلَ: هُوَ كَمَالُ الْمَعَانِي وَتَرْكُ الدَّعَاوَى وَهَؤُلَاءِ هُمْ الصِّدِّيقُونَ وَالْعُلَمَاءُ الْعَارِفُونَ. وَصُوفِيَّةُ الْأَرْزَاقِ وَهُمْ الَّذِينَ وُقِفَتْ عَلَيْهِمْ الْخَوَانِكُ وَالرُّبَطُ وَشَرْطُهُمْ الْعَدَالَةُ وَالتَّأَدُّبُ بِآدَابِ أَهْلِ الطَّرِيقِ وَهِيَ الْآدَابُ الشَّرْعِيَّةُ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ وَأَنْ لَا يَتَمَسَّكُوا بِفُضُولِ الدُّنْيَا مِنْ التِّجَارَاتِ وَنَحْوِهَا. وَصُوفِيَّةُ الرُّسُومِ وَهُمْ الْمُقْتَصِرُونَ عَلَى لُبْسِ زِيِّ الْقَوْمِ فَلَيْسَ لَهُمْ هِمَّةٌ إلَّا فِي تَحْصِيلِهِ وَآدَابٌ وَضْعِيَّةٌ يَتَعَارَفُونَهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ. وَمَنْزِلَةُ هَؤُلَاءِ مِنْ الصُّوفِيَّةِ مَنْزِلَةُ مَنْ يَلْبَسُ ثِيَابَ الْعُلَمَاءِ أَوْ الْمُجَاهِدِينَ مُتَشَبِّهًا بِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْرِفَ شَيْئًا مِنْ الْعِلْمِ أَوْ الْجِهَادِ وَهَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ أَشَارَ إلَيْهِمْ - سَيِّدِي أَبُو مَدْيَنَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - بِقَوْلِهِ: وَاعْلَمْ بِأَنَّ طَرِيقَ الْقَوْمِ دَارِسَةٌ وَحَالُ مَنْ يَدَّعِيهَا الْيَوْمَ كَيْفَ تَرَى. وَسُئِلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَنْ سَنَدِهِ فِي الْخِرْقَةِ فَقَالَ: أَمَّا لُبْسُ الْقَلَنْسُوَةِ أَوْ الْعِمَامَةِ أَوْ الثَّوْبِ فَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ اسْتَحْسَنَهُ بِمَنْزِلَةِ خِلَعِ الْمُلُوكِ وَلَمْ يَرَهُ آخَرُونَ إذْ لَمْ يَرِدْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُسِيَ ثَوْبًا قَالَ: وَقَدْ كُنْت لَبِسْت خِرْقَةَ التَّصَوُّفِ مِنْ طُرُقِ جَمَاعَةٍ أَبْيَنُهَا طَرِيقُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الْقَادِرِ. وَهِيَ أَجَلُّ الطُّرُقِ الْمَشْهُورَةِ وَلَبِسَهَا مِنْ طَرِيقِ الشَّيْخِ الْعَارِفِ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ السُّهْرَوَرْدِيِّ وَمِنْ طَرِيقِ الشَّيْخِ أَحْمَدَ الرِّفَاعِيِّ وَالشَّيْخِ أَبِي الْبَيَانِ الدِّمَشْقِيِّ وَأَخَذْت سُلُوكَ الطَّرِيقِ عَنْ الشَّيْخِ عَدِيِّ بْنِ مُسَافِرٍ وَأَبِي مَدْيَنَ الْمَغْرِبِيِّ وَأَخَذْنَا عَنْ الشُّيُوخِ الْمُتَقَدِّمِينَ كَالْفُضَيْلِ وَالدَّارَانِيِّ وَمَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ وَأَمَّا نَفْسُ لُبْسِ الْخِرْقَةِ فَاسْتَحْسَنَهُ جَمْعٌ مِنْ الشُّيُوخِ وَأَسْنَدُوهُ مِنْ طَرِيقٍ مَشْهُورَةٍ وَقَدْ يَحْصُلُ بِهَا مَنْفَعَةٌ وَاتِّصَالٌ وَانْضِمَامٌ إلَى أَهْلِ الْخَيْرِ وَالدِّينِ. اهـ. وَيَقَعُ لِبَعْضِ الصُّوفِيَّةِ أَنْ يَقْنَعَ مِنْ أَتْبَاعِهِ بِأَدْنَى عَمَلٍ لَعَلَّهُ يَنْجَرُّ إذَا تَشَبَّهَ بِالْقَوْمِ إلَى طَرِيقَتِهِمْ وَهَذَا قَصْدٌ حَسَنٌ رَأَيْنَا بَعْضَ مَشَايِخِنَا يَفْعَلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَإِنَّمَا يَنْبَغِي لُبْسُ الْخِرْقَةِ حَيْثُ لَمْ يُعَارِضْهُ أَحَدُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ احْتِيَاجُهُ إلَى أَصْلٍ مِنْ الْأَثَرِ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ لِيُخْرِجَهُ مِنْ الْبِدْعَةِ أَوْ مِنْ مَقَاطِعِ الِاجْتِهَادِ، وَالرَّأْيُ الثَّانِي سَلَامَتُهُ مِنْ

اخْتِلَافِ الْأَهْوَاءِ وَالْمَيْلِ عَنْ السُّنَّةِ. الثَّالِثُ اتِّصَالُ سَنَدِهَا وَهُوَ مُتَّصِلٌ إلَى أُوَيْسٍ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَإِلَى الْحَسَنِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَهَذَا أَشْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَشْهَرُ طُرُقِهِ طَرِيقُ الشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ وَهُوَ يَرْوِيهِ عَنْ أَبِي السَّعَادَاتِ الْحَرَمِيِّ عَنْ أَبِي الْفَرَجِ الطَّرَسُوسِيِّ عَنْ أَبِي الْفَضْلِ التَّمِيمِيِّ وَهُوَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْفَقِيهُ الْحَنْبَلِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الشِّبْلِيِّ عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الْجُنَيْدِ عَنْ خَالِهِ السَّرِيِّ السَّقَطِيِّ عَنْ مَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ عَنْ دَاوُد الطَّائِيِّ عَنْ حَبِيبٍ الْعَجَمِيِّ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ طَرِيقٍ آخَرَ إلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ. وَاعْلَمْ أَنَّ السَّنَدَ إلَى مَعْرُوفٍ مُتَّصِلٌ وَمِنْ بَعْدِهِ مُنْقَطِعٌ إذْ لَا يُعْرَفُ لَهُ صُحْبَةٌ لِدَاوُدَ الطَّائِيِّ وَلَا لِعَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضَا وَإِنَّمَا تُعْرَفُ صُحْبَتُهُ لِبَكْرِ بْنِ حُبَيْشٍ وَعَنْهُ يَرْوِي أَحَادِيثَ الزُّهْدِ وَمَا يَرْوِيهِ غَيْرُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْخَطَأُ فِيهِ كَبِيرٌ وَإِنْ كَانُوا ذَوِي فِعْلٍ وَصَلَاحٍ وَمِنْ ثَمَّ نَفَرَ مَالِكٌ عَنْ الْأَخْذِ عَنْهُمْ وَصُحْبَةُ دَاوُد لِحَبِيبِ الْعَجَمِيِّ فِيهَا نَظَرٌ وَأَمَّا اجْتِمَاعُ الْحَسَنِ بِعَلِيٍّ فَبَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَذَا الشَّأْنِ وَمَا يُرْوَى أَنَّهُ سَأَلَهُ مَا صَلَاحُ الدِّينِ قَالَ الْوَرَعُ وَمَا فَسَادُهُ قَالَ الطَّمَعُ. كَذِبٌ مَوْضُوعٌ وَإِسْنَادُ أُوَيْسٍ أَكْثَرُ انْقِطَاعًا وَإِسْنَادُ جَابِرٍ أَشَدُّ انْقِطَاعًا مِنْ الْكُلِّ. لَكِنَّ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخِ الَّذِينَ رَوَوْهَا أَعْلَامٌ كُلُّهُمْ لَقِيَ أَشْيَاخًا غَيْرَ هَؤُلَاءِ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ عَلَى التَّوَاصِي عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْمَالِكَةِ مَا ذُكِرَ مِنْ الِانْقِطَاعِ بِأَنَّهُمْ حَفِظُوا وَمَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ. وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ الصَّحِيحِ قَبُولُهَا وَبِأَنَّ نَفْيَ صُحْبَةِ مَعْرُوفٍ لِدَاوُدَ شَهَادَةُ نَفْيٍ فَالْمُثْبَتُ أَوْلَى وَبِأَنَّ نَفْيَ لَقِيِّ الْحَسَنِ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ لِإِمْكَانِ اجْتِمَاعِهِ بِهِ فَإِنَّهُ كَانَ بِالْكُوفَةِ وَالْحَسَنُ بِالْبَصْرَةِ وَبَعِيدٌ أَنْ يَسْمَعَ بِعَلِيٍّ قَرِيبًا مِنْهُ وَلَا يَجْتَمِعُ بِهِ. وَلَا يَجْتَمِعُ بِهِ وَمِثْلُ هَذَا الْإِمْكَانِ كَافٍ فِي الِاتِّصَالِ عِنْدَ غَيْرِ الْبُخَارِيِّ وَبِأَنَّ الْمُنْقَطِعَ بِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ مَعْمُولٌ بِهِ فِي الْفَضَائِلِ وَهَذَا مِثْلُهَا لِأَنَّ الْمَدَارَ فِيهِ عَلَى الزُّهْدِ وَالْفَضِيلَةِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ اسْتِعْمَالِ الرَّجُلِ الْمُكْحُلَةَ الْمُغَشَّاةَ بِالْحَرِيرِ أَوْ الْمُطَرَّزَةَ بِالْقَصَبِ هَلْ يَحْرُمُ مُطْلَقًا أَوْ فِيهِ تَفْصِيلٌ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِقَوْلِهِ: الظَّاهِرُ فِي هَذَا تَفْصِيلٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ أَمْسَكَهَا وَاكْتَحَلَ مِنْهَا أَثِمَ لِأَنَّ هَذَا اسْتِعْمَالٌ لَهَا وَإِنْ أَخَذَ مِنْهَا بِالْمِرْوَدِ. مَنْ يَحِلُّ لَهُ اسْتِعْمَالُهَا كَامْرَأَةٍ وَأَعْطَتْهُ لَهُ لَمْ يَحْرُمْ وَإِنْ أَمَرَ بِعَمَلِهَا لَهُ بِخُصُوصِهِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ أَوْلَى بِالْحِلِّ مِنْ نَحْوِ كِيسِ الْمُصْحَفِ الَّذِي صَرَّحَ بِحِلِّهِ الْفُورَانِيُّ وَمِنْ كِيسِ الدَّرَاهِمِ أَوْ غِطَاءِ الْعِمَامَةِ وَالْكُوزِ الَّذِي بَحَثَ حِلَّهُ الْإِسْنَوِيُّ وَاعْتَرَضَهُ الزَّرْكَشِيُّ بِمَا رَدَدْته عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ فَإِنْ قُلْت ظَاهِرُ هَذَا وَتَجْوِيزُ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ خَيْطُ الْمِسْبَحَةِ تَجْوِيزُ غِشَاءِ الْمُكْحُلَةِ وَاسْتِعْمَالِهَا مُطْلَقًا فَمَا الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلتَّفْصِيلِ السَّابِقِ فِيهَا دُونَ هَذِهِ النَّظَائِر؟ قُلْت الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ وَأَفْهَمَهُ كَلَامُهُمْ أَنَّ شَرْطَ اسْتِعْمَالِ الْحَرِيرِ. الْمُحَرَّمِ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِبَدَنِهِ فَخَرَجَ كِيسُ الْمُصْحَفِ وَالدَّرَاهِمِ وَغِطَاءُ الْعِمَامَةِ وَالْكُوزُ وَدَخَلَتْ الْمُكْحُلَةُ إذَا تَكَحَّلَ مِنْهَا بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الْحَرِيرَ الَّذِي عَلَيْهَا حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَحَّلَهُ غَيْرُهُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَيْطِ السُّبْحَةِ وَلُقْيَةِ الدَّوَاةِ بِأَنَّهُمَا مَسْتُورَانِ فَلَا خُيَلَاءَ فِيهِمَا غَالِبَةٌ بِخِلَافِ الْمُكْحُلَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ فَرْقٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ غَيْرَ الْحَرِيرِ يَسْرُعُ تَقَطُّعُهُ مِنْ الْمِسْبَحَةِ وَالدَّوَاةِ بِخِلَافِ الْحَرِيرِ فَاحْتِيجَ إلَيْهِ كَالسِّجَافِ فَلَا زِينَةَ وَلَا خُيَلَاءَ بِخِلَافِ غِشَاءِ الْمُكْحُلَةِ فَإِنَّهُ لِمَحْضِ الزِّينَةِ وَالْخُيَلَاءِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فِيهِ. إلَى خُصُوصِ الْحَرِيرِ أَلْبَتَّةَ وَهُوَ فَرْقٌ ظَاهِرٌ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - هَلْ رُوِيَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَبِسَ عِمَامَةً صَفْرَاءَ» ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ «جَعْفَرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: رَأَيْت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَوْبَيْنِ مَصْبُوغَيْنِ بِزَعْفَرَانٍ رِدَاءً وَعِمَامَةً» وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْبُغُ ثِيَابَهُ بِالزَّعْفَرَانِ قَمِيصَهُ وَرِدَاءَهُ وَعِمَامَتَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «كَانَ يَصْبُغُ ثِيَابَهُ كُلَّهَا بِالزَّعْفَرَانِ حَتَّى الْعِمَامَةَ» وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ أَصْفَرُ وَرِدَاءٌ أَصْفَرُ وَعِمَامَةٌ صَفْرَاءُ» وَالطَّبَرَانِيُّ «كَانَ أَحَبُّ الصِّبْغِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

الصُّفْرَةَ» . (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - هَلْ الْعِمَامَةُ الْكَبِيرَةُ وَاَلَّتِي بِلَا عَذْبَةٍ وَتَحْنِيكٍ مَكْرُوهَةٌ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنْ كَانَ كَبَّرَهَا لِعُذْرِ بَرْدٍ وَنَحْوِهِ أَوْ لِكَوْنِ كِبَرِهَا مِنْ شِعَارِ عُلَمَاءِ تِلْكَ النَّاحِيَةِ وَهُوَ مِنْهُمْ وَلَا يُعْرَفُ وَيُقْتَدَى بِقَوْلِهِ: وَيُمْتَثَلُ أَمْرُهُ إلَّا إنْ كَانَ عَلَيْهِ شِعَارُهُمْ فَلَا كَرَاهَةَ فِي كِبَرِهَا بَلْ هُوَ حِينَئِذٍ بِقَصْدِ الْعُذْرِ سُنَّةٌ أَوْ وَاجِبٌ لِأَنَّ التَّوَقِّي عَنْ الْآفَاتِ وَالْمَهَالِكِ مَنْدُوبٌ بَلْ وَاجِبٌ إنْ انْحَصَرَ ذَلِكَ التَّوَقِّي فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ وَلِأَنَّ اتِّخَاذَ شِعَارِ الْعُلَمَاءِ لِمَنْ هُوَ مِنْهُمْ وَتَوَقَّفَتْ مَعْرِفَةُ كَوْنِهِ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِنَشْرِ الْعِلْمِ وَهِدَايَةِ الضَّالِّينَ وَإِرْشَادِ الْمُسْتَرْشِدِينَ فَإِذَا تَوَقَّفَ ذَلِكَ عَلَى شِعَارِهِمْ تَعَيَّنَ لُبْسُهُ بِذَلِكَ الْقَصْدِ الْحَسَنِ وَكَذَا يُقَالُ فِي لُبْسِ الطَّيْلَسَانِ وَالثِّيَابِ الْوَاسِعَةِ الْأَكْمَامِ إذَا عُرِفَتْ مِنْ شِعَارِهِمْ وَتَوَقَّفَتْ الْهِدَايَةُ وَالِامْتِثَالُ لِلْأَوَامِرِ عَلَيْهَا وَمِنْ ثَمَّ قَالَ سُلْطَانُ الْعُلَمَاءِ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كُنْت فِي الْمَطَافِ وَلَيْسَ عَلَيَّ شِعَارُ الْعُلَمَاءِ فَأَمَرْت فَلَمْ يُمْتَثَلْ لِي فَذَهَبْت وَلَبِسْت شِعَارَهُمْ فَأَمَرْت فَامْتُثِلَ لِي وَوَقَعَ ذَلِكَ لِبَعْضِ مَشَايِخِنَا فِي الْحَجِّ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ لُبْسُ ثِيَابِ السَّفَرِ فَأَمَرَ فَقِيلَ لَهُ مَا بَقِيَ عَلَى النَّاسِ مَنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ إلَّا الْحَمَّالُونَ قَالَ فَلَمَّا تَحَلَّلْت وَلَبِسْت ثِيَابَ الْعُلَمَاءِ أَمَرْت فَامْتُثِلَ لِي فَوْرًا فَمَنْ لَبِسَ ذَلِكَ كُلَّهُ بِهَذَا الْقَصْدِ الصَّالِحِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ وَلَا كَرَاهَةَ فِي حَقِّهِ. وَالْأُمُورُ بِمَقَاصِدِهَا وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلَا نَظَرَ لِمَا قِيلَ: مَنْ صَدَقَ فِي أَمْرِهِ اُمْتُثِلَ لَهُ وَإِنْ كَانَ مَنْ كَانَ لِأَنَّ ذَلِكَ إنْ وَقَعَ فَإِنَّمَا هُوَ عِنْدَ صَلَاحِ الزَّمَانِ وَأَهْلِهِ وَأَمَّا عِنْدَ فَسَادِهِمَا وَاغْتِرَارِ النَّاسِ بِالصُّوَرِ وَمَا وَقَرَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاعْتِقَادِهِمْ مِنْ تَعْظِيمِهَا وَتَعْظِيمِ أَهْلِهَا دُونَ غَيْرِهِمْ فَلَا بُدَّ مِنْ رِعَايَةِ تِلْكَ الْأُمُورِ الَّتِي صَارَ الِامْتِثَالُ وَالِاهْتِدَاءُ بِالْعَالِمِ مُتَوَقِّفًا عَلَيْهَا. وَهَذَا مِمَّا لَا مَسَاغَ لِإِنْكَارِهِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ جَمِيعُ مَا أَطْلَقَهُ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ فِي إنْكَارِهِ لِذَلِكَ وَفِيهِ عَنْ الْإِمَامِ الطَّبَرِيِّ أَنَّ السُّنَّةَ وَرَدَتْ بِهِ وَكَذَا الْعِمَامَةُ وَالْعَذَبَةُ وَأَنَّ الرِّدَاءَ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ وَنِصْفًا وَنَحْوَهَا وَالْعِمَامَةُ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ وَنَحْوُهَا يُخْرِجُونَ مِنْهَا التَّلْحِيَةَ وَالْعَذَبَةَ وَالْبَاقِي عِمَامَةٌ وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرِ «أَنَّ رِدَاءَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَرْبَعَةَ أَذْرُعٍ وَنِصْفًا» . وَعَنْ الطُّرْطُوشِيِّ أَنَّهُ قَالَ رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ يَحْيَى الصُّولِيُّ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ «أَنَّ النَّبِيَّ أَمَرَ بِالتَّلَحِّي وَنَهَى عَنْ الِاقْتِعَاطِ» قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ قَعَطَ الرَّجُلُ عِمَامَتَهُ يَقْعَطُهَا اقْتِعَاطًا أَدَارَهَا عَلَى رَأْسِهِ. وَلَمْ يَتَلَحَّ بِهَا وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ وَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ وَالْمُقْعَطَةُ الْعِمَامَةُ وَأَخَذَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ فِعْلِ السَّلَفِ لَهُ كَرَاهَةَ تَرْكِ التَّحْنِيكِ بِأَنْ لَا يَدْخُلَ تَحْتَ ذَقَنِهِ شَيْءٌ مِنْهَا وَبَالَغَ الطُّرْطُوشِيُّ فَعَدَّ تَرْكَهُ مِنْ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ الَّتِي شَاعَتْ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ رَأَى مَنْ اعْتَمَّ وَلَمْ يَتَحَنَّك فَقَالَ تِلْكَ عِمَامَةُ الشَّيْطَانِ وَعَمَائِمُ قَوْمِ لُوطٍ وَأَصْحَابِ الْمُؤْتَفِكَاتِ وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّهَا مِنْ عَمَلِ الْقِبْطِ وَأَنْكَرَهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ قَصِيرَةً لَا تَبْلُغُ وَهَذَا كُلُّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى مَنْ خَالَفَ مَالِكًا فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا صَحَّ مَا ذُكِرَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَلَا أَنَّ هَذَا شِعَارُ الْقِبْطِ وَالْكَرَاهَةُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ مُسْتَنَدٍ وَلَا يُقْنَعُ فِيهَا بِمُجَرَّدِ مَا ذُكِرَ كَمَا يُعْرَفُ مِنْ كَلَامِ الْأُصُولِيِّينَ وَبِتَسْلِيمِ أَنَّ السَّلَفَ كَانُوا يَحْتَنِكُونَ وَأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّ لِمُدَّعِي ذَلِكَ أَنْ يُثْبِتَهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ فَمُخَالَفَتُهُ لَا تَكُونُ مَكْرُوهَةً هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّحْنِيكِ. وَأَمَّا الْعَذَبَةُ فَقَدْ صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِعْلُهَا وَصَحَّ عَنْهُ تَرْكُهَا فَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَكُنْ فِي تَرْكِهَا حَرَجٌ وَإِذَا فَعَلَهَا فَإِنْ شَاءَ أَسْدَلَهَا أَمَامَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ بَيْنَ كَتِفَيْهِ لِأَنَّهُ جَاءَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ، وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ عَلَى عَدَمِ كَرَاهَةِ التَّحْنِيكِ وَالْعَذَبَةِ. بِأَنَّ اللُّبْسَ مِنْ بَابِ الْمُبَاحِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُوَجَّهَ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي كَيْفِيَّاتِهِ الْإِبَاحَةُ حَتَّى يَرِدَ مَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَلَمْ يَصِحَّ فِي تَرْكِ التَّلْحِيَةِ وَالْعَذَبَةِ شَيْءٌ يُحْتَجُّ بِهِ لِلْكَرَاهَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَانْدَفَعَ تَعَجُّبُ صَاحِبِ الْمَدْخَلِ مِنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ ثُمَّ قَالَ: وَلَيْسَ اللُّبْسُ مِنْ بَابِ الْمُبَاحِ مُطْلَقًا إذْ الْغَرَضُ مِنْهُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَالسُّنَّةُ فِي حَقِّ الرَّجُلِ أَنْ يَسْتُرَ جَمِيعَ بَدَنِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ فِيهِ فَهُوَ مَطْلُوبٌ بِذَلِكَ.

لِأَجْلِ الِامْتِثَالِ ثُمَّ الْعِمَامَةُ عَلَى صِفَتِهَا فِي السُّنَّةِ وَالرِّدَاءُ فِي الصَّلَاةِ مَطْلُوبٌ شَرْعًا وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى كَتِفَيْهِ دُونَ أَنْ يُغَطَّى بِهِ رَأْسُهُ. وَكَذَلِكَ الْمَطْلُوبُ الْخُرُوجُ لِلْجُمَعِ بِثِيَابٍ غَيْرِ ثِيَابِ مِهْنَتِهِ فَأَيْنَ الْمُبَاحُ الْمُطْلَقُ وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ مُبَاحٌ فَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَدُخُولُ الْبَيْتِ كُلٌّ مِنْهَا مِنْ قَبِيلِ الْمُبَاحِ وَمَعَ ذَلِكَ لَهَا سُنَنٌ كَثِيرَةٌ فَلُبْسُ الْعِمَامَةِ وَإِنْ أُبِيحَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ سُنَنٍ كَتَنَاوُلِهَا بِالْيَمِينِ وَقَوْلِهِ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1] ، وَالذِّكْرِ الْوَارِدِ إنْ كَانَ مَا لُبِسَ جَدِيدًا وَامْتِثَالُ السُّنَّةِ فِي لُبْسِ التَّعْمِيمِ مِنْ فِعْلِ التَّحْنِيكِ وَالْعَذَبَةِ وَتَصْغِيرهَا. اهـ. مُلَخَّصًا. وَكُلُّهُ مُنْدَفِعٌ بِقَوْلِي مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي كَيْفِيَّاتِهِ الْإِبَاحَةُ حَتَّى يَرِدَ مَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ عَلَى الْكَرَاهَةِ. . . إلَخْ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ وَاضِحٌ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْغَزَالِيِّ فِي كِتَابِ الْأَرْبَعِينَ لَهُ أَنَّ السُّنَّةَ فِي التَّسَرْوُلِ أَنْ يَكُونَ قَاعِدًا. وَفِي التَّعْمِيمِ أَنْ يَكُونَ قَائِمًا. اهـ. ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ الدَّخَلِ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا تَمَسُّكَ فِيهِ لِمَا قَدَّمْته فِيمَا مَرَّ أَوَّلَ هَذَا الْجَوَابِ فَقَالَ مَا حَاصِلُهُ: وَمَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْوَقْتِ مِنْ اسْتِبَاحَةِ مَا يَلْبَسُونَهُ مِنْ هَذِهِ الثِّيَابِ أَنَّ ذَلِكَ بِفَتْوَاهُ فَإِنْ كَانَ اسْتِنَادُهُمْ فِي ذَلِكَ لِفَتْوَاهُ فَهُوَ غَلَطٌ مَحْضٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ سُئِلَ. هَلْ فِي لُبْسِ هَذِهِ الثِّيَابِ الْمُوسَعَةِ الْأَرْدَانِ أَيْ أُصُولِ الْأَكْمَامِ وَالْعَمَائِمِ الْمُكَبَّرَةِ بَأْسٌ أَوْ بِدْعَةٌ تَسْتَعْقِبُ تَوْبِيخًا فِي الْقِيَامَةِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي تَحْسِينِ الْخِيَاطَةِ وَالزِّيقِ وَالتَّضْرِيبِ مُضِرٌّ بِأَهْلِ الْوَرَعِ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْأَوْلَى بِالْإِنْسَانِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الِاقْتِصَادِ فِي اللِّبَاسِ، وَإِفْرَاطُ تَوْسِيعِ الْأَكْمَامِ بِدْعَةٌ وَسَرَفٌ وَتَضْيِيعٌ لِلْمَالِ وَلَا تُجَاوِزُ الثِّيَابُ الْأَعْقَابَ فَمَا زَادَ عَلَى الْأَعْقَابِ فَفِي النَّارِ وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ شِعَارِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ لِيُعْرَفُوا بِذَلِكَ فَيُسْأَلُوا فَإِنِّي كُنْت مُحْرِمًا فَأَنْكَرْت عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُحْرِمِينَ لَا يَعْرِفُونَنِي مَا أَخَلُّوا بِهِ مِنْ آدَابِ الْمَطَافِ فَلَمْ يَقْبَلُوا فَلَمَّا لَبِسْتُ ثِيَابَ الْفُقَهَاءِ وَأَنْكَرْتُ عَلَى الطَّائِفِينَ مَا أَخَلُّوا بِهِ مِنْ آدَابِ الطَّوَافِ سَمِعُوا وَأَطَاعُوا، فَإِذَا لَبِسَ شِعَارَ الْفُقَهَاءِ لِهَذَا الْغَرَضِ كَانَ لَهُ فِيهِ أَجْرٌ لِأَنَّهُ سَبَبٌ إلَى امْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ وَالِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ. وَأَمَّا الْمُبَالَغَةُ فِي تَحْسِينِ الْخِيَاطَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَمِنْ فِعْلِ أَهْلِ الرُّعُونَةِ وَالِالْتِفَاتِ إلَى الْأَغْرَاضِ الْخَسِيسَةِ الَّتِي لَا تَلِيقُ لِأُولِي الْأَلْبَابِ. اهـ جَوَابُهُ وَلَا شَيْءَ فِيهِ يُبِيحُ مَا ذَكَرُوهُ لِأَنَّهُ ابْتَدَأَ كَلَامَهُ بِأَنَّ هَذَا سَرَفٌ وَبِدْعَةٌ وَتَضْيِيعٌ لِلْمَالِ ثُمَّ بَعْدَ هَذَا التَّأْسِيس قَالَ وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ شِعَارِ الْعُلَمَاءِ. مِنْ أَهْلِ الدِّينِ فَقَيَّدَ الْعَالِمَ بِكَوْنِهِ ذَا دِينٍ وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ لَا يُسَامِحُ نَفْسَهُ فِي ارْتِكَابِ مَكْرُوهٍ وَلَا فِي تَرْكِ مَنْدُوبٍ فَكَيْفَ بِالْمُحَرَّمِ وَلَا يَخْتَلِفُ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ إضَاعَةَ الْمَالِ وَالسَّرَفَ مُحَرَّمَانِ فَكَيْفَ يُقْتَدَى بِعَالَمٍ وَقَعَ فِي مُحَرَّمَاتٍ ثَلَاثٍ: الْبِدْعَةُ وَالسَّرَفُ وَإِضَاعَةُ الْمَالِ، فَالْحَاصِلُ مِنْ أَحْوَالِنَا أَنَّا لَبِسْنَا تِلْكَ الثِّيَابَ وَتَعَلَّقْنَا بِقَوْلِهِ: وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ شِعَارِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَرَأَيْنَا بَعْضَ مَنْ يُنْسَبُ الْيَوْمَ لِلْعِلْمِ وَالدِّينِ يَلْبَسُ تِلْكَ الثِّيَابَ فَقُلْنَا هَذِهِ هِيَ تِلْكَ الثِّيَابُ جَهْلًا مِنَّا بِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ مِنْهُمْ وَبِصِفَتِهِمْ وَكَيْفَ يَتَعَلَّقُونَ بِفَتْوَاهُ وَهُوَ كَانَ يَمْشِي بَيْنَ النَّاسِ مَكْشُوفَ الرَّأْسِ وَيَتَصَدَّقُ بِعِمَامَتِهِ فِي الطَّرِيقِ؟ وَقَوْلُهُ فِي تَحْسِينِ نَحْوِ الْخِيَاطَةِ مَا مَرَّ عَنْهُ مَعَ أَنَّهُ لَا خَطَرَ فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُبَاحِ يُبْطِلُ مَا تُوُهِّمَ عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ يُبِيحُ أَوْ يَسْتَحِبُّ الْمُحَرَّمَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ شِعَارِ الْعُلَمَاءِ فَاتَّضَحَ بُطْلَانُ مَا نَسَبُوهُ لِهَذَا الْإِمَامِ. اهـ. حَاصِلُ كَلَامِهِ وَإِذَا تَأَمَّلْته التَّأَمُّلَ الصَّادِقَ وَجَدْت عَلَيْهِ مُؤَاخَذَاتٍ كَثِيرَةً فَإِنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ مَرْدُودٌ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ فَتَحَفَّظَ أَوَّلًا بِذِكْرِ الْبِدْعَةِ وَالسَّرَفِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ ثُمَّ تَحَفَّظَ قَوْلَهُ ثَانِيًا الْعُلَمَاءُ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ. . . إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ لَا تَحَفُّظَ إلَّا لَوْ كَانَ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا وَثَانِيًا مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الثَّانِي مُسْتَثْنًى مِنْ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ قَدْ حَكَمَ أَوَّلًا بِأَنَّ فِي ذَلِكَ التَّوْسِيعِ تِلْكَ الْمَحْذُورَاتِ ثُمَّ ذَكَرَ مَا هُوَ فِي حُكْمِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فَقَالَ: وَلَا بَأْسَ بِلُبْسِ شِعَارِ الْعُلَمَاءِ. . . إلَخْ فَبَيَّنَ أَنَّ لُبْسَ مَا فِيهِ ذَلِكَ التَّوْسِيعُ بِقَصْدِ امْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ لَا بِدْعَةَ فِيهِ وَلَا سَرَفَ وَلَا إضَاعَةَ لِمَالٍ بَلْ فِيهِ الْأَجْرُ وَإِنَّمَا جَعَلْنَاهُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّ شِعَارَ الْعُلَمَاءِ فِي كَلَامِهِ إنْ كَانَ عَلَى السُّنَّةِ فَلَا يُحْتَاجُ لِقَوْلِهِ: وَلَا بَأْسَ. . . إلَخْ وَلَا إلَى بَيَانِ انْتِفَاءِ

ذَلِكَ الْبَأْسِ بِمَا وَقَعَ لَهُ مِنْ الْإِنْكَارِ وَعَدَمِ قَبُولِهِ ثُمَّ قَبُولُهُ عِنْدَ لُبْسِ ذَلِكَ الشِّعَارِ وَلَا إلَى أَنَّ فِيهِ أَجْرًا لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِامْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ وَالِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، فَعُلِمَ قَطْعًا مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا الشِّعَارَ لَيْسَ عَلَى قَانُونِ السُّنَّةِ وَأَنَّهُ فِي أَصْلِهِ مَذْمُومٌ إلَّا إذَا لُبِسَ بِذَلِكَ الْقَصْدِ الصَّالِحِ فَحِينَئِذٍ لَا ذَمَّ فِيهِ بَلْ فِيهِ الْأَجْرُ وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا بَطَلَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ تَحَفَّظَ أَوَّلًا وَثَانِيًا بِمَا ذُكِرَ وَقَوْلُهُ فَقَيَّدَ الْعَالِمَ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ كَوْنُهُ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ لَا يُنَافِي لُبْسَهُ شِعَارَ أَهْلِ الدُّنْيَا بِقَصْدِ صَالِحٍ أُخْرَوِيٍّ وَهُوَ امْتِثَالُ الْأَمْرِ وَاجْتِنَابُ النَّهْيِ. وَمِنْ ثَمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا وَقَعَ لَهُ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ كَانَ يُؤْثِرُ التَّقَشُّفَ فِي لِبَاسِهِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ بِبَلَدِهِ مِصْرَ لَمْ يَحْتَجْ لِلُبْسِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ فِيهَا مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ نَافِذُ الْكَلِمَةِ حَتَّى عَلَى الْمُلُوكِ لِأَنَّهُمْ فِي أَسْرِهِ وَتَحْتَ حُكْمِهِ فَلَمَّا جَاءَ إلَى مَكَّةَ لَمْ يُعْرَفْ بِهَا كَمَا هُوَ بِبَلَدِهِ فَأَمَرَ وَهُوَ بِتِلْكَ الثِّيَابِ فَلَمْ يُؤْبَهْ لَهُ فَعَلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهُ حِينَئِذٍ مِنْ لُبْسِ شِعَارِ الْعُلَمَاءِ فَلَبِسَهُ حِينَئِذٍ لِتَنْفِيذِ أَمْرِهِ فَكَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَمْ يُنْقِصْهُ لُبْسُ ذَلِكَ اللِّبَاسِ الْخَارِجِ عَنْ السُّنَّةِ فِي أَصْلِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْبَسْهُ لِشَهْوَةِ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا لَبِسَهُ لِقَصْدٍ صَالِحٍ فَأُجِرَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ. فَصَحَّ الِاسْتِدْلَالِ بِكَلَامِهِ هَذَا عَلَى مَا تَقَرَّرَ أَوَّلًا أَنَّ اللِّبَاسَ الْخَارِجَ عَنْ السُّنَّةِ إذَا لُبِسَ بِقَصْدِ صَالِحٍ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ. وَقَوْلُهُ: وَلَا يَخْتَلِفُ أَحَدٌ فِي أَنَّ إضَاعَةَ الْمَالِ. . . إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ إنْ أَرَدْت إضَاعَةَ الْمَالِ فِيمَا لَا غَرَضَ لِعَاقِلٍ كَرَمْيِهِ فِي بَحْرٍ فَمُسَلَّمٌ لَك ذِكْرُ الْإِجْمَاعِ الَّذِي ادَّعَيْتُهُ وَلَكِنْ لَا حُجَّةَ لَك فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ كَلَامُك فِيهِ وَإِنْ أَرَدْت أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِك أَنَّهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَهَذَا تَجَاسُرٌ مِنْك عَلَى دَعْوَى الْإِجْمَاعِ مَعَ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ التَّوْسِيعَ وَالتَّطْوِيلَ الَّذِي لَيْسَ بِقَصْدِ الْكِبْرِ مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ بِخِلَافِهِ مَعَ قَصْدِ الْكِبْرِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ لَا لِلتَّوْسِيعِ وَالتَّطْوِيلِ. بَلْ لِقَصْدِ الْمُحَرَّمِ وَهُوَ الْكِبْرُ وَمَنْ عَلَّلَ ذَلِكَ بِالسَّرَفِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ كَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مُرَادُهُ أَنَّ فِي ذَلِكَ شَبَهًا مَا بِإِضَاعَةِ الْمَالِ لِأَنَّ مَا يُصْرَفُ فِي زِيَادَةِ الطُّولِ وَالْعَرْضِ يُمْكِنُ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ. وَأَمَّا حَقِيقَةُ إضَاعَةِ الْمَالِ فَلَا لِأَنَّ فِي ذَلِكَ أَغْرَاضًا لِلْعُقَلَاءِ مِنْهَا أَنَّ التَّوْسِيعَ لَا يُسْرِعُ التَّقَطُّعُ لَهُ وَأَنَّهُ إذَا خَلِقَ الثَّوْبُ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَيُرَقِّعُ فِي بَاقِيهِ وَأَنَّهُ رُبَّمَا يَضَعُ فِي كُمِّهِ مَا يَعْرِضُ لَهُ حَمْلُهُ وَلَا يَجِدُ لَهُ إنَاءً وَالْأَغْرَاضُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فَأَيُّ إضَاعَةٍ حَقِيقِيَّةٍ مَعَ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ فَكَيْفَ يُقْتَدَى بِعَالِمٍ وَقَعَ فِي مُحَرَّمَاتٍ ثَلَاثٍ. . . إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ إطْلَاقُك تَحْرِيمَ كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا قَدْ يَحْرُمُ وَقَدْ لَا يَحْرُمُ بِاتِّفَاقٍ مِنْ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِك أَمَّا لِلْبِدْعَةِ فَوَاضِحٌ وَأَمَّا السَّرَفُ وَإِضَاعَةُ الْمَالِ فَالْكَلَامُ فِي سَرَفٍ وَإِضَاعَةِ مَالٍ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ فَكَيْفَ بِهَذِهِ الْإِطْلَاقَاتِ الْمُوهِمَةِ وَقَوْلُهُ: وَكَيْفَ يَتَعَلَّقُونَ بِفَتْوَاهُ. . . إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ قَدْ بَيَّنَّا السَّبَبَ فِي ذَلِكَ وَأَنَّهُ كَانَ فِي بَلَدِهِ مَشْهُورًا لَا يَحْتَاجُ إلَى لُبْسُ شَيْءٍ فَلَمْ يَلْبَسْهُ ثُمَّ لَمَّا رَحَلَ لِمَا لَا يُعْرَفُ فِيهِ لُبْسُ شِعَارِ أَهْلِ الدُّنْيَا بِقَصْدِ صَالِحٍ جَمِيلٍ عَمَلًا بِقَضِيَّةِ الْكَمَالِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ حَالٍ عَلَى مَا هُوَ الْأَفْضَلُ وَالْأَكْمَلُ فِي إبْلَاغِ الْحَقِّ وَتَنْفِيذِهِ وَقَوْلُهُ: يُبْطِلُ مَا تُوُهِّمَ عَنْهُ. . . إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ شَتَّانَ مَا بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ. إذْ تَحْسِينُ نَحْوِ الْخِيَاطَةِ لَمْ يُعْهَدْ شِعَارًا لِلْعُلَمَاءِ فَقَالَ فِيهِ الْعِزُّ مَا قَالَ إذْ لَيْسَ فِيهِ غَرَضٌ صَالِحٌ غَالِبًا بِخِلَافِ لُبْسِ شِعَارِ الْعُلَمَاءِ لِلْقَصْدِ الصَّالِحِ وَقَوْلُهُ فَاتَّضَحَ بُطْلَانُ مَا نَسَبُوهُ لِهَذَا الْإِمَامِ يُقَالُ عَلَيْهِ لَمْ يَتَّضِحْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا اتَّضَحَ بُطْلَانُ مَا رَدَدْت عَلَيْهِمْ بِهِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي بَصِيرَةٍ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ. وَنَظِيرُ ذَلِكَ قِيَامُ النَّاسِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ فَإِنَّهُ كَانَ لَا يُعْرَفُ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ فَلَمَّا حَدَثَ تَطَابَقَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَصَارَ تَرْكُهُ لِإِنْسَانٍ قَطِيعَةً يَتَوَلَّدُ عَلَيْهَا مِنْ الْمَفَاسِدِ مَا لَا يَخْفَى اسْتَحَبَّهُ أَئِمَّتُنَا بَلْ أَوْجَبُوهُ لِذَلِكَ وَالْكَلَامُ فِي قِيَامِ لُبْسِ الْعَالِمِ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ يُسَنُّ الْقِيَامُ لَهُمْ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ خَيْطِ الْقَصَبِ الْمُسَمَّى بِالْكَرْكَرِ هَلْ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْكَوَافِي وَالْقَمِيصِ أَوْ لَا مَعَ أَنَّ أَهْلَ مِلِيبَارَ مُطْبِقُونَ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي ذَلِكَ وَالْحَالُ أَنَّهُ تُخْرَجُ مِنْهُ الْفِضَّةُ إذَا سُبِكَ وَلَوْنُهُ يُشْبِهُ لَوْنَ الذَّهَبِ فَمَا حُكْمُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ اسْتِعْمَالُهُ فِي خِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَلَا غَيْرِهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ.

باب صلاة العيدين

سَوَاءٌ أَكَانَ فِضَّةً خَالِصًا أَمْ مَطْلِيَّةً بِذَهَبٍ لِأَنَّهُ مِنْ زِينَةِ النِّسَاءِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِنَّ فَمَنْ فَعَلَهُ مِنْ الرِّجَالِ صَارَ مُتَشَبِّهًا بِهِنَّ مَلْعُونًا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ صَحَّ عَنْهُ «لَعْنُ الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ» . [بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الرُّجُوعِ مِنْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْعِبَادَاتِ هَلْ فِيهِ قُرْبَةٌ وَثَوَابٌ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: ذَهَبَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا قُرْبَةَ فِي ذَلِكَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الرُّكُوبُ فِي الرُّجُوعِ مِنْ الْجِنَازَةِ وَغَيْرِهَا وَرَدَّهُ النَّوَوِيُّ وَابْنُ الصَّلَاحِ بِقَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «إنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَاك ذَلِكَ كُلَّهُ وَكَانَ قَدْ قِيلَ لَهُ لَوْ اتَّخَذْت دَابَّةً تَحْمِلُك فِي الظَّلْمَاءِ وَتَقِيك حَرَّ الرَّمْضَاءِ فَقَالَ أُبَيّ: أُحِبُّ أَنْ يُكْتَبَ لِي أَجْرُ مَمْشَايَ وَرُجُوعِي فَقَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَاك ذَلِكَ كُلَّهُ» وَمِنْ قَوْلِهِ: كُلَّهُ يُؤْخَذُ الرَّدُّ عَلَى مَنْ قَالَ الْمُرَادُ أَعْطَاك مَجْمُوعَ ذَلِكَ كُلِّهِ. أَيْ أَجْرَ الْمَشْيِ فَقَطْ مَعَ أَنَّهُ تَأْوِيلٌ وَحَمْلٌ بَلَا دَلِيلٍ عَلَيْهِ وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِرَدِّهِ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ «قَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَك ذَلِكَ كُلَّهُ» لَا يُقَالُ إنَّمَا كُتِبَ لِأُبَيٍّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ يَقْصِدُ بِرُجُوعِهِ صَلَاةَ الرَّاتِبَةِ فِي بَيْتِهِ لِأَنَّا نَقُولُ الْحَدِيثُ يَشْمَلُ مَا بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَلَا رَاتِبَةَ بَعْدَهُمَا وَأَيْضًا فَلَمْ يُرَتِّبْ ذَلِكَ عَلَى قَصْدٍ بَلْ عَلَى الْمَشْيِ فِي الرُّجُوعِ مِنْهَا، وَالْإِضْمَارُ يَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ وَإِنَّمَا كُتِبَ لَهُ أَجْرُ ذَلِكَ لِأَنَّ مُتَعَلَّقَاتِ الْعِبَادَاتِ بَاقِيَةٌ بِدَلِيلِ نَدْبِ الرُّجُوعِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الذَّهَابِ وَإِنَّمَا لَمْ يُكْرَهْ الرُّكُوبُ فِي الرُّجُوعِ لِأَنَّهُ أَخَفُّ مِنْ الذَّهَابِ لِانْقِضَاءِ الْعِبَادَةِ فَسُومِحَ فِيهِ مَا لَمْ يُسَامَحْ فِي الذَّهَابِ. (وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ سُؤَالًا صُورَتُهُ: ثَبَتَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَذْهَبُ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ مِنْ طَرِيقٍ وَيَرْجِعُ فِي أُخْرَى» فَمَا حِكْمَتُهُ وَهَلْ كُلُّ عِبَادَةٍ كَذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: حِكْمَةُ ذَلِكَ كَوْنُ الذَّهَابِ فِي الْأَطْوَلِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ وَقِيلَ: كَانَ يَتَصَدَّقُ فِي الْأُولَى فَلَا يَبْقَى مَعَهُ شَيْءٌ فَيَرْجِعُ فِي أُخْرَى لِئَلَّا يَسْأَلَهُ سَائِلٌ فَيَرُدَّهُ وَقِيلَ: لِيَشْرُفَ أَهْلُ الطَّرِيقَيْنِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ وَقِيلَ: لِيَشْهَدَ لَهُ الطَّرِيقَانِ وَقِيلَ: لِيُفْتِيَ أَهْلَ الطَّرِيقَيْنِ وَقِيلَ: لِيَغِيظَ الْمُنَافِقِينَ بِإِظْهَارِ الشِّعَارِ وَقِيلَ: لِيَحْذَرَ كَيْدَهُمْ وَقِيلَ: لِلتَّفَاؤُلِ بِتَغْيِيرِ الْحَالِ إلَى الْمَغْفِرَةِ وَالرِّضَا وَقِيلَ: لِكَثْرَةِ الزِّحَامِ. قَالَ النَّوَوِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ: إنْ لَمْ يُعْلَمْ الْحَامِلُ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُخَالَفَةِ سُنَّتْ لَنَا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ عُلِمَ وَوُجِدَ مَا خَالَفَ لِأَجْلِهِ فِي إنْسَانٍ سُنَّتْ لَهُ أَيْضًا وَإِلَّا فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا تُسَنُّ أَيْضًا. وَأَصَحُّ الْأَقْوَالِ فِي حِكْمَتِهِ هُوَ الْأَوَّلُ وَقَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِ الرُّجُوعُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ غَلَّطُوهُمْ فِيهِ لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أُبَيِّ إنَّ اللَّهَ قَدْ جَمَعَ لَك ذَلِكَ كُلَّهُ. وَهَذَا الْحُكْمُ مُطَّرِدٌ فِي كُلِّ قُرْبَةٍ مَشَى إلَيْهَا قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: إلَّا الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ فَإِنَّهَا إذَا كَانَتْ فِي مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ نُدِبَتْ الْمُبَادَرَةُ إلَيْهَا وَالْمَشْيُ إلَيْهَا مِنْ الطَّرِيقِ الْأَقْصَرِ وَكَذَا إذَا خُشِيَ فَوْتُ الْجَمَاعَةِ. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ سَنَّ الذَّهَابِ فِي الْقَصِيرَةِ لَا يَنْفِي سَنَّ الرُّجُوعِ فِي الطَّوِيلَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْقَاعِدَةِ وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ كَوْنِ الذَّهَابِ يَكُونُ فِي الْأَطْوَلِ لَا مِنْ نَدْبِ الذَّهَابِ فِي طَرِيقٍ وَالرُّجُوعِ فِي أُخْرَى فَإِنَّ أَصْلَ السُّنَّةِ يَحْصُلُ وَإِنْ ذَهَبَ فِي الْقَصِيرَةِ وَرَجَعَ فِي الطَّوِيلَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ هَلْ يَخْرُجُ غُسْلُ الْعِيدِ بِالزَّوَالِ كَصَلَاتِهِ وَهَلْ يُسَنُّ وَلَوْ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ إنَّ الْغُسْلَ لِلْيَوْمِ لَا لِلصَّلَاةِ بِخِلَافِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ وَقْتُهُ بِالزَّوَالِ وَأَنَّهُ يُسَنُّ فِعْلُهُ وَلَوْ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمْ أَيَّامُ عِيدِ الْفِطْرِ هَلْ هِيَ أَرْبَعَةٌ كَأَيَّامِ عِيدِ الْأَضْحَى؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَضِيَّةُ تَعْلِيلِ الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ وُجُوبُ الصَّاعِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ بِأَنَّ النَّاسَ يَمْتَنِعُونَ غَالِبًا عَنْ الْكَسْبِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ وَثَلَاثَةٍ بَعْدَهُ وَلَا يَجِدُ الْفَقِيرُ مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ فِيهَا لِأَنَّهَا أَيَّامُ سُرُورٍ وَرَاحَةٍ عَقِبَ الصَّوْمِ وَالصَّاعُ مَعَ مَا يُضَمُّ إلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ يَجِيءُ نَحْوَ ثَمَانِيَةِ أَرْطَالِ خُبْزٍ أَنَّ الَّذِي تَتَابَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ بَطَالَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ الْعِيدِ كَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُؤَالًا.

باب صلاة الخوف

صُورَتُهُ هَلْ صَائِمُ الدَّهْرِ يَأْكُلُ فِي عِيدِ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَيُمْسِكُ فِي الْأَضْحَى؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: عَلَّلَ الْأَصْحَابُ ذَلِكَ بِعِلَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا تَقْتَضِي ذَلِكَ وَالْأُخْرَى تَقْتَضِي الْأَكْلَ فِي عِيدِ الْأَضْحَى قَبْلَ الصَّلَاةِ أَيْضًا وَالْمُتَّجِهُ الْأَوَّلُ وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ رِعَايَةً لِلْمَعْنَى الْأَصْلِيِّ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا مَعْنَى قَدْ تَصْلَى لَنَا الْعِيدَانُ فِي صَفَرٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: تَصْلَى بِمَعْنَى الِانْحِنَاءِ وَالتَّقْوِيمِ وَالتَّلْيِينِ مِنْ صَلَيْت الْعُودَ عَلَى النَّارِ وَالْعِيدَانُ جَمْعُ عُودٍ وَهُوَ آلَةُ اللَّهْوِ الْمَشْهُورَةُ. وَالصَّفَرُ صَفِيرُ الْقَصَبِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ الْفَارِسِيَّةِ لِلسَّيِّدِ نُورِ الدِّينِ مُحَمَّدٍ الْأَبَجِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَسْمِيَةُ الثَّامِنِ مِنْ شَوَّالٍ عِيدًا وَلَا اعْتِقَادُهُ عِيدًا وَلَا إظْهَارُ شَيْءٍ مِنْ شِعَارِ الْعِيدِ فِيهِ فَهَلْ صَرَّحَ بِذَلِكَ غَيْرُهُ أَوْ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ مَا يُؤَيِّدُهُ وَهَلْ اتِّخَاذُ الطَّعَامِ الْكَثِيرِ فِيهِ كَمَا فِي الْعِيدِ إظْهَارٌ لِشِعَارِ الْعِيدِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَمْ أَرَ لِهَذَا السَّيِّدِ سَلَفًا فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ. وَلَيْسَ مَا ذَكَرَهُ بِصَحِيحٍ إلَّا فِي اعْتِقَادِ أَنَّهُ عِيدٌ وَضَعَهُ الشَّارِعُ كَمَا وَضَعَ عِيدَيْ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى فَتَحْرِيمُ اعْتِقَادِ ذَلِكَ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ وَأَمَّا مُجَرَّدُ تَسْمِيَةِ ذَلِكَ عِيدًا أَوْ إظْهَارُ شِعَارِ الْعِيدِ فِيهِ فَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ نَعَمْ يَنْبَغِي أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَخِلَافُ الْأَوْلَى يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ حَمْلًا لِلْجَوَازِ عَلَى مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ فَلَعَلَّ السَّيِّدَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَإِلَّا كَانَ مُخَالِفًا لِكَلَامِ الْأَئِمَّةِ بِلَا مُسْتَنَدٍ. [بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ] (وَسُئِلَ فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ هَلْ يُكْرَهُ حَمْلُ السِّلَاحِ فِي الصَّلَاةِ لِغَيْرِ خَوْفٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَا خِلَافَ فِي كَرَاهَةِ حَمْلِهِ حِينَئِذٍ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ: صَلَّوْا الْجُمُعَةَ فِي الْخَوْفِ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِالْجُمُعَةِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَضِيَّةُ جَرَيَانِ خِلَافِ الِانْفِضَاضِ هُنَا فِيمَا إذَا نَقَصَتْ الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَرْبَعِينَ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُمْ أَحْرَمُوا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَرْبَعِينَ ثُمَّ نَقَصُوا. وَأَنَّهُمْ لَوْ أَحْرَمُوا وَهُمْ دُونَ أَرْبَعِينَ لَمْ تَنْعَقِدْ، لَكِنَّ صَرِيحَ كَلَامِ مُخْتَصَرِ الْكِفَايَةِ وَقَضِيَّةَ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَبَعْضِ مُخْتَصَرَاتِهَا خِلَافُهُ وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الرَّوْضِ وَغَيْرِهِ الْأَوَّلَ لِتَعْلِيلِهِمْ عَدَمَ ضَرَرِ النَّقْصِ عَنْ الْأَرْبَعِينَ بِسَبْقِ انْعِقَادِ الْجُمُعَةِ وَلَمْ يَقُولُوا بِسَبْقِ انْعِقَادِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجُمُعَةَ سَبَقَ انْعِقَادُهَا وَإِنْ كَانَتْ الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ دُونَ أَرْبَعِينَ ابْتِدَاءً فَجَازَ لَهُمْ الْإِحْرَامُ بِهَا مَعَ نَقْصِهِمْ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْفِرْقَةِ الْأُولَى ثُمَّ رَأَيْت كَلَامَ الْكَمَالِ الدَّمِيرِيِّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ. مُوَافِقًا لِمَا ذَكَرْته بِخِلَافِ كَلَامِ الْجَوْجَرِيِّ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ أُخِذَ مَدَاسُهُ أَوْ نَحْوُهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ تَبَعُهُ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: صَرِيحُ قَوْلِهِمْ تَجُوزُ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ لِلْخَائِفِ عَلَى مَالِهِ أَوْ مَالِ غَيْرِهِ أَوْ نَحْوِهِمَا جَوَازَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا بُطْلَانَ، لَكِنْ قَيَّدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ بِضِيقِ الْوَقْتِ فَلْيُقَيَّدْ بِهِ مَا فِي السُّؤَالِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا إذَا خَافَ الْمُسَافِرُ فَوْتَ الرُّفْقَةِ إنْ وَقَفَ لِلصَّلَاةِ مَعَ ضِيقِ الْوَقْتِ فَهَلْ يُصَلِّي صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ. كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِلضَّرَرِ الْحَاصِلِ بِفَوَاتِ الرُّفْقَةِ فَهِيَ كَالْهَزِيمَةِ الْمُبَاحَةِ وَلَيْسَتْ كَمُحْرِمٍ خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ لِأَنَّ تِلْكَ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ حَاصِلٌ يُخَافُ فَوْتُهُ وَهُنَا يُخَافُ فَوْتُ حَاصِلٍ وَهُوَ الرُّفْقَةُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِمَا لَفْظُهُ: رَأَيْت مَعْزُوًّا لِبَعْضِ أَئِمَّةِ الْيَمَنِ مَا لَفْظُهُ: الْمُدَوَّرُ الْفِضَّةُ الَّذِي يَلْبَسُهُ الرِّجَالُ مَعَ الْخَاتِمِ أَوْ دُونَهُ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي حَدِيثِ بِلَالٍ بِالْفَتْخَةِ الَّذِي يَظْهَرُ تَحْرِيمُ لُبْسِهِ عَلَى الرِّجَالِ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي مُسَمَّى الْخَاتَمِ إذْ الْخَاتَمُ مَا لَهُ فَصٌّ أَشَارَ لِذَلِكَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْبُخَارِيِّ. انْتَهَى كَلَامُهُ لَكِنْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: يَجُوزُ الْخَاتَمُ بِفَصٍّ وَبِلَا فَصٍّ وَيَجْعَلُ الْفَصَّ مِنْ بَاطِنِ كَفِّهِ أَوْ ظَاهِرِهَا وَبَاطِنُهَا أَفْضَلُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ هَذِهِ عِبَارَتُهُ. اهـ. فَصَرَّحَ كَمَا نَرَى بِتَسْمِيَتِهِ خَاتَمًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ فَصٌّ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي أَفْتَيْت بِهِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا وَجَرَيْت عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ جَوَازُ لُبْسِ الْحَلْقَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلِأَنَّهَا تُسَمَّى خَاتَمًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ.

باب صلاة الكسوفين

وَغَيْرِهِ وَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ شُرَّاحِ الْبُخَارِيِّ غَفْلَةً عَنْ قَوْلِ أَئِمَّتِنَا بِجَوَازِ لُبْسِ الْخَاتَمِ بِفَصٍّ وَبِدُونِهِ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْعِبَارَةَ أَعْنِي حَصْرَ الْخَاتَمِ فِيمَا لَهُ فَصٌّ لَوْ صَحَّتْ عَمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ كَانَتْ مُؤَوَّلَةً فَإِنَّ ذَلِكَ حَصْرٌ إضَافِيٌّ بِاعْتِبَارِ الْأَغْلَبِ أَوْ الْأَشْهَرِ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى تَحْرِيمِ لُبْسِ مَا لَيْسَ لَهُ فَصٌّ فَاسْتِدْلَالُ مَنْ ذَكَرَ فِي السُّؤَالِ بِهَا عَلَى التَّحْرِيمِ تَسَاهُلٌ فَاحِشٌ وَغَلَطٌ قَبِيحٌ وَكَيْفَ يَسْتَجِيزُ ذُو دِيَانَةٍ أَنْ يَقْدَمَ عَلَى تَحْرِيمٍ بِمُجَرَّدِ إشَارَةِ عِبَارَةٍ لِمَا لَا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيم كَمَا تَقَرَّرَ؟ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ وَاحْذَرْ الْوُقُوعَ فِي مِثْلِهِ وَفَّقَنَا اللَّهُ لِلصَّوَابِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ فَإِنْ قُلْت هَذِهِ الْحَلْقَةُ مِنْ شِعَارِ النِّسَاءِ فَلُبْسُ الرِّجَالِ لَهَا تَشَبُّهٌ بِهِنَّ فَيَحْرُمُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ قُلْت زَعْمُ أَنَّ لُبْسَهَا مِنْ شِعَارِهِنَّ الْمُخْتَصِّ بِهِنَّ مَمْنُوعٌ وَوُجُودُهُ فِيهِنَّ فَقَطْ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ لَا نَظَرَ إلَيْهِ كَمَا حَرَّرْت هَذَا الْمَبْحَثَ أَعْنِي التَّشَبُّهَ بِهِنَّ وَمَا ضَابِطُهُ فِي كِتَابِي الْمُسَمَّى شَنُّ الْغَارَةِ عَلَى مَنْ أَظْهَرَ مَعَرَّةَ تَقَوُّلِهِ فِي الْخَنَا وَعَوَارِهِ تَقَبَّلَهُ اللَّهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ. [بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفَيْنِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْكُسُوفِ هَلْ يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ الْقَمَرَيْنِ أَوْ لَا كَمَا رَأَيْته فِي بَعْضِ التَّفَاسِيرِ فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ بِتَصَوُّرِهِ فَمَا عَلَامَتُهُ وَهَلْ تُشْرَعُ لَهُ صَلَاةٌ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ فُحُولِ عُلَمَاءِ الْيَمَنِ عَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِهِ وَهَلْ وَقَعَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفَسَّحَ فِي مُدَّتِهِ بِأَنَّ مَا نَقَلْتُمُوهُ عَنْ بَعْضِ عُلَمَاءِ الْيَمَنِ بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ مَا عَدَا كُسُوفِ النَّيِّرَيْنِ مَا لَوْ انْكَسَفَتْ النُّجُومُ فَالْقِيَاسُ عَلَى كُسُوفِ الْقَمَرِ وَأَوْلَى لِأَنَّهَا أَدِلَّةُ الْقِبْلَةِ وَبِهَا الِاهْتِدَاءُ. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ إذْ قِيَاسُهَا عَلَى الْقَمَرِ أَنَّهُ يُصَلِّي لَهَا صَلَاةَ الْكُسُوفِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى رُكُوعَيْنِ فِي جَمَاعَةٍ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَنَصُّ الْأُمِّ الْمُوَافِقِ لِكَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَالْأَصْحَابِ يَرُدُّ مَا زَعَمَهُ وَلَفْظُهُ: وَلَا آمُرُ بِصَلَاةِ جَمَاعَةٍ فِي زَلْزَلَةٍ وَلَا ظُلْمَةٍ وَلَا لِصَوَاعِقَ وَلَا رِيحٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ وَآمُرُ بِالصَّلَاةِ مُنْفَرِدِينَ كَمَا تُصَلَّى سَائِرُ الصَّلَوَاتِ. اهـ. فَانْظُرْ لِعُمُومِ قَوْلِهِ: وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ الشَّامِلِ لِانْكِسَافِ النُّجُومِ وَلِغَيْرِ ذَلِكَ وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ فَقَالَ: وَلَا يُصَلِّي عَلَى هَيْئَةِ الْخُسُوفِ قَوْلًا وَاحِدًا. اهـ. وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ لَا يُصَارُ لِتَغْيِيرِ الصَّلَاةِ إلَّا بِتَوْقِيفٍ وَلَمْ يَرِدْ إلَّا فِي النَّيِّرَيْنِ. وَلَيْسَ غَيْرُهُمَا فِي مَعْنَاهُمَا وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَأَوْلَى شَهَادَةُ الْقِبْلَةِ وَبِهَا الِاهْتِدَاءُ يُرَدُّ بِأَنْ لَا مُسَاوَاةَ فَضْلًا عَنْ الْأَوْلَوِيَّةِ لِأَنَّ النَّيِّرَيْنِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ الْبَاهِرَةِ وَلَهُمَا مِنْ الظُّهُورِ فِي الْعَالَمِ مَا لَيْسَ لِغَيْرِهِمَا مِنْ النُّجُومِ. فَإِذَا وَقَعَ بِهِمَا تَغَيُّرٌ كَانَ ذَلِكَ آيَةً مُخَوِّفَةً سَائِرَ أَهْلِ هَذَا الْعَالَمِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ وَعِقَابِهِ فَشُرِّعَتَا لَهُمَا صَلَاةٌ مَخْصُوصَةٌ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ لِتُنَاسِبَ تَمَيُّزِهِمَا عَنْ سَائِرِ الْكَوَاكِبِ فَكَيْفَ بَعْدَ هَذَا التَّقْرِيرِ يُقَالُ إنَّ النُّجُومَ أَوْلَى بِصَلَاةِ الْكُسُوفِ مِنْ الْقَمَرِ وَمِمَّا يَدُلُّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ مَنْ كَرِهَ اسْتِقْبَالَ الْقَمَرَيْنِ. لَمْ يَقُلْ بِكَرَاهَةِ اسْتِقْبَالِ بَقِيَّةِ النُّجُومِ وَفَرَّقَ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْته فَاتَّضَحَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا وَأَنَّ الَّذِي يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ إنَّ انْكِسَافَ النُّجُومِ بِمَنْزِلَةِ الزَّلَازِلِ وَنَحْوِهَا فَيَأْتِي فِيهَا حُكْمُهَا مِنْ الصَّلَاةِ فُرَادَى عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ حَذَرًا مِنْ الْغَفْلَةِ عِنْدَ حُدُوثِ الْحَوَادِثِ الْعَظِيمَةِ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ كَالْبَغَوِيِّ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ سُنَّةٌ بِسَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ فَتَجُوزُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ. وَقَالَ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ هِيَ نَافِلَةٌ مُطْلَقَةٌ فَلَا تَحِلُّ الْوَقْتَ الْمَكْرُوهَ وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ لَمْ يُرِدْ الشَّيْخَانِ إضَافَةَ الصَّلَاةِ لِتِلْكَ الْآيَاتِ وَكَوْنَهَا سُنَّةً لَهَا حَتَّى تَكُونَ ذَاتَ سَبَبٍ بَلْ الْمُرَادُ اسْتِحْبَابُ الِاشْتِغَالِ بِالصَّلَاةِ حِينَئِذٍ رُجُوعًا إلَى اللَّهِ وَاجْتِنَابًا لِلْغَفْلَةِ عِنْدَ تَذْكِيرِهِ عَزَّ وَجَلَّ وَتَخْوِيفِهِ بِآيَاتِهِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَسَاقَ عِبَارَاتٍ قَدْ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، الَّذِي يُتَّجَهُ تَرْجِيحُهُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ مِنْ أَنَّهَا ذَاتُ سَبَبٍ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مُرَادَهُمَا مَا ذُكِرَ لِأَنَّ نَدْبَ الصَّلَاةِ عِنْدَ حُدُوثِ تِلْكَ الْآيَاتِ فِيهِ تَقْيِيدُهَا بِذَلِكَ السَّبَبِ فَيَصْدُقُ عَلَيْهَا حَدُّ الصَّلَاةِ الَّتِي لَهَا سَبَبٌ، فَمَنْ ادَّعَى خُرُوجَ هَذِهِ عَنْ ذَوَاتِ السَّبَبِ مَعَ صِدْقِ تَعْرِيفِهَا فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ وَتِلْكَ الْعِبَارَاتُ الْمَسُوقَةُ كَمَا تَحْتَمِلُ مَا قَالَهُ تَحْتَمِلُ مَا قُلْنَاهُ، فَلَا

شَاهِدَ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا شَاهِدٌ وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى حَدِّهِمْ لِذَوَاتِ السَّبَبِ وَهُوَ يَصْدُقُ عَلَى هَذِهِ الصَّلَاةِ فَكَانَتْ ذَاتَ سَبَبٍ فَتَحِلُّ فِي الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ ثُمَّ مَا تَقَرَّرَ فِي انْكِسَافِ النُّجُومِ إنَّمَا هُوَ عَلَى فَرْضِ وُقُوعِهِ وَإِلَّا فَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ أَهْلُ الْهَيْئَةِ وَإِلَيْهِمْ الْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ أَنَّ غَالِبَ النُّجُومِ لَا تَنْكَسِفُ لَكِنْ أَوْرَدَ عَلَيْهِمْ السَّيْفُ الْآمِدِيُّ إشْكَالًا عَلَى طَرِيقَتِهِمْ. وَقَالَ لَا جَوَابَ لَهُمْ عَنْهُ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ سَبَبَ خُسُوفِ الْقَمَرِ أَنَّ جِرْمَ الشَّمْسِ أَكْبَرُ مِنْ كُرَةِ الْأَرْضِ بِأَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ حَتَّى أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَهُ بِمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٍ وَسِتِّينَ مَرَّةً وَأَنَّ الشَّمْسَ إذَا انْحَطَّتْ لِلْغُرُوبِ امْتَدَّ لِلْأَرْضِ ظِلٌّ عَلَى شَكْلٍ مَخْرُوطٍ صَنَوْبَرِيٍّ ضَرُورَةَ أَنَّ الشَّمْسَ أَكْبَرُ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا يَزَالُ مَخْرُوطُ الْأَرْضِ يَمْتَدُّ وَيَسْتَدِقُّ إلَى أَنْ تَنْحَطَّ وَلَا يَتَعَدَّى ذَلِكَ عُطَارِدًا إذَا اتَّفَقَ حُضُورُ الْقَمَرِ فِي ذَلِكَ الظِّلِّ مِنْ غَيْرِ تَنَافٍ وَلَا تَأْثِيرٍ بِحَيْثُ يَحْجُبُ نُورَ الشَّمْسِ فَهُوَ خُسُوفُهُ وَعَلَى حَسَبِ تَرْكِهِ فِي مَخْرُوطِ الظِّلِّ يَكُونُ زِيَادَةُ الْخُسُوفِ وَنَقْصُهُ ثُمَّ لَا يَزَالُ الْقَمَرُ فِي السَّيْرِ وَالظِّلُّ فِي الْمَيْلِ إلَى حَالَةِ الِانْجِلَاءِ وَالْعَوْدِ إلَى مُقَابَلَةِ الشَّمْسِ مِنْ غَيْرِ حَاجِبٍ وَزَعَمُوا أَنَّ الْكَوَاكِبَ الثَّابِتَةَ فِي تِلْكَ الْبُرُوجِ أَيْضًا يُكْتَسَبُ نُورُهَا مِنْ نُورِ الشَّمْسِ كَاكْتِسَابِ نُورِ الْقَمَرِ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لِمَ لَا تَنْكَسِفُ تِلْكَ الْكَوَاكِبُ بِحَيْلُولَةِ مَخْرُوطِ ظِلِّ الْأَرْضِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الشَّمْسِ قَالُوا: لِأَنَّ الظِّلَّ يَنْمَحِقُ دُونَ الْوُصُولِ إلَيْهَا فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: وَلِمَ قُلْتُمْ بِانْمِحَاقِ مَخْرُوطِ الظِّلِّ دُونَهَا قَالُوا لِأَنَّهَا تَنْكَسِفُ وَهُوَ دَوْرٌ مُمْتَنِعٌ. قَالَ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ لَهُمْ عَنْهُ جَوَابٌ بَلْ لَوْ قِيلَ لَهُمْ الْكَوَاكِبُ الثَّابِتَةُ فِي فَلَكِ الْبُرُوجِ وَكَذَلِكَ زُحَلُ وَالْمُشْتَرِي وَالْمِرِّيخُ مُضِيئَةٌ بِأَنْفُسِهَا فَلِذَلِكَ لَمْ تَنْكَسِفْ بِمَخْرُوطِ الظِّلِّ مَعَ وُصُولِهِ إلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَنْهُ جَوَابٌ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ إنَّهُ بِسَبَبِ سَتْرِ الْقَمَرِ لَهَا عِنْدَ الْمُقَارَنَةِ وَلِهَذَا لَا يُعْهَدُ كُسُوفُهَا فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْمُقَارَنَةِ وَالِاجْتِمَاعِ. فَإِنْ قِيلَ لَهُمْ كَمَا أَنَّ الْقَمَرَ قَدْ يُقَارِنُ الشَّمْسَ الْمُقَارَنَةَ الْعَمِيمَةَ كَذَلِكَ الزُّهْرَةُ وَعُطَارِدُ فَمَا لَهُمَا لَا يَحْجُبَانِ الشَّمْسَ عَنْ أَبْصَارِنَا فِي وَقْتِ الْمُقَارَنَةِ وَالِاجْتِمَاع كَمَا فِي الْقَمَرِ لَمْ يَجِدُوا إلَى الْفَرْقِ سَبِيلًا. اهـ. وَاعْتَرَضَ أَيْضًا ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ قَوْلَهُمْ إنَّ سَبَبَ كُسُوفِ الشَّمْسِ سَتْرُ الْقَمَرِ لَهَا بِأَنَّ الشَّمْسَ عِنْدَهُمْ أَضْعَافُ الْقَمَرِ فِي الْجِرْمِ فَكَيْفَ يَسْتُرُ الْجِرْمُ الصَّغِيرُ الْجِرْمَ الْكَبِيرَ إذَا قَابَلَهُ. اهـ. وَجَوَابُهُ أَنَّهُ كُلَّمَا زَادَ الْبُعْدُ اتَّسَعَ الْجِرْمُ الصَّغِيرُ لِلْمُقَابَلَةِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مُحَاذَاةِ النَّاسِ الْقِبْلَةَ مَعَ قِلَّةِ عَرْضِ سَمْتِهَا وَبُعْدِ عَرْضِ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، قِيَاسًا عَلَى النَّارِ الْمَرْئِيَّةِ مِنْ بُعْدٍ وَعَلَى عَرْضِ الْمَرْمَاةِ وَالشَّمْسِ فِي الْفَلَكِ الرَّابِعِ وَالْقَمَرِ فِي الْفَلَكِ الْأَوَّلِ فَلِبُعْدِ الْمَسَافَةِ بَيْنَهُمَا حَجَبَهَا عِنْدَ تَمَامِ الْمُقَابَلَةِ أَوْ بَعْضَهَا عِنْدَ عَدَمِ تَمَامِهَا وَإِنْ كَانَ جِرْمُهُ صَغِيرًا بِالنِّسْبَةِ لَهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّا إنْ قُلْنَا إنَّ الْكَوَاكِبَ غَيْرَ الثَّابِتَةِ نُورُهَا مُكْتَسَبٌ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ كَمَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْهَيْئَةِ فَهُمْ قَائِلُونَ مَعَ ذَلِكَ بِأَنَّهَا لَا تَنْكَسِفُ وَإِنْ لَزِمَهُمْ مَا مَرَّ عَنْ الْآمِدِيِّ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْفِصَالُ عَنْهُ بِأَنْ يُقَالَ مَلْحَظُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ انْكِسَافِ الْكَوَاكِبِ الِاسْتِقْرَاءُ التَّامُّ وَالْوُجُودُ وَسَبَبُهُ انْمِحَاقُ مَخْرُوطِ الظِّلِّ دُونَهَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا الِانْمِحَاقِ عَدَمُ وُقُوعِ الِانْكِسَافِ لَهَا فِي الْخَارِجِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ الدَّوْرُ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْآمِدِيُّ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ قُلْنَا بِمَا قَالَهُ الْآمِدِيُّ مِنْ أَنَّ الْكَوَاكِبَ مُضِيئَةٌ بِنَفْسِهَا وَلَيْسَتْ مُكْتَسِبَةً مِنْ الشَّمْسِ فَعَدَمُ انْكِسَافِهَا وَاضِحٌ حِينَئِذٍ لِأَنَّ الْمُقَرَّبَ مَا قَالُوهُ مِنْ اسْتِمْدَادِهَا مِنْ الشَّمْسِ لِأَنَّ الْقَمَرَ الَّذِي هُوَ أَضْوَأُ مِنْهَا وَأَجْلَى إذَا كَانَ نُورُهُ إنَّمَا هُوَ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ عِنْدَ أَهْلِ الْهَيْئَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَهُمْ كَثِيرُونَ فَكَذَلِكَ تِلْكَ الْكَوَاكِبُ نُورُهَا مِنْ نُورِ الشَّمْسِ لَا تَحْقِيقًا بَلْ ظَنًّا بِوَاسِطَةِ تَسْلِيمِ أَنَّ نُورَ الْقَمَرِ مِنْ نُورِ الشَّمْسِ وَيَبْعُدُ أَنَّ نُورَهُ مِنْ نُورِهَا وَنُورُ الْكَوَاكِبِ لَيْسَ مِنْ نُورِهَا وَالْبَحْثُ فِي كُلِّ ذَلِكَ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ يُرْجَعُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ وَلَا جَدْوَى لَهُ عِنْدَ التَّحْقِيق وَإِنَّمَا الْمَدَارُ عَلَى أَنَّهُ إنْ تَصَوَّرَ انْكِسَافَ الْكَوَاكِبِ صَلَّى لَهَا صَلَاةً، نَحْوُ

الزَّلَازِلِ لَا صَلَاةِ الْكُسُوفِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ لِمَا مَرَّ لَك مَبْسُوطًا. (وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ مَا حَقِيقَةُ كُسُوفِ الْقَمَرَيْنِ وَمَا حَقِيقَةُ هَذَا الَّذِي يَسْتُرُ الْقَمَرَ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ الشَّهْرِ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى يَكْمُلَ ثُمَّ يَنْجَلِي أَوَّلَ الشَّهْرِ وَمَا الْحِكْمَةُ فِي زِيَادَةِ رُكُوعٍ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ خَاصَّةً؟ (فَأَجَابَ) أَمَدَّنَا اللَّهُ مِنْ مَدَدِهِ بِقَوْلِهِ: أَمَّا حَقِيقَةُ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَاخْتِلَافِ الْقَمَرِ زِيَادَةً وَنَقْصًا وَغَيْرَهُمَا فَقَدْ تَعَرَّضَ لَهُ أَهْلُ الْهَيْئَةِ وَإِلَيْهِمْ الْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ قَالُوا: وَمِمَّا يَعْرِضُ لِلْقَمَرِ مَا يَعْرِضُ لَهُ بِالْقِيَاسِ إلَى الشَّمْسِ. وَهُوَ الْمَحَاقُ وَالزِّيَادَةُ وَالْكَمَالُ وَالنُّقْصَانُ وَكَسْفُهُ الشَّمْسَ وَالْخُسُوفُ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ جِرْمَ الْقَمَرِ كَثِيفٌ كَمَدٍ مُظْلِمٍ لَا نُورَ لَهُ بِذَاتِهِ وَإِنَّمَا هُوَ صَقِيلٌ يَسْتَضِيءُ بِضِيَاءِ الشَّمْسِ كَالْمِرْآةِ الْمَصْقُولَةِ إذَا حُوذِيَ بِهَا الشَّمْسُ فَيَكُونُ النِّصْفُ مِنْ الْقَمَرِ الْمُوَاجِهِ لِلشَّمْسِ مُضِيئًا أَبَدًا بِضَوْءِ الشَّمْسِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ مُظْلِمًا مِنْهُ عَلَى حَالِهِ لِعَدَمِ وُصُولِ الضَّوْءِ مِنْ الشَّمْسِ إلَيْهِ فَعِنْدَ اجْتِمَاعِ الْقَمَرِ مَعَ الشَّمْسِ يَكُونُ الْقَمَرُ مُتَسَاوِيًا بَيْنَ الشَّمْسِ لِأَنَّ فَلَكَهَا فَوْقَ فَلَكِهِ إذْ هِيَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ وَهُوَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَكُونُ نِصْفُهُ الْمُظْلِمُ مُوَاجِهًا لَهُ وَنِصْفُهُ الْمُضِيءُ مَسْتُورًا عَنَّا بِالنِّصْفِ الْمُظْلِمِ فَلَا نَرَى شَيْئًا مِنْ ضَوْئِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَحَاقُ. فَإِذَا بَعُدَ الْقَمَرُ عَنْ الشَّمْسِ مِقْدَارًا قَرِيبًا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ عَلَى اخْتِلَافِ أَوْضَاعِ الْمَسَاكِنِ وَعُرُوضِ الْقَمَرِ وَكَثْرَةِ الْبُخَارِ وَحِدَّةِ الْإِبْصَارِ مَالَ نِصْفُهُ الْمُضِيءُ إلَيْنَا شَيْئًا يَسِيرًا فَيُرَى مِنْهُ وَهُوَ الْهِلَالُ، ثُمَّ كُلَّمَا ازْدَادَ بُعْدُهُ عَنْ الشَّمْسِ ازْدَادَ مَيْلُ الْمُضِيءِ إلَيْنَا فَإِذَا قَرُبَ الْبُعْدُ مِنْ رُبُعِ الدَّوْرِ يَرَى الْقَمَرَ كَنِصْفِ دَائِرَةٍ وَهَكَذَا يَزِيدُ الْمَيْلُ فَيُرَى شَكْلًا إهْلِيجِيًّا حَتَّى إذَا قَابَلَ الْقَمَرُ الشَّمْسَ وَصَارَ الْبُعْدُ بَيْنَهُمَا نِصْفَ الدَّوْرِ صِرْنَا نَحْنُ بَيْنَ الْقَمَرِ وَالشَّمْسِ وَصَارَ مَا يُوَاجِهُ الشَّمْسَ مِنْ الْقَمَرِ يُوَاجِهُنَا. فَيُرَى الْقَمَرُ كَدَائِرَةٍ تَامَّةٍ وَهُوَ الْكَمَالُ وَيُسَمَّى الْقَمَرُ حِينَئِذٍ بَدْرًا فَإِذَا انْحَرَفَ عَنْ مُقَابَلَةِ الشَّمْسِ مَالَ إلَيْنَا شَيْءٌ مِنْ نِصْفِهِ الْمُظْلِمِ وَاسْتَتَرَ عَنَّا شَيْءٌ مِنْ نِصْفِهِ الْمُضِيءِ فَيَظْهَرُ فِي صَفْحَةِ الْقَمَرِ ثُلْمَةٌ ثُمَّ يَأْخُذُ الظَّلَامُ فِي الزِّيَادَةِ وَالضِّيَاءُ فِي النُّقْصَانِ فَيُرَى الْقَمَرُ عَلَى شَكْلٍ إهْلِيجِيٍّ ثُمَّ كَنِصْفِ دَائِرَةٍ ثُمَّ عَلَى شَكْلِ الْهِلَالِ فِي جَانِبِ الْمَشْرِقِ حَتَّى يَنْمَحِقَ وَيَسْتَتِرَ عَنَّا نِصْفُهُ الْمُضِيءُ بِالْكُلِّيَّةِ وَيَكُونُ الْقَمَرُ مُظْلِمًا لَا يَسْتَضِيءُ إلَّا وَجْهُهُ الْمُقَابِلُ لِلشَّمْسِ وَإِذَا كَانَ الْقَمَرُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ عَلَى طَرِيقَةِ الشَّمْسِ أَيْ عَلَى مَدَارِهَا أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ. وَذَلِكَ عِنْدَ عُقْدَتَيْ الرَّأْسِ وَالذَّنَبِ إذْ لَا عَرْضَ لِلْقَمَرِ هُنَاكَ فَيَكُونُ عَلَى مِنْطَقَةِ الْبُرُوجِ الَّتِي هِيَ مَدَارُ الشَّمْسِ حَالَ الْقَمَرُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّمْسِ فَيَسْتَتِرُ عَنَّا ضَوْءُهَا وَهُوَ كُسُوفُ الشَّمْسِ وَاعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ عُرُوضِ الْبُلْدَانِ شِمَالًا وَجَنُوبًا وَقِلَّةِ الْعُرُوضِ وَكَثْرَتِهَا وَالضَّابِطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ الْقَمَرُ بِحَيْثُ تَنْقَطِعُ الْخُطُوطُ الشُّعَاعِيَّةُ الْخَارِجَةُ عَنْ الْأَبْصَارِ إلَى الشَّمْسِ إمَّا جَمِيعُهَا أَوْ بَعْضُهَا فَيَسْتَتِرُ عَنَّا ضَوْءُهَا إمَّا بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ الْكُسُوفُ التَّامُّ أَوْ لَا بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ الْكُسُوفُ الْغَيْرُ التَّامِّ وَهُوَ السَّوَادُ الَّذِي يَظْهَرُ لِلْحِسِّ فِي وَجْهِ الشَّمْسِ حَالَةَ الْكُسُوفِ وَهُوَ لَوْنُ جِرْمِ الْقَمَرِ. وَلِكَوْنِ كُسُوفِ الشَّمْسِ إنَّمَا هُوَ لِحَيْلُولَةِ الْقَمَرِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّمْسِ وَذَلِكَ السَّوَادُ الْمُشَاهَدُ إنَّمَا هُوَ لَوْنُ الْقَمَرِ يَبْتَدِئُ سَوَادُ الشَّمْسِ فِي الْكُسُوفِ مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ ثُمَّ إذَا أَخَذَ الْقَمَرُ يَمُرُّ بِالشَّمْسِ لِكَوْنِهِ أَسْرَعَ مِنْهَا يَبْتَدِئُ الْجَلَاءُ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ لِلُحُوقِ الْقَمَرِ إيَّاهَا مِنْ الْمَغْرِبِ وَإِذَا كَانَ الْقَمَرُ كَذَلِكَ عَلَى طَرِيقَةِ الشَّمْسِ أَيْ عَلَى أَحَدِ الْعُقْدَتَيْنِ أَوْ حَوَالَيْهَا بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا وَكَسْرٍ عِنْدَ الِاسْتِقْبَالِ حَالَ الْأَرْضُ بَيْنَ الْقَمَرِ وَالشَّمْسِ وَوَقَعَ ظِلُّهَا عَلَى الْقَمَرِ فَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ ضَوْءُ الشَّمْسِ فَيَبْقَى عَلَى ظَلَامِهِ الْأَصْلِيِّ، وَهُوَ خُسُوفُ الْقَمَرِ وَبَيَانُهُ أَنَّ الْأَرْضَ كَثِيفَةٌ مَانِعَةٌ نُفُوذَ الضَّوْءِ فِيهَا وَحَيْثُ كَانَتْ أَصْغَرَ مِنْ الشَّمْسِ يَسْتَضِيءُ بِضَوْئِهَا أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهَا وَيَقَعُ لَهَا ظِلٌّ فِي مُقَابَلَةِ الشَّمْسِ مَخْرُوطُ الشَّكْلِ يَسْتَدِقُّ شَيْئًا فَشَيْئًا وَيَنْتَفِي فِي أَفْلَاكِ الزُّهْرَةِ فَلِلظِّلِّ عِنْدَ فَلَكِ الْقَمَرِ غِلَظٌ مَا فَإِذَا قَطَعَ هُنَاكَ سَطْحٌ مُسْتَوٍ مُوَازٍ

لِقَاعِدَةِ مَخْرُوطِ الظِّلِّ حَصَلَ دَائِرَةٌ مَرْكَزُهَا فِي سَطْحِ الْبُرُوجِ وَفِي جُزْءٍ مِنْهَا يُقَابِلُ جُزْءَ الشَّمْسِ وَذَلِكَ الْمَرْكَزُ يَتَحَرَّكُ بِمِقْدَارِ حَرَكَةِ الشَّمْسِ فَإِنْ كَانَ الْقَمَرُ فِي الِاسْتِقْبَالِ عَدِيمَ الْعَرْضِ وَقَعَ فِي دَائِرَةِ الظِّلِّ وَانْخَسَفَ كُلُّهُ وَإِنْ كَانَ ذَا عَرْضٍ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ إلَى صَفْحَتِهِ شَيْءٌ مِنْ دَائِرَةِ الظِّلِّ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ خُسُوفٌ أَصْلًا وَإِنْ كَانَ عَرْضُهُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ انْخَسَفَ مِنْهُ مَا وَقَعَ فِي دَائِرَةِ الظِّلِّ وَابْتِدَاءُ خُسُوفِ الْقَمَرِ وَانْجِلَاؤُهُ مِنْ الْمَشْرِقِ عَكْسُ الْكُسُوفِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَمَرَ يَلْحَقُ ظِلَّ الْأَرْضِ لِكَوْنِهِ أَسْرَعَ مِنْ الظِّلِّ مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ فَيَصِلُ طَرَفُهُ الشَّرْقِيُّ أَوَائِلَ الظِّلِّ فَيَأْخُذُ ذَلِكَ الطَّرَفُ فِي السَّوَادِ أَوَّلًا. وَيَكُونُ الْقَمَرُ يَلْحَقُ الظِّلَّ مِنْ الْمَغْرِبِ يَكُونُ مُرُورُ طَرَفِهِ الشَّرْقِيِّ بِالظِّلِّ أَوَّلًا فَكَمَا أَنَّ طَرَفَهُ الشَّرْقِيَّ يَصِلُ أَوَّلًا إلَى الظِّلِّ كَذَلِكَ هَذَا الطَّرَفُ يُجَاوِزُهُ أَوَّلًا فَيَبْتَدِئُ مِنْهُ الِانْجِلَاءُ كَمَا ابْتَدَأَ مِنْهُ الِانْخِسَافُ فَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ خُسُوفَ الْقَمَرِ أَمْرٌ عَارِضٌ لَهُ يَتَحَقَّقُ فِي ذَاتِهِ لَا بِالْقِيَاسِ إلَى الْإِبْصَارِ وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إلَّا فِي أَوَاسِطِ الشَّهْرِ وَأَنَّ كُسُوفَ الشَّمْسِ إنَّمَا هُوَ أَمْرٌ بِحَسَبِ الرُّؤْيَةِ لَيْسَ فِي ذَاتِ الشَّمْسِ تَغَيُّرٌ أَصْلًا وَأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي أَوَاخِرِ الشَّهْرِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي زِيَادَةِ الرُّكُوعِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ هِيَ أَنَّ الْكُسُوفَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ الْبَاهِرَةِ يُخَوِّفُ بِهَا عَبِيدَهُ، كَمَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ فَنَاسَبَ زِيَادَةُ الرُّكُوعِ فِيهِ لِأَنَّهُ مِمَّا تَفَضَّلَ اللَّهُ بِهِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ دُونَ غَيْرِهَا إذْ هُوَ مِنْ خَصَائِصِهَا عَلَى مَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ لِمَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ «عَنْ عَلِيٍّ أَوَّلُ صَلَاةٍ رَكَعْنَا فِيهِ الْعَصْرُ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا هَذَا قَالَ: بِهَذَا أُمِرْت» قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنْهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى قَبْلَ ذَلِكَ الظُّهْرَ وَصَلَّى قَبْلَ فَرْضِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ قِيَامَ اللَّيْلِ، فَكَوْنُ الصَّلَاةِ السَّابِقَةِ بِلَا رُكُوعٍ قَرِينَةً لِخُلُوِّ صَلَاةِ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ مِنْهُ. اهـ. وَفِيهِ مَا فِيهِ وَقَالَ جَمْعٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: 43] إنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الرُّكُوعِ فِي الصَّلَاةِ خَاصٌّ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَإِنَّهُ لَا رُكُوعَ فِي صَلَاةِ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلِذَا أَمَرَهُمْ بِالرُّكُوعِ مَعَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ. وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ تَعَالَى {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: 43] لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّكُوعِ هُنَا مُطْلَقُ الصَّلَاةِ فَيَكُونُ فِيهِ ذِكْرُ الْأَعَمِّ الَّذِي هُوَ الصَّلَاةُ بَعْدَ الْأَخَصِّ الَّذِي هُوَ السُّجُودُ وَأَفْرَدَ السُّجُودَ بِالذِّكْرِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْقُرْبِ الَّذِي لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ أَفْضَلُ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ عَلَى قَوْلٍ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْقُنُوتِ إقَامَةُ الطَّاعَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا} [الزمر: 9] وَبِالسُّجُودِ الصَّلَاةُ لِقَوْلِهِ {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق: 40] وَبِالرُّكُوعِ الْخُضُوعُ. فَإِذَا قُلْنَا بِمَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ مِنْ أَنَّ الرُّكُوعَ خَاصٌّ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ نَاسَبَ حِينَئِذٍ زِيَادَتُهُ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ دُونَ غَيْرِهَا لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ لِطَلَبِ رِضَاهُ تَعَالَى وَحَذَرًا مِنْ خَوْفِ سَطْوَتِهِ وَعِقَابِهِ وَكَانَ الرُّكُوعُ فِيهِ مِنْ الْخُضُوعِ الْمُنَاسِبِ لِذَلِكَ التَّخْوِيفِ وَفِيهِ مِنْ الِامْتِنَانِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهِ نَاسَبَ حِينَئِذٍ زِيَادَتُهُ تَوَسُّلًا بِأَخَصِّ نِعَمِهِ تَعَالَى مِنْ حَيْثُ الصَّلَاةُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّوَسُّلَ بِأَخَصِّ النِّعَمِ لَهُ وَقْعٌ وَمَزِيدُ دَفْعٍ لِلْفِتَنِ وَالْمِحَنِ، هَذَا إنْ قُلْنَا بِأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِهَا فَحِكْمَةُ زِيَادَتِهِ أَنَّهُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ كَالْوَسِيلَةِ لِلسُّجُودِ. لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهِ خُضُوعٌ لَكِنَّهُ فِي السُّجُودِ أَعْظَمُ وَكَانَ كَالْمَقْصِدِ، وَالرُّكُوعُ كَالْوَسِيلَةِ لَهُ وَلِهَذَا فُصِلَ بَيْنَهُمَا بِالِاعْتِدَالِ حَتَّى تَتَمَيَّزَ الْوَسِيلَةُ عَنْ الْمَقْصِدِ وَإِذَا كَانَ الرُّكُوعُ كَالْوَسِيلَةِ فَنَاسَبَ اخْتِصَاصُهُ بِالزِّيَادَةِ إعْلَامًا أَمَا بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْإِكْثَارُ مِنْ الْوَسَائِلِ لِيَتَوَصَّلَ بِهَا إلَى الْمَقَاصِدِ وَمِنْ ثَمَّ سُنَّ الْإِكْثَارُ مِنْ الصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ وَسَائِلِ الْخَيْرِ لِلْوُصُولِ إلَى الْمَقَاصِدِ وَهِيَ دَفْعُ اللَّهِ لِهَذِهِ الْآيَةِ الْمَخُوفَةِ لِعِبَادِهِ. وَأَيْضًا فَالرُّكُوعُ أَشَقُّ مِنْ السُّجُودِ وَكَانَ فِي تَكْرِيرِهِ الْإِعْلَامُ بِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْإِكْثَارُ مِنْ الطَّاعَاتِ وَإِلْزَامُ النَّفْسِ بِمَا يَشُقُّ عَلَيْهَا مِنْ فِعْلِهَا لِمَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ وَلَوْ بِمَشَاقَّ كَثِيرَةٍ مِنْ الْخَيْرَاتِ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْتُهُ اتِّفَاقُ أَئِمَّتِنَا عَلَى أَنَّ الْأَكْمَلَ

الْمُبَالَغَةُ فِي تَطْوِيلِ الرُّكُوعِ وَاخْتِلَافُهُمْ فِي السُّجُودِ هَلْ يَطُولُ أَوْ لَا وَلَيْسَ ذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ إلَّا إشَارَةً لِمَا ذَكَرْتُهُ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ هَذَا الْوَقْتَ هُوَ وَقْتُ التَّوَسُّلِ إلَى اللَّهِ بِتَكْلِيفِ النَّفْسِ سَائِرَ الْمَشَقَّاتِ الَّتِي لَهَا عَلَيْهَا نَوْعُ قُدْرَةٍ لَعَلَّ أَنْ يَنْكَشِفَ عَنْ النَّاسِ مَا حَلَّ بِهِمْ هَذَا وَلَمْ يَتَكَرَّرْ الرُّكُوعُ وَحْدَهُ بَلْ تَكَرَّرَتْ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَالِاعْتِدَالُ أَيْضًا فَحِكْمَةُ تَكْرِيرِ الِاعْتِدَالِ أَنَّهُ تَابِعٌ لِأَنَّهُ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَلَزِمَهُمْ مِنْ تَكْرِيرِ الرُّكُوعِ تَكْرِيرُهُ فَتَكْرِيرُهُ تَبَعٌ لِتَكْرِيرِ الرُّكُوعِ. وَأَمَّا تَكْرِيرُ الْفَاتِحَةِ فَلِاشْتِمَالِهَا عَلَى الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِجَامِعِ صِفَاتِهِ الْكُلِّيَّةِ وَعَلَى اللَّجَاءَةِ إلَيْهِ تَعَالَى فِي سَائِرِ الْأُمُورِ فَنَاسَبَ تَكْرِيرُ ذَلِكَ لِيَكُونَ سَبَبًا لِرَفْعِ مَا حَلَّ بِالنَّاسِ مِنْ ذَلِكَ الْإِزْعَاجِ وَالتَّخْوِيفِ الْعَظِيمِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَأَعَادَ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ مَا حَقِيقَةُ زَلْزَلَةِ الْأَرْضِ الْمَعْهُودَةِ الْمُسَمَّاةُ بِالرَّاجِفَةِ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ بِقَوْلِهِ: أَمَّا حَقِيقَةُ الزَّلْزَلَةِ فَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي الْعَظَمَةِ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الْعُقُوبَاتِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: خَلَقَ اللَّهُ جَبَلًا يُقَالُ لَهُ ق مُحِيطٌ بِالْعَالَمِ وَعُرُوقُهُ إلَى الصَّخْرَةِ الَّتِي عَلَيْهَا الْأَرْضُ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُزَلْزِلَ قَرْيَةً أَمَرَ ذَلِكَ الْجَبَلَ فَحَرَّكَ الْعِرْقَ الَّذِي يَلِي تِلْكَ الْقَرْيَةَ فَيُزَلْزِلُهَا وَيُحَرِّكُهَا فَمِنْ ثَمَّ تُحَرَّكُ الْقَرْيَةُ دُونَ الْقَرْيَةِ وَأَخْرَجَ الْخَطِيبُ وَابْنُ عَسَاكِرَ عَنْهُ قَالَ: جَبَلُ ق مُحِيطٌ بِالدُّنْيَا وَقَدْ أَنْبَتَ اللَّهُ مِنْهُ الْجِبَالَ وَشَبَّكَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ بِعُرُوقِهِ كَالشَّجَرَةِ كَالْأَوْتَادِ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُزَلْزِلَ أَرْضًا أَوْحَى إلَى ق فَحَرَّكَ الْعِرْقَ وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ ذَا الْقَرْنَيْنِ لَمَّا بَلَغَ الْجَبَلَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ ق نَادَاهُ مَلَكٌ فَقَالَ ذُو الْقَرْنَيْنِ مَا هَذَا الْجَبَلُ قَالَ هَذَا جَبَلٌ يُقَالُ لَهُ ق وَهُوَ أُمُّ الْجِبَالِ وَالْجِبَالُ كُلُّهَا مِنْ عُرُوقِهِ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُزَلْزِلَ قَرْيَةً حَرَّكَ مِنْهُ عِرْقًا وَقَدْ يُعَارِضُ هَذِهِ الْآثَارَ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُخَوِّفَ عِبَادَهُ أَبْدَى عَنْ شَيْءٍ مِنْ آثَارِ قُدْرَتِهِ لِلْأَرْضِ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَزَلْزَلَتْ وَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ عَرْضَ كُلِّ أَرْضٍ مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ. وَأَنَّ بَيْنَ كُلِّ أَرْضَيْنِ ذَلِكَ وَالْأَرْضُ السَّابِعَةُ فَوْقَ الثَّرَى وَاسْمُهَا تُخُومٌ وَأَنَّ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ فِيهَا ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّ الثَّرَى فَوْقَ الصَّخْرَةِ وَالصَّخْرَةُ عَلَى الثَّوْرِ وَالثَّوْرُ لَهُ قَرْنَانِ وَلَهُ ثَلَاثُ قَوَائِمَ يَبْتَلِعُ مَاءَ الْأَرْضِ كُلِّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالثَّوْرُ عَلَى الْحُوتِ وَذَنَبُ الْحُوتِ عِنْدَ رَأْسِهِ مُسْتَدِيرٌ تَحْتَ الْأَرْضِ السُّفْلَى وَطَرَفَاهُ مُنْعَقِدَانِ تَحْتَ الْعَرْشِ. «وَأُخْبِرْت أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَاءِ الْحُوتُ قَالَ عَلَى مَاءٍ أَسْوَدَ وَمَا أَخَذَ مِنْهُ إلَّا كَمَا أَخَذَ حُوتٌ مِنْ حِيتَانِكُمْ مِنْ نَحْوِ هَذِهِ الْبِحَارِ» . وَحَدِيثُ «أَنَّ إبْلِيسَ تَغَلْغَلَ إلَى الْحُوتِ فَعَظَّمَ لَهُ نَفْسَهُ وَقَالَ لَيْسَ خَلْقٌ بِأَعْظَمَ مِنْك غِنًى وَلَا أَقْوَى فَوَجَدَ الْحُوتُ فِي نَفْسِهِ فَتَحَرَّكَ فَمِنْهُ تَكُونُ الزَّلْزَلَةُ إذَا تَحَرَّكَ فَبَعَثَ اللَّهُ حُوتًا صَغِيرًا فَأَسْكَنَهُ فِي أُذُنِهِ فَإِذَا ذَهَبَ يَتَحَرَّكُ تَحَرَّكَ الَّذِي فِي أُذُنِهِ فَيَسْكُنُ» وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا تَعَارُضَ فِي ذَلِكَ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِإِمْكَانِ الْجَمْعِ فَنَقُولُ يُحْتَمَلُ أَنَّ تَحَرُّكَ عِرْقٍ مِنْ جَبَلِ ق وَظُهُورَ بَعْضِ آثَارِ الْقُدْرَةِ لِلْأَرْضِ وَتَحَرُّكَ الْحُوتِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يَنْشَأُ عِنْدَ الزَّلْزَلَةِ، فَتَارَةً يَكُونُ عَنْ الْأَوَّلِ وَأُخْرَى عَنْ الثَّانِي وَأُخْرَى عَنْ الثَّالِثِ. وَهَذَا الْجَمْعُ مُتَعَيَّنٌ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ جَمِيعِ الْآثَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مَا وَرَدَ عَنْ الصَّحَابِيِّ مِمَّا لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَاَلَّذِي مَرَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَذَلِكَ فَيَكُونُ مُقَدَّمًا عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ وَعَلَى هَذَا فَالْجَوَابُ عَمَّا مَرَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِمَّا ظَاهِرُهُ التَّنَافِي فَمِنْ بَعْضِ الطُّرُقِ عَنْهُ أَنَّ السَّبَبَ تَحَرُّكُ ق وَفِي بَعْضِهَا عَنْهُ أَنَّهُ التَّجَلِّي أَنَّ كُلًّا سَبَبٌ نَظِيرُ مَا مَرَّ إنْ صَحَّا وَإِلَّا فَمَا صَحَّ مِنْهُمَا وَبِهَذِهِ الْآثَارِ كُلِّهَا رُدَّ عَلَى الْحُكَمَاءِ فِي قَوْلِهِمْ إنَّ الزَّلَازِلَ إنَّمَا تَكُونُ عَنْ كَثْرَةِ الْأَبْخِرَةِ عَنْ تَأْثِيرِ الشَّمْسِ وَاجْتِمَاعِهَا تَحْتَ الْأَرْضِ بِحَيْثُ لَا يُقَاوِمُهَا بُرُودَةٌ حَتَّى يَصِيرَ مَاءً وَلَا يَتَحَلَّلُ بِأَدْنَى حَرَارَةٍ لِكَثْرَتِهَا وَيَكُونُ وَجْهُ الْأَرْضِ صُلْبًا بِحَيْثُ لَا تَنْفُذُ الْبُخَارَاتُ مِنْهَا وَإِذَا صَعِدَتْ وَلَمْ تَجِدْ مَنْفَذًا اهْتَزَّتْ مِنْهَا الْأَرْضُ وَاطَّرَبَتْ كَمَا يَطَّرِبُ بَدَنُ الْمَحْمُومِ.

باب صلاة الاستسقاء

لِمَا يَثُورُ فِي بَاطِنِهِ مِنْ بُخَارَاتِ الْحَرَارَةِ وَرُبَّمَا يُشَقُّ ظَاهِرُ الْأَرْضِ وَيَخْرُجُ مِنْ الشَّقِّ تِلْكَ الْمَوَادُّ الْمُحْتَبَسَةِ. اهـ. وَقَدْ يُقَالُ هُوَ لَا يُنَافِي مَا مَرَّ وَيَكُونُ احْتِبَاسُ تِلْكَ الْأَبْخِرَةِ عَلَامَةً عَلَى تَحَرُّكِ " ق " أَوْ الْحُوتِ وَالْمُشَاهَدَةُ قَاضِيَةٌ بِذَلِكَ الِاشْتِقَاقِ وَخُرُوجِ تِلْكَ الْمَوَادِّ كَمَا حَكَاهُ الْمُؤَرِّخُونَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الزَّلَازِلِ الْوَاقِعَةِ فِيمَا مَضَى فَهُوَ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ لِكَلَامِهِمْ وَجْهًا وَمِنْ الْقَوَاعِدِ أَنَّ كَلَامَهُمْ حَيْثُ لَمْ يُخَالِفْ نَصًّا وَلَا يُرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا يُخَالِفُ الْأُصُولَ لَا بِدَعَ فِي الْقَوْلِ بِهِ وَهَذَا مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ. إذْ مَا قَالُوهُ هُنَا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِمَا عَلِمْت أَنَّ تِلْكَ الْآثَارَ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهَا يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا قَالُوهُ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اُتُّخِذَ الْفَيْءُ دُوَلًا وَالْأَمَانَةُ مَغْنَمًا وَالزَّكَاةُ مَغْرَمًا وَتُعُلِّمَ الْعِلْمُ لِغَيْرِ الدِّينِ وَأَطَاعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَعَقَّ أُمَّهُ وَأَدْنَى صَدِيقَهُ وَأَقْصَى أَبَاهُ وَظَهَرَتْ الْأَصْوَاتُ فِي الْمَسَاجِدِ وَسَادَ الْقَبِيلَةَ فَاسِدُهُمْ وَكَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ أَرْذَلَهُمْ وَأُكْرِمَ الرَّجُلُ مَخَافَةَ شَرِّهِ وَظَهَرَتْ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ وَشُرِبَتْ الْخُمُورُ وَلَعَنَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلَهَا. فَلْيَرْتَقِبُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحًا حَمْرَاءَ وَزَلْزَلَةً وَخَسْفًا وَمَسْخًا وَقَذْفًا وَآيَاتٍ تَتَابَعُ كَنِظَامِ لَآلِئَ قُطِعَ سِلْكُهُ فَتَتَابَعَ» وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا فَشَا فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ خَمْسَةٌ يَحِلُّ بِهَا خَمْسٌ إذَا أُكِلَ الرِّبَا كَانَتْ الزَّلْزَلَةُ وَالْخَسْفُ وَصَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ جَعَلَ اللَّهُ عَذَابَ أُمَّتِي فِي الدُّنْيَا الْقَتْلَ وَالزَّلَازِلَ وَالْفِتَنَ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا حَدِيثَ «سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي خَسْفٌ وَرَجْفٌ وَقِرَدَةٌ وَخَنَازِيرُ» وَأَخْرَجَ ابْنُ السَّكَنِ حَدِيثَ «يَكُونُ فِي أُمَّتِي رَجْفَةٌ يَهْلِكُ فِيهَا زُهَاءَ عَشَرَةِ آلَافٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، يَجْعَلُهَا اللَّهُ عِظَةً لِلْمُتَّقِينَ وَرَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَعَذَابًا عَلَى الْكَافِرِينَ» وَأَخْرَجَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ أَيْضًا بِلَفْظِ «يَهْلِكُ فِيهَا عَشَرَةُ آلَافٍ عِشْرُونَ أَلْفًا ثَلَاثُونَ أَلْفًا» وَأَخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ عَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا «خَرَابُ مِصْرَ مِنْ جَفَافِ النِّيلِ وَخَرَابُ الْحَبَشَةِ مِنْ الرَّجْفَةِ» وَأَخْرَجَ عَنْ كَعْبٍ قَالَ: " إنَّمَا تُزَلْزَلُ الْأَرْضُ إذَا عُمِلَ فِيهَا بِالْمَعَاصِي فَتُرْعِدُ فَزَعًا مِنْ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ أَنْ يَطْلُعَ عَلَيْهَا " وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا مَرَّ فِي سَبَبِ الزَّلْزَلَةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْتُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُ بِسَعْدِ الْمَنَازِلِ وَبِحُسْنِهَا وَمَا يَكُونُ جَوَابُ مَنْ يُسْأَلُ عَنْ يَوْمِ كَذَا يَصْلُحُ لِنَقْلَةٍ أَوْ تَزْوِيجٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مَنْ أَضَافَ التَّأْثِيرَ إلَى الْمَنَازِلِ أَوْ الْكَوَاكِبِ أَوْ الْبُرُوجِ أَوْ الْأَيَّامِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إنَّ اللَّهَ أَجْرَى عَادَتَهُ الْإِلَهِيَّةِ بِوُقُوعِ ذَلِكَ الْأَمْرِ عِنْدَ ذَلِكَ الشَّيْءِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ بَلْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ نَحْوَ الْمَنْزِلِ أَوْ الْكَوْكَبِ مُؤَثِّرٌ بِنَفْسِهِ كَفَرَ وَأَصْلُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ فِيمَنْ يَقُولُ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا فَعُلِمَ أَنَّ مَنْ سُئِلَ عَنْ يَوْمٍ يَصْلُحُ لِنَحْوِ نَقْلَةٍ. يَنْبَغِي أَنْ لَا يُجِيبَ بِشَيْءٍ مِنْ حَيْثُ الْيَوْمُ بَلْ يَأْمُرُ بِالِاسْتِخَارَةِ وَالْفِعْلِ بَعْدَهَا إنْ انْشَرَحَ لَهُ الصَّدْرُ لِأَنَّ هَذَا هُوَ السُّنَّةُ وَخِلَافُ الْمَأْلُوفِ مِنْ الْجَهَلَةِ الْمُشْتَغِلِينَ بِمَا لَا يَحِلُّ مِنْ عِلْمِ الرَّمْلِ وَأَمْثَالِهِ هُوَ الْبِدْعَةُ الْقَبِيحَةُ الْمُحَرَّمَةُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ هَلْ بَيْنَ مَنْ عَبَّرَ فِي نَدْبِ الْبُرُوزِ لِأَوَّلِ مَطَرِ السَّنَةِ أَوْ الْعَامِ فَرْقٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَإِنْ أَمْكَنَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ السُّهَيْلِيُّ فِي رَوْضِهِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ صَوْمِ الِاسْتِسْقَاءِ يَجِبُ بِأَمْرِ الْإِمَامِ فَهَلْ يَعُمُّ الْمُسَافِرَ وَغَيْرَهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي يُتَّجَهُ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ بَعْضِهِمْ خِلَافَهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَغَيْرِهِ حَيْثُ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِالصَّوْمِ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُهُمْ تَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ مَا لَمْ يُخَالِفْ حُكْمَ الشَّرْعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ بِمُخَالَفَةِ حُكْمِ الشَّرْعِ أَنْ يَأْمُرَ بِمَعْصِيَةٍ أَوْ يَنْهَى عَنْ وَاجِبٍ فَشَمِلَ ذَلِكَ الْمَكْرُوهَ فَإِذَا أَمَرَ بِهِ وَجَبَ فِعْلُهُ إذْ لَا مُخَالَفَةَ حِينَئِذٍ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الصَّدَقَةَ تَصِيرُ وَاجِبَةً إذْ أَمَرَ بِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ يَتَحَقَّقُ الْوُجُوبُ بِأَقَلِّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّدَقَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَإِنْ عَيَّنَ فِي أَمْرِهِ

قَدْرًا فَهَلْ يَجِبُ فَلَا يَجُوزُ النَّقْصُ عَنْهُ أَوَّلًا كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ الْمَأْمُورُ لِأَنَّ تَعْيِينَ ذَلِكَ يَكَادُ أَنْ يَكُونَ تَعَنُّتًا لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالصَّدَقَةِ حَاصِلٌ بِخُرُوجِ أَقَلِّ مَا يُجْزِئُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ: إذَا صِيمَ لِلِاسْتِسْقَاءِ بَعْدَ مُضِيِّ النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ شَعْبَانَ فَسُقُوا قَبْلَ الْخُرُوجِ فَخَرَجُوا لِلْوَعْظِ وَالدُّعَاءِ وَالشُّكْرِ وَالْخُطْبَةِ فَهَلْ هَذَا الْخُرُوجُ مَعَ تَلَبُّسِهِمْ بِالصَّوْمِ يُسْتَحَبُّ لِأَنَّهُ تَابِعٌ أَمْ لَا لِحُرْمَةِ الصَّوْمِ وَزَوَالِ السَّبَبِ فَإِنْ قُلْتُمْ بِالْأَوَّلِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْخُرُوجُ لِذَلِكَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ حَتَّى لَوْ سُقُوا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ حَالَ الصَّوْمِ لَا يَخْرُجُونَ فِيمَا عَدَا الرَّابِعَ وَالسَّابِقُ لِفَهْمِ الْفَقِيرِ أَنَّهُمْ إذَا سُقُوا قَبْلَ إكْمَالِ الصَّوْمِ اسْتِحْبَابُ الْخُرُوجِ لِمَا ذُكِرَ إنْ كَانَ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ لِذَلِكَ بَاقِيًا وَإِلَّا فَمِنْ الْغَدِ ثُمَّ وَقَعَ فِي النَّفْسِ أَيْضًا أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَيَسُّرِ الِاجْتِمَاعِ وَعَدَمِهِ فَإِنَّهُ أَوْلَى فَمَا الَّذِي تُعْطِيهِ الشَّرِيعَةُ الْمُحَمَّدِيَّةُ شَيَّدَ اللَّهُ أَرْكَانَهَا الْغَرَّاءَ بِكُمْ وَلَا زِلْتُمْ فِي نِعَمٍ يُؤْذِنُ الْحَمْدُ بِازْدِيَادِهَا وَحَيْثُ قُلْنَا بِوُجُوبِ التَّبْيِيتِ فِي صَوْمِ الِاسْتِسْقَاءِ بِأَمْرِ الْإِمَامِ فَاتَّفَقَ تَرْكُهُ مِنْ شَخْصٍ هَلْ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ عَدَمُ صِحَّةِ نِيَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ أَوَّلَ النَّهَارِ أَوْ يَصِحُّ وَيَكُونُ آثِمًا بِتَرْكِ التَّبْيِيتِ فَقَطْ. ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ لَا تَتَقَيَّدُ بِيَوْمٍ وَلَا وَقْتٍ وَأَنَّ وَقْتَهَا الْمُخْتَارَ كَوَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَأَنَّهُمْ إذَا سُقُوا قَبْلَ الِاسْتِسْقَاءِ وَبَعْدَ تَهْيِئَتِهِمْ لِصَلَاتِهِ بِالصَّوْمِ وَنَحْوِهِ خَرَجُوا لِلشُّكْرِ بِالصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ وَغَيْرِهِمَا وَلَا يَتَكَرَّرُ هَذَا الْخُرُوجُ هُنَا خِلَافًا لِمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ عِبَارَةِ الْإِرْشَادِ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَإِذَا أَصَابُوا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ فَسُقُوا سُنَّ لَهُمْ الْخُرُوجُ فِي بَقِيَّتِهِ إنْ كَانَ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ بَاقِيًا وَسَهُلَ اجْتِمَاعُهُمْ وَإِلَّا فَمِنْ الْغَدِ قِيَاسًا عَلَى مَا قَالُوهُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ إذَا شَهِدُوا بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ وَحَيْثُ خَرَجُوا فِي بَقِيَّةِ الْيَوْمِ أَوْ الْغَدِ مَا يُسَنُّ لَهُمْ الْخُرُوجُ فِي يَوْمٍ آخَرَ وَالسُّنَّةُ إذَا خَرَجُوا أَنْ يَكُونُوا صَائِمِينَ مَا لَمْ يَأْمُرْهُمْ الْإِمَامُ بِالصَّوْمِ وَإِلَّا كَانَ وَاجِبًا وَكَذَا إذَا أَمَرَهُمْ بِصَوْمِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ قَبْلَ الِاسْتِسْقَاءِ وَصَوْمِ يَوْمِ الْخُرُوجِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ وَاجِبًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ مُنَازِعُونَ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ التَّبْيِيتُ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الصَّوْمِ وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ. وَمِنْهُ يُؤْخَذُ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ أَيْضًا أَنَّ الصَّوْمَ صَارَ وَاجِبًا لِذَاتِهِ لَا لِحَيْثِيَّةِ إظْهَارِ مُخَالَفَةِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَا اطِّلَاعَ لَهُ عَلَى النِّيَّةِ. وَقَدْ أَوْجَبُوهَا فَمَنْ تَرَكَ التَّبْيِيتَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لَا يَصِحُّ مِنْهُ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ مَكَانَهُ كَمَا يُفِيدُهُ عُمُومُ كَلَامِهِمْ وَحَيْثُ وَجَبَ الصَّوْمُ هُنَا أَوْ سُنَّ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ وُقُوعِهِ بَعْدَ نِصْفِ شَعْبَانَ وَقَبْلَهُ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ فِيهِ هُوَ تَعَاطِي صَوْمٍ لَا سَبَبَ لَهُ وَهَذَا لَهُ سَبَبٌ مُتَقَدِّمٌ مُقَارِنٌ فَهُوَ كَإِبَاحَةِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَنْ قَوْلِ الْأَصْحَابِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَاللَّفْظُ لِلْإِرْشَادِ وَإِنْ سُقُوا قَبْلَهُ صَلَّوْا شُكْرًا وَيَتَكَرَّرُ بِتَأَخُّرِهِ هَلْ الْمُرَادُ أَنْ يُؤْتَى بِصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ فِي هَذَا الْمَقَامِ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا بِجَمِيعِ سَابِقِهَا وَلَاحِقِهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا هُوَ فِي الْإِسْعَادِ فَيَخْرُجُونَ مِنْ الْغَدِ صَائِمِينَ وَلَا يَسْتَأْنِفُونَ صَوْمَ الثَّلَاثِ إلَخْ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي التَّخْصِيصِ وَالتَّفْصِيلِ وَلَوْ اتَّفَقَ احْتِيَاجُ النَّاسِ إلَى الِاسْتِسْقَاءِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ شَعْبَانَ فَمَا حُكْمُ الصِّيَامِ ابْتِدَاءً وَتَكْرَارًا أَثَابَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَصَرِيحُ لَفْظِهِ فَيُتَحَرَّمُ بِهَا شُكْرًا لَا اسْتِسْقَاءً؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: عِبَارَةُ شَرْحِي عَلَى الْعِبَارَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنْ سُقُوا قَبْلَهُ أَيْ قَبْلَ الِاسْتِسْقَاءِ وَبَعْدَ تَهْيِئَتِهِمْ لِصَلَاتِهِ بِالصَّوْمِ وَنَحْوِهِ خَرَجُوا لِلْوَعْظِ وَالدُّعَاءِ وَالشُّكْرِ وَصَلَّوْا شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى وَطَلَبًا لِلْمَزِيدِ قَالَ تَعَالَى {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7] وَخَطَبَ بِهِمْ وَقَوْلُهُ: شُكْرًا مِنْ زِيَادَتِي وَإِذَا فَعَلُوا مَا مَرَّ فَلَمْ يُسْقَوْا تَكَرَّرَ بِتَأَخُّرِهِ أَيْ بِسَبَبِ تَأَخُّرِ الْغَيْثِ جَمِيعُ مَا مَرَّ مِنْ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَكَذَا خُطْبَتُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَكَذَا الصَّوْمُ عَلَى مَا يَأْتِي، فَإِذَا لَمْ يُسْقَوْا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ كَرَّرُوا ذَلِكَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَهَكَذَا إلَى أَنْ يُسْقَوْا فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ عِبَادَهُ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ كَمَا فِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ وَالْمَرَّةُ الْأُولَى آكَدُ. وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَرَّةً عَلَى تَوَقُّفِ كُلِّ خُرُوجٍ عَلَى صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَبْلَهُ وَمَرَّةً أُخْرَى عَلَى عَدَمِ ذَلِكَ.

وَلَا خِلَافَ لِأَنَّهُمَا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ مُنَزَّلَانِ عَلَى حَالَيْنِ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا اقْتَضَى الْحَالُ التَّأْخِيرَ كَانْقِطَاعِ مَصَالِحِهِمْ وَالثَّانِي عَلَى خِلَافِهِ وَقِيلَ: الْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ وَالثَّانِي عَلَى الْجَوَازِ وَحَيْثُ عَادُوا مِنْ الْغَدِ أَوْ بَعْدَهُ نُدِبَ أَنْ يَكُونُوا صَائِمِينَ فِيهِ انْتَهَتْ وَذَكَرْت فِي شَرْحِ الْعُبَابِ نَحْوَ ذَلِكَ حَيْثُ قُلْت قَوْلُهُ: كَرَّرُوا. . . إلَخْ يَشْمَلُ الزِّيَادَةَ عَلَى الثَّلَاثِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ وَالْخُطْبَةُ هُوَ مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ. وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَإِنَّمَا لَمْ يُكَرِّرُوا صَلَاةَ الْكُسُوفَيْنِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ هُنَا أَشَدُّ. قَوْلُهُ: ثُمَّ إنَّ انْقَطَعَتْ مَصَالِحُهُمْ. . . إلَخْ أَشَارَ بِهِ إلَى مَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْجُمْهُورِ مِنْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ مَرَّةً عَلَى تَوَقُّفِ الْخُرُوجِ عَلَى صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَبْلَهُ وَمَرَّةً عَلَى عَدَمِ تَوَقُّفِهِ عَلَى ذَلِكَ فَنُزِّلَ عَلَى حَالَيْنِ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا اقْتَضَى الْحَالُ التَّأْخِيرَ وَالثَّانِي عَلَى خِلَافِهِ فَجَزْمُ الرَّوْضِ وَغَيْرِهِ بِعَدَمِ التَّوَقُّفِ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ضَعِيفٌ وَقِيلَ: لَا خِلَافَ بَلْ الْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ وَالثَّانِي عَلَى الْجَوَازِ وَحَيْثُ عَادُوا مِنْ الْغَدِ أَوْ بَعْدَهُ نُدِبَ أَنْ يَكُونُوا فِيهِ صَائِمِينَ. اهـ. وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ بِفَوَائِدِهِ هَلْ الْمُرَادُ إلَخْ وَعَنْ قَوْلِهِ صَرِيحُ لَفْظِهِ. . . إلَخْ أَمَّا الْأَوَّلُ فَوَاضِحٌ. وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ قَوْلَهُ شُكْرًا مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ أَيْ لِأَجْلِ الشُّكْرِ فَهُوَ عِلَّةٌ لِنَدْبِ الصَّلَاةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّعْلِيلِ بِشَيْءٍ مِنْ الِانْحِصَارِ فِيهِ. وَمِنْ ثَمَّ قُلْت عَقِبَهُ وَطَلَبًا لِلْمَزِيدِ وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى الشُّكْرِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْقَصْدَ الْأَعْظَمَ مِنْ هَذِهِ الصَّلَاةِ الشُّكْرُ عَلَى النِّعَمِ السَّابِقَةِ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ النِّعَمَ اللَّاحِقَةَ كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الْآيَةُ فَنِيَّةُ الشُّكْرِ مُسْتَلْزِمَةٌ لِنِيَّةِ الِاسْتِسْقَاءِ إنْ تَنَزَّلْنَا وَقُلْنَا بِالِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا فَلَا يُقَالُ صَرِيحُ لَفْظِهِ أَنَّهُ يَتَحَرَّمُ بِهَا شُكْرًا لَا اسْتِسْقَاءً بَلْ صَرِيحُ لَفْظِهِ يَفْعَلُهَا لِأَجْلِ الشُّكْرِ فَإِذَا تَحَرَّمَ بِهَا جَازَ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى نِيَّتِهِ. وَجَازَ لَهُ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهَا طَلَبَ الْمَزِيدِ وَإِذَا اتَّفَقَ الِاسْتِسْقَاءُ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ شَعْبَانَ جَازَ الصَّوْمُ ابْتِدَاءً وَتَكَرُّرًا لِأَنَّهُ بِسَبَبٍ سِيَّمَا إنْ أَمَرَ بِهِ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ وَاجِبًا فَإِنْ قُلْت هَلْ يُقَالُ هُنَا بِنَظِيرِ مَا قَالُوهُ فِي الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ السَّبَبِ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُقَارِنِ وَالْمُتَأَخِّرِ قُلْت نَعَمْ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قِيَاسُهُمْ الْحُرْمَةَ بِتَفْصِيلِهَا يَوْمَ الشَّكِّ وَنَحْوِهِ عَلَى حُرْمَةِ الصَّلَاةِ مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْمُقَدَّمِ وَغَيْرِهِ بِالصَّلَاةِ لَا الْوَقْتِ وَمَنْ قَسَّمَ الْمُقَارِنَ بِنَاءً عَلَى مُقَابِلِهِ ثَمَّ، وَكُلٌّ مِنْ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُقَارِنِ يُجَوِّزُ الصَّلَاةَ فَكَذَا الصَّوْمُ.

باب الجنائز

[بَابُ الْجَنَائِزِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَفَاضَ عَلَيْنَا مِنْ مَدَدِهِ مَا قَوْلُكُمْ فِيمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا الْوَالِدُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُؤَخَّرُ تَجْهِيزُ الْمَيِّتِ لِأَجْلِ تَحْصِيلِ الْكَافُورِ زَمَنًا لَا يَتَغَيَّرُ فِيهِ الْمَيِّتُ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ وَقَعَ عِنْدِي فِي ذَلِكَ شَيْءٌ بِمَسْأَلَةِ نَقْلِ الْمَيِّتِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ وَبِعُلُومِهِ بِأَنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّ الْأَفْضَلَ تَأْخِيرُ الْمَيِّتِ تَأْخِيرًا يَسِيرًا لَا يُخْشَى مِنْهُ تَغَيُّرٌ بِوَجْهٍ لِأَجْلِ تَحْصِيلِ الْكَافُورِ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي بَابِ الْجَنَائِزِ نَاطِقٌ بِأَنَّ الْأَوْلَى فِعْلُ الْأَفْضَلِ بِهِ وَإِنْ أَدَّى رِعَايَةُ ذَلِكَ الْأَفْضَلِ إلَى تَأْخِيرٍ أَلَا تَرَى أَنَّ أَقَلَّ الْغُسْلِ يَحْصُلُ بِإِفَاضَةِ الْمَاءِ عَلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ وَمَعَ ذَلِكَ قَالُوا الْأَوْلَى رِعَايَةُ أَكْمَلِ الْغُسْلِ مَعَ أَنَّ الْأَكْمَلَ الَّذِي ذَكَرُوهُ يَسْتَدْعِي زَمَنًا طَوِيلًا وَلَمْ يَنْظُرُوا لِذَلِكَ وَكَذَلِكَ قَالُوا الْأَوْلَى إفْرَادُ كُلِّ مَيِّتٍ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى جَمْعِ الْمَوْتَى فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَكَذَلِكَ قَالُوا نَخْتَارُ نَقْلَ الْمَيِّتِ إلَى نَحْوِ مَكَّةَ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ قَبْلَهُ وَلَمْ يُرَاعُوا طُولَ زَمَنِ تَأْخِيرِ دَفْنِهِ لِتِلْكَ الْمَصْلَحَةِ الْعَائِدَةِ عَلَيْهِ وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فِي كَلَامِهِمْ عَلَى أَنَّ لَنَا قَوْلًا أَوْ وَجْهًا قَوَّاهُ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْكَافُورَ وَاجِبٌ وَحِينَئِذٍ فَيَتَأَكَّدُ رِعَايَةُ تَحْصِيلِهِ وَإِنْ أَدَّى إلَى تَأْخِيرٍ كَمَا مَرَّ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) كَيْفَ تُوضَعُ يَدُ الْمَيِّتِ فِي اللَّحْدِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَمْ أَرَ فِي أُمَّتِنَا كَلَامًا فِي كَيْفِيَّةِ وَضْعِ يَدَيْ الْمَيِّتِ فِي اللَّحْدِ وَظَاهِرُ سُكُوتِهِمْ عَنْهُ أَنَّهُ لَا سُنَّةَ فِي وَضْعِهِمَا وَلَا يُقَاسُ بِنَاءً عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِفِعْلِ الصَّحَابِيِّ عَلَى مَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد أَنَّ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَمَّا اُحْتُضِرَتْ اسْتَقْبَلَتْ الْقِبْلَةَ وَتَوَسَّدَتْ يَمِينَهَا لِأَنَّ تَوَسُّدَ الْيَمِينِ ثَمَّ لَا يُعَارِضُهُ سُنَّةٌ أُخْرَى وَتَوَسُّدَهَا هُنَا يُعَارِضُهُ أَنَّ السُّنَّةَ هُنَا فِي الْخَدِّ الْأَيْمَنِ أَنْ يُفْضَى بِهِ إلَى الْأَرْضِ فَلَوْ قُلْنَا بِنَدْبِ تَوَسُّدِ الْيَمِينِ لَفَاتَتْ تِلْكَ السُّنَّةُ وَحِينَئِذٍ فَالْأَسْهَلُ فِي كَيْفِيَّةِ وَضْعِهِمَا أَنْ تَكُونَ الْيُمْنَى بِحِذَاءِ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ وَالْيُسْرَى عَلَى جَانِبِهِ الْأَيْسَرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ تَلْقِينُ الْمَيِّتِ بَعْدَ صَبِّ التُّرَابِ أَوْ قَبْلَهُ وَإِذَا مَاتَ طِفْلٌ بَعْدَ مَوْتِ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا كَيْفَ الدُّعَاءُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

بِقَوْلِهِ لَا يُسَنُّ التَّلْقِينُ قَبْلَ إهَالَةِ التُّرَابِ بَلْ بَعْدَهُ كَمَا اعْتَمَدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَجَزَمْتُ بِهِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَإِنْ اخْتَارَ ابْنُ الصَّلَاحِ أَنَّهُ يَكُونُ قَبْلَ الْإِهَالَةِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَسَوَاءٌ فِيمَا قَالُوهُ فِي الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الطِّفْلِ مَاتَ فِي حَيَاةِ أَبَوَيْهِ أَمْ لَا لَكِنْ خَالَفَهُ الزَّرْكَشِيُّ فَقَالَ إنْ كَانَ أَبَوَاهُ مَيِّتَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَتَى بِمَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ وَالدَّمِيرِيُّ فَقَالَ إنْ كَانَ أَبَوَاهُ مَيِّتَيْنِ لَمْ يَدْعُ لَهُمَا. وَاَلَّذِي قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَوْجَهُ كَمَا ذَكَرْتُهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ فَحِينَئِذٍ يَقُولُ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ فَرَطًا لِأَبَوَيْهِ وَسَلَفًا وَذُخْرًا وَهَذِهِ الْأَوْصَافُ كُلُّهَا لَائِقَةٌ بِالْمَيِّتِ وَالْحَيِّ فَلْيَأْتِ بِهَا سَوَاءٌ كَانَا حَيَّيْنِ أَوْ مَيِّتَيْنِ أَمَّا السَّلَفُ وَالذُّخْرُ فَوَاضِحٌ وَأَمَّا الْفَرَطُ فَهُوَ السَّابِقُ الْمُهَيِّئُ لِمَصَالِحِهِمَا فِي الْآخِرَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ السَّبْقَ بِالْمَوْتِ بَلْ السَّبْقَ بِتَهْيِئَةِ الْمَصَالِحِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَيِّتَ يَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَسْبِقُهُ إلَى الْجَنَّةِ أَوْ الْمَوْقِفِ لِيُهَيِّئَ لَهُ الْمَصَالِحَ وَوَلَدُهُ الطِّفْلُ كَذَلِكَ. وَأَمَّا الْعِظَةُ فَتَخْتَصُّ بِالْحَيِّ فَيَقُولُ وَعِظَةً لِلْحَيِّ مِنْ أَبَوَيْهِ فَإِنْ مَاتَا حَذَفَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ وَكَذَلِكَ الِاعْتِبَارُ وَالشَّفِيعُ عَامٌّ لِلْحَيِّ وَالْمَيِّتِ فَيَأْتِي بِهِ فِيهِمَا وَتَثْقِيلُ الْمَوَازِينِ كَذَلِكَ بِخِلَافِ أَفْرِغْ الصَّبْرَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَأْتِي بِالْأَلْفَاظِ كُلِّهَا سَوَاءٌ كَانَا حَيَّيْنِ أَمْ مَيِّتَيْنِ إلَّا قَوْلَهُ عِظَةً وَاعْتِبَارًا وَأَفْرِغْ الصَّبْرَ فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي بِهَا إلَّا إذَا كَانَا حَيَّيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا فَإِنْ كَانَا حَيَّيْنِ فَوَاضِحٌ أَوْ أَحَدُهُمَا فَقَطْ ذَكَرَهُ فَقَالَ وَعِظَةً وَاعْتِبَارًا لِلْحَيِّ مِنْهُمَا وَأَفْرِغْ الصَّبْرَ عَلَى قَلْبِ الْحَيِّ مِنْهُمَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَوْلِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ الرُّوحُ جِسْمٌ لَطِيفٌ وَهُوَ بَاقٍ لَا يَفْنَى عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَقَالَ فِي الْأَضْوَاءِ الْبَهِجَةِ فِي إبْرَازِ دَقَائِقِ الْمُنْفَرِجَةِ حَقِيقَةُ الرُّوحِ لَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنُمْسِكَ وَلَا نُعَبِّرُ عَنْهَا بِأَكْثَرَ مِنْ مَوْجُودٍ كَمَا قَالَ الْجُنَيْدُ وَذَكَرَ أَنَّ أَهْلَ الْكَلَامِ اخْتَلَفُوا فِيهَا فَمَا الرَّاجِحُ الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا سَقَى اللَّهُ عَهْدَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْفَرِجَةِ هُوَ طَرِيقَةُ الْمُحْتَاطِينَ كَالْجُنَيْدِ وَعَلَيْهِ كَثِيرُونَ مِنْ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ كَالثَّعْلَبِيِّ وَابْنِ عَطِيَّةَ وَعَلَيْهِ حَمَلُوا قَوْله تَعَالَى {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء: 85] وَلَمْ يُبَيِّنْهُ لَهُمْ وَمَشَى فِي شَرْحِ الرَّوْضِ عَلَى مَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَنَّهَا جِسْمٌ لَطِيفٌ مُشْتَبِكٌ بِالْبَدَنِ اشْتِبَاكَ الْمَاءِ بِالْعُودِ الْأَخْضَرِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا. وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إلَى أَنَّهُ عَرَضٌ وَأَنَّهُ هُوَ الْحَيَاةُ الَّتِي صَارَ الْبَدَنُ بِوُجُودِهَا حَيًّا وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الصُّوفِيَّةِ تَبَعًا لِلْفَلَاسِفَةِ لَيْسَتْ بِجِسْمٍ وَلَا عَرَضٍ بَلْ جَوْهَرٌ مُجَرَّدٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ غَيْرُ مُتَحَيِّزٍ وَلَهُ تَعَلُّقٌ خَاصٌّ بِالْبَدَنِ لِلتَّدْبِيرِ وَالتَّحْرِيكِ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْبَدَنِ وَلَا خَارِجٍ عَنْهُ قَالَ السُّهْرَوَرْدِيُّ وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ الْأَخْبَارُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّهُ جِسْمٌ لِمَا وَرَدَ عَنْهُ مِنْ الْهُبُوطِ وَالْعُرُوجِ وَالتَّرَدُّدِ فِي الْبَرْزَخِ وَالْعَرَضُ لَا يُوصَفُ بِذَلِكَ وَقَدْ تَكَلَّمَ عَلَيْهَا مُتَأَخِّرُو الصُّوفِيَّةِ فَنُقِلَ الْإِمْسَاكُ عَنْهُمْ الْمُرَادُ بِهِمْ مُتَقَدِّمُوهُمْ وَأَجَابَ الْخَائِضُونَ فِيهَا عَنْ الْآيَةِ بِأَنَّ سَبَبَهَا أَنَّ الْيَهُودَ لَمَّا أَرَادُوا سُؤَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهَا قَالُوا إنْ أَجَابَ عَنْهَا فَلَيْسَ بِنَبِيٍّ وَإِنْ لَمْ يُجِبْ فَهُوَ صَادِقٌ فَلَمْ يُجِبْ لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ تَأْكِيدًا لِمُعْجِزَتِهِ وَتَصْدِيقًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ وَصْفِهِ فِي كُتُبِهِمْ لَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْكَلَامُ فِيهِ وَأَيْضًا فَسُؤَالُهُمْ كَانَ تَعْجِيزًا وَتَغْلِيطًا لِأَنَّ الرُّوحَ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ لِرُوحِ الْإِنْسَانِ وَجِبْرِيلَ وَمَلَكٍ آخَرَ يُقَالُ لَهُ الرُّوحُ وَصِنْفٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْقُرْآنِ وَعِيسَى فَقَصَدُوا أَنَّهُمْ إذَا أَجَابَهُمْ بِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ قَالُوا لَيْسَ هَذَا فَجَاءَ الْجَوَابُ شَامِلًا لِكُلٍّ مِمَّنْ ذُكِرَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ صَحَّ أَنَّ الْيَهُودَ سَأَلُوهُ عَنْهَا بِمَكَّةَ وَصَحَّ مَا يُصَرِّحُ بِأَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَنْهَا بِالْمَدِينَةِ أَيْضًا وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ السُّؤَالَ تَكَرَّرَ وَكَذَلِكَ النُّزُولُ تَكَرَّرَ وَإِنَّمَا سَكَتَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَّةِ الْمَدِينَةِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ نَزَلَ عَلَيْهِ الْجَوَابُ بِمَكَّةَ لِتَوَقُّعِ مَزِيدِ بَيَانٍ فَلَمْ يُبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ زَائِدٌ عَلَى الْجَوَابِ الْأَوَّلِ وَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الْآيَةُ مَرَّةً ثَانِيَةً وَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالرُّوحِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ وَالرَّاجِحُ كَمَا قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَالْفَخْرُ الرَّازِيّ أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَنْ رُوحِ الْإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْحَيَاةِ وَأَنَّ الْجَوَابَ وَقَعَ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ وَبَيَانُهُ أَنَّ السُّؤَالَ عَنْ الرُّوحِ يَحْتَمِلُ عَنْ مَاهِيَّتِهِ وَهَلْ هِيَ مُتَحَيِّزَةٌ

أَمْ لَا وَهَلْ هِيَ حَالَّةٌ فِي مُتَحَيِّزٍ أَمْ لَا وَهَلْ هِيَ قَدِيمَةٌ أَوْ حَادِثَةٌ وَهَلْ تَبْقَى بَعْدَ انْفِصَالِهَا مِنْ الْجَسَدِ أَوْ تَفْنَى وَمَا حَقِيقَةُ تَعْذِيبِهَا وَتَنْعِيمِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهَا وَلَيْسَ فِي السُّؤَالِ مَا يُخَصِّصُ أَحَدَ هَذِهِ الْمَعَانِي إلَّا أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَنْ مَاهِيَّتِهَا وَهَلْ هِيَ قَدِيمَةٌ أَوْ حَادِثَةٌ. وَالْجَوَابُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا شَيْءٌ مَوْجُودٌ مُغَايِرٌ لِلطَّبَائِعِ وَلِأَخْلَاطِهَا وَلِتَرْكِيبِهَا فَهِيَ بَسِيطَةٌ مُجَرَّدَةٌ وَلَا تَحْدُثُ إلَّا بِمُحْدِثٍ هُوَ قَوْله تَعَالَى {كُنْ} [يس: 82] فَكَأَنَّهُ قَالَ فِي الْجَوَابِ هِيَ مَوْجُودَةٌ مُحْدَثَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ وَتَكْوِينِهِ وَلَهَا تَأْثِيرٌ فِي إفَادَةِ الْحَيَاةِ لِلْجَسَدِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْعِلْمِ بِكَيْفِيَّتِهَا الْمَخْصُوصَةِ نَفْيُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ فِي الْآيَةِ الْفِعْلُ نَحْوُ {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود: 97] أَوْ فِعْلُهُ فَيَكُونُ الْجَوَابُ أَنَّهَا حَادِثَةٌ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ مَعْرِفَةُ حَقِيقَةِ الرُّوحِ مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ بِدَلِيلِ هَذَا الْخَبَرِ وَالْحِكْمَةُ فِي إبْهَامِهِ اخْتِبَارُ الْخَلْقِ لِيُعَرِّفَهُمْ عَجْزَهُمْ عَنْ عِلْمِ مَا لَا يُدْرِكُونَهُ حَتَّى يَضْطَرَّهُمْ إلَى رَدِّ الْعِلْمِ إلَيْهِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ إظْهَارُ عَجْزِ الْمَرْءِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ حَقِيقَةَ نَفْسِهِ مَعَ الْقَطْعِ بِوُجُودِهِ كَانَ عَجْزُهُ عَنْ إدْرَاكِ حَقِيقَةِ الْحَقِّ أَوْلَى وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُطْلِعْ نَبِيَّهُ عَلَى حَقِيقَتِهَا بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَطْلَعَهُ وَلَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يُطْلِعَهُمْ وَقَدْ قَالُوا فِي عِلْمِ السَّاعَةِ نَحْوَ هَذَا وَهُوَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُطْلِعَ عَلَيْهَا وَأُمِرَ بِكَتْمِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَاتَ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ بِقَرْيَةٍ فَدُفِنَ بِغَيْرِ صَلَاةٍ ثُمَّ خَرَجَ رِجْلٌ مِمَّنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ مِنْهَا إلَى أُخْرَى فَصَلَّى فِيهَا عَلَى الْمَيِّتِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَرْيَتِهِ فَهَلْ يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ قَرْيَتِهِ أَمْ لَا وَإِذَا كَانَ يَشْتَغِلُ بِالصَّلَاةِ عَلَى أَمْوَاتِ أَهْلِ قَرْيَتِهِ عَنْ حَوَائِجِهِ لِكَوْنِ أَهْلِ قَرْيَتِهِ لَا يُبَالُونَ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ بَلْ وَلَا بِتَرْكِ الْفَرْضِ الْمُعَيَّنِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ فِي مَنْزِلِهِ صَلَاةَ غَائِبٍ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ فِي فُرُوعِ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْغَائِبِ جَائِزَةٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَا تُسْقِطُ الْفَرْضَ وَإِنَّمَا نَتَكَلَّمُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ هَذَا لَفْظُهُ وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْغَائِبِ لَا تُسْقِطُ الْفَرْضَ عَنْ أَهْلِ بَلَدِهِ مُطْلَقًا لَكِنْ تَعَقَّبَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَقَالَ وَلَك أَنْ تَقُولَ الْمُخَاطَبُ بِفُرُوضِ الْكِفَايَةِ جَمِيعُ الْأُمَّةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْقُطَ الْفَرْضُ بِذَلِكَ اهـ. وَجَرَى عَلَى هَذَا الزَّرْكَشِيُّ أَيْضًا فَقَالَ وَالْأَقْرَبُ سُقُوطُ الْفَرْضِ عَنْهُمْ أَيْ عَنْ أَهْلِ بَلَدِهِ لِحُصُولِ الْفَرْضِ اهـ. وَكَذَلِكَ جَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ عَهْدَهُ فَقَالَ وَالْأَوْجَهُ حَمْلُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ أَهْلُ مَوْضِعِهِ بِصَلَاةِ الْغَيْبَةِ فَإِنْ عَلِمُوا سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُمْ لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إذَا قَامَ بِهِ بَعْضٌ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ الْبَاقِينَ اهـ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ سُقُوطُ الصَّلَاةِ عَنْ أَهْلِ الْبَلَدِ بِصَلَاةِ الْغَائِبِ سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ لَكِنْ إثْمُهُمْ بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ إلَى أَنْ صَلَّى عَنْهُ لَا مُسْقِطَ لَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْفَرْضَ يَتَوَجَّهُ إلَيْهِمْ أَوَّلًا فَإِذَا تَبَاطَئُوا عَنْهُ أَثِمُوا بِهَذَا التَّبَاطُؤِ وَإِنْ قَامَ بِالْفَرْضِ غَيْرُهُمْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلَّى عَلَى غَائِبٍ فِي الْبَلَدِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ لَهُ حَوَائِجُ تَشْغَلُهُ أَمْ لَا قَالُوا لِتَيَسُّرِ الْحُضُورِ قَالَ فِي الْخَادِمِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْمَعْذُورَ لِمَرَضٍ أَوْ زَمَانَةٍ أَوْ حَبْسٍ لَهُ الصَّلَاةُ وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ يَتَّجِهُ الْجَوَازُ لَا سِيَّمَا إذَا اتَّسَعَتْ خُطَّةُ الْبَلَدِ حَتَّى صَارَ مَا بَيْنَ طَرَفَيْهَا مَسَافَةَ قَصْرٍ اهـ وَأَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ شَيْخِهِ الْأَذْرَعِيِّ لَكِنْ تَعَقَّبَ ذَلِكَ شَيْخُهُ بِأَنَّ الْأَقْرَبَ إلَى كَلَامِهِمْ الْمَنْعُ وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ وَإِطْلَاقُهُمْ صَرِيحٌ فِي الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ اهـ. وَهُوَ كَمَا قَالُوهُ فَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ لَا تَجُوزُ عَلَى مَنْ فِي الْبَلَدِ لِلِاتِّبَاعِ وَلِتَيَسُّرِ الْحُضُورِ كَبُرَتْ الْبَلَدُ أَمْ صَغُرَتْ وَشَبَّهُوهُ بِالْقَضَاءِ عَلَى مَنْ بِالْبَلَدِ لِإِمْكَانِ حُضُورِهِ اهـ وَإِذَا كَانَ كَلَامُهُمْ صَرِيحًا فِي الْمَنْعِ حَتَّى لِنَحْوِ الْمَرِيضِ وَالْمَحْبُوسِ فَمَا بَالُكَ بِمَنْ يَشْتَغِلُ بِالصَّلَاةِ عَنْ حَوَائِجِهِ عَلَى أَنَّا لَوْ قُلْنَا بِمَا بَحَثَهُ جَمْعٌ مِنْ الْجَوَازِ لِنَحْوِ الْمَرِيضِ وَالْمَحْبُوسِ فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّا لَا نَقُولُ لِلْمُشْتَغِلِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ مَانِعَ أُولَئِكَ اضْطِرَارِيٌّ وَمَانِعَ هَذَا اخْتِيَارِيٌّ وَلِأَنَّ الْمَشَقَّةَ هُنَا لَيْسَتْ كَالْمَشَقَّةِ ثَمَّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَوْلِ الْإِرْشَادِ وَلَا يُنَحَّى سَابِقٌ لِأَوْلَى إلَّا لِذُكُورَةٍ فَلَوْ كَانَ الْأَوْلَى نَبِيًّا كَعِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَهَلْ

يُنَحَّى السَّابِقُ لَهُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ هُنَا أَنَّهُ لَا يُنَحَّى السَّابِقُ لِلْمَسْبُوقِ وَلَوْ نَبِيًّا لَكِنَّهُمْ صَرَّحُوا فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مَالِكُ طَعَامٍ اُضْطُرَّ إلَيْهِ بَذْلُهُ لِنَبِيٍّ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ أَيْضًا لِأَنَّ بَقَاءَ نَفْسِ النَّبِيِّ أَوْلَى مِنْ بَقَاءِ نَفْسِ غَيْرِهِ فَيُحْتَمَلُ قِيَاسُ ذَلِكَ بِهَذَا فَيَتَقَدَّمُ النَّبِيُّ عَلَى غَيْرِهِ مُطْلَقًا وَيَحْتَمِلُ الْفَرْقَ بِأَنَّ فَوَاتَ نَفْسِ النَّبِيِّ لَا خَلَفَ لَهُ فَفِيهِ مَفْسَدَةٌ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكَهَا لَوْ قُدِّمَ الْمَالِكُ عَلَيْهِ وَأَمَّا تَقَدُّمُ السَّابِقِ فَلَا مَفْسَدَةَ فِيهِ وَإِنَّمَا غَايَتُهُ أَنَّهُ أُوثِرَ بِفَضِيلَةٍ اسْتَحَقَّهَا بِسَبْقِهِ وَهِيَ الْقُرْبُ مِنْ الْإِمَامِ وَهَذِهِ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا إلَّا غَيْرُ النَّبِيِّ وَأَمَّا النَّبِيُّ فَهُوَ غَنِيٌّ عَنْهَا إذْ لَا يَحْصُلُ لَهُ بِذَلِكَ إلَّا مُجَرَّدُ قُرْبٍ مِنْ الْإِمَامِ وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لِعَلِيٍّ مَقَامِهِ لَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ أَمْرٍ فَلَمْ يُفَوَّتْ عَلَى السَّابِقِ لِأَنَّهُ يَتَشَرَّفُ بِهِ دُونَ النَّبِيِّ الْمَسْبُوقِ كَمَا تَقَرَّرَ وَلَعَلَّ هَذَا أَقْرَبُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ لِأَقْوَامٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَوَضَعُوا تَرِكَتَهُ فِي حَاصِلٍ وَخَتَمَ الْقَاضِي عَلَيْهَا فَجَاءَ وَلَدُهُ فَقَالَ لَهُمْ مَكِّنُونِي مِنْ التَّرِكَةِ وَلَا تَعْرِفُوا الْمَالَ إلَّا مِنِّي وَأُوفِيكُمْ جَمِيعَ الدُّيُونِ إلَى الزَّمَنِ الْفُلَانِيِّ فَمَكَّنُوهُ مِنْ ذَلِكَ وَكَتَبُوا عَلَيْهِ الدُّيُونَ فِي ذِمَّتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى التَّرِكَةِ فَتَصَرَّفَ فِيهَا فَأَعْطَاهُمْ لَا عَلَى نِسْبَةِ دُيُونِهِمْ ثُمَّ هَرَبَ وَبَقِيَتْ لَهُمْ فَضَلَاتٌ مِنْ دُيُونِهِمْ وَمِنْ الدَّيَّانِينَ شَخْصٌ كَانَ غَائِبًا حِينَ الْمَوْتِ وَتَمْكِينِ الْوَلَدِ مِنْ التَّرِكَةِ وَمُوَافَقَتِهِمْ عَلَى مَا ذَكَرُوا وَإِعْطَائِهِ لَهُمْ مَا ذَكَرَ أَيْضًا فَهَلْ يَسْرِي جَمِيعُ مَا فَعَلُوهُ عَلَى هَذَا الْغَائِبِ وَيُحْرَمُ مِنْ أَخْذِ مَا يَخُصُّ دَيْنَهُ مِنْ التَّرِكَةِ أَوْ أَنَّ كُلَّ مَا فَعَلُوهُ بَاطِلٌ بِالنِّسْبَةِ لِحِصَّتِهِ فَيَرْجِعُ بِقَدْرِهَا عَلَى مَنْ خَصَّهُ شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ مِنْ الْغُرَمَاءِ أَمْ لَا؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ أَنَّ وَارِثَ الْمَيِّتِ إذَا سَأَلَ غُرَمَاءَهُ أَنْ يَحْتَالُوا عَلَيْهِ لِيَصِيرَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ وَتَبْرَأَ ذِمَّةُ الْمَيِّتِ جَازَ وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْأُمِّ إنْ كَانَ الدَّيْنُ يُسْتَأْخَرُ سَأَلَ أَيْ وَلِيُّهُ غُرَمَاءَهُ أَنْ يُحَلِّلُوهُ وَيَحْتَالُوا بِهِ عَلَيْهِ وَأَرْضَاهُمْ مِنْهُ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ انْتَهَتْ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ تَرَاضِيهِمْ عَلَى مَصِيرِهِ فِي ذِمَّةِ الْوَلِيِّ يَبْرَأُ الْمَيِّتُ ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى قَوَاعِدِ الْحَوَالَةِ وَالضَّمَانِ ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَالْأَصْحَابَ رَأَوْا هَذِهِ الْحَوَالَةَ جَائِزَةً مُبْرِئَةً لِلْمَيِّتِ فِي الْحَالِ لِلْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ اهـ وَهُوَ جَوَابٌ حَسَنٌ وَاضِحٌ وَمِنْ ثَمَّ اعْتَمَدَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَفِي الْخَادِمِ أَنَّ كَلَامَهُمْ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ هَذِهِ الْحَوَالَةَ مُبْرِئَةٌ لِلذِّمَّةِ ثُمَّ رَدَّ عَلَى مَنْ نَازَعَ فِيهِ بِأَنَّهُ اُغْتُفِرَ ذَلِكَ مَصْلَحَةً لِلْمَيِّتِ أَيْ كَمَا مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْوَارِثَ الْمَذْكُورَ لَمَّا سَأَلَهُمْ فِي أَنْ يُمَكِّنُوهُ مِنْ التَّرِكَةِ وَأَنْ لَا يَعْرِفُوا الْمَالَ إلَّا مِنْهُ فَأَجَابُوهُ إلَى ذَلِكَ وَرَضُوا بِذِمَّتِهِ بَرِئَتْ ذِمَّةُ الْمَيِّتِ فِي الْحَالِ وَصَارَتْ دُيُونُهُمْ مُتَعَلِّقَةً بِذِمَّةِ الْوَارِثِ وَيَلْزَمُ مِنْ بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ مِنْ دُيُونِهِمْ انْفِكَاكُ التَّرِكَةِ عَنْ كَوْنِهَا مَرْهُونَةً بِدُيُونِهِمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي بَابِ الرَّهْنِ وَحِينَئِذٍ فَلَا حَقَّ لِلْغُرَمَاءِ الرَّاضِينَ بِذِمَّةِ الْوَارِثِ فِي شَيْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ بَلْ جَمِيعُهَا بَاقٍ عَلَى رَهْنِيَّتِهِ بِدَيْنِ الْغَائِبِ فَيَرْجِعُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَخَذَ مِنْهَا شَيْئًا بِهِ حَتَّى يُسْتَوْفَى جَمِيعُ دَيْنِهِ إنْ كَانَ مُسَاوِيًا لَهَا أَوْ نَاقِصًا عَنْهَا وَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى يُسْتَوْفَى جَمِيعُ دَيْنِهِ فَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُمْ لَمْ يَرْضَوْا بِذِمَّةِ الْوَارِثِ فَالتَّرِكَةُ مَرْهُونَةٌ بِحُقُوقِهِمْ وَحَقِّ الْغَائِبِ فَإِذَا اقْتَسَمُوهَا فِي غَيْبَتِهِ رَجَعَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ فَيُشَارِكُهُ بِالْحِصَّةِ فِيمَا أَخَذَهُ إنْ بَقِيَ وَإِلَّا فَفِي بَدَلِهِ وَإِنْ أَعْسَرَ بَعْضُهُمْ جُعِلَ كَأَنَّهُ مَعْدُومٌ وَشَارَكَ غَيْرَهُ ثُمَّ إذَا أَيْسَرَ هَذَا الْمُعْسِرُ طَالَبَهُ كُلٌّ مِنْهُمْ بِالْحِصَّةِ وَلَوْ انْتَقَلَتْ أَعْيَانُ التَّرِكَةِ مِنْهُمْ إلَى غَيْرِهِمْ بِبَيْعٍ وَنَحْوِهِ رَجَعَ عَلَى مَنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ بِالْحِصَّةِ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا بِنِسْبَةِ دَيْنِهِ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمْ فِي حِصَّتِهِ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ وَهُمْ لِوَضْعِ يَدِهِمْ عَلَيْهَا بِغَيْرِ حَقٍّ غَاصِبُونَ أَوْ كَالْغَاصِبِينَ لَهَا فَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ عَلَى مَنْ تَرَتَّبَتْ يَدُهُ عَلَى أَيْدِيهِمْ وَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى إذَا لَمْ يَسْتَحِقُّوا شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ وَوَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يَلْزَمُ الزَّوْجَ تَكْفِينُ زَوْجَتِهِ

بِجَدِيدٍ كَالْكِسْوَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ وَاعْتَمَدَهُ غَيْرُهُ وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يَجُوزُ بِاللَّبِيسِ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ كَبَّنَ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ الْأَوَّلُ لِاعْتِبَارِهِمْ ذَلِكَ بِحَالِ الْحَيَاةِ وَلَيْسَ الْمَلْحَظُ هُنَا كَالْكَفَّارَةِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِيهَا بِمَا يُسَمَّى كِسْوَةً وَهُنَا بِمَا كَانَتْ تَسْتَحِقُّهُ حَالَ الْحَيَاةِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ تَجْهِيزِهَا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً وَعَدَمِ وُجُوبِهَا إذَا كَانَتْ نَاشِزَةً وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (سُئِلْت) فِي التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ مَنْ كَتَبَ هَذَا الدُّعَاءَ وَجَعَلَهُ بَيْنَ صَدْرِ الْمَيِّتِ وَكَفَنِهِ فِي رُقْعَةٍ لَمْ يَنَلْهُ عَذَابُ الْقَبْرِ وَلَا يَرَى مُنْكَرًا وَنَكِيرًا وَهُوَ هَذَا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا يُكْتَبُ مِنْ التَّسْبِيحِ الَّذِي قِيلَ فِيهِ إنَّهُ مَشْهُورُ الْفَضْلِ وَالْبَرَكَةِ مَنْ كَتَبَهُ وَجَعَلَهُ بَيْنَ صَدْرِ الْمَيِّتِ وَكَفَنِهِ لَا يَنَالُهُ عَذَابُ الْقَبْرِ وَلَا يَنَالُهُ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ وَلَهُ شَرْحٌ عَظِيمٌ وَهُوَ دُعَاءُ الْأُنْسِ سُبْحَانَ مَنْ هُوَ بِالْجَلَالِ مُوَحَّدٌ وَبِالتَّوْحِيدِ مَعْرُوفٌ وَبِالْمَعَارِفِ مَوْصُوفٌ وَبِالصِّفَةِ عَلَى لِسَانِ كُلِّ قَائِلٍ رَبٌّ بِالرُّبُوبِيَّةِ لِلْعَالَمِ قَاهِرٌ وَبِالْقَهْرِ لِلْعَالَمِ جَبَّارٌ وَبِالْجَبَرُوتِ عَلِيمٌ حَلِيمٌ وَبِالْحِلْمِ وَالْعِلْمِ رَءُوفٌ رَحِيمٌ سُبْحَانَهُ كَمَا يَقُولُونَ وَسُبْحَانَهُ كَمَا هُمْ يَقُولُونَ تَسْبِيحًا تَخْشَعُ لَهُ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ عَلَيْهِمَا وَيَحْمَدُنِي مَنْ حَوْلَ عَرْشِي اسْمِي اللَّهُ وَأَنَا أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ. وَقَالَ ابْنُ عُجَيْلٍ إذَا كُتِبَ هَذَا الدُّعَاءُ وَجُعِلَ مَعَ الْمَيِّتِ فِي قَبْرِهِ وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَهُ وَهُوَ هَذَا اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالَمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ إنِّي أَعْهَدُ إلَيْك فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا إنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ وَحْدَك لَا شَرِيكَ لَك وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ وَأَنَّك إنْ تَكِلْنِي إلَى نَفْسِي تُقَرِّبْنِي مِنْ الشَّرِّ وَتُبَاعِدْنِي مِنْ الْخَيْرِ وَإِنِّي لَا أَثِقُ إلَّا بِرَحْمَتِك فَاجْعَلْهُ لِي عِنْدَك عَهْدًا تُؤْتِنِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنَّك لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ وَقَالَ أَيْضًا مَنْ كَتَبَ هَذَا الدُّعَاءَ فِي كَفَنِ الْمَيِّتِ رَفَعَ اللَّهُ عَنْهُ الْعَذَابَ إلَى يَوْمِ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَهُوَ هَذَا اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك يَا عَالَمَ السِّرِّ يَا عَظِيمَ الْخَطَرِ يَا خَالِقَ الْبَشَرِ يَا مُوقِعَ الظَّفَرِ يَا مَعْرُوفَ الْأَثَرِ يَا ذَا الطَّوْلِ وَالْمَنِّ يَا كَاشِفَ الضُّرِّ وَالْمِحَنِ يَا إلَهَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فَرِّجْ عَنِّي هُمُومِي وَاكْشِفْ عَنِّي غُمُومِي وَصَلِّ اللَّهُمَّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَسَلِّمْ اهـ مَا قَالَهُ ابْنُ عُجَيْلٍ فَهَلْ مَا نَقَلَهُ صَحِيحٌ مُعْتَمَدٌ وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يُكْتَبَ وَيُحْفَظَ عَنْ الصَّدِيدِ وَأَنْ لَا يُحْفَظَ عَنْهُ. (فَأَجَبْت) بِقَوْلِي لَيْسَ ذَلِكَ بِصَحِيحٍ وَلَا مُعْتَمَدٍ فَقَدْ أَفْتَى الْإِمَامُ ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ كِتَابَةُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ عَلَى الْكَفَنِ صِيَانَةً لَهُ عَنْ صَدِيدِ الْمَوْتَى وَمِثْلُ ذَلِكَ الْكِتَابُ الَّذِي يُسَمُّونَهُ كِتَابَ الْعُهْدَةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ وَأَقَرَّ ابْنُ الصَّلَاحِ عَلَى ذَلِكَ الْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَعْنَى جِدًّا فَإِنَّ الْقُرْآنَ وَكُلَّ اسْمٍ مُعَظَّمٍ كَاسْمِ اللَّهِ أَوْ اسْمِ نَبِيٍّ لَهُ يَجِبُ احْتِرَامُهُ وَتَوْقِيرُهُ وَتَعْظِيمُهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ كِتَابَتَهُ وَجَعْلَهُ فِي كَفَنِ الْمَيِّتِ فِيهِ غَايَةُ الْإِهَانَةِ لَهُ إذْ لَا إهَانَةَ كَالْإِهَانَةِ بِالتَّنْجِيسِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ مَا فِي كَفَنِ الْمَيِّتِ لَا بُدَّ وَأَنْ يُصِيبَهُ بَعْضُ دَمِهِ أَوْ صَدِيدِهِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ الَّتِي بِجَوْفِهِ فَكَانَ تَحْرِيمُ وَضْعِ مَا كُتِبَ فِيهِ اسْمٌ مُعَظَّمٌ فِي كَفَنِ الْمَيِّتِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي التَّوَقُّفُ فِيهِ. وَأَمَّا مَا فِي التِّرْمِذِيِّ فَيَتَوَقَّفُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى صِحَّةِ سَنَدِهِ بَلْ لَوْ فُرِضَ صِحَّةُ سَنَدِهِ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ نَصُّوا عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَاهُ فَيَكُونُ إعْرَاضُهُمْ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ لِعِلَّةٍ فِيهِ كَيْفَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ الْمَعْلُومَةِ الَّتِي لَا نِزَاعَ فِيهَا وَهِيَ أَنَّ تَنْجِيسَ اسْمِ اللَّهِ وَنَحْوِهِ فِيهِ إهَانَةٌ لَهُ وَإِهَانَتُهُ مُحَرَّمَةٌ فَيَكُونُ السَّبَبُ إلَى ذَلِكَ مُحَرَّمًا نَعَمْ إنْ فُرِضَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَكْتُوبَ جُعِلَ فِي مَحِلٍّ مِنْ الْقَبْرِ بِحَيْثُ أُمِنَ عَلَيْهِ يَقِينًا أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ شَيْءٌ مِنْ الصَّدِيدِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَبْعُدْ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ حِينَئِذٍ لِانْتِفَاءِ عِلَّةِ التَّحْرِيمِ السَّابِقَةِ عَلَى أَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُجْدِي شَيْئًا لِأَنَّ الشَّرْطَ كَمَا ذُكِرَ عَنْ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ أَنْ يُوضَعَ فِي كَفَنِ الْمَيِّتِ فَوَضْعُهُ خَارِجَ الْكَفَنِ لَا يُفِيدُ شَيْئًا فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ وُضِعَ فِي الْكَفَنِ كَانَ فِيهِ تَسَبُّبٌ إلَى تَنْجِيسِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ تَقَرَّرَ وَبَانَ وَظَهَرَ حُرْمَةُ ذَلِكَ وَإِنْ وُضِعَ خَارِجَ الْكَفَنِ لَمْ يُفِدْ شَيْئًا لِأَنَّ ذَلِكَ الثَّوَابَ الَّذِي قِيلَ فِيهِ مَشْرُوطٌ بِوَضْعِهِ فِي الْكَفَنِ فَالصَّوَابُ عَدَمُ كِتَابَةِ ذَلِكَ وَعَدَمُ

وَضْعِهِ فِي الْقَبْرِ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ عَمَّا يُذْبَحُ مِنْ النَّعَمِ وَيُحْمَلُ مَعَ مِلْحٍ خَلْفَ الْمَيِّتِ إلَى الْمَقْبَرَةِ وَيُتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْحَفَّارِينَ فَقَطْ وَعَمَّا يُعْمَلُ يَوْمَ ثَالِثِ مَوْتِهِ مِنْ تَهْيِئَةِ أَكْلٍ وَإِطْعَامِهِ لِلْفُقَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَعَمَّا يُعْمَلُ يَوْمَ السَّابِعِ كَذَلِكَ وَعَمَّا يُعْمَلُ يَوْمَ تَمَامِ الشَّهْرِ مِنْ الْكَعْكِ وَيُدَارُ بِهِ عَلَى بُيُوتِ النِّسَاءِ اللَّاتِي حَضَرْنَ الْجِنَازَةَ وَلَمْ يَقْصِدُوا بِذَلِكَ إلَّا مُقْتَضَى عَادَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ حَتَّى إنَّ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ صَارَ مَمْقُوتًا عِنْدَهُمْ خَسِيسًا لَا يَعْبَئُونَ بِهِ وَهَلْ إذَا قَصَدُوا بِذَلِكَ الْعَادَةَ وَالتَّصَدُّقَ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ أَوْ مُجَرَّدَ الْعَادَةِ مَاذَا يَكُونُ الْحُكْمُ جَوَازٌ وَغَيْرُهُ وَهَلْ يُوَزَّعُ مَا صُرِفَ عَلَى أَنْصِبَاءِ الْوَرَثَةِ عِنْدَ قِسْمَةِ التَّرِكَةِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَعَنْ الْمَبِيتِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَيِّتِ إلَى مُضِيِّ شَهْرٍ مِنْ مَوْتِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ كَالْفَرْضِ مَا حُكْمُهُ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ جَمِيعُ مَا يُفْعَلُ مِمَّا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ مِنْ الْبِدَعِ الْمَذْمُومَةِ لَكِنْ لَا حُرْمَةَ فِيهِ إلَّا إنْ فُعِلَ شَيْءٌ مِنْهُ لِنَحْوِ نَائِحَةٍ أَوْ رِثَاءٍ وَمَنْ قَصَدَ بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنْهُ دَفْعَ أَلْسِنَةِ الْجُهَّالِ وَخَوْضِهِمْ فِي عِرْضِهِ بِسَبَبِ التَّرْكِ يُرْجَى أَنْ يُكْتَبَ لَهُ ثَوَابُ ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ أَحْدَثَ فِي الصَّلَاةِ بِوَضْعِ يَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ وَعَلَّلُوهُ بِصَوْنِ عِرْضِهِ عَنْ خَوْضِ النَّاسِ فِيهِ لَوْ انْصَرَفَ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفْعَلَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ التَّرِكَةِ حَيْثُ كَانَ فِيهَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ مُطْلَقًا أَوْ كَانُوا كُلُّهُمْ رُشَدَاءَ لَكِنْ لَمْ يَرْضَ بَعْضُهُمْ بَلْ مَنْ فَعَلَهُ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَمَنْ فَعَلَهُ مِنْ التَّرِكَةِ غَرِمَ حِصَّةَ غَيْرِهِ الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ إذْنًا صَحِيحًا وَإِذَا كَانَ فِي الْمَبِيتِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَيِّتِ تَسْلِيَةٌ لَهُمْ أَوْ جَبْرٌ لِخَوَاطِرِهِمْ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ لِأَنَّهُ مِنْ الصِّلَاتِ الْمَحْمُودَةِ الَّتِي رَغَّبَ الشَّارِعُ فِيهَا وَالْكَلَامُ فِي مَبِيتٍ لَا يَتَسَبَّبُ عَنْهُ مَكْرُوهٌ وَلَا مُحَرَّمٌ وَإِلَّا أُعْطِيَ حُكْمَ مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ إذْ لِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُدَّتِهِ عَنْ قَوْلِهِمْ فِي الْجَنَائِزِ يُجْعَلُ قَلِيلُ كَافُورٍ لِأَنَّهُ يَشُدُّ الْبَدَنَ وَقَالُوا يُجْعَلُ عَلَى مَنَافِذِ بَدَنِهِ قُطْنٌ لِئَلَّا يَدْخُلَهُ الْهَوَامُّ مَا الْحِكْمَةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَجَمِيعُ بَدَنِ الْمَيِّتِ وَأَجْزَائِهِ صَائِرَةٌ إلَى الْبِلَى؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ مُقَرَّرٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَنَّ الْبَدَنَ يُنَعَّمُ بِأَنْوَاعِ النَّعِيمِ كَالرُّوحِ وَحَيْثُمَا بَقِيَ اتَّصَلَ بِهِ النَّعِيمُ وَبِاتِّصَالِ النَّعِيمِ بِهِ يَزِيدُ سُرُورُ الرُّوحِ وَانْبِسَاطُهَا فَإِنَّ الْبَدَنَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا غَايَةُ الِارْتِبَاطِ وَالْمُنَاسَبَةِ فَجَمِيعُ مَا يَحْصُلُ لَهُ يَحْصُلُ لَهَا وَعَكْسُهُ فَلِذَلِكَ حَافَظُوا عَلَى طَلَبِ إبْقَائِهِ لِيَزْدَادَ بِذَلِكَ نَعِيمُهُ فِي الْبَرْزَخِ وَالنَّعِيمُ فِيهِ مَقْصُودٌ أَيُّ مَقْصُودٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا إذَا كَانَ قَبْرُ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى الْقَبْرِ قُبَّةٌ وَأَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَكُونَ قَبْرُهُ بِجَنْبِهِ فَضَاقَ الْمَوْضِعُ إلَّا بِنَقْضِ شَيْءٍ قَلِيلٍ مِنْ الْقُبَّةِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ نَقْضُهُ فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ فَذَاكَ وَإِنْ قُلْتُمْ لَا فَمَعَ عِلْمِكُمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ رَأَيْت الْوُلَاةَ بِمَكَّةَ يَأْمُرُونَ بِهَدْمِ مَا بُنِيَ مِنْهَا وَلَمْ أَرَ الْفُقَهَاءَ يَعِيبُونَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ كَانَتْ تِلْكَ الْقُبَّةُ مَبْنِيَّةً فِي مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ وَهِيَ الَّتِي اعْتَادَ أَهْلُ الْبَلَدِ الدَّفْنَ فِيهَا فَهِيَ مُسْتَحِقَّةُ الْهَدْمِ فَلِكُلِّ أَحَدٍ هَدْمُهَا وَإِنْ كَانَتْ عَلَى ذَلِكَ الْقَبْرِ وَحْدَهُ وَلَمْ تَكُنْ فِي مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ هَدْمُهَا لِمِثْلِ مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ مِنْ الدَّفْنِ بِجَانِبِ الْقَبْرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْمَيِّتِ هَلْ يُسْأَلُ فِي قَبْرِهِ جَالِسًا أَوْ رَاقِدًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ يُسْأَلُ قَاعِدًا وَكَذَا فِي ابْنِ مَاجَهْ وَفِيهِ أَنَّ الصَّالِحَ يَجْلِسُ غَيْرَ فَزِعٍ وَالسَّيِّئُ يَجْلِسُ فَزِعًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ إذَا سُئِلَ الْمَيِّتُ هَلْ تَلْبَسُ رُوحُهُ الْجُثَّةَ كَمَا كَانَ فِي الدُّنْيَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّهُ تُعَادُ إلَيْهِ رُوحُهُ ثُمَّ يُسْأَلُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ أَيْنَ تَكُونُ الرُّوحُ مُقِيمَةً بَعْدَ السُّؤَالِ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ذَكَرَ ابْنُ رَجَبٍ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ - تَكُونُ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ وَيُؤَيِّدُهُ اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ فِي الْجَنَّةِ فِي أَجْوَافِ طُيُورٍ خُضْرٍ لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَسْرَحُ فِي رِيَاضِ

الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ كَمَا فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ كَعْبٍ قَالَ جَنَّةُ الْمَأْوَى جَنَّةٌ فِيهَا طَيْرٌ خُضْرٌ تَرْعَى فِيهَا أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ عَلَى مَارِقِ نَهْرٍ بِبَابِ الْجَنَّةِ فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ بُكْرَةً وَعَشِيًّا قَالَ ابْنُ رَجَبٍ وَلَعَلَّ هَذَا فِي عَوَامِّ الشُّهَدَاءِ وَاَلَّذِينَ هُمْ فِي الْقَنَادِيلِ تَحْتَ الْعَرْشِ خَوَاصُّهُمْ وَلَعَلَّ هَذَا فِي شُهَدَاءِ الْآخِرَةِ كَالْغَرِيقِ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْمُؤْمِنِينَ فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ التَّكْلِيفَ مِنْهُمْ فِي الْجَنَّةِ. وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ أَرْوَاحَ وِلْدَانِ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَجْوَافِ عَصَافِيرَ تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءُوا فَتَأْوِي إلَى قَنَادِيلَ مُعَلَّقَةٍ بِالْعَرْشِ» أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّ لَهُ أَيْ إبْرَاهِيمَ وَلَدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَظِئْرَيْنِ يُكْمِلَانِ رَضَاعَهُ فِي الْجَنَّةِ وَأَمَّا أَهْلُ التَّكْلِيفِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِمْ قَدِيمًا وَحَدِيثًا قَالَ أَحْمَدُ أَرْوَاحُهُمْ فِي الْجَنَّةِ قَالَ رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ إذَا مَاتَ طَائِرٌ يَعْلَقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ تَعَالَى إلَى جَسَدِهِ حِينَ يَبْعَثُهُ وَعَنْ وَهْبٍ أَنَّهَا فِي دَارٍ يُقَالُ لَهَا الْبَيْضَاءُ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهَا تَكُونُ عَلَى الْقُبُورِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ مِنْ يَوْمِ دُفِنَ لَا تُفَارِقُهُ قَالَ وَأَمَّا السَّلَامُ عَلَى الْقُبُورِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِقْرَارِ أَرْوَاحِهِمْ عَلَى أَفْنِيَةِ قُبُورِهِمْ فَإِنَّهُ يُسَلَّمُ عَلَى قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالشُّهَدَاءِ وَأَرْوَاحُهُمْ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ وَلَكِنْ لَهَا مَعَ ذَلِكَ اتِّصَالٌ سَرِيعٌ بِالْجَسَدِ وَلَا يَعْرِفُ كُنْهَ ذَلِكَ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الْمَرْفُوعَةُ وَالْمَوْقُوفَةُ عَلَى الصَّحَابَةِ كَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ مَالِكٍ بَلَغَنِي أَنَّ الرُّوحَ مُرْسَلَةٌ تَذْهَبُ حَيْثُ شَاءَتْ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو نَحْوُهُ وَيَجْمَعُ هَذِهِ الْأَقْوَالَ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْعَارِفُ ابْنُ تُرْجُمَانَ فِي شَرْحِ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى حَيْثُ قَالَ وَالنَّفْسُ مُبْرَأَةٌ مِنْ بَاطِنِ مَا خُلِقَ مِنْهُ الْجِسْمُ وَهِيَ رُوحُ الْجِسْمِ وَأَوْجَدَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الرُّوحَ مِنْ بَاطِنِ مَا بَرَأَ مِنْهُ النَّفْسَ وَهِيَ لِلنَّفْسِ بِمَنْزِلَةِ النَّفْسِ لِلْجِسْمِ وَالنَّفْسُ حِجَابُهُ وَالرُّوحُ تُوصَفُ بِالْحَيَاةِ وَبِإِحْيَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ وَمَوْتُهُ أَيْ الرُّوحِ خُمُودٌ إلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ يَوْمَ خُمُودِ الْأَرْوَاحِ وَالْجِسْمُ يُوصَفُ بِالْمَوْتِ حَتَّى يَجِيءَ بِالرُّوحِ وَمَوْتُهُ مُفَارَقَةُ الرُّوحِ إيَّاهُ وَإِذَا فَارَقَ هَذَا الْعَبْدُ الرُّوحَانِيُّ الْجِسْمَ صُعِدَ بِهِ فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ حَتَّى يَصْعَدَ إلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيُؤْمَرُ بِالسُّجُودِ فَيَسْجُدُ ثُمَّ يُجْعَلُ حَقِيقَتُهُ النَّفْسَانِيَّةُ تَعُمُّ السُّفْلَ مِنْ قَبْرِهِ إلَى حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الْجَوِّ وَحَقِيقَتُهُ الرُّوحَانِيَّةُ تَعُمُّ الْعُلُوَّ مِنْ السَّمَاءِ الدُّنْيَا إلَى السَّابِعَةِ فِي سُرُورٍ وَنَعِيمٍ وَلِذَلِكَ لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُوسَى قَائِمًا فِي قَبْرِهِ يُصَلِّي وَإِبْرَاهِيمَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ قَبْلَ صُعُودِهِ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَلَقِيَهُمَا فِي السَّمَوَاتِ الْعُلَى فَتِلْكَ أَرْوَاحُهُمَا وَهَذِهِ نُفُوسُهُمَا وَأَجْسَادُهُمَا فِي قُبُورِهِمَا وَإِنْ كَانَ شَقِيًّا لَمْ يُفْتَحْ لَهُ فَيُرْمَى مِنْ عُلُوٍّ إلَى الْأَرْضِ. وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ الْكَبِيرِ يَزُولُ بِهِ مَا لِلْقُرْطُبِيِّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الِاعْتِرَاضَاتِ مِنْ جُمْلَتِهَا حَدِيثُ «مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُرُّ بِقَبْرِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَسَلَّمَ عَلَيْهِ إلَّا عَرَفَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرُّوحَ عَلَى الْقَبْرِ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ الْجَرِيدَتَيْنِ. وَالْجَوَابُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ أَنَّ الَّذِي فِي الْقَبْرِ إنَّمَا هُوَ حَقِيقَتُهُ النَّفْسَانِيَّةُ الْمُتَّصِلَةُ بِالرُّوحِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَقَدْ قِيلَ إنَّهَا تَزُورُ قُبُورَهَا كُلَّ جُمُعَةٍ عَلَى الدَّوَامِ وَلِذَلِكَ سُنَّ زِيَارَةُ الْقُبُورِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَهَا وَبَكْرَةَ السَّبْتِ اهـ قَالَ ابْنُ رَجَبٍ وَرَجَّحَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ أَرْوَاحَ الشُّهَدَاءِ فِي الْجَنَّةِ وَأَرْوَاحَ غَيْرِهِمْ فِي أَفْنِيَةِ الْقُبُورِ تَسْرَحُ حَيْثُ شَاءَتْ وَقَالَتْ فِرْقَةٌ تَجْتَمِعُ الْأَرْوَاحُ بِمَوْضِعٍ مِنْ الْأَرْضِ كَمَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ إنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ تَجْتَمِعُ بِالْجَابِيَةِ وَأَمَّا أَرْوَاحُ الْكُفَّارِ فَتَجْتَمِعُ بِسَبْخَةِ حَضْرَمَوْتَ يُقَالُ لَهَا بَرَهُوتُ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ بَعْضُ بُقْعَةٍ فِي الْأَرْضِ وَادٍ بِحَضْرَمَوْتَ يُقَالُ لَهُ بَرَهُوتُ فِيهِ أَرْوَاحُ الْكُفَّارِ وَفِيهِ بِئْرُ مَاءٍ يُرَى بِالنَّهَارِ أَسْوَدَ كَأَنَّهُ قَيْحٌ يَأْوِي إلَيْهَا الْهَوَامُّ» «قَالَ سُفْيَانُ وَسَأَلْنَا الْحَضْرَمِيِّينَ فَقَالُوا لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَبِيتَ فِيهِ بِاللَّيْلِ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَذَكَرَ الْأَصْمَعِيُّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَرَهُوتَ يَعْنِي الْبَلَدَ الَّذِي فِيهِ هَذَا الْبِئْرُ قَالَ نَجِدُ الرَّائِحَةَ الْمُنْتِنَةَ الْفَظِيعَةَ جِدًّا ثُمَّ نَمْكُثُ

حِينًا فَيَأْتِي الْخَبَرُ بِأَنَّ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَاءِ الْكُفَّارِ قَدْ مَاتَ فَنَرَى أَنَّ تِلْكَ الرَّائِحَةَ مِنْهُ» . (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يَعْرِفُ الْمَيِّتُ مَنْ يَزُورُهُ وَيَفْرَحُ بِذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ذَكَرَ ابْنُ رَجَبٍ حَدِيثًا أَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ فِيهِ أَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ السَّلَامَ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهُ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَنْ الْمَيِّتِ هَلْ يَرَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُقَالُ لَهُ مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى الْحُضُورِ وَقَدْ يَمُوتُ فِي الْوَقْتِ الْوَاحِدِ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَيُقَالُ ذَلِكَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَكَيْفَ هَذَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ الْإِمَامُ الْعَارِفُ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ إنَّ هَذَا الرَّجُلَ الْمُرَادُ بِهِ ذَاتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرُؤْيَتُهَا بِالْعَيْنِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى عِظَمِ قُدْرَةِ اللَّهِ إذْ النَّاسُ يَمُوتُونَ فِي الزَّمَانِ الْفَرْدِ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ عَلَى اخْتِلَافِهَا بُعْدًا وَقُرْبًا كُلُّهُمْ يَرَاهُ قَرِيبًا مِنْهُ لِأَنَّ لَفْظَةَ هَذَا لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الْقَرِيبِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ رُؤْيَتَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَقْطَارِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ بِصُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ وَدَلِيلُهُ عَقْلًا أَنَّهُمْ جَعَلُوا ذَاتَهُ الشَّرِيفَةَ كَالْمِرْآةِ كُلٌّ يَرَى فِيهِ صُورَتَهُ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ حُسْنٍ أَوْ قُبْحٍ وَالْمِرْآةُ عَلَى حَالِهَا مِنْ الْحُسْنِ لَمْ تَتَبَدَّلْ. وَاَلَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ الصُّوفِيَّةِ أَنَّ الْأَمْرَ فِي عَالَمِ الْبَرْزَخِ وَالْآخِرَةِ عَلَى خِلَافِ عَالَمِ الدُّنْيَا فَيَنْحَصِرُ الْإِنْسَانُ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ إلَّا الْأَوْلِيَاءَ كَمَا نُقِلَ عَنْ قَضِيبِ الْبَانِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ رُئِيَ فِي صُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ رُوحَانِيَّتَهُمْ غَلَبَتْ عَلَى جُسْمَانِيَّتِهِمْ فَجَازَ أَنْ يَظْهَرَ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ وَحَمَلُوا عَلَيْهِ «قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا قَالَ وَهَلْ يَدْخُلُ أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا قَالَ نَعَمْ وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ» وَقَالُوا إنَّ الرُّوحَ إذَا كَانَتْ كُلِّيَّةً كَرُوحِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رُبَّمَا تَظْهَرُ فِي سَبْعِينَ أَلْفِ صُورَةٍ اهـ وَهُمْ أَصْحَابُ كَشْفٍ وَاطِّلَاعٍ فَيُسَلَّمُ لَهُمْ مَا قَالُوهُ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ هَلْ عَذَابُ الْقَبْرِ عَلَى الرُّوحِ وَالْجَسَدِ أَمْ عَلَى أَحَدِهِمَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ذَهَبَ أَهْلُ السُّنَّةِ إلَى أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْمُكَلَّفَ فِي قَبْرِهِ وَيَجْعَلُ لَهُ مِنْ الْعَقْلِ مِثْلَ مَا عَاشَ عَلَيْهِ لِيَعْقِلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ وَيُجِيبَ عَنْهُ وَمَا يَفْهَمُ بِهِ مَا أَتَاهُ مِنْ رَبِّهِ وَمَا أُعِدَّ لَهُ فِي قَبْرِهِ مِنْ كَرَامَةٍ وَهَوَانٍ وَبِهَذَا نَطَقَتْ الْأَخْبَارُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى الرُّوحِ وَالْجَسَدِ. (وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ هَلْ يُغْرَسُ الرَّيْحَانُ وَنَحْوُهُ عَلَى مَنْزِلِ الْقَبْرِ أَوْ قَافِيَةِ اللَّحْدِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ اسْتَنْبَطَ الْعُلَمَاءُ مِنْ غَرْسِ الْجَرِيدَتَيْنِ عَلَى الْقَبْرِ غَرْسَ الْأَشْجَارِ وَالرَّيَاحِينِ عَلَى الْقَبْرِ. وَلَمْ يُبَيِّنُوا كَيْفِيَّتَهُ لَكِنْ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ غَرَسَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً فَشَمِلَ الْقَبْرَ كُلَّهُ فَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِأَيِّ مَحِلٍّ مِنْهُ نَعَمْ أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي مُسْنَدِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَعَ الْجَرِيدَةَ عَلَى الْقَبْرِ عِنْدَ رَأْسِ الْمَيِّتِ» . (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ كَيْفَ يَدْرِي الْمَيِّتُ بِوُصُولِ الثَّوَابِ لَهُ وَهَلْ الْأَنْفَعُ الصَّدَقَةُ أَوْ الْقِرَاءَةُ أَوْ تَسْبِيلُ الْمَاءِ أَوْ الْأَكْلِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا عَدَمُ وُصُولِ الْقِرَاءَةِ إلَى الْمَيِّتِ إلَّا إنْ قُرِئَ عَلَى الْقَبْرِ أَوْ بَعِيدًا عَنْهُ بِنِيَّتِهِ وَدَعَا عَقِبَهَا وَكَيْفِيَّةُ الْوُصُولِ لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا شَيْءٌ لَكِنْ ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ مَنَامَاتٍ تَدُلُّ عَلَى وُصُولِ نُورِهِ وَغَيْرِهِ وَالتَّفَاضُلُ بَيْنَ الصَّدَقَةِ وَالْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِوُصُولِهَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ شَيْءٌ أَيْضًا وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الصَّدَقَةُ أَفْضَلَ إذْ لَا خِلَافَ فِي وُصُولِهَا بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ وَالْأَفْضَلُ مِنْهَا مَا دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِ فِي الْمَحِلِّ الْمُتَصَدَّقِ فِيهِ أَكْثَرَ وَتَارَةً يَكُونُ الْمَاءُ وَتَارَةً يَكُونُ الْخُبْزُ وَتَارَةً يَكُونُ غَيْرُهُمَا. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُدَّتِهِ عَمَّا إذَا نُقِلَ الْجَسَدُ مِنْ الْقَبْرِ هَلْ تَنْتَقِلُ مَعَهُ الرُّوحُ وَهَلْ الْأَوَّلُ تُرَابُ الْمَيِّتِ أَوْ الثَّانِي. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ تَنْتَقِلُ مَعَهُ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لَهُ لَا لِلْقَبْرِ وَالثَّانِي لَمْ نَرَ فِيهِ شَيْئًا وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ كُلًّا تُرَابُهُ لَكِنَّ الْأَوَّلَ كَانَ مُغَيًّا بِوَقْتٍ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّا إذَا دُفِنَتْ الرَّقَبَةُ فِي مَكَان وَالْجُثَّةُ فِي آخَرَ فَأَيْنَ تَكُونُ الرُّوحُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَمْ نَرَ فِيهِ شَيْئًا وَلَكِنْ إنْ قُلْنَا فِي الْجُثَّةِ فَظَاهِرٌ أَوْ عَلَى الْقَبْرِ فَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِجَمِيعِ الْجَسَدِ وَإِنْ تَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُ ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْضَ الْمُحَقِّقِينَ أَفْتَى بِذَلِكَ فَقَالَ الرُّوحُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ دَاخِلَةً جَسَدَ الْمَيِّتِ لَكِنْ لَهَا بِهِ وَبِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ اتِّصَالٌ مُسْتَمِرٌّ فَإِذَا فُرِّقَ بَيْنَ الْجَسَدِ وَالرَّأْسِ اتَّصَلَتْ الرُّوحُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا

وَلَوْ فُرِضَ تَعَدُّدُ تَفْرِيقِ أَعْضَاءِ الْمَيِّتِ فَكَذَلِكَ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ الْمَلَكَيْنِ الَّذِينَ يَجْلِسَانِ عَلَى الْقَبْرِ يَسْتَغْفِرَانِ لِلْمَيِّتِ هَلْ هُمَا الْكَاتِبَانِ أَوْ السَّائِقُ وَالشَّهِيدُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ} [ق: 21] حَدِيثًا طَوِيلًا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَاتِبَيْنِ هُمَا السَّائِقُ وَالشَّهِيدُ وَهُمَا اللَّذَانِ يَجْلِسَانِ عَلَى الْقَبْرِ لِلِاسْتِغْفَارِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ هَلْ إعَادَةُ الْأَجْسَادِ تَكُونُ عَلَى صِفَتِهَا الْأُولَى حَتَّى فِي الْمَحْشَرِ أَوْ لَا فَتَكُونُ الْعَيْنَانِ فِي الرَّأْسِ وَيُحْشَرُونَ جُرْدًا مُرْدًا كَمَا وَرَدَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ} [ق: 41] وَالْحَلِيمِيُّ مَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَا نَحْنُ فِيهِ وَفِي تَذْكِرَتِهِ فِي حَدِيثِ «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا» أَيْ غَيْرَ مَخْتُونِينَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ يُحْشَرُونَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِمْ الَّتِي كَانَتْ فِي الدُّنْيَا مِنْ لَحْمٍ وَدَمٍ وَعَظْمٍ وَشَعْرٍ وَلِهَذَا اسْتَحَبُّوا دَفْنَ مَا يَنْفَصِلُ مِنْهُ مَعَهُ وَحِينَئِذٍ فَالتَّغْيِيرُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ دُخُولِ الْجَنَّةِ وَكَوْنُ الْعَيْنَيْنِ فِي الرَّأْسِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَمْ نَرَ أَحَدًا مِنْ الْمُفَسِّرِينَ وَلَا مِنْ الْعُلَمَاءِ بَعْدَ الْكَشْفِ قَالَ بِهِ لَكِنْ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ إنَّهُ وَرَدَ وَمَعَ ذَلِكَ فَظَاهِرُ جَوَابِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِاسْتِعْظَامِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ كَشْفَ الْعَوْرَاتِ بِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ يَوْمئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ أَنَّهُمَا فِي الْوَجْهِ وَفِي تَذْكِرَةِ الْقُرْطُبِيِّ حَدِيثٌ فِيهِ أَنَّهُ تَنْشَقُّ عَنْهُمْ الْأَرْضُ شَبَابًا أَبْنَاءَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ هَلْ يَعْرِفُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الْمَحْشَرِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ فِي مَوَاطِنَ مِنْهَا أَرْبَابُ الْحُقُوقِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ الصَّحِيحَيْنِ وَمِنْهَا إذَا كَانَ الرَّجُلُ رَأْسًا فِي الْخَيْرِ يَدْعُو إلَيْهِ وَيَأْمُرُ بِهِ يُدْعَى بِاسْمِهِ حَتَّى إذَا نَجَا يُقَالُ لَهُ انْطَلِقْ إلَى أَصْحَابِك فَبَشِّرْهُمْ وَأَخْبِرْهُمْ بِأَنَّ لِكُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ مِثْلَ هَذَا وَكَذَا إذَا كَانَ رَأْسًا فِي الشَّرِّ وَمِنْهَا فِي مَوْطِنِ الشَّفَاعَةِ فَقَدْ أَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى أَهْلَ الْجَنَّةِ صُفُوفًا وَأَهْلَ النَّارِ صُفُوفًا فَيَنْظُرُ الرَّجُلُ مِنْ صُفُوفِ أَهْلِ النَّارِ إلَى الرَّجُلِ مِنْ صُفُوفِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ لَهُ يَا فُلَانُ أَتَذْكُرُ يَوْمَ اصْطَنَعْتُك مَعْرُوفًا فَيَقُولُ اللَّهُمَّ هَذَا اصْطَنَعَ لِي فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا فَيُقَالُ لَهُ خُذْ بِيَدِهِ وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ» . (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يُمِيتُ اللَّهُ الْعُصَاةَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إذَا دَخَلُوا النَّارَ إمَاتَةً حَقِيقِيَّةً وَمَا مَعْنَى {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ} [الدخان: 56] ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ رَوَى مُسْلِمٌ حَدِيثًا طَوِيلًا فِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُمْ يَمُوتُونَ ثُمَّ يُحْمَلُونَ ضَبَائِرَ فَيُبَثُّونَ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ. الْحَدِيثَ قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْإِمَاتَةُ حَقِيقِيَّةٌ ثُمَّ يُخْرَجُونَ مَوْتَى قَدْ صَارُوا فَحْمًا فَيُحْمَلُونَ ضَبَائِرَ كَمَا تُحْمَلُ الْأَمْتِعَةُ ثُمَّ يُلْقَوْنَ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا أَنَّهُ يَغِيبُ عَنْهُمْ إحْسَاسُهُمْ بِالْآلَامِ وَاخْتَارَ مَا مَرَّ وَكَلَامُ الْقُرْطُبِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ مِنْ حِينِ يَدْخُلُونَهَا يَمُوتُونَ وَضَبَائِرُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ ضِبَارَةٍ بِكَسْرِهَا وَهِيَ الْجَمَاعَةُ وَالضَّمِيرُ فِي فِيهَا فِي الْآيَةِ رَاجِعٌ إلَى الْجَنَّةِ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِيهَا مُنْقَطِعٌ إذْ الْمَوْتَةُ الْأُولَى فِي الدُّنْيَا أَوْ إلَّا بِمَعْنَى بَعْدَ أَوْ سِوَى. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَوْلِهِمْ يُكْرَهُ اللَّغَطُ فِي الْجِنَازَةِ فَهَلْ تَنْتَهِي الْكَرَاهَةُ بِمَاذَا أَيْ بِالِانْصِرَافِ عَنْ الْمَقْبَرَةِ أَمْ تَتَقَيَّدُ بِمَا دَامَ الْمَيِّتُ فِي النَّعْشِ إذْ الْجِنَازَةُ اسْمٌ لِلْمَيِّتِ فِي النَّعْشِ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ تَنْتَهِي بِتَمَامِ طَمِّ الْقَبْرِ وَأَنْ يُقَالَ بِسَدِّ اللَّحْدِ فَقَطْ وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ وَأَمَّا الِاحْتِمَالَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي السُّؤَالِ فَبَعِيدَانِ جِدًّا وَيُرَدُّ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ كَرَاهَةُ اللَّغَطِ فِي الْمَقْبَرَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ جِنَازَةٍ وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ وَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ وَجْهٌ وَالثَّانِي بِأَنَّهُ مِنْ الْوَاضِحِ الْبَيِّنِ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْجِنَازَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ وَإِنْ كَانَ هَذَا هُوَ أَصْلُ وَضْعِهَا إذْ كَيْفَ يُتَخَيَّلُ ذَلِكَ مَعَ تَعْبِيرِهِمْ بِفِي فِي قَوْلِهِمْ فِي الْجِنَازَةِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهَا الْجَمَاعَةُ التَّابِعُونَ لَهَا أَوْ تَكُونُ فِي لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ يُكْرَهُ اللَّغَطُ بِسَبَبِ الْجِنَازَةِ عَلَى تَابِعِهَا وَحِينَئِذٍ فَمَا دَامَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَابِعُهَا كُرِهَ لَهُ وَمَا لَا فَلَا وَمَعْلُومٌ مِمَّا قَالُوهُ فِي حُصُولِ الْقِيرَاطَيْنِ أَنَّ تَبَعِيَّتَهَا تَنْقَطِعُ بِسَدِّ اللَّحْدِ وَإِنْ لَمْ يُطَمَّ الْقَبْرُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ حِينَئِذٍ حَصَلَ لَهُ تَمَامُ الْقِيرَاطَيْنِ فَاتَّضَحَ بِذَلِكَ مَا رَجَّحْتُهُ مِنْ انْتِهَاءِ الْكَرَاهَةِ بِسَدِّ اللَّحْدِ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُدَّتِهِ عَنْ امْرَأَةٍ أَوْصَتْ بِأَنَّهَا تُكَفَّنُ مِنْ مَالِهَا

فَهَلْ يَسْقُطُ عَنْ الزَّوْجِ وَلَوْ كَفَّنَهَا الْوَصِيُّ مِنْ مَالِهِ هَلْ يَرْجِعُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ مَاتَتْ غَيْرَ نَاشِزَةٍ وَالزَّوْجُ مُوسِرٌ كَانَ إيصَاؤُهَا بِمُؤْنَةِ تَجْهِيزِهَا مِنْ مَالِهَا وَصِيَّةً لِوَارِثٍ فَلَا تَنْفُذُ إلَّا إنْ أَجَازَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ وَشَرْطُ رُجُوعِ الْوَصِيِّ إذْنُ الْقَاضِي إنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا فَإِشْهَادُ عَدْلَيْنِ أَنَّهُ أَنْفَقَ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا صُورَتُهُ الْمَيِّتُ قَدْ يُلَطَّخُ بَدَنُهُ أَوْ بَعْضُ كَفَنِهِ بِزَعْفَرَانٍ فَهَلْ يَجُوزُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ النَّهْيُ عَنْ التَّزَعْفُرِ لِلرِّجَالِ وَفِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لِابْنِ الْمُلَقِّنِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَأَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلرِّجَالِ وَأَجَازَهُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرُهُ فِي الثِّيَابِ دُونَ الْبَدَنِ اهـ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَحْرِيمُ ذَلِكَ لَكِنْ قَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ يُكْرَهُ الْخَلُوقُ لِلرِّجَالِ وَهُوَ طِيبٌ مَخْلُوطٌ بِزَعْفَرَانٍ وَغَيْرِهِ عَدَمُ التَّحْرِيمِ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى مَا إذَا اُسْتُهْلِكَ الزَّعْفَرَانُ بِحَيْثُ صَارَ لَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ مَحْسُوسٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَلُوقِ هُوَ تَلْطِيخُ قَلِيلٍ مِنْ الْبَدَنِ أَوْ الثَّوْبِ وَحِينَئِذٍ فَلَا مُنَافَاةَ أَصْلًا وَيُؤْخَذُ مِنْ كَرَاهَةِ الْخَلُوقِ أَنَّ تَلْطِيخَ قَلِيلٍ مِنْ كَفَنِ الْمَيِّتِ بِالزَّعْفَرَانِ مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَنْ امْرَأَةٍ كُفِّنَتْ مِنْ مَالِهَا وَزَوْجُهَا غَائِبٌ مُوسِرٌ فَهَلْ يَرْجِعُ الْوَرَثَةُ عَلَيْهِ بِالْكَفَنِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ لَا يَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ عَلَيْهِ قَالَ وَظَهَرَ لِي أَنَّ الْكَفَنَ إمْتَاعٌ لَا تَمْلِيكٌ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يُمْكِنُ وَتَمْلِيكُ الْوَرَثَةِ لَا يَجِبُ فَتَعَيَّنَ الْإِمْتَاعُ اهـ فَإِنْ قُلْنَا إمْتَاعٌ اتَّضَحَ مَا ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ بِمَوْتِهَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ شَيْءٌ وَإِنْ قُلْنَا تَمْلِيكٌ رَجَعُوا عَلَيْهِ بِقِيمَتِهَا لِأَنَّهَا مَلَكَتْهُ أَوْ قِيمَتَهُ بِمَوْتِهَا وَالْأَوْجَهُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ إمْتَاعٌ ثُمَّ رَأَيْت الرِّيمِيَّ أَفْتَى فِيمَنْ أَوْصَتْ بِأَنْ تُجَهَّزَ مِنْ مَالِهَا بِأَنَّهَا إنْ قَالَتْ أَوْصَيْت بِإِسْقَاطِ ذَلِكَ عَنْ الزَّوْجِ كَانَ وَصِيَّةً لِوَارِثٍ أَوْ اجْعَلُوا تَجْهِيزِي مِنْ مَالِي صُرِفَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِهَا وَيَبْقَى الْكَفَنُ وَمُؤْنَةُ التَّجْهِيزِ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ لِأَنَّ مَالَهَا قَدْ يَكُونُ أَحَلَّ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ وَيَبْقَى مَا عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا لَوْ كَانَ لَهَا دَيْنٌ فَأَوْصَتْ بِأَنْ تُكَفَّنَ مِنْ مَالِهَا الْخَاصِّ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إسْقَاطًا لِشَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ. قَالَ فَإِنْ قِيلَ هَذَا وَجَبَ عَلَى الزَّوْجِ بِالْمَوْتِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ وَجَبَ مِنْ قَبْلُ قُلْنَا وَالْكَفَنُ وَاجِبٌ مِنْ قَبْلِ الْمَوْتِ لِأَنَّ مَأْخَذَهُ وُجُوبُ الْكِسْوَةِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَلِهَذَا لَوْ مَاتَتْ وَهِيَ نَاشِزَةٌ سَقَطَ إيجَابُ الْكَفَنِ فَعَلِمْنَا أَنَّ وُجُوبَهُ مُتَقَدِّمٌ كَالدَّيْنِ اهـ وَكَلَامُهُ صَرِيحٌ فِي مُخَالَفَةِ الْجَلَالِ الْبُلْقِينِيُّ وَأَنَّ الْوَرَثَةَ يَرْجِعُونَ عَلَيْهِ وَأَنَّ الْكَفَنَ تَمْلِيكٌ لَا إمْتَاعٌ وَقَدْ رَجَّحَ الْأَذْرَعِيُّ مَا رَجَّحَهُ الْجَلَالُ وَقَاسَهُ عَلَى مَا لَوْ كَانَ مُعْسِرًا وَكُفِّنَتْ مِنْ مَالِهَا أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى دَيْنًا عَلَيْهِ جَزْمًا وَالْأَوْجُهُ أَنَّهَا حَيْثُ أَوْصَتْ بِأَنَّهَا تُجَهَّزُ مِنْ مَالِهَا كَانَتْ وَصِيَّةً لِوَارِثٍ سَوَاءٌ أَطْلَقَتْ أَوْ عَيَّنَتْ نَوْعًا مِنْهُ وَأَنَّهَا حَيْثُ كُفِّنَتْ مِنْ مَالِهَا أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يُرْجَعْ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَبِدُّ بِذَلِكَ إنَّمَا فَعَلَهُ عَلَى ظَنِّ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِمَا صُورَتُهُ إذَا كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا وَجَبَتْ مُؤْنَةُ التَّجْهِيزِ فِي مَالِ الزَّوْجَةِ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ إعْسَارُهُ مَعَ فَرْضِ مَالٍ لِلزَّوْجَةِ فَإِنَّهُ يَرِثُ مِنْهَا حِصَّةً يَصِيرُ بِهَا مُوسِرًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَرِثُ أَيْ يَسْتَقِرُّ إرْثُهُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ مَا تَعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِهَا مُؤَنُ التَّجْهِيزِ فَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى إرْثِهِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فَهُوَ حَالَ وُجُوبِهَا مَوْصُوفٌ بِالْإِعْسَارِ إلَى الْآنَ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا أَوْصَى الْمَيِّتُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَهَلْ يُقَدَّمُ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى بَعْضُ عُلَمَاءِ الْيَمَنِ بِأَنَّهُ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ فَلَا تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ لَكِنْ الْأَوْلَى لَهُمْ إذَا كَانَ أَصْلَحَ أَنْ يُقَدِّمُوهُ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ هَلْ إذَا جُعِلَ مَكَانٌ لِلدَّفْنِ فَوْقَ الْأَرْضِ وَأُحْكِمَ بِحَيْثُ أَنَّهُ يَمْنَعُ الرَّائِحَةَ وَالسَّبُعَ وَوُضِعَ فِيهِ شَخْصٌ فَهَلْ يَكْفِي الدَّفْنُ أَوْ يَلْزَمُ أَنْ نَفْتَحَهُ قَبْلَ أَنْ يَبْلَى فَيُحْفَرُ لَهُ فِيهِ وَيُدْفَنُ فِيهِ أَوْ يُعْتَمَدُ قَوْلُ الْبَغَوِيِّ بِالِاكْتِفَاءِ بِالدَّفْنِ فِيهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَاعْتَمَدَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي الدَّفْنُ فِيهَا فَيَجِبُ أَنْ يُحْفَرَ لَهُ قَبْلَ بَلَائِهِ حُفْرَةً تَمْنَعُ الرَّائِحَةَ وَالسَّبُعَ وَيُدْفَنَ

فِيهَا وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْبَغَوِيِّ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ ضَعِيفٌ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ كَرَاهَةِ الْكِتَابَةِ عَلَى الْقُبُورِ هَلْ تَعُمُّ أَسْمَاءَ اللَّهِ وَالْقُرْآنَ وَاسْمَ الْمَيِّتِ وَغَيْرَ ذَلِكَ أَوْ تَخُصُّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بَيِّنُوهُ بِمَا فِيهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ كَرَاهَةَ الْكِتَابَةِ عَلَى الْقَبْرِ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَاعْتَرَضَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ النَّيْسَابُورِيُّ الْمُحَدِّثُ بِأَنَّ الْعَمَلَ لَيْسَ عَلَيْهِ فَإِنَّ أَئِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الشَّرْقِ إلَى الْغَرْبِ مَكْتُوبٌ عَلَى قُبُورِهِمْ وَهُوَ عَمَلٌ أَخَذَ بِهِ الْخَلَفُ عَنْ السَّلَفِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمَا اُعْتُرِضَ بِهِ إنَّمَا يَتَّجِهُ أَنْ لَوْ فَعَلَهُ أَئِمَّةُ عَصْرٍ كُلُّهُمْ أَوْ عَلِمُوهُ وَلَمْ يُنْكِرُوهُ وَأَيُّ إنْكَارٍ أَعْظَمُ مِنْ تَصْرِيحِ أَصْحَابِنَا بِالْكَرَاهَةِ مُسْتَدِلِّينَ بِالْحَدِيثِ هَذَا وَبَحَثَ السُّبْكِيّ وَالْأَذْرَعِيُّ تَقْيِيدَ ذَلِكَ بِالْقَدْرِ الزَّائِدِ عَمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْإِعْلَامُ بِالْمَيِّتِ وَعِبَارَةُ السُّبْكِيّ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا أَنَّ وَضْعَ شَيْءٍ يُعْرَفُ بِهِ الْقَبْرُ مُسْتَحَبٌّ فَإِذَا كَانَتْ الْكِتَابَةُ طَرِيقًا فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُكْرَهَ إذَا كُتِبَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ إلَى الْإِعْلَامِ. وَعِبَارَةُ الْأَذْرَعِيِّ وَأَمَّا الْكِتَابَةُ فَمَكْرُوهَةٌ سَوَاءٌ كَانَ الْمَكْتُوبُ اسْمَ الْمَيِّتِ عَلَى لَوْحٍ عِنْدَ رَأْسِهِ أَوْ غَيْرَهُ هَكَذَا أَطْلَقُوهُ وَالْقِيَاسُ الظَّاهِرُ تَحْرِيمُ كِتَابَةِ الْقُرْآنِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ جَمِيعُ جَوَانِبِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِهِ لِلْأَذَى بِالدَّوْسِ وَالنَّجَاسَةِ وَالتَّلْوِيثِ بِصَدِيدِ الْمَوْتَى عِنْدَ تَكْرَارِ النَّبْشِ فِي الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنْ النَّظْمِ وَالنَّثْرِ فَيَحْتَمِلُ الْكَرَاهَةَ وَالتَّحْرِيمَ لِلنَّهْيِ وَأَمَّا كِتَابَةُ اسْمِ الْمَيِّتِ فَقَدْ قَالُوا إنَّ وَضْعَ مَا يُعْرَفُ بِهِ الْقُبُورُ مُسْتَحَبٌّ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ طَرِيقًا فِي ذَلِكَ فَيَظْهَرُ اسْتِحْبَابُهُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ إلَى الْإِعْلَامِ بِلَا كَرَاهَةٍ وَلَا سِيَّمَا قُبُورُ الْأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ فَإِنَّهَا لَا تُعْرَفُ إلَّا بِذَلِكَ عِنْدَ تَطَاوُلِ السِّنِينَ ثُمَّ ذَكَرَ مَا مَرَّ عَنْ الْحَاكِمِ وَقَالَ عَقِبَهُ فَإِنْ أَرَادَ كِتَابَةَ اسْمِ الْمَيِّتِ لِلتَّعْرِيفِ فَظَاهِرٌ وَيُحْمَلُ النَّهْيُ عَلَى مَا قُصِدَ بِهِ الْمُبَاهَاةُ وَالزِّينَةُ وَالصِّفَاتُ الْكَاذِبَةُ، أَوْ كِتَابَةَ الْقُرْآنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ اهـ. وَمَا بَحَثَهُ السُّبْكِيّ مِنْ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ فِي كِتَابَةِ اسْمِ الْمَيِّتِ لِلتَّعْرِيفِ وَالْأَذْرَعِيُّ مِنْ اسْتِحْبَابِهَا ظَاهِرٌ إنْ تَعَذَّرَ تَمْيِيزُهُ إلَّا بِهَا لَوْ كَانَ عَالِمًا أَوْ صَالِحًا وَخُشِيَ مِنْ طُولِ السِّنِينَ انْدِرَاسُ قَبْرِهِ وَالْجَهْلُ بِهِ لَوْ لَمْ يُكْتَبْ اسْمُهُ عَلَى قَبْرِهِ وَيُحْمَلُ النَّهْيُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَنْبَطَ مِنْ النَّصِّ مَعْنًى يُخَصِّصُهُ وَهُوَ هُنَا الْحَاجَةُ إلَى التَّمْيِيزِ فَهُوَ بِالْقِيَاسِ عَلَى نَدْبِ وَضْعِ شَيْءٍ يُعْرَفُ بِهِ الْقَبْرُ بَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِيهِ أَوْ إلَى بَقَاءِ ذِكْرِ هَذَا الْعَالِمِ أَوْ الصَّالِحِ لِيَكْثُرَ التَّرَحُّمُ عَلَيْهِ أَوْ عَوْدُ بَرَكَتِهِ عَلَى مَنْ زَارَهُ وَمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ تَحْرِيمِ كِتَابَةِ الْقُرْآنِ قَرِيبٌ وَإِنْ كَانَ الدَّوْسُ وَالنَّجَاسَةُ غَيْرَ مُحَقَّقَيْنِ لِأَنَّهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مُحَقَّقَيْنِ فِي الْحَالِ هُمَا مُحَقَّقَانِ فِي الِاسْتِقْبَالِ بِمُقْتَضَى الْعَادَةِ الْمُطَّرِدَةِ مِنْ نَبْشِ تِلْكَ الْمَقْبَرَةِ وَانْدِرَاسِ هَذَا الْقَبْرِ وَيَلْحَقُ بِالْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ كُلُّ اسْمٍ مُعَظَّمٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ النَّظْمِ وَالنَّثْرِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ وَإِنْ تَرَدَّدَ فِيهِ وَقَوْلُهُ وَيُحْمَلُ النَّهْيُ إلَخْ قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ تَارَةً يُحْمَلُ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَتَارَةً يُحْمَلُ عَلَى الْحُرْمَةِ وَهُوَ مَا لَوْ كَتَبَ الْقُرْآنَ أَوْ اسْمًا مُعَظَّمًا دُونَ غَيْرِهِمَا وَإِنْ قَصَدَ الْمُبَاهَاةَ وَالزِّينَةَ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ كِتَابَةِ الْعَهْدِ عَلَى الْكَفَنِ وَهُوَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ وَقِيلَ: إنَّهُ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالَمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ إنِّي أَعْهَدُ إلَيْك فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ وَحْدَك لَا شَرِيكَ لَك وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُك وَرَسُولُك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا تَكِلْنِي إلَى نَفْسِي فَإِنَّك إنْ تَكِلْنِي إلَى نَفْسِي تُقَرِّبْنِي مِنْ الشَّرِّ وَتُبْعِدْنِي مِنْ الْخَيْرِ وَأَنَا لَا أَثِقُ إلَّا بِرَحْمَتِك فَاجْعَلْ لِي عَهْدًا عِنْدَك تُوفِنِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنَّك لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ هَلْ يَجُوزُ وَلِذَلِكَ أَصْلٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ نَوَادِرِ الْأُصُولِ لِلتِّرْمِذِيِّ مَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ لَهُ أَصْلٌ وَأَنَّ الْفَقِيهَ ابْنَ عُجَيْلٍ كَانَ يَأْمُرُ بِهِ ثُمَّ أَفْتَى بِجَوَازِ كِتَابَتِهِ قِيَاسًا عَلَى كِتَابَةِ اللَّهِ فِي نَعَمِ الزَّكَاةِ وَأَقَرَّهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ قِيلَ يُطْلَبُ فِعْلُهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ مَقْصُودٍ فَأُبِيحَ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ يُصِيبُهُ نَجَاسَةٌ وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَدْ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَى الْكَفَنِ يس وَالْكَهْفُ وَنَحْوُهُمَا خَوْفًا مِنْ

صَدِيدِ الْمَيِّتِ وَسَيَلَانِ مَا فِيهِ وَقِيَاسُهُ عَلَى مَا فِي نَعَمِ الصَّدَقَةِ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ التَّمْيِيزُ لَا التَّبَرُّكُ وَهُنَا الْقَصْدُ التَّبَرُّكُ فَالْأَسْمَاءُ الْمُعَظَّمَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا فَلَا يَجُوزُ تَعْرِيضُهَا لِلنَّجَاسَةِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ قِيلَ يُطْلَبُ فِعْلُهُ إلَخْ مَرْدُودٌ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَإِنَّمَا كَانَتْ تَظْهَرُ الْحُجَّةُ لَوْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَلَبُ ذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَنْ أَقَلِّ الْكَفَنِ الشَّرْعِيِّ الْمُجْزِئِ مَا هُوَ وَمَا هُوَ الْأَفْضَلُ وَمَا الزَّائِدُ عَلَى الْأَفْضَلِ وَهَلْ يَحْرُمُ الْإِسْرَافُ فِيهِ وَكَيْفَ يَكُونُ وَهَلْ الْفَقِيرُ وَالْغَنِيُّ فِيهِ سَوَاءٌ. وَهَلْ يَجُوزُ دَفْنُ اثْنَيْنِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَإِذَا قُلْتُمْ لَا فَهَلْ هَذِهِ الْفَسَاقِي الَّتِي تُعْمَلُ وَيُدْفَنُ فِيهَا الْأَقَارِبُ قَبْلَ الْبِلَى جَائِزَةٌ وَيُجْزِئُ الدَّفْنُ فِيهَا أَمْ لَا وَمَا هِيَ الضَّرُورَةُ الْمُجَوِّزَةُ لِجَمْعِ اثْنَيْنِ فِي قَبْرٍ وَهَلْ إذَا حُفِرَ قَبْرٌ وَوُجِدَ فِيهِ عَظْمٌ هَلْ يَجُوزُ فِيهِ الدَّفْنُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَقَلُّ الْكَفَنِ ثَوْبٌ يَسْتُرُ جَمِيعَ الْبَدَنِ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى سَاتِرِ الْعَوْرَةِ وَهِيَ مَا بَيْنَ سُرَّةِ الرَّجُلِ وَرُكْبَتِهِ وَغَيْرُ وَجْهِ الْمَرْأَةِ وَكَفَّيْهَا وَلَوْ أَمَةً لِزَوَالِ الرِّقِّ بِالْمَوْتِ أَجْزَأَ مِنْ حَيْثُ سُقُوطُ الْحَرَجِ عَنْ الْأَمَةِ وَإِنْ أَثِمَ الْوَرَثَةُ بِنَقْصِ الْمَيِّتِ عَنْ حَقِّهِ إذْ حَقُّهُ سَتْرُ كُلِّ بَدَنِهِ حَيْثُ خَلَّفَ مَالًا وَلَمْ يُوصِ بِتَرْكِ الزَّائِدِ عَلَى الْعَوْرَةِ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ اضْطِرَابٍ طَوِيلٍ لَا يَلِيقُ ذِكْرُهُ بِهَذَا الْمَحَلِّ وَيُجْزِئُ الْكَفَنُ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ كَانَ لَكِنْ يَحْرُمُ الْحَرِيرُ وَنَحْوُهُ مِنْ مُزَعْفَرٍ وَكَذَا مُعَصْفَرٌ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ حَيْثُ كَانَ هُنَاكَ غَيْرُهُ عَلَى الذَّكَرِ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ وَمِثْلُهُ الْخُنْثَى نَعَمْ الْمُتَّجِهُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَرَّحَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الطِّينُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَلَوْ حَشِيشًا وَإِنْ جَازَ ذَلِكَ لِلْحَيِّ فِي الصَّلَاةِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِازْدِرَاءِ بِالْمَيِّتِ وَلَا يُجْزِئُ أَيْضًا مُتَنَجِّسٌ بِمَا لَا يُعْفَى عَنْهُ مَعَ وُجُودِ طَاهِرٍ غَيْرِ حَرِيرٍ أَمَّا الْحَرِيرُ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْمُتَنَجِّسِ وَالْأَفْضَلُ لِلرَّجُلِ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ وَكَوْنُهَا لَفَائِفَ وَمُتَسَاوِيَةً وَلِلْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى خَمْسَةٌ إزَارٌ ثُمَّ قَمِيصٌ ثُمَّ خِمَارٌ ثُمَّ تُلَفُّ فِي لِفَافَتَيْنِ وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى ثَوْبٍ يَسْتُرُ كُلَّ الْبَدَنِ إنْ كُفِّنَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مِمَّا وُقِفَ عَلَى الْأَكْفَانِ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ مَا وُقِفَ عَلَى تَجْهِيزِ الْمَوْتَى وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ لِأَنَّ التَّجْهِيزَ يَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ وَأَنَّ التَّجْهِيزَ لَا يَنْصَرِفُ إلَّا إلَى مَا يَجِبُ مِنْ الْكَفَنِ وَالدَّفْنِ وَنَحْوِهِمَا أَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ وَلَمْ يَرْضَ الْغَرِيمُ بِالزَّائِدِ عَلَى الثَّوْبِ وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُ بِمَا يَسْتُرُ كُلَّ الْبَدَنِ وَإِنْ كَانَ لَهُ الْمَنْعُ مِنْ الْمُسْتَحَبِّ لِتَأَكُّدِ أَمْرِ هَذَا أَيْ بِالِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهِ وَعَلَى تَسْلِيمِ هَذِهِ الْعِلَّةِ فَيُؤْخَذُ مِنْهَا تَخْصِيصُ عُمُومِ قَوْلِهِمْ لَهُ الْمَنْعُ مِنْ الْمُسْتَحَبِّ بِغَيْرِ مَا اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ الْمَنْعُ مِنْ الثَّلَاثَةِ. وَلَوْ اتَّفَقَ الْوَرَثَةُ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ يُكَفَّنُ بِثَلَاثَةٍ وَبَعْضُهُمْ بِثَوْبٍ وَلَمْ يُوصِ الْمَيِّتُ بِهِ فِيهِمَا كُفِّنَ بِثَلَاثَةٍ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثَةِ فِي الرِّجَالِ خِلَافُ الْأَوْلَى وَعَلَى الْخَمْسَةِ فِيهِ فِي الْمَرْأَةِ مَكْرُوهَةٌ لِأَنَّهُ سَرَفٌ كَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَإِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَوْ قِيلَ بِتَحْرِيمِهَا لَمْ يَبْعُدْ وَبِهِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ وَحَيْثُ قُلْنَا بِجَوَازِ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثَةِ أَوْ الْخَمْسَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا يَأْتِي عَنْ الْأَذْرَعِيِّ فِي الْمُغَالَاةِ فِيهِ وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ الْإِسْرَافَ فِي الْكَفَنِ مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ وَلِذَلِكَ قَالُوا تُكْرَهُ الْمُغَالَاةُ فِيهِ وَتَكْفِينُ الْمَرْأَةِ أَيْ وَنَحْوِهَا بِالْحَرِيرِ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ لِأَنَّ ذَلِكَ سَرَفٌ لَا يَلِيقُ بِالْحَالِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَارِثُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ أَوْ غَائِبًا أَوْ كَانَ الْمَيِّتُ مُفْلِسًا حَرُمَتْ الْمُغَالَاةُ فِيهِ مِنْ التَّرِكَةِ اهـ وَيُجْرَى مَا قَالَهُ مِنْ الْحُرْمَةِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ فِي تَكْفِينِ الْمَرْأَةِ وَنَحْوِهَا بِالْحَرِيرِ وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْته جَوَابُ قَوْلِ السَّائِلِ وَكَيْفَ يَكُونُ الْكَفَنُ فَإِنْ أَرَادَ السُّؤَالَ عَنْ صِفَتِهِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ أَبْيَضَ وَمَغْسُولًا قَالَ الْبَغَوِيّ وَثَوْبُ الْقُطْنِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَيُعْتَبَرُ فِي الْكَفَنِ الْمُبَاحِ حَالُ الْمَيِّتِ فَيُكَفَّنُ الْمُوسِرُ مِنْ جِيَادِ الثِّيَابِ وَالْمُتَوَسِّطُ مِنْ أَوْسَطِهَا وَالْمُعْسِرُ مِنْ خَشِنِهَا اهـ. وَاعْتِبَارُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ سُنَّةٌ فَالْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ لَيْسَا سَوَاءً فِي الْكَفَنِ الْأَكْمَلِ وَأَمَّا فِي أَقَلِّ مَا يُجْزِئُ فَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ وَلَا عِبْرَةَ بِإِسْرَافِهِ وَتَقْتِيرِهِ

قَبْلَ مَوْتِهِ نَعَمْ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ اُعْتُبِرَ تَقْتِيرُهُ عَلَى الْأَوْجَهِ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي الْمُفْلِسِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لَا يُجْدِي كَمَا لَا يُعْرَفُ بِتَأَمُّلِهِ. وَأَمَّا دَفْنُ اثْنَيْنِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ فَإِنْ اتَّحَدَ نَوْعُهُمَا كَرَجُلَيْنِ أَوْ امْرَأَتَيْنِ وَاحْتِيجَ إلَيْهِ بِأَنْ كَثُرَ الْمَوْتَى وَعَسِرَ الْإِفْرَادُ فُعِلَ وَإِنْ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ نُدِبَ تَرْكُهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ يُكْرَهُ وَالسَّرَخْسِيُّ يَحْرُمُ قَالَ السُّبْكِيّ وَالْأَصَحُّ الْكَرَاهَةُ أَوْ نَفْيُ الِاسْتِحْبَابِ وَأَمَّا الْحُرْمَةُ فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَأَمَّا جَمْعُ امْرَأَةٍ وَرَجُلٍ فِي لَحْدٍ وَاحِدٍ فَلَا يَجُوزُ إلَّا إنْ اشْتَدَّتْ الْحَاجَةُ اشْتِدَادًا حَثِيثًا كَأَنْ لَمْ يُوجَدْ أَوْ لَمْ يُتَمَكَّنْ إلَّا مِنْ ذَلِكَ أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ أَوْ زَوْجِيَّةٌ أَوْ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ الشَّهْوَةِ وَالْخُنْثَى مَعَ الْأُنْثَى أَوْ غَيْرِهِ كَالْأُنْثَى مَعَ الذَّكَرِ وَحَيْثُ جُمِعَ مُتَّحِدَيْ النَّوْعِ أَوْ مُخْتَلِفَيْهِ جُعِلَ بَيْنَهُمَا حَاجِزُ تُرَابٍ أَوْ نَحْوُهُ وَهُوَ مَنْدُوبٌ عَلَى الْأَوْجَهِ وِفَاقًا لِلْأَذْرَعِيِّ وَيُحْتَمَلُ وُجُوبُهُ إنْ تَعَدَّى بِجَمْعِ مُتَّحِدَيْ النَّوْعِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ. وَأَمَّا الدَّفْنُ فِي الْفَسَاقِي فَالْكَلَامُ عَلَيْهِ يَسْتَدْعِي الْكَلَامَ عَلَى أَقَلِّ الْقَبْرِ وَهُوَ حُفْرَةٌ تَمْنَعُ الرَّائِحَةَ وَالسَّبُعَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْغَرَضُ مِنْ ذِكْرِهِمَا إنْ كَانَا مُتَلَازِمَيْنِ بَيَانُ فَائِدَةِ الدَّفْنِ وَإِلَّا فَبَيَانُ وُجُوبِ رِعَايَتِهِمَا وَلَا يَكْفِي أَحَدُهُمَا اهـ قَالَ غَيْرُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّهُمَا غَيْرُ مُتَلَازِمَيْنِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَعَلَيْهِ فَالْفَسَاقِي الَّتِي لَا تَكْتُمُ الرَّائِحَةَ وَتَمْنَعُ السَّبُعَ لَا يَكْفِي الدَّفْنُ فِيهَا وَمِنْ ثَمَّ قَالَ السُّبْكِيّ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْفَسَاقِيِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُعَدَّةً لِكَتْمِ الرَّائِحَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى هَيْئَةِ الدَّفْنِ الْمَعْهُودِ شَرْعًا قَالَ وَقَدْ أَطْلَقُوا تَحْرِيمَ إدْخَالِ مَيِّتٍ عَلَى مَيِّتٍ لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَةِ الْأَوَّلِ وَظُهُورِ رَائِحَتِهِ فَيَجِبُ إنْكَارُ ذَلِكَ اهـ. وَبِتَأَمُّلِ آخِرِ كَلَامِهِ تَعْلَمُ أَنَّهُ حَيْثُ حُفِرَ قَبْرٌ إمَّا تَعَدِّيًا وَإِمَّا مَعَ ظَنِّ أَنَّهُ بَلِيَ وَلَمْ يَبْقَ فِيهِ عَظْمٌ فَوُجِدَ فِيهِ عَظْمٌ رُدَّ التُّرَابُ عَلَيْهِ وُجُوبًا وَلَا يَجُوزُ الدَّفْنُ فِيهِ قَبْلَ الْبِلَى وَفِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا يَحْرُمُ نَبْشُ قَبْرِ الْمَيِّتِ وَدَفْنُ غَيْرِهِ فِيهِ قَبْلَ بَلَائِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِتِلْكَ الْأَرْضِ فَإِنْ حَفَرَ فَوُجِدَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ عَظْمِ الْمَيِّتِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَفْرِ وَجَبَ رَدُّ تُرَابِهِ عَلَيْهِ وَإِنْ وَجَدَهَا بَعْدَ تَمَامِ الْحَفْرِ جَعَلَهَا فِي جَانِبٍ مِنْ الْقَبْرِ وَجَازَ لِمَشَقَّةِ اسْتِئْنَافِ قَبْرٍ دَفْنُ الْآخَرِ مَعَهُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ قَالُوا يَسْقُطُ فَرْضُ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بِصَبِيٍّ مُمَيِّزٍ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ رَجُلٍ فَهَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِقَضِيَّةِ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ إنَّمَا تَصِحُّ مِمَّنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا وَقْتَ الْمَوْتِ أَوْ لِمَا صَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَدُ مَا ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَلَا يُنَافِيهِ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِأَهْلِيَّةِ الْفَرْضِ أَهْلِيَّةُ صِحَّةِ فِعْلِهِ فَيُوَافِقُ كَلَامَ الْإِسْنَوِيِّ وَقَوْلُهُ إنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَائِضًا عِنْدَ الْمَوْتِ وَطَهُرَتْ بَعْدَ الْغُسْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهَا مَمْنُوعٌ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ هُنَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ كَمَا يَدُلُّ لَهُ تَصْرِيحُهُمْ بِمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ مِنْ سُقُوطِ فَرْضِهَا بِفِعْلِ الْمُمَيِّزِ مَعَ وُجُودِ الرِّجَالِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ قَالُوا الْأَوْلَى بِغَسْلِ الرَّجُلِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَيُقَدَّمُ الْمُعْتِقُ وَعَصَبَتُهُ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَقَدَّمُوا فِي الْمَرْأَةِ ذَوَاتَ الْأَرْحَامِ كَبِنْتِ الْعَمِّ وَبِنْتِ الْعَمَّةِ وَبِنْتِ الْخَالِ وَبِنْتِ الْخَالَةِ عَلَى ذَوَاتِ الْوَلَاءِ فَمَا الْفَرْقُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمَلْحَظَ فِي التَّقْدِيمِ مَعَ الذُّكُورَةِ الْأَحَقُّ بِالتَّقْدِيمِ فِي الصَّلَاةِ وَالْمُعْتِقُ أَحَقُّ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَالْمَلْحَظُ فِي التَّقْدِيمِ مَعَ الْأُنُوثَةِ الْقُرْبُ وَذَوَاتُ الْأَرْحَامِ أَقْرَبُ مِنْ ذَوَاتِ الْوَلَاءِ وَإِنَّمَا كَانَ الْمُعْتِقُ أَحَقَّ بِالصَّلَاةِ مِنْ الْقَرِيبِ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِأَنَّ لَهُ عُصُوبَةً اقْتَضَتْ قُوَّةَ إرْثِهِ وَالْمَدَارُ فِي التَّقْدِيمِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى قُوَّةِ الْإِرْثِ وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ السُّلْطَانُ مُقَدَّمًا هُنَا فِي الْغَسْلِ عَلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ وَمُتَأَخِّرًا عَنْ الْمُعْتِقِ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي نَظِيرِهِ فِي الصَّلَاةِ وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بِأَنَّ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الشَّرَفِ مَا لَا يَنْبُو عَنْ رُتْبَةِ السُّلْطَانِ بِخِلَافِ الْغَسْلِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ هَذَا حَقٌّ ثَبَتَ لَهُ فَلَهُ مُبَاشَرَتُهُ بِنَفْسِهِ وَتَفْوِيضُهُ إلَى غَيْرِهِ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِمَا لَفْظُهُ اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ الْغَرِيبَ الْعَاصِيَ بِغُرْبَتِهِ كَالْآبِقِ وَالنَّاشِزَةِ وَالْغَرِيقَ الْعَاصِيَ بِرَكُوبِهِ الْبَحْرَ كَمَنْ رَكِبَهُ لِشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ لِيَسْرِقَ وَرَدَّهُ الزَّرْكَشِيُّ فَقَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا الْمَيِّتُ

عِشْقًا فَشَرْطُهُ الْعِفَّةُ وَالْكِتْمَانُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِهِ مَنْ يَتَصَوَّرُ إبَاحَةَ نِكَاحِهِ لَهَا شَرْعًا وَيَتَعَذَّرُ الْوُصُولُ إلَيْهَا كَزَوْجَةِ الْمَلِكِ وَإِلَّا فَعِشْقُهُ الْأَمْرَدَ مَعْصِيَةٌ فَكَيْفَ تَحْصُلُ بِهَا دَرَجَةُ الشَّهَادَةِ قَالَ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمَيِّتَةُ بِالطَّلْقِ الْحَامِلُ بِزِنَاهَا فَكَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ أَطْرَافِ كَلَامِهِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى تَنَاقُضٍ فِي الظَّاهِرِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُجَابُ بِأَنَّ الْجِهَةَ فِي الْغُرْبَةِ وَالْغَرَقِ مُنْفَكَّةٌ إذْ الْمُحَصِّلُ لِلْمَعْصِيَةِ لَيْسَ هُوَ الْمُحَصِّلَ لِلزَّهُوقِ بَلْ الْمُحَصِّلُ لَهُ سَبَبٌ آخَرُ غَيْرَ الْغُرْبَةِ وَغَيْرَ رُكُوبِ الْبَحْرِ كَعُرُوضِ رِيحٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ نَاشِئًا عَنْ ذَيْنِكَ فِي الْعَادَةِ وَبِهِ فَارَقَ مَا يَأْتِي فِي الْحَمْلِ مِنْ الزِّنَا وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْعِشْقِ وَالطَّلْقِ فَالْمُحَصِّلُ لِلزُّهُوقِ هُوَ مَا بِهِ الْمَعْصِيَةُ لَا غَيْرُ إذْ لَيْسَ هُنَاكَ سَبَبٌ غَيْرَ الْعِشْقِ وَالْحَمْلِ مَعَ الطَّلْقِ اللَّازِمِ لَهُ الَّذِي لَا يُتَصَوَّرُ انْفِكَاكُهُ عَنْهُ حَتَّى يُحَالَ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ فَلَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَكُونَ مَا بِهِ الْمَعْصِيَةُ مُحَصِّلًا لِلشَّهَادَةِ مَعَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ نَعَمْ لَوْ رَأَى أَمْرَدَ رُؤْيَةً مُبَاحَةً كَأَوَّلِ نَظْرَةٍ فَنَشَأَ مِنْهَا عِشْقُهُ فَعَفَّ فَكَتَمَ فَمَاتَ لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يُقَالَ هُنَا إنَّهُ شَهِيدٌ إذْ لَا مَعْصِيَةَ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِمَا صُورَتُهُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ وَسُنَّتُهَا مُهِمٌّ يُقْصَدُ حُصُولُهُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ بِالذَّاتِ إلَى فَاعِلِهِ وَإِذَا فَعَلَهُ وَاحِدٌ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ الْبَاقِينَ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَصِحَّ فِعْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ صُدُورِهِ مِنْ آخَرَ لِسُقُوطِ الْخِطَابِ بِهِ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بِخِلَافِهِ فَمَا الَّذِي يَظْهَرُ فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَسُنَّتِهَا خِطَابَيْنِ أَحَدُهُمَا يُقْصَدُ بِهِ حُصُولُ الْفِعْلِ لِدَفْعِ الْإِثْمِ فِي الْأَوَّلِ أَوْ خِلَافِ الْأَوْلَى أَوْ الْكَرَاهَةِ فِي الثَّانِي وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَسْقُطُ بِالْوَاحِدِ وَالثَّانِي يُقْصَدُ بِهِ تَحْصِيلُ الْفِعْلِ لِأَجْلِ. مَصْلَحَةِ حُصُولِ الثَّوَابِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا يَسْقُطُ بِالْوَاحِدِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِتْيَانِ بِهِ مِنْ كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ بِعَيْنِهِ فَإِنْ قُلْت يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ سُنَّةُ الْكِفَايَةِ مُتَضَمِّنَةً لِسُنَّةِ الْعَيْنِ قُلْت لَك أَنْ تَلْتَزِمَهُ لَكِنَّ سُنَّةَ الْعَيْنِ الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا سُنَّةُ الْكِفَايَةِ لَيْسَتْ كَسُنَّةِ الْعَيْنِ الْمَطْلُوبَةِ بِخُصُوصِهَا لِأَنَّ هَذِهِ لَيْسَ فِي تَرْكِهَا كَرَاهَةٌ وَلَا خِلَافٌ أَوْلَى بِخِلَافِ تِلْكَ، وَلَك أَنْ تَمْنَعَهُ بِأَنَّ هَذَا الْمُتَضَمَّنَ لَا يُسَمَّى سُنَّةَ عَيْنٍ أَصْلًا لِأَنَّ سُنَّةَ الْعَيْنِ هِيَ الَّتِي طُلِبَتْ مَعَ النَّظَرِ لِفَاعِلِهَا بِالذَّاتِ وَهَذِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَرَتُّبِ الثَّوَابِ عَلَى حُصُولِهَا كَوْنُهَا تُسَمَّى سُنَّةَ عَيْنٍ كَمَا لَا يَخْفَى. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ قَالُوا لَا بُدَّ فِي التَّكْبِيرَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ بِخُصُوصِهِ كَاغْفِرْ لَهُ أَوْ ارْحَمْهُ فَهَلْ يَشْمَلُ ذَلِكَ الطِّفْلَ وَهَلْ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ فَرَطًا لِأَبَوَيْهِ كَافٍ عَنْ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الطِّفْلِ وَغَيْرِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ وَهُوَ صَرِيحٌ وَاضِحٌ وَكَوْنُهُ مَغْفُورًا لَهُ لَا يَمْنَعُ الدُّعَاءَ لَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ لَهُ بِهِ زِيَادَةٌ فِي رَفْعِ دَرَجَتِهِ وَالدُّعَاءُ بِجَعْلِهِ فَرَطًا لِأَبَوَيْهِ إلَخْ الْقَصْدُ بِهِ وَالِدَاهُ بِالذَّاتِ وَإِنْ كَانَ يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُهُ مَغْفُورًا لَهُ إذْ الْفَرَطُ السَّابِقُ الْمُهَيِّئُ لِمَصَالِحِهِمَا وَاللَّوَازِمُ لَا يُكْتَفَى بِهَا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ الْمَطْلُوبِ فِيهِ التَّنْصِيصُ عَلَى مَا يَنْفَعُ الْمَيِّتَ هَذَا مَا يَظْهَرُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَكْفِي اكْتِفَاءً بِاللَّازِمِ الْمَذْكُورِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِمَا لَفْظُهُ وَقَعَ الْوَبَاءُ فِي بِلَادٍ فَهَلْ يُكْرَهُ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْبِلَادِ الدُّخُولُ فِي بَلَدٍ أُخْرَى وَلَا يَحْرُمُ الْخُرُوجُ حِينَئِذٍ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا عَمَّ الْوَبَاءُ قُطْرًا مِنْ الْأَقْطَارِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ حِينَئِذٍ الْخُرُوجُ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ أُخْرَى مِنْهُ وَلَا دُخُولُهَا لِفَوَاتِ الْمَعْنَى الْمُعَلَّلِ بِهِ حُرْمَةُ الْخُرُوجِ وَكَرَاهَةُ الدُّخُولِ حِينَئِذٍ وَقَدْ نُقِلَ مَا يُوَافِقُ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ بِنْتِ الْأَعَزِّ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فَإِنْ قُلْت الْغُرَبَاءُ أَسْرَعُ تَأَثُّرًا أَيَّامَ الْوَبَاءِ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ فَيَنْبَغِي كَرَاهَةُ الدُّخُولِ وَإِنْ عَمَّ قُلْت هُوَ كَذَلِكَ إنْ تَبَاعَدَتْ الْبُلْدَانُ تَبَاعُدًا فَاحِشًا بِحَيْثُ يَقْضِي أَهْلُ الْخِبْرَةِ بِاخْتِلَافِ هَوَائِهِمَا لِأَنَّ الدَّاخِلَ حِينَئِذٍ لِلْبَلَدِ الْبَعِيدَةِ يَكُونُ بَدَنُهُ أَسْرَعَ انْفِعَالًا وَتَأَثُّرًا بِهَوَاءِ تِلْكَ الْبَلَدِ وَإِنْ كَانَ الْوَبَاءُ فِي بَلْدَةٍ أَيْضًا. فَإِنْ قُلْت لَعَلَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْأَطِبَّاءُ مِنْ أَنَّ الطَّاعُونَ إنَّمَا يَنْشَأُ عَنْ فَسَادِ الْهَوَاءِ وَاَلَّذِي ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ مِنْ الْجِنِّ قُلْت لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى ذَلِكَ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ أَنَّ الْجِنَّ يَكُونُ لَهُمْ مَزِيدُ تَسَلُّطٍ عَلَى الْغُرَبَاءِ أَكْثَرَ وَعَلَى هَذَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَلَدِ الْبَعِيدَةِ

وَالْقَرِيبَةِ وَعَلَى تَسْلِيمِ كَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَيْهِ فَلَا مَانِعَ مِنْ اجْتِمَاعِ السَّبَبَيْنِ مِنْ فَسَادِ الْهَوَاءِ وَطَعْنِ الْجِنِّ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ فُقَهَائِنَا إنَّ الْوَصِيَّةَ أَيَّامَ الْوَبَاءِ وَلَوْ مِنْ الصَّحِيحِ تَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِأَنَّ الْهَوَاءَ قَدْ فَسَدَ فَالْأَبْدَانُ كُلُّهَا مُشْرِفَةٌ عَلَى التَّغَيُّرِ وَالْفَسَادِ وَإِنْ لَمْ تَحُسَّ بِذَلِكَ وَكَلَامُهُمْ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ فَسَادَ الْهَوَاءِ لَهُ دَخْلٌ وَإِنْ كَانَ طَعْنُ الْجِنِّ لَهُ دَخْلٌ أَيْضًا وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجْعَلُ لِتَسَلُّطِ الْجِنِّ عَلَى الطَّعْنِ أَمَارَةً وَهِيَ فَسَادُ الْهَوَاءِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا صُورَتُهُ مَا تَقُولُونَ فِي مَسْأَلَةٍ وَقَعَ فِيهَا جَوَابَانِ مُخْتَلِفَانِ صُورَتُهَا صَحْرَاءُ وَاسِعَةٌ يَسِيلُ مَاؤُهَا إذَا أَتَى الْمَطَرُ فِي بُسْتَانِ جَمَاعَةٍ وَفِي الصَّحْرَاءِ الْمَذْكُورَةِ مَقْبَرَةٌ جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّ مَنْ أَرَادَ الدَّفْنَ فِيهَا فَلَا مَانِعَ لَهُ وَلَيْسَتْ مَوْقُوفَةً فَدُفِنَ فِيهَا رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ فَهَلْ يَجُوزُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ مَدْرَسَةً أَوْ قُبَّةً أَوْ تُرْبَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ لِيَنْتَفِعَ الْحَيُّ وَالْمَيِّتُ بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا وَلِيَتَمَيَّزَ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ وَيَكْثُرُ زُوَّارُهُ وَالتَّبَرُّكُ بِهِ أَوْ لَا؟ أَجَابَ الْأَوَّلُ فَقَالَ يُكْرَهُ الْبِنَاءُ فِي الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ بَلْ لَا يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَى النَّاسِ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ شَهَابُ الدِّينِ الْأَذْرَعِيُّ الْوَجْهُ فِي الْبِنَاءِ عَلَى الْقُبُورِ مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ ابْنِ كَجٍّ مِنْ التَّحْرِيمِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ مِلْكِهِ وَغَيْرِهِ لِلنَّهْيِ الْعَامِّ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الِابْتِدَاعِ بِالْقَبِيحِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ وَالسَّرَفِ وَالْمُبَاهَاةِ وَمُضَاهَاةِ الْجَبَابِرَةِ وَالْكُفَّارِ وَالتَّحْرِيمُ يَثْبُتُ بِدُونِ ذَلِكَ اهـ جَوَابُ الْأَوَّلِ؟ وَأَجَابَ الثَّانِي فَقَالَ يَجُوزُ الْبِنَاءُ فِي الصَّحْرَاءِ الْمَذْكُورَةِ لِأُمُورٍ أَحَدُهَا أَنَّ هَذِهِ الصَّحْرَاءَ حُكْمُهَا حُكْمُ الْمَوَاتِ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْعِمَادِ إنْ كَانَتْ أَيْ الْمَقْبَرَةُ مَوَاتًا لَمْ يَحْرُمْ الْبِنَاءُ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً جَازَ الْبِنَاءُ فِيهَا بِإِذْنِ الْمَالِكِ الْأَمْرُ. الثَّانِي أَنَّ الْإِمَامَ بَدْرَ الدِّينِ الزَّرْكَشِيّ نَقَلَ فِي الْخَادِمِ عَنْ الشَّيْخِ الْإِمَامِ شَرَفِ الدِّينِ الْأَنْصَارِيِّ كَلَامًا طَوِيلًا فِي الْكَلَامِ عَلَى الْقَرَافَةِ ذَكَرَ فِي أَثْنَائِهِ أَنَّ السَّلَفَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - شَاهَدُوا هَذِهِ الْقَرَافَةَ الْكُبْرَى وَالصُّغْرَى مِنْ الزَّمَانِ الْمُتَقَدِّمِ وَبُنِيَ فِيهَا التُّرَبُ وَالدُّورُ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَعْصَارِ لَا بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ قَالَ وَقَدْ بَنَوْا فِيهِ قُبَّةَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَدْرَسَتَهُ وَهَكَذَا سَائِرُ الْمَزَارَاتِ إلَى آخِرِ كَلَامِ الشَّرَفِ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَاقْتَضَى كَلَامُهُ عَدَمَ تَحْرِيمِ الْبِنَاءِ فِي الْمُسَبَّلَةِ قَالَ وَإِذَا لَمْ يَحْرُمْ فِي مُسَبَّلَةٍ لَمْ يَحْرُمْ فِي مَوَاتٍ وَمَمْلُوكٍ بِإِذْنِ مَالِكِهِ مِنْ بَابِ أَوْلَى قَالَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْأَذْرَعِيِّ. الثَّالِثُ أَنَّ الْحَاكِمَ قَالَ فِي مُسْتَدْرَكِهِ إثْرَ تَصْحِيحِ أَحَادِيثِ النَّهْيِ عَنْ الْبِنَاءِ وَالْكَتْبِ عَلَى الْقُبُورِ لَيْسَ الْعَمَلُ عَلَيْهَا فَإِنَّ أَئِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ شَرْقًا وَغَرْبًا الْبِنَاءُ عَلَى قُبُورِهِمْ وَهُوَ أَمْرٌ أَخَذَهُ الْخَلَفُ عَنْ السَّلَفِ قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فَيَكُونُ إجْمَاعًا الْأَمْرُ الرَّابِعُ أَنَّ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ الْأَذْرَعِيُّ فِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ ذَكَرَ هُوَ فِي الْوَصَايَا عَنْ الشَّيْخَيْنِ مِنْ غَيْرِ اعْتِرَاضٍ عَلَيْهِمَا جَوَازَ الْوَصِيَّةِ لِعِمَارَةِ قُبُورِ الْأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ لِمَا فِيهَا مِنْ إحْيَاءِ الزِّيَارَةِ وَالتَّبَرُّكِ بِهَا وَقَالَ أَعْنِي الْإِمَامَ الْأَذْرَعِيَّ فِي الْوَقْفِ بَعْد نَقْلِهِ هَذَا الْكَلَامَ قُلْت وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ الْوَقْفِ عَلَى عِمَارَةِ هَذَا النَّوْعِ وَيَخْتَصُّ الْمَنْعُ بِغَيْرِهِ وَعَلَى جَوَازِ الْوَقْفِ عَلَى قُبُورِ أَهْلِ الْخَيْرِ الْعَمَلُ اهـ الْمَقْصُودُ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ الْأَذْرَعِيِّ. وَقَدْ ذَكَرَ هُوَ أَيْضًا فِي الْوَصَايَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ وَالْوَقْفَ إنَّمَا يَجُوزَانِ فِيمَا يَكُونُ قُرْبَةً عِنْدَ الْمُوصِي أَوْ الْوَاقِفِ الْأَمْرُ الْخَامِسُ أَنَّ بَعْضَ عُلَمَاءِ أَئِمَّتِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ ذَكَرَ كَلَامًا حَسَنًا يُؤَيِّدُ جَوَازَ الْبِنَاءِ فَقَالَ قُلْت ذَكَرُوا صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ لِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَقُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَأَلْحَقَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ بِهَا قُبُورَ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ لِمَا فِيهَا مِنْ الْإِحْيَاءِ بِالزِّيَارَةِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْوَسِيطِ وَالْإِحْيَاءِ كَلَامًا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْبِنَاءِ عَلَى قُبُورِ عُلَمَاءِ الدِّينِ وَمَشَايِخِ الْإِسْلَامِ وَسَائِرِ الصُّلَحَاءِ وَلَا يَبْعُدُ جَوَازُ ذَلِكَ حَمْلًا عَلَى الْإِكْرَامِ قَالَ وَفِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ لِلْإِمَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ مَا يَدُلَّ عَلَى جَوَازِ الْبِنَاءِ كَمَا فِي الْوَسِيطِ وَالْإِحْيَاءِ بَلْ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَلَا شَكَّ فِي ذَلِكَ لِوُجُودِهِ فِي جَمِيعِ أَمْصَارِ الْإِسْلَامِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا قَالَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ وُلَاةِ أُمُورِ الدِّينِ إنْكَارٌ فِيهِ بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ مَعَ عَدَمِ الشَّكِّ فِي تَمَكُّنِهِمْ مِنْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اهـ السُّؤَالُ فَمَا الْمُرَجِّحُ

الْمُعْتَمَدُ مِنْ الْجَوَابَيْنِ وَمَا قَوْلُكُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكُمْ إذَا كَانَتْ الصَّحْرَاءُ الَّتِي فِيهَا الْمَقْبَرَةُ الْمَذْكُورَةُ غَيْرَ مَوْقُوفَةٍ وَكَانَتْ صِفَتُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا فَهَلْ يَا شَيْخَ الْإِسْلَامِ حُكْمُ هَذِهِ الصَّحْرَاءِ حُكْمُ الْمُسَبَّلَةِ لِكَوْنِ مَنْ أَرَادَ الدَّفْنَ فِيهَا فَلَا مَانِعَ لَهُ أَمْ حُكْمُهَا حُكْمُ الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ لِكَوْنِ مَائِهَا إذَا أَتَى الْمَطَرُ يَسِيلُ فِي بُسْتَانِ جَمَاعَةٍ أَمْ حُكْمُهَا حُكْمُ الْأَرْضِ الْمَوَاتِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ مِنْ عُلَمَاءِ الْعَصْرِ. فَإِنْ قُلْتُمْ حُكْمُهَا حُكْمُ الْمُسَبَّلَةِ فَإِذَا كَانَتْ الصَّحْرَاءُ وَاسِعَةً فَهَلْ يَجُوزُ الْبِنَاءُ فِيهَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ التَّضْيِيقُ لِسِعَةِ الْبُقْعَةِ سِيَّمَا أَنَّهُمْ عَلَّلُوا كَرَاهَةَ الْبِنَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ بَلْ هَذَا التَّعْلِيلُ فِي جَوَابِ الْأَوَّلِ وَإِنْ قُلْتُمْ حُكْمُهَا حُكْمُ الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ جَازَ الْبِنَاءُ فِيهَا بِإِذْنِ الْمَالِكِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ الْإِمَامِ ابْنِ الْعِمَادِ. وَإِنْ قُلْتُمْ حُكْمُهَا حُكْمُ الْمَوَاتِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ مِنْ عُلَمَاءِ الْعَصْرِ فَمَنْ أَحْيَاهَا أَوْ قِطْعَةً مِنْهَا مَلَكَهَا وَصَارَتْ مِلْكًا لَهُ مِنْ أَمْلَاكِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا كَيْفَ يَشَاءُ كَمَا قَالَ هَذَا الْمُفْتِي بَلْ كَلَامُ مَنْ جَوَّزَ الْبِنَاءَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْبِنَاءُ فِي مَوَاتٍ أَوْ مِلْكٍ أَوْضِحُوا لَنَا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ بِجَوَابٍ شَافٍ يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ وَمَا قَوْلُكُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكُمْ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ يُكْرَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْقَبْرِ وَالْكِتَابَةُ وَأَنْ يُعَلَّمَ بِعَلَامَةٍ زَائِدَةٍ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ الْبِنَاءُ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ مِنْ الْمَشَايِخِ وَالْعُلَمَاءِ وَالسَّادَاتِ نُقِلَ مِنْ جَامِعِ الْفَتَاوَى هَلْ الْكَرَاهَةُ لِلتَّنْزِيهِ. وَقَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ الْبِنَاءُ إلَخْ هَلْ رَأَيْتُمْ مَا يُعَضِّدُهُ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا فِي السُّؤَالِ الْأَوَّلِ وَمَا قَوْلُكُمْ فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِكُمْ وَأَعَادَ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَتِكُمْ فِي قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ فِي الْجَنَائِزِ يُكْرَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْقَبْرِ وَقَالَا فِي الْوَصِيَّةِ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِعِمَارَةِ قُبُورِ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِحْيَاءِ بِالزِّيَارَةِ وَالتَّبَرُّكِ بِهَا هَلْ هَذَا تَنَاقُضٌ مَعَ عِلْمِكُمْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَنْفُذُ بِالْمَكْرُوهِ فَإِنْ قُلْتُمْ هُوَ تَنَاقُضٌ فَمَا الرَّاجِحُ وَإِنْ قُلْتُمْ لَا فَمَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمَنْقُولُ الْمُعْتَمَدُ كَمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ حُرْمَةُ الْبِنَاءِ فِي الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ فَإِنْ بُنِيَ فِيهَا هُدِمَ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ قُبُورِ الصَّالِحِينَ وَالْعُلَمَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَمَا فِي الْخَادِمِ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ ضَعِيفٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَكَمْ أَنْكَرَ الْعُلَمَاءُ عَلَى بَانِي قُبَّةِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرِهَا وَكَفَى بِتَصْرِيحِهِمْ فِي كُتُبِهِمْ إنْكَارًا وَالْمُرَادُ بِالْمُسَبَّلَةِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ الَّتِي اعْتَادَ أَهْلُ الْبَلَدِ الدَّفْنَ فِيهَا أَمَّا الْمَوْقُوفَةُ وَالْمَمْلُوكَةُ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهَا فَيَحْرُمُ الْبِنَاءُ فِيهِمَا مُطْلَقًا قَطْعًا إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْمَقْبَرَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا السَّائِلُ يَحْرُمُ الْبِنَاءُ فِيهَا وَيُهْدَمُ مَا بُنِيَ فِيهَا وَإِنْ كَانَ عَلَى صَالِحٍ أَوْ عَالِمٍ فَاعْتَمِدْ ذَلِكَ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا يُخَالِفُهُ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فَقَدْ عُلِمَ جَوَابُهَا مِمَّا تَقَرَّرَ وَهُوَ أَنَّهُ حَيْثُ اُعْتِيدَ الدَّفْنُ فِي مَحَلٍّ مِنْ الصَّحْرَاءِ حَرُمَ الْبِنَاءُ فِيهَا وَهُدِمَ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ تَضْيِيقٌ فِي الْحَالِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ فِي الِاسْتِقْبَالِ وَلِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْبِنَاءِ أَنْ يُضَيِّقَ وَكَوْنُ مَائِهَا إذَا أَتَى الْمَطَرُ يَسِيلُ إلَى بُسْتَانِ جَمَاعَةٍ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا مُسَبَّلَةً وَيُلْحِقُهُ بِالْمَوَاتِ خِلَافًا لِمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْمُفْتِينَ نَعَمْ إنْ اتَّخَذَ أَصْحَابُ الْبُسْتَانِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ الَّذِي اُعْتِيدَ الدَّفْنُ فِيهِ مَجَارِيَ لِلْمَاءِ حَتَّى يَصِلَ إلَى بُسْتَانِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ الِاتِّخَاذُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ ذَلِكَ الْمَحَلُّ مُسَبَّلًا مَلَكُوا تِلْكَ الْمَجَارِيَ وَحَرِيمَهَا وَلَمْ يَجُزْ الدَّفْنُ فِيهَا وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فَالْحَاصِلُ مِنْ اضْطِرَابٍ وَقَعَ لِلشَّيْخَيْنِ فِيهَا أَنَّ قَوْلَهُمَا فِي الْجَنَائِزِ يُكْرَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْقَبْرِ مُرَادُهُمَا بِنَاءٌ فِي مِلْكِ الشَّخْصِ أَوْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ فَإِنْ أَرَادَ الْمُسَبَّلَةَ أَوْ الْمَوْقُوفَةَ كَانَ مُرَادُهُمَا كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ وَمَا ذَكَرَاهُ فِي الْوَصَايَا مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْبِنَاءِ فِي الْمُسَبَّلَةِ لِمَا تَقَرَّرَ لَك أَوَّلًا وَكَرَاهَةُ الْكِتَابَةِ وَمَا بَعْدَهَا لِلتَّنْزِيهِ لَا لِلتَّحْرِيمِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ مَا حُكْمُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ عِنْدَ سَدِّ فَتْحِ اللَّحْدِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هُوَ بِدْعَةٌ إذْ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ شَيْءٌ وَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ فِيهِ غَيْرُ مُعَوَّلٍ عَلَيْهِ ثُمَّ رَأَيْت الْأَصْبَحِيَّ أَفْتَى بِمَا ذَكَرْتَهُ فَإِنَّهُ سُئِلَ هَلْ وَرَدَ فِيهِمَا خَبَرٌ عِنْدَ ذَلِكَ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ لَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خَبَرًا وَلَا أَثَرًا إلَّا شَيْئًا يُحْكَى عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ قَالَ لَعَلَّهُ مَقِيسٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فِي أُذُنِ الْمَوْلُودِ وَكَأَنَّهُ يَقُولُ الْوِلَادَةُ أَوَّلُ الْخُرُوجِ إلَى الدُّنْيَا وَهَذَا آخِرُ الْخُرُوجِ مِنْهَا وَفِيهِ ضَعْفٌ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِتَوْقِيفٍ أَعْنِي تَخْصِيصَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ

وَإِلَّا فَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى مَحْبُوبٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ إلَّا فِي وَقْتِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ اهـ كَلَامُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ ذَلِكَ بِدْعَةٌ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ ضَعْفِ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ يُعْلَمُ دَفْعُهُ بِأَدْنَى تَوَجُّهٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا حُكْمُ بِنَاءِ الْقُبُورِ قَدْرَ مِدْمَاكَيْنِ فَقَطْ وَهَلْ يَجُوزُ أَخْذُ حِجَارَةِ الْقُبُورِ لِسَدِّ فَتْحِ لَحْدٍ أَوْ لِبِنَاءِ قَبْرٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ بِنَاءُ الْقَبْرِ فِي الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ سَوَاءٌ أَظْهَرَ بِبُنْيَانِهِ تَضْيِيقٌ فِي الْحَالِ أَمْ لَا وَهِيَ الَّتِي اعْتَادَ أَهْلُ الْبَلَدِ الدَّفْنَ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهَا مُسَبِّلٌ وَأَلْحَقَ بِهَا الْأَذْرَعِيُّ الْمَوَاتَ لِأَنَّ فِيهِ تَضْيِيقًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِمَا لَا مَصْلَحَةَ وَلَا غَرَضٌ شَرْعِيٌّ فِيهِ بِخِلَافِ الْإِحْيَاءِ وَهُوَ أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ يَجُوزُ وَيُهْدَمُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنْ قُلْنَا الْكَرَاهَةُ لِلتَّنْزِيهِ وَيَظْهَرُ أَنَّ الَّذِي يَهْدِمُهُ هُوَ الْحَاكِمُ لَا الْآحَادُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ فِي بَابِ الصُّلْحِ لِمَا يُخْشَى فِيهِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَسَوَاءٌ فِيمَا ذُكِرَ الْبِنَاءُ فِي حَرِيمِ الْقَبْرِ وَخَارِجِهِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ وَمِنْ الْمُسَبَّلَةِ الْمَوْقُوفَةِ بَلْ أَوْلَى. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَالْبِنَاءُ فِي الْمَقَابِرِ أَمْرٌ قَدْ عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى وَطَمَّ وَلَقَدْ تَضَاعَفَ الْبِنَاءُ حَتَّى انْتَقَلَ لِلْمُبَاهَاةِ وَالشُّهْرَةِ وَسُلِّطَتْ الْمَرَاحِيضُ عَلَى أَمْوَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَالْأَشْرَافِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ اهـ وَلَيْسَ هَذَا خَاصًّا بِتُرَبِ مِصْرَ بَلْ انْتَقَلَ نَظِيرُ ذَلِكَ وَأَفْحَشُ مِنْهُ إلَى تُرْبَتَيْ الْمَعْلَاةِ وَالْبَقِيعِ حَتَّى صَارَ يَقَعُ فِيهِمَا مِنْ الْمَفَاسِدِ مَا لَا يَقَعُ فِي غَيْرِهِمَا وَسَبَبُهُ وُلَاةُ السُّوءِ وَقُضَاةُ الْجَوْرِ ثُمَّ ظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْبِنَاءِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لِأَنَّ عِلَّةَ الْحُرْمَةِ أَنَّهُ يَتَأَبَّدُ بِالْجَصِّ وَإِحْكَامِ الْبِنَاءِ فَيُمْنَعُ عَنْ الدَّفْنِ هُنَاكَ بَعْدَ الْبِلَى وَالِانْمِحَاقِ وَهَذَا يَجْرِي فِي الْبِنَاءِ الْقَلِيلِ فَهُوَ حَرَامٌ كَالْكَثِيرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) أَدَامَ اللَّهُ النَّفْعَ بِهِ مَا حُكْمُ الْمَرَاثِي وَهَلْ أَحَدٌ قَالَ فِيهَا مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمَشْهُورِينَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ عِبَارَةُ شَرْحِي لِلْعُبَابِ وَيَحْرُمُ النَّدْبُ مَعَ الْبُكَاءِ كَمَا حَكَاهُ فِي الْأَذْكَارِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ قَالَ وَإِلَّا لَدَخَلَ الْمُؤَرِّخُ وَالْمَادِحُ لَكِنَّهُ فِي الرَّوْضَةِ تَبِعَ الرَّافِعِيَّ فِي حَذْفِ التَّقْيِيدِ بِالْبُكَاءِ وَاعْتَمَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِ الْآتِي وَهُوَ تَعْدِيدُ مَحَاسِنِ الْمَيِّتِ كَوَاكَهْفَاهُ وَاجَبَلَاهُ وَا سَنَدَاهْ وَا كَرِيمَاهْ وَذَلِكَ لِمَا يَأْتِي بَلْ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمْعِ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ قَالَ فِيهِ وَجَاءَ فِي الْإِنَاحَةِ مَا يُشْبِهُ النَّدْبَ وَلَيْسَ مِنْهُ وَهُوَ خَبَرُ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ الْكَرْبُ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ وَا أَبَتَاهْ فَقَالَ لَيْسَ عَلَى أَبِيك كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ» فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ وَا أَبَتَاهُ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ يَا أَبَتَاهُ إلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهُ ثُمَّ قُلْت فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَيُكْرَهُ تَرْثِيَةُ الْمَيِّتِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ لِلنَّهْيِ عَنْ الْمَرَاثِي وَفَسَّرُوهَا بِأَنَّهَا عَدُّ مَحَاسِنِهِ أَيْ بِغَيْرِ صِيغَةِ النَّدْبِ السَّابِقَةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ اتِّحَادُهَا مَعَهَا وَقَدْ أَطْلَقَهَا الْجَوْهَرِيُّ عَلَى عَدِّ مَحَاسِنِهِ مَعَ الْبُكَاءِ وَعَلَى نَظْمِ الشِّعْرِ فِيهِ فَيُكْرَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ. قَالَ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ مِنْهُمْ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ وَلَعَلَّهُ أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ كَرَاهَةِ التَّرْثِيَةِ إذَا بَعَثَتْ عَلَى النَّوْحِ وَتَجْدِيدِ الْحُزْنِ أَوْ ظَهَرَ مِنْهَا تَبَرُّمٌ أَوْ فُعِلَتْ مَعَ الِاجْتِمَاعِ لَهَا أَوْ أُكْثِرَ مِنْهَا لَكِنْ خَالَفَ الْأَذْرَعِيُّ فِي بَعْضِ ذَلِكَ إنْ بَعَثَتْ عَلَى ذَلِكَ أَيْ النَّوْحِ وَنَحْوِهِ مِمَّا ذُكِرَ كَمَا يَصْنَعُهُ الشُّعَرَاءُ فِي عُظَمَاءِ الدُّنْيَا وَيُنْشَدُ فِي الْمَحَافِلِ عَقِبَ الْمَوْتِ فَهِيَ نِيَاحَةٌ مُحَرَّمَةٌ بِلَا شَكٍّ اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بَعْضُ الْمَرَاثِي حَرَامٌ كَالنَّوْحِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّبَرُّمِ بِالْقَضَاءِ إلَّا إذَا ذَكَرَ مَنَاقِبَ عَالَمٍ وَرِعٍ أَوْ صَالِحٍ لِلْحَثِّ عَلَى سُلُوكِ طَرِيقَتِهِ وَحُسْنِ الظَّنِّ بِهِ بَلْ هِيَ حِينَئِذٍ بِالطَّاعَةِ وَالْمَوْعِظَةِ أَشْبَهُ لِمَا يَنْشَأُ عَنْهَا مِنْ الْبِرِّ وَالْخَيْرِ وَمِنْ ثَمَّ مَازَالَ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ يَفْعَلُونَهَا عَلَى مَمَرِّ الْأَعْصَارِ مِنْ غَيْرِ إنْكَارٍ وَقَدْ قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ مَاذَا عَلَى مَنْ شَمَّ تُرْبَةَ أَحْمَدَا ... أَنْ لَا يَشُمَّ مَدَى الزَّمَانِ غَوَالِيَا صُبَّتْ عَلَيَّ مَصَائِبُ لَوْ أَنَّهَا ... صُبَّتْ عَلَى الْأَيَّامِ عُدْنَ لَيَالِيَا

وَقَدْ رَثَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَثِيرُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ كَأَبِي بَكْرٍ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَحَسَّانَ وَصَفِيَّةَ عَمَّتِهِ وَغَيْرِهِمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) أَدَامَ اللَّهُ النَّفْعَ بِعُلُومِهِ أَنْ يَتَفَضَّلَ بِذِكْرِ شَيْءٍ فِي مَوْتِ الْأَوْلَادِ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ لِأَنَّهُ عَمَّ فِي هَذَا الْعَامِّ مَوْتُ الصِّغَارِ بِالطَّاعُونِ فَلَعَلَّ آبَاءَهُمْ يَتَصَبَّرُونَ بِسَبَبِ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَمَّا مُطْلَقُ الصَّبْرِ فَلَهُ فَضَائِلُ كَثِيرَةٌ وَفِيهَا أَحَادِيثُ شَهِيرَةٌ مِنْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الصَّبْرُ نِصْفُ الْإِيمَانِ وَالْيَقِينُ الْإِيمَانُ كُلُّهُ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الصَّبْرُ مِنْ الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنْ الْجَسَدِ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا رُزِقَ عَبْدٌ خَيْرًا لَهُ وَلَا أَوْسَعَ مِنْ الصَّبْرِ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَفْضَلُ الْإِيمَانِ الصَّبْرُ وَالسَّمَاحَةُ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نِعْمَ سِلَاحُ الْمُؤْمِنِ الصَّبْرُ وَالدُّعَاءُ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «النَّصْرُ مَعَ الصَّبْرِ وَالْفَرَجُ مَعَ الْكَرْبِ وَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «انْتِظَارُ الْفَرَجِ بِالصَّبْرِ عِبَادَةٌ وَمَنْ رَضِيَ بِالْقَلِيلِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِالْقَلِيلِ مِنْ الْعَمَلِ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الصَّبْرَ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الصَّابِرُ الصَّابِرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الصَّبْرُ ثَلَاثَةٌ صَبْرٌ عَلَى الْمُصِيبَةِ وَصَبْرٌ عَلَى الطَّاعَةِ وَصَبْرٌ عَنْ الْمَعْصِيَةِ فَمَنْ صَبَرَ عَلَى الْمُصِيبَةِ حَتَّى يَرُدَّهَا بِحُسْنِ عَزَائِمِهَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ ثَلَاثَمِائَةِ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ صَبَرَ عَلَى الطَّاعَةِ كَتَبَ لَهُ سِتَّمِائَةِ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ تُخُومِ الْأَرْضِ إلَى مُنْتَهَى الْأَرَضِينَ وَمَنْ صَبَرَ عَنْ الْمَعْصِيَةِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ تِسْعَمِائَةِ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ تُخُومِ الْأَرْضِ إلَى مُنْتَهَى الْعَرْشِ مَرَّتَيْنِ» . وَأَمَّا الصَّبْرُ عَلَى مَوْتِ الْأَوْلَادِ فَفِيهِ فَضَائِلُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَفِيهِ أَحَادِيثُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُسْتَقْصَى مِنْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمَلَائِكَتِهِ قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيَقُولُ أَقَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيَقُولُ مَاذَا قَالَ عَبْدِي فَيَقُولُونَ حَمِدَك وَاسْتَرْجَعَ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ» وَمِنْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَمُوتُ لَهُمَا ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا حِنْثًا إلَّا أَدْخَلَهُمَا اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إيَّاهُمْ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ دَفَنَ ثَلَاثَةً مِنْ الْوَلَدِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إلَّا تَلْقَوْهُ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ دَخَلَ» . وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إذَا وَجَّهْتُ إلَى عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِي مُصِيبَةً فِي بَدَنِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ أَوْ فِي مَالِهِ فَاسْتَقْبَلَهَا بِصَبْرٍ جَمِيلٍ اسْتَحْيَيْتُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ أَنْصِبَ لَهُ مِيزَانًا أَوْ أَنْشُرَ لَهُ دِيوَانًا» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَرْضَى لِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ إذَا ذَهَبَ بِصَفِيِّهِ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ بِثَوَابٍ لَهُ دُونَ الْجَنَّةِ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَقُولُ اللَّهُ مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثَمَّ احْتَسَبَهُ إلَّا الْجَنَّةُ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ النَّاسِ مِنْ مُسْلِمٍ يُتَوَفَّى لَهُ ثَلَاثٌ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إيَّاهُمْ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَمُوتُ بَيْنَهُمَا ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إلَّا أَدْخَلَهُمَا اللَّهُ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إيَّاهُمْ الْجَنَّةَ فَيُقَالُ لَهُمْ اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ فَيَقُولُونَ حَتَّى يَدْخُلَ آبَاؤُنَا فَيُقَالُ لَهُمْ اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ تُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْهَا ثَلَاثَةً مِنْ وَلَدِهَا إلَّا كَانُوا لَهَا حِجَابًا مِنْ النَّارِ قَالَتْ امْرَأَةٌ وَاثْنَيْنِ قَالَ وَاثْنَيْنِ» . وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ احْتَسَبَ ثَلَاثَةً مِنْ صُلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ قَالَتْ امْرَأَةٌ وَاثْنَانِ قَالَ وَاثْنَانِ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قُدِّمَ لَهُ ثَلَاثَةٌ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ كَانُوا لَهُ حِصْنًا حَصِينًا مِنْ النَّارِ وَاثْنَيْنِ وَوَاحِدٌ وَلَكِنْ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ صَدْمَةٍ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَمُوتُ لِمُسْلِمٍ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَيَلِجَ النَّارَ إلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَمُوتُ لِإِحْدَاكُنَّ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَتَحْتَسِبَهُمْ إلَّا دَخَلَتْ الْجَنَّةَ وَاثْنَانِ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّ السُّقْطَ لَيَجُرُّ أُمَّهُ بِسُرَرِهِ إلَى الْجَنَّةِ إذَا

احْتَسَبَتْهُ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَسِقْطٌ أُقَدِّمُهُ بَيْنَ يَدَيَّ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ فَارِسٍ أُخَلِّفُهُ خَلْفِي» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ أَبْغَضَ الْعِبَادِ إلَى اللَّهِ الْعِفْرِيتُ النِّفْرِيتُ الَّذِي لَمْ يُرْزَأْ أَيْ يُصَبْ فِي مَالٍ وَلَا وَلَدٍ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَخٍ بَخٍ مَا أَثْقَلَهُنَّ فِي الْمِيزَانِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَالْوَلَدُ الصَّالِحُ يُتَوَفَّى لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فَيَحْتَسِبُهُ» . وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الرَّجُلَ مِنْ أُمَّتِي لَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ فَيَشْفَعُ لِأَكْثَرَ مِنْ مُضَرَ وَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْ أُمَّتِي لَيَعْظُمُ لِلنَّارِ حَتَّى يَكُونَ أَحَدَ زَوَايَاهَا وَمَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يُقَدِّمَانِ أَرْبَعَةً مِنْ وَلَدَيْهِمَا إلَّا أَدْخَلَهُمَا اللَّهُ الْجَنَّةِ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ قَالُوا أَوْ ثَلَاثَةً قَالَ أَوْ ثَلَاثَةً قَالُوا أَوْ اثْنَيْنِ قَالَ أَوْ اثْنَيْنِ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَعَسُّرُ نَزْعِ الصَّبِيِّ تَمْحِيصٌ لِلْوَالِدَيْنِ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِامْرَأَةٍ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدَّمْتُ ثَلَاثَةً مِنْ الْوَلَدِ فَقَالَ لَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَدْ احْتَظَرْت بِحِظَارٍ شَدِيدٍ مِنْ النَّارِ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ امْرَأَيْنِ مُسْلِمَيْنِ هَلَكَ بَيْنَهُمَا وَلَدَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ فَاحْتَسَبَا وَصَبَرَا فَيَرَيَانِ النَّارَ أَبَدًا» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَمُوتُ لَهُمَا ثَلَاثَةٌ مِنْ أَوْلَادِهِمَا لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إلَّا كَانُوا لَهُمَا حِصْنًا حَصِينًا مِنْ النَّارِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ قَالَ وَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ قَالُوا وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا قَالَ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا وَلَكِنْ إنَّمَا ذَاكَ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أُصِيبَ لَهُ وَلَدَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ فَاحْتَسَبَهُمْ كَانُوا لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ» . وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ دَفَنَ ثَلَاثَةً مِنْ الْوَلَدِ فَصَبَرَ عَلَيْهِمْ وَاحْتَسَبَهُمْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَمَنْ دَفَنَ اثْنَيْنِ فَصَبَرَ عَلَيْهِمَا وَاحْتَسَبَهُمَا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَمَنْ دَفَنَ وَاحِدًا فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ كَانَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَدَّمَ ثَلَاثَةً لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ كَانُوا لَهُ حِصْنًا حَصِينًا مِنْ النَّارِ قَالَ أَبُو ذَرٍّ قَدَّمْتُ اثْنَيْنِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَاثْنَيْنِ قَالَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ قَدَّمْتُ وَاحِدًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَوَاحِدًا وَلَكِنَّ ذَاكَ فِي أَوَّلِ صَدْمَةٍ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَدَّمَ شَيْئًا مِنْ وَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا حَجَبُوهُ بِإِذْنِ اللَّهِ مِنْ النَّارِ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ لَهُ فَرَطَانِ مِنْ أُمَّتِي أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ قَالَتْ عَائِشَةُ فَمَنْ كَانَ لَهُ فَرَطٌ قَالَ وَمَنْ كَانَ لَهُ فَرَطٌ يَا مُوَفَّقَةُ قَالَتْ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَطٌ قَالَ فَأَنَا فَرَطُ أُمَّتِي لَمْ يُصَابُوا بِمِثْلِي» . وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ لَمْ يَرِدْ النَّارَ إلَّا عَابِرَ سَبِيلٍ يَعْنِي الْجَوَازَ عَلَى الصِّرَاطِ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَا عُثْمَانُ أَمَا تَرْضَى بِأَنَّ لِلْجَنَّةِ ثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ وَلِلنَّارِ سَبْعَةَ أَبْوَابٍ لَا تَنْتَهِي إلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ إلَّا وَجَدْتَ ابْنَك قَائِمًا عِنْدَهُ آخِذًا بِحُجْزَتِك يَشْفَعُ لَك عِنْدَ رَبِّك قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَنَا فِي فَرَطِنَا مَا لِعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ قَالَ نَعَمْ لِمَنْ صَبَرَ وَاحْتَسَبَ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَأَنْ أُقَدِّمَ سِقْطًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ مِائَةِ مُسْتَتَمٍّ» . وَأَمَّا الصَّبْرُ عَلَى الْمَصَائِبِ مُطْلَقًا فَفِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ أَيْضًا مِنْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أُصِيبَ أَحَدُكُمْ بِمُصِيبَةٍ فَلْيَذْكُرْ مُصِيبَتَهُ بِي فَإِنَّهَا مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ أَحَدٍ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ فَاسْتَرْجَعَ إلَّا اسْتَوْجَبَ مِنْ اللَّهِ ثَلَاثَ خِصَالٍ كُلُّ خَصْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَعْنِي {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 157] » وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ امْرِئٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ تُحْزِنُهُ فَيُرَجِّعُ فَيَقُولُ إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ إلَّا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَوْجَعْت قَلْبَ عَبْدِي فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ اجْعَلُوا ثَوَابَهُ مِنْهَا الْجَنَّةَ وَمَا ذَكَرَ مُصِيبَتَهُ فَرَجَّعَ إلَّا جَدَّدَ اللَّهُ لَهُ أَجْرَهَا» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ عَبْدٍ يُصَابُ بِمُصِيبَةٍ فَيَقُولُ إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ عِنْدَك احْتَسَبْت مُصِيبَتِي فَأْجُرْنِي فِيهَا وَاعْقُبْنِي مِنْهَا خَيْرًا إلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ ذَلِكَ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ عَبْدٍ يُصَابُ بِمُصِيبَةٍ فَيَفْزَعُ إلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي هَذِهِ وَعَوِّضْنِي مِنْهَا خَيْرًا إلَّا آجَرَهُ اللَّهُ فِي كُلِّ مُصِيبَةٍ وَكَانَ قَمِنًا أَيْ حَقِيقًا مِنْ أَنْ يُعَوِّضَهُ اللَّهُ مِنْهَا خَيْرًا» . وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لِيَسْتَرْجِعْ أَحَدُكُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي شِسْعِ نَعْلِهِ فَإِنَّهَا مِنْ الْمَصَائِبِ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اسْتَرْجَعَ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ جَبَرَ اللَّهُ مُصِيبَتَهُ وَأَحْسَنَ

عُقْبَاهُ وَجَعَلَ لَهُ خَلَفًا صَالِحًا» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ فَقَالَ إذَا ذَكَرَهَا إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ جَدَّدَ اللَّهُ لَهُ مِنْ أَجْرِهَا مِثْلَ مَا كَانَ لَهُ يَوْمَ إصَابَتِهِ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُعْطِيت أُمَّتِي شَيْئًا لَمْ يُعْطَهُ أَحَدٌ مِنْ الْأُمَمِ أَنْ يَقُولُوا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ أُصِيبَ مِنْكُمْ بِمُصِيبَةٍ مِنْ بَعْدِي فَلْيَتَعَزَّ بِمُصِيبَتِهِ بِي عَنْ مُصِيبَتِهِ الَّتِي تُصِيبُهُ فَإِنَّهُ لَنْ يُصَابَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي بِمِثْلِ مُصِيبَتِهِ بِي» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُصِيبَةُ تُبَيِّضُ وَجْهَ صَاحِبِهَا يَوْمَ تَسْوَدُّ الْوُجُوهُ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمَصَائِبُ وَالْأَحْزَانُ فِي الدُّنْيَا جَزَاءٌ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثَمَّ إذَا أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ احْتَسَبَ وَصَبَرَ وَإِذَا أَصَابَهُ خَيْرٌ حَمِدَ اللَّهَ وَشَكَرَ إنَّ الْمُسْلِمَ يُؤْجَرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي اللُّقْمَةِ يَرْفَعُهَا إلَى فِيهِ» . وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عِظَمُ الْأَجْرِ عِنْدَ عِظَمِ الْمُصِيبَةِ وَإِذَا أَحَبَّ اللَّهُ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ أَلْصَقَ بِهِ الْبَلَاءَ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ إذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ صَبَرَ فَلَهُ الصَّبْرُ وَمَنْ جَزِعَ فَلَهُ الْجَزَعُ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنَةِ فِي نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ ثَمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسْبِ دِينِهِ فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ فِي دَيْنِهِ رِقَّةٌ اُبْتُلِيَ عَلَى قَدْرِ دِينِهِ فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً فِي الدُّنْيَا نَبِيٌّ أَوْ صَفِيٌّ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ ثَمَّ الصَّالِحُونَ ثَمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ» . وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ ثَمَّ الصَّالِحُونَ وَقَدْ كَانَ أَحَدُهُمْ يُبْتَلَى بِالْفَقْرِ حَتَّى مَا يَجِدُ إلَّا الْعَبَاءَةَ يَحْوِيهَا فَيَلْبَسُهَا فَيُبْتَلَى بِالْقَمْلِ حَتَّى يَقْتُلَهُ وَلَأَحَدُهُمْ كَانَ أَشَدَّ فَرَحًا بِالْبَلَاءِ مِنْ أَحَدِكُمْ بِالْعَطَاءِ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ ثَمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثَمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» . وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ ثَمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ يُبْتَلَى النَّاسُ عَلَى قَدْرِ دِينِهِمْ فَمَنْ ثَخُنَ دَيْنُهُ اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ وَمَنْ ضَعُفَ دَيْنُهُ ضَعُفَ بَلَاؤُهُ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُصِيبُهُ الْبَلَاءُ حَتَّى يَمْشِيَ فِي النَّاسِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّا مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ يُضَاعَفُ عَلَيْنَا الْبَلَاءُ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ لَهُ الْمَنْزِلَةُ عِنْدَ اللَّهِ فَمَا يَبْلُغُهَا بِعَمَلٍ فَلَا يَزَالُ اللَّهُ يَبْتَلِيهِ بِمَا يَكْرَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ إيَّاهَا» . وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا كَثُرَتْ ذُنُوبُ الْعَبْدِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ الْعَمَلِ مَا يُكَفِّرُهَا ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِالْحُزْنِ لِيُكَفِّرَهَا» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَصَّرَ الْعَبْدُ فِي الْعَمَلِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِالْهَمِّ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الزَّرْعِ لَا تَزَالُ الرِّيحُ تَفِيهِ أَيْ تُمِيلُهُ وَلَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ يُصِيبُهُ الْبَلَاءُ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ شَجَرَةِ الْأَرْزِ لَا تَهْتَزُّ حَتَّى تُحْتَصَدَ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ إذَا أَرَادَ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذَى شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إلَّا حَطَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا إلَّا كُتِبَ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَمُحِيَتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ الصَّالِحِينَ لَيُشَدَّدُ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ لَا يُصِيبُ مُؤْمِنًا نَكْبَةٌ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ إلَّا حُطَّتْ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ وَرُفِعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ» . وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَارِبُوا وَسَدِّدُوا فَفِي كُلِّ مَا يُصَابُ بِهِ الْمُسْلِمُ كَفَّارَةٌ حَتَّى النَّكْبَةُ يُنْكَبُهَا أَوْ الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ اللَّهَ يَتَعَاهَدُ عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ بِالْبَلَاءِ كَمَا يَتَعَاهَدُ الْوَالِدُ وَلَدَهُ بِالْخَيْرِ وَإِنَّ اللَّهَ لَيَحْمِي عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ مِنْ الدُّنْيَا كَمَا يَحْمِي الْمَرِيضَ أَهْلُهُ الطَّعَامَ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ عَبْدٍ اُبْتُلِيَ بِبَلِيَّةٍ فِي الدُّنْيَا إلَّا بِذَنْبٍ وَاَللَّهُ أَكْرَمُ وَأَعْظَمُ عَفْوًا مِنْ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ الذَّنْبِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

«إنَّ اللَّهَ لَيَبْتَلِي الْمُؤْمِنَ وَمَا يَبْتَلِيهِ إلَّا لِكَرَامَتِهِ عَلَيْهِ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ مُسْتَكْمِلِ الْإِيمَانِ مَنْ لَمْ يَعُدَّ الْبَلَاءَ نِعْمَةً وَالرَّخَاءَ مُصِيبَةً» جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنَيْنِ وَأَلْحَقَنَا بِأَحْبَابِنَا مِنْ الصِّدِّيقِينَ وَالصَّالِحِينَ فِي دَارِ كَرَامَتِهِ مَعَ دَوَامِ رِضَاهُ وَغَايَةِ نِعْمَتِهِ إنَّهُ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ مَعْنَى حُسْنِ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى هَلْ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَظُنَّ الْعَبْدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعْطِيهِ الْخَيْرَ وَيُوَفِّقُهُ لَهُ أَوْ يَحْصُلُ مُرَادُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَوْ مُجَرَّدُ أَنَّ اللَّهَ يَرْحَمُهُ فَلَوْ ظَنَّ لَمَّا رَأَى أَحْوَالَهُ مُتَفَرِّقَةً غَيْرَ مُنْتَظِمَةٍ أَنَّهُ لَا يُفْعَلُ بِي إلَّا كَذَا وَكَذَا فَهَلْ هَذَا مِنْ عَدَمِ حُسْنِ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَمْ لَا وَمَا مُؤَدَّاهُ الْحَقِيقِيُّ إذَا أُطْلِقَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ذَكَرْتُ فِي كِتَابِي الزَّوَاجِرِ عَنْ اقْتِرَافِ الْكَبَائِرِ مَا يُعْلَمُ بِهِ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ وَعِبَارَتُهُ الْكَبِيرَةُ الْحَادِيَةُ وَالثَّانِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ سُوءُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَتِهِ أَخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ سُوءُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» وَقَالَ تَعَالَى عَزَّ قَائِلًا {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلا الضَّالُّونَ} [الحجر: 56] . (تَنْبِيهٌ) عَدُّ هَذَيْنِ كَبِيرَتَيْنِ مُغَايِرَتَيْنِ لِلْيَأْسِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ هُوَ مَا وَقَعَ لِلْجَلَالِ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرِهِ وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا إلَى مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ مِنْ التَّلَازُمِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ وَفِي مَعْنَى الْآيِسِ الْقَنُوطُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَبْلَغُ مِنْهُ لِلتَّرَقِّي إلَيْهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ} [فصلت: 49] اهـ وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّ سُوءَ الظَّنِّ أَبْلَغُ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ يَأْسٌ وَقُنُوطٌ وَزِيَادَةُ التَّجْوِيزِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَشْيَاءَ لَا تَلِيقُ بِكَرَمِهِ وُجُودِهِ. وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَالَ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهُ وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ نَحْوُهُ وَقُلْت قَبْلَ ذَلِكَ الْكَبِيرَةُ الْأَرْبَعُونَ الْيَأْسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ تَعَالَى {إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] وَقَالَ تَعَالَى {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53] وَقَالَ تَعَالَى {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: 156] وَفِي الْحَدِيثِ «إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى مِائَةَ رَحْمَةٍ كُلُّ رَحْمَةٍ مِنْهَا طِبَاقُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ وَبِهَا تَعْطِفُ الطَّيْرُ وَالْوُحُوشُ عَلَى أَوْلَادِهَا وَأَخَّرَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَا ابْنَ آدَمَ إنَّك مَا دَعَوْتنِي وَرَجَوْتنِي غَفَرْت لَك عَلَى مَا كَانَ مِنْك وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُك عَنَانَ السَّمَاءَ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتنِي غَفَرْت لَك يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ أَتَيْتنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ - أَيْ بِضَمِّ الْقَافِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا أَيْ قَرِيبِ مِلْئِهَا خَطَايَا - ثُمَّ لَقِيتنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُك بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً» وَعَنْ أَنَسٍ بِسَنَدٍ حَسَنٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ فَقَالَ كَيْفَ تَجِدُك قَالَ أَرْجُو اللَّهَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنِّي أَخَافُ ذُنُوبِي فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ إلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو وَأَمَّنَهُ مِمَّا يَخَافُ» . وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنْ شِئْتُمْ أَنْبَأْتُكُمْ مَا أَوَّلُ مَا يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَا أَوَّلُ مَا يَقُولُونَ لَهُ قُلْنَا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ: هَلْ أَحْبَبْتُمْ لِقَائِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ يَا رَبَّنَا، فَيَقُولُ: لِمَ، فَيَقُولُونَ: رَجَوْنَا عَفْوَك وَمَغْفِرَتَك، فَيَقُولُ اللَّهُ: قَدْ وَجَبَتْ لَكُمْ مَغْفِرَتِي» وَالشَّيْخَانِ «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي» الْحَدِيثَ. وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ حُسْنُ الظَّنِّ مِنْ حُسْنِ الْعِبَادَةِ» وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِاَللَّهِ مِنْ حُسْنِ الْعِبَادَةِ» وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ «سَمِعَ النَّبِيَّ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَقُولُ لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» وَأَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي

إنْ ظَنَّ خَيْرًا فَلَهُ وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ» وَالْبَيْهَقِيُّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ إلَى النَّارِ فَلَمَّا وَقَفَ عَلَى شَفَتِهَا الْتَفَتَ فَقَالَ أَمَا وَاَللَّهِ يَا رَبِّ إنْ كَانَ ظَنِّي بِك لَحَسَنٌ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رُدُّوهُ أَنَا عِنْدَ حُسْنِ ظَنِّ عَبْدِي بِي» . (تَنْبِيهٌ) عَدُّ هَذَا كَبِيرَةً هُوَ مَا أَطْبَقُوا عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ الَّذِي عَلِمْته مِمَّا ذُكِرَ بَلْ فِي التَّصْرِيحِ الَّذِي مَرَّ آنِفًا أَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ بَلْ جَاءَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ اهـ مَا فِي الزَّوَاجِرِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ سُوءَ الظَّنِّ قَدْ يُرَادُ بِهِ الْيَأْسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَفَسَّرَ الْفُقَهَاءُ خَبَرَ مُسْلِمٍ السَّابِقِ «لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى» بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ يَرْحَمُهُ وَيَعْفُو عَنْهُ وَإِحْسَانُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَنْدُوبٌ قَالُوا وَيُنْدَبُ لِلْحَاضِرِينَ أَنْ يُحْسِنُوا ظَنَّ الْمُحْتَضِرِ وَيُطْمِعُوهُ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ وُجُوبَهُ عَلَيْهِمْ إذَا رَأَوْا مِنْهُ أَمَارَاتِ الْيَأْسِ وَالْقُنُوطِ أَخْذًا مِنْ قَاعِدَةِ النَّصِيحَةِ الْوَاجِبَةِ وَعِبَارَةُ شَرْحِي لِلْإِرْشَادِ بَعْدَ ذِكْرِ ذَلِكَ قِيلَ وَالْأَوْلَى لِلصَّحِيحِ تَغْلِيبُ خَوْفِهِ عَلَى رَجَائِهِ وَالْأَظْهَرُ فِي الْمَجْمُوعِ اسْتِوَاؤُهُمَا لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ مَعًا. وَقَالَ الْغَزَالِيُّ إنْ أَمِنَ دَاءَ الْقُنُوطِ فَالرَّجَاءُ أَوْلَى أَوْ أَمِنَ الْمَكْرَ فَالْخَوْفُ أَوْلَى أَيْ وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا اسْتَوَيَا وَيَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَيْ الْإِرْشَادِ كَأَصْلِهِ وَالرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ أَنَّ الْمَرِيضَ الَّذِي لَيْسَ بِمُحْتَضِرٍ كَالصَّحِيحِ وَالْأَوْجَهُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ مِنْ أَنَّ الْمَرِيضَ غَيْرَ الْمُحْتَضِرِ مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ وَعِبَارَتُهُ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ لِلْمَرِيضِ وَمَنْ حَضَرَتْهُ أَسْبَابُ الْمَوْتِ وَمُقَدِّمَاتُهُ أَنْ يَكُونَ حَسَنَ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَبِهَا مَعَ مَا سَبَقَ عَنْ الزَّوَاجِرِ يُعْلَمُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي مَقَامَيْنِ أَحَدُهُمَا شَخْصٌ يَجُوزُ وُقُوعُ الرَّحْمَةِ لَهُ وَالْعَذَابُ فَهَذَا هُوَ الَّذِي تَعَرَّضَ لَهُ الْفُقَهَاءُ فَإِنْ كَانَ مَرِيضًا نُدِبَ لَهُ تَغْلِيبُ جَانِبِ الرَّجَاءِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا اخْتَلَفُوا فِيهِ كَمَا رَأَيْتَ. ثَانِيهِمَا فِي شَخْصٍ آيِسٍ مِنْ وُقُوعِ شَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ الرَّحْمَةِ لَهُ مَعَ إسْلَامِهِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي كَلَامُ الزَّوَاجِرِ فِيهِ فَهَذَا الْيَأْسُ كَبِيرَةٌ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ تَكْذِيبَ النُّصُوصِ الْقَطْعِيَّةِ الَّتِي أَشَرْنَا إلَيْهَا. ثُمَّ هَذَا الْيَأْسُ قَدْ تَنْضَمُّ إلَيْهِ حَالَةٌ أَشَدُّ مِنْهُ فِي التَّصْمِيمِ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِ الرَّحْمَةِ لَهُ وَهُوَ الْقُنُوطُ بِحَسْبِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ فَهُوَ يَئُوسٌ قَنُوطٌ وَتَارَةً يَنْضَمُّ إلَيْهِ أَنَّهُ مَعَ عَدَمِ رَحْمَتِهِ لَهُ يُشَدِّدُ عَذَابَهُ كَالْكُفَّارِ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِسُوءِ الظَّنِّ هُنَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْته عَنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمُرَادَ بِإِحْسَانِ الظَّنِّ الْمَنْدُوبِ أَنَّهُ يَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ يَرْحَمُهُ وَمِنْ الرَّحْمَةِ أَنَّ اللَّهَ يُوَفِّقُهُ لِلْخَيْرِ وَأَنْ يُعْطِيَهُ مَا يَسْأَلُ مِنْهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالدُّنْيَا أَوْ الْآخِرَةِ وَإِنَّ الْإِنْسَانَ إذَا رَأَى أَحْوَالَهُ غَيْرَ جَارِيَةٍ عَلَى سُنَنِ الِاسْتِقَامَةِ فَاشْتَدَّ الْخَوْفُ عِنْدَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَخَشِيَ أَنْ يُعَاقَبَ عَلَى قَبَائِحِهِ مَعَ تَجْوِيزِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ يَعْفُو عَنْهُ وَيَغْفِرُ لَهُ لَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْ سُوءِ الظَّنِّ بَلْ هُوَ مِنْ الْحَالَاتِ الْكَامِلَةِ وَالْأَحْوَالِ الْفَاضِلَةِ فَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِاَللَّهِ وَأَخْوَفُكُمْ مِنْهُ» . وَوَرَدَ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَبَقِيَّةِ أَئِمَّةِ السَّلَفِ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَوْفِ مَا يُفَتِّتُ الْكَبِدَ وَيُذِيبُ الْجِلْدَ وَلِذَلِكَ جَرَى جَمَاعَةٌ أَجِلَّاءُ عَلَى تَرْجِيحِ جَانِبِ الْخَوْفِ عَلَى جَانِبِ الرَّجَاءِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ مَا دَامَ تَرْجِيحُهُ بَاقِيًا كَانَ حَامِلًا عَلَى اجْتِنَابِ الْمَعَاصِي وَغَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ مَا لَا يَنْبَغِي بِخِلَافِ تَرْجِيحِ جَانِبِ الرَّجَاءِ فَإِنَّهُ غَالِبًا يَحْمِلُ صَاحِبَهُ عَلَى اقْتِرَافِ النَّقَائِصِ خَلَّصَنَا اللَّهُ مِنْهَا وَوَفَّقَنَا لِطَاعَتِهِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ وَأَدَامَ عَلَيْنَا رِضَاهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ إلَى أَنْ نَلْقَاهُ آمِينَ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِمَا لَفْظُهُ اُحْتِيجَ لِسَدِّ فَتْحِ لَحْدِ الْقَبْرِ وَلَمْ يُوجَدْ إلَّا لَبِنٌ لِغَائِبٍ وَمَسْجِدٌ فَمَا الَّذِي يُؤْخَذُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَتَى تَوَقَّفَ الدَّفْنُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ جَازَ أَخْذُهُ مِنْ مَالِ الْغَائِبِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ كَانَ هَذَا الْمَالُ مِنْ جُمْلَةِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ فَرْضُ الْكِفَايَةِ الَّذِي يَعُمُّ جَمِيعَ الْمُوسِرِينَ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ كَانَ كَأَكْلِ الْمُضْطَرِّ طَعَامَ الْغَائِبِ وَيَضْمَنُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الْمُضْطَرِّ إذَا وَجَدَ مَأْكُولًا لِغَائِبٍ وَلَحْمَ مَيِّتَةٍ أَوْ صَيْدٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ مَا قُلْنَاهُ هُنَا مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُ مَالِ الْغَائِبِ وَلَا يَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْ جِدَارِ الْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَ خَرَابًا

لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَمَلُّك بَعْضِهِ وَمَالُ الْغَائِبِ قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ يُمَلَّكُ قَهْرًا عَلَيْهِ لِلْمُضْطَرِّ بِبَدَلِهِ وَإِذَا قَدِمَ الْغَائِبُ وَوَجَدَ لِلْمَيِّتِ تَرِكَةً فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْوَارِثِ بِرَدِّ لَبِنِهِ فَيَجِبُ نَبْشُ الْقَبْرِ وَإِعْطَاؤُهُ لَبِنَهُ أَوْ شِرَاءُ غَيْرِهِ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا دَفَعَ لَهُ قِيمَتَهُ وَوَاضِحٌ أَنَّ اللَّبِنَ الْمُخْتَلِطَ بِزِبْلٍ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ لَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهُ إذْ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ فَلَا تَجِبُ فِيهِ قِيمَةٌ وَإِنْ وَجَبَ رَدُّهُ كَغَيْرِ الْمُتَمَوَّلِ. (وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ وَبَرَكَاتِ عُلُومِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ عَمَّنْ قَبَرَ وَالِدَهُ أَوْ أُمَّهُ عِنْدَ صَالِحٍ فَهَلْ الْأَوْلَى الْبُدَاءَةُ بِزِيَارَةِ الْأَصْلِ أَوْ الصَّالِحِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَتَّجِهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ مَرَّ بِقَبْرِ الصَّالِحِ قَبْلُ بَدَأَ بِهِ وَإِلَّا بَدَأَ بِأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ إطْلَاقِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِوَالِدِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَالْإِحْسَانِ إلَيْهِمَا وَمِنْ ذَلِكَ الْوُقُوفُ عِنْدَ قَبْرِهِمَا وَالدُّعَاءُ لَهُمَا وَتِلَاوَةُ الْقُرْآنِ عَلَى قَبْرِهِمَا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ زِيَارَةِ قُبُورِ الْأَوْلِيَاءِ فِي زَمَنٍ مُعَيَّنٍ مَعَ الرِّحْلَةِ إلَيْهَا هَلْ يَجُوزُ مَعَ أَنَّهُ يَجْتَمِعُ عِنْدَ تِلْكَ الْقُبُورِ مَفَاسِدُ كَثِيرَةٌ كَاخْتِلَاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ وَإِسْرَاجِ السُّرُجِ الْكَثِيرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ زِيَارَةُ قُبُورِ الْأَوْلِيَاءِ قُرْبَةٌ مُسْتَحَبَّةٌ وَكَذَا الرِّحْلَةُ إلَيْهَا وَقَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ لَا تُسْتَحَبُّ الرِّحْلَةُ إلَّا لِزِيَارَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَدَّهُ الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهُ قَاسَ ذَلِكَ عَلَى مَنْعِ الرِّحْلَةِ لِغَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ مَعَ وُضُوحِ الْفَرْقِ فَإِنَّ مَا عَدَا تِلْكَ الْمَسَاجِدَ الثَّلَاثَةَ مُسْتَوِيَةٌ فِي الْفَضْلِ فَلَا فَائِدَةَ فِي الرِّحْلَةِ إلَيْهَا وَأَمَّا الْأَوْلِيَاءُ فَإِنَّهُمْ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْقُرْبِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَنَفْعِ الزَّائِرِينَ بِحَسْبِ مَعَارِفِهِمْ وَأَسْرَارِهِمْ فَكَانَ لِلرِّحْلَةِ إلَيْهِمْ فَائِدَةٌ أَيُّ فَائِدَةٍ فَمِنْ ثَمَّ سُنَّتْ الرِّحْلَةُ إلَيْهِمْ لِلرِّجَالِ فَقَطْ بِقَصْدِ ذَلِكَ وَانْعَقَدَ نَذْرُهَا كَمَا بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَى حُسْنِهِ وَتَحْرِيرِهِ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ مِنْ تِلْكَ الْبِدَعِ أَوْ الْمُحَرَّمَاتِ فَالْقُرُبَاتُ لَا تُتْرَكُ لِمِثْلِ ذَلِكَ بَلْ عَلَى الْإِنْسَانِ فِعْلُهَا وَإِنْكَارُ الْبِدَعِ بَلْ وَإِزَالَتُهَا إنْ أَمْكَنَهُ. وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ فِي الطَّوَافِ الْمَنْدُوبِ فَضْلًا عَنْ الْوَاجِبِ أَنَّهُ يُفْعَلُ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ النِّسَاءِ وَكَذَا الرَّمَلُ لَكِنْ أَمَرُوهُ بِالْبُعْدِ عَنْهُنَّ فَكَذَا الزِّيَارَة يَفْعَلُهَا لَكِنْ يَبْعُدُ عَنْهُنَّ وَيَنْهَى عَمَّا يَرَاهُ مُحَرَّمًا بَلْ وَيُزِيلُهُ إنْ قَدَرَ كَمَا مَرَّ هَذَا إنْ لَمْ تَتَيَسَّرْ لَهُ الزِّيَارَةُ إلَّا مَعَ وُجُودِ تِلْكَ الْمَفَاسِدِ فَإِنْ تَيَسَّرَتْ مَعَ عَدَمِ الْمَفَاسِدِ فَتَارَةً يَقْدِرُ عَلَى إزَالَةِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا فَيَتَأَكَّدُ لَهُ الزِّيَارَةُ مَعَ وُجُودِ تِلْكَ الْمَفَاسِدِ لِيُزِيلَ مِنْهَا مَا قَدَرَ عَلَيْهِ وَتَارَةً لَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَةِ شَيْءٍ مِنْهَا فَالْأَوْلَى لَهُ الزِّيَارَةُ فِي غَيْرِ زَمَنِ تِلْكَ الْمَفَاسِدِ بَلْ لَوْ قِيلَ يُمْنَعُ مِنْهَا حِينَئِذٍ لَمْ يَبْعُدْ. وَمَنْ أَطْلَقَ الْمَنْعَ مِنْ الزِّيَارَةِ خَوْفَ ذَلِكَ الِاخْتِلَاطِ يَلْزَمُهُ إطْلَاقُ مَنْعِ نَحْوِ الطَّوَافِ وَالرَّمَلِ بَلْ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ أَوْ مُزْدَلِفَةَ وَالرَّمْيِ إذَا خُشِيَ الِاخْتِلَاطُ أَوْ نَحْوُهُ فَلَمَّا لَمْ يَمْنَعْ الْأَئِمَّةُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ فِيهِ اخْتِلَاطًا أَيَّ اخْتِلَاطٍ وَإِنَّمَا مَنَعُوا نَفْسَ الِاخْتِلَاطِ لَا غَيْرُ فَكَذَلِكَ هُنَا وَلَا تَغْتَرَّ بِخِلَافِ مَنْ أَنْكَرَ الزِّيَارَةَ خَشْيَةَ الِاخْتِلَاطِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَا فَصَّلْنَاهُ وَقَرَّرْنَاهُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَجْهٌ وَزَعْمُ أَنَّ زِيَارَةَ الْأَوْلِيَاءِ بِدْعَةٌ لَمْ تَكُنْ فِي زَمَنِ السَّلَفِ مَمْنُوعٌ وَبِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ فَلَيْسَ كُلُّ بِدْعَةٍ يُنْهَى عَنْهَا بَلْ قَدْ تَكُونُ الْبِدْعَةُ وَاجِبَةً فَضْلًا عَنْ كَوْنِهَا مَنْدُوبَةً كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ مَرَّ بِمَقْبَرَةٍ فَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَأَهْدَاهَا لَهُمْ فَهَلْ تُقْسَمُ بَيْنَهُمْ أَوْ يَصِلُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مِثْلُ ثَوَابِهَا كَامِلًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى جَمْعٌ بِالثَّانِي وَهُوَ اللَّائِقُ بِسِعَةِ الْفَضْلِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِمَا لَفْظُهُ مَا حُكْمُ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ عِنْدَ سَدِّ فَتْحِ اللَّحْدِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هُوَ بِدْعَةٌ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَ نُزُولِ الْقَبْرِ قِيَاسًا عَلَى نَدْبِهِمَا فِي الْمَوْلُودِ إلْحَاقًا لِخَاتِمَةِ الْأَمْرِ بِابْتِدَائِهِ فَلَمْ يُصِبْ وَأَيُّ جَامِعٍ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَمُجَرَّدُ أَنَّ ذَاكَ فِي الِابْتِدَاءِ وَهَذَا فِي الِانْتِهَاءِ لَا يَقْتَضِي لُحُوقَهُ بِهِ. (وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ عَنْ حُكْمِ بِنَاءِ الْقُبُورِ قَدْرَ مِدْمَاكَيْنِ فَقَطْ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَحْرُمُ بِنَاءُ الْقَبْرِ فِي الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ وَهِيَ الَّتِي اعْتَادَ أَهْلُ الْبَلَدِ الدَّفْنَ فِيهَا وَمِثْلُهَا الْمَوْقُوفَةُ لِذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ مِدْمَاكًا أَمْ مِدْمَاكَيْنِ لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّى بِنَاءً وَلِوُجُودِ عِلَّةِ تَحْرِيمِ الْبِنَاءِ فِي ذَلِكَ وَهِيَ تَحْجِيرُ الْأَرْضِ عَلَى مَنْ يَدْفِنُ بَعْدَ بَلَاءِ الْمَيِّتِ إذْ الْغَالِبُ أَنَّ الْبِنَاءَ يَمْكُثُ إلَى مَا بَعْدَ الْبِلَى

وَأَنَّ النَّاسَ يَهَابُونَ فَتْحَ الْقَبْرِ الْمَبْنِيِّ فَكَانَ فِي الْبِنَاءِ تَضْيِيقٌ لِلْمَقْبَرَةِ وَمَنْعُ النَّاسِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا فَحَرُمَ وَوَجَبَ عَلَى وُلَاةِ الْأَمْرِ هَدْمُ الْأَبْنِيَةِ الَّتِي فِي الْمَقَابِرِ الْمُسَبَّلَةِ وَلَقَدْ أَفْتَى جَمَاعَةٌ مِنْ عُظَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ بِهَدْمِ قُبَّةِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِنْ صُرِفَ عَلَيْهَا أُلُوفٌ مِنْ الدَّنَانِيرِ لِكَوْنِهَا فِي الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ وَهَذَا أَعْنِي الْبِنَاءَ فِي الْمَقَابِرِ الْمُسَبَّلَةِ مِمَّا عَمَّ وَطَمَّ وَلَمْ يَتَوَقَّهُ كَبِيرٌ وَلَا صَغِيرٌ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْأَخْذُ مِنْ حِجَارَةِ الْقُبُورِ لِسَدِّ فَتْحِ لَحْدٍ وَلِبِنَاءِ قَبْرٍ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ عُلِمَ مَالِكُ تِلْكَ الْأَحْجَارِ فَوَاضِحٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْهَا إلَّا بِرِضَاهُ إنْ كَانَ رَشِيدًا وَإِنْ جُهِلَ فَإِنْ رُجِيَ ظُهُورُهُ لَمْ يَجُزْ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهَا وَإِنْ أَيِسَ مِنْ ظُهُورِهِ فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ فَلِمَنْ لَهُ فِيهِ حَقُّ الْأَخْذِ مِنْهَا بِقَدْرِ حَقِّهِ وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخَانِ وَأَقَرَّاهُ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ أَنَّ الْمَالَ الضَّائِعَ أَمْرُهُ إلَى الْإِمَامِ إنْ رَأَى حِفْظَهُ حَتَّى يَظْهَرَ مَالِكُهُ أَوْ بَيْعَهُ وَحِفْظَ ثَمَنِهِ فَعَلَ وَلَهُ أَنْ يُقْرِضَهُ أَيْ الثَّمَنَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَمَحَلُّ حِفْظِهِ إلَى ظُهُورِ مَالِكِهِ كَمَا فِي الْخَادِمِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مَا إذَا تُوُقِّعَ ظُهُورُهُ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ وَمِنْ ثَمَّ جَزَمَ بِهِ ابْنُ سُرَاقَةَ فَإِنْ أَيِسَ مِنْ ظُهُورِ مَالِكِهِ صَارَ مَصْرُوفًا إلَى مَصَارِفِ بَيْتِ الْمَالِ وَأَخَذَ مِنْ هَذَا جَمَاعَةٌ أَنَّ الْأَمْوَالَ الَّتِي يَأْخُذُهَا الْمَكَّاسُونَ وَتَخْتَلِطُ وَتَنْبَهِمُ مُلَّاكُهَا تَصِيرُ مِنْ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَفَسَّحَ فِي مُدَّتِهِ عَمَّا إذَا حَضَرَ الْمُسْلِمُ الْحُرُوبَ الْوَاقِعَةَ بَيْنَ الْكُفَّارِ الْحَرْبِيِّينَ كَكَفَرَةِ مَلِيبَارَ فَإِنَّ مَنْ يُشَاهِدُ الْحَرْبَ كَافِرًا كَانَ أَوْ مُسْلِمًا يَقْصِدُ مَعَارِكَهُمْ إلَى نَحْوِ فَرْسَخَيْنِ وَيُعِدُّونَ لِذَلِكَ مَآكِلَ وَيَقُومُ عِنْدَ مَعْرَكَتِهِمْ وَيَتَفَرَّجُ عَلَى الْقَتْلِ وَالضَّرْبِ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَهَلْ يَأْثَمُ الْمُسْلِمُ بِمُشَاهَدَتِهِ وَحُضُورِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِ جَمْعِهِمْ مَعَ أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لَهُ إلَى ذَلِكَ وَتَقْبِيحِ طَائِفَةٍ وَتَحْسِينِ أُخْرَى وَالْحَثِّ عَلَى الْهُجُومِ عَلَى الْآخَرِينَ وَوُجُودِ الْخَطَرِ فَرُبَّمَا تَصِلُ إلَيْهِ سِهَامُهُمْ وَرُبَّمَا يُجْرَحُ وَرُبَّمَا يُقْتَلُ أَوْ لَا إثْمَ فِي ذَلِكَ وَإِذَا أَعَانَ الْمُسْلِمُونَ إحْدَى طَائِفَتَيْ الْكَفَرَةِ فِي حُرُوبِهِمْ وَقَاتَلُوا الْآخَرِينَ مَعَهُمْ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا حَاجَةٍ حَتَّى يَقْتُلُوا أَوْ يُقْتَلُوا فِي الْحُرُوبِ فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَوْ لَا وَهَلْ يُؤْجَرُ الْمُسْلِمُ بِذَلِكَ لِقَتْلِهِ الْكَافِرَ أَوْ لِكَوْنِهِ مَقْتُولَهُ وَهَلْ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الشَّهِيدِ فِي عَدَمِ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَقَدْ يَكُونُ خُرُوجُ الْمُسْلِمِ لِإِعَانَتِهِمْ لِطَلَبِ مُلُوكِ بِلَادِهِمْ الْكَفَرَةِ مِنْهُ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُمْ لِذَلِكَ فَكَيْفَ يَكُونُ الْحَكَمُ فِي ذَلِكَ وَهَلْ فَرْقٌ بَيْنَ مَا إذَا خَرَجَ بِطَلَبِ مُلُوكِهِمْ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حُضُورُ الْمُسْلِمِ لِحَرْبِ الْحَرْبِيِّينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِقَصْدِ تَعَلُّمِهِ الشُّجَاعَةَ وَكَيْفِيَّةَ الْقِتَالِ وَقُوَّةَ النَّفْسِ عِنْدَ مُشَاهَدَتِهِ أَوْ بِقَصْدِ فَرَحِهِ بِمَنْ مَاتَ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ لِتَعْلُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ تَعَالَى بِضَعْفِ شَوْكَتِهِمْ وَقِلَّةِ عَدَدِهِمْ أَوْ بِقَصْدِ شَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِدِ الصَّحِيحَةِ جَائِزٌ لَا مَحْذُورَ فِيهِ بِوَجْهٍ سَوَاءٌ بَعُدَ مَحَلُّ الْحَرْبِ أَوْ قَرُبَ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تَكْثِيرٌ لِجَمْعِهِمْ فَإِنَّ التَّكْثِيرَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّ الْمُوَالِي وَالْمُنَاصِرِ وَأَمَّا الْحَاضِرُ رَاجِيًا لِزَوَالِهِمْ وَفَنَائِهِمْ عَنْ آخِرِهِمْ وَمُنْتَظِرًا وُقُوعَ دَائِرَةٍ عَلَيْهِمْ فَيَنْتَقِمُ مِنْهُمْ فَغَيْرُ مُكَثِّرٍ لِجَمْعِهِمْ بَلْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُحَارَبِينَ لَهُمْ بَاطِنًا وَكَذَا لَا مَحْذُورَ أَيْضًا فِي إغْرَاءِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لِأَنَّ التَّوَصُّلَ إلَى قَتْلِ الْحَرْبِيِّ جَائِزٌ بَلْ مَحْبُوبٌ بِأَيِّ طَرِيقٍ كَانَ هَذَا كُلُّهُ إنْ ظَنَّ سَلَامَتَهُ أَوْ قَتْلَهُ بَعْدَ إنْكَائِهِمْ أَمَّا لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ مُجَرَّدَ حُضُورِهِ يُؤَدِّي إلَى قَتْلِهِ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْحَقَهُمْ مِنْهُ نِكَايَةٌ بِوَجْهٍ فَحُضُورُهُ حِينَئِذٍ فِي غَايَةِ الذَّمِّ وَالتَّقْصِيرِ فَلْيُمْسِكْ عَنْهُ. وَإِذَا أَعَانَ مُسْلِمٌ أَوْ أَكْثَرُ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ فَقَتَلَهُ فِي الْحَرْبِ أَحَدُ الْحَرْبِيِّينَ فَهُوَ شَهِيدٌ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَهُ ثَوَابٌ أَيُّ ثَوَابٍ إنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بَيْنَ مَنْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَنْ خَرَجَ بِطَلَبِ مَلِكِهِمْ لَهُ حَيْثُ لَا إجْبَارَ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّا إذَا الْتَقَى مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ فِي طَرِيقٍ فِي الْأَمْنِ فَتَسَابَّا فِي شَيْءٍ مِنْ الْأُمُورِ فَوَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا حَتَّى قُتِلَ الْمُسْلِمُ فَهَلْ هُوَ شَهِيدٍ حَتَّى لَا يُغَسَّلَ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ أَوْ لَا وَلَوْ وَقَعَ بَيْنَ الْكَفَرَةِ مِنْ غَيْرِ إرَادَةِ حَرْبٍ فَأَرَادُوا قَتْلَهُ فَهَرَبَ مِنْهُمْ فَقَتَلُوهُ هَلْ هُوَ شَهِيدٌ فَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ

أَوْ لَا وَلَوْ سَافَرَ جَمَاعَةٌ لِتِجَارَتِهِمْ فَالْتَقَوْا بِالْحَرْبِيِّينَ فِي طَرِيقِهِمْ فَتَقَاتَلُوا مِنْ بَعِيدٍ بِالْبَنَادِقِ وَالسِّهَامِ فَقُتِلَ الْمُسْلِمُونَ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَهَلْ يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ أَوْ لَا وَلَوْ دُفِنَ مَنْ قَتَلَهُ الْكُفَّارُ الْحَرْبِيُّونَ مِنْ غَيْرِ غَسِيلٍ وَلَا صَلَاةٍ بِزَعْمِ أَنَّهُ شَهِيدٌ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِجَهْلِهِمْ بِالْحُكْمِ فَلَمَّا عُلِمَ الْحُكْمُ حَفَرُوا فَوَجَدُوهُ مُنْتَفِخًا أَوْ مُنْتِنًا وَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ وَغَسْلُهُ فَهَلْ يَجِبُ التَّيَمُّمُ مَعَ إمْكَانِهِ وَالْحَالَة هَذِهِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا تَحَارَبَ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ فَقَتَلَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ ظُلْمًا لِكَوْنِهِ حَرْبِيًّا أَوْ ذِمِّيًّا وَلَمْ يَتَعَدَّ الْمُسْلِمُ عَلَيْهِ بِإِرَادَتِهِ قَتْلَهُ فَالْمُسْلِمُ شَهِيدٌ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالشَّهِيدِ حَيْثُ أُطْلِقَ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَرَادَ مُسْلِمٌ قَتْلَ ذِمِّيٍّ ظُلْمًا فَدَفَعَهُ الذِّمِّيُّ عَنْ نَفْسِهِ بِالتَّدْرِيجِ إلَى أَنْ أَفْضَى الدَّفْعُ إلَى قَتْلِهِ فَإِنَّ الْمُسْلِمَ فِي هَذِهِ لَيْسَ شَهِيدًا لِتَعَدِّيهِ الْمُفْضِي إلَى قَتْلِهِ وَفِي شَرْحِي لِلْعُبَابِ وَقَيَّدَ فِي الْبَهْجَةِ الْحَرْبَ بِكَوْنِهَا حَلَالًا احْتِرَازًا عَنْ مُحَارَبَةِ مُسْلِمِينَ لِذِمِّيِّينَ ظُلْمًا فَلَا يَكُونُ مَقْتُولُهُمْ شَهِيدًا وَهُوَ ظَاهِرٌ اهـ وَبِهَا يَتَّضِحُ مَا قَرَّرْته وَمَنْ هَرَبَ مِنْهُمْ فَقَتَلُوهُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ غَيْرُ شَهِيدٍ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَنْ اغْتَالَهُ كَافِرٌ فِي غَيْرِ قِتَالٍ غَيْرُ شَهِيدٍ وَبِأَنَّ الشَّهِيدَ هُوَ الَّذِي قَتَلَهُ كَافِرٌ مَعَ قِيَامِ الْحَرْبِ. وَفِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ مَعَ قِيَامِ الْحَرْبِ أَنَّ الْمَعْرَكَةَ لَوْ انْجَلَتْ فَوَلَّى الْمُشْرِكُونَ فَتَبِعَهُمْ الْمُسْلِمُونَ لِيَسْتَأْصِلُوهُمْ فَكَّرَ بَعْضُهُمْ عَلَى مُسْلِمٍ فَقَتَلَهُ لَا يَكُونُ شَهِيدًا لَكِنْ اسْتَبْعَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَمِنْ ثَمَّ رَجَّحَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ شَهِيدٌ لِأَنَّ آثَارَ الْقِتَالِ مَوْجُودَةٌ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا شَيْءٌ اهـ. وَبِهَذَا الْأَخِيرِ يُفَرَّقُ عَلَى كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ بَيْنَ هَذِهِ وَمَسْأَلَتِنَا بِأَنَّ آثَارَ الْقِتَالِ لَمَّا بَقِيَتْ هُنَا كَانَ الْقِتَالُ كَأَنَّهُ مَوْجُودٌ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ فَلَيْسَ فِيهَا آثَارُ قِتَالٍ أَلْبَتَّةَ فَلَا مُقْتَضَى فِيهَا لِلشَّهَادَةِ وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ الشَّهِيدَ هُوَ الَّذِي قَتَلَهُ كَافِرٌ مَعَ قِيَامِ الْحَرْبِ أَوْ مَاتَ بِسَبَبِ الْحَرْبِ كَأَنْ رَمَحَتْهُ دَابَّةٌ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ عَادَ إلَيْهِ سِلَاحُهُ أَوْ سِلَاحُ مُسْلِمٍ خَطَأً وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ الْمَقْتُولِينَ فِي قَوْلِ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ وَلَوْ سَافَرَ جَمَاعَةٌ لِتِجَارَتِهِمْ إلَخْ شُهَدَاءُ لَا يُغَسَّلُونَ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَفِيهِ أَيْضًا لَوْ دُفِنَ الْمَيِّتُ قَبْلَ الْغُسْلِ أَوْ بَدَلِهِ وَهُوَ التَّيَمُّمُ نُبِشَ لَهُ الْقَبْرُ وُجُوبًا تَدَارُكًا لِلْوَاجِبِ إلَّا إنْ تَغَيَّرَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالنَّتْنِ وَالرَّائِحَةِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ بِالتَّقَطُّعِ وَهَذَا أَبْلَغُ مِمَّا قَبْلَهُ فَإِنَّ التَّأَذِّي بِرَائِحَتِهِ أَبْلَغُ مِنْ تَقْطِيعِهِ فَيَحْرُمُ النَّبْشُ حِينَئِذٍ لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهِ اهـ. وَبِهَا يُعْلَمُ فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ الْأَخِيرَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّبْشُ لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّيَمُّمُ بَلْ يَحْرُمُ النَّبْشُ لَهُ كَالْغُسْلِ بَعْدَ التَّغَيُّرِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ فِيهِ هَتْكًا لِحُرْمَتِهِ فَإِنْ ظُنَّ عَدَمُ تَغَيُّرِهِ فَنُبِشَ فَرَأَى التَّغَيُّرَ وَجَبَ رَدُّ التُّرَابِ فَوْرًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَيَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِ الْفَوْرِيَّةِ فِيهِ عَدَمُ وُجُوبِ الْغُسْلِ أَوْ التَّيَمُّمِ بَلْ عَدَمُ الْجَوَازِ وَفِي شَرْحِ الْعُبَابِ أَيْضًا فَإِنْ دُفِنَ مَنْ يَجِبُ غَسْلُهُ قَبْلَ غَسْلِهِ أَوْ تَيَمُّمِهِ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ نُبِشَ لَهُ ثُمَّ بَعْدَهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ فَوَجَبَ فِعْلُهُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ بِنَحْوِ نَتْنٍ شَدِيدٍ كَمَا يَأْتِي فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ نَبْشُهُ لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ. وَتَرَدَّدَ الْأَذْرَعِيُّ فِي النَّبْشِ عِنْدَ دَفْنِهِ بِلَا غُسْلٍ جَهْلًا أَوْ نِسْيَانًا أَوْ خَوْفًا مِنْ نَحْوِ عَدُوٍّ أَوْ لِفَقْدِ الطَّهُورِ ثُمَّ أَشَارَ إلَى أَنَّهُ حَيْثُ صَحَّتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِلَا غُسْلٍ لَمْ يُنْبَشْ وَإِلَّا نُبِشَ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ وَيُحْتَمَلُ الْأَخْذُ بِإِطْلَاقِهِمْ مِنْ النَّبْشِ مُطْلَقًا حَيْثُ لَا تَغَيُّرَ مُبَالَغَةً فِي إكْرَامِهِ وَلَعَلَّ هَذَا أَقْرَبُ اهـ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ قَوْلِ الْأَصْحَابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يُسَنُّ قِرَاءَةُ يس عِنْدَ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ يَعْنِي مُقَدَّمَاتِهِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ هَلْ لَا يُؤْمَرُ بِالْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ انْتِفَاعِهِ بِهَا لِلصُّعُودِ بِرُوحِهِ إلَى الْحَضْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ فَلِانْتِفَاءِ انْتِفَاعِهِ بِالْقِرَاءَةِ حِينَئِذٍ كَمَا ذَاكَرَنِي بِذَلِكَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا أَمْ الْمُرَادُ غَيْرُ ذَلِكَ وَمَا هُوَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَوْلُهُمْ الْمَيِّتُ لَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا أَطْلَقَهُ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ أَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ لِأَنَّ ثَوَابَهَا لِلْقَارِئِ وَالثَّوَابُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى عَمَلٍ لَا يُنْقَلُ عَنْ عَامِلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ قَالَ تَعَالَى {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى} [النجم: 39] وَوُصُولُ الدُّعَاءِ وَالصَّدَقَةِ وَرَدَ بِهِمَا النَّصُّ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِمَا إذْ لَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ فِي ذَلِكَ فَاتَّجَهَ قَوْلُهُمْ أَنَّ الْمَيِّتَ

لَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْته وَلَمَّا كَانَ الْمُتَأَخِّرُونَ يَرَوْنَ وُصُولَ الْقِرَاءَةِ لِلْمَيِّتِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ مُقَرَّرٍ فِي مَحَلِّهِ أَخَذَ ابْنُ الرِّفْعَةِ كَغَيْرِهِ بِظَاهِرِ الْخَبَرِ مِنْ أَنَّهَا تُقْرَأُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهُوَ مُسَجًّى بَلْ فِي وَجْهٍ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا تُقْرَأُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَبْرِ. وَتَبِعَ هَؤُلَاءِ الزَّرْكَشِيُّ فَقَالَ لَا يَبْعُدُ عَلَى الْقَوْلِ بِاسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ أَنَّهُ يُنْدَبُ قِرَاءَتُهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَمَا نُقِلَ فِي السُّؤَالِ مِنْ التَّعْلِيلِ بِعَدَمِ انْتِفَاعِهِ لِلصُّعُودِ بِرُوحِهِ إلَخْ كَلَامٌ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ وَالْفَسَادِ لِأَنَّ صُعُودَ الرُّوحِ لِلْمَلَإِ الْأَعْلَى لَا يُنَافِي انْتِفَاعَهَا بِمَا يَصِلُ إلَيْهَا إجْمَاعًا مِنْ الدُّعَاءِ وَالصَّدَقَةِ فَكَذَا الْقِرَاءَةُ لَوْلَا مَا أَشَرْت إلَيْهِ مِنْ الْفَرْقِ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ وُصُولُهَا إنْ عَقَبَهَا دُعَاءٌ بِوُصُولِ ثَوَابِهَا أَوْ مِثْلِهِ لِأَنَّ حَذْفَ لَفْظِ مِثْلٍ وَإِرَادَةَ مَعْنَاهَا صَحِيحٌ كَبِعْتُك بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ وَأَوْصَيْت لَك بِنَصِيبِ ابْنِي وَكَذَا إنْ لَمْ يَعْقُبْهَا دُعَاءٌ وَكَانَتْ عَلَى الْقَبْرِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ حِينَئِذٍ كَالْحَاضِرِ تُرْجَى لَهُ الرَّحْمَةُ وَالْبَرَكَةُ. وَبِهَذَا يَتَّضِحُ فَسَادُ تِلْكَ الْمُذَاكَرَةِ إذْ لَوْ نَظَرُوا إلَى صُعُودِ رُوحِهِ بِالْمَعْنَى الَّذِي فِي السُّؤَالِ لَمْ يَقُولُوا بِذَلِكَ فَإِنْ قُلْت يُنَافِي قَوْلَهُمْ الْمَيِّتُ لَا يُقْرَأُ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقْرَأُ عِنْدَ الْقُبُورِ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ وَيَدْعُو لَهُمْ عَقِبَهَا قُلْت لَا يُنَافِيهِ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي مُجَرَّدِ الْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْمَيِّتِ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَذَا تَأْيِيدٌ لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي حَمْلِهِمْ مَشْهُورَ الْمَذْهَبِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَةِ الْمَيِّتِ أَوْ لَمْ يَدْعُ عَقِبَهَا. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّا قَالُوهُ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ فِي أَنَّهُ يُغْسَلُ أَوَّلًا رَأْسُهُ ثُمَّ لِحْيَتُهُ هَلْ الْمُرَادُ تَقَدُّمُهُمَا بِغَسْلَةِ السِّدْرِ وَالتَّنْظِيفِ وَالْفَرْضِ وَالتَّثْلِيثِ أَوْ بِالْأُولَى فَقَطْ وَاسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُقَدَّمُ بِغَسَلَاتِ السِّدْرِ رَأْسُهُ ثُمَّ لِحْيَتُهُ ثُمَّ بَاقِي بَدَنِهِ ثَلَاثًا بِالْمَاءِ الصِّرْفِ كَذَلِكَ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّ الْغَاسِلَ يُخَيَّرُ بَيْنَ كُلِّ مَا ذُكِرَ فِيهِ كَمَا حَقَّقَهُ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ حَيْثُ قَالَ لَا وَجْهَ لِتَخْصِيصِ السِّدْرِ بِالْأُولَى مِنْ غَسَلَاتِ التَّنْظِيفِ أَيْ الَّذِي يُفْهِمُهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا بَلْ الْوَجْهُ التَّكْرِيرُ بِهِ إلَى أَنْ يَحْصُلَ النَّقَاءُ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ وَالْمَعْنَى يَقْتَضِيهِ فَإِذَا حَصَلَ النَّقَاءُ وَجَبَ غَسْلُهُ بِالْمَاءِ الْخَالِصِ وَيُسَنُّ بَعْدَهَا ثَانِيَةً وَثَالِثَةً كَغُسْلِ الْحَيِّ فَإِنْ اسْتَعْمَلَ الْخَالِصَ بَعْدَ كُلِّ غَسْلَةٍ مِنْ غَسَلَاتِ التَّنْظِيفِ كَفَاهُ ذَلِكَ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ بَعْدَ تَمَامِهَا وَتَكُونُ كُلُّ مَرَّةٍ مِنْ التَّنْظِيفِ وَاسْتِعْمَالِ الْخَالِصِ يُعَدُّ غَسْلَةً وَاحِدَةً وَكَلَامُهُ الْأَخِيرُ بَيَانٌ لِكَلَامِهِمْ وَكَذَا الْأَوَّلُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ابْنُهُ فِي التَّوْشِيحِ قَدْ لَا يُجْعَلُ ذَلِكَ خِلَافًا وَيُقَالُ إنَّمَا خُصَّتْ الْأُولَى بِالذِّكْرِ لِحُصُولِ النَّقَاءِ بِهَا غَالِبًا. أَيْ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْغَاسِلَ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْكَيْفِيَّتَيْنِ وَأَنَّ مُرَادَهُمْ بِالثَّلَاثِ فِي قَوْلِهِمْ بَعْدَ غَسْلَةِ السِّدْرِ ثُمَّ يَصُبُّ مَاءً قَرَاحًا مِنْ فَرْقِهِ إلَى قَدَمِهِ ثُمَّ يَغْسِلُهُ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ ثَلَاثًا إنَّهَا ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَةٌ فِي الْكَيْفِيَّةِ الْأُولَى وَمُتَفَرِّقَةٌ فِي الْكَيْفِيَّةِ الثَّانِيَةِ فَإِنْ قُلْت أَيُّ الْكَيْفِيَّتَيْنِ أَفْضَلُ قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِ السُّبْكِيّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْأُولَى هِيَ الْأَفْضَلُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهَا الْمُوَافِقَةُ لِلْخَبَرِ وَلِأَنَّهَا أَبْلَغُ فِي النَّظَافَةِ مَعَ السُّهُولَةِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ قَوْلِهِمْ إنَّ أَقَلَّ الدَّفْنِ مَا يَمْنَعُ الْمَيِّتَ وَرَائِحَتَهُ هَلْ الْمُرَادُ يَمْنَعُ رَائِحَتَهُ بِحَيْثُ لَا يُدْرِكُهَا الْقَاعِدُ الْمُلَاصِقُ لِلْقَبْرِ أَوْ الْمُرَادُ أَنْ لَا يُدْرِكَهَا بِالشَّمِّ مَعَ تَقْرِيبِ الْأَنْفِ إلَى تُرَابِ الْقَبْرِ لِأَنَّهَا إذَا أُدْرِكَتْ بِذَلِكَ أَدْرَكَهَا السَّبُعُ فَيَحْمِلُهُ عَلَى النَّبْشِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مَنْعِ الرَّائِحَةِ مَنْعُ السَّبُعِ وَعَكْسُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ فَلَا يَكْفِي أَحَدُهُمَا كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَنْعِ الرَّائِحَةِ مَنْعُهَا عَمَّنْ عِنْدَ الْقَبْرِ بِحَيْثُ لَا يَتَأَذَّى بِهَا تَأَذِّيًا لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً لِأَنَّ مَلْحَظَ اشْتِرَاطِ مَنْعِ الْقَبْرِ لَهَا دَفْعُ الْأَذَى عَنْ النَّاسِ وَالْأَذَى إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِمَا ذَكَرْته مِنْ أَنْ يَفُوحَ مِنْهُ رِيحٌ يُؤْذِي مَنْ قَرُبَ مِنْهُ عُرْفًا إيذَاءً لَا يُصْبَرُ عَلَيْهِ عَادَةً وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِرَائِحَةٍ لَا تُؤْذِي كَذَلِكَ قَوْلُ الْأَصْحَابِ يُسَنُّ أَنْ يُعَمَّقَ الْقَبْرُ قَدْرَ قَامَةٍ وَبَسْطَةٍ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ

فِي الْمَقْصُودِ مِنْ مَنْعِ السَّبُعِ وَالرَّائِحَةِ فَعَلِمْنَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَصْلَ الرَّائِحَةِ لَا يُؤَثِّرُ وَإِنَّمَا الْمُؤَثِّرُ مِنْهُ مَا تَقَرَّرَ وَبِمَا تَقَرَّرَ مِنْ عَدَمِ التَّلَازُمِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ السَّائِلِ لِأَنَّهَا إذَا أُدْرِكَتْ بِذَلِكَ أَدْرَكَهَا السَّبُعُ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَنْ قِرَاءَةِ {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر: 10] الْآيَةَ فِي رَابِعَةِ الْجِنَازَةِ هَلْ لَهُ أَصْلٌ مُعْتَبَرٌ أَمْ يُقَالُ لَا بَأْسَ بِهَا لِلْمُنَاسَبَةِ وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ} [الكهف: 46] عِنْدَ الْمُرُورِ عَلَى الْقَبْرِ وَكَوْنُهَا كَفَّارَةً لِإِثْمِ مُرُورِهِ عَلَيْهِ هَلْ لَهُ أَصْلٌ أَيْضًا أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ فِيهِ لَا أَصْلَ لَهُ بَلْ يَنْبَغِي كَرَاهَةُ قِرَاءَةِ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الرَّابِعَةِ كَمَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ مِنْ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ وَقَوْلُ السَّائِلِ عِنْدَ الْمُرُورِ عَلَى الْقَبْرِ إنْ أَرَادَ الْمَشْيَ عَلَيْهِ لَا إثْمَ فِيهِ أَوْ بِحِذَائِهِ فَلَا كَرَاهَةَ وَلَا إثْمَ فَأَيُّ إثْمٍ فِي الْمُرُورِ حَتَّى يَحْتَاجَ لِرَفْعِهِ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَنْ قَوْلِ الْأَئِمَّةِ لَوْ اخْتَلَطَ مُسْلِمُونَ بِكُفَّارٍ أَوْ مَاتَتْ كَافِرَةٌ وَلَوْ حَرْبِيَّةٌ أَوْ مُرْتَدَّةٌ وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ مُسْلِمٌ مَيِّتٌ قُبِرُوا بَيْنَ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَعَكْسُهُ لَكِنْ هَلْ تُطْمَسُ قُبُورُهُمْ أَوْ تُرْفَعُ شِبْرًا اسْتَظْهَرَ بَعْضُهُمْ الْأَوَّلَ قَالَ لِأَنَّ رَفْعَهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يُزَارَ الْكَافِرُ وَيُحْتَرَمَ فَحِينَئِذٍ يُطْمَسُ قَبْرُهُ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا بُحِثَ مِنْ الطَّمْسِ مُحْتَمَلٌ وَإِنْ كَانَ مَا عُلِّلَ بِهِ غَيْرَ مُطَّرِدٍ بَلْ غَيْرَ صَحِيحٍ لِأَنَّا إنْ نَظَرْنَا إلَى مَحَلِّ الدَّفْنِ وَهُوَ كَوْنُهُ بَيْنَ مَقْبَرَتَيْ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ انْتَفَى كَوْنُهُ يُزَارُ وَيُحْتَرَمُ سَوَاءٌ أَرُفِعَ أَمْ لَمْ يُرْفَعْ وَإِنْ نَظَرْنَا إلَى أَنَّ الرَّفْعَ يَسْتَلْزِمُ الزِّيَارَةَ وَالِاحْتِرَامَ حَرَّمْنَاهُ فِي مَقْبَرَةِ الْكُفَّارِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ لَا يُسَنُّ الرَّفْعُ لِأَنَّ فِيهِ نَوْعَ احْتِرَامٍ وَلَا يُقَالُ يُسَنُّ الطَّمْسُ لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ لَمْ يَطْلُبُوهُ إلَّا عِنْدَ خَشْيَةِ النَّبْشِ لَا غَيْرُ وَفَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ فَتَأَمَّلْهُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ كَيْفِيَّةِ التَّصَدُّقِ بِثَوَابِ الْقِرَاءَةِ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى التَّرْتِيبِ كَأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ أَوْصِلْ ثَوَابَ مَا قَرَأْته وَأَجْرَ مَا تَلَوْته إلَى رُوحِ فُلَانٍ ثُمَّ إلَى رُوحِ فُلَانٍ وَهَكَذَا كَمَا فِي وَقْفِ التَّرْتِيبِ وَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَبَعْدَهُمْ مَنْ شَاءَ أَوْ التَّشْرِيكِ كَأَوْصِلْ اللَّهُمَّ ثَوَابَ مَا ذُكِرَ إلَى رُوحِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ أَوْ هُمَا سِيَّانِ فِي الْحُكْمِ بَيِّنُوا لَنَا مَا فِي ذَلِكَ مِنْ نَصٍّ أَوْ قِيَاسٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إيصَالُ عَيْنِ ثَوَابِ مَا قَرَأَهُ إلَى غَيْرِهِ غَيْرُ مُرَادٍ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الدُّعَاءُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَتَفَضَّلُ وَيُوصِلُ مِثْلَهُ إلَى الْمَدْعُوِّ لَهُ فَلَفْظَةُ الْمِثْلِ إنْ صَرَّحَ بِهَا فَوَاضِحٌ وَإِلَّا فَهِيَ مُرَادَةٌ وَحَذْفُ لَفْظِهَا وَإِرَادَةُ مَعْنَاهَا شَائِعٌ فِي كَلَامِهِمْ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِمَا. وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُرَادَ الدُّعَاءُ بِإِيصَالِ مِثْلِ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ اتَّضَحَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْمَدْعُوِّ لَهُمْ مُرَتَّبِينَ أَوْ مَجْمُوعِينَ بِالْعَطْفِ بِالْوَاوِ أَوْ بِدُونِهِ كَأَوْصِلْ ثَوَابَ ذَلِكَ إلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ الْأَشْرَافِ أَوْ أَهْلِ بَلَدِ كَذَا أَلَا تَرَى أَنَّك لَوْ قُلْت اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ أَوْ لِفُلَانٍ ثُمَّ فُلَانٍ أَوْ لِلْمُسْلِمِينَ كُنْتَ دَاعِيًا وَمُؤَدِّيًا لِسُنَّةِ الدُّعَاءِ الْخَاصِّ أَوْ الْعَامِّ فِي الْكُلِّ فَكَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ نَعَمْ فِي النَّفْسِ تَوَقُّفٌ مِنْ الْإِتْيَانِ بِالتَّرْتِيبِ لِأَنَّ فِيهِ نَوْعَ تَحَكُّمٍ فِي الدُّعَاءِ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ خِلَافُ الْأَدَبِ إذْ اللَّائِقُ فِي الْأَدَبِ أَنْ يُفَوَّضَ وَقْتُ إعْطَاءِ الْمَطْلُوبِ لِلْغَيْرِ إلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا التَّنْصِيصُ عَلَى طَلَبِ أَنَّ إعْطَاءَ فُلَانٍ قَبْلَ فُلَانٍ وَفُلَانٍ قَبْلَ فُلَانٍ فَفِيهِ نَوْعُ قِلَّةِ أَدَبٍ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مُوَفَّقٍ. فَإِنْ قُلْت ظَاهِرُ قَوْلِهِمْ وَيَقْرُبُ زَائِرُهُ مِنْهُ كَقُرْبِهِ مِنْهُ حَيًّا أَنَّهُ يُعَامِلُهُ بِمَا كَانَ يُعَامِلُهُ بِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا كَتَقَدُّمِهِ عَلَى غَيْرِهِ فِي الزِّيَارَةِ إنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ وِلَادَةٌ أَوْ مَشْيَخَةٌ أَوْ نَحْوُهُمَا وَإِذَا سُنَّ ذَلِكَ فَلَيْسَ تَقْدِيمُهُ فِي الدُّعَاءِ عَلَى غَيْرِهِ قُلْت فَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ لِأَنَّ الزِّيَارَةَ إكْرَامٌ نَاجِزٌ تَتَفَاخَرُ بِهِ الْأَرْوَاحُ كَمَا وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَسَاغَ التَّقْدِيمُ فِيهَا لِذَلِكَ وَأَمَّا الدُّعَاءُ فَهُوَ طَلَبُ أَفْضَالٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمَدْعُوِّ لَهُ وَالْخِيرَةُ فِي وَقْتِ ذَلِكَ إلَيْهِ تَعَالَى فَلَا دَخْلَ لِلتَّرْتِيبِ فِيهِ بِوَجْهٍ بَلْ فِيهِ تَحَكُّمٌ وَقِلَّةُ أَدَبٍ كَمَا تَقَرَّرَ فِيهِ فَلَمْ يَقُلْ بِهِ نَعَمْ يَنْبَغِي إذَا أَرَادَ ذِكْرَ جَمَاعَةٍ كُلًّا عَلَى انْفِرَادِهِ أَنْ يُقَدِّمَ فِي اللَّفْظِ مَعَ الْعَطْفِ بِالْوَاوِ لَا بِنَحْوِ ثُمَّ الْأَفْضَلَ فَالْأَفْضَلَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ هَلْ كَانَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالطَّيَالِسِيُّ وَابْنُ مَنِيعٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ

وَالرُّويَانِيُّ وَابْنُ عَسَاكِرَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمَّا قَبَضُوا رُوحَ آدَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَوْلَادُهُ يَنْظُرُونَ غَسَّلُوهُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ وَكَفَّنُوهُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ وَصَلَّوْا عَلَيْهِ ثُمَّ حَفَرُوا لَهُ وَدَفَنُوهُ ثُمَّ أَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ فَقَالُوا يَا بَنِي آدَمَ هَذِهِ سُنَّتُكُمْ فِي مَوْتَاكُمْ وَهَذِهِ سَبِيلُكُمْ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِمَا لَفْظُهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ مُرَّ بِجِنَازَةٍ فَأُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا إلَخْ هَلْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ أَنَّ ثَنَاءَ الْوَاحِدِ يُوجِبُ الْجَنَّةَ وَإِنْ خَالَفَ الْأَكْثَرَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ عَلَى ظَاهِرِهِ بِشَرْطِ كَوْنِ الثَّنَاءِ مِنْ عَدْلٍ خَبِيرٍ صَالِحٍ لِلتَّزْكِيَةِ وَهَذَا الثَّنَاءُ عَلَامَةٌ عَلَى مَا عِنْدَ اللَّهِ لِلْعَبْدِ بِإِخْبَارِ الصَّادِقِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَثَنَاءِ الِاثْنَيْنِ كَافٍ كَمَا فِي الْخَبَرِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ هَلْ يَعْلَمُ الْأَمْوَاتُ بِزِيَارَةِ الْأَحْيَاءِ وَبِمَا هُمْ فِيهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَعْلَمُونَ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِزَمَانٍ خِلَافًا لِمَنْ قَيَّدَ كَمَا أَفَادَهُ حَدِيثُ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا «مَا مِنْ رَجُلٍ يَزُورُ قَبْرَ أَخِيهِ وَيَجْلِسُ عَلَيْهِ إلَّا اسْتَأْنَسَ وَرُدَّ حَتَّى يَقُومَ» وَصَحَّ حَدِيثُ «مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُرُّ بِقَبْرِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ إلَّا عَرَفَهُ وَرَّدَ عَلَيْهِ السَّلَامَ» . (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ هَلْ يَعْلَمُ الْأَمْوَاتُ بِأَحْوَالِ الْأَحْيَاءِ وَبِمَا هُمْ فِيهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ لِحَدِيثِ مُسْنَدِ أَحْمَدَ «إنَّ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَى أَقَارِبِكُمْ وَعَشَائِرِكُمْ مِنْ الْأَمْوَاتِ فَإِنْ كَانَ خَيْرًا اسْتَبْشَرُوا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ قَالُوا اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُمْ حَتَّى تَهْدِيَهُمْ كَمَا هَدَيْتَنَا» وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهَا إنَّمَا تُعْرَضُ عَلَى صَالِحِي الْأَقَارِبِ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ «وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ قَالُوا اللَّهُمَّ أَلْهِمْهُمْ أَنْ يَعْمَلُوا بِطَاعَتِك» وَفِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ «إنَّ نَفْسَ الْمُؤْمِنِ إذَا قُبِضَتْ تَلَقَّاهَا أَهْلُ الرَّحْمَةِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ كَمَا يَلْقَوْنَ الْبَشِيرَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا فَيَقُولُونَ اُنْظُرُوا صَاحِبَكُمْ لِيَسْتَرِيحَ فَإِنَّهُ فِي كَرْبٍ شَدِيدٍ ثُمَّ يَسْأَلُونَهُ مَا فَعَلَ فُلَانٌ وَفُلَانَةُ هَلْ تَزَوَّجَتْ» الْحَدِيثَ وَفِيهِ «إنَّ أَعْمَالَكُمْ تُعْرَضُ عَلَى أَقَارِبِكُمْ وَعَشَائِرِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْآخِرَةِ فَإِنْ كَانَ خَيْرًا فَرِحُوا وَاسْتَبْشَرُوا وَقَالُوا اللَّهُمَّ هَذَا فَضْلُك وَرَحْمَتُك فَأَتْمِمْ نِعْمَتَك عَلَيْهِ وَأَمِتْهُ عَلَيْهَا وَيُعْرَضُ عَلَيْهِمْ عَمَلُ الْمُسِيءِ فَيَقُولُونَ اللَّهُمَّ أَلْهِمْهُ عَمَلًا صَالِحًا تَرْضَى بِهِ وَيُقَرِّبُهُ إلَيْك» وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ حَدِيثَ «تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ عَلَى اللَّهِ وَتُعْرَضُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَعَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ الْجُمُعَةَ فَيَفْرَحُونَ بِحَسَنَاتِهِمْ وَتَزْدَادُ وُجُوهُهُمْ بَيَاضًا وَإِشْرَاقًا فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُؤْذُوا أَمْوَاتَكُمْ» وَفِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا «لَا تَفْضَحُوا مَوْتَاكُمْ بِسَيِّئَاتِ أَعْمَالِكُمْ فَإِنَّهَا تُعْرَضُ عَلَى أَوْلِيَائِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ» . (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ هَلْ يَسْمَعُ الْمَيِّتُ كَلَامَ النَّاسِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ لِحَدِيثِ أَحْمَدَ وَجَمَاعَةٍ «إنَّ الْمَيِّتَ يَعْرِفُ مَنْ يُغَسِّلُهُ وَيَحْمِلُهُ وَيُدْلِيهِ فِي قَبْرِهِ» وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ «الرُّوحُ بِيَدِ مَلَكٍ يَمْشِي بِهِ مَعَ الْجِنَازَةِ يَقُولُ لَهُ أَتَسْمَعُ مَا يُقَالُ لَك فَإِذَا بَلَغَ حُفْرَتَهُ دَفَنَهُ مَعَهُ» . (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ مَا مَقَرُّ الْأَرْوَاحِ بَعْدَ مَوْتِ أَجْسَادِهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ أَيْ رُوحُهُ طَائِرٌ أَيْ عَلَى صُورَتِهِ تَعَلَّقَ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ إلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ» وَفِي حَدِيثٍ سَنَدُهُ حَسَنٌ «تَكُونُ النَّسَمُ طَيْرًا يُعَلَّقُ بِالشَّجَرِ حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دَخَلَتْ كُلُّ نَفْسٍ فِي جَسَدِهَا» وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ «أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ فِي حَوَاصِلِ طَيْرٍ تَسْرَحُ فِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ ثُمَّ تَأْوِي إلَى قَنَادِيلَ تَحْتَ الْعَرْشِ» وَفِي رِوَايَةٍ سَنَدُهَا حَسَنٌ «إنَّ أَرْوَاحَهُمْ فِي قُبَّةٍ خَضْرَاءَ عَلَى نَهْرٍ بِبَابِ الْجَنَّةِ يَخْرُجُ إلَيْهِمْ مِنْهَا رِزْقُهُمْ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً» وَلَا تُخَالِفُ مَا قَبْلَهَا لِأَنَّهُمْ مَرَاتِبُ وَصَحَّ حَدِيثُ «أَوْلَادُ الْمُؤْمِنِينَ فِي جَبَلٍ فِي الْجَنَّةِ يَكْفُلُهُمْ إبْرَاهِيمُ وَسَارَةُ حَتَّى يَرُدَّهُمْ إلَى آبَائِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . وَأَخْرَجَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أُتِيت بِالْمِعْرَاجِ الَّذِي تَعْرُجُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ بَنِي آدَمَ فَمَا تَرَى الْخَلَائِقُ أَحْسَنَ مِنْ الْمِعْرَاجِ مَا رَأَيْت الْمَيِّتَ حِينَ يَشُقُّ بَصَرُهُ طَامِحًا إلَى السَّمَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ عَجَبُهُ بِالْمِعْرَاجِ فَصَعِدْت أَنَا وَجِبْرِيلُ فَاسْتَفْتَحَ بَابَ السَّمَاءِ فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ ذُرِّيَّتِهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَيَقُولُ رُوحٌ طَيِّبَةٌ وَنَفْسٌ طَيِّبَةٌ اجْعَلُوهَا فِي

عِلِّيِّينَ ثُمَّ تُعْرَضُ عَلَيْهِ أَرْوَاحُ ذُرِّيَّتِهِ الْفُجَّارِ فَيَقُولُ رُوحٌ خَبِيثَةٌ وَنَفْسٌ خَبِيثَةٌ اجْعَلُوهَا فِي سِجِّينٍ» وَفِي حَدِيثٍ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ «إنَّ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ يَنْظُرُونَ إلَى مَنَازِلِهِمْ فِي الْجَنَّةِ» وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ دَرَجَاتٌ كَالشُّهَدَاءِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ هَلْ تَجْتَمِعُ الْأَرْوَاحُ وَيَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ لِلْخَبَرِ أَنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ وَيَتَلَقَّوْنَ الْمَيِّتَ ثُمَّ يَسْأَلُونَهُ مَا فَعَلَ فُلَانٌ وَفُلَانَةُ إلَخْ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا «لَمَّا مَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ وَجَدَتْ عَلَيْهِ أُمُّهُ وَجْدًا شَدِيدًا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ يَتَعَارَفُ الْمَوْتَى فَأُرْسِلُ إلَى بِشْرٍ بِالسَّلَامِ فَقَالَ نَعَمْ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّهُمْ لَيَتَعَارَفُونَ كَمَا يَتَعَارَفُ الطَّيْرُ فِي رُءُوسِ الشَّجَرِ» وَفِي حَدِيثِ أَحْمَدَ «إنَّ رُوحَيْ الْمُؤْمِنَيْنِ لَيَلْتَقِيَانِ عَلَى مَسِيرَةِ يَوْمٍ وَمَا رَأَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ قَطُّ» وَصَحَّ حَدِيثُ «إنَّ الْمُؤْمِنَ يَنْزِلُ بِهِ الْمَوْتُ وَيُعَايِنُ مَا يُعَايِنُ يَوَدُّ لَوْ خَرَجَتْ نَفْسُهُ وَاَللَّهُ يُحِبُّ لِقَاءَ الْمُؤْمِنِ وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ تَصْعَدُ رُوحُهُ إلَى السَّمَاءِ فَتَأْتِيهِ أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ يَسْتَخْبِرُونَهُ عَنْ مَعَارِفِهِ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ فَإِذَا قَالَ تَرَكْت فُلَانًا فِي الدُّنْيَا أَعْجَبَهُمْ ذَلِكَ وَإِذَا قَالَ إنَّ فُلَانًا قَدْ مَاتَ قَالُوا مَا جِيءَ بِهِ إلَيْنَا» وَفِي رِوَايَةٍ «فَيَقُولُونَ إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ ذُهِبَ بِهِ إلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ» . (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ هَلْ يُسْأَلُ الشَّهِيدُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْقُرْطُبِيُّ بِخَبَرِ مُسْلِمٍ «هَلْ يُفْتَنُ الشَّهِيدُ قَالَ كَفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً» قَالَ وَمَعْنَاهُ أَنَّ السُّؤَالَ فِي الْقَبْرِ إنَّمَا جُعِلَ لِامْتِحَانِ الْمُؤْمِنِ الصَّادِقِ فِي إيمَانِهِ مِنْ الْمُنَافِقِ وَثُبُوتُهُ تَحْتَ بَارِقَةِ السُّيُوفِ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى صِدْقِهِ فِي إيمَانِهِ وَإِلَّا لَفَرَّ لِلْكُفَّارِ قَالَ وَإِذَا كَانَ الشَّهِيدُ لَا يُفْتَنُ فَالصِّدِّيقُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَجَلُّ قَدْرًا وَوَرَدَتْ أَحَادِيثُ إنَّ الْمَرَابِطَ لَا يُسْأَلُ أَيْضًا وَكَذَا الْمَطْعُونُ وَالصَّابِرُ فِي بَلَدِ الطَّعْنِ مُحْتَسِبًا وَمَاتَ بِغَيْرِ الطَّاعُونِ كَمَا فِي بَذْلِ الْمَاعُونِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ حَجَرٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ هَلْ يُسْأَلُ الطِّفْلُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُ أَئِمَّتِنَا خِلَافًا لِابْنِ يُونُسَ لَا يُلَقَّنُ صَبِيٌّ لَمْ يَبْلُغْ وَمِثْلُهُ مَجْنُونٌ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ تَكْلِيفٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لِأَنَّهُمْ لَا يُسْأَلُونَ وَبِهِ أَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ وَلِلْحَنَابِلَةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ قَوْلٌ إنَّ الطِّفْلَ يُسْأَلُ وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ وَاسْتُدِلَّ لَهُ بِمَا لَا يَصِحُّ «إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَّنَ ابْنَهُ إبْرَاهِيمَ» وَلَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «إنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ عَلَى الطِّفْلِ اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِعَذَابِ الْقَبْرِ فِيهِ عُقُوبَتَهُ وَلَا السُّؤَالَ بَلْ مُجَرَّدَ أَلَمِ الْهَمِّ وَالْغَمِّ وَالْوَحْشَةِ وَالضَّغْطَةِ الَّتِي تَعُمُّ الْأَطْفَالَ وَغَيْرَهُمْ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِمَا لَفْظُهُ مَا قِيلَ إنَّ الْمَوْتَى يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ أَيْ يُسْأَلُونَ كَمَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ هَلْ لَهُ أَصْلٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ لَهُ أَصْلٌ أَصِيلٌ فَقَدْ أَخْرَجَهُ جَمَاعَةٌ عَنْ طَاوُسِ بِالسَّنَدِ الصَّحِيحِ وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ بِسَنَدٍ احْتَجَّ بِهِ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ طَاوُسِ فِي التَّابِعِينَ بَلْ قِيلَ إنَّهُ صَحَابِيٌّ لِأَنَّهُ وُلِدَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ بَعْضُ زَمَنِ عُمَرَ بِمَكَّةَ وَمُجَاهِدٍ وَحُكْمُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ حُكْمُ الْمَرَاسِيلِ الْمَرْفُوعَةِ لِأَنَّ مَا لَا يُقَالُ مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ إذَا جَاءَ عَنْ تَابِعِيٍّ يَكُونُ فِي حُكْمِ الْمُرْسَلِ الْمَرْفُوعِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا بَيَّنَهُ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ وَالْمُرْسَلُ حُجَّةٌ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَكَذَا عِنْدَنَا إذَا اعْتَضَدَ وَقَدْ اعْتَضَدَ مُرْسَلُ طَاوُسِ بِالْمُرْسَلَيْنِ الْآخَرَيْنِ بَلْ إذَا قُلْنَا بِثُبُوتِ صُحْبَةِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ كَانَ مُتَّصِلًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِقَوْلِهِ الْآتِي عَنْ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ إلَخْ لِمَا يَأْتِي أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ وَفِي بَعْضِ تِلْكَ الرِّوَايَاتِ زِيَادَةُ إنَّ الْمُنَافِقَ يُفْتَنُ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا وَمِنْ ثَمَّ صَحَّ عَنْ طَاوُسِ أَيْضًا أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُطْعَمَ عَنْ الْمَيِّتِ تِلْكَ الْأَيَّامَ وَهَذَا مِنْ بَابِ قَوْلِ التَّابِعِيِّ كَانُوا يَفْعَلُونَ وَفِيهِ قَوْلَانِ لِأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْأُصُولِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَيْضًا مِنْ بَابِ الْمَرْفُوعِ وَأَنَّ مَعْنَاهُ كَانَ النَّاسُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَعْلَمُ بِهِ وَيُقِرُّ عَلَيْهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْعَزْوِ إلَى الصَّحَابَةِ دُونَ انْتِهَائِهِ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى هَذَا قِيلَ إنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ

فَيَكُونُ نَقْلًا لِلْإِجْمَاعِ وَقِيلَ عَنْ بَعْضِهِمْ وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ مِثْلُ هَذَا اللَّفْظِ يُرَادُ بِهِ أَنَّهُ كَانَ مَشْهُورًا فِي ذَلِكَ الْعَهْدِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ ثُمَّ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ عَنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفِتْنَةِ سُؤَالُ الْمَلَكَيْنِ صَحِيحٌ. وَيُؤَيِّدُهُ خَبَرُ الْبُخَارِيِّ «أُوحِيَ إلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ فَيُقَالُ مَا عِلْمُك بِهَذَا الرَّجُلِ» إلَخْ وَرَوَى ابْن أَبِي الدُّنْيَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعُمَرَ كَيْفَ أَنْتَ إذَا رَأَيْت مُنْكَرًا وَنَكِيرًا قَالَ وَمَا مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ قَالَ فَتَّانَا الْقَبْرِ» الْحَدِيثُ وَفِي مُرْسَلٍ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ «فَتَّانُ الْقَبْرِ ثَلَاثَةٌ أَنَكُورُ وَنَاكُورُ وَرُومَانُ» وَفِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ رَوَاهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ «فَتَّانُو الْقَبْرِ أَرْبَعَةٌ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ وَنَاكُورُ وَرُومَانُ» . وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ذِكْرِ السَّبْعَةِ الْأَيَّامِ مُعَارَضَةٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ لِأَنَّهَا مُطْلَقَةٌ وَهَذَا فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَيْهَا فَوَجَبَ قَبُولُهَا كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْأُصُولِ وَقَوْلُهُ فِيهَا نَمْ صَالِحًا لَا يُنَافِيهِ السُّؤَالُ فِي يَوْمٍ ثَانٍ وَهَكَذَا خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ فِيهِ وَنَظِيرُ ذَلِكَ أَنَّهُ أَطْلَقَ السُّؤَالَ فِيهَا وَفِي حَدِيثٍ حَسَنٍ إنَّ السُّؤَالَ يُعَادُ عَلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنَّهُ جَاءَ فِي أَحَادِيثَ إنَّ السَّائِلَ مَلَكٌ وَفِي أَحَادِيثَ إنَّهُ مَلَكَانِ وَأَحَادِيثَ إنَّهُ ثَلَاثَةٌ وَأَحَادِيثَ إنَّهُ أَرْبَعَةٌ وَلَا تَنَافِيَ لِأَنَّ ذَاكِرَ الْوَاحِدِ لَمْ يَقُلْ وَلَا يَأْتِيهِ غَيْرُهُ ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ. وَاعْلَمْ أَيْضًا أَنَّ السُّؤَالَ فِيمَا بَعْدَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ تَأْكِيدٌ لَهُ لِحَدِيثِ إنَّهُمْ لَا يُسْأَلُونَ عَنْ شَيْءٍ سِوَى مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ الْأَوَّلِ وَحِكْمَةُ التَّكْرِيرِ تَمْحِيصُ الصَّغَائِرِ وَإِظْهَارُ شَرَفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَزِيَّتِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّ سُؤَالَ الْقَبْرِ إنَّمَا جُعِلَ تَعْظِيمًا لَهُ إذْ لَمْ يُجْعَلْ ذَلِكَ لِنَبِيٍّ غَيْرِهِ وَصَحَّ حَدِيثُ «وَأَمَّا فِتْنَةُ الْقَبْرِ فَبِي يُفْتَنُونَ وَعَنِّي يُسْأَلُونَ» وَبَيَّنَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ أَنَّ سُؤَالَ الْقُبُورِ خَاصٌّ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ فَإِنْ قُلْت لِمَ كَرَّرَ الْإِطْعَامَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ دُونَ التَّلْقِينِ قُلْت لِأَنَّ مَصْلَحَةَ الْإِطْعَامِ مُتَعَدِّيَةٌ وَفَائِدَتُهُ لِلْمَيِّتِ أَعْلَى إذْ الْإِطْعَامُ عَنْ الْمَيِّتِ صَدَقَةٌ وَهِيَ تُسَنُّ عَنْهُ إجْمَاعًا وَالتَّلْقِينُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ بِدْعَةٌ وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ عِنْدَنَا خِلَافَهُ لِمَجِيءِ الْحَدِيثِ بِهِ وَالضَّعِيفُ يُعْمَلُ بِهِ فِي الْفَضَائِلِ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِمَا لَفْظُهُ مَا مَيِّتٌ مَاتَ وَلَمْ تَطْلُعْ رُوحُهُ كَمَا صَحَّ بِهِ الْخَبَرُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُرَادُ بِذَلِكَ النُّطَفُ فِي الْأَصْلَابِ سَمَّاهَا اللَّهُ أَمْوَاتًا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهَا رُوحٌ فَقَالَ {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} [البقرة: 28] . (وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ عَنْ تَرْكِ الْعِيَادَةِ لِلْمَرْضَى يَوْمَ السَّبْتِ هَلْ لَهُ أَصْلٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا أَصْلَ لَهُ بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ اخْتَرَعَهَا بَعْضُ الْيَهُودِ لَمَّا أَلْزَمَهُ الْمَلِكُ بِقَطْعِ سَبْتِهِ وَالْإِتْيَانِ لِمُدَاوَاتِهِ فَتَخَلَّصَ مِنْهُ بِقَوْلِهِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُدْخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَوْمَ السَّبْتِ فَتَرَكَهُ وَأَمَّا زَعْمُ بَعْضِهِمْ أَنَّ لِذَلِكَ أَصْلًا وَهُوَ زِيَارَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْقُبُورَ يَوْمَ السَّبْتِ قَالَ فَفِيهِ تَفَاؤُلٌ عَلَى مَوْتِ الْمَرِيضِ فَهُوَ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ إذْ لَيْسَ فِيهِ إشَارَةٌ لِذَلِكَ بِوَجْهٍ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ فَتَرْكُ ذَلِكَ لِذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّشَاؤُمِ وَالطِّيَرَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُمَا وَالْمُسْلِمُونَ بُرَآءُ مِنْ ذَلِكَ وَلَيْسَ هَذَا إلَّا كَقَوْلِ بَعْضِ الْعَوَامّ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُزَارَ الْمَرِيضُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاتَ فِيهِ وَهَذَا أَيْضًا مِنْ بَابِ التَّشَاؤُمِ وَالطِّيَرَةِ. نَعَمْ هُنَا فَائِدَةٌ دَقِيقَةٌ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ لَهَا وَهِيَ أَنَّهُ رَسَخَ فِي أَذْهَانِ الْعَوَامّ أَنَّ أَيَّامًا مَشْئُومَةً عَلَى الْمَرِيضِ إذَا أُعِيدَ فِيهَا فَيَنْبَغِي لِمَنْ عُلِمَ مِنْهُ اعْتِقَادُ ذَلِكَ أَنْ لَا يُعَادَ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤْذِي الْمَرِيضَ وَيَزِيدُ فِي مَرَضِهِ لِمَا رَكَزَ فِي عُقُولِهِمْ السَّخِيفَةِ مِنْ التَّشَاؤُمِ وَالطِّيَرَةِ فَيَحْصُلُ بِذَلِكَ ضَرَرٌ كَبِيرٌ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَقَدْ تُتْرَكُ السُّنَّةُ لِعَوَارِضَ قَوِيَّةٍ. فَإِنْ قُلْت يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ إظْهَارًا لِلسُّنَّةِ وَإِعْلَامًا لِلنَّاسِ بِهَا لِيَتْرُكُوا مَا فِي أَذْهَانِهِمْ قُلْت هَذَا وَاضِحٌ إنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِمْ الْجَهْلُ وَالتَّشَاؤُمُ وَيَرْسَخُ ذَلِكَ فِي أَذْهَانِهِمْ حَتَّى يُعَادُوا بِسَبَبِهِ الْعَالِمَ وَيَسْتَسْخِرُوا بِهِ وَيَحْصُلَ لَهُ مِنْهُمْ مِنْهُ أَذًى شَدِيدٌ أَمَّا إذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَتَرْكُهُ أَوْلَى لِأَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي أَجَلِهِ عَمَّا اُعْتِيدَ مِنْ أَنَّ مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَا بُدَّ أَنْ يَأْتِيَ مَعَهُ بِشَيْءٍ وَإِلَّا عِيبَ عَلَيْهِ هَلْ لَهُ أَصْلٌ أَوْ هُوَ بِدْعَةٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا أَصْلَ لِذَلِكَ بَلْ هُوَ بِدْعَةٌ إنْ كَانَ مَعَ اعْتِقَادِهِ تَوَقُّفُ الْعِيَادَةِ عَلَى شَيْءٍ يَصْحَبُهُ مَعَهُ

باب تارك الصلاة

أَمَّا إذَا انْتَفَى هَذَا الِاعْتِقَادُ بِأَنْ كَانَ مَنْ أَتَى بِشَيْءٍ فَهُوَ زِيَادَةٌ فِي الْبِرِّ وَمَنْ لَا فَلَا عَتَبَ عَلَيْهِ فَذَلِكَ إحْسَانٌ لِلْمَعَارِفِ أَوْ الْأَصْدِقَاءِ أَوْ الْأَقَارِبِ وَهُوَ سُنَّةٌ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ. (وَسُئِلَ) ذَكَرَ التَّفْتَازَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «إنَّ الْعَالِمَ وَالْمُتَعَلِّمَ إذَا مَرَّا عَلَى قَرْيَةٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ الْعَذَابَ عَنْ مَقْبَرَةِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا» هَلْ لِهَذَا الْحَدِيثِ أَصْلٌ وَهَلْ رَوَاهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ السُّنَنِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَمْ أَرَ لِهَذَا الْحَدِيثِ وُجُودًا فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ الْجَامِعَةِ الْمَبْسُوطَةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا ثُمَّ رَأَيْت الْكَمَالَ بْنَ أَبِي شَرِيفٍ صَاحِبَ الْإِسْعَادِ قَالَ إنَّ الْحَدِيثَ لَا أَصْلَ لَهُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرْته. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ الْعَزَاءِ الَّذِي يَفْعَلُونَهُ بِبِلَادِ الْيَمَنِ قَدْ يَفْعَلُهُ أَجْنَبِيٌّ وَيَطْلُبُ الرُّجُوعَ بِهِ عَلَى الْوَرَثَةِ وَقَدْ يَفْعَلُهُ وَارِثٌ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فَمَا حُكْمُهُ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ جَعْلُ الطَّعَامِ لِلْمُعَزِّينَ إنْ حَمَلَ عَلَى مَعْصِيَةٍ كَنِيَاحَةٍ حَرُمَ مُطْلَقًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْوَرَثَةِ جَازَ وَلَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِهِ وَكَذَا إذَا فَعَلَهُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْبَاقِينَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِشَيْءٍ عَلَى بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ وَيَحْرُمُ عَلَى وَارِثٍ أَوْ وَصِيٍّ جَعْلُهُ مِنْ التَّرِكَةِ إذَا كَانَ فِي الْوَرَثَةِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَإِذَا أَوْصَى الْمَيِّتُ بِفِعْلِهِ فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهٍ حَرَامٍ أَوْ مَكْرُوهٍ لَمْ تَنْفُذْ وَصِيَّتُهُ وَإِلَّا نَفَذَتْ مِنْ الثُّلُثِ إنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ الزَّائِدَ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُهُ الْوَصِيُّ حِينَئِذٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ تَارِكِ الصَّلَاةِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا صُورَتُهُ تَارِكُ الصَّلَاةِ بِشَرْطِهِ لَا يَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ إذَا تَابَ اتِّفَاقًا بِخِلَافِ نَحْوِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ فَإِنَّ فِي تَحَتُّمِ قَتْلِهِ خِلَافًا وَالْأَصَحُّ تَحَتُّمُهُ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْفَرْقُ أَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِقَتْلِ تَارِكِ الصَّلَاةِ لَيْسَ مُجَرَّدَ التَّرْكِ بَلْ مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يُصِرَّ لَا نَقُولُ سَقَطَ الْحَدُّ بَلْ لَمْ نَتَحَقَّقْ مُوجِبُهُ وَلَا كَذَلِكَ نَحْوُ الزَّانِي الْمُحْصَنِ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمَجْعُولَ سَبَبًا قَدْ تَحَقَّقَ فَإِذَا وُجِدَتْ التَّوْبَةُ ثَارَ الْخِلَافُ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا هَلْ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا حَتَّى فِي الدُّنْيَا أَوْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْآخِرَةِ وَمَنْ زَعَمَ تَحَتُّمَ قَتْلِ تَارِكِ الصَّلَاةِ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا فَاحِشًا. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ هَلْ يُقْتَلُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ الْمَنْذُورَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْأَوْجَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِتَرْكِهَا وَإِنْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً بِزَمَانٍ. [كِتَابِ الزَّكَاةِ] ِ (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ وَنَفَعَ بِعُلُومِهِ عَنْ فَقِيهٍ يُصَلِّي بِجَمَاعَةٍ لِأَجْلِ زَكَاةِ أَمْوَالِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ وَيُعْطُونَهُ نِصْفَ الزَّكَاةِ فَهَلْ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ النِّصْفِ وَهَلْ لَهُ النَّقْلُ إلَى بَلَدِهِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَنَّ الْفَقِيهَ الْمَذْكُورَ حَيْثُ كَانَ مِنْ أَحَدِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الْآيَةُ جَازَ لَهُ أَنْ يَنْقُلَ مَا كَانَ أَخَذَهُ إلَى بَلَدِهِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِمِنْ هُوَ مُقِيمٌ فِي بَلَدِ الزَّكَاةِ عِنْدَ وُجُوبِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَرْطُ اسْتِحْقَاقِ الزَّكَاةِ لَمْ يَجُزْ دَفْعُهَا إلَيْهِ وَلَا أَخْذُهَا فَإِنْ فَعَلَ لَمْ تَبْرَأْ ذِمَّةُ الدَّافِعِ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَ بِعُلُومِهِ هَلْ قَوْلُهُمْ فِي الْمُعَجَّلِ عَنْ الزَّكَاةِ هُوَ كَبَاقٍ فِي نِصَابِهِ وَإِنْ تَلِفَ الْمُعَجَّلُ لَكِنْ قَالُوا لَوْ اشْتَرَيْت الْمُعَجَّلَةَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ أَوْ كَانَتْ مَعْلُوفَةً لَمْ تَلْزَمْهُ أُخْرَى لِأَنَّ النِّصَابِ لَمْ يَتِمَّ فَمَا الْفَرْقُ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ مَا أَشَرْت إلَيْهِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَعِبَارَتُهُ مَعَ الْمَتْنِ (وَهُوَ) أَيْ الْمُعَجَّلُ مِنْ الزَّكَاةِ إذَا وُجِدْت شُرُوطُ الْإِجْزَاءِ وَقْتَ الْوُجُوبِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ الْآتِي إلَّا أَنَّ نَقْصَ نِصَابِهِ بِتَلَفِهِ (كَبَاقٍ) بِمِلْكِ الْمَالِكِ لَا حَقِيقَةَ لِنُفُوذِ تَصَرُّفِ الْمُسْتَحِقِّ فِيهِ بَلْ (فِي نِصَابِهِ) تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ مَا لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ فَيُضَمُّ إلَى مَا عِنْدَهُ وَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ الْحَوْلِ إذْ التَّعْجِيلُ إنَّمَا كَانَ رِفْقًا بِالْمُسْتَحِقِّ فَلَا يَكُونُ مُسْقِطًا لِحَقِّهِ وَبَيَّنَ بِقَوْلِهِ فِي نِصَابِهِ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُعَجَّلُ مِنْ النِّصَابِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُشْتَرًى أَوْ مَعْلُوفًا فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ فَلَيْسَ كَالْبَاقِي إذْ لَا يَكْمُلُ بِهِ النِّصَابُ وَإِنْ جَازَ إخْرَاجُهُ عَنْ الزَّكَاةِ. فَعَلِمَ بِهَذَا مَعَ قَوْلِهِ الَّذِي أَشَرْت إلَيْهِ آنِفًا أَنَّهُ لَوْ عَجَّلَ شَاةً مِنْ أَرْبَعِينَ فَجَاءَ الْحَوْلُ وَهِيَ

تَالِفَةٌ أَجْزَأَتْهُ إنْ وُجِدَتْ شُرُوطُ الْإِجْزَاءِ وَإِلَّا لَمْ يَكْمُلْ النِّصَابُ عِنْدَ الْحَوْلِ لِبَقَاءِ الْمَدْفُوعَةِ تَقْدِيرًا أَوْ عَنْ مِائَةٍ فَنَتَجَتْ وَكَمُلَتْ الْمِائَةُ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ لَزِمَهُ شَاةً أُخْرَى وَإِنْ تَلِفَتْ الْأُولَى أَوْ صَاعًا عَنْ فِطْرَتِهِ فَأَكَلَهُ الْمُسْتَحِقُّ أَوْ أَتْلَفَهُ قَبْلَ وَقْتِ الْوُجُوبِ ثُمَّ دَخَلَ وَالشُّرُوطُ مُحَقَّقَةٌ وَقَعَ الْمَوْقِعَ وَإِنَّهُ لَوْ عَجَّلَ شَاةً عَنْ أَرْبَعِينَ فَاسْتَغْنَى - مَثَلًا - الْفَقِيرُ بِغَيْرِ مَا تَعَجَّلَهُ وَاسْتَرَدَّهَا أَوْ لَمْ يَسْتَرِدَّهَا جَدَّدَ الْإِخْرَاجَ لِوُجُودِ الْمَانِعِ مِنْ إجْزَاءِ الْمُعَجَّلَةِ وَلَمْ يَسْتَأْنِفْ الْحَوْلَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهَا كَالْبَاقِيَةِ تَقْدِيرًا فَانْدَفَعَ تَصْحِيحُ الْفَارِقِيِّ عَدَمُ الضَّمِّ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ أَقِيسُ نَظَرًا إلَى فَقَدْ شَرْطِ السَّوْمِ لِكَوْنِهَا فِي الذِّمَّةِ وَإِنَّ الْمُعَجَّلَةَ لَوْ تَلِفَتْ بِيَدِ الْفَقِيرِ وَاسْتَرَدَّ الْمُزَكِّي عِوَضَهَا انْقَطَعَ الْحَوْلُ لِأَنَّهَا صَارَتْ دَيْنًا عَلَى الْفَقِيرِ فَلَا يَكْمُلُ بِهِ نِصَابُ السَّائِمَةِ. نَعَمْ إذَا دَفَعَ مِثْلَهَا فِي النَّقْدِ وَجَبَتْ زَكَاتُهُ وَجَدَّدَ الْإِخْرَاجَ إذْ لَا مَانِعَ كَمَا يَأْتِي وَأَنَّهُ لَوْ عَجَّلَ مَعْلُوفَةً أَوْ اشْتَرَى شَاةً فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ وَأَخْرَجَهَا وَلَمْ يَكْمُلْ مَا عِنْدَهُ نِصَابًا آخِرَ الْحَوْلِ إلَّا بِالْمَخْرَجِ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ لِأَنَّ الْمَعْلُوفَةَ لَا تَدْخُلُ فِي نِصَابِ السَّائِمَةِ وَكَذَا الْمُشْتَرَاةُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ لَا تَدْخُلُ فِي نِصَابِ مَا كَانَ عِنْدَهُ أَوَّلَ الْحَوْلِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ عِبَارَتَيْ الْأَصْحَابِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ وَاضِحٌ غَنِيٌّ عَنْ التَّأَمُّلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) مَتَّعَ اللَّهُ بِحَيَاتِهِ وَفَسَّحَ فِي أَجْلِهِ فِيمَنْ مَلَكَ عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ حَوْلًا كَامِلًا أَوْ كَانَ رَأْسُ مَالِهِ فِيهَا عُرُوضًا وَقُلْتُمْ يُقَوِّمُهَا بِنَقْدِ الْبَلَدِ وَكَانَ نَقْدُ الْبَلَدِ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ فَكَيْفَ صُورَةُ التَّقْوِيمِ هَلْ يُقَوِّمُ بِالْمَغْشُوشِ ثُمَّ بِالْخَالِصِ وَمَا خَالَطَ ذَلِكَ مِنْ الْغِشِّ بِمَنْزِلَةِ الْعُرُوضِ يُحْسَبُ فِي تَقْوِيمِ الْعُرُوضِ كَمَا قَالَ بِذَلِكَ بَعْضُهُمْ أَوْ يَكْتَفِي بِالتَّقْوِيمِ مَرَّةً وَاحِدَةً بِالْمَغْشُوشِ أَوْ الْخَالِصِ وَمَا هُوَ مِنْهُمَا وَهَلْ يَكْتَفِي فِي التَّقْوِيمِ بِعِدْلِ وَاحِدٍ كَمَا فِي الْخَرْصِ بِنَدْبِ الْحَاكِمِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ عِدْلَيْنِ كَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ ابْنِ الْأُسْتَاذِ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّ الَّذِي اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ أَنَّهُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ يُقَوِّمُ بِغَالِبِ نَقْلِ الْمَحَلِّ الَّذِي تَمَّ الْحَوْلُ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ النَّقْدُ خَالِصًا أَوْ مَغْشُوشًا فَإِنْ سَاوَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا مِنْهُ خَالِصًا وَجَبَتْ زَكَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ وَإِنْ سَاوَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا خَالِصًا مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا نَظَرَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَنَحْوِهَا لِغِشِّهِ هَلْ لَهُ قِيمَةٌ أَوْ لَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى بِذَهَبٍ مَثَلًا فِضَّةً مَغْشُوشَةً بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ فِيهَا فَإِنَّهَا هِيَ وَغِشُّهَا يُقَوَّمَانِ آخِرَ الْحَوْلِ بِذَلِكَ الذَّهَبِ فَإِنْ سَاوَتْ قِيمَتُهُمَا نِصَابًا خَالِصًا مِنْ ذَلِكَ الذَّهَبِ وَجَبَتْ زَكَاتُهُمَا وَإِلَّا فَلَا فَنَتَجَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ التَّقْوِيمَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْخَالِصِ مِنْ ذَلِكَ النَّقْدِ الَّذِي يُقَوَّمُ بِهِ وَأَنَّ الْمُقَوَّمَ نَفَسَهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ خَالِصًا لِأَنَّهُ فِي هَذَا الْبَابِ بِمَنْزِلَةِ الْعُرُوضِ وَهِيَ يَجِبُ تَقْوِيمُهَا حَتَّى يُخْرِجَ رُبُعَ عُشْرِ قِيمَتِهَا فَكَذَلِكَ مَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهَا. وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَا ذُكِرَ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي السُّؤَالِ غَلَطٌ مَنْشَؤُهُ اشْتِبَاهُ الْمُقَوَّمِ بِالْمُقَوَّمِ بِهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُقَوَّمَ هُوَ الَّذِي يُحْسَبُ غِشُّهُ لِأَنَّهُ كَالْعُرُوضِ كَمَا مَرَّ وَأَمَّا الْمُقَوَّمُ بِهِ لِيُعْلَمَ هَلْ بَلَغَ مَالُ التِّجَارَةِ نِصَابًا أَوْ لَا وَكَمْ كَمْيَّةُ أَنْصِبَتِهِ الَّتِي يُخْرِجُ عَلَيْهَا فَلَا يَكُونُ إلَّا خَالِصًا لِمَا قَرَّرُوهُ فِي بَابِ زَكَاةِ النَّقْدِ أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ إلَّا فِي الْخَالِصِ ثُمَّ إذَا عَرَفَ بِالتَّقْوِيمِ مِقْدَارَ مَالِ التِّجَارَةِ بِالنَّقْدِ الْخَالِصِ وَجَبَ الْإِخْرَاجُ مِنْ النَّقْدِ الْخَالِصِ أَوْ مِنْ الْمَغْشُوشِ الْمُسَاوِي خَالِصُهُ لِلنَّقْدِ الْخَالِصِ وَيَكُونُ مُتَطَوِّعًا بِالْغِشِّ. فَإِنْ قُلْت مَا الْمَانِعُ فِيمَا إذَا كَانَ النَّقْدُ الَّذِي يُقَوَّمُ بِهِ كَالنَّقْدِ الْغَالِبِ مَغْشُوشًا مِنْ أَنْ يُقَوَّمُ بِذَلِكَ الْمَغْشُوشِ وَيُخْرِجُ مِنْهُ وَلَا ضَرَرَ حِينَئِذٍ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ لِأَنَّ الْغِشَّ كَمَا حُسِبَ فِي التَّقْوِيمِ لَهُمْ كَذَلِكَ يُحْسَبُ فِي الْمُخْرَجِ لَهُمْ قُلْت الْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ التَّقْوِيمَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ وَنَحْوِهَا لَا يَكُونُ إلَّا بِنَقْدٍ، وَالْغِشُّ الْمُخَالِطِ لِلنَّقْدِ لَيْسَ نَقْدًا فَلَا يَجُوزُ اعْتِبَارُهُ فِي التَّقْوِيمِ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ إنَّمَا اخْتَصَّ الرِّبَا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ دُونَ الْفُلُوسِ لِأَنَّهُمَا قِيَمُ الْأَشْيَاءِ وَأَيْضًا فَاعْتِبَارُ الْغِشِّ فِي التَّقْوِيمِ يُؤَدِّي إلَى الْجَهَالَةِ لِأَنَّ الْغِشَّ الْمُخَالِطَ لِلْفِضَّةِ لَيْسَ لَهُ قِيمَةٌ مُسْتَقِرَّةٌ مَضْبُوطَةٌ حَتَّى يُعْلَمَ مَا يُقَابِلُهُ بَلْ لَوْ عُلِمَ مَا يُقَابِلُهُ لَمْ يُعْتَبَرْ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِيهِ ذَلِكَ إلَّا إذَا قَوَّمْنَاهُ

بِالنَّقْدِ فَهُوَ مُقَوَّمٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مُقَوَّمًا بِهِ وَدَعْوَى أَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ فِي التَّقْوِيمِ بِالْمَغْشُوشِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ عَلَى أَنَّهَا وَإِنْ سَلِمَتْ فَالْمَانِعُ مِنْ التَّقْوِيمِ جَاءَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ مَا ذَكَرْتُهُ أَوَّلًا فَلَا فَرْقَ فِي امْتِنَاعِ التَّقْوِيمِ بِهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ ضَرَرٌ أَمْ لَا. وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَهَلْ يَكْتَفِي فِي التَّقْوِيمِ إلَخْ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ مَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ الْأُسْتَاذِ مِمَّا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ صَحِيحٌ إذْ عِبَارَتُهُ وَيَنْبَغِي لِلتَّاجِرِ عِنْدَ الْحَوْلِ أَنْ يُبَادِرَ إلَى تَقْوِيمِ مَالِهِ بِعِدْلَيْنِ وَيُمْتَنَعُ وَاحِدٌ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ قَبْلَ ذَلِكَ إذْ قَدْ يَحْصُلُ نَقْصٌ فَلَا يَدْرِي مَا يُخْرِجُهُ اهـ وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ لَا يَكْفِي هُنَا عِدْلُ وَاحِدٍ قِيَاسًا عَلَى عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِهِ فِي التَّقْوِيمِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ إذْ لَا بُدَّ ثَمَّ مِنْ عِدْلَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَجَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ وَغَيْرُهُ فَكَذَلِكَ هُنَا بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى مُتَعَلِّقٌ بِالْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ فَكَمَا اشْتَرَطُوا ثَمَّ عِدْلَيْنِ كَذَلِكَ يُشْتَرَطَانِ هُنَا لِوُضُوحِ الْجَامِعِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ كَمَا تَقَرَّرَ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي الْقِسْمَةِ تَقْوِيمٌ اكْتَفَى فِيهَا بِوَاحِدٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهَا تَقْوِيمٌ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ اثْنَيْنِ لِاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِي الْمُقَوَّمِ لِأَنَّ ذَلِكَ شَهَادَةٌ بِالْقِيمَةِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْخَارِصِ بِأَنَّ الْخَارِصَ كَالْحَاكِمِ لِأَنَّ الْخَرْصَ يَنْشَأُ عَنْ اجْتِهَادٍ وَفِيهِ وِلَايَةٌ وَمِنْ ثَمَّ جَازَ لِلْخَارِصِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ السَّاعِي أَنْ يَضْمَنَ الْمَالِكُ نَصِيبَ الْمُسْتَحِقِّينَ حَتَّى إذَا قَبِلَ انْتَقَلَ حَقُّهُمْ إلَى ذِمَّتِهِ وَحَلَّ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي الْجَمِيعِ بِخِلَافِ التَّقْوِيمِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَائِبَةُ وِلَايَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ شَهَادَةٌ بِالْقِيمَةِ وَالشَّاهِدُ لَا بُدَّ مِنْ تَعَدُّدِهِ. ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْأُسْتَاذِ السَّابِقِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عِدْلَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْمَالِكُ يَعْرِفُ الْقِيمَةَ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ وَيُصَدَّقُ الْمَالِكُ فِي قَدْرِ خَالِصِ الْمَغْشُوشِ وَيَحْلِفُ أَيْ نَدْبًا إنْ اُتُّهِمَ فَإِنْ قَالَ أَجْهَلُ قَدْرَ الْغِشِّ وَأَدَّى اجْتِهَادِي إلَى أَنَّهُ كَذَا لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْمَرَاوِزَةُ وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الْأَئِمَّةِ وَرَجَّحَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَلَا يُعْتَمَدُ غَلَبَةُ ظَنِّهِ وَإِنْ تَوَلَّى إخْرَاجَهَا بِنَفْسِهِ نَعَمْ نَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ لَوْ انْضَافَ إلَى قَوْلِهِ قَوْلٌ مُعْتَمَدٌ مِنْ ثِقَاتِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ عَمِلَ بِهِ وَعَبَّرَ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ. وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَتَى ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ أَنَّ قَدْرَ الْخَالِصِ فِي الْمَغْشُوشِ كَذَا وَكَذَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فَإِنْ اتَّهَمَهُ السَّاعِي حَلَّفَهُ اسْتِحْبَابًا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُخَالِفُ الظَّاهِرَ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ فَإِنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ لَا أَعْلَمُ قَدْرَ الْفِضَّةِ عِلْمًا لَكِنِّي اجْتَهَدْت فَأَدَّى اجْتِهَادِي إلَى كَذَا لَمْ يَكُنْ لِلسَّاعِي أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِذَلِكَ انْتَهَتْ نَعَمْ قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّ الْمَالِكَ إنْ قَطَعَ بِأَنَّ قِيمَةَ مَالِهِ كَذَا صَدَقَ وَحَلَفَ نَدْبًا. وَإِنْ قَالَ أَظُنُّ أَنَّ قِيمَتَهُ كَذَا لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ خَبِيرَيْنِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْمَالِكَ لَهُ طَرِيقٌ إلَى الْقَطْعِ بِأَنَّ قَدْرَ الْخَالِصِ كَذَا وَلَيْسَ لَهُ طَرِيقٌ إلَى الْقَطْعِ بِأَنَّ الْقِيمَةَ كَذَا وَهَذَا أَوْجَهُ فَلَا يُصَدَّقُ فِيهَا إلَّا بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ خَبِيرَيْنِ مُطْلَقًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُمَا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الِاحْتِيَاطُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُمَا تُخُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَسْبِكَهُ وَيُؤَدِّي الْوَاجِبَ خَالِصًا وَمُؤْنَةُ السَّبْكِ عَلَيْهِ وَأَنْ يَحْتَاطَ وَيُؤَدِّي مَا تَيَقَّنَ أَنَّ فِيهِ الْوَاجِبَ خَالِصٌ هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَالُ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يُخْرِجُ مَا يَتَيَقَّنُ وُجُوبَهُ عَلَيْهِ وَيُوقَفُ الْأَمْرُ فِي الْمَشْكُوكِ فِيهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفَسَّحَ فِي مُدَّتِهِ لَوْ كَانَ لِصَبِيٍّ دَرَاهِمُ مَغْشُوشَةٌ وَلَمْ يَعْلَمْ مِقْدَارَ الْغِشِّ الَّذِي فِيهَا إلَّا بِسَبْكِ الْجَمِيعِ وَالْحَالُ أَنَّ السَّبْكَ يُتْلِفُ مَالِيَّتَهَا أَوْ مُعْظَمَهَا فَمَا الطَّرِيقُ إلَى مَعْرِفَةِ الْخَالِصِ مِنْهَا لِيُعْلَمَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ أَوْ عَدَمِهِ وَهَلْ يَكْتَفِي فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ بِالِامْتِحَانِ بِالْمَاءِ كَمَا فِي الْإِنَاءِ الْمُخْتَلَطِ وَهَلْ تَجِبُ الزَّكَاةُ مَعَ الْجَهْلِ بِالْغِشِّ حَيْثُ ظَنَّ حُصُولَ نِصَابٍ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي صَرَّحُوا بِهِ فِي الْإِنَاءِ الْمُخْتَلَطِ أَنَّهُ إنْ شَاءَ احْتَاطَ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَالُ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَإِلَّا حَرُمَ الِاحْتِيَاطُ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ الْعَمَلُ بِالِاحْتِيَاطِ

لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى الْمَوْلَى ثُمَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ مِقْدَارِ الْغِشِّ بِإِخْبَارِ عَدْلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِمَا. وَكَذَا إنْ أَمْكَنَهُ مَعْرِفَتَهُ بِالْمَاءِ بِأَنْ يُجْرِيَ فِيهِ نَظِيرَ مَا قَالُوهُ فِي مُخْتَلَطٍ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ جُهِلَ وَزْنُهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَضَعَ فِي الْمَاءِ أَلْفَ دِرْهَمٍ مَثَلًا مِنْ الْفِضَّةِ وَيُعْلَمُ ارْتِفَاعُهَا ثُمَّ يُخْرِجُهَا ثُمَّ يَضَعُ فِيهِ أَلْفًا نُحَاسًا وَيَعْلَمُهَا وَهَذَا فَوْقَ الْأُولَى لِأَنَّ النُّحَاسَ أَكْبَرُ حَجْمًا مِنْ الْفِضَّةِ ثُمَّ يُخْرِجُهَا ثُمَّ يَضَعُ فِيهِ الْمَخْلُوطَ فَإِنْ اسْتَوَتْ نِسْبَتُهُ إلَيْهِمَا فَنِصْفُهُ فِضَّةٌ وَنِصْفُهُ نُحَاسٌ وَإِنْ نَقَصَ عَنْ عَلَامَةِ الْفِضَّةِ بِشَعِيرَتَيْنِ وَعَنْ عَلَامَةِ النُّحَاسِ بِشَعِيرَةٍ فَثُلُثَاهُ نُحَاسٌ وَثُلُثُهُ فِضَّةٌ أَوْ بِالْعَكْسِ فَبِالْعَكْسِ أَوْ بِأَنْ يَضَعَ الْمُخْتَلَطَ وَهُوَ أَلْفٌ مَثَلًا فِي مَاءٍ وَيَعْلَمُ ارْتِفَاعَهُ ثُمَّ يَضَعُ مِنْ خَالِصِ الْفِضَّةِ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى يَرْتَفِعَ الْمَاءُ إلَى تِلْكَ الْعَلَامَةِ ثُمَّ يُوزَنُ ذَلِكَ الْخَالِصُ فَإِذَا كَانَ أَلْفًا وَمِائَتَيْنِ وَضَعَ مِنْ خَالِصِ النُّحَاسِ شَيْئًا فَشَيْئًا حَتَّى يَصِلَ لِتِلْكَ الْعَلَامَةِ ثُمَّ يُوزَنُ فَإِذَا كَانَ سِتُّمِائَةٍ عَلِمَ أَنَّ نِصْفَ الْمُخْتَلَطِ فِضَّةٌ وَنِصْفَهُ نُحَاسٌ لِأَنَّ زِنَتَهُ نِصْفُ زِنَةِ الْمَجْمُوعِ فَعُلِمَ أَنَّهُ يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ قَدْرِ الْخَالِصِ وَالْغِشِّ بِأَحَدِ هَذِهِ الطُّرُقِ الثَّلَاثِ. فَإِنْ فَرَضَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ بِمَا ذَكَرَ فَإِنْ أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ مِقْدَارِ ذَلِكَ بِسَبْكِ قَدْرٍ يَسِيرٍ مِنْهُ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ إتْلَافُهُ لِلضَّرُورَةِ فِي ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا بِسَبْكِ كُلِّهِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ لَهُ وَقْعٌ وَالسَّبْكُ يُنْقِصُ مَالِيَّتَهُ نَقْصًا لَهُ وَقْعٌ فَإِنْ تَيَقَّنَ فِيهِ نِصَابًا أَوْ أَكْثَرَ خَالِصًا وَإِنَّمَا شَكَّ فِي مُنْتَهَاهُ لَزِمَهُ الْإِخْرَاجُ عَمَّا تَيَقَّنَهُ دُونَ مَا شَكَّ فِيهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ اللُّزُومِ فِيهِ وَالِاحْتِيَاطُ مُتَعَذَّرٌ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ الْمُتَصَرِّفِ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ إمَّا الِاحْتِيَاطُ أَوْ السَّبْكُ كَمَا مَرَّ أَيْضًا وَكَذَا لَوْ لَمْ يَتَيَقَّنْ فِيهِ نِصَابًا خَالِصًا بِأَنْ شَكَّ أَنَّ مَا فِيهِ مِنْ الْخَالِصِ هَلْ يَبْلُغُ نِصَابًا أَوْ لَا فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِمَا ذُكِرَ. وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَهَلْ تَجِبُ الزَّكَاةُ إلَخْ فَجَوَابُهُ يُعْرَفُ مِمَّا ذَكَرْتُهُ آخِرَ السُّؤَالِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا عَنْ الْمُرَاوَزَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْتَمَدُ غَلَبَةُ ظَنِّهِ إلَّا مَعَ شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُمَا تُخُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَسْبِكَهُ وَيُؤَدِّي الْوَاجِبَ خَالِصًا وَمُؤْنَةُ السَّبْكِ عَلَيْهِ وَأَنْ يَحْتَاطَ وَيُؤَدِّي مَا تَيَقَّنَ أَنَّ فِيهِ الْوَاجِبَ خَالِصًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رَجُلٍ فِي بَلَدٍ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ يُعْرَفُ بِالدِّيَانَةِ الشَّرْعِيَّةِ بَلْ إنَّهُمْ لَا يَقْسِمُونَ مِيرَاثًا وَمَعَ ذَلِكَ مُتَّخِذُونَ فُقَهَاءَ يُغَيِّرُونَ أَحْكَامَ اللَّهِ لَيْسُوا بِفُقَهَاءِ شَرْعٍ بَلْ فُقَهَاءُ الْحَرْثِ وَمَعَ ذَلِكَ يَأْخُذُونَ صَدَقَاتِ تِلْكَ النَّاحِيَةِ فَيَدَّخِرُونَهَا فِي بُيُوتِهِمْ حَتَّى يَجْمَعُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا كَثِيرًا وَيَشْتَرُونَ بِهِ الضِّيَاعَ فَإِذَا جَاءَهُمْ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ النَّاحِيَةِ رَجُلٌ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إلَيْهِ أَخَذَ مِنْهُمْ عَطَاءً عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهُمْ الْحِيَلَ فَهَلْ يُنَفَّذُ حُكْمُهُ إذَا عُرِفَ بِذَلِكَ وَهَلْ إذَا اجْتَمَعَ هُوَ وَجَمَاعَةٌ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الْعُقُودِ وَشَرَى لِصَاحِبِهِ أَعْنِي الَّذِي جَعَلَ لَهُ الدَّرَاهِمَ هَلْ يُتَّهَمُونَ بِالتَّدْلِيسِ عَلَى الْبَائِعِ إذَا كَانَ الْبَائِعُ امْرَأَةً بِحَيْثُ إنَّهُمْ ذَكَرُوا لَهَا أَنَّ هَذِهِ الْبَلْدَةَ أَخَذَهَا أَبُوك فِي كَذَا وَكَذَا أَشَرَفِيًّا فَبَاعَتْ بِمِقْدَارِ عَشْرَةِ أَشَرَفِيَّةٍ وَلَمْ تَقْبِضْ مِنْ الثَّمَنِ شَيْئًا وَالْأَرْضُ الَّتِي حَصَلَ عَلَيْهَا الْعَقْدُ تُسَاوِي مِائَتَيْنِ أَشَرَفِيًّا فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا الْبَيْعُ. فَإِذَا قُلْتُمْ يَصِحُّ وَقُلْتُمْ إنَّ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ لَا يُوجِبُ الرَّدَّ فَكَيْفَ بِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذُكِرُوا فِي السُّؤَالِ مِنْ أَنَّهُمْ لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ وَكَانَ وَالِدُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ أَعْلَاهُ قَدْ خَلَفَ أَرْضًا فَبَسَطُوا أَيْدِيَهُمْ عَلَيْهَا وَلَمْ يَقْتَسِمُوا قِسْمَةً صَحِيحَةً أَعْنِي وَهُمْ الْعَصَبَةُ وَاَلَّتِي حَصَلَ مَعَهَا هَذَا الْعَقْدُ وَأَيْدِيهمْ عَلَى مَالِ أَبِيهَا فَأَرَادَ الْعَصَبَةُ أَنْ يُخْرِجُوهَا مِنْ مَالِ أَبِيهَا وَقَدْ كَانَ وَقْفٌ عَلَيْهَا هَذَا الشِّقْصُ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ هَذَا الْعَقْدُ وَمَعَهَا شَاهِدٌ عَلَى أَنَّ أَبَاهَا حِينَ قَارَبَهُ الْمَوْتُ وَقَفَهُ عَلَيْهَا فَهَلْ تَثْبُتُ دَعْوَاهُمْ إذَا كَثُرَ الشُّهُودُ مَعَهُمْ مَثَلًا يَوْمَ الْعَقْدِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ أَوْ تُسْمَعُ بَيِّنَتُهَا وَهُوَ الشَّاهِدُ الْمَذْكُورُ إذَا كَانَ عَدْلًا مَعَ يَمِينِهَا وَتَبْطُلُ دَعْوَاهُمْ وَقَوْلُ صَاحِبِ الرَّوْضِ وَلَوْ اشْتَرَى زُجَاجَةً بِأَلْفٍ ظَانًّا أَنَّهَا جَوْهَرَةٌ فَهَلْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا بَاعَتْ وَلَمْ تَكُنْ لَهَا مَعْرِفَةٌ بِثَمَنِ الْمِثْلِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إعْطَاءُ هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاءِ الْمَذْكُورِينَ شَيْئًا مِنْ

الزَّكَاةِ إلَّا إنْ وُجِدَتْ فِيهِمْ صِفَةٌ مِنْ الصِّفَاتِ الثَّمَانِيَةِ الَّتِي ذَكَرهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ بِقَوْلِهِ عَزَّ مَنْ قَائِلٍ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ فَإِذَا أَخَذُوا شَيْئًا مِنْ الزَّكَاةِ وَلَيْسَ فِيهِمْ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِ الِاسْتِحْقَاقِ الثَّمَانِيَةِ كَانُوا عُصَاةً فَسَقَةً يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ تَعْزِيرُهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَزَجْرُهُمْ عَنْهُ التَّعْزِيرُ وَالزَّجْرُ الشَّدِيدَانِ وَلَا تَجُوزُ الْمُحَاكَمَةُ إلَيْهِمْ وَلَا اسْتِفْتَاؤُهُمْ، وَأَخْذُ عَطَاءٍ عَلَى تَعْلِيمِ الْحِيَلِ فِسْقٌ أَيْضًا وَمَنْ عُرِفَ بِذَلِكَ لَا يَجُوزُ إفْتَاؤُهُ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ وَحَيْثُ كَانَتْ الْمَرْأَةُ الْبَائِعَةُ الْمَذْكُورَةُ رَشِيدَةً بِأَنْ بَلَغَتْ صَالِحَةً لِدِينِهَا وَمَالِهَا صَحَّ بَيْعُهَا الْمَذْكُورُ وَإِنْ دُلِّسَ عَلَيْهَا لَكِنْ مَنْ دَلَّسَ عَلَيْهَا يَأْثَمُ وَيَفْسُقُ بِسَبَبِ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْبَنَاتَ لَا يَرِثْنَ مِنْ أَبِيهِنَّ أَوْ نَحْوِهِ نَسَبًا فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا ضُرِبَتْ عُنُقُهُ» وَلَا يَثْبُتُ الْوَقْفُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ - عَنْ الْجَبَابِرَةِ وَالرُّمَاةِ لِلْبُنْدُقِ وَنَحْوِهِمْ الْمُتَّصِفِينَ بِصِفَاتِ أَهْلِ الزَّكَاةِ هَلْ يُعْطَوْنَ مِنْهَا وَهَلْ يُعْطَوْنَ مَعَ تَرْكِ الْحِرْفَةِ اللَّائِقَةِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ النَّوَوِيَّ وَغَيْرَهُ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يَجُوزُ إعْطَاءُ الزَّكَاةِ لِلْفَسَقَةِ كَتَارِكِي الصَّلَاةِ إنْ وُجِدَ فِيهِمْ شَرْطُ اسْتِحْقَاقِهَا لَكِنْ مَنْ بَلَغَ مِنْهُمْ غَيْرَ مُصْلِحٍ لِدِينِهِ وَمَالِهِ لَا يَجُوزُ إعْطَاؤُهَا لَهُ بَلْ لِوَلِيِّهِ، ثُمَّ تَرْكُهُمْ الْحِرَفَ اللَّائِقَةَ بِهِمْ إنْ كَانَ لِاسْتِغْنَائِهِمْ بِمَا هُوَ أَهَمُّ كَقِتَالِ الْكُفَّارِ أُعْطُوا مِنْ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ لَا مِنْ الزَّكَاةِ أَوْ كَقِتَالِ الْبَغْيِ جَازَ إعْطَاؤُهُمْ مِنْ الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ذَلِكَ كَاسْتِغْنَائِهِمْ بِالْمَعَاصِي وَمُحَارَبَةِ الْمُسْلِمِينَ فَضْلًا عَنْ الْمُبَاحَاتِ فَلَا يَجُوزُ إعْطَاؤُهُمْ شَيْئًا مِنْ الزَّكَاةِ وَمَنْ أَعْطَاهُمْ مِنْهَا شَيْئًا لَمْ تَبْرَأْ بِهِ ذِمَّتُهُ وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ ذِي قُدْرَةٍ مَنْعُهُ وَزَجْرُهُ عَنْ ذَلِكَ بِيَدِهِ ثُمَّ لِسَانِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - أَفَاضَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ فَيْضِ مَدَدِهِ - بِأَنَّ زَوْجَةَ الْعَبْدِ الْحُرَّةَ هَلْ تُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - مَتَّعَ اللَّهُ بِحَيَاتِهِ - بِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمَكْفِيَّةَ بِنَفَقَةِ زَوْجِهَا وَلَوْ رَجْعِيَّةً لَا تُعْطَى وَمَنْ لَمْ تَكْتَفِ بِمَا يَجِبُ لَهَا لِكَوْنِهَا أَكُولَةً أَوْ مَالِكَةً لِرَقِيقٍ يَلْزَمُهَا مُؤْنَتُهُ أَوْ مَرِيضَةً وَقُلْنَا لَا يَلْزَمُهُ مُدَاوَاتُهَا قَالَ الْقَفَّالُ فَلَهَا أَخْذُ الزَّكَاةِ قَالَ الْإِمَامُ وَيَكُونُ مِنْ سَهْمِ الْمَسَاكِينِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ مَا يَجِبُ لَهَا يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهَا فَالْأَمْرُ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَوَّلًا فَتُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَأَنَّ الْحَامِلَ الْبَائِنَ كَالَّتِي فِي الْعِصْمَةِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ النَّفَقَةَ لِلْحَمْلِ اهـ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ زَوْجَةَ الْعَبْدِ الْحُرَّةَ إنْ كَفَتْهَا نَفَقَتُهُ لَمْ تُعْطَ شَيْئًا وَإِلَّا أُعْطِيت تَمَامَ كِفَايَتِهَا نَعَمْ لَوْ لَمْ تَجِبْ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ لِنُشُوزِهَا وَهِيَ مُقِيمَةٌ لَمْ يَجُزْ إعْطَاؤُهَا شَيْئًا مِنْ الزَّكَاةِ لِقُدْرَتِهَا عَلَى الْغِنَى بِالطَّاعَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا بِلَا إذْنٍ فَإِنَّهَا تُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ كَالْفَقِيرِ الْعَاصِي بِالسَّفَرِ لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى الْعَوْدِ حَالًا وَمِنْ ثَمَّ لَوْ قَدَرَتْ لَمْ تُعْطَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَمَّنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ مَالٌ يَسْتَغِلُّهُ يَخْرُجُ بِبَيْعِهِ إلَى الْمَسْكَنَةِ هَلْ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَنْ لَهُ عَقَارٌ يَسْتَغِلُّهُ لَكِنْ يَنْقُصُ دَخْلُهُ عَنْ كِفَايَتِهِ فَهُوَ إمَّا فَقِيرٌ أَوْ مِسْكِينُ فَيُعْطَى تَمَامُ كِفَايَتِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ بَيْعُهُ وَبِأَنَّ مَنْ ادَّانَ لِنَفْسِهِ وَعَجَزَ عَنْ وَفَاءِ دَيْنِهِ يُعْطَى وَإِنْ كَانَ كَسُوبًا ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ أَعْطَى الْكُلَّ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ قَضَى دَيْنَهُ مِمَّا مَعَهُ تَمَسْكَنَ تُرِكَ لَهُ مِمَّا مَعَهُ مَا يَكْفِيهِ وَأُعْطِيَ مَا يَقْضِي بِهِ بَاقِي دَيْنِهِ فَإِنْ انْتَفَى ذَلِكَ لَمْ يُعْطَ، هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَمِنْ ثَمَّ لَمَّا قَالَ الرَّافِعِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ كَوْنِهِ فَقِيرًا لَا يَمْلِكُ شَيْئًا وَرُبَّمَا صَرَّحُوا بِهِ قَالَ وَفِي بَعْضِ شُرُوحِ الْمِفْتَاحِ أَنَّهُ لَا يَعْتَبِرُ الْمَسْكَنَ وَالْمَلْبَسَ وَالْفِرَاشَ وَالْآنِيَةَ وَكَذَا الْخَادِمُ وَالْمَرْكُوبُ إذَا اقْتَضَاهُمَا حَالُهُ بَلْ يَقْضِي دَيْنَهُ وَإِنْ مَلَكَهَا وَيَقْرُبُ مِنْهُ قَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ إنَّا لَا نَعْتَبِرُ الْفَقْرَ وَالْمَسْكَنَةَ هُنَا بَلْ لَوْ مَلَكَ قَدْرَ كِفَايَتِهِ وَلَوْ قَضَى دَيْنَهُ لَنَقَصَ مَالُهُ عَمَّا يَكْفِيهِ تُرِكَ لَهُ مَا يَكْفِيهِ وَلَا يَدْخُلُ فِي الِاعْتِبَارِ وَهَذَا أَقْرَبُ اهـ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ. قَالَ الْقَمُولِيُّ وَمَعْنَى

هَذَا الْأَخِيرِ الَّذِي رَجَّحَهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ مَا يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ لَكِنْ لَوْ بِيعَ لَاحْتَجْنَا إلَى دَفْعِهِ لَهُ فِي سَهْمِ الْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ لَا يَمْنَعُ وُجُودُهُ أَنْ يُصْرَفُ إلَيْهِ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ لِأَنَّا لَوْ فَعَلْنَا ذَلِكَ لَصَرَفْنَا إلَيْهِ بَدَلَهُ مِنْ الزَّكَاةِ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ عَقَارٌ أَوْ ضِيَاعٌ وَعَادَتُهُ اسْتِغْلَالُهَا أَوْ رَأْسَ مَالًا يَتَّجِرُ فِيهِ وَالرِّيعُ وَالْكَسْبُ لَا يَزِيدَانِ عَلَى كِفَايَتِهِ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ إعْطَائِهِ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ اهـ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي يَسْتَغِلُّهُ إنْ كَانَ يَنْقُصُ دَخْلُهُ عَنْ كِفَايَتِهِ أُعْطِيَ إمَّا بِالْفَقْرِ أَوْ الْمَسْكَنَةِ وَإِنْ كَانَ دَخْلُهُ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ لَمْ يُعْطَ بِفَقْرٍ وَلَا مَسْكَنَةٍ بَلْ بِكَوْنِهِ مَدْيُونًا وَإِنْ كَانَ يَزِيدُ دَخْلُهُ عَلَى كِفَايَتِهِ كُلِّفَ صَرْفُ الزَّائِدِ فِي الدَّيْنِ وَأُعْطِيَ مَا يَقْضِي بِهِ بَاقِي دَيْنِهِ. وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ إذَا مَلَكَ الرَّجُلُ مَالًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ هَلْ يَجُوزُ صَرْفُ سَهْمِ الْغَارِمِينَ إلَيْهِ قَالَ يُنْظَرُ إنْ كَانَ مَالُهُ لَا يَزِيدُ عَلَى قُوتِهِ وَعَلَى قُوتِ عِيَالِهِ لِيَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ نُظِرَ إنْ كَانَ قَدْرًا يَفِي بِنَفَقَتِهِ سَنَةً وَلَوْ صُرِفَ إلَى الدَّيْنِ قَضَاهُ لَا يَجُوزُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَيْ أَنْ يُصْرَفَ إلَيْهِ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَلَا مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ وَإِنْ صَرَفَهُ إلَى دَيْنِهِ حِينَئِذٍ أَخَذَ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَإِنْ كَانَ يَفِي بِدَيْنِهِ وَلَا يَبْلُغُ نَفَقَةَ سَنَةٍ يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ قَدْرَ مَا يَفِي بِدَيْنِهِ وَلَا يَجُوزُ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ اهـ وَتَعْبِيرُهُ بِالسَّنَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّ الْفَقِيرَ وَالْمِسْكِينَ إنَّمَا يُعْطَيَانِ كِفَايَةَ سَنَةٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا يُعْطَيَانِ كِفَايَةَ الْعُمُرِ الْغَالِبِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - عَمَّا لَوْ كَانَتْ امْرَأَةٌ مَدِينَةٌ فَهَلْ تُعْطَى لِأَجْلِ دَيْنِهَا مِنْ الزَّكَاةِ مَعَ أَنَّهَا تَمْلِكُ مِنْ الْمَصَاغِ مَا يُوَفِّيهِ لَكِنْ تَحْتَاجُهُ لِلتَّجَمُّلِ بِهِ لِيُرْغَبَ فِيهَا لَأَجْلِهِ أَوَّلًا وَيَلْزَمُهَا بَيْعُهُ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّ الَّذِي يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ الْمَنْقُولُ عَنْ بَعْضِ شُرُوحِ الْمِفْتَاحِ وَغَيْرِهِ الَّذِي قَدَّمْتُهُ قَرِيبًا أَنَّهَا تُعْطَى دَيْنَهَا مِنْ الزَّكَاةِ وَلَا يَلْزَمُهَا بَيْعُ حُلِيِّهَا الْمُحْتَاجَةِ إلَيْهِ لِتَتَجَمَّلَ بِهِ أَوْ لِتُؤَجِّرَهُ لِمَنْ يَتَجَمَّلُ بِهِ وَتَتَقَوَّتُ بِأُجْرَتِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَنْ رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا فِي بَذْرِ زَرْعٍ هَلْ يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا إعْطَاءُ الْآخَرِ مِنْ زَكَاةِ ذَلِكَ الزَّرْعِ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ فَذَاكَ وَإِلَّا فَمَا الْحِيلَةُ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّهُ مَتَى أَعْطَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا زَكَاةَ حِصَّتِهِ الْمُشْتَرَكَةِ مِنْ غَيْرِ الْمُشْتَرَكِ الْمُتَّحِدِ مَعَهُ فِي نَحْوِ الْحَبِّ جِنْسًا وَنَوْعًا وَصِفَةً أَوْ الْأَعْلَى مِنْهُ أَوْ مِنْ حِصَّتِهِ الْمُشْتَرَكَةِ لَكِنْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ حَيْثُ جَازَتْ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ حَيْثُ كَانَ الشَّرِيكُ مِنْ مُسْتَحَقِّي الزَّكَاةِ فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْ حِصَّتِهِ الْمُشْتَرَكَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ كَأَنْ قَالَ لَهُ مَلَّكْتُكَ ثَمَنَ حِصَّتِي زَكَاةً احْتَمَلَ أَنْ يُقَالَ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ لِلْجَهْلِ بِعَيْنِ الْحِصَّةِ هُنَا لِأَنَّهَا لَا تَتَمَيَّزُ إلَّا بِالْقِسْمَةِ وَاحْتَمَلَ أَنْ يُقَالَ بِالْإِجْزَاءِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ اعْتِمَادُهُ وَدَعْوَى الْجَهْلِ الْمَذْكُورَةِ مَمْنُوعَةٌ إذْ يَكْفِي الْعِلْمُ بِالْحِصَّةِ بِالْجُزْئِيَّةِ كَنِصْفِ هَذَا الْحَبِّ أَوْ ثُلُثِهِ فَإِذَا مَلَكَ شَرِيكُهُ الْمُسْتَحِقُّ ثُلُثًا عَنْ زَكَاةِ حِصَّتِهِ أَوْ كُلَّ زَكَاةِ حِصَّتِهِ حَيْثُ جَازَ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ مُسْتَحِقٌّ غَيْرُهُ وَلَمْ يَفْضُلْ مِنْ الزَّكَاةِ شَيْءٌ عَنْ حَاجَتِهِ فَلَا مَانِعَ مِنْ الْإِجْزَاءِ حِينَئِذٍ وَلَا أَثَرَ لِلْجَهْلِ بِالْعَيْنِ لِلْعِلْمِ بِالْجُزْئِيَّةِ كَمَا مَرَّ. وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَأَرَادَا أَنْ يُخْرِجَا عَنْهَا شَاةً مُشْتَرَكَةً أَيْضًا فَيَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا بَلْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَيْثُ كَانَا مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ أَنْ يُعْطِيَ صَاحِبِهِ بَعْضَ زَكَاتِهِ أَوْ كُلَّهَا بِالْقَيْدِ السَّابِقِ وَلَا يُتَخَيَّلُ أَنَّ اشْتِرَاكَهُمَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ مِنْهُ كَمَا لَا يَخْفَى وَكَذَا يُقَالُ فِي عَامِلِ الْقِرَاضِ مَعَ الْمَالِكِ فَإِنَّهُ وَكِيلٌ ابْتِدَاءً شَرِيكٌ انْتِهَاءً إذَا حَصَلَ رِبْحٌ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا إعْطَاءُ الْآخَرِ مِنْ زَكَاتِهِ وَلَوْ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ أَصْلًا وَرِبْحًا لِمَا مَرَّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَمَّا لَوْ أُعْطِيت الزَّكَاةُ قَبْلَ قِسْمَتِهَا بَيْنَ الْأَصْنَافِ هَلْ يُصَادِفُ مَحَلًّا أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّهُ مَتَى اجْتَمَعَتْ الْأَصْنَافُ الَّتِي فِي الْبَلَدِ أَيْ: ثَلَاثَةٌ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ وُجِدَ أَوْ أَقَلُّ مِنْ الثَّلَاثَةِ إنْ لَمْ يُوجَدْ تَكْمِلَتُهَا وَأَعْطَى جَمِيعَ زَكَاتِهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ بِإِذْنِ الْبَاقِينَ أَوْ لِجَمِيعِهِمْ فَقَدْ مَلَكُوهَا وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ بِذَلِكَ وَيَصِيرُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ عَلَى حَسَبِ اسْتِحْقَاقِهِمْ فَإِنْ تَرَاضَوْا بِقِسْمَتِهَا

فَذَاكَ وَإِلَّا تَوَلَّى الْحَاكِمُ قِسْمَتَهَا بَيْنَهُمْ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ أَمَّا إذَا اخْتَلَّ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ فَإِنَّهُ لَا يَبْرَأُ فَقَدْ قَالُوا إذَا فَرَّقَ الْمَالِكُ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبُهُ وَأَمْكَنَهُ اسْتِيعَابُ الْأَصْنَافِ لِكَوْنِهِمْ مَحْصُورَيْنِ وَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ أَوْ زَادُوا عَلَيْهَا وَوَفَّى بِهِمْ الْمَالُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى ثَلَاثَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَنْحَصِرُوا بِأَنْ لَمْ يَسْهُلْ ضَبْطُهُمْ عَادَةً فَإِنَّ لَهُ الِاقْتِصَارَ عَلَى ثَلَاثَةٍ لَا أَقَلَّ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ وَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَصْنَافِ. وَإِنْ تَفَاوَتَتْ حَاجَتُهُمْ لَا بَيْنَ آحَادِهِمْ فَلَهُ إعْطَاءُ بَعْضِ آحَادِ الصِّنْفِ أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ فَإِنْ أَعْطَى اثْنَيْنِ مِنْ صِنْفٍ دُونَ الثَّالِثِ غَرِمَ لَهُ الْأَقَلَّ الْمَذْكُورَ أَوْ وَاحِدًا فَقَطْ غَرِمَ لِكُلٍّ مِنْ الْآخَرِينَ الْأَقَلَّ الْمَذْكُورَ أَيْضًا أَمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ الثَّالِثُ فَيُعْطَى الْكُلُّ لِلِاثْنَيْنِ إنْ احْتَاجَاهُ وَلَا يُنْقَلُ بَاقِي السَّهْمِ إلَى غَيْرِهِمَا فَإِنْ لَمْ يَحْتَاجُوهُ رُدَّ عَلَى الْبَاقِينَ إنْ احْتَاجُوهُ وَإِلَّا نُقِلَ إلَى غَيْرِهِمْ إذْ حِصَّةُ مَنْ فُقِدَ مِنْ الْأَصْنَافِ أَوْ مِنْ آحَادِ الصِّنْفِ بِمَحَلِّ الزَّكَاةِ وَالْفَاضِلُ عَنْ كِفَايَةِ بَعْضِهِمْ لِمَنْ بَقِيَ فَيُرَدُّ نَصِيبُ الصِّنْفِ كَالْفَاضِلِ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ، وَنَصِيبُ الْمَفْقُودِ مِنْ آحَادِ الصِّنْفِ عَلَى بَقِيَّةِ ذَلِكَ الصِّنْفِ وَلَا يُنْقَلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَى غَيْرِهِمْ إنْ نَقَصَ نَصِيبُهُمْ مِنْ كِفَايَتِهِمْ أَوْ سَاوَاهُ وَإِلَّا نُقِلَ إلَى ذَلِكَ الصِّنْفِ. أَمَّا لَوْ عَدِمُوا كُلُّهُمْ أَوْ فَضَلَ عَنْهُمْ شَيْءٌ فَإِنَّ الْكُلَّ أَوْ الْفَاضِلَ يُنْقَلُ إلَى جِنْسِ مُسْتَحَقِّيهِ بِأَقْرَبِ بَلَدٍ إلَى بَلَدِ الزَّكَاةِ وَمَتَى كَانَ كُلُّ صِنْفٍ أَوْ بَعْضُ الْأَصْنَافِ مَحْصُورًا فِي ثَلَاثَةٍ فَأَقَلَّ لَا أَكْثَرَ اسْتَحَقُّوهَا فِي الْأُولَى وَمَا يَخُصُّ الْمَحْصُورِينَ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ وَقْتِ الْوُجُوبِ فَلَا يَضُرُّهُمْ حُدُوثُ غِنًى أَوْ غَيْبَةٍ أَوْ مَوْتٍ لِأَحَدِهِمْ بَلْ حَقُّهُمْ بَاقٍ بِحَالِهِ وَلَا يُشَارِكُهُ قَادِمٌ وَلَا غَائِبٌ عَنْهُمْ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَمَتَى زَادُوا عَنْ الثَّلَاثَةِ كَانُوا غَيْرَ مَحْصُورِينَ بِالنِّسْبَةِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَإِنْ كَانُوا مَحْصُورِينَ بِالنِّسْبَةِ لِوُجُوبِ اسْتِيعَابِهِمْ إنْ وَفَّى بِهِمْ الْمَالُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِهِ الْمِلْكُ لِأَنَّ الْمَدَارَ تَمَّ عَلَى السُّهُولَةِ عَادَةً وَهِيَ مَوْجُودَةٌ وَهُنَا عَلَى التَّحْدِيدِ بِالثَّلَاثَةِ لِأَنَّهَا أَقَلُّ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْجَمْعُ فِي الْآيَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ أَهْلِ نَاحِيَةٍ يُزَكُّونَ مَا يَحْصُلُ لَهُمْ مِنْ تَمْرٍ أَوْ زَرْعٍ قَبْلَ أَنْ يَكْمُلَ النِّصَابُ عَلَى ظَنِّ كَمَالِهِ مِنْ تَمْرٍ أَوْ زَرْعٍ يَحْصُلُ إذَا حَصَلَ الْمَطَرُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ أَوْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ الظَّنِّ فَهَلْ يَبْرَءُونَ بِهَذَا أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَحْتَاجُ إلَى مُقَدِّمَةٍ وَهِيَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ شَرْطَ جَوَازِ تَعْجِيلِ زَكَاةِ النَّبَاتِ أَنْ يَقَعَ بَعْدَ الصَّلَاحِ وَالِاشْتِدَادِ لَا قَبْلَهُمَا وَلَوْ بَعْدَ الْخُرُوجِ وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ وَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَوْلِ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا زَكَاةُ النَّبَاتِ تَجِبُ بِاشْتِدَادِ الْحَبِّ وَالثِّمَارِ بِبُدُوِّ الصَّلَاحِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ وَقْتَ الْإِخْرَاجِ بَلْ هُوَ وَقْتُ ثُبُوتِ حَقِّ الْفُقَرَاءِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْإِخْرَاجُ بَعْدَ تَنْقِيَةِ الْحَبِّ وَتَجْفِيفِ الثِّمَارِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْإِخْرَاجُ بَعْدَ مَصِيرِ الرُّطَبِ تَمْرًا أَوْ الْعِنَبِ زَبِيبًا لَيْسَ تَعْجِيلًا بَلْ وَاجِبٌ حِينَئِذٍ وَلَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ قَبْلَ بُلُوغِ الثَّمَرَةِ بِلَا خِلَافٍ وَفِيمَا بَعْدَهُ أَوْجُهُ الصَّحِيحِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ يَجُوزُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لَا قَبْلَهُ. وَأَمَّا الزَّرْعُ فَالْإِخْرَاجُ عَنْهُ بَعْدَ التَّنْقِيَةِ وَاجِبٌ وَلَيْسَ تَعْجِيلًا وَلَا يَجُوزُ التَّعْجِيلُ قَبْلَ التَّسَنْبُلِ، وَانْعِقَادِ الْحَبِّ وَبَعْدَهُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ جَوَازُهُ بَعْدَ الِاشْتِدَادِ وَالْإِدْرَاكِ وَمَنْعُهُ قَبْلَهُ انْتَهَتْ مُلَخَّصَةً وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ تَعْجِيلَ زَكَاةِ الْمُعَشَّرِ قَبْلَ الْوُجُوبِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ إدْرَاكُ الثَّمَرَةِ وَانْعِقَادُ الْحَبِّ فَإِذَا عَجَّلَهُ قَبْلَهُ قَدَّمَهُ عَلَى سَبَبِهِ فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ قَدَّمَ زَكَاةَ الْمَالِ عَلَى النِّصَابِ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَجَّلَهُ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ حُصُولُ نِصَابٍ مِنْهُ وَقَالُوا أَيْضًا لَا يُضَمُّ ثَمَرُ عَامٍ إلَى عَامٍ آخَرَ لِإِتْمَامِ النِّصَابِ وَإِنْ طَلَعَ قَبْلَ جُذَاذِ الْأَوَّلِ وَيُضَمُّ ثَمَرُ عَامٍ وَاحِدٍ وَإِنْ طَلَعَ الثَّانِي بَعْدَ جُذَاذِ الْأَوَّلِ وَاخْتَلَفَ قَدْرُ وَاجِبِهِمَا وَلَا زَرْعَ عَامٍ إلَى زَرْعِ آخَرَ وَيُضَمُّ زَرْعَا عَامٍ كَالذُّرَةِ إنْ وَقَعَ حَصَادُهُمَا فِي سَنَةٍ بِأَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا عَرَبِيَّةً وَإِلَّا فَلَا ضَمَّ سَوَاءٌ كَانَ زَرْعُ الثَّانِي بَعْدَ حَصْدِ الْأَوَّلِ وَفِي عَامِهِ أَمْ لَا. وَلَوْ زُرِعَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّوَاصُلِ الْمُعْتَادِ فَأَدْرَكَ أَحَدُهُمَا وَالثَّانِي بَقْلٌ ضُمَّ مُطْلَقًا فَلَوْ تَوَاصَلَ بَذْرُ الزَّرْعِ عَادَةً فَهُوَ زَرْعٌ وَاحِدٌ وَإِنْ تَمَادَى شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَتَوَاصَلَ ضُمَّ مَا حُصِدَ مِنْهُ فِي عَامٍ وَاحِدٍ وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا

لَوْ زُرِعَتْ ذُرَةً ثُمَّ حُصِدَتْ وَاسْتَخْلَفَتْ ثُمَّ حُصِدَتْ فَإِنْ اشْتَدَّتْ فِي الْأَوَّلِ وَاسْتُبِينَ بَعْضُ حَبِّهَا فَثَبَتَتْ فِي السَّنَةِ وَأَدْرَكَ فَهَلْ يَصِحُّ مُطْلَقًا أَوْ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ أَيْ وَهُوَ وُقُوعُ الْحَصَادِ فِي سَنَةٍ طَرِيقَانِ أَيْ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي كَمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَإِنْ نَبَتَتْ وَالْتَفَتَ وَغَطَّى بَعْضَهَا بَعْضًا فَلَمَّا حَصَدَ الْمُغَطَّى أَدْرَكَ الْآخَرَ أَوْ كَانَتْ هِنْدِيَّةً فَحَصَدَ سُنْبُلَهَا فَأَخْرَجَ سُوقُهَا سُنْبُلًا آخَرَ ضُمَّ مُطْلَقًا اهـ. فَعُلِمَ مِنْ عِبَارَةِ الْمَجْمُوعِ السَّابِقَةِ وَمَا بَعْدَهَا مَنْعُ مَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ جِهَتِهِمْ مِنْ تَزْكِيَتِهِمْ مَا حَصَلَ لَهُمْ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زُرُوعٍ قَبْلَ أَنْ يَكْمُلَ النِّصَابُ وَإِنْ ظَنُّوا كَمَالَهُ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ آخَرَ يَحْصُلُ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا حَصَلَ الْمَطَرُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ وَسَبَبُ عَدَمِ الْإِجْزَاءِ أَنَّا لَوْ قُلْنَا إنَّ مَا عَجَّلُوهُ يُجْزِئُ عَنْ الثَّانِي لَكَانَ فِيهِ تَعْجِيلٌ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ وَلَوْ قُلْنَا إنَّهُ يُجْزِئُ عَنْ الْأَوَّلِ لَكَانَ الْإِجْزَاءُ فِيهِ حِينَئِذٍ مَعَ تَيَقُّنِ النَّقْصِ عَنْ النِّصَابِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ لِمَا مَرَّ أَنَّ شَرْطَ التَّعْجِيلِ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَهُوَ بُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي الثَّمَرِ وَالِاشْتِدَادُ فِي الْحَبِّ أَنْ يَظُنَّ حُصُولَ نِصَابٍ مِنْهُ. فَإِنْ قُلْتَ هَذَا وَاضِحٌ حَيْثُ لَمْ يُضَمَّ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ أَمَّا لَوْ قُلْنَا بِضَمِّهِ إلَيْهِ فِي إكْمَالِ النِّصَابِ فَهُوَ غَيْرُ وَاضِحٍ لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ وَاحِدٍ فَمَا الْمَانِعُ حِينَئِذٍ مِنْ التَّعْجِيلِ قُلْتُ بَلْ هُوَ وَاضِحٌ مُطْلَقًا وَذَلِكَ لِأَنَّ فَائِدَةَ الضَّمِّ أَنَّا نَتَبَيَّنُ بِهِ أَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ فِي الْأَوَّلِ وَأَنَّهُ صَارَ مَعَ الثَّانِي كَالثَّمَرِ أَوْ الْحَبِّ الْحَاصِلِ مِنْ شَجَرٍ أَوْ زَرْعٍ وَاحِدٍ حَتَّى يَجِبَ حِينَئِذٍ زَكَاتُهُمَا وَلَيْسَ مِنْ فَوَائِدِهِ إنْ ظَنَّ حُصُولَ مَا لَوْ حَصَلَ ضُمَّ إلَى الْأَوَّلِ يُصَيِّرُهُ مَعَهُ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ حَتَّى يُعْطَى الْأَوَّلُ حُكْمَ النِّصَابِ الْكَامِلِ وَتَخْرُجُ الزَّكَاةُ مِنْهُ لِأَنَّ ظَنَّ حُصُولِ الْمَعْدُومِ لَا يُلْحِقُهُ بِالْمَوْجُودِ حَتَّى يُعْطَى أَحْكَامَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَصَلَ الْمَعْدُومُ فَإِنَّهُ بَعْدَ حُصُولِهِ صَارَ مَوْجُودًا فَأُعْطِيَ حُكْمَهُ وَأَيْضًا فَالزَّكَاةُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ النِّيَّةِ وَالْجَزْمُ بِهَا لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا إنْ انْعَقَدَ السَّبَبُ فِي حَقِّهِ بِأَنْ وُجِدَ أَحَدُ سَبَبَيْ مَالِهِ سَبَبَانِ أَوْ سَبَبُ مَالِهِ سَبَبٌ وَاحِدٌ كَالْمُعَشَّرِ. وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ كَمَا فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا أَهْلُ الْجِهَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ جَزْمٌ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ السَّبَبَ لَمْ يَنْعَقِدْ لِتَيَقُّنِ النَّقْصِ عَنْ النِّصَابِ كَمَا مَرَّ فَاتَّضَحَ بِذَلِكَ مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَةِ لَا يَبْرَءُونَ بِمَا يَفْعَلُونَهُ مِمَّا ذُكِرَ عَنْهُمْ بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ حُصُولِ الثَّمَرِ أَوْ الْحَبِّ الثَّانِي زَكَاتُهُ إنْ كَانَ نِصَابًا مُطْلَقًا وَكَذَا إنْ كَانَ دُونَهُ وَوُجِدَ شَرْطُ ضَمِّهِ إلَى الْأَوَّلِ وَحَيْثُ وُجِدَ الضَّمُّ حَسَبَ التَّمْرَانِ أَوْ الْحَبَّانِ وَوَجَبَ إخْرَاجُ زَكَاتِهِمَا مِنْ الثَّانِي وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَنْ رَجُلٍ عِنْدَهُ أَلْفُ أَشْرَفِيّ بِنِيَّةِ الِاقْتِنَاءِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ زَكَاةُ الْأَلْفِ الْمَذْكُورَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا لَوْ كَانَ رَأْسُ مَالِ التِّجَارَةِ نَقْدًا مَغْشُوشًا كَالسَّوْدَاءِ عِنْدَنَا وَالْكُبَارِ عِنْدَكُمْ وَهُوَ مَثَلًا مِائَةُ أَشْرَفِيّ عِنْدَكُمْ الْأَشْرَفِيُّ اثْنَا عَشَرَ وَمِائَةُ دِينَارٍ سَوْدَاءُ عِنْدَنَا وَهُمَا دُونَ نِصَابٍ فَاشْتَرَى بِذَلِكَ عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ وَقَوَّمَ آخِرَ الْحَوْلِ الْمُشْتَرَى بِالْمِائَةِ الْأَشْرَفِيِّ الْكِبَارِ فَأَتَى مِائَةً وَخَمْسِينَ أَشَرَفِيًّا كَذَلِكَ وَهُوَ دُونَ النِّصَابِ أَيْضًا لَوْ صُفِّيَ مِنْ الْغِشِّ وَلَكِنْ لَوْ قَوَّمَ غِشَّهُ بِانْفِرَادِهِ لَبَلَغَ نِصَابًا وَكَذَا يُقَالُ فِي السَّوْدَاءِ فَهَلْ تَجِبُ الزَّكَاةُ وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ أَمْ لَا وَقَدْ ذُكِرَ لِي عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْمِائَةُ وَالْخَمْسُونَ الْأَشْرَفِيُّ تَأْتِي بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِضَّةٍ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَإِنْ كَانَتْ لَوْ صُفِّيَتْ لَنَقَصَتْ هَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - نَفَعَنِي اللَّهُ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ - بِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَحْتَاجُ إلَى تَحْرِيرِ السُّؤَالِ فَإِنَّهُ فِيهِ إيهَامًا لَكِنْ سَأَذْكُرُ مَا يَتَّضِحُ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَذَلِكَ أَنَّ النَّظَرَ فِي مَالِ التِّجَارَةِ إلَى بُلُوغِهِ نِصَابًا خَالِصًا آخِرَ الْحَوْلِ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ فِي مَالِهَا وَنَحْوِ رِبْحِهِ وَنِتَاجِهِ وَثَمَرَتِهِ رُبُعُ عُشْرِ قِيمَتِهِ ثُمَّ أَنَّ مَلَكَهُ بِنَقْدٍ وَجَبَ رُبُعُ عُشْرِ الْقِيمَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ ذَلِكَ النَّقْدِ لِأَنَّهُ أَصْلُ مَا فِي يَدِهِ وَإِنْ مَلَكَهُ بِعَرْضٍ أَوْ بِنَحْوِ نِكَاحٍ أَوْ خُلْعٍ وَجَبَ رُبُعُ الْعُشْرِ الْمَذْكُورُ مِنْ عَيْنِ نَقْدِ الْبَلَدِ الْغَالِبِ فَلَوْ اشْتَرَى عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ أَوْ أَقَلَّ قَوَّمَ آخِرَ الْحَوْلِ بِالنَّقْدِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ فَإِنْ سَاوَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا خَالِصًا مِنْ ذَلِكَ النَّقْدِ زَكَاةٌ وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ زَكَاةٌ وَإِنْ كَانَ لَوْ قُوِّمَ بِالذَّهَبِ الْغَالِبِ لَبَلَغَ نِصَابًا بِهِ خَالِصًا أَوْ

بِعَرْضِ قِنْيَةٍ مَثَلًا قُوِّمَ بِغَالِبِ نَقْدِ الْمَحَلِّ الَّذِي تَمَّ بِهِ الْحَوْلُ فَإِنْ سَاوَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا مِنْهُ زَكَاةٌ وَإِلَّا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ وَإِنْ سَاوَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا خَالِصًا مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ. فَإِنْ كَانَ بِالْبَلَدِ نَقْدَانِ عَلَى السَّوَاءِ وَتَمَّ بِأَحَدِهِمَا نِصَابًا خَالِصًا وَجَبَ رُبُعُ الْعُشْرِ مِنْهُ وَإِلَّا بِأَنْ تَمَّ النِّصَابُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا تُخُيِّرَ عَلَى اضْطِرَابٍ فِيهِ وَقِيلَ يَجِبُ الْأَنْفَعُ لِلْمُسْتَحِقِّينَ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ بِدُونِ النِّصَابِ مِنْ الْفِضَّةِ الْمَغْشُوشَةِ وَجَبَ أَنْ يُقَوَّمَ آخِرَ الْحَوْلِ بِهَا فَإِنْ سَاوَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا خَالِصًا مِنْهَا وَجَبَتْ زَكَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا وَلَا نَظَرَ لِغِشِّهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ هَلْ لَهُ قِيمَةٌ أَمْ لَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى بِذَهَبٍ مَثَلًا فِضَّةً مَغْشُوشَةً بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ فِيهَا فَإِنَّهَا هِيَ وَغِشُّهَا يُقَوَّمَانِ آخِرَ الْحَوْلِ بِذَلِكَ الذَّهَبِ فَإِنْ سَاوَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا خَالِصًا مِنْ ذَلِكَ الذَّهَبِ وَجَبَتْ زَكَاتُهُمَا وَإِلَّا فَلَا فَعُلِمَ أَنَّ التَّقْوِيمَ لَا يَكُونُ إلَّا بِخَالِصٍ وَأَنَّ الْمُقَوَّمَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ خَالِصًا لِأَنَّهُ فِي هَذَا الْبَابِ بِمَنْزِلَةِ الْعُرُوضِ وَهِيَ تَجِبُ قِيمَتُهَا حَتَّى يُخْرِجَ رُبُعَ عُشْرِ قِيمَتِهَا فَكَذَلِكَ مَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - إذَا كَانَ السُّلْطَانُ يَبْعَثُ أَوَانَ حَصَادِ الزَّرْعِ مَنْ يُقَدِّرُ عَلَيْهِ قَدْرَ الْعُشْرِ ثُمَّ يُسَلِّمُ إلَيْهِ حَبًّا صَافِيًا وَلَمْ يُعْلَمْ هَلْ مُرَادُهُ الزَّكَاةُ أَمْ لَا هَلْ يُجْزِئُ ذَلِكَ عَنْ الزَّكَاةِ؟ (فَأَجَابَ) - مَتَّعَ اللَّهُ بِحَيَاتِهِ - بِقَوْلِهِ إذَا بَعَثَ السُّلْطَانُ مَنْ ذُكِرَ لِمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عَنْ الزَّكَاةِ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْبَغَوِيِّ وَعِبَارَتُهُ وَأَمَّا إخْرَاجُ الْمَضْرُوبِ عَلَى الْمَاءِ كَبِلَادِ مَرْوٍ فَكَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الزَّكَاةَ فَإِنْ أَخَذَهُ السُّلْطَانُ عَنْهُ فَهُوَ كَأَخْذِهِ الْقِيمَةَ فِي الزَّكَاةِ بِالِاجْتِهَادِ وَفِي سُقُوطِ الْفَرْضِ بِهِ وَجْهَانِ أَيْ وَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ، سُقُوطُهَا إذَا نَوَى بِهِ الْبَدَلِيَّةَ فَأَفْهَمْ قَوْلُهُ فَإِنْ أَخَذَهُ السُّلْطَانُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَتَحَقَّقَ مِنْ السُّلْطَانِ أَنَّهُ أَخَذَهُ عَنْ الزَّكَاةِ أَمَّا إذَا عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ عَنْهَا أَوْ شَكَّ فَلَمْ يَدْرِ أَيَأْخُذُهُ عَنْ الزَّكَاةِ أَوْ لَا فَلَا يَقَعُ ذَلِكَ عَنْ الزَّكَاةِ. وَقَدْ قَالَ الْكَمَالُ الرَّدَّادُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ عَقِبَ كَلَامِ الْبَغَوِيِّ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ عَنْهُ مَا لَوْ أَخَذَهُ السُّلْطَانُ فِي مُقَابَلَةِ الذَّبِّ عَنْ الرَّعِيَّةِ لِيَسْتَعِينَ بِهِ عَلَى تَحْصِيلِ الْجُنْدِ كَمَا يَعْتَادُ ذَلِكَ وُلَاةُ بِلَادِنَا فَلَا يُجْزِئُ عَنْ الزَّكَاةِ قَطْعًا وَرَأَيْتُ بَعْضَ مَنْ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ يُفْتِي بِالْإِجْزَاءِ وَيَعْمَلُ بِهِ وَهُوَ خَطَأٌ صَرِيحٌ نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعِصْمَةَ وَالْهِدَايَةَ اهـ وَقَالَ فِي فَتَاوِيهِ مَسْأَلَةٌ إذَا أَعْطَى الزُّرَّاعُ وَمَنْ عَلَيْهِ زَكَاةُ الثِّمَارِ وَالنَّخْلِ وَالْعِنَبِ الْإِمَامَ الْعُشْرَ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ هَلْ يُجْزِئُهُمْ ذَلِكَ عَنْ الزَّكَاةِ أَوْ لَا وَمَا الْعِلَّةُ إذًا فِي ذَلِكَ أَجَابَ لَا يُجْزِئُ أَبَدًا وَلَا يَبْرَأُ مِنْ الزَّكَاةِ بَلْ الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَأْخُذُ ذَلِكَ عَنْهُمْ بِاسْمِ الْخَرَاجِ فِي مُقَابَلَةِ قِيَامِهِ بِسَدِّ الثُّغُورِ حَتَّى يَصْرِفَهُ فِي ذَلِكَ وَفِي قَمْعِ الْقُطَّاعِ وَالْمُتَلَصَّصِينَ عَنْهُمْ وَعَنْ أَمْوَالِهِمْ وَقَدْ أَوْقَعَ جَمْعٌ مِمَّنْ يَنْتَسِبُ لِلْفُقَهَاءِ وَهُمْ بِاسْمِ الْجَهْلِ أَحَقُّ أَهْلِ الزَّكَوَاتِ وَرَخَّصُوا لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا اهـ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يَجُوزُ لِلْمَالِكِ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى حَاضِرِي الْحَصَادِ مِنْ الْفُقَرَاءِ مِنْ سَنَابِلِ الزَّرْعِ الزَّكَوِيِّ؟ (فَأَجَابَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - لَا يَجُوزُ لِلْمَالِكِ أَنْ يُسَلِّمَ الْفُقَرَاءَ مِمَّا ذَكَرَ شَيْئًا سَوَاءٌ أَنَوَى بِهِ الزَّكَاةَ أَمْ لَا وَلَوْ بَعْدَ اشْتِدَادِ الْحَبِّ فِي الزَّرْعِ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّنْقِيَةُ وَفِي وُقُوعِ مَا أَعْطَاهُ لَهُ الْمُوَقِّعُ تَفْصِيلٌ مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) سَيِّدُنَا الشَّيْخُ الْعَلَامَةُ الْمُشَارُ إلَيْهِ - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - فِي شَخْصٍ جَدَّ تَمْرًا وَصَرَمَ حَبًّا نَحْوَ مِائَةِ وَسْقٍ مَثَلًا وَادَّخَرَهُ لِلنَّفَقَةِ وَلَمْ يُخْرِجْ مِنْهُ حَالَ الْجَدَادِ وَالصَّرَامِ زَكَاةً وَمَلَكَ أَيْضًا نُصُبًا مِنْ النَّقْدَيْنِ نَحْوَ أَلْفِ دِينَارٍ مَثَلًا وَادَّخَرَهُ أَيْضًا بِنِيَّةِ الصَّرْفِ لِلنَّفَقَةِ وَحَالَتْ عَلَيْهِ أَحْوَالٌ كَثِيرَةٌ وَلَمْ يُخْرِجْ لِذَلِكَ زَكَاةً هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَمْ فِي إحْدَاهُمَا أَمْ لَا يَحْرُمُ لِكَوْنِهِ أَعَدَّهُ لِلصَّرْفِ وَالنَّفَقَةِ اعْتِبَارًا بِنِيَّتِهِ لِلْحَدِيثِ أَوْضِحُوا لَنَا فَإِنَّ غَالِبَ النَّاسِ وَاقِعُونَ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) - مَتَّعْنَا اللَّهُ بِحَيَاتِهِ - أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ عَدَمُ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ فِي الْقِسْمَيْنِ وَإِنْ ادَّخَرَهُمَا لِلنَّفَقَةِ وَيَفْسُقُ بِذَلِكَ وَلَيْسَتْ نِيَّةُ النَّفَقَةِ مُؤَثِّرَةً فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ لِأَنَّ مَلْحَظَ وُجُوبِهَا فِي الْحَبِّ وَالْجَدَادِ النُّمُوُّ بِالْفِعْلِ

وَهُوَ حَاصِلٌ فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ سَوَاءٌ أَبْقَاهُ لِلنَّفَقَةِ أَمْ لَا وَفِي النَّقْدَيْنِ نُمُوُّهُمَا بِالْفِعْلِ وَالْقُوَّةِ وَهُوَ حَاصِلٌ فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ وَمَا بَعْدَهُ فَلَمْ يَكُنْ لِلنِّيَّةِ دَخْلٌ فِي إسْقَاطِ الْوُجُوبِ لِأَنَّهَا لَا تُعَارِضُ سَبَبَهُ الْمَذْكُورَ وَتَأَمَّلْ مَا قَرَّرْتُهُ تَعْلَمْ أَنَّ التَّمْرَ وَالْحَبَّ إذَا مَضَى عَلَيْهِمَا أَحْوَالٌ وَلَمْ يَنْوِ بِادِّخَارِهِمَا تِجَارَةً بِشَرْطِهَا لَا تَجِبُ زَكَاتُهُمَا إلَّا فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ وَأَمَّا فِيمَا بَعْدَهُ فَلَا تَجِبُ فِيهِمَا زَكَاةٌ بِخِلَافِ النَّقْدَيْنِ فَإِنَّهُ تَجِبُ زَكَاتُهُمَا فِي كُلِّ حَوْلٍ مَضَى عَلَيْهِمَا سَوَاءٌ أُعِدَّا لِلتِّجَارَةِ بِهِمَا أَمْ لِلنَّفَقَةِ لَمَّا عَلِمْت أَنَّهُمَا صَالِحَانِ لِلنَّمَاءِ فَهُمَا نَامِيَانِ بِالْقُوَّةِ أَوْ الْفِعْلِ فَلِذَلِكَ تَكَرَّرَتْ زَكَاتُهُمَا بِتَكَرُّرِ الْأَحْوَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - وَبَرَكَتِهِ عَنْ قَوْلِ الْأَئِمَّةِ إذَا اشْتَرَى عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ بِعَرْضِ قِنْيَةٍ وَنَقْدٍ قُوِّمَ مَا قَابَلَ النَّقْدَ بِهِ وَقُوِّمَ مَا قَابَلَ الْعَرْضَ بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ اهـ وَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى ذَلِكَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَعْرِفَةَ التَّقْسِيطِ لِكُلٍّ مِنْ النَّقْدِ وَالْعَرْضِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى مَعْرِفَةِ تَقْوِيمِهِمَا يَوْمَ الشِّرَاءِ بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ لِيُعْرَفَ نِسْبَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْآخَرِ مِثَالُهُ اشْتَرَى عَرْضًا لِلتِّجَارَةِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَغَالِبُ نَقْدِ الْبَلَدِ دَنَانِيرُ وَبِعَبْدِ قِنْيَةٍ فَتُقَوَّمُ الدَّرَاهِمُ بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ يَوْمَ الشِّرَاءِ وَيُقَوَّمُ الْعَبْدُ بِهِ فَإِنْ اسْتَوَتْ قِيمَتُهُمَا قُوِّمَ نِصْفُ عَرْضِ مَالِ التِّجَارَةِ آخِرَ حَوْلِهِ بِالدَّرَاهِمِ وَنِصْفُهُ الْآخَرُ بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ يَوْمَ التَّقْوِيمِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ وَالدَّرَاهِمِ بِأَنْ سَاوَتْ الدَّرَاهِمُ ثُلُثَ نِصَابٍ مِنْ غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَسَاوَى الْعَبْدُ الثُّلُثَيْنِ قُوِّمَ ثُلُثُ عَرْضِ مَالِ التِّجَارَةِ آخِرَ الْحَوْلِ بِالدَّرَاهِمِ وَثُلُثَاهُ بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ يَوْمَ التَّقْوِيمِ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ غَالِبُ نَقْدِ الْبَلَدِ يَوْمَ التَّقْوِيمِ غَيْرَ جِنْسِ الْمُشْتَرَى بِهِ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّقْوِيمِ وَاخْتِلَافُ صِفَةِ النَّقْدِ كَاخْتِلَافِ جِنْسِهِ فِي رِعَايَةِ التَّقْسِيطِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِلْمَمْلُوكِ فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - بِقَوْلِهِ مَا ذَكَرَ مِنْ تَقْوِيمِ الثَّمَنِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى النَّوْعَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ بِغَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ أَيْ مَا يُتَعَامَلُ بِهِ فِيهِ وَلَوْ عَرْضًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي نَظَائِرِ ذَلِكَ ظَاهِرٌ مَفْهُومٌ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا تَعْبِيرُهُمْ هُنَا بِالْمُقَابِلَةِ إذْ لَا تُعْرَفُ بِالتَّقْوِيمِ فِي كُلٍّ مِنْ ذَيْنِكَ النَّوْعَيْنِ وَالتَّقْوِيمُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْغَالِبِ الْمَذْكُورِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَحْتَاجُوا إلَى التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ هُنَا وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ فِي قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَفِيمَا إذَا اشْتَرَى شِقْصًا مَشْفُوعًا وَسَيْفًا بِمِائَةٍ مَثَلًا أَنَّ أَحَدَ طَرَفَيْ الْعَقْدِ إذَا اشْتَمَلَ عَلَى مَالَيْنِ مُخْتَلِفِينَ وَزَرَعَ مَا فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ أَيْ لِيُعْطِيَ كُلًّا مِنْهُمَا حُكْمَهُ لَا يُعْرَفُ هَذَا التَّوْزِيعُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ إلَّا إذَا قُوِّمَا بِالْغَالِبِ الْمَذْكُورِ وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ فِيمَنْ اشْتَرَى دَارًا فِيهَا صَفَائِحُ فِضَّةٍ بِذَهَبٍ أَوْ بِالْعَكْسِ اشْتَرَطَ قَبْضَ الدَّارِ وَمُقَابِلُ الصَّفَائِحِ مِنْ الثَّمَنِ فِي الْمَجْلِسِ حَذَرًا مِنْ الرِّبَا أَيْ وَلَا تُعْرَفُ تِلْكَ الْمُقَابَلَةُ إلَّا بِالتَّقْوِيمِ بِالْغَالِبِ كَمَا تَقَرَّرَ وَلِظُهُورِ هَذَا إذْ هُوَ مِنْ الْمُقَرَّرَاتِ الْمَعْرُوفَةِ مِنْ مَجْمُوعِ كَلَامِهِمْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُ فِي أَكْثَرِ الْمَوَاضِعِ اتِّكَالًا عَلَى ذَلِكَ فَظَهَرَ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ مِنْ تَقْوِيمِ النَّوْعَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ بِالْغَالِبِ الْمَذْكُورِ هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِهِمْ عِنْدَ مَنْ لَهُ أَدْنَى مَسْكَةٍ بِقَوَاعِدِهِمْ وَإِلْمَامٍ بِأَطْرَافِ كَلَامِهِمْ. نَعَمْ يَتَرَدَّدُ نَظَرُ الْفَقِيهِ فِيمَا لَوْ اخْتَلَفَ الْغَالِبُ وَقْتَ الشِّرَاءِ وَآخِرَ الْحَوْلِ فَهَلْ يُعْتَبَرُ الثَّانِي لِأَنَّهُ الْمُعْتَبَرُ فِي زَكَاةِ التِّجَارَةِ أَوْ الْأَوَّلُ لِأَنَّ هَذَا التَّقْوِيمَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالزَّكَاةِ بِطَرِيقِ الْقَصْدِ بَلْ بِالتَّبَعِ إذْ الْغَرَضُ مِنْهُ مَعْرِفَةُ مَا يَخُصُّ كُلًّا مِنْ الْعَرْضِ وَالنَّقْدِ لِاخْتِلَافِ حُكْمِهِمَا وَأَمَّا أَمْرُ الزَّكَاةِ فَشَيْءٌ مُتَرَقَّبٌ قَدْ يَحْصُلُ وَقَدْ لَا وَلِلنَّظَرِ فِي ذَلِكَ مَجَالٌ وَاَلَّذِي يَنْقَدِحُ الثَّانِي لِمَا أَشَرْت إلَيْهِ آنِفًا أَنَّ اخْتِلَافَ أَحَدِ طَرَفَيْ الْعَقْدِ يَقْتَضِي تَوْزِيعَ طَرَفِهِ الْآخَرِ عَلَيْهِمَا وَأَنَّ ذَلِكَ التَّوْزِيعَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالتَّقْوِيمِ بِالْغَالِبِ فَكَانَ التَّقْوِيمُ بِهِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ فَلَمْ نَعْتَبِرْ فِيهِ غَيْرَ الْغَالِبِ وَقْتَهُ وَعَلَيْهِ فَإِذَا اشْتَرَى بِعَبْدٍ وَدِينَارٍ عَرْضَ تِجَارَةٍ وَغَالِبُ الْمُتَعَامَلِ بِهِ حِينَئِذٍ الْفِضَّةُ مَثَلًا فَقُوِّمَا بِهَا وَكَانَ الْعَبْدُ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ جَانِبِهِ وَالدِّينَارُ رُبُعُ جَانِبِهِ ثُمَّ عِنْدَ آخِرِ الْحَوْلِ صَارَ الْغَالِبُ الْحِنْطَةَ وَلَوْ فَرَضَ تَقْوِيمَهُمَا بِهَا الْآنَ لَكَانَ الْعَبْدُ ثُلُثَيْ جَانِبِهِ وَالدِّينَارُ ثُلُثُ جَانِبِهِ اُعْتُبِرَ

الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي لِمَا قَرَّرْتُهُ مِنْ أَنَّ هَذَا التَّوْزِيعَ مِنْ أَحْكَامِ الْعَقْدِ فَكَانَ اعْتِبَارُ وَقْتِهِ مُتَعَيَّنًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا حُكْمُ أَخْذِ الْفَرِيكِ وَهُوَ الْحَبُّ فِي أَوَّلِ اشْتِدَادِهِ مِنْ زَرْعٍ يَجِيءُ مِنْهُ نِصَابٌ؟ (فَأَجَابَ) مَتَّعَ اللَّهُ بِحَيَاتِهِ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ الزَّرْعِ الزَّكَوِيِّ بَعْدَ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ الزَّكَاةُ بِأَنْ اشْتَدَّ حَبُّهُ لَا يَجُوزُ وَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا عُزِّرَ عَلَيْهِ تَعْزِيرًا شَدِيدًا فَإِنْ أَكَلَهُ غَرِمَ مِثْلَ حِصَّةِ مُسْتَحِقِّي الزَّكَاةِ لَهُمْ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمَالِكُ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَنْ دِرْهَمِ الْإِسْلَامِ كَمْ قَدْرَهُ مِنْ الْمُحَلَّقَةِ الْكِبَارِ وَكَمْ دِرْهَمَ الْإِسْلَامِ قِيرَاطًا وَكَمْ الْقِيرَاطَ بِالْخَرُّوبَةِ أَوْ الشَّعِيرَةِ وَكَمْ مِثْقَالَ الذَّهَبِ قِيرَاطًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَمَّا الْمِثْقَالُ فَهُوَ لَمْ يَخْتَلِفْ لَا جَاهِلِيَّةً وَلَا إسْلَامًا فَهُوَ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ حَبَّةً وَهِيَ شَعِيرَةٌ مُعْتَدِلَةٌ لَمْ تُقَشَّرْ وَقَطَعَ مِنْ طَرَفَيْهَا مَا دَقَّ وَطَالَ وَأَمَّا الدَّرَاهِمُ فَهُوَ مُخْتَلِفٌ جَاهِلِيَّةً وَإِسْلَامًا وَالْمُرَادُ بِهِ حَيْثُ أَطْلَقَ الْإِسْلَامِيَّ وَهُوَ خَمْسُونَ حَبَّةَ شَعِيرٍ مُعْتَدِلَةً وَخُمْسَا حَبَّةٍ كَذَلِكَ فَهُوَ سِتَّةُ دَوَانِيقَ إذْ الدَّانِقُ ثَمَانُ حَبَّاتٍ وَخُمْسَا حَبَّةٍ وَمَتَى زِيدَ عَلَى الدَّرَاهِمِ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِ كَانَ مِثْقَالًا وَمَتَى نَقَصَ عَنْ الْمِثْقَالِ ثَلَاثَةَ أَعْشَارِهِ كَانَ دِرْهَمًا فَكُلُّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ وَكُلُّ عَشَرَةِ مَثَاقِيلَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَسُبْعَانِ وَأَمَّا الْقِيرَاطُ فَهُوَ فِي مُصْطَلَحِ أَهْلِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَالْحِجَازِ وَنَحْوِهَا جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ ثُلُثُ ثَمَنِهِ وَالْحَبَّةُ ثُلُثُ الْقِيرَاطِ وَهِيَ جُزْءٌ مِنْ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ ثَمَنُ تِسْعَةٍ وَالدَّانِقُ هُنَا نِصْفُ الْحَبَّةِ وَسُدُسُ الْقِيرَاطِ فَهُوَ جُزْءٌ مِنْ مِائَةٍ وَأَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ نِصْفُ ثَمَنِ تِسْعَةٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رَجُلٍ مَعَهُ بَعْضُ كِفَايَةِ عِيَالِهِ مِنْ زَرْعٍ وَلَهُ مَعَهُ أَشْجَارُ عِنَبٍ وَأَرْضٌ وَيَأْخُذُ مِنْ زَكَوَاتِ الْأَمْوَالِ وَيَحْفَظُهُ فِي بَيْتِهِ وَيَأْكُلُهُ وَيَشْتَرِي بِهِ الضِّيَاعَ وَالْمَوَاشِيَ وَغَيْرَهَا هَلْ يَمْلِكُهَا أَيْ الزَّكَوَاتِ مَعَ جَهَالَةِ صَارِفِهَا إلَيْهِ أَمْ تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُعْطِي الْفُقَرَاءَ وَلَا الْمَسَاكِينَ وَلَا ابْنَ السَّبِيلِ شَيْئًا مِنْهَا وَكَذَا زَكَاةُ الْأَبْدَانِ فِي يَوْمِ عِيدِ الْفِطْرِ وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ قَاطِعٌ لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَإِذَا كَانَ الْقَادِرُ يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ هَذِهِ الزَّكَوَاتِ وَهَلْ تَبْرَأُ ذِمَّةُ مَنْ أَعْطَاهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَتَى كَانَ لِهَذَا الشَّخْصِ الْمَذْكُورِ مِنْ زَرْعٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ وَكَانَ ذَلِكَ يَفِي بِنَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ الزَّكَوَاتِ سَوَاءٌ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَالْمَالِ وَسَوَاءٌ أَعْلَمَ الدَّافِعَ إلَيْهِ بِحَالِهِ أَمْ لَا وَلَا يَمْلِكُ مَا أَخَذَهُ وَلَا تَبْرَأُ بِهِ ذِمَّةُ الدَّافِعِ إلَيْهِ وَيَجِبُ عَلَى حَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ مَنْعُهُ مِنْ أَخْذِ الزَّكَاةِ وَمَنْعُ النَّاسِ مِنْ إعْطَائِهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ دَخْلُهُ لَا يَفِي بِخَرْجِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ تَمَامَ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ الَّذِينَ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَمَّنْ تَحْتَ يَدِهِ وَدِيعَةٌ أَوْ مَالُ قِرَاضٍ أَوْ ثَمَنُ مَبِيعٍ أَوْ أَمَانَةٌ فَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَهَلْ لَهُ إخْرَاجُ زَكَاةِ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِوَاضِعِ يَدِهِ عَلَى مَالِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ تَعَدِّيًا إخْرَاجُ زَكَاتِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ شَخْصٍ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ قَبْلَ وُجُوبِهَا فَهَلْ تَسْقُطُ عَنْهُ وَمَا شُرُوطُ التَّعْجِيلِ وَهَلْ يَجُوزُ نَقْلُهَا إلَى بَلَدٍ لِعِلْمِهِ بِاحْتِيَاجِ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلَدِ أَكْثَرَ وَهَلْ يَجُوزُ صَرْفُهَا بِطُولِ السَّنَةِ نَقْدًا وَعُرُوضًا وَتَمْرًا وَخُبْزًا وَيَنْوِي عِنْدَ الْإِخْرَاجِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ بَعْدَ تَمَامِ النِّصَابِ فِي غَيْرِ التِّجَارَةِ وَقَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ عَنْ عَامٍ لَا أَكْثَرَ وَزَكَاةُ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ لَا قَبْلَهُ وَتَجُوزُ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فِي التَّمْرِ وَالِاشْتِدَادِ فِي الْحَبِّ لَا قَبْلَهُ وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ زَكَاةِ مَعْدِنٍ وَرِكَازٍ قَبْلَ الْحُصُولِ وَشَرْطُ إجْزَاءِ الْمُعَجَّلِ شَيْئَانِ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ الْقَابِضُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ مُسْتَحِقًّا وَلَا يَضُرُّ غِنَاؤُهُ بِالْمَدْفُوعِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ مُعَجَّلًا كَانَ أَيْضًا أَوْ غَيْرَهُ بِخِلَافِ غِنَائِهِ بِغَيْرِهِ وَحْدَهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ اشْتِرَاطِ اسْتِحْقَاقِهِ آخِرَ الْحَوْلِ مَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ شُرَّاحِ الْوَسِيطِ مِنْ أَنَّ الْفَقْرَ الْمُجْتَازَ بِبَلَدِ الزَّكَاةِ إذَا أُخِذَ مِنْ الزَّكَاةِ الْمُعَجَّلَةِ وَجَاءَ وَقْتُ الْوُجُوبِ وَلَيْسَ

هُوَ بِبَلَدِ الْمَالِ أَنَّ ذَلِكَ الْمُعَجَّلَ لَا يَقَعُ مُجْزِئًا بِنَاءً عَلَى الْمَذْهَبِ مِنْ مَنْعِ نَقْلِ الزَّكَاةِ اهـ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ آخِرَ الْحَوْلِ هُمْ فُقَرَاءُ بَلَدِ الْمَالِ الْمَوْجُودُونَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَعَ مَا اُشْتُرِطَ فِيهِمْ وَلَيْسَ هَذَا بِبَلَدِ الْمَالِ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَالْقَبْضُ السَّابِقُ إنَّمَا يَقَعُ عَنْ وَقْتِ الْوُجُوبِ. وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ فَتَاوَى الْحَنَّاطِيِّ وَأَقَرُّوهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا غَابَ الْمِسْكِينُ عِنْدَ الْحَوْلِ وَلَا يَدْرِي مِنْ حَيَاتِهِ وَمَوْتِهِ وَفَقْرِهِ وَغِنَاهُ فَالظَّاهِرُ اسْتِمْرَارُ فَقْرِهِ وَحَيَاتِهِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَذَكَرَ فِي الْبَحْرِ نَحْوَهُ فَقَالَ لَوْ شَكَكْنَا هَلْ مَاتَ الْقَابِضُ قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ بَعْدَهُ أَجْزَأَ فِي أَقْرَبِ الْوَجْهَيْنِ وَوَجْهُ عَدَمِ الْمُنَافَاةِ أَنَّ كَلَامَ شَارِحِ الْوَسِيطِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ عَلِمَ عَدَمَ اسْتِحْقَاقِهِ عِنْدَ الْوُجُوبِ لِغِيبَتِهِ الْمُتَيَقَّنَةِ عَنْ بَلَدِ الْمَالِ وَكَلَامُ الْحَنَّاطِيِّ عَلَى غِيبَتِهِ عَنْ مَوْضِعِ الصَّرْفِ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَجَهْلِ حَالِهِ مِنْ الْغِنَى وَالْفَقْرِ وَالْغَيْبَةِ عَنْ بَلَدِ الْمَالِ وَقْتَ الْوُجُوبِ فَلَمْ يَدْرِ هَلْ كَانَ حَاضِرًا ثُمَّ إذْ ذَاكَ أَوْ لَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ غَيْبَتِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ كَمَا أَنَّ الْأَصْلَ حَيَاتُهُ وَفَقْرُهُ. الشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ إلَى آخِرِ الْحَوْلِ فَإِنْ مَاتَ أَوْ تَلِفَ الْمَالُ أَوْ نَقَصَ عَنْ النِّصَابِ أَوْ بَاعَهُ قَبْلَ آخِرِ الْحَوْلِ أَوْ عِنْدَهُ لَمْ يَكُنْ زَكَاةٌ وَلَا يُحْسَبُ مِنْ زَكَاةِ الْوَارِثِ وَمَتَى وُجِدَتْ الْأَصْنَافُ كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ وَاحْتَاجُوا لِرَدِّ الْبَاقِي عَلَيْهِمْ حَرُمَ عَلَى الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي الْأَخْذِ وَالتَّفْرِقَةِ بِخِلَافِ الْإِمَامِ وَالْعَامِلِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي النَّقْلِ أَوْ الْأَخْذِ فَقَطْ نَقْلُ الزَّكَاةِ عَنْهُمْ إلَى بَلَدٍ آخَرَ وَإِنْ كَانَ فُقَرَاؤُهُ أَحْوَجَ وَالْعِبْرَةُ بِمَوْضِعِ الْمَالِ حَالَ الْوُجُوبِ وَبِمَوْضِعِ الْمُؤَدَّى عَنْهُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ لَا الْمُؤَدَّى فَيُصْرَفُ الْعُشْرُ لِمُسْتَحِقِّ بَلَدِ الْأَرْضِ الَّتِي حَصَّلَ مِنْهَا الْمُعَشَّرَ وَزَكَاةُ النَّقْدَيْنِ وَالْمَوَاشِي وَالتِّجَارَةِ إلَى مُسْتَحَقِّي الْبَلَدِ الَّذِي تَمَّ فِيهِ حَوْلُهَا وَإِذَا حَالَ الْحَوْلُ وَجَبَ أَدَاءُ الزَّكَاةِ عَلَى الْفَوْرِ إنْ تَمَكَّنَّ مِنْهُ وَذَلِكَ بِحُضُورِ الْمَالِ وَالْمُسْتَحِقِّ أَوْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ وَعَدَمِ شَغْلِهِ بِمُهِمٍّ دِينِيٍّ أَوْ دُنْيَوِيٍّ فَإِنْ أَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ أَثِمَ وَضَمِنَ وَلَوْ أَخَّرَ لِطَلَبِ الْأَفْضَلِ فَإِنْ وُجِدَ أَهْلُ السَّهْمَانِ وَأَخَّرَ لِيَدْفَعَ إلَى الْإِمَامِ أَوْ لِانْتِظَارٍ قَرِيبٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ انْتِظَارُ قَرِيبٍ وَنَحْوِهِ وَلَوْ تَرَدَّدَ فِي اسْتِحْقَاقِهِمْ فَلَهُ التَّأْخِيرُ. وَلَا يَجُوزُ عِنْدَنَا إخْرَاجُ الْعُرُوضِ وَالْخُبْزِ بَلْ لَا يَجُوزُ إلَّا إخْرَاجُ النَّقْدِ أَوْ التَّمْرِ وَالْحُبُوبِ فِي الْمُعَشَّرَاتِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّا إذَا كَانَ الْمَالُ عُرُوضًا لِلتِّجَارَةِ وَاسْتَمَرَّ مُدَّةً لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْهُ فَهَلْ فِيهِ زَكَاةٌ وَلَوْ تَكَرَّرَ بَيْعُهُ بِعُرُوضٍ وَإِذَا بِيعَ بِالنَّقْدِ وَاسْتَمَرَّ نَقْدًا ثُمَّ اشْتَرَى بِهِ عُرُوضًا قَبْلَ أَنْ يَحُولَ الْحَوْلُ عَلَى الْمَالِ تَلْزَمُهُ زَكَاتُهُ أَمْ لَا وَهَلْ عِنْدَ بَيْعِ الْعُرُوضِ بِالنَّقْدِ تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ بِعِدَّةِ السِّنِينَ وَهَلْ يَلْزَمُ فِيهِ الزَّكَاةُ عِنْدَ الْبَيْعِ أَوْ بَعْدَ أَنْ يَحُولَ الْحَوْلُ عَلَى النَّقْدِ وَإِذَا كَانَ الْمَالُ غَائِبًا فِيهِ زَكَاةٌ فِي الْبَلَدِ الَّتِي هُوَ فِيهَا أَوْ الَّتِي فِيهَا الْمَالِكُ لِسَنَةٍ أَوْ بِعِدَّةِ السِّنِينَ وَإِذَا كَانَ الْمَالُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ جَمَاعَةٍ حُكْمُهُ حُكْمِ الْغَائِبِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا اسْتَمَرَّتْ عُرُوضُ التِّجَارَةِ فِي يَدِهِ سِنِينَ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ تَكَرَّرَ بَيْعُهَا بِعُرُوضٍ أُخْرَى لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ بِعَدَدِ تِلْكَ السِّنِينَ وَالْمُعْتَبَرُ فِي النِّصَابِ فِي مَالِ التِّجَارَةِ هُوَ آخِرُ الْحَوْلِ إنْ لَمْ يَنِضَّ وَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ النَّقْصُ عَنْ النِّصَابِ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ نَضَّ بَعْدَ الْحَوْلِ أَوْ فِيهِ وَهُوَ تَامُّ النِّصَابِ أَوْ نَاقِصُهُ وَلَمْ يَنْقُصْ بِنَقْدٍ يُقَوَّمُ بِهِ بَلْ بِنَقْدٍ آخَرَ أَمَّا إذَا نَضَّ فِي الْحَوْلِ نَاقِصًا عَنْ النِّصَابِ بِمَا يُقَوَّمُ بِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ آخِرُ الْحَوْلِ وَإِنْ تَمَّ فِيهِ النِّصَابُ بَلْ يَبْتَدِئُ الْحَوْلُ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ بِهِ لِلنَّقْصِ الْحِسِّيِّ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَبَيْعُهُ بِالنَّقْدِ الْمَذْكُورِ فِي السُّؤَالِ إنْ كَانَ النَّقْدُ الَّذِي بِيعَ بِهِ نَاقِصًا عَنْ النِّصَابِ مِمَّا يُقَوَّمُ بِهِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ الْأَوَّلُ وَابْتُدِئَ الْحَوْلُ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ النَّقْدُ كَذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ مِنْ ابْتِدَاءِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ وَلَا نَظَرَ لِهَذَا الْبَيْعِ سَوَاءٌ كَانَ مُتَكَرِّرًا فِي السَّنَةِ أَمْ لَا فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِ بِالنَّقْدِ شَيْئًا وَبَقِيَ عِنْدَهُ لَا عَلَى نِيَّةِ التِّجَارَةِ فِيهِ زَكَاةٌ زَكَاةُ النُّقُودِ لَا التِّجَارَاتِ وَإِذَا ضُلَّ الْمَالُ أَوْ سُرِقَ أَوْ غُصِبَ أَوْ وَقَعَ فِي بَحْرٍ فَإِنْ قَبَضَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِجَمِيعِ الْأَعْوَامِ الْمَاضِيَةِ وَالْغَائِبُ إنْ لَمْ يُقَدَّرْ عَلَيْهِ فَكَالْمَغْصُوبِ فَلَا يَلْزَمُهُ

زَكَاتُهُ إلَّا إنْ قُدِّرَ عَلَيْهِ فَإِنْ قُدِّرَ عَلَيْهِ وَجَبَ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ عَنْهُ فِي الْحَالِ فِي بَلَدِ الْمَالِ فَإِنْ أَخْرَجَهَا فِي غَيْرِهِ مَعَ وُجُودِ الْمُسْتَحِقِّينَ بِبَلَدِ الْمَالِ لَمْ يَجُزْ وَالدَّيْنُ إنْ كَانَ مَاشِيَةً أَوْ غَيْرَ لَازِمِ كَمَالِ الْكِتَابَةِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ أَوْ نَقْدًا أَوْ عَرْضًا فَإِنْ كَانَ حَالًّا وَتَيَسَّرَ أَخْذُهُ زَكَّاهُ فِي الْحَالِ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ وَإِنْ تَعَذَّرَ لِإِعْسَارٍ أَوْ مَطْلٍ أَوْ غَيْبَةٍ فَكَمَغْصُوبٍ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُدَّتِهِ عَمَّنْ عَجَّلَ زَكَاتَهُ ثُمَّ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْحَوْلِ لَمْ يَكُنْ الْفَقِيرُ أَوْ الْمَالِكُ أَوْ مَالُهُ بِالْبَلَدِ الَّتِي عَجَّلَ فِيهَا فَهَلْ يُجْزِئُهُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مِنْ الْمُقَرَّرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَقْلُ الزَّكَاةِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُجْزِئُهُ مَا عَجَّلَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَغَيْرُهُ فِي الْأُولَى وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ فِي الثَّانِيَةِ وَمَا نَقَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ الْحَنَّاطِيِّ مِمَّا يَقْتَضِي الْإِجْزَاءَ فِي الْأُولَى لَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ نَقْلِ الزَّكَاةِ وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ هُوَ إلَى الْوَهْمِ أَقْرَبُ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَنْ نَحْوِ زَرْعٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَاقْتَسَمَا غَلَّتَهُ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَتَنْقِيَتِهِ ثُمَّ أَخَذَ أَحَدُهُمَا نِصَابَهُ فَهَلْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي حِصَّتِهِ أَوْ لَا لِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالْعَيْنِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ التَّصَرُّفُ لِتَصْرِيحِهِمْ بِصِحَّةِ الْقِسْمَةِ وَلَوْ بِخَرْصِ الثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ وَشَرِكَةُ الْمُسْتَحِقِّينَ لَا تَمْنَعُ صِحَّتَهَا وَإِنْ قُلْنَا تَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ بِالْعَيْنِ وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ لِلسَّاعِي التَّسَلُّطُ عَلَى الْمُخْرَجِ وَقَوْلُهُمْ لِلسَّاعِي الْأَخْذُ مِنْ مَالِ مَنْ شَاءَ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ مَحَلَّهُ فِيمَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِمَا صُورَتُهُ حَكَّمَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَدْلَيْنِ يَخْرُصَانِ عَلَيْهِ وَيُضَمِّنَانِهِ وَاجِبَهُ فِي التَّمْرِ الْمُشْتَرَكِ فَهَلْ يَصِحُّ وَيَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ بَعْدَ الْخَرْصِ بِشَرْطِهِ إلَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ سَوَاءٌ أَذِنَ شَرِيكُهُ أَمْ لَا لِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِعَيْنِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ الَّتِي لَمْ تُخْرَصْ وَهِيَ غَيْرُ مُتَمَيِّزَةٍ عَنْ حِصَّتِهِ الَّتِي خُرِصَتْ. (وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ عَمَّنْ أَرَادَ التَّصَرُّفَ فِي ثَمَرِهِ وَلَا خَارِصَ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يُحَكِّمَ عَدْلًا أَوْ عَدْلَيْنِ لِيَخْرُصَا عَلَيْهِ وَيَتَصَرَّفُ فِي الْجَمِيعِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَهُ ذَلِكَ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ خَارِصَيْنِ لِأَنَّهُ تَقْوِيمٌ وَإِنَّمَا يَكْفِي خَارِصٌ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ وَقَوْلُهُ وَحْدَهُ كَافٍ فِي التَّقْوِيمِ فَكَذَلِكَ نَائِبُهُ فَإِذَا ضَمِنَاهُ وَقَبِلَ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ فِي الْكُلِّ وَإِنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّمَرَةِ غَاصِبٌ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْقَبْضِ لِصِحَّةِ التَّصَرُّفِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا بِيَدِ الْغَيْرِ وَمَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ شَخْصٍ وَقَفَ نَخِيلًا عَلَى مَنْ يُؤَذِّنُ بِمَسْجِدِ كَذَا فَهَلْ عَلَى الْمُؤَذِّنِ زَكَاةٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ كَالْمَوْقُوفِ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إنْ أَذَّنَ مُدَّةً يَسْتَحِقُّ بِهَا الْغَلَّةَ وَبَدَا الصَّلَاحُ فِي مِلْكِهِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ عِنْدَ الصَّلَاحِ وَلَا مُتَعَيَّنٌ لِلِاسْتِحْقَاقِ فِيهِ نَظَرٌ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا صُورَتُهُ أَوْدَعَ نِصَابَ نَقْدٍ أَوْ وَكَّلَهُ بِحِفْظِ مَا يَحْصُلُ مِنْ غَلَّتِهِ فَحَصَلَ مِنْهَا نِصَابٌ وَلَمْ يَنُصَّ الْمَالِكُ عَلَى إخْرَاجِهِ لِلزَّكَاةِ فَهَلْ لَهُ إخْرَاجُهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ لِأَنَّهُ حَقٌّ وَجَبَ عَلَى الْمَالِكِ وَقَدْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ بِهِ وَلَا يَلْتَفِتُ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ أَوْ بَيْعِهِ النِّصَابَ قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمَالِ عَلَى مِلْكِهِ وَبَقَاءُ حَيَاتِهِ وَعَدَمُ إخْرَاجِ الْمَالِكِ مِنْ غَيْرِهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ لِلْحَاكِمِ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ عَنْ الْغَائِبِينَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ تَمَكُّنِهِمْ مِنْ الْأَدَاءِ أَوْ بَيْعِهِمْ لِلْمَالِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ بَاعَ بَعْضَ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ فَهُوَ كَبَيْعِ كُلِّهِ فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَبْقَ قَدْرُ الزَّكَاةِ فَكَمَا لَوْ بَاعَ الْجَمِيعَ وَإِنْ أَبْقَاهُ إمَّا بِنِيَّةِ صَرْفِهِ إلَيْهَا أَوْ بِغَيْرِهَا فَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى قَوْلِ الشَّرِكَةِ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَقْيَسُهُمَا الْبُطْلَانُ أَيْ فِي قَدْرِ حِصَّةِ الزَّكَاةِ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى كَيْفِيَّةِ ثُبُوتِ الشَّرِكَةِ وَفِيهَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الزَّكَاةَ شَائِعَةٌ فِي الْجَمِيعِ مُتَعَلِّقَةٌ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الشِّيَاهِ بِالْقِسْطِ وَالثَّانِي أَنَّ مَحَلَّ الِاسْتِحْقَاقِ قَدْرُ الْوَاجِبِ وَيَتَعَيَّنُ بِالْإِخْرَاجِ اهـ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمَا اعْتِمَادُ كَلَامِ ابْنِ الصَّبَّاغِ الْمَبْنِيِّ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ

وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الثَّانِي وَأَطَالَ فِيهِ بِمَا لَا يُجْدِي وَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَا لَا وَجْهَ لَهُ عِنْدَ مَنْ تَأَمَّلَهُ التَّأَمُّلَ الصَّادِقَ. وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ كَالصَّرِيحِ فِي اعْتِمَادِ كَلَامِ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَمَا تَفَرَّعَ عَلَيْهِ وَكَذَا كَلَامُ السُّبْكِيّ إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ بِنِسْبَةِ قِسْطِ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ شَاةٍ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ إبْقَاؤُهُ قَدْرَ الزَّكَاةِ فِي يَدِهِ جَرْيًا عَلَى قَاعِدَةِ الشَّرِكَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا مُشْتَرَكًا وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمُعَشَّرَاتِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ نِسْبَةَ الْعُشْرِ تَقْتَضِي الْإِشَاعَةَ اتِّفَاقًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْزِلَ نَصِيبَ الْفُقَرَاءِ وَيَبِيعَ الْبَاقِيَ أَوْ لَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ قَدْرَ الزَّكَاةِ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ بِالدَّفْعِ لَا بِالْعَزْلِ وَخُصَّ الْخِلَافُ بِمَا إذَا لَمْ يَقُلْ بِعْتُك تِسْعَةَ أَعْشَارِ هَذِهِ الثَّمَرَةِ مُشَاعًا وَالْأَصَحُّ قَطْعًا وَيَجْرِي ذَلِكَ فِيمَا لَوْ تَصَرَّفَ الْمَالِكُ قَبْلَ الْخَرْصِ فِي مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ غَيْرِ شَائِعٍ مِنْ الثِّمَارِ سَوَاءٌ بَقِيَ فِي يَدِهِ قَدْرُ الزَّكَاةِ أَمْ لَا فَيَبْطُلُ أَيْضًا وَقَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَهَلْ يَجُوزُ فِي تِسْعَةِ أَعْشَارِهِ وَهُوَ مَا عَدَا قَدْرِ الزَّكَاةِ الْمَذْهَبُ نَعَمْ مَحْمُولٌ عَلَى الصُّورَةِ السَّابِقَةِ الَّتِي خُصِّصَ بِهَا مَحَلُّ الْخِلَافِ وَإِلَّا تَنَاقَضَ كَلَامُهُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ هَلْ يَحْرُمُ التَّصَرُّفُ فِي التَّمْرِ وَالْعِنَبِ قَبْلَ الْخَرْصِ فِي الْجَمِيعِ أَوْ فِيمَا عَدَا قَدْرِ الزَّكَاةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَدِ الْأَوَّلِ وَإِنْ تَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ خِلَافَهُ إذْ الشَّرِكَةُ شَائِعَةٌ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ فَكَيْفَ يَحِلُّ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي الْبَعْضِ وَلَهُمْ فِيهِ حِصَّةٌ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِمَا لَفْظُهُ أَيُّ طَرِيقٍ لِلْوَرَعِ فِيمَنْ اشْتَرَى نِصَابًا زَكَوِيًّا مِمَّنْ لَا يُزَكِّي؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ طَرِيقُهُ أَنْ يَسْتَأْذِنَهُ فِي إخْرَاجِهَا عَنْهُ مِنْ الْمَبِيعِ وَيَتَبَرَّعُ بِمُقَابِلِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَالسَّاعِي فَإِنْ تَعَذَّرَ فَالْقَاضِي بِنَاءً عَلَى شُمُولِ تَوْلِيَتِهِ لِلنَّظَرِ فِي الزَّكَاةِ وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْهَرَوِيِّ هَذَا إنْ لَمْ يُعْلَمْ مَوْتُ الْمَالِكِ وَإِلَّا اسْتَقَلَّ بِالْإِخْرَاجِ إذْ لِلْأَجْنَبِيِّ أَدَاءُ زَكَاةِ الْمَيِّتِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَارِثِ لَكِنْ بِأَدَائِهِ يَتَبَيَّنُ الْمِلْكُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ إنْ تَحَقَّقَ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يُخْرِجْهَا لِلْوَرَثَةِ فَيَجِبُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِمْ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ اشْتَرَى نِصَابًا زَكَوِيًّا ثُمَّ تَحَقَّقَ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يُخْرِجْ زَكَاتَهُ فَهَلْ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِتَمْيِيزِ قَدْرِ الزَّكَاةِ فِي الْمِثْلِيِّ وَصَرْفُهُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ لِلْمَالِكِ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ غَيْرِ هَذَا النِّصَابِ نَعَمْ إنْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَةُ الْبَائِعِ جَازَ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِذَلِكَ أَخْذًا مِمَّا فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ حَلَالٌ لَهُ بِحَرَامٍ جَازَ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِتَمْيِيزِ قَدْرِ نَصِيبِهِ لَكِنْ لَا يَجُوزُ لَهُ صَرْفُهُ لَلْمُسْتَحِقِّينَ إلَّا بِإِذْنِ السَّاعِي فَإِنْ تَعَذَّرَ فَالْقَاضِي ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ قَالَ وَمَنْ اشْتَرَى طَعَامًا لَمْ يُزَكِّهِ الْبَائِعُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهُ قَبْلَ تَأْدِيَةِ زَكَاتِهِ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّ وِلَايَةَ صَرْفِهَا بَاقِيَةٌ لِلْبَائِعِ وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الِاسْتِقْلَالُ بِهَا وَفِي الْمُهِمَّاتِ فِي الشَّرْطِ الْخَامِسِ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيِّ مَا يُوهِمُ اسْتِقْلَالَهُ بِذَلِكَ وَالظَّاهِرُ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْبَائِعِ أَوْ السَّاعِي خِلَافُهُ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمُخَلِّصَ لِلْمُشْتَرِي مِنْ هَذِهِ الْعُهْدَةِ تَفْرِيعًا عَلَى بَقَاءِ تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ جَرَيَانُ الْقِسْمَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَائِعِ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ إذْ الْبُطْلَانُ خَاصٌّ بِهِ فَيُسَلِّمُهُ لِلْبَائِعِ أَوْ السَّاعِي وَلَهُ أَنْ يَسْتَأْذِنَ الْبَائِعَ فِي إخْرَاجِهِ فَإِنَّ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يُوَكِّلَ فِي إخْرَاجِ الزَّكَاةِ عَنْهُ إمَّا مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ مَالِ الْمُوَكَّلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ اهـ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ بَاعَ النِّصَابَ وَقُلْنَا بِالرَّاجِحِ وَهُوَ بُطْلَانُ الْبَيْعِ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ فَقَطْ فَإِذَا رَدَّ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ قَدْرَ الزَّكَاةِ فَهَلْ يَنْقَطِعُ تَسَلُّطُ السَّاعِي عَلَى مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ مَيَّزَ ذَلِكَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ لَمْ يَكُنْ لِلسَّاعِي مُطَالَبَتُهُ لِأَنَّ لِلْمَالِكِ أَنْ يُعَيِّنَ قَدْرَ الزَّكَاةِ مِنْ النِّصَابِ فِي وَاحِدَةٍ وَلَيْسَ لِلسَّاعِي طَلَبُ غَيْرِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ تَمْيِيزَهُ أَوْ تَمْيِيزَ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِهِ بِمَثَابَةِ تَعْيِينِهِ فَبِهِ يَنْحَصِرُ حَقُّ السَّاعِي فِيمَا عَيَّنَهُ فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي بِشَيْءٍ وَإِنْ مَيَّزَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْبَائِعِ فَالتَّمَيُّزُ فَاسِدٌ فَلَا يَنْقَطِعُ بِهِ تَعَلُّقُ حَقِّ السَّاعِي وَإِنْ قَبَضَهُ الْبَائِعُ إذْ رَضَاهُ بِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ فَاسِدًا لَا يَقْبَلُهُ صَحِيحًا وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا بَحَثَهُ السُّبْكِيّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَجَّرَ أَرْضَهُ لِآخَرَ فَزَرَعَهَا فَالزَّكَاةُ عَلَى الزَّارِعِ فَإِذَا أَخَذَ الْمُؤَجَّرُ أُجْرَتَهُ مِنْ الْمُغِلِّ قَبْلَ إخْرَاجِ زَكَاتِهِ فَكَمَا لَوْ ابْتَاعَهَا مِنْهُ

فَلِلْفُقَرَاءِ مُطَالَبَتُهُ بِهَا مِمَّا قَبَضَهُ لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ لِلسَّاعِي نَزْعَهَا مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي عَلَى كُلِّ قَوْلٍ. قَالَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يَجِبُ إشْهَارُهَا فَإِنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ يُؤَجِّرُ الْأَرَاضِي يَسْتَوْلِي عَلَى جَمِيعِ الْمُغَلِّ فِي أُجْرَتِهِ أَوْ عَلَى أَكْثَرِهِ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الزَّارِعَ لَا يُخْرِجُ شَيْئًا فَلَا يَحِلُّ لَهُ مَا قَبَضَهُ بَلْ يَجِبُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهُ قَدْرَ الزَّكَاةِ وَمَا بَقِيَ مِنْ الْأُجْرَةِ إنْ أَيْسَرَ الزَّارِعُ طُولِبَ وَإِلَّا بَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ وَطَرِيقُ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ أَنْ يَسْتَأْذِنَ الزَّارِعَ فِي الْإِخْرَاجِ أَوْ يُعْلِمُ الْإِمَامَ لِيَأْخُذَهَا فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ إيصَالُهَا لَلْمُسْتَحِقِّينَ اهـ وَقَوْلُهُ فَلِلْفُقَرَاءِ مُطَالَبَتُهُ بِهَا أَيْ بِقَدْرِ نِسْبَتِهَا فَيُطَالَبُ بِعُشْرِ مَا بِيَدِهِ لِبُطْلَانِ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَأَمَّا أَخْذُ جَمِيعِ الزَّكَاةِ مِمَّا بِيَدِهِ الَّتِي أَوْهَمَتْهُ عِبَارَتُهُ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا لَوْ اُسْتُغْرِقَتْ الْأُجْرَةُ الزَّرْعَ جَمِيعَهُ وَإِلَّا لَمْ يَتَأَتَّ عَلَى قَوْلِ الشَّرِكَةِ الْأَصَحِّ. وَقَوْلُهُ لِمَا سَبَقَ إلَخْ يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ كُلَّ النِّصَابِ أَوْ بَعْضَهُ وَإِنْ أَبْقَى قَدْرَ الزَّكَاةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَمَّا فِي الْأُولَى فَوَاضِحٌ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِبُطْلَانِ التَّصَرُّفِ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ وَإِنْ أَبْقَى بِيَدِهِ قَدْرَهَا. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَمَّنْ بَاعَ النِّصَابَ قَبْلَ الْحَوْلِ فَتَمَّ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ وَهُوَ فِي مِلْكِهِ أَوْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَوْ مَوْقُوفٌ فَمَا حُكْمُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَمِلْكُ الْمَبِيعِ لَهُ فَتَجِبُ زَكَاتُهُ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ فَهُوَ كَبَيْعِهِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَإِنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي فَلَا زَكَاةَ عَلَى أَحَدٍ وَكَذَا إنْ قُلْنَا مَوْقُوفٌ مَا لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ فَالزَّكَاةُ عَلَى الْبَائِعِ وَلَوْ لَزِمَ الْبَيْعَ فَامْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ إلَّا مِنْ الْمَبِيعِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يُمْكِنْ أَوْ مُوسِرًا فَإِنْ كَانَ نِصَابَ تِجَارَةٍ فَهَذَا يَجِبُ أَنْ تُؤْخَذُ زَكَاتُهُ مِنْ مَالِ بَائِعِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُشْتَرِي بِالْعَيْنِ وَالزَّكَاةِ بِالْقِيمَةِ وَمَا تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ أَقْوَى وَإِنْ كَانَ مِمَّا تَجِبُ الزَّكَاةُ مِنْ عَيْنِهِ فَإِنْ قُلْنَا بِالشَّرِكَةِ أُخِذَتْ مِنْ الْمَبِيعِ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْأَوْجَهُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ لِأَنَّهُ إنْ رَاعَى حَقَّ الْمُشْتَرِي فَمُرَاعَاةُ حَقِّ الْمُسْتَحِقِّينَ أَوْلَى وَلَا نَظَرَ لِتَجَدُّدِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْبَيْعِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْفَسْخِ عِنْدَ وُجُوبِهَا وَمَا ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ التِّجَارَةِ مُحْتَمَلٌ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ هَلْ تَجِبُ زَكَاةٌ فِي الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ وَمَا هِيَ وَهَلْ لَوْ أَخَذَ الْإِمَامُ الْخَرَاجَ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ تَسْقُطُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ مَعَ الْخَرَاجِ كَمَا فِي الْبِلَادِ الَّتِي أَخَذْنَاهَا مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ أَوْ أَقَرَّهُمْ الْإِمَامُ عَلَيْهَا بِخَرَاجٍ وَكَذَا الَّتِي أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا فَهِيَ مِلْكُهُمْ فَإِذَا اكْتَرَاهَا شَخْصٌ مِنْهُمْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْعُشْرُ مَعَ أُجْرَتِهَا وَلَا يُقَوَّمُ الْخَرَاجُ الْمَأْخُوذُ ظُلْمًا أَوْ نَحْوُهُ مَقَامِ الْعُشْرِ فَإِذَا أَخَذَهُ الْإِمَامُ بِنِيَّةِ ذَلِكَ صَحَّ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ إذْ هُوَ كَأَخْذِ الْقِيمَةِ بِالِاجْتِهَادِ وَهُوَ يَسْقُطُ بِهِ الْعُشْرُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِمَا لَفْظُهُ أَتْلَفَ أَجْنَبِيٌّ النِّصَابَ بَعْدَ الْوُجُوبِ فَهَلْ يَأْخُذُ الْمَالِكُ قَدْرَ قِيمَةِ قَدْرِ الزَّكَاةِ وَيَدْفَعُهُ لَلْمُسْتَحِقِّينَ أَوْ يَشْتَرِي بِهَا شَاةً وَيَدْفَعُهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ شِرَاءُ وَاجِبِ الزَّكَاةِ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ وَتَسْلِيمُهُ إلَيْهِمْ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ تَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ خِلَافَهُ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الرِّفْعَةِ قَالَ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَاةٌ مِنْ أَرْبَعِينَ فَأَتْلَفَ الْأَرْبَعِينَ لَزِمَهُ شَاةً وَلَوْ أَتْلَفَهَا أَجْنَبِيٌّ وَجَبَ لِلْفُقَرَاءِ الْقِيمَةُ وَهُوَ نَصٌّ فِيمَا ذَكَرْته. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِمَا صُورَتُهُ إذَا قُلْنَا تَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ تَعَلُّقَ شَرِكَةٍ فَهَلْ تَتَعَلَّقُ بِمَا يَحْدُثُ بَعْدَ الْوُجُوبِ مِنْ لَبَنٍ وَصُوفٍ وَغَيْرِهِمَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيِّ أَنَّهَا لَا تَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ وَعِبَارَةُ الْأَوَّلِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ وَإِنْ قُلْنَا تَجِبُ فِي الْعَيْنِ فَمِلْكُ الْفُقَرَاءِ كَلَا مِلْكٍ فَإِنَّ ثَمَرَةَ الْمِلْكِ ثَابِتَةٌ لِرَبِّ الْمَالِ وَمِلْكُهُمْ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ بِدَلِيلِ أَنَّ لِرَبِّ الْمَالِ إسْقَاطُهُ بِإِخْرَاجِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِهِ وَعِبَارَةُ الثَّانِي فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ تَعَلُّقَ شَرِكَةٍ اعْتَذَرُوا عَنْ جَوَازِ الْإِخْرَاجِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ وَعَنْ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْفُقَرَاءِ لِمَا يَحْدُثُ مِنْ النِّتَاجِ وَيَنْفَصِلُ مِنْ الصُّوفِ وَاللَّبَنِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ الْإِخْرَاجِ بِأَنَّ هَذِهِ الشَّرِكَةَ تَثْبُتُ بِغَيْرِ رِضَا الشَّرِيكَيْنِ وَأَيْضًا فَإِنَّهَا غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ فَأَشْبَهَتْ الْغَنِيمَةَ فِي انْتِفَاءِ مِلْكِ الشَّرِيكِ بِغَيْرِ رِضَاهُ اهـ قِيلَ وَصَرَّحَ بِنَحْوِ ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ

فِي الْمَذْهَبِ بَلْ صَرَّحَ ابْنُ مُفْلِحٍ بِأَنَّهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يَجُوزُ أَكْلُ الْفَرِيكِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ مَا لَمْ يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ مِنْ مَالٍ زَكَوِيٍّ فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَإِنْ أَطَالَ كَثِيرًا فِي الِاسْتِدْلَالِ لِلْجَوَازِ لَهُ وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ لِذَلِكَ بِمَا فِي الطَّبَرَانِيِّ الصَّغِيرِ بِرِجَالِ الصَّحِيحِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَتَى بِالْبَاكُورَةِ وَضَعَهَا عَلَى عَيْنِهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ كَمَا أَطْعَمْتَنَا أَوَّلَهُ فَأَطْعِمْنَا آخِرَهُ ثُمَّ يَأْمُرُ بِهَا لِلْمَوْلُودِ مِنْ أَهْلِهِ» وَفِي رِوَايَةٍ قَبْلَهَا «ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا» وَيُرَدُّ بِأَنَّ هَذِهِ وَاقِعَةُ حَالٍ مُحْتَمَلَةٍ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ تَعَدَّى الْمَالِكُ قَبْلَ الْخَرْصِ فَقَطَعَ الثَّمَرَةَ بَعْدَ أَنْ تَعَلَّقَتْ بِهَا الزَّكَاةُ وَكَانَ مِمَّا يَجِيءُ مِنْهُ تَمْرٌ لَوْ لَمْ يَقْطَعْهَا وَأَرَادَ الدَّفْعَ لَلْمُسْتَحِقِّينَ مِمَّا قَطَعَهُ فَهَلْ هُوَ كَقَطْعِهَا لِلْعَطَشِ أَوْ كَإِتْلَافِهَا؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ الثَّانِي فَيُخَرَّجُ عَلَى مَا قَالُوهُ فِي إتْلَافِهِ الثَّمَرَ فَإِذَا قُلْنَا الْوَاجِبُ التَّمْرُ انْقَطَعَ تَعَلُّقُ الشَّرِكَةِ فِي ذَلِكَ الرُّطَبِ وَيَصِحُّ تَصَرُّفُ الْمَالِكِ فِيهِ وَكَذَا إنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ قِيمَةُ الرُّطَبِ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْفَرِيكِ إذَا تَعَدَّى الْمَالِكُ بِقَطْعِهِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ حَيْثُ تَعَدَّى الْمَالِكُ بِالْقَطْعِ مِنْ غَيْرِ عَطَشٍ وَنَحْوِهِ ضَمِنَ حِصَّةَ الْمُسْتَحِقِّينَ تَمْرًا وَإِلَّا بِأَنْ اُحْتِيجَ إلَى الْقَطْعِ قَبْلَ أَوَانِ الْجَذَاذِ وَلَمْ يُمْكِنْ تَجْفِيفُهُ ضَمِنَهَا رُطَبًا وَإِنْ سَبَقَ خَرْصٌ وَتَضْمِينٌ. (وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ عَنْ أَجْنَبِيٍّ أَتْلَفَ الثِّمَارَ بَعْدَ الْخَرْصِ وَالتَّضْمِينِ فَهَلْ عَلَى الْمَالِكِ الزَّكَاةُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ الدَّارِمِيُّ إنْ حَصَلَتْ لِلْمَالِكِ قِيمَةٌ لَزِمَتْهُ وَإِلَّا فَلَا بَلْ يُطَالِبُ الْغَاصِبَ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْخَرْصِ وَقَبْلَ التَّضْمِينِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَطُولِبَ الْغَاصِب وَقَبْلَ الْخَرْصِ كَبَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ تَضْمِينٍ إذَا كَانَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُدَّتِهِ هَلْ الضَّبْطُ فِي الْخَاتَمِ الْفِضَّةِ بِالْمِثْقَالِ كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ أَوْ بِغَيْرِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ رَوَى أَبُو دَاوُد أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لِرَجُلٍ وَجَدَهُ لَابِسَ خَاتَمَ حَدِيدٍ مَا لِي أَرَى عَلَيْكَ حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ فَطَرَحَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ أَتَّخِذُهُ فَقَالَ مِنْ وَرِقٍ وَلَا تَبْلُغْهُ مِثْقَالًا» . لَكِنْ ضَعَّفَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحَيْ الْمُهَذَّبِ وَمُسْلِمٍ وَمِنْ ثَمَّ أُبِيحَ بِلَا كَرَاهَةٍ لُبْسُ خَاتَمِ حَدِيدٍ وَرَصَاصٍ وَنُحَاسٍ وَكَانَ الْأَوْلَى الضَّبْطُ بِمَا لَا يُعَدُّ إسْرَافًا فِي الْعُرْفِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ الْخُوَارِزْمِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْخَلْخَالِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ ابْنِ الرِّفْعَةِ يَنْبَغِي نَقْصُ الْخَاتَمِ عَنْ مِثْقَالٍ لِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ عَلَى اعْتِبَارِ الْعُرْفِ لَوْ اخْتَلَفَ أَهْلُهُ كَأَنْ تَعَارَفَ أَهْلُ بَلَدٍ أَوْ صَنْعَةٍ مَثَلًا وَزْنًا وَتَعَارَفَ آخَرُونَ خِلَافَهُ فَهَلْ يُعْتَبَرُ عُرْفُ كُلٍّ فَيُحْكَمُ عَلَى اللَّابِسِ بِالْحُرْمَةِ إنْ تَعَارَفَ أَهْلُ بَلَدِهِ أَوْ صَنْعَتِهِ كِبْرَهُ أَوْ لَا لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ مُوجِبُ الْحُرْمَةِ أَوْ يُفَرِّقُ احْتِمَالَاتٍ لَمْ أَرَهَا وَقَدْ يُرَجَّحُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِعُرْفِ أَهْلِ الْبَلْدَةِ أَوْ الصَّنْعَةِ الَّتِي هُوَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ شَافِعِيٍّ قَلَّدَ الْحَنَفِيَّ فِي مَسْأَلَةٍ فِي الزَّكَاةِ وَهِيَ جَوَازُ إعْطَاءِ الْبِضَاعَةِ عَنْ النَّقْدِ وَجَوَازُ الِاقْتِصَارِ عَلَى صِنْفٍ أَوْ صِنْفَيْنِ مَعَ وُجُودِ الْأَصْنَافِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا وَفِي أَيِّ كِتَابٍ هُوَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْمُخْتَصَرَاتِ فَضْلًا عَنْ الْمُطَوَّلَاتِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ فَقِيهٍ فِي قَرْيَتَيْنِ وَهُوَ وَاحِدٌ وَلَهُ فِي إحْدَى الْقَرْيَتَيْنِ مَزَارِعُ وَبَسَاتِينُ وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْ الزَّكَاةِ وَالْعُشْرِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ زَكَاةِ هَاتَيْنِ الْقَرْيَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ مَعَ وُجُودِ مَنْ هُوَ أَحَقُّ مِنْهُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ حَيْثُ كَانَ لِلْفَقِيهِ الْمَذْكُورِ مِنْ غَلَّةِ مَزَارِعِهِ وَبَسَاتِينِهِ مَا يَكْفِيهِ وَيَكْفِي عِيَالَهُ الَّذِينَ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُمْ حَرُمَ عَلَيْهِ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ الزَّكَاةِ وَإِنْ قَلَّ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مَا أَخَذَهُ قَبْلَ ذَلِكَ إلَى مُلَّاكِهِ وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَا يَكْفِيهِ وَيَكْفِي عِيَالَهُ الْمَذْكُورِينَ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ حَقِّ بَقِيَّةِ الْمُسْتَحِقِّينَ الَّذِينَ فِي بَلَدِ الْمَالِ فَإِنَّ الْمَالِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُفَرِّقَ زَكَاتَهُ عَلَى مَنْ فِي بَلَدِهِ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ فَإِذَا كَانَ فِيهَا فُقَرَاءُ وَمَسَاكِينُ وَأَبْنَاءُ سَبِيلٍ وَهُمْ الْمُسَافِرُونَ أَوْ الْعَازِمُونَ عَلَى السَّفَرِ وَغَارِمُونَ وَهُمْ الَّذِينَ عَلَيْهِمْ دَيْنٌ وَلَيْسَ فِيهَا غَيْرُ هَؤُلَاءِ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْآيَةِ

لَزِمَهُ أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ صِنْفٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ رُبُعَ زَكَاتِهِ وَيُفَرِّقُ رُبُعَهُ عَلَى كُلِّ صِنْفٍ عَلَى كُلِّ ثَلَاثَةٍ مِنْهُ فَأَكْثَرَ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ زَكَاتِهِ عَنْ حَاجَاتِهِمْ نَقَلَهُ إلَى الْمُسْتَحِقِّينَ بِأَقْرَبِ بَلَدٍ إلَيْهِ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَمَّا إذَا أَخَذَ الْإِمَامُ مَالَ إنْسَانٍ غَصْبًا أَوْ تَعَدِّيًا فَنَوَى بِهِ الْأَخْذَ مِنْ الزَّكَاةِ فَهَلْ يُجْزِئُهُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي لَا نَقْلَ فِيهَا مُتَوَقِّفٌ عَلَى أَنَّ قَبْضَ الْإِمَامِ الزَّكَاةَ هَلْ هُوَ بِمَحْضِ الْوِلَايَةِ إذْ لَا يُشْتَرَطُ تَوْكِيلُ الْمُسْتَحِقِّينَ أَوْ بِحَالِهِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَكَالَةِ وَلَهُ نَظَرٌ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ دُونَ نَظَرِ وَلِيِّ الْيَتِيمِ وَفَوْقَ مَرْتَبَةِ الْوَكِيلِ أَشَارَ إلَيْهِ السُّبْكِيّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَعَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا التَّفْصِيلُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْإِمَامُ بِمَا نَوَاهُ لَمْ يُجْزِئْهُ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَآحَادِ النَّاسِ وَإِنَّمَا أَجْزَأَ قَبْضُ الْجَائِرِ لِأَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِجَوْرِهِ وَعَدَمِ الدَّفْعِ إلَيْهِ يُؤَدِّي لِفِتْنَةٍ وَإِذَا لَمْ يُؤَدِّ مَا ائْتَمَنَهُ الشَّرْعُ عَلَيْهِ أَثِمَ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ لِجِهَةِ الزَّكَاةِ وَلَا كَذَلِكَ هَذِهِ الصُّورَةُ، وَعَدَمُ اشْتِرَاطِ عِلْمِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ بِجِهَةِ الزَّكَاةِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَ الْمُسْتَحِقُّ لِبُلُوغِ الْحَقِّ مَحَلَّهُ وَأَمَّا الْإِمَامُ فَلَا بُدَّ فِي الْإِجْزَاءِ مِنْ عِلْمِهِ بِجِهَةِ مَا لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةً ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَسْقُطُ الْحَرَجُ عَنْ الْمَالِكِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ الْمَالِكُ الْحَالَ فَهُوَ مُقَصِّرٌ وَإِنْ عَلِمَ بِنِيَّتِهِ احْتَمَلَ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ أَيْضًا لِأَنَّهُ فِي الْغَصْبِ كَالْآحَادِ وَفِعْلُ الْجَائِزِ إنَّمَا يَصِحُّ إنْ طَابَقَ الشَّرْعَ وَيُحْتَمَلُ الْإِجْزَاءُ وَهُوَ الظَّاهِرُ إذْ قَصْدُ الْإِمَامِ الْمَذْمُومُ شَرْعًا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَانِعًا مِنْ الْإِجْزَاءِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ أَخْذِ السُّلْطَانِ الْجَائِرِ الْعُشُورَ الْمَعْهُودَةَ فِي هَذَا الزَّمَنِ بِاسْمِ الزَّكَاةِ وَنَوَى بِهِ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ الزَّكَاةَ فَهَلْ يُسْقِطُ عَنْهُ بِهِ الْفَرْضَ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَسْقُطُ بِأَخْذِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَرْضُ الزَّكَاةِ عَنْ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ لِأَنَّ الْأَمَامَ الْجَائِرَ كَالْعَادِلِ فِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا وَيَقَعُ لِبَعْضِ التُّجَّارِ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ كَبِيرُ تَقْوَى وَيَغْلِبُ عَلَيْهِمْ الْبُخْلُ وَالْخِزْيُ أَنَّهُمْ يُكْثِرُونَ الْأَسْئِلَةَ عَمَّا يَأْخُذُهُ مِنْهُمْ أَعْوَانُ السَّلَاطِينِ مِنْ الْمُكُوسِ هَلْ يَقَعُ عَنْهُمْ مِنْ الزَّكَاةِ إذَا نَوَوْهَا فَنُجِيبُهُمْ بِمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ الْمُقَرَّرُ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ بَعْضُ شُرَّاحِ الْإِرْشَادِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُحْسَبُ مِنْ زَكَوَاتِهِمْ لِأَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يَأْخُذْهُ بِاسْمِ الزَّكَاةِ بَلْ بِاسْمِ الذَّبِّ عَنْهُمْ وَعَنْ أَمْوَالِهِمْ فَهُوَ وَأَعْوَانُهُ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لَهُ فِي أَمْوَالِ التُّجَّارِ يَسْتَحِقُّ أَخْذَهُ قَهْرًا عَلَيْهِمْ وَلَوْ سَمِعَ هُوَ أَوْ بَعْضُ أَعْوَانِهِ عَنْ بَعْضِ التُّجَّارِ أَنَّهُ يَدْفَعُ لَهُمْ ذَلِكَ بِاسْمِ الزَّكَاةِ لَمَا قَبِلُوا مِنْهُ ذَلِكَ وَأَخَذُوهُ قَهْرًا عَلَيْهِ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ بَلْ رُبَّمَا أَذُوهُ وَسَبُّوهُ. وَالدَّفْعُ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ الْعَامِّ إنَّمَا يُجْزِئُ عَنْ الزَّكَاةِ حَيْثُ لَمْ يَمْتَنِعْ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ مِنْ أَخْذِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَوْ يَأْخُذُهُ بِقَصْدٍ مُغَايِرٍ لَهُ فَحِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُ حُسْبَانُ مَا أَخَذَهُ عَنْ الزَّكَاةِ وَبَقِيَ مَانِعٌ آخَرُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ الدَّفْعَ إلَى السُّلْطَانِ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَإِنَّمَا يَقَعُ الدَّفْعُ لِنَائِبِهِ الْعَامِّ أَوْ الْخَاصِّ وَالدَّفْعُ لِلنَّائِبِ الْعَامِّ وَهُوَ الْوَزِيرُ الْأَعْظَمُ أَوْ نَحْوُهُ مُتَعَسِّرٌ أَيْضًا وَإِنَّمَا الْوَاقِعُ وَالْمُتَيَسَّرُ الدَّفْعُ إلَى النَّائِبِ الْخَاصِّ وَهَذَا النَّائِبُ الْخَاصُّ لَا يُوَلُّونَهُ عَلَى أَخْذِ زَكَاةٍ بِوَجْهٍ وَإِنَّمَا يُوَلُّونَهُ عَلَى أَخْذِ الْعُشُورِ وَمُرَادُهُمْ بِهَا الْمُكُوسُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ أَحْوَالِهِمْ وَعِبَارَاتِهِمْ وَعَادَاتِهِمْ فَمَنْ أَرَادَ الدَّفْعَ إلَيْهِمْ بِاسْمِ الزَّكَاةِ لَمْ يَدْفَعْهَا لِإِمَامٍ وَلَا لِنَائِبِهِ فِيهَا فَكَيْفَ تُجْزِئُ عَنْهُ فَلْيُتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَيُشَاعُ لَهُمْ فَإِنَّ بَعْضَ فَسَقَةِ الْمُتَفَقِّهَةِ وَالتُّجَّارِ رُبَّمَا حَسِبُوا جَمِيعَ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ مِنْ الْمُكُوسِ مِنْ الزَّكَوَاتِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِمْ وَمَا دَرَوْا أَنَّهُ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجَنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ وَتَقُولُ لَهُمْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ وَأَمْثَالِهِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ. (وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ بِمَا لَفْظُهُ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْآلِ وَالصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - تُكْرَهُ اسْتِقْلَالًا وَلَا تُكْرَهُ تَبَعًا فَهَلْ قَوْلُ الْإِنْسَانِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَصَلِّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ مَثَلًا مِنْ الشِّقِّ الْأَوَّلِ أَوْ مِنْ الشِّقِّ الثَّانِي فَمَا الَّذِي يَظْهَرُ لَكُمْ أَوْ تَفْهَمُونَهُ مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي ذَلِكَ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ذَكَرْت فِي كِتَابِي فِي الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يُصَرِّحُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ

الِاسْتِقْلَالِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَلْحَقُوا السَّلَامَ عَلَى غَائِبٍ بِالصَّلَاةِ فِي الْكَرَاهَةِ فَاسْتُشْكِلَ ذَلِكَ بِمَا فِي التَّشَهُّدِ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَهَذَا سَلَامٌ وَقَعَ اسْتِقْلَالًا وَلَمْ يُكْرَهْ فَأَجَبْتُ بِمَنْعٍ أَنَّ هَذَا وَقَعَ اسْتِقْلَالًا وَإِنَّمَا وَقَعَ تَبَعًا لِأَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ بِالِاسْتِقْلَالِ إلَّا مَا وَقَعَ مُنْفَرِدًا غَيْرَ تَابِعٍ لِغَيْرِهِ بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّهُمْ عَلَّلُوا كَرَاهَةَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مِنْ شِعَارِ أَهْلِ الْبِدْعَةِ وَقَدْ نُهِينَا عَنْ شِعَارِهِمْ وَالْمَعْرُوفُ مِنْ شِعَارِهِمْ إنَّمَا هُوَ الِاسْتِقْلَالُ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ ثُمَّ لَمَّا نَظَرْت فِي الْجَوَابِ عَمَّا فِي هَذَا السُّؤَالِ تَوَقَّفْتُ فِي أَنَّ ذَلِكَ اسْتِقْلَالٌ مِنْ حَيْثُ تَمْثِيلُهُمْ لِلتَّبَعِيَّةِ بِقَوْلِهِمْ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ فَاقْتَضَى ظَاهِرُ هَذَا التَّمْثِيلِ أَنَّهُ مَتَى كَرَّرَ الْعَامِلَ خَرَجَ عَنْ التَّبَعِيَّةِ ثُمَّ رَأَيْت فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ مَا يُصَرِّحُ بِالْأَوَّلِ وَيَمْنَعُ ذَلِكَ التَّوَقُّفَ وَمَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ ذَلِكَ التَّمْثِيلِ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْحَابَ عَبَّرُوا بِعِبَارَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مُفَسِّرَةٌ لِلْأُخْرَى وَهِيَ أَنَّهُمْ كَمَا عَبَّرُوا بِالِاسْتِقْلَالِ عَبَّرُوا بِالِابْتِدَاءِ فَقَالُوا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ ابْتِدَاءً. وَعِبَارَةُ النَّوَوِيِّ فِي مَجْمُوعِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ فُلَانٍ وَتَابَعَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إنْ قَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ فَلَا بَأْسَ وَمَا قَالَاهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ وَخِلَافُ مَا قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ ابْتِدَاءً فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ الْمُتَوَلَّيْ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ ابْتِدَاءً وَمُقْتَضَى عِبَارَتِهِ التَّحْرِيمُ وَالْمَشْهُورُ الْكَرَاهَةُ اهـ الْمَقْصُودُ مِنْ عِبَارَتِهِ. وَعِبَارَةِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي تَعْلِيقِهِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى أَحَدٍ غَيْرَ الْأَنْبِيَاءِ ابْتِدَاءً وَإِنَّمَا تَجُوزُ عَلَى التَّبَعِيَّةِ انْتَهَتْ فَاسْتَفَدْنَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ عَبَّرَ مِنْ الْأَصْحَابِ بِالِاسْتِقْلَالِ أَرَادَ بِهِ الِابْتِدَاءَ وَاسْتَفَدْنَا مِنْ عِبَارَةِ الْمَجْمُوعِ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ إنَّمَا عَبَّرُوا بِالِابْتِدَاءِ دُونَ الِاسْتِقْلَالِ وَحِينَئِذٍ اتَّضَحَ أَنَّ مَا فِي التَّشَهُّدِ لَيْسَ مِنْ الِاسْتِقْلَالِ كَمَا قَدَّمْتُهُ وَأَنَّ مَا فِي السُّؤَالِ كَذَلِكَ فَيَكُونُ غَيْرَ مَكْرُوهٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مُبْتَدَأً بِهِ وَإِنَّمَا وَقَعَ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا عِبْرَةَ بِإِعَادَةِ الْعَامِلِ لِأَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ يُسَمَّى تَابِعًا لِمَا قَبْلَهُ سَوَاءٌ أَكَانَ هُنَاكَ عَاطِفٌ كَمَا فِي السُّؤَالِ أَمْ لَا كَاللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ مَثَلًا وَكَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ مَثَلًا. وَوَجْهُهُ أَنَّ مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ هُوَ مِنْ شِعَارِ الْمُبْتَدِعَةِ الَّذِي نُهِينَا عَنْهُ فَلَمْ يُكْرَهْ غَيْرُ الِابْتِدَاءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شِعَارِهِمْ مَعَ كَوْنِهِ وَقَعَ تَابِعًا فِي اللَّفْظِ لِلصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ لَا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ أَكْرَى مُزْرَعًا لِأَحَدٍ عَلَى أَنَّ لَهُ شَيْئًا مَعْلُومًا مِنْ الْغَلَّةِ كُلَّ سَنَةٍ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا أَخَذَ تِلْكَ الْأُجْرَةِ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاتَهَا إذَا بَلَغَتْ نِصَابًا أَوْ لَا وَإِذَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا مَاذَا حُكْمُهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَلْزَمُهُ زَكَاةُ الْأُجْرَةِ إذَا كَانَتْ حَبًّا إلَّا إذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ وَوُجِدَتْ فِيهِ شُرُوطُهَا أَوْ نَقْدًا إلَّا إنْ مَضَى عَلَيْهِ حَوْلٌ مِنْ حِينِ مِلْكِهَا وَهِيَ نِصَابٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ ذَكَرَ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَلَمْ يَجِدْهَا وَلَا ابْنُ لَبُونٍ فِي مَالِهِ وَلَا بِالثَّمَنِ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ قِيمَتَهَا وَنَبَّهَ فِي الْمُهِمَّاتِ عَلَى أَنَّ قَضِيَّةَ ذَلِكَ أَنَّ الِانْتِقَالَ حِينَئِذٍ إلَى بِنْتِ اللَّبُونِ غَيْرُ وَاجِبٍ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ الْقِيمَةَ وَعَلَى أَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُ فِي سَائِرِ أَسْنَانِ الزَّكَاةِ اهـ فَهَلْ هَذَا الْكَلَامُ صَحِيحٌ أَمْ لَا فَإِنَّهُ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ الصُّعُودُ وَالنُّزُولُ وَفِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِابْنِ شُهْبَةَ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِ الْمِنْهَاجِ فَإِنْ عُدِمَ بِنْتُ الْمَخَاضِ فَابْنُ لَبُونٍ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الصُّعُودُ وَالنُّزُولُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَكِنْ رَأَيْتُ بَعْدَ تَسْطِيرِ السُّؤَالِ لِبَعْضِ الْأَئِمَّةِ مَا لَفْظُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ مَا فِي الْمُهِمَّاتِ إذَا تَعَذَّرَ الصُّعُودُ وَالنُّزُولُ مَعَ الْجُبْرَانِ لِتَعَيُّنِ الْقِيمَةِ حِينَئِذٍ طَرِيقًا إلَى بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ صَحِيحٌ وَتَقْيِيدُهُ الْمَنْقُولُ عَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا صَرَّحْت بِهِمَا فِي شَرْحِ الْعُبَابِ فِي مَحَلَّيْنِ وَعِبَارَتُهُ فِي أَوَّلِهِمَا وَلَوْ فَقَدَ الْوَاجِبَ وَبَدَّلَهُ الْمَذْكُورُ فِي مَالِهِ وَفَقَدَهُ بِالثَّمَنِ بِأَنْ لَمْ يَجِدْهُ بِالشِّرَاءِ دَفَعَ الْقِيمَةَ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ أَوْ رَجَا حُصُولَ الْوَاجِبِ عَلَى

قُرْبٍ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَذَلِكَ لِضَرُورَةِ الْفَقْدِ الْمُعْتَبَرِ عِنْدَ الْأَدَاءِ لَا غَيْرُ كَمَا يَأْتِي وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ مَزِيدٌ فِي أَوَّلِ أَحْوَالِ الْمِائَتَيْنِ الْآتِيَةِ وَإِنْ وَجَدَهُ أَيْ الْوَاجِبَ أَوْ بَدَّلَهُ بِالثَّمَنِ فَهَلْ يُطَالَبُ بِتَحْصِيلِ الْوَاجِبِ وَهُوَ بِنْتُ الْمَخَاضِ لِأَنَّهَا الْأَصْلَ فَإِنْ دَفَعَ ابْنَ لَبُونٍ قُبِلَ مِنْهُ أَوْ بِأَحَدِهِمَا بِأَنْ يُخَيَّرَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ ابْنِ اللَّبُونِ لِأَنَّهُ يُخَيَّرُ فِي الْإِخْرَاجِ وَجْهَانِ نَقَلَهُمَا الشَّيْخَانِ وَالْمَجْمُوعُ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَمْ يُرَجِّحَاهُمَا وَلَا غَيْرُهُمَا مِنْهُمَا شَيْئًا فِيمَا عَلِمْت. وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ تَرْجِيحُهُ مِنْهُمَا الْأَوَّلُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي أَنَّا إذَا جَعَلْنَا الشَّاةَ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ أَصْلًا أَجْبَرْنَاهُ عَلَى أَدَائِهَا فَإِنْ أَدَّى الْبَعِيرَ قُبِلَ مِنْهُ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ رَجَّحَ التَّخْيِيرَ وَالْأَذْرَعِيُّ قَالَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَدِّ زَكَاتَك وَوَاجِبَ مَالِكَ إذْ لَوْ خُيِّرَ رُبَّمَا دَفَعَ الْأَدْنَى أَوْ نَصَّ لَهُ عَلَى بِنْتِ الْمَخَاضِ ظَنَّ تَعَيُّنَهَا عَلَيْهِ فَيَتَكَلَّفُهَا اهـ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ التَّعْبِيرُ بِبِنْتِ الْمَخَاضِ لِأَنَّهُ الَّذِي يَقُولُ بِهِ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ لَا بِالْوَاجِبِ لِأَنَّهُ الَّذِي بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ طُولِبَ بِالْوَاجِبِ وَنَحْوِهِ فَلَا إشْكَالَ وَإِلَّا فَهَلْ يَنُصُّ لَهُ عَلَى بِنْتِ الْمَخَاضِ أَوْ يُخَيَّرُ وَفِيهِ مَا مَرَّ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ لَهُ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ الصُّعُودُ إلَى فَرْضٍ أَعْلَى مِنْ الْوَاجِبِ وَبَدَلُهُ وَيَأْخُذُ الْجُبْرَانَ وَنَظَرَ فِيهِ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ بِمِلْكِهِ ابْنُ لَبُونٍ إخْرَاجُهُ عَنْ بِنْتِ اللَّبُونِ وَيَأْخُذُ جُبْرَانًا ثُمَّ فَرَّقَ بِأَنَّهُ هُنَا فَاقِدٌ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِخِلَافِهِ ثُمَّ انْتَهَتْ وَعِبَارَتُهُ فِي ثَانِيهِمَا (فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شِقْصٌ لِقِلَّتِهِ أُخِذَ مِنْهُ النَّقْدُ لِلضَّرُورَةِ) هَذَا لَا يُلَائِمُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ النَّقْدِ وَالشِّقْصِ إلَّا بِنَوْعِ تَعَسُّفٍ، وَالْمَجْمُوعُ، وَإِنْ عَبَّرَ بِنَظِيرِ ذَلِكَ لَكِنَّهُ غَايَرَ الْأُسْلُوبَ كَمَا يُعْلَمُ بِتَأَمُّلِ عِبَارَتِهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ تَعَيَّنَ النَّقْدُ كَمَا عَبَّرْت بِهِ فِيمَا مَرَّ وَيُحْذَفُ التَّعْلِيلُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ النَّقْدِ وَلَوْ مَعَ تَيَسُّرِ شِرَاءِ الشِّقْصِ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ دَفْعُهُ مَعَ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْوَاجِبِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْ شِرَاءِ جُزْئِهِ لِدَفْعِ ضَرَرِ الْمُشَارَكَةِ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَعْدِلُ إلَى غَيْرِ الْجِنْسِ لِلضَّرُورَةِ كَفَاقِدِ شَاةٍ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ وَكَفَاقِدِ بِنْتِ مَخَاضٍ وَابْنِ لَبُونٍ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ الْقِيمَةَ كَمَا مَرَّ عَلَى أَنَّ الْغَرَضَ جُبْرَانُ الْوَاجِبِ كَدَرَاهِمِ الْجُبْرَانِ وَإِلَيْهِ أَشَارُوا بِتَعْبِيرِهِمْ بِالْجَبْرِ. وَنَبَّهَ فِي الْمُهِمَّاتِ عَلَى أَنَّ قَضِيَّةَ ذَلِكَ أَنَّ الِانْتِقَالَ عِنْدَ فَقْدِ بِنْتِ الْمَخَاضِ وَابْنِ اللَّبُونِ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إلَى بِنْتِ اللَّبُونِ غَيْرُ وَاجِبٍ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ الْقِيمَةَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي فِي سَائِرِ أَسْنَانِ الزَّكَاةِ أَيْ فَمَتَى فَقَدَ الْفَرْضَ فِي مَالِهِ وَلَمْ يَجِدْهُ بِالثَّمَنِ جَازَ إخْرَاجُ قِيمَتِهِ وَجَازَ لَهُ الصُّعُودُ وَالنُّزُولُ بِالْجُبْرَانِ وَعَدَمِهِ بِشَرْطِهِ وَمِمَّنْ اعْتَمَدَ ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَخَذُوهُ مِنْ قَضِيَّةِ إطْلَاقِ الشَّيْخَيْنِ إخْرَاجَ الْقِيمَةِ فِي مَسْأَلَةِ فَقْدِ بِنْتِ الْمَخَاضِ وَابْنِ اللَّبُونِ الْمَذْكُورَةِ وَبِذَلِكَ مَعَ مَا مَرَّ عَنْ الْكِفَايَةِ مَعَ تَنْظِيرِ الزَّرْكَشِيّ فِيهِ وَجَوَابُهُ يَرُدُّ عَلَى مَنْ قَالَ يُحْتَمَلُ أَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ لَمْ يُمْكِنْهُ الصُّعُودُ وَلَا النُّزُولُ بِالْجُبْرَانِ انْتَهَتْ. وَبِتَأَمُّلِ الْعِبَارَتَيْنِ لَا سِيَّمَا مَا فِي الْأُولَى عَنْ الْكِفَايَةِ وَتَنْظِيرُ الزَّرْكَشِيّ مَعَ جَوَابِهِ عَنْهُ وَمَا فِي الثَّانِيَةِ مِنْ أَنَّهُ قَدْ يَعْدِلُ لِغَيْرِ الْجِنْسِ لِلضَّرُورَةِ اتَّضَحَ لَك صِحَّةُ مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَأَنَّهُ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَأَنَّ تَقْيِيدَهُ بِعَدَمِ إمْكَانِ الصُّعُودِ وَالنُّزُولِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمُنَابَذَتِهِ لِمَا مَرَّ عَنْ الْكِفَايَةِ وَلِلْمَعْنَى لِأَنَّ فَقْدَ الْوَاجِبِ خَيَّرَهُ بَيْنَ بَذْلِ الْقِيمَةِ وَالصُّعُودِ وَالنُّزُولِ بِشَرْطِهِ وَقَدْ جَرَيْت عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ أَيْضًا وَعِبَارَتُهُ فِي شَرْحِ (فَإِنْ عَدِمَ بِنْتَ الْمَخَاضِ فَابْنُ لَبُونٍ) وَمَرَّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْهَا وَلَا ابْنَ لَبُونٍ فَرَّقَ قِيمَتَهَا وَمَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ بِمَالِهِ سِنٌّ يُجْزِئُ وَأَمْكَنَ الصُّعُودُ إلَيْهِ مَعَ الْجُبْرَانِ وَإِلَّا وَجَبَتْ عَلَيْهِ عَلَى مَا بَحَثَهُ شَارِحٌ وَأَيَّدَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّ ابْنَ اللَّبُونِ بَدَلٌ وَقَدْ أَلْزَمُوهُ تَحْصِيلَهُ فَكَذَا هُنَا اهـ. وَفِي كُلٍّ مِنْ الْبَحْثِ وَالتَّأْيِيدِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ أَمَّا الْبَحْثُ فَلِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ فِي الْكِفَايَةِ وَجَرَى عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إخْرَاجِ الْقِيمَةِ وَالصُّعُودِ بِشَرْطِهِ كَمَا حَرَّرْتُهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي سَائِرِ أَسْنَانِ الزَّكَاةِ فَإِذَا فَقَدَ الْوَاجِبَ خُيِّرَ الدَّافِعُ بَيْنَ إخْرَاجِ قِيمَتِهِ أَوْ الصُّعُودِ أَوْ النُّزُولِ بِشَرْطِهِ وَأَمَّا التَّأْيِيدُ فَلِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْأَصْلِ فَكَيْفَ يُقَاسُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ حَتَّى يُقَالَ إذَا أُلْزِمَ بِتَحْصِيلِ الْبَدَلِ فَكَيْفَ يُلْزَمُ بِتَحْصِيلِ أَصْلٍ آخَرَ انْتَهَتْ

باب زكاة الفطر

عِبَارَةُ شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ بِمَا لَفْظُهُ قَالَ الْأَئِمَّةُ فِي زَكَاةِ النَّقْدَيْنِ لَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ مُكَسَّرٍ عَنْ صَحِيحٍ وَيُجْزِئُ عَكْسُهُ قَالَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا مَحَلُّ ذَلِكَ فِي النَّقْدِ الْخَالِصِ كَمَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْإِطْلَاقُ أَمَّا الْمَغْشُوشُ كَالسَّوْدِ فَيُجْزِئُ الْمُكَسَّرُ عَنْ الصَّحِيحِ وَعَكْسُهُ وَلَوْ رَاجَ أَحَدُهُمَا فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ كَمَا جَرَيْت عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ أَنَّ مَحَلَّ قَوْلِهِمْ لَا يُجْزِئُ الْمُكَسَّرُ عَنْ الصَّحِيحِ إذَا نَقَصَتْ قِيمَةُ الْمُكَسَّرِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فَإِنْ فُرِضَ اسْتِوَاؤُهُمَا اتَّجَهَ الْإِجْزَاءُ وَيُؤَيِّدُهُ جَعْلُ بَعْضِهِمْ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ هُنَا مَعْلُومًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَا يُجْزِئُ الْأَدْنَى عَنْ الْأَعْلَى فَأَفْهَمَ هَذَا أَنَّ سَبَبَ عَدَمِ إجْزَاءِ الْمُكَسَّرِ نَقْصُ قِيمَتِهِ لَا غَيْرُ وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ اتَّضَحَ فَسَادُ التَّقْيِيدِ بِالنَّقْدِ الْخَالِصِ وَبَيَانُهُ أَنَّ الْمُكَسَّرَ وَالصَّحِيحَ إذَا كَانَا مَغْشُوشَيْنِ اُشْتُرِطَ أَنْ يَبْلُغَ خَالِصُ الْمَغْشُوشِ مِنْهُمَا نِصَابًا يَقِينًا وَأَنْ يُخْرِجَ عَنْهُمَا خَالِصًا أَوْ مَغْشُوشًا خَالِصُهُ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ يَقِينًا وَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُتَطَوِّعًا بِالنُّحَاسِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ حَالَةُ الرَّوَاجِ وَحَالَةُ عَدَمِهِ، وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ الْوَاجِبُ فَلَمْ تَبْقَ الْعِلَّةُ فِي عَدَمِ إجْزَاءِ الْمُكَسَّرِ عَنْ الصَّحِيحِ إلَّا مَا ذَكَرْته مِنْ نَقْصِ قِيمَةِ الْمُكَسَّرِ فَإِنْ نَقَصَتْ لَمْ يَجُزْ عَنْ الصَّحِيحِ سَوَاءٌ كَانَا مَغْشُوشَيْنِ أَوْ خَالِصَيْنِ أَمْ أَحَدُهُمَا صَحِيحًا وَالْآخَرُ خَالِصًا، وَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ أَجْزَأَ كَذَلِكَ فَلَا مَدْخَلَ لِلْغِشِّ وَالْخُلُوصِ فِي ذَلِكَ بِوَجْهٍ فَتَأَمَّلْهُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ إنْسَانٍ وَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَهُوَ فِي بَلَدٍ وَالْغَرِيمُ فِي بَلَدٍ آخَرَ هَلْ يَجِبُ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ فِي بَلَدِ الدَّائِنِ أَمْ الْمَدِينِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْعِبْرَةُ فِي هَذَا بِبَلَدِ الْمَدِينِ عَلَى الْأَوْجَهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتَخَيَّرُ فِي إخْرَاجِهَا بِأَيِّ مَحَلٍّ شَاءَ وَبَيَّنْت مَا فِيهِ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَأَعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ مِنْ حِصَّةِ الْغَارِمِينَ وَأَخْرَجَهُ فِي غَيْرِ الدَّيْنِ هَلْ تَبْرَأُ ذِمَّةُ الْمَالِكِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ اكْتَسَبَ مَا يَفِي بِدَيْنِهِ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ صَرْفُ مَا أَخَذَهُ فِيهِ وَإِلَّا تَعَيَّنَ كَمَا حَرَّرْتُهُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْآخِذِ، وَأَمَّا الْمَأْخُوذُ مِنْهُ فَيَبْرَأُ بِقَبْضِ الْغَارِمِ، وَإِنْ لَمْ يَصْرِفْهُ فِي دَيْنِهِ عَلَى احْتِمَالٍ فِيهِ ذَكَرْتُهُ ثَمَّ. [بَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَوْلِهِمْ فِي الْفِطْرَةِ أَنَّ الْأَبَ يُقَدَّمُ عَلَى الْأُمِّ عَكْسُ النَّفَقَةِ وَفَرَّقُوا هُنَاكَ بِأَنَّ الْفِطْرَةَ هُنَا لِتَطْهِيرِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ وَتَشْرِيفِهِ وَالْأَبُ أَحَقُّ بِهَذَا قَالُوا وَهَذَا الْفَرْقُ مَنْقُوضٌ بِتَقْدِيمِهِمْ الْوَلَدَ الصَّغِيرَ عَلَى الْأَبَوَيْنِ وَهُمَا أَشْرَفُ مِنْهُ فَمَا يَكُون تَوْجِيهُ هَذَا الْفَرْقِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنِّي أَجَبْت عَنْ الْإِشْكَالِ الْمَذْكُورِ فِي الشَّرْحِ السَّابِقِ ذِكْرُهُ وَعِبَارَتُهُ ثُمَّ أَبَاهُ وَإِنْ عَلَا وَلَوْ مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ ثُمَّ أُمُّهُ كَذَلِكَ عَكْسُ النَّفَقَةِ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ لِأَنَّهَا لِلْحَاجَةِ وَالْأُمُّ أَحْوَجُ، وَأَمَّا الْفِطْرَةُ فَلِلتَّطْهِيرِ وَالشَّرَفِ وَالْأَبُ أَوْلَى بِهَذَا فَإِنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَيَشْرُفُ بِشَرَفِهِ وَمُرَادُهُمْ بِأَنَّهَا كَالنَّفَقَةِ فِي أَصْلِ التَّرْتِيبِ لَا كَيْفِيَّتِهِ اهـ وَأَبْطَلَ الْإِسْنَوِيُّ هَذَا الْفَرْقَ بِالْوَلَدِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ هُنَا عَلَى الْأَبَوَيْنِ وَهُمَا أَشْرَفُ مِنْهُ فَدَلَّ عَلَى اعْتِبَارِهِمْ الْحَاجَةِ فِي الْبَابَيْنِ اهـ وَيُرَدُّ بِأَنَّا لَا نَعْتَبِرُ الشَّرَفَ مُرَجَّحًا إلَّا مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي السَّبَبِ الْمُوجِبِ كَمَا فِي الْأَبِ وَالْأُمِّ إذْ هُوَ فِيهِمَا الْوِلَادَةُ وَهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِيهَا بِخِلَافِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَوٍ مَعَهُمَا فِي ذَلِكَ بَلْ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ أَحْوَجُ فَلَا نَظَرَ إلَى الشَّرَفِ وَعَدَمِهِ حِينَئِذٍ فَجَزْمُ الْإِسْعَادِ وَغَيْرِهِ بِمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِيهِ نَظَرٌ ثُمَّ رَأَيْت الشَّارِحَ أَيْ الْجَوْجَرِيَّ رَدَّ عَلَيْهِ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْتُهُ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي الْجَوَابِ عَمَّا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ. نَعَمْ قَدْ يَرُدُّ عَلَى فَرْقِ الْمَجْمُوعِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْأَبَ لِلْأُمِّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأُمِّ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ مَنْسُوبًا إلَيْهِ وَلَا يَشْرُفُ بِشَرَفِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي مَوَاضِعَ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الْأَبَ لِلْأُمِّ وَالْأُمَّ اتَّحَدَتْ جِهَتُهُمَا وَكُلُّ جِهَةٍ اتَّحَدَتْ ذُكُورُهَا أَشْرَفُ مِنْ إنَاثِهَا فَأَبُو الْأُمِّ أَشْرَفُ مِنْهَا فَقُدِّمَ عَلَيْهَا فَمُطْلَقُ الشَّرَفِ هُنَا هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَدَارُ، وَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ فَإِنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَيَشْرُفُ بِشَرَفِهِ خَاصٌّ بِالْأَبِ حَقِيقَةً فَفِي فَرْقِهِ قُصُورٌ عَنْ إفَادَةِ وَجْهِ تَقْدِيمِ أَبِي الْأُمِّ

باب صدقة التطوع

عَلَيْهَا مَعَ كَوْنِهَا أَقْرَبَ مِنْهُ وَأَحْوَجَ وَقَدْ عَلِمْت وَجْهَ تَقْدِيمِهِ مِمَّا قَرَّرْتُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ فِي نِيَّةِ زَكَاةِ الْفِطْرِ هَلْ يَكْفِي فِيهَا أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى نَوَيْت هَذِهِ فِطْرَتِي أَوْ فِطْرَةُ مَنْ تَلْزَمُنِي فِطْرَتُهُ مَثَلًا فَقَطْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُضِيفَهَا إلَى فَرْضِيَّةٍ أَوْ وُجُوبٍ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَتَّجِهُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ إجْزَاءُ نِيَّةِ هَذِهِ فِطْرَتِي لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ غَيْرَ الْوَاجِبِ الْخَاصِّ فَهِيَ أَوْلَى بِالْإِجْزَاءِ مِنْ هَذِهِ زَكَاتِي لِأَنَّ هَذِهِ إذَا أَجْزَأَتْ مَعَ شُمُولِهَا لِزَكَاةِ الْمَالِ وَالْبَدَنِ فَأَوْلَى أَنْ يُجْزِئُ هَذِهِ فِطْرَتِي لِأَنَّهَا لَا تَشْمَلُ غَيْرَ الْمُخْرَجِ عَنْ الْبَدَنِ عِنْدَ انْقِضَاءِ رَمَضَانَ إذْ هِيَ مَوْضُوعَةٌ لِذَلِكَ شَرْعًا فَلَا إيهَامَ فِيهَا بِوَجْهٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ هَلْ يَجِبُ فِطْرَةُ الْعَبْدِ الْمَوْقُوفِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا تَجِبُ، وَإِنْ وَقَفَ عَلَى مُعَيَّنٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لَهُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ قَالُوا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ يُقَدِّمُ أَبَاهُ ثُمَّ أَمَّهُ وَعَكَسُوا فِي النَّفَقَاتِ وَفَرَّقَ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّ النَّفَقَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لِلْحَاجَةِ وَالْأُمُّ أَحْوَجُ وَالْفِطْرَةُ إنَّمَا وَجَبَتْ لِلتَّطْهِيرِ وَالشَّرَفِ وَالْأَبُ أَوْلَى بِذَلِكَ لِأَنَّ بِشَرَفِهِ يَشْرُفُ الِابْنُ وَنَقَضَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِتَقْدِيمِ الِابْنِ الصَّغِيرِ عَلَى الْأَبِ فَهَلْ يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ إنَّمَا نَظَرُوا لِذَلِكَ بَيْنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ دُونَ الِابْنِ الصَّغِيرِ وَالْأَبِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَوَّلَيْنِ مَعَ عَجْزِهِ مُحْتَاجٌ إلَى التَّطْهِيرِ لَكِنَّ احْتِيَاجَ الْأَبِ إلَيْهِ أَشَدُّ لِمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ فَقُدِّمَ عَلَى الْأُمِّ، وَأَمَّا الْوَلَدُ الصَّغِيرُ فَلَمْ يُشَارِكْ الْأَبَ فِي الِاحْتِيَاجِ لِلتَّطْهِيرِ الَّذِي هُوَ مِنْ جِنْسِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْأَبُ بَلْ شَارَكَهُ فِي الْعَجْزِ فَقَطْ وَلَكِنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ أَكْثَرَ فَقُدِّمَ عَلَى الْأَبِ لِذَلِكَ كَمَا يَدُلُّ لَهُ تَعْلِيلُ الْأَصْحَابِ. (سُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رَجُلَيْنِ بَيْنَهُمَا طَعَامٌ مُشْتَرَكٌ وَهُوَ ثَمَانِيَةُ أَمْدَادٍ أَوْ أَكْثَرُ يُجْزِئُ فِي الْفِطْرَةِ فَنَوَيَاهُ فِطْرَةً وَفَرَّقَاهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُفْرِزَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا يَخُصُّهُ هَلْ يُجْزِئُهُمَا ذَلِكَ فِي الْفِطْرَةِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يُجْزِئُهُمَا ذَلِكَ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ فِي زَكَاةِ الْمَالِ وَالْفِطْرَةِ فِي فُرُوعٍ مِنْهَا مَا لَوْ كَانَ لِثَلَاثَةٍ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ وَفِي قِسْمَةِ الزَّكَوَاتِ فِي جَمْعِ جَمَاعَةٍ لِفِطْرَتِهِمْ وَقِسْمَتِهَا عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ وَفِي الْكَفَّارَةِ فِيمَا لَوْ دَفَعَ السِّتِّينَ صَاعًا مُشَاعًا إلَى سِتِّينَ مِسْكِينًا وَقَالَ مَلَّكْتُكُمْ هَذَا وَأَطْلَقَ أَوْ قَالَ بِالسَّوِيَّةِ فَقَبِلُوهُ وَفِي الْأُضْحِيَّةِ فِيمَا لَوْ اشْتَرَكَ السَّبْعَةُ فِي بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ. فَإِنْ قُلْت صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاكُ اثْنَيْنِ فِي شَاتَيْنِ لِيَقَعَ عَنْ كُلٍّ نِصْفُهَا قُلْت ذَاكَ إنَّمَا خَرَجَ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ لِمَعْنًى هُوَ أَنَّ الْقَصْدَ مِنْ التَّضْحِيَةِ فِدَاءُ النَّفْسِ وَالشَّارِعُ فِي الشَّاةِ لَمْ يَجْعَلْ الْفِدَاءَ إلَّا كَامِلًا فَلَوْ جَازَتْ الشَّرِكَةُ فِيهَا كَمَا ذُكِرَ لَمْ يَقَعْ عَنْ كُلٍّ إلَّا نِصْفٌ مِنْ كُلٍّ فَلَمْ تَقَعْ عَنْهُ شَاةٌ كَامِلَةٌ وَلَا إرَاقَةُ دَمٍ مُسْتَقِلٍّ فَامْتَنَعَ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْمَقْصُودِ مِنْ التَّضْحِيَةِ بِالشَّاةِ بِخِلَافِ التَّضْحِيَةِ بِالْبَدَنَةِ أَوْ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ كُلَّ سَبْعٍ قَائِمًا مَقَامَ شَاةٍ مُسْتَقِلَّةٍ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا مُشَاعًا فَإِنْ قُلْت الْإِشَاعَةُ ضَرُورِيَّةٌ هُنَا إذْ لَا يُمْكِنُ خِلَافُهَا كَمَا تَقَرَّرَ فَلِذَا جَازَتْ بِخِلَافِهَا فِي مَسْأَلَةِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ ضَرُورِيَّةً قُلْت لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا ضَرُورِيَّةٌ كَيْفَ وَقَصْرُ الْجَوَازِ عَلَى التَّضْحِيَةِ بِالْبَدَنَةِ أَوْ الْبَقَرَةِ عَنْ وَاحِدٍ فَقَطْ لَا مَحْذُورَ فِيهِ وَلَا نَوْعَ مَشَقَّةٍ. عَلَى أَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ مَعَ تَجْوِيزِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الشَّاةِ فَعَلِمْنَا أَنَّ الْمَلْحَظَ لَيْسَ هُوَ ضَرُورَةُ الْإِشَاعَةِ بَلْ عَدَمُ مَحْذُورٍ فِي الْإِشَاعَةِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَحْذُورٌ هُنَا فَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ. [بَابُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ] (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ عَمَّنْ تَصَدَّقَ عَلَى سَائِلٍ مُلِحٍّ فِي سُؤَالِهِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْحَاجَةَ لَمَا أَعْطَاهُ وَكَانَ يَرْجُو خَلَاصَهُ مِنْهُ وَنَوَى عِنْدَ التَّصَدُّقِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى هَلْ يَكُونُ لَهُ ثَوَابٌ أَوْ لَا وَلَوْ تَصَدَّقَ عَلَى فَقِيرٍ لِفَقْرِهِ أَوْ لِقَصْدِهِ إيَّاهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ إحْضَارِ نِيَّةِ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى هَلْ يَكُونُ لَهُ فِي ذَلِكَ أَجْرٌ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي حَرَّرْتُهُ فِي حَاشِيَتِي عَلَى مَنَاسِكِ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْكُبْرَى عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَصْحَابِهِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَجْمُوعِهِ لَوْ حَجَّ بِنِيَّةِ الْحَجِّ وَالتِّجَارَةِ كَانَ لَهُ ثَوَابٌ دُونَ ثَوَابِ الْمُتَخَلِّي عَنْ التِّجَارَة أَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7]

كتاب الصوم

أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافُ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي اجْتِمَاعِ نِيَّةِ الطُّهْرِ وَنَحْوِ التَّبَرُّدِ مِنْ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَمِلَ طَاعَةً وَشَرَّكَ مَعَهَا مُبَاحًا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ التَّشْرِيكُ مُحْبِطًا لِثَوَابِهَا مِنْ أَصْلِهِ بَلْ لَهُ ثَوَابٌ بِقَدْرِ قَصْدِهِ الطَّاعَةَ لَكِنَّهُ دُونَ ثَوَابِ مَنْ لَمْ يُشَرِّكْ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللَّهِ تَعَالَى «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ» هُوَ لِلَّذِي أَشْرَكَ يُحْمَلُ لِيُوَافِقَ الْآيَةَ عَلَى مَنْ رَاءَى بِعَمَلِهِ وَالرِّيَاءُ مُحْبِطٌ لِلْعَمَلِ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُفَسِّقٌ لِصَاحِبِهِ يُخْرِجُ الْعَمَلَ عَنْ كَوْنِهِ طَاعَةً وَقُرْبَةً مِنْ أَصْلِهِ لِمُنَافَاتِهِ لَهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَمْ يُمْكِنْ مُجَامَعَةُ الثَّوَابِ لَهُ. وَأَمَّا ضَمُّ قَصْدٍ مُبَاحٍ إلَى الْعَمَلِ فَهُوَ لَا يُنَافِيهِ فَأُثِيبَ عَلَى قَصْدِهِ الطَّاعَةَ بِقَدْرِ قَصْدِهِ، وَإِنْ ضَعُفَ لِأَنَّ قَصْدَهُ إيَّاهَا قُرْبَةٌ وَلَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهَا مَا يَقْتَضِي إسْقَاطَهَا فَلَمْ يُحْرَمْ ثَوَابَهَا إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَمَتَى قَصَدَ الْمُتَصَدِّقُ بِإِعْطَائِهِ الْفَقِيرَ وَجْهَ اللَّهِ وَمَنَعَهُ مِنْ الْإِلْحَاحِ الْمُضِرِّ لِلنَّاسِ فَهَذَا لَا شَكَّ فِي ثَوَابِهِ أَتَمُّ الثَّوَابِ وَأَكْمَلُهُ لِأَنَّهُ قَصَدَ طَاعَتَيْنِ وُصُولَ بِرٍّ إلَيْهِ وَمَنْعَهُ مِنْ مَعْصِيَةِ الْإِيذَاءِ أَوْ الْإِضْرَارِ، وَإِنْ قَصَدَ مَعَ الْأَوَّلِ مَنْعَهُ مِنْ الْإِلْحَاحِ الْمُضِرِّ لَهُ بِخُصُوصِهِ كَمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي الْقُرْبَةَ وَالصَّدَقَةَ لَكِنَّ ثَوَابَهُ دُونَ ثَوَابِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ فِي الْأَوَّلِ تَعُودُ مَنْفَعَتُهُ عَلَى الْغَيْرِ وَفِي الثَّانِي عَلَى النَّفْسِ فَرُبَّمَا يَقْصِدُ حَظَّهَا وَالظَّاهِرُ إثَابَتُهُ أَيْضًا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ عَدَمُ الصَّارِفِ لَا نِيَّةُ الْقُرْبَةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ السُّبْكِيّ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَخْذًا مِنْ كَلَامِ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرِهِ فِي حَدِّ الْأَصْحَابِ الصَّدَقَةَ بِأَنَّهَا تَمْلِيكُ مُحْتَاجٍ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ لَا نَعْتَبِرُ الْحَاجَةَ قَيْدًا بَلْ كَوْنُهَا لِمُحْتَاجٍ هُوَ أَظْهَرُ أَنْوَاعِهَا الْغَالِبِ مِنْهُ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ. قَالُوا وَتَمْلِيكُ الْمُحْتَاجِ لَا مَعَ اسْتِحْضَارِ الثَّوَابِ صَدَقَةٌ أَيْضًا فَالشَّرْطُ إمَّا الْحَاجَةُ أَوْ قَصْدُ الثَّوَابِ وَتَمْلِيكُ الْغَنِيِّ لَا بِقَصْدِ الْقُرْبَةِ وَالثَّوَابِ إمَّا هِبَةٌ أَوْ هَدِيَّةٌ [كِتَابُ الصَّوْمِ] ِ (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ فِي طَهَارَةِ الْقُلُوبِ لِعَلَّامِ الْغُيُوبِ: شَهْرُ رَجَبٍ شَهْرُ الْحَرْثِ فَاتَّجِرُوا رَحِمَكُمْ اللَّهُ فِي رَجَب فَإِنَّهُ مَوْسِمُ التِّجَارَةِ وَاعْمُرُوا أَوْقَاتَكُمْ فِيهِ فَهُوَ أَوَانُ الْعِمَارَةِ. رُوِيَ أَنَّهُ مَنْ صَامَ مِنْ رَجَب سَبْعَةَ أَيَّامٍ أُغْلِقَتْ عَنْهُ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَمَنْ صَامَ مِنْهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ، وَإِنَّ فِي الْجَنَّةِ قَصْرًا الدُّنْيَا فِيهِ كَمَفْحَصِ الْقَطَاةِ لَا يَدْخُلُهُ إلَّا صَوَّامُ رَجَب وَقَالَ وَهَبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: جَمِيعُ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ تَزُورُ زَمْزَمَ فِي رَجَب تَعْظِيمًا لِهَذَا الشَّهْرِ قَالَ وَقَرَأْت فِي بَعْضِ كُتُبِ اللَّهِ تَعَالَى مَنْ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى فِي رَجَبٍ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَتُبْ عَلَيَّ سَبْعِينَ مَرَّةٍ لَمْ تَمَسَّ النَّارُ جِلْدَهُ أَبَدًا ثُمَّ قَالَ بَعْد ذَلِكَ بِأَوْرَاقٍ كَثِيرَةٍ وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ فَاتَهُ وِرْدُهُ فَصَلَّاهُ قَبْلَ الظُّهْرِ فَكَأَنَّمَا صَلَّاهُ فِي وَقْتِهِ» اهـ وَقَدْ وَرَدَ عَلَيْنَا جَوَابُكُمْ الشَّرِيفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ جَوَابٌ شَافٍ وَقَدْ حَصَلَ بِهِ النَّفْعُ لِي وَلِمَنْ سَمِعَهُ لَكِنَّ الْفَقِيهَ الَّذِي ذَكَرْتُ لَكُمْ فِي السُّؤَالِ يَنْهَى النَّاسَ عَنْ صَوْمِهِ وَيَقُولُ: أَحَادِيثُ صَوْمِ رَجَب مَوْضُوعَةٌ وَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ الْحَدِيثُ الْمَوْضُوعُ لَا يُعْمَلُ بِهِ وَقَدْ اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى أَنَّهُ مَوْضُوعٌ. اهـ فَالْمَسْئُولُ مِنْكُمْ زَجْرُ هَذَا النَّاهِي حَتَّى يَتْرُكَ النَّهْيَ وَيُفْتِيَ بِالْحَقِّ، وَاذْكُرُوا لَنَا مَا يَحْضُركُمْ مِنْ كَلَام الْأَئِمَّةِ أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنِّي قَدَّمْت لَكُمْ فِي ذَلِكَ مَا فِيهِ كِفَايَة، وَأَمَّا اسْتِمْرَارُ هَذَا الْفَقِيهِ عَلَى نَهْيِ النَّاسِ عَنْ صَوْمِ رَجَب فَهُوَ جَهْلٌ مِنْهُ وَجُزَافٌ عَلَى هَذِهِ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ فَإِنْ لَمْ يَرْجِع عَنْ ذَلِكَ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَى حُكَّامِ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ زَجْرُهُ وَتَعْزِيرُهُ التَّعْزِيرَ الْبَلِيغَ الْمَانِعَ لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ مِنْ الْمُجَازَفَةِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَأَنَّ هَذَا الْجَاهِلَ يَغْتَرُّ بِمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ جَهَنَّمَ تُسَعَّرُ مِنْ الْحَوْلِ إلَى الْحَوْلِ لِصَوَّامِ رَجَب وَمَا دَرَى هَذَا الْجَاهِلُ الْمَغْرُورُ أَنَّ هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ كَذِبٌ لَا تَحِلُّ رِوَايَتُهُ كَمَا ذَكَرُهُ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنِ الصَّلَاحِ وَنَاهِيكَ بِهِ حِفْظًا لِلسُّنَّةِ وَجَلَالَةً فِي الْعُلُومِ وَيُوَافِقهُ إفْتَاءُ الْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ مِنْ مَنْعِ صَوْمِ رَجَب وَتَعْظِيمِ حُرْمَتِهِ وَهَلْ يَصِحُّ نَذْرُ صَوْمِ جَمِيعِهِ فَقَالَ فِي جَوَابِهِ نَذْرُ صَوْمِهِ صَحِيحٌ لَازِمٌ يَتَقَرَّبُ إلَى

اللَّهِ تَعَالَى بِمِثْلِهِ وَاَلَّذِي نَهَى عَنْ صَوْمِهِ جَاهِلٌ بِمَأْخَذِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَكَيْف يَكُونُ مُنْهَيَا عَنْهُ مَعَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ الَّذِينَ دَوَّنُوا الشَّرِيعَةَ لَمْ يَذْكُر أَحَدٌ مِنْهُمْ انْدِرَاجَهُ فِيمَا يُكْرَه صَوْمُهُ بَلْ يَكُونُ صَوْمُهُ قُرْبَةً إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِمَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ التَّرْغِيبِ فِي الصَّوْمِ مِثْلُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يَقُولُ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ» ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ» ، وَقَوْلُهُ «إنَّ أَفْضَلَ الصِّيَامِ صِيَامُ أَخِي دَاوُد كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا» وَكَانَ دَاوُد يَصُومُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِمَا عَدَا رَجَبًا مِنْ الشُّهُورِ وَمَنْ عَظَّمَ رَجَبًا بِجِهَةٍ غَيْرِ مَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّةُ يُعَظِّمُونَهُ بِهِ فَلَيْسَ مُقْتَدِيًا بِهِمْ وَلَيْسَ كُلُّ مَا فَعَلُوهُ مَنْهِيًّا عَنْ فِعْلِهِ إلَّا إذَا نَهَتْ الشَّرِيعَةُ عَنْهُ أَوْ دَلَّتْ الْقَوَاعِدُ عَلَى تَرْكِهِ وَلَا يُتْرَكُ الْحَقُّ لِكَوْنِ أَهْلِ الْبَاطِلِ فَعَلُوهُ وَاَلَّذِي يَنْهَى عَنْ صَوْمِهِ جَاهِلٌ مَعْرُوفٌ بِالْجَهْلِ وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُقَلِّدَهُ فِي دِينِهِ إذْ لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ إلَّا لِمَنْ اُشْتُهِرَ بِالْمَعْرِفَةِ بِأَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِمَآخِذِهَا وَاَلَّذِي يُضَاف إلَيْهِ ذَلِكَ بَعِيدٌ عَنْ مَعْرِفَةِ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يُقَلِّد فِيهِ وَمَنْ قَلَّدَهُ غُرَّ بِدِينِهِ اهـ جَوَابُهُ فَتَأَمَّلْ كَلَامَ هَذَا الْإِمَامِ تَجِدهُ مُطَابِقًا لِهَذَا الْجَاهِل الَّذِي يَنْهَى أَهْلَ نَاحِيَتِكُمْ عَنْ صَوْمِ رَجَب وَمُنْطَبِقًا عَلَيْهِ عَلَى أَنَّ هَذَا أَحْقَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ فَلَا يُقْصَدُ بِمِثْلِ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ بَعْضَ الْمَنْسُوبِينَ إلَى الْعِلْمِ مِمَّنْ زَلَّ قَلَمُهُ وَطَغَى فَهْمُهُ فَقَصْد هُوَ وَابْنُ الصَّلَاحِ الرَّدَّ عَلَيْهِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يَكْفِي فِي فَضْلِ صَوْمِ رَجَب مَا وَرَدَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى فَضْلِ مُطْلَقِ الصَّوْمِ وَخُصُوصِهِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ أَيْ كَحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِمَا عَنْ الْبَاهِلِيِّ «أَتَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتُك عَامَ الْأَوَّلِ قَالَ: فَمَا لِي أَرَى جِسْمَك نَاحِلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَكَلْت طَعَامًا بِالنَّهَارِ مَا أَكَلْته إلَّا بِاللَّيْلِ قَالَ مَنْ أَمَرَك أَنْ تُعَذِّبَ نَفْسَك قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَقْوَى قَالَ صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَهُ وَصُمْ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ» وَفِي رِوَايَةٍ «صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ وَيَوْمًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ قَالَ زِدْنِي فَإِنَّ لِي قُوَّةً قَالَ صُمْ يَوْمَيْنِ قَالَ زِدْنِي فَإِنَّ لِي قُوَّةً قَالَ: صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَهُ وَصُمْ مِنْ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنْ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ وَقَالَ بِأُصْبُعِهِ الثَّلَاثِ يَضُمُّهَا ثُمَّ يُرْسِلُهَا» قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِالتَّرْكِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ إكْثَارُ الصَّوْمِ كَمَا ذَكَره فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ فَأَمَّا مَنْ لَا يَشُقّ عَلَيْهِ فَصَوْمُ جَمِيعِهَا فَضِيلَةٌ. فَتَأَمَّلْ أَمْرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَوْمِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَبِالصَّوْمِ مِنْهَا فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ تَجِدهُ نَصًّا فِي الْأَمْرِ بِصَوْمِ رَجَب أَوْ بِالصَّوْمِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ بَلْ هُوَ مِنْ أَفْضَلِهَا فَقَوْلُ هَذَا الْجَاهِلِ إنَّ أَحَادِيثَ صَوْمِ رَجَب مَوْضُوعَةٌ إنْ أَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى صَوْمِهِ عُمُومًا وَخُصُوصًا فَكِذْبٌ مِنْهُ وَبُهْتَان فَلْيَتُبْ عَنْ ذَلِكَ، وَإِلَّا عُزِّرَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرَ الْبَلِيغَ نَعَمْ. رُوِيَ فِي فَضْلِ صَوْمِهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مَوْضُوعَةٌ، وَأَئِمَّتُنَا وَغَيْرُهُمْ لَمْ يُعَوِّلُوا فِي نَدْبِ صَوْمِهِ عَلَيْهَا حَاشَاهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا عَوَّلُوا عَلَى مَا قَدَّمْته وَغَيْره وَمِنْهُ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ أَنَسٍ يَرْفَعهُ «أَنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهْرًا يُقَالُ لَهُ رَجَبٌ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ، مَنْ صَامَ مِنْ رَجَبٍ يَوْمًا سَقَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ» وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ يَرْفَعهُ «مَنْ صَامَ يَوْمًا مِنْ رَجَبٍ كَانَ كَصِيَامِ سَنَةٍ وَمَنْ صَامَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ غُلِّقَتْ عَنْهُ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَمَنْ صَامَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ، وَمَنْ صَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا نَادَى مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ قَدْ غُفِرَ لَك مَا سَلَفَ فَاسْتَأْنِفْ الْعَمَلَ وَقَدْ بُدِّلَتْ سَيِّئَاتُك حَسَنَاتٍ، وَمَنْ زَادَ زَادَهُ اللَّهُ» . ثُمَّ نَقَلَ عَنْ شَيْخِهِ الْحَاكِمِ أَنَّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي قِلَابَةَ وَهُوَ مِنْ التَّابِعِينَ فَمِثْلُهُ لَا يَقُولُهُ إلَّا عَنْ بَلَاغٍ عَمَّنْ قَوْلُهُ مِمَّا يَأْتِيه الْوَحْيُ ثُمَّ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَصُمْ بَعْدَ رَمَضَانَ إلَّا رَجَبَ وَشَعْبَانَ» ثُمَّ قَالَ إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ اهـ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ وَالْمُرْسَلَ وَالْمُنْقَطِعَ وَالْمُعْضِلَ، وَالْمَوْقُوفَ يُعْمَلُ بِهَا فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ إجْمَاعًا وَلَا شَكَّ أَنَّ صَوْمَ رَجَبٍ مِنْ

فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ فَيُكْتَفَى فِيهِ بِالْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَنَحْوِهَا وَلَا يُنْكِرُ ذَلِكَ إلَّا جَاهِلٌ مَغْرُورٌ وَرَوَى الْأَزْدِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ مِنْ حَدِيثِ السُّنَنِ «مَنْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ شَهْرٍ حَرَامٍ الْخَمِيسَ وَالْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عِبَادَةَ سَبْعِمِائَةِ عَامٍ» وَلِلْحَلِيمِيِّ فِي صَوْمِ رَجَب كَلَامٌ مُحْتَمَلٌ فَلَا تَغْتَرُّ بِهِ فَإِنَّ الْأَصْحَابَ عَلَى خِلَافِ مَا قَدْ يُوهِمهُ كَلَامُهُ. وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ مَسْأَلَةٍ سُئِلَ عَنْهَا بَعْضُ الْمُفْتِينَ مِنْ أَكَابِرِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ أَهْلِ بَجِيلَةَ يَشْهَدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَصُومُ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَصُومُ بِالِاسْتِفَاضَةِ فَقَطْ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَصُومُ حَتَّى يَرَى الْهِلَالَ بِنَفْسِهِ أَوْ يَسْتَكْمِلَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا. فَمَا يَكُون الْحُكْمُ فِيهِمْ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ قَاضٍ؟ نَعَمْ إذَا رُئِيَ الْهِلَالُ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ وَلَمْ يُرَ بِأَرْضِ بَجِيلَةَ فَمَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟ فَأَجَابَ ذَلِكَ الْمُفْتِي بِأَنَّ الَّذِينَ يَصُومُونَ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُمْ لِقَوْلِ الْأَئِمَّةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ أَنْ تَكُونَ عِنْد الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ شَهَادَةٌ فَلَا تَثْبُت فِي حَقِّ عُمُومِ النَّاسِ مَا لَمْ تَتَّصِل بِالْحَاكِمِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ جَلَالُ الدِّينِ الْمَحَلِّيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَلَا بُدّ مِنْ الْوُجُوبِ عَلَى مَنْ لَمْ يَرَهُ مِنْ ثُبُوتِ رُؤْيَتِهِ عِنْد الْقَاضِي اهـ قَالَ الْإِمَامُ شِهَابُ الدِّينِ الْأَذْرَعِيُّ: وَتُعْتَبَرُ الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ بِالِاسْتِزْكَاءِ اهـ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَلَا يَكْتَفِي الْقَاضِي بِالْعَدَالَةِ الظَّاهِرَةِ حَتَّى يَعْرِفَ الْعَدَالَةَ الْبَاطِنَةَ وَفِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرهَا أَنَّ الْقَاضِيَ يَعْسُر عَلَيْهِ مَعْرِفَتُهَا قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ: وَالْقَاضِي لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ الْبَحْثُ عَنْهَا. قَالَ الْإِمَامُ زَيْنُ الدِّينِ أَبُو الْحُسَيْنِ الْمَدَنِيِّ: وَالْبَحْثُ عَنْ حَالَ الشُّهُودِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ الشَّيْخَانِ، وَإِذَا لَمْ يَعْرِف الْقَاضِي مِنْ الشُّهُودِ عَدَالَةً وَلَا فِسْقًا لَا يَجُوز لَهُ قَبُولُ شَهَادَتِهِمْ إلَّا بَعْد الِاسْتِزْكَاءِ وَالتَّعْدِيل بَلْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ: الشَّهَادَةُ بِالْمَالِ وَغَيْره؛ لِأَنَّ تَزْكِيَةَ الشُّهُودِ إلَى الْحَاكِمِ دُون غَيْرِهِ نَعَمْ إطْلَاقهمْ يَشْمَلُ الْقُرَى وَالْبَوَادِي الَّتِي لَيْسَ فِيهَا قَاضٍ، وَإِطْلَاقُ الْأَئِمَّةِ إذَا شَمَلَ بَعْضَ الْأَحْكَامِ وَلَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ، وَخَالَفَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ فَصَرَّحَ بِخِلَافِ مَا شَمَلَهُ إطْلَاقُهُمْ فَالصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ مَا شَمَلَهُ إطْلَاقُهُمْ كَمَا فِي مَوَاضِعِ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالْمُهِمَّاتِ وَأَفْتَى بِذَلِكَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ وَالْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ. وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ: لَا أَثَرَ لِلشَّهَادَةِ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ عِنْد غَيْرِ الْحَاكِمِ الْمَنْصُوبِ لِذَلِكَ وَلَا يَتَرَتَّب عَلَيْهَا حُكْمٌ صَحِيحٌ وَذَلِكَ مَا يَقْتَضِيه نُصُوصُ الْمَذْهَبِ وَمَفَاهِيمه، فَإِنْ كَانَ فِي هَذِهِ الشَّاغِرَةِ عَنْ الْحُكَّامِ مَنْ يُسْمَعُ كَلَامُهُ وَيُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَنُصِّبَ فِي الْبَلَدِ عَارِفًا بِالْأَحْكَامِ فَقِيهًا نَفَذَ حُكْمُهُ، وَسَمَاعُهُ أَدَاءَ الشَّهَادَاتِ بِمَا يَقْتَضِيه الشَّرْعُ الشَّرِيفُ كَمَا ذَكَره فِي الْعَزِيزِ وَالرَّوْضَةِ وَالْأَنْوَارِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَنْ هُوَ كَذَلِكَ يَتَعَيَّن عِنْد أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ تَوْلِيَةُ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ وَجَبَ عَلَى مَنْ وَلَّوْهُ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ وَالْحُكْمُ بِمَا يَقْتَضِيه الشَّرْعُ الشَّرِيفُ فِي ذَلِكَ وَغَيْره اهـ ثُمَّ وَرَدَ هَذَا الْجَوَابُ عَلَى بَعْضِ الْفُقَهَاءِ فَكَتَبَ تَحْتَهُ هَذَا الْجَوَابَ صَحِيحٌ اهـ. وَقَدْ ذَكَر الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي أَنَّهُ إذَا خَلَا الْبَلَدُ عَنْ قَاضٍ وَخَلَا الْعَصْرُ عَنْ إمَامٍ فَقَلَّدَ أَهْلُ الِاخْتِيَارِ أَوْ بَعْضُهُمْ بِرِضَا الْبَاقِينَ وَاحِدًا وَأَمْكَنَهُمْ نُصْرَتَهُ عَلَى تَنْفِيذِ أَحْكَامِهِ وَتَقْوِيَةِ يَدِهِ جَازَ تَقْلِيدُهُ وَلَوْ انْتَفَى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ تَقْلِيدُهُ حَتَّى لَوْ قَلَّدَ بَعْضُهُمْ وَأَنْكَرَ الْبَعْضُ لَمْ يَصِحَّ اهـ كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ النَّهَارِيُّ الْيَمَنِيُّ فِي كِفَايَتِهِ عَنْ الرُّويَانِيِّ مِنْ غَيْرِ اعْتِرَاضٍ عَلَيْهِ وَقَدْ سُئِلَ الْأَصْبَحِيُّ عَمَّا إذَا عُدِمَ فِي قُطْرٍ ذُو شَوْكَةٍ وَحَاكِمٍ، فَهَلْ لِجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَلّ وَالْعَقْدِ نَصْبُ فَقِيهٍ يَتَعَاطَى الْأَحْكَامَ؟ فَأَجَابَ نَعَمْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ رَئِيسٌ يَرْجِعُ الْأَمْرُ إلَيْهِ، اجْتَمَعَ ثَلَاثَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَلّ وَالْعَقْد وَنَصَّبُوا قَاضِيًا صِفَتَهُ صِفَةَ الْقُضَاةِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الثَّلَاثَةِ صِفَةُ الْكَمَالِ كَمَا فِي نَصْبِ الْإِمَامِ اهـ. وَالْحَاصِلُ مِنْ هَذَا أَنَّ الشَّهَادَةَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ إذَا لَمْ تَكُنْ عِنْد مَنْصُوبٍ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ قَاضٍ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ كَمَا سَبَقَ بَلْ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَالْجَمَالُ الْيَمَنِيُّ: إذَا

تَحَدَّثَ النَّاسُ بِرُؤْيَتِهِ وَلَمْ يَثْبُت عِنْد قَاضٍ فَهُوَ يَوْمُ شَكٍّ، وَأَمَّا الَّذِينَ يَصُومُونَ بِالِاسْتِفَاضَةِ فَلَا يَصِحُّ صَوْمُهُمْ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْهِلَالَ لَا يَثْبُت بِالِاسْتِفَاضَةِ بَلْ هُوَ يَوْمُ شَكٍّ فَفِي الْعَزِيزِ وَالرَّوْضَةِ وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي الْأَلْسُنِ أَنَّهُ رُئِيَ الْهِلَالُ وَلَمْ يَقُلْ عَدْلٌ أَنَا رَأَيْتُهُ أَوْ قَالَهُ وَلَمْ يَقْبَل الْوَاحِدُ أَوْ قَالَهُ عَدَدٌ مِنْ النِّسَاءِ أَوْ الْعَبِيدِ أَوْ الْفُسَّاقِ فَظُنَّ صِدْقُهُمْ فَهُوَ يَوْمُ شَكٍّ اهـ وَعِبَارَةُ الْوَلِيِّ الْعِرَاقِيِّ إذَا شَهِدَ عَدَدٌ مِنْ الْفُسَّاقِ أَوْ ظُنَّ صِدْقُهُمْ فَهُوَ يَوْمُ شَكٍّ،، وَقَوْلُهُ اثْنَانِ فَأَكْثَر يَتَنَاوَلُ الْجَمْعَ الْكَثِيرَ أَيْ وَهُوَ يَوْمُ شَكٍّ قُلْت صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ مِنْ رَمَضَانَ حَرَامٌ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ وَالْأَحَادِيثُ دَلِيلٌ لِذَلِكَ. وَنَقَلَ الْإِمَامُ الْأَذْرَعِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَعَدَمَ صِحَّتِهِ عَنْ رَمَضَانَ وَنَقَلَ عَنْ الْقَاضِي ابْنِ كَجٍّ أَنَّ ذَلِكَ مُرَادُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ احْتِيَاطًا لِرَمَضَانَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالدَّمِيرِيُّ فِي شَرْحَيْ الْمِنْهَاجِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ اهـ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: وَسَمِعْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ يَنْهَوْنَ عَنْ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَقَدْ أَمَرَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ رَجُلًا صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ أَنْ يُفْطِرَ بَعْد الظُّهْرِ وَقَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ سُئِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْيَوْمِ الَّذِي يَقُولُ النَّاسُ إنَّهُ مِنْ رَمَضَان فَقَالَ لَا تَصُمْ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ. وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: إنِّي لَأَعْجَبُ مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَصُومُونَ قَبْلَ رَمَضَان إنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَصُومُوا،، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ» فَعَلَى هَذَا لَمَّا ثَبَتَ تَحْرِيمُ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ مِنْ رَمَضَان بِنَصِّ صَاحِبِ الشَّرْعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِمَامِ الْمَذْهَبِ تَعَيَّنَ الْأَخْذُ بِهِ وَطَرْحُ مَا عَدَاهُ وَقَدْ سُئِلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَمَّا إذَا رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ رَجُلٌ أَوْ رِجَالٌ كَثِيرُونَ فِي طَرَفِ بَلْدَةٍ وَلَمْ يَرَهُ بَاقِي الْبِلَادِ دُون مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَصَاحَ عَلَيْهِ مَنْ رَآهُ مِنْهُمْ وَأَهْلُ قَرْيَتِهِمْ ثُمَّ صَاحَ قَرْيَة لِقَرْيَةٍ حَتَّى صَاحَتْ قُرًى كَثِيرَةٌ بَعْضُهَا لِبَعْضِ وَهَذَا الصِّيَاحُ سَالِفٌ لِأَهْلِ هَذِهِ الْبَلْدَةِ وَيَصُومُونَ فِي عُرْفِهِمْ وَعَادَتِهِمْ فَهَلْ يَصِحّ صِيَامُ مَنْ لَمْ يَرَهُ بِسَمَاعِ صِيَاحِهِمْ أَمْ لَا يَصِحّ؟ فَأَجَابَ نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ قَالَ: صِيَاحُ هَذَا لَا يُفِيدُ وَلَوْ كَانَ سَالَفَهُمْ الصِّيَاحُ لِلصِّيَامِ فَلَا يَصِحُّ صِيَامُ مَنْ لَمْ يَرَهُ بِسَمَاعِ صِيَاحِهِمْ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَأَمَّا الَّذِينَ لَا يَصُومُونَ حَتَّى يَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ يَسْتَكْمِلُوا شَعْبَانَ فَهُمْ عَلَى الصَّوَابِ لِمَا سَبَقَ وَلِقَوْلِ الشَّيْخِ الصَّيْرَفِيِّ بِالدِّيَارِ الْمَصْرِيَّةِ إذَا لَمْ يَشْهَدْ الرَّاءُونَ بِالرُّؤْيَةِ عِنْدَ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ وَلَمْ يَثْبُتْ لَمْ يَلْزَمْ مَنْ لَمْ يَرَهُ الْعَمَلُ بِقَوْلِ مَنْ رَآهُ وَلَوْ كَثُرُوا وَلَهُ الْفِطْرُ إلَى اسْتِكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ وَكَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى آخِرِ يَوْمِ مِنْهُ وَأَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ شَوَّال لَهُ اسْتِكْمَالُ رَمَضَانَ الثَّلَاثِينَ إنْ لَمْ يَرَهُ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ وَقَدْ أَطْلَقَ الرَّافِعِيُّ النَّقْلَ عَنْ الْإِمَامِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ فِيمَا إذَا أَخْبَرَ بِهِ مَنْ يُوَثَّقُ أَيْ وَلَمْ يَثْبُت عِنْد حَاكِمٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَم الْمُخْبَرَ بِفَتْحِ الْبَاء الْعَمَلُ بِقَوْلِ الْمُخْبِر بِكَسْرِهَا إلَّا إذَا بَنَيْنَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ، أَمَّا إذَا بَنَيْنَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُخْبَرَ الْعَمَلُ بِقَوْلِ الْمُخْبِرِ. ثُمَّ نَقَلَ الْإِمَامُ ابْنُ عَبْدَانِ وَمَنْ وَافَقَهُ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِقَوْلِ الْمُخْبِرِ مُطْلَقًا وَلَمْ يُرَجَّحْ شَيْءٌ مِنْهُمَا لَكِنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِهِ فِي النَّقْلِ عَنْ الْإِمَامِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَتَفْرِيعُهُ عَلَى ذَلِكَ وَبِنَاؤُهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ أَوْ الشَّهَادَةِ كَمَا ذَكَر تَقْتَضِي تَرْجِيحَ مَا قَالَاهُ أَيْ فِي أَنَّ طَرِيقَهُ الشَّهَادَةُ دُونَ الْإِخْبَار لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنْ شَهِدَ ذُو عَدْلٍ فَصُومُوا وَافْطِرُوا» فَثَبَتَ أَنَّهَا شَهَادَةٌ وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَتَعَلَّقَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ قَالَ وَيَلْزَم مِنْ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الْمُعْتَمَدِ عَدَمُ لُزُومِ الْعَمَلِ بِقَوْلِ الْمُخْبِرِ حَيْثُ لَمْ يَثْبُت عِنْد حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ كَمَا تَقَدَّمَ وَذَلِكَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَره الْأَذْرَعِيُّ فِي التَّوَسُّطِ حَيْثُ قَالَ وَلَا أَحْسَبُ أَحَدًا يُنَازِعُ فِي أَنَّ الْحَاكِمَ لَوْ أَخْبَرَ رَعِيَّتَهُ أَنَّهُ رَأَى الْهِلَالَ أَوْ الْإِمَامَ الْعَادِلَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمهُمْ الصَّوْمَ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ بِهِ عِنْد قَاضٍ آخَر بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ انْتَهَى جَوَابُ الْإِمَامِ الصَّيْرَفِيِّ. وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُ

بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ قَوْلَ الرَّائِينَ فِي الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الْغَيْرِ إلَّا إذَا أَدَّى عِنْد قَاضٍ أَوْ مُحَكَّمٍ مِنْ جِهَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ كُلِّهِمْ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ شِهَابُ الدِّينِ ابْنُ الْعِمَادِ فِي تَوْقِيفِ الْحُكَّامِ لَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَان لَمْ يَلْزَم الصَّوْم عَلَى الصَّوْم تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّهُ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ الشَّهَادَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصّ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ اهـ. فَحِينَئِذٍ الْحَاصِلُ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ الشُّهُودَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ عِنْد رُؤْيَةِ الْقَاضِي أَوْ الْمَنْصُوبِ أَوْ الْمُحَكَّمِ مِنْ جِهَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ لَا تُقْبَلُ كَشَهَادَةِ بَجِيلَةَ بَعْضُهُمْ عِنْدَ بَعْضٍ، وَإِذَا لَمْ تُقْبَل حُرِّمَ صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَان بِشَهَادَتِهِمْ لِمَنْ لَمْ يَرَ الْهِلَالَ بِنَفْسِهِ، وَأَمَّا مَنْ رَآهُ فَنَقَلَ الْإِمَامُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ سُلَيْمٍ الرَّازِيِّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَثْبُت لَمْ يُجْزِئْهُ صَوْمُهُ وَمُقْتَضَى كَلَامِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ صَوْمُهُ وَيُجْزِئْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَم، وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ إذَا رَأَى الْهِلَالَ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ وَلَمْ يَرَ بِأَرْضِ بَجِيلَةَ فَمَا يَكُون الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ - فَاعْلَمْ أَنَّ الْمَطَالِعَ قَدْ تَخْتَلِفُ فَيَلْزَم مِنْ رُؤْيَتِهِ فِي الشَّرْقِيِّ رُؤْيَتُهُ فِي الْغَرْبِيِّ وَلَا يَنْعَكِسُ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّيْلَ يَدْخُلُ فِي الْبِلَادِ الشَّرْقِيَّةِ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الْبِلَادِ الْغَرْبِيَّةِ وَعَلَى ذَلِكَ حَدِيث كُرَيْبٍ فَإِنَّ الشَّامَ غَرْبِيَّةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَدِينَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ رُؤْيَتِهِ بِالشَّامِ رُؤْيَتُهُ بِالْمَدِينَةِ كَذَا قَالَ الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ الْإِسْنَوِيُّ فَعَلَى هَذَا قَالَ الْقَاضِي بُرْهَانُ الدِّينِ إبْرَاهِيمُ بْنُ ظَهِيرَةَ قَاضِي مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ فِي بَعْضِ أَجْوِبَتِهِ بَجِيلَةُ شَرْقِيُّ مَكَّةَ فَيَلْزَمُ مِنْ الرُّؤْيَةِ بِبَجِيلَةَ الرُّؤْيَةُ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ وَلَا عَكْسَ اهـ قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَحَيْثُ قُلْنَا لَا يَتَعَدَّى الْحُكْمُ فَسَارَ شَخْصٌ مِنْ مَوْضِعٍ رُئِيَ فِيهِ إلَى حَيْثُ لَمْ يُرَ وَاسْتَكْمَلَ ثَلَاثِينَ وَلَمْ يُرَ فِي الْبَلَدِ الثَّانِي فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَصُومَ مَعَهُ لِأَنَّ «ابْنَ عَبَّاسٍ أَمَرَ كُرَيْبًا بِذَلِكَ حِين قَالَ اسْتَهَلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَتَى رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَقُلْت لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ قَالَ أَنْتَ رَأَيْت الْهِلَالَ قُلْت نَعَمْ، وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى يُكْمِلَ ثَلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ فَقُلْت أَلَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَالنَّاسِ؟ فَقَالَ لَا هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ» - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقِيَاسًا عَلَى أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ لِكُلِّ بَلْدَةٍ حُكْمَهَا مِنْ الطَّوَالِعِ وَالْغَوَارِبِ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ أَيْضًا. قَالَ الشَّيْخُ الْمُقْرِي فِي التَّمْشِيَةِ: فَإِنَّ الشَّمْسَ قَدْ تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ فَيَفُوتهُمْ الصُّبْحُ وَغَيْرُهُمْ حِينَئِذٍ فِي لَيْلٍ يُمْكِنُهُمْ أَدَاءُ الْعِشَاءِ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ وَقْتُ الصَّوْمَ بِمَطَالِعِ الْفَجْرِ انْتَهَى كَلَامُ التَّمْشِيَةِ قَالَ الْإِمَامُ الْأَذْرَعِيُّ وَحَدِيثُ كُرَيْبٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَذَكَره الْقَفَّالُ وَمَنْ تَبِعَهُ وَاعْتَمَدُوهُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْد أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ حَسَنٌ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ وَهُوَ قَوْلُ صَحَابِيٍّ كَبِيرٍ لَا مُخَالِفَ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَقَوْلُ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ اهـ قَالَ الْإِمَامُ الْإِسْنَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: وَلَا شَكَّ أَنَّ مَوْرِدَ النَّصِّ وَهُوَ حَدِيثُ كُرَيْبٍ السَّابِق فِي الشَّامِ وَالْحِجَازِ وَقَدْ وُجِدَ فِيهِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَاخْتِلَافُ الْإِقْلِيمِ وَاخْتِلَافُ الْمَطَالِعِ وَاحْتِمَالُ عَدَمِ الرُّؤْيَةِ، فَاسْتَنَدَ كُلُّ طَائِفَةٍ إلَى وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَأَيَّدَ بِهِ اهـ، وَقَوْلُ الْإِمَامِ نَجْمِ الدِّينِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَحَيْثُ قُلْنَا لَا يَتَعَدَّى الْحُكْمُ قَالَ الْإِمَامُ الْأَذْرَعِيُّ هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدنَا وَصَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّ لِكُلِّ بَلَدٍ رُؤْيَتَهُمْ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ انْتَهَى جَوَابُ هَذَا الْمُفْتِي. فَهَلْ يَا شَيْخَ الْإِسْلَامِ جَوَابُكُمْ كَذَلِكَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَتَّعَ الْمُسْلِمِينَ بِحَيَاتِهِ وَنَفَعَهُمْ بِمَعْلُومَاتِهِ بِقَوْلِهِ أَمَّا مَا ذَكَره الْمُفْتِي الْمَذْكُورُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ فَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ فَلَا يَصِحُّ صَوْمُهُمْ لِقَوْلِ الْأَئِمَّةِ إلَخْ لَا مُطَابِقَةَ فِيهِ بَيْن الْعِلَّةِ وَالْمُعَلَّلِ،؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْأَئِمَّةِ الْمَذْكُورُ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِعُمُومِ النَّاسِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ أَخْبَرَهُ مَنْ يَثِق بِهِ بِأَنَّهُ رَآهُ هَلْ يَلْزَمهُ الصَّوْمَ أَوْ لَا وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كَلَامَهُمْ هَذَا فِي ثُبُوتِ رَمَضَانَ بِالنِّسْبَةِ لِعُمُومِ النَّاسِ. ثَانِيهَا أَنَّ قَوْلَهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَتُعْتَبَر الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ إلَخْ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ مَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ

نَازَعَ فِيهِ جَمْعٌ مِنْ أَنَّ الْمَسْتُورَ هُنَا يُقْبَلُ إذَا شَهِدَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَلَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ وَهِيَ الَّتِي يُرْجَعُ فِيهَا إلَى قَوْلِ الْمُزَكِّينَ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ مَحْضُ شَهَادَةٍ بَلْ فِيهِ شَائِبَةٌ بَلْ شَوَائِبُ مِنْ الرِّوَايَةِ مِنْهَا ثُبُوتُهُ بِوَاحِدِ وَعَدَمُ احْتِيَاجه إلَى دَعْوَى وَعَدَمُ تَصَوُّر الْحُكْمِ بِهِ،؛ لِأَنَّهُ إلْزَامٌ لِمُعَيَّنٍ وَإِنَّمَا يُثْبِتُ الْقَاضِي الشَّهْرَ فَقَطْ وَالثُّبُوتُ لَيْسَ بِحُكْمٍ وَقَبُولُ قَوْلِ الشَّاهِدِ: أَشْهَدُ أَنِّي رَأَيْتُ الْهِلَالَ عَلَى الْمُعْتَمَد عِنْد الرَّافِعِيِّ وَغَيْره. وَثَالِثُهَا أَنَّ قَوْلَهُ نَعَمْ إطْلَاقهمْ إلَخْ لَيْسَ فِي مَحِلّه لِأَنَّ ذَاكَ ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْقَضَاء وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ رَمَضَان لِمَا ذَكَرُوهُ فِيهِ فِي بَابِهِ مِمَّا ذُكِرَ. رَابِعهَا أَنَّ قَوْلَهُ: وَلِهَذَا قَالَ بَعْض الْمُفْتِينَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَخْ غَيْرُ صَحِيحٍ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ مَا قَبْلَهُ حَتَّى يَجْعَلَهُ عِلَّةً لَهُ،، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مَحِلَّهُ حَيْثُ لَا مُحَكِّمَ أَمَّا إذَا حَكَّمُوا مَنْ يَسْمَع الشَّهَادَةَ بِرَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا ذَكَره الزَّرْكَشِيُّ حَيْثُ قَالَ مَا حَاصِلُهُ وَلَا يَحْكُمُ الْقَاضِي بِكَوْنِ اللَّيْلَةِ مِنْ رَمَضَان؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إلْزَامٌ بِمُعَيَّنٍ وَهُوَ هُنَا غَيْرُ مَقْصُودٍ لِعُمُومِ الْأَمْرِ فِيهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُت الشَّهْرُ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ وَالثُّبُوتُ لَيْسَ بِحُكْمٍ نَعَمْ إذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حَقُّ آدَمِي وَدَعَتْ حَاجَةٌ إلَى الْحُكْمِ بِهِ حَكَمَ بِهِ بِشُرُوطِهِ، مُسْتَنِدًا إلَى ذَلِكَ الثُّبُوتِ وَالظَّاهِرُ أَيْضًا أَنَّ رَمَضَان يَثْبُتُ بِالتَّحْكِيمِ سِيَّمَا بِمَوْضِعٍ لَا حَاكِمَ فِيهِ حَتَّى إذَا جَاءَ إلَى رَجُلٍ وَحَكَّمَاهُ بِشَرْطِهِ لَزِمَهُمَا وَلَزِمَ النَّاسُ صَوْمَهُ، وَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ وَاحِدًا اهـ. نَعَمْ مَا ذَكَره أَعْنِي الزَّرْكَشِيّ مِنْ إلْزَامِ النَّاسِ بِالصَّوْمِ إذَا حَكَمَ بِهِ الْمُحَكَّم مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِتَحْكِيمِهِ إلَّا اثْنَانِ. فِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَلْزَمُ إلَّا مَنْ رَضِيَ بِحُكْمِهِ وَمَا ذَكَره الزَّرْكَشِيُّ أَيْضًا مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ إلْزَامٌ بِمُعَيَّنٍ أَرَادَ بِهِ الْغَالِبَ وَإِلَّا فَقَدْ لَا يَكُون فِيهِ إلْزَامٌ لِذَلِكَ كَمَا بَيَّنَهُ الْعَلَائِيُّ فِي قَوَاعِده عَلَى أَنَّ مَا ذَكَره مِمَّا لَا إلْزَامَ فِيهِ بِمُعَيَّنٍ يُمْكِن أَنْ يُوَجَّه بِأَنَّ فِيهِ إلْزَامًا بِمُعَيَّنٍ فَلَا يَكُونُ التَّقْيِيدُ بِذَلِكَ لَازِمًا كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ لِمَنْ أَمْعَنَ النَّظَرَ فِيهِ فِي مَحَالِّهِ مَنْ الْقَوَاعِدِ الْمَذْكُورَةِ. وَخَامِسُهَا أَنَّ قَوْلَهُ فَحِينَئِذٍ الْحَاصِلُ إلَخْ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ لَا يَشْهَد لَهُ عَلَى أَنَّ تَخْصِيصَهُ بِهَذَيْنِ مَعَ أَنَّهُ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورَةِ وَغَيْرِهِمَا يُشْعِر بِانْفِرَادِهِمَا بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَإِذْ قَدْ فَرَغْنَا مِنْ الْكَلَامِ عَلَى مَا فِي عِبَارَته مِنْ هَذَا الْقِسْمِ فَلْنَذْكُرْ الْمُعْتَمَد فِيهِ وَهُوَ أَنَّ مَنْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ لَزِمَهُ الصَّوْمُ كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ وَاعْتَمَدَهُ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ وَمَا ذَكَره عَنْ الصَّيْرَفِيِّ ضَعِيفٌ، وَإِنْ جَرَى عَلَيْهِ غَيْره كَابْنِ الْعِمَادِ وَغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَلْزَم إلَّا إذَا فَرَغْنَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ يُرَدُّ بِمَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَحْضُ شَهَادَةٍ بَلْ فِيهِ شَوَائِبُ مِنْ الرِّوَايَةِ احْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ فَيَكُونُ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ شَوَائِبِ الرِّوَايَةِ كَذَلِكَ فَلَزِمَ الْمُخْبَر بِفَتْحِ الْبَاء إذَا اعْتَقَدَ صِدْقَ الْمُخْبِر الصَّوْمُ احْتِيَاطًا لَهُ بَلْ اللُّزُوم حِينَئِذٍ أَوْلَى مِنْهُ إذَا ثَبَتَ بِوَاحِدٍ عِنْد الْقَاضِي وَوَقَعَتْ الرِّيبَةُ وَالشَّكُّ فِي صِدْقِهِ فِي شَهَادَته فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يَجِب الصَّوْمُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ إذَا شَهِدَ بِهِ عِنْد الْقَاضِي وَلَوْ عَلَى مَنْ بَقِيَ عِنْده بَعْد الْحُكْمِ رِيبَةٌ فِي تِلْكَ الشَّهَادَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِلِاحْتِيَاطِ لِلصَّوْمِ فَاللُّزُوم فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ لِلِاحْتِيَاطِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُعْتَقِدٌ الصِّدْقَ وَلَا رِيبَةَ عِنْده فِي وُجُود الْهِلَالِ فَهُوَ كَمَنْ رَأَى الْهِلَالَ، وَإِنْ كَانَ الْعِلْمُ الَّذِي عِنْد الرَّائِي أَقْوَى. وَقَوْلُ الصَّيْرَفِيِّ وَلَوْ كَثُرُوا لَيْسَ فِي مَحِلِّهِ كَمَا يَأْتِي مِنْ اللُّزُومِ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِر، وَقَوْلُهُ عَنْ الْأَذْرَعِيِّ وَلَا أَحْسَبُ أَحَدًا يُنَازِع فِي أَنَّ الْحَاكِمَ إلَخْ لَا يُشْهَدُ لَهُ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الدَّارِمِيِّ خِلَافُ مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ مُرَادَ الْأَذْرَعِيِّ اللُّزُومُ عَلَى الْعُمُومِ وَكَلَامُنَا هُنَا فِي خُصُوصِ مَنْ صَدَّقَ الْمُخْبِرَ، وَإِذَا جَوَّزُوا لِلْمُنَجِّمِ وَالْعَارِفِ بِمَنَازِلِ الْقَمَرِ أَنْ يَعْمَلَ بِحِسَابِ نَفْسِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُفِيدهُ إلَّا مُجَرَّدُ الظَّنِّ فَلَأَنْ يَجُوزَ بَلْ يَلْزَمُ الْعَمَلُ بِإِخْبَارِ الثِّقَةِ الْمُعْتَمَدِ لِلِاعْتِقَادِ أَوْ غَلَبَةَ الظَّنِّ بِالْأُولَى بَلْ الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّ مَنْ أَخْبَرَهُ فَاسِقٌ وَصَدَّقَهُ أَنَّ لَهُ الصَّوْمَ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ الَّذِي اسْتَفَادَهُ مِنْ تَصْدِيقِ مُخْبِرِهِ يُسَاوِي الظَّنَّ الَّذِي يَسْتَفِيدهُ الْحَاسِبُ مِنْ حِسَابِهِ. وَإِذَا قُلْنَا إنَّ لِهَذَا وَمَنْ

أَلْحَقْنَا بِهِ الصَّوْمَ فَهَلْ يُجْزِئْهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْمَجْمُوعِ فِي مَوْضِعٍ نَعَمْ وَنَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ وَصَوَّبَهُ السُّبْكِيّ وَالْإِسْنَوِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَرَدُّوا مَا وَقَعَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي مَوْضِعٍ آخَر مِنْ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يُجْزِئْهُ إذَا بَانَ أَنَّ الْيَوْمَ الَّذِي صَامَهُ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى أَنَّ مَا وَقَعَ فِيهِ لَيْسَ نَصَّا فِي تَصْحِيحِ ذَلِكَ كَمَا بَيَّنْته فِي حَاشِيَةِ الْعُبَابِ، وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْإِجْزَاء فِي نَحْوِ الْحَاسِبِ فَالْإِجْزَاءُ فِي الرَّائِي الَّذِي رُدَّتْ شَهَادَتُهُ بِالْأَوْلَى عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي هَذَا لَا وَجْهَ لَهُ فَإِنَّهُ مُسْتَنِدٌ إلَى تَعَيُّن الرُّؤْيَةِ وَيَلْزَمُ الْعَمَلُ بِرُؤْيَتِهِ نَفْسِهِ، وَإِنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ فَكَيْف يُسَوَّغُ حِينَئِذٍ أَنْ يُحْكَى فِي الْإِجْزَاء فِي حَقِّهِ خِلَافٌ؛ لِأَنَّ وَجْهَ الْخِلَافِ فِي نَحْوِ الْحَاسِبِ عَدَمُ الْجَزْمِ بِالنِّيَّةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَوْجُودًا فِي الرَّائِي فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِالْإِجْزَاءِ فِي حَقِّهِ وَأَنَّ مَا وَقَعَ فِي قَوْلِ الْمُجِيبِ. وَأَمَّا مَنْ رَآهُ فَنَقَلُ الْإِمَامِ الْأَذْرَعِيِّ إلَخْ فَهُوَ بِالتَّحْرِيفِ وَالْغَلَطِ أَشْبَهُ، وَأَمَّا مَا ذَكَره الْمُفْتِي الْمَذْكُورَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي فَفِي إطْلَاقِهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الِاسْتِفَاضَةَ تَارَةً تَقْوَى حَتَّى تَصِلَ إلَى حَدِّ التَّوَاتُرِ وَتَارَةً لَا فَإِنْ وَصَلَتْ لِلتَّوَاتُرِ وَجَبَ الصَّوْمُ عَلَى مَنْ تَوَاتَرَ عِنْده الْخَبَرُ بِالرُّؤْيَةِ، بِأَنْ أَخْبَرَهُ بِهَا عَنْ الْمُعَايَنَةِ جَمْعٌ كَثِيرُونَ، لَا يُمْكِنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ، وَإِنْ كَانُوا فَسَقَةً أَوْ نَحْوَهُمْ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ الْمُتَوَاتِرَ يُفِيدُ الْعِلْمَ وَلَوْ مِنْ نَحْوِ فُسَّاقٍ، وَإِنْ لَمْ تَصِل لِلتَّوَاتُرِ فَفِيهَا كَلَامٌ ظَاهِرُهُ التَّنَافِي وَذَلِكَ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرَهُمَا قَالُوا أَوَّلَ بَابِ الصَّوْمِ وَلَوْ أَخْبَرَهُ مَوْثُوقٌ بِهِ بِرُؤْيَتِهِ وَلَمْ يَذْكُرهُ عِنْد الْقَاضِي فَقَطَعَتْ طَائِفَةٌ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ مُطْلَقًا وَطَائِفَةٌ بِوُجُوبِهِ إنْ قُلْنَا هُوَ رِوَايَةٌ. وَقَالُوا فِي الْكَلَامِ عَلَى النِّيَّةِ لَا بُدَّ مِنْ الْجَزْمِ بِهَا فَلَوْ نَوَى لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ مِنْ شَعْبَان صَوْمَ غَدٍ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ فَكَانَ مِنْهُ لَمْ يَقَع عَنْهُ، وَإِنْ جَزَمَ بِالنِّيَّةِ إلَّا إنْ اعْتَقَدَ كَوْنَهُ مِنْهُ بِقَوْلِ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنْ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ صِبْيَان رُشَدَاءَ أَوْ حِسَابِ مُنَجِّمٍ حَيْثُ يَجُوزُ اهـ وَالْمُرَادُ بِالرُّشْدِ هُنَا الِاخْتِبَارُ بِالصِّدْقِ لَا الْمَعْنَى الْمُرَادُ فِي قَوْلِهِمْ شَرْطُ الْعَاقِدِ الرُّشْدُ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَوَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا جَمْعُ نَحْوِ الْعَبِيدِ وَلَيْسَ بِمُعْتَبَرِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ وَصَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ وَأَلْحَقَ الْجُرْجَانِيُّ بِمَنْ ذُكِرَ الْفَاسِقَ الَّذِي سَكَنَتْ نَفْسُهُ إلَيْهِ قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ وَكَذَا الْكَافِرُ لَكِنْ جَزَمَ الدَّارِمِيُّ بِخِلَافِهِ وَقَالُوا فِي يَوْمِ الشَّكِّ الَّذِي يَحْرُمُ صَوْمُهُ: إنَّهُ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَان إذَا تَحَدَّثَ النَّاسُ بِرُؤْيَتِهِ أَوْ شَهِدَ بِهَا صِبْيَانٌ أَوْ عَبِيدٌ أَوْ فَسَقَةٌ اهـ وَالْمُرَادُ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِرُؤْيَتِهِ بِحَيْثُ يَقْرُبُ مِنْ الِاسْتِفَاضَةِ، وَإِنْ لَمْ يُسْمَع مِمَّنْ يُظَنُّ صِدْقُهُ مِنْهُمْ أَنَّهُ رَأَى الْهِلَالَ كَمَا أَفْهَمهُ كَلَامُ الْمِنْهَاجِ وَأَشَارَ بَعْضُ شَارِحِيهِ إلَى هَذَا الْأَخِيرِ. وَلَا بُدَّ مِنْ الْعَدَدِ هُنَا فِيمَنْ ذُكِرَ بِأَنْ يَكُونَ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَانْظُرْ إلَى مَا بَيْن هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ مِنْ الِاخْتِلَافِ، وَقَدْ أَشَارَ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ إلَى الْجَمْعِ بَيْنهَا. مُلَخَّصُهُ أَنَّهُ إنَّمَا اعْتَبَرْنَا الْعَدَدَ هُنَا بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ فِي صِحَّةِ النِّيَّةِ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ فِيهِمَا وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ حِينَئِذٍ عَنْ رَمَضَان لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّن كَوْنُهُ مِنْهُ. نَعَمْ مَنْ اعْتَقَدَ صِدْقَ مَنْ قَالَ أَنَّهُ رَآهُ مِمَّنْ ذُكِرَ يَصِحُّ صَوْمُهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ، وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى النِّيَّةِ مِنْ صِحَّةِ نِيَّةِ مُعْتَقِدِ ذَلِكَ وَوُقُوعِ الصَّوْمِ عَنْ رَمَضَان مَحِلُّهُ إذَا تَبَيَّنَ كَوْنُهُ مِنْهُ فَحِينَئِذٍ لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ إذْ كَلَامُهُمْ فِي صِحَّةِ النِّيَّةِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَبَيَّنَ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَان وَكَلَامُهُمْ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَبَيَّن شَيْءٌ فَلَيْسَ الِاعْتِمَادُ عَلَى مَنْ ذُكِرَ فِي الصَّوْمِ بَلْ فِي النِّيَّةِ فَقَطْ إذَا نَوَى اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِهِمْ ثُمَّ بَانَ كَوْنُ غَدٍ مِنْ رَمَضَان لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ أُخْرَى سَوَاء بَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّن ذَلِكَ بَلْ اسْتَمَرَّ الْحَالُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ فَهُوَ يَوْمُ الشَّكِّ. وَأُجِيب عَنْ عَدَمِ التَّنَافِي بِأَجْوِبَةٍ أُخْرَى مِنْهَا: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ فِي يَوْمِ الشَّكِّ فِي عُمُومِ النَّاسِ دُون أَفْرَادِهِمْ فَيَكُونُ شَكَّا بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ لَمْ يُظَنَّ صِدْقُهُمْ وَهُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ دُون أَفْرَادِ مَنْ اعْتَقَدَ صِدْقَهُمْ لِوُثُوقِهِ بِهِمْ وَمِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ ثُمَّ إذَا حَصَلَ بِقَوْلِهِمْ ظَنٌّ وَهُنَا إذَا حَصَلَ بِهِ شَكٌّ وَيَرُدُّهُ تَقْيِيدُ الرَّافِعِيِّ هُنَا بِمَا إذَا ظَنَّ صِدْقَهُمْ، وَمِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ ثَمَّ الِاعْتِقَادَ وَهُنَا

الظَّنُّ وَيَرُدُّهُ أَنْ جَمْعًا عَبَّرُوا بِالظَّنِّ ثُمَّ مَوْضِعِ الِاعْتِقَادِ، وَمِنْهَا وَهُوَ أَجْوَدُهَا وَأَحْسَنُهَا: أَنَّ إخْبَارَ مَنْ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ إمَّا أَنْ يُفِيدَ مُجَرَّدَ ظَنِّ الصِّدْقِ وَهُوَ مَا هُنَا أَوْ ظَنِّ الْحُكْمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ بِأَنْ لَمْ يُعَارِض ظَنَّهُ مُعَارِضٌ وَهُوَ مَا فِيهِ النِّيَّةُ، أَوْ يَنْضَمُّ إلَى ذَلِكَ تَصْدِيقُهُ بِأَنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا مَرَّ أَوَّل الْبَابِ فَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ مَا أَطْلَقَهُ الْمُفْتِي الْمَذْكُورَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي غَيْرُ صَحِيحٍ عَلَى إطْلَاقِهِ. وَأَمَّا مَا ذُكِرَ عَنْ بَعْض الْمُفْتِينَ فِي صِيَاحِ الْعَرَبِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ إعْلَامًا بِرَمَضَانَ فَغَيْرُ صَحِيحٍ عَلَى إطْلَاقِهِ أَيْضًا فَقَدْ ذَكَر الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ رُؤْيَةَ الْقَنَادِيلِ مَوْقُودَةً عَلَى الْمَنَائِرِ لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ كَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ؛ لِأَنَّهَا عَلَامَةٌ مُطَّرِدَةٌ فَكَانَتْ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الصِّيَاحَ لَوْ كَانَ عَلَامَةً مُطَّرِدَةً عِنْد أَهْلِ تِلْكَ الْبِلَادِ عَلَى دُخُولِ رَمَضَان جَازَ لِكُلِّ مَنْ سَمِعَهُ بَلْ وَجَبَ عَلَيْهِ اعْتِمَادَهُ فِي الصَّوْمِ وَأَنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ، وَأَمَّا مَا ذَكَره الْمُفْتِي الْمَذْكُورُ فِي جَوَابِ قَوْلِ السَّائِلِ إذَا رُئِيَ الْهِلَال بِمَكَّةَ وَلَمْ يُرَ بِأَرْضِ بَجِيلَةَ فَهُوَ صَحِيحٌ وَالْحَاصِلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِاتِّحَادِ الْمَطَالِعِ وَاخْتِلَافِهَا لَا بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَالْمُرَادُ بِاخْتِلَافِهَا أَنْ تَتَبَاعَد الْبُلْدَان بِحَيْثُ لَوْ رُئِيَ فِي أَحَدِهِمَا لَمْ يُرَ فِي الْآخَرِ غَالِبًا اهـ. قَالَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ التَّبْرِيزِيُّ: وَرُؤْيَةُ الْهِلَالِ فِي بَلَدٍ تُوجِبُ ثُبُوت حُكْمِهَا إلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَرْسَخًا؛ لِأَنَّهَا فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ لَا تَخْتَلِف وَقَالَ السُّبْكِيّ وَالْإِسْنَوِيُّ قَدْ تَخْتَلِفُ وَتَكُون رُؤْيَته فِي أَحَدِهِمَا مُسْتَلْزِمَةً لِرُؤْيَتِهِ فِي الْأُخْرَى مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ إذْ اللَّيْلَةُ تَدْخُل فِي الْبِلَادِ الشَّرْقِيَّةِ قَبْلَ دُخُولِهَا فِي الْغَرْبِيَّةِ، وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَم عِنْد اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ مَنْ رُؤْيَتِهِ فِي الشَّرْقِيّ رُؤْيَتُهُ فِي الْغَرْبِيّ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، وَأَمَّا عِنْد اتِّحَادِهِمَا فَيَلْزَم مِنْ رُؤْيَتِهِ فِي أَحَدِهِمَا رُؤْيَتُهُ فِي الْآخَرِ، وَقَدْ أَفْتَى جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَقْتَ الزَّوَالِ أَخَوَانِ أَحَدُهُمَا بِالْمَشْرِقِ وَالْآخَرُ بِالْمَغْرِبِ وَرِثَ الْمَغْرِبِيُّ الْمَشْرِقِيَّ لِتَقَدُّمِ مَوْتِهِ. وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ لَوْ شَاعَتْ رُؤْيَةُ هِلَالِ رَمَضَانَ بِبَلَدٍ مَثَلًا وَلَمْ يَتَحَقَّق لَنَا رُؤْيَتُهُ أَوْ أَخْبَرَ بِذَلِكَ مَنْ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ أَوْ مَنْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ وَقُلْتُمْ لَا يَجِبُ الصَّوْمُ إلَّا عَلَى مَنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهُ فَهَلْ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ - أَصْلَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِالْبَلَدِ الَّتِي بَعُدَتْ عَنْ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ نَدْبُ مَنْ يُحَقِّقُ الْخَبَرَ لَهُ لُزُومًا أَوْ نَدْبًا قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ أَمْ بَعُدَتْ أَوْ لَا يَجِب شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَهَلْ يَثْبُت رَمَضَانُ بِالِاسْتِفَاضَةِ أَوْ التَّوَاتُرِ أَوْ لَا؟ وَهَلْ الْإِشَاعَةُ وَالِاسْتِفَاضَةُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَمْ لَا؟ وَلَوْ بَلَغَ الْخَبَرُ أَهْلَ بَلَدٍ بِأَنَّ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ أَخَذُوا مَالًا لِمُسْلِمٍ وَرَجَوْا اسْتِنْقَاذَهُ مِنْهُمْ فَهَلْ لَهُمْ الْفِطْرُ مِنْ رَمَضَانَ إنْ تَوَقَّفَ اسْتِنْقَاذُهُمْ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْهُمْ أَيْ الْقُطَّاعَ وَلَا عَلِمُوا عَدَدَهُمْ وَلَا أَيْنَ ذَهَبُوا أَوْ يَخْتَصُّ الْجَوَازُ بِمَنْ رَآهُمْ وَحَقَّقَ الِاسْتِنْفَاذَ مِنْهُمْ بِظَنٍّ مُؤَكَّدٍ وَهَلْ خَوْفُ الْمَشَقَّةِ الَّتِي عِيلَ مَعَهَا الصَّبْرُ تُبِيحُ الْفِطْرَ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ وُجُوبِ مَحْذُورِ التَّيَمُّمِ وَلَوْ وَقَعَ الْبَذْرُ أَوْ الْحَصَادُ أَوْ تَنْقِيَةُ الزَّرْعِ فِي رَمَضَانَ وَلَا يُطَاقُ الصَّوْمُ مَعَهُ فَهَلْ يَجُوزُ الْفِطْرُ لِمَنْ لَحِقَهُ بِذَلِكَ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ كَمَا ذَكَره الْأَذْرَعِيُّ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَصَادِ فَإِنْ قُلْتُمْ بِذَلِكَ فَمَا الْمُرَادُ بِالْمَشَقَّةِ فِي كَلَامه هَلْ هِيَ خَشْيَةُ مَحْذُورِ التَّيَمُّمِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَمَا هُوَ وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِذَلِكَ خَبَرُ عَارِفٍ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا فِي التَّيَمُّمِ فَإِنْ قِيلَ بِهِ فَهَلْ يَجْرِي فِي جَمِيعِ مُسَوِّغَاتِ الْفِطْرِ أَوْ يَخْتَصُّ بِبَعْضِهَا؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ الظَّاهِرُ أَنَّ وَلِيَّ الْأَمْرِ لَا يَلْزَمُهُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ إرْسَالُ مَنْ يُحَقِّقُ الْخَبَرَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ تَحْصِيلَ سَبَبِ الْوُجُوبِ لَا يَجِب وَهَذَا أَعْنِي الْإِرْسَالَ الْمَذْكُورَ تَحْصِيلٌ لِسَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْعِلْمُ بِدُخُولِ رَمَضَان الْمُوجِبُ لِلصَّوْمِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِعَدَمِ وُجُوبِ تَحْصِيلِ سَبَبِ الْوُجُوب كَمَا عَلِمْت فَلَا يَجِب ذَلِكَ. عَلَى أَنَّ لَك أَنْ تَقُولَ هَذَا يُعْلَم عَدَمُ وُجُوبِهِ مِنْ ذَلِكَ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُمْ إنَّمَا نَفَوْا وُجُوبَ تَحْصِيلِ السَّبَبِ الْمُحَقَّقِ الَّذِي إذَا حَصَلَ لَزِمَهُ مِنْهُ الْوُجُوبُ كَالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ بِالنِّسْبَةِ لِنَحْوِ الْمُتَمَتِّعِ الْمُعْسِر الْمُرِيدِ لِلصَّوْمِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا السَّبَبُ لَيْسَ مُحَقَّقًا؛ لِأَنَّهُمْ شَاكُّونَ هَلْ صَامَ أَهْلُ بَلَدٍ مُتَّحِدٍ مَعَ بَلَدِهِمْ فِي الْمَطْلَعِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي بَلَدِهِمْ

فَيَلْزَمهُمْ الصَّوْمُ تَبَعًا لَهُمْ أَوْ لَيْسُوا بِصَائِمِينَ أَصْلًا أَوْ صَامُوا بِرُؤْيَةِ بَلَدٍ مُتَّحِدَةٍ مَعَهُمْ فِي الْمَطْلَعِ وَلَيْسَتْ مُتَّحِدَةً مَعَ الْبَلَدِ الْمُرْسَلِ مِنْهَا كَذَلِكَ فَلَيْسَ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ أَنَّهُمْ إذَا أَرْسَلُوا إلَى تِلْكَ الْبَلَد يَلْزَمهُمْ الصَّوْمَ فَلَا يَجِبُ الْإِرْسَالُ هُنَا جَزْمًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسُوا سَبَبًا مُحَقِّقًا لِلْوُجُوبِ بِخِلَافِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فَإِنَّهُ سَبَبٌ مُحَقِّقٌ لِلْوُجُوبِ فَلِذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ تَحْصِيلِهِ. وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُهُ بِخِلَافِ الْإِرْسَالِ هُنَا فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ تَحْصِيلُهُ جَزْمًا لِمَا عَلِمْتَ سَوَاء أَقَرُبَتْ الْمَسَافَةُ أَمْ بَعُدَتْ نَعَمْ لَوْ قِيلَ يُنْدَبُ لَهُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا لِأَنَّ فِيهِ احْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ وَهُوَ إذَا لَمْ يَجِب يَكُونُ مَنْدُوبًا وَمِنْ ثَمَّ تَأَكَّدَ لِلْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ أَنْ يُقِيمَ مَنْ يَثِقُ بِهِ لِيَبْحَثَ عَنْ الْأَهِلَّةِ سِيَّمَا رَمَضَان وَشَوَّال وَذَا الْحِجَّة لِتَعَلُّقِهَا بِأُمُورٍ دِينِيَّةٍ يَعُمُّ الِاحْتِيَاجُ إلَيْهَا دُون غَيْرِهَا عَلَى أَنَّ تَرَائِي الْأَهِلَّةِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ كَمَا قِيلَ فَعَلَيْهِ إذَا فُرِضَ أَنَّ النَّاسَ تَرَكُوهُ لَزِمَ الْإِمَامَ أَنْ يَحُثَّهُمْ عَلَى الْقِيَامِ بِهِ، وَقَوْلُ السَّائِل نَفَعَنِي اللَّهُ بِهِ وَهَلْ يَثْبُتُ رَمَضَانُ إلَخْ جَوَابَهُ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَنْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ وَاعْتَقَدَ صِدْقَهُ لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَبِهِ يُعْلَم كَمَا ذَكَرْته فِي حَاشِيَةِ الْعُبَابِ أَنَّ مَنْ تَوَاتَرَتْ عِنْده رُؤْيَتُهُ لَزِمَهُ الصَّوْمَ قِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ بِالْأَوْلَى اهـ وَالِاسْتِفَاضَةُ كَالتَّوَاتُرِ بِخِلَافِ الْإِشَاعَةِ. وَمِنْ ثَمَّ قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ شَاعَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ الْهِلَالَ رُئِيَ وَلَمْ يَشْهَد بِالرُّؤْيَةِ أَحَدٌ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ شَكٍّ حَتَّى يَحْرُمَ صَوْمُهُ وَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ الِاسْتِفَاضَةَ كَالتَّوَاتُرِ قَوْلُ السُّبْكِيّ لَمْ أَرَهُمْ ذَكَرُوا الشَّهَادَةَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَاَلَّذِي أَمِيلُ إلَيْهِ عَدَمُ جَوَازِ ذَلِكَ اهـ؛ لِأَنَّهُ يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَحْصُل لِمَنْ بَلَغَتْهُ اعْتِقَادُ صِدْقِ الْمُخْبِرِينَ أَمَّا إذَا اعْتَقَدَ صِدْقَهُمْ فَيَلْزَمهُ الصَّوْمُ كَمَنْ اعْتَقَدَ صِدْقَ ثِقَةٍ أَخْبَرَهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّوَاتُرِ وَالِاسْتِفَاضَةِ وَالْإِشَاعَة يُعْلَمُ مِنْ تَعْرِيفَيْ الْمُتَوَاتِرِ وَالْمُسْتَفِيضِ فَالْمُتَوَاتِرُ مَعْنًى أَوْ لَفْظًا هُوَ خَبَرُ جَمْعٍ يَمْتَنِعُ عَادَةً تُوَافِقُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ عَنْ أَمْرٍ مَحْسُوسٍ لَا مَعْقُولٍ كَخَبَرِ الْفَلَاسِفَةِ بِقِدَمِ الْعَالَمِ فَإِنْ اتَّفَقَ الْجَمْعُ الْمَذْكُورُ لَفْظًا وَمَعْنًى فَلَفْظِيٌّ. وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِيهِمَا مَعَ وُجُودِ مَعْنًى كُلِّيٍّ فَمَعْنَوِيٌّ كَخَبَرِ وَاحِدٍ عَنْ حَاتِم بِأَنَّهُ أَعْطَى دِينَارًا وَآخَرَ بِأَنَّهُ أَعْطَى فَرَسًا وَآخَرَ بِأَنَّهُ أَعْطَى بَعِيرًا وَهَكَذَا فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى مَعْنًى كُلِّيٍّ وَهُوَ الْإِعْطَاءُ وَلَا يَكْفِي فِي عَدَدِ الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ الْأَرْبَعَةُ لِاحْتِيَاجِهِمْ لِلتَّزْكِيَةِ فِيمَا لَوْ شَهِدُوا بِالزِّنَا بِخِلَافِ مَا لَوْ زَادُوا عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يَصْلُحُ لِأَنَّهُ يَكْفِي فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُ عَدَدٌ مُعَيَّنٌ وَمَنْ عَيَّنَ لَهُ عَدَدًا كَعَشْرَةٍ أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ أَوْ عِشْرِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ أَوْ سَبْعِينَ أَوْ ثَلَثمِائَةِ وَبِضْعَةَ عَشَرَ فَقَدْ تَحَكَّمَ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِمْ إسْلَامٌ وَلَا عَدَالَةٌ وَلَا عَدَمُ احْتِوَاءِ بَلَدٍ عَلَيْهِمْ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِذَلِكَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى حَصَلَ مِنْ خَبَرٍ بِمَضْمُونِهِ كَانَ عَلَامَةً عَلَى اجْتِمَاع شَرَائِطِ التَّوَاتُرِ فِيهِ وَهِيَ كَمَا عُلِمَ مِنْ تَعْرِيفِهِ كَوْنُهُ خَبَرُ جَمْعٍ وَكَوْنُهُمْ بِحَيْثُ يَمْتَنِعُ تُوَافِقُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ وَكَوْنُهُ عَنْ مَحْسُوسٍ ثُمَّ الْعِلْمُ الْحَاصِلُ بِالْمُتَوَاتِرِ ضَرُورِيّ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَحْصُلُ مِنْ سَمَاعِهِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ وَتَوَقُّفُهُ عَلَى مُقَدِّمَاتٍ وَهِيَ الشُّرُوطُ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَة لَا يُنَافِي كَوْنَهُ ضَرُورِيًّا وَيُقَابِلُ الْمُتَوَاتِرَ مَظْنُونُ الصِّدْقِ وَمِنْهُ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا لَمْ يَنْتَهِ إلَى الْمُتَوَاتِرِ سَوَاءً كَانَ رِوَايَةُ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَر أَفَادَ الْعِلْمَ بِالْقَرَائِنِ الْمُنْفَصِلَةِ عَنْهُ أَمْ لَا وَمِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْمُسْتَفِيضِ وَهُوَ الشَّائِعُ بَيْن النَّاسِ عَنْ أَصْلٍ بِخِلَافِ الشَّائِعِ لَا عَنْ أَصْلٍ وَقَدْ يُسَمَّى الْمُسْتَفِيضُ مَشْهُورًا فَهُمَا بِمَعْنَى وَقِيلَ الْمَشْهُورُ بِمَعْنَى الْمُتَوَاتِرِ وَقِيلَ قِسْمٌ ثَالِثٌ غَيْرُ الْمُتَوَاتِرِ وَالْآحَادِ وَعِنْد الْمُحْدِثِينَ هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمُتَوَاتِرِ وَأَقَلُّ عَدَدِ الْمُسْتَفِيضِ اثْنَانِ وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ وَقِيلَ مَا زَادَ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَهُوَ قَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ وَقِيلَ ثَلَاثَةٌ وَهُوَ قَوْلُ الْمُحْدِثِينَ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُرِفَ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّوَاتُرِ وَالِاسْتِفَاضَةِ وَبَيْنَ خُصُوصِ الِاسْتِفَاضَةِ وَمُطْلَقِ الْإِشَاعَةِ فَالِاسْتِفَاضَةُ أَخَصُّ مِنْ الْإِشَاعَةِ. وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْفُقَهَاءُ يُشْتَرَط فِي الِاسْتِفَاضَةِ أَنْ يَسْمَعَ الشَّاهِدُ مِنْ جَمْعٍ كَثِيرِينَ يَقَعُ فِي نَفْسِهِ صِدْقُهُمْ وَيُؤْمَنُ تُوَافِقُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ فَلَا يَكْفِي سَمَاعُهُ مِنْ عَدْلَيْنِ لَمْ يُشْهِدَاهُ عَلَى أَنْفُسِهِمَا وَلَا يُشْتَرَطُ عَدَالَتُهُمْ وَحُرِّيَّتُهُمْ وَذُكُورَتُهُمْ كَمَا لَا يُشْتَرَط فِي الْمُتَوَاتِرِ

اهـ، وَقَوْلُ السَّائِلِ وَلَوْ بَلَغَ الْخَبَرُ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُمْ الْفِطْرُ الْمُتَوَقِّفُ عَلَيْهِ اسْتِنْقَاذُ الْمَالِ الْمُحْتَرَمِ إلَّا إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمْ حُصُولُ الِاسْتِنْقَاذ مِنْهُمْ لَوْ أَفْطَرُوا بَلْ عِبَارَةُ الْأَنْوَارِ تَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّحَقُّقِ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ رَأَى حَيَوَانًا مُحْتَرَمًا أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ وَاحْتَاجَ إلَى الْفِطْرِ لِتَخْلِيصِهِ وَجَبَ الْفِطْرُ وَالْفِدْيَةُ وَلَوْ رَأَى غَيْرَ الْحَيَوَانِ جَازَ لَهُ الْفِطْرُ وَيَكْفِي الْقَضَاءُ وَلَا فَدِيَةَ اهـ فَتَعْبِيره بِالرُّؤْيَةِ قَدْ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي حِلِّ الْفِطْرِ أَوْ وُجُوبِهِ مِنْ تَحَقُّقِ الِاسْتِنْقَاذ لَكِنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ يَكْفِي فِي ذَلِكَ الظَّنُّ وَأَنَّ تَعْبِيرَهُ بِالرُّؤْيَةِ إنَّمَا هُوَ لِلْغَالِبِ إذْ لَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِذَلِكَ وَجَبَ الْفِطْرُ أَوْ جَازَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ الْفِطْرُ فِيمَا ذُكِرَ بِمُجَرَّدِ التَّوَهُّمِ أَوْ الشَّكِّ؛ لِأَنَّ صَوْمَ الْفَرْضِ الَّذِي تَلَبَّسُوا بِهِ مَانِعٌ مُحَقَّقٌ مِنْ الْإِفْطَارِ فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهُ إلَّا إنْ تَحَقَّقَ الْمُقْتَضِي أَوْ ظُنَّ. وَقَوْلُهُ وَهَلْ خَوْفُ الْمَشَقَّةِ إلَخْ جَوَابَهُ أَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ لَا يَكْفِي خَوْفُ الْمَشَقَّةِ الْمَذْكُورَةِ حَتَّى يُخْشَى مِنْهَا مُبِيحُ تَيَمُّمٍ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّوَوِيُّ مَنْ غَلَبَهُ الْجُوعُ أَوْ الْعَطَشُ فَخَافَ الْهَلَاكَ فَلَهُ الْفِطْرُ وَفِي التَّوَسُّطِ فِي قَوْلِ النَّوَوِيِّ ثُمَّ شَرْطُ كَوْنِ الْمَرَضِ مُبِيحًا أَنْ يُجْهِدهُ الصَّوْمُ مَعَهُ فَيَلْحَقهُ ضَرَرٌ يَشُقُّ احْتِمَالُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوهِ الْمَضَارِّ فِي التَّيَمُّمِ أَنَّ قَوْلَهُ فَيُلْحِقهُ بِالْفَاءِ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحَيْنِ وَيُلْحِقهُ بِالْوَاوِ فَإِنَّهُ يُفْهِمُ اعْتِبَارَ الْأَمْرَيْنِ فِي إبَاحَةِ الْفِطْرِ وَالْمَدَار إنَّمَا هُوَ عَلَى الثَّانِي. وَمِنْ ثَمَّ اعْتَرَضَ الْإِسْنَوِيُّ أَيْضًا كَلَام الرَّافِعِيِّ بِأَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنَّ الضَّرَرَ الْمَذْكُورَ لَا يُبِيحُ وَحْدُهُ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ كَوْنِ الصَّوْمِ يُجْهِدهُ فَلَوْ وُصِفَ لَهُ دَوَاءٌ إنْ لَمْ يُفْطِر بِهِ وَإِلَّا حَصَلَ لَهُ الضَّرَرُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْفِطْرُ وَكَذَلِكَ بِالْعَكْسِ وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى الْقَوْلُ بِهِ وَقَدْ اُعْتُبِرَ فِي الْمُحَرَّرِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ الصَّوَابُ فَإِنْ قُلْت قَضِيَّةُ كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ هَذَا الِاكْتِفَاءُ بِغَلَبَةِ الْجُوعِ، وَإِنْ لَمْ يَخْشَ مِنْهُ مُبِيحَ تَيَمُّمٍ قُلْت قَضِيَّته بَلْ صَرِيحُهُ ذَلِكَ لَكِنَّهُ إمَّا ضَعِيفٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ كَعِبَارَاتٍ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ تُوَافِقهُ وَمِنْ ثَمَّ قُلْت فِي حَاشِيَةِ الْعُبَابِ أَيْ بِأَنْ يَشُقَّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ مَعَهُ أَوْ خَافَ بِسَبَبِهِ نَحْوَ: زِيَادَةِ مَرَضٍ أَوْ بُطْءِ بُرْءٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ، وَحَكَاهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ: أَنْ يُجْهِدهُ الصَّوْمُ مَعَهُ وَيَلْحَقهُ أَوْ فَيَلْحَقهُ ضَرَرٌ يَشُقُّ احْتِمَالُهُ عَلَى مَا ذَكَرنَا مِنْ وُجُوهِ الْمَضَارِّ فِي التَّيَمُّمِ. وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَل قَوْلُهُمْ: الْمُبِيحُ: الضَّرَرُ الظَّاهِرُ، وَقَوْلُ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ هُوَ مَا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ مَعَ الصَّوْمِ، وَقَوْلُ الْمُهَذَّبِ هُوَ خَوْفُ الزِّيَادَةِ بِالصَّوْمِ أَوْ رَجَاءُ الزَّوَالِ بِفَقْدِهِ، وَقَوْلُ التَّهْذِيبِ هُوَ أَنْ يُجْهِدهُ وَيَلْحَقهُ بِهِ ضَرَرٌ يَشُقُّ احْتِمَالُهُ، وَقَوْلُ غَيْرِهِ رَجَاءَ خِفَّةِ الْمَرَضِ بِالْفِطْرِ أَوْ وُقُوفِهِ وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُحَرَّرِ وَصَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ أَنَّهُ مَتَى صَعُبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ بِهِ أَوْ نَالَهُ ضَرَرٌ شَدِيدٌ جَازَ لَهُ الْفِطْرُ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ فَكُلُّهَا يَنْبَغِي حَمْلُهَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا مُبِيحُ التَّيَمُّمِ اهـ مَا ذَكَرْته فِيهَا وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ لَا مَحِيصَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْعُدُولَ عَنْ الْمَاءِ إذَا اشْتَرَطُوا فِيهِ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ عُدُولٌ إلَى بَدَلٍ فَأَوْلَى أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ فِي الْعُدُولِ عَنْ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ بَدَلٍ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ إنَّمَا هُوَ بِأَمْرِ جَدِيدٍ عَلَى أَنَّ الْمَشَقَّةَ الْمَذْكُورَةَ فِي السُّؤَالِ يُخْشَى مِنْهَا غَالِبًا مُبِيحُ تَيَمُّمٍ لِأَنَّهُ إذَا عِيلَ مَعَهَا الصَّبْرُ وَلَمْ تُطْفَأْ حَرَارَتُهَا إلَّا بِالْأَكْلِ أَوْ الشُّرْبِ يَتَوَلَّدُ عَنْهَا غَالِبًا مُبِيحُ تَيَمُّمٍ وَبِمَا قَرَّرْته فِي ضَبْطِ الْمَشَقَّةِ الشَّدِيدَةِ فِي كَلَامِهِمْ بِمَا يُخْشَى مِنْهُ مُبِيحُ التَّيَمُّمِ انْدَفَعَ اسْتِشْكَالُ الْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ فِي قَوَاعِدِهِ مِنْ الْمُشْكِلِ ضَبْطُ الْمَشَقَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّخْفِيفِ كَالْمَرَضِ فِي الصَّوْمِ فَإِنَّهُ إنْ ضُبِطَ بِالْمَشَقَّةِ فَالْمَشَقَّةُ نَفْسُهَا غَيْرُ مَضْبُوطَةٍ، وَإِنْ ضُبِطَ بِمَا يُسَاوِي مَشَقَّةَ الْأَسْفَارِ فَذَلِكَ غَيْرُ مَحْدُودٍ وَكَذَلِكَ مَشَقَّةُ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ لِكَشْفِ الْعَوْرَةِ، وَمَنْ ضَبَطَ ذَلِكَ بِأَقَلِّ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ كَأَهْلِ الظَّاهِرِ خَلَصَ مِنْ هَذَا الْإِشْكَالِ اهـ. وَإِذَا انْضَبَطَتْ الْمَشَقَّةُ الشَّدِيدَةُ بِمَا قُلْنَاهُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ فِي التَّيَمُّمِ بِالْأَوْلَى كَمَا عَلِمْت زَالَ الْإِشْكَالُ وَبِذَلِكَ يَزُولُ أَيْضًا اسْتِشْكَالُ بَعْضِهِمْ لِلْمَشَقَّةِ الشَّدِيدَةِ الَّتِي ضَبَطُوا بِهَا جَوَازَ الْفِطْر لِلشَّيْخِ الْهَرِم وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا فِي حَقِّهِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِد

أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الْإِمْسَاكُ عَنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ قَالَ؛ لِأَنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَيُمْكِنهُ هَذَا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ تَلْحَقَهُ الْمَشَقَّةُ الشَّدِيدَةُ اهـ. وَبِذَلِكَ أَيْضًا يَنْدَفِعُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّمَا تُضْبَطُ الْمَشَقَّةُ فِي ذَلِكَ بِالْمَحْسُوسِ وَمَنْ تَوَقَّفَ حَصَادُهُ لِزَرْعِهِ وَنَحْوِهِ عَلَى فِطْرِهِ وَلَمْ يَتَيَسَّر لَهُ فِعْلُهُ لَيْلًا جَازَ لَهُ الْفِطْرُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ السَّابِقُ نَقْلُهُ عَنْ الْأَنْوَارِ فِي جَوَازِ الْفِطْرِ لِاسْتِنْقَاذِ الْمَالِ الْمُحْتَرَمِ إذَا تَوَقَّفَ عَلَى الْفِطْرِ مِنْ الصَّوْمِ وَالْمُرَادُ بِالتَّوَقُّفِ هُنَا أَنَّهُ مَتَى لَمْ يُفْطِر عَجَزَ عَنْ نَحْوِ حَصَادِهِ وَخَشِيَ عَلَيْهِ التَّلَفَ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَط هُنَا خَشْيَةُ مُبِيحِ تَيَمُّمٍ دَائِمًا لِأَنَّهُ لَمْ يُفْطِر لِأَمْرِ قَامَ بِذَاتِهِ وَإِنَّمَا فِطْرُهُ لِاسْتِنْقَاذِ مَالٍ مُحْتَرَمٍ يَخْشَى عَلَيْهِ الضَّيَاعَ لَوْ لَمْ يُفْطِر بِصَوْمِهِ لَا يَلْحَقهُ بِهِ ضَرَرٌ مِنْ حَيْثُ الصَّوْمُ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَضْطَرُّ إلَى الْعَمَلِ الْمَذْكُورِ وَلَوْ صَامَ مَعَهُ حَصَلَ لَهُ مُبِيحُ التَّيَمُّمِ مِنْ حَيْثُ انْضِمَامُ الْعَمَلِ إلَى الصَّوْمِ فَجَازَ لَهُ الْفِطْرُ لَا لِخَشْيَةِ الضَّرَرِ فَقَطْ بَلْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَامَ وَلَمْ يَعْمَل فَاتَ الْمَالُ، وَإِنْ صَامَ وَعَمِلَ حَصَلَ لَهُ مُبِيحُ التَّيَمُّمِ. وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ الزَّرْعِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ وَلَا بَيْنَ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ مُتَبَرِّعًا أَوْ بِأُجْرَةٍ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي الْمُرْضِعَةِ إذَا أَفْطَرَتْ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهَا أَوْ الْوَلَدِ، وَإِذَا أَفْطَرَ لِأَجْلِ ذَلِكَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَلَا فَدِيَةَ عَلَيْهِ كَمَا عُلِمَ مِنْ عِبَارَةِ الْأَنْوَارِ السَّابِقَةِ وَحَيْثُ أُنِيطَ الْفِطْرُ بِمُبِيحِ التَّيَمُّمِ يَأْتِي فِيهِ مَا قَالُوهُ فِي التَّيَمُّمِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إخْبَارِ عَدْلٍ وَلَوْ عَدْلِ رِوَايَةِ عَارِفٍ بِالطِّبِّ إنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ عَارِفًا بِهِ وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ لِإِخْبَارِ أَحَدٍ، وَمَعْرِفَتُهُ لِخَوْفِ الضَّرَرِ بِهِ بِالتَّجْرِبَةِ كَافِيَةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي التَّيَمُّم فَلْتَكْفِ هُنَا قِيَاسًا عَلَيْهِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي فِي مُسَوِّغَات الْفِطْرِ الَّتِي أَنَاطُوهَا بِمُبِيحِ التَّيَمُّمِ لَا فِي كُلِّ مُسَوِّغٍ لَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ وَمَتَّعَ بِحَيَاتِهِ فِيمَنْ طَارَتْ ذُبَابَةٌ عَلَى أَنْفِهِ وَهُوَ صَائِمٌ حَتَّى بَلَغَتْ حَدَّ الْبَاطِنِ فَاسْتَنْثَرَهَا عَامِدًا عَالِمًا مُخْتَارًا حَتَّى خَرَجَتْ فَهَلْ يُفْطِرُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى التَّقَيُّؤ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْقَيْءِ، وَغَيْرُهُ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ مَعَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي ظَنِّي الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ لَا مِمَّا خَرَجَ أَفْتَوْنَا أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِهِ وَمَنِّهِ آمِينَ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَتَّجِه عَدَمُ الْفِطْرِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ لَوْ اقْتَلَعَ نُخَامَةً مِنْ بَاطِنِهِ وَلَفَظَهَا لَمْ يُفْطِر عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْحَنَّاطِيُّ وَكَثِيرُونَ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا لَا يُفْطِر؛ لِأَنَّهُ مِمَّا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهَا وَالثَّانِي يُفْطِر كَالْقَيْءِ اهـ فَتَأَمَّلْ تَعْلِيلَهُ عَدَمَ الْفِطْرِ. الْأَصَحُّ بِأَنَّهُ مِمَّا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَبِمُقَابَلَةِ الضَّعِيفِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْقَيْءِ نَجِدُ الذُّبَابَةَ يَجْرِي فِيهَا هَذَانِ الْوَجْهَانِ بِعِلَّتَيْهِمَا لِمَا هُوَ وَاضِحٌ أَنَّ إخْرَاجَهَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ إبْقَائِهَا فِي الْبَاطِنِ يُوَرِّثُ ضَرَرًا فِي الْغَالِبِ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ أَوْلَى بِعَدَمِ الْإِفْطَارِ مِنْ النُّخَامَةِ؛ لِأَنَّ تَرْكَهَا لَيْسَ فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ مَا فِي تَرْكِ الذُّبَابَةِ فَعُلِمَ أَنَّ الْوَجْهَ أَنَّ تَعَمُّدَ إخْرَاجِهَا لَا يُفْطِر وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ الْمَجْمُوعِ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابنَا أَيْ عَلَى الْفِطْرِ بِوُصُولِ عَيْنٍ إلَى الْحَلْقِ مَثَلًا وَإِنْ لَمْ تُؤْكَل عَادَةً بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا الْوُضُوءُ مِمَّا يَخْرُجُ وَلَيْسَ مِمَّا يَدْخُلُ وَإِنَّمَا الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ اهـ لَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى إطْلَاقِهِ فِي قَوْلِهِ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ لِمَا ذَكَرُوا فِيمَنْ أَصْبَحَ وَقَدْ ابْتَلَعَ طَرْفَ خَيْطٍ لَيْلًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ مَسْأَلَةِ الذُّبَاب؟ (فَأَجَابَ) بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ حَيْثُ قَالَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ عُمُومُ كَلَامِهِمْ فِي الْقَيْءِ أَنَّهُ يُفْطِر بِتَعَمُّدِ إخْرَاجِهَا بَعْد وُصُولِهَا لِلْجَوْفِ، وَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ وَيُؤَيِّدهُ قَوْلُهُمْ لَوْ أَكَلَ لِغَلَبَةِ الْجُوعِ وَخَشْيَةِ الْهَلَاكِ مِنْهُ أَوْ تَنَاوَلَ مُفْطِرًا لِمَرَضٍ لَا يُطِيقُ مَعَهُ الصَّوْمَ لِخَشْيَتِهِ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ أَفْطَرَ وَقَدْ تَرَدَّدَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ فِيمَا لَوْ تَعَارَضَ وَاجِبَانِ: الْإِمْسَاك وَالْقَيْء فِي حَقِّ مَنْ شَرِبَ خَمْرًا لَيْلًا وَاَلَّذِي رَجَّحْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ أَنَّهُ يَلْزَمهُ رِعَايَةُ وَاجِبِ الْإِمْسَاك فَلَا يَتَقَيَّأُ وَإِلَّا أَفْطَرَ؛ لِأَنَّ وَاجِبَ الْإِمْسَاكِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَوَاجِبُ التَّقَيُّؤِ عَلَى شَارِبِ الْخَمْرِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَقَاعِدَة تَعَارُضِ الْوَاجِبِينَ أَنَّهُ يُقَدَّم أَقْوَاهُمَا وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ وَاجِبَ الْإِمْسَاكِ هُنَا أَقْوَى فَمِنْ ثَمَّ أَفْطَرَ بِالتَّقَيُّؤِ فَإِذَا أَفْطَرَ بِهِ حِينَئِذٍ مَعَ وُجُوبِهِ فِي الْجُمْلَةِ فَأَوْلَى إخْرَاج الذُّبَابَةِ لِعَدَمِ

وُجُوبِهِ لِذَاتِهِ مُطْلَقًا وَلَا يُنَافِي جَمِيعَ مَا تَقَرَّرَ عَدَمُ الْإِفْطَارِ بِاقْتِلَاعِ النُّخَامَةِ وَلَوْ مِنْ الصَّدْرِ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْحَاجَةَ لِذَلِكَ عَامَّةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ وَغَالِبَةٌ إذْ لَا يَخْلُو أَحَدٌ مِنْ الِاحْتِيَاجِ إلَى مَجِّهَا فِي صَوْمِهِ لِئَلَّا تَضُرَّ بِهِ فَلِذَلِكَ عَفَا عَنْهَا لِعُمُومِ وُقُوعِهَا وَغَلَبَته وَلَمْ يَلْحَق بِهَا مَسْأَلَةُ الذُّبَابَةِ؛ لِأَنَّهَا نَادِرَةٌ جِدًّا وَغَيْرُ عَامَّةٍ فَأَفْطَرَ إخْرَاجهَا. عَلَى أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْقِيَاسَ فِي النُّخَامَةِ الْفِطْرُ وَمِنْ الْقَوَاعِدِ أَنَّ مَا خَرَجَ عَنْ الْقِيَاسِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ فَاتَّضَحَ مَا ذَكَرْته مِنْ الْإِفْطَار بِإِخْرَاجِ الذُّبَابَةِ مِنْ الْجَوْفِ، وَإِنْ احْتَاجَ لِذَلِكَ فَإِنْ عَلِمَ مِنْ بَقَائِهَا ضَرَرًا أَخْرَجَهَا، وَإِنْ أَفْطَرَ بِذَلِكَ كَمَا فِي مَرِيضٍ يَضُرّهُ الصَّوْمُ وَقَدْ كَانَ سَبَقَ مِنِّي إفْتَاءٌ بِأَنَّ إخْرَاجَهَا غَيْرُ مُفْطِرٍ وَالْأَوْجَهُ مَا ذَكَرْته الْآن وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ عَنْ غُبَارِ السِّرْجِين إذَا دَخَلَ فِي أَنْفِ الصَّائِمِ أَوْ فَمِهِ هَلْ يُفْطِر بِبَلْعِ رِيقِهِ أَوْ بِوُصُولِ الْغُبَارِ مَاءً هَلْ يَبْطُلُ الْعَفْوُ وَتَجِبُ إزَالَتُهُ وَمَا الْحُكْم لَوْ انْتَقَلَ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ فِي الْفَمِ إلَى يَدِهِ أَوْ نَحْوِهِ. (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ لَا يُفْطِر بِبَلْعِ رِيقِهِ الْمُخْتَلِطُ بِالْغُبَارِ النَّجِسِ وَأَنَّهُ لَوْ وَصَلَ الْغُبَارُ الْمَذْكُورُ مَاءً لَمْ يُنَجِّس وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ مَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَصَابَ عُضْوَهُ الْمُبْتَلَّ غُبَارٌ نَجِسٌ لَا يَنْجُسُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمِثْلُ الْعُضْوِ فِي ذَلِكَ الْمَاءُ وَالثِّيَابُ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ الْأَصْحَابِ لَكِنْ قَيَّدَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ بِمَا إذَا لَمْ يَكْثُر ذَلِكَ بِحَيْثُ يُجْمَع مِنْهُ فِي دَفَعَاتٍ مَاءٌ نَجِسٌ اهـ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْغُبَارَ لَا يَنْجُس مَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ الرِّيقِ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِذَا لَمْ يَنْجُس بِهِ الرِّيقُ فَلَا فِطْرَ بِابْتِلَاعِهِ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى طَهَارَتِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَنَجَّسَ فَمُهُ ثُمَّ صَفَّا رِيقَهُ فَإِنَّهُ يُفْطِر بِابْتِلَاعِهِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْعَفْوِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَنَجِّسٌ وَابْتِلَاع الْمُتَنَجِّسِ يُفْطِر، وَإِنْ قِيلَ بِالْعَفْوِ عَنْهُ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ، وَإِذَا انْتَقَلَ الْمَعْفُوُّ عَنْهُ مِنْ بَعْض بَدَنِهِ إلَى بَعْضِهِ الْآخَرِ فَإِنْ كَانَ نَحْوَ دَمٍ أَوْ قَيْحٍ عُفِيَ عَنْ قَلِيلِ الْمُنْتَقِلِ فَقَطْ أَخْذًا مِمَّا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُمْ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِ الْأَجْنَبِيِّ مِنْ نَحْوِ الدَّمِ وَالْقَيْحِ مِنْ غَيْرِ مُغَلَّظٍ شَامِلٌ لِمَا انْفَصَلَ مِنْ بَدَنِهِ ثُمَّ أَصَابَهُ أَيْ فَيُعْفَى عَنْ الَّذِي أَصَابَهُ إنْ كَانَ قَلِيلًا؛ لِأَنَّهُ بِانْفِصَالِهِ عَنْ بَدَنِهِ صَارَ أَجْنَبِيًّا فَعَوْدُهُ إلَى الْبَدَنِ لَا يُلْحِقُهُ بِمَا لَمْ يَنْفَصِل عَنْهُ حَتَّى يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ إنْ كَانَ دَمٌ نَحْوُ فَصْدٍ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ كَانَ نَحْوُ دُمَّلٍ أَوْ قَيْحِهِ. وَمَا فِي التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ تَبَعًا لِلْجُمْهُورِ مِنْ أَنَّ الثَّانِيَ كَدَمِ الْأَجْنَبِيِّ فَلَا يُعْفَى إلَّا عَنْ قَلِيلِهِ يَنْبَغِي حَمْلُهُ كَمَا ذَكَرْته فِي شَرْح الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا إذَا جَاوَزَ مَحِلَّ نَحْوِ الْفَصْدِ وَهُوَ الْمَنْسُوب إلَيْهِ عَادَةً بِأَنْ يَنْدُرَ عِنْد أَهْلِهَا تَلَوُّثُ ذَلِكَ الْمَحِلِّ بِهِ، وَحَمْلُ بَعْضِهِمْ لَهُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ رَدَدْته ثَمَّ، وَإِنْ كَانَ أَثَرُ اسْتِنْجَاءٍ عُفِيَ عَنْهُ إنْ لَمْ يَلْقَ رَطْبًا آخَرَ مِنْ مَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا بَحَثَهُ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ فَيُعْفَى عَنْهُ لِعُسْرِ تَجَنُّبِهِ وَمَحِلُّ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُجَاوِز الصَّفْحَةَ أَوْ الْحَشَفَةَ أَمَّا إذَا جَاوَزَ أَحَدَهُمَا فَلَا يُعْفَى عَنْ الْمُجَاوِزِ لِنُدْرَتِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ تَلَوَّثَتْ نَعْلُهُ بِطِينِ الشَّارِعِ الْمُتَيَقَّنِ نَجَاسَتُهُ ثُمَّ عَرَقَتْ وَسَالَ الْعَرَقُ مِنْهَا عُفِيَ عَنْهُ أَيْضًا اهـ وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ السَّابِقَةِ قَرِيبًا أَنَّهُ يَضُرُّ سَيَلَانه بِمَحِلٍّ يَنْدُر السَّيَلَانُ إلَيْهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَحِلَّ الْعَفْوِ فِي الدَّمِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَمِثْلُهُ طِينُ الشَّارِعِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّلَاةِ فَلَوْ وَقَعَ الثَّوْبُ الَّذِي بِهِ نَحْوُ دَمٍ فِي مَاءٍ قَلِيل تَنَجَّسَ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي قَالَ وَالْعَفْو جَارٍ وَلَوْ كَانَ الْبَدَنُ رَطْبًا وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ جَافًّا فَلَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ وَبَدَنُهُ رَطْبٌ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَى تَلَوُّثِ بَدَنِهِ وَبِهِ جَزَمَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيّ تَفَقُّهًا. وَمِنْ عِلَّتِهِ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلرُّطُوبَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ نَحْوِ مَاءِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَحَلْقِ الرَّأْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ كَمَا لَوْ كَانَتْ بِالْعَرَقِ وَلَا نَظَرَ لِقَوْلِ ابْن الْعِمَادِ يُمْكِنُ تَنْشِيفُ الْبَدَنِ قَبْلَ لُبْسِ الثَّوْبِ وَلَا يُمْكِنُ دَفْعُ الْعَرَقِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَعْسُرُ وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا الْحِكْمَةُ فِي كَرَاهَةِ إفْرَادِ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَالسَّبْتِ وَالْأَحَدِ وَفِي قِيَامِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَفِي تَحْرِيمِ صَوْمِ أَيَّامِ الْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقِ. (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ يُكْرَه إفْرَادُ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِلْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

«لَا يَصُمْ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَّا أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ أَوْ يَصُومَ بَعْدَهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِيدٍ فَلَا تَجْعَلُوا يَوْمَ عِيدِكُمْ يَوْمَ صِيَامِكُمْ إلَّا أَنْ تَصُومُوا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ» وَهَذِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي سَنَدِهَا مَجْهُولٌ لَكِنْ لَهَا شَاهِدٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَاسْتُفِيدَ مِنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي كَرَاهَةُ صَوْمِهِ لِكُلِّ أَحَدٍ سَوَاء أَكَانَ صَوْمُهُ يُضْعِفُهُ عَنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَمْ لَا وَهُوَ الْأَصَحّ وَقِيلَ إنَّمَا يُكْرَه لِمَنْ أَضْعَفَهُ وَانْتَصَرَ لَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلُوهُ عَنْ النَّصِّ وَقِيلَ لَا يُكْرَه وَقِيلَ يَحْرُمُ وَمِمَّا يَدُلُّ لِلْأَصَحِّ الْأَحَادِيثُ الْكَثِيرَةُ الصَّحِيحَةُ الْمُطْلَقَةُ كَحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ مِنْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ عَلَى جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهِيَ صَائِمَةٌ فَقَالَ صُمْتِ أَمْسِ فَقَالَتْ لَا قَالَ تُرِيدِينَ أَنْ تَصُومِي غَدًا قَالَتْ لَا قَالَ فَأَفْطِرِي» . وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلِمَ مِنْ حَالِهَا الضَّعْفَ فَنَهَاهَا عَنْ الْإِفْرَادِ. فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ وَاقِعَةُ حَالٍ قَوْلِيَّة يَعُمّهَا الِاحْتِمَالُ فَيُفِيدُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ يُضْعِفُهُ الصَّوْمُ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهَا فَلَيْسَ الْإِضْعَافُ فِي حَقِّهَا مَقْصُودًا أَصْلًا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا نَظَرَ إلَيْهِ فِي الْكَرَاهَةِ وَاسْتُفِيدَ مِنْ الْحَدِيثِ الثَّانِي أَعْنِي قَوْلَهُ «فَلَا تَجْعَلُوا يَوْمَ عِيدِكُمْ يَوْمَ صِيَامِكُمْ» أَنَّ عِلَّةَ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ وَطَعَامٍ فَأَشْبَهَ صَوْمَ الْعِيدَيْنِ فِي مُطْلَقِ النَّهْيِ، وَإِنْ افْتَرَقَا فِي أَنَّ النَّهْيَ فِيهِمَا لِلتَّحْرِيمِ وَهُنَا لِلتَّنْزِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ عِيدًا حَقِيقَةً وَكَوْنُ الْعِلَّةِ ذَلِكَ هُوَ مَا ذَكَره الْحَلِيمِيّ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَقِيلَ الْعِلَّةُ أَنْ لَا يُبَالَغَ فِي تَعْظِيمِهِ كَالْيَهُودِ فِي السَّبْتِ وَقِيلَ لِئَلَّا يُعْتَقَدَ وُجُوبُهُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّ عِلَّةَ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ يَضْعُفُ عَنْ الْقِيَامِ بِالْوَظَائِفِ الدِّينِيَّةِ الْمَشْرُوعَةِ فِيهِ أَيْ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَسَوَابِقهَا وَلَوَاحِقهَا وَمِنْ الِاجْتِهَادِ فِي الدُّعَاءِ يَوْمَهُ لِيُصَادِفَ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ فِيهِ. وَمُرَادُهُ أَنَّ الصَّوْمَ مَظِنَّةٌ لِلْإِضْعَافِ عَنْ ذَلِكَ فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْكَرَاهَةِ بَيْنَ مَنْ يُضْعِفَهُ وَغَيْرِهِ نَظِيرَ صَوْمِ عَرَفَة لِلْحَاجِّ وَمَحِلُّ الْكَرَاهَةِ حَيْثُ لَمْ يَصُمْ قَبْلَهُ يَوْمًا أَوْ بَعْدَهُ يَوْمًا لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَلِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِد إضْعَافَ نَفْسِهِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَنْ مَقَاصِدِ الْجُمُعَةِ وَإِنَّمَا قَصَدَ الصَّوْمَ لَا غَيْرَ وَمَحِلُّهَا أَيْضًا فِي غَيْرِ الْفَرْضِ فَصَوْمُهُ عَنْ الْفَرْض لَا كَرَاهَةَ فِيهِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَحِلُّهَا أَيْضًا حَيْثُ لَمْ يُوَافِق عَادَةً لَهُ فَمَنْ عَادَتُهُ صَوْمُ يَوْمٍ وَفِطْرُ يَوْمٍ إذَا جَاءَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ قَبْلَهُ فِطْرٌ وَبَعْدَهُ فِطْرٌ لَا كَرَاهَةَ فِي صَوْمِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَئِذٍ خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَام لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «وَلَا تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومهُ أَحَدُكُمْ» وَقِيَاسًا عَلَى مَا قَالُوهُ فِي صِيَامِ يَوْمِ الشَّكِّ بَلْ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ ثَمَّ لِلتَّحْرِيمِ وَهُنَا لِلتَّنْزِيهِ فَإِذَا مَنَعَ ذَلِكَ الِاعْتِيَادُ الْحُرْمَةَ فَلَأَنْ يَمْنَعَ الْكَرَاهَةَ أَوْلَى. وَنَازَعَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ فِي انْعِقَادِ صَوْمِهِ حَيْثُ كُرِهَ بِأَنَّ قِيَاسَ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ يَقْتَضِي عَدَمَ الِانْعِقَادِ هُنَا كَمَا هُنَاكَ وَيُرَدُّ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ ثَمَّ ذَاتِيَّةٌ وَهِيَ يَسْتَحِيلُ مَعَهَا الِانْعِقَادُ وَإِنَّ قُلْنَا أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِلتَّنْزِيهِ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ، وَأَمَّا هُنَا فَلَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ لِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْ ذَاتِ الصَّوْمِ وَهُوَ مَا مَرَّ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ فَانْعَقَدَ صَوْمه بَلْ وَيَنْعَقِدُ نَذْرُ صَوْمِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ النَّذْرِ فَالتَّوَقُّفِ فِيهِ غَفْلَةٌ عَنْ كَلَامِهِمْ ثَمَّ، وَفِي الْأُمِّ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَوَافَقَ يَوْمَ فِطْرٍ أَفْطَرَ وَقَضَى قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى إطْلَاقِ الْجُمْهُورِ كَرَاهَةُ إفْرَادِهِ بِالصَّوْمِ إذْ لَوْ كَرِهَهُ لَمَا حَكَمَ بِانْعِقَادِ نَذْرِهِ فِيمَا يَظْهَر اهـ وَيُرَدُّ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ الْمُنَافِيَةَ لِلِانْعِقَادِ هِيَ الْكَرَاهَةُ الذَّاتِيَّةَ، وَأَمَّا الْكَرَاهَةُ الْعَرْضِيَّةُ فِيمَا هُوَ مَطْلُوبٌ لِذَاتِهِ فَلَا تُنَافِي انْعِقَادَ النَّذْرِ. قَالَ النَّوَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى التَّنْبِيهِ وَلَوْ أَرَادَ اعْتِكَافَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ وَلَمْ يَصُمْ قَبْلَهُ وَلَا عَزَمَ عَلَى الصَّوْمِ بَعْدَهُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَال يُكْرَه لَهُ صَوْمُهُ لِلْإِفْرَادِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَال يُسْتَحَبُّ لِأَجْلِ الِاعْتِكَافِ وَلِيَصِحَّ اعْتِكَافُهُ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَرَطَ فِيهِ الصَّوْمَ اهـ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَقَدْ يُقَالُ يُكْرَه تَخْصِيصُهُ بِالِاعْتِكَافِ كَالصَّوْمِ وَقِيَامِ لَيْلَتِهِ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْوَجْهُ عَدَمُ كَرَاهَةِ اعْتِكَافه؛ لِأَنَّهُ لَا إضْعَافَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ بِخِلَافِ صَوْمِهِ وَقِيَامِ لَيْلَتِهِ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ تَرْجِيحُهُ مِنْ احْتِمَالَيْ النَّوَوِيِّ أَوَّلُهُمَا وَمَا عَلَّلَ بِهِ الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ لَا يَقْتَضِي مَنْعَ الْكَرَاهَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. وَيُكْرَهُ أَيْضًا

إفْرَادُ يَوْمِ السَّبْتِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إلَّا فِيمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْكُمْ» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَأَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ قَالَ أَعْنِي التِّرْمِذِيَّ. وَمَعْنَى النَّهْيِ أَنْ يَخْتَصَّهُ الرَّجُلُ بِالصِّيَامِ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ يُعَظِّمُونَهُ، وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي دَاوُد إنَّ الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ وَمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّهُ كِذْبٌ فَمَرْدُودٌ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ لَيْسَ كَمَا قَالَا وَقَدْ صَحَّحَهُ الْأَئِمَّةُ قَالَ الْحَاكِمُ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَالصَّوَابُ عَلَى الْجُمْلَةِ كَرَاهَةُ إفْرَادِهِ إذَا لَمْ يُوَافِق عَادَةً لَهُ اهـ وَاعْتَرَضَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ بِمَا فِيهِ نَظَرٌ بَلْ مَا صَوَّبَهُ ظَاهِرٌ، وَإِنْ جَلَّتْ مَرْتَبَةُ مَالِكٍ فَضْلًا عَنْ أَبِي دَاوُد وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَكْثَرُ مَا يَصُومُ مِنْ الْأَيَّامِ يَوْمَ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ وَكَانَ يَقُولُ إنَّهُمَا يَوْمَا عِيدٍ لِلْمُشْرِكِينَ فَأُحِبُّ أَنْ أُخَالِفَهُمْ» ؛ لِأَنَّ صَوْمَهُمَا لَا إفْرَادَ فِيهِ فَلَا مُشَابَهَةَ فِيهِ لِفِعْلِ الْكُفَّارِ إذْ تَعْظِيمهمَا مَعًا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَانْدَفَعَ اسْتِدْلَالُ الْأَذْرَعِيِّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَه إفْرَادُ أَحَدِهِمَا بِالصَّوْمِ قَالَ الْحَلِيمِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ وَكَانَ الْمَعْنَى فِي كَرَاهَةِ يَوْمِ السَّبْتِ أَنَّ الصَّوْمَ إمْسَاكٌ وَتَخْصِيصَهُ بِالْإِمْسَاكِ عَنْ الْأَشْغَالِ مَنْ عَوَائِد الْيَهُودِ. وَتَبِعَهُ تِلْمِيذُهُ الْإِمَامُ الْبَيْهَقِيّ فَقَالَ كَانَ هَذَا النَّهْيُ إنْ صَحَّ أَيْ وَقَدْ صَحَّ كَمَا مَرَّ إنَّمَا هُوَ لِإِفْرَادِهِ بِالصَّوْمِ تَعْظِيمًا لَهُ فَيَكُونُ فِيهِ تَشْبِيهٌ بِالْيَهُودِ وَقَضِيَّةُ هَذَا الْمَعْنَى كَمَا قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ كَرَاهَةُ إفْرَادِ الْأَحَدِ أَيْضًا لِأَنَّ النَّصَارَى تُعَظِّمُهُ فَفِي إفْرَادِهِ تَشَبُّهٌ بِهِمْ وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ يُونُسَ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ الصَّغِيرِ وَجَزَمَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَرَّ أَنَّهُمَا لَا يُكْرَهُ صَوْمُهُمَا مَعًا لِأَنَّ الْمَجْمُوعَ لَمْ يُعَظِّمهُ أَحَدٌ مِنْ بَقِيَّةِ الْمِلَلِ وَحَمَلَ عَلَيْهِ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ خَبَرَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَكْثَرَ مَا يَصُومُ مِنْ الْأَيَّامِ يَوْمَ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ وَكَانَ يَقُولُ إنَّهُمَا يَوْمَا عِيدٍ لِلْمُشْرِكِينَ وَأُحِبُّ أَنْ أُخَالِفهُمْ وَكَذَلِكَ خَبَر التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَلَّ مَا كَانَ يُفْطِرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَحْمُولٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَصِلَهُ بِيَوْمِ الْخَمِيسِ. وَذَكَر الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إفْرَادُ عِيدٍ مِنْ أَعْيَادِ أَهْلِ الْمِلَلِ بِالصَّوْمِ كَفَصْحِ النَّصَارَى وَفَطِيرِ الْيَهُودِ وَيَوْمِ النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَان اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ قِيَاسٌ مَا مَرَّ فِي صَوْمِ السَّبْت وَالْأَحَد الْكَرَاهَة؛ لِأَنَّ فِي صَوْمِهَا تَعْظِيمًا لَهَا وَيُؤَيِّدهُ قَوْلُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَإِنَّمَا كُرِهَ إفْرَادُ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ عِيدُنَا أَهْلُ الْإِسْلَامِ وَأَهْلُ الْكِتَابِ يَصُومُونَ فِي عِيدِهِمْ فَكُرِهَ التَّشَبُّهُ بِهِمْ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنْ صَحَّ مَا ذَكَره عَنْهُمْ أَيْ مِنْ أَنَّهُمْ يَصُومُونَ يَوْمَ عِيدِهِمْ فَالْوَجْهُ كَرَاهَةُ إفْرَادِ أَيَّامِ أَعْيَادِهِمْ بِالصَّوْمِ عَكْسُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ لِمَا فِيهِ مَنْ مُوَافَقَتِهِمْ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْأَوْجُه كَرَاهَةُ صَوْمِهَا، وَإِنْ كَانُوا لَا يَصُومُونَهَا أَلَا تَرَى إلَى كَرَاهَةِ إفْرَادِ السَّبْتِ مَعَ أَنَّهُمْ لَا يَصُومُونَهُ وَكَذَا الْأَحَدِ لِمَا مَرَّ عَنْ الْحَلِيمِيِّ أَنَّ الصَّوْمَ إمْسَاكٌ وَتَخْصِيصَهُ بِالْإِمْسَاكِ عَنْ الْأَشْغَالِ مِنْ عَوَائِدِ الْيَهُودِ وَكَذَا فِي بَقِيَّةِ أَعْيَادِهِمْ فَقَالَ بِالْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ إمْسَاكٌ وَتَخْصِيصُ هَذِهِ الْأَيَّامِ بِالْإِمْسَاكِ عَنْ الْأَشْغَالِ مَنْ عَوَائِدِ الْكَفَرَةِ فَكُرِهَ التَّشَبُّه بِهِمْ فِي ذَلِكَ سَوَاءً كَانُوا يَصُومُونَهَا أَمْ لَا. وَيُكْرَهُ إدَامَةُ قِيَامِ كُلِّ اللَّيْلِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا تَبَعًا لِلْمُهَذَّبِ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَضُرُّ بِالْعَيْنِ وَسَائِرِ الْبَدَنِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ وَفَرَّقَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِ كَرَاهَةِ صِيَامِ الدَّهْرِ بِأَنَّ ذَاكَ مُضِرٌّ دُون هَذَا وَبِأَنَّ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ يُمْكِنهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ بِاللَّيْلِ مَا فَاتَهُ مِنْ أَكْلِ النَّهَارِ وَمُصَلِّي اللَّيْلِ لَا يُمْكِنهُ نَوْمُ النَّهَارِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ مَصَالِحِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ اهـ وَنَازَعَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي هَذَا الْفَرْقِ بِمَا فِيهِ نَظَرٌ وَدَعْوَاهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي اسْتِوَاؤُهُمَا يَرُدّهُمَا تَصْرِيحُ الْحَدِيثِ بِأَنَّ قِيَامَ كُلِّ اللَّيْلِ مُضِرٌّ وَلَمْ يُصَرِّح بِنَظِيرِهِ فِي صَوْمِ الدَّهْرِ وَحِكْمَتُهُ مَا مَرَّ وَأَنَّ مَنْ قَامَ كُلَّ اللَّيْلِ لَا يَحْتَاجُ لِنَوْمِ غَالِبِ النَّهَارِ بَلْ يَكْفِيه سَاعَةٌ مِنْهُ يَرُدّهَا أَنَّ الْحِسَّ بِخِلَافِهَا وَأَنَّ مَنْ قَامَهُ كُلَّهُ كَمَنْ هَجَعَ مِنْهُ هَجْعَةً فَلَا يُكْرَهُ لِلْأَوَّلِ قِيَامُهُ كَالثَّانِي يَرُدّهَا الْحِسّ أَيْضًا إذْ نَوْمُ بَعْضِهِ، وَإِنْ قَلَّ يُزِيلُ ضَرَرَهُ بِخِلَافِ سَهَرِ كُلِّهِ وَالْكَلَامُ فِي الْقَوِيِّ الْقَادِرِ الْفَارِغِ عَنْ الشَّوَاغِلِ الْمُتَلَذِّذ بِمُنَاجَاةِ

الْحَبِيبِ الْمُنْعِمِ بِهَا ثُمَّ اُسْتُحْسِنَ قَوْلُ صَاحِبِ الِانْتِصَارِ يُكْرَه قِيَامُ اللَّيْلِ كُلِّهِ لِمَنْ يُضْعِفُهُ ذَلِكَ عَنْ الْفَرَائِضِ، وَقَوْلُ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ قِيَامُ كُلِّهِ فِعْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الرِّفْقِ بِالْأُمَّةِ وَإِنَّمَا يُقَال ذَلِكَ فِيمَنْ يَجِد بِهِ مَشَقَّةً يَخْشَى مِنْهَا مَحْذُورًا وَإِلَّا فَيُسْتَحَبُّ لَهُ لَا سِيَّمَا بِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ وَمَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَخَفْ ضَرَرًا لَمْ يُكْرَه لَهُ وَرِفْقه بِنَفْسِهِ أَوْلَى اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ إطْلَاقُ الْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ يَضُرُّ فَلَا فَرْقَ بَيْن مَنْ يَجِد مِنْهُ ضَرَرًا أَوْ لَا؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَجِد مِنْهُ لَا بُدَّ أَنْ يَجِدَهُ وَلَوْ بَعْد مُدَّةٍ فَكَانَ الْمُعْتَمَدُ مَا أَطْلَقَهُ النَّوَوِيُّ وَصَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَقَالَ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ كَلَامُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ظَاهِرُهُ التَّقْيِيدُ بِالْإِضْرَارِ وَجَمِيعُ مَا ذُكِرَ يَحْرُم لَهُ فَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ اهـ فَإِنْ أَرَادَ الْإِضْرَارَ بِالْفِعْلِ فَلَا نُسَلِّم أَنَّ كَلَامَ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ أَرَادَ مَظِنَّةَ الْإِضْرَارِ فَهُوَ مَا قُلْنَاهُ وَكَلَامُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ دَالٌ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالتَّقْيِيدُ بِقِيَامِ اللَّيْلِ كُلِّهِ ظَاهِرُهُ انْتِفَاءُ الْكَرَاهَةِ لِتَرْكِ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالتَّوَجُّهُ إسْقَاطُ التَّقْيِيدِ وَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمِقْدَارِ الَّذِي يَضُرُّ سَوَاءً كَانَ هُوَ الْجَمِيعُ أَمْ لَا وَكَلَامُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ يَقْتَضِيه وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ قَرِيبًا مِنْهُ وَسَاقَ مَا مَرَّ عَنْهُ وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ مَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ لَيْسَ مِنْ وَقْتِ النَّوْمِ الْمُعْتَادِ وَأَيْضًا فَعِلَّةُ الْكَرَاهَةِ مَا يَنْشَأُ مِنْ الضَّرَرِ بِتَرْكِ النَّوْمِ فَإِنْ لَمْ يَقُمْ بَيْنهمَا وَلَمْ يَنَمْ فَالْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ لِخُلُوِّ كُلَّ اللَّيْلِ عَنْ النَّوْمِ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ الضَّرَرِ، وَإِنْ نَامَ فَقَدْ ارْتَكَبَ كَرَاهَةَ النَّوْمِ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَهِيَ أَشَدُّ اهـ. وَاحْتَرَزُوا بِقَوْلِهِمْ دَائِمًا عَنْ إحْيَاءِ بَعْضِ اللَّيَالِي فَإِنَّهُ لَا يُكْرَه؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحْيِي لَيَالِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَيُسَنُّ إحْيَاءُ لَيْلَتَيْ الْعِيدِ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا وَيُكْرَهُ أَيْضًا تَخْصِيصُ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ بِالْقِيَامِ أَيْ الصَّلَاة سَوَاءٌ لَيْلَةُ الرَّغَائِبِ وَغَيْرِهَا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَخُصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَمَّا مَا فِي الْإِحْيَاءِ مِنْ اسْتِحْبَابِ إحْيَائِهَا فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَامَ اللَّيْلَةَ الَّتِي قَبْلَهَا أَوْ اللَّيْلَةَ الَّتِي بَعْدَهَا كَمَا قَالُوا فِي صَوْمِ يَوْمِهَا كَذَلِكَ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ عِلَّةَ الْكَرَاهَةَ هُنَا أَنَّ قِيَامَهَا يُؤَدِّي إلَى الْإِضْعَافِ فِي يَوْمِهَا عَنْ الْوَظَائِفِ الدِّينِيَّةِ الْمَطْلُوبَةِ فِيهِ فَكَانَ كَصِيَامِ يَوْمِهَا وَمِنْ ثَمَّ لَا يُكْرَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ غَيْرَهَا عَلَى مَا اقْتَضَاهُ تَقْيِيدهمْ الْكَرَاهَةِ بِلَيْلَتِهَا وَبِذَلِكَ جَزَمَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمِنْهَاجِ وَلِلْأَذْرَعِيِّ احْتِمَالٌ بِالْكَرَاهَةِ؛ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَمَال إلَيْهِ الْغَزِّيُّ فَقَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا نَهَى عَنْ هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَغَيْرُهَا بِالْمَنْعِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ بِدْعَةٌ اهـ. وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا قَدَّمْته فِي سَبَبِ الْكَرَاهَةِ أَنَّ غَيْرَهَا لَيْسَ مُسَاوِيًا لَهَا فِي ذَلِكَ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ أَوْلَى، وَأَمَّا كَوْنُ تَخْصِيصِ غَيْرِهَا بِالْقِيَامِ بِدْعَةٌ فَلَا شَكَّ فِيهِ لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي أَنَّ هَذِهِ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ أَوْ مُبَاحَةٌ وَلَا دَلِيلَ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِمَا عَلِمْت مِنْ مَنْعِ الْقِيَاسِ عَلَى لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَيَحْرُمُ صَوْمُ الْعِيدَيْنِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَحِكْمَةُ ذَلِكَ مَا فِيهِ مِنْ الْإِعْرَاضِ عَنْ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ اهـ كَلَامُهُ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَنْ فَقِيهٍ يُحَدِّثُ أَنَّ صَوْمَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ مُسْتَحَبٌّ وَأَنَّ صَوْمَ رَجَب مُسْتَحَبٌّ وَصَوْمَ بَاقِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ أَيْضًا مُسْتَحَبٌّ وَأَنَّهُ الْمَشْهُورُ فِي الْكُتُبِ فَحَدَّثَ فَقِيهٌ آخَرُ أَنَّ صَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ وَرَجَب غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ وَنَهَى النَّاسَ عَنْ صَوْمِهِ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ تَرَكَ الصَّوْمَ لِأَجْلِ نَهْيِهِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَصُومُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس مِنْ رَجَب وَالنَّاهِي عَنْ الصَّوْمِ مُسْتَدِلٌّ بِمَا ذَكَره الْحَلِيمِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ مِنْ الصَّوْمِ الْمَكْرُوهِ اعْتِيَادُ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ كَالِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ وَذَكَر عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صَوْمِهَا فَقَالَ أَكْرَه أَنْ نُوَقِّت عَلَيْك يَوْمًا تَصُومهُ وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ لَا تَجْعَل عَلَيْك يَوْمًا حَتْمًا وَعَنْ أَنَسٍ إيَّاكَ أَنْ تَكُونَ اثْنَيْنِيًّا أَوْ خَمِيسِيًّا أَوْ رَجَبِيًّا قَالَ وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَصُومُهُمَا ثُمَّ تَرَكَهُ وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ أَنَّ تَخْصِيصَ يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ بِالصَّوْمِ دَائِمًا تَشْبِيهٌ بِرَمَضَانَ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُشَبَّهُ بِهِ مَا لَمْ يُشَبِّهُ اللَّهُ بِهِ اهـ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي التَّوَسُّطِ وَمَا قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ غَرِيبٌ اهـ فَمَا الصَّحِيحُ عِنْدكُمْ بَيِّنُوهُ لَنَا وَاضِحًا وَابْسِطُوا لَنَا الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ فَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ. (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

بِأَنَّ الصَّوَابَ مَعَ الْقَائِلِ بِاسْتِحْبَابِ صَوْم يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ وَرَجَب وَبَاقِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَمَنْ قَالَ إنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ وَنَهَى النَّاسَ عَنْ صَوْمِهِ فَهُوَ مُخْطِئٌ بَلْ وَآثِمٌ؛ لِأَنَّ غَايَةَ أَمْرِهِ أَنَّهُ عَامِّيٌّ وَالْعَامِّيُّ لَا يَجُوزُ لَهُ تَقْلِيدُ الْأَقْوَالِ الضَّعِيفَةِ وَالْأَخْذُ بِقَضِيَّتِهَا وَقَدْ اتَّفَقَ أَئِمَّتُنَا عَلَى ضَعْفِ مَقَالَةِ الْحَلِيمِيِّ الْمَذْكُورَة فِي السُّؤَالِ بَلْ عَلَى غَرَابَتِهَا وَشُذُوذِهَا وَأَنَّهَا مُنَابِذَةٌ لِلسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ بَسْطِ أَحْوَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صِيَامِهِ وَخُلَاصَته أَنَّ صِيَامَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي السَّنَةِ وَالشَّهْرِ عَلَى أَنْوَاعٍ وَلَمْ يَكُنْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُ الدَّهْرَ وَلَا يَقُومُ اللَّيْلَ كُلَّهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يُقْتَدَى بِهِ فَيَشُقُّ عَلَى أُمَّتِهِ وَإِنَّمَا كَانَ يَسْلُكُ الْوَسَطَ وَيَصُومُ حَتَّى يُظَنَّ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى يُظَنَّ أَنَّهُ لَا يَصُومُ وَيَقُومُ حَتَّى يُظَنَّ أَنَّهُ لَا يَنَامُ وَيَنَامُ حَتَّى يُظَنَّ أَنَّهُ لَا يَقُومُ. النَّوْعُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَصُومُ عَاشُورَاءَ» وَهُوَ عَاشِرُ الْمُحَرَّمِ وَفِي قَوْلٍ ضَعِيفٍ أَنَّهُ تَاسِعُهُ وَكَانَ صِيَامُهُ لَهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَحْوَالٍ: أَوَّلُهَا أَنَّهُ كَانَ يَصُومهَا بِمَكَّةَ وَلَا يَأْمُرُ النَّاسَ بِصِيَامِهِ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ عَائِشَةَ «كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَيْ قَبْلَ نُزُولِ الْوَحْيِ مُوَافَقَةً لَهُمْ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ عَاشُورَاءَ» أَيْ وُجُوبَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا أَوْ تَأَكَّدَ طَلَبُهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ سُنَّةً وَيُؤَيِّدهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَصُومهُ إلَّا أَنْ يُوَافِقَ صَوْمَهُ وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْيِين وَقْت الْأَمْرِ بِصَوْمِهِ وَهُوَ أَوَّلُ قُدُومِ الْمَدِينَةِ وَكَانَ فِي رَبِيعِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ الْأَمْرُ بِهِ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَفِيهَا فُرِضَ رَمَضَانُ فَلَمْ يَقَع الْأَمْرُ بِهِ إلَّا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ بَعْدَ فَرْضِ رَمَضَان فُرِضَ صَوْمُهُ لَهُ أَيْ التَّطَوُّع فَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا يَكُونُ نُسِخَ بِذَلِكَ. ثَانِيهَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَرَأَى صَوْمَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَتَعْظِيمِهِمْ لَهُ وَكَانَ يُحِبُّ مُوَافَقَتَهُمْ فِيمَا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ صَامَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ وَأَكَّدَ الْأَمْرَ بِصِيَامِهِ وَالْحَثَّ عَلَيْهِ حَتَّى كَانُوا يُصَوِّمُونَهُ أَطْفَالَهُمْ وَصِيَامُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ بِالْمَدِينَةِ فَلَمْ يَكُنْ اعْتِمَادًا عَلَى مُجَرَّدِ أَخْبَارِ آحَادِهِمْ بَلْ كَانَ بِوَحْيٍ أَوْ تَوَاتُرٍ أَوْ اجْتِهَادٍ وَقِيلَ اسْتِئْلَافًا لَهُمْ لَا اقْتِدَاءً بِهِمْ فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ لَمَّا زَالَ الِاسْتِئْلَافُ بِفَتْحِ مَكَّةَ أَحَبَّ مُخَالَفَتَهُمْ فَقَالَ «لَئِنْ بَقَيْتُ إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْقَابِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» . ثَالِثُهَا أَنَّهُ لَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ صِيَامَ عَاشُورَاء وَقَالَ «إنَّهُ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ» رَابِعُهَا أَنَّهُ عَزَمَ فِي آخِرِ عُمَرِهِ عَلَى ضَمِّ التَّاسِعِ إلَيْهِ مُخَالَفَةً لِأَهْلِ الْكِتَابِ فِي صِيَامِهِ كَمَا مَرَّ فَمَرَاتِبُ صَوْمِهِ ثَلَاثَةٌ أَدْنَاهَا صَوْمُهُ وَحْدَهُ ثُمَّ مَعَ التَّاسِعِ ثُمَّ مَعَهُ وَمَعَ الْحَادِيَ عَشَرَ فَهَذَا أَكْمَلُهَا وَصَحَّ أَنَّ صَوْمَ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ سَنَةً وَصَوْمَ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ فَصَوْمُهُ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِ عَاشُورَاءَ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ عِنْد جَمَاعَةٍ وَلِأَنَّهُ أَفْضَلُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الْعَمَلَ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْهُ فِي سَائِرِ السَّنَةِ وَقِيلَ إنَّهُ مَنْسُوبٌ لِنَبِيِّنَا وَعَاشُورَاء مَنْسُوبٌ لِمُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ - وَوَرَدَ مِنْ طُرُقٍ صَحَّحَ بَعْضَهَا بَعْضُ الْحُفَّاظِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ «مَنْ وَسَّعَ عَلَى عِيَالِهِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ السَّنَةَ كُلَّهَا» . النَّوْعُ الثَّانِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ. رَوَى الشَّيْخَانِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَصُمْ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَان فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ» وَفِي رِوَايَاتٍ «كَانَ يَصُومهُ إلَّا قَلِيلًا» وَبِهَا يُعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكُلِّ الْأَكْثَرُ أَوْ كَانَ مَرَّةً يَصُومهُ جَمِيعَهُ وَمَرَّةً يَصُومُ مُعْظَمَهُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ وُجُوبُهُ وَحِكْمَةُ إكْثَارِ الصَّوْمِ فِيهِ مَعَ نَصِّهِ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَ الصِّيَامِ مَا يَقَعُ فِي الْمُحَرَّم فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ صَوْمُ الْمُحَرَّمِ» أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَم ذَلِكَ إلَّا آخِرَ عُمْرِهِ فَلَمْ يَتَمَكَّن مِنْ كَثْرَةِ الصَّوْمِ فِي الْمُحَرَّمِ أَوْ اتَّفَقَ لَهُ مِنْ الْأَعْذَارِ كَالسَّفَرِ مَا مَنَعَهُ مِنْ كَثْرَةِ الصَّوْمِ فِيهِ أَوْ كَانَ يَشْتَغِلُ عَنْ صَوْمِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي مِنْ كُلِّ شَهْرٍ فَيَقْضِيهَا فِي شَعْبَانَ كَمَا وَرَدَ مِنْ طَرِيقٍ ضَعِيفٍ بَلْ فِيهَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَقَدْ رُمِيَ بِوَضْعِ الْحَدِيث أَوْ لِيُعَظِّمَ رَمَضَان كَمَا فِي

حَدِيثٍ ضَعِيفٍ أَيْضًا أَوْ لِأَنَّهُ يُغْفَلُ كَمَا فِي حَدِيثٍ صَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ عَنْ أُسَامَةَ قُلْت «يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَك تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ قَالَ ذَلِكَ شَهْرٌ تَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ فَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» فَأَشَارَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَنَّهُ لَمَّا اكْتَنَفَهُ شَهْرَانِ عَظِيمَانِ الشَّهْرُ الْحَرَامُ وَرَمَضَان اشْتَغَلَ النَّاسُ بِهِمَا فَغَفَلُوا عَنْهُ وَلِذَا ذَهَبَ كَثِيرُونَ إلَى أَنَّ صَوْمَ رَجَب أَفْضَلُ مِنْهُ. وَمِنْ فَوَائِدِ إحْيَاءِ الْوَقْتِ الْمَغْفُولِ عَنْهُ بِالطَّاعَةِ أَنَّهَا فِيهِ إخْفَاءٌ وَإِخْفَاؤُهَا سِيَّمَا بِالصَّوْمِ الَّذِي هُوَ سِرٌّ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ أَوْلَى وَأَنَّهَا فِيهِ أَشَقُّ لِتَأَسِّي النُّفُوسِ بِمَا تُشَاهِدُ مِنْ أَحْوَالِ أَمْثَالِهَا وَلِهَذَا سَهُلَتْ الطَّاعَاتُ عِنْد مَزِيدِ يَقَظَةِ النَّاسِ وَشَقَّتْ عِنْد بُعْدِ ذَلِكَ أَوْ؛ لِأَنَّهُ تُنْسَخُ فِيهِ الْآجَالُ كَمَا فِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ عَنْ عَائِشَةَ قُلْت «يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَكْثَرَ صِيَامِك فِي شَعْبَانَ قَالَ إنَّ هَذَا الشَّهْرَ يُكْتَبُ فِيهِ لِمَلَكِ الْمَوْتِ مَنْ يُقْبَضُ فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ لَا يُنْسَخَ اسْمِي إلَّا وَأَنَا صَائِمٌ» وَلِأَنَّهُ يَتَمَرَّنُ بِصَوْمِهِ عَلَى صَوْمِ رَمَضَانَ فَلَا يَأْتِي إلَّا وَقَدْ اعْتَادَ الصَّوْمَ وَسَهُلَ عَلَيْهِ فَلَا يَأْتِي رَمَضَانُ إلَّا وَهُوَ فِي غَايَةٍ مِنْ النَّشَاطِ. وَأَمَّا شَهْرُ رَجَب فَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَئِمَّتُنَا أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الشُّهُورِ لَكِنَّهَا مَقَالَةٌ ضَعِيفَةٌ بَلْ لَمْ يَصِحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَامَهُ بَلْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ صِيَامِهِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ وَقْفُهُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَحِينَئِذٍ فَلَا شَاهِدَ فِي ذَلِكَ لِكَرَاهَةِ صَوْمِ رَجَب خِلَافًا لِمَا وَرَدَ عَلَيْهِ بَلْ رَوَى أَبُو دَاوُد أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَدَبَ الصَّوْمَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَرَجَبُ أَحَدهَا وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُ فِي رَجَبٍ قَالَ نَعَمْ وَيُشَرِّفُهُ قَالَهَا ثَلَاثًا» وَقَدْ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ إنَّ فِي الْجَنَّةِ قَصْرًا لِصُوَّامِ رَجَبٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَبُو قِلَابَةَ مِنْ كِبَار التَّابِعِينَ لَا يَقُولُهُ إلَّا عَنْ بَلَاغٍ فَثَبَتَ نَدْبُ صَوْمِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ مَكْرُوهًا وَأَنَّ الْقَوْلَ بِالْكَرَاهَةِ فَاسِدٌ بَلْ غَلَطٌ بَلْ قَدْ عَلِمْت فَضْلَ صَوْمِ شَعْبَانَ وَمَعَ ذَلِكَ صَوْمُ رَجَب أَفْضَلُ مِنْهُ إذْ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ أَفْضَلَ الشُّهُورِ بَعْدَ رَمَضَان الْمُحَرَّم ثُمَّ بَقِيَّةُ الْحُرُمِ ثُمَّ شَعْبَان. النَّوْعُ الثَّالِثُ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَصُومُ عَشَرَ ذِي الْحِجَّةِ التِّسْعُ الْأَوَّلُ مِنْهَا» رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يَصُومُهَا وَعَنْ عَائِشَةَ عَنْ مُسْلِمٍ مَا رَأَيْته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَائِمًا قَطُّ نَفْيٌ وَغَيْرُهُ إثْبَاتٌ فَقُدِّمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا نَفَتْ رُؤْيَةَ نَفْسِهَا وَرَوَى الْبُخَارِيُّ «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْهُ فِي هَذِهِ يَعْنِي الْعَشْرَ الْأُولَى مِنْ ذِي الْحِجَّةِ» وَفِي رِوَايَةٍ «مَا مِنْ عَمَلٍ أَزْكَى عِنْد اللَّهِ وَلَا أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ خَيْرٍ يَعْمَلُهُ فِي عَشْرِ الْأَضْحَى» قِيلَ وَمِنْهُ يُؤْخَذ أَنَّ هَذَا الْعَشْرُ أَفْضَلُ مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ بَعْضهمْ وَهُوَ كَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِأَيَّامِهِ لِأَنَّ فِيهَا يَوْمَ عَرَفَة الَّذِي لَمْ يُرَ الشَّيْطَانُ أَحْقَرَ وَلَا أَذَلَّ وَلَا أَغْيَظَ مِنْهُ فِيهِ يُكَفَّرُ سَنَتَيْنِ وَفِيهَا يَوْمُ النَّحْرِ وَهُوَ أَعْظَمُ الْأَيَّام حُرْمَةً عِنْد اللَّهِ سَمَّاهُ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلَّيَالِيِ فَلَيَالِي عَشْرِ رَمَضَانَ الْأَخِيرِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَفَضْلُهَا مَعْلُومٌ مَشْهُورٌ وَدَلِيلُ هَذَا التَّفْصِيلِ تَعْبِيرُ الْخَبَرِ بِأَيَّامٍ دُون مَا مِنْ عَشْرٍ وَنَحْوِهِ. النَّوْعُ الرَّابِعُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَصُومُ فِي بَعْضِ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ وَالْأَيَّامَ الْبِيضَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ صِيَامَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الشَّهْرِ عَلَى أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ أَوَّلَ اثْنَيْنِ ثُمَّ الْخَمِيس ثُمَّ الْخَمِيس الَّذِي بَيْنه رَوَاهُ الْعَسَّالُ. ثَانِيهَا أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ مِنْ الشَّهْرِ السَّبْتَ وَالْأَحَدَ وَالِاثْنَيْنِ وَمِنْ الشَّهْرِ الْآخَرِ الثُّلَاثَاءَ وَالْأَرْبِعَاءَ وَالْخَمِيسَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَفِيهِ «أُنْزِلَ عَلَيَّ» رِوَايَةُ مُسْلِمٍ وَقَالَ «تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ أُسَامَةَ «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك تَصُومُ حَتَّى لَا تَكَادَ تُفْطِرُ وَتُفْطِرُ حَتَّى لَا تَكَادَ تَصُومُ إلَّا يَوْمَيْنِ إنْ دَخَلَا فِي صِيَامِك وَإِلَّا صُمْتَهُمَا قَالَ أَيُّ يَوْمَيْنِ قُلْت يَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ قَالَ ذَلِكَ يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الْأَعْمَالُ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» . وَهَذَا عَرْضٌ خَاصٌّ فِي هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ، وَأَمَّا الْعَرْضُ الدَّائِمُ فَهُوَ كُلُّ يَوْمٍ بُكْرَةً

وَعَشِيًّا وَلَا يُعَارِضُ مَا مَرَّ مِنْ صَوْمِ يَوْمِ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ صِحَّةَ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ السَّبْتِ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى إفْرَادِهِ. ثَالِثُهَا أَيَّامُ الْبِيضِ ثَالِثُ عَشَرَ وَرَابِعُ عَشَرَ وَخَامِسُ عَشَرَ رَوَى النَّسَائِيّ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُفْطِرُ أَيَّامَ الْبِيضِ فِي حَضَرٍ وَلَا سَفَرٍ» وَفِي حَدِيثِ مُسْلِم عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُبَالِي مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ كَانَ يَصُومُ الثَّلَاثَةَ» وَلَعَلَّهُ تَرَكَ تَعْيِينهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لِئَلَّا يُظَنُّ وُجُوبُهُ. رَابِعُهَا ثَلَاثَةٌ كَمَا مَرَّ عِنْد مُسْلِم. خَامِسُهَا ثَلَاثَةٌ أَوَّل كُلِّ شَهْرٍ رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ غُرَّةَ كُلِّ شَهْرٍ» وَيُسَنُّ أَيْضًا صَوْمُ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ وَتَالِيَيْهِ وَتُسَمَّى الْأَيَّامَ السُّودَ وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ مَسْأَلَةٍ وَقَعَ عَنْهَا جَوَابَانِ مُخْتَلِفَانِ صُورَتهَا إذَا أَخْبَرَ الثِّقَةُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ فَهَلْ يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى مَنْ أَخْبَرَهُ حَيْثُ اعْتَقَدَ صِدْقَهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرهُ عِنْد قَاضٍ أَمْ لَا يَجِب الصَّوْمُ عَلَى الْمُخْبِرِ إلَّا إذَا ذَكَره عِنْد قَاضٍ أَجَابَ الْأَوَّلُ فَقَالَ يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى مَنْ أَخْبَرَهُ الثِّقَةُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرهُ عِنْد قَاضٍ حَيْثُ اعْتَقَدَ صِدْقَهُ كَمَا ذَكَره ابْنُ عَبْدَانَ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْخُوَارِزْمِيُّ وَابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَغَيْرُهُمْ وَأَجَابَ الثَّانِي فَقَالَ لَا يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى مَنْ أَخْبَرَهُ الثِّقَةُ إذَا لَمْ يَذْكُرهُ عِنْد قَاضٍ، وَإِنْ اعْتَقَدَ صِدْقَهُ لِأُمُورٍ أَحَدُهَا أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِب الصَّوْمُ إلَّا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ لِأَنَّ الصَّحِيحَ الْمَنْصُوصَ الْمُتَّفَق عَلَيْهِ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ شَهَادَةٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنْ شَهِدَ ذَوَا عَدْلٍ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا» فَثَبَتَ أَنَّهُ شَهَادَةٌ بِنَصِّ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَإِمَامِ الْمَذْهَبِ فَتَعَيَّنَ الْأَخْذُ بِهِ وَإِطْرَاحُ مَا عَدَاهُ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي. الْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّ الشَّيْخَ الْإِمَامَ الصَّيْرَفِيّ نَائِبُ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ بِمِصْرَ الْمَحْرُوسَةِ أَجَابَ بِأَنَّ الرَّائِينَ إذَا لَمْ يَشْهَدُوا عِنْد حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ وَلَمْ يَثْبُتْ لَمْ يَلْزَم مَنْ لَمْ يَرَهُ الْعَمَلَ بِقَوْلِ مَنْ رَآهُ وَلَوْ كَثُرُوا وَلَهُ الْفِطْرُ إلَى اسْتِكْمَالِ شَعْبَان ثَلَاثِينَ وَكَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى آخِر يَوْمٍ مِنْهُ وَأَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ شَوَّال لَهُ اسْتِكْمَالُ رَمَضَانَ ثَلَاثِينَ إنْ لَمْ يَرَهُ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ وَقَدْ أَطْلَقَ الْإِمَامُ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - النَّقْلَ عَنْ الْإِمَامِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ فِيمَا إذَا أَخْبَرَ بِهِ مَنْ يُوثَقُ بِهِ أَيْ وَلَمْ يَثْبُت عِنْد قَاضٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَم الْمُخْبَر بِفَتْحِ الْبَاءِ الْعَمَلَ بِقَوْلِ الْمُخْبِرِ بِكَسْرِهَا إلَّا إذَا بَنَيْنَا عَلَى أَنَّهَا مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَمَّا إذَا بَنَيْنَا عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالْمَذْهَبُ فَلَا يَلْزَم الْمُخْبَرُ الْعَمَلَ بِقَوْلِ الْمُخْبِرِ ثُمَّ نَقَلَ أَيْ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ ابْنِ عَبْدَانِ وَمَنْ وَافَقَهُ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ الْعَمَلِ بِقَوْلِ الْمُخْبِرِ مُطْلَقًا وَلَمْ يُرَجِّحْ شَيْئًا مِنْهُمَا. لَكِنَّ قَضِيَّةَ تَقْدِيمِهِ النَّقْلُ عَنْ الْإِمَامِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَتَفْرِيعِهِ عَلَى ذَلِكَ وَبِنَائِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّهُ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ أَوْ الشَّهَادَةِ كَمَا ذَكَر يَقْتَضِي تَرْجِيحُ مَا قَالَاهُ أَيْ فِي أَنَّ طَرِيقَهُ الشَّهَادَةُ دُونَ الْإِخْبَارِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَإِنْ شَهِدَ ذَوَا عَدْلٍ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا» فَثَبَتَ أَنَّهَا شَهَادَةٌ وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَتَعَلَّقَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَيَلْزَم مِنْ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَنَّهُ شَهَادَةُ عَدْلٍ لُزُومَ الْعَمَلِ بِقَوْلِ الْمُخْبِرِ حَيْثُ لَمْ يَثْبُت عِنْد حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ كَمَا تَقَدَّمَ وَذَلِكَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَره الْإِمَامُ الْأَذْرَعِيُّ فِي التَّوَسُّطِ حَيْثُ قَالَ وَلَا أَحْسَبُ أَحَدًا يُنَازِعُ فِي أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَ الْحَاكِمُ رَعِيَّتَهُ أَنَّهُ رَأَى الْهِلَالَ أَوْ الْإِمَامُ الْعَادِلُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمهُمْ الصَّوْمُ إلَّا أَنْ يُشْهَدَ بِهِ عِنْد قَاضٍ آخَر بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ اهـ جَوَاب الصَّيْرَفِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَيُؤَيِّدهُ قَوْلُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ ابْنِ نَاصِرٍ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ أَنَّ كَلَامَ النَّاظِمِ أَفْهَم أَنَّهُ إذَا أَخْبَرَهُ بِالرُّؤْيَةِ مَنْ يُعْتَقَدُ صِدْقُهُ وَلَمْ يَتَّصِل بِالْحَاكِمِ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لَهُ اهـ وَقَدْ صَرَّحَ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْوُجُوبِ عَلَى مَنْ لَمْ يَرَهُ مِنْ ثُبُوتِ رُؤْيَتِهِ عِنْد الْقَاضِي اهـ وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ إذَا ثَبَتَتْ الشَّهَادَةُ عِنْد الْإِمَامِ لَزِمَ النَّاسَ كُلَّهُمْ الصِّيَامُ اهـ. وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَثْبُت الشَّهَادَةُ عِنْد الْإِمَامِ لَا يَلْزَمُ النَّاسَ الصِّيَامُ وَأَجَابَ بِنَحْوِ جَوَابِ الصَّيْرَفِيِّ أَيْضًا بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ عُلَمَاءِ الْيَمَنِ حَيْثُ قَالَ لَا أَثَرَ لِلشَّهَادَةِ عِنْد غَيْرِ الْقَاضِي وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا حُكْمٌ صَحِيحٌ وَذَلِكَ مَا تَقْتَضِيه نُصُوصُ الْمَذْهَبِ وَمَفَاهِيمه فَإِنْ كَانَ فِي هَذِهِ

الشَّاغِرَةِ عَنْ الْحُكَّامِ مَنْ يُسْمَعُ كَلَامُهُ وَيُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَنُصِّبَ فِي الْبَلَدِ عَارِفًا بِالْأَحْكَامِ فَقِيهًا نَفَذَ حُكْمُهُ وَسَمَاعُهُ أَدَاءَ الشَّهَادَاتِ بِمَا يَقْتَضِيه الشَّرْعُ الشَّرِيفُ كَمَا ذَكَره فِي الْعَزِيزِ وَالرَّوْضَةِ وَالْأَنْوَارِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَنْ هُوَ كَذَلِكَ فَلَا اهـ ثُمَّ سُئِلَ أَيْضًا عَنْ بِلَادٍ لَيْسَ فِيهَا سُلْطَانٌ وَلَا قَاضٍ وَفِيهَا رَجُلٌ يَظُنّ أَنَّهُ يَعْرِفُ شَيْئًا مِنْ الْعِلْمِ فَيَأْتِيه عَدْلٌ وَاحِدٌ يَشْهَدُ عِنْده بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ فَيَمْتَنِعُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ قَاضٍ فَهَلْ امْتِنَاعُهُ مِنْ ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابُ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّ امْتِنَاعَهُ مِنْ ذَلِكَ هُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ سَمَاعَ الشَّهَادَةِ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ وَأَمْثَالِهِ وَالْحُكْمُ بِهَا لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ لِكَوْنِهِ غَيْر قَاضٍ لَكِنْ يَتَعَيَّن عَلَى أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ تَوْلِيَةُ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَإِعَانَته فَإِنْ فَعَلُوا وَإِلَّا أَثِمُوا لِإِخْلَالِهِمْ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ وَيَجِبُ تَنْبِيههمْ عَلَى ذَلِكَ وَإِعْلَامُهُمْ وَزَجْرُهُمْ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ وَجَبَ عَلَى مَنْ وَلَّوْهُ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ وَالْحُكْمُ بِمَا يَقْتَضِيه الشَّرْعُ الشَّرِيفُ فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَم اهـ جَوَابُهُ ثُمَّ أَجَابَ بِنَحْوِ جَوَابِهِمَا أَيْضًا بَعْضُ عُلَمَاءِ مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ فَقَالَ إذَا لَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ شَهْرَ رَمَضَانَ عِنْد نُقْصَانِ شَعْبَان فَلَا يَلْزَمُ الصَّوْمُ وَصَوْمُ الْغَيْرِ لَيْسَ بِحُجَّةِ عَلَى الْغَيْرِ، وَأَمَّا جَوَازُ صَوْمِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ يَوْمَ شَكٍّ فَهُوَ جَائِزٌ، وَإِنْ رَأَى هِلَالَ الْفِطْرِ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ إلَّا إذَا ادَّعَى عِنْد قَاضٍ أَوْ مُحَكَّمٍ مِنْ جِهَةِ أَهْلِ الْبَلَدِ كُلِّهِمْ اهـ جَوَابُهُ. وَيُؤَيِّدُ هَذِهِ الْأَجْوِبَةَ مَا أَجَابَ بِهِ الشَّيْخُ الْإِمَامُ ابْنُ نَاصِرٍ حَيْثُ قَالَ لَا بُدَّ مِنْ صِيغَةِ الشَّهَادَةِ وَيَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ قَالَ لَكِنَّ هَذَا حَيْثُ كَانَ فِي الْبَلَدِ قَاضٍ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ أَمًّا الْمَكَانُ الَّذِي لَا قَاضِيَ فِيهِ فَيَجِبُ أَنْ يُنَصِّبُوا مُحَكَّمًا يَسْمَعُ الشَّهَادَةَ اهـ وَبِنَحْوِهِ أَجَابَ الشَّرِيفُ السَّمْهُودِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمُقْتَضَى هَذَا وَمَا سَبَقَ مِنْ الْأَجْوِبَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الصَّوْمُ إلَّا بِالشَّهَادَةِ عِنْد قَاضٍ أَوْ مُحَكَّمٍ مَنْصُوب وَذَكَر الْإِمَامُ الْعِمَادُ الْأَقْفَهْسِيُّ فِي تَوْقِيفِ الْحُكَّامِ أَنَّ الْأَصْحَابَ ذَكَرُوا وَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ أَخْبَرَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ عَدْلٌ وَاحِدٌ أَوْ عُدُولٌ هَلْ يَجِبُ الصَّوْمُ إنْ قُلْنَا أَنَّهُ رِوَايَةٌ وَجَبَ، وَإِنْ قُلْنَا أَنَّهُ شَهَادَةٌ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْد صَاحِبِ الشَّامِلِ اهـ. وَفِي مَوْضِعٍ آخَر مِنْ تَوْقِيفِ الْحُكَّامِ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَهُ عَدْلَانِ بِرُؤْيَتِهِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ لَمْ يَلْزَم الصَّوْمُ عَلَى الصَّحِيحِ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّهُ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ الشَّهَادَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ اهـ فَيُفْرَض الْكَلَامُ فِي أَنَّ طَرِيقَهُ طَرِيقُ الشَّهَادَةِ دُونَ الْإِخْبَارِ لِمَا سَبَقَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنْ شَهِدَ ذَوَا عَدْلٍ فَصُومُوا» فَثَبَتَ أَنَّهَا شَهَادَةٌ وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَتَعَلَّقَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْإِخْبَارِ بِهِ حُكْمَ الشَّهَادَاتِ قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ نَاصِرٍ، وَقَوْل النَّاظِمِ: كَمِثْلِ أَنْ يَنْوِيَ صَوْمَ الْغَدِ ... عَنْ فَرِيضَةِ الشَّهْرِ بِجَزْمٍ أَوْ بِظَنٍّ أَنَّ الظَّنَّ إمَّا بِرُؤْيَتِهِ أَوْ ثُبُوتِهِ لَدَى الْقَاضِي اهـ قَالَ الشَّيْخَانِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْكَلَامِ عَلَى النِّيَّةِ إذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِشَهَادَةٍ أَوْ وَاحِدٌ إذَا جَوَّزْنَاهُ وَجَبَ الصَّوْمُ اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الصَّوْمُ إلَّا إذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ كَمَا سَبَقَ وَيُؤَيِّدهُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ شَرَطْنَا عَدْلَيْنِ فَلَا مَدْخَلَ لِلنِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ وَيُشْتَرَطُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَتَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَاضِي اهـ. وَأَطْلَقَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ فِي النَّقْلِ عَنْ الْإِمَامِ اشْتِرَاطَ الشَّهَادَةِ بِهِ عِنْد الْقَاضِي وَذَكَره أَيْضًا الْبَارِزِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرهمْ. الْأَمْرُ الرَّابِعُ سَبَقَ أَنَّ الْإِمَامَ وَابْنَ الصَّبَّاغِ ذَكَر أَنَّ مَا اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدَانَ وَمَنْ وَافَقَهُ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ قَبُولَ قَوْلِ الْوَاحِدِ بِطَرِيقِ الرِّوَايَةِ اهـ فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُمْ فِيمَنْ لَمْ يَبْلُغ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ فَيُرَجَّحُ عِنْده ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الَّذِي هُوَ عُمْدَةُ الْمَذْهَبِ عَنْ الْإِمَامِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ الصَّلَاحِ مِنْ غَيْرِ اعْتِرَاضٍ عَلَيْهِ أَنَّ حُكْمَ مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلتَّخْرِيجِ أَنْ لَا يَتَّبِعَ شَيْئًا مِنْ اخْتِيَارَاتهمْ؛ لِأَنَّهُ مُقَلِّدٌ لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - دُونَ غَيْرِهِ اهـ وَظَاهِرُهُ أَنَّ مُقَلِّدَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَّبِعَ شَيْئًا مِنْ اخْتِيَارَاتِهِمْ إذَا لَمْ

يَبْلُغ دَرَجَةَ الِاجْتِهَادِ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَّبِعَ نَصَّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَسْأَلَتِنَا الْمَسْئُول عَنْهَا فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ مُقَلِّدٌ لِلْإِمَامِ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلِقِ لَا يَجُوز لِلْمُقَلِّدِ لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَتْرُكَ مَذْهَبَ إمَامِهِ وَيَعْمَل بِمَا قَالَهُ الْمُجْتَهِدُ الْمُقَلِّد كَذَا أَفْتَى بِهِ الْإِمَامُ الْكَازَرُونِيُّ شَيْخُ الْحَرَمِ النَّبَوِيِّ وَهُوَ أَيْضًا نَصٌّ فِي مَسْأَلَتِنَا. وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَيْضًا لَا يَجُوزُ لِمُفْتٍ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يُفْتِيَ بِمُصَنَّفٍ أَوْ مُصَنَّفِينَ وَنَحْوِهِمَا مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِنَا لِكَثْرَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْجَزْمِ وَالتَّرْجِيحِ وَقَدْ يَجْزِمُ نَحْوُ عَشَرَةٍ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ بِشَيْءٍ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْمَنْصُوصِ وَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُور اهـ وَهَذَا أَيْضًا مِثْلُ مَا سَبَقَ مِنْ اخْتِيَارِ ابْنِ عَبْدَانَ وَمَنْ وَافَقَهُ وَقَالَ الْإِمَامُ الْأَزْرَقِيُّ لَوْ وَجَدَ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّرْجِيحِ اخْتِلَافًا لِلْأَصْحَابِ فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَالْوَجْهَيْنِ اعْتَمَدَ تَصْحِيحَ الْأَكْثَرِ اهـ وَفِي مُقَدِّمَةِ الْمُهِمَّاتِ أَنَّ الرَّافِعِيَّ وَالنَّوَوِيَّ لَمْ يُخَالِفَا نَصَّ الشَّافِعِيِّ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ جِدًّا فَأَجَابَاهُ بِمَا وَجَدَاهُ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ إلَّا ذُهُولًا عَنْ النَّصِّ قَالَ وَكَثِيرًا مَا يُخَالِف الْأَصْحَابُ النَّصَّ لَا عَنْ قَصْدٍ وَلَكِنْ لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِمْ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ اهـ. وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ الْأَصْبَحِيُّ، وَإِذَا وُجِدَ لِلشَّافِعِيِّ نَصٌّ وَالتَّصْحِيحُ بِخِلَافِهِ فَالِاعْتِمَادُ عَلَى نَصِّهِ إذْ الْفَتْوَى فِي هَذَا الزَّمَانِ إنَّمَا هِيَ عَلَى الْأَصَحِّ عَلَى طَرِيقِ التَّقْلِيدِ لَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتَقْلِيدُهُ أَوْلَى مِنْ تَقْلِيدِ غَيْرِهِ فَقَدْ كَانَ شُيُوخُ الْمَذْهَبِ لَا يُفْتُونَ إلَّا بِهِ، وَإِنْ كَانَ عِنْدهمْ بِخِلَافِهِ فَإِنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ كَانَ كَثِيرًا مَا يَقُولُ فِي تَعْلِيقِهِ كُنْت أَذْهَبُ إلَى كَذَا وَكَذَا حَتَّى رَأَيْت نَصَّ الشَّافِعِيِّ عَلَى كَذَا وَكَذَا ثُمَّ آخُذُ بِالنَّصِّ وَأَتْرُكُ مَا كُنْت عَلَيْهِ اهـ كَلَامُ الْأَصْبَحِيِّ وَقَالَ الْإِمَامُ الْإِسْنَوِيُّ لَا اعْتِبَار مَعَ نَصِّ صَاحِبِنَا بِمُخَالَفَةِ غَيْرِهِ بَلْ يَجِبُ الْمَصِيرُ إلَى النَّصِّ وَلَوْ كَانَ الْمُخَالِفُونَ لَهُ أَكْثَرَ فَإِنْ تَسَاوَوْا رَجَّحْنَا بِنَصِّ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ التَّرْجِيحَ تَارَةً يَكُونُ بِبَيَانِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ التَّرْجِيحَانِ مِقْدَارًا وَأَعْلَاهَا مَنَارًا وَتَارَةً بِمُوَافَقَةِ الْأَكْثَرِينَ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْأَخْذ بِهِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ كَيْف تُسَوِّغُ الْفَتْوَى بِمَا يُخَالِفُ نَصَّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَلَامَ الْأَكْثَرِينَ وَلَا مُعَوِّلَ عَلَى تَصْحِيحٍ يُخَالِف ذَلِكَ بَلْ هُوَ ضَعِيفٌ ثُمَّ قَالَ وَلَا شَكَّ أَنَّ صَاحِبَ الْمَذْهَبِ إذَا كَانَ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ نَصٌّ وَجَبَ عَلَى أَصْحَابِهِ الرُّجُوعُ إلَيْهِ فِيهَا فَإِنَّهُمْ مَعَ الشَّافِعِيِّ كَالشَّافِعِيِّ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ مَعَ نُصُوصِ الشَّارِعِ وَلَا يُسَوَّغُ الِاجْتِهَادُ عِنْد الْقُدْرَةِ عَلَى النَّصِّ ثُمَّ قَالَ هُوَ وَالْأَذْرَعِيُّ لَا عُذْرَ لِأَحَدٍ فِي مُخَالَفَةِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ. زَادَ الْأَذْرَعِيُّ وَمَتَى وُجِدَ لِلشَّافِعِيِّ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ طَاحَ مَا خَالَفَهُ. الْأَمْرُ الْخَامِسُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إذَا امْتَنَعُوا مِنْ مُخَالَفَةِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَهُمْ بَلَغُوا دَرَجَةَ الِاجْتِهَادِ فَالِامْتِنَاعُ لِمَنْ لَمْ يَبْلُغهَا أَوْلَى فَحِينَئِذٍ الْحَاصِل مِنْ هَذِهِ النُّقُولِ الصَّحِيحَةِ وَالنُّصُوص الصَّرِيحَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الصَّوْمُ لِمَا سَبَقَ عَنْ ابْنِ عَبْدَانَ وَمَنْ وَافَقَهُ إذَا لَمْ يَذْكُرهُ عِنْد الْقَاضِي لِمُخَالَفَتِهِمْ مَا سَبَقَ مِنْ النُّقُولِ وَالنُّصُوصِ وَلِعَدَمِ جَوَازِ تَقْلِيدِهِمْ فِيهِ لِمَنْ لَمْ يَبْلُغ دَرَجَةَ الِاجْتِهَادِ كَمَا سَبَقَ عَنْ النَّوَوِيِّ نَقْلُهُ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ. الْأَمْر السَّادِسُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَثْبُت عِنْد قَاضٍ حَرُمَ صَوْمُهُ عَنْ رَمَضَانَ لِمَنْ لَمْ يَرَ الْهِلَالَ بِنَفْسِهِ، وَأَمَّا مَنْ رَآهُ فَنَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ سُلَيْمٍ الرَّازِيِّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَثْبُت لَمْ يُجْزِئْهُ صَوْمُهُ وَمُقْتَضَى كَلَامِ غَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ صَوْمُهُ وَيُجْزِئْهُ اهـ، وَفِي الْحَدِيثِ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَشْتَرِط فِي تَكْلِيفِ كُلِّ وَاحِدٍ بِالصَّوْمِ رُؤْيَةُ نَفْسِهِ بَلْ يَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مَنْ تَثْبُت بِهِ الرُّؤْيَةُ كَذَا قَالَ الْكَبْكَادِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِرُؤْيَةِ مَنْ لَا تَثْبُتُ بِهِ الرُّؤْيَةُ بَلْ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْره إذَا لَمْ يَتَحَدَّث النَّاسُ بِرُؤْيَتِهِ وَلَمْ يَثْبُت عِنْد قَاضٍ فَهُوَ يَوْمُ شَكٍّ قَالَ الشَّيْخَانِ فِي الْعَزِيزِ وَالرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ إذَا وَقَعَ فِي الْأَلْسُنِ أَنَّهُ رُئِيَ وَلَمْ يَقُلْ عَدْلٌ أَنَا رَأَيْته أَوْ قَالَ وَلَمْ يَقْبَل الْوَاحِدُ أَوْ قَالَهُ عَدَدٌ مِنْ النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَالْفُسَّاقِ وَظُنَّ صِدْقُهُمْ فَهُوَ يَوْمُ شَكٍّ وَعِبَارَةُ الْوَلِيِّ الْعِرَاقِيِّ إذَا شَهِدَ عَدَدٌ مِنْ الْفُسَّاقِ وَظُنَّ صِدْقُهُمْ فَهُوَ يَوْمُ شَكٍّ وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ اهـ. جَوَاب الثَّانِي فَمَا الرَّاجِحُ عِنْدكُمْ مِنْ الْجَوَابَيْنِ أَبْقَاكُمْ اللَّهُ تَعَالَى

لِلْمُسْلِمِينَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِقَوْلِهِ قَدْ رَفَعْتُمْ إلَيَّ مِنْ قَدِيمٍ هَذَا السُّؤَالَ بِعَيْنِهِ وَأَجَبْتُكُمْ عَنْهُ بِجَوَابٍ مَبْسُوطٍ مُسْتَوْفٍ لِرَدِّ جَمِيعِ مَا قَالَهُ الْمُجِيبُ الثَّانِي لَفْظَةً بِلَفْظَةٍ وَعَلَى فَرْضِ أَنَّ بَيْن جَوَابَيْهِ تَخَالُفًا فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ فَالْحُكْمُ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَا حَاجَةَ بِنَا إلَى بَسْطِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ ثَانِيًا بَلْ نَكْتَفِي بِمَا قَدَّمْنَاهُ وَنُشِيرُ لَكُمْ هُنَا إلَى خُلَاصَةِ الْمُعْتَمَدِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنَّ مَنْ أَخْبَرَهُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ عَدْلٌ مَوْثُوقٌ بِهِ وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهُ لَزِمَهُ الصَّوْمُ عَلَى الْمَنْقُولِ الْمُعْتَمَدِ سَوَاء قُلْنَا إنَّ ثُبُوتَ رَمَضَانَ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ أَمْ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى عُمُومِ النَّاسِ، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِوُجُوبِهِ عَلَى الرَّائِي وَمَنْ أَخْبَرَهُ مَوْثُوقٌ بِهِ وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهُ فَلَا يَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ بَلْ يَكْتَفِي بِهِ وَيَجِبُ بِهِ الصَّوْمُ. وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْته يُحْمَلُ اخْتِلَافُ الْأَصْحَابِ فَمَنْ قَالَ لَا يَجِبُ الصَّوْمُ إلَّا أَنْ تَثْبُت الرُّؤْيَةُ عِنْد الْقَاضِي أَيْ أَوْ الْمُحَكَّمِ فَمُرَادُهُ لَا يَجِبُ عَلَى عُمُومِ النَّاسِ وَمَنْ قَالَ يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى مَنْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ مَوْثُوقٌ بِهِ أَرَادَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى خُصُوصِ الْمُخْبَرِ الَّذِي أَخْبَرَهُ مَوْثُوقٌ بِهِ وَوَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا تَخَالُفَ بَيْنَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَلَا تَنَاقُضَ كَمَا ظَنَّهُ الْمُجِيب الثَّانِي وَمَنْ اغْتَرَّ بِهِ مِنْ قَائِلِي تِلْكَ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي ذَكَرهَا وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ إنْ تَأَمَّلْته يَظْهَرُ لَك انْدِفَاعُ جَمِيعِ مَا قَالَهُ وَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ نَقَلَ عَنْهُ مَا يُخَالِفُ ظَاهِرُهُ مَا قُلْنَاهُ وَيَظْهَرُ لَك أَيْضًا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ وُجُوبِ اتِّبَاعِ الْأَكْثَرِينَ وَمَا فَرَّعَهُ عَلَى ذَلِكَ مِمَّا أَطَالَ بِهِ لَيْسَ كُلُّهُ فِي مَحِلِّهِ لِمَا تَقَرَّرَ لَك أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ فِي الْحَقِيقَةِ بَيْن الْكَلَامَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَتَكَلَّمُ فِيهَا وَأَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّأْيَيْنِ لَهُ مَحْمَلٌ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ شَخْصٍ أَدْخَلَ فِي اللَّيْلِ مِنْ رَمَضَانَ قُطْنَةً فِي إحْلِيلِهِ احْتِيَاطًا لِلْبَوْلِ ثُمَّ نَزَعَهَا بَعْد أَنْ أَصْبَحَ فَهَلْ هَذِهِ كَمَسْأَلَةِ الْخَيْطِ أَوْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِنَزْعِهَا قَالَ وَلَيْسَتْ هَذِهِ كَمَسْأَلَةِ الْخَيْطِ لِأَنَّ إخْرَاجَهُ عَمْدًا اسْتِقَاءَةٌ وَيَتَّضِحُ بِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا الْإِمْسَاكَ عَنْ مِثْلِهِ دَاخِلًا فِي حَقِيقَةِ الصَّوْمِ كَمَا يَقْتَضِيه تَفْسِيرُهُمْ بِأَنَّهُ الْإِمْسَاكُ عَنْ نَحْوِ الْجِمَاعِ مِنْ إدْخَالِ عَيْنٍ إلَى مَا يُسَمَّى جَوْفًا الثَّانِي أَنَّ الْفِطْرَ بِالِاسْتِقَاءَةِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ وَالْمُعْتَمَدُ عِنْد الْأَصْحَابِ فِي التَّعْلِيلِ أَنَّهَا مُفْطِرَةٌ لَعَيْنِهَا كَالْإِنْزَالِ بِالِاسْتِمْنَاءِ وُقُوفًا مَعَ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَقِيلَ بِرُجُوعِ شَيْءٍ إلَى الْجَوْفِ، وَإِنْ قَلَّ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ وَالْفَرِيقَانِ مُتَّفِقُونَ عَلَى عَدَمِ اسْتِنْبَاطِ مَعْنًى يَعُودُ بِالتَّعْمِيمِ وَهُوَ الْإِلْحَاقُ قِيَاسًا إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الِاسْتِقَاءَةِ كَوْنُهَا خُرُوجُ خَارِجٍ مِنْ جَوْفٍ كَمَا زَعَمَهُ مَنْ أَلْحَقَ إخْرَاجَ الْقُطْنَةِ مِنْ الْإِحْلِيلِ بِالِاسْتِقَاءَةِ قِيَاسًا أَمَّا الْمُعَلِّلُونَ بِالْعَيْنِ فَوُقُوفًا مِنْهُمْ مَعَ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ عَنْهُمْ. وَأَمَّا الْمُعَلَّلُونَ بِالثَّانِي فَتَعْلِيلُهُمْ نَافٍ لِذَلِكَ صَرِيحًا كَمَا لَا يَخْفَى وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ قَبَّلَ امْرَأَةً أَوْ تَلَذَّذَ بِهَا فَأَمْذَى لَمْ يُفْطِر اتِّفَاقًا وَلَمْ يُلْحِقُوهُ بِالِاسْتِمْنَاءِ بِجَامِعِ خُرُوجِ خَارِجٍ مِنْ الذَّكَرِ بِمُبَاشَرَةٍ نَظَرًا إلَى أَنَّ الِاسْتِمْنَاءِ مُفْطِرٌ بِعَيْنِهِ وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ امْرَأَةٌ ظَنَّتْ إيقَاعَ الْحَيْضِ لَيْلًا فَتَحَمَّلَتْ قُطْنَةً وَنَوَتْ الصَّوْمَ ثُمَّ أَخْرَجَتْهَا بَعْد الْفَجْرِ وَلَمْ تَرَ أَثَرًا فَهَلْ يَضُرُّ هَذَا الْإِخْرَاجُ، وَإِذَا أَدْخَلَتْ أُصْبُعَهَا لِبَاطِنِ الْفَرْجِ لِلِاسْتِنْجَاءِ هَلْ يَضُرُّ أَيْضًا؟ أَجَابَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُخَرَّجًا عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ ابْتِلَاعَ النُّخَامَةِ مِنْ الْبَاطِن هَلْ يَلْتَحِقُ بِالْقَيْءِ فِي الْإِفْطَارِ وَالْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَإِدْخَالُ أُصْبُعِهَا إلَى بَاطِنِ الْفَرْجِ مُفْطِرٌ كَمَا فِي مِثْلِهِ مِنْ الْمَعِدَةِ وَوَجْهُ تَرَدُّده وَإِنْ صَحَّحَ مَا يُوَافِق مَا مَرَّ اسْتِلْزَامُ إخْرَاجِ الْقُطْنَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ لِإِدْخَالِ أُصْبُعِهَا غَالِبًا، وَتَخْرِيجُهُ عَلَى مَا ذَكَره وَجْهُهُ أَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا فَاحْتُمِلَ أَنْ يُقَال إنَّ الْمُنَافِيَ يُغْتَفَرُ فِيهِمَا لِأَجْلِ ذَلِكَ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّته عَنْ الْمُمْسِك فِي رَمَضَانَ هَلْ يُكْرَه لَهُ السِّوَاكُ بَعْدَ الزَّوَالِ كَالصَّائِمِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ظَاهِرُ الْخَبَرِ تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِالصَّائِمِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَضَاءِ يَوْمِ ثَلَاثِينَ شَعْبَان إذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ وَلَيْسَ يَوْمُ شَكٍّ لِكَوْنِهِ لَمْ يَتَحَدَّث

النَّاسُ بِرُؤْيَتِهِ هَلْ يَجِبُ قَضَاؤُهُ فَوْرًا كَمَا قِيلَ بِهِ فِي يَوْمِ الشَّكِّ أَمْ لَا يَجِب؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَلْحَظُ وُجُوبِ الْفَوْرِيَّةِ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ تَقْصِيرهمْ بِعَدَمِ الِاعْتِنَاءِ بَتْرَائِي الْهِلَالِ مَعَ أَنَّهُ مَوْجُودٌ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ وُجُودِهِ وَلَا عِبْرَةَ بِوُجُودِ نَحْوِ غَيْمٍ مَانِعٍ لِنُدْرَتِهِ فِي خُصُوصِ لَيْلَةِ رَمَضَانَ، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ هَذَا هُوَ مَلْحَظُ وُجُوبِ الْفَوْرِيَّةِ الَّذِي لَا مَحِيصَ عَنْ اعْتِبَارِهِ فِي إيجَابِهِمْ الْفَوْرِيَّةِ اتَّجَهَ أَنَّ الْمُرَادَ بِيَوْمِ الشَّكِّ هُنَا هُوَ يَوْمُ ثَلَاثِينَ شَعْبَان سَوَاء تَحَدَّثَ النَّاسُ بِرُؤْيَتِهِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ التَّحَدُّثَ بِذَلِكَ لَا مَدْخَلَ لَهُ هُنَا فِي إيجَابِ الْفَوْرِيَّةِ وَإِنَّمَا مُوجِبُهَا مَا قَرَّرْته وَإِطْلَاقُ يَوْمِ الشَّكِّ عَلَى مَا مَرَّ شَائِعٌ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ اشْتِرَاطُ التَّحَدُّثِ فِي تَسْمِيَتِهِ شَكَّا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الضَّعِيفِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ صَوْمُ مَا بَعْدَ نِصْفِ شَعْبَانَ أَوْ لِتَكُونَ الْحُرْمَةُ بِسَبَبِ كَوْنِهِ بَعْدَ النِّصْفِ وَكَوْنِهِ بَعْدَ الشَّكِّ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَنْ الصَّائِمِ إذَا دَخَلَ الْمَاءُ فِي أُذُنَيْهِ لِغَسْلِ مَا ظَهَرَ مِنْهُمَا عَنْ جَنَابَةٍ أَوْ لِنَحْوِ جُمُعَة فَسَبَقَهُ الْمَاءُ إلَى بَاطِنِهِمَا فَهَلْ يُفْطِرُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يُفْطِرُ بِذَلِكَ كَمَا ذَكَره بَعْضُهُمْ، وَإِنْ بَالَغَ لِاسْتِيفَاءِ الْغُسْلِ كَمَا لَوْ سَبَقَ الْمَاءُ مَعَ الْمُبَالَغَةِ لِغَسْلِ نَجَاسَةِ الْفَمِ وَإِنَّمَا أَفْطَرَ بِالْمُبَالَغَةِ فِي الْمَضْمَضَةِ لِحُصُولِ السُّنَّةِ بِمُجَرَّدِ وَضْعِ الْمَاءِ فِي الْفَمِ فَالْمُبَالَغَةُ تَقْصِيرٌ وَهُنَا لَا يَحْصُلُ مَطْلُوبُهُ مِنْ غَسْلِ الصِّمَاخِ إلَّا بِالْمُبَالَغَةِ غَالِبًا فَلَا تَقْصِيرَ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ. بِمَا صُورَته رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرَهُ بَعْضُ بُلْدَان مُتَّفِقَةِ الْمَطَالِعِ وَثَبَتَتْ عِنْد قَاضِيهِمْ فَأَرْسَلَ نُوَّابَهُ لِبَقِيَّةِ الْبِلَادِ أَوْ رَأَوْا نَحْوَ الْقَنَادِيلِ الْمَوْقُودَةِ عَلَى الْمَنَابِرِ مِمَّا اطَّرَدَتْ الْعَادَةُ بِكَوْنِهِ عَلَامَةً عَلَى دُخُولِ رَمَضَانَ فَهَلْ يَجِبُ الصَّوْمُ أَوْ يَجُوزُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَمَّا فِي الْأُولَى فَأَفْتَى شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا وَغَيْره بِالْوُجُوبِ فِيهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَأَفْتَى شَيْخُنَا الْمَذْكُورُ فِيهَا بِالْجَوَازِ وَخَالَفَهُ الْبُرْهَانُ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ وَغَيْرُهُ فَأَفْتَوْا فِيهَا بِالْوُجُوبِ وَقَدْ يُجْمَعُ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى عَلَامَةٍ قَدْ يَتَّفِقُ وُجُودهَا فِي غَيْرِ رَمَضَانَ وَالثَّانِي عَلَى عَلَامَةٍ اطَّرَدَ وُجُودُهَا فِي أَوَّلِهِ دُونَ غَيْرِهِ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِمَا صُورَتُهُ التَّقْطِيرُ فِي بَاطِن الْإِحْلِيلِ مُفْطِرٌ وَهُوَ إمَّا مَخْرَجُ الْبَوْلِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ أَوْ مَجْرَاهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَإِمَّا رَأْسُ الذَّكَرِ كَمَا فِي لُغَاتِ الرَّوْضَةِ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ مَا يَبْدُو مِنْهُ عِنْد تَحْرِيكِ طَرَفه يُفْطِر بِوُصُولِ الْعَيْن إلَيْهِ وَفِيهِ مَشَقَّةٌ سِيَّمَا عَلَى الْمُسْتَجْمِرِ فَإِنَّهُ لَا يَكَاد يُحْتَرَزُ مِنْهُ وَأَيْضًا الْغَالِبُ عِنْد الِاسْتِنْجَاءِ انْفِتَاحه وَوُصُولُ الْمَاءِ إلَيْهِ فَمَا الْحُكْمُ فِيهِ وَهَلْ هُوَ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيّ فِي حَلْقَةِ الدُّبُرِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَوْلَى تَفَاسِيره الْمَذْكُورَةِ مَا فِي الْمَجْمُوعِ فَهُوَ مِنْ الْمَثَانَةِ إلَى رَأْسِهِ وَالْمُفْطِرُ إنَّمَا هُوَ وُصُولُ الْعَيْنِ لِبَاطِنِهِ وَذِكْرُ الْبَاطِنِ مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّهُ مَجْرَى الْبَوْلِ يُومِئُ إلَى أَنَّ الْمَجْرَى الْمَذْكُورَ فِي السُّؤَالِ ظَاهِرٌ فَلَا يَضُرّ وُصُولُ شَيْءٍ إلَيْهِ فَهُوَ كَمَا يَبْدُو مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ عِنْد قُعُودِهَا وَكَمَا ذَكَره السُّبْكِيّ فِي حَلْقَةِ الدُّبُرِ عَنْ الْقَاضِي وَمُلَخَّص عِبَارَتِهِ يَنْبَغِي لِلصَّائِمِ حِفْظُ أُصْبُعِهِ حَالَ الِاسْتِنْجَاء مِنْ مُسَرِّبَتِهِ فَإِنَّهُ لَوْ دَخَلَ فِيهِ أَدْنَى شَيْءٍ مِنْ رَأْسِ أُنْمُلَتِهِ بَطُلَ صَوْمُهُ قَالَ السُّبْكِيّ وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ وَصَلَ لِلْمَكَانِ الْمُجَوَّفِ أَمَّا أَوَّل الْمُسَرِّبَةِ الْمُنْطَبِقِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى جَوْفًا فَلَا فِطْرَ بِالْوُصُولِ إلَيْهِ اهـ وَهُوَ بَيَانٌ لِمُرَادِ الْقَاضِي لَا تَضْعِيفٌ لَهُ وَمَا ذَكَره السَّائِلُ أَوْلَى بِأَنْ لَا يُسَمَّى جَوْفًا مِمَّا ذَكَره السُّبْكِيّ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ عَبْدٍ لَزِمَهُ قَضَاءُ رَمَضَانَ فَأَخَّرَهُ بِلَا عُذْرٍ إلَى مَا بَعْدَ رَمَضَان آخَر فَهَلْ تَلْزَمهُ فِدْيَةٌ وَمَا هِيَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْأَوْجَهُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي نَظِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا فَدِيَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا فِدْيَةٌ مَالِيَّةٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا فَإِنْ عَتَقَ فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ كَالْهَرِمِ إذَا عَجَزَ وَقُلْنَا تَلْزَمهُ وَكَانَ مُعْسِرَا فَأَيْسَر أَوْ لَا وَفَارَقَ الْهَرِمَ الْمَذْكُورَ بِأَنَّهُ كَانَ مُخَاطَبًا بِالْفِدْيَةِ حَالَ إفْطَارِهِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْأَوْجَه الثَّانِي. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ امْرَأَةٍ صَائِمَةٍ تَبَخَّرَتْ فَدَخَلَ دُخَانُ الْبَخُورِ فَرْجَهَا فَهَلْ تُفْطِرُ سَوَاءً قُلْنَا الْمُنْفَصِلُ عَيْنٌ أَوْ أَثَرٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ فَتَحَ فَاهُ عَمْدًا حَتَّى دَخَلَ الْغُبَارُ لَمْ يُفْطِر وَدُخَانُ الْبَخُورِ أَوْلَى مِنْ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا صُورَته احْتَوَى صَائِمٌ عَلَى مِجْمَرَةٍ وَفَتَحَ فَاهُ قَصْدًا حَتَّى دَخَلَ الدُّخَانُ إلَى جَوْفِهِ فَهَلْ يُفْطِرُ أَوْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ فَمَا الْفَرْقُ بَيْن هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَة

مَا إذَا فَتَحَ فَاهُ لِغُبَارِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُفْطِرُ هُوَ وُصُولُ الْعَيْنِ بِشَرْطِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ قَالُوا وَاحْتَرَزْنَا بِهِ عَنْ وُصُولِ الْأَثَرِ كَوُصُولِ الرِّيحِ أَوْ الرَّائِحَةِ بِالشَّمِّ إلَى دِمَاغِهِ وَوُصُولِ الطَّعْمِ بِالذَّوْقِ إلَى حَلْقِهِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِتَغَيُّرٍ بِطَعْمِ الرِّيقِ أَوْ رِيحِهِ بِالْعَلْكِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ ذَلِكَ لِمُجَاوَرَةِ الرِّيقِ لَهُ وَهَذَا كُلَّهُ كَمَا تَرَى كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُ لَا يَضُرُّ وُصُولُ الدُّخَانِ، وَإِنْ تَعَمَّدَهُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَابْنُ النَّقِيبِ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَوْ فَتَحَ فَاهُ لِنَحْوِ غُبَارِ الطَّرِيقِ قَصْدًا لَمْ يُفْطِر وَكَذَا النَّشَائِيُّ فِي الْمُنْتَقَى حَيْثُ قَالَ فَإِنْ تَعَمَّدَ فَتْحَهُ لِلْغُبَارِ فَالْأَصَحُّ فِي التَّهْذِيبِ الْعَفْوُ وَكَلَامُ الشَّيْخَيْنِ دَالٌّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا فَمَا وَقَعَ فِي الْعُبَابِ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْخَادِمِ ضَعِيفٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ كَمَا بَسَطْته فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى أَنَّ الدُّخَانَ مِنْ أَفْرَادِ الْغُبَارِ فَقَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ بِأَنَّهُ أَجْزَاءٌ مِنْ رَمَادِ الْمُحْتَرِقِ يَتَصَاعَدُ مِنْهُ بِوَاسِطَةِ النَّارِ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى نَجَاسَةٍ دُخَانِ النَّجَاسَةِ وَالْقَائِلُ بِعَدَمِ نَجَاسَتِهِ لَا يَجْعَلُهُ مُنْفَصِلًا مِنْ الْجُرْم وَإِنَّمَا يَقُولُ إنَّهُ شَيْءٌ يُخْلَقُ عِنْد الْتِقَاءِ النَّارِ وَنَحْوِ الْحَطَبِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إمَّا غُبَارٌ أَوْ لَيْسَ بِغُبَارٍ وَكُلُّ مِنْهُمَا لَا يُفْطِرُ، وَأَمَّا أَخْذُ الرِّيمِيِّ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمَاءَ الْمُبَخَّرُ إنْ تَغَيَّرَ رِيحُهُ بِالْبَخُورِ لَمْ يَضُرَّ أَوْ طَعْمُهُ وَلَوْنُهُ ضَرَّ فَمَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّا إنْ جَعَلْنَاهُ عَيْنًا كَانَ مُجَاوِرًا وَهُوَ لَا يَضُرُّ مُطْلَقًا أَوْ لَيْسَ بِعَيْنٍ كَانَ التَّغَيُّرُ بِهِ تَرَوُّحًا وَهُوَ لَا يَضُرُّ كَذَلِكَ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّا فِي الْخَادِمِ فِيمَنْ ابْتَلَعَ خَيْطًا وَبَقِيَ طَرْفُهُ خَارِجًا ثُمَّ أَصْبَحَ صَائِمًا فَإِنْ نَزَعَهُ أَفْطَرَ، وَإِنْ تَرَكَهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ قَالَ فَطَرِيقه أَنْ يُجْبِرهُ الْحَاكِمُ عَلَى نَزْعِهِ وَلَا يُفْطِرُ لِأَنَّهُ كَالْمُكْرَهِ قَالَ بَلْ لَوْ قِيلَ لَا يُفْطِر بِالنَّزْعِ بِاخْتِيَارِهِ لَمْ يَبْعُد تَنْزِيلًا لِإِيجَابِ الشَّرْع مَنْزِلَة الْإِكْرَاهِ كَمَا لَوْ حَلَفَ أَنْ يَطَأَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ فَوَجَدَهَا حَائِضًا لَا يَحْنَث هَلْ مَا ذَكَره الزَّرْكَشِيُّ آخِرًا صَحِيحٌ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا ذَكَره مُنَافٍ لِكَلَامِهِمْ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيمَا قَاسَ عَلَيْهِ لِإِمْكَانِ الْفَرْقِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِي الْأَيْمَانِ وَالتَّعَالِيقِ عَلَى الْعُرْفِ الْمُطَّرِدِ حَيْثُ لَا لُغَةَ مُطَّرِدَةٌ فَالْحَالِفُ عَلَى الْوَطْءِ تَشْمَلُ يَمِينُهُ حَالَة الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَهَذَا مُقْتَضَى اللُّغَةِ لَكِنَّ الْعُرْفَ الْمُطَّرِدَ اقْتَضَى خُرُوجَ حَالَةِ الْحَيْضِ مِنْ الْيَمِينِ فَحَيْثُ تُرِك لِأَجْلِهِ لَا يَحْنَثُ عَمَلًا بِذَلِكَ وَلِعُذْرِهِ بِمَنْعِ الشَّارِعِ لَهُ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَتَعَارَضَ فِيهَا وَاجِبَانِ مُرَاعَاةُ الصَّوْمِ وَهِيَ تَقْتَضِي الْبَقَاءَ وَمُرَاعَاةُ الصَّلَاةِ وَهِيَ تَقْتَضِي النَّزْعَ. فَحَيْثُ رَاعَى الصَّلَاةَ فَقَدْ اخْتَارَ إبْطَالَ صَوْمِهِ، وَإِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمُرَاعَاةِ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ فَبَطَل صَوْمُهُ إذْ لَا مَدْخَلَ لِلْعُرْفِ فِيهِ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَا لَوْ طَرَأَ لَهُ مَرَضٌ وَخَافَ مِنْ الْهَلَاكِ لَوْ لَمْ يُفْطِر فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَعَاطِي الْمُفْطِرِ وَيُفْطِرُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَمَّنْ نَوَى صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَة مَعَ فَرْضٍ أَوْ كَانَ نَحْوُ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَنَوَى صَوْمَهُ عَنْ عَرَفَة وَكَوْنه يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فَهَلْ تَحْصُل لَهُ سُنَّةُ صَوْمِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَقْتَضِيه كَلَامُهُمْ أَنَّ الْقَصْدَ إشْغَالُ ذَلِكَ الزَّمَانِ بِصَوْمٍ كَمَا أَنَّ الْقَصْدَ بِالتَّحِيَّةِ إشْغَال الْبُقْعَةِ بِصَلَاةٍ وَحِينَئِذٍ فَإِنْ نَوَاهُمَا حَصَلَا أَوْ نَوَى أَحَدَهُمَا سَقَطَ طَلَبُ الْآخَرِ وَلَا يَحْصُلُ ثَوَابُهُ وَفَارَقَ غُسْلَ الْجُمُعَةِ وَالْجَنَابَةِ بِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَقْصُودُ وَأَيْضًا فَلَيْسَ الْقَصْدُ مِنْ غُسْلِ الْجُمُعَة النَّظَافَةُ فَقَطْ بِدَلِيلِ التَّيَمُّمِ لَهُ فَإِنْ قُلْت مُقْتَضَى حُصُول سُنَّةِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ بِغُسْلِ الْعِيد إذَا اتَّحَدَ يَوْمُهُمَا أَنْ يُقَال بِمِثْلِهِ هُنَا قُلْت نَعَمْ وَقَدْ مَرَّ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُمْ بِحُصُولِ مَا لَمْ يَنْوِ مِنْهُمَا سُقُوطَ الطَّلَبِ بِفِعْلِهِ لَا حُصُولَ ثَوَابِهِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِمَا لَفْظُهُ لَوْ شَهِدَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَان عَبِيدٌ أَوْ نِسَاءٌ أَوْ فَسَقَةٌ وَظَنَّ صِدْقَهُمْ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ الشَّكِّ فَيَحْرُم صَوْمُهُ إلَّا لِسَبَبٍ وَهَذَا يُنَافِيه قَوْلُ الْبَغَوِيِّ وَغَيْره لَوْ اعْتَقَدَ صِدْقَ مَنْ قَالَ أَنَّهُ رَآهُ مِمَّنْ ذَكَر صَحَّ صَوْمُهُ بَلْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَيُنَافِيه أَيْضًا مَا قَالُوهُ مِنْ صِحَّة نِيَّةِ مُعْتَقِدِ ذَلِكَ وَوُقُوعُ الصَّوْمِ عَنْ رَمَضَان إذَا تَبَيَّنَ كَوْنُهُ مِنْهُ فَمَا الْجَمْعُ بَيْن هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ إنَّ بَعْضَهُمْ زَعَمَ عَدَم التَّنَافِي وَأَنَّهُ أُجِيب عَمَّا زَعَمَهُ أَيْضًا بِأَجْوِبَةٍ أُخْرَى فِيهَا نَظَرٌ وَأَنَّهُ ذَكَرَ بَعْضَهَا فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ وَلَمْ أَرَ شَيْئًا مِنْهَا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي الْجَوَابِ

عَنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُكْتَفَى فِي كَوْنِ الْيَوْمِ يَوْمَ شَكٍّ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ شَهِدُوا مِنْ نَحْوِ النِّسَاءِ يُظَنُّ صِدْقَهُمْ أَيْ مِنْ شَأْنِهِمْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى ظَانٍّ بِخُصُوصِهِ فَحَيْثُ كَانُوا كَذَلِكَ صَارَ الْيَوْمُ يَوْمَ شَكٍّ بِالنِّسْبَةِ إلَى عُمُومِ النَّاسِ ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى كُلِّ فَرْد فَرْد بِالْخُصُوصِ فَمَنْ اعْتَقَدَ الصِّدْقَ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَمَنْ لَا حَرُمَ عَلَيْهِ وَلِأَجْلِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ لَمْ يَكْتَفِ بِصَبِيٍّ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا فَاسِقٍ وَحْدَهُ بَلْ اشْتَرَطَ الْجَمْعَ مِنْ كُلٍّ لِيَصِيرَ ذَلِكَ آكَد فِي ظَنِّ الصِّدْقِ وَاحْتِيَاطًا لِلتَّحْرِيمِ. ، وَأَمَّا مَا مَرَّ عَنْ الْبَغَوِيِّ فَشَرْطُهُ أَنْ يَقَعَ الظَّنُّ مِنْ ظَانٍّ بِعَيْنِهِ حَتَّى يُخَاطَبَ بِالْوُجُوبِ فَإِذَا أَخْبَرَهُ مَوْثُوقٌ بِهِ مِمَّنْ ذَكَر وَاعْتَقَدَ صِدْقَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمُهُ فَإِمَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِمَا ذَكَر وَإِمَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ شَرْطَ الْوُجُوبِ الِاعْتِقَادُ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الظَّنِّ وَلِذَا اُكْتُفِيَ فِي الْوُجُوبِ بِوَاحِدٍ عَلَى مَا أَفْهَمَهُ إطْلَاقُ الْبَغَوِيِّ وَغَيْره لِوُجُودِ الِاعْتِقَادِ الْأَقْوَى وَلَمْ يَكْتَفِ فِي التَّحْرِيمِ إلَّا بِجَمْعٍ لِيَتَقَوَّى بِهِمْ الظَّنُّ الْأَضْعَفُ وَلَا بِدْعَ أَنْ يَكُونَ الْيَوْمُ يَوْمَ شَكٍّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعُمُومِ وَيَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إلَى خُصُوصِ بَعْضِ النَّاسِ يَجِبُ صَوْمُهُ وَلَا يُنَافِي هَذَيْنِ صِحَّةُ نِيَّةِ مُعْتَقِدِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصِّحَّةَ لَا تُنَافِي الْوُجُوبَ وَأَيْضًا فَإِذَا نَوَى بَعْد أَنْ أَخْبَرَهُ وَاحِدٌ مِمَّنْ ذُكِرَ وَظُنَّ صِدْقُهُ صَحَّتْ نِيَّتُهُ ثُمَّ يَنْظُرُ فَإِنْ تَبَيَّنَ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ قَبْلَ الْفَجْرِ لَمْ يَجِب اسْتِئْنَافُ النِّيَّةِ وَإِلَّا حَرُمَ الْإِمْسَاكُ لِكَوْنِ الْيَوْمِ يَوْمَ شَكٍّ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتَهُ بِمَا لَفْظُهُ يَحْرُم الصَّوْمُ بَعْد نِصْفِ شَعْبَانَ إنْ لَمْ يَعْتَدْهُ أَوْ يَصِلُهُ بِمَا قَبْلَهُ مَا ضَابِطُ الْعَادَةِ هُنَا وَيَوْم الشَّكّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يُكْتَفَى فِي الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ إنْ لَمْ يَتَخَلَّل فِطْر مِثْل ذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي اعْتَادَهُ فَإِذَا اعْتَادَ صَوْمَ الِاثْنَيْنِ فِي أَكْثَرِ أَسَابِيعِهِ جَازَ لَهُ صَوْمُهُ بَعْد النِّصْفِ وَيَوْم الشَّكِّ، وَإِنْ كَانَ أَفْطَرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا يَصْدُق عَلَيْهِ عُرْفًا أَنَّهُ مُعْتَاده، وَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْن عَادَتِهِ وَصَوْمِهِ بَعْد النِّصْفِ فَطَرَهُ، وَأَمَّا إذَا اعْتَادَهُ مَرَّةً قَبْلَ النِّصْفِ ثُمَّ أَفْطَرَهُ مِنْ الْأُسْبُوعِ الَّذِي بَعْدَهُ ثُمَّ دَخَلَ النِّصْفُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ حِينَئِذٍ بَطُلَتْ بِفِطْرِ الْيَوْمِ الثَّانِي بِخِلَافِ مَا إذَا صَامَ الِاثْنَيْنِ الَّذِي قَبْلَ النِّصْفِ ثُمَّ دَخَلَ النِّصْفُ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلِ يَوْمِ اثْنَيْنِ آخَرَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ صَوْمُ الِاثْنَيْنِ الْوَاقِعِ بَعْدَ النِّصْفِ؛ لِأَنَّهُ اعْتَادَهُ وَلَمْ يَتَخَلَّل مَا يُبْطِلُ الْعَادَةَ فَإِذَا صَامَهُ ثُمَّ أَفْطَرَهُ مِنْ أُسْبُوعٍ ثَانٍ ثُمَّ صَادَفَ الِاثْنَيْنِ الثَّالِثُ يَوْمَ الشَّكِّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجُوز لَهُ صَوْمُهُ وَلَا يَضُرُّ حِينَئِذٍ تَخَلُّلُ فِطْرِهِ؛ لِأَنَّهُ سَبَقَ لَهُ صَوْمُهُ بَعْد النِّصْفِ وَذَلِكَ كَافٍ. هَذَا مَا ظَهَرَ الْآن وَلَعَلَّنَا نَزْدَادُ فِيهِ عِلْمًا أَوْ نَشْهَدُ نَقْلًا. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِمَا صُورَتُهُ عَبَّرَ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّ الْوِصَالَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَر وَلَا يَتَنَاوَلُ بِاللَّيْلِ مَطْعُومًا عَمْدًا بِلَا عُذْرٍ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ نَحْوَ الْجِمَاعِ لَا يَمْنَعُ الْوِصَالَ فَإِنَّ الْمَأْمُورَ بِالْإِمْسَاكِ كَتَارِكِ النِّيَّةِ لَا يَكُونُ امْتِنَاعُهُ لَيْلًا مِنْ تَعَاطِي الْمُفْطِرِ وِصَالًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ يَوْمَيْنِ فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَمَّا الْقَضِيَّةُ الْأُولَى فَاعْتَمَدَهَا الْإِسْنَوِيُّ قَالَ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْوِصَالِ لِلضَّعْفِ أَيْ عَنْ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ وَتَرْكِ الْجِمَاعِ وَنَحْوِهِ لَا يَضْعُف بَلْ يَقْوَى لَكِنَّ فِي الْبَحْرِ هُوَ أَنْ يَسْتَدِيمَ جَمِيعَ أَوْصَافِ الصَّائِمِينَ وَذَكَر الْجُرْجَانِيُّ وَابْنُ الصَّلَاحِ نَحْوَهُ، وَأَمَّا الْقَضِيَّةُ الثَّانِيَةُ فَلَمْ يَعْتَمِدهَا بَلْ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ التَّعْبِيرَ بِصَوْمِ يَوْمَيْنِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَلَك أَنْ تَقُولَ الْعِلَّةُ فِي النَّهْيِ عَنْ الْوِصَالِ يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مَا ذُكِرَ مِنْ الضَّعْفِ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنْهُ لِلزَّجْرِ عَنْ التَّشْبِيهِ بِخُصُوصِيَّاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاعْتِقَاد أَنَّ لَهُ مِنْ الْقُوَّةِ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى الطَّعَامِ مَا كَانَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ إذْ التَّعْلِيلُ بِالضَّعْفِ الْمَذْكُورِ يُنْتَقَضُ بِأَنْ يَخْرُجَ رِيقُهُ ثُمَّ يَبْتَلِعهُ أَوْ بِأَنْ ابْتَلَعَ حَصَاةً أَوْ سِمْسِمَةً فَإِنَّ الْوِصَالَ يَنْتَفِي بِذَلِكَ مَعَ وُجُودِ الضَّعْفِ فَالْأَوْجَهُ التَّعْلِيلُ بِمَا ذَكَرْتُهُ وَعَلَيْهِ فَالْوَجْه مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ اسْتِدَامَةُ جَمِيعِ أَوْصَافِ الصَّائِمِينَ. وَتَعْبِيرُ الْمَجْمُوعِ بِالْمَطْعُومِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَالْأَوْجَهُ أَيْضًا أَنَّ نَحْوَ تَارِك النِّيَّة لَا يَكُونُ امْتِنَاعُهُ لَيْلًا مِنْ تَعَاطِي الْمُفْطِر وِصَالًا لِأَنَّهُ لَا تَشْبِيهَ فِيهِ حِينَئِذٍ، وَإِنْ وُجِدَ فِيهِ الضَّعْفُ الْمَذْكُور. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَنْ صَوْمِ كُلِّ شَعْبَانَ أَوْ أَكْثَرَهُ هَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ أَمْ سُنَّةٌ

لِمَا وَرَدَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ صَامَ أَكْثَرَهُ وَالْأَكْثَرِيَّة تَحْصُلُ بِزِيَادَةِ يَوْمٍ عَلَى النِّصْفِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ صَوْمُ كُلِّهِ سُنَّةٌ وَكَذَا صَوْمُ أَكْثَرِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَقَعَ مِنْهُ صَوْمٌ بَعْدَ النِّصْفِ غَيْر مُتَّصِلٍ بِيَوْمِهِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ بَعْدَ نِصْفِ شَعْبَانَ إذَا لَمْ يَتَّصِل بِيَوْمِ النِّصْفِ وَلَا وَافَقَ عَادَةً لَهُ أَوْ نَحْوِ نَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ حَرَامٌ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَوَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَيَحْصُلُ أَصْلُ الْأَكْثَرِيَّةِ بِزِيَادَةِ صَوْمِ يَوْمٍ عَلَى النِّصْفِ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّته عَنْ الصَّائِمِ إذَا بَقِيَ بَيْنَ أَسْنَانِهِ طَعَامٌ وَعَجَزَ عَنْ تَمْيِيزه وَمَجِّهِ وَجَرَى بِهِ رِيقُهُ إلَى بَاطِنِهِ وَقُلْتُمْ لَا يَبْطُلُ صَوْمُهُ فَهَلْ ذَلِكَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ جَرَى بِهِ نَاسِيًا أَوْ عَالِمًا فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ فَذَاكَ، وَإِنْ قُلْتُمْ عَدَم الْبُطْلَان مُخْتَصٌّ بِحَالَةِ النِّسْيَانِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فَرْقٌ بَيْن قُدْرَتِهِ عَلَى تَمْيِيزِهِ وَعَدَمِهَا إلَّا إذَا قُلْتُمْ إنَّهُ إذَا قَدَرَ عَلَى تَمْيِيزه وَمَجِّهِ وَلَمْ يَمُجَّهُ وَجَرَى بِهِ رِيقُهُ إلَى بَاطِنِهِ أَوْ وُضِعَ فِي فِيهِ مَاءٌ عَبَثًا أَوْ لِسُكُونِ الْعَطَشِ فَسَبَقَ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى بَاطِنِهِ أَنَّهُ يُفْطِرُ وَلَوْ كَانَ نَاسِيًا وَهُوَ غَيْر ظَاهِرٌ وَقَدْ يُقَال إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِهِمْ إنَّ الصَّائِمَ لَا يُفْطِرُ بِالْأَكْلِ وَنَحْوِهِ نَاسِيًا وَأَيْضًا هَلْ الْمُرَادُ تَمْيِيزه مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ أَوْ تَمْيِيز مَا جَرَى مَعَ الرِّيقِ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ إذَا بَقِيَ بَيْن أَسْنَانِ الصَّائِمِ طَعَامٌ جَرَى بِهِ رِيقُهُ وَعَجَزَ عَنْ تَمْيِيزه وَمَجِّهِ لَمْ يُفْطِر بِابْتِلَاعِ رِيقِهِ الْمَخْلُوطِ بِهِ، وَإِنْ تَعَمَّدَ ابْتِلَاعَهُ لِعُذْرِهِ وَلَوْ كَلَّفْنَاهُ عَدَمَ بَلْعِ رِيقِهِ لَشَقَّ فَسُومِحَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَوْ سَبَقَ مَاءٌ إلَى جَوْفِهِ مِنْ غَسْلِ تَبَرُّد أَوْ لِكَوْنِهِ جَعَلَهُ فِي فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ لَا لِغَرَضٍ أَفْطَرَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِذَلِكَ نَعَمْ لَوْ وَضَعَ شَيْئًا فِي فِيهِ عَامِدًا وَابْتَلَعَهُ نَاسِيًا لَمْ يُفْطِر كَمَا فِي الْأَنْوَارِ وَغَيْرِهِ وَالْمُرَادُ تَمْيِيزُ الطَّعَامِ السَّابِقِ مِنْ بَيْنَ أَسْنَانِهِ فَمَتَى أَمْكَنَهُ تَمْيِيزُهُ مِنْ بَيْنِهَا فَلَمْ يَفْعَلْ وَابْتَلَعَ رِيقَهُ الْمَخْلُوطَ بِهِ أَفْطَرَ وَكَذَا لَوْ خَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ إلَى فَضَاءِ فَمِهِ فَابْتَلَعَ شَيْئًا مِنْهُ مَعَ رِيقِهِ أَوْ وَحْدَهُ لِتَقْصِيرِهِ وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَقَوْلِهِ وَأَيْضًا هَلْ الْمُرَاد إلَخْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) زَكَّى اللَّه أَعْمَالَهُ فِي الْكِتَابَةِ عَلَى تَصْنِيف لِبَعْضِ أَهْلِ زَبِيدٍ فِي مَسْأَلَةٍ وَقَعَ فِيهَا اخْتِلَافٌ طَوِيلٌ بَيْن مُفْتِيهمْ وَكِتَابَات مُتَعَدِّدَة مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَحَاصِلُهَا أَنَّ مَنْ أَخْبَرَهُ يَوْمَ ثَلَاثِينَ رَمَضَانَ عَدْلَانِ بِالْهِلَالِ وَاعْتَقَدَ صِدْقَهُمَا هَلْ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرُ فَقَالَ جَمَاعَةٌ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ سِرًّا وَيُخْفِيه لِئَلَّا يَتَعَرَّضَ لِعُقُوبَتِهِ الْحَاكِمُ كَمَا لَوْ انْفَرَدَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ. وَمِنْ هَؤُلَاءِ مُؤَلِّف الْكِتَابِ الْمَذْكُور وَشَيْخُهُ وَغَيْرهمَا وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ بِمَا زَعَمَ أَنَّهُ ظَاهِرُ نَصٍّ فِي الْأُمِّ وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ وَمِمَّنْ كَتَبَ لَكِنْ بِاخْتِصَارٍ عَلَى التَّأْلِيفِ الْمَذْكُورِ شَيْخُ مُؤَلِّفِهِ وَغَيْرُهُ فَلَمَّا سَأَلَ شَيْخَنَا فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتَهُ فِي ذَلِكَ؟ (أَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَمْدًا لَك اللَّهُمَّ مُشْرِقَ شُمُوسِ الْآرَاءِ السَّدِيدَةِ بِسَمَاءِ الْأَفْكَارِ السَّعِيدَةِ وَمُغْدِقَ أَنْهَارِ الْإِجَادَةِ بِأَنْوَاءِ الْإِفَادَةِ أَنْ نَصَّبْت عَلَى كَوَاهِلِ الْفَضَائِلِ أَعْلَامَ أَهْلِ الْحَقِّ وَرَفَعْت بِأَيْدِي الْمَحَامِدِ أَلْوِيَةَ الثَّنَاءِ عَلَى مَنْ هُوَ بِهِمْ أَلْصَقُ حَمْدًا يَسْتَمْرِئُ أَخْلَاقَ التَّحْقِيقِ بِمَزِيدِهِ وَيَسْتَغْرِقُ أَفْرَاد الْإِبَانَةِ لِعَبِيدِهِ وَصَلَاةً وَسَلَامًا عَلَى مَنْ أُرْسِلَ بِالْحُجَّةِ الْقَاطِعَةِ لِغَوَائِلَ الْعِنَادِ وَالْمَحَجَّةِ السَّاطِعَةِ لِلْعِبَادِ وَالشَّرِيعَةِ الْبَيْضَاءِ وَالشِّرْعَةِ الْغَرَّاءِ دَائِمِينَ أَمَدًا سَرْمَدًا وَعَلَى آلِهِ ذَوِي الْجِدِّ السَّعِيدِ وَالسَّعْدِ الْجَدِيدِ وَصَحْبِهِ ذَوِي الْقَدِّ الْحَمِيدِ وَالْحَمْدِ الْعَدِيدِ مَا قَامَ بِنُصْرَةِ الْحَقِّ لِلَّهِ نَاصِرٌ، وَذَبَّ عَنْهُ أَهْلُ الْعِنَاد بِكُلِّ صَارِمٍ بَاتِرٍ. أَمَّا بَعْد فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَتْ أَنْدِيَةُ التَّحْقِيقِ بِأَعْيَانِ الْأَفَاضِلِ لَمْ تَزَلْ حَافِلَةً وَمَغَانِيهَا بِغَوَانِي الْفَضَائِلِ آهِلَةً كَانَ الرُّجُوعُ إلَى الْحَقِّ خَيْرًا مِنْ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ وَالتَّحَلِّي بِحِلْيَةِ أَهْلِ الصِّدْقِ خَيْرًا مِنْ التَّحَلِّي بِكُلِّ وَصْفٍ زَائِلٍ وَجِدَالٍ لَيْسَ تَحْتَهُ مِنْ طَائِلٍ وَتَفَيْهُقٍ بِمَا لَا يُجْدِي مِنْ التَّلْفِيقَاتِ وَتَمَشْدُقٍ بِمَا لَا يَصِحُّ مِنْ الْعِبَارَاتِ. فَلِذَلِكَ أَجَبْت مَعَ أَنَّ لِي أَشْغَالًا سِيَّمَا الْآن تَحْجِزنِي عَنْ بُلُوغِ مَغْزَى هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ أَوْضَحُوا الْحَقَّ فِي هَذِهِ الْمُدْلَهِمَّة أَعْنِي مُؤَلِّفَ هَذَا الْكِتَابِ الْمُعْلَنِ فِيهِ بِالصَّوَابِ مَنْ تَحَقَّقَ بِالْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَنَالَ لَطَائِفَهَا وَتَحَلَّى بِتِيجَانِ الْفُنُونِ الدِّينِيَّةِ وَحَازَ شَرَائِفَهَا وَعَقَدَتْ لَهُ أَلْوِيَةُ التَّحْقِيقِ فَوْقَ الْعُلَا ذَوَائِبَهَا

وَرَفَعَتْ لَهُ مَنَازِلُ الصِّدْقِ فِي سَمَاءِ الْقُرْبِ كَوَاكِبَهَا وَشَيْخُهُ الْمَذْكُور وَاضِحُ الْحُجَّةِ وَالسُّنَنِ وَبَالِغُ الْغَايَةِ الَّتِي لَا تَرْتَقِي فِي هَذَا الزَّمَنِ كَيْفَ وَقَدْ انْكَشَفَتْ لَهُ عُلُومُ الْمُجْتَهِدِينَ حَتَّى أَوْضَحَهَا أَبْلَغَ إيضَاحٍ وَأَحْسَن تَبْيِينٍ حِين اطَّلَعَ عَلَى خَفَايَا مَكَامِنِ مَكْنُونَاتِهَا وَشَاهَدَ مَجَارِيَ الْأَفْكَارِ فِي تَصَارِيفِ إيجَادَاتِهَا وَاخْتَرَعَ الْأَحْكَامَ مِنْ مَعَادِنِهَا وَأَظْهَرَ التَّحْقِيقَات الْكَثِيرَة مِنْ مَكَامِنِهَا، قَدْ ضَرَبَ مَعَ الْأَقْدَمِينَ بِسَهْمٍ وَافِرٍ وَالْغَيْرُ يَضْرِبُ فِي حَدِيدٍ بَارِدٍ وَهُوَ مِنْ بَعْدِهِمَا بَلَّغَهُ اللَّهُ شَأْوَهُمَا وَفَهْمًا يَقْصِرُ عَنْ إدْرَاكِ مَدَاهُمْ وَبُعْدِ مَغْزَاهُمْ إنْ أَظْهَرَ الْحَقَّ الَّذِي أُمِرْنَا بِإِظْهَارِهِ، وَإِنْ أَخْذَلَ الْبَاطِلَ الَّذِي أُمِرْنَا بِخِذْلَانِهِ وَسَدِّ وَعِرِ مِضْمَارِهِ امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [النحل: 116] الْآيَة وَتَذْكِيرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83] . فَمِنْ ثَمَّ نَظَرْتُ فِي هَذَا التَّأْلِيفِ الْبَدِيعِ الْكَامِلِ الْمَنِيعِ حَتَّى عَلِمْت أَنَّ مُؤَلِّفَهُ جَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا وَأَذْهَبَ بِهِ وَعَنْهُ ضَيْرًا أَظْهَر فِي مَخْضِهِ زُبْدَة مِنْ قُوَاهُ وَاحْتَاطَ مِنْ ضَبْطِ مَعَاقِده مُحَكِّمًا فِيهَا إيرَادَ مَا عَنْ نَشْرِهِ طَوَاهُ طَالِبًا نَشْرَ ذَلِكَ الطَّيِّ مُتَحَدِّيًا بِهِ مَنْ سِوَاهُ مُحْتَذِيًا عَوَالِي الْهِمَمِ لِاسْتِفْتَاحِ مَا اسْتَغْلَقَهُ فِي صَرِيحِهِ وَفَحْوَاهُ مَعَ إفَادَةِ لَطَائِفَ تَلُوحُ مِنْ ذُرَى ذَوِي التَّحْقِيقِ وَإِشَادَة أَبْحَاث لَا تَصْدُرُ إلَّا عَنْ خُلَفَاءِ التَّوْفِيقِ وَأَنَّ مَا ذَكَره فِيهِ أَشْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ فِي رَابِعَةِ النَّهَارِ لَا يَخْفَى إلَّا عَلَى بَعِيدِ الْحِسِّ عَدِيمِ الْإِبْصَارِ مَعَ مَا مَنَحَهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ إيضَاحِ الْحَقِّ بِدَلَائِلِهِ الَّتِي لَا يَقْرَعُ هَضْبَتَهَا قَارِعٌ وَلَا يَقْرَعُ بَابَهَا قَارِعٌ إلَّا مَنْ يَنْحُو نَحْوَهُ فِي الصَّوَابِ وَتَجْرِي رَخَاءُ رِيحِهِ فِيهِ حَيْثُ أَصَابَ جَاءَ بِهَا مُسْتَفْتِحًا إفَادَتهَا حَتَّى كَأَنَّهَا صَدَقَةٌ قَدَّمَهَا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاهُ خَالِيَةً عَنْ شَوْبِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ كَمَا أَشْعَرَ بِهِ فَحْوَاهُ فَاسْتَجِلَّهَا أَوَانَ كَشْفِ الْقِنَاعِ عَنْ صَبَاحَةِ وَجْهِهَا، تَجِدْ فِي نَفْسِك إنْ أَنْصَفْتَ مِنْهَا الْخُضُوعَ لِمُلْقِيهَا وَالْفَضْلَ لِزَارِعِ التَّحْقِيقِ فِيهَا فَحَذَارِ مِنْ تَلَقِّي اللَّوَاحِظِ غُرَّةً فَالسِّحْرُ بَيْنَ جُفُونِهِ مَكْنُونٌ. هَذَا وَلَمَّا اسْتَفْتَيْت عَمَّا فِي هَذَا الْمُؤَلَّفِ بَادَرْتُ بِالْجَوَابِ بِمَا فِيهِ قَبْلَ أَنْ يُحِيطَ فِكْرِي وَنَظَرِي بِقَوَادِمِهِ وَخَوَافِيه وَظَنَنْت أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ إلَّا خَامِدُ الرَّوِيَّةِ مُقْتَصِرٌ عَلَى الظَّوَاهِرِ لَيْسَ لَهُ تَصْرِيحُ نَظَرٍ فِي الْمَنَازِلِ الْخَفِيَّةِ ثُمَّ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ الْمُفْتِينَ خَالَفَ فِي ذَلِكَ فَأَمْعَنْتُ النَّظَرَ فِيمَا هُنَالِكَ، فَلَمْ يَسْمَح إلَّا بِمَا صَمَّمَ عَلَيْهِ أَوَّلًا وَرَأَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ عَنْ الْقَوَاعِد مُحَوَّلًا ثُمَّ نَظَرْت فِي هَذَا التَّأْلِيفِ فَرَأَيْتُهُ جَاءَ بِالْحَقِّ الصُّرَاحِ وَبِالْجِدِّ الْخَالِي عَنْ الْمِزَاحِ فَشَكَرْت إلَى اللَّهِ صُنْعَ مُنَمِّقِهِ وَصِدْقَ مُحَقِّقه فَلَا عَدِمَ الْمُسْلِمُونَ أَمْثَالَهُ وَلَا زَالَتْ الْفُضَلَاء يَتَفَيَّئُونَ ظِلَالَهُ وَلَوْلَا شُغْلُ الْبَالِ لَأَطَلْت فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمَقَالَ لَكِنْ سَيَمُنُّ اللَّهُ إنْ شَاءَ بِالتَّوْفِيقِ إلَى ذَلِكَ وَإِزَالَةِ وَعْرِ هَذِهِ الْمَسَالِكِ وَدَفْعِ مَا أَوْرَدَ عَلَيْهَا مِنْ شُبَهٍ إذَا تُؤُمِّلَتْ كَانَتْ كَالْهَبَاءِ الْمَنْثُورِ وَمِنْ تَطْوِيلَاتٍ لَا تَرُوجُ إلَّا عَلَى غَمْرٍ مَغْمُورٍ ثُمَّ رَأَيْت مَا يُصَرِّح بِذَلِكَ غَيْر مَا مَرَّ فِي هَذَا التَّصْنِيفِ وَهُوَ مَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّ الْخِلَافَ الَّذِي فِي الْمُنَجِّمِ يَجْرِي فِي صَوْمِهِ وَفِطْرِهِ وَقَضِيَّةِ تَنْجِيمِهِ. وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِذَلِكَ دُون غَيْرِهِ وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحَ بَعْضُ مُخْتَصِرِي الرَّوْضَةِ بِذَلِكَ فَقَالَ مَا لَفْظُهُ: وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَيْ الْمُنَجِّمِ أَوْ مَنْ عَرَفَ مَنَازِلَ الْقَمَرِ تَقْلِيدُهُ فِي صَوْمٍ أَوْ فِطْرٍ وَهَلْ يَجُوزُ لَهُمَا أَنْ يَعْمَلَا بِهِ؟ وَجْهَانِ قُلْت الْأَصَحُّ نَعَمْ وَلَكِنْ لَا يُجْزِئهُمَا أَيْ الصَّوْمُ عَنْ الْغَرَضِ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ اهـ، وَإِذَا جَازَ الْفِطْرُ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ صَالِحًا لَأَنْ يَكُونَ حُجَّةً شَرْعًا وَلَوْ ذُكِرَ لِلْحَاكِمِ لَمْ يَلْتَفِت إلَيْهِ فَلَأَنْ يَجُوزَ بِإِخْبَارِ عَدْلَيْنِ بَلْ أَوْ عَدْلٍ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً شَرْعًا فِي ذَلِكَ أَوْ نَظِيرِهِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا قَالَهُ السُّبْكِيّ وَابْنُهُ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ وَالْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ فُحُولِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ جَوَازِ الْفِطْرِ آخِرَ النَّهَارِ بِإِخْبَارِ عَدْلٍ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنهُ الْيَقِين مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ فَلْيَجُزْ هُنَا بِالْأَوْلَى وَتَحَصَّلَ فَرْقٌ بَيْنهمَا لَا يُجْدِي: وَمِنْ أَهَمِّهَا الْفَرْقُ بِأَنَّهُمْ سَامَحُوا فِي آخِر النَّهَارِ مَا لَمْ يُسَامِحُوا بِهِ آخِرَ رَمَضَانَ بِدَلِيلِ جَوَازِ الِاجْتِهَادِ ثَمَّ لَا هُنَا وَيُرَدُّ بِأَنَّ الِاجْتِهَادَ إنَّمَا جَازَ ثَمَّ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ عَلَامَةٌ بَلْ عَلَامَاتٌ، وَأَمَّا آخِرُ رَمَضَانَ فَلَا عَلَامَةَ لَهُ فَامْتِنَاعُهُ لَيْسَ

لِكَوْنِهِ آخِرَ رَمَضَانَ بَلْ لِفَقْدِ الْعَلَامَةِ الْمُشْتَرَطَةِ فِي الِاجْتِهَادِ عَلَى أَنَّهُ مَرَّ فِي الْمُنَجِّمِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ الْعَمَلَ بِاجْتِهَادِهِ آخِرَ رَمَضَانَ أَيْضًا ثُمَّ رَأَيْت مَا يُصَرِّحُ بِمَا ذُكِرَ وَهُوَ مَا أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ الْمُحَقِّقُ الشَّمْسُ الْجَوْجَرِيُّ شَارِحُ الْإِرْشَادِ وَكَاشِفُ الْقِنَاعِ عَنْ مُخَبَّآتِهِ بِمَا لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ فِيمَا سُئِلَ عَنْهُ وَهُوَ أَنَّهُمْ لَوْ رَأَوْا يَوْمَ ثَلَاثِينَ رَمَضَانَ عِنْد الْفَجْرِ قَنَادِيلَ بَلَدٍ أُخْرَى أَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الْفِطْرُ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ إذَا كَثُرْت الْقَنَادِيلُ الَّتِي تُوقَدُ يَوْمَ الْعِيدِ وَحَصَلَ بِرُؤْيَتِهَا الْعِلْمُ وَجَبَ الْفِطْرُ ثُمَّ إنَّمَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِذَلِكَ إذَا كَثُرْت كَثْرَةً لَا يُحْتَمَلُ مَعَهَا النِّسْيَانُ بِوَجْهٍ، وَالْأَحْوَطُ أَنْ لَا يُفْطِرُوا حَتَّى يُرْسِلُوا مَنْ يَأْتِيهِمْ بِخَبَرِ الْبَلَدِ الَّتِي بِهَا الْقَنَادِيلُ وَكَلَامُهُ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْعِلْمِ غَلَبَةُ الظَّنِّ فَتَأَمَّلَهُ. وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ قَاضِي عَجْلُونٍ فَقَالَ وَالْقَنَادِيلُ الْمَذْكُورَةُ عَلَامَةٌ مُغَلَّبَةٌ عَلَى الظَّنِّ فَيُعْتَمَدُ فِي الْفِطْرِ عَلَيْهَا إذَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِيقَادِهَا يَوْمَ فَجْرِ شَوَّال فَيَكُونُ ذَلِكَ الْيَوْم يَوْمَ عِيدٍ فِي حَقِّ مَنْ رَآهَا اهـ، وَأَمَّا إفْتَاءُ شَيْخِنَا خَاتِمَةُ الْمُتَأَخِّرِينَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيُّ سَقَى اللَّهُ عَهْدَهُ صَيِّبَ الرَّحْمَةِ وَالرِّضْوَانِ بِأَنَّهَا لَا تُعْتَمَدُ فَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ تُفِدْ أَوْ لَمْ تَطَّرِدْ بِهَا الْعَادَةُ لِأَنَّهُ لَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ حِينَئِذٍ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَوْمُ عِيدٍ وَمِنْ ثَمَّ خَالَفَ إطْلَاقَهُ أَجَلُّ جَمَاعَتِهِ مُحَقِّقُ أَهْلِ عَصْرِهِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ مِصْرِهِ شَيْخُنَا شِهَابُ الدِّينِ الرَّمْلِيُّ الْأَنْصَارِيُّ مَتَّعَ اللَّهُ بِحَيَاتِهِ الْمُسْلِمِينَ فَأَفْتَى بِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَأَصْرَحُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ جَمِيعِ مَا هُنَالِكَ لَمَّا سُئِلَ عَمَّا لَوْ رَأَوْا عَلَامَةً مُعْتَادَةً لِرَمَضَانَ أَوْ شَوَّال كَرُؤْيَةِ نَارٍ أَوْ سَمَاعِ طَبْلٍ وَحَصَلَ بِهِ اعْتِقَادٌ جَازِمٌ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ؟ وَإِذَا أُرْسِلَ مَنْ ثَبَتَتْ عِنْده الرُّؤْيَةُ إلَى بَلَدٍ مُوَافِق مَطْلَعهَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِذَلِكَ أَيْضًا؟ فَأَجَابَ بِمَا لَفْظُهُ مَنْ حَصَلَ لَهُ اعْتِقَادٌ جَازِمٌ بِدُخُولِ رَمَضَانَ مِنْ الْعَلَامَاتِ الْمُعْتَادَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَمَنْ حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ بِدُخُولِ شَوَّال مِنْ الْعَلَامَاتِ الْمَذْكُورَة لَزِمَهُ الْفِطْرُ عَمَلًا بِاعْتِقَادِهِ الْجَازِمِ مِنْهَا، وَإِذَا أُرْسِلَ نُوَّابُ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ إلَى أَهْلِ بَلَدٍ مُوَافِقٍ لَهُ فِي الْمَطْلَعِ مَا تَثْبُت بِهِ الرُّؤْيَةُ عِنْد حُكَّامِ الْمُرْسَلِ إلَيْهِمْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ الصَّوْمُ لِرَمَضَانَ وَالْفِطْرُ لِشَوَّالِ، وَإِنْ لَمْ تَثْبُت بِهِ الرُّؤْيَةُ عِنْد أَحَدٍ مِنْهُمْ فَمَنْ اعْتَقَدَ صِدْقَ الْمُخْبِرِ بِذَلِكَ لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَالْفِطْرُ وَمَنْ لَا فَلَا اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ كَلَامُهُ الْأَخِيرُ فَإِنَّهُ نَصٌّ فِي مَسْأَلَتِنَا وَمَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَمَل فِي مَسْأَلَتِنَا بِخَبَرِ الْعَدْلِ فَضْلًا عَنْ الْعَدْلَيْنِ إذَا اُعْتُقِدَ صِدْقُهُ. وَمِمَّا يَدُلّ عَلَى أَنَّ مُرَادَ شَيْخِنَا زَكَرِيَّا مَا قَدَّمْنَاهُ إفْتَاؤُهُ هُوَ وَأَئِمَّةُ عَصْرِهِ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ مِنْ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الصَّوْمُ أَوْ الْفِطْرُ عِنْد الْحَاكِمِ لَمْ يَلْزَمهُ الصَّوْمُ وَلَمْ يَجِب الْفِطْرُ لِمَنْ شَكَّ فِي صِحَّةِ الْحُكْمِ لِتَهَوُّرِ الْقَاضِي أَوْ لِمَعْرِفَتِهِ لِمَا يَقْدَحُ فِي الشُّهُودِ فَإِذَا أَدَارُوا الْحُكْمَ هُنَا عَلَى مَا فِي ظَنِّهِ وَلَمْ يَنْظُرُوا لِحُكْمِ الْحَاكِمِ بَلْ جَعَلُوهُ لَغْوًا فَقِيَاسُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا أَنْ لَا يُنْظَرَ لِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَأَنَّ الْمَدَارَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الِاعْتِقَادِ الْجَازِمِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ بِأَدْنَى نَظَرٍ وَتَأَمُّلٍ وَلَكِنَّ الْهِدَايَةَ بِيَدِ اللَّهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى وَهُوَ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ صَوْمِ الْعَشْرِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُحَرَّمِ هَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ كَالتِّسْعِ الْأَوَّلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ أَوْ لَا؟ وَطَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْهِنْدِ لَا يَتْرُكُونَ صَوْمَهَا وَلَا يُوَاظِبُونَ عَلَى صَوْمٍ مِثْل مُوَاظَبَتِهِمْ عَلَى صَوْمِهَا. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نِعْمَ مَا فَعَلَ هَؤُلَاءِ فَإِنَّ صَوْمَ الْعَشْرِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُحَرَّمِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ بَلْ صَوْمُ الشَّهْرِ كُلِّهِ سُنَّةٌ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ فَمِنْ ذَلِكَ خَبَرُ مُسْلِمٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الَّذِي تَدْعُونَهُ الْمُحَرَّمَ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ قِيَامُ اللَّيْلِ» وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ أَفْضَلَ مَا تَتَطَوَّعُ بِهِ مِنْ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ صَوْمُ الْمُحَرَّمِ، وَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ شَهْرٍ تَطَوَّعَ بِصَوْمِهِ كُلِّهِ لَا مُطْلَقًا فَإِنَّ صَوْمَ تِسْعِ ذِي الْحِجَّة أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِ عَشْرِ الْمُحَرَّم وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ مَقَالٌ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِشَهْرٍ أَصُومُهُ بَعْد شَهْرِ رَمَضَانَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ كُنْت صَائِمًا شَهْرًا بَعْدَ رَمَضَانَ فَصُمْ الْمُحَرَّمَ فَإِنَّهُ شَهْرُ اللَّهِ وَفِيهِ يَوْمٌ تَابَ اللَّهُ فِيهِ عَلَى قَوْمٍ وَيَتُوبُ عَلَى آخَرِينَ» وَأَخْرَجَ النَّسَائِيّ «أَنَّ أَبَا ذَرٍّ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

أَيُّ الْأَشْهُرِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: شَهْرُ اللَّهِ الَّذِي تَدْعُونَهُ الْمُحَرَّمَ» وَالْمُرَادُ أَنَّهُ أَفْضَلُهَا بَعْد رَمَضَانَ لِمَا مَرَّ وَقَدْ أَخَذَ بِقَضِيَّتِهِ جَمَاعَةٌ كَالْحَسَنِ وَغَيْرِهِ فَقَالُوا إنَّ الْمُحَرَّمَ أَفْضَلُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَجَاءَ أَنَّ السَّلَفَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - كَانُوا يُعَظِّمُونَ ثَلَاثَ عَشَرَاتٍ: عَشْرُ رَمَضَانَ الْأَخِيرِ، وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ الْأَوَّلِ، وَعَشْرُ الْمُحَرَّمِ الْأَوَّلِ وَرُوِيَ هَذَا حَدِيثًا. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ صَوْمِ مُنْتَصَفِ شَعْبَان هَلْ يُسْتَحَبُّ عَلَى مَا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا فَإِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا» أَوْ لَا يُسْتَحَبُّ وَهَلْ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ أَوْ لَا؟ وَإِنْ قُلْتُمْ بِاسْتِحْبَابِهِ فَلِمَ لَمْ يَذْكُرهُ الْفُقَهَاءُ؟ وَمَا الْمُرَادُ بِقِيَامِ لَيْلِهَا أَهُوَ صَلَاةُ الْبَرَاءَةِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ صَلَاةَ الرَّغَائِب وَهِيَ ثِنْتَا عَشْرَةَ رَكْعَة بَيْن الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لَيْلَةَ أَوَّلِ جُمُعَةٍ مِنْ شَهْرِ رَجَب وَصَلَاةُ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ مِائَةَ رَكْعَةٍ بِدْعَتَانِ قَبِيحَتَانِ مَذْمُومَتَانِ وَلَا يُغْتَرُّ بِذِكْرِهِمَا فِي كِتَابِ قُوتِ الْقُلُوبِ وَفِي إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ وَلَا بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِيهِمَا فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ وَلَا بِبَعْضِ مَنْ اُشْتُبِهَ عَلَيْهِ حُكْمُهُمَا مِنْ الْأَئِمَّةِ فَصَنَّفَ وَرَقَاتٍ فِي اسْتِحْبَابِهِمَا فَإِنَّهُ غَالِطٌ فِي ذَلِكَ وَقَدْ صَنَّفَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ كِتَابًا نَفِيسًا فِي إبْطَالِهِمَا فَأَحْسَنَ فِيهِ وَأَجَادَ اهـ وَأَطَالَ النَّوَوِيُّ أَيْضًا فِي فَتَاوِيهِ فِي ذَمِّهِمَا وَتَقْبِيحِهِمَا، وَإِنْكَارِهِمَا وَاخْتَلَفَتْ فَتَاوَى ابْنُ الصَّلَاحِ فِيهِمَا، وَقَالَ فِي الْآخَرِ: هُمَا وَإِنْ كَانَا بِدْعَتَيْنِ لَا يُمْنَعُ مِنْهُمَا لِدُخُولِهِمَا تَحْتَ الْأَمْرِ الْوَارِد بِمُطْلَقِ الصَّلَاةِ وَرَدَّهُ السُّبْكِيّ بِأَنَّ مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ إلَّا مُطْلَقُ طَلَبِ الصَّلَاةِ وَأَنَّهَا خَيْرُ مَوْضُوعٍ فَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ شَيْءٌ بِخُصُوصِهِ فَمَتَى خَصَّ شَيْئًا مِنْهُ بِزَمَانٍ أَوْ مَكَان أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ دَخَلَ فِي قِسْمِ الْبِدْعَةِ وَإِنَّمَا الْمَطْلُوبُ مِنْهُ عُمُومُهُ فَيَفْعَلْ لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُمُومِ لَا لِكَوْنِهِ مَطْلُوبًا بِالْخُصُوصِ اهـ. وَحِينَئِذٍ فَالْمَنْعُ مِنْهُمَا جَمَاعَةً أَوْ انْفِرَادًا خِلَافًا لِمَنْ وُهِمَ فِيهِ مُتَعَيِّنٌ إزَالَةً لِمَا وَقَعَ فِي أَذْهَانِ الْعَامَّةِ وَبَعْضِ الْمُتَفَقِّهَةِ وَالْمُتَعَبِّدِينَ مِنْ تَأَكُّدِ سَنِّهِمَا وَأَنَّهُمَا مَطْلُوبَتَانِ بِخُصُوصِهِمَا مَعَ مَا يُقْتَرَنُ بِذَلِكَ مِنْ الْقَبَائِحِ الْكَثِيرَةِ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِحُكْمِ صَلَاةِ لَيْلَةِ نِصْفِ شَعْبَانَ. وَأَمَّا صَوْمُ يَوْمِهَا فَهُوَ سُنَّةٌ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَيَّامِ الْبِيضِ لَا مِنْ حَيْثُ خُصُوصُهُ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ مَاجَهْ ضَعِيفٌ قَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ: وَجَاءَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ أَحَادِيثُ مُتَعَدِّدَةٌ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا فَضَعَّفَهَا الْأَكْثَرُونَ وَصَحَّحَ ابْنُ مَاجَهْ بَعْضَهَا وَخَرَّجَهُ فِي صَحِيحِهِ وَمِنْ أَمْثِلَتِهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَتْ: «فَقَدْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَخَرَجْت فَإِذَا هُوَ بِالْبَقِيعِ رَافِعٌ رَأْسَهُ إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ أَكُنْتِ تَخَافِينَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ ظَنَنْت أَنَّك أَتَيْتَ بَعْضَ نِسَائِكَ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ لِأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعْرِ غَنَمِ كَلْبٍ» خَرَّجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ لَكِنْ ذَكَر التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ ضَعَّفَهُ وَفِي حَدِيثٍ لِابْنِ مَاجَهْ «إنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ إلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ» وَفِي حَدِيثٍ عِنْد أَحْمَدَ وَخَرَّجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ «إنَّ اللَّهَ لَيَطَّلِعُ إلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِعِبَادِهِ إلَّا اثْنَيْنِ مُشَاحِنٍ أَوْ قَاتِلِ نَفْسٍ» وَبَقِيَتْ أَحَادِيثُ أُخَر كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِهَذِهِ اللَّيْلَةِ فَضْلًا وَأَنَّهُ يَقَعُ فِيهَا مَغْفِرَةٌ مَخْصُوصَةٌ وَاسْتِجَابَةٌ مَخْصُوصَةٌ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ فِيهَا وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي الصَّلَاةِ الْمَخْصُوصَةِ لَيْلَتهَا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهَا بِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ مَذْمُومَةٌ يُمْنَعُ مِنْهَا فَاعِلُهَا، وَإِنْ جَاءَ أَنَّ التَّابِعِينَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ كَمَكْحُولٍ وَخَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ وَلُقْمَانَ وَغَيْرِهِمْ يُعَظِّمُونَهَا وَيَجْتَهِدُونَ فِيهَا بِالْعِبَادَةِ، وَعَنْهُمْ أَخَذَ النَّاسُ مَا ابْتَدَعُوهُ فِيهَا وَلَمْ يَسْتَنِدُوا فِي ذَلِكَ لِدَلِيلٍ صَحِيحٍ وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ أَنَّهُمْ إنَّمَا اسْتَنَدُوا بِآثَارٍ إسْرَائِيلِيَّةٍ وَمِنْ ثَمَّ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ أَكْثَرُ عُلَمَاء الْحِجَازِ كَعَطَاءٍ وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ وَفُقَهَاء الْمَدِينَة وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَغَيْرِهِمْ قَالُوا وَذَلِكَ كُلُّهُ بِدْعَةٌ إذْ لَمْ يَثْبُت فِيهَا شَيْءٌ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِمَا صُورَته إذَا عَمَّ هِلَالُ شَعْبَانَ فَأَكْمَلْنَا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ فَجَاءَ جَمَاعَةٌ مِنْ مَحِلٍّ بَعِيدٍ مُخْتَلِفٌ مَطْلَعُهُ مَعَ مَطْلَعِ الْبَلْدَةِ الَّتِي غُمَّ فِيهَا هِلَالُ شَعْبَانَ وَشَهِدُوا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ فَأَثْبَت حَاكِمٌ حَنَفِيٌّ الْهِلَالَ بِشَهَادَتِهِمْ فَهَلْ يُلْزَمُ الشَّافِعِيُّ بِقَضَاءِ الْيَوْمِ الَّذِي أَفْطَرَهُ عَلَى ظَنٍّ مِنْهُ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ اعْتِمَادًا عَلَى أَنَّ الثُّبُوتَ الْوَاقِعَ لَدَى الْحَاكِمِ الْحَنَفِيِّ رَافِعٌ لِلْخِلَافِ وَيُفْطِرُ يَوْمَ ثَلَاثِينَ رَمَضَان لَوْ لَمْ يَرَ الْهِلَالَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ لِإِكْمَالِ الْعِدَّةِ بِمُقْتَضَى الثُّبُوتِ الْمَذْكُورِ أَوْ لَا يُلْزَمُ بِقَضَاءِ الْيَوْمِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي نَحْوِ ذَلِكَ بِعَقِيدَتِهِ وَاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ بِمَحِلٍّ مُخْتَلِفٍ مَطْلَعُهُ مَعَ مَطْلَعِ الْبَلَدِ الَّتِي غُمَّ فِيهَا الْهِلَالُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إمْسَاكُ يَوْمِ ثَلَاثِينَ رَمَضَانَ لَوْ لَمْ يَرَ الْهِلَالَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ وَمَا الْحُكْم فِيمَا لَوْ ثَبَتَ الْهِلَالُ لَدَى حَاكِمٍ يَرَى ثُبُوتَهُ بِمَا لَمْ يَرَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ قَبُولِ عَبِيدٍ وَامْرَأَةٍ فَهَلْ يَلْزَم الشَّافِعِيَّ الْعَمَلُ بِمَا ثَبَتَ لَدَيْهِ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ عَقِيدَتِهِ أَوْ لَا يَلْزَمهُ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ خِلَافَهُ؟ بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ بِمَا فِيهِ بَسْطٌ أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حُكْمُ الْحَنَفِيِّ فِي ذَلِكَ مُعْتَبَرٌ فَيُدَارُ الْأَمْرُ عَلَيْهِ وَيَجِبُ عَلَى النَّاسِ الْعَمَلُ بِقَضِيَّتِهِ كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ كَلَامُ أَئِمَّتنَا فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا قَوْلُ الْمَجْمُوعِ وَمَحِلُّ الْخِلَافِ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ الْوَاحِدِ مَا لَمْ يَحْكُم بِشَهَادَتِهِ حَاكِمٌ يَرَاهُ وَإِلَّا وَجَبَ الصَّوْمُ وَلَمْ يُنْقَض الْحُكْمُ إجْمَاعًا اهـ فَإِيجَاب الصَّوْمِ هُنَا عَلَى الْعُمُومِ، وَعَدَمُ نَقْضِ الْحُكْمِ بِالْإِجْمَاعِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ كَذَلِكَ حَتَّى يَجِب عَلَى الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ الْعَمَلُ بِقَضِيَّتِهِ صَوْمًا وَفِطْرًا وَقَضَاءً. وَمِنْهَا قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي الدَّمِ وَالسُّبْكِيِّ لَا يَكْفِي قَوْلُ الشَّاهِدِ: أَشْهَدُ أَنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ اعْتَمَدَ الْحِسَابَ أَوْ كَانَ حَنْبَلِيًّا يَرَى إيجَابَ الصَّوْمِ صَبِيحَةَ لَيْلَةِ الْغَيْمِ قَالَ فِي الْخَادِمِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْتَقِدُ دُخُولَهُ بِسَبَبٍ لَا يُوَافِقُهُ عَلَيْهِ الْمَشْهُودُ عِنْدَهُ بِأَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ مِنْ حِسَابِ مَنَازِلِ الْقَمَرِ أَوْ يَكُونَ حَنْبَلِيًّا يَرَى إيجَابَ الصَّوْمِ لَيْلَةَ الْغَيْم أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ اهـ فَأَفْهَمْ قَوْلُهُمْ لَا يُوَافِقهُ عَلَيْهِ الْمَشْهُودُ عِنْده أَنَّهُ لَوْ وَافَقَهُ الْحَاكِمُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ كَانَ قَضِيَّةَ مَذْهَبِهِ اعْتَدَّ بِالشَّهَادَةِ الْمُسْتَنِدَةِ إلَى الْحِسَابِ أَوْ الْغَيْمِ وَبِالْحُكْمِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ مَذْهَبِنَا وَحِينَئِذٍ يُسْتَفَاد مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَقِيدَةِ الْحَاكِمِ مُطْلَقًا فَمَتَى أَثْبَتَ الْهِلَالَ حَاكِمٌ يَرَاهُ وَلَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ بِأَنْ لَمْ يُخَالِف نَصَّا صَرِيحًا لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ اُعْتُدَّ بِحُكْمِهِ وَوَجَبَ عَلَى كَافَّةِ مَنْ فِي حُكْمِهِ الْعَمَلُ بِقَضِيَّةِ حُكْمِهِ وَمِنْهَا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الدَّارِمِيِّ وَاعْتَمَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ أَنَّ رَمَضَانَ يَثْبُت أَيْضًا أَيْ عَلَى الْكَافَّةِ بِعِلْمِ الْقَاضِي. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْعِلْمِ مَنَعَهُ بَعْضُ الْمُجْتَهِدِينَ وَمَعَ ذَلِكَ يَلْزَمُ مُقَلِّدِيهِ الْعَمَل بِحُكْمِ الْقَاضِي بِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ صَرِيحُ كَلَامهمْ هُنَا وَكَلَامُ الْمَجْمُوعِ السَّابِقِ وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ لَا عِبْرَةَ بِرِيبَةٍ تَبْقَى بَعْد حُكْمِ الْحَاكِمِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَنْ جَهِلَ حَالَ الشَّاهِد أَمَّا الْعَالِمُ بِفِسْقِهِ وَكَذِبِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمهُ الصَّوْمُ إذَا لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْجَزْمُ بِالنِّيَّةِ بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُ. اهـ فَأَفْهَمْ أَنَّا حَيْثُ لَمْ نَعْلَم اسْتِنَادَ الْحَاكِمِ إلَى بَاطِلٍ فِي اعْتِقَادِهِ لَزِمَنَا الْجَرْي عَلَى مُقْتَضَى حُكْمِهِ، وَإِنْ بَقِيَتْ عِنْدنَا رِيبَةٌ فِيهِ لِحُصُولِ الظَّنِّ بِالِاسْتِنَادِ إلَى الْحُكْمِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمْنَاهُ اسْتَنَدَ فِيهِ إلَى بَاطِلٍ عِنْده فَإِنَّهُ لَغْوٌ مِنْهُ فَلَا ظَنَّ فَلَمْ يَجُزْ الصَّوْمُ حِينَئِذٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ قَوْلِ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إلَّا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ» ، وَقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «مَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ قَطُّ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إلَّا قَلِيلًا» وَفِي رِوَايَةٍ «بَلْ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ» فَقَدْ صَرَّحَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ بِصِيَامِهِ كُلِّهِ أَوْ أَكْثَرِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ فَمَا مَعْنَاهَا وَكَيْف الْجَمْعُ بَيْنهَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا» وَمِنْ ثَمَّ أَخَذَ مِنْهُ أَئِمَّتُنَا تَحْرِيمَ صَوْمِ مَا بَعْدَ نِصْفِهِ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُعْلَمُ جَوَابُ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْته فِي كِتَابِي إتْحَافُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ

بِخُصُوصِيَّاتِ الصِّيَامِ وَحَاصِلُ عِبَارَتِهِ وَمِنْهَا صَوْمُ شَهْرِ شَعْبَانَ «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إلَّا شَهْرَ رَمَضَانَ وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي أُخْرَى لَهُمَا: «لَمْ يَكُنْ يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ» وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ «كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ إلَّا قَلِيلًا» وَلِلتِّرْمِذِيِّ «كَانَ يَصُومُهُ إلَّا قَلِيلًا بَلْ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ» وَلِأَبِي دَاوُد «كَانَ أَحَبُّ الشُّهُورِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَصُومَهُ شَعْبَانَ ثُمَّ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ» وَلِلنَّسَائِيِّ «كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ أَوْ عَامَّةَ شَعْبَانَ» وَلَهُ أَيْضًا «كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إلَّا قَلِيلًا» وَلَهُ أَيْضًا «كَانَ أَحَبُّ الشُّهُورِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَصُومَ شَعْبَانَ كَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ» وَلَهُ أَيْضًا «كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ» . وَالْمُرَادُ بِكُلِّهِ مُعْظَمُهُ فَقَدْ نَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ: جَائِزٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إذَا صَامَ أَكْثَر الشَّهْرِ أَنْ يَقُولَ صَامَهُ كُلَّهُ وَيُقَال قَامَ فُلَانٌ لَيْلَتَهُ أَجْمَع وَلَعَلَّهُ قَدْ تَعَشَّى وَاشْتَغَلَ بِبَعْضِ أَمْرِهِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَكَأَنَّ ابْنَ الْمُبَارَكِ جَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِذَلِكَ اهـ وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ لِضَرُورَةِ الْجَمْعِ بِهِ بَيْن الْحَدِيثَيْنِ، وَإِنْ شَنَّعَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى أَبِي عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ: إنَّ كُلًّا تَأْتِي بِمَعْنَى الْأَكْثَر وَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ أَخَذَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلَهُ إتْيَانُ كُلٍّ بِمَعْنَى الْأَكْثَرِ مَجَازٌ قَلِيلُ الِاسْتِعْمَالِ اهـ وَعَلَيْهِ فَقَرِينَةُ الْمَجَازِ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مَا عَلِمْتُهُ أَيْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَامَ شَهْرًا كُلَّهُ إلَّا رَمَضَانَ» وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا صَحِيحَةٍ أَيْضًا «مَا رَأَيْتُهُ صَامَ شَهْرًا كَامِلًا مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ إلَّا رَمَضَانَ» وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بِجَمْعٍ آخَر حَسَنٍ أَيْضًا وَهُوَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ تَارَةً يَصُومُهُ كُلَّهُ وَتَارَةً يَصُومُ أَكْثَرَهُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ وُجُوبُ كُلِّهِ. وَقَدْ أَشَارَ إلَى هَذَيْنِ الْجَمْعَيْنِ ابْنُ الْمُنِيرِ بِقَوْلِهِ: يُحْمَلُ قَوْلُهَا " كُلَّ " عَلَى الْمُبَالَغَةِ وَالْمُرَادُ الْأَكْثَرُ أَوْ قَوْلُهَا الثَّانِي مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْأَوَّلِ فَأَخْبَرَتْ عَنْ أَوَّل أَمْرِهِ بِأَنَّهُ كَانَ يَصُومُ أَكْثَرَهُ ثُمَّ عَنْ آخِر أَمْرِهِ بِأَنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ اهـ نَعَمْ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ تَارَةً هَذَا وَتَارَةً هَذَا أَوْلَى إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ وَاخْتُلِفَ فِي حِكْمَةِ إكْثَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ صَوْمِ شَعْبَانَ مَعَ أَنَّ صَوْمَ الْمُحَرَّمِ أَفْضَلُ مِنْهُ فَقِيلَ كَانَ يَشْتَغِلُ عَنْ صَوْمِ الثَّلَاثَةِ أَيَّامِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ بِسَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَقْضِيهَا فِي شَعْبَانَ لِخَبَرٍ فِيهِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ بَلْ قِيلَ مَوْضُوعٌ وَاسْتَشْكَلَ بِمَا فِي خَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا لَمْ تَعْلَمْهُ أَفْطَرَ شَهْرًا كُلَّهُ حَتَّى تُوُفِّيَ وَلَا إشْكَالَ فَإِنَّهُ يَصْدُق بِأَنْ يَصُومَ مِنْ بَعْضِ الشُّهُورِ دُون ثَلَاثَةٍ فَمَا بَقِيَ يَقْضِيه فِي شَعْبَانَ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ دِيمَةً وَكَانَ إذَا فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ نَوَافِلِهِ قَضَاهُ كَمَا فِي سُنَنِ الصَّلَاةِ وَقِيَامِ اللَّيْلِ فَكَذَا كَانَ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ شَعْبَانُ وَعَلَيْهِ بَقِيَّةٌ مِنْ صَوْمِ تَطَوُّعٍ قَضَاهُ فِيهِ. وَكَانَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - تَقْضِي مَعَهُ أَيَّامَ حَيْضِهَا؛ لِأَنَّهَا فِيمَا عَدَاهُ مُشْتَغِلَةٌ بِهِ، وَالْمَرْأَةُ لَا تَصُومُ وَزَوْجُهَا حَاضِرٌ إلَّا بِإِذْنِهِ سَوَاءً فِي ذَلِكَ النَّفَلُ وَالْفَرْضُ الْمُوَسَّعُ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ أَفْطَرَهُ لِعُذْرٍ وَقِيلَ كَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِرَمَضَانَ لِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ بِهِ لَكِنَّهُ غَرِيبٌ وَيُعَارِضهُ خَبَرُ مُسْلِمٍ «أَفْضَلُ الصَّوْمِ بَعْدَ رَمَضَانَ صَوْمُ الْمُحَرَّمِ» وَلَعَلَّ عَدَمَ صَوْمِهِ لِأَكْثَرِهِ أَوْ كُلِّهِ كَشَعْبَانَ أَنَّهُ كَانَ يُعْرَضُ لَهُ فِيهِ أَعْذَارٌ تَمْنَعُهُ عَنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ شَعْبَانَ أَوْ أَنَّ النَّاسَ يَغْفُلُونَ عَنْ شَعْبَانَ كَمَا يَأْتِي وَلِذَلِكَ قَالَ أَئِمَّتُنَا: صَوْمُ الْمُحَرَّمِ أَفْضَلُ الشُّهُورِ بَعْدَ رَمَضَانَ وَالْأَوْلَى فِي حِكْمَةِ ذَلِكَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْخَبَرُ الصَّحِيحُ عَنْ أُسَامَةَ قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ قَالَ ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» وَبَقِيَ لَهُ حِكْمَةٌ أُخْرَى وَكَلَامٌ مَبْسُوطُ فِيهَا وَفِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا بَسَطْتُهُ فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ. ثُمَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لَا تُنَافِي الْحَدِيثَ الْمُحَرِّمَ لِصَوْمِ مَا بَعْدَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ؛ لِأَنَّ مَحِلَّ الْحُرْمَةِ فِيمَنْ صَامَ بَعْد النِّصْفِ وَلَمْ يَصِلْهُ، وَمَحِلُّ الْجَوَازِ بَلْ النَّدْبِ فِيمَنْ صَامَ قَبْلَ النِّصْفِ وَتَرَك بَعْدَ النِّصْفِ أَوْ اسْتَمَرَّ، لَكِنْ وَصَلَ صَوْمَهُ بِصَوْمِ يَوْمِ النِّصْفِ أَوْ لَمْ يَصِلْهُ وَصَامَ لِنَحْوِ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ وِرْدٍ وَالْخَبَرُ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ «إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا حَتَّى يَكُونَ رَمَضَانُ»

صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ وَاسْتَشْكَلَ السُّبْكِيّ تَعْلِيلَ حُرْمَةِ صَوْمِ مَا بَعْدَ نِصْفِ شَعْبَان بِالضَّعْفِ بِأَنَّهُ يَلْزَمهُ تَحْرِيمَ صَوْمِ شَعْبَانَ كُلَّهُ لِأَنَّ الضَّعْفَ يَكُونُ بِهِ أَكْثَرُ، وَأَجَبْتُ عَنْهُ فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّ صِيَامَ الشَّهْرِ جَمِيعِهِ أَوْ أَكْثَرِهِ يُوَرِّثُ قُوَّةً عَلَى رَمَضَانَ لِأَنَّ الصَّوْمَ حِينَئِذٍ يَصِيرُ مَأْلُوفًا لِلنَّفْسِ وَخَلْقًا لَهَا فَلَا يَشُقُّ عَلَيْهَا تَعَاطِيهِ وَهَذَا مِنْ بَعْضِ حِكَمِ صَوْمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَعْبَانَ كُلَّهُ أَوْ أَكْثَرَهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ هِلَالِ رَمَضَانَ هَلْ يَثْبُتُ بِمَسْتُورِ الْعَدَالَةِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ جَمْعٌ أَنَّهُ يَكْفِي الْمَسْتُور وَهُوَ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي النِّكَاحِ مَنْ لَا يُعْرَفُ لَهُ مُفَسِّقٌ مَعَ صَلَاحِ ظَاهِرِهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ إذَا شَرَطْنَا التَّعْيِينَ فِي الصَّوْمِ الرَّاتِبِ كَرَوَاتِبِ الصَّلَاةِ وَوَقَعَ الْخَطَأُ فِي التَّعْيِينِ كَأَنْ صَامَ تَاسُوعَاء بِالتَّعْيِينِ فَبَانَ بِثُبُوتِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ حِينَئِذٍ أَنَّهُ عَاشُورَاء أَوْ صَامَ ثَامِن ذِي الْحِجَّةِ فَبَانَ أَنَّهُ التَّاسِعُ فَهَلْ يَقُومُ مَا صَامَهُ بِالتَّعْيِينِ عَنْ عَاشُورَاءَ أَوْ عَنْ تَاسِعِ الْحِجَّةِ وَهَلْ الْمُعْتَمَدُ وُجُوبُ التَّعْيِين فِي ذَلِكَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ عِبَارَتِي فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَقَضِيَّة قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَيَكْفِي فِي نَفْلِ الصَّوْمِ مُطْلَقُ نِيَّتِهِ أَنَّ النَّفَلَ الَّذِي لَهُ سَبَبٌ كَصَوْمِ الِاسْتِسْقَاءِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْإِمَامِ وَالْمُؤَقَّت كَصَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَعَرَفَة لَا يَجِبُ تَعْيِينُهُ أَيْ تَعْيِين نِيَّتِهِ فِي الصَّوْمِ لَكِنْ بَحَثَ فِي الْمُهِمَّاتِ فِي الْأَوَّلِ وَفِي الْمَجْمُوعِ فِي الثَّانِي أَنَّهُ لَا بُدّ مِنْ تَعْيِينه كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَأُجِيبَ عَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الصَّوْمَ فِي الْأَيَّامِ الْمُتَأَكَّدِ صَوْمُهَا مُنْصَرِفٌ إلَيْهَا بَلْ لَوْ نَوَى بِهِ غَيْرَهَا حَصَلَتْ أَيْضًا كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وُجُودُ صَوْمٍ فِيهَا وَمِنْ ثَمَّ أَفْتَى الْبَارِزِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ صَامَ فِيهِ قَضَاءً أَوْ نَحْوَهُ حَصَلَا نَوَاهُ مَعَهُ أَمْ لَا، وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ مَا لَوْ اتَّفَقَ فِي يَوْمٍ رَاتِبَانِ كَعَرَفَة يَوْمَ الْخَمِيسِ. وَفِي الْمَجْمُوعِ لَوْ نَوَى قَبْلَ الزَّوَالِ قَضَاءً أَوْ نَذْرًا فَإِنْ كَانَ فِي رَمَضَانَ لَمْ يَنْعَقِدْ لَهُ صَوْمٌ أَصْلًا وَإِلَّا انْبَنَى انْعِقَادُهُ نَفْلًا عَلَى نِيَّةِ الظُّهْرِ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَقَعُ نَفْلًا مِنْ الْجَاهِلِ فَقَطْ. انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَبِهَا يُعْلَمُ أَنَّ التَّعْيِينَ فِي رَاتِبِ الصَّوْمِ لَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّتِهِ مِنْ حَيْثُ وُقُوعُ مُطْلَقِ الصَّوْمِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْقَصْدَ فِي الْأَيَّامِ الْمَنْدُوبِ صَوْمُهَا وُجُودُ صَوْمٍ فِيهَا وَإِحْيَاؤُهَا بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ الْفَاضِلَةِ فَهُوَ نَظِيرُ تَحِيَّةِ الْمَسْجِد،؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا تَعْظِيمُ الْمَسْجِدِ بِإِشْغَالِهِ بِالصَّلَاةِ وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْكَمَالِ وَوُقُوعِ الصَّوْمِ الْمَخْصُوصِ كَمَا أَنَّ التَّعْيِينَ فِي التَّحِيَّةِ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِكَمَالِهَا لَا لِصِحَّتِهَا فَحِينَئِذٍ مَنْ نَوَى فِي نَحْوِ يَوْمِ عَرَفَةَ أَوْ عَاشُورَاءَ أَوْ الِاثْنَيْنِ مَثَلًا صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ أَوْ عَاشُورَاء أَوْ الِاثْنَيْنِ حَصَلَ لَهُ كَمَالُ الصَّوْمِ وَالْفَضِيلَةِ وَكَذَا إنْ نَوَى ذَلِكَ وَالْقَضَاءُ مَثَلًا بِخِلَافِ مَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى نِيَّةِ غَيْرِهَا كَالْقَضَاءِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ مَا نَوَاهُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الطَّلَبُ بِالنِّسْبَةِ لِخُصُوصِ الصَّوْمِ الْمَطْلُوبِ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ نَظِيرَ مَا قَرَّرْتُهُ فِي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ. وَعَلَى أَحَدِ شِقَّيْ هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ مَا مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ مِنْ اشْتِرَاطِ التَّعْيِينِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَحَيْثُ عَيَّنَ فِي نِيَّةِ صَوْمِ النَّفْلِ شَيْئًا وَأَخْطَأَ فِيهِ سَوَاءً شَرَطْنَا التَّعْيِينَ فَإِنْ عُذِرَ فِي خَطَئِهِ كَمَا فِي الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي السُّؤَالِ صَحَّ الصَّوْمُ وَوَقَعَ لَهُ نَفْلًا مُطْلَقًا لِتَعَذُّرِ وُقُوعِ مَا نَوَاهُ مِنْ تَاسُوعَاء يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَمِنْ ثَامِنِ الْحِجَّة فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ مِنْهَا وَكَانَ قَضِيَّةُ ذَلِكَ بُطْلَانَ النِّيَّةِ مِنْ أَصْلِهَا لَكِنْ لَمَّا عُذِرَ فِي غَلَطِهِ اقْتَضَى عُذْرُهُ بُطْلَانَ خُصُوصِ صَوْمِهِ الْمُعَيَّنِ، لَا عُمُومَ صَوْمِهِ نَظِيرَ مَا ذَكَرُوهُ فِيمَنْ أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ أَوْ سُنَّتِهِ مَثَلًا قَبْلَ الْوَقْتِ ظَانًّا دُخُولِهِ وَهُوَ لَمْ يَدْخُل فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَيَبْطُلُ خُصُوصُ الْمُعَيَّنِ وَتَقَعُ الصَّلَاةُ لَهُ نَافِلَةً مُطْلَقَةً حَتَّى يُثَابَ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى تَاسُوعَاء يَوْمَ عَاشُورَاء مَثَلًا مُتَعَمِّدًا فَإِنَّ نِيَّتَهُ بَاطِلَةٌ مِنْ أَصْلِهَا لِتَلَاعُبِهِ كَنِيَّةِ الظُّهْرِ أَوْ سُنَّتِهِ قَبْلَ الْوَقْتِ عَالِمًا بِذَلِكَ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ نَوَى فِي اللَّيْلِ صَوْمَ الْقَضَاءِ وَبَعْد الْفَجْرِ التَّطَوُّعَ فَهَلْ يَحْصُلُ بِذَلِكَ التَّطَوُّعُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ ظَنَّ حَالَ نِيَّةِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ عَلَيْهِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ لَهُ بِفَرْضِ كَوْنِهِ عَلَيْهِ وَكَذَا

لَوْ شَكَّ وَنَوَاهُ احْتِيَاطًا نَظِيرَ مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي وُضُوءِ الِاحْتِيَاطِ مِنْ صِحَّتِهِ بِفَرْضِ أَنَّ عَلَيْهِ حَدَثًا مَا لَمْ يَتَبَيَّن الْحَالَ فَإِنْ لَمْ يَظُنَّ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَلَا شَكَّ فِيهِ فَنِيَّةُ الْقَضَاءِ بَاطِلَةٌ فَإِذَا نَوَى بَعْدَ الْفَجْرِ التَّطَوُّعَ مَعَ عِلْمِهِ بِبُطْلَانِ نِيَّتِهِ الْأُولَى صَحَّ لَهُ التَّطَوُّعُ، وَأَمَّا نِيَّتُهُ التَّطَوُّع بَعْد نِيَّةِ الْقَضَاءِ وَظَنُّهُ صِحَّتِهَا فَهُوَ كَالتَّلَاعُبِ مِنْهُ فَلَا يَصِحَّ لَهُ التَّطَوُّعُ، وَإِنْ بَانَ أَنْ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِفَسَادِ نِيَّتِهِ التَّطَوُّعَ وَعَدَمِ جَزْمِهِ بِهَا وَهَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِهِمْ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ نَوَى آخِرَ شَعْبَانَ صَوْمَ غَدٍ عَنْ رَمَضَانَ وَلَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ عَنْ رَمَضَانَ لِعَدَمِ اعْتِمَادِهَا عَلَى ظَنِّ دُخُولِهِ وَبَانَ أَنَّ الْيَوْمَ مِنْ شَعْبَانَ وَقَعَ لَهُ نَفْلًا مُطْلَقًا وَلَا يُعَارِضُ مَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ هُنَا عَازِمٌ عَلَى صَوْمِ الْغَدِ جَازِمٌ بِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُتَرَدِّدٌ فِي أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ لَا فَلَمْ يَقَع عَنْ رَمَضَانَ لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِخُصُوصِهِ وَوَقَعَ عَنْ النَّفْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُنَافِيَ لِلنَّفْلِ حَالَ النِّيَّةِ فَتَأَمَّلْهُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ عَنْ حَدِيثٍ أَنَّ أَيَّامَ الْبِيضِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ آدَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَسَلَّمَ لَمَّا هَبَطَ مِنْ الْجَنَّةِ اسْوَدَّ جِلْدُهُ فَأُمِرَ بِصِيَامِهَا فَفِي الْيَوْم الْأَوَّلِ ابْيَضَّ ثُلْثُ جِلْدِهِ وَفِي الثَّانِي ثُلْثُهُ وَفِي الثَّالِث بَقِيَّتُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَإِنْ خَرَّجَهُ جَمَاعَةٌ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ أَكَلَ نَهَارًا فِي رَمَضَانَ عَمْدًا وَلَمْ يُفْطِر كَيْف صُورَته؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ النَّهَارُ اسْمٌ لِفَرْخِ الْقَطَا وَوَلَد الْحُبَارَى كَمَا أَنَّ اللَّيْلَ وَلَدُ الْكَرَوَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ صَامَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ثُمَّ أَفْطَرَ ثُمَّ بَلَغَهُ أَنَّهُ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ وَأَنَّ الشَّهْرَ ثَلَاثُونَ. فَهَلْ يَلْزَمهُ قَضَاءُ الْيَوْمِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا ثَبَتَ أَنَّ أَهْلَ بَلَدِهِ أَوْ الْبَلَدِ الْقَرِيبَةِ مِنْهُ مَطْلَعًا رَأَوْا الْهِلَالَ لَيْلَةَ ثَلَاثِينَ شَعْبَان لَزِمَهُ قَضَاءُ يَوْمٍ عَلَى الْفَوْرِ، وَكَذَا لَوْ أَفْطَرَ يَوْمَ ثَلَاثِينَ رَمَضَانَ بِالنِّسْبَةِ لِرُؤْيَةِ أَهْلِ بَلَدِهِ وَمَنْ قَرُبَ مَطْلَعُهُمْ مِنْ مَطْلَعِهِمْ فَيَلْزَمهُ قَضَاءُ يَوْمٍ لَكِنْ لَا فَوْرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِمَا صُورَته مَا تَقُولُونَ فِيمَا رَجَّحُوهُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ الْبَاطِنَةِ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ هَلْ ذَلِكَ فِي صُورَةِ الثُّبُوتِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ الْوُجُوبُ الْعَامُّ بِهِ،، وَأَمَّا الْحُكْمُ بِالْجَوَازِ وَالصِّحَّةِ فِي حَقِّ الْآحَادِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ وَلَا الظَّاهِرَةُ كَمَا أَجَابَ بِذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَدْ قَالُوا: إنَّهُ يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى مَنْ أَخْبَرَهُ فَاسِقٌ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَاعْتَقَدَ صِدْقَهُ هَلْ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحُكْمِ بِالْجَوَازِ وَالصِّحَّةِ فِي حَقِّ الْآحَادِ كَمَا تَقَدَّمَ، أَمْ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَجِبُ وَلَا يُجْزِئُ إلَّا إنْ ثَبَتَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ بِرُؤْيَةِ عَدْلِ شَهَادَةٍ أَوْ حُكْمِ حَاكِمٍ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ الْبَاطِنَةِ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: الصَّوَابُ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْعَدَالَةِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلثُّبُوتِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُوبُ الْعَامُّ، أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْخَاصِّ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إلَّا اعْتِقَادُ الصِّدْقِ أَوْ ظَنُّهُ عَلَى مَا يَأْتِي فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ مِنْهُ وَيُجْزِئُهُ سَوَاءً حُكِمَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ أَمْ لَا وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ لَكِنَّ لَهُ أَيْ كُلٍّ مِنْهُمَا أَيْ الْمُنَجِّمِ وَالْحَاسِبِ اعْتِمَادَهُ أَيْ اعْتِمَادَ مَعْرِفَةِ نَفْسِهِ كَالصَّلَاةِ، وَنَقْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ عَنْ الْجُمْهُورِ خِلَافَ ذَلِكَ ضَعِيفٌ وَيُجْزِئُهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَكَذَا فِي الْمَجْمُوعِ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَا إذَا اُعْتُقِدَ أَنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ بِقَوْلِ مَنْ يَثِقُ بِهِ أَجْزَأَهُ فَإِنَّهُ قَالَ: ثُمَّ إنَّ اسْتِنَادَ الِاعْتِقَادِ إلَى الْحِسَابِ حَيْثُ جَوَّزْنَاهُ كَذَلِكَ وَنَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَصَحَّحَهُ وَصَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمَا كَالسُّبْكِيِّ لَكِنْ صُحِّحَ فِي الْمَجْمُوعِ هُنَا أَنَّ لَهُ أَيْ الْحَاسِب ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضِهِ كَذَا قِيلَ. وَكَلَامُ الْمَجْمُوعِ لَيْسَ نَصَّا فِي تَصْحِيحِ ذَلِكَ، إنَّمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِيهِ فَإِنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَسَكَتَ عَلَيْهِ وَكَأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَعْتَرِضهُ لِمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى النِّيَّةِ مِنْ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ كَمَا مَرَّ عَنْهُ (وَمَنْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بِرُؤْيَتِهِ) ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرهُ عِنْدَ الْقَاضِي (وَظُنَّ صِدْقُهُ) عِبَارَة غَيْرِهِ وَاعْتُقِدَ صِدْقُهُ وَبَيْنَهُمَا تَغَايُر وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ وَيُؤَيِّدُ الثَّانِيَ تَعْبِيرُ الْبَغَوِيِّ هُنَا بِقَوْلِهِ: وَلَوْ عَقَدَ بِقَلْبِهِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ أَنَّ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ وَنَوَى فَإِنْ سَمِعَ مِنْ ثِقَةٍ إلَخْ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ هُنَا مِنْ الِاعْتِقَادِ الْجَازِمِ وَأَنَّهُ لَا يَكْفِي الظَّنُّ وَلَا غَلَبَته (لَزِمَهُ صِيَامُهُ) كَمَا قَطَعَ

بِهِ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ ابْنُ عَبْدَانِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَأَقَرَّهُمْ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ، وَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ تَوَاتَرَتْ عِنْده رُؤْيَةُ رَمَضَانَ أَوْ شَوَّالَ وَلَوْ مِنْ نَحْوِ فَسَقَةٍ أَوْ كُفَّارٍ لَزِمَهُ الصَّوْمَ فِي الْأُولَى قِيَاسًا عَلَى ذَلِكَ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ التَّوَاتُرَ يُفِيدُ الْيَقِينَ، فَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْبَيِّنَةِ وَالْفِطْرِ فِي الثَّانِيَةِ وَخَرَجَ بِالثِّقَةِ مَا لَوْ أَخْبَرَهُ غَيْرُ الثِّقَةِ وَاعْتَقَدَ صِدْقَهُ فَلَا يَلْزَمهُ بَلْ يَجُوزُ لَهُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ قَرِيبًا بَلْ ظَاهِرُ قَوْلِ جَمْع لَوْ أَخْبَرَهُ مَنْ يَعْتَقِدُ صِدْقَهُ لَزِمَهُ الصَّوْمُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي اللُّزُومِ عِنْد اعْتِقَادِ الصِّدْقِ بَيْنَ الثِّقَةِ وَغَيْرِهِمْ، ثُمَّ رَأَيْتُ فِي كَلَامِ ابْنِ الصَّبَّاغِ مَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي الْجَوَازِ دُونَ الْوُجُوبِ وَسَيَأْتِي صِحَّةُ الِاعْتِمَادِ فِي النِّيَّةِ عَلَى قَوْلِ فَاسِقٍ سَكَنَتْ نَفْسُهُ إلَيْهِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ. وَاسْتُفِيدَ مِنْهَا أَنَّهُ حَيْثُ لَزِمَهُ الصَّوْمُ لِاعْتِقَادِهِ الصِّدْقَ وَكَوْنِ الْمُخْبِرِ ثِقَةً وَلَا نِزَاعَ فِيهِ وَحَيْثُ جَازَ لَهُ لِاعْتِقَادِهِ الصِّدْقَ وَكَوْنِ الْمُخْبِرِ غَيْرَ ثِقَةٍ يَأْتِي فِي الْإِجْزَاء مَا تَقَرَّرَ مِنْ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهِ، وَمَنْ يَقُولُ بِاللُّزُومِ فِي هَذِهِ أَيْضًا يَقُولُ بِالْإِجْزَاءِ، ثُمَّ مَا تَقَرَّرَ هُنَا يُنَافِيه كَلَامُهُمْ فِي مَبْحَثِ النِّيَّةِ وَمَبْحَثِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ وَجَمَعَ الْمُتَأَخِّرُونَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ بِوُجُوهٍ سَبْعَةٍ ذَكَرْتُهَا مَعَ بَيَانِ مَا فِي كُلٍّ مِنْهَا مِنْ نَقْدٍ وَرَدَ فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَتَرَكْت سَوْقَهَا هُنَا لِطُولِهَا، وَحَاصِلُ مَا يَتَعَلَّقُ بِمَا فِي السُّؤَالِ مِنْهَا مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُنَا فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ عَنْ رَمَضَانَ أَيْ مَعَ أَنَّهُ مُعْتَمِدٌ فِيهِ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ وَظُنَّ صِدْقُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّن كَوْنَهُ مِنْهُ. نَعَمْ مَنْ اعْتَقَدَ لَيْلًا صِدْقَ مَنْ قَالَ أَنَّهُ رَآهُ مِمَّنْ ذَكَر يَصِحُّ مِنْهُ صَوْمُهُ بَلْ يَلْزَمُهُ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ وَتَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى النِّيَّةِ صِحَّةُ نِيَّةِ مُعْتَقِدِ ذَلِكَ، وَوُقُوعُ الصَّوْمِ عَنْ رَمَضَانَ إذَا تَبَيَّنَ كَوْنُهُ مِنْهُ قِيلَ فَلَا تَنَافِي بَيْنَ مَا ذُكِرَ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ أَيْ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ وَحَاصِلُهُ حَمْلُ كَلَامِهِمْ فِي صِحَّةِ النِّيَّةِ عَلَى مَنْ ذَكَر عَلَى مَا إذَا تَبَيَّنَ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ وَهُنَا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَبَيَّن شَيْءٌ فَلَيْسَ الِاعْتِمَادُ عَلَى مَنْ ذَكَر أَيْ مِنْ نَحْوِ الصِّبْيَانِ فِي الصَّوْمِ بَلْ فِي النِّيَّةِ فَقَطْ فَإِذَا نَوَى اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِهِمْ ثُمَّ بَانَ كَوْنُ غَدٍ مِنْ رَمَضَانَ لَمْ يَحْتَجْ لَيْلًا إلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ أُخْرَى وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَذْكُرُوا هَذَا فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الشَّهْرُ وَإِنَّمَا ذَكَرُوهُ فِيمَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي النِّيَّةِ، وَحِينَئِذٍ فَيَعْتَمِدُ فِي تَصْحِيحِ النِّيَّةِ عَلَى إخْبَارِ مَنْ يَثِقُ بِهِ ثُمَّ إنْ اسْتَمَرَّ الْحَال عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ يَوْمُ شَكٍّ فَيَحْرُمُ صَوْمُهُ وَلَا يُجْزِئُهُ، وَإِنْ بَانَ مِنْ رَمَضَانَ وَإِلَّا بِأَنْ ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَصَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَدَّدَ نِيَّةً؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لَمَّا اسْتَنَدَتْ إلَى إخْبَارِ مَنْ يُوثَقُ بِهِ صَحَّتْ وَوَقَعَتْ مَوْقِعَهَا وَنَازَعَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ فِي هَذَا الْجَوَابِ بِمَا فِيهِ نَظَرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ اهـ. الْغَرَضُ مِمَّا فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ عَنْ حَدِّ بَاطِنِ الْأُذُنِ الَّذِي يُفْطِرُ الصَّائِمُ بِوُصُولِ الْعَيْن إلَيْهِ أَهُوَ مَا لَا يُرَى وَمَا يُرَى فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَمْ أَرَ أَحَدًا حَدَّدَهُ بِشَيْءٍ لَكِنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي نَظِيرِهِ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ حَدُّهُ، وَذَلِكَ أَنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ وَغَيْرَهُ نَقَلُوا عَنْ الْقَاضِي أَنَّهُ مَتَى دَخَلَ أَدْنَى شَيْءٍ مِنْ أُصْبُعِهِ فِي مَسْرَبَتِهِ أَفْطَرَ قَالَ السُّبْكِيّ وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا وَصَلَ إلَى الْمَكَانِ الْمُجَوَّفِ، وَأَمَّا أَوَّلُ الْمَسْرَبَةِ الْمُنْطَبِقُ فَلَا يُسَمَّى جَوْفًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُفْطِرَ بِالْوُصُولِ إلَيْهِ اهـ وَجُزِمَ بِهِ فِي الْخَادِمِ وَجَرَيْتُ عَلَى نَظِيرِ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ فَقُلْت عَقِبَ قَوْلِهِ وَبَاطِنُ أُذُنِهِ وَيَنْبَغِي حَدُّهُ بِمَا يَأْتِي فِي الْمُسَرِّبَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْمُجَوَّفِ دُون أَوَّلِ الْمُنْطَبِقِ اهـ. وَيُقَاسُ بِذَلِكَ بَاطِنُ الذَّكَرِ أَيْضًا وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ بَاطِنِ الْحَشَفَةِ وَالْحَلَمَةِ وَعِبَارَةُ الْكِفَايَةِ وَالْجَوَاهِرِ: يُفْطِرُ بِإِدْخَالِ مَيْلٍ إلَى بَاطِنِ حَشَفَتِهِ. فَإِنْ قُلْتَ يَنْبَغِي ضَبْطُ بَاطِنِ الْأُذُنِ بِمَا ضَبَطُوا بِهِ بَاطِنَ الْفَرْجِ وَهُوَ مَا لَا يَجِبُ غَسْلُهُ فَحَيْثُ جَاوَزَ مَا يَجِبُ غَسْلُهُ، وَهُوَ أَوَّلُ الْمُنْطَبِقِ أَفْطَرَ. نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِي بَاطِنِ الْفَرْجِ، وَكَأَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي نَظَرَ إلَيْهِ السَّائِلُ فِي الضَّبْطِ بِالرُّؤْيَةِ وَعَدَمِهِ. قُلْت فَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنَّ مَا يُجَاوِزُ الْمُنْطَبِقَ مِنْ الشَّفْرَيْنِ بَاطِنٌ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ يَظْهَرُ عِنْد الْجُلُوسِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ أَلْحَقُوهُ بِالظَّاهِرِ وَلَمْ يَحْكُمُوا بِالْفِطْرِ

إلَّا عِنْد مُجَاوَزَةِ هَذَا الظَّاهِرِ فَلَا ضَابِطَ هُنَا غَيْرُهُ، وَأَمَّا الْأُذُنُ فَمَا قَبْلَ الْمُنْطَبِقِ ظَاهِرٌ حِسًّا وَقِيَاسًا كَمَا قَبْلَ الْمَسْرُبَةِ، فَنَاسَبَ أَنْ يُلْحَقَ بِهَا فِي أَنَّ مَا جَاوَزَ أَوَّلَ الْمُنْطَبِقِ إلَى الْمُجَوَّفِ جَوْفٌ وَمَا لَا فَلَا فَتَأَمَّلْهُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ حَدِيث «إنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهْرًا يُقَالُ لَهُ رَجَبٌ مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ مَنْ صَامَ يَوْمًا مِنْ رَجَبٍ سَقَاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ» وَحَدِيثِ «مَنْ صَامَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ الْخَمِيسَ وَالْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ كُتِبَ لَهُ عِبَادَةُ سَبْعِمِائَةِ سَنَةٍ» وَحَدِيثِ «مَنْ صَامَ يَوْمًا مِنْ رَجَبٍ كَانَ كَصِيَامِ شَهْرٍ، وَمَنْ صَامَ مِنْهُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ أُغْلِقَتْ عَنْهُ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ السَّبْعَةُ وَمَنْ صَامَ مِنْهُ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، وَمَنْ صَامَ مِنْهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ بُدِّلَتْ سَيِّئَاتُهُ حَسَنَاتٍ» هَلْ هِيَ مَوْضُوعَةٌ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَيْسَتْ مَوْضُوعَةً بَلْ ضَعِيفَةٌ فَتَجُوز رِوَايَتُهَا وَالْعَمَلُ بِهَا فِي الْفَضَائِلِ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْأَوَّلِ لَيْسَ فِي إسْنَادِهِ مَنْ يُنْظَرُ فِي حَالِهِ سِوَى مَنْصُورٍ الْأَسَدِيِّ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ لَكِنْ لَمْ أَرَ فِيهِ تَعْدِيلًا وَقَدْ ذَكَرَهُ الذَّهَبِيُّ وَضَعَّفَهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ فِي الثَّانِي لَهُ طُرُقٌ بِلَفْظِ عِبَادَةُ سِتِّينَ سَنَةٍ وَهُوَ أَشْبَهُ وَمَخْرَجه أَحْسَنُ وَإِسْنَادُهُ أَشَدُّ مِنْ الضَّعِيفِ قَرِيبٌ مِنْ الْحَسَنِ وَالثَّالِثُ لَهُ طُرُقٌ وَشَوَاهِدُ ضَعِيفَةٌ يُرْتَقَى بِهَا عَنْ كَوْنِهِ مَوْضُوعًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ عَيَّدَ فِي قَرْيَةٍ ثُمَّ وَصَلَ لِقَرْيَةٍ أُخْرَى قَرِيبَةٍ وَأَخْبَرَ أَهْلَهَا بِذَلِكَ فَهَلْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ أَوْ يُوَقَّف إلَى إخْبَارِ مَنْ يَحْصُلُ بِهِ التَّوَاتُرُ أَوْ مَنْ تَحْصُلُ بِهِ الشَّهَادَةُ وَلَوْ صَامَ فِي قَرْيَةٍ فَوَصَلَ لِقَرْيَةٍ أُخْرَى فَهَلْ يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ بِخَبَرِ وَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ لَا حَتَّى تَحْصُلَ الشَّهَادَةُ؟ وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْبَلَدُ الَّذِي عَيَّدَ أَوْ صَامَ فِيهِ مِنْ الْمُدُنِ وَالْأَمْصَارِ وَالْقُرَى، وَإِذَا أَرْسَلَ قَاضِي بَلَدٍ رُقْعَةً إلَى قَاضِي بَلَدٍ بِثُبُوتِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ عِنْدَهُ فَهَلْ يَجُوزُ الصَّوْمُ اعْتِمَادًا عَلَى الرُّقْعَةِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ مَعَهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَدْ وَقَعَ مِنْ مُنْذُ سِنِينَ فِي زَبِيدٍ - حَرَسهَا اللَّهُ تَعَالَى - الْإِفْطَارُ مِنْ رَمَضَانَ بِإِخْبَارِ عَدْلٍ فَاخْتَلَفَ عُلَمَاؤُهَا هَلْ هُوَ جَائِزٌ بَلْ وَاجِبٌ أَوْ هُوَ حَرَامٌ وَطَالَ اخْتِلَافُهُمْ وَكَثُرَتْ فَتَاوِيهِمْ وَتَصَانِيفُهُمْ فِيهَا نَفْيًا وَإِثْبَاتًا حَتَّى أَرْسَلُوا يَسْتَفْتُونَ مِنَّا عَنْ ذَلِكَ بِمَكَّةَ وَكَانَ مُجَاوِرًا إذْ ذَاكَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْبَكْرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَرْضَاهُ وَجَعَلَ جَنَّاتِ الْمَعَارِفِ مُتَقَلَّبَهُ وَمَثْوَاهُ فَاخْتَلَفَ جَوَابِي وَجَوَابُهُ وَلَمَّا عُرِضَ عَلَيْهِ ذَلِكَ قَالَ لَازَالَ الْمَشَايِخُ وَتَلَامِذَتُهُمْ يَخْتَلِفُونَ وَلَا عَتَبَ فِي ذَلِكَ أَلَا تَرَى إلَى مَا وَقَعَ لِلْإِسْنَوِيِّ مَعَ تَلَامِذَتِهِ وَالْبُلْقِينِيِّ مَعَ تَلَامِذَتِهِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ بَسَطْتُ حَاصِلَ مَا أَجَبْتُ بِهِ فِي شَرْحِي الْكَبِيرِ عَلَى الْإِرْشَادِ وَحَاصِلُ عِبَارَتِهِ وَبَحْثِ الْأَذْرَعِيِّ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِالْعَلَامَةِ الظَّاهِرَةِ الدَّالَّةِ كَرُؤْيَةِ أَهْلِ الْقُرَى الْقَرِيبَةِ مِنْ الْبَلَدِ الْكَبِيرِ الْقَنَادِيلَ الْمُعَلَّقَةَ لَيْلَةَ أَوَّلِ رَمَضَانَ بِالْمَنَائِرِ كَمَا هُوَ الْعَادَة وَاعْتَمَدَهُ مَنْ بَعْدَهُ وَقِيَاسُهُ الِاكْتِفَاءُ بِرُؤْيَةِ قَنَادِيلِ الْمَقْبَرَةِ فَجْرَ يَوْمِ الْعِيدِ ثُمَّ رَأَيْتُ الشَّارِحَ أَيْ الشَّمْسَ الْجَوْجَرِيَّ وَابْنَ قَاضِي عَجْلُونٍ أَفْتَيَا بِذَلِكَ وَقَيَّدَهُ الشَّارِحُ بِمَا إذَا كَثُرَتْ الْقَنَادِيلُ كَثْرَةً لَا يُحْتَمَلُ مَعَهَا النِّسْيَانُ بِوَجْهٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَشَيْخُنَا زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ عَهْدَهُ أَفْتَى بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْفِطْرُ بِذَلِكَ. قَالَ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ رَمَضَانَ وَشَغْلَ الذِّمَّةِ بِالصَّوْمِ حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ شَرْعًا اهـ وَيَتَعَيَّن حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَحْصُل لِلرَّائِي بِذَلِكَ اعْتِقَادٌ جَازِمٌ وَإِلَّا فَالْوَجْهُ وُجُوبُ الْفِطْرِ وَمِنْ ثَمَّ خَالَفَ الشَّيْخُ بَعْضَ أَكَابِرَ أَصْحَابِهِ فَأَفْتَى بِأَنَّ مَنْ حَصَلَ لَهُ اعْتِقَادٌ جَازِمٌ بِدُخُولِ رَمَضَانَ مِنْ الْعَلَامَاتِ الْمُعْتَادَةِ لِذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَمَنْ حَصَلَ لَهُ ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ بِدُخُولِ شَوَّال مِنْ الْعَلَامَاتِ الْمَذْكُورَةِ لَزِمَهُ الْفِطْرُ عَمَلًا بِالِاعْتِقَادِ الْجَازِمِ فِيهِمَا اهـ. وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ أَنَّ إخْبَارَ الْعَدْلِ الْمُوجِبِ لِلِاعْتِقَادِ الْجَازِمِ بِدُخُولِ شَوَّال يُوجِبُ الْفِطْرَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَقَوْلُ الرُّويَانِيِّ لَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ فِي الْفِطْرِ آخِرَ النَّهَارِ عَلَى إخْبَارِ الْعَدْلِ ضَعِيفٌ وَلَا يُفَرَّقُ بِأَنَّ آخِرَ النَّهَارِ يَجُوزُ الْفِطْرُ فِيهِ بِالِاجْتِهَادِ بِخِلَافِ آخِرَ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ يُمْكِنُ فِي الْأَوَّلِ دُون الثَّانِي إذْ مِنْ شَرْطِهِ الْعَلَامَةُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي ذَاكَ لَا هَذَا وَحَيْثُ قُلْنَا بِجَوَازِ الْفِطْرِ أَوْ وُجُوبِهِ وَلَمْ يَثْبُت عِنْد الْحَاكِمِ

وَجَبَ إخْفَاؤُهُ لِئَلَّا يَتَعَرَّضَ لِمَخَافَتِهِ وَعُقُوبَتِهِ ثُمَّ رَأَيْت النَّوَوِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرَهُ ذَكَرُوا عَنْ الْقَفَّالِ وَاعْتَمَدُوهُ: أَنَّ لِزَوْجَةِ الْمَفْقُودِ إذَا أَخْبَرَهَا عَدْلٌ بِمَوْتِهِ أَنْ تَتَزَوَّجَ فِيمَا بَيْنهَا وَبَيْن اللَّهِ تَعَالَى. وَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا تَقَرَّرَ مِنْ جَوَازِ الْفِطْرِ لِمَنْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِدُخُولِ شَوَّال بَلْ هَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ ذَاكَ حَقٌّ آدَمِيٌّ وَيَتَعَلَّقُ بِالْأَبْضَاعِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَزِيدِ احْتِيَاطٍ، وَقَاطِع لِلْعِصْمَةِ الَّتِي الْأَصْلُ بَقَاؤُهَا وَمَعَ ذَلِكَ أَثَر خَبَرِ الْعَدْلِ فِيهِ فَمَا نَحْنُ فِيهِ أَوْلَى وَلَا نَظَرَ لِمَا تُوُهِّمَ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا أَثَرٌ ثُمَّ لِئَلَّا يَطُول ضَرَرُهَا وَانْتِظَارُهَا؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ قَدْ يَعْسُرُ إثْبَاتُهُ لِأَنَّ إطْلَاقَهُمْ تَأْثِيرِهِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ نَظَرِهِمْ لِخُصُوصِ ذَلِكَ وَزَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَا مِنْ شَأْنِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ، أَمَّا فِي الْمَوْتِ فَوَاضِحٌ إذْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ يَعْسُرُ إثْبَاتُهُ، وَأَمَّا التَّضَرُّرُ فِيمَا ذُكِرَ فَلَمْ يُعَوِّلُوا عَلَيْهِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ كَمَا فِي انْقِطَاع الدَّمِ لِعَارِضٍ، وَالْغِيبَةِ مَعَ جَهْل يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا حِينَئِذٍ الْفَسْخُ مَعَ تَضَرُّرِهَا بِمَا لَا يُطَاق. وَلَا نَظَرَ أَيْضًا لِاتِّهَامِ الرَّائِي فِي إخْبَارِهِ بِذَلِكَ لِجَرِّهِ جَوَازَهُ الْفِطْرَ لِنَفْسِهِ،؛ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِهَذَا الْجَرِّ إنْ سَلِمَ وَإِلَّا فَلَا جَرَّ؛ لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِنَفْسِهِ يَلْزَمُهُ الْفِطْرُ سَوَاءً قُلْنَا يُعْمَلُ بِخَبَرِهِ أَمْ لَا فَلَا تُهْمَةَ أَصْلًا فَإِفْتَاءُ بَعْضِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ بِإِطْلَاقِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْفِطْرُ إلَّا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ نَظَرًا لِذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا تَقَرَّرَ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا قَدَّمْتُهُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ صَرِيحُ عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مِنْ أَنَّ لِلْحَاسِبِ وَالْمُنَجِّمِ الْعَمَلُ بِحِسَابِهِمَا فِي الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فَإِذَا جَازَ لَهُمَا الْعَمَلُ بِهِ فِي الْفِطْرِ فَلَأَنْ يَجُوزَ بَلْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِإِخْبَارِ الْعَدْلِ لِمَا مَرَّ بِالْأَوْلَى وَتَخْصِيصُ بَعْضِهِمْ جَوَازُ الْعَمَلِ لَهُمَا بِالصَّوْمِ يَرُدُّهُ عِبَارَةُ الشَّيْخَيْنِ كَمَا يُعْلَمُ بِنَظَرِهَا وَتَصْرِيحُ الْأَصْحَابِ كَالشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّ شَوَّالًا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِعَدْلَيْنِ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ لَا الرِّوَايَةِ، مَفْرُوضٌ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ مَجْمُوعِ كَلَامِهِمْ فِي ثُبُوتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِعُمُومِ النَّاسِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْإِرْشَادِ. وَبِهَا يُعْلَمُ أَنَّ الْمَدَارَ فِي الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ بِالنِّسْبَةِ لِسَائِرِ النَّاسِ عَلَى الْعُمُومِ بِالثُّبُوتِ عِنْد الْحَاكِمِ وَهُوَ بِعَدْلٍ فِي الصَّوْمِ وَبِعَدْلَيْنِ فِي الْفِطْرِ أَوْ بِعَدَدِ التَّوَاتُرِ وَبِالنِّسْبَةِ لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَى الرُّؤْيَةِ أَوْ الِاعْتِقَادِ الْجَازِمِ بِإِخْبَارِ عَدْلٍ أَوْ فَاسِقٍ وَقَعَ فِي الْقَلْبِ صِدْقُهُ أَوْ بِقَرِينَةٍ لَا تَتَخَلَّفُ عَادَةً كَالْقَنَادِيلِ السَّابِقِ ذِكْرُهَا وَكَرُقْعَةِ الْقَاضِي الْمَذْكُورَة آخِرَ السُّؤَالِ إذَا اسْتَحَالَ عَادَةً تَزْوِيرُهَا أَوْ نَحْوِهِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ عَلَيْهِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ مِنْ رَمَضَانَ وَصَامَ عَنْهَا خَمْسَةً وَأَفْطَرَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مُتَعَدِّيًا هَلْ يَتَضَيَّقُ صَوْمُ الْخَمْسَةِ كُلِّهَا أَوْ يَوْمٍ وَاحِدٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ السَّائِلِ مِمَّا ذَكَره أَنَّهُ شَرَعَ فِي الْقَضَاءِ فَفِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ شُرُوعِهِ فِيهِ أَفْطَرَ ثُمَّ فِي ثَانِي يَوْمٍ أَفْطَرَ أَيْضًا وَهَكَذَا وَحِينَئِذٍ فَالْوَجْهُ أَنَّهُ إنْ نَوَى بِكُلِّ يَوْمٍ شَرَعَ فِيهِ ثُمَّ أَفْسَدَهُ أَنَّهُ عَنْ يَوْمٍ مُعَيَّنٍ مِمَّا عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْفَوْرُ فِي الْخَمْسَةِ،؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا وَقَعَ قَضَاءً مُسْتَقِلًّا عَنْ يَوْمٍ مُغَايِرٍ لِغَيْرِهِ، وَإِنْ نَوَى أَنَّ الثَّانِيَ قَضَاءٌ عَنْ الْأَوَّلِ الَّذِي أَفْسَدَهُ وَهَكَذَا لَمْ يَلْزَمهُ الْفَوْرُ إلَّا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي الْحَجِّ أَنَّهُ لَوْ تَكَرَّرَ إفْسَادُهُ لِلْقَضَاءِ الْمُتَعَدِّد لَمْ يَلْزَمهُ إلَّا قَضَاءٌ وَاحِدٌ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِيمَنْ عَلَيْهِ صَلَوَاتٌ وَأَطْلَقَ قَضَاءً وَاحِدً أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ أَوَّلِ مَقْضِيَّةٍ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمهُ الْفَوْرُ إلَّا فِي قَضَاءٍ وَاحِدٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ شَرَعَ فِيهِ وَأَفْسَدَهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ كَوْنِهِ قَضَاءً عَنْ يَوْمٍ مَخْصُوصٍ لَا يَنْصَرِفُ إلَّا لِلْأَوَّلِ فَهُوَ لَمْ يَتَكَرَّر مِنْهُ فَسَادٌ لِأَقْضِيَةٍ مُتَعَدِّدَةٍ بَلْ لِقَضَاءٍ وَاحِدٍ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا مَعْنَى حَدِيثِ الْبَيْهَقِيّ «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ أَجْرُ مَنْ عَمِلَهُ» ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمَشْهُورُ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ أَنَّ أَجْرَ مُضَافٌ لِمَنْ الْمَوْصُولَةِ، وَأَمَّا تَنْوِينُهُ وَجَعْلُ مَنْ جَارَّةً فَقَدْ أَفْسَدَهُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ بِأَنَّهَا إمَّا بَعْضِيَّة وَالضَّمِيرُ لِلصَّائِمِ وَهُوَ مُنَافٍ لِلْأَخْبَارِ الْآتِيَة أَنَّ الْمُفْطِرَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الصَّائِمِ لَا بَعْضِهِ أَوْ الضَّمِير لِلتَّفْطِيرِ الْمَفْهُومِ مِنْ فَطَّرَ فَفَسَادُهُ ظَاهِرٌ، وَإِمَّا سَبَبِيَّة وَالضَّمِيرُ لِلصَّائِمِ وَوَجْهُ فَسَادِهِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُؤْجَرُ بِسَبَبِ عَمَلِ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا يُؤْجَرُ بِسَبَبِ عَمَلِ نَفْسِهِ أَوْ لِلْمُفَطِّرِ لَمْ يَصِحَّ اعْتِلَاقُ مَا بَعْده بِهِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُهُ «مِنْ غَيْرِ

أَنْ يُنْقَصَ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ» اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ وَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنَّهَا لِلْبَعْضِيَّةِ وَالضَّمِيرُ لِلصَّائِمِ وَالْمُمَاثَلَة مِنْ حَيْثُ أَصْلُ الثَّوَابِ دُون الْمُضَاعَفَةِ لِئَلَّا يَلْزَم تَسَاوِي الصَّائِمِ وَمُفَطِّرِهِ فِي فَوَائِدِ الصَّوْمِ وَثَوَابِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ، أَوْ لِلسَّبَبِيَّةِ وَالضَّمِيرُ لِلتَّفْطِيرِ وَالتَّقْدِير كَانَ لَهُ أَجْرٌ مِنْ أَجْلِ تَفْطِيرِهِ لَهُ أَوْ لِلصَّائِمِ، وَالتَّقْدِيرُ كَانَ لَهُ أَجْرٌ مِنْ أَجْلِ وُجُودِ عَمَلٍ لِلصَّائِمِ وَهُوَ صَوْمُهُ الَّذِي يُثَابُ عَلَيْهِ. وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا التَّقْدِيرِ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ هِيَ أَنَّ الصَّائِمَ لَوْ لَمْ يَحْصُل لَهُ ثَوَابٌ عَلَى صَوْمِهِ لِارْتِكَابِهِ فِيهِ مَا يُبْطِلُ الثَّوَابَ كَالْغِيبَةِ وَقَوْلِ الزُّورِ كَمَا صَحَّ فِي الْخَبَرِ لَمْ يَحْصُل لَلْمُفَطِّرِ ثَوَابٌ كَمَا اقْتَضَاهُ مَا يَأْتِي فِي الْأَحَادِيثِ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، فَحَيْثُ لَا أَجْرَ لَهُ لَا ثَوَابَ لِمُفَطِّرِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ عَمَلِهِ لَوْ فُرِضَ لَهُ أَجْرٌ فَيُؤْجَرُ الْمُفْطِرُ وَإِنْ لَمْ يُؤْجَرْ الصَّائِمُ ثُمَّ إذَا قُلْنَا بِالْمَشْهُورِ فِي ضَبْطِ الْحَدِيثِ فَمَعْنَاهُ كَانَ لَهُ أَجْرٌ مِنْ عَمَلِ الصَّوْمِ أَيْ مِثْلُ أَجْرِهِ لِلْأَحَادِيثِ الْمُصَرِّحَةِ بِذَلِكَ وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا تَأْيِيد لِذَلِكَ الِاحْتِمَالِ الَّذِي ذَكَرْته؛ لِأَنَّ عُدُولَهُ عَنْ قَوْلِهِ كَانَ لَهُ أَجْرُ عَمَلِهِ أَيْ الصَّائِمِ الَّذِي فَطَرَ إلَى مَنْ عَمَلُهُ الْأَعَمُّ مِنْهُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ فَائِدَةٍ هِيَ حُصُولُ ثَوَابٍ مِثْل أَجْرِ الصَّوْمِ لِلْمُفَطِّرِ سَوَاءٌ كَانَ لِلصَّائِمِ الَّذِي فَطَّرَهُ ثَوَابٌ أَمْ لَا وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى كَانَ لِلْمُفَطِّرِ أَجْرٌ مِنْ عَمَلِ التَّفْطِيرِ مُقْتَدِيًا بِهِ فِي ذَلِكَ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ قَدْ يُفْتَرَضُ رَمَضَانُ وَسَطَ جُمَادَى؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ جُمَادَى عِنْد الْعَرَبِ الشِّتَاء كُلّه. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ عَنْ صَوْمِ ثَالِثِ عَشَرَ الْحِجَّةِ لِمَنْ يَعْتَادُ صَوْمَ أَيَّامِ الْبِيضِ هَلْ يَسْقُطُ بِفَقْدِ يَوْمِهِ أَوْ يَصُومُ السَّادِسَ عَشَرَ عَنْهُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَهَلْ هُوَ احْتِيَاطٌ أَوْ قَضَاءٌ أَوْ نِيَابَةٌ وَكَيْف يَقُوم عَنْهُ إذَا فَاتَ مَحِلُّهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ يَصُومُ السَّادِسَ عَشَرَ عِوَضًا عَنْ الثَّالِثَ عَشَرَ فِي شَهْرِ الْحِجَّةِ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَتَبِعُوهُ قَالُوا لِأَنَّ صَوْمَ ثَالِثَ عَشَرَ حَرَامٌ فَكَانَ السَّادِسَ عَشَرَ عِوَضًا عَنْهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ الْبِيضِ فَاتَ بِعُذْرٍ فَشُرِعَ تَدَارُكه تَوْسِعَةً فِي حُصُولِ ثَوَابِهِ لِتَأَكُّدِ صَوْمِهَا بَلْ قِيلَ إنَّهَا كَانَتْ وَاجِبَةً أَوَّلَ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ وُجُوبُهَا بِصَوْمِ رَمَضَانَ وَبَقِيَ نَدْبُهَا مُتَأَكَّدًا وَهَذَا بِاعْتِبَارِ الْكَمَالِ وَإِلَّا فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ بِصَوْمِ ثَلَاثَةٍ مِنْ الشَّهْرِ غَيْرهَا وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبَالِي مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ يَصُومُهَا» صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ فَحِينَئِذٍ انْدَفَعَ اسْتِبْعَادُ السَّائِلِ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَكَيْف إلَخْ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ إذَا قُلْنَا إنَّ الْقُرْبَ وَالْبُعْدَ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ وَاتِّحَادِهَا هَلْ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَظْهَرَ تَفَاوُتٌ بَيْنَ أَهْلِ الْبُلْدَان الشَّرْقِيَّةِ وَالْغَرْبِيَّةِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَآخِرِهِ وَلَمْ يَشْتَهِر مِنْ أَهْلِ الْبُلْدَان الثَّانِيَةِ إلَّا الِاتِّفَاقُ مَا السَّبَبُ فِي ذَلِكَ هَلْ هُوَ كَوْنُ الِاخْتِلَافِ لَا يَظْهَرُ فِي الرُّبْعِ الْمَعْمُورِ بِكَثِيرٍ أَوْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ بِالْأَوَّلِ فَلِأَيِّ شَيْءٍ الِاخْتِلَافُ بَيْن الْأَئِمَّةِ فِي تَرْجِيحِ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ وَاتِّحَادِهَا وَمَسَافَةِ الْقَصْرِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَلْزَم مِنْهُ ذَلِكَ فَقَدْ صَرَّحَ السُّبْكِيّ وَالْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ الْمَطَالِعَ إذَا اخْتَلَفَتْ فَقَدْ يَلْزَمُ مِنْ رُؤْيَتِهِ فِي بَلَدٍ رُؤْيَتُهُ فِي الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ إذْ اللَّيْلُ يَدْخُلُ فِي الْبِلَادِ الشَّرْقِيَّةِ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الْغَرْبِيَّةِ وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَم عِنْد اخْتِلَافِهَا مِنْ رُؤْيَتِهِ فِي الشَّرْقِيِّ رُؤْيَتِهِ فِي الْغَرْبِيِّ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، وَأَمَّا عِنْد اتِّحَادِهَا فَيَلْزَمُ مِنْ رُؤْيَتِهِ فِي أَحَدِهِمَا رُؤْيَته فِي الْآخَرِ وَمِنْ ثَمَّ أَفْتَى جَمْعٌ بِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَخَوَانِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَقْتَ زَوَالِهِ وَأَحَدُهُمَا بِالْمَشْرِقِ وَالْآخَر بِالْمَغْرِبِ وَرِثَ الْمَغْرِبِيُّ الْمَشْرِقِيَّ لِتَقَدُّمِ مَوْتِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الْأَوْقَاتِ لَزِمَ مِثْلُهُ فِي الْأَهِلَّةِ وَأَيْضًا فَالْهِلَالُ قَدْ يَكُونُ فِي الشَّرْقِ قَرِيبُ الشَّمْسِ فَيَسْتُرهُ شُعَاعُهَا فَإِذَا تَأَخَّرَ غُرُوبُهَا فِي الْمَغْرِبِ بَعُدَ عَنْهَا فَيُرَى، وَالِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُنْتَشِرٌ يَجْمَعهُ سِتَّةُ آرَاءٍ: أَحَدُهَا إذَا رُئِيَ بِبَلَدٍ لَزِمَ جَمِيعَ أَهْلِ الْأَرْضِ فَمَنْ عَلِمَ بِرُؤْيَتِهِ بِمَحِلٍّ قَبْلَ رُؤْيَةِ مَحِلِّهِ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ أَيْ وَيَنْبَغِي نَدْبُهُ لَهُ عَلَى الْأَصَحِّ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ. ثَانِيهَا يَلْزَمُ أَهْلَ إقْلِيمِ بَلَدٍ الرُّؤْيَةُ. ثَالِثهَا مَنْ وَافَقَهُمْ فِي الْمَطْلَعِ. رَابِعُهَا يَلْزَمُ كُلَّ بَلَدٍ لَا يُتَصَوَّرُ خَفَاؤُهُ عَنْهُمْ بِلَا عَارِضٍ. خَامِسُهَا يَلْزَم مَنْ عَلَى

دُون مَسَافَةِ الْقَصْرِ. سَادِسُهَا يَلْزَمُ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ فَقَطْ. وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِالْأَوَّلِ الْمَنْقُولِ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ الْأَرْضَ مُسَطَّحَةٌ مَبْسُوطَةٌ فَعَدَمُ الرُّؤْيَةِ فِي الْبَعِيدِ لِعَارِضٍ لَا لِعَدَمِ الْهِلَالِ وَرُدَّ بِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْبِلَادَ مُخْتَلِفَةُ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فَقَدْ يَحْصُلَانِ فِي مَحِلٍّ دُونَ آخَر فَنِيطَ كُلُّ مَحِلٍّ بِرُؤْيَةِ أَهِلَّةٍ كَمَا عُلِّقَ طُلُوعُ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا بِالْمَطَالِعِ وَلَا يَضُرّ مَا يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الرُّجُوعِ لِقَوْلِ الْحَاسِبِ وَالْمُنَجِّمِ لِأَنَّهُ فِي أَمْرٍ تَابِعٍ خَاصٍّ وَالتَّوَابِعُ وَالْأُمُورُ الْخَاصَّة يُغْتَفَرُ فِيهِمَا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْأُصُولِ وَالْأُمُورِ الْعَامَّةِ قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَالْمُرَادُ بِاخْتِلَافِهَا أَنْ يَتَبَاعَدَ الْبَلَدَانِ بِحَيْثُ لَوْ رُئِيَ فِي أَحَدِهِمَا لَمْ يُرَ فِي الْآخَر غَالِبًا اهـ. وَفِيهِ شَيْءٌ بَيَّنْتُهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ قَالَ التَّاجُ التَّبْرِيزِيُّ وَرُؤْيَتُهُ فِي بَلَدٍ تُوجِبُ ثُبُوتَ حُكْمِهَا إلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَرْسَخًا لِأَنَّهَا فِي أَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ لَا تَخْتَلِفُ قَالَ أَبُو شُكَيْل: وَعَدَنُ وَزَبِيدٌ وَمَا وَالَاهُمَا مِنْ بِرّ عَجَم مُتَّحِدَةُ الْمَطَالِعِ وَعَدَنُ وَصَنْعَاءُ وَمَا وَالَاهُمَا مِنْ الْجِبَالِ وَتَعِزُّ مُخْتَلِفَةٌ اهـ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ نَوَى احْتِيَاطًا فِي اللَّيْلِ الصَّوْمَ عَنْ قَضَاءِ رَمَضَان إنْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَإِلَّا فَعَنْ الْفِدْيَةِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ فَهَلْ يَكُونُ عَنْ الْفِدْيَةِ أَوْ لَا، وَإِذَا كَانَ عَلَيْهَا قَضَاءٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَهَلْ يَحْصُلُ الْقَضَاءَ مَعَ هَذَا التَّرَدُّدِ وَعَدَم الْجَزْمِ أَوْ لَا وَهَلْ الْأَفْضَلُ لِلْمُتَطَوِّعِ بِالصِّيَامِ أَنْ يَنْوِيَ الْقَضَاءَ احْتِيَاطًا أَوْ التَّطَوُّعَ فَإِذَا نَوَى الْقَضَاءَ فَهَلْ يَحْصُلُ التَّطَوُّعُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ أَمْ لَا، وَإِذَا نَوَى بِصَوْمِ الْقَضَاءِ فِي الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس مَثَلًا فَهَلْ تَحْصُلُ لَهُ السُّنَّةُ أَيْضًا أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ذَكَر النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَجْمُوعِهِ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ صَوْمًا وَجَهِلَ سَبَبَهُ مِنْ كَوْنِهِ قَضَاءً عَنْ رَمَضَانَ أَوْ نَذْرًا أَوْ كَفَّارَةً كَفَاهُ أَنْ يَنْوِي الصَّوْمَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ لِلضَّرُورَةِ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ لَا يَعْرِفُ عَيْنَهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي الْخَمْسَ وَتُجْزِئهُ عَمَّا عَلَيْهِ وَيُعْذَرُ فِي عَدَمِ جَزْمِهِ بِالنِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمهُ هُنَا صَوْم ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَنْوِي يَوْمًا عَنْ الْقَضَاءِ وَيَوْمًا عَنْ النَّذْرِ وَيَوْمًا عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ هُنَا لَمْ تَشْتَغِل بِالثَّلَاثِ وَالْأَصْلُ بَعْد الْإِتْيَانِ بِصَوْمِ يَوْمٍ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عَمَّا زَادَ بِخِلَافِهِ فِيمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ فَإِنَّ ذِمَّتَهُ اشْتَغَلَتْ بِجَمِيعِهِنَّ يَقِينًا، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ كُلٍّ مِنْهَا أَشَارَ إلَيْهِ السُّبْكِيّ وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ هُنَا أَنَّ ذِمَّتَهُ اُشْتُغِلَتْ بِصَوْمِ الثَّلَاثِ وَأَتَى بِاثْنَيْنِ مِنْهَا وَنَسِيَ الثَّالِثَ لَزِمَهُ الثَّلَاثَةَ وَهُوَ مُتَّجَهٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفُوا ثَمَّ بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ كَمَا هُنَا؛ لِأَنَّ مَا هُنَا أَوْسَعُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ هُنَا نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ وَلَا مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ لِلصَّوْمِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِنِيَّةِ تَرْكِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ نَعَمْ لَوْ عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ صَلَاةً وَاجِبَةً وَلَمْ يَدْرِ هَلْ هِيَ مَكْتُوبَةٌ أَوْ مَنْذُورَةٌ كَفَاهُ نِيَّةَ صَلَاةٍ وَاجِبَةٍ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ قِيَاسًا عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الصَّوْمِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ صَوْمًا وَاجِبًا وَشَكَّ هَلْ هُوَ قَضَاءٌ أَوْ كَفَّارَةٌ جَازَ لَهُ أَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ الْوَاجِبَ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنهُ لِلضَّرُورَةِ، وَإِذَا جَازَ لَهُ هَذَا الْإِبْهَامُ جَازَ لَهُ أَنْ يَنْوِيَ الْقَضَاءَ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَالْكَفَّارَةُ وَلَا يَضُرُّ هَذَا التَّرَدُّدُ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ الضَّرُورَةِ وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي الزَّكَاةِ لَوْ نَوَى زَكَاةَ مَالِهِ الْغَائِب إنْ كَانَ بَاقِيًا وَإِلَّا فَعَنْ الْحَاضِرِ صَحَّ وَوَقَعَتْ عَنْ الْحَاضِرِ إنْ بَانَ الْغَائِبُ تَالِفًا. قَالُوا وَلَا نَظَرَ لِلتَّرَدُّدِ فِي عَيْنِ الْمَالِ بَعْد الْجَزْمِ بِكَوْنِهِ زَكَاةَ مَالِهِ وَهَذَا بِعَيْنِهِ يَأْتِي فِي مَسْأَلَتِنَا فَيُقَال أَوَّلًا لَا نَظَرَ لِلتَّرَدُّدِ فِي عَيْنِ الصَّوْمِ وَبَعْدَ الْجَزْمِ بِكَوْنِ أَحَدِهِمَا وَاجِبًا عَلَيْهِ وَثَانِيًا لَوْ عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ وَإِنَّمَا الشَّكُّ فِي الْقَضَاءِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ السُّؤَالِ إنْ بَانَ أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَقَعَ عَنْهُ وَإِلَّا وَقَعَ عَنْ الْفِدْيَةِ فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْن هَذَا وَمَا لَوْ نَوَى الْوُضُوءَ لِلتِّلَاوَةِ إنْ صَحَّ الْوُضُوءُ لَهَا وَإِلَّا فَلِلصَّلَاةِ فَإِنَّ الْأَوْجَهَ عَدَمُ صِحَّةِ هَذِهِ النِّيَّةِ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَبَيْن هَذَا، وَقَوْلِهِمْ لَوْ نَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ إنْ دَخَلَ وَإِلَّا فَالْفَائِتُ لَمْ يَصِحَّ قُلْتُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَبَيْنَهُ أَنَّهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ تَرَدَّدَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ يَحْتَاجُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِنِيَّةٍ بِخِلَافِهِ فِي صُورَةِ الْوُضُوءِ فَإِنَّ التِّلَاوَةَ لَا تَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ بَلْ لَا يَصِحُّ الْوُضُوءُ لَهَا فَاشْتَمَلَ أَحَدُ جُزْأَيْ نِيَّتِهِ عَلَى نِيَّةٍ بَاطِلَةٍ فَلَغَتْ مِنْ أَصْلِهَا عَلَى أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ هُنَا لِلتَّرَدُّدِ بِوَجْهٍ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا

كتاب الاعتكاف

كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا الثَّانِي فَالْفَرْقُ فِيهِ بِذَلِكَ أَيْضًا أَعْنِي عَدَمَ الضَّرُورَةِ وَبِأَنَّ الصَّلَاةَ يُحْتَاطُ لَهَا مَا لَا يُحْتَاطُ لِغَيْرِهَا. وَمِمَّا هُوَ صَرِيحٌ أَيْ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرَتْهُ مِنْ الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ قَوْلُ الْمَجْمُوعِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّهُ لَوْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ فَنَوَى رَفْعَهُ إنْ كَانَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَالْوُضُوءُ الْمُجَدَّدُ صَحَّ وُضُوءُهُ، وَإِنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا لِاسْتِنَادِهِ لِأَصْلِ بَقَاءِ الْحَدَثِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ وُضُوءَ احْتِيَاطٍ، وَإِنْ كَانَ مُتَرَدِّدًا عِنْدَهُ لِمَنْعِ الصَّلَاةِ بِدُونِهِ، وَقَوْله وَإِلَّا فَتَجْدِيدُ تَصْرِيحٌ بِالْوَاقِعِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا حَدَثَ وَبِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْن هَذَا وَمَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الْمَجْمُوعِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَبِتَأَمُّلِ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَسْأَلَةَ الصَّوْمِ أَوْلَى بِالْإِجْزَاءِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ فِيهَا ضَرُورَةً حَقِيقِيَّةً وَهُنَا لَا ضَرُورَةَ لِأَنَّهُ يُمْكِنهُ أَنْ يُحْدِثَ فَيَرْتَفِعَ التَّرَدُّدُ فَإِذَا جَازَتْ نِيَّتُهُ تِلْكَ مَعَ إمْكَانِ دَفْعِهِ التَّرَدُّدَ فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ نَظِيرُهَا فِي مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنهُ دَفْعُ التَّرَدُّدِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ يَعْلَم أَنَّ عَلَيْهِ أَحَدَ الصَّوْمَيْنِ وَلَا يُعْلَم عَيْنُهُ، وَإِذَا نَوَى ذَلِكَ تَأَدَّى بِهِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْقَضَاءِ أَوْ الْكَفَّارَةِ. وَيُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْوُضُوءِ هَذِهِ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءً مَثَلًا فَنَوَاهُ إنْ كَانَ، وَإِلَّا فَتَطَوُّعٌ صَحَّتْ نِيَّتُهُ أَيْضًا وَحَصَلَ لَهُ الْقَضَاءُ بِتَقْدِيرِ وُجُودِهِ بَلْ، وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا حَصَلَ لَهُ التَّطَوُّعُ كَمَا يَحْصُل لَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْوُضُوءِ وُضُوءُ التَّجْدِيدِ بِفَرْضِ أَنْ لَا حَدَثَ عَلَيْهِ بَلْ هَذَا أَوْلَى بِالْإِجْزَاءِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ ثَمَّ وَاجِبٌ وَلَمْ يُؤَثِّر فِيهِ ذَلِكَ التَّرَدُّدُ لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُؤَثِّر فِي مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ لِلِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الْأَفْضَلَ لِمُرِيدِ التَّطَوُّعِ بِالصَّوْمِ أَنْ يَنْوِيَ الْوَاجِبَ إنْ كَانَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَالتَّطَوُّع، لِيَحْصُلَ لَهُ مَا عَلَيْهِ إنْ كَانَ فَاتَ قُلْت يُنَافِي ذَلِكَ كُلَّهُ قَوْلُ الْمَجْمُوعِ لَوْ قَالَ أَصُومُ عَنْ الْقَضَاءِ أَوْ تَطَوُّعًا لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ الْقَضَاءِ قَطْعًا وَيَصِحُّ نَفْلًا فِي غَيْرِ رَمَضَانَ اهـ. قُلْت لَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا قُلْنَاهُ بِوَجْهٍ لِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ فِيمَنْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ بِيَقِينِ فَلَا مُوجِبَ لِاغْتِفَارِ التَّرَدُّدِ فِيهِ بِخِلَافِ مَا قَدَّمْنَاهُ. فَإِنْ قُلْت لَوْ قَالَ آخِر شَعْبَانَ وَقَدْ ظَنَّ دُخُولَ رَمَضَانَ بِخَبَرِ نَحْوِ فَاسِقٍ نَوَيْتُ صَوْمَ غَدٍ عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْهُ وَإِلَّا فَتَطَوَّعَ فَبَانَ مِنْهُ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْهُ. قُلْت عَدَمُ الْإِجْزَاءِ هُوَ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَمَدُ الشَّيْخَيْنِ فَقَدْ أَطَالَ كَثِيرُونَ مِنْ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي رَدِّهِ كَمَا بَيَّنْتُهُ لَكِنْ مَعَ جَوَابِهِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَعَلَى كَلَامِهِمَا فَهُوَ لَا يُنَافِي مَا قَدَّمْتُهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ بِهِ إلَى هَذَا التَّرَدُّدِ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ نَوَيْتُ صَوْمَ غَدٍ أَجْزَأَهُ كَمَا بَيَّنْتُهُ ثَمَّ أَيْضًا مَعَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى التَّرَدُّد فَاغْتُفِرَ لَهُ لِلضَّرُورَةِ وَالْمُعْتَمَد كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ أَنَّ مَنْ نَوَى صَوْمَ الْقَضَاءِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ مَثَلًا فَإِنْ نَوَى سُنَّةَ صَوْمِ الِاثْنَيْنِ مَعَ ذَلِكَ حَصَلَا وَأُثِيبَ عَلَيْهِمَا وَإِلَّا لَمْ يُثَبْ عَلَى الثَّانِي لَكِنْ يَسْقُطُ طَلَبُهُ كَمَا لَوْ طَلَبه كَمَا لَوْ نَوَى فَرْضَ الظُّهْرِ وَتَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ بِجَامِعٍ أَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ شَغْلُ الْبُقْعَةِ بِصَلَاةٍ وَهُنَا شَغْلُ هَذَا الزَّمَنِ بِصَوْمٍ. [كِتَابُ الِاعْتِكَافِ] (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ لَوْ تُصُوِّرَ أَنَّ شَخْصًا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقِفَ عَلَى أُصْبُعِهِ فَاعْتَكَفَ وَاقِفًا عَلَى أُصْبُعِهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ فَقَطْ فَهَلْ يَصِحُّ اعْتِكَافُهُ أَوْ لَا إذَا قُلْتُمْ بِصِحَّتِهِ فَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ جَسَدِهِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ يَكْفِي كَوْنُ بَعْضِهِ فِي الْمَسْجِدِ وَبَعْضِهِ خَارِجَهُ، وَإِذَا قُلْتُمْ يَكْفِي كَوْنُ بَعْضِهِ فِي الْمَسْجِدِ فَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ الَّذِي فِي الْمَسْجِدِ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضِهِ الَّذِي هُوَ خَارِجُهُ أَوْ يَكْفِي وَلَوْ كَانَ الْخَارِجُ أَكْثَرَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَيْثُ تُصُوِّرَ اعْتِمَادُ الْبَدَنِ عَلَى جُزْءٍ مِنْهُ، وَإِنْ صَغُرَ جِدًّا وَكَانَ ذَلِكَ الْجُزْءُ فِي الْمَسْجِدِ صَحَّ الِاعْتِكَافُ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ وَالْأَيْمَانِ وَمُحَرِّمَاتِ الْإِحْرَامِ وَذِكْرُهُمْ الرِّجْل وَالْيَدَ إنَّمَا هُوَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَلَا فَرْقَ حَيْثُ اعْتَمَدَ عَلَى مَا ذُكِرَ بَيْنَ أَنْ يَخْرُجَ أَكْثَرُ بَدَنِهِ عَنْ الْمَسْجِدِ أَوْ لَا. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَنْ قَوْلِهِمْ لَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ نَحْوِ الْجُنُبِ لِحُرْمَةِ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَيْهِ وَأَوْرَدَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْح الرَّوْضِ مَا لَوْ اعْتَكَفَ فِي مَسْجِدٍ وُقِفَ عَلَى غَيْرِهِ دُونَهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ لَبْثُهُ فِيهِ مَعَ صِحَّةِ اعْتِكَافه فِيهِ كَالتَّيَمُّمِ بِتُرَابٍ

كتاب الحج

مَغْصُوبٍ ثُمَّ قَالَ وَقِسْ عَلَى هَذَا مَا يُشْبِهُهُ فَمَا الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ حُرْمَةَ مُكْثِ نَحْوِ الْجُنُبِ إنَّمَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَسْجِدًا الْمُشْتَرَطُ فِي الِاعْتِكَافِ فَلَمْ يُمْكِنْ تَصْحِيحُهُ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ حُرْمَةِ الْمُكْثِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي أَوْرَدْت فَإِنَّهَا لِأَمْرٍ خَارِجٍ وَهُوَ كَوْنُهُ لَيْسَ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ لَا لِأَجَلِ كَوْنِهِ مَسْجِدًا وَنَظِير ذَلِكَ عَدَمُ إجْزَاءِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ الَّذِي لَبِسَهُ الْمُحْرِمُ بِخِلَافِ الْخُفِّ الَّذِي مِنْ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ حَرَامٌ مِنْ حَيْثُ اللُّبْسُ الَّذِي لَا يَتَحَقَّقُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ إلَّا بِهِ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّ حُرْمَتَهُ لِلِاسْتِعْمَالِ الْأَعَمِّ لِحُصُولِهِ بِاللُّبْسِ وَغَيْرِهِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ قَوْلِهِمْ لَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِيمَا وُقِفَ جُزْؤُهُ شَائِعًا مَسْجِدًا وَيَحْرُمُ الْمُكْثُ فِيهِ عَلَى الْجُنُبِ مَثَلًا وَإِذَا دَخَلَهُ مُتَطَهِّرٌ سُنَّ لَهُ صَلَاةُ التَّحِيَّةِ فَمَا الْفَرْقُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَدْ يُفَرَّقُ بَعْدَ تَسْلِيمِ سَنِّ التَّحِيَّةِ لَهُ وَهُوَ الْمُتَّجَهُ بِأَنَّ الْمَدَارَ فِي حُرْمَةِ مُكْثِ الْجُنُبِ عَلَى مُمَاسَّتِهِ لِجُزْءٍ مِنْ الْمَسْجِدِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِحُرْمَتِهِ حِينَئِذٍ وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ فَحَرَّمُوا الْمُكْثَ فِيمَا ذُكِرَ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَهُوَ الْأَوْجَهُ خِلَافًا لِلْبَارِزِيِّ وَفِي صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ عَلَى خُلُوصِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَلَمْ يَصِحَّ. وَأَيْضًا فَاخْتِصَاصُ الِاعْتِكَافِ بِالْمَسْجِدِ إنَّمَا هُوَ لِمَزِيدِ تَعْظِيمِهِ وَحَيْثُ صَحَّ مَعَ مُمَاسَّةِ غَيْرِهِ كَانَ فِيهِ إخْلَالٌ بِذَلِكَ التَّعْظِيمِ فَرُوعِيَ الْإِخْلَالُ بِالْحُرْمَةِ ثَمَّ وَالْإِخْلَالُ بِالتَّعْظِيمِ هُنَا. وَيُفَرَّقُ بَيْنَ عَدَمِ صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِيهِ وَنَدْبِ التَّحِيَّةِ لِدَاخِلِهِ بِأَنَّهُ قَدْ مَاسَّ جُزْءًا مِنْ الْمَسْجِدِ فَيُسَنُّ لَهُ تَحِيَّةُ ذَلِكَ الْجُزْءِ الَّذِي مَاسَّهُ مُبَالَغَةً فِي تَعْظِيمِهِ، وَإِشَارَةً إلَى أَنَّ مُمَاسَّةَ غَيْرِهِ لَا تُؤَثِّرُ فِيمَا طُلِبَ لَهُ مِنْ مَزِيدِ التَّعْظِيمِ. وَلَوْ قُلْنَا بِصِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِيهِ لَكَانَ مُعْتَكِفًا فِي جُزْءٍ غَيْرِ مَسْجِدٍ وَفِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِالتَّعْظِيمِ مَا مَرَّ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِيمَا إذَا صَلَّى التَّحِيَّةَ أَنَّهُ صَلَّاهَا لِجُزْءٍ غَيْرِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ أَمْرٌ حِسِّيٌّ فَلَا يُمْكِنُ تَخْصِيصُهُ بِالْمَسْجِدِ مَعَ مُمَاسَّةِ بَدَنِهِ لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَخْصِيصُهَا بِالْجُزْءِ الَّذِي هُوَ مَسْجِدٌ دُونَ غَيْرِهِ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته فِيمَا مَرَّ أَنَّهُ لَوْ أَخْرَجَ الْمُعْتَكِفُ إحْدَى رِجْلَيْهِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا ضُرَّ عَلَى الْأَوْجَهِ، وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الْإِسْنَوِيُّ. (وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ بِمَا لَفْظُهُ رَأَيْت فِي بَعْضِ التَّعَالِيقِ مَنْسُوبًا لِلْإِمَامِ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ قَالَ لَوْ وَقَفَ جِذْعًا لِلِاعْتِكَافِ حُرِّمَ الْمُكْثُ عَلَيْهِ وَكَذَا السَّجَّادَةُ اهـ كَلَامُهُ هَلْ قَوْلُهُ صَحِيحٌ مُؤَيَّدٌ بِكَلَامِهِمْ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا نُقِلَ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ كَلَامٌ مُظْلِمٌ إذْ لَمْ يُبَيَّنْ كَيْفِيَّةَ وَقْفِ الْجِذْعِ لِلِاعْتِكَافِ وَلَا مَحَلَّ ذَلِكَ الْجِذْعِ، وَقَوْلُ الْمُعَلِّقِ وَكَذَا السَّجَّادَةُ يُوهِمُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ وَكُلُّ ذَلِكَ تَأْبَاهُ جَلَالَةُ الْبُلْقِينِيُّ وَإِنَّمَا مَسْأَلَةُ السَّجَّادَةِ كَانَتْ نُقِلَتْ عَنْ شَيْخِنَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ وَقَفَ سَجَّادَتَهُ مَسْجِدًا فَكَانَ يَنْوِي الِاعْتِكَافَ عَلَيْهَا فِي سَفَرِهِ لِلْحَجِّ تَقْلِيدًا لِوَجْهٍ ضَعِيفٍ يَرَى صِحَّةَ وَقْفِ الْمَنْقُولِ مَسْجِدًا. هَذَا مَا نُقِلَ عَنْ الشَّيْخِ وَقَدْ تَتَبَّعْنَاهُ فَلَمْ نَرَهُ صَحَّ عَنْهُ أَصْلًا وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُلْقَى بَيْنَ بَعْضِ الطَّلَبَةِ لِاسْتِغْرَابِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا حَقِيقَةَ لَهُ فِي الْمَذْهَبِ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْعَمَلُ بِهِ وَلَا الِاعْتِمَادُ عَلَى مَا فِي التَّعَالِيقِ الَّتِي لَا يُعْلَمُ حَالُ كَاتِبِهَا أَوْ يُعْلَمُ حَالُهُ وَأَنَّهُ غَيْرُ مَوْصُوفٍ بِالْعِلْمِ أَوْ الْعَدَالَةِ وَكَمْ مِنْ تَعَالِيقَ يَقَعُ فِيهَا غَرَائِبُ يَرَاهَا بَعْضُ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْقَوَاعِدَ فَيَزِلَّ بِهَا قَدَمُهُ وَيَطْغَى بِنَقْلِهَا قَلَمُهُ نَعَمْ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ بَنَى فِي مِلْكِهِ مَسْطَبَةً أَوْ أَثْبَتَ فِيهِ خَشَبًا جَازَ لَهُ وَقْفُهُ مَسْجِدًا عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ مُثْبِتٌ فَهُوَ فِي حُكْمِ وَقْفِ الْعُلْوِ دُونَ السُّفْلِ مَسْجِدًا وَهُوَ صَحِيحٌ. [كِتَابُ الْحَجِّ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَمَتَّعَ بِحَيَاتِهِ عَنْ شَخْصٍ جُوعِلَ عَلَى أَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ عَنْ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ بِكَذَا فَأَخْبَرَ الْجَعِيلُ بِأَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ عَنْ الشَّخْصِ الْمَذْكُورِ الَّذِي جُوعِلَ لِأَجَلِهِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ وَقَفَ عَنْهُ بِعَرَفَةَ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ بِحُضُورِهِ فِي عَرَفَةَ فِي وَقْتِ الْوُقُوفِ فِي مَسْأَلَةِ الْجِعَالَةِ دُونَ الْإِجَارَةِ كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ أَكَابِرِ فُقَهَاءِ الْيَمَنَ بِالنِّسْبَةِ لِلْجِعَالَةِ دُونَ الْإِجَارَةِ فَارِقًا بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَالْجِعَالَةِ بِفُرُوقٍ أَمْ يَجِبُ

الْإِشْهَادُ فِيهِمَا فَإِنْ قُلْتُمْ لَا يَجِبُ الْإِشْهَادُ فَذَاكَ، وَإِنْ قُلْتُمْ بِوُجُوبِهِ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا فَهَلْ يَكْفِيه الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ أَنَّهُ حَضَرَ فِي أَرْضِ عَرَفَةَ فِي وَقْتِ الْوُقُوفِ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ أَنَّ وُقُوفَهُ عَلَى فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ بَلْ إذَا أَخْبَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ وُقُوفَهُ كَانَ عَنْ فُلَانٍ الْمَذْكُورِ يُقْبَلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ ذَاكَ لَا يُعْلَمُ مِنْهُ أَوْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ الْإِشْهَادُ حَالَةَ الْوُقُوفِ مَثَلًا أَنَّ وُقُوفَهُ مَثَلًا كَانَ عَنْ فُلَانٍ وَلَمْ يَفْعَلْ وَكَذَا سَائِرُ أَرْكَانِ الْحَجِّ غَيْرَ النِّيَّةِ. وَهَلْ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ يَأْتِي فِي الْعُمْرَةِ؟ (فَأَجَابَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ الَّذِي ذَكَرْتُهُ فِي حَاشِيَةِ الْإِيضَاحِ أَنَّهُ يُقْبَلُ بِلَا يَمِينٍ قَوْلُ الْأَجِيرِ حَجَجْت مَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ كَانَ يَوْمَ الْوُقُوفِ بِبَغْدَادَ مَثَلًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهُ آخَرُ إنْ حَجَجْت عَنْ أَبِي فَلَكَ كَذَا فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ دَعْوَاهُ الْحَجَّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَيَكُونُ حَلِفُ الْمُنْكِرِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ. كَذَا ذَكَرَهُ الزَّبِيلِيُّ وَمُرَادُهُ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ كَانَ حَاضِرًا تِلْكَ الْمَوَاقِفَ فِي السَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ لَا أَنَّهُ حَجَّ عَنْ فُلَانٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذُكِرَ فِي الْجِعَالَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي بَابِهَا لَوْ اخْتَلَفَا بَعْدَ فَرَاغِ الْعَمَلِ فِي الرَّدِّ فَقَالَ الْعَامِلُ رَدَدْته وَقَالَ الْمَالِكُ جَاءَ بِنَفْسِهِ صُدِّقَ الْمَالِكُ اهـ فَأَفْهَمْ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ دَعْوَى الْعَامِلِ أَنَّهُ أَتَى بِالْعَمَلِ الْمُجَاعَلِ عَلَيْهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهِ أَنَّهُ أَتَى بِهِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِجَارَةِ بِأَنَّ الْأَجِيرَ مَلَكَ الْأُجْرَةَ بِالْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَ مِلْكُهُ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ فَإِذَا ادَّعَى مُسْتَأْجَرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْعَمَلِ كَانَ مُدَّعِيًا عَلَيْهِ خِيَانَةً وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا فَصُدِّقَ الْأَجِيرُ فِي نَفِيهَا بِيَمِينِهِ غَالِبًا، وَأَمَّا الْعَامِلُ فِي الْجِعَالَةِ فَلَمْ يَمْلِكْ الْجَعْلَ بَلْ وَلَا يَثْبُتُ لَهُ فِيهِ شَائِبَةُ حَقٍّ إلَّا بَعْدَ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ كَرَدِّ الْآبِقِ فَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ رَدَّ كَانَ مُدَّعِيًا عَلَى الْمَالِكِ بِمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ سَبَبَهُ فَصَدَقَ الْمَالِكُ فِي نَفْيِ دَعْوَاهُ بِيَمِينِهِ عَلَى قِيَاسِ سَائِرِ الدَّعَاوَى الَّتِي هَذَا شَأْنُهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ فِيمَنْ أَوْصَى بِحَجَّةٍ وَزِيَارَةٍ بِالْقَدَمِ بِأَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا النَّائِبُ بِنَفْسِهِ فَجَاعَلَهُ الْوَصِيُّ كَذَلِكَ فَحَجَّ وَلَمْ يَزُرْ بَلْ اسْتَنَابَ مَنْ يَزُورُ عَنْ الْوَصِيِّ لِعُذْرٍ أَوْ دُونِهِ هَلْ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْمُوصَى بِهِ أَوْ قِسْطَ الْحَجِّ فَقَطْ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَعْذُورًا بِنَحْوِ مَرَضٍ حَالَ الْجِعَالَةِ فَيَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْمُسَمَّى وَبَيْنَ أَنْ يَطْرَأَ الْعُذْرُ فَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا قِسْطَ الْحَجِّ كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الْوَكَالَةِ فَلَوْ أَذِنَ لَهُ الْوَصِيُّ فِي الِاسْتِنَابَةِ فِي الزِّيَارَةِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا وَعَلَيْهِ هَلْ يَغْرَمُ أَمْ لَا وَمَا تَقُولُونَ فِيمَا يُسَمَّى بِالْمُلْزَمَةِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُوصِيَ الشَّخْصُ بِقَدْرٍ قَلِيلٍ لِمَنْ يَحُجُّ عَنْهُ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ مَنْ يَعْتَنِي بِالْمَسِيرِ بِمِثْلِ ذَلِكَ مِنْ بَلَدِ الْمُوصِي هَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ أَوْ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّ قَدْ يَقُولُ لِشَخْصٍ يَعْتَنِي بِالْحَجِّ إذَا خَرَجْت حَاجًّا أَوْ اسْتَنَبْتَ بِمَنْ يَحُجُّ عَنْ الْمُوصِي الْمَذْكُورِ فَلَكَ كَذَا أَوْ يَقُولُ لَك فِي تَرِكَتِهِ كَذَا أَوْ يَقُولُ عِنْدِي أَوْ عَلَيَّ أَوْ يُطْلِقُ هَلْ يَصِحُّ وَيَلْزَمُ الْمُوصِيَ دَفْعُ الْمُسَمَّى مِنْ التَّرِكَةِ أَوْ يَلْزَمُ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ أَوْ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا أَصْلًا أَوْ يَسْتَحِقُّ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ دُونَ بَعْضٍ عَلَى أَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ الْمُشَاهَدِ أَنَّ أَرْبَابَ الْمُلَازِمِ أَيْ السَّائِرِينَ بِهَا يَسْتَنِيبُونَ هُنَاكَ مَنْ لَا يَقُومُ بِوَاجِبِهَا بِقَدْرٍ قَلِيلٍ مِنْ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ قَلِيلٌ وَيَأْخُذُونَ الْبَاقِيَ لِأَنْفُسِهِمْ هَلْ يَحِلُّ لَهُمْ مَا أَخَذُوهُ أَمْ هُوَ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ يَفْسُقُ مُتَعَاطِيهِ مَعَ عِلْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ وَهَلْ يَأْثَمُ الْوَصِيُّ بِذَلِكَ أَيْضًا وَيَنْعَزِلُ أَمْ لَا؟ وَلَوْ عَاقَدَ بَيْنَهُمَا فَقِيهٌ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحَالِ هَلْ يَأْثَمُ وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَيُقَدَّمُ غُرْمُهُ عَلَى الْوَصِيِّ وَالْمُوصِي أَمْ لَا وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي الِاسْتِنَابَةِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالزِّيَارَةِ أَنْ يَكُونَ النَّائِبُ عَدْلًا كَمَا نُقِلَ عَنْ الْأَذْرَعِيِّ أَمْ لَا كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ اُبْسُطُوا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّ الْمُوصِي مَتَى شَرَطَ فِي وَصِيَّتِهِ صَرِيحًا أَنَّ مَنْ يَحُجُّ أَوْ يَزُورُ عَنْهُ يَأْتِي بِنَفْسِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ ذَلِكَ لُزُومًا بِأَنْ قَالَ بِالْقَدَمِ وَعَرَّفَهُ وَالْمُطَّرِدُ التَّعْبِيرَ بِذَلِكَ عَنْ إلْزَامِ النَّائِبِ بِأَنْ يَأْتِي بِذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَجَبَ عَلَى الْوَصِيِّ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَحُجُّ وَيَزُورُ عَنْهُ إجَارَةَ عَيْنٍ أَوْ أَنْ يُجَاعِلَ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِ عَدَمَ الِاسْتِنَابَةِ فِيهِ الْعَامِلُ فِي الْجِعَالَةِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يُحَصِّلُ الْعَمَلَ لَكِنْ لَا مُطْلَقًا بَلْ فِيمَا يَعْجِزُ عَنْهُ أَوْ

لَا يَلِيق بِهِ مَا لَمْ يُشْتَرَطْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّوْكِيلُ فِيهِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَا يُقَالُ هَذَا شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِلْعَقْدِ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ مُخَالِفًا لَهُ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَقْتَضِي جَوَازَ التَّوْكِيلِ بِقَيْدِهِ الْمَذْكُورِ إلَّا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَأَمَّا عِنْدَ النَّصِّ عَلَى أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَلَا يَقْتَضِي جَوَازَ التَّوْكِيلِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَعْيَانِ الْعَامِلِينَ فَحَيْثُ شَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يَتَوَلَّى الْعَمَلَ بِنَفْسِهِ اتَّبَعَ شَرْطَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّوْكِيلُ إلَّا إنْ عَجَزَ أَوْ لَمْ يَلِقْ بِهِ مَا وُكِّلَ فِيهِ فَهُوَ كَالْعَامِلِ وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ الْمُوَكِّلُ أَنْ يَتَوَلَّى مَا وُكِّلَ فِيهِ بِنَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ التَّوْكِيلُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي الْوَكَالَةِ فَقِيَاسُهُ أَنَّ الْعَامِلَ كَذَلِكَ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَمَتَى اُسْتُؤْجِرَتْ عَيْنُ إنْسَانٍ أَوْ جُوعِلَ عَلَى عَيْنٍ وَشَرَطَ عَلَيْهِ عَدَمَ الِاسْتِنَابَةِ مُطْلَقًا فَاسْتَنَابَ مَنْ يَزُورُ عَنْ الْمُوصِي لَمْ يَسْتَحِقَّ هُوَ وَلَا نَائِبُهُ شَيْئًا فِي مُقَابِلِ الزِّيَارَةِ وَإِنَّمَا الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الْحَاجُّ قِسْطُ الْحَجَّةِ فَقَطْ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ اسْتَنَابَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ مَعْذُورًا حَالَ الْجِعَالَةِ أَمْ لَا وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ قِسْطَ الْحَجَّةِ مُطْلَقًا لِوُقُوعِهَا لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ إجْزَاءً وَثَوَابًا فَهُوَ نَظِيرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ فِي مَسْأَلَةِ الصَّبِيِّ يَمُوتُ فِي أَثْنَاءِ التَّعْلِيمِ. وَمِنْ ثَمَّ اعْتَمَدَ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ قَوْلَ ابْنِ الصَّبَّاغِ لَوْ جَاعَلَهُ عَلَى خِيَاطَةِ ثَوْبٍ فَخَاطَ نِصْفَهُ ثُمَّ سَلَّمَهُ لِلْمَالِكِ فَاحْتَرَقَ فِي يَدِهِ اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْمَشْرُوطِ فَقَوْلُهُمْ لَا يَسْتَحِقُّ عَامِلُ الْجِعَالَةَ الْجَعْلَ بِالْفَرَاغِ أَوْ وُقُوعُ الْعَمَلِ مُسْلِمًا لَا يُنَافِي مَا ذُكِرَ لِوُقُوعِ الْعَمَلِ فِيهِ مُسْلِمًا فِي الْبَعْضِ فَاسْتَحَقَّ بِقِسْطِهِ وَلَمْ يُرِيدُوا بِذَلِكَ وُقُوعَهُ جَمِيعِهِ بِدَلِيلِ مَسْأَلَتَيْ الصَّبِيِّ وَالثَّوْبِ الْمَذْكُورَتَيْنِ وَإِنَّمَا احْتَرَزُوا بِذَلِكَ عَنْ اخْتِلَالٍ يَقَعُ فِي الْأَثْنَاءِ يَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ الْعَمَلِ مِنْ أَصْلِهِ مُسَلَّمًا وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الِاسْتِنَابَةِ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِيهَا كَانَ لَغْوًا وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الزِّيَارَةَ وَقَعَتْ لِلْمُبَاشِرِ وَلَمْ تَقَعْ لِلْمُوصِي وَلَا لِلْمُوصَى وَمَنْ لَا يَقَعُ الْعَمَلُ مُسَلَّمًا لَهُ لَا غُرْمَ عَلَيْهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الْجِعَالَةِ هَذَا إنْ كَانَ الْأَجِيرُ أَوْ الْعَامِلُ عَالِمًا بِفَسَادِ الْإِجَارَةِ أَوْ الْجِعَالَةِ وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ لَهُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ عَلَى الْوَصِيِّ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ إذَا لَمْ نُجَوِّزْ الِاسْتِئْجَارَ لِلتَّطَوُّعِ وَقَعَ عَنْ الْأَجِيرِ وَلَمْ يُسْتَحَقّ الْمُسَمَّى بَلْ أُجْرَةَ الْمِثْلِ وَقَدْ اسْتَشْكَلَ السُّبْكِيّ بِهَذَا قَوْلَ الشَّيْخَيْنِ فِيمَنْ اُسْتُؤْجِرَ عَنْ مَعْضُوبٍ فَبَرِئَ لَا أُجْرَةَ لَهُ وَوَقَعَ الْحَجُّ لَهُ لَا لِلْمَعْضُوبِ. وَأَجَبْت فِي حَاشِيَةِ الْعُبَابِ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا تَقْصِيرَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَعْضُوبِ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَالْبُرْءُ لَمْ يَحْصُلْ بِاخْتِيَارِهِ فَاقْتَضَى عُذْرُهُ عَدَمَ وُجُوبِ شَيْءٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَغْرِيرٌ لِلْأَجِيرِ بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجِرِ فِي قَوْلِهِمْ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ لِلِاسْتِئْجَارِ بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إنْ عَلِمَ امْتِنَاعَهُ لِلتَّطَوُّعِ فَلَمْ يُعَارِضْ تَغْرِيرَهُ لِلْأَجِيرِ شَيْءٌ فَوَجَبَ عَلَيْهِ مُقَابِلُ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ مَنَافِعِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَهُوَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَمَحَلُّ اسْتِحْقَاقِ الْأَجِيرِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ فِي قَوْلِهِمْ الْمَذْكُورِ مَا إذَا جَهِلَ الْأَجِيرُ الْحَالَ وَظَنَّ الصِّحَّةَ اهـ وَبِهِ يُعْلَمُ التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرْته فِي الْوَصِيِّ وَلَوْ جَاعَلَ الْوَصِيُّ مَنْ يَحُجُّ وَيَزُور وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ صِحَّةُ الْجِعَالَة، وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَشْرِطَ عَلَى الْعَامِلِ الْإِتْيَانَ بِذَلِكَ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ إيجَابَ ذَلِكَ لَيْسَ بِتَوَقُّفِ صِحَّةِ الْمُجَاعَلَةِ مِنْهُ عَلَيْهِ بَلْ؛ لِأَنَّ فِيهِ مُرَاعَاةً لِغَرَضِ الْمُوصِي وَاحْتِيَاطًا فِي أَمْرِ الْعَامِلِ حَتَّى لَا يُوَكَّلَ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَشْرِطْ الْمُوصِي عَلَى مَنْ يَحُجُّ وَيَزُورُ عَنْهُ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ اسْتَنَابَ مَنْ جَاعَلَهُ الْوَصِيُّ مَنْ يَزُورُ عَنْ الْمَيِّتِ لِعَجْزِهِ عَنْ الزِّيَارَةِ بِنَفْسِهِ اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ الزِّيَارَةِ أَيْضًا سَوَاءٌ كَانَ عَاجِزًا عِنْدَ الْجِعَالَةِ أَمْ طَرَأَ عَجْزُهُ بَعْدَهَا وَسَوَاءٌ أَعَمِلَ النَّائِبُ لَهُ تَبَرُّعًا أَمْ بِعِوَضٍ. وَأَمَّا إذَا اسْتَنَابَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الزِّيَارَةِ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ قِسْطِهَا مُطْلَقًا، وَإِذَا أَوْصَى الشَّخْصُ لِمَنْ يَحُجُّ عَنْهُ وَعَيَّنَ أُجْرَةً قَلِيلَةً فَإِنْ وُجِدَ أَجِيرٌ يَرْضَى لَزِمَ الْوَصِيَّ اسْتِئْجَارُهُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ يَرْضَى بِهَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَرَجَعَ الْمَالُ الْمُعَيَّنُ لِلْوَرَثَةِ هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُوصِي حَجَّةُ فَرْضٍ وَإِلَّا لَزِمَ الْوَرَثَةَ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا عَيْنُهُ وَالِاسْتِئْجَارُ عَنْهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ ثُمَّ إذَا وُجِدَ مَنْ يَرْضَى بِمَا عَيَّنَهُ وَاسْتَأْجَرَهُ الْوَصِيُّ بِهِ فَإِنْ قَالَ وَلَك فِي

تَرِكَتِهِ كَذَا أَوْ وَلَك كَذَا أَوْ أَطْلَقَ وَنَحْوَ ذَلِكَ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ بِذَلِكَ الْمُعَيَّنِ وَلَا شَيْءَ حِينَئِذٍ عَلَى الْوَصِيِّ، وَإِنْ قَالَ وَلَك عَلَيَّ كَذَا أَوْ عِنْدِي كَذَا فَإِنَّهَا تَصِحُّ إنْ كَانَ الْحَجُّ عَلَى الْمَيِّتِ فَرْضًا وَيَلْزَمُ الْوَصِيَّ مِنْ مَالِهِ مَا عَيَّنَهُ وَيَقَعُ الْحَجُّ عَنْ الْمَيِّتِ وَتَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ وَيَعُودُ مَا عَيَّنَهُ لِلْوَرَثَةِ نَعَمْ لَوْ قَالَ فِي صُورَةٍ وَلَك عِنْدِي كَذَا إنَّمَا أَرَدْت مُعَيَّنَ الْمُوصَى وَعَبَّرْت بِعِنْدِي لِأَنَّهُ تَحْتَ يَدَيَّ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَصْدُقُ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ فِي عَلَيَّ عَلَى احْتِمَالِ لِي وَعَلَيْهِ يُفَرَّقُ بِأَنَّ شُمُولَ عِنْدِي لِلْوَدِيعَةِ وَنَحْوِهَا أَظْهَرُ مِنْ شُمُولِ عَلَيَّ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُهُ إلَّا بِتَأْوِيلٍ كَعَلَيَّ حِفْظُهَا بِخِلَافِ عِنْدِي فَإِنَّهَا تَشْمَلُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ حَتَّى فِي عَلَيَّ؛ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لَأَنْ يُرِيدَ بِهِ عَلَيَّ دَفْعُهُ مِنْ التَّرِكَةِ لِأَجْلِ كَوْنِي وَصِيًّا عَلَيْهَا وَلَعَلَّ هَذَا أَقْرَبُ وَيَجِبُ عَلَى الْوَصِيِّ أَنْ لَا يَسْتَأْجِرَ أَوْ يُجَاعِلَ إلَّا عَدْلًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ؛ لِأَنَّهُ مُتَصَرِّف عَنْ الْغَيْرِ وَكُلُّ مُتَصَرِّفٍ عَنْ الْغَيْرِ يَلْزَمُهُ الِاحْتِيَاطُ وَغَيْرُ الثِّقَةِ لَا يُوثَقُ مِنْهُ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْ الْمَيِّتِ، وَإِنْ شُوهِدَ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى النِّيَّةِ وَهِيَ أَمْرٌ قَلْبِيٌّ لَا اطِّلَاعَ لِأَحَدٍ عَلَيْهَا. وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ أَوْ جُوعِلَ لِأَدَاءِ فَرْضٍ أَوْ تَطَوُّعٍ كَنَفْلِ حَجٍّ أَوْصَى بِهِ أَوْ زِيَارَةٍ أَوْصَى بِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فِي الْأَصْلِ إلَّا أَنَّهُ بِالْوَصِيَّةِ صَارَ وَاجِبَ الْأَدَاءِ وَمَا وَجَبَ أَدَاؤُهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ بِفِعْلِ الْفَاسِقِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ أَمِينٍ وَمُشَاهَدَةُ أَفْعَالِهِ لَا تَمْنَعُ خِيَانَتَهُ لِارْتِبَاطِهَا بِالنِّيَّةِ وَلَا مَطْلَعَ لِأَحَدٍ عَلَيْهَا كَمَا تَقَرَّرَ لَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَدَالَةِ هُنَا الْعَدَالَةُ الظَّاهِرَةُ دُونَ الْبَاطِنَةِ نَعَمْ إنْ عَيَّنَ الْمُوصَى الْحَاجَّ عَنْهُ وَكَانَ فَاسِقًا فَإِنْ كَانَ مَعَ عِلْمِهِ بِفِسْقِهِ فَلَا كَلَامَ أَنَّهُ يَجِبُ اسْتِئْجَارُهُ وَيَصِحُّ حَجُّهُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ مَعَ جَهْلِهِ بِحَالِهِ أَوْ شَكَكْنَا هَلْ عَلِمَ فِسْقَهُ أَوْ لَا اُحْتُمِلَ أَنْ يُقَالَ يُسْتَأْجَرُ أَيْضًا نَظَرًا لِلتَّعْيِينِ وَيُحْتَمَل أَنْ يُقَالَ لَا يَسْتَأْجِرُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الِاحْتِيَاطِ وَمَا كَانَ مُخَالِفًا لِلِاحْتِيَاطِ فِي أَمْرِ الْمَيِّتِ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ إلَّا إنْ نَصَّ عَلَيْهِ الْمَيِّتُ صَرِيحًا لِلنَّظَرِ فِي ذَلِكَ مَجَال، وَأَمَّا أَرْبَابُ الْمُلَازِمِ الْمَذْكُورُونَ فِي السُّؤَالِ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِمْ الْمُسْتَأْجِرُونَ كَانَ فِيهِمْ تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّ الْوَصِيَّ إنْ اسْتَأْجَرَ بَعْضَهُمْ إجَارَةً عَيَّنَ كَأَنْ قَالَ لَهُ اسْتَأْجَرْتُك وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ اسْتَأْجَرْتُك عَيْنَك لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مُطْلَقًا فَإِنْ اسْتَنَابَ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ قَامَ بِهِ أَجْنَبِيٌّ وَلِنَائِبِهِ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ إنْ اسْتَأْجَرَهُ عَنْ مَيِّتٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ مَجَّانًا وَعَلَى مُسْتَنِيبِهِ رَدُّ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ بِنَفْسِهِ قَالَهُ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ وَإِنْ اسْتَأْجَرَ إجَارَةَ ذِمَّةٍ جَازَ لِلْأَجِيرِ أَنْ يَسْتَنِيبَ وَلَوْ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ دُونَ الَّذِي اُسْتُؤْجِرَ هُوَ بِهِ. وَيَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ أَكْلُ الزَّائِدِ نَعَمْ يَلْزَمُهُ أَنْ لَا يَسْتَأْجِرَ إلَّا عَدْلًا، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِمْ أَنَّهُمْ وُكَلَاءُ الْأَوْصِيَاءِ فِي الِاسْتِئْجَارِ لَزِمَهُمْ أَنْ يَسْتَأْجِرُوا بِجَمِيعِ الْمَالِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِمْ وَأَنْ لَا يَسْتَأْجِرُوا إلَّا عَدْلًا وَلَا يَحِلُّ لَهُمْ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ وَمَتَى أَخَذُوا مِنْهُ شَيْئًا فَسَقُوا وَكَانُوا مِنْ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَوَجَبَ عَلَى الْحَاكِمِ - أَصْلَحَهُ اللَّهُ - إذَا ثَبَتَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ عِنْدَهُ أَنْ يُعَزِّرَهُمْ عَلَيْهِ التَّعْزِيرَ الْبَلِيغَ الشَّدِيدَ الزَّاجِرَ لَهُمْ وَلِأَمْثَالِهِمْ عَنْ هَذِهِ الْقَبَائِحِ الشَّنِيعَةِ وَأَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنْ تَعَاطِي ذَلِكَ وَحَيْثُ عَلِمَ الْوَصِيُّ بِأَحْوَالِهِمْ هَذِهِ الْقَبِيحَةِ وَوَكَّلَهُمْ أَوْ اسْتَأْجَرَهُمْ مَعَ ذَلِكَ فَسَقَ أَيْضًا وَانْعَزَلَ وَعُزِّرَ أَيْضًا التَّعْزِيرَ الشَّدِيد وَكَذَلِكَ الْفَقِيهُ الْعَاقِدُ بَيْنَهُمَا إذَا عَلِمَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَعَانَهُمْ عَلَى الْمُنْكَرِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ عَمَّا إذَا حَجَّ الصَّبِيُّ مَعَ أَحَدِ الْأَوْلِيَاءِ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ أَوْ الْأُمِّ وَأَوْقَفَهُ الْمَوَاقِفَ وَمَا قَدَرَ عَلَى تَحْصِيلِهِ مِنْ الْعِبَادَةِ هَلْ يَسْقُطُ أَمْ لَا بُدَّ إذَا بَلَغَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْحَجِّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَتَى لَمْ يَبْلُغْ الصَّبِيُّ قَبْلَ مُفَارَقَةِ مَوْقِفِ عَرَفَةَ لَمْ يُجْزِهِ حَجُّهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ إنْ وُجِدَتْ فِيهِ شُرُوطُ الِاسْتِطَاعَةِ وَاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا لَوْ أَوْصَى آفَاقِيّ بِحَجَّةٍ هَلْ يَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَنْهُ غَيْرَ آفَاقِيّ كَحَاضِرٍ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِأَنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْجِر عَنْ الْآفَاقِيِّ غَيْرُ الْآفَاقِيِّ وَعَكْسُهُ ثُمَّ

رَأَيْتنِي ذَكَرْت فِي بَعْضِ الْفَتَاوَى مَسْأَلَةَ أَوْصَى لِمَنْ يَزُورُ عَنْهُ قَبْرَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَذَا فَهَلْ يَجُوزُ تَفْوِيضُ ذَلِكَ لِبَعْضِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ وَهَلْ مِثْلُهُ مَنْ أَوْصَى بِحَجٍّ وَهُوَ آفَاقِيٌّ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ الْجَوَابُ نَعَمْ يَجُوزُ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ لَكِنْ أَطَالَ غَيْرُهُ فِي الِاسْتِدْلَالِ لِامْتِنَاعِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِغَرَضِ الْمُوصِي وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا اطَّرَدَ عُرْفُ بَلَدِ الْمُوصِي بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَنْصَرِفُ لِمَنْ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ أَنَّ الْحَمَامَ الْحَرَمِيَّ هَلْ يَجُوزُ تَطْيِيرُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إذَا عُرِفَ تَنْجِيسُهَا لَهُ بِالذَّرْقِ أَمْ لَا يَجُوزُ وَهَلْ ذَلِكَ يَكُونُ مِنْ بَابِ حِفْظِ الْمَسْجِدِ مِنْ النَّجَاسَةِ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ لَا لِأَنَّ الْحَمَامَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَهَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْحَمَامَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَكِنَّ صِيَانَةَ الْمَسْجِدِ عَنْ النَّجَاسَةِ وَاجِبٌ وَالْوَاجِبُ يُسْعَى إلَى فِعْلِهِ بِكُلِّ مَا أَمْكَنَ وَهَلْ يَشْهَدُ لِذَلِكَ وُجُوبُ مَنْعِ الصَّبِيَّانِ وَالْبَهَائِمِ إذَا خِيفَ تَنْجِيسُهُمْ مِنْ الْمَسْجِدِ أَمْ لَا، وَإِذَا قُلْتُمْ أَنَّ ذَرْقَهُ غَيْرُ مُنَجِّس لَهُ فَهَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُنَجِّسٍ لَكِنَّهُ مُقَذِّرٌ لَهُ وَالْقَذَرُ يَجِبُ صَوْنُ الْمَسْجِدِ عَنْهُ أَوْ يُقَالُ يَجُوزُ الدَّفْعُ مِنْ جِهَةِ دَفْعِ الصَّائِلِ مِنْ الْحَيَوَانِ فَإِنَّ الْحَمَامَ صَائِلٌ بِالتَّنْجِيسِ وَهَلْ هَذَا يُعَدُّ صَائِلًا فَإِذَا قُلْتُمْ بِذَلِكَ جَازَ التَّطْيِيرُ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَنْفِيرُ الْحَمَامِ الْمَذْكُورِ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ تَنْفِيرِ صَيْدِ مَكَّةَ أَيْ كُلِّ الْحَرَمِ وَالْحَمَامُ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ وَكَلَامُ أَصْحَابِنَا صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ أَطْلَقُوا حُرْمَةَ ذَلِكَ وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ بِالْمَسْجِدِ وَلَا غَيْرِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي حُرْمَةِ ذَلِكَ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّ ذَرْقَهُ فِي أَرْضِ الْمَسْجِدِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى تَنْفِيرِهِ، وَكَوْنُ صِيَانَةِ الْمَسْجِدِ عَنْ النَّجَاسَةِ وَاجِبَةٌ إنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ أَوْ مَنْ هُوَ مِنْ جِنْسِهِ كَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالسَّكْرَانِ وَمَا هُوَ تَحْتَ يَدِ الْمُكَلَّفِ كَالْبَهِيمَةِ وَالْحَمَام لَيْسَ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَلَمْ يَجِبْ تَنْفِيرُهُ مِنْ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ بَلْ يَحْرُمُ تَنْفِيرُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِلنَّهْيِ الصَّحِيحِ عَنْهُ مَعَ عَدَمِ الضَّرُورَةِ إلَيْهِ كَمَا تَقَرَّرَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ شَخْصٍ مُجَاوِرٍ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ مَثَلًا وَهُوَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَلَكِنَّهُ مُتَرَجٍّ مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ أَوْ يُجَاعِلُهُ لِلْحَجِّ فَلَمَّا تَقَارَبَتْ عَلَيْهِ أَيَّامُ الْحَجِّ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ بِلَا إحْرَامٍ نَوَى الْإِحْرَامَ مُطْلَقًا وَشَرَطَ التَّحَلُّلَ بِكُلِّ عُذْرٍ يَعْرِضُ لَهُ سَوَاءٌ أَكَانَ الْعُذْرُ دِينِيًّا أَوْ دُنْيَوِيًّا أَوْ نَوَى الْإِحْرَامَ بِشَرْطِ التَّحَلُّلِ إنْ وَجَدَ مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ أَوْ قَبْلَ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ فَهَلْ يَصِحُّ الشَّرْطُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ كُلِّهَا أَوْ شَيْءٍ مِنْهَا وَيَتَحَلَّلُ عِنْدَ وُجُودِهِ أَمْ لَا فَإِنَّ كَلَامَهُمْ فِي الْحَجِّ رُبَّمَا يُفْهِمُ الصِّحَّةَ حَيْثُ قَالُوا وَلَا يَتَحَلَّلُ الْمُحْرِمُ لِمَرَضٍ وَفَقْدِ نَفَقَةٍ وَإِضْلَالِ طَرِيقٍ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَعْذَارِ إلَّا إذَا شَرَطَهُ فَلَهُ التَّحَلُّلُ بِذَلِكَ وَكَلَامُهُمْ يُشِيرُ إلَى عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَعْذَارِ كُلِّهَا حَيْثُ قَالُوا إنَّ لَهُ التَّحَلُّلَ بِذَلِكَ كَمَا أَنَّ لَهُ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّوْمِ الْمَنْذُورِ فِيمَا لَوْ نَذَرَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْهُ بِعُذْرٍ وَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ الِاعْتِكَافِ لَوْ شَرَطَ الْخُرُوجَ لِشُغْلٍ وَنَحْوِهِ كَجُوعٍ وَتَضْيِيقٍ فِي صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ نَذَرَهُمَا أَوْ قَالَ فِي نَذْرِ الصَّدَقَةِ ذَلِكَ كَمَا فِي الْإِحْرَامِ الْمَشْرُوطِ أَوْ لَا يَصِحُّ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ قُلْتُمْ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فَهَلْ لَهُ سَبِيلٌ إلَى مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِلَا إحْرَامٍ مَعَ إرَادَتِهِ النُّسُكَ بِلَا تَحْرِيمٍ أَمْ لَا فَلَوْ نَوَى الْإِحْرَامَ مُطْلَقًا فَلَمَّا وَجَدَ مَنْ يُجَاعِلُهُ عَلَى حَجِّهِ قَدَّمَ الْحَجَّ هَذِهِ السَّنَةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ لِمَنْ جَعَلَ لَهُ كَذَا هَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قِيلَ بِالصِّحَّةِ فَهَلْ لَهُ صَرْفُ إحْرَامِهِ الْمُطْلَقِ إلَى مَا شَاءَ مِنْ أَوْجُهِ النُّسُكِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ قَوْلُ الْإِرْشَادِ كَغَيْرِهِ إنَّهُ يَنْصَرِفُ إحْرَامُ الْأَجِيرِ وَالْمُتَطَوِّعِ إلَى حَجٍّ نَذَرَهُ قَبْلَ الْوُقُوفِ مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا نَذَرَ الْحَجَّ لِنَفْسِهِ أَمْ هُوَ مُطْلَقٌ وَهَلْ قَوْلُهُمْ إنَّهُ يَحْرُمُ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ بِلَا إحْرَامٍ عَلَى مُرِيدِ النُّسُكِ هَلْ ذَلِكَ لِمَنْ أَرَادَهُ فِي سَنَتِهِ الَّتِي قَدِمَ فِيهَا أَوْ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَحْرُمُ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ بِلَا إحْرَامٍ عَلَى مُرِيدِ الدُّخُولِ بِنُسُكٍ فَلَوْ دَخَلَ بِلَا نُسُكٍ فَلَا تَحْرِيمَ كَمَا ذَكَرُوهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى لُزُومِ الدَّمِ الَّذِي هُوَ فَرْعُ التَّحْرِيمِ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَصِحُّ الْإِحْرَامُ الْمُطْلَقُ أَوْ الْمُعَيَّنُ وَإِنْ اقْتَرَنَ بِشَرْطِ التَّحَلُّلِ مِنْهُ وَيَصِحُّ أَيْضًا

اشْتِرَاطُ مُرِيدِهِ وَقْتَ الدُّخُولِ فِيهِ التَّحَلُّلَ مِنْهُ بِكُلِّ مَا يَطْرَأُ لَهُ مِنْ عُذْرٍ مُبَاحٍ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ فِي بَابِ الْحَجِّ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ وَكَلَامُهُمْ فِي الِاعْتِكَافِ صَرِيحٌ فِيهِ وَمِنْ الْعُذْرِ الْمُبَاحِ وُجُودُ مَنْ يَسْتَأْجِرُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ثُمَّ إنْ شَرَطَهُ بِلَا هَدْيٍ كَانَ تَحَلُّلُهُ بِالنِّيَّةِ فَقَطْ، وَإِنْ شَرَطَهُ بِهَدْيٍ لَزِمَهُ وَلَا سَبِيلَ إلَى مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِلَا إحْرَامٍ حَيْثُ كَانَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ وَلَمْ يَنْوِ الْعُودَ إلَيْهِ أَوْ إلَى مِثْلِ مَسَافَتِهِ. نَعَمْ شَرْطُ التَّحْرِيمِ أَنْ يَقْصِدَ الْإِحْرَامَ بِالنُّسُكِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ فَلَوْ قَصَدَ مَكَّةَ لَا لِلنُّسُكِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ بَلْ فِي السَّنَةِ بَعْدَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ فِيمَا يَظْهَرُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ شَرْطُ لُزُومِ الدَّمِ أَنْ يُحْرِمَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ فَلَوْ أَحْرَمَ فِي سَنَةٍ أُخْرَى فَلَا دَمَ لِأَنَّ إحْرَامَ هَذِهِ السَّنَةِ لَا يَصْلُحُ لِإِحْرَامِ غَيْرِهَا اهـ وَالتَّحْرِيمُ وَالدَّمُ مُتَلَازِمَانِ غَالِبًا فَإِذَا انْتَفَى أَحَدُهُمَا فَالْأَصْلُ انْتِفَاءُ الْآخَرِ إلَّا لِدَلِيلٍ وَأَيْضًا فَعَدَمُ صَلَاحِيَةِ إحْرَامِ سَنَةٍ لِإِحْرَامِ غَيْرِهَا صَيَّرَهُ كَقَاصِدِ مَكَّةَ لِغَيْرِ نُسُكٍ وَمَنْ قَصَدَهَا لِغَيْرِ نُسُكٍ لَا إثْمَ عَلَيْهِ كَمَا لَا دَمَ عَلَيْهِ لِمَا تَقَرَّرَ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَعْنِي تَعْلِيلَهُمْ بِأَنَّ إحْرَامَ هَذِهِ السَّنَةِ لَا يَصْلُحُ لِإِحْرَامِ غَيْرِهَا أَنَّ الْكَلَامَ فِي الْحَجِّ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ بِهِ فِي سَنَةٍ هُوَ الَّذِي لَا يَصْلُحُ لِإِحْرَامِ غَيْرِهَا بِخِلَافِ الْعُمْرَةِ فَإِنَّ الْإِحْرَامَ بِهَا فِي سَنَةٍ يَصْلُحُ لِإِحْرَامِ غَيْرِهَا لِاسْتِوَاءِ الْأَزْمَانِ فِيهَا فَمَنْ قَصَدَ مَكَّةَ لِلْعُمْرَةِ وَلَوْ بَعْدَ سِنِينَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ عَلَيْهِ مُجَاوَزَةُ الْمِيقَاتِ بِلَا إحْرَامٍ فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ الدَّمُ إنْ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ أَوْ إلَى مِثْلِ مَسَافَتِهِ وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ شَخْصٌ بِحَجِّ تَطَوُّعٍ ثُمَّ نَذَرَ حَجًّا قَبْلَ الْوُقُوفِ انْصَرَفَ الْحَجُّ إلَى النَّذْرِ لِتَقَدُّمِ الْفَرْضِ عَلَى النَّفْلِ وَأَنَّهُ. لَوْ أَحْرَمَ أَجِيرٌ عَنْ مُسْتَأْجِرِهِ بِحَجِّ فَرْضٍ أَوْ تَطَوُّعٍ ثُمَّ نَذَرَ حَجًّا قَبْلَ الْوُقُوفِ انْصَرَفَ الْحَجُّ إلَى النَّذْرِ أَيْضًا لِتَقَدُّمِ فَرْضِ الشَّخْصِ عَلَى غَيْرِهِ اهـ وَقَضِيَّةُ الْعِلَّةِ الْأُولَى أَنَّ النَّذْرَ الْمَذْكُورَ فِي السُّؤَالِ إذَا وُجِدَتْ شُرُوطُ صِحَّتِهِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَابِهِ يَصِحُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَيَقَعُ الْحَجُّ لِمَنْ جُعِلَ لَهُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْ نَذَرَهُ لِلْغَيْرِ وَصَحَّحْنَاهُ صَارَ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَقَدْ صَرَّحُوا لِمَا عَلِمْت بِأَنَّ الْوَاجِبَ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّطَوُّعِ وَقَضِيَّةُ الْعِلَّةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ النَّذْرَ الْمَذْكُورَ لَغْوٌ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ عَنْ الْغَيْرِ إنَّمَا انْصَرَفَ إلَى الْأَجِيرِ لِتَقَدُّمِ فَرْضِ الشَّخْصِ عَلَى فَرْضِ غَيْرِهِ فَإِذَا نَوَى الْحَجَّ لِنَفْسِهِ ثُمَّ نَذَرَهُ لِلْغَيْرِ لَا يَنْصَرِفُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَنْصَرِفُ عَنْ الْجِهَةِ الْمَنْوِيَّةِ إلَّا لِأَقْوَى مِنْهَا كَمَا أَفْهَمَهُ تَعْلِيلُهُمْ الِانْصِرَافَ فِي الْأَوَّلِ بِتَقَدُّمِ الْفَرْضِ عَلَى النَّفْلِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِتَقَدُّمِ فَرْضِ الشَّخْصِ عَلَى فَرْضِ غَيْرِهِ فَلَمْ يَقُولُوا بِانْصِرَافِهِ إلَّا لِجِهَةٍ أَقْوَى مِنْ الْجِهَةِ الْمَنْوِيَّةِ بِخِلَافِ مَنْ أَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ أَرَادَ صَرْفَهُ عَنْهُ بِنَذْرِهِ لِغَيْرِهِ فَإِنَّ وُقُوعَهُ لِلْغَيْرِ جِهَةٌ أَضْعَفُ مِنْ وُقُوعِهِ لِنَفْسِهِ فَلَا يَنْصَرِفُ عَنْ نَفْسِهِ بِذَلِكَ النَّذْرِ بَلْ يَكُونُ لَغْوًا؛ لِأَنَّهُ عَارَضَهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ وَهُوَ وُقُوعُ الْإِحْرَامِ لِنَفْسِهِ وَلَعَلَّ هَذَا أَقْرَبُ بِذَلِكَ أَنْ يَلْتَزِمَ الْعِلَّةَ الْأُولَى لَا تَقْتَضِي صِحَّةَ النَّذْرِ الْمَذْكُورِ وَوَجْهُهُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ وَقَعَ لَغْوًا لِمُعَارِضَتِهِ لِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، وَإِذَا وَقَعَ لَغْوًا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَيْءٌ وَاجِبٌ عَلَيْهِ حَتَّى يُقْدِمَ عَلَى التَّطَوُّعِ الَّذِي أَحْرَمَ بِهِ هَذَا أَعْنِي عَدَمَ صِحَّةِ هَذَا النَّذْرِ هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ الْآنَ مِمَّا تَقَرَّرَ وَلَعَلَّنَا نَزْدَادُ فِي الْمَسْأَلَةِ عِلْمًا أَوْ نَظْفَرُ فِيهَا بِنَقْلٍ بِخُصُوصِهَا يُزِيلُ التَّوَقُّفَ فِيهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رَجُلٍ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْحَجُّ ثُمَّ افْتَقَرَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأُهْبَةِ أَوْ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ وَلَا أَوْلَادٌ ثُمَّ تَزَوَّجَ وَجَاءَ لَهُ أَوْلَادٌ هَلْ يُكَلَّفُ عَلَى الْحَجِّ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِطَاعَةِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ مَنْ اسْتَطَاعَ الْحَجَّ ثُمَّ افْتَقَرَ اسْتَقَرَّ الْوُجُوبُ فِي ذِمَّتِهِ فَيَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَلَوْ مَاشِيًا إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ نَعَمْ إنْ كَانَ لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ إلَّا إنْ وَجَدَ مَا يَكْفِيهِمْ ذَهَابُهُ وَإِيَابُهُ وَكَذَلِكَ لَا بُدَّ أَنْ يَجِدَ مَا يُنْفِقُهُ عَلَى نَفْسِهِ ذَهَابًا وَإِيَابًا أَيْضًا لَكِنْ فِي الْإِحْيَاءِ لَوْ اسْتَطَاعَ الْحَجَّ ثُمَّ أَخَّرَهُ حَتَّى أَفْلَسَ لَزِمَهُ كَسْبُ مُؤْنَتِهِ أَوْ سُؤَالُهَا مِنْ زَكَاةٍ أَوْ صَدَقَةٍ لِيَحُجَّ وَإِلَّا مَاتَ عَاصِيًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ أَجِيرُ الْحَجِّ وَالزِّيَارَةِ هَلْ لَهُ أَجْرٌ فِيهِمَا كَغَيْرِ الْأَجِيرِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِلْحَجِّ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ الْبَاعِثُ لَهُ عَلَى نَحْوِ الْحَجِّ الْأُجْرَةَ وَلَوْلَاهَا

لَمْ يَحُجَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَوَابٌ وَإِلَّا لَهُ الثَّوَابُ بِقَدْرِ بَاعِثِ الْآخِرَةِ وَأَصْلُ ذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْغَزَالِيِّ وَالْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْمَشْهُورَةِ وَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ الْحَجِّ فِي أَنَّ مَنْ حَجَّ تَاجِرًا نَقَصَ ثَوَابُهُ وَكَانَ لَهُ ثَوَابٌ دُونَ ثَوَابِ الْحَاجِّ مُتَخَلِّيًا عَنْ التِّجَارَةِ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته أَوَّلًا مِنْ التَّفْصِيلِ وَفِي ذَلِكَ مَزِيدٌ بَسَطْته فِي حَاشِيَةِ مَنَاسِكِ النَّوَوِيِّ الْكُبْرَى بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فِي التَّحْقِيقِ مَعَ أَنِّي لَمْ أَرَ مَنْ سَبَقَنِي إلَيْهِ. وَوَرَدَ مَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ تَطَوُّعًا كَانَ أَفْضَلَ مِمَّنْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ زِيَادَةً عَلَى وَاجِبِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ الْغَالِبُ أَنَّ الْعَمَلَ الْمُتَعَدِّي أَفْضَلُ مِنْ الْعَمَلِ الْقَاصِرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي شَخْصٍ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ الشَّرْعِيَّ وَهُوَ فِي حَالِ مُجَاوَزَتِهِ الْمِيقَاتَ مُرِيدٌ لِلْحَجِّ وَكَانَتْ مُجَاوَزَتُهُ لِلْمِيقَاتِ مَعَ إرَادَتِهِ الْحَجَّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ لِلْمُجَاوَزَةِ؛ لِأَنَّهُ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ أَوْ لَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِمَا أَرَادَهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي هَذَا الْوَقْتِ صَارَ عُمْرَةً وَفَاتَهُ تَحْصِيلُ فَضِيلَةِ تَقْدِيمِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ أَمْرِهِ بِالْإِحْرَامِ إلْزَامُهُ بِنُسُكٍ لَمْ يُرِدْهُ وَيَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ مَحَلَّ قَوْلِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الشَّخْصَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْإِطْلَاقِ مَا إذَا حَاذَى الْمِيقَاتَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَإِلَّا فَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْإِفْرَادُ إلَّا إذَا جَاوَزَهُ غَيْرَ مُحْرِمٍ فَإِنْ قُلْتُمْ يَلْزَمُهُ الدَّمُ فَذَاكَ، وَإِنْ قُلْتُمْ لَا يَلْزَمُهُ فَلَوْ أَنَّهُ حَالَ مُجَاوَزَتِهِ الْمِيقَاتَ مُرِيدًا لِلْحَجِّ كَانَ مُرِيدًا لِلْعُمْرَةِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْهَا إلَّا بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِالْحَجِّ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الدَّمُ بِهَذِهِ الْإِرَادَةِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الدَّمَ إنَّمَا يَلْزَمُهُ إذَا جَاوَزَ وَهُوَ مُرِيدٌ لِلنُّسُكِ فِي حَالَةِ الْمُجَاوَزَةِ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ؟ (فَأَجَابَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ بَلْ صَرِيحُهُ كَمَا يَأْتِي لُزُومُ الدَّمِ إنْ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَفِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الدَّارِمِيِّ فِي كَافِرٍ مَرَّ بِالْمِيقَاتِ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ ثُمَّ أَسْلَمَ إنْ كَانَ حِينَ مَرَّ بِالْمِيقَاتِ أَرَادَ حَجَّ تِلْكَ السَّنَةِ ثُمَّ حَجَّ بَعْدَهَا فَلَا دَمَ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ تَارِكَ مِيقَاتٍ حَجَّ مِنْ سَنَتِهِ، وَإِنْ كَانَ حَالَ مُرُورِهِ نَوَى حَجَّ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ حَجَّ فِيهَا فَفِي وُجُوبِ الدَّمِ وَجْهَانِ قَالَ فِيهِ أَيْضًا وَلَوْ مَرَّ مُسْلِمٌ بِالْمِيقَاتِ مُرِيدًا لِلْحَجِّ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَفَعَلَهُ مِنْ مَكَّةَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَفِي وُجُوبِ الدَّمِ الْوَجْهَانِ كَالْكَافِرِ اهـ وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ فِي الْكَافِرِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّمُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُرُورِ الْمُشَبَّهَةِ بِمَسْأَلَةِ الْكَافِرِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ لَوْ جَاوَزَ مُرِيدًا لِلنُّسُكِ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ لَمْ يُحْرِمْ أَصْلًا لَمْ يَلْزَمْهُ لِأَنَّ لُزُومَهُ إنَّمَا هُوَ لِنَقْصِ النُّسُكِ لَا بَدَلٌ مِنْهُ فَأَفْهَمَ قَوْلُهُمْ وَلَمْ يُحْرِمْ أَصْلًا أَنَّهُ مَتَى أَحْرَمَ بِمَا نَوَاهُ وَلَوْ فِي سَنَةٍ ثَانِيَةٍ لَزِمَهُ دَمٌ وَيُفْهِمُ ذَلِكَ أَيْضًا تَعْلِيلُهُمْ الْمَذْكُورُ لِأَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ السَّنَةِ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ نَقَصَ نُسُكُهُ إذَا كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُحْرِم مِنْ مِيقَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ آفَاقِيٌّ فَاتَّضَحَ أَنَّ أَرْجَحَ الْوَجْهَيْنِ لُزُومُ الدَّمِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَجْمُوعِ الْمَذْكُورَةِ، وَصُورَةُ السُّؤَالِ مِثْلُهَا بِلَا رَيْبٍ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَجْمُوعِ نَوَاهُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ نَوَاهُ فِي سَنَتِهِ، فَإِذَا لَزِمَهُ فِي تِلْكَ مَعَ سَبْقِ النِّيَّةِ بِسَنَتَيْنِ فَلَأَنْ يَلْزَمَهُ مَعَ سَبْقِ النِّيَّةِ بِدُونِ ذَلِكَ بِالْأَوْلَى بَلْ صُورَةُ السُّؤَالِ غَيْرُ مَسْأَلَةِ الْمَجْمُوعِ إذْ ذَكَرَ السَّنَةَ الثَّانِيَةَ لِلتَّمْثِيلِ لَا لِلتَّقْيِيدِ فَالْمَدَار عَلَى أَنْ يَكُونَ الَّذِي أَتَى بِهِ مِنْ مَكَّةَ الَّذِي كَانَ قَاصِدُهُ عِنْدَ الْمِيقَاتِ وَحِينَئِذٍ مَكَّةُ لَيْسَتْ مِيقَاتَهُ فَإِذَا لَمْ يُحْرِمْ بِهِ وَلَا بِمَا لَمْ يَخْلُفْهُ وَهُوَ الْعُمْرَةُ مِنْ الْمِيقَاتِ كَانَ فِي نُسُكِهِ نَقْصٌ أَيُّ نَقْصٍ فَلَزِمَهُ دَمٌ جَبْرًا لَهُ فَإِنْ قُلْت قَدْ يُنَافِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ جَاوَزَ مُرِيدًا لِلْحَجِّ ثُمَّ أَحْرَمَ بِهِ فِي سَنَةٍ أُخْرَى لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَأَقَرَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ وَأَقَرَّهُمَا فِي الْكِفَايَةِ الْمُتَوَلِّي وَالْخُوَارِزْمِيِّ وَأَقَرَّهُمَا فِي الْمُهِمَّاتِ قَالَ وَفِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي حَجِّ الصَّبِيِّ مَا يَدُلُّ لَهُ؛ لِأَنَّ إحْرَامَ هَذِهِ السَّنَةِ لَا يَصْلُحُ لِإِحْرَامِ غَيْرِهَا وَبِهِ فَارَقَ الْعُمْرَةَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّمُ فِيهَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهَا لَا تَتَأَقَّت بِوَقْتٍ. قُلْت لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا وَمَا قَدَّمْتُهُ مِنْ تَرْجِيحِ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَجْمُوعِ وَإِجْرَائِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّهُ هُنَا لَمَّا نَوَى عِنْدَ الْمِيقَاتِ الْحَجَّ فِي هَذِهِ السَّنَةِ ثُمَّ لَمْ يَحُجَّ فِيهَا بَلْ حَجَّ فِيمَا بَعْدَهَا كَانَ حَجُّهُ فِيمَا بَعْدَهَا غَيْرَ مَا نَوَاهُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ إحْرَامَ سَنَةٍ لَا يَصْلُحُ لِإِحْرَامِ مَا بَعْدَهَا إذَا أَتَى بِغَيْرِ مَا نَوَاهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ

وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَأَتَى بِمَا نَوَاهُ فِي سَنَتِهِ وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَجْمُوعِ نَوَاهُ فِي سَنَةٍ وَأَتَى بِهِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ مِيقَاتِهِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ النَّقْصُ فِيهِ فَجَبْرُهُ بِالدَّمِ وُجُوبًا كَمَا مَرَّ، وَقَوْلُ السَّائِلِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِمَا أَرَادَهُ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِمِثْلِهِ مِنْ حَيْثُ رِعَايَةُ حُرْمَةِ الْمِيقَاتِ وَهُوَ الْعُمْرَةُ أَوْ بِعَيْنِهِ بِأَنْ يَخْرُجَ عِنْدَ إرَادَةِ الْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ إلَى مِيقَاتِهِ وَيُحْرِمُ مِنْهُ. فَإِذَا تَرَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ كَانَ مُقَصِّرًا وَمُدْخِلًا لِلنَّقْصِ عَلَى نُسُكِهِ فَلَزِمَهُ دَمٌ وَبِهَذَا انْدَفَعَ قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ أَمْرِهِ بِالْإِحْرَامِ إلْزَامُهُ بِنُسُكٍ لَمْ يُرِدْهُ، وَقَوْلُهُ وَفَاتَهُ إلَخْ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الْعُمْرَةِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ عَلَى الْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ لَا يَمْنَعُ فَوَاتَ فَضِيلَةِ الْإِحْرَامِ إذَا أَتَى بِعُمْرَةِ أُخْرَى بَعْدَ حَجّه بَلْ قِيلَ إنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ أَفْضَلُ صُوَرِ الْإِفْرَادِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ قَوْلُ السَّائِلِ وَيَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَحَلَّ قَوْلِ الْأَصْحَابِ إلَخْ وَوَجْهُ انْدِفَاعِ مَا تَقَرَّرَ أَنْ تُقَدَّمَ الْعُمْرَةُ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يَمْنَعُ الْإِفْرَادَ، وَقَوْلُهُ فَلَوْ أَنَّهُ حَالَ مُجَاوَزَتِهِ الْمِيقَاتَ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا كَمَا عُلِمَ بِالْأُولَى مِنْ الصُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَلَا نَظَرَ لِنِيَّةِ تَأْخِيرِ الْعُمْرَةِ عَنْ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ لَوْ تَرَكَ الْإِحْرَامَ مِنْ الْمِيقَاتِ أَصْلًا إدْخَالُ النَّقْصِ عَلَى حَجِّهِ كَمَا مَرَّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَوْلِهِمْ وَأَهْمَلَ بَعْضُهُمْ شَرْطًا خَامِسًا لِلْحَجِّ وَهُوَ سَعَةُ الْوَقْتِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ السَّيْرِ مَا الْمُرَادُ بِهَذَا الْوَقْتِ هَلْ هُوَ مُدَّةُ السَّنَةِ بِأَنْ يَبْقَى مِنْهَا قَدْرُ مَا يَصِلُ بِهِ إلَى مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ فَيُشْكِلُ عَلَى مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ فَوْقَ سَنَةٍ أَوْ فَوْقَ السَّنَةِ فَالْوَقْتُ وَاسِعٌ بَيِّنُوا لَنَا حَقِيقَةَ ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَبْقَى مِنْ الزَّمَانِ عِنْدَ وُجُودِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ مَا يُمْكِنُ فِيهِ السَّيْرُ بِأَنْ لَا يَحْتَاجَ أَنْ يَقْطَعَ فِي كُلِّ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ مَرْحَلَةٍ مَا الْمُرَادُ بِهَذَا الزَّمَانِ وَلَا يَخْفَى الْإِشْكَالُ السَّابِقُ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ أَنَّهُ يُعْتَبَر فِي لُزُومِ الْحَجِّ لَهُ لَا فِي اسْتِقْرَارِهِ عَلَيْهِ أَنْ يَتَمَكَّنَ بِأَنْ يَجِدَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ وَقَدْ بَقِيَ زَمَنٌ يَسَعُ الْوُصُولَ فِيهِ إلَى مَكَّةَ بِالسَّيْرِ الْمُعْتَادِ غَالِبًا بِحَيْثُ لَا يَقْطَعُ فِي يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ مَرْحَلَة. فَلَوْ كَانَ بَيْنَ بَلَدِهِ وَمَكَّةَ سَنَةٌ مَثَلًا اُشْتُرِطَ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى نَحْوِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ تِلْكَ السَّنَة جَمِيعهَا فَمَتَى مَضَتْ لَهُ سَنَةِ بِأَنْ يَمْضِيَ مَا يُمْكِنُ ذَهَابُ الْحُجَّاجِ فِيهِ وَرُجُوعُهُمْ إلَى بَلَدِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَا مَرَّ بِأَنَّ لُزُومَ الْحَجِّ لَهُ فَإِذَا مَاتَ أَوْ افْتَقَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَالْحَجُّ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ لِأَنَّهُ اسْتَطَاعَهُ وَتَرَكَهُ وَمَتَى مَرِضَ أَوْ افْتَقَرَ قَبْلَ وُصُولِهِمْ لِمَكَّةَ أَوْ بَعْدَ وُصُولِهِمْ وَقَبْلَ الْحَجِّ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ حَجٌّ وَكَذَا لَوْ افْتَقَرَ بَعْدَ حَجِّهِمْ وَقَبْلَ وُصُولِهِمْ لِبَلَدِهِ فَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَمْضِيَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَادِرٌ مُدَّةٌ يُمْكِنُ فِيهَا الذَّهَابُ إلَى مَكَّةَ بِالسَّيْرِ الْمُعْتَادِ وَإِدْرَاكُ الْحَجِّ فِيهَا وَوُصُولُهُ إلَى بَلَدِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْفَقْرِ دُونَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ بَانَ بِهِ أَنَّهُ كَانَ مُسْتَغْنِيًا عَنْ الرُّجُوعِ فَإِذَا مَاتَ بَعْدَ إمْكَانِ حَجِّ النَّاسِ وَقَبْلَ رُجُوعِهِمْ بَانَ أَنَّهُ مَاتَ وَهُوَ مُسْتَطِيعٌ وَمَعَ هَذَا التَّقْدِيرِ فَلَا إشْكَالَ فِيمَا ذَكَرُوهُ فَإِنَّا لَا نَعْتَبِرُ سَنَةً وَلَا دُونَهَا وَلَا أَكْثَرَ مِنْهَا دَائِمًا وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ الَّتِي يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ فِيهَا إلَى مَكَّةَ وَالرُّجُوعُ مِنْهَا بِالسَّيْرِ الْمُعْتَادِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ حَتَّى لَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ مَثَلًا اُعْتُبِرَتْ قُدْرَتُهُ تِلْكَ الْأَرْبَعَةَ مَعَ الْعَوْدِ أَيْضًا فِي غَيْرِ الْمَوْتِ أَوْ سَنَتَانِ اُعْتُبِرَتْ قُدْرَتُهُ مُدَّتَهُمَا مَعَ الْعَوْد كَمَا ذُكِرَ. وَلَا بُدَّ أَنْ يُوجَدَ نَحْوُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فِي الْوَقْتِ فَمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ شَهْرَانِ مَثَلًا لَوْ اسْتَطَاعَ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي الْوُجُوبِ عَلَيْهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِطَاعَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ حَتَّى لَوْ اسْتَطَاعَ الشَّهْرَ مِنْ قَبْلِ أَشْهُرِهِ ثُمَّ افْتَقَرَ قَبْلَ أَشْهُرِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِتِلْكَ الِاسْتِطَاعَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي امْرَأَةٍ حَاضَتْ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَكَانَتْ تَتَضَرَّرُ بِانْتِظَارِ انْقِطَاعِهِ لِتَطُوفَ مَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَنْ حَاضَتْ قَبْلَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَتَضَرَّرَتْ بِانْقِطَاعِهَا جَازَ لَهَا السَّفَرُ وَيَبْقَى لَهَا الطَّوَافُ فِي ذِمَّتِهَا مَا لَمْ تُقَلِّدْ أَبَا حَنِيفَةَ، وَإِذَا لَمْ تُقَلِّدْهُ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى إحْرَامِهَا فَلَا يَحِلُّ لِلزَّوْجِ قُرْبَانُهَا إلَّا إذَا وَصَلَتْ إلَى مَسَافَةٍ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهَا الرُّجُوعُ مِنْهَا إلَى مَكَّةَ فَلَهَا حِينَئِذٍ التَّحَلُّلُ كَتَحَلُّلِ الْمُحْصَرِ وَتُقَصِّرُ وَتَذْبَحُ بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ وَيَحِلُّ وَطْؤُهَا حِينَئِذٍ وَلِلْيَافِعِيِّ

- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُنَا اعْتِرَاضٌ شَنِيعٌ عَلَى الْبَارِزِيِّ ادَّعَى فِيهِ أَنَّ الْبَارِزِيَّ خَالَفَ فِي تَجْوِيزِ السَّفَرِ بِلَا طَوَافٍ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَقَدْ رَدَدْت عَلَيْهِ اعْتِرَاضَهُ هَذَا فِي حَاشِيَةِ الْإِيضَاحِ وَبَسَطْت فِيهَا الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَسْطًا شَافِيًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ مُطْلَقِ الْحَجِّ الْمَبْرُورِ هَلْ يُكَفِّرُ الْكَبَائِرَ كَالْإِسْلَامِ؟ (فَأَجَابَ) الْحَجُّ الْمَبْرُورُ يُكَفِّرُ مَا عَدَا تَبِعَاتِ الْآدَمِيِّينَ كَمَا حَكَى بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَى هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ وَالْحَدِيثُ الْمُقْتَضِي لِتَكْفِيرِ التَّبِعَاتِ أَيْضًا ضَعِيفٌ فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ بِقَضِيَّتِهِ وَهْمٌ وَتَكْفِيرُ ذَلِكَ لَا يُنَافِي وُجُوبَ التَّوْبَةِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ التَّكْفِيرَ مِنْ الْأُمُورِ الْأُخْرَوِيَّةِ الَّتِي لَا تَظْهَرُ فَائِدَتُهَا إلَّا فِي الْآخِرَةِ بِخِلَافِ التَّوْبَةِ فَإِنَّهَا مِنْ الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ الَّتِي تَظْهَرُ فَائِدَتُهَا فِي الدُّنْيَا كَرَفْعِ الْفِسْقِ وَنَحْوِهِ فَهَذَا لَا دَخْلَ لِلْحَجِّ وَغَيْرِهِ فِيهِ بَلْ لَا يُفِيدُ فِيهِ إلَّا التَّوْبَةُ بِشُرُوطِهَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) أَدَامَ اللَّهَ النَّفْعَ بِعُلُومِهِ كَيْفَ صِيغَتَا الْإِجَارَةِ وَالْجِعَالَةِ الْمُخْتَصَرَتَانِ الْمُعْتَبَرَتَانِ لِتَحْصِيلِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالزِّيَارَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ صِيغَةُ الْأُولَى اسْتَأْجَرْت ذِمَّتَك أَوْ عَيْنَك بِكَذَا لِتَحُجَّ وَتَعْتَمِرَ إفْرَادًا مَثَلًا وَتَدْعُوَ تُجَاهَ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ مَيِّتِي أَوْ عَنِّي فِي الْمَعْضُوبُ وَصِيغَةُ الثَّانِيَةِ حُجَّ وَاعْتَمِرْ وَادْعُ تُجَاهَ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَيِّتِي أَوْ لِي وَلَكَ كَذَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - شَخْصٌ أَوْصَى بِحَجَّةٍ عَلَى يَدِ إنْسَانٍ ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ جَاعَلَ الْوَصِيُّ شَخْصًا عَلَى أَنْ يَحُجَّ عَنْ الْمَيِّتِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ أَحْرَمَ وَلَدُ الْمَيِّتِ مَثَلًا عَنْ وَالِدِهِ قَبْلَ إحْرَامِ الْجَعِيلِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَصِيِّ طَمَعًا فِي الْمَعْلُومِ هَلْ يَسْتَحِقُّهُ بِالْوَصِيَّةِ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِمَنْ حَجَّ عَنْهُ بِكَذَا؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْمَأْمُورِ بِهِ وَوَقَعَ عَنْ الْمَيِّتِ وَلِأَنَّ الْوَصِيَّ مُقَصِّرٌ بِتَأْخِيرِ الْجِعَالَةِ وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يُبَادِرْ لِأَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ تُضَيِّقُ عَلَيْهِ الْحَجِّ وَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْجَعِيلُ شَيْئًا لِأَنَّ لِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ فَيُعْطَى أُجْرَةَ مَسِيرِهِ أَمْ لَا كَسَائِرِ الْجِعَالَاتِ فَإِنْ قُلْتُمْ يُعْطَى هَلْ يَكُونُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ أَوْ مِنْ مَالِ الْوَصِيِّ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَ الْجَعِيلَ فِي مَشَقَّةِ السَّفَرِ وَالْإِحْرَامِ كَالْوَلِيِّ إذَا أَذِنَ لِلصَّبِيِّ فِي الْإِحْرَامِ وَأَتَى بِشَيْءٍ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ فَإِنَّهُ يَغْرَمُ الْفِدْيَةَ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ يَقَعُ حَجُّ الْوَلَدِ عَنْ وَالِدِهِ تَبَرُّعًا فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فِي مُقَابَلَتِهِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ نَظِيرَ الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا السَّائِلُ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ أَوْصَى لِمَنْ حَجَّ عَنْهُ فَيَشْمَلُ الْوَارِثَ وَغَيْرَهُ وَهُنَا قَيَّدَ بِمَنْ يَحُجُّ عَلَى يَدِ فُلَانٍ وَلَمْ يَحُجَّ الْوَلَدُ عَلَى يَدِهِ فَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ الشَّرْطُ الَّذِي ذَكَرَهُ فَكَانَ حَجُّهُ تَطَوُّعًا مَحْضًا وَلَمْ يُنْظَرْ لِطَمَعِهِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى ظَنٍّ بَانَ خَطَؤُهُ وَهُوَ لَا عِبْرَةَ بِهِ سَوَاءً أَفُرِضَ مِنْ الْوَصِيِّ تَقْصِيرٌ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ تَقْصِيرَهُ إنْ لَمْ يَقْتَضِ انْعِزَالَهُ فَظَاهِرٌ وَإِلَّا قَامَ الْوَصِيُّ مَقَامَهُ لَا الْوَارِثُ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّ الْجَعِيلَ لَا أُجْرَةَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّ تَقَدُّمَ إحْرَامِ الْوَلَدِ عَلَى إحْرَامِهِ يُوجِبُ وُقُوعَ إحْرَامِهِ لِنَفْسِهِ فَيَكُونَ مَا لَقِيَهُ مِنْ الْمَشَاقِّ فِي مُقَابَلَةِ الثَّوَابِ الْحَاصِلِ لَهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَرِئَ الْمَعْضُوبُ بَعْدَ حَجِّ الْأَجِيرِ عَنْهُ يَقَعُ الْحَجُّ لِلْأَجِيرِ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْضُوبَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ مِنْ فِعْلِهِ فَائِدَةُ ثَوَابٍ وَلَا غَيْرِهِ. وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ حُضُورِ الْمَعْضُوبِ مَعَ أَجِيرِهِ عَرَفَةَ فَإِنَّ الْحَجَّ فِي هَذِهِ، وَإِنْ وَقَعَ لِلْأَجِيرِ لَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَهُ لِلْأُجْرَةِ بِأَنَّ الْإِجَارَةَ هُنَا وَقَعَتْ صَحِيحَةً ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَلَكِنْ لَمَّا تَكَلَّفَ الْمَعْضُوبُ وَحَضَرَ تَعَيَّنَ وُقُوعُ فِعْلِهِ بِنَفْسِهِ دُونَ فِعْلِ غَيْرِهِ عَنْهُ فَالْوُقُوعُ عَنْهُ لِحُضُورِهِ وَلُزُومِ الْأُجْرَةِ لَهُ لِتَقْصِيرِهِ بِالْحُضُورِ مَعَ بَذْلِ الْأَجِيرِ مَنَافِعَهُ فِي إجَارَةٍ صَحِيحَةٍ بِخِلَافِهِ فِي تَيْنِكَ الصُّورَتَيْنِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ فِيهِمَا صَحِيحَةٌ ظَاهِرًا فَقَطْ لِتَبَيُّنِ بُطْلَانِهَا مِنْ أَصْلِهَا بِالْبُرْءِ وَبِالْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ الْأَجِيرُ شَيْئًا فِي مُقَابَلَةِ فِعْلِهِ فَإِنْ قُلْت يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُمْ إذَا لَمْ يُجَوَّزْ الِاسْتِئْجَارُ لِلتَّطَوُّعِ وَقَعَ الْحَجُّ عَنْ الْأَجِيرِ وَلَمْ يَسْتَحِقَّ الْمُسَمَّى بَلْ أُجْرَةَ الْمِثْلِ قُلْت لَا يُنَافِيه؛ لِأَنَّهُ فِي تِينك لَا تَقْصِيرَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّ الِاسْتِئْجَارَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ ظَاهِرًا وَالْبُرْءُ وَحَجُّ الْوَلَدِ لَمْ يَحْصُلْ بِاخْتِيَارِهِ فَاقْتَضَى عُذْرُهُ عَدَمَ وُجُوبِ شَيْءٍ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَعْزِيرٌ لِلْأَجِيرِ. بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجَرِ لِلنَّفْلِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُضْطَرٍّ لِلِاسْتِئْجَارِ بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إنْ عُلِمَ امْتِنَاعُهُ لِلنَّفْلِ فَلَمْ يُعَارِضْ تَغْرِيرَهُ شَيْءٌ

فَلَزِمَهُ مُقَابِلَةُ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ مَنَافِعِ الْأَجِيرِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَهُوَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لَا فِي التَّرِكَةِ كَمَا قَالَهُ الْقَمُولِيُّ نَعَمْ لَوْ قَصَّرَ الْأَجِيرُ بِأَنْ عُلِمَ امْتِنَاعُهُ الِاسْتِئْجَارَ لِلتَّطَوُّعِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ حِينَئِذٍ لَمْ يَغْرُرْهُ وَلَمَا نَظَرَ الْإِسْنَوِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ إلَى مَا ذَكَرْته مِنْ الْإِشْكَالِ صَوَّبَا أَنَّ الْأَجِيرَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مُطْلَقًا وَغَفَلَا عَمَّا قَرَرْته مِنْ الْجَوَابِ وَالْفَرْقِ بِمَا ذَكَرْته بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظَائِرِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رَجُلٍ حَجَّ عَنْ امْرَأَةٍ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ فَأَحْرَمَ عَنْهَا مِنْ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ وَدَخَلَ إلَى مَكَّةَ وَطَافَ طَوَافَ الْقُدُومِ ثُمَّ حَصَلَ لَهُ مَرَضٌ وَوَقَفَ بِجَبَلِ عَرَفَاتٍ وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ نَزَلَ إلَى مِنَى وَرَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَحَلَقَ رَأْسَهُ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ طَوَافِهِ لِلْحَجِّ وَالسَّعْيِ فَمَا حُكْمُ اللَّهِ فِي حَجِّهِ الَّذِي حَجَّهُ عَنْ الْمَرْأَةِ الْمَيِّتَةِ هَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَوْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ أَنَّهُ صَحِيحٌ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ قُلْتُمْ إنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَا يَسْقُطُ الْحَجُّ عَنْ الْمَرْأَةِ الْمَيِّتَةِ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ كُلَّهَا أَوْ يَسْتَحِقُّ مِنْهَا شَيْئًا وَتَرْجِعُ وَرَثَةُ الْمَيِّتَةِ عَلَى تَرِكَةِ الْمَيِّتِ بِشَيْءٍ مِنْ الْأُجْرَةِ؟ (فَأَجَابَ) الْحَجُّ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْمَرْأَةِ وَلَكِنْ لَهَا ثَوَابُ مَا فَعَلَهُ الْأَجِيرُ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ اسْتَحَقَّ مَا يَخُصُّ الْمَفْعُولَ مِنْ الْمُسَمَّى لَوْ سَقَطَ وَيُعْتَبَرُ مِنْ ابْتِدَاءِ السَّيْرِ ثُمَّ إنْ كَانَ الْأَجِيرُ أَجِيرَ عَيْنٍ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ فَيَسْتَنِيبُ عَنْهَا الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ مَنْ يَحُجُّ عَنْهَا مِنْ تَرِكَتِهَا أَوْ أَجِيرَ ذِمَّةٍ وَلَمْ يُمْكِنْهُ الْحَجُّ الْكَامِلُ عَنْهَا فِي عَامِ مَوْتِهَا تَخَيَّرَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ بَيْنَ بَقَاءِ الْإِجَارَةِ فَإِذَا حَجَّ الْأَجِيرُ عَنْهَا فِي السَّنَةِ الْقَابِلَةِ اسْتَحَقَّ بَقِيَّةَ الْمُسَمَّى وَبَيْنَ فَسْخِهَا وَإِعْطَائِهِ مَا خَصَّهُ بِالتَّوْزِيعِ السَّابِقِ وَيَسْتَأْجِرُ وَارِثُهَا أَوْ وَصِيُّهَا مَنْ يَحُجُّ عَنْهَا السَّنَةَ الْآتِيَةَ مِنْ تَرِكَتِهَا وَمِنْهَا مَا بَقِيَ مِنْ مُسَمَّى الْإِجَارَةِ الْأُولَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوْصَى بِأَنْ يُسْتَأْجَرَ عَنْهُ مَنْ يَحُجُّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ فَهَلْ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَسْتَأْجِر بِغَيْرِ إذْنِ الْوَارِثِ؟ (فَأَجَابَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَلِلْوَارِثِ قَضَاؤُهُ مِنْ مَالِهِ نَعَمْ وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ قَضَاؤُهُ مِنْ غَيْرِ مُرَاجَعَةِ الْوَارِثِ نَعَمْ إنْ عَيَّنَ الْمُوصِي عَيْنًا لِلِاسْتِئْجَارِ بِهَا لَمْ يَحْتَجْ لِإِذْنِ الْوَارِثِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ إبْدَالَهَا مِنْ مَالِهِ لَمْ يُمْكِنْ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ مَسْأَلَةٍ وَهِيَ أَنَّهُمْ جَوَّزُوا الْحَلْقَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِبَعْضِ الرَّأْسِ فَالْحَنَفِيَّةُ جَوَّزُوا الرُّبْعَ وَالشَّافِعِيَّةُ جَوَّزُوا الِاكْتِفَاءَ بِثَلَاثِ شَعَرَاتٍ قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْمَسْحِ وَالْحَالُ أَنَّ الْقِيَاسَ مَعَ الْفَارِقِ لِعَدَمِ اتِّحَادِ الْفِعْلَيْنِ وَعَدَمِ الْقَرِينَةِ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الْكُلِّ هُنَا بِخِلَافِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ حَيْثُ تَدُلُّ الْبَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ مَسْحَ الْكُلِّ كَمَا بَيَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ فِي مَحَلِّهِ فَكَيْفَ يُرَادُ الْبَعْضُ قِيَاسًا عَلَى تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا مَانِعَ هُنَا مِنْ إرَادَةِ حَلْقِ الْكُلِّ كَمَا هُوَ حَقُّ الْعِبَارَةِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى حَلَقْت رَأْسِي أَيْ حَلَقْت شَعْرَ رَأْسِي وَحَقِيقَتُهُ إزَالَةُ شَعْرِ كُلِّ الرَّأْسِ. وَإِرَادَةُ الْبَعْضِ هُنَا مَجَازٌ حَيْثُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالُ أَزَالَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ مِنْ رَأْسِهِ أَوْ أَزَالَ شَعْرَ رُبْعَ رَأْسِهِ وَلَمْ يَحْلِقْ رَأْسَهُ وَهَذَا مِنْ عَلَامَاتِ الْمَجَازِ وَالْآيَةُ الْمُسْتَدَلُّ بِهَا {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27] أَفْتُونَا جَزَاكُمْ اللَّهُ خَيْرًا وَلَقَدْ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ فِي الْآيَةِ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَلْقَ الْجَمِيعِ لَيْسَ بِلَازِمٍ حَيْثُ قَالَ {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27] يَعْنِي بَعْضُكُمْ مُحَلِّقِينَ وَبَعْضُكُمْ مُقَصِّرِينَ فَجَوَازُ التَّقْصِيرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إزَالَةَ شَعْرِ الْكُلِّ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ إذْ التَّقْصِيرُ لَيْسَ إزَالَةَ الْكُلِّ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ إزَالَةُ الْجَمِيعِ فَصَارَ كَآيَةِ الْمَسْحِ حَيْثُ كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ وَهِيَ الْبَاءُ تَدُلُّ عَلَى عَدَم إرَادَةِ مَسْحِ الْجَمِيعِ فَظَهَرَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ لَيْسَتْ بِمُرَادَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ فَأَرَادَ الْحَنَفِيَّةُ الرُّبْعَ إذْ قَدْ يَكُونُ الرُّبْعُ قَائِمًا مَقَامَ الْكُلِّ كَمَا ذَكَرُوا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ. وَمِنْهَا فِي بَابِ الْجَنَابَةِ فَإِنَّ حَلْقَ الرُّبْعِ يَقُومَ مَقَامَ الْكُلِّ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْآيَةِ اسْمٌ لِلْكُلِّ فَلَا بُدَّ مِنْ إرَادَةِ أَمْرٍ يَقُومُ مَقَامَهُ وَكَذَلِكَ النِّصْفُ وَأَكْثَرُ مِنْهُ لَكِنَّ الِاحْتِيَاطَ اقْتَضَى اعْتِبَارَ الرُّبْعِ وَلِهَذَا أَرَادُوا فِي بَابِ الْمَسْحِ الرُّبْعَ حَيْثُ نَظَرُوا إلَى نَفْسِ الْمَحِلِّ وَهُوَ الرَّأْسُ أَوْ أَرَادُوا مِقْدَارَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ حَيْثُ نَظَرُوا إلَى أَنَّ

الْمَحِلَّ هُنَا شَبِيه بِالْآلَةِ وَأَكْثَرُ آلَةِ الْمَسْحِ ثَلَاثُ أَصَابِعَ فَيَصِحُّ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْهُ بِاسْمِ الْكُلِّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْمَسْحِ وَلَا يَخْفَى هَذَا عَلَى الْمُتَفَطِّنِ الْمُتَأَمِّلِ وَأَرَادَ الشَّافِعِيَّةُ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ لَا أَقَلَّ مِنْهَا إذْ أَقَلُّ مِنْهَا غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ وَلِهَذَا لَمْ يُثْبِتُوا عَلَيْهِ الْجِنَايَةَ. وَوَجْه إرَادَةِ هَذَا الْمَعْنَى أَنَّهُ إذَا حَلَقَ رَأْسَهُ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ حَلَقَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ مِنْهُ فَإِزَالَةُ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ جُزْءٌ مِنْ إزَالَةِ الْمَحَلِّ وَكَذَلِكَ إزَالَةُ الرُّبْعِ أَوْ الْخُمُسِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لَكِنَّهُمْ أَخَذُوا احْتِيَاطًا أَيْضًا مَا هُوَ أَقَلُّ مَرْتَبَةً فِي مَرَاتِبِ الِاحْتِمَالَاتِ فَيَصِحُّ إسْنَادُ إزَالَةِ شَعْرِ الرَّأْسِ إذَا أَزَالَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ لِأَنَّ هَذِهِ جُزْءٌ مِنْ الْأُولَى فَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - جَعَلَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ وَهُوَ الْمَجَازُ فِي النِّسْبَةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ جَعَلَهُ مِنْ قَبِيلِ الْمَجَازِ فِي الطَّرَفِ لَكِنْ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ هُنَا أَوْلَى لِأَنَّ الْمَجَازَ فِي الطَّرَفِ أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ حَتَّى إنَّ بَعْضَ أَرْبَابِ الْعَرَبِيَّةِ اسْتَنْكَرَ الْمَجَازَ الْعَقْلِيَّ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَحْقِيقِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ بِمَا صُورَتُهُ أَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْمَسْحِ فَمَمْنُوعٌ بِالنِّسْبَةِ لِلشَّافِعِيَّةِ لِأَنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْبَابَيْنِ بِوُجُوهٍ وَكَذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ أَقَلَّ الْوَاجِبِ فِي الْحَلْقِ عِنْدَنَا ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ وَعِنْدَ مَالِكٍ لَا بُدَّ مِنْ مَسْحِ الْجَمِيعِ وَأَمَّا أَحْمَدُ فَالْوَاجِبُ فِي الْمَسْحِ عِنْدَهُ الْجَمِيعُ وَفِي الْحَلْقِ الْأَكْثَرُ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَمَشَى فِي الْبَابَيْنِ عَلَى مِنْوَالٍ وَاحِدٍ وَلِخَفَاءِ ذَلِكَ خَالَفَهُ صَاحِبُهُ الْإِمَامُ أَبُو يُوسُفَ فَقَالَ لَا بُدَّ فِي الْحَلْقِ مِنْ النِّصْفِ وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَقَ جَمِيعَ رَأْسِهِ وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِتَأْخُذُوا عَنِّي جَمِيعَ مَنَاسِكِكُمْ قَالُوا وَلِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى حَالِقًا بِدُونِ أَكْثَرِهِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: 27] وَالْمُرَادُ شَعْرُ رُءُوسِكُمْ وَالشَّعْرُ اسْمُ جِنْسٍ أَقَلُّهُ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ وَلِأَنَّهُ يُسَمَّى حَلْقًا يُقَالُ حَلَقَ رَأْسَهُ وَرُبْعَهُ وَثَلَاثَ شَعَرَاتٍ مِنْهُ فَجَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا يُسَمَّى حَلْقُ شَعْرٍ. وَأَمَّا حَلْقُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمِيعَ رَأْسِهِ فَقَدْ أَجْمَعنَا عَلَى أَنَّهُ لِلِاسْتِحْبَابِ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِيعَابُ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَا يُسَمَّى حَلْقًا بِدُونِ أَكْثَرِهِ فَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ إنَّهُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ إنْكَارٌ لِلْحِسِّ وَاللُّغَةِ وَالْعُرْفِ اهـ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِالرُّبْعِ هُنَا لَمْ يَظْهَرْ دَلِيلُهُ وَلَعَلَّهُ قِيَاسُ مَا هُنَا عَلَى مَا هُنَاكَ لِأَنَّ الْمَلْحَظَ فِي الْبَابَيْنِ مُتَّحِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُوجِبُ عَلَى مَنْ لَا شَعْرَ بِرَأْسِهِ أَنْ يُمِرَّ الْمُوسَى عَلَيْهِ وَيَحْتَجُّ بِأَنَّهُ حُكْمٌ تَعَلَّقَ بِالرَّأْسِ فَإِذَا فَقَدَ الشَّعْرَ انْتَقَلَ الْوُجُوبُ إلَى نَفْسِ الرَّأْسِ كَالْمَسْحِ فِي الْوُضُوءِ وَبِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِإِفْسَادِهَا فَوَجَبَ التَّشْبِيهُ فِي أَفْعَالِهَا كَالصَّوْمِ فِيمَا إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ فِي أَثْنَاءِ يَوْمِ الشَّكِّ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ. وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ فَرْضٌ تَعَلَّقَ بِجُزْءٍ مِنْ الْآدَمِيِّ فَسَقَطَ بِفَوَاتِ الْجُزْءِ كَالْيَدِ فِي الْوُضُوءِ فَإِنَّ غَسْلَهَا يَسْقُطُ بِقَطْعِهَا لَا يُقَالُ الْفَرْضُ هُنَاكَ مُتَعَلِّقٌ بِالْيَدِ وَقَدْ سَقَطَتْ وَهُنَا مُتَعَلِّقٌ بِالرَّأْسِ وَهُوَ بَاقٍ لِأَنَّا نَقُولُ بَلْ الْفَرْضُ هُنَا مُتَعَلِّقٌ بِالشَّعْرِ فَقَطْ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ عَلَى بَعْضِ رَأْسِهِ شَعْرٌ دُونَ بَعْضِ لَزِمَهُ الْحَلْقُ فِي الشَّعْرِ وَلَا يَكْفِيه الِاقْتِصَارُ عَلَى إمْرَارِ الْمُوسَى عَلَى مَا لَا شَعْرَ عَلَيْهِ وَلَوْ تَعَلَّقَ الْفَرْضُ بِهِ لَأَجْزَأَ وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِ مَا هُنَا عَلَى الْمَسْحِ فِي الْوُضُوءِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْفَرْضَ هُنَاكَ تَعَلَّقَ بِالرَّأْسِ قَالَ تَعَالَى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] وَهُنَا تَعَلَّقَ بِالشَّعْرِ بِدَلِيلِ مَا مَرَّ مِنْ الْآيَةِ الْأُخْرَى وَمَا بَعْدَهَا الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِنَا لِأَنَّا نَقُولُ إلَخْ وَالثَّانِي أَنَّهُ إذَا مَسَحَ بَشَرَةَ الرَّأْسِ يُسَمَّى مَاسِحًا فَيَلْزَمُهُ وَإِذَا أَمَرَّ الْمُوسَى لَا يَكُونُ حَالِقًا وَالْجَوَابُ عَلَى الْقِيَاسِ عَلَى الصَّوْمِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِمْسَاكِ جَمِيعِ النَّهَارِ فَبَقِيَّةُ بَعْضِ مَا تَنَاوَلَهُ وَهُنَا إنَّمَا هُوَ مَأْمُورٌ بِإِزَالَةِ الشَّعْرِ وَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْهُ وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ فَرَّقَ الشَّافِعِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ بَيْنَ الْبَابَيْنِ. وَبَيَانُهُ أَنَّ آيَةَ الْمَسْحِ إنَّمَا تَعَلَّقَتْ بِالْبَشَرَةِ أَصَالَةً لِأَنَّهَا حَقِيقَةُ الرَّأْسِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ التَّعَلُّقِ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ بِأَنَّهُ شَامِلٌ لِجَمِيعِ الْبَشَرَةِ وَيُعَضِّدُهُ الْإِجْمَاعُ مِنَّا وَمِنْهُمْ عَلَى وُجُوبِ التَّعْمِيمِ فِي التَّيَمُّمِ مَعَ اسْتِوَاءِ آيَتِهِ وَآيَةِ مَسْحِ الرَّأْسِ فِي لَفْظِ الْفِعْلِ

وَالْجَارِ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى عِمَامَتِهِ» وَهَذَانِ دَالَّانِ صَرِيحًا عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِمَسْحِ الْبَعْضِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعُذْرِ فَلَا يَجُوزُ ادِّعَاءُ احْتِمَالِهِ وَلِأَنَّ أَحَدًا مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ لَمْ يَقُلْ بِخُصُوصِ النَّاصِيَةِ الَّتِي هِيَ مَا بَيْنَ النَّزْعَتَيْنِ وَالِاكْتِفَاءُ يَمْنَعُ وُجُوبَ الِاسْتِيعَابِ الَّذِي قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَوُجُوبُ الرُّبْعِ الَّذِي قَالَ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ دُونَ رُبْعِ الرَّأْسِ بَلْ قِيلَ دُونَ نِصْفِ رُبْعِهِ وَيُعَضِّدُهُ أَنَّ الْبَاءَ الدَّاخِلَةَ فِي حَيِّزِ فِعْلٍ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ كَمَا هُنَا تَكُونُ لِلتَّبْعِيضِ أَيْ حَتَّى تُفِيدَ مَعْنًى لَا يُسْتَفَادُ مَعَ عَدَمِهَا وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْإِتْيَانُ بِهَا لَغْوًا لِأَنَّ الْفِعْلَ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا وَالْمَعْنَى الْمُسْتَفَادُ مَعَهَا مُسْتَفَادٌ مَعَ عَدَمِهَا فَلَزِمَ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنًى لَا يُوجَدُ مَعَ حَذْفِهَا. وَهُوَ مَا قُلْنَاهُ وَأَمَّا الْبَاءُ الدَّاخِلَةُ فِي حَيِّزٍ قَاصِرٍ فَإِنَّهَا تَكُونُ لِمُجَرَّدِ التَّعْدِيَةِ وَالْإِلْصَاقِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ} [الحج: 29] وَإِنَّمَا وَجَبَ التَّعْمِيمُ فِي التَّيَمُّمِ مَعَ اسْتِوَاءِ آيَتَيْهِمَا كَمَا تَقَرَّرَ لِثُبُوتِهِ بِالسُّنَّةِ وَلِجَرَيَانِهِ عَلَى حُكْمِ مُبَدِّلِهِ وَلَمْ يَجِبْ فِي الْحَلْقِ لِلْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُفْسِدْهُ وَأَمَّا آيَةُ الْحَلْقِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِالْبَشَرَةِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ إمْرَارَ الْمُوسَى عَلَيْهَا لَا يُسَمَّى حَلْقًا فَوَجَبَ إضْمَارُ شَعْرٍ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْإِضْمَارِ لَا الْمَجَازِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ النَّقْلِ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ الِاشْتِرَاكِ لَكِنَّ الْمَجَازَ وَالنَّقْلَ وَالْإِضْمَارَ أَوْلَى مِنْ الِاشْتِرَاكِ وَالْإِضْمَارِ وَالْمَجَازِ سِيَّانِ لِاحْتِيَاجِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى قَرِينَةٍ وَالْإِضْمَارُ وَالْمَجَازُ أَوْلَى مِنْ النَّقْلِ لِسَلَامَتِهِمَا مِنْ نَسْخِ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَنَعُودُ حِينَئِذٍ إلَى الْكَلَامِ عَلَى مَا فِي السُّؤَالِ وَإِنْ كَانَ قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ الْجَوَابُ عَمَّا فِيهِ فَنَقُولُ أَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ وَالْحَالُ إلَخْ فَمَمْنُوعٌ بِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا قِيَاسَ عِنْدَنَا. وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ بِخِلَافِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَتَوَجَّهُ أَبَدًا وَإِنْ سَلِمَتْ صِحَّتُهُ فَالْإِشْكَالُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ لَا عَلَى غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا مَانِعَ هُنَا مِنْ إرَادَةِ حَلْقِ الْكُلِّ إلَخْ مَمْنُوعٌ أَيْضًا لِمَا مَرَّ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّعْمِيمُ هُنَا وَقَوْلُهُ وَحَقِيقَتُهُ إزَالَةُ شَعْرِ كُلِّ الرَّأْسِ إلَخْ قَدْ مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ بَاطِلٌ وَأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلُّغَةِ وَالْعُرْفِ وَقَوْلُهُ وَلَقَدْ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ لَيْسَ هَذَا الْإِشْكَالُ بِصَحِيحٍ كَمَا تَقَرَّرَ حَتَّى يَحْتَاجَ لِلْجَوَابِ عَنْهُ وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَالْقَرِينَةُ الْمَذْكُورَةُ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ التَّعْمِيمِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْقَرِينَةَ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْإِجْمَاعِ قَابِلَةٌ لِلْمَنْعِ بِأَنْ يُقَالَ لَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ الْحَلْقَ يُجْزِئُهُ حَلْقُ الْبَعْضِ وَلَا يُقَاسُ عَلَى التَّقْصِيرِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا الْقَرِينَةُ الصَّحِيحَةُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ هُنَاكَ شَعْرًا مُضْمَرًا وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ أَقَلُّهُ ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ. وَقَوْلُهُ إذْ قَدْ يَكُونُ الرُّبْعُ قَائِمًا مَقَامَ الْكُلِّ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ إنْ أَرَدْتُمْ أَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْكُلِّ عِنْدَ الْمُخَالِفِ أَيْضًا فَغَيْرُ صَحِيحٍ أَوْ عِنْدَكُمْ فَإِنْ كَانَ لِشَيْءٍ اسْتَحْسَنْتُمُوهُ كَمَا هُنَا فَالْقِيَاسُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنَّهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ غَيْرَ الِاسْتِحْسَانِ فَبَيِّنُوهُ حَتَّى نَتَكَلَّمَ فِيهِ وَقَوْلُهُ الِاحْتِيَاطُ اقْتَضَى الرُّبْعَ مَمْنُوعٌ بَلْ إنْ أُرِيدَ الِاسْتِنَادُ لِمُجَرَّدِ الِاحْتِيَاطِ فَهُوَ مَعَ أَحْمَدَ الْقَائِلِ بِوُجُوبِ حَلْقِ الْأَكْثَرِ أَوْ مَعَ أَبِي يُوسُفَ الْقَائِلِ بِوُجُوبِ حَلْقِ النِّصْفِ وَأَمَّا الرُّبْعُ فَلَا احْتِيَاطَ فِيهِ يَصْلُحُ مُرَجِّحًا لَهُ عَلَى النِّصْفِ وَالْأَكْثَرِ وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا أَرَادُوا فِي بَابِ الْمَسْحِ الرَّابِعِ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ لَا احْتِيَاطَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا وَإِنَّمَا الِاحْتِيَاطُ مَعَ الْقَائِلِ بِمَسْحِ الْكُلِّ فَنَتَجَ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ لَا يَصْلُحُ سَبَبًا لِتَخْصِيصِ الرُّبْعِ بِالِاعْتِبَارِ فِي وَاحِدٍ مِنْ الْبَابَيْنِ وَإِذَا لَمْ يَصْلُح سَبَبًا لِذَلِكَ فَأُولَى أَنْ لَا يَصْلُحَ سَبَبًا لِاعْتِبَارِ ثَلَاثِ أَصَابِعِ الْمَذْكُورِ بِقَوْلِ السَّائِلِ أَوْ أَرَادُوا إلَخْ الْمَعْطُوفَ عَلَى أَرَادُوا الْأَوَّلَ الْمُعَلَّلَ بِالِاحْتِيَاطِ فِي قَوْلِهِ وَلِهَذَا عَلَى أَنَّهُ يُقَالُ عَلَيْهِ إنْ نَظَرَ لِلْمَحِلِّ اُعْتُبِرَ الرُّبْعُ أَوْ إلَى الْآلَةِ اُعْتُبِرَ ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ وَكُلُّ مُحْتَمَلٍ فَمَا الْمُرَجِّحُ الرَّاجِحُ مِنْ اعْتِبَارِ الرُّبْعِ غَيْرَ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ فِيهِ أَكْثَرِ أَوْ أَنَّهُ اُعْتُبِرَ اسْتِحْسَانًا فِي أَحْكَامٍ أُخْرَى عِنْدَكُمْ. وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ لَا يَكُونُ مُرَجَّحًا لِمَا تَقَرَّرَ قَرِيبًا عَلَى أَنَّ فِي تَشْبِيهِ الْمَحَلَّ بِالْآلَةِ حَتَّى تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ مِنْ اعْتِبَارِ الِاعْتِبَارِ الْأَغْلَبِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُخَصَّصٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْأُصُولِيِّينَ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ السَّائِلِ أَنَّ نَظِيرَ هَذِهِ

الْمَقَالَةِ فِي الْمَسْحِ يَأْتِي فِي الْحَلْقِ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَهُوَ إنْ صَحَّ مَنْقُولًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ غَيْرُ جَلِيِّ الْمَعْنَى لِمَا هُوَ وَاضِحٌ أَنَّ عِلَّةَ مَسْحِ مِقْدَارِ ثَلَاثِ أَصَابِعَ لَا يَأْتِي فِي حَلْقِ مِقْدَارِهَا وَقَوْلُهُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ قِيَاسًا إلَخْ وَقَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى عَلَى هَذَا إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ قَدْ بَانَ أَنَّهُ خَفِيٌّ غَيْرُ صَحِيحٍ وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا لَمْ يُثْبِتُوا عَلَيْهِ الْجِنَايَةَ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ فِي إزَالَةِ دُونَ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ فَغَيْرُ صَحِيحٍ أَوْ لَا كَفَّارَةَ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ فِي الْوَاحِدَةِ كَفَّارَةٌ عِنْدَهُمْ وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ كَفَّارَةُ الثَّلَاثِ وَمَا دُونَهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ لِمَعْنًى مُنَاسِبٍ لِمَا فِي الْحَلْقِ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ إزَالَةَ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ لَا يَحْصُلُ بِهِ التَّحَلُّلُ. وَاتَّفَقُوا أَيْضًا أَنَّ إزَالَةَ مَا دُونَهَا فِيهِ الْكَفَّارَةُ فَالْمَلْحَظُ فِي الْمَحَلَّيْنِ مُخْتَلِفٌ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ صَرِيحُ كَلَامِ السَّائِلِ وَقَوْلُهُ وَوَجْهُ إرَادَةِ هَذَا الْمَعْنَى إلَخْ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مَعَ مَا قَدَّمْته فِي تَوْجِيهِ اكْتِفَاءِ الشَّافِعِيَّةِ بِثَلَاثِ شَعَرَاتٍ بَلْ هَذَا التَّوْجِيهُ لَا يَرْضَاهُ الشَّافِعِيَّةُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَسُّفِ الْخَارِجِ عَنْ قَوَانِينِ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَقَوْلُهُ فَالْحَاصِلُ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا الْحَاصِلُ مَبْنِيٌّ عَلَى غَيْرِ أَسَاسٍ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ هَدْمِ جَمِيعِ مَا قَبْلَهُ الْمَبْنِيِّ هُوَ عَلَيْهِ ثُمَّ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَجَازَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا وَأَنَّ الثَّانِيَ أَكْثَرُ يُقَالُ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ أَوْلَى هُنَا مِنْ الْأَوَّلِ إلَّا لَوْ كَانَ التَّجَوُّزُ فِيهِ خَاصًّا بِالرُّبْعِ أَوْ بِالثَّلَاثِ أَصَابِعَ وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ مِنْ حَيْثُ التَّجَوُّزِ أَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ مُخْتَصٍّ بِذَلِكَ فَلَا يَكُونُ أَوْلَى مِنْ الْأَوَّلِ بَلْ الْأَوَّلُ أَوْلَى مِنْهُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ إضْمَارِ شَعْرٍ أَوْ التَّجَوُّزِ عَنْهُ بِالرَّأْسِ الِاكْتِفَاءُ بِثَلَاثِ شَعَرَاتٍ لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ لَا يَصْدُقُ عَلَى أَقَلَّ مِنْهَا اتِّفَاقًا وَإِنْ صَدَقَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهَا فَهِيَ مُتَيَقَّنَةٌ وَغَيْرُهَا مَشْكُوكٌ فِيهِ. وَأَمَّا الْمَجَازُ الثَّانِي فَيَصْدُقُ عَلَى الرُّبْعِ وَأَقَلَّ مِنْهُ وَأَكْثَرَ مِنْهُ اتِّفَاقًا فَلَا وَجْهَ لِلتَّخْصِيصِ بِالرُّبْعِ مِنْ حَيْثُ هَذَا الْمَجَازِ فَلَا أَوْلَوِيَّةَ فِيهِ عَلَى الْأَوَّلِ بَلْ الْأَوَّلُ أَوْلَى مِنْهُ هُنَا لِمَا تَقَرَّرَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ اهـ. مَا أَجَابَ بِهِ شَيْخُنَا فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ وَأَدَامَ النَّفْعَ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ ثُمَّ رَأَيْت السَّائِلَ لَمَّا اطَّلَعَ عَلَى الْجَوَابِ كَتَبَ وَرَقَةً أُخْرَى صُورَةُ مَا فِيهَا أَمَّا قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ شَعْر رُءُوسِكُمْ وَجَعَلَهُ مِنْ بَابِ الْإِضْمَارِ أَوْ الْحَذْفِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ الْإِضْمَارُ أَوْ الْحَذْفُ لَا يَكُونُ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِإِسْنَادِ الْفِعْلِ أَوْ شِبْهِهِ إلَى ذَلِكَ الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ مَعْنًى مُحَصَّلٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] قَالَ أَحْمَدُ بْنُ فَارِسٍ إذَا أَسْنَدْت لَمْ يَكُنْ لَهُ فَائِدَةٌ فَهَهُنَا إضْمَارٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ} [العنكبوت: 9] أَيْ فِي زُمْرَةِ الصَّالِحِينَ. وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لِأَنَّهُ إذَا قِيلَ حَلَقْت رَأْسِي يَصِحُّ وَيُفِيدُ مِنْ غَيْرِ التَّقْدِيرِ بَلْ التَّقْدِيرُ فِيهِ قَبِيحٌ لِأَنَّ مَعْنَى الْحَلْقِ إزَالَةُ الشَّعْرِ لَا الْإِزَالَةُ الْمُطْلَقَةُ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ حَلَقْت الدَّنَسَ مِنْ بَدَنِي فَلَا يُقَالُ فِي صَحِيحِ الْكَلَامِ حَلَقْت شَعْرَ رَأْسِيِّ وَلِهَذَا لَمْ يَقَعْ فِي كَلَامِ الْفُصَحَاءِ وَلَوْ وَقَعَ لَكَانَ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ التَّجْرِيدِ فَإِذَا تَعَلَّقَ هَذَا الْفِعْلُ الْمُتَعَدِّي بِنَفْسِهِ إلَى مَحِلِّهِ لَا بُدَّ مِنْ تَعَلُّقِهِ بِجَمِيعِ الْمَحِلِّ كَمَا قَالُوا فِي آيَةِ الْمَسْحِ لَوْ لَمْ تَكُنِ الْبَاءُ مَوْجُودَةٌ لَكَانَ الْوَاجِبُ مَسْحَ الْكُلِّ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُتَعَدٍّ تَعَلَّقَ بِمَحَلِّهِ عَلَى أَنَّ التَّقْدِيرَ هُنَا يُنَافِي مَا أَوْجَبُوهُ لِأَنَّ الشَّعْرَ اسْمُ جِنْسٍ كَمَا قَالَ بِهِ الْقَائِلُ فَهُوَ يُطْلَقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ حَتَّى عَلَى نِصْفِ شَعْرَةٍ أَوْ أَقَلَّ كَمَا أَنَّ الْمَاءَ يُطْلَقُ عَلَى قَطْرَةٍ أَوْ قَطْرَتَيْنِ. وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ جَمْعٌ فَلَمْ يَذْهَبْ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَأَيْضًا الْعُرْفُ يُنَافِيهِ فَإِنَّ إطْلَاقَ الشَّعْرِ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ سَوَاءٌ فَالْوَاجِبُ حِينَئِذٍ حَلْق شَعْرَةٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا أَخْذًا بِالْأَقَلِّ الْمُتَيَقَّنِ فَلَا يَثْبُتُ فِي وُجُوبِ حَلْقِ الثَّلَاثِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ يُسَمَّى حَلْقًا يُقَالُ حَلَقَ رَأْسَهُ وَرُبُعَهُ وَثَلَاثَ شَعَرَاتٍ هَذَا الْكَلَامُ لَا يَنْفَعُهُ إذْ الْخَصْمُ يَقُولُ لَا يُقَالُ بِحَلْقِ الرُّبْعِ وَحَلْقِ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ مِنْهُ وَالْحَقُّ أَنَّ اسْتِعْمَالَ حَلْقِ الرَّأْسِ فِي حَلْقِ الرُّبْعِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ وَلَيْسَ النِّزَاعُ فِي أَنَّ إسْنَادَ حَلْقٍ لَا يَجُوزُ إلَى الرُّبْعِ وَثَلَاثِ شَعَرَاتٍ مِنْهُ كَانَتْ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ بِمَنْزِلَةِ بَدَلِ الْبَعْضِ مَجَازًا لَا حَقِيقَةً أَلَا تَرَى أَنَّك إذَا قُلْت حَلَقَ رَأْسَهُ حَلَقَ رُبْعَهُ أَوْ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ مِنْهُ كَانَتْ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ بِمَنْزِلَةِ الْبَعْضِ مِنْ قَبِيلِ قَوْله تَعَالَى {أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ} [الشعراء: 133] الْآيَةَ. وَلَوْ كَانَ فِي الثَّانِي

وَالثَّالِثِ حَقِيقَةً لَكَانَتْ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ بِمَنْزِلَةِ بَدَلِ الْكُلِّ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ وَأَيْضًا صِحَّةُ قَوْلِهِ يُقَالُ حَلَقَ رَأْسَهُ وَرُبْعَهُ وَثَلَاثَ شَعَرَاتٍ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْإِضْمَارِ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ التَّقْدِيرُ حَلَقْت شَعْرَ رَأْسِهِ وَشَعْرَ رُبْعِهِ وَشَعْرَ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ مِنْهُ وَفَسَادُهُ ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَا يُسَمَّى حَلْقًا بِدُونِ أَكْثَرِهِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ إنْكَارٌ لِلْحِسِّ وَاللُّغَةِ وَالْعُرْفُ لَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي بَلْ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ فَإِنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ لَا يُسَمَّى حَلْقًا أَيْ حَلْقَ الرَّأْسِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى حَلْقًا أَصْلًا كَمَا عَرَفْت. وَأَمَّا قَوْلُهُ فَالْوَاجِبُ فِي الْحَلْقِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ يَأْبَى عَنْهُ كَتَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَفُقَهَاؤُهَا وَاَلَّذِي هُوَ مَشْهُورٌ وَمَعْمُولٌ بِهِ عِنْدَهُمْ حَلْقُ الْكُلِّ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَلَا يَتِمُّ نُسُكُ الْحَلْق إلَّا بِجَمِيعِ الرَّأْسِ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ اُقْتُصِرَ عَلَى الْبَعْضِ فَكَالْعَدِمِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَإِذَا قَصَّرَ الرَّجُلُ فَلْيَأْخُذْ مِنْ جَمِيعِ شَعْرِ رَأْسِهِ وَكَذَا فِي حَقِّ الصَّبِيَّانِ وَلَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ إلَّا التَّقْصِيرُ وَلْتَأْخُذْ مِنْ جَمِيعِ قُرُونِهَا وَلَا يَجْزِيهِمَا أَنْ يُقَصِّرَا بَعْضًا وَيُبْقِيَا بَعْضًا وَكَذَا عِنْدَ أَحْمَدَ فَإِنَّ الصَّحِيحَ الْمَعْمُولَ بِهِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ حَلْقُ الْكُلِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي بَعْضِ كُتُبِهِمْ الْمُعْتَبَرَةِ فَمِنْ أَيْنَ يَتَأَتَّى الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ كَوْنِ حَلْقِ الْكُلِّ مُرَادًا مِنْ الْآيَةِ عَلَى أَنَّا لَوْ فَرَضْنَا اتِّفَاقَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ لَا يَحْصُلُ الْإِجْمَاعُ أَيْضًا وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ كَوْنِهِ إجْمَاعًا عَدِمَ احْتِيَاجَ تَبْيِينِ الْقَرِينَةِ فِي إرَادَتِهِمْ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ الْآيَةِ مَعَ كَوْنِهِ خِلَافَ ظَاهِرِهَا مَمْنُوعٌ إذْ عَلَى الْفَقِيهِ بَحْثُ مَعْرِفَةِ مَأْخَذِ مَسَائِلِهِمْ وَطُرُقِ اسْتِنْبَاطِهِمْ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَإِلَّا يَكُنْ مَحْضَ التَّقْلِيدِ وَلَا يُسَمَّى فَقِيهًا. وَأَمَّا قَوْلُهُ بِأَنْ يُقَاسَ لَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ حَلْقَ الْكُلِّ يُجَزِّئهُ حَلْقُ الْبَعْضِ وَلَا يُقَاسُ عَلَى التَّقْصِيرِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ مِمَّا لَا يَحْصُلُ لَهُ لِأَنَّ النُّسُكَ وَاحِدٌ وَالْمَحَلَّ وَاحِدٌ وَلَا مَعْنَى بِأَنْ يَقُولُ حَلْقُ الْكُلِّ وَاجِبٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَعْضِ وَحَلْقُ الْبَعْضِ وَاجِبٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضٍ آخَرَ وَالتَّقْصِيرُ وَاجِبٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى بَعْضٍ آخَرَ بَلْ الْوَاجِبُ فِي هَذَا الْمَقَامِ هُوَ الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ كُلًّا أَوْ بَعْضًا عَلَى اخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَوَّلًا أَنْ يَحْلِقَ الْكُلَّ ثُمَّ اكْتَفَى بِالْبَعْضِ يَجُوزُ عِنْدَ مَنْ ذَهَبَ إلَى وُجُوبِ الْبَعْضِ وَكَذَا إذَا أَرَادَ أَوَّلًا الْحَلْقَ ثُمَّ قَصَّرَ يُجَزِّئهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمَسْحِ فَمَمْنُوعٌ فَفِيهِ أَنَّ الْمَنْعَ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَى النَّاقِلِ وَهُوَ نَاقِلٌ مِنْ كَلَامِهِمْ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ تَصْحِيحُ النَّقْلِ وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ تَوَجُّهِ الْمَنْعِ هَذَا الْمَنْعُ لَا يَضُرُّ إذْ الْإِشْكَالُ بَاقٍ لِأَنَّ نَظِيرَهُ عَلَى أَنَّ إرَادَةَ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ خِلَافُ الظَّاهِرِ سَوَاءٌ أَكَانَ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَاتُ بَعْضِهِمْ أَوْ بِطَرِيقٍ آخَرَ فَإِنْ كَانَ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ فَالْقِيَاسُ لَا يَصِحُّ كَمَا ذَكَرَهُ وَإِنْ كَانَ بِطَرِيقٍ آخَرَ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ لِعَدَمِ ظُهُورِهِ. وَأَمَّا الْكَلَامُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمَسْحِ فَهُوَ مُبَيَّنٌ فِي مَحَلِّهِ فِي كُتُبِ كُلٌّ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَلَا يَحْتَمِلهُ الْمَقَامُ وَأَمَّا تَجْوِيزُ النَّقْلِ وَالِاشْتِرَاكُ فِي الْآيَةِ فَلَا مَعْنَى لَهُ أَمَّا الِاشْتِرَاكُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا النَّقْلُ فَلِأَنَّ النَّقْلَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَلْقٍ أَوْ الرَّأْسِ وَالْأَوَّلُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ لَا يَكُونُ إلَّا اسْمًا وَحَلَقَ هُنَا لَمْ يُنْقَلْ مِنْ الْفِعْلِيَّةِ إلَى الِاسْمِيَّةِ وَكَذَا الثَّانِي لَا يَصِحُّ لِأَنَّ النَّقْلَ وَضْعٌ ثَانٍ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الرَّأْسَ مَوْضُوعٌ لِثَلَاثِ شَعَرَاتٍ مِنْهُ مِمَّا لَا قَائِلَ بِهِ هَذَا حَالُ أُصُولِ مُقَدِّمَاتِهِ وَفُرُوعُهَا عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فَالْحَقُّ وَالْإِنْصَافُ أَنَّ سُؤَالَ السَّائِلِ مُوَجَّهٌ لَا مُخَلِّصَ مِنْهُ لِهَذِهِ الْمُقَدَّمَاتِ وَلَيْسَ الْمُخَلِّصُ مِنْهُ إلَّا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُجِيبُ وَأَمَّا وَجْهُ إرَادَةِ الْحَنَفِيَّةِ الرُّبْعَ فَلِأَنَّ الْمَلْحَظَ فِي الْبَابَيْنِ عِنْدَهُمْ مُتَّحِدٌ كَمَالِكٍ. وَبَيَانُهُ أَنَّهُ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ تَعَلَّقَ الْفِعْلُ الْمُتَعَدِّي بِنَفْسِهِ بِمَحَلِّهِ وَالْمَحَلُّ وَاحِدٌ وَهُوَ الرَّأْسُ وَلِهَذَا يُوجِبَانِ إمْرَارَ الْمُوسَى عَلَى الرَّأْسِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّعْرِ كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ عِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَوَّلِ الْكُلُّ كَذَلِكَ الْمُرَادُ مِنْ الثَّانِي وَكَمَا أَنَّ الْمُرَاد عِنْد أَبِي حَنِيفَة - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَوَّل الرُّبْع كَذَلِكَ فِي الثَّانِي وَكَذَا عِنْد أَحْمَدَ فَإِنَّهُ صَرَّحَ فِي بَعْضِ كُتُبِهِمْ أَنَّهُ يَجِب حَلْقُ الْكُلِّ وَهُوَ صَحِيحٌ وَالْأَكْثَر لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْكُلِّ كَمَا فِي الْمَسْحِ فَإِنَّ عِنْدَهُ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا الصَّحِيحُ مَسْحُ الْكُلِّ وَرُوِيَ عَنْهُ

الِاكْتِفَاءُ بِالْأَكْثَرِ وَوَجْهُ إرَادَةِ الرُّبْعِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا ذَكَرُوا أَنَّهُ لَمَّا صَارَتْ الْبَاءُ فِي صِلَةِ الْمَسْحِ مَانِعَةٌ عَنْ إرَادَةِ الْكُلِّ بِالْأَكْثَرِ كَمَا بُيِّنَ فِي مَحَلِّهِ صَارَتْ الْآيَةُ مُجْمَلَةً فَجَعَلُوهَا مُبَيَّنَةً بِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ وَهُوَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِهِ» وَعَلَى إمَّا لِتَأْكِيدِ الِاسْتِيعَابِ أَوْ زَائِدَةٌ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ نَاصِيَتَهُ» عَلَى مَا فِي جَامِعِ الْأُصُولِ وَفِعْلُ الْمَسْحِ إذَا تَعَلَّقَ بِالْمَحَلِّ يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ كَمَا بُيِّنَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ ثُمَّ قَدْ بُيِّنَ فِي عِلْمِ الْحِكْمَةِ أَنَّ الرَّأْسَ مُرَكَّب مِنْ أَرْبَعَةِ أَجْزَاءٍ النَّاصِيَةِ وَالْفَوْدَيْنِ وَالْعَقِبِ فَالنَّاصِيَةُ وَإِنْ اُحْتُمِلَ أَنْ تَكُونَ هِيَ صُغْرَى بِالنِّسْبَةِ إلَى سَائِرِ أَجْزَائِهِ لَكِنْ قَدَّرُوهَا تَخْمِينًا بِالرُّبْعِ لِلِاحْتِيَاطِ خَوْفَ التَّنْقِيصِ مِنْ الْأَصْلِ وَمِثْلُ هَذَا الِاعْتِبَارِ تَخْمِينًا أَوْ تَقْرِيبًا شَائِعٌ فِي الْمَسَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ وَأَمَّا مَعْنَى قَوْلِ الْمُجِيبِ لَمْ يُثْبِتُوا عَلَيْهِ الْجِنَايَةَ فَمُرَادُهُ مِنْ الْجِنَايَةِ الدَّمُ وَهُوَ الْعُرْفُ فِي الْمَنَاسِكِ وَدُونَ الدَّمِ يُسَمُّونَهُ صَدَقَةً وَإِيرَادُهَا فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ لِطَلَبِ الِاخْتِصَارِ وَالْعِلْمِ عِنْدَ اللَّهِ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْهِدَايَةَ وَالتَّوْفِيقَ فَلَمَّا رُفِعَتْ الْوَرَقَةُ الْمَكْتُوبُ فِيهَا ذَلِكَ لِشَيْخِنَا فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ كَتَبَ عَلَيْهَا جَوَابًا صُورَتُهُ اعْلَمْ أَنَّ مُنْشَأَ هَذِهِ الرُّدُودِ وَالْإِشْكَالَاتِ عَدَمُ صِدْقِ التَّأَمُّلِ مَعَ الِاتِّكَالِ عَلَى مَا يَسْبِقُ إلَى الْفَهْمِ مِنْ غَيْرِ مُرَاجَعَةِ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ كَمَا سَتَعْلَمُهُ مِمَّا سَامَرَهُ. وَبَيَانُ ذَلِكَ مَعَ بَعْضِ الْبَسْطِ فِيهِ لِمَا أَنَّ الْمَقَامَ مُحْوِجٌ إلَى ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ الْإِضْمَارَ وَالْحَذْفُ لَا يَكُونُ إلَخْ مِمَّا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ فَإِنَّ نُصُوصَ الْأَئِمَّةِ قَاضِيَةٌ بِرَدِّهِ سِيَّمَا نَصُّ إمَامِهِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّهُ آثَرَ الْإِضْمَارَ عَلَى النَّقْلِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] فَقَالَ أَيْ أَخْذَهُ وَهُوَ الزِّيَادَةُ فِي بَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ مَثَلًا فَإِذَا أُسْقِطَ صَحَّ الْبَيْعُ وَارْتَفَعَ الْإِثْمُ وَعَكَسَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرُهُ ذَلِكَ فَآثَرُوا النَّقْلَ عَلَى الْإِضْمَارِ فَقَالُوا نَقْلُ الرِّبَا شَرْعًا إلَى الْعَقْدِ فَهُوَ فَاسِدٌ وَإِنْ أُسْقِطَتْ الزِّيَادَةُ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ مَثَلًا وَالْإِثْمُ فِيهَا بَاقٍ فَانْظُرْ كَوْنَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَضْمَرَ مَعَ صِحَّةِ الْمَعْنَى بَلْ ظُهُورِهِ مَعَ عَدَمِ الْإِضْمَارِ وَأَوْضَحُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ أَيْضًا فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] أَنَّ فِيهِ إضْمَارًا أَيْ طَعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَهُوَ سِتُّونَ مُدًّا فَيَجُوز إعْطَاؤُهُ الْمِسْكِينَ الْوَاحِدَ سِتِّينَ مُدًّا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ الْآيَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا فَلَا يَجُوزُ إعْطَاؤُهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتِّينَ مِسْكِينًا لِأَنَّ الْآيَةَ ظَاهِرَةٌ فِيهِ وَمِنْ ثَمَّ اُعْتُرِضَ الْقَوْلُ بِالْإِضْمَارِ بِأَنَّهُ اُعْتُبِرَ فِيهِ مَا لَمْ يُذْكَرْ مِنْ الْمُضَافِ الْمُضْمَرِ وَأُلْغِيَ فِيهِ مَا ذُكِرَ مِنْ عَدَدِ الْمَسَاكِينِ الظَّاهِرَةِ قَصَدَهُ بِفَضْلِ الْجَمَاعَةِ وَبَرَكَتِهِمْ أَيْضًا فَقَدْ اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] فَقَدَّرَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مُضْمَرًا أَيْ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ لِأَنَّ بِهَا يَحْصُلُ الِانْكِفَافُ عَنْ الْقَتْلِ فَيَكُونُ الْخِطَابُ عَامًّا وَلَمْ يُقَدِّرْ ذَلِكَ آخَرُونَ فَقَالُوا فِي الْقِصَاصِ نَفْسِهِ حَيَاةٌ لِوَرَثَةِ الْقَتِيلِ الْمُقْتَصِّينَ بِدَفْعِ شَرِّ الْقَاتِلِ الَّذِي صَارَ عَدُوًّا لَهُمْ فَيَكُونَ مُخْتَصًّا بِهِمْ فَتَأَمَّلْ صَنِيعَ الْأَئِمَّةِ وَتَصَرُّفَهُمْ فِي النُّصُوصِ بِالْإِضْمَارِ تَارَةً وَعَدَمِهِ أُخْرَى مَعَ صِحَّةِ الْمَعْنَى بَلْ ظُهُورُهُ مَعَ عَدَمِ الْإِضْمَارِ فَازْدَدْ بِذَلِكَ تَعَجُّبًا مِمَّا ذَكَرَهُ هَذَا الْقَائِلُ وَمِنْ فِرَارِهِ عَنْ نُصُوصِ الْأَئِمَّةِ هَذِهِ وَأَمْثَالِهَا إلَى النَّقْلِ عَمَّنْ لَا يُجْدِيهِ النَّقْلُ عَنْهُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ إذْ أَهْلُهُ الْمُجْتَهِدُونَ وَمَنْ دَانَاهُمْ. فَإِنْ قُلْت إنَّمَا سَلَكَ الْإِضْمَارَ مَنْ ذَكَرَ لِأَنَّهُ لَمَّا قَامَ الدَّلِيلُ عِنْدَهُ عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي ظَهَرَ لَهُ وَلَمْ يَصِحَّ اللَّفْظُ لِمُقْتَضَى مَا ظَهَرَ لَهُ إلَّا بِالْإِضْمَارِ كَانَ الْإِضْمَارُ مُتَعَيِّنًا وَلَمْ يَصِحَّ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ بِدُونِهِ فَهُوَ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُسْتَشْكِلُ فَلَا يَرِدُ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ الْمَذْكُورُ عَلَيْهِ نَقْضًا قُلْت بَلْ هُوَ وَارِدٌ عَلَيْهِ نَقْضًا وَرَدًّا لِأَنَّ الْحَامِلَ عَلَى الْإِضْمَارِ إذَا كَانَ بِاعْتِبَارِ مَا ظَهَرَ مِنْ الدَّلِيلِ الْمُتَوَقِّفِ هُوَ عَلَيْهِ كَانَ مَا سَلَكْنَاهُ فِي الْآيَةِ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الدَّلِيلَ قَامَ عِنْدَنَا عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ فَأَضْمَرْنَا مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا فِي الْآيَةِ وَلَا يُقَالُ مَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يَكْفِي لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا السُّؤَالُ لَا يَتَوَجَّهُ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْحَامِلَ عَلَى الْإِضْمَارِ يُفَوَّضُ إلَى رَأْي الْمُجْتَهِدِ سَوَاءٌ أَظَهَرَ دَلِيلُهُ أَمْ لَا كَمَا مَرَّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -

فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي أَضْمَرْنَا فِيهَا لَيْسَتْ مِمَّا يَصِحُّ الْمَعْنَى فِيهِ مَعَ عَدَمِ الْإِضْمَارِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ أَحَاطَ بِكَلَامِ اللُّغَوِيِّينَ الْمُصَرِّحِ بِأَنَّ الْحَلْقَ إذَا أُطْلِقَ لُغَةً يَكُونُ لِمُطْلَقِ الْإِزَالَةِ خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ الْمُسْتَشْكِلُ وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ حَلَقْتُ الدَّنَسَ عَنْ ثَوْبِي يُقَالُ عَلَيْهِ إنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عُرْفًا فَمُسَلَّمٌ وَلَا يُجْدِيهِ هُنَا أَوْ لُغَةٌ فَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَالنُّصُوصُ إنَّمَا تُحْمَلُ عَلَى عُرْفِ الشَّارِعِ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَى اللُّغَةِ فَإِنْ تَعَذَّرَتْ فَعَلَى الْعُرْفِ الْعَامِّ فَالْخَاصِّ كَمَا فِي الْأَيْمَانِ وَالْإِحْيَاءِ، وَالْحِرْزُ فِي السَّرِقَةِ وَالْقَبْضُ فِي الْمَبِيعِ مِمَّا لَمْ يَرِدْ فِيهِ ضَابِطٌ لُغَةً وَلَا شَرْعًا وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْحَلْقُ لَا يَصِحُّ تَسَلُّطُهُ عَلَى الرَّأْسِ الْمُرَادِ بِهِ الْبَشَرَةُ فَوَجَبَ تَقْدِيرُ مَا يُتِمُّ الْمَعْنَى الْمُرَادُ بِهِ وَهُوَ شَعْرٌ وَحِينَئِذٍ انْدَفَعَ قَوْلُهُ إنْ حَلَقْت رَأْسِي يُفِيدُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ وَقَوْلُهُ بَلْ التَّقْدِيرُ فِيهِ قَبِيحٌ وَمِنْ أَيْنَ لَهُ هَذَا الِاسْتِقْبَاحُ مَعَ تَعْلِيلِهِ لَهُ بِمَا لَمْ يَنْقُلْهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ بَلْ هُوَ مَحْضُ ادِّعَاءٍ سِيَّمَا مَعَ مَنْ يُنَازِعُهُ فِيهِ وَيَقُولُ لَهُ مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا مَعَ قَوْلِ الْأَئِمَّةِ إنْ حَلَقَ هُنَا لَا يَصِحُّ تَسَلُّطُهُ عَلَى مَفْعُولِهِ أَيْ الَّذِي هُوَ الرَّأْسُ الْمُرَادُ بِهِ الْبَشَرَةُ إلَّا بِإِضْمَارٍ فَهَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ مَذْهَبِهِ مَا زَعَمَهُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ مَعْنَى الْحَلْقِ إلَى قَوْلِهِ بِاعْتِبَارِ التَّحْدِيدِ. إمَّا يَدْفَعُ قَوْلَهُ لَمْ يَقَعْ فِي كَلَامِ الْفُصَحَاءِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الصِّحَاحِ الْمُبَيِّنِ لِلْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ وَقَوْلُهُ وَلَوْ وَقَعَ لَكَانَ مَجَازًا يَرُدُّهُ أَنَّهُ وَقَعَ كَمَا تَقَرَّرَ وَأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ لَا يُقَالُ أَيْضًا وَقَعَ حَلْقُ رَأْسِهِ فَمَا الرَّاجِحُ لِأَنَّا نَقُولُ حَلَقَ شَعْرَهُ لَا نِزَاعَ فِي صِحَّتِهِ وَلَا فِي احْتِيَاجِهِ لِتَقْدِيرٍ بِخِلَافِ حَلْق رَأْسِهِ فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّقْدِيرِ وَقَوْلُهُ كَمَا قَالُوهُ فِي آيَةِ الْمَسْحِ إلَخْ قَدْ تَقَرَّرَ غَيْرَ مَرَّةٍ بُطْلَانُ قِيَاسِ مَا هُنَا عَلَى الْمَسْحِ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْمَسْحِ ثُمَّ بِالرَّأْسِ صَحِيحٌ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ إجْمَاعًا سَوَاءٌ أُرِيدَ بِهِ الْبَشَرَةَ أَوْ الشَّعْرَ فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ الْمُسْتَشْكِلُ وَهُنَا لَا يَصِحُّ تَعَلُّقُ الْحَلْقِ بِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْبَشَرَةُ إلَّا بِتَقْدِيرٍ وَإِذَا كَانَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّقْدِيرِ فَذَلِكَ الْمُقَدَّرُ لَا يَقْتَضِي الْعُمُومَ. فَإِنْ قُلْت بَلْ يَقْتَضِيه لِأَنَّهُ مُضَافٌ فَيَعُمُّ قُلْت مِنْ أَيْنَ لَك أَنَّا إذَا أَضْمَرْنَاهُ يَكُونُ مُضَافًا بَلْ يَصِحُّ تَقْدِيرُهُ نَكِرَةً مَقْطُوعَةً عَنْ الْإِضَافَةِ أَيْ شَعْرٌ مَنْ رُءُوسِكُمْ وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَى أَنَّ التَّقْدِيرَ هُنَا يُنَافِي مَا أَوْجَبُوهُ لِأَنَّ الشَّعْرَ اسْمُ جِنْسٍ إلَخْ فَفِيهِ تَلْبِيسٌ وَتَمْوِيهٌ وَغَفْلَةٌ شَدِيدَةٌ لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ إمَّا جَمْعِيٌّ أَوْ إفْرَادِيٌّ فَالْأَوَّلُ كَشَعْرٍ وَتَمُرُّ فِي حُكْمِ الْجَمْعِ وَالثَّانِي كَمَاءٍ وَعَسَلٍ فِي حُكْمٍ الْمُفْرَدِ وَحِينَئِذٍ فَانْظُرْ إلَى مَا فِي غُضُونِ كَلَامِهِ هَذَا مِنْ الْإِيهَامِ وَالتَّمْوِيهِ سِيَّمَا قَوْلُهُ وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ جَمْعٌ إلَخْ فَإِنَّا لَمْ نَقُلْ إنَّهُ جَمْعٌ عَلَى أَنَّ اللُّغَوِيِّينَ قَائِلُونَ بِأَنَّهُ جَمْعٌ وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ مَا عَلَيْهِ النُّحَاةُ وَالصَّرْفِيُّونَ وَهُوَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ أَيْ جَمْعِيٌّ وَاسْمُ الْجِنْسِ الْجَمْعِيُّ فِي حُكْمِ الْجَمْعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ. أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِمْ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ عَدَدَ التُّرَابِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ إفْرَادِيٍّ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٍّ لِأَنَّهُ سُمِعَ تُرَابَةٌ وَقَعَ ثَلَاثٌ وَحِينَئِذٍ بَطَلَ قَوْلُهُ فَالْوَاجِبُ حِينَئِذٍ حَلْقُ شَعْرَة إلَخْ عَلَى أَنَّ لَنَا احْتِمَالًا بَعِيدًا بَلْ شَاذًّا لَا يُعَدُّ مِنْ الْمَذْهَبِ كَمَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّهُ يُجْزِئُ حَلْقُ شَعْرَةٍ تَخْرِيجًا مِنْ لُزُومِ الْفِدْيَةِ بِحَلْقِهَا لَا لِمَا ذَكَرَهُ هَذَا الْقَائِلُ لِأَنَّ مَدَارِكَ الْمُجْتَهِدِينَ تَنْبُو عَنْهُ وَغَلِطَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَيْضًا وَغَيْرُهُ ابْنُ الْقَاصِّ وَغَيْرُهُ تَخْرِيجَ الْمَسْحِ فِي الْوُضُوءِ عَلَى الْحَلْقِ هُنَا فَأَوْجَبُوا مَسْحَ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ قِيَاسًا عَلَى لُزُومِ حَلْقِهَا. وَرَدَّ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِمْ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي الْحَلْقِ الشَّعْرُ وَتَقْدِيرُ الْآيَةِ مُحَلِّقِينَ شَعْرَ رُءُوسِكُمْ وَالشَّعْرُ أَقَلُّهُ ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ فِي الْحَلْقِ بِخِلَافِ الْمَسْحِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَنُوطٍ بِالشَّعْرِ وَيَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَمِنْ ثَمَّ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى تَضْعِيفِ هَذَا التَّخْرِيجِ وَتَزْيِيفِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ هَذَا الْكَلَامُ لَا يَنْفَعُهُ إذْ الْخَصْمُ يَقُولُ إلَخْ فَجَوَابُهُ أَنَّ قَوْلَ الْخَصْمِ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي لَا يَنْفَعُهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ سَلَّمَ أَنَّهُ لَا يُقَالُ الْحَلْقُ الرُّبْعُ وَحَلَقَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّ لِأَنَّ حَلْقَ الرَّأْسِ الْمُرَادَ بِهِ الْبَشَرَةُ غَيْرُ مُرَادٍ لِاسْتِحَالَتِهِ بِدُونِ الْمُضْمَرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَيَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِهِ بُطْلَانُ إرَادَةِ الْكُلِّ الَّذِي

زَعَمَهُ هَذَا الْخَصْمُ وَبُطْلَانُ قَوْلِهِ. وَالْحَقُّ أَنَّ اسْتِعْمَالَ حَلْقِ الرَّأْسِ فِي حَلْقِ الرُّبْعِ إلَخْ إذْ لَا مَجَازَ فِي ذَلِكَ بَلْ إسْنَادُهُ إلَى الشَّعْرِ حَقِيقَةٌ وَكَذَا إلَى ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ مِنْهُ أَوْ الْأَكْثَرِ وَإِنَّمَا الَّذِي يُسْأَلُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ سَبَبُ التَّحْدِيدِ بِالثَّلَاثِ وَبِالرُّبْعِ. فَأَمَّا الثَّلَاثُ فَقَدْ وَجَّهْنَاهُ فِيمَا مَرَّ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ فَهِيَ الْمُتَيَقَّنَةُ وَمَا عَدَاهَا مَشْكُوكٌ فِيهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْإِيجَابِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَأَمَّا الرُّبْعُ فَلَمْ يُبْدِ الْمُسْتَشْكِلُ عَنْ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ مَعْنَى يُعْتَدُّ بِهِ كَمَا يَأْتِي وَقَوْلُهُ أَلَا تَرَى إلَخْ مُجَرَّدُ دَعْوَى بِلَا مُسْتَنَدٍ إلَيْهِ بَلْ كَلَامُهُمْ صَرِيحٌ فِي بُطْلَانِهَا وَمَنْ ذَا الَّذِي صَرَّحَ بِالتَّلَازُمِ بَيْنَ كَوْنِ التَّابِعِ بَدَلَ بَعْضٍ وَكَوْنِهِ مَجَازًا الْمُصَرَّحُ بِهِ كَلَامُ الْمُسْتَشْكِلِ هَذَا مِمَّا لَا قَائِلَ بِهِ فَعَلَى مَنْ ادَّعَاهُ بَيَانُهُ وَلَا تَظْفَرُ بِهِ وَمِمَّا يُبْطِلُهُ تَمْثِيلُهُمْ لِبَدَلِ الْبَعْضِ بِأَكَلْتُ الرَّغِيفَ أَكَلْت ثُلُثَهُ فَهَلْ هَذَا الثَّانِي مَجَازٌ بَلْ هُوَ حَقِيقَةٌ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ عُكِسَ لَرُبَّمَا اسْتَقَامَ كَلَامُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْفَعْهُ هُنَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ فِي الْبَدَلِ هُوَ الثَّانِي وَتَأَمَّلْ مَا فِي قَوْلِنَا الْأَصْلِيِّ مِنْ الْجَوَابِ عَلَى الْإِيرَادِ الطَّوِيلِ الْمُقَرَّرِ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْفَنِّ فَفِي الْمِثَالِ السَّابِقِ الْمَقْصُودُ بِالْحُكْمِ أَصَالَةُ الْإِسْنَادِ إلَى الثُّلُثِ فَهُوَ إلَى الرَّغِيفِ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُرَادَ بَعْضُهُ كَمَا بَيَّنَهُ ذِكْرُ الْبَدَلِ فَمَعَ هَذَا الَّذِي هُوَ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ يَخْفَى عَلَى فَاضِلٍ كَيْفَ يُتَوَهَّمُ أَنَّ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ فِي بَدَلِ الْبَعْضِ مُجَازَانِ الْأَوَّلُ حَقِيقَةٌ. ثُمَّ رَأَيْتُ الرَّضِيَّ صَرَّحَ بِذَلِكَ فَقَالَ وَالْفَائِدَةُ فِي بَدَلِ الْبَعْضِ وَالِاشْتِمَالِ الْبَيَانُ بَعْدَ الْإِجْمَالِ وَالتَّفْسِيرُ بَعْدَ الْإِبْهَامِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّأْثِيرِ فِي النَّفْسِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ تَحَقَّقَ بِالثَّانِي بَعْدَ التَّجَوُّزِ وَالْمُسَامَحَةُ فِي الْأَوَّلِ تَقُولُ أَكَلْت الرَّغِيفَ ثُلُثَهُ فَتَقْصِدُ بِالرَّغِيفِ ثُلُثَ الرَّغِيفِ ثُمَّ تُبَيِّنُ ذَلِكَ بِقَوْلِك ثُلُثَهُ اهـ الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَبِهِ يُعْلَمُ صِحَّةُ مَا قُلْنَاهُ دُونَ غَيْرِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَأَيْضًا صِحَّةُ قَوْلِهِ يُقَالُ حَلَقَ رَأْسَهُ وَرُبْعَهُ وَثَلَاثَ شَعَرَاتٍ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْإِضْمَارِ إلَخْ فَغَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى عِلَّتِهِ الَّتِي ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ إذْ لَوْ كَانَ كَذَا لَكَانَ التَّقْدِيرُ إلَخْ. وَهَذَا التَّلَازُمُ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِنَا يُقَالُ حَلَقَ رَأْسَهُ وَرُبْعَهُ وَثَلَاثَ شَعَرَاتٍ مِنْهُ أَيْ أَنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ شَائِعٌ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثِ وَإِنْ كَانَ اثْنَانِ مِنْهَا يَحْتَاجَانِ إلَى إضْمَارٍ بِخِلَافِ الثَّالِثِ وَظَنَّ الْمُسْتَشْكِلُ أَنَّ الْإِضْمَارَ فِي الثَّالِثِ أَيْضًا فَأَفْسَدَهُ بِقَوْلِهِ وَشَعْرُ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ مِنْهُ وَمَا دَرَى أَنَّ الْإِضْمَارَ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ إلَّا إذَا عَلِقَ بِالْبَشَرَةِ الَّتِي هِيَ الرَّأْسُ أَوْ بِبَعْضِ الْبَشَرَةِ. وَأَمَّا إذَا عَلِقَ بِالشَّعْرِ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى إضْمَارٍ كَمَا صَرَّحْنَا بِهِ فِيمَا سَبَقَ فَكَيْفَ مَعَ ذَلِكَ يَسُوغُ لِفَاضِلٍ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ صِحَّةَ قَوْلِنَا يُقَالُ حَلَقَ رَأْسَهُ وَرُبْعَهُ وَثَلَاثَ شَعَرَاتٍ مِنْهُ يَسْتَلْزِمُ أَنَّ التَّقْدِيرَ حَلَقَ شَعْرَ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ مِنْهُ هَذَا تَمْوِيهٌ عَظِيمٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ عَقِبَ مَا حَكَيْنَاهُ عَنْ الْمَجْمُوعِ لَيْسَ مِمَّا يَنْبَغِي بَلْ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ إلَخْ فَغَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا وَإِنْ سَلَّمَ لَهُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ لَا يُسَمَّى حَلْقًا أَيْ حَلْقَ الرَّأْسِ لِمَا أَطْبَقُوا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يَدْفَعُ الْإِيرَادَ أَيْ لِخَفَاءِ الْأَوَّلِ وَظُهُورِ الثَّانِي عَلَى أَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ هَذَا مُرَادُهُ فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا لِأَنَّ قَوْلَهُمْ لَا يُسَمَّى حَلْقًا بِدُونِ أَكْثَرِهِ مُنْدَفِعٌ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا نَفْيَ التَّسْمِيَةِ حَقِيقَةً فَهَذَا لَا يُسَمَّى حَلْقُ الرَّأْسِ بِدُونِ أَكْثَرِهِ وَلَا بِدُونِ أَقَلِّهِ فَقَوْلُهُمْ بِدُونِ أَكْثَرِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِإِيهَامِهِ أَنَّهُ يَسُمَّاهُ بِدُونِ أَقَلِّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَإِنْ أَرَادُوا نَفْيَ التَّسْمِيَةِ مَجَازًا فَبُطْلَانُهُ ظَاهِرٌ فَاتَّضَحَ أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ لَا يَدْفَعُ كَلَامَ النَّوَوِيِّ وَأَنَّ هَذَا الْمُسْتَشْكِلَ لَوْ سُكِتَ عَنْهُ لَكَانَ أَوْلَى بِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ يَأْبَى عَنْهُ كُتُبُ الْمَالِكِيَّةِ إلَخْ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُعَبَّرَ بِقَوْلِهِ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لِلِاسْتِحْبَابِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَهُوَ الثِّقَةُ الْعَدْلُ الْأَمِينُ فِيمَا يَنْقُلُهُ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ مَذْهَبِهِ وَغَيْرِهِمْ فَإِنْ صَحَّ مَا ذُكِرَ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ نَفْسِهِمَا تَعَيَّنَ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ أَجْمَعْنَا وَمَا بَعْدَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إجْمَاعُ الْأَكْثَرِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَإِجْمَاعُ الْأَكْثَرِ قَدْ يَكُونُ قَرِينَةً وَقَدْ يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى الْخَصْمِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ لِمَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الْخَطَأَ إلَى الْقَلِيلِ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى الْكَثِيرِ وَأُوضِحَ مِنْ كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْقَوْلَ عِنْدَهُمْ بِوُجُوبِ التَّعْمِيمِ لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ بِالْآيَةِ وَإِنَّمَا اسْتَنَدُوا فِي ذَلِكَ إلَى فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

الْمُؤَيَّدِ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَأَمَّا الْآيَةُ فَلَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى وُجُوبِ التَّعْمِيمِ إلَّا إنْ نَظَرُوا لِمَا أَبْدَاهُ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا مِنْ أَنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ لَكِنْ مَرَّ الْجَوَابُ عَنْهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ عَدَمُ احْتِيَاجِ تَبْيِينِ الْقَرِينَةِ إلَخْ فَلَيْسَ فِي مَحَلِّهِ وَهِيَ عَدَمُ دَلَالَتِهَا عَلَى إرَادَةِ الْكُلِّ وَالرُّبْعِ وَظُهُورُهَا فِي إرَادَةِ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ لِمَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنْ أَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٌّ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثٌ فَهِيَ الْمُتَيَقَّنَةُ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَمْ يُوجِبْهُ فَأَيُّ قَرِينَةٍ يُطْلَبُ بَيَانُهَا مَعَ ذِكْرِنَا هَذَا هُنَا مُخْتَصَرًا وَفِيمَا مَرَّ مَبْسُوطًا وَقَوْلُهُ مِمَّا لَا يَحْصُلُ لَهُ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ هُوَ كَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ فَهْمِك لَهُ وَإِحَاطَتِك بِهِ وَرُبَّمَا أُشِيرَ إلَيْهِ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِي الْآيَةِ أَنَّ قِسْمًا يَحْلِقُ وَقِسْمًا يُقَصِّرُ فَأَيُّ دَلِيلٍ فِي الْآيَةِ مِنْ حَيْثُ لَفْظِهَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْأُمُورِ الْخَارِجَةِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ الْحَلْقَ الْأَفْضَلَ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِقَالُ عَنْهُ بَعْدَ إرَادَتِهِ لَهُ وَعَزْمِهِ عَلَيْهِ إلَى التَّقْصِيرِ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى ذَلِكَ تَعَيَّنَ أَنَّ جَوَازَ التَّقْصِيرِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الِاسْتِيعَابِ بِالْحَلْقِ لِمَنْ أَرَادَهُ لِأَنَّهُ يَحْتَاطُ فِي الْفَاضِلِ مَا لَا يَحْتَاطُ فِي الْمَفْضُولِ وَلِأَنَّ الْحَلْقَ يُشْبِهُ الْعَزِيمَةَ وَالتَّقْصِيرَ يُشْبِهُ الرُّخْصَةَ وَقِيَاسُ تِلْكَ عَلَى هَذِهِ مَمْنُوعٌ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ تَجِدْ إيضَاحَ رَدِّ جَوَابِ الْبَعْضِ الَّذِي ذَكَرْته مُنْتَصِرًا لَهُ بِمَا لَا يَنْصُرُهُ وَقَوْلُهُ فَفِيهِ أَنَّ الْمَنْعَ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَى النَّاقِلِ يُقَالُ عَلَيْهِ بَلْ إذَا أَسْنَدَ حُكْمًا إلَى كُتُبِ قَوْمٍ وَلَيْسَ فِيهَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِالسَّهْوِ أَوْ التَّسَاهُلِ فِي النَّقْلِ وَمَذْهَبُنَا لَمْ يَجْرِ فِيهِ قَوْلٌ بِأَنَّ الْبَابَيْنِ عَلَى مِنْوَالٍ وَاحِدٍ وَقَوْلُهُ إذْ الْإِشْكَالُ بَاقٍ إلَخْ مَمْنُوعٌ لِأَنَّا وَإِنْ نَظَرْنَا إلَى الْآيَةِ لَا إشْكَالَ فِيهَا بِوَجْهٍ بَعْدَ مَا قَرَّرْنَاهُ بِدَلَائِلِهِ السَّابِقَةِ مِنْ أَنَّ فِيهَا إضْمَارًا وَأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٌّ وَأَنَّ أَقَلَّهُ ثَلَاثٌ فَظَاهِرُهَا لَا يُنَافِي مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ وَإِنَّمَا يُنَافِي مَا ذَهَبْتُمْ إلَيْهِ مِنْ التَّقْدِيرِ بِالرُّبْعِ فَإِشْكَالُكُمْ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْنَا بَلْ عَلَيْكُمْ لَكِنْ لَا مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الَّتِي ذَكَرْتُمُوهَا بَلْ مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَهِيَ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِالرُّبْعِ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ لِأَنَّ الشَّعْرَ الْمُضْمَرَ يَشْمَلُ الثَّلَاثَ وَأَكْثَرَ فَقَصْرُهُ عَلَى الْأَكْثَرِ مِنْ الثَّلَاثِ وَقَصْرُ الْأَكْثَرِ مِنْهَا عَلَى الرُّبْعِ يَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ. وَالْقِيَاسُ عَلَى الْجِنَايَةِ فِي الْحَجِّ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ بِالرُّبْعِ فِي الْأَصْلِ مُنَازَعٌ فِيهِ أَيْضًا إذْ لَمْ يَذْكُرُوا دَلِيلَهُ فِيمَا عَلِمْت فَكَيْفَ يَتَأَتَّى الْقِيَاسُ عَلَى أَصْلٍ مُنَازَعٍ فِيهِ لَمْ يَتَّفِقْ عَلَيْهِ الْمُعْتَرِضُ وَالْمُسْتَدِلُّ وَلَا ظَهَرَ دَلِيلُهُ وَقَوْلُهُ إنَّ تَجْوِيزَ النَّقْلِ وَالِاشْتِرَاكِ فِي الْآيَةِ لَا مَعْنَى لَهُ بِمُجَرَّدِ الرَّأْيِ وَغَفْلَةٍ عَنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ أَوْ عَنْ فَهْمِهِ عَلَى وَجْهِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا مِنْ تَعَارُضِ التَّخْصِيصِ وَالِاشْتِرَاكِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَيْ مَا وَطِئُوهُ لِأَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ فَيَحْرُمُ عَلَى الشَّخْصِ مَزْنِيَّةُ أَبِيهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَيْ مَا عَقَدُوا عَلَيْهِ فَلَا يَحْرُمُ قَالُوا وَيَلْزَمُ الْأَوَّلَ الِاشْتِرَاكُ لِمَا ثَبَتَ مِنْ أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ حَتَّى إنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ لِغَيْرِهِ كَمَا قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيَّ أَيْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ نَحْو حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَاشْتِرَاطُ الْوَطْءِ فِي هَذِهِ عُلِمَ مِنْ السُّنَّةِ وَيَلْزَمُ الثَّانِيَ التَّخْصِيصُ حَيْثُ قَالَ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ النِّسَاءِ مَنْ عَقَدَ عَلَيْهَا أَبُوهُ فَاسِدًا كَالصَّحِيحِ وَقِيلَ لَا فَانْظُرْ إلَى إلْزَامِ الْأَوَّلِ بِالِاشْتِرَاكِ مَعَ أَنَّهُ قَائِلُ أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ مَجَازٌ فِي الْعَقْدِ لَكِنْ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْعَقْدِ صَارَ كَأَنَّهُ حَقِيقَةٌ حَتَّى عِنْدَ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ فَأُلْزِمَ بِالِاشْتِرَاكِ لِذَلِكَ. وَمِنْ تَعَارُضِ الْإِضْمَارِ وَالِاشْتِرَاكِ قَوْله تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أَيْ أَهْلَهَا وَقِيلَ الْقَرْيَةُ حَقِيقَةٌ فِي الْأَهْلِ كَالْأَبْنِيَةِ الْمُجْتَمِعَةِ لِهَذِهِ الْآيَةِ وَغَيْرِهَا وَمِنْ تَعَارُضِ الْمَجَازِ وَالنَّقْلِ قَوْله تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: 43] أَيْ الْعِبَادَةَ الْمَخْصُوصَةَ فَقِيلَ هِيَ مَجَازٌ فِيهَا عَنْ الدُّعَاءِ بِخَيْرٍ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ وَقِيلَ نُقِلَ شَرْعًا إلَيْهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ تَجِدْهُ مُؤَيِّدًا لِمَا ذَكَرْته مِنْ احْتِمَالِ الِاشْتِرَاكِ وَالنَّقْلِ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي احْتِمَالِهِمَا تَحَقُّقُهُمَا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ إذَا احْتَمَلَ لَفْظٌ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي بَعْضٍ أَنْ يَكُونَ فِي آخَرَ حَقِيقَةً وَمَجَازًا أَوْ حَقِيقَةً وَمَنْقُولًا فَحَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ أَوْ الْمَنْقُولِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ الْمُؤَدِّي إلَى الِاشْتِرَاكِ فَالْأَوَّلُ كَالنِّكَاحِ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ وَقِيلَ الْعَكْسُ وَقِيلَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَهُوَ حَقِيقَةٌ

فِي أَحَدِهِمَا مُحَصِّلٌ لِلْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي الْآخَرِ. وَالثَّانِي كَالزَّكَاةِ حَقِيقَةٌ فِي النَّمَاءِ أَيْ الزِّيَادَةِ مُحْتَمَلٌ فِيمَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَالِ لَأَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً أَيْضًا أَيْ لُغَوِيَّةً وَمَنْقُولًا شَرْعًا فَكَذَلِكَ نَقُولُ الرَّأْسُ حَقِيقَةٌ فِي الْبَشَرَةِ مُحْتَمَلٌ فِي الشَّعْرِ لَأَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً أَيْضًا أَيْ لُغَوِيَّةً أَوْ مَنْقُولًا شَرْعِيًّا فَتَأَمَّلْ هَذَا مَعَ مَا مَرَّ مِنْ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقَرْيَةَ حَقِيقَةٌ فِي الْأَبْنِيَةِ الْمُجْتَمِعَةِ يَظْهَرُ لَك مَا زَعَمَهُ هَذَا الْمُسْتَشْكِلُ سِيَّمَا قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّقْلَ وَضْعٌ ثَانٍ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الرَّأْسُ مَوْضُوعٌ لِثَلَاثِ شَعَرَاتٍ مِنْهُ مِمَّا لَا قَائِلَ بِهِ لِأَنَّ هَذَا الَّذِي زَعَمَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَوَهَّمَهُ مِنْ أَنَّ ادِّعَاءَ النَّقْلِ أَوْ الِاشْتِرَاكِ يَسْتَلْزِمُ تَحَقُّقَ وَضْعِهِمْ لِذَلِكَ الْمُحْتَمَلِ فِي الْمَعْنَى الثَّانِي حَقِيقَةً أَوْ مَنْقُولًا وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادًا كَمَا عَلِمْته وَقَوْلُهُ هَذَا حَالُ أُصُولِ مُقَدِّمَاتِهِ وَفُرُوعِهَا عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ يُقَالُ عَلَيْهِ قَدْ بَانَ أَنَّ كُلَّ مُقَدِّمَةٍ مِنْهَا وَأَنَّ الِاعْتِرَاضَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا مَبْنِيٌّ إمَّا عَلَى عَدَمِ الْإِحَاطَةِ بِكَلَامِ الْأَئِمَّةِ أَوْ عَلَى الْوَهْمِ فِي فَهْمِهِ وَإِمَّا عَلَى مُجَرَّدِ الدَّعْوَى كَمَا بَانَ ذَلِكَ وَاتَّضَحَ. وَقَوْلُهُ فَالْحَقُّ وَالْإِنْصَافُ إلَخْ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا زَعَمَهُ وَقَدْ بَانَ وَاتَّضَحَ بُطْلَانُ الْإِشْكَالِ وَالْجَوَابِ مَعًا فِيمَا سَبَقَ وَفِي هَذَا الثَّانِي أَيْضًا وَأَمَّا قَوْلُهُ وَجْهُ إرَادَةِ الْحَنَفِيَّةِ الرُّبْعُ إلَخْ فَيُقَالُ عَلَيْهِ لَمْ يَأْتِ فِيهِ بِطَائِلٍ يَنْفَعُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَالْمَسْحُ عَلَى النَّاصِيَةِ لَا يَشْهَدُ لَهُ سَوَاءٌ أَجُعِلَتْ عَلَى مُؤَكِّدَةً لِلِاسْتِيعَابِ أَوْ زَائِدَةً لِأَنَّ النَّاصِيَةَ لُغَةً وَشَرْعًا مَا بَيْنَ النَّزْعَتَيْنِ وَهُوَ دُونَ نِصْفِ الرُّبْعِ بِكَثِيرٍ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فَكَيْفَ يَتَأَتَّى الِاحْتِيَاطُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَقَوْلُهُ وَفِعْلُ الْمَسْحِ إذَا عَلِقَ بِالْمَحَلِّ يَقْتَضِي الِاسْتِيعَابَ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ لَا مُنَازَعَةَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا الْمُنَازَعَةُ فِي أَنَّ اسْتِيعَابَ النَّاصِيَةِ يَقْتَضِي التَّحْدِيدَ بِالرُّبْعِ وَهِيَ دُونَ نِصْفِهِ بِكَثِيرٍ. وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِكَلَامِ الْحُكَمَاءِ فَغَيْرُ نَافِعٍ لَهُ بَلْ هُوَ اخْتِرَاعُ طَرِيقَةٍ لَمْ تُؤْلَفْ قَبْلَهُ وَالْحَامِلُ عَلَيْهِ حُبُّ التَّكَثُّرِ وَالتَّشَيُّعِ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُتَشَيِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ» وَعَجِيبٌ ظَنُّهُ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِكَلَامِ الْحُكَمَاءِ يَنْفَعُ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ وَغَفْلَتُهُ عَنْ أَنَّهُمْ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِمْ سِيَّمَا فِي الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ وَالْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةِ وَلَوْ تُرِكَ ذِكْرُ مَا قَالُوهُ لَكَانَ أَوْلَى بِهَذَا وَمَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ فَلِلَّهِ تَعَالَى أَتَمُّ الْحَمْدِ وَأَكْمَلُهُ عَلَى أَنْ أَبْقَى فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الْمُؤْذِنَةِ حَوَادِثُهَا بِتَغَيُّرِ الْعَالَمِ كَمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ أَنْدِيَةٍ لِلْفَضْلِ لَمْ تَزَلْ بِالْعُلَمَاءِ عَامِرَةٌ وَرِيَاضُ التَّحْقِيقِ يَانِعَةٌ أَشْجَارُهَا مُثْمِرَةٌ أَجِلَّاءٌ يَتَحَادَثُونَ أَزِمَّةَ الْأَدِلَّةِ وَيَتَجَاوَزُونَ فِي الْبَحْثِ الْأَقْيِسَةِ وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ السَّبَبِ وَالْعِلَّةِ مَعَ إبْدَاءِ كُلِّ مَا عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ كَدَرٍ بَيْنَهُمْ وَإِنْ سَلَّ كُلٌّ مِنْهُمْ حَدَّهُ لِمَا أَنَّهَا سُيُوفٌ لَا تُسَلّ إلَّا فِي الْجِهَادِ الْأَكْبَرِ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا بِحَسَبِ مَا رَأَى كُلٌّ مِنْهُمْ وَاسْتَظْهَرَ وَهِيَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مُؤْتَلِفَةٌ جَحَدَ ذَلِكَ مَنْ جَحَدَهُ وَعَرَفَهُ مَنْ عَرَفَهُ أَسْأَلُ اللَّهَ الْكَرِيمَ الْجَوَادَ أَنْ يَمْنَحَنَا رِضَاهُ فِي دَارَيْ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (سُئِلَ) عَمَّنْ مَاتَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْحَجِّ عَلَيْهِ فَحَجَّ عَنْهُ آخَرُ مُتَطَوِّعًا وَلَمْ يَنْوِ بِحَجِّهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بَلْ نَوَى بِهِ التَّنَفُّلَ عَنْ الْمَيِّتِ ظَنًّا مِنْهُ جَوَازَ ذَلِكَ فَهَلْ يَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَلَى الْمَيِّتِ؟ (فَأَجَابَ) يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِوُقُوعِ الْحَجِّ لِلْمُبَاشِرِ دُونَ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالُ بِوُقُوعِهِ لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ نِيَّةَ النَّفْلِ عَنْهُ مَعَ كَوْنِهِ لَمْ يُوصِهِ بِهِ بَاطِلَةٌ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا وَيَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ نِيَّتِهِ عَنْ الْغَيْرِ وُقُوعُ الْحَجِّ لِنَفْسِهِ فَإِنْ قُلْت الْقِيَاسُ وُقُوعُهُ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ كَمَا أَنَّ مَنْ نَوَى عَنْ نَفْسِهِ النَّفَلَ وَعَلَيْهِ فَرْضٌ تَبْطُلُ نِيَّتُهُ وَيَقَعُ حَجُّهُ عَنْ الْفَرْضِ قُلْت هَذَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا وَلَهُ وَجْهٌ إلَّا أَنَّ الْفَرْقَ مُمْكِنٌ بَلْ ظَاهِرٌ فَإِنَّ بُطْلَانَ النِّيَّةِ حَيْثُ وُجِدَ وَالْإِنْسَانُ حَاجٌّ عَنْ نَفْسِهِ لَا يُمْكِنُ صَرْفُ الْحَجِّ حِينَئِذٍ لِغَيْرِهِ فَإِنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ الْغَيْرَ وَكَانَ الْقِيَاسُ مَعَ بُطْلَانِ النِّيَّةِ أَنْ لَا يَقَعَ الْحَجُّ عَنْ أَحَدٍ كَمَا فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحَجِّ فَرْقٌ وَاضِحٌ هُوَ مَا فِيهِ مِنْ شِدَّةِ التَّعَلُّقِ وَاللُّزُومِ جَعَلُوهُ وَاقِعًا عَمَّا فِي الذِّمَّةِ مُسَارَعَةً لِبَرَاءَتِهَا فَلَمْ يَكُنْ فَسَادُ النِّيَّةِ مُوجِبًا لِإِلْغَائِهِ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِنَّمَا كَانَ مُلْغِيًا لِخُصُوصِ النَّفْلِ فَحَسْبُ. وَيَلْزَمُ مِنْ إلْغَاءِ ذَلِكَ وَحْدَهُ الْوُقُوعُ عَمَّا اسْتَقَرَّ فِي الذِّمَّةِ كَمَا تَقَرَّرَ وَأَمَّا الْحَجُّ عَنْ الْغَيْرِ فَهُوَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَإِذَا فَسَدَتْ

النِّيَّةُ فِيهِ لَزِمَ وُقُوعُهُ لِلْأَصْلِ وَهُوَ الْوُقُوعُ عَنْ الْمُبَاشِرِ دُونَ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ لِأَنَّ النِّيَّةَ الْمُتَعَرِّضَةَ لَهُ قَدْ فَسَدَتْ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ لَهُ شَيْءٌ بِدُونِ نِيَّةٍ وَشَاهِدُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَجِيرَ لِلْحَجِّ مَثَلًا لَوْ نَوَاهُ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَعَ الْعُمْرَةِ لِنَفْسِهِ انْصَرَفَا جَمِيعًا لِلْأَجِيرِ وَلَمْ يَقَعْ لِلْمُسْتَأْجِرِ مِنْهُمَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَمَّا ضَمَّ الْحَجَّ لِلْعُمْرَةِ صَارَ نَاوِيًا مَا لَا يَصِحُّ وُقُوعُهُ لَهُ وَحَيْثُ نَوَى مَا لَا يَصِحُّ وُقُوعُهُ لَهُ انْقَلَبَ لِلْأَجِيرِ. وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ نَوَى أَجِيرٌ الْحَجَّ قِرَانًا فَقَطْ لِلْمُسْتَأْجِرِ الَّذِي لَا عُمْرَةَ عَلَيْهِ أَوْ لَهُ وَلِنَفْسِهِ أَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ لِمُسْتَأْجِرِهِ وَلِنَفْسِهِ فَيَقَعُ لِنَفْسِهِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَلَا يَقَعُ لِلْمُسْتَأْجِرِ شَيْءٌ لِأَنَّ مَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ لَهُ وَالنُّسُكَانِ لَا يَفْتَرِقَانِ فَلَزِمَ الْوُقُوعُ لِلْأَجِيرِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ كَمَا تَقَرَّرَ فَإِنْ قُلْت يُنَافِي مَا ذَكَرْته فِي صُورَةِ السُّؤَالِ قَوْلُهُمْ لَوْ اسْتَأْجَرَ مَعْضُوبٌ لِنَذْرِهِ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ فَنَوَى الْأَجِيرُ النَّذْرَ وَقَعَ لِفَرْضِ الْإِسْلَامِ قُلْت أَجِيرُ الْمَعْضُوبِ نَائِبٌ عَنْهُ فَنَزَلَ مَنْزِلَتَهُ وَأَمَّا الْمُبَاشِرُ فِي صُورَةِ السُّؤْلِ فَلَيْسَ نَائِبًا عَنْ الْمَيِّتِ وَإِنَّمَا هُوَ مُتَطَوِّعٌ عَنْهُ وَقَدْ نَوَى مَا لَا يَصِحُّ وُقُوعُهُ لَهُ هُنَا بِوَجْهٍ فَإِنْ حَجَّ النَّفَلَ عَنْ الْمَيِّتِ الَّذِي عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا وَكَذَا لَا يَصِحُّ عَمَّنْ لَيْسَ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ إلَّا إنْ أَوْصَى بِهِ فَلَمَّا تَعَذَّرَ وُقُوعُ الْمَنْوِيِّ هُنَا عَنْ الْمَيِّتِ لَزِمَ وُقُوعُهُ لِلْمُتَطَوِّعِ وَلَمَّا لَمْ يَتَعَذَّرْ وُقُوعُ النَّذْرِ عَنْ الْمَعْضُوبِ مَعَ كَوْنِ الْحَاجِّ نَائِبُهُ وَقَعَ عَمَّا عَلَى الْمَعْضُوبِ وَهُوَ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَأَيْضًا فَالنَّذْرُ مِنْ جِنْسِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَلَمْ تَكُنْ نِيَّتُهُ مَانِعَةً لِوُقُوعِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَأْجَرَهُ لِلنَّذْرِ كَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لِلْوَاجِبِ الَّذِي عَلَيْهِ الصَّادِقِ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَالنُّذُورُ وَحَجَّةُ الْإِسْلَامِ مُقَدَّمَةٌ فَلَغَتْ نِيَّةَ النَّذْرِ وَوَقَعَ مَا أَتَى بِهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ. وَأَمَّا حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَحَجَّةُ التَّطَوُّعِ فَمُتَبَايِنَتَانِ فَإِذَا نَوَى النَّفَلَ بَطَلَ وَلَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُخَلِّفَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لِتَعَذُّرِ وُقُوعِهِ لِلْمَيِّتِ فَوَقَعَ لِلْمُبَاشَرِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْحَجَّ شَدِيدُ التَّشَبُّثِ وَاللُّزُومِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَفْسُدْ بِفَسَادِ نِيَّتِهِ مَعَ تَطَلُّعِ الشَّارِعِ إلَى إسْقَاطِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَنْ الْغَيْرِ مَا أَمْكَنَ فَمِنْ ثَمَّ لَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ خُصُوصِ نِيَّةِ النَّفْلِيَّةِ بُطْلَانَ عُمُومِ النِّيَّةِ عَنْ الْغَيْرِ فَلَزِمَ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ الْوُقُوعُ عَنْ الْغَيْرِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ إلَى ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ أَبَاحَ التَّبَرُّعَ بِهِ مَعَ انْتِفَاءِ الْإِذْنِ وَالْقَرَابَةِ إلْحَاقًا لَهُ بِالدُّيُونِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ فِي أَنَّ الْخَطَأَ فِي طَرِيقِ أَدَاءِ الدُّيُونِ لَا يَمْنَعُ إبْرَاءَهَا لِذِمَّةِ الْمُؤَدَّى عَنْهُ فَكَذَلِكَ الْخَطَأُ هُنَا. وَلَعَلَّ هَذَا أَقْرَبُ وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِيمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِحَجٍّ فَقَرَنَ وَنَحْوِهِ بِأَنَّ الْمُلْغَى هُنَا نِيَّةُ النُّسُكِ فَقَطْ دُونَ ذَاتِهِ وَهُنَاكَ جُزْؤُهُ لِأَنَّا إذَا أَوْقَعْنَاهُ عَنْ الْغَيْرِ يَلْزَمنَا إمَّا إبْطَالُ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ الَّتِي ضَمَّهَا إلَى الْحَجِّ مِنْ أَصْلِهَا وَهَذَا مُتَعَذَّرٌ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ بِالنُّسُكِ فِي الْوَقْتِ الْقَابِلِ لَهُ لَا يَقْبَلُ الْإِلْغَاءَ وَأَمَّا وُقُوعُهَا لِلْمَحْجُوجِ عَنْهُ تَبَرُّعًا مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ أَيْضًا فَلَزِمَ وُقُوعُهُمَا لِلْمُبَاشِرِ وَأُلْغِيَ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ حِينَئِذٍ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِمَّا قَرَّرَتْهُ وَأَمَّا هُنَا فَلَا يَلْزَمُ عَلَى إلْغَاءِ خُصُوصِ النَّفْلِيَّةِ وَصِحَّةُ عُمُومِ الْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ إلَّا إبْطَالُ صِفَةٍ لِلنُّسُكِ دُونَ أَصْلِهِ وَهَذَا لَا مَحْذُورَ فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَكَّلَ فَقِيهًا بِإِجَارَةِ النُّسُكَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ بَاشَرَهُمَا هَلْ يَكْفِي عِلْمُهُ لَهُمَا بِالْمُطَالَعَةِ وَالْقِرَاءَةِ وَكَيْفَ الْحِيلَةُ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ مِنْ الْوَكِيلِ مَعَ عَدَمِ كَوْنِهِ طَرِيقًا لِلْمُطَالَبَةِ بِالْأُجْرَةِ وَإِذَا قُرِئَ عَلَى الْمُوَكَّلِ أَعْمَالُ النُّسُكَيْنِ أَعْنِي الْوَاجِبَاتِ وَشَيْئًا مِنْ السُّنَنِ لِيَعْقِدَ لِنَفْسِهِ فَعَقَدَ مَا الْحُكْمُ وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي الْبَحْثُ عَمَّنْ مَاتَ وَهُوَ مُسْتَطِيعٌ وَلَمْ يَحُجَّ عَنْهُ وَإِلْزَامُ وَرَثَتِهِ بِالْإِحْجَاجِ عَنْهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ أَوْ كَانَ وَهُوَ غَائِبٌ هَلْ الْقَاضِي يَتَوَلَّى ذَلِكَ وَهَلْ يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ تَقْلِيلِ الْأُجْرَةِ مَا أَمْكَنَ وَإِذَا بَادَرَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ فَأَجَّرَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ أَوْ كَانَ حَائِزًا وَلَمْ يُرَاجِعْ الْقَاضِي مَا حُكْمُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الشَّرْطُ عِلْمُ الْمُبَاشِرِ لِعَقْدِ الْإِجَارَةِ بِأَعْمَالِهَا فَيَكْفِي عِلْمُ الْوَكِيلِ بِذَلِكَ وَإِنْ جَهِلَهُ الْمُوَكَّلُ وَطَرِيقُ خَلَاصِ الْوَكِيلِ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِالْأُجْرَةِ أَنْ يَعْقِدَ بِأُجْرَةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي يَدِ مُوَكِّلِهِ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ إذَا بَانَتْ مُسْتَحِقَّةٌ لَا يَكُونُ الْوَكِيلُ طَرِيقًا فِي ضَمَانِهَا وَإِذَا بَيَّنَ لِلْمُوَكَّلِ أَعْمَالَ النُّسُكِ وَاجِبَاتِهِ وَمَسْنُونَاتِهِ وَتَصَوَّرَهَا ثُمَّ عَقَدَ وَهُوَ مُتَصَوِّرٌ لَهَا جَازَ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي بَحْثٌ عَمَّا ذُكِرَ وَلَا إلْزَامٌ بِهِ فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لَوْ امْتَنَعَ

الْمَعْضُوبُ مِنْ الِاسْتِئْجَارِ أَوْ الْإِذْنِ لِلْمُطِيعِ لَمْ يَقُمْ الْقَاضِي مَقَامَهُ فِي الْإِذْنِ وَلَا يَلْزَمُهُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ وَإِنْ وَجَبَ الِاسْتِئْجَارُ وَالِاسْتِنَابَةُ فَوْرًا وَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ عُضِبَ مُطْلَقًا فِي الِاسْتِنَابَةِ وَبَعْدَ يَسَارِهِ فِي الِاسْتِئْجَارِ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ. وَذَلِكَ لِأَنَّ مَبْنَى الْحَجِّ عَلَى التَّرَاخِي وَلِأَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْغَيْرِ فِيهِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي الْمَجْمُوعِ مِنْ أَنَّ الْحَاكِمَ يَلْزَمُهُ بِالْإِنَابَةِ فَنَظَرَ فِيهِ بَلْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ وَلَمْ أَرَ مَنْ قَالَ بِهِ وَالْمُدْرَكُ فِي الِاسْتِنَابَةِ وَالِاسْتِئْجَارُ وَاحِدٌ اهـ نَعَمْ قَدْ يُجَابُ عَنْ الْمَجْمُوعِ بِأَنَّ مَعْنَى لُزُومِهِ بِهَا أَنَّهُ يَأْمُرُهُ بِهَا مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ لَا مِنْ بَابِ إلْزَامِهِ بِذَلِكَ وَالْحُكْمِ عَلَيْهِ بِهِ حَتَّى يُبَاعَ فِيهِ مَالُهُ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الْبَيَانِ فَإِنْ اسْتَأْذَنَ الْمُطِيعُ الْمُطَاعَ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَأْمُرُهُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ وَانْدَفَعَ أَيْضًا بِمَا قَرَّرْته قَوْلُ بَعْضِهِمْ لَا يَظْهَرُ فَرْقِ بَيْنَ إلْزَامِهِ وَأَمْرِهِ وَوَجْهُ انْدِفَاعِهِ أَنَّ إلْزَامَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا فِيهِ حَقٌّ لِلْغَيْرِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْحَجَّ لَا حَقَّ فِيهِ لِلْغَيْرِ فَلَمْ يَتَأَتَّ إلْزَامُهُ بِهِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ فِيهَا حَقْلٌ لِلْغَيْرِ فَتَأَتَّى إلْزَامُهُ بِهَا. وَأَمَّا أَمْرُهُ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالْأَمْرُ بِهِ مِنْ الْحَاكِمِ أَوْ غَيْرِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا فِيهِ حَقٌّ لِلْغَيْرِ فَكَانَ الْحَجُّ قَابِلًا لِأَمْرِهِ لَا لِإِلْزَامِهِ فَافْهَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَلِلْقَاضِي أَنْ يَتَوَلَّى الْإِحْجَاجَ عَنْ مَيِّتٍ بِلَا وَارِثٍ بَلْ عَلَيْهِ ذَلِكَ إنْ خَلَّفَ تَرِكَةً كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَعَنْ مَيِّتٍ عَنْ وَارِثٍ غَائِبٍ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَأَقَلَّ وَلِلْوَارِثِ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ مِنْ التَّرِكَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي. (وَسُئِلَ) فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَمَّا لَوْ وَجَبَ عَلَى رَجُلٍ الْحَجُّ فَهَلَكَ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ ثُمَّ أَنَّ وَارِثَهُ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ وَكَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْأَجِيرُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ أَوْ الْمُسَمَّى فَإِنْ قُلْتُمْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فَهَلْ تَكُونُ مِنْ تَرِكَةِ الْهَالِكِ أَوْ تَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ لِمَا أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ إجَارَةً فَاسِدَةً؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَمْ أَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَقْلًا وَإِنَّمَا رَأَيْت لِلْقَمُولِيِّ وَالْأَذْرَعِيِّ كَلَامًا يُؤَيِّدُ مَا سَأَذْكُرُهُ وَكَذَلِكَ كَلَامُهُمْ فِي وَكِيلِ الْمَرْأَةِ فِي الْخُلْعِ إذَا خَالَفَ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا وَالْجَامِعِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ الْمُسْتَأْجَرِ هُنَا وَالْوَكِيلِ ثَمَّ إيقَاعُ الْعَقْدِ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ لِجَوَازِ اسْتِبْدَادِ الْأَجْنَبِيِّ بِالْخُلْعِ وَالْحَجِّ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ عَنْ الْغَيْرِ. وَحَاصِلُ مَا يُتَّجَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْأَجِيرَ إنْ ظَنَّ فَسَادَ الْإِجَارَةِ وَأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا أُجْرَةَ لَهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مُتَبَرِّعٌ عَنْ الْمَيِّتِ إذْ لَمْ يَدْخُلْ طَامِعًا فِي شَيْءٍ وَإِنْ جَهِلَ ذَلِكَ فَإِنْ ظَنَّ الْوَارِثُ الْفَسَادَ لَزِمَتْهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ مَعَ ظَنِّ الْفَسَادِ يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مُسْتَأْجَرًا مِنْ التَّرِكَةِ فَتَجِبُ الْأُجْرَةُ فِي مَالِهِ لَا مِنْ التَّرِكَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دُيُونٌ أَخَذَتْ التَّرِكَةُ جَمِيعَهَا فِيهَا وَإِنْ جُهِلَ الْفَسَادُ وَجَبَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ مِنْ التَّرِكَةِ مَا لَمْ يَسْتَأْجِرْ مِنْ مَالِهِ أَوْ يُطْلِقْ بِأَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِمَالِهِ وَلَا لِلتَّرِكَةِ لِعُذْرِهِ حِينَئِذٍ فَلَا يُنَاسِبُهُ التَّغْرِيمُ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَ مِنْ مَالِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ أَوْ أَطْلَقَ لِأَنَّ فَسَادَ الْعَقْدِ يَقْتَضِي إضَافَةَ آثَارِهِ إلَى مُبَاشِرِهِ إلَّا لِمَانِعٍ هَذَا مَا يَظْهَرُ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ عَنْ شَخْصٍ أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِمِائَةٍ مَثَلًا وَجَعَلَ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ فَجَاعَلَ الْوَصِيُّ شَخْصًا مُعَيَّنًا أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي أَنْ يَحُجَّ عَنْ ذَلِكَ الْمَيِّتِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ ثُمَّ أَذِنَ لِآخَرَ أَوْ جَاعِله كَذَلِكَ فَهَلْ يَنْزِلُ الْإِذْنُ لِلثَّانِي أَوْ الْمُجَاعَلَةُ لَهُ مَنْزِلَةَ الرُّجُوعِ عَنْ الْإِذْنِ لِلْأَوَّلِ عَلِمَ الْأَوَّلُ أَوْ جَهِلَ فَلَوْ جَهِلَ وَعَمِلَ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْمُسَمَّى كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَاسْتَحْسَنَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَوْ لَا يَسْتَحِقُّ فِي صُورَةِ الْجَهْلِ شَيْئًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَعَلَيْهِ جَرَى فِي الْعُبَابِ كَالرَّوْضِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا جَاعَلَ الْوَصِيُّ آخَرَ لِيَحُجَّ عَنْ الْمُوصِي بِمَا عَيَّنَهُ جَعَالَةً صَحِيحَةً فَعِنْدِي تَرَدُّدٌ فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ لَهُ فَسْخُ تِلْكَ الْجَعَالَةِ لِإِطْلَاقِهِمْ جَوَازَهَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ لَا يَجُوزُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ الصَّلَاحِ وَأَقَرُّوهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ الْوَرَثَةُ مَنْ يَحُجُّ عَنْ مُورِثِهِمْ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ الْوَاجِبَةِ وَلَمْ يَكُنْ أَوْصَى بِهَا ثُمَّ تَقَايَلُوا مَعَ الْأَجِيرِ لَمْ تَصِحَّ الْإِقَالَةُ لِوُقُوعِ الْعَقْدِ لِمُوَرِّثِهِمْ اهـ أَيْ فَالْحَقُّ فِيهِ عِنْدَ الْإِقَالَةِ لِمُورِثِهِمْ لَا لَهُمْ وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ أَوْصَى بِهَا لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ لِيُفْهَمَ خِلَافُهُ بِالْأَوْلَى فَتَأَمَّلْهُ وَلَعَلَّ عَدَمَ الْجَوَازِ فِي مَسْأَلَتِنَا أَقْرَبُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ. هَذَا فَإِنْ رَضَا الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الْإِجَارَةِ بِالْإِقَالَةِ

يَصِيرُهَا جَائِزَةً كَالْجَعَالَةِ فَإِذَا امْتَنَعَتْ الْإِقَالَةُ فِي مَسْأَلَةِ ابْن الصَّلَاحِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْعَقْدَ لِلْمُورِثِ لَا لِلْوَرَثَةِ وَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ خَلِيفَةَ الْمُورِثِ فَكَذَا يَنْبَغِي مَنْعُ الْفَسْخِ فِي مَسْأَلَتِنَا لِأَنَّ الْعَقْدَ لِلْمُوصِي لَا لِلْوَصِيِّ وَأَيْضًا فَالْوَصِيُّ بِمُجَاعَلَةِ غَيْرِهِ جَعَالَةً صَحِيحَةً قَدْ فَعَلَ مَا فُوِّضَ لَهُ فَلَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ بِلَا مُوجِبٍ هَذَا هُوَ الَّذِي يَتَّجِهُ لِي الْآنَ فَعَلَيْهِ إذْنُهُ أَوْ مُجَاعَلَتُهُ لِلثَّانِي فَاسِدٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَيَقَعُ حَجُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَأَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَقَوْلُهُ لِلثَّانِي مَا ذُكِرَ غَيْرُ فَسْخٍ لِلْأَوَّلِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ قَالَ لِوَاحِدِ رُدَّ عَبْدِي وَلَك كَذَا ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ لِثَانٍ ثُمَّ لِثَالِثٍ فَرَدُّوهُ وَقَصَدَ كُلٌّ نَفْسَهُ فَلِكُلٍّ مِنْهُمْ ثُلُثُ مَا شُرِطَ لَهُ سَوَاءٌ اتَّفَقَ مَا سَمَّاهُ لِكُلٍّ أَمْ لَا. فَهَذَا صَرِيحٌ فِي بَقَاءِ الْأَوَّلِ عَلَى صِحَّتِهِ مَعَ قَوْلِهِ بَعْدَهُ لِلثَّانِي ذَلِكَ وَفِي صِحَّةِ الثَّانِي أَيْضًا مَعَ قَوْلِهِ بَعْدَهُ لِلثَّالِثِ ذَلِكَ فَيَكُونُ صَرِيحًا فِي مَسْأَلَتِنَا أَنَّ قَوْلَهُ لِلثَّانِي جَاعَلْتُكَ أَوْ حُجَّ عَنْ فُلَانٍ بِكَذَا غَيْرُ فَسْخٍ لِلْأَوَّلِ وَيَلْزَمُ مَعَ بَقَاءِ الْأَوَّلِ عَلَى صِحَّتِهِ بُطْلَانُ الثَّانِي لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ إلَّا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ وَأَيْضًا فَتَوْزِيعُ الْعَمَلِ هُنَا غَيْرُ مُمْكِنٍ بِخِلَافِهِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي كَلَامِهِمْ فِي الْجَعَالَةِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِلْجُعْلِ هُوَ الْأَوَّلُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ وَأَنَّ الثَّانِي لَا شَيْءَ لَهُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ وَإِذَا تَنَزَّلْنَا وَفَرَضْنَا أَنَّ الْوَصِيَّ صَرَّحَ بِفَسْخِ الْأَوَّلِ وَقُلْنَا بِجَوَازِ الْفَسْخِ لَهُ وَنُفُوذِهِ فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ تَرْجِيحُهُ أَنَّ لِلْعَامِلِ الْأَوَّلِ إذَا جَهِلَ عَلَيْهِ الْمُسَمَّى مِنْ مَالِهِ لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِتَوْرِيطِهِ لَهُ فِي الْعَمَلِ مَعَ عَدَمِ إعْلَامِهِ لَهُ بِالْفَسْخِ وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ لِلْعَامِلِ فَالثَّوَابُ لَهُ لِأَنَّ تَقْصِيرَ الْوَصِيِّ أَلْغَى النَّظَرَ إلَى ذَلِكَ كَمَا فِي نَظَائِرَ لِذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ أَحَاطَ بِأَطْرَافِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ نَوَى بِطَوَافِهِ النَّفَلَ مُلَازَمَةَ غَرِيمٍ لَهُ هَلْ لَهُ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ فِي طَوَافِ الْفَرْضِ هَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ إذَا صَرَفَ طَوَافَهُ النَّفَلَ أَوْ الْفَرْضَ إلَى مُلَازَمَةِ غَرِيمٍ أَوْ نَحْوِهِ بَطَلَ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ فَقْدُ الصَّارِفِ نَعَمْ إنْ كَانَ ذَاكِرًا لِنِيَّةِ الطَّوَافِ وَلَمْ يَقْصِدْ صَرْفَهُ بَلْ شَرَّكَ مَعَ النِّيَّةِ غَيْرَهَا لَمْ يُؤَثِّرْ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ هَلْ يُتَصَوَّرُ انْعِقَادُ الْحَجِّ فَاسِدًا فِي غَيْرِ الْجِمَاعِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَفْسَدَهَا ثُمَّ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ فَاسِدًا عَلَى الْمَذْهَبِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِمَا صُورَتُهُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ لَوْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ قَرَنَ لَزِمَهُ دَمَانِ وَخَالَفَهُ السُّبْكِيّ فَمَا الْمُعْتَمَدُ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ كَرَّرَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ تَكَرَّرَ الدَّمُ فَمَا الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ مَعَ بَسْطِ مَا فِيهِ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَأَمَّا مَا قَالَهُ السُّبْكِيّ فَمَبْنِيٌّ عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ وَبَيَّنْته فِي حَاشِيَتِي عَلَى إيضَاحِ النَّوَوِيِّ وَبَيَّنْت فِيهَا أَيْضًا أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ تَكَرُّرِ الدَّمِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ مَعَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِمَا حَاصِلُهُ مَعَ إيضَاحِ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي وُجُوبِ الدَّمِ عَلَى الْقَارِنِ كَوْنُهُ رَبِحَ مِيقَاتًا إذْ لَوْ أَحْرَمَ بِكُلِّ نُسُكٍ عَلَى حِدَتِهِ لَاحْتَاجَ إلَى الْإِحْرَامِ مِنْ مِيقَاتِهِ وَهُوَ مِيقَاتُ بَلَدِهِ وَالْخُرُوجِ إلَى أَدْنَى الْحِلِّ أَوْ الْعِلَّةِ تَرَفُّهُهُ بِكَوْنِ الْعَمَلَيْنِ صَارَا عَمَلًا وَاحِدًا وَالْعِلَّةُ فِي وُجُوبِ الدَّمِ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ كَوْنُهُ رَبِحَ مِيقَاتًا أَيْضًا أَوْ تَرَفَّهَ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فِيمَا بَيْنَ النُّسُكَيْنِ وَكُلٌّ مِنْ الْعِلَّتَيْنِ مَوْجُودٌ فِي مَسْأَلَةِ الْبَغَوِيِّ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ صَارَ مُتَمَتِّعًا الْآنَ فَلَزِمَهُ الدَّمُ لِوُجُودِ شَرْطِهِ. وَحِينَ أَحْرَمَ بِالنُّسُكَيْنِ مَعًا لَزِمَهُ دَمٌ آخَرُ لِأَنَّهُ رَبِحَ مِيقَاتَ الْعُمْرَةِ الَّتِي قَرَنَهَا بِالْحَجِّ وَتَرَفَّهَ بِانْدِرَاجِ عَمَلِهَا فِي عَمَلِ الْحَجِّ فَوَجَبَ الدَّمَانِ وَلَمْ يَدْخُلُ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَر لِاخْتِلَافِ الْمُوجِبِ كَمَا عَرَفْته مِمَّا تَقَرَّرَ وَأَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ لَمَّا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ لَزِمَهُ الدَّمُ أَيْ دَخَلَ سَبَبُ لُزُومِهِ إذْ لَا يُتِمُّ لُزُومُهُ بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَعِلَّةُ لُزُومِهِ مَا مَرَّ مِنْ كَوْنِهِ رَبِحَ مِيقَاتَ الْحَجِّ أَوْ تَرَفَّهَ بِالْمُحَرَّمَاتِ فِيمَا بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ وَعُمْرَتِهِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَهَكَذَا لَمْ تَكُنْ سَبَبًا فِي رِبْحِ مِيقَاتِ الْحَجِّ وَلَا فِي تَرَفُّهِهِ فَأَيُّ مُوجِبٍ لِلدَّمِ فِيهَا وَمَا أَظُنُّ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِهِ بِالتَّكَرُّرِ إلَّا وَهِمَ كَمَا تَبَيَّنَ لَك مِمَّا قَرَّرْته. (وَسُئِلَ) فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَنْ الْجَاعِلِ وَالْمَجْعُولِ لَهُ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْحَجِّ فَمَنْ الْمُصَدَّقُ مِنْهُمَا

فَإِنْ قُلْتُمْ الْجَاعِلَ فَبِمَ فَارَقَ الْمُسْتَأْجِرَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُصَدَّقُ الْجَاعِلِ بِيَمِينِهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمَجْعُولَ لَهُ لَمْ يَحُجَّ كَمَا حَكَاهُ الْأَذْرَعِيُّ وَالْغَزِّيُّ عَنْ الدَّبِيلِيِّ وَأَقَرَّاهُ وَفَارَقَ الْمُسْتَأْجَرَ بِأَنَّهُ يَرُومُ بِدَعْوَاهُ إسْقَاطَ أُجْرَةٍ الْتَزَمَهَا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ السُّقُوطِ وَالْجَاعِلُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ بِمُجَرَّدِ الْجَعَالَةِ وَإِنَّمَا الْمَجْعُولُ لَهُ يُحَاوِلُ بِدَعْوَاهُ إلْزَامَ ذَلِكَ وَالْأَصْلُ عَدَمُ لُزُومِهِ وَبِأَنَّ الْأَجِيرَ قَدْ الْتَزَمَ الْحَجَّ بِالْعَقْدِ وَهُوَ مُضْطَرٌّ إلَى التَّخَلُّصِ مِمَّا الْتَزَمَهُ وَلَا طَرِيقَ لَهُ إلَّا قَبُولُ قَوْلِهِ إذْ لَا مَطْلَعَ لِلشُّهُودِ عَلَى النِّيَّةِ وَالْمَجْعُولُ لَهُ لَمْ يَلْتَزِمْ شَيْئًا وَإِنَّمَا يَرُومُ إثْبَاتَ عَمَلٍ يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى اسْتِحْقَاقِ الْجُعْلِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَعَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ فَكَلَّفَ الْبَيِّنَةَ بِمَا يَدَّعِيه قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالْغَزِّيُّ وَلَعَلَّ مُرَادَ الدَّبِيلِيِّ بِالْبَيِّنَةِ هُنَا أَنَّهُ رُئِيَ فِي مَوَاطِنِ النُّسُكِ فِي السَّنَةِ الْمُعَيَّنَةِ لَا أَنَّهُ حَجَّ عَنْهُ فَقَدْ قُدِّمَ أَنَّ تَصْحِيحَ الْحَجِّ بِالْبَيِّنَةِ لَا يُمْكِنُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا فِقْهٌ غَرِيبٌ أَيْ فَالْوَجْهُ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمَجْعُولِ لَهُ أَيْضًا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ اُسْتُؤْجِرَ لِحَجَّةٍ إجَارَةَ عَيْنٍ أَوْ ذِمَّةٍ فَهَلْ لَهُ السَّفَرُ فِي الْبَحْرِ بِغَيْرِ إذْنِ أَبَوَيْهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ أَمَّا سَفْرُ التِّجَارَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنْ كَانَ فِيهِ خَطَرٌ كَرُكُوبِ الْبَحْرِ أَيْ وَإِنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ إذْنِهِمَا لَهُ عَدَمُ جَوَازِ سَفَرِهِ بِلَا إذْنٍ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ إذْ لَا مَحِيصَ عَنْهُ دُونَ إجَارَةِ الذِّمَّةِ إنْ أَيَسَرَ وَأَمْكَنَهُ اسْتِئْجَارُ غَيْرِهِ عَنْهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِأَنَّ لَهُ حِينَئِذٍ مَنْدُوحَةٌ عَنْ السَّفَرِ. (وَسُئِلَ) فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ هَلْ يَجِبُ إتْمَامُ الطَّوَافِ الْوَاجِبِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ يَجِبُ وَغَلَّطَهُمْ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَبَحَثَ الْبَارِزِيُّ حَمْلَ الْأَوَّلِ عَلَى طَوَافِ النُّسُكِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ عِنْدِي عَدَمُ حُرْمَةِ الْقَطْعِ مُطْلَقًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْفَاتِحَةَ وَاجِبَةٌ فِي الصَّلَاةِ وَلِمَنْ شَرَعَ فِيهَا أَنْ يَقْطَعَهَا وَيَأْتِي بِهَا مِنْ أَوَّلِهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ اسْتِقْرَاءُ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَحَلَّ حُرْمَةِ قَطْعِ الْفَرْضِ إذَا كَانَ الْمَاضِي مِنْهُ يَبْطُلُ بِالْقَطْعِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ أَمَّا إذَا كَانَ مَا مَضَى مِنْهُ لَا يَبْطُلُ بِالْقَطْعِ فَلَا يَحْرُمُ كَالْقِرَاءَةِ وَالطَّوَافِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ عَدَمِ حُرْمَةِ الْإِعْرَاضِ عَلَى مَنْ أَنِسَ مِنْ نَفْسِهِ التَّبَحُّرَ فِي الْعُلُومِ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ مُنْفَصِلَةٌ عَمَّا قَبْلَهَا لِأَنَّ تَعْلِيلَهُمْ عَدَمَ الْحُرْمَةِ بِالِانْفِصَالِ مُتَأَتٍّ فِي نَحْوِ الْقِرَاءَةِ وَالطَّوَافِ إذْ كُلُّ جُزْءٍ مِنْهُمَا مُنْفَصِلٌ عَمَّا قَبْلَهُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يُكْرَهُ شِرَاءُ الْجَوَارِي لِلْمُحْرِمِ وَلَوْ بِقَصْدِ التَّسَرِّي؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ عَرَضِيٌّ لَا ذَاتِيٌّ بِخِلَافِهِ فِي النِّكَاحِ وَلِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَدْخُلُ وَقْتُهُ بِمُجَرَّدِ الشِّرَاءِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ بِخِلَافِهِ فِي النِّكَاحِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَضُرَّ قَصْدُهُ. (وَسُئِلَ) فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِمَا صَوَّرْته هَلْ إذَا اسْتَطَاعَ إنْسَانٌ الْحَجَّ وَمَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ وَخَلَّفَ تَرِكَةً وَقُلْتُمْ يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ فَقَالَتْ الْوَرَثَةُ لَمْ يَجِبْ الْحَجُّ عَلَيْهِ لِزِيَادَةِ الْمَرَاحِلِ فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ فِي ذَلِكَ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَجُّ وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ لَمْ يَعْرِفْ الْمَسْأَلَةَ وَإِذَا عَلِمَ إنْسَانٌ أَنَّ الْوَرَثَةَ لَمْ يَهْتَدُوا لِلْحَجِّ عَنْهُ لِعَدَمِ فِعْلِ ذَلِكَ بِبَلَدِهِمْ وَعَدَمِ إقَامَةِ الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ وَتَحَكُّمِ الْعَادَةِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يُعْلِمَهُمْ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ لِيَخِفَّ عَنْهُمْ الْإِثْمُ وَإِذَا كَانَ الْمَيِّتُ لَمْ يَعْرِفْ الْمَسْأَلَةَ وَأَخَّرَ الْحَجَّ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَهَلْ يَكُونُ عَاصِيًا وَهَلْ تَجْرِي الْمَسْأَلَةُ فِي الْمَعْضُوبِ كَذَلِكَ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا اسْتَطَاعَ إنْسَانٌ الْحَجَّ وَمَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ وَجَبَ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَزِيَادَةُ السَّفَرِ عَلَى السَّيْرِ الْمُعْتَادِ إنَّمَا تَمْنَعُ الْوُجُوبَ وَالْعِصْيَانَ بِالْمَوْتِ لَا الِاسْتِقْرَارِ فِي الذِّمَّةِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ قَادِرًا أَوْ يُعْضَبَ قَبْلَ مَوْتِهِ لَكِنْ مَتَى تَمَكَّنَ الْمَعْضُوبُ مِنْ الِاسْتِنَابَةِ فَأَخَّرَهَا مَاتَ عَاصِيًا فَاسِقًا وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ تَعْلَمُ الْجَوَابَ عَنْ جَمِيعِ مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَ بِعُلُومِهِ بِمَا صُورَتُهُ الطَّوَافُ تَحِيَّةً لِلْبَيْتِ أَوْ لِلْمَسْجِدِ وَإِذَا طَافَ ثُمَّ دَخَلَ الْبَيْتَ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ التَّحِيَّةَ لِأَنَّهُ لِرُؤْيَةِ الْبَيْتِ لَا لِدُخُولِهِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ كَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَأَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ تَحِيَّةٌ لِلْبَيْتِ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَإِنَّمَا

نَأْمُرُهُ بَعْدَ الطَّوَافِ بِصَلَاةِ التَّحِيَّةِ لِأَجْلِ الْمَسْجِدِ لِدُخُولِهَا فِي سُنَّةِ الطَّوَافِ كَمَا لَوْ صَلَّى مَكْتُوبَةً وَلِأَنَّ الْقَصْدَ أَنْ لَا يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ لَاهِيًا فَإِذَا طَافَ زَالَ هَذَا الْمَعْنَى فَإِنْ قِيلَ هَلَّا أَسْقَطْتُمْ سُنَّةَ الطَّوَافِ إذَا بَدَأَ بِالْفَرْضِ فِيهِ مَعَ جَمَاعَةٍ كَمَا تَسْقُطُ التَّحِيَّةُ بِذَلِكَ قُلْت لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَالطَّوَافَ جِنْسَانِ فَلَمْ يَتَدَاخَلَا وَرَكْعَتَا التَّحِيَّةِ وَالْمَكْتُوبَةِ جِنْسٌ فَتَدَاخَلَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَعَلَى مَا مَرَّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ بِرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ مَعَهُ التَّحِيَّةِ أَيْ لِيَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُهَا قَالَ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ فِيمَا مَرَّ أَنَّهُ لَوْ جَلَسَ بَعْدَ الطَّوَافِ مِنْ غَيْرِ صَلَاةِ فَاتَتْ التَّحِيَّةُ وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ. وَلَا وَجْهَ لِلنَّظَرِ حَيْثُ سَلِمَ مَا ذَكَرُوهُ مِمَّا مَرَّ قَالَ وَلَوْ طَافَ وَصَلَّى ثُمَّ دَخَلَ الْكَعْبَةَ فَهَلْ نَقُولُ حَصَلَتْ تَحِيَّتُهَا بِالطَّوَافِ لِتَعْلِيلِهِمْ السَّابِقِ أَمْ لَا بَلْ ذَاكَ تَحِيَّةُ رُؤْيَتِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَحِيَّةٍ لِدُخُولِهَا فِيهِ نَظَرٌ وَرَجَّحَ فِي قَوَاعِدِهِ الْأَوَّلَ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْمَسَاجِدَ الْمُتَّصِلَةَ لَهَا حُكْمُ الْوَاحِدِ وَقَدْ صَلَّى عَنْ الْأَوَّلِ فَلَا يُصَلِّي لِلثَّانِي قَالَ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ تَحِيَّةٌ لِلرُّؤْيَةِ عَجِيبٌ وَإِنَّمَا هُوَ تَحِيَّةُ الْبَيْتِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْأَجِيرِ فِي الْحَجِّ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ السَّعْيُ مِنْ بَلَدِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ وَهَلْ قَالَ أَحَدٌ أَنَّ الْمَكِّيَّ أَوْ الْآفَاقِيَّ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ أَجِيرًا فِي الْحَجِّ عَنْ مَيِّتٍ غَائِبٍ عَنْ بَلَدِ الْأَجِيرِ وَهَلْ لِلْآفَاقِيِّ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَقْبَلُ لَهُ عَقْدَ الْإِجَارَةِ الْعَيْنِيَّةِ فِي الْحَجِّ وَهُوَ غَائِبٌ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْأَجِيرُ إمَّا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْإِجَارَةِ بِبَلَدِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ فَقَطْعُ الْمَسَافَةَ حِينَئِذٍ إلَى الْمِيقَاتِ ضَرُورِيٌّ وَإِنْ كَانَ كَمَا فِي النِّهَايَةِ غَيْرَ مَقْصُودٍ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْحَجُّ وَهُوَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِهِ فَهُوَ مِنْ عَمَلِ الْأَجِيرِ فَلَوْ أَسَاءَ الْأَجِيرُ فَأَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ لَزِمَهُ الْحَطُّ مِنْ الْأُجْرَةِ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ الْأُجْرَةَ مُوَزَّعَةٌ عَلَى السَّيْرِ وَأَعْمَالِ الْحَجِّ التَّفَاوُتُ بَيْنَ حَجَّةِ مِنْ بَلَدِ الْإِجَارَةِ إحْرَامُهَا مِنْ الْمِيقَاتِ وَحَجَّةٍ مِنْهَا إحْرَامُهَا مِنْ مَكَّةَ فَإِذَا كَانَتْ أُجْرَةُ الْأُولَى مِائَةٌ وَالثَّانِيَةِ ثَمَانِينَ حُطَّ خُمْسُ الْمُسَمَّى وَنَظَرَ الزَّرْكَشِيُّ فِيمَا إذَا صَرَفَ الْأَجِيرُ السَّيْرَ إلَى مَقْصِدٍ لَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ هَلْ يَحُطُّ مِنْ الْأُجْرَةِ مَا يُقَابِلُ السَّيْرَ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الْأُجْرَةَ مُوَزَّعَةٌ عَلَى السَّيْرِ وَالْعَمَلِ أَمْ لَا وَلَمْ يُرَجِّحْ شَيْئًا وَلَكِنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ خِلَافًا لِمَنْ رَجَّحَ الثَّانِي. وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ عَنْ نَفْسِهِ وَبِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ عَنْ مُسْتَأْجِرِهِ حُسِبَ لَهُ فِي التَّوْزِيعِ قَطْعُ الْمَسَافَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ الْحَجُّ مِنْ الْمِيقَاتِ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ الْعُمْرَةُ اهـ فَظَاهِرُ عِلَّتِهِمْ أَنَّهُ لَوْ مَحْضُ قَصْدِهِ لِعُمْرَتِهِ لَمْ تُحْسَبْ لَهُ الْمَسَافَةُ إلَى الْمِيقَاتِ وَقِيَاسُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا مَا ذَكَرْنَاهُ وَكَوْنُ السَّيْرِ إلَى مَا قَبْلَ الْمِيقَاتِ تَابِعًا لَا يَقْتَضِي عَدَمَ النَّظَرِ إلَيْهِ بَلْ هُوَ مَنْظُورٌ إلَيْهِ وَمِنْ ثَمَّ أَدْخَلُوهُ فِي التَّوْزِيعِ فَاشْتُرِطَ أَنْ لَا يَصْرِفَهُ الْأَجِيرُ إلَى غَرَضِ غَيْرِ غَرَضِ الْمُسْتَأْجِرِ فَاتُّجِهَ تَرْجِيحُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْمِيقَاتِ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَلَدِ الْمُسْتَأْجِرِ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ قَطْعُ الْمَسَافَةِ مِنْ مَحِلِّهِ فَقَطْ وَلَمْ نَعْلَمْ قَائِلًا بِمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ. وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي تَعَيُّنِ مِيقَاتِ بَلَدِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ وَحَاصِلُ مَا فِي التَّتِمَّةِ أَنَّهُ إذَا سَلَكَ غَيْرَ طَرِيقِ بَلَدِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ مِيقَاتُ طَرِيقِهِ أَبْعَدَ فَقَدْ زَادَ خَيْرًا أَوْ أَقْرَبَ إلَى مَكَّةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الشَّرْعَ سَوِيٌّ بَيَّنَ الْمَوَاقِيتَ قِيلَ وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَا يُوَافِقُهُ لَكِنَّ الَّذِي يَقْتَضِيه كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا خِلَافُهُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ فَعَلَيْهِ لَوْ اُسْتُؤْجِرَ مَكِّيٌّ عَنْ آفَاقِيٍّ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ الْمُسْتَأْجِرُ مِيقَاتًا فَأَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ أَسَاءَ وَلَزِمَهُ دَمٌ وَتَوْكِيلُ الْآفَاقِيِّ الْمَذْكُورِ صَحِيحٌ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إنْ تَمَكَّنَ الْمُوَكَّلُ مِنْهُ فِيمَا بَقِيَ مِنْهَا وَقَبْلَهَا إنْ وَقَعَ الْعَقْدُ وَقْتَ اعْتِيَادِ النَّاسِ السَّفَرَ وَأَمْكَنَ سَيْرُ الْمُوَكَّلِ مَعَهُمْ بِأَنْ تَيَسَّرَ إعْلَامُهُ قَبْلَ سَفَرِهِمْ أَوْ عَيَّنَ هُوَ ذَلِكَ الْوَقْتَ لِيَعْقِدَ لَهُ فِيهِ وَيَأْخُذَ هُوَ فِي التَّأَهُّبِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِمَا لَفْظُهُ وَرَدَ: «يَنْزِلُ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عِشْرُونَ وَمِائَةُ رَحْمَةٍ سِتُّونَ مِنْهَا لِلطَّائِفِينَ بِالْبَيْتِ وَأَرْبَعُونَ لِلْعَاكِفِينَ حَوْلَ الْبَيْتِ وَعِشْرُونَ لِلنَّاظِرِينَ إلَى الْبَيْتِ» أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ «يَنْزِلُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ مَسْجِدِ مَكَّةَ كُلَّ يَوْمٍ عِشْرُونَ وَمِائَةٌ» الْحَدِيثُ لَكِنْ قَالَ فِيهِ وَأَرْبَعُونَ لِلْمُصَلِّينَ وَلَمْ يَقُلْ لِلْعَاكِفِينَ أَخْرَجَهُ الْأَزْرَقِيُّ وَغَيْرُهُ فَمَا الْمُرَادُ بِالْبَيْتِ وَهَلْ

الْقِسْمَةُ بِحَسَبِ قِلَّةِ الْعَمَلِ وَكَثْرَتِهِ وَهَلِ الْمُرَادُ الْمُصَلِّينَ سُنَّةَ الطَّوَافِ أَوْ أَعُمَّ اُبْسُطُوا الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ وَعَنْ غَيْرِهِ مِمَّا يُفْهِمُهُ الْحَدِيثَانِ أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِمَسْجِدِ مَكَّةَ الْبَيْتُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى مَسْجِدًا وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَسْجِدُ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَمَا قَالَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالتَّنْزِيلِ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ التَّنْزِيلُ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ وَلِهَذَا قُسِمَتْ عَلَى أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ الْكَائِنَةِ فِيهِ وَقَوْلُهُ سِتُّونَ لِلطَّائِفِينَ إلَخْ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ حَيْثُ أَتَى كُلٌّ مِنْهُمْ بِمُسَمَّى الطَّوَافِ أَوْ الصَّلَاةِ أَوْ النَّظَرِ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى قِلَّةِ الْعَمَلِ أَوْ كَثْرَتِهِ وَمَا زَادَ فَلَهُ ثَوَابٌ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَيُحْتَمَلُ قِسْمَتُهَا بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ الْعَمَلِ. وَالْمُتَّجَهُ عِنْدِي الْأَوَّلُ لِأَنَّ الطَّائِفِينَ مَثَلًا جَمْعٌ مُحَلَّى بِأَلْ فَهُوَ عَامٌّ وَمَدْلُولُهُ كُلِّيَّةً أَيْ مَحْكُومٌ فِيهَا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ فَالسِّتُّونَ مَحْكُومٌ بِهَا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ مِنْ الطَّائِفِينَ فَحَيْثُ أَتَى وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِمُسَمَّى الطَّوَافِ شَرْعًا حَصَلَ لَهُ السِّتُّونَ لَكِنْ مَنْ أَتَى بِالْأَكْثَرِ أَوْ قَارَنَ عَمَلَهُ كَمَالٌ خَلَى عَنْهُ عَمَلُ الْآخِرِ تَكُونُ رَحَمَاتُهُ أَكْمَلُ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّ الْخَمْسَةَ أَوْ السَّبْعَةَ وَالْعِشْرِينَ دَرَجَةً الْمُتَرَتِّبَةَ عَلَى صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ تَحْصُلُ لِكُلِّ مُصَلٍّ فِي جَمَاعَةٍ قُلْت أَوْ كَثُرَتْ لَكِنْ دَرَجَاتِ الْأَكْثَرِ أَكْمَلُ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمُصَلِّينَ وَالنَّاظِرِينَ ثُمَّ الرَّحَمَاتُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ نَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ كَالْمَغْفِرَةِ وَالْحِفْظِ وَالرِّضَا وَالْقُرْبِ إذْ الرَّحْمَةُ الْعِطْفُ فَتَارَةً تَكُونُ بِإِسْدَاءِ نِعْمَةٍ وَتَارَةً تَكُونُ بِدَفْعِ نِقْمَةٍ وَكِلَاهُمَا يَتَنَوَّعَانِ إلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته قَوْلُ الْقُطْبِ الْقَسْطَلَّانِيِّ. وَلَيْسَ هَذَا الْعَدَدُ جُزْءًا مِنْ الرَّحْمَةِ الْمَبْثُوثَةِ فِي الْأَرْضِ الْمَقْسُومَةِ بَيْنَ الْأَنَامِ بَلْ هُوَ غَيْرُهَا فَإِنَّهُ يَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ تَشْرِيفًا لِأَهْلِ الْحَرَمِ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ قَالَ ثُمَّ أَنَّ هَذَا الثَّوَابَ هَلْ يَتَجَزَّأُ عَلَى كُلِّ عَامِلٍ بِحَسَبِ كَثْرَةِ الْعَمَلِ وَقِلَّتِهِ أَوْ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُقِلُّ وَالْمُكْثِرُ فَيَحْصُلُ لِلطَّائِفِ وَلَوْ أُسْبُوعًا وَمُصَلٍّ وَلَوْ رَكْعَةً وَنَاظِرٍ وَلَوْ لَمْحَةً وَهَلْ يَتَكَرَّرُ الْعَمَلُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَلَى تَعَاقُبِ الْأَوْقَاتِ أَمْ يَخْتَصُّ بِأَوَّلِ عَمَلٍ وَالْبَاقِي تَابِعٌ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى طَوَافِ النُّسُكِ وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ أَوْ يَخْتَصُّ بِالْوَافِدِينَ الَّذِي يَظْهَرُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّهُ يَشْتَرِكُ فِيهِ كُلُّ عَامِلٍ مِنْ سَابِقٍ وَلَاحِقٍ وَمُقِلٍّ وَمُكْثِرٍ وَمُقْرِنٍ وَمُفْرِدٍ فَيَنَالُ كُلٌّ مِنْهُمْ ذَلِكَ الْعَدَدَ الْمُعَيَّنَ عَلَى الْعَمَلِ الْمُعَيَّنِ وَمَنْ زَادَ مِنْهُمْ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ زِيَادَةِ عَمَلِهِ فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا اهـ. الْمَقْصُودُ مِنْ كَلَامِهِ لَا يُقَالُ الْحَدِيثُ يَقْتَضِي فَضْلُ الطَّوَافِ عَلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّا نَقُولُ ظَاهِرَهُ وَإِنْ اقْتَضَى ذَلِكَ وَأَخَذَ بِهِ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ مَتْرُوكٌ بِالْأَحَادِيثِ الْكَثِيرَةِ الدَّالَّةِ عَلَى فَضْلِ الصَّلَاةِ وَالْقَوْلِ بِأَنَّ الطَّوَافَ يُسَمَّى صَلَاةً فَهُوَ دَاخِلٌ فِيهَا يُرَدُّ بِأَنَّ هَذِهِ تَسْمِيَةٌ مَجَازِيَّةٌ وَقَعَتْ فِي الْحَدِيثِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ كَالصَّلَاةِ فَحُذِفَ حَرْفُ التَّشْبِيهِ مُبَالَغَةً فِي الْمُشَابَهَةِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَجْهُ الْقِسْمَةِ كَمَا ذُكِرَ أَنَّ الرَّحَمَاتِ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ قُسِمَتْ سِتَّةَ أَجْزَاءٍ جُزْءٌ لِلنَّاظِرِينَ وَجُزْءَانِ لِلْمُصَلِّينَ لِأَنَّ الْمُصَلِّي نَاظِرٌ غَالِبًا فَجُزْءٌ لِلنَّظَرِ وَجُزْءٌ لِلصَّلَاةِ وَالطَّائِفُ لَمَّا كَانَ نَاظِرًا طَائِفًا مُصَلِّيًا كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَجْزَاءٍ اهـ وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَعَرُّضٌ لِفَضْلِ شَيْءٍ مِنْ النَّظَرِ وَالصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ عَلَى شَيْءٍ وَنَظَرَ فِيهِ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّ الْأَعْمَى الطَّائِفَ وَالْمُصَلِّي وَكَذَا الْمُتَعَمِّدَ تَرْكَ النَّظَرِ يَنَالُهُمَا مَا ثَبَتَ لِلطَّائِفِ وَالْمُصَلِّي وَإِنْ لَمْ يَنْظُرَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ غَيْرُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ وَمَا نُظِرَ بِهِ مَدْفُوعٌ بِقَوْلِهِمْ غَالِبًا فَيَلْحَقُ بِهِ مَا جَاءَ عَلَى خِلَافِ الْغَالِبِ إلْحَاقًا لِشَاذِّ الْجِنْسِ بِهِ. (وَسُئِلَ) فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِمَا لَفْظُهُ قَالُوا إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ بِعَرَفَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَالُوا أَيْضًا إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تُوُفِّيَ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَهَذَا مُسْتَحِيلٌ إذْ لَوْ فُرِضَ كَمَالُ الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ وَصَفَرٍ كَانَ ثَانِي رَبِيعٍ الْأَحَدِ فَكَيْفَ إذَا فُرِضَ نَقْصُهَا أَوْ نَقْصُ أَحَدِهَا فَهَلْ يُمْكِنُ الْجَوَابُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُمْكِنُ تَصَوُّرُ ذَلِكَ بِأَنْ يَفْرِضَ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ رَأَوْا هِلَالَ الْحِجَّةِ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ رَأَوْهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاتَّفَقَا فِي هِلَالِ الْمُحَرَّمِ وَصَفَرٍ وَرَبِيعٍ فَقَوْلُهُمْ وَقَفَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِاعْتِبَارِ حِسَابِ أَهْلِ مَكَّةَ وَقَوْلُهُمْ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ بِاعْتِبَارِ

حِسَابِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَوْلِهِمْ الْقِرَاءَةُ فِي الطَّوَافِ أَفْضَلُ مِنْ الذَّكَرِ غَيْرِ الْمَأْثُورِ وَالْمَأْثُورُ أَفْضَلُ مِنْهَا مَا الْمُرَادُ بِالْمَأْثُورِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُرَادُ بِهِ كَمَا قِيلَ مَا أُثِرَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَوْ التَّابِعِينَ لَكِنْ فِي كَوْنِ الْمَأْثُورِ عَنْ صَحَابِيٍّ مَثَلًا أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَاءَةِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ هَذَا الْمَحَلَّ لَمَّا كَانَ بِالدُّعَاءِ وَنَحْوِهِ أَلِيقَ مِنْهُ بِالْقِرَاءَةِ وَلِذَا كَرِهَهَا بَعْضُهُمْ فِيهِ مُطْلَقًا قَدَّمُوا الْمَأْثُورَ وَلَوْ عَنْ صَحَابِيٍّ عَلَيْهَا رِعَايَةً لِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَأْثُورَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَصِحَّ سَنَدُهُ أَوْ لَا لِأَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ وَالْمُرْسَلَ وَالْمُنْقَطِعَ يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْمَجْمُوع. (وَسُئِلَ) نَفَّعَ اللَّه بِهِ عَمَّنْ نَذَرَ الْحَجّ مَاشِيًا فَرَكِّبْ لَزِمَهُ دَم مَعَ أَنَّهُ فَعَلَ الْأَفْضَل فَمَا وَجْه ذَلِكَ وَمَا الْمُرَاد بِالدَّمِ هُنَا وَلَمْ وَجَبَ مَعَ أَنَّ مُخَالِفَة الْمَنْذُور فِي غَيْر ذَلِكَ تَقْتَضِي الْإِثْم فَقَطْ وَهَلْ يَتَكَرَّر الدَّم بِتَكَرُّرِ الرُّكُوب قِيَاسًا عَلَى اللُّبْس فِي حَقّ الْمُحْرِم أَوْ يُفَرَّق؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّمَا لَزِمَهُ الدَّم وَإِنَّ فَعَلَ الْأَفْضَل لِأَنَّ الْمَشْي فِيهِ مَشَقَّة مَقْصُودَة لِلشَّارِعِ أَيْضًا فَوَجَبَتْ رِعَايَتهَا لِأَنَّ الْأَفْضَل خَلَا عَنْهَا بَلْ وَرَدَ فِي فَضْلهَا مَا اقْتَضَى ذَهَابَ كَثِيرٍ إلَى أَنَّ الْمَشْيَ أَفْضَلُ وَأَيْضًا فَأَفْضَلِيَّةُ الرُّكُوبِ لَيْسَتْ لِذَاتِهِ بَلْ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّأَسِّي بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّهُ أَعْوَنُ عَلَى الْحُضُورِ فِي الْأَذْكَارِ وَالْعِبَادَاتِ فَوَجَدَ فِي كُلِّ شَيْءٍ مَقْصُودٍ لَيْسَ فِي الْآخَرِ فَلَمْ يُجَزِّئ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ وَإِذَا تَأَمَّلْت ذَلِكَ حَقَّ التَّأَمُّلِ ظَهَرَ لَك الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَمَا لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ تُجْزِئهُ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْأَفْضَلَ هُنَا اشْتَمَلَ عَلَى مَا فِي الْمَفْضُولِ وَزِيَادَةٍ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ وَالْمُرَادُ بِالدَّمِ هُنَا شَاةٌ. وَإِنَّمَا وَجَبَ الدَّمُ هُنَا مَعَ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ صِفَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالنُّسُكِ فَاقْتَضَتْ مُخَالَفَتُهَا لُزُومَ الدَّمِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا رَكِبَ لِغَيْرِ عُذْرٍ تَكَرَّرَ الدَّمُ مُطْلَقًا أَوْ لِعُذْرٍ فَإِنْ اسْتَمَرَّ الْعُذْرُ لَمْ يَتَكَرَّرْ الدَّمُ بِتَكَرُّرِ الرُّكُوبِ وَإِنْ زَالَ ثُمَّ حَدَثَ عُذْرٌ آخَرُ تَكَرَّرَ بِتَكَرُّرِ الْعُذْرِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظِيرِهِ فِي مَسْأَلَةِ اللُّبْس بِأَنَّ اسْتِدَامَةَ اللُّبْسِ مُمْكِنَةٌ غَالِبًا فَلَا عُذْرَ فِي تَكَرُّرِهِ فَاقْتَضَى تَكَرُّرَ الدَّمَ بِشَرْطِهِ وَأَمَّا اسْتِدَامَةُ الرُّكُوبِ فَغَيْرُ مُمْكِنَةٍ فَنَظَرْنَا لِلْعُذْرِ وَلَمْ نَنْظُرْ إلَيْهَا لِاسْتِحَالَتِهَا غَالِبًا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ مَا قَوْلُكُمْ فِي حَدِيثٍ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَحُجَّ وَلَمْ يَحُجَّ مَاتَ إنْ شَاءَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا» اهـ فَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ صَحِيحٌ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَوْ مَوْضُوعٌ وَهَلْ هُوَ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ الْبَعِيدِ مِنْهُمْ وَالْقَرِيبِ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ أَمْ لَا وَإِذَا كَانَ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ وَكَانَ الْمَكَانُ بَعِيدًا وَالشَّخْصُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا يَحْمِلُهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَبَقِيَ عَنْ الْحَجِّ إلَى أَنْ مَاتَ فَهَلْ يَكُونُ لَهُ عُذْرٌ فِي هَذَا الْحُكْمِ أَمْ لَا وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا وَبَقِيَ عَنْ الْحَجِّ إلَى أَنْ مَاتَ فَهَلْ يَكُونُ لَهُ عُذْرٌ فِي تَرْكِهِ الْحَجَّ وَيَخْرُجُ عَنْ هَذَا الْحُكْمِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْحَدِيثُ صَحِيحٌ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ مِنْ قَبِيلِ الرَّأْي فَلَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ عَلَى أَنَّهُ وَرَدَ مَرْفُوعًا مِنْ طُرُقٍ فِي بَعْضِهَا مَقَالٌ وَقَدْ أَخْطَأَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي عَدِّهِ مِنْ الْمَوْضُوعَاتِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ وَعَامٌّ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ لَكِنْ بِشَرْطِ الِاسْتِطَاعَةِ وَمِنْ عَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ الْعَجْزُ عَنْ دَابَّةٍ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ وَكَذَا إذَا كَانَ الطَّرِيقُ مَخُوفًا فَإِذَا تَرَكَ الْحَجَّ لِأَجْلِ تِلْكَ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي هَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ إذَا جَاعِل رَجُلٌ آخَرَ عَلَى أَنْ يَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرَ عَنْ مَيِّتِهِ بِمِائَةٍ مِثْلًا فَفَعَلَ وَجَاعَلَهُ أَيْضًا عَلَى أَنْ يَرُدَّ السَّلَامَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبَيْهِ وَيَدْعُو لَهُ عِنْدَهُمْ فَاسْتَنَابَ غَيْرَهُ فِي الزِّيَارَةِ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ مَا سَمَّى لَهُ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ يَسْتَحِقُّ فَهَلْ فَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يَشْرِطُوا عَلَيْهِ أَنْ يَزُورَ بِنَفْسِهِ أَوْ يُطْلِقُوا وَإِذَا قُلْتُمْ لَا يَسْتَحِقُّ إذَا شَرَطُوا عَلَيْهِ أَنْ يَزُورَ بِنَفْسِهِ فَهَلْ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ تُمْكِنَهُ الزِّيَارَةُ أَوْ لَا تُمْكِنَهُ كَأَنْ تَمْرَضَ أَوْ يُكْمِلَ نَفَقَتَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ إذَا جُوعِلَ

عَلَى الدُّعَاءِ عِنْدِ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَرْتَبِطَ الْعَقْدُ بِعَيْنِهِ لِجَاعِلَتِك أَوْ اسْتَأْجَرْتُك لِتَدْعُوَ لِي أَوْ لِمَيِّتِي عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَوَاءٌ أَقَالَ بِنَفْسِك أَمْ لَمْ يَقُلْهُ وَإِمَّا أَنْ يَرْبِطَ بِذِمَّتِهِ كَأَلْزَمْتُ ذِمَّتَك تَحْصِيلَ الدُّعَاءِ الْمَذْكُورِ فَفِي الْأَوَّلِ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ هَذِهِ السَّنَة أَوْ يُطْلِقَ فَإِنْ عَيَّنَ غَيْرَ السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ سِنِي إمْكَانِ الْوُصُولِ إلَى الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ كَاسْتِئْجَارِ الدَّارِ لِلشَّهْرِ الْقَابِلِ وَيُشْتَرَطُ فِي هَذَا الْقِسْمِ قُدْرَةُ الْأَجِيرِ عَلَى الشُّرُوعِ فِي الْعَمَلِ بِنَفْسِهِ بِأَنْ لَا يَكُونَ ثَمَّ مَانِعٌ لَهُ مِنْ الْخُرُوجِ كَخَوْفٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِمَا وَاتِّسَاعِ الْوَقْتِ لِلْعَمَلِ وَأَنْ يُوجَدَ الْعَقْدُ حَالَ الْخُرُوجِ. فَإِنْ لَمْ يَشْرَعْ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مِنْ عَامِهِ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ فَلَوْ ذَهَبَ فِي الْعَامِ الثَّانِي مَثَلًا إلَى الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ وَدَعَا لَهُ وَقَعَ عَنْ الْمَعْقُودِ لَهُ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ وَقَدْ فَعَلَ لَكِنَّهُ أَسَاءَ هَذَا كُلُّهُ حُكْمُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي فَيَصِحُّ سَوَاءٌ أَعَيَّنَ السَّنَةَ الْحَاضِرَةَ أَوْ سَنَةً مُسْتَقْبَلَةً فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا حُمِلَ عَلَى الْحَاضِرَةِ فَيَبْطُلُ إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَلَا يُشْتَرَطُ قُدْرَتُهُ عَلَى السَّفَرِ بِنَفْسِهِ بَلْ لَهُ الِاسْتِنَابَةُ وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ وَمَتَى أَخَّرَ الشُّرُوعَ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ عَنْ الْعَامِ الَّذِي تَعَيَّنَ لَهُ تَخَيَّرَ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ الْمُجَاعَلُ لَهُ عَلَى التَّرَاخِي فَإِنْ شَاءَ فَسَخَ وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَ إلَى الْعَامِ الثَّانِي وَيَجِبُ عَلَى مَنْ اسْتَأْجَرَ أَوْ جَاعَلَ بِمَالِ مَيِّتٍ أَنْ يَعْمَلَ فِي الْفَسْخِ وَعَدَمِهِ بِالْمَصْلَحَةِ وَبِمَا تَقَرَّرَ فِي هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ تَرْدِيدَاتِ السَّائِلِ الَّتِي ذَكَرَهَا. (وَسُئِلَ) فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَمَّنْ أَوْصَى بِحَجَّةٍ ثُمَّ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ هَلْ تَنْزِلُ وَصِيَّتُهُ عَلَيْهَا مَعَ الْإِطْلَاقِ فَتَسْقُطُ بِفِعْلِهِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ الشَّيْخِ الْعَلَّامَةِ تَقِيِّ الدِّينِ الْفَتَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَنْزِلُ عَلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ أَفْتَى فِيمَنْ أَوْصَى بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِعَشْرَةٍ مَثَلًا فَحَجَّ عَنْهُ آخَرُ تَبَرُّعًا بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ وَتَرْجِعُ الْوَرَثَةُ بِمَا أَوْصَى بِهِ وَيُحْمَلُ لَفْظُهُ عَلَى الْفَرْضِ وَقَدْ تَعَذَّرَ تَنْجِيزُهَا فَلَغَتْ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ فِي مَبْحَثِ الرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ أَنَّ الْحَجَّةَ الْمُوصَى بِهَا بَاقِيَةٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَمْثِلَةً لِلرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِالْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ وَكُلُّهَا تَرْجِعُ إلَى مَعْنَيَيْنِ إمَّا زَوَالُ الِاسْمِ أَوْ الْإِشْعَارُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ الْوَصِيَّةِ. وَوَاضِحٌ أَنَّ زَوَالَ الِاسْمِ لَمْ يُوجَدْ وَأَمَّا الْإِشْعَارُ بِالْإِعْرَاضِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ هُنَا أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ كَمَا اقْتَضَاهُ فَحْوَى كَلَامِهِمْ إلَّا إذَا وَقَعَ التَّصَرُّفُ فِي عَيْنِ الْمُوصَى بِهِ وَهُوَ هُنَا لَمْ يَقَعْ فِي عَيْنِ الْمُوصَى بِهِ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْحَجَّةِ يَشْمَلُ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَغَيْرَهَا عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَقَعُ فِي عَيْنِ الْمُوصَى بِهِ وَلَا يُؤَثِّرُ لِأَنَّهُ عَارَضَهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُؤَثِّرْ نَحْوَ التَّجْفِيفِ وَالتَّزْوِيجِ وَالْإِيجَارِ وَالِاسْتِعْمَالِ لِأَنَّهُ إمَّا انْتِفَاعٌ أَوْ اسْتِصْلَاحٌ مَحْضٌ وَكِلَاهُمَا لَيْسَ قَوِيًّا فِي الْإِشْعَارِ بِالْإِعْرَاضِ فَكَذَلِكَ حَجُّهُ هُنَا لَيْسَ قَوِيًّا فِي ذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ كَثِيرًا مَا يَقْصِدُونَ إكْثَارَ الْحَجِّ وَإِنْفَاقَ أَمْوَالِهِمْ فِيهِ وَإِنْ حَجُّوا حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الصُّورَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا وَمَا أَفْتَى بِهِ الْفَتَى بِأَنَّ الْمُوصِي فِيهَا مَاتَ قَبْلَ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ وَنَائِبِهِ فَوَجَبَ حِينَئِذٍ انْصِرَافُ الْوَصِيَّةِ إلَى حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِتَعَيُّنِهَا وَعَدَمِ جَوَازِ غَيْرِهَا عَنْهُ قَبْلَهَا فَلَمَّا تَبَرَّعَ عَنْهُ بِهَا سَقَطَتْ عَنْهُ وَتَعَذَّرَ تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِ بِهَا فَأُلْغِيَتْ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّهُ حَجَّ بِنَفْسِهِ وَالْمُوصَى بِهِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ عِنْدَ الْمَوْتِ لَيْسَ عَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ فَانْصَرَفَ الْمُوصَى بِهِ إلَى غَيْرِهَا وَوَجَبَ الْإِحْجَاجُ عَنْهُ مِنْ ثُلُثِهِ مُسَارَعَةً لِغَرَضِهِ مِنْ تَحْصِيلِ هَذِهِ الْقُرْبَةِ الْعَظِيمَةِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ اُسْتُؤْجِرَ لِلْحَجِّ مُفْرِدًا إجَارَةً عَيْنِيَّةً وَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ حَالُهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَقَرَنَ مَثَلًا فَهَلْ تَبْرَأُ ذِمَّةُ الْمُسْتَأْجِرِ بِذَلِكَ مِنْ النُّسُكَيْنِ إذَا أَتَى الْأَجِيرُ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ أَوْ لَا تَبْرَأُ ذِمَّةُ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجِيرُ شَيْئًا لِلشَّكِّ فِي حُصُولِ الْعَمَلِ الْمَشْرُوطِ فِي الْإِجَارَةِ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَصْحَابُ أَنَّ مَنْ اُسْتُؤْجِرَتْ عَيْنُهُ لِيُفْرِدَ فَقَرَنَ فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَنْ حَيٍّ انْفَسَخَتْ فِي النُّسُكَيْنِ مَعًا لِأَنَّهُمَا لَا يَفْتَرِقَانِ لِاتِّحَادِ الْإِحْرَامِ وَلَا يُمْكِنُ صَرْفُ مَا لَمْ يَأْمَرْ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ عَنْ مَيِّتٍ وَقَعَ لِلْمَيِّتِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيِّ التَّبَرُّعُ عَنْهُ بِهَا مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ وَلَا إذْنٍ قَالَ السُّبْكِيّ وَهَذَا صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ الْوُقُوعِ عَنْ الْفَرْضِ وَأَمَّا

كَوْنُهُ عَنْ جِهَةِ الْإِجَارَةِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ كَالْحَيِّ وَبَيَّنَ فَائِدَةَ ذَلِكَ وَمَا يُنَاسِبُهُ كَمَا ذَكَرْته مُوَجِّهًا لَهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ عَلِمْت أَنَّ مَنْ اُسْتُؤْجِرَتْ عَيْنُهُ لِلْإِفْرَادِ فَأَحْرَمَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوْ بِالْعُمْرَةِ أَوْ بِهِمَا ثُمَّ جَعَلَ نَفْسَهُ قَارِنًا فَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ لِمَيِّتٍ بَرِئَ مِنْ الْحَجِّ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ دُونَ الْعُمْرَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوَّلًا فَلَا تَدْخُلُ الْعُمْرَةُ عَلَيْهِ فَإِذَا أَحْرَمَ عَنْهُ بِهَا بَعْدَ فَرَاغِ مَا هُوَ فِيهِ وَقَعَتْ لَهُ أَيْضًا وَحِينَئِذٍ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ وَهُوَ الْإِفْرَادُ عَلَى احْتِمَالٍ أَوْ لَا يَسْتَحِقُّهَا لِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ أَنَّهُ أَتَى بِالْعَمَلِ الَّذِي اُسْتُؤْجِرَ لَهُ لِلنَّظَرِ فِي ذَلِكَ مَجَالٌ وَلَعَلَّ الْأَوْجَهَ الْأَوَّلُ لِأَنَّا قَدْ تَحَقَّقْنَا انْعِقَادِ الْإِجَارَةِ ثُمَّ شَكَكْنَا بَعْدَ قِرَانِهِ هَلْ وُجِدَ الْقِرَانُ حَقِيقَةً بِأَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ بِهِمَا أَوَّلًا أَوْ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْحَجَّ فَتَنْفَسِخ الْإِجَارَةُ فِيهِمَا مِنْ حَيْثُ الْأُجْرَةِ لِمَا مَرَّ عَنْ السُّبْكِيّ أَمْ لَمْ يُوجَدْ بِأَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوَّلًا فَلَا يَنْفَسِخُ وَالثَّانِي أَقْرَبُ لِأَنَّ الْأَصْلُ عَدَمُ وُجُودِ خُصُوصِ الْقِرَانِ وَدَوَامُ الْإِجَارَةِ إذْ الِانْفِسَاخُ طَارِئٌ عَلَى الْعَقْدِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ طَرَّوْهُ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ أَجِيرَ الْعَيْنِ إنَّمَا يَحْرُمُ بِمَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ لَا بِغَيْرِهِ فَهَذَا كُلُّهُ يُرَجِّحُ الِاسْتِحْقَاقَ. وَإِنْ كَانَتْ لِحَيٍّ لَمْ يَقَعْ لَهُ وَاحِدٌ مِنْ النُّسُكَيْنِ وَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا مِنْ الْأُجْرَةِ فِيمَا يَظْهَرُ أَيْضًا لِأَنَّا لَمَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ مَا أَحْرَمَ بِهِ الْأَجِيرُ كُنَّا بَعْدَ قِرَانِهِ شَاكِّينَ فِي أَنَّهُ أَتَى بِالْعَمَلِ الْمُسْتَأْجَرِ لَهُ بِأَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَوَّلًا فَيَكُونَ قِرَانُهُ لَغْوًا أَوْ لَمْ يَأْتِ بِهِ بِأَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ أَوَّلًا بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجَّ فَتَنْفَسِخَ الْإِجَارَةُ وَيَقَعَانِ لَهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ إتْيَانِهِ بِمَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ وَلَا يُعَارِضُهُ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ انْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِهَذَا الْأَصْلِ لِأَنَّ بَقَاءَهَا مَعَ عَدَمِ تَيَقُّنِ إتْيَانِ الْأَجِيرِ بِالْعَمَلِ الْمُسْتَأْجَرِ لَهُ لَا يُفِيدُ شَيْئًا وَفَارَقَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ صُورَةَ الْمَيِّتِ السَّابِقَةِ بِأَنَّا هُنَاكَ تَيَقَّنَّا وُقُوعَ النُّسُكَيْنِ لِلْمُسْتَأْجَرِ لَهُ وَشَكَكْنَا هَلْ عَرَضَ مَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَ الْأَجِيرِ لِلْأُجْرَةِ وَهُوَ الْقِرَانُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ عُرُوضِهِ وَلَمْ يُعَارِضْ هَذَا الْأَصْلَ ثَمَّ شَيْءٌ يُقَاوِمُهُ وَهُنَا لَمْ يُتَيَقَّنْ وُقُوعُهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ بَلْ شَكَكْنَا هَلْ وَقَعَ لَهُ أَوْ لَا وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُقُوعِهِمَا وَلَمْ يُعَارِضْ هَذَا الْأَصْلَ مَا يُقَاوِمُهُ فَعَلِمْنَا بِأَقْوَى الْأَصْلَيْنِ فِي الصُّورَتَيْنِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي الْآنَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا إذَا شَرَطَ الْمُحْرِمُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ التَّحَلُّلَ بِنَفْسِ الْمَرَضِ فَبِمَاذَا يَصِيرُ حَلَالًا بِمُبِيحِ التَّيَمُّمِ أَوْ بِمُبِيحِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ أَوْ بِمَا لَا يُمْكِنُ الْإِتْيَانُ بِشَيْءٍ مَعَهُ مِنْ أَعْمَالِ النُّسُكِ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ قَدْ بَيَّنْت فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ أَنَّ ضَابِطَ الْمَرَضِ الْمُبِيحِ لِلتَّيَمُّمِ وَالْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ وَاحِدٌ وَمِثْلُهُمَا التَّحَلُّلُ بِهِ لِمَنْ شَرَطَهُ فَمَتَى وُجِدَ مُبِيحُ التَّيَمُّمِ جَازَ التَّحَلُّلُ وَمَتَى لَا فَلَا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ مَقَالَةٍ صَدَرَتْ مِنْ بَعْضِ مُتَفَقِّهَةِ الْيَمَنِ بِأَنْ قَالَ إنَّ بِقَاعَ الْأَرْضِ لَا يَفْضُلُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَإِنَّ مَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ مِثْلَ غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ بِقَاعِ الْأَرْضِ وَلَمْ يَأْتِ بِدَلِيلٍ عَلَى مَقَالَتِهِ فَتَعَيَّنَ الْبَحْثُ عَمَّا هُوَ الْحَقُّ فَهَلْ بِقَاعُ الْأَرْضِ يُفَضَّلُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضِ أَمْ لَا وَهَلْ مَكَّةُ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى شُرِّفَتْ لِذَاتِهَا أَمْ لِمَاذَا وَهَلْ طِيبَةُ شُرِّفَتْ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْ بِمَاذَا وَهَلِ الْمُدُنُ أَيْ الْأَمْصَارُ تُفَضَّلُ عَلَى الْقُرَى أَمْ لَا وَهَلْ أَمَاكِنُ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ مِثْلُ الْمَدَارِسِ وَالزَّوَايَا وَالرُّبُطُ تَلْتَحِقُ بِالْمَسَاجِدِ فِي الْفَضْلِ وَالِاحْتِرَامِ أَمْ دُونَهَا أَمْ لَا فَضْلَ لَهَا وَهَلِ الْمَوَاضِعُ الَّتِي نَزَلَ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَقُبَاءَ وَبَدْرٍ وَسَائِرِ الْأَمَاكِنِ الَّتِي نَزَلَهَا دَائِمَةُ الْفَضْلِ أَمْ ارْتَفَعَ الْفَضْلُ وَالْحُرْمَةُ لَهَا بِارْتِحَالِهِ مِنْهَا وَهَلْ إذَا شُرِّفَتْ الْبُقْعَةُ لِأَجْلِ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ ثُمَّ ارْتَحَلُوا عَنْهَا يَرْتَفِعُ فَضْلُهَا أَمْ لَا وَهَلْ تَعَبُّدُنَا بِالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لِمَزِيدِ فَضْلِهَا أَمْ لِمَاذَا وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَمَاكِنِ النُّسُكِ كَالْمَوَاقِيتِ الَّتِي لِلْإِحْرَامِ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَغَيْرِهَا أَفْتَوْنَا بِمَا أَمْكَنَ مِنْ الدَّلَائِلِ وَالتَّعْلِيلِ فَالْقَضِيَّةُ وَاقِعَةٌ. (فَأَجَابَ) فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِقَوْلِهِ مَا نُسِبَ لِذَلِكَ الْقَائِلِ قَدْ خَالَفَ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَاتَّصَفَ بِسَبَبِهِ بِأَقْبَحِ الْكَذِبِ وَالِابْتِدَاعِ وَلِمَ لَا وَتَفْضِيلُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ عَلَى مَا عَدَاهُمَا أَوْضَحُ مِنْ الشَّمْسِ بَلْ وَأَظْهَرُ وَأَشْهُرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَيِّهِمَا أَفْضَلُ وَمَكَّةُ هِيَ الْأَفْضَلُ عِنْدَ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ

- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ فِي ذَلِكَ الَّتِي لَا تَقْبَلُ التَّأْوِيلَ عِنْدَ مِنْ أُلْهِمَ رُشْدَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ مِنْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ فِرَاقِهِ لِمَكَّةَ «وَاَللَّهِ إنَّكِ لَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَيَّ وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْت مِنْك قَهْرًا مَا خَرَجَتْ» . وَمِنْهَا «صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ بِمَسْجِدِ مَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ بِمَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَلَاةٌ وَاحِدَةٌ بِمَسْجِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَصَلَاةٌ بِالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ» وَقَدْ أَخَذْت مِنْ ذَلِكَ مَا حَرَّرْته فِي حَاشِيَةِ مَنَاسِكِ النَّوَوِيِّ مِنْ أَنَّ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ بِمَسْجِدِ مَكَّةَ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ أَلْفِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا عَدَا مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى وَنَصُّ كَثِيرِينَ عَلَى أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ اسْتِرْوَاحٍ لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِمْ عَلَى مَا ذَكَرْته مِنْ الْأَحَادِيثِ فَاسْتَفِدْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ نَفِيسٌ وَفِيهِ أَبْلَغُ رَدٍّ عَلَى ذَلِكَ الْمُعَانِدِ بِزَعْمِهِ أَنَّ الْبِقَاعَ كُلَّهَا مُسْتَوِيَةٌ وَفِيهِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سَبَبَ تَفْضِيلِ مَكَّةَ كَثْرَةُ مُضَاعَفَةِ الصَّلَاةِ فِيهَا عَلَى غَيْرِهَا بَلْ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَوْ الْحَسَنِ أَنَّ «حَسَنَةَ الْحَرَمِ بِمِائَةِ أَلْفِ حَسَنَةٍ» أَيْ غَيْرِ الصَّلَاةِ لِمَا مَرَّ فِيهَا. ثُمَّ الْخِلَافُ فِي غَيْرِ التُّرْبَةِ الَّتِي ضَمَّتْ أَعْضَاءَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّا هِيَ فَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ مَكَّةَ إجْمَاعًا بَلْ وَمِنْ السَّمَوَاتِ وَالْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ نَعَمْ قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ الْعَارِفِينَ أَعْنِي الشِّهَابَ السُّهْرَوَرْدِيَّ صَاحِبَ الْعَوَارِفِ إنَّ الطُّوفَانَ مَوَّجَ تِلْكَ التُّرْبَةَ الْمَكْرُمَةَ مِنْ مَحَلِّ الْكَعْبَةِ حَتَّى أَرْسَاهَا بِالْمَدِينَةِ فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ مَكَّةَ وَتَشْرِيفِ طِيبَةَ بَلْ وَتَحْرِيمُ حَرَمِهَا وَإِثْبَاتُ جَمِيعِ مَا لَهُ مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ إنَّمَا هُوَ بِسُؤَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَبِّهِ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَأَمَّا مَكَّةُ فَقِيلَ أَنَّ تَحْرِيمَ حَرَمِهَا إنَّمَا هُوَ بِسُؤَالِ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ أَيْضًا وَالْأَصَحُّ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَمْ تَزَلْ حَرَامًا مُعَظِّمَةً مِنْ يَوْمِ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَالْمَدَنُ مُفَضَّلَةٌ عَلَى الْقُرَى وَالْقُرَى عَلَى الْبَوَادِي مِنْ حَيْثُ ظُهُورِ الدِّينِ وَتَيَسُّرِ تَعْلِيمِهِ وَتَعَلُّمِهِ وَفِعْلُ الْعِبَادَاتِ فِي تِلْكَ أَكْثَرُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ فِي بَابِ اللَّقِيطِ وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ مُضَاعَفَةِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا فَلَا لِمَا مَرَّ أَنَّ مَا عَدَا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ لَا تُضَاعَفُ فِيهِ الصَّلَاةُ نَعَمْ صَحَّ أَنَّ رَكْعَتَيْنِ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ بِعُمْرَةٍ وَلَا يُلْحَقُ بِالْمَسْجِدِ غَيْرُهُ مِمَّا ذُكِرَ نَعَمْ يَتَأَكَّدُ نَدْبُ احْتِرَامِ نَحْوِ الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ وَمَحَالُّ الْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ وَكُلُّ مَحَلٍّ عُلِمَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَزَلَهُ أَوْ صَلَّى فِيهِ فَلَهُ فَضْلٌ عَظِيمٌ عَلَى غَيْرِهِ عَلَى مَمَرِّ الدَّهْرِ فَيَتَأَكَّدُ الِاعْتِنَاءُ بِتَحَرِّي نُزُولِهِ وَالتَّبَرُّكِ بِهِ كَمَا كَانَ ابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بَعْدَ وَفَاتِهِ. - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحِكْمَةُ وُجُوبِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ بَلْ وَأَنَّهُ الْحَجُّ كَمَا فِي الْحَدِيثِ أَيْ مُعْظَمُهُ مَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ اجْتِمَاعِ آدَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَوَّاءَ وَتَعَارُفِهِمَا بِهَا أَوْ مِنْ تَعْرِيفِ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَنَاسِكَ بِهَا فَلِوُقُوعِ ذَلِكَ الِاجْتِمَاعِ الَّذِي هُوَ أَصْلُ وُجُودِ هَذَا الْعُنْصُرِ الْإِنْسَانِيِّ أَوْ ذَلِكَ التَّعْرِيفِ لِتِلْكَ الْعُلُومِ الَّتِي هِيَ أَصْلُ شَرَفِ ذَلِكَ النَّوْعِ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ الْخُرُوجَ مِنْ حَرَمِهِ وَأَمْنِهِ إلَى الْوُقُوفِ بِذَلِكَ الْبَابِ الْجَلِيلِ لِيَبْتَهِلُوا إلَيْهِ فِي إمْدَادِ أَشْبَاحِهِمْ وَأَرْوَاحِهِمْ بِحَيَاتِهِ وَمَعَارِفِهِ الْأَزَلِيَّةِ الْأَبَدِيَّةِ الَّتِي مَا شُرِّفَ عُنْصُرُ الْإِنْسَانِ حَتَّى عَلَى عُنْصُرِ الْمَلَائِكَةِ إلَّا بِهَا فَلِهَذِهِ الْخُصُوصِيَّةِ الْعَظِيمَةِ وَالْمَوْهِبَةِ الْجَسِيمَةِ كَانَ الْوُقُوفُ بِمَحَلِّهَا أَعْظَمُ الْأَرْكَانِ لِلْحَجِّ وَكَانَ كَأَنَّهُ كُلُّ الْحَجِّ فَمِنْ ثَمَّ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَجُّ عَرَفَةَ» فَيَنْبَغِي لِلْوَاقِفِ بِهَا أَنْ يَسْتَحْضِرَ ذَلِكَ الِاجْتِمَاعَ وَذَلِكَ التَّعْرِيفَ لَعَلَّ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ الِاجْتِمَاعُ الْأَكْبَرُ عَلَى رَبِّهِ الْمُسْتَلْزِمِ لَأَنْ يَمُدَّهُ بِعِظَمِ مَوَاهِبِهِ اللَّدُنِّيَّةِ وَمَعَارِفِهِ الْإِلَهِيَّةِ وَقُرْبِهِ الْأَقْدَسِ وَكَرْمِهِ الْأَنْفَسِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ عَزَّ قَائِلًا «لَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْته صِرْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرَجُلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا فَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ» . وَأَمَّا مَبِيتُ مُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَرَمْيُ الْجِمَارِ فَحِكْمَتُهَا إحْيَاءُ مَحَالِّ الْأَنْبِيَاءِ وَمَآثِرِهِمْ أَلَا تَرَى «أَنَّ إبْرَاهِيمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَرَادَ ذَبْحَ وَلَدِهِ عِنْدَ مَحَلِّ

الْجَمْرَةِ الْأُولَى ظَهَرَ لَهُ إبْلِيسُ اللَّعِينُ لِيُثْنِيَ عَزْمَهُ عَنْ ذَلِكَ فَرَمَاهُ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ حَتَّى غَابَ عَنْهُ ثُمَّ انْتَقَلَ إبْرَاهِيمُ إلَى مَحَلِّ الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى فَبَرَزَ لَهُ اللَّعِينُ وَرَمَاهُ بِسَبْعٍ إلَى أَنْ غَابَ فِي الْأَرْضِ أَيْضًا ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى مَحَلِّ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ فَبَرَزَ لَهُ فَرَمَاهُ بِسَبْعٍ حَتَّى غَابَ فِي الْأَرْضِ أَيْضًا» كَمَا جَاءَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي حَدِيثٍ فَلِذَا وَجَبَ الرَّمْيَ إحْيَاءً لِتِلْكَ الْمَنْقَبَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي وَقَعَتْ لِأَبِينَا إبْرَاهِيمَ لِنَتَذَكَّرَهُ وَنُحْيِيَ مَعَالِمَهُ وَنَتَأَسَّى بِهِ فِي دَفْعِ الشَّيْطَانِ بِكُلِّ مَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ بَرَزَ لَنَا لَحَصَبْنَاهُ كَمَا حَصَبَهُ أَبُونَا. وَمِنْ ثَمَّ يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ عِنْدَ الرَّمْيِ أَنْ يَتَذَكَّرَ ذَلِكَ وَظَهَرَ بِمَا تَقَرَّرَ حِكْمَةُ وُجُوبِ رَمْيِ الْحِجَارَةِ دُونَ غَيْرِهَا وَالرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ أَنَّ ذَلِكَ تَعَبُّدٌ وَنَظِيرُهُ وُجُوبِ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ إظْهَارًا لِتَعْظِيمِهِ وَلِإِحْيَاءِ شِعَارِ الْمَلَائِكَةِ فَإِنَّهُمْ طَافُوا بِهِ أَلْفَيْ سَنَةٍ قَبْلَ آدَمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشِعَارُ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّهُ مَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا حَجَّ الْبَيْتَ خِلَافًا لِمَنْ اسْتَثْنَى هُودًا وَصَالِحًا. - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ - وَأَمَّا الْمَوَاقِيتُ فَحِكْمَتُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ فِي مُلُوكِ الدُّنْيَا أَنَّهُ إذَا وَفَدَ عَلَيْهِمْ عَبِيدُهُمْ أَوْ عُصَاةُ عَبِيدهمْ يَكُونُونَ عَلَى غَايَة مِنْ الذِّلَّة وَالْخُضُوع وَالشُّعْثِ وَالْغَبَرَةِ رَجَاءً لِرِضَا سَادَاتِهِمْ إذَا رَأَوْهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْحَالِ الَّذِي كُلُّ مَنْ رَأَى صَاحِبَهُ رَحِمَهُ فَأَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى قَاصِدِي الدُّخُولِ إلَى حَضْرَتِهِ الْعُظْمَى الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ حَضَرَاتِ الدُّنْيَا إذْ اجْتِمَاعُ النَّاسِ بِعَرَفَةَ كَاجْتِمَاعِهِمْ فِي الْمَوْقِفِ وَدُخُولُهُمْ إلَى حَرَمِهِ وَأَمْنِهِ كَدُخُولِهِمْ إلَى الْجَنَّةِ أَنْ لَا يَأْتُوهَا إلَّا وَهُمْ غُبْرٌ شُعْثٌ عُرَى عَلَى غَايَةٍ مِنْ الْخُضُوعِ وَالذِّلَّةِ كَمَا يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ فِي الْمَحْشَرِ كَذَلِكَ لِيَتَحَقَّقُوا بِمَا يُنِيلُهُمْ خَيْرَ مَا عِنْدَهُ أَنَّهُ عِنْدَ الْمُنْكَسِرَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ أَجْلِهِ وَإِنَّمَا كَانَ مِيقَاتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبْعَدَهَا لِمَزِيدِ فَضْلِهِ وَلِيُنَاسَبَ إكْمَالَ الْأَكْبَرِ الَّذِي أُوتِيَهُ وَكَانَتْ الْجُحْفَةُ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا الَّتِي تَلِيه بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْمَوَاقِيتِ فَلِذَا اسْتَوَتْ وَهَذَا الْمَحَلُّ يَحْتَاجُ إلَى مَزِيدِ بَسْطٍ لَكِنْ ضَاقَ الْقِرْطَاسُ عَنْهُ وَقَدْ أَشَرْت إلَى أُصُولِهِ بِمَا لَمْ أَرَ مَنْ سَبَقَنِي إلَيْهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ عَنْ شَخْصٍ أَحْرَمَ إحْرَامًا مُطْلَقًا ثُمَّ أَفْسَدَهُ وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُعَيِّنَ شَيْئًا وَأَرَادَ الْوَرَثَةُ أَنْ يَقْضُوا عَنْهُ مَا أَفْسَدَهُ أَيَقْضُونَ عَنْهُ حَجًّا وَعُمْرَةً وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِغَيْرِ هَذَا لِأَنَّهُ اشْتَغَلَتْ ذِمَّتُهُ بِإِحْرَامٍ وَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ لَهُمَا فَلَا يَبْرَأُ إلَّا بِقَضَائِهِمَا كَمَا لَوْ شَكَّ مَنْ عَلَيْهِ خَمْسُ دَرَاهِمَ وَشَاةٍ هَلْ أُخْرِجُ أَحَدَهُمَا أَمْ لَا فَإِنَّهُ لَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ إلَّا بِقَضَائِهِمَا أَمْ يَقْضُونَ عَنْهُ أَحَدَهُمَا وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِهِ لِأَنَّهُ اشْتَغَلَتْ ذِمَّتُهُ بِإِحْرَامٍ وَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ لِأَحَدِهِمَا وَإِذَا فَعَلُوا أَحَدَهُمَا كَانَ الْآخَرُ كَالْمَشْكُوكِ وَالْمَشْكُوكُ كَالْمَعْدُومِ كَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ عَلَيْهِ خَمْسُ دَرَاهِمَ أَوْ شَاةٍ فَقَضَى أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِهِ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَمَّا الْجَوَابُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى مُقَدَّمَةٍ غَفَلَ عَنْهَا السَّائِلُ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَهِيَ أَنَّ إفْسَادَ الْإِحْرَامِ الْمُطْلَقِ لَا يَقْتَضِي تَعْيِينَهُ بَلْ هُوَ بَعْدَ الْإِفْسَادِ بَاقٍ عَلَى إطْلَاقِهِ فَإِنْ عَيَّنَهُ بَعْدَ الْإِفْسَادِ لِحَجٍّ كَانَ مُفْسِدًا لَهُ أَوْ لِعُمْرَةٍ كَانَ مُفْسِدًا لَهَا أَوْ لَهُمَا وَإِنَّ الْوَارِثَ هَلْ يَقُومُ مَقَامَهُ مُورِثُهُ فِي التَّعْيِينِ أَخْذًا بِعُمُومِ قَوْلِهِمْ أَنَّهُ خَلِيفَتُهُ أَوَّلًا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي هَذَا لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ النِّيَّاتِ وَهِيَ لَا تَقْبَلُ النِّيَابَةَ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ تَرْجِيحُهُ هُوَ الثَّانِي فَقَدْ صَرَّحُوا بِنَظِيرِهِ فِي قَوْلِهِمْ لَوْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَمَاتَ قَبْلَ اخْتِيَارِ وَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرِ مِنْهُنَّ لَمْ يَقُمْ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ. وَقَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَلَمْ يَقْصِدْ مُعَيَّنَةً مِنْهُمَا وَمَاتَ قَبْلَ التَّعْيِينِ لَمْ يُعَيَّنْ وَارِثُهُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ وَتَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ خِلَافًا لِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَتَبِعَهُ الْحَاوِي مِنْ أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِيهِ كَالْبَيَانِ وَالْفَرْقُ عَلَى الْأَوَّلِ الْمُعْتَمِدِ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْإِرْشَادِ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْبَيَانَ إخْبَارٌ يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ بِخَبَرٍ أَوْ قَرِينَةٍ وَالتَّعَيُّنُ اخْتِيَارٌ يَصْدُرُ عَنْ شَهْوَةٍ فَلَا يَخْلُفُهُ الْوَارِثُ فِيهِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ فِيمَنْ أَسْلَمَ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ. وَوَجْهُ الْمُشَابَهَةِ بَيْنَ مَسْأَلَتِنَا وَهَذَيْنِ أَنَّ التَّعْيِينَ فِيهَا اخْتِيَارٌ يُصْدَرُ عَنْ شَهُوّهُ أَيْضًا لِأَنَّ مَنْ أَحْرَمَ إحْرَامًا مُطْلَقًا يُفَوَّضُ التَّعْيِينُ إلَى اخْتِيَارِهِ وَشَهْوَتِهِ فَهُمَا عَيْنُهُ مِنْهُمَا لَزِمَهُ الْجَرْيُ عَلَى أَحْكَامِهِ فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ وَأَنَّ الْوَارِثَ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ فِي تَعْيِينِ ذَلِكَ الْإِحْرَامِ

الْمُطْلَقِ لَمْ يَتَأَتَّ مَا قَالَهُ السَّائِلُ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ قَبْلَ التَّعْيِينِ كَانَ مُفْسِدًا لِإِحْرَامِ مُطْلَقٍ وَالْإِحْرَامُ الْمُطْلَقُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَعْيِينُهُ يَتَعَذَّرُ بِهِ الْإِتْيَانُ فَلَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ قَضَاءٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِتَعْذِرْهُ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الَّذِي فَسَدَ إحْرَامٌ مُطْلَقٌ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ بَعْدِ الْإِفْسَادِ مِنْ التَّعْيِينِ حَتَّى يَقَعَ الْقَضَاءُ لِمَاهِيَّتِه وَأَنَّ التَّعْيِينَ مِنْ الْوَارِثِ مُتَعَذِّرٌ وَأَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ التَّعْيِينُ تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ لِتَعْذِرْ قَضَاءِ الْإِحْرَامِ الْمُطْلَقِ. هَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّانِي وَأَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْوَارِثُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي التَّعْيِينِ فَلَا يَتَأَتَّى مَا ذَكَرَهُ السَّائِلَ أَيْضًا لِأَنَّا إذَا فَوَّضْنَا التَّعْيِينَ إلَى الْوَارِثِ فَإِنَّ عَيَّنَ حَجًّا لَزِمَهُ قَضَاؤُهُ أَوْ عُمْرَةً لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا أَوْ حَجًّا وَعُمْرَةً لَزِمَهُ قَضَاؤُهُمَا كَمَا أَنَّ الْمُوَرَّثَ الْمُفْسِدَ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا عَيَّنَهُ دُونَ غَيْرِهِ فَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَظِيرَةُ مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ فِيمَنْ اشْتَغَلَتْ ذِمَّتُهُ بِخَمْسِ دَرَاهِمَ وَشَاةٍ ثُمَّ شَكَّ فِي إخْرَاجِ أَحَدِهِمَا لِتَيَقُّنِ شَغْلِ ذِمَّتِهِ فِي هَذِهِ بِشَيْئَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ ثُمَّ شَكَّ فِي سُقُوطِ أَحَدِهِمَا وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَذِمَّتُهُ لَمْ تَشْتَغِلْ إلَّا بِإِحْرَامٍ مُطْلَقٍ فَإِنْ قُلْنَا يَتَعَذَّرُ تَعْيِينُهُ عَلَى الْوَارِثِ فَوَاضِحٌ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الْقَضَاءُ فِيهِ فَلَا يَجِبُ وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ تَعَذُّرِهِ عَلَيْهِ فَهُوَ يُعَيِّنُ مَا شَاءَ وَيَقْضِيه. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ شَخْصٍ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْعُمْرَةَ قَالَ أَصْحَابُنَا الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ هَذَا الْإِدْخَالُ وَلَا يَصِيرُ قَارِنًا مَعَ أَنَّهُ الْوَاقِعُ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجَّتِهِ وَقَالَ أَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ مَا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِقَوْلِهِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ لِحَاجَةٍ هِيَ إعْلَامُهُ لِمُنْكَرِي الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بِجَوَازِهَا فِيهَا فَآثَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ أَوَّلًا لِفَضْلِهِ ثُمَّ ظَهَرَتْ لَهُ الْمَصْلَحَةُ بِإِدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَيْهِ لِيُبَيِّنَ لِأُمَّتِهِ فِي هَذَا الْمَجْمَعِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَمْ يَجْتَمِعْ لَهُ نَظِيرُهُ جَوَازَهَا رَدًّا لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ عَدِّهَا فِيهَا مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ وَإِنْ كَانَ بَيَّنَهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ الْحَاجَةَ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ فَهَذَا هُوَ سَبَبُ الْخُصُوصِيَّةِ وَدَلِيلُهَا فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ لِمُجِيزِ إدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ فِعْلِيَّةٌ وَهِيَ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَال سَقَطَ الِاسْتِدْلَال بِهَا فَمَا بَالُك بِهَذِهِ الَّتِي قَامَتْ الْأَدِلَّةُ الصَّرِيحَةُ عَلَى أَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ إنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ هَذَا الْغَرَضِ فَظَهَرَ بِذَلِكَ دَلِيلُ الْمَذْهَبِ وَأَنَّهُ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَدَامَ النَّفْعَ بِهِ عَمَّنْ أَحْرَمَ وَبِيَدِهِ صَيْدٌ مَرْهُونٌ أَوْ أَحْرَمَ الْوَلِيُّ عَنْ الصَّبِيِّ وَبِمِلْكِ الصَّبِيِّ صَيْدٌ مَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَزُولُ مِلِكُهُ عَنْ الصَّيْدِ الَّذِي أَحْرَمَ وَهُوَ مَرْهُونٌ كَمَا ذَكَرْته فِي شَرْح الْعُبَابِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ كَانَ فِي مِلْكِ الصَّبِيِّ صَيْدٌ فَهَلْ يَلْزَمُ الْوَلِيَّ إرْسَالُهُ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ كَمَا يَغْرَمُ النَّفَقَةَ الزَّائِدَةَ بِالسَّفَرِ فِيهِ احْتِمَالَانِ اهـ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ تَرْجِيحُهُ مِنْهُمَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ الَّذِي وَرَّطَهُ فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) مَتَّعَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ بِحَيَاتِهِ عَمَّنْ وَكَّلَ آخَرَ لِيَسْتَأْجِرَ رَجُلًا لِيَحُجَّ عَنْ مَيِّتِ الْمُوَكِّلِ فَاسْتَأْجَرَ رَجُلًا بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ وَحَجَّ الْأَجِيرُ ثُمَّ طَلَبَ أُجْرَتَهُ فَقَالَ الْمُوَكِّلُ أَنَا عَزَلْت الْوَكِيلَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ وَمَعَهُ بَيِّنَةٌ فَهَلْ يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الْأُجْرَةِ لِكَوْنِهِ أَلْجَأَ الْوَكِيلَ إلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُعْلِمْهُ أَوْ لَا يَلْزَمُهُ وَيَلْزَمُ الْوَكِيلَ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَمَّا الْوَكِيلُ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إذْ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ وَلَا تَعْزِيرَ وَأَمَّا الْمُوَكِّلُ فَإِنْ لَمْ يَقُمْ بَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ عَلَى الْعَزْلِ لَزِمَهُ الْمُسَمَّى فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَادِلَةً أَنَّهُ عَزَلَ وَكِيلَهُ قَبْلَ الِاسْتِئْجَارِ بَانَ بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ لَكِنَّهُ قَدْ غَرَّ الْأَجِيرَ وَوَقَعَ الْحَجُّ لِلْمَيِّتِ وَإِنْ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ فَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَى الْمُوَكِّلِ لِلْأَجِيرِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ قِيَاسًا أَوْلَوِيًّا عَلَى قَوْلِهِمْ إذَا لَمْ نُجَوِّزْ الِاسْتِئْجَارَ لِلتَّطَوُّعِ وَقَعَ الْحَجُّ عَنْ الْأَجِيرِ وَلَمْ يَسْتَحِقَّ الْمُسَمَّى بَلْ أُجْرَةَ الْمِثْلِ وَيُوَجِّهُ بِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ غَيْرَ مُضْطَرٍّ لِلِاسْتِئْجَارِ بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إنْ عَلِمَ امْتِنَاعَهُ لِلتَّطَوُّعِ فَلَمْ يُعَارِضْ تَعْزِيرَهُ لِلْأَجِيرِ شَيْءٌ فَلَزِمَهُ لَهُ مُقَابِلُ مَا أَتْلَفَهُ مِنْ مَنَافِعِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَهُوَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ. فَكَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا الْمُوَكِّلُ قَدْ غَرَّ الْأَجِيرَ وَلَمْ يُعَارِضْ تَغْرِيرَهُ شَيْءٌ فَيَلْزَمهُ لَهُ مُقَابِلُ مَنَافِعِهِ الَّتِي أَتْلَفَهَا وَهُوَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ فِي مَسْأَلَتِنَا وَقَعَ لِمُوَرِّثِ الْمُوَكِّلِ وَفِي صُورَةِ الْأَصْحَابِ وَقَعَ لِلْأَجِيرِ نَفْسِهِ

فَإِذَا أَوْجَبُوا لَهُ مَعَ ذَلِكَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ كَمَا قُلْنَا أَوْ نَحْوَهُ فَأَوْلَى أَنْ يُوجِبُوهَا لَهُ هُنَا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) أَدَامَ اللَّهُ النَّفْعَ بِعُلُومِهِ عَنْ قَوْلِ الدَّمِيرِيِّ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ يَحُجُّ كُلَّ سَنَةٍ اهـ مَا مُرَادُهُ فَإِنَّ الْحَجَّ فُرِضَ سَنَةَ خَمْسٍ وَلَمْ يَحُجَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا سَنَةَ عَشْرٍ حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَاعْتَمَرَ أَرْبَعًا لَكِنْ هَلْ هَذِهِ الْعُمَرُ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الْفَتْحِ أَوْ بَعْدَهُ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُرَادُ بِالْحَجِّ فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا صُورَتُهُ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مُسْتَمِرِّينَ عَلَيْهَا إلَى أَنْ فُرِضَ الْحَجُّ سَنَةَ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ أَوْ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ أَقْوَالٌ بَلْ مَا مِنْ سَنَةٍ مِنْ سِنِي الْهِجْرَةِ إلَّا قِيلَ أَنَّ الْحَجَّ فُرِضَ فِيهَا وَفِي سَنَةِ ثَمَانٍ أُذِنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَمِيرِ مَكَّةَ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْحَجِّ بِالنَّاسِ فَحَجَّ بِهِمْ وَفِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ أُذِنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَحُجَّ بِالنَّاسِ فَحَجَّ بِهِمْ ثُمَّ بَعَثَ فِي أَثَرِهِ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ لِيُؤَذِّنَ بِسُورَةٍ بَرَاءَةٍ فِي الْمَوْسِمِ لِأَنَّ الْعَادَةَ عِنْدَ الْعَرَبِ أَنَّ نَبْذَ الْعُهُودِ وَنَحْوَهُ لَا يَبْلُغُهُ عَنْ الْكَبِيرِ إلَّا رَجُلٌ مِنْ أَقَارِبِهِ وَجِلْدَتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ فَهَذَا هُوَ حِكْمَةُ بَعْثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَلَمْ يَكُنْ لِعَلِيٍّ دَخْلٌ فِي الْإِمَارَةِ تِلْكَ السَّنَةِ ثُمَّ حَجَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِنَفْسِهِ حَجَّةَ الْوَدَاعِ وَكَانَ مَعَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَكَانَتْ عِدَّتُهُمْ أَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ فِي الْأَشْهُرِ وَفِيهَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ وَاقِفٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِعَرَفَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ قَوْله تَعَالَى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3] فَاسْتَشْعَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ قُرْبَ أَجْلِهِ إذْ الْكَمَالُ عَلَامَةٌ عَلَى الزَّوَالِ فَوَدَّعَ أَصْحَابَهُ فِي خُطْبَتِهِ بِمِنًى وَقَالَ لَهُمْ «بَلِّغُوا عَنِّي فَلَعَلِّي لَا أَلْقَاكُمْ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ» وَكَانَ كَذَلِكَ وَلَا زَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُشِيرُ إلَيْهِمْ إلَى أَنْ وَصَلَ وَهُوَ رَاجِعٌ لِلْمَدِينَةِ إلَى غَدِيرِ خُمٍّ قُرْبَ رَابِغٍ فَأَمَرَ بِجَمْعِهِمْ ثُمَّ خَطَبَهُمْ وَوَصَّاهُمْ بِالِاسْتِمْسَاكِ بِالْقُرْآنِ وَبِأَهْلِ بَيْتِهِ. وَقَالَ فِي حَقِّ عَلِيٍّ «مَنْ كُنْت مَوْلَاهُ فِعْلِيٌّ مَوْلَاهُ وَقَالَ لَهُ أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي» ثُمَّ لَمَّا وَصَلَ الْمَدِينَةَ أَقَامَ بِهَا شَهْرَ الْمُحْرِمِ وَشَهْرَ صَفَرٍ فَوَعَكَ فِي أَوَاخِرِهِ فَرَقَى الْمِنْبَرَ وَخَطَبَ وَأَعْلَمَ النَّاسَ أَنَّ اللَّهَ خَيَّرَهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ لَكِنْ لَمْ يَفْهَمْ مِنْ الصَّحَابَةُ الْإِشَارَةَ إلَى ذَلِكَ إلَّا خَلِيفَتُهُ الْأَكْبَرُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَرَّمَ وَجْهَهُ فَحِينَئِذٍ أَثْنَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَأَعْلَمَهُمْ بِغُرَرِ فَضَائِلِهِ وَأَشَارَ لَهُمْ إلَى أَنَّهُ الْخَلِيفَةُ الْحَقُّ بَعْدَهُ ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ فَأَمَرَ بِسَدِّ الْخَوْخِ النَّافِذَةِ لِلْمَسْجِدِ إلَّا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ فَسُدَّتْ كُلُّهَا حَتَّى خَوْخَةَ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ. ثُمَّ أَكَّدَ ذَلِكَ وَزَادَ فِي تَأْكِيدِهِ إلَى أَنْ قَرَّبَ مِنْ التَّصْرِيحِ بِتَقْدِيمِهِ لِإِمَامَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ أَنْ حَاوَلَتْهُ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مِرَارًا عَلَى تَقْدِيمِ غَيْرِهِ كَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَلَمْ يَلْتَفِتْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِذَلِكَ بَلْ زَجَرَهُمَا وَعَنَّفَهُمَا أَعْنِي عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ثُمَّ قَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ثُمَّ بَعْدَ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ حَتَّى عَلِيٌّ وَأَهْلُ الْبَيْتِ عَلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَأَمَّا عُمَرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِيَ سِتٌّ عُمْرَةٌ فِي رَجَبَ وَأُخْرَى فِي شَوَّالٍ وَأَرْبَعَةٌ فِي ذِي الْقَعْدَةِ أُولَاهَا سَنَةَ سِتٍّ وَهِيَ عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ فَصُدَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْبَيْتِ لِلصُّلْحِ الَّذِي وَقَعَ فِيهَا فَتَحَلَّلَ وَرَجَعَ ثُمَّ عَادَ فِي الْقَعْدَةِ وَأَحْرَمَ فِي بِالْعُمْرَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَمَنْ قَالَ كَالرَّافِعِيِّ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِهَذِهِ مِنْ الْجِعْرَانَةِ فَقَدْ غَلِطَ ثُمَّ جَاءَ وَدَخَلَ مَكَّةَ وَتُسَمَّى عُمْرَةُ الْقَضَاءِ وَالْقَضِيَّةُ وَلَمَّا قَضَوْا أَفْعَالَ عُمْرَتِهِمْ خَرَجُوا مِنْهَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثَالِثُهَا عُمْرَةُ الْجِعْرَانَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذِنَ لَهُ فِي فَتْحِ مَكَّةَ فَفَتَحَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ ذَهَبَ إلَى غَزْوَةِ حُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ فَنَصَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَجَعَ بِغَنَائِمِهِمْ إلَى الْجِعْرَانَةِ وَأَقَامَ بِهَا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا لَيْلًا مُحْرِمًا بِالْعُمْرَةِ وَرَابِعُهَا الْعُمْرَةُ الَّتِي أَدْخَلَهَا عَلَى حَجِّهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ كَمَا قُرِّرَ فِي مَحَلِّهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ قَالُوا فِي بَابِ الْحَجِّ وَأَهْمَلَ

بَعْضُهُمْ شَرْطًا خَامِسًا لِلْحَجِّ وَهُوَ سَعَةُ الْوَقْتِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ السَّيْرِ مَا الْمُرَادُ بِهَذَا الْوَقْتِ هَلْ هُوَ مُدَّةُ السَّنَةِ بِأَنْ يَبْقَى مِنْهَا قَدْرَ مَا يَصِلُ بِهِ إلَى مَكَّةَ فَيُشَكَّل بِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ فَوْقَ سَنَةٍ أَوْ فَوْقَ السَّنَةِ وَالْوَقْتُ وَاسِعٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَبْقَى مِنْ الزَّمَانِ عِنْدَ وُجُودِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ مَا يُمْكِنُ فِيهِ السَّيْرُ بِأَنْ لَا يَحْتَاجَ أَنْ يَقْطَعَ كُلَّ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ مُرَحِّلَةٍ مَا الْمُرَادُ بِهَذَا الزَّمَانِ وَلَا يَخْفَى الْإِشْكَالُ السَّابِقُ. (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ لِوُضُوحِ الْمُرَادِ مِنْهُ وَهُوَ أَنَّا نَعْتَبِرُ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ حَتَّى تَجِبَ الْمُبَاشَرَةُ وَيَسْتَقِرُّ فِي الذِّمَّةِ وَيُقْضَى عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ أَنْ يَجِدَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ بِشُرُوطِهِمَا وَقْتَ خُرُوجِ قَافِلَةِ أَهْلِ بَلَدِهِ حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا وَقَدْ بَقِيَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ إدْرَاكِ وُقُوفِ عَرَفَةَ زَمَنَ يَصِلُونَ فِيهِ لَوْ سَارُوا السَّيْرَ الْمُعْتَادَ بِحَيْثُ لَا يَقْطَعُونَ أَكْثَرَ مِنْ مَرْحَلَةٍ كُلَّ يَوْمٍ فَمِنْ بَيْنِ بَلَدِهِ وَمَكَّةَ مَسَافَةُ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ أَوْ عَشْرِ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرِ أَوْ أَقَلَّ يُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهِ أَنْ يُتَمَكَّنَ مِنْهُ بِأَنْ تُوجَدَ فِيهِ شُرُوطُهُ أَوَّلُ تِلْكَ الْمَسَافَةِ فَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا ثَلَاثُ سِنِينَ مَثَلًا وَتَمَكَّنَ فِي زَمَنٍ ثُمَّ مَضَى عَلَيْهِ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ ثَلَاثَ سِنِينَ ثُمَّ مَاتَ حَكَمْنَا بِوُجُوبِ الْحَجِّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ سَافَرَ أَوَّلَ مَا تَمَكَّنَ أَدْرَكَ الْحَجَّ. فَلَمَّا تَرَكَ إلَى أَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ عَلِمْنَا أَنَّهُ مُقَصِّرٌ وَحَكَمْنَا بِفِسْقِهِ فِي هَذَا الْمِثَالِ مِنْ أَوَّلِ أَوْقَاتِ التَّمَكُّنِ إلَى مَوْتِهِ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلُ لَهُ تَمَكُّنٌ قَبْلَ ذَلِكَ فَشَمَلَهُ قَوْلُهُمْ يُحْكَمُ بِفِسْقِهِ مِنْ آخِرِ سِنِي التَّمَكُّنِ أَيْ مِنْ آخِرِ أَوْقَاتِهِ مِنْهَا وَالثَّلَاثُ فِي مِثَالِنَا بِمَنْزِلَةِ أَوَاخِرِ شَوَّالٍ بِالنِّسْبَةِ لِأَهْلِ مِصْرَ وَنَحْوِهِمْ فَاتَّضَحَ الْجَوَابُ عَنْ جَمِيعِ مَا فِي السُّؤَالِ وَأَنَّهُ لَا إشْكَالَ فِيهِ بِوَجْهٍ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ مَكِّيٍّ خَرَجَ لِزِيَارَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَزَارَ ثُمَّ وَصَلَ ذَا الْحُلَيْفَةِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ مِنْهَا لِأَنَّ مِنْ الْغَالِبِ أَنَّ الْمَكِّيَّ الْمُقِيمَ بِمَكَّةَ يَحُجُّ كُلَّ سَنَةٍ فَكَانَ كَقَاصِدِ مَكَّةَ لِلنُّسُكِ أَوْ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ لَا بُدَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ النَّوَوِيِّ فِي مَجْمُوعِهِ فِي مَوَاضِعَ حَيْثُ قَالَ إذَا حَجَّ وَاعْتَمَرَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَعُمْرَتَهُ ثُمَّ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ لِحَاجَةٍ لَا تَتَكَرَّرُ كَزِيَارَةِ أَوْ رِسَالَةٍ أَوْ كَانَ مَكِّيًّا سَافَرَ فَأَرَادَ دُخُولَهَا عَائِدًا مِنْ سَفَرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِحْرَامُ بِحَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ وَكَذَا لَوْ أَرَادَ دُخُولَ الْحَرَمِ دُونَ مَكَّةَ بِلَا خِلَافٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمِيعُ الْأَصْحَابِ اهـ مُلَخَّصًا وَقَالَ أَيْضًا لَوْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ مَرِيدًا حَجَّ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَأَقَامَ بِمَكَّةَ وَأَحْرَمَ مِنْهَا فِيهَا فَفِي وُجُوبِ الدَّمِ وَجْهَانِ أَوْ حَجَّ الْأُولَى فَحَجَّ الثَّانِيَةَ فَلَا دَمَ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَجِبُ إذَا حَجَّ مِنْ عَامِهِ اهـ. وَقَالَ أَيْضًا وَلَوْ مَرَّ مُسْلِمٌ بِالْمِيقَاتِ مَرِيدًا لِلْحَجِّ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَفِي وُجُوبِ الدَّمِ الْوَجْهَانِ كَالْكَافِرِ اهـ وَالْمُرَجَّحُ فِي الْكَافِرِ لُزُومُ الدَّمِ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْأَرْجَحَ مِنْ الْوَجْهَيْنِ الْمُطْلَقَيْنِ فِي الْعِبَارَةِ الثَّانِيَةِ لُزُومُ الدَّمِ وَالْمُسَاوَاةِ فِي الْخِلَافِ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهَا الِاتِّحَادُ فِي التَّرْجِيحِ لَكِنَّهَا ظَاهِرَةٌ فِيهِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ مَرَّ بِالْمِيقَاتِ مَرِيدًا نُسُكًا وَلَوْ فِي سَنَةٍ آتِيَةٌ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بِنُسُكٍ مِنْ الْمِيقَاتِ إمَّا حَجٌّ إنْ كَانَ فِي وَقْتِهِ أَوْ عُمْرَةٌ وَإِنَّمَا لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ بِمَا لَمْ يَنْوِهِ لِأَنَّهُ بِإِرَادَتِهِ لِلنُّسُكِ الْآتِي عِنْدَ مُجَاوَزَةٍ الْمِيقَاتِ صَارَ قَاصِدًا الْحَرَمَ بِمَا وَضَعَ لَهُ فَلَزِمَهُ أَنْ لَا يُجَاوِزَ حَرِيمَهُ وَهُوَ الْمِيقَاتُ إلَّا بِالتَّلَبُّسِ بِمَا نَوَاهُ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَبِنَظِيرِهِ رِعَايَةً لِتَعْظِيمِ الْحَرَمِ الَّذِي وَجَبَ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ لِأَجْلِهِ مَا أَمْكَنَ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا يُقَالُ قَدْ لَا يَفْعَلُ النُّسُكَ إلَّا فِي الَّذِي نَوَاهُ فَلَا يَلْزَمُهُ دَمٌ إذَا شَرَطَ لُزُومَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا قَصَدَهُ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ. وَوَجْهُ انْدِفَاعِهِ أَنَّهُمْ لَا يَنْظُرُونَ لِلْمِيقَاتِ إلَّا بِالنِّسْبَةِ لِلُزُومِ الدَّمِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْعِصْيَانِ بِالْمُجَاوَزَةِ فَلَا نَظَرَ إلَّا إلَى نِيَّتِهِ فَحَسْب كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِهِمْ وَبِمَا تَقَرَّرَ الْمَأْخُوذُ مِنْ مَجْمُوعَيْ عِبَارَتَيْ الْمَجْمُوعِ الْأَخِيرَتَيْنِ مَعَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْأُولَى فِي الْمَكِّيِّ مِنْ أَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ النُّسُكَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ سَيَحُجُّ غَالِبًا يَعْلَمُ أَنَّ الْحَقَّ فِي الْمَكِّيِّ الْمَذْكُورِ فِي السُّؤَالِ أَنَّهُ إنْ كَانَ عِنْدَ الْمِيقَاتِ قَاصِدًا نُسُكًا حَالًّا أَوْ مُسْتَقْبَلًا لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ بِذَلِكَ النُّسُكِ أَوْ بِنَظِيرِهِ وَإِلَّا أَثِمَ وَلَزِمَهُ الدَّمُ بِشَرْطِهِ وَإِنْ كَانَ عِنْدَ الْمِيقَاتِ قَاصِدًا وَطَنَهُ أَوْ غَيْرَهُ وَلَمْ يَخْطِرْ لَهُ قَصْدُ مَكَّةَ لِنُسُكٍ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ بِشَيْءٍ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا

جَاءَ الْحَجُّ وَهُوَ بِمَكَّةَ حَجَّ أَوْ أَنَّهُ رُبَّمَا خَطَرَتْ لَهُ الْعُمْرَةُ وَهُوَ بِمَكَّةَ فَيَفْعَلُهَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ قَاصِدًا الْحَرَمَ بِمَا وَضَعَ لَهُ مِنْ النُّسُكِ وَإِنَّمَا هُوَ قَاصِدُهُ لِأَمْرٍ آخَرَ وَاحْتِمَالُ وُقُوعِ ذَلِكَ مِنْهُ بَعْدُ لَا نَظَرَ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصْدَهُ عِنْدَ الْمُجَاوَزَةِ لِنُسُكٍ حَاضِرٍ أَوْ مُسْتَقْبَلٍ فَإِنَّهُ قَاصِدُهُ لِمَا وُضِعَ لَهُ فَلَزِمَهُ تَعْظِيمُهُ بِهِ أَوْ بِنَظِيرِهِ لِوُجُودِ الْمَعْنَى الَّذِي وَجَبَ الْإِحْرَامُ لِأَجْلِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ فِيهِ فَتَدَبَّرْ جَمِيعَ مَا ذَكَرْته لَك فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَلَقَدْ زَلَّ فِيهِ نَظَرُ مَنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ عِبَارَاتِ الْمَجْمُوعِ الَّتِي ذَكَرْتهَا فَأَفْتَى بِمَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا إذَا أَوْصَى بِحَجَّةٍ مِنْ بَلَدِهِ وَجَاوَزَ وَارِثُهُ الْمِيقَاتَ وَاسْتَأْجَرَ عَنْهُ مِنْ مَكَّةَ فَهَلْ الدَّمُ وَالْمَحْطُوطُ مِنْ الْأُجْرَةِ عَلَى الْوَارِثِ أَوْ عَلَى الْمُسْتَأْجَرِ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْوَارِثَ لَمَّا اسْتَأْجَرَ مِنْ مَكَّةَ فَإِنَّ شَرَطَ الْإِحْرَامَ مِنْهَا أَوْ مِنْ دُونَ مِيقَاتِ الْمَيِّتِ الشَّرْطِيِّ أَوْ الشَّرْعِيِّ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ وَلَيْسَ لِلْأَجِيرِ إلَّا أُجْرَةَ الْمِثْلِ وَالدَّمُ عَلَى الْوَارِثِ وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَالدَّمُ وَالْحَطُّ عَلَى الْأَجِيرِ لِتَقْصِيرِهِ بِنَاءً عَلَى مَا عَلَيْهِ كَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمِيقَاتِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ لَا الْمُبَاشِرِ وَقَالَ آخَرُونَ الْعِبْرَةُ بِمِيقَاتِ الْمُبَاشِرِ كَمَكَّةَ لِلْمَكِّيِّ فَعَلَيْهِ لَا دَمَ وَلَا حَطَّ مُطْلَقًا إلَّا إنْ عَيَّنَ الْمُوصِي فِي وَصِيَّتِهِ أَنَّهُ يُحْرِمُ عَنْهُ مِنْ مَوْضِعِ مُعَيَّنٍ قَبْلَ مَكَّةَ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ اتِّفَاقًا وَمَتَى خَالَفَهُ الْأَجِيرُ لَزِمَهُ الدَّمُ وَالْحَطُّ إنْ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ وَإِلَّا لَزِمَهُ الدَّمُ وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ مَا لَمْ يَشْرِطْ الْوَارِثُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَإِلَّا فَالدَّمُ عَلَيْهِ كَمَا تَقَرَّرَ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا مَاتَ مَنْ لَمْ تَلْزَمْهُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ وَلَمْ يُوصِ بِهَا فَحَجَّ عَنْهُ وَارِثُهُ هَلْ يَقَعُ عَنْهُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ يَقَعُ لَهُ كَمَا حَرَّرْته مَعَ اسْتِيعَابِ مَا فِيهِ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي حَاشِيَةِ إيضَاحِ النَّوَوِيِّ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مَحْضُ نُسُكٍ نَفْلٍ حَتَّى يُقَالَ بِامْتِنَاعِهِ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لَمْ يُوصِ بِهِ وَإِنَّمَا هُوَ حَجَّ إذَا وَقَعَ يَقَعُ فَرْضًا إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ عَنْ الْمَيِّتِ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ حَجٌّ وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ فَلَمَّا أَنْ كَانَ هَذَا يَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ خَرَجَ عَنْ مُشَابَهَتِهِ النَّفَلَ نَظَرًا لِهَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ تَوْسِيعًا لِتَحْصِيلِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِعَظْمِ نَفْعِهَا وَإِنْ لَمْ يُشَابِهْهُ مِنْ حَيْثِيَّةِ عَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَى الْوَارِثِ وَإِنْ خَلَّفَ الْمَيِّتُ تَرِكَةً. (وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ قَالَ أَلْزَمْت ذِمَّتَك حَجَّةً عَنْ فُلَانٍ بِنَفْسِك هَلْ يَصِحُّ الْعَقْدُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا هُنَا عَنْ الْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ صِحَّةِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَنِيبُ فَتَكُونُ إجَارَةَ عَيْنٍ وَقَوْلُ الْإِمَامِ يَبْطُلُ ضَعِيفٌ وَإِنْ تَبِعَاهُ فِي الْإِجَارَةِ وَمَالَ إلَيْهِ السُّبْكِيّ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَجَّ قُرْبَةٌ عَظِيمَةٌ يَتَعَيَّنُ الِاحْتِيَاطُ فِي أَدَائِهَا مَا أَمْكَنَ وَأَغْرَاضُ النَّاسِ فِي عَيْنِ مَنْ يُحَصِّلُ هَذِهِ الْقُرْبَةَ مُتَفَاوِتَةٌ تَفَاوُتًا كَثِيرًا وَحِينَئِذٍ فَلَمَّا عَقَبَ إلْزَامَ ذِمَّتِهِ بِقَوْلِهِ لِتَحُجَّ بِنَفْسِك عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الْإِجَارَةِ الذِّمِّيَّةِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا أَرَادَ تَعَلُّقَهُ بِعَيْنِهِ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْأَغْرَاضَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَإِنْ وُجِدَتْ الْعَدَالَةُ فِي الْكُلِّ وَبَقِيَ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ مُهِمٌّ بَسَطْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ وَقُلْتُمْ يَلْزَمُهُ التَّحَلُّلُ هَلْ يُحْتَاجُ إلَى نِيَّةُ التَّحَلُّلِ قِيَاسًا عَلَى الْمُحْصَرِ أَمْ لَا يُحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَهَلْ فِي الْمَسْأَلَةِ نَقْلٌ أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ ثَمَّ نَقْلٌ عَنْ أَحَدٍ فِيهَا فَبَيَّنُوهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ عِبَارَةُ شَرْحِي لِلْعُبَابِ كَغَيْرِهِ وَيَتَحَلَّلُ مَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِأَعْمَالِ الْعُمْرَةِ وَقَضَيْته أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ لِنِيَّةِ الْعُمْرَةِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ التَّحَلُّلِ وَهُوَ كَذَلِكَ انْتَهَتْ وَوَجْهُهُ اتِّفَاقُ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ عُمْرَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ كَمَا حَقَقْته فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ نَقْلًا وَأَنَّ لِذَلِكَ وَجْهًا وَاضِحًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ لِمَ قُلْتُمْ بِسُقُوطِ الدَّمِ عَنْ الْقَارِنِ بِعَوْدِهِ إلَى الْمِيقَاتِ قِيَاسًا عَلَى الْمُتَمَتِّعِ مَعَ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ لَمْ يَرْبَحْ أَحَدَ الْعَمَلَيْنِ وَالْقَارِنُ رَبِحَهُ فَكَانَ الْقِيَاسُ لُزُومُ الدَّمِ لَهُ مَا لَمْ يَعُدْ لِلْمِيقَاتِ وَيُكَرِّرُ الْأَعْمَالَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَرْبَحْ شَيْئًا فَيَكُونُ نَظِيرَ الْمُتَمَتِّعِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَمْ يَقْتَصِرُوا فِي إيجَابِ الدَّمِ عَلَى الْقَارِنِ بِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الْقِيَاسِ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ فَقَطْ حَتَّى يَرُدَّ مَا ذُكِرَ وَإِنَّمَا ضَمُّوا إلَى ذَلِكَ الِاسْتِدْلَالَ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ذَبَحَ

عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ وَكُنَّ قَارِنَاتٍ» . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الدَّمَ الْوَاحِدَ كَافٍ فِي الْقِرَانِ مَعَ التَّرَفُّهِ فِيهِ بِشَيْئَيْنِ تَرْكِهِ الْمِيقَاتِ وَتَرْكِ أَحَدِ النُّسُكَيْنِ وَحِينَئِذٍ فَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ إذَا وُجِدَ غَيْرُ مَنْظُورٍ إلَيْهِ عَلَى انْفِرَادِهِ وَإِلَّا لَمْ يَجْبُرهُمَا دَمٌ وَاحِدٌ وَإِذَا لَمْ يُنْظَرْ لِكُلٍّ عَلَى انْفِرَادِهِ فَإِمَّا أَنْ يُنْظَرَ لَهُمَا مَعًا أَوْ لِأَقْوَاهُمَا لَكِنَّهُمْ آثَرُوا النَّظَرَ لِأَقْوَاهُمَا وَهُوَ رِبْحُ الْمِيقَاتِ لِأَنَّهُ الْعِلَّةَ الصَّحِيحَةَ فِي إيجَابِ دَمِ التَّمَتُّعِ فَمِنْ ثَمَّ جَعَلُوا التَّمَتُّعَ أَصْلًا لِلْقِرَانِ فِي هَذَا كَمَا أَنَّهُ أَصْلٌ لَهُ فِي سُقُوطِ دَمِهِ إذَا كَانَ فَاعِلُهُ مِنْ حَاضِرِي الْحَرَمِ عَلَى أَنَّ قِيَاسَ الدُّونِ حُجَّةٌ وَهُوَ مَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي أَصْلِهِ مَظْنُونَةٌ مَعَ احْتِمَالِ غَيْرِهَا كَقِيَاسِ التُّفَّاحِ عَلَى الْبُرِّ بِجَامِعِ الطَّعْمِ مَعَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْعِلَّةَ الْكَيْلُ أَوْ صَلَاحِيَّةُ الِادِّخَارِ أَوْ غَيْرِهِمَا. وَمَا هُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ كَوْنَ الْعِلَّةِ فِي التَّمَتُّعِ رِبْحُ الْمِيقَاتِ مَظْنُونَةً لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا تُمَتِّعُهُ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ كَمَا قِيلَ بِهِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي سُقُوطِ الدَّمِ بِالْعَوْدِ إلَى الْمِيقَاتِ قَصْدُ الْعَوْدِ لِأَجْلِ سُقُوطِ الدَّمِ أَوْ يَكْفِي بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَلَوْ لِشُغْلٍ كَمَا فِي الْوُقُوفِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَكْفِي هَذَا الْأَخِيرُ كَالْوُقُوفِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ حَيْثُ قَالَا لَوْ أَحْرَمَ الْمَكِّيُّ بِالْعُمْرَةِ مِنْ مَكَّةَ وَعَادَ لِمِيقَاتِهَا لِشُغْلٍ لَا لِأَجْلِ قَطْعِ الْمَسَافَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ سَقَطَ الدَّمُ زَادَ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَخْرِيجَهُ عَلَى الْوُقُوفِ فَافْهَمْ أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي أَنَّهُ لَا يَتَأَثَّرُ بِالصَّارِفِ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ وَهُوَ أَنَّ الْقَصْدَ قَطْعُ الْمَسَافَةِ مُحْرِمًا. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ إحْرَامِ مِصْرِيٍّ مَثَلًا جَاوَزَ رَابِغًا مُرِيدًا النُّسُكَ مِنْ رَابِغٍ ثُمَّ عَادَ مِنْ عُسْفَانَ إلَى رَابِغٍ مُحْرِمًا هَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ بِذَلِكَ أَوْ يَحْتَاجُ بَعْدَ عَوْدِهِ مِنْ عُسْفَانَ إلَى رَابِغٍ ثُمَّ رُجُوعُهُ وَدُخُولُهُ مَكَّةَ إلَى عَوْدِهِ إلَى عُسْفَانَ كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَالْإِفْتَاءُ بِالثَّانِي لَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّ الْقَصْدَ قَطْعُ الْمَسَافَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ إلَى مَكَّةَ مُحْرِمًا وَهُوَ حَاصِلٌ بِعَوْدِهِ مِنْ عُسْفَانَ لِلْمِيقَاتِ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ مِنْ مَكَّةَ إلَى عُسْفَانَ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ مَرَّ بِمِيقَاتِهِ مَرِيدًا لِلنِّسْكَيْنِ بِلَا إحْرَامٍ إلَى أَنْ دَخَلَ إلَى مَكَّةَ ثُمَّ أَحْرَمَ بِهِمَا فِيهَا فَهَلْ يَكْفِي لِإِسْقَاطِ الدَّمِ عَوْدُهُ لِلْمِيقَاتِ مَرَّة أَوْ مَرَّتَيْنِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْوَجْهُ الِاكْتِفَاءُ بِالْعَوْدِ مَرَّةً لِأَنَّ عُمْرَةَ الْقَارِنِ مُنْغَمِرَةٌ فِي حَجِّهِ صِحَّةً وَفَسَادًا وَغَيْرَهُمَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. (وَسُئِلَ) فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَمَّنْ أَحْرَمَ وَفِي يَدِهِ صَيْدٌ مَرْهُونٌ أَوْ أَحْرَمَ الْوَلِيُّ عَنْ الصَّبِيِّ وَفِي مِلْكِ الصَّبِيِّ صَيْدٌ مَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي رَجَحْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إرْسَالُ صَيْدٍ بِمِلْكِهِ لَكِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لَازِمٌ كَالرَّهْنِ لِأَنَّهُ بِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِهِ صَارَ عَاجِزًا عَنْ إرْسَالِهِ وَإِنْ أَيْسَرَ بِقِيمَتِهِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْإِحْرَامِ وَالْعِتْقِ حَيْثُ يَصِحُّ مِنْ الرَّاهِنِ الْمُوسَرِ وَتَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ بِأَنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ لِلْعِتْقِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَوْ كَانَ فِي مِلْكِ الصَّبِيِّ صَيْدٌ فَهَلْ يَلْزَمُ الْوَلِيَّ إرْسَالُهُ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ كَمَا يَغْرَمُ النَّفَقَةَ الزَّائِدَةَ بِالسَّفَرِ فِيهِ احْتِمَالَانِ اهـ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إرْسَالُهُ وَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِأَنَّهُ الَّذِي وَرَّطَهُ فِي كَمَا يَلْزَمُهُ جَمِيعُ الدِّمَاءِ الَّتِي لَزِمَتْ الصَّبِيَّ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ الَّذِي وَرَّطَهُ فِيهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ وَكَّلَ آخَرَ فِي اسْتِئْجَارِ مَنْ يَحُجُّ عَنْ مَيِّتِهِ فَاسْتَأْجَرَ الْوَكِيلُ وَسَافَرَ الْأَجِيرُ لِلْحَجِّ وَعَادَ وَطَلَبَ أُجْرَتَهُ فَقَالَ الْمُوَكِّلُ كُنْت عَزَلْت وَكِيلِي قَبْلَ أَنْ يَسْتَأْجِرَك وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً فَهَلْ تَلْزَمُهُ الْأُجْرَةُ لِإِلْجَائِهِ الْوَكِيلَ لِذَلِكَ أَوْ لَا فَيَلْزَمُ الْوَكِيلَ لِإِلْجَائِهِ الْأَجِيرَ لِذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَلْزَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا شَيْءٌ لِأَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ لِلْأَجِيرِ حِينَئِذٍ فَلَمْ يَقَعْ سَعْيُهُ عَبَثًا بَلْ حَصَلَ لَهُ فِي مُقَابَلَتِهِ وُقُوعُ الْحَجِّ لَهُ وَهُوَ فَائِدَةٌ أَيُّ فَائِدَةٍ. (وَسُئِلَ) فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَنْ قَوْلِ الدَّمِيرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ يَحُجُّ كُلَّ سَنَةٍ اهـ مَا مُرَادُهُ فَإِنَّ الْحَجَّ فُرِضَ سَنَةَ خَمْسٍ وَلَمْ يَحُجَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا سَنَةَ عَشْرٍ حَجَّةَ الْوَدَاع وَاعْتَمَرَ أَرْبَعًا وَهَلْ هَذِهِ الْعُمَرُ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الْفَتْحِ أَوْ بَعْدَهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ مَقَالَةٌ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَاَلَّذِي صَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ قَبْلَ الْهِجْرَةِ إلَّا الْمَرَّتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَايَعَ فِيهِمَا الْأَنْصَارَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ وَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ مُحْتَمَلٌ ثُمَّ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ يَحْضُرُ مَعَ قُرَيْشٍ مَوَاسِمَ حَجِّهِمْ الَّذِي كَانُوا يَأْتُونَ بِصُورَتِهِ

وَكَانَ يُعْلِنُ فِيهِمْ النِّدَاءَ بِرِسَالَتِهِ وَالدُّعَاءَ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَوُجُوبِ طَاعَتِهِ فَتَسْمِيَتُهُ ذَلِكَ حَجًّا إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُفْرَضْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ. وَأَمَّا بَعْدَ الْهِجْرَةِ فَوَقَعَ الْخِلَافُ فِيهِ فَقِيلَ فُرِضَ أُولَى سِنِيهَا وَقِيلَ ثَانِيَةَ سِنِيهَا وَقِيلَ ثَالِثَتَهَا وَقِيلَ رَابِعَتَهَا وَقِيلَ خَامِسَتَهَا وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ سَادِسَتَهَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقِيلَ سَابِعَتَهَا وَقِيلَ ثَامِنَتَهَا وَقِيلَ تَاسِعَتَهَا وَقِيلَ عَاشِرَتَهَا وَالْمُرَاد بِعُمَرِهِ الْأَرْبَعِ الَّتِي صَحَّتْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ وَهِيَ الَّتِي أَحْرَمَ بِهَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ لَمَّا وَصَلُوا الْحُدَيْبِيَةَ صَدَّهُ عَنْهَا أَهْلُ مَكَّةَ فَتَحَلَّلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ وَأَصْحَابُهُ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - فِي الْحُدَيْبِيَةِ قُرْبَ الْحَرَمِ أَوْ بَعْضُهَا فِيهِ لَمَّا وَقَعَ الصُّلْحُ أَنَّهُمْ يَرْجِعُونَ لِئَلَّا تُعَيِّرَ الْعَرَبُ أَهْلَ مَكَّةَ بِدُخُولِهِمْ لَهَا قَهْرًا عَلَيْهِمْ ثُمَّ يَأْتُونَ السَّنَةَ الْقَابِلَةَ لِلْقَضَاءِ فَرَجَعُوا وَتَرْكُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْقِتَالِ حِينَئِذٍ كَانَ تَوَاضُعًا وَتَفْوِيضًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَمُنَّ عَلَيْهِ بِالْفَتْحِ الْأَكْبَرِ الَّذِي هُوَ فَتْحُ مَكَّةَ. فَكَانَ ذَلِكَ الصُّلْحُ سَبَبًا لِذَلِكَ فَإِنَّهُمْ نَقَضُوا بَعْضَ مَا فِيهِ مِنْ الشُّرُوطِ فَعُلِمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَئِذٍ أَنَّ ذَلِكَ عَلَامَةً عَلَى الْإِذْنِ لَهُ فِي إغْزَائِهِمْ وَالتَّمْكِينِ مِنْهُمْ فَقَصَدَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَلْقَى الرُّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ إلَى أَنْ دَخَلَ مَكَّةَ فِي غَايَةٍ مِنْ الْعِزَّةِ وَالْعَظَمَةِ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ وَأَهْلُهَا فِي غَايَةِ الْخَوْفِ وَالْمَذَلَّةِ حَتَّى آمَنَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ لَمْ يُخْرِجْ مَنْ عِنْدَهُمْ وَلَيْسَ فِيهِمْ إلَّا مَنْ هُوَ مُسْلِمٌ أَوْ مُسَالِمٌ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَامَةً عَلَى قُرْبِ أَجْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فَهِمَهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] إلَى آخِرِ السُّورَةِ وَلَمَّا رَجَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى الْمَدِينَةِ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ رَجَعَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ إلَى قَضَاءِ عُمْرَتِهِ فَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ أَيْضًا ثُمَّ دَخَلُوا مَكَّةَ وَتَحَلَّلُوا مِنْ نُسُكِهِمْ ثُمَّ خَرَجُوا مِنْهَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَمَا وَقَعَ الشَّرْطُ عَلَيْهِ فِي الصُّلْحِ فَهَذِهِ هِيَ الْعُمْرَةُ الثَّانِيَةُ. وَأَمَّا الْعُمْرَةُ الثَّالِثَةُ فَهِيَ عُمْرَةُ الْجِعْرَانَةِ سَنَةَ فَتْحِ مَكَّةَ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ خَرَجَ مِنْهَا إلَى حَرْبِ هَوَازِنَ وَالطَّائِفِ ثُمَّ جَاءَ إلَى الْجِعْرَانَةِ لِقَسْمِ الْغَنَائِمِ فَأَقَامَ بِهَا أَيَّامًا فَفِي لَيْلَةِ ثَامِنِ عَشْرِ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ خَرَجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ مُحْرِمِينَ بِالْعُمْرَةِ حَتَّى دَخَلُوا مَكَّةَ وَتَحَلَّلُوا ثُمَّ خَرَجُوا إلَى أَنْ جَاءُوا الْجِعْرَانَةِ وَأَصْبَحَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا كَبَائِتٍ وَلَمْ يَعْلَمْ بِعُمْرَتِهِ إلَّا جَمْعٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلِذَا أَنْكَرَهَا بَعْضُهُمْ ثُمَّ رَجَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ وَأَصْحَابُهُ إلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَحُجَّ تِلْكَ السَّنَةِ لِيُعْلِمَ الْأُمَّةِ أَنَّ الْحَجَّ وَاجِبٌ عَلَى التَّرَاخِي وَأَمَّرَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَلَى الْحَجِّ أَمِيرَ مَكَّةَ وَهُوَ عَتَّابُ بْنُ أَسِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ثُمَّ أَمَّرَ عَلَى الْحَجِّ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. ثُمَّ أَرْسَلَ بَعْدَهُ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِيُؤَذِّنَ هُوَ وَجَمْعٌ فِي النَّاسِ فِي الْمَوْسِمِ بِمِنًى بِسُورَةِ بَرَاءَةٍ وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُ جَرَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ عَنْهُمْ إلَّا مَنْ هُوَ مِنْ جِلْدَتِهِمْ وَقَرَابَتِهِمْ ثُمَّ فِي سَنَةِ عَشْرٍ حَجَّ بِنَفْسِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَأَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ بِالْحَجِّ ثُمَّ بِالْعُمْرَةِ فَكَانَ أَوَّلًا مُفْرِدًا ثُمَّ صَارَ قَارِنًا فَهَذِهِ هِيَ عُمْرُهُ الْأَرْبَعِ وَكُلُّهَا كَانَتْ فِي الْقَعْدَةِ وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ وَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ عَلَيْهِ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَغَلَّطَتْهُ فِيهِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ عَنْ قَوْلِهِمْ مِنْ شَرَائِطِ الْحَجِّ أَمْنُ الطَّرِيقِ فَهَلْ هُوَ مَوْجُودٌ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ هُوَ مَوْجُودٌ فِي غَالِبِ الْجِهَاتِ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ إذْ الْمُرَادُ بِهِ الْأَمْنُ ظَنًّا لَا يَقِينًا أَمْنًا لَائِقًا بِالسَّفَرِ لَا بِالْحَضَرِ عَلَى مَا يُخَلِّفُهُ أَوْ يَسْتَصْحِبُهُ لَكِنْ مِمَّا يَحْتَاجُهُ لِسَفَرِهِ فَقَطْ دُونَ نَحْوٍ خَطِيرٍ مَعَهُ لِتِجَارَةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَلَا يُشْتَرَطُ الْأَمْنُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ إلَى اسْتِصْحَابِهِ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ تَرْكُهُ فِي الْحَضَرِ لِعَدَمِ أَمْنِهِ اُشْتُرِطَ الْأَمْنُ عَلَيْهِ فِي السَّفَرِ لِاضْطِرَارِهِ لِاسْتِصْحَابِهِ حِينَئِذٍ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا إذَا مَاتَ الْعَامِلُ الْمُجَاعِلُ عَلَى حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ وَزِيَارَةٍ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَقَبْلَ فَرَاغِ الْأَعْمَالِ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْجُعْلِ كَالْإِجَارَةِ أَوْ لَا وَهَلْ يُقَسَّطُ الْجُعْلُ عَلَى مَا فَعَلَ مِنْ الْأَرْكَانِ وَالْأَعْمَالِ أَوْ لَا وَكَيْفَ صِفَةُ التَّقْسِيطِ هَلْ هُوَ كَالْإِجَارَةِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ بَلْ

صَرِيحُهُ فِي بَابِ الْجَعَالَةِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا أَصْلًا وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ شَرَطُوا فِيمَا إذَا مَاتَ الْعَامِلُ قَبْلَ الْفَرَاغِ أَنْ يُتَمِّمَ الْوَارِثُ قَالُوا وَإِذَا تَمَّمَ لَمْ يَسْتَحِقَّ إلَّا قِسْطَ مَا عَمِلَهُ مُورِثُهُ دُونَ مَا عَمِلَهُ هُوَ لِانْفِسَاخِ الْجَعَالَةِ بِمَوْتِ الْعَامِلِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى عَمَلِ الْغَيْرِ فِي النُّسُكِ مُتَعَذِّرٌ فَتَتْمِيمُ الْوَارِثِ مُتَعَذِّرٌ وَيَلْزَمُ مِنْ تَعَذُّرِهِ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِهِ لِقِسْطِ مَا عَمِلَهُ مُوَرِّثُهُ إذْ الِاسْتِحْقَاقُ فِي الْجَعَالَةِ لِكَوْنِهَا عَقْدًا جَائِزًا مِنْ الْجَانِبَيْنِ إنَّمَا هُوَ بِفَرَاغِ الْعَمَلِ لَا بِبَعْضِهِ إلَّا إنَّ وَقَعَ مُسَلِّمًا لِلْمَالِكِ وَبِهَذَا الَّذِي قَرَرْته اتَّضَحَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْجَعَالَةِ وَالْإِجَارَةِ وَمَا أَحْسَنَ قَوْلِ الْقَمُولِيُّ فِي جَوَاهِرِهِ. وَلَوْ مَاتَ الْعَامِلُ الْمُعَيَّنُ فِي أَثْنَاءِ الْعَمَلِ كَمَا لَوْ مَاتَ فِي طَرِيقِ الرَّدِّ فَإِنْ رَدَّهُ وَارِثُهُ إلَى الْمَالِكِ اسْتَحَقَّ مِنْ الْجُعْلِ الْمُعَيَّنِ بِقَدْرِ عَمَلِ مُوَرِّثِهِ دُونَ عَمَلِهِ وَإِنْ لَمْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا لِعَمَلِ مُوَرِّثِهِ عَلَى الصَّحِيحِ ثُمَّ قَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ مَا حَاصِلُهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ شَيْئًا مِنْ الْجُعْلِ إلَّا بِالْفَرَاغِ مِنْ الْعَمَلِ نَعَمْ لَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ أَثْنَاءَ التَّعْلِيمِ اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ مَا عَمِلَ وَكَذَا إذَا تَلِفَ الثَّوْبُ الَّذِي خَاطَ بَعْضَهُ أَوْ الْجِدَارُ الَّذِي بَنَى بَعْضَهُ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ لِلْمَالِكِ وَكَذَا لَوْ مَنَعَ الصَّبِيَّ أَبُوهُ مِنْ التَّعْلِيمِ أَيْ لِوُقُوعِ الْعَمَلِ مُسَلِّمًا بِقَبْضِ الْمَالِكِ لِلثَّوْبِ وَالْجِدَارِ وَبِتَعْلِيمِ الْحُرِّ مَعَ عَدَمِ تَقْصِيرٍ مِنْ الْعَامِلِ وَبِهَذَا ظَهَرَ إيضَاحُ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ وَصُورَةِ السُّؤَالِ لِأَنَّ بَعْضَ النُّسُكِ لَمْ يَقَعْ مُسَلَّمًا لِمَنْ وَقَعَتْ الْجَعَالَةُ لَهُ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ فَتَأَمَّلْهُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ رَجُلٍ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ وَبِهِ سَلَسُ بَوْلٍ لَا يَسْتَمْسِكُ إلَّا بِالشَّدِّ فَشَدَّ ذَكَرَهُ حِرْصًا عَلَى طَهَارَتِهِ الْمُعْتَبَرَةِ شَرْطًا لِطَوَافِهِ وَصَلَاتِهِ وَصَوْنًا لِبَدَنِهِ وَإِزَارِهِ عَنْ نَجَاسَتِهِ سِيَّمَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ عِبَادَتِهِ فَهَلْ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ بِذَلِكَ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ لَا فَأُفِيدُونَا الْجَوَابِ عَمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ شَافِعِيٌّ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي إفْتَائِهِ بِنَفْيِ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ زَاعِمًا أَنَّ انْتِفَاءَهَا فِي ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ انْتِفَائِهَا فِيمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ كَلَامِهِمْ السَّابِقِ مِنْ ذَلِكَ مَا جَوَّزَهُ لِلْمُحْرِمِ مِنْ لُبْسِ الْخُفِّ بِشَرْطِهِ قَاصِدِينَ بِذَلِكَ حَسْمَ الْأَذَى عَنْ الْقَدَمِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ الشَّرِيفَةُ. وَالْعِبَادَةُ بِذَلِكَ أَوْلَى إذْ لِأَجْلِهَا خُلِقَ الْمُكَلَّفُ وَمِنْهُ لُبْسُ السِّرْوَالِ بِشَرْطِهِ وَالْقَصْدُ بِهِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ بَلْ فِيهِ زَائِدٌ عَلَيْهَا وَبِأَنَّ السِّرْوَالَ قُصِدَ بِهِ الْحِفْظُ عَلَى فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ دُونَ فَاقِدِ السُّتْرَةِ وَكَمَا وَجَبَ السَّتْرُ خَارِجَ الصَّلَاةِ حُرِّمَ التَّضَمُّخُ بِالنَّجَاسَةِ خَارِجَهَا وَإِنْ قَلَّ وُقُوعَهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا سَاتِرَ ذَكَرِهِ وَجَبَ وَلَا فَدِيَةَ إذْ لَمْ يَعْمَلْ بِهَا فِي سَاتِرِ الْعَوْرَةِ فَفِيمَا ذُكِرَ أَوْلَى أَخْذًا مِنْ مَزِيدِ الِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ وَمِنْهُ شَدُّ الْمِنْطَقَةِ وَالْهِمْيَانِ عَلَى وَسَطِهِ وَالْقَصْدُ مِنْهُ تَيَسُّرُ أَمْرِ السَّفَرِ سَيْرًا وَحَلًّا وَارْتِحَالًا وَمَصْلَحَةُ الدِّينِ أَعْلَى وَقَدْ أَعْطَوْا بَعْضَ الْعِوَضِ حُكْمَ كُلِّهِ كَمَا فِي سَتْرِ بَعْضِ الرَّأْسِ بِنَحْوِ عِصَابَةٍ وَكَمَا فِي حَلْقِ بَعْضِ شَعْرِ الرَّأْسِ. وَإِنَّمَا وَجَبَ الْفِدْيَةُ فِي الْبَعْضِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ فِي مَحَلِّ الْإِحْرَامِ وَفِي مَعْنَى السَّتْرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَعَ أَنَّ الْحَلْقَ الْمَذْكُورَ إتْلَافٌ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِتَعَيُّنِ الْوَسَطِ لِلْهِمْيَانِ وَإِنْ كَانَتْ الْعَادَةُ كَذَلِكَ بَلْ ذَكَرُوهُ بِمَا يَحْتَمِلُ الْمِثَالَ وَالْمِثَالُ لَا يُخَصَّصُ فَيَصْدُقُ بِرَبْطِهِ عَلَى الذَّكَرِ وَالِاحْتِيَاجُ بِمَفْهُومِ الْمَجْرُورِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَعَنْهُمْ بِانْتِفَاءِ الْفِدْيَةِ فِيمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ مَعَ احْتِيَاطِهِمْ فِي هَذَا الْبَابِ بِمَا لَمْ يَحْتَطْ الشَّافِعِيَّةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَمِنْهُ تَجْوِيزُهُمْ إزَالَةَ مَا ضَرَّ مِنْ الشَّعْرِ دَاخِلَ الْجَفْنِ مَعَ أَنَّهُ إتْلَافٌ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْمَذْكُورِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي أَبْوَابِ الْفِقْهِ مِمَّا لَا يَخْفَى وَإِذَا تَحَمَّلَ مَا يُخَالِفُ ظَاهِرَهُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ نَحْوِ كَيْسِ اللِّحْيَةِ وَلَفِّ شَيْءٌ عَلَى السَّاقِ وَالْيَدِ وَرَبْطِهِ مِنْ كُلِّ مَا أَحَاطَ بِالْبَدَنِ عَلَى وَجْهِ السَّتْرِ عُرْفًا عَلَى الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ كَمَا يُرْشِدُ إلَيْهِ عَدُّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَا يَلْبَسُهُ الْمُحْرِمُ حِينَ سُئِلَ عَمَّا يَلْبَسُ. وَأَمْثِلَتُهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - دُونَ الْبَاطِنَةِ كَاللِّسَانِ وَالذَّكَرِ بَلْ لِإِزَالَةِ مَا كَانَ دَاخِلَ الْعَيْنِ كَمَا مَرَّ وَلِأَنَّ الشُّعُوثَةَ وَالْغَبَرَةَ الْمَقْصُودُ بِهِمَا تَرْكُ التَّرَفُّهِ الْمُسْتَفَادِ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُحْرِمُ أَشْعَثُ أَغْبَرُ» إنَّمَا يُلَاقِيَانِ الظَّاهِرَ فَكَانَ التَّرَفُّهُ مِنْ حَيْثُ اللِّبَاسُ خَاصًّا بِهِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنْ لَا دَلَالَةَ فِي ذَلِكَ لِذَلِكَ فَحَسْبُنَا جَهْلُ السَّائِلِ بِحُكْمِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ بِدَلِيلِ اسْتِفْتَائِهِ هَذِهِ

عِبَارَةُ الْمُفْتِي الْمَذْكُورَةِ إفَادَةً مُسَايِرَةً لِجَوَابِهِ عَنْ جَمِيعِ جُزْئِيَّاتِهِ بِحَيْثُ لَا يَخْلُو عَنْهُ مِنْ الْجَوَابِ لَفْظَةٌ. (فَأَجَابَ) أَفَاضَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ مَدَدِهِ بِقَوْلِهِ لَا فَدِيَةَ عَلَيْهِ بِالشَّدِّ الْمَذْكُورِ لِأُمُورٍ مِنْهَا قَوْلُهُمْ كُلُّ مَحْظُورٍ فِي الْإِحْرَامِ أُبِيحَ لِلْحَاجَةِ فِيهِ الْفِدْيَةِ إلَّا نَحْوَ السَّرَاوِيلِ وَالْخُفَّيْنِ لِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ وَوِقَايَةُ الرِّجْلِ مِنْ النَّجَاسَةِ مَأْمُورٌ بِهِمَا لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا فَخُفِّفَ فِيهَا اهـ وَمِنْهَا قَوْلِي فِي حَاشِيَةِ الْإِيضَاحِ لَوْ لَبِسَ عِمَامَةً لِضَرُورَةٍ وَاحْتَاجَ لِكَشْفِ كُلِّ رَأْسِهِ لِلْغُسْلِ مِنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ أَوْ لِبَعْضِهِ لِنَحْوِ مَسْحِهِ فِي الْوُضُوءِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْفِدْيَةَ لَا تَتَعَدَّدُ بِذَلِكَ وَإِنْ اخْتَلَفَ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ فَقَدَ الْإِزَارَ جَازَ لَهُ لُبْسُ السَّرَاوِيلِ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَوَجَّهُوهُ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي مُبَاشَرَةِ الْجَائِزِ نَفْيُ الضَّمَانِ. وَأَيْضًا فَإِيجَابُ الْكَشْفِ عَلَيْهِ يُصَيِّرُهُ مُكْرَهًا عَلَيْهِ شَرْعًا وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْإِكْرَاهَ الشَّرْعِيَّ كَالْإِكْرَاهِ الْحِسِّيِّ فَكَمَا أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ هُنَا حِسًّا عَلَى الْكَشْفِ لَا يَتَعَدَّدُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَكَذَا إذَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ شَرْعًا فَإِنْ قُلْت قَدْ جَوَّزُوا لَهُ اللُّبْسَ لِنَحْوِ حَرٍّ وَمَرَضٍ مَعَ الدَّمِ قُلْت ذَاكَ فِيهِ تَرَفُّهٌ وَحَظٌّ لِلنَّفْسِ وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ تَحْصِيلِ الْوَاجِبِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَيْهِ صِحَّةُ عِبَادَتِهِ فَهُوَ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ بِالسَّرَاوِيلِ أَشْبَهُ اهـ وَهَذَا كُلُّهُ يَأْتِي فِي صُورَةِ شَدِّ السَّلَسِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ وَمِنْهَا قَوْلُ الْمَجْمُوعِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ كَانَ عَلَى الْمُحْرِمِ جِرَاحَةٌ فَشَدَّ عَلَيْهَا خِرْقَةً فَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ الرَّأْسِ فَلَا فَدِيَةَ وَإِنْ كَانَتْ فِي الرَّأْسِ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ فِي الرَّأْسِ الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ اهـ. قَالَ بَعْضُهُمْ وَالْمُرَادُ بِالشَّدِّ هُنَا هُوَ مُجَرَّدُ اللَّفِّ لَا الْعَقْدِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُرَادُ مِنْ الشَّدِّ الْوَاقِعِ فِي نَحْوِ شَدِّ الْهِمْيَانِ وَالْخَيْطِ عَلَى الْإِزَارِ اهـ وَفِي حَاشِيَتِي لِلْإِيضَاحِ عَقِبَ ذَلِكَ وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ لِلْعَقْدِ لِلِاسْتِمْسَاكِ عَلَى الْجِرَاحَةِ وَإِلَّا فَالْوَجْهُ جَوَازُ الْعَقْدِ أَيْضًا لَكِنْ مَعَ الْفِدْيَةِ ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْعَقْدِ عَقْدُ الْخِرْقَةِ نَفْسِهَا أَمَّا لَوْ شَدَّ عَلَيْهَا فِي غَيْرِ الرَّأْسِ خَيْطًا وَرَبَطَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى عَقْدًا فَلَا يَحْرُمُ وَلَا فَدِيَةَ فِيهِ اهـ وَبِهِ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّدِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا هُوَ عَقْدُ الْخِرْقَةِ الْمُتَعَيِّنُ لِدَفْعِ النَّجَاسَةِ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ خَيْطًا يَشُدُّهُ عَلَيْهَا أَمَّا لَوْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْعَقْدُ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ حِينَئِذٍ لِأَنَّ دَفْعَ النَّجَاسَةِ مُمْكِنٌ بِشَدِّ الْخَيْطِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَقْدِ أَنَّ الْعَقْدَ يُصَيِّرُ الْمَعْقُودَ مُسْتَمْسِكًا بِنَفْسِهِ فَوَجَدَ فِيهِ حَقِيقَةَ الْإِحَاطَةِ الْمُمْتَنِعَةَ وَلَا كَذَلِكَ الْمَشْدُودُ عَلَيْهِ خَيْطٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَمْسِكٍ بِنَفْسِهِ فَلَا يُسَمَّى مَخِيطًا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَقُّ إزَارِهِ وَلَفُّ كُلِّ نِصْفٍ عَلَى سَاقٍ إنْ عَقَدَهُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَقَوْلُ الْمَجْمُوعِ وَشَدِّهِ الْمُرَادُ بِهِ عَقْدُهُ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّدِّ وَالْعَقْدِ وَمِنْ ثَمَّ عَلَّلُوا الْحُرْمَةَ بِقَوْلِهِمْ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ يُشْبِهُ الْمَخِيطَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُسْتَمْسِكٌ بِنَفْسِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا فَدِيَةَ عَلَيْهِ بِالشَّدِّ مُطْلَقًا وَلَا بِالْعَقْدِ الْمُتَعَيَّنِ لِدَفْعِ النَّجَاسَةِ وَأَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَهُ الشَّدُّ بِنَحْوِ خَيْطٍ أَوْ لَفِّ الْخِرْقَةِ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ لَمْ يَجُزْ بِهِ الْعَقْدُ وَلَزِمَتْهُ بِهِ الْفِدْيَةُ وَفِيمَا اسْتَدَلَّ بِهِ السَّائِلُ مِمَّا لَا مَرْجِعَ لِمَا قُلْنَاهُ مُنَاقَشَاتٌ يَضِيقُ عَنْهَا الْقِرْطَاسُ مَعَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا بَعْدَ تَأَمُّلِ مَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَمَا أُخِذَ مِنْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رَجُلٍ لَهُ وَلَدٌ عَاقِلٌ بَالِغٌ رَشِيدٌ فَأَرَادَ الْوَلَدُ التَّرَدُّدَ إلَى الْفُقَهَاءِ لِقِرَاءَةِ الْعِلْمِ وَاسْتِعَارَةِ الْكُتُبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ طَالِبُ الْعِلْمِ وَكَذَا الْخُرُوجُ لِقَضَاءِ حَوَائِجِهِ أَوْ زِيَارَةِ الصَّالِحِينَ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْقُرْبِ فَمَنَعَهُ الْوَالِدُ مِنْ ذَلِكَ وَأَمَرَهُ بِالْقُعُودِ فِي الْبَيْتِ وَعُلِّلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَخْشَى عَلَيْهِ مِنْ صُحْبَةِ الْأَشْرَارِ وَالْوَلَدُ لَا يَرْتَابُ فِي حَالِهِ أَنَّهُ يَكْرَهُ ذَلِكَ وَيَحْتَرِزُ مِنْهُ فَهَلْ لِلْوَلَدِ ذَلِكَ أَمْ لَا وَإِذَا أَرَادَ الْوَلَدُ السَّفَرِ لِطَلَبِ الْعِلْمِ لِمَا لَا يَخْفَى أَنَّ مُعَاشَرَةَ الْأَهْلِ وَنَحْوِهِمْ تُخِلُّ بِهِ وَالْوَالِدُ تَشُقُّ عَلَيْهِ الْمُفَارِقَةُ فَهَلْ لِلْوَلَدِ ذَلِكَ أَمْ لَا وَإِذَا أَرَادَ الْوَلَدُ التَّقَشُّفَ وَالزُّهْدَ فِي الدُّنْيَا وَغَيْرِهَا فَكَرِهَ الْوَالِدُ ذَلِكَ فَهَلْ لِلْوَلَدِ ذَلِكَ أَمْ لَا وَإِذَا أَمَرَهُ وَالِدُهُ بِأَمْرٍ مُبَاحٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَالِدِ فَهَلْ يَلْزَمُ الْوَلَدَ امْتِثَالُهُ وَإِذَا أَمَرَهُ بِمَا فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ وَكَانَتْ عَقِيدَةُ الْوَلَدِ فِي ذَلِكَ مُخَالِفَةٌ لِعَقِيدَةِ وَالِدِهِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ امْتِثَالُهُ اعْتِبَارًا بِعَقِيدَةِ الْوَالِدِ أَمْ يَحْرُمُ اعْتِبَارًا بِعَقِيدَةِ نَفْسِهِ فَإِنْ قُلْتُمْ يَجِبُ فَهَلْ

يَفْعَلُهُ مَعَ اعْتِقَادِ خِلَافِهِ أَمْ يَلْزَمُهُ اعْتِقَادُ حَلِّ ذَلِكَ وَمَا حَدُّ الْبِرِّ وَالْعُقُوقِ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا ثَبَتَ رُشْدُ الْوَلَدِ الَّذِي هُوَ صَلَاحُ الدِّينِ وَالْمَالِ مَعًا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ مَنْعِهِ مِنْ السَّعْيِ فِيمَا يَنْفَعُهُ دِينًا أَوْ دُنْيَا وَلَا عِبْرَةَ بِرِيبَةٍ يَتَخَيَّلُهَا الْأَبُ مَعَ الْعِلْمِ بِصَلَاحِ دِينِ وَلَدِهِ وَكَمَالِ عَقْلِهِ نَعَمْ إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ فَجَرَةٌ يَأْخُذُونَ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْمُرْدِ إلَى السُّوقِ مَثَلًا قَهْرًا عَلَيْهِمْ تَأَكَّدَ عَلَى الْوَلَدِ إذَا كَانَ كَذَلِكَ أَنْ لَا يَخْرُجَ حِينَئِذٍ وَحْدَهُ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْوُقُوعِ فِي مَوَاطِنِ التُّهَمِ فَأَمْرُ الْوَالِدِ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِعَدَمِ الْخُرُوجِ مَعَ الْخَوْفِ يُعْذَرُ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ لِلْوَلَدِ مُخَالَفَتُهُ إذَا تَأَذَّى الْوَالِدُ بِذَلِكَ تَأَذِّيًا لَيْسَ بِالْهَيِّنِ وَلَمْ يَضْطَرَّ الْوَلَدُ لِلْخُرُوجِ وَلَا يَجُوزُ لِلْأَمْرَدِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي قَطْعِ صَلَاةِ النَّفْلِ السَّفَرَ وَلَوْ لِلْعِلْمِ إلَّا مَعَ نَحْوِ مَحْرَمٍ وَرَجَاءِ حُصُولِ تَعَلُّمٍ أَوْ زِيَادَةٍ فِيهِ وَحِينَئِذٍ لَا نَظَرَ لِكَرَاهَةِ الْوَالِدِ لَهُ حَيْثُ لَا حَامِلَ عَلَيْهَا إلَّا مُجَرَّدَ فِرَاقِ الْوَلَدِ لِأَنَّ ذَلِكَ حُمْقٌ مِنْهُ وَحَيْثُ نَشَأَ أَمْرُ الْوَالِدِ أَوْ نَهْيُهُ عَنْ مُجَرَّدِ الْحُمْقِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ فِي أَمْرِهِ لِوَلَدِهِ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ. وَكَذَا يُقَالُ فِي إرَادَةِ الْوَلَدِ لِنَحْوِ الزُّهْدِ وَمَنْعِ الْوَالِدِ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ إنْ كَانَ لِمُجَرَّدِ شَفَقَةِ الْأُبُوَّةِ فَهُوَ حُمْقٌ وَغَبَاوَةٌ فَلَا يَلْتَفِتُ لَهُ الْوَلَدُ فِي ذَلِكَ وَأَمْرُهُ لِوَلَدِهِ بِفِعْلٍ مُبَاحٍ لَا مَشَقَّةَ عَلَى الْوَلَدِ فِيهِ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْوَلَدِ امْتِثَالُ أَمْرِهِ إنْ تَأَذَّى أَذًى لَيْسَ بِالْهَيِّنِ إنْ لَمْ يَمْتَثِلْ أَمْرَهُ وَمَحَلَّهُ أَيْضًا حَيْثُ لَمْ يَقْطَعْ كُلُّ عَاقِلٍ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْأَبِ مُجَرَّدَ حُمْقٍ وَقِلَّةِ عَقْلٍ لِأَنِّي أُقَيِّدُ حِلّ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لِلْعُقُوقِ بِأَنْ يَفْعَلَ مَعَ وَالِدِهِ مَا يَتَأَذَّى بِهِ إيذَاءً لَيْسَ بِالْهَيِّنِ بِمَا إذَا كَانَ قَدْ يُعْذِرُ عُرْفًا بِتَأَذِّيه بِهِ أَمَّا إذَا كَانَ تَأَذِّيه بِهِ لَا يَعْذُرُهُ أَحَدٌ بِهِ لِإِطْبَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا نَشَأَ عَنْ سُوءِ خُلُقٍ وَحِدَةِ حُمْقٍ وَقِلَّةِ عَقْلٍ فَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ التَّأَذِّي وَإِلَّا لَوَجَبَ طَلَاقُ زَوْجَتِهِ لَوْ أَمَرَهُ بِهِ وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ. فَإِنْ قُلْت لَوْ نَادَاهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ إجَابَتِهِ وَالْأَصَحُّ وُجُوبُهَا فِي نَفْلٍ إنْ تَأَذَّى التَّأَذِّي الْمَذْكُورَ وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ حَيْثُ وُجِدَ ذَلِكَ التَّأَذِّي وَلَوْ مِنْ طَلَبِهِ لِلْعِلْمِ أَوْ زُهْدِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْقُرَبِ لَزِمَهُ إجَابَتُهُ قُلْت هَذِهِ الْقَضِيَّةُ مُقَيَّدَةٌ بِمَا ذَكَرْته إنَّ شَرْط ذَلِكَ التَّأَذِّي أَنْ لَا يَصْدُرَ عَنْ مُجَرَّدِ الْحُمْقِ وَنَحْوِهِ كَمَا تَقَرَّرَ وَلَقَدْ شَاهَدْت مِنْ بَعْضِ الْآبَاءِ مَعَ أَبْنَائِهِمْ أُمُورًا فِي غَايَةِ الْحُمْقِ الَّتِي أَوْجَبَتْ لِكُلِّ مَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَعْذُرَ الْوَلَدَ وَيُخَطِّئَ الْوَالِدَ فَلَا يُسْتَبْعَدُ ذَلِكَ. وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْوَلَدَ امْتِثَالُ أَمْرِ وَالِدِهِ بِالْتِزَامِ مَذْهَبِهِ لِأَنَّ ذَاكَ حَيْثُ لَا غَرَضَ فِيهِ صَحِيحٌ مُجَرَّدُ حُمْقٍ وَمَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ فَلْيَحْتَرِزْ الْوَلَدُ مِنْ مُخَالَفَةِ وَالِدِهِ فَلَا يَقْدُمُ عَلَيْهَا اغْتِرَارًا بِظَوَاهِرِ مَا ذَكَرْنَا بَلْ عَلَيْهِ التَّحَرِّي التَّامُّ فِي ذَلِكَ وَالرُّجُوعُ لِمَنْ يَثِقُ بِدِينِهِمْ وَكَمَالِ عَقْلِهِمْ فَإِنْ رَأَوْا لِلْوَالِدِ عُذْرًا صَحِيحًا فِي الْأَمْرِ أَوْ النَّهْيِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ طَاعَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَرَوْا لَهُ عُذْرًا صَحِيحًا لَمْ يَلْزَمْهُ طَاعَتُهُ لَكِنَّهَا تَتَأَكَّدُ عَلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا نَقْصُ دِينِ الْوَلَدِ وَعِلْمِهِ أَوْ تَعَلُّمِهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُخَالِفَةَ الْوَالِدِ خَطِيرَةٌ جِدًّا فَلَا يُقْدِمْ عَلَيْهَا إلَّا بَعْدَ إيضَاحِ السَّبَبِ الْمُجَوِّزِ لَهَا عِنْدَ ذَوِي الْكَمَالِ وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْته حَدُّ الْبِرِّ وَالْعُقُوقِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحُجُّ عَنْ مَيِّتٍ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْأَجِيرِ إذَا أَحْرَمَ أَنْ يَنْوِيَ الْإِحْرَامَ عَنْ الْمُسْتَأْجَرِ لَهُ أَوْ يَكْفِيه الْإِطْلَاقُ قَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي الذِّمَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ لِلْمُسْتَأْجَرِ وَإِنْ كَانَتْ إجَارَةَ عَيْنٍ وَقَدْ وَقَعَتْ صَحِيحَةً فِي وَقْتِهَا فَلَا يُشْتَرَطُ بَلْ الشَّرْطُ أَنْ لَا يَصْرِفَ الْإِحْرَامَ لِغَيْرِ الْمُسْتَأْجَرِ لَهُ وَإِنْ وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ لِيَقَعَ عَنْ الْمُسْتَأْجَرِ لَهُ قَالَ وَقَدْ يُشْكِلُ عَلَى الْأَوَّلِ مَا ذَكَرُوهُ فِي خَلْعِ الزَّوْجَةِ فِيمَا إذَا وَكَّلَتْ الزَّوْجَةُ مَنْ يُخَالِعُ عَنْهَا أَنَّ الْوَكِيلَ لَهُ أَنْ يُخَالِعَ عَنْ نَفْسِهِ فَهَلْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِهِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي الذِّمَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ لِلْمُسْتَأْجَرِ لَهُ وَإِنْ كَانَتْ إجَارَةَ عَيْنٍ وَقَدْ وَقَعَتْ صَحِيحَةً فَلَا يُشْتَرَطُ بَلْ الشَّرْطُ أَنْ لَا يُصْرَفَ الْإِحْرَامُ لِغَيْرِ الْمُسْتَأْجَر لَهُ وَإِنْ وَقَعَتْ فَاسِدَةً إلَخْ فَهَلْ كَلَامُهُ هَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ أَمْ لَا وَهَلِ اسْتِشْكَالُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَمْ يُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَكَالَةِ وَمَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ. فَإِنْ قُلْتُمْ بِصِحَّةِ كَلَامِ الْقَائِلِ بِذَلِكَ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْهُ فِي غُنْيَةِ الْفَقِيرِ فِي أَحْكَامِ الْأَجِيرِ فَلَوْ لَمْ تَكُنْ

إجَارَةً بَلْ جَعَالَةً فَهَلْ الْحُكْمُ فِيهَا كَمَا فِي الْإِجَارَةِ أَفْتَوْنَا وَقَدْ نُقِلَ فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ آنِفًا أَنَّ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَلِيلٍ تَعْيِينُ مَنْ يُؤَدِّي عَنْهُ النُّسُكَ شَرْطٌ فِي إجْزَاءِ الْحَجِّ دُونَ صِحَّةِ الْعَقْدِ فَإِنْ ذَكَرَهُ فِي الْعَقْدِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِهِ فِيمَا بَعْدُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْعَقْدِ صَحَّ وَلَيْسَ لِلْأَجِيرِ الْإِحْرَامُ إلَّا بَعْدَ تَعْيِينِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ إلَخْ وَالْمَسْأَلَةُ وَاقِعَةٌ لِبَعْضِ الْيَمْنَةِ وَإِذَا قِيلَ بِوُجُوبِ النِّيَّةِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَنَسَى فَهَلْ يَكُونُ النِّسْيَانُ عُذْرًا أَمْ لَا وَهَلْ هَذَا مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ النِّسْيَانُ أَوْ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ فَيُؤَثِّر فِيهِ النِّسْيَانُ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا ذَكَرُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ اعْتَرَضَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّ الْوَجْهَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَ الْإِحْرَامَ عَنْ الْمُسْتَأْجَرِ لَهُ فِي الْجَمِيعِ وَهُوَ اعْتِرَاضٌ وَاضِحٌ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْأَجِيرَ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ لَوْ صَرَفَ الْحَجَّ لِنَفْسِهِ وَقَعَ لَهُ فَإِذَا أَطْلَقَ تَعَارَضَ أَصْلُ وُقُوعِ الْعِبَادَةِ مِنْ الْمُبَاشِرِ وَأَصْلُ وُقُوعِ الْعَمَلِ بَعْدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ عَنْ الْمُسْتَأْجَرِ وَلَا مُرَجِّحَ فَوَجَبَ التَّمْيِيزُ بِالنِّيَّةِ مُطْلَقًا وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِشْكَالِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي مَسْأَلَةِ الْخُلْعِ كَمَا لَهُ أَنْ يُخَالِعَ عَنْ نَفْسِهِ كَذَلِكَ لِلْأَجِيرِ أَنْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ كَمَا تَقَرَّرَ فَهُمَا عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ وَأَنَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي مَسْأَلَةِ الْخُلْعِ لَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ هَذَا وَمَا نَحْنُ فِيهِ بِأَنَّ الْوَكِيلَ لَمْ يَتَعَارَضْ فِي حَقِّهِ أَصْلَانِ حَتَّى يَحْتَاجَ لِلتَّمْيِيزِ بِالنِّيَّةِ بِخِلَافِ الْأَجِيرِ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِنِيَةِ الْأَجِيرِ. وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِمَعْرِفَةِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ الَّذِي كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ الْمَذْكُورُ فِيهِ فَفِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ خِلَافٌ طَوِيلٌ بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَحَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَمْيِيزِهِ فِي النِّيَّةِ بِوَجْهٍ مَا وَبِهَذَا يَجْمَعُ بَيْنَ مَنْ أَطْلَقَ اشْتِرَاطَ الْمَعْرِفَةِ وَمَنْ أَطْلَقَ عَدَمَ اشْتِرَاطِهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ هَلْ تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِي الطَّوَافِ وَالْقِرَاءَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا تَصِحُّ النِّيَابَةُ فِي الطَّوَافِ اسْتِقْلَالًا وَلَا فِي الْقِرَاءَةِ إلَّا مِمَّنْ اُسْتُؤْجِرَ لَهُمَا بِشَرْطِهِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ تَطَوُّعًا ثُمَّ مَاتَ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ نَحْوَ طَوَافِ الرُّكْنِ فَهَلْ يَجِبُ الْقَضَاءُ مِنْ تَرِكَتِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مُوجِبَهُ الْفَوَاتُ أَوْ الْإِفْسَادُ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا هُنَا وَتَقْصِيرُهُ بِتَأْخِيرِ نَحْوِ الطَّوَافِ لَوْ فُرِضَ أَنَّ فِيهِ تَقْصِيرًا لَا يُوجِبُ الْقَضَاءَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِمَا لَفْظُهُ هَلْ الْأَفْضَلُ لِشَخْصٍ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي هَذَا الْحَرَمِ الشَّرِيفِ أَنْ يَمْكُثَ مَكَانَهُ وَيَشْتَغِلَ بِالذِّكْرِ إلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ كَمَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَسْجِدِ مِنْ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ لِمَا عَلِمَ مِنْ الْفَضْلِ الْحَاصِلِ لِمَنْ اشْتَغَلَ بِالذِّكْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَهُوَ مَكَانَهُ إلَى أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَمْ الْأَفْضَلُ لَهُ الِاشْتِغَالُ بِالطَّوَافِ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَى عِبَادَةٍ أَفْضَلَ مِنْ الْعِبَادَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا وَقَدْ قَالَ الْفُقَهَاءُ إنَّ الْأَفْضَلَ لِمَنْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ أَنَّ الْأَفْضَلَ قَطْعُ الصَّلَاةِ بِشَرْطِهِ لِيُصَلِّيَ بِالْوُضُوءِ وَأَنَّ مَنْ أُقِيمَتْ صَلَاةٌ وَهُوَ يُصَلِّي مُنْفَرِدًا نُدِبَ قَطْعُهَا بِشَرْطِهِ لِيُصَلِّيَهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي السَّعْيِ أَوْ الطَّوَافِ وَأُقِيمَتْ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ نُدِبَ لَهُ قَطْعُ السَّعْيِ وَنَحْوِهِ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي طَوَافِ نَفْلٍ وَحَضَرَتْ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ نُدِبَ لَهُ قَطْعُهُ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْهُ. وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ غَيْرِ الصَّلَاةِ بَلْ صَرَّحَ السُّيُوطِيّ فِي كِتَابِهِ الَّذِي جَمَعَ فِيهِ عُلُومًا كَثِيرَةً مُخْتَصَرَةً بِأَنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَعِبَارَتُهُ وَالصَّلَاةُ أَفْضَلُ مِنْ الطَّوَافِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ أَيْ الطَّوَافُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ حَتَّى مِنْ الْعُمْرَةِ وَقِيلَ الْعُمْرَةُ أَفْضَلُ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي تَأْلِيفٍ لَهُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ وَأَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَيْهِ مُخَالِفَةُ السَّلَفِ فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ تَكْرَارُهَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ بَعْدَهُ بَلْ كَرِهَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَكْرَارَهَا فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ وَأَجْمَعُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ الطَّوَافِ اهـ كَلَامُهُ وَنُقِلَ عَنْ الْمَجْمُوعِ أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالذِّكْرِ بَعْدَ الصُّبْحِ أَفْضَلُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ أَمْ لَا وَهَلْ مَا نَقَلَهُ السُّيُوطِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ عَلَى ظَاهِرِهِ أَمْ لَا. وَنُقِلَ عَنْ عَوَارِفِ الْمَعَارِفِ أَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ مَوْضِعِ الصَّلَاةِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ

لَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ أَجْمَعَ لِهَمِّهِ وَأَصْلَحَ لَهُ هَلْ يَمْشِي هَذَا عَلَى كَلَامِ الْفُقَهَاءِ أَمْ هُوَ مَخْصُوصٌ بِأَهْلِ مُعَامَلَاتِ الْقُلُوبِ؟ (فَأَجَابَ) فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ وَنَفَعَ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ بِقَوْلِهِ نَقَلْت فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ أَفْتَى بِأَفْضَلِيَّةِ الِاشْتِغَالِ بِالطَّوَافِ ثُمَّ رَدَدْته بِمَا هُوَ أَصَحُّ أَنَّهُ يُسْتَدَلُّ عَلَى تَمَايُزِ الْعِبَادَاتِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ بِمَا وَرَدَ فِي ثَوَابِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّهُ وَرَدَ فِي ثَوَابِ هَذِهِ الْجِلْسَةِ مِنْ الثَّوَابِ مَا لَمْ يَرِدْ مِثْلُهُ فِي الطَّوَافِ بَلْ لَك أَنْ تَقُولَ إنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَهُ ثَوَابُ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّتَيْنِ تَامَّتَيْنِ تَامَّتَيْنِ» فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَفْضَلِيَّتِهَا عَلَى خُصُوصِ الطَّوَافِ لِأَنَّهَا إذَا سَاوَتْ الْحَجَّةَ وَالْعُمْرَةَ التَّامَّتَيْنِ. الطَّوَافُ بَعْضُ أَجْزَائِهِمَا لَزِمَ زِيَادَتُهَا عَلَيْهِ وَأَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْهُ وَهَذَا ظَاهِرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ وَإِنَّمَا كَانَ الْأَفْضَلُ قَطْعُ الصَّلَاةِ فِيمَا ذُكِرَ أَوَّلًا لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ مَنْ حَرَّمَ الِاسْتِمْرَارَ فِيهَا وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ وَثَانِيًا لِفَوَاتِ الْجَمَاعَةِ مِنْ أَصْلِهَا وَالطَّوَافُ هُنَا لَا يَفُوتُ لِإِمْكَانِ فِعْلِهِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بَلْ هُوَ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ حِينَئِذٍ فِيهِ بِخِلَافِهِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَنُدِبَ قَطْعُهُ كَالسَّعْيِ لِلْجَمَاعَةِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ ذَلِكَ أَيْضًا أَعْنِي بَقَاءَ تَدَارُكِهِمَا بِخِلَافِهَا وَكَذَا يُقَالُ فِي طَوَافِ النَّفْلِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَقَوْلُ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ إلَخْ لَا يُنَافِي مَا ذَكَرْته بِفَرْضِ تَسْلِيمِهِ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي التَّفْضِيلِ مِنْ حَيْثُ الْجِنْسِ لَا بِاعْتِبَارِ الْإِفْرَادِ. أَلَا تَرَى إلَى تَفْضِيلِهِمْ الصَّلَاةَ عَلَى الصَّوْمِ ثُمَّ قَالُوا الْمُرَادُ الْجِنْسُ فَلَا يُقَالُ أَنَّ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِ يَوْمٍ فَكَذَا هُنَا سَلَّمْنَا أَنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ مِمَّا يُقَالُ فِي هَذِهِ الْجِلْسَةِ لَكِنَّ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْجِنْسِ لَا لِخُصُوصِ هَذَا الْفَرْدِ لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْجِلْسَةِ مِنْ الْمَشَقَّةِ عَلَى النَّفْسِ وَحَبْسِهَا عَلَيْهَا مَا لَا يُوجَدُ فِي الطَّوَافِ غَالِبًا كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ وَزَعَمَ أَنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ مِنْ الْعُمْرَةِ مَرْدُودٌ بَلْ لَا وَجْهَ لَهُ كَيْفَ وَهِيَ لَا تَقَعُ إلَّا فَرْضًا بِخِلَافِهِ وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ الْفَرْضِ وَغَيْرِهِ وَعَدَمُ نَقْلِ تُكَرِّرْهَا لَا يُنَاسَبُ قَوَاعِدَنَا فَاسْتِدْلَالُ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ بِهِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ. وَمَا نُقِلَ عَنْ الْمَجْمُوعِ لَمْ يَحْضُرْنِي الْآنَ لَكِنَّ وَجْهَهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ كُلَّ ذِكْرٍ مَخْصُوصٍ يَكُونُ الِاشْتِغَالُ بِهِ أَفْضَلَ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِالْقِرَاءَةِ وَمَا نُقِلَ عَنْ عَوَارِفِ الْمَعَارِفِ اخْتِيَارٌ لَهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ خِلَافُهُ فَيَلْزَمُ مَوْضِعَهُ ثُمَّ يُكَلِّفُ نَفْسَهُ الْحُضُورَ وَالْإِخْلَاصَ مَا أَمْكَنَهُ لِأَنَّ هَذَا أَشُقُّ عَلَيْهَا مِنْ الِانْتِقَالِ وَالْمَدَارُ فِي تَهْذِيبِ أَخْلَاقِهَا إنَّمَا هُوَ عَلَى تَجْرِيعِهَا مَرَارَةَ الصَّبْرِ عَلَى أَنْ تَأْتِي بِالْمَأْمُورَاتِ عَلَى وَجْهِهَا مَا أَمْكَنَهَا وَحَاصِلُ مَا مَرَّ أَنَّ مَنْ تَأَمَّلَ إجْمَاعَهُمْ عَلَى طَلَبِ هَذِهِ الْجِلْسَةِ وَاخْتِلَافِهِمْ فِي طَلَبِ الطَّوَافِ بَعْدَ الصُّبْحِ عَلِمَ أَفْضَلِيَّتَهَا عَلَيْهِ وَأَنَّ قَطْعَ النَّظَرِ عَمَّا قَدَّمْنَاهُ مِمَّا يَشْهَدُ لِفَضْلِهَا عَلَيْهِ غَيْرُ مَا ذُكِرَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ الْمَرْمَى فِي الْجِمَارِ الثَّلَاثِ هَلْ هُوَ مُحِيطٌ بِالْأَعْلَامِ الثَّلَاثَةِ الْمَنْصُوبَةِ مِنْ جِهَاتِهَا الْأَرْبَعِ حَتَّى يُجْزِئَ الرَّمْيُ فِيهَا كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ يُسَنُّ لِلرَّامِي أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ وَيَجْعَلَ الْجَمْرَةَ عَنْ يَمِينِهِ أَمْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِجِهَةِ الْجَادَّةِ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُحَقَّقُ إذْ هُوَ الْمَوْجُودُ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا عَدَاهُ مَظْنُونٌ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الشَّاخِصِ مَوْضُوعًا فِي مُنْتَهَى الْمَرْمَى مِنْ جِهَةِ مَكَّةَ لَا فِي وَسَطِهِ حَتَّى يُجْزِئُ الرَّمْيُ فِيمَا إذَا اسْتَقْبَلَ الْجَمْرَةَ وَاسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ مَثَلًا أَمْ يُفَرَّقُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَالْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فَيَكُونُ فِيهِمَا مُحِيطًا بِالشَّاخِصَيْنِ وَفِي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ خَاصًّا بِجِهَةِ الْجَادَّةِ وَهَلْ ضَبْطُ الْمَرْمَى بِثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجَمَالُ الطَّبَرِيُّ مُعْتَمَدٌ أَمْ يُرْجَعُ فِي تَحْدِيدِهِ إلَى الْعُرْفِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي صَرَّحُوا بِهِ أَنَّهُ يُفَرَّقُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَالْجَمْرَتَيْنِ الْآخِرَتَيْنِ فَهِيَ لَيْسَ لَهَا إلَّا جِهَةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ مَا بِأَسْفَلِهَا عَلَى الْجَادَّةِ دُونَ مَا عَدَاهُ مِنْ سَائِرِ الْجَوَانِبِ وَهَذَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِهَا وَأَمَّا الْجَمْرَتَانِ الْآخِرَتَانِ فَيُرْمَى إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ سَائِرِ الْجَوَانِبِ كَمَا يُومِئُ إلَيْهِ نَصُّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرِهِ وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ عَنْ النَّصِّ الْجَمْرَةُ مُجْتَمَعُ الْحَصَى لَا مَا سَالَ مِنْهُ فَمَنْ أَصَابَ مُجْتَمِعَهُ أَجُزْأَهُ أَوْ سَائِلَهُ فَلَا وَالْمُرَادُ مُجْتَمِعُهُ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ مَا حُوِّلَ عَنْهُ وَلَوْ نَحَّاهُ

مِنْ مَوْضِعِهِ الشَّرْعِيِّ وَرَمَى إلَى نَفْسِ الْأَرْضِ أَجُزْأَهُ لِأَنَّهُ رَمَى فِي مَوْضِع الرَّمْيِ انْتَهَتْ مُلَخَّصَةً وَعِبَارَةُ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ عَنْ النَّصِّ أَيْضًا. وَالْعِبْرَةُ بِمُجْتَمِعِ الْحَصَى لَا مَا سَالَ عَنْهُ وَلَا الشَّاخِصِ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِي الْمَرْمَى حَدًّا مَعْلُومًا غَيْرَ أَنَّ كُلَّ جَمْرَةٍ عَلَيْهَا عَلَمٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَرْمِيَ تَحْتَهُ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا يُبْعِدُ عَنْهُ احْتِيَاطًا اهـ وَحَدَّ الْجَمَالُ الطَّبَرِيُّ مُجْتَمَعَ الْحَصَى بِأَنَّهُ مَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْلِ الْجَمْرَةِ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ فَقَطْ وَهُوَ مِنْ تَفَقُّهِهِ وَكَأَنَّهُ قَرَّبَ بِهِ مُجْتَمِعَ الْحَصَى غَيْرَ السَّائِلِ وَالْمُشَاهَدَةُ تُؤَيِّدُهُ فَإِنَّ مُجْتَمِعَهُ غَالِبًا لَا يَنْقُصُ عَنْ ذَلِكَ فَعَدَمُ تَخْصِيصِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَصْحَابِ مُجْتَمِعَ الْحَصَى الْمَذْكُورِ بِجِهَةٍ مَعَ تَخْصِيصِهِمْ لَهُ فِي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ بِمَا بِأَسْفَلِ الْوَادِي صَرِيحٌ فِي تَعْمِيمِ جِهَاتِ الْأَوَّلِينَ وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِهِ أَيْضًا قَوْلُهُ أَعْنِي الْجَمَالَ لَا يُشْتَرَط لِصِحَّةِ الرَّمْيِ أَنْ يَكُونَ الرَّامِي فِي مَكَان مَخْصُوصٍ أَيْ جِهَةٍ مَخْصُوصَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْأَوَّلِينَ وَأَسْفَلَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِهِ أَيْضًا مَا أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَهُوَ قَوْلُهُمْ يُسَنُّ لِلرَّامِي أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ إلَخْ إذْ صَرِيحُهُ جَوَازُ مَا عَدَا ذَلِكَ الِاسْتِقْبَالِ الشَّامِلِ لِلرَّمْيِ مِنْ سَائِرِ الْجِهَاتِ. ثُمَّ تَحْدِيدُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَصْحَابِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَى زَمَانِنَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الْمَرْمَى بِمُجْتَمِعِ الْحَصَى صَرِيحٌ أَيْ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مُجْمِعَ الْحَصَى الْمَعْهُودِ الْآنَ بِسَائِرِ جَوَانِبِ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَتَحْتَ شَاخِصِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ هُوَ الَّذِي كَانَ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ إذْ الْأَصْلُ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ حَتَّى يُعْرَفَ خِلَافُهُ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ قَوْلُ السَّائِلِ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُحَقَّقُ إلَخْ وَكَوْنُ الْجَمْرَةِ كَانَتْ عَلَى نَحْوِهِ لَا يُنْتِجُ لَهُ هَذِهِ الدُّعَى كَمَا هُوَ وَاضِحٌ وَقَدْ حَفِظَ اللَّهُ تَعَالَى آثَارَ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَعَالِمَ دِينِهِ أَنْ يَتَطَرَّقَ إلَيْهَا تَغْيِيرٌ عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ. وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْأَزْرَقِيُّ وَهُوَ إمَامُ النَّاسِ وَقُدْوَتُهُمْ فِي أَمْكِنَةِ الْمَنَاسِكِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَكَانَتْ الْجَمْرَةُ أَيْ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ زَائِلَةً عَنْ مَحَلِّهَا أَزَالَهَا جُهَّالُ النَّاسِ بِرَمْيِهِمْ الْحَصَى وَغُفِلَ عَنْهَا حَتَّى ارْتَخَتْ مِنْ مَوْضِعِهَا شَيْء يَسِيرًا مِنْهَا وَمِنْ فَوْقِهَا فَرَدَّهَا بَعْضُ رُسُلِ الْمُتَوَكِّلِ الْعَبَّاسِيِّ إلَى مَوْضِعِهَا الَّتِي لَمْ تَزَلْ عَلَيْهِ وَبَنَى مِنْ وَرَائِهَا جِدَارًا أَعْلَاهُ عَلَمُهَا وَمَسْجِدًا مُتَّصِلًا بِذَلِكَ الْجِدَارِ لِئَلَّا يَصِلَ إلَيْهَا مَنْ يُرِيدُ الرَّمْيَ مِنْ أَعْلَاهَا اهـ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ إطْبَاقَ النَّاسِ عَلَى الرَّمْيِ إلَى الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَعَدَمُ تَعَرُّضِ الْمُلُوكِ لِمَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ أَوْضَحُ دَلِيلٍ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا مِمَّا لَا مِرْيَةَ فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلِيُّ التَّوْفِيقِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا حُكْمُ أَهْلِ مِنًى لَوْ أَرَادُوا النَّفَرَ الْأَوَّلَ حَتَّى يَسْقُطَ عَنْهُمْ مَبِيتُ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ وَرَمْيُ يَوْمِهَا؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ الْآنَ أَنَّهُمْ كَغَيْرِهِمْ فِي ذَلِكَ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ إلَّا إنْ فَارَقُوا مِنًى بِنِيَّةِ عَدَمِ الْعَوْدِ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ إلَى زَوَالِ الثَّالِثِ فَمَنْ خَرَجَ بِنِيَّةِ ذَلِكَ سَقَطَ عَنْهُ وَمَنْ لَا لَزِمَهُ الْمَبِيتُ وَرَمَى الْيَوْمَ الثَّالِثَ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ هَذَا مَعَ أَنَّ فِيهِمْ مَعْنَى يُفَارِقُونَ بِهِ غَيْرَهُمْ هُوَ أَنَّهُمْ مُتَوَطِّنُونَ فَلَا يُسْقِطُ كَوْنُهُمْ مِنْ أَهْلِ مِنًى خُرُوجَهُمْ وَلَوْ بِنِيَّةِ ذَلِكَ فَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَلْزَمُهُمْ مَبِيتُ الثَّالِثَةِ وَرَمْيُ يَوْمِهَا مُطْلَقًا لِأَنَّهُمْ لَا يُقَالُ فِيهِمْ أَنَّهُمْ بِمُفَارِقَتِهِمْ مِنًى انْقَطَعَتْ عَنْهُمْ الْعَلَائِقُ الَّذِي صَرَّحُوا بِهِ تَعْلِيلًا لِلسُّقُوطِ قُلْت هَذَا وَاضِحُ الْمَعْنَى لَوْلَا أَنَّ سُكُوتَهُمْ عَنْ اسْتِثْنَائِهِمْ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّهُمْ فِي ذَلِكَ كَغَيْرِهِمْ وَيُوَجَّهُ عَلَى مَا فِيهِ بِأَنَّ التَّوَطُّنَ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ اعْتِبَارِ الرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَلْزَمُهُمْ الْمَبِيتُ بِالْفِعْلِ وَلَا عِبْرَةَ بِكَوْنِهِمْ مُتَوَطِّنِينَ الَّذِي لَوْ نَظَرَ إلَيْهِ نَاظِرٌ لَقَالَ الْمَبِيتُ لِأَنَّ تَوَطُّنَهُمْ يُحَصِّلُ الْمَعْنَى الْمَقْصُودَ مِنْ وُجُوبِ الْمَبِيتِ عَلَى غَيْرِهِمْ لَكَانَ لَهُ وَجْهُ عَدَمِ اعْتِبَارِ التَّوَطُّنِ مَا أَشَرْت إلَيْهِ أَنَّهُ أَمْرٌ خَارِجٌ حُكْمِيٌّ مُسْتَحَبٌّ وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْمَنَاسِكِ مُبَاشَرَةُ الْحَجِّ وَإِحْرَامُهُ وَوَاجِبَاتُهُ بِالْفِعْلِ فَلَا يُغْنِي عَنْهُ غَيْرُهُ فَلِذَلِكَ وَجَبَ الْمَبِيتُ عَلَيْهِمْ مَعَ تَوَطُّنِهِمْ وَكَذَلِكَ رَمْيُ الثَّالِثِ وَمَبِيتُهُ حَيْثُ لَا نَفْرَ وَسَقَطَ عَنْهُمْ النَّفْرُ كَغَيْرِهِمْ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ عَمَّا وَقَعَ فِي مَوْسِمِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ ضُحَى يَوْمِ النَّحْرِ بَيْنَ صَاحِبِ مَكَّةَ وَأَمِيرِ الْحَاجِّ مِنْ فِتْنَةٍ اقْتَضَتْ خَوْفَ النَّاسِ كُلِّهِمْ مِنْ أَعْرَابِ

الْبَوَادِي وَغَيْرِهِمْ عَلَى نُفُوسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ إنْ أَقَامُوا بِمِنًى لِلْمَبِيتِ أَوْ الرَّمْيِ ثُمَّ تَزَايَدَتْ وَاشْتَدَّ الْخَوْفُ إلَى أَنْ رَحَلَ أَكْثَرُ النَّاسِ مِنْ مِنًى وَتَرَكُوا الْمَبِيتَ وَرَمْيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَتَعَذَّرَتْ الِاسْتِنَابَةُ وَلَمْ يَبْقَ بِهَا إلَّا الْمُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَكَثُرَ سُؤَالُ النَّاسِ عَنْ حُكْمِ تَرْكِهِمْ لِهَذَيْنِ فَمَا حُكْمُ اللَّهُ فِيهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَمَّا تَرْكُ الْمَبِيتِ فَسُقُوطُهُ وَعَدَمُ الدَّمِ فِيهِ وَاضِحٌ وَإِنَّمَا الْمُشْكِلُ حُكْمُ الرَّمْيِ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ ظَاهِرٌ فِي وُجُوبِ الدَّمِ فِيهِ وَلَوْ مَعَ هَذَا الْعُذْرِ الْعَامِّ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوهُ كَتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ فِي الِاتِّفَاقِ عَلَى وُجُوبِهِ بِخِلَافِ الْمَبِيتِ وَلِأَنَّ الْمَبِيتَ تَابِعٌ لَهُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ سُقُوطِ الْمَبِيتِ بِمَا ذَكَرُوهُ سُقُوطُ الرَّمْيِ بِهِ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي التَّابِعِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَتْبُوعِ. وَاَلَّذِي يَنْقَدِحُ عِنْدِي مَعَ أَنِّي ذَبَحْت احْتِيَاطًا لِمَا ذَكَرْته مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَنْبَغِي فِي خُصُوصِ هَذِهِ الصُّورَةِ عَدَمُ وُجُوبِ الدَّمِ لِأُمُورٍ مِنْهَا أَنَّهُمْ شَبَّهُوا الرَّمْيَ بِأَصْلِ الْحَجِّ فِي وُجُوبِ الْإِنَابَةِ فِيهِ عَلَى الْعَاجِزِ عَنْهُ وَفِي اعْتِبَارِ ظَنِّ الْيَأْسِ عَنْ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فِي وَقْتِهِ وَفِي اشْتِرَاطِ كَوْنِ النَّائِبِ لَيْسَ عَلَيْهِ رَمْيٌ كَمَا يُشْتَرَطُ فِي النَّائِبِ ثَمَّ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ حَجٌّ وَفِي أَنَّهُ إذَا اسْتَنَابَ مَنْ عَلَيْهِ رَمْيٌ وَقَعَ لِلنَّائِبِ نَفْسِهِ كَمَا لَوْ اسْتَنَابَ مَنْ عَلَيْهِ حَجٌّ وَقَعَ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ بِخِلَافِهِ ثُمَّ قَالُوا لِأَنَّ الرَّمْيَ تَابِعٌ وَتَرْكُهُ قَابِلٌ لِلْجَبْرِ بِالدَّمِ بِخِلَافِ الْحَجِّ فِيهِمَا. وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ مِثْلُ الْحَجِّ فِيمَا ذُكِرَ فَلْيَكُنْ مِثْلُهُ فِيمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَصْحَابُ فِيهِ مِنْ أَنَّ الْخَوْفَ إذَا عَمَّ مَنَعَ وُجُوبَهُ لِتَعَذُّرِ فِعْلِهِ مَعَ تَعَذُّرِ الِاسْتِنَابَةِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَا عَدَا هَذِهِ الصُّورَةِ فَإِنَّهُ وَإِنْ تَعَذَّرَ فِعْلُهُ لَمْ تَتَعَذَّرْ الِاسْتِنَابَةُ فَإِذَا تَرَكَهُمَا لَزِمَهُ الدَّمُ لِتَقْصِيرِهِ وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي ذِكْرِهِمْ أَعْذَارًا كَثِيرَةً فِي الْمَبِيتِ وَلَمْ يَذْكُرُوا نَظِيرَهَا فِي الرَّمْيِ مَعَ كَوْنِ الْخَبَرِ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْعُذْرِ وَمِنْهَا قَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَغَيْرِهِ وَكَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ صَرِيح فِيهِ وَمَنْ عُذْرُهُ كَعُذْرِ الرُّعَاةِ أَوْ أَهْلِ السِّقَايَةِ جَازَ لَهُمْ مَا جَازَ لَهُمْ اهـ وَإِذَا لَحِقَتْ تِلْكَ الْأَعْذَارُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا إلَّا مُجَرَّدَ مَصْلَحَةٍ لِلنَّفْسِ أَوْ الْغَيْرِ بِالْمَنْصُوصِ فِي عَدَمِ الْإِثْمِ وَالدَّمِ أَيْ فِي الْمَبِيتِ فَأُولَى أَنْ يُلْحَقَ بِذَلِكَ هَذَا الْعُذْرُ الْعَامُّ الَّذِي لَمْ يُطِقْ أَحَدٌ الصَّبْرَ مَعَهُ عَلَى الرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ فِي عَدَمِ لُزُومِ الدَّمِ كَالْإِثْمِ وَمِنْهَا مَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَتَبِعَهُ جَمْعٌ وَجَرَيْت عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ الرَّمْيَ كَالْمَبِيتِ فِي سُقُوطِهِ لِلْعُذْرِ وَعَدَمِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْعُذْرِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُتَعَجِّلِ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ مَعَ الْمَتْنِ (فَرْعٌ مَنْ نَفَرَ مِنْ مِنًى) النَّفْرُ الْأَوَّلُ الَّذِي هُوَ (فِي ثَانِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ رَمْيِهِ) الْوَاقِعِ بَعْدَ الزَّوَالِ قَبْلَ الْغُرُوبِ ظَرْفٌ لِنَفْرٍ قُصِدَ بِهِ الْإِيضَاحُ وَإِلَّا فَهُوَ قَدْ فُهِمَ مِمَّا قَبْلَهُ أَعْنِي الْمَجْرُورَ بِفِي (فَإِنْ كَانَ قَدْ بَاتَ مَا) أَيْ اللَّيْلَتَيْنِ اللَّتَيْنِ (قَبْلَهُ وَرَمَى) الْيَوْمَيْنِ اللَّذَيْنِ قَبْلَهُ أَيْضًا (أَوْ سَقَطَ مَبِيتُهُ) وَرَمْيُهُ (لِعُذْرٍ كَمَا مَرَّ جَازَ وَسَقَطَ عَنْهُ بَاقِي الْمَبِيتِ وَالرَّمْيُ) فَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَلَا إثْمَ إجْمَاعًا انْتَهَتْ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ سَقَطَ مَبِيتُهُ وَرَمْيُهُ لِعُذْرٍ إلَخْ تَجِدُهُ صَرِيحًا فِيمَا مَرَّ أَنَّ الْعُذْرَ قَدْ يُسْقِطُ الرَّمْيَ. فَإِنْ قُلْت هَذَا كُلُّهُ مُسَلَّمٌ لَوْلَا تَصْرِيحُ الْأَصْحَابِ فِي بَابِ الْإِحْصَارِ بِمَا يُخَالِفُهُ حَيْثُ قَالَ الْقَاضِي ابْنُ كَجٍّ لَوْ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ ثُمَّ صُدَّ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الرَّمْيِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا مَعْنَى لَأَنْ يَتَحَلَّلَ وَلَكِنْ يَمْتَنِعُ مِنْ الْوَطْءِ فَإِذَا قَدَرَ عَلَى الْمَبِيتِ طَافَ لِأَنَّهُ قَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ غَيْرَ النِّسَاءِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أُحْصِرَ قَبْلَ الرَّمْيِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَحْبَبْت أَنْ يَثْبُتَ عَلَى إحْرَامِهِ فَإِنْ فَعَلَ أَرَاقَ دَمًا لِتَرْكِ الْجِمَارِ وَلَيَالِي مِنًى فَإِذَا قَدَرَ عَلَى الْمَبِيتِ طَافَ وَسَعَى إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى وَقَدْ أَجْزَأَتْهُ حَجَّتُهُ وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَحَلَّلَ فَلَهُ ذَلِكَ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُحْصَرِينَ سَوَاءٌ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِأَجْلِ التَّحَلُّلِ وَلَوْ كَانَتْ مَحَالَّهَا فَكَانَ قَدْ أُحْصِرَ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى مِنًى وَالرَّمْيِ فَقُلْنَا لَهُ لَك أَنْ تَتَحَلَّلَ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى خَرَجَتْ أَيَّامُ مِنًى. فَقَدْ حَصَلَ مُتَحَلِّلًا وَيَكُونُ عَلَيْهِ دَمٌ لِلرَّمْيِ لِأَنَّهُ تَرَكَهُ وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أُحْصِرَ فَيَمْتَنِع مِنْ الْوَطْءِ إلَى أَنْ يَطُوفَ هَذَا لَفْظُهُ اهـ كَذَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَذَكَرَ قَبْلَهُ مَا لَفْظُهُ الْإِحْصَارُ الْمُجَوَّزُ لِلتَّحَلُّلِ هُوَ الْمَنْعُ عَنْ الْأَرْكَانِ فَلَوْ مَنَعَ مِنْ الرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ بِمِنًى لَمْ يَجُزْ التَّحَلُّلُ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ

التَّحَلُّلِ بِالطَّوَافِ وَالْحَلْقِ وَيَقَعُ حَجُّهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَيُجْبَرُ الرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ بِالدَّمِ اهـ وَقَالَ غَيْرُهُ إذَا لَمْ لَمْ يَتَحَلَّلْ حَتَّى فَاتَهُ الرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ بِمِنًى فَعَلَيْهِ الدَّمُ لِفَوَاتِ الرَّمْيِ كَغَيْرِ الْمُحْصَرِ فَيَحْصُلُ عَلَى الْأَصَحِّ بِالدَّمِ وَالْحَلْقُ التَّحَلُّلُ الْأَوَّلُ ثُمَّ يَطُوفُ مَتَى أَمْكَنَهُ لِبَقَائِهِ عَلَيْهِ وَيَسْعَى إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى وَتَمَّ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ ثَانٍ لِلْمَبِيتِ بِمِنًى لِفَوَاتِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ إنْ فَاتَهُ الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ لَزِمَهُ دَمٌ ثَالِثٌ. وَفِي الْخَادِمِ بَعْدَ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ وَإِنْ لَمْ يَتَحَلَّلْ حَتَّى فَاتَهُ الرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ فَهُوَ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى وُجُوبِ الدَّمِ بِفَوَاتِهِمَا كَغَيْرِ الْمُحْصَرِ أَيْ وَلَا يُفِيدُ الْإِحْصَارُ إلَّا عَدَمَ الْإِثْمِ فَإِنَّ الْأَيَّامَ إذَا مَضَتْ وَجَبَ عَلَيْهِ لِأَجَلِ تَرْكِ الرَّمْيِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ لَوْ تُرِكَ ذَلِكَ بِدُونِ الْحُصْرِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّمْيِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا الدَّمُ لِتَرْكِ الْمَبِيتِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ وُجُوبُهُ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ عُذْرٌ غَيْرُ السِّقَايَةِ وَالرَّعْيِ هَلْ يَلْحَقُ بِهِمَا إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الْمَبِيتِ أَمْ لَا فَإِنْ أَلْحَقْنَاهُ بِهِمَا لَمْ يَجِبْ هُنَا شَيْءٌ وَإِلَّا وَجَبَ اهـ قُلْت وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ عَنْ النَّصِّ أَنَّهُ قَالَ لَوْ كَانَ أُحْصِرَ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أُحِبُّ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى إحْرَامِهِ فَإِنْ فَعَلَ أَرَاقَ دَمًا لِتَرْكِ الْجِمَارِ وَلَيَالِي مِنًى فَإِذَا قَدَرَ عَلَى الْبَيْتِ طَافَ وَسَعَى اهـ كَلَامُ الْخَادِمِ. وَفِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِ لَوْ أُحْصِرَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَمُنِعَ مَا سِوَى الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَتَمَكَّنَ مِنْهُمَا لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّحَلُّلُ بِالْإِحْصَارِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ بِالطَّوَافِ وَالْحَلْقِ وَيَلْزَمُهُ دَمٌ لِتَرْكِ الرَّمْيِ وَيُجْزِئُهُ حَجُّهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ اهـ فَهَذِهِ الْعِبَارَاتُ كُلُّهَا صَرِيحَةٌ فِي وُجُوبِ الدَّمِ فِي الْوَاقِعَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ فِيهَا أَنَّهُمْ كَالْمُحْصَرِينَ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِيهِمْ وُجُوبُ الدَّمِ فِي الرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ قُلْت لَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا فِي شَيْءٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ فِي تَرْكِ الْمَبِيتِ لِعُذْرٍ لَا دَمَ فِيهِ مَعَ قَوْلهمْ هُنَا بِوُجُوبِهِ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ مَعْذُورٌ فِي تَرْكِهِ فَعَلِمْنَا بِذَلِكَ أَنَّ مَلْحَظَ وُجُوبِ الدَّمِ هُنَا غَيْرُ مَلْحَظِهِ فِي صُورَتِنَا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا الْإِحْصَارُ الَّذِي ذَكَرُوهُ وَإِنَّمَا فِيهَا مُجَرَّدُ خَوْفٍ مِنْ الْإِقَامَةِ لِلرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ وَبَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْإِحْصَارَ فِيهِ صَدٌّ عَنْ نَفْسِ الْحَجِّ أَوْ بَعْضِ أَرْكَانِهِ بِالْقَصْدِ لَا بِطَرِيقِ اللَّازِمِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ أَصْلًا. وَأَيْضًا الْإِحْصَارُ مُجَوِّزٌ لِلْخُرُوجِ عَنْ أَصْلٍ الْحَجَّ إلَى بَدَلِهِ وَهُوَ الدَّمُ فَكَانَ مَا هُوَ مِنْ تَوَابِعِهِ الَّذِي هُوَ الرَّمْيُ وَالْمَبِيتُ مِثْلُهُ فِي ذَلِكَ إذَا أُحْصِرَ عَنْهُمَا فَمِنْ ثَمَّ أَوْجَبُوا فِي الْمَبِيتِ الدَّمَ هُنَا وَإِنْ أُحْصِرَ عَنْهُ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ اسْتِشْكَالُ ابْنِ الرِّفْعَةِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَبِيتِ وَيُعْلَمُ أَنَّ مَلْحَظَ مَا أَطْبَقُوا عَلَيْهِ هُنَا مِنْ وُجُوبِ الدَّمِ فِيهِ غَيْرُ مَلْحَظٍ مَا ذَكَرُوهُ ثُمَّ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَى الْخَائِفِ وَنَحْوِهِ إذَا تَرَكَهُ فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الرَّمْيِ حَيْثُ سَقَطَ بِهَذَا الْخَوْفِ الْعَامِّ عَلَى مَا ذَكَرْت وَبَيْنَ تَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الدَّمُ وَإِنْ تَرَكَ لِذَلِكَ قُلْت قَدْ أَشَرْت لِلْفَرْقِ فِيمَا مَرَّ بِأَنَّ الرَّمْيَ لَمَّا دَخَلَتْهُ الْإِنَابَةُ دَخَلَتْهُ الْأَعْذَارُ وَأَثَّرَتْ فِي سُقُوطِهِ بِالْأُولَى كَأَصْلِ الْحَجِّ بِخِلَافِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَمْ تَدْخُلْهُ نِيَابَةً فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ الْعُذْرُ بِالسُّقُوطِ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. فَإِنَّ قُلْت هُنَا صُورَةٌ تَتَعَذَّرُ فِيهَا الْإِنَابَةُ وَمَعَ ذَلِكَ يَجِبُ فِيهَا الدَّمُ فَلْتَكُنْ مَسْأَلَتِنَا كَذَلِكَ وَتِلْكَ الصُّورَةُ أَنْ يَطْرَأَ عَلَيْهِ الْإِغْمَاءُ أَوْ الْجُنُونُ وَلَمْ يَأْذَنْ لِغَيْرِهِ فِي الرَّمْيِ عَنْهُ أَوْ أَذِنَ لَهُ وَلَيْسَ بِعَاجِزٍ آيِسٍ إذْ لَا يَصِحُّ إذْنُهُ إلَّا إنْ كَانَ عَاجِزًا آيِسًا كَأَنْ كَانَ مَرِيضًا آيِسًا فَأَذِنَ ثُمَّ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَإِذَا لَمْ يَأْذَنْ كَمَا ذُكِرَ لَمْ يُجْزِئ عَنْهُ الرَّمْيُ وَعَلَيْهِ دَمٌ إذَا أَفَاقَ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالرَّمْيِ هُوَ وَلَا نَائِبِهِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ عَمَّنْ تَأَمَّلَهُ مَا فِي الْخَادِمِ وَإِذَا تَقَرَّرَ الدَّمُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَصُورَتُنَا مِثْلُهَا بَلْ أَوْلَى قُلْت هَذِهِ لَا تَرِدُ عَلَيْنَا لِمَا قَرَّرْنَاهُ مُوَضَّحًا أَنَّهُمْ غَلَبُوا فِي أَحْكَامِ الرَّمْيِ مُشَابَهَتَهُ لِأَصْلِ الْحَجِّ وَلَا شَكَّ أَنَّ أَصْلَ الْحَجِّ يَسْقُطُ دَوَامًا كَمَا فِي بَعْضِ صُوَرِ الْحَصْرِ وَابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ اسْتِقْرَارٍ بِالْخَوْفِ الْعَامِّ بَلْ الْخَاصِّ عَلَى مَا فِيهِ وَلَا كَذَلِكَ الْجُنُونُ أَوْ الْإِغْمَاءُ وَكَانَ سِرُّ ذَلِكَ أَنَّ الْخَوْفَ يَكْثُرُ وُقُوعُهُ وَقَدْ يَقَعُ فِيهِ هَتْكُ حَرِيمٍ أَوْ نَفْسٍ فَوَسِعَ فِيهِ بِخِلَافِ الْجُنُونِ أَوْ الْإِغْمَاءِ. وَلَمَّا فَرَغَ ذَلِكَ أَخْبَرَنِي بَعْضُ مُسِنِّي مَكَّةَ وَأَصْلَابُهُمْ أَنَّهُ كَانَ وَقَعَ نَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سَنَةَ إمْسَاكِ قِيتِ الرَّجَا الْمَرْسُولِ مِنْ جِهَةِ سُلْطَانِ مِصْرَ الْغُورِيِّ لِسُلْطَانِ

مَكَّةَ الشَّرِيفِ بَرَكَاتِ بْنِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَنَّ عُلَمَاءَ مِصْرَ وَمَكَّةَ اسْتَفْتَوْا فِيهَا فَاخْتَلَفُوا وَأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ أَفْتَى بِعَدَمِ لُزُومِ الدَّمِ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَآخَرُونَ فَسُرِرْت لِذَلِكَ إنْ صَحَّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ بِمَا لَفْظُهُ مَا وَجْهُ أَفْضَلِيَّةِ التَّأْخِيرِ لِثَالِثِ مِنًى مَعَ أَنَّ الْآيَةَ مُخَيِّرَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّعْجِيلِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ وَجْهُ ذَلِكَ مِنْ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ أَمَّا الْآيَةُ فَلِأَنَّ فِيهَا التَّعْبِيرَ بِالتَّعْجِيلِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْعَجَلَةِ الْمَذْمُومِ جِنْسُهَا {خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37] فَكَانَ فِيهِ نَوْعُ إشْعَارٍ بِتَقْدِيمِ الشَّيْءِ عَلَى وَقْتِهِ الْأَصْلِيِّ أَوْ الْفَاضِلِ وَكَأَنَّ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هُوَ السَّبَبُ عَنْ الْعُدُولِ عَمَّا يَقْتَضِيه نَظْمُ الْآيَةِ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالتَّقْدِيمِ لِأَنَّهُ الْمُقَابِلُ لِلتَّأْخِيرِ الْمَذْكُورِ فِيهَا فَلَمَّا كَانَ التَّقْدِيمُ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ الْمَعْنَى بَلْ رُبَّمَا أَفَادَهُ ضِدُّهُ مِنْ الْمُبَادَرَةِ لِلْعِبَادَةِ فَيَكُونُ أَفْضَلُ لَمْ يَحْسُنْ الْإِتْيَانُ بِهِ وَإِنْ اقْتَضَتْهُ الْمُقَابِلَةُ بَلْ بِالتَّعْجِيلِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ مَفْضُولٌ وَأَنَّ التَّأْخِيرَ أَفْضَلُ مِنْهُ وَهَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ لِمَنْ لَهُ أَدْنَى تَأَمُّلٍ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ تَعْرِضُ لَهُ وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَلِأَنَّهُ صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمْ يَنْفِرْ النَّفْرَ الْأَوَّلَ بَلْ مَكَثَ فِي مِنًى إلَى أَنَّ نَفَرَ النَّفْرُ الثَّانِي وَمِنْ ثَمَّ أَخَذَ أَئِمَّتُنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مُتَوَلِّي أَمْرِ الْحَاجِّ أَنْ يَنْفِرَ بِهِمْ النَّفْرَ الثَّانِي إلَّا لِعُذْرٍ كَغَلَاءٍ وَخَوْفٍ (وَسُئِلَ) فَسَحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَمَّنْ قَالَ إنَّ حَدِيثَ «الْبَاذِنْجَانُ لِمَا أُكِلَ لَهُ» أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ مَاءِ زَمْزَمَ هَلْ هُوَ مُصِيبٌ أَوْ مُخْطِئٌ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ الْحُفَّاظُ كَالْبَدْرِ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرِهِ هُوَ مُخْطِئٌ أَشَدَّ الْخَطَإِ وَمَا قَالَهُ خَطَأٌ قَبِيحٌ فَإِنَّ حَدِيثَ الْبَاذِنْجَانِ كَذِبٌ بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ بِإِجْمَاعِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَالذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ وَغَيْرُهُمَا وَحَدِيثُ زَمْزَمَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قِيلَ صَحِيحٌ وَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَرَوَاهُ الْخَطِيبُ فِي تَارِيخِ بَغْدَادَ بِإِسْنَادٍ قَالَ فِيهِ الْحَافِظُ شَرَفُ الدِّينِ الدِّمْيَاطِيُّ إنَّهُ عَلَى رَسْمِ الصَّحِيحِ وَقِيلَ حَسَنٌ وَقِيلَ ضَعِيفٌ فَأَدْنَى دَرَجَاتِهِ الضَّعْفُ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ فِي حَدِّ الْوَضْعِ وَقَدْ أَطَالَ النَّفَسَ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ زَمْزَمَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْأَذْكَارِ وَذَكَرَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ صَحَّحَهُ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَافِظُ الدِّمْيَاطِيُّ قَالَ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ حَسَنٌ لِشَوَاهِدِهِ ثُمَّ أَوْرَدَهُ مِنْ طُرُقٍ ثُمَّ قَالَ وَلَهُ شَوَاهِدُ أُخَرُ مَرْفُوعَةٌ وَمَوْقُوفَةٌ تَرَكْتهَا خَشْيَةَ الْإِطَالَةِ وَلِمَا نَظَرَ الْمُنْذِرِيُّ وَالدِّمْيَاطِيُّ إلَى كَثْرَةِ شَوَاهِدِهِ مَعَ جُودَةِ بَعْضِ طُرُقِهِ حَكَمَا لَهُ بِالصِّحَّةِ وَوَرَدَ هَذَا اللَّفْظُ أَيْضًا عَنْ مُعَاوِيَةَ مَوْقُوفًا بِسَنَدٍ حَسَنٍ لَا عِلَّةَ فِيهِ وَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ خَبَرِ «مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَشَرِبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ كُلَّهَا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ» مَنْ رَوَاهُ وَمَا حُكْمُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي فَضَائِلِ مَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ (وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ هَلْ وَرَدَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ كُلَّهُمْ حَجُّوا الْبَيْتَ إلَّا هُودًا وَصَالِحًا لِتَشَاغُلِهِمَا بِأَمْرِ قَوْمِهِمَا حَتَّى قَبْضِهِمَا وَمَنْ حَلَقَ رَأْسَ آدَمَ لَمَّا حَجَّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْأَوَّلُ رَوَاهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - مَوْقُوفًا عَلَيْهِ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمُبْتَدَإِ وَابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ وَرَوَى الْخَطِيبُ فِي تَارِيخِهِ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّ جِبْرِيلَ حَلَقَ رَأْسَ آدَمَ - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِين حَجَّ بِيَاقُوتَةٍ مِنْ الْجَنَّةِ (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ حَدِيثِ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيِّ «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إلَّا رَدَّ اللَّهُ إلَيَّ» وَفِي رِوَايَةٍ «عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» مَا الْجَوَابُ عَنْهُ مَعَ الْإِجْمَاعِ عَلَى حَيَاةِ الْأَنْبِيَاءِ كَمَا تَوَاتَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ وَهَلْ عَلَى تَفْسِيرِ الرُّوحِ بِالنُّطْقِ الَّذِي قِيلَ فِيهِ أَنَّهُ أَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ اعْتِرَاضٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مَعَ بَيَانِ مَا فِيهِ ذَكَرْته فِي كِتَابِي الْجَوْهَرُ الْمُنَظَّمُ فِي زِيَارَةِ الْقَبْرِ الْمُكَرَّمِ وَكِتَابِي الدُّرُّ الْمَنْضُودُ فِي الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى صَاحِبِ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ وَحَاصِلُ الْأَجْوِبَةِ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ فَيُقَدَّرُ فِيهَا قَدْ عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي وُقُوعِ الْمَاضِي حَالًا فَيَكُونُ الرَّدُّ سَابِقًا عَلَى السَّلَامِ الْوَاقِعِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ وَحَتَّى

لَيْسَتْ تَعْلِيلِيَّةً بَلْ عَاطِفَةٌ وَالتَّقْدِيرُ مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إلَّا قَدْ رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي قَبْلَ ذَلِكَ وَأَرُدُّ عَلَيْهِ وَقَدْ صُرِّحَ بِقَدْ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ فَمُرَادُ الْحَدِيثِ الْإِخْبَارُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرُدُّ إلَيْهِ رُوحَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيَصِيرُ حَيًّا عَلَى الدَّوَامِ حَتَّى لَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ أَحَدٌ رَدَّ عَلَيْهِ لِوُجُودِ الْحَيَاةِ فِيهِ دَائِمًا جَاءَ الْإِشْكَالُ مِنْ ظَنِّ أَنَّ حَتَّى تَعْلِيلِيَّةً وَجُمْلَةُ رَدَّ بِمَعْنَى الْحَالِ أَوْ الِاسْتِقْبَالِ الَّذِي يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَكَرُّرُ الرَّدِّ عِنْدَ تَكَرُّرِ السَّلَامِ عَلَيْهِ وَيَلْزَمُ مِنْ تَكْرَارِ الرَّدِّ تَكْرَارُ الْمُفَارَقَةِ الْمُوجِبِ لِنَوْعِ أَلَمٍ. وَالْمُخَالِفُ لِلَفْظِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ لَيْسَ إلَّا مَوْتَتَانِ أَوْ لَفْظُ الرَّدِّ لَيْسَ لِلْمُفَارِقَةِ بَلْ كِنَايَةً عَنْ مُطْلَقِ الصَّيْرُورَةِ كَمَا فِي {إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ} [الأعراف: 89] أَيْ صِرْنَا لِاسْتِحَالَةِ الْكُفْرِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ أَوْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِرَدِّ الرُّوحِ عَوْدُهَا بَعْدَ مُفَارِقَةِ الْبَدَنِ وَإِنَّمَا هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَشْغُولٌ فِي الْبَرْزَخِ بِأَحْوَالِ الْمَلَكُوتِ مُسْتَغْرِقٌ فِي شُهُودِ رَبِّهِ فَعَبَّرَ عَنْ إفَاقَتِهِ مِنْ ذَلِكَ بِالرَّدِّ وَنَظِيرُهُ جَوَابُهُمْ عَمَّا وَقَعَ فِي بَعْضِ أَحَادِيثِ الْإِسْرَاءِ فَاسْتَيْقَظْت وَأَنَا بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ الِاسْتِيقَاظُ مِنْ نَوْمٍ لِأَنَّ الْإِسْرَاءَ لَمْ يَكُنْ مَنَامًا بَلْ الْإِفَاقَةُ مِمَّا خَامَرَهُ مِنْ عَجَائِبِ الْمَلَكُوتِ أَوْ الرَّدُّ يَسْتَلْزِمُ الِاسْتِمْرَارَ إذْ لَا يَخْلُو مِنْ مُسَلِّمٍ عَلَيْهِ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ أَوْ الْمُرَادُ بِالرُّوحِ هُنَا النُّطْقُ مَجَازًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ حَيَاتِهِ عَلَى الدَّوَامِ نُطْقُهُ. وَعَلَاقَةُ الْمَجَازِ اسْتِلْزَامُ النُّطْقِ لِلرُّوحِ وَعَكْسُهُ بِالْفِعْلِ أَوْ الْقُوَّةِ فَعَبَّرَ بِأَحَدِ الْمُتَلَازِمَيْنِ عَنْ الْآخَرِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ كَوْنِهِ حَيًّا يُمْنَعُ عَنْهُ النُّطْقُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ عِنْدَ سَلَامِ الْمُسَلِّمِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلنَّقْلِ لِمَا فِي الْأَخْبَارِ أَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ فِي قَبْرِهِ يَنْطِقُ بِمَا شَاءَ لِمَا وَرَدَ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ النُّطْقَ فِي قَبْرِهِ إلَّا مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ وَلِلْعَقْلِ لِأَنَّ الْحَصْرَ عَنْ النُّطْقِ وَإِنْ قَلَّ زَمَنُهُ نَوْع حَصْر وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُبَرَّأٌ عَنْ ذَلِكَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّدِّ الِاسْتِمْرَارُ مِنْ غَيْرِ مُفَارِقَةٍ فَالْمَجَازُ فِي لَفْظِ الرَّدِّ وَالرُّوحِ فَالْأَوَّلُ اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ وَالثَّانِي مَجَازٌ مُرْسَلٌ أَوْ. الْمُرَادُ بِالرُّوحِ السَّمْعُ الْخَارِقُ لِلْعَادَةِ بِحَيْثُ يَسْمَعُ الْمُسَلِّمَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ وَإِنْ بَعُدَ أَوْ الْمُوَافِقُ لِلْعَادَةِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِرَدِّهِ إفَاقَتَهُ مِنْ الِاسْتِغْرَاقِ الْمَلَكُوتِيِّ أَوْ الْمُرَادُ بِالرُّوحِ الْفَرَاغُ مِنْ الشُّغْلِ مِمَّا هُوَ بِصَدَدِهِ فِي الْبَرْزَخِ مِنْ النَّظَرِ فِي أَعْمَالِ أُمَّتِهِ وَالِاسْتِغْفَارُ لِمُسِيئِهِمْ وَالدُّعَاءُ بِكَشْفِ الْبَلَاء عَنْهُمْ وَالتَّرَدُّدُ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ بِحُلُولِ الْبَرَكَةِ فِيهَا أَوْ حُضُورُ جِنَازَةِ صَالِحِي أُمَّتِهِ كَمَا وَرَدَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ وَالْأَخْبَارُ فَلَمَّا كَانَ السَّلَامُ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِ الْأَعْمَالِ خُصَّ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ بِأَنْ يُفْرِغَ لَهُ مِنْ أَشْغَالِهِ الْمُهِمَّةِ لَحْظَةً يَرُدُّ عَلَيْهِ فِيهَا تَشْرِيفًا لَهُ وَمُجَازَاةً أَوْ الْمُرَادُ بِالرُّوحِ الِارْتِيَاحُ أَوْ الرَّحْمَةُ عَلَى حَدِّ قِرَاءَةِ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ بِضَمِّ الرَّاءِ أَيْ يَحْصُلُ لَهُ بِسَلَامِ الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِ ارْتِيَاحٌ وَفَرْحَةٌ لِحُبِّهِ لِذَلِكَ مِنْ أُمَّتِهِ أَوْ مِنْهُ رَحْمَةً لَهُ فَيَحْمِلَهُ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ رَدًّا مَخْصُوصًا (تَنْبِيهٌ رِوَايَةُ عَلَيَّ بِمَعْنَى إلَيَّ فَإِنَّ (رَدَّ) يُعَدَّى بِعَلَى فِي الْإِهَانَةِ وَبِإِلَى فِي الْإِكْرَامِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهِمَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَنْ رَجُلٍ مُقِيمٍ بِمِصْرٍ نَذَرَ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يَحُجَّ فِي عَامِهِ هَذَا فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ حَتَّى لَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مِنْ الْمِيقَاتِ وَفَرَغَ مِنْهَا ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ كَانَ آثِمًا لِأَنَّهُ الْتَزَمَ حَجًّا مُعَيَّنًا قَصَدَ مَكَّةَ لِأَدَائِهِ أَمْ يَكْفِيه أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ وَيَفْرُغَ مِنْهَا وَيُحْرِمَ بِالْحَجِّ مِنْ مَكَّةَ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ أَفْتَوْنَا مَأْجُورِينَ وَابْسُطُوا الْجَوَابَ وَهَلِ الْمَسْأَلَةُ مَنْقُولَةٌ أَوْ لَا فَاخْتَلَفَ فِيهِ عُلَمَاؤُهَا وَأَجِلَّاؤُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ وَإِلَّا فَالْإِثْمُ وَالدَّمُ قَالَ بَعْضُهُمْ لِلنَّقْصِ الْحَاصِلِ فِي الْحَجِّ الَّذِي الْتَزَمَهُ بِالنَّذْرِ وَقَالَ آخَرُونَ الْمَسْأَلَةُ مَنْقُولَةٌ فِي مَحَلِّهَا فَمَا الَّذِي تَرَوْنَهُ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمَسْأَلَةُ مَنْقُولَةٌ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهَا لَكِنْ لَا كَمَا قِيلَ فِي السُّؤَالِ بَلْ يَحِلُّ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ وَلَا إثْمَ وَلَا دَمَ مِنْ حَيْثُ مُخَالَفَةِ الْمَنْذُورِ وَعِبَارَةُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ يُخْرِجُ النَّاذِرَ عَنْ حَجِّ النَّذْرِ بِالْإِفْرَادِ وَبِالتَّمَتُّعِ وَبِالْقِرَانِ وَإِذَا نَذَرَ الْقِرَانَ فَقَدْ الْتَزَمَ النُّسُكَيْنِ فَإِنْ أَتَى بِهِمَا مُفْرَدَيْنِ فَقَدْ أَتَى بِالْأَفْضَلِ وَخَرَجَ عَنْ نَذْرِهِ وَإِنْ تَمَتَّعَ فَكَذَلِكَ وَإِنْ نَذَرَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مُفْرَدَيْنِ فَقَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ فَهُوَ كَمَا

إذَا نَذَرَ الْحَجَّ مَاشِيًا وَقُلْنَا الْمَشْيُ أَفْضَلُ فَحُجَّ رَاكِبًا انْتَهَتْ وَكَانَ الْمَوْقِعُ فِي ذَلِكَ الْإِفْتَاءِ أَنَّ صَاحِبَ الرَّوْضَةِ حَذَفَ مِنْ أَصْلِهِ قَوْلَهُ وَيَخْرُجُ عَنْ حَجِّ النَّذْرِ بِالْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَلَمْ يُنَبِّهْ شَيْخُنَا فِي شَرْحِهِ عَلَى إسْقَاطِهِ لِهَذَا الْحُكْمِ الْمُهِمِّ مِنْ أَصْلِهِ فَظَنَّ مَنْ أَفْتَى بِمَا ذُكِرَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ غَيْرُ مَنْقُولَةٍ وَأَنَّ الْمَسْأَلَةَ قِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي الْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ وَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوا فِي الْأَمْرَيْنِ كَمَا يَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ وَتَحْقِيقُهُ فَفَرِّغْ ذِهْنَك لَهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَعِبَارَةُ الْمَجْمُوعِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا نَذَرَ الْحَجَّ مُطْلَقًا أَجْزَأَهُ أَنْ يَحُجَّ مُفْرِدًا أَوْ مُتَمَتِّعًا أَوْ قَارِنًا لِأَنَّ الْجَمِيعَ حَجٌّ صَحِيحٌ وَلَوْ نَذَرَ الْقِرَانَ كَانَ مُلْتَزِمًا لِلنُّسُكَيْنِ فَإِنْ أَتَى بِهِمَا مُفْرَدَيْنِ أَجْزَأَهُ وَهُوَ أَفْضَلُ وَكَذَا إنْ تَمَتَّعَ وَإِنْ نَذَرَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مُفْرَدَيْنِ فَقَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ فَهُوَ كَمَا إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مَاشِيًا وَقُلْنَا الْمَشْيُ أَفْضَلُ فَحَجَّ رَاكِبًا وَإِذَا نَذَرَ الْقِرَانَ فَأَفْرَدَهُمَا لَزِمَهُ دَمُ الْقِرَانِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالنَّذْرِ فَلَا يَسْقُطُ انْتَهَتْ فَعُلِمَ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ أَنَّهُمَا مَفْرُوضَتَانِ فِي عَيْنِ صُورَةِ السُّؤَالِ وَهُوَ نَذْرُ الْحَجِّ مُطْلَقًا أَيْ مِنْ غَيْرِ ضَمِّ نُسُكٍ آخَرَ إلَيْهِ وَأَنَّهُمَا صَرِيحَتَانِ فِي جَوَازِ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ عَلَى وَجْهِ التَّمَتُّعِ بَلْ وَفِي أَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ لَا بِنِيَّةِ الْإِفْرَادِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَبِأَنَّ ذَلِكَ تَصْرِيحٌ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُصَرِّحٌ بِأَنَّ مَنْ نَذَرَ الْقِرَانَ أَجْزَأَهُ الْإِفْرَادُ وَالتَّمَتُّعُ وَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَفْضَلَ مِمَّا الْتَزَمَهُ بِالنَّذْرِ وَهُوَ الْقِرَانُ مَعَ أَنَّ فِي الْإِفْرَادِ تَأْخِيرَ الْعُمْرَةِ الْمُلْتَزَمَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ عَنْهُ وَفِي التَّمَتُّعِ تَأْخِيرُ الْحَجِّ الْمُلْتَزَمِ مِنْهُ عَنْهُ أَيْضًا وَلَمْ يَنْظُرُوا لِهَذَا التَّأْخِيرِ لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ بِالزِّيَادَةِ عَلَى مَا الْتَزَمَهُ الْحَاصِلَةُ فِي الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ فَكَذَلِكَ لَا نَظَرَ فِي مَسْأَلَتِنَا لِتَأْخِيرِ الْحَجِّ الْمُلْتَزَمِ مِنْ الْمِيقَاتِ عَنْهُ لِوُجُودِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ فِي كُلٍّ مِنْ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ الْفَاضِلَيْنِ عَلَيْهِ بِعَيْنِ مَا قَرَّرُوهُ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ جَلِيٌّ وَوَجْهُهُ أَعْنِي مَا ذَكَرُوهُ أَنَّ النَّذْرَ مَحْمُولٌ عَلَى وَاجِبِ الشَّرْعِ وَوَاجِبُهُ أَنَّ الْإِفْرَادَ وَالتَّمَتُّعَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَانِ فَكَانَا فِي النَّذْرِ كَذَلِكَ فَإِنْ قُلْت يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُمْ لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِفِضَّةٍ لَمْ يَكْفِ الذَّهَبُ قُلْت لَا يُنَافِيه لِأَنَّ الذَّهَبَ جِنْسٌ مُغَايِرٌ لِلْفِضَّةِ ذَاتًا وَصِفَةً وَلَيْسَ وُجُوهُ النُّسُكَيْنِ كَذَلِكَ بَلْ جِنْسُهُمَا مُتَّحِدٌ وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا فِي الْكَيْفِيَّةِ لَا غَيْرُ وَإِذَا عَلِمْت أَنَّهُمْ مُصَرِّحُونَ فِي النُّسُكِ بِأَفْضَلِيَّةِ غَيْرِ الْمَنْذُورِ الْمَذْكُورِ حَمْلًا لِلنَّذْرِ عَلَى الْوَاجِبِ الْأَصْلِيِّ عَلِمْت أَنَّهُمْ مُصَرِّحُونَ فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ بِجَوَازِ كُلٍّ مِنْ الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَأَنَّهُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَتَى بِالْأَفْضَلِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ وَحْدَهُ فَلَزِمَ بِمُقْتَضَى مَا تَقَرَّرَ جَوَازُ كُلٍّ مِنْهَا وَإِجْزَاؤُهُ عَنْهُ وَأَنَّهُ الْأَفْضَلُ فَإِنْ قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ تَعْبِيرِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ بِيَخْرُجُ وَالْمَجْمُوعُ بِأَجْزَأَ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ قُلْت بَلْ يَلْزَمُ ذَلِكَ لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مَنْ سَبَرَ كُتُبَهُمْ عَلِمَ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ أَحَدَ هَاتَيْنِ الْعِبَارَتَيْنِ أَعْنِي الْخُرُوجَ وَالْإِجْزَاءَ إلَّا فِي الْجَائِزِ وَبِتَسْلِيمِ أَنَّهُمْ قَدْ يَسْتَعْمِلُونَ أَحَدَهُمَا فِي الْحَرَامِ كَانَ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يُبَيِّنُوا حُرْمَتَهُ وَإِلَّا كَانَ غِشًّا لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الْأَفْهَام لَا يَتَبَادَرُ إلَيْهَا مِنْ إطْلَاقِ الْخُرُوجِ بِشَيْءٍ عَنْ الْوَاجِبِ وَإِجْزَائِهِ عَنْهُ إلَّا أَنَّهُ جَائِزٌ. ثَانِيهِمَا: مَا ذَكَرُوهُ مِنْ جَوَازِ كُلٍّ مَنْ الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ عَنْ الْقِرَانِ الْمُلْتَزَمِ بَلْ أَفْضَلِيَّتُهُ مَعَ مَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ تَأْخِيرِ بَعْضِ الْمُلْتَزَمِ مِنْ الْمِيقَاتِ عَنْهُ لَكِنَّ الْجَائِزَ أَقْوَى كَمَا قَدَّمْته مَعَ بَيَانِ أَنَّ مَسْأَلَتَنَا وَإِنْ كَانَ فِيهَا نَظِيرُ ذَلِكَ التَّأْخِيرِ إلَّا أَنَّهُ لِجَائِزٍ أَقْوَى أَيْضًا فَسَاوَى مَا قَالُوهُ حَرْفًا بِحَرْفٍ وَهَذَا صَرِيحٌ وَاضِحٌ فِي أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ يَخْرُجُ فِي الْعِبَارَةِ الْأُولَى وَأَجْزَأَ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ بَلْ أَفْضَلُ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِجَوَازِ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَأَمَّا دَمُ الْعُدُولِ عَنْ الْمَنْذُورِ فَهَلْ يَجِبُ وَإِنْ عَدَلَ إلَى الْأَفْضَلِ كَمَا لَوْ عَدَلَ عَنْ الْمَشْيِ الْمُلْتَزَمِ فِي نَذْرِ النُّسُكِ إلَى الرُّكُوبِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَإِنْ كَانَ الرُّكُوبُ أَفْضَلَ أَوْ لَا يَجِبُ لِإِمْكَانِ الْفَرْقِ وَاَلَّذِي جَرَيْت عَلَيْهِ كَشَيْخِنَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ عَهْدَهُ صَيِّبَ الرِّضْوَانِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ الثَّانِي وَعِبَارَتُهُ أَوْ نَذَرَ قِرَانًا أَوْ تَمَتُّعًا كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ فَأَفْرَدَ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وَيَلْزَمُهُ إنْ أَفْرَدَ دَمُ الْقِرَانِ أَوْ التَّمَتُّعِ لِالْتِزَامِهِ لَهُ بِالنَّذْرِ فَلَا يَسْقُطُ بِالْعُدُولِ عَنْهُ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ فِي الْحَجِّ اهـ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الْقَمُولِيُّ

وَغَيْرُهُ وَظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا مِنْ تَفَرُّدِ الْقَمُولِيِّ فَاعْتَرَضَهُ بِأَنَّ دَمَ الْقِرَانِ لَا يَجِبُ بِمُجَرَّدِ الْتِزَامِهِ بَلْ بِفِعْلِهِ يُرَدُّ بِأَنَّ هَذِهِ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا بَلْ يَجِبُ بِكُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَكَلَامُهُمْ يُشْعِرُ بِأَنْ لَا دَمَ عَلَيْهِ لِلْعُدُولِ أَيْ عَنْ الْقِرَانِ أَوْ التَّمَتُّعِ إلَى الْإِفْرَادِ قَالَ شَيْخُنَا زَكَرِيَّا وَهُوَ ظَاهِرٌ اكْتِفَاءً بِالدَّمِ الْمُلْتَزَمِ مَعَ كَوْنِ الْأَفْضَلِ الْمَأْتِيِّ بِهِ مِنْ جِنْسِ الْمَنْذُورِ وَبِهَذَا كُلِّهِ فَارَقَ لُزُومَهُ بِالْعُدُولِ مِنْ الْمَشْيِ إلَى الرُّكُوبِ. وَيُفَارِقُ مَا مَرَّ فِيمَا لَوْ جَامَعَ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا ثُمَّ أَفْرَدَ فَإِنَّهُ لَا يُسْقِطُ الدَّمَ بِعُدُولِهِ إلَى الْإِفْرَادِ بِأَنَّهُ ثَمَّ تَلَبُّسٌ بِمُوجِبِ الدَّمِ وَهُوَ الْإِحْرَامُ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا فَلَمْ يُفِدْهُ الْعُدُولُ بِخِلَافِهِ هُنَا انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ فَإِنْ قُلْت ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّيْخِ وَهُوَ ظَاهِرٌ اكْتِفَاءً بِالدَّمِ الْمُلْتَزَمِ مَعَ كَوْنِ الْأَفْضَلِ إلَخْ وُجُوبُ الدَّمِ فِي مَسْأَلَتِنَا لِلْعُدُولِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلُ أَيْضًا لَكِنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ دَمًا يُغْنِي عَنْهُ قُلْت مَسْأَلَتُنَا انْتَفَى فِيهَا دَمُ الْعُدُولِ لِمَعْنَى آخَرَ هُوَ أَنَّ فِيهَا جَابِرًا لِلْعُدُولِ وَهُوَ النُّسُكُ الْمَزِيدُ عَلَى مَا نَذَرَهُ كَمَا أَنَّ فِي الْعُدُولِ عَنْ الْقِرَانِ أَوْ التَّمَتُّعِ إلَى الْإِفْرَادِ جَابِرًا هُوَ الدَّمُ الْمُلْتَزَمُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعُدُولَ عَنْ الْمُلْتَزَمِ فِيهِ الدَّمُ إلَّا أَنْ يَخْلُفَهُ غَيْرُهُ وَهُوَ فِي مَسْأَلَتِنَا زِيَادَةُ نُسُكٍ آخَرَ وَفِي تِلْكَ الدَّمُ الْمُلْتَزَمُ وَبِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مَسْأَلَتِنَا وَمَسْأَلَةِ الْعُدُولِ عَنْ الْمَشْيِ إلَى الرُّكُوبِ لِأَنَّ الرُّكُوبَ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلُ إلَّا أَنَّهُ لَا جَابِرَ فِيهِ بَلْ فِيهِ تَفْوِيتُ مَشَقَّةٍ مَقْصُودَةٍ مِنْ نَذْرِ الْمَشْيِ لِتَعْظِيمِ ثَوَابِهِ وَمِنْ ثَمَّ فَضَّلَهُ عَلَى الرُّكُوبِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ فَحِينَئِذٍ جَبَرَهُ الْأَئِمَّةُ بِالدَّمِ فَلَا جَامِعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَتِنَا فَتَأَمَّلْهُ. فَإِنْ قُلْت قِيَاسُ مَا مَرَّ أَنَّ مَنْ نَذَرَ قِرَانًا فَتَمَتَّعَ أَوْ عَكْسه لَزِمَهُ دَمَانِ دَمٌ لِلْمُلْتَزِمِ وَآخَرُ لِمَا فَعَلَهُ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَيْنِ وَمَسْأَلَتُنَا قُلْت الْفَرْقُ وَاضِحٌ فَإِنَّ فِي كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ دَمًا مُلْتَزَمًا بِالنَّذْرِ وَدَمًا مُلْتَزَمًا بِالْفِعْلِ وَمَسْأَلَتُنَا لَيْسَ فِيهَا دَمٌ مُلْتَزَمٌ بِالنَّذْرِ وَهَذَا وَاضِحٌ وَأَمَّا الْفِعْلُ فَإِنْ اقْتَضَى دَمًا كَالتَّمَتُّعِ أَوْ الْقِرَانِ وَجَبَ دَمُهُ وَإِلَّا كَالْإِفْرَادِ فَلَا فَإِنْ قُلْت صَرَّحُوا بِأَنَّ الرُّكُوبَ مَعَ كَوْنِهِ أَفْضَلُ يَأْثَمُ بِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرِ نَاذِرِ الْمَشْيِ فَقِيَاسُهُ فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ الْإِثْمُ بِكُلٍّ مِنْ الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ وَإِنْ كَانَتْ أَفْضَلُ قُلْت قَدْ عَلِمْت مِمَّا قَدَّمْته آنِفًا أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ فَوَاتُ الْمَشَقَّةِ الْمَقْصُودَةِ فِي الْمَشْيِ بِالرُّكُوبِ لَا إلَى بَدَلٍ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا ذَكَرْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ مِنْ اسْتِشْكَالِ جَمْعٍ أَنَّ الرُّكُوبَ لَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ إلَّا إنْ قُلْنَا بِأَفْضَلِيَّتِهِ بِخِلَافِ الْمَشْيِ يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ وَإِنْ قُلْنَا بِمَفْضُولِيَّتِهِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَشْيَ مَقْصُودٌ وَأَفْضَلِيَّةُ الرُّكُوبُ إنَّمَا هِيَ مِنْ حَيْثُ الِاتِّبَاعِ وَمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ تَحَمُّلِ الْمُؤْنَةِ فِي الْعِبَادَةِ وَإِيضَاحُهُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَتْ النَّفْسُ تَمِيلُ لِلرُّكُوبِ طَبْعًا كَانَ الْتِزَامُهَا لَهُ وَتَحَمُّلُهَا لِمُؤْنَتِهِ مُحْتَمَلٌ أَنَّهُ لِإِيثَارِ رَاحَتِهِ وَأَنَّهُ لِأَفْضَلِيَّتِهِ فَلَمَّا تَرَدَّدَ الْأَمْرُ بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنِ الْجَزْمُ بِلُزُومِهِ إلَّا إنْ قِيلَ بِأَفْضَلِيَّتِهِ وَأَمَّا الْمَشْيُ فَإِنَّهَا تَنْفِرُ عَنْهُ طَبْعًا أَيْضًا فَلَمْ يَكُنِ الْتِزَامُهُ إلَّا لِكَسْرِ نَفْسِهِ وَإِيثَارِ ثَوَابِهِ فَلَزِمَ وَإِنْ قُلْنَا بِمَفْضُولِيَّتِهِ. فَإِنْ قُلْت فَلِمَ وَجَبَ الدَّمُ فِي الْمَشْيِ الْبَدَلُ عَنْ الرُّكُوبُ قُلْت لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ الْأَفْضَلِيَّةِ الْمَقْصُودَةِ شَرْعًا وَإِنْ كَانَ أَشُقُّ فَإِنْ قُلْت فَهَلْ فِيهِ إثْمٌ أَيْضًا قُلْت الْقِيَاسُ نَعَمْ نَظَرًا لِذَلِكَ التَّفْوِيتِ وَهَذَا كُلُّهُ غَيْرُ جَارٍ نَظِيرُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْإِفْرَادِ وَالتَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ أَفْضَلُ وَأَشَقُّ مِنْ مُجَرَّدِ الْحَجِّ فَجَازَ كُلٌّ مِنْ تِلْكَ الثَّلَاثَةِ وَأَجْزَأَ مِنْ غَيْرِ دَمٍ نَظَرًا لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ نُسُكٍ وَمَشَقَّةٍ عَلَى الْحَجِّ الْمُلْتَزَمِ وَمِنْ الْأَفْضَلِيَّةِ فَلَيْسَ ذَلِكَ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ بِوَجْهٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى فَوَّتَ بِالْعُدُولِ الْأَفْضَلِيَّةَ فَالدَّمُ وَالْإِثْمُ وَمَتَى لَمْ يُفَوِّتْهَا بِأَنْ أَتَى بِالْأَفْضَلِ فَإِنْ فَوَّتَ مَشَقَّةً مَقْصُودَةً فَالدَّمُ وَالْإِثْمُ وَإِلَّا فَلَا. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بِمَا لَفْظُهُ قَالَ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَلَوْ حَلَّ الْحَلْقُ لِلْمُحْرِمِ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَهُ فَهَلْ يُفْعَلُ عَنْهُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لَا مَكْرُوهٌ لَكِنْ فِي الْأَسْنَى وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ إذَا مَاتَ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ لِيَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُحْرِمًا وَهُوَ ظَاهِرٌ لِانْقِطَاعِ تَكْلِيفِهِ فَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ حَلْقٌ وَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ بِهِ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ طَوَافٌ أَوْ سَعْيٌ وَهُوَ خِلَافُ مَا ذُكِرَ عَنْ الْإِسْعَادِ فَمَا الْمُعْتَمَدُ مِنْ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْجَوَابُ عَنْ هَذَا مَذْكُورٌ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَعِبَارَتُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ بَعْدَ

باب البيع

التَّحَلُّلِ الْأَوَّل وَبَقِيَ عَلَيْهِ الْحَلْقُ لَمْ يُفْعَلْ بِهِ لِيَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُحْرِمًا وَهُوَ مَا اعْتَمَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَلَمْ يُبَالِ بِقَوْلِ شَيْخِهِ الْأَذْرَعِيِّ يُنْدَبُ حَلْقُهُ قَالَ أَعْنِي الزَّرْكَشِيّ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِحْرَامِ بَاقٍ وَتَبِعَهُ الدَّمِيرِيّ وَغَيْرُهُ وَمِنْ ثَمَّ اسْتَظْهَرَهُ شَيْخُنَا لِانْقِطَاعِ تَكْلِيفِهِ فَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ حَلْقٌ وَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ بِهِ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ طَوَافٌ أَوْ سَعْيٌ انْتَهَتْ وَيُؤَيِّدُ مَا اسْتَظْهَرَهُ الشَّيْخُ أَنَّ مَبْنَى أَفْعَالِ الْحَجِّ عَلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ عَنْ الْغَيْرِ وَمِنْ ثَمَّ أَطْلَقَ الْأَئِمَّةُ تَحْرِيمَ الْبِنَاءِ فِيهِ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ وَهَذَا فِيهِ بِنَاءٌ فَكَانَ حَرَامًا بِصَرِيحِ كَلَامِهِمْ إذْ الْمَسْأَلَةُ إذَا دَخَلَتْ فِي عُمُومِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ كَانَتْ مَنْقُولَةً كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابُ الْبَيْعِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي شَخْصٍ بَاعَ جَمَلًا بِشَرْطِ أَنْ يَحْمِلَ مَثَلًا سِتِّينَ صَاعًا فَهَلْ الْبَيْعُ صَحِيحٌ كَبَيْعِ الْأَمَةِ بِشَرْطِ أَنَّهَا حَامِلٌ وَالْعَبْدِ بِشَرْطِ أَنَّهُ كَاتِبٌ أَوْ لَيْسَ بِصَحِيحٍ كَبَيْعِ الشَّاةِ بِشَرْطِ أَنْ تَحْلُبَ كُلَّ يَوْمٍ مَثَلًا رِطْلَيْنِ لَبَنًا وَإِذَا قُلْتُمْ بِالصِّحَّةِ فَعَجَزَ الْجَمَلُ عَنْ حَمْلِ ذَلِكَ فَهَلْ لَلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ وَهَلْ يَكْفِي فِي عَدَمِ الرَّدِّ حَمْلُهُ لَهَا ابْتِدَاءً أَوْ لَا بُدَّ مِنْ حَمْلِهِ لَهَا فِي غَالِبِ أَحْوَالِهِ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَالْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ كُلَّ وَصْفٍ مَقْصُودٍ مُنْضَبِطٍ فِيهِ مَالِيَّةٌ لِاخْتِلَافِ الْقَيِّمِ بِوُجُودِهِ وَعَدَمِهِ يَصِحُّ شَرْطُهُ فِي الْبَيْعِ وَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بِفَوَاتِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ كَوْنَ الدَّابَّةِ تُطِيقُ حَمْلَ مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ وَصْفٌ مَقْصُودٌ مُنْضَبِطٌ فِيهِ مَالِيَّةٌ فَيَصِحُّ شَرْطُهُ وَفَارِقُ اشْتِرَاطِ حَلْبِهَا كُلَّ يَوْمٍ كَذَا بِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مُنْضَبِطٍ فَلَا يَصِحُّ شَرْطُهُ. فَإِنْ قُلْت هَلْ يَشْتَرِطُ فِي الْوَصْفِ الْمَشْرُوطِ هُنَا أَنْ لَا يُؤَدِّي إلَى عِزَّةِ الْوُجُودِ فَلَا يَصِحُّ بِشَرْطِ حَمْلِهَا لِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ إلَّا إذَا كَانَ لَا يُؤَدِّي لِذَلِكَ نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِي السَّلَمِ قُلْتُ الْقِيَاسُ غَيْرُ بَعِيدٍ إلَّا أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنهمَا أَقْرَبُ وَهُوَ أَنَّ السَّلَمَ مُتَعَلِّقٌ بِمَا فِي الذِّمَّةِ فَلَوْ جَوَّزْنَا فِيهِ اشْتِرَاطَ مَا يُؤَدِّي لِعِزَّةِ الْوُجُودِ لَكُنَّا مُضَيِّقِينَ عَلَى الْمُسَلَّمِ إلَيْهِ طُرُق التَّحْصِيلِ وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى تَنَازُعِ الْمُتَعَاقِدِينَ فِيمَا لَا غَايَةَ لَهُ وَإِلَى الْخُرُوجِ عَنْ مَوْضُوعِ السَّلَمِ بِخِلَافِهِ فِي الْبَيْعِ هُنَا فَإِنَّهُ وَارِدٌ عَلَى عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ فَإِذَا اُشْتُرِطَ فِيهَا وَصَفٌّ مُنْضَبِطٌ مَقْصُودٌ صَحَّ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا يُؤَدِّي لِعِزَّةِ الْوُجُودِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ هُنَا عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِوَجْهٍ لِأَنَّ تِلْكَ الْعَيْنَ الْمَبِيعَةَ إنْ وُجِدَ فِيهَا ذَلِكَ الْوَصْفُ مَعَ نُدْرِهِ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا تَخَيَّرَ ثُمَّ رَأَيْتَ ابْنَ الرِّفْعَةِ قَالَ هُنَا عَقِبَ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ قَدْ يُتَخَيَّلُ فَرْقٌ بَيْنَ الْبَيْعِ النَّاجِزِ وَالسَّلَمِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ قُلْتُ وَبِهَذَا قَطَعَ بَعْضُهُمْ فِي الْبَيْعِ أَيْ بَيْعِ الشَّاةِ بِشَرْطِ أَنَّهَا لَبُونٌ بِالصِّحَّةِ وَحَكَى الْقَوْلَيْنِ فِي السَّلَمِ. وَعِبَارَةُ الْمَرْعَشِيِّ فِي تَرْتِيبِ الْأَقْسَامِ شَرْطٌ يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ إذَا كَانَ عَيْنًا وَلَا يَجُوزُ إذَا كَانَ سَلَمًا وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ شَاةً أَوْ بَقَرَةً عَلَى أَنَّهَا لَبُونٌ يَجُوزُ وَلَوْ كَانَ مُسَلَّمًا فَقَوْلَانِ اهـ وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا فَرَّقْتُ بِهِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يُؤَدِّي لِعِزَّةِ الْوُجُودِ فَإِنْ قُلْتَ قَضِيَّةَ مَا تُقَرِّرُ صِحَّةَ بَيْعِهَا بِشَرْطِ أَنَّهَا تَحْلُبُ رِطْلَيْنِ قُلْتُ وَبِهِ نَقُولُ لِأَنَّهُ إذَا أَسْقَطَ كُلَّ يَوْمٍ فَقَدْ أَزَالَ مَا بِهِ عَدَمُ الِانْضِبَاطِ وَيَلْزَمُ مِنْ إزَالَتِهِ الصِّحَّةُ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ مَلْحَظَ الْبُطْلَانِ فِيمَا إذَا قَالَ كُلَّ يَوْمٍ إلَّا عَدَمَ الِانْضِبَاطِ ثُمَّ إذَا عَلِمَ صِحَّةَ اشْتِرَاطِ طَاقَتِهَا لِحَمْلِ قَدْرٍ مُعَيَّنٍ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ ثُمَّ إنَّ طَاقَتَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَلَوْ مَرَّةً فَلَا خِيَارَ وَإِلَّا ثَبَتَ الْخِيَارُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) فِي رَجُلٍ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّكَ أَقْرَرْتَ أَنَّ مَا عَادَ لِي عِنْدَك شَيْءٌ أَوْ أَنَّكَ صَالَحْتَنِي عَلَى كَذَا أَوْ أَنَّكَ بِعْتَنِي ذَا بِكَذَا أَوْ أَنَّكَ أَقْرَرْتَ أَنَّ لِي عِنْدَكَ كَذَا فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِعْتُكَ مُكْرَهًا أَوْ صَالَحْتُكَ مُكْرَهًا وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا فِي السُّؤَالِ وَأَقَامَ عَلَى الْإِكْرَاهِ بَيِّنَةً فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَوْ الْمُحَكِّمِ أَنْ يَسْتَفْصِلَ الشُّهُودَ عَلَى الْإِكْرَاهِ وَهَلْ عَلَى الشُّهُودِ أَنْ يُبَيِّنُوا لَهُ الْإِكْرَاهَ أَمْ لَا يَجِبُ عَلَى الشُّهُودِ وَلَا عَلَى الْحَاكِمِ وَلَا عَلَى الْمُحَكِّمِ أَنْ يَفْصِلُوا حَيْثُ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ لَا يَعْرِفُ حَدَّ الْإِكْرَاهِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْرِفُ حَدَّ الْإِكْرَاهِ بَيَّنُوا لَنَا ذَلِكَ وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي فَتَاوِيهِ إذَا قَالَ الشُّهُودُ نَشْهَدُ إنَّهُ بَاعَ مُكْرَهًا هَلْ يَلْزَمُهُمْ التَّعَرُّضُ لِصِفَةِ الْإِكْرَاهِ الَّتِي عَلَيْهَا حَالَةُ الْبَيْعِ الْجَوَابُ أَنَّ الرَّأْيَ لِلْقَاضِي فِيهِ فَإِنْ

جَوَّزَ أَنْ يَسْتَبْهِمَ الْأَمْرَ فِيهِ عَلَى الشُّهُودِ فَلَهُ السُّؤَالُ وَإِذَا سَأَلَ فَعَلَيْهِمْ التَّفْصِيلُ فَإِنْ عَلِمَ مِنْ حَالِ الشُّهُودِ أَنَّهُمْ عَارِفُونَ لِحَدِّ الْإِكْرَاهِ وَلَا يَشْهَدُونَ بِهِ إلَّا عَنْ تَحْقِيقٍ فَلَهُ أَنْ لَا يُكَلِّفهُمْ التَّفْصِيلَ اهـ جَوَابُهُ. وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ فِي التَّوَسُّطِ (فَرْعٌ) قَالَ لَوْ ادَّعَى الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْعَيْبِ أَوْ تَقْصِيرِهِ فِي الرَّدِّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي قُلْتُ وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي يَعْلَمُ مَا يَكُونُ تَقْصِيرًا وَمَا لَا يَكُونُ تَقْصِيرًا وَإِلَّا فَقَدْ يَعْتَقِدُ جَهْلًا مَا يَكُونُ تَقْصِيرًا لَيْسَ بِتَقْصِيرٍ فَهَلْ نَقُولُ إذَا عَلِمَ الْقَاضِي ذَلِكَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَسْتَفْسِرُهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ أَدَبِ الْقَضَاءِ أَوْ يَتَوَقَّفُ عَلَى سُؤَالِ الْبَائِعِ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَفْسِرَهُ اهـ الْمَقْصُودُ فَهَلْ يَا شَيْخَ الْإِسْلَامِ مَا نُقِلَ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَالْأَذْرَعِيِّ يَجْرِي عَلَى مَا نُقِلَ فِي السُّؤَالِ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ لَا فَذَاكَ وَإِنْ قُلْتُمْ نَعْلَمُ فَإِذَا لَمْ يَسْتَفْسِرْ الْمُحَكِّمُ الشُّهُودَ فَهَلْ يُنْقَضُ حُكْمُهُ حَيْثُ كَانَ الْحَالُ مَا ذُكِرَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الشَّهَادَةِ بِالْإِكْرَاهِ مِنْ التَّفْصِيلِ بِأَنْ يَذْكُرَ الشُّهُودُ صُورَةَ الْوَاقِعِ حَتَّى يَنْظُرَ الْحَاكِمُ أَوْ الْمُحَكِّمُ فِيهَا هَلْ هِيَ إكْرَاهٌ أَوْ لَا لِأَنَّ شُرُوطَ الْإِكْرَاهِ كَثِيرَةٌ وَفِيهَا خِلَافٌ مُنْتَشِرٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ حَتَّى بَيْنَ أَئِمَّةِ مَذْهَبِنَا وَالْعَامَّةُ يَعْتَقِدُونَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً إكْرَاهًا وَغَيْرَ إكْرَاهٍ وَالْحُكْمُ بِخِلَافِ مَا يَعْتَقِدُونَ فَلِذَلِكَ وَجَبَ عَلَى الشَّاهِدِ أَنْ يُفَصِّلَ فِي شَهَادَتِهِ بِالْإِكْرَاهِ فَإِنْ شَهِدَ بِهِ وَأَطْلَقَ فَتَارَةً يَثِقُ الْمَشْهُودُ عِنْدَهُ بِعِلْمِهِ وَإِحَاطَتِهِ بِجَمِيعِ شُرُوطِ الْإِكْرَاهِ وَإِتْقَانِهِ لَهَا فَلَا يَحْتَاجُ حِينَئِذٍ إلَى اسْتِفْصَالِهِ وَإِذَا اسْتَفْصَلَهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ وَإِنْ لَمْ يَثِقْ مِنْهُ بِذَلِكَ لَزِمَهُ اسْتِفْصَالُهُ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ الْمُدَّعِي سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْحَاكِمُ وَالْمُحَكِّمُ فَإِنْ لَمْ يَسْتَفْصِلْهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَقَضَى مُسْتَنِدًا إلَى شَهَادَتِهِ كَانَ حُكْمُهُ بَاطِلًا وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ مَا أَفْتَى بِهِ الْغَزَالِيُّ صَحِيحٌ نَقْلًا وَتَوْجِيهًا وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ إمَامِهِ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْهُ الشَّيْخَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَأَقَرَّاهُ حَيْثُ قَالَا الْفَرْعُ عِنْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ يُبَيِّنُ جِهَةَ التَّحَمُّلِ ثُمَّ قَالَا قَالَ الْإِمَامُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى النَّاسِ الْجَهْلُ بِطُرُقِ التَّحَمُّلِ. فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَعْلَمُ وَوَثِقَ بِهِ الْقَاضِي جَازَ أَنْ يَكْتَفِيَ بِقَوْلِهِ أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَةِ فُلَانٍ بِكَذَا وَيُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَهُ بِأَيِّ سَبَبٍ وَجَبَ هَذَا الْمَالُ وَهَلْ أَخْبَرَك بِهِ الْأَصْلُ اهـ نَعَمْ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فَلَهُ السُّؤَالُ مُوهِمٌ وَلَوْ قَالَ لَزِمَهُ السُّؤَالُ لَكَانَ أَوْلَى لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الِاسْتِفْصَالَ عِنْدَ عَدَمِ الْوُثُوقِ بِدِينِ الشَّاهِدِ وَعِلْمِهِ وَإِتْقَانِهِ وَاجِبٌ وَأَمَّا مَا تَرَدَّدَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ فَالْأَوْجَهُ فِيهِ أَنَّ الْقَاضِي إنْ وَثِقَ بِعِلْمِ الْمُشْتَرِي اكْتَفَى بِقَوْلِهِ لَمْ أُقَصِّرْ وَيُحَلِّفُهُ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا لَزِمَهُ اسْتِفْسَارُهُ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ الْبَائِعُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ نَفْسِهِ بَعْد قَوْلِ الرُّويَانِيِّ لَوْ قَالَ السَّكْرَانُ بَعْد مَا طَلَّقَ إنَّمَا شَرِبْتُ الْخَمْرَ مُكْرَهًا أَيْ وَثَمَّ قَرِينَةٌ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ اهـ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَعَلَيْهِ يَجِبُ أَنْ يَسْتَفْسِرَ فَإِنْ ذَكَرَ مَا يَكُونُ إكْرَاهًا مُعْتَبَرًا فَذَاكَ وَإِلَّا قَضَى عَلَيْهِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يَظُنُّ مَا لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ إكْرَاهًا اهـ. قَالَ شَيْخُنَا زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ فِيمَنْ لَا يَعْرِفُ الْإِكْرَاهَ اهـ فَهَذَا يَزِيدُ اتِّجَاهَ مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الشَّهَادَةِ وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ لَهَا نَظَائِرَ يَجِبُ فِيهَا التَّفْصِيلُ مِنْهَا الشَّهَادَةُ بِالرِّدَّةِ عَلَى خِلَافٍ طَوِيلٍ فِيهِ وَبِالسَّرِقَةِ وَبِأَنَّ نَظَرَ الْوَقْفِ الْفُلَانِيِّ لِفُلَانٍ فَيَجِبُ بَيَانُ سَبَبِهِ وَالشَّهَادَةُ بِأَنَّ هَذَا وَارِثُ فُلَانٍ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ جِهَةِ إرْثِهِ مِنْ أُخُوَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَيَقُولُ هَذَا أَخُوهُ وَوَارِثُهُ وَيُبَيِّنُ أَنَّهُ أَخٌ شَقِيقٌ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ وَالشَّهَادَةُ بِبَرَاءَةِ الْمَدِينِ مِنْ الدَّيْنِ الْمُدَّعَى بِهِ وَبِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ وَبِالرُّشْدِ وَبِأَنَّ الْعَقْد كَانَ يَوْمَ الْعَقْدِ زَائِلُ الْعَقْلِ وَبِالْجَرْحِ وَبِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَبِالرَّضَاعِ وَالنِّكَاحِ وَبِالْقَتْلِ وَبِأَنَّهُ بَلَغَ بِالسِّنِّ فَيُبَيِّنُهُ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ بِأَنَّهُ بَلَغَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَا بَلَغَ بِهِ فَإِنَّهَا تُسْمَعُ مُطَلَّقَةً وَبِأَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ لِأَنَّ الْحَالَ يَخْتَلِفُ بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ وَالتَّنْجِيزِ وَالتَّعْلِيقِ وَبِأَنَّهُ اشْتَرَى الْعَيْنَ الَّتِي بِيَدِ خَصْمِهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِأَنَّهُ كَانَ مِلْكَهَا أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَالشَّهَادَةُ بِأَنَّ فُلَانًا وَقَفَ دَارِهِ الْفُلَانِيَّةَ وَهُوَ يَمْلِكُهَا فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مُصَرِّفِ الْوَقْفِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ بِأَنَّ فُلَانًا أَوْصَى إلَى فُلَانٍ فَإِنَّهَا تُسْمَعُ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ الْمُصَرِّفُ وَلَا الْمُوَصَّى بِهِ لِأَنَّ الْغَرَضَ ثُبُوتُ وِلَايَةِ الْوَصِيِّ. (وَسُئِلَ)

- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ آخَر دَابَّةً ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ تَبَيَّنَ بِهَا عَيْبٌ عِنْدَ الْبَائِعِ وَفَسَخَهَا الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْحَاكِمِ بِذَلِكَ الْعَيْبِ فَهَلْ لَهَا أُجْرَةٌ وَيَلْحَقُ بِمَا إذَا تَبَيَّنَ فَسَادُ الْبَيْعِ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ أَمْ لَا يَلْحَقُ بِذَلِكَ وَالْفَائِتُ مَا لَهُ أُجْرَةٌ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّهُ حَيْثُ صَحَّ الْبَيْعُ ثُمَّ اسْتَعْمَلَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ أَوْ أَجَرَهُ وَأَخَذَ أُجْرَتَهُ أَوْ أَخَذَ صُوفَهُ أَوْ لَبَنَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ زَوَائِدِهِ الْمُنْفَصِلَةِ فَازَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي مُقَابَلَتِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّ الْبَيْعُ مَلَكَ الْمَبِيعَ فَيَمْلِكُ زَوَائِدَهُ فَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ زَوَائِدَهُ ثُمَّ فَسَخَ الْبِيَعَ بِإِقَالَةٍ أَوْ عَيْبٍ أَوْ غَيْرِهِمَا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ الْبَائِعُ بِشَيْءٍ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ إلَّا زَوَائِدَ مِلْكِهِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَى الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْفِقْ إلَّا عَلَى مِلْكِهِ إذْ الْفَسْخُ لَا يَرْفَعُ الْعَقْدَ إلَّا مِنْ حِينِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فَإِنَّهُ يَكُونُ وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى الْمَبِيعِ تَعَدِّيًا فَلِأَجْلِ ذَلِكَ أُجْرِيَتْ عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَحْكَامِ الْغَصْبِ مِنْ ضَمَانِهِ إنْ تَلِفَ بِأَقْصَى الْقِيَمِ وَضَمَانِ زَوَائِدِهِ سَوَاءٌ اسْتَوْفَاهَا أَمْ لَمْ يَسْتَوْفِهَا بِأَنْ فَاتَتْ فِي يَدِهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا قَصَّرَ الْمُشْتَرِي بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِأَنْ لَمْ يَرُدَّ عَلَى الْفَوْرِ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ عَلَى الْبَائِعِ أَرْشُ الْعَيْبِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْمُشْتَرِي مَتَى سَقَطَ رَدُّهُ بِتَقْصِيرٍ صَدَرَ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَرْشٌ فِي مُقَابَلَةِ الْعَيْبِ لِتَقْصِيرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ أَرْضٍ اشْتَرَاهَا شَخْصٌ مِنْ مَالِكهَا. وَبَاعَ لِنَاسٍ وَبِالْأَرْضِ أَشْجَارٌ وَمَزَارِعُ فَاسْتَمَرَّتْ تَحْتَ يَدِ الْمُشْتَرِي مُدَّةً مَدِيدَةً يَزْرَعُهَا وَيَأْكُلُ مَا يَخْرُجُ مِنْ أَثْمَارِهَا فَجَاءَ قَوْمٌ وَخَرَّبُوا الْأَرْضَ الْمَذْكُورَةَ فَهَلْ لِلْمُشْتَرِي الْمَذْكُورِ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) حَيْثُ صَحَّ الْبَيْعُ بِأَنْ اتَّفَقَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي عَلَى أَنْ يَبِيعَهَا مِنْهُ وَإِذَا جَاءَهُ الثَّمَنُ رَدَّ عَلَيْهِ أَرْضَهُ ثُمَّ بَاعَهُ لَهُ بَيْعًا صَحِيحًا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ شَرْعِيَّيْنِ وَلَمْ يَشْرِطَا ذَلِكَ الَّذِي تَوَافَقَا عَلَيْهِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَلَا فِي مَجْلِسِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ وَإِذَا كَانَ صَحِيحًا كَانَ الْمِلْكُ فِي الْأَرْضِ لَهُ وَانْقَطَعَتْ الْعُلْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَائِعِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فَالْأَرْضُ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِثَمَنِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ تَحْتَ يَدِهِ عَيْنٌ فَبَاعَهَا مِنْ رَجُلٍ أَخْبَرَ أَنَّ الْعَيْنَ مِلْكِي وَأَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ رَهْنًا بِكَذَا وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً فَهَلْ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ أَمْ لَا وَحَيْثُ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ بَلْ أَقَرَّ الْبَائِعُ أَنَّهَا رَهْنٌ قَبْلَ الْبَيْعِ فَهَلْ يَغْرَمُ لِلرَّاهِنِ قِيمَةَ الْعَيْنِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ وَأَقَرَّ لَهُ الْبَائِعُ بِمَا ذَكَرَ لَهُ غَرِمَ قِيمَتَهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ حَيْثُ قَالُوا لَوْ بَاعَ عَيْنًا لِشَخْصٍ ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ خِيَارِهِ أَوْ خِيَارِهِمَا بِبَيْعِهَا لِآخَرَ أَوْ بَعْضِهَا مِنْهُ لَمْ يَبْطُلْ بَيْعُهُ الْأَوَّلُ وَغَرِمَ قِيمَتَهَا لِلثَّانِي لِأَنَّهُ فَوَّتَهَا عَلَيْهِ بِتَصَرُّفِهِ وَإِقْبَاضِهِ وَلِأَنَّهُ اسْتَوْفَى عِوَضَهُ وَقَضِيَّةُ الْعِلَّةِ الْأُولَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَبْضِ الثَّمَنِ وَعَدَمِ قَبْضِهِ وَقَضِيَّةُ الثَّانِيَةِ أَنَّ ذَلِكَ يَتَقَيَّدُ بِقَبْضِهِ وَبِالْأَوَّلِ صَرَّحَ الْقَاضِي فَهُوَ الْأَوْجَهُ وَإِنَّ اقْتَضَى كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا الْمُفْتَى بِهِ فِي التَّمْلِيكِ هَلْ يَكُونُ بَيْعًا كَمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي بَابِهِ أَوْ يَجْرِي بِهِ مَجْرَى الْعَادَةِ بِكَوْنِهِ هِبَةً كَمَا مَشَى عَلَيْهِ قُضَاةُ بَلَدِنَا وَهَلْ الْمُفْتَى بِهِ فِي شِرَاءِ الدَّابَّةِ رُؤْيَةُ بَاطِنِ الْخُفِّ لِتَفَاوُتِ الْأَغْرَاضِ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَثْبُت الْخِيَارُ لِمَنْ اعْتَبَرَ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْحَاصِلَ فِي لَفْظِ التَّمْلِيكِ كَمَا ذَكَرْتُهُ فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ بَيَانِ مَا فِيهِ مِنْ رَدٍّ وَنَقْضٍ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ فَإِذَا ذَكَرَ مَعَهُ الْعِوَضَ أَوْ نَوَى كَانَ بَيْعًا وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ يَكُونُ هِبَةً وَأَمَّا مَنْ يَجْعَلُهُ صَرِيحًا أَوْ كِنَايَةً فِي الرَّهْنِ فَهُوَ مُخْطِئٌ لِأَنَّ وَضْعَهُ يُنَافِي وَضْعَ الرَّهْنِ فَكَيْفَ يَدُلُّ عَلَيْهِ صَرِيحًا أَوْ كِنَايَةً وَقَدْ اُبْتُلِيَ النَّاسُ بِمَنْ لَا يَفْهَمُ مَوْضُوعَاتِ الْأَلْفَاظِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهَا وَمَعَ ذَلِكَ يَتَصَرَّفُ عَلَى أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِمَا لَوْ عَرَضَ عَلَيْهِمْ لَمَا قَبِلُوهُ وَلَبَالَغُوا فِي زَجْرِهِ وَتَعْنِيفِهِ وَالِانْتِقَامِ مِنْهُ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ. وَالنَّظَرُ إلَى الْعَادَةِ مَشْرُوطٌ بِشُرُوطٍ لَوْ سُئِلَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ نَظَرُوا إلَيْهَا عَنْ شَرْطٍ مِنْهَا لَمْ يَعْرِفُوهُ فَكَيْف مَعَ ذَلِكَ يُسَوَّغُ لَهُمْ أَنْ يُخَالِفُوا صَرِيحَ كَلَامِ

الْأَصْحَابِ نَظَرًا لَهَا. مَا هَذِهِ إلَّا بَلِيَّةٌ عَظِيمَةٌ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَهُوَ أَنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الدَّابَّةِ رُؤْيَةُ مُقَدَّمِهَا وَمُؤَخَّرِهَا وَقَوَائِمِهَا وَرَفْعِ السَّرْجِ وَالْإِكَافِ وَالْجُلِّ، لَا جَرْيَ الْفَرَسِ مَثَلًا بَيْن يَدَيْهِ حَتَّى يَعْرِفَ مَسِيرَهَا وَلَا رُؤْيَةُ اللِّسَانِ وَالْأَسْنَانِ وَلَوْ مِنْ رَقِيقٍ اهـ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ بَاطِنِ خُفِّهَا لِأَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَشْتَرِطُوا رُؤْيَةَ اللِّسَانِ وَالْأَسْنَانِ مَعَ تَفَاوُتِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِ أَلْوَانِ الْأَلْسِنَةِ سِيَّمَا فِي الرَّقِيقِ وَبِالْأَسْنَانِ مِنْ حَيْثُ دَلَالَتِهَا عَلَى صِغَرِ السِّنِّ وَكِبَرِهِ غَالِبًا فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَشْتَرِطُوا رُؤْيَةَ بَاطِنِ الْخُفِّ لِأَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْأَغْرَاضَ قَدْ تَخْتَلِفُ بِهِ لَكِنْ لَيْسَ كَاخْتِلَافِهَا بِرُؤْيَةِ اللِّسَانِ وَالْأَسْنَانِ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَتُهُمَا فَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ مَا دُونَهُمَا وَهُوَ بَاطِنُ الْخُفِّ وَاخْتِلَافُ الْأَغْرَاضِ إنَّمَا يُنْظَرُ إلَيْهِ إذَا قَوِيَ وَأَطْرَدَ وَإِلَّا لَمْ يُنْظَرْ إلَيْهِ وَوَاضِحٌ أَنَّ اخْتِلَافَهَا بِرُؤْيَةِ بَاطِنِ الْخُفِّ ضَعِيفٌ وَغَيْرُ مُطَّرِدٍ فَلَا يُنْظَرُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) بَاعَ شَخْصٌ دَارًا وَفِيهَا بَيْتٌ دَاخِلٌ فِي تَرْبِيعِهَا لَكِنَّهُ غَيْرُ نَافِذٍ إلَيْهَا بَلْ إلَى الشَّارِعِ مَثَلًا فَهَلْ يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ بَيْعِهَا أَوْ لَا يَدْخُلُ لِانْفِصَالِهِ عَنْهَا كَمَا فِي نَظَائِرِهَا فِي كَلَامِهِمْ فِي الْأَيْمَانِ وَالْمَسَاجِدِ فِي بَابِ الْقُدْوَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ مِنْ الْوَاضِحِ عَدَمَ دُخُولِ الْبَيْتِ الْمَذْكُورِ فِي بَيْعِ الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا انْفَرَدَ بِبَابٍ مُسْتَقِلٍّ وَلَمْ يَنْفُذْ إلَى مَا دَخَلَ فِي تَرْبِيعِهَا صَارَ يُسَمَّى دَارًا ثَانِيَةً وَصَارَتْ الدَّارُ الَّتِي دَخَلَ فِي تَرْبِيعهَا لَا تَشْمَلُهُ لِأَنَّهُ لَا اشْتِرَاكَ بَيْنهمَا فِي الِاسْمِ وَلَا فِي الْمَعْنَى وَدُخُولُهُ فِي تَرْبِيعِهَا لَا يَقْتَضِي تَنَاوُلَهَا لَهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْحَدّ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ فَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ مِنْ هَذَا الْخَطِّ إلَى هَذَا الْخَطِّ لَمْ يَدْخُلْ الْخَطَّانِ مَعَ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْغَايَةِ يَدْخُلُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ نَحْوُ: لَهُ عَلَيَّ مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشْرَةٍ إذْ يَلْزَمُهُ تِسْعَةٌ إدْخَالًا لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ فَقَطْ فَإِذَا كَانَ الْحَدُّ نَفْسُهُ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِالتَّنْصِيصِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الْمَبِيعِ، فَأَوْلَى الْبَيْتُ الْمَذْكُورُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) فِيمَا لَوْ بَاعَ عَيْنًا بِأُوقِيَّةٍ مَثَلًا هَلْ يَصِحُّ الْعَقْدُ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ حَيْثُ اطَّرَدَ الْعُرْفُ بِذَلِكَ أَيْ بِأَنَّ مِقْدَارَ الْأُوقِيَّةِ كَذَا وَكَذَا دَرَاهِمَ أَوْ لَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ بَاعَ بِعَشْرَةٍ حَتَّى يَقُولَ بِأُوقِيَّةِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الْبَيْعِ أَنَّهُ حَيْثُ اطَّرَدَ عُرْفُ أَهْلِ بَلَدٍ أَوْ نَاحِيَةٍ بِأَنَّهُمْ يُعَبِّرُونَ بِالْأُوقِيَّةِ عَنْ مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْغَالِبَةِ فِي ذَلِكَ الْمَحِلِّ صَحَّ الْبَيْعُ بِالْأُوقِيَّةِ مَثَلًا وَإِنْ لَمْ يَقُلْ الْمُتَبَايِعَانِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ رَدًّا عَلَى صَاحِبِ الْبَيَانِ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا عَبَّرَ بِالدَّرَاهِمِ عَنْ الدَّنَانِيرِ صَحَّ لِأَنَّهُ يُعَبِّرُ بِهَا عَنْهَا مَجَازًا كَقَوْلِكَ فِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا مَثَلًا هَذِهِ دِينَارٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ هُوَ صَرْفَهَا أَيْ هَذِهِ صَرْفُ دِينَارٍ فَهُوَ مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ اهـ وَبِمَا تَقَرَّرَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ اصْطَلَحَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى أَنَّهُمْ يُعَبِّرُونَ بِالدِّينَارِ عَنْ مِقْدَارٍ مَخْصُوصٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ كَمَا فِي جِهَتِكُمْ. وَقَالَ أَحَدُهُمْ بِعْتُك بِدِينَارٍ صَحَّ وَانْصَرَفَ الثَّمَنُ إلَى مَا اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ الدِّينَارُ شَرْعًا لَا يُطْلَقُ إلَّا عَلَى مِثْقَالٍ مِنْ الذَّهَبِ الْخَالِصِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ إنَّمَا هُوَ بِعُرْفِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِخِلَافِ نَحْو الْإِقْرَارِ وَمِنْ ثَمَّ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي بَابِ الْخَلْعِ أَنَّهُ لَوْ غَلَبَ فِي الْبَلَدِ دَرَاهِمُ عَدَدِيَّةٌ نَاقِصَةُ الْوَزْنِ أَوْ زَائِدَتُهُ نَزَلَ الْبَيْعُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ وَالتَّعْلِيقِ وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَوْ قَالَ بِعْتُك بِمِائَةِ دِرْهَمٍ صَرْفُ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارٍ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ كَانَ صَرْفُ الْبَلَد كَذَلِكَ وَكَذَا مَا جَرَّتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي الْبَيْعِ بِدِينَارٍ وَمُرَادُهُمْ بِهِ مِقْدَارٌ مُعَيَّنٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَضَعِيفٌ لِأَنَّهُ تَبِعَ فِي الْأَوَّلِ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ كَمَا مَرَّ وَقَاسَ عَلَيْهِ الثَّانِي وَإِذَا بَطَلَ حُكْمُ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ بَطَلَ حُكْمُ الْمَقِيسِ. وَقَدْ رَجَّحَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ كَأَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَوْ غَلَبَ مِنْ جِنْس الْعُرُوضِ نَوْعٌ انْصَرَفَ الذِّكْرُ إلَيْهِ عَنْدَ الْإِطْلَاقِ فِي الْعَقْدِ كَالنَّقْدِ. قَالَ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَبِيعَ صَاعًا مِنْ الْحِنْطَةِ بِصَاعٍ مِنْهَا أَوْ بِشَعِيرٍ فِي الذِّمَّة وَتَكُونُ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ الْمَوْجُودَانِ فِي الْبَلَدِ صِنْفًا وَاحِدًا غَالِبًا فِي الْبَلَدِ لَا يَخْتَلِفُ ثُمَّ يُحْضِرُهُ بَعْدَ

الْعَقْدِ وَيُسَلِّمُهُ فِي الْمَجْلِسِ اهـ وَقِيَاسُهُ مَا صَرَّحُوا بِهِ أَيْضًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ التَّعَامُلُ فِي بَلَدٍ بِنَوْعٍ وَاحِدٍ مِنْ الْفُلُوسِ النُّحَاسِ الْعَدَدِيَّةِ أَوْ بِأَنْوَاعٍ وَأَحَدُهَا غَالِبٌ انْصَرَفَ الْإِطْلَاقُ إلَيْهِ وَكَذَا فِي الثِّيَابِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا بِعَشْرَةِ أَثْوَابٍ وَأَطْلَقَ وَكَانَ لَهَا عُرْفٌ انْصَرَفَ إلَيْهِ كَالنَّقْدَيْنِ فَإِنْ قُلْتَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مَا ذُكِرَ فِي الْأُوقِيَّةِ وَالدِّينَارِ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ قَالَ بِعْتُك بِوَزْنِ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ نَقْرَة وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهَا تِبْرٌ أَوْ الْمَضْرُوبَةُ لَمْ يَصِحَّ لِتَرَدُّدِهِ وَلَا يَحْمِلُ عَلَى النَّقْدِ الْغَالِبِ قُلْتُ هَذَا لَا شَاهِدَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ نَظِيرَ تَيْنِكَ الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّ الْفَرْضَ فِيهِمَا كَمَا مَرَّ أَنَّ الْعُرْفَ اطَّرَدَ بِالتَّعْبِيرِ بِهِمَا عَمَّا مَرَّ. وَأَمَّا فِي صُورَةِ الْبَغَوِيِّ فَلَيْسَ فِيهَا أَنَّ الْعُرْفَ اطَّرَدَ بِالتَّعْبِيرِ بِالْعَشَرَةِ الدَّرَاهِمِ عَنْ النَّقْرَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهَا مِنْ التِّبْرِ وَلَا مِنْ الْمَضْرُوبَةِ فَكَانَ فِيهَا إبْهَامًا لِأَنَّهَا تَتَنَاوَلُ كُلًّا مِنْهُمَا وَهُمَا مُخْتَلِفَا الْقِيمَةِ وَلَا مُرَجِّحَ فَبَطَلَ الْبَيْعُ وَقَدْ أَشَارَ الْبَغَوِيّ إلَى ذَلِكَ حَيْثُ عَلَّلَ الْبُطْلَانَ بِقَوْلِهِ لِتَرَدُّدِهِ فَإِنْ قُلْتَ سَلَّمْنَا هَذَا فِي كَلَامِ الْبَغَوِيِّ فَمَا الَّذِي تَقُولُهُ فِي قَوْلِ الْمَطْلَبِ لِابْنِ الرِّفْعَةِ لَوْ قَالَ بِعْتُك بِأَلْفِ مِثْقَالٍ مِنْ النَّقْدِ وَغَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الذَّهَبِ لَمْ يَكْفِ حَتَّى يُصَرِّحَ بِأَنَّهُ مِنْهُ أَوْ مِنْ الْفِضَّةِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْبُطْلَانِ فِي مَسْأَلَةِ الْأُوقِيَّةِ وَالدِّينَارِ مُطْلَقًا قُلْتُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ إنْ سَلَّمَ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأُوقِيَّةِ وَالدِّينَارِ أَنَّ النَّقْدَ فِي صُورَتِهِ يَشْمَلُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَمْ يَصْطَلِحُوا عَلَى التَّعْبِيرِ بِهِ عَنْ أَحَدِهِمَا فَقَطْ كَمَا فِي الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ. وَإِنَّمَا غَلَبَ عِنْدَهُمْ التَّعْبِيرُ بِهِ عَنْ الْمَذْهَبِ وَقَدْ يُعَبِّرُونَ بِهِ عَنْ الْفِضَّةِ فَلَا جَامِعَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَأَيْضًا فَالنَّقْدُ يَشْمَلُ شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفِي الْجِنْسَ وَلَا عِبْرَةَ بِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِي أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْغَلَبَةَ لَا يُعْتَدُّ بِهَا إلَّا إذَا كَانَتْ فِي أَحَدِ الْأَنْوَاعِ كَأَنْ يَقُولُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَغَلَبَ اسْتِعْمَالُهَا فِي نَوْعٍ مِنْ الْفِضَّةِ فَحِينَئِذٍ يَنْصَرِفُ إلَى ذَلِكَ النَّوْعِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ مِنْ النَّقْدِ لِأَنَّهُ يُشْمَلُ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَلَا عِبْرَةَ بِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِي أَحَدِهِمَا كَمَا تَقَرَّرَ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَغْرَاضَ تَتَفَاوَتُ بِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ تَفَاوُتًا كَثِيرًا فَلَمْ تَصْلُحْ الْغَلَبَةُ حِينَئِذٍ مُرَجَّحَةً مَعَ شُمُولِ لَفْظِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِأَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ بِخِلَافِهَا بَيْنَ أَنْوَاعِ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهَا لَا تَتَفَاوَتُ كَذَلِكَ فَصَحَّ أَنْ تَكُونَ الْغَلَبَةُ مُرَجَّحَةً لِأَحَدِهَا عَلَى الْبَاقِي. (وَسُئِلَ) فِيمَا إذَا بَاعَ شَخْصٌ مِنْ آخَرَ حِصَّةً مِنْ قَرَارِ عَيْنٍ جَارِيَةٍ وَهَذِهِ الْحِصَّةُ قَدْرُهَا سُدُسُ سَهْمٍ مِنْ أَرْبَعَةَ عَشْرَ سَهْمًا مُشَاعًا مِنْ جَمِيعِ الْعَيْنِ لَكِنَّ عَيْنَهَا فِي مَكْتُوبِ الشِّرَاءِ بِمَا يَتَعَارَفُهُ أَهْلُ عُيُونِ بَلْدَةِ الْبَيْعِ مِنْ التَّعْبِيرِ عَنْ أَجْزَاءِ السَّهْمِ مِنْ الْقَرَارِ وَالْمَاءِ الْجَارِي بِهِ بِالسَّاعَاتِ وَعَنْ السَّهْمِ مِنْ ذَلِكَ بِالْوَجْبَةِ الَّتِي هِيَ اثْنَا عَشْرَ سَاعَةً كَمَا يُعَبَّرُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ بِالْأَصَابِعِ وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ فِي بَلَدِ الْبَيْعِ كُلِّهِ سَقِيَّةً لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّ الشَّرِيكَ فِي الْقَرَارِ شَرِيكٌ فِي الْمَاءِ النَّابِعِ لَهُ مِنْ أَجْلِ مُشَارَكَته فِي الْقَرَار فَعَبَّرَ كَاتِبُ الشِّرَاءِ عَنْ الْمَبِيعِ الَّذِي هُوَ حِصَّةٌ مِنْ الْقَرَارِ بِمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ وَفِيمَا هُوَ تَابِعٌ لَهُ مِنْ الْمَاءِ وَمُلَخَّصُ عِبَارَةِ مَكْتُوبِ الشِّرَاءِ بَعْدَ أَنْ أَذِنَ الْحَاكِمُ الشَّرْعِيُّ فُلَانٌ الشَّافِعِيُّ لِفُلَانٍ الْفُلَانِيِّ فِي شِرَاءِ الْمَبِيعِ الْآتِي ذِكْرُهُ لِنَفْسِهِ وَلِبَقِيَّةِ وَرَثَةِ وَالِدِهِ مِنْ الْبَائِعِ الْآتِي ذِكْرُهُ بِالثَّمَنِ الْآتِي ذِكْرُهُ فِيهِ إذْنًا صَحِيحًا شَرْعِيًّا اشْتَرَى فُلَانٌ الْفُلَانِيُّ الْمَأْذُونُ لَهُ وَلِبَقِيَّةِ وَرَثَةِ وَالِدِهِ الْمَشْمُولِينَ بِحُجَّةِ الشَّرْعِ الشَّرِيفَةِ مِنْ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ الْبَائِعِ عَنْ نَفْسِهِ جَمِيعَ الْحِصَّةِ السَّقِيَّةِ الَّتِي قَدْرُهَا سَاعَتَانِ مِنْ قَرَارِ الْعَيْنِ الْفُلَانِيَّةِ بِمَا لِلْحِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ الْعَيْنِ الْمَذْكُورَةِ وَمَقَرِّهَا وَمَمَرِّهَا وَشُعُوبِهَا وَذُيُولِهَا وَمَجَارِي مَائِهَا الْجَارِي بِهَا يَوْمئِذٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى اشْتِرَاءً صَحِيحًا شَرْعِيًّا مُسْتَكْمِلًا لِشَرَائِطِ الصِّحَّةِ وَاللُّزُومِ لِثَمَنِ جُمْلَتِهِ كَذَا مَقْبُوضٌ بِيَدِ الْبَائِعِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَتَسَلَّمَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ وَتَسَلَّمَ الْمُشْتَرِي جَمِيعَ الْمَبِيعِ الْمَذْكُورِ تَسَلُّمًا شَرْعِيًّا بَعْدَ الرُّؤْيَةِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْمُعَاقَدَةِ الشَّرْعِيَّةِ. وَثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ الشَّافِعِيِّ الْآذِنِ الْمَذْكُورِ وَحَكَمَ بِمُوجَبِهِ وَمَاتَ الْحَاكِمُ وَالْمُتَعَاقِدَانِ وَالشَّاهِدَانِ فَهَلْ هَذَا الْحُكْمُ صَحِيحٌ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ صَحِيحٌ فَهَلْ يَقْتَضِي صِحَّةَ التَّبَايُعِ الْمَذْكُورِ أَمْ فَسَادَهُ وَهَلْ لِحَاكِمٍ شَرْعِيٍّ الْآنَ نَقْضُ التَّبَايُعِ وَالْحُكْمُ بِهِ أَمْ لَا؟ لَا سِيَّمَا مَعَ

كَوْنِ الْحَاكِمِ الشَّافِعِيِّ الْمَذْكُورِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْوَافِرِ وَكَمَالِ النَّظَرِ فِي فُرُوعِ الْفِقْهِ وَغَيْرِهِ كَمَا هُوَ مَشْهُودٌ بِذَلِكَ وَهَلْ يَقْتَضِي صِحَّةُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ قَوْلُ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رَوْضَتِهِ وَلَوْ بَاعَ الْمَاءَ مَعَ قَرَارِهِ نُظِرَ إنْ كَانَ جَارِيًا فَقَالَ بِعْتُك هَذِهِ الْقَنَاةَ مَعَ مَائِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ جَارِيًا وَقُلْنَا الْمَاءُ لَا يُمَلَّكُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِي الْمَاءِ وَفِي الْقَرَارِ قَوْلًا تَفْرِيق الصَّفْقَةِ. وَقَوْلُهُ بَعْد ذَلِكَ بِنَحْوِ أَرْبَعَةِ أَسْطُرٍ وَلَوْ بَاعَ جُزْءًا شَائِعًا مِنْ الْبِئْرِ أَوْ الْقَنَاةِ جَازَ مَا يَنْبُعُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا أَمْ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ صِحَّةَ مَا ذَكَر وَإِذَا قُلْتُمْ أَنَّ قَوْلَهُ وَفِي الْقَرَارِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ يُرَجِّحُ صِحَّةَ بَيْعِ الْقَرَارِ فَقَطْ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فَهَلْ يَكُونُ الْمُشْتَرِي مُسْتَحِقًّا لِلْمَاءِ النَّابِعِ بِهِ لِكَوْنِهِ نَابِعًا فِي مِلْكِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَأَيْضًا فَهَلْ التَّعْبِيرُ فِي مَكْتُوبِ الشِّرَاءِ عَنْ الْحِصَّةِ الْمَبِيعَةِ مِنْ الْقَرَارِ بِقَوْلِهِ الْحِصَّةُ السَّقِيَّةُ الَّتِي قَدْرُهَا سَاعَتَانِ مِنْ قَرَارِ الْعَيْنِ الْفُلَانِيَّةِ مُخْلٍ بِالتَّبَايُعِ أَوْ بِالْحُكْمِ بِهِ أَمْ غَيْرِ مُخْلٍ بِذَلِكَ لِإِمْكَانِ تَأْوِيلِهَا بِمَا يُصَحِّحُهَا؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ اُسْتُفْتِيَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ السِّرَاجُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ نَفْسُهُ بِشَيْءٍ وَبَيَانُهُ أَنَّ الْجَمَّالَ بْنَ ظَهِيرَةَ قَالَ فِي سُؤَالِهِ لَهُ الْعُيُونُ الَّتِي بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ الْحِجَازِ لَا يُعْرَفُ الَّذِي يَنْبُعُ مِنْهَا غَالِبًا وَإِنَّمَا يَجْرِي فِي مَجَارٍ إلَى أَنْ يَبْرُزَ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي يُسْقَى مِنْهَا وَيَتَبَايَعُونَهُ بِاللَّيَالِيِ وَالْأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ يَشْتَرِي الشَّخْصُ مِنْ آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ النَّهَارِ إلَى اللَّيْلِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا وَيَمْلِكُهُ. ثُمَّ قَالَ السَّائِلُ بَعْدَ أَسْطُرٍ وَجَرَتْ عَادَتُهُمْ بِأَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ اشْتَرَى فُلَانٌ مِنْ فُلَانٍ سَاعَةً مِنْ قَرَارِ كَذَا فَهَلْ ذَلِكَ مُعْتَبَرٌ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَطَالَ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يُصَرِّحْ فِي جَوَابِ السُّؤَالِ الثَّانِي بِشَيْءٍ يَخُصُّهُ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي رَأَيْتُهَا الْآنَ وَإِنَّمَا أَجَابَ فِي الْحَقِيقَةِ عَنْ الْأَوَّلِ فَقَطْ وَعِبَارَتُهُ بَعْدَ فَرْضِهِ الْكَلَامَ فِي مِلْكِ مَحَلِّ النَّبْعِ وَالْمَجْرَى وَأَمَّا شِرَاءُ الْمَاءِ الْمَذْكُورِ سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ أَوْ اللَّيْلِ فَهَذَا لَا يَصِحُّ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَبَعْدَ فَرْضِهِ الْكَلَامَ فِي مِلْكِ الثَّانِي فَقَطْ إذَا صَدَرَ بَيْعٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى الْمَاءِ الْكَائِنِ فِي الْأَرْضِ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ثُمَّ قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ فِي السُّؤَالِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْأَصْلَ الَّذِي يَنْبُعُ مِنْهُ غَالِبًا جَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَالتَّبَايُعُ الْوَاقِعُ بِاللَّيَالِيِ وَالْأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ كُلُّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ مِلْكًا لِلْبَائِعِ فِي ذَلِكَ وَلَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَلَوْ فَرَّعْنَا عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ الْمَاءَ يُمْلَكُ فَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَا سَبَبٌ يَقْتَضِي مِلْكَ الْمَاءِ اهـ فَهُوَ مُطْلَقٌ لِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الْمَاءِ الْمُقَدَّرِ بِسَاعَةٍ مَثَلًا وَغَيْرُ مُتَعَرِّضٍ لِخُصُوصِ مَا إذَا بِيعَتْ سَاعَةً مَثَلًا مِنْ قَرَارِ كَذَا وَإِنْ أَكَّدَ بِكُلٍّ لِأَنَّ تَعْلِيلَهُ بَعْدَهَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْمَبِيعَ هُوَ الْمَاءُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْمِقْدَارِ وَهَذَا الْفَرْضُ الْمَخْصُوصُ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلْمِقْدَارِ وَالزَّمَانِ مَعًا فَمَا الْمُعْتَبَرُ مِنْهُمَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ فَلَمْ يُجِبْ عَنْ هَذَا الْخُصُوصِ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا أُجِيبَ بِكَلَامٍ مُطْلَقٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَعَلَى تَسْلِيمِ شُمُولِهِ لَهُ فَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ بَعْدَ مِنْ. أَيْ: مِنْ مَاءِ كَذَا إذْ لَا يَظْهَرُ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فِي هَذَا الْفَرْضِ الْمَخْصُوصِ إلَّا بِتَقْدِيرِ ذَلِكَ الْمُضَافِ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ إذْ اللَّفْظُ كَمَا يُحْتَمَلُ تَقْدِيرُهُ فَيَبْطُلُ يُحْتَمَلُ عَدَمُ تَقْدِيرِهِ وَارْتِكَابُ مَجَازٍ فِيهِ فَيَصِحُّ بِأَنْ يُرَادَ بِالسَّاعَةِ الْجُزْءَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ مِنْ قَرَارِ عَيْن كَذَا لِأَنَّ مِنْ هُنَا لَلتَّبْعِيضِ لَا غَيْرُ كَمَا لَا يَخْفَى. وَمِنْ التَّبْعِيضِيَّةِ صَرِيحَةٌ فِي اتِّحَادِ مَا قَبْلَهَا مَعَ مَا بَعْدَهَا مَفْهُومًا وَحَقِيقَةً فَهُوَ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَةِ الْجُزْءُ إذْ لَا يُقَالُ سَاعَةٌ مِنْ مَحَلِّ كَذَا إلَّا بِارْتِكَابِ ذَلِكَ التَّجَوُّزِ وَإِذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ تَصْحِيحِ لَفْظٍ بِتَجَوُّزٍ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ مُضَافٍ مَحْذُوفٍ وَإِبْطَالِهِ بِتَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ كَانَ تَصْحِيحُهُ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِهِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ احْتِمَالَ الصِّحَّةِ مُقَدَّمٌ عَلَى احْتِمَالِ الْبُطْلَانِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَاعِدَة أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ غَالِبًا عَمَلًا بِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي الْعُقُودِ الْجَارِيَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الصِّحَّةُ وَإِنْ كَانَتْ خِلَافَ الْأَصْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمَجَازَ أَوْلَى مِنْ الْإِضْمَارِ عَلَى قَوْلٍ قَالَ بِهِ كَثِيرُونَ

وَعَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهُمَا سِيَّانِ لِاحْتِيَاجِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى قَرِينَةٍ فَالْمَجَازُ هُنَا أَوْلَى عَمَلًا بِقَاعِدَةِ أَنَّ تَصْحِيحَ اللَّفْظِ حَيْثُ أَمْكَنَ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِهِ. وَقَدْ عَوَّلُوا عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ التَّبْعِيضِيَّةِ فِي بَعْضِ مَسَائِلِ الصُّبْرَةِ وَلَمْ يَنْظُرُوا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ أَوْ بَيَانٍ لِمَفْعُولٍ مَحْذُوفٍ إلَّا عَلَى بَحْثٍ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ قَيَّدَهُ بِمَا أَرَادَهُ فَلْيُعَوَّلْ عَلَيْهَا هُنَا كَذَلِكَ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ إنَّ أَرَادَا بِقَوْلِهِمَا سَاعَةً أَوْ سَاعَتَيْنِ مِنْ قَرَار كَذَا جُزْءًا مُعَيَّنًا مِنْ الْمَجْرَى الْمَمْلُوكِ صَحَّ الْبَيْعُ نَظِيرَ مَا ذَكَرُوهُ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا بَيْعُ ذِرَاعٍ مِنْ أَرْضٍ مَعَ إرَادَةِ الشُّيُوعِ أَوْ التَّعْيِينِ وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى أَنَّ الشُّيُوعَ لَا يُفْهَمُ مِنْ مُطْلَقِ الذِّرَاعِ إلَّا بِتَأْوِيلٍ وَمِنْهَا الْبَيْعُ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ إلَّا مَا يَخُصُّ أَلْفًا أَوْ بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا وَأَرَادَ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْقَيِّمَةِ الْمَعْلُومَةِ بَلْ مَسْأَلَتُنَا أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ هَذِهِ لِأَنَّ مَا أَرَادَهُ فِيهَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ قَوْلِهِمَا مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا وَمَا أَرَادَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ بَلْ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ وَتَخَيُّلُ فَرْقٍ بَيْنَ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِذَاتِهِ. وَلِذَا جَازَ الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ غَيْر مُؤَثِّرٍ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي الْمَبِيعِ أَيْضًا كَمَا قَالُوهُ فِي مَسَائِلِ الذِّرَاعِ وَالصَّاعِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَاطَةُ الْحُكْمِ بِهَا لَا تُنَافِي قَاعِدَةً لِذَاتِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يُكْتَفَ بِالنِّيَّةِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةُ الْقِيمَةِ وَنَوَيَا أَحَدَهَا لِأَنَّ اللَّفْظَ هُنَا وَهُوَ قَوْلُهُ بِعَشْرَةٍ مَثَلًا لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى شَيْءٍ وَضْعًا وَلَا قَرِينَةَ فَلَوْ أَثَّرَتْ النِّيَّةُ مَعَهُ لَكَانَ فِيهِ أَعْمَالٌ لَهَا وَحْدَهَا وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فِيمَا ذَكَرَهُ شَرْطٌ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَهُوَ دَالٌّ عَلَى الْمَنْوِيِّ بِاعْتِبَارِ مَا قَرَّرْنَاهُ وَمَا سَنُقَرِّرُهُ فَلَيْسَ فِيهَا أَعْمَالٌ لِلنِّيَّةِ وَحْدَهَا بَلْ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ الْمُوَافِقُ لَهَا وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ مَدْلُولَهُ الْحَقِيقِيَّ مَعَ تَقْدِيرِ مَا بَطَلَ الْبَيْعُ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ أَشْيَاءَ فَإِنْ اطَّرَدَ فِي عُرْفِهِمَا التَّعْبِيرُ بِالسَّاعَةِ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ عَنْ الْجُزْءِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الْقَرَارِ الْمَمْلُوكِ صَحَّ الْبَيْعُ أَيْضًا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ الْمَجْمُوعِ رَدًّا عَلَى صَاحِبِ الْبَيَانِ وَمَنْ تَبِعَهُ إذَا عَبَّرَ بِالدَّرَاهِمِ عَنْ الدَّنَانِيرِ صَحَّ لِأَنَّهُ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْهَا مَجَازًا كَقَوْلِك فِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا مَثَلًا هَذِهِ دِينَارٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ هُوَ صَرْفُهَا أَيْ هَذِهِ صَرْفُ دِينَارٍ فَهُوَ مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ تَصْرِيحُهُمْ فِي الثَّمَنِ عِنْدَ إطْلَاقِهِ بِحَمْلِهِ عَلَى الْمُتَعَارَفِ بَيْنَهُمْ وَلَوْ غَيْرَ نَقْدٍ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا بِعَشْرَةِ أَثْوَابٍ وَأَطْلَقَ وَكَانَ لَهُمَا عُرْفٌ انْصَرَفَ إلَيْهِ كَالنَّقْدَيْنِ اهـ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ لِلْعُرْفِ تَأْثِيرًا فِي تَخْصِيصِ الْمُطْلَقِ فِي الْبَيْعِ بِهِ ثَبَتَ مَا قُلْنَاهُ هُنَا مِنْ الصِّحَّةِ إذَا أُطْلِقَا وَأُطْرِدَ عُرْفُهُمَا كَمَا ذُكِرَ وَإِنْ أُطْلِقَا وَلَمْ يَطَّرِدْ لَهُمَا بِذَلِكَ عُرْفٌ فَهَذَا هُوَ مَحَلُّ النَّظَرِ وَالتَّرَدُّدِ وَالْقَاعِدَتَانِ السَّابِقَتَانِ قَاعِدَةُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ وَقَاعِدَةُ أَنَّ تَصْحِيحَ اللَّفْظِ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِهِ مَا أَمْكَنَ يُرَجِّحَانِ الصِّحَّةَ أَيْضًا وَيُعَضِّدُهَا قَوْلُ الْمُوَثَّقِ مُسْتَكْمِلًا لِشَرَائِطِ الصِّحَّةِ وَاللُّزُومِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. نَعَمْ إنْ أُطْلِقَا وَأُطْرِدَ عُرْفُهُمَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ مَعَ الْمَاءِ مُقَدَّرًا بِزَمَنٍ لَمْ يَبْعُدْ الْقَوْلُ بِالْبُطْلَانِ حِينَئِذٍ وَلَوْ اخْتَلَفَ النَّاوِيَانِ فِي الْإِرَادَةِ صَدَقَ مُدَّعِي الْفَسَادِ نَظِير مَا قَالُوهُ فِي الذِّرَاعِ لَكِنْ لَا يَتَأَتَّى هَذَا هُنَا لِحُكْمِ الْحَاكِمِ الْمُسْتَلْزِمِ لِثُبُوتِ مُوجِبِ الصِّحَّةِ عِنْدَهُ مِنْ حَيْثُ الصِّيغَةُ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يَنْقُضُ إلَّا بَعْدَ تَحَقُّقِ مُوجِبِ نَقْضِهِ. وَأَمَّا مَعَ عَدَمِ تَحَقُّقِ مُوجِبِهِ فَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِنَقْضِهِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ وَقَدْ ظَهَرَ مِمَّا قَرَّرْته أَنَّ مُوجِبَ النَّقْضِ لَمْ يَتَحَقَّقْ وَأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَهُ مُحْتَمَلَاتٌ بَعْضُهَا صَحِيحٌ وَبَعْضُهَا بَاطِلٌ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا نُبْطِلُهُ إلَّا إذَا تَحَقَّقْنَا أَنَّ ذَلِكَ الِاحْتِمَالَ الْبَاطِلَ هُوَ الْمُرَادُ وَلَمْ نَتَحَقَّقْهُ وَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ قَوْلُهُمَا جَمِيعُ الْحِصَّةِ السَّقِيَّةِ الَّتِي قَدْرُهَا سَاعَتَانِ مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا لِإِنَّا إذَا فَرَضْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءٌ مُعَيَّنٌ مِنْ الْقَرَارِ الْمَمْلُوكِ أَوْ حَمَلْنَا اللَّفْظَ عَلَى ذَلِكَ لِمَا مَرَّ صَحَّ تَسْمِيَةُ ذَلِكَ الْجُزْءِ سَقِيَّةً لِأَنَّهُ سَبَبُهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُوَثَّقِ بِمَا لِلْحِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ حَقِّ قَرَارِ الْعَيْنِ الْمَذْكُورَةِ إلَخْ فَإِنْ قُلْتَ الْقَرَارُ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا هُوَ الْمُقِرّ الْمَذْكُورُ ثَانِيًا وَالْعِبَارَةُ تَقْتَضِي تَغَايُرَهُمَا وَإِنَّ حِصَّةَ السَّقِيَّةِ غَيْرُهُمَا قُلْتُ لَا تَقْتَضِي ذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَمُقِرَّهَا وَمَا بَعْدَهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ الْمُقِرّ أَيْ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الْمُقِرِّ وَالْمَمَرِّ

وَالْمُرَادُ بِحَقِّهِمَا غَيْرُهُمَا كَمَا هُوَ وَاضِحٌ. وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ الْمُوَثَّقَ تَفَنَّنَ فَعَبَّرَ بِالْقَرَارِ ثُمَّ عَبَّرَ ثَانِيًا عَنْهُ بِالْمُقِرِّ وَأَعَادَهُ مُخْتَلِفًا لَفْظُهُ مَعَ اتِّحَادِ مَعْنَاهُ لِبَيَانِ شُمُولِ الْبَيْعِ لِجَمِيعِ حُقُوقِهِ وَقَوْلِ الْمُوَثَّقِ وَمِنْ مَائِهَا الْجَارِي بِهَا إلَخْ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءَانِ مِنْ الْقَرَارِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَيَدُلُّ لَهُ التَّعْبِيرُ بِالسَّقِيَّةِ إذْ هِيَ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ أَيْ سَاقِيَّةٌ إذْ السَّاقِيَّةُ اسْمٌ لِلْقَرَارِ لَا لِلْمَاءِ وَمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ عَنْ الرَّوْضَةِ لَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْبَيْعِ فِيمَا ذُكِرَ إلَّا بِالتَّقْدِيرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَةِ الْجُزْءُ أَوْ أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ قَدْ تَنَاقَضَ فِي ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ وَقَدْ بَيَّنْتُ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي جَوَابِ بَعْضِ أَسْئِلَةٍ وَرَدَتْ مِنْ حَضْرَمَوْتَ مَعَ الرَّدِّ عَلَى الْبُلْقِينِيُّ فِي اعْتِرَاضَاتِهِ عَلَيْهَا فِي جَوَابِهِ السَّابِقِ بَعْضُهُ وَحَاصِلُ مَا تَجْتَمِعُ بِهِ عِبَارَتُهَا أَنَّ الْمَمْلُوكَ إنْ كَانَ مَحَلُّ النَّبْعِ وَالْقَرَارِ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ مِنْهُ إلَى الْأَرَاضِي فَإِنْ وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَوْ جُزْءٍ شَائِعٍ مِنْهُ مُعَيَّنٍ صَحَّ وَجَرَى فِي دُخُولِ الْمَاءِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْبَيْعِ مَا قَرَّرُوهُ فِي بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ. وَإِنْ كَانَ الْمَمْلُوكُ هُوَ الْقَرَارَ الَّذِي هُوَ الْقَنَاةُ دُونَ مَحَلِّ النَّبْعِ فَإِنْ وَرَدَ الْبَيْعُ عَلَى الْقَرَارِ صَحَّ أَيْضًا وَلَكِنْ لَا يَدْخُلُ الْمَاءُ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ اسْتِحْقَاقُ الْأَرْضِ فِيهِ الْمُسَمَّى بِالشُّرْبِ وَمُرَادُ الرَّوْضَةِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فِي الْمَاءِ فِي الصُّورَةِ الَّتِي أُجْرِيَ فِيهَا خِلَافُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِطَرِيقِ الْمِلْكِ إلَّا فِي الْأَرْضِ دُونَ الْمَاءِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ فِيهِ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْقَاقِ وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحَ فِيهَا قَبْلَ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ فِيهِمَا أَيْ فِي الْأَرْضِ بِطَرِيقِ الْقَصْدِ وَالْمِلْكِ وَفِي الْمَاءِ بِطَرِيقِ التَّبَعِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ كَلَامَيْهِمَا خِلَافًا لِمَنْ ظَنَّهُ. نَعَمْ الْمُشْكِلُ إنَّمَا هُوَ إجْرَاء خِلَاف تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الْقَرَارِ وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ فَائِدَةَ إجْرَائِهِ حَتَّى يَبْطُلَ فِي الْمَاءِ الرُّجُوع بِمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الثَّمَنِ لِإِنَّا إنْ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ فِيهِ فَهِيَ بِطَرِيقِ التَّبَعِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يُقَابَلُ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ فَإِذَا قُوبِلَ بِهِ اقْتَضَى ذَلِكَ بُطْلَانَ الْبَيْعِ فِيهِ وَفِي الْأَرْضِ عَلَى الضَّعِيفِ وَفِيهِ وَحْدَهُ عَلَى الصَّحِيحِ فَاتَّضَحَ وَجْهُ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي الْأَرْضِ وَإِنْ أَجْرَيْنَاهُ فِيهَا وَقُلْنَا بِالْبُطْلَانِ فِي الْمَاءِ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الَّتِي قَرَّرْنَاهَا آنِفًا وَالْكَلَامُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّ قَرَارِ الْمَاءِ الْمَمْلُوكِ دُونَ مَحَلِّ نَبْعِهِ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَا يَسْتَلْزِمُ مِلْكَ الْمَاءِ بَلْ يَكُونُ الْمَالِكُ أَحَقَّ بِهِ وَأَمَّا مَحَلُّ نَبْعِهِ مَعَ قَرَارِهِ الْمَمْلُوكِ كُلٌّ مِنْهُمَا فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِمَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَمِنْ ثَمَّ اضْطَرَبَتْ فِيهِ الْأَفْهَامُ وَكَثُرَتْ فِيهِ السَّقَطَاتُ وَالْأَوْهَامُ فَإِنْ قُلْتَ يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْجَوَابِ قَوْلُ جَمْعٍ رَدًّا لِمَا فِي الرَّوْضَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إذَا كَانَ مَجْهُولًا وَبِيعَ مَعَ غَيْرِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجَارَةَ بِالْقِسْطِ وَالْقِسْطُ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِلْجَهَالَةِ. قُلْتُ إنَّمَا يَتَّضِحُ رَدُّهُمْ أَنْ لَوْ سَلَّمْنَا لَهُمْ دَعْوَى الْجَهَالَةِ بِالْقِسْطِ وَهِيَ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ فَقَدْ قَالَ جَمْعٌ فِي نَحْو الْخَلِّ وَالْخَمْرِ وَالشَّاةِ وَالْكَلْبِ أَوْ الْخِنْزِيرِ أَنَّ الْبَاطِلَ يَقُومُ عِنْدَ مَنْ يَرَى لَهُ قِيمَةً كَأَهْلِ الذِّمَّةِ فَكَذَلِكَ الْمَاءُ هُنَا يُقَدَّرُ عِنْدَ مَنْ يَرَى لَهُ قِيمَةً وَيَصِحُّ بَيْعُهُ مُطْلَقًا وَهُمْ الْمَالِكِيَّةُ وَعَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ يُعْتَبَرُ بِمَا يُشَابِهُهُ كَالْخَلِّ وَالْعِتَرِ فَكَذَلِكَ يُعْتَبَرُ الْجَارِي هُنَا بِمَا يُشَابِهُهُ فَيُقَدَّرُ رَاكِدًا وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ مَعَ الْأَرْضِ فَإِنْ قُلْتَ وَمَا حُكْمُ عُيُونِ مَكَّةَ هَلْ هِيَ مَمْلُوكَةٌ لِأَرْبَابِهَا قَرَارًا وَمَنْبَعًا أَوْ قَرَارًا فَقَطْ قُلْتُ بَلْ قَرَارًا وَمَنْبَعًا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لَوْ صَادَفْنَا نَهْرًا يُسْقَى مِنْهُ أَرْضُونَ وَلَمْ نَدْرِ أَنَّهُ حُفِرَ أَيْ فَيَكُونُ مَمْلُوكًا أَوْ انْخَرَقَ أَيْ فَلَا يَكُونُ مَمْلُوكًا حَكَمْنَا بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ يَدٍ وَانْتِفَاعٍ اهـ عَلَى أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ أَوْلَى بِالْمِلْكِ مِنْ صُورَةِ الرَّوْضَةِ لِأَنَّ صُورَتَهَا لَيْسَ فِيهَا قَرِينَةٌ عَلَى الْمِلْكِ غَيْرِ وَضْعِ الْيَدِ. وَهُنَا مَعَ وَضْعِهَا قَرِينَةٌ أُخْرَى وَهِيَ بِنَاءُ تِلْكَ الْعُيُونِ الَّذِي هُوَ صَرِيحٌ فِي مِلْكِ الْبَانِي لِمَحِلِّ ذَلِكَ الْبِنَاءِ فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي تِلْكَ الْعُيُونِ مَنْبَعًا وَقَرَارًا مَعَ عَدَمِ رُؤْيَتِهِمَا قُلْتُ أَمَّا مَا تَحْتَ الْأَرْضِ مِنْ مَجْرَى الْعُيُونِ وَذَيْلِهَا فَلَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ جَمِيعِهِ لِتَعَذُّرِهِ كَأَسَاسِ الْجِدَارِ كَمَا بُحِثَ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ رُؤْيَةٍ الْمُسْتَتِرِ فِي ذِي الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ سَهُلَ بِالْفَتْقِ وَإِنَّمَا الَّذِي يُشْتَرَطُ

رُؤْيَتُهُ مِنْهَا مَا يَخْتَلِفُ بِهِ الْغَرَضُ أَخْذًا مِنْ أَنَّ الْبِئْرَ لَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ جَمِيعِهَا بَلْ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ الْغَرَضُ مِنْهَا عِنْدَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ مِنْ جُدْرَانِهَا وَنَحْوِهَا وَأَمَّا الْقَنَاةُ الظَّاهِرَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَتِهَا جَمِيعِهَا بِأَنْ يُحْبَسَ الْمَاءُ عَنْهَا وَلَا يَكْفِي رُؤْيَتُهَا مِنْ وَرَائِهِ وَإِنْ كَانَ صَافِيًا ثُمَّ رَأَيْتُ الْبُلْقِينِيُّ تَعَرَّضَ لِمَا فِي السُّؤَالِ فَقَالَ وَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي مَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ اشْتَرَى فُلَانٌ سَاعَةً مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَا مُعْتَبَرٍ. وَطَرِيقُ الْبَيْعِ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْقَرَارِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ اهـ وَهُوَ غَيْرُ مُنَافٍ لِمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا أَنَّهُ أَطْلَقَ عَدَمَ الصِّحَّةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَدْلُولَ ذَلِكَ اللَّفْظِ وَلَا مَا فِيهِ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ وَنَحْنُ قَدْ فَصَّلْنَا مُحْتَمَلَاتِهِ وَبَيَّنَّا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَمَا يَدُلُّ مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فَلَا يُنَافِي إطْلَاقُهُ تَفْصِيلَنَا بَلْ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْإِطْلَاقِ عَلَى الْوَجْهِ الْبَاطِلِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ مَا إذَا أَرَادَ أَنَّ الْمَبِيعَ الْمَاءَ مُقَدَّرًا بِزَمَنٍ أَوْ أَطْلَقَا وَعُرْفُهُمَا ذَلِكَ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ لِمَا ذَكَرَهُ دَلِيلًا وَنَحْنُ قَدْ بَيَّنَّا لِمَا ذَكَرْنَاهُ أَدِلَّةً مِنْ كَلَامِهِمْ سِيَّمَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ مَجْمُوعِ النَّوَوِيِّ وَعَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَلَا يَسَعُ الْبُلْقِينِيُّ أَنْ يَقُولَ إذَا أَرَادَ بِالسَّاعَةِ جُزْءًا مُعَيَّنًا مِنْ الْقَرَارِ الْمَمْلُوكِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُخَالِفًا لِصَرِيحِ كَلَامِ أَئِمَّتِهِ مِنْ غَيْرِ مُسْتَنَدٍ بَلْ لَا يَسَعُهُ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ بِالْبُطْلَانِ إذَا اطَّرَدَ عُرْفُهُمَا بِالتَّعْبِيرِ بِالسَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ عَنْ الْجُزْءِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الْقَرَارِ الْمَمْلُوكِ لِمُخَالَفَتِهِ لِصَرِيحِ كَلَامِهِمْ الَّذِي قَدَّمْتُهُ عَنْ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ مَلْزُومٌ بِالْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِكَلَامِهِ عَلَى بُطْلَانِ حُكْمِ الْحَاكِمِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يُصَانُ عَنْ النَّقْضِ مَا أَمْكَنَ وَأَنَّهُ لَا يُصَارُ لِنَقْضِهِ إلَّا إذَا تَحَقَّقْنَا مُوجِبَ نَقْضٍ وَلَا يَتَحَقَّقُ مُوجِبُ نَقْضِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إلَّا إذَا ثَبَتَ أَنَّهُمَا أَرَادَا بِالسَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ حَقِيقَتَهَا مِنْ مَائِهِ أَوْ مِنْ الْقَرَارِ نَفْسِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِنَقْضِهِ كَيْفَ وَلَهُ مُحْتَمَلَاتٌ وَبَعْضُهَا صَحِيحٌ وَبَعْضُهَا بَاطِلٌ وَلَمْ يَثْبُتْ وُجُودُ ذَلِكَ الْبَاطِلِ وَمِنْهَا أَنَّ قَوْلَ الْبُلْقِينِيُّ وَطَرِيقُ الْبَيْعِ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْقَرَارِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ سَبَبَ الْبُطْلَانِ فِي سَاعَةٍ مِنْ قَرَارِ كَذَا لَيْسَ هُوَ ذِكْرُ السَّاعَةِ فَحَسْبُ. بَلْ عَدَمُ إيرَادِ الْبَيْعِ عَلَى غَيْرِ مَحَلِّ النَّبْعِ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِتَصْرِيحِهِ هُوَ وَغَيْرُهُ بِصِحَّةِ بَيْعِ الْجُزْءِ مِنْ الْقَرَارِ الْمَمْلُوكِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَحَلِّ النَّبْعِ. فَإِنْ قُلْتَ مَا وَجْهُ صَرِيحِ قَوْلِهِ وَطَرِيقُ الْبَيْعِ إلَخْ فِي أَنَّ سَبَبَ الْبُطْلَانِ مَا ذُكِرَ قُلْتُ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ السَّبَبُ هُوَ ذِكْرُ السَّاعَةِ مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ وَطَرِيقُ الْبَيْعِ إلَخْ مُلَائِمًا لِمَا قَبْلَهُ وَلَا مُرْتَبِطًا بِهِ فَإِنَّ الْبَيْعَ إنْ وَقَعَ عَلَى مَحَلِّ النَّبْعِ أَوْ غَيْرِهِ هُوَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فَكَيْفَ مَعَ ذَلِكَ يَقُولُ وَطَرِيقُ الْبَيْعِ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْقَرَارِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَا يُنَافِيهِ مَا قَدَّمَهُ نَفْسُهُ أَوَّلَ جَوَابِهِ وَهَذَا مِمَّا يُضَعِّفُ كَلَامَهُ وَيُوجِبُ عَدَمَ اعْتِمَادِ إطْلَاقِهِ الْبُطْلَانَ وَيَبِينُ أَنَّ الْحَقَّ مَا فَصَّلْنَاهُ وَقُلْنَاهُ وَإِنْ كُنَّا مُعْتَرَفِينَ بِنَقْصِ مَقَامِنَا عَنْ مَقَامِهِ إلَّا أَنَّ الْحَقَّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ عَلَى أَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ فِي أَكْثَرِ أَحْوَالِهِ غَيْرَ مُتَقَيِّدٍ بِكَلَامِ أَئِمَّةِ مَذْهَبِهِ لِوُصُولِ مَرْتَبَتِهِ مِنْ مَرْتَبَةِ الِاجْتِهَادِ بَلْ لِأَقْصَاهَا كَمَا قَالَهُ تِلْمِيذُهُ الْوَلِيُّ أَبُو زُرْعَةَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ جَرَى فِي جَوَابِهِ هَذَا عَلَى مُخَالَفَةِ الرَّوْضَةِ فِي أَمَاكِنَ كَثِيرَةٍ وَالْحَقُّ فِيهَا مَا فِي الرَّوْضَةِ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي جَوَابٍ غَيْرِ هَذَا وَأَشَرْتُ إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ وَمِنْ مُخَالَفَتِهِ لِمَا فِيهَا قَوْلُهُ بِصِحَّةِ بَيْعِ الْمَاءِ الْجَارِي وَهَذَا أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِإِطْلَاقِهِ الْبُطْلَانَ فِي سَاعَةٍ مِنْ قَرَارِ كَذَا إلَّا إذَا كَانَ الْمُرَادُ الْمَاءَ وَحْدَهُ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَةِ مَفْهُومُهَا الْحَقِيقِيُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قَضِيَّةٍ شَرْعِيَّةٍ وَقَعَ لَهَا مُسْتَنَدٌ شَرْعِيٌّ مُلَخَّصُ مَضْمُونِهِ بَعْد أَنْ أَذِنَ الْحَاكِمُ الشَّرْعِيُّ لِفُلَانٍ الْفُلَانِيِّ فِي شِرَاءِ الْمَبِيعِ الْآتِي ذِكْرُهُ فِيهِ لِنَفْسِهِ وَلِبَقِيَّةِ وَرَثَةِ وَالِدِهِ مَحَاجِيرِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ إذْنًا شَرْعِيًّا اشْتَرَى الْمَأْذُونُ لَهُ الْمَذْكُورُ مِنْ فُلَانَةَ الْفُلَانِيَّةِ جَمِيعَ الْحِصَّةِ السَّقِيَّةِ الَّتِي قَدْرُهَا سَاعَتَانِ مِنْ قَرَارِ الْعَيْنِ الْفُلَانِيَّةِ فِي الْوَجْبَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِكَذَا وَعِدَّةُ وَجَابَ الْعَيْنِ الْمَذْكُورَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَجْبَةً كُلُّ وَجْبَةٍ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً كُلُّ سَاعَةٍ قِيرَاطَانِ كَبِيرَانِ بِمَا يَجِبُ لِلْحِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ حَقٍّ مِنْ

حُقُوقِ الْعَيْنِ الْمَذْكُورَةِ وَمَقَرُّهَا وَمَمَرُّهَا وَشُعُوبُهَا وَذُيُولُهَا وَمَجَارِي مَائِهَا وَمِنْ مَائِهَا الْجَارِي بِهَا يَوْمئِذٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى اشْتِرَاءً صَحِيحًا شَرْعِيًّا مُسْتَكْمِلًا لِشَرَائِطِ الصِّحَّةِ وَاللُّزُومِ بِثَمَنٍ جُمْلَتُهُ كَذَا وَثَبَتَ ذَلِكَ لَدَى الْحَاكِمِ الْآذِنِ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَحَكَمَ بِمُوجِبِهِ فَهَلْ الْبَيْعُ الْمَذْكُورُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صَحِيحٌ أَمْ لَا وَهَلْ الْحُكْمُ بِإِبْطَالِهِ نَقْضٌ لِحُكْمِ الْحَاكِمِ أَمْ لَا وَهَلْ حُكْمُ الْحَاكِمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُتَضَمِّنٌ لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْعَقْد أَمْ لَا وَهَلْ هَذِهِ الصُّورَةُ مُطَابِقَةٌ لِمَا أَفْتَى بِهِ الْإِمَامُ الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مِنْ بُطْلَانِ الْبَيْعِ فِيهِ أَمْ لَا وَهَلْ يُنْقَضُ حُكْمُ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالنَّظَرِ فِي فُرُوعِ الْفِقْهِ وَغَيْرِهِ بِإِفْتَاءِ عَالِمٍ مِثْلِهِ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ أَمْ يُحْمَلُ حُكْمُ الْحَاكِمِ عَلَى السَّدَادِ مَا أَمْكَنَ. (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمَبِيعُ الْمَذْكُورُ فِيهِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّهُ يَصِحُّ فِيمَا إذَا أَرَادَ الْعَاقِدَانِ بِالسَّاعَةِ جُزْءًا مُعَيَّنًا مِنْ قَرَارِ الْعَيْنِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ أَوْ الْمَجْرَى الْمَمْلُوكِ أَوْ لَمْ يُرِيدَاهُ لَكِنَّهُ عَرَّفَهُمَا حَالَ الْعَقْدِ وَيَبْطُلُ فِيمَا إذَا أَرَادَ بِهَا جُزْءًا مِنْ الْمَاءِ الْجَارِي وَالْحُكْمُ بِإِبْطَالِ الْبَيْعِ مُطْلَقًا غَيْرُ صَحِيحٍ وَنَقْضُ حُكْمِ الْحَاكِمِ لَا يَجُوزُ إلَّا إنْ تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى مَعْنًى صَحِيح وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ كَمَا هُنَا فَلَا يَجُوزُ نَقْضُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ مِنْهُمْ التَّاجُ الْفَزَارِيّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ عَصْرِهِ رَدًّا عَلَى الْقَاضِي ابْنِ خَلِّكَانَ لَمَّا خَالَفَهُمْ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِمْ بَلْ نَقَلَ الشَّيْخَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّاهُ أَنَّ حُكْمَ الْمُسْتَقْضَى لِلضَّرُورَةِ إذَا وَافَقَ مَذْهَبَ الْغَيْرِ لَا يُنْقَضُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ مَنْ شَاءَ أَيْ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَحُكْمُ الْحَاكِمِ الْمَذْكُورِ مُتَضَمِّنٌ لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ السُّبْكِيّ وَعِبَارَتُهُ الْحُكْمُ بِالْمُوجِبِ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ الصِّحَّةُ مَصُونَةٌ عَنْ النَّقْضِ كَالْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَإِنْ كَانَ أَحَطَّ رُتْبَةً مِنْهُ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ يَسْتَدْعِي ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ أَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ وَصِحَّةَ صِيغَتِهِ وَكَوْنَ التَّصَرُّفِ فِي مَحَلِّهِ. وَالْحُكْمُ بِالْمُوجِبِ يَسْتَدْعِي الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ وَهُمَا صِحَّةُ التَّصَرُّفِ وَصِحَّةُ الصِّيغَةِ انْتَهَتْ وَاعْتَمَدَهَا الْكَمَالُ السُّيُوطِيّ فِي جَوَاهِرِهِ وَالتَّنْظِيرُ فِيهَا إنْ سُلِّمَ لَيْسَ لِمَا يَرْجِعُ لِرَدِّ مَا قَالَهُ مِنْ تَضْمِينِ الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ لِصِحَّةِ الصِّيغَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَا يُنَافِيهَا قَوْلُ غَيْرِهِ فِي الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ إنْ صَحِيحًا فَصَحِيحٌ وَإِنْ فَاسِدًا فَفَاسِدٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ صَحَّ الشَّرْطُ الثَّالِثُ فَصَحِيحٌ وَإِنْ فَسَدَ لِفَقْدِهِ فَفَاسِدٌ وَأَمَّا الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الصِّيغَةِ فَالْحُكْمَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَيْهَا وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ بَيْنهمَا فَرْقًا فَتَصَرُّفُ الْحَاكِمِ بِالْإِذْنِ وَغَيْرِهِ فِي قَضِيَّةٍ رُفِعَتْ إلَيْهِ وَطُلِبَ مِنْهُ فَصْلُهَا. حُكِمَ مِنْهُ بِالصِّحَّةِ فِيهَا عَلَى مَا فِيهِ مِمَّا لَيْسَ هَذَا مَحَلَّ بَسْطِهِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ مُطَابِقَةً لِمَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّ فِيهَا زِيَادَاتٍ مِنْهَا حُكْمُ الْحَاكِمِ وَإِذْنُهُ فَفِيهَا قَرَائِنُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَةِ الْجُزْءُ وَمِنْهَا قَوْلُهُ وَمِنْ مَائِهَا الْجَارِي بِهَا يَوْمئِذٍ وَكُلَّ سَاعَةٍ قِيرَاطَانِ إذْ الْمَعْنَى مَعَهُ الَّتِي قَدْرُهَا قِيرَاطَانِ مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا. وَهَذَا مِمَّا لَا يَتَخَيَّلُ فَقِيهٌ الْبُطْلَانَ فِيهِ وَمِنْهَا قَوْلُ الْمُوَثَّقِ مُسْتَكْمِلًا لِشَرَائِطِ الصِّحَّةِ وَاللُّزُومِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ الْبُلْقِينِيُّ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ إذْ لَا يَسَعُهُ الْقَوْلُ بِالْبُطْلَانِ فِي الْأُولَيَيْنِ أَمَّا الْأُولَى فَلِمَا تَقَرَّرَ مِنْ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى مَا أَرَادَهُ مَعَ التَّصْرِيحِ بِنَظَائِرِهَا فِي كَلَامِهِمْ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِلتَّصْرِيحِ بِنَظِيرِهَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ وَقَاعِدَةُ أَنَّ تَصْحِيحَ اللَّفْظِ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِهِ وَأَنَّ دَعْوَى الصِّحَّةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى دَعْوَى الْفَسَادِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي الْعُقُودِ الْجَارِيَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الصِّحَّةُ يُؤَيِّدَانِ مَا حَمْلنَا عَلَيْهِ كَلَامَهُ وَإِذَا تَعَارَضَ حُكْمٌ وَإِفْتَاءٌ فَإِنْ كَانَ فِي صُورَةِ عُلِمَ حُكْمُهَا فِي الْمَذْهَبِ قُدِّمَ مُوَافِقُهُ وَإِنْ كَانَتْ فِي حَادِثَةٍ مُوَلَّدَةٍ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا أَهْلُ الْمَذْهَبِ كَصُورَةِ السُّؤَالِ فَإِنَّا لَمْ نَعْلَمْ لِلْبُلْقِينِيِّ فِيهَا سَلَفًا وَلَا خَلْفًا مُوَافِقًا وَلَا مُخَالِفًا فَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْمُفْتِي وَالْحَاكِمِ فِيهِ أَهْلِيَّةُ التَّرْجِيحِ وَالِاسْتِنْبَاطِ لَمْ يُنْقَدْ حُكْمُ الْحَاكِمِ لِإِفْتَاءِ الْمُفْتِي وَإِنْ كَانَ الْمُفْتِي أَعْلَمَ وَإِنْ تَأَهَّلَ لِذَلِكَ الْمُفْتِي وَحْدَهُ تَعَيَّنَ عَلَى الْحَاكِمِ الرُّجُوعُ إلَيْهِ وَإِلَّا تَأَتَّى فِي نَقْضِهِ مَا مَرَّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) سُئِلَ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ عَنْ سُؤَالِهِ صُورَتُهُ رَجُلٌ اشْتَرَى جَمِيعَ الْحِصَّةِ السَّقِيَّةِ الَّتِي قَدْرُهَا سَاعَتَانِ مِنْ قَرَارِ عَيْنٍ كَذَا بِمَرِّ الظُّهْرَانِ مِنْ أَعْمَالِ مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا أَمْ لَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ جَوَابُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ

الْبُلْقِينِيُّ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ مِثْلِ هَذَا وَصُورَةُ مَا سُئِلَ عَنْهُ قَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِمَكَّةَ أَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ اشْتَرَى فُلَانٌ مِنْ فُلَانٍ سَاعَةً مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا فَهَلْ ذَلِكَ مُعْتَبَرٌ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَا مُعْتَبَرٍ وَطَرِيقُ الْبِيَعِ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْقَرَارِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ وَحُكْمُ الْمَاءِ قَدْ سَبَقَ اهـ فَهَذَا كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ الْبَيْعَ فِي مَسْأَلَتِنَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَا وَجْهُهُ وَلَوْ أَنَّ مُفْتِيًا قَالَ بِالصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَتِنَا نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءٌ مِنْ الْقَرَارِ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ الْمَجَازِ قِيَاسًا عَلَى بَيْعِ صَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ مَجْهُولَةِ الصِّيعَانِ فَهَلْ لَهُ وَجْهٌ مَعَ أَنَّ الْقَرَارَ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي جَمَالُ الدِّينِ بْنُ ظَهِيرَةَ فِي سُؤَالِهِ لِلْبُلْقِينِيِّ وَمَا وَجْهُ الْقِيَاسِ عَلَى الصُّبْرَةِ. فَأَجَابَ بَعْضُ الْمَكِّيِّينَ بِمَا صُورَتُهُ إفْرَادُ الْمَاءِ الْجَارِي مِنْ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ عَيْنٍ بِالْبَيْعِ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَئِمَّتُنَا لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ وَلِلْجَهْلِ بِقَدْرِهِ وَالْحِيلَةُ فِيمَنْ أَرَادَ شِرَاءَ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْقَرَارَ مَثَلًا أَوْ سَهْمًا مِنْهُ فَإِذَا مَلَكَ ذَلِكَ كَانَ أَحَقَّ بِالْمَاءِ وَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ فِي مَسْأَلَتِنَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِلْجَهْلِ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ لِاخْتِلَاطِ الْمَوْجُودِ بِالْحَادِثِ وَلِعَدَمِ إمْكَانِ تَسْلِيمِهِ شَرْعًا وَقَوْلُهُمْ مَثَلًا اشْتَرَى فُلَانٌ سَاعَةً أَوْ سَاعَتَيْنِ مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا لَا يُرَادُ مِنْهُ فِيمَا أَعْلَمُ فِي الْعَادَةِ بِمَكَّةَ إلَّا بَيْعُ الْمَاءِ مُقَدَّرًا بِزَمَنٍ وَلِهَذَا أَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْبُلْقِينِيُّ فِي صُورَتِهِ الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا بِعَدَمِ الصِّحَّةِ وَلَا يُنَافِي عَدَمُ الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَتِنَا قَوْلُهُ مِنْ قَرَارٍ لِأَنَّهُ بَيَانٌ لِمَحَلِّ الْمَبِيعِ فَهُوَ صِفَةٌ لِمَا قَبْلَهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وَأَمَّا احْتِمَالُ أَنْ يُرَادَ بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءَانِ مِنْ الْقَرَارِ. وَكَوْن مِنْ قَرَارٍ ظَرْفًا لَغْوًا وَمِنْ لِلتَّبْعِيضِ فَهُوَ. وَإِنْ أَمْكَنَ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ جَعْلَ الزَّمَانِ الَّذِي هُوَ عَرَضٌ غَيْرُ قَارٍّ جُزْءًا مِنْ الْقَرَارِ الَّذِي هُوَ جِسْمٌ قَارٌّ مَعَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّنَافِي بَعِيدٌ جِدًّا يَنْبُو عَنْهُ اللَّفْظُ لَا سِيَّمَا وَصْفَ الْحِصَّةِ بِالسَّقِيَّةِ إذْ السَّقِيَّةُ هِيَ الْمَاءُ لَا الْجُزْءَانِ مِنْ الْقَرَارِ بَلْ الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ عِنْدَ مَنْ لَهُ أَدْنَى تَأَمُّلٍ فِي أَنَّ الْمَبِيعَ هُوَ الْمَاءُ الْمُقَدَّرُ بِسَاعَتَيْنِ وَعَلَى تَسْلِيمِ إرَادَةِ ذَلِكَ وَقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِيمَا يُرَادُ مِنْهُ عَادَةً فَالْبَيْعُ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا لِكَوْنِ الْقَرَارِ غَيْرِ مَرْئِيٍّ بَلْ وَلَا مَمْلُوكٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ كَمَا ذَكَرَهُ عَالِمُ الْحِجَازِ فِي زَمَنِهِ فِي سُؤَالِهِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ الْبُلْقِينِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيْتِ أَدْرَى بِاَلَّذِي فِيهِ وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى بَيْعِ الصُّبْرَةِ فَلَا وَجْهَ لَهُ فِيمَا ظَهَرَ لِي اهـ جَوَابُ هَذَا الْمَكِّيِّ فَهَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَوْ فَاسِدٌ وَمَا وَجْهُ فَسَادِهِ مُبَيَّنًا مَبْسُوطًا لَيَعْظُمَ النَّفْعُ بِذَلِكَ. (فَأَجَابَ) وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ هَذَا الْجَوَابُ اشْتَمَلَ عَلَى وُجُوهٍ مِنْ الْفَسَادِ وَالْمَيْلِ إلَى دَاعِيَةِ التَّهَوُّرِ وَالْعَصَبِيَّةِ وَالْعِنَادِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ هَذَا الْمُجِيبِ وَالْحِيلَةُ فِيمَنْ أَرَادَ شِرَاءَ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْقَرَارَ يُنَاقِضُهُ قَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي أَنَّ الْقَرَارَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ هَذَا تَنَاقُضٌ صَرِيحٌ فَإِنَّهُ حَكَمَ عَلَى الْقَرَارِ هُنَا بِأَنَّهُ يُشْتَرَى وَفِيمَا يَأْتِي زَعَمَ أَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَلَعَلَّ الْمُوقِعَ لَهُ فِي ذَلِكَ الَّذِي لَا يَخْفَى فَسَادُهُ عَلَى صِغَارِ الْمُتَعَلِّمِينَ فَسَادُ النِّيَّةِ فَإِنْ قُلْتَ كَلَامُهُ هُنَا عَلَى مُطْلَقِ الْقَرَارِ وَفِيمَا يَأْتِي عَلَى قَرَارِ عُيُونِ مَكَّةَ قُلْتُ إنْ أَرَادَ أَنَّ مُطْلَقَ الْقَرَارِ مَمْلُوكٌ إلَّا قَرَارَ عُيُونِ مَكَّةَ فَإِنَّهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ كَانَ ذَلِكَ أَقْبَحَ فِي الْخَطَإِ لِأَنَّهُ دَعْوَى بَاطِلَةٌ بِلَا مُسْتَنَدٍ لَهَا بَلْ كَلَامُهُمْ صَرِيحٌ فِي رَدِّهَا وَأَنَّ الْقَرَارَ تَارَةً يَكُونُ مَمْلُوكًا وَتَارَةً يَكُونُ غَيْرَ مَمْلُوكٍ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ عُيُونِ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ هُنَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ مُرَادَهُ مَا يَشْمَلُ قَرَارَ عُيُونِ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ. وَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ فِي مَسْأَلَتِنَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِذَا كَانَ كَلَامُهُ يَقْضِي بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَا يَشْمَلُ عُيُونَ مَكَّةَ جَاءَ التَّنَاقُضُ وَكَانَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى هَذَا التَّنَاقُضِ غَيْرُ مَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَحَصَّلْ فِي الْقَرَارِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ كَلَامِهِمْ لِأَنَّ فِيهِ شِبْهَ تَنَاقُضٍ فِي الرَّوْضَةِ وَلَيْسَ هُوَ مِمَّنْ لَهُ قُوَّةٌ عَلَى الْجَمْعِ بَيْن الْمُتَنَاقِضَاتِ تَكَلَّمَ فِيهِ بِرَأْيِهِ فَبَدَا لَهُ أَوَّلَ الْجَوَابِ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ يُشْتَرَى وَأَنَّهُ الَّذِي تَتِمُّ بِهِ الْحِيلَةُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَاءِ ثُمَّ بَدَا لَهُ آخِرَ الْجَوَابِ أَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَمَنْ هَذَا حَالُهُ يَنْبَغِي الْإِعْرَاضُ عَنْ كَلَامِهِ لَوْلَا مَا وَجَبَ مِنْ بَيَانِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَبَاطِيلِ الَّتِي سَتَرَاهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاضِحَةً بِحَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ أَنَّ عُيُونَ مَكَّةَ مَمْلُوكَةٌ عِنْدَ زَعْمِهِ عَدَمَ مِلْكِهَا. وَقَوْلُهُ

كَانَ أَحَقَّ بِالْمَاءِ خَطَأٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْقَرَارِ الْمَنْبَعَ الْمَمْلُوكَ بَطَلَ قَوْلُهُ كَانَ أَحَقَّ بِالْمَاءِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ مَنْ يَمْلِكُهُ مَلَكَ الْمَاءَ أَوْ الْمَنْبَعَ غَيْرَ الْمَمْلُوكِ بَطَلَ قَوْلُهُ أَنْ. يَشْتَرِيَ الْقَرَارَ وَقَوْلُهُ كَانَ أَحَقَّ بِالْمَاءِ لِأَنَّ الْمَنْبَعَ إذَا كَانَ غَيْرَ مَمْلُوكٍ لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَحَقَّ بِمَائِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ أَيْضًا وَإِنْ أَرَادَ بِالْقَرَارِ الْمَجْرَى تَأَتَّى فِيهِ بَعْضُ هَذَا الْفَسَادِ وَمَا فِي قَوْلِ الْبُلْقِينِيُّ الْمَذْكُورِ فِي السُّؤَالِ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْقَرَارِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ فَتَأَمَّلْ هَذَا الْفَسَادَ وَالتَّنَاقُضَ الْوَاقِعَ لِهَذَا الْمُجِيبِ فِي أَقَلَّ مِنْ سَطْرٍ عَلَى أَنَّ فِي قَوْلِ الْبُلْقِينِيُّ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ مُؤَاخَذَةً. قَدَّمَ فِي كَلَامِهِ مَا يُفْهِمُهَا كَمَا سَتَرَاهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاضِحَةً فِي كِتَابِي الَّذِي وَضَعْتُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَسَمَّيْتُهُ نُزْهَةَ الْعُيُونِ فِي حُكْمِ بَيْعِ الْعُيُونِ وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي عَبَّرُوا بِهِ فِي الْحِيلَةِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْقَنَاةَ مَثَلًا أَوْ جُزْءًا مِنْهَا فَيَكُونَ أَحَقَّ بِالْمَاءِ وَهَذَا تَعْبِيرٌ صَحِيحٌ وَلَمَّا لَمْ يَظْهَرْ لِلْمُجِيبِ فَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَعْبِيرِهِ بِالْقَرَارِ عَبَّرَ بِالْقَرَارِ مُعْتَمِدًا عَلَى تَعْبِيرِ الْبُلْقِينِيُّ بِهِ وَفَاتَهُ أَنَّهُ لَمَّا أَخَذَ بَعْضَ كَلَامٍ مِنْ كَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ. وَهُوَ التَّعْبِيرُ بِالْقَرَارِ مِنْ قَرَارِ الْعُيُونِ وَبَعْضُهُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَهُوَ كَوْنُهُ أَحَقَّ بِالْمَاءِ وَقَعَ فِي وَرْطَةِ التَّنَاقُضِ وَالِاخْتِلَافِ وَهَذَا شَأْنُ مَنْ يُلَفِّقُ كَلَامًا مِنْ عِبَارَاتٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَأَمَّلَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ التَّنَاقُضِ وَالتَّخَالُفِ إذْ الْقَرَارُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَجْرَى وَعَلَى الْمَنْبَعِ الْمَمْلُوكَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَنْبَعُ الْمَمْلُوكُ كَانَ مِلْكُهُ مُسْتَلْزِمًا لِمِلْكِ الْمَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَجْرَى الْمَمْلُوكُ كَانَ مِلْكُهُ غَيْرَ مُسْتَلْزِمٍ لِمِلْكِ الْمَاءِ وَلَكِنَّهُ يَكُونُ سَبَبًا لِكَوْنِهِ أَحَقَّ بِهِ وَلِذَا لَمَّا عَبَّرُوا بِالْقَنَاةِ وَنَحْوِهَا عَبَّرُوا بِأَحَقِّيَّةِ الْمَاءِ فَلَوْ تَبِعَهُمْ فِي التَّعْبِيرِ بِالْقَنَاةِ أَوْ الْمَجْرَى مَثَلًا لَسَلِمَ مِنْ هَذِهِ الْوَرْطَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا وَقَوْلُهُ وَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ فِي مَسْأَلَتِنَا غَيْرُ صَحِيحٍ إلَخْ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ مَا قَدَّمَهُ لَا يُفِيدُ عَدَم الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَإِنَّمَا الَّذِي يُفِيدُهُ عَلَى زَعْمِهِ مَا سَيَذْكُرُهُ وَقَوْلُهُ لَا يُرَادُ مِنْهُ فِيمَا أَعْلَمُ مِنْ الْعَادَةِ بِمَكَّةَ إلَّا بَيْعُ الْمَاءِ مُقَدَّرًا بِزَمَنٍ يُقَالُ عَلَيْهِ كَأَنَّ هَذَا الْمُجِيبَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى آدَابِ الْمُفْتِي وَقَوْلُهُمْ أَنَّ الْمُفْتِي لَا يَكْتُبُ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ فِي الْوَاقِعَةِ بَلْ عَلَى مَا فِي السُّؤَالِ أَوْ يَقُولُ إنْ كَانَ كَذَا فَحُكْمُهُ كَذَا وَإِنْ كَانَ كَذَا فَحُكْمُهُ كَذَا فَعُلِمَ أَنَّ جَزْمَ هَذَا الْمُفْتِي بِهَذِهِ الدَّعْوَى وَتَرْتِيبَهُ بَقِيَّةَ جَوَابِهِ عَلَيْهَا خَطَأٌ فَاحِشٌ حَمَلَهُ عَلَيْهِ مَزِيدُ التَّعَصُّبِ لِصِدِّيقِهِ الَّذِي قَالَ هُوَ عَنْهُ أَنَّهُ أَلْزَمَهُ بِالْكِتَابَةِ عَلَى هَذَا السُّؤَالِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ كِتَابَةٌ عَلَى سُؤَالٍ قَطُّ لِمَزِيدِ دَيَّانَتِهِ اهـ. وَبِحَمْدِ اللَّهِ أَئِمَّةُ الدِّينِ مُتَوَفِّرُونَ قَائِمُونَ بِحِفْظِهِ وَرَدْعِ مَنْ عَانَدَ أَوْ تَعَصَّبَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ لَهُ تَسْلِيمُ مَا قَالَهُ فَالِاحْتِجَاجُ بِهِ هُنَا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالْعَادَةِ الَّتِي يَعْلَمُهَا هَذَا الزَّاعِمُ وَقْتَ كِتَابَتِهِ وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ بِالْعُرْفِ الْمُطَّرَدِ حَالَ وُقُوعِ الْبِيَعِ الْمَذْكُورِ وَلَا يُسْتَدَلُّ بِالْعَادَةِ الَّتِي زَعَمَ وُجُودَهَا الْآنَ عَلَى وُجُودِهَا فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الِاسْتِصْحَابِ الْمَقْلُوبِ وَأَظُنُّ أَنَّهُ لَمْ يُحِطْ بِهِ وَلَا بِشُرُوطِهِ أَوْ لَمْ يَسْتَحْضِرْ ذَلِكَ وَإِلَّا كَانَ مِنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّنَ وَجْهَ تَخْرِيجِ مَا زَعَمَهُ هُنَا عَلَى تِلْكَ الْقَاعِدَةِ وَيَنْظُرُ. هَلْ تُنْتِجُ لَهُ مَا ذَكَرَهُ أَمْ لَا. وَبَسْطُ الْكَلَامِ عَلَيْهَا سَيُمْلِي عَلَيْك مِنْ كِتَابِي نُزْهَةُ الْعُيُونِ فِي بَيْعِ الْعُيُونِ وَعَلَى تَسْلِيمِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَأَنَّ الْعَادَةَ مُطَّرِدَةٌ بِمَا ذَكَرَهُ فَفِي أَيْ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ لَفْظَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إذَا اُحْتُمِلَ مِنْ حَيْثُ وَضْعُهُ أَمْرَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ وَاقْتَضَى الْعُرْفُ تَرْجِيحَ أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ وَنَوَيَا غَيْرَهُ يُقَدَّمُ الْعُرْفُ عَلَى مَا نَوَيَاهُ سَوَاءٌ أَكَانَ الَّذِي يَقْتَضِيه الْعُرْفُ مُصَحِّحًا أَوْ مُبْطِلًا فَإِنْ أَتَى هَذَا الْمُجِيبُ بِنَقْلِ ذَلِكَ كَانَ لَهُ نَوْعٌ مَا مِنْ الْعُذْرِ وَإِلَّا كَانَ الْخَطَأُ أَقْبَحَ لِأَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِمَا يَعْلَمُهُ مِنْ الْعَادَةِ ثُمَّ رَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمًا لَا مُسْتَنَدَ لَهُ. وَفِي هَذَا كُلِّهِ مِنْ التَّقَوُّلِ عَلَى الدِّينِ مَا نَسْأَلُ اللَّهَ الْإِعَاذَةَ مِنْهُ وَمِمَّا يُبْطِلُ مَا زَعَمَهُ مِنْ الْعَادَةِ مَا هُوَ غَيْرُ خَافٍ عَنْهُ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ مِنْ أَهْلِ عُيُونِ مَكَّةَ مَنْ يَمْلِكُ مَاءً مُجَرَّدًا عَنْ الْقَرَارِ قَطُّ بَلْ كُلُّ مَنْ مَلَكَ الْمَاءَ مَلَكَ قَرَارَهُ بِحَيْثُ إنَّ ذَيْلَ الْعَيْنِ وَمَجْرَاهَا أَوْ مَنْبَعهَا إذَا خَرِبَ وَتَنَازَعَ الشُّرَكَاءُ فِي عِمَارَتِهَا عَمَّرُوهَا عَلَى حَسْبِ مِلْكِهِمْ لِلْمَاءِ وَلَوْ رَفَعُوا الْأَمْرَ إلَى قَاضِي مَكَّةَ أَوْ أَمِيرِهَا لَحَكَمَ بَيْنهمْ بِذَلِكَ وَهَذَا أَمْرٌ مَشْهُورٌ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ وَمِمَّا يُبْطِلُ مَا زَعَمَهُ مِنْ

الْعَادَةِ أَنَّ بَعْضَ عُيُونِ مَكَّةَ الْآنَ خَرَابٌ لَا يَجْرِي فِيهَا مَاءٌ مِنْ مُنْذُ سِنِينَ كَثِيرَةٍ وَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ الثِّقَاتِ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ هَذِهِ الْعَيْنِ أَجْزَاءً وَأَنَّ صُورَةَ مُشْتَرَاهَا اشْتَرَى فُلَانٌ سَاعَةً مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا فَانْظُرْ إلَى إيقَاعِهِمْ لَفْظَ السَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ عَلَى عَيْنٍ لَا مَاءَ فِيهَا. وَهَذَا أَدَلُّ دَلِيلٍ وَأَعْدَلُ شَاهِدٍ عَلَى بُطْلَانِ مَا زَعَمَهُ هَذَا الْمُجِيبُ مِنْ أَنَّ الْعَادَةَ أَنَّهُ لَا يُرَادُ إلَّا الْمَاءُ الْمُقَدَّرُ بِزَمَنٍ وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا أَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ مَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى مَا إذَا أَرَادَا بِالسَّاعَةِ جُزْءًا مِنْ الْمَاءِ أَمَّا إذَا أَرَادَ بِهَا جُزْءًا مِنْ الْقَرَارِ الْمَمْلُوكِ أَوْ أَطْلَقَا وَأُطْرِدَ عُرْفُهُمَا حَالَةَ الْعَقْدِ بِأَنَّ الْمُرَادَ ذَلِكَ فَلَا يَتَخَيَّلُ مَنْ لَهُ أَدْنَى ذَوْقٍ وَفِقْهٍ نَفْسِيٍّ إلَّا الصِّحَّةَ فِيهِمَا أَمَّا الثَّانِيَةُ فَظَاهِرٌ وَقَدْ ذُكِرَ لَهَا نَظَائِرُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ وَأَمَّا الْأُولَى فَكَذَلِكَ وَقَدْ ذُكِرَ لَهَا نَظَائِرُ فِي كَلَامِهِمْ وَسَتُمْلَى عَلَيْكَ تِلْكَ النَّظَائِرُ جَمِيعُهَا فِي نُزْهَةِ الْعُيُونِ الْمُشَارِ إلَيْهِ آنِفًا وَمِنْ نَظَائِرِ الْأُولَى قَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ بِعْتُكَ بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا فَإِنْ أَرَادَ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْمَلْفُوظِ بَطَلَ أَوْ مِنْ الْقِيمَةِ وَعُلِمَتْ صَحَّ وَمَسْأَلَتُنَا أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ هَذِهِ لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ إذَا عَوَّلُوا عَلَى إرَادَتِهِمَا الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْقِيمَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَلْفُوظَةٍ وَلَا فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا. وَصَحَّحُوا الْعَقْدَ بِهَذِهِ النِّيَّةِ مَعَ مُخَالَفَتِهَا لِظَاهِرِ اللَّفْظِ بَلْ لِصَرِيحِهِ فَأَوْلَى أَنْ يُعَوِّلُوا عَلَى إرَادَتِهِمَا بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءًا مُعَيَّنًا مِنْ الْقَرَارِ الْمَمْلُوكِ وَيُصَحِّحُوا الْعَقْدَ بِذَلِكَ وَإِذَا اتَّضَحَ لَك مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى مَا مَرَّ عَلِمْتَ خَطَأَ مَنْ تَمَسَّكَ بِإِطْلَاقِهِ الْبُطْلَانَ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُرِيدَا ذَلِكَ أَوْ لَا وَلَا بَيْنَ أَنْ يَطَّرِدَ عُرْفُهُمَا بِذَلِكَ أَوْ لَا وَلَكِنَّ مُوجِبَ ذَلِكَ الْوُقُوفُ مَعَ ظَوَاهِرِ الْعِبَارَاتِ وَعَدَمُ الْمَلَكَةِ الَّتِي يَقْتَدِرُ بِهَا الْفَقِيهُ عَلَى تَقْيِيدِ الْمُطْلَقَاتِ وَتَبْيِينِ الْمُجْمَلَاتِ وَتَزْيِيفِ الْهَفَوَاتِ أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنَا أَجْمَعِينَ مِمَّنْ رُزِقَ تِلْكَ الْمَلَكَةَ وَصَحِبَهُ إخْلَاصٌ يَنْجُو بِهِ مِنْ كُلِّ هَلَكَةٍ آمِينَ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ بَيَانٌ لِمَحَلِّ الْمَبِيعِ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ لَيْتَك لَمْ تَتَعَرَّضْ لِلْكَلَامِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ مَعْلُومَاتِكَ. فَإِذَا خَلَطْتَ فِيهِ كُنْتَ بِالتَّخْلِيطِ فِي غَيْرِهِ أَحَقَّ وَأَوْلَى وَبَيَانُ التَّخْلِيطِ الْوَاقِعِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ عَنَى بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ أَيْ مِنْ قَرَارِ كَذَا بَيَانٌ لِمَحَلِّ الْمَبِيعِ أَنَّ مِنْ لِلْبَيَانِ وَهَذَا الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ التَّعْبِيرِ بِالْبَيَانِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا بَعْدَهُ لَزِمَ عَلَيْهِ فَسَادٌ وَهُوَ أَنَّ مَا بَعْدَ مِنْ، عَيْنُ مَا قَبْلهَا فَيَكُونُ الْمَاءُ عَيْنُ الْقَرَارِ وَهَذَا لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ فَكَيْفَ يُحْمَلُ كَلَامُ الْعُقَلَاءِ وَمِنْ جُمْلَتِهِمْ الْمُتَعَاقِدَانِ عَلَيْهِ وَإِنْ عَنَى بِهِ أَنَّ مِنْ بِمَعْنَى فِي أَيْ الْمَاءِ الَّذِي فِي قَرَارِ كَذَا قِيلَ لَهُ إنَّمَا يَتَأَتَّى هَذَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ التَّجَوُّزِ وَإِخْرَاجِ اللَّفْظِ عَنْ مَوْضُوعِهِ الْحَقِيقِيِّ إلَى مَعْنًى آخَرَ غَرِيبٍ غَيْرِ مَأْلُوفٍ مِنْهُ إلَّا عِنْدَ مَنْ شَذَّ وَنَدَرَ عَلَى مَا زَعَمْتُهُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءٌ مِنْ الْمَاءِ وَقَدْ بَانَ فِيمَا مَرَّ بُطْلَانُهُ وَإِذَا بَطَل ذَلِكَ بَطَلَ حَمْلُ مِنْ عَلَى فِي وَاتَّضَحَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ بَقَائِهَا عَلَى مَوْضُوعِهَا الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ التَّبْعِيضُ وَأَنَّ هَذَا هُوَ الْقَرِينَةُ عَلَى اسْتِعْمَالِ السَّاعَةِ بِمَعْنَى الْجُزْءِ مِنْ الْقَرَارِ. وَقَوْلُهُ فَهُوَ صِفَةٌ لِمَا قَبْلَهُ يُقَالُ عَلَيْهِ إنْ أَرَدْتَ أَنَّهُ صِفَةٌ لِجَمِيعٍ أَوْ لِلْحِصَّةِ تَعَيَّنَ عَلَيْك عُرْفًا وَاصْطِلَاحًا أَنْ تُعَبِّرَ بِأَنَّهُ حَالٌ لَا صِفَةٌ وَلَا يُقَالُ الْحَالُ وَصْفٌ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّ هَذَا اعْتِنَاءٌ لَا يَلِيقُ مِمَّنْ يُطْلَبُ مِنْهُ تَحْرِيرُ الْعِبَارَةِ وَالْإِتْيَانُ بِهَا عَلَى مُصْطَلَحِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ فَنِّهِ وَلَيْسَتْ أَلْ فِي الْحِصَّةِ هُنَا لِتُعَيِّنَهَا مِثْلُهَا فِي اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذِي ذَوْقٍ وَإِنْ أَرَدْتَ أَنَّهُ صِفَةٌ لِقَدْرِهَا أَوْ لِسَاعَتَيْنِ نَافَى قَوْلَكَ أَنَّهُ بَيَانٌ لِمَحَلِّ الْمَبِيعِ وَقَوْلُهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ يُقَالُ عَلَيْهِ إنْ قَدَّرْتَهُ مُفْرَدًا تَعَيَّنَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحَالِيَّةِ أَوْ جُمْلَةٍ. فَكَذَلِكَ إنْ أَرَدْتَ الْجَرْيَ عَلَى قَوَانِينِ التَّحْقِيقِ ثُمَّ لَيْتَ شِعْرِي مَا الدَّاعِي إلَى هَذَا التَّكَلُّفِ بِإِخْرَاجِ مِنْ عَنْ ظَاهِرِهَا وَمَوْضُوعِهَا وَاسْتِعْمَالِهَا فِي مَعْنًى آخَرَ غَيْرِ مَأْلُوفٍ عِنْدَ مَنْ مَرّ وَبِتَعْلِيقِهَا بِمَحْذُوفٍ مُحْتَمَلٍ وَالْإِعْرَاضُ عَنْ ظَوَاهِرِ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ بِأَنْوَاعٍ مِنْ التَّكْلِيفِ لَوْ كَانَتْ عَلَى عِبَارَةِ سِيبَوَيْهِ لَمْ تَسْلَمْ لِمُتَكَلِّفِهَا إلَّا إنْ ضَاقَ عَلَيْهِ النِّطَاقُ وَبَلَغَتْ رُوحُهُ التَّرَاقِيَ فَقَالَ هَلْ مِنْ رَاقٍ تَاللَّهِ مَا الدَّاعِي لِذَلِكَ إلَّا مَحَبَّةُ حِمَايَةِ حُرْمَةِ هَذَا الصَّدِيقِ وَلَرُبَّمَا يَكُونُ سَبَبًا لِهَوَى الْهُوِيِّ بِهِ فِي كُلِّ مَكَان سَحِيقٍ تَابَ اللَّهُ عَلَيْنَا أَجْمَعِينَ آمِينَ. وَقَوْلُهُ ظَرْفًا لَغْوًا كَأَنَّهُ جَاءَ بِهِ لِيُوهِمَ

أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّغْوِ عَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِهِ وَإِلَّا كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْعَلَهُ ظَرْفًا مُسْتَقِرًّا إذْ تَكَلَّفَهُ دُونَ بَعْضِ التَّكَلُّفَاتِ الَّتِي مَرَّتْ عَنْهُ وَإِنَّمَا أَطَلْتُ مَعَهُ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْغَرَضُ لَيْسَ مُتَوَقِّفًا عَلَيْهِ تَأَسِّيًا بِالتَّاجِ السُّبْكِيّ فَإِنَّهُ لَمَّا نَقَلَ عَنْ الْقَاضِي أَفْضَلِ الدِّينِ الْخُونَجِيِّ حَدَّ التَّرِكَةِ الْمَشْهُورَ وَبَحَثَ مَعَهُ بِمَا زَيَّفَ بِهِ حَدَّهُ قَالَ وَهَذِهِ صِنَاعَاتٌ جَدَلِيَّةٌ حَمَلَنَا عَلَى ذِكْرِهَا عَلَى الْخُونَجِيِّ حَيْثُ أَحَبَّ أَنْ يَسْتَعْمِلَ فِي الْفِقْهِ صِنَاعَتَهُ الَّتِي هِيَ الْمَنْطِقُ فَأَحْبَبْنَا مُعَارَضَتَهُ اهـ الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَقَوْلُهُ لَا يَخْفَى إنْ جَعَلَ الزَّمَانَ الَّذِي هُوَ عَرَضٌ غَيْرُ قَارٍّ جُزْءًا مِنْ الْقَرَارِ الَّذِي هُوَ جِسْمٌ قَارٌّ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ تَعَجُّبًا مِنْهُ {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16] لِأَنَّهُ إذَا فَرَضَ احْتِمَالَ أَنْ يُرَادَ بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءٌ مِنْ الْقَرَارِ فَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا فِيهِ جَعْلُ الزَّمَانِ جُزْءًا مِنْ الْجِسْمِ لِأَنَّا إذَا اسْتَعْمَلْنَا السَّاعَتَيْنِ مُرَادًا بِهِمَا الْجُزْءُ لِلْقَرَائِنِ الَّتِي بَيَّنَّاهَا صَارَ مَدْلُولُهُمَا الْجُزْءَ مِنْ الْقَرَارِ وَحِينَئِذٍ فَأَيُّ زَمَانٍ جُعِلَ جُزْءًا مِنْ جِسْمٍ وَكَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ هَذَا التَّمْوِيهَ يَتِمُّ لَهُ. وَمَا دَرَى أَنَّ الْحُدُودَ إلَى الْآنَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى غَايَةٍ مِنْ الْحِفْظِ وَالِاسْتِقَامَةِ وَأَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يُخْلِ الْأَرْضَ مِنْ أَئِمَّةٍ نُقَّادٍ يُمَيِّزُونَ الزَّيْفَ عَنْ الْجَيِّدِ وَالْخَبِيثَ عَنْ الطَّيِّبِ وَلَا يَخَافُونَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ بَلْ الصَّدِيقُ بَلْ الْوَالِدُ عِنْدَهُمْ فِي الْحَقِّ سَوَاءٌ فَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ وَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَقَوْلُهُ إذْ السَّقِيَّةُ هِيَ الْمَاءُ بَاطِلٌ صِرَاحٌ وَإِنَّمَا هِيَ لُغَةً: اسْمٌ لِنَبْتٍ فَإِنْ أُخِذَتْ مِنْ حَيْثُ مَدْلُولُهَا لَفْظًا كَانَتْ فَعِيلَةَ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ أَيْ سَاقِيَةٍ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ صَرِيحَةً فِي مُدَّعَانَا إذْ السَّاقِيَةُ لُغَةً: مَحَلُّ الْمَاءِ الْجَارِي وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَلَا أَدْرِي مَا الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى تَفْسِيرِ السَّقِيَّةِ بِمَا ذَكَرَ نَعَمْ لَهُ حَامِلٌ عَلَيْهِ أَيْ حَامِلٌ مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ السَّقِيَّةَ هُنَا إنْ أَرَدْنَا بِهَا مَعْنَاهَا اللُّغَوِيَّ كَانَ اسْتِعْمَالُهَا فِي الْمَاءِ أَوْ فِي مَحَلِّهِ مَجَازًا فَلَا يَكُونُ فِيهَا دَلَالَةٌ لِأَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَإِنْ أَرَدْنَا بِهَا مَعْنَاهَا الَّذِي قَرَّرْنَاهُ مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ لِلَّفْظِ كَانَتْ صَرِيحَةً فِي مُدَّعَانَا كَمَا تَقَرَّرَ فَإِنْ قَالَ السَّقِيَّةُ عُرْفًا اسْمٌ لِلْمَاءِ قُلْنَا عَادَ النِّزَاعُ السَّابِقُ فِي السَّاعَةِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا دَلَالَةٌ أَيْضًا لِأَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ لَا يُسْتَدَلُّ بِهِ فَبَطَلَ قَوْلُهُ بَلْ الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ إلَخْ. وَقَوْلُهُ لِكَوْنِ الْقَرَارِ غَيْرَ مَرْئِيٍّ يُقَالُ عَلَيْهِ قَدْ ذُكِرَتْ أَوَّلًا الْحِيلَةُ فِي شِرَائِهِ فَكَيْفَ يَشْتَرِي وَهُوَ غَيْرُ مَرْئِيٍّ فَانْظُرْ أَيُّ التَّنَاقُضَيْنِ تَخْتَارُهُ وَمِمَّا يُبْطِلُ قَوْلَكَ مَا فِي السُّؤَالِ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ أَنَّ طَرِيقَ الْبَيْعِ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْقَرَارِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ وَقَدْ ذَكَرَ هُوَ مَحَلَّ النَّبْعِ وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا طَرِيقًا لِبَيْعِ عُيُونِ مَكَّةَ بِالذَّاتِ لِأَنَّهَا هِيَ مَحَطُّ السُّؤَالِ فَعَلِمْنَا مِنْ صَرِيحِ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَتُهُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْبِئْرِ وَأَيُّ فَارِقٍ بَيْنَ قَعْرِهَا وَمَا اسْتَتَرَ مِنْ جُدْرَانِهَا بِالْمَاءِ وَبَيْنَ الْمَنْبَعِ وَمَا اسْتَتَرَ مِنْ الْمَجْرَى بِالْأَرْضِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ بَلْ هَذَا أَوْلَى بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الرُّؤْيَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ وَالْبِئْرُ يُمْكِنُ غَالِبًا رُؤْيَةُ قَعْرِهَا وَجُدْرَانِهَا بِنَزْحِ مَائِهَا فَإِذَا لَمْ يَشْتَرِطُوا رُؤْيَةَ ذَلِكَ مِنْهَا فَأَوْلَى أَنْ لَا يَشْتَرِطُوهُ فِي مَسْأَلَتِنَا وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ كَلَامَ الْبُلْقِينِيُّ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الرُّؤْيَةِ وَكَذَلِكَ كَلَامُهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ اتَّضَحَ بُطْلَانُ قَوْلِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَرْئِيٍّ وَقَوْلُهُ وَلَا مَمْلُوكٍ بَاطِلٌ صُرَاحٌ أَيْضًا فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لَوْ صَادَفْنَا نَهْرًا يُسْقَى مِنْهُ أَرْضُونَ وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهُ حُفِرَ أَيْ فَيَكُونُ مَمْلُوكًا أَوْ انْخَرَقَ أَيْ فَلَا يَكُونُ مَمْلُوكًا حَكَمْنَا بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ يَدٍ وَانْتِفَاعٍ اهـ وَمَا نَحْنُ فِيهِ أَوْلَى بِالْمِلْكِ مِنْ صُورَةِ الرَّوْضَةِ لِأَنَّ صُورَتَهَا لَيْسَ فِيهَا قَرِينَةٌ عَلَى الْمِلْكِ غَيْرَ وَضْعِ الْيَدِ وَهُنَا مَعَ وَضْعِهَا قَرِينَةٌ أُخْرَى أَتَمُّ مِنْهَا وَهِيَ بِنَاءُ تِلْكَ الْعُيُونِ الَّذِي هُوَ صَرِيحٌ فِي مِلْكِ الْبَانِي لِمَحَلِّ ذَلِكَ الْبِنَاءِ وَقَدْ قَدَّمَ هَذَا الْمُجِيبُ الْحِيلَةَ فِي صِحَّةِ شِرَاءِ الْقَرَارِ وَهَذَا مُسْتَلْزِمٌ لِمِلْكِهِ فَوَقَعَ فِي التَّنَاقُضِ كَمَا مَرَّ ذَلِكَ مَبْسُوطًا وَقَوْلُهُ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا بَاطِلٌ صُرَاحٌ أَيْضًا لِمَا عَلِمْتَهُ مَنْ عِبَارَةِ الشَّيْخَيْنِ وَأَنَّ الْجَهْلَ بِأَصْلِهِ لَا يَمْنَعُ مِلْكَهُ وَقَوْلُهُ كَمَا ذَكَرَهُ عَالِمُ الْحِجَازِ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا كَذِبٌ فَإِنَّ الْجَمَالَ إنَّمَا قَالَ غَالِبًا وَمِنْ أَيْنَ لَنَا أَنَّ فِي مَسْأَلَتِنَا مِنْ الْغَالِبِ عَلَى أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ مَنْ ذَا الَّذِي سَوَّغَ لَك أَوْ لِغَيْرِك أَنْ تَأْخُذَ كَلَامَ سَائِلٍ أَبْرَزَهُ فِي مَقَامِ السُّؤَالِ

وَتَجْعَلَهُ حُجَّةً عَلَى حُكْمٍ شَرْعِيٍّ سِيَّمَا وَشَيْخُهُ الْبُلْقِينِيُّ الْمَسْئُولُ قَدْ رَدَّ عَلَيْهِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي سُؤَالِهِ بِكَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا الَّذِي قَدَّمْتُهُ بَلْ لَوْ فُرِضَ أَنَّ عَالِمَ الْحِجَازِ هَذَا صَرَّحَ فِي تَصْنِيفٍ أَوْ إفْتَاءٍ بِخِلَافِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ صَرِيحًا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي بَيْعِ النَّاسِ الْآنَ مَا حَقِيقَتُهُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَهَلْ يَلْزَمُ ذَلِكَ وَهَلْ يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ فِي مَذْهَبِ السَّادَةِ الشَّافِعِيَّةِ وَهَلْ يَجُوزُ لِلنَّاذِرِ أَنْ يَنْقُلَ الْمَبِيعَ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهَلْ يَلْحَقُهُ النَّذْرُ أَمْ لَا إذَا نَقَلَهُ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنْ أُرِيدَ بِبَيْعِ النَّاسِ مَا اُعْتِيدَ مِنْ أَنَّهُمْ يَتَّفِقُونَ عَلَى بَيْعِ عَيْنٍ بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلِهَا وَأَنَّ الْبَائِعَ إذَا جَاءَ بِالثَّمَنِ رَدُّوا إلَيْهِ عَيْنَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقَعَ مِنْهُمْ شَرْطٌ فِي صُلْبِ الْعَقْد يُفْسِدُهُ فَالْبَيْعُ حِينَئِذٍ صَحِيحٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِذَا جَاءَ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ تَخَيَّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ أَنْ يَقْبَلَهُ وَأَنْ لَا يَقْبَلَهُ لَكِنْ يَبْقَى عَلَيْهِ إثْمُ الْغِشِّ وَالْغُرُورِ فَإِنَّ الْبَائِعَ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُهُ لَمْ يَكُنْ يَبِيعُهُ لَهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ وَمَتَى نَذَرَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ لُزُومِ الْبَيْعِ أَنَّهُ مَتَى جَاءَهُ الْبَائِعُ بِقَدْرِ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ فُسِخَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ أَوْ أَنْ يُقِيلَهُ مَتَى جَاءَ طَالِبًا لِلْإِقَالَةِ لَمْ يَنْعَقِدْ النَّذْرُ عَلَى الْأَوْجَهِ مِنْ خِلَافٍ طَوِيلٍ وَقَعَ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْيَمَنِ لِأَنَّ مَا الْتَزَمَهُ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ مُطْلَقًا أَمَّا الْفَسْخُ فَوَاضِحٌ وَأَمَّا الْإِقَالَةُ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ سُنَّةً إلَّا فِي النَّادِمِ. وَمِنْ ثَمَّ لَوْ عُلِّقَ النَّذْرُ بِالنَّدَمِ كَأَنْ قَالَ إنْ نَدِمْت فِي الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ وَطَلَبْت مِنِّي الْإِقَالَةَ فِيهِ فَلِلَّهِ عَلَيَّ إقَالَتُك فِيهِ فَيَنْعَقِدُ النَّذْرُ حِينَئِذٍ وَكَذَا لَوْ قَالَ إذَا نَدِمْت فِيهِ وَطَلَبْت مِنِّي الْفَسْخَ فِيهِ فَعَلَيَّ فَسْخُهُ فَيَنْعَقِدُ النَّذْرُ أَيْضًا لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِهِ قُرْبَةً فَلَزِمَهُ وَبِهَذَا يُعْلَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ مَنْ أَطْلَقَ الْإِفْتَاءَ بِانْعِقَادِ النَّذْرِ نَظَرًا إلَى أَنَّ إقَالَةَ النَّادِمِ سُنَّةً وَمَنْ أَطْلَقَ عَدَمَ انْعِقَادِهِ مُحْتَجًّا بِأَنَّ النَّاذِرَ لَا يَسْتَقِلُّ بِالْفَسْخِ وَإِنْ طَلَبَ خَصْمُهُ إذْ الْعِبْرَةُ بِهِ فَإِطْلَاقُ الِانْعِقَادِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ آخِرًا وَإِطْلَاقُ عَدَمِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا وَمَتَى عَلَّقَ النَّذْرَ بِصِفَةٍ ثُمَّ بَاعَ الْعَيْنَ الْمَنْذُورَ بِهَا قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ صَحَّ الْبَيْعُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْفَتَى وَغَيْرُهُ وَمَا فِي كَلَامِ الْبَغَوِيِّ مِمَّا يُخَالِفُهُ ضَعِيفٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ كَلَامٌ طَوِيلٌ لَيْسَ هَذَا مَحَّلَ بَسْطِهِ وَمِمَّا يَدُلُّ لِذَلِكَ مِنْ الْمَنْقُولِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُهُ ثُمَّ قَالَ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَعَلَيَّ عِتْقُهُ فَفِيهِ مَقَالَاتٌ. وَالرَّاجِحُ انْعِقَادُ النَّذْرِ الثَّانِي بَعْدَ النَّذْرِ الْأَوَّلِ وَأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ حُكِمَ بِعِتْقِهِ عَنْهُ وَلَا نُوجِبُ لِلْآخَرِ شَيْئًا وَإِنْ وَقَعَا مَعًا أَقُرِعَ بَيْنهمَا وَحِينَئِذٍ فَبَيْعُ الْعَيْنِ الَّتِي تَعَلَّقَ بِهَا النَّذْرُ صَحِيحٌ كَمَا صَحَّ النَّذْرُ الثَّانِي وَوَقَعَ الْعِتْقُ عَنْ السَّابِقِ بِجَامِعِ بَقَاءِ الْمِلْكِ لِلرَّقَبَةِ فِيهِمَا فَكَمَا صَحَّ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِالنَّذْرِ الثَّانِي فَلْيَصِحَّ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ مَأْخَذَ الصِّحَّةِ بَقَاءُ الْمِلْكِ وَالتَّصَرُّفِ فَحَسْب فَانْدَفَعَ مَا يُتَوَهَّم مِنْ أَنَّ مُلَخَّصَهَا أَنَّ النَّذْرَ قُرْبَةٌ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ الْمُعَلَّقَ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ يَجُوزُ وَقْفُهُ وَلَا يُعْتَقُ لَوْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ بَعْدَ وَقْفِهِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمَوْقُوفِ لِلَّهِ تَعَالَى هَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ خِلَافًا لِلْبَغَوِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا حُكْم عَطَايَا أَرْبَابِ وِلَايَاتِ زَمَانِنَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ عَطَايَا الْوُلَاةِ قَبِلَهَا قَوْمٌ مِنْ السَّلَفِ وَتَوَرَّعَ عَنْهَا آخَرُونَ فَيَجُوزُ قَبُولُهَا مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَنَّهُ مُحَرَّمٌ كَمَكْسٍ أَوْ نَحْوه فَلَا يَجُوزُ قَبُولُهُ وَأَمَّا مَعَ عَدَمِ ذَلِكَ التَّحَقُّقِ فَالْقَبُولُ جَائِزٌ وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ لَا يَجُوزُ مُعَامَلَةُ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ فَضَعِيفٌ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بَلْ الْمُعْتَمَدُ جَوَازُ مُعَامَلَتِهِ وَالْأَكْلُ مِمَّا لَمْ يَتَحَقَّقْ حُرْمَتُهُ مِنْ مَالِهِ وَإِذَا أَكَلَ إنْسَانٌ شَيْئًا فَبَانَ أَنَّهُ مِلْكٌ لِغَيْرِهِ فَهَلْ يُطَالَبُ بِهِ فِي الْقِيَامَةِ قَالَ الْبَغَوِيّ إنْ كَانَ ظَاهِرُ مَطْعَمِهِ الْخَيْرَ لَمْ يُطَالَبْ بِهِ الْآكِلُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ خِلَافَ ذَلِكَ أَيْ كَأَرْبَابِ الْوِلَايَاتِ طُولِبَ أَيْ لِعَدَمِ عُذْرِهِ فَلَا يَنْبَغِي الْهُجُومُ عَلَى أَكْلِ أَمْوَالِ الْوُلَاةِ وَإِنْ جَازَ بِقَيْدِهِ السَّابِقِ بَلْ يَنْبَغِي التَّنَزُّهُ عَنْهُ حَذَرًا مِنْ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمْ فَيُطَالَبُ بِهِ الْآكِلُ فِي الْآخِرَة. (وَسُئِلَ) اشْتَرَى أَمَةً ثُمَّ رَهَنَهَا عِنْدَ آخَر ثُمَّ تَقَايَلَ الْمُتَبَايِعَانِ

فِيهَا ثُمَّ أَخَذَهَا الْبَائِعُ وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مُدَّةً ظَانًّا أَنَّهَا مِلْكُهُ ثُمَّ بَانَ فَسَادُ الْإِقَالَةِ بِمُقْتَضَى الرَّهْنِ السَّابِقِ فَانْتَزَعَهَا الْمُشْتَرِي وَأَعْطَاهَا لِلْمُرْتَهِنِ أَوْ لَمْ يُعْطِهَا لَهُ بِأَنْ كَانَ الرَّهْنُ انْفَكَّ فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْبَائِعُ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِسُؤَالِهِ الْإِقَالَةَ مِنْهُ مَعَ رَهْنِهِ إيَّاهَا وَجَهْلِ الْبَائِعِ بِذَلِكَ أَوَّلًا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) الَّذِي أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ وَأَقَرُّوهُ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى أَرْضًا وَعَمَّرَهَا وَأَدَّى خَرَاجَهَا أَوْ عَبْدًا وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ ثُمَّ خَرَجَ مُسْتَحَقًّا كَانَ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَلَا يَرْجِعُ بِالْخَرَاجِ وَلَا بِالنَّفَقَةِ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْعَقْد عَلَى أَنْ يَضْمَنَهَا وَلَا يَرْجِعُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ اهـ فَهَذَا رُبَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ بِالنَّفَقَةِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ لَكِنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ لِي أَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى فِيهَا إلَّا إذَا قُلْنَا إنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ لِمُسَاوَاتِهَا لِتِلْكَ حِينَئِذٍ فِي عِلَّتِهَا السَّابِقَةِ وَهِيَ أَنَّهُ دَخَلَ فِي الْعَقْدِ عَلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ النَّفَقَةَ وَلَا يَرْجِعُ بِهَا اهـ. أَمَّا إذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ أَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَرْجِعُ بِالنَّفَقَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ هُنَا عَقْدٌ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَضْمَنُ النَّفَقَةَ وَلَا يَرْجِعُ بِهَا وَإِنَّمَا الَّذِي هُنَا أَنَّهُ بِالْإِقَالَةِ ظَنَّ عَوْدَهَا لِمِلْكِهِ الْأَصْلِيِّ فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا بِهَذَا الظَّنِّ الَّذِي هُوَ مَعْذُورٌ فِيهِ فَآثَرَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا أَنْفَقَ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي وَرَّطَهُ فِي ذَلِكَ بِطَلَبِهِ الْإِقَالَةَ مِنْهُ مَعَ فِعْلِهِ لِلرَّهْنِ السَّابِقِ عَلَى الْإِقَالَةِ الْمَانِعِ مِنْ صِحَّتِهَا وَيَشْهَدُ لِمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ الرُّجُوعِ بِالنَّفَقَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَمِنْ الْفَرْقِ بَيْنهَا وَبَيْنَ صُورَةِ الْبَغَوِيِّ السَّابِقَةِ مَا فِي الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ مِنْ أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ أَنْفَقَ عَلَى قِنِّهِ ثُمَّ بَانَ مَا يُوجِبُ عِتْقَهُ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَنْفَقَ عَلَى أَنَّهُ عَبْدُهُ فَهَذِهِ كَمَسْأَلَتِنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا عَقْدٌ يَقْتَضِي أَنَّهُ بِدُخُولِهِ فِيهِ وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى النَّفَقَةِ وَأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهَا وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهَا أَنَّهُ أَنْفَقَ بِظَنِّ الْمِلْكِ الْأَصْلِيِّ ثُمَّ بَانَ مَا يَقْتَضِي عَدَمَ ذَلِكَ الْمِلْكِ الَّذِي ظَنَّهُ كَمَا قَالَ فِي الْمُهَذَّبِ بِالرُّجُوعِ فِي مَسْأَلَتِهِ كَذَلِكَ قُلْنَا بِالرُّجُوعِ فِي مَسْأَلَتِنَا لِمَا عَلِمْتُ مِنْ اتِّحَادِهِمَا عِلَّةً وَجَامِعًا. فَإِنْ قُلْت يُمْكِنُ الْفَرْقَ بَيْنهمَا بِأَنَّهُ إنَّمَا رَجَعَ فِي مَسْأَلَةِ الْمُهَذَّبِ لِأَنَّهُ فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ أَنْفَقَ عَلَى حُرٍّ فَلَزِمَ الْحُرَّ مَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِأَخْذِهِ لِلنَّفَقَةِ مِنْ السَّيِّدِ مُلْتَزِمٌ لِغُرْمِ بَدَلِهَا لَهُ إذَا بَانَ أَنَّهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ لَهُ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّمَا أَنْفَقَ عَلَى جَارِيَةِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَنَفَقَةُ الْعَبْدِ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَالسَّيِّدِ فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ لَمْ يَأْخُذْهَا مِنْ الْمُنْفِقِ حَتَّى نَقُولَ إنَّهُ بِالْأَخْذِ يَكُونُ مُلْتَزِمًا لِغُرْمِ الْبَدَلِ فَافْتَرَقَا قُلْت لَا أَثَرَ لِهَذَا الْفَرْقِ بَلْ هُوَ خَيَالٌ لَا تَعْوِيلَ عَلَيْهِ فَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِمَا يُبْطِلُهُ حَيْثُ قَالُوا تَسْقُطُ نَفَقَةُ الْحَامِلِ الْمُطَلَّقَةِ بَائِنًا لَا سُكْنَاهَا بِنَفْيِ الزَّوْجِ الْحَمْلَ فَإِنْ اسْتَلْحَقَهُ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ الْإِرْضَاعِ وَبِبَدَلِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا قَبْلَ الْوَضْعِ وَعَلَى وَلَدِهَا وَإِنْ كَانَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِرْضَاعِ لِأَنَّهَا أَدَّتْ ذَلِكَ بِظَنِّ وُجُوبِهِ عَلَيْهَا فَإِذَا بَانَ خِلَافُهُ رَجَعْت كَمَا لَوْ أَدَّى دَيْنًا ظَنَّهُ عَلَيْهِ فَبَانَ خِلَافُهُ يَرْجِعُ بِهِ وَكَمَا لَوْ أَنْفَقَ عَلَى أَبِيهِ بِظَنِّ إعْسَارِهِ فَبَانَ مُوسِرًا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُتَبَرِّعِ وَلَا يُنَافِي رُجُوعَهَا بِنَفَقَةِ الْوَلَدِ كَوْنُهَا لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِفَرْضِ الْقَاضِي لِتَعَدِّي الْأَبِ هُنَا بِنَفْيِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا طَلَبٌ فِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ فَلَمَّا أَكْذَبَ نَفْسَهُ رَجَعَتْ حِينَئِذٍ اهـ. فَتَأَمَّلْ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ. هَذَا تَجِدُهُ صَرِيحًا فِي تَزْيِيفِ ذَلِكَ الْفَرْقِ لِأَنَّهُمْ هُنَا جَوَّزُوا لَهَا الرُّجُوعَ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْوَلَدِ مَعَ سُقُوطِ نَفَقَتِهِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِتَعَدِّي الْأَبِ بِالنَّفْيِ مَعَ عَدَمِ الطَّلَبِ لَهَا فِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ فَلَمَّا أَكْذَبَ نَفْسَهُ رَجَعَتْ حِينَئِذٍ فَرُجُوعُهَا لِمَا ذُكِرَ صَرِيحٌ فِي الرُّجُوعِ فِي مَسْأَلَتِنَا بِجَامِعِ أَنَّ الْمُشْتَرِي مُتَعَدٍّ بِفِعْلِ الْإِقَالَةِ مَعَ سَبْقِ الرَّهْنِ مِنْهُ الْمُقْتَضِي لِبُطْلَانِهَا وَالثَّانِي لَا تَعَدِّي مِنْهُ بِوَجْهٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَالُ الْإِنْفَاقِ طُلِبَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ فَلَمَّا بَانَ تَعَدِّي الْمُشْتَرِي وَعَدَمُ تَعَدِّي الْبَائِعِ اقْتَضَى ذَلِكَ الرُّجُوعَ فِي مَسْأَلَتِنَا أَيْضًا وَكَمَا أَنَّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَسْأَلَتِهِمْ إلَى سُقُوطِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ لِلْمَلْحَظِ الَّذِي ذَكَرُوهُ مِنْ تَعَدِّي الزَّوْجِ وَعَدَمِ تَعَدِّي الزَّوْجَةِ الْمُنْفِقَةِ كَذَلِكَ لَا يُنْظَرُ فِي مَسْأَلَتِنَا إلَى أَنَّ نَفَقَةَ الرَّقِيقِ تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ لِوُجُودِ نَظِيرِ مَلْحَظِهِمْ الْمَذْكُورِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَهُوَ تَعَدِّي الْمُشْتَرِي بِفِعْلِهِ الْإِقَالَةَ مَعَ مَا قَدَّمَهُ مِنْ الرَّهْنِ الْمُقْتَضِي لِبُطْلَانِ الْإِقَالَةِ وَلِتَوْرِيطِ الْبَائِعِ فِي الْإِنْفَاقِ فَعَلِمْنَا مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ سُقُوطَ النَّفَقَةِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ

أَمْرٌ طَرْدِيٌّ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الْفَرْقِ فَلَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَيْهِ وَلَا التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ لِمَا يَلْزَمُ عَلَى اعْتِبَارِهِ مِنْ مُخَالَفَةِ ذَلِكَ لِصَرِيحِ كَلَامِهِمْ الَّذِي ذَكَرْتُهُ. وَتَأَمَّلْ أَيْضًا قَوْلَهُمْ الْمَذْكُورَ لَوْ أَنْفَقَ عَلَى أَبِيهِ بِظَنِّ إعْسَارِهِ فَبَانَ يَسَارُهُ رَجَعَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لِلسُّقُوطِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ دَخَلَ فِي مَنْعِ الرُّجُوعِ لَمْ يَرْجِعْ هُنَا وَإِنْ ظَنَّ إعْسَارَهُ لِأَنَّ إنْفَاقَ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ يَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ أَيْضًا فَلَوْ نَظَرْنَا لِذَلِكَ لَقُلْنَا لَا رُجُوعَ لِلْمُنْفِقِ لِأَنَّ الْمُنْفَقَ عَلَيْهِ لَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ الْإِنْفَاقِ شَيْءٌ فَهُوَ كَاَلَّذِي أَنْفَقَهُ سَيِّدُهُ ثُمَّ بَانَ حُرًّا سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ وَكَالْجَارِيَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا لِأَنَّ سَيِّدَهَا لَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَيْهِ شَيْءٌ مُدَّةَ زَمَنِ الْإِنْفَاقِ فَلَزِمَ عَلَى النَّظَرِ لِذَلِكَ سُقُوطُ الرُّجُوعِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ إنْ نَظَرْنَا لِذَلِكَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِتَصْرِيحِهِمْ فِي مَسْأَلَتَيْ الْأَبِ وَالْحُرِّ بِالرُّجُوعِ فَلَا يُنْظَرُ إلَيْهِ فِيهِمَا وَإِذَا لَمْ يَنْظُرْ إلَيْهِ فِيهِمَا وَلَا يُنْظَرُ إلَيْهِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَبِهَذَا الَّذِي قَرَّرْته تَبَيَّنَ لَك أَنَّ مَا قُلْنَاهُ مِنْ الرُّجُوعِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِقَالَةِ لَا يَخْتَصُّ بِهَا بَلْ يَجْرِي ذَلِكَ فِي سَائِرِ أَسْبَابِ الْفَسْخِ إذَا بَانَ بُطْلَانُ الْفَسْخِ فَإِذَا عَادَ الْمَبِيعُ إلَى بَائِعه بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْفَسْخِ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ ثُمَّ بَانَ بُطْلَانُ الْفَسْخِ وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَنْفَقَهُ لِمَا قَدَّمْته وَاضِحًا مَبْسُوطًا فَإِنْ قُلْت إذَا رَجَعَ بِالنَّفَقَةِ هَلْ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ اسْتِخْدَامِهِ وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْفَوَائِدِ قُلْتُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَرْجِعُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَمَا غَرِمَ النَّفَقَةَ يَغْنَمُ الرِّيعَ وَيَحْتَمِل أَنْ يُقَالَ لَا رُجُوعَ لَهُ إنْ عُلِمَ بِفَسَادِ الْفَسْخِ دُونَ الْبَائِعِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ لِأَنَّ عِلْمَهُ بِفَسَادِهِ وَتَرْكَ الْمَبِيع فِي يَدِ الْبَائِعِ حِينَئِذٍ مُسْتَلْزِمٌ لِتَبَرُّعِهِ عَلَيْهِ بِاسْتِخْدَامِهِ وَنَحْوِهِ وَهَذَا أَقْرَبُ نَعَمْ الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا إنْ وَطِئَهَا سَوَاءٌ أُعْلِمَ بِفَسَادِ الْفَسْخِ أَمْ لَا لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْبَلُ التَّبَرُّعَ فَلَمْ يَفِدْ الْعِلْمُ فِيهِ شَيْئًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْفَوَائِدِ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ التَّبَرُّعَ بِهِ فَأَثَّرَ فِيهِ الْعِلْمُ فَإِنْ قُلْتَ إنَّمَا تَبَرَّعَ بِالْفَوَائِدِ فِي مُقَابَلَةِ النَّفَقَةِ فَإِذَا لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ فَلَا تَبَرُّعَ مِنْهُ فَيَرْجِعُ قُلْتُ هَذِهِ مُقَابَلَةٌ فَاسِدَةٌ لَمْ يَرْضَ بِهَا الْمُنْفِقُ حَتَّى نُلْزِمَهُ بِقَضِيَّتِهَا فَكَانَ الْقِيَاسُ إلْغَاءَ قَصْدِ الْمُشْتَرِي لِتِلْكَ الْمُقَابَلَةِ وَتَغْرِيمَهُ النَّفَقَةَ وَعَدَمَ رُجُوعِهِ بِتِلْكَ الْفَوَائِدِ لِتَعَدِّيهِ بِتَرْكِهِ لِمِلْكِهِ تَحْتَ يَدِ غَيْرِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَنْ اشْتَرَى شَاةً فَذَبَحَهَا فَوَجَدَ فِي بَطْنِهَا جَنِينًا فَهَلْ هُوَ عَيْبٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ هُوَ عَيْبٌ لَكِنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِهِمْ فِي إحْدَاثِ مَا لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الْقَدِيمِ إلَّا بِهِ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ الِاطِّلَاعُ عَلَى حَمْلِهَا بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ امْتَنَعَ رَدُّهُ وَإِلَّا فَلَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ شَخْصٍ اشْتَرَى دَارًا خَرِبَةً فَعَمَّرَهَا وَجَدَّدَ فِيهَا بُيُوتًا وَسَكَنَهَا مُدَّةً طَوِيلَةً ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ جَاءَ بَعْضُ وَرَثَةِ الْبَائِعِ وَادَّعَى أَنَّ الْخَرِبَةَ الْمَذْكُورَةَ وَقْفٌ فَهَلْ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَأَرَادَ الْوَارِثُ هَدْمَ الْبِنَاءِ يُجَابُ إلَى ذَلِكَ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ يُجَابُ فَهَلْ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ أُجْرَةُ سَكَنِهِ فِيمَا عَمَّرَهُ أَمْ لَا وَهَلْ لِلْمُشْتَرِي أَخْذُ أَخْشَابِهِ وَأَحْجَارِهِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يُجَابُ الْوَارِثُ إلَى هَدْمِ الْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ وَلِلْمُشْتَرِي سَوَاءٌ أَطَلَبَ الْوَارِثُ أَمْ لَا أَخْذُ بِنَائِهِ أَيْ آلَاتِهِ مِنْ حَجَرٍ وَخَشَبٍ وَغَيْرِهِمَا وَإِذَا أَخَذَ ذَلِكَ بِطَلَبِ الْوَارِثِ أَوْ بِغَيْرِ طَلَبِهِ لَزِمَ الْبَائِعَ أَرْشُ نَقْصِ تِلْكَ الْأَبْنِيَةِ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا مَبْنِيَّةً وَمَقْلُوعَةً وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي زَوَّقَ بِطِينٍ أَوْ جِبْسٍ فَلِلْوَارِثِ تَكْلِيفُهُ نَزْعَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِنَقْصِهِ عَلَى الْبَائِعِ فَيُؤْخَذُ مِنْ تِرْكَتِهِ وَأَمَّا لُزُومُهُ أُجْرَةَ مَا سَكَنَهُ فِيمَا عَمَّرَ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنُ وَهُوَ أَنَّ مَا بَنَاهُ فِي تِلْكَ الْخَرِبَةِ إنْ كَانَ مِنْ تُرَابِهَا أَيْ بِأَنْ كَانَتْ جَمِيعُ الْآلَاتِ مِنْهُ لَزِمَهُ أُجْرَةُ مِثْلِ الدَّارِ كَمَنْ غَصَبَ عَبْدًا وَعَلَّمَهُ صَنْعَةً يَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ صَانِعًا وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ تُرَابِهَا أَيْ كَأَنْ حَصَّلَ الْآلَاتِ مِنْ خَارِجٍ وَعَمَّرَهَا بِهَا لَزِمَهُ نِصْفُ أُجْرَةِ مِثْلِ الدَّارِ تَغْلِيظًا قَالَ الْقَمُولِيُّ وَفِي هَذَا أَيْ مَا ذَكَرَهُ آخِرًا مِنْ لُزُومِ النِّصْفِ الْمَذْكُورِ نَظَرٌ قَالَ غَيْرُهُ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَقَدْ وَافَقَهُ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ فَقَالَ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مِثْلِ الْعَرْصَةِ اهـ وَهَذَا أَقْوَى مِنْ حَيْثُ الْمُدْرَكُ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ هُوَ الْمَنْقُولُ لِخَفَاءِ وَجْهِهِ وَظُهُورِ وَجْهِ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ

إنَّمَا اسْتَعْمَلَ الْعَرْصَةَ وَأَمَّا مَا كَانَ يُظِلُّهُ وَيَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ الْأَبْنِيَةِ فَهُوَ مِلْكُهُ فَكَيْفَ يَقُومُ عَلَيْهِ فِي الْأُجْرَةِ حَتَّى يُجْعَلَ فِي مُقَابَلَتِهِ النِّصْفُ سَاقِطًا وَيُؤْخَذَ مِنْهُ نِصْفُ أُجْرَةِ الدَّارِ بِاعْتِبَارِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْأَبْنِيَةِ فَهَذَا بَعِيدٌ قِيَاسًا وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا مَذْهَبًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ بَاعَ بَيْعًا وَهُوَ مَنْزُولٌ بِهِ بَاعَ مَثَلًا يَوْمَ الْأَحَدِ وَمَاتَ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ وَلَمْ يَسْتَوْفِ لَيْلَتَهُ وَلَمْ يُدْفَعْ إلَيْهِ ثَمَنٌ هَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَيْثُ كَانَ ذِهْنُ الْبَائِعِ الْمَذْكُورِ حَاضِرًا بِأَنْ كَانَ يَفْهَمُ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ صَحَّ بَيْعُهُ وَإِنْ مَاتَ فِي الْحَالِ وَلَا قَبَضَ الثَّمَنَ وَلَا أَقْبَضَ الْمَبِيعَ فَيَقُومُ الْوَارِثُ مَقَامَهُ فِي إقْبَاضِ الْمَبِيعِ وَقَبْضِ الثَّمَنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ بَاعَ بُقْعَةً بِخَمْسِينَ أَوْ بِمِثْلِ مَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ بُقْعَتَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِكَمْ بَاعَ بِهِ فُلَانٌ بُقْعَتَهُ بَلْ هُوَ مَجْهُولٌ فَهَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ بِهَذَا وَقَدْ دَخَلَهُ الشَّرْطُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِخَمْسِينَ حَتَّى يُبَيِّنَ جِنْسَهَا وَنَوْعَهَا وَصِفَتَهَا وَلَا الْبَيْعُ بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ حَتَّى يَعْلَمَهُ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ قَبْلَ الْبَيْعِ وَحِينَئِذٍ فَالْبَيْعُ الْمَذْكُورُ فِي السُّؤَالِ بَاطِلٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا ذَبَحَ الشَّخْصُ دَابَّةً وَجَعَلَهَا أَقْسَامًا أَوْ قَسَّمَ هُوَ شَيْئًا وَقَسَّمَ غَيْرُهُ شَيْئًا آخَرَ مِنْهَا وَيَأْتِي الْمُشْتَرِي فَيَقُولُ بِعْنِي هَذَا بِحِسَابِهِ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ بِحِسَابِهِ فَقَطْ فَيَقُولُ الْبَائِعُ بِعْتُك وَهُمَا عَالِمَانِ بِالثَّمَنِ أَوْ الْمُشْتَرِي عَالِمٌ أَوْ غَيْرُ عَالِمٍ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِأَنَّهُ مَا يُقَسِّمُ الدَّابَّةَ كُلَّهَا بَلْ يَفُوزُ ذَابِحُهَا وَهُوَ الْبَائِعُ بِأَشْيَاءَ مِنْهَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّهُ يَأْخُذُهَا فِي مُقَابَلَةِ ذَبْحِهِ وَغَيْرُهُ أَوْلَى فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ بِلَا حَطِّ شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ عَمَّنْ اشْتَرَى هَذِهِ وَقَدْ يَأْخُذُ بَعْضُهُمْ فَوْقَ الْعَادَةِ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ التَّقْوَى مَا حُكْمُ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَحْتَاجُ إلَى تَمْهِيدٍ وَهُوَ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا يَصِحُّ بَيْعُ لَحْمِ الْمُذَكَّاةِ أَوْ جِلْدِهِ أَوْ هُمَا قَبْلَ سَلْخِهِ إلَّا إذَا كَانَ يُؤْكَلُ مَعَهُ كَالشِّوَاءِ الْمَسْمُوطِ وَالسَّخْلَةِ الصَّغِيرَةِ وَالدَّجَاجَةِ الْمَذْبُوحَةِ فَيَصِحُّ بَيْعُهَا فِي جِلْدِهَا وَلَوْ قَبْلَ السَّمْطِ وَالشِّوَاءِ لِأَنَّ جِلْدَهَا مِنْ جُمْلَةِ لَحْمِهَا لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ مَعَهُ وَلَا بَيْعُ الْمَسْلُوخِ مِنْ غَيْرِ الْجَرَادِ وَالسَّمَكِ وَزْنًا قَبْلَ تَنْقِيَةِ جَوْفِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بِيعَ جُزَافًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَبِخِلَافِ مَا لَوْ بِيعَ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَزْنًا أَوْ جُزَافًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَلَوْ قَبْلَ تَنْقِيَةِ مَا فِي جَوْفِهِ لِقِلَّةِ مَا فِيهِ وَقَالُوا لَوْ بَاعَ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ وَعَادَتُهُمْ التَّعْبِيرُ بِهَا عَنْ تِسْعَةِ دَوَانِقَ صَحَّ وَلَزِمَهُ الْمُعْتَادُ. وَقَالُوا مَا كَانَ مُعَيَّنًا مِنْ الْعِوَضَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا يَكْفِي مُشَاهَدَتُهُ عَنْ الْعِلْمِ بِقَدْرِهِ وَصِفَتِهِ وَمَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْعِلْمِ بِقَدْرِهِ وَجِنْسِهِ وَصِفَتِهِ وَصَرَّحَ الْبَغَوِيّ وَتَبِعُوهُ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْ حَيٍّ قَالَ بِخِلَافِ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مُذَكَّاةٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَيْ بِالتَّفْصِيلِ السَّابِقِ فِي بَيْعِ الْمَذْبُوحَةِ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَإِذَا عَيَّنَ لَهُ جُزْءًا مِنْهَا بَعْدَ الذَّبْحِ وَالسَّلْخِ حَيْثُ اشْتَرَطَ وَبَاعَهُ لَهُ بِحِسَابِهِ وَعَادَتُهُمْ التَّعْبِيرُ بِذَلِكَ عَنْ رُبْعِ الثَّمَنِ مَثَلًا وَعَلِمَا جُمْلَةَ الثَّمَنِ صَحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مُعَيَّنٌ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالثَّمَنُ مُعَيَّنٌ بِالنِّسْبَةِ وَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ اسْتِوَائِهَا وَاخْتِلَافِهَا وَلَا أَنْ يَأْخُذَ الْبَائِعُ مِنْ بَعْضِ الْأَجْزَاءِ أَوَّلًا لَكِنَّهُ يَأْثَمُ إذَا أَوْهَمَ غَيْرَهُ اسْتِوَاءَ الْأَجْزَاءِ وَأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذ مِنْهَا شَيْئًا لِأَنَّهُ غَاشٌّ لَهُ حِينَئِذٍ وَأَمَّا إذَا قَالَ لَهُ بِعْتُك هَذَا بِحِسَابِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَادَتُهُمْ التَّعْبِيرَ بِذَلِكَ عَنْ شَيْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ جُمْلَةِ الثَّمَنِ أَوْ كَانَ عَادَتُهُمْ ذَلِكَ وَجَهِلَا أَوْ أَحَدُهُمَا جُمْلَةَ الثَّمَنِ فَإِنَّ الْبَيْعَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِاخْتِلَالِ بَعْضِ شُرُوطِهِ وَهُوَ عِلْمُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ قَالَ بِعْنِي ثَمَنَ هَذِهِ الدَّابَّةِ بِحِصَّتِهِ أَوْ بِحِسَابِهِ مِنْ الثَّمَنِ هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُمَا حَيْثُ عَلِمَا جُمْلَةَ الثَّمَنِ وَأَرَادَا بِقَوْلِهِمَا بِحِسَابِهِ تَوْزِيعَ جُمْلَتِهِ عَلَى أَجْزَائِهَا بِالسَّوِيَّةِ أَوْ أَطْلَقَا بِأَنْ لَمْ يُرِيدَا هَذَا وَلَا غَيْرَهُ صَحَّ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَا لَا يَعْرِفَانِ أَنَّ قَضِيَّةَ قَوْلِهِمَا بِحِسَابِهِ تَقْسِيمُ جُمْلَةِ الثَّمَنِ عَلَى جُمْلَةِ الْأَجْزَاءِ بِالسَّوِيَّةِ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِي الْبُيُوعِ عَلَى الْأَلْفَاظِ وَمَفْهُومَاتهَا الصَّحِيحَةُ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِمَا هُنَا بِحِسَابِهِ صَحِيحٌ مَعْلُومٌ وَلَوْ لِغَيْرِهِمَا فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ جَهْلٌ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي مَسَائِلِ الصُّبْرَةِ وَبَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَمَسَائِلِ الدُّورِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ مَا يُصَرِّحُ

بِالصِّحَّةِ حَيْثُ ذَكَرَا مَا يُعْلَمُ بِهِ مِقْدَارُ الْجُمْلَةِ بَعْدَ التَّأَمُّلِ بِالطَّرَائِقِ الْحِسَابِيَّةِ وَإِنْ عَسِرَ عُلِمَ ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِدَيْنِ بَلْ وَعَلَى أَهْلِ بَلَدِهِمَا كَبِعْتُك بِخُمُسِ سُدْسِ سُبْعِ ثُمْنِ تُسْعِ عُشْرِ دِينَارٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا لَوْ أَعْهَدَ رَجُلٌ نَخْلَةً بِعِشْرِينَ ثُمَّ بَاعَهَا الْمُتَعَهِّدُ لِآخَرَ بِعَشْرَةٍ وَفَكَّهَا الْمُعْهَدُ الْأَوَّلُ بِعَشْرَةٍ هَلْ تَكُونُ الْعَشَرَةُ الْأُخْرَى وَاقِعَةً لَا فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ أَوْ تَبْقَى فِي النَّخْلَةِ وَلَوْ بَاعَهَا الْمُتَعَهِّدُ الثَّانِي بِثَلَاثِينَ وَفَكَّ الْأَوَّلُ فَهَلْ يَأْتِي فِي الزَّائِدِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي وَقْتِ شَرْطِ الْفِكَاكِ وَأَنَّهُ قَبْلَ الْحَصَادِ أَوْ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ بَيْعَ الْعُهْدَةِ الْمَذْكُورَ لَا أَعْرِفُ حَقِيقَتَهُ عَلَى التَّعْيِينِ وَالْقَوْلُ الْفَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْبَيْعَ إنْ اقْتَرَنَ بِهِ شَرْطٌ فَاسِدٌ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ بِعْتُك هَذَا بِعَشْرَةٍ فَإِذَا رَدَدْتهَا إلَيْك رَدَدْته إلَيَّ فَيَقُولُ الْآخَرُ قَبِلْت أَوْ يَقُولُ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْته مِنْك بِهَذَا الشَّرْطِ فَيَقُولُ لَهُ بِعْتُك كَانَ فَاسِدًا فَلَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ فِي الْمَبِيعِ عَنْ مَالِكِهِ وَلَا فِي الثَّمَنِ عَنْ مَالِكه بَلْ هُمَا بَاقِيَانِ عَلَى مَا كَانَا عَلَيْهِ وَلَوْ فُرِضَ أَنَّ قِيمَةَ الْمَبِيع أَوْ الثَّمَنِ زَادَتْ كَانَتْ الْقِيمَةُ وَزِيَادَتُهَا لِمَالِك تِلْكَ الْأَصْلِيِّ لَا لِمَنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ بِذَلِكَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْمِلْكِ وَإِنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ التَّغْلِيظُ عَلَى كُلِّ مَنْ انْتَقَلَتْ الْعَيْنُ إلَيْهِ. فَإِنَّهَا لَوْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ ضَمِنَهَا بِأَقْصَى قِيمَتِهَا وَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا نَفَقَاتٍ لَمْ يَرْجِعْ بِهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُعْطِي أَحْكَامَ الْغَاصِبِ فِي أَكْثَرِ أَحْوَالِهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِهِ شَرْطٌ فَاسِدٌ كَأَنْ يَتَّفِقَا عَلَى أَنَّهُ يَبِيعُهُ هَذِهِ الْعَيْنَ بِعَشْرَةٍ مَثَلًا فَإِذَا رَدَّهَا إلَيْهِ رَدَّ الْعَيْنَ إلَيْهِ ثُمَّ يُعْقَدُ الْبَيْعُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ صَحِيحَيْنِ لَكِنَّهُمَا يُضْمِرَانِ الْوَفَاءَ بِمَا تَوَافَقَا عَلَيْهِ فَالْبَيْعُ حِينَئِذٍ صَحِيحٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ سَائِرُ أَحْكَامِ الْبُيُوعَاتِ الصَّحِيحَةِ الْخَالِيَةِ عَنْ ذَلِكَ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَبْطَلَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ لِأَنَّهُمْ يُقِيمُونَ الشَّرْطَ الْمُضْمَرَ مَقَامَ الشَّرْطِ الْمَأْتِيِّ بِهِ فِي صَلْبِ الْعَقْدِ فَيُبْطِلُونَ الْبَيْعَ الْمُقْتَرِنَ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا وَالشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يُبْطِلُ إلَّا الْمُقْتَرِنَ بِهِ الشَّرْطُ الْمَلْفُوظُ دُونَ الشَّرْطِ الْمُضْمَرِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ التَّرْدِيدَاتِ الَّتِي ذَكَرهَا السَّائِلُ حَفِظَهُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَبَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ عُلَمَاءِ الْيَمَنِ أَنَّهُ أَفْتَى بِصِحَّةِ بَيْعِ الْعُهْدَةِ وَبَعْضُهُمْ أَفْتَى بِبُطْلَانِهِ وَاخْتِلَافُهُمْ عَجِيبٌ فَإِنَّ الْقَوْلَ بِالصِّحَّةِ عِنْد اقْتِرَانِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ بِالْعَقْدِ وَبِعَدَمِهَا عِنْد إضْمَارِهِ قَوْلٌ سَاقِطٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ بَلْ الْمَنْقُولُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ يُعْتَدُّ بِهِ فِي ذَلِكَ هُوَ مَا قَرَرْته فَاعْتَمِدْهُ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا سِوَاهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا لَوْ اخْتَلَفَ الْمُعْهَدُ وَالْمُتَعَهِّدُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ وَنَكَلَا هَلْ يُقَرُّ الْمَالُ فِي يَدِ الْمُتَعَهِّدِ إلَى أَنْ يَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ أَحَدَهُمَا وَعَنْ مَالٍ مُعْهَدٍ مُشْتَرَكٍ اشْتَرَى آخَرُ ذَلِكَ الْمُعْهَدَ شِرَاءً صَحِيحًا فَهَلْ لِلشَّرِيكِ الْقَدِيمِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ مِنْ الْمُعْهَدِ الْأَوَّلِ أَوْ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ جَوَابَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعْلُومٌ مِمَّا بَسَطْته فِي السَّابِقَةِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ حَيْثُ صَحَّ الْبَيْعُ وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ تَحَالَفَا ثُمَّ إنْ تَوَافَقَا وَإِلَّا فُسِخَ الْعَقْدُ فَإِنْ نَكَلَا أَعْرَضَ الْحَاكِمُ عَنْهُمَا حَتَّى يَصْطَلِحَا وَحَيْثُ صَحَّ أَيْضًا ثَبَتَ لِلشَّرِيكِ الْقَدِيمِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ عَنْ الشَّرِيكِ الْحَادِثِ وَمَنْ مَلَكَ مِنْهُ وَأَمَّا حَيْثُ فَسَدَ فَلَا أَثَرَ لِنِزَاعِهِمَا فِي الثَّمَنِ وَلَا يَثْبُت أَخْذٌ بِشُفْعَةٍ لِبَقَاءِ مِلْك الْبَائِعِ عَلَى حَالِهِ وَالْمُشْتَرِي عَلَى حَالِهِ كَمَا مَرَّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ اشْتَرَى عَيْنًا بِثَلَاثِينَ أُوقِيَّةً خَمْس] عَمْرَاوِيٍّ بِوَزْنِ صَنْجَةٍ خَمْسَ أَوَاقٍ مَنْسُوبَةٌ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْخُمُسَ الْمَذْكُورَ هَلْ هِيَ عَلَى خُمُسِ الْبَلَد أَيْ صَنْجَة الْبَلَدِ الَّتِي هِيَ خَمْسُ أَوَاقٍ أَمْ زَائِدَةٌ أَمْ نَاقِصَةٌ فَهَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ فَإِنْ قُلْتُمْ بِالصِّحَّةِ فَهَلْ يُوزَنُ الثَّمَنُ بِالْخُمْسِ خَمْسًا خَمْسًا أَمْ الْخِيرَةُ لِلْبَائِعِ أَمْ لِلْمُشْتَرِي؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّ مَنْ عَيَّنَ قَدْرًا فَتَارَةً يَكُونُ الْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ مُعَيَّنَيْنِ وَتَارَةً يَكُونُ وَهْمًا أَوْ أَحَدُهُمَا فِي الذِّمَّةِ وَحُكْمُ ذَلِكَ يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ قَالَ بِعْتُك مِلْءَ أَوْ بِمِلْءِ هَذَا الْكُوزِ أَوْ الْبَيْتِ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ أَوْ زِنَةَ أَوْ بِزِنَةِ هَذِهِ الْحَصَاةِ مِنْ هَذَا الذَّهَبِ صَحَّ لِإِمْكَانِ الْأَخْذِ مِنْ

الْمُعَيَّنِ قَبْل تَلَفِهِ وَالْعِلْمُ بِالْقَدْرِ الْمُعَيَّنِ لَا يُشْتَرَطُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ بِعْتُك مِلْءَ أَوْ بِمِلْءِ هَذَا الْبَيْتِ صُبْرَةً فِي ذِمَّتِي صِفَتهَا كَذَا وَزِنَة أَوْ بِزِنَةِ هَذِهِ الصَّنْجَةِ ذَهَبًا فِي ذِمَّتِي صِفَته كَذَا وَقَدْ جَهِلَا أَوْ أَحَدُهُمَا ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِلْجَهْلِ بِالْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ لَا بُدَّ مِنْ عِلْمِهِمَا بِقَدْرِهِ وَجِنْسِهِ وَصِفَتِهِ. هَذَا مَا ذَكَرَهُ أَكْثَرُهُمْ فِي بَابِ الْبَيْعِ وَقَالُوا فِي بَابِ السَّلَمِ لَوْ عُيِّنَ فِي الْبَيْع مِكْيَالٌ أَوْ صَنْجَةٌ أَوْ مِيزَانٌ أَوْ ذِرَاعٌ فَإِنْ كَانَ مُعْتَادًا بِأَنْ عُرِفَ قَدْرُ مَا يَسَعُ صَحَّ الْعَقْدُ وَلَغَا التَّعْيِينُ الْمَذْكُورُ كَسَائِرِ الشُّرُوطِ الَّتِي لَا غَرَضَ فِيهَا وَيَقُومُ مِثْلُ الْمُعَيَّنِ مَقَامَهُ فَإِنْ شَرَطَ عَدَمَ إبْدَالِهِ بَطَل الْعَقْدُ وَلَوْ اخْتَلَفَتْ الْمَكَايِيلُ أَوْ الْمَوَازِينُ وَالذُّرْعَانِ وَجَبَ تَعْيِينُ نَوْعٍ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَغْلِبَ نَوْعٌ مِنْهَا فَيُحْمَلُ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مَجْهُولٍ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا كَكُوزٍ لَا يَعْرِفُ قَدْرَ مَا يَسَعُ وَالْمَبِيعُ فِي الذِّمَّةِ بَطَلَ الْعَقْدُ حَالًا كَانَ أَوْ مُؤَجَّلًا لِأَنَّ فِي ذَلِكَ غَرَرًا لِأَنَّهُ قَدْ يَتْلَفُ قَبْل قَبْضِ مَا فِي الذِّمَّةِ فَيُؤَدِّي إلَى التَّنَازُعِ بِخِلَافِ بَيْعِ مِائَةٍ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِعَدَمِ الْغَرَرِ اهـ وَبِهَذَا مَعَ مَا قَبْله تَعْلَمُ أَنَّ شِرَاءَ الثَّلَاثِينَ أُوقِيَّةً بِخَمْسِ عَمْرٍو أَيْ بِصَنْجَتِهِ الَّتِي هِيَ خَمْسُ أَوَاقٍ إنْ كَانَ وَالْمَبِيعُ مُعَيَّنٌ كَاشْتَرَيْت كَذَا بِثَلَاثِينَ أُوقِيَّةً مِنْ هَذَا الْخُمُسِ عَمْرٍو صَحَّ. وَإِنْ جَهِلَا قَدْرَ تِلْكَ الصَّنْجَةِ أَوْ فِي الذِّمَّةِ وَعَلِمَا قَدْرَ تِلْكَ الصَّنْجَةِ صَحَّ وَإِنْ جَهِلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ فِيهِ غَرَرًا لِأَنَّهُ قَدْ يَتْلَفُ قَبْلَ قَبْضِ مَا فِي الذِّمَّةِ وَحَيْثُ صَحَّ بِأَنْ عَلِمَا قَدْرَ الصَّنْجَةِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى أَنَّ الْمُشْتَرِي يَعْلَمُ أَنَّهَا قَدْرُ صَنْجَةِ بَلَدِهِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ تَتَعَيَّنْ تِلْكَ الصَّنْجَةُ بَلْ يَجُوزُ الْوَزْنُ بِهَا وَبِمِثْلِهَا فَلَا يُجَابُ مَنْ طَلَبَ الْوَزْنَ بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ نَعَمْ الَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّ الْمُشْتَرِي لَوْ طَلَبَ الْوَزْنَ بِهَا أَوْ بِمِثْلِهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى حَتَّى تَكْمُلَ الثَّلَاثُونَ وَطَلَبَ الْبَائِعُ الْوَزْنَ مَرَّةً وَاحِدَةً بِصَنْجَةٍ وَزْنُهَا ثَلَاثُونَ وَتُعَادِلُ صَنْجَةَ عَمْرٍو وَسِتَّ مَرَّاتٍ أُجِيبَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ تَخْتَلِفُ بِتَكَرُّرِ الْوَزْنِ وَاتِّحَادِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَلِأَنَّ مَا طَلَبَهُ الْمُشْتَرِي أَقْرَبُ إلَى قَوْلِهِمْ لَا تَتَعَيَّنُ الصَّنْجَةُ بَلْ يُوزَنُ بِهَا أَوْ بِمِثْلِهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّ صَنْجَةَ ثَلَاثِينَ لَا تُمَاثِل صَنْجَةَ خَمْسَةٍ حَقِيقَةً وَإِنْ كَانَتْ تُمَاثِلُهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمُتَكَرِّرَ بِهَا سِتًّا يُمَاثِلُ الْمَوْزُونَ بِتِلْكَ مَرَّةً، وَاَللَّهُ سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (سُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ ابْتَاعَ وَجْبَةً مَا مِنْ عَيْنِ السَّلَامَةِ مَثَلًا وَصَرَفَ بِبَيْعِ عَدَدٍ وَاسْتَمَرَّتْ بِحَيْثُ يَوْمَيْنِ وَفِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ لَحِقَ الْعَيْنَ عِمَارَةٌ وَصَرَفَ الْمُبْتَاعُ فِي عِمَارَةِ الْعَيْنِ مَا يَنُوبُ الْوَجْبَةَ الْمُشْتَرَاةَ مِنْ الْعِمَارَةِ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ لَمَّا أَرَادَ بَائِعُ الْوَجْبَةِ فِكَاكَهَا مِنْ مُشْتَرِيهَا حَسِبَ عَلَيْهِ الْعِمَارَةَ فَقَالَ لَهُ الْبَائِعُ الْعِمَارَة عَلَيْك لِأَنَّك الَّذِي اسْتَغْلَيْت الْوَجْبَةَ وَسَقَيْتهَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ فَنَفْعُهَا وَضَرَرُهَا عَلَيْك وَهِيَ فِي يَدِك إلَى أَنْ آتِيك بِالثَّمَنِ الْمَعْلُومِ فَقَالَ الْمُشْتَرِي هِيَ فِي يَدِك وَمَا لِي إلَّا مَنْفَعَةٌ لَا صَرْفُهُ فَهَلْ مَا نَابَ الْوَجْبَةَ فِي زَمَنِ الْعِمَارَةِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ يَلْزَمُ الْمَالِك لِلْمَنْفَعَةِ أَمْ يَلْزَمُ مَالِكَ الرَّقَبَةِ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ لَا رُجُوعَ لِلْمُشْتَرِي بِمَا صَرَفَهُ فِي الْعِمَارَةِ عَلَى بَائِعِهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنْ كَانَ صَحِيحًا بِأَنْ كَانَتْ الْعِدَّةُ خَارِجَةً عَنْ الْعَقْدِ فَقَدْ صَرَفَ عَلَى مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا بِأَنْ شَرَطَا الْعِدَّةَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ كَانَ مُتَبَرِّعًا بِمَا صُرِفَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ اصْطِلَاحِ بَيْعِ النَّاسِ فِي بَيْعِ الْعِدَّةِ الَّذِي يُسَمُّونَهُ بَيْعَ النَّاسِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ بِعْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ بِثَمَنٍ مَبْلَغُهُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت ثُمَّ يَكْتُبُ بَيْنَهُمْ كَاتِبٌ أَوْ حَاكِمٌ يَحْكُمُ بِصُورَةِ بَاعَ فُلَانٌ مِنْ فُلَانٍ كَذَا بِثَمَنٍ مَبْلَغُهُ كَذَا وَكَذَا بَيْعًا صَحِيحًا شَرْعِيًّا وَلَا يَذْكُرُ غَيْرَ هَذَا وَمَقْصُودُهُمْ أَنَّهُ يَكُونُ كَالْمَرْهُونِ لَكِنْ إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي يَسْتَغِلُّ الْأَرْضَ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ رَهْنًا وَيُطَالِبُ بِأُجْرَةِ الْأَرْضِ أَمْ بَيْعًا وَلَا يَسْتَرِدُّهَا الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي إلَّا بِعَقْدٍ صَحِيحٍ جَدِيدٍ أَمْ هَذَا اصْطِلَاحٌ اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ وَصَحَّ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتَكُونُ الْأَرْضُ كَالْمَرْهُونَةِ وَالثَّمَرَةِ عَلَى سَبِيلِ الْإِبَاحَةِ وَلَا يُطَالِبُ بِهَا بَيِّنُوا لَنَا مَا يَصِحُّ صَحَّحَ اللَّهُ آمَالَكُمْ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ بَيْعُ النَّاسِ الْمَشْهُورِ الْآنَ هُوَ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى بَيْعِ عَيْنٍ بِدُونِ قِيمَتِهَا وَعَلَى أَنَّ الْبَائِعَ مَتَى جَاءَ بِالثَّمَنِ رَدَّ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ بَيْعَهُ وَأَخَذَ ثَمَنَهُ ثُمَّ يَعْقِدَانِ عَلَى

ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْرِطَا ذَلِكَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ أَحْكَامِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ الْوَفَاءُ بِمَا وَعَدَ بِهِ الْبَائِعُ وَلَا يُرْجَعُ لِلْبَائِعِ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ وَيَمْلِكُ الْمُشْتَرِي جَمِيعَ الْغَلَّةِ فِي زَمَنِ مِلْكِهِ وَلَا يَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَيْهِ مِنْهَا بِشَيْءٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِئْرَ مَاءٍ أَوْ أَرْضًا مَعَ شُرْبِهَا مِنْ الْقَنَاةِ أَوْ سَهْمِهَا مِنْهَا مَعَ جَرْيِ الْمَاءِ فَكَيْفَ الطَّرِيقُ إلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ وَمَا يَشْتَرِطُ الرُّؤْيَةَ مِنْهُ مِنْ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْمَاءِ مَذْكُورَةٌ فِي الرَّوْضَةِ قُبَيْلَ الرِّبَا وَقَبْلَ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَفِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَكَلَامُهُ فِي ذَلِكَ مُشْكِلٌ عَلَى السَّائِلِ وَالْمَسْئُولِ مِنْ فَضْلِكُمْ إزَالَةُ إشْكَالِهِ بِأَمْثِلَةٍ مُفِيدَةٍ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى بَسْطٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَاءَ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي بِئْرٍ أَوْ نَحْوِ نَهْرٍ أَوْ قَنَاةٍ وَذَلِكَ الْقَرَارُ الَّذِي فِيهِ الْمَاءُ إمَّا أَنْ يَكُونَ يَنْبُعُ مِنْهُ أَوْ يَصِلُ إلَيْهِ ثُمَّ تُسْقَى مِنْهُ الْأَرَاضِي فَالْأَوَّلُ إنْ مَلَكَهُ وَاحِدٌ أَوْ جَمْعٌ كَانَ الْمَاءُ مَمْلُوكًا لَهُمْ عَلَى حَسْبِ الشَّرِكَةِ فِي الْقَرَارِ وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمَاءِ الرَّاكِدِ هُنَا إنْ قُدِّرَ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ كَالنِّصْفِ أَوْ بِنَحْوِ مِائَةِ رِطْلٍ لَا بِنَحْوِ سَاعَةٍ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ النَّهَارِ لِلْجَهْلِ بِالْمَبِيعِ وَلَا يُنَافِيهِ ذِكْرُهُمْ فِي قِسْمَةِ مَاءِ الْقَنَاةِ الْمُهَيَّأَةِ بِالْأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ يُتَسَامَحُ فِيهَا مَا لَا يُتَسَامَحُ فِي الْبَيْع وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ مَحَلَّ النَّبْعِ أَحَدٌ. وَإِنَّمَا كَانَ الْمَمْلُوكُ الْمَحَلَّ الَّذِي يَصِلُ إلَيْهِ الْمَاءُ فَالْمَاءُ الْوَاصِلُ إلَيْهِ بِنَفْسِهِ غَيْرَ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ فَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ كَانَ بَاقِيًا عَلَى إبَاحَتِهِ ثُمَّ إذَا صَدَرَ بَيْعٌ فَإِنْ وَقَعَ عَلَى مَحَلِّ النَّبْعِ الْمَمْلُوكِ أَوْ عَلَى جُزْءٍ مِنْهُ مَعْلُومٍ صَحَّ وَلَمْ يَدْخُلْ الْمَاءُ الْمَوْجُودُ عِنْد الْبَيْعِ إلَّا بِالشَّرْطِ وَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْمَحَلِّ الَّذِي يَصِلُ الْمَاءُ إلَيْهِ وَمَحَلُّ النَّبْعِ لَيْسَ مَمْلُوكًا لِأَحَدٍ وَكَانَ مَحَلُّ النَّبْعِ مَجْهُولًا كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِي الْعُيُونِ وَالْأَنْهَارِ لَمْ يَدْخُلْ الْمَاءُ فِيهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنَّمَا الَّذِي يَصِحُّ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ اسْتِحْقَاقُ الْأَرْضِ فِيهِ الْمُسَمَّى بِالشُّرْبِ وَمِمَّا يُحْكَمُ فِيهِ بِمِلْكِ مَحَلِّ النَّبْعِ أَوْ الْقَرَارِ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ يَدٌ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ دَالَّةٌ عَلَى الْمِلْكِ لَهُ وَلِلْمَاءِ النَّابِعِ مِنْهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى كَمَا يَفْهَمُهُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ لَوْ صَادَفْنَا نَهْرًا تُسْقَى مِنْهُ أَرْضُونَ وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهُ حَفْرٌ أَوْ انْخَرَقَ حُكْمُنَا بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ يَدٍ وَانْتِفَاعٍ وَخَرَجَ بِقَوْلِي فِيمَا مَرَّ وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمَاءِ الرَّاكِدِ الْمَاءُ الْجَارِي فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا بَيْعُ نَصِيبِهِ مِنْهُ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ وَلِلْجَهْلِ بِقَدْرِهِ وَلِأَنَّ الْجَارِي. وَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ لِاخْتِلَاطِ غَيْرِ الْمَبِيعِ بِهِ فَطَرِيقُهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَمْلِكَهُ أَوْ يَسْتَحِقَّهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَحَلَّ النَّبْعِ أَوْ الْقَنَاةَ أَوْ جُزْءًا مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا مَلَك الْأُلَى مَلَكَ الْمَاء وَإِذَا مَلَكَ الثَّانِي كَانَ أَحَقَّ بِهِ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا هَذَا مُلَخَّصُ مَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلْنَعُدْ الْآنَ إلَى بَيَانِ كَلَامِ الرَّوْضَةِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ فَنَقُولُ قَدْ ذُكِرَ فِيهَا بَيْعُ الْمَاءِ قُبَيْلَ الرِّبَا وَآخِرَ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَفِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ كَمَا بَيَّنْت ذَلِكَ فِي حَاشِيَةِ الْعُبَابِ حَيْثُ قُلْت وَحَاصِلُ عِبَارَتِهَا فِي الْأَوَّلِ وَمِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى مَا اُعْتِيدَ مِنْ بَيْعِ نَصِيبِهِ مِنْ الْمَاءِ الْجَارِي مِنْ النَّهْرِ وَهُوَ بَاطِلٌ لِوَجْهَيْنِ كَوْنُ الْمَبِيعِ غَيْرَ مَعْلُومِ الْقَدْرِ وَكَوْنُ الْجَارِي غَيْرَ مَمْلُوكٍ وَفِي الثَّانِي قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَفْرَدَ مَاءَ عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ نَهْرٍ بِالْبَيْعِ فَإِنْ بَاعَهُ مَعَ الْأَرْضِ بِأَنْ بَاعَ أَرْضًا مَعَ شُرْبِهَا مِنْ الْمَاءِ فِي نَهْرٍ أَوْ وَادٍ صَحَّ وَدَخَلَ الْمَاءُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا. وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَاءُ فِي إنَاءٍ أَوْ حَوْضٍ مَثَلًا مُجْتَمِعًا فَبَيْعُهُ صَحِيحٌ مُنْفَرِدًا وَتَابِعًا وَحَاصِلُ عِبَارَتِهَا فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَاءِ الْبِئْرِ وَالْقَنَاةِ فِيهِمَا لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ وَيَزِيدُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَيَخْتَلِطُ وَيَتَعَذَّرُ التَّسْلِيمُ وَإِنْ بَاعَ مِنْهُ آصُعًا فَإِنْ كَانَ جَارِيًا لَمْ يَصِحَّ إذَا لَمْ يَمْلِكْ رَبْطَ الْعَقْدِ بِمِقْدَارٍ وَإِنْ كَانَ رَاكِدًا وَقُلْنَا إنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ قُلْنَا مَمْلُوكٌ فَقَالَ الْقَفَّالُ لَا يَصِحُّ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَزِيدُ فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ كَبَيْعِ صَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَقَلِيلَةٌ فَلَا يَضُرُّ كَمَا لَوْ بَاعَ الْقَتَّ فِي الْأَرْضِ بِشَرْطِ الْقَطْعِ وَكَمَا لَوْ

بَاعَ صَاعًا مِنْ صُبْرَةٍ وَصَبَّ عَلَيْهَا صُبْرَةً أُخْرَى فَإِنَّ الْبَيْعَ بِحَالِهِ وَيَبْقَى الْبَيْعُ مَا بَقِيَ صَاعٌ مِنْ الصُّبْرَةِ وَلَوْ بَاعَ الْمَاءَ مَعَ قَرَارِهِ نَظَرَ إنْ كَانَ جَارِيًا فَقَالَ بِعْتُك هَذِهِ الْقَنَاةَ مَعَ مَائِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ جَارِيًا وَقُلْنَا الْمَاءُ لَا يُمْلَكُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِي الْمَاء وَفِي الْقَرَارِ قَوْلَا تَفْرِيق الصَّفْقَةِ اهـ وَلَا تَنَافِي بَيْن الْمَوْضِعَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ وَإِنْ تَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ أَيْ صَاحِبُ الْعُبَابِ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ فَقَالَ وَلَا فِي قَرَارِهِ خِلَافًا لِلشَّيْخَيْنِ بَلْ يُحْمَلُ مَا قَالَهُ فِي الثَّانِي مِنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ فِيهِمَا عَلَى أَنَّ الْمُرَاد أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْأَرْضِ بِطَرِيقِ الْقَصْدِ وَالْمِلْكِ وَفِي الْمَاءِ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ وَالِاسْتِحْقَاقِ. وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَدَخَلَ الْمَاءُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا هَذَا إنْ كَانَتْ الصُّورَةُ فِي مَحَلِّ قَرَارِ الْمَاءِ الْمَمْلُوكِ أَمَّا إذَا أُرِيدَ مَحَلُّ النَّبْعِ فِيهِمَا بِطَرِيقِ الْقَصْدِ أَوْ مَحَلُّ النَّبْعِ أَوْ الْقَرَارُ غَيْرُ الْمَمْلُوكِ فَلَا يَصِحُّ فِيهِمَا وَمَا قَالَهُ فِي الثَّالِثِ مِنْ صِحَّتِهِ فِي الْأَرْضِ فَقَطْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ بِطَرِيقِ الْمِلْكِ إلَّا فِي الْأَرْضِ دُونَ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِيهِ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْقَاقِ وَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ فَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَمْ يُمْكِنْ تَسْلِيمُهَا لِاخْتِلَاطِ غَيْرِ الْمَبِيعِ بِهِ وَالْحِيلَةُ فِي اسْتِحْقَاقِهَا أَنْ يَعْقِدَ عَلَى الْقَرَارِ فَيَشْتَرِيَ نَفْسَ الْقَنَاةِ أَوْ سَهْمًا مِنْهَا فَإِذَا مَلَكَ الْقَرَارَ كَانَ أَحَقَّ بِالْمَاءِ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ انْتَهَتْ وَعِبَارَةُ الْبَيَانِ لَا يَصِحُّ بَيْعُ سَهْمٍ مِنْ مَاءِ كَذَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَكَذَا لَا يَصِحُّ أَنْ يَقُولَ بِعْتُك اللَّيْلَةَ أَوْ يَوْمًا مِنْ مَاءِ كَذَا لِأَنَّ الزَّمَانَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَكِنَّ الْحِيلَةَ فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ مَاءَ الْعَيْنِ أَوْ سَهْمًا مِنْهَا أَنْ يَشْتَرِيَ الْعَيْنَ نَفْسَهَا أَوْ سَهْمًا مِنْهَا هَكَذَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا انْتَهَتْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَحَلَّ نَبْعِ الْمَاءِ مِنْ الْقَنَاةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا أَوْ لَا وَإِنَّمَا الْمَمْلُوكُ الْمَحَلُّ الَّذِي يَصِلُ الْمَاءُ إلَيْهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ عَلَى قَرَارِ شُرْبِهَا الْمَذْكُورِ أَوْ الْقَنَاةِ كُلِّهِ أَوْ جُزْءٍ مِنْهُ مُعَيَّنٍ صَحَّ وَكَانَ فِي دُخُولِ الْمَاءِ الْمَوْجُودِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَإِنْ شَرَطَ دُخُولَهُ عَمِلَ بِمُقْتَضَى الشَّرْطِ وَفِي الثَّانِي إذَا وَرَدَ الْبَيْعُ عَلَى الْأَرْضِ وَعَلَى الْقَرَارِ صَحَّ بَيْعُ الْأَرْضِ وَلَمْ يَدْخُلْ الْمَاءُ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ اسْتِحْقَاقُ الْأَرْضِ فِيهِ الْمُسَمَّى بِالشُّرْبِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ الشَّيْخَيْنِ فِي الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَلَا تَدْخُلُ مَسَائِلُ الْمَاءِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ مَعَ شُرْبهَا مِنْ الْقَنَاةِ وَالنَّهْرِ الْمَمْلُوكَيْنِ إلَّا أَنْ يَشْرِطَهُ أَوْ يَقُولَ بِحُقُوقِهَا لِأَنَّ هَذَا كَمَا تَرَى فِي الشُّرْبِ الْمَمْلُوكِ وَمَا مَرَّ فِي الشُّرْبِ الْغَيْرِ الْمَمْلُوكِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الْحَاشِيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَكَانَ الِاقْتِصَارُ عَلَى كِتَابَةِ مَا فِيهَا كَافِيًا فِي جَوَابِ السُّؤَالِ لَكِنْ أَحْبَبْت زِيَادَةَ الْإِيضَاحِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهَا مُهِمَّةٌ وَمِنْ ثَمَّ لَا بَأْسَ بِالْإِشَارَةِ إلَى أَشْيَاءَ تَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْهَا أَنَّ الْبُلْقِينِيُّ اعْتَرَضَ عِبَارَةَ الرَّوْضَةِ الْمَذْكُورَةَ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ فَقَالَ. وَمَا ذَكَرَهُ فِي بَيْعِ مَاءِ الْبِئْرِ مِنْ تَعْلِيلِ عَدَمِ الْجَوَازِ بِأَنَّهُ مَجْهُولٌ كَلَامٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَإِنَّ الْجَهَالَةَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لَا تَضُرُّ كَبَيْعِ الصُّبَرِ الَّتِي لَا يُعْلَمُ مِقْدَارُهَا اهـ وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ الَّذِي لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ فَإِنَّهُ فِي الرَّوْضَةِ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى التَّعْلِيلِ بِالْجَهْلِ فَقَطْ بَلْ قَالَ وَيَزِيدُ شَيْئًا فَشَيْئًا إلَخْ وَبِهِ انْدَفَعَ تَشْبِيهُ الْبُلْقِينِيُّ لِمَاءِ الْبِئْرِ بِالصُّبْرَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِيضَاحُهُ أَنَّ الصُّبْرَةَ يُحِيطُ الْعِيَانُ بِجَوَانِبِهَا وَيُمْكِنُ حَزْرُهَا فَيَقِلُّ الضَّرَرُ فِيهَا بِخِلَافِ مَاءِ الْبِئْرِ الْمُتَزَايِدِ شَيْئًا فَشَيْئًا فَإِنَّ الْعِيَانَ لَا يُحِيطُ بِهِ فَيَكْثُرُ الضَّرَرُ هَذَا وَاضِحٌ لَا خِفَاءَ فِيهِ وَسَيَأْتِي عَنْ الْبُلْقِينِيُّ نَفْسِهِ مَا يُصَرِّحُ بِهِ وَقَالَ أَيْضًا وَقَوْلُهُ وَيَزِيدُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَيَخْتَلِطُ فَيَتَعَذَّرُ التَّسْلِيمُ. يُخَالِفُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي صُورَةِ الْقَفَّالِ خِلَاف مَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلشَّرْحِ لِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ هُنَاكَ مَاءً آخَرَ يَنْبُعُ وَيَخْتَلِطُ بِالرَّاكِدِ وَالنَّبْعُ مُسْتَمِرٌّ وَلَا يَقَعُ الْبَيْعُ إلَّا مُقَارِنًا لِلِاخْتِلَاطِ اهـ وَمَا زَعَمَهُ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ هُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ. فَإِنَّ الشَّيْخَيْنِ صَحَّحَا خِلَافَهُ وَالْمُعَوَّلُ فِي التَّرْجِيحِ لَيْسَ إلَّا عَلَيْهِمَا إذَا قَالَتْ حَذَامِ فَصَدِّقُوهَا ... فَإِنَّ الْقَوْلَ مَا قَالَتْ حَذَامِ وَمِنْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا يُخَالِفُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي صُورَةِ الْقَفَّالِ يَرِدُ بِوُضُوحٍ الْفَرْقُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ فَإِنَّ الْمَاءَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مَجْهُولٌ كَمَا مَرَّ بِخِلَافِهِ فِي الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ لَا جَهْلَ فِيهِ لِأَنَّ الصُّورَةَ أَنَّهُ رَاكِدٌ وَالْمَبِيعُ

إنَّمَا هُوَ آصُعٌ مَعْلُومَةٌ مِنْهُ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا اخْتِلَاطُ الْمَبِيعِ بِغَيْرِهِ الَّذِي نَظَرَ إلَيْهِ الْقَفَّالُ وَسَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْهُ وَقَالَ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى بَيْعِ صَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ الصُّبْرَةَ لَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ يَزِيدُ فِيهَا بِخِلَافِ صُورَة الْمَاءِ فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ الصُّبْرَةَ كَانَتْ فِي مَوْضِعٍ وَهُنَاكَ شَيْءٌ مِنْ جِنْسِهَا يَنْزِلُ عَلَيْهَا مِنْ السَّقْفِ أَوْ مِنْ ثَقْبٍ فِي الْحَائِطِ وَنَحْو ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ الْمُخْتَلَطُ فَإِنْ تَعَيَّنَ الْمُخْتَلَطُ وَبَاعَ مِنْ غَيْرِهِ صَحَّ اهـ وَقَوْلُهُ لَا يَسْتَقِيمُ هُوَ الَّذِي لَا يَسْتَقِيمُ وَلَا نَظَرَ لِفَرْقِهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ يَزِيدُ بِخِلَافِهِ هُنَا لِمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّ الزِّيَادَةَ قَلِيلَةٌ فَلَا تَضُرُّ فَكَأَنَّ الزِّيَادَةَ هُنَا كَلَا زِيَادَةٍ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ اتَّضَحَتْ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَمْ يَنْظُرُوا لِصُورَةِ الْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ. وَقَوْلُهُ فَإِنْ فُرِضَ إلَخْ لَا حَاجَةَ بِنَا إلَيْهِ لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْكَلَامَ فِي صُورَةٍ لَمْ تَحْصُلْ فِيهَا زِيَادَةٌ وَأَنَّهَا مَعَ ذَلِكَ نَظِيرَةُ مَسْأَلَتِنَا وَقَالَ أَيْضًا وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْقَتِّ لَا يَسْتَقِيمُ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْقَتِّ مِنْ عَيْنِهِ بِخِلَافِ الْمَاءِ وَالصُّبْرَةِ الَّتِي يَنْزِلُ عَلَيْهَا شَيْءٌ آخَرُ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ وَأَيْضًا فَقَدْ تَكُونُ الزِّيَادَةُ فِي الْقَتِّ كَثِيرَةً وَقَدْ أَطْلَقُوا ثُبُوتَ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ فِي صُورَةِ الْقَتِّ وَلَا يَأْتِي مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي اهـ وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ الَّذِي لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ النَّوَوِيَّ لَمْ يَقْصِدْ التَّشْبِيهَ بَيْنَهُمَا إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّ الزِّيَادَةَ فِي كُلٍّ مِنْ الْقَتِّ وَالْمَاءِ الْمَذْكُورِ قَلِيلَةٌ تَافِهَةٌ لَا يُنْظَرُ إلَيْهَا فِي الْغَالِبِ وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنْ الْعَيْنِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ مُمَاثِلٍ لِتِلْكَ الْعَيْنِ فَانْدَفَعَ نَظَرُهُ لِذَلِكَ فِي الْفَرْقِ لِأَنَّهُ لَا يَرْتَبِطُ بِهِ هُنَاكَ كَبِيرُ مَعْنًى وَقَوْلُهُ قَدْ تَكُونُ الزِّيَادَةُ فِي الْقَتِّ كَثِيرَةٌ يُرَدُّ بِأَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ فِي الْغَالِبِ وَفِيمَا مِنْ شَأْنِهِ وَمِنْ شَأْنِهَا فِي الْقَتِّ وَالْغَالِبِ فِيهَا أَنَّهَا قَلِيلَةٌ فَلَا يَنْظُرُ إلَى أَنَّهَا قَدْ تَكْثُرُ. وَقَالَ أَيْضًا وَقَوْلُهُ كَمَا لَوْ بَاعَ صَاعًا مِنْ صُبْرَةٍ وَصَبَّ عَلَيْهَا صُبْرَةً أُخْرَى فَإِنَّ الْبَيْعَ بِحَالِهِ قِيَاسٌ مَرْدُودٌ فَإِنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ عَلَى الصَّاعِ مِنْ الصُّبْرَةِ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ وَصَحَّ وَفِي صُورَةِ الْمَاءِ وَنَحْوهَا وَقَعَ الْبَيْعُ مُقَارِنًا لِلِاخْتِلَاطِ فَلَمْ يَصِحَّ اهـ وَلَيْسَ الْقِيَاسُ مَرْدُودًا كَمَا زَعَمَهُ بَلْ هُوَ مَقْبُولٌ فَإِنَّ حُدُوثَ الْخَلْطِ وَلَوْ فِي مَجْلِسِ الْبَيْعِ لَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ مَعَ أَنَّ الْوَاقِعَ فِي الْمَجْلِسِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْوَاقِعِ فِي الْعَقْدِ فَكَذَلِكَ مُقَارَنَتُهُ لِلْبَيْعِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ لَا تَمْنَعُهُ وَاعْتَرَضَ أَيْضًا قَوْلَهُ وَيَبْقَى الْبَيْعُ مَا بَقِيَ صَاعٌ مِنْ الصُّبْرَةِ بِاعْتِرَاضٍ أَعْرَضْتُ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ مَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ وَاعْتَرَضَ أَيْضًا قَوْلَ الرَّوْضَةِ وَلَوْ بَاعَ الْمَاءَ مَعَ قَرَارِهِ نَظَرَ إنْ كَانَ جَارِيًا إلَخْ فَقَالَ وَهُوَ كَلَامٌ غَيْرُ مُسَلَّمٍ فِي صُورَةِ الْجَارِي فَإِنَّ مُجَرَّدَ الْجَرَيَانِ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ بَيْعِ الْمَاءِ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمَذْكُورَ مَمْلُوكٌ إذَا كَانَ الْجَرَيَانُ يَنْتَهِي إلَى مَقْطَعٍ بِحَيْثُ يُمْكِنُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ يَنْتَهِي إلَى نُزُولٍ فِي بَحْرٍ وَنَحْوه فَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِيهِ. وَمَا نَزَلَ مِنْهُ فِي الْبَحْرِ كَتَلَفِ بَعْضِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ اهـ وَقَوْلُهُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ لِمَا مَرَّ عَنْ الرَّوْضَةِ وَقَوْلُهُ مُجَرَّدُ الْجَرَيَانِ إلَخْ مَمْنُوعٌ لِمَا مَرَّ مِنْ الْجَهْلِ بِقَدْرِهِ وَعَدَمِ إمْكَانِ تَسْلِيمِهِ وَكَوْنُهُ يَنْتَهِي إلَى مَقْطَعٍ يُمْكِنُ الِاسْتِيلَاءُ عَلَيْهِ لَا يُنْظَرُ إلَيْهِ لِنُدْرَةِ إمْكَانِ ذَلِكَ وَدَعْوَاهُ أَنَّ مَا تَلِفَ بِنُزُولِهِ إلَى نَحْوِ بِئْرٍ كَتَلَفِ بَعْضِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِأَنَّ الصُّورَةَ فِي تَلَفِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَنَّهُ كَانَ تَسَلَّمَهُ قَبْلَ تَلَفِهِ حِينَ الْبَيْعِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ هُنَا وَمِنْهَا أَنِّي ذَكَرْت الْمَسْأَلَةَ أَيْضًا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَفِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا مَرَّ وَعِبَارَتُهُ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَاءِ بِئْرٍ أَوْ قَنَاةٍ دُونَهُمَا لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ وَيَزِيدُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَيَخْتَلِطُ الْمَبِيعُ بِغَيْرِهِ وَيَتَعَذَّرُ التَّسْلِيمُ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ مَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِشَرْطِ أَخْذِهِ الْآنَ صَحَّ. وَكَذَا يَصِحُّ بَيْعُ صَاعٍ مِنْ مَاءِ بِئْرٍ أَوْ قَنَاةٍ رَاكِدٍ لِقِلَّةِ زِيَادَتِهِ فَلَا يَضُرُّ بِخِلَافِ الْجَارِي إذَا لَمْ يُمْكِنْ رَبْطُ الْعَقْدِ بِمِقْدَارٍ مَضْبُوطٍ مِنْهُ لِعَدَمِ وُقُوفِهِ وَبَيْع بِئْرٍ مَعَ مَائِهَا الظَّاهِرِ أَوْ جُزْئِهَا الشَّائِعِ إنْ عُرِفَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عُمْقُهَا وَمَا يَنْبُعُ فِي الثَّانِيَةِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَإِنْ اشْتَرَاهَا أَوْ جُزْأَهَا الشَّائِعَ دُونَ الْمَاءِ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَصِحَّ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ الْمَاءُ وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا لَوْ بَاعَ مَاءَ الْقَنَاةِ مَعَ قَرَارِهِ وَالْمَاءُ جَارٍ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِي الْمَاءِ وَفِي الْقَرَارِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَرَدُّهُ

جَمَعَ بِأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعه إذَا كَانَ مَجْهُولًا وَبِيعَ مَعَ غَيْرِهِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجَازَةَ بِالْقِسْطِ وَالْقِسْطُ غَيْرُ مُمْكِنٌ لِلْجَهَالَةِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُشْكِلَ إنَّمَا هُوَ إجْرَاءٌ خِلَاف تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الْقَرَارِ وَأَمَّا عَدَمُ الصِّحَّةِ فِي الْمَاءِ فَمُرَادُهُ بِذَاتِهِ لَا يَصِحُّ بِطَرِيقِ الْمِلْكِ إلَّا فِي الْأَرْضِ دُونَ الْمَاءِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ فِيهِ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْقَاقِ وَمِنْ ثَمَّ صُرِّحَ فِيهَا قُبَيْلَ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ فِيهِمَا أَيْ فِي الْأَرْضِ بِطَرِيقِ الْقَصْدِ وَالْمِلْكِ وَفِي الْمَاءِ بِطَرِيقِ التَّبَعِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ كَلَامَيْهِمَا خِلَافًا لِمَنْ ظَنَّهُ وَالْكَلَامُ فِي مَحَلِّ قَرَارِ الْمَاءِ الْمَمْلُوكِ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَا يَسْتَلْزِمُ مِلْكَ الْمَاءِ بَلْ يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ. أَمَّا مَحَلُّ نَبْعِهِ الْمَمْلُوكُ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِمَا بِطَرِيقِ الْقَصْدِ لِأَنَّ مِلْكَهُ يَسْتَلْزِمُ مِلْكَ الْمَاءِ وَأَمَّا مَحَلُّ نَبْعِهِ أَوْ قَرَارُهُ غَيْرُ الْمَمْلُوكِ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِمَا وَخَرَجَ بِقَوْلِ الشَّيْخَيْنِ جَار الْوَاقِف فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِ أَيْضًا إنْ عُرِفَ الْعُمْقُ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ نَصِيبِهِ مِنْ مَاءٍ جَارٍ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ نَحْوَ الْقَنَاةِ أَوْ بَعْضِهَا لِيَكُونَ أَحَقَّ بِهِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَمِنْهَا أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ الشُّرْبُ مِنْ الْمَاءِ الْمَذْكُورِ وَجَوَابُهُ أَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا وَهُوَ أَنَّهُ مَرَّ أَنَّ الْمَاءَ إنْ مُلِّكَ مَحَلُّ نَبْعِهِ كَانَ مَمْلُوكًا أَوْ مَحَلُّ وُصُولِهِ وَقَرَارِهِ كَانَ مُسْتَحَقًّا وَإِنْ لَمْ يُمَلَّكْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ كَانَ مُبَاحًا فَالشُّرْبُ مِنْ الثَّالِثِ ظَاهِرٌ وَكَذَا مِنْ الثَّانِي وَيَجُوزُ دُخُولُ الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ لِأَخْذِهِ وَلَيْسَ لِصَاحِبِهَا الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ اُعْتِيدَ دُخُولُ النَّاسِ لَهُ قَالَهُ الْعَبَّادِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَإِطْلَاقُ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُدْلِيَ فِيهِ دَلْوًا ضَعِيفٌ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا دَخَلَ مِنْ ذَلِكَ دَارَ إنْسَانٍ أَوْ مِلْكِهِ الَّذِي لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِأَنَّ النَّاسَ يَطْرُقُونَهُ فَإِنَّ الدُّخُولَ لَهُ حِينَئِذٍ يَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِ الْمَالِكِ. وَأَمَّا الشُّرْبُ مِنْ الْأَوَّلِ فَإِنْ كَانَ يَجْرِي عَلَى وَجْهٍ لَا يَحْتَفِلُ بِهِ مُلَّاكُهُ وَاطَّرَدَتْ عَادَتُهُمْ بِأَنَّهُمْ لَا يَمْنَعُونَ مِنْهُ أَحَدًا جَازَ الشُّرْبُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ فِي مُلَّاكِهِ مَنْ لَا يُعْتَبَرُ إذْنُهُ كَصَغِيرٍ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَأَلْحَقَ بِهِ الْتِقَاطَ السَّنَابِلِ فَيَجُوزُ وَإِنْ كَانَ مَالِكُهَا صَغِيرًا وَنَحْوه قَالَ بِخِلَافِ الْإِعْرَاضِ عَنْ كِسْرَةٍ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ إعْرَاضُهُ وَعَلَى تَسْلِيمِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْتِقَاطِ السَّنَابِلِ وَالْإِعْرَاض عَنْ الْكِسْرَةِ فَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ السَّنَابِلَ لَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُهَا بِالْأَخْذِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ سُقُوطِ شَيْءٍ مِنْهَا فَبَعْضُهَا فَائِتٌ عَلَى الْمَالِكِ ضَرُورَة فَحِينَئِذٍ لَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ فِي مَالِكهَا بَيْنَ صِحَّةِ إعْرَاضِهِ وَعَدَمِهَا لِأَنَّ الْآخِذَ مِنْهَا لَيْسَ مَلْحَظُهُ الْإِعْرَاضَ عَنْهَا حَتَّى نَعْتَبِرَ فِي الْمَالِكِ أَهْلِيَّةَ الْإِعْرَاضِ بِخِلَافِ الْكِسْرَةِ فَإِنَّ سَبَبَ أَخْذِهَا الْإِعْرَاضُ فَاعْتُبِرَ فِيهَا أَنْ يَكُونَ الْمُعْرِضُ مِمَّنْ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الْإِعْرَاضِ وَمِنْهَا أَنَّ مَا يُسْقَى مِنْ الْعُيُونِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا الشِّرَاءُ هَلْ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَاءَ إنْ وَصَلَ إلَى زَرْعِهِ أَوْ نَخْلِهِ مِنْ غَيْرِ شِرَاءٍ وَلَا ضَمَانٍ وَجَبَ فِيهِ الْعُشْرُ. وَإِنْ وَصَلَ إلَيْهِ بِشِرَاءٍ صَحِيحٍ فَإِنْ صَدَرَ عَلَى الْقَرَارِ دَخَلَ الْمَاءُ فِي الْبَيْعِ بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ أَوْ عَلَى الْمَاءِ بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ وَجَبَ فِيمَا يَزْرَعُ عَلَيْهِ نِصْفُ الْعُشْرِ لِحُصُولِ الْمَاءِ الَّذِي لِلزَّرْعِ بِالْمُؤْنَةِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَمَا يُزْرَعُ بَعْد ذَلِكَ فَيَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ وَإِنْ بَقِيَتْ بَقِيَّةٌ مِمَّا قَابَلَ الْمَاءَ فَالْوَاجِبُ مِمَّا يُزْرَع بِالْمَاءِ الْمَذْكُورِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَلَا يَتَنَاوَلُ كَلَامُ ابْنِ كَجٍّ الْآتِي مَا إذَا وَقَعَ الشِّرَاءُ عَلَى مَحَلِّ النَّبْعِ وَالْمَاءِ الْمَوْجُود لِأَنَّ الْمَاءَ وَإِنْ قَابَلَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ الْحُكْمُ فِيهِ وَإِنَّمَا يَجِبُ نِصْفُ الْعُشْرِ حَيْثُ بَقِيَتْ بَقِيَّةٌ مِنْ الْمَاءِ تُقَابَلُ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ فِي الزِّرَاعَةِ الثَّانِيَةِ وَنَحْوهَا وَإِنْ وَصَلَ إلَيْهِ بِشِرَاءٍ فَاسِدٍ ضَمِنَ الْمَاءَ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ الْفَاسِدِ فَكُلُّ مَا يَسْقِيه بِهِ يَجِبُ فِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَحَيْثُ تَوَجَّهَ الشِّرَاءُ إلَى الْمَاءِ وَحْدَهُ فِي كُلِّ زَرْعَةٍ وَجَبَ نِصْفُ الْعُشْرِ وَحَيْثُ لَمْ يَمْلِكْ مَحَلَّ النَّبْعِ لَمْ يَصِحَّ شِرَاءُ الْمَاءِ الَّذِي لَا مِلْكَ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ فَإِنْ اشْتَرَاهُ وَزَرَعَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ الْعُشْرُ وَرَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا أَخَذَهُ مِنْهُ مِنْ ثَمَنِ الْمَاءِ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ. بِخِلَافِ مَنْ زَرَعَ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ أَوْ مَمْلُوكٍ اشْتَرَاهُ فَاسِدًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ نِصْفُ الْعُشْرِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ الْمَاءَ فِيهِمَا وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ خِلَافٍ طَوِيلٍ فِي الْمَسْقِيِّ

بِمَاءِ الْقَنَوَاتِ وَالسَّوَّاقِي مِنْ النَّهْرِ الْعَظِيمِ أَنَّ فِيهِ الْعُشْرَ وَلَا نَظَرَ لِمُؤْنَةِ الْقَنَوَاتِ وَإِنْ كَثُرَتْ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا إصْلَاحُ الضَّيْعَةِ وَالْأَنْهَارِ تُشَقُّ لِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ وَإِذَا تَهَيَّأَتْ وَصَلَ الْمَاءُ إلَى الزَّرْعِ مَرَّةً بَعْد أُخْرَى بِخِلَافِ السَّقْي بِنَحْوِ النَّوَاضِحِ فَإِنَّ مُؤْنَتَهُ تَتَحَمَّلُ لِنَفْسِ الزَّرْعِ وَمِنْهَا أَنَّ السَّائِلَ ذَكَر أَنَّهُ فِي الرَّوْضَةِ ذَكَرَ بَيْعَ الْمَاءِ فِي بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ أَيْضًا وَعِبَارَتُهَا فِيهِ لَا تُدْخِلُ مَسَايِلَ الْمَاءِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ شُرْبُهَا مِنْ الْقَنَاةِ وَالنَّهْرِ الْمَمْلُوكَيْنِ إلَّا أَنْ يَشْرِطَ أَوْ يَقُولَ بِحُقُوقِهَا وَفِي وَجْهٍ لَا يَكْفِي ذِكْرُ الْحُقُوقِ فَرْعٌ) لَوْ كَانَ فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ بِئْرُ مَاءٍ دَخَلَتْ فِي الْبَيْعِ وَالْمَاءُ الْحَاصِلُ فِي الْبِئْرِ حَالَ الْبَيْعِ لَا يَدْخُلُ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِي وَجْهٍ يَدْخُلُ كَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ تُؤَبَّرْ لِلْفَرْقِ وَإِنْ شَرَطَ دُخُولَهُ فِي الْبَيْعِ صَحَّ عَلَى قَوْلنَا الْمَاءُ مَمْلُوكٌ بَلْ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ دُون هَذَا الشَّرْطِ وَإِلَّا اخْتَلَطَ الْمَاءُ الْمَوْجُودُ لِلْبَائِعِ بِمَا يَحْدُثُ لِلْمُشْتَرِي وَانْفَسَخَ الْبَيْعُ. قُلْت فَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ صَحَّ الْبَيْعُ مُطْلَقًا بَلْ لَا يَجُوزُ شَرْطُهُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَيَكُونُ الْمُشْتَرِي أَحَقَّ بِهِ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ كَمَا لَوْ تَوَحَّلَ صَيْدٌ فِي أَرْضِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَذِكْرُ الْخِلَافِ فِي الْمَاءِ وَفُرُوعِهِ يَأْتِي فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى انْتَهَتْ عِبَارَتُهَا وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لَمْ تُسَقْ لِبَيَانِ حُكْمِ الْمَاءِ بَلْ لِبَيَانِ أَنَّهُ يَجِبُ شَرْطُ دُخُولِهِ أَوَّلًا ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَا اُسْتُشْكِلَ بِقَوْلِهِمْ صَحَّ بَيْعُ دَارٍ بِدَارٍ وَإِنْ كَانَ فِي كُلِّ بِئْرٍ مَاءٌ وَلَا إشْكَالَ لِأَنَّ كَوْنَ الْمَاءِ تَابِعًا بِالْإِضَافَةِ لَا يُنَافِيه كَوْنُهُ مَقْصُودًا فِي نَفْسه حَتَّى يَشْتَرِطَ التَّعَرُّضَ لَهُ فِي الْبَيْعِ كَمَا ذُكِرَ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَابِعٌ بِالْإِضَافَةِ اُغْتُفِرَ مِنْ جِهَةِ الرِّبَا وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ اُعْتُبِرَ التَّعَرُّضُ لَهُ فِي الْبَيْعِ لِيَدْخُلَ فِيهِ. وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ وَمَا يَشْتَرِطُ الرُّؤْيَة مِنْهُ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَاءَ حَيْثُ كَانَ مَمْلُوكًا وَوَرَدَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ بِطَرِيقِهِ الشَّرْعِيِّ الْمَعْلُومِ مِمَّا مَرَّ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ الْمَوْجُودِ مِنْهُ حَالَ الْبَيْعِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ فِي بَيْعِ الصُّبْرَةِ تَكْفِي رُؤْيَةُ ظَاهِرِهَا وَكَذَا سَائِرُ الْمُتَمَاثِلَاتِ وَالْمَاء مِنْهَا فَتَكْفِي رُؤْيَةُ ظَاهِرِ الْمَاءِ الْمَوْجُودِ فِي الْبِئْرِ وَنَحْوهَا وَقَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ لَا تُشْتَرَطُ رُؤْيَتُهُ ضَعِيفٌ وَإِنْ أَفْتَى بِهِ جَمْعٌ وَكَذَلِكَ تُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ مَحَلِّهِ فَفِي الْبِئْرِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَةِ مَا يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ بِهِ عِنْد أَهْلِ الْخِبْرَةِ مِنْ جُدْرَانِهَا وَنَحْوهَا وَفِي نَحْوِ الْقَنَاةِ لَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَتِهَا جَمِيعًا بِأَنْ يُحْبَسَ الْمَاءُ عَنْهَا وَلَا تَكْفِي رُؤْيَتُهَا مِنْ وَرَائِهِ وَإِنْ كَانَ صَافِيًا بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْإِجَارَةِ كَمَا قُرِّرَ فِي مَحَلِّهِ هَذَا مَا تَيَسَّرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الطَّوِيلَةِ الذَّيْل، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلِيُّ التَّوْفِيقِ وَالْهِدَايَةِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي شَخْصٍ وَجَدَ جَارِيَةً ذَاهِبَةً فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا مُدَّةً طَوِيلَةً وَصَارَ يَبْحَثُ عَنْ مَالِكهَا فَلَمْ يَظْفَرْ بِهِ ثُمَّ إنَّهُ تَضَرَّرَ بِسَبَبِ النَّفَقَةِ عَلَيْهَا فَرَفَعَ أَمْرَهَا إلَى قَاضٍ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ شَافِعِيٍّ وَأَخْبَرَهُ بِالْقَضِيَّةِ ثُمَّ إنَّ الْقَاضِي اقْتَضَى رَأْيُهُ الْكَرِيمُ أَنْ يَبِيعَهَا عَلَيْهِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَيَجْعَلهُ تَحْت يَدِ الشَّخْصِ الْمَذْكُورِ لِأَمَانَتِهِ وَدِينِهِ فَأَرْسَلَ إلَى أَرْبَابِ الْخِبْرَةِ مِنْ الدَّلَّالِينَ وَثَمَّنُوا الْجَارِيَةَ الْمَذْكُورَةَ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَأَذِنَ الْقَاضِي لِلشَّخْصِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَدْفَع ثَمَنَ الْجَارِيَةِ الْمَذْكُورَةِ لِمَالِكِهَا إذَا وَجَدَهُ أَوْ لِوَكِيلِهِ أَوْ لِقَيِّمٍ شَرْعِيٍّ عَنْهُ فَاسْتَمَرَّتْ الْجَارِيَةُ الْمَذْكُورَةُ تَحْت يَدِ الشَّخْصِ الْمَذْكُورِ فَهَلْ الْوَطْءُ صَحِيحٌ جَائِزٌ وَالْأَوْلَادُ مِنْهَا أَحْرَارٌ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ وَهَلْ يَبْرَأُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِسَبَبِ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى الْقَاضِي الْمَذْكُورِ بَعْد مَوْتِهِ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ وَحَكَمَ بِالْقَضِيَّةِ الْمَشْرُوحَةِ أَعْلَاهُ فَهَلْ يَكْفِي ذَلِكَ وَإِذَا تَعَذَّرَ شَاهِدٌ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ هَلْ يَكْفِي يَمِينُ الشَّخْصِ مَعَ الْوَاحِدِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) إذَا تَوَفَّرَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي بَيْع الْأَمَةِ الْمَذْكُورَةِ فَبَاعَهَا الْقَاضِي بَيْعًا صَحِيحًا بِشُرُوطِهِ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ حَالًا مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ مَلَكهَا الْمُشْتَرِي وَحَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا فَالْأَوْلَادُ مِنْهَا أَحْرَار وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ فَلَيْسَ لِمَالِكِهَا أَخْذُهَا مِنْهُ وَإِنَّمَا لَهُ الثَّمَنُ فَقَطْ وَإِذَا وَافَقَ ظَاهِرُ الْأَمْر بَاطِنَهُ الْمَذْكُورَ كَانَ الْمُشْتَرِي بَرِيئًا فِي الْآخِرَةِ وَلَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْقَاضِي بِمَا ذُكِرَ إلَّا بِعَدْلَيْنِ وَلَا يَكْفِي عَدْلٌ وَيَمِينٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) فِي شَخْصٍ اشْتَرَى دَارًا وَقَبَضَهَا ثُمَّ أَسْكَنَهَا شَخْصًا آخَرَ ثُمَّ بَعْد

مُدَّةٍ أَقَرَّ بِأَنَّ الدَّارَ الْمَذْكُورَةَ مِلْكٌ مِنْ أَمْلَاكِ السَّاكِنِ الْمَذْكُورِ وَصَدَّقَهُ السَّاكِنُ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَزَلْ مُسْتَمِرًّا عَلَى سُكْنَاهُ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ الْمُقِرُّ الْمَذْكُورُ فَادَّعَى بَعْضُ وَرَثَتِهِ أَعْنِي الْمُقِرَّ الْمَذْكُورَ أَنَّ الدَّارَ الْمَذْكُورَةَ حَالَ الْإِقْرَارِ مَبِيعَةٌ لِشَخْصٍ مَعْلُومٍ بَيْعَ عِدَّةٍ وَأَمَانَةٍ فَهَلْ تُسْمَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى مِنْ الْوَارِثِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ دَعْوَى الْمُشْتَرِي أَوْ تُسْمَعُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِذَا سُمِعَتْ الدَّعْوَى مِمَّنْ يُسَوِّغُ وَثَبَتَ مَا ادَّعَاهُ فَهَلْ تُنْزَعُ الدَّارُ مِنْ السَّاكِن أَوْ لَا وَإِذَا اُنْتُزِعَتْ فَعَادَتْ إلَى الْوَارِثِ بِإِقَالَةٍ أَوْ غَيْرِهَا هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ أَوْ لَا وَهَلْ عَوْدُهَا إلَى الْوَارِثِ بِغَيْرِ إقَالَةٍ كَعَوْدِهَا بِهَا أَمْ لَا وَأُجْرَة الْمِثْلِ مُدَّةَ السُّكْنَى بِالدَّارِ الْمَذْكُورَةِ تَلْزَمُ السَّاكِنَ إذَا قُلْتُمْ بِفَسَادِ الْإِقْرَارِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بَيْعُ الْعِدَّةِ الْخَالِي عَنْ الشَّرْطِ الْمُفْسِدِ صَحِيحٌ عِنْدنَا فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ الدَّعْوَى بِهِ لِأَنَّ الْحَقَّ مُتَمَحِّضٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي وَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِذَلِكَ. فَإِنْ أَثْبَتَ الشِّرَاء مِنْ الْمَيِّتِ قَبْلَ إقْرَارِهِ انْتَزَعَ الْعَيْنَ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ وَيَلْزَمُهُ لِلْمُشْتَرِي أُجْرَةُ مِثْلِهَا مُدَّةَ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهَا وَهِيَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي وَحَيْثُ عَادَتْ لِلْوَارِثِ فَإِنْ كَانَ مُصَدِّقًا لِمُوَرِّثِهِ فِي إقْرَارِهِ انْتَزَعَهَا الْمُقَرّ لَهُ مِنْهُ مُطْلَقًا وَإِلَّا فَإِنْ عَادَتْ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ مُوَرِّثِهِ فَإِنْ كَانَ يَسْلُبُ الْعَوْدَ إلَيْهِ إرْثه كَالْإِقَالَةِ انْتَزَعَهَا مِنْهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ مُوَرِّثِهِ أَوَّلًا مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ لَمْ يَنْتَزِعْهَا مِنْهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلهمْ لَوْ تَزَوَّجَ بِمَجْهُولَةٍ فَاسْتَلْحَقَهَا أَبُوهُ وَلَمْ يَصْدُقهُ لَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ لَهُ ضَيْعَةٌ بِهَا شِرْبٌ مِنْ الْمَاءِ فَبَاعَهَا مِنْ آخَرَ وَلَمْ يَذْكُرْ الشِّرْبَ فَقَالَ الْبَائِعُ لَمْ أَبِعْهُ بَلْ هُوَ بَاقٍ لِي وَقَالَ الْمُشْتَرِي مَا بَذَلْت الْمَالَ الْكَثِيرَ إلَّا لِلضَّيْعَةِ وَشِرْبهَا مَا الْحُكْمُ وَإِذَا قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُكهَا وَأَبَحْت لَك شُرْبهَا بِكَذَا فَقَبِلَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ قَالَ أَرَدْنَا بِهَذَا اللَّفْظِ الْبَيْعَ فِي الْجَمِيعِ فَقَالَ الْبَائِعُ بَلْ فِي الْأَرْضِ فَقَطْ وَإِذَا قَالَ بِعْتُكهَا بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَبِعْتُكَ شِرْبَهَا بِخَمْسِينَ أَوْ وَأَبَحْته لَك بِخَمْسِينَ فَقَالَ قَبِلْتُ بِمِائَةٍ مَا الْحُكْمُ وَلَوْ بَاعَ بِكِنَايَةٍ ثُمَّ مَاتَ أَوْ غَابَ وَلَمْ تُعْلَم نِيَّتُهُ مَا حُكْمُهُ وَلَوْ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ ضَيْعَةً فَأَحْدَثَ فِيهَا عِمَارَةً عَيْنًا وَأَثَرًا ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ عِمَارَتِهِ عَلَى الْبَائِعِ وَأَخْذُ الْعَيْنِ أَمْ لَا وَمَنْ اشْتَرَى ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَرَ وَعَكْسُهُ مِنْ الْمُصَدِّقِ. (فَأَجَابَ) الْمَنْقُولُ أَنَّ بَيْعَ الْأَرْضِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ مَسِيلُ الْمَاءِ وَلَا شِرْبُهَا بِكَسْرِ الشِّين أَيْ نَصِيبَهَا مِنْ الْقَنَاةِ وَالنَّهْرِ الْمَمْلُوكَيْنِ حَتَّى يَشْتَرِطَ ذَلِكَ كَمَا يَقُولُ بِعْتُك الْأَرْضَ بِحُقُوقِهَا أَوْ بِشِرْبِهَا قَالَ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ وَمَحَلُّ هَذَا فِي الْخَارِجِ مِنْ ذَلِكَ عَنْ الْأَرْضِ أَمَّا الدَّاخِلُ فِيهَا فَلَا رَيْبَ فِي دُخُولِهِ اهـ وَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرُوهُ هُنَا قَوْلُهُمْ لَوْ اكْتَرَى أَرْضًا لِزِرَاعَةٍ أَوْ غِرَاسٍ دَخَلَ الشِّرْبُ وَنَحْوه مُطْلَقًا لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمُسْتَأْجَر لَهَا ثُمَّ لَا تَتِمُّ بِدُونِهِ فَلَمْ يَدْخُلْ إلَّا بِالشَّرْطِ بِقَيْدِهِ الْمَذْكُور إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَحَيْثُ اتَّفَقَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي عَلَى عَدَمِ ذِكْرِ الشِّرْبِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ إنْ كَانَ دَاخِلًا فِي الْأَرْضِ مَلَكَهُ الْمُشْتَرِي وَلَا نَظَرَ لِكَلَامِ الْبَائِعِ حِينَئِذٍ وَإِنْ كَانَ خَارِجًا عَنْهَا فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْك الْبَائِعِ وَلَا حَقَّ لِلْمُشْتَرِي فِيهِ وَإِنْ قَالَ إنَّهُ إنَّمَا بَذَلَ الْمَاءَ فِي مُقَابَلَةِ الْأَرْضِ مَعَهُ لِأَنَّ الْقُصُودَ وَالنِّيَّاتِ لَا تُعْتَبَرُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مِمَّا الْمَدَارُ فِيهِ عَلَى اللَّفْظِ وَحْدَهُ وَلَا تَأْثِيرَ فِيهِ لِلنِّيَّةِ وَحْدَهَا فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ الْمُشْتَرِي بِعْتنِي الْأَرْض مَعَ شِرْبِهَا وَقَالَ الْبَائِع إنَّمَا بِعْتُك الْأَرْضَ وَحْدَهَا تَحَالُفًا حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا أَوْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ مُتَعَارِضَتَيْنِ فَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا يَمِينًا يَجْمَعُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا. ثُمَّ إنْ اسْتَمَرَّ نِزَاعُهُمَا فَسَخَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ الْحَاكِمُ وَقَوْلُ السَّائِلِ وَإِذَا قَالَ الْبَائِعُ بِعْتُكهَا وَأَبَحْت لَك شِرْبَهَا بِكَذَا إلَخْ يَحْتَاجُ الْجَوَابُ عَنْهُ إلَى مُقَدِّمَةِ أَنْ أَبَحْتك إيَّاهُ بِكَذَا هَلْ هُوَ مِنْ كِنَايَاتِ الْبَيْعِ وَفِيهَا خِلَافٌ حَرَّرْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَعِبَارَتُهُ وَلَيْسَ مِنْهَا أَيْ الْكِنَايَةِ أَبَحْتُك إيَّاهُ بِكَذَا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْإِبَاحَةِ مَجَّانًا فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهَا اهـ قَالَ شَيْخُنَا أَيْ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ عَهْدَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَإِلَّا أُشْكِلَ بِانْعِقَادِهِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ الْمُصَرَّح فِيهِ بِأَنَّهُ مَعَ ذِكْرِ الْعِوَضِ صَرِيحٌ فِي الْبَيْعِ اهـ وَيُجَاب بِأَنَّ اقْتِرَانَ الْعِوَضِ بِالْهِبَةِ يَمْنَعُ انْصِرَافَهَا لِمَعْنَاهَا مِنْ التَّمَكُّنِ مَجَّانًا وَيَصْرِفُهَا إلَى التَّمْلِيكِ بِعِوَضٍ بِخِلَافِ الْإِبَاحَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ

لَهَا مَعْنًى مُسْتَقِرٌّ حَتَّى يَكُونَ ذِكْرُ الثَّمَنِ صَارِفًا لَهُ لِأَنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي الِانْتِفَاعِ لَا فِي تَمْلِيكِ الْعَيْنِ كَمَا حَقَّقْته فِي بَعْض الْفَتَاوَى أَخْذًا مِنْ كَلَامهمْ ثُمَّ أَنْ تَأْتِيَ الِانْتِفَاعَ بِغَيْرِ اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ كَانَتْ كَالْإِعَارَةِ وَإِلَّا كَانَتْ كَالضِّيَافَةِ فَيَمْلِكُ قُبَيْلَ الِازْدِرَاءِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ فَعُلِمَ أَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْكِنَايَةِ هُنَا لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ تَمْلِيكَ الْعَيْنِ ابْتِدَاءً بِوَجْهٍ انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْإِرْشَادِ. وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ لَفْظَ الْإِبَاحَةِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كِنَايَاتِ الْبَيْعِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ بِعْتُك الْأَرْضَ وَأَبَحْتُكَ شِرْبَهَا بِكَذَا مُشْتَمِلًا عَلَى مَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَهُوَ الْأَرْضُ وَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعه وَهُوَ الشِّرْبُ مِنْ حَيْثُ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْإِبَاحَةِ فِيهِ فَتَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْأَرْضِ وَيَبْطُلُ فِي الشِّرْب وَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إنْ جَهِلَ مَا ذُكِرَ فِي الْإِبَاحَةِ فَإِنْ أَجَازَ الْبَيْعَ أَوْ عَلِمَ حُكْمَ الْإِبَاحَةِ الْمَذْكُورَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا قِسْطُ الْأَرْضِ مِنْ الثَّمَنِ بِاعْتِبَارِ تَوْزِيعِهِ عَلَى قِيمَتِهَا وَقِيمَةِ الشِّرْبِ فَإِذَا قِيلَ قِيمَتُهَا مِائَةٌ وَقِيمَةُ الشِّرْبِ عِشْرُونَ خَصَّهَا مِنْ الثَّمَنِ خَمْسَة أَسْدَاسِهِ وَبَطَلَ الْبَيْعُ فِي سُدُسِهِ الْمُقَابِلِ لِلشُّرْبِ فَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِي خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الثَّمَنِ فَقَطْ وَقَوْلُ الْبَائِعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَعْنِي قَوْله بِعْتُكهَا وَأَبَحْت لَك شِرْبهَا بِكَذَا إنَّمَا أَرَدْت الْبَيْعَ فِي الْأَرْضِ فَقَطْ أَيْ حَتَّى يَجِبَ كُلّ الثَّمَنِ وَيَأْخُذَ الشِّرْبَ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ لِأَنَّ لَفْظَهُ يُنَاقِضُ مَنْوِيَّهُ فَيَلْغُو وَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْأَرْضِ بِقِسْطِهَا مِنْ الثَّمَنِ فِي الشِّرْبِ وَمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا تَقَرَّرَ وَقَوْلُ السَّائِلِ وَإِذَا قَالَ بِعْتُكَهَا بِخَمْسِينَ دِينَارًا إلَخْ يُحْتَاجُ لِمُقَدَّمَةٍ أَيْضًا هِيَ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا خِلَافًا فِي عَكْسِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَهُوَ مَا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا بِأَلْفٍ فَقَالَ قَبِلْت نِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَنِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْإِرْشَادِ فِي هَذِهِ فَقَالَ قَبِلْت نِصْفه بِخَمْسِمِائَةٍ وَنِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ أَيْ فَلَا يَصِحُّ عَلَى مَا أَشْعُرُ بِهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَمَال إلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ لَكِنْ أَقَرَّ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ الْمُتَوَلِّي عَنْ الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ مَعَ تَسْلِيمِهِ اسْتِشْكَالَ الرَّافِعِيِّ لَهَا بِأَنَّهُ أَوْجَبَ لَهُ عَقْدًا فَقَبِلَ عَقْدَيْنِ لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ وَلَوْ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَلَا تَنَافِي خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ لِأَنَّهُ سَلَّمَ الصِّحَّةَ مِنْ حَيْثُ النَّقْلُ وَالِاسْتِشْكَالَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ نَوَى تَفْصِيلَ مَا أَجْمَله الْبَائِعُ دُونَ تَعَدُّدِ الْعَقْدِ صَحَّ وَإِنْ أَطْلَقَ أَوْ نَوَى تَعَدُّدَ الْعَقْدِ لَمْ يَصِحَّ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْكَلَامَانِ ثُمَّ رَأَيْت فِي كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ وَقَوْلُهُمْ الصَّفْقَةُ تَتَعَدَّدُ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا وَقَعَ التَّفْصِيلُ مِنْ جِهَةِ مَنْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ كَ (بِعْتُكَ) بِهَذَا نِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَنِصْفه بِخَمْسِمِائَةٍ فَيَقُولُ قَبِلْت أَوْ قَبِلْته بِأَلْفٍ لِأَنَّ الْقَبُولَ حِينَئِذٍ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِيجَابِ الْمُفَصَّلِ فَوَقَعَ مُفَصَّلًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَجْمَلَ الْبَائِعُ أَوَّلًا وَفَصَّلَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ أَوْجَدَ مَا يُنَافِي الْإِجْمَالَ فَلَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُقَالَ إنَّ قَبُولَهُ وَقَعَ مُجْمَلًا فَفَصَّلْنَا فِيهِ بَيْن أَنْ يَقْصِد تَفْصِيل ذَلِكَ فَيَصِحّ أَوَّلًا فَيَبْطُل. أَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَوَاضِحٌ وَأَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ التَّفْصِيل مِنْ حَيْثُ هُوَ يُنَافِي الْإِجْمَال وَقَضِيَّة كَلَامه خِلَافًا لِلشَّارِحِ أَيْ الْجَوْجَرِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا بِدِرْهَمٍ وَهَذَا بِدِينَارٍ فَقَالَ قَبِلْت أَحَدَهُمَا صَحَّ أَوْ بِعْتُك هَذَيْنِ بِأَلْفٍ كُلّ وَاحِدٍ بِخَمْسِمِائَةٍ فَقَبِلَ أَحَدَهُمَا صَحَّ لِلتَّوَافُقِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي حُكْمِ صَفْقَتَيْنِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَفِي بِعْتُك سَالِمًا وَغَانِمًا هَذَيْنِ بِأَلْفٍ يَصِحُّ قَبُولُهُمَا بِهَا وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ سَالِمًا مِنْ غَانِمٍ بِخِلَافِ سَالِمٍ بِأَلْفٍ وَغَانِمٍ بِخَمْسِمِائَةٍ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِمَا وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى قَبُولِ أَحَدِهِمَا هُنَا جَائِزٌ فَاشْتَرَطَ أَنْ يَعْرِفَهُمَا حَتَّى يَقْبَلهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا وَثَمَّ يَتَعَيَّنُ قَبُولُهُمَا مَعًا أَوْ تَرْكُهُمَا مَعًا فَلَا فَائِدَةَ لِمَعْرِفَتِهِمَا انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَمِنْهَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُكهَا بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَشِرْبهَا بِخَمْسِينَ دِينَارًا فَقَالَ قَبِلْت بِمِائَةٍ صَحَّ فِيهِمَا وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُكهَا بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَأَبَحْت لَك شِرْبهَا بِخَمْسِينَ دِينَارًا فَقَالَ قَبِلْت بِمِائَةٍ صَحَّ فِي الْأَرْضِ بِخَمْسِينَ وَلَا يَصِحُّ فِي الشِّرْب وَالْحُكْمِ فِي هَذِهِ وَاضِحٌ مِمَّا قَدَّمْته فِي بِعْتُكهَا وَأَبَحْت لَك شِرْبَهَا بِكَذَا. وَأَمَّا الْأُولَى فَوَجْهُ الصِّحَّةِ فِيهَا أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ مِمَّا قَرَرْته فِي بِعْتُك هَذَا بِدِرْهَمٍ وَهَذِهِ بِدِينَارٍ أَنَّهُ فِي صُورَتِنَا مُخَيَّرٌ بَيْنَ قَبُولِ الْأَرْضِ وَالشِّرْب مَعًا وَقَبُول أَحَدِهِمَا وَإِذَا جَوَّزْنَا لَهُ قَبُولَهُمَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ

تنوير البصائر والعيون بإيضاح حكم بيع ساعة من قرار العيون

يَقُولَ قَبِلْت الْأَرْضَ بِخَمْسِينَ وَالشِّرْبَ بِخَمْسِينَ أَوْ يَقُولَ قَبِلْتهمَا بِمِائَةٍ لِمَا عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْته فِي نِصْفِهِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَنِصْفِهِ بِخَمْسِمِائَةٍ أَنَّ الصَّفْقَةَ قَدْ تَعَدَّدَتْ بِتَفْصِيلِ الْبَائِعِ لِكَوْنِهِ ابْتَدَأَ بِالتَّفْصِيلِ فَيَكُون الْقَبُولُ عَلَى وَفْقِهِ سَوَاءٌ أَوَقَعَ مُفَصَّلًا مِثْله أَمْ مُجْمَلًا كَمَا بَيَّنْته فِيمَا مَرَّ بِقَوْلِي وَقَوْلِهِمْ الصَّفْقَةُ تَتَعَدَّدُ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ يَحْمِلُ عَلَى مَا إذَا وَقَعَ التَّفْصِيلُ مِنْ جِهَةِ مَنْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ إلَخْ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّ فِيهِ الْفَرْقَ بَيْن صُورَتِنَا هَذِهِ الْمَذْكُورَةَ فِي السُّؤَالِ وَعَكْسَهَا الَّتِي هِيَ صُورَةُ الْخِلَافِ الَّذِي حَكَيْنَاهُ آنِفًا وَإِذَا مَاتَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ بِالْكِنَايَةِ وَلَمْ يَدْرِ هَلْ نَوَى بِهَا الْبَيْعَ أَوْ الشِّرَاءَ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا وَكَانَ الْمَبِيعُ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ الْمُحَقَّقُ فَلَا يُعْدَل عَنْهُ إلَّا بِيَقِينٍ وَأَمَّا إذَا غَابَ فَيَنْتَظِرُ إلَى أَنْ يَحْضُرَ أَوْ يُرْسَلَ إلَيْهِ حَتَّى تُعْلَمَ نِيَّتُهُ. [تَنْوِيرُ الْبَصَائِرِ وَالْعُيُونِ بِإِيضَاحِ حُكْمِ بَيْعِ سَاعَةٍ مِنْ قَرَارِ الْعُيُونِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَ فِيهَا بِجَوَابٍ مُخْتَصَرٍ ثُمَّ بَلَغَهُ أَنَّ بَعْضَ الْمُفْتِينَ أَفْتَى فِيهَا بِخِلَافِ ذَلِكَ فَصَنَّفَ فِيهَا تَصْنِيفًا سَمَّاهُ بِتَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ وَالْعُيُونِ بِإِيضَاحِ حُكْمِ بَيْعِ سَاعَةٍ مِنْ قَرَارِ الْعُيُونِ وَقَدْ أَرَدْت أَنْ أَذْكُرَهُ بِرُمَّتِهِ هُنَا وَإِنْ كَانَ تَصْنِيفًا مُسْتَقِلًّا لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْفَتَاوَى بِاعْتِبَارِ أَصْلِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ وَذَلِكَ التَّصْنِيفُ (أَحْمَدُك) اللَّهُمَّ أَنْ أَبْقَيْت فِي هَذَا الْعَالَمِ طَائِفَةً ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ إلَى أَنْ يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً أَنْجُو بِهَا مِنْ أَنْ أُنْظَمَ فِي سِلْكِ مَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ لِمَا أَنَّهُ اتَّخَذَ إلَهَهُ هَوَاهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللَّهُ قَاصِمًا لِظُهُورِ الْمُعَانِدِينَ بِحُجَّةِ مَنْطِقِهِ وَفَحْوَاهُ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ لَمْ يَخْشَوْا فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ وَلَمْ يَلْتَفِتُوا لِمَا سِوَاهُ مَا قَامَ بِنُصْرَةِ هَذَا الدِّينِ مَنْ فَرَغَ نَفْسَهُ لِلَّهِ وَرَاقَبَهُ فِي سِرِّهِ وَنَجَوَاهُ (أَمَّا بَعْدُ) . فَإِنَّ الْعِلْمَ بِحَمْدِ اللَّهِ لَمْ تَزُلْ أَنْدِيَتُهُ غَاصَّةً بِأَهْلِهَا وَرِيَاضُهُ مُغْدِقَةً بِوَبْلِهَا وَحَدَائِقُهُ بِهَا حَدَقُ التَّحْقِيقِ مُحَدِّقَةٌ وَرُبُوعُهُ مَحْفُوظَةٌ بِلَوَامِعِ الْحُجَجِ الْمُوَثَّقَةِ وَعَرَائِسُهُ سَافِرَةُ النِّقَابِ لِمَنْ بَذَلَ لَهَا مِلْكَ نَفِيسَهُ مَصُونَةَ الْحِجَابِ عَمَّنْ تَطَاوَلَ إلَيْهَا بِمُجَرَّدِ تَمَنِّيه وَهَوِيسه وَأَهْلُهُ هُمْ قِوَامُ الدِّينِ وَقِوَامُهُ وَبِهِمْ ائْتِلَافُهُ وَانْتِظَامُهُ وَعَلَيْهِمْ الْمُعَوَّلُ فِي عَقْلِ الشَّوَارِدِ وَتَقْيِيدِ الْأَوَابِد بِمُحَكِّمِ الْبُرْهَانِ وَوَاضِحِ التِّبْيَانِ لِمَا أَنَّ اللَّهَ أَخَذَ عَلَيْهِمْ الْمِيثَاقَ أَنْ يُبَيِّنُوهُ وَلَا يَكْتُمُوهُ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُونُوا كَاَلَّذِينَ نَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَطَرَحُوهُ فَلِذَلِكَ وَجَبَ عَلَى مَنْ عَلِقَ بِأَذْيَالِهِمْ وَدَخَلَ تَحْت نِعَالِهِمْ وَتَأَسَّى بِأَفْعَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ وَتَأَهَّلَ لِفَهْمِ عِبَارَاتهمْ وَأَحَاطَ بِإِشَارَاتِهِمْ أَنْ لَا يَجْمُدَ عَلَى ظَوَاهِرِ الْعِبَارَاتِ وَأَنْ لَا يَرْكَنَ إلَى الْبِدْعَةِ وَالْعِنَادِ أَوْ الْجَهْلِ أَوْ الْبَطَالَاتِ فَإِنَّ ذَلِكَ مُتَكَفِّلٌ بِالْحِرْمَانِ وَقَاضٍ بِالْخِذْلَانِ نَسْأَلُ اللَّهَ النَّجَاةَ مِنْ الْمَهَالِكِ وَأَنْ يَسْلُكَ بِنَا أَوْضَحَ الْمَسَالِكِ أَنَّهُ بِكُلِّ خَيْرٍ كَفِيلِ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. هَذَا وَالدَّاعِي لِي الْآن ثَالِثُ رَجَب أَسْأَلُ اللَّهَ نَيْلَ الْإِرْبَ إلَى تَأْلِيفِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُحْتَوِي عَلَى غَايَةٍ مِنْ التَّحْقِيقِ وَفَصْل الْخِطَابِ الْمَوْسُومِ (بِتَنْوِيرِ الْبَصَائِرِ وَالْعُيُونِ بِإِيضَاحِ حُكْمِ بَيْعِ سَاعَةٍ مِنْ قَرَارِ الْعُيُونِ) أَنَّهُ رُفِعَ إلَيَّ فِي أَثْنَاءِ شَهْرِ جَمَادِي الْآخِرَةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَتِسْعمِائَةِ شَوَّال فِي بَيْعِ سَاعَتَيْنِ مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا فَأَجَبْت عَنْهُ بِجَوَابٍ طَوِيلٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى تَفْصِيلٍ فِي ذَلِكَ ثُمَّ رُفِعَ إلَيَّ السُّؤَالُ ثَانِيًا بِأَخْصَرَ مِنْ الْأَوَّلِ وَطُلِبَ مِنِّي اخْتِصَارُ الْجَوَابِ فَاخْتَصَرْته ثُمَّ بَلَغَنِي أَنَّ جَمْعًا خَالَفُونِي فِي ذَلِكَ تَشَبُّثًا بِإِطْلَاقِ الْإِمَامِ الْبُلْقِينِيُّ مَعَ أَنِّي بَيَّنْت فِي كُلٍّ مِنْ ذَيْنِك الْجَوَابَيْنِ مَعْنَاهُ وَمُجْمَلَهُ وَاسْتَدْلَلْت عَلَى ذَلِكَ بِكَلَامِ الْأَئِمَّةِ وَقَوَاعِدِهِمْ فَلَمْ يَسْمَعُوا لِذَلِكَ قِيلًا بَلْ أَفْتَوْا بِمَا سَيُنَبِّئُك عَنْهُمْ أَنَّهُمْ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا وَكَيْفَ وَالْعُمْرُ قَدْ ذَهَبَ إمَّا فِي اللَّهْوِ وَالطَّرِبِ أَوْ فِي تَفَهُّمِ كَلَامِ الْعَرَبِ أَوْ فِي تَحْصِيلِ الْحُطَامِ مِنْ وَجْهٍ حَلَالٍ أَوْ مِنْ حَرَامٍ وَأَنِّي لِمَنْ هَذَا وَسْمُهُ وَتَأَسَّسَ عَلَيْهِ رَسْمُهُ أَنْ يَتَحَدَّثَ بِالْبَرَازِ أَوْ يَقْرَبَ مِنْ هَذَا الْمَجَازِ تَاللَّهِ لِيُقَامُنَّ عَلَيْهِمْ مِنْ الْحُجَجِ مَا يَقْصِم ظُهُورَهُمْ وَيَمْنَعُ ظُهُورَهُمْ وَفَاءً بِذَلِكَ الْمِيثَاقِ الْأَكِيدِ وَرَجَاءً لِحُصُولِ الْمَزِيدِ فَإِنَّ عَلَّامَ الْغُيُوبِ هُوَ الْمُطَّلِعُ عَلَى الْقُلُوبِ أَسْأَلُهُ بِعِزِّ رُبُوبِيَّتِهِ وَكَمَالِ صَمَدِيَّتِهِ أَنْ يُعَاجِلَ مَنْ تَعَمَّدَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ عَصَبِيَّةً أَوْ عِنَادًا أَوْ هَوًى

أَوْ فَسَادًا بِسَطَوَاتِ انْتِقَامِهِ وَحِرْمَان أَنْعَامِهِ وَأَنْ يُوَفِّقنَا أَجْمَعِينَ لِسُلُوكِ سُنَنِ الْهُدَى وَلِاجْتِنَابِ سَبَبِ الرَّدَى إنَّهُ أَقْرَبُ مُجِيبٍ. وَمَا تَوْفِيقِي إلَّا بِاَللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَإِلَيْهِ أُنِيبَ وَرَتَّبْته عَلَى مُقَدِّمَةٍ وَخَاتِمَةٍ وَسَبْعَةِ أَبْوَابِ أَمَّا الْمُقَدِّمَةُ فَفِي ذِكْرِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ بِنَوْعَيْهِمَا وَأَمَّا الْأَبْوَابُ فَأَرْبَعَةٌ فِي ذِكْرِ أَحْوَالِ الْمَسْأَلَةِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي فَصَّلْتهَا فِي كُلِّ مِنْ الْجَوَابَيْنِ وَالْخَامِسُ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَا وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ التَّنَاقُضِ فِي بَيْعِ الْمَاءِ وَالْقَرَارِ وَبَيَانِ الْجَمْعِ بَيْن عِبَارَتِهَا وَرَدِّ مَا وَقَعَ فِي ذَلِكَ لِلْمُتَكَلِّمِينَ عَلَيْهَا وَالسَّادِسُ فِي بَيَانِ حُكْمِ عُيُونِ مَكَّةَ بِخُصُوصِهَا وَهَلْ هِيَ مَمْلُوكَةٌ مَنْبَعًا وَمَجْرًى وَهَلْ يَصِحُّ بَيْعُهَا أَوَّلًا وَالسَّابِعُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ وَفِي بَيَانِ مَا يُنْقَضُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي وَمَا لَا يُنْقَضُ وَأَمَّا الْخَاتِمَةُ فَفِي ذِكْرِ مَا اطَّلَعْت عَلَيْهِ مِنْ أَجْوِبَةِ الْمُخَالِفِينَ وَالْكَلَامِ عَلَيْهَا وَبَيَانِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِمَّا يُصَمُّ عَنْهُ الْآذَانُ وَتَتَنَزَّهُ عَنْ تَصَوُّرِهِ الْأَذْهَانُ وَالْمَسْئُولُ مِنْ كَرَمِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ أَنْ يُهْدِيَنِي إلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ وَأَنْ يَجْعَلَنِي مِمَّنْ أَعَلَا شَرَفَهُمْ بِقَوْلِهِ {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173] . (مُقَدِّمَةٌ رُفِعَ إلَيَّ سُؤَالٌ صُورَتُهُ مَا قَوْلُكُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكُمْ فِيمَا إذَا بَاعَ شَخْصٌ مِنْ آخَرَ حِصَّةً مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا جَارِيَةً وَهَذِهِ الْحِصَّةُ قَدْرُهَا سُدُسُ سَهْمٍ مِنْ أَرْبَعَةِ عَشْرَ سَهْمًا مُشَاعًا مِنْ جَمِيعِ الْعَيْنِ لَكِنْ عَبَّرَ عَنْهَا فِي مَكْتُوبِ الشِّرَاءِ بِمَا يَتَعَارَفُهُ أَهْلُ عُيُونِ بَلْدَةِ الْبَيْعِ مِنْ التَّعْبِيرِ عَنْ أَجْزَاءِ السَّهْمِ مِنْ الْقَرَارِ وَالْمَاءِ الْجَارِي بِهِ بِالسَّاعَاتِ وَعَنْ السَّاعَةِ مِنْ ذَلِكَ بِالْوَجْبَةِ الَّتِي هِيَ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً كَمَا يُعَبِّرُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ بِالْأَصَابِعِ وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ فِي بَلَدِ الْبَيْعِ كُلِّهِ سَقِيَّة لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّ الشَّرِيكَ فِي الْقَرَارِ شَرِيكٌ فِي الْمَاءِ التَّابِعِ لَهُ مِنْ أَجْلِ مُشَارَكَتِهِ فِي الْقَرَارِ فَعَبَّرَ كَاتِبُ الشِّرَاءِ عَنْ الْمَبِيعِ الَّذِي هُوَ حِصَّةٌ مِنْ الْقَرَارِ بِمَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ وَفِيمَا هُوَ تَابِعٌ لَهُ مِنْ الْمَاءِ وَمُلَخَّصُ عِبَارَةِ مَكْتُوبِ الشِّرَاءِ بَعْد أَنْ أَذِنَ الْحَاكِمُ الشَّرْعِيُّ فُلَانٌ الشَّافِعِيُّ لِفُلَانٍ الْفُلَانِيِّ فِي شِرَاءِ الْمَبِيعِ الْآتِي ذِكْرُهُ لِنَفْسِهِ وَلِبَقِيَّةِ وَرَثَةِ وَالِدِهِ مِنْ الْبَائِعِ الْآتِي ذِكْرُهُ بِالثَّمَنِ الْآتِي ذِكْرُهُ فِيهِ إذْنًا صَحِيحًا شَرْعِيًّا اشْتَرَى فُلَانٌ الْفُلَانِيُّ الْمَأْذُونُ لَهُ لِنَفْسِهِ وَلِبَقِيَّةِ وَرَثَةِ وَالِدِهِ الْمَشْمُولِينَ بِحَجَرِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ مِنْ فُلَانٍ الْبَائِعِ عَنْ نَفْسِهِ جَمِيعَ الْحِصَّةِ السَّقِيَّةِ الَّتِي قَدْرُهَا سَاعَتَانِ مِنْ قَرَارِ الْعَيْنِ الْفُلَانِيَّةِ بِمَا لِلْحِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ حَقٍّ مِنْ قَرَارِ الْعَيْنِ الْمَذْكُورَةِ وَمَقَرِّهَا وَمَمَرِّهَا وَشُعُوبِهَا وَذُيُولِهَا وَمَجَارِي مَائِهَا وَمِنْ مَائِهَا الْجَارِي بِهَا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى اشْتِرَاءً صَحِيحًا شَرْعِيًّا مُسْتَكْمِلًا لِشَرَائِطِ الصِّحَّةِ وَاللُّزُومِ بِثَمَنِ جُمْلَتِهِ كَذَا مَقْبُوض بِيَدِ الْبَائِعِ مِنْ الْمُشْتَرِي وَتَسَلَّمَ الْبَائِعُ الثَّمَنَ وَسَلَّمَ لِلْمُشْتَرِي جَمِيعَ الْمَبِيعِ الْمَذْكُورِ تَسَلُّمًا شَرْعِيًّا بَعْد الرُّؤْيَةِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْمُعَاقَدَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَثَبَتَ ذَلِكَ عِنْد الْحَاكِمِ الشَّافِعِيِّ الْآذِنِ الْمَذْكُورِ وَحَكَمَ بِمُوجِبِهِ وَمَاتَ الْحَاكِمُ وَالْمُتَعَاقِدَانِ وَالشَّاهِدَانِ فَهَلْ هَذَا الْحُكْمُ صَحِيحٌ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ هُوَ صَحِيحٌ فَهَلْ يَقْتَضِي صِحَّةَ التَّبَايُعِ الْمَذْكُورِ أَمْ فَسَاده وَهَلْ لِحَاكِمٍ شَرْعِيٍّ نَقْضُ التَّبَايُعِ وَالْحُكْمُ بِهِ أَمْ لَا لَا سِيَّمَا مَعَ كَوْنِ الْحَاكِمِ الشَّافِعِيِّ الْمَذْكُورِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْوَافِرِ وَكَمَالِ النَّظَرِ فِي فُرُوعِ الْفِقْهِ وَغَيْرِهِ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ بِذَلِكَ وَهَلْ يَقْتَضِي صِحَّةُ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ قَوْلَ الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رَوْضَتِهِ. وَلَوْ بَاعَ الْمَاءَ مَعَ قَرَارِهِ نَظَرَ إنْ كَانَ جَارِيًا فَقَالَ بِعْتُك هَذِهِ الْقَنَاةَ مَعَ مَائِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ جَارِيًا وَقُلْنَا الْمَاءُ لَا يُمَلَّكُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِي الْمَاءِ وَفِي الْقَرَارِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَقَوْلُهُ بَعْد ذَلِكَ بِنَحْوِ أَرْبَعَةِ أَسْطُرٍ وَلَوْ بَاعَ جُزْءًا شَائِعًا مِنْ الْبِئْر أَوْ الْقَنَاةِ جَازَ وَمَا يَنْبَعُ مُشْتَرَكٌ بَيْنهمَا أَمْ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ صِحَّةَ مَا ذَكَرُوا وَاذَا قُلْتُمْ إنَّ قَوْلَهُ وَفِي الْقَرَارِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ يُرَجِّحُ صِحَّةَ بَيْعِ الْقَرَارِ فَقَطْ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فَهَلْ يَكُونُ الْمُشْتَرِي مُسْتَحِقًّا لِلْمَاءِ النَّابِعِ بِهِ لِكَوْنِهِ نَابِعًا فِي مِلْكِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَأَيْضًا فَهَلْ التَّعْبِيرُ فِي مَكْتُوبِ الشِّرَاءِ عَنْ الْحِصَّةِ الْمَبِيعَةِ مِنْ الْقَرَارِ بِقَوْلِهِ الْحِصَّةُ السَّقِيَّة الَّتِي قَدْرُهَا سَاعَتَانِ مِنْ قَرَار الْعَيْنِ الْفُلَانِيَّةِ مُخِلٌّ بِالتَّبَايُعِ أَوْ بِالْحُكْمِ بِهِ أَوْ غَيْرُ مُخِلٍّ بِذَلِكَ

لِإِمْكَانِ تَأْوِيلِهَا بِمَا يُصَحِّحُهَا. فَأَجَابَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ قَدْ اُسْتُفْتِيَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ السِّرَاجُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ نَفْسُهُ بِشَيْءٍ وَبَيَانه أَنَّ الْجَمَّالَ بْنَ ظَهِيرَةَ قَالَ فِي سُؤَالِهِ لَهُ الْعُيُونُ الَّتِي بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ بِلَادِ الْحِجَازِ لَا يُعْرَفُ الَّذِي يَنْبُعُ مِنْهَا غَالِبًا. وَإِنَّمَا يَجْرِي فِي مَجَارٍ إلَى أَنْ يَبْرُزَ إلَى الْأَرْضِ الَّتِي يَسْقِيهَا وَيَتَبَايَعُونَهُ بِاللَّيَالِيِ وَالْأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ يَشْتَرِي الشَّخْصُ مِنْ آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ النَّهَارِ إلَى اللَّيْلِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا وَيَمْلِكهُ ثُمَّ قَالَ السَّائِلُ بَعْد أَسْطُرٍ وَجَرَتْ عَادَتُهُمْ أَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ اشْتَرَى فُلَان مِنْ فُلَانٍ سَاعَةً مِنْ قَرَارٍ كَذَا فَهَلْ ذَلِكَ مُعْتَبَرٌ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَطَالَ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُصَرِّحْ فِي جَوَابِ السُّؤَالِ الثَّانِي بِشَيْءٍ مِنْ النُّسْخَةِ الَّتِي رَأَيْتهَا الْآنَ وَإِنَّمَا أَجَابَ فِي الْحَقِيقَةِ عَنْ الْأَوَّلِ فَقَطْ وَعِبَارَتُهُ بَعْد فَرْضِهِ الْكَلَامَ فِي مِلْكِ مَحَلِّ النَّبْعِ وَالْمَجْرَى وَأَمَّا شِرَاءُ الْمَاءِ الْمَذْكُورِ سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ أَوْ اللَّيْلِ فَهَذَا لَا يَصِحُّ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ وَبَعْد فَرْضِهِ الْكَلَامَ فِي مِلْكِ الثَّانِي فَقَطْ إذَا صَدَرَ بَيْعٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى الْمَاءِ الْكَائِنِ فِي الْأَرْضِ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ ثُمَّ قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ فِي السُّؤَالِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الْأَصْلَ الَّذِي يَنْبُعُ مِنْهُ غَالِبًا جَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَالتَّبَايُعُ الْوَاقِعُ بِاللَّيَالِيِ وَالْأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ كُلُّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ مِلْكًا لِلْبَائِعِ فِي ذَلِكَ وَلَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَلَوْ فَرَّعْنَا عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ الْمَاءَ يُمْلَكُ فَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَا سَبَبٌ يَقْتَضِي مِلْكَ الْمَاءِ اهـ فَهُوَ مُطْلَقٌ لِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الْمَاءِ الْمُقَدَّرِ بِسَاعَةٍ مَثَلًا وَغَيْر مُتَعَرِّضٍ لِخُصُوصِ مَا إذَا بِيعَتْ سَاعَة مَثَلًا مِنْ قَرَار كَذَا وَإِنْ أَكَّدَ بِكُلٍّ لِأَنَّ تَعْلِيلَهُ بَعْدَهَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْمَبِيعَ هُوَ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْقَرَارِ وَهَذَا الْفَرْضُ الْمَخْصُوصُ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلْقَرَارِ وَالزَّمَانِ مَعًا فَمَا الْمُعْتَبَرُ مِنْهُمَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ فَلَمْ يُجِبْ عَنْ هَذَا الْخُصُوصِ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا أُجِيبَ بِكَلَامٍ مُطْلَقٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَعَلَى تَسْلِيمِ شُمُولِهِ لَهُ فَهُوَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ بَعْد مِنْ أَيْ مِنْ مَاءِ كَذَا إذْ لَا يَظْهَرُ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فِي هَذَا الْفَرْضِ الْمَخْصُوصِ إلَّا بِتَقْدِيرِ ذَلِكَ الْمُضَافِ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ إذْ اللَّفْظُ كَمَا يُحْتَمَلُ تَقْدِيرُهُ فَيَبْطُلُ يُحْتَمَلُ عَدَمُ تَقْدِيرِهِ وَارْتِكَابُ مَجَازٍ فِيهِ فَيَصِحُّ بِأَنْ يُرَادَ بِالسَّاعَةِ الْجُزْءُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا لِأَنَّ مِنْ هُنَا لِلتَّبْعِيضِ لَا غَيْرُ كَمَا لَا يَخْفَى وَمِنْ التَّبْعِيضِيَّةُ صَرِيحَةٌ فِي اتِّحَادِ مَا قَبْلهَا مَعَ مَا بَعْدهَا مَفْهُومًا وَحَقِيقَةً فَهِيَ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَةِ الْجُزْءُ إذْ لَا يُقَالُ سَاعَة مِنْ مَحَلِّ كَذَا إلَّا بِارْتِكَابِ ذَلِكَ التَّجَوُّزِ وَإِذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ تَصْحِيحِ لَفْظ بِتَجَوُّزٍ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ رَابِطًا لَهُ بِتَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ كَانَ تَصْحِيحُهُ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِهِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ احْتِمَالَ الصِّحَّةِ مُقَدَّمٌ عَلَى احْتِمَالِ الْبُطْلَانِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَاعِدَة أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ غَالِبًا عَمَلًا بِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي الْعُقُودِ الْجَارِيَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الصِّحَّةُ وَإِنْ كَانَتْ خِلَافَ الْأَصْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمَجَازَ أَوْلَى مِنْ الْإِضْمَارِ عَلَى قَوْلٍ قَالَ بِهِ كَثِيرُونَ وَعَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّهُمَا سِيَّانِ لِاحْتِيَاجِ كُلِّ مِنْهُمَا إلَى قَرِينَةٍ فَالْمَجَازُ هُنَا أَوْلَى عَمَلًا بِقَاعِدَةِ أَنَّ تَصْحِيحَ اللَّفْظِ حَيْثُ أَمْكَنَ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِهِ وَقَدْ عَوَّلُوا عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ التَّبْعِيضِيَّةُ فِي بَعْضِ مَسَائِلِ الصُّبْرَةِ وَلَمْ يَنْظُرُوا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ أَوْ بَيَانٍ لِمَفْعُولٍ مَحْذُوفٍ إلَّا عَلَى بَحْثٍ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ قَيَّدَهُ بِمَا إذَا أَرَادُوا فَلْيُعَوِّلُوا عَلَيْهَا هُنَا كَذَلِكَ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ إذَا أَرَادَا بِقَوْلِهِمَا سَاعَةً أَوْ سَاعَتَيْنِ مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا جُزْءًا مُعَيَّنًا مِنْ مَحَلِّ النَّبْعِ أَوْ الْمَجْرَى الْمَمْلُوكِ صَحَّ الْبَيْعُ نَظِيرَ مَا ذَكَرُوهُ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا بَيْعُ ذِرَاعٍ مِنْ أَرْضٍ مَعَ إرَادَةِ الشُّيُوعِ أَوْ التَّعْيِينِ وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى أَنَّ الشُّيُوعَ لَا يُفْهَمُ مِنْ مُطْلَقِ لَفْظِ الذِّرَاعِ إلَّا بِتَأْوِيلٍ وَمِنْهَا الْبَيْعُ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ إلَّا مَا يَخُصُّ أَلْفًا أَوْ بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا وَأَرَادَ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْقِيمَةِ الْمَعْلُومَةِ بَلْ فِي مَسْأَلَتِنَا أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ هَذِهِ لِأَنَّ مَا أَرَادَ فِيهَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ قَوْلِهِمَا مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا وَمَا أَرَادَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ بَلْ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ وَتَخَيُّل فَرْقٍ بَيْنَ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِذَاتِهِ وَلِذَا جَازَ

الِاسْتِبْدَالُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ غَيْرَ مُؤَثِّرٍ لِأَنَّ الْإِرَادَةَ لَهَا تَأْثِيرٌ فِي الْمَبِيعِ أَيْضًا كَمَا قَالُوهُ فِي مَسَائِلِ الذِّرَاعِ وَالصَّاعِ وَغَيْرِهَا فَإِنَاطَةُ الْحُكْمِ بِهَا لَا تُنَافِي قَصْدَهُ لِذَاتِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يُكْتَفَ بِالنِّيَّةِ فِيمَا إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةُ الْقِيمَةِ وَنَوَيَا أَحَدَهَا لِأَنَّ اللَّفْظَ هُنَا وَهُوَ قَوْلُهُ بِعَشْرَةٍ مَثَلًا لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى شَيْءٍ وَضْعًا وَلَا قَرِينَة فَلَوْ أَثَّرَتْ النِّيَّةُ مَعَهُ لَكَانَ فِيهِ إعْمَالٌ لَهَا وَحْدَهَا وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فِيمَا ذَكَرَهُ بِشَرْطٍ وَفِي مَسْأَلَتِنَا اللَّفْظُ دَالٌّ عَلَى الْمَنْوِيِّ بِاعْتِبَارِ مَا قَرَّرْنَاهُ وَمَا سَنُقَرِّرُهُ فَلَيْسَ فِيهِ إعْمَالٌ لِلنِّيَّةِ وَحْدَهَا بَلْ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ الْمُوَافِقُ لَهَا وَإِنْ أُرِيدَ بِذَلِكَ مَدْلُولُهَا الْحَقِيقِيّ مَعَ تَقْدِيرِ مَاءٍ بَطَلَ الْبَيْعُ وَإِنْ لَمْ يُرِيدَا شَيْئًا. فَإِنْ اطَّرَدَ فِي عُرْفِهِمَا التَّعْبِير بِالسَّاعَةِ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ عَنْ الْجُزْءِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الْقَرَارِ الْمَمْلُوكِ صَحَّ الْبَيْعُ أَيْضًا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْل الْمَجْمُوعِ رَدًّا عَلَى صَاحِبِ الْبَيَانِ وَمَنْ تَبِعَهُ إذَا عَبَّرَ بِالدَّرَاهِمِ عَنْ الدَّنَانِيرِ صَحَّ لِأَنَّهُ يُعَبِّرُ بِهَا مَجَازًا كَقَوْلِك فِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا مَثَلًا هَذِهِ دِينَارٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ هُوَ صَرْفهَا أَيْ هَذِهِ صَرْفُ دِينَارٍ فَهُوَ مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ اهـ وَيُؤَيِّدُهُ تَصْرِيحُهُمْ فِي الثَّمَنِ عِنْدَ إطْلَاقِهِ بِحَمْلِهِ عَلَى الْمُتَعَارَفِ بَيْنهمْ وَلَوْ غَيْرَ نَقْدٍ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا بِعَشْرَةِ أَثْوَابٍ وَأَطْلَقَ وَكَانَ لَهُمَا عُرْفٌ انْصَرَفَ إلَيْهِ كَالنَّقْدَيْنِ اهـ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ لِلْعُرْفِ تَأْثِيرًا فِي تَخْصِيصِ الْمُطْلَقِ فِي الْبَيْعِ بِهِ ثَبَتَ مَا قُلْنَاهُ هُنَا مِنْ الصِّحَّةِ إذَا أَطْلَقَا وَاطَّرَدَ عُرْفُهُمَا كَمَا ذُكِرَ وَإِنْ أَطْلَقَا وَلَمْ يَطَّرِدْ لَهُمَا بِذَلِكَ عُرْفٌ فَهَذَا هُوَ مَحَلُّ النَّظَرِ وَالتَّرَدُّدِ وَالْقَاعِدَتَانِ السَّابِقَتَانِ قَاعِدَةُ تَصْدِيقِ مُدَّعِي الصِّحَّةِ وَقَاعِدَةُ أَنَّ تَصْحِيحَ اللَّفْظِ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِهِ مَا أَمْكَنَ يُرَجِّحَانِ الصِّحَّةَ هُنَا أَيْضًا وَيُعَضِّدُهَا قَوْلُ الْمُوَثَّقِ مُسْتَكْمِلًا لِشَرَائِط الصِّحَّةِ وَاللُّزُومِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ نَعَمْ إنْ أَطْلَقَا وَأَطْرُد عُرْفُهُمَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ بَيْعُ الْمَاءِ مُقَدَّرًا بِزَمَنٍ لَمْ يَبْعُدْ الْقَوْلُ بِالْبُطْلَانِ حِينَئِذٍ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْوَارِثَانِ فِي الْإِرَادَةِ صَدَقَ مُدَّعِي الْفَسَادِ نَظِيرَ مَا قَالُوهُ فِي الذِّرَاعِ لَكِنْ لَا يَتَأَتَّى هَذَا هُنَا لِحُكْمِ الْحَاكِمِ الْمُسْتَلْزِمِ لِثُبُوتِ مُوجِبِ الصِّحَّةِ عِنْدَهُ مِنْ حَيْثُ الصِّيغَةُ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يَنْقُضُ إلَّا بَعْدَ تَحَقُّقِ مُوجِبِ نَقْضِهِ وَأَمَّا مَعَ عَدَمِ تَحَقُّقِ مُوجِبِهِ فَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِنَقْضِهِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ وَقَدْ ظَهَرَ بِمَا قَرَّرْته أَنَّ مُوجِبَ النَّقْضِ لَمْ يَتَحَقَّقْ وَأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَهُ مُحْتَمَلَاتٌ بَعْضُهَا صَحِيحٌ وَبَعْضُهَا بَاطِلٌ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا نُبْطِلهُ إلَّا إذَا تَحَقَّقْنَا أَنَّ ذَلِكَ الِاحْتِمَالَ الْبَاطِلَ هُوَ الْمُرَادُ وَلَمْ نَتَحَقَّقْهُ وَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ قَوْلَهُمَا جَمِيعُ الْحِصَّةِ السَّقِيَّة الَّتِي قَدْرهَا سَاعَتَانِ مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا لِأَنَّا إذَا فَرَضْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءٌ مُعَيَّنٌ مِنْ الْقَرَارِ الْمَمْلُوك أَوْ حَمَلْنَا اللَّفْظَ عَلَى ذَلِكَ لِمَا مَرَّ صَحَّ تَسْمِيَةُ ذَلِكَ الْجُزْءِ سَقِيَّةً لِأَنَّهُ سَبَبُهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْمُوَثِّقِ بِمَا لِلْحِصَّةِ الْمَذْكُوَّةِ مِنْ حَقٍّ مِنْ قَرَارِ الْعَيْنِ الْمَذْكُورَةِ إلَخْ فَإِنْ قُلْت الْقَرَارُ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا هُوَ الْقَرَارُ الْمَذْكُورُ ثَانِيًا وَالْعِبَارَةُ تَقْتَضِي تَغَايُرَهُمَا وَأَنَّ حِصَّةَ السَّقِيَّةِ غَيْرهمَا قُلْت لَا تَقْتَضِي ذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَمُقِرُّهَا وَمَا بَعْدهَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ قَرَار أَيْ وَمِنْ حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ الْمَقَرِّ وَالْمَمَرِّ وَحَقُّهُمَا غَيْرُهُمَا كَمَا هُوَ وَاضِحٌ. وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ الْمُوَثَّقَ تَفَنَّنَ فَعَبَّرَ بِالْقَرَارِ أَوَّلًا ثُمَّ عَبَّرَ ثَانِيًا عَنْهُ بِالْمَقَرِّ وَأَعَادَهُ مُخْتَلِفًا لَفْظُهُ مَعَ اتِّحَادِ مَعْنَاهُ لِبَيَانِ شُمُولِ الْبَيْعِ لِجَمِيعِ حُقُوقِهِ وَقَوْلُ الْمُوَثَّقِ وَمِنْ مَائِهَا الْجَارِي بِهَا إلَخْ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءَانِ مِنْ الْقَرَارِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَيَدُلُّ لَهُ التَّعْبِيرُ بِالسَّقِيَّةِ إذْ هِيَ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ أَيْ سَاقِيَة إذْ السَّاقِيَة اسْم لِلْقَرَارِ لَا لِلْمَاءِ وَمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ عَنْ الرَّوْضَةِ لَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْبَيْعِ فِيمَا ذُكِرَ إلَّا بِالتَّقْدِيرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَةِ الْجُزْءُ وَأَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ قَدْ تَنَاقَضَ فِي ذَلِكَ وَقَدْ بَيَّنْت الْجَمْعَ بَيْنهمَا فِي جَوَابِ بَعْضِ أَسْئِلَةٍ وَرَدَتْ مِنْ حَضْرَمَوْتَ مَعَ الرَّدِّ عَلَى الْبُلْقِينِيُّ فِي اعْتِرَاضَاتِهِ عَلَيْهَا فِي جَوَابِهِ السَّابِقِ بَعْضه وَحَاصِلُ مَا تَجْتَمِعُ بِهِ عِبَارَاتُهَا أَنَّ الْمَمْلُوك إنْ كَانَ مَحَلُّ النَّبْعِ فَوَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَوْ جُزْء شَائِعٍ مِنْهُ مُعَيَّنٍ صَحَّ وَجَرَى فِي دُخُولِ الْمَاءِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْبَيْعِ مَا قَرَّرُوهُ فِي بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ. وَإِنْ كَانَ الْمَمْلُوكُ هُوَ الْقَرَارُ صَحَّ أَيْضًا

وَلَكِنْ لَا يَدْخُلُ الْمَاءُ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ اسْتِحْقَاقُ الْأَرْضِ فِيهِ الْمُسَمَّى بِالشِّرْبِ وَمُرَاد الرَّوْضَةِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فِي الْمَاءِ فِي الصُّورَةِ الَّتِي أُجْرِيَ فِيهَا خِلَافُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِطَرِيقِ الْمِلْكِ إلَّا فِي الْأَرْضِ دُونَ الْمَاءِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ فِيهِ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْقَاقِ وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحَ فِيهَا أَوَاخِرَ الْمَنَاهِي بِصِحَّةِ الْبَيْعِ فِيهِمَا أَيْ فِي الْأَصْلِ بِطَرِيقِ الْقَصْدِ وَالْمِلْكِ وَفِي الْمَاءِ بِطَرِيقِ التَّبَعِ وَالِاسْتِحْقَاقِ فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ كَلَامَيْهِمَا خِلَافًا لِمَنْ ظَنَّهُ وَفَائِدَة إجْرَاءِ خِلَافِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الْقَرَارِ حَتَّى يَبْطُلَ فِي الْمَاءِ الرُّجُوعُ بِمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ فِيهِ فَهِيَ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْقَاقِ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يُقَابَلُ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ فَإِذَا قُوبِلَ بِهِ اقْتَضَى ذَلِكَ بُطْلَانَ الْبَيْعِ فِيهِ وَفِي الْأَرْضِ عَلَى الضَّعِيفِ وَفِيهِ وَحْدَهُ عَلَى الصَّحِيحِ فَاتَّضَحَ وَجْهُ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا وَإِنْ أَجْرَيْنَاهُ فِيهَا وَقُلْنَا بِالْبُطْلَانِ فِي الْمَاءِ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الَّتِي قَرَّرْنَاهَا آنِفًا وَالْكَلَامُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّ قَرَارِ الْمَاءِ الْمَمْلُوكِ دُون مَحَلِّ نَبْعِهِ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَا يَسْتَلْزِمُ مِلْكَ الْمَاءِ بَلْ يَكُونُ الْمَالِكُ أَحَقَّ بِهِ أَمَّا مَحَلُّ نَبْعِهِ مَعَ قَرَارِهِ الْمَمْلُوكِ كُلّ مِنْهُمَا فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِمَا بِطَرِيقِ الْقَصْدِ لِأَنَّ مِلْكَهُ يَسْتَلْزِمُ مِلْكَ الْمَاءِ. وَأَمَّا مَحَلُّ نَبْعِهِ وَقَرَارِهِ غَيْر الْمَمْلُوكِ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِمَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَمِنْ ثَمَّ اضْطَرَبَتْ فِيهِ الْأَفْهَامُ وَكَثُرَتْ فِيهِ السَّقَطَات وَالْأَوْهَامُ فَإِنْ قُلْت يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْجَوَابِ قَوْلَ جَمْعٍ رَدًّا لِمَا فِي الرَّوْضَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إذَا كَانَ مَجْهُولًا وَبِيعَ مَعَ غَيْرِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجَازَةَ بِالْقِسْطِ وَالْقِسْطُ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِلْجَهَالَةِ قُلْت إنَّمَا يَتَّضِحُ رَدُّهُمْ أَنْ لَوْ سَلَّمْنَا لَهُمْ دَعْوَى الْجَهَالَةِ بِالْقِسْطِ وَهِيَ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ فَقَدْ قَالَ جَمْعٌ فِي نَحْوِ الْخَلِّ وَالْخَمْرِ وَالشَّاةِ وَالْكَلْبِ أَوْ الْخِنْزِيرِ أَنَّ الْبَاطِلَ يَقُومُ عِنْدَ مَنْ يَرَى لَهُ قِيمَةً كَأَهْلِ الذِّمَّةِ فَكَذَلِكَ الْمَاءُ هُنَا يُقَدَّرُ عِنْدَ مَنْ يَرَى لَهُ قِيمَةً وَيَصِحُّ بَيْعُهُ مُطْلَقًا وَهُمْ الْمَالِكِيَّةُ وَعَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ يُعْتَبَرُ بِمَا يُشَابِهُهُ كَالْخَلِّ وَالْعِتَرِ كَذَلِكَ يُعْتَبَرُ الْجَارِي هُنَا بِمَا يُشَابِهُهُ فَيُقَدَّرُ رَاكِدًا وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ مَعَ الْأَرْضِ فَإِنْ قُلْت فَمَا حُكْمُ عُيُونِ مَكَّةَ هَلْ هِيَ مَمْلُوكَةٌ لِأَرْبَابِهَا قَرَارًا وَمَنْبَعًا أَوْ قَرَارًا فَقَطْ قُلْت بَلْ قَرَارًا وَمَنْبَعًا كَمَا يُصَرِّح بِهِ قَوْلُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لَوْ صَادَفْنَا نَهْرًا يُسْقَى مِنْهُ أَرْضُونَ وَلَمْ نَدْرِ أَنَّهُ حُفِرَ أَيْ فَيَكُونُ مَمْلُوكًا أَوْ انْخَرَقَ أَيْ فَلَا يَكُونُ مَمْلُوكًا حَكَمْنَا بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ يَدٍ وَانْتِفَاعٍ اهـ. عَلَى أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ أَوْلَى بِالْمِلْكِ مِنْ صُورَةِ الرَّوْضَةِ لِأَنَّ صُورَتَهَا لَيْسَ فِيهَا قَرِينَة عَلَى الْمِلْكِ غَيْر وَضْعِ الْيَدِ وَهُنَا مَعَ وَضْعِهَا قَرِينَةً أُخْرَى وَهِيَ بِنَاءُ تِلْكَ الْعُيُونِ الَّذِي هُوَ صَرِيحٌ فِي مِلْكِ الْبَانِي لِمَحَلِّ ذَلِكَ الْبِنَاءِ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي تِلْكَ الْعُيُونِ مَنْبَعًا وَقَرَارًا مَعَ عَدَمِ رُؤْيَتِهِمَا قُلْت أَمَّا مَا تَحْتَ الْأَرْضِ مِنْ مَجْرَى الْعَيْنِ وَذَيْلِهَا فَلَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ جَمِيعِهِ لِتَعَذُّرِهِ كَأَسَاسِ الْجِدَارِ وَكَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ عَدِمِ اشْتِرَاطِ رُؤْيَةِ الْمُسْتَتِرِ فِي ذِي الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ سَهُلَ بِالْفَتْقِ وَإِنَّمَا الَّذِي يُشْتَرَطُ رُؤْيَتُهُ مِنْهَا مَا يَخْتَلِفُ بِهِ الْغَرَضُ أَخْذًا مِنْ أَنَّ الْبِئْرَ لَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ جَمِيعِهَا بَلْ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ الْغَرَضُ مِنْهَا عِنْدَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ مِنْ جُدْرَانِهَا وَنَحْوهَا وَأَمَّا الْقَنَاةُ الظَّاهِرَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَتِهَا جَمِيعِهَا بِأَنْ يَحْبِسَ الْمَاءَ عَنْهَا وَلَا يَكْفِي رُؤْيَتُهَا مِنْ وَرَائِهِ وَإِنْ كَانَ صَافِيًا ثُمَّ رَأَيْت الْبُلْقِينِيُّ تَعَرَّضَ لِمَا فِي السُّؤَالِ فَقَالَ وَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِي مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ مِنْ أَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ اشْتَرَى فُلَانٌ سَاعَةً مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا غَيْرَ صَحِيحٍ وَلَا مُعْتَبَرٍ. وَطَرِيقُ الْبَيْعِ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْقَرَارِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ اهـ وَهُوَ غَيْرُ مُنَافٍ لِمَا ذَكَرْته مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا أَنَّهُ أَطْلَقَ عَدَمَ الصِّحَّةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَدْلُولُ ذَلِكَ اللَّفْظِ وَلَا مَا فِيهِ مِنْ الِاحْتِمَالِ وَنَحْنُ قَدْ فَصَّلْنَا مُحْتَمَلَاتِهِ وَبَيَّنَّا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَمَا يَدُلُّ لَهُ مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فَلَا يُنَافِي إطْلَاقُهُ تَفْصِيلَنَا بَلْ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ إطْلَاقِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْبَاطِلِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ مَا إذَا أَرَادَا أَنَّ الْمَبِيعَ الْمَاءُ مُقَدَّرًا بِزَمَنٍ أَوْ أَطْلَقَا وَعَرَّفَهُمَا ذَلِكَ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ لِمَا ذَكَرَهُ دَلِيلًا وَنَحْنُ قَدْ بَيَّنَّا لِمَا ذَكَرْنَاهُ أَدِلَّةً مِنْ كَلَامِهِمْ سِيَّمَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ مَجْمُوعِ النَّوَوِيِّ وَعَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَلَا يَسَعُ الْبُلْقِينِيُّ أَنْ يَقُولَ إذَا أَرَادَ بِالسَّاعَةِ جُزْءًا

مُعَيَّنًا مِنْ الْقَرَارِ الْمَمْلُوكِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُخَالِفًا لِصَرِيحِ كَلَامِ أَئِمَّتِهِ مِنْ غَيْرِ مُسْتَنَدٍ بَلْ لَا يَسَعُهُ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ بِالْبُطْلَانِ إذَا اطَّرَدَ عُرْفُهُمَا بِالتَّعْبِيرِ بِالسَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ عَنْ الْجُزْءِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الْقَرَارِ الْمَمْلُوك لِمُخَالَفَتِهِ لِصَرِيحِ كَلَامِهِمْ الَّذِي قَدَّمْته عَنْ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ مَلْزُومٌ بِالْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِكَلَامِهِ عَلَى بُطْلَانِ حُكْمِ الْحَاكِمِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يُصَانُ عَنْ النَّقْضِ مَا أَمْكَنَ وَأَنَّهُ لَا يُصَارُ لِنَقْضِهِ إلَّا إذَا تَحَقَّقْنَا مُوجِبَ نَقْضِهِ وَلَا نَتَحَقَّقُ مُوجِبَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إلَّا إذَا ثَبَتَ أَنَّهُمَا أَرَادَا بِالسَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ حَقِيقَتَهَا مِنْ مِائَةٍ أَوْ مِنْ الْقَرَارِ نَفْسِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فَلَا يُمْكِنُ الْقَوْل بِنَقْضِهِ كَيْف وَلَهُ مُحْتَمَلَاتٌ بَعْضُهَا صَحِيحٌ وَبَعْضهَا بَاطِلٌ وَلَمْ يَثْبُتْ وُجُودُ ذَلِكَ الْبَاطِلِ وَمِنْهَا أَنَّ قَوْلَ الْبُلْقِينِيُّ وَطَرِيقُ الْبَيْعِ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْقَرَارِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ سَبَبَ الْبُطْلَانِ فِي سَاعَةِ مِنْ قَرَارِ كَذَا لَيْسَ هُوَ ذِكْرَ السَّاعَةِ فَحَسْب بَلْ عَدَمُ إيرَادِ الْبَيْعِ عَلَى مَحَلِّ النَّبْعِ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِتَصْرِيحِهِ هُوَ وَغَيْرُهُ بِصِحَّةِ بَيْعِ الْجُزْءِ مِنْ الْقَرَارِ الْمَمْلُوكِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَحَلِّ النَّبْعِ فَإِنْ قُلْت مَا وَجْهُ صَرِيحِ قَوْلِهِ وَطَرِيقُ الْبَيْعِ إلَخْ فِي أَنَّ سَبَبَ الْبُطْلَانِ مَا ذَكَرَ قُلْت وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ السَّبَبُ هُوَ ذِكْرُ السَّاعَة مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ وَطَرِيقُ الْبَيْعِ إلَخْ مُلَائِمًا لِمَا قَبْلَهُ وَلَا مُرْتَبِطًا بِهِ. فَإِنَّ الْبَيْعَ إنْ وَقَعَ عَلَى مَحَلِّ النَّبْعِ أَوْ غَيْرِهِ هُوَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فَكَيْفَ مَعَ ذَلِكَ يُقَوَّلُ وَطَرِيقُ الْبَيْعِ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْقَرَارِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ طَرِيقَ الْبَيْعِ الَّذِي يُمَلَّكُ بِهِ الْمَاءُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَا يُنَافِيه مَا قَدَّمَهُ نَفْسُهُ أَوَّلَ جَوَابِهِ وَهَذَا يُضَعِّفُ كَلَامَهُ وَيُوجِبُ عَدَمَ اعْتِمَادِ إطْلَاقِهِ الْبُطْلَانَ وَيُبَيِّنُ أَنَّ الْحَقَّ مَا فَصَّلْنَاهُ وَقُلْنَاهُ وَإِنْ كُنَّا مُعْتَرِفِينَ بِنَقْصِ مَقَامِنَا عَنْ مَقَامِهِ إلَّا أَنَّ الْحَقَّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ عَلَى أَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ فِي أَكْثَرِ أَحْوَالِهِ غَيْرَ مُتَقَيِّدٍ بِكَلَامِ أَئِمَّةِ مَذْهَبِهِ لِوُصُولِهِ مَرْتَبَةً مِنْ مَرْتَبَةِ الِاجْتِهَادِ بَلْ لِأَقْصَاهَا كَمَا قَالَهُ تِلْمِيذُهُ أَبُو زُرْعَةَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ جَرَى فِي جَوَابِهِ هَذَا عَلَى مُخَالَفَةِ الرَّوْضَةِ فِي أَمَاكِنَ كَثِيرَةٍ وَالْحَقُّ فِيهَا مَا فِي الرَّوْضَةِ كَمَا بَيَّنْته فِي جَوَابِ غَيْرِ هَذَا وَأَشَرْت إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ وَمِنْ مُخَالَفَته لِمَا فِيهَا قَوْلُهُ بِصِحَّةِ بَيْعِ الْمَاءِ الْجَارِي وَهَذَا أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِإِطْلَاقِهِ الْبُطْلَانَ فِي سَاعَةٍ مِنْ قَرَارِ كَذَا إلَّا إذَا كَانَ الْمُرَادُ الْمَاءَ وَحْدَهُ وَأَنَّ الْمَرَادَ بِالسَّاعَةِ مَفْهُومُهَا الْحَقِيقِيّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. ثُمَّ رُفِعَ إلَيَّ سُؤَالٌ ثَانٍ صُورَتُهُ مَا قَوْلُكُمْ فِي قَضِيَّةٍ شَرْعِيَّةٍ مُوَقَّعٌ بِهَا مُسْتَنَدٌ شَرْعِيّ مُلَخَّصُ مَضْمُونِهِ بَعْد أَنْ أَذِنَ الْحَاكِمُ الشَّرْعِيُّ الشَّافِعِيُّ فُلَانُ لِفُلَانٍ الْفُلَانِيِّ فِي شِرَاءِ الْمَبِيعِ الْآتِي ذِكْرُهُ فِيهِ لِنَفْسِهِ وَلِبَقِيَّةِ وَرَثَةِ وَالِدِهِ مَحَاجِيرِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ إذْنًا شَرْعِيًّا اشْتَرَى الْمَأْذُونُ لَهُ الْمَذْكُورُ مِنْ فُلَانَةَ الْفُلَانِيَّةِ جَمِيعَ الْحِصَّةِ السَّقِيَّةِ الَّتِي قَدْرُهَا سَاعَتَانِ مِنْ قَرَارِ الْعَيْنِ الْفُلَانِيَّةِ فِي الْوَجْبَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِكَذَا وَعُدَّة وَجَبَاتِ الْعَيْنِ الْمَذْكُورَةِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَجْبَة كُلّ وَجُبَّةٍ اثْنَا عَشَر سَاعَةً كُلُّ سَاعَةٍ قِيرَاطَانِ كَبِيرَانِ بِمَا يَجِبُ لِلْحِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ الْعَيْنِ الْمَذْكُورَةِ وَمَقَرِّهَا وَمَمَرِّهَا وَشُعُوبِهَا وَذُيُولِهَا وَمَجَارِي مَائِهَا وَمِنْ مَائِهَا الْجَارِي بِهَا يَوْمئِذٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى اشْتِرَاء صَحِيحًا شَرْعِيًّا مُسْتَكْمِلًا لِشَرَائِطِ الصِّحَّةِ وَاللُّزُومِ بِثَمَنِ جُمْلَتِهِ كَذَا وَثَبَتَ ذَلِكَ لَدَى الْحَاكِمِ الْآذِنِ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَحَكَمَ بِمُوجِبِهِ فَهَلْ الْبَيْعُ الْمَذْكُورُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صَحِيحٌ أَمْ لَا وَهَلْ الْحُكْمُ بِإِبْطَالِهِ نَقْضٌ لِحُكْمِ الْحَاكِمِ أَمْ لَا وَهَلْ حُكْمُ الْحَاكِمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُتَضَمِّنٌ لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ أَمْ لَا وَهَلْ هَذِهِ الصُّورَةُ مُطَابِقَةٌ لِمَا أَفْتَى بِهِ الْإِمَامُ الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فِيهِ أَمْ لَا وَهَلْ يُنْقَضُ حُكْمُ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ وَالنَّظَرِ فِي فُرُوعِ الْفِقْهِ وَغَيْرِهِ بِإِفْتَاءِ عَالِمٍ مِثْله أَوْ أَعْلَى مِنْهُ أَوْ يُحْمَلُ حُكْمُ الْحَاكِمِ عَلَى السَّدَادِ مَا أَمْكَنَ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ الْبَيْعُ الْمَذْكُورُ فِيهِ تَفْصِيلٌ. وَهُوَ أَنَّهُ يَصِحُّ فِيمَا إذَا أَرَادَ الْعَاقِدَانِ بِالسَّاعَةِ جُزْءًا مُعَيَّنًا مِنْ قَرَارِ الْعَيْنِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ أَوْ الْمَجْرَى الْمَمْلُوكُ أَوْ لَمْ

الباب الأول في المتعاقدين بالساعة من القرار جزءا مشاعا منه

يُرِيدَاهُ لَكِنَّهُ عُرْفُهُمَا حَالَ الْعَقْدِ وَيَبْطُلُ فِيمَا إذَا أَرَادَا بِهَا جُزْءًا مِنْ الْمَاءِ الْجَارِي وَالْحُكْمُ بِإِبْطَالِ الْبَيْعِ مُطْلَقًا غَيْرُ صَحِيحٍ وَنَقْضُ حُكْمِ الْحَاكِمِ لَا يَجُوزُ إلَّا إنْ تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى مَعْنًى صَحِيحٍ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ كَمَا هُنَا فَلَا يَجُوزُ نَقْضُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ مِنْهُمْ التَّاجُ الْفَزَارِيّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ عَصْرِهِ رَدًّا عَلَى الْقَاضِي ابْنِ خَلِّكَانَ لَمَّا خَالَفَهُمْ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِمْ بَلْ نَقَلَ الشَّيْخَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّاهُ أَنَّ حُكْمَ الْمُسْتَقْضَى لِلضَّرُورَةِ إذَا وَافَقَ مَذْهَبَ الْغَيْرِ لَا يَنْقُضُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ مَنْ شَاءَ أَيْ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَة وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَحُكْمُ الْحَاكِمِ الْمَذْكُورِ مُتَضَمِّنٌ لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ السُّبْكِيّ وَعِبَارَتُهُ الْحُكْمُ بِالْمُوجِبِ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ الصِّحَّةُ مَصُونٌ عَنْ النَّقْدِ كَالْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَإِنْ كَانَ أُحَطَّ رُتْبَة مِنْهُ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ يَسْتَدْعِي ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ أَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ وَصِحَّةَ صِيغَتِهِ وَكَوْنَ التَّصَرُّفِ فِي مَحَلِّهِ وَالْحُكْمُ بِالْمُوجِبِ يَسْتَدْعِي الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ وَهُمَا صِحَّةُ التَّصَرُّفِ وَصِحَّةُ الصِّيغَةِ انْتَهَتْ وَاعْتَمَدَهَا الْكَمَالُ السُّيُوطِيّ فِي جَوَاهِرِهِ وَالتَّنْظِيرُ فِيهَا إنْ سَلَّمَ لَيْسَ لِمَا يَرْجِعُ لِرَدِّ مَا قَالَهُ مِنْ تَضَمُّنِ الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ لِصِحَّةِ الصِّيغَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَا يُنَافِيهَا قَوْلُ غَيْرِهِ فِي الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ إنْ صَحِيحًا فَصَحِيحٌ وَإِنْ فَاسِدًا فَفَاسِدٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ صَحَّ لِوُجُودِ الشَّرْطِ الثَّالِثِ فَصَحِيحٌ وَإِنْ فَسَدَ لِفَقْدِهِ فَفَاسِدٌ وَأَمَّا الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الصِّيغَةِ فَالْحُكْمَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَيْهَا وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا فَتَصَرُّفُ الْحَاكِمِ بِالْإِذْنِ وَغَيْرِهِ فِي قَضِيَّةٍ رُفِعَتْ إلَيْهِ وَطَلَب فَصْلهَا حُكِمَ مِنْهُ بِالصِّحَّةِ فِيهَا عَلَى مَا فِيهِ مِمَّا لَيْسَ هَذَا مَحَلَّ بَسْطِهِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ مُطَابِقَةً لِمَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّ فِيهَا زِيَادَاتٍ مِنْهَا حُكْمُ الْحَاكِمِ وَإِذْنُهُ وَفِيهَا قَرَائِنُ دَالَّة عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَةِ الْجُزْءُ. وَمِنْهَا قَوْلُهُ وَمِنْ مَائِهَا الْجَارِي بِهَا يَوْمئِذٍ وَكُلّ سَاعَةٍ قِيرَاطَانِ إذْ الْمَعْنَى الَّتِي قَدْرُهَا قِيرَاطَانِ مِنْ قَرَارِ عَيْن كَذَا وَهَذَا مِمَّا لَا يَتَخَيَّلُ فَقِيهٌ الْبُطْلَانَ فِيهِ وَمِنْهَا قَوْلُ الْمُوَثَّقِ مُسْتَكْمِلًا لِشَرَائِطِ الصِّحَّةِ وَاللُّزُومِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ الْبُلْقِينِيُّ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ إذْ لَا يَسَعُهُ الْقَوْلُ بِالْبُطْلَانِ فِي الْأُولَتَيْنِ أَمَّا الْأُولَى فَلِمَا تَقَرَّرَ مِنْ دَلَالَة اللَّفْظِ عَلَى مَا أَرَادَهُ مَعَ التَّصْرِيحِ بِنَظَائِرِهَا فِي كَلَامِهِمْ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِلتَّصْرِيحِ بِنَظِيرِهَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ وَقَاعِدَةُ أَنَّ تَصْحِيحَ اللَّفْظِ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِهِ وَأَنَّ دَعْوَى الصِّحَّةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى دَعْوَى الْفَسَادِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي الْعُقُودِ الْجَارِيَةِ بَيْن الْمُسْلِمِينَ الصِّحَّةُ يُؤَيِّدَانِ مَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ كَلَامَهُ. وَإِذَا تَعَارَضَ حُكْمٌ وَإِفْتَاءٌ فَإِنْ كَانَ فِي صُورَةِ عُلِمَ حُكْمُهَا فِي الْمَذْهَبِ قُدِّمَ مُوَافِقُهُ وَإِنْ كَانَتْ فِي حَادِثَةٍ مُوَلَّدَةٍ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا أَهْلُ الْمَذْهَبِ كَصُورَةِ السُّؤَالِ فَإِنَّا لَمْ نَعْلَمْ لِلْبُلْقِينِيِّ فِيهَا سَلَفًا وَلَا خَلَفًا مُوَافِقًا وَلَا مُخَالِفًا فَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ الْمُفْتِي وَالْحَاكِمِ فِيهِ أَهْلِيَّةُ التَّرْجِيحِ وَالِاسْتِنْبَاطِ لَمْ يُنْقَضْ حُكْمُ الْحَاكِمِ لِإِفْتَاءِ الْمُفْتِي وَإِنْ كَانَ الْمُفْتِي أَعْلَمَ وَإِنْ تَأَهَّلَ لِذَلِكَ الْمُفْتِي وَحْدَهُ تَعَيَّنَ عَلَى الْحَاكِم الرُّجُوعُ إلَيْهِ وَإِلَّا تَأَتَّى فِي نَقْضِهِ مَا مَرَّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِالسَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ جُزْءًا مُشَاعًا مِنْهُ] وَإِذْ قَدْ انْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى الْمُقَدَّمَةِ فَلْنَشْرَعْ الْآنَ فِي ذِكْرِ أَحْوَالِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْجَوَابَيْنِ السَّابِقَيْنِ مُفْرِدِينَ لِكُلِّ حَالٍ بَابًا فِيهِ الْبُرْهَانُ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِهِمْ فَنَقُولُ. (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي ذِكْرِ الْحَالِ الْأَوَّلِ) وَهُوَ مَا إذَا أَرَادَ الْمُتَعَاقِدَانِ بِالسَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ جُزْءًا مُعَيَّنًا مُشَاعًا مِنْ الْقَرَارِ الْمَمْلُوكِ الَّذِي هُوَ الْمَجْرَى أَوْ الْمَنْبَعُ أَوْ مَا يَتَحَصَّلُ الْمَاءُ فِيهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي كُلٍّ مِنْ الْجَوَابَيْنِ أَنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ حِينَئِذٍ وَقَدَّمْنَا دَلِيلَ ذَلِكَ لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى بَسْطٍ وَبَيَانُهُ أَنَّ الْأَئِمَّةَ صَرَّحُوا بِنَظِيرِ ذَلِكَ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ كَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَغَيْرِهِمَا وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ فِي الْجَوَاهِرِ وَزَادَ فِيهِ تَفْصِيلًا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أَزِيدَك صَاعًا فَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ هِبَةَ صَاعٍ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ شَرْطُ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ وَإِنْ أَرَادَ بَيْعَهُ صَاعًا آخَرَ مِنْ غَيْرِ الصُّبْرَةِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الصَّاع مَجْهُولًا فَهُوَ بَيْعٌ مَجْهُولٌ وَإِنْ كَانَ

مَعْلُومًا لَمْ يَصِحَّ إذَا كَانَتْ الصُّبْرَةُ مَجْهُولَةَ الصِّيعَانِ لِأَنَّهُ يَجْهَلُ تَفْصِيلَ الثَّمَنِ وَجُمْلَتُهُ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَزِيدَهُ صَاعًا مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ وَأَنَّهَا إنْ خَرَجَتْ عَشْرَةَ آصُعٍ كَانَ الثَّمَنُ تِسْعَةَ دَرَاهِمَ فَيَنْظُرُ إنْ كَانَتْ الصُّبْرَةُ مَجْهُولَةَ الصِّيعَانِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حِصَّةَ كُلِّ صَاعٍ. وَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةَ الصِّيعَانِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ أَصَحُّهُمَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَبِهَذَا قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَمُعْظَمُ الْخُرَاسَانِيِّينَ فَإِنْ كَانَتْ عَشَرَةَ آصُعٍ فَقَدْ بَاعَهُ كُلَّ صَاعٍ وَتُسْعَ سَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ وَرَجَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالرُّويَانِيُّ وَأَنَّ الْعِرَاقِيِّينَ كُلَّهُمْ جَزَمُوا بِهِ سِوَى الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَلِطَ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى وَالْخِلَافُ مَشْهُورٌ فِي ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَالْمَحَامِلِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَالْمَذْهَبُ الصِّحَّةُ وَإِنْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أَنْقُصَك صَاعًا فَإِنْ أَرَادَ ضَمَّ صَاعٍ إلَيْهِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا إنْ خَرَجَتْ تِسْعَةُ آصُعٍ أَخَذَتْ مِنْك عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَإِنْ كَانَ الصِّيعَانُ مَجْهُولَةً لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَتْ مَعْلُومَةً فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْجُمْهُورُ وَغَيْرُهُمْ صِحَّةُ الْبَيْعِ فَإِنْ كَانَتْ تِسْعَةَ آصُعٍ فَقَدْ بَاعَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَتُسُعٍ وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ لِقُصُورِ الْعِبَارَةِ عَنْ الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ اهـ كَلَامُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ بَلْ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ التَّفْصِيلِ لِأَنَّهُمْ إذَا أَرَادُوا الْبُطْلَانَ وَالصِّحَّةَ عَلَى إرَادَتِهِمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ ظُهُورِهَا فِي الْمَعْنَى الْمُبْطِلِ إذْ قَوْلُهُ عَلَى أَنْ أَزِيدَكَ أَوْ عَلَى أَنْ أَنْقُصَكَ ظَاهِرٌ بَلْ صَرِيحٌ فِي الشَّرْطِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَنْظُرُوا. وَالْمُجَرَّدُ اللَّفْظُ فِيهِ بَلْ عَلَّقُوا الْحُكْمَ بِإِرَادَتِهِمَا إنْ أَرَادَا شَيْئًا وَإِلَّا فَالْبُطْلَانُ عَمَلًا بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَإِذَا أَنَاطُوا الْحُكْمَ بِالْإِرَادَةِ هُنَا فَأَوْلَى فِي مَسْأَلَتِنَا لِمَا سَتَعْلَمُهُ مُوَضَّحًا مَبْسُوطًا وَهُوَ أَيْضًا ظَاهِرٌ أَوْ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمَا إذَا أَرَادَا بِالسَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ مَا قَدَّمْته آنِفًا صَحَّ الْبَيْعُ وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ آخِرَ كَلَامِهِ وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ لِقُصُورِ الْعِبَارَةِ عَنْ الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ فِي أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْإِرَادَةَ يُرْجَعُ إلَيْهَا وَإِنْ خَالَفَتْ ظَاهِرَ اللَّفْظِ أَوْ قَصَّرَ عَنْ الْحَمْلِ عَلَيْهَا بِأَنْ كَانَ مَدْلُولُهُ لَا يَفِي بِهَا وَبَيَانُهُ أَنَّ قَوْلَهُ بِعْتُكهَا كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ أَنْقُصَك صَاعًا دَالٌّ عَلَى رَدِّ صَاعٍ إلَيْهِ بِأَنْ يُسْقِطَهُ عَنْهُ فَلَا يَحْسَبُ فِي مُقَابَلَتِهِ ثَمَنًا فَرَدَّ الصَّاعَ إلَيْهِ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ هُوَ مَدْلُولُ هَذَا اللَّفْظِ الْمَفْهُومِ بِبَادِئِ الرَّأْيِ فَإِذَا أَرَادَ خِلَافَ هَذَا الْمَدْلُولِ وَهُوَ أَنَّهَا إنْ خَرَجَتْ تِسْعَةَ آصُعٍ أُخِذَ مِنْهُ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ وَصِيعَانُهَا مَعْلُومَة صَحَّ الْبَيْعُ نَظَرًا لِهَذِهِ الْإِرَادَةِ لِأَنَّ اللَّفْظَ. وَإِنْ سَلَّمَ أَنَّهُ ظَاهِر فِيمَا مَرَّ هُوَ مُحْتَمَلٌ لِذَلِكَ الْمُرَادِ فَصَحَّتْ إرَادَته مِنْهُ وَلَوْ عَلَى بَعْد وَمَعَ ذَلِكَ صَحَّحُوا الْبَيْع نَظَرًا لِهَذِهِ الْإِرَادَةِ وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى قَوْلِ الْوَجْهِ الضَّعِيفِ أَنَّ الْعِبَارَةَ تَقْصُرُ عَنْ هَذَا الْحَمْلِ وَوَجْهُ مَا نَظَرُوا إلَيْهِ مَا ذَكَرَتْهُ مِنْ أَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا قُصُورَهَا عَنْ الْحَمْلِ بِاعْتِبَارِ مَا يُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِهَا بِبَادِئِ الرَّأْيِ إلَّا أَنَّهَا مَعَ ذَلِكَ تَحْتَمِلُهُ وَإِذَا احْتَمَلَتْهُ صَحَّتْ إرَادَته مِنْهَا وَلَوْ عَلَى بَعْد كَمَا تَقَرَّرَ بِنَاء عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ الْبَيْعَ يَنْعَقِدُ بِالْكِنَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَحْتَفِ بِهِ قَرَائِن تُفِيد الْعِلْمَ خِلَافًا لِلْإِمَامِ وَهَذَا كُلّه أَعْدَلُ شَاهِدٍ وَأَظْهَرُ دَلِيل عَلَى مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ الْعَاقِدَيْنِ إذَا أَرَادَا فِي مَسْأَلَتِنَا بِالسَّاعَةِ مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا مَا قَدَّمْته صَحَّ الْعَقْدُ وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ اللَّفْظَ يَقْصُر عَنْ هَذَا الْمُرَادِ فَكَيْفَ وَاللَّفْظ ظَاهِرٌ إذْ مِنْ فِي قَوْلهمَا جَمِيع الْحِصَّةِ السَّقِيَّة الَّتِي قَدْرُهَا سَاعَتَانِ مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا لَا تَحْتَمِلُ هُنَا عِنْدَ مَنْ لَهُ أَدْنَى ذَوْقٍ وَإِلْمَامٍ بِكَلَامِ أَئِمَّةِ النَّحْوِ غَيْر التَّبْعِيضِ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهَا لِبَيَانِ مَحَلِّ الْبَيْعِ فَقَدْ سَاءَ فَهْمُهُ وَطَغَى قَلَمُهُ كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى عِبَارَتِهِ مِنْ سُوءِ التَّحْرِيفِ وَالْغَلَطِ مَبْسُوطًا فِي الْخَاتِمَةِ. وَإِذَا كَانَتْ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ كَانَتْ صَرِيحَةً فِي اتِّحَادِ مَا بَعْدَهَا مَعَ مَا قَبْلَهَا مَفْهُومًا وَحَقِيقَةً فَهِيَ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَةِ الْجُزْءُ إذْ لَا يُقَالُ سَاعَة مِنْ مَحَلِّ ذَلِكَ إلَّا مَعَ رِعَايَةِ تِلْكَ الْإِرَادَةِ فَوَجَبَ النَّظَرُ إلَيْهَا لِدَلَالَةِ مِنْ عَلَيْهَا وَعَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَةِ غَيْر مَفْهُومِهَا اللُّغَوِيِّ وَكَفَى مِنْ قَرِينَةٍ عَلَى هَذَا التَّجَوُّزِ الظَّاهِرِ وَقَدْ عَوَّلَ الْفُقَهَاءُ عَلَى

مِنْ التَّبْعِيضِيَّةِ وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى احْتِمَالِ غَيْرِهَا الْمَرْجُوحِ إلَّا عَلَى بَحْثٍ ذَكَرْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَعِبَارَتِهِ لَا إذَا قَالَ بِعْتُك مِنْهَا كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْبَعْضَ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ فَيَنْتَفِي التَّخْمِينُ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُمَا لَوْ قَصَدَا بِمِنْ ابْتِدَاءُ الْغَايَةِ أَوْ أَنَّهَا بَيَانٌ لِمَفْعُولٍ مَحْذُوفٍ صَحَّ وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى قَصْدِ ذَلِكَ أَوْ أَطْلَقَا انْتَهَتْ فَتَأَمَّلْ كَيْف أَخَذُوا بِمَعْنَى مِنْ التَّبْعِيضِيَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِظُهُورِهِ وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى احْتِمَالِ كَوْنِهَا بَيَانِيَّةً أَوْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ إلَّا عَلَى ذَلِكَ الْبَحْثِ الْمُقَيَّد بِمَا إذَا أَرَادَ بِهَا أَحَدُ هَذَيْنِ بَلْ فِي هَذَا الْبَحْثِ الْمَأْخُوذِ مِنْ عِلَّتِهِمْ كَمَا عَلِمْته مِنْ الْعِبَارَةِ السَّابِقَةِ. وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْخَادِمِ دَلَالَةً لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَسْأَلَتِنَا مِنْ الْإِرَادَة لِأَنَّ الْبَيْعَ إذَا صَحَّ مَعَ إرَادَةِ غَيْر التَّبْعِيضِ مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِر اللَّفْظِ فَأَوْلَى أَنْ يَصِحَّ فِي مَسْأَلَتِنَا مَعَ إرَادَةِ التَّبْعِيضِ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ لَفْظِ مِنْ فَإِنْ قُلْت لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا قَدَّمْته هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ لِأَنَّ فِيهِ إخْرَاجَ السَّاعَةِ عَنْ مَوْضُوعِهَا قُلْت لَا يَضُرُّنَا إرْخَاءُ الْعَنَانِ مَعَك وَإِنْ وَافَقْنَاك عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ خِلَافُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ لَكِنَّهُمَا إذَا نَوَيَا بِهِ مَعْنًى صَحِيحًا يَصِحُّ الْبَيْعُ كَمَا عَلِمْته إنْ كَانَ لَك أَدْنَى فَهْمٍ مِنْ عِبَارَةِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ السَّابِقَةِ عَلَى أَنَّ مَا عَلَّلْت بِهِ دَعْوَاك عَدَم التَّسْلِيمِ مِنْ أَنَّ فِيهِ إخْرَاجَ السَّاعَةِ عَنْ ظَاهِرِهَا يُبْطِلُهُ أَنَّ لَفْظَ السَّاعَةِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَدْلُولَهُ الزَّمَانِيّ لِأَنَّ الْعِبَارَةَ تَأْبَاهُ وَلَا تَحْتَمِلُهُ إذْ قَوْلُهُمَا جَمِيعُ الْحِصَّةِ السَّقِيَّة الَّتِي قَدْرُهَا سَاعَتَانِ مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا لَا يَحْتَمِلُ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالسَّاعَةِ هُنَا جُزْءٌ مِنْ الْمَاءِ أَوْ جُزْءٌ مِنْ الْقَرَارِ فَالسَّاعَةُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلَةٍ فِي مَدْلُولِهَا الزَّمَانِيِّ عَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ وَإِذَا خَرَجَتْ عَنْ مَدْلُولِهَا إلَى مَدْلُولٍ آخَرَ وَجَبَ النَّظَرُ إلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ الْقَرَارِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ. وَأَمَّا إرَادَةُ جُزْءٍ مِنْ الْمَاءِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى مُضَافٍ مَحْذُوفٍ مُقَدَّرٍ بَعْدَ مِنْ أَيْ الَّتِي قَدْرُهَا جُزْءَانِ مِنْ مَاءِ عَيْنِ كَذَا وَإِذَا دَار الْأَمْرُ بَيْنَ مَدْلُولِ لَفْظٍ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ مَدْلُولِهِ بِتَقْدِيرٍ كَانَ الْأَوَّلُ هُوَ ظَاهِرَهُ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُقَلَاءِ وَكَانَ الثَّانِي خِلَافَ ظَاهِرِهِ فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْجُزْءَ مِنْ الْقَرَارِ هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ فَإِذَا أَرَادَهُ صَحَّ الْبَيْعُ كَمَا عُلِمَ بِالْأُولَى مِمَّا مَرَّ عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بَلْ عُلِمَ مِنْهُ كَمَا قَدَّمْته أَنَا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ خِلَاف ظَاهِر اللَّفْظ وَنَوَيَاهُ صَحَّ الْبَيْع. فَإِنْ قُلْت لَا نُسَلِّم أَنَّ السَّاعَة هُنَا مُسْتَعْمَلَة فِي غَيْر مَدْلُولهَا الزَّمَانِيّ لِأَنَّ الْحِصَّة السَّقِيَّة اسْم لِلْمَاءِ وَاَلَّتِي قَدْرهَا سَاعَتَانِ تَقْدِير لَهُ بِالزَّمَانِ وَهَذَا هُوَ مَلْحَظ الْقَائِلِينَ بِالْبُطْلَانِ قُلْت زَعَمَ أَنَّ الْحِصَّة السَّقِيَّة اسْم لِلْمَاءِ بَاطِل كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه فِي الْخَاتِمَة فِي الرَّدّ عَلَى مِنْ زَعَمَ ذَلِكَ بَلْ سَيَأْتِي ثُمَّ إنَّ السَّقِيَّة فَعَيْلَة بِمَعْنَى فَاعِلَة أَيْ سَاقِيَة وَهِيَ اسْم لِلْمَحَلِّ لَا لِلْمَاءِ وَكَيْف يُتَوَهَّم مَعَ قَوْلهمَا السَّابِق فِي السُّؤَال بِمَا لِلْحِصَّةِ الْمَذْكُورَة مِنْ حَقٍّ مِنْ قَرَار الْعَيْن الْمَذْكُورَة وَمَقَرِّهَا وَمَمَرّهَا وَشُعُوبهَا وَذُيُولهَا وَمِنْ مَائِهَا الْجَارِي بِهَا يَوْمئِذٍ مِنْ فَضْل اللَّه تَعَالَى. فَقَوْلهمَا وَمِنْ مَائِهَا الْجَارِي بِهَا صَرِيح فِي أَنَّ الْمُرَاد بِالْحِصَّةِ السَّقِيَّة جُزْءٌ مِنْ الْقَرَار إذْ لَوْ أُرِيد بِهَا جُزْءٌ مِنْ الْمَاء لَمْ يَصِحّ قَوْلهمَا وَمِنْ مَائِهَا الْجَارِي بِهَا يَوْمئِذٍ وَإِذَا بَطَل أَنَّ الْمُرَاد بِالْحِصَّةِ السَّقِيَّة جُزْء مِنْ الْمَاء بَطَل أَنْ يُرَاد بِالسَّاعَتَيْنِ تَقْدِير الْمَاء بِزَمَنِ إذْ لَا مَاء مَذْكُور حِينَئِذٍ حَتَّى يُقَدَّرَ بِزَمَنٍ فَتَعَيَّنَ أَنَّ السَّاعَة هُنَا مُسْتَعْمَلَة فِي غَيْرِ مَدْلُولِهَا فَإِنْ قُلْت كَمَا أَنَّ قَوْلَهُمَا وَمِنْ مَائِهَا الْجَارِي بِهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحِصَّةِ جُزْءٌ مِنْ الْقَرَارِ كَذَلِكَ قَوْلُهُمَا مِنْ حَقّ مِنْ قَرَارِ الْعَيْنِ الْمَذْكُورَةِ وَمَقَرِّهَا وَمَمَرِّهَا وَشُعُوبِهَا وَذُيُولِهَا وَمَجَارِي مَائِهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحِصَّةِ جُزْءٌ مِنْ الْمَاءِ فَمَا الْمُرَجَّحُ قُلْت الْمُرَجَّحُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ صَرِيحًا فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْجُزْءِ مِنْ الْمَاءِ وَقَوْلُهُمَا وَمِنْ مَائِهَا الْجَارِي بِهَا صَرِيحٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْجُزْءِ مِنْ الْقَرَارِ فَقَدَّمْنَا الصَّرِيحَ عَلَى الْمُحْتَمَلِ وَوَجْه احْتِمَالِهِ أَنَّ قَوْلَهُمَا مِنْ حَقٍّ مِنْ قَرَارِ الْعَيْنِ يَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْأُولَى فِيهِ بَيَانًا لِمَا فِي بِمَا وَمِنْ الثَّانِيَةِ يُحْتَمَل أَنْ تَكُونَ بَيَانًا لِحَقٍ أَيْ مِنْ حَقٍّ هُوَ الْقَرَارُ وَالْمَقَرُّ إلَخْ وَأَنْ تَكُونَ لِلِابْتِدَاءِ لِوُجُودِ شَرْطِهَا الْمُقَرَّرِ فِي الرِّضَى وَغَيْرِهِ

أَيْ مُبْتَدَأ مِنْ الْقَرَارِ وَأَنْ تَكُونَ تَبْعِيضِيَّةً أَيْ مِنْ بَعْضِ الْقَرَارِ وَالِاحْتِمَالَانِ الْأَوَّلَانِ يَقْتَضِيَانِ الْجُزْءَ مِنْ الْمَاءِ. وَالثَّالِثُ يَقْتَضِي الْجُزْءَ مِنْ الْقَرَارِ فَكَانَ هَذَا اللَّفْظُ مُحْتَمَلًا وَكَانَ قَوْلُهُمَا وَمِنْ مَائِهَا الْجَارِي الْمَعْطُوفُ عَلَى مِنْ حَقٍّ لَا عَلَى مِنْ قَرَارٍ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحِصَّةِ الْجُزْءُ مِنْ الْقَرَارِ فَأَخَذْنَا بِالصَّرِيحِ وَتَرَكْنَا الْمُحْتَمَلَ هَذَا إنْ كَانَتْ عِبَارَتُهُمَا مِنْ حَقٍّ مِنْ قَرَارِ الْعَيْنِ إلَخْ كَمَا رَأَيْته فِي بَعْضِ الْأَسْئِلَةِ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ الْعَيْنِ إلَخْ كَمَا رَأَيْته فِي سُؤَالٍ آخَرَ فَهُوَ دَلِيلٌ لِمَا قُلْنَاهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَمَقَرِّهَا وَمَمَرِّهَا إلَخْ مَعْطُوفٌ عَلَى الْعَيْنِ أَيْ مِنْ حَقٍّ مِنْ حُقُوقٍ الْعَيْنِ وَحُقُوقِ مَقَرِّهَا إلَخْ وَانْظُرْ قَوْلَ الْمُوَثَّقِ وَمِنْ مَائِهَا الْجَارِي بِهَا يَوْمئِذٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْطِفْهُ عَلَى مَا مَرَّ قَبْلَهُ بَلْ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ حَقٍّ فَكَأَنَّهُ يُبَيِّنُ مَا لِلْحِصَّةِ بِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا حُقُوقُ الْعَيْنِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا. وَالثَّانِي الْمَاءُ الْجَارِي بِهَا وَبِهَذَا يُتَّجَهُ أَتَمَّ اتِّجَاهٍ مَا قَرَّرْنَاهُ وَحَرَّرْنَاهُ وَمِنْهَا قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مَا حَاصِلُهُ لَوْ بَاعَ ذِرَاعًا مِنْ نَحْوِ أَرْضٍ مَجْهُولَةِ الذِّرَاعِ لَمْ يَصِحَّ نَعَمْ إنْ عَيَّنَا ابْتِدَاءَ الذِّرَاعِ مِنْ طَرَفٍ لَا مِنْ غَيْرِهِ كَ (بِعْتُكَ) ذِرَاعًا مِنْ هُنَا فِي جَمِيعِ الْعَرْضِ إلَى حَيْثُ يَنْتَهِي فِي الطُّولِ أَوْ عَكْسِهِ صَحَّ وَمَتَى عَلِمَ ذَرْعَهَا وَأَرَادَا أَوْ أَحَدُهُمَا مُعَيَّنًا لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ لَمْ يُرِيدَا وَلَا أَحَدهمَا ذَلِكَ صَحَّ وَنَزَلَ عَلَى الْإِشَاعَةِ فَإِنْ اخْتَلَفَا صُدِّقَ الْمُعَيَّن أَيْ سَوَاءٌ أَكَانَ الْبَائِعُ أَمْ الْمُشْتَرِي خِلَافًا لِبَعْضِ شُرَّاحِ الْإِرْشَادِ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِنِيَّتِهِ وَلِأَنَّ مُطْلَقَ لَفْظِ الذِّرَاعِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ مَعْنَى الْإِشَاعَةِ إلَّا بِتَأْوِيلٍ وَبِهِ فَارَقَ مَا لَوْ قَالَ لِآخَرَ خُذْهُ قِرَاضًا بِالنِّصْفِ ثُمَّ قَالَ الْمَالِكُ أَرَدْت النِّصْفَ لِي أَيْ لِيَبْطُلَ الْعَقْدُ لِلْجَهْلِ بِحِصَّةِ الْعَامِلِ حِينَئِذٍ وَادَّعَى الْعَامِلُ الْعَكْسَ لِيَصِحَّ إذْ مَا فَضُلَ عَنْهُ يَسْتَحِقُّهُ الْمَالِكُ عَلَى الْأَصْلِ فَإِنَّ الْعَامِلَ يُصَدَّقُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ وَالظَّاهِرُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْمُعَيَّنِ لِمَا مَرَّ اهـ فَتَأَمَّلْ تَفْصِيلَهُمْ فِي الْمَعْلُومَةِ الذَّرِعَانِ بَيْنَ أَنْ يُرِيدَا مُعَيَّنًا أَوْ لَا مَعَ قَوْلِهِمْ أَنَّ مُطْلَقَ لَفْظِ الذِّرَاعِ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ مَعْنَى الْإِشَاعَةِ إلَّا بِتَأْوِيلٍ تَجِدُهُ صَرِيحًا فِي أَنَّ الْإِرَادَةَ يُدَارُ عَلَيْهَا الْحُكْمُ صِحَّةً وَفَسَادًا سَوَاءٌ أَكَانَ مَا أَرَادَهُ مُوَافِقًا لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ أَوَلَا. لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ يُحْتَمَلُ وَلَوْ بِتَأْوِيلٍ وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ وَعَلِمْت أَنَّهُ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ اتَّضَحَ لَك مَا قُلْنَاهُ فِي مَسْأَلَتِنَا مِنْ أَنَّهُمَا إذَا أَرَادَا بِالسَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ مَا قَدَّمْته صَحَّ الْبَيْعُ سَوَاءٌ أَجَعَلْنَا ذَلِكَ ظَاهِرَ اللَّفْظِ أَمْ جَعَلْنَاهُ مُحْتَمِلًا مِنْهُ وَلَوْ بِتَأْوِيلِ وَإِذَا قَامَ الْبُرْهَانُ عِنْدَك فِيمَا مَرَّ أَنَّ لِلَّفْظِ إشْعَارًا ظَاهِرًا بِذَلِكَ الْمُرَادِ فَلْيَصِحَّ الْبَيْعُ إذَا أَرَادَاهُ كَمَا نَطَقَ بِهِ كَلَامُهُمْ وَتَعْلِيلُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ السَّابِقَةِ. فَإِنْ قُلْت قَضِيَّة قَوْلِهِمْ فَإِنْ اخْتَلَفَا صُدِّقَ الْمُعَيَّنُ إلَخْ أَنَّ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ وَارِثِيهِمَا أَوْ وَارِثَ أَحَدِهِمَا وَالْآخَر فِي مَسْأَلَتِنَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي إرَادَةِ الْجُزْءِ مِنْ الْقَرَارِ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا أَرَدْنَاهُ وَقَالَ الْآخَرُ أَرَدْنَا جُزْءًا مِنْ الْمَاءِ صُدِّقَ الثَّانِي فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ قُلْت هُنَا تَحْقِيقٌ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ لَهُ وَهُوَ أَنَّهُمْ عَلَّلُوا الْبُطْلَانَ فِي مَسْأَلَتِهِمْ بِتَعْلِيلَيْنِ قَدَّمْنَاهُمَا فَعَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ يُصَدَّقُ مُدَّعِي إرَادَةِ الْمَاءِ حَتَّى يُبْطِلَ الْبَيْعَ فِي مَسْأَلَتِنَا لِأَنَّهُ أَعْرِفُ بِنِيَّتِهِ وَعَلَى التَّعْلِيلِ الثَّانِي يُصَدَّقُ مُدَّعِي إرَادَةِ الْجُزْءِ مِنْ الْقَرَارِ حَتَّى يَصِحَّ الْبَيْعُ بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ هَذَا ظَاهِرُ اللَّفْظِ هَذَا إنْ جَعَلْنَا كُلًّا مِنْ هَذَيْنِ تَعْلِيلًا مُسْتَقِلًّا. وَهُوَ الظَّاهِرُ الْمُوَافِقُ لِلْأَصْلِ وَهُوَ عَدَمُ تَرْكِيبِ الْعِلَّةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَإِنْ جَعَلْنَا الْعِلَّةَ مُرَكَّبَةً مِنْهُمَا اقْتَضَى ذَلِكَ تَصْدِيقَ مُدَّعِي الصِّحَّةِ أَيْضًا فِي مَسْأَلَتِنَا لِأَنَّ مُدَّعِي الْبُطْلَانِ فِيهَا وَإِنْ كَانَ أَعْرَفَ بِنِيَّتِهِ لَكِنَّهُ مُدَّعٍ مَا لَيْسَ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ فَلَيْسَ كَمُدَّعِي الْبُطْلَانِ فِي مَسْأَلَتِهِمْ لِأَنَّهُ ثَمَّ أَعْرَفُ بِنِيَّتِهِ وَدَعْوَاهُ مُوَافِقَةٌ لِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَدَعْوَى مُدَّعِي الصِّحَّةِ مُخَالِفَةٌ لِظَاهِرِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْإِشَاعَةَ لَا تُفْهَمُ مِنْ مُطْلَقِ لَفْظِ الذِّرَاعِ إلَّا بِتَأْوِيلٍ وَأَمَّا مُدَّعِي الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَدَعْوَاهُ مُوَافِقَةٌ لِظَاهِرِ اللَّفْظِ كَمَا عَلِمْته مِمَّا تَقَرَّرَ مَبْسُوطًا قَبْلُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُصَدِّقَ عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي دَعْوَى الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ وَإِنَّمَا خَرَجَتْ عَنْهَا تِلْكَ الصُّورَةُ الَّتِي ذَكَرُوهَا فَصُدِّقَ فِيهَا مُدَّعِي الْبُطْلَانِ لِلْمَعْنَى الْمُرَكَّبِ مِنْ الْعِلَّتَيْنِ وَهُوَ أَنَّهُ انْضَمَّ لِكَوْنِهِ أَعْرَفَ بِنِيَّتِهِ أَنَّ دَعْوَاهُ مُوَافِقَةٌ لِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَدَعْوَى خَصْمِهِ مُخَالِفَةٌ لِظَاهِرِهِ.

فَإِنْ قُلْت قَدْ اتَّضَحَ الْحُكْمُ فِيمَا إذَا قُلْنَا بِتَرْكِيبِ الْعِلَّةِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَصْلِ كَمَا مَرَّ. وَأَمَّا إذَا قُلْنَا بِعَدَمِ التَّرْكِيبِ الْمُوَافِقِ لِلْأَصْلِ فَمَا الْمُعْتَمَدُ مِنْ التَّعْلِيلَيْنِ قُلْت الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ مِنْهُمَا هُوَ الثَّانِي وَبَيَانُهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا الْفَارِقَ بَيْنَ مَا قَالُوهُ مِنْ تَصْدِيقِ الْبُطْلَانِ فِي صُورَةِ الْأَرْضِ وَمُدَّعِي الصِّحَّةِ فِي صُورَةِ الْقِرَاضِ إلَّا مَا أَفَادَهُ التَّعْلِيلُ الثَّانِي وَلَوْ نَظَرْنَا لِلتَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ لَوَقَعَ فِي كَلَامِهِمْ التَّنَاقُضُ فَدَلَّ تَصْرِيحُهُمْ بِتَصْدِيقِ مُدَّعِي الصِّحَّةِ فِي صُورَةِ الْقِرَاضِ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا لِكَوْنِهِ أَعْلَمَ بِنِيَّتِهِ وَإِنَّمَا نَظَرُوا لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنهمَا وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ فِي صُورَةِ الْقِرَاضِ مَعَ الْعَامِلِ فَصُدِّقَ وَحُكِمَ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَفِي صُورَةِ الْأَرْضِ مَعَ الْمُعَيَّنِ فَصُدِّقَ وَحَكَمَ بِالْبُطْلَانِ وَمِنْ هَذَا يَنْشَأُ لَك ضَابِطٌ دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ وَهُوَ أَنَّ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ وَارِثِيهِمَا أَوْ وَارِثَ أَحَدِهِمَا وَالْآخَر مَتَى اخْتَلَفَا فِي الْإِرَادَةِ صَدَقَ مُدَّعِي إرَادَةِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ سَوَاءٌ اقْتَضَتْ إرَادَتُهُ الصِّحَّةَ أَمْ الْفَسَادَ وَإِذَا اتَّضَحَتْ لَك هَذِهِ الْقَاعِدَةُ لَمَا عَلِمْت أَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ صَرِيحِ كَلَامِهِمْ اتَّجَهَ لَك مَا قُلْنَاهُ فِي مَسْأَلَتِنَا مِنْ تَصْدِيقِ مُدَّعِي الصِّحَّةِ لِمَا قَرَّرْنَاهُ سَابِقًا أَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ مُوَافِقٌ لِدَعْوَاهُ هَذَا إنْ كَانَتْ الصِّيغَةُ الصَّادِرَةُ بَيْنهمَا مَا مَرَّ فِي السُّؤَالِ أَمَّا إذَا كَانَتْ بِعْتُك سَاعَةً مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا وَلَمْ يَزِيدَا عَلَى ذَلِكَ. فَإِنْ أَرَادَا بِالسَّاعَةِ مَا قَدَّمْته صَحَّ الْبَيْعُ هَذَا أَيْضًا وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ لِمَا مَرَّ مَبْسُوطًا وَإِنْ اخْتَلَفَتْ إرَادَتهمَا فَهُوَ مَحَلُّ نَظَرٍ وَقَضِيَّة مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَأَنَّهَا قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْجُزْءِ مِنْ الْقَرَارِ وَأَنَّ إرَادَةَ الْمَاءِ تَسْتَدْعِي تَقْدِيرَ مُضَافٍ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ اللَّفْظِ تَصْدِيق مُدَّعِي الصِّحَّةِ هُنَا أَيْضًا لِأَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ مَعَهُ وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الثَّمَرَةَ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ إلَّا مَا يَخُصُّ الْأَلْفَ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّمَنِ صَحَّ الْبَيْعُ وَكَانَ اسْتِثْنَاءً لِلثُّلُثِ وَإِنْ أَرَادَا مَا يَخُصُّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْقِيمَةِ أَوْ لَمْ يُرِيدَا شَيْئًا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِ الْمَبِيعِ حِينَئِذٍ اهـ فَتَأَمَّلْ تَعْوِيلَهُمْ عَلَى الْإِرَادَةِ فِي هَذَا اللَّفْظِ الْمُحْتَمَلِ وَإِنَاطَتهمْ الصِّحَّةَ بِمَا إذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الثَّمَنِ وَالْبُطْلَانِ بِمَا إذَا أَرَادَا الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ أَطْلَقَا وَلَمْ يَنْظُرُوا مَعَ الْإِرَادَةِ إلَى أَنَّ اللَّفْظَ ظَاهِرٌ فِي خِلَافِ الْمُرَادِ أَوَّلًا لِمَا عَلِمْته مِنْ كَلَامِهِمْ هُنَا وَفِيمَا مَرَّ أَنَّهُ حَيْثُ أَمْكَنَ تَنْزِيلُ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى الْمُرَادِ وَلَوْ بِتَأْوِيلٍ صَحَّتْ إرَادَتُهُ مِنْهُ وَأُنِيطَ الْحُكْمُ بِهَا صِحَّةً وَفَسَادًا وَمِنْهَا قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا بِمِائَةِ دِينَارٍ إلَّا عَشْرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ إنْ عَلِمَا قِيمَةَ الدِّينَارِ بِالدَّرَاهِمِ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا هَذَا كَلَامُهُمَا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكْفِي عِلْمُهُمَا بَلْ يُشْتَرَطُ مَعَ عِلْمِهِمَا بِالْقِيمَةِ حَالَةَ الْعَقْدِ قَصْدُهُمَا الِاسْتِثْنَاءَ مِنْهَا وَقَوْلُ صَاحِبِ الْبَيَانِ إذَا بَاعَهُ بِدِينَارٍ إلَّا دِرْهَمًا صَحَّ عَلَى الْمَشْهُورِ غَرِيبٌ وَإِلَّا صَحَّ أَنَّهُمَا إذَا عُلِمَتْ قِيمَتُهُ وَقَصَدَا الِاسْتِثْنَاءَ مِنْهَا صَحَّ وَإِلَّا فَلَا قَالَ فِي الْبَيَانِ وَلَوْ قَالَ بِعْتُك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ صَرْفِ عِشْرِينَ بِدِينَارٍ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْمُسَمَّى هِيَ الدَّرَاهِمُ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ وَلَا تَصِير مَعْلُومَةً بِذِكْرِ قِيمَتِهَا قَالَ وَإِنْ كَانَ نَقْدُ الْبَلَدِ صَرْفَ عِشْرِينَ بِدِينَارٍ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا لِأَنَّ السِّعْرَ مُخْتَلِفٌ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِنَقْضِ الْبَلَدِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَهَكَذَا تَفْعَلُ النَّاسُ الْيَوْمَ يُسَمُّونَ الدَّرَاهِمَ وَيَتَبَايَعُونَ بِالدِّينَارِ وَيَكُونُ كُلُّ قَدْرٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ مَعْلُومٍ عِنْدهمْ دِينَارًا قَالَ وَهَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الدَّنَانِيرِ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَلَا يَصِحُّ بِالْكِنَايَةِ هَذَا مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهُوَ ضَعِيفٌ. بَلْ الْأَصَحُّ صِحَّةُ الْبَيْعِ بِالْكِنَايَةِ كَمَا سَبَقَ أَوَّلَ كِتَابِ الْبَيْعِ وَعَلَى هَذَا إذَا عُبِّرَ بِالدَّنَانِيرِ عَنْ الدَّرَاهِمِ صَحَّ اهـ كَلَامُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَفِي النُّسْخَةِ الَّتِي عِنْدِي الْآنَ وَنَقَلَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ عَنْهُ أَنَّهُ عَلَّلَ قَوْلَهُ صَحَّ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ يُعَبِّرُ بِهَا عَنْهَا مَجَازًا كَقَوْلِهِ فِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا مَثَلًا هَذِهِ دِينَارٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ هُوَ صَرْفُهَا أَيْ هَذِهِ صَرْفُ دِينَارٍ فَهُوَ مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ اهـ فَانْظُرْ تَفْصِيلَهُ فِي مِائَةِ دِينَارٍ إلَّا عَشْرَةَ دَرَاهِمَ وَفِي مِائَةِ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَا الْقِيمَةَ وَيَقْصِدَا الِاسْتِثْنَاءَ مِنْهَا فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَإِنْ لَا يَعْلَمَاهَا أَوْ لَا يَقْصِدَا الِاسْتِثْنَاءَ مِنْهَا فَلَا يَصِحُّ تَجِدُهُ صَرِيحًا فِي جَرَيَانِ التَّفْصِيلِ الَّذِي قَدَّمْته فِي مَسْأَلَتِنَا وَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ فِيمَا

إذَا أَرَادَ بِالسَّاعَةِ مَا مَرَّ بَلْ مَسْأَلَتُنَا أَوْلَى فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَلْفُوظِ قَبْلَهُ وَهُوَ هُنَا فِي صُورَةِ الصِّحَّةِ لَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الْقِيمَةِ الْمَنْوِيَّة مَعَ أَنَّ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ لَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَنْوِيِّ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا عَلَى مَا يَأْتِي فَإِذَا أَثَّرَتْ فِيهِ النِّيَّةُ وَأَخْرَجَتْهُ عَنْ ظَاهِرِهِ الْمُقْتَضِي لِلْبُطْلَانِ مُطْلَقًا فَأَوْلَى أَنَّ النِّيَّةَ تُؤَثِّرُ فِي مَسْأَلَتِنَا وَتُفِيدُ الصِّحَّةَ فِي الْحَالَةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا. وَانْظُرْ أَيْضًا تَضْعِيفه لِكَلَامِ ابْنِ الصَّبَّاغِ مَعَ تَسْلِيمِهِ لِتَعْلِيلِهِ بِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الدَّنَانِيرِ وَقَدْ سَبَقَ ابْنَ الصَّبَّاغِ بِذَلِكَ جَمِيعَهُ شَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَانْظُرْ أَيْضًا هَذَا التَّجَوُّزَ الَّذِي نَظَرَ إلَيْهِ النَّوَوِيُّ وَمَا فِيهِ مِنْ تَكَلُّفٍ أَنَّهُ مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ حَتَّى يَصِحَّ الْمَعْنَى عَمَلًا بِأَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ بِالْكِنَايَةِ فَظَهَرَ لَك مِمَّا تَقَرَّرَ فِي كَلَامِهِ أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ بِالْكِنَايَةِ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَمَا يَصِحُّ بِهَا فِي الصِّيغَةِ وَفِي أَنَّهُمَا لَوْ نَوَيَا بِاللَّفْظِ الدَّالِ عَلَى الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ خِلَافُ ظَاهِرِهِ صَحَّ الْبَيْعُ نَظَرًا لِتِلْكَ النِّيَّةِ وَإِنْ سَلَّمَ أَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِذَلِكَ اللَّفْظِ عَنْ ذَلِكَ الْمَنْوِيِّ وَحِينَئِذٍ إذَا نَوَيَا بِالسَّاعَةِ مَا مَرَّ صَحَّ الْبَيْعُ وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا يُعَبَّرُ بِالسَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ عَنْ الْجُزْءِ مِنْهُ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ انْعِقَادِ الْبَيْعِ بِالْكِنَايَةِ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُعَبَّرْ بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى ذَلِكَ عَنْ الْمَعْنَى الْمَنَوَيَّ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُحْتَفَ بِالنِّيَّةِ قَرَائِن تُفِيدُ الْعِلْمَ بِالْمَنْوِيِّ وَلَا تُجْزِي تِلْكَ الْقَرَائِنُ بِلَا نِيَّةٍ خِلَافًا لِلْإِمَامِ. وَمَرَّ فِي الْجَوَابِ الْمَبْسُوطِ رَدُّ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ الْفَرْقِ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ وَقَدْ قَدَّمْت لَك مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الْمُثَمَّنِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَخِيرَةِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي أَنَّ النِّيَّةَ تُؤَثِّرُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِنْ نَافَاهَا ظَاهِرُ اللَّفْظِ. فَإِنْ قُلْت صَرَّحُوا فِي النَّقْدَيْنِ الْمُخْتَلِفِي الْقِيمَةِ وَلَا غَالِبَ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ لَفْظًا وَلَا تَكْفِي النِّيَّةُ بِخِلَافِهِ فِي الْخُلْعِ لِأَنَّهُ أَوْسَعُ وَفِيمَا لَوْ قَالَ مَنْ لَهُ بَنَاتٌ زَوَّجْتُك بِنْتِي وَنَوَيَا وَاحِدَةً لِأَنَّ ذِكْرَ كُلٍّ مِنْ الْعِوَضَيْنِ هُنَا وَاجِبٌ فَاحْتِيطَ لَهُ بِذَكَرِهِ لَفْظًا بِخِلَافِهِ ثَمَّ وَهَذَا يُعَارِضُ مَا مَرَّ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالنِّيَّةِ قُلْت لَا مُنَافَاةَ لِأَنَّ النِّيَّةَ فِيمَا مَضَى وَقَعَتْ فِي لَفْظٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى تَرْكِيبٍ يَحْتَمِلُ مَعْنًى صَحِيحًا وَمَعْنًى فَاسِدًا فَكُلٌّ مِنْهُمَا مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِذَلِكَ اللَّفْظِ فَصَحَّ أَنْ يُقْصَدَ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ تَعْوِيلٌ عَلَى النِّيَّةِ وَحْدَهَا بَلْ عَلَى مَا يُوَافِقُهَا مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَأَمَّا هُنَا فَفِيهِ تَعْوِيلٌ عَلَيْهَا وَحْدَهَا إذْ الدِّينَارُ فِي بِعْتُك بِدِينَارٍ مَثَلًا وَالْحَالُ أَنَّ ثَمَّ دَنَانِيرَ مِنْ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةِ الْقِيمَةِ وَالْغَلَبَةُ غَيْرُ مُفِيدٍ لِوَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ بِعَيْنِهِ فَإِذَا نَوَيَا نَوْعًا مِنْهَا كَانَ فِيهِ إعْمَالٌ لِلنِّيَّةِ وَحْدَهَا لِأَنَّ الْمَلْفُوظَ بِهِ لَا إشْعَارَ لَهُ بِوَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَنْوَاعِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ الْعَامِّ وَهُوَ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى خُصُوصِ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِهِ فَلَمْ تَصِحَّ إرَادَةُ نَوْع مِنْهَا. وَأَيْضًا فَالدِّينَارُ مَثَلًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَجْهُولٌ وَالْبَيْعُ بِالْمَجْهُولِ بَاطِلٌ إذْ لَا تَأْثِيرَ لِلنِّيَّةِ فِيهِ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ وُقُوعِ التَّنَازُعِ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَا إلَى غَايَةٍ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَتْ نِيَّتُهُمَا إذْ لَا مَرْجِعَ يَرْجِعَانِ إلَيْهِ حِينَئِذٍ لِأَنَّ الدِّينَارَ لَا ظُهُورَ لَهُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى بَعْضِ أَنْوَاعِهِ دُونَ بَعْضٍ بَلْ دَلَالَتُهُ عَلَى كُلٍّ مِنْ أَنْوَاعِهِ وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ مَا مَرَّ فِي الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ فَإِنَّ اللَّفْظَ فِيهَا دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى مَعْنَى وَمُحْتَمِلَةٌ عَلَى غَيْرِهِ فَإِذَا نَوَيَا الْغَيْر وَاتَّفَقَا عَلَى نِيَّتِهِ صَحَّ وَإِلَّا حَكَمْنَا عَلَيْهِمَا بِمَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ لَفْظِهِمَا وَهَذَا الْفَرْقُ أَوْضَحُ مِنْ الْفَرْقِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَدَقَّ وَبِهِ يَتَّضِحُ لَك أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ فِيمَا لَوْ قَالَ زَوْجَتُك بِنْتِي وَنَوَيَا وَاحِدَة وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ بِنْتِي لَيْسَ جِنْسًا شَامِلًا لِأَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ وَلَا هُوَ بِمَنْزِلَتِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مُتَضَمِّنٌ لِوَصْفٍ لَازِمٍ مُضَافٍ إلَيْهِ انْحَصَرَ ذَلِكَ فِي الْخَارِجِ فِي أَشْخَاصٍ مُعَيَّنَةٍ فَإِذَا نَوَيَا وَاحِدَةً مِنْهَا صَحَّ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ تَعْوِيلٌ عَلَى النِّيَّةِ وَحْدَهَا لِتَعَيُّنِ تِلْكَ الْأَشْخَاصِ وَانْحِصَارِهَا وَعَدَمِ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ لِغَيْرِهَا. وَهَذَا الْجَوَابُ أَوْلَى وَأَوْضَحُ مِنْ الْجَوَابِ السَّابِقِ آنِفًا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ دَقِيقِ الْفِقْهِ الْبَعِيدِ عَلَى أُولَئِكَ تَصَوُّرِ بَعْضِهِ فَضْلًا عَنْ نَقْضِهِ {قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} [يونس: 38] وَإِلَّا حُرِمْتُمْ الظَّفْرَ بِوَصْلِهِ. فَإِنْ قُلْت مَا وَجْهُ قَوْلِهِمْ لَوْ قَالَ بِعْتُك بِدِينَارٍ وَأَرَادَ بِهِ مِقْدَارًا مُعَيَّنًا مِنْ الدَّرَاهِمِ لَمْ يَصِحَّ قُلْت يُوَجَّهُ بِمُخَالَفَتِهِ لِعُرْفِ الشَّرْعِ فِي الدِّينَارِ مَعَ تَصْيِيرِ الثَّمَنِ حِينَئِذٍ مَنْوِيًّا

وَهَذَا لَا يَكْفِي فَإِنْ قُلْت يَرُدُّ عَلَى مَا قَرَّرْته فِي هَذَا الْبَابِ جَمِيعِهِ الْقَاعِدَةُ الْمَشْهُورَةُ وَهِيَ أَنَّ الِاصْطِلَاحَ الْخَاصَّ لَا يَرْفَعُ الِاصْطِلَاحَ الْعَامَّ وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِأَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ تَغْيِيرُ اللُّغَةِ بِالِاصْطِلَاحِ وَهَلْ يُجَوِّزُ لِلْمُصْطَلِحِينَ نَقْلُ اللَّفْظِ عَنْ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ يُشْتَرَطُ بَقَاءُ أَصْلِ الْمَعْنَى وَلَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ بِأَكْثَرَ مِنْ التَّخْصِيصِ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْأُصُولِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ وَالْمُخْتَار الثَّانِي وَمِنْ فُرُوعِهَا لَوْ اتَّفَقَ الْخَاطِبُ وَالْمَخْطُوبَةُ عَلَى أَنْ يُعَبَّرَ فِي الْعَقْد عَنْ الْأَلْفِ بِأَلْفَيْنِ وَجَبَا عَلَى الْأَظْهَرِ إعْمَالًا لِلَّفْظِ الصَّرِيحِ وَمُقَابِلُهُ يَجِبُ أَلْفٌ فَقَطْ عَمَلًا بِاصْطِلَاحِهِمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَجْرِي الْأَحْكَامُ الْمُتَلَقَّاةُ مِنْ الْأَلْفَاظِ. فَلَوْ قَالَ إذَا قُلْت أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَمْ أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ بَلْ الْقِيَامَ مَثَلًا أَوْ وَاحِدَةً لَمْ يُعْتَبَرْ بِمَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ عَمَّ فِي نَاحِيَة اسْتِعْمَالِ الطَّلَاق فِي إرَادَةِ الِانْطِلَاقِ ثُمَّ خَاطَبَهَا بِهِ مُرِيدًا بِهِ حَلَّ الْوَثَاق لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ وَالْعُرْفُ إنَّمَا يَعْمَلُ فِي إزَالَةِ الْإِيهَامِ لَا فِي تَغْيِيرِ مُقْتَضَى الصَّرَائِحِ اهـ وَمِنْهَا لَوْ قَالَ مَتَى قُلْت أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَإِنَّ أُرِيدُ الطَّلَاقَ ثُمَّ قَالَهُ فَقِيلَ تَطْلُقُ عَمَلًا بِمَا قَالَهُ قَبْل وَالْأَصَحُّ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ كَمَا لَوْ ابْتَدَأَ بِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ نِيَّتَهُ تَغَيَّرَتْ وَمِنْهَا لَوْ قَالَ مَنْ لَهُ أَمَةٌ أُرِيدُ أَنْ أُلَقِّبَهَا بِحُرَّةٍ ثُمَّ قَالَ يَا حُرَّةُ فَفِي الْبَسِيطِ الظَّاهِرِ أَنَّهَا لَا تَعْتِقُ إذَا قَصَدَ النِّدَاءَ وَمِنْهَا لَوْ قَالَ أُرِيد أَنْ أُقِرَّ بِمَا لَيْسَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْف قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَاصِمٍ لُغِيَ إقْرَاره وَقَالَ صَاحِب التَّتِمَّةِ الصَّحِيحُ لُزُومه كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْف لَا تَلْزَمُنِي قُلْت لَيْسَ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَلَا فِي فُرُوعهَا مَا يُشْكِلُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ إلَّا عَلَى مَا قَالُوهُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ. وَذَلِكَ لِأَنَّ مَحَلّ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ كَمَا عَلِمْت مِنْ تَقْرِيرِهَا أَنْ يُؤْتَى بِلَفْظٍ لَهُ مَدْلُولٌ يَصِحُّ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ ثُمَّ يُرَادُ بِهِ لَفْظٌ آخَرُ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى هَذَا النَّقْلِ وَالِاسْتِعْمَالُ غَيْرُ مُجَرِّدِ الِاتِّفَاقِ وَالِاصْطِلَاحُ السَّابِقُ عَلَى أَنْ يُعَبَّرَ بِهَذَا عَنْ هَذَا وَلِذَلِكَ اتَّضَحَ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِهَذَا الِاصْطِلَاحِ وَالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ فِيهِ إلْغَاءَ اللَّفْظِ الصَّرِيحِ مَعَ صِحَّةِ اسْتِعْمَالِهِ فِي مَدْلُولِهِ بِمُجَرَّدِ اصْطِلَاحٍ سَابِقٍ وَهَذَا مُمْتَنِعٌ لِضَعْفِ تِلْكَ الْقَرِينَةِ وَهِيَ اصْطِلَاحُ السَّابِقِ عَلَى أَنْ يُؤَثِّرَ فِي الصَّرِيحِ وَيُصْرِفَهُ إلَى غَيْرِ مَدْلُولِهِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ بِالْمُعَاطَاةِ وَإِنْ اطَّرَدَتْ الْعَادَةُ بَعْدَهَا بَيْعًا وَلَمْ يَسْتَحِقَّ الصَّانِعُ شَيْئًا بِغَيْرِ عَقْدٍ وَإِنْ اطَّرَدَتْ الْعَادَةُ بِأُجْرَتِهِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَسْأَلَتِنَا أَخْذًا مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا فِيهِ الْإِتْيَانُ بِلَفْظٍ لَا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهُ فِي مَدْلُولِهِ اللُّغَوِيِّ وَلَا يُتَوَهَّمُ عَاقِلٌ مِنْهُ ذَلِكَ وَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَى مَدْلُولِهِ اللُّغَوِيِّ تَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى مَا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ عَمَلًا بِقَاعِدَةِ أَنَّ تَصْحِيحَ اللَّفْظِ مَا أَمْكَنَ أَوْلَى مِنْ إلْغَائِهِ وَبِالْقَرِينَةِ الصَّرِيحَةِ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ مَدْلُولِهِ. وَهِيَ قَوْلُهُمَا هُنَا مِنْ قَرَارِ كَذَا فَظَهَرَ أَنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ لَا تُشْبِهُ مَا نَحْنُ فِيهِ وَشَتَّانَ بَيْن لَفْظٍ صَرِيحٍ أَمْكَنَ اسْتِعْمَالُهُ فِي مَدْلُولِهِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ تَقَدَّمَتْهُ قَرِينَةٌ ضَعِيفَةٌ عِنْد اسْتِعْمَالِهِ أُرِيدَ صَرْفُهُ عَنْ مَدْلُولِهِ ذَلِكَ إلَى مَدْلُولٍ آخَرَ لَمْ يُذْكَرْ هُوَ وَلَا مَا يَدُلّ عَلَيْهِ لِمُجَرَّدِ تِلْكَ الْقَرِينَةِ الضَّعِيفَةِ وَلَمْ يُمْكِنْ اسْتِعْمَالُهُ فِي مَدْلُولِهِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ الْمُسْتَعْمَلِ فِيهِ اقْتَرَنَ بِهِ لَفْظٌ صَرِيحٌ فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ الْمُمْكِنِ صَرْف ذَلِكَ اللَّفْظ إلَيْهِ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ التَّجَوُّزِ لِتِلْكَ الْقَرِينَةِ اللَّفْظِيَّةِ الْقَوِيَّةِ وَمَعَ هَذَا الْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْن هَذَيْنِ الْمَقَامَيْنِ لَا يُتَخَيَّلُ الْتِبَاسُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا قَرَّرْته قَوْلُهُمْ الصَّرِيحُ يَصِيرُ كِنَايَةً بِالْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ كَانَتْ طَالِق مِنْ وَثَاقٍ لِأَنَّ أَوَّل اللَّفْظ مُرْتَبِطٌ بِآخِرِهِ. وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ عَمَّا يُقَالُ قَدْ يَعْقُبُهُ بَعْدَ طَلَّقْتُكِ الصَّرِيح نَدَمٌ فَيَقُولُ مِنْ وَثَاقٍ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِهَذَا التَّوَهُّمِ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْمُتَّصِلَ يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِجَمِيعِهِ لَا بِبَعْضِهِ كَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ خَافَ مِنْ النَّفْيِ فَاسْتَدْرَكَ بِالْإِثْبَاتِ. وَيُؤَيِّدُ مَا قَرَّرْته أَيْضًا قَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِي الْإِقْرَارِ اللَّفْظُ وَإِنْ كَانَ صَرِيحًا فِي التَّصْدِيقِ قَدْ تَنْضَمُّ إلَيْهِ قَرَائِنُ تَصْرِفُهُ عَنْ مَوْضُوعِهِ إلَى الِاسْتِهْزَاءِ وَبَعْدَ أَنْ اتَّضَحَ لَك هَذَا الْمَقَامُ وَزَالَ عَنْك مَا اسْتَوْلَى عَلَى الْقَائِلِينَ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فِي مَسْأَلَتِنَا مُطْلَقًا مِنْ الْعِنَادِ وَالْإِيهَامِ صَارَ الْحَقُّ لَدَيْكَ جَلِيًّا وَالْمُخَالِفُ فِيمَا قُلْنَاهُ مِنْ التَّفْصِيلِ وَالصِّحَّةِ فِي الْحَالَةِ السَّابِقَةِ غَبِيًّا وَسَاغَ لَك أَنْ تُؤَكِّدَ بِالْأَيْمَانِ لَمَّا قَامَ عِنْدَك مِنْ جَلِيِّ

الباب الثاني بيع الماء الراكد

الْبُرْهَانِ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَسْتَنِدُوا فِيمَا قَالُوهُ إلَّا لِمَحْضِ الْعِنَادِ وَالتَّقْلِيدِ وَالْجُمُودِ عَلَى ظَاهِرِ عِبَارَةٍ لَمْ يُؤَيِّدْهُ بِنَقْلٍ وَلَا بِأَدْنَى تَأْيِيدٍ هَذَا مَعَ صَرِيحِ عِبَارَاتِ الْأَئِمَّةِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَأَوْضَحْنَاهُ وَقَرَّرْنَاهُ حَتَّى صَارَ عَلَى غَايَةٍ مِنْ الْإِيضَاحِ وَالظُّهُورِ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ. [الْبَابُ الثَّانِي بَيْعُ الْمَاءِ الرَّاكِدِ] (الْبَابُ الثَّانِي فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ) وَهِيَ مَا إذَا أَرَادَ بِالْحِصَّةِ السَّقِيَّةَ الَّتِي قَدْرُهَا سَاعَتَانِ مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ فِي السُّؤَالِ عَنْ الْمَاءِ مُقَدَّرًا بِزَمَنٍ فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ عَمَلًا بِنِيَّتِهِمَا لِأَنَّ بَيْعَ الْمَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بَاطِلٌ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ فِي أَصْلِ بَيْعِ الْمَاءِ وَمِلْكِهِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّ الْمَاءَ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي بِئْرٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ قَنَاةٍ وَذَلِكَ الْقَرَارُ الَّذِي فِيهِ الْمَاءُ إمَّا أَنْ يَكُونَ يَنْبُعُ مِنْهُ أَوْ يَصِلَ إلَيْهِ ثُمَّ يُسْقَى مِنْهُ الْأَرَاضِي فَالْأَوَّلُ إنْ مَلَكَهُ وَاحِدٌ أَوْ جَمْعُ كَانَ الْمَاءُ مَمْلُوكًا لَهُمْ عَلَى حَسْبِ الشَّرِكَةِ فِي الْقَرَارِ وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمَاءِ الرَّاكِدِ هُنَا إنْ قُدِّرَ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ كَالنِّصْفِ أَوْ بِنَحْوِ مِائَةِ رِطْلٍ لَا بِنَحْوِ سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ لِلْجَهْلِ بِالْمَبِيعِ وَلَا يُنَافِيهِ ذِكْرُهُمْ فِي قِسْمَةِ مَاءِ الْقَنَاةِ الْمُهَيَّأَةِ بِالْأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ يُتَسَامَحُ فِيهَا مَا لَا يُتَسَامَحُ فِي الْبَيْع لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ بَيْعًا حَقِيقِيًّا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إذْ هِيَ مُتَرَدِّدَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِفْرَازِ ثُمَّ تَارَةً يَغْلِبُ شَبَهُهَا بِالْبَيْعِ وَتَارَةً يَغْلِبُ بِالْإِفْرَازِ وَبِهَذَا تَعْلَمُ الْجَوَابَ عَنْ قَوْلِ الْأَذْرَعِيِّ بَعْدَ أَنْ سَاقَ كَلَامًا طَوِيلًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّافِعِيَّ لَمْ يُبَيِّن أَنَّ الْأَوْجُهَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْمُهَايَأَةِ مِنْ تَفَارِيعِ قَوْلِنَا بِأَنَّ مَاءَ النَّهْرِ وَالْقَنَاةِ يُمَلَّكُ أَوْ لَا يُمَلَّكُ بَلْ أَطْلَقَ الْكَلَامَ إطْلَاقًا تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ وَإِمَامِهِ. وَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ مَمْلُوكٌ فَكَيْفَ يَنْقَدِحُ الْقَوْلُ بِالْقِسْمَةِ مُهَايَأَةً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعُ هَذَا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ وَأَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّهَا إفْرَازُ حَقٍّ فَهَذَا مَوْضِعُ تَأَمُّلٍ وَلَمْ أَرَ لَهُ ذِكْرًا فِي كَلَامِهِمْ هَذَا فَتَأَمَّلْهُ اهـ وَكَلَامُهُمْ ظَاهِرٌ إنْ لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا فِي جَرَيَانِ الْمُهَايَأَةِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمِلْكِ وَلَا إشْكَالَ فِيهِ وَإِنْ قُلْنَا الْقِسْمَةُ بَيْعٌ حَقِيقِيٌّ مِنْ كُلٍّ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ مَحَلَّ النَّبْعِ أَحَدٌ وَإِنَّمَا كَانَ الْمَمْلُوكُ هُوَ الْمَحَلَّ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ أَوْ يَصِلُ إلَيْهِ فَالْمَاءُ الْجَارِي فِيهِ أَوْ الْوَاصِلُ إلَيْهِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ فَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ كَانَ بَاقِيًا عَلَى إبَاحَتِهِ ثُمَّ إذَا صَدَرَ بَيْعٌ فَإِنْ وَقَعَ عَلَى مَحَلِّ النَّبْعِ الْمَمْلُوكِ أَوْ عَلَى جُزْءٍ مِنْهُ مَعْلُومٍ صَحَّ وَلَمْ يَدْخُلْ الْمَاءُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْبَيْعِ إلَّا بِالشَّرْطِ وَإِنْ وَقَعَ عَلَى الْمَحَلِّ الَّذِي يَجْرِي فِيهِ أَوْ يَصِلُ إلَيْهِ الْمَاءُ وَمَحَلُّ النَّبْعِ لَيْسَ مَمْلُوكًا لِأَحَدٍ أَوْ كَانَ أَعْنِي مَحَلَّ النَّبْعِ مَجْهُولًا وَلَا قَرِينَةَ تَدُلُّ عَلَى مِلْكِهِ كَالْبِنَاءِ عَلَيْهِ أَوْ السَّقْيِ مِنْهُ أَخْذًا مِنْ عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ الْآتِيَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ الْمَاءُ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ. وَمِنْ ثَمَّ لَوْ وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى الْمَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَلَمْ يَصِحَّ وَإِنَّمَا الَّذِي يَدْخُلُ مِنْ ذَلِكَ اسْتِحْقَاقُ الْأَرْضِ الْمُسَمَّى بِالشِّرْبِ وَمِمَّا يُحْكَمُ فِيهِ بِمِلْكِ الْقَرَارِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا مَرَّ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ يَدٌ وَانْتِفَاعٌ لِأَنَّ ذَلِكَ حِينَئِذٍ دَالٌّ عَلَى الْمِلْكِ لَهُ وَلِلْمَاءِ النَّابِعِ لَهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى أَعْنِي مِلْكَهُ لِمَحَلِّ النَّبْعِ وَشَاهِدُ ذَلِكَ قَوْلُ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ لَوْ صَادَفْنَا نَهْرًا تُسْقَى مِنْهُ أَرْضُونَ وَلَمْ يُدْرَ أَنَّهُ حَفْرٌ أَوْ انْخَرَقَ حُكْمُنَا بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ يَدٍ وَانْتِفَاعٍ وَخَرَجَ بِقَوْلِي فِيمَا مَرَّ وَيَصِحُّ بَيْعُ الْمَاءِ الرَّاكِدِ أَمَّا الْمَاء الْجَارِي فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا بَيْعُ نَصِيبِهِ مِنْهُ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ وَلِلْجَهْلِ بِقَدْرِهِ وَلِأَنَّ الْجَارِي وَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ فِي صُورَةِ مِلْكِ مَحَلِّ النَّبْعِ فَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ لِاخْتِلَاطِ غَيْرِ الْمَبِيعِ بِهِ فَطَرِيقُهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يَمْلِكَهُ أَوْ يَسْتَحِقَّهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَحَلَّ النَّبْعِ الْمَمْلُوكِ أَوْ الْقَنَاة أَوْ مُجْتَمَعَ الْمَاءِ الْمَمْلُوكِ فَإِذَا مَلَكَ الْأَوَّلُ مَلَكَ الْمَاءَ. وَإِذَا مَلَكَ أَحَدَ الْأَخِيرَيْنِ كَانَ أَحَقَّ بِهِ هَذَا مُلَخَّصُ مَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي مِلْكَ الْمَاءِ وَبَيْعَهُ وَفِيهِ زِيَادَةُ بَسْطٍ تَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى عِبَارَاتِ الرَّوْضَةِ فِي ذَلِكَ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى شِبْهِ تَنَاقُضٍ وَبِمَا قَرَّرْته إنْ فَهِمْتَهُ. تَعْلَمْ مَحَلَّ قَوْلِ الْبَحْرِ. لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمِيَاهِ مِنْ الْقَنَاةِ وَالْعُيُونِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ فَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لَمْ يُمْكِنْ تَسْلِيمُهَا لِاخْتِلَاطِ غَيْرِ الْمَبِيعِ بِهِ وَالْحِيلَةُ

فِي اسْتِحْقَاقِهَا أَنْ يَعْقِدَ عَلَى الْقَرَارِ كَانَ أَحَقَّ بِالْمَاءِ فَيَشْتَرِي نَفْسَ الْقَنَاةِ أَوْ سَهْمًا مِنْهَا فَإِذَا مَلَكَ الْقَرَارَ كَانَ أَحَقَّ بِالْمَاءِ عَلَى قَوْل الْكُلّ اهـ وَبِهِ يُعْلَمُ أَيْضًا مَحَلُّ قَوْلِ الْبَيَانِ لَا يَصِحُّ بَيْعُ سَهْم مِنْ مَاءِ كَذَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَكَذَا لَا يَصِحّ أَنْ يَقُول بِعْتُك لَيْلَة أَوْ يَوْمًا مِنْ مَاءِ كَذَا لِأَنَّ الزَّمَان لَا يَصِحّ بَيْعه. وَلَكِنَّ الْحِيلَةَ فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِي مَاء الْعَيْن أَوْ سَهْمًا مِنْهَا أَنْ يَشْتَرِيَ الْعَيْن نَفْسهَا أَوْ سَهْمًا مِنْهَا هَكَذَا ذَكَرَهُ أَصْحَابنَا اهـ وَلَا بَأْس بِالتَّنْبِيهِ هُنَا عَلَى فَائِدَةٍ حَسَنَةٍ تَتَعَلَّقُ بِمَا نَحْنُ فِيهِ وَهِيَ أَنَّ النَّوَوِيَّ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَلَا يَجُوزُ بَيْع مَاءِ الْبِئْر وَالْقَنَاة فِيهِمَا لِأَنَّهُ مَجْهُول وَيَزِيد شَيْئًا فَشَيْئًا فَيَخْتَلِط فَيَتَعَذَّر التَّسْلِيم وَإِنْ بَاعَ مِنْهُ أُصْبُعًا فَإِنْ كَانَ جَارِيًا لَمْ يَصِحّ إذْ لَا يُمْكِن رَبْط الْعَقْد بِمِقْدَارٍ وَإِنْ كَانَ رَاكِدًا وَقُلْنَا إنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوك لَمْ يَصِحّ وَإِنْ قُلْنَا مَمْلُوك فَقَالَ الْقَفَّالُ لَا يَصِحّ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَزِيد فَيَخْتَلِط الْمَبِيع وَالْأَصَحّ الْجَوَاز كَبَيْعِ صَاع مِنْ صُبْرَة وَأَمَّا الزِّيَادَة فَقَلِيلَة فَلَا تَضُرّ كَمَا لَوْ بَاعَ الْقَتَّ فِي الْأَرْض بِشَرْطِ الْقَطْع وَكَمَا لَوْ بَاعَ صَاعًا مِنْ صُبْرَةٍ وَصَبَّ عَلَيْهَا صُبْرَةً أُخْرَى فَإِنَّ الْبَيْع بِحَالِهِ وَيَبْقَى الْمَبِيع مَا بَقِيَ صَاع مِنْ الصُّبْرَةِ. وَلَوْ بَاعَ الْمَاء مَعَ قَرَاره نَظَرَ إنْ كَانَ جَارِيًا فَقَالَ بِعْتُك هَذِهِ الْقَنَاة مَعَ مَائِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ جَارِيًا وَقُلْنَا الْمَاء لَا يُمَلَّك لَمْ يَصِحّ الْبَيْع فِي الْمَاء وَفِي الْقَرَار قُولَا تَفْرِيق الصَّفْقَة اهـ وَسَيَأْتِي الْجَمْع بَيْن هَذِهِ الْعِبَارَة وَمَا نَاقَضَهَا بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ بِبَادِئِ الرَّأْيِ فِي الْبَابِ الْخَامِسِ وَإِنَّمَا سُقْتهَا هُنَا لِأَنَّ الْبُلْقِينِيُّ اعْتَرَضَهَا بِاعْتِرَاضَاتٍ مُتَعَلِّقَة بِمَا نَحْنُ فِيهِ فَأَحْبَبْت ذِكْرهَا لِأَرُدّ تِلْكَ الِاعْتِرَاضَات الَّتِي أَوْرَدَهَا عَلَيْهَا فَمِنْهَا قَوْله وَمَا ذَكَرَهُ فِي بَيْع مَاء الْبِئْر مِنْ تَعْلِيلِ عَدَم الْجَوَاز بِأَنَّهُ مَجْهُول كَلَام غَيْر مُسْتَقِيم فَإِنَّ الْجَهَالَة فِي مِثْل ذَلِكَ لَا تَضُرّ كَبَيْعِ الصُّبْرَة الَّتِي لَا يُعْلَم مِقْدَارهَا اهـ وَمَا ذَكَره هُوَ الَّذِي لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ فَإِنَّهُ فِي الرَّوْضَةِ لَمْ يَقْتَصِر عَلَى التَّعْلِيل بِالْجَهْلِ فَقَطْ بَلْ قَالَ وَيَزِيد شَيْئًا فَشَيْئًا إلَخْ وَبِهَذَا انْدَفَعَ تَشْبِيه الْبُلْقِينِيُّ لِمَاءِ الْبِئْر بِالصُّبْرَةِ الْمَذْكُورَة وَإِيضَاحُهُ أَنَّ الصُّبْرَة يُحِيطُ الْعِيَانَ بِجَوَانِبِهَا وَيُمْكِن حَزْرهَا فَيَقِلّ الْغَرَر فِيهَا بِخِلَافِ مَاء الْبِئْر الْمُتَزَايِد شَيْئًا فَشَيْئًا فَإِنَّ الْعِيَانَ لَا يُحِيط بِهِ فَيَكْثُر الْغَرَر وَهَذَا وَاضِح لَا خَفَاء فِيهِ. وَسَيَأْتِي عَنْ الْبُلْقِينِيُّ نَفْسه مَا يُصَرِّح بِهِ وَمِنْهَا أَنَّهُ قَالَ أَيْضًا وَقَوْل الرَّوْضَةِ وَيَزِيد شَيْئًا فَشَيْئًا فَيَخْتَلِط وَيَتَعَذَّر التَّسْلِيم يُخَالِفهُ مَا ذُكِرَ فِي صُورَة الْقَفَّالِ وَالْأَصَحّ فِيهَا قَوْل الْقَفَّالِ خِلَاف مَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلشَّرْحِ لِأَنَّ صُورَة الْمَسْأَلَة أَنَّ هُنَاكَ مَاءً آخَر يَنْبُع وَيَخْتَلِط بِالرَّاكِدِ وَالنَّبْع مُسْتَمِرّ فَلَا يَقَع الْبَيْع إلَّا مُقَارِنًا لِلِاخْتِلَاطِ اهـ وَمَا زَعَمَهُ مِنْ أَنَّ الْأَصَحّ قَوْل الْقَفَّالِ لَا يُلْتَفَت إلَيْهِ فَإِنَّ الشَّيْخَيْنِ صَحَّحَا خِلَافه وَالْمُعَوَّل فِي التَّرْجِيح لَيْسَ إلَّا عَلَيْهِمَا إذَا قَالَتْ حَذَامِ فَصَدِّقُوهَا ... فَإِنَّ الْقَوْل مَا قَالَتْ حَذَامِ وَالْعَجَب مِنْ تَرْجِيحه هَذَا مَعَ قَوْل الرَّافِعِيِّ رَدًّا عَلَى الْقَفَّالِ وَالْوَجْه أَنْ يُبْنَى قَوْلُ الْقَفَّالِ عَلَى مَذْهَبه مِنْ أَنَّ بَيْعَ صَاعٍ مِنْ صُبْرَة مَجْهُولَةِ الصِّيعَان لَا يَجُوز اهـ وَمَا قَالَهُ فِي الصُّبْرَة ضَعِيف فَكَذَا مَا قَالَهُ فِي الْمَاء الْمُشَابِه لَهَا وَمَا زَعَمَهُ أَيْضًا مِنْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ أَوْ لَا يُخَالِفهُ مَا ذَكَرَهُ فِي صُورَة الْقَفَّالِ يُرَدّ بِوُضُوحِ الْفَرْق بَيْن الصُّورَتَيْنِ فَإِنَّهُ فِي الصُّورَة الْأُولَى مَجْهُول كَمَا مَرَّ بِخِلَافِهِ فِي الثَّانِيَة فَإِنَّهُ لَا جَهْل فِيهِ لِأَنَّ الصُّورَة أَنَّهُ رَاكِد وَالْمَبِيع إنَّمَا هُوَ إصْبَعٌ مَعْلُومٌ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا اخْتِلَاط الْمَبِيع بِغَيْرِهِ الَّذِي نَظَرَ إلَيْهِ الْقَفَّالُ وَسَيَأْتِي الْجَوَاب عَنْهُ. وَمِنْهَا أَنَّهُ قَالَ أَيْضًا وَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ الْقِيَاس عَلَى بَيْع صَاع مِنْ صُبْرَة لَا يَسْتَقِيم لِأَنَّ الصُّبْرَة لَيْسَ هُنَاكَ شَيْء يَزِيدُ فِيهَا بِخِلَافِ صُورَة الْمَاء فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ الصُّبْرَة كَانَتْ فِي مَوْضِع وَهُنَاكَ شَيْء مِنْ جِنْسهَا يَنْزِل عَلَيْهَا مِنْ السَّقْف أَوْ مِنْ ثَقْبٍ فِي الْحَائِط وَنَحْو ذَلِكَ لَمْ يَصِحّ الْبَيْع إذَا لَمْ يَتَعَيَّن الْمُخْتَلَط وَبَاعَ مِنْ غَيْره صَحَّ اهـ وَقَوْله لَا يَسْتَقِيم هُوَ الَّذِي لَا يَسْتَقِيم وَلَا نَظَّرَ لِفَرْقِهِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا شَيْء يَزِيدُ بِخِلَافِهِ هُنَا لَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّ الزِّيَادَة قَلِيلَة فَلَا تَضُرّ فَكَأَنَّ الزِّيَادَة هُنَا كَلَا زِيَادَة وَإِذَا كَانَتْ كَذَلِكَ اتَّضَحَتْ الْمُسَاوَاة بَيْن الْمَسْأَلَتَيْنِ وَلَمْ يُنْظَر لِصُورَةِ

الْفَرْق الَّذِي ذَكَره الْبُلْقِينِيُّ وَقَوْله فَإِنْ فُرِضَ إلَخْ لَا حَاجَة بِنَا إلَيْهِ فَإِنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْكَلَامَ فِي صُبْرَةٍ لَمْ تَحْصُل فِيهَا زِيَادَة وَأَمَّا مَعَ ذَلِكَ فَنَظِيرَة مَسْأَلَتنَا وَمِنْهَا أَنَّهُ قَالَ أَيْضًا وَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ الْقِيَاس عَلَى الْقَتِّ لَا يَسْتَقِيم فَإِنَّ الزِّيَادَة فِي الْقَتِّ مِنْ عَيْنه بِخِلَافِ الْمَاءِ وَالصُّبْرَةِ الَّتِي يَنْزِل عَلَيْهَا شَيْء آخَر فَإِنَّ الزِّيَادَة مِنْ غَيْر ذَلِكَ وَأَيْضًا فَقَدْ تَكُون الزِّيَادَة فِي الْقَتِّ كَثِيرَة. وَقَدْ أَطْلَقُوا ثُبُوت الْخِيَار لِلْبَائِعِ فِي صُورَة الْقَتِّ وَلَا يَأْتِي مِثْل ذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا يَثْبُت الْخِيَار لِلْمُشْتَرِي اهـ وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ الَّذِي لَا يَسْتَقِيم لِأَنَّ النَّوَوِيَّ لَمْ يَقْصِد التَّشْبِيه بَيْنهمَا إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّ الزِّيَادَة فِي كُلّ مِنْ الْقَتِّ وَالْمَاء الْمَذْكُور قَلِيلَة تَافِهَة لَا يُنْظَر إلَيْهَا فِي الْغَالِب سَوَاء كَانَ مِنْ الْعَيْن أَوْ مِنْ شَيْء مُمَاثِل لِتِلْكَ الْعَيْن فَانْدَفَعَ نَظَرُهُ لِذَلِكَ فِي الْفَرْق لِأَنَّهُ لَا يَرْتَبِط بِهِ هُنَا كَبِيرُ مَعْنَى وَقَوْله قَدْ تَكُون الزِّيَادَة فِي الْقَتِّ كَثِيرَة يُرَدّ بِأَنَّ الْكَلَام إنَّمَا هُوَ فِي الْغَالِب وَفِيمَا مِنْ شَأْنه وَمِنْ شَأْنهَا فِي الْقَتِّ وَالْغَالِب فِيهَا فِيهِ أَنَّهَا قَلِيلَة فَلَا يُنْظَر إلَى أَنَّهَا قَدْ تَكْثُر وَمِنْهَا أَنَّهُ قَالَ أَيْضًا وَقَوْل الرَّوْضَةِ كَمَا لَوْ بَاعَ صَاعًا مِنْ صُبْرَة وَصَبَّ عَلَيْهَا صُبْرَة أُخْرَى فَإِنَّ الْبَيْع بِحَالِهِ قِيَاسٌ مَرْدُود فَإِنَّ الْبَيْع وَقَعَ عَلَى الصَّاع مِنْ الصُّبْرَةِ قَبْل الِاخْتِلَاط فَصَحَّ وَفِي صُورَة الْمَاء وَنَحْوهَا وَقَعَ الْبَيْعُ مُقَارَنًا لِلِاخْتِلَاطِ فَلَمْ يَصِحّ اهـ وَمَا زَعَمَهُ مِنْ أَنَّ الْقِيَاسَ مَرْدُود لَيْسَ فِي مَحَلّه بَلْ هُوَ مَقْبُول فَإِنَّ حُدُوث الْخَلْط وَلَوْ فِي مَجْلِس الْبَيْع لَا يَمْنَع صِحَّته مِنْ أَنَّ الْوَاقِع فِي الْمَجْلِس حُكْمه حُكْم الْوَاقِع فِي الْعَقْد فَكَذَلِكَ مُقَارَنَته لِلْبَيْعِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ لَا تَمْنَعُهُ وَمِنْهَا أَنَّهُ اعْتَرَضَ قَوْل الرَّوْضَةِ. وَيَبْقَى الْمَبِيع مَا بَقِيَ صَاعٌ مِنْ الصُّبْرَة بِأَنَّهَا إنْ عُلِمَتْ صِيعَانهَا لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ فَتَنْزِيل الْبَيْع عَلَى الْإِشَاعَة هُوَ الْمَذْهَب فَإِذَا تَلِفَ مِنْ الصُّبْرَة شَيْء تَلِفَ بِقَدْرِهِ مِنْ الْمَبِيع وَإِنْ حُمِلَ مَا ذُكِرَ عَلَى أَنْ تَكُونَ الصِّيعَان مَجْهُولَة فَقَدْ حَصَلَ الِاخْتِلَاط فَإِذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا صَاع مِنْ الْمُخْتَلَط فَكَيْف يَبْقَى الْبَيْعُ فِيهِ وَبَعْضه غَيْر مَبِيعٍ وَسَبَقَهُ إلَى نَحْو هَذَا ابْنُ النَّقِيبِ فَقَالَ وَقَوْل الرَّوْضَةِ وَيَبْقَى الْمَبِيعُ مَا بَقِيَ صَاعٌ مِنْ الصُّبْرَة إنَّمَا يَأْتِي إذَا قُلْنَا إنَّ الْبَيْعَ يَنْزِل عَلَى صَاع مُبْهَم لِأَنَّهُ مُشَاع اهـ وَمِنْهَا أَنَّهُ قَالَ وَقَوْل الرَّوْضَةِ وَلَوْ بَاعَ الْمَاء مَعَ قَرَاره نَظَرَ إنْ كَانَ جَارِيًا إلَخْ فَقَالَ وَهُوَ كَلَامٌ غَيْرُ مُسَلَّم فِي صُورَة الْجَارِي فَإِنَّ مُجَرَّد الْجَرَيَان لَا يَقْتَضِي بُطْلَان بَيْع الْمَاء تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الْمَاء الْمَذْكُور مَمْلُوك إذَا كَانَ الْجَرَيَان يَنْتَهِي إلَى مَقْطَع بِحَيْثُ يُمْكِن الِاسْتِيلَاء عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ يَنْتَهِي إلَى نُزُول فِي بَحْر وَنَحْوه فَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَصِحّ الْبَيْع فِيهِ وَمَا نَزَلَ مِنْهُ فِي الْبَحْر كَتَلَفِ بَعْض الْمَبِيع قَبْل الْقَبْض اهـ وَقَوْله إنَّ ذَلِكَ غَيْر مُسَلَّم لَا يُلْتَفَت إلَيْهِ لِمَا مَرَّ عَنْ الرَّوْضَةِ وَقَوْله مُجَرَّد الْجَرَيَان إلَخْ مَمْنُوع لِمَا مَرَّ مِنْ الْجَهْل بِقَدْرِهِ وَعَدَمِ إمْكَان تَسْلِيمه وَكَوْنِهِ يَنْتَهِي إلَى مَقْطَع يُمْكِن الِاسْتِيلَاء عَلَيْهِ لَا يُنْظَر إلَيْهِ لِنُدْرَةِ إمْكَان ذَلِكَ. وَدَعْوَاهُ أَنَّ مَا تَلِفَ بِنُزُولِهِ إلَى بَحْر كَتَلَفِ بَعْض الْمَبِيع قَبْل الْقَبْض غَيْر صَحِيحَة لِأَنَّ الصُّورَة فِي تَلَف الْمَبِيع قَبْل الْقَبْض أَنَّهُ كَانَ تَسْلِيمه قَبْل تَلَفِهِ مَقْدُورًا عَلَيْهِ حِين الْبَيْع بِخِلَافِهِ هُنَا فَكَيْف يُقَاس مَا يَصِحّ بَيْعه عَلَى مَا لَا يَصِحّ بَيْعه قَالَ الْأَذْرَعِيُّ عَقِب قَوْل الرَّوْضَةِ وَأَصْلهَا وَلَا يَجُوز بَيْع مَاء الْبِئْر وَالْقَنَاة فِيهِمَا لِأَنَّهُ مَجْهُول لَا خَفَاء أَنَّ هَذَا فِي الْبِئْر النَّابِعَة أَمَّا لَوْ كَانَتْ صِهْرِيجًا يَجْمَع مَاء الْمَطَر أَوْ يَسُوق الْمَاء إلَيْهَا مِنْ نَهْرٍ وَنَحْوه فَمَاؤُهَا كَالْمَاءِ فِي إنَاء إذَا عُلِمَ عُمْقهَا وَسِعَتهَا عُلُوًّا وَسُفْلًا اهـ وَمَا يَدْخُل مِنْ الْمَاء الْمُبَاحِ فِي مِلْك إنْسَان لَا يَمْلِكهُ بِدُخُولِهِ فِي الْأَصَحّ فَمَنْ أَخَذَهُ مَلَكَهُ وَإِنْ حُرِّمَ عَلَيْهِ دُخُول مِلْك الْغَيْر لِأَجْلِهِ وَقَالَ الْإِمَامُ يَمْلِك مَا يَدْخُل فِي نَهْره وَقَنَاته عَلَى الْأَصَحّ وَهُوَ ضَعِيف وَقَدْ تَنَاقَضَ كَلَام الْإِمَامِ وَتَبِعَهُ الشَّيْخَانِ فَقَالَ هُنَا إنْ تَوَحَّلَ الصَّيْد فِي أَرْض لَهُ سَقَاهَا لَا يَقْتَضِي الْمِلْك وَإِنْ قَصَدَهُ وَقَالَ فِي كِتَاب الصَّيْد يَمْلِكهُ إنْ قَصَدَهُ وَجَمَعَ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ نَفْس التَّوَحُّل لَا يَقْتَضِي الْمِلْك. وَإِنْ قَصَدَ التَّمَلُّك وَمَا هُنَا فِيمَا إذَا قَصَدَ بِسَقْيِ الْأَرْض تَوَحُّله فَيَمْلِك بِهِ قَطْعًا أَيْ كَمَا يَمْلِك الْمَاء هُنَا بِالْحَفْرِ وَبِمَا تَقَرَّرَ يَعْلَم أَنَّ مَا يَدْخُل مِنْ السَّيْل إلَى صَهَارِيج جَدَّةَ وَغَيْرهَا لَا يَمْلِكهُ أَرْبَابهَا وَلَا يَصِحّ بَيْعهمْ لَهُ وَإِنَّمَا يَصِيرُونَ أَحَقّ بِهِ فَقَطْ وَإِنْ حَفَرُوا لَهُ مَشَارِب وَأَعَدُّوهَا حَتَّى إذَا

الباب الثالث إذا لم يقصد العاقدان بالساعتين جزءا من قرار ولا ماء

جَاءَ دَخَلَ إلَى صَهَارِيجهمْ مِنْهَا نَعَمْ بَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْبَيَانِ أَنَّ الْمَاء لَوْ دَخَلَ دَارِهِ فَأَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابهَا مَلَكَهُ كَمَا لَوْ أَغْلَقَهَا عَلَى صَيْد دَخَلَ إلَى مِلْكه وَعَلَيْهِ فَأَصْحَاب الصَّهَارِيج إذَا أَغْلَقُوهَا عَلَى مَا فِيهَا مَلَكُوهُ وَسَيَأْتِي عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّ الدُّولَابَ الَّذِي يُدِيرهُ الْمَاءُ إذَا دَخَلَ الْمَاءُ فِي كِيزَانه يَمْلِكهُ صَاحِبُ الدُّولَابِ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ اسْتَقَاهُ بِنَفْسِهِ قَالَ غَيْرُهُ وَفِي مَعْنَاهُ مَا يُدِيرهُ بِدَابَّتِهِ مِنْ طَرِيقٍ أَوْلَى اهـ وَمَرَّ أَنَّ الْمَأْخُوذ مِنْهُ فِي نَحْو إنَاء يَمْلِكهُ آخِذُهُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا قَالَ وَإِجْمَاعُهُمْ عَلَى ذَلِكَ دَلِيل عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ بَيْع الْمَاءِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ جَمِيع الْمِيَاهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَجْهُولُ كَالْمِيَاهِ الَّتِي يَتَبَايَعُهَا أَهْلُ الشِّرْبِ وَغَيْرُهُمْ بِبَيْعِ الرَّجُلِ مِنْهُمْ مَا يَجْرِي فِي نَهْرِهِ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِكَذَا وَكَذَا اهـ. وَقِيلَ لَا يُمَلَّكُ الْمَاءُ مُطْلَقًا وَإِنْ أَخَذَهُ فِي نَحْوِ إنَاءٍ بَلْ هُوَ أَوْلَى بِهِ وَحَكَاهُ الْقَاضِي وَالْإِمَامِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ لَكِنْ رَدَّهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ بِأَنَّ الْمَعْرُوفَ عَنْهُ أَنَّ الْمَأْخُوذَ فِي نَحْوِ إنَاءٍ يُمَلَّكُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ مِنْ حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ وَفِي الْأَنْوَارِ أَنَّ الْأَنْهَارَ وَالسَّوَّاقِي إذَا كَانَتْ مَمْلُوكَةً بِأَنْ حَفَرَ نَهْرًا يَدْخُلُ فِيهِ الْمَاءُ مِنْ الْوَادِي الْعَظِيمِ أَوْ مِنْ النَّهْرِ الْمُنْخَرِقِ مِنْهُ فَالْمَاءُ بَاقٍ عَلَى إبَاحَتِهِ لَكِنَّ مَالَك النَّهْرِ أَحَقُّ بِهِ كَالسَّيْلِ يَدْخُلُ مِلْكَهُ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مُزَاحَمَتُهُ لِسَقْيِ الْأَرْضَيْنِ وَكَذَا لِلشِّرْبِ وَالِاسْتِعْمَالِ عِنْد الْجُمْهُورِ اهـ وَبَيَّنَ بِقَوْلِهِ وَكَذَا إلَخْ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ وَأَمَّا الشِّرْبُ وَالِاسْتِعْمَالُ وَسَقْي الدَّوَابِّ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَاصِمٍ وَالْمُتَوَلِّي لَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّهُ لَا يُدْلِي أَحَدٌ فِيهِ دَلْوَهُ هُوَ الثَّانِي لِكَوْنِ الْجُمْهُورِ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الْخَامِسِ فِي الْكَلَامِ عَلَى عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَفِي الْبَابِ السَّادِسِ مَا يَتَعَلَّق بِبَيْعِ الْمَاءِ فَلِيَكُنْ مِنْك عَلَى ذِكْرِ. [الْبَاب الثَّالِثِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْعَاقِدَانِ بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءًا مِنْ قَرَارٍ وَلَا مَاءَ] (الْبَاب الثَّالِث فِي الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ) وَهِيَ مَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْعَاقِدَانِ بِالسَّاعَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ جُزْءًا مِنْ قَرَارٍ وَلَا مَاء وَلَكِنْ اطَّرَدَ عُرْفُهُمَا حَالَ الْعَقْدِ بِاسْتِعْمَالِ السَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ فِي جُزْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْهُ وَقَدْ قَدَّمْت فِي كُلٍّ مِنْ الْجَوَابَيْنِ السَّابِقَيْنِ أَنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَيْضًا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أُمُورٌ الْأَوَّلُ قَوْلُهُمْ لَوْ بَاعَ بِنَقْدٍ وَثَمَّ نَقْدٌ غَالِبٌ مُتَّحِدٌ أَوْ مُتَعَدِّدٌ لَمْ يَخْتَلِفْ غَلَبَةً وَلَا قِيمَةً صَحَّ الْبَيْعُ وَحُمِلَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا أَوْ زَائِدًا أَوْ فُلُوسًا سَوَاءٌ أَعَبَّرَ بِهَا أَمْ بِالدَّرَاهِمِ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ بَلْ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ الْحَمْلَ عَلَيْهَا أَيْضًا وَإِنْ عَبَّرَ بِالنَّقْدِ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ أَوْ كَانَ حِنْطَةً وَثِيَابًا فَتَأَمَّلْ حُكْمَهُمْ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ فِي هَذَا وَتَنْزِيلُهُ عَلَى الْمُتَعَارَفِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اللَّفْظُ ظَاهِرًا فِيهِ وَلَمْ يَنْظُرُوا لِكَوْنِهِ مَجْهُولًا مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الْعُرْفِ مَعْلُومٌ فَكَانَ عِلْمُهُ الْمُسْتَنِد لَهُ كَالتَّصْرِيحِ بِهِ فِي الْعَقْدِ وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحَ ابْنُ الصَّبَّاغِ بِمَا قَدَّمْته عَنْهُ فِي الْجَوَابِ السَّابِقِ فِي الْمُقَدِّمَةِ فَكَذَلِكَ السَّاعَةُ مِنْ الْقَرَارِ فِي صُورَتِنَا إذَا غَلَبَ عِنْدَ قَوْمٍ اسْتِعْمَالِهَا بِمَعْنَى الْجُزْءِ الْمُعَيَّنِ مِنْهُ يُحْمَلُ عَلَيْهِ وَيَصِحُّ الْبَيْعُ نَظَرَا لِتِلْكَ الْغَلَبَةِ وَلِذَلِكَ الْعُرْفِ وَكَأَنَّهُمَا قَالَا جُزْءًا مُعَيَّنًا مِنْ الْقَرَارِ الثَّانِي قَوْل الْقَاضِي لَوْ اُعْتِيدَ الْبَيْعُ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ يُعْطِي تِسْعَةً وَدَانَقًا عُمِلَ فِيهِ بِالْعَادَةِ اهـ وَالْعَمَلُ بِهَا فِي مَسْأَلَتِنَا أَوْلَى لِأَنَّ مَا قَالَهُ فِيهِ إلْغَاءُ اللَّفْظِ بِالْكُلِّيَّةِ فَإِنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ بِعَشْرَةِ دَنَانِيرَ وَلَمْ يُعْمَلْ بِمَدْلُولِ هَذَا اللَّفْظِ وَلَا بِمَا يَحْتَمِلُهُ رُجُوعًا لِلْعَادَةِ. فَإِذَا رَجَعَ إلَيْهَا فِي إلْغَاءِ اللَّفْظِ الْوَاقِعِ فِي الْعَقْدِ بِالْكُلِّيَّةِ وَتَنْزِيلِهِ أَعْنِي الْعَقْدَ عَلَى مَا يُذْكَرُ فِيهِ بِوَجْهٍ نَظَرًا لِلْعَادَةِ فَأَوْلَى أَنْ يُرْجَعَ إلَيْهَا فِي اسْتِعْمَالِ اللَّفْظ بِمَعْنَى لَفْظٍ آخَرَ اُعْتِيدَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ وَيَنْزِلُ الْعَقْدُ عَلَى ذَلِكَ الثَّالِثُ قَوْلُهُمْ يَجُوزُ التَّعَامُلُ بِالْمَغْشُوشَةِ وَلَوْ فِي الذِّمَّةِ وَإِنْ جُهِلَ قَدْرُ الْغِشِّ نَظَرًا لِلْعُرْفِ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ رَاجَتْ الْفُلُوسُ رَوَاجَ النُّقُودِ ثَبَتَ لَهَا أَحْكَامُهَا وَإِذَا ثَبَتَ لَهَا أَحْكَامُهَا نَظَرًا لِلْعُرْفِ مَعَ أَنَّهَا لَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا نَقْدٌ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا فَكَذَلِكَ يَثْبُتُ لِلَفْظِ السَّاعَةِ حُكْمُ لَفْظِ الْجُزْءِ إذَا اُعْتِيدَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُطْلَقْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا الرَّابِعُ وَهُوَ أَظْهَرُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُدَّعِي فِي مَسْأَلَتِنَا مِمَّا قَبْلَهُ قَوْلهمْ إذَا اطَّرَدَتْ

الْعَادَةُ نَزَلَ اللَّفْظُ فِي الْعُقُودِ عَلَيْهَا وَإِنْ اضْطَرَبَتْ لَمْ تُعْتَبَرْ وَوَجَبَ الْبَيَانُ وَإِنْ تَعَارَضَتْ الظُّنُونُ فِي اعْتِبَارِهَا فَخِلَافٌ وَهَذَا الْأَصْلُ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فَقَالَ كُلُّ مَا يَتَّضِحُ فِيهِ اطِّرَادُ الْعَادَةِ فَهُوَ الْمُحَكِّمُ وَيَصِيرُ كَالْمَذْكُورِ صَرِيحًا. وَكُلُّ مَا تَعَارَضَتْ الظُّنُونُ بَعْضَ التَّعَارُضِ فِي حُكْمِ الْعَادَةِ فِيهِ فَهُوَ مَثَارُ الْخِلَافِ اهـ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُمْ يَنْزِلُ اللَّفْظُ فِي الْعُقُودِ عَلَيْهَا وَقَوْلُ الْإِمَامِ كُلُّ مَا يَتَّضِحُ فِيهِ اعْتِبَارُهَا فَهُوَ الْحُكْمُ وَيَصِيرُ كَالْمَذْكُورِ صَرِيحًا تَجِدُ ذَلِكَ نَصًّا فِي مَسْأَلَتِنَا بِتَنْزِيلِ لَفْظِ السَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ عَلَى الْجُزْءِ مِنْهُ إذَا اُعْتِيدَ اسْتِعْمَالُهَا فِيهِ الْخَامِسُ قَوْلُ الْقَفَّالِ الْعَادَةُ الْمُطَّرِدَةُ فِي نَاحِيَةٍ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ كَاعْتِيَادِ مَنَافِعِ الرَّهْنِ لِلْمُرْتَهِنِ فَهِيَ بِمَثَابَةِ شَرْطِ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ حَتَّى يَفْسُدَ الرَّهْنُ وَجَعَلَ الِاصْطِلَاحَ الْخَاصَّ بِمَنْزِلَةِ الْعَادَةِ الْعَامَّةِ فَإِنْ قُلْتَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّ الْجُمْهُورَ لَمْ يُسَاعِدُوهُ فِي هَذَيْنِ قُلْت الْجُمْهُورُ لَا يُخَالِفُونَهُ إلَّا فِي قَوْلِهِ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ حَتَّى يَفْسُدَ الْعَقْدُ وَأَمَّا فِي أَصْلِ اعْتِبَارِ الْعَادَةِ الْخَاصَّةِ فَلَا يُخَالِفُونَهُ فِيهِ فَقَدْ صَرَّحُوا بِاعْتِبَارِهَا فِي مَسَائِلَ مِنْهَا مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمُعَامَلَةَ لَوْ غَلَبَتْ فِي بَلَدٍ بِجِنْسٍ أَوْ نَوْعٍ مِنْ النُّقُودِ أَوْ الْعُرُوضِ انْصَرَفَ الثَّمَنُ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِي الْأَصَحِّ. وَمِنْهَا أَنَّ الْعَادَةَ الْمُطَّرِدَة فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ وَبَلَدِهِ مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ شَرْطِهِ وَمِنْهَا فِي بَيْعِ الثَّمَرَةِ الَّتِي بَدَا صَلَاحُهَا يَجِبُ إبْقَاؤُهَا إلَى أَوَانِ الْقِطَافِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ السَّقْيِ بِمَائِهَا عَمَلًا بِالْعُرْفِ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ بِاللَّفْظِ وَقَوْلهمْ فِي أَلْفَاظِ الْأَيْمَانِ أَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ عَادَاتِ النَّاسِ فِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الرُّءُوسِ وَنَحْوهَا وَمِنْهَا اعْتِبَارُهُمْ غَالِبَ شِيَاهِ الْبَلَدِ فِي الشَّاةِ الْوَاجِبَةِ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ وَغَالِبِ قُوتِهَا فِي نَحْو زَكَاةِ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَةِ وَغَالِب إبِلِهَا فِي الدِّيَاتِ وَبَقِيَ مَسَائِلُ أُخْرَى كَثِيرَةٌ اعْتَبَرُوا فِيهَا الْعُرْفَ الْخَاصَّ لَا يَخْفَى عَلَى الْفَقِيهِ اسْتِخْرَاجُهَا فَإِنْ قُلْتَ فَلِمَ نَزَّلُوهَا مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ فِي مَسْأَلَةِ الثِّمَارِ السَّابِقَةِ وَفِيمَا لَوْ بَارَزَ كَافِرٌ مُسْلِمًا وَاعْتِيدَ أَمَانُ كُلٍّ مِنْ عَدُوِّهِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِهِمَا ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ لَنَا إعَانَةُ الْمُسْلِمِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا تَبَعًا لِلنَّصِّ وَلَمْ يُنْزِلُوهَا مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ السَّابِقَةِ أَيْضًا خِلَافًا لِلْقَفَّالِ وَلَا فِيمَا لَوْ جَرَتْ عَادَةُ قَوْمٍ بِقَطْعِ الْحِصْرِمِ قَبْلَ النُّضْجِ خِلَافًا لِلْقَفَّالِ أَيْضًا فِي تَنْزِيلِهَا مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ حَتَّى يَصِحَّ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَلَا فِي بَيْعِ الْعَيِّنَةِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا مُؤَجَّلًا بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ نَقْدًا إذَا صَارَ ذَلِكَ عَادَةً خِلَافًا لِلْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ وَالشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُمَا نَزَّلَاهَا مَنْزِلَتَهَا حَتَّى يَبْطُلَ الْعَقْدَانِ. قُلْتُ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ مِنْ الْأُمُورِ التَّوَابِعِ غَيْرُ الْمَقْصُودَةِ لِذَاتِهَا أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ وُجُوبَ الْإِبْقَاءِ إلَى الْجُذَاذِ أَمْرٌ تَابِعٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَمُتَرَتِّبٌ عَلَيْهَا فَأَثَّرَ فِيهِ الْعُرْفُ لِضَعْفِهِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْإِعَانَةَ وَعَدَمهَا مِنْ الْأُمُورِ التَّابِعَةِ لِلْمُبَارَزَةِ فَأَثَّرَ فِيهَا الْعُرْفُ لِضَعْفِهَا أَيْضًا وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الرَّهْنِ وَبَيْعُ الْحِصْرِمِ وَالْعِينَة فَهِيَ مَقْصُودَةٌ لِذَاتِهَا فَلَمْ يَقْوَ الْعُرْفُ فِيهَا عَلَى أَنْ يُؤَثِّرَ بُطْلَانُ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ وَلِأَنَّ الصِّيغَةَ فِيهِمَا وَقَعَتْ صَحِيحَةً مُسْتَوْفِيَةً لِشُرُوطِهَا الظَّاهِرَةِ وَغَايَةُ الْعُرْفِ أَنْ يَجْعَلَ الشَّرْطَ مُضْمَرًا وَإِضْمَارُ الْمُفْسِدِ لَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَلَا صِحَّةَ الثَّانِيَة لِأَنَّ الْحِصْرِمَ غَيْرُ قَابِلٍ لِإِيرَادِ الْبَيْعِ عَلَيْهِ إلَّا مَعَ شَرْطِ الْقَطْعِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ وَأَيْضًا فَهَذَا الشَّرْطُ مُعْتَدٌّ بِلَفْظِهِ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ أَثَرُهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَجِبْ الْوَفَاءُ بِهِ وَمَا بِلَفْظِهِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ عُرْفُ وَلَا غَيْرُهُ فَتَفَطَّنْ لِهَذَا الْفَرْقِ. فَإِنَّهُ يُزِيلُ عَنْك فِي هَذِهِ الْقَاعِدَة مِنْ الْعَمَايَاتِ مَا لَا يَهْتَدِي لِشَيْءٍ مِنْهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ السَّادِسُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا ثُمَّ الْعَادَةُ الْغَالِبَةُ إنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي الْمُعَامَلَاتِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا وَرَغْبَةِ النَّاسِ فِيمَا يُرَوَّجُ فِيهَا غَالِبًا وَلَا تُؤَثِّرُ فِي التَّعْلِيقِ وَالْإِقْرَارِ بَلْ يَبْقَى اللَّفْظُ عَلَى عُمُومِهِ أَمَّا فِي التَّعْلِيقِ فَلِقِلَّةِ وُقُوعه وَأَمَّا فِي الْإِقْرَارِ فَلِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ وُجُوبِ حَقٍّ سَابِقٍ وَرُبَّمَا يُقَدَّمُ الْوُجُوب عَلَى الْعُرْفِ الْغَالِبِ اهـ وَكَالْإِقْرَارِ فِي ذَلِكَ الدَّعْوَى فَلَا تَنْزِلُ الدَّعْوَى بِالدَّرَاهِمِ عَلَى الدَّرَاهِمِ الْغَالِبَةِ وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بِمَا مَرَّ فَقَالُوا إنَّهَا إخْبَارٌ عَمَّا تَقَدَّمَ فَلَا يُقَيَّدُ بِهَا الْعُرْفُ الْمُتَأَخِّرُ بِخِلَافِ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ بَاشَرَهُ فِي الْحَالِ فَقَيَّدَهُ الْعُرْفُ. وَهَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ فِي الدَّلَالَةِ

لِمَا قُلْنَاهُ وَكَلَامُ الشَّيْخَيْنِ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ فَيَجْرِي فِيهِ التَّعْلِيلُ الْمَذْكُورُ فَإِنْ قُلْت لَا دَلَالَةَ فِي هَذَا كُلِّهِ لِمَا ذَكَرْت لِأَنَّ فَحَوَى عِبَارَاتِهِمْ أَنَّهَا فِي الثَّمَنِ وَمَا ذَكَرْت إنَّمَا هُوَ فِي الْمُثَمَّنِ وَفَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْنهمَا إذْ الْمُثَمَّنُ مَقْصُودٌ لِذَاتِهِ بِخِلَافِ الثَّمَنِ وَلِذَا جَازَ الِاسْتِبْدَالُ عَنْ الثَّمَنِ دُونَ الْمُثَمَّنِ قُلْتُ بَلْ فِيهِ دَلَالَةٌ أَيْ دَلَالَةٌ لِمَا ذَكَرْته لِأَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا الثَّمَنَ عَلَى جِهَةِ الِاخْتِصَاصِ بِهِ بَلْ عَلَى جِهَةِ التَّمْثِيلِ عَلَى أَنَّهُمْ أَجْرَوْا الْعَادَةَ فِي الْمُثَمَّنِ بَلْ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ الَّذِي هُوَ أَضْيَقُ أَنْوَاعِ الْمُثَمَّنِ فَقَدْ قَالُوا لَوْ أُسْلِمَ إلَيْهِ فِي لَحْمٍ وَأُطْلِقَ حُمِلَ عَلَى اللَّحْمِ مَعَ الْعَظْمِ الْمُعْتَادِ فَيُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ عَمَلًا بِالْعَادَةِ وَقَالُوا لَوْ أُسْلِمَ فِي مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ وَثَمَّ مَكَايِيلُ أَوْ مَوَازِينُ وَلَمْ يُبَيِّنَا وَاحِدًا مِنْهَا حُمِلَ عَلَى الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ الْغَالِبِ. فَانْظُرْ جَعْلَهُمْ الْعُرْفَ مُؤْثَرًا فِي شُمُولِ اللَّحْمِ لِلْعَظْمِ مَعَ مُغَايِرَتِهِ لَهُ حَقِيقَةً وَاسْتِعْمَالًا وَفِي صِحَّةِ الْعَقْدِ مَعَ عَدَمِ شَرْطِ صِحَّةِ السَّلَمِ مِنْ بَيَانِ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْعُرْفَ صَيَّرَ ذَلِكَ كَالْمَذْكُورِ فِي الْعَقْدِ فِيهِمَا فَإِنْ قُلْت قَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ بِأَنَّ الْعُرْفَ إنَّمَا يَعْمَلُ فِي إزَالَةِ الْإِيهَامِ لَا فِي تَغْيِيرِ مُقْتَضَى الصَّرَائِحِ وَمَا ذَكَرْتُهُ فِيهِ تَغْيِيرٌ لِمُقْتَضَى الصَّرِيحِ إذْ السَّاعَةُ صَرِيحَةٌ فِي الزَّمَانِ فَلَا يُغَيِّرُهَا الْعُرْفُ عَنْ مُقْتَضَاهَا قُلْتُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالصَّرِيحِ مَا فَهِمْته إذْ لَا يُفْهَمُ ذَلِكَ مِنْ لَفْظِهِ فَقِيهٌ بَلْ وَلَا مُتَفَقِّهٌ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالصَّرِيحِ صِيَغُ الْعُقُودِ وَالْحُلُولِ وَكَلَامُ الْإِمَامِ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ لَوْ عَمَّ فِي نَاحِيَةٍ اسْتِعْمَالُ الطَّلَاقِ فِي إرَادَةِ الْخَلَاصِ وَالِانْطِلَاقِ ثُمَّ أَرَادَ الزَّوْجُ حَمْلَ الطَّلَاقِ فِي مُخَاطَبَةِ زَوْجَتِهِ عَلَى مَعْنَى التَّخْلِيصِ وَحَلِّ الْوِثَاقِ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ وَالْعُرْفُ إنَّمَا يَعْمَلُ فِي إزَالَةِ الْإِيهَامِ لَا فِي تَغْيِيرِ مُقْتَضَى الصَّرَائِحِ اهـ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ مُرَادَهُ بِالصَّرَائِحِ مَا ذَكَرْته وَمَسْأَلَتُنَا لَيْسَتْ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لِأَنَّ لَفْظَ السَّاعَةِ فِيهَا لَا يُقَالُ فِيهَا صَرِيحٌ فِي الِاصْطِلَاحِ فَلَا يَشْمَلُهُ كَلَامُ الْإِمَامِ. فَإِنْ قُلْتَ فَلِمَ أَثَّرَ الْعُرْفُ فِي غَيْرِ الصَّرِيحِ وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ قُلْت لِأَنَّ الصَّرِيحَ وَضْعٌ شَرْعِيٌّ وَضَعَهُ الشَّارِعُ لِيُنَاطَ بِهِ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَلَا تُوجَدُ بِدُونِهِ وَالْأَوْضَاعُ الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ لَا تُغَيِّرْ عَنْ مَعَانِيهَا لِلْأَوْضَاعِ الْعُرْفِيَّةِ لِمَا يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ نَسْخِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ بِشَيْءٍ حَادِثٍ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الشَّرِيعَةِ غَيْرِ مُتَلَقٍّ مِنْ الشَّارِعِ وَالْوَضْعُ الشَّرْعِيُّ إنَّمَا يُنْسَخُ بِوَضْعٍ شَرْعِيٍّ مِثْله وَأَمَّا غَيْرُ الصَّرِيحِ فَإِنَّهَا أَلْفَاظٌ وَكُلُّ اسْتِعْمَالِهَا إلَى مُسْتَعْمِلِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاصْطِلَاحَ الْخَاصَّ يَرْفَعُ الِاصْطِلَاحَ الْعَامَّ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ أَوْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهَا فِي مَوْضُوعِهَا اللُّغَوِيِّ بِنَاءً عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَحَرَّرْنَاهُ بِأَوْضَحِ عِبَارَةٍ وَأَظْهَرْ دَلِيلٍ وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْأَلْفَاظَ غَيْرَ الصَّرَائِحِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ اتَّضَحَ مَا قُلْنَاهُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ مِنْ أَنَّ لِلْعُرْفِ فِيهَا تَأْثِيرًا وَإِخْرَاجًا لَهَا عَنْ مَدْلُولِهَا إلَى مَدْلُولٍ آخَرَ سَوَاءٌ أَكَانَ عُرْفًا عَامًّا أَوْ عُرْفًا خَاصًّا فَإِنْ قُلْت يُرَدُّ مَا قَرَّرْته تَقْدِيمُهُمْ الْوَضْعَ الْعُرْفِيَّ عَلَى الْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ فِي مَسَائِلَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ لَحْمًا أَوْ لَا يَجْلِسُ عَلَى بِسَاطٍ أَوْ لَا يَقْعُدُ فِي سِرَاجٍ أَوْ تَحْتَ سَقْفٍ أَوْ لَا يَضَعُ رَأْسَهُ عَلَى وَتَدٍ أَوْ لَا يَأْكُلُ مَيْتَةً أَوْ دَمًا لَمْ يَحْنَثْ بِلَحْمِ السَّمَكِ وَلَا بِالْجُلُوسِ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا بِالْقُعُودِ تَحْتَ السَّمَاءِ وَلَا بِوَضْعِ رَأْسِهِ عَلَى جَبَلٍ وَلَا بِأَكْلِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ وَلَا بِأَكْلِ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ. وَإِنْ سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى لَحْمَ السَّمَكِ لَحْمًا وَالْأَرْضَ بِسَاطًا وَالشَّمْسَ سِرَاجًا وَالسَّمَاءِ سَقْفًا وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا وَسَمَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - السَّمَكَ وَالْجَرَادَ مَيْتَةً وَالْكَبِدَ وَالطِّحَالَ دَمًا قُلْت قَدْ أَشَرْت لَك إلَى الْجَوَابِ عَنْ جَمِيعِ هَذَا فِي أَوَّلِ الْجَوَابِ السَّابِقِ بِقَوْلِي وَضَعَهُ الشَّارِعُ لِيُنَاطَ بِهِ إلَخْ وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّسْمِيَةَ الَّتِي وَقَعَتْ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ تَقَعْ عَلَى جِهَةِ التَّكْلِيفِ بِتِلْكَ الْأَسْمَاءِ لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يُرَتِّبْ عَلَيْهَا أَحْكَامًا كُلِّفْنَا بِهَا حَتَّى تَكُونَ تِلْكَ التَّسْمِيَةُ مَقْصُودَةً لَهُ بِخِلَافِ أَلْفَاظِ الْعُقُودِ وَنَحْوهَا فَإِنَّهُ وَضَعَ تِلْكَ الْأَلْفَاظَ لِتُفِيدَ الْأَحْكَامَ الَّتِي رَتَّبَهَا عَلَيْهَا فَالتَّسْمِيَةُ مَقْصُودَةٌ لَهُ فَلَا تُغَيَّرُ لَعُرْفٍ وَلَا لِغَيْرِهِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي أَوْ لَا يَصُوم أَوْ لَا يَنْكِح لَمْ يَحْنَث إلَّا بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ الشَّرْعِيَّيْنِ دُونَ الدُّعَاءِ

الباب الرابع لم يريدا بالساعتين جزءا من القرار أو الماء

وَالْإِمْسَاكِ وَإِنْ سُمِّيَا صَلَاةً وَصَوْمًا لُغَةً وَإِلَّا بِالْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يُعْنَ بِهِ فِي الْعُرْفِ غَيْرُ الْوَطْءِ. وَلَوْ قَالَ إنْ رَأَيْتِ الْهِلَالَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَرَآهُ غَيْرُهَا وَعَلِمَتْ بِهِ طَلُقَتْ إذْ الرُّؤْيَةُ شَرْعًا بِمَعْنَى الْعِلْمِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا» وَمِنْ ذَلِكَ لَوْ بَاعَ أَوْ نَكَحَ أَوْ طَلَّقَ أَوْ رَاجَعَ هَازِلًا وَإِنْ عَدَّ ذَلِكَ أَهْلُ الْعُرْفِ لَغْوًا لِأَنَّ الشَّرْعَ حَكَمَ عَلَيْهَا بِالصِّحَّةِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ حَيْثُ تَعَلَّقَ بِالْوَضْعِ الشَّرْعِيِّ حُكْمٌ لَمْ يُغَيَّرْ عَنْهُ لِعُرْفٍ وَلَا لِغَيْرِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ صَرِيحًا أَمْ غَيْرُهُ السَّابِعُ قَوْلُ صَاحِبِ الْكَافِي فِي بَابِ الطَّلَاقِ وَإِذَا اجْتَمَعَ فِي الْيَمِينِ الْحَقِيقَةُ اللَّفْظِيَّةُ وَالدَّلَالَةُ الْعُرْفِيَّةُ فَأَيُّهُمَا أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْقَاضِي حُسَيْنُ الْحَقِيقَةُ اللَّفْظِيَّةُ أَوْلَى وَاللَّفْظُ مَتَى كَانَ مُطْلَقًا وَجَبَ الْعَمَلُ بِإِطْلَاقِهِ عَمَلًا بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَالثَّانِي وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مُحْيِي السُّنَّةِ أَيْ شَيْخُهُ الْبَغَوِيّ الدَّلَالَةُ الْعُرْفِيَّةُ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَحْكُمُ فِي التَّصَرُّفَاتِ سِيَّمَا فِي الْأَيْمَانِ. قَالُوا فَلَوْ دَخَلَ دَارَ صَدِيقِهِ فَقَدَّمَ إلَيْهِ طَعَامًا فَامْتَنَعَ فَقَالَ إنْ لَمْ تَأْكُلْ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَخَرَجَ وَلَمْ يَأْكُلْ ثُمَّ قَدِمَ الْيَوْمُ الثَّانِي فَقَدَّمَ لَهُ ذَلِكَ الطَّعَامَ فَأَكَلَهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَحْنَثُ وَعَلَى الثَّانِي يَحْنَثُ اهـ فَانْظُرْ تَعْلِيلِ الْبَغَوِيِّ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَحْكُمُ فِي التَّصَرُّفَاتِ تَحُدُّهُ نَصًّا فِي مَسْأَلَتِنَا وَفِي أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ تَحْكِيمُهُ بِالثَّمَنِ بَلْ يَحْكُمُ فِي الْمُثَمَّنِ أَيْضًا الثَّامِنُ قَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ الْعُرْفُ الْخَاصُّ هَلْ يَنْزِلُ فِي التَّأْثِيرِ مَنْزِلَةَ الْعَامِّ وَالظَّاهِرُ تَنْزِيلُهُ فِي أَهْلِهِ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ اهـ وَهَذَا شَامِلٌ لِمَسْأَلَتِنَا وَإِنْ كَانَ ابْنُ الصَّلَاحِ إنَّمَا سَاقَهُ فِي بَعْضِ مَسَائِلِ الْوَقْفِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ [الْبَابُ الرَّابِعُ لَمْ يُرِيدَا بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءًا مِنْ الْقَرَارِ أَوْ الْمَاءِ] (الْبَابُ الرَّابِعُ فِي الْحَالَةِ الرَّابِعَةِ) وَهِيَ مَا إذَا لَمْ يُرِيدَا بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءًا مِنْ الْقَرَارِ وَلَا مِنْ الْمَاءِ وَلَا اطَّرَدَ عُرْفُهُمَا بِاسْتِعْمَالِهِمَا فِي وَاحِدٍ مِنْ الْقَرَارِ أَوْ الْمَاءِ وَهَذِهِ الْحَالَةُ لِلنَّظَرِ فِيهَا مَجَالٌ وَقَدْ قَدَّمْت فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ الْبُرْهَانَ الْوَاضِحَ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ ظَاهِرٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْجُزْءِ مِنْ الْقَرَارِ وَقَضِيَّةُ هَذَا صِحَّةُ الْبَيْعِ وَيُؤَيِّدُهُ قَاعِدَةُ أَنَّ إعْمَالَ اللَّفْظِ (سِيَّمَا) فِي مَعْنَاهُ الظَّاهِرِ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِهِ يُحْتَمَلُ فَسَادُهُ لِأَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ ذَلِكَ لَكِنَّهُ بِاعْتِبَارَاتٍ لَا يَهْتَدِي لَهَا أَكْثَرُ الْعَامَّةِ بَلْ الْمُتَفَقِّهَةُ وَمِنْ ثَمَّ أُشْكِلَ عَلَى أُولَئِكَ الْمُخَالِفِينَ وَيُحْتَمَلُ التَّفْصِيلُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَارِفِينَ بِالْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَبَيْنَ الْجَاهِلِينَ فَفِي الْعَارِفِينَ يَصِحُّ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ إذَا وَقَعَ مِنْهُمَا تَبَادَرَ عِنْدَهُمَا مِنْ مِنْ التَّبْعِيضِيَّةِ وَمِنْ وَمَائِهَا الْجَارِي بِهَا يَوْمئِذٍ وَمِنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْقَرَائِنِ السَّابِقَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحِصَّةِ السَّقِيَّة الَّتِي قَدْرُهَا سَاعَتَانِ مِنْ قَرَارِ كَذَا جُزْء مِنْ نَفْسِ الْقَرَارِ. وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ عِنْدَهُمَا فَالْبَيْعُ عِنْدهمَا صَحِيحٌ وَفِي غَيْرِهِمَا بِأَنْ يَكُونَا جَاهِلَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا جَاهِلًا يَبْطُلُ الْبَيْعُ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَتَبَادَرُ عِنْده مِنْ هَذَا اللَّفْظِ الْجُزْءُ السَّابِقُ بَلْ الْمُتَبَادِرُ عِنْدهمَا الْمَاءُ وَقَدْ لَا يَتَبَادَرُ عِنْدهمَا مِنْهُمَا شَيْءٌ لِمَا فِيهِ مِنْ نَوْعِ تَعَارُضٍ أَشَرْنَا إلَى الْجَوَابِ عَنْهُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ الْأَخِيرُ يُؤَيِّدُهُ مَسَائِلُ ذَكَرُوهَا فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْته أَنَّ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَمَانِيَةُ أَحْوَالٍ الْأَرْبَعَةُ السَّابِقَةُ فِي الْأَبْوَابِ الْأَرْبَعَةِ وَالْخَامِسُ مَا إذَا أَطْلَقَا وَعُرْفُهُمَا حَالَ الْعَقْدِ انْصِرَافُ ذَلِكَ لِلْمَاءِ وَالْحُكْمُ فِيهِ الْبُطْلَانُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ وَالسَّادِسُ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْإِرَادَةِ وَقَدْ مَرَّ حُكْمُ ذَلِكَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ وَالسَّابِعُ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْعُرْفِ وَحُكْمُهُ الْبُطْلَانُ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ وَالثَّامِنُ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْمَعْرِفَةِ بِنَاءً عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّالِثِ وَحُكْمُهُ الْبُطْلَانُ كَمَا مَرَّ آنِفًا. وَإِذْ قَدْ اتَّضَحَ لَك مَا قَرَّرْته فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّمَانِيَةِ وَمَا يَدُلُّ لِأَكْثَرِهَا مِنْ كَلَامِهِمْ الظَّاهِرِ أَوْ الصَّرِيحِ عَلِمْت أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ فِي الْجَوَابِ الْأَوَّلِ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى الْأَحْوَالِ الْبَاطِلَةِ مِنْ تِلْكَ الْأَحْوَالِ الثَّمَانِيَةِ وَأَنَّ مَنْ فَهِمَ مِنْ كَلَامِهِ الْبُطْلَانَ مُطْلَقًا تَقْلِيدًا لَهُ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ فَقَدْ رَكِبَ مَتْنَ عَمْيَاءَ وَخَبَطَ خَبْط عَشْوَاءَ كَمَا يَتَّضِحُ مِنْ سِيَاقِ فَتَاوِيهِمْ الْمُنَادِيَةِ عَلَيْهِمْ بِالْخَسَارِ وَالْجَهْلِ وَالْغَبَاوَةِ فِي الْخَاتِمَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

الباب الخامس التناقض في بيع الماء والقرار

[الْبَابُ الْخَامِسُ التَّنَاقُض فِي بَيْعِ الْمَاءِ وَالْقَرَارِ] الْبَابُ الْخَامِسُ فِي الْكَلَامِ عَلَى مَا وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ التَّنَاقُضِ فِي بَيْعِ الْمَاءِ وَالْقَرَارِ وَبَيَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ عِبَارَاتِهَا وَرَدِّ مَا وَقَعَ فِي ذَلِكَ لِلْمُتَكَلِّمِينَ عَلَيْهَا) اعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ تَنَاقَضَ فِي ذَلِكَ وَعِبَارَتُهَا قُبَيْلَ الرِّبَا مِنْ زِيَادَاتِهَا وَمِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى مَا اعْتَادَهُ النَّاسُ مِنْ بَيْعِ نَصِيبِهِ مِنْ الْمَاءِ الْجَارِي مِنْ النَّهْرِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ هَذَا بَاطِلٌ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَبِيعَ غَيْرُ مَعْلُومِ الْقَدْرِ وَالثَّانِي أَنَّ الْمَاءَ الْجَارِي غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَسَيَأْتِي هَذَا مَعَ غَيْرِهِ مَبْسُوطًا فِي آخِرِ كِتَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعِبَارَاتُهَا أَوَاخِر تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ مِنْ زِيَادَاتِهَا وَمِنْهَا أَيْ مِنْ الْمَنَاهِي مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ قَالَ نُهِيَ عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَفْرَدَ مَاءَ عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ نَهْرٍ بِالْبَيْعِ فَإِنْ بَاعَهُ مِنْ الْأَرْضِ بِأَنْ بَاعَ أَرْضًا مَعَ شِرْبِهَا مِنْ الْمَاءِ فِي نَهْرٍ أَوْ وَادٍ صَحَّ وَدَخَلَ الْمَاءُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَاءُ فِي إنَاءٍ أَوْ حَوْضٍ مَثَلًا مُجْتَمِعًا فَبَيْعُهُ صَحِيحٌ مُنْفَرِدًا أَوْ تَابِعًا انْتَهَتْ وَبِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ كَالْقَاضِي وَالْقَزْوِينِيِّ فِي الْحِيَلِ وَعِبَارَتُهَا قُبَيْل الْوَقْفِ. [فَصْلٌ فِي بَيْعِ الْمَاءِ] (فَصْلٌ) فِي بَيْعِ الْمَاءِ أَمَّا الْمُحْرَزُ فِي إنَاءٍ أَوْ حَوْضٍ فَبَيْعُهُ صَحِيحٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَلْيَكُنْ عُمْقُ الْحَوْضِ مَعْلُومًا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ مَاءِ الْبِئْرِ وَالْقَنَاةِ فِيهِمَا لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ وَيَزِيدُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَيَخْتَلِطُ فَيَتَعَذَّرُ التَّسْلِيمُ وَإِنْ بَاعَ مِنْهُ أُصْبُعًا فَإِنْ كَانَ جَارِيًا لَمْ يَصِحَّ إذَا لَمْ يُمْكِنْ رَبْطُ الْعَقْدِ بِمِقْدَارٍ وَإِنْ كَانَ رَاكِدًا وَقُلْنَا إنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ فَيَصِحُّ وَإِنْ قُلْنَا مَمْلُوكٌ فَقَالَ الْقَفَّالُ لَا يَصِحُّ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَزِيدُ فَيَخْتَلِط الْمَبِيعُ وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ كَبَيْعِ صَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ وَصَبَّ عَلَيْهَا صُبْرَةً أُخْرَى فَإِنَّ الْبَيْعَ بِحَالِهِ وَيَبْقَى الْبَيْعُ مَا بَقِيَ صَاعٌ مِنْ الْبَصْرَةِ، وَلَوْ بَاعَ الْمَاءَ مَعَ قَرَارِهِ نَظَرَ إنْ كَانَ جَارِيًا فَقَالَ بِعْتُك هَذِهِ الْقَنَاةَ مَعَ مَائِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ جَارِيًا وَقُلْنَا الْمَاءُ لَا يُمَلَّكُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِي الْمَاءِ وَفِي الْقَرَارِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَإِلَّا فَيَصِحُّ. وَلَوْ بَاعَ بِئْرَ الْمَاءِ وَأَطْلَقَ أَوْ بَاعَ دَارًا فِيهَا بِئْرٌ جَازَ ثُمَّ إنْ قُلْنَا يَمْلِكُ فَالْمَوْجُودُ حَالَ الْبَيْعِ يَبْقَى لِلْبَائِعِ لَا لِلْمُشْتَرِي قَالَ الْبَغَوِيّ وَعَلَى هَذَا الْبَيْع حَتَّى يَشْتَرِطَ أَنَّ الْمَاءَ الظَّاهِرَ لِلْمُشْتَرِي لِئَلَّا يَخْتَلِطَ الْمَاءُ وَإِنْ قُلْنَا لَا يُمَلَّكُ فَقَدْ أَطْلَقُوا أَنَّ الْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِذَلِكَ الْمَاءِ وَلْيُحْمَلْ عَلَى مَا نَبَعَ بَعْد الْبَيْعِ فَأَمَّا مَا نَبَعَ قَبْلَهُ فَلَا مَعْنَى لِصَرْفِهِ إلَى الْمُشْتَرِي قُلْت هَذَا التَّأْوِيلُ الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ الرَّافِعِيُّ فَاسِدٌ فَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْمُشْتَرِي عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَحَقُّ بِالْمَاءِ الظَّاهِرِ لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَى الدَّارِ وَتَكُونُ يَدُهُ كَيَدِ الْبَائِعِ فِي ثُبُوتِ الِاخْتِصَاصِ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوْ بَاعَ جُزْءًا شَائِعًا مِنْ الْبِئْرِ أَوْ الْقَنَاةِ جَازَ وَمَا يَنْبُعُ مُشْتَرَكٌ بَيْنهمَا إمَّا اخْتِصَاصًا مُجَرَّدًا وَإِمَّا مِلْكًا انْتَهَتْ وَعِبَارَتُهَا فِي بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ (فَرْعٌ) لَا يَدْخُلُ مَسَايِلُ الْمَاءِ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهَا شِرْبُهَا مِنْ الْقَنَاةِ وَالنَّهْرِ الْمَمْلُوكَيْنِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ أَوْ يَقُولَ بِحُقُوقِهَا وَلَوْ كَانَ فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ بِئْرُ مَاءٍ دَخَلَتْ فِي الْبَيْعِ. وَالْمَاءُ الْحَاصِلُ فِي الْبِئْرِ حَالَ الْبَيْعِ لَا يَدْخُلُ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ شُرِطَ دُخُولُهُ فِي الْبَيْعِ صَحَّ عَلَى قَوْلِنَا الْمَاءُ مَمْلُوكٌ بَلْ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ دُونَ هَذَا الشَّرْطِ وَإِلَّا اخْتَلَطَ الْمَاءُ الْمَوْجُودُ لِلْبَائِعِ بِمَا يَحْدُثُ لِلْمُشْتَرِي وَانْفَسَخَ الْبَيْعُ قُلْت فَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْلِكُ صَحَّ الْبَيْعُ مُطْلَقًا بَلْ لَا يَجُوزُ شَرْطُهُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَيَكُونُ الْمُشْتَرِي أَحَقَّ بِهِ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ كَمَا لَوْ تَوَحَّلَ صَيْدٌ فِي أَرْضِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْمَاءِ وَفُرُوعِهِ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى انْتَهَتْ وَلَا تَنَافِي بَيْن الْمَوْضِعِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ خِلَافًا لِلْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ بَلْ يُحْمَلُ مَا قَالَهُ فِي الثَّانِي مِنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ فِيهِمَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْأَرْضِ بِطَرِيقِ الْقَصْدِ وَالْمِلْكِ وَفِي الْمَاءِ بِطَرِيقِ التَّبَعِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الثَّانِيَةَ مَفْرُوضَةٌ فِي غَيْرِ مَا فُرِضَتْ فِيهِ الثَّالِثَةُ لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا بَاعَ أَرْضًا مَعَ شِرْبِهَا مِنْ الْمَاءِ فِي نَهْرٍ أَوْ وَادٍ وَالثَّالِثَةُ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا بَاعَ الْمَاءَ مَعَ قَرَارِهِ فَالثَّانِيَةُ لَيْسَ فِيهَا تَعَرُّضٌ لِلْمَاءِ أَصْلًا وَإِنَّمَا فِيهَا تَعَرُّضٌ لِلشِّرْبِ وَهُوَ مِنْ حُقُوقِ الْأَرْضِ فَلِذَلِكَ صَحَّ الْبَيْعُ وَدَخَلَ الْمَاءُ فِيهِ تَبَعًا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَدَخَلَ الْمَاءُ تَبَعًا. وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَفِيهَا تَعَرُّضٌ لِلْمَاءِ وَالْقَرَارِ فَالْمَاءُ مَقْصُودٌ فِيهَا فَوَجَبَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ مَا يَصِحُّ بَيْعُهُ

وَهُوَ الرَّاكِدُ فَيَصِحُّ فِيهِ كَالْقَرَارِ وَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَهُوَ الْجَارِي فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ فِي الْقَرَارِ عَمَلًا بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَمِلْكُهُ يَسْتَلْزِمُ مِلْكَ الْمَاءِ الْحَادِثَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَبِهَذَا اتَّضَحَ عَدَمُ التَّنَاقُضِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْعِبَارَتَيْنِ لِأَنَّ كُلًّا مَفْرُوضَةٌ فِي غَيْرِ مَا فُرِضَتْ فِيهِ الْأُخْرَى ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْقَرَارِ فِي الْعِبَارَةِ الثَّالِثَةِ مَحَلُّ النَّبْعِ لِأَنَّ مِلْكَهُ يَسْتَلْزِمُ مِلْكَهُ الْمَاءَ فَفَصَلَ فِيهِ بَيْنَ الرَّاكِدِ وَالْجَارِي وَيُطْلَقُ الْقَرَارُ أَيْضًا عَلَى الْمَحَلِّ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ وَمِلْكُهُ لَا يَسْتَلْزِمُ مِلْكَ الْمَاءِ بَلْ إنَّ مَالِكَهُ أَحَقُّ بِالْمَاءِ الْحَاصِلِ فِيهِ وَلَا يَصِحُّ إرَادَةٌ هَذَا فِي الْعِبَارَةِ الثَّالِثَة لِأَنَّ الْمَاءَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مُطْلَقًا رَاكِدًا كَانَ أَوْ جَارِيًا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ. وَالْوَاقِعُ فِي الْعِبَارَةِ الثَّالِثَةِ التَّفْصِيلُ بَيْن الرَّاكِدِ وَالْجَارِي فَوَجَبَ حَمْلُهَا عَلَى مَا يَصِحُّ بَيْعُهُ الْمُسْتَلْزِمُ لِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا وَإِنَّمَا يَمْلِكُهُ إنْ مَلَكَ مَحَلَّ نَبْعِهِ أَوْ كَانَ حَاصِلًا مِنْ غَيْرِ مَاءٍ مُبَاحٍ فَإِنْ قُلْت جَرَتْ عَادَةُ الشَّيْخَيْنِ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ بِاسْتِقْرَاءِ كَلَامِهِمَا بِأَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ بِأَنْ مُرِيدِينَ بِهَا كَأَنْ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الرَّوْضَةِ فِي الْعِبَارَةِ الثَّانِيَةِ بِأَنْ بَاعَ أَرْضًا مَعَ شِرْبِهَا لَا يَقْتَضِي حَصْرَ الصُّورَةِ فِي ذَلِكَ بَلْ يَشْمَلُ قَوْله قَبْلَهُ بَاعَهُ مَعَ الْأَرْضِ ذَلِكَ وَغَيْره كَبَيْعِهِ مَعَ الْقَرَارِ وَحِينَئِذٍ فَيُنَافِي مَا قَالَاهُ فِي الْمَوْضِعِ الثَّالِثِ قُلْت إنَّمَا يُحْمَلُ بِأَنْ عَلَى كَأَنْ حَيْثُ عُلِمَ عَدَمُ حَصْرِ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ وَإِلَّا فَالْأَصْلُ فِي بِأَنْ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى حَصْرِ الْحُكْمِ فِيمَا بَعْدَهَا وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ بِأَنْ هُنَا بِمَعْنَى كَأَنْ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَرْضِ خِلَافُ الْمُتَبَادَرِ مِنْهَا وَأَنَّهَا تَشْمَلُ الْقَرَارَ الْمَذْكُورَ فِي الْعِبَارَةِ الثَّالِثَةِ فَيُحْمَلُ الْقَرَارُ فِي الثَّانِيَةِ عَلَى الْمَحَلِّ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ أَوْ عَلَى الْمَجْرَى الْمَمْلُوكِ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِ بِطَرِيقِ الْقَصْدِ. وَيَدْخُلُ الْمَاءُ تَبَعًا لَا قَصْدًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ فَلَا يَصِحُّ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ جَارِيًا كَانَ أَوْ رَاكِدًا وَأَمَّا الْقَرَارُ فِي الثَّالِثَةِ فَقَدْ مَرَّ حَمْلُهُ عَلَى مَحَلِّ النَّبْعِ وَحِينَئِذٍ فَلَا تَنَافِي بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ أَيْضًا وَإِنْ سَلَّمْنَا مَا ذَكَرُوا وَإِذَا تَأَمَّلْت مَا تَقَرَّرَ فِي الْعِبَارَتَيْنِ عَلِمْت أَنَّ الْمُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا إنْ سَلِمَتْ إنَّمَا هِيَ فِي الْجَارِي أَمَّا الرَّاكِدُ فَهُمَا مُتَّفِقَانِ عَلَى صِحَّةِ بَيْعِهِ مَعَ الْأَرْضِ وَالْقَرَارِ بِشَرْطِهِ وَمَرَّ فِي الْبَابِ الثَّانِي ذِكْرُ كَلَامِ الْبَحْرِ وَالْبَيَانِ وَبَيَانُ مَحْمَلِهِمَا وَمَا لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَا هُنَا فَرَاجِعْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ سِيَّمَا رَدَّ اعْتِرَاضَاتِ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ الثَّالِثَةِ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَوْضِعِ الرَّابِعِ فَهُوَ لَمْ يُسَقْ لِبَيَانِ حُكْمِ بَيْعِ الْمَاءِ بَلْ لِبَيَانِ أَنَّهُ يَجِبُ شَرْطُ دُخُولِهِ أَوَّلًا وَقَوْلُ الشَّيْخَيْنِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ شِرْبُهَا مِنْ الْقَنَاةِ وَالنَّهْرِ الْمَمْلُوكَيْنِ إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ أَوْ يَقُولَ بِحُقُوقِهَا لَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ هَذَا كَمَا تَرَى فِي الشِّرْبِ الْمَمْلُوكِ وَمَا مَرَّ فِي الشِّرْبِ الْغَيْرِ الْمَمْلُوكِ. وَبَعْدَ أَنْ بَانَ لَك صِحَّةُ عِبَارَتِهَا وَأَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ فِيهَا وَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهَا فَلْنَذْكُرْ مَا وَقَعَ لِلْمُتَكَلِّمِينَ عَلَيْهَا مِنْ إشْكَالٍ وَجَوَابٍ وَنَقْدٍ وَرَدٍّ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ فَنَقُولُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ فِي الْعِبَارَةِ الثَّالِثَةِ وَفِي الْقَرَارِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ رَدَّهُ جَمْعٌ بِأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إذَا كَانَ مَجْهُولًا وَبِيعَ مَعَ غَيْرِهِ يَبْطُلُ فِي الْجَمِيعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجَازَةَ بِالْقِسْطِ وَالْقِسْطُ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِلْجَهَالَةِ وَلَك أَنْ تَقُولَ إنَّمَا يَتَّضِحُ رَدُّهُمْ إنْ سُلِّمَ لَهُمْ دَعْوَى الْجَهَالَةِ بِالْقِسْطِ وَهِيَ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ فَقَدْ قَالَ جَمْعٌ فِي نَحْوِ الْخَلِّ وَالْخَمْرِ وَالشَّاةِ وَالْكَلْبِ أَوْ الْخِنْزِيرِ أَنَّ الْبَاطِلَ يَقُومُ عِنْدَ مَنْ يَرَى لَهُ قِيمَةً كَأَهْلِ الذِّمَّةِ فَكَذَلِكَ الْمَاءُ هُنَا يُقَدَّرُ عِنْدَ مَنْ يَرَى لَهُ قِيمَةً وَيَصِحُّ بَيْعُهُ مُطْلَقًا وَهُمْ الْمَالِكِيَّةُ وَعَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ يُعْتَبَرُ بِمَا يُشَابِهُهُ كَالْخَلِّ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ وَالْعَنْزِ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي كَذَلِكَ يُعْتَبَرُ الْجَارِي بِمَا يُشَابِهُهُ فَيُقَدَّرُ الْمَوْجُودُ مِنْهُ حَالَ الْبَيْعِ رَاكِدًا وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ مَعَ الْأَرْضِ. وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ تَبَعًا لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْجُرْجَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَجْهُولِ الَّذِي إذَا ضُمَّ لِلْمَعْلُومِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِيهِمَا وَإِلَّا فَتُفَرَّقُ الصَّفْقَة أَنْ يُجْهَلَ مِنْ سَائِرِ الْوُجُوهِ كَ (بِعْتُكَ) هَذَا الْعَبْدَ وَعَبْدًا آخَرَ أَمَّا إذَا جَهِلَهُ الْعَاقِدُ فَقَطْ وَهُوَ مُعَيَّنٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَحَاضِرٍ وَغَائِبٍ وَقُلْنَا بِفَسَادِ بَيْعِ الْغَائِبِ فَفِي صِحَّةِ بَيْعِهِ قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي بَيْعِ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ أَرْجَحُهُمَا الصِّحَّةُ فِي عَبْدِهِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ وَبِهِ يُعْلَمُ جَوَابٌ ثَانٍ عَمَّا رَدُّوا بِهِ كَلَامَ الرَّوْضَةِ وَإِجْرَاءَهَا خِلَافَ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الْقَرَارِ وَهُوَ أَنَّ

الْمَاءَ الْمَضْمُومَ لِلْقَرَارِ لَيْسَ مَجْهُولًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ فَغَايَتُهُ أَنَّهُ كَبَيْعِ الْغَائِبِ مَعَ الْحَاضِرِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْبَغَوِيَّ أَجْرَى فِيهِ خِلَافَ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَأَنَّهُ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهَا فَإِنْ قُلْت صَرَّحَ الْقَاضِي بِأَنَّ الْمَاءَ الْجَارِي مَجْهُولٌ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ وَهُوَ يَرُدُّ مَا ذَكَرْتَهُ قُلْتُ لَا يَرُدُّهُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِهِ وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لِذَلِكَ مَجْهُولٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَأَمَّا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَلَيْسَ مَجْهُولًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِيهِ عَلَى مَا يُعْلَمُ بِوَجْهٍ مَا حَتَّى يُمْكِنَ تَوْزِيعُ الثَّمَنِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمَعْلُومِ الَّذِي مَعَهُ وَمِمَّا يُعْلِمُك بِأَنَّ الْمَاءَ لَيْسَ مَجْهُولًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ قَالَا لَوْ سَقَى أَرْضَهُ بِمَاءٍ مَمْلُوكٍ لِلْغَيْرِ لَزِمَهُ قِيمَةُ الْمَاءِ وَاعْتَرَضَهُمَا الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ الصَّوَابَ لُزُومُ مِثْلِهِ لِأَنَّهُ مِثْلِيٌّ إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ مَا لَوْ غَصَبَهُ فِي مَفَازَةٍ وَبِلُزُومِ الْمِثْل فِي مَسْأَلَتِنَا صَرَّحَ ابْنُ الصَّلَاحِ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ لَهُ دُولَابٌ عَلَى نَهْرٍ عَظِيمٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ يُدِيرُهُ الْمَاءُ بِنَفْسِهِ وَيَرْتَفِعُ الْمَاءُ إلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ مُهَيَّأَةٍ لَهُ فَهَلْ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ بِمُجَرَّدِ صَيْرُورَتِهِ فِي كِيزَانِ الدُّولَابِ كَمَا لَوْ اسْتَقَاهُ لِنَفْسِهِ فِي إنَاءٍ وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ يَنْصَبُّ مِنْ الدُّولَابِ فِي سَاقِيَةٍ مُخْتَصَّةٍ بِمِلْكِ صَاحِبِ الدُّولَابِ فَجَاءَ جَارٌ لَهُ فَخَرَّبَ السَّاقِيَةَ حَتَّى انْصَبَّ الْمَاءُ إلَى أَرْضِ الْجَارِ وَسَقَى بِهِ أَرْضَ نَفْسِهِ فَمَا الَّذِي يَلْزَمُهُ. فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَمْلِكُهُ بِمُجَرَّدِ حُصُولِهِ فِي كِيزَانِ الدُّولَابِ وَيَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ مِثْلُ ذَلِكَ الْمَاءِ مُحَصَّلًا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ قَنَاةً أَوْ غَيْرَهَا فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى أَخْذِ قِيمَتِهِ جَازَ اهـ الْمَقْصُودُ مِنْهُ. وَانْتَصَرَ الْأَذْرَعِيُّ لِلشَّيْخَيْنِ بِأَنَّ مَا صَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ مِنْ تَصَرُّفِهِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْمَاءَ رِبَوِيٌّ وَمَعْرِفَةُ مَا اُغْتُصِبَ مِنْ مَاءٍ نَحْو الْقَنَاةِ وَسَقَى بِهِ الْأَرْضَ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا لَا يَكَادُ يَنْضَبِطُ أَصْلًا وَلَا سِيَّمَا إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ فَكَيْفَ السَّبِيلُ إلَى مَعْرِفَةِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْقَدْرِ وَإِذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ وَلَا شَكَّ فِيهِ فِي مُعْظَمِ الْأَحْوَالِ فَلَا سَبِيلَ إلَى الْإِلْزَامِ بِمِثْلٍ مَجْهُولٍ وَحِينَئِذٍ فَيَغْرَمُ الْقِيمَةَ لِلضَّرُورَةِ تَخْمِينًا اهـ وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ فَقَالَ الْمَاءُ الَّذِي تُسْقَى بِهِ الْأَرْضُ لَا يُتَصَوَّرُ رَدُّ مِثْلِهِ إمَّا لِكَثْرَتِهِ أَوْ لِعَدَمِ ضَبْطِهِ أَوْ لِعِزَّةِ وُجُودِهِ فَيَكُونُ كَمَا لَوْ عُدِمَ الْمِثْلُ فَيُرْجَعُ بِقِيمَتِهِ وَإِذَا تَأَمَّلْت مَا تَقَرَّرَ عَلِمْت أَنَّ الْمَاءَ مَعْلُومٌ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ إنْ أَوْجَبْنَا قِيمَتَهُ أَوْ مِنْ كُلِّهَا إنْ أَوْجَبْنَا مِثْلَهُ. وَإِذَا تُصُوِّرَ وُجُوبُ قِيمَتِهِ خَرَجَ عَنْ الْجَهْلِ الْمُطْلَقِ وَالْمَحْذُورِ فِي ضَمِّ الْمَجْهُولِ إلَى الْمَعْلُومِ حَتَّى يَبْطُلَ الْبَيْعُ فِيهِمَا إنَّمَا هُوَ تَعَذُّرُ مَعْرِفَةِ الْقِسْطِ وَحَيْثُ دَوَاءُ وُجُوبِ الْقِيمَةِ فِي مِيَاهِ الْقَنَوَاتِ لَمْ يَتَعَذَّرْ الْقِسْطُ فَبَانَ صِحَّةُ إجْرَاءِ الشَّيْخَيْنِ خِلَافَ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي بَيْعِ الْمَاءِ وَالْقَرَارِ وَأَنَّهُ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِمَا فِي ذَلِكَ وَإِنْ اغْتَرَّ كَثِيرُونَ بِقَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ يَنْبَغِي الْبُطْلَانُ فِيهِمَا لِتَعَذُّرِ الْإِجَازَةِ بِالْقِسْطِ لِلْجَهْلِ بِالْمَاءِ وَاعْلَمْ أَنَّ إجْرَاءَ خِلَافِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ لَا يَتَأَتَّى فِي مَسْأَلَتِنَا الَّتِي سُئِلْنَا عَنْهَا لِأَنَّ الْعَاقِدَيْنِ فِيهَا فِي الْحَالَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي الْبَابَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ لَمْ يُورِدَا الْبَيْعَ عَلَى الْمَاءِ وَالْقَرَارِ مَعًا وَإِنَّمَا أَوْرَدَاهُ عَلَى الْقَرَارِ وَحْدَهُ وَجَعَلَا الْمَاءَ تَابِعًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِمَا بِمَا لِلْحِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ حَقٍّ إلَخْ ثُمَّ قَالَ وَمِنْ مَائِهَا الْجَارِي بِهَا يَوْمَئِذٍ فَلَمْ يَجْعَلَا الْمَاءَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَبِيعِ وَإِنَّمَا جَعَلَاهُ مِنْ تَوَابِعِهِ فَهُوَ بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْبَيْعُ لَمْ يَقَعْ إلَّا عَلَى الْقَرَارِ فَيَصِحُّ فِيهِ بِكُلِّ الثَّمَنِ وَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ خِلَافُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ السَّابِقِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّوْضَةِ لِمَا عَلِمْته مِنْ الْجَمْعِ السَّابِقِ بَيْنَ عِبَارَتِهَا هُنَا وَعِبَارَتِهَا فِي الْبَيْعِ فَعَلَى فَرْضِ أَنَّ مَا فِيهَا فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ ضَعِيفٌ لَا يَرِدُ ذَلِكَ عَلَى صُورَتِنَا فَتَنْبِيهٌ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ مِمَّا يَنْبَغِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْته فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَوْضِعِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ ضَعْفُ الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ مُرَادَ الرَّوْضَةِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فِي الْمَاءِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أُجْرِيَ فِيهِ خِلَافُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِطَرِيقِ الْمِلْكِ إلَّا فِي الْأَرْضِ دُونَ الْمَاءِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْقَاقِ وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحَ فِيهَا فِي الْمَوْضِعِ الثَّانِي بِصِحَّةِ الْبَيْعِ فِيهِمَا أَيْ فِي الْأَرْضِ بِطَرِيقِ الْقَصْدِ وَالْمِلْكِ وَفِي الْمَاءِ بِطَرِيقِ التَّبَعِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَمِمَّا يُضَعِّفُهُ أَيْضًا أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ رَدُّ إجْرَاءِ الرَّوْضَةِ خِلَاف تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الْمَوْضِعِ الثَّالِثِ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ فَائِدَةَ إجْرَائِهِ

الباب السادس في بيان حكم عيون الحجاز

فِي الْقَرَارِ حَتَّى يَبْطُلَ فِي الْمَاءِ الرُّجُوعُ لِمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّا وَإِنْ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ فِيهِ فَإِنَّمَا هِيَ بِطَرِيقِ التَّبَعِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يُقَابَلُ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ فَإِذَا قُوبِلَ بِهِ اقْتَضَى ذَلِكَ بُطْلَانَ الْبَيْعِ فِيهِ وَفِي الْأَرْضِ عَلَى الضَّعِيفِ وَفِيهِ وَحْدَهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِسْنَوِيَّ قَالَ وَمَا ذَكَرَاهُ أَيْ هُنَا مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ فِي الْمَاءِ قَدْ سَبَقَ عَنْ زَوَائِدِهِ فِي آخِرِ الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ يَصِحُّ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ وَمَا ذَكَرَهُ أَيْضًا فِي الْأَرْضِ مِنْ تَخْرِيجِهَا عَلَى قَوْلَيْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ كَيْفَ يَسْتَقِيمُ مَعَ أَنَّ الْمَاءَ الْمَذْكُورَ مَجْهُولٌ وَقَدْ سَبَقَ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَنَّ مَا لَا يَجُوزُ إذَا كَانَ مَجْهُولًا بَطَلَ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجَازَةَ بِالْقِسْطِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِلْجَهَالَةِ اهـ وَقَدْ قَرَّرْت لَك فِيمَا سَبَقَ الْجَوَابَ مَبْسُوطًا وَاضِحًا عَنْ اعْتِرَاضَيْهِ هَذَيْنِ ابْنُ الْعِمَادِ بِمَا فِي بَعْضِهِ نَظَرٌ فَلِذَا ذَكَرْت كَلَامَهُ لِأُبَيِّنَ ذَلِكَ فَمَا اعْتَرَضَ بِهِ أَنَّ الَّذِي فِي الْبَيْعِ لَمْ يُسْبَقْ عَنْ الْقَفَّالِ بَلْ عَنْ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَهُوَ ابْنُ الْقَاصِّ وَالْقَفَّالُ شَارِحُ التَّلْخِيصِ لَا أَنَّهُ مُصَنِّفُهُ اهـ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ لِلْقَفَّالِ كِتَابًا اسْمُهُ التَّلْخِيصُ لَكِنْ عَلَى فَرْضِهِ الِاعْتِرَاضَ عَلَى الْإِسْنَوِيِّ مُتَوَجَّهٌ أَيْضًا إذْ لَا قَرِينَةَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْبَيْعِ قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ هُوَ الْقَفَّالُ بَلْ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ أَنَّهُ ابْنُ الْقَاصِّ لِأَنَّ تَلْخِيصَهُ مَشْهُورٌ مُتَقَدِّمٌ فَهُوَ أَوْلَى بِالنَّقْلِ عَنْهُ عَلَى أَنَّ الَّذِي نَقَلَاهُ هُنَا عَنْ الْقَفَّالِ كَمَا مَرَّ فِي الْعِبَارَةِ الثَّالِثَةِ مَنْعُ بَيْعِ الْمَاءِ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ وَهَذَا يَبْعُدُ أَنْ. يُرَادَ بِمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ عَنْ التَّلْخِيصِ تَلْخِيصِ الْقَفَّالِ إنْ سَلِمَ أَنَّ لَهُ كِتَابًا اسْمُهُ ذَلِكَ وَاعْتَرَضَهُ أَيْضًا بِأَنَّ مَا قَالَاهُ هُنَا لَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ عَنْ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ لِأَنَّ مَا مَرَّ ثَمَّ مَحَلُّهُ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ إذْ الْمُرَادُ بِالشِّرْبِ فِيهِ الْمَاءُ الرَّاكِدُ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ جَمِيعُ الْمَاءِ الَّذِي أَحَاطَ بِهِ الْوَادِي أَوْ النَّهْرُ وَهُوَ غَيْرُ جَارٍ اهـ. وَقَدَّمْت فِي الْجَمْعِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْعِبَارَتَيْنِ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ إنْ تَأَمَّلْته مَا فِي هَذَا الْجَوَابِ صِحَّةً وَفَسَادًا وَاعْتَرَضَهُ أَيْضًا بِأَنَّ دَعْوَاهُ أَنَّ مَاءَ النَّهْرِ مَجْهُولٌ حَتَّى يَبْطُلَ فِي أَرْضِهِ أَيْضًا بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الْمَاءَ الرَّاكِدَ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالرُّؤْيَةِ تُحِيطُ بِهِ وَمَعْرِفَةُ عُمْقِهِ مِمَّا يَسْهُلُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا اهـ وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ عَجِيبٌ فَإِنَّ ابْنَ الْعِمَادِ نَفْسَهُ قَدَّمَ أَنَّ مَا قَالَاهُ هُنَا مَفْرُوضٌ فِي الْجَارِي وَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي الْبَيْعِ مَفْرُوضٌ فِي الرَّاكِدِ وَإِذَا قَرَّرَ ذَلِكَ فَكَيْف يَرُدُّ عَلَى الْإِسْنَوِيِّ بِأَنَّ مَا هُنَا فِي الرَّاكِدِ فَوَقَعَ فِي التَّنَاقُضِ الصَّرِيحِ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ فَكَانَتْ دَعْوَاهُ أَنَّ مَا هُنَا فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ هِيَ الْبَاطِلَةُ لِمَا قَدَّمَهُ وَلِأَنَّ كَلَامَ الشَّيْخَيْنِ صَرِيحٌ فِي جَرَيَانِ خِلَافِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الْقَرَارِ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ جَارِيًا فَالْوَجْهُ فِي رَدِّ كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ مَا قَدَّمْنَاهُ وَاسْتَدْلَلْنَا عَلَيْهِ بِكَلَامِهِمْ فَرَاجِعْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ لَمْ يَتَنَبَّهْ لَهُ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْت. [الْبَابُ السَّادِسُ فِي بَيَانِ حُكْم عُيُونِ الْحِجَازِ] (الْبَابُ السَّادِسُ فِي بَيَانِ حُكْمِ عُيُونِ الْحِجَازِ بِخُصُوصِهَا هَلْ هِيَ مَمْلُوكَةٌ أَوْ مُبَاحَةٌ وَهَلْ يَصِحُّ بَيْعُهَا أَوْ لَا لِعَدَمِ رُؤْيَتِهَا) اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لَوْ صَادَفْنَا نَهْرًا يُسْقَى مِنْهُ أَرْضُونَ وَلَمْ نَدْرِ أَنَّهُ حَفْرٌ أَيْ فَيَكُونُ مَمْلُوكًا أَوْ انْخَرَقَ أَيْ فَلَا يَكُونُ مَمْلُوكًا حَكَمْنَا بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ يَدٍ وَانْتِفَاعٍ اهـ وَعُيُونُ الْحِجَازِ أَوْلَى بِكَوْنِهَا مَمْلُوكَةً مِنْ النَّهْرِ الَّذِي فَرَضَ الشَّيْخَانِ الْكَلَامَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى الْمِلْكِ غَيْر وَضْعِ الْيَدِ بِالِاسْتِقَاءِ مِنْهُ وَأَمَّا عُيُونُ الْحِجَازِ فَفِيهَا قَرِينَةٌ أُخْرَى أَقْوَى مِنْ مُجَرَّدِ الِاسْتِقَاء وَهِيَ الْبِنَاءُ الْمَوْجُودُ عَلَى تِلْكَ الْعُيُونِ الَّذِي هُوَ صَرِيحٌ فِي مِلْكِ الْبَانِي لِمَحَلِّ ذَلِكَ الْبِنَاءِ فَإِنْ قُلْت فِي الْأَنْوَارِ وَشَرْحِهِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ مَا نَبَعَ مِنْ مَوْضِعٍ لَا يَخْتَصُّ بِأَحَدٍ وَمَا لَا صُنْعَ لِلْآدَمِيِّ فِي إخْرَاجِهِ وَإِجْرَائِهِ كَالْفُرَاتِ وَدِجْلَةَ وَجَيْحُونَ وَسَائِرِ أَوْدِيَةِ الْعَالَمِ وَالْعُيُونِ فِي الْجِبَالِ وَالْمَوَاتِ فَالنَّاسُ فِيهَا شَرْعٌ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْمَنْعُ مِنْ أَخْذِ مَائِهَا لِشُرْبٍ أَوْ طُهْرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَلَا أَنْ يَتَحَجَّرَهَا. وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ إقْطَاعُهَا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَلَا يَبِيعُهَا مِنْ طَرِيقٍ أَوْلَى وَهَذَا

كَمَا تَرَى - شَاهِدٌ أَيُّ شَاهِدٌ عَلَى أَنَّ عُيُونَ الْحِجَازِ لَا يُمَلَّكُ مَنْبَعُهَا لِأَنَّهَا مِمَّا شَمِلَهُ قَوْلُهُ وَالْعُيُونُ فِي الْجِبَالِ وَالْمَوَاتِ وَقَدْ حَكَمَ عَلَيْهَا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَحَجُّرُهَا وَلَا إقْطَاعُهَا وَلَا بَيْعُهَا قُلْت لَا دَلِيلَ فِي هَذَا وَلَا شَاهِدَ لِعَدَمِ مِلْكِ عُيُونِ أَوْدِيَةِ الْحِجَازِ لِأَنَّ كَلَامَ الْأَنْوَارِ وَشَرْحَهُ الْمَذْكُورَ مَفْرُوضٌ فِيمَا عَلِمْت إبَاحَةُ أَصْلِهِ فَإِنَّهُ قَالَ فَصْلُ الْمَاءِ أَقْسَامٌ: الْأَوَّلُ مَا نَبَعَ مِنْ مَوْضِعٍ لَا يَخْتَصُّ بِأَحَدٍ وَلَا صُنْعَ لِلْآدَمِيَّيْنِ فِي إخْرَاجِهِ وَإِجْرَائِهِ فَقَدْ فَرَضَ الْكَلَامَ فِي فَرْدٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ مَا عُلِمَ أَنَّهُ نَبَعَ مِنْ مَوْضِعٍ مُبَاحٍ مِنْ غَيْر صُنْعٍ لِآدَمِيٍّ فِي إخْرَاجِهِ وَإِجْرَائِهِ وَمِثْل ذَلِكَ بِمَا ذَكَرَهُ وَمِنْ جُمْلَتِهِ عُيُونِ الْجِبَالِ وَالْمَوَات وَعُيُونُ أَوْدِيَةِ الْحِجَازِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ لِأَنَّا لَمْ نَعْلَمْ أَنَّ أَصْلَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ عَلَيْهَا هَلْ كَانَ مُبَاحًا لِكَوْنِهِ نَابِعًا بِنَفْسِهِ فِي غَيْرِ مَمْلُوكٍ كَجَبَلٍ أَوْ مَوَاتٍ فَجَاءَ إلَى كُلِّ عَيْنٍ مِنْهَا جَمَاعَةٌ وَاسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا بِطَرِيقٍ وَحَازُوهَا وَبَنَوْا عَلَيْهَا ثُمَّ تَلَقَّاهَا وَرَثَتُهُمْ عَنْهُمْ مِنْ مُنْذُ قُرُونٍ عَدِيدَةٍ إلَى وَقْتِنَا هَذَا أَوْ مَمْلُوكًا لِكَوْنِهِ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الْمَوَاتِ مَنْبَعٌ. وَإِنَّمَا جَاءَ مَنْ حَفَرَهُ إلَى أَنْ صَادَفَ مَنْبَعًا فَبَنَى عَلَيْهِ وَتَحَجَّرَهُ ثُمَّ مَلَكَهُ وَرَثَتُهُ مِنْ بَعْدِهِ وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ مُنْذُ تِلْكَ الْقُرُونِ وَهَذَا التَّرَدُّدُ الَّذِي أَبْدَيْته لَا يُمْكِنُ أَحَدًا دَفْعُهُ إلَّا إنْ كَانَ مِنْ السُّوفُسطائِيَّة الَّذِينَ يُنْكِرُونَ حَتَّى الْمَحْسُوسَاتِ الَّتِي هِيَ أَقْوَى مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذَا التَّرَدُّدَ فِي عُيُونِ الْحِجَازِ لَا مَدْفَعَ لَهُ ثَبَتَ أَنَّ عُيُونَهَا بِمَنْزِلَةِ النَّهْرِ الَّذِي فَرَضَ الشَّيْخَانِ الْكَلَامَ فِيهِ وَثَبَتَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّهَا أَوْلَى بِالْمِلْكِ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ لِأَنَّ فِيهَا قَرِينَةً أُخْرَى أَقْوَى وَأَظْهَرَ مِنْ قَرِينَةِ وَضْعِ الْيَدِ وَهِيَ الْبِنَاءُ عَلَيْهَا الصَّرِيحُ فِي الْمِلْكِ عَلَى أَنَّ وَضْعَ الْيَدِ فِيهَا أَقْوَى مِنْهُ فِي النَّهْرِ لِأَنَّ وَضْعَهَا فِيهِ إنَّمَا هُوَ بِالِاسْتِقَاءِ مِنْهُ وَأَمَّا وَضْعُهَا هُنَا فَهُوَ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا بِهَدْمِ مَا بُنِيَ عَلَيْهَا وَعِمَارَته وَبِالتَّبَايُعِ فِيهَا وَحِيَازَتِهَا كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ مِنْ مُنْذُ قُرُونٍ مَدِيدَةٍ بَلْ بَعْضُهَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُؤَرِّخِينَ فِي أَوَاخِرِ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ فَلِلنَّاسِ الْآنَ عَلَى ذَلِكَ تِسْعُمَائَةِ سَنَةٍ وَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْحِيَازَةِ وَالِاسْتِيلَاءِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ. وَحِينَئِذٍ فَهَلْ بَقِيَ بَعْدَ هَذَا قَرِينَةٌ عَلَى الْمِلْكِ أَقْوَى مِنْ هَذِهِ الْقَرِينَةِ كَلًّا لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ إلَّا مَنْ عَدِمَ عَقْلَهُ أَوْ غَلَبَ عَلَيْهِ هَوَاهُ وَجَهْلُهُ فَإِنْ قُلْت هَلْ تَجِدُ نَظِيرًا غَيْرَ مَسْأَلَةِ النَّهْرِ يُقَاسُ عَلَيْهِ مَسْأَلَتنَا أَيْضًا قُلْت لِذَلِكَ نَظَائِرُ مِنْهَا قَوْلُ الْأَئِمَّةِ لَوْ وَجَدْنَا جُذُوعًا لِإِنْسَانٍ مَوْضُوعَةً عَلَى جِدَارِ غَيْرِهِ فَقَالَ صَاحِبُ الْجِدَارِ هَذِهِ مَوْضُوعَةٌ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَالَ صَاحِبُهَا بَلْ هِيَ مَوْضُوعَةٌ بِحَقٍّ وَلَا بَيِّنَةَ حَكَمْنَا بِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ بِحَقٍّ وَأَنَّ لِصَاحِبِهَا حَقُّ الْوَضْعِ عَلَى ذَلِكَ الْجِدَارِ حَتَّى لَوْ هَدَمَ أَوْ انْهَدَمَ وَأُعِيدَ جَازَ لَهُ إعَادَتُهَا عَمَلًا بِالظَّاهِرِ أَيْ وَإِنْ كَانَ الْخَصْمُ هُوَ بَانِي الْجِدَارِ لِظَاهِرِ كَلَامِهِمْ فَإِذَا حَكَمُوا بِاسْتِحْقَاقِ مِلْكِ الْغَيْرِ لِمُجَرَّدِ هَذِهِ الْقَرِينَةِ الْمُحْتَمَلَةِ وَلَمْ يُبَالُوا بِاحْتِمَالِ أَنَّهَا وُضِعَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ مَعَ أَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ هُوَ الْمُوَافِقُ لِلْأَصْلِ مِنْ عَدَمِ الْإِذْنِ وَحُكْمِ حَاكِمٍ يَرَى ذَلِكَ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ بَقَائِهَا إذْ التَّعَدِّي يُتَسَارَع إلَى إنْكَارِهِ وَلَا يُسْكَتُ عَنْهُ حَتَّى لَا يَكُونَ بِهِ بَيِّنَةٌ. فَأَوْلَى أَنْ يَحْكُمُوا فِي عُيُونِ الْحِجَازِ بِأَنَّهَا مِلْكٌ لِوَاضِعِي الْأَيْدِي عَلَيْهَا مِنْ مُنْذُ تِلْكَ الْقُرُونِ الْعَدِيدَةِ لِأَنَّ الْقَرِينَةَ فِيهَا أَظْهَرُ وَأَتَمُّ وَلَا يُقَالُ لَمْ يُصَرِّحْ الْفُقَهَاءُ فِيهَا بِشَيْءٍ لِأَنَّا نَقُولُ ذِكْرُهُمْ النَّهْرَ فِي مَسْأَلَةِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلهَا السَّابِقَةِ لَيْسَ لِلتَّقْيِيدِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَصَاغِرِ الْمُتَفَقِّهَةِ بَلْ لِلتَّمْثِيلِ حَتَّى يَلْحَقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ فَكَيْفَ مَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ وَمِنْ النَّظَائِرِ أَيْضًا مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّهُمْ لَوْ تَنَازَعُوا فِي قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ مِنْ النَّهْرِ جَعَلَ عَلَى قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ مِنْ الْأَرْضِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ أَنَّ الشَّرِكَةَ بِحَسَبِ الْمِلْكِ وَأَمَّا قَوْلُ الْبُلْقِينِيُّ الْأَصَحُّ بِمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ أَنَّهُ يَكُونُ بَيْنهمْ بِالسَّوِيَّةِ لِأَنَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ وَالْقَرَائِنُ لَا يُنْظَرُ إلَيْهَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجِدَارِ أَنَّهُ لَا يُنْظَرُ فِيهِ إلَى الدَّوَاخِلِ وَالْخَوَارِجِ وَأَنْصَافِ اللَّبَنِ وَمَعَاقِدِ الْقِمْطِ وَفِي مَتَاعِ الْبَيْتِ يَخْتَلِف فِيهِ الزَّوْجَانِ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِيَدِهِمَا حَلَفَا وَجُعِلَ بَيْنهمَا وَلَا نَظَرَ لِمَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا عَادَةً فَهُوَ وَإِنْ سَلِمَ شَاهِدٌ لَنَا أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ النَّهْرَ لَيْسَ فِي أَيْدِيهِمْ حِسًّا بَلْ حُكْمًا تَبَعًا لِلْأَرْضِ كَمَا يَأْتِي بَسْطُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِذَا كَانَ تَابِعًا لِلْأَرْضِ لَزِمَ

أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِقَضِيَّتِهَا تَبَعًا لَهَا لِأَنَّ التَّابِعَ يُعْطَى حُكْمَ مَتْبُوعِهِ وَبِهَذَا عَلِمْتَ الْفَرْقَ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الرَّوْضَةِ وَمَسْأَلَتَيْ الْجِدَارِ وَمَتَاعِ الْبَيْتِ فَإِنَّ الْيَدَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مُسْتَقِلَّةٌ وَلَيْسَتْ تَابِعَةً لِشَيْءٍ فَعَمِلَ بِقَضِيَّتِهَا وَهِيَ التَّسَاوِي وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ النَّهْرِ فَهِيَ تَابِعَةٌ لِلْيَدِ عَلَى الْأَرْضِ فَأُعْطَى حُكْمَهَا وَهَذَا فَرْقٌ وَاضِحٌ جَلِيٌّ وَإِنْ نَقَلَ الْمُتَأَخِّرُونَ كَلَامَ الْبُلْقِينِيُّ هَذَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ أَحَدٌ مِنْهُمْ لِرَدِّهِ فِيمَا أَعْلَمُ وَمِنْ تِلْكَ النَّظَائِرِ أَيْضًا مَا فِي الْأَنْوَارِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِأَرْضٍ سَاقِيَةٌ مِنْ نَهْرٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا شِرْبٌ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ حُكِمَ عِنْدَ التَّنَازُعِ بِأَنَّ لَهَا شِرْبًا مِنْهُ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَكَذَا يَكُونُ شَرِيكًا لِأَهْلِ النَّهْرِ حَيْثُ لَا شِرْبَ لَهَا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا شِرْبٌ مِنْهُ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ هُنَا أَيْضًا وَمِنْ تِلْكَ النَّظَائِرِ أَيْضًا مَا فِي الْأَنْوَارِ أَيْضًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ النَّهْرُ يَنْصَبُّ فِي أَجَمَةٍ مَمْلُوكَةٍ أَوْ غَدِيرٍ مَمْلُوكٍ وَحَوْلَ النَّهْرِ أَرَاضٍ مَمْلُوكَةٌ وَنُوزِعَ فِي الْمَاءِ جُعِلَ بَيْنَ صَاحِبِ الْأَجَمَةِ وَأَصْحَابِ الْأَرَاضِي قَالَ شَارِحُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ اشْتِرَاكُهُمْ فِيهِ وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّهَا مُنَاصَفَةٌ بَيْنَ صَاحِبِ الْأَجَمَةِ وَأَصْحَابِ الْأَرَاضِي اهـ فَتَأَمَّلْ عَمَلَهُمْ بِالظَّاهِرِ فِي هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا يَتَّضِحُ لَك مَا فِي الرَّوْضَةِ وَمَا قِسْنَا عَلَيْهِ. فَإِنْ قُلْتَ سَلَّمْنَا جَمِيعَ مَا ذُكِرَ لَكِنَّ حَفْرَ الْبِئْرِ وَالْقَنَاةِ فِي الْمَوَاتِ لَيْسَ مُقْتَضِيًا لِلْمِلْكِ مُطْلَقًا بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ لِلْمَارَّةِ كَانَتْ مُسْبَلَةً لِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا تَحَجُّرُهُ وَلَا يَجُوزُ لِلْحَافِرِ طَمُّهَا لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِهِمْ وَإِنْ كَانَ لِارْتِفَاقِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِمَائِهَا حَتَّى يَرْحَلَ فَإِنْ عَادَ فَهُوَ كَغَيْرِهِ وَلَيْسَ لَهُ طَمُّهَا هُنَا أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا فَهُوَ وَالنَّاسُ فِيهَا سَوَاءٌ وَإِنْ كَانَ لِلتَّمَلُّكِ فَهِيَ كَالْمَحْفُورَةِ بِمِلْكِهِ وَحُكْمُ مَا نَبَعَ بِمِلْكِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِعَمَلٍ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَإِذَا كَانَ فِي الْمَحْفُورَةِ فِي الْمَوَاتِ هَذَا التَّفْصِيلُ وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا فِي صُورَةٍ وَفِي ثَلَاثِ صُوَرٍ لَا يُمَلَّكُ كَمَا تَقَرَّرَ فَمَا وَجْهُ تَرْجِيحِ هَذِهِ الْحَالَةِ الرَّابِعَةِ عَلَى الْحَالَاتِ الثَّلَاثِ قُلْتُ هَذَا التَّفْصِيلُ إنَّمَا يَتَأَتَّى حَيْثُ عُلِمَ قَصْدُ الْحَافِرِ أَمَّا إذَا جُهِلَ قَصْدُهُ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَا يَتَأَتَّى فِيهَا ذَلِكَ التَّفْصِيلُ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْحُكْمُ فِيهَا بِالْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي مَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهَا آنِفًا وَهِيَ قَاضِيَةٌ بِمِلْكِ وَاضِعِي الْيَدِ عَلَيْهَا وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ هُنَا تَغْلِيبُ حَالَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى حَالَاتٍ ثَلَاثٍ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَحَلَّ تِلْكَ الْأَحْوَالِ حَيْثُ عُلِمَ قَصْدُ الْحَافِرِ. وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ حُكْمَ الْقَنَوَاتِ حُكْمُ الْآبَارِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ إلَّا أَنَّ حَفْرَهَا لِمُجَرَّدِ الِارْتِفَاقِ لَا يَكَادُ يَتَّفِقُ قَالَ السُّبْكِيّ وَالْقَنَاةُ فِي بِلَادِنَا اسْمٌ لِمَا يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ الْوَاصِلُ مِنْ غَيْرِهَا قَالَ وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنِ لَوْ حَفَرَ الْقَنَاةَ فَنَبَعَ فِيهَا مَلَكَهَا وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهَا تُحْفَرُ لِيَنْبُعَ الْمَاءُ فِيهَا وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ إطْلَاقُ الرَّافِعِيِّ أَنَّهَا كَالْبِئْرِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مَحَلَّ الْجَرَيَانِ فَهِيَ كَالْبِئْرِ فَفِي مِلْكِ الْجَارِي فِيهَا خِلَافٌ اهـ أَيْ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بَلْ لَا يَسْتَحِقُّهُ فَإِنْ قُلْتَ لَا دَلِيلَ فِيمَا تَقَدَّمَ عَنْ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي النَّهْرِ لِقَوْلِ الزَّرْكَشِيّ مَا قَالَاهُ مِنْ الْمِلْكِ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَفْرِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَنْهَارِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَالْمُحَقَّقُ مِنْ الْيَدِ فِيهِ الِانْتِفَاعُ وَالسَّقْيُ مِنْهُ وَلَا يَكْفِي ذَلِكَ لِدَلَالَةِ الْيَدِ عَلَى الْمِلْكِ وَالْيَدُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمِلْكِ هِيَ الَّتِي يَكُونُ مَعَهَا الِاسْتِيلَاءُ وَمَنْعُ الْغَيْرِ فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى الْمِلْكِ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُحْكَمَ بِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا لَهُمْ بَلْ يُقَالُ مُخْتَصٌّ بِهِمْ. وَالْيَدُ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَلَكِنْ هُنَا عَارِضُ الْمِلْكِ أَنَّ الْعُرْفَ يَقْضِي بِعَدَمِ تَمَكُّنِهِمْ مِنْ بَيْعِهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ وَإِنَّمَا تَكُونُ أَمْلَاكُهُمْ الَّتِي يَسْقُونَهَا مِنْهُ لَهُ حَقُّ سَقْيِهَا مِنْهُ وَذَلِكَ اخْتِصَاصٌ بِهِ لَا مِلْكَ وَيُعَضَّدُ هَذَا بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَفْرِ وَلَا يُقَالُ الْأَصْلُ عَدَمُ الِانْخِرَاقِ لِأَنَّ الْحَفْرَ بِفِعْلِ فَاعِلٍ وَالِانْخِرَاقَ بِدُونِهِ وَأَيْضًا لَوْ أَثْبَتْنَا الْمِلْكَ فِي أَرْضِ النَّهْرِ لِأَصْحَابِ الْأَمْلَاكِ لَاحْتِيجَ عِنْد شِرَائِهَا إلَى مَعْرِفَةِ قَدْرِ مَائِهَا مِنْ أَرْضِ النَّهْرِ وَالْمَجْرَى الْوَاصِلِ مِنْهُ إلَيْهِ وَلِمَا صَحَّ الشِّرَاءُ إلَّا بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَد نَعَمْ ذَلِكَ ظَاهِر فِي قَنَاة أَوْ سَاقِيَة ظَهَر اخْتِصَاصهَا وَاسْتِيلَاؤُهُمْ عَلَيْهَا بِحَيْثُ لَا يُسْتَنْكَرُ تَصَرُّفُهُمْ فِي ذَلِكَ اهـ كَلَام الزَّرْكَشِيّ وَمَعَ هَذَا الْإِشْكَالِ الظَّاهِرِ كَيْف

يُسْتَدَلّ بِكَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا عَلَى مَسْأَلَتِنَا قُلْتُ لَوْ سَلَّمْنَا لِلزَّرْكَشِيِّ إشْكَالَهُ هَذَا وَأَنَّهُ لَا جَوَابَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَادِحًا فِي الِاسْتِدْلَال بِكَلَامِهِمَا لِأَنَّ مِنْ قَوَاعِدهمْ أَنَّ الْإِشْكَالَ لَا يَرُدُّ الْمَنْقُولَ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَنْهُ جَوَابٌ فَكَيْف وَالْجَوَابُ عَنْ إشْكَال الزَّرْكَشِيّ هَذَا سَهْلٌ وَبَيَانُهُ أَنَّ قَوْله لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَفْرِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ لِمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَا آنِفًا أَنَّا لَا نَعْتَبِرُ الْأَصْلَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا نَعْتَبِرُ الظَّاهِرَ بِدَلِيلِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْجُذُوعِ وَغَيْرِهَا وَإِنَّمَا قَدَّمَ الظَّاهِرَ عَلَى الْأَصْل فِي مِثْل ذَلِكَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ هُنَا اسْتَنَدَ إلَى أَمْرٍ حِسِّيٍّ دَالٍّ عَلَى الْمِلْكِ مُسْتَمِرٍّ إلَى حَالِ الْحُكْمِ بِهِ وَهُوَ وَضْعُ الْيَدِ فَأَشْبَهَ تَقْدِيمَهُمْ الظَّاهِرَ عَلَى الْأَصْلِ فِي بَوْلِ الظَّبْيَةِ الْمَشْهُورَةِ وَقَوْلُهُ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَنْهَارِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ لِأَنَّهُ لَا تَأْيِيدَ فِيهِ لِإِشْكَالِهِ إذْ ذَلِكَ الْكَثِيرُ لَيْسَ عَلَى مِلْكِهِ قَرِينَةٌ فَلَا يُقَاسُ مَا نَحْنُ فِيهِ بِهِ وَقَوْلُهُ وَالْيَدُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمِلْكِ إلَخْ شَاهِدٌ لَنَا لِأَنَّ سَقْيَ أَرَاضِيِهِمْ مِنْهُ مَعَ انْحِصَارِ سَقْيِهَا فِي ذَلِكَ وَعَدَمِ وُجُودِ مَاءٍ لَهَا غَيْرُهُ إذْ الْفَرْضُ ذَلِكَ كَمَا جَرَيْتُ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى اسْتِيلَائِهِمْ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْعِهِمْ لِلْغَيْرِ مِنْ أَخْذِ مَا يَتَعَطَّلُ بِهِ سَقْيُ أَرَاضِيهمْ فَالِاسْتِيلَاءُ وَالْمَنْعُ الْمَذْكُورَانِ مَلْزُومَانِ لِلسَّقْيِ وَالِانْحِصَارِ الْمَذْكُورَيْنِ، سَوَاءٌ وَجَدَا أَعْنِي الِاسْتِيلَاءَ وَالْمَنْعَ بِالْفِعْلِ أَوْ بِالْقُوَّةِ إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا وُجُودُهُمَا بِالْفِعْلِ بَلْ يَكْفِي وُجُودُ مَا تَقْضِي الْعَادَةُ مَعَهْ بِالِاسْتِيلَاءِ وَالْمَنْعِ وَلَوْ بِالْقُوَّةِ عَلَى أَنَّ الِاسْتِيلَاءَ مُسْتَلْزِمٌ لِلْمَنْعِ وَعَكْسِهِ. وَالِاسْتِيلَاءُ مَوْجُودٌ فِي مَسْأَلَتِنَا بِالْفِعْلِ فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ فِي النَّهْرِ إلَّا انْحِصَارُ الِانْتِفَاعِ بِهِ فِي شَخْصٍ وَقَدْ تَقَرَّرَ لَك أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِ مُنْحَصِرٌ فِي أَرْبَابِ تِلْكَ الْأَرَاضِي وَكَانُوا مَسْئُولِينَ عَلَيْهِ وَعِبَارَةُ الشَّيْخَيْنِ مُشِيرَةٌ إلَى هَذَا فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ التَّرَدُّدُ فِي أَنَّهُ حُفِرَ أَوْ انْخَرَقَ إلَّا مَعَ وُجُودِ اسْتِيلَائِهِمْ وَأَمَّا مُجَرَّدُ السَّقْيِ مِنْهُ مَعَ عَدَمِ الِاسْتِيلَاءِ بِأَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ إنَّ مَنْ احْتَاجَ لِسَوْقِ شَيْءٍ مِنْهُ إلَى أَرْضِهِ أَجْرَاهُ مِنْهُ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهُ أَحَدٌ فَهُوَ مَانِعٌ لِوُقُوعِ التَّرَدُّدِ فِي أَنَّهُ حُفِرَ أَوْ انْخَرَقَ لِقِيَامِ الْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ مِنْ عَدَمِ الْمَنْعِ مِمَّا ذُكِرَ عَلَى عَدَمِ الْمِلْكِ وَبِهَذَا الَّذِي قَرَّرْته يُعْلَمُ رَدُّ قَوْلِهِ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي إلَخْ لِأَنَّهُ إنْ وُجِدَ الِاسْتِيلَاءُ بِالْمَعْنَى الَّذِي قَرَّرْته كَانَ مَمْلُوكًا لَهُمْ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لَهُمْ وَلَا مُخْتَصًّا بِهِمْ بَلْ يَكُونُ النَّاسُ فِيهِ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ لَا يَدَ حِينَئِذٍ إذْ مِنْ لَازِمِ الْيَدِ الِاسْتِيلَاءُ أَوْ الْمَنْعُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَغَيْرِهِ وَفَرَّقَهُ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ وَلَكِنْ هُنَا عَارِضُ الْمِلْكِ أَنَّ الْعُرْفَ إلَخْ يُرَدُّ بِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِقَضَاءِ الْعُرْفِ بِعَدَمِ تَمَكُّنِهِمْ مِنْ بَيْعِهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ لِأَنَّ قَضَاءَهُ بِذَلِكَ إنْ سَلِمَ إنَّمَا يَكُونُ لِعَارِضٍ وَهُوَ لَا أَثَرَ لَهُ. وَأَمَّا مَعَ ذَلِكَ الْعَارِضِ فَالْعُرْفُ لَا يَقْضِي بِذَلِكَ بَلْ بِخِلَافِهِ إذْ مِنْ لَازِمِ الِاسْتِيلَاءِ عُرْفًا وَشَرْعًا التَّمَكُّنُ مِنْ التَّصَرُّفِ فَامْتِنَاعُهُ لِأَمْرٍ عَارِضٍ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ قَضِيَّةِ الِاسْتِيلَاءِ وَقَوْلِهِ وَذَلِكَ اخْتِصَاصٌ بِهِ لَا مِلْكَ قَدْ عَلِمْتَ رَدَّهُ وَكَذَلِكَ عَلِمْتَ رَدَّ قَوْلِهِ وَيُعَضَّدُ هَذَا بِأَنَّ الْأَصْلَ إلَخْ وَقَوْلُهُ وَأَيْضًا لَوْ أَثْبَتْنَا الْمِلْكَ إلَخْ يُرَدُّ بِمَا قَدَّمْتُهُ عَنْ الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّهُمْ إذَا تَنَازَعُوا فِي أَرْضِ النَّهْرِ كَانَتْ بَيْنَهُمْ بِنِسْبَةِ أَرَضِيهِمْ فَحِينَئِذٍ مَنْ أَثْبَتَ مِنْهُمْ لَهُ جُزْءًا مِنْ أَرْضِ النَّهْرِ كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ ظَاهِرًا وَمَنْ لَمْ يُثْبِتْ مِنْهُمْ ذَلِكَ كَانَ لَهُ مِنْهُ بِنِسْبَةِ أَرْضِهِ فَانْدَفَعَ قَوْلُهُ لَاحْتِيجَ إلَخْ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَيَلْزَمُ مِنْ عِلْمِهِ رَدُّ مَا فَرَّعَهُ عَلَيْهِ مِمَّا بَعْدَهُ فَإِنْ قُلْتَ سَلَّمْنَا رَدَّ إشْكَالِ الزَّرْكَشِيّ بِمَا ذَكَرَ لَكِنَّهُ رَدَّ مَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَيْثُ النَّقْلُ فَإِنَّهُ قَالَ اعْلَمْ أَنَّ الرَّافِعِيَّ إنَّمَا أَخَذَ هَذَا الْفَرْعَ مِنْ التَّتِمَّةِ وَاَلَّذِي فِيهَا أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَمْلُوكِ. وَلَعَلَّ مُرَادَهُ فِي الِانْتِفَاعِ وَعَدَمِ تَقْدِيمِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ ثَمَّ إنَّهُ إنَّمَا فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي نَهْرٍ عَلَى حَافَّتَيْهِ أَرَاضٍ مِنْهُ تُسْقَى وَهُوَ أَقْرَبُ لِأَنَّ أَصْحَابَ الْأَرَاضِي الْمُجَاوِرَةِ لَهُ قَدْ يُقَالُ إنَّهُمْ لِإِحَاطَتِهِمْ بِهِ أَصْحَابُ أَيْدٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْأَرَاضِي الَّتِي يُسْقَى بِهَا بَعِيدَةً عَنْهُ وَالْمَجَارِي مِنْهُ إلَيْهَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَهَا أَمَاكِنُ لِغَيْرِهِمْ فَالْقَوْلُ بِأَنَّ مَنْ سَقَى مِنْهُ مَالِكٌ لَهُ لَا وَجْهَ لَهُ وَقَدْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالْمَسْأَلَةِ وَحَكَى فِيهَا وَجْهَيْنِ فَقَالَ لَوْ كَانَ النَّهْرُ الصَّغِيرُ غَيْرَ مَعْرُوفِ الْأَصْلِ هَلْ هُوَ مُبَاحٌ أَوْ مَمْلُوكٌ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِبَاحَةِ أَوْ حُكْمُ الْمِلْك عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُبَاحِ

وَهَذَا قَوْلُ مَنْ جَهِلَ أَصْلَهَا عَلَى الْخَطَرِ اهـ وَمَعَ كَلَامِهِ هَذَا فَكَيْفَ يُسْتَدَلُّ لَهُ بِكَلَامِهِمَا عَلَى مَسْأَلَتِنَا قُلْتُ هُوَ لَمْ يَأْتِ بِمَا يَرُدُّهُ نَقْلًا فَإِنَّ كَلَامَ التَّتِمَّةِ الَّذِي سَاقَهُ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ. وَقَوْلُهُ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ إلَخْ غَيْرُ مَقْبُولٍ مِنْهُ فَإِنَّهُ إخْرَاجٌ لِلَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ بِغَيْرِ مُسْتَنَدٍ وَقَوْلُهُ ثُمَّ إنَّهُ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ فَرْضُهُ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي أَنَّ كَلَامَهُ غَيْرُ مُوَافِقٍ لِكَلَامِهِمَا بَلْ هُوَ مَعَ ذَلِكَ مُوَافِقٌ لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُقْصَدْ بِهَذَا الْفَرْضِ التَّقْيِيدَ بَلْ مُجَرَّدَ التَّصْوِيرِ لِأَنَّ مَدَارَ الْمَسْأَلَةِ كَيْفَ فَرَضَهَا عَلَى أَنَّهُ مَتَى وُجِدَ السَّقْيُ وَالِانْحِصَارُ السَّابِقَانِ وُجِدَ الْمِلْكُ لِوُجُودِ الِاسْتِيلَاءِ حِينَئِذٍ وَمَتَى انْتَفَيَا انْتَفَى وَبِهَذَا يُرَدُّ قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْأَرَاضِي إلَخْ وَوَجْهُ رَدِّهِ أَنَّ التَّعْوِيلَ هُنَا إنَّمَا هُوَ عَلَى الْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ وَمَعَ وُجُودِ السَّقْيِ وَالِانْحِصَارِ الْمَذْكُورَيْنِ الْقَرِينَةُ الظَّاهِرَةُ قَاضِيَةٌ بِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ لِوُجُودِ خَاصِّيَّةِ الْمِلْكِ مِنْ الِاسْتِيلَاءِ وَالْمَنْعِ السَّابِقَيْنِ وَلَا نَظَرَ لِبُعْدِ أَرَاضِيهمْ عَنْهُ وَلَا لِتَخَلُّلِ مَجَارِيهمْ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ هَذَيْنِ أَعْنِي الْبُعْدَ وَالتَّخَلُّلَ لَيْسَ مُنَافِيًا لِتِلْكَ الْقَرِينَةِ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ يُوجَدُ فِيهِ ذَلِكَ وَلِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يَمْنَعُونَ مِنْ إضَافَةِ النَّهْرِ إلَى أَرْبَابِهِ مَعَ وُجُودِ كُلٍّ مِنْ ذَيْنِك. وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ فَالْقَوْلُ بِأَنَّ مَنْ سَقَى مِنْهُ مَالِكٌ لَهُ لَا وَجْهَ لَهُ هُوَ الَّذِي لَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّ الشَّيْخَيْنِ لَمْ يَقُولَا ذَلِكَ حَتَّى يَلْزَمَهُمَا بِهِ وَإِنَّمَا قَالَا إنَّهُ مِلْكٌ لَهُمْ وَعَلَّلَاهُ بِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ يَدٍ وَانْتِفَاعٍ وَقَدْ تَقَرَّرَ لَك أَنَّهُمْ لَا يَكُونُونَ أَصْحَابَ يَدٍ إلَّا إذَا وُجِدَ السَّقْيُ وَالِانْحِصَارُ السَّابِقَانِ وَمَتَى وُجِدَا وُجِدَ الْمِلْكُ لِاسْتِلْزَامِهِمَا وُجُودَ الِاسْتِيلَاءِ وَالْمَنْعِ السَّابِقَيْنِ أَيْضًا وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْهُ نَفْسُهُ أَنَّ وُجُودَهُمَا يَسْتَلْزِمُ الْمِلْكَ وَقَوْلُهُ وَقَدْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِالْمَسْأَلَةِ وَحَكَى فِيهَا وَجْهَيْنِ فَقَالَ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ رَجَّحَا ثَانِيَهُمَا وَالتَّعْوِيلُ فِي التَّرْجِيحِ لَيْسَ إلَّا عَلَيْهِمَا وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُمَا سَلَفٌ فِيهِ فَكَيْفَ وَلَهُمَا سَلَفٌ أَيُّ سَلَفٍ وَهُوَ كَلَامُ التَّتِمَّةِ السَّابِقُ فَإِنْ قُلْتَ سَلَّمْنَا رَدَّ جَمِيعِ مَا قَالَهُ مِمَّا مَرَّ عَنْهُ لَكِنَّهُ فَصَّلَ تَفْصِيلًا حَسَنًا فَيَنْبَغِي أَنْ نَقُولَ بِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ سَاقَ مَا مَرَّ وَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّ لِلْمَسْأَلَةِ صُورَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَكُونَ نَبْعُ النَّهْرِ فِي أَرَاضِيِهِمْ الْمَمْلُوكَةِ فَلِيَكُنْ الْقَوْلُ بِالْمِلْكِ وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ نَبْعُهُ بِمَوَاتٍ أَوْ كَانَ يَخْرُجُ لَهُمْ مِنْ مَدٍّ عَظِيمٍ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى الْإِبَاحَةِ. قُلْتُ هَذَا التَّفْصِيلُ وَإِنْ كَانَ حَسَنًا فِي ذَاتِهِ إلَّا أَنَّ إجْرَاءَهُ فِي مَسْأَلَةِ الشَّيْخَيْنِ لَيْسَ بِحَسَنٍ لِأَنَّ الصُّورَةَ كَمَا مَرَّ أَنَّ النَّهْرَ وَمِنْ جُمْلَتِهِ مَحَلُّ نَبْعِهِ لَمْ يُدْرَ هَلْ حَصَلَ بِوَاسِطَةِ حَفْرٍ أَوْ بِوَاسِطَةِ انْخِرَاقِهِ مِنْ نَهْرٍ عَظِيمٍ وَأَمَّا التَّفْصِيلُ الَّذِي قَالَهُ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَحَقُّقِ الْحَالِ وَعِنْد تَحَقُّقِهِ تَارَةً يَكُونُ مَحَلُّ النَّبْعِ فِي مِلْكٍ فَيَكُونُ مَمْلُوكًا وَتَارَةً يَكُونُ فِي مُبَاحٍ فَيَكُونُ مُبَاحًا وَبِهَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ إجْرَاءَ هَذَا التَّفْصِيلِ فِي مَسْأَلَةِ الشَّيْخَيْنِ سَهْوٌ مَنْشَؤُهُ الْغَفْلَةُ عَنْ صُورَتِهَا إذْ مَعَ مُلَاحَظَةِ صُورَتِهَا لَا يُمْكِنُ جَرَيَانُ هَذَا التَّفْصِيلِ فِيهَا لِأَنَّ مَحَلَّهُ عِنْدَ الْعِلْمِ بِحَالِ الْمَنْبَعِ وَمَحَلَّهَا عِنْد التَّرَدُّدِ فِيهِ وَشَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا هَذَا وَيَنْبَغِي لَك أَنْ تَتَفَطَّنَ لِدَقِيقَةٍ وَهِيَ أَنَّ إشْكَالَ الزَّرْكَشِيّ إنَّمَا يُتَوَهَّمُ وُرُودُهُ مَعَ ضَعْفِهِ عَلَى مَسْأَلَةِ النَّهْرِ وَأَمَّا عُيُونُ الْحِجَازِ فَكَلَامُ الزَّرْكَشِيّ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يَرِدُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ قَالَ وَالْيَدُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمِلْكِ هِيَ الَّتِي يَكُونُ مَعَهَا الِاسْتِيلَاءُ وَمَنْعُ الْغَيْرِ فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى الْمِلْكِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي عُيُونِ الْحِجَازِ لِأَنَّ كُلَّ عَيْنٍ مِنْهَا لِجَمَاعَةٍ مُسْتَوْلِينَ عَلَيْهَا لَا يُمْكِنُ أَحَدًا غَيْرَهُمْ أَنْ يُشَارِكَهُمْ فِيهَا وَلَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَائِهَا شَيْئًا يَسْقِي بِهِ أَرْضَهُ إلَّا بِرِضَاهُمْ. وَالزَّرْكَشِيُّ قَائِلٌ بِالْمِلْكِ عِنْد وُجُودِ ذَلِكَ فَهُوَ قَائِلٌ بِالْمِلْكِ فِي الْعُيُونِ مِنْ غَيْرِ نِزَاعٍ لَهُ فِيهَا وَإِنْ كَانَ مُنَازِعًا فِي النَّهْرِ لِأَنَّ الْوَجْهَ الَّذِي نَازَعَ فِيهِ فِي الْأَنْهَارِ لَمْ يُوجَدْ جَمِيعُهُ فِي الْعُيُونِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ وَلَكِنْ هُنَا أَيْ فِي النَّهْرِ عَارِضُ الْمِلْكِ أَنَّ الْعُرْفَ يَقْتَضِي عَدَمَ تَمَكُّنِهِمْ مِنْ بَيْعِهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ وَهَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْعُيُونِ فَإِنَّ الْعُرْفَ وَالْحِسَّ قَاضِيَانِ مُنْذُ قُرُونٍ عَدِيدَةٍ أَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا فَلَمْ يُعَارِضْ الْمِلْكَ فِيهَا شَيْءٌ عِنْدَ الزَّرْكَشِيّ فَكَانَ قَائِلًا بِالْمِلْكِ فِيهَا بِحَسْبِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ هَذَا وَبَعْد أَنْ ظَهَرَ لَك مِنْ كَلَامِهِ ذَلِكَ فَلَا يَضُرُّكَ إنْ سَلَّمْت لَهُ

اعْتِرَاضَهُ السَّابِقَ وَكَانَ يُمْكِنُنَا أَنْ نَذْكُرَ هَذَا وَلَا نَتَعَرَّضَ لِرَدِّ كَلَامِهِ لَكِنْ أَحْبَبْنَا أَنْ نُبَيِّنَ تَزْيِيفَ مَا أَوْرَدَهُ عَلَى الشَّيْخَيْنِ وَأَنَّ كَلَامَهُمَا فِي خُصُوصِ الْمَسْأَلَةِ جَارٍ عَلَى نَهْجِ الصَّوَابِ وَالِاسْتِقَامَةِ وَلِذَا أَقَرَّهُمَا عَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ سِيَّمَا مَشَايِخُ الزَّرْكَشِيّ كَالْإِسْنَوِيِّ وَالْأَذْرَعِيِّ وَالْبُلْقِينِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُمْ. فَإِنْ قُلْتَ قَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ مِنْ كَلَامِ الْجَمَّالِ بْنِ ظَهِيرَةَ وَأَسْئِلَتِهِ لِشَيْخِهِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ السِّرَاجِ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ عُيُونَ أَوْدِيَةِ مَكَّةَ لَا تُمَلَّكُ مُطْلَقًا وَعِبَارَةُ السُّؤَالِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِتِلْكَ الْعُيُونِ الَّتِي بِمَرِّ الظَّهْرَانِ مِنْ أَعْمَالِ مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ وَغَيْرِهِ مِنْ بِلَادِ الْحِجَازِ لَا يُعْرَفُ الْأَصْلُ الَّذِي تَنْبُعُ مِنْهُ غَالِبًا وَإِنَّمَا يَجْرِي فِي مَجَارٍ إلَى أَنْ يَبْرُزَ إلَى الْأَرَاضِي الَّتِي يَبْقَى فِيهَا وَيَتَبَايَعُونَهُ بِالْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي وَالسَّاعَاتِ يَشْتَرِي الشَّخْصُ مِنْ آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ النَّهَارِ إلَى اللَّيْلِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَيَتَصَرَّفُ فِيهَا فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا وَيَمْلِكُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ فِي أَنَّ الْمَاءَ يُمَلَّكُ أَمْ لَا وَعِبَارَةُ الْجَوَابِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهَذَا السُّؤَالِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي السُّؤَالِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ الْأَصْلُ الَّذِي تَنْبُعُ مِنْهُ غَالِبًا جَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَالتَّبَايُعُ الْوَاقِعُ بِاللَّيَالِيِ وَالْأَيَّامِ وَالسَّاعَاتِ كُلُّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفْ مِلْكًا لِلْبَائِعِ فِي ذَلِكَ وَلَا يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَلَوْ فَرَّعْنَا عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ الْمَاءَ يُمَلَّكُ فَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَا سَبَبٌ يَقْتَضِي مِلْكَ الْمَاءِ وَالسَّبَبُ الَّذِي قَدْ يَقْتَضِي مِلْكَ الْمَاءِ قَدْ مَرَّ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ يَدٌ عَلَى مَحَلِّ النَّابِعِ فَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى الْمِلْكِ لِلْمَحَلِّ وَالْمَاءِ النَّابِع مِنْهُ وَفِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلشَّرْحِ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ لَوْ صَادَفْنَا نَهْرًا يُسْقَى مِنْهُ أَرْضُونَ وَلَمْ يُدْرَ أَنَّهُ حُفِرَ أَوْ انْخَرَقَ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ يَدٍ وَانْتِفَاعٍ وَهَذَا شَاهِدٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ انْتَهَتْ فَهَلْ هَذَا التَّوَهُّمُ مِنْ كَلَامِ السَّائِلِ أَوْ الْمُجِيبِ صَحِيحٌ أَوْ فَاسِدٌ وَمَا وَجْهُ فَسَادِهِ قُلْت هُوَ تَوَهُّمٌ فَاسِدٌ وَوَجْهُ فَسَادِهِ أَنَّ السَّائِلَ لَمْ يَذْكُرْ إلَّا أَنَّ مَحَلَّ النَّبْعِ لَا يُعْرَفُ غَالِبًا ثُمَّ سَأَلَ هَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ التَّبَايُعُ الَّذِي ذَكَرَهُ أَوَّلًا وَحِينَئِذٍ فَتَوَهُّمُ عَدَمِ الْمِلْكِ مِنْ هَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى مَزِيدِ الْجَهَالَةِ وَالْغَبَاوَةِ لِأَنَّهُ وَطَّأَ لِسُؤَالِهِ عَنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ الَّذِي ذَكَرَهُ بِأَنَّ مَحَلَّ النَّبْعِ لَا يُعْرَفُ غَالِبًا فَهُوَ لَمْ يَحْكُمْ بِشَيْءٍ حَتَّى يُنْسَبَ إلَيْهِ فَمَنْ نَسَبَ إلَى عِبَارَتِهِ هَذِهِ أَنَّهُ حَكَمَ فِيهَا بِعَدَمِ مِلْكِ مَحَلِّ النَّبْعِ فَقَدْ كَذَبَ وَافْتَرَى. وَأَمَّا الْمُجِيبُ فَكَلَامُهُ صَرِيحٌ فِي مِلْكِ عُيُونِ مَكَّةَ فَإِنَّهُ حَكَمَ بِأَنَّهُ مَتَى كَانَ عَلَى مَحَلِّ النَّابِعِ يَدٌ كَانَ مَمْلُوكًا وَمَتَى لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ يَدٌ كَانَ مُبَاحًا ثُمَّ اسْتَدَلَّ لِلْأَوَّلِ بِعِبَارَةِ الشَّيْخَيْنِ الَّتِي سَاقَهَا وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا مَرَّ فِي الْكَلَامِ عَلَى عِبَارَةِ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ مَحَلَّ النَّابِعِ فِي عُيُونِ مَكَّةَ عَلَيْهِ يَدٌ أَيُّ يَدٍ فَلْيَكُنْ مَمْلُوكًا وَقَوْلُ الْبُلْقِينِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ فِي السُّؤَالِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ الْأَصْلُ الَّذِي تَنْبُعُ مِنْهُ غَالِبًا جَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ مَحَلُّهُ حَيْثُ جُهِلَ أَصْلُهُ وَلَا يَدَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ يَدٌ عَلَى الْمَحَلِّ النَّابِعِ فَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى الْمِلْكِ لِلْمَحَلِّ وَالْمَاءِ النَّابِعِ مِنْهُ وَفِي الرَّوْضَةِ إلَخْ فَعَلِمْنَا مِنْ صَرِيحِ كَلَامِهِ أَنَّ الْجَهْلَ بِالنَّبْعِ إنَّمَا يُؤْثِرُ عَدَمَ الْمِلْكِ حَيْثُ لَا يَدَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ وَأَنَّهُ مَتَى كَانَ عَلَيْهِ يَدٌ لِأَحَدٍ كَانَ مَمْلُوكًا وَعَلِمْنَا مِنْ كَلَامِهِ أَيْضًا بِقَرِينَةِ سِيَاقِهِ لِكَلَامِ الشَّيْخَيْنِ الْمَذْكُورَةِ وَاسْتِدْلَالِهِ بِهَا عَلَى مَا قَالَهُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْيَدِ هُنَا الْيَدَ الْحِسِّيَّةَ بَلْ تَكْفِي الْيَدُ الْحُكْمِيَّةُ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمَاءُ النَّابِعُ مِنْ ذَلِكَ الْمَحَلِّ لِسَقْيِ أَرَاضِي لَا مَاءَ لَهَا غَيْرُهُ. وَيَكُونُ أَهْلُهَا يُعَدُّونَ مُسْتَوْلِينَ عَلَيْهِ لِتَصَرُّفِهِمْ فِيهِ وَمَنْعِهِمْ مَنْ يُشَارِكُهُمْ فِيهِ وَهَذَا كُلُّهُ مَوْجُودٌ فِي عُيُونِ مَكَّةَ كَمَا مَرَّ فَلَا شُبْهَةَ غَيْرُ فَرْطِ الْجَهْلِ وَسُوءُ الْفَهْمِ لِمَنْ تَوَهَّمَ عَدَمَ الْمِلْكِ مِنْ عِبَارَةِ الْمُجِيبِ أَوْ مِنْ عِبَارَةِ السَّائِلِ وَإِذَا تَقَرَّرَ فِي عُيُونِ أَوْدِيَةِ الْحِجَازِ أَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ مَنْبَعًا وَمَجْرًى وَغَيْرَهُمَا فَيَصِحُّ بَيْعُهَا كُلِّهَا أَوْ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْهَا ثُمَّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ مِنْ ذَلِكَ إنْ أَمْكَنَتْ رُؤْيَتُهُ فَلَا بُدَّ مِنْهَا وَلَا يَكْفِي مِنْ وَرَاءِ الْمَاءِ وَلَوْ صَافِيًا. وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ رُؤْيَتُهُ كَمَحَلِّ النَّابِعِ فِي عُيُونِ الْحِجَازِ فَإِنَّهُ مَعَ الْبِنَاءِ الَّذِي عَلَيْهِ وَعَلَى حَرِيمِهِ غَائِصٌ فِي الْأَرْضِ نَحْو قَامَةٍ فَأَكْثَرَ اكْتَفَى بِرُؤْيَةِ مَا يُمْكِنُ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِمَا يُمْكِنُ عَلَى مَا لَا يُمْكِنُ وَلِتَعَذُّرِ الْحَفْرِ حَتَّى يَنْكَشِفَ وَيُرَى لِأَنَّ بَعْضَ الْعُيُونِ قَدْ يَنْتَهِي إلَى جَبَلٍ أَوْ وَهْدَةٍ عَظِيمَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَلَوْ كُلِّفَ النَّاسُ الرُّؤْيَةَ فِيهِ لَشَقَّ

ذَلِكَ عَلَيْهِمْ مَشَقَّةً شَدِيدَةً لَا تُطَاقُ بَلْ يُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى عَدَمِ وُقُوعِ الْبَيْعِ فِيهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَكَانَ اللَّائِقُ بِقَوَاعِدِهِمْ الْمُسَامَحَةُ. بَعْدَ اشْتِرَاطِ رُؤْيَةِ مَا تَعَذَّرَتْ رُؤْيَتُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ أُمُورٌ الْأَوَّلُ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ فِي الْمُهَذَّبِ إذَا رُئِيَ بَعْضُ الْمَبِيعِ دُونَ بَعْضٍ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا تَخْتَلِفُ أَجْزَاؤُهُ كَالصُّبْرَةِ مِنْ الطَّعَامِ وَالْجَرَّةِ مِنْ الدِّبْسِ جَازَ بَيْعُهُ لِأَنَّ بِرُؤْيَةِ الْبَعْضِ يَزُولُ غَرَرُ الْجَهَالَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْبَاطِنَ كَالظَّاهِرِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَخْتَلِفُ نَظَرْتَ فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَشُقُّ رُؤْيَةُ بَاقِيهِ كَالْجَوْزِ فِي الْقِشْرِ الْأَسْفَلِ جَازَ بَيْعُهُ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْبَاطِنِ تَشُقُّ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُهَا كَرُؤْيَةِ أَسَاسِ الْحِيطَانِ اهـ. وَأَقَرَّهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ رُؤْيَةِ جَمِيعِ الْمَبِيعِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَأَنَّهُ إذَا بِيعَ فِيهَا الْمَنْبَعُ وَالْمَجْرَى اكْتَفَى بِرُؤْيَةِ بَعْضِ الْمَجْرَى دُونَ الْبَاقِي لِتَعَذُّرِ رُؤْيَتِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِالْعَفْوِ مِنْ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ فِي قِشْرِهِمَا لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِي مَسْأَلَتِنَا أَعْظَمُ وَلَا يُقَالُ لَيْسَ مَلْحَظُ الِاكْتِفَاءِ بِرُؤْيَةِ ظَاهِرِهِمَا فَقَطْ أَنَّ بَقَاءَ الْبَاطِنِ فِيهِ مِنْ مَصَالِحِهِ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا مَلْحَظٌ آخَرُ لَمْ يَنْظُرْ إلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ وَإِنَّمَا نَظَرَ لِلْمَشَقَّةِ فَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَشَقَّةِ وَالصَّلَاحِ عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ يَصِحُّ النَّظَرُ إلَيْهَا عَلَى حِيَالِهَا وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَشَقَّةَ كَذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ كَلَامُهُ الَّذِي ذَكَرْتُهُ وَقِيَاسُهُ لِذَلِكَ عَلَى أَسَاسِ الْجُدْرَانِ ثَبَتَ الِاكْتِفَاءُ فِي مَسْأَلَتِنَا بِرُؤْيَةِ بَعْضِ الْمَبِيعِ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِيهَا أَعْظَمُ فَإِنْ قُلْتَ مَلْحَظُ الِاكْتِفَاءِ بِرُؤْيَةِ ظَاهِرِهِ كَوْنُهُ صَوَّانًا خِلْقِيًّا قُلْتُ مَمْنُوعٌ فَقَدْ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ لَا تَكْفِي رُؤْيَةُ صَدَفِ الدُّرِّ. وَصَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمِسْكِ فِي فَأْرَتِهِ قَبْلَ فَتْحِهَا مَعَ أَنَّ الصَّوَّانَ فِيهِمَا خِلْقِيٌّ فَبَطَلَ النَّظَرُ إلَى مُجَرَّدِ كَوْنِ الصَّوَّانِ خِلْقِيًّا وَفَارِقُ هَذَيْنِ نَحْوَ الْجَوْزِ بِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِيهِمَا وَإِنْ قَلَّ يُؤَدِّي إلَى ضَرَرٍ كَبِيرٍ لَا يُحْتَمَلُ عُرْفًا لِأَنَّهُمَا لِنَفَاسَتِهِمَا يَكُونُ قَلِيلُهُمَا بِمَالٍ عَظِيمٍ وَالصَّوَّانُ غَيْرُ الْخِلْقِيِّ فِي نَحْوِ الْخَشْكُنَانِ وَالْكَعْكِ الْمَحْشُوِّ كَالْخِلْقِيِّ فَإِنْ قُلْتَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ فِي مَسْأَلَتِنَا هُوَ الْمَبِيعُ وَهُوَ غَيْرُ مَرْئِيٍّ قُلْت وَكَذَلِكَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ فِي مَسْأَلَةِ الشَّيْخِ هُوَ اللُّبُّ وَهُوَ غَيْرُ مَرْئِيٍّ فَإِنْ قُلْتَ رُؤْيَةُ الْقِشْرِ تَدُلُّ عَلَى رُؤْيَةِ اللُّبِّ بِخِلَافِ رُؤْيَةِ بَعْضِ الْمَجْرَى فَإِنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى رُؤْيَةِ الْمَنْبَعِ قُلْتُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ رُؤْيَةِ الْقِشْرِ لَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى رُؤْيَةِ اللُّبِّ بِوَجْهٍ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ بَلْ وَلَا يُمْنَعُ فِيهِ وَلَا الْجَهَالَةُ بِهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَشْتَرِطُوا رُؤْيَتُهُ لِلْمَشَقَّةِ فَكَذَلِكَ الْمَبِيعُ لَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَتُهُ فِي صُورَتِنَا لِذَلِكَ الثَّانِي كَلَامُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَإِنَّهُ عَلَّلَ عَدَمَ اشْتِرَاطِ قَشْرِ نَحْوِ الْبَيْضِ وَالرُّمَّانِ وَالْبُنْدُقِ وَالْقِشْرِ الْأَسْفَلِ مِنْ الْجَوْزِ وَاللَّوْزِ بِأَنَّ تَسْلِيمَهُ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِتَغْيِيرِ عَيْنِ الْمَبِيعِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي صُورَتِنَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَةُ الْمَبِيعِ إلَّا بِهَدْمِ الْبِنَاءِ الَّذِي عَلَيْهِ. وَيُحْفَرُ مَا حَوْلَهُ مِنْ التُّرَابِ الْمُتَرَاكِمِ عَلَيْهِ وَفِي ذَلِكَ تَغْيِيرٌ لِعَيْنِ الْمَبِيعِ وَهُوَ الْمَنْبَعُ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ الْبِنَاءِ وَالْمَجْرَى الَّذِي يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ مِنْهُ إلَى الْأَرَاضِي وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَبِيعُ بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَحْوَالِ أَهْلِ تِلْكَ الْعُيُونِ وَأَقْوَالِهِمْ وَأَمَّا فَرْضُ وُقُوعِ الْبَيْعِ عَلَى الْمَنْبَعِ وَحْدَهُ دُونَ الْمَجْرَى فَبَعِيدٌ يَشْهَدُ الْحِسُّ بِخِلَافِهِ فَإِنَّا نَرَى وَاضِعِي الْأَيْدِي عَلَى تِلْكَ الْعُيُونِ يُعَمِّرُونَ الْمَجْرَى وَيُصْلِحُونَهُ وَيَتَصَرَّفُونَ فِيهِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ مِنْ غَيْرِ مُنَازِعٍ وَلَا مُعَارِضٍ وَهَذَا دَلِيلُ الْمِلْكِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَأَمَّا فَرْضُ وُقُوعِهِ عَلَى الْمَجْرَى دُونَ الْمَنْبَعِ فَهُوَ مُمْكِنٌ وَلَا مُعَارِضَ لَهُ وَحُكْمُهُ فِي الرُّؤْيَةِ أَنَّهُ يَكْفِي رُؤْيَةُ بَعْضِ ذَلِكَ الْمَجْرَى لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَةُ كُلِّهِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ وَتَغْيِيرٍ لِعَيْنِهِ بِالْحَفْرِ وَالْهَدْمِ وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا مَرَّ عَنْ الْمُهَذَّبِ وَشَرْحِهِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَشَقَّةِ وَالتَّغَيُّرِ الْمَذْكُورَيْنِ دَالٌّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ رُؤْيَةِ الْجَمِيعِ وَمَرَّ أَنَّ مِلْكَ الْمَجْرَى دُونَ الْمَنْبَعِ لَا يَقْتَضِي مِلْكَ الْمَاءِ الْجَارِي فِيهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ مِلْكُ الْمَجْرَى أَحَقَّ بِمَا جَرَى فِيهِ الثَّالِثُ تَصْرِيحُهُمْ فِي الْبِئْرِ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ كُلِّهَا وَلَيْسَ مَلْحَظُ ذَلِكَ إلَّا مَشَقَّةُ رُؤْيَتِهَا. وَإِذَا سَامَحُوا بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ رُؤْيَةِ ذَلِكَ فِيهَا مَعَ سُهُولَةِ رُؤْيَةِ ذَلِكَ بِنَزْحِ مَائِهَا وَسَدِّ مَنْبَعِهَا فَأَوْلَى أَنْ يُسَامِحُوا فِي صُورَتِنَا بِرُؤْيَةِ الْمُسْتَتِرِ تَحْتَ الْأَرْضِ مِنْ الْمَنْبَعِ وَمِنْ الْمَجْرَى فَإِنْ قُلْتَ إنَّمَا سَامَحُوا فِي ذَلِكَ فِي الْبِئْرِ لِأَنَّهُ

تَابِعٌ فَهُوَ كَأَسَاسِ الْجِدَارِ وَمَغْرِسِ الْأَشْجَارِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ قُلْتُ لَوْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ لَكَانَ فِيهَا شَاهِدٌ أَيُّ شَاهِدٍ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَشْتَرِطُوا نَزْحَ مَائِهَا حَتَّى يُرَى مَحَلُّ النَّابِعِ مِنْهَا مَعَ اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِرُؤْيَتِهِ لِأَنَّهَا تَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ كِبَرِهِ وَصِغَرِهِ وَغَزَارَةِ مَائِهِ وَقِلَّتِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ لَمْ يَشْتَرِطُوا رُؤْيَتَهُ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ وَإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَإِذَا لَمْ يَشْتَرِطُوا رُؤْيَتَهُ مَعَ سُهُولَتِهَا بَعْضَ السُّهُولَةِ بِنَزْحِ مَاءِ الْبِئْرِ وَسَدِّ مَنْبَعِهَا وَمَعَ أَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ تَغْيِيرٌ لِعَيْنِ الْمَبِيعِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَشْتَرِطُوا فِي صُورَتِنَا رُؤْيَةَ مَحَلِّ النَّابِعِ وَمَا تَحْتَ الْأَرْضِ مِنْ الْمَجْرَى لِتَعَذُّرِ رُؤْيَتِهِمَا لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِيهِمَا أَعْظَمُ مِنْهَا فِي الْبِئْرِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُمَا إلَّا بِتَغْيِيرِ عَيْنِ الْمَبِيعِ وَقَدْ عَلِمْتَ مَا مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ أَنَّ ذَلِكَ مَانِعٌ لِاشْتِرَاطِ الرُّؤْيَةِ. الرَّابِعُ قَوْلُهُمْ لَا بُدَّ فِي الْحَمَّامِ مِنْ رُؤْيَةِ بَالُوعَتِهِ وَأَلْحَقَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ فِي ذَلِكَ بَالُوعَةَ الدَّارِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِرُؤْيَةِ الْبَالُوعَةِ حَفْرَ التُّرَابِ عَنْهَا حَتَّى يُرَى أَصْلُهَا وَطَيُّهَا الْمُسْتَتِرُ بِالْأَرْضِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ رُؤْيَةُ فَمِهَا الظَّاهِرِ فَقَطْ فَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا يُشْتَرَطُ حَفْرُ الْأَرْضِ حَتَّى يُرَى مَا تَحْتَهَا بَلْ الشَّرْطُ رُؤْيَةُ مَا ظَهَرَ مِمَّا يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ بِرُؤْيَتِهِ الْخَامِسُ قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ اعْتِبَارُ رُؤْيَةِ الْوَجْهَيْنِ فِي الثَّوْبِ مَحَلُّهُ فِي الصَّفِيقِ وَغَيْرِ الْمَخِيطِ أَمَّا الْمَخِيطُ بِوَجْهَيْنِ مِنْ الْجُوخِ وَالصُّوفِ النَّفِيسِ وَنَحْوِهِمَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْفِي رُؤْيَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَجْهَيْنِ دُونَ الْمُسْتَتِر مِنْهُمَا كَمَا فِي كُبَابِ الْغَزْلِ وَنَحْوِهَا اهـ وَكَانَ وَجْهُ بَحْثِهِ هَذَا أَنَّ فِي فَتْقِ الْمُسْتَتِرِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ الْمُنْضَمَّيْنِ نَوْعَ مَشَقَّةٍ فَإِذَا سَامَحَ الْأَذْرَعِيُّ فِي رُؤْيَةِ ذَيْنِكَ الْوَجْهَيْنِ مَعَ أَنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ ظَاهِرٌ فِي اشْتِرَاطِ رُؤْيَتِهِمَا حَتَّى فِي صُورَتِهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُشْتَرَطَ رُؤْيَةُ الْمُسْتَتِرِ فِي صُورَتِنَا لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِيهَا أَعْظَمُ عَلَى أَنَّ لَنَا أَنَّ نَقِيسَ صُورَتنَا عَلَى مَا قَالُوهُ فِي كُبَابِ الْغَزْلِ الَّتِي قَاسَ عَلَيْهَا الْأَذْرَعِيُّ بَحْثَهُ الْمَذْكُورَ. وَنَقُولُ وَجْهُ اكْتِفَائِهِمْ بِرُؤْيَةِ ظَاهِرِ الْكُبَابِ مَشَقَّةُ نَقْضِهَا وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ ظَاهِرَهَا يَدُلُّ عَلَى بَاطِنهَا لِأَنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَإِذَا اكْتَفَى بِرُؤْيَةِ ظَاهِرِهَا لِمَشَقَّةِ نَقْضِهَا فَكَذَا يَكْتَفِي فِي صُورَتِنَا بِرُؤْيَةِ مَا ظَهَرَ مِنْ الْمَجْرَى دُونَ مَا اسْتَتَرَ فَإِنْ قُلْتَ يُنَافِي مَا ذَكَرْتَ قَوْلَ الزَّرْكَشِيّ إنَّ رُؤْيَةَ الْجِدَارِ الْمَسْتُورِ بِالطِّينِ وَنَحْوِهِ لَا تَكْفِي إذْ قَدْ يَكُونُ بَعْضُهُ لَا قِيمَةَ لَهُ أَوْ مُتَسَاقِطًا وَالْقِيمَةُ تَخْتَلِفُ بِذَلِكَ قُلْتُ هَذَا الْبَحْثُ فِي إطْلَاقِهِ نَظَرٌ وَإِنَّمَا يُتَّجَهُ إذَا مَنَعَ نَحْوُ الطِّينِ مِنْ مَعْرِفَةِ مَا هُوَ مَبْنِيٌّ بِهِ هَلْ هُوَ حَجَرٌ أَوْ آجُرٌّ أَوْ لَبِنٌ أَوْ خَشَبٌ أَوْ قَصَبٌ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ حِينَئِذٍ أَمَّا إذَا عُرِفَ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ مِنْ حَجَرٍ مَثَلًا بِأَنْ يُرَى بَعْضُهُ وَرَآهُ قَائِمًا مِنْ غَيْرِ مَيْلٍ أَوْ مَائِلًا وَرَضِيَ بِهِ فَلَا وَجْهَ لِاشْتِرَاطِ إزَالَةِ ذَلِكَ السَّاتِرِ لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ لَا تَخْتَلِفُ بِوُجُودِهِ وَعَدَمِهِ حِينَئِذٍ وَقَوْلُهُ إذْ قَدْ يَكُونُ بَعْضُهُ لَا قِيمَةَ لَهُ أَوْ مُتَسَاقِطًا وَالْقِيمَةُ تَخْتَلِفُ بِذَلِكَ يُرَدُّ بِأَنَّ الْقِيمَةَ. وَإِنْ اخْتَلَفَتْ بِهِ إلَّا أَنَّ رُؤْيَةَ الْجِدَارِ مَسْتُورًا أَوْ مَائِلًا يُعْلَمُ بِهَا مَا فِيهِ مِنْ الْخَلَلِ وَعَدَمِهِ فَلَا يُحْتَاجُ لِإِزَالَةِ سُتْرَتِهِ لِأَنَّهُ إذَا عَلِمَ مَا هُوَ مَبْنِيٌّ بِهِ وَرَآهُ مُسْتَوِيًا أَوْ مَائِلًا لَمْ يَفِدْهُ إزَالَةُ سُتْرَتِهِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا قَبْلَ الْإِزَالَةِ فَلَا وَجْهَ لِاشْتِرَاطِهَا السَّادِسُ قَوْلُ الْكَافِي ضَابِطُ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الرُّؤْيَةُ أَنْ يَرَى مِنْ الْمَبِيعِ مَا يَخْتَلِفُ مُعْظَمُ الْمَالِيَّةِ بِاخْتِلَافِهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ تُعْتَبَرُ الرُّؤْيَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعُرْفِ فَالْعُرْفُ مُطَّرِدٌ فِي صُورَتِنَا بِأَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ فِيهَا غَيْرَ مَا قَدَّمْنَاهُ وَلَا يَتَشَوَّفُونَ قَطُّ إلَى رُؤْيَةِ الْمَنْبَعِ وَلَا إلَى رُؤْيَةِ مَا اسْتَتَرَ مِنْ الْمَجْرَى لِتَعَذُّرِ ذَلِكَ أَوْ تَعَسُّرِهِ كَمَا مَرَّ. السَّابِعُ قَوْلُهُمْ فِي إجَارَةِ الْحَمَّامِ وَالْبَيْعِ مِثْلُهَا فِي اشْتِرَاطِ الرُّؤْيَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ وَجْهَيْ الدَّسْتِ الَّذِي يُسَخَّنُ فِيهِ الْمَاءُ إنْ أَمْكَنَ رُؤْيَتُهُمَا وَإِلَّا كَفَى مَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي صُورَتِنَا أَنَّ مَا لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ لَا يُشْتَرَطُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِسَلْبِ الْإِمْكَانِ فِي عِبَارَتِهِمْ اسْتِحَالَةَ ذَلِكَ بَلْ لُحُوقَ الْمَشَقَّةِ فِيهِ لَوْ اشْتَرَطْنَا رُؤْيَةَ وَجْهَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ غَالِبًا إلَّا بِهَدْمِ بَعْضِ الْبِنَاءِ الَّذِي عَلَى الدَّسْتِ وَفِي هَدْمِهِ مَشَقَّةٌ وَتَغْيِيرٌ لِعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرِ وَكَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَةُ الْمَبِيعِ فِي مَسْأَلَتِنَا إلَّا بِهَدْمِ بَعْضِ الْبِنَاءِ الَّذِي عَلَيْهِ وَفِيهِ مَشَقَّةٌ

وَتَغْيِيرٌ لِعَيْنِهِ فَكَذَلِكَ لَا يُوجِبُونَ فِي صُورَتِنَا لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ وَالتَّغْيِيرَ فِيهَا أَكْثَرُ. (تَتِمَّةٌ) مَرَّ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ وَاحِدٌ مِنْ الشُّرَكَاءِ فِي النَّهْرِ الْأَرْضَ الْمَلُوكَةَ مُطْلَقًا لَمْ يَدْخُلْ الشِّرْبُ فِي الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ مِلْكٌ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ إطْلَاقُ اسْمِ الْمَبِيعِ فَإِنْ قَالَ بِحُقُوقِهَا الدَّاخِلَةِ فِيهَا وَالْمُنْفَصِلَةِ عَنْهَا دَخَلَ قَالَ السُّبْكِيّ وَبَيْعُ حَقِّ الْمَاءِ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى فِي الشَّامِ فَإِنَّ غَالِبَ بُيُوتِهَا لَهَا حُقُوقُ مَاءٍ مِنْ مَجَارٍ وَقُفْزَانٍ تَنْتَهِي إلَى الْأَنْهَارِ الْكِبَارِ فَإِنْ بِيعَتْ الدَّارُ بِحُقُوقِهَا فَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ اُقْتُصِرَ عَلَى بَيْعِ الْمَاءِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَالْوَرَّاقُونَ يَحْتَالُونَ فِي ذَلِكَ فَيَجْعَلُونَ الْمَبِيعَ جُزْءًا مَعْلُومًا مِنْ خَشَبَةٍ يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ وَمَا لَهَا مِنْ الْحُقُوقِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ أَيْضًا لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ النَّهْرِ وَأَيْضًا النَّهْرُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِبَيْتِ الْمَالِ وَلَا لِغَيْرِهِ بَلْ هُوَ مُبَاحٌ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِاشْتِدَادِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى الْمَنْعِ مِنْ إقْطَاعِ مَشَارِعِ الْمَاءِ لِاحْتِيَاجِ النَّاسِ إلَيْهَا. وَمَذْهَبُنَا أَنَّ لِلنَّهْرِ حَرِيمًا وَرَأَيْتُ فِي دِيَارِ مِصْرَ مِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ يَسْتَنْكِرُ الْعَمَائِرَ الَّتِي عَلَى حَافَّتَيْ النِّيلِ وَيَقُولُ لَا يَجُوزُ إحْيَاؤُهَا وَهَذَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ وَإِذَا رَأَيْنَا عِمَارَةً عَلَى حَافَّةِ نَهْرٍ لَا نُغَيِّرُهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا وُضِعَتْ بِحَقٍّ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ مَا عُرِفَ حَالُهُ اهـ وَفِيهِ فَوَائِدُ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْبَابِ وَبِبَعْضِ الْأَبْوَابِ السَّابِقَةِ فَلِذَلِكَ أَخَّرْتُهُ إلَى هُنَا فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فَإِنْ بِيعَتْ الدَّارُ إلَخْ فَإِنَّهُ يُعْلَمُ مِنْهُ مَعَ مَا قَرَّرْته قَبْلَهُ أَوَّلَ التَّتِمَّةِ أَنَّ الْأَرْضَ الْمُسْتَحَقَّةَ لِشِرْبٍ مَمْلُوكٍ مِنْ نَهْرٍ أَوْ عَيْنٍ إذَا بِيعَتْ لَا يَدْخُلُ شِرْبُهَا إلَّا إنْ نُصَّ عَلَيْهِ أَوْ قِيلَ بِحُقُوقِهَا بِخِلَافِ شِرْبِهَا غَيْرِ الْمَمْلُوكِ فَإِنَّهُ يَتْبَعُهَا مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ ذَلِكَ فِي الْبَابِ الْخَامِسِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ لَا يُفِيدُهُ كَلَامُ السُّبْكِيّ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ حُقُوقَ الدَّارِ مِنْ الْمَجَارِي وَالْقَنَوَاتِ الْمَذْكُورَةِ لَا تَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا إلَّا إنْ قَالَ بِحُقُوقِهَا. وَلَيْسَ هَذَا عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِيهِ هَذَا التَّفْصِيلُ عَلَى أَنَّ كَلَامَ السُّبْكِيّ ظَاهِرٌ أَوْ صَرِيحٌ فِي أَنَّ تِلْكَ الْحُقُوقَ لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً وَإِذَا كَانَتْ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ دَخَلَتْ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِحُقُوقِهَا وَقَوْلُهُ وَالْوَرَّاقُونَ يَحْتَالُونَ إلَخْ نَظِيرُهُ احْتِيَالُ الْوَرَّاقِينَ فِي مَكَّةَ عَلَى بَيْعِ الْمَاءِ فَإِنَّهُمْ يَجْعَلُونَ تِلْكَ الْحِيلَةَ السَّابِقَةَ فِي السُّؤَالِ وَهِيَ إيقَاعُ الْبَيْعِ عَلَى جَمِيعِ الْحِصَّةِ السَّقِيَّةِ الَّتِي قَدْرُهَا سَاعَتَانِ مَثَلًا مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا بِمَا لِلْحِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ حَقٍّ إلَخْ مَا مَرَّ لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْن الْحِيلَتَيْنِ أَنَّ حِيلَةَ الشَّامِيِّينَ بَاطِلَةٌ مُطْلَقًا لِمَا قَالَهُ السُّبْكِيّ مِنْ أَنَّ الْجُزْءَ الْمَعْلُومَ مِنْ الْخَشَبَةِ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ مِنْ النَّهْرِ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ النَّهْرِ وَأَنَّ النَّهْرَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ بِخِلَافِ حِيلَةِ الْمَكِّيِّينَ فَإِنَّهَا تَصِحُّ فِي أَحْوَالٍ وَتَبْطُلُ فِي أَحْوَالٍ كَمَا مَرَّتْ لَك كُلُّهَا وَاضِحَةً مُفَصَّلَةً لِأَنَّهُمَا إنْ أَرَادَا بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءًا مَعْلُومًا مِنْ الْقَرَارِ الْمَمْلُوكِ أَوْ كَانَ ذَلِكَ عُرْفَهُمَا انْتَفَى مَا قَالَهُ السُّبْكِيّ مِنْ سَبَبِ الْبُطْلَانِ فِي حِيلَةِ الشَّامِيِّينَ لِأَنَّ الْمَكِّيِّينَ يُرِيدُونَ بِالْقَرَارِ الْمَنْبَعَ وَالْمَجْرَى وَهُمَا مَمْلُوكَانِ. وَالْجُزْءُ الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ الْبَيْعُ مِنْهُمَا مَعْلُومٌ مَضْبُوطٌ وَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالْقَرَارِ الْمَجْرَى وَحْدَهُ أَوْ الْمَنْبَعَ صَحَّ الْبَيْعُ أَيْضًا لِوُقُوعِهِ عَلَى جُزْءٍ مَعْلُومٍ مَضْبُوطٍ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ يَسْتَلْزِمُ مِلْكَ الْمَاءِ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ إنَّمَا يَسْتَلْزِمُ اسْتِحْقَاقَهُ كَمَا مَرَّ ذَلِكَ مَبْسُوطًا وَقَدْ تَقَرَّرَ لَك أَنَّ عُيُونَ الْحِجَازِ مَمْلُوكَةٌ مَنْبَعًا وَمَجْرًى وَأَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهَا وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا غَيْرَ مَرْئِيٍّ فَإِنْ قُلْتَ هَلْ مِنْ حِيلَةِ الْمَكِّيِّينَ صُورَةٌ صَحِيحَةٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ قُلْتُ نَعَمْ بِأَنْ يُرَدُّ الْبَيْعُ عَلَى مَحَلِّ النَّابِعِ وَالْمَجْرَى بِلَفْظٍ لَا إيهَامَ فِيهِ كَ (بِعْتُكَ) قَرَارَ عَيْنِ كَذَا مَنْبَعًا وَمَجْرًى أَوْ مَنْبَعًا فَقَطْ أَوْ مَجْرًى فَقَطْ لَكِنْ إذَا وَقَعَ عَلَى الْمَبِيعِ وَحْدَهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْإِجْرَاءَ فِي الْمَجْرَى الْمَمْلُوكِ وَإِذَا وَقَعَ عَلَى الْمَجْرَى وَحْدَهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ مَاءِ الْمَنْبَعِ الْمَمْلُوكِ فَالْأَحْوَطُ إيقَاعُ الْبَيْعِ عَلَى الْمَنْبَعِ وَالْمَجْرَى مَعًا وَمَرَّ فِي عِبَارَةِ الشَّيْخَيْنِ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَغَيْرِهِ عَنْ الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِيمَا إذَا بَاعَ بِئْرَ الْمَاءِ وَأَطْلَقَ أَوْ بَاعَ دَارًا فِيهَا بِئْرُ مَاءٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ حَتَّى يُشْتَرَطَ أَنَّ الْمَاءَ الظَّاهِرَ لِلْمُشْتَرِي لِئَلَّا يَخْتَلِطَ الْمَاءَانِ. فَإِنْ قُلْتَ يُمْكِنُ أَيْضًا تَمَحُّلُ حِيلَةٍ لِلشَّامِيِّينَ قُلْتُ أَمَّا فِي صُورَةِ السُّبْكِيّ الْمَذْكُورَةِ فَلَا يُمْكِنُ لِأَنَّ تِلْكَ

الباب السابع في حكم القاضي وفيه فصلان

الْخَشَبَةَ لَا حَقَّ لَهَا فِي ذَلِكَ فَلَوْ فُرِضَ صِحَّةُ وُقُوعِ الْبَيْعِ عَلَى جُزْءٍ مَعْلُومٍ مَضْبُوطٍ مِنْهَا لَمْ يُفِدْ اسْتِحْقَاقَ شَيْءٍ مِنْ الْمَاءِ وَلَيْسَ الْقَصْدُ بِالْحِيلَةِ هُنَا مُجَرَّدَ صِحَّةِ الْبَيْعِ بَلْ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ الْمُسْتَلْزِمَ لِمِلْكِ الْمَاءِ أَوْ اسْتِحْقَاقِهِ وَقَدْ عَلِمْتَ اسْتِحَالَةَ هَذَا فِي صُورَةِ السُّبْكِيّ أَمَّا الْمِلْكُ فَلِأَنَّ الْمَاءَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَكَذَلِكَ مَحَلُّهُ لِأَنَّ ذَلِكَ النَّهْرَ مِنْ الْأَنْهَارِ الْعَامَّةِ وَقَدْ مَرَّ فِي عِبَارَةِ الْأَنْوَارِ أَنَّهُ لَا يُمَلَّكُ مُطْلَقًا وَأَمَّا الِاسْتِحْقَاقُ فَلِأَنَّ تِلْكَ الْخَشَبَةَ الَّتِي وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَيْهَا لَا اسْتِحْقَاقَ لَهَا فِي ذَلِكَ النَّهْرِ وَإِنَّمَا الِاسْتِحْقَاقُ لِلدُّورِ فَاتَّضَحَ أَنَّهُ لَا حِيلَةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ. [الْبَابُ السَّابِعُ فِي حُكْمِ الْقَاضِي وَفِيهِ فَصْلَانِ] [الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ وَالْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ] (الْبَابُ السَّابِعُ فِي حُكْمِ الْقَاضِي وَفِيهِ فَصْلَانِ) (الْفَصْلُ الْأَوَّلُ) فِي بَيَانِ الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ وَالْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَمَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِمَا مِنْ الْمَسَائِلِ وَمَا يَسْتَدْعِي أَنَّهُ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ وَالتَّتِمَّاتِ وَالدَّاعِي إلَى هَذَا الْبَابِ أَنَّ بَعْضَ الْمُفْتِينَ السَّابِقِينَ لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِمْ فِي الْمَعْرِفَةِ وَالتَّصَوُّرِ وَاتِّبَاعِهِمْ لَهُ فِي الْخَطَإِ وَالتَّهَوُّرِ زَادَ عَلَيْهِمْ لَمَّا عُذِلَ وَقِيلَ لَهُ كَيْفَ تَقُولُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ مُطْلَقًا وَالْقَاضِي فُلَانٌ قَدْ حَكَمَ بِمُوجِبِهِ وَهُوَ مِنْ الْجَلَالَةِ وَالْعِلْمِ بِالْمَحَلِّ الَّذِي لَا يُنْكَرُ فَقَالَ مُعْتَذِرًا إفْتَائِي بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ مُطْلَقًا لَيْسَ فِيهِ مُعَارَضَةٌ لِحُكْمِ الْحَاكِمِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِمُوجِبِ الْبَيْعِ وَمِنْ مُوجِبِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْفَسَادُ إذْ مَعْنَى الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ الْحُكْمُ بِمُوجِبِ تِلْكَ الصِّيغَةِ مِنْ الْفَسَادِ وَالصِّحَّةِ فَنَحْنُ لَمْ نَنْقُضْ حُكْمَ الْحَاكِمِ الْمَذْكُورَ بَلْ عَلِمْنَاهُ بِقَضِيَّتِهِ وَقَضِيَّتُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْفَسَادُ لِفَسَادِ الصِّيغَةِ فِيهَا اهـ. كَلَامُ هَذَا الْمُفْتِي بِمَعْنَاهُ بِحَسَبِ مَا بَلَغَنِي عَنْهُ وَسَيَتَّضِحُ لَك زَيْفُهُ وَفَسَادُهُ كَيْفَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَنْ تَكَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أُكَابِرْ الْأَصْحَابِ كَشُرَيْحٍ الرُّويَانِيِّ. وَمِنْ أَكَابِرِ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالسُّبْكِيِّ وَالْبُلْقِينِيِّ وَالْوَلِيِّ أَبِي زُرْعَةَ وَسَتَأْتِيكَ الصَّرَائِحُ الْكَثِيرَةُ الشَّهِيرَةُ مِنْ كَلَامِهِمْ بِالرَّدِّ عَلَى هَذَا الْمُفْتِي وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ الْأَغْبِيَاءِ الْجَامِدِينَ عَلَى ظَاهِرِ عِبَارَةٍ وَقَعَتْ فِي نَحْوِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْغَزِّيِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَفْحَصَ عَنْ أَصْلِهَا بَلْ وَلَا فُهِمَتْ عَلَى وَجْهِهَا كَمَا يَتَبَيَّنُ لَك ذَلِكَ كَيْفَ وَشَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا - سَقَى اللَّهُ عَهْدَهُ - مِمَّنْ عَبَّرَ بِهَا وَقَدْ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِمَا يُوَافِقُ كَلَامَ الْأَئِمَّةِ الْمَذْكُورِينَ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجِبِ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الصِّيغَةِ وَسَأُمْلِي عَلَيْك مِنْ ذَلِكَ جُمَلًا مُسْتَكْثِرَة وَإِنْ احْتَاجَ ذَلِكَ إلَى طُولٍ لِأَنَّ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ مُهِمٌّ جِدًّا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ إلَّا الْإِشَارَةُ إلَيْهِ مَعَ شِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَى بَيَانِهِ وَتَحْقِيقِهِ كَيْفَ وَالْحُكَّامُ مِنْ الْمَذَاهِبِ لَمْ يَزَالُوا يَخْتَلِفُونَ فِي مَعْنَى هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا نَقْضًا وَإِبْرَامًا وَآثَارًا وَإِلْزَامًا فَفَرِّغْ ذِهْنَكَ لَعَلَّكَ أَنْ تَفْهَمَ هَذَا الْمَقَامَ وَتَسْلَمَ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ مَنْ غَلَبَهُ هَوَاهُ وَنَفْسُهُ مِنْ الزَّلَلِ وَالْمُلَامِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ يَسْتَدْعِي مُقَدِّمَاتٍ وَلَوَاحِقَ فَلَا يُسْئِمَنَّكَ ذَلِكَ فَإِنَّ فِيهِ فَوَائِدَ فَرِيدَةً وَنَفَائِسَ عَدِيدَةً. فَأَقُولُ الْحُكْمُ لُغَةً الْقَضَاءُ وَالْإِبْرَامُ وَالْإِتْقَانُ وَالْمَنْعُ وَالْإِحَاطَةُ وَاصْطِلَاحًا هُنَا مَا يَصْدُرُ مِنْ مُتَوَلٍّ عُمُومًا وَخُصُوصًا رَاجِعًا إلَى عَامٍّ مِنْ الْإِلْزَامَاتِ السَّابِقَةِ لَهُ فِي الْقَضَاءِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ وَالصِّحَّةُ لُغَةً زَوَالُ الْعِلَّةِ وَاصْطِلَاحًا مُوَافَقَةُ ذِي الْوَجْهَيْنِ الشَّرْعَ وُقُوعًا أَوْ اسْتِتْبَاعُ الْغَايَةِ أَوْ تَرَتُّبُ الْغَرَضِ الْمَطْلُوبِ مِنْ الشَّيْءِ أَوْ الِاعْتِدَادُ بِالشَّيْءِ عَلَى مَا حَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَاخْتَارَ السُّبْكِيّ أَنَّهَا صِفَةٌ لَازِمَةٌ لِلصَّادِرِ مِنْ الْإِنْسَانِ بِمَا يُعْتَبَرُ فِي نَفْيِهِ الْفَسَادُ عَنْهُ قَالَ فَخَرَجَ بِلَازِمَةِ الِاسْتِقْرَاءِ وَاللُّزُومِ وَالْقَبُولِ وَوَقْفِ الْعُقُودِ فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا بِلَازِمٍ لِلصَّادِرِ الْمَذْكُورِ وَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُ وَصْفِ الصِّحَّةِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْإِمَامُ الْمَوْقُوفُ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ الْمِلْكُ لَا الصِّحَّةُ وَخَرَجَ بِالْإِنْسَانِ مَا صَدَرَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ مَلَائِكَتِهِ وَكَذَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فِي التَّشْرِيعِ وَالْإِبْلَاغِ فَلَا يُوصَفُ بِالصِّحَّةِ بَلْ بِالْحَقِّ وَنَحْوِهِ أَوْ مِنْ الْجِنِّ لِأَنَّا لَا نَدْرِي حَالَهُمْ فِي التَّكْلِيفِ أَوْ مِنْ الْبَهَائِمِ فَلَا يُوصَفُ بِصِحَّةٍ وَلَا فَسَادٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِالصِّحَّةِ إلَّا مَا يُمْكِنُ وَصْفُهُ بِالْفَسَادِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ عِبَارَةٌ عَنْ إظْهَارِ الْمُتَوَلِّي قَضَاؤُهُ بِنَحْوِ حَكَمْتُ فِي أَمْرٍ ثَبَتَ عِنْدَ وُجُودِهِ بِشَرَائِطِهِ الْمُمْكِنِ ثُبُوتُهَا أَنَّ ذَلِكَ الْأَمْرَ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ شَرْعًا. وَأَمَّا فِي مُوجَبِ الشَّيْءِ بِفَتْحِ الْجِيم فَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْأَثَرِ

الْمُتَرَتِّب عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ وَحِينَئِذٍ فَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ هُوَ إظْهَارُ الْمُتَوَلِّي قَضَاؤُهُ بِأَمْرٍ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَوْ بِالْإِلْزَامِ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ الْأَمْرِ مِنْهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ شَرْعًا ثُمَّ الْمُوجَبُ مِنْهُ ظَاهِرٌ وَخَفِيٌّ فَإِنْ اسْتَحْضَرَ الْآثَارَ كُلَّهَا وَعَيَّنَهَا فِي حُكْمِهِ فَظَاهِرٌ وَإِلَّا فَكَذَلِكَ عَلَى الْأَرْجَحِ إذَا كَانَ الْحَاكِمُ مُقَلِّدَ الْمَذْهَبِ يَرْتَبِطُ بِهِ فَمَهْمَا كَانَ مُوجِبُهُ فِي ذَلِكَ الْمَذْهَبِ تَنَاوَلَهُ الْحُكْمُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُوجَبَ وَالْمُقْتَضَى مُخْتَلِفَانِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ اتِّحَادَهُمَا إذْ الْمُقْتَضَى لَا يَنْفَكُّ وَالْمُوجَبُ قَدْ يَنْفَكُّ فَالْأَوَّلُ كَانْتِقَالِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي بَعْد لُزُومِ الْبَيْعِ وَالثَّانِي كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَالْمُوجَبُ أَعَمُّ وَأَفْهَمُ التَّعْبِيرِ فِي الْحَدِّ بِالْإِظْهَارِ أَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ إنْشَاءً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الرِّسَالَةِ فِي تَرْجَمَةِ الْحُجَّةِ فِي تَثَبُّتِ خَبَرِ الْوَاحِدِ أَلَا تَرَى قَضَاءَ الْقَاضِي عَلَى الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ إنَّمَا هُوَ خَبَرٌ يُخْبِرُ بِهِ عَنْ بَيِّنَةٍ ثَبَتَتْ عِنْدَهُ أَوْ إقْرَارًا مِنْ خَصْمٍ أَقَرَّ بِهِ عِنْدَهُ فَأَنْفَذَ الْحُكْمَ فِيهِ وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحُكْمَ إخْبَارٌ أَيْ فِيهِ شَائِبَةٌ مِنْهُ لِأَنَّ الْإِنْفَاذَ الَّذِي هُوَ الْإِنْشَاءُ تَضَمَّنَ إخْبَارًا عَنْ مُسْتَنَدِ الْحُكْمِ السَّابِقِ فَمِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ يَكُونُ خَبَرًا لِاحْتِمَالِهِ الصِّدْقَ إنْ وُجِدَ ذَلِكَ الْمُسْتَنَدُ الشَّرْعِيُّ وَالْكَذِبَ إنْ لَمْ يُوجَدْ وَمِنْ حَيْثُ الْإِنْفَاذُ يَكُونُ إنْشَاءً إذْ لَا يَحْتَمِلُ صِدْقًا وَكَذِبًا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ وَالْبُطْلَانِ بِخِلَافِ الْعُقُودِ فَإِنَّهَا مَحْضُ إنْشَاءٍ إذْ لَا تَتَضَمَّنُ الْإِخْبَارَ عَنْ شَيْءٍ سَبَقَ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ تَصَرُّفَ الْقَاضِي بِمُجَرَّدِهِ لَا يَكُونُ حُكْمًا لِأَنَّهُ الْإِلْزَامُ بِشَيْءٍ وَقَعَ وَالْعَقْدُ إلَى الْآنَ لَمْ يَقَعْ بِخِلَافِ تَصَرُّفِهِ فِي قَضِيَّةٍ رُفِعَتْ إلَيْهِ وَطَلَبَ مِنْهَا فَصْلَهَا فَإِنَّهُ حُكْمٌ بِصِحَّةِ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ لِتَضَمُّنِهِ الْإِخْبَارَ عَنْ شَيْءٍ سَبَقَ وَهُوَ اسْتِيفَاءُ تِلْكَ الْقَضِيَّةِ لِشُرُوطِهَا. وَإِنَّمَا لَمْ يَنْظُرُوا إلَى ذَلِكَ فِي مُجَرَّدٍ لِأَنَّهُ لَا قَرِينَةَ عَلَيْهِ ظَاهِرَةٌ وَهُنَا عَلَيْهِ قَرِينَةٌ وَهِيَ رَفْعُ الْقَضِيَّةِ إلَيْهِ وَطَلَبُ فَصْلِهَا مِنْهُ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ قَوْلُهُمْ فِي مَوَاضِعَ إنَّ تَصَرُّفَهُ حُكْمٌ وَقَوْلُهُمْ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى إنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَقَدْ مَرَّتْ مِنِّي إشَارَةٌ إلَيْهِ فِي الْجَوَابِ الْمُخْتَصَرِ السَّابِقِ فِي الْمُقَدِّمَةِ ثُمَّ رَأَيْتُ السُّبْكِيّ قَالَ تَصَرُّفُ الْحَاكِمِ حُكْمٌ قَطْعًا كَالْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَالْمُوجَبِ أَوْ غَيْرُ حُكْمٍ قَطْعًا كَسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ أَوْ فِيهِ تَرَدُّدٌ وَالْأَرْجَحُ أَنَّهُ غَيْرُ حُكْمٍ كَمَا إذَا بَاعَ أَوْ زَوَّجَ وَالْأَرْجَحُ أَنَّهُ حُكْمٌ كَفَسْخِهِ لِنَحْوِ بَيْعٍ بِنَفْسِهِ وَخَرَجَ بِالْقَضَاءِ فِي التَّعْرِيفِ الثُّبُوتُ فَلَيْسَ بِحُكْمٍ بِالثَّابِتِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ خِلَافًا لِمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ حُكْمٌ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى تَعْدِيلِ الْبَيِّنَةِ وَقَبُولِهَا وَجَرَيَانِ ذَلِكَ الْمَشْهُودِ بِهِ حُكْمٌ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِلْزَامِ فَلَا لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْإِلْزَامُ وَفَائِدَةُ الثُّبُوتِ عِنْدَ الْحَاكِمِ عَدَمُ احْتِيَاجِ حَاكِمٍ آخَرَ إلَى النَّظَرِ فِي الْبَيِّنَةِ وَحُكْمُهُ جَوَازُ نَقْلِهِ فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى وَأَمَّا صِحَّةُ ذَلِكَ الْأَمْرِ فَلَا دَلَالَةَ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْحَاكِمَ قَدْ يُثْبِتُ الشَّيْءَ ثُمَّ يَنْظُرُ كَوْنَهُ صَحِيحًا أَوْ بَاطِلًا. وَلِهَذَا اخْتَارَ السُّبْكِيّ التَّفْصِيلَ بَيْنَ أَنْ يُثْبِتَ الْحَقَّ أَوْ السَّبَبَ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِسَبَبِهِ كَقَوْلِهِ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ زَيْدًا وَقَفَ هَذَا فَلَيْسَ بِحُكْمٍ لِأَنَّهُ يُتَوَقَّفُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى نَظَرٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْوَقْفَ صَحِيحٌ أَوْ لَا وَإِنْ ثَبَتَ الْحَقُّ كَقَوْلِهِ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ هَذَا وَقْفٌ عَلَى زَيْدٍ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْحُكْمِ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ آخَرَ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ صُورَةُ الْحُكْمِ فِيهِ وَبِذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّ الْمُدَّعِي لَوْ طَلَبَ فِي الْقِسْمِ الْأَوْلِ مِنْ الْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بِلُزُومِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ حَتَّى يُتِمَّ نَظَرَهُ فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مُنْقَطِعَ الْأَوَّلِ وَفِي الثَّانِي يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَقِّ يَلْزَمُهُ الْحُكْمُ بِهِ قَطْعًا قَالَ وَرُجُوعُ الشُّهُودِ بَعْد الثُّبُوتِ لَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ أَنَّهُ فِي الْقَسْمِ الثَّانِي كَالرُّجُوعِ بَعْد الْحُكْمِ فَلَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ وَفِي الْأَوَّلِ يَمْنَعهُ وَنَقْلُ الثُّبُوتِ فِي الْبَلَدِ فِيهِ خِلَافٌ وَالْمُخْتَارُ عِنْدِي فِي الْقِسْمِ الثَّانِي الْقَطْعُ بِجَوَازِ النَّقْلِ وَتَخْصِيصُ مَحَلِّ الْخِلَافِ بِالْأَوَّلِ وَالْأَوْلَى فِيهِ الْجَوَازُ أَيْضًا وِفَاقًا لِلْإِمَامِ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّهُ حُكْمٌ بِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ. قَالَ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَالثُّبُوتُ الْمُجَرَّدُ جَائِزٌ فِي الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ فَإِذَا أَرَادَ الْحَاكِمُ إبْطَالَ عَقْدٍ فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهِ عِنْدَهُ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ الْحُكْمُ بِإِبْطَالِهِ وَمَعْنَى

الثُّبُوتِ الْمُجَرَّدِ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ ظَهَرَ لِلْحَاكِمِ صِدْقُ الْمُدَّعِي وَيُسْتَثْنَى مِنْ جَوَازِ الثُّبُوتِ قَوْلُ الْجُرْجَانِيِّ لَا يَجُوزُ التَّسْجِيلُ بِالْفِسْقِ لِأَنَّ الْفَاسِقَ يَقْدِرُ عَلَى إسْقَاطِهِ بِالتَّوْبَةِ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَلَعَلَّهُ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فَأَمَّا عِنْدهَا كَإِبْطَالِ نَظَرِهِ فَيَتَّجِهُ الْجَوَازُ وَالتَّوْبَةُ إنَّمَا تَمْنَعُ فِي الْمُسْتَقْبِل لَا الْمَاضِي وَيَجُوزُ التَّنْفِيذُ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى وَحَلِفٍ فِي نَحْوِ مَيْتٍ وَغَائِبٍ وَأَفْهَمَ التَّعْرِيفُ أَنَّ الْقَضَاءَ مُرَادِفٌ لِلْحُكْمِ وَقَدْ يُغَايِرُهُ فَيُطْلَقُ الْقَضَاءُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْإِخْبَارِ وَالْحُكْمُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْإِلْزَامِ وَعَكْسِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ فِي الْوَاقِعَةِ قَضَاءٌ وَإِلْزَامٌ بِهِ وَعُلِمَ مِنْ الْمُمْكِنِ ثُبُوتُهَا السَّابِقُ فِي التَّعْرِيفِ أَنَّ جَمِيعَ الشُّرُوطِ لَا يُعْتَبَرُ ثُبُوتُهَا فِي الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ أَوْ الْمُوجَبِ فَإِنَّ جُمْلَتَهَا فِي الْبَيْعِ مَثَلًا الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ أَوْ التَّسَلُّمِ فَلَا يُكَلَّفُ أَحَدٌ مِنْ الْخَصْمَيْنِ إثْبَاتَ انْتِفَاءِ نَحْوِ الْغَصْبِ وَالرَّهْنِ مِمَّا يُنَافِي تِلْكَ الْقُدْرَةَ لِتَعَذُّرِهِ أَوْ تَعَسُّرِهِ. وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَاشْتِرَاطِ انْحِصَارِ الْإِرْثِ بِأَنَّ هُنَا قَرِينَةً ظَاهِرَةً عَلَى انْتِفَاءِ ذَلِكَ وَهِيَ وُقُوعُ الْبَيْعِ الْمُقْتَضَى عَادَةً وُرُودُهُ عَلَى مَا وُجِدَتْ فِيهِ شَرَائِطُ بِخِلَافِ انْحِصَارِ الْإِرْثِ فَإِنَّهُ لَا قَرِينَةَ عَلَيْهِ ظَاهِرَةٌ وَلَا خَفِيَّةٌ فَاحْتِيجَ لِثُبُوتِهِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ كِتَابَةَ الْمُوَثِّقِينَ طَائِعًا مُخْتَارًا فِي صِحَّتِهِ وَسَلَامَتِهِ لِأَنَّ هَذَا زِيَادَةٌ فِي التَّأْكِيدِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْحُكْمِ بِنَحْوِ بَيْعٍ أَوْ إقْرَارٍ بَلْ يَقْضِي عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ ذِكْرِ ذَلِكَ فَإِنْ ادَّعَى إكْرَاهًا لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِقَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْإِكْرَاهِ وَالْمُعْتَبَرُ غَالِبًا فِي التَّسْجِيلَاتِ بِالْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ فِي الْوَقْفِ وَنَحْوِهِ إثْبَاتُ الْيَدِ وَالْحِيَازَةُ اكْتِفَاءً بِشُهْرَةِ الصَّادِرِ مِنْهُ ذَلِكَ وَرُشْدِهِ وَطَلَبُ الْحُكَّامِ الشُّهُودَ فِي النِّكَاحِ وَخُلُوَّ الزَّوْجَةِ مِنْ الْمَوَانِعِ زِيَادَةُ احْتِيَاطٍ لِلْأَبْضَاعِ قَالَ السُّبْكِيّ وَقَوْلُنَا أَيْ فِي التَّعْرِيفِ السَّابِقِ لِلْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ أَنَّ ذَلِكَ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ هُوَ مَحَطُّ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ بِأَنَّهُ مَرَّ فِي تَعْرِيفِهِ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْإِلْزَامِ بِالْمُتَرَتِّبِ الْعَامِّ أَوْ الْخَاصِّ. فَالْإِلْزَامُ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْخُصُوصِ يَتَضَمَّنُ صِحَّتَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْخَاصِّ لَا مُطْلَقًا وَمِنْ ذَلِكَ يَظْهَرُ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَالْمُوجَبِ فُرُوقٌ أَحَدُهَا أَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ مُنْصَبٌّ إلَى نَفَاذِ ذَلِكَ الصَّادِرِ الثَّانِي أَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِأَحَدٍ وَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ يَخْتَصُّ بِالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِهِ الثَّالِثُ أَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ يَقْتَضِي اسْتِيفَاءَ الشُّرُوطِ وَالْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ إنَّمَا مُقْتَضَاهُ ثُبُوتُ صُدُورِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَالْحُكْمِ عَلَى الْمَصْدَرِ بِمُوجَبِ مَا صَدَرَ مِنْهُ وَلَا يَسْتَدْعِي ذَلِكَ ثُبُوتُ أَنَّهُ مَالِكٌ مَثَلًا وَلَا بَقِيَّةَ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَبِهَذَا صَارَ خَالِصًا لِأَنَّ الْقَصْدَ حِينَئِذٍ الْحُكْمُ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ الْوَاقِفِ مَثَلًا بِمُوجَبِ مَا صَدَرَ مِنْهُ لَا إثْبَاتُ أَنَّهُ مَلَكَهُ إلَى حِينِ الْبَيْعِ أَوْ الْوَقْفِ مَثَلًا وَهَذَا إذَا حَكَمَ الْقَاضِي عَلَى الْبَائِعِ أَوْ الْوَاقِفِ بِمُوجَبِ مَا صَدَرَ مِنْهُ فَأَمَّا إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ أَنَّ هَذَا وَقْفٌ أَوْ هَذَا مَبِيعٌ أَوْ هَذِهِ مَنْكُوحَةُ فُلَانٍ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِمُوجَبِ شَهَادَتِهِمْ وَيَكُونُ ذَلِكَ مُتَضَمِّنًا لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ وَنَحْوِهِ فَلْيَعْرِفْ الْفَقِيهُ الْفَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ بِالصُّدُورِ أَوْ الْمَصْدَرِ أَوْ اسْمِ الْمَفْعُولِ وَلْيَقِسْ عَلَى ذَلِكَ وَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ مُسْتَوْفِيًا لِمَا يُعْتَبَرُ فِي الصِّحَّةِ كَانَ أَقْوَى لِوُجُودِ الْإِلْزَامِ فِيهِ وَتَضَمُّنِهِ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمَانِ كَمَا افْتَرَقَا فِي أُمُورٍ يَجْتَمِعَانِ فِي أُمُورٍ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ. فَإِنْ صَحَّ الصَّادِرُ اتِّفَاقًا فِي مُوجَبِهِ لَمْ يَمْنَعْ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ فِيهِ الْعَمَلَ بِمُوجَبِهِ عِنْد غَيْرِ الْحَاكِمِ بِهَا مِثَالُهُ التَّدْبِيرُ صَحِيحٌ اتِّفَاقًا وَمُوجَبُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيِّ مَنْعُ الْبَيْعِ فَلَوْ حُكِمَ بِصِحَّتِهِ جَازَ لِلشَّافِعِيِّ الْحُكْمُ بِمُوجَبِهِ عِنْدَهُ وَمِنْهُ جَوَازُ الْبَيْعِ أَيْ لِأَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ حُكِمَ بِمُوجَبِهِ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالْبَيْعِ يَمْتَنِعُ عَلَى الشَّافِعِيِّ لِلتَّعَارُضِ حِينَئِذٍ وَمِمَّا يَفْتَرِقَانِ فِيهِ أَنَّ كُلَّ دَعْوَى كَانَ الْمَطْلُوبُ فِيهَا إلْزَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ أَوْ قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ فَالْحُكْمُ فِيهَا حِينَئِذٍ بِالْإِلْزَامِ وَهُوَ الْمُوجَبُ لَا بِالصِّحَّةِ وَلَكِنَّ الْحُكْمَ بِهِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَنَحْوِهِ وَمِنْ ذَلِكَ الْحُكْمُ عَلَى زَانٍ بِمُوجَبِ زِنَاهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ بِالْمُوجَبِ لَا بِالصِّحَّةِ وَهَذَا ضَابِطٌ حَسَنٌ وَالْحُكْمُ بِالْحَبْسِ حُكْمٌ بِالْمُوجَبِ لَا بِالصِّحَّةِ إلَّا إنْ اُخْتُلِفَ فِيهِ وَطُلِبَ الْحُكْمُ

بِهَا بِطَرِيقِهِ وَلَوْ حَكَمَ بِالْمُوجَبِ حِينَئِذٍ كَانَ مُتَضَمِّنًا لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْحَبْسِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَمِمَّا يَفْتَرِقَانِ فِيهِ أَيْضًا أَنَّ الْحُكْمَ بِتَنْفِيذِ الْحُكْمِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ يَكُونُ بِالصِّحَّةِ. وَلَوْ مِنْ مُخَالِفٍ يُجِيزُ التَّنْفِيذَ فِي الْمُخْتَلَفِ فِيهِ لَا بِالْمُوجَبِ إلَّا مِنْ مُوَافِقٍ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ إلْزَامٌ بِذَلِكَ الشَّيْءِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ مِنْ الْمُخَالِفِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُبْتَدِئًا الْحُكْمَ فِيهِ وَلَا يَبْتَدِئُ الْحُكْمَ بِمَا يَرَى غَيْرُهُ أَصْوَبَ مِنْهُ وَوَقَعَ فِي الْأُمِّ نَصَّانِ أَنَّ مَنْ رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمٌ لَا يَرَاهُ وَهُوَ مِمَّا لَا يُنْقَضُ نَصَّ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ أَوْ لَا وَنَصَّ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِهِ وَالْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَالثَّانِي عَلَى الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ وَيَجْتَمِعَانِ فِي أُمُورٍ مِنْهَا أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا لَمْ يُخَالِفْ نَصًّا وَلَا إجْمَاعًا وَلَا قِيَاسًا جَلِيًّا وَإِنَّمَا اسْتَوَيَا فِي عَدَمِ النَّقْضِ لِتَضَمُّنِ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ إمَّا عَامًّا عِنْدَ اسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ أَوْ خَاصًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ نَعَمْ إنْ وَقَعَ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ غَيْرَ مُسْتَوْفٍ لِشُرُوطِ الْحُكْمِ بِهِ جَازَ لِمَنْ لَا يَرَاهُ نَقْضُهُ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ غَيْرُ الْحُكْمِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ فَإِنْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ ذَلِكَ الْحُكْمِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ امْتَنَعَ نَقْضُهُ وَهَذَا تَحْقِيقٌ يَتَعَيَّنُ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَمِنْهَا جَوَازُ نَقْلِهِمَا وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ بِخِلَافِ الْحُكْمِ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَا فِيهِ مِمَّا لَيْسَ هَذَا مَحَلَّ بَسْطِهِ. وَمِنْهَا لَوْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ بِمُوجَبِ إخْرَاجِ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ وَهُوَ سُقُوطُ الْفَرْضِ بِذَلِكَ أَوْ بِصِحَّةِ إخْرَاجِهَا كَانَا سَوَاءً فَيَمْتَنِعُ عَلَى السَّاعِي الْمُخَالِفِ أَنْ يُطَالِبَ الْمَالِكَ بِإِخْرَاجِ غَيْرِ الْقِيمَةِ أَوْ شَافِعِيٌّ لِوَارِثِ نَازَعَهُ وَصِيٌّ فِي الصَّوْمِ وَطَلَبَ إخْرَاجَ طَعَامٍ بَدَلَهُ عَنْ مَيْتٍ بِصِحَّةِ صَوْمِهِ أَوْ بِمُوجَبِهِ امْتَنَعَ عَلَى الْوَصِيِّ إخْرَاجُ الطَّعَامِ وَمُطَالَبَةُ الْوَارِثِ أَوْ حَنْبَلِيٌّ لِمَنْ فَسَخَ حَجَّهُ إلَى الْعُمْرَةِ بِشَرْطِهِ فَلَمْ تُمَكِّنْهُ الزَّوْجَةُ بِصِحَّةِ ذَلِكَ الْفَسْخِ أَوْ بِمُوجَبِهِ فَيَلْزَمُهَا تَمْكِينُهُ وَلَا يَقَعُ الْحُكْمُ بِأَحَدِهِمَا فِي نَحْوِ طَهَارَةٍ اسْتِقْلَالًا بَلْ تَبَعًا كَتَعْلِيقِ عِتْقٍ بِطُهْرٍ مَا فَإِذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ بِمُوجَبِ مَا صَدَرَ مِنْ الْمُعَلَّقِ تَضَمَّنَ ذَلِكَ الْحُكْمَ بِطَهَارَةِ الْمَاءِ وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِعَدَالَةِ مَنْ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ مَعَ مَسِّ فَرْجٍ أَوْ عَدَمِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ مَثَلًا كَانَ مُتَضَمِّنًا لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ وُضُوئِهِ أَوْ صَلَاتِهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْحُكْمُ إقَامَةَ الْجُمُعَةِ فِيهِ فَالْحُكْمُ عَلَى الْمُعَلَّقِ بِقَضِيَّةِ تَعْلِيقِهِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ إقَامَةِ الْجُمُعَة فِيهِ بِالنِّسْبَةِ لِإِلْزَامِ ذَلِكَ الشَّخْصِ لَا مُطْلَقًا وَجَمِيعُ الْأَمْلَاكِ يَدْخُلُهَا الْحُكْمُ وَيَحْكُمُ إذَا اعْتَقَدَ مِلْكًا بِصِحَّةِ مِلْكِهِ. وَيَحْكُمُ بِمُوجَبِ مَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ عَلَى مُعْتَقَدِهِ فَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْحُكْمَانِ وَالْمُعَامَلَاتُ كَالْبَيْعِ بِأَنْوَاعِهِ يَدْخُلُهَا الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ يَتَضَمَّنُ أَشْيَاءَ لَا يَتَضَمَّنُهَا الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ كَالْإِلْزَامِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ إذَا كَانَ الْحَاكِمُ مِمَّنْ لَا يُثْبِتُ خِيَارَ الْمَجْلِسِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ لِغَيْرِهِ نَقْضَهُ وَكَإِلْزَامٍ بِالْإِقْبَاضِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُوجِبُهُ عَقْدُ الْبَيْعِ وَعَلَى هَذَا لَا يَنْتَفِي الْحُكْمُ بِمُوجَبِ الْبَيْعِ مُطْلَقًا عَلَى قَصْدِ الْإِلْزَامِ بِالْإِقْبَاضِ إلَّا إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَا حَبْسَ لِلْبَائِعِ وَيَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِالْمُوجَبِ فِيمَا ذُكِرَ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ لَا مُطْلَقًا لِئَلَّا يَكُونَ مُلْزَمًا بِمَا لَا يَلْزَمُ وَالْحُكَّامُ يَتَسَاهَلُونَ فِي ذَلِكَ وَلَوْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ بِمُوجَبِ بَيْعٍ بَعْدَ ثُبُوتِ مِلْكِ الْبَائِعِ وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حُكْمًا مِنْهُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ بَلْ بِالْمِلْكِ إنْ وَقَعَ بَعْدَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْفَاسِدَ عِنْدَهُ يُفِيدُ الْمِلْكَ وَلَهُ أَنْ يَحْكُمَ هُنَا اسْتِقْلَالًا بِالْمِلْكِ أَوْ بِمُوجَبِ مَا جَرَى لَا بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَلَا بِصِحَّةِ الْقَبْضِ وَجَمِيعُ الْفُسُوخِ يَدْخُلُهَا الْحُكْمَانِ وَكُلُّ يَمِينٍ وَإِلْزَامٍ فِيمَا لَمْ يَقَعْ لَا يُحْكَمُ فِيهِ بِالصِّحَّةِ بَلْ بِمُوجَبِهَا وَهُوَ الْإِلْزَامُ. وَإِذَا حُكِمَ بِمُوجَبِ الْقَرْضِ وَمِنْ عَقِيدَتِهِ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ وَمُنِعَ رُجُوعُ الْمُقْرَضِ فِي عَيْنِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ امْتَنَعَ أَوْ بِصِحَّتِهِ لَمْ يَمْتَنِعْ لِأَنَّ صِحَّتَهُ لَا تُنَافِي الرُّجُوعَ فِيهِ أَوْ بِمُوجَبِ الرَّهْنِ أَوْ الْإِلْزَامِ بِمُقْتَضَاهُ امْتَنَعَ عَلَى الْمُخَالِفِ الْحُكْمُ بِشَيْءٍ مِنْ الْآثَارِ الَّتِي لَا يَقُولُ بِهَا ذَلِكَ الْحَاكِمُ أَوْ بِصِحَّتِهِ لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَى الْمُخَالِفِ ذَلِكَ وَلَا يَدْخُلُ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ حَجْرُ صِبَا أَوْ جُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِهَا إلَّا مَا يَصِحُّ وَصْفُهُ بِالْفَسَادِ وَالْحَجْرُ حُكْمُ الشَّرْعِ وَإِنَّمَا يَدْخُلُهُ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ فَلَوْ دَبَّرَ أَوْ أَوْصَى فَحَكَمَ شَافِعِيٌّ بِمُوجَبِهِ امْتَنَعَ عَلَى غَيْرِهِ الْحُكْمُ بِمَا يُخَالِفُ ذَلِكَ وَلَوْ حَكَمَ مَنْ يَرَى صِحَّةَ تَدْبِيرِهِ

بِمُوجَبِ حَجْرِ الصَّبِيِّ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ تَدْبِيرِهِ وَحَجْرُ الْمَرَضِ يَدْخُلُهُ الْحُكْمُ بِمُوجَبِهِ فِي مَوَاطِنِ الِاخْتِلَافِ فَإِذَا وُجِدَ فَمَنْ يَمْتَنِعُ إقْرَارُهُ لِوَارِثٍ امْتَنَعَ عَلَى الشَّافِعِيِّ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ إقْرَارِهِ لِلْوَارِثِ وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِمُوجَبِ حَجْرِ الْمَرَضِ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْحُكْمَ بِمُوجَبِ إقْرَارِهِ لِلْوَارِثِ فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَى الْمُخَالِفِ إبْطَالُهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَا كَانَ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ لَا مَا كَانَ لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُكْمَ بِمُوجَبِ الْبَيْعِ عَلَى الْبَائِعِ يَتَنَاوَلُ مَا كَانَ عَلَيْهِ دُونَ مَالَهُ مِنْ الْمِلْكِ وَنَحْوِهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَقِسْ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ إقْرَارَهُ لِلْوَارِثِ إنْ تَقَدَّمَ عَلَى الْحُكْمِ فَالْعِلَّةُ فِيهِ مَا ذُكِرَ وَإِنْ تَأَخَّرَ فَالْحُكْمُ لَا يَتَنَاوَلُ التَّصَرُّفَاتِ الْمُتَجَدِّدَةَ. وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْمُوجَبَ الَّذِي هُوَ الْأَثَرُ لَا التَّصَرُّفَ الْجَدِيدَ وَيَدْخُلُ الْحُكْمَانِ أَيْضًا فِي بَقِيَّةِ الْمُعَامَلَاتِ كَالْإِقْرَارِ أَمَّا الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَصِحُّ وَقَدْ يَفْسُدُ فَبِالْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ يَظْهَرُ أَنَّهُ وُجِدَتْ جَمِيعُ شُرُوطِهِ الْمُصَحَّحَةِ لَهُ وَلَوْ كَانَ الْإِقْرَارُ بِبَيْعِ عَيْنٍ فَهَلْ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْمُقَرِّ بِهِ قَالَ الْهَرَوِيُّ لَا يَتَضَمَّنُهُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَالْأَرْجَحُ أَنَّهُ يَتَضَمَّنُهُ لِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ صُدُورُهُ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ وَأَمَّا الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ فَهُوَ تَرَتُّبُ آثَارِهِ عَلَيْهِ الْمُوَافَقَةِ لِعَقِيدَةِ الْحَاكِمِ فَإِذَا حَكَمَ بِمُوجَبِ إقْرَارِ الْوَالِدِ وَمِنْ عَقِيدَتِهِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْحُكْمِ أَوْ أَنَّهُ يَرْجِعُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حُكْمًا لَهُ بِالرُّجُوعِ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ يَقْتَضِي تَرَتُّبَ آثَارِهِ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ دُونَ ثُبُوتِهَا لَهُ هَذَا إلَّا زِيَادَاتٍ فِي خِلَالِهِ مُلَخَّصُ كَلَامِ السُّبْكِيّ فِي كُتُبٍ لَهُ مُسْتَقِلٌّ فِي ذَلِكَ وَلَكِنَّ النُّسْخَةَ الَّتِي رَأَيْتُهَا لَا تَخْلُو مِنْ سَقَمٍ فَلِذَا حَذَفْتُ مِنْهَا كَثِيرًا مَعَ فَهْمِ أَكْثَرِهِ مِمَّا ذَكَرْتُهُ وَفِيهِ الدَّلَالَةُ لَبُطْلَانِ مَا قَدَّمْتُهُ عَنْ ذَلِكَ الْمُفْتِي مِنْ وُجُوهٍ ظَاهِرَةٍ لِمَنْ لَهُ أَدْنَى بَصِيرَةٍ مِنْهَا مَا مَرَّ فِي تَعْرِيفِ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ فَإِنَّهُ قَاضٍ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَصَوَّرْ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ وَإِلَّا لَمْ يُفَسِّرْهُ بِمَا مَرَّ عَنْهُ. وَمِنْهَا قَوْلُهُ فَالْإِلْزَامُ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْخُصُوصِ يَتَضَمَّنُ صِحَّتَهُ إلَخْ وَفِي هَذَا مِنْ الظُّهُورِ عَلَى بُطْلَانِ ذَلِكَ الْإِفْتَاءِ مَا لَا يَخْفَى وَمِنْهَا قَوْلُهُ فَأَمَّا إذَا شَهِدَا عِنْدَهُ أَنَّ هَذَا وَقْفٌ أَوْ هَذَا مَبِيعٌ وَهَذِهِ مَنْكُوحَةُ فُلَانٍ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِمُوجَبِ شَهَادَتِهِمْ وَيَكُونُ ذَلِكَ مُتَضَمِّنًا لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ وَنَحْوِهِ فَلْيَعْرِفْ الْفَقِيهُ إلَخْ وَهَذَا هُوَ صُورَةُ مَسْأَلَتِنَا الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ السَّابِقِ فِي الْمُقَدِّمَةِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ لَا يَحْكُمُ فِيهَا إلَّا بِمُوجَبِ مَا شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ مِنْ الْبَيْعِ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْحُكْمَ بِمُوجَبِ الشَّهَادَةِ حِينَئِذٍ مُتَضَمِّنٌ لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ هَذَا الْخَبَرُ الَّذِي لَمْ يَأْتِ بَعْدَهُ فِي الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ يُدَانِيهِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُسَاوِيَهُ لَوْ فُرِضَ مُخَالَفَتُهُمْ لَهُ فَكَيْفَ وَهُمْ وَافَقُوهُ كَمَا سَتَعْلَمُهُ مِنْ كَلَامِهِمْ الْآتِي وَهَذَا كُلُّهُ يُنْبِئُكَ أَنَّ ذَلِكَ الْمُفْتِي قَدْ بَادَرَ قَبْلَ التَّأَمُّلِ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ بِإِبْرَازِ مَا مَرَّ عَنْهُ أَوَّلَ هَذَا الْبَابِ مِمَّا كَانَ غَنِيًّا مِنْ إبْرَازِهِ فَإِنَّ عَلَيْهِ عَارَهُ وَشَنَارَهُ مَا بَقِيَ هَذَا الْكِتَابُ وَمِنْهَا قَوْلُهُ فَالْحُكْمُ فِيهَا حِينَئِذٍ بِالْإِلْزَامِ وَهُوَ الْمُوجَبُ لَا بِالصِّحَّةِ وَلَكِنَّ الْحُكْمَ بِهِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَنَحْوِهِ. وَمِنْهَا قَوْلُهُ وَلَوْ حَكَمَ بِالْمُوجَبِ حِينَئِذٍ كَانَ مُتَضَمِّنًا لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْحَبْسِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَنَحْوِهِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا اسْتَوَيَا فِي عَدَمِ النَّقْضِ لِتَضَمُّنِ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ إمَّا عَامًّا إلَخْ وَمِنْهَا قَوْلُهُ أَوْ بِمُوجَبِ مَا صَدَرَ مِنْ الْمُعَلِّقِ تَضَمَّنَ ذَلِكَ الْحُكْمَ بِطَهَارَةِ الْمَاءِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ وَيَحْكُمُ بِمُوجَبِ مَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ عَلَى مُعْتَقِدِهِ فَيَسْتَوِي فِيهِ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ وَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ يَتَضَمَّنُ أَشْيَاءَ لَا يَتَضَمَّنُهَا الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ كَالْإِلْزَامِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ إلَخْ فَهَذِهِ كُلُّهَا صَرَائِحُ فِي بُطْلَانِ ذَلِكَ الْإِفْتَاءِ وَمُعْلِنَةٌ بِأَنَّ الْمُفْتِي بِهِ لَمْ يَلْحَظْ فِي ذَلِكَ الْإِفْتَاءِ غَيْرَ حَدَثِهِ وَهَوِيسِهِ وَكَلَامُ السُّبْكِيّ كُلُّهُ نَاطِقٌ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِمُوجَبِ صِيغَةٍ مُتَضَمِّنٌ لِلْحُكْمِ بِصِحَّتِهَا فَتَأَمَّلْهُ وَتَنَبَّهْ لِمَا ذَكَرْتُهُ لَكَ مِنْ تِلْكَ الْوُجُوهِ عَلَى مَا لَمْ أَذْكُرْهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ اقْضِ عَلَى إفْتَاءِ ذَلِكَ الْمُفْتِي بِمَا يَنْشَرِحُ لَهُ صَدْرُكَ وَكَيْفَ يَتَوَهَّمُ مَنْ لَهُ أَدْنَى ذَوْقٍ أَنَّ مَعْنَى الْحُكْمِ بِمُوجَبِ صِيغَةِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ مَعَ حَدِّهِ بِمَا مَرَّ. وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْآثَارَ

بِشَرْطِهَا وَأَنَّهُ يَمْنَعُ الْمُخَالِفَ مِنْ التَّعَرُّضِ لِشَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْآثَارِ وَمَعَ مَا قَرَّرَهُ السُّبْكِيّ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ مَا تُلِيَ عَلَيْكَ فَمَعَ هَذِهِ الصَّرَائِحِ لَا يُفَسِّرُ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ بِمَا مَرَّ عَنْ ذَلِكَ الْمُفْتِي إلَّا مَنْ انْطَمَسَتْ بَصِيرَتُهُ وَفَسَدَتْ طَوِيَّتُهُ أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَافِيَةَ لِي وَلِأَحْبَابِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِمَّا يُبْطِلُ ذَلِكَ الْإِفْتَاءَ أَيْضًا مَا أَفْتَى بِهِ السُّبْكِيّ لَمَّا سُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ وَقَفَتْ دَارًا ذَكَرَتْ أَنَّهَا بِيَدِهَا وَمِلْكُهَا وَتَصَرُّفهَا عَلَى ذُرِّيَّتِهَا وَشَرَطَتْ النَّظَرَ لِنَفْسِهَا ثُمَّ لِوَلَدِهَا وَأَشْهَدَ حَاكِمٌ شَافِعِيٌّ عَلَى نَفْسِهِ بِمُوجَبِ الْإِقْرَارِ الْمَذْكُورِ وَثُبُوتِ ذَلِكَ عِنْدَهُ بِالْحُكْمِ بِهِ وَنَفَّذَهُ شَافِعِيٌّ آخَرُ فَأَرَادَ حَاكِمٌ مَالِكِيُّ الْمَذْهَبِ إبْطَالَ هَذَا الْوَقْفِ بِمُقْتَضَى شَرْطِهَا النَّظَرَ لِنَفْسِهَا وَاسْتِمْرَارَ يَدِهَا عَلَيْهَا وَمُقْتَضَى كَوْنِ الْحَاكِمِ لَمْ يَحْكُمْ بِصِحَّتِهِ وَأَنَّ حُكْمَهُ بِالْمُوجَبِ لَا يَمْنَعُ النَّقْضَ وَأَفْتَاهُ بِمِصْرَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِذَلِكَ تَعَلُّقًا بِمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْهَرَوِيُّ فِي قَوْلِ الْحَاكِمِ صَحَّ وُرُودُ هَذَا الْكِتَابِ عَلَيَّ فَقَبِلْتُهُ قَبُولَ مِثْلِهِ وَأَلْزَمْتُ الْعَمَلَ بِمُوجَبِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ وَصَوَّبَ الرَّافِعِيُّ ذَلِكَ فَقَالَ فِي جَوَابِهِ الصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ سَوَاءٌ اقْتَصَرَ عَلَى الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ أَمْ لَا أَيْ فَإِنْ حَكَمَ بِالصِّحَّةِ فَلَا. وَلَيْسَ هَذَا الْحَصْرُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ فَلَيْسَ مِنْ شُرُوطِ امْتِنَاعِ النَّقْضِ أَنْ يَأْتِيَ الْحَاكِمُ بِلَفْظِ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ قَالَ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ بِمُوجَبِ الْإِقْرَارِ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَصِحَّةِ الْمُقَرّ بِهِ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ فَإِذَا حَكَمَ الْمَالِكِيُّ بِبُطْلَانِ الْوَقْفِ اسْتَلْزَمَ الْحُكْمَ بِبُطْلَانِ الْإِقْرَارِ وَبِبُطْلَانِ الْمُقَرِّ بِهِ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ قَالَ وَلِأَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِيمَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِ بِالصِّحَّةِ مُطْلَقًا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَمَّا الْإِقْرَارُ فَالْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْمُقِرِّ وَالْحُكْمُ بِمُوجَبِهِ كَذَلِكَ قَالَ وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْهَرَوِيِّ فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ مُوجَبِهِ عَائِدٌ عَلَى الْكِتَابِ وَمُوجَبُ الْكِتَابِ صُدُورُ مَا تَضَمَّنَهُ مِنْ إقْرَارٍ أَوْ تَصَرُّفٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَقَبُولُهُ وَإِلْزَامُ الْعَمَلِ بِهِ هُوَ أَنَّهُ لَيْسَ بِزُورٍ وَأَنَّهُ مُثْبَتُ الْحُجَّةِ غَيْرُ مَرْدُودٍ وَمِنْ ثَمَّ يَتَوَقَّفُ الْحُكْمُ بِهَا عَلَى أُمُورٍ أُخَرَ مِنْهَا عَدَمُ مُعَارَضَتِهِ بَيِّنَةً أُخْرَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْهَرَوِيُّ فِي بَقِيَّةِ كَلَامِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ قَالَ الرَّافِعِيُّ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ وَنَحْنُ نُوَافِقُهُ عَلَى ذَلِكَ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ أَمَّا مَسْأَلَتُنَا هَذِهِ فَالْحُكْمُ بِمُوجَبِ الْإِقْرَارِ الَّذِي هُوَ مَضْمُونُ الْكِتَابِ. وَلَمْ يَتَكَلَّمْ الرَّافِعِيُّ وَلَا الْهَرَوِيُّ فِيهِ بِشَيْءٍ فَزَالَ التَّعَلُّقُ بِكَلَامِهِمَا اهـ فَتَأَمَّلْ مَا حَقَّقَهُ هَذَا الْإِمَامُ وَنَقَّحَهُ وَبَيَّنَ بِهِ مُرَادَ الرَّافِعِيِّ وَالْهَرَوِيِّ وَأَنَّ تَمَسُّكَ ذَلِكَ الْمُفْتِي بِكَلَامِهِمَا خَطَأٌ وَأَنَّ انْحِصَارَ امْتِنَاعِ النَّقْضِ فِي الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ لَمْ يُوجَدْ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ وَأَنَّ الْحُكْمَ بِمُوجَبِ الْإِقْرَارِ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَصِحَّةِ الْمُقَرّ بِهِ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ وَأَنَّ الْحُكْمَيْنِ إنَّمَا يَفْتَرِقَانِ فِيمَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِ بِالصِّحَّةِ مُطْلَقًا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَمَّا الْإِقْرَارُ فَالْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْمُقِرِّ وَالْحُكْمُ بِمُوجَبِهِ كَذَلِكَ وَبَعْدَ أَنْ اتَّضَحَ لَك ذَلِكَ تَعَلَّمْ فَسَادَ مَا وَقَعَ لِذَلِكَ الْمُفْتِي السَّابِقِ كُلَّهُ أَوَّلَ هَذَا الْبَابِ إذْ الْحُكْمُ بِمُوجَبِ الْإِقْرَارِ كَمَا اسْتَلْزَمَ الْحُكْمَ بِصِحَّتِهِ مِنْ حَيْثُ الصِّيغَةُ كَذَلِكَ الْحُكْمُ بِمُوجَبِ الْبَيْعِ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِصِحَّتِهِ مِنْ حَيْثُ الصِّيغَةُ وَأَيْضًا فَالْبَيْعُ فِي مَسْأَلَتِنَا كَالْإِقْرَارِ فِي مَسْأَلَةِ السُّبْكِيّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا خَاصَّانِ إذْ الْحُكْمُ فِيهِمَا عَلَى الْمُقِرِّ وَالْبَائِعِ دُونَ كُلِّ أَحَدٍ. وَقَدْ بَيَّنَ السُّبْكِيّ كَمَا عَلِمْتُهُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَمِنْ كَلَامِهِ الَّذِي سُقْتُهُ أَوَّلًا أَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ فِي هَذَا سَوَاءٌ فَتَفَطَّنْ لِذَلِكَ وَاسْتَفِدْهُ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا مِمَّا يَجِبُ أَنْ يُسْتَفَادَ وَأَنْ يَتَوَجَّهَ إلَيْهِ الْمُتَفَقِّهُ بِكُلِّيَّتِهِ لِئَلَّا يَزِلَّ قَدَمُهُ وَيَطْغَى قَلَمُهُ كَمَا وَقَعَ لِذَلِكَ الْمُفْتِي وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ لِإِدْرَاكِ الصَّوَابِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ وَلِلْوَلِيِّ أَبِي زُرْعَةَ الْعِرَاقِيِّ تَصْنِيفٌ حَسَنٌ فِي الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ وَكَلَامُهُ فِيهِ صَرِيحٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَ كِتَابَ السُّبْكِيّ وَلَا إفْتَاءَهُ اللَّذَيْنِ ذَكَرْتُهُمَا لَك مِنْ أَوَّلِ الْبَابِ إلَى هُنَا وَذَلِكَ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ شَيْخِهِ الْبُلْقِينِيُّ فُرُوقًا بَيْنَهُمَا وَهِيَ فِي كَلَامِ السُّبْكِيّ وَسَأُلَخِّصُ تَصْنِيفَهُ وَأُنَبِّهُ عَلَى مَا وَافَقَ فِيهِ السُّبْكِيّ وَمَا خَالَفَهُ وَأُبَيِّنُ مَا فِي كَلَامِهِ مِمَّا يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ الْمُفْتِي وَيُبَيِّنُ بُطْلَانَ كَلَامِهِ قَالَ عَهِدْنَا الْحُكَّامَ عَلَى طَرِيقِهِ فِي الْحُكْمَيْنِ وَهِيَ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ عِنْدَ قِيَامِ بَيِّنَةٍ عَادِلَةٍ بِاسْتِيفَاءِ شُرُوطِ

الْعَقْدِ الْمَحْكُومِ بِهِ وَبِالْمُوجَبِ إذَا لَمْ تَقُمْ بِاسْتِيفَاءِ شُرُوطِهِ فَهُوَ عِنْدَهُمْ أَحَطُّ رُتْبَةً مِنْ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ. وَيُرَدُّ عَلَيْهِمْ أَنَّ عَمَلَهُمْ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ لَا يَزِيدُ عَلَى مُجَرَّدِ الثُّبُوتِ لَكِنْ مَا زَالُوا يَرَوْنَ لَهُ تَمْيِيزًا عَلَى مُجَرَّدِ الثُّبُوتِ وَأَنَّ الرَّاجِحَ فِيمَا لَوْ طَلَبَ جَمْعٌ بِيَدِهِمْ أَرْضٌ مِنْ قَاضٍ قِسْمَتَهَا بَيْنَهُمْ مِنْ غَيْرِ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ عَلَى أَنَّهَا مِلْكُهُمْ لَا يُجِيبُهُمْ قَالَ شَيْخُنَا الْبُلْقِينِيُّ تَخْرُجُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِالْمُوجَبِ بِمُجَرَّدِ اعْتِرَافِهِمَا بِالْبَيْعِ لَا بِمُجَرَّدِ قِيَامِ بَيِّنَةٍ عَلَيْهِمَا بِمَا صَدَرَ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي قِيلَ هُنَا يَأْتِي هُنَاكَ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَكُونُونَ مَالِكِينَ فَيَكُونُ مُتَصَرِّفًا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَأَمَّا الْحُكْمُ فَإِنَّمَا هُوَ فِي تَصَرُّفٍ صَدَرَ مِنْ غَيْرِ الْحَاكِمِ وَرُفِعَ إلَيْهِ فَقَدْ يَحْكُمُ بِصِحَّتِهِ وَقَدْ يَحْكُمُ بِمُوجَبِهِ وَالِاصْطِلَاحُ أَنَّ الْأَوَّلَ يَكُونُ عِنْدَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ بِاسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ وَالثَّانِي يَكُونُ عِنْدَ إهْمَالِ الْبَيِّنَةِ ذَلِكَ فَأَمَّا لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِوُقُوعِهِ عَلَى خِلَافِ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِصِحَّةٍ وَلَا مُوجَبٍ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَلَمْ يَتَصَرَّفْ الْحَاكِمُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بَلْ الْغَيْرُ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ وَالصَّادِرُ مِنْ الْحَاكِمِ حُكْمٌ عَلَى ذَلِكَ التَّصَرُّفِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ امْتِنَاعِ الْحَاكِمِ مِنْ الْقِسْمَةِ هُنَا امْتِنَاعُهُ مِنْ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ الْبَيِّنَةُ بِاسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ لَا يُجِيبُهُمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إجَابَتُهُمْ بَلْ يَجُوزُ لَهُ اهـ وَمَا نَظَرَ بِهِ فِي كَلَامِ شَيْخِهِ وَاضِحٌ فَالْوَجْهُ جَوَازُ الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ بِمُجَرَّدِ الِاعْتِرَافِ وَقِيَامِ الْبَيِّنَةِ الْمَذْكُورَيْنِ وَمَا أَوْرَدَهُ أَوَّلًا عَلَى الْحُكَّامِ وَاضِحٌ أَيْضًا فَالصَّوَابُ كَمَا يَأْتِي أَنَّ لِلْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ تَمَيُّزَاتٍ عَلَى مُجَرَّدِ الثُّبُوتِ وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ فَأَمَّا لَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِوُقُوعِهِ عَلَى خِلَافِ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ فِيهِ بِصِحَّةٍ وَلَا بِمُوجَبٍ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي بُطْلَانِ مَا ابْتَدَعَهُ ذَلِكَ الْمُفْتِي حَيْثُ زَعَمَ أَنَّ مَعْنَى الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ الْحُكْمُ بِمُوجَبِ تِلْكَ الصِّيغَةِ مِنْ الصِّحَّةِ أَوْ الْفَسَادِ وَعَجِيبٌ كَيْفَ سَاغَ لَهُ ابْتِدَاعُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ مَعَ أَنَّ كِتَابَ الْوَلِيِّ الْمَذْكُورَ عِنْدَهُ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِهَذَا وَبِمَا يَأْتِي وَكَأَنَّهُ بَادَرَ لِكِتَابَةِ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ النَّظَرِ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَحْكُمُ بِالْمُوجَبِ وَإِنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ فَسَادُ الصِّيغَةِ أَوْ انْتِفَاءُ الشُّرُوطِ فِي الْعَاقِدِ وَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. وَهَذِهِ زَلَّةٌ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ إلَى اللَّهِ مِنْهَا لِمَا عَلِمْتَ أَنَّ كَلَامَهُمْ صَرِيحٌ فِي إبْطَالِهَا وَتَزْيِيفِهَا قَالَ الْوَلِيُّ وَجَدْتُ لِشَيْخِنَا فُرُوقًا بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ أَبْدَاهَا الْأَوَّلُ أَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ يَنْصَبُّ إلَى إنْفَاذِ ذَلِكَ الصَّادِرِ مِنْ نَحْوِ بَيْعٍ وَوَقْفٍ وَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ يَنْصَبُّ إلَى أَثَرِ ذَلِكَ الصَّادِرِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إذَا انْصَبَّ إلَى مَا ذَكَرَهُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ إنْفَاذُ آثَارِهِ وَكَيْفَ يَنْفُذُ وَلَا تَنْفُذُ آثَارُهُ لَا سِيَّمَا وَالصِّحَّةُ عِنْدَ جَمْعٍ أَصُولِيِّينَ اسْتِتْبَاعُ الْغَايَةِ أَيْ كَوْنُ الشَّيْءِ تَتْبَعُهُ غَايَتُهُ وَيَتَرَتَّبُ وُجُودُهَا عَلَى وُجُودِهِ فَالْحُكْمُ بِهَا حُكْمٌ بِتَرَتُّبِ آثَارِهَا عَلَيْهَا وَكَيْفَ يُقَالُ فِي الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ إنَّهُ يَنْصَبُّ لِلْآثَارِ خَاصَّةً وَكَيْفَ يَثْبُتُ بِدُونِ ثُبُوتِ الْمُؤَثِّرِ لَهَا فَالْحُكْمُ بِثُبُوتِهَا مُتَرَتِّبٌ عَلَى الْحُكْمِ بِثُبُوتِ الْمُؤَثِّرِ بِلَا شَكٍّ فَلَوْلَا صِحَّةُ ذَلِكَ الْعَقْدِ لَمَا حَكَمَ الْقَاضِي بِتَرَتُّبِ آثَارِهِ عَلَيْهِ فَالصَّوَابُ تَضَمُّنُ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ وَإِلَّا لَمَا تَرَتَّبَتْ الْآثَارُ فَالصِّحَّةُ هِيَ الْحُكْمُ الْجَامِعُ لِجَمِيعِ الْآثَارِ وَحِينَئِذٍ فَظَهَرَ اسْتِوَاءُ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ لِأَنَّهُ لَا يَحْكُمُ إلَّا بِمُوجَبِ مَا صَحَّ دُونَ مَا فَسَدَ وَلَا يَصِحُّ الشَّيْءُ وَتَتَخَلَّفُ آثَارُهُ عَنْهُ فَإِذَا حَكَمَ بِالصِّحَّةِ فَقَدْ حَكَمَ بِتَرَتُّبِ آثَارِهِ عَلَيْهِ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ يَتَنَاوَلُ الْآثَارَ بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهَا لِلْإِتْيَانِ بِلَفْظٍ عَامٍّ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ آثَارِهَا فَإِنَّ مُوجَبَ الشَّيْءِ هُوَ مُقْتَضَاهُ وَهُوَ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ كُلَّ مُوجَبٍ بِخِلَافِ لَفْظِ الصِّحَّةِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْآثَارَ بِالتَّضَمُّنِ لَا بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهَا وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ أَعْلَى وَهُوَ بِخِلَافِ الِاصْطِلَاحِ وَكَأَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ إنَّمَا عَلَتْ مَرْتَبَتُهُ عِنْدَهُمْ لِاخْتِصَاصِهِ بِمَا ثَبَتَ فِيهِ مِنْ وُجُودِ الشُّرُوطِ لَكِنْ هَذَا يَرْجِعُ إلَى الِاصْطِلَاحِ فِيمَا أَظُنُّ وَلَا يَظْهَرُ لِلْفَرْقِ الْمَذْكُورِ مَعْنًى مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَصْدُرَ مِنْ حَاكِمٍ حُكْمٌ إلَّا بِحُجَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ إمَّا بِبَيِّنَةٍ وَإِمَّا عِلْمٍ وَإِمَّا إقْرَارِ الْخَصْمِ الَّذِي هُوَ صَاحِبُ الْيَدِ وَإِمَّا الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ وَإِنَّمَا

نَازَعْتُ شَيْخَنَا فِي اسْتِنْبَاطِ هَذَا مِنْ مَسْأَلَةِ الْقِسْمَةِ لَا فِي أَصْلِ الْحُكْمِ فَإِنِّي مُوَافِقٌ عَلَيْهِ فَإِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ فَحَكَمَ بِالصِّحَّةِ فَقَدْ حَكَمَ بِتَرَتُّبِ غَايَتِهِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَنْصِيصٍ عَلَيْهَا لَا بِعُمُومٍ وَلَا بِخُصُوصٍ. وَإِنْ حَكَمَ بِالْمُوجَبِ فَقَدْ أَتَى بِصِيغَةٍ شَامِلَةٍ لِجَمِيعِ أَحْكَامِهِ فَإِنَّ صِيغَةَ الْعُمُومِ فِي تَنَاوُلِهَا لِكُلِّ فَرْدٍ فَرُدَّ كُلِّيَّةً فَكَأَنَّهُ نَصَّ بِذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ آثَارِهِ فَإِنْ قُلْتَ فَهَلْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ جَمِيعُ آثَارِهِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا وَالْمُخْتَلَفِ فِيهَا قُلْتُ أَمَّا الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا فَلَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى حُكْمٍ وَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهَا فَمَا كَانَ مِنْهَا قَدْ جَاءَ وَقْتَ الْحُكْمِ فِيهِ نَفَذَ وَمَا لَمْ يَجِئْ فِيهِ وَقْتَ الْحُكْمِ لَمْ يَنْفُذْ مِثَالُ الْأَوَّلِ أَنْ يَحْكُمَ حَنَفِيٌّ بِمُوجَبِ تَدْبِيرٍ فَمِنْ مُوجَبِهِ عِنْدَهُ مَنْعُ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ فَقَدْ حَكَمَ بِهِ فِي وَقْتِهِ لِأَنَّهُ مَنْعٌ لِلسَّيِّدِ مِنْهُ فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ فَإِذَا أَذِنَ لَهُ شَافِعِيٌّ فِيهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ لِأَنَّ فِيهِ نَقْضًا لِلْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ أَيْضًا الْحُكْمُ بِصِحَّةِ بَيْعِهِ لَوْ وَقَعَ فَإِنَّهُ وَقَعَ بَاطِلًا بِقَضِيَّةِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَمِثَالُ الثَّانِي أَنْ يُعَلِّقَ شَخْصٌ طَلَاقَ أَجْنَبِيَّةٍ عَلَى تَزْوِيجِهِ بِهَا فَيَحْكُمُ مَالِكِيٌّ أَوْ حَنَفِيٌّ بِمُوجَبِهِ فَإِذَا تَزَوَّجَهَا فَبَادَرَ شَافِعِيٌّ وَحَكَمَ بِاسْتِمْرَارِ الْعِصْمَةِ نَفَذَ حُكْمُهُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْحُكْمِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْ وُقُوعَ الطَّلَاقِ لَوْ تَزَوَّجَهَا لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَمْ يَقَعْ إلَى الْآنَ فَكَيْفَ يَحْكُمُ عَلَى مَا لَمْ يَقَعْ. وَالْحُكْمُ إنَّمَا يَكُونُ فِي مُتَحَقِّقٍ فَمَا هَذَا مِنْهُ إلَّا فَتْوَى وَتَسْمِيَتُهُ حُكْمًا جَهْلٌ أَوْ تَجَوُّزٌ يَعْنِي بِهِ حُكْمَ الشَّرْعِ عِنْدَهُ أَنَّهُ نَبَّهَ وَأَلْزَمَ بِهِ وَكَيْفَ يُلْزِمُ بِمَا لَمْ يَقَعْ وَمِمَّا يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْتِ بِصِيغَةِ عُمُومٍ وَهُوَ الْمُوجَبُ بَلْ حَكَمَ بِهَذِهِ الْجُزْئِيَّةِ الْخَاصَّةِ فَقَالَ حَكَمْتُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ إنْ تَزَوَّجَهَا لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا وَعُدَّ سَفَهًا وَجَهْلًا وَكَيْفَ يَحْكُمُ بِشَيْءٍ قَبْلَ وُقُوعِهِ كَبَيْعِ هَذَا أَوْ نِكَاحِ هَذِهِ لَوْ وَقَعَ بِشَرْطِهِ بِخِلَافِ مَا مَرَّ عَنْ الْحَنَفِيِّ فِي الْمُدَبَّرِ فَإِنَّهُ وَقَعَ فِي وَقْتِهِ فَافْهَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ حَسَنٌ وَقَعَ بِسَبَبِ عَدَمِ تَدَبُّرِهِ خَبْطٌ فِي الْأَحْكَامِ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ تَوْجِيهَ الْحُكْمِ إلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِهَا مُحَالٌ وَالْحُكْمُ بِمَنْعِ التَّزْوِيجِ بِهَا أَفْسَدُ مِنْهُ فَإِنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ بِلَا تَوَقُّفٍ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي الْوُقُوعِ بَعْدَهُ وَلَا يُدْرَى هَلْ يَقَعُ نِكَاحٌ أَوْ لَا فَلَا يُمْكِنُ تَوْجِيهُ الْحُكْمِ إلَى مَنْعِ النِّكَاحِ وَلَا إلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي عِصْمَةٍ لَا يُدْرَى هَلْ تَقَعُ فِي الْوُجُودِ وَالْوَاقِعِ قَبْلَ النِّكَاحِ التَّعْلِيقُ وَهُوَ غَيْرُ مُوقَعٍ فِي الْحَالِ فَكَيْفَ يَحْكُمُ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يُوجَدْ بِشَيْءٍ لَمْ يَقَعْ وَقِسْ عَلَى هَذَيْنِ بَقِيَّةَ الْأَمْثِلَةِ فَقَدْ عَرَفْتَ الْفَرْقَ الَّذِي أَوْجَبَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا اهـ. وَالْفَرْقُ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ هُوَ عَيْنُ الْفَرْقِ الْأَوَّلِ السَّابِقِ فِي كَلَامِ السُّبْكِيّ وَمُرَادُهُمَا أَعْنِي السُّبْكِيّ وَالْبُلْقِينِيَّ بِهَذَا الْفَرْقِ الَّذِي قَالَاهُ مَا ذَكَرَهُ الْوَلِيُّ بِقَوْلِهِ وَالتَّحْقِيقُ إلَخْ وَقَوْلُهُ فَالصَّوَابُ تَضَمُّنُ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ إلَخْ هُوَ عَيْنُ قَوْلِ السُّبْكِيّ وَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ مُسْتَوْفِيًا لِمَا يُعْتَبَرُ فِي الصِّحَّةِ كَانَ أَقْوَى إلَخْ وَمَا ذَكَرَهُ فِي صُورَةِ التَّدْبِيرِ مَرَّ بِعَيْنِهِ فِي كَلَامِ السُّبْكِيّ وَقَوْلُهُ فَإِنَّ مُوجَبَ الشَّيْءِ هُوَ مُقْتَضَاهُ تَبِعَ فِيهِ بَعْضَهُمْ وَقَدْ مَرَّ عَنْ السُّبْكِيّ أَنَّ الْمُوجَبَ أَعَمُّ ثُمَّ رَأَيْتُهُ تَعَقَّبَ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي حِكَايَتُهُ عَنْهُ ثُمَّ إذَا تَأَمَّلْتَ كَلَامَ الْوَلِيِّ هَذَا الْمَأْخُوذَ أَكْثَرُهُ مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ السَّابِقِ كَمَا أَشَرْتُ لَكَ إلَى ذَلِكَ وَجَدْتَهُ صَرِيحًا فِي بُطْلَانِ مَا مَرَّ عَنْ ذَلِكَ الْمُفْتِي سِيَّمَا قَوْلُهُ فَلَوْلَا صِحَّةُ ذَلِكَ الْعَقْدِ لَمَا حَكَمَ الْقَاضِي بِتَرَتُّبِ آثَارِهِ عَلَيْهِ فَالصَّوَابُ تَضَمُّنُ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ وَإِلَّا لَمَا تَرَتَّبَتْ الْآثَارُ إلَخْ فَانْظُرْ ذَلِكَ وَتَعَجَّبْ مِمَّنْ يُخَالِفُ كَلَامَ الْأَئِمَّةِ إيثَارًا لِهَوَاهُ وَحَظِّهِ. قَالَ الْوَلِيُّ الْفَرْقُ الثَّانِي بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ أَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِأَحَدٍ وَالْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ يَخْتَصُّ بِالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا فَإِنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ لَوْ مَاتَ قَبْلَ حُكْمِ حَاكِمٍ بِصِحَّتِهِ أَوْ بُطْلَانِهِ فَأَرَادَ أَحَدُ وَرَثَتِهِ بَيْعَهُ فَمَنَعَهُ حَنَفِيٌّ وَحَكَمَ بِمُوجَبِ الْوَقْفِ لَمْ يَخْتَصَّ بِهِ بَلْ لَوْ أَرَادَ وَارِثٌ آخَرُ بَيْعَ حِصَّتِهِ امْتَنَعَ وَكَيْفَ يَسُوغ لَهُ بَعْدَ حُكْمِ الْحَنَفِيِّ بِمُوجَبِهِ وَلَوْ كَانَ الْحَاكِمُ بِالْمُوجَبِ شَافِعِيًّا جَازَ لِلْوَارِثِ الثَّانِي الْبَيْعُ وَلَمْ يَجُزْ لِلْحَنَفِيِّ مَنْعُهُ مَعَ حُكْمِ الشَّافِعِيِّ السَّابِقِ اهـ وَهَذَا الْفَرْقُ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ شَيْخِهِ هُوَ عَيْنُ الْفَرْقِ الثَّانِي السَّابِقِ فِي كَلَامِ السُّبْكِيّ السَّابِقِ وَيُجَابُ عَنْ نَظَرِهِ هَذَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ الِاخْتِصَاصِ فِي الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلْزَامٌ لِأَحَدٍ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ بِخِلَافِ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ فَإِنَّ فِيهِ إلْزَامًا لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ

دُونَ غَيْرِهِ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ الْأَمْرِ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ تَعْرِيفِهِمَا السَّابِقَيْنِ عَنْ السُّبْكِيّ وَقَدْ بَسَطَ السُّبْكِيّ الْكَلَامَ عَلَى الْفَرْقِ الثَّالِثِ السَّابِقِ عَنْهُ بِمَا يُعْلَمُ مِنْهُ جَوَابٌ آخَرُ فَرَاجِعْهُ قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ عَنْ شَيْخِهِ. الْفَرْقُ الثَّالِثُ أَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ يَقْتَضِي اسْتِيفَاءَ الشُّرُوطِ وَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ لَا يَقْتَضِي اسْتِيفَاءَهَا دَائِمًا وَمُقْتَضَاهُ صُدُورُ ذَلِكَ الْحُكْمِ عَنْ الْمَصْدَرِ بِمُوجَبِ مَا صَدَرَ عَنْهُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ قَدَّمْتُ عَنْ شَيْخِنَا الْمَذْكُورِ أَنَّهُ اسْتَنْبَطَ مِنْ مَسْأَلَةِ امْتِنَاعِ الْقَاضِي مِنْ الْقِسْمَةِ فِيمَا إذَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ مِلْكُ طَالِبِيهَا أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَقَعُ بِصِحَّةٍ وَلَا بِمُوجَبٍ إلَّا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ وَهَذَا الْفَرْقُ الَّذِي يَعْمَلُ بِهِ النَّاسُ الْآنَ وَفِيهِ مَا قَدَّمْتُهُ ثُمَّ إنَّ فِي تَعْبِيرِ الشَّيْخِ عَنْ هَذَا الْفَرْقِ نَظَرًا فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَبِّرَ بِأَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى ثُبُوتِ أَنَّ الْمُتَعَاطِيَ لِذَلِكَ التَّصَرُّفِ اسْتَوْفَى الْمَشْرُوطَ فِيهِ فَإِذَا وَقَعَ لِلْقَاضِي بَيْعٌ لَا يَحْكُمُ بِصِحَّتِهِ حَتَّى يُثْبِتَ شُرُوطَ الْبَيْعِ مِنْ كَوْنِ الْمَبِيعِ طَاهِرًا مُنْتَفَعًا بِهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسَلُّمِهِ مَمْلُوكًا لِلْعَاقِدَيْنِ أَوْ لِمَنْ وَقَعَ لَهُ الْعَقْدُ مَعْلُومًا بِخِلَافِ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ اسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ وَلَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ يَكُونُ حُكْمُ الْقَاضِي بِثُبُوتِ جَمِيعِ الْآثَارِ ثَابِتًا إذَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الْعَاقِدَ اسْتَوْفَى الشُّرُوطَ وَمَنْفِيًّا فِيمَا إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ اسْتَوْفَى الشُّرُوطَ وَهَذَا مِمَّا لَا يُعْقَلُ اهـ. وَهَذَا الْفَرْقُ الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ شَيْخِهِ هُوَ عَيْنُ الْفَرْقِ الثَّالِثِ السَّابِقِ فِي كَلَامِ السُّبْكِيّ وَتَنْظِيرُهُ فِيهِ بِمَا ذَكَرَهُ يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ فَإِنَّهُ بَسَطَ الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ بِمَا وَضَّحَهُ فَتَأَمَّلْهُ سِيَّمَا قَوْلُهُ وَهَذَا إذَا حَكَمَ الْقَاضِي عَلَى الْبَائِعِ أَوْ الْوَاقِفِ بِمُوجَبِ مَا صَدَرَ مِنْهُ إلَخْ وَقَوْلُ الْوَلِيِّ مِنْ كَوْنِ الْمَبِيعِ ظَاهِرًا إلَخْ مَرَّ عَنْ السُّبْكِيّ مَا قَدْ يُنَافِيهِ فَإِنَّهُ قَيَّدَ فِي تَعْرِيفِ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ الشُّرُوطَ بِالْمُمْكِنِ ثُبُوتُهَا ثُمَّ قَالَ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ جَمِيعَ الشُّرُوطِ لَا يُعْتَبَرُ ثُبُوتُهَا فِي الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ أَوْ الْمُوجَبِ فَإِنَّ مِنْ جُمْلَتِهَا فِي الْمَبِيعِ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّسْلِيمِ إلَخْ وَقَدْ يُجَابُ بِعَدَمِ الْمُنَافَاةِ لِأَنَّ كَلَامَ الْوَلِيِّ فِي إثْبَاتِ نَحْوِ الْقُدْرَةِ وَكَلَامَ السُّبْكِيّ فِي إثْبَاتِ انْتِفَاءِ مُنَافِيهَا فَإِثْبَاتُ مُجَرَّدِ الْقُدْرَةِ شَرْطٌ دُون إثْبَاتِ انْتِفَاءِ مُنَافِيهَا وَحَاصِلُ هَذَا الْمَبْحَثِ أَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ثُبُوتِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَهْلِيَّةِ الْعَاقِدَيْنِ وَوُجُودِ الصِّيغَةِ الْمُعْتَبَرَةِ عِنْدَهُ وَالْمِلْكِ وَالْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ يَكْفِي فِيهِ ثُبُوتُ الْأَوَّلَيْنِ ذَكَرَهُ السُّبْكِيّ وَقَدَّمْتُهُ فِي الْجَوَابِ الْمُخْتَصَرِ السَّابِقِ فِي الْمُقَدِّمَةِ. وَبِالثَّالِثِ صَرَّحَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ فَقَالَ يُشْتَرَطُ ثُبُوتُ مِلْكِ الْمُتَصَرِّفِ وَحِيَازَتِهِ تَحْتَ يَدِهِ حَالَ الْعَقْدِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ بَيْعِ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ رَهْنٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَمَّا الْإِقْرَارُ فَلَا يَتَوَقَّفُ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ إلَّا عَلَى ثُبُوتِ الْيَدِ فَقَطْ لِلْمُقِرِّ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ لَهُ يُنَافِي الْإِقْرَارَ وَيُبْطِلُهُ فَإِنْ انْضَمَّ إلَى ثُبُوتِ يَدِ الْمُقِرِّ حَالَةَ الْإِقْرَارِ ثُبُوتُ الْمِلْكِ لِلْمَقَرِّ لَهُ جَازَ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَبِالْمِلْكِ لِلْمَقَرِّ لَهُ وَصَرَّحَ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ لِزَيْدٍ جَازَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالْمُوجَبِ لَا بِالصِّحَّةِ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ يَكْفِي لِلْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ ثُبُوتُ الْحِيَازَةِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لَكِنْ بِشَرْطِهَا أَيْ الْحِيَازَةِ وَهِيَ مُشَاهَدَةُ التَّصَرُّفِ مَعَ طُولِ الْمُدَّةِ وَعَدَمِ الْمُنَازِعِ وَبِمَا قَرَّرْته أَوَّلًا يُجَابُ عَنْ قَوْلِ الْوَلِيِّ وَلَيْتَ شِعْرِي إلَخْ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ إنَّمَا اُشْتُرِطَتْ فِيهِ الثَّلَاثَةُ لِأَنَّ الصِّحَّةَ الْمُتَوَقِّفَةَ عَلَيْهَا هِيَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ فَاحْتِيجَ فِيهَا لِإِثْبَاتِ شُرُوطِهَا بِخِلَافِهَا فِي الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ فَإِنَّهَا مَقْصُودَةٌ بِالتَّضَمُّنِ كَمَا مَرَّ فَاحْتِيجَ فِيهِ إلَى إثْبَاتِ الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ دُونَ الثَّالِثِ لِمَا مَرَّ عَنْ السُّبْكِيّ أَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلَى إلْزَامِ نَحْوِ الْبَائِعِ بِمُوجَبِ مَا صَدَرَ عَنْهُ لَا إلَى إثْبَاتِ أَنَّهُ مِلْكُهُ إلَى حِينِ نَحْوِ الْبَيْعِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَبِهِ تَزُولُ الِاسْتِحَالَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْوَلِيُّ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الْوَلِيَّ وَالْبُلْقِينِيَّ وَالسُّبْكِيَّ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ الْأَوَّلَيْنِ فِي الْحُكْمَيْنِ وَاخْتَلَفُوا فِي الثَّالِثِ فَالْأَوَّلُ يَشْتَرِطُهُ وَالْأَخِيرَانِ لَا يَشْتَرِطَانِهِ وَبِهَذَا يَزِيدُ لَكَ اتِّضَاحُ مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ بُطْلَانِ مَا ابْتَدَعَهُ عَنْهُ ذَلِكَ الْمُفْتِي مِنْ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَلَقَدْ زَادَ التَّعَجُّبُ مِنْهُ فِي عَدَمِ مُرَاجَعَتِهِ لِكِتَابِ الْوَلِيِّ مَعَ كَوْنِهِ عِنْدَهُ وَلِكَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ وَالسُّبْكِيِّ بَلْ وَلِكَلَامِ بَعْضِ مَشَايِخِهِ أَوْ مَنْ هُوَ فِي رُتْبَةِ مَشَايِخِهِ حَيْثُ قَالَ لِلْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ شَرْطَانِ: الْأَوَّلُ ثُبُوتُ وُجُودِ الصِّيغَةِ الْمُعْتَبَرَةِ عِنْدَهُ

وَمَعْنَاهُ إنْ كَانَ مَالِكًا فَتَصَرُّفُهُ هَذَا صَحِيحٌ فَكَأَنَّهُ حَكَمَ بِصِحَّةِ تِلْكَ الصِّيغَةِ الصَّادِرَةَ مِنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ وَهُوَ نَافِعٌ فِي الصُّوَرِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا اهـ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِ شَيْخِنَا فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ أَحَدُهَا ثُبُوتُ أَهْلِيَّةِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِشُهْرَتِهِمَا أَوْ بِالْبَيِّنَةِ وَيَكْفِي فِي ثُبُوتِهَا قَبُولُ الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ جَائِزُ التَّصَرُّفِ ثَانِيهَا وُجُودُ الصِّيغَةِ الْمُعْتَبَرَةِ ثَالِثُهَا ثُبُوتُ الْمِلْكِ وَالْيَدِ حَالَةَ الْعَقْدِ نَعَمْ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ بَلْ عَلَى ثُبُوتِ الْيَدِ خَاصَّةً لِلْمُقِرِّ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْمِلْكِ لَهُ يُنَافِي الْإِقْرَارَ وَأَمَّا الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ فَلَهُ شَرْطَانِ ثُبُوتُ الْأَهْلِيَّةِ وَوُجُودُ الصِّيغَةِ فَالْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ أَخَصُّ مِنْ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ فَكُلُّ مَا جَازَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ فِيهِ بِالصِّحَّةِ جَازَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِ بِالْمُوجَبِ وَلَا عَكْسَ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ بِيَدِ غَيْرِهِ لِزَيْدٍ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهِ بِالْمُوجَبِ لَا بِالصِّحَّةِ فَقَوْلُ السُّبْكِيّ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ حُكْمٌ بِالصِّحَّةِ إلَّا أَنَّهُ دُونَهُ فِي الرُّتْبَةِ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْحُكْمُ بِهِ حُكْمٌ بِمَا تَقْتَضِيهِ الْبَيِّنَةُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَصَحِيحٌ أَوْ فَاسِدًا فَفَاسِدٌ اهـ فَمَعْنَى قَوْلِهِ إنْ كَانَ صَحِيحًا إلَخْ أَنَّهُ إنْ بَانَ وُجُودُ الشَّرْطِ الثَّالِثِ الْمُشْتَرَطِ فِي الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ فَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ صَحِيحٌ بَلْ وَأَقْوَى مِنْ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ. وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ الشَّرْطُ فَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ فَاسِدٌ إذْ لَا يُمْكِنُ تَرَتُّبُ الْآثَارِ مَعَ انْتِفَاءِ الْمِلْكِ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الصِّيغَةِ دُونَ الْمِلْكِ لِمَا مَرَّ عَنْ السُّبْكِيّ أَنَّهُ إلْزَام الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِمَا عَلَيْهِ وَأَمَّا مَا لَهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ إلْزَامُهُ بِهِ وَإِذَا لَمْ يُتَصَوَّرْ إلْزَامُهُ بِهِ فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ لِمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ الْإِلْزَامُ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ الْأَمْرِ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ فِي تَعْرِيفِهِ وَلَقَدْ صَرَّحَ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ وَنَاهِيكَ بِهِ مِنْ أَجِلَّاءِ الْأَصْحَابِ وَمُتَقَدِّمِيهِمْ بِمَا قَالَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ تِلْكَ الصِّيغَةِ حَيْثُ قَالَ لَوْ أَقَرَّ شَخْصٌ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي بِحَقٍّ فَقَالَ لَهُ أَلْزَمْتُكَ بِمُوجَبِ إقْرَارِكَ قِيلَ لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّ الْحَقَّ وَاجِبٌ قَبْلَ إقْرَارِهِ وَقِيلَ بَلْ لَهُ فَائِدَةٌ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يَكُونُ مُخْتَلَفًا فِي صِحَّتِهِ فَإِذَا أَلْزَمَهُ بِهِ كَانَ حُكْمًا بِصِحَّتِهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مُكْرَهًا عَلَى إقْرَارِهِ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ بَعْدَ الْإِلْزَامِ اهـ. وَإِذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ الْإِلْزَامِ فَلَوْ أُلْزِمَ بَعْد غَيْبَةِ الْمُقِرِّ كَانَ كَالْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ اهـ. وَوَجْهُ دَلَالَتِهِ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ التَّعْلِيلَ إنَّمَا يَكُونُ بِمُتَّفَقٍ عَلَيْهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَكِنْ غَالِبًا وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إلَخْ دَالٌّ عَلَى الِاتِّفَاقِ عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ صَرِيحَةٌ فِيمَا قُلْنَا فَإِنْ قُلْتَ فَلِمَ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ فِي عِلَّةِ الْأَوَّلِ قُلْتُ عِلَّةُ الْأَوَّلِ صَحِيحَةٌ أَيْضًا إلَّا أَنَّهَا لَا يَنْتُجُ مِنْهَا عَدَمُ الْفَائِدَةِ الَّتِي ادَّعَاهَا الْقَائِلُ الْأَوَّلُ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ لَهَا فَائِدَةً أَيَّ فَائِدَةٍ وَلَوْلَا الِاتِّفَاقُ عَلَى تِلْكَ الْفَائِدَةِ لَمْ يَقُلْ بِهَا الثَّانِي وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ خِلَافِ الْغَالِبِ عَلَى أَنَّ هَذَا التَّوَهُّمَ مَدْفُوعٌ أَيْضًا بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْغَالِبِ بِأَنْ يُحْتَجَّ بِهِ حَتَّى يُعْلَمَ خُرُوجُ ذَلِكَ الشَّيْءِ مِنْ ذَلِكَ الْغَالِبِ وَأَمَّا تَنْظِيرُ شَيْخِنَا فِي كَلَامِ السُّبْكِيّ الْمَذْكُورِ فَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَ الشَّيْخِ بَلْ الْحُكْمُ حُكْمٌ بِمَا تَقْتَضِيهِ الْبَيِّنَةُ فِيهِ إلَخْ مَرَّ عَنْ السُّبْكِيّ مَا يُصَرِّحُ بِهِ فَالسُّبْكِيُّ لَا يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ وَمَعْنَى قَوْلِهِ إنَّ عَلَى فَرْضِ وُجُودِ شَرْطِ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ فِي الْبَاطِنِ وَإِلَّا فَالسُّبْكِيُّ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ شَرْطَ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَةُ وَبِالْمُوجَبِ الْأَوَّلَانِ مِنْهَا فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ بِالِاسْتِلْزَامِ مَعْنَاهُ مَا ذَكَرْتُهُ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ إنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ أَعْلَى مَرْتَبَةً مِنْ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِمَا قَرَّرْته مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ لَا يُحْتَمَلُ عَلَى فَرْضِ صِدْقِ الْبَيِّنَةِ وَالْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ يَحْتَمِلُهُ وَإِنْ فُرِضَ صِدْقُ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ شَهَادَتُهَا بِالْمِلْكِ فَعَلَى فَرْضِ صِدْقِهَا يُحْتَمَلُ انْتِفَاءُ الْمِلْكِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ فَاسِدًا وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَلَا دَلَالَةَ لِذَلِكَ الْمُفْتِي فِي كَلَامِ شَيْخِنَا هَذَا لِمَا صَرَّحَ بِهِ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ يُشْتَرَط فِيهِ الشَّرْطَانِ السَّابِقَانِ وَمِنْ جُمْلَتِهِمَا وُجُودُ الصِّيغَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فَإِنْ قُلْتَ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْمُعْتَبَرَةِ قُلْتُ

أَلْ فِيهَا لِلْعَهْدِ الذِّكْرَى لِسَبْقِ لَفْظِهَا مُقَيَّدًا بِالْمُعْتَبَرَةِ فَلَمْ يَحْتَجْ لِلتَّقْيِيدِ بِهِ فِي هَذِهِ لِعِلْمِهِ مِنْ أَلْ الْعَهْدِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي شَرْحِهِ لِلرَّوْضِ فَقَالَ مَعْنَى الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ أَنَّهُ إنْ ثَبَتَ الْمِلْكُ صَحَّ فَكَأَنَّهُ حُكْمٌ بِصِحَّةِ الصِّيغَةِ اهـ فَتَأَمَّلْ عِبَارَتَهُ هَذِهِ تَجِدْهَا صَرِيحَةً فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْتُهُ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ غَيْرُ الشَّيْخِ أَيْضًا مِنْ السُّبْكِيّ وَجَمْعٍ آخَرِينَ فَقَالُوا شَرْطُ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ وُجُودُ الصِّيغَةِ الْمُعْتَبَرَةِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ الْإِلْزَامُ بِتَرَتُّبِ الْآثَارِ الصَّحِيحَةِ لِذَلِكَ الْعَقْدِ إلَّا إنْ صَحَّتْ صِيغَتُهُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ تَعْلَمْ فَسَادَ أَخْذِ ذَلِكَ الْمُفْتِي مَا مَرَّ عَنْهُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّيْخِ السَّابِقَةِ عَنْ أَدَبِ الْقَضَاءِ. فَإِنَّ الْعِبَارَاتِ فِي هَذَا الْمَبْحَثِ جَمِيعَهَا قَدْ تُلِيَتْ عَلَيْكَ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَا أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْأَئِمَّةِ لَهُ كَلَامٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ غَيْرُ مَا ذَكَرْتُهُ وَمَا سَأَذْكُرُهُ وَكُلُّهُ صَرِيحٌ فِي الرَّدِّ عَلَى ذَلِكَ الْمُفْتِي وَيَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَهُ ذَلِكَ الْمُفْتِي أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ مُرَادِفٌ لِلثُّبُوتِ الْمُجَرَّدِ وَهُوَ خَرْقٌ لِإِجْمَاعِ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَوَجْهُ اسْتِلْزَامِهِ ذَلِكَ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ صِحَّةُ الصِّيغَةِ كَانَ هُوَ عَيْنَ الثُّبُوتِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ فِي مَبْحَثِ الثُّبُوتِ الْمُجَرَّدِ أَوَائِلَ هَذَا الْبَابِ. قَالَ الْوَلِيُّ عَنْ شَيْخِهِ الْفَرْقُ الرَّابِعُ أَنَّهُ إذَا كَانَ الصَّادِرُ صَحِيحًا بِاتِّفَاقٍ وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِي مُوجَبِهِ فَالْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْعَمَلِ بِمُوجَبِهِ عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ بِالصِّحَّةِ وَلَوْ حَكَمَ فِيهِ بِالْمُوجَبِ امْتَنَعَ الْعَمَلُ بِمُوجَبِهِ عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ بِالْمُوجَبِ وَلَا بَأْسَ بِهَذَا الْفَرْقِ لَكِنَّ إطْلَاقَهُ فِي الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ الْعَمَلُ بِهِ عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ بِالْمُوجَبِ لَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِأَنْ يَكُونَ قَدْ جَاءَ وَقْتَ الْحُكْمِ بِمُوجَبِهِ عِنْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوجَبُهُ عِنْد الْحَاكِمِ الْأَوَّلِ اهـ وَهَذَا الْفَرْقُ هُوَ عَيْنُ قَوْلِ السُّبْكِيّ السَّابِقِ فَإِنْ صَحَّ الصَّادِرُ اتِّفَاقًا وَاخْتُلِفَ فِي مُوجَبِهِ لَمْ يَمْنَعْ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ فِيهِ الْعَمَلَ بِمُوجَبِهِ عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ بِهَا مِثَالُهُ التَّدْبِيرُ إلَخْ. قَالَ الْوَلِيُّ عَنْ شَيْخِهِ الْفَرْقُ الْخَامِسُ أَنَّ كُلَّ دَعْوَى كَانَ فِيهَا إلْزَامُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ أَوْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِهِ كَانَ الْحُكْمُ حِينَئِذٍ بِالْإِلْزَامِ وَهُوَ الْمُوجَبُ وَلَا يَكُونُ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ وَلَكِنْ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَا لَيْسَ لَهُ وَجْهَا صِحَّةٍ وَإِبْطَالٍ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَدْخُلَ فِيهِ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ قُلْتُ لَمْ يَظْهَرْ لِي هَذَا الْفَرْقُ فَإِنَّهُ إذَا ادَّعَى عَلَى إنْسَانٍ بِمِائَةٍ فَأَقَرَّ بِهَا فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ أَوْ ثَبَتَ إقْرَارُهُ بِبَيِّنَةٍ لَمْ يُسْمَعْ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ الْمَذْكُورِ بَلْ بِمُوجَبِهِ وَلَا يَظْهَرُ لِهَذَا مَعْنًى فَتَأَمَّلْ وَقَدْ رَجَعَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى مَا ذَكَرْتُهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ اهـ وَهَذَا الْفَرْقُ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ السَّابِقِ عَنْهُ فِي فَرْقِهِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَقَوْلِ الْوَلِيِّ لَا يَظْهَرُ لِهَذَا مَعْنًى إنْ أَرَادَ أَنَّ مَنْعَ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ لَا إلْزَامَ فِيهِ وَالْقَصْدُ إيجَادُ حُكْمٍ فِيهِ إلْزَامٌ فَالْمُرَادُ بِمَنْعِ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ هُنَا مَنْعُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمُقَرَّ لَهُ لَا أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ لَهُ مَعْنًى فِي الْفَرْقِ فَقَدْ عَلِمْتَ ظُهُورَ مَعْنَاهُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْمُقَرَّ لَهُ بِخِلَافِ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ فَإِنَّهُ يُفِيدُهُ وَقَوْلُهُ وَقَدْ رَجَعَ إلَى مَا ذَكَرْتُهُ أَوَّلًا مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ ظَاهِرٌ وَقَدْ مَرَّ عَنْ السُّبْكِيّ وَالْبُلْقِينِيِّ وَالْوَلِيِّ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ وَأَنَّ مَا مَرَّ عَنْ ذَلِكَ الْمُفْتِي مُخْتَرَعٌ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ يُعَضِّدُهُ وَلَا مُسْتَنَدَ يُؤَيِّدُهُ. قَالَ الْوَلِيُّ عَنْ شَيْخِهِ الْفَرْقُ السَّادِسُ أَنَّ تَنْفِيذَ الْحُكْمِ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ يَكُونُ بِالصِّحَّةِ عِنْدَ الْمُوَافِقِ وَكَذَا عِنْدَ الْمُخَالِفِ الَّذِي يُجِيزُ التَّنْفِيذَ فِي الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَيَكُونُ بِالْمُوجَبِ إذَا أُرِيدَ بِهِ الْإِلْزَامُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فِي الْحُكْمِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ فَيَكُونُ الْأَمْرُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ فَقَوْلُ الْقَاضِي حَكَمْتُ بِحُكْمِ فُلَانٍ مُسَاوٍ لِقَوْلِهِ حَكَمْتُ بِمُوجَبِ حُكْمِ فُلَانٍ إذَا أُرِيدَ هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ الْإِلْزَامُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْإِلْزَامُ بِذَلِكَ الشَّيْءِ الْمَحْكُومِ فِيهِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ مِنْ الْمُوَافِقِ دُونَ الْمُخَالِفِ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءُ حُكْمٍ بِذَلِكَ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْمُخَالِفِ قُلْتُ لَمْ يَتَحَرَّرْ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ فَرْقٌ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ الْإِلْزَامُ بِحُكْمِ الْمُخَالِفِ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ اسْتَوَى الْحُكْمَانِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْإِلْزَامُ مِنْ غَيْرِ تَوَسُّطِ

حُكْمِ الْمُخَالِفِ امْتَنَعَ ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ وَالْمُوجَبِ فَإِنَّ الْمُخَالِفَ لَا يَرَاهُ وَلَيْسَ هَذَا تَنْفِيذًا بَلْ ابْتِدَاءَ حُكْمٍ بِمَا لَمْ يَرَهُ الْحَاكِمُ بِهِ اهـ وَهَذَا الْفَرْقُ هُوَ عَيْنُ قَوْلِ السُّبْكِيّ فِيمَا مَرَّ وَمِمَّا يَفْتَرِقَانِ فِيهِ أَيْضًا أَنَّ الْحُكْمَ بِتَنْفِيذِ الْحُكْمِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ يَكُونُ بِالصِّحَّةِ إلَخْ إلَّا أَنَّ الْبُلْقِينِيُّ زَادَ عَلَيْهِ بِتَفْصِيلٍ أَوْجَبَ لِلْوَلِيِّ الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَ. وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ حَكَيَا عَنْ ابْنِ كَجٍّ عَنْ النَّصِّ أَنَّهُ إذَا كُتِبَ إلَى حَاكِمٍ بِحُكْمٍ لَا يَنْقُضُ وَلَمْ يَعْتَقِدْهُ بَلْ رَأَى غَيْرَهُ أَصْوَبَ مِنْهُ أَعْرَضَ عَنْهُ وَلَا يُنْفِذُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ إعَانَةٌ عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ خَطَأً ثُمَّ حَكَيَا عَنْ السَّرَخْسِيِّ تَصْحِيحَ التَّنْفِيذِ قَالَا وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ كَمَا لَوْ حَكَمَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ تَغَيُّرًا لَا يَقْتَضِي النَّقْضَ وَتَرَافَعَ خُصَمَاءُ الْحَادِثَةِ إلَيْهِ فِيهَا فَإِنَّهُ يُمْضِي حُكْمَهُ الْأَوَّلَ وَإِنْ أَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى أَنَّ غَيْرَهُ أَصْوَبُ مِنْهُ وَجَزَمَ بَعْضُ مُخْتَصِرِي الرَّوْضَةِ بِالْأَوَّلِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا عَرَفْتَ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ فِي الثَّانِي وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فَإِنَّهُ تَرْجِيحٌ لَهُ قَالَ الْوَلِيُّ وَذَكَر شَيْخُنَا أَنَّ الْحُكْمَيْنِ يَسْتَوِيَانِ فِي نَحْوِ حُكْمٍ حَنَفِيٍّ بِصِحَّةِ أَوْ مُوجَبِ نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ أَوْ شُفْعَةِ جِوَارٍ أَوْ وَقْفٍ عَلَى نَفْسٍ فَلَيْسَ لِشَافِعِيٍّ نَقْضُهُ كَعَكْسِهِ فِي إجَارَةِ جُزْءٍ شَائِعٍ وَيَفْتَرِقَانِ فِي مَسَائِلَ بَعْضُهَا الْحُكْمُ فِيهِ بِالصِّحَّةِ أَقْوَى كَحُكْمٍ شَافِعِيٍّ بِوَكَالَةٍ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ فَلِلْحَنَفِيِّ إبْطَالُ حُكْمِهِ بِمُوجَبِهَا لَا بِصِحَّتِهَا لِأَنَّ مُوجَبَهَا الْمُخَاصَمَةُ صَحَّتْ أَوْ فَسَدَتْ لِأَجْلِ الْإِذْنِ. فَالْحُكْمُ بِهِ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ فَسَاغَ لِلْحَنَفِيِّ إبْطَالُهُ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ جَرَّدَ حُكْمَهُ لِلْأَثَرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِصِحَّةِ الْمَلْزُومِ وَلَا لِعَدَمِهَا وَالْحَنَفِيُّ يَقُولُ بِبُطْلَانِهَا فَلَمْ يُوقِعْ الشَّافِعِيُّ حُكْمًا فِي مَحَلِّ الْخِلَافِ هَذَا كَلَامُ شَيْخِنَا وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْآثَارِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْحُكْمِ بِالْمُؤَثِّرِ فَلَوْلَا صِحَّةُ عَقْدِ الْوَكَالَةِ لِمَا حُكِمَ بِتَرَتُّبِ آثَارِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِهِ الْأَخِيرِ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ فَإِنْ قُلْتَ الْوَكَالَةُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَثَرٌ وَهُوَ صِحَّةُ التَّصَرُّفِ بِعُمُومِ الْإِذْنِ وَإِنْ فَسَدَتْ قُلْتُ مِنْ جُمْلَةِ مُوجَبِهَا وَمُقْتَضَاهَا صِحَّتُهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْخَصْمُ فَقَدْ تَنَاوَلَهُ حُكْمُهُ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ جَرَّدَ حُكْمَهُ لِلَّازِمِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِصِحَّةِ الْمَلْزُومِ وَلَا لِبُطْلَانِهِ بَلْ قَدْ تَعَرَّضَ لَهَا ضِمْنًا كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوْ صَرِيحًا كَمَا اعْتَقَدَهُ لِأَنَّ الصِّحَّةَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُوجَبِ قَدْ خَلَتْ فِي حُكْمِهِ بِالْمُوجَبِ لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ جَمِيعَ الْمَوَاجِبِ وَلَوْ كَانَ التَّوْكِيلُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَاسِدًا كَالْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ لَمْ يَسُغْ لَهُ الْحُكْمُ بِمُوجَبِ الْوَكَالَةِ اعْتِمَادًا عَلَى صِحَّةِ التَّصَرُّفِ لِعُمُومِ الْإِذْنِ. لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْمُوجَبِ الصِّحَّةُ وَالْوَكَالَةُ الْمَذْكُورَةُ بَاطِلَةٌ فَلَمْ يَثْبُتْ جَمِيعُ مُوجَبِهَا فَإِذَا حَكَمَ فَلْيُوَجِّهْ حُكْمَهُ إلَى مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْآثَارِ وَهُوَ صِحَّةُ التَّصَرُّفِ وَلَا يَأْتِي بِصِيغَةٍ تَعُمُّ جَمِيعَ الْمَوَاجِبِ لِفَسَادِ ذَلِكَ اهـ وَمَا اعْتَرَضَ بِهِ كَلَامَ شَيْخِهِ فِي صُورَةِ الْوَكَالَةِ مَرَّ عَنْ السُّبْكِيّ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي قَوْلِهِ وَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ مُسْتَوْفِيًا لِمَا يُعْتَبَرُ فِي الصِّحَّةِ كَانَ أَقْوَى لِوُجُودِ الْإِلْزَامِ فِيهِ وَتَضَمُّنِهِ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ ثُمَّ قَالَ وَإِنَّمَا اسْتَوَيَا فِي عَدَمِ النَّقْضِ لِتَضَمُّنِ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ إمَّا عَامًّا إلَخْ لَا يُقَالُ يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ قَوْلُ السُّبْكِيّ السَّابِقُ وَلَوْ حَكَمَ مَنْ يَرَى صِحَّةَ تَدْبِيرِهِ بِمُوجَبِ حَجْرِ الصَّبِيِّ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ تَدْبِيرٍ لِأَنَّا نَقُولُ حُكْمُهُ بِمُوجَبِ الْحَجْرِ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلتَّدْبِيرِ لِأَنَّهُ إلَى الْآنَ لَمْ يَقَعْ فَلَمْ يَسْتَلْزِمْ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ تَدْبِيرِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِهِ فَلَيْسَتْ صِحَّةُ التَّدْبِيرِ مِنْ مُوجَبِ الْحَجْرِ فَلَيْسَتْ هَذِهِ كَمَسْأَلَةِ الْبُلْقِينِيُّ الْمَذْكُورَةِ وَإِذَا تَأَمَّلْتَ مَا قَالَهُ الْوَلِيُّ فِيهَا الْمُوَافِقَ لِمَا قَدَّمْتُهُ عَنْ السُّبْكِيّ وَلِقَوْلِ الْبُلْقِينِيُّ إنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ زَادَ لَكَ إيضَاحُ فَسَادِ تِلْكَ الْمَقَالَةِ السَّابِقَةِ عَنْ ذَلِكَ الْمُفْتِي فِي تَفْسِيرِ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ وَلَا تَظُنَّ أَنَّ كَلَامَ الْبُلْقِينِيُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُؤَيِّدُهُ لِأَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ مَرْدُودًا وَمُنَاقِضًا لِكَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ نَفْسِهِ فِي أَثَرٍ وَجَّهَ إلَيْهِ الْحَاكِمُ حُكْمَهُ دُونَ الْمُؤَثِّرِ. وَأَمَّا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ السَّابِقِ فِي الْمُقَدِّمَةِ فَالْحَاكِمُ لَمْ يُوَجِّهْ حُكْمَهُ بِالْمُوجَبِ لِأَثَرٍ مِنْ آثَارِهَا إذْ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ لَيْسَ إلَّا فَسَادُ ذَلِكَ الْبَيْعِ أَوْ صِحَّتُهُ وَأَيْضًا فَالْمُوجَب ثُمَّ الَّذِي هُوَ الْإِلْزَامُ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِصِحَّةِ مُخَاصِمَةِ الْوَكِيلِ لَهُ

يَتَرَتَّبُ عَلَى الْوَكَالَةِ الْفَاسِدَةِ كَالصَّحِيحَةِ وَأَمَّا الْمُوجَبُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ الَّذِي هُوَ إلْزَامُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ عَنْهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْعَقْدِ الْفَاسِدِ فَعَلَى فَرْضِ أَنَّا نُوَافِقُ الْبُلْقِينِيُّ فِي صُورَةِ الْوَكَالَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ لَا شَاهِدَ فِيهِ لِمَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْمُفْتِي فِي صُورَتِنَا بَلْ مَا ذَكَرَهُ فِيهَا بِدْعٌ مِنْ الْقَوْلِ وَمَيْلٌ عَنْ جَادَّةِ الصَّوَابِ قَالَ الْوَلِيُّ عَنْ شَيْخِهِ وَالْقِسْمُ الثَّانِي أَيْ وَهُوَ مَا الْحُكْمُ فِيهِ بِالْمُوجَبِ أَقْوَى كَحَنَفِيٍّ حَكَمَ بِمُوجَبِ تَدْبِيرِ بِمُوجَبِ شِرَاءِ دَارٍ لَهَا جَارٌ يَمْنَعُ الْحَنَفِيَّ مِنْ الْحُكْمِ بِالشُّفْعَةِ وَلَوْ حَكَمَ بِالصِّحَّةِ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ عِنْدَهُمَا أَوْ بِمُوجَبِ إجَارَةٍ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الْحَنَفِيَّ مِنْ الْحُكْمِ بِإِبْطَالِهَا بِالْمَوْتِ لِأَنَّ مِنْ مُوجَبِهَا الدَّوَامَ وَالِاسْتِمْرَارَ لِلْوَرَثَةِ بِخِلَافِ حُكْمِهِ بِالصِّحَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ. قُلْتُ هَذِهِ الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ مَمْنُوعَةٌ وَفَارَقَتْ الصُّورَتَيْنِ قَبْلَهَا بِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا بِالْمُوجَبِ وَقَعَ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ فَنَفَذَ لِأَنَّهُ مَنَعَ الْمُدَبَّرَ وَالْجَارِيَةَ مِنْ الْبَيْعِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَامْتَنَعَ عَلَيْهِمَا كَمَا لَوْ وَجَّهَهُ إلَيْهِمَا صَرِيحًا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ، وَأَمَّا الْحُكْمُ بِمُوجَبِ الْإِجَارَةِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَا يُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ إلَى عَدَمِ الِانْفِسَاخِ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِئْ وَقْتُهُ وَلَمْ يُوجَدْ سَبَبُهُ وَلَوْ وَجَّهَ حُكْمَهُ إلَيْهِ فَقَالَ حَكَمْتُ بِعَدَمِ انْفِسَاخِهَا إذَا مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ كَانَ لَغْوًا نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي الْحُكْمِ بِتَعْلِيقِ طَلَاقِ أَجْنَبِيَّةٍ إذْ هُمَا مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ اهـ وَالصُّورَتَانِ الْأُولَيَانِ سَبَقَتَا فِي كَلَامِ السُّبْكِيّ كَمَا ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَالثَّالِثَةُ الَّتِي زَادَهَا هِيَ الَّتِي تَوَجَّهَ عَلَيْهَا اعْتِرَاضُ تِلْمِيذِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُوَجَّهَ مَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ فِيهَا بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا تَوَجَّهَ إلَى الِانْفِسَاخِ ضِمْنًا وَلَا صَرِيحًا وَإِنَّمَا تَوَجَّهَ إلَى بَقَاءِ الْعَقْدِ وَاسْتِمْرَارِهِ وَهَذَا قَدْ دَخَلَ وَقْتُهُ فَتَنَاوَلَهُ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ وَبِهِ فَارَقَتْ مَسْأَلَةَ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ حَالَ حُكْمِهِ ثُمَّ بِالْمُوجَبِ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَيْءٌ حَتَّى يَنْصَبَّ الْحُكْمُ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَتْبِعَ مَنْعَ التَّزْوِيجِ. وَهُنَا الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ تَوَجَّهَ إلَى مَوْجُودٍ حَالَ الْحُكْمِ وَهُوَ الْبَقَاءُ وَالِاسْتِمْرَارُ فَصَحَّ الْحُكْمُ فِيهِ وَمِنْ لَازِمِهِ امْتِنَاعُ الْحَنَفِيِّ مِنْ الْحُكْمِ بِالْفَسْخِ لِأَنَّهُ يُنَافِي حُكْمَ الشَّافِعِيِّ بِالْبَقَاءِ وَالِاسْتِمْرَارِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ يَزُولُ بِهِ مَا اعْتَرَضَ بِهِ الْوَلِيُّ عَلَى شَيْخِهِ قَالَ الْوَلِيُّ وَقَدْ ذَكَرَ شَيْخُنَا الْمَذْكُورُ أَنَّ ضَابِطَ ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ نُوزِعَ فِي الصِّحَّةِ وَلَمْ تَتَرَتَّبْ الْآثَارُ إلَّا بَعْدَهَا كَانَ الْحُكْمُ بِهَا رَافِعًا لِلْخِلَافِ مُسَاوِيًا لِلْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ أَوْ فِي الْآثَارِ وَاللَّوَازِمِ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ بِالْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ لَا بِالصِّحَّةِ فَيَكُونُ الْمُوجَبُ أَقْوَى فَإِنْ تَرَتَّبَتْ مَعَ فَسَادِهِ كَانَ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ أَقْوَى قُلْتُ مَحَلُّ ارْتِفَاعِ الْخِلَافِ فِي الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ حَيْثُ كَانَ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ وَوُجُودِ سَبَبِهِ وَمَرَّتْ أَمْثِلَةُ ذَلِكَ مُوَضَّحَةً وَبَقِيَ مِثَالٌ فِيهِ تَوَقُّفٌ وَهُوَ مَا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ لِنَفْسِهِ التَّغْيِيرَ وَحَكَمَ حَنَفِيٌّ بِمُوجَبِهِ ثُمَّ غَيَّرَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الشَّافِعِيِّ حِينَئِذٍ الْحُكْمُ بِبُطْلَانِ ذَلِكَ التَّغَيُّرِ لِأَنَّهُ وَقَعَ بَعْدَ إذْنٍ شَرْعِيٍّ لَهُ فِيهِ وَأَنْ لَا يَمْتَنِعَ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ إذْنِ الْحَنَفِيِّ لَهُ فِيهِ وُقُوعُهُ فَقَدْ لَا يَقَعُ فَلَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ إذْ لَوْ وُجِّهَ حُكْمُهُ إلَيْهِ فَقَالَ حَكَمْتُ بِمُوجَبِ التَّغْيِيرِ أَوْ صِحَّتِهِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ حُكْمٌ عَلَى الشَّيْءِ قَبْلَ وُقُوعِهِ عَلَى الشَّيْءِ قَبْلَ وُقُوعِهِ اهـ. وَلَمْ يُرَجِّحْ مِنْ هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ شَيْئًا وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُكْمَ بِذَلِكَ وَقَعَ قَبْلَ وَقْتِهِ بَلْ وَقَعَ فِي وَقْتِهِ لِأَنَّهُ تَضَمَّنَ الْإِذْنَ لِلْوَاقِفِ فِي التَّغْيِيرِ فَالْإِذْنُ وَقَعَ لَهُ فِي وَقْتِهِ فَلَوْ جَازَ لِلشَّافِعِيِّ الْحُكْمُ بِبُطْلَانِ تَغْيِيرِهِ لَكَانَ فِيهِ رَفْعٌ لِحُكْمِ الْحَنَفِيِّ الصَّحِيحِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ وَتَأَمَّلْ هَذَا الضَّابِطَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ قَوْلُهُ فَاسْتَوْلَى الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ وَالْمُوجَبِ إذَا كَانَ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ الصِّحَّةَ تَجِدُهُ صَرِيحًا فِي رَدِّ مَا مَرَّ عَنْ الْمُفْتِي وَمِمَّا يُبْطِلُهُ وَيُسَفِّهُهُ قَوْلُ الْوَلِيِّ أَيْضًا وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ أَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ مُتَوَجِّهٌ إلَى نَفْسِ الْعَقْدِ صَرِيحًا وَإِلَى آثَارِهِ تَضَمُّنًا وَأَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ مُتَوَجِّهٌ إلَى آثَارِهِ صَرِيحًا وَإِلَى نَفْسِ الْعَقْدِ تَضَمُّنًا فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَقْوَى مِنْ الْآخَرِ إلَّا عَلَى مَا بَحَثَهُ مِنْ تَوْجِيهِ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ إلَى صِحَّةِ الْعَقْدِ وَجَمِيعِ آثَارِهِ صَرِيحًا فَإِنَّ الصِّحَّةَ مِنْ مُوجَبِهِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ حِينَئِذٍ أَقْوَى مُطْلَقًا لِسَعَتِهِ وَتَنَاوُلِهِ الصِّحَّةَ وَآثَارَهَا ثُمَّ وَجَدْتُ بَعْضَهُمْ قَالَ لَيْسَ الْمُوجَبُ وَالْمُقْتَضَى وَاحِدًا كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ بَعْضِهِمْ لِأَنَّ

الفصل الثاني فيما ينقض فيه قضاء القاضي وما لا ينقض

الْمُقْتَضَى لَا انْفِكَاكَ لَهُ وَالْمُوجَبُ قَدْ يَنْفَكُّ فَقَضِيَّةُ الْبِيَعِ اللَّازِمِ انْتِقَالُ الْمِلْكِ فِي الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي وَمُوجَبُهُ أَنْ يُرَدَّ بِالْعَيْبِ لَوْ وُجِدَ وَقَدْ لَا يُوجَدُ وَقَدْ يُرَدُّ بِهِ وَقَدْ لَا يُرَدُّ فَعَلَى هَذَا الْمُوجَبُ أَعَمُّ مِنْ الْمُقْتَضَى فَتُعَلِّقُ بِهَذَا الْكَلَامِ. عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ يَدْخُلُ فِيهِ مَا لَمْ يُوجَدْ قُلْتُ لَا نُسَلِّمُ هَذِهِ التَّفْرِقَةَ بَلْ الْمُوجَبُ أَقْرَبُ إلَى عَدَمِ الِانْفِكَاكِ لِأَنَّ الْمُوجَبَ مَفْعُولُ أَوْجَبَ وَالْمُقْتَضَى مَفْعُولُ اقْتَضَى أَيْ طَلَبَ فَالْمُوجَبُ فِيهِ طَلَبٌ بِتَأْكِيدٍ فَكَيْفَ يَكُونُ مَا فِيهِ تَأْكِيدٌ قَدْ يَنْفَكُّ وَمَا لَا تَأْكِيدَ فِيهِ لَا يَنْفَكُّ هَذَا مُقْتَضَى اللُّغَةِ وَالِاصْطِلَاحِ، فَمَنْ ادَّعَى خِلَافَهُ فَعَلَيْهِ بَيَانُهُ وَبِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمُوجَبِ يَنْفَكُّ أَنْ يَتَنَاوَلَ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِهِ مَا لَمْ يُوجَدْ إنَّمَا يَتَوَجَّهُ حُكْمُ الْحَاكِمِ إلَى مَا وَجَدَ كَمَا قَرَّرْنَاهُ اهـ وَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ قَدْ مَرَّ لَكَ فِي كَلَامِ السُّبْكِيّ وَهُوَ وَإِنْ سَلِمَ فَالْأَخْذُ مِنْهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْوَلِيُّ فَالْوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَا وَجَدَ كَمَا مَرَّ وَاضِحًا مُبِينًا وَقَدْ لَخَّصْتُ لَك فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا لَمْ تَجِدْهُ فِي كِتَابٍ فَاعْتَنِ بِتَحْرِيرِهِ وَتَحْقِيقِهِ. وَقَدْ تَقَرَّرَ عَنْ سَمْعِكَ مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ وَالْبُلْقِينِيِّ وَالْوَلِيِّ وَشَيْخِنَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا وَغَيْرِهِمَا مَا قَضَى عَلَى تِلْكَ الْمَقَالَةِ الصَّادِرَةِ مِنْ ذَلِكَ الْمُفْتِي بِأَنَّهَا مِنْ السَّفْسَافِ الَّذِي لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَكَانَ مِنْ حَقِّهَا أَنْ لَا تُرْفَعَ لَهَا رَأْسٌ فَلَا تُؤَهَّلُ لِذَكَرِهَا وَرَدِّهَا لَكِنْ دَعَا إلَى ذَلِكَ مَا غَلَبَ عَلَى أُنَاسٍ مِنْ الْجَهْلِ وَالتَّعَصُّبِ فَعَدُوّهَا مِنْ مَحَاسِنِ ذَلِكَ الْمُفْتِي وَهُمْ مَعْذُورُونَ لِأَنَّهُمْ لَا إلْمَامَ لَهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْفِقْهِ وَإِلَّا لَعَدُّوهَا مِنْ مَسَاوِئِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ فِيهَا إلَى مُجَرَّدِ حَدْسِهِ وَهَوَسِهِ تَابَ اللَّهُ عَلَيَّ وَعَلَيْهِ وَخَتَمَ لِي وَإِيَّاهُ بِالْحُسْنَى إنَّهُ بِكُلِّ خَيْرٍ كَفِيلٌ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. (فَائِدَةٌ) قَالَ الْبَغَوِيّ لَوْ رُفِعَ لِحَاكِمٍ قَضِيَّةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى وُجُوهٍ مِنْ الْفَسَادِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا كَتَزْوِيجِ صَغِيرَةٍ لَا أَبَ لَهَا وَلَا جَدَّ بِغَيْرِ كُفْءٍ فَادَّعَى عِنْدَهُ بِهَا مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْهَا الْمُقْتَضِيَيْنِ لِبُطْلَانِهَا عِنْدَنَا فَحُكِمَ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ مِنْ أَحَدِهِمَا فَلِلشَّافِعِيِّ إبْطَالُهُ مِنْ الْوَجْهِ الْآخَرِ. [الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَا يُنْقَضُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي وَمَا لَا يُنْقَضُ] (الْفَصْلُ الثَّانِي فِيمَا يُنْقَضُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي وَمَا لَا يُنْقَضُ) اعْلَمْ أَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَكَمَ فِي مَسَائِلَ خَالَفَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِيهَا وَلَمْ يَنْقُضْ حُكْمَهُ وَحَكَمَ عُمَرُ فِي الْمُشَرَّكَةِ بِعَدَمِ الْمُشَارَكَةِ ثُمَّ بِالْمُشَارَكَةِ وَقَالَ ذَاكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا وَهَذَا عَلَى مَا نَقْضِي وَقَضَى فِي الْجَدِّ قَضَايَا مُخْتَلِفَةً وَإِنَّمَا امْتَنَعَ النَّقْضُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يَسْتَقِرَّ حُكْمٌ وَفِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ مَا لَا يُطَاقُ وَلِأَنَّ الِاجْتِهَادَ الثَّانِي لَيْسَ بِأَقْوَى مِنْ الْأَوَّلِ قَطْعًا وَإِنَّمَا الظُّنُونُ فِي ذَلِكَ مُتَفَاوِتَةٌ وَمِنْ ثَمَّ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَنْقُضَ حُكْمَهُ وَحُكْمَ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يُرْفَعْ إلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ. وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ مِنْ التَّوَقُّفِ عَلَى الرَّفْعِ مُنَازَعٌ فِيهِ إذَا خَالَفَ قَطْعِيًّا كَنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ مُتَوَاتِرَةٍ أَوْ إجْمَاعٍ أَوْ ظَنِّيًّا وَاضِحَ الدَّلَالَةِ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَهُوَ مَا قُطِعَ فِيهِ بِنَفْيِ تَأْثِيرِ الْفَارِقِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ أَوْ بِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ كَقِيَاسِ الضَّرْبِ عَلَى التَّأْفِيفِ أَوْ نَصَّ فِيهِ عَلَى الْعِلَّةِ، وَذَلِكَ لِلْإِجْمَاعِ فِي مُخَالِفِ الْإِجْمَاعِ وَقِيَاسًا عَلَيْهِ فِي الْبَقِيَّةِ، وَفِي تَعْبِيرِهِمْ بِالنَّقْضِ مُسَامَحَةٌ إذْ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ مِنْ أَصْلِهِ وَذَكَرَ الْأَئِمَّةُ لِبَعْضِ ذَلِكَ أَمْثِلَةً كَنَفْيِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ، وَالْعَرَايَا، وَالْقَوَدِ فِي الْمُثْقَلِ، وَكَقَتْلِ مُسْلِمٍ بِذِمِّيٍّ، وَصِحَّةِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ، وَنِكَاحِ الشِّغَارِ، وَالْمُتْعَةِ، وَزَوْجَةِ الْمَفْقُودِ بَعْد أَرْبَعِ سِنِينَ، وَالْعِدَّةِ، وَكَتَحْرِيمِ الرَّضَاعِ بَعْدَ حَوْلَيْنِ، وَاخْتَلَفُوا فِي نَقْضِهَا؛ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى النَّقْضِ، وَفِيهِ تَحْرِيرٌ لَيْسَ هَذَا مَحَلَّ بَسْطِهِ، قَالَ الْقَرَافِيُّ وَيَنْقُضُ أَيْضًا مَا خَالَفَ الْقَوَاعِدَ الْكُلِّيَّةَ، قَالَتْ الْحَنَفِيَّةُ: أَوْ كَانَ حُكْمًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، قَالَ السُّبْكِيّ وَمَا خَالَفَ شَرْطَ الْوَاقِفِ كَمُخَالِفِ النَّصِّ، وَمَا خَالَفَ الْمَذَاهِبَ الْأَرْبَعَةَ كَمُخَالِفِ الْإِجْمَاعِ. قَالَ وَأَمَّا مُجَرَّدُ التَّعَارُضِ كَقِيَامِ بَيِّنَةٍ بَعْد الْحُكْمِ بِخِلَافِ مَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ الَّتِي حُكِمَ فِيهَا فَلَا نَقْلَ فِيهِ وَاَلَّذِي يَتَرَجَّحُ أَنَّهُ لَا نَقْضَ بِهِ، وَأَطَالَ فِي تَقْرِيرِهِ، لَكِنْ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ الصَّلَاحِ مُخَالَفَةٌ فِي شَهَادَةٍ بِقِيمَةِ الْمِثْلِ حَكَمَ بِهَا ثُمَّ شَهِدَ آخَرَانِ بِأَنَّ مَا حَكَمَ بِهِ دُونَ قِيمَةِ الْمِثْلِ وَقَدْ بَيَّنْتُ الرَّاجِحَ مِنْ

ذَلِكَ وَمَا فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَالْفَتَاوَى وَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَيْضًا أَنْ يَنْقُضَ جَمِيعَ أَحْكَامِ مَنْ قَبْلَهُ إذَا كَانَ غَيْرَ أَهْلٍ وَإِنْ أَصَابَ فِيهَا كَذَا قَالُوهُ وَقَيَّدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِ بِمَنْ لَمْ يُوَلِّهِ ذُو شَوْكَةٍ لِنُفُوذِ أَحْكَامِ مَنْ وَلَّاهُ وَلَوْ مَعَ الْجَهْلِ وَالْفِسْقِ بَلْ وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ فِي الْبَحْرِ قَالَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا نَقْلًا عَنْ الْغَزَالِيِّ وَلَوْ اُسْتُقْضِيَ مُقَلِّدٌ لِلضَّرُورَةِ فَحَكَمَ بِمَذْهَبِ غَيْرِ مَنْ قَلَّدَهُ لَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لِلْمُقَلِّدِ تَقْلِيدَ مَنْ شَاءَ أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ. قِيلَ وَهَذَا إنَّمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ بَحْثًا لَهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ فِي الْمُسْتَصْفَى وَغَيْرِهِ اهـ وَيُرَدُّ بِأَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ بَحْثٌ لَهُ فَهُوَ بَحْثٌ ظَاهِرٌ وَكَفَى بِتَقْرِيرِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا لَهُ وَأَمَّا إطْلَاقُ الْأَنْوَارِ النَّقْضَ فَفِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ كَالْغَزَالِيِّ عَلَى الضَّعِيفِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُقَلَّدِ اتِّبَاعُ مَنْ شَاءَ وَمِنْ ثَمَّ اعْتَرَضَ الْأَنْوَارَ شَارِحُهُ فَقَالَ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ إطْلَاقِ النَّقْضِ مَمْنُوعٌ اهـ فَإِنْ قُلْتَ هَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي قُضَاةِ زَمَانِنَا لِأَنَّ مُوَلِّيَهُمْ يَشْرِطُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبِ مُقَلِّدِهِ دُونَ غَيْرِهِ اهـ قُلْتُ إنَّمَا يَأْتِي ذَلِكَ إنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ التَّوْلِيَةِ وَلُزُومِ الشَّرْطِ وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَوْ شَرَطَ عَلَى النَّائِبِ أَنْ يُخَالِفَ اجْتِهَادَهُ أَوْ اجْتِهَادَ مُقَلِّدِهِ لَمْ يَجُزْ فَإِنْ خَالَفَ كُلَّ شَرْطٍ حَنَفِيٍّ عَلَى شَافِعِيٍّ الْحُكْمُ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ فِي الْوَسِيطِ حُكْمٌ فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَّفِقَةِ بَيْنَ الْإِمَامَيْنِ وَهَذَا حُكْمٌ مِنْهُ بِصِحَّةِ الِاسْتِخْلَافِ وَرِعَايَةِ الشَّرْطِ لَكِنَّ الْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبَ الْمُهَذَّبِ وَالتَّهْذِيبِ وَغَيْرَهُمْ قَالُوا لَوْ قَلَّدَ الْإِمَامُ رَجُلًا الْقَضَاءَ عَلَى أَنْ يَقْضِيَ بِمَذْهَبٍ عَيَّنَهُ بَطَلَ الشَّرْطُ وَالتَّقْلِيدُ جَمِيعًا. وَقَضِيَّةُ هَذَا بُطْلَانُ الِاسْتِخْلَافِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَسِيطِ وَأَفْتَى الْقَاضِي فِي نَحْوِ ذَلِكَ بِإِلْغَاءِ الشَّرْطِ فَقَطْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ لَمْ تَجْرِ صِيغَةٌ بِشَرْطٍ كَاحْكُمْ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَوْ لَا تَحْكُمْ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ صَحَّ التَّقْلِيدُ وَلَغَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ قَالَ وَلَوْ قَالَ لَهُ لَا تَحْكُمْ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ مَثَلًا جَازَ وَحَكَمَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ اهـ مُلَخَّصًا وَتَبِعَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَحَاصِلُهُ كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ بُطْلَانُ الشَّرْطِ وَالتَّوْلِيَةِ وَأَمَّا إلْغَاءُ مَا صَدَرَ مِنْ أَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ مُخَالِفِينَ لِعَقِيدَةِ الْحَاكِمِ مَعَ صِحَّةِ التَّوْلِيَةِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فَقَدْ نَازَعَ فِيهِ الرَّافِعِيُّ فَقَالَ وَكَانَ يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْأَمْرَ شَرْطًا أَوْ تَقْيِيدًا كَمَا لَوْ قَالَ قَلَّدْتُكَ الْقَضَاءَ فَاقْضِ فِي مَوْضِعِ كَذَا أَوْ فِي يَوْمِ كَذَا وَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا حَكَمَ الْمُسْتَقْضَى الْمَذْكُورُ بِمَذْهَبٍ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ أَمَّا لَوْ حَكَمَ بِمَذْهَبٍ غَيْرِهَا فَيَنْقُضُ حُكْمُهُ. فَقَدْ قَالَ السُّبْكِيّ يَجُوزُ لِلشَّخْصِ التَّقْلِيدُ لِلْعَمَلِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَأَمَّا فِي الْفَتْوَى وَالْحُكْمِ فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الصَّلَاحِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ يَعْنِي تَقْلِيدَ غَيْرِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ اهـ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا حَكَمَ بِمَذْهَبٍ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ غَيْرِ مَذْهَبِ إمَامِهِ أَمَّا لَوْ حَكَمَ بِقَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ مَرْجُوحٍ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَفَصَّلَ السُّبْكِيّ فَقَالَ إنْ كَانَ لَهُ أَهْلِيَّةُ التَّرْجِيحِ وَرَجَّحَهُ بِدَلِيلٍ جَيِّدٍ جَازَ وَنَفَذَ حُكْمُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِشَاذٍّ أَوْ غَرِيبٍ فِي مَذْهَبِهِ وَإِنْ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ كَالْخَارِجِ عَنْ مَذْهَبِهِ فَلَوْ حَكَمَ بِقَوْلٍ خَارِجٍ عَنْ مَذْهَبِهِ وَقَدْ ظَهَرَ لَهُ رُجْحَانُهُ جَازَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْإِمَامُ عَلَيْهِ الْتِزَامَ مَذْهَبٍ بِاللَّفْظِ أَوْ الْعُرْفِ كَقَوْلِهِ عَلَى قَاعِدَةِ مَنْ تَقَدَّمَهُ فَلَا يَصِحُّ الْحُكْمُ لِأَنَّ التَّوْلِيَةَ لَمْ تَشْمَلْهُ اهـ قَالَ شَيْخُنَا فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنْ عَنَى بِكَلَامِهِ هَذَا كَلَامَهُ السَّابِقَ عَنْهُ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُخَالِفُهُ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ أَنَّهُ سَبَقَ أَنَّ كَلَامَهُ السَّابِقَ ضَعِيفٌ وَإِنْ عَنَى بِهِ مَا يَأْتِي عَنْهُ فَكَذَلِكَ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَكَلَامُ السُّبْكِيّ هَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَشْرِطَ الْإِمَامُ عَلَيْهِ إلَخْ يُخَالِفُ مَا مَرَّ عَنْ الشَّيْخَيْنِ مِنْ بُطْلَانِ التَّوْلِيَةِ. وَقَدْ يَجْمَعُ بَيْنَ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ هُنَا لَا يَجُوزُ وَقَوْلِ السُّبْكِيّ يَجُوزُ أَنْ يُرَجِّحَ لَهُ مَا لَمْ يَشْرُطْ عَلَيْهِ مَا مَرَّ وَبَيْنَ مَا مَرَّ عَنْ الشَّيْخَيْنِ مِنْ جَوَازِ الْحُكْمِ بِمَذْهَبِ الْغَيْرِ وَهَذَا فِي الْحُكْمِ الضَّعِيفِ فِي مَذْهَبِهِ الَّذِي لَمْ يُوَافِقْ وَاحِدًا مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَا مَرَّ عَنْ السُّبْكِيّ أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْلِيدُ غَيْرِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْعَمَلِ لِنَفْسِهِ لَا فِي الْإِفْتَاءِ وَالْحُكْمِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الضَّعِيفَ

الْمَذْكُورَ رَأْيٌ مُغَايِرٌ لِلْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَإِنْ رَجَعَ إلَى وَاحِدٍ مِنْهَا بِاعْتِبَارِ الْقَوَاعِدِ وَالْمَأْخَذِ فَامْتَنَعَ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ الْتِزَامَ مَذْهَبٍ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ لِأَنَّ فِيهِ مَنْعًا لَهُ مِمَّا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ وَلَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ الْتِزَامَ الرَّاجِحِ مِنْ مَذْهَبِهِ لِامْتِنَاعِ تَقْلِيدِ غَيْرِهِ مِنْ الضَّعِيفِ فِي مَذْهَبِهِ فِي الْحُكْمِ وَالْإِفْتَاءِ كَمَا تَقَرَّرْ وَفِي الْخَادِمِ مَا حَاصِلُهُ إذَا حَكَمَ مُقَلَّدٌ بِمَذْهَبِ إمَامِهِ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ نَفَذَ أَوْ بِمَا تَوَهَّمَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحِيطَ بِهِ عِلْمًا لَمْ يَنْفُذْ وَإِنْ صَادَفَ الْحَقَّ أَوْ بِمَرْجُوحٍ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ فَإِنْ كَانَ مُتَبَحِّرًا لَهُ أَهْلِيَّةُ التَّرْجِيحِ نَفَذَ وَإِلَّا فَلَا نَعَمْ إنْ فُرِضَ أَنَّهُ اعْتَقَدَ صِحَّةَ ذَلِكَ الْمَرْجُوحِ تَقْلِيدًا لِقَائِلِهِ وَلَهُ مَذْهَبٌ صَحِيحٌ لِدَلِيلٍ بِحَسَبِ حَالِهِ أَوْ أَمْرٍ دِينِيٍّ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ فَفِيهِ نَظَرٌ يُحْتَمَلُ بُطْلَانُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ الْوَجْهَ لَا يُقَلَّدُ قَائِلُهُ إلَّا إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا. وَإِنَّمَا يُرْجَعُ إلَيْهِ لِكَوْنِ قَائِلِهِ يَرَى أَنَّهُ مَذْهَبُ إمَامِهِ فَإِذَا قَالَ الْجُمْهُورُ خِلَافَهُ كَانَ قَوْلُهُمْ مُقَدَّمًا عَلَى قَوْلِهِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا فَوَّضَ إلَيْهِ الْقَضَاءَ وَهُوَ مُقَلِّدٌ لِإِمَامٍ إلَّا لَيَحْكُمَ بِمَذْهَبِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبِ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ كَمَا لَا يَحْكُمُ بِقَوْلِ عَالِمٍ آخَرَ كَذَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمُقَلِّدَ إذَا قَلَّدَ وَجْهًا ضَعِيفًا جَازَ لَهُ الْعَمَلُ بِهِ فِي نَفْسِهِ وَأَمَّا فِي الْفَتْوَى وَالْحُكْمِ فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الصَّلَاحِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَأَمَّا مَا قَالَهُ آخِرًا فَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ فِي التَّوْلِيَةِ الْتِزَامَ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ وَجَوَّزْنَاهُ فَإِنْ لَمْ يَشْرُطْ عَلَيْهِ ذَلِكَ جَازَ اهـ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ فَإِنَّ الْمُقَلِّدَ إذَا قَلَّدَ وَجْهًا إلَخْ ظَاهِرٌ فِي الْفَرْقِ الَّذِي قَدَّمْتُهُ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالْوَجْهِ الضَّعِيفِ مِنْ مَذْهَبِهِ وَالْحُكْمِ بِمَذْهَبِ الْغَيْرِ هَذَا كُلُّهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ الْعَامِّ أَمَّا الْخَاصُّ كَأَنْ وَلَّى شَافِعِيٌّ حَنَفِيًّا أَوْ مَالِكِيًّا فِي جُزْئِيَّةٍ تَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِ النَّائِبِ فَقَطْ لَمْ يَجُزْ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ حَكَاهُ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ وَاعْتَمَدَهُ الْقَاضِي كَمَالُ الدِّينِ عَصْرِيُّ أَبِي شَامَةَ شَيْخُ النَّوَوِيِّ فَأَبْطَلَ تَزْوِيجَ حَنَفِيٍّ صَغِيرَةً وَقَدْ أَذِنَ لَهُ شَافِعِيٌّ فِيهِ وَصَوَّبَ مَا فَعَلَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ مَذْهَبَ الْحَنَفِيِّ امْتِنَاعُ الْقَاضِي مِنْ ذَلِكَ الْإِذْنِ إلَّا إنْ نَصَّ لَهُ عَلَيْهِ السُّلْطَانُ بِخُصُوصِهِ وَلَا يَكْفِي عُمُومُ التَّوْلِيَةِ وَأَيْضًا فَكَيْفَ يَجُوزُ لِلشَّافِعِيِّ الْإِذْنُ فِيمَا لَمْ يَعْتَقِدْهُ وَفَارَقَ التَّوْلِيَةَ الْعَامَّةَ بِأَنَّهَا تَجْعَلُهُ قَاضِيًا مُسْتَقِلًّا وَمُجَرَّدُ الْإِذْنِ اسْتِنَابَةٌ عَنْ الْمُنِيبِ فَكَيْفَ يَسْتَنِيبُ فِيمَا لَمْ يَعْتَقِدْهُ لَكِنْ نَقَلَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ اعْتِمَادِ شَيْخِهِ الْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَدَمَ النَّقْضِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَاعْتَمَدَهُ أَيْضًا أَبُو شَامَةَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ أَدَّى شَافِعِيًّا اجْتِهَادُهُ إلَى أَنْ يَحْكُمَ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَضِيَّةٍ جَازَ وَكَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَمْنَعُ مَنْ اعْتَزَى إلَى مَذْهَبٍ أَنْ يَحْكُمَ بِغَيْرِهِ لِتَوَجُّهِ التُّهْمَةِ وَهَذَا وَإِنْ اقْتَضَتْهُ السِّيَاسَةُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْمَذْهَبِ وَتَمْيِيزِ أَهْلِهَا فَحُكْمُ الشَّرْعِ لَا يُوجِبُهُ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الِاجْتِهَادِ فِي كُلِّ حُكْمٍ طَرِيقُهُ الِاجْتِهَادُ اهـ وَكَالِاجْتِهَادِ فِي كَلَامِهِ التَّقْلِيدُ لِمَا مَرَّ عَنْ الشَّيْخَيْنِ وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي قَوْلِ ابْنِ الصَّلَاحِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِغَيْرِ مَذْهَبِهِ فَإِنْ فَعَلَ نُقِضَ لِفَقْدِ الِاجْتِهَادِ مِنْ أَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ اهـ. عَلَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ عِلَّتِهِ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَذْهَبِ إمَامِهِ لَا عَلَى جِهَةِ التَّقْلِيدِ لَهُ بَلْ اجْتِهَادًا مِنْ عِنْدِهِ وَلَقَدْ اُسْتُفْتِيَ التَّاجُ الْفَزَارِيّ وَأَهْلُ عَصْرِهِ عَنْ حَاكِمٍ حَكَمَ بِخِلَافِ مَذْهَبِ إمَامِهِ فَهَلْ يَنْفُذُ حُكْمُهُ مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا يُوَلَّى لِلْحُكْمِ بِمَذْهَبِ إمَامِهِ. فَأَجَابَ شَافِعِيَّانِ مِنْ مُعَاصِرِيهِ بِأَنَّهُ لَا يَنْفُذُ الْحُكْمُ فَخَطَّأَهُمَا التَّاجُ وَقَالَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ الْحُكْمَ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ فَسَدَتْ التَّوْلِيَةُ وَوَقَعَ لَهُ مَعَهُمْ أَيْضًا أَنَّهُمْ سَأَلُوا عَنْ دَارٍ مَرْهُونَةٍ بَاعَهَا الْحَاكِمُ فِي الدَّيْنِ ثُمَّ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهَا وَقْفٌ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ مَصَارِفِهَا وَلَا كَيْفِيَّةِ وَقْفِهَا فَهَلْ يُنْقَضُ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ بِذَلِكَ؟ فَأَجَابَ التَّاجُ وَجَمَاعَةٌ آخَرُونَ بِأَنَّهُ لَا يُنْقَضُ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ الشَّمْسُ ابْنُ خَلِّكَانَ وَتَعَجَّبَ مِنْهُمْ فَنَاظَرَهُ التَّاجُ فَقَالَ الشَّمْسُ إنَّمَا بَاعَ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ وَالْقَاضِي لَا يَبِيعُ الْوَقْفَ فَأَجَابَهُ التَّاجُ بِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ تَمَّ بِشُرُوطِهِ وَهُوَ يُصَانُ عَنْ النَّقْضِ مَا أَمْكَنَ وَالْوَقْفُ الْمَشْهُودُ بِهِ فِي حُكْمِ الْمُنْقَطِعِ وَفِي صِحَّتِهِ خِلَافٌ فَلَا يَجُوزُ نَقْضُ الْحُكْمِ الْمُبْرَمِ بِهَذَا الْأَمْرِ

الْمُحْتَمَلِ فَانْقَطَعَ الشَّمْسُ وَلَمْ يَجِدْ جَوَابًا عَنْ ذَلِكَ. فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ وَمَا تَقَرَّرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ فَإِنَّ فِيهِ فَوَائِدَ وَنَفَائِسَ دَعَا إلَى ذَكَرِهَا قَوْلُ بَعْضِ جَهَلَةِ الْمُفْتِينَ السَّابِقِينَ فِي حُكْمِ الْقَاضِي السَّابِقِ فِي السُّؤَالِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْمُقَدِّمَةِ أَنَّهُ يُنْقَضُ تَمَسُّكًا بِإِطْلَاقِ الْبُلْقِينِيُّ السَّابِقِ عَنْ فَتَاوِيهِ مَعَ رَدِّ ذَلِكَ الْإِطْلَاقِ وَبَيَانِ مَا فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ التَّاجِ هَذَا مُصَرِّحٌ بِأَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي فِي مَسْأَلَتِنَا هَذِهِ لَا يُنْقَضُ وَإِنْ قُلْنَا بِاعْتِمَادِ إطْلَاقِ الْبُلْقِينِيُّ لِأَنَّ عِلَّةَ التَّاجِ تَأْتِي بِعَيْنِهَا هُنَا إذْ الْحُكْمُ هُنَا أَيْضًا قَدْ انْبَرَمَ بِشُرُوطِهِ فَلَا يُنْقَضُ لِلْأَمْرِ الْمُحْتَمَلِ وَإِذَا مُنِعَ النَّقْضُ مَعَ تَبَيُّنِ الْوَقْفِ بِالْبَيِّنَةِ بِشُبْهَةِ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ فَمَنْعُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا لِوُجُودِ الْخِلَافِ فِي بَيْعِ الْمَاءِ وَقَوْلِ مَالِكٍ بِصِحَّةِ بَيْعِهِ مُطْلَقًا أَوْلَى فَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ الْبَيْعَ فِي مَسْأَلَتِنَا وَاقِعٌ عَلَى الْمَاءِ وَحَكَمَ بِهِ شَافِعِيٌّ لَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ لِمَا مَرَّ عَنْ الشَّيْخَيْنِ وَلِكَلَامِ التَّاجِ هَذَا وَفَّقْنَا اللَّهُ لِطَاعَتِهِ وَلَا حَرَمنَا خَيْرَ مَا عِنْدَهُ لِشَرِّ مَا عِنْدَنَا آمِينَ. (خَاتِمَةٌ) فِي ذِكْرِ الْأَجْوِبَةِ الْمُخَالِفَةِ لِمَا قَدَّمْتُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ وَكَانَ مِنْ حَقِّهَا أَنْ لَا تُذْكَرَ لِصُدُورِهَا مِمَّنْ لَمْ يَتَأَهَّلْ لِفَهْمِ بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ مَثَلًا فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ سِيَّمَا أَبْوَابُ الْمُعَامَلَاتِ وَلِذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى قَبَائِحَ مِنْ الْخَطَإِ وَالْخَطْلِ وَالزَّيْغِ وَالزَّلَلِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِي ذِكْرِهَا فَوَائِدُ كَالْإِعْلَامِ بِأَنَّ مَنْ يَصْدُرُ عَنْهُ مِثْلُ هَذَا السَّفْسَافِ حَقِيقٌ بِأَنْ لَا يُلْتَفَتَ لِمَا يَقُولُهُ بَعْدَ الْيَوْمِ وَلَا لِمَا يَنْقُلُهُ عَنْ الْمَذْهَبِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ اسْتِفْتَاؤُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَأَهَّلْ لِفَهْمِ كَلَامِهِمْ عَلَى وَجْهِهِ بَلْ يُحَرِّفُهُ وَيُخْرِجُهُ عَنْ الْمُرَادِ بِهِ إلَى مَعْنًى آخَرَ لَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ كَانَ ذِكْرُ ذَلِكَ لِهَذِهِ الْأَغْرَاضِ الصَّحِيحَةِ غَيْرَ مَحْظُورٍ وَغَيْرَ مُخِلٍّ بِجَلَالَةِ هَذَا التَّأْلِيفِ الْبَدِيعِ بَلْ هُوَ مِنْ آكَدِ الْوَاجِبَاتِ وَأَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ فَمِنْ تِلْكَ الْأَجْوِبَةِ عَنْ نَحْوِ السُّؤَالِ السَّابِقِ فِي الْمُقَدِّمَةِ قَوْلُ بَعْضِهِمْ مَا لَفْظُهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْحِصَّةِ مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا لِأَنَّ الْقَرَارَ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِكَوْنِهِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ بَلْ لَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَلَمْ يَرَهُ الْعَاقِدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا لِاسْتِتَارِهِ بِالْمَاءِ فَالْبَيْعُ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا. بَلْ لَوْ سَلَّمْنَا رُؤْيَتَهُ لِلْعَاقِدَيْنِ قَبْلَ حُدُوثِ الْمَاءِ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ أَيْضًا لِلتَّأْقِيتِ فَإِنَّ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ عَدَمَ تَأْقِيتِهِ بِزَمَانٍ فَمَتَى أُقِّتَ الْمَبِيعُ بِسَاعَةٍ أَوْ سَاعَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ فَالْبَيْعُ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا وَمَنْ قَالَ بِالصِّحَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَاظِرًا إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءَانِ إنْ أَرَادَ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ مِنْ الْمَاءِ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ الْمَجَازِ فَمَرْدُودٌ لِأَنَّ السَّاعَةَ قِطْعَةٌ مِنْ الزَّمَانِ وَجُزْءٌ مِنْهُ أَيْضًا فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ السَّاعَةَ لَا تَنْصَرِفُ إلَى غَيْرِ الزَّمَانِ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا لِأَنَّ أَحَدًا لَمْ يَسْتَعْمِلْ السَّاعَةَ فِي جُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا الْمَاءِ لَا ابْتِدَاءً وَلَا بِوَضْعٍ ثَانٍ فَلَوْ جَوَّزْنَا اسْتِعْمَالَ لَفْظٍ ثَانٍ لَلَزِمَ مِنْهُ ثُبُوتُ عِلَاقَةٍ بَيْنَ مَا وُضِعَ لَهُ أَوَّلًا وَمَا وُضِعَ لَهُ ثَانِيًا وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى بَيْعِ صَاعَيْنِ مِنْ صُبْرَةٍ مَجْهُولَةِ الصِّيعَانِ فَلَا وَجْهَ لَهُ لِاجْتِمَاعِ شُرُوطِ الْبَيْعِ فِي الصَّاعَيْنِ مِنْ الْمِلْكِ وَالْعِلْمِ بِقَدْرِ الْمَبِيعِ مَعَ تَسَاوِي الْأَجْزَاءِ وَالرُّؤْيَةِ وَإِنْ كَانَ لِلْبَائِعِ تَسْلِيمُهَا مِنْ أَسْفَلِ الصُّبْرَةِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَرْئِيًّا لِأَنَّ رُؤْيَةَ ظَاهِرِهَا كَرُؤْيَةِ كُلِّهَا وَلَا كَذَلِكَ الْقَرَارُ الْمَذْكُورُ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ لِانْتِفَاءِ بَعْضِ الشُّرُوطِ فِيهِ مِنْ الرُّؤْيَةِ وَغَيْرِهَا وَمَتَى فُقِدَ الشَّرْطُ فَقَدْ فُقِدَ الْمَشْرُوطُ اهـ فَتَأَمَّلْ هَذَا الْجَوَابَ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ السَّفْسَافِ الَّذِي لَا مَعْنَى لَهُ وَمِنْ فَهْمِ كَلَامِهِمْ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ وَمِنْ الْكَذِبِ الصُّرَاحِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ لَا يَصِحُّ إلَخْ خَطَأٌ بَلْ فِيهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ فِي الْأَبْوَابِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْقَرَارَ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِكَوْنِهِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ كَذِبٌ قَبِيحٌ وَكَيْفَ سَاغَ لَهُ ذَلِكَ مَعَ مَا قَدَّمْتُهُ فِي الْبَابِ مِنْ كَلَامِهِمْ مَبْسُوطًا مُحَرَّرًا فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ أَقْسَامَ الْمَسْأَلَةِ وَتَفْصِيلَهَا وَأَنَّى لَهُ ذَلِكَ وَأَنْ يَهْتَدِيَ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَا إلَى حَالَةٍ تَصَوَّرَهَا فِي ذِهْنِهِ فَأَفْتَى عَلَيْهَا دُونَ الْحَالَةِ الْخَارِجِيَّةِ وَهِيَ عُيُونُ أَوْدِيَةِ مَكَّةَ وَقَوْلُهُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ أَيْضًا لِلتَّأْقِيتِ إلَخْ مِمَّا فَضَحَ بِهِ نَفْسَهُ وَنَادَى عَلَيْهَا بِغَايَةِ الْغَبَاوَةِ وَالْجَهْلِ وَالْمُجَازَفَةِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى. وَكَيْفَ

يُسَوَّغُ الْإِفْتَاءُ لِمَنْ لَمْ يَفْهَمْ قَوْلَ أَهْلِ مَذْهَبِهِ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ الْمُؤَقَّتُ مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ الْمَبَادِئِ الَّتِي لَا تَخْفَى عَلَى أَصَاغِرِ الْمُتَفَقِّهَةِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَفْهَمْهَا وَإِلَّا لَمْ يَجْعَلْ بَيْعَ الْحِصَّةِ السَّقِيَّةِ الَّتِي قَدْرُهَا سَاعَتَانِ مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا إلَى آخِرِ مَا مَرَّ مِنْ الْبَيْعِ الْمُؤَقَّتِ الَّذِي هُوَ تَأْقِيتُ الْمِلْكِ إلَى زَمَنٍ مَعْلُومٍ أَوْ مَجْهُولٍ فَجَعْلُهُ ذَلِكَ مِنْ الْبَيْعِ الْمُؤَقَّتِ مَعَ انْتِفَاءِ تَأْقِيتِ الْمِلْكِ فِيهِ قَطْعًا وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهِ تَقْدِيرُ الْمَبِيعِ بِزَمَانٍ بِنَاءً عَلَى اسْتِوَاءِ التَّقَادِيرِ وَهُوَ بَقَاءُ السَّاعَةِ عَلَى مَفْهُومِهَا وَالْإِعْرَاضُ عَنْ قَوْلِهِمَا مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا وَمَا بَعْدَهُ وَعَنْ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمُرَادِ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ بَلْ قَطْعِيَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَصَوَّرْ مَعْنَى الْبَيْعِ الْمُؤَقَّتِ وَلَا مَعْنَى اللَّفْظِ الَّذِي سُئِلَ عَنْهُ وَلَيْتَهُ سَتَرَ نَفْسَهُ وَأَبْقَى النَّاسَ عَلَى التَّوَهُّمِ فِيهِ لَكِنْ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ فَضِيحَتَهُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ افْتَضَحَ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْفَاضِحَ لِنَفْسِهِ إنْ لَمْ يَفْضَحْهَا غَيْرُهُ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ السَّاعَةَ قِطْعَةٌ مِنْ الزَّمَانِ وَجُزْءٌ مِنْهُ أَيْضًا مِمَّا يُعْلِمُكَ بِأَنَّهُ لَا يُحْسِنُ تَرْكِيبَ الْكَلَامِ وَلَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْقِطْعَةَ غَيْرُ الْجُزْءِ إنْ فَهِمَ قَوْلَهُ أَيْضًا أَوْ عَيَّنَهُ إنْ لَمْ يَفْهَمْ ذَلِكَ فَلْيَخْتَرْ لَهُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ فَإِنَّ كِلَاهُمَا شَاهِدٌ عَلَى أَنَّهُ سَالِبَةٌ مُهْمَلَةٌ. وَقَوْلُهُ وَلَا مَجَازًا بَاطِلٌ وَمَا الَّذِي قَدَّمَهُ حَتَّى يُعْلَمَ مِنْهُ انْتِفَاءُ الْمَجَازِ وَقَدْ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْله تَعَالَى {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ} [آل عمران: 38] أَنَّ هُنَا وَإِنْ كَانَ ظَرْفَ مَكَان إلَّا أَنَّهُ أُرِيدَ ظَرْفُ الزَّمَانِ وَفِي الْبَحْرِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ أَصْلَ هُنَا أَنْ يَكُونَ إشَارَةً لِلْمَكَانِ وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلزَّمَانِ وَفِي تَفْسِيرِ السَّخَاوَنْدِيِّ أَنَّ هُنَا فِي الْمَكَانِ وَهُنَالِكَ فِي الزَّمَانِ وَهُوَ وَهْمٌ بَلْ الْأَصْلُ أَنْ تَكُونَ لِلْمَكَانِ سَوَاءٌ اتَّصَلَتْ بِهِ اللَّامُ وَالْكَافُ أَوْ الْكَافُ فَقَطْ أَوْ لَمْ يَتَّصِلَا وَلَمْ يُتَجَوَّزْ بِهَا عَنْ الْمَكَانِ إلَى الزَّمَانِ كَمَا أَنَّ أَصْلَ عِنْدَ أَنْ تَكُونَ لِلْمَكَانِ ثُمَّ يُتَجَوَّزُ بِهَا لِلزَّمَانِ كَمَا تَقُولُ آتِيكَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ اهـ فَإِذَا تُجُوِّزَ بِالْمَكَانِ عَنْ الزَّمَانِ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ فَأَوْلَى أَنْ يُتَجَوَّزَ بِالزَّمَانِ عَنْ الْمَكَانِ فِي كَلَامِ الْعَاقِدَيْنِ وَأَيْضًا فَالْآيَةُ لَا قَرِينَةَ فِيهَا لَفْظًا عَلَى ذَلِكَ التَّجَوُّزِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا قَرَائِنُ لَفْظِيَّةٌ قَطْعِيَّةٌ عَلَى التَّجَوُّزِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ أَحَدَ إلَخْ مِنْ تَهَوُّرِهِ وَمُجَازَفَتِهِ وَأَنَّى لَهُ بِهَذَا النَّفْيِ الْعَامِّ الشَّامِلِ لِأَهْلِ زَمَانِهِ وَسَائِرِ الْأَزْمِنَةِ قَبْلَهُ. وَقَوْلُهُ فَلَوْ جَوَّزْنَا اسْتِعْمَالَ لَفْظِ إلَخْ بِكَلَامِ الْمُبَرْسَمِينَ أَشْبَهُ فَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى عَقْلِهِ وَمَلَكَتِهِ فِي الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ الَّذِي أَرَادَ بِهَذَا اللَّفْظِ أَنْ يَدُلَّ النَّاسَ عَلَى أَنَّ لَهُ بِهِ مَعْرِفَةً فَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا حَيْثُ أَقَامَ لِلنَّاسِ شَاهِدًا أَيَّ شَاهِدٍ عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى يَكُونُوا فِي أَمْرِهِ عَلَى بَصِيرَةٍ وَقَوْلُهُ وَأَمَّا الْقِيَاسُ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ مَنْ الَّذِي قَاسَ بَيْعَ جُزْءٍ مِنْ الْقَرَارِ عَلَى بَيْعِ صَاعَيْنِ مِنْ صُبْرَةٍ مَعَ أَنَّ فَرْقَكَ إنَّمَا يَنُمُّ عَلَى بُهْتَانِكَ أَنَّ الْقَرَارَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَقَوْلُهُ مِنْ الْمِلْكِ إلَخْ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ شُرُوطُ الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ خَطَأٌ قَبِيحٌ وَمِنْ تِلْكَ الْأَجْوِبَةِ أَيْضًا قَوْلُ بَعْضِهِمْ مَا لَفْظُهُ أَمَّا حُكْمُ بَيْعِ الْمَاءِ وَحْدَهُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِمَا وَحُكْمُ بَيْعِ الْمَاءِ مَعَ قَرَارِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ طَوِيلٌ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ لَا حَاجَةَ بِنَا إلَى ذِكْرِهِ وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي السُّؤَالِ أَيْ وَهِيَ بَيْعُ الْحِصَّةِ السَّقِيَّةِ الَّتِي قَدْرُهَا سَاعَتَانِ إلَخْ فَقَدْ ذَكَرَهَا مُفَصَّلَةً شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْبُلْقِينِيُّ تَغَمَّدَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ وَلَيْسَ مِنْ مَقَامِنَا التَّعَقُّبُ عَلَى كَلَامِهِ وَلَا مِنْ الْأَدَبِ الرَّدُّ عَلَيْهِ. وَأَمَّا مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ مِنْ وُقُوعِ الْبَيْعِ عَلَى الْقَرَارِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ بْنُ ظَهِيرَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْعُهْدَةُ عَلَيْهِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَأَمَّا مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ مِنْ حَمْلِ السَّاعَتَيْنِ عَلَى جُزْأَيْنِ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ الْمَجَازِ فَلَمْ يَتَّضِحْ لِي وَجْهُهُ وَلَعَلَّهُ لِسُوءِ فَهْمِي وَلِقِلَّةِ عِلْمِي وَأَمَّا مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ مِنْ قِيَاسِ مَا ظَهَرَ مِنْ الْمَاءِ عَلَى بَيْعِ صَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ مَجْهُولَةٍ فَقِيَاسٌ خَفِيٌّ وَأَيْنَ بَاطِنُ الصُّبْرَةِ مِنْ مَحَلِّ النَّبْعِ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ وَهَذَا مَا تَيَسَّرَ ذِكْرُهُ مَعَ قِصَرِ الْبَاعِ وَعَدَمِ سِعَةِ الِاطِّلَاعِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ اهـ وَهَذَا الْجَوَابُ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْخَبَالِ غَنِيٌّ عَنْ التَّنْفِيرِ لَكِنْ لَا بَأْسَ بِإِشَارَةٍ مَا إلَى بَعْضِ مَا فِيهِ فَقَوْلُهُ فَغَيْرُ وَقَوْلُهُ فَفِيهِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ يَنْعَسُ فَتَوَهَّمَ سَبْقَ مَا يَقْتَضِي الْجَوَابَ بِالْفَاءِ وَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ يَنْعَسُ مَا حَكَمَ عَلَى حُكْمِ الْبَيْعِ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْبَيْعِ فَلَمْ يُجِبْ عَنْهُ

وَإِنَّمَا أَجَابَ عَنْ حُكْمِهِ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَهَذَا وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ قَدْ يُؤَدِّي إلَى كُفْرٍ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَيْعِ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقُ بِالْبَيْعِ. وَمَنْ حَكَمَ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَلَا شَكَّ فِي كُفْرِهِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الرِّدَّةِ فِي إنْكَارِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ الْمَعْلُومِ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَتَأَمَّلْ الْمُجَازَفَةَ كَيْفَ تُؤَدِّي بِصَاحِبِهَا إلَى الْكُفْرِ وَقَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ كَذِبٌ فَإِنَّهُمَا لَمْ يَتَكَلَّمَا عَلَى هَذَا الَّذِي أَخْبَرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ حَاشَاهُمَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ حُكْمَهُ لَغْوٌ وَإِنَّ قَصْدَهُ الْحُكْمُ عَلَى بَيْعِ الْمَاءِ وَحْدَهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَهُوَ مُخْطِئٌ وَكَاذِبٌ عَنْ الشَّيْخَيْنِ أَيْضًا فَإِنَّهُمَا لَمْ يُطْلِقَا مَا أَطْلَقَ بَلْ فَصَّلَا كَمَا قَدَّمْتُهُ عَنْهُمَا وَعَنْ غَيْرِهِمَا فِي الْبَابِ الرَّابِعِ وَاضِحًا مَبْسُوطًا وَقَوْلُهُ لَا حَاجَةَ بِنَا إلَى ذِكْرِهِ يُقَالُ عَلَيْهِ نَعَمْ لَا حَاجَةَ بِكَ إلَى ذَلِكَ بَلْ لَا يَجُوزُ لَك الْكَلَامُ فِيهِ لِأَنَّك لَا تَتَصَوَّرُ وَلَا تَتَأَهَّلُ لِفَهْمِهِ عَلَى أَنَّك أَسَأْتَ الْأَدَبَ وَجَهِلْتَ أَدَبَ الْفَتْوَى وَكَأَنَّكَ لَمْ تَطَّلِعْ عَلَى قَوْلِهِمْ يُكْرَهُ لِلْمُفْتِي أَنْ يَقْتَصِرَ فِي الْجَوَابِ عَلَى قَوْلِهِ فِيهِ قَوْلَانِ أَوْ وَجْهَانِ أَوْ خِلَافٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِجَوَابٍ صَحِيحٍ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَجْزِمَ بِالرَّاجِحِ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ انْتَظَرَ ظُهُورَهُ أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِفْتَاءِ كَمَا فَعَلَهُ كَثِيرُونَ. وَقَوْلُهُ وَلَيْسَ مِنْ مَقَامِنَا إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ وَأَنَّى لَك بِذَلِكَ وَأَنْتَ لَا تُحْسِنُ التَّعْبِيرَ عَنْ مُرَادِكَ بَلْ عَبَّرْتَ عَنْهُ بِمَا قَدْ يُؤَدِّي إلَى الْكُفْرِ فَلَوْ لَمْ تَجِبْ لَكَانَ خَيْرًا لَكَ وَلَسَلِمْتَ مِنْ هَذِهِ الْوَرْطَةِ الَّتِي وَقَعْتَ فِيهَا عَلَى أَنَّ كَلَامَكَ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُعْتَرَضُ عَلَى كَبِيرٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَا مُحَابَاةَ فِي الدِّينِ وَمِنْ الْقَوَاعِدِ اعْرِفْ الرِّجَالَ بِالْحَقِّ وَلَا تَعْرِفْ الْحَقَّ بِالرِّجَالِ وَقَدْ يُفْتَحُ عَلَى الصَّغِيرِ بِمَا لَمْ يُفْتَحْ بِهِ عَلَى الْكَبِيرِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ وَإِذَا كَانَتْ الْعُلُومُ مِنَحًا إلَهِيَّةً وَمَوَاهِبَ اخْتِصَاصِيَّةً فَلَيْسَ بِبَعِيدٍ أَنْ يُدَّخَرَ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مَا خَفَى عَلَى كَثِير مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَوْلُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ إلَخْ بُهْتَانٌ قَبِيحٌ فَقَدْ مَرَّتْ لَكَ عِبَارَتُهُ فِي الْبَابِ السَّادِسِ فَرَاجِعْهَا وَقَوْلُهُ وَلَعَلَّهُ لِسُوءِ فَهْمِي يُقَالُ عَلَيْهِ إنْ أَرَدْتَ بِذَلِكَ حَقِيقَتَهُ فَهُوَ الْوَاقِعُ كَمَا أَنْبَأَ عَنْكَ جَوَابُكَ هَذَا أَوْ التَّوَاضُعَ وَأَنْتَ لَسْتَ كَذَلِكَ فَقَدْ كَذَبْتَ وَمِنْ تِلْكَ الْأَجْوِبَةِ أَيْضًا قَوْلُ بَعْضِهِمْ مَا لَفْظُهُ إفْرَادُ الْمَاءِ الْجَارِي مِنْ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ عَيْنٍ بِالْبَيْعِ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَئِمَّتُنَا لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْع الْمَاءِ وَلِلْجَهْلِ بِقَدْرِهِ وَالْحِيلَةُ فِيمَنْ أَرَادَ شِرَاءَ ذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَ الْقَرَارَ مَثَلًا أَوْ سَهْمًا مِنْهُ فَإِذَا مَلَكَ ذَلِكَ كَانَ أَحَقَّ بِالْمَاءِ وَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ فِي مَسْأَلَتِنَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِلْجَهْلِ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ لِاخْتِلَاطِ الْمَوْجُودِ بِالْحَادِثِ وَلِعَدَمِ إمْكَانِ تَسْلِيمِهِ شَرْعًا. وَقَوْلُهُمْ مَثَلًا اشْتَرَى فُلَانٌ سَاعَةً أَوْ سَاعَتَيْنِ مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا لَا يُرَادُ مِنْهُ فِيمَا أَعْلَمُ فِي الْعَادَةِ بِمَكَّةَ إلَّا بَيْعُ الْمَاءِ مُقَدَّرًا بِزَمَنٍ وَلِهَذَا أَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْبُلْقِينِيُّ فِي صُورَتِهِ الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا بِعَدَمِ الصِّحَّةِ وَلَا يُنَافِي عَدَمَ الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَتِنَا قَوْلُهُ مِنْ قَرَارٍ لِأَنَّهُ بَيَانٌ لِمَحَلِّ الْمَبِيعِ فَهُوَ صِفَةٌ لِمَا قَبْلَهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وَأَمَّا احْتِمَالُ أَنْ يُرَادَ بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءَانِ مِنْ الْقَرَارِ وَكَوْنِ مِنْ قَرَارِ ظَرْفًا لَغْوًا وَمِنْ لِلتَّبْعِيضِ فَهُوَ وَإِنْ أَمْكَنَ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ جَعْلَ الزَّمَانِ الَّذِي هُوَ عَرَضٌ غَيْرُ قَارٍّ جُزْءًا مِنْ الْقَرَارِ الَّذِي هُوَ جِسْمٌ قَارٌّ مَعَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّنَافِي بَعِيدٌ جِدًّا يَنْبُو عَنْهُ اللَّفْظُ لَا سِيَّمَا وَصْفُ الْحِصَّةِ بِالسَّقِيَّةِ إذْ السَّقِيَّةُ هِيَ الْمَاءُ لَا الْجُزْءَانِ مِنْ الْقَرَارِ بَلْ الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ عِنْدَ مَنْ لَهُ أَدْنَى تَأَمُّلٍ فِي أَنَّ الْمَبِيعَ هُوَ الْمَاءُ الْمُقَدَّرُ بِسَاعَتَيْنِ وَعَلَى تَسْلِيمِ إرَادَةِ ذَلِكَ وَقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِيمَا يُرَادُ مِنْهُ عَادَةً فَالْبَيْعُ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا لِكَوْنِ الْقَرَارِ غَيْرَ مَرْئِيٍّ بَلْ وَلَا مَمْلُوكٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ. كَمَا ذَكَرَهُ عَالِمُ الْحِجَازِ فِي زَمَنِهِ فِي سُؤَالِهِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ الْبُلْقِينِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيْتِ أَدْرَى بِاَلَّذِي فِيهِ وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى بَيْعِ الصُّبْرَةِ فَلَا وَجْهَ لَهُ فِيمَا ظَهَرَ لِي اهـ وَفِيهِ وُجُوهٌ مِنْ التَّنَاقُضِ وَالْفَسَادِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ وَالْحِيلَةُ إلَخْ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ الْآتِي إنَّ الْقَرَارَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ إذْ بَيْنَهُمَا تَنَاقُضٌ صَرِيحٌ فَإِنَّهُ حَكَمَ عَلَى الْقَرَارِ هُنَا بِأَنَّهُ يُشْتَرَى وَفِيمَا يَأْتِي زَعَمَ أَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَفَسَادُ هَذَا لَا يَخْفَى عَلَى أَصَاغِرِ الْمُتَعَلِّمِينَ فَعَجِيبٌ كَيْف خَفَى عَلَى هَذَا الَّذِي يُنَصِّبَ نَفْسَهُ لِلْإِفْتَاءِ لَكِنَّهُ كَسَابِقِيهِ أَظْهَرَ

اللَّهُ فَضِيحَةَ كُلٍّ مِنْهُمْ عَلَى لِسَانِهِ وَبَنَانِهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِمْ بِالْجَهْلِ وَعَدَمِ التَّأَهُّلِ لِهَذَا الْمَنْصِبِ الْخَطِيرِ. فَإِنْ قُلْتَ يُمْكِنْ أَنْ يُتَمَحَّلَ لَهُ عُذْرٌ وَإِنْ الْتَجَمَ وَخَرِسَ لَمَّا بَلَغَهُ هَذَا الِاعْتِرَاضُ وَهُوَ أَنَّ كَلَامَهُ هُنَا فِي مُطْلَقِ الْقَرَارِ وَفِيمَا يَأْتِي فِي قَرَارِ عُيُونِ مَكَّةَ قُلْتُ إنْ أَرَادَ أَنَّ مُطْلَقَ الْقَرَارِ مَمْلُوكٌ إلَّا قَرَارَ عُيُونِ مَكَّةَ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ كَانَ ذَلِكَ خَطَأً قَبِيحًا أَيْضًا لِأَنَّ كَلَامَهُمْ الَّذِي قَدَّمْتُهُ فِي الْبَابِ السَّادِسِ وَغَيْرِهِ مُوَضَّحًا مَبْسُوطًا يُبْطِلُهُ وَيَرُدُّهُ فَرَاجِعْهُ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْقَرَارَ تَارَةً يُمَلَّكُ وَتَارَةً لَا يُمَلَّكُ وَفِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ عُيُونِ الْحِجَازِ وَغَيْرِهَا عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ هُنَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ مُرَادَهُ مَا يَشْمَلُ قَرَارَ عُيُونِ الْحِجَازِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ وَالْحِيلَةُ إلَخْ فَائِدَةٌ لِأَنَّ الِاسْتِفْتَاءَ فِي عُيُونِ الْحِجَازِ. فَإِذَا كَانَ قَرَارُهَا عِنْدَهُ لَا يُمَلَّكُ فَكَيْفَ يَعْلَمُ الْمُسْتَفْتَى حِيلَةً لَا يُمْكِنُهُ الْعَمَلُ بِهَا أَيْضًا فَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ تَخْصِيصَ الْحِيلَةِ بِغَيْرِ عُيُونِ الْحِجَازِ بَطَلَ قَوْلُهُ وَإِذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ فِي مَسْأَلَتِنَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ مَا قَدَّمَهُ إذَا كَانَ مَفْرُوضًا فِي غَيْرِ عُيُونِ الْحِجَازِ فَكَانَ يُعْلَمُ مِنْهُ حُكْمَ عُيُونِ الْحِجَازِ وَإِذْ قَدْ ظَهَرَ لَكَ أَنَّ كَلَامَهُ هَذَا مُصَرِّحٌ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِهِ مَا يَشْمَلُ عُيُونَ مَكَّةَ ظَهَرَ لَكَ وُقُوعُهُ فِي وَرْطَةِ التَّنَاقُضِ الصَّرِيحِ وَالتَّهَافُتِ الْقَبِيحِ وَكَانَ الْمَوْقِعُ لَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ كَلَامَهُمْ فِي الْقَرَارِ لِأَنَّ فِيهِ شِبْهَ تَنَاقُضٍ كَمَا قَدَّمْتُهُ لَكَ وَاضِحًا مَعَ الْجَوَابِ عَنْهُ فَلَمَّا لَمْ يَفْهَمْ ذَلِكَ وَلَمْ يَتَحَصَّلْ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ تَكَلَّمَ فِيهِ بِهَوَسِهِ فَذَكَرَ أَوَّلَ جَوَابِهِ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ يُشْتَرَى وَأَنَّهُ الَّذِي تَتِمُّ بِهِ الْحِيلَةُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَاءِ ثُمَّ ذَكَرَ آخِرَ جَوَابِهِ أَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَقَوْلُهُ كَانَ أَحَقَّ بِالْمَاءِ خَطَأٌ قَبِيحٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْقَرَارِ الْمَنْبَعَ الْمَمْلُوكَ بَطَلَ قَوْلُهُ كَانَ أَحَقَّ بِالْمَاءِ لِتَصْرِيحِهِمْ السَّابِقِ فِي الْبَابِ الْخَامِسِ وَغَيْرِهِ بِأَنَّ مَنْ مَلَكَهُ مَلَكَ الْمَاءَ. وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْمَنْبَعَ الَّذِي لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ بَطَلَ قَوْلُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْقَرَارَ وَقَوْلُهُ كَانَ أَحَقَّ بِالْمَاءِ لِأَنَّ الْمَنْبَعَ إذَا كَانَ غَيْرَ مَمْلُوكٍ لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَحَقَّ بِمَائِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَقَدَّمْتُهُ ثُمَّ أَيْضًا وَإِنْ أَرَادَ بِالْقَرَارِ الْمَحَلَّ الَّذِي يَصِلُ إلَيْهِ الْمَاءُ وَيَسْتَقِرُّ فِيهِ بَطَلَتْ حِيلَتُهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَهُ حِيلَةً لِاسْتِحْقَاقِ الْمَاءِ الْجَارِي وَإِنْ أَرَادَ بِالْقَرَارِ الْمَجْرَى احْتَاجَ إلَى قَرِينَةٍ لِأَنَّ الْبُلْقِينِيُّ فِي جَوَابِهِ الَّذِي اعْتَمَدَهُ هَذَا الْمُجِيبُ وَأَضَرَّ بِهِ خَصَّ الْقَرَارَ بِالْمَنْبَعِ أَوْ بِمَا يَصِلُ إلَيْهِ الْمَاءُ وَيَسْتَقِرُّ فِيهِ أَيْضًا فَهَذِهِ الْإِرَادَةُ يُبْطِلُهَا قَوْلُ الْبُلْقِينِيُّ الَّذِي اعْتَمَدَهُ هُوَ وَأَضَرَّ بِهِ جُمُودًا عَلَى ظَاهِرِهِ وَالْحِيلَةُ أَنْ يَقَعَ الْبِيَعُ عَلَى الْقَرَارِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ فَتَأَمَّلْ هَذَا الْفَسَادَ وَالتَّنَاقُضَ الْوَاقِعَ لِهَذَا الْمُجِيبِ فِي أَقَلِّ مِنْ سَطْرٍ وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي عَبَّرُوا بِهِ فِي الْحِيلَةِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْقَنَاةَ أَوْ جُزْءًا مِنْهَا فَيَكُونَ أَحَقَّ بِالْمَاءِ وَهَذَا تَعْبِيرٌ صَحِيحٌ وَلَمَّا لَمْ يَفْهَمْ هَذَا الْمُجِيبُ الْفَرْقَ بَيْنَ التَّعْبِيرِ بِالْقَنَاةِ وَالتَّعْبِيرِ بِالْقَرَارِ وَلَا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِمَّا تَقَرَّرَ عَبَّرَ بِالْقَرَارِ تَابِعًا لِلْبُلْقِينِيِّ فِي تَعْبِيرِهِ بِهِ فِي حِيلَتِهِ وَبِقَوْلِهِ كَانَ أَحَقَّ بِالْمَاءِ تَابِعًا لَهُمْ فِي تَعْبِيرِهِمْ بِهِ فِي حِيلَتِهِمْ فَجَعَلَ حِيلَتَهُ مُلَفَّقَةً مِنْ حِيلَةِ الْبُلْقِينِيُّ وَحِيلَتِهِمْ فَوَقَعَ فِي وَرْطَةِ الْفَسَادِ وَالتَّنَاقُضِ. وَهَذَا شَأْنُ مَنْ يُلَفِّقُ كَلِمَاتٍ مِنْ عِبَارَاتٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَأَمَّلَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ التَّلْفِيقِ مِنْ الْفَسَادِ إذْ الْقَرَارُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ السَّابِقَيْنِ حَقِيقَةً وَعَلَى الْمَجْرَى تَجَوُّزًا فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَنْبَعُ الْمَمْلُوكُ كَانَ مِلْكُهُ مُسْتَلْزِمًا لِمِلْكِ الْمَاءِ وَهُوَ مَا أَرَادَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِحِيلَتِهِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْأَخِيرَانِ كَانَ مِلْكُهُ غَيْرَ مُسْتَلْزِمٍ لِمِلْكِ الْمَاءِ لَكِنَّهُ يَكُونُ سَبَبًا لِكَوْنِهِ أَحَقَّ بِهِ وَهُوَ مَا أَرَادُوهُ بِحِيلَتِهِمْ وَلِذَا لَمَّا عَبَّرُوا بِالْقَنَاةِ وَنَحْوِهَا عَبَّرُوا بِأَحَقِّيَّةِ الْمَاءِ فَلَوْ تَبِعَهُمْ فِي التَّعْبِيرِ بِالْقَنَاةِ أَوْ الْمَجْرَى لَسَلِمَ مِنْ هَذِهِ الْوَرْطَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40] وَقَوْلُهُ إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَالْبَيْعُ فِي مَسْأَلَتِنَا غَيْرُ صَحِيحٍ إلَخْ فَاسِدٌ لِأَنَّ مَا قَدَّمَهُ لَا يُفِيدُ عَدَمَ الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَتِهِ وَإِنَّمَا الَّذِي يُفِيدُهُ عَلَى زَعْمِهِ مَا سَنَذْكُرُهُ وَقَوْلُهُ لَا يُرَادُ مِنْهُ فِيمَا أَعْلَمُ فِي الْعَادَةِ بِمَكَّةَ إلَّا بَيْعَ الْمَاءِ مُقَدَّرًا بِزَمَنٍ يُقَالُ عَلَيْهِ كَأَنَّ هَذَا الْمُجِيبَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى آدَابِ الْمُفْتِي وَإِلَّا لَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ إذْ مِنْهَا أَنْ لَا يَكْتُبَ فِي الْوَاقِعَةِ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ بَلْ عَلَى مَا فِي السُّؤَالِ أَوْ يَقُولَ إنْ كَانَ كَذَا فَحُكْمُهُ كَذَا. فَعَلِمَ أَنَّ جَزْمَهُ بِهَذِهِ الدَّعْوَى وَتَرْتِيبَهُ بَقِيَّةَ جَوَابِهِ عَلَيْهَا خَطَأٌ فَاحِشٌ حَمَلَهُ عَلَيْهِ

مَزِيدُ التَّعَصُّبِ لِصَدِيقِهِ الْقَائِلِ هُوَ عَنْهُ إنَّهُ أَلْزَمَهُ بِالْكِتَابَةِ عَلَى هَذَا السُّؤَالِ فَلَمْ يَسَعْهُ التَّخَلُّفُ وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ قَطُّ كِتَابَةٌ عَلَى سُؤَالٍ وَبِحَمْدِ اللَّهِ أَئِمَّةُ الدِّينِ مُتَوَفِّرُونَ قَائِمُونَ بِحِفْظِهِ وَرَدْعِ مَنْ عَانَدَ أَوْ تَعَصَّبَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ لَهُ تَسْلِيمُ مَا زَعَمَهُ فَالِاحْتِجَاجُ هُنَا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالْعَادَةِ وَقْتَ كِتَابَتِهِ وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ بِالْعُرْفِ الْمُطَّرِدِ حَالَ وُقُوعِ الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ فَإِنْ قَالَ يُسْتَدَلُّ بِوُجُودِهَا الْآنَ عَلَى وُجُودِهَا فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ قُلْنَا لَهُ هَذَا مِنْ الِاسْتِصْحَابِ الْمَقْلُوبِ وَفِيهِ مِنْ الْمَبَاحِثِ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَإِلَّا لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ وَجْهَ تَخْرِيجِ مَا زَعَمَهُ عَلَى تِلْكَ الْقَاعِدَةِ وَيَنْظُرَ هَلْ يُنْتَجُ لَهُ مَا ذَكَرَهُ أَوْ لَا وَعَلَى تَسْلِيمِ وُجُودِ تِلْكَ الْعَادَةِ وَأَنَّ الِاسْتِصْحَابَ الْمَقْلُوبَ حُجَّةٌ فَفِي أَيِّ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ لَفْظَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إذَا تَرَدَّدَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ وَهُوَ لَا يُرَادُ مِنْهُ فِي الْعَادَةِ إلَّا فِي أَحَدِهِمَا وَنَوَيَا الْمَعْنَى الْآخَرَ قُدِّمَ مَا يُرَادُ مِنْهُ عَادَةً عَلَى مَا نَوَيَاهُ سَوَاءٌ كَانَ مُصَحَّحًا أَوْ مُبْطَلًا. فَإِنْ أَتَى هَذَا الْمُجِيبُ بِذَلِكَ مِنْ كِتَابٍ فَهُوَ مُتَشَبِّثٌ فِيمَا قَالَهُ هُنَا وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ مِنْ كِتَابٍ فَهُوَ مُجَازِفٌ مُتَهَوِّرٌ وَلَا يَدْرِي مَا يَقُولُ وَلَا يَعْلَمُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ مَا فِيهِ مَقْنَعٌ فِي مَبْحَثِ الْعُرْفِ فِي الْعُقُودِ فَرَاجِعْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ عَلَى أَنَّ مَا زَعَمَهُ مِنْ الْعَادَةِ الْمَذْكُورَةِ بَاطِلٌ إذْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ عُيُونِ مَكَّةَ يَمْلِكُ مَاءً مُجَرَّدًا عَنْ الْقَرَارِ قَطُّ بَلْ كُلُّ مَنْ مَلَكَ الْمَاءَ مَلَكَ قَرَارَهُ بِحَيْثُ إنَّ ذَيْلَ الْعَيْنِ وَمَجْرَاهَا وَمَنْبَعَهَا إذَا خَرِبَ وَتَنَازَعَ الشُّرَكَاءُ فِي عِمَارَتِهَا عَمَرُوهَا عَلَى حَسَبِ مِلْكِهِمْ لِلْمَاءِ وَلَوْ رَفَعُوا الْأَمْرَ إلَى قَاضٍ أَوْ أَمِيرٍ بِمَكَّةَ لَحَكَمَ بَيْنَهُمْ بِذَلِكَ وَأَيْضًا بَعْضُ عُيُونِ أَوْدِيَةِ مَكَّةَ الْآنَ خَرَابٌ لَا يَجْرِي فِيهَا مَاءٌ مِنْ مُنْذُ سِنِينَ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ الثِّقَاتِ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ هَذِهِ الْعَيْنِ أَجْزَاءً وَأَنَّ صُورَةَ مُشْتَرَاهَا اشْتَرَى فُلَانٌ سَاعَةً مَثَلًا مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا فَانْظُرْ إلَى إيقَاعِهِمْ لَفْظَ السَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ عَلَى عَيْنٍ لَا مَاءَ فِيهَا وَهَذَا أَدُلُّ دَلِيلٍ وَأَعْدَلُ شَاهِدٍ عَلَى بُطْلَانِ مَا زَعَمَهُ هَذَا الْمُجِيبُ أَنَّ الْعَادَةَ أَنَّهُ لَا يُرَادُ إلَّا الْمَاءُ الْمُقَدَّرُ بِزَمَنٍ. وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا أَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ مَا أَفْتَى بِهِ عَلَى بَعْضِ الْأَحْوَالِ الثَّمَانِيَةِ الَّتِي قَرَّرْتُهَا لَكَ فِي الْأَبْوَابِ الْأَرْبَعَةِ الْأَوَّلِ السَّابِقَةِ مُبَيَّنَةٌ مُفَصَّلَةٌ بِدَلَائِلِهَا مِنْ كَلَامِهِمْ فَرَاجِعْ ذَلِكَ وَزِدْ مِنْ تَأَمُّلِهِ حَتَّى يَظْهَرَ لَكَ فَسَادُ مَا جَمُدَ عَلَيْهِ هَذَا الْمُجِيبُ وَأَضْرَابُهُ مِنْ الْأَخْذِ بِظَاهِرِ إفْتَاءِ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ فِيهِ وَلَا إحَاطَةٍ بِشَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّى لَهُمْ بِذَلِكَ وَلَمْ يَتَأَهَّلُوا لِفَهْمِ الظَّوَاهِرِ فَضْلًا عَنْ هَذِهِ الْمَضَايِقِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ بَيَانٌ لِمَحَلِّ النَّبْعِ إلَخْ يُقَال عَلَيْهِ لَيْتَكَ لَمْ تَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ لِأَنَّكَ إذَا خَلَطْتَ فِيهِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِ النَّحْوِ الَّذِي لَكَ فِيهِ نَوْعُ تَمْيِيزٍ كُنْتَ بِالتَّخْلِيطِ فِي غَيْرِهِ أَحَقَّ وَأَوْلَى وَبَيَانُ التَّخْلِيطِ فِي ذَلِكَ أَنَّ عِبَارَتَهُ فِي أَنَّ مِنْ هُنَا لِلْبَيَانِ وَهَذَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ فَسَادٌ أَيَّ فَسَادٍ وَهُوَ أَنَّ مَا بَعْدَ مِنْ عَيْنُ مَا قَبْلَهَا فَيَكُونُ الْمَاءُ عَيْنَ الْقَرَارِ وَهَذَا لَا يَتَوَهَّمُهُ عَاقِلٌ فَكَيْفَ يُحْمَلُ كَلَامُ الْعُقَلَاءِ وَمِنْ جُمْلَتِهِمْ الْمُتَعَاقِدَانِ عَلَيْهِ فَإِنْ قَالَ لَا يُرَدُّ عَلَى هَذَا الِاعْتِرَاضِ إلَّا لَوْ قُلْتُ إنَّهَا بَيَانٌ لِلْمَبِيعِ. وَلَمْ أُعَبِّرْ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا عَبَّرْتُ بِأَنَّهَا بَيَانٌ لِمَحَلِّ الْمَبِيعِ فَلَا يُرَدُّ عَلَى ذَلِكَ قُلْنَا لَهُ إنَّمَا أَخْرَجْنَا عِبَارَتَكَ عَنْ ظَاهِرِهَا حَتَّى يَصِحَّ تَعْبِيرُكَ بِأَنَّ مِنْ لِلْبَيَانِ وَأَمَّا إذَا أَبْقَيْنَا عِبَارَتَكَ عَلَى ظَاهِرِهَا فَجَعْلُكَ مِنْ لِلْبَيَانِ فِيهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّكَ لَمْ تَسْتَحْضِرْ مَعْنَى مِنْ الْبَيَانِيَّةِ وَإِلَّا لَمْ تَجْعَلْهَا بَيَانًا لِلْمَحَلِّ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ هُنَا عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَفِي الرِّضَا عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلِلتَّبْيِينِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ} [الحج: 30] وَتَعْرِفُهَا بِأَنْ يَكُونَ قَبْلَ مِنْ أَوْ بَعْدَهَا مُبْهَمٌ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ الْمَجْرُورُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْمُبْهَمِ كَمَا يُقَالُ مَثَلًا لِلرِّجْسِ إنَّهُ الْأَوْثَانُ وَلِعِشْرِينَ أَنَّهَا الدَّرَاهِمُ وَلِلضَّمِيرِ فِي قَوْلِكَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ أَنَّهُ الْقَائِلُ بِخِلَافِ التَّبْعِيضِيَّةِ فَإِنَّ الْمَجْرُورَ بِهَا لَا يُطْلَقُ عَلَى مَا هُوَ مَذْكُورٌ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَذْكُورَ بَعْضُ الْمَجْرُورِ وَاسْمُ الْكُلِّ لَا يَقَعُ عَلَى الْبَعْضِ فَإِذَا قُلْتَ عِشْرُونَ مِنْ الدَّرَاهِمِ فَإِنْ أَشَرْتَ بِالدَّرَاهِمِ إلَى دَرَاهِمَ مُعَيَّنَةٍ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ فَمِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ لِأَنَّ الْعِشْرِينَ بَعْضُهَا وَإِنْ قَصَدْتَ بِالدَّرَاهِمِ جِنْسَ الدَّرَاهِمِ فَمِنْ مُبَيِّنَةٌ لِصِحَّةِ إطْلَاقِ اسْمِ

الْمَجْرُورِ عَلَى الْعِشْرِينَ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ فِي نَحْوِ أَخَذْتُ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ تُصَرِّحَ وَتَقُولَ أَخَذْتُ مِنْ الثَّلَاثِينَ عِشْرِينَ وَمِنْ الْعَشَرَةِ تِسْعَةً. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ كَوْنُهَا لِلتَّبْيِينِ رَاجِعٌ إلَى مَعْنَى الِابْتِدَاءِ وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ هِيَ الْعِشْرُونَ فِي قَوْلِكَ عِشْرُونَ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ مَبْدَأَ نَفْسِهِ وَكَذَلِكَ الْأَوْثَانُ نَفْسُ الرِّجْسِ فَلَا تَكُونُ مَبْدَأً لَهُ وَإِنَّمَا جَازَ تَقْدِيمُ مِنْ الْمُبَيِّنَةِ عَلَى الْمُبْهَمِ فِي نَحْوِ قَوْلِكَ أَنَا مِنْ حَظِّهِ فِي رَوْضَةٍ وَمِنْ رِعَايَتِهِ فِي حَرَمٍ وَعِنْدِي مِنْ الْمَالِ مَا يَكْفِي وَمِنْ الْخَيْلِ عِشْرُونَ لِأَنَّ الْمُبْهَمَ الَّذِي فُسِّرَ بِمِنْ التَّبْيِينِيَّةِ مُقَدَّمٌ تَقْدِيرًا كَأَنَّكَ قُلْتَ أَنَا فِي شَيْءٍ مِنْ حَظِّهِ فِي رَوْضٍ وَعِنْدِي شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ مَا يَكْفِي وَكَذَا قَوْلُكَ يُعْجِبُنِي مِنْ زَيْدٍ كَرَمُهُ أَيْ مِنْ خِصَالِ زَيْدٍ كَأَنَّكَ قُلْتَ يُعْجِبُنِي شَيْءٌ مِنْ خِصَالِ زَيْدٍ كَرَمُهُ وَمِثْلُهُ كُسِرَتْ مِنْ زَيْدٍ يَدُهُ أَيْ شَيْءٌ مِنْ أَعْضَاءِ زَيْدٍ يَدُهُ فَفِي جَمِيعِ هَذَا مَا هُوَ الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ مَعْطُوفٌ وَاَلَّذِي بَعْدَ (مِنْ) عَطْفُ بَيَانٍ لَهُ كُلُّ ذَلِكَ لِيَحْصُلَ الْبَيَانُ بَعْد الْإِبْهَامِ لِأَنَّ مَعْنَى يُعْجِبُنِي مِنْ زَيْدٍ شَيْءٌ أَيْ شَيْءٌ مِنْ أَشْيَائِهِ بِلَا رَيْبٍ فَإِذَا قُلْتَ وَجْهُهُ أَوْ كَرَمُهُ فَقَدْ بَيَّنْتَ ذَلِكَ الشَّيْءَ اهـ فَتَأَمَّلْهُ تَعْلَمُ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِمِنْ هُنَا أَنَّهَا بَيَانٌ لِمَا قَبْلَهَا كَانَ فَاسِدًا كَمَا مَرَّ. وَكَذَا إنْ أَرَادَ بِهَا أَنَّهَا بَيَانٌ لِمَحَلِّ الْبَيْعِ لِمَا عَلِمْتَ مِنْ تَعْرِيفِ مِنْ الْبَيَانِيَّةِ لِأَنَّ مَحَلَّ الَّذِي أَرَادَ بَيَانَهُ هُنَا لَيْسَ مَذْكُورًا بَعْدَ مِنْ مَعَ مَجْرُورِهَا وَلَا قَبْلَهَا فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَيَانًا لَهُ وَدَعْوَى أَنَّهُ بَيَانٌ لَهُ يُنْبِئُ عَنْ جَهْلِ مُدَّعِيهَا وَتَأَمَّلْ رَدَّ الرَّضِيِّ لِكَلَامِ الزَّمَخْشَرِيِّ تَعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي مِنْ هُنَا أَنْ تَكُونَ لِلِابْتِدَاءِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ وَإِيضَاحُ مَا فِي الرَّضِيِّ أَيْضًا مَا حَاصِلُهُ مَعَ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ أَنَّ مَعْنَى الِابْتِدَاءِ فِي مِنْ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الْمُتَعَدِّي بِمِنْ الِابْتِدَائِيَّةِ شَيْئًا مُمْتَدًّا كَالسَّيْرِ وَالْمَشْيِ وَيَكُونُ الْمَجْرُورُ بِمِنْ الشَّيْءَ الَّذِي مِنْهُ ابْتِدَاءُ ذَلِكَ الْفِعْلِ نَحْو سِرْتُ مِنْ الْبَصْرَةِ أَوْ يَكُونَ الْفِعْلُ الْمُتَعَدِّي بِهَا أَصْلًا لِلشَّيْءِ الْمُمْتَدِّ نَحْوَ تَبَرَّأْتُ مِنْ فُلَانٍ إلَى فُلَانٍ وَخَرَجْتُ مِنْ الدَّارِ لِأَنَّ الْخُرُوجَ الِانْفِصَالُ وَلَوْ بِأَقَلَّ مِنْ خُطْوَةٍ فَالتَّبَرُّؤُ وَالْخُرُوجُ أَصْلَانِ لِلِانْفِصَالِ الْمُمْتَدِّ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ تَكُنْ لِلِابْتِدَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى {أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} [التوبة: 108] {نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] لِأَنَّ التَّأْسِيسَ وَالنِّدَاءَ لَيْسَا حَدَثَيْنِ مُمْتَدَّيْنِ وَلَا أَصْلَيْنِ لِلْمَعْنَى الْمُمْتَدِّ بَلْ هُمَا حَدَثَانِ وَاقِعَانِ فِيمَا بَعْدَ مِنْ. وَهَذَا مَعْنَى فِي فَمِنْ فِي الْآيَتَيْنِ بِمَعْنَاهَا وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَمِنْ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ لِلِابْتِدَاءِ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُتَعَدِّي بِهَا وَهُوَ اشْتَرَى لَيْسَ حَدَثًا مُمْتَدًّا وَلَا أَصْلًا لِمَعْنًى مُمْتَدٍّ فَهُوَ كَالتَّأْسِيسِ وَالنِّدَاءِ فِي الْآيَتَيْنِ. نَعَمْ قَالَ الْمُبَرِّدُ وَعَبْدُ الْقَاهِرِ وَالزَّمَخْشَرِيُّ إنَّ أَصْلَ مِنْ الْمُبَعِّضَةِ ابْتِدَاءُ الْغَايَةِ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ فِي قَوْلِكَ أَخَذْتُ مِنْ الدَّرَاهِمِ مَبْدَأُ الْأَخْذِ فَعَلَيْهِ يَصِحُّ إرَادَةُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا وَلَيْتَ هَذَا الْمُجِيبَ تَعَسَّفَ وَجَعَلَ مِنْ بِمَعْنَى فِي فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ هَذَا الْفَسَادُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَزِمَهُ لَمَّا جَعَلَهَا لِلْبَيَانِ وَإِذَا بَطَلَ مَا زَعَمَهُ مِنْ أَنَّهَا لِلْبَيَانِ وَمَا زَعَمَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَنَّهَا لِمَحْضِ الِابْتِدَاءِ تَعَيَّنَ أَنَّهَا لِلتَّبْعِيضِ كَمَا قَدَّمْتُهُ أَوَائِلَ الْكِتَابِ لِصِدْقِ حَدِّ مِنْ التَّبْعِيضِيَّةِ عَلَى مِنْ هَذِهِ بِاعْتِبَارِ التَّجَوُّزِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي الْبَحْرِ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ إنَّ مِنْ لِبَيَانِ الْجِنْسِ وَتُقَدَّرُ بِالْمَوْصُولِ عِنْدَهُمْ أَيْ الرِّجْسِ الَّذِي هُوَ الْأَوْثَانُ وَمَنْ أَنْكَرَ كَوْنَهَا لِبَيَانِ الْجِنْسِ جَعَلَهَا لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ فَكَأَنَّهُ نَهَاهُمْ عَنْ الرِّجْسِ عَامًّا ثُمَّ بَيَّنَ لَهُمْ مَبْدَأَهُ إذْ عِبَادَةُ الْوَثَنِ جَامِعَةٌ لِكُلِّ فَسَادٍ وَرِجْسٍ وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَكُونُ النَّهْيُ عَنْ سَائِرِ الْأَرْجَاسِ مِنْ مَوْضِعٍ غَيْرِ هَذَا قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ. وَمَنْ قَالَ أَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ قَبْلَ مَعْنَى الْآيَةِ فَأَفْسَدَهُ وَقَدْ يُمْكِنُ التَّبْعِيضُ فِيهَا بِأَنَّ مَعْنَى الرِّجْسِ عِبَادَةُ الْوَثَنِ كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ فَاجْتَنِبُوا مِنْ الْأَوْثَانِ الرِّجْسَ وَهُوَ الْعِبَادَةُ إذْ هِيَ الْمُحَرَّمَةُ مِنْهَا وَقَوْلُهُ فَهُوَ صِفَةٌ لِمَا قَبْلَهُ يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا مِمَّا يُصَرِّحُ بِأَنَّهُ بَيَانٌ لِمَا قَبْلَهُ وَأَنَّهُ لَيْسَ بَيَانًا لِمَحَلِّ الْمَبِيعِ فَوَقَعَ فِي التَّنَاقُضِ وَالْفَسَادِ ثُمَّ إنَّهُ إنْ أَرَادَ بِأَنَّهُ حَالٌ لَا صِفَةٌ وَلَا يُقَالُ الْحَالُ وَصْفٌ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّ هَذَا اعْتِنَاءٌ لَا يُقَالُ فِيمَنْ هُوَ فِي مَقَامِ الْإِفْصَاحِ عَنْ مَعْرِفَتِهِ بِالنَّحْوِ وَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا فَلَقَدْ أَفْصَحَ

وَبَيَّنَ وَلَيْسَتْ أَلْ فِي الْحِصَّةِ هُنَا لِوُقُوعِهَا عَلَى مُعَيَّنٍ مِثْلِهَا فِي اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي كَمَا لَا يَخْفَى وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهَا صِفَةٌ لِقَدْرِهَا أَوْ لِسَاعَتَيْنِ كَانَ أَظْهَرَ فِي الْمُرَادِ لِأَنَّ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ لَيْسَ وَصْفًا لِقَدْرٍ وَلَا لِسَاعَةٍ لِأَنَّهُمَا بِزَعْمِهِ لَمْ يُذْكَرَا إلَّا لِبَيَانِ أَنَّ الْمَبِيعَ مُقَدَّرٌ بِزَمَنٍ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ وَصْفُهُمَا بِالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ الْمَذْكُورِ وَقَوْلُهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ صِفَةٌ لِسَاعَتَيْنِ أَوْ لِقَدْرٍ إذْ لَا يُتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ إلَّا حِينَئِذٍ. بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ صِفَةً لِجَمِيعِ أَوْ لِلْحِصَّةِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِاشْتَرَى الْمَذْكُورُ لَا بِمَحْذُوفٍ وَحِينَئِذٍ ظَهَرَ لَكَ تَنَاقُضُ كَلَامِهِ لِأَنَّ مِنْ قَرَارٌ إذَا كَانَ وَصْفًا لِقَدْرٍ أَوْ لِسَاعَةٍ وَكَانَتْ مِنْ فِيهِ لِلْبَيَانِ لَزِمَهُ أَنَّ الْقَدْرَ أَوْ السَّاعَتَيْنِ هُوَ عَيْنُ الْقَرَارِ وَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا مَرَّ ثُمَّ كَلَامُهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مِنْ الْبَيَانِيَّةَ لَا يَكُونُ ظَرْفُهَا إلَّا مُسْتَقِرًّا وَمِنْ التَّبْعِيضِيَّةَ لَا يَكُونُ ظَرْفُهَا إلَّا لَغْوًا وَهُوَ بَاطِلٌ وَادِّعَاءُ ذَلِكَ أَوْ كِتَابَةُ مَا يُفْهِمُهُ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى الْجَهْلِ وَالتَّهَوُّرِ فِيهِ إذْ مِنْ الشَّائِعِ الذَّائِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْ هَذَيْنِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا مُسْتَقِرًّا فَفِي الرَّضِيِّ وَمِثَالُ التَّبْعِيضِ أَخَذْتُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالْمَفْعُولُ الصَّرِيحُ مَحْذُوفٌ أَيْ أَخَذْتُ مِنْ الدَّرَاهِمِ شَيْئًا. وَإِذَا لَمْ تَذْكُرْ الْمَفْعُولَ الصَّرِيحَ أَوْ ذَكَرْتَهُ مُعَرَّفًا نَحْوَ أَخَذْتُ مِنْ الدَّرَاهِمِ هَذَا فَمِنْ مُتَعَلِّقٌ بِأَخَذْتُ لَا غَيْرُ لِأَنَّهُ يُقَامُ مُقَامَ الْمَفْعُولِ نَحْوَ أَخَذْتُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّرَاهِمُ مَأْخُوذٌ مِنْهَا وَلَوْ ذَكَرْتَهُ بَعْدَ الْمَفْعُولِ الْمُنَكَّرِ نَحْوَ أَخَذْتُ شَيْئًا مِنْ الدَّرَاهِمِ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْجَارُّ مُتَعَلِّقًا بِالْفِعْلِ الْمَذْكُورِ وَأَنْ يَكُونَ صِفَةً لِ (شَيْئًا) فَيَتَعَلَّقَ بِمَحْذُوفٍ أَيْ شَيْئًا كَائِنًا مِنْ الدَّرَاهِمِ فَيَجُوزُ إذَا تَقَدَّمَ عَلَى النَّكِرَةِ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ النَّكِرَةِ الْمَوْصُوفَةِ قَالَ تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103] أَوْ صِفَةً نَحْوَ أَخَذْتُ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَيْ مِنْ الدَّرَاهِم شَيْئًا اهـ وَكَلَامُهُ هَذَا صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنَّ ظَرْفَ التَّبْعِيضِيَّةِ يَصِحُّ أَنْ يَكُون لَغْوًا وَأَنْ يَكُونَ مُسْتَقِرًّا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَأَمْعِنْ النَّظَرَ فِيهِ لِيَظْهَرَ لَكَ مَا ارْتَكَبَهُ هَذَا الْمُجِيبُ مِنْ الْقَبَائِحِ وَالْمُجَازَفَاتِ سِيَّمَا فِي عِلْمِهِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نَوْعُ تَمْيِيزٍ إلَّا فِيهِ وَلَقَدْ وَقَعَ لِلْقَاضِي أَفْضَلِ الدِّينِ الْخُونَجِيِّ الْعَلَامَةِ فِي الْمَنْطِقِ الْمُتَمَيِّزِ فِيهِ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ بِنَظِيرِهِ فِي بَقِيَّةِ الْعُلُومِ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَنْطِقَهُ فِي حَدِّ التَّرِكَةِ فَزَيَّفَهُ بَعْضُ مُحَقِّقِي الْفُقَهَاءِ طَرْدًا وَعَكْسًا ثُمَّ قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ صِنَاعَاتٍ جَدَلِيَّةً لَكِنْ حَمَلَنَا عَلَى ذِكْرِهَا أَنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يَسْتَعْمِل فِي الْفِقْهِ صِنَاعَتَهُ فَأَحْبَبْنَا مُعَارَضَتَهُ أَيْ بِنَفْسِ صِنَاعَتِهِ اهـ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ التَّمَيُّزِ فِي الْفِقْهِ عَلَى وَجْهِ التَّمَيُّزِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْعُلُومِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ التَّمَيُّزِ فِي بَعْضِهَا التَّمَيُّزُ فِي الْفِقْهِ بَلْ وَلَا التَّأَهُّلُ لِفَهْمِ ظَوَاهِرِهِ فَضْلًا عَنْ حَقَائِقِهِ فَافْهَمْ ذَلِكَ وَلَا يَعْزُبْ عَنْكَ قَوْلُ الْفَارُوقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قَصَصِ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ الْكَلَامُ لَكِ يَا جَارَةُ فَاسْمَعِي وَعِي وَقَوْلُهُ لَا يَخْفَى أَنَّ جَعْلَ الزَّمَانِ الَّذِي هُوَ عَرَضٌ غَيْرُ قَارٍّ جُزْءًا مِنْ الْقَرَارِ الَّذِي هُوَ جِسْمٌ قَارٌّ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ تَعَجُّبًا مِنْ قَبِيحِ خَطَئِهِ وَزَلَلِهِ {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16] لِأَنَّهُ إذَا فُرِضَ احْتِمَالُ أَنْ يُرَادَ بِالسَّاعَتَيْنِ جُزْءَانِ مِنْ الْقَرَارِ فَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا فِيهِ جَعْلُ الزَّمَانِ جُزْءًا مِنْ الْجِسْمِ لِأَنَّا إذَا اسْتَعْمَلْنَا السَّاعَتَيْنِ مُرَادًا بِهِمَا الْجُزْءُ لَمْ يَدُلَّا حِينَئِذٍ عَلَى الزَّمَانِ مَعَ مُلَاحَظَةِ ذَلِكَ وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ فَرْضَهُ نَفْسِهِ فَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ مَعَهُ أَنَّ هُنَا زَمَانًا جُعِلَ جُزْءًا مِنْ مَكَان وَكَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ هَذَا التَّمْوِيهَ الَّذِي رَاجَ لَهُ أَوْ رَاجَ عَلَيْهِ لَمَّا قِيلَ إنَّهُ مِنْ أَكْثَرِ جَوَابِهِ هَذَا يَرُوجُ عَلَى غَيْرِهِ حَاشَا وَكَلَّا. وَقَوْلُهُ إذْ السَّقِيَّةُ هِيَ الْمَاءُ بَاطِلٌ صُرَاحٌ وَإِنَّمَا هِيَ لُغَةُ اسْمٍ لِنَبْتٍ فَإِنْ أُخِذَتْ مِنْ حَيْثُ مَدْلُولُهَا لَفْظًا كَانَتْ فَعَيْلَةً بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ أَيْ سَاقِيَةٍ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ صَرِيحَةً فِي مُدَّعَانَا إذْ السَّاقِيَّةُ لُغَةً النَّهْرُ الصَّغِيرُ وَهُوَ اسْمٌ لِمَحَلِّ الْمَاءِ فَهِيَ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي دَلِيلٌ ظَاهِرٌ فِي مُدَّعَانَا وَعَلَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ لَا دَلَالَةَ فِيهَا لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهَا حِينَئِذٍ فِي الْمَاءِ أَوْ فِي مَحَلِّهِ مَجَازٌ فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَحَدِهِمَا إلَّا بِقَرِينَةٍ وَمَا قُلْنَاهُ عَلَيْهِ قَرَائِنُ لَفْظِيَّةٌ وَمَعْنَوِيَّةٌ بِخِلَافِ مَا قَالَهُ أُولَئِكَ فَإِنْ قَالَ السَّقِيَّةُ عُرْفًا اسْمٌ لِلْمَاءِ قُلْنَا عَادَ النِّزَاعُ السَّابِقُ فِي السَّاعَةِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا دَلَالَةٌ أَيْضًا لِأَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ لَا يُسْتَدَلُّ بِهِ فَبَطَلَ قَوْلُهُ بَلْ الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ إلَخْ وَقَوْلُهُ لِكَوْنِ الْقَرَارِ غَيْرَ مَرْئِيٍّ بَلْ

وَلَا مَمْلُوكٍ قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ نَاقَضَ فِي هَذَيْنِ بِذِكْرِهِ الْحِيلَةَ السَّابِقَةَ أَوَّلَ جَوَابِهِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّ النَّقِيضَيْنِ يَخْتَارُ. وَقَدْ عَقَدْتُ لِمِلْكِ الْقَرَارِ بَابًا وَذَكَرْتُ فِيهِ حُكْمَ اشْتِرَاطِ رُؤْيَتِهِ وَمَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ لِيَتَبَيَّنَ لَكَ مَا وَقَعَ فِيهِ هَذَا الْمُجِيبُ مِنْ قَبِيحِ الْخَطَإِ وَالْخَطَلِ وَفَاسِدِ التَّهَوُّرِ وَالزَّلَلِ كَيْفَ وَالسُّؤَالُ الَّذِي رُفِعَ إلَيْهِ فِيهِ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ وَلَمْ يُعَوِّلْ فِي إفْتَائِهِ إلَّا عَلَى مَا قَالَهُ بِحَسَبِ زَعْمِهِ الْفَاسِدِ أَنَّ طَرِيقَ الْبَيْعِ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْقَرَارِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ وَقَدْ ذَكَر هَذَا طَرِيقًا لِبَيْعِ عُيُونِ مَكَّةَ بِالذَّاتِ لِأَنَّهَا هِيَ مَحَطُّ السُّؤَالِ وَكَلَامُهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رَوَيْتُهُ وَقَدْ مَرَّ ثَمَّ مَا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فَرَاجِعْهُ وَقَوْلُهُ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ بَاطِلٌ أَيْضًا إذْ الْجَهْلُ بِالْأَصْلِ لَا يُنَافِي الْحُكْمَ لِوَاضِعِ الْيَدِ بِالْمِلْكِ كَمَا مَرَّ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فِي الْبَابِ السَّادِسِ. وَقَوْلُهُ كَمَا ذَكَرَهُ عَالِمُ الْحِجَازِ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا تَحْرِيفٌ لِكَلَامِهِ كَمَا سَبَقَ ثَمَّ مَبْسُوطًا فَرَاجِعْهُ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَبْرَزَ ذَلِكَ فِي مَقَامِ السُّؤَالِ وَالسَّائِلُ لَا يُحْتَجُّ بِكَلَامِهِ سِيَّمَا وَقَدْ رَدَّهُ شَيْخُهُ كَمَا مَرَّ أَيْضًا بَلْ لَوْ فُرِضَ أَنَّ عَالِمَ الْحِجَازِ هَذَا خَالَفَ الشَّيْخَيْنِ فِي تَصْنِيفٍ أَوْ إفْتَاءٍ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ وَصَاحِبُ الْبَيْتِ أَدْرَى بِاَلَّذِي فِيهِ يُقَالُ عَلَيْهِ كَأَنَّكَ تُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى نَفْسِكَ بِجَامِعِ أَنَّكَ مَكِّيٌّ مِثْلُهُ فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا لَقَدْ بَذَلْتَ جَهْدَكَ فِي إظْهَارِ دِرَايَتِكَ لِلنَّاسِ وَكَيْفَ لَا وَجَوَابُكَ هَذَا مَعَ إمْعَانِكَ فِي تَحْرِيرِهِ وَتَنْقِيحِهِ الْأَيَّامَ الْعَدِيدَةَ وَمُرَاجَعَتِكَ لِمَنْ أَمْلَى عَلَيْك أَكْثَرَهُ أَوْ حَرَّرَهُ لَكَ عَلَى مَا قِيلَ مُنْبِئٌ عَنْ تِلْكَ الْأَفْكَارِ الْغَرِيبَةِ وَالْأَنْظَارِ الْعَجِيبَةِ وَاتِّسَاعِ خِرْقِكَ عَلَى رَاقِعِهِ وَشَلَلِ سَاعِدِكَ عَلَى رَافِعِهِ فَجَاءَ سَعْيُهُ هَبَاءً مَنْثُورًا وَحَقَّ نَفْسَهُ {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الأحزاب: 38] تَابَ اللَّهُ عَلَيْنَا بِكَرَمِهِ وَوَفَّقَنَا لِأَدَاءِ شُكْرِ نِعَمِهِ وَمَنَّ عَلَيْنَا بِالْإِخْلَاصِ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ وَعَصَمَنَا مِنْ الْخَطَإِ وَالْخَطَلِ وَالزَّلَلِ وَبَصَّرَنَا بِعُيُوبِ نُفُوسِنَا الْأَبِيَّةِ وَأَجْزَلَ لَنَا سَوَابِغَ جَوْدَةِ الْمَوَاهِبِ الْعَلِيَّةِ وَخَتَمَ لَنَا أَجْمَعِينَ بِالْحُسْنَى وَبَلَّغَنَا بِفَضْلِهِ الْمَقَامَ الْأَسْنَى وَجَادَ عَلَيْنَا بِرِضَاهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاهُ إنَّهُ هُوَ الْجَوَّادُ الْكَرِيمُ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْأَتَمَّانِ الْأَكْمَلَانِ عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ مَا دَامَ سُؤْدُدُهُ وَعُلَاهُ آمِينَ وَوَافَقَ الْفَرَاغُ مِنْ تَصْنِيفِهِ خَامِسَ شَعْبَانَ مِنْ شُهُورِ سَنَةِ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ أَحْسَنَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا فِي عَافِيَةٍ مِنْ كُلِّ فِتْنَةٍ أَوْ مِحْنَةٍ إنَّهُ عَلَى ذَلِكَ وَغَيْرِهِ قَدِيرٌ وَبِالْإِجَابَةِ جَدِيرٌ فَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَإِلَيْهِ مَفْزَعُنَا فِي الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ وَتُبْ عَلَيْنَا إنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَدَامَ النَّفْعَ بِعُلُومِهِ هَلْ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ السُّفُوحُ الَّذِي يَنْزِلُ مِنْهَا السَّيْلُ إلَى الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ وَفِي بَيْعِ الدَّارِ الْمَحَلَّاتِ الَّتِي يُطْرَحُ فِيهَا الْقُمَامَاتُ وَيُطْعَمُ فِيهَا الدَّوَابُّ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِحُقُوقِهَا أَمْ لَا يَدْخُلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِذِكْرِهِ أَوْ بِذِكْرِ الْحُقُوقِ وَإِذَا عَرَفَ الْمُوَثِّقُ أَنَّهُمَا أَرَادَا ذَلِكَ بِمُقْتَضَى الْعَادَةِ هَلْ لَهُ أَنْ يَكْتُبَ الْوَثِيقَةَ بِذَلِكَ أَمْ لَا يَجُوزُ لَهُ كَتْبُ ذَلِكَ إلَّا بِتَعْيِينِهِ فِي الْبَيْعِ أَوْ بِذِكْرِ الْحُقُوقِ أَوْ بِإِخْبَارِ الْبَائِعِ بِإِرَادَةِ ذَلِكَ وَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُ دَارَ فُلَانٍ فَاكْتُبْ لِي بِهِ وَثِيقَةً هَلْ يَجُوزُ لَهُ وَهَلْ يَكْفِي إخْبَارُ ثِقَةٍ بِذَلِكَ وَقُلْتُمْ فِي بَعْضِ أَجْوِبَتِكُمْ نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِكُمْ وَبِمُصَنَّفَاتِكُمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُوَثِّقِ أَنْ يَكْتُبَ إلَّا بِمَا يَشْهَدُ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إذَا أَرَادَ مُرَاعَاةَ تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَذَلِكَ قَدْ يَتَعَسَّرُ فَمَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ لَا يَدْخُلُ فِي نَحْوِ بَيْعِ الْأَرْضِ مَسِيلُ الْمَاءِ وَلَا شِرْبُهَا أَيْ نَصِيبُهَا مِنْ الْقَنَاةِ وَالنَّهْرِ الْمَمْلُوكَيْنِ حَتَّى يَشْرُطَهُ كَأَنْ يَقُولَ بِحُقُوقِهَا هَذَا فِي الْخَارِجِ عَنْهَا أَمَّا الدَّاخِلُ فِيهَا مِنْ ذَلِكَ فَلَا رَيْبَ فِي دُخُولِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ السُّبْكِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرُهُ. وَإِنَّمَا دَخَلَ ذَلِكَ مُطْلَقًا فِيمَا لَوْ اكْتَرَاهَا لِغَرْسٍ أَوْ زَرْعٍ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَحْصُلُ بِدُونِهِ أَمَّا نَصِيبُهَا مِنْ مُبَاحٍ كَالسُّفُوحِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا مَجَارِي

الْمَاءِ الَّتِي يَصِلُ مِنْهَا السَّيْلُ إلَى الْأَرْضِ فَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ حُقُوقِهَا فَيَنْتَقِلُ الِاسْتِحْقَاقُ فِيهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ إلَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِحُقُوقِهَا وَأَمَّا نَحْوَ الدَّارِ فَإِنْ كَانَتْ فِي شَارِعٍ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَرِيمٌ حَتَّى يَدْخُلَ فِي بَيْعِهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي دَرْبٍ مَسْدُودٍ كَانَ لَهَا حَرِيمٌ فَيَدْخُلُ هُوَ وَمَا فِيهِ فِي بَيْعِهَا وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِحُقُوقِهَا وَلَيْسَ لِلْمُوَثِّقِ أَنْ يَكْتُبَ إلَّا مَا تَلَفَّظَا بِهِ أَوْ ذَكَرَا أَنَّهُمَا أَرَادَاهُ وَأَمَّا كَوْنُهُ يُفْهَمُ بِمُقْتَضَى الْعَادَةِ مِنْهُمَا أَنَّهُمَا أَرَادَا شَيْئًا وَيَكْتُبُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرَا لَهُ أَنَّهُمَا أَرَادَاهُ فَذَلِكَ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُمَا قَدْ لَا يُرِيدَانِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَفْسِرَ كُلًّا مِنْهُمَا عَنْ لَفْظِهِ وَمُرَادِهِ بِهِ وَيَكْتُبَ أَلْفَاظَهُمَا كَمَا هِيَ حَتَّى إذَا رُفِعَتْ لِحَاكِمٍ قَضَى فِيهَا بِمَذْهَبِهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ جَلِيٌّ لَا إشْكَالَ فِيهِ. وَلَيْسَ فِي مُرَاعَاتِهِ عُسْرٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَعَلَى الْمُوَثِّقِ الِاحْتِيَاطُ فِي ذَلِكَ مَا أَمْكَنَهُ وَلْيَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَى مِثْلِ هَذِهِ فَاشْهَدْ» فَلَا يَجُوزُ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ إلَّا بِمَا تَيَقَّنَهُ دُونَ مَا ظَنَّهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ الْمُسْلِمِينَ فِيمَنْ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ دَرَاهِمُ فِي وَقْتِ مَحِلِّهَا فَطَالَبَ مَالِكَهَا الَّذِي عَلَيْهِ الْعَيْنُ فَقَالَ لَهُ مَا عِنْدِي مَا أُخَلِّصُكَ بِهِ وَلَكِنْ اصْبِرْ عَلَيَّ إلَى حَصَادِ الْحِنْطَةِ يَعْنِي الصَّيْفَ وَهُوَ فِي وَقْتِ الشِّتَاءِ فَقَالَ صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ لَا بَأْسَ إنِّي أَبْغِي بَيْعَهَا مِنْكَ كُلَّ مُحَلِّقٍ بِرِبْعَتَيْ حَبٍّ إلَى الصَّيْفِ هَلْ يَصِحُّ هَذَا وَإِذَا قُلْتُمْ لَا يَصِحُّ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ حَقَّهُ مَتَى شَاءَ وَهَلْ إذَا أَيْسَرَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَقَالَ لِصَاحِبِ الدَّرَاهِمِ خُذْ فَقَالَ مَا آخُذُ إلَّا الْحَبَّ الَّذِي فِي ذِمَّتِكَ فَإِنَّكَ غَرَّرْتَنِي؟ (فَأَجَابَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ الْمَذْكُورُ لِأَنَّ وَقْتَ الْبَيْعِ الْمُرَادُ بِهِ الْحَصَادُ مَجْهُولٌ وَلِصَاحِبِ الدَّيْنِ الْمُطَالَبَةُ مَتَى شَاءَ وَلَيْسَ لَهُ طَلَبُ الْحَبِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - عَنْ شَخْصَيْنِ ابْتَاعَا عَيْنًا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ. بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمَا وَضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ فِيمَا يُحْضِرُ مِنْ الثَّمَنِ نَحْوَ الصَّيْفِ هَلْ يَصِحُّ هَذَا الضَّمَانُ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِ الضَّمَانِ هَلْ يَلْزَمُ كُلًّا مِنْهُمَا مَا يُحْضِرُ مِنْ الثَّمَنِ أَمْ لَا بَعْدَ الْبَيْعِ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ يَصِحُّ الضَّمَانُ وَالْبَيْعُ فِيمَا ذُكِرَ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِيمَا إذَا شَرَطَا فِيهِ أَنَّ كُلًّا يَضْمَنُ الْآخَرَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فِي مَسْأَلَةِ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ دُونَ الْمُشْتَرِي فِي مَسْأَلَةِ النَّجْشِ مَعَ أَنَّ كُلًّا وُجِدَ مِنْهُ تَقْصِيرٌ فِي الْبَحْثِ وَالتَّفْتِيشِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ الْمُشْتَرِي مُقَصِّرٌ أَكْثَرَ لِسُهُولَةِ الْبَحْثِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ فِي الْبَلَدِ بِخِلَافِ الْبَائِعِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ غَرِيبًا لَا يَعْرِفُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلَدِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ شَخْصٍ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ نِصْفَ زَرْعٍ وَشَرَطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنَّ الزَّرْعَ مَرْهُونٌ عِنْدَهُ بِالثَّمَنِ أَعْنِي عِنْدَ الْبَائِعِ فَهَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالرَّهْنُ أَمْ يَفْسُدَانِ وَقَوْلُ الْإِمَامِ الْأَذْرَعِيِّ فِي التَّوَسُّطِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَشْرُوطُ رَهْنُهُ غَيْرَ الْمَبِيعِ فَلَوْ شَرَطَ كَوْنَ الْمَبِيعِ نَفْسِهِ رَهْنًا بِالثَّمَنِ بَطَلَ الْبَيْعُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ اهـ فَهَلْ هُوَ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ أَمْ لَا وَالْمَسْئُولُ مِنْكُمْ حُكْمُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ جَوَابُكُمْ عَنْ ذَلِكَ وَإِلَّا حَصَلَ فِي ذَلِكَ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ وَفِتْنَةٌ وَمَعَ عِلْمِكُمْ أَيْضًا أَنَّ الْأَصْحَابَ ذَكَرُوا فِي الدَّعَاوَى أَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ عَيْنًا فَلَهُ أَخْذُهَا إنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً وَإِلَّا وَجَبَ الرَّفْعُ إلَى الْقَاضِي فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ قَاضٍ فَهَلْ يَجُوزُ قَهْرُ مَنْ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ وَلَوْ حَصَلَتْ الْفِتْنَةُ أَوَّلًا. فَإِنْ قُلْتُمْ لَيْسَ هُوَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا لِأَنَّ الْبَائِعَ لَهُ حَبْسُ الْمَبِيعِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ قُلْنَا إنَّ الْمُشْتَرِيَ لَهُ نِصْفُ الزَّرْعِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْبَيْعِ فَامْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ تَسْلِيمِ جَمِيعِ الزَّرْعِ إلَّا بِتَسْلِيمِ ثَمَنِ النِّصْفِ الْمَبِيعِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ الْمَشْرُوطُ رَهْنُهُ هُوَ النِّصْفَ الْمَبِيعَ بَطَلَ الْبَيْعُ

وَالشَّرْطُ وَكَذَا إنْ شَرَطَ رَهْنَ الْكُلِّ أَوْ رَهْنَ الزَّرْعِ أَوْ نِصْفِهِ أَوْ أَطْلَقَ وَإِنْ كَانَ النِّصْفُ غَيْرَ الْمَبِيعِ صَحَّا وَلِلْبَائِعِ حِينَئِذٍ حَبْسُ جَمِيعِ الزَّرْعِ حَتَّى يَأْخُذَ ثَمَنَ النِّصْفِ وَلَا يَجُوزُ حَيْثُ خِيفَتْ فِتْنَةٌ أَنْ يَسْتَقِلَّ الْمُسْتَحِقُّ بِالْأَخْذِ بَلْ يَلْزَمُهُ الرَّفْعُ إلَى حَاكِمِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ أَوْ مَحَلٍّ قَرِيبٍ مِنْهُ إنْ نَفَذَ حُكْمُهُ فِيهِ فَإِنْ فُرِضَ الْخُلُوُّ عَنْ الْحَاكِمِ فَأَمْرٌ نَادِرٌ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا إذَا كَانَ لِزَيْدٍ عَبْدٌ مَثَلًا وَلِعَمْرٍو عَبْدٌ فَبَاعَ زَيْدٌ عَبْدَهُ مِنْ عَمْرٍو بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ ذَهَبًا فَرْنَسَةً ثُمَّ بَاعَ عَمْرٌو عَبْدَهُ مِنْ زَيْدٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ ثُمَّ أَبْرَأَ كُلٌّ مِنْهُمَا ذِمَّةَ صَاحِبِهِ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ الْمَعْلُومِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَبَقَ عَبْدُ عَمْرٍو الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ زَيْدٍ وَثَبَتَ عَبْدُ زَيْدٍ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ عَمْرٍو مُسْتَحَقًّا بِبَيِّنَةٍ بَيْنَ يَدَيْ حَاكِمٍ وَهُوَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَهَلْ يَنْفُذُ حُكْمُهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَإِذَا أَرَادَ كُلٌّ مِنْهُمَا الرُّجُوعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِالثَّمَنِ الْمَعْلُومِ فَهَلْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ عَلَى صَاحِبِهِ بَعْدَ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي عُقِدَ بِهِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفَعَ بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ لَا يَنْفُذُ حُكْمُ الْحَاكِمِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَإِبْرَاءُ ذِمَّةِ مُشْتَرِي الْعَبْدِ الَّذِي خَرَجَ مُسْتَحَقًّا لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا فَإِنَّ ذِمَّتَهُ لَمْ تَشْتَغِلْ لِلْبَائِعِ بِشَيْءٍ وَأَمَّا الْعَبْدُ الَّذِي أَبَقَ فَإِنْ كَانَ الْإِبَاقُ عَيْبًا بِأَنْ أَبَقَ عِنْدَ الْبَائِعِ قَبْلَ الْبَيْعِ أَوْ قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْبَيْعُ مَعَ ذَلِكَ صَحِيحٌ وَإِبْرَاءُ الْبَائِعِ ذِمَّةَ الْمُشْتَرِي مِنْ الثَّمَنِ صَحِيحٌ أَيْضًا فَإِذَا رَدَّ عَلَيْهِ الْآبِقَ بَعْد عَوْدِهِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - هَلْ يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا الَّذِي لَمْ يُمَيِّزْ وَكَذَا الْبَهِيمَةُ قَبْلَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ اللَّبَنِ بِالنَّذْرِ الْمُنَجَّزِ وَالْمُعَلَّقِ بِمَوْتِ مَالِكِهَا فَقَدْ نَصَّ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ تَعَالَى عَهْدَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ عَلَى جَوَازِ التَّفْرِيقِ بِالْوَصِيَّةِ وَالنَّذْرِ الْمُعَلَّقِ مُطْلَقًا أَوْ بِالْمَوْتِ وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ التَّفْرِيقِ بِالنَّذْرِ لِجِهَةِ تَحْرِيرِهِ وَغَيْرِهِ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَتَرَتَّبُ عَلَى مَسْأَلَةِ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا بِالْوَقْفِ وَقَدْ جَزَمَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ بِجَوَازِ التَّفْرِيقِ بِهِ كَالْعِتْقِ وَسَنَدُهُ فِي ذَلِكَ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي خَادِمِهِ سَكَتُوا عَنْ أُمُورٍ مِنْهَا الْوَقْفُ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا وَيُشْبِهَ إنْ قُلْنَا الْمِلْكُ فِيهِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَكَالْعِتْقِ وَإِلَّا فَكَالْهِبَةِ وَيُخَالِفُ الْعِتْقَ بِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنْ زَوَالٍ الرِّقِّ وَاسْتِقْلَالِ الْعَبْدِ بِنَفْسِهِ. وَلَيْسَ هَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودًا فِي الْوَقْفِ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِشَرْطِ إعْتَاقِهِ صَحَّ وَلَوْ بَاعَهُ بِشَرْطِ الْوَقْفِ لَمْ يَصِحَّ اهـ فَافْهَمْ قَوْلَهُ إنْ قُلْنَا الْمِلْكُ فِيهِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَكَالْعِتْقِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَهُ جَوَازُ التَّفْرِيقِ بِالْوَقْفِ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمَوْقُوفِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَاَلَّذِي جَرَيْتُ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ خِلَافُهُ وَعِبَارَتُهُ وَالْأَوْجُهُ خِلَافًا لِمَا جَزَمَ بِهِ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْخَادِمِ أَنَّ الْوَقْفَ لَيْسَ كَالْعِتْقِ لِأَنَّ مَنْ وُقِفَ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ لِانْتِقَالِ الْمِلْكِ فِيهِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِخِلَافِ مَنْ عَتَقَ وَلِأَنَّ الْمَوْقُوفَ لَا يَسْتَبِدُّ بِنَفْسِهِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى مُلَازَمَةِ الْآخَرِ بِخِلَافِ الْعِتْقِ ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ صَوَّبَ ذَلِكَ انْتَهَتْ وَأَشَرْتُ بِقَوْلِي ثُمَّ رَأَيْتُ إلَخْ إلَى قَوْلِ الْكَمَالِ الرَّدَّادِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الْإِيضَاحِ وَفِي جَوَازِ التَّفْرِيقِ بِالْوَقْفِ ثَلَاثُ طُرُقٍ: أَحَدُهَا يَجُوزُ كَالْعِتْقِ وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ كَالْهِبَةِ وَالثَّالِثُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَقْوَالِ الْمِلْكِ فَإِنْ قُلْنَا يَنْتَقِلُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَازَ وَإِلَّا فَلَا اهـ وَهُوَ غَرِيبٌ لَمْ أَجِدْهُ فِي كِتَابٍ وَالصَّوَابُ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ مُلَازَمَةِ الْآخَرِ اهـ وَعَلَى مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ امْتِنَاعِ الْوَقْفِ فِيهَا فَيُفَارِقُ الْوَصِيَّةَ بِمَا يَأْتِي فِيهَا مِنْ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهَا وَلَا مِلْكَ حَالًّا مَعَ احْتِمَالِ أَنَّ الْمَوْتَ قَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْ زَمَنِ التَّحْرِيمِ بِخِلَافِ الْوَقْفُ فَإِنَّ فِيهِ الضَّرَرَ فِي الْحَالِ كَمَا مَرَّ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فِي الْوَقْفِ عُلِمَ أَنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ فِي النَّذْرِ بِالْوَلَدِ أَوْ الْأُمِّ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُعَلَّقًا بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ انْعَقَدَ قِيَاسًا عَلَى مَا ذَكَرُوهُ مِنْ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ بِأَحَدِهِمَا لِعَدَمِ الضَّرَرِ فِيهِ فِي الْحَال وَلَعَلَّ مَوْتَ الْمُوصِي يَكُونُ بَعْدَ زَمَنِ التَّحْرِيمِ فَكَذَلِكَ النَّذْرُ الْمُعَلَّقُ

لَا ضَرَرَ فِيهِ فِي الْحَالِ وَلَعَلَّ وُجُودَ الْمُعَلَّقِ بِهِ يَكُونُ بَعْد زَمَنِ التَّحْرِيمِ وَهُوَ التَّمْيِيزُ فَإِنْ وُجِدَ قَبْلَهُ تَأَتَّى فِيهِ مَا ذَكَرْتُهُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فِي الْوَصِيَّةِ وَعِبَارَتُهُ. فَإِنْ مَاتَ أَيْ الْمُوصِي قَبْلَهُ أَيْ قَبْلَ زَمَنِ التَّحْرِيمِ وَقَبْلَ الْمُوصَى لَهُ بِأَحَدِهِمَا الْوَصِيَّةُ احْتَمَلَ أَنْ يُقَالَ يُغْتَفَرُ التَّفْرِيقُ هُنَا لِأَنَّهُ فِي الدَّوَامِ وَأَنْ يُقَالَ يُبَاعَانِ مَعًا كَمَا يَأْتِي فِي الرَّهْنِ لَكِنْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمَرْهُونَ ثَمَّ مَبِيعٌ فَلَوْ جَوَّزْنَا بَيْعَهُ وَحْدَهُ لَكَانَ فِيهِ تَفْرِيقُ ابْتِدَاءً بِخِلَافِهِ هُنَا فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ هُوَ الْأَوَّلُ انْتَهَتْ فَكَذَا يُقَالُ فِي النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ لَوْ وُجِدَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّمْيِيزِ جَازَ لِلْمَنْذُورِ لَهُ حَيْثُ لَمْ يُرَدْ أَخْذُ أَحَدِهِمَا الْمَنْذُورَ لَهُ بِهِ وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ تَفْرِيقٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ ابْتِدَاءً وَقَصْدًا بَلْ دَوَامًا وَتَابِعًا وَالشَّيْءُ يُغْتَفَرُ فِيهِ فِي الدَّوَامِ وَتَابِعًا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِيهِ فِي الِابْتِدَاءِ وَمَقْصُودًا وَإِنْ كَانَ أَعْنِي النَّذْرَ بِأَحَدِهِمَا مُنْجَزًا فَإِنْ كَانَ بِعِتْقٍ أَوْ مَا يَئُولُ إلَيْهِ كَنَذْرٍ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَذَا عَلَى أَبِيهِ فَلَا تَوَقُّفَ فِي جَوَازِهِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِجَوَازِ التَّفْرِيقِ بِالْعِتْقِ وَالنَّذْرِ بِهِ حُكْمُهُ أَمَّا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَوَاضِحٌ. وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا لِلْمَنْذُورِ لَهُ وَقَعَ ضِمْنًا وَالشَّيْءُ يُغْتَفَرُ فِيهِ ضِمْنًا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِيهِ مَقْصُودًا وَمِنْ ثَمَّ جَوَّزُوا دُخُولَ الْمُسْلِمِ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِعِتْقٍ وَلَا بِمَا يَئُولُ إلَيْهِ كَعَلَيَّ أَنْ أَهَبَ هَذَا الْقِنَّ لِزَيْدٍ فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ الْمَنْعُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ بِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْهُ الْمَنْذُورُ لَهُ إلَّا بِالْقَبْضِ غَايَتُهُ أَنَّهُ كَالْمَرْهُونِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يُمَلَّكُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِمَنْعِ التَّفْرِيقِ بِالْهِبَةِ فَيَكُونُ النَّذْرُ أَوْلَى لِأَنَّ الْمُتَّهِبَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْوَاهِبِ بِمَا وَهَبَ لَهُ بِخِلَافِ الْمَنْذُورِ لَهُ مُطَالَبَةُ النَّاذِرِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِمَا نَذَرَ لَهُ بِهِ فَتَعَلُّقُهُ أَتَمُّ مِنْ تَعَلُّقِ الْمُتَّهِبِ فَإِذَا امْتَنَعَتْ الْهِبَةُ مَعَ ضَعْفِهَا عَنْ تَسْوِيغِ الْمُطَالَبَةِ فَالنَّذْرُ الْقَوِيُّ عَلَى تَسْوِيغِ الْمُطَالَبَةِ أَوْلَى بِالِامْتِنَاعِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - عَنْ قَوْلِهِمْ يَحْرُمُ بَيْعُ الْعِنَبِ لِعَاصِرِ الْخَمْرِ وَيَصِحُّ وَالسِّلَاحُ لِلْحَرْبِيِّ وَلَا يَصِحُّ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْأَوَّلَ فِيهِ تَسَبُّبٌ بَعِيدٌ لِلْمَعْصِيَةِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى الْعَصْرِ وَالْمُعَالَجَةِ فَأَشْبَهَ بَيْعَ الْحَدِيدِ لِحَرْبِيٍّ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ يَجْعَلُهُ سِلَاحًا بِخِلَافِ بَيْعِ السِّلَاحِ نَفْسِهِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ حُدُوثِ الْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ مَا حُكْمُهُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ الْقِيَاسُ بِنَاؤُهُ عَلَى مَا لَوْ تَلِفَ حِينَئِذٍ قَبْلَ الْفَسْخِ وَالْأَرْجَحُ عَلَى مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ إنْ قُلْنَا الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ انْفَسَخَ لِعَدَمِ إمْكَانِ نَقْلِ الْمِلْكِ وَإِلَّا فَلَا اهـ وَيُفْهَمُ مِنْ التَّعْلِيلِ أَنَّ الِانْفِسَاخَ عَامٌّ فِيمَا إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ بِآفَةٍ أَوْ بِإِتْلَافِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي أَوْ غَيْرِهِمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَلَوْ عَيَّبَهُ الْمُشْتَرِي وَالصُّورَةُ مَا سَبَقَ فَإِنْ فَسَخَ الْبَائِعُ غَرِمَ الْمُشْتَرِي الْأَرْشَ وَرَجَعَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ أَجَازَ فَلَا شَيْءَ لِلْمُشْتَرِي. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ عَمَّنْ بَاعَ ثَمَرَةً بِشَرْطِ الْقَطْعِ جَازَ لِلْمُشْتَرِي بَيْعُهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِشَرْطِ الْعِتْقِ فَمَا الْفَرْقُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ الْعِتْقُ مُسْتَحَقٌّ عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَيْسَ لَهُ نَقْلُهُ إلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْقَطْعِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِالتَّرَاخِي. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ قَالَ بِعْتُكَ كُلَّ صَاعٍ مِنْ هَذِهِ الصُّبْرَةِ بِدِرْهَمٍ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَهُوَ مُشْكِلٌ بِمَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَطَأُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُوَلِّيًا مِنْ جَمِيعِهِنَّ فَمَا الْفَرْقُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ بِقَوْلِهِ لَا إشْكَالَ لِأَنَّ الْحَالِفَ عَيَّنَ الْمُوَلَّى مِنْهُنَّ أَعْنِي كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ نِسَائِهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِيهَا لَيْسَ تَعْيِينًا لِلْمَبِيعِ بَلْ تَفْصِيلٌ لِثَمَنِ صِيعَانِهِ وَالْإِلْزَامُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنُ جَمِيعِ الصُّبْرَةِ دِرْهَمًا وَاحِدًا فَالْمَبِيعُ مَجْهُولٌ فَفَسَدَ الْبَيْعُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ عَمَّنْ قَالَ أَشْرَكْتُكَ فِيمَا اشْتَرَيْتُهُ صَحَّ وَحُمِلَ عَلَى الْمُنَاصَفَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَدَنَانِيرَ لَمْ يَصِحَّ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ حَيْثُ يُطْلَقُ كَانَ ظَاهِرًا فِي الْمُنَاصَفَةِ فَعُمِلَ بِهَذَا الظَّاهِرِ بِخِلَافِ الْعَطْفِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ ظَاهِرًا فِي

ذَلِكَ بِأَنْ يُحْتَمَلَ أَنَّهُ أَرَادَ تَسَاوِيَ الْوَاجِبِ مِنْ كُلٍّ وَتَفَاوَتَهُ وَلَا مُرَجِّحَ فَبَطَلَ لِلْإِيهَامِ وَعَدَمِ الْمُرَجِّحِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ مَا حَقِيقَةُ النَّقْدِ وَهَلْ لَفْظُ الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يَعُمُّ الْمَضْرُوبَ وَغَيْرَهُ أَوْ يَخْتَصُّ بِالْمَضْرُوبِ وَقَدْ وَقَعَ لِلشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِالْمَضْرُوبِ فَهَلْ ذَلِكَ حَقِيقَةٌ أَوْ مَجَازٌ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ فَسَّرَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا النَّقْدَ بِالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْمَضْرُوبَةِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ لَفْظَ الْمَضْرُوبَةِ صِفَةٌ مُخَصِّصَةٌ أَوْ مُوَضِّحَةٌ فَلَا مَفْهُومَ لَهَا لَكِنَّ قَوْلَ الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ يُعَبَّرُ بِالدَّرَاهِمِ عَنْ غَيْرِ الْمَضْرُوبَةِ يُرْشِدُ إلَى الثَّانِي إنْ جَعَلْنَا التَّعْبِيرَ بِهِ عَنْهُ مَجَازًا وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ اسْتِقْرَاءِ كَلَامِهِمْ وَلِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ لَفْظِ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ إنَّمَا هُوَ الْمَضْرُوبُ نَعَمْ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِصِدْقِهِمَا بِغَيْرِ الْمَضْرُوبَةِ فَإِذَا قُيِّدَا بِالْمَضْرُوبَةِ تَرَادَفَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ عَلَى مَا مَرَّ فَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ وَصْفَ النَّقْدِ بِالْمَضْرُوبِ لَا مَفْهُومَ لَهُ وَمِنْ ثَمَّ اعْتَرَضَ وَصْفُ الْحَاوِي وَالْمُحَرَّرِ لَهُ بِهِ وَأَنَّ لَفْظَ النَّقْدِ لَا يَشْمَلُ الْفُلُوسَ وَإِنْ رَاجَتْ وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي الْبَيْعِ مِنْ شُمُولِهِ لَهَا فَغَيْرُ مُرَادٍ بِدَلِيلِ كَلَامِهِمَا فِي بَابِ الْقَرْضِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا إذَا غَلَبَ مِنْ جِنْسِ الْعُرُوضِ نَوْعٌ فَهَلْ يَنْصَرِفُ الذِّكْرُ إلَيْهِ عِنْد الْإِطْلَاقِ فِي الْعَقْدِ كَالنَّقْدِ أَوْ يُفَرَّقُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ الَّذِي رَجَّحَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ الْأَوَّلُ وَكَذَا رَجَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَبِيعَ صَاعًا مِنْ الْحِنْطَةِ بِصَاعٍ مِنْهَا أَوْ بِشَعِيرٍ فِي الذِّمَّةِ وَتَكُونَ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ الْمَوْجُودَانِ فِي الْبَلَدِ صِنْفًا مَعْرُوفًا أَوْ غَالِبًا فِي الْبَلَدِ لَا يَخْتَلِفُ ثُمَّ يُحْضِرَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَيُسَلِّمَهُ فِي الْمَجْلِسِ اهـ وَبِتَأَمُّلِهِ يُعْرَفُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْبَلَدِ غَيْرُ النَّوْعِ الْمَوْصُوفِ أَوْ تَتَعَدَّدَ الْأَنْوَاعُ وَيَغْلِبَ أَحَدُهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَبِهِ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ وَقَعَ نِزَاعٌ فِي أَنَّ عِبَارَةَ الْمُتَوَلَّى الَّتِي نَقَلَ الرَّافِعِيُّ الْمَسْأَلَةَ عَنْهَا هَلْ تُفْهِمُ ذَلِكَ أَوْ تَقْتَضِي التَّخْصِيصَ وَلَكِنَّ الْحَقَّ الْأَوَّلُ وَقِيَاسُهُ مَا صَرَّحُوا بِهِ أَيْضًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ التَّعَامُلُ فِي بَلَدٍ بِنَوْعٍ وَاحِدٍ مِنْ الْفُلُوسِ الْعَدَدِيَّةِ أَوْ بِأَنْوَاعٍ وَأَحَدُهَا غَالِبٌ انْصَرَفَ الْإِطْلَاقُ إلَيْهِ وَكَذَا فِي الثِّيَابِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا بِعَشَرَةِ أَثْوَابٍ وَأَطْلَقَ وَكَانَ لَهُمَا عُرْفٌ انْصَرَفَ إلَيْهِ كَالنَّقْدَيْنِ. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَلْ يَجُوزُ التَّعَامُلُ بِالْفُلُوسِ الْعَدَدِيَّةِ نَوْعًا فِي الذِّمَّةِ وَإِذَا تَعَدَّدَتْ أَنْوَاعُهَا فَهَلْ يَأْتِي فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا مَا ذَكَرُوهُ فِي النَّقْدِ وَهَلْ يَكْفِي التَّعْيِينُ بِالنِّيَّةِ كَالْخُلْعِ وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ؟ وَمَا الْفَرْقُ أَيْضًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ قَالَ مَنْ لَهُ بَنَاتٌ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي وَعَيَّنَا وَاحِدَةً بِالنِّيَّةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ تَجُوزُ الْمُعَامَلَةُ بِالْفُلُوسِ الْعَدَدِيَّةِ عَدَدًا فِي الذِّمَّةِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَأَقَرَّهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَعْد أَنْ كَانَ مَنَعَ مِنْهُ قَالَ الْقَاضِي لِأَنَّ الْقَصْدَ أَعْدَادُهَا لَا وَزْنُهَا ثُمَّ إذَا تَعَدَّدَتْ أَنْوَاعُهَا إمَّا أَنْ يَغْلِبَ أَحَدُهَا أَوْ تَسْتَوِيَ فَإِنْ اسْتَوَتْ فَتَارَةً تَتَفَاوَتُ قِيمَتُهَا وَتَارَةً لَا، فَفِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ لَا يَجِبُ تَعْيِينٌ كَمَا فِي الْبَيَانِ وَاعْتَمَدَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ لَوْ كَانَ فِي الْبَلَدِ صِحَاحٌ وَمُكَسَّرَةٌ لَمْ يَغْلِبْ أَحَدُهُمَا وَلَا تَفَاوُتَ بَيْنَهُمَا صَحَّ الْعَقْدُ بِدُونِ التَّعْيِينِ وَسَلَّمَ الْمُشْتَرِي مَا شَاءَ مِنْهُمَا. وَفِي الْحَالَةِ الْأُولَى لَا بُدَّ مِنْ التَّعْيِينِ بِاللَّفْظِ وَلَا يَكْفِي بِالنِّيَّةِ وَفَارَقَ الْخُلْعَ بِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْبَيْعِ مِنْ التَّعْلِيقِ وَالصِّحَّةِ بِالْمَجْهُولِ وَالنَّجَسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ النِّكَاحِ الْمَذْكُورَةُ فِي السُّؤَالِ فَالْحُكْمُ الْمَذْكُورُ فِيهَا هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَاسْتَشْكَلَهَا بِمَسْأَلَةِ الْبَيْعِ وَاعْتَرَضَ قَوْلَهُ الْأَصَحُّ فِيهَا الصِّحَّةُ بِأَنَّ الصُّورَةَ الَّتِي ذَكَرَ الشَّيْخَانِ فِيهَا الصِّحَّةَ إنَّمَا هِيَ فِيمَا لَوْ كَانَ اسْمُ بِنْتِهِ الْوَاحِدَةِ فَاطِمَةَ وَقَالَ زَوَّجْتُكَ فَاطِمَةَ وَلَمْ يَقُلْ بِنْتِي وَنَوَيَاهَا ثُمَّ قَالَا وَلَوْ كَانَ لَهُ بِنْتَانِ فَصَاعِدًا فَلَا بُدَّ مِنْ تَمْيِيزِ الْمَنْكُوحَةِ بِالتَّسْمِيَةِ أَوْ الْإِشَارَةِ بِأَنْ يَقُولَ بِنْتِي هَذِهِ أَوْ بِالْوَصْفِ بِأَنْ يَقُولَ بِنْتِي الْكُبْرَى أَوْ الْوُسْطَى وَهُنَّ ثَلَاثٌ قَالَ الْمُكْتَفَوْنَ بِالنِّيَّةِ أَوْ يَنْوِي وَاحِدَةً

بِعَيْنِهَا وَإِنْ لَمْ يُجِزْ لَفْظًا مُمَيَّزًا اهـ. وَهَذِهِ الصُّورَةُ الْأَخِيرَةُ هِيَ صُورَةُ الْإِسْنَوِيِّ وَلَمْ يُصَحِّحْ الشَّيْخَانِ فِيهَا الصِّحَّةَ بَلْ رُبَّمَا يُشْعِرُ قَوْلُهُمَا وَقَالَ الْمُكْتَفَوْنَ بِالنِّيَّةِ بَعْدَ مَا قَبْلَهُ إنَّ الِاكْتِفَاءَ بِالنِّيَّةِ هُنَا مَقَالَةٌ وَيُجَابُ بِأَنَّ تَصْحِيحَ الشَّيْخَيْنِ الصِّحَّةَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَإِنْ قَوَّى اعْتِرَاضَ ابْنِ الصَّبَّاغِ فِيهَا بِأَنَّ الشُّهُودَ لَا يَطَّلِعُونَ عَلَى النِّيَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا مُوَافِقَانِ لِلْمُكْتَفِينَ بِالنِّيَّةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ بِجَامِعِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ اكْتِفَاءً بِالنِّيَّةِ فَإِنْ قُلْتَ يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَمْ تَتَعَدَّدْ بَنَاتُهُ وَإِنَّمَا أَتَى بِلَفْظٍ يَشْمَلُ بِنْتَه وَبِنْتَ غَيْرِهِ شُمُولًا بَدَلِيَّا وَقَصْدُ تَزْوِيجِ بِنْتِ الْغَيْرِ بَعِيدٌ جِدًّا فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَى بِنْتِهِ أَوْلَى لِلْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ الظَّاهِرَةِ فِيهِ فَلِذَلِكَ أُثِرَتْ فِيهِ النِّيَّةُ بِخِلَافِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّ بَنَاتِهِ مُتَعَدِّدَةٌ وَقَوْلُهُ بِنْتِي يَشْمَلُ كُلًّا مِنْهُنَّ وَلَيْسَ ثَمَّ قَرِينَةٌ غَيْرُ النِّيَّةِ تَكُونُ عَاضِدَةً لَهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالنِّيَّةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَوْلَى الِاكْتِفَاءُ بِهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لِوُجُودِ قَرِينَةٍ ثَمَّ وَهِيَ عَدَمُ شُمُولِ لَفْظِهِ لِبِنْتِ الْغَيْرِ فِي حَالَةِ شُمُولِهِ لَبِنْتِهِ وَبِعَدَمِ إرَادَةِ بِنْتِ الْغَيْرِ وَعَدَمِ وُجُودِ قَرِينَةٍ هُنَا ظَاهِرَةٍ ظُهُورَ تِلْكَ الْقَرِينَةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِنْتِي يَشْمَلُ كُلًّا مِنْ بَنَاتِهِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ وَلَا بُعْدَ فِي إرَادَةِ أَيِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ. قُلْتُ جَوَابُهُمْ عَنْ الِاعْتِرَاضِ السَّابِقِ فِي النِّكَاحِ وَهُوَ أَنَّ الشُّهُودَ لَا يَطَّلِعُونَ عَلَى النِّيَّةِ وَلِذَا لَمْ يُكْتَفَ بِالْكِنَايَةِ فِي النِّكَاحِ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يُكْتَفَ بِهَا فِي الْعَقْدِ لِأَنَّ الصِّيغَةَ هِيَ الْمَقْصُودُ وَالزَّوْجَةُ بِالنِّسْبَةِ لَهَا أَمْرٌ تَابِعٌ فَاغْتَفَرُوا النِّيَّةَ فِي الْأَمْرِ التَّابِعِ وَلَمْ يَغْتَفِرُوهُ فِي الْأَمْرِ الْمَقْصُودِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِالنِّيَّةِ فِي الزَّوْجَةِ لِكَوْنِهَا أَمْرًا تَابِعًا بِالنِّسْبَةِ لِلصِّيغَةِ سَوَاءٌ أَوُجِدَتْ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ تُؤَيِّدُ تِلْكَ النِّيَّةَ أَمْ لَا وَفَهِمَ بَعْضُهُمْ تَخْصِيصَ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ بِمَا إذَا كَانَ لَهُ بَنَاتٌ اسْمُ إحْدَاهُنَّ فَاطِمَةُ فَقَالَ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي فَاطِمَةَ فَجُعِلَ هَذَا هُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ بِنْتِي فَقَطْ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ جَزْمًا وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ بَلْ الْخِلَافُ جَارٍ فِي الصُّورَتَيْنِ وَإِلَّا وُجِّهَ فِيهِمَا الصِّحَّةُ وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ بِعْتُكَ هَذَا بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَهُنَاكَ نَقْدَانِ مُسْتَوِيَانِ فِي الْغَلَبَةِ وَقِيمَتُهُمَا مُتَفَاوِتَةٌ حَيْثُ لَمْ يُكْتَفَ هُنَا بِالتَّعْيِينِ بِالنِّيَّةِ بِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَا قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى الْمَقْصُودِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ غَيْرَ مَحْضِ النِّيَّةِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ بِخِلَافِهِ فِي النِّكَاحِ فَإِنَّ بَعْدَ إرَادَةِ بِنْتِ الْغَيْرِ فِيمَا إذَا قَالَ زَوَّجْتُكَ فَاطِمَةَ أَوْ الْإِضَافَةِ إلَيْهِ فِي زَوَّجْتُكَ بِنْتِي قَرِينَةً دَالَّةً عَلَى الْمَقْصُودِ غَيْرَ النِّيَّةِ. فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِالنِّيَّةِ مَعَ وُجُودِ قَرِينَةٍ دَالَّةٍ عَلَيْهَا الِاكْتِفَاءُ بِهَا مَعَ عَدَمِ قَرِينَةٍ دَالَّةٍ عَلَى الْمَقْصُودِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ. الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَغْلِبَ أَحَدُ أَنْوَاعِ الْفُلُوسِ فَيُحْمَلُ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ كَالنَّقْدِ فَإِنْ عَيَّنَ غَيْرَهُ تَعَيَّنَ وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَوْ غَلَبَ فِي الْبَلَدِ دَرَاهِمُ عَدَدِيَّةٌ نَاقِصَةُ الْوَزْنِ أَوْ زَائِدَتُهُ نَزَلَ الْبَيْعُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ وَالتَّعْلِيقِ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْفُلُوسِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْغَالِبَ عَدَمُ النَّظَرِ لِوَزْنِهَا بَلْ لِمُجَرَّدِ عَدَدِهَا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ أَوْ الثَّمَنُ فِي الذِّمَّةِ فَهَلْ يَضُرُّ جَهْلُ الْعَاقِدَيْنِ بِجُمْلَتِهِ حَالَ الْعَقْدِ إذَا ذُكِرَ فِيهِ مَا يُعْلَمُ بِهِ مِقْدَارُ الْجُمْلَةِ بِالتَّأَمُّلِ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ ذَكَرَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا فِي مَسَائِلِ الصُّبْرَةِ وَبَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَمَسَائِلِ الدُّورِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَا يُصَرِّحُ بِالصِّحَّةِ حَيْثُ ذَكَرَا مَا يُعْلَمُ بِهِ مِقْدَارُ الْجُمْلَةِ بِالتَّأَمُّلِ بَعْدَ ذَلِكَ بِالطُّرُقِ الْحِسَابِيَّةِ كَطَرِيقِ الْجَبْرِ وَالْمُقَابَلَةِ وَغَيْرِهِمَا سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَعْسُرُ عِلْمُهُ عَلَى الْعَاقِدَيْنِ أَوْ غَيْرِهِمَا بَلْ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ الصِّحَّةَ وَإِنْ ذَكَرَا فِي الْعَقْدِ مَا يَعْسُرُ اسْتِخْرَاجُهُ عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ كَبِعْتُكَ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَنِصْفِ وَرُبْعِ دِينَارٍ إلَّا خَمْسَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَتُسْعَ وَعُشْرَ دِرْهَمٍ فَإِنَّ شَرْطَ الصِّحَّةِ فِي نَحْوِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَعْلَمَا قِيمَةَ الدِّينَارِ بِالدَّرَاهِمِ فَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الدِّينَارِ فِيهِ سَبْعَةَ عَشَرَ وَثُلُثًا وَرُبْعًا مَثَلًا اُحْتِيجَ فِي اسْتِخْرَاجِهِ إلَى مَزِيدِ تَكَلُّفِ حِسَابٍ يَعْسُرُ اسْتِخْرَاجُهُ عَلَى كَثِيرٍ وَمَعَ ذَلِكَ يَصِحُّ الْعَقْدُ. (وَسُئِلَ) أَبْقَاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِمَا لَفْظُهُ وَقَعَ فِي الثَّمَنِ خِلَافٌ فَقِيلَ هُوَ النَّقْدُ وَقِيلَ مَا الْتَصَقَتْ بِهِ الْبَاءُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ أَحَدُ الْعِوَضَيْنِ

نَقْدًا فَهُوَ الثَّمَنُ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَا نَقْدَيْنِ أَوْ عَرْضَيْنِ فَمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْبَاءُ مَا ثَمَرَةُ الْخِلَافِ وَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ أَوْ الْمُثَمَّنُ جُزَافًا كَفَتْ مُعَايَنَتُهُ هَلْ يَعُمُّ النَّقْدُ وَغَيْرُهُ وَهَلْ يُقَيَّدُ بِمَا يُحِيطُ بِهِ التَّخْمِينُ وَهَلْ كَرَاهَةُ التَّخْمِينِ تَشْمَلُ الْمَذْرُوعَ وَغَيْرَهُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا مَا لَوْ بَاعَ نَقْدًا بِنَقْدٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا مُثَمَّنَ فِيهِ أَوْ عَرْضًا بِعَرْضٍ فَلَا ثَمَنَ فِيهِ بَلْ هُوَ مُقَايَضَةٌ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ أَوْ مُبَادَلَةٌ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَمِنْهَا إذَا قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ بِهَذَا الْعَبْدِ فَعَلَى الثَّانِي الْعَبْدُ الثَّمَنُ وَعَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ وَجْهَانِ كَالسَّلَمِ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لِأَنَّهُ جَعَلَ الثَّمَنَ مُثَمَّنًا وَمِنْهَا إذَا بَاعَهُ ثَوْبًا بِعَبْدٍ مَوْصُوفٍ صَحَّ. فَإِنْ قُلْنَا إنَّ الثَّمَنَ مَا لَصِقَ بِهِ الْبَاءُ فَالْعَبْدُ ثَمَنٌ وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُ الثَّوْبِ فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ لَمْ نَقُلْ ذَلِكَ فَقِيلَ يَجِبُ تَسْلِيمُ الثَّوْبِ لِأَنَّهُ سَلَمٌ نَظَرًا لِلْمَعْنَى وَقِيلَ لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَلَمٍ لِعَدَمِ اللَّفْظِ وَالْفُلُوسُ وَإِنْ رَاجَتْ كَالْعُرُوضِ وَالْقِيمَةُ خِلَافُ الثَّمَنِ لِأَنَّهَا مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ رَغَبَاتُ النَّاسِ وَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ. وَقَيَّدَ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْغُنْيَةِ صِحَّةَ بَيْعِ الْجُزَافِ حَيْثُ قَالَ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَيْلُهُ وَلَا وَزْنُهُ وَلَا ذَرْعُهُ وَلَا عَدُّهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا يُخَمِّنُهُ النَّاظِرُ إلَيْهِ عِنْدَ تَأَمُّلِهِ أَمَّا لَوْ عَظُمَتْ الصُّبْرَةُ عِظَمًا مُتَفَاحِشًا أَوْ كَثُرَ غَيْرُهَا مِنْ الْمَعْدُودِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَذْرُوعِ كَثْرَةً لَا يُخَمِّنُ النَّاظِرُ إلَيْهِ قَدْرَهُ فَفِي الِاكْتِفَاءِ بِمُجَرَّدِ مُعَايَنَتِهِ نَظَرٌ لِكَثْرَةِ الْغَرَرِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ صُبْرَةً عَلَى مَوْضِعٍ فِيهِ ارْتِفَاعٌ وَانْخِفَاضٌ أَوْ مَائِعًا وَنَحْوَهُ فِي ظَرْفٍ مُخْتَلِفِ الْأَجْزَاءِ دِقَّةً وَغِلَظًا لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ إفَادَةِ التَّخْمِينِ بِرُؤْيَتِهِ فَهُوَ مَجْهُولُ الْقَدْرِ اهـ وَمَا قَيَّدَ بِهِ مُحْتَمَلٌ وَيُحْتَمَلُ تَرْجِيحُ إطْلَاقِهِمْ وَيُفَارِقُ مَا اُسْتُشْهِدَ بِهِ بِأَنَّ نَحْوَ الِارْتِفَاعِ وَالِانْخِفَاضِ شَيْءٌ لَمْ يُحِطْ بِهِ الْبَصَرُ بِوَجْهٍ فَمَنْعُهُ لِإِفَادَةِ التَّخْمِينِ أَقْوَى مِنْ مُجَرَّدِ الْكَثْرَةِ لِأَنَّ الْبَصَرَ مَعَ ذَلِكَ يُحِيطُ بِمَا ظَهَرَ مِنْهُ وَلَيْسَ فِي بَاطِنِهِ مَا يُخَالِفُ مَا أَدْرَكَهُ النَّظَرُ فِي ظَاهِرِهِ فَالْأَوْجَهُ مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ وَاَلَّذِي فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ كَرَاهَةُ بَيْعِ الْجُزَافِ وَهُوَ يَشْمَلُ الْمَذْرُوعَ وَغَيْرَهُ وَمَا وَقَعَ فِي التَّتِمَّةِ مِمَّا يَقْتَضِي اسْتِثْنَاءَ الْمَذْرُوعِ غَيْرُ مُتَّجَهٍ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا إذَا وَقَعَ الْبَيْعُ أَوْ نَحْوُهُ بِفُلُوسٍ عَدَدِيَّةٍ ثُمَّ قَبْلَ قَبْضِهَا غَيَّرَ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ حِسَابَهَا بِزِيَادَةٍ فِي عَدَدِهَا الْمُقَابَلِ بِالدَّرَاهِمِ أَوْ نَقَضَ فِيهِ فَمَا الَّذِي يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ وَهَلْ الْقَرْضُ وَنَحْوُهُ كَالْبَيْعِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ الَّذِي يَلْزَمُهُ إقْبَاضُ الثَّمَنِ مِنْهَا عَلَى حِسَابِ مَا كَانَ التَّعَامُلُ بِهَا حَالَةَ الْعَقْدِ وَإِنْ وَقَعَ التَّغْيِيرُ الْمَذْكُورُ قَبْلَ لُزُومِهِ بِأَنْ كَانَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ أَوْ الشَّرْطِ بَاقِيًا فِيمَا يَظْهَرُ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ التَّغْيِيرِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ فِي النَّقْدِ الشَّيْخَانِ فِي الْبَيْعِ وَالنَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَزَوَائِدِ الرَّوْضَةِ فِي الْقَرْضِ وَعِبَارَةُ التَّتِمَّةِ إذَا بَاعَ مَالَهُ بِنَقْدٍ مُعَيَّنٍ فَمَنْعُ السُّلْطَانِ مِنْ الْمُعَامَلَةِ بِذَلِكَ النَّقْدِ لَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلَكِنْ إنْ كَانَ الْعِوَضُ مُشَارًا إلَيْهِ فَيُسَلِّمُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ قَدْ الْتَزَمَهُ فِي الذِّمَّةِ فَيَأْتِي بِالْقَدْرِ الْمُلْتَزَمِ فِي الذِّمَّةِ مِنْ ذَلِكَ النَّقْدِ وَيُسَلِّمُ ثُمَّ قَالَ وَإِذَا جَاءَ بِذَلِكَ النَّقْدِ فَعَلَى الْبَائِعِ قَبُولُهُ وَلَا خِيَارَ لَهُ لِأَنَّ التَّغْيِيرَ مَا عَادَ إلَى الْعَيْنِ وَإِنَّمَا قَلَّتْ فِيهِ رَغَبَاتُ النَّاسِ فَصَارَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فَرَخُصَتْ الْأَسْعَارُ وَلَوْ جَاءَ بِمَا حَدَثَ لَا يَجِبُ قَبُولُهُ اهـ وَشَمِلَ قَوْلُهُ مُعَيَّنٌ الْمُعَيَّنَ بِالذِّكْرِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ غَالِبٌ أَوْ بِالِانْصِرَافِ إلَيْهِ كَأَنْ كَانَ ثَمَّ غَالِبٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ غَيْرُهُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ حَصَلَتْ فِي ذِمَّةِ رَجُلٍ دَرَاهِمُ مَوْصُوفَةٌ فَحَظَرَ السُّلْطَانُ الْمُعَامَلَةَ بِهَا وَحَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ لَمْ يَسْتَحِقَّ صَاحِبُ الدَّرَاهِمِ غَيْرَهَا وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُطَالِبَ بِقِيمَتِهَا خِلَافًا لِأَحْمَدَ لِأَنَّ نِهَايَةَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بَخْسًا لِقِيمَتِهَا وَمَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَسْتَحِقُّ بَدَلَهُ لِنُقْصَانِ قِيمَتِهِ اهـ مُلَخَّصًا وَتَنَاوَلَتْ عِبَارَتُهُ الْبَيْعَ وَالْقَرْضَ وَغَيْرَهُمَا بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْمُتَوَلِّي قَبْلُ وَقَوْلُهُ وَحَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ ظَاهِرُهُ أَنَّ تَحْرِيمَ السُّلْطَانِ مُعْتَبَرٌ فِي مِثْلِ هَذَا وَأَنَّهُ يُحَرَّمُ التَّعَامُلُ بِمَا مَنَعَ مِنْ التَّعَامُلِ بِهِ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ. وَاسْتُدِلَّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] وَبِقَوْلٍ النَّوَوِيِّ فِي فَتَاوِيهِ إذَا أَمَرَ

وَلِيُّ الْأَمْرِ النَّاسَ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامِ الِاسْتِسْقَاءِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ يَكُونُ الصِّيَامُ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ قَالَ وَمَنْ أَخَلَّ بِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَثِمَ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ يُحْتَمَلُ تَرْجِيحُ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ تَرْجِيحُ خِلَافِهِ وَيُفَارِقُ مَسْأَلَةَ الِاسْتِسْقَاءِ بِأَنَّ الصَّوْمَ فِيهَا سُنَّةٌ فَإِذَا أَمَرَ بِهِ الْإِمَامُ صَارَ وَاجِبًا خِلَافًا لِلْبُلْقِينِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَاسْتِشْهَادُهُ بِنَصِّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الصَّوْمِ مَرْدُودٌ بِخِلَافِ النَّهْيِ عَنْ التَّعَامُلِ بِنَقْدٍ فَإِنَّهُ غَيْرُ سَائِغٍ لَهُ فَلَا تَجِبُ طَاعَتُهُ فِيهِ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ فِي ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ تَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ فِي غَيْرِ أَمْرٍ مُحَرَّمٍ وَمِنْ قَوْلِهِمْ إذَا سَعَّرَ الْإِمَامُ وَجَبَ امْتِثَالُهُ وَإِنْ حَرَّمَ، عَلَيْهِ أَنْ يُحَرِّمَ التَّعَامُلَ بِهَا ظَاهِرًا لِمَا فِيهِ مِنْ شَقِّ الْعَصَا لَا بَاطِنًا لِتَعَدِّي الْإِمَامِ بِتَحْرِيمِ الْمُعَامَلَةِ بِهَا نَعَمْ إنْ رَأَى فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً عَامَّةً حَرَّمَ التَّعَامُلَ بِهَا مُطْلَقًا عَلَى الْأَوْجُهِ. وَإِذَا تَأَمَّلْتَ مَا تَقَرَّرَ عَلِمْتَ أَنْ مَسْأَلَةَ الْفُلُوسِ أَوْلَى مِنْ مَسْأَلَةِ النَّقْدِ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ النَّقْدِ فِيمَا أَبْطَلَهُ الْإِمَامُ بِالْكُلِّيَّةِ وَمَسْأَلَةَ الْفُلُوسِ لَمْ يُبْطِلْهَا بَلْ غَيَّرَ حِسَابَهَا فَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ أَبْطَلَهَا فَهِيَ كَمَسْأَلَةِ النَّقْدِ أَيْضًا لِجَرَيَانِ الْعِلَّةِ الَّتِي عَلَّلُوا بِهَا النَّقْدَ فِيمَا مَرَّ عِنْد إبْطَالِهِ فِي الْفُلُوسِ إذَا أُبْطِلَتْ وَتَوَهُّمُ فَرْقٍ بَيْنَهُمَا لَا يُجْدِي فَاحْذَرْهُ بَلْ نُقِلَ عَنْ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهَا قَائِلَةٌ بِتَسَاوِيهِمَا فِي ذَلِكَ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ قَالَ فِي الْبَيَانِ لَوْ قَالَ بِعْتُك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ ضَرْبِ عِشْرِينَ بِدِينَارٍ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْمُسَمَّى هِيَ الدَّرَاهِمُ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ فَلَا تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِذِكْرِ قِيمَتِهَا قَالَ وَإِنْ كَانَ نَقْدُ الْبَلَدِ صَرْفُ عِشْرِينَ بِدِينَارٍ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا لِأَنَّ السِّعْرَ يَخْتَلِفُ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَهَكَذَا يَفْعَلُ النَّاسُ الْيَوْمَ يُسَمُّونَ الدَّرَاهِمَ وَيَتَبَايَعُونَ بِالدَّنَانِيرِ وَيَكُونُ كُلُّ قَدْرٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ دِينَارًا قَالَ وَهَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الدَّنَانِيرِ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِالْكِنَايَةِ اهـ كَلَامُ صَاحِبِ الْبَيَانِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا يُعَبِّرُونَ بِالدَّرَاهِمِ عَنْ الْفُلُوسِ الْجُدُدِ وَيُسَمُّونَ عَدَدًا خَاصًّا مِنْهَا مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ بِالدَّرَاهِمِ كَمَا فِي مِصْرَ وَإِقْلِيمِهَا لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ بِعْتُكَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فُلُوسٍ جُدُدٍ بَلْ هَذِهِ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ إذًا لَمْ يُعَبَّرْ بِهَا عَنْ الدَّنَانِيرِ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا مَعَ تَشَارُكِهِمَا فِي النَّقْدِيَّةِ وَكَوْنِهِمَا رِبَوِيَّيْنِ وَوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي عَيْنِهِمَا وَغَيْرِ ذَلِكَ. فَالْفُلُوسُ أَوْلَى بِأَنْ لَا يُطْلَقَ عَلَيْهَا الدَّرَاهِمُ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا فَمَا الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ مَا فِي الْبَيَانِ ضَعِيفٌ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَيْضًا فَهُوَ إنَّمَا بَنَى الْبُطْلَانَ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ بِالْكِنَايَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَعَلَى أَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ الدَّنَانِيرِ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْهَا مَجَازًا وَمِنْ ثَمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ إذَا عُبِّرَ بِهَا عَنْهَا صَحَّ أَيْ وَيَكُونُ تَعْبِيرُهُ بِذَلِكَ مَجَازًا كَقَوْلِك فِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا مَثَلًا هَذِهِ دِينَارٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ هُوَ صَرْفَهَا أَيْ هَذِهِ صَرْفُ دِينَارٍ فَهُوَ مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ وَأَيْضًا فَتَعْلِيلُهُ بِأَنَّ السِّعْرَ يَخْتَلِفُ خِلَافَ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ وَبِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِنَقْدِ الْبَلَدِ لَا يَضُرُّ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِبَلَدِ الْعَقْدِ وَأَيْضًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ بِعْتُكَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ الْفُلُوسِ الْجُدُدِ لَيْسَ كَقَوْلِهِ بِعْتُك بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ صَرْفِ عِشْرِينَ بِدِينَارٍ لِأَنَّ الْقَصْدَ الْفُلُوسُ وَتَقْدِيرُ أَعْدَادِهَا بِالتَّعْبِيرِ عَنْهَا بِالدَّرَاهِمِ إنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِصَارِ وَيُقَابَلُ كُلُّ دِرْهَمٍ مِنْهَا بِعَدَدٍ مَحْدُودٍ مَعْلُومٍ حَالَةَ الْعَقْدِ. فَإِذَا كَانَ مَا يُقَابِلُ الدِّرْهَمَ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ فَلْسًا فَكَأَنَّهُ قَالَ بِعْتُكَ بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفِ فَلْسٍ فَالدِّرْهَمُ الْمُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْفُلُوسِ لَا جَهَالَةَ فِيهِ وَلَيْسَ مَقْصُودًا وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْفُلُوسُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ بِعْتُكَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ صَرْفَ عِشْرِينَ بِدِينَارٍ فَإِنَّ الدِّينَارَ الْمُعَبَّرَ عَنْهُ بِالدَّرَاهِمِ لَيْسَ هُوَ الْمَقْصُودَ ثَمَنًا وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الدَّرَاهِمُ الْمُسَمَّاةُ غَيْرَ أَنَّهُ قَدَّرَهَا بِمَا لَيْسَ مَقْصُودًا بِالنَّقْدِ وَلَوْ قَالَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ حُمِلَ عَلَى الْفِضَّةِ الْمَضْرُوبَةِ دُونَ الْفُلُوسِ إذْ الْمَجَازُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ قَرِينَةٍ وَهِيَ التَّقْيِيدُ هُنَا لَفْظًا لَا غَيْرُ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَيْعِ يَجْرِي مِثْلُهُ فِي سَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ.

وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ قَالَ بِعْتُكَ نِصْفَ هَذِهِ الصُّبْرَةِ وَصَاعًا مِنْ نِصْفِهَا الْآخَرِ فَهَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ ذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَخَالَفَهُ الْإِمَامُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَقَالَ يَصِحُّ إذَا صَحَّحْنَا بَيْعَ صَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ مَجْهُولَةِ الصِّيعَانِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ فِي الرَّوْضَةِ لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذِهِ الشَّاةَ إلَّا رَأْسَهَا مَثَلًا يَصِحُّ إذَا كَانَ الْمَقْطَعُ مَعْلُومًا بِخِلَافِ بِعْتُكَ رَأْسَ هَذِهِ الشَّاةِ وَهِيَ مَذْبُوحَةٌ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فَمَا الْفَرْقُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ كَأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَبِيعَ فِي الْأُولَى مَا عَدَا الرَّأْسَ مِنْ بَقِيَّةِ الشَّاةِ وَهُوَ مَعْلُومٌ لَا جَهَالَةَ فِيهِ بِوَجْهٍ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْمَقْطَعَ مَعْلُومٌ وَالْمَبِيعُ فِي الثَّانِيَةِ الرَّأْسُ وَهِيَ مَا دَامَتْ مُتَّصِلَةً بِالْجُثَّةِ مَجْهُولَةٌ وَإِنْ كَانَ الْمَقْطَعُ مَعْلُومًا لِأَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى انْعِطَافَاتٍ وَعُرُوقٍ وَأَعْصَابٍ لَا تَظْهَرُ إلَّا بَعْدَ انْفِصَالِهَا فَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهَا مَا دَامَتْ مُتَّصِلَةً لِلْجَهَالَةِ. (وَسُئِلَ) أَبْقَاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالُوا فِي الْبَيْعِ لَوْ شَرَطَ مَا يُنَافِي مُقْتَضَاهُ كَأَنْ لَا يَقْبِضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ أَوْ لَا يَنْتَفِعَ لَمْ يَصِحَّ وَفَصَّلُوا فِي نَظِيرِ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ إذَا شَرَطَ فِيهِ أَنْ لَا يَطَأَ الزَّوْجُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الشَّارِطُ الزَّوْجَةَ فَلَا يَصِحُّ أَوْ الزَّوْجَ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ فَهَلَّا قِيلَ بِنَظِيرِ ذَلِكَ هُنَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ بَلْ صَرِيحُهُ جَرَيَانُ مِثْلِ ذَلِكَ التَّفْصِيلِ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ. لَوْ اشْتَرَى طَعَامًا وَشَرَطَ أَنْ يُطْعِمَهُ لِغَيْرِهِ صَحَّ الْبَيْعُ إنْ كَانَ الشَّارِطُ الْمُشْتَرِيَ فَيَحْتَمِلُ تَرْجِيحه وَيَحْتَمِلُ تَرْجِيحُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ كَالشَّيْخَيْنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْبُطْلَانِ فِي الْبَيْعِ مُطْلَقًا وَالتَّفْصِيلِ فِي النِّكَاحِ عَلَى أَنَّ لِلرَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهِ إشْكَالًا طَوِيلًا مُقَرَّرًا فِي مَحَلِّهِ وَعَلَى هَذَا فَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْبَيْعَ لَمَّا كَانَ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَحْضَةِ الَّتِي تَفْسُدُ بِفَسَادِ الْعِوَضِ كَانَ الشَّرْطُ الْمُنَافِي لِمَقْصُودِهِ مُفْسِدًا لَهُ مُطْلَقًا وَإِنْ وَقَعَ مِمَّنْ لَهُ الْحَقُّ تَنْزِيلًا لِاشْتِمَالِهِ عَلَيْهِ مَنْزِلَةَ اشْتِمَالِهِ عَلَى الْعِوَضِ الْفَاسِدِ بِخِلَافِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ مِنْ الْعُقُودِ الَّتِي لَا تَفْسُدُ بِفَسَادِ الْعِوَضِ فَلَمْ يُفْسِدْهُ الشَّرْطُ إلَّا حَيْثُ وَقَعَ مِنْ غَيْرِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ لِتَحَقُّقِ الْمُنَافَاةِ حِينَئِذٍ لِمَقْصُودِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ مِمَّنْ لَهُ الْحَقُّ لِأَنَّ الْمُنَافَاةَ حِينَئِذٍ لَمْ تَتَحَقَّقْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَهِيَ كَاشْتِمَالِهِ عَلَى عِوَضٍ فَاسِدٍ وَذَلِكَ لَا يُفْسِدُهُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ بَاعَ فِي مَرَضِهِ عَيْنًا قِيمَتُهَا مِائَةٌ بِخَمْسِينَ لَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِائَةٌ فَمَا الْحُكْمُ فِي هَذَا الْبَيْعِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ قَضِيَّةُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْخُلْعِ صِحَّةُ الْبَيْعِ فِي نِصْفِ الْعَيْنِ بِجَمِيعِ الْخَمْسِينَ وَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ وَقَدْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِنَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ لَوْ بَاعَ الْمَرِيضُ وَارِثَهُ عَبْدًا بِمِائَةٍ يُسَاوِي مِائَتَيْنِ وَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ فَنِصْفُهُ بِالْمِائَةِ وَصَرَّحَ الدَّارِمِيُّ بِمِثْلِهِ وَزَادَ جَرَيَانَ قَوْلَيْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِمَا لَفْظُهُ اُشْتُرِيَ عَبْدٌ بَيْنَ جَمَاعَةٍ حِصَّةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيهِ مِنْهُ فَهَلْ يَصِحُّ أَوْ لَا كَمَا إذَا اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَبِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَصِحُّ لِأَنَّ هَذَا عَقْدُ عَتَاقَةٍ فَكَأَنَّ الْبَائِعَ أَعْتَقَهُ وَحِينَئِذٍ فَيَسْرِي إلَى بَاقِيهِ إنْ كَانَ الْبَائِعُ مُوسِرًا بِبَقِيَّةِ قِيمَتِهِ وَلَيْسَ هَذَا كَمَا نَظَرَ بِهِ السَّائِلُ لِأَنَّ الْبَاقِينَ لَا يَمْلِكُونَ الِاعْتِرَاضَ عَلَى الْبَائِعِ فِي بَيْعِ نَصِيبِهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا صُورَتُهُ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ كِتَابٍ فَبَاعَهُ مَعَ كِتَابٍ آخَرَ لِلْوَكِيلِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ هَلْ يَصِحُّ فِيهِمَا أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ يَبْطُلُ فِي الْجَمِيعِ وَلَا يَدْخُلُهُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ ذَكَرَهُ فِي الْبَيَانِ لَكِنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِهِمْ فِي صِحَّةِ بَيْعِهِ لِعَبْدِهِ أَنَّ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ يَدْخُلهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ. (وَسُئِلَ) نَفَعَنَا اللَّهُ بِعُلُومِهِ عَنْ الْقَوْلِ بِصِحَّةِ بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ هَلْ يُشْتَرَطُ لَفْظٌ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا لَفْظُهُ مَا تَقُولُونَ فِي بَيْعِ الْعُهْدَةِ الْمَعْرُوفِ بِمَكَّةَ وَغَيْرِهَا هَلْ هُوَ صَحِيحٌ

(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ هُوَ صَحِيحٌ مُعْتَدٌّ بِهِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ سَائِرُ أَحْكَامِهِ حَيْثُ خَلَا عَنْ شَرْطٍ فَاسِدٍ كَتَأْقِيتٍ وَتَعْلِيقٍ وَشَرْطٍ يُنَافِي مُقْتَضَاهُ كَأَنْ تَكُونَ الْأُجْرَةُ مَثَلًا لِغَيْرِ الْمُشْتَرِي وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا يَسْبِقُ الْعَقْدَ مِنْ تَوَاطُؤٍ عَلَى مَا لَوْ وَقَعَ فِي الْعَقْدِ لَأَفْسَدَهُ هَذَا هُوَ مَذْهَبُنَا وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا قَدْ أَطَالَهُ فِي ذَلِكَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْيَمَنِ مِمَّا يُخَالِفُ مَا قَرَّرْنَاهُ وَيَنْحُو فِي أَكْثَرِهِ نَحْوًا غَيْرَ مَذْهَبِنَا. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ نَقْلِ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْبَغَوِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَرْضٌ مُنَاصَفَةً فَبَاعَ أَحَدُهُمَا مِنْهَا قِطْعَةً مُدَوَّرَةً لَمْ يَصِحَّ فِي شَيْءٍ مِنْهَا فَمَا الْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ مَعَ صِحَّةِ بَيْعِ الْمُشَاعِ هَلْ هِيَ كَوْنُ الْبَاقِي تَنْقُصُ قِيمَتُهُ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْقِطْعَةُ فِي وَسَطِ الْأَرْضِ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِطْرَاقُ الْمُشْتَرِي إلَيْهَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ صُورَةُ الْمَسْأَلَة كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْمُدَوَّرَةُ مِنْ الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ فِي غَيْرِ طَرَفِ مُبَيْكِرٍ بِبَيْكَارِ تِلْكَ الْمُدَوَّرَةِ مِنْ الْأَرْضِ الْمُدَوَّرَةِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ عَلَى الْأَرَاضِي الْمَمْلُوكَةِ وَحِينَئِذٍ فَالْعِلَّةُ عَدَمُ تَمَكُّنِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْمَبِيعِ لِأَنَّهُ مَحْفُوفٌ بِمِلْكِ الشَّرِيكِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْقِطْعَةُ الْمَبِيعَةُ فِي وَسَطِ الْأَرْضِ أَمْ طَرَفِهَا. فَإِنَّا لَا نَجِدُ قِطْعَةً مُدَوَّرَةً مِنْ أَرْضٍ فِي وَسَطِهَا أَوْ طَرَفِهَا غَيْرِ الْمُبَيْكَرِ بِبَيْكَارِهَا إلَّا وَهِيَ مَحْفُوفَةٌ بِشَيْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ تِلْكَ الْأَرْضِ وَتَصَوُّرُ خُلُوِّ جُزْءٍ يَسِيرٍ مِنْ بَعْضِ تِلْكَ الْجِهَاتِ عَنْ الْإِحَاطَةِ لَا عِبْرَةَ بِهِ لِأَنَّهُ لِقِلَّتِهِ لَا يَكَادُ يُدْرَكُ لَهُ حَقِيقَةٌ مَحْسُوسَةٌ فَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِطْرَاقُ مِنْهُ إلَّا بِخَرْقِ شَيْءٍ مِنْ غَيْرِ الْمَبِيعِ الْمُشْتَرَكِ فَلِأَجْلِهِ امْتَنَعَ الْبَيْعُ الْمَذْكُورُ لَا لِنَقْصِ قِيمَةِ الْبَاقِي وَإِلَّا لَاسْتَوَى إذْنُ الشَّرِيكِ وَعَدَمِهِ وَقَدْ قُيِّدَ الْبُطْلَانُ بِغَيْرِ إذْنِ الشَّرِيكِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ امْتِنَاعُ بَيْعِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ قِطْعَةً مِنْ الْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ حَيْثُ كَانَتْ مَحْفُوفَةً بِبَاقِي الْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَبِيعُ مُدَوَّرًا أَمْ مُثَلَّثًا أَمْ مُرَبَّعًا أَمْ غَيْرَ ذَلِكَ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ بِقَوْلِهِ وَقِيسَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ ذَكَرَ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِآخَرَ بِعْتُكَ نِصْفَ هَذِهِ الْعَيْنِ وَكَانَتْ بَيْنَهُمَا مُنَاصَفَةً صَحَّ وَحُمِلَ عَلَى النِّصْفِ الَّذِي يَمْلِكُهُ الْبَائِعُ فَكَيْفَ هَذَا مَعَ مَا فِي الرَّوْضَةِ فِي التَّسْطِيرِ أَنَّهُ يَصِحُّ وَيُحْمَلُ عَلَى الْإِشَاعَةِ حَتَّى يَصِحَّ فِي نِصْفِ مَا يَمْلِكُهُ فَقَطْ فَمَا الْفَرْقُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ مَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هُوَ مَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي الْعِتْقِ وَمَا رَجَّحُوهُ فِي التَّشْطِيرِ مِنْ الْإِشَاعَةِ هُوَ فِي الصَّدَاقِ فَقَطْ وَالْفَرْقُ أَنَّ الصَّدَاقَ جَمِيعَهُ لِلزَّوْجَةِ إلَّا أَنْ يَحْصُلَ الْفِرَاقُ فَلَفْظُهَا بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ صَدَرَ مِنْهَا حَالَ مِلْكِهَا لِلْجَمِيعِ وَلَا مُرَجِّحَ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَ اللَّفْظِ بِبَعْضِ الْمَمْلُوكِ حَالَةَ التَّصَرُّفِ دُونَ بَعْضٍ فَحُمِلَ اللَّفْظُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْإِشَاعَةِ إذْ لَا مُرَجِّحَ وَأَمَّا الْبَيْعُ فَإِنَّمَا يَمْلِكُ الْبَائِعُ فِيهِ حَالَ تَصَرُّفِهِ النِّصْفَ فَحُمِلَ اللَّفْظُ الْمُطْلَقُ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَبِيعُ مَا لَا يَمْلِكُهُ فَهَذَا مُرَجَّحٌ لِلْحَمْلِ عَلَى الْحَصْرِ دُون الْإِشَاعَةِ فَعُمِلَ بِهِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ قَوْلِ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الرَّوْضَةِ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى طَرَفِ الْأَرْضِ وَقَالَ بِعْتُكَ كَذَا ذِرَاعًا مِنْ مَوْقِفِي هَذَا فِي جَمِيعِ الْعَرْضِ إلَى حَيْثُ يَنْتَهِي فِي الطُّولِ صَحَّ هَلْ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ مِنْ التَّقْيِيدِ بِمَا صَوَّرَهُ مُعْتَبَرٌ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ قَوْلُهُ وَقَفَ وَقَوْلُهُ فِي جَمِيعِ الْعَرْضِ وَقَوْلُهُ إلَى حَيْثُ يَنْتَهِي فِي الطُّولِ تَمْثِيلٌ لَا تَقْيِيدٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقِفَ عَلَى طَرَفِهَا أَوْ فِي وَسَطِهَا إذَا عَيَّنَ جِهَةَ الْمَبِيعِ مِنْ مَوْقِفِهِ وَعُلِمَ مَمَرُّهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ أَوْ نِصْفِهِ أَوْ ثُلُثِهِ مَثَلًا وَلَا بَيْنَ أَنْ يَقُولَ إلَى حَيْثُ يَنْتَهِي فِي الطُّولِ أَوْ يَسْكُتَ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّ قَوْلَهُ يَعْنِي ذِرَاعًا مِنْ مَوْقِفِي هَذَا فِي جَمِيعِ الْعَرْضِ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مِنْ الْمَوْقِفِ إلَى حَيْثُ يَنْتَهِي الذِّرَاعُ فِي الطُّولِ فَذِكْرُهُ زِيَادَةُ إيضَاحٍ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا لَفْظُهُ لَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ مَا يَقَعُ فِي بَنْدَرِ جَدَّةَ وَالْإِسْكَنْدَرِيَّة وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَنَّهُ قَدْ يُبَاعُ الشَّيْءُ بِسِعْرٍ كَذَا ثُمَّ

يُوزَنُ هُوَ وَظَرْفُهُ وَيُحَطُّ لِلظَّرْفِ مِقْدَارٌ مَعْلُومٌ مُصْطَلَحٌ عَلَيْهِ وَلِلْوَازِنِ شَيْءٌ وَلِلْحَمَّالِ شَيْءٌ وَقَدْ يَعْتَادُونَ دُخُولَ الظَّرْفِ وَقَدْ لَا فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْعُرْفِ الْمُطَّرِدِ فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ بَلْ إنْ اشْتَمَلَ الْبَيْعُ عَلَى جَهَالَةٍ أَوْ اشْتِرَاطٍ مَا لَيْسَ مَبِيعًا لِغَيْرِ مَالِكِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ بَطَلَ الْبَيْعُ وَأَمَّا مَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ فِي نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ إنَّهُ يَجْرِي فِي ذَلِكَ عَلَى الْعَادَةِ الْمُطَّرِدَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْوَقْفِ بِالْعُرْفِ الْمُطَّرِدِ يَقْتَضِي أَنَّهُ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ أَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ الظَّرْفِ وَالْمَظْرُوفِ مَبِيعٌ كُلُّ كَذَا مِنْهُ بِكَذَا عَلَى مَا اُعْتِيدَ وَيَحُطُّ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ عِشْرِينَ مَثَلًا فَلَا يَجِبُ ثَمَنُ زَيْدٍ فِي مُقَابَلَتِهِ وَكَانَ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ مَرْدُودًا عَلَى ذَلِكَ بِالتَّوْزِيعِ وَمَا جُعِلَ فِي الْعَقْدِ ثَمَنًا لِلْقِنْطَارِ مَثَلًا فَهُوَ ثَمَنٌ لَهُ. وَلَمَّا رُدَّ عَلَيْهِ مِنْ الْمُوَزِّعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ فِي صُورَةٍ حَطُّ الْعُشْرِ قِنْطَارٌ وَتُسْعُ قِنْطَارٍ مِنْ الظَّرْفِ وَالْمَظْرُوفِ بِكَذَا وَهَذَا مِمَّا لَا يَتَرَدَّدُ فِيهِ أَحَدٌ لِلْإِجْمَاعِ الْفِعْلِيِّ السُّكُوتِيِّ فِي الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ مُحْكَمَةٌ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ لِمَنْ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ اهـ فَفِيهِ نَظَرٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَبِيعِ وَالْوَقْفِ ظَاهِرٌ وَالْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ لَيْسَ مَوْجُودًا وَكَوْنُ الْعَادَةِ مُحْكَمَةٌ فِيمَا لِلْعَادَةِ فِيهِ دَخْلٌ وَهَذَا لَيْسَ مِنْهُ ثُمَّ رَأَيْتُ الْبُلْقِينِيُّ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ مَا يُوزَنُ كُلَّ قِنْطَارٍ مِنْهُ بِوَزْنٍ مَعْلُومٍ عَلَى أَنْ يُطْرَحَ أَرْطَالًا مَعْلُومَةً بِسَبَبِ الظَّرْفِ وَنَحْوِهِ وَقَدْ يَزِيدُ وَقَدْ يَنْقُصُ عَنْ الْقَدْرِ الْمَطْرُوحِ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْبَيْعَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَصِحُّ وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْتُهُ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُ الرُّويَانِيِّ كَالْأَصْحَابِ لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا السَّمْنَ بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنْ أَزِنَهُ بِظَرْفِهِ ثُمَّ أُسْقِطُ مِنْ الثَّمَنِ بِقِسْطِ وَزْنِ الظَّرْفِ إنْ عَلِمَا عِنْدَ الْعَقْدِ وَزْنَهُ وَقَدْرَ قِسْطِهِ صَحَّ الْبَيْعُ وَإِنْ جَهِلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَصِحَّ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ قَالُوا وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا السَّمْنَ كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ ثُمَّ أَطْرَحُ وَزْنَ الظَّرْفِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّ حَاصِلَهُ بَيْعُ السَّمْنِ جَمِيعِهِ كُلِّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ فَلَا يَضُرُّ جَهَالَةُ وَزْنِ الظَّرْفِ اهـ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا إطْبَاقُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُكَ هَذَا السَّمْنَ كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يُوزَنَ الظَّرْفُ مَعَهُ وَيُحْسَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي وَزْنُهُ وَلَا يَكُونَ الظَّرْفُ مَبِيعًا كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلًا لِأَنَّهُ شَرَطَ فِي بَيْعِ السَّمْنِ أَنْ يُوزَنَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ الْمَوْزُونُ مَبِيعًا فَلَمْ يَصِحَّ هَكَذَا أَطْلَقُوهُ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَا وَزْنَ الظَّرْفِ أَمْ لَا وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مِنْ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى سَمْنًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ أَوْ غَيْرِهَا فِي ظَرْفِهِ كُلَّ رِطْلٍ بِدِرْهَمٍ مَثَلًا عَلَى أَنْ يُوزَنَ بِظَرْفِهِ وَيُسْقِطَ أَرْطَالًا مُعَيَّنَةً بِسَبَبِ الظَّرْفِ وَلَا يُوزَنَ الظَّرْفُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ غَرَرٌ ظَاهِرٌ قَالَ وَهَذَا مِنْ الْمُنْكَرَاتِ الْمُحَرَّمَةِ الَّتِي تَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَسْوَاقِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ بَاعَ أَمَةً ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا حَامِلٌ بِحُرٍّ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي فَمَنْ الْمُصَدَّقُ مِنْهُمَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إذَا أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي أَصْلَ الْحَمْلِ صُدِّقَ فَإِنْ ثَبَتَ بِالْعَرْضِ عَلَى الْقَوَابِلِ وَادَّعَى الْبَائِعُ حُرِّيَّتَهُ لِكَوْنِهِ أَعْتَقَهُ أَوْ لِكَوْنِهِ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ لِكَوْنِهِ مِنْهُ لَمْ يُصَدَّقْ أَخْذًا بِقَاعِدَةِ يُصَدَّقُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ قَالَ أَدِّ حَقِّي إلَى هَذَا الصَّبِيِّ هَلْ يَبْرَأُ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ فِي الدَّيْنِ بَلْ صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَبْضُهُ لِلْعَيْنِ أَيْضًا وَأَمَّا مَا فِي الْوَسِيطِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ رُدَّ الْوَدِيعَةَ إلَيْهِ بَرِيءَ فَالْبَرَاءَةُ فِيهِ لَيْسَتْ لِصِحَّةِ الْقَبْضِ بَلْ لِلْإِذْنِ مِنْهُ الْمُنَزَّلِ مَنْزِلَةَ الْإِذْنِ فِي الْإِتْلَافِ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ بِإِتْلَافِ مَالِهِ فَأَتْلَفَهُ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ عَصَى وَمَا فِي الْبَيَانِ مِنْ صِحَّةِ قَبْضِهِ وَلَوْ لِلدَّيْنِ ضَعِيفٌ عَلَى أَنَّهُ نَاقَضَ نَفْسَهُ فَقَالَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ لَا يَصِحُّ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الْمَقْبُوضِ بِسَوْمِ الْإِجَارَةِ أَوْ الْبَيْعِ هَلْ تُضْمَنُ مَنَافِعُهُ لَوْ مَكَثَ مُدَّةً عِنْدَ الْقَابِضِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي ذَكَرُوهُ أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِالسَّوْمِ مَضْمُونٌ فَيُحْتَمَلُ شُمُولُهُ لِلْمَقْبُوضِ بِسَوْمِ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَلِلْعَيْنِ وَالْمَنْفَعَةِ وَيُحْتَمَلُ تَخْصِيصُهُ بِعَيْنِ الْمَقْبُوضِ بِسَوْمِ الْبَيْعِ بِخِلَافِ مَنْفَعَتِهِ وَبِخِلَافِ

الْمَقْبُوضِ بِسَوْمِ الْإِجَارَةِ عَيْنِهِ وَمَنْفَعَتِهِ وَلِلنَّظَرِ فِي ذَلِكَ مَجَالٌ وَلَكِنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْمُنْقَدِحُ لِأَنَّ يَدَ الْمُسْتَأْجِرِ يَدُ أَمَانَةٍ فَلَا يَضْمَنُ الْعَيْنَ وَالْمُوجَبُ لِضَمَانِ الْمَنْفَعَةِ إمَّا الْعَقْدُ أَوْ التَّعَدِّي وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا إذَا تَلَفَّظَ الْبَائِعُ بِالصَّرِيحِ فَأَجَابَ الْمُشْتَرِي بِالْكِنَايَةِ أَوْ عَكْسِهِ فَهَلْ هُوَ مِنْ تَوَافُقِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ نَعَمْ هُوَ مِنْ تَوَافُقِهِمَا فَيَصِحُّ الْعَقْدُ بِلَا تَوَقُّفٍ فِي ذَلِكَ لِمَنْ رَاجَعَ كَلَامَهُمْ. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ بُطْلَانِ الْبَيْعِ فِي بِعْتُكَ نِصْفَك وَوُقُوعِ نَحْوِ الطَّلَاقِ بِطَلَّقْتُ نِصْفَكِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ الْفَرْقُ أَنَّ نَحْوَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ عُهِدَتْ فِيهِ السِّرَايَةُ وَالتَّعْبِيرُ بِالْبَعْضِ عَنْ الْكُلِّ فَأُثِرَ ذَلِكَ فِيهِ بِخِلَافِ نَحْوِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ وُقُوعُ الْخِطَابِ صَحِيحًا وَبِعْتُكَ نِصْفَكَ غَيْرُ صَحِيحٍ أَمَّا عَلَى السِّرَايَةِ فَوَاضِحٌ إذْ الْبَيْعُ لَا يَقْبَلُهَا وَأَمَّا عَلَى التَّعْبِيرِ بِالْبَعْضِ عَنْ الْكُلِّ فَلِأَنَّهُ مَجَازٌ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَلْ تَجُوزُ الْمُعَامَلَةُ بِالْمَغْشُوشَةِ وَهَلْ هِيَ مِثْلِيَّةٌ وَمَا الْمُرَادُ بِكَوْنِهَا مِثْلِيَّةً هَلْ هُوَ فِي السِّكَّةِ أَوْ فِي قَدْرِ الْغِشِّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ الْأَكْثَرُونَ عَلَى جَوَازِ الْمُعَامَلَةِ بِهَا وَإِنْ جُهِلَ قَدْرُ مَا فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ وَفِي التَّتِمَّةِ إنْ جَوَّزْنَا الْمُعَامَلَةَ بِهَا فَهِيَ مِثْلِيَّةٌ وَإِلَّا فَهِيَ مُتَقَوِّمَةٌ وَإِذَا أُتْلِفَتْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ ضَمِنَ قِيمَتَهَا بِالنَّقْدِ الْآخَرِ وَبِالْعَكْسِ بِلَا خِلَافٍ وَكَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ فِي الدَّعْوَى بِهَا أَنَّهُ يَذْكُرُ قِيمَتَهَا مِنْ النَّقْدِ الْآخَرِ وَهَذَا مِنْ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهَا مُتَقَوِّمَةٌ فَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّهَا مِثْلِيَّةٌ كَمَا مَرَّ عَنْ التَّتِمَّةِ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيّ وَالْأَذْرَعِيُّ ضَمَانُهَا بِمِثْلِهَا مِنْ السِّكَّةِ الَّتِي أُتْلِفَتْ وَإِنْ جُهِلَ مِعْيَارُهَا أَوْ مِنْ سِكَّةٍ أُخْرَى إنْ رَاجَتْ رَوَاجَهَا وَلَمْ تَتَفَاوَتْ قِيمَتُهَا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا إذَا خَرِسَ الْبَائِعُ أَوْ الرَّاهِنُ قَبْلَ الْإِقْبَاضِ أَوْ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ فَمَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ يَقُومُ الْقَاضِي مَقَامَهُ فَيَفْعَلُ هُوَ أَوْ نَائِبُهُ مَا فِيهِ مَصْلَحَتُهُ. (وَسُئِلَ) رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَلْ ذِكْرُ حُدُودِ الْمَبِيعِ وَمَا يُعْرَفُ بِهِ فِي الْعَقْدِ مِمَّا يَطُولُ بِهِ الْفَصْلُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ هَذَا مِنْ مَصَالِحِ الْعَقْدِ بَلْ قَدْ يَكُونُ مِنْ وَاجِبَاتِهِ إذَا تَوَقَّفَتْ مَعْرِفَةُ الْمَبِيعِ عَلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَضُرُّ ذِكْرُهُ وَإِنْ كَانَا عَارِفَيْنِ بِتِلْكَ الْحُدُودِ قَبْلَ الْعَقْدِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فِي رُؤْيَةِ الْمَبِيعِ فَمَنْ الْمُصَدَّقُ مِنْهُمَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَدُ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا وَمَشَى عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ وَلَا تَغْتَرَّ بِخِلَافِهِ أَيْ وَإِنْ قَالَ بِهِ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ كَالْإِسْنَوِيِّ وَالْأَذْرَعِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُثْبِتِهَا لِأَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِقَاعِدَةِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ وَلِأَنَّ إقْدَامَ الْمُنْكِرِ عَلَى الْعَقْدِ اعْتِرَافٌ مِنْهُ بِصِحَّتِهِ فَفِيهِ تَكْذِيبٌ لَدَعْوَاهُ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ الْجَارِيَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الصِّحَّةُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ جَمَاعَةٍ بَاعُوا أَرْضًا بَيْعًا صَحِيحًا وَحَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ حَنَفِيُّ الْمَذْهَبِ وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ سُنُونَ فَادَّعَى الْبَائِعُونَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَبِيعَ وَقْفٌ عَلَيْنَا فَهَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُمْ بَعْدَ الثُّبُوتِ لَدَى الْحَاكِمِ وَالْحُكْمِ بِهِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ حُكْمِ الْحَنَفِيِّ الْمَذْكُورِ تَنَاقَضَ فِيهَا كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي مَوَاضِعَ وَالْمُعْتَمَدُ فِيهَا بَلْ الصَّوَابُ أَنَّ الْبَائِعَ إنْ قَالَ حِينَ الْبَيْعِ هُوَ مِلْكِي لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ بِأَنْ اقْتَصَرَ عَلَى بِعْتُكَ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتُهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ حَلَفَ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ بَاعَهُ وَهُوَ مِلْكُهُ وَحُكْمُ الْحَاكِمِ الْمَذْكُورِ لَا يَمْنَعُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّفْصِيلِ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُرَجَّحَات وَمَا فِي أَصْل الرَّوْضَةِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ لَا يُخَالِفُ مَا ذُكِرَ. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَمَّنْ أَقَرَّ بِالْبَيْعِ وَقَبَضَ الثَّمَنَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ وَأَنَّهُ قَدَّمَ الْإِشْهَادَ عَلَى الْقَبْضِ فَهَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِتَحْلِيفِ خَصْمِهِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ نَعَمْ

تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِتَحْلِيفِ خَصْمِهِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الرَّهْنِ وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي الْجَوَاهِرِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ مِنْ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِتَحْلِيفِ خَصْمِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَفِيهِ نَظَرٌ نَقْلًا وَمَعْنًى فَالْوَجْهُ خِلَافُهُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ لَا يَخْفَى مَا عَلَيْهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنْ بَيْعِ الْخُمُورِ وَتَعَاطِي الرِّبَا وَغَيْرِ ذَلِكَ فَهَلْ تَحِلُّ مُعَامَلَتُهُمْ وَهَدَايَاهُمْ وَتُحَرَّمُ مُعَامَلَةُ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ بِقَوْلِهِ حَيْثُ لَمْ يَتَحَقَّقْ حَرَامًا مُعَيَّنًا جَازَتْ مُعَامَلَتُهُمْ وَقَبُولُ هَدِيَّتِهِمْ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبِلَ هَدَايَاهُمْ أَمَّا إذَا تَحَقَّقَ كَأَنْ رَأَى ذِمِّيًّا يَبِيعُ خَمْرًا وَقَبَضَ ثَمَنَهُ وَأَعْطَاهُ لِلْمُسْلِمِ عَنْ دَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ قَبُولُهُ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ وَابْنُ الْعِمَادِ عَنْ النَّصِّ مَا يُوَافِقُهُ وَوَجْهُهُ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِعَقِيدَتِنَا وَإِنْ كُنَّا نُقِرُّهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْأَكْلِ مِنْ أَمْوَالِ الظَّلَمَةِ وَمَنْ أَكْثَرُ أَمْوَالِهِ حَرَامٌ فَيُكْرَهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ عَيْنَ الْحَرَامِ أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِهِ وَيُمْكِنُ مَعْرِفَةُ صَاحِبِهِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ صَارَ مِنْ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَحَدِيثُ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ «مَنْ لَمْ يَسْأَلْ مِنْ أَيْنَ مَطْعَمُهُ وَلَا مِنْ أَيْنَ مَشْرَبُهُ لَمْ يُبَالِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ أَدْخَلَهُ» ظَاهِرٌ فِيمَنْ يُقْدِمُ عَلَى تَنَاوُلِ مَا حَلَّ بِيَدِهِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ حَرَامٍ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَإِنْ اقْتَضَى الْوَرَعُ تَرْكَهُ. وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي غَيْرِ الْبَسِيطِ تَحْرُمُ مُعَامَلَةُ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ بَالَغَ فِي الْمَجْمُوعِ فِي رَدِّهِ وَقَالَ لَيْسَ مِنْ مَذْهَبِنَا وَإِنَّمَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ الْأَبْهَرِيِّ الْمَالِكِيِّ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي يَدِ السُّوقَةِ حَرَامٌ لَمْ يَجِبْ السُّؤَالُ خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ وَوَافَقَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِيمَا لَوْ اعْتَرَفَ أَنَّ بِيَدِهِ أَلْفَ دِينَارٍ حَرَامٌ فِيهَا وَاحِدٌ حَلَالٌ كَمَا لَوْ اخْتَلَطَتْ حَمَامَةٌ بَرِّيَّةٌ بِأَلْفِ حَمَامَةٍ بَلَدِيَّةٍ وَفَرَّقَ بِأَنَّ هُنَا أَصْلًا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْيَدُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلْحِلِّ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَمَامَةِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُخْرِجُوهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي النَّجَاسَةِ وَالطَّهَارَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُنَا الْحِلُّ وَتَرَجَّحَ بِالْيَدِ وَلَيْسَ هُنَاكَ مِثْلُ هَذَا الْمُرَجَّحِ فَثَارَ الْخِلَافُ وَفَارَقَ أَيْضًا مَا لَوْ اخْتَلَطَتْ مُذَكَّيَاتٌ مَحْصُورَةٌ بِمَيْتَاتٍ مَحْصُورَةٍ بِأَنَّ الْمَيْتَةَ حَرَامٌ لِذَاتِهَا وَلَا قَرِينَةَ تَدُلُّ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْحَلَالِ بِيَدِ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ تَحْرِيمُ الْأَخْذِ وَالْمُعَامَلَةِ إذَا كَانَ الْأَكْثَرُ حَرَامًا وَاشْتَبَهَ وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْحَنَابِلَةُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ بَاعَ شَيْئًا فِي يَدِهِ لَا يَدْرِي هُوَ لَهُ أَمْ لَا وَقَبَضَ ثَمَنَهُ فَهَلْ يَحِلُّ لَهُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ قَالَ فِي الْبَحْرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحِلَّ لَهُ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِالِاحْتِيَاطِ مَا أَمْكَنَ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا اجْتَهَدَ فَلَمْ يَظْفَرَ بِعَلَامَةٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَهُ وَلَا نَظَرَ لِدَلَالَةِ الْيَدِ عَلَى الْمِلْكِ لِأَنَّ مَحَلَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ ذِي الْيَدِ وَأَمَّا ذُو الْيَدِ إذَا لَمْ يَدْرِ اسْتِنَادَهَا لِمَا يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ فَلَا تَكُونُ دَالَّةً عَلَى الْمِلْكِ فِي حَقِّهِ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ أَخْذًا بِعُمُومِ قَوْلِهِمْ الْيَدُ دَالَّةٌ عَلَى الْمِلْكِ وَيَدُلُّ لِلْأَوَّلِ جَوَازُ مُعَامَلَةِ مَنْ يُعْلَمُ اخْتِلَاطُ مَالِهِ بِحَرَامٍ مِنْ غَيْرِ وُجُوبِ اجْتِهَادٍ فِي تَمْيِيزِ الْحَلَالِ مِنْ الْحَرَامِ وَوُجُوبُهُ عَلَى ذِي الْيَدِ إذَا اخْتَلَطَ مَا فِيهَا بِحَرَامٍ وَعَلَّلَ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي ذَلِكَ بِهِ لَا بِنَا وَإِذَا جَهِلَ وَتَصَرَّفَ فِي الْمُشْتَبَهِ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ فَالْإِثْمُ عَلَيْهِ لَا عَلَيْنَا فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ مَعَ الْعِلْمِ بِظُلْمِهِ وَفِسْقِهِ قُلْنَا لِأَنَّ دَلَالَةَ الْيَدِ كَافِيَةٌ عَلَى أَنَّهُ فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ قَالَ لَوْ أَخْبَرَنَا فَاسِقٌ أَوْ كِتَابِيٌّ أَنَّهُ ذَكَّى هَذِهِ الشَّاةَ قَبِلْنَاهُ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ ذَكَرَهُ فِي التَّتِمَّةِ اهـ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ قَوْمٍ عُرِفُوا بِعَدَمِ تَوْرِيثِ الْبَنَاتِ كَأَهْلِ بَجِيلَةَ فَمَا حُكْمُ مَا يَجْلِبُونَهُ لِمَكَّةَ مِنْ الْحَبِّ وَاللَّوْزِ وَالزَّبِيبِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِبِرْكَتِهِ وَعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إنْ عُلِمَ أَنَّ مَا بِأَيْدِيهِمْ اكْتَسَبُوا مِنْهُ شَيْئًا مِنْ وَجْهِ حِلٍّ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ شَيْءٌ فَلَا يُحْكَمُ عَلَى مَا بِأَيْدِيهِمْ بِالْحُرْمَةِ وَتَحِلُّ مُعَامَلَتُهُمْ مَعَ الْكَرَاهَةِ إنْ كَانَ أَكْثَرُ مَا بِأَيْدِيهِمْ حَرَامًا وَلَا يَجِبُ سُؤَالُهُمْ عَنْ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ فِيهِمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إلَّا ذَلِكَ الْمَوْرُوثُ فَإِنْ عُلِمَتْ عَيْنُ مَالِكِهِ وَبَقَاؤُهُ لَمْ يَجُزْ تَصَرُّفُهُمْ فِيهِ وَإِنْ فُقِدَ الْمَالِكُ أَوْ جُهِلَتْ عَيْنُهُ فَهُوَ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ الْمَوْرُوثَةُ أَرْضًا فَزَرَعَهَا بِبَذْرِهِ حَلَّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ أَوْ تَعَلَّقَتْ أُجْرَةُ الْأَرْض بِذِمَّتِهِ وَلِلْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ فِي ذَلِكَ إفْتَاءٌ فِيهِ التَّحْذِيرُ عَنْ الشِّرَاءِ مِنْهُمْ وَالتَّغْلِيظُ

عَلَى فَاعِلِهِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ وَرَعٌ وَإِلَّا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ شِرَاءِ الْأَرِقَّاءِ الْمَوْجُودِينَ فِي الْأَسْوَاقِ مَعَ عَدَمِ التَّخْمِيسِ كَيْفَ يَحِلُّ وَاحْتِمَالُ جَلْبِ كَافِرٍ لَهُمْ بَعِيدٌ وَلِلنَّوَوِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي ذَلِكَ تَصْنِيفٌ بَيَّنُوا حَاصِلَهُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ حَاصِلُ الْمَذْهَبِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ غَنِيمَةٍ لَمْ تُخَمَّسْ وَلَمْ تُقَسَّمْ حَلَّ شِرَاؤُهُ لِأَنَّ طَرِيقَ مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ الرِّقُّ إثْرَ الْكُفْرِ لَا يَنْحَصِرُ فِي الْغَنِيمَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ حَرْبِيًّا أَخَذَهُ مِنْ حَرْبِيٍّ أَوْ قَهَرَ حَرْبِيًّا وَاسْتَرَقَّهُ وَلَوْ أَبَاهُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخَمَّسَ عَلَيْهِ نَعَمْ لَوْ قَهَرَ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ عَتَقَا عَلَيْهِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ لَهُمَا كَمَا رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ إنَّ الْمُسْلِمَ إذَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ وَأَخْرَجَهُ إلَى بِلَادِنَا مَلَكَهُ بِالْقَهْرِ. وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ حَرْبِيٍّ شَرَاهُ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ وَكَالْحَرْبِيِّ فِيمَا مَرَّ الذِّمِّيُّ فَمَا يَأْخُذُهُ الذِّمِّيُّونَ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ بِقِتَالٍ أَوْ غَيْرِهِ لَا يُخَمَّسُ أَيْضًا فَمَتَى اُحْتُمِلَ كَوْنُ الرَّقِيقِ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ لَمْ يَحْرُمْ شِرَاؤُهُ وَلَا وَطْءُ الْأُنْثَى مِنْهُ اعْتِمَادًا عَلَى ظَاهِرِ الْيَدِ لِاحْتِمَالِ انْتِقَالِهَا إلَيْهِ شَرْعًا أَمَّا بِمَا مَرَّ أَوْ عَمَّنْ سَرَقَهَا عَلَى مَا يَأْتِي أَوْ بِشِرَائِهِ خُمْسَهَا مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ عَلَى رَأْيِ الرَّافِعِيِّ أَوْ كُلَّهَا مِنْهُمْ إنْ كَانَتْ فَيْئًا أَوْ مِنْ الْغَانِمِينَ إنْ كَانَتْ غَنِيمَةً وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْمُتَوَرِّعِينَ إذَا أَرَادَ التَّسَرِّيَ بِجَارِيَةٍ اشْتَرَاهَا ثَانِيًا مِنْ وَكِيلِ بَيْتِ الْمَالِ وَمَثَّلَهُ الْقَاضِي بِنَاءً عَلَى مَا فِي فَتَاوَى السُّبْكِيّ وَلَا يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا احْتِمَالُ بَقَاءِ الثَّمَنِ أَوْ بَعْضِهِ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ سَهْلٌ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ الْآخِذَ لَهُ مُسْلِمٌ وَلَوْ بِسَرِقَةٍ أَوْ نَهْبٍ لَمْ يَجُزْ الشِّرَاءُ مِنْهُ قَبْلَ تَخْمِيسِهِ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِهِ حَتَّى فِي نَحْوِ الْمَسْرُوقِ. وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ لَكِنْ رَجَّحَ مُقَابِلَهُ مُرَجِّحُونَ وَاعْتَمَدَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فَعَلَيْهِ يَحِلُّ شِرَاؤُهُ وَإِنْ لَمْ يُخَمِّس وَعَلَى الْأَوَّلِ يُحْمَلُ قَوْلُ أَصْحَابِنَا أُصُولُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ وَطْءِ السَّرَارِيِّ اللَّاتِي يُجْلَبْنَ الْيَوْمَ مِنْ الرُّومِ وَالْهِنْدِ وَالتُّرْكِ إلَّا أَنْ يُنَصِّبَ الْإِمَامُ مَنْ يُقَسِّمُ الْغَنَائِمَ مِنْ غَيْرِ حَيْفٍ وَقَوْلُ الْفَزَارِيّ لَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ قِسْمَةُ الْغَنَائِمِ بِحَالٍ وَلَا تَخْمِيسُهَا وَلَهُ أَنْ يُفَضِّلَ وَيَحْرِمَ بَعْضَ الْغَانِمِينَ رَدَّهُ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي تَصْنِيفِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَوَافَقَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّهُ خَارِقٌ لِلْإِجْمَاعِ فِي ذَلِكَ وَلَوْ انْتَصَرَ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُمَا - وَأَنَّ لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ وَتَعَالَى عَنْهُ قَوْلًا بِمِثْلِهِ وَهُوَ أَنَّ الْإِمَامَ أَوْ الْأَمِيرَ إذَا قَالَ لَلْغَانِمِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ قَبْلَ الْغَنِيمَةِ لَا بَعْدَهَا مَنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ فَهُوَ لَهُ صَحَّ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ وَعَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ وَالْغَانِمُونَ مُقَلِّدِينَ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَفَعَلُوا ذَلِكَ فَهَلْ يَحِلُّ لِلشَّافِعِيِّ مَا دَامَ عَلَى مُعْتَقَدِهِ الشِّرَاءُ مِنْهُمْ الْأَوْجَهُ لَا لِأَنَّهُ يَرَى أَنَّهُمْ غَيْرُ مَالِكِينَ عِنْدَهُ فَإِنْ قَلَّدَ إمَامُهُمْ جَازَ فَإِنْ قُلْتَ فَإِذَا عَلِمَ أَنَّهَا غَنِيمَةٌ لَمْ تُخَمَّسْ فَهَلْ لَهُ طَرِيقٌ إلَى تَمَلُّكِهَا قُلْتُ إنْ عُلِمْتَ عَيْنُ الْغَانِمِينَ فَلَا طَرِيقَ إلَى ذَلِكَ وَإِلَّا بِأَنْ أَيِسَ مِنْ مَعْرِفَتِهِمْ فَهِيَ مَالٌ ضَائِعٌ وَهُوَ لِبَيْتِ الْمَالِ وَحِينَئِذٍ فَلِمَنْ يَسْتَحِقُّ فِي خُمْسِ الْمَصَالِحِ شَيْئًا أَنْ يَتَمَلَّكَهَا بِطَرِيقِ الظَّفْرِ إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْوُصُولِ إلَى حَقِّهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ حَيْثُ قَالَ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّهُ. لَوْ لَمْ يَدْفَعْ السُّلْطَانُ إلَى كُلِّ الْمُسْتَحَقِّينَ حُقُوقَهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَهَلْ يَجُوزُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ قَالَ فِيهِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ أَحَدُهَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ وَلَا يَدْرِي حِصَّتَهُ مِنْهُ حَبَّةً أَوْ دَانَقَ أَوْ غَيْرَهُمَا وَهُوَ غُلُوٌّ وَالثَّانِي يَأْخُذُ قُوتَ كُلِّ يَوْمٍ فِيهِ وَالثَّالِثُ كِفَايَةُ سَنَةٍ وَالرَّابِعُ يَأْخُذُ مَا يُعْطَى وَهُوَ حَقُّهُ وَالْبَاقُونَ مَظْلُومُونَ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُشْتَرَكًا كَالْغَنِيمَةِ وَالْمِيرَاثِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِلْكٌ لَهُمْ حَتَّى لَوْ مَاتُوا قُسِّمَ بَيْنَ وَرَثَتِهِمْ، هُنَا لَا يَسْتَحِقُّ وَارِثُهُ شَيْئًا وَهَذَا إذَا صُرِفَ إلَيْهِ مَا يَلِيقُ صَرْفُهُ إلَيْهِ اهـ فَتَقْرِيرُ النَّوَوِيِّ وَالْغَزَالِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى تَرْجِيحِ الرَّابِعِ لِكَوْنِهِ الْقِيَاسَ ظَاهِرٌ فِي اعْتِمَادِهِ لِذَلِكَ فَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ جَوَازُ الْأَخْذِ ظَفْرًا سَوَاءٌ أَكَانَ هُنَاكَ أَحْوَجُ مِنْهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْبَغَوِيِّ أَمْ لَا خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الْفِرْكَاحِ وَابْنُ جَمَاعَةَ حَيْثُ قَالَ فِي الْمَالِ الضَّائِعِ وَلِمَنْ كَانَ فِي يَدِهِ إذَا عَدِمَ الْحَاكِمُ الْعَادِلُ أَنْ يَصْرِفَهُ لِنَفْسِهِ إذَا

كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَهُوَ عَالِمٌ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَيْ وَاقْتَصَرَ عَلَى مَا يَلِيقُ أَنْ يُصْرَفَ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَبِالْجَوَازِ أَيْضًا صَرَّحَ الْأَذْرَعِيُّ بَحْثًا قِيَاسًا عَلَى مَالِ الْغَرِيمِ قَالَ بَلْ أَوْلَى وَنُقِلَ عَنْ مُحَقِّقِ عَصْرِهِ الْجَلَالِ الْمَحَلِّيِّ مَا يَقْتَضِي الْجَوَازَ أَيْضًا فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ إنْ قِيلَ الْجِزْيَةُ لِلْأَجْنَادِ عَلَى قَوْلٍ أَوْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ عَلَى قَوْلٍ وَقَدْ رَأَيْنَا جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ لَا يَتَوَرَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يَخْرُجُونَ مِنْ الْخِلَافِ فِيهَا مَعَ ظُهُورِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْجُنْدَ قَدْ أَكَلُوا مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْوَرَعِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ أَكْثَرَهَا فَيُؤْخَذُ مِنْ الْجِزْيَةِ مَا يَكُونُ قِصَاصًا بِبَعْضِ مَا أَخَذُوهُ وَأَكَلُوهُ فَتَصِيرُ كَمَسْأَلَةِ الظَّفْرِ اهـ فَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ إطْلَاقِ مَنْعِ الْأَخْذِ ظَفْرًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْآخِذُ غَيْرَ عَالِمٍ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْ أَخَذَ فَوْقَ حَقِّهِ وَإِلَّا فَإِطْلَاقُهُ ضَعِيفٌ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ السُّبْكِيّ فِي فَتَاوِيهِ الْمَيْلَ إلَيْهِ وَفِي بَعْضِ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ مَنْ لَهُ حَظٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَظَفِرَ بِمَا هُوَ لِبَيْتِ الْمَالِ فَلَهُ أَخْذُهُ دِيَانَةً. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَمَّنْ قَلَّدَ إمَامًا فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ عَنْهُ فَهَلْ لِمُقَلَّدِ مَنْ لَمْ يَرَ عَدَمَ سُقُوطِهَا الشِّرَاءُ مِنْهُ وَلَا اعْتِبَارَ بِعَقِيدَتِهِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ فِي فَتَاوَى السُّبْكِيّ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ رَأَى مُسْلِمًا يَتَصَرَّفُ تَصَرُّفًا فَاسِدًا فِي اعْتِقَادِهِ جَائِزًا فِي اعْتِقَادِ الْمُتَصَرِّفِ لَمْ يَجُزْ لَهُ قَبْضُهُ عَنْ دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُنْقَضُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِحُكْمِ حَاكِمٍ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْحِلَّ بَاطِنًا. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي مَسْأَلَتِنَا بِأَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يُقَلِّدْ ذَلِكَ الْإِمَامَ وَلَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِسُقُوطِ الزَّكَاةِ لَا يَحِلُّ الشِّرَاءُ مِنْهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ خِلَافًا لِمَنْ أَطَالَ فِيهِ بِمَا لَا يُجْدِي وَالْفَرْقُ بَيْنَ الزَّكَاةِ وَالْمُعَامَلَاتِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ إذْ الْمَدَارُ عَلَى أَنْ يُقَدِّمَ عَلَى مَا يَعْتَقِدُ حِلَّ تَنَاوُلِهِ وَهُوَ حَيْثُ بَقِيَ عَلَى تَقْلِيدِ إمَامِهِ وَلَا حُكْمَ يَعْتَقِدُ عَدَمَ حِلِّ تَنَاوُلِهِ وَلَوْ بَاعَ الْمَالِكُ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَخْذًا مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعَقِيدَتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ وَمُطَالَبَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْفُرُوعِ وَلَا نَظَرَ لِعَقِيدَةِ الْمُشْتَرِي. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَمَّا إذَا بَاعَهُ دَارًا بِشَرْطِ أَنْ يَبِيعَهُ عَبْدَهُ فَالْبَيْعُ الْأَوَّلُ بَاطِلٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَإِنْ إتْيَانَهُ مَعَ الْجَهْلِ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ فَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا أَوْ مَعَ عِلْمِهِمَا لَا أَحَدِهِمَا بِهِ صَحَّ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْعِلْمِ فَهَلْ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ أَوْ قَوْلُ الْمُشْتَرِي؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إنْ اتَّفَقَا عَلَى الْعِلْمِ أَوْ الْجَهْلِ فَوَاضِحٌ وَإِنْ ادَّعَى الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي أَنَّهُمَا عَالِمَانِ وَالْآخَرُ أَنَّهُمَا جَاهِلَانِ صُدِّقَ مُدَّعِي الْجَهْلِ بِالنِّسْبَةِ لِنَفْسِهِ لِأَنَّ جَهْلَهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا إذَا كَانَ جَاهِلًا يَبْطُلُ وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا أَنَا وَأَنْتَ عَالِمَانِ فَقَالَ الْآخَرُ أَنَا عَالِمٌ وَأَنْتَ جَاهِلٌ صُدِّقَ الْأَوَّلُ نَظِيرَ مَا مَرَّ إذْ عِلْمُهُ إنَّمَا يُعْرَفُ مِنْ جِهَتِهِ فَصُدِّقَ فِيهِ وَإِنْ قَالَ أَنَا جَاهِلٌ وَأَنْتَ عَالِمٌ صُدِّقَ الثَّانِي كَمَا مَرَّ وَلَا تَخْرُجُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى مُدَّعِي الْفَسَادِ وَمُدَّعِي الصِّحَّةِ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي الرُّؤْيَةِ إذْ الْأَصَحُّ تَصْدِيقُ مُدَّعِيهمَا مُطْلَقًا لِمَا قَرَّرْته مِنْ أَنَّ دَعْوَاهُ الْعِلْمَ أَوْ الْجَهْلَ لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهَا إلَّا مِنْ جِهَتِهِ بِخِلَافِ الرُّؤْيَةِ أَوْ عَدَمِهَا إذْ يُمْكِنُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى ذَلِكَ. وَظَاهِرٌ أَنَّهُ حَيْثُ صَدَّقْنَا وَاحِدًا فِيمَا مَرَّ فَإِنَّمَا نُصَدِّقُهُ بِيَمِينِهِ وَلَوْ عُلِمَ مِنْ حَالِ مُدَّعِي الْعِلْمِ أَوْ الْجَهْلِ خِلَافُ دَعْوَاهُ كَفَقِيهٍ حَاذِقٍ ادَّعَى الْجَهْلَ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ وَكَقَرِيبِ عَهْدٍ بِتَعَلُّمٍ لِنَشْأَةٍ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ أَوْ بِإِسْلَامٍ ادَّعَى الْعِلْمَ بِذَلِكَ فَهَلْ يُصَدَّقُ حِينَئِذٍ مُدَّعِي الصِّحَّةِ أَوْ يُصَدَّقُ مَنْ سَاعَدَتْهُ شَوَاهِدُ الْحَالِ لِلنَّظَرِ فِيهِ مَجَالٌ وَكَلَامُهُمْ فِيمَا لَوْ ادَّعَى قِدَمَ الْعَيْبِ أَوْ حُدُوثَهُ وَالْعَادَةُ تَشْهَدُ بِخِلَافِهِ يُومِئُ إلَى تَرْجِيحِ الثَّانِي. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِمَا لَفْظُهُ إذَا حَكَرَ الْإِمَامُ فَيُعَزَّرُ مُخَالِفُهُ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَحْرُمُ الْبَيْعُ بِخِلَافِ مَا سَعَّرَ بِهِ وَإِنْ كَانَ سِرًّا فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ قَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ يُعَزَّرُ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ أَغْلَبِيَّةً إذْ لَمْ يَسْتَثْنُوا ذَلِكَ مِنْ طَرْدِهَا وَلَا مِنْ عَكْسِهَا لَكِنَّ قَوْلَهُمْ لَوْ أَمَرَ الْإِمَامُ بِمُحَرَّمٍ لَمْ يَجِبْ امْتِثَالُهُ رُبَّمَا يُتَوَهَّمُ

مِنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ اعْتِمَادُهُ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ الْإِمَامُ يَرَى جَوَازَ التَّسْعِيرِ وَجَبَتْ طَاعَتُهُ وَلَوْ فِي السِّرِّ وَحَيْثُ لَا وَجَبَتْ طَاعَتُهُ فِي الْجَهْرِ خَوْفًا مِنْ الْفِتْنَةِ لَا فِي السِّرِّ لِأَنَّ أَمَرَهُ بِمُحَرَّمٍ فِي اعْتِقَادِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حُرْمَةٌ إلَّا فِي الْجَهْرِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُخْشَى مِنْ عَدَمِ طَاعَتِهِ قِيَامُ الْفِتْنَةِ وَوُقُوعُ مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ. وَلَوْ أَمَرَ الْإِمَامُ بِمُحَرَّمٍ لَمْ يَجِبْ امْتِثَالُهُ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا فِي اعْتِقَادِهِ بَلْ أَنْ يَكُونَ مُحَرَّمًا فِي اعْتِقَادِ الْمَأْمُورِ وَالْمَأْمُورُ بِهِ هُنَا وَهُوَ الْبَيْعُ بِثَمَنِ كَذَا لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ عَلَى الْمَأْمُورِ فَوَجَبَ امْتِثَالُ الْأَمْرِ حِينَئِذٍ إذْ لَا حُرْمَةَ عَلَى الْمَأْمُورِ فِي امْتِثَالِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ بِمَكْرُوهٍ وَجَبَ امْتِثَالُ أَمْرِهِ وَيَنْقَلِبُ الْفِعْلُ حِينَئِذٍ وَاجِبًا وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ فَإِنْ قُلْتَ التَّحْكِيرُ إكْرَاهٌ عَلَى الْبَيْعِ إلَّا بِثَمَنِ كَذَا وَشَرَطَ الْبَائِعُ الِاخْتِيَارَ فَكَانَ يَنْبَغِي بُطْلَانُ الْبَيْعِ مِنْ أَصْلِهِ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُكْرَهِ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ لَهُ هُوَ الْإِمَامَ قُلْتُ صُورَةُ الْإِكْرَاهِ الَّذِي ذَكَرُوهُ أَنْ يُقَالَ لِشَخْصٍ بِعْ كَذَا وَإِلَّا ضَرَبْتُكَ أَوْ نَحْوَهُ وَأَمَّا التَّحْكِيرُ هُنَا فَلَيْسَ فِيهِ الْأَمْرُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا أَوْ بِثَمَنِ كَذَا حَتْمًا بَلْ الْمُرَادُ إذَا أَوْقَعْتَهُ بِاخْتِيَارِكَ يَكُونُ بِثَمَنِ كَذَا فَلَيْسَ فِيهِ إجْبَارٌ عَلَى بَيْعِهِ أَلْبَتَّةَ بَلْ عَلَى ثَمَنٍ مُعَيَّنٍ إذَا اخْتَارَ إيقَاعَ الْبَيْعِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ قَوْلِ الْغَزَالِيِّ يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ وَوَلَدِهَا قَبْلَ التَّمْيِيزِ بِالسَّفَرِ بِخِلَافِ الْمُطَلَّقَةِ لِإِمْكَانِ صُحْبَتِهَا لَهُ هَلْ هُوَ مُعْتَمَدٌ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُتَأَخِّرِينَ اعْتِمَادُهُ وَيَشْهَدُ لِلْحُرْمَةِ عُمُومُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَيُؤْخَذُ مِنْ عِلَّتِهِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ أَنَّ الْمُتَزَوِّجَةَ بِغَيْرِهِ وَالْمُطَلَّقَةَ الْعَاجِزَةَ عَنْ السَّفَرِ لِعِلَّةٍ أَوْ فَقْرٍ كَاَلَّتِي فِي عِصْمَتِهِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْحُرْمَةِ بَيْنَ السَّفَرِ الطَّوِيلِ أَوْ الْقَصِيرِ وَلَا بَيْنَ سَفَرِ النَّقْلَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ قَرِيبٌ إذْ يَلْزَمُهُ فِي سَفَرِ النَّقْلَةِ السَّفَرُ بِزَوْجَتِهِ أَوْ طَلَاقِهَا وَأَنَّهُ يَجُوزُ السَّفَرُ بِابْنِ الْمُطَلَّقَةِ الْقَادِرَةِ عَلَى السَّفَرِ وَإِنْ كَانَتْ الْحَضَانَةُ لَهَا وَلَوْ كَانَ غَيْرَ سَفَرِ نَقْلَةٍ وَهُوَ قَرِيبٌ أَيْضًا. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَمَّا إذَا قَالَ بِعْ عَبْدِي هَذَا بِأَلْفٍ فَبَاعَهُ مِنْ رَجُلَيْنِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالْقَمُولِيُّ لَا يَصِحُّ فَهَلْ مِثْلُهُ الشِّرَاءُ وَالْوَلِيُّ وَعَامِلُ الْقِرَاضِ كَالْوَكِيلِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ مَا قَالَاهُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَلَا مَصْلَحَةَ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ إذَا أَمَرَهُ بِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ بَيْعِهِ لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ عَلَى بَعْضِهِ لِضَرَرِ التَّبْعِيضِ وَإِنْ فُرِضَ فِيهِ غِبْطَةٌ اهـ. وَهُوَ شَامِلٌ لِكَلَامِهِمَا وَلِمَسْأَلَةِ الشِّرَاءِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمَا أَنَّ الْوَلِيَّ وَعَامِلَ الْقِرَاضِ كَذَلِكَ لَكِنَّ الْأَشْبَهَ بِقَوَاعِدِ بَابِ الْقِرَاضِ وَتَصَرُّفِ الْأَوْلِيَاءِ الْجَوَازُ إذَا كَانَ هُنَاكَ غِبْطَةٌ بَلْ مَصْلَحَةٌ لِأَنَّهَا مُحَقَّقَةٌ وَوُقُوعُ ضَرَرِ التَّبْعِيضِ مُتَوَهَّمٌ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ شَخْصٍ مُتَكَلِّمٍ عَلَى أَيْتَامٍ بِإِقَامَةٍ مِنْ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ وَلِلْأَيْتَامِ الْمَذْكُورِينَ حِصَّةٌ مِنْ دَارٍ عَامِرَةٍ قَائِمَةٍ عَلَى أُصُولِهَا فَبَاعَ الْقَيِّمُ الْمَذْكُورُ الْحِصَّةَ الْمَذْكُورَةَ وَسَلَّمَ ثَمَنَهَا فِي حِصَّةٍ مِنْ خَرِبَةٍ دَائِرَةٍ لَا نَفْعَ بِهَا اشْتَرَاهَا لِلْأَيْتَامِ الْمَذْكُورِينَ عِوَضًا عَنْ الْحِصَّةِ الْعَامِرَةِ الْمَبِيعَةِ وَذَكَرَ الْمُوَرِّقُ فِي مَكْتُوبِ الشِّرَاءِ أَنَّ الْقَيِّمَ فَعَلَ ذَلِكَ لِمَا رَأَى فِيهِ مِنْ الْحَظِّ وَالْمُصْلِحَةِ وَالْحَالُ أَنَّهُمَا لَمْ يَثْبُتَا لَدَى حَاكِمٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُوَرِّقُ أَيْضًا أَنَّ الْخَرِبَةَ الْمُشْتَرَى مِنْهَا الْحِصَّةُ مُلَاصِقَةٌ لِدَارِ التَّمْحَانِيِّ وَأَنَّهَا مُخَلَّفَةٌ عَنْ هِبَةِ اللَّهِ وَالْحَالُ أَنَّ الْخَرِبَةَ الْمُلَاصِقَةَ لِلدَّارِ الْمَذْكُورَةِ لَيْسَتْ مُخَلَّفَةً عَنْ هِبَةِ اللَّهِ وَلَا مَلَكهَا قَطُّ وَإِنَّمَا هِيَ لِشَخْصٍ آخَرَ وَاضِعِ يَدٍ عَلَيْهَا مُدَّةَ حَيَاتِهِ ثُمَّ وَرَثَتُهُ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنَّ الْخَرِبَةَ الْمُخَلَّفَةَ عَنْ هِبَةِ اللَّهِ مُلَاصِقَةٌ لِهَذِهِ الْخَرِبَةِ الْجَارِيَةِ فِي مِلْكِ الشَّخْصِ الْآخَرِ الْفَاصِلَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ وَثَبَتَ الْعَقْدَانِ الْمَذْكُورَانِ لَدَى حَاكِمٍ شَافِعِيٍّ وَحَكَمَ بِمُوجَبِ ذَلِكَ فَهَلْ يَكُونُ مُجَرَّدُ قَوْلِ الْقَيِّمِ أَنَّ فِي ذَلِكَ الْحَظَّ وَالْمَصْلَحَةَ كَافِيًا أَمْ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهِمَا لَدَى حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ وَهَلْ يَكُونُ قَوْلُ الْمُوَرِّقِ أَنَّ الْخَرِبَةَ الْمُبْتَاعَ مِنْهَا الْحِصَّةُ مُلَاصِقَةٌ لِدَارِ التَّمْحَانِيِّ وَأَنَّهَا مُخَلَّفَةٌ عَنْ هِبَةِ اللَّهِ وَالْحَالُ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ كَمَا بَيَّنَ يَقْتَضِي فَسَادَ عَقْدِ الشِّرَاءِ حَيْثُ

باب الربا

تَبَيَّنَ أَنَّ الْبَائِعَ بَاعَ مَا لَمْ يَمْلِكْ فَإِنَّهُ وَارِثُ هِبَةِ اللَّهِ أَمْ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ لِلْوَلِيِّ أَبًا كَانَ أَوْ غَيْره شِرَاء عَقَارٍ مَا لَمْ تَنْتَفِ الْمُصْلِحَةُ عَنْهُ كَإِشْرَافِهِ عَلَى الْخَرَابِ وَبَيْعِهِ لِحَاجَةٍ كَنَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ إنْ لَمْ تَفِ غَلَّتُهُ بِهَا وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُقْرِضُهُ أَوْ لَمْ يَرَ فِي الْقَرْضِ مَصْلَحَةً وَلِغِبْطَةٍ كَأَنْ طَلَبَ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ وَوَجَدَ مِثْلَهُ بِبَعْضِ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ ذَلِكَ ثُمَّ إنْ كَانَ الْبَائِعُ أَبَا أَوْ جَدًّا وَرَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي سَجَّلَ عَلَى بَيْعِهِ وَلَا يُكَلِّفُهُ إثْبَاتَ حَاجَةٍ أَوْ غِبْطَةٍ بِخِلَافِ الْوَصِيِّ وَالْأَمِينِ فَإِنَّهُ لَا يُسَجَّلُ عَلَى بَيْعِهِمَا إلَّا أَنْ أَثْبَتَا الْحَاجَةَ أَوْ الْمَصْلَحَةَ وَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي أَقَامَهُ وَأَمَّا. مَسْأَلَةُ الدَّارِ فَإِنْ قَالَ مَالِكُهَا أَوْ نَحْوه بِعْتُكَ دَارِي وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا أَوْ أَشَارَ إلَيْهَا كَهَذِهِ الدَّارِ صَحَّ الْبَيْعُ وَإِنْ غَلِطَ فِي حُدُودِهَا أَوْ سَمَّاهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا وَإِنْ قَالَ بِعْتُكَ الدَّارَ الَّتِي فِي الْمَحَلَّةِ الْفُلَانِيَّةِ وَحُدُودِهَا وَغَلِطَ فِي حُدُودِهَا لَمْ يَصِحَّ هَذَا حُكْمُ بَيْعِهَا وَأَمَّا حُكْمُ الدَّعْوَى بِهَا وَالشَّهَادَةِ فَإِنْ كَانَتْ مَشْهُورَةً بِاسْمٍ خَاصٍّ بِهَا كَدَارِ النَّدْوَةِ لَمْ يَحْتَجْ لِذَكَرِ شَيْءٍ مِنْ حُدُودِهَا وَإِلَّا فَإِنْ عُلِمَتْ بِثَلَاثَةِ حُدُودٍ جَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ إلَّا بِالْحُدُودِ الْأَرْبَعَةِ وَجَبَ ذِكْرُهَا وَمَتَى ذَكَرَ الشَّاهِدُ الْحُدُودَ وَأَخْطَأَ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا لَمْ تَصِحَّ شَهَادَتُهُ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَوْلُ الْقَيِّمِ لَا يَكْفِي فِي الْحَظِّ وَالْمَصْلَحَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهِمَا عِنْد الْحَاكِمِ وَإِلَّا كَانَ بَيْعُهُ بَاطِلًا وَقَوْلُ الْمُوَرِّقِ فِيمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ قَادِحٌ فِي صِحَّةِ شَهَادَتِهِ وَفِي صِحَّة الْبَيْعِ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي قَرَّرْته وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الرِّبَا] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ مَعَهُ حَبٌّ وَجَاءَهُ بَعْضُ أَهْلِ بَلَدِهِ يَبْغِي شِرَاءَ ذَلِكَ الْحَبِّ فَأَسَّسَ صَاحِبُ ذَلِكَ الْحَبِّ الْمُشْتَرَى عَلَى قَاعِدَةٍ عِنْدِهِمْ يَعْنِي أَنَّهُمْ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنَّ الْعِشْرِينَ مُدًّا بِثَلَاثِينَ مُدًّا مَثَلًا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ صَاحِبُ الْحَبِّ قَالَ لِرَجُلٍ آخَرَ: أَسْلِمْ لِي هَذِهِ الدَّرَاهِمَ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ بِثَلَاثِينَ مُدَّ حَبٍّ فَأَسْلَمَ ذَلِكَ الشَّخْصُ إلَى الَّذِي يَبْغِي شِرَاءَ الْحَبِّ وَشَرَى بِهَا ذَلِكَ الْحَبَّ الْمُتَقَدِّمَ ذِكْرُهُ فَهَلْ هَذِهِ الْحِيلَةُ تُخَلِّصُ صَاحِبَ الْحَبِّ بَعْدَ أَنْ أَسَّسَ قَبِلَ أَنَّ الْعِشْرِينَ بِثَلَاثِينَ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْحِيلَةَ الْمُخَلِّصَةَ مِنْ الرِّبَا جَائِزَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَكِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ رِعَايَةً لِخِلَافِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ حَرَّمُوهَا وَقَالُوا إنَّهَا لَا تُفِيدُ التَّخْلِيصَ مِنْ الرِّبَا وَإِثْمِهِ فَإِذَا كَانَ شَخْصٌ شَافِعِيًّا وَأَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا مِنْهَا لِيَتَخَلَّصَ بِهِ مِنْ الرِّبَا جَازَ لَهُ ذَلِكَ كَأَنْ يَقُولَ الَّذِي مَعَهُ لِمَنْ جَاءَ يَشْتَرِي مِنْهُ أَسْلَمْتُ إلَيْك هَذِهِ الدَّرَاهِمَ فِي ثَلَاثِينَ صَاعًا صِفَتُهَا كَذَا وَيَذْكُرُ جَمِيعَ صِفَاتِهَا الَّتِي يَخْتَلِفُ بِهَا الْغَرَضُ اخْتِلَافًا ظَاهِرًا وَيُعْطِيهِ فِي الْمَجْلِسِ تِلْكَ الدَّرَاهِمَ ثُمَّ يَهَبُهُ ذَلِكَ الْحَبَّ الَّذِي مَعَهُ وَيَنْذُرُ مُرِيدُ الشِّرَاءِ لِصَاحِبِ الْحَبِّ بِثَلَاثِينَ صَاعًا فِي ذِمَّتِهِ وَصَاحِبِ الْحَبِّ دِرْهَمًا فِي ثَلَاثِينَ صَاعًا فِي ذِمَّتِهِ وَصَاحِبُ الْحَبِّ يَهَبُهُ مَا مَعَهُ أَوْ يَنْذُرُ لَهُ بِهِ أَوْ يَشْتَرِي مَا مَعَهُ مِنْ الْحَبِّ بِدِرْهَمٍ وَيُسَلِّمُ صَاحِبَ الْحَبِّ دِرْهَمًا فِي ثَلَاثِينَ صَاعًا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْحِيَلِ الصَّحِيحَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ الْوُقُوعِ فِي وَرْطَةِ الرِّبَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) فِيمَنْ مَعَهُ سَمْنٌ فَيَأْتِيه بَعْضُ النَّاسِ فَيَقُولُ لَا أَبِيعُ هَذَا السَّمْنَ إلَّا الرِّبْعِيَّةَ إلَى الصَّيْفِ مَثَلًا وَقْتًا مَجْهُولًا وَفِي عُرْفِهِمْ عِنْدَ حَصَادِ زَرْعِ الصَّيْفِ فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ ذَلِكَ السَّمْنِ فَقَالَ: بَلْ أَسْلِمْ ثَوْبَكَ أَوْ خَاتَمَكَ فِي حَبٍّ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَفَعَلَ الْبَائِعُ ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ قَبَضَ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ الَّذِي أَسْلَمَ إلَيْهِ وَتَنَحَّى عَنْهُ قَلِيلًا ثُمَّ قَالَ لِصَاحِبِ السَّمْنِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُ: بِعْت مِنِّي هَذِهِ الرِّبْعِيَّةَ السَّمْنَ بِهَذَا الثَّوْبِ أَوْ الْخَاتَمِ فَبَاعَهُ فَهَلْ يَحِلُّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَوْ لَا وَهَلْ الْخَلَاصُ مِمَّنْ فِي أَيْدِيهِمْ نَقْدَانِ أَحَدُهُمَا وَالْآخَرُ مِنْ هَذِهِ السِّكَّةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي مَكَّةَ وَهِيَ الْكِبَارُ وَأَرَادَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنْ يَصْرِفَ مِنْ الْآخَرِ فَتَعَاقَدَا بِزَائِدِ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ عَنْ الْآخَرِ، مِقْدَارُ الْغِشِّ فِي الْعَشَرَةِ وَاحِدٌ فَمَا الطَّرِيقُ الْمُخَلِّصَةُ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْحِيلَةُ الْأُولَى صَحِيحَةٌ مُخَلِّصَةٌ مِنْ الرِّبَا لَكِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ كَسَائِرِ الْحِيَلِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ

مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَأَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ: بِحُرْمَتِهَا وَإِنَّهَا لَا تُفِيدُ التَّخَلُّصَ مِنْ الرِّبَا وَأَمَّا الْحِيلَةُ فِي بَيْعِ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ الزَّائِدِ فَهِيَ أَنْ يَهَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ مَا فِي يَدِهِ أَوْ يَنْذُرُ لَهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) هَلْ يَجُوز لِلْمُسْلِمِ أَخْذُ الرِّبَا مِنْ الْحَرْبِيِّ وَيُقَرِّرُ عَلَيْهِ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَبِالتَّطْفِيفِ وَغَيْرِهِ وَمَا الْمُرَادُ مِنْ الْحَرْبِيِّ وَمَا عَلَامَتُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ. الَّذِي صَرَّحَ بِهِ أَئِمَّتُنَا أَنَّ الْعَقْدَ مَعَ الْحَرْبِيِّ بِالِاخْتِيَارِ كَهُوَ مَعَ الْمُسْلِمِ فَلَا بُدَّ مِنْ حَلِّ مَا أَخَذَهُ الْمُسْلِمُ مِنْهُ بِعَقْدٍ إنْ تُوجَدُ جَمِيعُ شُرُوطِ الْبَيْعِ فِيهِ وَإِلَّا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُهُ وَلَا التَّصَرُّفُ فِيهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الرِّبَا مِنْهُ وَلَا التَّطْفِيفُ فِي كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عُزِّرَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ الشَّدِيدُ وَالْمُرَادُ بِالْحَرْبِيِّ الْكَافِرُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ أَمَانٌ بِنَحْوِ عَقْدِ جِزْيَةٍ أَوْ تَأْمِينٍ مُسَلَّمٍ بِشَرْطِهِمَا الْمَعْرُوفِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ. (وَسُئِلَ) عَمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي هَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ مِنْ بَيْعِ الْمِحْلَقِ الرَّدِيءِ هَلْ يَصِحُّ بَيْعُهُ بِفُلُوسٍ خَالِصَةٍ مَعَ عِلْمِ الْمُشْتَرِي بِرَدَاءَتِهِ وَمَعَ جَهْلِهِ بِذَلِكَ كَمَا قَالُوا بِصِحَّةِ بَيْعِ زُجَاجَةٍ لِمَنْ ظَنَّهَا جَوْهَرَةً وَلَا خِيَارَ لَهُ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ الْبَحْثِ فَهَلْ هَذَا كَذَلِكَ فِي الصِّحَّةِ وَعَدَمِ الْخِيَارِ أَمْ لَا أَوْ يَصِحُّ مَعَ الْعِلْمِ دُونَ الْجَهْلِ كَمَا فِي الثَّمَنِ الْمُعَيَّنِ حَيْثُ بَانَتْ سِكَّتُهُ مُخَالِفَةً لِسِكَّةِ الْبَلَدِ أَوْ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ إذَا عَلِمَ. أَوْ ظَنَّ أَنَّ مُشْتَرِيَهُ يَغُشُّ بِهِ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَيْ حَيْثُ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ يَغُشّهُ مَعَ التَّحْرِيمِ كَمَا فِي بَيْعِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَوْ يَظُنَّ ذَلِكَ فَهَلْ يُكْرَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا فَلَوْ بَاعَ الْمِحْلَقَ الْمَذْكُورَ بِعُثْمَانِيٍّ وَفُلُوسٍ فَهَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ وَتَكُونُ الْفِضَّةُ التَّافِهَةُ الَّتِي فِي الْمِحْلَقِ الرَّدِيءِ كَحَبَّاتِ شَعِيرٍ لَا تُقْصَدُ لِقِلَّتِهَا حَيْثُ بِيعَ بُرٌّ بِبُرٍّ. وَفِي أَحَدِهِمَا حَبَّاتٌ يَسِيرَةٌ لَا تُقْصَدُ. أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ فَلَا يَصِحُّ فِي ذَلِكَ وَلَوْ بَاعَ مِحْلَقًا جَدِيدًا بِعُثْمَانِيَّيْنِ أَوْ بِعُثْمَانِيٍّ وَشَيْءٍ آخَرَ مِنْ حَبٍّ أَوْ تَمْرٍ مَعَ الْحُلُولِ وَالتَّقَابُضِ هَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ فِي الصُّورَتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا أَمْ لَا لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ هُنَا أَنَّ الْجَهْلَ بِالْمُمَاثَلَةِ كَحَقِيقَةِ الْمُفَاضَلَةِ وَهَلْ مُعَامَلَةُ الصِّغَارِ كَمُعَامَلَةِ غَيْرِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمْ فِي جَوَازِ الْمُعَاطَاةِ مَعَهُمْ عَلَى الْمُخْتَارِ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ حَيْثُ رَأَى الْمُعَاقِدَانِ الْمِحْلَقَ الْمَذْكُورَ جَازَ بَيْعُهُ. بِالْفُلُوسِ الْمَذْكُورَةِ هَذَا إنْ كَانَ كُلُّ مَنْ غَشَّهُ وَخَالَصَهُ مَقْصُودًا أَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ خَالَصَهُ فَقَطْ لَكِنْ عَلِمَا قَدْرَهُ أَمَّا لَوْ جَهِلَا ذَلِكَ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ قِيَاسًا عَلَى مَا قَالُوهُ فِي اللَّبَنِ الْمَخْلُوطِ بِالْمَاءِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُمْ وَتَصِحُّ الْمُعَامَلَةُ بِالْمَغْشُوشِ فِيهِ مُعَايَنَةً وَفِي الذِّمَّةِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ عِيَارَهَا لِحَاجَةِ الْمُعَامَلَةِ بِهَا. وَلِذَلِكَ اُسْتُثْنِيَتْ مِنْ قَاعِدَةِ أَنَّ مَا كَانَ خَلِيطُهُ غَيْرَ مَقْصُودٍ وَقَدْرُ الْمَقْصُودِ مَجْهُولٌ كَمِسْكٍ مَخْلُوطٍ بِغَيْرِهِ. وَلَبَنٍ مَشُوبٍ بِمَاءٍ لَا تَصِحُّ الْمُعَامَلَةُ بِهِ اهـ. لِأَنَّ كَلَامَهُمْ هَذَا فِي الْمَغْشُوشِ الَّذِي يَتَعَامَلُ النَّاسُ بِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ لِحَاجَةِ الْمُعَامَلَةِ بِهَا وَكَلَامُنَا فِي شَيْءٍ مُزَيَّفٍ لَا يُتَعَامَلُ بِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَوَّلُ السُّؤَالِ وَمَا لَا تَرُوجُ الْمُعَامَلَةُ بِهِ لَا يُعْطَى حُكْمُ مَا رَاجَتْ الْمُعَامَلَةُ بِهِ لِاضْطِرَارِ النَّاسِ إلَى هَذَا دُونَ ذَاكَ وَحَيْثُ ظَنَّ الْمُشْتَرِي سَلَامَتَهُ مِنْ الْغِشِّ أَوْ مِنْ كَثْرَتِهِ فَبَانَ خِلَافُ ذَلِكَ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ عَيْبٌ كَمَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ ضَابِطُهُ. وَلَيْسَ هَذَا نَظِيرَ مَسْأَلَةِ الزُّجَاجَةِ لِأَنَّ ذَاتهَا لَيْسَ فِيهَا عَيْبٌ وَإِنَّمَا أُخْلِفَ الظَّنُّ فِيهَا وَحَيْثُ عَلِمَ الْبَائِعُ بِعَيْنِهِ عَيْبًا حُرِّمَ عَلَيْهِ بَيْعُهَا إلَّا بَعْدَ تَبْيِينِهِ لِذَلِكَ الْعَيْبِ فَإِنْ سَكَتَ أَثِمَ وَصَحَّ الْبَيْعُ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمِحْلَقِ الْمَذْكُورِ بِعُثْمَانِيٍّ وَفُلُوسٍ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ. وَلَيْسَتْ الْفِضَّةُ الَّتِي فِي الْجَانِبَيْنِ غَيْرَ مَقْصُودَةٍ حَتَّى تُقَاسُ بِحَبَّاتِ الشَّعِيرِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ قَلِيلَ النَّقْدِ يَقْصِدُ وَيُؤَثِّرُ فِي الْوَزْنِ بِخِلَافِ قَلِيلِ الشَّعِيرِ. فَإِنَّهُ لَا يَقْصِدُ وَلَا يُؤَثِّرُ فِي الْكَيْلِ وَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمِحْلَقِ الْجَدِيدِ بِعُثْمَانِيَّيْنِ إلَّا إنْ اتَّفَقَا وَزْنًا بِخِلَافِ بَيْعِهِ بِعُثْمَانِيٍّ وَشَيْءٍ آخَرَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مُعَامَلَةَ الصِّغَارِ كَالْبَالِغِينَ وَلَا يُعَدُّ هَذَا مِنْ مَذْهَبِنَا وَإِنْ كَانَ قَائِلُهُ مِنَّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) بِمَا مَضْمُونُهُ وَصَلَ كِتَابُكُمْ الْعَزِيزُ وَلَفْظُكُمْ الشَّافِي الْوَجِيزُ فَقَرَأَهُ لِمَمْلُوكٍ وَقَبِلَهُ وَفَهِمَ مُفَصَّلَهُ وَمُجْمَلَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى الرَّأْسِ وَالْعَيْنِ لَكِنَّ ظَاهِرَ قَوْلِ سَيِّدِي أَنَّهُمَا إذَا رَأَيَا الْمِحْلَقَ الْمَذْكُورَ وَعَلِمَا عَيْنَهُ جَازَ بَيْعُهُ وَلَا إثْمَ.

عَلَى بَائِعِهِ وَإِنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَغُشُّ بِهِ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى تَسْطِيرِ مَا فِي السُّؤَالِ مِنْ بَيْعِ الرُّطَبِ أَوْ الْعِنَبِ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا وَقَوْلُ سَيِّدِي هَذَا إذَا كَانَ كُلُّ مَنْ غَشَّهُ وَخَالَصَهُ مَقْصُودَ أَهْلِ الْمُرَادِ سَيِّدِي إنَّهُ مَقْصُودٌ لِلْمُشْتَرِي فَقَطْ أَوْ مَقْصُودٌ فِي الْجُمْلَةِ وَهَلْ الْمُرَادُ مَقْصُودٌ عَلَى انْفِرَادِهِ أَوْ عَلَى الْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ فَالسَّائِلُ مُسْتَفِيدٌ جَزَاكُمْ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَيْرًا؟ (فَأَجَابَ) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مِنْ الْوَاضِحِ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا ظَنَّ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَغُشُّ بِالْمَبِيعِ الْمَعِيبِ مُطْلَقًا وَلَمْ يَضْطَرَّ إلَى الْبَيْعِ لَهُ حُرِّمَ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَا كَانَ سَبَبًا لِحَرَامٍ حَرَامٌ وَإِنَّمَا حُرِّمَ بَيْعُ الْعِنَبِ وَنَحْوِهِ الْمَذْكُورِ مُطْلَقًا لِأَنَّ سَبَبَ الْحُرْمَةِ هُنَا أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ الْبَيْعِ وَثَمَّ أَمْرٌ ذَاتِيٌّ فِي الْمَبِيعِ وَالْمُرَادُ بِالْقَصْدِ الْمَذْكُورِ قَصْدُهُ مُنْفَرِدًا أَوْ مُتَضَمَّنًا فِي الْعُرْفِ. (وَسُئِلَ) هَلْ يَجُوزُ بَيْعُ سَمْنِ الْغَنَمِ بِسَمْنِ الْبَقَرِ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَجُوزُ بَيْعُ سَمْنِ الْغَنَمِ بِسَمْنِ الْبَقَرِ مُتَفَاضِلًا بِشَرْطِ الْحُلُولِ وَالتَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَعْطَى خَبَّازًا دِرْهَمًا وَقَالَ: أُعْطِنِي بِنِصْفِهِ خُبْزًا وَبِنِصْفِهِ الْآخَرِ نِصْفَ دِرْهَمٍ صَحِيحًا فَأَعْطَاهُ مَا قَالَ مَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ جَعَلَ الدِّرْهَمَ فِي مُقَابَلَةِ الْخُبْزِ وَالنِّصْفَ دِرْهَمٍ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ فَهُوَ رِبًا وَإِنْ فَصَّلَ فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ مِنْك بِنِصْفِهِ خُبْزًا وَنِصْفِهِ الْآخَرِ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ صَحِيحٍ صَحَّ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ مُطْلَقًا. وَأَمَّا النِّصْفُ الثَّانِي فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ صَحِيحٍ إلَّا أَنْ يَسْتَوِيَا وَزْنًا وَقِيمَةً وَإِلَّا كَانَ رِبًا لِأَنَّهُ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَةِ بِقَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ. (وَسُئِلَ) عَنْ عَيْنٍ مَبِيعَةٍ بَيْنَ شَخْصَيْنِ وَهُمَا يَعْلَمَانِ بِهَا سَابِقًا حَاضِرَةً كَانَتْ أَوْ غَائِبَةً وَشَهِدَ شَاهِدَانِ بَيْنَهُمَا بِذَلِكَ وَلَمْ يَعْلَمَا الْعَيْنَ الْمَبِيعَةَ فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا الْبَيْعُ فَإِذَا قُلْتُمْ بِصِحَّةٍ هَلْ لِلْحَاكِمِ ثُبُوتُهُ وَالْحُكْمُ بِهِ عَلَى الْحُكْمِ الْمَشْرُوحِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ الْحُدُودِ عِنْدَهُ بِهَا. سَوَاءٌ أَكَانَ بِالشَّاهِدَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ أَمْ غَيْرِهِمَا أُوضِحُوا لَنَا ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا عَلِمَ الْعَاقِدُ أَنَّ الْعَيْنَ الْمَبِيعَةَ بِالرُّؤْيَةِ وَلَوْ قَبِلَ الْعَقْدُ بِشَرْطِهِ ثُمَّ أَوْرَدَا الْعَقْدَ عَلَيْهَا بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ لَمْ يَرَيَاهَا وَلَمْ يَعْرِفَاهَا صَحَّ الْبَيْعُ وَيَشْهَدُ الشَّاهِدَانِ عَلَى الصِّيغَةِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ مَعْنَى الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَالْمُوجِبِ بِشَرْطِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ الشَّاهِدَانِ عِنْدَهُ بِالْحُدُودِ لِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَا ثُبُوتُ الْعَقْدِ فَحَسْبُ. وَأَمَّا الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فَلَا يَحْتَاجُ لِلشَّهَادَةِ بِحُدُودِهِ إلَّا إذَا وَقَعَ تَنَازُعٌ فِي عَيْنِهِ الْغَائِبَةِ عَنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ. (وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الرِّبَا: وَالتَّخَايُرُ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ التَّقَابُضِ بِمَثَابَةِ التَّفَرُّقِ يُبْطِلُ الْعَقْدَ خِلَافًا لِابْنِ سُرَيْجٍ وَقَالَ فِي الْخِيَارِ: لَوْ تَقَابَضَا فِي عَقْدِ الصَّرْفِ ثُمَّ أَجَازَا فِي الْمَجْلِسِ لَزِمَ الْعَقْدُ وَإِنْ أَجَازَاهُ قَبْلَ التَّقَابُضِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْإِجَازَةَ لَاغِيَةٌ لِأَنَّ الْقَبْضَ مُعَلَّقٌ بِالْمَجْلِسِ. وَهُوَ بَاقٍ فَيَبْقَى حُكْمُهُ فِي الْخِيَارِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَلْزَمُ الْعَقْدُ وَعَلَيْهِمَا التَّقَابُضُ اهـ وَتَبِعَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْبَابَيْنِ وَلَمْ يُرَجِّحْ شَيْئًا فَمَا الْمُعْتَمَدُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي رَجَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ لُزُومَ الْعَقْدِ وَزَادَ ثَالِثًا أَنَّهُ يَبْطُلُ الْعَقْدُ وَاسْتَشْكَلَ بِمَا فِي الرِّبَا وَأَجَابَ بِمَا فِي الْخَادِمِ وَالتَّعَقُّبَاتِ بِأَنَّ مَا فِي الرِّبَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَفَرَّقَا بِلَا قَبْضٍ وَمَا فِي الْخِيَارِ عَلَى مَا إذَا تَقَابَضَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ. وَاعْتَرَضَ بِأُمُورٍ الْأَوَّلُ أَنَّ الْبُطْلَانَ لَوْ كَانَ مَحْمُولًا عَلَى مَا إذَا تَفَرَّقَا بَعْدَ التَّخَايُرِ بِلَا قَبْضٍ وَلَيْسَ مُرَتَّبًا عَلَى مُجَرَّدِ التَّخَايُرِ لَامْتَنَعَ الْخِلَافُ فِيهِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى بُطْلَانِ الْعَقْدِ عِنْدَ التَّفَرُّقِ بِلَا قَبْضٍ وَقَدْ عَلِمْت ثُبُوتَ الْخِلَافِ كَمَا حَكَاهُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ فَوَجَبَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ تَفْرِيقٌ. الثَّانِي إنَّهُ فِي الرَّوْضَةِ صُحِّحَ تَبَعًا لِبَعْضِ نُسَخِ الرَّافِعِيِّ فِيمَا إذَا بَاعَ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَلَيْسَ مَعَ الْمُشْتَرِي. إلَّا خَمْسَةٌ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ ثُمَّ اسْتَقْرَضَهَا وَرَدَّهَا إلَيْهِ عَنْ الثَّمَنِ بُطْلَانُ الْعَقْدِ وَوَجَّهَهُ أَنَّ قَرْضَ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ تَصَرُّفٌ فِي زَمَنِ خِيَارِ الْبَاذِلِ وَالتَّصَرُّفُ فِي الشَّيْءِ إذَا كَانَ فِي زَمَنِ خِيَارِ بَاذِلِهِ بَاطِلٌ إذَا وَقَعَ مَعَ غَيْرِ الْبَاذِلِ وَصَحِيحٌ إذَا وَقَعَ مَعَهُ وَيَكُونُ إجَازَةً لِلْعَقْدِ. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ قَرْضَ الْخَمْسَةِ إجَازَةٌ لِلْعَقْدِ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الْإِجَازَةِ مُبْطِلٌ كَالتَّفَرُّقِ. وَأَنَّ التَّفَرُّقَ قَبْلَ قَبْضِ بَعْضِ الْعِوَضِ مُبْطِلٌ لِلْعَقْدِ فِيمَا لَمْ يُقْبَضْ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ فَسَادُ مَا سَبَقَ مِنْ الْجَمْعِ لِأَنَّ الْبُطْلَانَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُرَتَّبٌ عَلَى مُجَرَّدِ الْإِجَازَةِ الثَّالِثُ قَوْلُهُمَا أَنَّ.

التَّخَايُرَ بِمَثَابَةِ التَّفَرُّقِ يَقْتَضِي أَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ وَقَائِمٌ مَقَامَهُ وَمُسْتَقِلٌّ بِتَرَتُّبِ الْبُطْلَانِ عَلَيْهِ كَمَا تَرَتَّبَ الْبُطْلَانُ عَلَى التَّفَرُّقِ وَإِلَّا لَكَانَ الْمُقْتَضِي لِلْبُطْلَانِ إنَّمَا هُوَ التَّفَرُّقُ وَجُعِلَ التَّخَايُرُ بِمَثَابَتِهِ لَغْوًا لَا فَائِدَةَ لَهُ. الرَّابِعُ أَنَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ حَكَى الْبُطْلَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ مُقْتَرِنًا بِالْوَجْهَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّ الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ وَارِدَةٌ عَلَى صُورَةٍ وَاحِدَةٍ فَجَعَلَ الْبُطْلَانَ فِي صُورَةٍ. وَالْآخَرَيْنِ فِي أُخْرَى تَصَرُّفًا مُخَالِفًا لِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ اهـ وَلِبَعْضِ هَذِهِ الِاعْتِرَاضَاتِ اتِّجَاهٌ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَعْتَمِدَ مَا فِي الْمَجْمُوعِ وَيُضَعِّفَ غَيْرَهُ وَلَا يُصَارُ إلَى الْحَمْلِ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِمَّا ذَكَرَ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ بَاعَ شَاةً فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ بِمِثْلِهَا أَوْ بِلَبَنٍ أَوْ دَجَاجَةً فِيهَا بَيْضَةٌ بِمِثْلِهَا أَوْ بَيْضَةً لَمْ يَصِحَّ بِخِلَافِ دَارٍ فِيهَا بِئْرُ مَاءٍ بِمِثْلِهَا فَمَا الْفَرْقُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمَاءَ لَيْسَ مَقْصُودًا مَعَ الدَّارِ بِوَجْهٍ بَلْ هُوَ تَابِعٌ لَهَا بِخِلَافِ اللَّبَنِ وَالْبَيْضَةِ فَإِنَّهُمَا مَقْصُودَانِ مَعَ الشَّاةِ وَالدَّجَاجَةِ فَكَانَا مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِهَا أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ مَقْصُودًا لَا تَابِعًا. (وَسُئِلَ) عَنْ قِشْرِ الْبُنِّ هَلْ هُوَ رِبَوِيٌّ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ غَيْرُ رِبَوِيٍّ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الرِّبَوِيِّ مِنْ أَنْ يَكُونَ يُعَدُّ لِلْأَكْلِ عَلَى هَيْئَتِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَمِنْ ثَمَّ لَا رِبًا فِي الْحَيَوَانِ. وَإِنْ جَازَ بَلْعُهُ كَصِغَارِ السَّمَكِ وَلَا فِي حَبِّ الْكَتَّانِ وَدُهْنِهِ وَلَا فِي نَحْوِ الْوَرْدِ وَمَائِهِ وَالْعُودِ لِأَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا لَا تُعَدُّ لِلْأَكْلِ عَلَى هَيْئَتِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ قِشْرَ الْبُنِّ أَوْلَى مِنْ هَذِهِ بِكَوْنِهِ غَيْرَ رِبَوِيٍّ لِأَنَّ بَعْضَ هَذِهِ يُتَنَاوَلُ عَلَى حَالَتِهِ وَأَمَّا قِشْرُ الْبُنِّ فَلَا يُتَنَاوَلُ عَلَى حَالَتِهِ أَصْلًا فَلَا يُعَدُّ مَطْعُومًا. (وَسُئِلَ) قَالُوا فِي قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ لَا يَجُوزُ بَيْعُ السِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا الْمُقَابِلُ لِلْآخَرِ ضِمْنِيٌّ بِخِلَافِ السِّمْسِمِ بِالسِّمْسِمِ، لِأَنَّ الشَّيْرَجَ ضِمْنِيٌّ فِي الْجَانِبَيْنِ فَلَا يُؤَثِّرُ وَقَالُوا فِي مَسْأَلَةِ بَيْعِ نَحْوِ مُدٍّ وَدِرْهَمٍ بِمُدٍّ وَدِرْهَمٍ لَوْ تَسَاوَتْ قِيمَةُ الْمُدِّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لَمْ يَضُرَّ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ يَعْتَمِدُ التَّخْمِينَ وَهُوَ حَزْرٌ قَدْ يَخْطَأُ وَالْجَهْلُ بِالْمُمَاثَلَةِ كَحَقِيقَةِ الْمُفَاضَلَةِ وَيَشْكُلُ عَلَى هَذَا مَا قَالُوهُ فِي بَيْعِ صِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ مِنْ فِضَّةٍ بِصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ مِنْ فِضَّةٍ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ بِشَرْطِ أَنْ تَنْقُصَ الْمُكَسَّرَةُ عَنْ قِيمَةِ الصِّحَاحِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَاوَتْ الْمُكَسَّرَةُ قِيمَةَ الصِّحَاحِ فَنَظَرُوا إلَى تُسَاوِي الْقِيَمِ هُنَا أَيْضًا مَعَ أَنَّ ذَلِكَ تَخْمِينٌ قَدْ يَخْطَأُ فَالْجَوَابُ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ لِأَنَّ هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ لَمَّا اتَّحَدَ نَوْعُهُمَا كَانَ الْأَصْلُ جَوَازَ بَيْعِهِمَا بِمِثْلِهِمَا مُطْلَقًا لَكِنْ لَمَّا اخْتَلَفَتْ الْقِيمَةُ صَارَتْ الْمُكَسَّرَةُ بِصِفَةٍ غَيْرِ صِفَةِ الصَّحِيحَةِ فَنَزَلَ اخْتِلَافُ صِفَتَيْهِمَا مَنْزِلَةَ اخْتِلَافِ جِنْسِهِمَا أَوْ نَوْعِهِمَا وَلَا نَظَرَ لِاخْتِلَافِ صِفَتِهِمَا مَعَ الِاتِّحَادِ فِي الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ لَا يَرْتَبِطُ بِهِ أَثَرٌ إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَغْرَاضَ قَدْ تَتَفَاوَتُ فِي ذَلِكَ وَلَا نَظَرَ إلَيْهِ هُنَا وَأَيْضًا فَالتَّسَاوِي هُنَا يَمْنَعُ تَوْزِيعَ مَا فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ لِاتِّحَادِ النَّوْعِ وَالصِّفَةِ بِخِلَافِهِ ثُمَّ فَإِنَّ الْعَقْدَ مُشْتَمِلٌ عَلَى جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفِينَ وَذَلِكَ يَقْتَضِي التَّوْزِيعَ وَإِنْ فُرِضَ تَسَاوِي قِيمَةِ الشَّيْئَيْنِ وَالتَّوْزِيعِ مُحَقِّقٌ لِلْمُفَاضَلَةِ أَوْ الْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ. (وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ صَحَّحَ الشَّيْخَانِ هُنَا صِحَّةُ بَيْعِ دَارٍ بِهَا مَعْدِنٌ ذَهَبٌ بِذَهَبٍ وَخَالَفَاهُ فِي مَحِلٍّ آخَرَ وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ مَا هُنَا عَلَى مَا إذَا جُهِلَ الْمَعْدِنَ حَالَةَ الْبَيْعِ وَهُوَ مُشْكِلٌ إذْ الْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَدْ يُقَالُ إنَّ الْمُبْطِلَ هُنَا هُوَ التَّوْزِيعُ بِالْكَيْفِيَّةِ الَّتِي قَرَّرُوهَا وَحَيْثُ جَهِلَاهُ كَانَ تَابِعًا بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَقْصُودِ مِنْ الدَّارِ فِي ظَنِّهِمَا فَلَمْ يَشْتَمِلْ شَيْءٌ مِنْ طَرَفِي الْعَقْدِ عَلَى مَالَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي ظَنِّهِمَا حَتَّى يَتَأَتَّى التَّوْزِيعُ، ثُمَّ هَلْ يَلْحَقُ جَهْلَ الْمُشْتَرِي فَقَطْ لِأَنَّهُ تَابِعٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى ظَنِّهِ أَوْ لَا لِتَحَقُّقِ مُقْتَضَى التَّوْزِيعِ بِالنِّسْبَةِ لِظَنِّ الْبَائِعِ فَلَا يُتْرَكُ لِقَضِيَّةِ ظَنِّ الْمُشْتَرِي كُلُّ مُحْتَمَلٍ وَلِلنَّظَرِ فِي الْأَقْرَبِ مِنْهُمَا مَجَالٌ وَالثَّانِي أَقْرَبُ لِلْجَهْلِ السَّابِقِ فَتَرْجِيحُهُ غَيْرُ بَعِيدٍ. (وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ هَلْ يَقُومُ الْقَبْضُ التَّقْدِيرِيُّ فِي الرِّبَوِيَّيْنِ بِأَنْ يَمْضِيَ زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْوُصُولُ إلَى الْعَيْنَيْنِ الْغَائِبَتَيْنِ عَنْ الْمَجْلِسِ مَقَامَ الْحَقِيقِيِّ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا بُدَّ مِنْ الْقَبْضِ الْحَقِيقِيِّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ.

باب تفريق الصفقة

[بَابُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ] وَسُئِلَ) عَنْ قَوْلِ الْعُبَابِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَإِنْ كَانَ بِاخْتِيَارٍ كَأَنْ عَلِمَ عَيْبَ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ فَأَرَادَ رَدَّهُ إلَى أَنْ قَالَ: وَكَذَا لَوْ رَضِيَ بِذَلِكَ بَعْدَ تَلَفِ السَّلِيمَيْنِ فَيَسْتَقِرُّ لَهُ بِقِسْطِهِ وَيُعْتَبَرُ أَقَلُّ قِيمَةً مِنْ الْعَقْدِ إلَى الْقَبْضِ وَيَسْتَرِدُّ قِسْطَ الْمَرْدُودِ وَيُصَدَّقُ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ فِي قِيمَةِ التَّالِفِ اهـ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ حَاصِلَ قَوْلِهِ وَكَذَا لَوْ رَضِيَ بِذَلِكَ بَعْدَ تَلَفِ السَّلِيمَيْنِ جَوَازُ رَدِّ أَحَدِ السَّلِيمَيْنِ دُونَ الْآخَرِ بَعْدَ تَلَفِهِمَا جَمِيعًا بِرِضَا الْبَائِعِ عَلَى طَرِيقِ الْإِقَالَةِ فَيَغْرَمُ لِلْبَائِعِ قِيمَةَ الْمَرْدُودِ وَيَسْتَرِدُّ قِسْطَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَأَنَّ حَاصِلَ قَوْلِهِ وَيُعْتَبَرُ أَقَلُّ قِيمَةً رَاجِعٌ لِمَسْأَلَةِ السَّلِيمَيْنِ الْمَذْكُورَةِ وَعِلَّةُ تَصْدِيقِ الْبَائِعِ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ غَارِمٌ لَكِنْ عَلَى هَذَا كَمَا أَنَّهُ غَارِمٌ بِقِسْطِ الْمَرْدُودِ الْمُتَفَاوِتِ ذَلِكَ الْقِسْطُ بِتَفَاوُتِ الْقِيمَةِ كَذَلِكَ الْمُشْتَرِي غَارِمٌ بِقِيمَةِ الْمَرْدُودِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُصَدَّقَ الْمُشْتَرِي فِي قِيمَةِ الْمَرْدُودِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ غَارِمًا لَهَا. كَمَا صَدَقَ الْبَائِعُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ غَارِمًا لِلْقِسْطِ الْمُخْتَلِفِ بِحَسَبِ الْقِيمَةِ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا مُصَدَّقًا بِاعْتِبَارٍ وَقَدْ أَرْسَلْتُ بِذَلِكَ إلَى بَعْضِ الْفُضَلَاءِ لِكَثْرَةِ مَا عِنْدَهُ مِنْ الْمَوَادِّ. فَأَجَابَ بِمَا نَصَّهُ قَوْلُهُ فِي السُّؤَالِ وَكَذَا لَوْ رَضِيَ بِذَلِكَ بَعْدَ تَلَفِ السَّلِيمَيْنِ خَطَأٌ مِنْ النُّسْخَةِ الَّتِي وَقَفَ عَلَيْهَا السَّائِلُ وَصَوَابُهُ كَمَا فِي النُّسْخَةِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا بَعْدَ تَلَفِ السَّلِيمِ فَيَقْتَضِي بَقَاءَ أَحَدِ الْعَيْنَيْنِ وَحِينَئِذٍ فَصُورَةُ الْمَسْأَلَة أَنَّ الْبَائِعَ وَافَقَ الْمُشْتَرِي عَلَى رَدِّ الْعَيْنِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا نِزَاعَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ وَلَا يَتَأَتَّى حِينَئِذٍ أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِقَالَةِ إذْ ذَاكَ عَلَى مُقْتَضَى النُّسْخَةِ الَّتِي رَدَدْنَاهَا وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ عِبَارَةُ ابْنِ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَإِنْ كَانَ بِاخْتِيَارٍ لِرَدِّ بَعْضِ الْمَبِيعِ بِالْعَيْبِ لَمْ يَجُزْ إنْ لَمْ يَسْتَقِلَّ كَأَحَدِ الْخُفَّيْنِ. وَكَذَا إنْ اسْتَقَلَّ كَأَحَدِ الْعَبْدَيْنِ وَلَوْ تَلِفَ أَحَدُهُمَا فَلَوْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِرَدِّهِ جَازَ فَيُقَوَّمُ الْعَبْدَانِ سَلِيمَيْنِ وَيُقَسَّطُ الْمُسَمَّى فَإِنْ كَانَ السَّلِيمُ تَالِفًا وَاخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ وَكُلٌّ مِمَّنْ ذُكِرَ غَارِمٌ بِاعْتِبَارٍ اهـ فَهَلْ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ نُسْخَتَنَا خَطَأٌ صَحِيحٌ وَهَلْ خَطَؤُهَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَيْضًا أَوْ لَا أَفْتَوْنَا فِي ذَلِكَ وَأَنْتُمْ الْعُمْدَةُ فِيمَا هُنَالِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ عِبَارَةُ الْعُبَابِ مَعَ شَرْحِي لَهُ: وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ بِرَدِّ الْمَعِيبِ فِيهِمَا جَازَ مُطْلَقًا لَإِسْقَاطِ حَقِّهِ وَحِينَئِذٍ (فَيُقَوَّمُ) وُجُوبًا (الْمَبِيعَانِ) اللَّذَانِ أَحَدُهُمَا مَعِيبٌ (سَلِيمَيْنِ وَيُقَسَّطُ الْمُسَمَّى عَلَى قِيمَتِهِمَا) إذْ لَوْ وُزِّعَ عَلَيْهِمَا مَعَ الْعَيْبِ لَأَدَّى إلَى خَبْطٍ وَفَسَادٍ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الِامْتِحَانُ فَالصَّوَابُ تَقْدِيرُ السَّلَامَةِ وَهِيَ فَائِدَةٌ عَظِيمَةٌ نَافِعَةٌ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ. ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَكَذَا يُقَوَّمَانِ سَلِيمَيْنِ وَيُقَسَّطُ الْمُسَمَّى كَمَا ذَكَرَ (لَوْ رَضِيَ) الْبَائِعُ. (بِذَلِكَ) أَيْ يَرُدُّ الْمَعِيبَ مِنْهُمَا (بَعْدَ تَلَفِ السَّلِيمِ) مِنْهُمَا (وَيُعْتَبَرُ) فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ السَّلِيمِ التَّالِفِ لِاعْتِبَارِ التَّقْسِيطِ (أَقَلُّ قِيمَةً) أَيْ السَّلِيمِ التَّالِفِ (مِنْ) حِينِ (الْعَقْدِ إلَى الْقَبْضِ) كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي مَبْحَثِ الْأَرْشِ (وَيَسْتَرِدُّ قِسْطَ الْمَرْدُودِ وَيَصْدُقُ الْبَائِعُ) فِيمَا إذَا ادَّعَى الْمُشْتَرِي مَا يَقْتَضِي زِيَادَةَ الْمَرْجُوعِ بِهِ عَلَى مَا اعْتَرَفَ بِهِ الْبَائِعُ (بِيَمِينِهِ فِي قِيمَةِ التَّالِفِ) . لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَلِأَنَّ الثَّمَنَ مِلْكُهُ فَلَا يَسْتَرِدُّ مِنْهُ إلَّا مَا اعْتَرَفَ بِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَمْ يَصِرْ هُنَا أَحَدٌ إلَى التَّحَالُفِ وَلَوْ قِيلَ بِهِ لَمْ يَبْعُدْ لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِي قِيمَةِ التَّالِفِ اخْتِلَافٌ فِي ثَمَنِ الْبَاقِي وَلَوْ اخْتَلَفَا فِيهِ ابْتِدَاءً تَحَالَفَا فَكَذَا يَنْبَغِي هُنَا ثُمَّ رَأَيْتُ الْقَفَّالَ ذَكَرَهُ احْتِمَالًا وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرَتْهُ اهـ. وَهُوَ بَعِيدٌ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِي قِيمَةِ التَّالِفِ اخْتِلَافٌ فِي ثَمَنِ الْبَاقِي. وَإِنَّمَا هُوَ اخْتِلَافٌ فِيمَا يَخُصُّهُ عِنْدَ التَّوْزِيعِ الطَّارِئِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَالِاخْتِلَافُ فِي الثَّمَنِ إنَّمَا يَقْتَضِي التَّحَالُفَ إنْ كَانَ اخْتِلَافًا فِي الثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْعَقْدُ وَمَا وَقَعَ بِهِ الْعَقْدُ هُنَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَكِنْ لَمَّا طَرَأَ تَلَفُ أَحَدِهِمَا وَاخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهِ طَرَأَ الِاخْتِلَافُ فِيمَا يَخُصُّ كُلًّا عِنْدَ التَّوْزِيعِ. انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَبِقَوْلِهِ بِذَلِكَ أَيْ بِرَدِّ الْمَعِيبِ مِنْهُمَا يُعْلَمُ فَسَادُ قَوْلِهِ فِي تِلْكَ النُّسْخَةِ الَّتِي عِنْدَكُمْ. بَعْدَ تَلَفِ السَّلِيمَيْنِ لِأَنَّهَا تُنَاقِضُ مَا قَبْلَهَا الْمَفْرُوضَ فِي أَنَّ أَحَدَهُمَا مَعِيبٌ فَهِيَ فَاسِدَةٌ مِنْ جِهَةِ ذَلِكَ مُطْلَقًا لِصِحَّةِ مَا ذَكَرْتُمُوهُ فِي ذَاتِهِ لَا بِالنَّظَرِ لِمَا فِي مَتْنِ الْعُبَابِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْته وَقَوْلِ الْمُجِيبِ وَحِينَئِذٍ فَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إلَخْ وَقَوْلُهُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ إلَخْ كُلُّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي.

باب الخيار

الْعُبَابِ عَلَى وَجْهٍ أَظْهَرَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ لَا وَإِنْ رَضِيَ وَقَوْلُهُ ثَانِيًا وَكَذَا لَوْ رَضِيَ بِذَلِكَ إلَخْ. [بَابُ الْخِيَارِ] (وَسُئِلَ) عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَ فِيهَا بِجَوَابٍ مُخْتَصَرٍ ثُمَّ بَلَغَهُ أَنَّ بَعْضَ الْمُفْتِينَ أَفْتَى فِيهَا بِخِلَافِ ذَلِكَ فَصَنَّفَ فِي ذَلِكَ تَصْنِيفًا سَمَّاهُ إصَابَةُ الْأَغْرَاضِ فِي سُقُوطِ الْخِيَارِ بِالْإِعْرَاضِ وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَذْكُرَهُ بِرُمَّتِهِ هُنَا وَإِنْ كَانَ تَصْنِيفًا مُسْتَقِلًّا لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْفَتَاوَى بِاعْتِبَارِ أَصْلِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَّرَتْهُ وَذَلِكَ التَّصْنِيفُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَيْقَظَ لِلْقِيَامِ بِأَعْبَاءِ الْمُعْضِلَاتِ أَقْوَامًا مَنَّ عَلَيْهِمْ بِتَوْفِيقِهِ الْبَاهِرِ سُلْطَانُهُ. وَهَدَاهُمْ عِنْدَ تَزَاحُمِ الْآرَاءِ فِي عَوِيصَاتِ الْمَسَائِلِ إلَى سُلُوكِ جَادَّةِ الصَّوَابِ السَّاطِعِ بُرْهَانُهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً أَكُونُ بِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ مِمَّنْ عَلَا مَكَانُهُ وَسَعِدَ بِهِ إخْوَانُهُ. وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي بَوَّأَهُ اللَّهُ مِنْ مَنَازِلِ قُرْبِهِ وَإِنْعَامِهِ مَا ارْتَفَعَ بِهِ عَلَى سَائِرِ الشُّؤُون شَأْنُهُ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ مَا دَامَتْ تَتَرَادَفُ عَلَى وَارِثِيهِ آلَاؤُهُ وَإِحْسَانُهُ. وَبَعْدُ فَقَدْ وَقَعَ فِي غُضُونِ مَا اُسْتُفْتِيتُ عَنْهُ سُؤَالٌ ظَنَنْتُ جَوَابَهُ سَهْلًا وَأَنِّي لِلْكَلَامِ فِيهِ بِبَادِئِي الرَّأْي أَكُونُ أَهْلًا حَتَّى أَحْدَقْتُ النَّظَرَ فِيهِ فَوَجَدْتُهُ صَعْبَ الْمُرْتَقَى عَالِي الذُّرَا فَلِذَلِكَ أَعْمَلْتُ الْفِكْرَ فِيهِ حَتَّى مَنَّ اللَّهُ عَلَيَّ بِإِصَابَةِ الْفَرْضِ فِيهِ بِالْإِحَاطَةِ بِقَوَادِمِهِ وَخَوَافِيهِ لَكِنْ بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لِي سَبِيلُهُ وَوَضَحَ لَدَيَّ دَلِيلُهُ. فَإِنْ وَافَقَ الْحَقَّ وَإِلَّا فَالْخَطَأُ وَالْخَطَلُ وَالتَّقْصِيرُ هُوَ وَصْفِي اللَّازِمُ وَشَأْنِي الدَّائِمُ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ أَفْرَدْتُهُ بِالتَّأْلِيفِ. وَزِيَادَةِ الْإِيضَاحِ وَحُسْنِ التَّصْنِيفِ حَتَّى يَنْظُرَ فِيهِ الْفُضَلَاءُ وَيُعَوِّلُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى النُّبَلَاءُ وَسَمَّيْته إصَابَةُ الْأَغْرَاضِ فِي سُقُوطِ الْخِيَارِ بِالْإِعْرَاضِ وَاَللَّهَ أَسْأَلُ وَبِنَبِيِّهِ الَّذِي لَمْ يَلْحَقْ شَأْوَ كَمَالِهِ نَبِيٌّ أَتَوَسَّلُ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ وَأَنْ يُبَلِّغَنِي الْمَأْمُولَ بِسَبَبِهِ إنَّهُ الْقَرِيبُ الْمُجِيبُ وَمَا تَوْفِيقِي إلَّا بِاَللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ أَمَّا السُّؤَالُ فَحَاصِلُهُ: إنْسَانٌ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ أَرْضًا مُشْتَمِلَةً عَلَى نَخْلٍ ثُمَّ تَقَايَلَا. ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ بُطْلَانَ الْإِقَالَةِ وَحَكَمَ لَهُ الْحَاكِمُ الشَّرْعِيُّ بِذَلِكَ بِشَرْطِهِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّ مِنْ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ مَغْرِسُ نَخْلَةٍ مِنْ النَّخْلِ الْمَذْكُورِ مَمْلُوكًا لِغَيْرِ الْبَائِعِ حِينَ الْبَيْعِ فَهَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ. . وَإِذَا قُلْتُمْ نَعَمْ فَهَلْ يُمْنَعُ خِيَارُهُ بِمِلْكِ الْبَائِعِ الْمَغْرِسَ الْمَذْكُورَ وَإِعْطَائِهَا لَهُ أَوْ إعْطَاءِ مُسْتَحِقِّهَا إيَّاهَا لِلْمُشْتَرِي أَوْ لَا. وَأَمَّا الْكَلَامُ عَلَيْهِ فَفِي مَقَامَيْنِ الْأَوَّلُ فِي إثْبَاتِ الْخِيَارِ وَالثَّانِي فِي سُقُوطِهِ. فَاَلَّذِي يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَتَخَيَّرُ بِذَلِكَ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ حَيْثُ سُئِلَ عَمَّنْ اشْتَرَى سِهَامًا فِي أَمَاكِنَ مُتَعَدِّدَةٍ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ خَرَجَ بَعْضُ الْمَبِيعِ مُسْتَحَقًّا مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْجَمِيعُ فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَانَ الِاسْتِحْقَاقُ فِي بَعْضِ الْأَمَاكِنِ دُونَ بَعْضٍ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ فِي الْجَمِيعِ وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ جُزْءًا شَائِعًا فِي الْجَمِيعِ صَحَّ الْبَيْعُ فِيمَا لَيْسَ مُسْتَحَقًّا بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى فَغَرِيبٌ جِدًّا. وَالْمُوَافِقُ لِكَلَامِهِمْ صِحَّتُهُ فِي الصُّورَتَيْنِ فِيمَا لَيْسَ مُسْتَحَقًّا بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى وَكَأَنَّهُ لُحِظَ فِي التَّفْرِقَةِ تَعَذُّرُ تَوْزِيعُهُ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. وَإِذَا خَيَّرْنَا الْمُشْتَرِيَ فَأَرَادَ مَالِكُ الْمَغْرِسِ غَيْرُ الْبَائِعِ هِبَتَهُ لِلْمُشْتَرِي لَمْ يَسْقُطْ بِذَلِكَ خِيَارُهُ. وَهَذَا ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا الْخَفِيُّ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا مَلَكَ ذَلِكَ الْمَغْرِسَ فَعِنْدَ عِلْمِ الْمُشْتَرِي بِأَنَّ لَهُ الْخِيَارَ وَهَبَهُ لَهُ أَوْ أَعْرَضَ لَهُ عَنْهُ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِيهِ. وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي فِيهِ بَعْدَ التَّمَهُّلِ أَيَّامًا وَمَزِيدِ الْكَشْفِ لِبَعْضِ الْكُتُبِ الْمُتَدَاوَلَةِ فَإِنَّ جُلَّهَا مَعْدُومٌ مِنْ قُطْرِ الْحِجَازِ، أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَبْطُلُ خِيَارُهُ بِمُسَامَحَةِ الْبَائِعِ لَهُ بِالْغَرْسِ الْمَذْكُورِ هِبَةً أَوْ إعْرَاضًا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ أُمُورٌ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُمْ إذَا اتَّحَدَ الْمَبِيعُ صَفْقَةً لَا يَرُدُّ الْمُشْتَرِي بَعْضَهُ بِعَيْبٍ قَهْرًا إلَّا إذَا كَانَ الْبَعْضُ الْآخَرُ لِلْبَائِعِ فَحِينَئِذٍ يَرُدُّ عَلَيْهِ الْبَعْضَ قَهْرًا كَمَا اعْتَمَدَهُ الْقَاضِي وَمَنْ تَبِعَهُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي حَاشِيَةِ الْعُبَابِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الصَّحِيحَةَ فِي امْتِنَاعِ رَدِّ الْبَعْضِ إنَّمَا هِيَ الضَّرَرُ النَّاشِئُ مِنْ تَبْعِيضِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ وَبِمِلْكِهِ لِلْبَعْضِ الْآخَرِ يَزُولُ التَّبْعِيضُ فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ

فِيهِ فَلَزِمَهُ قَبُولُهُ، وَتَعْلِيلُ مُقَابِلِ كَلَامِ الْقَاضِي الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ كَثِيرُونَ بِأَنَّهُ وَقْتَ الرَّدِّ لَمْ يَرُدَّ كَمَا تَمَلَّكَ، يُرَدُّ بِأَنَّهُ. وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ كَمَا تَمَلَّكَ لَكِنْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي الرَّدِّ حِينَئِذٍ فَلَا وَجْهَ لِامْتِنَاعِهِ وَالتَّعْلِيلُ بِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ وَتَفْرِيقِهَا بِمُجَرَّدِهِ لَا يَصْلُحُ لِلتَّعْلِيلِ وَإِنَّمَا وَجْهُ الْعِلَّةِ مَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ غَالِبًا فَآلَتْ الْعِلَّتَانِ إلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ انْتِفَاءُ الضَّرَرِ. وَهُوَ مُنْتَفٍ فِيمَا قَالَهُ الْقَاضِي فَكَانَ هُوَ الْحَقِيقِيُّ بِالِاعْتِمَادِ وَمِمَّنْ اعْتَمَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَإِنَّهُ رَجَّحَ أَنَّ الْعِلَّةَ إنَّمَا هِيَ الضَّرَرُ وَكَذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ لِرُجُوعِ الْكُلِّ إلَيْهِ قَالَ: وَمِثْلُهُ لَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ اهـ فَانْظُرْ إلَى كَوْنِهِمْ أَلْزَمُوا الْبَائِعَ بِالْقَبُولِ حِينَئِذٍ لِعَدَمِ الضَّرَرِ فَقِيَاسُهُ أَنْ يُلْزَمَ بِهِ الْمُشْتَرِي فِي مَسْأَلَتِنَا لِعَدَمِ الضَّرَرِ فِيهَا بِوَجْهٍ فَإِنَّا إذَا أَلْزَمْنَاهُ بِالْقَبُولِ، لَا نُلْزِمُهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ وَإِنَّمَا نُلْزِمُهُ مِنْ الثَّمَنِ بِقِسْطِ غَيْرِ الْمُسْتَحَقِّ وَإِنَّمَا خَيَّرْنَاهُ فَوْرًا بِعَيْبِ التَّبْعِيضِ وَبِمُسَامَحَةِ الْبَائِعِ لَهُ كَمَا مَرَّ، زَالَ هَذَا الْعَيْبُ بِالْكُلِّيَّةِ فَلِذَا قُلْنَا بِسُقُوطِ خِيَارِهِ وَبِهِ فَارَقَ مَا لَوْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ فَأَرَادَ الرَّدَّ بِهِ فَقَالَ الْبَائِعُ: أَمْسِكْهُ وَخُذْ أَرْشَ الْقَدِيمِ. وَأَمَّا لَوْ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ وَقَدْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ فَأَرَادَ ضَمَّ أَرْشِ الْحَادِثِ إلَى الْمَبِيعِ. وَرَدَّهُ فَإِنَّهُ لَا يُجَابُ الْبَائِعُ فِي الْأُولَى وَلَا الْمُشْتَرِي فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْعَيْبَ لَا يَزُولُ بِبَذْلِ أَرْشِهِ فَفِي إلْزَامِ قَبُولِ الْمَعِيبِ ضَرَرٌ وَلَوْ مَعَ أَخْذِ الْأَرْشِ فَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُلْزِمُوا بِذَلِكَ الْبَائِعَ وَلَا الْمُشْتَرِيَ لِأَنَّهُ لَا يُزِيلُ الضَّرَرَ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ مُسَامَحَةَ الْبَائِعِ لَهُ بِمَا مَرَّ تُزِيلُ ضَرَرَهُ بِالْكُلِّيَّةِ فَلِذَا لَزِمَهُ قَبُولُهُ وَسَقَطَ خِيَارُهُ فَإِنْ قُلْتَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ تَعَالَى عَهْدَهُ مُقَابِلَ كَلَامِ الْقَاضِي السَّابِقِ وَهُوَ يُؤَيِّدُ عَدَمَ إجْبَارِ الْمُشْتَرِي فِي مَسْأَلَتِنَا عَلَى الْقَبُولِ قُلْت قَدْ بَانَ لَك أَنَّهُ ضَعِيفٌ. وَإِنْ اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الْمَذْكُورُ وَأَفْتَى بِهِ وَعَلَى تَسْلِيمِهِ فَهُوَ لَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ وَقْتَ الرَّدِّ تَبَعَّضَتْ الصَّفْقَةُ عَلَيْهِ صُورَةً وَإِنْ لَمْ تَتَبَعَّضْ عَلَيْهِ حُكْمًا فَلَمْ يَرُدَّ كَمَا تَمَلَّكَ فَكَذَا لَمْ يُجْبَرْ الْبَائِعُ عَلَى الْقَبُولِ. لِأَنَّهُ خَلَفَ التَّبْعِيضَ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ عَدَمُ رَدِّهِ كَمَا تَمَلَّكَ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَا يَتَأَتَّى فِيهَا ذَلِكَ لِأَنَّ عِلَّةَ تَخْيِيرِهِ التَّبْعِيضُ وَبِمُسَامَحَةِ الْبَائِعِ يَزُولُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْلُفَهُ شَيْءٌ آخَرُ. الْأَمْرُ الثَّانِي قَوْلُهُمْ لَوْ بَانَ عَيْبُ الدَّابَّةِ وَقَدْ أَنْعَلَهَا وَنَزْعُ النَّعْلِ يَعِيبُهَا فَلَا رَدَّ لَهُ وَلَا فَسْخَ إنْ نَزَعَهُ وَإِلَّا فَلَهُ الرَّدُّ وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ الْقَبُولُ لِأَنَّهُ لَا مِنَّةَ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَا ضَرَرَ. وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي طَلَبُ قِيمَتِهَا فَإِنَّهَا حَقِيرَةٌ فِي مَعْرِضِ رَدِّ الدَّابَّةِ فَقِيَاسُ إلْزَامِ الْبَائِعِ الْقَبُولَ هُنَا إلْزَامُ الْمُشْتَرِي بِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا بِجَامِعِ زَوَالِ الْعَيْبِ بِالتَّرْكِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ لُحُوقِ مِنَّةٍ وَلَمْ يَخْلُفْ ذَلِكَ شَيْءٌ آخَرُ. وَوَجْهُ عَدَمِ الْمِنَّةِ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَا يَقَعُ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ يَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ تَوْفِيرِ غَرَضٍ لِبَاذِلِهِ فَلَمْ تُوجَدْ فِيهِ حَقِيقَةُ الْمِنَّةِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ انْضَمَّ لِذَلِكَ إجْبَارُ الشَّرْعِ لَهُ عَلَى الْقَبُولِ فَهُوَ كَارِهٌ لَهُ وَالْكَارِهُ لِلشَّيْءِ لَا يَتَوَهَّمُ لُحُوقَ مِنَّةٍ إلَيْهِ مِنْهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَإِنْ قُلْت: إلْزَامُ الْبَائِعِ بِالْقَبُولِ مَعَ عَدَم تَغْرِيمِهِ قِيمَةِ النَّعْلِ لِلْمُشْتَرِي مُشْكِلٌ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ عَلَى الْقَاعِدَةِ وَوَجْهُ إشْكَالِهِ أَنَّهُمْ لَاحَظُوا جَانِبَ الْبَائِعِ خَشْيَةً مِنْ لُحُوقِ الضَّرَر بِهِ دُونَ جَانِبِ الْمُشْتَرِي مَعَ لُحُوقِ الضَّرَرِ بِهِ إمَّا بِالْتِزَامٍ مَعِيبٍ أَوْ بِتَكْلِيفِهِ النُّزُولَ عَنْ مِلْكِهِ فِي النَّعْلِ. وَكَانَ الْقِيَاس أَنْ يُطَالِبَ بِأَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ كَمَا فِي الصَّبْغِ لَكِنْ لَمْ يَصِرْ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ قُلْتُ: أَمَّا عَدَمُ الْقِيَاسِ عَلَى الْمُشْكِلِ مُطْلَقًا فَمَمْنُوعٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْأُصُولِيِّينَ وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَمَحْمَلُهُ حَيْثُ كَانَ الْإِشْكَالُ مُسَلَّمًا أَمَّا حَيْثُ كَانَ مَدْفُوعًا فَإِنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لَا فِي الْحُكْمِ وَلَا فِي الْقِيَاسِ عَلَيْهِ. وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّا لَمْ نُرَاعِ جَانِبَ الْبَائِعِ فَحَسْبُ بَلْ رَاعَيْنَا كُلًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ. فَإِنَّ الصُّورَةَ أَنَّ النَّزْعَ يَعِيبُهَا فَلَوْ أَمَرْنَاهُ بِهِ لَأَجْحَفْنَا بِالْبَائِعِ وَلَوْ أَمَرْنَاهُ بِإِمْسَاكِهَا مَعِيبَةً لَأَجْحَفْنَا بِهِ فَعَدَلْنَا إلَى طَرِيقٍ وَسَطٍ يَنْدَفِعُ بِهِ الْإِجْحَافُ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ رَدُّهَا مَعَ النَّعْلِ وَالْحُكْمُ بِبَقَاءِ النَّعْلِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي حَتَّى إذَا سَقَطَتْ يَلْزَمُ الْبَائِعَ رَدُّهَا كَمَا يَأْتِي وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بِوُجُوبِ أَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ كَمَا فِي الصَّبْغِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنهمَا. فَإِنَّ الصِّبْغَ لَا يُمْكِنُ إزَالَتُهُ إلَّا بِتَلَفِ عَيْنِهِ بِخِلَافِ النَّعْلِ وَأَيْضًا فَالصُّورَةُ أَنَّ قَلْعَ النَّعْلِ يَضُرُّ بِهَا وَبِالْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ يُحْدِثُ بِهَا. عَيْبًا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الصِّبْغِ.

الْأَمْرُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُمْ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بَذْرٌ أَوْ زَرْعٌ مَا يُؤْخَذُ دَفْعَةً بَلْ يَتَخَيَّرُ بِهِ الْمُشْتَرِي إنْ جَهِلَهُ مَا لَمْ يَتْرُكْهُ لَهُ الْبَائِعُ أَوْ يَقُولُ أَنَا أُفْرِغُهُ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ فَلَا خِيَارَ لَهُ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ فِي الْأُولَى وَتَدَارُكِهِ حَالًا فِي الثَّانِيَةِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا ثُمَّ رَأَى خَلَلًا بِسَقْفِهَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ حَالًا أَوْ بَالُوعَةً مُفْسَدَةً فَقَالَ: أَنَا أُصْلِحُ السَّقْفَ. وَأُنَقِّي الْبَالُوعَةَ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَيَلْزَمُهُ الْقَبُولُ فِي مَسْأَلَةِ التَّرْكِ وَلَا نَظَرَ لِلْمِنَّةِ لِمَا مَرَّ فَانْظُرْ إلَى كَوْنِهِمْ أَلْزَمُوا الْمُشْتَرِيَ الْقَبُولَ هُنَا لِأَنَّ التَّرْكَ يَنْدَفِعُ ضَرَرُهُ قَطْعًا فَكَذَا يُقَالُ بِنَظِيرِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنْ قُلْتَ عِبَارَةُ الْجَوَاهِرِ تَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ وَهِيَ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي كَمَا لَوْ أَمْكَنَ تَدَارُكُ الْعَيْبِ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ كَإِزَالَةِ اسْتِدَادِ الْبَالُوعَةِ أَوْ الْحَشِّ أَوْ رَدِّ الْآبِقِ أَوْ الْمَغْصُوبِ أَوْ إزَالَةِ الْمَرَضِ بِدَوَاءٍ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ. أَوْ مَيَلَانِ السَّقْفِ وَالْجِدَارِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى عَيْنٍ جَدِيدَةٍ انْتَهَتْ فَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى عَيْنٍ جَدِيدَةٍ أَنَّ الْخِيَارَ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا يَسْقُطُ قُلْت لَيْسَ قَضِيَّتُهَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْجَدِيدَةَ إنَّمَا ضَرَّتْ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى مُضِيِّ زَمَنٍ طَوِيلٍ فِي الْإِصْلَاحِ بِهَا غَالِبًا. فَالِامْتِنَاعُ فِيهَا لَيْسَ لِذَاتِهَا بَلْ لِمَا تَسْتَلْزِمُهُ هِيَ مِنْ طُولِ الزَّمَنِ فَإِنْ فَرَضَ الْإِصْلَاحَ بِهَا فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ فَلَا وَجْهَ لِامْتِنَاعِهِ وَإِنْ فَرَّقَ بَيْنهَا حِينَئِذٍ. وَبَيْنَ الدَّوَاءِ الَّذِي يُسْقَى لِلْمَبِيعِ حَتَّى يَزُولَ مَرَضُهُ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ كَمَا عَلِمْتُهُ فِي كَلَامِ الْقَمُولِيِّ نَفْسِهِ ثُمَّ رَأَيْتُ كَلَامَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي فَتَاوِيهِ صَرِيحًا فِيمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ لَيْسَتْ الِاحْتِيَاجَ لِعَيْنٍ جَدِيدَةٍ بَلْ تَجَدُّدُ عَيْنٍ غَيْرِ تِلْكَ الْعَيْنِ أَوْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَيْ بِمَا لَا يُحْتَمَلُ لِطُولِ زَمَنِهِ حَتَّى لَا يُنَافِي مَا مَرَّ وَعِبَارَةُ الْخَادِمِ بَعْدَ ذِكْرِ نَحْوِ عِبَارَةِ الْجَوَاهِرِ السَّابِقَةِ وَمِنْ تَتِمَّةِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى دَارًا فَانْهَدَمَتْ قَبْل الْقَبْضِ فَأَصْلَحَهَا الْبَائِعُ لَا يَبْطُلُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ غَيْرُ تِلْكَ الْعَيْنِ وَلِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَمَنْ غَصَبَ نُقْرَةً وَطَبَعَهَا دَرَاهِمَ يَجُوزُ لِلْمَالِكِ إجْبَارُهُ عَلَى نَقْضِ الدَّرَاهِمِ وَرَدِّهِ إلَى الْأَوَّلِ وَأَخْذِ أَرْشِ النُّقْصَانِ، قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ. وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ أَنْ يُعِيدَهَا بِتِلْكَ الْآلَةِ أَوْ بِغَيْرِهَا انْتَهَتْ، فَانْظُرْ إلَى قَوْلِهِ وَلَمْ يَفْصِلْ إلَخْ فَإِنَّهُ يُعْرَفُ بِهِ أَنَّ قَوْلَ الْجَوَاهِرِ مِنْ غَيْرِ عَيْنٍ جَدِيدَةٍ لَيْسَ بِشَرْطٍ نَعَمْ مَحِلُّ كَلَامِ الْقَاضِي مَا إذَا طَالَ زَمَنُ الْإِصْلَاحِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِي صُورَةِ الْهَدْمِ الَّتِي فَرَضَهَا وَمِنْ ثَمَّ احْتَرَزَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْهَا بِقَوْلِهِمْ كَخَلَلٍ بِسَقْفِهَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ حَالًا لَا يُقَالُ قَوْلُهُ لِأَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ غَيْرُ تِلْكَ الْعَيْنِ صَرِيحٌ فِي مُوَافَقَةِ كَلَامِ الْجَوَاهِرِ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ عَقِبَهُ وَلَمْ يَفْصِلْ إلَخْ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْمُعَادَ بَعْدَ الْهَدْمِ. وَلَوْ بِالْآلَةِ الْأُولَى يُخَالِفُ الْبِنَاءَ الْأَوَّلَ فِي الصُّورَةِ وَغَيْرِهَا فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ كَانَتْ هَذِهِ الْعَيْنُ غَيْرَ تِلْكَ الْعَيْنِ. الْأَمْرُ الرَّابِعُ قَوْلُهُمْ: يَسْقُطُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي فِيمَا إذَا اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا دَفِينٌ مِنْ حَجَرٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِهِمَا لَا تَدْخُلُ وَكَانَ تَرْكُهَا غَيْرَ مُضِرٍّ وَقَلْعُهَا مُضِرٌّ لِكَوْنِهِ يُنْقِصُ قِيمَتَهَا أَوْ يُحْتَاجُ فِي نَقْلِهَا لِمُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ بِتَرْكِهَا لَهُ وَلَا نَظَرَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ لِمَا مَرَّ وَهَذَا التَّرْكُ إعْرَاضٌ لَا تَمْلِيكٌ. فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِيهَا فَإِذَا رَجَعَ عَادَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي فَلَوْ وَهَبَهَا لَهُ بِشُرُوطِ الْهِبَةِ لَزِمَهُ الْقَبُولُ وَسَقَطَ خِيَارُهُ وَلَا رُجُوعَ لِلْبَائِعِ حِينَئِذٍ وَهَذَا كَمَا تَرَى ظَاهِرٌ فِي لُزُومِ الْقَبُولِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنْ قُلْتَ: صَرَّحُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ الْبَائِعَ لَوْ قَالَ: أَنَا آخُذُ الْحِجَارَةَ وَأَغْرَمُ أَرْشَ النَّقْصِ أَوْ أُجْرَةَ مُدَّةِ النَّقْلِ، لَمْ يَلْزَمْ الْمُشْتَرِيَ إجَابَتُهُ وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي نَظِيرَةُ مَسْأَلَتِنَا قُلْت: مَمْنُوعٌ بَلْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَاضِحٌ. وَذَلِكَ لِأَنَّ غُرْمَ الْأَرْشِ لَا يُزِيلُ النَّقْصَ بِالْكُلِّيَّةِ وَكَذَا إعْطَاءُ أُجْرَةِ مُدَّةِ النَّقْلِ لَا يُزِيلُ الضَّرَرَ بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّ تَفْوِيتَ الِاسْتِعْمَالِ عَلَى الْمُشْتَرِي زَمَنًا طَوِيلًا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ وَإِنْ أَخَذَ مُقَابِلَ ذَلِكَ التَّفْوِيتِ بِالْكُلِّيَّةِ فَافْتَرَقَا. وَبِمَا قَرَّرْته يُعْلَمُ الْفَرْقُ بَيْنَ عَدَمِ لُزُومِ الْقَبُولِ لِلْأَرْشِ أَوْ الْأُجْرَةِ وَبَيْنَ لُزُومِ قَبُولِ الْأَحْجَارِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ قَبُولَهَا بِخِلَافِ الْقَبُولِ هُنَا فَإِنَّهُ لَا يَزُولُ بِهِ الضَّرَرُ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا تَقَرَّرَ. وَهَذَا أَوْلَى وَأَوْضَحُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ قَبُولَ الْأَوَّلَيْنِ فِيهِ مِنَّةٌ بِأَجْنَبِيٍّ بِخِلَافِ قَبُولِ الثَّانِي أَعْنِي الْحِجَارَةَ فَإِنَّ الْمِنَّةَ حَصَلَتْ.

فِيهِ بِمَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِالْمَبِيعِ يُشْبِهُ جُزْأَهُ. الْأَمْرُ الْخَامِسُ قَوْلُهُمْ لَوْ اشْتَرَى ثَمَرَةً يَغْلِبُ اخْتِلَاطُ حَادِثِهَا بِالْمَوْجُودِ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ أَوْ بَعْدَهَا لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إنْ وَقَعَ الِاخْتِلَاطُ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ مَا لَمْ يَسْمَحْ لَهُ الْبَائِعُ بِالْحَادِثَةِ فَإِنْ سَمَحَ لَهُ بِهَا هِبَةً أَوْ إعْرَاضًا فَلَا خِيَارَ لِزَوَالِ الْمَحْذُورِ ثُمَّ هَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي الْمُبَادَرَةُ بِالْفَسْخِ إلَّا أَنْ يُبَادِرَ الْبَائِعُ. وَيَسْمَحُ لَهُ فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ أَوْ لَيْسَ لَهُ الْمُبَادَرَةُ بِذَلِكَ إلَّا بَعْدَ مُشَاوِرَةِ الْبَائِعِ؟ قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ الْأَوَّلُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ التَّنْبِيهِ الثَّانِي وَهُوَ مَا حَكَاهُ فِي الْمَطْلَبِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَرَجَّحَهُ السُّبْكِيّ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَمَعْنَى تَخْيِيرِهِ رَفْعُهُ الْأَمْرَ لِلْحَاكِمِ لِيَكُونَ هُوَ الْفَاسِخَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ لِأَنَّهُ لِقَطْعِ النِّزَاعِ لَا لِلْعَيْبِ، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يُوهِمُ خِلَافَهُ اهـ مُلَخَّصًا وَهُوَ مَرْدُودٌ. فَإِنَّ مَا قَالَهُ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ فِي بَابِ التَّحَالُفِ هُوَ الَّذِي يَفْسَخُ أَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ فَلَا يَفْسَخُ إلَّا الْمُشْتَرِي كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فَهُوَ الْأَوْجَهُ، وَزَعْمُهُ أَنَّ مَا ذُكِرَ لَيْسَ عَيْبًا مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ عَيْبٌ لِصِدْقِ تَعْرِيفِهِ عَلَيْهِ وَلَا دَخْلَ لِلْحَاكِمِ فِي الرَّدِّ بِهِ بِخِلَافِهِ فِي بَابِ التَّحَالُفِ الَّذِي لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَهُ وَعَلَيْهِ فَالْخِيَارُ فَوْرِيٌّ وَلَهُمَا التَّرَاضِي عَلَى قَدْرٍ مِنْ الثَّمَرَةِ. وَعِنْدَ التَّنَازُعِ الْقَوْلُ قَوْلُ ذِي الْيَدِ بِيَمِينِهِ فِي قَدْرِ حَقِّ الْآخَرِ. وَهِيَ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ لِلْمُشْتَرِي. قَالُوا وَيَجْرِي جَمِيعُ مَا تَقَرَّرَ فِي بَيْعِ نَحْوِ الْحِنْطَةِ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ وَمُتَمَاثِلِ الْأَجْزَاءِ حَيْثُ تَخْتَلِطُ بِحِنْطَةِ الْبَائِعِ وَلَمْ تَتَمَيَّزْ بِنَحْوِ كِبَرٍ وَجَوْدَةٍ، أَمَّا لَوْ اخْتَلَطَ مُتَقَوِّمٌ بِمِثْلِهِ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ لِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ يُوَرِّثُ الِاشْتِبَاهَ وَهُوَ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ لَوْ فُرِضَ ابْتِدَاءً وَفِي نَحْوِ الْحِنْطَةِ غَايَةُ مَا يَلْزَمُ الْإِشَاعَةَ وَهِيَ غَيْرُ مَانِعَةٍ وَهَذِهِ هِيَ الْعِلَّةُ الصَّحِيحَةُ وَبِهَا يَنْدَفِعُ اسْتِشْكَالُ بَعْضِهِمْ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمِثْلِيِّ وَالْمُتَقَوِّمِ. حَيْثُ قَالَ ذَلِكَ إنْ كَانَ لَوْ سَمَحَ بِالثَّمَرَةِ كُلِّهَا يَمْلِكُهَا الْمُشْتَرِي فَلِمَ لَا يَمْلِكُ الْقَطْعَ كُلَّهُ إذَا سَمَحَ بِهِ الْبَائِعُ وَحِينَئِذٍ يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ الثَّمَرَةَ وَإِنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِيهَا مُشَاعَةً وَتَكُونُ مُشْتَرَكَةً بَيِّنَهُمَا فَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ خِلَافُهُ وَمَنْ قَالَ بِالْفَسْخِ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا وَلَعَلَّ الْحَامِلَ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الثِّمَارِ وَالشِّيَاهِ أَنَّ الثِّمَارَ تَكُونُ فِي الْغَالِبِ قَلِيلَةٌ مَرْغُوبَةٌ عَنْهَا بِخِلَافِ الشِّيَاهِ. وَهَذَا إنْ صَحَّ لَزِمَ عَلَيْهِ التَّخْصِيصُ بِالْيَسِيرِ فَلَا يَطَّرِدُ فِي الثِّمَارِ الْكَثِيرَةِ وَالْحِنْطَةِ الْكَثِيرَةِ وَالْأَصْحَابُ لَمْ يُفَرَّقُوا اهـ الْمَقْصُودَ مِنْهُ، فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ وَالْأَصْحَابُ لَمْ يُفَرَّقُوا وَأَنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ مَرْدُودٌ بِالْعِلَّةِ السَّابِقَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ نَحْوِ الشِّيَاهِ وَنَحْوِ الثِّمَارِ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ وَفِيمَا ذَكَرُوا أَنَّ الْمُخْتَلَطَ لَا يَكُونُ هَالِكًا وَإِلَّا لَانْفَسَخَ الْبَيْعُ وَلَا يَمْنَعُ الْقَوْلُ بِالِاشْتِرَاكِ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لِتَبَدُّلِ الْمُسْتَحَقِّ بِغَيْرِهِ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ. فَالْمُوجِبُ لِلْخِيَارِ هُنَا هُوَ هَذَا التَّبَدُّلُ، وَهَذَا التَّبَدُّلُ يَنْتَفِي بِمُسَامَحَةِ الْبَائِعِ بِحِصَّتِهِ فَسَقَطَ بِهَا خِيَارُ الْمُشْتَرِي وَلَا نَظَرَ لِلْمِنَّةِ خِلَافًا لِمَنْ نَظَرَ فِيهَا لِأَنَّهَا فِي ضِمْنِ عَقْدٍ كَمَا فِي تَرْكِ الْفِعْلِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ: إنْ أَثْبَتَ الْخِيَارَ فَتَرَكَ الْبَائِعُ حَقَّهُ مِنْ الثِّمَارِ أُجْبِرَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْقَبُولِ وَسَقَطَ الْخِيَارُ كَمَا فِي تَرْكِ النَّعْلِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ كَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ اهـ. وَفِي الْبَسِيطِ لَوْ قَالَ لَا تَفْسَخْ فَقَدْ وَهَبْتُ لَك الثِّمَارَ بَطَلَ خِيَارُهُ وَيُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ كَمَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى قَبُولِ النَّعْلِ مُحَافَظَةً عَلَى لُزُومِ الْعَقْدِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا يُجْبَرُ لِأَنَّ النَّعْلَ صَارَ كَالْوَصْفِ لِلدَّابَّةِ وَهُوَ تَبَعٌ وَالْقَبُولُ فِيهِ هَيِّنٌ اهـ وَرَدَّ صَاحِبُ الْوَافِي احْتِمَالَهُ هَذَا الَّذِي أَبْدَاهُ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ بِأَنَّهُ لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ قَالُوا وَلَوْ اشْتَرَى شَجَرَةً وَعَلَيْهَا ثَمَرَةٌ لِلْبَائِعِ وَجَرَى الِاخْتِلَاطُ كَمَا سَبَقَ لَمْ يَنْفَسِخْ. بَلْ يُقَالُ لِلْبَائِعِ أَتَرْضَى أَنْ تَتْرُكَ جَمِيعَ الثَّمَرَةِ لِلْمُشْتَرِي فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ قَبُولُهُ فَإِنْ امْتَنَعَ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي ذَلِكَ فَإِنْ تَرَكَ لَزِمَ الْبَائِعَ قَبُولُهُ فَإِنْ امْتَنَعَا فُسِخَ الْعَقْدُ لِتَعَذُّرِ إمْضَائِهِ. قَالَ الْبَغَوِيّ: وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَيْثُ قُلْنَا يُدْعَى الْبَائِعُ إلَى تَرْكِ حَقِّهِ وَلَا يُدْعَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْمَبِيعَ هُنَاكَ هُوَ الثَّمَرَةُ فَإِذَا تَرَكَ الْمُشْتَرِي حَقَّهُ لَا يَبْقَى فِي مُقَابَلَةِ الثَّمَنِ شَيْءٌ وَهُنَا الْمَبِيعُ هُوَ الشَّجَرَةُ فَتَرْكُ الثَّمَرَةِ الْحَادِثَةِ لِلْبَائِعِ لَا يُخْلِي الثَّمَن عَنْ الْعِوَضِ. أَمَّا إذَا تَشَاحَّا.

فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ هَذَا حَاصِلُ مَا قَرَّرُوهُ فِي هَذَا الْمَحِلِّ وَهَذَا كَمَا تَرَى سِيَّمَا مَا قَدَّمْتُهُ عَنْ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ ظَاهِرٌ فِيمَا قُلْنَاهُ فِي مَسْأَلَتِنَا لِأَنَّ الْإِجْبَارَ عَلَى الْقَبُولِ فِيهِ هُنَا وَثَمَّ مَصْلَحَةُ إمْضَاءِ الْعَقْدِ وَالْمُسَامَحَةِ هُنَا وَثَمَّ مُزِيلَةٌ لِلضَّرَرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يُوجِبُ الْقَوْلَ فِي تِلْكَ بِمَا قَالُوا فِي هَذِهِ لِاتِّحَادِهَا مَعَهَا وَلَا نَظَرَ لِلْمِنَّةِ لِمَا مَرَّ وَلَا إلَى أَنَّ مِنْ شَأْنِ الثِّمَارِ أَنَّهُ يُتَسَامَحُ بِهَا لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِهَا بَلْ يَعُمُّ سَائِرَ الْمِثْلِيَّاتِ وَإِنْ كَثُرَتْ وَلَا إلَى مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَسْأَلَةِ النَّعْلِ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ احْتِمَالَ الْغَزَالِيِّ الْمَبْنِيَّ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ. الْأَمْرُ السَّادِسُ قَوْلُهُمْ يَتَخَيَّرُ الْمُسْتَأْجِرُ بِانْقِطَاعِ مَاءِ الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِلزِّرَاعَةِ وَلَهَا مَاءٌ مُعْتَادٌ لِلْعَيْبِ إلَّا أَنْ أَبْدَلَهُ الْمُؤَجِّرُ بِمَاءٍ آخَرَ وَوَقْتُ الزِّرَاعَةِ بَاقٍ وَلَمْ تَمْضِ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ فَلَا خِيَارَ لَهُ لِزَوَالِ مُوجِبِهِ. فَتَأَمَّلْ كَيْف جَعَلُوا سُوقَ الْمَاءِ إلَيْهَا مِنْ مَكَان آخَرَ مُوجِبًا لِإِزَالَةِ سَبَبِ الْخِيَارِ مِنْ التَّضَرُّرِ بِانْقِطَاعِ الْمَاءِ فَكَذَا الْمُسَامَحَةُ هُنَا مُوجِبَةٌ لِإِزَالَةِ سَبَبِ الْخِيَارِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ. الْأَمْرُ السَّابِعُ قَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ الْغُرَمَاءُ لِلْقَصَّارِ خُذْ أُجْرَتَك وَدَعْنَا نَكُونُ شُرَكَاءَ صَاحِبِ الثَّوْبِ أُجْبِرَ عَلَى الْأَصَحِّ أَيْ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي أَخْذِ أُجْرَتِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالُوا لِلْبَائِعِ لَا تَفْسَخْ وَنُقَدِّمُك بِالثَّمَنِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إجَابَتُهُمْ. لِاحْتِمَالِ لُحُوقِ الضَّرَرِ بِهِ بِظُهُورِ غَرِيمٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يُزَاحِمُهُ وَمِمَّا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ أَنَّ الْفَرْقَ الصَّحِيحَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ هُوَ مَا ذَكَرْتُهُ لَا مَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ سَبَبَ عَدَمِ إجْبَارِهِ فِي الثَّانِيَةِ تَحَمُّلُهُ لِمِنَّتِهِمْ لِأَنَّ هَذَا يَرُدُّهُ قَوْلُهُمْ بِالْإِجْبَارِ فِي الْأَوْلَى مَعَ أَنَّ فِيهِ تَحَمُّلَ مِنَّتِهِمْ فَالْوَجْهُ فِي الْفَرْقِ هُوَ خَشْيَةُ لُحُوقِ الضَّرَرِ وَعَدَمِهَا ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ صَرَّحَ بِمَا ذَكَرْته حَيْثُ قَالَ فِي تَوَسُّطِهِ وَأَمَّا التَّعْلِيلُ بِالْمِنَّةِ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ. إذْ قَدْ تَكُونُ الْمِنَّةُ لَهُ بِأَنْ تَكُونَ السِّلْعَةُ تُسَاوِي ضِعْفَ ثَمَنِهَا فَيَكُونُ الْحَظُّ لَهُمْ اهـ فَإِنْ قُلْت: جَمِيعَ مَا ذَكَرْتُهُ يُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ فَإِنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرُوهُ فِي أَنَّ الْإِعْرَاضَ أَوْ الْهِبَةَ يَكُونُ مُسْقِطًا إنَّمَا هُوَ فِي أُمُورٍ تَتَعَلَّقُ بِالْمَبِيعِ وَتَتَّصِلُ بِهِ فَلِذَا تَسَامَحُوا فِيهَا وَجَعَلُوا الْمُسَامَحَةَ بِهَا مُسْقِطَةً لِلْخِيَارِ وَمَسْأَلَةُ السُّؤَالِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ قُلْتُ: مُجَرَّدُ التَّعَلُّقِ وَالِاتِّصَالِ بِالْمَبِيعِ لَا دَخْلَ لَهُ فِي إسْقَاطِ الْخِيَارِ بِالْمُسَامَحَةِ. كَمَا عَلِمْتُهُ مِنْ كَلَامِهِمْ الْمَذْكُورِ وَإِنَّمَا الَّذِي عَلَّلُوا بِهِ رِعَايَةُ مَصْلَحَةِ إمْضَاءِ الْعَقْدِ تَارَةً وَزَوَالُ الضَّرَرِ تَارَةً أُخْرَى وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْعِلَّةُ الصَّحِيحَةُ لِاطِّرَادِهَا بِخِلَافِ الْأُولَى فَإِنَّهَا تَقْتَضِي سُقُوطَ الْخِيَارِ بِقَوْلِ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي: خُذْ أَرْشَ الْقَدِيمِ وَأَمْسِكْهُ وَقَدْ صَرَّحُوا بِخِلَافِهِ فَعَلِمْنَا أَنَّ الْعِلَّةَ الصَّحِيحَةَ إنَّمَا هُوَ انْتِفَاءُ الضَّرَرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْلُفَهُ شَيْءٌ آخَرَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الضَّرَرَ فِي مَسْأَلَتِنَا لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَبِيعِ تَعَلُّقٌ بَلْ بَيْنَهُمَا تَعَلُّقٌ تَامٌّ مِنْ حَيْثُ اشْتَمَلَ الْعَقْدُ عَلَيْهِمَا لَفْظًا وَكَذَا حُكْمًا أَلَا تَرَى أَنَّ الثَّمَنَ يُوَزَّعُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الْإِجَازَةِ فَلَمْ يَقْطَعُوا النَّظَرَ عَمَّا فَسَدَ فِيهِ الْبَيْعُ بَلْ جَعَلُوهُ مَنْظُورًا إلَيْهِ بَلْ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْ حَيْثُ التَّعَلُّقِ أَقْوَى مِنْ النَّظَرِ إلَى نَحْوِ الثِّمَارِ الَّتِي حَدَثَتْ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ التَّخْلِيَةِ وَاخْتَلَطَ الْمَبِيعُ بِهَا فَإِنْ قُلْت: قَدْ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي بِالْمُسَامَحَةِ. وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ بَاعَهُ أَرْضًا. أَوْ صُبْرَةً عَلَى أَنَّهَا مِائَةٌ فَخَرَجَتْ زَائِدَةً أَوْ نَاقِصَةً صَحَّ الْبَيْعُ لِلْإِشَارَةِ وَخُيِّرَ مَنْ عَلَيْهِ الضَّرَرُ وَهُوَ الْبَائِعُ فِي الزِّيَادَةِ وَالْمُشْتَرِي فِي النَّقْصِ وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْبَائِعِ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي لَهُ لَا تَفْسَخْ وَأَنَا أَقْنَعُ بِالْقَدْرِ الْمَشْرُوطِ شَائِعًا وَلَك الزِّيَادَةُ وَلَا بِقَوْلِهِ لَا تَفْسَخْ وَأَنَا أُعْطِيكَ ثَمَنَ الزَّائِدِ وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي بِحَطِّ الْبَائِعِ مِنْ الثَّمَنِ قَدْرَ النَّقْصِ قُلْت: لَا تَأْيِيدَ فِي هَذَا لِعُمُومِ سُقُوطِ خِيَارِ الْمُشْتَرِي بِالْمُسَامَحَةِ. بَلْ رُبَّمَا يَكُونُ فِيهِ تَأْيِيدٌ لِسُقُوطِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَسْقُطْ خِيَارُ الْبَائِعِ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي أَقْنَعُ بِالْقَدْرِ الْمَشْرُوطِ شَائِعًا وَلَك الزِّيَادَةُ لِأَنَّ ثُبُوتَ حَقِّ الْمُشْتَرِي شَائِعًا يَجُرُّ ضَرَرَ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَلَا بِقَوْلِهِ أَعْطَيْتُك ثَمَنَ الزَّائِدِ لِمَا فِيهِ مِنْ إلْزَامِهِ تَمْلِيكِ مَالِهِ لِغَيْرِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ أَيْ: وَهَذَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْبَائِعِ فَعُلِمَ أَنَّ سَبَبَ عَدَمِ إجْبَارِ الْبَائِعِ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُشْتَرِي فِي الصُّورَتَيْنِ هُوَ لُحُوقُ الضَّرَرِ بِهِ لَوْ أَجْبَرْنَاهُ عَلَى ذَلِكَ. وَأَمَّا

مَسْأَلَتُنَا فَإِجْبَارُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْقَبُولِ لَا يَلْحَقُهُ بِهِ ضَرَرٌ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَا قِيَاسَ بَيْنَ هَذَا وَمَسْأَلَتِنَا وَأَمَّا عَدَمُ سُقُوطِ خِيَارِ الْمُشْتَرِي بِحَطِّ الْبَائِعِ قَدْرَ النَّقْصِ فَسَبَبُهُ أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَنَاوَلْ قَدْرَ النَّقْصِ حَتَّى يَحُطَّ مَا قَابَلَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْعَقْدُ مُقَابِلًا فِيهِ الثَّمَنَ جَمِيعَهُ بِهَذَا الْقَدْرِ الْمَوْجُودِ وَهَذَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلِأَنَّهُ خِلَافُ مَا شَرَطَهُ، وَحَطُّ الْبَائِعِ لَهُ مَا ذَكَرَ لَا يُزِيلُ ضَرَرَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ الْحَطُّ لَا فَائِدَةَ فِيهِ. لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا وَقَعَ الْعَقْدُ بِهِ فَلَا يُسَمَّى حَطًّا وَلَا يَزُولُ بِهِ الضَّرَرُ الْمُقْتَضِي لِثُبُوتِ الْخِيَارِ وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَنَاوَلْ قَدْرَ النَّقْصِ قَوْلُهُمْ وَإِذَا أَجَازُوا فَبِالْمُسَمَّى لَا بِقِسْطِهِ لِأَنَّ الْمُتَنَاوَلَ بِالْإِشَارَةِ ذَلِكَ الْمَوْجُودُ لَا غَيْرُ وَإِذَا أَجَازَ الْبَائِعُ فَالْجَمِيعُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يُطَالِبُهُ لِلزِّيَادَةِ بِشَيْءٍ اهـ. وَبِهَذَا يَزِيدُ اتِّضَاحُ فُرْقَانِ مَا بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَتِنَا لِأَنَّ مَسْأَلَتَنَا لَمْ يَقَعُ انْعِقَادُ الْعَقْدِ فِيهَا مُقَابِلًا فِيهِ الثَّمَنَ جَمِيعَهُ بِالْمُسْتَحَقِّ وَغَيْرِهِ. وَإِنَّمَا وَقَعَ الِانْعِقَادُ فِيهَا مُقَابِلًا فِيهِ غَيْرَ الْمُسْتَحَقِّ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَأَمَّا الْمُسْتَحَقُّ فَلَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ فِيهِ وَلَا فِيمَا قَابَلَهُ مِنْ الثَّمَنِ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أَجَازَ الْمُشْتَرِي فِيهَا لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا الْقِسْطُ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنْ قُلْت: مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي أُعْطِيك ثَمَنَ الزَّائِدِ لِمَا فِيهِ مِنْ إلْزَامِهِ تَمْلِيكِ مَالِهِ لِغَيْرِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُشْتَرِيَ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِمُسَامَحَةِ الْبَائِعِ لَهُ لِعَيْنِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ. وَمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنَّ ذَاكَ فِيهِ ضَرَرٌ بِخِلَافِ هَذَا فِيهِ خَفَاءٌ قُلْت: وَيَزُولُ هَذَا الْخَفَاءُ بِزِيَادَةِ إيضَاحِ مَا ذَكَرْتُهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ تَقَرَّرَ مِنْ صَرِيحِ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْإِشَارَةَ تَنَاوَلَتْ جَمِيعَ ذَلِكَ الْمَوْجُودِ فِي حَالَتَيْ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ. وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أَجَازَ الْبَائِعُ كَانَ الْجَمِيعُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يُطَالِبُهُ لِلزِّيَادَةِ بِشَيْءٍ فَالزِّيَادَةُ وَقَعَتْ هِيَ وَالْقَدْرُ الْمَشْرُوطُ مُقَابَلَيْنِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلِذَا ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ لِلُحُوقِ الضَّرَرِ لَهُ بِتَنَاوُلِ الْعَقْدِ أَزْيَدَ مِنْ الْمَشْرُوطِ. وَقَوْلُ الْمُشْتَرِي أُعْطِيك ثَمَنَ الزَّائِدِ لَا يَدْفَعُ الْمُقَابَلَةَ الْمَذْكُورَةَ الَّتِي حَصَلَ الضَّرَرُ الْمُقْتَضِي لِلْخِيَارِ بِسَبَبِهَا فَلَمْ يَكُنْ قَوْلُ الْمُشْتَرِي الْمَذْكُورُ مُسْقِطًا لِخِيَارِهِ لِبَقَاءِ مَا حَصَلَ الضَّرَرُ بِسَبَبِهِ مَعَ قَوْلِهِ ذَلِكَ وَعَدَمِ زَوَالِهِ بِهِ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ وَالْمَآلُ مِنْ عِلَّتِهِمْ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ الْعَقْدَ إذَا وَقَعَ مُتَنَاوِلًا لِلزِّيَادَةِ مِنْ حَيْثُ الْإِشَارَةِ فِيهِ لِجَمِيعِ الْمَوْجُودِ كَانَ فِي قَوْلِ الْمُشْتَرِي أُعْطِيك ثَمَنَ الزَّائِدِ إلْزَامٌ لِلْبَائِعِ بِتَمَلُّكِ الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ. مَعَ أَنَّ ذَلِكَ التَّمَلُّكَ لَا يَدْفَعُ السَّبَبَ الْمُقْتَضِي لِاخْتِيَارِهِ لِبَقَائِهِ. وَإِنْ فَرَضْنَا أَنَّهُ يَمْلِكُ الثَّمَنَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ سَبَبَ الْخِيَارِ تَنَاوُلُ الْعَقْدِ لِلزِّيَادَةِ أَيْضًا وَهَذَا التَّنَاوُلُ مَوْجُودٌ سَوَاءٌ أُجْبِرَ الْبَائِعُ عَلَى تَمَلُّكِ الثَّمَنِ أَمْ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ وَإِذْ قَدْ اتَّضَحَ ذَلِكَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ الْمُصَرِّحِ بِهِ كَلَامُهُمْ فَكَيْف يُتَوَهَّمُ مُشَابَهَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِمَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ مَسْأَلَتَنَا سَبَبُ الْخِيَارِ فِيهَا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. وَهَذَا السَّبَبُ يَنْتَفِي بِمُسَامَحَةِ الْبَائِعِ بِمَا وَقَعَ التَّفْرِيقُ بِسَبَبِهِ فَلَزِمَ الْمُشْتَرِيَ قَبُولُهُ وَسَقَطَ بِهِ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ بِوَجْهٍ فَإِنْ قُلْت: مَا ذَكَرْتُهُ فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ هَلْ هُوَ خَاصٌّ بِهَا لِكَوْنِ الْبُقْعَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ مُتَّصِلَةً بِغَيْرِ الْمُسْتَحَقَّةِ أَوْ هُوَ عَامٌّ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا. قُلْت بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ وَقَعَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ فِيهَا وَثَبَتَ بِسَبَبِ ذَلِكَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ أَوْ عَبْدًا وَأَرْضًا فِي صَفْقَةٍ. فَبَانَ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ حِينَ الْبَيْعِ وَكَانَ عِنْدَ التَّبَيُّنِ مِلْكًا لِلْبَائِعِ أَوْ بَادَرَ الْبَائِعُ وَمَلَكَهُ قَبْلَ أَنْ يَبْطُلَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي فَلَمَّا أَرَادَ الْمُشْتَرِي الْفَسْخَ بِسَبَبِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ بَادَرَ الْبَائِعُ وَسَامَحَهُ بِهِ فَيَلْزَمُهُ الْقَبُولُ وَيَسْقُطُ بِهِ خِيَارُهُ كَمَا تَقَرَّرَ فَإِنَّ جَمِيعَ مَا قَرَّرْته صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْعِلَّةَ فِي سُقُوطِ الْخِيَارِ لَيْسَ هُوَ اتِّصَالُ الْمُسْتَحَقِّ بِغَيْرِهِ حِسًّا وَإِنَّمَا الْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ بِالْمُسَامَحَةِ بِذَلِكَ يَنْتَفِي الضَّرَرُ عَنْ الْمُشْتَرِي. وَيَزُولُ بِهَا السَّبَبُ الْمُقْتَضِي لِخِيَارِهِ وَهُوَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ مَعَ رُجُوعِ مَا قَابَلَ الْفَاسِدَ مِنْ الثَّمَنِ إلَيْهِ فَإِنَّا وَإِنْ أَلْزَمْنَاهُ قَبُولَ الْمُسَامَحَةِ الْمَذْكُورَةِ لَا نُلْزِمُهُ بِالْإِجَازَةِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ بَلْ بِقِسْطِهِ الصَّحِيحِ مِنْ الثَّمَنِ فَحَصَلَ لَهُ الْمَمْلُوكُ بِقِسْطِهِ وَغَيْرُ الْمَمْلُوكِ بِلَا شَيْءٍ وَبِحُصُولِهِ لَهُ يَزُولُ السَّبَبُ الْمُقْتَضِي لِخِيَارِهِ وَهُوَ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ عَلَيْهِ فَلِذَا سَقَطَ بِهِ خِيَارُهُ.

فَإِنْ قُلْت: مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَاطِ الثِّمَارِ أَنَّهُ هَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي الْمُبَادَرَةُ بِالْفَسْخِ إلَّا أَنْ يُبَادِرَ الْبَائِعُ وَيَسْمَحُ لَهُ فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ أَوْ لَيْسَ لَهُ الْمُبَادَرَةُ بِذَلِكَ إلَّا بِمُشَاوِرَةِ الْبَائِعِ، فَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ الْأَوَّلُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ التَّنْبِيهِ الثَّانِي وَهُوَ مَا حَكَاهُ فِي الْمَطْلَبِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيّ فَهَلْ يَأْتِي ذَلِكَ هُنَا قُلْت: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَأْتِي ذَلِكَ هُنَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ الرَّاجِحُ هُنَا الْأَوَّلُ. وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الرَّاجِحَ الثَّانِي وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ مِلْكَ الْبَائِعِ ثُمَّ الْمُخْتَلَطَ مُتَحَقِّقٌ فَوَجَبَتْ مُشَاوَرَتُهُ لِيَنْظُرَ هَلْ يَسْمَحُ أَوْ لَا وَأَمَّا هُنَا فَمِلْكُ الْبَائِعِ لَمَّا فَسَدَ فِيهِ الْبَيْعُ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ بَلْ الْأَصْلُ أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ فَلَمْ يَلْزَمْ الْمُشْتَرِيَ الْبَحْثُ لِأَنَّ فِيهِ مَشَقَّةً عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْت: قَدْ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ مَشَقَّةٌ وَصُورَتُهُ أَنْ يُعْرَضَ لَهُ أَمْرٌ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ خِيَارَهُ بِأَنْ عَرَضَ مَا لَا يُنَافِي الْفَوْرِيَّةَ كَأَكْلٍ أَوْ حَمَامٍ وَعُلِمَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنَّ الْبَائِعَ مَلَكَ الْمُسْتَحَقَّ فَهَلْ يَتَّجِهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُشَاوَرَةُ الْبَائِعِ؟ قُلْت: لَا يَتَّجِهُ وُجُوبُ مُشَاوَرَتِهِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِبَيْعِ مَا لَا يَمْلِكُ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ خِيَارٌ وَإِنْ تَفَرَّقَتْ الصَّفْقَةُ عَلَيْهِ وَكَانَ مَعْذُورًا فِي ذَلِكَ فَسَاغَ لِلْمُشْتَرِي الْمُبَادَرَةُ بِالْفَسْخِ مَا لَمْ يُبَادِرْ بِالْمُسَامَحَةِ هُوَ وَيَسْمَحُ قَبْلَ فَسْخِ الْمُشْتَرِي فَحِينَئِذٍ يَسْقُطُ خِيَارُهُ. فَإِنْ قُلْت مَرَّ ثُمَّ كَلَامُ الْمُهِمَّاتِ فِي مَعْنَى التَّخْيِيرِ وَإِنَّهُ مَرْدُودٌ فَهَلْ يَجْرِي نَظِيرُهُ هُنَا؟ قُلْت: نَعَمْ يَجْرِي ذَلِكَ جَمِيعُهُ هُنَا بِجَامِعِ أَنَّ مُوجِبَ الْخِيَارِ هُنَا وَثَمَّ الْعَيْبُ كَمَا مَرَّ وَلَا دَخَلَ لِلْحَاكِمِ فِي الرَّدِّ بِهِ فَإِنْ قُلْت: قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي ثَمَّ وَتَمَلَّكَ الثَّمَرَةَ هُنَا بِالْإِعْرَاضِ كَالْإِعْرَاضِ عَنْ السَّنَابِلِ وَإِنَّمَا لَمْ يَمْلِكْ النَّعْلَ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا لِأَنَّ عَوْدَهَا إلَى الْبَائِعِ مُتَوَقَّعٌ وَلَا سَبِيلَ هُنَا إلَى تَمْيِيزِ حَقِّ الْبَائِعِ. اهـ فَهَلْ يُقَالُ بِذَلِكَ هُنَا أَيْضًا، قُلْتُ: مَا قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ مَا يَأْتِي مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِعْرَاضِ عَنْ النَّعْلِ وَعَنْ نَحْوِ كِسْرَةِ الْخُبْزِ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أَنَّ الْإِعْرَاضَ هُنَا وَعَنْ النَّعْلِ سَوَاءٌ وَيُرَدُّ فَرْقُهُ بِأَنَّ التَّمْيِيزَ هُنَا مُتَوَقَّعٌ أَيْضًا فَهُوَ كَعَوْدِ النَّعْلِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَعَلَى قِيَاسِ النَّعْلِ لَوْ اطَّلَعَ عَلَى ثَمَرَةِ الْمُشْتَرِي مِنْ ثَمَرَةِ الْبَائِعِ وَعَلِمَ بِتَمْيِيزِهَا بِطَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ بِإِخْبَارِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ أَوْ بِخَبَرِ نَبِيٍّ مَثَلًا وَجَبَ رَدُّهَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَحْ بِهَا مُطْلَقًا بَلْ لِلْخَوْفِ مِنْ الْفَسْخِ عِنْدَ التَّعَذُّرِ عَلَى الْوُقُوفِ عَلَى الْحَقِيقَةِ. فَإِذَا عُلِمَتْ بِطَرِيقِهَا فَلْيَرُدَّهَا عَلَيْهِ وَلَوْ أَكَلَهَا الْمُشْتَرِي قَبْلَ التَّبَيُّنِ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهَا فَلَا ضَمَانَ كَمَا لَوْ اسْتَعْمَلَ النَّعْلَ فِي رِجْلِ الدَّابَّةِ حَتَّى بَلِيَ وَهَذَا وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ لَكِنَّهُ فِقْهٌ ظَاهِرٌ وَالْقَوَاعِدُ تَشْهَدُ لَهُ اهـ لَا يُقَالُ تَوَقُّعُ عَوْدِ النَّعْلِ أَقْرَبُ مِنْ تَوَقُّعِ التَّمْيِيزِ كَمَا لَا يَخْفَى لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ لَا يَقْتَضِي صِحَّةَ مَا قَالَهُ عَلَى أَنَّ نَفْيَ السَّبِيلِ إلَى التَّمْيِيزِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ السَّبِيلَ إلَيْهِ مُمْكِنٌ سِيَّمَا وَكَلَامُهُمْ كَالْمُصَرِّحِ أَوْ مُصَرِّحٌ بِاسْتِوَائِهِمَا فِي عَدَمِ مِلْكِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالْإِعْرَاضِ ثُمَّ لَوْ فُرِضَ اعْتِمَادُ مَا قَالَهُ فَلَا يَأْتِي نَظِيرُهُ هُنَا لِأَنَّ عِلَّتَهُ لَا تَجْرِي هُنَا لِتَمَيُّزِ الْمُعْرَضِ عَنْهُ هُنَا فَالْوَجْهُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا فَسَدَ فِيهِ الْبَيْعُ إذَا أَعْرَضَ الْبَائِعُ عَنْهُ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَهُ لَهُ وَقَبِلَهُ بِشَرْطِهِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ فَإِنْ قُلْت: هَلْ يَأْتِي فِيهِ مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَصَرَّفَ فِي نَحْوِ الثِّمَارِ لَا يَضْمَنُهَا. وَقَاسَهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي النَّعْلِ قُلْت: نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يَأْتِيَ ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الَّذِي فَسَدَ الْعَقْدُ فِيهِ تَفُوتُ عَيْنُهُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ لِأَنَّهُ الَّذِي يُشْبِهُ مَا فَرَضَ الزَّرْكَشِيُّ الْكَلَامَ فِيهِ مِنْ الثِّمَارِ وَنَحْوِهَا أَمَّا فِي نَحْوِ الْأَرَاضِي فَلَا يَأْتِي فِيهِ ذَلِكَ نَعَمْ لَوْ عَادَ فِيهِ الْبَائِعُ فَلَا أُجْرَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي لِلْمُدَّةِ الَّتِي انْتَفَعَ بِهِ فِيهَا لِأَنَّ الْمُعْرَضَ عَنْهُ غَايَتُهُ أَنَّهُ كَالْمُعَارِ كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا ذَكَرْته فِي حَاشِيَةِ الْعُبَابِ وَعِبَارَتُهَا وَالْمُرَادُ بِالْإِعْرَاضِ هُنَا خِلَافُ مَا قَالُوهُ فِي الْإِعْرَاضِ عَنْ نَحْوِ كِسْرَةِ خُبْزٍ لِأَنَّ الْإِعْرَاضَ إمَّا مُطْلَقٌ بِأَنْ يَحْصُلَ بِالِاخْتِيَارِ بِلَا ضَرُورَةٍ فَإِذَا أَخَذَهُ الْغَيْرُ مَلَكَهُ وَلَيْسَ لِمَالِكِهِ الرُّجُوعُ فِيهِ وَإِمَّا مُقَيَّدٌ كَمَا هُنَا فَإِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِحَالَةِ اتِّصَالِهِ بِالدَّابَّةِ. فَإِذَا انْفَصَلَ عَنْهَا عَادَ إلَى مَالِكِهِ وَوَجَبَ رَدُّهُ عَلَيْهِ عَقِبَ السُّقُوطِ فَوْرًا وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ التَّخْلِيَةُ وَهِيَ الْمُرَادَةُ بِالرَّدِّ فِي كَلَامِهِمْ وَأَنْ يُقَالَ بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ حَقِيقَةً كَالْعَارِيَّةِ بِجَامِعِ أَنَّهُ أُبِيحَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَكَمَا لَزِمَهُ ثَمَّ

بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعَارِيَّةِ الرَّدُّ فَكَذَلِكَ هُنَا وَلَعَلَّ هَذَا أَقْرَبُ فَإِنْ قُلْت: أَطْلَقَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ بِالتَّصَرُّفِ وَظَاهِرُهُ صِحَّةُ تَصَرُّفِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ عَارِيَّةً؟ قُلْت: مُرَادُهُ التَّصَرُّفُ بِغَيْرِ النَّقْلِ عَنْ مِلْكِهِ بِدَلِيلِ مَا نَظَرَ بِهِ مِنْ اسْتِعْمَالِ النَّعْلِ حَتَّى بَلِيَ فَإِنْ قُلْت: مَرَّ فِي مَبْحَثِ الْأَحْجَارِ قَوْلُهُمْ وَهَذَا التَّرْكُ إعْرَاضٌ لَا تَمْلِيكٌ فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِيهَا فَإِذَا عَادَ رَجَعَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي فَهَلْ يَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ هُنَا قُلْت: نَعَمْ. فَإِذَا أَعْرَضَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي عَمَّا فَسَدَ فِيهِ الْعَقْدُ سَقَطَ خِيَارُهُ وَلَزِمَهُ الْقَبُولُ فَلَهُ حِينَئِذٍ التَّصَرُّفُ فِي ذَلِكَ الْمُعْرَضِ عَنْهُ لَكِنْ بِالِانْتِفَاعِ وَلَوْ بِإِيجَارِهِ لِلْغَيْرِ لَا بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لَهُ ثُمَّ إذَا رَجَعَ الْبَائِعُ فِيهِ عَادَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ مَا دَامَ لَمْ يَرْجِعْ فَسَبَبُ الْخِيَارِ مُنْتَفٍ فَإِذَا رَجَعَ عَادَ سَبَبُ الْخِيَارِ فَإِنْ قُلْت: هَذَا فِيهِ ضَرَرٌ كَبِيرٌ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَصِيرُ كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمُعْرَضِ عَنْهُ إذْ لَيْسَ لَهُ إلَّا الِانْتِفَاعُ بِهِ لَا إخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِ قُلْت: لَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذَا الِانْتِفَاعَ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يَبْذُلْ الْمُشْتَرِي فِي مُقَابَلَتِهِ شَيْئًا فَهُوَ مَحْضُ رِبْحٍ اسْتَفَادَهُ لِأَنَّ مَا بَذَلَهُ مِنْ الثَّمَنِ إنَّمَا هُوَ فِي مُقَابَلَةِ الَّذِي صَحَّ فِيهِ الْبَيْعُ وَهَذَا الَّذِي فَسَدَ فِيهِ الْبَيْعُ إنَّمَا اسْتَفَادَهُ فِي مُقَابَلَةِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ لَهُ وَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ الِانْتِفَاعُ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ كَانَ ذَلِكَ غَايَةً فِي مُرَاعَاةِ جَانِبِهِ وَغَايَتَهُ فِي الرِّبْحِ. فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بِوَجْهٍ سِيَّمَا وَخِيَارُهُ أَوْ خِيَارُ وَارِثِهِ يَعُودُ بِعَوْدِ الْبَائِعِ أَوْ وَارِثِهِ فِي ذَلِكَ الْمُعْرَضِ عَنْهُ وَعَلَى فَرْضِ الْمُحَالِ وَهُوَ أَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي ذَلِكَ فَلَا نَظَرَ إلَيْهِ لِعَيْنِ مَا قَالُوهُ فِي الْإِعْرَاضِ عَنْ الْأَحْجَارِ مِنْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَمْلِكُهَا بِهِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفٌ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَكَمَا لَمْ يَنْظُرُوا هُنَا إلَى تَضَرُّرِهِ إنْ فُرِضَ وَأَسْقَطُوا خِيَارَهُ بِالتَّرْكِ مَعَهُ فَكَذَلِكَ لَوْ فُرِضَ تَضَرُّرُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا يُنْظَرُ إلَيْهِ وَيَسْقُطُ خِيَارُهُ هَذَا آخِرُ مَا يَسَّرَ اللَّهُ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَعَلَّ اللَّهَ يَفْتَحُ فِيهَا بِمَا نُرِيدُهَا إيضَاحًا وَبَيَانًا جَعَلَنَا اللَّهُ مِمَّنْ لَجَأَ فِي مُهِمَّاتِهِ إلَيْهِ وَعَوَّلَ فِيمَا يَرْتَبِكُ فِيهِ مِنْ الْمَضَايِقِ وَيَنُوبُهُ مِنْ الْمَتَاعِبِ عَلَيْهِ وَأَمَدَّنَا بِتَوْفِيقٍ بَدِيعٍ مِنْ عِنْدَهُ لَا يُبْقِي فِينَا ذَرَّةً لِغَيْرِهِ وَأَدَامَ عَلَى قُلُوبِنَا شُهُودَ الْعَامَّةِ وَسَوَابِغَ بِرِّهِ وَخَيْرِهِ وَخَتَمَ لَنَا بِالْحُسْنَى وَبَلَّغْنَا مِنْ فَضْلِهِ الْمَقَامَ الْأَسْنَى فَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَإِلَيْهِ مَفْزَعُنَا فِي الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْحَلِيمِ الْكَرِيمِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَوَّلًا وَآخِرًا وَبَاطِنًا وَظَاهِرًا وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْأَتَمَّانِ الْأَكْمَلَانِ الْأَزْكَيَانِ الْأَنْمَيَانِ الْأَطْيَبَانِ عَلَى خُلَاصَةِ سِرِّ الْوُجُودِ وَعَيْنِ التَّعَيُّنَاتِ فِي مَقَامَيْ التَّجَلِّي وَالشُّهُودِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَخُلَفَائِهِ وَوَارِثِيهِ وَأَتْبَاعِهِ وَمُحِبِّيهِ مَا قَامَ لِلَّهِ بِنُصْرَةِ هَذَا الدِّينِ قَائِمٌ فَأَظْهَرَ الْحَقَّ وَنَاضَلَ عَنْهُ بِسِنَانِهِ وَقَلَمِهِ وَلِسَانِهِ وَلَمْ يَخْشَ فِي اللَّه لَوْمَةَ لَائِمٍ وَأَعِذْنَا اللَّهُمَّ مِنْ شُؤْمِ نُفُوسِنَا وَمُنَّ عَلَيْنَا بِطَوَاعِيَّتِهَا لَنَا حَتَّى نَسْتَرِيحَ مِنْ شُرُورِهَا وَارْزُقْنَا الْإِخْلَاصَ حَتَّى نَدْأَبَ فِي تَطْهِيرِهَا مِنْ خَبَائِثِهَا وَتَتَوَالَى عَلَيْهَا بَشَائِرُ سُرُورِهَا وَاصْحَبْ ذَلِكَ كُلَّهُ بِرِضَاكَ عَنَّا إلَى أَنْ نَلْقَاك عَلَى ذَلِكَ فَنُرْفَعَ فِي دَارِ شُهُودِك عَلَى أَعْلَى الْأَرَائِكِ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا. مَعَ مَنْ أَخْبَرْت عَمَّا لَهُمْ عَلَيْك فِي تِلْكَ الدَّارِ بِقَوْلِك {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10] . (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رَجُلٍ بَاعَ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ ثَوْبًا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَقَبَضَ الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الثَّمَنِ وَتَأَخَّرَ لَهُ بَعْضُ الثَّمَنِ ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَ جَاءَ إلَى الْمُشْتَرِي وَطَالَبَهُ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ فَاخْتَصَمَا ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ سَأَلَ الْبَائِعَ أَنْ يُقِيلَهُ فَقَالَ الْبَائِعُ لَهُ أَقَلْتُكَ ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُ الثَّوْبَ فَظَهَرَ أَنَّ الثَّوْبَ رَهَنَهُ الْمُشْتَرِي الْمَذْكُورُ تَحْتَ يَدِ شَخْصٍ ثَالِثٍ عَلَى دَيْنٍ لَهُ فَهَلْ هَذِهِ الْإِقَالَةُ صَحِيحَةٌ أَمْ لَا لِكَوْنِ الثَّوْبِ مَرْهُونًا تَحْتَ يَدِ شَخْصٍ آخَرَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا وَلَا تَجُوزُ الْإِقَالَةُ بَعْدَ تَلَفِ الْمَبِيعِ إنْ قُلْنَا بَيْعٌ وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ كَالْفَسْخِ بِالتَّحَالُفِ اهـ وَمِنْهَا يُعْلَمُ جَوَازُهَا وَلَوْ بَعْدَ الرَّهْنِ وَإِنْ قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْمَطْلَبِ وَغَيْرِهِ مِنْ

صِحَّتِهَا فِي الْآبِقِ قَالُوا لِأَنَّ الْإِبَاقَ لَا يَزِيدُ عَلَى التَّلَفِ وَهِيَ تَصِحُّ فِي التَّالِفِ فَأُولَى الْآبِقُ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ رَدُّ نَحْوِ الْآبِقِ وَالْمَرْهُونِ الْمَقْبُوضِ بِعَيْبٍ لِأَنَّ الرَّدَّ يُرَدُّ عَلَى الْمَرْدُودِ وَلَا مَرْدُودَ وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ كَالْفَسْخِ بِالتَّحَالُفِ أَنَّ الْبَائِعَ بَعْدَ الْإِقَالَةِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ بِقِيمَةِ الثَّوْبِ وَأَنْ يَصْبِرَ إلَى فِكَاكِ الرَّهْنِ وَيَأْخُذُهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَوْلِهِ فِي الرَّوْضِ فَرْعُ إنَّمَا تُقْبَلُ دَعْوَى جَهْلِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ مِمَّنْ أَسْلَمَ قَرِيبًا أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ وَتُقْبَلُ فِي جَهْلِ كَوْنِهِ أَيْ: الرَّدِّ فَوْرًا مِنْ عَامِّيٍّ يَخْفَى مِثْلُهُ عَلَيْهِ كَمْ حَدَّ هَذَا الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ وَمَنْ الْعَامِّيُّ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الَّذِي يَتَّجِهُ فِي ضَابِطِ الْبُعْدِ وَالْقُرْبِ فِيمَا ذُكِرَ وَفِي نَظَائِرِ ذَلِكَ أَنَّ الْمُدَّعِي الَّذِي جَهِلَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ مَتَى كَانَ عَلَى مَسَافَةٍ يَلْزَمُهُ السَّفَرُ مِنْهَا لِلتَّعَلُّمِ لَمْ يُعْذَرْ فِي دَعْوَاهُ ذَلِكَ وَمَتَى كَانَ عَلَى مَسَافَةٍ لَا يَلْزَمُهُ السَّفَرُ مِنْهَا لِلتَّعَلُّمِ عُذِرَ وَضَابِطُ لُزُومِ السَّفَرِ لَهُ أَنَّهُ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ وَإِنْ طَالَ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ وَمَعْنَى قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَطِيعَهُ. وَيَنْبَغِي ضَبْطُ الِاسْتِطَاعَةِ هُنَا بِالِاسْتِطَاعَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا لِلْحَجِّ فَإِنْ قُلْت: يُفَرَّقُ بَيْنهمَا بِأَنَّ هَذَا وَاجِبٌ فَوْرِيٌّ وَالْحَجُّ عَلَى التَّرَاخِي قُلْت: هِيَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْحَجِّ وَإِنْ وَجَبَ فَوْرًا هَذَا كُلُّهُ حَيْثُ سَمِعَ فِي مَحِلِّهِ بِإِحْكَامِ الشَّرْعِ فَحِينَئِذٍ يَأْتِي فِيهِ التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرْته أَمَّا إذَا لَمْ يَسْمَعْ فِيهِ بِذَلِكَ بِأَنْ خَلَّى مَحِلُّهُ الَّذِي هُوَ فِيهِ عَمَّنْ يَعْرِفُ حُكْمَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَهُوَ مَعْذُورٌ سَوَاءٌ أَقَرُبَ مَحِلُّهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَمْ بَعُدَ عَنْهُ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته آخِرَ قَوْلِ الْأَذْرَعِيِّ عَنْ الْكَافِي فِي نَظِيرِ مَسْأَلَتِنَا وَفِي حُكْمِ مَنْ قَرُبَ عَهْدُهُ بِالْإِسْلَامِ مَنْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ نَائِيَةٍ لَمْ يَسْمَعْ فِيهَا بِإِحْكَامِ الشَّرْعِ أَيْ الْأَحْكَامِ الَّتِي فِيهَا نَوْعُ خَفَاءٍ لَا كُلِّ أَحْكَامِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَالظَّاهِرُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْبُعْدِ هُنَا وَفِي نَظَائِرِهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ مَحِلِّهِ وَمَحِلِّ الْعُلَمَاءِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ أَوْ أَكْثَرُ لَكِنْ عَسُرَ عَلَيْهِ الِانْتِقَالُ لِبَلَدِ الْعُلَمَاءِ لِخَوْفٍ أَوْ عَدَمِ زَادٍ أَوْ ضَيَاعِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِوُجُوبِ الْحَجِّ. فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مَعْذُورًا فِي دَعْوَاه جَهْلَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَنَظَائِرِهِ وَأَمَّا إذَا انْتَفَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يُعْذَرُ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ السَّفَرُ لِتَعَلُّمِ الْمَسَائِلِ الظَّاهِرَةِ دُونَ الْخَفِيَّةِ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ وَالْمُرَادُ بِالْعَامِّيِّ مَنْ يَعْرِفُ الْأَحْكَامَ الظَّاهِرَةَ دُونَ الْخَفِيَّةِ وَمِنْ ثَمَّ فَرَّقُوا هُنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ قَرُبَ إسْلَامُهُ أَوْ نَشَأَ بَعِيدًا فَهَلْ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ جَهْلِ أَصْلِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لِأَنَّهُ يَجْهَلُهُ بِخِلَافِ الْعَامِّيِّ فَإِنَّهُ لَا يَجْهَلُهُ لِظُهُورِهِ لِأَكْثَرِ النَّاسِ وَمَنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ عُدَّ مُفْرِطًا وَمُغْفَلًا فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ وَأَمَّا دَعْوَى الْجَهْلِ بِالْفَوْرِيَّةِ فَيُقْبَلُ حَتَّى مِنْ الْعَامِّيِّ لِأَنَّ أَكْثُرَ الْعَوَامّ يَجْهَلُ ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ أَصْحَابُنَا الْغَالِبُ أَنَّ مَنْ عَلِمَ ثُبُوتَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ يَعْلَمُ صِفَتَهُ مِنْ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ فَعُلِمَ أَنَّهُ مُسَلَّمٌ لَهُ مَا ذَكَرَهُ إذْ لَا غَالِبَ فِي ذَلِكَ وَالْمُرَادُ بِالْعَامِّيِّ فِي عُرْفِ الْأُصُولِيِّينَ غَيْرُ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ فَالْمُقَلِّدُونَ كُلُّهُمْ عَوَامُّ عِنْدَهُمْ وَإِنْ جَلَّتْ مَرَاتِبُهُمْ وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ مَنْ يَعْرِفُ الظَّاهِرَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْغَالِبَةِ بَيْنَ النَّاسِ دُونَ الْأَحْكَامِ الْخَفِيَّةِ وَدَقَائِقِهَا وَالْأَحْكَامِ النَّادِرَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ عَلَّقَ شَرِيكَانِ فِي عَبْدٍ عِتْقَ نَصِيبِهِمَا بِمُتَنَاقِضٍ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ الْحَالُ فَبَاعَا نَصِيبَهُمَا لِثَالِثٍ عَتَقَ عَلَيْهِ النِّصْفَ إنْ كَانَ بَيْنُهُمَا أَنْصَافًا وَإِلَّا فَأَقَلَّ النَّصِيبَيْنِ فَلَوْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ الْعَبْدِ عَيْبًا هَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْأَرْشُ وَإِذَا ثَبَتَ فَعَلَى مَنْ يَرْجِعُ بِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْقِيَاسُ الثُّبُوتُ وَأَنَّهُ مَوْقُوفٌ إلَى الْبَيَانِ نَعَمْ لَوْ مَاتَا وَوَرِثَهُمَا وَاحِدٌ وَالثَّمَنُ فِي مِلْكِهِمَا فَالْقِيَاسُ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي الْمُطَالَبَةُ بِالْأَرْشِ وَعَلَى الْوَارِثِ إعْطَاؤُهُ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِأَجْنَبِيٍّ هَلْ يُقَالُ إنَّهُ مِنْ قَبِيلِ التَّمْلِيكِ كَتَفْوِيضِ الطَّلَاقِ لِلزَّوْجَةِ حَتَّى يُشْتَرَطَ قَبُولُهُ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ التَّوْكِيلِ فَيَأْتِي فِي قَبُولِهِ الْخِلَافُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى تَصْرِيحِ الْبَغَوِيِّ بِأَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِالْعَزْلِ وَوَالِدُ الرُّويَانِيِّ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ شَرْطُهُ لِأَجْنَبِيٍّ كَافِرٍ وَالْمَبِيعُ عَبْدٌ مُسْلِمٌ أَوْ مُحَرِّمٍ وَالْمَبِيعُ صَيْدٌ وَإِنْ خَالَفَهُ وَلَدُهُ وَأَنَّ الشَّارِطَ لَوْ مَاتَ لَمْ يُبْطِلْ خِيَارَ الْأَجْنَبِيِّ تَرْجِيحُ الْأَوَّلِ وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُهُمْ إذْ لَوْ

لَانْعَزَلَ بِالْعَزْلِ وَلَجَازَ شَرْطُهُ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ مُحْرِمًا فِي مُسْلِمٍ وَصَيْدٍ لِأَنَّ الْكَافِرَ يَجُوزُ تَوْكِيلُهُ فِي شِرَاءِ الْمُسْلِمِ وَلَا يُعْزَلُ بِمَوْتِهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ ضَبْطُهُمْ الْعَيْبَ الْمُثْبِتَ لِلْخِيَارِ بِمَا يُنْقِصُ الْعَيْنَ أَوْ الْقِيمَةَ إلَخْ مَنْقُوضُ الْعَكْسِ بِمَا إذَا اشْتَرَى مَنْ وَجَدَ بِهِ بَرَصًا وَرَضِيَ بِهِ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ بَرَصًا آخَرَ لَا يُنْقِصُ الْقِيمَةَ فَإِنَّ هَذَا الْبَرَصَ الْآخَرَ عَيْبٌ يَثْبُتُ بِهِ الرَّدُّ وَلَا يُنْقِصُ عَيْنًا وَلَا قِيمَةً؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَرُدُّ ذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا عَيْبٌ لِنَقْصِهِ الْقِيمَة فِي نَفْسِهِ لَوْ انْفَرَدَ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ بِهِ نَقْصٌ بِوَاسِطَةِ انْضِمَامِهِ إلَى مِثْلِهِ الَّذِي خَرَجَ بِسَبَبِهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُنَقِّصًا فَأَشْبَهَ مَا إذَا اشْتَرَى مَرِيضًا فِي النَّزْعِ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا يُنْقِصُ الْقِيمَةَ فِي نَفْسِهِ لَكِنَّهُ لَا يُنْقِصُهَا هُنَا لِوُجُودِ هَذَا الْمَرَضِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ فِي نَفْسِهِ مُنْقِصًا مُثْبِتًا لِلرَّدِّ فَيُرَدُّ بِهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَرَحِمَهُ عَمَّنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَقَطَعَ يَدَهُ وَلَدُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ سِوَى الْوَلَدِ الْقَاطِعِ فَمَا حُكْمُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ الْخِيَارُ فَإِنْ فَسَخَ لَزِمَهُ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِلْبَائِعِ وَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ وَإِنْ أَجَازَ لَزِمَهُ كُلُّ الثَّمَنِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ حُدُوثِ الْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي فَهَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ بِهِ كَتَعْيِيبِ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ لَا لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَوْ عَيَّبَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا خِيَارَ لَهُ لِحُصُولِ النَّقْصِ بِفِعْلِهِ بَلْ يَمْتَنِعُ بِسَبَبِهِ الرَّدُّ بِسَائِرِ الْعُيُوبِ الْقَدِيمَةِ وَيُجْعَلُ قَابِضًا لِبَعْضِ الْمَبِيعِ هَذَا عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ أَنَّ إتْلَافَ الْمُشْتَرِي قَبْضٌ وَعَلَى الْوَجْهِ الْمَنْسُوبِ إلَى رِوَايَةِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ لَا يُجْعَلُ قَابِضًا لِشَيْءٍ مِنْ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ ضَمَانُ الْيَدِ بِأَرْشِهَا الْمُقَرَّرِ وَهُوَ نِصْفُ الْقِيمَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ وَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ الْخِيَارُ اهـ وَمَفْهُومُهُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إنَّمَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ الْخِيَارُ إذَا عَيَّبَ الْمَبِيعَ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ سَبَبِهِ وَهُوَ وُجُودُ الْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّ الْقَبْضَ يَحْصُلُ بِفِعْلِهِ فَلَا يَكُونُ الْعَيْبُ سَابِقًا عَلَيْهِ فَلَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ لِذَلِكَ لَا لِأَنَّ الْعَيْبَ فِعْلُ الْمُشْتَرِي قَالَ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْخِيَارَ إذَا لَمْ يَكُنْ سَبَبُهُ وُجُودَ الْعَيْبِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي إذَا تَحَقَّقَ سَبَبُهُ كَالْخِيَارِ لِلْعَيْبِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الْعَقْدِ إذَا كَانَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي بِأَنْ عَيَّبَ عَبْدًا مَثَلًا فِي يَدِ إنْسَانٍ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ بِشَرْطِهِ. وَكَالْخِيَارِ الْعَيْبُ الْوَاقِعُ فِي زَمَنِ خِيَارِ الْبَائِعِ إذَا قُلْنَا الْمِلْكُ لَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَلَوْ اشْتَرَى شَخْصٌ عَبْدًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِبَائِعِهِ ثُمَّ عَيَّبَهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ غَايَةَ تَعْيِيبِهِ إيَّاهُ أَنْ يَكُونَ قَبْضًا إذَا صَدَرَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهُوَ لَا أَثَرَ لَهُ هُنَا مَعَ مَنْعِ ثُبُوتِ الْخِيَارِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَيْبَ الْوَاقِعَ فِي زَمَنِ خِيَارِ الْبَائِعِ يُثْبِتُ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَيُثْبِتُ الْخِيَارُ هُنَا أَيْضًا لِمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ وَصْفَ كَوْنِ الْعَيْبِ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي طَرْدِيٌّ لَا أَثَرَ لَهُ وَأَنَّ مَدَارَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ وَعَدَمِهِ عَلَى وُجُودِ سَبَبِهِ وَعَدَمِهِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ التَّلَفَ يَنْفَسِخُ بِهِ الْبَيْعُ إذَا وَقَعَ فِي زَمَنِ خِيَارِ الْبَائِعِ وَلَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي أَقْوَالِ الْمِلْكِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ إتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ وَإِتْلَافِ الْمُشْتَرِي كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ وَلَا شَكَّ أَنَّ وِزَانَ التَّعْيِيبِ فِي اقْتِضَاءِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي وِزَانُ التَّلَفِ فِي اقْتِضَاءِ الِانْفِسَاخِ فَمَنْ اقْتَضَتْ مُبَاشَرَتُهُ التَّلَفَ انْفِسَاخَ الْعَقْدِ تَقْتَضِي مُبَاشَرَتُهُ التَّعَيُّبَ ثُبُوتَ الْخِيَارِ فِيهِ اهـ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ اشْتَرَى شَيْئًا فَرَأَى بِهِ عَيْبًا وَرَضِيَ بِهِ ثُمَّ قَالَ إنَّمَا رَضِيتُ لِأَنِّي ظَنَنْته الْعَيْبَ الْفُلَانِيَّ وَقَدْ بَانَ خِلَافَهُ فَهَلْ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ أَمْكَنَ الِاشْتِبَاهُ وَكَانَ مَا بَانَ دُونَ مَا ظَنَّهُ أَوْ مِثْلَهُ فَلَا رَدَّ وَإِنْ كَانَ أَعْلَى مِنْهُ فَلَهُ الرَّدُّ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ اشْتَرَى عَيْنًا بِهَا أَثَرٌ وَقَدْ رَآهُ ثُمَّ قَالَ ظَنَنْته غَيْرَ عَيْبٍ فَبَانَ عَيْبًا فَهَلْ لَهُ الرَّدُّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ يَخْفَى عَلَى مِثْلِهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَلَهُ الرَّدُّ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ اشْتَرَى بَذْرًا عَلَى أَنَّهُ يَنْبُتُ فَزَرَعَهُ فِي أَرْضٍ صَالِحَةٍ لِلْإِنْبَاتِ فَلَمْ يَنْبُتْ فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّ جَمَاعَةً اخْتَلَفَتْ فَتَاوِيهِمْ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي إلَّا مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ وَأَفْتَى آخَرُ بِأَنَّ الْبَائِعَ يَغْرَمُ لِلْمُشْتَرِي أُجْرَةَ الْبَقَرِ اللَّاتِي حَرَثَ عَلَيْهِنَّ وَجَمِيعَ الْخَسَارَةِ وَيَرُدُّ

إلَيْهِ جَمِيعَ قِيمَةِ الْبَذْرِ وَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ وَلَا قِيَاسَ يُعَضِّدُهُ بَلْ الْوَجْهُ مَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ لِلْمُشْتَرِي الْأَرْشَ وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ الثَّمَنِ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ نِسْبَةُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَالِحًا لِلْإِنْبَاتِ وَغَيْرِ صَالِحٍ هَذَا إنْ كَانَ عَدَمُ إنْبَاتِهِ لِعَيْبٍ فِيهِ فَإِنْ كَانَ لِنَحْوِ عَارِضٍ فِي الْأَرْضِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ لَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ وَلَوْ جَعَلَا الْإِنْبَاتَ شَرْطًا فِي الْعَقْدِ وَأَرَادَا الصَّلَاحِيَةَ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ أَوْ وُجُودَهُ بِالْفِعْلِ فَسَدَ الْعَقْدُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَعَلَى الْبَائِعِ حِينَئِذٍ رَدُّ الثَّمَنِ وَعَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّ الْبَذْرِ أَوْ أَقْصَى قِيمَةً. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَهَا لَا تَحِيضُ أَوْ يَطُولُ طُهْرُهَا فَهَلْ هُوَ عَيْبٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْأَوَّلُ عَيْبٌ إنْ كَانَتْ فِي سِنٍّ تَحِيضُ فِيهِ النِّسَاءُ غَالِبًا وَهُوَ عِشْرُونَ سَنَةً كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَكَذَا الثَّانِي إذَا تَطَاوَلَ طُهْرُهَا بِحَيْثُ جَاوَزَ الْعَادَةَ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى جَارِيَةً ثُمَّ رَأَى فِيهَا عَيْبًا يُمْكِنُ حُدُوثُهُ وَقِدَمُهُ فَاخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فَمَنْ الْمُصَدَّقُ مِنْهُمَا وَهَلْ يَكْفِي قَوْلُ الْبَائِعِ لَا أَعْلَمُ فِيهَا عَيْبًا وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَوْ لَا وَهَلْ يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ الْيَمِينُ أَنَّهُ وَقْتَ اطِّلَاعِهِ عَلَى الْعَيْبِ لَمْ يُقَصِّرْ فِي الرَّدِّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ هُوَ الْبَائِعُ بِيَمِينِهِ لَكِنْ لَا يَكْفِي قَوْلُهُ فِي الْجَوَابِ وَالْحَلِفِ مَا عَلِمْت بِهَذَا الْعَيْبِ عِنْدِي وَيَكْفِي فِيهِمَا لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ الرَّدُّ بِهِ أَوْ مَا أَقْبَضْتُهُ إلَّا سَلِيمًا أَوْ أَقَبَضْتُهُ وَمَا بِهِ مِنْ عَيْبٍ وَلَا يُمْكِنُ فِي الْأَخِيرَةِ مِنْ الْحَلِفِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الرَّدَّ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ فِي الْجَوَابِ لَيْسَ بِقَدِيمٍ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ فَيَقُولُ لَقَدْ بِعْته وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ وَإِذَا أَجَابَ جَوَابًا صَحِيحًا وَحَلَفَ حَلِفًا صَحِيحًا لَمْ يَثْبُتْ لِلْمُشْتَرِي عَلَيْهِ رَدٌّ فَإِنْ قُدِّرَ ثُبُوتُ رَدٍّ لَهُ فَقَالَ الْبَائِعُ لَقَدْ قَصَّرْتَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْفَوْرِ صُدِّقَ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ وَثَبَتَ لَهُ الرَّدُّ. (وَسُئِلَ) عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ هَلْ هُوَ عَلَى إطْلَاقِهِ فِي الْعُمُومِ فِي الْمِلْكِ وَغَيْرِهِ مِنْ غَصْبٍ وَسَوْمٍ الْوَدِيعَةٍ إذَا تَعَدَّى عَلَيْهَا أَمْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالْمِلْكِ فَقَطْ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمُتَضَمِّنِ لِلْعَبْدِ الَّذِي وَجَدَ بِهِ الْمُشْتَرِي عَيْبًا ثُمَّ رَدَّهُ مِنْ غَيْرِ خَرَاجٍ وَإِذَا قُلْتُمْ يَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ فَمَا وَجْهُ التَّخْصِيصِ وَالْحَدِيثُ عَامٌّ فِي الْمِلْكِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَوْ هَلَكَ هَلَكَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَدِيثُ الْخَرَاجِ بِالضَّمَانِ لَهُ قِصَّةٌ أَشَارَ إلَيْهَا السَّائِلُ وَبِهَا يَتَبَيَّنُ الْمُرَادُ مِنْهُ وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ مِنْ آخَرَ غُلَامًا فَأَقَامَ عِنْدَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَخَاصَمَهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ اسْتَعْمَلَ غُلَامِي فَقَالَ «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَمَعْنَاهُ أَنَّ فَوَائِدَ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي فِي مُقَابَلَةِ أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ كَانَ مِنْ ضَمَانِهِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ الْمَغْصُوبُ وَالْمَبِيعُ قَبْلَ قَبْضِهِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَوْ تَلِفَ تَحْتَ ذِي الْيَدِ ضَمِنَهُ وَلَيْسَ لَهُ خَرَاجُهُ وَأُجِيبُ عَنْهُمَا بِأَنَّ الضَّمَانَ هُنَا مُعْتَبَرٌ بِالْمِلْكِ لِأَنَّهُ الضَّمَانُ الْمَعْهُودُ فِي الْخَبَرِ وَوُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى ذِي الْيَدِ فِيمَا ذُكِرَ لَيْسَ لِكَوْنِهِ مِلْكَهُ بَلْ لِوَضْعِ يَدِهِ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ بِطَرِيقٍ مُضَمِّنٍ وَعَنْ الثَّانِي أَيْضًا بِقَصْرِ الْخَبَرِ عَلَى سَبَبِهِ وَهُوَ فِيمَا بَعْدَ الْقَبْضِ فَعُلِمَ الْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ السَّائِلُ وَأَنَّ كُلَّ مَا اسْتَحَقَّ خَرَاجَهُ لِكَوْنِهِ مِلْكَهُ كَانَ مِنْ ضَمَانِهِ لَوْ تَلِفَ فَيَلْزَمُ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْخَرَاجِ الضَّمَانُ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ الضَّمَانِ اسْتِحْقَاقُ الْخَرَاجِ فَمَا فِي الْحَدِيثِ مُوجِبَةٌ كُلِّيَّةٌ وَهِيَ مَا ذُكِرَ أَوَّلًا وَلَا يُرَدَّ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَالْمُوجِبَةُ الْكُلِّيَّةُ لَا يَلْزَمُ انْعِكَاسُهَا كَنَفْسِهَا فَلَا مُبَالَاةَ بِمَا يُرَدُّ عَلَى عَكْسِهَا لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ إيرَادُهُ إلَّا إنْ قُلْنَا إنَّهَا تَنْعَكِسُ كَنَفْسِهَا دَائِمًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ لِيَظْهَرَ لَك الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ فَمَا وَجْهُ التَّخْصِيصِ إلَخْ. (وَسُئِلَ) عَنْ قَوْلِ الْإِرْشَادِ ثُمَّ كُلُّ مَنْ عَتَقَ وَرَهَنَ إلَى أَنْ قَالَ وَكُلٌّ مِنْ الْبَائِعِ فَسْخٌ وَمِنْ الْمُشْتَرِي إجَازَةٌ هَلْ ذَلِكَ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَمْ لَا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ لِقَوْلِهِ فَإِنْ خُيِّرَا مَعًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هُوَ جَارٍ فِي كُلٍّ مِنْ الْخِيَارَيْنِ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ لِمَنْ نَظَرَ أَدْنَى نَظَرٍ فِي كَلَامِهِ وَكَلَامِهِمْ وَعَجِيبٌ مِنْ قَوْلِ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ لِقَوْلِهِ فَإِنْ خُيِّرَا مَعًا فَاسْتِدْلَالُهُ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فِي غَايَةِ الْغَرَابَةِ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لَهُمَا لَا يَتَوَهَّم أَحَدٌ افْتِرَاقَ الْخِيَارَيْنِ فِيهِ وَإِنَّمَا الَّذِي يُتَوَهَّمُ افْتِرَاقُهُمَا فِيهِ

باب المبيع قبل قبضه

ثُبُوتُهُ لِأَحَدِهِمَا فَهُوَ ظَاهِرٌ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَفِيهِ نَوْعُ خَفَاءٍ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَلَكِنَّهُ لِمَنْ عِنْدَهُ أَدْنَى تَأَمُّلٍ غَيْرُ خَفِيٍّ إذْ يُمْكِنُ أَنَّ أَحَدَهُمَا يُلْزَمُ الْعَقْدَ دُونَ الْآخَرِ وَهُمَا بِالْمَجْلِسِ فَهُوَ لَازِمٌ مِنْ جِهَةِ الْمُلْزَمِ جَائِزٌ مِنْ جِهَةِ غَيْرِ الْمُلْزَمِ لِبَقَاءِ خِيَارِهِ. (وَسُئِلَ) عَنْ قَوْلِ الْعُبَابِ وَلَوْ أُبْهِم الْخِيَارُ فِي أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ بَطَلَ الْبَيْعُ اهـ فَأَفْهَمَ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَهُ فِي أَحَدِهِمَا مُعَيَّنًا لَمْ يَبْطُلْ وَثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ دُونَ الْآخَرِ وَإِنْ تَفَرَّقَتْ الصَّفْقَةُ عَلَى الْبَائِعِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ بِمُوَافَقَتِهِ عَلَى الشَّرْطِ رَضِيَ بِذَلِكَ وَقَالَ الْقَمُولِيُّ وَلَوْ بَاعَ عَبْدَيْنِ مَثَلًا وَشَرَطَ الْخِيَارَ فِي أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ وَلَوْ شَرَطَهُ فِي أَحَدِهِمَا مُعَيَّنًا فَفِي صِحَّتِهِ قَوْلًا الْجَمْعُ بَيْنَ مُخْتَلَفَيْ الْحُكْمِ إلَخْ اهـ. وَالظَّاهِرُ مِنْ الصِّحَّةِ ثُبُوتُ الْخِيَارِ بِحَسَبِ الشَّرْطِ فَيَكُونُ لَهُ رَدُّ الْمَشْرُوطِ فِيهِ الْخِيَارُ فَقَطْ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِنَقْلٍ صَرِيحٍ وَقَدْ سَأَلْت بَعْضَ الْفُضَلَاءِ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَا يَجُوزُ رَدُّ أَحَدِهِمَا بَلْ يَرُدُّهُمَا جَمِيعًا وَشَرْطُ الْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ وُجُودِ عَيْبٍ فِي أَحَدِهِمَا وَهُوَ يَمْنَعُ رَدَّهُ وَحْدَهُ فَتَفَضَّلُوا بِالْحَقِّ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ عِبَارَةُ شَرْحِي عَلَى الْعُبَابِ وَخَرَجَ بِمَعْلُومٍ مَا لَوْ أُبْهِم الْخِيَارُ فِي أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ مَثَلًا أَوْ فِي حِصَّةِ أَحَدِ الْبَائِعِينَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ كَمَا أَفْهَمَهُ فِي الثَّانِيَةِ قَوْلُ الْقَمُولِيِّ لَوْ اشْتَرَى وَاحِدٌ مِنْ اثْنَيْنِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ صَحَّ الْبَيْعُ أَوْ فَاوَتَ قَدْرَهُ فِي الْعَبْدَيْنِ عَلَى الْإِبْهَامِ كَأَنْ شَرَطَ فِي أَحَدِهِمَا خِيَارَ يَوْمٍ وَفِي الْآخَرِ خِيَارَ يَوْمَيْنِ فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا لِمَا يَأْتِي. وَخَرَجَ بِذَلِكَ مَا لَوْ عَيَّنَ مَنْ خَصَّصَهُ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ أَوْ بِالزِّيَادَةِ فِيهِ عَلَى الْآخَرِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ كَمَا شَرَطَ كَالْبَيْعِ يَبْطُلُ مَعَ الْإِبْهَامِ وَيَصِحُّ مَعَ التَّعْيِينِ انْتَهَتْ وَهِيَ أَعْنِي قَوْلَهَا وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ كَمَا شَرَطَ صَرِيحَة فِيمَا ذَكَرْتُمُوهُ وَهُوَ وَاضِحٌ وَإِنْ لَزِمَ عَلَيْهِ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ وَفِي الْأُمُورِ التَّابِعَةِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ وَفِي الْأُمُورِ الْمَقْصُودَةِ. وَأَمَّا التَّنْزِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فَهُوَ تَمَحُّلٌ لَا وَجْهَ لَهُ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَمِثْلُهُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا إنْ أَطْبَقَ الْأَصْحَابُ أَوْ جُلُّهُمْ عَلَى حُكْمٍ يُضْطَرُّ فِي تَوْجِيهِهِ إلَى ذَلِكَ التَّنْزِيلِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ لَزِمَ عَلَيْهِ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ فِي أَحَدِهِمَا لَغْوٌ لَا فَائِدَةَ لَهُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ كَلَامِهِمْ فَالْوَجْهُ بَلْ الصَّوَابُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ كَمَا شَرَطَ وَمِنْ ثَمَّ جَزَمْت بِهِ نَقْلًا وَبَحْثًا. [بَابُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ] (وَسُئِلَ) هَلْ يُشْتَرَطُ تَلَفُّظُ الْبَائِعِ بِالتَّخْلِيَةِ فِي - الْمَبِيعِ - الْعَقَارِ لِقَبْضِهِ أَوْ يَكْفِي السُّكُوتُ مَعَ التَّمْكِينِ وَالْفَرَاغِ مِنْ أَمْتِعَةِ الْبَائِعِ؟ (فَأَجَابَ) لَا بُدَّ مَعَ التَّخْلِيَةِ فِي نَحْوِ الْعَقَارِ مِنْ لَفْظٍ مِنْ الْبَائِعِ يَدُلُّ عَلَيْهَا مَعَ تَسْلِيمِ مِفْتَاحِ نَحْوِ الدَّارِ وَتَفْرِيغِهَا مِنْ مَتَاعِ غَيْرِ نَحْوِ الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ الْبَائِع وَالْأَجْنَبِيّ وَاقْتِصَارُ السَّائِلِ عَلَى أَمْتِعَةِ الْبَائِعِ تَبِعَ فِيهِ بَعْضُهُمْ وَقَدْ اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ غَالِطٌ وَأَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَمْتِعَةِ الْبَائِعِ وَالْأَجْنَبِيِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) شَخْصَانِ تَعَاقَدَا رَهْنًا أَوْ مَبِيعًا وَتَسَلَّمَ الْمُرْتَهِنُ أَوْ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ أَوْ الْمُرْتَهَنَةِ هَلْ يَكْفِي قَبْضُ الْبَعْضِ فِي الْكُلِّ وَيَجْرِي عَلَيْهَا أَحْكَامُ الْكُلِّ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ الْكُلِّ فِي الصُّورَتَيْنِ أَمْ فِي أَحَدِهِمَا وَإِذَا قُلْتُمْ بِقَبْضِ الْكُلِّ فَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِهِ كُلِّهِ حَقِيقَةً فِي الْمَنْقُولِ وَهَلْ يَكْفِي وَضْعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ شَرْعِيٍّ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ قَبْضِهِ بِيَدِهِ وَإِذَا قُلْتُمْ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ بِالتَّخْلِيَةِ فَلَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ الْمَبِيعَةُ أَوْ الْمُرْتَهَنَةُ مَشْغُولَةً بِالْأَمْتِعَةِ وَأَخْرَجَهَا مَا عَدَا شَيْئًا يَسِيرًا كَرَحَاةٍ أَوْ زِيرٍ أَوْ حَصِيرٍ مَثَلًا لَمْ يُخْرِجْهَا وَاسْتَمَرَّتْ بِهَا بُرْهَةً مِنْ الزَّمَانِ هَلْ يُخَيِّرُ الْمُشْتَرِي أَوْ الْمُرْتَهِنُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَغَيْرِهِ أَمْ يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَالرَّهْنُ مِنْ أَصْلِهِمَا وَهَلْ يَكُونُ الْفَسْخُ عَلَى الْفَوْرِ إذَا عَلِمَا بِالْأَمْتِعَةِ الْبَاقِيَةِ وَهَلْ لِذَلِكَ مُدَّة مَعْلُومَة بَعْدَ الْبَيْعِ أَوْ الرَّهْنِ أَوْ يَكُونُ عَقِبَ الْعَقْدِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ لِذَلِكَ. (فَأَجَابَ) لَا يُكْتَفَى بِقَبْضِ الْبَعْضِ عَنْ الْكُلِّ فِي نَحْوِ بَيْعٍ أَوْ رَهْنٍ بَلْ تَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ وَيَكْفِي فِي إقْبَاضِ الْمَنْقُولِ وَقَبْضِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ بِحَيْثُ لَوْ مَدَّ يَدَهُ إلَيْهِ لَنَالَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ وَإِنْ نَهَاهُ أَوْ قَالَ لَا أُرِيدُهُ وَاسْتَثْنَى السُّبْكِيّ مِنْ اشْتِرَاطِ التَّخْلِيَةِ الْحَقِيرَ مِنْ الْأَمْتِعَةِ كَالْحَصِيرِ وَبَعْضِ

الْمَاعُونِ فَلَا يُقْدَحُ فِي التَّخْلِيَةِ وَإِطْلَاقُهُمْ يُنَافِيه فَعَلَيْهِ يَصِحُّ الْقَبْضُ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ مَحَلِّ تِلْكَ الْبُقْعَةِ وَلَا خِيَارَ هُنَا حَتَّى يُسْأَلَ هَلْ فَوْرِيٌّ أَمْ لَا لِأَنَّ الصُّورَةَ أَنَّ الْمَبِيعَ بَاقٍ لَمْ يَتْلَفْ مِنْهُ شَيْءٌ فَإِنْ تَلِفَ مِنْهُ شَيْءٌ انْفَسَخَ فِيمَا لَمْ يَقْبِضْ وَخُيِّرَ الْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ عَلَى الْفَوْرِ وَالْوَاجِبُ فِي التَّخْلِيَةِ التَّفْرِيغُ بِلَا إعْجَالٍ فَوْقَ الْعَادَةِ وَلَوْ كَانَ غَيْر الْمَنْقُولِ أَوْ الْمَنْقُولُ الَّذِي بِيَدِ الْمُشْتَرِي غَائِبًا أَمَانَةً كَانَ أَوْ مَضْمُونًا كَفَى فِيهِ التَّخْلِيَةُ مَعَ مُضِيِّ زَمَانٍ يُمْكِنُ فِيهِ الْوُصُولُ أَيْ: عَادَة كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِلْمَبِيعِ وَالتَّخْلِيَة فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ وَالنَّقْلِ فِي الْمَنْقُولِ وَحُكْمُ الْمَرْهُونِ حُكْمُ الْمَبِيعِ فِيمَا ذُكِرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ أَتَى الْغَرِيمُ إلَى غَرِيمِهِ بِمَالِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِأَمْرٍ مِنْ وَلِيِّ الْأَمْرِ لِيَأْخُذَهُ بَعْدَ وَضْعِهِ وَلَمْ يَجْرِ مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ قَبْضٌ يَحْصُلُ بِهِ الضَّمَانُ لَوْ اُسْتُحِقَّ فَهَلْ يُعَدُّ قَبْضًا أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) الْمُعْتَمَدُ فِي هَذَا مِنْ خِلَافٍ وَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ وَتَنَاقَضَ فِيهِ كَلَامُ الْإِسْنَوِيِّ وَصَاحِبِ الْأَنْوَارِ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ أَنَّ الْمَدِينَ لَوْ وَضَعَ الدَّيْنَ بَيْنَ يَدَيْ مُسْتَحِقِّهِ بِحَيْثُ لَوْ مَدَّ يَدَهُ إلَيْهِ لَنَالَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِهِ اكْتَفَى بِهِ فِيهِ كَالْمَبِيعِ فِي الذِّمَّةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا تَسْلِيمٌ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَاكْتَفَى بِذَلِكَ فِيهِ كَمَا يُكْتَفَى بِهِ مِنْ الْغَاصِبِ وَبِهِ فَارَقَ ذَلِكَ الْإِيدَاعَ حَيْثُ لَا يَحْصُلُ بِمِثْلِهِ وَفَارَقَ ذَلِكَ أَيْضًا عَدَمَ الضَّمَانِ لَوْ خَرَجَ مُسْتَحَقًّا بِأَنَّ ضَمَانَ الِاسْتِحْقَاقِ ضَمَانُ عُدْوَانٍ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ حَقِيقَةِ الْيَدِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَجْرِي فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِي الْمَبِيعِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مَسَافَةُ التَّخَاطُبِ فَأَتَى بِهِ الْبَائِعُ إلَى أَقَلَّ مِنْ نِصْفهَا لَمْ يَكُنْ قَبْضًا أَوْ إلَى نِصْفِهَا فَوَجْهَانِ أَوْ إلَى أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِهَا كَانَ قَبْضًا. وَلَوْ وَضَعَهُ عَلَى يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ وَالْمُشْتَرِي تِلْقَاءَ وَجْهِهِ لَمْ يَكُنْ قَبْضًا وَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مُسْتَثْنَى مِمَّا مَرَّ مِنْ اشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ تَنَالُهُ يَدُهُ فَهَذَا كُلُّهُ يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ كَمَا قَدَّمْتُهُ مِنْ الْجَامِعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَبِيعِ وَلَا فَرْقَ فِي جَمِيعِ مَا تَقَرَّرَ بَيْنَ أَنْ يَأْمُرَهُ حَاكِمٌ بِوَضْعِهِ لِذَلِكَ وَأَنْ يَضَعَهُ كَذَلِكَ بِلَا إذْنٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ نُفُوذُ عِتْقِ الْمُشْتَرِي لِلْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِنْ كَانَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْحَبْسِ وَالْمُشْتَرِي مُعْسِرٌ يَشْكُلُ عَلَيْهِ عَدَمُ نُفُوذِ إعْتَاقِ الْمَرْهُونِ إذَا كَانَ الرَّاهِنُ مُعْسِرًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْفَرْقُ أَنَّ الرَّاهِنَ حَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ إذَا كَانَ مُعْسِرًا لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ عَبْدَ التَّرِكَةِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ حَجْرٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلَمَّا كَانَ هَذَا الِاعْتِرَاضُ قَوِيًّا جِدًّا اخْتَارَ الْبُلْقِينِيُّ التَّفْصِيلَ هُنَا بَيْنَ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ قِيَاسًا عَلَى التَّفْصِيلِ ثُمَّ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ أَسْلَمَ فِي دِينَارٍ بِثَوْبٍ فَهَلْ يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْ الدِّينَارِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ ثَمَنٌ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ الثَّمَنَ فِي الْعَقْدِ إذَا جَمَعَ عَرَضًا وَنَقْدًا هُوَ النَّقْدُ أَوْ لَا يَجُوزُ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ دَيْنُ سَلَمٍ فَمَا الْمُعْتَمَدُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ الثَّانِي. (وَسُئِلَ) عَنْ قَوْلِ الْإِرْشَادِ وَبِوَضْعِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ لَا لِضَمَانٍ إنْ اسْتَحَقَّ قَالَ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَضْعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِأَمْرِهِ فَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ ضَمِنَهُ وَهَذَا يُخَالِفُ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ فَلْيُحَرَّرْ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إطْلَاقُ الْإِرْشَادِ وَغَيْره مَحْمُولٌ عَلَى التَّقْيِيدِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ شَيْخُنَا وَغَيْرُهُ وَمِنْ ثَمَّ جَزَمْت بِهِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ ضَمَانَ الِاسْتِحْقَاقِ ضَمَانُ عُدْوَانٍ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ حَقِيقَةِ الْيَدِ وَلَا شَكَّ أَنَّ أَمْرَهُ بِوَضْعِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ بِمَنْزِلَةِ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (بَابُ الْأَلْفَاظِ الْمُطْلَقَةِ) (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي شَجَرَةٍ مُسْتَحَقَّةِ الْإِبْقَاءِ فِي مِلْكٍ لِآخَرَ هَلْ لِلْآخَرِ جَمْعُ تُرَابٍ تَحْتَ هَذِهِ وَإِنْ أَضَرَّ بِمَالِكِ الشَّجَرَةِ بِحَيْثُ إنَّ مَنْ عَلَا التُّرَابَ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ يَنَالُ ثَمَرَهَا وَوَرَقَهَا أَوْ لِمَالِكِ الشَّجَرَةِ مَنْعُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّ لِمَالِك الشَّجَرَةِ مَنْعَ صَاحِبِ الْأَرْضِ مِنْ جَمْعِ التُّرَابِ حَوْلَهَا إنْ أَضَرَّ بِهَا بِأَنْ حَصَلَ لَهَا مِنْهُ عَدَمُ نُمُوٍّ أَوْ نَحْوُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَضَرَّ بِمَالِكِهَا بِأَنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ كَالْجَارِ وَقَدْ قَالُوا إنَّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ بِمَا يَضُرُّ الْمَالِكَ لَا الْمِلْكَ

فَكَذَلِكَ مَالِكُ الْأَرْضِ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِهَا بِمَا يَضُرُّ مَالِكِ الشَّجَرَةِ لَا بِمَا يَضُرُّ نَفْسَ الشَّجَرَةِ عَلَى أَنَّهُ يَسْهُلُ عَلَى مَالِكِهَا مَنْعُ مَنْ يَرْقَى عَلَى ذَلِكَ التُّرَابِ لِأَخْذِ ثَمَرِهَا أَوْ وَرَقِهَا فَلَيْسَ فِي جَمْعِ التُّرَابِ حِينَئِذٍ إضْرَارٌ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ بَاعَ نَخْلَةً بِهَا أَوْلَادٌ فَهَلْ يَدْخُلُ أَوْلَادُهَا فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْأَوْلَادُ صِغَارًا أَمْ كِبَارًا فَقَدْ تَكُونُ قِيمَةُ الْأَوْلَادِ أَوْ الْوَلَدِ أَكْثَر مِنْ الْأُمِّ أَوْ لَا تَدْخُلُ الْأَوْلَادُ إلَّا بِالشَّرْطِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَفْتَى بِهِ جَمَاعَةٌ أَنَّ الْأَوْلَادَ الْمَذْكُورَةَ تَدْخُل إنْ كَانَتْ رَطْبَةً سَوَاءٌ أَكَانَتْ صَغِيرَةً أَمْ كَبِيرَةً لِأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ الْأُمِّ فَأَشْبَهَتْ أَغْصَانَهَا وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي أَوْلَادٍ مُتَّصِلَةٍ بِأَصْلِ الْأُمِّ مُلْتَصِقَة بِهِ أَمَّا مَا تَمَيَّزَ عَنْ الْأُمِّ بِمَنْبَتٍ مُسْتَقِلٍّ فَلَا يُعَدُّ مِنْ الْأَوْلَادِ بَلْ هُوَ شَجَرَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فَلَا تَدْخُلُ فِي بَيْعِ شَجَرَةٍ أُخْرَى أَصْغَرَ مِنْهُ أَوْ أَكْبَرَ. وَإِنْ اتَّحَدَ مَعَهَا فِي الْعُرُوقِ الَّتِي بِبَاطِنِ الْأَرْضِ وَيَدُلُّ عَلَى دُخُولِهَا أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَنَّ وَقْفَ الشَّجَرَةِ الْمَذْكُورَةِ يَتَنَاوَلُ أَوْلَادَهَا وَأَفْتَى جَمْعٌ مُحَقِّقُونَ بِأَنَّ مَا حَدَثَ بَعْدَ الْوَقْفِ مِنْ الْأَوْلَادِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْأُمِّ فَيَكُونُ وَقْفًا وَقَالَ جَمْعٌ بَلْ يَكُونُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ كَالثَّمَرِ وَكُلٌّ مِنْ الْمَقَالَتَيْنِ يَدُلُّ عَلَى مَا ذُكِرَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ وَغَيْرِهِ وَالْمَوْجُودُ لِلْأَصْحَابِ فِيمَا حَدَثَ مِنْ أَوْلَادِ الشَّجَرَةِ الْمَبِيعَةِ أَوْ انْتَشَرَ مِنْ أَغْصَانِهَا حَوْلَهَا فِي أَرْضِ الْبَائِعِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا اسْتِحْقَاقُ إبْقَائِهَا كَالْأَصْلِ وَقَاسُوا ذَلِكَ عَلَى ثَخَانَةِ الْأَصْلِ وَالْعُرُوقِ الْمُتَجَدِّدَةِ وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي أَنَّ الْعُرُوقَ الزَّائِدَةَ فِي الْأَرْضِ مُتَّفَقٌ عَلَى إبْقَائِهَا كَيْفَ كَانَتْ فَعُلِمَ أَنَّ الْمَنْقُولَ تَبْقِيَةُ الْحَادِثِ مِنْ أَوْلَادِ الشَّجَرَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا وُضِعَ بِحَقٍّ وَأَغْصَانُهَا الْمُنْتَشِرَةُ وَعُرُوقُهَا كَذَلِكَ تَبَعًا لِأَصْلِهَا سَوَاءٌ الْحَادِثَة وَالْقَدِيمَة، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي أَرْضٍ فِيهَا شَجَرٌ وَلِشَخْصٍ خُمْسُ تِلْكَ الْأَرْضِ وَثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ ذَلِكَ الشَّجَرِ مَثَلًا وَالْبَاقِي لِغَيْرِهِ فَبَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ الْأَرْضِ الَّذِي هُوَ الْخُمْسُ بَيْعًا مُطْلَقًا فَهَلْ يَدْخُلُ خُمْسُ الشَّجَرِ فَقَطْ أَوْ يَدْخُلُ جَمِيعُ مَا يَمْلِكُهُ فِي ذَلِكَ الشَّجَرِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْأَرْضِ بِطَرِيقِ الْقَصْدِ وَفِي الشَّجَرِ بِطَرِيقِ التَّبَعِ وَأَنَّهُ لَيْسَ مَلْحَظُ التَّبَعِيَّةِ اجْتِمَاعَ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ كَوْنِ الشَّجَرِ تَابِعًا لِتِلْكَ الْأَرْضِ لِكَوْنِهَا أَصْلِيَّةً وَإِنَّمَا مَلْحَظُهَا اجْتِمَاعُهُمَا فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ مَعَ الِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ بَانَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ خُمْسِ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ إلَّا خُمْسُ الشَّجَرِ فَقَطْ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَالِكًا لِخُمْسِ الْأَرْضِ مُشَاعًا وَلِثَلَاثَةِ أَخْمَاسِ الشَّجَرِ مُشَاعًا كَانَ لَهُ فِي مَغْرِسِ كُلِّ شَجَرَةٍ خُمْسٌ وَفِي كُلِّ شَجَرَةٍ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ. فَالْبَيْعُ فِي الْمَغْرِسِ إنَّمَا انْصَبَّ عَلَى خُمْسٍ فَيَسْتَتْبِعُ ذَلِكَ الْخُمْسُ خُمْسًا مِنْ الشَّجَرِ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ أَخْمَاسٍ الَّتِي لَهُ فِي الشَّجَرِ خُمْسٌ مِنْهَا فِي مِلْكِهِ وَخُمْسَانِ فِي مِلْكِ شَرِيكِهِ وَكَذَلِكَ مَنْ بَاعَ حِصَّتَهُ مِنْ أَرْضٍ وَفِي تِلْكَ الْأَرْضِ جَمِيعِهَا شَجَرٌ لَهُ لَا يَتَنَاوَلُ بَيْع حِصَّتِهِ إلَّا مَا يَخُصُّهَا مِنْ شَجَرٍ دُونَ مَا يَخُصُّ حِصَّةَ شَرِيكِهِ مِنْ الشَّجَرِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِأَرْضِ شَرِيكِهِ لَا لِأَرْضِ نَفْسِهِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَيْعُ أَرْضِ نَفَسِهِ مُتَنَاوِلًا لِمَا لَيْسَ فِيهَا وَإِنْ كَانَ مِلْكَهُ لِانْتِفَاءِ مَلْحَظِ التَّبَعِيَّةِ الَّذِي قَرَّرْته أَوَّلًا وَهُوَ كَوْنُ الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ أَصْلًا لِذَلِكَ الشَّجَرِ وَكَذَلِكَ مَا نَحْنُ فِيهِ لِمَا عَرَفْت مِنْ أَنَّ كُلَّ شَجَرَةٍ لَيْسَ لِلْبَائِعِ فِي مَغْرِسِهَا إلَّا الْخُمْس فَتَكُونُ الْأَخْمَاسُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي فِي الشَّجَرِ مِنْهَا خُمْسٌ شَائِعٌ فِي خُمْسِهِ الشَّائِعِ. وَالْخُمُسَانِ الْبَاقِيَانِ لَهُ إنَّمَا هُمَا فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ مِنْ الْمَغْرِسِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَنَاوَلَهُمَا بَيْعُ خُمْسِهِ مِنْ الْمَغْرَسِ لِانْقِطَاعِ مَلْحَظِ التَّبَعِيَّةِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ خُمْسِ الْمَغْرِسِ الْمَبِيعِ إذْ مَلْحَظُهُمَا إنَّمَا هُوَ كَوْنُ الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ أَصْلَ الشَّجَرِ التَّابِعَ لَهَا لِكَوْنِهِ نَابِتًا فِيهَا وَالنَّابِتُ هُنَا فِي خُمْسِ الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ إنَّمَا هُوَ خُمْسُ الشَّجَرِ دُونَ خُمْسَيْهِ كَمَا تَقَرَّرَ فَاتَّضَحَ مَا ذَكَرَتْهُ مِنْ أَنَّ بَيْعَ خُمْسِهِ مِنْ الْأَرْضِ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا خُمْسَ الشَّجَرِ فَقَطْ وَأَنَّ الْخُمْسَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ لَهُ مِنْ الشَّجَرِ يَسْتَمِرَّانِ عَلَى مِلْكِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي مَغْرِسِهِمَا فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ هَذَا

مَا ظَهَرَ الْآنَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَعَلَّنَا نَظْفَرُ لَهُ بِصَرِيحٍ فِي كَلَامِهِمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. (وَسُئِلَ) لَوْ وَجَدْنَا نَخْلَةً لِرَجُلٍ وَأَوْلَادَهَا لِآخَرَ فَتَنَازَعَا فِي مَغْرِسِهَا فَهَلْ يَخْتَصُّ بِهَا مَالِكُ الْأَمِّ أَمْ الْيَدُ فِيهِ لَهُمَا فَلَوْ كَانَتْ النَّخْلَةُ فِي أَرْضٍ تُزْرَعُ فَادَّعَى الزَّارِعُ الْمِلْكَ فِيمَا يَزْرَعُهُ مَا عَدَا مَحَلَّ الْغَرْسِ وَعَاكَسَهُ صَاحِبُ النَّخْلَةِ فَهَلْ الْيَدُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَوْ لِصَاحِبِ النَّخْلَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْيَدَ فِي الْمَغْرِسِ إنَّمَا هِيَ لِمَالِكِ الْأُمِّ لِمَا مَرَّ فِي الْجَوَابِ الثَّانِي عَشَرَ مِنْ أَنَّ الْأُمَّ هِيَ الْأَصْلُ وَأَنَّ الْأَوْلَادَ كَأَغْصَانِهَا فَهِيَ تَابِعَةٌ لَهَا وَالتَّابِعُ لَا يُفْرَدُ بِحُكْمٍ عَنْ مَتْبُوعِهِ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي اقْتَضَتْ تَبَعِيَّتَهُ لَهُ وَأَيْضًا فَيَدُ مَالِكِ الْأُمِّ عَلَى مَغْرِسِهَا مُتَيَقَّنَةٌ وَمَالِكُ الْأَوْلَادِ يُحْتَمَلُ أَنَّ لَهُ يَدًا وَأَنْ لَا يَدَ لَهُ فَعَلِمْنَا بِالْمُتَيَقَّنِ وَأَلْغَيْنَا الْمَشْكُوكَ فِيهِ. وَأَيْضًا فَمِلْكُ الْأَوْلَادِ لَا يَقْتَضِي مِلْكَ الْمَغْرِسِ لِأَنَّهَا لَا مَغْرِسَ لَهَا حَتَّى يَدْخُلَ فِي بَيْعِهَا مَثَلًا تَبَعًا وَبِهَذَا يَتَّضِحُ انْدِفَاعُ مَا يُتَخَيَّلُ مِنْ أَنَّ الْمِلْكَ لَهُمَا كَسَائِقٍ وَقَائِدٍ لِدَابَّةٍ وَوَجْهُ انْدِفَاعِهِ وُضُوحُ الْفَرْقِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ فَإِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْيَدُ مُتَعَدِّدٌ وَلِأَحَدِهِمَا مُرَجِّحٌ وَهُوَ مَالِكُ الْأُمِّ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ تَيَقُّنِ مِلْكِهِ لِلْمَغْرِسِ وَمِنْ أَنَّ مِلْكَ الْأُمِّ يَسْتَلْزِمُ اسْتِحْقَاقَهُ وَمِلْكَ الْأَوْلَادِ لَا يَسْتَلْزِمُهُ وَلَا يَقْتَضِيه لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَمِلْكُ بَعْضِ أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ لَا يَثْبُتُ اسْتِحْقَاقًا فِي مَغْرِسِهَا بِوَجْهٍ فَكَذَلِكَ مِلْكُ مَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ أَغْصَانِهَا وَهُوَ أَوْلَادُهَا لَا يُثْبِتُ اسْتِحْقَاقًا فِي مَغْرِسِهَا فَكَانَتْ الْيَدُ عَلَيْهِ لِمَالِك الْأُمِّ فَقَطْ كَمَا بَانَ لَك اتِّضَاحُهُ مِمَّا قَرَّرْته هَذَا فِي أَوْلَادٍ مُتَّصِلَةٍ بِأَصْلِ الْأُمِّ ظَاهِرًا أَمَّا الْمُتَمَيِّزَةُ بِمَغْرِسٍ ظَاهِرٍ. فَإِنَّ يَدَ مَالِكِهَا عَلَى مَغْرِسِهَا لِاسْتِقْلَالِهِ حِينَئِذٍ وَإِنْ اتَّحَدَتْ مَعَ غَيْرِهَا فِي الْعُرُوقِ الَّتِي بِبَاطِنِ الْأَرْضِ كَمَا مَرَّ وَإِذَا اخْتَلَفَ مَالِكُ الْأُمِّ وَالْأَوْلَادِ الَّتِي تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَوُجِدَتْ أَوْلَادٌ أُخَرُ فَإِنْ الْتَصَقَتْ ظَاهِرًا بِالْأُمِّ فَلِمَالِكِهَا أَوْ بِهِمَا فَلَهُمَا وَالِالْتِصَاقُ فِي بَاطِنِ الْأَرْضِ مَعَ التَّمَيُّزِ بِمَغْرِسٍ لَا يُعْتَبَرُ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ وَسَبَبُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالدُّخُولِ فِي بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ إنَّمَا هُوَ بَابُ الْعُرْفِ الْمُطَّرِدِ غَالِبًا وَلَا شَكَّ أَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يُعِدُّونَ الْمُسْتَقِلَّ بِمَغْرِسٍ تَابِعًا لِغَيْرِهِ وَإِنْ اتَّصَلَتْ عُرُوقُهُ بِعُرُوقِهِ فِي بَاطِنِ الْأَرْضِ بَلْ كَثِيرٌ مِنْ الْأَشْجَارِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا تَمَايُزٌ ظَاهِرٌ وَمَسَافَةٌ طَوِيلَةٌ فِي ظَاهِرِ الْأَرْضِ مَعَ الِاتِّحَادِ فِي الْعُرُوقِ فِي بَاطِنِهَا فَلَوْ اعْتَبِرْنَا ذَلِكَ لَخَرَجْنَا عَنْ قَاعِدَتِهِمْ وَقَوْلُ السَّائِلِ فَلَوْ كَانَتْ النَّخْلَةُ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّ الْيَدَ عَلَى الْمَغْرِسِ لِصَاحِبِ النَّخْلَةِ. وَعَلَى مَا عَدَاهُ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ لِصَاحِبِ الزَّرْعِ كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُمْ وَالْحَمْلُ فِي الْحَيَوَانِ وَالْمَتَاعِ فِي الدَّارِ وَنَحْو الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ كُلٌّ مِنْهَا يُثْبِتُ الْيَدَ لِمَالِكِهِ نَظَرًا لِلْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الظَّرْفَ تَابِعٌ لِلْمَظْرُوفِ وَمَحَلّه إنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا يَدٌ عَلَى الْمُتَنَازَعِ فِيهِ حَتَّى لَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ آخِرَ الصُّلْحِ لَا يَكْفِي تَرَجُّحٌ بِكَوْنِ أَمْتِعَةِ أَحَدِهِمَا فِي الدَّارِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ كَانَتْ أَرْضُ الْجَمَاعَةِ عَلَى الْإِشَاعَةِ وَلِأَجْنَبِيٍّ فِيهَا شَجَرٌ فَأَرَادَ أَنْ يَحْفِرَ تَحْتَ شَجَرِهِ إجَّانَةً لِحِفْظِ الْمَاءِ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى أُصُولِهِ شَيْئًا مِنْ التُّرَابِ لِاسْتِمْسَاكِ الشَّجَرِ أَوْ لِأَجْلِ نَمَاءِ الثَّمَرِ أَوْ أَرَادَ وَضْعَ زِبْلٍ لِذَلِكَ هَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا وَلَوْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ فِيهَا شَجَرٌ فَأَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَجْعَلَ تَحْتَ شَجَرِهِ مَا ذُكِرَ فَهَلْ يُجَابُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ الَّذِي لَهُ الشَّجَرُ فِي الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَعِيرًا أَوْ مُسْتَأْجِرًا وَحُكْمُهُمَا وَاضِحٌ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْإِعَارَةُ أَوْ الْإِجَارَةُ لِلْمَغْرِسِ وَمَا حَوْلَهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَا حَوْلَهُ انْتِفَاعًا يَعُودُ عَلَى شَجَرِهِ بِنَفْعٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْصُلَ بِهِ ضَرَرٌ فِي الْأَرْضِ نَعَمْ إنْ نَصَّ عَلَى نَوْعٍ فِي عَقْدِ الْعَارِيَّةِ أَوْ الْإِجَارَةِ جَازَ لَهُ فِعْلُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ وَإِنْ كَانَتْ لِلْمَغْرِسِ وَحْدَهُ أَوْ كَانَ اسْتِحْقَاقُهُ لِبَقَاءِ الشَّجَرِ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ مِنْ جِهَةِ بَيْعٍ وَنَحْوِهِ كَوَصِيَّةٍ وَوَقْفٍ وَنَذْرٍ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيمَا حَوْلَ الْمَغْرِسِ بِشَيْءٍ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَضَرَّ الْأَرْضَ أَمْ لَا لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ فِي الْإِجَارَةِ إلَّا مَنْفَعَةَ الْمَغْرِسِ فَقَطْ وَفِي الْعَارِيَّةِ وَنَحْوِ الْبَيْعِ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا الِانْتِفَاعَ بِهِ بِبَقَاءِ الشَّجَرِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أُجْرَةٍ عَلَيْهِ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ الْإِبْقَاءِ فَلَا حَقَّ لَهُ حَوْلَ الْمَغْرِسِ بِوَجْهٍ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ لَمْ يَجُزْ لَهُ الِانْتِفَاعُ

بِهِ نَعَمْ إنْ صَبَّ الْمَاءَ فِي أَصْلِ شَجَرِهِ جَازَ لَهُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَسْتَعْمِلْ الْمَغْرِسَ الَّذِي يَسْتَحِقُّ الِانْتِفَاعَ بِهِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي الْمُسْتَعِيرِ بَعْدَ رُجُوعِ الْمَعِيرِ، لَهُ دُخُولُ أَرْضِ الْمُعِيرِ لِسَقْيِ غِرَاسِهِ وَإِصْلَاحِ بِنَائِهِ وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ لِلْمُسْتَعِيرِ بَعْدَ الرُّجُوعِ فِي الْعَارِيَّةِ فَلَأَنْ يَجُوزَ نَظِيرُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا أَوْلَى فَإِنْ اضْطَرَّ إلَى حِفْظِ الْإِجَّانَةِ بِأَنْ تَوَقَّفَتْ حَيَاةُ الشَّجَرِ عَلَى ذَلِكَ إلَى وَضْعِ تُرَابٍ تَوَقَّفَ عَلَيْهِ اسْتِمْسَاكُهَا احْتَمَلَ أَنْ يُقَالَ يَلْزَمُهُ التَّمْكِينُ مِنْ ذَلِكَ لَا مَجَّانًا بَلْ بِأُجْرَةٍ وَلَعَلَّ هَذَا أَقْرَبُ نَظِيرَ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الْمُعِيرَ لَوْ رَجَعَ قَبْلَ إدْرَاكِ الزَّرْعِ لَزِمَهُ أَنْ يُبْقِيَهُ بِأُجْرَةٍ إلَى الْحَصَادِ وَمِنْ أَنَّهُ لَوْ رَجَعَ جَازَ لِلْمُسْتَعِيرِ دُخُولُ أَرْضِهِ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِسَقْيِ غِرَاسِهِ وَإِصْلَاحِ بِنَائِهِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مُدَّةِ الدُّخُولِ إنْ تَعَطَّلَتْ مَنْفَعَةُ أَرْضِ الْمُعِيرِ عَلَيْهِ بِدُخُولِ الْمُسْتَعِيرِ فَلَا يُمَكَّنُ حِينَئِذٍ مِنْ الدُّخُولِ بِالْأُجْرَةِ. وَمَحَلُّ التَّرَدُّدِ الْمَذْكُورِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ يَعُودُ عَلَى مَالِكِ الْأَرْضِ بِتَمْكِينِ صَاحِبِ الشَّجَرِ مِنْ وَضْعِ مَا ذُكِرَ فِيهَا غَيْرَ فَوْتِ مَنْفَعَتِهَا أَمَّا إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ يَعُودُ عَلَيْهِ مِنْ إتْلَافِ شَجَرَةٍ أَوْ نَحْوِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُمَكَّنَ صَاحِبُ الشَّجَرِ مِنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ مَنْ بَاعَ شَجَرَهُ وَبَقِيَتْ لَهُ الثَّمَرَةُ لَمْ يُكَلَّفْ قَطْعَهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ قَبْلَ وَقْتِ الْعَادَةِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ السَّقْيُ وَعَظُمَ الضَّرَرُ بِبَقَائِهَا فَيُكَلَّفُ قَطْعَهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمُشْتَرِي وَقَوْلُهُمْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا السَّقْيُ لِحَاجَةِ الثِّمَارِ عَلَى الْبَائِعِ وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْقَطْعِ إنْ تَضَرَّرَ الشَّجَرُ بِبَقَاءِ الثِّمَارِ اهـ وَوَجْهُ الْمُشَابَهَةِ بَيْنَ هَذِهِ وَمَسْأَلَتِنَا أَنَّ إبْقَاءَ الشَّجَرَةِ ثَمَّ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ كَإِبْقَاءِ الثَّمَرَةِ هُنَا عَلَى شَجَرِ الْغَيْرِ فَكَمَا رَاعَوْا هُنَا مَصْلَحَةَ مَالِكِ الْأَرْضِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي وَرَأَوْا أَنَّ حُصُولَ الضَّرَرِ بِهِ يُوجِبُ قَطْعَ ثَمَرَةِ الْبَائِعِ فَقِيَاسُهُ النَّظَرُ هُنَا لِمُصْلِحَةِ مُلَّاكِ الْأَرْضِ فَيَكُونُ لُحُوقُ الضَّرَرِ بِهِمْ مُجَوِّزًا لَهُمْ مَنْعَ صَاحِبِ الشَّجَرِ مِنْ وَضْعِ شَيْءٍ فِي أَرْضِهِمْ يَضُرُّهُمْ. وَإِنْ عَادَتْ مَنْفَعَتُهُ عَلَى الشَّجَرِ فَإِنْ قُلْت: قِيَاسُ مَا قَالُوهُ ثُمَّ مِمَّا ذَكَرْته أَنَّهُمْ لَا يُجْبَرُونَ هُنَا عَلَى تَمْكِينِهِ مِنْ السَّقْيِ بِأُجْرَةٍ الَّذِي رَجَّحْته قُلْت: لَيْسَ قِيَاسُهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْغَرَضَ كَمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ يَعُودُ عَلَيْهِمْ بِتَمْكِينِهِ مِنْ ذَلِكَ فَلَزِمَهُمْ كَمَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ فِي تِلْكَ تَمْكِينُ الْبَائِعِ مِنْ السَّقْيِ وَدُخُولِ مِلْكِهِ لَهُ إنْ كَانَ أَمِينًا مُرَاعَاةً لِمَصْلَحَةِ مِلْكِهِ وَهُوَ الثَّمَرَةُ فَإِنْ قُلْت: قِيَاسُ هَذَا أَنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ وَضْعِ مَا ذُكِرَ بِلَا أُجْرَةٍ لِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ فِي الْبَائِعِ أَنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ الدُّخُولِ لِلسَّقْيِ بِلَا أُجْرَةٍ قُلْت: يُفَرَّقُ بِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الدُّخُولِ لِسَقْيِ الثَّمَرَةِ أَنْ لَا تَطُولَ مُدَّةٌ لَهَا أُجْرَةٌ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ وَبِخِلَافِ دُخُولِ الْمُسْتَعِيرِ فِيمَا مَرَّ لِسَقْيِ غِرَاسِهِ وَإِصْلَاحِ بِنَائِهِ عَلَى أَنَّ تَعَلُّقَ الْبَائِعِ هُنَا أَشَدُّ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمَّا قَدِمَ عَلَى شِرَاءِ الشَّجَرِ دُونَ الثَّمَرِ كَانَ مُوَطِّنًا نَفْسَهُ عَلَى الرِّضَا بِبَقَاءِ الثَّمَرَةِ وَمِنْ لَازِمِهِ الرِّضَا بِدُخُولِهِ لِسَقْيِهَا. وَمِنْ ثَمَّ لَوْ ضَرَّ السَّقْيُ أَحَدَهُمَا وَنَفَعَ الْآخَرَ وَتَنَازَعَا فُسِخَ الْعَقْدُ وَلَا يَتَّجِهُ الْقَوْلُ بِنَظِيرِ هَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا إذَا كَانَ إنَّمَا اسْتَحَقَّ الشَّجَرَ كَمَا مَرَّ، وَقَوْلُ السَّائِلِ وَلَوْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ فِيهَا شَجَرٌ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ بَلْ يَأْتِي فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ مَعَ الْبَقِيَّةِ نَظِيرُ مَا تَقَرَّرَ فِي الْأَجْنَبِيِّ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الصُّلْحِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ كَانَتْ أَرْضٌ مُتَفَرِّقَةً لِأَشْخَاصٍ لِأَحَدِهِمْ فِي نَصِيبِهِ مِنْهَا زَرْعٌ وَلِلْآخَرِ فِيهَا شَجَرٌ أَوْ لِكُلٍّ فِي نَصِيبِهِ زَرْعٌ أَوْ شَجَرٌ فَأَرَادَ أَحَدُهُمْ السَّقْيَ لِنَفْعِ مِلْكِهِ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ لِضَرَرِ مِلْكِهِ وَالْحَالُ أَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ فِي يَدِ هَؤُلَاءِ الْمُلَّاكِ مُنْتَقِلَةٌ مِنْ أَهَالِيِهِمْ مِنْ وَارِثٍ إلَى وَارِثٍ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى وَاحِدٍ بِصُورَةِ عَقْدٍ حَتَّى يُقَالَ يُفْسَخُ الْعَقْدُ فَهَلْ يُجَابُ طَالِبُ السَّقْيِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ السَّقْيَ أَمْ الْمُمْتَنِعُ إذْ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فَإِنْ قُلْتُمْ يُجَابُ طَالِبُ السَّقْيِ فَهَلْ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ بِسَبَبِ السَّقْيِ كَالْمُسْتَعِيرِ يَدْخُلُ لِنَحْوِ سَقْيٍ بِأُجْرَةٍ لَمَّا عَطَّلَ فَإِنْ قُلْتُمْ يُفْرِدُ كُلٌّ مِنْهُمْ مِلْكَهُ بِسَقْيٍ فَقَدْ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِتَعْطِيلِ بَعْضِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ الَّتِي مِنْهَا مَنْفَذُ الْمَاءِ بِسَبَبِ وَضْعِ الْحَوَاجِزِ الَّتِي تَرُدُّ الْمَاءَ فَمَا حُكْمُ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) أَمَدَّنَا اللَّهُ مِنْ مَدَدِهِ بِأَنَّ كَلَامَ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ الْأَرْضَ الْمَذْكُورَةَ مُتَمَايِزَةُ الْحِصَصِ وَبِأَنَّ تِلْكَ الْحِصَصَ الْمُتَمَايِزَةَ فِي

كُلّ مِنْهَا لِمَالِكِهَا زَرْعٌ أَوْ زَرْعٌ وَشَجَرٌ وَأَرَادَ أَحَدُهُمْ سَقْيَ مَا فِي أَرْضِهِ وَمَنَعَهُ الْبَاقُونَ لِأَنَّ سَقْيَهُ لِأَرْضِهِ يَضُرُّ مِلْكَهُمْ وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ يَأْتِي فِيهِ مَا ذَكَرُوهُ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ مِنْ أَنَّهُ مَتَى تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ عَلَى الْعَادَةِ جَازَ وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ جَارُهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا أَفْضَى إلَى تَلَفٍ كَمَا لَوْ اتَّخَذَ بِئْرًا عَلَى الِاقْتِصَادِ الْمُعْتَادِ بِمِلْكِهِ أَوْ حَفَرَ بَالُوعَةً كَذَلِكَ فَاخْتَلَّ بِذَلِكَ حَائِطُ جَارِهِ أَوْ نَقَصَ بِهَا مَاءُ بِئْرِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ جَاوَزَ الْعَادَةَ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِمَّا يَضُرُّ الْمِلْكَ دُونَ الْمَالِكِ فَعُلِمَ أَنَّ مَنْ أَرَادَ سَقْيَ أَرْضِهِ عَلَى الْعَادَةِ جَازَ لَهُ وَمُكِّنَ مِنْهُ وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ جَارُهُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ لِمَا نَقَصَ بِسَبَبِهِ وَفَارَقَ الْمُسْتَعِير الْمَذْكُور فِي السُّؤَالِ. فَإِنْ كَانَ مُرِيدُ السَّقْيِ لَا يَتَوَصَّلُ لِسَقْيِ أَرْضِهِ إلَّا بِوَضْعِ الْحَوَاجِزِ أَوْ بَعْضِهَا فِي أَرْضِ جَارِهِ وَلَمْ تَكُنْ مُسْتَحَقَّةَ الْوَضْعِ فِيهَا فَإِنْ سَمَحَ لَهُ جَارُهُ بِذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يُجْبَرْ جَارُهُ عَلَى أَنْ يُسَامِحَهُ بِأُجْرَةٍ وَلَا دُونِهَا وَإِنْ كَانَ يَتَوَصَّلُ إلَيْهِ بِوَضْعِ الْحَوَاجِزِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَرْضٍ مُبَاحَةٍ فَإِنْ اخْتَصَّتْ مَنْفَعَتُهَا بِأَرْضٍ فَمُؤْنَتُهَا عَلَيْهِ أَوْ بِأَرَاضِي الْجَمِيعِ فَهِيَ عَلَيْهِمْ بِحَسَبِ أَمْلَاكِهِمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) هَلْ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ السُّفُوحُ الَّتِي يَنْزِلُ مِنْهَا السَّيْلُ إلَى الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ وَفِي بَيْعِ الدَّارِ مَفَاسِحُهُ الَّتِي يُطْرَحُ فِيهَا الْقُمَامَاتُ وَيُطْعَمُ فِيهَا الْبَهَائِمُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِحُقُوقِهَا أَوْ لَا يَدْخُلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِتَعْيِينٍ وَإِذَا عَرَفَ كَاتِبُ الْوَثِيقَةِ أَنَّهُمَا أَرَادَا ذَلِكَ بِمُقْتَضَى جَرْيِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ هَلْ لَهُ أَنْ يَكْتُبَ الْوَثِيقَةَ بِذَلِكَ أَوْ لَا يَجُوزُ لَهُ كَتْبُ ذَلِكَ إلَّا بِإِخْبَارِ الْبَائِعِ بِذَلِكَ قَالَ اشْتَرَيْت دَارَ فُلَانٍ فَاكْتُبْ لِي بِهَا وَثِيقَةً هَلْ يَجُوزُ لَهُ وَهَلْ يَكْفِي إخْبَارُ ثِقَةٍ بِذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ مَسِيلُ الْمَاءِ وَلَا شُرْبُهَا أَيْ نَصِيبُهَا مِنْ قَنَاةٍ أَوْ نَهْرٍ مَمْلُوكَيْنِ وَنَبَّهَ السُّبْكِيّ وَتَبِعَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِي الْمَسِيلِ أَوْ الشُّرْبِ الْخَارِجِ عَنْ الْأَرْضِ بِخِلَافِ الدَّاخِلِ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا رَيْبَ فِي دُخُولِهِ وَإِنَّمَا دَخَلَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ عِنْد إيجَارِهَا لِزَرْعٍ أَوْ غَرْسٍ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَحْصُلُ بِدُونِهَا هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَمَّا لَوْ قَالَ بِحُقُوقِهَا فَيَدْخُلُ كُلٌّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مُطْلَقًا وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ حَرِيمُهَا أَيْ الْمَمْلُوكُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ حُقُوقُهَا الْخَارِجَةُ عَنْهَا كَمَجْرَى الْمَاءِ وَحَرِيمُهَا وَشَجَرُهَا الَّذِي فِيهِ إنْ كَانَتْ بِطَرِيقٍ مُنْسَدٍّ بِخِلَافِ الَّتِي بِالشَّارِعِ فَإِنَّهُ لَا حَرِيمَ لَهَا مَمْلُوكٌ. وَسَوَاءٌ فِي دُخُولِ الْحَرِيمِ الْمَمْلُوك وَنَحْوه قَالَ بِحُقُوقِهَا أَمْ أَطْلَقَ بِأَنْ قَالَ بِعْتُك الدَّارَ وَسَكَتَ وَيَجُوزُ لِمَنْ شَهِدَ عَلَى قَوْلِ الْبَائِعِ بِعْتُك الدَّارُ الْفُلَانِيَّةَ أَنْ يَشْهَدَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَهُوَ مُقْتَضٍ لِدُخُولِ الْحَرِيمِ مَعَ عَدَمِ بَيَانِ الصِّيغَةِ الصَّادِرَةِ مِنْ الْبَائِعِ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ وَيَكْتَفِي مِنْهُ الْقَاضِي بِذَلِكَ إنْ كَانَ فَقِيهًا وَقِيلَ لَا يَكْتَفِي مِنْهُ بِذَلِكَ مُطْلَقًا وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ عَلَى الشَّاهِدِ أَنْ يُفَسِّرَ مَا شَهِدَ بِهِ وَيُبَيِّنَهُ ثُمَّ يَنْظُرُ الْقَاضِي فِيهِ بِمَا يَقْتَضِيه نَظَرُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَكُونَ مُفْتِيًا شَاهِدًا هَذَا كُلُّهُ فِي الشَّهَادَةِ وَأَمَّا كِتَابَةُ الْوَثِيقَةِ فَلَا عِبْرَةَ بِهَا إذْ لَا يَثْبُتُ بِهَا حَقٌّ فَلَا يُدَارُ حُكْمٌ عَلَى كِتَابَتِهَا وَعَدَمِ كِتَابَتِهَا فَلَوْ جَاءَ إنْسَانٌ لِمُوَثِّقٍ وَقَالَ لَهُ اُكْتُبْ لِي وَثِيقَةً بِشِرَاءِ دَارِ فُلَانٍ فَإِنِّي شَرَيْتُهَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ إذَا أَرَادَ الْكِتَابَةَ مُعْتَمِدًا عَلَى إخْبَارِهِ أَنْ يَقُولَ قَالَ فُلَانٌ إنَّهُ اشْتَرَى دَارَ فُلَانٍ إلَخْ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْزِمَ بِالشِّرَاءِ فِي كِتَابَتِهِ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ طَرِيقٌ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْقَلَمَ أَحَدُ اللِّسَانَيْنِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَكَمَا يَجِبُ التَّحَرِّي فِي صِدْقِ الْمَنْطِقِ كَذَلِكَ يَجِبُ التَّحَرِّي فِي صِدْقِ الْكِتَابَةِ وَكَذَا لَوْ أَخْبَرَهُ الْبَائِعُ بِالْبَيْعِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ التَّحَرِّي بِأَنْ يُسْنَدَ إلَيْهِ ذَلِكَ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْمُشْتَرِي فَإِنْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بِذَلِكَ كَتَبَ أَخْبَرَنِي فُلَانٌ بِشِرَاءِ فُلَانٍ أَوْ قَالَ فُلَانٌ إنَّ فُلَانًا اشْتَرَى أَوْ بَاعَ كَذَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. . (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ يَصِحُّ بَيْعُ الْأَرْضِ الَّتِي فِيهَا حِجَارَةٌ مَدْفُونَةٌ وَإِنْ عَلِمَهَا الْمُشْتَرِي وَهُوَ مُشْكِلٌ بِعَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ صُبْرَةٍ مِنْ طَعَامٍ تَحْتَهَا دَكَّةٌ وَعَلِمَهَا الْمُشْتَرِي؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ فِي الصُّبْرَةِ مُسْتَنِدٌ إلَى التَّخْمِينِ وَوُجُودُ الدَّكَّةِ الْمَعْلُومَةِ يَمْنَعُهُ فَيَعْظُمُ الْغَرَرُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فِي الْأَرْضِ. (وَسُئِلَ)

- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ شَخْصٍ لَهُ شَجَرَةٌ مَغْرُوسَةٌ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِحَقٍّ كَانَ بَاعَهُ شَجَرَةً مِنْ غَيْرِ شَرْطِ قَلْعِهَا أَوْ قَطْعِهَا فَبَسَقَتْ فُرُوعُهَا وَكَثُرَتْ أَغْصَانُهَا وَزَادَتْ عُرُوقُهَا فِي الْأَرْضِ حَتَّى تَضَرَّرَ بِهَا مَالِكُ الْأَرْضِ فَهَلْ يَقْطَعُ مَا زَادَ بَعْدَ الشِّرَاءِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ صَرَّحَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ بِذَلِكَ فَقَالُوا وَالْمَوْجُودُ لِلْأَصْحَابِ فِيمَا حَدَثَ مِنْ أَوْلَادِ الشَّجَرَةِ الْمَبِيعَةِ أَوْ انْتَشَرَ مِنْ أَغْصَانِهَا حَوْلَهَا فِي هَوَاءِ أَرْضِ الْبَائِعِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا اسْتِحْقَاقُ إبْقَائِهَا كَالْأَصْلِ وَقَاسُوا ذَلِكَ عَلَى ثَخَانَةِ الْأَصْلِ وَالْعُرُوقِ الْمُتَجَدِّدَةِ وَكَلَامُهُمْ يَقْتَضِي أَنَّ الْعُرُوقَ الزَّائِدَةَ فِي الْأَرْضِ مُتَّفَقٌ عَلَى إبْقَائِهَا كَيْفَ كَانَتْ وَلِبَعْضِ شُرَّاحِ الْوَسِيطِ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ كَالْمُتَنَاقِضِ حَيْثُ قَالَ فِي شَجَرَةٍ قَدِيمَةٍ لِرَجُلٍ فِي أَرْضِ آخَرَ وَلَمْ يَعْلَمْ مَا سَبَبُ مِلْكِهِ لَهَا فَزَادَتْ عُرُوقُهَا وَأَغْصَانُهَا أَنَّهُ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ قَطْعُ تِلْكَ الشَّجَرَةِ وَلَا شَيْءَ مِنْ أَغْصَانِهَا الْقَدِيمَةِ وَإِنْ تَضَرَّرَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا بِحَقِّ مَا طَالَ مِنْ الْأَغْصَانِ عَلَى مَا عُهِدَ فَفِيهِ احْتِمَالٌ اهـ. وَقَالَ فِي رَجُلَيْنِ لِأَحَدِهِمَا أَرْضٌ وَلِلْآخَرِ شَجَرَةٌ أَغْصَانُهَا مُنْتَشِرَةٌ وَمَعَ ذَلِكَ تَزِيدُ كُلَّ سَنَةٍ زِيَادَةً جَدِيدَةً أَنَّ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ إزَالَةَ تِلْكَ الْأَغْصَانِ الْمُنْتَشِرَةِ فِي هَوَاءِ أَرْضِهِ لِمِلْكِهِ لَهُ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ سَوَاءٌ الْقَدِيمَة وَالْحَادِثَة وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ كَلَامَيْهِ بِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي شَجَرَةٍ لِشَخْصٍ نَابِتَةٍ فِي أَرْضٍ لِآخَرَ وَلَمْ تَخْرُجْ أَغْصَانُهَا عَنْ هَوَاءِ تِلْكَ الْأَرْضِ الَّتِي هِيَ نَابِتَةٌ فِيهَا إلَى هَوَاءِ غَيْرِهَا وَالثَّانِي مَحْمُولٌ عَلَى أَرْضٍ لِشَخْصٍ وَشَجَرَةٍ لِآخَرَ نَابِتَةٍ فِي غَيْرِ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ انْتَشَرَتْ أَغْصَانُهَا إلَى هَوَاءِ تِلْكَ الْأَرْضِ الْمُجَاوِرَةِ لِأَرْضِ الشَّجَرَةِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْمَنْقُولُ تَبْقِيَةُ الْحَادِثِ مِنْ أَوْلَادِ الشَّجَرَةِ الْمَبِيعَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا وُضِعَ بِحَقٍّ وَأَغْصَانُهَا الْمُنْتَشِرَةُ وَعُرُوقُهَا كَذَلِكَ تَبَعًا لِأَصْلِهَا سَوَاءٌ الْحَادِثَة وَالْقَدِيمَة. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هَلْ يَدْخُلُ فِي نَحْوِ بَيْعِ دَارٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى عُلْوٍ وَسُفْلٍ وَمَخَازِنَ فِي السُّفْلِ لَكِنْ لَا طَرِيقَ إلَيْهَا وَإِنَّمَا أَبْوَابُهَا نَافِذَةٌ إلَى الشَّارِعِ مَعَ أَنَّ الْأَبْوَابَ أَيْضًا فِي جِدَارِهَا وَهَلْ يَصِحُّ بَيْعُ بَعْضِ هَذِهِ الدَّكَاكِينِ وَإِذَا صَحَّ فَهَلْ يَصِيرُ الْجِدَارُ الَّذِي هِيَ فِيهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمُشْتَرِينَ لِتِلْكَ الدَّكَاكِينِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا خَفَاءَ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ جَمِيعُ مَا أَحَاطَ بِهِ بُنْيَانُهَا وَكَذَا مَا اتَّصَلَ بِهَا مِمَّا بُنِيَ لِمَصْلَحَتِهَا كَمُسْتَحَمٍّ وَغَيْرِهِ وَإِنْ خَرَجَ عَنْ مُسَامَتَتِهَا لِأَنَّ الْعُرْفَ قَاضٍ بِأَنَّهُ مِنْهَا وَحِينَئِذٍ فَالدَّكَاكِينُ الْمَذْكُورَةُ مِنْهَا لِاشْتِمَالِ حِيطَانِهَا عَلَيْهَا وَإِنْ نَفَذَتْ أَبْوَابُهَا مِنْ الشَّارِعِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي جِهَاتِهَا الْأَرْبَعِ أَوْ بَعْضِهَا وَإِذَا بَاعَ مَخْزَنًا أَوْ مَخْزَنَيْنِ لِاثْنَيْنِ صَحَّ وَيَكُونُ الْجِدَارُ الْمَذْكُورُ عِنْد الْإِطْلَاقِ مُشْتَرَكًا إذْ لَيْسَ نِسْبَتُهُ إلَى أَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ نَذَرَ لِآخَرَ بِدَارٍ وَبِجَانِبِ الدَّارِ جَرِينٌ مَثَلًا خَارِجٌ عَنْ تَرْبِيعِ الدَّارِ وَطَرِيقهَا تَمُرُّ فِي الدَّارِ فَهَلْ يَدْخُلُ فِي النَّذْرِ بِالدَّارِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ بِأَنَّ الْهِبَةَ تَتَنَاوَلُ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْبَيْعُ وَأَلْحَقَ بِهِ غَيْرُهُمْ الْوَقْفَ وَالصَّدَقَةَ وَالْوَصِيَّةَ وَنَحْوَهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّذْرَ كَذَلِكَ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْحَمَّامَ إنْ عُدَّ مِنْ مَرَافِقِ الدَّارِ دَخَلَ وَإِلَّا فَلَا وَبِأَنَّ حَرِيمَهَا بِشَجَرِهِ النَّابِتِ فِيهِ يَدْخُلُ إنْ كَانَ فِي طَرِيقٍ غَيْرِ نَافِذٍ وَإِلَّا فَلَا وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ إنْ عُدَّ مِنْ مَرَافِقِ الدَّارِ دَخَلَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ لَمْ يُعَدَّ مِنْ مَرَافِقِهَا بَلْ مِنْ حَرِيمِهَا فَإِنْ كَانَتْ فِي شَارِعٍ لَمْ يَدْخُلْ أَوْ فِي طَرِيقٍ غَيْرِ نَافِذٍ دَخَلَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ قَالَ فِي الْأَنْوَارِ قَالَ الْقَفَّالُ إنَّ مَا يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِقْرَارِ وَمَا لَا فَلَا إلَّا الثَّمَرَةَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ وَالْحَمْلَ وَالْجِدَارَ أَيْ فَإِنَّهَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَلَا تَدْخُلُ فِي الْإِقْرَارِ لِبِنَائِهِ عَلَى الْيَقِينِ وَبِنَاءِ الْبَيْعِ عَلَى الْعُرْفِ نَقَلَهُ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فَأَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِأَرْضٍ فِيهَا شَجَرٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا عَدَا مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْإِقْرَارِ لَكِنْ فِي بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ إنَّ الْإِقْرَارَ كَالرَّهْنِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ مَا ذَكَرَ فَهَلْ مَا ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ مَبْنِيٌّ عَلَى طَرِيقَةٍ مَرْجُوحَةٍ لِكَوْنِ

باب التحالف

الشَّيْخَيْنِ صَرَّحَا بِخِلَافِهِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا قَالُوهُ فِي بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ مِنْ أَنَّ الْإِقْرَارَ كَالرَّهْنِ وَلَا يُنَافِيه كَلَامُ الْقَفَّالِ الْمَذْكُورُ فِي السُّؤَالِ لِأَنَّهُ نَبَّهَ بِالثَّلَاثَةِ الْمُسْتَثْنَاةِ فِيهِ عَلَى مَا هُوَ مِثْلُهَا أَوْ أَوْلَى مِنْهَا بِعَدَمِ الدُّخُولِ كَالشَّجَرِ فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ الْحَصْرُ فِيهَا كَانَ كَلَامُهُ ضَعِيفًا. [بَابُ التَّحَالُفِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا لَوْ اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي لِلْأَرْضِ فِي إدْخَالِ مَا لَا يَدْخُلُ وَإِخْرَاجِ مَا يَدْخُل فَادَّعَى الْمُشْتَرِي الْإِدْخَالَ فِي الْأَوَّلِ وَالْبَائِعُ الْإِخْرَاجَ فِي الثَّانِي وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ فَظَهَرَ فِي الْأَوَّلِ أَنَّ بَيِّنَةَ الْمُشْتَرِي مُقَدَّمَةٌ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ وَالْأُخْرَى مُسْتَصْحِبَةٌ وَفِي الثَّانِيَة إنْ تَعَرَّضَتْ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي لِإِدْخَالِ مَا ذَكَرَ فَهُمَا سَوَاءٌ وَإِلَّا فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ مُقَدَّمَةٌ هَلْ هُوَ كَذَلِكَ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا فِي إدْخَالِ مَا لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ كَأَنْ قَالَ الْمُشْتَرِي بِعْتَنِي الْعَبْدَ بِثِيَابِهِ وَقَالَ الْبَائِعُ بَلْ بِعْتُك الْعَبْدَ فَقَطْ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِلثِّيَابِ فَحِينَئِذٍ الِاخْتِلَافُ رَاجِعٌ إلَى قَدْرِ الْمَبِيعِ لِأَنَّ حَاصِلَ دَعْوَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ يَقُولُ الْمَبِيعُ الْعَبْدُ وَالثِّيَابُ وَحَاصِلُ دَعْوَى الْبَائِعِ أَنَّهُ يَقُولُ الْمَبِيعُ الْعَبْدُ دُونَ الثِّيَابِ. وَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَبِيعِ وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ فَإِنْ أُرِّخَتَا بِتَارِيخٍ وَاحِدٍ أَوْ أُطْلِقَتْ وَاحِدَةٌ وَأُرِّخَتْ الْأُخْرَى أَوْ لَمْ تُؤَرَّخْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا تَعَارَضَتَا وَحِينَئِذٍ يَتَحَالَفَانِ وَإِنْ أُرِّخَتَا بِتَارِيخَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ قُضِيَ بِمُقَدَّمَةِ التَّارِيخِ لَا يُقَالُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي نَاقِلَةٌ مِلْكَ الثِّيَابِ إلَيْهِ وَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ مُسْتَصْحَبَةٌ مِلْكَهَا لِلْبَائِعِ فَكَانَ الْقِيَاسُ تَقْدِيمُ الْأَوْلَى مُطْلَقًا لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ وَقَعَ فِي كَيْفِيَّةِ الْعَقْدِ النَّاقِلِ فَكُلٌّ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ يَنْقُلُ زَائِدًا عَلَى الْأُخْرَى لَا يَقْتَضِي تَرْجِيحًا إذْ الصُّورَةُ أَنَّهُ لَمْ يَجْرِ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إلَّا عَقْدٌ وَاحِدٌ وَأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي كَيْفِيَّةِ وُقُوعِ ذَلِكَ الْعَقْدِ. فَإِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَتَانِ بِاخْتِلَافِ كَيْفِيَّتِهِ تَعَارَضَتَا وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي إخْرَاجِ مَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ كَأَنْ قَالَ الْمُشْتَرِي بِعْتَنِي الْأَرْضَ وَلَمْ تَسْتَثْنِ مَا فِيهَا مِنْ نَحْوِ الشَّجَرِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَبِيعِ وَقَالَ الْبَائِعُ بَلْ اسْتَثْنَيْتُهُ فَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْمَبِيعِ كَانَ ذَلِكَ الِاخْتِلَافُ رَاجِعًا إلَى الِاخْتِلَافِ فِي قَدْرِ الْمَبِيعِ أَيْضًا فَحِينَئِذٍ يَأْتِي فِيهِ جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ فِي الصُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهُ حَرْفًا بِحَرْفٍ فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا إلَّا أَنْ يَسْبِقَ تَارِيخُ إحْدَاهُمَا فَيُحْكَمُ بِهَا لَا يُقَالُ إنْ تَعَرَّضَتْ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي لِإِدْخَالِ مَا ذُكِرَ فَهُمَا سَوَاءٌ وَإِلَّا فَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ مُقَدَّمَةٌ لِأَنَّا نَقُولُ الصُّورَةُ كَمَا عَلِمْته أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي اسْتِثْنَاءِ نَحْوِ الشَّجَرِ فَالْمُشْتَرِي يَقُولُ لَمْ يَسْتَثْنِ وَالْبَائِعُ يَقُولُ اسْتَثْنَيْته وَإِذَا كَانَتْ الصُّورَةُ ذَلِكَ لَمْ يُتَصَوَّرْ إلَّا أَنَّ بَيِّنَةَ الْمُشْتَرِي تَقُولُ لَمْ يَقَعْ اسْتِثْنَاؤُهُ فِي الْعَقْد وَبَيِّنَةُ الْبَائِعِ تَقُولُ وَقَعَ اسْتِثْنَاؤُهُ فِيهِ وَحِينَئِذٍ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنَّ بَيِّنَةَ الْمُشْتَرِي تَارَةً تَتَعَرَّضُ لِلْإِدْخَالِ فَيَتَعَارَضَانِ وَتَارَةً لَا فَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ عَلَى أَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهَا الشَّهَادَةُ بِالْإِدْخَالِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّهُمَا حُكْمَانِ مِنْ أَحْكَامِ الْمَبِيعِ. وَالْبَيِّنَةُ لَا تَتَعَرَّضُ لِمِثْلِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا تَتَعَرَّضُ لِسَبَبِ الْإِدْخَالِ مِنْ السُّكُوتِ عَنْ الِاسْتِثْنَاءِ وَلِسَبَبِ عَدَمِهِ مِنْ ذِكْرِ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنْ تَعَرَّضَتْ لِلْإِدْخَالِ أَوْ عَدَمِهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ سَبَبِهِ سَأَلَهُمَا الْحَاكِمُ عَنْ سَبَبِهِ وَإِنْ كَانَا فَقِيهَيْنِ مُوَافِقَيْنِ لِمَذْهَبِ الْحَاكِمِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ اضْطِرَابٍ فِي الْمَسْأَلَة، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ كَيْفَ رَجَّحُوا الصِّحَّةَ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ مَعَ أَنَّ الْبُطْلَانَ هُوَ آخِرُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَمَا قَالَهُ الرَّبِيعُ وَالْآخَرُ مِنْ قَوْلَيْهِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ بِالدَّالِ فَصَحَّفَهُ إلَى آخَر بَعْضُ النُّسَّاخِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إطْبَاقُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ عَلَى خِلَافِهِ وَقَدْ قَالَ السُّبْكِيّ إنَّ النَّصَّ إذَا عَدَلَ عَنْهُ أَكْثَرُ أَئِمَّتِنَا لَا يُعْمَلُ بِهِ وَأَيْضًا فَكَوْنُ الْآخَرِ هُوَ الرَّاجِحُ أَغْلَبِيٌّ فَقَطْ وَإِلَّا فَالْقَدِيمُ مُتَقَدِّمٌ وَرُجِّحَ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا لَوْ بَاعَ زَيْدٌ بَكْرًا حَبًّا فَادَّعَى خَالِدٌ أَنَّ الْمَبِيعَ لَهُ وَالْبَائِعُ كَانَ وَكِيلًا لَهُ وَقَدْ خَالَفَهُ فِي الثَّمَنِ بِأَنْ بَاعَهُ بِالْعَرَضِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ إلَّا بِالنَّقْدِ أَوْ أَطْلَقَ هَلْ يَكْفِيه تَصْدِيقُ الْوَكِيلِ إيَّاهُ عَلَى مُدَّعَاهُ أَمْ يَلْزَمُهُ الْبَيِّنَةُ إذَا أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي كَوْنَ الْمَبِيعِ لَهُ وَفِي

مُعَاطَاةٍ وَقَعَتْ بَيْن اثْنَيْنِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهَا مُبَايَعَةٌ شَرْعِيَّةٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى جَمِيعِ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ الْمُبَايَعَةِ شَرْعًا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ بَلْ ادَّعَى أَنَّهَا مَحْضُ الْمُعَاطَاةِ وَهِيَ فِي عُرُوضٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا شَيْءٌ مُعَيَّنٌ هَلْ يُصَدَّقُ مُدَّعِي الْبَيْعِ الشَّرْعِيِّ أَمْ نَافِيه حَيْثُ الْأَصْلُ عَدَمُهُ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا اتَّفَقَا عَلَى الْبَيْعِ الشَّرْعِيِّ وَلَكِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَ الْآخَرَ عُرُوضَهُ بِنَقْدٍ مَعْلُومٍ وَاشْتَرَى عُرُوضَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ الثَّمَنِ وَتَقَاصَّا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ بَلْ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ عُرُوضَهُ بِعُرُوضٍ هَلْ يَصْدُقُ أَحَدُهُمَا أَمْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَيَتَحَالَفَانِ وَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ إذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ وَفِي الشَّاشَاتِ غَيْرِ الْمَنْشُورَةِ هَلْ يَصِحُّ بَيْعُهَا قَبْلَ النَّشْرِ أَمْ لَا. وَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فَهَلْ يَحِلُّ لِمُشْتَرِيهَا اسْتِعْمَالُهَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَمْ لَا وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ فِي حِلِّيَّةِ الِاسْتِعْمَالِ أَمْ لَا وَفِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي صِفَةِ عَقْدٍ أَوْ شَرْطٍ فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً عَلَى مُدَّعَاهُ وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً عَلَى عَدَمِ وُقُوعِ مَا شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ عَلَى مُقْتَضَى النَّفْيِ الْمَجْعُولِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَهَلْ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمُثْبِتِ أَمْ النَّافِي وَفِي مَسْأَلَةِ الشَّاشَاتِ إذَا عَانَدَ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَرُدَّهَا وَالْبَائِعُ يُرِيدُهَا فِرَارًا مِنْ بُطْلَانِ الْبَيْعِ وَعَدَمِ حِلِّيَّةِ الثَّمَنِ هَلْ يَلْزَمُ وَلِيَّ الْأَمْرِ إلْزَامُ الْمُشْتَرِي رَدّهَا وَتَأْدِيبه إنْ امْتَنَعَ وَإِذَا تَرَكَ وَلِيُّ الْأَمْرِ ذَلِكَ مَعَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ هَلْ يَأْثَمُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَكْفِي تَصْدِيقُ الْوَكِيلِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ فِي اللَّقِيطِ وَقُبَيْلِ الصَّدَاقِ وَآخِرِ الدَّعَاوَى فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ جَازَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ يَمِينَ الْمُشْتَرِي أَنَّ الْمَبِيعَ مِلْكٌ لِبَائِعِهِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَانْتُزِعَ الْمَبِيعُ مِنْهُ وَيَصْدُقُ مُدَّعِي صِحَّةِ الْبَيْعِ لِوُقُوعِهِ بِصِيغَةٍ صَحِيحَةٍ عَمَلًا بِالْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَةِ وَقَدَّمُوا فِيهَا الْغَالِبَ وَالظَّاهِرَ عَلَى الْأَصْلِ لِأَنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ إلَى انْبِرَامِ الْعُقُودِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمُفْسِدِ فِي الْجُمْلَةِ وَإِذَا اتَّفَقَا عَلَى الْبَيْعِ الشَّرْعِيِّ وَتَنَازَعَا فِيمَا ذُكِرَ مِنْ بَيْعِ كُلِّ عَرَضٍ بِنَقْدٍ أَوْ بِالْعَرَضِ الْآخَرِ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا النِّزَاعِ فَائِدَةٌ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُمَا لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنَّ كُلًّا مَلَكَ عَرَضَ الْآخَر وَأَنَّ أَحَدُهُمَا لَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْآخَرِ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي سَبَبِ الْمِلْكِ هَلْ هُوَ عَقْدَانِ أَوْ عَقْدٌ وَاحِدٌ وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا غَرَضَ فِيهِ وَلَا فَائِدَةَ لَهُ. فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ فِيهِ فَائِدَة سُمِعَتْ دَعْوَاهُمَا وَحَلَفَ كُلٌّ عَلَى نَفْيِ قَوْلِ صَاحِبِهِ وَرَجَعَ عَرَضُ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَيْهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَدْ أَثْبَتَ بِيَمِينِهِ نَفْيَ دَعْوَى الْآخَرِ فَتَسَاقَطَا وَإِنَّمَا رُدَّ إلَى كُلٍّ عَرَضُهُ مَعَ أَنَّهُ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَهُ لِدَعْوَاهُ اسْتِحْقَاقَ الْعَيْنِ الْمُقَابِلَةَ فَلَمَّا تَعَذَّرَ إبْقَاؤُهَا رُدَّ عَلَيْهِ مُقَابِلُهَا الَّذِي بَذَلَهُ كَمَا شَأْنُ تَرَادِّ الْعِوَضَيْنِ عِنْد الْفَسْخِ أَوْ نَحْوِهِ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَطْوِيِّ إلَّا بَعْدَ نَشْرِهِ وَرُؤْيَةِ جَمِيعِهِ وَلَا يَحِلُّ لِمُشْتَرِي الشَّاشَاتِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلَ النَّشْرِ إمْسَاكُهَا إنْ كَانَ مُقَلِّدًا لِمَنْ يَشْتَرِطُ الرُّؤْيَةَ كَإِمَامِنَا الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَعُلِمَ أَنَّ مَذْهَبَهُ ذَلِكَ أَوْ قِصَرٌ فِي التَّعْلِيمِ فَإِنْ عَانَدَ وَلَمْ يَرُدَّهَا أَلْزَمَهُ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ وَأَدَّبَهُ إنْ امْتَنَعَ بِالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يَرَاهُ زَجْرًا لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ وَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ ذَلِكَ إذَا عَلِمَ وَقَدَرَ وَإِلَّا أَثِمَ بَلْ رُبَّمَا يُفَسَّقُ بِذَلِكَ وَيَنْعَزِلُ وَالْبَيِّنَتَانِ الْمَذْكُورَتَانِ مُتَعَارِضَتَانِ فَيَتَسَاقَطَانِ وَيَتَحَالَفُ الْمُتَعَاقِدَانِ ثُمَّ يَفْسَخَانِ الْعَقْدَ أَوْ يَفْسَخُهُ الْحَاكِمُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ قَالَ بِعْتُك هَذَا بِأَلْفٍ فَقَالَ بَلْ وَهَبَتْنِيهِ حَلَفَ كُلٌّ عَلَى نَفْيِ دَعْوَى الْآخَرِ وَهُوَ مُشْكِلٌ بِمَا لَوْ بَعَثَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ فَقَالَ الْبَاعِثُ قَرْضٌ وَقَالَ الْآخَرُ هَدِيَّةٌ صُدِّقَ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ بِيَمِينِهِ وَبِمَا لَوْ قَالَ السَّيِّدُ أَعْتَقْتُهُ بِعِوَضٍ وَالزَّوْجُ كَذَلِكَ وَقَالَ الْعَبْدُ وَالزَّوْجَةُ بَلْ مَجَّانًا صُدِّقَا فَمَا الْفَرْقُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّمَا صُدِّقَ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ لِلْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى قَوْلِهِ وَهِيَ الْبَعْثُ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّهُ لَا مُرَجِّحَ فِيهَا وَإِنَّمَا صُدِّقَ الْعَبْدُ وَالزَّوْجَةُ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَالطَّلَاقَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَدَعْوَى زِيَادَةٍ عَلَيْهِ وَهِيَ الْمَالُ مَدْفُوعَةٌ بِأَصْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتنَا فَإِنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَتَّفِقَ الْحَالِفَانِ عَلَى سَبَبِهِ وَلَا مُرَجِّحَ لِجَانِبِ أَحَدِهِمَا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ فِي الْقُوتِ عَنْ الرُّويَانِيِّ لَوْ اخْتَلَفَا فِي شَرْطِ إشْهَادٍ أَوْ شَاهِدَيْنِ تَحَالَفَا وَعَنْ الْجُوَيْنِيِّ لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا بِأَلْفَيْنِ مِمَّا لَك

عَلَيَّ فَقَالَ بَلْ بِأَلْفٍ لَمْ يَتَحَالَفَا فَمَا الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قِيَاسُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْأَوَّلَ مُعْتَمَدٌ وَالثَّانِي ضَعِيفٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ. (وَسُئِلَ) عَنْ التَّحَالُفِ فِي نَحْوِ الْبَيْعِ لَا يَفْسَخُ الْعَقْدَ بِخِلَافِ اللِّعَانِ فَمَا الْفَرْقُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْفَرْقُ أَنَّ اللِّعَانَ تَحَقُّقٌ لِلْفُرْقَةِ الْمُؤَبَّدَةِ فَقَطَعَ النِّكَاحَ حِينَئِذٍ بِمُجَرَّدِهِ بِخِلَافِ التَّحَالُفِ فَإِنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ تَحْقِيقُ الْوَاقِعِ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ تَصَادَقَا بَعْدَهُ أُقِرَّ الْعَقْدُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا إذَا اخْتَلَفَ الْوَكِيلَانِ فِي صِيغَةِ عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ تَحَالَفَا فَلَوْ أَرَادَ الْمُوَكِّلَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا مَعَ أَحَدِ الْوَكِيلَيْنِ أَنْ يَتَحَالَفَا فَهَلْ لَهُمَا ذَلِكَ وَإِذَا اخْتَلَفَ الْوَكِيلَانِ فِي حُدُوثِ نَحْوِ عَيْبٍ فَمَنْ يَحْلِفُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ تَحَالُفُ الْوَكِيلَيْنِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيَجُوزُ تَحَالُفُ الْمُوَكِّلَيْنِ وَأَحَدِهِمَا وَوَكِيلِ الْآخَرِ قَبْلَ تَحَالُفِ الْوَكِيلَيْنِ وَيَقُومُ مَقَامَهُ وَيُجَابُ طَالِبُهُ أَخْذًا مِمَّا حَكَاهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْحَاوِي مِنْ أَنَّا إذَا قُلْنَا لِلْأَبِ الْحَلِفُ فِي صِغَرِ الزَّوْجَةِ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الْمَهْرِ وَكَانَتْ وَقْتَ التَّحَالُفِ بَالِغَة حَلَفَ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِمُبَاشَرَتِهِ الْعَقْدَ قَالَ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ لَوْ امْتَنَعَ الْأَبُ حَلَفَتْ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي جَوَازِ حَلِفِهِ مَعَ بُلُوغِهَا. ثُمَّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا صَحِيحٌ لَكِنْ يُعَارِضُهُ قَوْلُهُمْ فِيمَا إذَا بَلَغَتْ الصَّغِيرَةُ قَبْلَ التَّحَالُفِ تَحْلِفُ هِيَ لَا الْوَلِيُّ وَصَحَّحُوا أَيْضًا فِي نِكَاحِ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ إذَا اخْتَلَفَ الْوَلِيُّ وَالزَّوْجُ أَنَّهَا الَّتِي تَحْلِفُ لَا الْوَلِيُّ وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْيَمِينِ وَهَذَا يَقْتَضِي تَحَالُفَ الْمُوَكِّلَيْنِ فِي صُورَتِنَا وَلَا يُفْهَمُ مِنْهُ امْتِنَاعُ تَحَالُفِ الْوَكِيلَيْنِ كَمَا تُوُهِّمَ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا تَحَالَفَا هُنَا لِمُبَاشَرَتِهِمَا الْعَقْدَ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ فِيمَا ذُكِرَ وَإِذَا اخْتَلَفَ الْوَكِيلَانِ فِي حُدُوثِ نَحْوِ عَيْبٍ فَالظَّاهِرُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ بِنَاءُ حَلِفِهِمَا عَلَى جَوَازِ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لَلْوَكِيلِ فَحَيْثُ قُلْنَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ، حَلَفَ إذَا تَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ فِي جَانِبِهِ وَحَيْثُ لَا رَدَّ لَهُ لَا يُحَالَفُ وَقَدْ صَحَّحُوا فِيمَا إذَا اشْتَرَى الْوَكِيلُ سِلْعَةً ثُمَّ رَامَ رَدَّهَا بِعَيْبٍ أَنَّ لِلْبَائِعِ تَحْلِيفَهُ أَنَّهُ مَا رَضِيَ بِهَا الْمُوَكِّلُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا اتَّفَقَ الْعَاقِدَانِ بَعْدَ الْبَيْعِ عَلَى شَرْطٍ مُفْسِدٍ لَكِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا هُوَ بَعْد لُزُومِ الْعَقْدِ وَقَالَ الْآخَرُ قَبْلَهُ أَوْ قَالَ الْبَائِعُ قَبِلْته فَوْرًا فَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي الْقَبُولَ أَوْ الْفَوْرِيَّةَ فَمَنْ الْمُصَدَّقُ مِنْهُمَا وَفِي الْأَنْوَارِ أَوَّل الْبَيْعِ لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْقَبُولِ فَقَالَ أَوْجَبْت وَلَمْ تَقْبَلْ وَقَالَ قَبِلْته صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَذَكَرَ آخِرَ الْخُلْعِ مَا يُنَاقِضُهُ وَكَذَا فِي تَمْلِيكِ الزَّوْجَةِ طَلَاقَهَا فَمَا الْمُعْتَمَدُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَضِيَّةُ الْقَاعِدَةِ مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ تَصْدِيقُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ أَنَّ الْمُصَدَّقَ هُنَا نَافِي وُقُوع الشَّرْطِ الْمُفْسِدِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ أَوْ الْعَقْدِ وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى وُجُودِهِ لَا يُقَالُ كَوْنُ الْأَصْلِ عَدَم وُقُوعِهِ زَمَنَ الْخِيَارِ فَالْأَصْلُ أَيْضًا عَدَمُ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ لِأَنَّا نَقُولُ تَعَارَضَا فَتَسَاقَطَا وَاسْتَصْحَبْنَا أَصْلَ بَقَاءِ الْعَقْدِ عَلَى حَالِهِ وَأَصْلَ عَدَمِ الْمُفْسِدِ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الْخُلْعِ تَصْدِيقُ نَافِي الْفَوْرِيَّةِ وَنَافِي أَصْلِ الْقَبُولِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْخُلْعِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فِي مِثْلِ هَذَا وَكَلَامُ الْأَنْوَارِ أَوَّل الْبَيْعِ ضَعِيفٌ أَوْ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي صَدَقَ عَائِدٌ عَلَى الْمُوجِبِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ أَوْجَبَتْ أَيْ صِدْقَ الْمُوجِب وَهُوَ الْبَائِعُ فِي نَفْيِ الْقَبُولِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقَعَ اخْتِلَافُهُمَا فِي مَجْلِسِ التَّوَاجُبِ أَوْ لَا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ قَالَ اشْتَرَيْت مِنْك هَاتَيْنِ النَّخْلَتَيْنِ مَثَلًا فَقَالَ بَلْ هَذِهِ فَقَطْ وَتَحَالَفَا ثُمَّ فَسَخَا الْبَيْعَ فَهَلْ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي اسْتَغَلَّ النَّخْلَتَيْنِ مُدَّةً يَضْمَنُ ثَمَرَتَهُمَا أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَمَّا النَّخْلَةُ الَّتِي اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهَا مَبِيعَةٌ فَلَا يَضْمَنُ ثَمَرَتَهَا لِأَنَّ الْفَسْخَ إنَّمَا يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ حِينِهِ لَا مِنْ أَصْلِهِ وَأَمَّا الَّتِي اخْتَلَفَا فِيهَا فَيَضْمَنُ ثَمَرَتَهَا وَإِنْ أَوْهَمَ إطْلَاقُهُمْ خِلَافَهُ لِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ فِي الْكُلِّ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا فِي وَصْفٍ زَائِدٍ عَلَى ذَلِكَ أَمَّا إذَا وَافَقَ الْبَائِعُ عَلَى الْبَعْضِ فَقَطْ فَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ تَكُونُ ثَمَرَتُهُ لِلْبَائِعِ بِحُكْمِ الْأَصْلِ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ مُنْفَرِدًا فَانْضِمَامُهُ إلَى غَيْرِهِ لَا يُوجِبُ تَغَيُّرَ حُكْمِهِ وَإِنْ أَوْجَبَ التَّحَالُفَ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ بِعْتُك بِثَلَاثِ أَوَاقٍ نَقْدًا فَهَلْ يَصِحُّ إذَا كَانَا بِبَلَدٍ جَرَى عُرْفُهُمْ وَاطَّرَدَ بِإِطْلَاقِ النَّقْدِ عَلَى نَوْعٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَلَا يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِهَا وَلَا يَعْرِفُونَ النَّقْدَ إلَّا ذَلِكَ أَوْ لَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ قَالَ بِثَلَاثِ آوَاقٍ وَنَوَيَا دَرَاهِمَ

مُعَيَّنَةٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إلَّا وَجْهُ الصِّحَّةُ كَمَا لَوْ بَاعَ بِدَرَاهِمَ وَأَطْلَقَ وَثَمَّ نَوْعٌ غَالِبٌ مِنْهَا وَيَكُونُ اخْتِلَافُ الْجِنْسِ كَاخْتِلَافِ النَّوْعِ وَفَارَقَ هَذَا مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ بِأَنَّ الثَّمَنَ مُصَرَّحٌ بِهِ هُنَا وَالْإِبْهَامُ الَّذِي فِيهِ خَصَّصَهُ الْعُرْفُ وَثَمَّ لَمْ يُصَرِّحْ بِالثَّمَنِ بِوَجْهٍ وَالنِّيَّةُ لَا تَقُومُ مَقَامَ التَّصْرِيحِ بِهِ كَمَا ذَكَرُوهُ. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ بَاعَ عَنْ إيتَامِ شَخْصٍ يُسَمَّى فَتْحُ اللَّهِ الشِّرْوَانِيَّ بِطَرِيقِ الْإِذْنِ مِنْ حَاكِمٍ شَافِعِيٍّ حِصَصًا مِنْ عَقَارٍ عَامِرٍ آهِلٍ صَارَ إلَيْهِمْ بِالْمِيرَاثِ مِنْ وَالِدِهِمْ وَاشْتَرَى لَهُمْ حِصَصًا مِنْ عَقَارٍ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِحَقِيقَةِ الْمُسَوِّغِ وَلَا بِثُبُوتِ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمُوَرِّقُ شَاهِدَ التَّبَايُعِ فِي مَكْتُوبِ التَّبَايُعِ بَعْد أَنْ تُوُفِّيَ الْخَوَاجَا هِبَةُ اللَّهِ الشِّرْوَانِيُّ وَانْحَصَرَ إرْثُهُ فِي أَوْلَادِهِ الْخَمْسَةِ الَّذِينَ مِنْهُمْ فَتْحُ اللَّهِ الْمَذْكُورُ ثُمَّ تُوُفِّيَ فَتْحُ اللَّهِ وَانْحَصَرَ إرْثُهُ فِي أَوْلَادِهِ السِّتَّةِ الْأَيْتَامِ وَسَمَّاهُمْ بِالْمَكْتُوبِ الْمَذْكُورِ اشْتَرَى مَأْذُونُ الْحَاكِمِ الشَّافِعِيِّ هُوَ الْخَوَاجَا مُحَمَّدُ سُلْطَانُ الْعَجَمِيُّ يَعْنِي بِهِ الرَّجُلَ الْمَذْكُورَ لِأَوْلَادِ فَتْحِ اللَّهِ السِّتَّةِ بِمَالِهِ مِنْ الْإِذْنِ الْمَشْرُوحِ لِوُجُودِ الْمُسَوِّغِ الشَّرْعِيِّ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ الثَّابِتِ لَدَى الْحَاكِمِ الْمُشَارِ إلَيْهِ مِنْ الْمَصُونَاتِ فَاطِمَةَ وَعَائِشَةَ وَصَفِيَّةَ عَمَّاتِ الْأَيْتَامِ الْمَذْكُورِينَ جَمِيعَ الْحِصَّةِ الصَّائِرَةِ إلَيْهِنَّ بِالْإِرْثِ مِنْ وَالِدِهِنَّ هِبَةِ اللَّهِ الَّتِي قَدْرُهَا ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ مِنْ أَصْلِ سَبْعَةِ أَسْهُمٍ مِنْ جَمِيعِ أَحَدَ عَشَرَ عُزْلَةً بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ. وَحَدَّدَهُمْ بِالْمَكْتُوبِ وَجَمِيعَ الْخَرِبَةِ الْمُلَاصِقَةِ لِبَيْتِ التِّمْجَانِيِّ بِمَكَّةَ وَلَمْ يُحَدِّدَهَا وَالْحَالُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُلَاصِقَةً لِبَيْتِ التِّمْجَانِيِّ وَإِنَّمَا هِيَ مُلَاصِقَةٌ لِخَرِبَةٍ أُخْرَى مِلْكٍ لِلْغَيْرِ فَاصِلَةٍ بَيْنَ الْخَرِبَةِ الْمَبِيعَةِ وَبَيْتِ التِّمْجَانِيِّ وَمِنْ جَمِيعِ الدَّارِ الْمَعْرُوفَةِ بِالْمَكِينِ بِمَكَّةَ وَحَدَّدَهَا بِثَمَنٍ قَدْرُهُ سَبْعمِائَةِ أَشْرَفِيّ وَخَمْسُونَ أَشَرَفِيًّا وَقَاصَصَ الْمُشْتَرِيَ الثَّلَاثَةُ النِّسْوَةُ الْبَائِعَاتُ بِالثَّمَنِ بِنَظِيرِ مَا بَاعَهُ مِنْهُنَّ عَنْ الْأَيْتَامِ مِنْ الْعَقَارِ الْآتِي ذِكْرُهُ فِيهِ وَتَسَلَّمَ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَاهُ لِلْأَيْتَامِ الْمَذْكُورِينَ وَذَكَرَ الْمُوَرِّقُ فِي كِتَابِ التَّبَايُعِ أَنَّ الْمَأْذُونَ لَهُ بَاعَ عَنْ الْأَيْتَامِ مِنْ عَمَّتِهِمْ فَاطِمَةَ سَهْمًا وَثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ سَهْمٍ مِنْ الْأَصْلِ الْمُعَيَّنِ أَعْلَاهُ مِنْ جَمِيعِ الدَّارِ الْكُبْرَى الْكَامِلَةِ أَرْضًا وَبِنَاءً الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى عُلْوٍ وَسُفْلٍ وَمَنَافِعَ وَمَرَاقٍ وَحُقُوقٍ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ بِمَكْتُوبِ التَّبَايُعِ قَاصَصَتْ الْبَائِعَ بِذَلِكَ بِنَظِيرِ مَا اشْتَرَاهُ مِنْهَا لِلْأَيْتَامِ الْمَذْكُورِينَ أَعْلَاهُ. وَبَاعَ أَيْضًا الْمَأْذُونُ لَهُ الْمَذْكُورُ عَنْ الْأَيْتَامِ مِنْ عَمَّتِهِمْ عَائِشَةَ نِصْفَ سَهْمٍ مِنْ الدَّارِ الْكُبْرَى الْكَامِلَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى مَنَافِعَ وَمَرَافِقَ وَحُقُوقٍ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ بِالْمَكْتُوبِ وَقَاصَّتْهُ بِالثَّمَنِ بِنَظِيرِ مَا ابْتَاعَهُ مِنْهَا لِلْأَيْتَامِ وَبَاعَ أَيْضًا الْمَأْذُونُ لَهُ عَنْ الْأَيْتَامِ مِنْ عَمَّتِهِمْ صَفِيَّةَ سَهْمَيْنِ مِنْ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ مِنْ جَمِيعِ الدَّارِ الْكُبْرَى الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى مَرَافِقَ وَمَسَاكِنَ وَاشْتِمَالَاتٍ وَحُقُوقٍ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ بِالْمَكْتُوبِ الْمَذْكُورِ وَقَاصَصَتْ الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ بِنَظِيرِ مَا اشْتَرَاهُ مِنْهَا لِلْأَيْتَامِ الْمَذْكُورِينَ وَحَدَّدَ الْمُوَرِّقُ كُلًّا مِنْ الدُّورِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ وَثَبَتَ لَدَى الْحَاكِمِ الشَّافِعِيِّ الْآذِنِ مَضْمُونُ التَّبَايُعِ وَالْمُقَاصَصَةُ وَحَكَمَ بِمُوجَبِ مَا أَشْهَدَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ كُلٌّ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِيهِ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الْحَاكِمِ مَعْرِفَةُ الدُّورِ وَلَا ثَمَنُ الْمِثْلِ لِمَا بَاعَهُ الْمَأْذُونُ لَهُ وَلَا وُجُودُ الْحَظِّ وَالْغِبْطَةِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِحَقِيقَةِ الْمُسَوِّغِ. ثُمَّ تُوُفِّيَ أَحَدُ شَاهِدَيْ التَّبَايُعِ بِطَرِيقِ الشَّهَادَةِ عَلَى خَطِّهِ وَبِشَهَادَةِ رَفِيقِهِ فِي ذَلِكَ عِنْدَ حَاكِمٍ مَالِكِيٍّ إشْهَادُ الْحَاكِمِ الشَّافِعِيِّ الْآذِنِ فَهَلْ لِلْمَأْذُونِ لَهُ الْمَذْكُورِ أَنْ يَبِيعَ عَنْ الْأَيْتَامِ مَا كَانَ عَامِرًا آهِلًا مِنْ الْعَقَارِ مُعَدًّا لِلِاسْتِغْلَالِ أَنْمَى غَلَّةً مِمَّا اشْتَرَاهُ لَهُمْ وَيَشْتَرِيَ لَهُمْ مَا كَانَ خَرَابًا دَاثِرًا تُكَبُّ فِيهِ الْقُمَامَاتُ وَالْأَوْسَاخُ وَهَلْ مَا ذَكَرَهُ الْمُوَرِّقُ مِنْ الْمُسَوِّغِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ كَافٍ وَلَا يَتَعَيَّنُ ثُبُوتُ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَالْحَظِّ وَالْغِبْطَةِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ سَبَبِ الْمُسَوِّغِ وَثُبُوتِ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَالْغِبْطَةِ وَهَلْ مَا ذَكَرَهُ الشَّاهِدُ فِي تَعْرِيفِ الْخَرِبَةِ بِكَوْنِهَا مُلَاصِقَةً لِدَارِ التِّمْجَانِيِّ وَالْحَالُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُلَاصِقَةً لَهَا وَلَا مُحَدَّدَةً يَكُونُ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ صِحَّةِ الْبَيْعِ فِيهَا أَمْ لَا يَكُونُ مَانِعًا وَمَا الَّذِي يَتَنَاوَلُهُ الْحُكْمُ بِالْمُوجِبِ الْمَشْرُوحِ أَعْلَاهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْقَيِّمِ الْمَذْكُورِ وَلَا شِرَاؤُهُ لِعَدَمِ وُجُودِ مُسَوِّغِهِمَا الشَّرْعِيِّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ لِأَنَّ شَرْطَ بَيْعِهِ أَنْ يَكُونَ

هُنَاكَ حَاجَةٌ كَنَفَقَةٍ أَوْ كِسْوَةٍ لَمْ تَفِ غَلَّةُ الْعَقَارِ بِهَا وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُقْرِضُهُ أَمْ لَمْ يَرَ فِي الْقَرْضِ مَصْلَحَةً أَوْ غِبْطَةً كَأَنْ طَلَبَ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ وَوَجَدَ مِثْلَهُ بِبَعْضِ ذَلِكَ وَمَتَى انْتَفَى شَرْطٌ مِمَّا ذُكِرَ بَطَلَ الْبَيْعُ وَشَرْطُ شِرَائِهِ أَنْ لَا تَنْتَفِيَ الْمَصْلَحَةُ عَنْهُ كَإِشْرَافِهِ عَلَى الْخَرَابِ فَإِنْ انْتَفَتْ كَمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ لَمْ يَصِحَّ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُوَرِّقُ مِنْ الْمُسَوِّغِ غَيْرُ كَافٍ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي تَفَاصِيلِهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ لِوُجُودِ الْمُسَوِّغِ الشَّرْعِيِّ إلَخْ يَحْتَمِلُ احْتِمَالًا ظَاهِرًا أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِإِذْنِ الْحَاكِمِ لِلْقَيِّمِ الْمَذْكُورِ فِي التَّكَلُّمِ عَلَى الْأَيْتَامِ لَا لِشِرَائِهِ لَهُمْ فَلَا يَكُونُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حِينَئِذٍ شَهَادَةٌ بِمُسَوِّغِ الشِّرَاءِ لَا مُجْمَلَةً وَلَا مُفَصَّلَةً وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَيْضًا قَوْلُ الْمُوَرِّقُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَثَبَتَ لَدَى الْحَاكِمِ الشَّافِعِيِّ الْآذِنِ مَضْمُونُ التَّبَايُعِ وَالْمُقَاصَصَةُ إلَخْ فَإِنَّ هَذَا فِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّ الْحَاكِمَ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ الْمُسَوِّغُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي ذَكَرْته لِلْبَيْعِ وَلَا لِلشِّرَاءِ فَنَتَجَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمَا بَاطِلَانِ وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ رُفِعَ إلَيْهِ ذَلِكَ وَثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ إظْهَارُ بُطْلَانِ ذَلِكَ وَالْإِلْزَامُ بِالْعَمَلِ بِهِ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّاهِدُ مِنْ تَعْرِيفِ الْخَرِبَةِ مُقْتَضٍ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ إنْ كَانَتْ صِيغَةُ الْبَيْعِ بِعْتُك الْخَرِبَةَ الْمُلَاصِقَةَ لِكَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الْخَرِبَةَ الْمُلَاصِقَةَ لِكَذَا أَوْ خَرِبَتِي الْمُلَاصِقَةَ لِكَذَا وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا فَإِنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ وَلَا يُؤَثِّرُ الْغَلَطُ حِينَئِذٍ وَالْحُكْمُ بِمُوجِبِ الشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِصِحَّتِهِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى ثُبُوتِ وِلَايَةِ الْعَاقِدِ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ فَيَجُوزُ لِلْحَاكِمِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ حُكْمِهِ بِالْمُوجِبِ إنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ مَا يَقْتَضِي رُجُوعَهُ عَنْهُ لِعَدَمِ تَوَقُّفِهِ عَلَى ثُبُوتِ مِلْكِ الْعَاقِدِ أَوْ وِلَايَتِهِ فَوُجُودُهُ لَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ أَحَدِ هَذَيْنِ فَإِذَا ثَبَتَ انْتِفَاؤُهُمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ عَنْ حُكْمِهِ بِالْمُوجِبِ. وَعَلَى غَيْرِهِ إلْغَاءُ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَعَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِهِ وَلَا يُنَافِي مَا ذُكِرَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ تَنَاوُلُ كُلٍّ مِنْ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ جَمِيعَ الْآثَارِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْحُكْمِ لِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ مَا إذَا كَانَ الْحُكْمُ بِالْمُوجِبِ صَحِيحًا بِأَنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ مَا يُنَاقِضُهُ أَمَّا حَيْثُ تَبَيَّنَ مَا يُنَاقِضُهُ فَلَا يَعْتَدُّ بِهِ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهَا بِالْمُوجِبِ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ يَعُمُّ جَمِيعَ مَا فِي الْمُسْتَنِدِ مِنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَغَيْرِهِمَا وَمَا يَتَوَقَّفَانِ عَلَيْهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ إلَّا إنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ مَعَ ذَلِكَ وُجُودُ الْمُسَوِّغِ الْمُقْتَضِي لِصِحَّةِ بَيْعِ الْقَيِّمِ وَشِرَائِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فَوَجَبَ السَّعْيُ فِي نَقْضِهِمَا وَرَدُّ أَعْيَانِ الْأَيْتَامِ الْمَبِيعَةِ إلَيْهِمْ وَالْمُشْتَرَاةِ إلَى أَرْبَابِهَا وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ وَيُجَازِي مَنْ عَمِلَ سُوءًا بِعَدْلِهِ آمِينَ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا إذَا أَخْرَجَ حَنَفِيٌّ مَثَلًا الْقِيمَةَ عَنْ مَالِهِ الزَّكَوِيِّ أَوْ اشْتَرَى مَالِكِيٌّ بِالْمُعَاطَاةِ فَهَلْ لِلشَّافِعِيِّ الشِّرَاءُ مِنْ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ وَمِنْ الْمَالِ الْمَأْخُوذِ بِالْمُعَاطَاةِ اعْتِبَارًا بِعَقِيدَةِ الْبَائِعِ أَوْ لَا اعْتِبَارًا بِعَقِيدَةِ الْمُشْتَرِي؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ إنْ حَكَمَ بِهِ مَنْ يَرَاهُ جَازَ الشِّرَاءُ مِنْهُ سَوَاءٌ أَقَلَّدَ الشَّافِعِيُّ بِهِ أَمْ لَا لِأَنَّ الْحُكْمَ يُحِلُّهُ بَاطِنًا أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ أَحَدٌ لَمْ يَجُزْ لِلشَّافِعِيِّ الشِّرَاءُ مِنْهُ مَا دَامَ مُقَلِّدًا لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَعْتَقِدُ تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ بِهِ فِي الْأُولَى وَبَقَاءَهُ عَلَى مِلْكِ بَائِعِهِ فِي الثَّانِيَةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ وَلَوْ بِعَقْدٍ إلَّا إنْ قَلَّدَ الْقَائِلَ بِهِ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ بَحَثَ الْجَوَازَ مُطْلَقًا قَالَ لِاعْتِقَادِنَا تَكْلِيفَ الْمُخَالِفِ بِحَسَبِ عَقِيدَتِهِ حَتَّى قُلْنَا بِاسْتِعْمَالِ مَا تَوَضَّأَ بِهِ حَنَفِيٌّ لَمْ يَنْوِ ثُمَّ قَالَ إنَّهُ رَأَى كَلَامَ السُّبْكِيّ دَالًا عَلَى تَحْرِيمِ الشِّرَاءِ وَأَنَّ عِنْدَهُ فِيهِ نَظَرًا وَأَنَّهُ لَا يَجْرِي فِي الزَّكَاةِ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْعِبَادَاتِ وَيَرُدُّ مَا عَلَّلَ بِهِ بِأَنَّا وَإِنْ اعْتَقَدْنَا تَكْلِيفَهُ بِحَسَبِ عَقِيدَتِهِ. لَكِنْ نَعْتَقِدُ تَكْلِيفَنَا أَيْضًا بِحَسَبِ عَقِيدَتِنَا فَنُقِرُّهُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ لَنَا التَّصَرُّفُ فِيهِ عَمَلًا بِالْعَقِيدَتَيْنِ وَإِنَّمَا حَكَمْنَا بِاسْتِعْمَالِ مَاءِ الْحَنَفِيِّ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِي الِاسْتِعْمَالِ عَلَى مَا أَزَالَ مَانِعًا وَلَا شَكَّ أَنَّ مَاءَهُ كَذَلِكَ لِأَنَّا نَعْتَقِدُ فِيهِ ذَلِكَ بِحَسَبِ ظَنِّ الْمُسْتَعْمَلِ وَيَرُدُّ قَوْلَهُ لَا يَجْرِي فِي الزَّكَاةِ لِأَنَّهَا مِنْ قَبِيلِ الْعِبَادَاتِ بِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَكِنْ لَا أَثَرَ لِذَلِكَ فِي تَخْصِيصِ الْحُكْمِ بِالْمُعَامَلَاتِ عَلَى أَنَّ كَوْنَهَا مِنْ قَبِيلِ الْعِبَادَاتِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ وَإِلَّا فَعِنْدَ إرَادَةِ بَيْعِ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ بَعْدَ إخْرَاجِ الْقِيمَةِ هِيَ الْآنَ مِنْ

قَبِيلِ الْمُعَامَلَاتِ فَالْمُتَّجَهُ مَا قَدَّمْته وَكَلَامُ السُّبْكِيّ دَالٌ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَحْكُمْ حَاكِمٌ وَلَمْ يُقَلِّدْ أَمَامَ الْبَائِعِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ قَالُوا مِنْ صَرَائِحِ الْبَيْعِ لَفْظُ التَّقْرِيرِ؛ مَا صُورَتُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ صُورَتُهُ أَنْ يَنْفَسِخَ الْعَقْدُ وَيُرِيدَ إعَادَتَهُ فَيَقُولَ الْبَائِعُ قَرَّرْتُك عَلَى مُوجِبِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَيَقْبَل الْمُشْتَرِي أَوْ يَقُول الْمُشْتَرِي أَنَا عَلَى مَا كُنْت عَلَيْهِ مِنْ الْبَيْعِ وَيَقْبَلُ الْبَائِعُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ تَكَفَّلَ بِبَدَنٍ فَأَبْرَأهُ الْمُسْتَحِقُّ ثُمَّ وَجَدَهُ مُلَازِمًا لِغَرِيمِهِ فَقَالَ اُتْرُكْهُ وَأَنَا عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ مِنْ الْكَفَالَةِ صَحَّ. (وَسُئِلَ) عَنْ كِنَايَةِ الْبَيْعِ هَلْ يُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَط فِي كِنَايَةِ الطَّلَاقِ مِنْ اقْتِرَانِ النِّيَّةِ بِكُلِّ اللَّفْظِ أَوْ بَعْضِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُحْتَمَلُ إلْحَاقُهَا بِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَكْفِي الِاقْتِرَانُ بِالْبَعْضِ وَيُفَرَّقُ أَنَّ هُنَاكَ مِلْكَ بُضْعٍ مُحَقَّقًا فَلَا يُزَالُ إلَّا بِيَقِينٍ فَاشْتُرِطَ مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ لِكُلِّ اللَّفْظِ احْتِيَاطًا لِلْإِبْضَاعِ بِخِلَافِهِ هُنَا فَلَمْ يَجْرِ فِيهِ الْقَوْلُ بِاشْتِرَاطِ مُقَارَنَتِهَا لِكُلِّ اللَّفْظِ (وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ قَالَ بِعْتُك بِأَلْفٍ فَقَالَ اشْتَرَيْت نِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَنِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ صَحَّ عِنْدَ الْمُتَوَلِّي وَاسْتَشْكَلَهُ الرَّافِعِيُّ مَا الْجَوَابُ عَنْهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: بِتَأَمُّلِ تَعْلِيلِ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إلَّا تَفْصِيلَ مَا أَجْمَلَهُ الْبَائِعُ وَبِتَأَمُّلِ وَجْهِ اسْتِشْكَالِ الرَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهُ أَوْجَبَ عَقْدًا فَقِيلَ عَقْدَيْنِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا إشْكَالَ إذْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ التَّفْصِيلَ مِنْ حَيْثُ تَعَدُّد الصَّفْقَةِ بَلْ مِنْ حَيْثُ بَيَان الْإِجْمَالِ السَّابِقِ وَحِينَئِذٍ فَإِنْ أَرَادَ التَّفْصِيلَ مِنْ حَيْثُ التَّعَدُّد بَطَلَ لِمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَلَا يُنَافِيه كَلَامُ الْمُتَوَلِّي فَإِنْ أَطْلَقَ فَالظَّاهِرُ الْبُطْلَانُ إذْ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ تَعَدُّدُهَا مُفَصَّلَةً فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ الْمُفَصَّلَ لَكِنَّ مَحَلَّهُ أَخْذًا مِمَّا قَرَّرْنَاهُ مَا إذَا لَمْ يُرِدْ عَدَمَ التَّفْصِيلِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ اتِّخَاذُ الْحَرْبِيِّ الْحَدِيدَ سِلَاحًا فَهَلْ يَحْرُمُ بَيْعُهُ لَهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ قِيَاسًا عَلَى بَيْعِ الْعِنَبِ لِعَاصِرِ الْخَمْرِ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا تَلَفَّظَ الْبَائِعُ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ مَنْ بِقُرْبِهِ وَلَمْ يَسْمَعْهُ الْمُشْتَرِي لِعَارِضِ لَغَطٍ وَنَحْوِهِ فَقَبِلَ الْبَيْعَ مُرِيدًا الِابْتِدَاءَ فَهَلْ يَقَعُ قَبُولُهُ جَوَابًا أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُحْتَمَلُ وُقُوعُهُ جَوَابًا لِوُقُوعِهِ بَعْدَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَمَدَارُ الْعُقُودِ عَلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ لِأَنَّهُ صَرَفَهُ عَنْ الْجَوَابِ بِقَصْدِهِ الِابْتِدَاءَ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ وَقَصْدُ الِابْتِدَاءِ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ قَصَدَ اللَّفْظِ لِمَعْنَاهُ إذْ مَعْنَاهُ هُنَا إفَادَةُ التَّمْلِيكِ وَهِيَ حَاصِلَةٌ سَوَاءٌ أَقَصَدَ الِابْتِدَاءَ أَمْ الْجَوَابَ وَلَوْ تَلَفَّظَ بِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ ابْتِدَاءٍ وَلَا جَوَابٍ احْتَمَلَ الْجَزْمَ بِأَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَاحْتَمَلَ خِلَافَهُ (وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ لَوْ وُكِّلَ الْجَدُّ فِي الطَّرَفَيْنِ هُنَا فَهَلْ يَبْطُلُ كَالنِّكَاحِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَحْتَمِلُ إلْحَاقَهُ بِهِ وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ النِّكَاحَ يُحْتَاطُ لَهُ مَا لَا يُحْتَاطُ لِغَيْرِهِ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ إذْ لَا اخْتِلَالَ فِي الصِّيغَةِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ احْتِيَاطٌ فَكَمَا مَنَعُوهُ ثَمَّ مَعَ انْتِظَامِ الصِّيغَةِ كَذَلِكَ يَمْتَنِعُ هُنَا لِلْمَعْنَى الَّذِي عَلَّلُوا بِهِ ثُمَّ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَوْلِهِمْ يَصِحُّ بَيْعُ السُّبُعِ لِمَنْفَعَةِ صَيْدِهِ هَلْ يَشْمَلَ الصَّيْدَ بِالطَّبْعِ وَبِالتَّعْلِيمِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَيْثُ كَانَ مَا يَصْطَادُهُ يَحِلُّ بِأَنْ وُجِدَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي كِتَابِ الصَّيْدِ صَحَّ بَيْعُهُ سَوَاءٌ أَوُجِدَتْ فِيهِ تِلْكَ الشُّرُوط بِتَعْلِيمٍ أَوْ لَا بِتَعْلِيمٍ أَصْلًا. (وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ بَاعَ بِوَزْنِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فِضَّةٍ هَلْ يَصِحُّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ قَالَ مَضْرُوبَةٍ أَوْ غَيْرِ مَضْرُوبَةٍ صَحَّ وَإِلَّا بَطَلَ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَهُمَا وَلَا يُحْمَلُ عَلَى النَّقْدِ الْغَالِبِ نَعَمْ يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا اخْتَلَفَتْ قِيمَةُ الْمَضْرُوبِ وَالسَّبِيكَةِ وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ الصِّحَّةُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ بَاعَ صَاعًا مِنْ الصُّبْرَةِ الْمَجْهُولَةِ وَنِصْفَ بَاقِيهَا لَمْ يَصِحَّ أَوْ نِصْفَهَا وَصَاعًا مِنْ النِّصْفِ الْآخَرِ صَحَّ مَا الْفَرْق بَيْنَهُمَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْجَهْلَ فِي الْأُولَى أَشَدُّ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الصَّاعَ صَارَتْ الْإِحَاطَةُ بِنِصْفِ الثَّانِي ضَعِيفَةً بِخِلَافِهِ فِي الثَّانِيَةِ فَإِنَّ الْإِحَاطَةَ بِجَمِيعِ الصُّبْرَةِ أَقْوَى مِنْهَا بِهَا بَعْدَ إخْرَاجِ صَاعٍ وَذِكْرُ النِّصْفِ لَا يَقْتَضِي ضَعْفَ تِلْكَ الْإِحَاطَةِ بَلْ قُوَّتَهَا فَلَا يَضُرُّ ذِكْرُ صَاعٍ مِنْ النِّصْفِ الْآخَرِ هَذَا غَايَةُ مَا يُوَجَّهُ بِهِ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لِلْبَاحِثِ أَنْ يَبْحَثَ اسْتِوَاءَهُمَا فِي الْبُطْلَانِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ بَاعَ الْمَجْهُولَةَ إلَّا صَاعًا مِنْهَا بَطَلَ لِأَنَّ مَا عَدَا

نِصْفَ الْبَاقِي وَالصَّاع فِي الْأُولَى وَمَا عَدَا الصَّاعَ مِنْ النِّصْفِ الْآخَرِ فِي الثَّانِيَةِ مُسْتَثْنًى وَهُوَ مَجْهُولٌ بَلْ الْبُطْلَانُ هُنَا أَوْلَى لِأَنَّهُمْ إذَا حَكَمُوا بِهِ مَعَ كَوْنِ الْمُسْتَثْنَى مَعْلُومًا فَبِالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ فِي الْمُسْتَثْنَى الْمَجْهُولِ بِذَلِكَ. (وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ كَانَتْ الدَّابَّةُ مُحَمَّلَةً بِأَمْتِعَةِ الْمُشْتَرِي فَهَلْ يَصِحُّ قَبْضُهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُحْتَمَلُ إلْحَاقُهَا بِالسَّفِينَةِ الصَّغِيرَةِ وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ الْأَقْرَبُ الْفَرْقُ بِأَنَّ السَّفِينَةَ بِالْبُيُوتِ أَشْبَهُ فَأُعْطِيَتْ حُكْمَهَا بِخِلَافِ الدَّابَّةِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ بَاعَ أَمَةً وَادَّعَى أَنَّهَا مَعْتُوقَةٌ أَوْ مُسْتَوْلَدَةٌ فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ بَاعَهُ ثُمَّ قَالَ كُنْت وَقَفْته وَلَا يُقَالُ إنَّ الْعِتْقَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَالشَّارِعُ مُتَشَوِّفٌ إلَيْهِ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُشْتَرِي فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ مَا يَدْفَعُهُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِنْ آخَرَ فَادَّعَى ثَالِثٌ أَنَّ هَذَا الْمَبِيعَ مِلْكُهُ فَصَدَّقَهُ الْبَائِعُ لَكِنْ قَالَ اشْتَرَيْته مِنْك وَأَقَامَ شَاهِدًا ثُمَّ نَكَلَ عَنْ الْحَلِفِ مَعَهُ فَهَلْ يَحْلِفُ مَعَهُ الْمُشْتَرِي؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَحْلِفُ مَعَهُ الْمُشْتَرِي وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ نَفْعُهُ بِبَقَاءِ الْعَيْنِ فِي يَدِهِ لِأَنَّ إقَامَةَ شَاهِدٍ مِنْ وَاحِدٍ وَحَلْفَ آخَرَ غَيْرُ مَعْهُودٍ وَلِأَنَّ الْحُجَّةَ حِينَئِذٍ مُلَفَّقَةٌ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ بَاعَ مُسْلِمًا وَمَعْنَاهُ إلْزَامُ الْمُشْتَرِي بِمَا يَلْحَقُ الْبَائِعَ مِنْ الدَّلَالَةِ وَغَيْرِهَا فَهَلْ يَصِحُّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ كَانَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي حِسْبَتِهِ يَمْنَعُ أَهْلَ سُوقِ الرَّقِيقِ مِنْ ذَلِكَ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الدَّلَالَةُ وَنَحْوُهَا مُعَيَّنَةً أَوْ لَا لَكِنْ اعْتَمَدَ السُّبْكِيّ الصِّحَّةَ إذَا كَانَتْ مَعْلُومَةً وَكَأَنَّهُ جَعَلَهُ جُزْءًا مِنْ الثَّمَنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ مِنْ اثْنَيْنِ وَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا ضَامِنًا لِلْآخَرِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ إذْ لَا يُمْكِنُ فِيهَا ذَلِكَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَكِنَّهُ هُنَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَمْرًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَدْفَعَ كَذَا إلَى جِهَةِ كَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُبْطِلًا مُطْلَقًا اهـ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ عِنْدِي أَنَّهُ إنْ قَالَ بِعْتُك بِكَذَا وَلِلدَّلَّالِ مِنْهُ كَذَا صَحَّ أَوْ وَتَدْفَعُ لَهُ مِنْهُ كَذَا لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ فِيهِ مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهِ الدَّفْعَ وَهُوَ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا لَوْ تَقَدَّمَتْ الرُّؤْيَةُ عَلَى الْعَقْدِ فِيمَا لَا يَتَغَيَّرُ غَالِبًا فَاشْتَرَاهُ ثُمَّ وَجَدَهُ مُتَغَيِّرًا بِمَا لَا يُنْقِصُ الْعَيْنَ أَوْ الْقِيمَةَ فَهَلْ يُخْبَرُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ كُلٌّ مِنْ التَّخْيِيرِ وَعَدَمِهِ مُحْتَمَلٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ لِاخْتِلَافِ الْوَصْفِ الَّذِي رَآهُ وَأَقْدَمَ عَلَى الْعَقْدِ مُعْتَقِدًا بَقَاءَهُ وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى وُقُوعِ التَّغَيُّرِ بَعْدِ الرُّؤْيَةِ ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ تَأْخِيرَهُ عَنْ الْعَقْدِ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي تَقَدَّمَهُ عَلَيْهِ فَاَلَّذِي يُتَّجَهُ تَصْدِيقُ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ حَادِثٍ تَقْدِيرُهُ بِأَقْرَبِ زَمَنٍ وَالْأَصْلُ أَيْضًا سَلَامَتُهُ عِنْدَ الْعَقْدِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي رَأَيْته كَذَلِكَ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ هُوَ الْمُصَدَّقُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ عِلْمَهُ بِهَذِهِ الصَّفْقَةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يُتَصَوَّرُ وُجُوبُ السَّوْمِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِوُجُوبِهِ فِيمَا لَوْ رَأَى عَاصِرَ خَمْرٍ يَشْتَرِي عِنَبًا وَتَحَقَّقَ أَنَّهُ يَعْصِرُهُ خَمْرًا وَلَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِالسَّوْمِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ وَقَدْ يُقَالُ بِجَوَازِهِ إذَا تَوَهَّمَ ذَلِكَ مِنْهُ وَالْأَقْرَبُ خِلَافُهُ لِأَنَّ السَّوْمَ إيذَاءٌ مُحَقَّقٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ سَبَبٍ يُبِيحُهُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ وَيَتَأَتَّى هَذَا التَّفْصِيلُ فِي الْبَيْعِ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَى الشِّرَاءِ حَيْثُ لَا عُذْرَ وَفِي كُلِّ بَيْعٍ حُرِّمَ عَلَى الْمُشْتَرِي قَبُولُهُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ قَوْلُهُمْ لَوْ فَرَّقَ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا بِوَقْفٍ جَازَ مُشْكِلٌ إنْ كَانَ وَقْفًا عَلَى خِدْمَةِ إنْسَانٍ مَثَلًا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَأَبُّدُ التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا إذْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مَنْعُهُ مِنْ أُمِّهِ وَعَكْسه بِخِلَافِ الْمَوْقُوفِ عَلَى نَحْوِ مَسْجِدٍ أَوْ جِهَةٍ عَامَّةٍ فَلْيُحْمَلْ كَلَامُهُمْ عَلَيْهِ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ كَلَامُهُمْ أَعَمُّ وَيُجَابُ عَنْ الْإِشْكَالِ بِأَنَّ وَقْفَهُ عَلَى إنْسَانٍ كَإِيجَارِهِ مُدَّةً تُجَاوِزُ الْبُلُوغَ وَهُوَ جَائِزٌ وَأَيْضًا فَالْوَقْفُ قُرْبَةً فَسُومِحَ فِيهِ وَإِنْ سَلِمَ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ لِغَيْرِ الْبَائِعِ الْمُشْتَرِطِ لِلْعِتْقِ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي بِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ لِلْبَائِعِ ذَلِكَ كَالْمُلْتَزِمِ بِالنَّذْرِ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْبَائِعِ وَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ لِأَنَّهُ لَزِمَ بِاشْتِرَاطِهِ الِاخْتِصَاصُ بِهِ وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ لِقَوْلِهِمْ تُسْمَعُ الدَّعْوَى فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ كُلِّ أَحَدٍ

وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ هَذَا مِنْهَا. (وَسُئِلَ) بِمَا صُورَتُهُ الْأَصَحُّ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَنَّ الْخَمْرَ يُقَدَّرُ خَلًّا وَفِي بَابِ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ أَنَّهُ يُقَوَّمُ عِنْدَ مَنْ يَرَى لَهُ قِيمَةً فَمَا الْفَرْقُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْكُفَّارَ حِينَ قَدِمُوا عَلَى الْعَقْدِ الْوَاقِعِ فِي الشِّرْكِ وَسَمَّوْا فِيهِ خَمْرًا كَانُوا يَعْتَقِدُونَ مُقَابَلَتَهُ بِقِيمَةٍ فَأَجْرَيْنَاهُمْ عَلَى مُعْتَقَدِهِمْ وَإِنْ أَسْلَمُوا بَعْدُ بِخِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَإِنْ قُلْت: مُقْتَضَاهُ أَنَّهُمَا لَوْ كَانَا ذِمِّيَّيْنِ قُوِّمَ فِي الْبَيْعِ أَيْضًا قُلْت: إمَّا أَنْ يُلْتَزَمَ ذَلِكَ وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ التَّقْوِيمُ ثُمَّ إنَّمَا هُوَ لِمَعْرِفَةِ مَا بَقِيَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ الْوَاجِبِ فِي الذِّمَّةِ وَالتَّقْوِيمُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا فِي الذِّمَّةِ أَحْوَطُ وَأَضْبَطُ وَأَمَّا هُنَا فَالْقَصْدُ مَعْرِفَةُ مَا يُقَابِلُ الْبَاطِلَ وَالصَّحِيحَ وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِتَقْدِيرِ الْخَمْرِ خَلًّا فَإِنْ قُلْت: قَدَّرُوا الْكَلْبَ هُنَا شَاةً وَفِي الْوَصِيَّةِ عِنْدَ مَنْ يَرَى لَهُ قِيمَةً قُلْت: كَأَنَّ الْفَرْق أَيْضًا أَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ مَعْرِفَة الثُّلُثِ وَلَا يُعْرَفُ إلَّا إنْ قُدِّرَ لَهُ قِيمَةٌ وَأَمَّا هُنَا فَالْقَصْدُ تَوْزِيعُ الثَّمَنِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِتَقْدِيرِهِ شَاةً. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ بَعْدَ لُزُومِ الْبَيْعِ دَفَعَ لِلْبَائِعِ نِصْفًا رِبْحًا فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ قَبُولُهُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا دَفَعَهُ لَهُ ظَانًّا أَنَّهُ مِنْ الثَّمَنِ لَمْ يَجُزْ لِلْبَائِعِ أَخْذُهُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ الثَّمَنِ وَإِنَّمَا دَفَعَهُ لَهُ تَبَرُّعًا جَازَ أَخْذُهُ فَإِنْ شَكَّ الْبَائِعُ فَلَمْ يَدْرِ أَدَفَعَهُ لَهُ بِالظَّنِّ الْمَذْكُورِ أَوْ مَعَ الْعِلْمِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهُ أَيْضًا لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ أَحْوَالِ الْعَامَّةِ أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ لُزُومَ الدَّفْعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَإِنَّ ذَلِكَ مِلْكٌ لِلْبَائِعِ مِنْ جُمْلَةِ ثَمَنِهِ الَّذِي وَجَبَ لَهُ. (وَسُئِلَ) بِمَا صُورَتُهُ قَالُوا يَحْرُمُ بَيْعُ الثَّوْبِ الَّذِي يَنْقُصُ بِقَطْعِهِ وَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فَهَلْ لَهُ حِيلَةٌ يَنْتَفِي بِهَا حُرْمَة الْقَطْعِ وَيَصِحُّ الْبَيْعُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ذَكَرَ فِي الْمَجْمُوعِ لَهُ طَرِيقًا وَهُوَ أَنَّهُ يُوَاطِئُهُ الْمُشْتَرِي عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ ذِرَاعًا مَثَلًا بِكَذَا فَيَقْطَعُهُ ثُمَّ يَشْتَرِيه وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذِهِ إنَّمَا هِيَ طَرِيقٌ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ لَا لِانْتِفَاءِ حُرْمَةِ الْقَطْعِ الَّذِي فِيهِ إضَاعَةُ مَالٍ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ سُومِحَ لَهُ فِي الْقَطْعِ حِينَئِذٍ رَجَاءً لِغَرَضِ الرِّبْحِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ أَنَّ إضَاعَةَ الْمَالِ إنَّمَا تَحْرُمُ إنْ قُصِدَتْ عَبَثًا وَهَذِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ نَعَمْ لَوْ زِيدَ لَهُ عَلَى قِيمَةِ الْمَقْطُوعِ مَا يُسَاوِي النَّقْصَ الْحَاصِلَ فِي الْبَاقِي فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَصِحُّ حِينَئِذٍ فَلَا حُرْمَةَ قَبْلَ الْبَيْعِ إذْ لَا إضَاعَةَ مَالٍ حِينَئِذٍ أَلْبَتَّةَ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْحِيلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ عَلَى خِلَافِ هَذِهِ الصُّورَةِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا إذَا بَاعَ شَيْئًا فِي الذِّمَّةِ بِلَفْظِ الشِّرَاءِ هَلْ يَكُونُ بَيْعًا أَوْ سَلَمًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ أَنَّهُ بَيْعٌ لَا سَلَمٌ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ نَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ فِيهِ اضْطِرَابًا وَقَالَ الْفَتْوَى عَلَى تَرْجِيحِ أَنَّهُ سَلَمٌ وَعَزَّاهُ لِلنَّصِّ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ إذْ التَّحْقِيقُ حَمْلُ النَّصِّ وَغَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ سَلَمٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَقَطْ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ بَاعَ مِنْ آخَرَ أَرْضًا وَكَانَ صِفَةُ الْبَيْعِ أَنْ قَالَ بِعْت مِنْك مِنْ أَرْضِي هَذِهِ ذَرْعَةَ الْأَرْضِ وَأَشَارَ إلَى أَرْضٍ هُمَا يَعْلَمَانِهَا بِالْمُشَاهَدَةِ وَلَا يَعْرِفَانِ قَدْرَهَا فَهَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَمْ لَا فَإِنَّا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ الْكِفَايَةِ إذَا قَالَ بِعْتُك بِزِنَةِ هَذِهِ الصَّخْرَةِ ذَهَبًا أَوْ مِلْءِ هَذِهِ الْغِرَارَةِ طَعَامًا صَحَّ فَهَلْ الْمَسْأَلَةُ قِيَاسُ مَسْأَلَتِنَا أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يُتَّجَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ عَدَمُ صِحَّةِ الْبَيْعِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ قَالَ بِعْتُك مِنْ هَذِهِ الدَّارِ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ بِدِرْهَمٍ فَإِنْ كَانَتْ ذَرِعَاتُهَا مَجْهُولَةً لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الصُّبْرَةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْفَرْقُ أَنَّ أَجْزَاءَ الدَّارِ تَخْتَلِفُ دُونَ أَجْزَاءِ الصُّبْرَةِ اهـ وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَا تُقَاسُ بِمَسْأَلَةِ الْكِفَايَةِ الْمُصَرَّحِ بِهَا فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَالنَّوَوِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَجْمُوعِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ بَيْعِ الْآبَارِ الْمَحْفُورَةِ الْحَاصِلِ فِيهَا مَاءٌ إذَا شُهِدَ عَلَى الْمُتَبَايِعَيْنِ بِصُدُورِ التَّبَايُعِ الصَّحِيحِ الشَّرْعِيِّ فِيهَا وَفِي حُقُوقِهَا وَطُرُقِهَا وَمُشْتَمِلَاتِهَا بَعْدَ النَّظَرِ وَالتَّقْلِيبِ الشَّرْعِيِّ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الشُّهُودُ لِلْمَاءِ الْحَاصِلِ فِي الْآبَارِ فَهَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالْمَاءُ مَعَ السُّكُوتِ عَنْ التَّصْرِيحِ بِهِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي بَيْعِهَا بَيْعُ الْمَاءِ مَعَهَا وَهَلْ الْإِشْهَادُ الْمَذْكُورُ كَافٍ فِي إدْخَالِ الْمَاءِ وَهَلْ إذَا اخْتَلَفَ

الْمُتَبَايِعَانِ فِي ذِكْرِهِ فَاحْتَجَّ الْمُدَّعِي لِدُخُولِهِ بِالْإِشْهَادِ الْمَذْكُورِ يَكْفِيه ذَلِكَ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِصَرِيحِ ذِكْرِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْآبَارِ إلَّا إنْ نَصَّ عَلَى دُخُولِ مَائِهَا فِي الْبَيْعِ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَفَاهُ أَوْ أَطْلَقَ وَلَا يَكْفِي عَنْ النَّصِّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمَا بِحُقُوقِهَا عَلَى مَا قَدْ يَقْتَضِيه كَلَامُهُمْ لَا سِيَّمَا كَلَامُ الْأَنْوَارِ وَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّ الْمَاءَ لَيْسَ مِنْ حُقُوقِ الْبِئْرِ فَهُوَ كَمَزَارِعِ الْقَرْيَةِ الْخَارِجَةِ عَنْهَا مَعَهَا فَإِنَّهَا لَا تَتَنَاوَلُهَا. وَإِنْ قَالَ بِحُقُوقِهَا قَالُوا لِأَنَّ الْعُرْفَ لَا يَقْتَضِي تَنَاوُلَهَا لَكِنْ يَشْكُلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ لَا تَتَنَاوَلُ الْأَرْضُ مَسِيلَ مَائِهَا وَشُرْبِهَا مِنْ نَحْوِ قَنَاةٍ مَمْلُوكَةٍ حَتَّى يَشْرُطَهُ أَوْ يَقُولَ بِحُقُوقِهَا إنْ كَانَ خَارِجًا عَنْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ فَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّ قَوْلَهُمَا بِحُقُوقِهَا بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ عَلَى دُخُولِ الْمَاءِ قِيَاسًا عَلَى مَا ذَكَرُوهُ فِي الْأَرْضِ مَعَ مَسِيلِ الْمَاءِ وَنَحْوِهِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْحُقُوقَ إذَا تَنَاوَلَتْ نَحْوَ الْمَسِيلِ وَالشُّرْبِ مَعَ خُرُوجِهِمَا عَنْ الْأَرْضِ وَمَعَ إمْكَانِ الِانْتِفَاعِ بِهَا بِدُونِهِمَا وَعَدَمِ دُخُولِهِمَا فِي مُسَمَّاهَا فَأَوْلَى أَنْ يَتَنَاوَلَ الْمَاءَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ عَنْ الْبِئْرِ وَلَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا بِدُونِهِ وَلِدُخُولِهِ فِي مُسَمَّاهَا وَبِذَلِكَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي مَزَارِعِ الْقَرْيَةِ مَعَهَا فَاتَّجَهَ إلْحَاقُ الْمَاءِ بِالْمَسِيلِ وَالشُّرْبِ دُونَ الْمَزَارِعِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمَا وَمُشْتَمِلَاتِهَا ظَاهِرٌ أَوْ صَرِيحٌ فِي شُمُولِ الْمَاءِ إذْ هُوَ بِمَعْنَى مَا اشْتَمَلَتْ الْبِئْرُ عَلَيْهِ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْمَاءُ الَّذِي فِيهَا فَحِينَئِذٍ لَا يُتَوَقَّفُ فِي الصُّورَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا أَنَّ الْمَاءَ يَدْخُلُ فِيهَا وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهِ نَوْعُ تَوَقُّفٍ مَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ بِحُقُوقِهَا إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَبَيْعُ الْآبَارِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ صَحِيحٌ وَالْإِشْهَادُ الْمَذْكُورُ كَافٍ فِي دُخُولِ الْمَاءِ فَلَا يَحْتَاجُ الْمُحْتَجُّ بِهِ إلَى بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِصَرِيحِ ذِكْرِهِ الْمَاءِ فِي الْعَقْدِ. (وَسُئِلَ) عَنْ دَارٍ بِيعَتْ وَفِي بَعْضِ جَوَانِبهَا مَخَازِنُ تَنْفُذُ أَبْوَابُهَا إلَى الشَّارِعِ وَلَيْسَ لَهَا مَنْفَذٌ مِنْ الدَّارِ مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْمَخَازِنَ دَاخِلَةٌ فِي بَيْعِ الدَّارِ فَهَلْ تَدْخُلُ هَذِهِ الْمَخَازِنُ فِي مُطْلَقِ بَيْعِ الدَّارِ لِاشْتِمَالِ الدَّارِ عَلَيْهَا كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي تَرْبِيعِهَا وَإِنْ لَمْ تَنْفُذْ إلَيْهَا كَمَا فِي بَعْضِ دُورِ مَكَّةَ أَوْ لَا تَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ بَيْعهَا إذْ لَا تُعَدُّ مِنْهَا كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْيَمَنِ وَكَمَا قَالَ الْأَصْحَابُ فِي بَابِ الْقُدْوَةِ إنَّ الْمَسَاجِدَ الْمُتَلَاصِقَةَ إذَا لَمْ يَنْفُذْ بَعْضُهَا لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ مَنْ هُوَ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا بِمَنْ هُوَ فِي آخَرَ قَالُوا لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ مَسْجِدًا وَاحِدٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْعُبَابِ فِي التَّجْزِئَةِ فِي بَابِ الْأَيْمَانِ وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ وَفَوْقَهَا حُجْرَةٌ بَابُهَا خَارِجُ الدَّارِ فَدَخَلَهَا لَمْ يَحْنَثْ فَإِنْ قِيلَ بَابُ الْأَيْمَانِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ قِيلَ كَذَلِكَ قَدْ يُعَلِّلُونَ بِالْعُرْفِ فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمَنْقُولُ فِي الْحُجْرَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالدَّارِ أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا صَرَّحَ بِهِ الصَّيْمَرِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْقَمُولِيِّ وَغَيْرُهُمَا قَالُوا لِخُرُوجِهَا عَنْ حُدُودِ الدَّارِ الَّتِي لَا تَتَمَيَّزُ إلَّا بِهَا وَبِهِ يُرَدُّ قَوْلُ السُّبْكِيّ يَنْبَغِي أَنْ تَتْبَعَهَا الْحُجْرَةُ الْمُتَّصِلَةُ بِهَا لِاقْتِضَاءِ الْعُرْفِ ذَلِكَ وَمَا عُلِّلَ بِهِ مَمْنُوعٌ فَقَدْ أَحَالُوا هُنَا مَا ذَكَرُوهُ فِي الْأَيْمَانِ فِي عَدَمِ دُخُولِ مَزَارِعِ الْقَرْيَةِ فِيهَا كَمَا لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِهَا مَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الْقَرْيَةَ وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ فَعَلِمْنَا أَنَّ مَلْحَظَ الْبَابَيْنِ وَاحِدٌ وَمِنْ الْمُقَرَّرِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِدُخُولِ تِلْكَ الْحُجْرَةِ مَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ الدَّارَ لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ مِنْهَا فَكَذَا لَا تَدْخُلُ فِي بَيْعِهَا وَمِثْلُهَا الْمَخَازِنُ الْمَذْكُورَةُ فِي السُّؤَالِ بَلْ هِيَ عَيْنُهَا وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ فِي مَسَائِلَ هُنَا الرُّجُوعُ إلَى عُرْفِ النَّاحِيَةِ مُتَعَيِّنٌ وَكَذَا إلَى الْقَرَائِنِ كَزِيَادَةِ الثَّمَنِ الدَّالَّةِ عَلَى إرَادَةِ دُخُولِ نَحْوِ الْمَزَارِعِ يَرُدُّهُ إطْلَاقُهُمْ الصَّرِيحُ فِي أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِعُرْفٍ يُخَالِفُ مَا ذَكَرُوهُ لِأَنَّهُ خَاصٌّ وَمَا ذَكَرُوهُ هُنَاكَ عَامٌّ وَالْعَامُّ مُقَدَّمٌ غَالِبًا. وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا فِي الْكَرْمِ مَا يُعْلَمُ بِهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي تَنَاوُلِ مَا ذَكَرُوهُ لِمَا ذَكَرُوهُ هُنَا بَيْنَ أَنْ يَجْرِيَ الْبَيْعُ فِي بَلَدٍ يَعْتَادُ أَهْلُهُ إطْلَاقَ ذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ وَأَنْ لَا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْعُرْفِ الْعَامِّ وَقَدْ نَقَلُوا عَنْهُ مَا ذَكَرُوهُ فَلَا مَسَاغَ لِمُخَالِفَتِهِ وَيُؤَيِّدُ مَا تَقَرَّرَ فِي الْحُجْرَةِ وَالْمَخَازِنِ الْمُتَّصِلَةِ بِالدَّارِ قَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَغَيْرِهِ فِي حَمَّامِ الدَّارِ الَّذِي يَجِبُ الْقَطْعُ بِهِ إنَّ الدَّارَ إنْ أَحَاطَتْ بِهِ بِأَنْ كَانَ فِي وَسَطِهَا أَوْ كَانَ خَارِجَهَا وَشَمَلَتْهُ حُدُودُهَا دَخَلَ سَوَاءٌ اسْتَقَلَّ أَمْ لَا وَإِنْ خَرَجَ عَنْ حُدُودِهَا

لَمْ يَدْخُلْ وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِلَّ ثُمَّ سَاقَ كَلَامَهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ السَّابِقَ فِي الْحُجْرَةِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا مَا صَحَّحَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونَ مِنْ أَوْجُهٍ ثَلَاثَةٍ فِي السَّابَاطِ الَّذِي عَلَى حَائِطِ الدَّارِ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَلَى حَائِطَيْهِ دَخَلَ أَوْ عَلَى حَائِطٍ لَمْ يَدْخُلْ. فَإِذَا كَانَ عَلَى حَائِطٍ فَقَطْ فَهُوَ مُتَّصِلٌ بِهَا كَالْمَخَازِنِ الْمَذْكُورَةِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فَكَذَلِكَ تِلْكَ الْمَخَازِنُ فَإِنْ قُلْت: قَالَ فِي الْعِدَّةِ تَدْخُلُ الْمِظَلَّةُ كَرَوَاشِنِ الدَّارِ وَهِيَ تَدْخُلُ فِيهَا وَإِنْ فُرِضَ أَنَّ لَهَا بَابًا أَيْضًا مِنْ خَارِجِهَا لِأَنَّهَا مِنْهَا وَإِنَّمَا تَنْقَطِعُ نِسْبَتُهَا عَنْهَا إنْ كَانَ لَهَا بَابٌ مِنْ خَارِجٍ وَلَيْسَ لَهَا بَابٌ مِنْ دَاخِلِهَا فَإِنْ قُلْتَ مَسْأَلَةُ السُّؤَالِ وَنَظَائِرُهَا مُشْكِلَةٌ تَصْوِيرًا لِأَنَّ الدَّارَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا إلَّا إنْ ذُكِرَتْ حُدُودُهَا الْأَرْبَعَةُ وَكَذَا مَا دُونَهَا إنْ تَمَيَّزَتْ بِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَحِينَئِذٍ فَإِذَا حَدَّدَ الدَّارَ فَإِنْ دَخَلَتْ تِلْكَ الْمَخَازِنُ أَوْ الْحُجْرَةُ فِي الْحُدُودِ كَانَتْ مَبِيعَةً قَطْعًا فَأَيُّ مَحَلٍّ يَتَحَقَّقُ فِيهِ خِلَافُ الْأَصْحَابِ وَالسُّبْكِيِّ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ نَازَعَ فِي الِاحْتِيَاجِ لِلتَّحْدِيدِ بِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ مَرْئِيَّةً كَفَى عَنْ ذِكْرِ الْحُدُودِ وَإِلَّا لَمْ يَكْفِ عَنْ ذِكْرِهَا. وَعَلَى هَذَا فَالْإِشْكَالُ بَاقٍ أَيْضًا لِأَنَّهُمَا إذَا رَأَيَا وَأَشَارَا إلَى الْمَبِيعِ دَخَلَتْ الْمَخَازِنُ أَوْ الْحُجْرَةُ إنْ تَنَاوَلَ ذَلِكَ إشَارَتَهُمَا وَإِلَّا لَمْ يَدْخُلَا فَأَيُّ مَسَاغٍ لِذَلِكَ الْخِلَافِ أَيْضًا قُلْت: أَمَّا الْأَوَّلُ فَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ صُورَتَهُ أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي يَعْرِفُ الدَّارَ وَمَا بِجَانِبِهَا فَيَقُول لَهُ بِعْتُك دَارِي الَّتِي بِمَحَلَّةِ كَذَا فَحِينَئِذٍ قَوْلُهُ دَارِي إلَخْ هَلْ يَتَنَاوَلُ مَا اتَّصَلَ بِهَا أَوْ لَا فَالْأَصْحَابُ يَقُولُونَ لَا يَتَنَاوَلُهُ لِأَنَّهُ لَمَّا انْفَرَدَ عَنْ الدَّارِ بِمَدْخَلٍ مُسْتَقِلٍّ مَعَ عَدَمِ نُفُوذِهِ إلَيْهَا كَانَ مُسْتَقِلًّا عَنْهَا غَيْرَ تَابِعٍ لَهَا فَلَمْ يَشْمَلْهُ لَفْظُهُ وَضْعًا وَلَا عُرْفًا وَالسُّبْكِيُّ يَقُولُ بَلْ يَشْمَلُهُ عُرْفًا لِاتِّصَالِهِ وَقَدْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ عَقِبَ كَلَامِ السُّبْكِيّ فِيهِ شَيْءٌ إذْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مَعْلُومًا مُشَاهَدًا مُشَاهَدَةً تَنْفِي الْجَهَالَةَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ بَيَّنَ لَهُ الْبَائِعُ الدَّارَ وَمَا اتَّصَلَ بِهَا وَأَوْرَدَ الْعَقْدَ عَلَى الْجَمِيعِ فَلَا شَكَّ فِي دُخُولِ الْجَمِيعِ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى اسْمِ الدَّارِ فَقَطْ وَعَلِمَ الْمُشْتَرِي حُدُودَهَا لَمْ يَدْخُلْ غَيْرُهَا إلَّا بِالتَّنْصِيصِ. وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ حُدُودَهَا لِاخْتِلَاطِهَا بِالدُّورِ حَوْلَهَا بِحَيْثُ لَا تُمَيِّزُهَا الرُّؤْيَةُ إلَّا بِالتَّوْقِيفِ عَلَى الْمَحْدُودِ فَهَذَا مَحَلُّ قَوْلِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرِهِ لَا تَدْخُلُ الْحُجْرَةُ وَالسَّاحَةُ وَالرَّحْبَةُ الْمُتَّصِلَةُ بِالدَّارِ لِخُرُوجِهَا عَنْ حُدُودِهَا الَّتِي لَا تَتَمَيَّزُ إلَّا بِهَا وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ إلَّا بِذِكْرِهَا فَإِنْ ذَكَرَا حَدَّيْنِ وَتَمَيَّزَتْ بِهِمَا صَحَّ اهـ وَأَمَّا الثَّانِي فَيُجَابُ عَنْهُ أَيْضًا بِأَنَّ الرُّؤْيَةَ لَا تُغْنِي عَنْ ذِكْرِ الْحُدُودِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ قَدْ يَرَى دُورًا مُتَلَاصِقَةً ثُمَّ يَشْتَرِي بَعْضَهَا فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْحُدُودِ أَوْ بَعْضِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُمَيِّزُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ الْأَرْشِ الْمُتَعَلِّقِ بِرَقَبَةِ الرَّقِيقِ إذَا اخْتَارَ سَيِّدُهُ فِدَاءَهُ بِاَلَّذِي لَهُ فِي ذِمَّةِ صَاحِبِ الْأَرْشِ مِنْ الدَّيْنِ وَكَانَ الدَّيْنُ قَدْرَ الْأَرْشِ وَعَلَى صِفَتِهِ فَهَلْ يَصِحُّ اخْتِيَارُهُ بِذَلِكَ وَيَكُونُ مِثْلَ تَقَاصِّ الدَّيْنَيْنِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ اخْتِيَارُ السَّيِّدِ الْفِدَاءَ لَا يَلْزَمُهُ بَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ فَحِينَئِذٍ إذَا اخْتَارَ فِدَاءَهُ بِمَالِهِ مِنْ الدَّيْنِ فِي ذِمَّةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَا يَقْتَضِي تَقَاصًّا وَإِلَّا لَزِمَ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَهُوَ حَرَامٌ بَاطِلٌ إجْمَاعًا (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ عَجَّانٍ خَبَّازٍ يَجْعَلُ الْخُبْزَ لِلْبَيْعِ وَيَبِيعُهُ عَلَى النَّاسِ وَهُوَ أَبْرَصُ أَجْذَمُ ذُو حَكَّةٍ وَسَوْدَاءَ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُبَاشِرَ الْخُبْزَ الْمَذْكُورَ وَهُوَ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ مَا بَاشَرَ نَحْو عَجْنِهِ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ لِلْمُشْتَرِي حَقِيقَةَ الْحَالِ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي لَوْ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَشْتَرِهِ مِنْهُ فِي الْغَالِبِ وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ يَكُونُ كَتْمُهُ مِنْ الْغِشِّ الْمُحَرَّمِ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ غَشَّ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ» وَقَدْ نَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ أَنْ يُخْرِجَ مَنْ بِهِ نَحْوَ جُذَامٍ أَوْ بَرَصٍ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِ النَّاسِ وَيُفْرِدَ لَهُمْ مَحَلًّا خَارِجَ الْبَلَدِ وَيُنْفِقُ عَلَى فُقَرَائِهِمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ إنْسَانٍ يَشْتَرِي وَيَكْتَالُ أَوْ يَزِنُ بِأَوْفَى ثُمَّ يَبِيعُ بِمُعْتَدِلٍ مُعْتَادٍ فَهَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ مُطْلَقًا أَوْ يُفْصَلُ بَيْنَ عِلْمِ بَائِعِهِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ إذَا اتَّفَقَ هُوَ وَبَائِعُهُ عَلَى أَنَّهُ يَشْتَرِي مِنْهُ بِهَذَا الْكَيْلِ أَوْ الْمِيزَانِ ثُمَّ اتَّفَقَ هُوَ وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ يَبِيعُهُ بِكَيْلٍ أَوْ مِيزَانٍ آخَرَ عَيَّنَاهُ جَازَ ذَلِكَ إذْ لَا غِشَّ مِنْهُ فِي حَالِ شِرَائِهِ وَلَا فِي حَالِ بَيْعِهِ لِأَنَّهُ

لَا يُتَصَوَّرُ مَعَ عِلْمِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَرِضَاهُمَا وَأَمَّا إذَا بَاعَ بِغَيْرِ مَا اشْتَرَى بِهِ مُوهِمًا الْمُشْتَرِيَ مِنْهُ أَنَّهُ إنَّمَا بَاعَهُ بِنَظِيرِ مَا اشْتَرَى بِهِ فَهُوَ غِشٌّ ظَاهِرٌ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ غَشَّ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ» وَضَابِطُ الْغِشِّ الْمُحَرَّمِ أَنْ يَشْتَمِلَ الْمَبِيعُ عَلَى وَصْفِ نَقْصٍ لَوْ عَلِمَ بِهِ الْمُشْتَرِي امْتَنَعَ مِنْ شِرَائِهِ فَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ يَكُونُ غِشًّا مُحَرَّمًا وَكُلُّ مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ غِشًّا مُحَرَّمًا. (وَسُئِلَ) بِمَا صُورَتُهُ مَا الْحُكْمُ فِي بَيْعِ نَحْوِ الْمِسْكِ لِكَافِرٍ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَشْتَرِيه لِيُطَيِّبَ بِهِ صَنَمَهُ وَبَيْعِ حَيَوَانٍ لِحَرْبِيٍّ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ بِلَا ذَبْحٍ لِيَأْكُلَهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَحْرُمُ الْبَيْعُ فِي الصُّورَتَيْنِ كَمَا شَمَلَهُ قَوْلُهُمْ كُلُّ مَا يَعْلَمُ الْبَائِعُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَعْصِي بِهِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بَيْعُهُ لَهُ وَتَطْيِيبُ الصَّنَمِ وَقَتْلُ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ بِغَيْرِ ذَبْحٍ مَعْصِيَتَانِ عَظِيمَتَانِ وَلَوْ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ كَالْمُسْلِمِينَ فَلَا تَجُوزُ الْإِعَانَةُ عَلَيْهِمَا بِبَيْعِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِفِعْلِهِمَا وَكَالْعِلْمِ هُنَا غَلَبَةُ الظَّنِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الصُّلْحِ لَوْ قَالَ بِعْتُك الْمَبِيعَ الَّذِي أَعْرِفُهُ أَنَا وَأَنْتَ صَحَّ هَلْ هَذَا يَصِحُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُتَبَايِعَيْنِ أَوْ لَوْ جَرَى هَذَا الْمَقَالُ لَدَى الْحَاكِمِ جَازَ لَهُ التَّسْجِيلُ عَلَيْهِ وَالْحُكْمُ بِمُجَرَّدِ هَذِهِ الصِّيغَةِ أَمْ لَا لِأَنَّ لِلْحُكْمِ طَرِيقًا آخَرَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَقِيسًا عَلَيْهَا فَرْعٌ آخَرَ يُعْلَمُ مِنْهُ الْمُرَادُ مِنْهَا وَهُوَ وَلَوْ أَقَرَّ لَآخِرَ بِمَحْمَلٍ فَصَالَحَهُ عَنْهُ وَهُمَا يَعْرِفَانِهِ صَحَّ الصُّلْحُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا كَمَا لَوْ قَالَ بِعْتُك الشَّيْءَ الَّذِي أَعْرِفُهُ أَنَا وَأَنْتَ فَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ شَيْئًا مَعْهُودًا لَهُمَا وَهُمَا يَعْرِفَانِهِ وَهُوَ مِمَّا يَكْفِي فِيهِ تَقَدُّمُ الرُّؤْيَةِ عَلَى الْعَقْدِ إنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا بِمَجْلِسِهِ فَإِذَا قَالَ مَالِكُهُ لِلْآخَرِ بِعْتُك الشَّيْءَ أَيْ الْمَعْهُودَ بَيْنَنَا الَّذِي أَعْرِفُهُ أَنَا وَأَنْتَ صَحَّ الْبَيْعُ. وَإِنْ لَمْ يُسَمِّيَاهُ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ عَلَى وُجُودِ شُرُوطِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِذَا كَانَا صَادِقَيْنِ فِي مَعْرِفَتِهِمَا وَإِرَادَتِهِمَا لِذَلِكَ الشَّيْءِ الْمَعْهُودِ صَحَّ الْبَيْعُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَإِنْ لَمْ يَكُونَا كَذَلِكَ صَحَّ ظَاهِرًا بِاعْتِرَافِهِمَا لَا بَاطِنًا لِفَقْدِ بَعْضِ شُرُوطِهِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَلَوْ صَدَرَ ذَلِكَ بَيْنَ يَدَيْ حَاكِمٍ فَلَهُ أَنْ يُسَجِّلَ بِهِ وَلَهُ بَعْدَ جَرَيَانِ مُسَوِّغِ الْحُكْمِ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ مُعْتَمِدًا عَلَى جَرَيَانِ عَقْدِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاعْتِرَافِهِمَا بِتَوْفِيرِ شُرُوطِهِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْلِهِمَا الَّذِي أَعْرِفُهُ أَنَا وَأَنْتَ وَكَمَا أَنَّ لَهُ الْحُكْمَ بِالْإِقْرَارِ بِجَرَيَانِ عَقْدِ الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمُقِرُّ شُرُوطَهُ فَكَذَلِكَ لَهُ الْحُكْمُ بِمَا ذُكِرَ بِالْأَوْلَى لِجَرَيَانِ الْعَقْدِ بِحَضْرَتِهِ وَاعْتِرَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِأَنَّهُ وَقَعَ مُسْتَوْفِيًا لِشُرُوطِهِ. (وَسُئِلَ) عَنْ الْمُشْتَرِي إذَا أَقَالَهُ الْبَائِعُ فِي أَرْضٍ بَاعَهُ إيَّاهَا وَقَدْ زَرَعَ الْمُشْتَرِي الْأَرْضَ هَلْ عَلَيْهِ أُجْرَةٌ فِي الْمُدَّةِ بَعْدَ الْفَسْخِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ أُجْرَةُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي نَظِيرِهِ فِي بَابِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ فَإِنْ قُلْت: الْأَرْضُ حَالُ زَرْعِ الْمُشْتَرِي كَانَتْ مِلْكَهُ فَهُوَ لَمْ يَزْرَعْ إلَّا مِلْكَ نَفْسِهِ فَكَيْفَ لَزِمَتْهُ الْأُجْرَةُ وَقِيَاسُ قَوْلِهِمْ لَوْ بَاعَ أَرْضًا مَزْرُوعَةً فَرَضِيَ الْمُشْتَرِي بِهَا لَزِمَهُ إبْقَاءُ زَرْعِ الْبَائِعِ مِنْ غَيْرِ أُجْرَةٍ لِأَنَّهُ زَرَعَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَلَا يُؤْمَرُ بِالْقَلْعِ قَبْلَ أَوَانِهِ عَدَمُ الْأُجْرَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا قُلْت: يُفَرَّقُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ بِأَنَّ مِلْكَ الْمُشْتَرِي حَالَ الزَّرْعِ كَانَ غَيْرَ مُسْتَقَرٍّ فَلَمَّا زَالَ رَاعَيْنَا كَوْنَهُ وَضَعَ زَرْعَهُ بِحَقٍّ لِكَوْنِهِ زَرَعَ مِلْكَهُ فَلَمْ يُمَكَّنْ الْبَائِعُ مِنْ الْقَلْعِ. وَكَوْنُ الْمِلْكِ زَالَ عَنْهُ وَصَارَتْ الْأَرْضُ مِلْكًا لِلْبَائِعِ فَلَمْ يُفَوِّتْ عَلَيْهِ أُجْرَتَهَا مُدَّةَ بَقَاءِ الزَّرْعِ فِيهَا فَكَانَ فِي إبْقَائِهِ بِالْأُجْرَةِ جَمْعٌ بَيْنَ مَصْلَحَتَيْ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ لِوُجُودِ مُسَوِّغِ كُلٍّ كَمَا تَقَرَّرَ وَأَمَّا زَرْعُ الْبَائِعِ فَقَدْ وَقَعَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ الْمُسْتَقَرِّ ثُمَّ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي خَيَّرْنَاهُ وَلَمَّا خَيَّرْنَاهُ كَانَ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ يَفْسَخَ وَيَرْجِعَ إلَى ثَمَنِهِ فَإِذَا اخْتَارَ الْإِجَازَةَ كَانَ مَوْطِنًا لِنَفْسِهِ عَلَى الرِّضَا بِهِ مِنْ غَيْرِ أُجْرَةٍ فَهَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْمُشْتَرِي لِلْأُجْرَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهُوَ لَا يُوجَدُ نَظِيرُهُ بَلْ ضِدُّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَاتَّضَحَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَأَنَّ إحْدَاهُمَا لَا تَلْتَبِسُ بِالْأُخْرَى فَتَأَمَّلْهُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ أَرْضٍ فِيهَا بَذْرُ شَجَرٍ بَاعَهَا وَبَذْرَهَا هَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ أَوْ لَا كَحَامِلٍ وَحَمْلِهَا؟ (فَأَجَابَ) لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهَا حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْبَذْرُ بِفَرْدٍ بِالْبَيْعِ وَلَمْ يَدْخُلْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَلَا يُقَالُ يَصِحُّ فِي الْأَرْضِ

تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ لِأَنَّ شَرْطَ الْقَوْلِ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَنْ يَكُونَ مَا فَسَدَ فِيهِ الْبَيْعُ مَعْلُومًا حَتَّى يُمْكِنَ التَّوْزِيعُ عَلَيْهِ وَهُنَا الْبَذْرُ مَجْهُولٌ جَهْلًا مُطْلَقًا فَلَا يُمْكِنُ التَّوْزِيعُ عَلَيْهِ فَإِنْ دَخَلَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ وَكَانَ ذِكْرُهُ تَأْكِيدًا كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَفَارَقَ بَيْعَ الْحَامِلِ مَعَ حَمْلِهَا بِأَنَّ الْحَمْلَ غَيْرُ مُحَقَّقِ الْوُجُودِ فَأَبْطَلَ التَّصْرِيحَ بِهِ وَجَعَلَهُ مَقْصُودَ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ يُوَرِّثُ جَهَالَةَ الْمَبِيعِ (وَسُئِلَ) هَلْ يَصِحُّ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ وَلَوْ بِشَرْطِ عِتْقِهِ وَتَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ وَكَذَا الْمُسْتَوْلَدَةُ بِشَرْطِ الْإِعْتَاقِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صِحَّةُ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ بِإِذْنِهِ وَبُطْلَانُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ سَوَاءٌ بِيعَ بِشَرْطِ الْعِتْقِ أَمْ لَا وَعَلَيْهِ حَمَلُوا حَدِيثَ بَرِيرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فَإِنَّهَا كَانَتْ مُكَاتَبَةً وَبِيعَتْ بِإِذْنِهَا وَحَيْثُ صَحَّ بَيْعُهُ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ وَقَوْلُ الْبُلْقِينِيُّ يَصِحُّ بَيْعُهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ مِنْ تَفَرُّدِهِ وَإِنَّمَا جَازَ بَيْعُهُ مِنْ نَفْسِهِ لِأَنَّ قَبُولَهُ إيَّاهُ مُتَضَمِّنٌ لِلْإِذْنِ وَامْتَنَعَ بَيْعُ الْمُسْتَوْلَدَةِ وَلَوْ بِشَرْطِ عِتْقِهَا وَبِإِذْنِهَا لِأَنَّ ثُبُوتَ حَقِّ الْحُرِّيَّةِ فِيهَا أَقْوَى مِنْهَا فِي الْمُكَاتَبِ. (وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ تَبَايَعَا وَبَيْنَهُمَا حَائِلٌ يَمْنَعُ رُؤْيَةَ الْأَشْخَاصِ لِأَسْمَاعِ الْأَصْوَاتِ هَلْ يَصِحُّ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَصِحُّ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْتَرِطُوا إلَّا سَمَاعَ كُلِّ كَلَامِ صَاحِبِهِ بَلْ صَرَّحُوا بِصِحَّةِ بَيْعِ الْأَعْمَى وَشِرَائِهِ لِمَا رَآهُ قَبْلَ الْعَمَى وَلِنَفْسِهِ وَبِصِحَّةِ تَبَايُعِ الْغَائِبِينَ نَعَمْ إنْ كَانَ وَرَاءَ الْحَائِلِ جَمَاعَةٌ اُشْتُرِطَ تَسْمِيَةُ الْمُشْتَرِي حَتَّى يَتَمَيَّزُ مِنْهُمْ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ بَيْنَهُمَا عَيْنٌ مُشْتَرَكَة بَاعَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ وَهِيَ تَحْتَ يَدِ الْآخَرِ فَأَرَادَ قَبْضَهَا وَتَسْلِيمَهَا لِلْمُشْتَرِي أَوْ أَنَّ شَرِيكَهُ يَأْذَنُ لَهُ فِي ذَلِكَ فَامْتَنَعَ فَهَلْ يَأْذَنُ الْحَاكِمُ عَنْهُ وَهَلْ يُتَصَوَّرُ الْإِقْبَاضُ مَعَ عَدَمِ إذْنِ الشَّرِيكِ مِنْ غَيْرِ ضَمَانٍ عَلَيْهِمَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ صَرَّحُوا بِأَنَّ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ لَا يَسْتَبِدُّ بِالْعَيْنِ الْمُشْتَرَكَةِ لِتَكُونَ تَحْتَ يَدِهِ إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ وَإِنَّمَا تَكُونُ تَحْتَ يَدِهِمَا أَوْ يَدِ عَدْلٍ وَحِينَئِذٍ فَيَرْفَعُ شَرِيكَهُ لِلْحَاكِمِ لِيَرْفَعَ يَدَهُ عَنْ حَقِّهِ وَيَأْذَنُ لِلْمُشْتَرِي فِي قَبْضِهِ ثُمَّ يَكُونُ بِيَدِهِمَا مَعًا فَإِنْ امْتَنَعَ نَصَّبَ الْقَاضِي عَدْلًا لِتَكُونَ الْعَيْنُ تَحْتَ يَدِهِ نِيَابَةً عَنْهُمَا ثُمَّ يَأْمُرُهُ بِقَبْضِهَا لِلْمُشْتَرِي وَحِينَئِذٍ لَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ نَعَمْ إنْ ثَبَتَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْحَبْسِ اُشْتُرِطَ إذْنُهُ. (وَسُئِلَ) إذَا كَانَ بَيْنَ الْمُبَعَّضِ وَسَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ صَحَّ فِي نَوْبَةِ سَيِّدِهِ شِرَاؤُهُ لَا ضَمَانُهُ فَمَا الْفَرْقُ؟ ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الشِّرَاءَ فِيهِ تَحْصِيلٌ لَا يُتَصَوَّرُ تَضَرُّرُ السَّيِّدِ بِهِ بِخِلَافِ الضَّمَانِ فَإِنَّ فِيهِ الْتِزَامَ تَغْرِيمٍ رُبَّمَا يَعُودُ عَلَى السَّيِّدِ بِضَرَرٍ، وَهَذَا فَرْقٌ ظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ الْإِشْكَالُ الْمَذْكُورُ فِي السُّؤَالِ لِلرَّافِعِيِّ وَنَقَلُوهُ عَنْهُ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِجَوَابِهِ وَقَدْ ظَهَرَ جَوَابُهُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فِي انْقِضَاءِ الْأَجَلِ وَالْمُتَآجِرَانِ فِي انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَهَلْ يَتَحَالَفَانِ أَوْ يَصْدُقُ أَحَدُهُمَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ نَشَأَ الِاخْتِلَافُ فِي الِانْقِضَاءِ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي قَدْرِ الْأَجَلِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى وَقْتِ الْعَقْدِ تَحَالَفَا وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ابْتِدَائِهِ صَدَقَ مُدَّعِي بَقَائِهِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اخْتَلَفَ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِيمَنْ قَبَضَ مُقَدَّرًا فَقَالَا لَوْ أَقَرَّ بِجَرَيَانِ الْكَيْلِ أَيْ أَوْ الْوَزْنِ فِي الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ خِلَافُهُ وَفِي الرَّوْضَةِ لَوْ أَقَرَّ بِإِقْبَاضِ رَهْنٍ وَقَالَ لَمْ يَكُنْ إقْرَارِي عَنْ حَقِيقَةٍ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ لِتَحْلِيفِ خَصْمِهِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لِإِقْرَارِهِ تَأْوِيلًا وَفَصْلًا فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ بَيْنَ مَا يَقَعُ مِثْلُهُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ فَيُقْبَلُ وَمَا لَا فَلَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا تَنَاقُضَ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمَا أَوَّلًا لَمْ يُسْمَعُ مِنْهُ خِلَافُهُ أَنَّهُ لَا يَصْدُقُ بِيَمِينِهِ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِيَحْلِفَ هُوَ بَلْ لِيَحْلِفَ خَصْمُهُ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَحِينَئِذٍ فَيُوَافِقُ هَذَا مَا ذُكِرَ عَنْ الرَّوْضَةِ فِي الرَّهْنِ وَتَفْصِيلُهُمَا الْمَذْكُورُ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا لَمْ يُقِرَّ الْقَابِضُ بِوُصُولِ حَقِّهِ إلَيْهِ وَإِنَّمَا قَالَ بَعْدَ جَرَيَانِ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ كُنْت أَظُنُّ تَمَامَ حَقِّي فَبَانَ نَاقِصًا فَتَعَارَضَ هُنَا أَصْلُ عَدَمِ قَبْضِ الْكُلِّ وَظَاهِرُ عَدَم الْغَلَطِ فَيَصْدُقُ إنْ أَمْكَنَ فِي الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ أَنْ يَبْخَسَ بِهِ فِي الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ فَلَا يَصْدُقُ فِي أَنَّ الْعَشَرَةَ تِسْعَةٌ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُمْكِنُ الْبَخْسُ فِيهِ (وَسُئِلَ) عَمَّنْ بَاعَ عَيْنًا مِنْ زَيْدٍ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ قَالَ الْبَائِعُ لِزَيْدٍ الْمَذْكُورِ قَبْلَ لُزُومِ الْبَيْعِ

بِعْتُكهَا بِعِشْرِينَ فَقَبِلَ فَهَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ الثَّانِي وَيَكُونُ فَسْخًا لِلْأَوَّلِ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ بِصِحَّةِ الثَّانِي فَهَلْ يَكُونُ كَإِلْحَاقِ الزِّيَادَةِ فِي الثَّمَنِ حَتَّى يَصِيرَ الثَّمَنُ ثَلَاثِينَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ بَيْعُ الْبَائِعِ وَالْخِيَارُ لَهُ الْمَبِيعُ وَلَوْ لِلْمُشْتَرِي فَسْخٌ وَصَحِيحٌ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ فَإِذَا قَبِلَهُ الْمُشْتَرِي صَحَّ قَبُولُهُ وَارْتَفَعَ حُكْمُ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْعِشْرُونَ الَّتِي وَقَعَ بِهَا الْعَقْدُ الثَّانِي وَلَيْسَ ذَلِكَ كَإِلْحَاقِ الزِّيَادَةِ قَبْلَ اللُّزُومِ لِأَنَّ صُورَةَ ذَلِكَ أَنَّ الزِّيَادَةَ أُلْحِقَتْ مَعَ تَقْرِيرِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ فَوَجَبَتْ مَضْمُونَةً إلَيْهِ وَأَمَّا هُنَا فَالْعَقْدُ الْأَوَّلُ ارْتَفَعَ وَمِنْ لَازِمِ ارْتِفَاعِهِ ارْتِفَاعُ ثَمَنِهِ فَلَمْ يَجِبْ إلَّا ثَمَنُ الثَّانِي لَا غَيْرُهُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا قَالَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ بُطْلَانِ بَيْعِ عَبْدَيْهِمَا بِأَلْفٍ أَوْ أَحَدِهِمَا بِحِصَّتِهِ مِنْ الْأَلْفِ وَعَلَّلُوا ذَلِكَ بِجَهْلِ حِصَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّمَنِ لَكِنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ الصِّحَّةَ بِالْحِصَّةِ فِي بَيْعِ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ فَمَا الْمُعْتَمَدُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَدْ ذَكَرْت هَذَا الْإِشْكَالَ وَجَوَابَهُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَعِبَارَتُهُ فَإِنْ قُلْت: يَشْكُلُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ بَلْ وَعَلَى كُلِّ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْحِصَّةَ فِي الْحِلِّ بِالْحِصَّةِ مِنْ الْمُسَمَّى بِاعْتِبَارِ قِيمَتِهَا قَوْلُهُمْ لَوْ بَاعَا عَبْدَيْهِمَا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ لَمْ يَصِحَّ لِلْجَهْلِ بِحِصَّةِ كُلٍّ عِنْد الْعَقْدِ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ تَخْمِينٌ وَهَذَا بِعَيْنِهِ جَارٍ فِيمَا هُنَا إذْ نَحْوُ عَبْدِهِ الَّذِي صَحَّ الْبَيْعُ فِيهِ مَا يُقَابِلُهُ مَجْهُولٌ عِنْدَ الْعَقْدِ فَمَا الْفَرْقُ؟ قُلْت: يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْجَهْلَ هُنَا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَحْذُورٌ وَهُوَ تَنَازُعٌ لَا إلَى غَايَةٍ لِانْدِفَاعِ الضَّرَرِ بِثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي بِخِلَافِهِ فِي تِلْكَ فَإِنَّ صِحَّتَهُ فِيهَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ الْمَحْذُورُ أَيْ وَلَا يُمْكِنُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ فِيهَا إذْ لَا مُوجِبَ لَهُ بَعْدَ فَرْضِ صِحَّتِهِ فِيهِمَا وَهُنَا الْمُوجِبُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي. فَإِنْ قُلْت: قَدْ لَا يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي لِكَوْنِهِ عَالِمًا بِالْمُفْسِدِ فَلِمَ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْحِلِّ حِينَئِذٍ مَعَ الْجَهْلِ حَالَةَ الْعَقْدِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَوُقُوعِ التَّنَازُعِ بَيْنَهُمَا لَا إلَى غَايَةٍ وَانْقِطَاعِهِ بِقَوْلِ الْمُقَوِّمِينَ جَارٍ فِي الصُّورَتَيْنِ بِلَا فَرْقٍ قُلْت يُفَرَّقُ بِأَنَّ إيرَادَ الْعَقْدِ عَلَيْهِمَا مَعَ الْعِلْمِ بِالْحَرَامِ مِنْهُمَا نَادِرٌ فَأَعْطَوْهُ حُكْمَ الْغَالِبِ مَعَ عَدَمِ الصِّحَّةِ فِي الْحَرَامِ إعْطَاءً لِكُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمَهُ لَا فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَلَمْ يُبَالُوا بِتَخَلُّفِ عِلَّتِهِمْ فِيهِ لِنُدُورِهِ وَالتَّعَالِيلُ إنَّمَا تُنَاطُ بِالْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ فَتَأَمَّلْهُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُ بِمَا لَفْظُهُ ذَكَرُوا فِي الْبَيْعِ فِيمَا إذَا أَلْحَقَ زِيَادَةَ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ بِصِيغَةِ شَرْطٍ أَمْ لَا وَقَالُوا فِي الْوَكِيلِ لَا يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ إلَّا إذَا أَتَى الْمُوَكِّلُ بِصِيغَةِ إشْهَادٍ كَمَا حَكَى عَنْ الْمَرْعَشِيِّ وَقَوْلِ الْإِرْشَادِ فِي الْوَكَالَةِ فَإِنْ أَمَرَ بِهِ وَجَبَ يَقْتَضِي خِلَافَهُ وَذَكَرُوا فِيمَا إذَا بَاعَ زَرْعًا بِشَرْطِ أَنْ يَحْصُدَهُ الْبَائِعُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي بُطْلَانِ الْبَيْعِ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ بِصِيغَةِ شَرْطٍ أَمْ لَا وَفِي الرَّهْنِ فِيمَا إذَا أَذِنَ الرَّاهِنُ فِي بَيْعِ الْمَرْهُونِ أَنَّهُ يَصِحُّ إلَّا إذَا شَرَطَ تَعْجِيلَ حَقِّهِ. وَلَمْ يُبَيِّنُوا أَنَّهُ لَا بُدَّ لِفَسَادِ الشَّرْطِ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ بِصِيغَةِ شَرْطٍ أَمْ لَا وَقَدْ ذَكَرُوا فِي الْكَفَالَةِ مَا يَقْتَضِي الْفَرْقَ بَيْنَ الشَّرْطِ وَعَدَمِهِ فِي بُطْلَانِهَا فِيمَا إذَا تَكَفَّلَ بِبَدَنِ رَجُلٍ وَشَرَطَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ أَنَّهُ يَغْرَمُ أَنَّهَا تَفْسُدُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَأْتِ بِصِيغَةِ شَرْطٍ وَفِي الْوَقْفِ إنَّ الْوَاقِفَ إذَا شَرَطَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الْوَقْفِ وَأَنْ يَقْضِيَ مِنْهُ دَيْنِهِ أَنَّهُ يَبْطُلُ وَلَمْ يُبَيِّنُوا حُكْمَ مَا إذَا أَتَى بِصِيغَةِ إخْبَارٍ وَلَوْ قَالَ وَقَفْت كَذَا وَلِيَ النَّظَرُ هَلْ يَكُونُ كَالشَّرْطِ أَمْ لَا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ النَّظَائِرِ وَهَلْ فَرْقٌ فِي الْعُقُودِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا خِيَارٌ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ بِكَلَامِهِ فِيهَا مُتَّصِلًا بِصِيغَةِ الْعَقْدِ فَيَلْزَمُ أَوْ لَا فَلَا يَلْزَمُ أَوْ يُقَالُ إذَا انْفَصَلَ عَنْ صِيغَةِ الْعَقْدِ يُفْصَلُ بَيْنَ أَنْ يَطُولَ فَلَا يَلْزَمُ أَوْ لَا يَطُولُ فَيَلْزَمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّ تَحْرِيرَ مَا ذَكَرُوهُ فِي إلْحَاقِ نَحْوِ الزِّيَادَةِ فِي زَمَنِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوْ الشَّرْطِ هُوَ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى ذَلِكَ فَاتِّفَاقُهُمَا عَلَيْهِ مُتَضَمِّنٌ لِفَسْخِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ سَوَاءٌ وُجِدَتْ صُورَةُ شَرْطٍ مِنْ أَحَدِهِمَا وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ الْآخَرُ أَمْ لَا وَمِنْ ثَمَّ لَوْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا فِي زَمَنِ الْخِيَارِ نَحْوَ زِيَادَةٍ وَلَمْ يُوَافِقْهُ الْآخَرُ عَلَيْهَا لَمْ يَضُرَّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ حَيْثُ قَالَ وَلَوْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِذِكْرِ زِيَادَةٍ صَحِيحَةٍ وَامْتَنَعَ مِنْ قَبُولِهَا الثَّانِي لَمْ يَلْحَقْ وَلَكِنْ لَوْ تَمَادَى الشَّارِطُ وَلَمْ يَفْسَخْ اسْتَمَرَّ الْعَقْدُ صَحِيحًا وَلَغَتْ الزِّيَادَةُ اهـ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا إنْ قَالَهُ عَلَى وَجْهِ الِالْتِمَاسِ وَطَلَبِ الزِّيَادَةِ أَوْ الْحَطِّ لَا غَيْرُ

فَظَاهِرٌ وَإِنْ قَالَ لَا أَرْضَى إلَّا أَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ كَذَا أَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي: لَا أَرْضَى إلَّا أَنْ يَحُطَّ عَنِّي كَذَا فَفِيهِ نَظَرٌ، فَتَأَمَّلْهُ اهـ قُلْت: مُرَادُ الْإِمَامِ الْأَوَّلُ لِقَوْلِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فِي بَابِ الْخِيَارِ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ الْفَسْخُ وَيَحْصُلُ بِقَوْلِ الْبَائِعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لَا أَبِيعُ حَتَّى يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ وَقَوْلِ الْمُشْتَرِي لَا أَفْعَلُ وَبِقَوْلِ الْمُشْتَرِي لَا أَشْتَرِي حَتَّى يُنْقِصَ الثَّمَنَ، وَقَوْلِ الْبَائِعِ لَا أَفْعَلُ، وَبِطَلَبِ الْبَائِعِ حُلُوله وَالْمُشْتَرِي تَأْجِيله اهـ. وَإِذَا تَأَمَّلْت مَا تَقَرَّرَ عَلِمْتَ أَنَّ مَا هُنَا لَا يُشْكِلُ عَلَى مَسَائِلِ الشَّرْطِ الْآتِيَةِ لِأَنَّ الْمَلْحَظَ هُنَا غَيْرُ الْمَلْحَظِ ثَمَّ لِمَا عَرَفْتَ أَنَّهُمَا إنْ تَوَافَقَا عَلَى نَحْوِ الزِّيَادَةِ تَضَمَّنَ ذَلِكَ فَسْخَ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَإِنْشَاءَ عَقْدٍ ثَانٍ وَإِنْ لَمْ يَتَوَافَقَا عَلَى ذَلِكَ كَانَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ بَاقِيًا بِحَالِهِ مَا لَمْ يَقُلْ لَا أَرْضَى إلَّا بِزِيَادَةِ كَذَا مَثَلًا لِتَضَمُّنِ هَذَا مِنْهُ فَسْخَ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ وَهُوَ جَائِزٌ لَهُ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّ الْخِيَارَ لَهُمَا، وَتَحْرِيرُ مَا ذَكَرُوهُ فِي صُورَةِ الْوَكِيلِ أَنَّ مَنْ وَكَّلَ فِي بَيْعٍ بِشَرْطِ الْإِشْهَادِ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ إلَّا إنْ وُجِدَ الْإِشْهَادُ ثُمَّ صُورَةُ شَرْطِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَرْعَشِيُّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ وَارْتَضَاهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ بِعْ بِشَرْطِ أَنْ تُشْهِدَ أَوْ عَلَى أَنْ تُشْهِدَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: لَهُ بِعْ وَأَشْهِدْ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ الْإِشْهَادُ حِينَئِذٍ شَرْطًا، وَكَلَامُ الرَّوْضَةِ كَالصَّرِيحِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ نَقَلَ عَنْ الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْوَلِيُّ لَلْوَكِيلِ لَا تُزَوِّجْهَا إلَّا بِرَهْنٍ أَوْ كَفِيلٍ بِالصَّدَاقِ لَزِمَ الْوَكِيلَ الِاشْتِرَاطُ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ أَوْ زَوِّجْهَا بِكَذَا وَخُذْ بِهِ كَفِيلًا فَزَوَّجَهَا بِلَا شَرْطٍ صَحَّ لِأَنَّهُ أَمَرَهُ بِأَمْرَيْنِ امْتَثَلَ أَحَدَهُمَا اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ مَلْحَظَ الْوَكَالَةِ غَيْرُ مَلْحَظِ صُوَرِ الشَّرْطِ الْآتِيَةِ أَيْضًا وَبَيَانُهُ أَنَّهُ إذَا أَمَرَهُ بِأَمْرَيْنِ فَإِنْ جَعَلَ أَحَدَهُمَا شَرْطًا فِي الْآخَرِ أَوْ كَانَ الثَّانِي لَا يُوجَدُ مُسْتَقِلًّا وَإِنَّمَا يُوجَدُ تَابِعًا لِلْأَوَّلِ كَشَرْطِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ تَوَقَّفَتْ صِحَّةُ الْآخَرِ عَلَى وُجُودِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ أَحَدَهُمَا شَرْطًا كَذَلِكَ وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِهِمَا فَقَطْ فَلَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ لَا يَلْزَمُهُ امْتِثَالُ جَمِيعِ أَوَامِرِ مُوَكِّلِهِ الْخَالِيَةِ عَنْ الِاشْتِرَاطِ وَكَلَامُ الْإِرْشَادِ لَا يُخَالِفُ ذَلِكَ بَلْ هُوَ عَيْنُ الشِّقِّ الثَّانِي لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُوَكِّل إذَا أَمَرَ وَكِيلَهُ بِالْبَيْعِ وَأَنْ يَشْرِطَ الْخِيَارَ فِيهِ لِفُلَانٍ تَوَقَّفَتْ صِحَّةُ بَيْعِهِ عَلَى شَرْطِ الْخِيَارِ لِفُلَانٍ وَبِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ بِعْ وَأَشْهِدْ وَبَيْنَ بِعْ وَاشْتَرِطْ الْخِيَار لِفُلَانٍ فَإِنَّهُ فِي الْأَوَّلِ يَصِحُّ بَيْعُهُ الْخَالِي عَنْ الْإِشْهَادِ وَفِي الثَّانِي لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ الْخَالِي عَنْ شَرْطِ الْخِيَارِ. وَإِيضَاحُ الْفَرْقِ أَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى الْبَيْعِ أَمْرٌ مُسْتَقِلٌّ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ مُجَرَّدِ الْأَمْرِ بِهِمَا أَنَّ أَحَدَهُمَا شَرْطٌ فِي الْآخَرِ بِخِلَافِ شَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِقْلَالُهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ تَابِعًا لِلْبَيْعِ دَائِمًا فَلَزِمَ مِنْ مُجَرَّدِ الْأَمْرِ بِهِ مَعَ الْبَيْعِ تَوَقُّفُ الْبَيْعِ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنْ قُلْت: كُلٌّ مِنْهُمَا سَوَاءٌ فِي اسْتِثْنَاءِ جَوَازِهِمَا لِمَصْلَحَةِ الْعَقْدِ وَالْإِشْهَادِ عَلَى الْبَيْعِ وَالْخِيَارِ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا تَابِعٌ لِلْبَيْعِ وَكَمَا يُوجَدُ الْإِشْهَادُ فِي غَيْرِ الْبَيْعِ كَذَلِكَ الْخِيَارُ يُوجَدُ فِي غَيْرِ الْبَيْعِ قُلْت: هُمَا وَإِنْ اشْتَرَكَا فِي ذَلِكَ لَكِنْ تَمَيَّزَ الْخِيَارُ بِأَنَّ جِنْسَهُ مِنْ لَوَازِمِ الْبَيْعِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ انْفِكَاكُهُ عَنْهَا وَثُبُوتُهُ فِي غَيْرِ الْبَيْعِ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ عَلَى الْبَيْعِ وَلَا كَذَلِكَ الْإِشْهَادُ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخِيَارَ أَلْصَقُ بِالْبَيْعِ مِنْ الْإِشْهَادِ فَجَازَ أَنْ يَخْتَصَّ عَنْ الْإِشْهَادِ بِلُزُومِهِ بِالْأَمْرِ كَمَا تَقَرَّرَ. فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ بِعْ وَأَشْهِدْ وَبِعْتُك وَاحْصُدْهُ إذْ هَذَا يَتَضَمَّنُ الِاشْتِرَاطَ دُون الْأَوَّلِ قُلْت الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ بِمَا يَأْتِي لِأَنَّ إيقَاعَ هَذَا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ أَخْرَجَهُ عَنْ حَيِّزِ الْوَعْدِ إلَى حَيِّزِ الِاشْتِرَاطِ بِخِلَافِ وَأَشْهِدْ فَإِنَّهُ وَقَعَ أَمْرًا مُجَرَّدًا غَيْرَ وَاقِعٍ فِي صُلْبٍ عَقْدٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ فَلَمْ يَحْتَفِ بِهِ مَا يَصْرِفُهُ إلَى الِاشْتِرَاطِ وَيُخْرِجُهُ عَنْ مَوْضُوعِهِ مِنْ كَوْنِهِ أَمْرًا مُجَرَّدًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ وَاحْصُدْهُ اقْتَرَنَ بِهِ مَا أَخْرَجَهُ عَنْ مَوْضُوعِهِ بِخِلَافِ وَأَشْهِدْ وَهَذَا ظَاهِرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ وَتَحْرِيرُ مَا ذَكَرُوهُ فِي بَيْعِ الزَّرْعِ وَنَحْوِهِ يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِي فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَصُورَةُ الشَّرْطِ الْمُفْسِدِ فِي سَائِرِ صُوَرِهِ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُك أَوْ اشْتَرَيْت مِنْك بِشَرْطِ كَذَا أَوْ عَلَى كَذَا أَوْ وَافْعَلْ كَذَا أَوْ تَفْعَلْ كَذَا بِالْإِخْبَارِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَسَوَاءٌ قَالَ بِعْتُكَهُ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تَحْصُدَهُ أَوْ وَتَحْصُدَهُ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَا يَصِحُّ الْأَوَّلُ قَطْعًا وَفِي الثَّانِي طَرِيقَانِ اهـ. لَكِنَّ قَوْلَهُ نَحْصُدُهُ يَنْبَغِي قِرَاءَتُهُ

بِالنُّونِ لِيَصِحَّ الْمَعْنَى أَمَّا قِرَاءَتُهُ بِالتَّاءِ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْحَصْدَ لَازِمٌ لِلْمُشْتَرِي فَلَا يَكُونُ شَرْطُهُ عَلَيْهِ فَاسِدًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ: وَأَحْصُدُهُ أَنَا أَوْ وَنَحْصُدُهُ نَحْنُ فَإِنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ لِمُخَالِفَتِهِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَأَبْطَلَهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّ وَاحْصُدْهُ لَيْسَ شَرْطًا وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ وَيُوَافِقُهُ تَسْوِيَتُهُمْ بَيْنَ بِعْتُك هَذِهِ النَّخْلَةَ بِشَرْطِ أَنَّ ثَمَرَتَهَا لَك وَبِعْتُك وَثَمَرَتُهَا لَك وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ نَحْوَ بِعْتُك وَأَقْرَضْتُك أَوْ اشْتَرَيْت مِنْك وَاقْتَرَضْتُكَ بَاطِلٌ مِثْلَ وَتُقْرِضُنِي وَعَلَيْهِ فَيُوَجَّهُ بِأَنَّ إيقَاعَهُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ يُفْهِمُ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ حَيِّزِ الْوَعْدِ إلَى حَيِّزِ الِاشْتِرَاطِ، قَالَ الْعَبَّادِيُّ وَلَوْ بَاعَ بِعَشَرَةٍ عَلَى أَنْ يَحُطَّ مِنْهَا دِرْهَمًا جَازَ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ تِسْعَةٍ أَوْ أَنْ يَهَبَهُ مِنْهَا دِرْهَمًا فَلَا وَهَذَا أَيْ الْأَوَّلُ إذَا قُلْنَا إنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ اهـ. وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ الْقَوْلُ فِي الْإِبْرَاءِ بِالْإِسْقَاطِ وَلَا بِالتَّمْلِيكِ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْفُرُوعِ وَالْمَدَارِكِ وَحِينَئِذٍ فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْحَطِّ أَوْ الْإِبْرَاءِ عَلَيْهِ اشْتِرَاطٌ لِمَا فِيهِ مِنْ شَائِبَةِ عَقْدٍ قَوِيَّةٍ فَآثَرْت الْفَسَادَ كَالْهِبَةِ، وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ ذَلِكَ عِبَارَةً عَنْ تِسْعَةٍ كَمَا زَعَمَهُ نَعَمْ إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ التَّعْبِيرِ عَنْ عَشَرَةٍ فَلَا يَبْعُدُ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ حِينَئِذٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَ عَلَى أَنْ يَسْقُطَ مِنْهَا دِرْهَمٌ، وَمَرَّ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ هَذِهِ الصُّبْرَةَ كُلَّ صَاعٍ بِدِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ صَاعًا هِبَةً أَوْ بَيْعًا لَمْ يَصِحَّ وَاسْتُشْكِلَ بِمَا لَوْ أَقْرَضَهُ عَشَرَةً عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ عَشَرَةً، وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَا مُعَارَضَةَ فِي صُورَةِ الْقَرْضِ بِخِلَافِهِ هُنَا وَفِي ذَلِكَ إشْكَالًا وَجَوَابًا نَظَرُوا لِقِيَاسِ بُطْلَانِ الْقَرْضِ بِهَذَا الشَّرْطِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ الْآتِي أَوَاخِرَ بَابِ الْقَرْضِ. انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَبِقَوْلِي وَعَلَيْهِ فَيُوَجَّهُ بِأَنَّ إيقَاعَهُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ يُفْهِمُ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ حَيِّزِ الْوَعْدِ إلَى حَيِّزِ الِاشْتِرَاطِ يُعْلِمُ سِرَّ كَوْنِهِمْ جَعَلُوا قَوْلَهُ " وَأَحْصُدُهُ أَوْ وَنَحْصُدُهُ " الَّذِي هُوَ إخْبَارٌ مَحْضٌ مِثْلَ الشَّرْطِ لِأَنَّهُ لَمَّا وَسَّطَهُ بَيْنَ طَرَفَيْ الْعَقْدِ أَوْ الصِّفَةِ بِالظَّرْفِ الْمُتَأَخِّرِ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ مُتَضَمِّنًا لِلشَّرْطِيَّةِ فَهُوَ إخْبَارٌ مُرَادٌ بِهِ الْإِنْشَاءُ بِحَسَبِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُهُ فَآثَرَ الْفَسَادَ فَعُلِمَ اتِّضَاحُ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي نَحْوِ بِعْ وَأَشْهِدْ. إذْ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى الِاشْتِرَاطِ لِمَا مَرَّ فِيهِ مُوَضَّحًا إذْ هُوَ مُجَرَّدُ أَمْرٍ بِشَيْئَيْنِ امْتَثَلَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَتَحْرِيرُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الرَّهْنِ يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِي فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَأَفْهَمَ قَوْلُهُ بِشَرْطِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اللَّفْظِ بِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ فَلَا أَثَرَ لِقَصْدِهِ وَلَا لِتَلَفُّظِهِ بِهِ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الشَّرْطِ كَأَذِنْتُ لَك فِي بَيْعِهِ لِتَعَجُّلٍ وَأَطْلَقَ فَيَصِحُّ الْإِذْنُ وَالْبَيْعُ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى بِهِ الِاشْتِرَاطَ عَلَى مَا بَحَثَهُ السُّبْكِيّ وَرَدَّ الزَّرْكَشِيُّ لَهُ بِأَنَّهُ كَمَا لَوْ نَكَحَ بِشَرْطِ إذَا وَطِئَ طَلَّقَ يَبْطُلُ فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ وَنَوَاهُ صَحَّ ذِكْرُهُ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الَّذِي فِيهِ مُجَرَّد نِيَّةٍ وَاَلَّذِي فِي ذَاكَ لَفْظٌ مَعَ نِيَّةٍ وَهُوَ أَقْوَى، وَيَتَّجِهُ أَنْ يَأْتِيَ هُنَا نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ أَيْ: بَيْعُ الْوَكِيلِ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ مِنْ أَنَّ " عَلَى أَنْ تَجْعَلَ " كَالشَّرْطِ بِخِلَافِ وَتَجْعَل انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُور وَبِقَوْلِي فِيهَا وَيَتَّجِهُ أَنْ يَأْتِيَ هُنَا إلَخْ يُعْلَمُ أَنَّ مَلْحَظَ مَا ذَكَرُوهُ فِي الرَّهْنِ هُوَ مَلْحَظُ مَا ذَكَرُوهُ فِي بَيْعِ الْوَكِيلِ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ فِيهِ وَقَدْ مَرَّ مَا فِيهِ فَلَا يَشْكُلُ عَلَى مَا مَرَّ فِي صُوَرِ شَرْطِ الْبَيْعِ الْمُفْسِدِ وَبِمَا قَرَّرْته فِيهَا عَنْ السُّبْكِيّ وَالزَّرْكَشِيِّ مِنْ أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي نِيَّةِ الشَّرْطِ. وَأَمَّا لَفْظُهُ فَمُبْطِلٌ بِلَا خِلَافٍ يُعْلَمُ انْدِفَاع قَوْلِ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَلَمْ يُبَيِّنُوا أَنَّهُ لَا بُدَّ إلَخْ بَلْ بَيَّنُوا ذَلِكَ كَمَا تَقَرَّرَ وَتَحْرِيرُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْكَفَالَةِ يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِي فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَفَسَدَتْ الْكَفَالَةُ إنْ شَرَطَ فِي عَقْدِهَا الْغُرْم عِنْدَ تَعَذُّرِ تَسْلِيمِ الْمَكْفُولِ بِإِنْ قَالَ كَفَلْت بَدَنَهُ بِشَرْطِ الْغُرْمِ أَوْ عَلَى أَنِّي أَغْرَمُ أَوْ نَحْوِهِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَاهَا وَفَسَدَ أَيْضًا الْتِزَامُ الْمَالِ لِأَنَّهُ صَيَّرَ الضَّمَانَ مُعَلَّقًا أَمَّا كَفَلْت بَدَنَهُ فَإِنْ مَاتَ فَعَلَيَّ الْمَالُ فَإِنَّ الَّذِي يَفْسُدُ الْتِزَامُ الْمَالِ فَقَطْ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَمَحَلُّهُ مَا إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الشَّرْطَ أَمَّا إذَا أَرَادَ فَإِنْ وَافَقَهُ الْمَكْفُولُ لَهُ بَطَلَتْ الْكَفَالَةُ أَيْضًا وَإِلَّا رَجَعَ إلَى الِاخْتِلَافِ فِي دَعْوَى الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فَيَصْدُقُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ ثُمَّ قُلْت: فِيهِ لَا بِصِيغَةِ وَعْدٍ كَقَوْلِهِ أُؤَدِّي الْمَالَ أَوْ أُحْضِرُ الشَّخْصَ أَوْ الْمَالَ لِأَنَّ الصِّيغَةَ لَا تُشْعِرُ بِالِالْتِزَامِ وَلِأَنَّ الْوَعْدَ لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ نَعَمْ إنَّ صَحِبَهُ قَرِينَةُ الْتِزَامٍ صَحَّ كَمَا بَحَثَهُ فِي الْمَطْلَبِ وَأَيَّدَهُ السُّبْكِيّ بِكَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرِهِ

وَظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهُ عِنْدَ الْقَرِينَةِ صَرِيحٌ لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ يُشْبِهُ أَنَّهُ كِتَابَةٌ وَأَيَّدَهُ غَيْرُهُ بِمَا لَوْ قَالَ دَارِي لِزَيْدٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ إلَّا إنْ قَصَدَ بِالْإِضَافَةِ كَوْنَهَا مَعْرُوفَةً بِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَفِي التَّأْيِيدِ بِذَلِكَ نَظَرٌ وَالْأَوْلَى تَأْيِيدُهُ بِأَنَّ الصَّرَاحَةَ لَا تُؤْخَذُ مِنْ الْقَرَائِنِ كَمَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ الِاشْتِهَارِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَكَالْقَرِينَةِ نِيَّةُ الِالْتِزَامِ كَمَا أَخَذَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِمَّا لَوْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ: أُطَلِّقُ وَأَرَادَتْ بِهِ الْإِنْشَاءَ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ حَالًا وَلَا يُنَافِيه الْقَوْلُ بِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُضَارِعَ عِنْدَ تَجَرُّدِهِ لِلْحَالِ أَيْ: لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ. انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَبِهَا فِي الْمَحَلَّيْنِ الْكَفَالَةُ وَالضَّمَانُ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالشَّرْطِ مَا لَوْ قَالَ عَلَى أَنْ تَغْرَمَ أَوْ نَحْوَهُ كَعَلَى أَنْ أَغْرَمُ وَكَذَا لَوْ قَالَ وَأَغْرَمُ أَنَا وَنَوَى بِهِ الشَّرْطَ وَوَافَقَهُ الْآخَرُ " وَإِلَّا صُدِّقَ " مُدَّعِي الصِّحَّةِ وَأَنَّ قِيَامَ الْقَرِينَةِ كَنِيَّةِ الشَّرْطِيَّةِ وَبِهَذَا كُلِّهِ يُعْلَمُ رَدُّ إطْلَاقِ قَوْلِ السَّائِلِ وَقَدْ ذَكَرُوا فِي الْكَفَالَةِ مَا يَقْتَضِي الْفَرْقَ. إلَخْ. فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَا تَقَرَّرَ فِي الْكَفَالَةِ وَمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ قُلْت: الْفَرْقُ هُنَا نَظِيرُ مَا مَرَّ أَنَّ إيقَاعَ وَتَحْصُدُهُ فِي صُلْبِ عَقْدٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى إيجَابٍ وَقَبُولٍ صَيَّرَهُ كَالْجُزْءِ مِنْ الصِّيغَةِ فَآثَرَ فَسَادَهَا مُطْلَقًا وَأَمَّا الْكَفَالَةُ وَالضَّمَانُ فَلَيْسَ فِيهِمَا عَقْدٌ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ طَرَفِ الْكَفِيلِ أَوْ الضَّامِنِ فَقَطْ فَاغْتَفَرُوا فِيهِ مَا لَمْ يُغْتَفَرْ فِي الْبَيْعِ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ لَهُ أَكْثَر وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْكَفَالَةَ أَشْبَهَتْ الرَّهْنَ وَبَيْعَ الْوَكِيلِ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ فِيمَا مَرَّ فِيهِمَا بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الثَّلَاثَةِ لَيْسَ فِيهِ إلَّا لَفْظٌ مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ فَتَقَارَبَتْ أَحْكَامُهَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ فِيهِ لَفْظَيْنِ مِنْ طَرَفَيْنِ فَكَانَ وُقُوعُ نَحْوِ اُحْصُدْهُ بَيْنهمَا قَرِينَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّهُ لِلشَّرْطِ فَأَبْطَلَهُ لِمَا مَرَّ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ فِيهِ مَا لَا يُحْتَاطُ فِي غَيْرِهِ وَتَحْرِيرُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْوَقْفِ يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِي فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ أَيْضًا وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ بِشَرْطِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ كَأَنْ وَقَفَهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مَعَهُمْ مِنْ رِيعِهِ وَلَا بِشَرْطِ أَنْ يَنْتَفِعَ مِنْهُ بِشَيْءٍ كَأَنْ وَقَفَ عَيْنًا بِشَرْطِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا. ثُمَّ قُلْت: وَقَوْلُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي وَقْفِهِ بِئْرَ رُومَةَ: دَلْوِي فِيهَا كَدِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ شَرْطًا بَلْ إخْبَارٌ بِأَنَّ لِلْوَاقِفِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِوَقْفِهِ الْعَامِّ ثُمَّ قُلْت: مَا حَاصِلُهُ وَيَتْبَعُ شَرْطَهُ فِي نَظَرٍ عَلَى الْوَقْفِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ كَمَا يَتْبَعُ فِي مَصَارِفِهِ وَحَيْثُ شَرَطَ النَّظَرَ لِغَيْرِهِ حَالَ الْوَقْفِ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَظَرٌ فَلَيْسَ لَهُ عَزْلٌ مِنْ شَرْطِ نَظَرِهِ حَالَ الْوَقْفِ وَلَوْ لِمَصْلَحَةٍ وَلَا نَظَرَ لِتَفْوِيضِ النَّظَرِ أَوْ التَّدْرِيسِ حَالَةَ الْوَقْفِ كَمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ لِعَدَمِ صِيغَةِ الشَّرْطِ خِلَافًا لِلْبَغَوِيِّ حَيْثُ أَلْحَقَهُ بِالشَّرْطِ وَلَا فَرْقَ فِي الشَّرْطِ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ وَقَفْتُ وَشَرَطْت أَنْ يَكُونَ زَيْدٌ مُدَرِّسًا أَوْ وَقَفْت بِشَرْطِ كَوْنِهِ مُدَرِّسًا كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَاعْتِرَاضُ الْمُصَنِّفِ كَالْإِسْنَوِيِّ الثَّانِي بِأَنَّ زَيْدًا قَدْ يَقْبَلُ وَقَدْ لَا يَقْبَلُ فَتَكُونُ الصِّيغَةُ مُفْسِدَة لِأَصْلِ الْوَقْفِ مِنْ أَجْلِ التَّعْلِيقِ مَرْدُودٍ بِأَنَّ الْبَاءَ فِي بِشَرْطِهِ لِلْمُلَابَسَةِ أَيْ وَقْفًا مُلْتَبِسًا بِهَذَا الشَّرْطِ مُشْتَمِلًا عَلَيْهِ لَا لِلتَّعْلِيقِ وَفَارَقَ وَقَفْت وَشَرَطْت وَفَوَّضْت بِأَنَّ فَوَّضْت جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْأُولَى. فَكَانَتْ وَاقِعَةً بَعْدَ لُزُومِ الْأُولَى لِاسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَعَدَمِ ارْتِبَاطِهِ بِالْآخَرِ فَلَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ بَيْنَ التَّفْوِيضِ الْوَاقِعِ حَالَ الْوَقْفِ وَبَعْدَهُ لِذَلِكَ بِخِلَافِ وَقَفْت وَشَرَطْت لِأَنَّ شَرَطْت مِنْ تَتِمَّاتِ مَا قَبْلهَا أَيْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْقَصْدَ تَقْيِيدُهُ بِمَا فِي حَيِّزِهَا وَفَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْنَ مَا يَقَعُ تَقْيِيدًا لِمَا قَبْلَهُ وَمَا يَقَعُ مُقَيِّدًا لِمَا قَبْلَهُ فَكَانَتْ أَيْ شُرِطَتْ مُقَيِّدَةً لَهُ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِقَضِيَّتِهَا قَالَ السُّبْكِيّ وَمُوَرِّقُو كُتُبِ الْأَوْقَافِ تَارَةً يَقُولُونَ وَشَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِفُلَانٍ وَتَارَةً يَقُولُونَ وَجَعَلَ النَّظَرَ لِفُلَانٍ وَيَفْهَمُونَ مِنْهُمَا مَعْنًى وَاحِدًا وَهُوَ الِاشْتِرَاطُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ إذَا دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَجْعَلَهُ فِي ضِمْنِ الْكِتَابِ وَيُشْهِد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ وَقَفَ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ وَمَا أَشْبَهَهُ حَتَّى لَوْ قَالَ فِي الْكِتَابِ وَبَعْد تَمَامِ الْوَقْفِ وَجَعَلَ النَّظَرَ لِفُلَانٍ أَوْ شَرَطَهُ لَهُ لَمْ يَصِحَّ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا أَوْرَدَ الْوَقْفَ عَلَى صِفَةٍ دَلَّ عَلَيْهَا بِصِيغَةِ الشَّرْطِ أَوْ الْجُعْلِ أَوْ التَّفْوِيضِ أَوْ غَيْرِهَا لَزِمَ جَمِيعُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ الَّذِي أَوْرَدَ الْوَقْفَ عَلَيْهِ. بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْرَدَ الْوَقْفَ وَحْدَهُ ثُمَّ ذَكَرَ تِلْكَ الشُّرُوطَ مُتَرَاخِيَةً أَوْ مُتَعَاقِبَةً فَإِنَّهَا لَا تَلْزَمُ وَلَا تَصِحُّ وَفِي إطْلَاقِهِ ذَلِكَ نَظَرٌ

يُتَلَقَّى مِمَّا مَرَّ فِي وَقَفْت وَشَرَطْت وَيُجَابُ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ إنَّمَا هُوَ فِي عِبَارَاتِ الْأَوْقَافِ الْمُحْتَمَلَةِ لِصُدُورِهَا مِنْ الْوَاقِفِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ فَاحْتِيطَ لَهَا بِمَا ذُكِرَ وَمَا مَرَّ إنَّمَا هُوَ فِي لَفْظِ الْوَاقِفِ الْمُحَقِّقِ فَعَمَل بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اهـ الْغَرَضُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَبِهَا يُعْلَمُ أَنَّ سَائِرَ شُرُوطِ الْوَاقِفِ لَا تُؤَثِّرُ إلَّا إنْ كَانَتْ بِصِيغَةِ الشَّرْطِ أَوْ مُرَادِفِهِ كَوَقَفْت كَذَا عَلَى أَنْ آكُلَ مِنْهُ أَوْ عَلَى أَنْ أَكُونَ نَاظِرَهُ أَوْ عَلَى أَنْ لَا يُؤَجَّرَ وَكَذَا كُلُّ صِفَةٍ أَوْرَدَ الْوَقْفَ عَلَيْهَا وَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى اشْتِرَاطِهَا فَإِنَّهَا تَلْزَمُ بِخِلَافِ مَا لَيْسَ فِيهِ صِيغَةُ شَرْطٍ وَلَا مُرَادِفِهِ وَلَا أَوْرَدَ الْوَقْفَ عَلَيْهِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَغْوًا لَا يُعْمَلُ بِهِ فِي الْبُطْلَانِ وَلَا فِي الصِّحَّةِ. وَبِهَذَا يُعْلَمُ رَدُّ قَوْلِ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَلَمْ يُبَيِّنُوا حُكْمَ مَا إذَا أَتَى بِصِيغَةِ إخْبَارٍ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَرَ كَلَامَ السُّبْكِيّ وَغَيْرَهُ مِمَّا ذُكِرَ الْمَعْلُومُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَهُ وَقَفْت كَذَا وَلِيَ النَّظَرُ لَا يُفِيدُ الشَّرْطِيَّةَ لِأَنَّهُ ذُكِرَ بَعْدَ تَمَامِ الْوَقْفِ وَلَمْ يَدُلَّ عَلَى اشْتِرَاطِهِ بِشَيْءٍ نَعَمْ إنْ نَوَى بِهِ الِاشْتِرَاطَ احْتَمَلَ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي كَلَامِهِمْ فِي الضَّمَانِ وَغَيْرِهِ وَاحْتَمَلَ الْفَرْقَ بِأَنَّهُ بِتَمَامِ قَوْلِهِ وَقَفْت انْقَطَعَ حَقُّهُ عَنْهُ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ فِيهِ تَصَرُّفٌ بِوَجْهٍ حَتَّى يُقْبَلَ قَوْلُهُ إنْ نَوَى بِمَا أَتَى بِهِ بَعْدَ تَمَامِ الْوَقْفِ الشَّرْطِيَّةَ وَهَذَا أَقْرَبُ وَإِذَا تَأَمَّلْت مَا تَقَرَّرَ فِي الْوَقْفِ وَمَا قَبْلَهُ عَلِمْتَ أَنَّ الْأَبْوَابَ لَهَا مَلَاحِظُ مُخْتَلِفَةٌ يَحْتَاجُ إدْرَاكُهَا إلَى مَزِيدِ تَأَمُّلٍ وَمُرَاجَعَةٍ لِمَدَارِكِهِمْ وَعِلَلِهِمْ وَمَحَطِّ نَظَرِهِمْ وَتَصَرُّفِهِمْ وَإِنْ تَرَدَّدَ السَّائِلُ بَيْنَ الْعَقْدِ الَّذِي لَا خِيَارَ فِيهِ فَيَلْزَمُ مَا اتَّصَلَ بِصِيغَةِ عَقْدِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مُطْلَقًا وَإِنْ أَطَالَ الْفَصْلَ بِرَدِّهِ مَا تَقَرَّرَ فِي الْوَقْفِ فَإِنَّهُ لَا خِيَارَ فِيهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَعْمَلُ بِمَا اتَّصَلَ بِعَقْدِهِ كَمَا تَقَرَّرَ عَنْ السُّبْكِيّ (وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ مَا حُكْمُ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَقَعُ بَيْنَ أَهْلِ مِلِيبَارَ فِي الْبَيْعِ وَلَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى الْبَيْعِ بَلْ عِنْدَهُمْ لَا يَكُونُ بَيْعًا إلَّا بِهَا فَهَلْ يُعَامَلُ ذَلِكَ مُعَامَلَةَ لَفْظِ الْبَيْعِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا تَكُونُ تِلْكَ الْأَلْفَاظُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى الْبَيْعِ صَرِيحَةً فِيهِ أَصْلًا وَكَذَا لَا تَكُونُ كِنَايَةً فِيهِ إلَّا إنْ احْتَمَلَتْهُ وَلَمْ تَكُنْ مَوْضُوعَةً لِعَقْدٍ آخَرَ يَجِدُ نَفَاذًا لِاسْتِعْمَالِهَا فِيهِ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ فِي ذَلِكَ وَهِيَ أَنَّ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابِهِ وَوَجَدَ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ لَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ وَلَوْ بَيَّنَ السَّائِل تِلْكَ الْأَلْفَاظِ لَكَانَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا بِأَعْيَانِهَا أَظْهَرَ مِنْهُ عَلَيْهَا إجْمَالًا إذْ شَتَّانَ مَا بَيْنَ التَّفْصِيلِ وَالْإِجْمَالِ فَإِنَّ السَّائِلَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُنْزِلَ هَذَا الْإِجْمَالَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَلَى تِلْكَ الْأَلْفَاظِ إلَّا إنْ كَانَ عِنْدَهُ مَلَكَةٌ عِلْمِيَّةٌ يَهْتَدِي بِهَا إلَى حَقَائِقِ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ وَحَقَائِقِ فَهْمِ مَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ فِي نَظَائِرِهَا أَوْ فِي مُرَادَفَاتِهَا. (وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ قَوْلُهُمْ يَجُوزُ زِيَادَةُ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ مُشْكِلٌ جِدًّا لِأَنَّهُ إلَّا لَمْ يُجَدِّدْ عَقَدًا فَلَا بَيْعَ وَلَا ثَمَنَ وَإِنْ جَدَّدَ لَمْ تَكُنْ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يَدُلُّ هُنَا عَلَى التَّرَاضِي لِيَقُومَ مَقَامَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فَالْجَوَابُ إنَّ هَذَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُمْ قَائِلُونَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ بِالْمُعَاطَاةِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَكَلَامُهُمْ فِي أَوَّلِ الْبَيْعِ يَدْفَعُهُ فَمَا الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْخِيَارَ مَجْلِسًا وَزَمَنًا مَا بَقِيَ يَمْنَعُ لُزُومَ الْعَقْدِ وَيَجْعَلُ مَا بَعْدَهُ مِنْ الزَّمَنِ بِمَنْزِلَةِ حَرِيمِهِ وَلِذَا كَانَ اشْتِرَاطُ شَرْطٍ فَاسِدٍ فِي ذَلِكَ الْحَرِيمِ يُفْسِدُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْوَاقِعِ فِي صُلْبِهِ إذْ حَرِيمُ الشَّيْءِ مُلْحَقٌ بِهِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَزِيَادَةُ أَحَدِهِمَا فِي الثَّمَنِ أَوْ الْمُثَمَّنِ مَعَ رِضَا الْآخَرِ فِي ذَلِكَ الْحَرِيمِ مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ الزِّيَادَةِ الْوَاقِعَةِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ فِي لُزُومِهَا مِنْ غَيْرِ إنْشَاءِ عَقْدٍ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْوَاقِعَ فِي الْحَرِيمِ بِمَنْزِلَةِ الْوَاقِعِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ. وَحِينَئِذٍ فَلَا يُحْتَاجُ هُنَا إلَيَّ إيجَابٍ وَقَبُولٍ وَلَا انْعِقَادَ هُنَا بِمُعَاطَاةٍ وَإِنَّمَا غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ زَمَنَ جَوَازِ الْعَقْدِ بَعْدَ انْقِضَائِهِ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ زَمَنِهِ فِيمَا بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِجَامِعِ عَدَمِ لُزُومِ الْعَقْدِ فِي كُلٍّ فَكَمَا أَنَّ لِلْمُوجِبِ بَعْدَ إيجَابِهِ أَنْ يُزِيدَ وَيُنْقِصَ وَيَكُون الْقَبُولُ لِهَذَا الْأَخِيرِ دُونَ الْأَوَّلِ لِنَسْخِهِ بِهِ فَكَذَلِكَ لِكُلِّ مَا بَعْدَهُ وَقَبْلَ لُزُومِهِ إلْحَاق الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ إنْ رَضِيَ الْآخَرُ وَيَكُونُ ذَلِكَ فَسْخًا لِلْأَوَّلِ بِمُجَرَّدِ لَفْظِ الزِّيَادَةِ مَعَ الرِّضَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

باب معاملة العبيد

[بَابُ مُعَامَلَةِ الْعَبِيدِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي رَقِيقٍ اُسْتُوْدِعَ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَأَتْلَفَهُ فَهَلْ يَتَعَلَّقُ الْغُرْمُ بِذِمَّتِهِ أَوْ رَقَبَتِهِ وَفِيمَا لَوْ جَاءَ أَيْضًا إلَى شَخْصٍ وَقَالَ أَرْسَلَنِي سَيِّدِي لِتُعْطِيَنِي ثَوْبًا مِنْ ثِيَابِك حَتَّى يَرَاهُ لِيَشْتَرِيَهُ فَصَدَّقَهُ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ وَأَتْلَفَهُ فَهَلْ يَتَعَلَّقُ الْغُرْمُ أَيْضًا بِذِمَّتِهِ أَوْ بِرَقَبَتِهِ فَإِنْ قُلْتُمْ يَتَعَلَّقُ الْغُرْمُ بِرَقَبَتِهِ كَمَا قَالَهُ الدَّمِيرِيُّ فِي الْأَوَّلِ وَقَاسَ عَلَيْهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ الثَّانِيَةَ فَهُوَ مُشْكِلٌ بِقَوْلِهِمْ لَوْ اشْتَرَى أَوْ اقْتَرَضَ بِلَا إذْنٍ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ أَتْلَفَهُ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِذِمَّتِهِ فَيُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِرِضَا مُسْتَحِقِّهِ وَلَمْ يَأْذَنْ وَبِقَوْلِهِمْ ضَابِطُ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالرَّقِيقِ أَنَّهَا إنْ ثَبَتَتْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ أَرْبَابِهَا كَإِتْلَافٍ وَتَلَفٍ بِغَصْبٍ تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَتِهِ أَوْ بِاخْتِيَارِهِمْ كَمَا فِي الْمُعَامَلَاتِ فَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ تَعَلَّقَتْ بِذِمَّتِهِ وَكَسْبِهِ وَمَالِ تِجَارَتِهِ وَوَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّهُ فِي صُورَةِ الِاسْتِيدَاعِ اُسْتُوْدِعَ بِرِضَا الْمُسْتَحِقِّ وَفِي صُورَةِ التَّصْدِيقِ فِي الْإِرْسَالِ دَفَعَ بِرِضَاهُ أَيْضًا فَالْقَصْدُ مَا يَحِلُّ هَذَا الْإِشْكَالَ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَحِلُّ الْإِشْكَالَ الْمَذْكُورَ أَنَّ الْمَالِكَ تَارَةً يَصْدُرُ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ مِنْهُ لَهُ فِي الْإِتْلَافِ بِعِوَضٍ فِي مُقَابَلَتِهِ كَالْبَيْعِ وَالْقَرْضِ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ السَّيِّدِ تَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ لِأَنَّ الْمَالِكَ قَدْ صَدَرَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِهَا وَعَلَى أَنَّهُ لَمْ يَطْمَعْ فِي التَّعَلُّقِ بِالرَّقَبَةِ بِوَجْهٍ فَعَامَلْنَاهُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ تَصَرُّفُهُ وَتَارَةً لَا يَصْدُرُ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إمَّا بِأَنْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ شَيْءٌ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا فِي إتْلَافٍ الْقِنِّ مَالَهُ مَجَّانًا أَوْ صَدَرَ مِنْهُ مَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِذْنِ مِنْهُ لَهُ فِي الْإِتْلَافِ كَاسْتِيدَاعِهِ إيَّاهُ وَمَا قِيسَ بِهِ مِمَّا ذُكِرَ عَنْ الْقَاضِي فَإِنَّ كُلًّا مِنْ هَذَيْنِ لَمْ يَصْدُرْ مِنْ الْمَالِكِ مَا يَدُلُّ عَلَى إذْنٍ مِنْهُ فِي إتْلَافِهِمَا لَا فِي مُقَابِلٍ وَلَا فِي غَيْرِ مُقَابِلٍ وَإِنَّمَا الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ الرِّضَا بِوَضْعِ الْقِنِّ يَدَهُ عَلَيْهِ وَعَلَى ظَنِّهِ أَمَانَتُهُ وَهَذَا مُقْتَضٍ لِحِفْظِ الْعَيْنِ وَلِرَدِّهَا كَمَا هِيَ عَلَى مَالِكِهَا فَإِذَا أَتْلَفَهَا الْقِنُّ حِينَئِذٍ تَعَلَّقَ بَدَلُهَا بِرَقَبَتِهِ لِأَنَّهُ جَانٍ عَلَيْهَا وَقَدْ نَقُولُ إنَّ بَدَلَ الْجِنَايَةِ مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَتِهِ فَاتَّضَحَ الْفَرْقُ وَزَالَ الْإِشْكَالُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْإِشْكَالِ مِنْ مَزِيدِ الْخَفَاءِ مَا يُوجِبُ اسْتِعْظَامَهُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ السُّؤَالُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ الْعَبِيدِ الَّذِينَ يَخْدِمُونَ أَرْبَابَ الْوِلَايَاتِ وَيُعْلَمُ رِقُّهُمْ وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مَالِكٌ مُعَيَّنٌ مَا الْحُكْمُ فِي تَصَرُّفِهِمْ وَإِنْكَاحِهِمْ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَتَى عُلِمَ رِقُّ قِنٍّ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ مُعَامَلَتُهُ وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ وَلَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ حَتَّى يُعْلَمَ أَوْ يُظَنَّ إذْنُ سَيِّدِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ كَانَ مَمْلُوكًا لِفُلَانٍ وَأَعْتَقَهُ فَهَلْ تَجُوزُ مُعَامَلَتُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ مُعَامَلَتُهُ وَلَا نِكَاحُهُ حَتَّى يُعْلَمَ عِتْقُهُ أَوْ إذْنُ السَّيِّدِ لَهُ وَقَدْ أَفْتَى الْبَغَوِيّ فِيمَنْ أَقَرَّ لِسَاكِتٍ بِالرِّقِّ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ بِحُرِّيَّتِهِ لَا يُحْكَمُ بِهَا سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُقِرُّ لَهُ حَاضِرًا أَمْ غَائِبًا لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ بِهَا ظَاهِرًا وَهُوَ أَعْلَمُ بِحَالِ نَفْسِهِ نَعَمْ إنْ شَهِدَا بِأَنَّ الْمُقِرَّ لَهُ أَعْتَقَهُ قَبْلًا وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مُقِرًّا بِالرِّقِّ لِأَنَّهُ لَا تَنَافِي وَلِأَنَّ بَيِّنَةَ الْعِتْقِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى بَيِّنَةِ الرِّقِّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ السَّلَمِ] (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ قَالَتْ لَهُ امْرَأَةٌ تَعْمَلُ لِي غِرَارَتَيْنِ مِنْ غَسُولٍ بِخَمْسِينَ نِصْفِ فِضَّةٍ فَقَالَ لَهَا نَعَمْ وَقَبَضَ مِنْهَا الْخَمْسِينَ وَلَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمَا تَبَايُعٌ ثُمَّ مَاتَتْ فَهَلْ لِلْوَرَثَةِ أَخْذُ الْغَسُولِ أَوْ الدَّرَاهِمِ؟ (فَأَجَابَ) لَا يَلْزَمُ الرَّجُلَ الْمَذْكُورَ إلَّا الْخَمْسُونَ نِصْفًا الَّتِي قَبَضَهَا مِنْ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ عَقَدَ مَعَهَا عَقْدًا كَبَيْعٍ أَوْ سَلَمٍ صَحِيحٍ فِي غِرَارَتَيْنِ مِنْ الْغَسُولِ أَمَّا السَّلَمُ فِي الْغَسُولِ فَغَيْرُ صَحِيحٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ أَسْلَمَ سَلَمًا شَرْعِيًّا بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ فِي حِنْطَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَجَعَلَ الْأَجَلَ سَلْخَ صَفَر هَذَا الْعَامِ وَجَعَلَ مَكَانَ التَّسْلِيمِ بَنْدَرَ جُدَّةَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ يَصِحُّ السَّلَمُ وَتُحْمَلُ لَفْظَةُ الْبَنْدَرِ عَلَى الْمَرْسَى وَتَكُونُ مُؤْنَةُ الْحَمْلِ مِنْ الْمَرْسَى إلَى شَاطِئِ الْبَنْدَرِ عَلَى الْمُسْلِمِ أَوْ تُحْمَلُ لَفْظَةُ الْبَنْدَرِ عَلَى شَاطِئِ السَّاحِلِ كَمَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ أَنَّ الْبَنْدَرَ اسْمٌ لِلْقَرْيَةِ فَيَصِحُّ فَتَكُونُ مُؤْنَةُ الْحَمْلِ مِنْ الْمَرْسَى إلَى شَاطِئِ الْبَنْدَرِ مِنْ تَتِمَّةِ التَّسْلِيمِ فَتَجِبُ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ قِيَاسًا عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ لَا يَنْتَهِي سَفَرُهُ إلَّا بِبُلُوغِهِ شَاطِئِ الْبَنْدَرِ أَوْ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ رَأْسًا لِلسُّكُوتِ عَنْ بَيَانِ مَكَانِ التَّسْلِيمِ وَإِذَا قُلْتُمْ بِالصِّحَّةِ لِأَحَدِ الشِّقَّيْنِ

باب القرض

وَتَعَرَّضَ مُنْتَسِبٌ إلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَفْتَى بِالْبُطْلَانِ وَاسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ لِلْجَهْلِ بِمَكَانِ التَّسْلِيم فَهَلْ يَأْثَمُ عَلَى ذَلِكَ لِاقْتِحَامِهِ الْبَاطِلَ وَهَلْ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ وَفَّقَهُ اللَّهُ مَنْعُهُ وَأَمْثَالَهُ مِنْ ذَلِكَ وَتَعْزِيرِهِ بِمَا يَلِيقُ بِهِ زَجْرًا وَمَنْعًا لَهُ مِنْ الْعُودِ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ. وَهَلْ يَكُونُ تَعْزِيرُهُ بِالْأَشَدِّ لِعَظْمِ الْجَرَاءَةِ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَبِالْأَخَفِّ لِخِفَّةِ الْجَرِيمَةِ وَهَلْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ التَّهْدِيدُ عَلَى الرُّجُوعِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَالْإِخْبَارُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ ذَلِكَ يَظْهَرُ فِي آخَرِ الزَّمَانِ؟ (فَأَجَابَ) إذَا اطَّرَدَ الْعُرْفُ بِأَنَّ الْبَنْدَرَ اسْمَ الْمَحَلِّ مَخْصُوصٌ صَحَّ السَّلَمُ وَلَزِمَ الْمُسَلِّمَ إلَيْهِ حَمْلُ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَجَمِيعِ مُؤْنَتِهِ إلَى أَنْ يَصِلَ بِهِ إلَى ذَلِكَ الْمَحَلِّ وَإِنْ لَمْ يَطَّرِدْ الْعُرْفُ بِذَلِكَ بِأَنْ كَانَ تَارَةً يُطْلَقُ عَلَى الشَّاطِئِ وَتَارَةً يُطْلَقُ عَلَى الْمَرْسَى لَمْ يَصِحَّ السَّلَمُ حِينَئِذٍ وَمَنْ أَطْلَقَ الْبُطْلَانَ فِي ذَلِكَ لَمْ يُصِبْ ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ مُتَأَهِّلًا لِلْإِفْتَاءِ حُرِّمَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَجَرَّأَ عَلَى هَذَا الْمَنْصِبِ الْخَطِيرِ. وَوَجَبَ عَلَى حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ زَجْرُهُ عَنْ الدُّخُولِ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ وَإِلَّا لَزِمَهُمْ تَعْزِيرُهُ التَّعْزِيرَ الشَّدِيدَ الزَّاجِرَ لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ عَنْ الْخَوْضِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ إضْرَارِ الْمُسْلِمِينَ بِالْأُمُورِ الْبَاطِلَة وَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ فِي الْحَطِّ عَلَى مَنْ سَلَكَ هَذَا السَّبِيلَ الْأَقْفَرَ بِغَيْرِ حَقِّهِ فَلْيَحْذَرْ مَنْ لَمْ يَتَأَهَّلْ لَهُ عَنْ أَنْ تَقُولَ لَهُ نَفْسُهُ إنَّهُ أَهْلٌ لَهُ فَيَكُونُ مُتَبَوَّأَهُ النَّارُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) هَلْ يُتَصَوَّرُ الصُّلْحَ عَنْ دَيْنِ السَّلَمِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يُتَصَوَّرُ بِأَنْ يَقُولَ صَالَحْتُك عَنْ الْحَبِّ الَّذِي فِي ذِمَّتِي بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ إقَالَةٌ بِلَفْظِ الصُّلْحِ وَلَيْسَ بَيْعًا لِامْتِنَاعِهِ فِي دَيْنِ السَّلَمِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) هَلْ تُمْكِنُ حِيلَةٌ فِي الِاسْتِبْدَالِ عَنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ بِأَنْ يَتَفَاسَخَا عَقْدَ السَّلَمِ ثُمَّ يَقَعُ الِاسْتِبْدَالُ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ وَهُوَ جَائِزٌ مُطْلَقًا وَيَتَعَيَّنُ التَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ كَيْ لَا يَصِيرَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا وَجَدَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ رَأْسَ الْمَالِ الَّذِي قَبَضَهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ مَعِيبًا بَعْدَهُ فَهَلْ لَهُ رَدُّهُ وَأَخْذُ بَدَلِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ التَّفَرُّقُ عَنْ مَجْلِسِ الرَّدِّ قَبْلَ قَبْضِ الْبَدَلِ وَإِلَّا بَطَلَ الْعَقْدُ كَمَا فِي الصَّرْفِ. (وَسُئِلَ) هَلْ يُتَصَوَّرُ صِحَّةُ الصُّلْحِ عَنْ دَيْنِ السَّلَمِ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِامْتِنَاعِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ صَالَحْتُك عَنْ دَيْنِ السَّلَمِ الَّذِي فِي ذِمَّتِي عَلَى رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ فَيَصِحُّ الصُّلْحُ وَتَكُونُ إقَالَةً لَا بَيْعًا لِامْتِنَاعِهِ فِي دَيْنِ السَّلَمِ. [بَابُ الْقَرْضِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْحُلِيِّ الْمُجَوَّفِ كَالْأَسْوِرَةِ الْمُحْتَاجَةِ إلَى اللَّحَّامِ بِالنُّحَاسِ وَغَيْرِ الْمُحْتَاجَةِ إلَيْهِ أَيَصِحُّ الْقَرْضُ فِيهِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ النُّحَاسَ الَّذِي وَقَعَ بِهِ اللِّحَامُ لِحَاجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مَتَى عُلِمَ وَلَمْ يُوَرِّثْ جَهَالَةً فِي النَّقْصِ صَحَّ قَرْضُهُ وَإِلَّا فَلَا. (وَسُئِلَ) عَنْ مَالِ الْقِرَاضِ أَوْ الْأَمَانَةِ أَوْ الْوَدِيعَةِ إذَا مَاتَ الْعَامِلُ أَوْ الْوَدِيعُ أَوْ الْأَمِينُ وَلَمْ يُوجَدْ فِي تَرِكَةِ كُلٍّ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَهَلْ يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ قِيمَة ذَلِكَ أَوْ مِثْلِهِ إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ بِطَرِيقِهِ الشَّرْعِيِّ أَوْ لَا يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ لِاحْتِمَالِ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ أَوْ رَدِّهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا مَاتَ أَمِينٌ وَلَمْ تُوجَدْ الْأَمَانَةُ الَّتِي تَحْت يَدِهِ أَوْ أَوْصَى بِهَا إلَى فَاسِقٍ أَوْ قَالَ هِيَ ثَوْبٌ وَلَمْ يُمَيِّزْهُ بِإِشَارَةٍ أَوْ صِفَةٍ ضَمِنَ وَإِنْ لَمْ يُخَلِّفْ ثَوْبًا مَثَلًا لِتَقْصِيرِهِ وَلِأَنَّهُ عَرَّضَهَا لِلْفَوَاتِ إذْ الْوَارِثُ يَعْتَمِدُ ظَاهِرَ الْيَدِ وَيَدَّعِيهَا لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَيَّزَهَا فِي وَصِيَّتِهِ عِنْدَ عَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الرَّدِّ لِلْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فِي التَّرِكَةِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِمَّا ذُكِرَ بِأَنْ مَاتَ فَجْأَةً أَوْ قُتِلَ غِيلَةً أَوْ أَوْصَى إلَى عَدْلٍ وَلَوْ وَارِثًا أَيْضًا مُمَيَّزًا أَوْ عَجَزَ عَنْ الرَّدِّ لِلْمَالِكِ وَوَكِيلِهِ ثُمَّ لِقَاضٍ ثُمَّ عَدْلٍ فَلَا ضَمَانَ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ وَلَوْ وَجَدَ فِي التَّرِكَةِ مِثْلَهَا حَيْثُ لَمْ يُمَيِّزْهَا لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهَا لِاحْتِمَالِ تَلَفِهَا بَلْ تَجِبُ قِيمَتُهَا فِي التَّرِكَةِ وَلَوْ لَمْ يُوصِ وَادَّعَى الْوَارِثُ التَّلَفَ. وَقَالَ إنَّمَا لَمْ يُوصِ لَعَلَّ التَّلَفَ كَانَ بِغَيْرِ تَقْصِيرٍ أَوْ لَعَلَّهَا تَلِفَتْ قَبْلَ أَنْ يُنْسَبَ لِتَقْصِيرٍ وَادَّعَى الْمُودَعُ التَّقْصِيرَ

صُدِّقَ الْوَارِثُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَجْزِمْ بِالتَّلَفِ كَأَنَّ قَالَ أُجَوِّزُ أَنَّهَا تَلِفَتْ عَلَى حُكْمِ الْأَمَانَةِ فَلَمْ يُوصِ بِهَا لِذَلِكَ أَوْ عَرَفْت الْإِيدَاعَ وَلَمْ أَدْرِ كَيْف كَانَ الْأَمْرُ فَيَضْمَنُ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ مُسْقِطًا وَإِذَا تَعَدَّى الْعَامِلُ بِدَفْعِ مَالِ الْقِرَاضِ إلَى آخَرَ كَانَ الْعَامِلُ ضَامِنًا ثُمَّ إذَا تَصَرَّفَ الْآخِذُ بِأَنْ كَانَ اشْتَرَى بِهِ فَإِنْ كَانَ بِعَيْنِ مَالِ الْقِرَاضِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَلِلْمَالِكِ الرُّجُوعُ بِعَيْنِ مَالِهِ عَلَى كُلِّ مَنْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْعَامِلِ وَالْأَيْدِي الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى يَدِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ سَلَّمَ الْمَالَ فِي ثَمَنِهِ فَالشِّرَاءُ صَحِيحٌ وَالرِّبْحُ لِلْمُشْتَرِي وَيَضْمَنُ لِلْمَالِكِ قَدْرَ مَا سَلَّمَهُ فِي الثَّمَنِ مِنْ مَالِ الْمَالِكِ وَلِلْمَالِكِ هُنَا أَيْضًا أَنْ يُغَرِّمَ الْعَامِلَ وَكُلَّ مَنْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى مَالِهِ مُتَفَرِّعًا عَنْ تَعَدِّي الْعَامِلِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ مَلَّكْتُك هَذَا بِمِثْلِهِ كَانَ إقْرَاضًا فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَلَّكْتُك وَادَّعَى نِيَّةَ الْمُقَابِلِ فَهَلْ يَصْدُقُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَوْلُهُ مَلَّكْتُك هَذَا فَقَطْ صَرِيحٌ فِي الْهِبَةِ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذِكْرِ الْمُقَابِلِ صُدِّقَ نَافِيه لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى صُدُورِ صِيغَةِ الْهِبَةِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ اقْتَرَضَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مَغْشُوشَة وَأَرَادَ أَنْ يُبْدِلَهُ عَنْهَا خَمْسَةً غَيْرَ مَغْشُوشَةٍ أَوْ عَكَسَهُ مَعَ الرِّضَا فَهَلْ يَجُوزُ أَوْ أَقْرَضَهُ عَشَرَةَ آصُعٍ مِنْ بُرٍّ وَأَرَادَ أَنْ يُبْدِلَهُ نَوْعًا آخَرَ مِنْهُ فَهَلْ يَجُوزُ أَيْضًا عَمَلًا بِقَوْلِ الْأَنْوَارِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّبَوِيِّ وَغَيْرِهِ فِي الْأَجْوَدِ وَقِيَاسُهُ أَنَّ الْأَرْدَأَ كَذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ وَأَفْتَوْا بِهِ صِحَّةَ إقْرَاضِ الْمَغْشُوشَةِ وَحِينَئِذٍ فَلِلْمُقْتَرِضِ أَنْ يَرُدَّ أَجْوَدَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ بَلْ يَنْدُبُ وَلَهُ رَدُّ أَنْقَصَ وَأَرْدَأَ إنْ رَضِيَ الْمُقْرِضُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي عُمْدَتِهِ هَذَا إذَا كَانَ الْمَرْدُودُ مِنْ جِنْسِ الْمُقْرَضِ وَنَوْعِهِ وَإِلَّا فَهُوَ بَيْعٌ حَقِيقَةً فَتَجْرِي فِيهِ جَمِيعُ أَحْكَامِهِ الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي الِاسْتِبْدَالِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ اقْتَرَضَ نَحْو خَشَبٍ وَبَنَى عَلَيْهِ فَهَلْ لِلْمُقْرِضِ الرُّجُوعُ فِي عَيْنِهِ لِبَقَائِهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهَا صَارَتْ كَالْهَالِكَةِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ اقْتَرَضَ عَيْنًا ثُمَّ رَدَّهَا وَبِهَا عَيْبٌ وَاخْتَلَفَا فِي حُدُوثِهِ بِيَدِ الْمُقْتَرِضِ فَمَنْ الْمُصَدَّقُ مِنْهُمَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُصَدَّقُ الْمُقْتَرِضُ كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ بِالسَّلَامَةِ عِنْد الْقَبْضِ وَعَلَى الْمُقْرِضِ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ. (وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ أَعْطَى الزِّيَادَةَ عِنْدَ الِاقْتِرَاضِ لِلضَّرُورَةِ الشَّدِيدَةِ لِلْأَطْفَالِ الْجِيَاعِ بِحَيْثُ إنَّهُ إذَا لَمْ يُعْطِ الزِّيَادَةَ لَا يَحْصُلُ الْقَرْضُ فَهَلْ يَنْدَفِعُ إثْمُ إعْطَاءِ الزِّيَادَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلضَّرُورَةِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَنْدَفِعُ إثْمُ إعْطَاء الزِّيَادَة فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلضَّرُورَةِ فَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْمُضْطَرَّ لَوْ عَلِمَ مِنْ ذِي الطَّعَامِ أَنَّهُ لَا يَبِيعُهُ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ جَازَ لَهُ الِاحْتِيَالُ عَلَى أَخْذِهِ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ إلَّا ثَمَنُ الْمِثْلِ أَوْ قِيمَتُهُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ هَلْ الْأَفْضَلُ الْقَرْضُ أَوْ الصَّدَقَةُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْقَرْضُ أَفْضَلُ كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالنَّشَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا لِخَبَرِ «دِرْهَمُ الصَّدَقَةِ بِعَشَرَةٍ وَالْقَرْضِ بِثَمَانِيَةَ عَشْرَةَ» وَوَجْهُهُ أَنَّ طَالِبَ الْقَرْضِ إنَّمَا يَطْلُبُهُ عَنْ حَاجَةٍ غَالِبًا بِخِلَافِ طَالِبِ الصَّدَقَةِ وَاعْتُرِضَ بِخَبَرِ «مَنْ أَقْرَضَ دِرْهَمًا مَرَّتَيْنِ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ صَدَقَتِهِ مَرَّةً» وَفِي ذَلِكَ بَسْطٌ ذَكَرْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ. (وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظه مَا حُكْمُ النُّقُوطِ الْمُعْتَادِ فِي الْأَفْرَاحِ هَلْ يُرْجَعُ بِهِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي أَفْتَى بِهِ النَّجْمُ الْبَالِسِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ كَالْقَرْضِ يَطْلُبُهُ هُوَ وَوَارِثُهُ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ وَاعْتَمَدَ ابْنُ الْعِمَادِ الْأَوَّلَ فَقَالَ لِأَنَّ الْأَمْرَ دَائِرٌ فِيهِ بَيْنَ الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ وَالْقَرْضِ الْفَاسِدِ وَجَرَيَانُ الْعَادَةِ بِالْمُكَافَأَةِ يَجْعَلُهُ أَقْرَبَ إلَى الْقَرْضِ الْفَاسِدِ وَأَبْعَدَ مِنْ الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ لِقَصْدِهِ الْعِوَضِيَّةِ وَبَنَى عَلَى الرُّجُوعِ أَنَّهُ يُرْجَعُ بِهِ عَلَى مَنْ أَقْبَضَهُ لَهُ وَلَوْ نَحْوَ الْخَاتِنِ حَيْثُ قَصَدَ الْعِوَضِيَّةَ مَا لَمْ يَكُنْ سَلَّمَهُ لَهُ بِإِذْنِ ذِي الدَّعْوَةِ وَإِلَّا رَجَعَ عَلَيْهِ اهـ وَالْأَوْفَقُ بِكَلَامِهِمْ مَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَالْعَادَةَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لَا اعْتِبَارَ بِهَا أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِمْ لَوْ أَهْدَى إلَى غَيْرِهِ شَيْئًا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَإِنْ كَانَ الْمُهْدِي أَدْنَى وَالْمُهْدَى إلَيْهِ أَعْلَى وَإِنْ قَصَدَ الثَّوَابَ.

باب الرهن

[بَابُ الرَّهْنِ] (وَسُئِلَ) إذَا قُلْتُمْ إنَّ الرَّهْنَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَلَا يَسْقُطُ بِذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ وَكَانَ الْمَرْهُونُ مَثَلًا غِرَاسًا وَالْمُرْتَهِنُ يَأْكُلُ ثِمَارَهَا مُدَّةً مَدِيدَةً فَهَلْ لِلرَّاهِنِ مُطَالَبَةُ الْمُرْتَهِنِ بِمَا أَكَلَ مِنْ الثِّمَارِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) إنْ أَبَاحَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ الثِّمَارَ إبَاحَةً صَحِيحَةً لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَإِلَّا رَجَعَ عَلَيْهِ بِمِثْلِهَا إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً وَقِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ مُتَقَوِّمَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ رَهَنَ نَاقَةً ثُمَّ تُوُفِّيَ عَنْ ذَكَرٍ وَبِنْتَيْنِ فَأَرَادَ الْمُرْتَهِنُ حَلْبَهَا فَهَلْ لَهُ أَكْلُ لَبَنِهَا وَهَلْ إذَا عَاوَضَهُ الْوَلَدُ بِوَلَدِهَا أَوْ نِصْفِهَا عَنْ دَيْنِهِ الَّذِي فِي جِهَةِ الْمُتَوَفَّى يَسْرِي عَلَى أَخَوَاتِهِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) يَحْرُمُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يَتَنَاوَلَ شَيْئًا مِنْ لَبَنِ النَّاقَةِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْوَرَثَةِ الْمَذْكُورِينَ وَإِذَا أَعْطَاهُ الْوَلَدُ وَلَدَهَا أَوْ نِصْفَهَا عَنْ دَيْنِهِ صَحَّ فِيمَا يَمْلِكُهُ بِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الدَّيْنِ إنْ عَرَفَا ذَلِكَ وَكَذَا يَصِحُّ فِيمَا تَمْلِكُهُ أُخْتَاهُ إنْ كَانَ وَصِيًّا عَلَيْهِمَا وَكَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفَا ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَصِيًّا أَوْ لَمْ يَكُنْ مَصْلَحَةً لَمْ يَصِحَّ التَّعْوِيضُ الْمَذْكُورُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ادَّعَى زَيْدٌ أَنَّهُ رَهَنَ رَهْنًا عِنْدَ عَمْرٍو فِي شَيْءٍ مَعْلُومٍ فَأَنْكَرَ عَمْرٌو الرَّهْنَ وَقَالَ إنَّهُ لِبَكْرٍ وَهُوَ الرَّاهِنُ لَهُ فَأَنْكَرَ بَكْرٌ فَهَلْ لِزَيْدٍ تَحْلِيفُ عَمْرٍو أَنَّهُ مَا رَهَنَ عِنْدَهُ ذَلِكَ الرَّهْنَ وَإِذَا حَلَفَ فَهَلْ لِبَكْرٍ مَعَ سَبْقِ إنْكَارِهِ مُطَالَبَةُ عَمْرٍو بِالرَّهْنِ لِإِقْرَارِهِ لَهُ بِهِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ لِزَيْدٍ تَحْلِيفُ عَمْرٍو كَمَا ذُكِرَ وَلَيْسَ لِبَكْرٍ اسْتِحْقَاقٌ فِي الرَّهْنِ لِإِنْكَارِهِ إلَّا إذَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ عَمْرٌو ثَانِيًا وَصَدَّقَهُ ثُمَّ إذَا بَطَلَ تَعَلُّقُ زَيْدٍ وَبَكْرٍ بِالرَّهْنِ لِمَا ذُكِرَ فَإِنْ أَثْبَتَ الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ رَهْنٌ دَامَ بِيَدِهِ أَوْ بَاعَهُ الْقَاضِي وَوَفَّاهُ دَيْنَهُ بِشُرُوطِهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ انْتَزَعَهُ الْقَاضِي مِنْهُ وَحَفِظَهُ إلَى أَنْ يَظْهَرَ مَالِكُهُ وَلَا يُبْقِيه بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ كَالصُّورَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا تَنَاقُضٌ فِي الرَّوْضَةِ فِي جَوَابِ الدَّعْوَى وَتَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ تِلْكَ أَيْ فِي مَحَلَّيْهَا الْمَذْكُورَيْنِ مَعَ هَذِهِ وَمَعَ كَلَامِهِمْ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) فِي شَخْصٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ شَرْعِيٌّ رَهَنَ فِيهِ جَمِيعَ دَارِهِ ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَ الرَّهْنِ الْمَذْكُورِ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ بِبَعْضِ الدَّارِ الْمُرْتَهَنَةِ ثُمَّ تُوُفِّيَ فَدَفَعَ أَحَدُ وَرَثَتِهِ مِنْ مَالِهِ الدَّيْنَ الَّذِي عَلَى وَالِدِهِ الْمَذْكُورِ بِغَيْرِ إذْنِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَيْهِ لِثُبُوتِهِ إذَا حَازُوا شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ أَوْ عَلَى تَرِكَتِهِ أَوْ عَلَى الدَّارِ الْمُرْتَهَنَةِ أَوْ عَلَى الْجَمِيعِ لِيَأْخُذَهُ مِمَّا شَاءَ فَإِذَا انْفَكَّ الرَّهْنُ بِالدَّفْعِ الْمَذْكُورِ هَلْ يَبْطُلُ الْإِقْرَارُ الْمَذْكُورُ أَمْ لَا يَبْطُلُ وَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ لِبَعْضٍ وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) لَا رُجُوعَ لِلْوَارِثِ بِمَا أَدَّاهُ عَلَى بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ وَلَا عَلَى الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ لِتَبَرُّعِهِ بِالْأَدَاءِ عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِمْ وَيَنْفَكُّ رَهْنُ الدَّارِ بِالدَّفْعِ الْمَذْكُورِ وَبَعْدَ انْفِكَاكِهَا يَسْتَحِقُّ الْمُقَرُّ لَهُ بِبَعْضِهَا ذَلِكَ الْبَعْضَ وَبَاقِيهَا لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قِنٌّ لَا يَجُوزُ إعْتَاقُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ مَا صُورَتُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَى سَيِّدِهِ دَيْنٌ فَيَرْهَنُهُ نِصْفَهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلْتُ) عَنْ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ فَاسِدُ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ فِي الضَّمَانِ قَالَ فِي الشَّرْحِ بَعْدَ كَلَامٍ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَسَائِلُ طَرْدًا وَعَكْسًا وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا هِيَ (فَأَجَبْت) بِقَوْلِي قَوْلُهُمْ فَاسِدُ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ فِي الْأَمَانَةِ وَالضَّمَانِ يُسْتَثْنَى مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا مَسَائِلُ مِمَّا اُسْتُثْنِيَ مِنْ الْأَوَّلِ الشَّرِكَةُ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الشَّرِيكَيْنِ لَا يَضْمَنُ عَمَلَ الْآخَرِ مَعَ صِحَّتِهَا وَيَضْمَنُهُ مَعَ فَسَادِهَا وَهَذِهِ فِيهَا تَجَوُّزٌ إذْ عَدَمُ ضَمَانِ الْعَمَلِ فِي الصَّحِيحَةِ لَا يُسَمَّى أَمَانَة كَمَا هُوَ جَلِيٌّ فَالتَّعْبِيرُ بِضَمَانٍ وَعَدَمِهِ أَحْسَنُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِأَمَانَةٍ وَضَمَانٍ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ مَعَ الرَّدِّ عَلَى شَارِحِهِ فِي عَكْسِهِ كَذَلِكَ وَمِنْ ذَلِكَ الرَّهْنُ وَالْإِجَارَةُ إذَا صَدَرَا مِنْ مُتَعَدٍّ كَغَاصِبٍ فَتَلِفَتْ الْعَيْنُ فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنَّ لِلْمَالِكِ تَضْمِينَهُ وَإِنْ كَانَ الْقَرَارُ عَلَى الْمُتَعَدِّي مَعَ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِي صَحِيحِ الرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ. وَمِمَّا يُسْتَثْنَى مِنْ الثَّانِي قَوْلُ الْمَالِكِ قَارَضْتُك عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ كُلَّهُ لِي فَهُوَ قِرَاضٌ فَاسِدٌ وَلَا أُجْرَةَ لِلْعَامِلِ وَقَوْلُ الْمُسَاقِي سَاقَيْتُك عَلَى أَنَّ الثَّمَرَةَ كُلَّهَا لِي فَإِنَّهُ كَالْقِرَاضِ فِي الْفَسَادِ وَعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ أُجْرَةٍ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَعَقْدُ الْجِزْيَةِ مِنْ غَيْرِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ فَاسِد وَلَا جِزْيَةَ عَلَى الذِّمِّيِّ وَعَرْضُ الْعَيْنِ الْمُكْتَرَاةِ عَلَى الْمُكْتَرِي إذَا امْتَنَعَ مِنْ قَبْضِهَا إلَى

مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَإِنَّ الْأُجْرَةَ اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةٌ لَمْ تَسْتَقِرَّ وَالْمُسَاقَاةُ عَلَى وَدِيِّ مَغْرُوسٍ أَوْ لَيَغْرِسَهُ وَيَتَعَهَّدُهُ مُدَّةً وَالثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا وَقَدَّرَ مُدَّةً لَا تُتَوَقَّعُ فِيهَا الثَّمَرَةُ فَإِنَّهَا فَاسِدَةٌ وَلَا أُجْرَةَ لِلْعَامِلِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَاقَاهُ عَلَى وَدِيِّ يَغْرِسُهُ وَيَكُونُ الشَّجَرُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْأَوْجَهَ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لِدُخُولِهِ طَامِعًا فِي شَيْءٍ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ وَمَحَلُّ الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ إذَا صَدَرَ الْعَقْدُ مِنْ رَشِيدٍ فَلَوْ صَدَرَ مِنْ غَيْرِهِ مَا لَا يَقْتَضِي صَحِيحَهُ الضَّمَانَ كَانَ مَضْمُونًا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الرَّهْنِ عَلَى الْكُتُبِ الْمَوْقُوفَةِ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ هَلْ يَصِحُّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي صَرَّحُوا بِهِ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمَرْهُونِ بِهِ كَوْنَهُ دَيْنًا وَمُقْتَضَاهُ بُطْلَان ذَلِكَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْأَعْيَانِ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ لَكِنْ أَفْتَى الْقَفَّالُ فِيمَا إذَا وَقَفَ كِتَابًا أَوْ غَيْره وَشَرَطَ أَنْ لَا يُعَارَ إلَّا بِرَهْنٍ بِلُزُومِ هَذَا الشَّرْطِ وَلَا يُعَارُ إلَّا بِرَهْنٍ وَبَحَثَ فِيهِ السُّبْكِيّ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ عَنِيَ الرَّهْنَ الشَّرْعِيِّ فَلَا يَصِحُّ الرَّهْنُ أَوْ اللُّغَوِيِّ وَأَرَادَ أَنْ يَكُونَ الْمَرْهُونُ تَذْكِرَةً صَحَّ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مُرَادُهُ فَيُحْتَمَلُ بُطْلَانُ الشَّرْطِ حَمْلًا عَلَى الشَّرْعِيِّ ثُمَّ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ بِالرَّهْنِ لِتَعَذُّرِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ إمَّا لِأَنَّهُ خِلَافُ شَرْطِ الْوَاقِفِ وَإِمَّا لِفَسَادِ الِاسْتِثْنَاءِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا يَخْرُجُ مُطْلَقًا وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ صَحَّ لِأَنَّهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ لِأَنَّ إخْرَاجَهُ مَظِنَّة ضَيَاعِهِ. وَيُحْتَمَلُ صِحَّةُ الشَّرْطِ حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ قَالَ وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ تَصْحِيحًا لِلْكَلَامِ مَا أَمْكَنَ اهـ وَاعْتَرَضَ الزَّرْكَشِيُّ قَوْلَهُ الْأَقْرَبُ صِحَّتُهُ وَحَمْلُهُ عَلَى اللُّغَوِيِّ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تَتْبَعُ اللُّغَةَ وَكَيْفَ يُحْكَمُ بِالصِّحَّةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ حَبْسُهُ شَرْعًا وَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي الصِّحَّةِ حِينَئِذٍ اهـ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ تَسْمِيَتَهُ رَهْنًا مَعَ كَوْنِ الْمَرْهُونِ بِهِ عَيْنًا تَدُلُّ عَلَى قَصْدِهِ لِلرَّهْنِ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لَا الشَّرْعِيِّ وَحِينَئِذٍ فَمَا قَالَهُ السُّبْكِيّ مُتَّجَهٌ وَيَكُونُ الْوَاقِفُ شَرَطَ لِجَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِالْمَوْقُوفِ شَرْطًا وَهُوَ وَضْعُ عَيْنٍ عِنْدَ النَّاظِرِ أَوْ غَيْرِهِ إلَى انْقِضَاءِ غَرَضِهِ تَوْثِقَةً وَأَمْنًا مِنْ التَّفْرِيطِ فِي ضَيَاعِهِ وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ يُقْصَدُ شَرْعًا فَوَجَبَ اتِّبَاعُ شَرْطِهِ وَبِهِ يُعْلَمُ رَدُّ تَضْعِيفِ بَعْضِهِمْ لِمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ بِأَنَّ الرَّاهِنَ أَحَدُ الْمُسْتَحَقِّينَ وَالرَّاهِنُ لَا يَكُونُ مُسْتَحِقًّا وَبِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالرَّهْنِ الْوَفَاءُ مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ عِنْدَ التَّلَفِ وَهَذَا الْمَوْقُوفُ لَوْ تَلِفَ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْ. (وَسُئِلَ) عَنْ قَوْلِهِمْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَرْهُونِ بِدُونِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ هَلْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ شَيْءٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ عَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّهُ يُفَوِّتُ الْوَثِيقَةَ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَرْهُونُ مُسْتَعَارًا مِنْ مَالِكِهِ فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ الرَّاهِنُ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْمُرْتَهِنُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ الْوَثِيقَةَ بَلْ أَكَّدَهَا بِكَوْنِ الْمَرْهُونِ صَارَ عَلَى مِلْكِهِ الْأَقْوَى مِنْ كَوْنِهِ مُسْتَعَارًا لَهُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ اسْتَعَارَ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ مِنْ مُوَرِّثِهِ كَعَتِيقَةِ وَرَهَنَهُ بِدَيْنٍ عَلَيْهِ هَلْ يَصِحُّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ الصِّحَّةُ فَإِنْ قُلْت: بَلْ قَضِيَّةُ بُطْلَانِ رَهْنِ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ يُمْكِنُ سَبْقُهَا حُلُولَ الدَّيْنِ الْبُطْلَانُ هُنَا أَيْضًا تَنْزِيلًا لِلْقَرَابَةِ مَنْزِلَةَ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ وَلِدُخُولِ الْمَرْهُونِ فِي مِلْكِ أَصْلِهِ مَثَلًا مَنْزِلَةَ وُجُودِ الصِّفَةِ قُلْت: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ ثَمَّ جَرَى سَبَبُ الْعِتْقِ وَهُوَ التَّعْلِيقُ وَلَمْ يَجْرِ هُنَا لِلْعِتْقِ سَبَبٌ أَصْلًا إذْ سَبَبُهُ مَوْتُ الْمُوَرِّثِ الْمُقْتَضِي لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِ الرَّاهِنِ وَعِتْقِهِ بِالْقَرَابَةِ وَهَذَا لَمْ يُوجَدْ بَعْدُ فَتَنْزِيلُ الْقَرَابَةِ مَنْزِلَةَ التَّعْلِيقِ غَيْرُ صَحِيحٍ إذْ الْقَرَابَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الْمِلْكِ لَيْسَتْ سَبَبًا أَصْلًا وَإِذَا بَطَلَ تَنْزِيلُ الْقَرَابَةِ مَنْزِلَةَ التَّعْلِيقِ بَطَلَ تَنْزِيلُ الدُّخُولِ فِي الْمِلْكِ مَنْزِلَةَ وُجُودِ الصِّفَةِ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ إنَّمَا يَتَأَتَّى إنْ قُلْنَا إنَّهُ إذَا مَاتَ الْمُوَرِّثُ وَدَخَلَ الْمَرْهُونُ فِي مِلْكِ الرَّاهِنِ يُعْتَقُ مُطْلَقًا أَوْ إنْ كَانَ مُوسِرًا لَا مُعْسِرًا كَإِعْتَاقِ الرَّاهِنِ لِلْمَرْهُونِ وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ مُحْتَمَلٌ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ مُطْلَقًا رِعَايَةً لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَعَلَيْهِ فَيَتَعَيَّنُ الْجَزْمُ بِالصِّحَّةِ وَالْفَرْقُ حِينَئِذٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ وَاضِحٌ فَإِنْ قُلْت: مَا الْأَوْجَهُ مِنْ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ الثَّلَاثِ قُلْت: الْأَوْجَهُ هُوَ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا لَا مُعْسِرًا لِأَنَّهُ إذَا كَانَ إعْتَاقُهُ لَا يَنْفُذُ إلَّا مَعَ يَسَارِهِ فَالْإِعْتَاقُ الْقَهْرِيُّ عَلَيْهِ أَوْلَى وَنُفُوذُهُ مُطْلَقًا أَقْرَبُ مِنْ عَدَمِ نُفُوذِهِ مُطْلَقًا وَأَقْرَبُ مِنْهُمَا التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ كَمَا تَقَرَّرَ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ مَاتَ وَخَلَفَ مِيرَاثًا وَوَرَثَةً وَمِنْ

جُمْلَةِ الْمِيرَاثِ جَارِيَةٌ فَأَعْتَقَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ نَصِيبَهُ مِنْهَا قَبْلَ وَفَاءِ الدَّيْنِ وَالْمُعْتِقُ مُوسِرٌ وَفِي بَقِيَّةِ الْمِيرَاثِ مَا يَفِي بِالدَّيْنِ فَهَلْ يَصِحّ الْعِتْقُ وَيَسْرِي أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى الشَّمْسُ بْنُ اللَّبَّانِ بِأَنَّهُ يَعْتِقُ وَيَسْرِي كَمَا لَوْ أَعْتَقَ الْمَالِكُ عَبْدَهُ الْمَرْهُونَ قَالَ بَلْ أَوْلَى بِالنُّفُوذِ لِأَنَّ الرَّهْنَ قَهْرِيٌّ مِنْ الشَّارِعِ فَهُوَ نَظِيرُ بَيْعِ الْمَالِكِ الْمَالَ الزَّكَوِيَّ إذَا قُلْنَا إنَّ تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ بِهِ تَعَلُّقُ الرَّهْنِ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ الصِّحَّةُ وَإِنْ مَنَعْنَا صِحَّةَ عِتْقِ الرَّهْنِ لِلْمَعْنَى الْمُشَارِ إلَيْهِ اهـ وَأَفْتَى النَّجْمُ الْبَالِسِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعِتْقُ وَإِنْ قَلَّ الدَّيْنُ قَالَ لِأَنَّا وَإِنْ قَضَيْنَا بِأَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ انْتِقَالَ الْمِلْكِ فِي التَّرِكَةِ إلَى الْوَرَثَةِ أَبْطَلْنَا تَصَرُّفَ الْوَرَثَةِ فِيهَا قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ عَلَى الْمُرَجَّحِ اهـ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ تَصَرُّفُ الْوَرَثَةِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ خَلَفٌ وَيَسَارُ الْمُعْتِقُ خَلَفٌ أَيُّ خَلَفٍ وَحِينَئِذٍ فَعَلَيْهِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الدَّيْنِ وَقِيمَةِ الْجَارِيَةِ كَإِعْتَاقِ الْجَانِي. (وَسُئِلَ) إذَا بَاعَ عَدْلٌ الرَّهْنَ فَبَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ تَبَيَّنَ زِيَادَةُ رَاغِبٍ فِي ثَمَنِهِ هَلْ يَتَبَيَّنُ الْفَسْخُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَدَمُ الِانْفِسَاخِ إذْ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ حِينَئِذٍ (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سُؤَالًا صُورَتُهُ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِلْوَارِثِ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ سَقَطَ مِنْهُ بِقَدْرِ إرْثِهِ حَتَّى إذَا كَانَ حَائِزًا سَقَطَ الْجَمِيعُ وَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِمْ السُّبْكِيّ وَصَوَّبَ أَنْ يُقَالَ يَسْقُطُ مِنْ دَيْنِهِ مَا يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهُ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ لَوْ كَانَ لِأَجْنَبِيٍّ وَهُوَ نِسْبَةُ إرْثِهِ مِنْ الدَّيْنِ إنْ كَانَ مُسَاوِيًا لِلتَّرِكَةِ أَوْ أَقَلَّ وَمَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ أَدَاؤُهُ مِنْ ذَلِكَ إنْ كَانَ أَكْثَرَ وَيَسْتَقِرُّ لَهُ نَظِيرُهُ مِنْ الْمِيرَاثِ وَيُقَدَّرُ أَنَّهُ أُخِذَ مِنْهُ ثُمَّ أُعِيدَ إلَيْهِ عَلَى الدَّيْنِ وَهَذَا سَبَبُ سُقُوطِهِ وَبَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ مِنْهُ وَيَرْجِعُ عَلَى بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ بِبَقِيَّةِ مَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ وَقَدْ يُفْضِي الْأَمْرُ إلَى التَّقَاضِي إذَا كَانَ الدَّيْنُ لِوَارِثَيْنِ اهـ وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ كَلَامَ السُّبْكِيّ وَبَعْضُهُمْ قَالَ لَا فَرْقَ بَيْنَ عِبَارَتِهِ وَعِبَارَةِ مَنْ غَلَّطَهُمْ فَالْقَصْدُ بَسْطُ ذَلِكَ بِأَمْثِلَةٍ وَبَيَانُ الْحَقِّ فِيهِ بَسْطًا شَافِيًا. (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الصَّوَابَ مَا قَالَهُ السُّبْكِيّ وَاعْتَرَضَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ صَوَابُهُ نِسْبَةُ إرْثِهِ مِنْ التَّرِكَةِ لَا مِنْ الدَّيْنِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ الْفِرَارَ مِنْ إطْلَاقِ الْإِرْثِ مِنْ الدَّيْنِ وَعَلَيْهِ فَكَانَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ لَفْظَ الدَّيْنِ بَعْدُ، كَانَ مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ فَيَقُولُ إنْ كَانَ الدَّيْنُ إلَخْ وَعَلَى تَسْلِيمِ مَا ذَكَرَهُ فَهُوَ لَا يُعَبِّرُ عَنْهُ بِالصَّوَابِ إذْ غَايَةُ مَا فِي كَلَامِ السُّبْكِيّ أَنَّهُ تَجَوُّزٌ فِي الْعِبَارَةِ وَلَعَلَّ إيثَارَهُ لَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِشَارَةِ إلَى مَا اعْتَرَضَ بِهِ وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ عِبَارَتِهِ وَعِبَارَةِ مَنْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِمْ ظَاهِرٌ. وَنُقِلَ عَنْ الْفَتَى أَنَّهُ قَالَ مُرَادُ الْجَمَاعَةِ بِقَوْلِهِمْ يَسْقُطُ مِنْهُ بِقَدْرِ إرْثِهِ مِنْهُ أَيْ مِثْلُهُ فَإِنْ كَانَ عَشَرَةً سَقَطَ عَشَرَةٌ وَعَلَى هَذَا سَوَاءٌ أَكَانَ بِنِسْبَةِ إرْثِهِ أَمْ لَا وَمُرَادُ السُّبْكِيّ أَنَّ السَّاقِطَ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ فَيَسْقُطُ ثُمُنُ الدَّيْنِ إنْ وَرِثَ ثُمُنَ التَّرِكَةِ وَعَلَى هَذَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الدَّيْنَ لَوْ كَانَ سِتَّةَ عَشَرَ مَثَلًا وَالتَّرِكَةُ اثْنَيْ عَشَرَ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَسْقُطُ دِرْهَمٌ وَنِصْفٌ لِأَنَّهُ قَدْرُ إرْثِهِ مِنْ التَّرِكَةِ وَعَلَى الثَّانِي يَسْقُطُ دِرْهَمَانِ لِأَنَّهُمَا نِسْبَةُ إرْثِهِ وَهُوَ الثُّمْنُ وَهُمَا ثُمْنُ التَّرِكَةِ اهـ. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ كَانَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ بِقَدْرِ إرْثِهِ مِنْهُ أَيْ مِنْ الدَّيْنِ فَهَذَا مَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيّ لَكِنَّهُ قَيَّدَهُ بِمَا إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ بِقَدْرِ إرْثِهِ مِنْهُ أَيْ بِقَدْرِ مَا يَرِثُهُ مِنْ تَرِكَةِ الْهَالِكِ حَتَّى إذَا وَرِثَ مِنْهُ عَشَرَةَ سَقَطَ مِنْ دَيْنِهِ عَشَرَةٌ وَهَكَذَا فِي الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ فَهُوَ ظَاهِرُ الْفَسَادِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَارِثُ اثْنَيْنِ وَلِأَحَدِهِمَا خَمْسُونَ وَالتَّرِكَةُ مِائَةٌ سَقَطَ دَيْنُهُ جَمِيعُهُ وَلَا قَائِلَ بِهِ وَلَيْسَ مُرَادُ السُّبْكِيّ مَا مَرَّ عَنْ الْفَتَى مُطْلَقًا بَلْ إنْ كَانَ الدَّيْنُ مِثْلَ التَّرِكَةِ أَوْ أَقَلَّ فَإِنْ كَانَ أَكْثَر كَالْمِثَالِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي السِّتَّةَ عَشَرَةَ وَالِاثْنَيْ عَشَرَ، وَرِثَ الدَّائِنُ ثُمْنَ التَّرِكَةِ فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْجَمَاعَةِ أَنَّهُ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ دِرْهَمَانِ بَلْ قَضِيَّةُ مَا حَكَاهُ السُّبْكِيّ عَنْهُمْ سُقُوطُهَا وَإِنْ لَمْ يَخْلُفْ تَرِكَةً أَصْلًا لِأَنَّهُمَا مِنْ الدَّيْنِ نِسْبَةُ إرْثِ صَاحِبِهِ مِنْ الْهَالِكِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ يَسْقُطُ مِنْ دَيْنِهِ بِقَدْرِ إرْثِهِ. وَمُرَادُ السُّبْكِيّ بِاعْتِرَاضِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ تَرِكَةً لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِ الْوَارِثِ إذْ لَا يَجِبُ عَلَى الْوَرَثَةِ حِينَئِذٍ قَضَاءُ شَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ لَوْ كَانَ لِأَجْنَبِيٍّ وَإِنْ كَانَتْ تَرِكَةً وَهِيَ أَقَلُّ وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقْضُوا مِنْ دَيْنِ الْأَجْنَبِيِّ بِقَدْرِهَا

فَقَطْ وَالزَّائِدُ عَلَى قَدْرِهَا فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لِوَارِثِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ سَقَطَ مِنْ دَيْنِهِ مَا يَجِبُ عَلَى ذَلِكَ الْوَارِثِ أَدَاؤُهُ لَوْ كَانَ لِأَجْنَبِيٍّ فَإِذَا كَانَتْ السِّتَّةَ عَشَرَ الْمَذْكُورَةُ لِمَنْ وَرِثَ الثُّمْنَ وَالتَّرِكَةُ اثْنَا عَشَرَ وَجَبَ عَلَى الْوَرَثَةِ أَنْ يَقْضُوا مِنْ الدَّيْنِ اثْنَيْ عَشَرَ فَقَطْ وَيَبْقَى لِصَاحِبِهِ أَرْبَعَةٌ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ فَيَسْقُطُ مِنْ دَيْنِ صَاحِبِ الثُّمْنِ حِصَّتُهُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَهُوَ دِرْهَمٌ وَنِصْفٌ. وَهَذَا مُرَادُ السُّبْكِيّ بِقَوْلِهِ وَمَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ أَدَاؤُهُ إنْ كَانَ أَيْ الدَّيْنُ أَكْثَر مِنْ التَّرِكَةِ أَيْ وَالسَّاقِطُ مِنْ دَيْنِ الْوَارِثِ جُزْءٌ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ كَنِسْبَةِ إرْثِهِ إلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ أَكْثَرَ مِنْ التَّرِكَةِ وَإِلَّا فَالسَّاقِطُ جُزْءٌ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ كَنِسْبَةِ إرْثِ صَاحِبِهِ مِنْ الْقَدْرِ الَّذِي يَجِبُ عَلَى الْوَرَثَةِ أَدَاؤُهُ لَوْ كَانَ لِأَجْنَبِيٍّ وَالْوَاجِبُ أَدَاؤُهُ حِينَئِذٍ هُوَ قَدْرُ التَّرِكَةِ وَبِمَا تَقَرَّرَ ظَهَرَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ عِبَارَةِ السُّبْكِيّ وَالْجَمَاعَةِ وَمِمَّا يُزِيدُهُ إيضَاحًا أَنَّهُ لَوْ مَاتَ عَنْ اثْنَيْنِ وَعَلَيْهِ ثَمَانُونَ دِينَارًا عِشْرُونَ لِأَحَدِ بَنِيهِ وَسِتُّونَ لِأَجْنَبِيٍّ وَتَرِكَتُهُ ثَمَانِيَةُ دَنَانِيرَ فَقَطْ كَانَ لِابْنِ الدَّائِنِ مِنْهَا دِينَارَانِ حِصَّتُهُ مِنْ تَوْزِيعِ الثَّمَانِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَجْنَبِيِّ عَلَى نِسْبَةِ دَيْنِهِمَا فَدِينَارٌ مِنْهُمَا عَلَيْهِ وَدِينَارٌ مِنْهُمَا عَلَى أَخِيهِ فَيَسْقُطُ الَّذِي عَلَيْهِ مِنْ دَيْنِهِ وَيَسْتَقِرُّ لَهُ مِنْ التَّرِكَةِ ثُمْنُهَا وَيَبْقَى مِنْ حِصَّتِهِ مِنْهَا وَهِيَ النِّصْفُ رُبْعٍ وَثُمْنٌ فِي مَعْنَى الْمَرْهُونِ حَتَّى يُؤَدِّيَ لِلْأَجْنَبِيِّ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَدَاؤُهُ مِنْ دَيْنِهِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ هَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ السُّبْكِيّ. قَالَ بَعْضُهُمْ وَفِي سُقُوطِ الدِّينَارِ الْمَذْكُورِ مِنْ دَيْنِ الِابْنِ وَاسْتِقْرَارِ ثُمْنِ التَّرِكَةِ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَسَلَّطَ الْأَجْنَبِيُّ عَلَى ثَلَاثَةِ دَنَانِيرَ مِنْ دَيْنِهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى وَلَعَلَّ مُرَادَهُ بِاسْتِقْرَارِ نَظِيرِ مَا سَقَطَ مِنْ دَيْنِ الْوَارِثِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ دَيْنٌ لِأَجْنَبِيٍّ اهـ وَمَا ذَكَرَهُ مُحْتَمَلٌ وَيُحْتَمَلُ تَقْرِيرُ كَلَامِ السُّبْكِيّ عَلَى مُقْتَضَاهُ الْمَذْكُورِ وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَظَائِرِهِ مُمْكِنٌ. (وَسُئِلَ) إذَا مَاتَ مَدْيُونٌ وَدَائِنُهُ غَائِبٌ مَفْقُودُ الْخَبَرِ أَوْ مَعْلُومُهُ وَلَمْ يَجِدْ وَارِثُهُ قَاضِيًا أَمِينًا فَهَلْ إفْرَازُهُ قَدْرَ حِصَّةِ الدَّيْنِ يُبِيحُ لَهُ التَّصَرُّفَ وَهَلْ لَهُ حِيلَةٌ غَيْر ذَلِكَ وَكَذَا فِيمَا إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حِيلَتُهُ فِي الْحَجِّ أَنْ يُبَادِرَ بِالِاسْتِئْجَارِ وَيُسَلِّمَ الْأُجْرَةَ إلَى الْأَجِيرِ ثُمَّ يَتَصَرَّف وَأَمَّا فِي وَفَاءِ دَيْنِ الْغَائِبِ فَلَا حِيلَةَ لَهُ إلَّا الرَّفْع إلَيْهِ أَوْ إلَى مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وَقَوْلُ بَعْضُهُمْ حِيلَتُهُ أَنْ يُحَكِّمَ عَدْلًا فِي ذَلِكَ فَيَفْرِزُ لَهُ قَدْرَ حَقِّهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَاضِيًا وَلَا مُحَكَّمًا كَفَى إفْرَازُ عَدْلٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ عَدْلًا تَصَرَّفَ وَضَمِنَ النَّقْصَ غَيْرُ سَدِيدٍ إذْ شَرْطُ التَّحْكِيمِ رِضَا الْمُتَحَاكِمَيْنِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَأَيْضًا فَأَمْوَالُ الْغَائِبِينَ وَالْمَفْقُودِينَ إنَّمَا يَحْفَظُهَا وَيَسْتَنِيبُ فِي حِفْظِهَا الْحَاكِم دُونَ غَيْرِهِ فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ مُطْلَقًا حَتَّى يَدْفَعَ لِلْمُسْتَحِقِّ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ وَضْعِ الْمُرْتَهَنِ الْمَرْهُونَ فِي حِرْزٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَمِينٍ فَسُرِقَ هَلْ يَضْمَنُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَيْثُ كَانَ الْمُرْتَهِنُ مُخْتَصًّا بِالْيَدِ فَأَزَالَهَا عَنْهُ كَأَنْ وَضَعَهَا فِي الْحِرْزِ الْمَذْكُورِ ضَمِنَ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَوْلِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَلَا يَنْفَكُّ شَيْءٌ مِنْ الرَّهْنِ مَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ إلَّا إلَّا تَعَدَّدَ الْعَقْدُ أَوْ مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ قَالَ الشَّيْخُ: كَأَنْ رَهَنَ عَبْدًا مِنْ اثْنَيْنِ بِدَيْنِهِمَا عَلَيْهِ صَفْقَةً وَاحِدَةً وَإِنْ اتَّحَدَتْ جِهَةُ دَيْنِهِمَا كَبَيْعٍ وَإِتْلَافٍ ثُمَّ بَرِئَ عَنْ دَيْنِ أَحَدِهِمَا وَهَذَا يُشْكِلُ بِأَنَّ مَا أَخَذَهُ أَحَدُهُمَا مِنْ الدَّيْنِ لَا يَخْتَصُّ بِهِ بَلْ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَكَيْف تَنْفَكُّ حِصَّتُهُ مِنْ الرَّهْنِ بِأَخْذِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ مَا هُنَا مَحَلُّهُ إذَا لَمْ تَتَّحِدْ جِهَةُ دَيْنِهِمَا أَوْ إذَا كَانَتْ الْبَرَاءَةُ بِالْإِبْرَاءِ لَا بِالْأَخْذِ اهـ فَقَوْلُهُ مَحَلُّهُ إلَخْ يُنَافِي قَوْلَهُ أَوَّلًا كَالرَّوْضَةِ وَإِنْ اتَّحَدَتْ جِهَةُ دَيْنِهِمَا وَيُنَافِي قَوْلَ الْأَصْلِ وَفِي وَجْهٍ إنْ اتَّحَدَتْ جِهَةُ دَيْنَيْهِمَا لَمْ يَنْفَكَّ شَيْءٌ بِالْبَرَاءَةِ عَنْ أَحَدِهِمَا وَإِنَّمَا يَنْفَكُّ إذَا اخْتَلَفَتْ الْجِهَةُ وَالصَّحِيحُ الِانْفِكَاكُ مُطْلَقًا فَمَا الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا مُنَافَاةَ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَوَّلًا وَإِنْ اتَّحَدَتْ جِهَةُ دَيْنَيْهِمَا إنَّمَا ذَكَرَهُ لِيُبَيِّنَ شُمُولَ الْمَتْنِ لَهُ حَتَّى يُطَابِقَ عِبَارَةَ أَصْلِهِ وَلِيَتَوَجَّهَ الْإِشْكَالُ الَّذِي ذَكَرَهُ ثُمَّ سَلَكَ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ طَرِيقَيْنِ الْأُولَى تَخْصِيصُ مَا هُنَا بِالصُّورَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا وَهِيَ إذَا لَمْ تَتَّحِدْ الْجِهَةُ وَحِينَئِذٍ لَا يَتَوَجَّهُ الْإِشْكَالُ أَصْلًا الثَّانِي سَلَّمْنَا أَنَّ مَا هُنَا عَامٌّ فِي الِاتِّحَادِ

وَعَدَمِهِ لَكِنَّ مَحَلَّهُ مَا إذَا كَانَتْ الْبَرَاءَةُ بِالْإِبْرَاءِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَتَوَجَّهُ الْإِشْكَالُ أَصْلًا إذْ لَا أَخْذَ هُنَا حَتَّى يُقَالَ إنَّ الْمَأْخُوذَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا أَمَّا إذَا كَانَتْ الْبَرَاءَةُ بِالْأَدَاءِ فَالْمَعْمُولُ بِهِ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ مِنْ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا فَلَا تَنْفَكُّ حِصَّةُ أَحَدِهِمَا مِنْ الرَّهْنِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ كَلَامَ الرَّوْضَةِ الْمَذْكُورَ لِأَنَّ الْوَجْهَ الضَّعِيفَ إنَّمَا فَرَضَ كَلَامَهُ فِي الْبَرَاءَةِ لَا فِي الْأَدَاءِ وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ وَالصَّحِيحُ الِانْفِكَاكُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ اتَّحَدَتْ الْجِهَةُ أَمْ اخْتَلَفَتْ فِي صُورَةِ الْبَرَاءَةِ لَا فِي صُورَةِ الْأَدَاءِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ إنَّ مَا يُؤْخَذَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَوْلِ الشَّيْخِ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَيْضًا وَلَا يَنْتَقِلُ الْمَرْهُونُ إلَى عَدْلٍ أَوْ فَاسِقٍ آخَرَ إلَّا إلَّا اتَّفَقَا أَيْ الْعَاقِدَانِ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ حَدَثَ بِهِ فِسْقٌ وَنَحْوُهُ وَتَنَازَعَا فِيمَنْ يَكُونُ عِنْدَهُ نَقَلَهُ الْحَاكِمُ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ قَالَ ابْن الرِّفْعَةِ هَذَا إذَا كَانَ الرَّهْنُ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ وَإِلَّا فَيَظْهَرُ أَنْ لَا يَوْضَعَ عِنْدَ عَدْلٍ إلَّا بِرِضَا الرَّاهِنِ لِأَنَّ لَهُ الِامْتِنَاعَ مِنْ أَصْلِ الْإِقْبَاضِ فَهَلْ مَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مُعْتَمَدٌ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا بَحَثَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ عِلَّتِهِ فِي مَحَلِّ الْمَنْعِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ لَهُ الِامْتِنَاعَ فِي الْأَصْلِ لَمْ يُفِدْ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ امْتِنَاعٌ الْآنَ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ لَهُ الِامْتِنَاعَ الْآنَ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ كَلَامِهِمْ إذْ يَدُ الْعَدْلِ لَيْسَتْ نَائِبَة عَنْ يَدِ الرَّاهِنِ فَقَطْ بَلْ عَنْ يَدِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ لِلْعَدْلِ رُدَّهُ إلَيْهِمَا لَا إلَى أَحَدِهِمَا إلَّا بِإِذْنٍ وَإِلَّا ضَمِنَهُ إنْ تَلِفَ بِبَدَلِهِ وَرَدَّهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ لِيَكُونَ رَهْنًا مَكَانَهُ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي لُزُومِ الرَّهْنِ وَامْتِنَاعِ الرَّاهِنِ مِنْ الرُّجُوعِ فِيهِ فَظَهَرَ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ الرِّفْعَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِتَعْلِيلِهِ مَا بَحَثَهُ بِمَا لَا يُجْدِي إنْ أَرَادَ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ أَوْ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ إنْ أَرَادَ الْمَعْنَى الثَّانِي. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَوْلِ الشَّيْخِ زَكَرِيَّا أَيْضًا فِي شَرْحِ قَوْلِ الرَّوْضِ أَرْشُ الْمَرْهُونِ وَقِيمَتُهُ إنْ ضُمِنَ رَهْنٌ وَلَوْ كَانَ فِي ذِمَّةِ الْجَانِي ثُمَّ مَحَلُّ كَوْنِ مَا ذُكِرَ رَهْنًا فِي الذِّمَّةِ إذَا كَانَ الْجَانِي غَيْرَ الرَّاهِنِ وَإِلَّا فَلَا يَصِيرُ مَرْهُونًا إلَّا بِالْغُرْمِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ فِيمَا إذَا لَزِمَهُ قِيمَةُ مَا أَعْتَقَهُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي كَوْنِهِ مَرْهُونًا فِي ذِمَّتِهِ بِخِلَافِهِ فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ اهـ قَالَ فِي الْخَادِمِ وَكَأَنَّ الْفَرْقَ أَنَّهُ بِالْإِتْلَافِ صَارَ فَاسِخًا لِلْعَقْدِ فَلَا بُدَّ عِنْد أَخْذِ بَدَلِهِ مِنْ تَجْدِيدِهِ بِخِلَافِ إتْلَافِ الْأَجْنَبِيِّ فَهَلْ ذَلِكَ كُلُّهُ مُعْتَمَدٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ عِبَارَةُ الرَّوْضِ فِيمَا إذَا لَزِمَهُ قِيمَةُ مَا أَعْتَقَ إذَا أَعْتَقَ الْمُوسِرُ مَرْهُونًا مَقْبُوضًا عَتَقَ فِي الْحَالِ وَغَرِمَ قِيمَتَهُ وَتَصِيرُ رَهْنًا وَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ لِصَيْرُورَتِهَا رَهْنًا فِي ذِمَّتِهِ قَبْلَ الْغُرْمِ وَلِكَوْنِهَا لَا تَصِيرُ إلَّا بَعْدَهُ لِأَنَّ وَضْعَ الْعَطْفِ بِالْوَاوِ ذَلِكَ لَكِنْ قَالَ الشَّارِحُ وَتَصِيرُ مِنْ حِينِ غُرْمِهَا فَحَمَلَهُ عَلَى الثَّانِي فَإِنْ كَانَ مُسْتَنَدُ الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ عَدَمَ الْفَائِدَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَةِ فَمَمْنُوعٌ فِيهِمَا إذْ يُتَصَوَّرُ لَهُ فَائِدَةٌ أَيُّ فَائِدَةٍ وَهِيَ مَا لَوْ حُجِرَ عَلَى الرَّاهِنِ بِفَلَسٍ بَعْدَ الْعِتْقِ أَوْ الْإِتْلَافِ وَقَبْلَ غُرْمِ الْقِيمَةِ فَيُقَدَّمُ الْمُرْتَهِنُ بِقَدْرِ قِيمَةِ الْمَرْهُونِ عَلَى الْغُرَمَاءِ لِأَنَّهَا بَدَلُ الْمَرْهُونِ الَّذِي لَوْلَا إتْلَافُهُ لَقُدِّمَ بِهِ فَلِيَقُمْ بَدَلُهُ. وَإِنْ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ مَقَامَهُ فَكَانَ لِلْحُكْمِ عَلَيْهَا فِي ذِمَّتِهِ بِكَوْنِهَا رَهْنًا فَائِدَةٌ تَعُودُ عَلَى الْمَرْهُونِ بِمَصْلَحَةٍ أَيِّ مَصْلَحَةٍ بَلْ هَذِهِ أَعْظَمُ مِنْ فَائِدَةِ كَوْنِهَا رَهْنًا فِي ذِمَّةِ الْجَانِي فَإِنَّ الْفَائِدَةَ هِيَ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَتَعَلَّقُ بِهَا إذَا قَبَضَهَا الرَّاهِنُ مِنْهُ وَلَوْ حَكَمْنَا بِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ مَرْهُونَةً إلَّا بِقَبْضِهِ لَهَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ ضَيَاعُ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهَا بِذَلِكَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ضَيَاعُ مَجْمُوعِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِمُحَاصَّةِ الْغُرَمَاءِ فِيهَا فِي صُورَةِ الْحَجْرِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَإِنْ كَانَ مُسْتَنَدُ الْحَمْلِ كَلَامَ الْأَصْحَابِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُعْتَمَدًا لَكِنَّهُ مُشْكِلٌ بِمَا قَرَّرْنَاهُ وَمَا فَرَّقَ بِهِ فِي الْخَادِمِ مِمَّا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ مُجَرَّدُ دَعْوَى. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ امْرَأَةٍ رَهَنَتْ مَصَاغًا عِنْدَ امْرَأَةٍ أُخْرَى بِمَبْلَغٍ مَعْلُومٍ عَلَى أَنْ تَلْبَسَ ذَلِكَ الْمَصَاغَ مَا دَامَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهَا فَلَبِسَتْ الْمُرْتَهِنَةُ ذَلِكَ الْمَصَاغَ مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ ثُمَّ تَلِفَ مِنْهَا بِغَيْرِ تَقْصِيرٍ فَهَلْ يَلْزَمُهَا قِيمَةُ الْمَصَاغِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَلْزَمُهَا قِيمَةُ الْمَصَاغِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَتَلِفَ بِتَقْصِيرٍ أَمْ غَيْرِهِ. (وَسُئِلَ) عَنْ

إنْسَانٍ رَهَنَ عِنْدَ آخَرَ رَهْنًا عَلَى مَبْلَغٍ مُعَيَّنٍ فَتَسَلَّمَ الْمُرْتَهِنُ ذَلِكَ وَدَفَعَهُ لِفَتَاهُ لِيُدْخِلَهُ فِي حَاصِلٍ لِسَيِّدِهِ فَأَدْخَلَهُ الْفَتَى فِي حَاصِلِ سَيِّدِهِ بِحُضُورِهِ وَطَرِيقَةُ هَذَا السَّيِّدِ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ أَنْ يُدْخِلَ شَيْئًا إلَى حَاصِلِهِ أَوْ يُخْرِجَ شَيْئًا مِنْهُ يَتَعَاطَى ذَلِكَ جَمِيعَهُ مِنْ يَدِ هَذَا الْفَتَى وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُفَارِقْ سَيِّدَهُ مِفْتَاحُ الْحَاصِلِ وَالْجَمِيعُ بِحُضُورِهِ ثُمَّ لَمْ يَشْعُرْ إلَّا وَقَدَ غُيِّبَ الْفَتَى بِالْإِبَاقِ فَتَفَقَّدَ السَّيِّدُ حَاصِلَهُ وَأَمْتِعَتَهُ فَإِذَا بِالْفَتَى قَدْ اخْتَلَسَ مِنْهُ أَعْيَانًا وَنَقْدًا وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ الرَّهْنُ الْمَذْكُورُ فَجَاءَ صَاحِبُ الرَّهْنِ وَطَلَبَ رَهْنَهُ بَعْدَ إبَاقِ الْفَتَى فَقَالَ لَهُ السَّيِّدُ قَدْ وَدَّاهُ الْفَتَى مَعَهُ وَرَاحَ وَهَذِهِ لُغَةُ أَهْلِ بَلْدَةِ السَّيِّدِ وَقَصَدَ بِوَدَّاهُ الْفَتَى مَعَهُ وَرَاحَ أَيْ اخْتَلَسَهُ وَأَبَقَ بِهِ فَلَمَّا سَافَرَ الْمُرْتَهِنُ الْمَذْكُورُ إلَى بَلْدَةٍ غَيْرِ الْبَلْدَةِ الَّتِي اُخْتُلِسَ مِنْهَا مَا ذُكِرَ ادَّعَى عَلَى وَكِيلِهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنَّهُ لَمَّا طَلَبَ مِنْهُ الرَّهْنَ قَالَ وَدَّاهُ الْفَتَى مَعَهُ وَحَمَلَ الْحَاكِمُ وَالشُّهُودُ قَوْلَ السَّيِّدِ وَدَّاهُ عَلَى أَنَّهُ أَعْطَاهُ لِلْفَتَى وَحَكَمَ الْقَاضِي عَلَى الْوَكِيلِ بِاللُّزُومِ وَدَفَعَهُ مِنْ مَالِ مُوَكِّلِهِ قِيمَة هَذَا الرَّهْنِ، وَالْحَالُ أَنَّهُ مَا قَصَدَ بِوَدَّاهُ إلَّا اخْتَلَسَهُ الْفَتَى فَهَلْ الْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ عَلَى قَصْدِهِ الَّذِي قَصَدَهُ إذَا كَانَ ذَلِكَ مُصْطَلَحَ لُغَةِ أَهْلِ بَلْدَتِهِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَدُ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّهْنِ يَدُ أَمَانَةٍ فَإِذَا تَلِفَ مِنْ عِنْدِهِ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْهُ لَمْ يَضْمَنْهُ وَلَا خَفَاءَ أَنَّ تَمْكِينَ الْعَبْدِ الْأَمِينِ مِنْ دُخُولِ مَحَلِّ الْمَرْهُونِ لَيْسَ تَقْصِيرًا فَإِذَا اخْتَلَسَهُ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرِ سَيِّدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ سَيِّدُهُ وَيُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَاهُ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ وَإِنْ قَالَ وَدَّاهُ الْفَتَى مَعَهُ وَرَاحَ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ إقْرَارًا بِأَنَّهُ مَكَّنَهُ مِنْ أَخْذِهِ لَا لُغَةً وَلَا عُرْفًا فَحُكْمُ الْحَاكِمِ الشَّافِعِيِّ بِمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ بَاطِلٌ لَا عِبْرَةَ بِهِ. (سُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ رَهَنَ عَبْدَهُ بِدَيْنِ آخَرَ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ فَهَلْ يَصِحُّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَصِحُّ الرَّهْنُ الْمَذْكُورُ وَكَأَنَّهُ ضَمِنَ الدَّيْنَ فِي عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا إذَا ارْتَهَنَ الْكَافِرُ مُصْحَفًا أَوْ مُسْلِمًا فَهَلْ يُمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهِ لِصِحَّةِ الرَّهْنِ أَوْ يَقْبِضُهُ لَهُ الْحَاكِمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَقْبِضُهُ لَهُ الْحَاكِمُ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهِ أَصْلًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ الْمَبِيعَ قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يَقْبِضْهُ بَلْ يَقْبِضُهُ لَهُ الْحَاكِمُ فَإِنْ قُلْت: يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْمِلْكَ فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ فَلَيْسَ فِي وَضْعِ الْكَافِرِ يَدَهُ لِمُجَرَّدِ صِحَّةِ الْقَبْضِ إهَانَةٌ وَلَا إذْلَالٌ بِخِلَافِهِ فِي الْبَيْعِ فَإِنَّ الْمِلْكَ لَهُ فَفِي وَضْعِ يَدِهِ ذَلِكَ قُلْت: مَمْنُوعٌ بَلْ الْمَسْأَلَتَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ إذْ لَا إهَانَةَ وَلَا إذْلَالَ فِي وَضْعِ الْيَدِ فِيهِمَا بِمُجَرَّدِ الْقَبْضِ وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ صَوْنًا لَهُمَا عَنْ الدُّخُولِ فِي يَدِهِ وَإِنْ انْتَفَى ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لَك أَنْ تَدَّعِيَ عَدَمَ انْتِفَائِهِ إذْ مُجَرَّدُ وَضْعِ يَدِهِ إهَانَةٌ وَإِذْلَالٌ فِي الْجُمْلَةِ فَمُنِعَ مِنْهُ طَرْدُ اللَّبَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذَا أَتْلَفَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ ثُمَّ أَبْرَأ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ مِنْ ذَلِكَ فَهَلْ تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ أَمْ لَا وَلَوْ رَهَنَهُ الْمُرْتَهِنُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ بَعْد لُزُومِ الرَّهْنِ فَهَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا عَلِمَ الْمَالِكُ مَا لَزِمَ ذِمَّةَ الْمُتْلِفِ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ صَحَّ إبْرَاؤُهُ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا وَيَصِحُّ الرَّهْنُ فِيمَا ذُكِرَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ بَيْعُ الْمَرْهُونِ أَوْ رَهْنُهُ أَوْ هِبَتُهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ صَحِيحٌ سَوَاءٌ ابْتَدَأَ الرَّاهِنَ بِالْإِيجَابِ أَمْ لَا وَيَكُونُ فَسْخًا لِلرَّهْنِ لِأَنَّ قَبُولَ الْمُرْتَهِنِ لِذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِرِضَاهُ بِالْفَسْخِ فَكَذَا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ رَهْنُهُ مِنْ غَيْرِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِيهِ مِنْ الرَّهْنِ مُسْتَلْزِمٌ لِرِضَاهُمَا بِالْفَسْخِ فَيَكُونُ فَسْخًا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ رَجُلٍ رَهَنَ أَمَتَهُ بِدَيْنٍ مَعْلُومٍ فَحَبِلَتْ مِنْهُ بِوَطْءٍ حَالَ الرَّهْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَبِيعَتْ لِقَضَاءِ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ انْتَقَلَتْ إلَى مِلْكِ الرَّاهِنِ بِالْإِرْثِ مِنْ مُوَرِّثِهِ وَكَانَ عَلَى مُوَرِّثِهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ التَّرِكَةِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الْجَارِيَةُ الْمَذْكُورَةُ فَهَلْ تُبَاعُ فِي دَيْنِ الْمَيِّتِ أَوْ لَا وَهَلْ الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَارِثُهُ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الظَّاهِرُ بَيْعُ الْأَمَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي دَيْنِ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ مُوسِرًا لِأَنَّهُ وَإِنْ مَلَكهَا بِالْإِرْثِ لَكِنَّهُ مِلْكٌ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِيهِ لِأَنَّ التَّرِكَةَ مَرْهُونَةٌ بِالدَّيْنِ وَإِنْ أَيْسَرَ الْوَارِثُ إذْ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِهَا وَإِذَا مَلَكَهَا مِلْكًا مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِيهِ لَمْ يَكُنْ نُفُوذُ الْإِيلَادِ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ ضَيَاعُ أَهْلِ الدَّيْنِ وَبَقَاءُ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ مَشْغُولَةً بِدَيْنِهِ مَعَ تَفْوِيتِ مِلْكِهِ

التَّامِّ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَعُودُ عَلَيْهِ مِنْهُ مَصْلَحَةٌ وَلَا كَانَ سَبَبًا فِيهِ فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ تُعْتَقْ عَلَى الْوَارِثِ الْمُوسِرِ وَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا لِأَهْلِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي عِتْقِهَا بِسَبْقِ إيلَادِهِ لَهَا قُلْت: ذَلِكَ الْإِيلَادُ قَدْ بَطَلَ حُكْمُهُ بِبَيْعِهَا أَوَّلًا مَا دَامَتْ خَارِجَةً عَنْ مِلْكِهِ وَانْتِقَالُهَا إلَى مِلْكِهِ بِالْإِرْثِ مَعَ كَوْنِهَا مَرْهُونَةً بِدَيْنِ الْمَيِّتِ كَخُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِ الْوَارِثِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عِتْقِهَا عَلَيْهِ مَحْذُورٌ. وَهُوَ إمَّا ضَيَاعُ أَصْلِ الدَّيْنِ إنْ لَمْ يُلْزَمْ الْوَارِثُ بِشَيْءٍ وَكَذَا بَقَاءُ شَغْلِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ وَضَيَاعُ مِلْكِهِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ تَعُودُ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِهَا مَرْهُونَةً بِهِ وَإِمَّا تَكْلِيفُ الْوَارِثِ بَدَلَ قِيمَتِهَا مَعَ انْقِطَاعِ حُكْمِ الْإِيلَادِ إلَى الْآنَ وَلَوْ لَزِمَ ذَلِكَ لَلَزِمَهُ إذَا أَيْسَرَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا لِتُعْتَقَ عَلَيْهِ فَكَمَا أَنَّهُمْ لَمْ يُلْزِمُوهُ بِهَذَا بِوَجْهٍ نَظَرًا إلَى خُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ فَكَذَا لَا يَلْزَمُهُ بَذْلُ الْقِيمَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا حَتَّى تُعْتَقَ نَظَرًا إلَى أَنَّ تَعَلُّقَ دَيْنِ الْمَيِّتِ بِرَقَبَتِهَا صَيَّرَهَا كَالْخَارِجَةِ عَنْ مِلْكِهِ بِجَامِعِ عَدَمِ نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِيهَا فَإِنْ قُلْت: عِتْقُ الْوَارِثِ الْمُوسِرِ لِقِنِّ التَّرِكَةِ جَائِزٌ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهَا دَيْنٌ وَتَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ فَنَفَذَ تَصَرُّفُهُ فَلِمَ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ هُنَا قُلْت فَرْقٌ بَيْنَ الْمُتَبَرِّعِ وَالْمُلْزَمِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ تَبَرُّعِهِ بِالْعِتْقِ وَتَوْطِينِهِ نَفْسِهِ عَلَى مَا بَذَلَ الْقِيمَةَ تَبَرُّعًا أَنَّا نُلْزِمُهُ بِبَذْلِ الْقِيمَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا مَعَ عَدَمِ ظُهُورِ سَبَبٍ يَقْتَضِي الْتِزَامَهُ بِذَلِكَ هَذَا مَا يَظْهَرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ جَلِيٌّ مِنْ قَوَاعِدِهِمْ وَمَدَارِكِهِمْ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ عَيْنٍ مُرْتَهَنَةٍ فِي دَيْنٍ شَرْعِيٍّ وَامْتَنَعَ الْخَصْمُ مِنْ الْأَدَاءِ أَوْ مَاتَ أَوْ غَابَ هَلْ لِلْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ جَبْرُهُ أَوْ وَارِثُهُ أَوْ وَكِيلُهُ عَلَى بَيْعِ الْعَيْنِ الْمُرْتَهَنَةِ أَوْ عَلَى بَيْعِ غَيْرِهَا مِنْ مَالِهِ الْحَاضِرِ أَوْ الْغَائِبِ لِيُوَفِّيَ دَيْنَ خَصْمِهِ بَعْدَ اسْتِيفَائِهِ الْوُجُوهِ الشَّرْعِيَّةِ إذَا امْتَنَعَ فَلَوْ قَالَ كُلٌّ مِمَّنْ ذُكِرَ لَا يُبَاعُ فِي دَيْنِهِ إلَّا الْعَيْنُ الْمُرْتَهَنَةُ فَقَطْ هَلْ يُسْمَعُ قَوْلُهُ أَمْ لَا وَيَبِيعُ الْحَاكِمُ مَا شَاءَ مِنْ أَمْوَالِهِ وَإِذَا امْتَنَعَ أَيْضًا كُلٌّ مِمَّنْ ذُكِرَ مِنْ الْأَدَاءِ هَلْ يُحْبَسُ إلَى أَنْ يَبِيعَ أَوْ يَبِيعَ الْحَاكِمُ مِنْ غَيْرِ حَبْسٍ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) إذَا كَانَ بِالدَّيْنِ رَهْنٌ وَضَامِنٌ فَلِلْمُرْتَهِنِ طَلَبُ الْوَفَاءِ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ وَإِنْ كَانَ بِهِ رَهْنٌ فَقَطْ فَلَهُ طَلَبُ بَيْعِهِ أَوْ قَضَاءُ دَيْنِهِ إنْ حَلَّ فَإِذَا بِيعَ الْمَرْهُونُ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِرَقَبَتِهِ جِنَايَةٌ قُدِّمَ الْمُرْتَهِنُ بِثَمَنِهِ عَلَى سَائِرِ الْغُرَمَاءِ وَعُلِمَ مِنْ طَلَبِهِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ مَا فِي النِّهَايَةِ. وَنَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ لِلرَّاهِنِ أَنْ يَخْتَارَ الْبَيْعَ وَالتَّوْفِيَةَ مِنْ ثَمَنِ الْمَرْهُونِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى التَّوْفِيَةِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا نَظَرَ لِهَذَا التَّأْخِيرِ وَإِنْ كَانَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ وَاجِبًا عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّ تَعْلِيقَهُ الْحَقَّ بِعَيْنِ الرَّهْنِ رِضًا مِنْهُ بِاسْتِيفَائِهِ مِنْهُ وَطَرِيقُهُ الْبَيْعُ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ تَعَلُّقَ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِغَيْرِ الرَّهْنِ أَيْضًا لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَرْهُونَ قَدْ لَا يُوَفِّي ثَمَنُهُ الدَّيْنَ أَوْ يَتْلَفُ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ فَيَجِبُ الْوَفَاءُ مِنْ بَقِيَّةِ مَالِ الرَّاهِنِ وَلَا مَا يَأْتِي مِنْ إجْبَارِهِ عَلَى الْأَدَاءِ أَوْ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّاهِنِ حَتَّى يُوَفِّيَ مِمَّا يَخْتَارُ لَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُرْتَهِنِ حَتَّى يُجْبِرَهُ عَلَى الْأَدَاءِ مِنْ غَيْرِ الرَّهْنِ. وَإِذَا طُلِبَ مِنْهُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ فَامْتَنَعَ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِالْحَبْسِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى الِامْتِنَاعِ بَاعَ الرَّهْنَ عَلَيْهِ بَعْدَ ثُبُوتِ الدَّيْنِ وَمِلْكِ الرَّاهِنِ وَالرَّهْنِ وَكَوْنُهُ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَقُضِيَ الدَّيْنُ مِنْ ثَمَنِهِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ تَوَقُّفِ بَيْعِ الْحَاكِمِ هُنَا عَلَى الْإِصْرَارِ وَجَوَازِ بَيْعِهِ لِمَالِ الْمُفْلِسِ مُطْلَقًا بِأَنَّ الْحَجْرَ ثَمَّ أَوْجَبَ كَوْنَ الْقَاضِي نَائِبًا عَنْهُ قَبْلَ الْبَيْعِ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَتَوَلَّاهُ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ فَلَمْ يَثْبُتْ لِلْقَاضِي وِلَايَةُ بَيْعِهِ إلَّا بَعْدَ الِانْفِسَاخِ وَإِذَا أَقَامَ الْمُرْتَهِنُ حُجَّةً بِالدَّيْنِ وَمِلْكِ الرَّاهِنِ وَبِالرَّهْنِ فِي غِيبَةِ الْمُرْتَهِن بَاعَهُ الْحَاكِمُ وَوَفَّى مِنْ ثَمَنِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بَيْعُهُ هُنَا وَفِيمَا مَرَّ إلَّا إذَا لَمْ يَجِدْ لَهُ مَا يُوَفِّي الدَّيْنَ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ كَانَ بَيْعُهُ أَصْلَح وَلَوْ بَاعَهُ الْمُرْتَهِنُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِئْذَانِ الرَّاهِنِ وَالْحَاكِمِ صَحَّ وَوَكِيلُ الرَّاهِنِ أَوْ الْمُرْتَهِنُ كَهُوَ فِيمَا ذُكِرَ فِيهِ وَوَارِثُ الْمَيِّتِ مِثْلُهُ فِيمَا ذُكِرَ أَيْضًا نَعَمْ إنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِغَيْرِ الْمُرْتَهِنِ فَازَ الْمُرْتَهِنُ بِقِيمَةِ رَهْنِهِ وَمَا فَضَلَ لَهُ يُضَارِبُ بِهِ مَعَ الدَّائِنِينَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيمَا إذَا شَرَطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي رَهْنًا فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَيَكُونُ الْعَيْنَ الْمَبِيعَةَ فَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فَإِذَا شَرَطَ عَلَيْهِ رَهْنًا وَأَطْلَقَ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْعَيْنَ

الْمَبِيعَةَ وَلَا غَيْرَهَا ثُمَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ أَرْهَنَهُ الْعَيْنَ الْمَبِيعَةَ هَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ وَرَهْنُ الْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ أَوْ لَا أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ بِشَرْطِ رَهْنِ الْمَبِيعِ سَوَاءٌ أَشَرَطَ أَنْ يَرْهَنَهُ إيَّاهُ قَبْلَ قَبْضِهِ أَمْ بَعْدَهُ فَإِنْ رَهَنَهُ بَعْدَ قَبْضِهِ بِلَا شَرْطٍ أَوْ مَعَ شَرْطِ مُطْلَقِ الرَّهْنِ صَحَّ الْبَيْعُ وَالرَّهْنُ. (وَسُئِلَ) عَنْ حُرٍّ مُسْلِمٍ صَغِيرٍ رَهَنَهُ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ قَرَابَتُهُ لِعَدَمِ مَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ هُنَاكَ بَيِّنَةٌ فَلَمَّا بَلَغَ وَأَرَادَ فِرَاقَهُ طَالَبَهُ الْمُرْتَهِنُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ فَهَلْ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ شَيْئًا مِنْهُ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُنْفِقْ هُوَ لَأَلْجَأَتْ الْحَالُ إلَى هَلَاكِهِ أَوْ لَا وَإِنْ قُلْتُمْ لَا فَهَلْ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَهُمَا بِإِعْطَاءِ شَيْءٍ لِيَتَخَلَّصَ مِنْ يَدِهِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ الْقَاضِي عَلَى إجْرَاءِ الْحُكْمِ بِغَيْرِ أَدَاءِ شَيْءٍ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الرَّهْنُ الْمَذْكُورُ بَاطِلٌ وَأَمَّا مَا أَنْفَقَهُ الْمُرْتَهِنُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَشَرَطَ لَهُ الرُّجُوعَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَا بِإِذْنِ أَحَدِهِمَا فَإِنْ كَانَ الصَّغِيرُ غَيْرَ مُضْطَرٍّ فَلَا رُجُوعَ لِلْمُنْفِقِ عَلَى أَحَدٍ وَإِنْ كَانَ مُضْطَرًّا فَإِنْ أَطْعَمَهُ سَاكِنًا فَلَا شَيْءَ لَهُ وَإِنْ قَالَ كَانَ بِعِوَضٍ حَلَفَ الْمَالِكُ وَرَجَعَ عَلَى الصَّغِيرِ إذَا بَلَغَ وَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ عِنْدَنَا عَلَى إنْكَارٍ بَلْ عَلَى إقْرَارٍ فَإِذَا وُجِدَ الْإِقْرَارُ وَتَوَافَقَا عَلَى الصُّلْحِ جَازَ لِلْقَاضِي أَنْ يُقِرَّهُمَا عَلَيْهِ. (وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ مَا مَنْشَأُ اخْتِلَافِ السُّبْكِيّ وَأَهْلِ عَصْرِهِ الَّذِينَ اسْتَدْرَكَ عَلَيْهِمْ مَا هُوَ مَشْهُورٌ عَنْهُ فِي دَيْنِ الْوَارِثِ الْمُوجِبِ لِتَفَاوُتِ الْمَقَالَتَيْنِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا بِالْمِثَالِ فَإِذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ ثَمَانِينَ وَدَيْنُ الْوَارِثِ الَّذِي هُوَ الصَّدَاقُ كَذَلِكَ فَهُمْ يَقُولُونَ يَسْقُطُ مِنْ دَيْنِ الْوَارِثَةِ فِيمَا إذَا خَلَفَ زَوْجَةً وَابْنًا بِنِسْبَةِ إرْثِهَا الَّذِي هُوَ الثُّمْنُ فَسَقَطَ مِنْ دَيْنِهَا عَشَرَةٌ إذْ هِيَ الَّتِي يَلْزَمُهَا أَدَاؤُهَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِأَجْنَبِيٍّ وَحْدَهُ فَإِذَا أَدَّتْهَا كَانَ لَهَا التَّصَرُّفُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ لَهَا فَلَا تَحْتَاجُ إلَى وُقُوعِ تَرَادٍّ مِنْ نَفْسِهَا بَلْ يَسْقُطُ ثُمْنُ الدَّيْنِ بِمُجَرَّدِ مَوْتِ الزَّوْجِ إذْ لَا يُعْقَلُ الْحَجْرُ عَلَى الشَّخْصِ فِي مَالِهِ وَلَوْ مَنَعَتْ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي ثُمْنِ التَّرِكَةِ حِينَئِذٍ لَزِمَ الْحَجْرُ عَلَيْهَا فِي مِلْكِهَا إذْ الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ فَمِنْ ثَمَّ قَالُوا يَسْقُطُ ثُمْنُ الدَّيْنِ يَعْنِي أَنَّ لَهَا التَّصَرُّفَ فِي ثُمْنِ التَّرِكَةِ لِاسْتِحَالَةِ الْحَجْرِ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي مِلْكِهِ وَلَا تَعَلُّقَ لِغَيْرِهِ. وَأَمَّا هُوَ فَلَا يُخَالِفُهُمْ فِي ذَلِكَ بَلْ فِيمَا إذَا كَانَ دَيْنُ الْوَارِثِ أَكْثَرَ مِنْ التَّرِكَةِ كَأَنْ يَكُونَ ثَمَانِينَ وَهِيَ أَرْبَعُونَ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ سُقُوطُ ثُمْنِ الدَّيْنِ وَهُوَ يَقُولُ السَّاقِطُ مِنْ دَيْنِ الزَّوْجَةِ مَا يَلْزَمُهَا أَدَاؤُهُ لَوْ كَانَتْ الثَّمَانُونَ لِأَجْنَبِيٍّ وَهُوَ خَمْسَةٌ فَقَطْ فَهِيَ السَّاقِطَةُ مِنْ دَيْنِهَا وَيُقَدَّرُ أَنَّهَا أُخِذَتْ مِنْهَا ثُمَّ أُعِيدَتْ لَهَا مِنْ الدَّيْنِ وَهَذَا أَظْهَرُ مِنْ زَعْمِهِمْ سُقُوطَ الْجَمِيعِ إذْ لَوْ كَانَ لِابْنِهِ الْحَائِزِ عَلَيْهِ ثَمَانُونَ وَالتَّرِكَةُ أَرْبَعُونَ فَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ أَنْ يَسْقُطَ الْجَمِيعُ لِزَعْمِهِمْ أَنَّهُ يَسْقُطُ قَدْرُ إرْثِهِ وَقَدْرُ إرْثِهِ جَمِيعُ التَّرِكَةِ وَسُقُوطُ جَمِيعِهِ لَا قَائِلَ بِهِ وَهُوَ يَقُولُ إنَّمَا يَسْقُطُ مِنْ دَيْنِ الْحَائِزِ أَرْبَعُونَ لِأَنَّهَا الَّتِي يَلْزَمُهُ أَدَاؤُهَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ لِأَجْنَبِيٍّ إذْ وُجُوبُ قَضَائِهِ مِنْ التَّرِكَةِ لَا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ. وَإِذَا سَقَطَ مِنْ دَيْنِهِ أَرْبَعُونَ بَقِيَتْ ذِمَّةُ الْمُوَرِّثِ مَشْغُولَةً بِأَرْبَعِينَ يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى بِهَا إذَا لَمْ يُبَرِّئْهُ الْوَارِثُ فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ التَّرِكَةِ كَأَنْ يَكُونَ أَرْبَعِينَ وَهِيَ ثَمَانُونَ فَهَذِهِ وَمَسْأَلَةُ اسْتِوَائِهِمَا لَا اخْتِلَافَ فِيهَا لِأَنَّهُ هُوَ وَهُمْ يَقُولُونَ فِي صُورَةِ الزَّوْجَةِ السَّابِقَةِ إنَّ السَّاقِطَ خَمْسَةٌ لَا غَيْرُ فَلَمْ يَبْقَ اعْتِرَاضُهُ عَلَيْهِمْ إلَّا فِيمَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ وَكَلَامُهُ هُوَ الْحَقُّ وَلَيْسَ مَعْنَى السُّقُوطِ مِنْ أَصْلِهِ حَتَّى لَا يَجِبُ إلَّا قَضَاءُ سَبْعَةِ أَثْمَانِ الصَّدَاقِ فَإِنَّ هَذَا لَا يَقُولهُ هُوَ وَلَا هُمْ بَلْ سُقُوطٌ يُؤَدِّي إلَى صِحَّةِ تَصَرُّفِ الْوَارِثِ فِي مِقْدَارِ إرْثِهِ لِاسْتِحَالَةِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فِي قَدْرِ حِصَّتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا دَيْنَ لِغَيْرِهِ. فَقَوْلُ السُّبْكِيّ وَيَرْجِعُ عَلَى بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ بِمَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ مَحَلُّهُ فِيمَا إذَا تَسَاوَيَا كَثَمَانِينَ وَثَمَانِينَ فَلَهَا التَّصَرُّفُ فِي عَشَرَةٍ لَا فِي سَبْعِينَ إلَّا إنْ أَدَّاهَا إلَيْهَا الْوَرَثَةُ لِامْتِنَاعِ الِاسْتِقْلَالِ بِالتَّصَرُّفِ قَبْلَ الْأَدَاءِ مِنْ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فِيمَا عَدَا حِصَّتَهَا وَقَدْ يُفْضِي الْأَمْرُ إلَى التَّقَاصِّ فِيمَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ لِوَارِثَيْنِ كَمَا إذَا كَانَ لَهُ ابْنَانِ لِكُلٍّ عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ فَإِذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ ثَمَانِينَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى أَنْ يَقْضِيَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ عِشْرِينَ وَيَسْتَبِدَّ الدَّائِنُ بِقَبْضِ عِشْرِينَ لِأَنَّهُ إذَا طَالَبَهُ بِعِشْرِينَ

باب التفليس

طَالَبَهُ الْآخَرُ بِهَا بَلْ يَتَصَرَّفُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي أَرْبَعِينَ مِنْ غَيْرِ أَدَاءٍ فَاحْفَظْ هَذَا فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَمِنْ ثَمَّ تَعِبَ بَعْضُهُمْ فِي تَحْرِيرِهِ كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ التَّفْلِيسِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي رَجُلٍ أَعَسَرَ وَهُوَ مِنْ ذَوِي الْبُيُوتِ وَالْأَعْيَانِ وَرُءُوسِ أَهْلِ الزَّمَانِ فَادَّعَى عَلَيْهِ أَحَدُ دَائِنِيهِ بِدَيْنٍ صَحِيحٍ شَرْعِيٍّ لَدَى حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ حَنَفِيٍّ فَالْتَمَسَ الْحَاكِمُ جَوَابَهُ فَأَجَابَ بِأَنَّ الدَّيْنَ الْمُدَّعَى بِهِ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّتِهِ حَالٌّ عَلَيْهِ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى وَفَائِهِ وَلَا عَلَى بَعْضِهِ وَإِنْ قَلَّ وَلَهُ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ بِإِعْسَارِهِ فَالْتَمَسَ الْحَاكِمُ الْمُشَارُ إلَيْهِ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةَ إعْسَارِهِ وَأَحْضَرَ لَهُ فَوْقَ الثَّلَاثَةِ مِمَّنْ يُعْرَفُ حَالَةُ إعْسَارِهِ فَاسْتَخَارَ اللَّهَ تَعَالَى الْحَاكِمُ الْمُشَارُ إلَيْهِ وَحَكَمَ بِإِعْسَارِهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فَهَلْ لِأَحَدٍ مِنْ دَائِنِيهِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ سَوَاءٌ سَمِعَ أَوْ لَمْ يَسْمَعْ وَهَلْ إذَا سَمِعَ بِالْإِعْسَارِ يَجُوزُ لَهُ أَوْ لَا وَهَلْ يَبْقَى لِلْمُعْسِرِ دَسْتُ ثِيَابٍ يَلِيقُ بِحَالِهِ وَمَرْكُوبٌ وَمَسْكَنٌ وَخَادِمٌ وَنَفَقَةُ عِيَالِهِ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ مَتَى ثَبَتَ إعْسَارُهُ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ حَبْسُهُ وَلَا مُلَازَمَتُهُ وَيُبَاعُ فِي دَيْنِهِ مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ وَمَرْكُوبُهُ وَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهَا وَكَذَلِكَ كُتُبُهُ وَبُسُطُهُ وَفُرُشُهُ وَيُتْرَكُ لَهُ الْحَقِيرُ مِنْ لُبَدٍ وَحَصِيرٍ وَلِبَاسٍ لَائِقٍ بِهِ وَبِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ حَتَّى الطَّيْلَسَان وَيُزَادُ فِي الشِّتَاءِ مَا يَقِيه الْبَرْدَ وَلَوْ تَعَوَّدَ فَوْقَ اللَّائِقِ بِهِ رُدَّ إلَى اللَّائِقِ بِهِ أَوْ تَعَوَّدَ دُونَ اللَّائِقِ بِهِ لَمْ يُعْطَ إلَّا مَا تَعَوَّدَ بِهِ وَيُتْرَكُ لَهُ وَلِمُمَوَّنِهِ قُوتُ يَوْمِ الْقِسْمَةِ فَقَطْ فَعُلِمَ أَنَّهُ مَتَى وُجِدَ مَعَ الْمُعْسَرِ مَالٌ أُخِذَ مِنْهُ وَأُعْطِيَ لِغُرَمَائِهِ وَلَمْ يُتْرَكْ مِنْهُ إلَّا مَا ذُكِرَ وَمِنْهُ (قُوتُ) يَوْمِ الْقِسْمَةِ لَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ (وَسُئِلَ) عَنْ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ إنَّ الْقَاضِي يَبِيعُ مَالَ الْمُفْلِسِ وَلَوْ فِي غَيْرِ وِلَايَتِهِ وَاشْتَرَطَ بَعْضُهُمْ فِي بَيْعِ الْقَاضِي مَالَ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَلَمْ يَظْهَرْ لِلسَّائِلِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُفْلِسِ وَالْمُمْتَنِعِ بَلْ الْمُمْتَنِعُ أَوْلَى فَهَلْ مَا اشْتَرَطَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا مُوَافِقٌ عَلَيْهِ أَوْ لَا أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ بَيْعَ الْقَاضِي مَالَ الْمُمْتَنِعِ إذَا كَانَ الْمَالُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ لَا يُفِيدُ شَيْئًا مَعَ قِيَامِ الِامْتِنَاعِ إذْ الْوَفَاءُ مُتَوَجِّهٌ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَالِامْتِنَاعُ مَوْجُودٌ قَبْلَ الْبَيْعِ وَبَعْدَهُ فَلَمْ يَعُدْ بَيْعُ الْقَاضِي لِمَا كَانَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ شَيْئًا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ مَا ذُكِرَ عَنْ الْفُقَهَاءِ كَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الْجَوَاهِرِ فِي بَابِ الْفَلَسِ بَاعَ الْحَاكِمُ مَالَهُ وَصَرَفَهُ فِي دَيْنِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَالُهُ فِي مَحَلِّ وِلَايَةِ هَذَا الْحَاكِمِ أَوْ فِي وِلَايَةِ غَيْرِهِ. وَمِنْ تَصْرِيحِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بِذَلِكَ أَيْضًا وَكَذَلِكَ الْأَزْرَقِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلتَّنْبِيهِ فِي بَابِ الْفَلَسِ فَإِنَّهُ قَالَ وَقَوْلُ الشَّيْخِ بَاعَ الْحَاكِمُ مَالَهُ أَيْ وَلَوْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا عَنْ مَحَلِّ وِلَايَةِ هَذَا الْحَاكِمِ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي كِتَاب النِّكَاحِ اهـ وَاَلَّذِي فِي فَتَاوَى الْقَاضِي أَنَّ الْمَدْيُونَ إذَا كَانَ حَاضِرًا فِي الْبَلَدِ وَامْتَنَعَ مِنْ بَيْعِ مَالِهِ الْغَائِبِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ عَنْهُ عِنْدِ الطَّلَبِ بَاعَهُ الْحَاكِمُ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ الْمُفْلِسَ وَالْمُمْتَنِعَ حَيْثُ كَانَا حَاضِرَيْنِ بِالْبَلَدِ سَاغَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَبِيعَ مَالَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ لِمَا مَرَّ فِي الْجَوَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا مِنْ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ حَاضِرًا لَمْ يُنْظَرْ إلَى مَحَلِّ مَالِهِ وَحَيْثُ كَانَ غَائِبًا نُظِرَ إلَى مَحَلِّ مَالِهِ فَإِذَا كَانَ بِغَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ لَمْ يَبِعْهُ إلَّا إذَا كَانَ الْمَالِكُ حَاضِرًا وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْن الْمُفْلِسِ وَالْمُمْتَنِعِ وَأَنَّ مَا نُقِلَ فِي السُّؤَالِ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي بَيْعِ الْقَاضِي مَالَ الْمُمْتَنِعِ غَيْرُ صَحِيحٍ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا امْتَنَعَ ثُمَّ غَابَ فَيَبِيعُ الْقَاضِي عَلَيْهِ حِينَئِذٍ بِشَرْطِ كَوْنِ الْمُمْتَنِعِ بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ مَدِينٍ مَلَّكَ جَمِيعَ أَمْلَاكِهِ هِبَةً أَوْ مَجَّانًا لِآخَرَ أَوْ أَقَرَّ بِهَا لَهُ وَغَالِبُ الظَّنِّ أَنَّ ذَلِكَ فِرَارٌ مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ مَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ صَحَّ تَمْلِيكُهُ وَإِقْرَارُهُ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ ذَلِكَ بَلْ وَإِنْ تَحَقَّقَ وَلَكِنَّهُ يَأْثَمُ بِذَلِكَ وَيُعَاقَبُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ الْعِقَابَ الشَّدِيدَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

كتاب قرة العين ببيان أن التبرع لا يبطله الدين

[كِتَابُ قُرَّةِ الْعَيْنِ بِبَيَانِ أَنَّ التَّبَرُّعَ لَا يُبْطِلُهُ الدَّيْنُ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ اللَّهِ الَّذِي غَرِقَتْ فِي بِحَوَرِ سَرْمَدِيَّتِهِ عُقُولُ الْحُكَمَاءِ وَتَرَقَّتْ فِي نُعُوتِ صَمَدِيَّتِهِ عُلُومُ الْعُلَمَاءِ وَلَمْ يَتَحَصَّلْ مِنْ مَعْرِفَتِهِ أَهْلُ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ إلَّا عَلَى الصِّفَاتِ وَالْأَسْمَاءِ (أَحْمَدُهُ حَمْدَ مَنْ عَرَفَ الْحَقَّ لِأَهْلِهِ فَأَقَرَّهُ فِي نِصَابِهِ الْأَسْمَى وَطَهَّرَ نَفْسَهُ مِنْ حَظِّهَا بِوَابِلِ فَضْلِهِ فَحُفِظَ عَنْ أَنْ يَضِلَّ عَنْ جَادَّةِ الطَّرِيقِ إلَى مَضَايِقِ بُنْيَانِهِ وَشِعَابِهِ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى الْهَلَاكِ وَالظَّمَإِ (وَأَشْكُرُهُ) شُكْرَ مُعْتَرِفٍ بِتَرَادُفِ نِعَمِهِ مُغْتَرِفٍ مِنْ بِحَارِ كَرَمِهِ بِمَا يَحْفَظُهُ عَنْ مُهَاوِي الْحَيْرَةِ وَالْعَمَى (وَأَشْهَدُ) أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً تُدِرُّ عَلَى قَائِلهَا أَخْلَافَ النَّعْمَاءِ وَتَحْفَظُهُ مِنْ إخْلَافِ أَبْلَغِ الْآدَابِ بِصَرِيحٍ أَوْ إيمَاء (وَأَشْهَدُ) أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي أَنَارَ اللَّهُ بِهِ دَيَاجِيرَ الظَّلْمَاء لِمَا اخْتَصَّهُ بِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْأَفْضَالِ وَأَوْضَحِ الْبُرْهَانِ وَأَكْمَلِ الْأَخْلَاقِ وَالسِّيمَات صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْقَائِمِينَ بِوِرَاثَتِهِ الْعُظْمَى فِي حِفْظِ الْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ وَالدِّمَاءِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ اصْطِلَامِ الْآرَاءِ فِي الْعَوِيصَاتِ الدَّهْمَاء وَعَلَى تَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ الظَّاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ الْبَاقِينَ فِي هَذَا الْعَالَمِ لِإِنْقَاذِ أَهْلِهِ مِنْ الضَّلَالِ وَالْعَمَى. (وَبَعْدُ) فَإِنَّهُ قَدِمَ عَلَيْنَا سَنَةَ إحْدَى وَسِتِّينَ وَتِسْعِمِائَةٍ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةَ زَادَهَا اللَّهُ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا السَّيِّدُ الْجَلِيلُ الشَّرِيفُ الْمُعْتَقَدِ الْمَثِيلِ مُحَمَّدٌ الْعَيْدَرُوس الْحَسَنِيُّ الْعَلَوِيُّ الْحَضْرَمِيُّ ثُمَّ الْعَدَنِيُّ فَتَوَجَّهْنَا لِلسَّلَامِ عَلَيْهِ وَطَلَبِ دُعَائِهِ وَمَدَدِهِ أَنَا وَصَاحِبُنَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ وَالْحَبْرُ الْهُمَامُ الْحُجَّةُ الْقُدْوَةُ الْفَهَّامَةُ عَبْدُ الْعَزِيزِ الزَّمْزَمِيُّ أَدَامَ اللَّهُ بِهِ النَّفْعَ الْعَامَّ لِلْمُسْلِمِينَ وَمَتَّعَهُمْ بِعُلُومِهِ وَفَتَاوِيهِ لَا سِيَّمَا أَهْلِ هَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ فَقَرَأَ عَلَيْنَا سُؤَالًا وَجَوَابًا فِي تَبَرُّعِ الْمَدِينِ لِصَاحِبِنَا الْإِمَامِ الْعَالَمِ الْعَامِلِ وَالْهُمَامِ الْحُجَّةِ الْقُدْوَةِ الْكَامِلِ وَجِيهِ الدِّينِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْن زِيَادٍ مُفْتِي زَبِيدَ الْمَحْرُوسَةِ بَلْ وَالْيَمَنِ بِأَسْرِهِ أَدَامَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ هَوَاطِلَ جُودِهِ وَبِرِّهِ ثُمَّ سَأَلَنَا أَأَنْتُمْ مُوَافِقُونَ لِهَذَا الْإِفْتَاءِ فَكُلٌّ مِنَّا بَادَرَ إلَى إنْكَارِهِ وَاسْتِبْعَادِهِ أَدَاءً لِلْمِيثَاقِ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى

عَلَى خَوَاصِّ عِبَادِهِ وَهُدَاةِ بِلَادِهِ جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْ عِدَادِهِمْ الْمُسْتَمْسِكِينَ بِآثَارِهِمْ فِي إيرَادِهِمْ وَإِصْدَارِهِمْ فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَأَلَّفَ تَأْلِيفًا عَلَى وَفْقِ إفْتَائِهِ لَكِنْ فِيهِ زِيَادَةُ قَيْدٍ كَمَا سَتَعْلَمُهُ وَفِيهِ أَيْضًا إشَارَةٌ إلَى أَبْلَغِ الرَّدِّ عَلَى مَنْ خَالَفَ بِأَنَّهُ جَامِدٌ مُتَعَسِّفٌ وَبِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُوَ الصَّوَابُ وَمَا عَدَاهُ هُوَ الْخَطَأُ وَبِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَمَّا رَأَيْنَا ذَلِكَ التَّأْلِيفَ مَا ازْدَدْنَا إلَّا إنْكَارًا رَجَاءَ أَنْ نَنْتَظِمَ فِي سِلْكِ الرَّاجِينَ لِلَّهِ وَقَارًا وَهَذَا أَعْنِي عَدَمَ الْمُحَابَاةِ فِي الدِّينِ حَتَّى لِأَكَابِرِ الْمُجْتَهِدِينَ هُوَ دَأْبُ سَادَاتِنَا الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ كَمَا يَعْلَمُهُ مَنْ وَقَفَ عَلَى النِّهَايَةِ وَأَحَاطَ بِقَوْلِهَا. هَذِهِ زَلَّةٌ مِنْ الشَّيْخِ مَعَ بُلُوغِهِ فِي الِاجْتِهَادِ وَالْوِلَايَةِ الْغَايَةَ حَتَّى قِيلَ فِي تَرْجَمَتِهِ لَوْ جَازَ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا فِي زَمَنِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ لَكَانَ هُوَ ذَلِكَ النَّبِيَّ وَمِنْ هُنَا قَالَ بَعْضُ أَكَابِرِ أَئِمَّتِنَا إنَّ عَدَمَ مُحَابَاةِ الْعُلَمَاءِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ مِنْ أَعْظَمِ مَزَايَا هَذِهِ الْأُمَّةِ الَّتِي أَعْظَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْهِمْ النِّعْمَةَ حَيْثُ حَفِظَهُمْ عَنْ وَصْمَةِ مُحَابَاةِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى تَحْرِيفِ مَا فِيهِمَا وَانْدِرَاسِ تَيْنِكَ الْمِلَّتَيْنِ فَلَمْ يَتْرُكُوا لِقَائِلٍ قَوْلًا فِيهِ أَدْنَيْ دَخَلٍ إلَّا بَيَّنُوهُ وَلَا لِفَاعِلٍ فِعْلًا فِيهِ تَحْرِيفٌ إلَّا قَوَّمُوهُ حَتَّى اتَّضَحَتْ الْآرَاءُ وَانْعَدَمَتْ الْأَهْوَاءُ وَدَامَتْ الشَّرِيعَةُ الْوَاضِحَةُ الْبَيْضَاءُ عَلَى امْتِلَاءِ الْآفَاقِ بِأَضْوَائِهَا وَشِفَاءِ الْقُلُوبِ بِهَا مِنْ أَدْوَائِهَا مَأْمُونَةً مِنْ كَيَدِ الْحَاسِدِينَ وَسَفَهِ الْمُلْحِدِينَ فَضَرَاعَةً إلَيْك اللَّهُمَّ أَنْ تُدِيمَ لَهَا ذَلِكَ عَلَى تَوَالِي الْأَعْصَارِ وَأَنْ تُؤَيِّدَ أَهْلهَا بِدَوَامِ الْجَلَالَةِ الْبَاهِرَةِ وَالْحِفْظِ مِنْ الْأَغْيَارِ إنَّك الْجَوَادُ الْكَرِيمُ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ وَإِذْ قَدْ تَمَهَّدَ هَذَا الْقَدْرُ الْوَاضِحُ لِلتَّفَصِّي عَنْ هَذَا الْحُكْمِ اللَّائِحِ عُلِمَ أَنْ لَا عُذْرَ فِي السُّكُوتِ عَنْ الْكَلَامِ فِيهِ وَبَيَانِ مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي قَوَادِمِهِ وَخَوَافِيهِ فَحِينَئِذٍ سَنَحَ لِي أَنْ أَكْتُبَ فِي ذَلِكَ مَا أَعْتَقِدُ أَنَّهُ الصَّوَابُ الْوَاجِبُ بَيَانُهُ وَالْحَقُّ الصُّرَاحُ مِنْ حَيْثُ النَّقْلُ الْوَاضِحُ بُرْهَانُهُ فَشَرَعْت فِي ذَلِكَ مُلَقِّبًا لَهُ (بِقُرَّةِ الْعَيْنِ بِبَيَانِ أَنَّ التَّبَرُّعَ لَا يُبْطِلُهُ الدَّيْنُ) بِعَوْنِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ سَائِلًا مِنْ فَيْضِ فَضْلِهِ الْوَاسِعِ الْهِدَايَةَ إلَى سَوَاءِ الْحَقِّ وَطَرِيقِهِ لَا إلَهَ غَيْرُهُ وَلَا مَأْمُولَ إلَّا بِرُّهُ وَخَيْرُهُ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَإِلَيْهِ الْفَزَعُ فِي الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ. فَقُلْت اعْلَمْ أَنَّ الِاعْتِرَاضَ عَلَى كَامِلٍ بِرَدِّ شَاذَّةٍ وَقَعَتْ لَهُ لَا يَقْدَحُ فِي كَمَالِهِ وَلَا يُؤْذِنُ بِالِاسْتِهْتَارِ بِوَاجِبِ رِعَايَةِ حَقِّهِ وَأَفْضَالِهِ إذْ السَّعِيدُ مَنْ عُدَّتْ غَلَطَاتُهُ وَلَمْ تَكْثُرْ فَرَطَاتُهُ وَزَلَّاتُهُ وَكُلُّنَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ وَمَرْدُودٌ عَلَيْهِ إلَّا الْمَعْصُومِينَ وَلَيْسَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ مُؤَدِّيًا لِحِقْدٍ بَلْ لَمْ يَزَالُوا مِنْ ذَلِكَ مُبَرَّئِينَ وَاعْلَمْ أَيْضًا أَنَّهُ لَا بُدَّ قَبْلَ الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ مِنْ حِكَايَةِ ذَلِكَ الْإِفْتَاءِ لِيُعْلَمَ مَا الْكَلَامُ فِيهِ وَهُوَ مَا قَوْلُكُمْ فِي جَمَاعَةٍ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَسْتَلِفُونَ أَمْوَالَهُمْ فَيُطَالِبُهُمْ أَهْلُ الدُّيُونِ فَيُبَادِرُونَ وَيَمْلِكُونَ أَمْوَالَهُمْ وَيُعْتِقُونَ أَرِقَّاءَهُمْ حِيلَةً لِئَلَّا يَحْصُلَ لِأَهْلِ الدُّيُونِ شَيْءٌ فَهَلْ يَصِحُّ تَمْلِيكُهُمْ وَعِتْقُهُمْ؟ الْجَوَابُ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ «مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّاهَا اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَهَا يُرِيدُ إتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى» قَالَ شَارِحُهُ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْإِتْلَافَ يَقَعُ لَهُ فِي الدُّنْيَا وَذَلِكَ فِي مَعَاشِهِ أَوْ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ لِمَا تَرَاهُ بِالْمُشَاهَدَةِ مِمَّنْ تَعَاطَى شَيْئًا مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْإِتْلَافِ عَذَابُ الْآخِرَةِ اهـ. وَقَدْ ارْتَكَبَ الْجَمَاعَةُ الْمَذْكُورُونَ مَا لَا يَرْضَاهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ وَلَا يَجُوزُ تَقْرِيرُهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهُمْ وَلَا عِتْقُهُمْ وَلَا وَقْفُهُمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَتَبِعَهُ الْعَلَّامَةُ تَقِيُّ الدِّينِ الْفَتَى وَأَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا الطَّنْبَدَاوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَهُوَ مَفْرُوضٌ فِي غَيْرِ صُورَةِ السُّؤَالِ عَلَى أَنَّ مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَنْظُورٌ فِيهِ وَقَدْ بَيَّنْت ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا السُّؤَالِ أَمَّا صُورَةُ السُّؤَالِ فَلَا يُخَالِف فِيهَا أَحَدٌ فَإِنَّهَا مَفْرُوضَةٌ فِي صُدُورِ ذَلِكَ مِنْهُمْ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ لَهُمْ بِالدَّيْنِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إذَا أُخِذَتْ الْأَمْوَالُ بِغَيْرِ حَقِّهَا وَصُرِفَتْ إلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهَا أَوْ أُخِذَتْ بِحَقِّهَا وَصُرِفَتْ إلَى مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا وَجَبَ ضَمَانُهَا عَلَى صَارِفِهَا وَآخِذِهَا سَوَاءٌ عَلِمَا أَمْ جَهِلَا فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ وَلَا تَبَرُّعُهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَلَا مَا أَوْصَى بِهِ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ وَرَثَتِهِ فِي تَرِكَتِهِ

حَتَّى يَقْضِيَ مَا لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ وَيَصْرِفَهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ فَإِنْ أَخَذَهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ لِيَصْرِفَهُ إلَى مُسْتَحَقِّهِ بَرِيءَ بِقَبْضِ الْإِمَامِ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي ضَمَانِ الْمُكُوسِ وَالْخَمْرِ وَالْبَغَايَا وَكُلِّ جِهَةٍ مُحَرَّمَةٍ وَجَمِيعِ مَا يُحْدِثُهُ الظَّلَمَةُ مِنْ الْمَظَالِمِ اهـ. جَوَابُهُ وَقَدْ رَأَيْته كَذَلِكَ فِي عِدَّةِ نُسَخٍ وَفِيهِ أُمُورٌ أَحَدُهَا مَا أَشَرْت إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ وَهُوَ أَنَّهُ حَذَفَ مِنْ الْجَوَابِ قَيْدًا ذَكَرَهُ فِي التَّأْلِيفِ وَهُوَ أَنَّ مَحَلَّ الْقَوْلِ بِبُطْلَانِ تَبَرُّعِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ يَرْجُو لِدَيْنِهِ وَفَاءً وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ إطْلَاقَ الْمُفْتِي الْجَوَابَ عَنْ الْقُيُودِ أَيْ الْمُعْتَبَرَةِ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ بِخُصُوصِهِ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ لَا مُطْلَقًا لِأَنَّ ذَلِكَ يَطُولُ مَعَ أَنَّهُ مَعْلُومٌ خَطَأٌ مِنْهُ وَلَك أَنْ تُجِيبَ عَنْ هَذَا أَنَّا نَبْحَثُ أَوَّلًا عَنْ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِمْ لَا يَرْجُو لَهُ وَفَاءً لِيَظْهَرَ صِحَّةُ حَذْفِهِ أَوْ عَدَمُهَا وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي الِاقْتِرَاضِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ جِهَةٌ ظَاهِرَةٌ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ قَضَاءُ ذَلِكَ الدَّيْنِ مِنْهَا حَالًا فِي الْحَالِ وَعِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فِي الْمُؤَجَّلِ ثُمَّ رَأَيْت شَرْحَ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرَهُ صَرَّحُوا بِذَلِكَ كَمَا يَأْتِي فَمَنْ لَهُ ذَلِكَ لَا كَلَامَ فِي صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ بِالْمُفْلِسِ الَّذِي لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ حَيْثُ وَقَعَ فِي كَلَامِهِمْ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ عَبَّرَ بِالْمَدِينِ الَّذِي لَا يَرْجُو وَفَاءً وَمَنْ عَبَّرَ بِالْمُفْلِسِ مُؤَدَّى عِبَارَتِهِمَا وَاحِدٌ لِأَنَّهُمَا لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ مَدْلُولُهُمَا وَاحِدٌ اصْطِلَاحًا وَهَذَا أَعْنِي مَنْ لَا يَرْجُو وَفَاءً الْمُعَبَّرُ عَنْهُ فِي كَلَامِهِمْ بِالْمُفْلِسِ هُوَ مَحَلُّ الْكَلَامِ بَيْننَا وَبَيْنَ الْمُفْتِي وَمَنْ تَبِعَهُ فِي صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ فَإِنْ قُلْت لَا أُسَلِّمُ تَرَادُفَهُمَا لِأَنَّ قَوْلَهُمْ لَا يَرْجُو لَهُ وَفَاءً يُفِيدُ أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ إلَّا إنْ انْتَفَى عَنْهُ سَائِرُ وُجُوهِ الرَّجَاءِ وَلَوْ عَلَى بُعْدٍ وَهَذَا غَيْرُ الْمُفْلِسِ لِأَنَّهُ مَنْ زَادَ دَيْنُهُ عَلَى مَالِهِ وَإِنْ رَجَا وَفَاءَهُ عَلَى بُعْدٍ قُلْت يَتَّضِحُ مَا يَلْزَمُك بِالتَّسْلِيمِ بِسَوْقِ عِبَارَةِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهَا وَعِبَارَتُهُ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَرُمَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِمَا يَحْتَاجُهُ لِوَفَائِهِ قَالَهُ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ يُكْرَهُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ لَا يُسْتَحَبُّ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ حُصُولُ الْوَفَاءِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَلَا بَأْسَ بِالصَّدَقَةِ وَقَدْ تُسْتَحَبُّ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ الْمُطْلَقُ انْتَهَتْ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْغَزَالِيَّ وَغَيْرَهُ قَيَّدُوا الْجِهَةَ الْمَرْجُوَّ مِنْهَا الْوَفَاءُ بِكَوْنِهَا ظَاهِرَةً وَلَيْسَ هَذَا الِاعْتِرَاضُ فِي مَحَلِّهِ لِأَنَّ تَعْبِيرَ الْمَجْمُوعِ بِغَلَبَةِ ظَنِّ الْحُصُولِ مِنْ جِهَةٍ يَسْتَلْزِمُ ظُهُورَهَا إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي يَدِهِ أَوْ مُسَاوٍ لَهُ لَوْ تَصَدَّقَ مِنْهُ بِشَيْءٍ لَمْ يَتَيَسَّر لَهُ بَدَلُهُ لِعَدَمِ جِهَةٍ ظَاهِرَةٍ لَهُ يَأْتِي إلَيْهِ مِنْهَا ذَلِكَ حَالًا فِي الْحَالِ وَعِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فِي الْمُؤَجَّلِ حَرُمَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَرْجُو وَفَاءَ الدَّيْنِ لَوْ تَصَدَّقَ مِنْ جِهَةٍ ظَاهِرَةٍ وَإِذَا اتَّضَحَ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِمَنْ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ اتَّضَحَ مَا ذَكَرْتُهُ فِي تَفْسِيرِهِ السَّابِقِ وَمَا ذَكَرْتُهُ أَنَّهُ مُرَادِفٌ لِلْمُفْلِسِ لِأَنَّهُ الَّذِي زَادَ دَيْنُهُ عَلَى مَالِهِ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ جِهَةٌ ظَاهِرَةٌ يُوَفِّي مِنْهَا حَالًا فِي الْحَالِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَالُهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْأَدَاءِ مِنْهُ حَالًا فِي الْحَالِ كَالْمَنَافِعِ وَالْمَالِ الْغَائِبِ وَالْمَغْصُوبِ يُحْجَرُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ كَالْعَدَمِ كَمَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَأَقَرُّوهُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ لِتُسَلِّمَ لَهُ إنْ لَمْ تَكُنْ مُعَانِدًا وَقَوْلِي فِي الْمُفْلِسِ زَادَ دَيْنُهُ عَلَى مَالِهِ قَيْدٌ لِمَنْ يُحْجَرُ عَلَيْهِ لَا لِمَنْ يُحَرَّمُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ فَإِنَّ هَذَا يَعُمُّ الْمُسَاوِيَ لِأَنَّهُ بِالصَّدَقَةِ وَلَا جِهَةَ ظَاهِرَةٌ يُفَوِّتُ حَقَّ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ نَعَمْ الْمُمْتَنِعُ مِنْ وَفَاءِ دَيْنِهِ إذَا سَأَلَ غُرَمَاؤُهُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ أُجِيبُوا وَإِنْ سَاوَى مَالُهُ دَيْنَهُ كَسُوبًا كَانَ أَوْ لَا لَكِنَّ هَذَا الْحَجْرَ حِينَئِذٍ لَيْسَ لِلْفَلَسِ وَبَعْدَ أَنْ بَانَ ذَلِكَ وَتَقَرَّرَ فَلْنَرْجِعْ إلَى الِاعْتِذَارِ عَنْ حَذْفِ الْمُفْتِي لِهَذَا الْقَيْدِ فَنَقُولُ قَدْ يَدَّعِي وَلَوْ عَلَى بُعْدٍ أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ أَمْرٌ مَعْلُومٌ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ لَكِنْ يَخْدِشُهُ أَنَّ الْإِفْتَاءَ إنَّمَا هُوَ لِلْعَامَّةِ غَالِبًا وَأَنَّى لَهُمْ بِعِلْمِ هَذَا الْقَيْدِ وَمَا يُقَارِبُهُ وَلَوْ عَكَسَ ذَلِكَ بِأَنْ حَذَفَ مِنْ التَّأْلِيفِ لِلْعُلَمَاءِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ الْقَيْدَ فَلَا يَحْتَاجُونَ لِذَكَرِهِ وَالْإِفْتَاءُ لِلْعَامَّةِ كَمَا مَرَّ وَهُمْ جَاهِلُونَ بِهِ فَيُضْطَرُّونَ لِذِكْرِهِ فَإِنْ قُلْت هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ يُؤْخَذُ هَذَا الْقَيْدُ مِنْ قَوْلِ السَّائِلِ حِيلَةً لِئَلَّا يَحْصُلَ لِأَهْلِ الدُّيُونِ شَيْءٌ فَلِذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ

الْمُفْتِي إلَى ذِكْرِهِ فِي الْجَوَابِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الشُّرَّاحِ فِي قَوْلِ الْمِنْهَاجِ فِي التَّيَمُّم أَوْ احْتَاجَهُ لِدَيْنٍ مُسْتَغْرِقٍ أَنَّ قَوْلَهُ مُسْتَغْرِقٌ مُسْتَدْرِكٌ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ يُغْنِي عَنْهُ إذْ احْتِيَاجُهُ لِأَجْلِ الدَّيْنِ يَسْتَلْزِمُ اسْتِغْرَاقَهُ قُلْت يُمْكِنُ ذَلِكَ بَلْ هُوَ ظَاهِرٌ لَوْلَا مَا يُقَالُ مُسَلَّمٌ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْعُلَمَاءِ لَا الْعَامَّةِ الَّذِينَ يَذْهَبُ الْجَوَابُ عَنْهُمْ عَرِيًّا عَنْ ذَلِكَ الْقَيْدِ عَلَى أَنَّا رَأَيْنَا بَعْضَ نَحْوِ الْمَسَاكِينِ فَعَلُوا تِلْكَ الْحِيلَةَ مَعَ أَنَّ لَهُمْ أَمْوَالًا تَزِيدُ عَلَى دُيُونِهِمْ لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّ الظَّلَمَةَ رُبَّمَا يَسْتَوْلُونَ عَلَى تِلْكَ الْأَمْوَالِ الْأُخَرِ وَلَا يُعْطُونَ أَرْبَابَ الدُّيُونِ مِنْهَا شَيْئًا فَيَنْحَصِرُ حَقُّهُمْ فِيمَا فِي أَيْدِيهمْ فَيُخْرِجُونَهُ تَفْوِيتًا عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ قَوْلِ السَّائِلِ حِيلَةً إلَخْ أَنَّهُمْ لَا يَرْجُونَ وَفَاءً بِالْمَعْنَى السَّابِقِ (تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْته آنِفًا أَنَّ الْمَدِينَ الَّذِي وَقَعَ الْخِلَافُ فِيهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ذَلِكَ الْمُفْتِي وَمَنْ تَبِعَهُ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ دُيُونٌ تَسْتَغْرِقُ مَالَهُ وَلَمْ يَرْجُ الْوَفَاءَ مِنْ جِهَةٍ ظَاهِرَةٍ حَالًّا فِي الْحَالِ وَعِنْدَ الْحُلُولِ فِي الْمُؤَجَّلِ وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ حَقِيقَةً وَلَا شَرْعًا كَالْحِجْرِ الْغَرِيبِ وَكَمَنْ غَصَبَ مَالًا وَخَلَطَهُ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ فَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ لَكِنْ يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ إلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الْبَدَلَ. (تَنْبِيهٌ آخَرُ) سَبَقَ عَنْ الْمَجْمُوعِ قَرِيبًا إجْمَالٌ يَحْتَاجُ لِتَقْيِيدٍ لَا بَأْسَ بِذَكَرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ فَلَا بَأْسَ بِالصَّدَقَةِ وَقَدْ تُسْتَحَبُّ إلَخْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا حَصَلَ بِذَلِكَ تَأْخِيرٌ وَقَدْ وَجَبَ قَضَاءُ الدَّيْنِ فَوْرًا بِمُطَالَبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لِكَوْنِهِ عَصَى بِسَبَبِهِ أَوْ كَانَ لِيَتِيمٍ أَوْ نَحْوِهِ وَلَا مَانِعَ مِنْ الدَّفْعِ فَالْوَجْهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وُجُوبُ الْمُبَادَرَةِ إلَى إيفَائِهِ وَتَحْرِيمُ الصَّدَقَةِ بِمَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ دَفْعُهُ أَيْ حَالًّا فِي دَيْنِهِ وَإِنْ رَجَا وَفَاءَهُ مِنْ جِهَةٍ ظَاهِرَةٍ أَيْ لَا حَالًّا وَالْمُؤَجَّلُ هُنَا كَالْحَالِّ خِلَافًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ وَالْقَمُولِيِّ. وَفَرَّقَ الْأَذْرَعِيُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَحْتَاجُهُ لِنَفَقَةِ عِيَالِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِأَنَّ الذِّمَّةَ لَمْ تَشْتَغِلْ هُنَا بِشَيْءٍ بِخِلَافِ الْمُؤَجَّلِ فَإِنَّهَا مَشْغُولَةٌ بِهِ إلَى أَنْ قَالَ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِيمَا أَظُنُّ إنَّ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّصَدُّقُ بِرَغِيفٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا يُقْطَعُ بِأَنَّهُ لَوْ بَقِيَ لَمْ يَدْفَعهُ إلَى جِهَةِ الدَّيْنِ وَلَوْ قِيلَ بِحُرْمَةِ ذَلِكَ أَوْ كَرَاهَتِهِ لَانْسَدَّ بَابُ الصَّدَقَةِ فَإِنَّ غَالِبَ النَّاسِ لَا تَخْلُو ذِمَّتُهُمْ مِنْ دَيْنِ مَهْرٍ أَوْ غَيْرِهِ اهـ. مُلَخَّصًا وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي ظَاهِرِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ مَا يَقْتَضِي جَوَازَ التَّصَدُّقِ بِمَا يَحْتَاجُهُ لِنَفْسِهِ وَمُمَوَّنِهِ الْمُسْتَلْزِمِ لِجَوَازِهِ بِمَا يَحْتَاجُهُ لِدَيْنِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ عَبَّرَ فِي ذَلِكَ بِأُحِبُّ كَذَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْبَيْهَقِيّ صَرَّحَ بِأَنَّهُ يَقُولُ لَا أُحِبُّ وَيُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ فِي الْمُحَرَّمِ وَكَذَا أَكْرَهُ وَقِيَاسُهُ أَنْ يَقُولَ أُحِبُّ وَيَسْتَعْمِلهُ فِي الْوَاجِبِ لَكِنْ إنَّمَا يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى ذَلِكَ بِقَرِينَةٍ مِنْ كَلَامٍ آخَر أَوْ قَاعِدَةٍ لَهُ لَا مُطْلَقًا فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَنْ أَطْلَقَهُ. (ثَانِيهِمَا) أَنَّ حَدِيثَ الْبُخَارِيِّ الَّذِي ذَكَرَهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِخُصُوصِ النِّزَاعِ بَلْ نَحْنُ وَهُوَ قَائِلُونَ بِمَا فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَعِيدِ لِمَنْ أَخَذَ شَيْئًا يُرِيدُ إتْلَافَهُ عَلَى مَالِكِهِ سَوَاءٌ أَقُلْنَا بِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ أَمْ لَا فَذِكْرُ الْمُفْتِي لَهُ إنَّمَا هُوَ لِمُجَرَّدِ زَجْرِ أُولَئِكَ الْمَذْكُورِينَ فِي السُّؤَالِ عَنْ ذَلِكَ الْقَبِيحِ الْمَحْكِيِّ عَنْهُمْ (ثَالِثُهَا) قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَيْهِ فِيهِ مُؤَاخَذَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ لَمْ يَذْكُرْ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُفْتِي وَهِيَ التَّمْلِيكُ وَالْعِتْقُ وَالْوَقْفُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الصَّدَقَةَ وَسَتَأْتِي عِبَارَتُهُ وَقَدْ صَرَّحَ الْأُصُولِيُّونَ فِي حُكْمِ الْمَقِيسِ وَلَوْ بِالْأَوْلَى بِأَنَّهُ لَا يُقَالُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْفُقَهَاءُ فِي الْقَوْلِ الْمُخَرَّجِ بِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَّا مُقَيَّدًا وَحِينَئِذٍ فَكَانَ صَوَابُ الْعِبَارَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الصَّدَقَةِ وَقِيَاسُهُ أَنَّ التَّمْلِيكَ وَالْعِتْقَ وَالْوَقْفَ وَغَيْرَهَا مِنْ التَّبَرُّعَاتِ كَذَلِكَ (رَابِعُهَا) ابْنُ الرِّفْعَةِ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ فِي الصَّدَقَةِ وَإِنَّمَا اقْتِضَاءُ كَلَامُهُ فِي مَطْلَبِهِ وَكِفَايَتِهِ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِهِمْ أَنَّ تَخْرِيجَ مَسْأَلَةٍ عَلَى أُخْرَى فِي خِلَافِهَا يَقْتَضِي اتِّحَادَهُمَا فِي الرَّاجِحِ مِنْ ذَلِكَ الْخِلَافِ وَمُرَادُنَا بِكَوْنِ الْغَالِبِ ذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَكْثَرُ مَعَ كَثْرَةِ مُقَابِلِهِ لَا أَنَّ مُقَابِلَهُ نَادِرٌ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ التَّاجُ السُّبْكِيّ فِي رَفْعِ الْحَاجِبِ رُبَّ فَرْعٍ لِأَصْلٍ ذَلِكَ الْأَصْلُ يَظْهَرُ فِي الْحُكْمِ أَقْوَى مِنْ ظُهُورِهِ فِيهِ لِانْتِهَاضِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ وَلِهَذَا تَرَى الْأَصْحَابَ كَثِيرًا مَا يُصَحِّحُونَ فِي الْمَبْنِيِّ بِخِلَافِ مَا يُصَحِّحُونَهُ

فِي الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ اهـ. وَقَدْ أَفْرَدَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ الْمَوَاضِعَ الَّتِي صَحَّحُوا فِيهَا خِلَافَ مُقْتَضَى الْبِنَاءِ بِتَأْلِيفٍ دَالٍّ عَلَى مَزِيدِ كَثْرَتِهَا فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْبِنَاءِ الِاتِّحَادُ فِي التَّرْجِيحِ قَالَ وَهَذَا أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الِاتِّحَادُ أَكْثَرُ لَا غَيْرُ عَلَى أَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَنْقُولِ مَا يَرُدُّهُ وَسَيَأْتِي مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ مَا هُوَ صَرِيحٌ قَاطِعٌ فِي رَدِّهِ وَعِبَارَةُ كِفَايَتِهِ فِي تَصَدُّقِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَرْجُو لَهُ وَفَاءً ثُمَّ إذَا قُلْنَا بِالتَّحْرِيمِ فَهَلْ يَمْلِكُهُ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ يَنْبَغِي فِيهِ خِلَافٌ كَالْخِلَافِ فِيمَا إذَا وَهَبَ الشَّخْصُ مَا مَعَهُ مِنْ الْمَاءِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَقِيلَ هَذَا جَازَ فِي تَصَدُّقِهِ بِجَمِيعِ مَالِهِ تَطَوُّعًا بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْ أَدَائِهَا انْتَهَتْ وَسَيَأْتِي فِي الْعِبَارَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ نَفْسِهِ مَا يُنَاقِضُ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ هَذَا وَإِنَّ ذَاكَ مُقَدَّمٌ عَلَى هَذَا فَرَاجِعْهُ عَلَى أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّ كَلَامَ ابْنِ الرِّفْعَةِ يَقْتَضِي ذَلِكَ لِأَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْتِقْرَاءُ مِنْ تَخَارِيجِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يُرِيدُ بِهَا الِاسْتِدْرَاكَ عَلَى الْأَصْحَابِ فِي حِكَايَتِهِمْ الْخِلَافَ بَيْنهمْ فِي مَسْأَلَةٍ مَعَ عَدَمِ حِكَايَةِ نَظِيرِهِ فِي نَظِيرَتِهَا فَكَأَنَّهُ يَقُولُ لَهُمْ هَذَا تَحَكُّمٌ فَيَضْطَرُّهُ الِاتِّحَادُ فِي الْمَدْرَكِ عِنْدَهُ إلَى التَّخْرِيجِ فَهُوَ لَمْ يَجْعَلْ مَحَطَّ نَظَرِهِ فِي تَخْرِيجِهِ تَأَتِّي الْخِلَافِ وَأَنَّ الرَّاجِحَ هُنَا هُوَ الرَّاجِحُ ثُمَّ وَإِنَّمَا مَحَطُّهُ مُجَرَّدُ تَأَتِّي الْخِلَافِ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مَنْ تَتَبُّعِ تَخَارِيجِهِ وَمِنْ ثَمَّ أَكْثَرَ مِنْهَا حَتَّى قِيلَ إنَّهُ زَادَ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ الثُّلُثَ أَيْ بِاعْتِبَارِ الْأَوْجُهِ الَّتِي خَرَّجَهَا وَحَتَّى كَادَ أَنْ يُعَدَّ مَعَ أَصْحَابِ الْأَوْجُهِ لِانْفِرَادِهِ مِنْ بَيْنِ الْمُتَأَخِّرِينَ بِمَرْتَبَةِ ذَلِكَ التَّخْرِيجِ بَعْدَ انْقِطَاعِهَا بِانْقِطَاعِ أَصْحَابِ الْأَوْجُهِ وَمِنْ ثَمَّ لُقِّبَ بِالْفَقِيهِ دُون غَيْرِهِ بَلْ بَالَغَ بَعْضُهُمْ فَعَدَّهُ مَعَ أَصْحَابِ الْأَوْجُهِ وَأَبَى أَنْ يَعُدَّ الْغَزَالِيَّ وَإِمَامَهُ مِنْهُمْ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ جَوَابًا عَنْ الْأَصْحَابِ لَا أُسَلِّمُ ذَلِكَ التَّخْرِيجَ بَلْ أَمْنَعُهُ وَأُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْمَاءِ لَيْسَ الْمَدَارُ فِيهَا عَلَى التَّبَرُّعِ وَلَا عَدَمِهِ بِدَلِيلِ بُطْلَانِ الْبَيْعِ فِيهَا أَيْضًا وَإِنْ كَانَ بِأَضْعَافِ الْقِيمَةِ وَإِنَّمَا الْمَدَارُ فِيهَا عَلَى تَفْوِيتِ عَيْنٍ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَصِحَّ التَّصَرُّفُ فِيهَا الْمُفَوِّتُ لِذَلِكَ الْحَقِّ كَبَيْعِ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ بَعْدَ الْحَوْلِ عَلَى مَا عَدَا قَوْلَ الشَّرِكَةِ وَقَدْ صَرَّحَ جَمْعٌ بِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِعَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِآدَمِيٍّ وَمَثَّلُوا بِأَمْثِلَةٍ مِنْهَا مَسْأَلَةَ الْمَاءِ الْمَذْكُورَةِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ التَّصَدُّقِ فَلَيْسَ الْمَدَارُ فِيهَا إلَّا عَلَى التَّبَرُّعِ بِدَلِيلِ صِحَّة بَيْعِ الْمَدِينِ الَّذِي يَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ لِأَعْيَانِ مَالِهِ بِثَمَنِ مِثْلِهَا إجْمَاعًا فَتَأَمَّلْ بُعْدَ مَا بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْمَلْحَظَيْنِ وَوَجْهُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ التَّصَدُّقِ أَنَّ الْحَقَّ الَّذِي فِيهَا وَهُوَ الدَّيْنُ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ دُونَ الْعَيْنِ إذْ لَا يَتَعَلَّقُ الدَّيْنُ بِأَعْيَانِ مَالِ الْمَدِينِ الْمُفْلِسِ حَتَّى يَبْطُلَ تَصَرُّفُهُ فِيهَا إلَّا بِالْحَجْرِ كَمَا يَأْتِي عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ بَلْ وَعَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ نَفْسِهِ وَدَعْوَى الْمُفْتِي وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّ مُجَرَّدَ الْإِفْلَاسِ يُوجِبُ التَّعْلِيقَ بِالْعَيْنِ سَيَتَّضِحُ مِنْ كَلَامِهِمْ رَدُّهَا بَلْ تَزْيِيفُهَا وَإِذَا تَقَرَّرَ تَعْلِيقُهُ بِالذِّمَّةِ وَحْدَهَا لَمْ يَكُنْ لِبُطْلَانِ التَّصَرُّفِ فِي الْأَعْيَانِ الَّتِي لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا وَجْهٌ أَصْلًا وَأُمًّا مَلْحَظُ الْحُرْمَةِ الَّتِي صَرَّحُوا بِهَا فَلَيْسَ هُوَ ذَلِكَ التَّعَلُّقَ وَإِنَّمَا هُوَ كَوْنُهُ سَعْيًا فِي ضَرَرِ الْغَيْرِ بِتَفْوِيتِ مَا يُؤَدِّي مِنْهُ مَالَهُ الْمُسْتَقِرَّ فِي الذِّمَّةِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ تَجِدْهُ فَرْقًا ظَاهِرًا لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَبِهِ يَتَبَيَّنُ لَك ضَعْفُ ذَلِكَ التَّخْرِيجِ وَصَوَابُ مَا سَلَكَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ حِكَايَتِهِمْ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ التَّيَمُّمِ وَتَصْحِيحِ الْبَطَلَانِ فِيهَا وَعَدَمِ حِكَايَتِهِمْ نَظِيرَهُ فِي مَسْأَلَةِ التَّصَدُّقِ فَضْلًا عَنْ التَّصْرِيحِ بِبُطْلَانِ التَّصَرُّفِ وَشُذُوذِ مَا سَلَكَهُ الْقَائِلُونَ بِبُطْلَانِ تَبَرُّعِ الْمَدِينِ أَخْذًا مِنْ هَذَا التَّخْرِيجِ فَإِنَّ قُلْت إذَا كَانَ مَلْحَظُ الْبُطْلَانِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ مَا ذَكَرْت مِنْ التَّعْلِيقِ بِالْعَيْنِ فَأَيُّ وَجْهٍ لِلْخِلَافِ حِينَئِذٍ قُلْت كَوْنُ مَلْحَظِ الْبُطْلَانِ مَا ذَكَرَ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ حِكَايَةُ عِلَّةِ الْأَصَحِّ وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي الْقَائِلُ بِالصِّحَّةِ فَوَجْهُ مَا قَالَهُ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَالْمَنْعُ لَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنًى فِي الْعَقْدِ فَإِنَّ قُلْت مَا وَجْهُ رَدِّ عِلَّتِهِ مَعَ ظُهُورِهَا وَمَعَ مَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ الضَّعِيفَ لَا يُعَلِّلُ وَلَا يَقِيسُ إلَّا بِمَا يُوَافِقُهُ عَلَيْهِ الْأَصَحُّ قُلْت أَمَّا كَوْنُ الْمَشْهُورِ ذَلِكَ فَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ فَصَحِيحٌ وَإِلَّا فَقَدْ يُعَلِّلُ وَيَقِيسُ بِمَا يُدَّعَى ظُهُورُهُ وَأَنَّهُ لِذَلِكَ يَلْزَمُ مُقَابِلَهُ الْقَوْلُ

بِهِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الْوَصَايَا وَالِاسْتِقْرَاءُ التَّامُّ قَاضٍ بِذَلِكَ وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ أَمْرٌ مُطَّرِدٌ فَمَمْنُوعٌ بِدَلِيلِ الِاسْتِقْرَاءِ الْقَطْعِيِّ لِأَنَّا نَجِدُ الضَّعِيفَ كَثِيرًا مَا يُعَلِّلُ وَيَقِيسُ بِمَا يَقُولُ بِهِ هُوَ دُون الْأَصَحِّ وَأَمَّا وَجْهُ رَدِّ عِلَّتِهِ فَهُوَ أَنَّهَا عِنْدَ التَّحْقِيقِ لَا تُنْتِجُ مَا قَالَهُ مِنْ الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَكْفِي فِيهِ مُجَرَّدُ الْمِلْكِ وَلَا انْتِفَاءُ كَوْنِ الْمَنْعِ لَا يَرْجِعُ لِمَعْنًى فِي الْعَقْدِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَ الْمِلْكِ وَانْتِفَاءِ ذَلِكَ مِنْ شُرُوطٍ أُخْرَى كَالْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ شَرْعًا وَحِسًّا عَلَى أَنَّ زَعْمَهُ أَنَّ الْمَنْعَ هُنَا لَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى فِي الْعَقْدِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْمَنْعِ الرَّاجِعِ إلَى مَعْنًى فِي الْعَقْدِ مَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنًى فِي ذَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ لَازِمِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا هُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْحَقِّ بِالْعَيْنِ يُوجِبُ عَجْزَ الْعَاقِدِينَ عَنْ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ وَذَلِكَ الْعَجْزُ مُبْطِلٌ لِلْبَيْعِ لِرُجُوعِهِ إلَى مَعْنًى مُتَعَلِّقٍ بِذَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ هُوَ الْعَجْزُ عَنْ تَسْلِيمِهَا أَوْ تَسَلُّمِهَا وَقَدْ مَرَّ عَنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا مَسْأَلَةَ الْمَاءِ مِنْ الْمَعْجُوزِ عَنْ تَسْلِيمِهِ وَتَسَلُّمِهِ شَرْعًا وَهُوَ كَالْمَعْجُوزِ عَنْهُ حِسًّا وَبَيَّنُوا وَجْهَ الْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِهِ شَرْعًا بِأَنَّهُ تَعَيَّنَ لِلطُّهْرِ بِهِ إذْ الصَّلَاةُ لَهَا وَقْتٌ مَحْدُودٌ فَلَوْ صَحَّحْنَا ذَلِكَ لَأَدَّى إلَى جَوَازِ إخْرَاجِ فِعْلِهَا بِالْوُضُوءِ عَنْهُ فَإِنْ قُلْت يُعَارِضُ ذَلِكَ أَنَّ النَّوَوِيَّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لَمْ يَجْعَلْ مَنْشَأَ الْبُطْلَانِ عَلَى الْأَصَحِّ إلَّا كَوْنَ التَّسْلِيمِ حَرَامًا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِ الْحَقِّ مُتَعَلِّقًا بِالْعَيْنِ وَعِبَارَتُهُ كَمَا يَأْتِي بِسَوَابِقِهَا وَلَوَاحِقِهَا أَصَحُّهُمَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَلَا الْهِبَةُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ حَرَامٌ فَهُوَ عَاجِزٌ شَرْعًا وَهُوَ كَالْعَاجِزِ حِسًّا انْتَهَتْ وَإِذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ حُرْمَةَ التَّسْلِيمِ فَالصَّدَقَةُ إذًا حُرِّمَتْ كَذَلِكَ وَبِهَذَا يَتَأَيَّدُ تَخْرِيجُ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَيَبْطُلُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ قُلْت لَا يُعَارِضُهُ بِوَجْهٍ لِمَا قَدَّمْته أَنَّ حُرْمَةَ التَّسْلِيمِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ لَيْسَ لِكَوْنِهِ تَبَرُّعًا وَإِلَّا لَمَا تَسَاوَى الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ لِكَوْنِهِ تَفْوِيتًا لِلْحَقِّ الْمُتَعَلِّقِ بِعَيْنِ الْمَاءِ الْمُقْتَضِي لِلْحَجْرِ عَلَيْهِ فِيهَا شَرْعًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ حَتَّى تَرْجِعَ الْحُرْمَةُ إلَى مَعْنًى مُتَعَلِّقٍ بِذَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ لَازِمِهِ إذْ لَا تَقْتَضِي الْحُرْمَةُ الْإِبْطَالَ إلَّا إنْ رَجَعَتْ لِذَلِكَ وَحِينَئِذٍ اتَّضَحَ تَفْرِيعُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْعَجْزَ عَلَى الْحُرْمَةِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الصَّدَقَةِ فَالْحُرْمَةُ لَيْسَتْ فِيهَا إلَّا لِكَوْنِهَا تَبَرُّعًا وَهَذَا أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ ذَاتِ الْعَيْنِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِهَا أَصْلًا وَإِذَا رَجَعَتْ الْحُرْمَةُ فِي الْعَقْدِ إلَى خَارِجٍ عَنْهُ وَعَنْ لَازِمِهِ لَا تَقْتَضِي الْبُطْلَانَ كَمَا قَرَّرُوهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا وَجْهَ لِبُطْلَانِ نَحْوِ الصَّدَقَةِ وَلَا لِتَخْرِيجِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ مَا ذَكَرْته وَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بَلْ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِصِحَّةِ نَحْوِ هِبَةِ وَعِتْقِ الْمَدْيُونِ كَمَا يَأْتِي بِمَا فِيهِ وَمِمَّا يُبْطِلُ تَخْرِيجَ ابْنِ الرِّفْعَةِ أَيْضًا مَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ نَفْسُهُ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ كَمَا فِي الْخَادِمِ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا خِلَافُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ فِي حُرْمَةِ الْبَذْلِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي صِحَّةِ التَّصَرُّفِ مَعَ مَا هُوَ مُقَرَّرٌ مِنْ الْخِلَافِ الشَّهِيرِ فِي الْحُرْمَةِ فِي مَسْأَلَةِ الصَّدَقَةِ فَعَلِمْنَا أَنَّ وَجْهَ الْحُرْمَةِ ثَمَّ غَيْرُهُ هُنَا وَإِلَّا لَاتَّحَدَا فِي الْخِلَافِ أَوْ عَدَمِهِ وَأَنَّهَا ثَمَّ أَقْوَى مِنْهَا هُنَا وَبِهَذَا يَتَّضِحُ رَدُّ مَا يَأْتِي عَنْ الْأَذْرَعِيِّ أَنَّهُ يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِعَدَمِ صِحَّةِ التَّصْدِيقِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْآدَمِيِّ وَتَوَجُّهِ الْأَدَاءِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَهُ بَدَلٌ وَوَجْهُ رَدِّهِ مَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْحُرْمَةَ فِي الْمَاءِ أَقْوَى لِمَا مَرَّ مِنْ تَعَلُّقِ الْحَقِّ فِيهِ بِالْعَيْنِ وَلَوْ لِلَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الصَّدَقَةِ وَمِنْ ثَمَّ اتَّفَقُوا عَلَى الْحُرْمَةِ فِي الْمَاءِ دُونَ الصَّدَقَةِ فَكَيْفَ مَعَ ذَلِكَ يَتَأَتَّى الْجَزْمُ بِبُطْلَانِ التَّصَدُّقِ مَعَ الْخِلَافِ فِي حُرْمَتِهِ وَيُحْكَى الْخِلَافُ فِي هِبَةِ الْمَاءِ مَعَ الْجَزْمِ بِحُرْمَتِهَا هَذَا مِمَّا لَا يُتَعَقَّلُ فَالصَّوَابُ خِلَافُ مَا بَحَثَهُ هُوَ وَابْنُ الرِّفْعَةِ فَتَأَمَّلْ وَلَا يَصُدَّنَّك جَلَالَتُهُمَا فَإِنَّك بِالتَّأَمُّلِ الصَّادِقِ يَتَّضِحُ لَك صِحَّةُ مَا ذَكَرْته. (رَابِعُهَا) قَوْله وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَهُوَ مَفْرُوضٌ فِي غَيْرِ صُورَةِ السُّؤَالِ هَذَا فِيهِ مِنْ النَّظَرِ مَا لَا يَخْفَى عَلَى أَدْنَى مُتَأَمِّلٍ يَعْلَمُ ذَلِكَ بِسَوْقِ عِبَارَةِ الْمَجْمُوعِ ثُمَّ تَطْبِيقِهَا مَعَ صُورَةِ السُّؤَالِ الَّتِي أَجَابَ عَلَيْهَا وَعِبَارَتُهُ لَوْ وَهَبَ الْمَاءَ الصَّالِحَ لِطَهَارَتِهِ فِي الْوَقْتِ لِغَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَى الْعَطَشِ وَنَحْوِهِ أَوْ بَاعَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ إلَى ثَمَنِهِ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا

أَصَحُّهُمَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَلَا الْهِبَةُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ حَرَامٌ فَهُوَ عَاجِزٌ شَرْعًا وَهُوَ كَالْعَاجِزِ حِسًّا وَبِهَذَا قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ وَالصَّيْدَلَانِيّ وَالثَّانِي يَصِحَّانِ قَالَ الْإِمَامُ وَهُوَ الْأَقْيَسُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَالْمَنْعُ لَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنًى فِي الْعَقْدِ وَاخْتَارَ الشَّاشِيُّ هَذَا وَقَالَ: الْأَوَّلُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ تَوَجُّهَ الْفَرْضِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْهِبَةِ كَمَا لَوْ وَجَبَ عِتْقُ رَقَبَةٍ فِي كَفَّارَةٍ فَأَعْتَقَهَا لَا عَنْ الْكَفَّارَةِ أَوْ وَهَبَهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَكَمَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ دُيُونٌ وَطُولِبَ بِهَا فَوَهَبَ مَالَهُ وَسَلَّمَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَالْأَظْهَرُ مَا قَدَّمْنَا تَصْحِيحَهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ يُشْبِهَانِ مَا لَوْ وَهَبَ رَجُلٌ لِلْوَالِي شَيْئًا تَطَوُّعًا عَلَى سَبِيلِ الرِّشْوَةِ هَلْ يَمْلِكُهُ مِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ الْمِلْكَ لِلْمَعْصِيَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَمْنَعْ وَقَالَ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ انْتَهَتْ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ حِكَايَةً عَنْ الشَّاشِيِّ وَكَمَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ دُيُونٌ وَطُولِبَ بِهَا فَوَهَبَ مَالَهُ وَسَلَّمَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَجِد صُورَتَهُ عَيْن صُورَةِ السُّؤَالِ السَّابِقَةِ الَّتِي هِيَ فَيُطَالِبُهُمْ أَهْلُ الدُّيُونِ فَيُبَادِرُونَ وَيَمْلِكُونَ أَمْوَالَهُمْ إلَخْ وَحِينَئِذٍ فَكَيْفَ مَعَ هَذَا الِاتِّحَادِ الْوَاضِحِ جِدًّا يُقَالُ إنَّ مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَفْرُوضٌ فِي غَيْرِ صُورَةِ السُّؤَالِ فَإِنْ قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّ مَا فِيهِ فِيمَنْ يَرْجُو وَفَاءً وَمَا فِي السُّؤَالِ فِيمَنْ لَا يَرْجُوَا وَفَاءً قُلْنَا هَذَا تَحَكُّمٌ قَبِيحٌ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِهَذَا الْقَيْدِ فَرِعَايَتُهُ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ فَالصَّوَابُ أَنَّ مَا فِي الْمَجْمُوعِ وَالسُّؤَالِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فِي أَنَّ الْمُتَبَرِّعَ بِالْهِبَةِ فِيهِمَا عَلَيْهِ دُيُونٌ مُسْتَغْرِقَةٌ لِمَالِهِ وَأَنَّهُ طُولِبَ بِهَا فَبَادَرَ وَتَصَرَّفَ فِيهَا بِتَبَرُّعٍ كَهِبَةٍ فَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ عَلَى مَا ذُكِرَ عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ كَمَا يَأْتِي. (خَامِسُهَا) قَوْلُهُ عَلَى أَنَّ مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَنْظُورٌ فِيهِ إلَخْ قَدْ بَيَّنَ شَكَرَ اللَّهُ سَعْيَنَا وَسَعْيَهُ فِي تَأْلِيفِهِ السَّابِقِ ذِكْرُهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ قَوْلُهُ فِيمَا حَكَاهُ عَنْ الشَّاشِيِّ وَكَمَا لَوْ وَهَبَ مَنْ عَلَيْهِ دُيُونٌ إلَخْ لَيْسَ صَرِيحًا فِي تَقْرِيرِهِ فَضْلًا عَنْ الْجَزْمِ الَّذِي ادَّعَاهُ الْإِسْنَوِيُّ أَيْ حَيْثُ قَالَ مَا حَاصِلُهُ مَا صَحَّحْنَاهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مِنْ بُطْلَانِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَهُوَ يَمْلِكُ عَبْدًا فَوَهَبَهُ أَوْ طُولِبَ بِدَيْنٍ فَوَهَبَ مَا يَمْلِكُهُ فَإِنَّ الْهِبَةَ تَصِحُّ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ هُنَا اهـ. ثُمَّ رَدَّ كَلَامَ الْإِسْنَوِيُّ بِأُمُورٍ أُخْرَى فَقَالَ أَحَدُهُمَا إنَّ صَنِيعَ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ظَاهِرٌ فِي اعْتِمَادِ الْأَوَّلِ وَتَعْلِيلِهِ وَفِي تَزْيِيفِ الثَّانِي وَتَعْلِيلِهِ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْقِيَاسِ لِإِعْرَاضِهِ عَنْهُ وَعَدَمِ الْجَوَابِ عَنْهُ وَكَثِيرًا مَا يُمْنَعُ بِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ قِيَاسُ الْآخَرِ وَلَا يُسَلِّمُهُ وَكُتُبُ الشَّيْخَيْنِ وَالْأَصْحَابِ مَمْلُوءَةٌ بِذَلِكَ نَبَّهَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَالشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيّ فِي تَوْشِيحِهِ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ وَقَرَّرَهُ تَقْرِيرًا حَسَنًا. ثَانِيهَا أَنَّهُ اكْتَفَى بِمَا سَيَذْكُرُهُ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ مِنْ تَحْرِيمِ التَّصَدُّقِ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِدَيْنِهِ لَا نُطَابِقُ تَعْلِيلَ الْأَوَّلِ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ حُرْمَةُ التَّسْلِيمِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَأْخَذُ ابْن الرِّفْعَةِ الْآتِي فِي تَخْرِيجِ مَا فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ عَلَى مَا هُنَا وَمِنْ ثَمَّ لَمْ أَرَ أَحَدًا صَرَّحَ بِمُخَالَفَتِهِ بَلْ بَحَثَ مَعَهُ فِي التَّوَسُّطِ وَغَيْرِهِ الْجَزْمَ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ وَفَرَّقَ بِمَا حَاصِلُهُ تَعَلُّقُ حَقِّ الْآدَمِيِّ وَتَوَجُّهُ الْأَدَاءِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَلَهُ بَدَلٌ وَلِهَذَا يَبْقَى لِلْمُكَفِّرِ خَادِمٌ بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ قَالُوا لِأَنَّ لِلْكَفَّارَةِ بَدَلًا وَأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ بِخِلَافِ الْآدَمِيِّ ثَالِثُهَا أَنَّ النَّشَائِيَّ فِي الْمُنْتَقَى وَالنَّوَوِيَّ فِي التَّحْقِيقِ حَذَفَا مَسْأَلَةَ الْمَدِينِ الَّتِي قَاسَ عَلَيْهَا الشَّاشِيُّ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُمَا يَتَعَرَّضَانِ لِمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُعْتَمَدًا عِنْدَ النَّوَوِيِّ لَمَا حَذَفَاهُ ثُمَّ ذَكَرَ عِبَارَتَهُمَا وَأَنَّ الْجَوَاهِرَ حَذَفَتْهُ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ فَحَذْفُ أَصْحَابِ هَذِهِ الْمُتُونِ لَهَا يُشْعِرُ بِأَنَّهُمْ فَهِمُوا عَنْ النَّوَوِيِّ تَزْيِيفَهَا ثُمَّ قَالَ رَابِعُهَا وَهُوَ الْفَيْصَلُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْإِسْنَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ فِي أَوَائِلِ الْحَجْرِ مَا لَفْظُهُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ أَيْ مِنْ أَنْوَاعِ الْحَجْرِ إذَا دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَعِنْدَهُ مَاءٌ يَتَطَهَّرُ بِهِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهَكَذَا قِيَاسُ السُّتْرَةِ وَنَحْوِهَا كَاَلَّذِي يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ الْعَاجِزُ عَنْ الْقِيَامِ وَالْمُصْحَفِ الَّذِي يَقْرَأُ مِنْهُ غَيْرُ الْحَافِظِ. الثَّلَاثُونَ إذَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْفَوْرِ وَكَانَ فِي مِلْكِهِ مَا يُكَفِّرُ بِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّكْفِيرُ بِهِ فَقِيَاسُ مَا سَبَقَ امْتِنَاعُ تَصَرُّفِهِ فِيهِ وَلَا يَحْضُرُنِي الْآنَ نَقْلُهُ وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَرْجُو وَفَاءَهُ أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ غَيْرِهِ لَا يَحِلُّ لَهُ التَّصَدُّقُ بِمَا

مَعَهُ وَلَا هِبَتُهُ وَلَكِنْ لَوْ فَعَلَ فَفِي صِحَّةِ ذَلِكَ نَظَرٌ اهـ. قُلْت وَنَسَبَهُ الْفَتَى إلَى أَنَّهُ نَسِيَ مَا سَبَقَ عَنْهُ فِي التَّيَمُّم وَاَلَّذِي أَعْتَقِدُهُ أَنَّ هَذَا الَّذِي صَرَّحَ بِهِ هُنَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ قِيَاس هِبَةِ الْمَاءِ وَاَلَّذِي سَبَقَ مِنْهُ فِي التَّيَمُّمِ صَدَرَ مِنْهُ لِغَرَضِ الْمُنَاقَضَةِ لَا لِلتَّحْرِيرِ وَالتَّحْقِيقِ فَالصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْحَجْرِ وَجَعَلَهُ الْقِيَاسَ وَالْعَجَبُ أَنَّ أَبَا زُرْعَةَ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْحَجْرِ وَفَرَّقَ فِي التَّيَمُّم بِمَا حَاصِلُهُ تَعَيُّنُ الْمَاءِ لِلطَّهَارَةِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّةٍ وَقَدْ رَضِيَ بِذَلِكَ الدَّائِنُ وَنَظَرَ فِيهِ الْكَمَالُ الرَّدَّادُ وَقَالَ إنَّهُ يَنْخَدِشُ بِإِتْلَافِ الْمَاءِ قُلْت وَيَخْدِشُهُ أَنَّ الدَّائِنَ إذَا طَالَبَ بِدَيْنِهِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَمَعَ الْمَدِينِ مَاءٌ لِطَهَارَتِهِ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَطَلَبَ الدَّائِنُ بَيْعَهُ لِلدَّيْنِ أَنَّهُ يُجَابُ إلَى ذَلِكَ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ تَعَيَّنَ لِلطَّهَارَةِ وَالدَّائِنُ قَدْ رَضِيَ بِذِمَّتِهِ وَهَذَا يُسَلِّمُهُ الْفَقِيهُ وَلَا يُنْكِرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَامِدًا مُتَعَسِّفًا فَلَيْسَ كَلَامُنَا مَعَهُ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْمُصَحِّحِينَ بُطْلَانَ هِبَةِ الْمَاء لَا يُسَلِّمُونَ قِيَاسَ الشَّاشِيِّ فَلِهَذَا أَعْرَضَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْجَوَابِ عَنْهُ لِعَدَمِ تَسْلِيمِهِ لَهُ وَمَنْ نَظَرَ إلَى الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ امْتَنَعَ التَّبَرُّعُ بِالْمَاءِ وَالْمَالِ مَعَ مُرَاعَاةِ مَا اعْتَمَدَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مِنْ التَّعْلِيلِ لَمْ يُرَتِّبْ فِي صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ مِنْ بُطْلَانِ التَّبَرُّعِ الْمَذْكُورِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ التَّبَرُّعَاتِ بَلْ تَقَدَّمَ عَنْ الْإِيضَاحِ أَيْ لِلنَّاشِرِيِّ بُطْلَانُ الْعِتْقِ مَعَ تَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَيْهِ اهـ. الْمَقْصُودُ مِنْ كَلَامِهِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَفِيهِ أَنْظَارٌ شَتَّى وَأُقَدِّمُ قَبْلَ الْكَلَامِ فِيهَا الْكَلَامَ فِي مَنْقُولِ الْمَذْهَبِ فِي تَبَرُّعَاتِ الْمَدِينِ الَّذِي لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ وَلَا وَفَاءَ مَعَهُ حَالًا فِي الْحَالِ وَعِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فِي الْمُؤَجَّلِ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلهمْ لَا يَرْجُو لَهُ وَفَاءً كَمَا سَبَقَ بَسْطُ الْكَلَامِ فِيهِ فَأَقُولُ اعْلَمْ أَنَّ سَبَبَ وُقُوعِ الْقَائِلِينَ بِبُطْلَانِ تَصَرُّفَاتِهِ نَظَرُهُمْ لِتَخْرِيجِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَكَلَامِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي التَّيَمُّم مَعَ ظَنِّهِمْ أَنَّ أَحَدًا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ غَيْرَهُمَا وَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوا بَلْ الْمَسْأَلَةُ فِي الْأُمِّ لِإِمَامِنَا الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْمُنْتَقَى وَالْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا حَتَّى الْمُتُونِ الصِّغَارِ فِي بَابِ الْعِتْقِ بَلْ وَفِي كُتُبِ الْمُخَالِفِينَ كَمُغْنِي الْحَنَابِلَةِ الَّذِي أَطَالَ النَّوَوِيُّ فِي مَدْحِهِ وَاعْتِمَادِ مَا فِيهِ مِنْ النُّقُولِ عَنْ الْمَذَاهِبِ لِحِفْظِهِ وَتَحْرِيرِهِ وَمِنْ ثَمَّ نَسَجَ عَلَى مِنْوَالِهِ فِي شَرْحِهِ لِلْمُهَذَّبِ وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ بِسَوْقِ عِبَارَاتِهِمْ وَالْكَلَامِ فِيهَا بِبَيَانِ مَا قَدْ يَخْفَى مِنْ مَدْلُولِهَا وَمَا قَدْ يَرِدُ عَلَيْهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلْنَقْتَصِرْ عَلَى سَوْقِ الْعِبَارَاتِ الْمَشْهُورَةِ دُونَ غَيْرِهَا لِئَلَّا يَطُولَ الْكِتَابُ فَيُمَلَّ فَنَقُولُ الْعِبَارَةُ الْأُولَى عِبَارَةُ الْمُغْنِي الْمَذْكُورِ وَهِيَ مَا فَعَلَهُ الْمُفْلِسُ فِي مَالِهِ قَبْلَ حَجْرِ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ قَضَاءِ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ نَافِذٌ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالُك وَالشَّافِعِيُّ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَهُمْ لِأَنَّهُ رَشِيدٌ غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ فَنَفَذَ تَصَرُّفُهُ كَغَيْرِهِ وَلِأَنَّ سَبَبَ الْمَنْعِ الْحَجْرُ فَلَا يَتَقَدَّمُ سَبَبُهُ انْتَهَتْ بِلَفْظِهَا. وَقَوْلُهُ نَافِذٌ عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِجَائِزٍ بِدَلِيلِ تَصْرِيحِ الْحَنَابِلَةِ بِحُرْمَتِهَا وَعِبَارَةُ الْفُرُوعِ لَهُمْ وَتَصَرُّفُهُ أَيْ الْمُفْلِسِ قَبْلَ الْحَجْرِ نَافِذٌ نَصَّ عَلَيْهِ أَيْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَعَ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إنْ أَضَرَّ بِغَرِيمِهِ ذَكَرَهُ الْآدَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ صَاحِبُ الْمُنْتَخَبِ وَقِيلَ لَا يَنْفُذُ وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا أَيْ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فَانْظُرْ حِكَايَةَ الْمُغْنِي النُّفُوذَ مِنْ الْمُفْلِس قَبْلَ الْحَجْرِ عَنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَقَوْلَهُ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَهُمْ يَظْهَرُ لَك أَنَّ مَا وَقَعَ فِيهِ الْمُفْتِي وَمَنْ تَبِعَهُ أَمْرٌ خَالَفُوا فِيهِ أَئِمَّةَ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرَهُمْ وَكَفَى بِهَذَا قَادِحًا فِي رَدِّ مَقَالَتِهِمْ وَتَزْيِيفِهَا وَأَنَّهُ لَا تَعْوِيلَ عَلَيْهَا فَإِنَّ قُلْت قَوْلُ الْفُرُوعِ وَقِيلَ لَا يَنْفُذُ قَادِحٌ فِي قَوْلِ الْمُغْنِي وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا لِأَنَّ هَذَا خِلَافٌ فِي مَذْهَبِهِ وَيَبْعُدُ عَلَى حَفَظَةِ الْمَذْهَبِ الْحِفْظُ الَّذِي لَا يُسَاوِي فِيهِ خَفَاءُ هَذَا الْخِلَافِ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ فِيهِ شَهِيرٌ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ كَمَا سَيَأْتِي عَنْ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا فِي الْعِتْقِ. وَكَذَا هُوَ شَهِيرٌ فِي مَذْهَبِ مَالِك بَلْ جَزَمَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِيهِمْ بِعَيْنِ مَا أُفْتِي بِهِ الْمُفْتِي وَمَنْ تَبِعَهُ فَقَالَ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّبَرُّعِ بِالْمَالِ حَتَّى قَبْلَ الْحَجْرِ لَكِنْ قَيَّدَ ذَلِكَ غَيْرُهُ بِمَا إذَا عَلِمَ بِتِلْكَ الْإِحَاطَةِ وَإِلَّا فَتَبَرُّعُهُ صَحِيحُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْمُحَشِّينَ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ نَقْلًا عَنْ ابْن ذُؤَيْبٍ وَاعْتَمَدَهُ بَلْ هَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ حَاصِلُ كَلَامِ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَاَلَّذِي فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ صِحَّة

تَصَرُّفِهِ وَإِنَّ عَلِمَ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا وَفَاءَ مَعَهُ بِمَا تَبَرَّعَ بِهِ وَجَزَمَ بَعْضُ شُرَّاحِ الرِّسَالَةِ وَهُوَ أَنَّهُ قَبْلَ قِيَامِ الْغُرَمَاءِ عَلَيْهِ يَجُوزُ لَهُ التَّبَرُّعُ بِالْيَسِيرِ وَبَعْدَهُ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَقَالَ الْحَفِيدُ ابْنُ رُشْدٍ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَئِمَّتِهِمْ وَأَمَّا تَصَرُّفُهُ قَبْلَ الْحَجْرِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ إتْلَافُ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ عِنْدَ مَالِكٍ بِغَيْرِ عِوَض إذَا كَانَ مِمَّا لَا يَلْزَمُهُ وَمِمَّا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِفِعْلِهِ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا جُمْهُورُ مِنْ قَالَ بِالْحَجْرِ عَلَى الْمُفْلِسِ فَقَالُوا هُوَ قَبْلَ الْحَجْرِ كَسَائِرِ النَّاسِ وَإِنَّمَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ لِهَذَا الْأَصْلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ جَوَازُ الْأَفْعَالِ حَتَّى يَقَعَ الْحَجْرُ وَمَالِكٌ كَأَنَّهُ اعْتَمَدَ الْمَعْنَى نَفْسَهُ وَهُوَ إحَاطَةُ الدَّيْنِ بِمَالِهِ. اهـ. وَاحْتَرَزَ بِالْجُمْهُورِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّهُ لَا يَقُولُ بِالْحَجْرِ وَوَجَّهَ بَعْضُهُمْ الْقَوْلَ عِنْدَهُمْ بِأَنَّ عِتْقَهُ قَبْلَ الْحَجْرِ لَا يُرَدُّ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَمْ لَا بِأَنَّ دَيْنَ الْغُرَمَاءِ إنَّمَا هُوَ فِي ذِمَّةِ السَّيِّدِ لَا فِي عَيْنِ الْعَبْدِ وَلَوْ تَلِفَ الْعَبْدُ لَمْ يَبْطُلْ الدَّيْنُ فَوَجَبَ أَنْ يَنْفُذَ الْعِتْقُ لِبَقَاءِ الدَّيْنِ فِي الذِّمَّةِ مَعَ نُفُوذِهِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْعِتْقَ كَالصَّدَقَةِ فِي الرَّدِّ بِشَرْطِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْحَاصِلُ أَنَّ تَبَرُّعَاتِهِ الَّتِي بَعْدَ الدَّيْنِ وَقَبْلَ الْحَجْرِ مَرْدُودَةٌ إذَا أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ مَا عَدَا الْعِتْقَ فَإِنَّهُ يُرَدُّ إنْ قَامَ الْغُرَمَاءُ بِقُرْبِ الْعِتْقِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِيهِ فَانٍ قَامُوا بَعْدَ طُولِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ وَالْأَرْجَح الرَّدُّ. اهـ. حَاصِلُ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّة فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَا يُحْجَرُ عَلَى الْمُفْلِسِ بِسَبَبِ الدَّيْنِ وَإِنَّ طَلَبَ غُرَمَاؤُهُ الْحَجْرَ عَلَيْهِ لِأَنَّ فِي الْحَجْرِ إهْدَارَ أَهْلِيَّتِهِ وَإِلْحَاقَهُ بِالْبَهَائِمِ وَذَلِكَ ضَرَرٌ عَظِيمٌ فَلَا يَجُوزُ إلْحَاقُهُ بِهِ لِأَجْلِ ضَرَرٍ خَاصٍّ وَلَا يَتَصَرَّفُ الْحَاكِمُ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ لَا حَجْرَ عَلَيْهِ وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ فَقَالَا إذَا طَلَبُوا الْحَجْرَ حَجَرَهُ وَمَنَعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالْبَيْعِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَإِذَا امْتَنَعَ عَنْ بَيْعِ مَالِهِ يَبِيعُهُ الْحَاكِمُ وَيَقْسِمُ الثَّمَنَ بَيْنَهُمْ بِالْحِصَصِ هَذَا حَاصِلُ مَا فِي مَذْهَبِهِمْ فِي ذَلِكَ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ بِمَا شَاءَ مُطْلَقًا وَعَلَى قَوْلِ صَاحِبَيْهِ يَتَصَرَّفُ مَا لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ وَمَنْعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ مَذْهَبُنَا وَإِذَا تَقَرَّرَ مَا لِلْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْخِلَافِ وَالتَّفْصِيلِ فَكَيْفَ يَنْقُلُ الْمُغْنِي عَنْهُمْ الْقَوْلَ بِنُفُوذِ التَّبَرُّعِ قَبْلَ الْحَجْرِ قُلْت أَمَّا الْخِلَافُ الَّذِي لِأَصْحَابِهِمْ وَأَصْحَابِنَا فَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْتَدَّ بِهِ وَلَمْ يُعَوِّلْ عَلَيْهِ لِضَعْفِهِ مِنْ حَيْثُ مُخَالَفَتُهُ لِصَرِيحِ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا يَقَعُ لِلنَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَثِيرًا أَنَّهُ فِي كُتُبِهِ لَا سِيَّمَا شَرْحِ الْمُهَذَّبِ يَحْكِي الِاتِّفَاقَ مَعَ تَصْرِيحِهِ هُوَ وَغَيْرُهُ بِالْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَعْتَدُّ بِذَلِكَ الْخِلَافِ لِشُذُوذِهِ فَيَجْزِمُ بِالْحُكْمِ غَيْرَ مُلْتَفِتٍ إلَيْهِ وَأَمَّا مَا حُكِيَ عَنْ مَالِكٍ وَكَأَنَّهُ اعْتَمَدَ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ مَا مَرَّ عَنْ سَمَاعِ أَصْبَغَ وَجَعَلَ الثُّبُوتَ عِنْدَ الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْحَجْرِ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَهُوَ لَا يَقُولُ بِالْحَجْرِ كَمَا مَرَّ وَحِينَئِذٍ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى صَاحِبِ الْمُغْنِي فِيمَا مَرَّ عَنْهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْفِ الْخِلَافَ إلَّا بِاعْتِبَارِ عِلْمه دُونَ نَفْسِ الْأَمْرِ فَبِفَرْضِ ثُبُوتِهِ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ فِيهِ وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ كَشَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي فَتْح الْبَارِي أَنَّهُ فِيهِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى النُّفُوذِ قَبْلَ الْحَجْرِ فَقَدْ وَهِمَ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ هِيَ الَّتِي قَدَّمْتهَا وَهِيَ قَوْلُهُ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَهُمْ وَمِثْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ لَا تُفِيدُ الْإِجْمَاعَ نَعَمْ تُفِيدُ أَنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ مَرَّ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ جُمْهُورَ مَنْ قَالَ بِالْحَجْرِ قَالُوا هُوَ قَبْلَ الْحَجْرِ كَسَائِرِ النَّاس وَهَذَا هُوَ الَّذِي حَكَاهُ الْمُغْنِي نَعَمْ حِكَايَةُ الْإِجْمَاعِ عَلَى النُّفُوذِ قَبْلَ الْحَجْر وَقَعَتْ فِي كَلَامِ غَيْرِ الْمُغْنِي وَهِيَ مَرْدُودَةٌ بِمَا قَرَّرْتُهُ مِنْ الْخِلَافِ الشَّهِيرِ فِي ذَلِكَ وَمِنْ الْغَرِيبِ قَوْلُ ابْنِ الْمُنِيرِ الْمَالِكِي فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَأَمَّا قَوْلُهُ مَنْ تَصَدَّقَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَالدَّيْنُ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى مِنْ الصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ وَهُوَ رَدٌّ عَلَيْهِ فَهَذَا إجْمَاعٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِيهِ. اهـ. الْمَقْصُودُ مِنْهُ فَقَوْلُهُ فَهَذَا إجْمَاعٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ غَلَطٌ فَاحِشٌ لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ السَّابِقُ مِنْ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ بَلْ الْخِلَافُ شَهِيرٌ مَحْكِيٌّ فِي النُّفُوذِ حَتَّى بَعْدَ الْحَجْرِ وَيُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ فَهَذَا رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ فَالدَّيْنُ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى لَا لِقَوْلِهِ رَدٌّ عَلَيْهِ وَيُؤَيِّدُهُ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا مِنْ سِيَاقِ كَلَامِهِ مَا مَرَّ مِنْ حِكَايَةِ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ حَتَّى فِي مَذْهَبِهِ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِعِبَارَةِ الْمُغْنِي مِنْ الْحَنَابِلَةِ الْعِبَارَةُ الثَّانِيَةُ قَوْلُ الذَّخِيرَةِ لِلْقَرَافِيِّ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ وَمُحَقِّقِيهِمْ

مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِمَالِهِ حَرُمَتْ هِبَتُهُ وَصَدَقَتُهُ وَعِتْقُهُ وَرُدَّ إقْرَارُهُ لِمَنْ اتَّهَمَ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ حَتَّى يُحْجَرَ عَلَيْهِ وَكَذَا الْإِنْفَاقُ عَلَى امْرَأَتِهِ وَمَنْ يَلْزَمُهُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ وَيَتَزَوَّجُ مِنْ مَالِهِ مَا لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ التَّبَرُّعَاتُ نَافِذَةٌ حَتَّى يَحْجُرَ عَلَيْهِ انْتَهَتْ فَتَأَمَّلْ نَقْلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ النُّفُوذَ لِجَمِيعِ تَبَرُّعَاتِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ مَعَ إحَاطَةِ الدَّيْنِ بِمَالِهِ يَزْدَدْ عَجَبُك مِنْ إفْتَاءِ الْمُفْتِي وَمَنْ تَبِعَهُ بِعَدَمِ نُفُوذِهَا أَخْذًا مِنْ تَخْرِيجٍ بِأَنَّ فِيمَا مَضَى ضَعْفَهُ وَانْحِلَالَهُ الْعِبَارَة الثَّالِثَةُ وَهِيَ الْعُمْدَةُ فِي الْحَقِيقَةِ عِبَارَةُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَهِيَ قَالَ الشَّافِعِيُّ شِرَاءُ الرَّجُلِ وَبَيْعُهُ وَعِتْقُهُ وَإِقْرَارُهُ وَقَضَاؤُهُ بَعْضَ الْغُرَمَاءِ دُونَ بَعْضٍ جَائِزٌ كُلُّهُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُفْلِسٍ وَذَا دَيْنٍ كَانَ أَوْ غَيْرَ ذِي دَيْنٍ فِي إجَازَة عِتْقِهِ وَبَيْعِهِ لَا يَرُدُّ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا وَلَا مِمَّا فَضَلَ مِنْهُ وَلَا إذَا قَامَ الْغُرَمَاءُ عَلَيْهِ حَتَّى يُصَيِّرُوهُ إلَى الْقَاضِي وَيَنْبَغِي إذَا صَيَّرُوهُ إلَى الْقَاضِي أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى أَنَّهُ أَوْقَفَ مَالَهُ عَنْهُ أَيْ حَجَرَ عَلَيْهِ فَإِذَا فَعَلَ لَمْ يَجُزْ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَبِيعَ مَالَهُ وَلَا يَهَبَ. اهـ. لَفْظُهُ بِحُرُوفِهِ وَقَوْلُهُ جَائِزٌ كُلُّهُ عَلَيْهِ مَعْنَاهُ نَافِذٌ كُلُّهُ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لَا يَرُدُّ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلَا يُنَافِي مَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّبَرُّعُ وَإِنْ نَفَذَ وَعِبَارَتُهَا بَعْد ذَلِكَ بِأَسْطُرٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَيَجُوزُ لَهُ مَا صَنَعَ فِي مَالِهِ بَعْدَ رَفْعِهِ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَقِفَ الْقَاضِي مَالَهُ انْتَهَتْ بِحُرُوفِهَا وَعِبَارَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِوَرَقَاتٍ وَإِذَا حَبَسَ وَأَحْلَفَ وَفَلَّسَ وَخَلَى ثُمَّ أَفَادَ مَالًا جَازَ لَهُ فِيمَا أَفَادَ مَا صَنَعَ مِنْ عِتْقٍ وَبَيْعٍ وَهِبَةٍ وَغَيْره حَتَّى يُحْدِثَ لَهُ السُّلْطَانُ وَقْفًا آخَرَ لِأَنَّ الْوَقْفَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ وَقْفًا لِأَنَّهُ غَيْرُ رَشِيدٍ إنَّمَا وَقَفَ لِيَمْنَعَهُ مَالَهُ وَيَقْسِمَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ فَمَا أَفَادَ آخَرَ فَلَا وَقْفَ عَلَيْهِ انْتَهَتْ بِحُرُوفِهَا أَيْضًا فَتَأَمَّلْ كَلَامَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَجِدْهُ نَصًّا قَاطِعًا لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ فِي صِحَّةِ تَبَرُّعِ الْمَدِينِ الَّذِي لَا يَرْجُو وَفَاءً إذْ لَا يَكُونُ مُفْلِسًا إلَّا إنْ كَانَ كَذَلِكَ لِمَا قَدَّمْته فِي مَعْنَى لَا يَرْجُو وَفَاءً قَبْلَ حَجْرِ الْقَاضِي عَلَيْهِ وَلَوْ بَعْدَ مُطَالَبَةِ الْغُرَمَاءِ وَرَفْعِهِمْ لَهُ إلَى الْقَاضِي وَحِينَئِذٍ يَزْدَاد تَعَجُّبُك مِمَّا وَقَعَ فِيهِ الْمُفْتِي وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ إفْتَائِهِمْ بِعَدَمِ صِحَّةِ تَبَرُّعِهِ وَأَيُّ عُذْرٍ لِمُقَلِّدٍ ضَاقَتْ عَلَيْهِ أَغْلَالُ التَّقْلِيدِ فَأُفْحِمَ حَتَّى لَمْ يَجِدْ حُرًّا لِيُخْرِجَهُ عَنْ ذَلِكَ الْمَضِيقِ إلَى فَضَاءِ دَوْحَةِ رَأْيِهِ أَوْ رَأْيِ غَيْرِ مُقَلَّدِهِ فِي أَنْ يُخَالِفَ مُقَلَّدَهُ مِثْلَ هَذِهِ الْمُخَالَفَةِ الصَّرِيحَةِ اعْتِمَادًا عَلَى مَا قَامَ عِنْدَهُ وَجَمَدَ عَلَيْهِ رَأْيُهُ مِمَّا لَا يَصْلُحُ مُتَمَسَّكًا كَمَا بَسَّطْتُهُ فِيمَا مَرَّ وَيَأْتِي وَرُبَّمَا يُخْشَى عَلَى مَنْ عَلِمَ بِهَذِهِ النُّصُوصِ وَلَمْ يَرْجِعْ إلَيْهَا أَنْ يَكُونَ قَدْ هَوَى إلَى هُوِيَّةِ اللَّجَاجِ وَالْعِنَادِ وَأُعِيذُ بِاَللَّهِ مِنْهُمَا كُلَّ مَنْ لَهُ فِي الْخَيْرِ مَزِيدُ تَقَدُّمٍ وَازْدِيَادٍ. الْعِبَارَةُ الرَّابِعَةُ قَوْلُ الْإِمَامِ الرَّافِعِيِّ فِي الْعَزِيزِ فِي الْكَلَامِ عَلَى شُرُوطِ سِرَايَةِ الْعِتْقِ الثَّانِيَةِ لَوْ مَلَك الْمُعْتَقُ قِيمَةَ نِصْفِ الشَّرِيكِ وَعَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ مِثْلُ مَا يَمْلِكُهُ أَوْ أَكْثَرُ فَهَلْ يَمْنَعُ الدَّيْنُ التَّقْوِيمَ عَلَيْهِ وَالسِّرَايَةَ فِيهِ قَوْلَانِ كَالْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّ الدَّيْنَ هَلْ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ وَالْجَامِعُ أَنَّ سِرَايَةَ الْعِتْقِ حَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِحَظٍّ لِلْآدَمِيِّ كَالزَّكَاةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ وَجَعَلَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَيْنِ وَقَالَ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ لَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُوسِرٍ بِمَا يَمْلِكُهُ بَلْ هُوَ فَقِير مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَلِذَلِكَ تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ فَإِنْ أَبْرَأَهُ عَنْ الدَّيْنِ لَمْ يُقَوَّم عَلَيْهِ أَيْضًا كَالْمُعْسِرِ يُوسِرُ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَمِنْهُمْ ابْنُ الْحَدَّادِ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا فِي يَدِهِ نَافِذُ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَأَعْتَقَهُ نَفَذَ فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَيْهِ فَعَلَى هَذَا يُضَارِبُ الشَّرِيك بِقِيمَةِ نَصِيبِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ فَإِنْ أَصَابَهُ بِالْمُضَارَبَةِ مَعَ الْغُرَمَاءِ مَا بَقِيَ بِقِيمَةِ جَمِيعِ نَصِيبِهِ فَذَاكَ وَإِلَّا اقْتَصَرَ عَلَى حِصَّتِهِ وَيَعْتِقُ جَمِيعُ الْعَبْدِ إنْ قُلْنَا تَحْصُلُ السِّرَايَةُ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ. اهـ. فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ وَعَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ مِثْلُ مَا يَمْلِكُهُ أَوْ أَكْثَرُ وَتَعْلِيلُهُ الضَّعِيفَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُوسِرٍ وَالصَّحِيحُ بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا فِي يَدِهِ نَافِذُ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَاسْتِدْلَالُهُ لِذَلِكَ بِنُفُوذِ تَبَرُّعِهِ بِالْعِتْقِ تَجِدُ ذَلِكَ نَصًّا قَاطِعًا لِلنِّزَاعِ عِنْدَ مَنْ لَهُ أَدْنَى مُسْكَةٍ مِنْ ذَوْقٍ وَإِنَّمَا الْمُخَالِفُ لِذَلِكَ بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ مُعَانِدٌ يَنْقَطِعُ الْكَلَامُ مَعَهُ. الْعِبَارَةُ الْخَامِسَةُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ فِي ذَلِكَ أَحَدُهَا

كَوْنُ الْمُعْتِقِ مُوسِرًا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يُعَدَّ غَنِيًّا بَلْ إذَا كَانَ لَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَفِي بِقِيمَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ قُوِّمَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَمْلِك غَيْرَهُ وَيُصْرَفُ إلَى هَذِهِ الْجِهَةِ كُلُّ مَا يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ مَلَكَ قِيمَةَ الْبَاقِي لَكِنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَدْرِهِ قُوِّمَ عَلَيْهِ عَلَى الْأَظْهَرِ وَاخْتَارَهُ الْأَكْثَرُونَ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا فِي يَدِهِ نَافِذٌ تَصَرُّفُهُ فِيهِ وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى بِهِ عَبْدًا وَأَعْتَقَهُ نَفَذَ انْتَهَتْ وَقَوْلُهَا بِقَدْرِهِ مُرَادُهَا مَا فِي أَصْلِهَا كَمَا عَلِمْت أَوْ أَكْثَرَ وَمِنْ ثَمَّ جَرَى صَاحِبُ الْمُنْتَقَى وَغَيْرُهُ حَتَّى أَصْحَابُ الْمُتُونِ كَالْحَاوِي وَفُرُوعِهِ عَلَى مَا فِي عِبَارَةِ الْعَزِيزِ مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَدْرِ مَا تَبَرَّعَ بِهِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ لَا اعْتِرَاضَ عَلَى الرَّوْضَةِ فِي ذَلِكَ لِمَا عُلِمَ مِنْ تَعْلِيلِهَا الْمَذْكُورِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَمِنْ ثَمَّ عَبَّرَ بَعْضُ مُخْتَصِرِي الرَّوْضَةِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَقُ مَدْيُونًا وَاسْتَغْرَقَتْ الْقِيمَةُ مَالَهُ. اهـ. وَهَذَا يَشْمَل مَا إذَا سَاوَتْ الْقِيمَةُ مَالَهُ وَمَا إذَا زَادَتْ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْت مِنْ أَيْنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّصَرُّفِ فِي عِبَارَتِهَا مَا يَشْمَلُ التَّبَرُّعَ قُلْت هَذَا جَلِيٌّ لَا يَحْتَاجُ لِلسُّؤَالِ عَنْهُ لِأَنَّهُ سَبَقَ تَعْلِيلًا لِنُفُوذِ تَبَرُّعِهِ بِالْعِتْقِ مَعَ اسْتِغْرَاقِ دَيْنِهِ فَلَوْلَا أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالتَّصَرُّفِ مَا يَشْمَلُ التَّبَرُّعَ لَمْ تَتَطَابَقْ الْعِلَّةُ وَالْمُعَلَّلُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى بِهِ إلَخْ صَرِيحٌ فِي الْمُدَّعِي لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ. الْعِبَارَةُ السَّادِسَةُ عِبَارَةُ الْجَوَاهِرِ فِي ذَلِكَ وَهِيَ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ جَمِيعُهُ سَوَاءٌ أَكَانَ عَلَيْهِ دَيْنُ يَسْتَغْرِقُ قِيمَتَهُ أَوْ لَا ثُمَّ قَالَ لَوْ كَانَ مُعْتِقُ الْحِصَّةِ يَمْلِكُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ لَكِنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقهَا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ السِّرَايَةَ فَيُضَارِبُ الشَّرِيكُ بِقِيمَةِ حِصَّتِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ فَإِنْ حَصَلَ لَهُ قِيمَةُ نَصِيبِهِ فَذَاكَ وَإِلَّا اقْتَصَرَ عَلَى حِصَّتِهِ وَيَعْتِقُ جَمِيعُ الْعَبْدِ إنْ قُلْنَا بِحُصُولِ السِّرَايَةِ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. فَتَأَمَّلْ مَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَمَنْ بَعْدهمَا وَمَنْ قَبْلَهُمَا هُنَا لَا سِيَّمَا قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا فِي يَدِهِ نَافِذٌ تَصَرُّفُهُ فِيهِ وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى إلَخْ تَعْلَمْ مَا وَقَعَ فِيهِ أُولَئِكَ الْمُخَالِفُونَ مِنْ خُرُوجِهِمْ عَنْ صَحِيحِ الْمَذْهَبِ إلَى قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ ضَعِيفِ جِدًّا وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِمُقَلَّدٍ سُلُوكُهُ لَكِنْ لَعَلَّ عُذْرَ أُولَئِكَ أَنَّ نُسَخَ الْأُمِّ قَلِيلَةٌ فِي بِلَادِهِمْ وَأَنَّ الْمَسْأَلَةَ وَإِنْ كَانَتْ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَغَيْرِهِمَا مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْكُتُبَ نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ لَكِنَّهَا فِي غَيْرِ مَظِنَّتِهَا فَغَفَلُوا عَنْهَا فَإِذَا بَانَتْ كَذَلِكَ فَعَلَيْهِمْ الرُّجُوعُ لِلْحَقِّ لِأَنَّهُ اللَّائِقُ بِهِمْ دُونَ التَّمَادِي بَعْدَ الِاطِّلَاعِ عَلَى ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْوَرْطَةِ الْفَظِيعَةِ أَعَاذَنَا اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ مِنْ تَصْمِيمٍ عَلَى مَا لَا يُرْضَى وَيَسَّرَ لَنَا سُلُوكَ سَبِيلِ الْحَقِّ أَيْنَمَا كَانَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ. فَإِنْ قُلْت لَا حُجَّة فِيمَا ذَكَرْت عَنْ الشَّيْخَيْنِ لِأَنَّ السِّرَايَةَ قَهْرِيَّةٌ عَلَيْهِ مِنْ الشَّارِعِ وَكَلَامُنَا لَيْسَ إلَّا فِيمَا يُفْعَلُ بِالِاخْتِيَارِ قُلْت هَذَا إنَّمَا يُتَوَهَّمُ بِالنِّسْبَةِ لِعِتْقِ نَصِيبِ الشَّرِيك أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِعِتْقِ نَصِيبِهِ هُوَ فَالْحُجَّةُ فِيهِ وَاضِحَةٌ لِنُفُوذِهِ مَعَ الدَّيْن الْمُسْتَغْرِقِ وَكَذَا هِيَ وَاضِحَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِنَصِيبِ الشَّرِيكِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا مِمَّا فُعِلَ بِالِاخْتِيَارِ وَمِنْ ثَمَّ عَدُّوهُ إتْلَافًا وَتَفْوِيتًا وَمَنَعُوا السِّرَايَةَ فِيمَا لَوْ مَلَكَ بَعْضَ أَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ بِإِرْثٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ حِينَئِذٍ صَنِيعٌ وَلَا تَفْوِيت بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْعِتْقُ بِاخْتِيَارِهِ لَا سِيَّمَا إنْ عَلِمَ بِأَنَّ الْعِتْقَ يَنْفُذُ عَلَيْهِ وَيُصْرَفُ إلَيْهِ مَا فِي يَدِهِ وَإِنْ اسْتَغْرَقَهُ دَيْنُهُ وَمِنْ ثَمَّ جَعَلُوهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ اشْتَرَى بِمَا فِي يَده الَّذِي اسْتَغْرَقَهُ دَيْنُهُ عَبْدًا وَأَعْتَقَهُ ثَانِيهِمَا أَنَّ تَعْلِيلَهُمَا السَّابِقَ وَقَوْلَهُمَا وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَى إلَخْ صَرِيحَانِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ فَيُفْرَضُ مَا ذُكِرَ فِي السِّرَايَة وَأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهَا الْحُجَّةَ الصَّرِيحَةَ الصَّحِيحَةَ الَّتِي لَا تَقْبَلُ تَأْوِيلًا فِي هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ مُهِمٌّ فَإِنَّ قُلْت سَلَّمْنَا ذَلِكَ لَكِنْ فِي قَوَاعِدِ الزَّرْكَشِيّ فَرْعٌ يُشْكِلُ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا وَيَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ أُولَئِكَ الْمُخَالِفُونَ وَهُوَ وَلَوْ اشْتَرَى قَرِيبَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَقِيلَ لَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ وَلَا يُعْتَق بَلْ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ. اهـ. فَمَنَعَ الدَّيْنَ لِعِتْقِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَعَ أَنَّهُ قَهْرِيٌّ عَلَيْهِ كَالسِّرَايَةِ مُشْكِلٌ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِيهَا وَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَبَرُّعُ الْمَدِينِ قُلْت هَذَا تَحْرِيفٌ أَوْ إجْمَالٌ يَحْتَاجُ لِتَقْيِيدٍ بِإِرْجَاعِ ضَمِيرِ اشْتَرَى إلَى الْمَرِيضِ وَحَمْلِ الدَّيْنِ عَلَى الْمُسْتَغْرِقِ لِأَنَّ الَّذِي صَرَّحُوا بِهِ وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ نِزَاعًا أَنَّ مَنْ مَلَكَ أَصْلَهُ أَوْ فَرْعَهُ عَتَقَ قَهْرًا عَلَيْهِ عَقِبَ الْمِلْكِ مَا لَمْ يَكُنْ

مَرِيضًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِأَنَّ الْمَرِيضَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِي كُلِّ مَالِهِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ وَإِلَّا فَفِيمَا لَا يَحْتَمِلُهُ ثُلُثَهُ وَقَدْ صَرَّحُوا بِالسِّرَايَةِ فِيمَنْ اشْتَرَى بَعْضَ قَرِيبِهِ مَعَ تَقْرِيرِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي السِّرَايَة بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ أَوْ لَا وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْمَدِينَ الَّذِي دَيْنُهُ يَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ مَالِهِ لَوْ اشْتَرَى بَعْضَ أَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ مَا اشْتَرَاهُ وَسَرَى الْعِتْقُ إلَى بَاقِيهِ فَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ لِمَالِكِهِ وَلَا نَظَرَ إلَى مَا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ فَكَيْفَ مَعَ ذَلِكَ يُتَعَقَّلُ صِحَّةُ هَذَا الْإِجْمَالِ الَّذِي أُوقِعَ فِيهِ الزَّرْكَشِيُّ بِتَقْدِيرِ أَنَّ النُّسَّاخَ لَمْ يُحَرِّفُوا شَيْئًا لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مِنْ تَحْرِيفِهِمْ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ النُّسْخَةَ الَّتِي رَأَيْت فِيهَا ذَلِكَ يَغْلِبُ عَلَيْهَا السَّقَمُ وَالتَّحْرِيفُ. الْعِبَارَةُ السَّابِعَةُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ وَمُقْتَضَى هَذَا الْقَيْد وَهُوَ اشْتِرَاطُ زِيَادَةِ الدُّيُونِ عَلَى مَالِ الْمُفْلِسِ حَتَّى يُحْجَرَ عَلَيْهِ اشْتِرَاطُ وُجُودِ مَالٍ لِلْمَدْيُونِ وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَيَكْفِي مُجَرَّدُ الدَّيْنِ لِجَوَازِ الْحَجْرِ مَنْعًا لَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيمَا عَسَاهُ يَتَجَدَّدُ بِاصْطِيَادٍ أَوْ اتِّهَابٍ أَوْ الظَّفْرِ بِرِكَازٍ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلِيُفَسَّرْ الْمُفْلِسُ بِاَلَّذِي لَيْسَ لَهُ مَالٌ يَفِيَ بِدُيُونِهِ لِيَعُمَّ مَنْ لَا مَالَ لَهُ أَصْلًا انْتَهَتْ الْحُجَّةُ فِي قَوْلِهِ وَيَكْفِي مُجَرَّدُ الدَّيْنِ لِجَوَازِ الْحَجْرِ مَنْعًا لَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيمَا عَسَاهُ يَحْدُثُ إلَخْ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ مَعَ كَوْنِهِ مَدِينًا وَلَا مَالَ لَهُ أَصْلًا يَرْجُو الْوَفَاءَ مِنْهُ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ الشَّامِلُ لِتَبَرُّعِهِ بَلْ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْمَنْعِ إذْ لَا مَحْذُورَ فِي تَصَرُّفِهِ بِغَيْرِهِ وَقَدْ أَقَرَّهُ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى قَوْلِهِ مَنْعًا لَهُ إلَخْ وَإِنَّمَا خَالَفُوا تَبَعًا لِلْأَصْحَابِ فِي امْتِنَاعِ الْحَجْرِ حَيْثُ لَا مَالَ لِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ حِينَئِذٍ وَذَلِكَ التَّعَسِّي الَّذِي ذَكَرَهُ خِلَافُ الْأَصْلِ فَلَمْ يَنْظُرْ إلَيْهِ عَلَى أَنَّ الْغُرَمَاءَ بِصَدَدِ مُرَاقَبَتِهِ وَرَفْعِهِ لِلْحَاكِمِ لِيَحْجُرَ عَلَيْهِ إنْ حَدَثَ لَهُ مَالٌ فَلَا مَحْذُورَ فِي عَدَمِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ الْحُدُوثِ فَعُلِمَ أَنَّ كَلَامَهُ فِي مَقَامَيْنِ أَحَدُهُمَا مُسَلَّمٌ وَهُوَ صِحَّةُ تَصَرُّفِهِ فِيمَا حَدَثَ وَلَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ وَهَذَا عَيْنُ مَسْأَلَتنَا لِأَنَّهُ مَدِينٌ لَا يَرْجُو وَفَاءً لِدَيْنِهِ وَقَدْ صَحَّ تَبَرُّعُهُ بِمَا فِي يَدِهِ وَحِينَئِذٍ يَزْدَادُ التَّعَجُّبُ مِنْ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ صِحَّةِ تَبَرُّعِهِ وَالْآخَرِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ وَهُوَ الْحَجْرُ قَبْلَ الْحُدُوثِ لِمَا مَرَّ مِنْ انْتِفَاءِ سَبَبِهِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحَجْرِ هُنَا مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَالْقِيَاسِ إذْ مَا حَدَثَ إنَّمَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِيهِ تَبَعًا لِلْمَوْجُودِ وَمَا جَازَ تَبَعًا لَا يَجُوزُ قَصْدًا. الْعِبَارَةُ الثَّامِنَةُ قَوْلُ الْأَصْحَابِ مَنْ لَهُ مَالٌ لَا يَفِي بِدُيُونِهِ وَسَأَلَ الْغُرَمَاءُ الْحَاكِمَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ حَجْرَ عَلَيْهِ وُجُوبًا لِأَنَّهُ قَدْ يَقْضِي بَعْضَ الْغُرَمَاءِ دَيْنَهُ فَيَتَضَرَّر الْبَاقُونَ وَقَدْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ فَيُضَيِّعُ حَقَّ الْجَمِيعِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَيُسْتَنْبَطُ مِنْ هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّ الْمَالَ لَوْ كَانَ مَرْهُونًا امْتَنَعَ الْحَجْرُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ رَقِيقٌ وَقُلْنَا يَنْفُذُ عِتْقُ الرَّاهِنِ لَهُ أَيْ عَلَى قَوْلٍ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّهُ مُعْسِرٌ هَذَا مَا ظَهَرَ تَفَقُّهًا وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا. اهـ. فَقَوْلُهُمْ قَدْ يَتَصَرَّفُ إلَخْ وَاسْتِثْنَاءُ ابْنِ الرِّفْعَةِ مِنْهُ عِتْقُ الْمَرْهُونِ عَلَى ذَلِكَ الْقَوْلِ صَرِيحٌ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرْته عَنْ الرَّافِعِيِّ فِي صِحَّةِ تَبَرُّعِ الْمَدِينِ الَّذِي لَا يَرْجُو وَفَاءً وَكَذَلِكَ اسْتِثْنَاءُ ابْنِ الرِّفْعَةِ مِنْ الْعِلَّةِ مَا ذَكَرَهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَالَ الْمَدِينِ الْمُفْلِس قَبْلَ الْحَجْرِ غَيْرُ مَرْهُونٍ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْغُرَمَاءِ فَلِذَا صَحَّ تَبَرُّعُهُ بِهِ وَمِنْ ثَمَّ عَلَّلَهُ الشَّيْخَانِ بِقَوْلِهِمَا كَمَا مَرَّ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا فِي يَدِهِ نَافِذٌ تَصَرُّفُهُ فِيهِ زَادَ الرَّافِعِيُّ وَتَبِعُوهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَا عَلَيْهِ قَدْرَ مَا فِي يَدِهِ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا مَرَّ. وَبِهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَارْتَضَاهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ يَظْهَرُ لَك صِحَّةُ مَا قَدَّمْته أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِتَخْرِيجِهِ السَّابِقِ إلَّا مُجَرَّدَ إجْرَاءِ الْخِلَافِ دُونَ التَّرْجِيحِ وَإِلَّا تَنَاقَضَ كَلَامُهُ هَذَا مَعَ ذَاكَ لِأَنَّ هَذَا الْمَذْكُور هُنَا صَرِيح فِي صِحَّةِ تَبَرُّعِ الْمَدِينِ وَإِنْ لَمْ يَرْجُ وَفَاءً وَالْمَذْكُورُ ثَمَّ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ عَدَمِ صِحَّتِهِ فَوَجَبَ الْجَمْعُ بِالْحَمْلِ الَّذِي ذَكَرْته وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ التَّخْرِيجِ إلَّا إجْرَاءَ الْخِلَافِ لَا غَيْرُ وَبِفَرْضِ أَنَّ ظَاهِرَ تَخْرِيجِهِ التَّرْجِيحُ أَيْضًا لَا يَعْمَلُ بِهِ لِأَنَّهُ مَعَ مُخَالَفَتِهِ الصَّرِيحَةِ لِلْمَذْهَبِ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ كَلَامِهِ نَفْسِهِ هُنَا وَإِذَا اخْتَلَفَ كَلَامُ إمَامٍ وَجَبَ الْأَخْذُ بِالصَّرِيحِ مِنْهُ دُونَ الظَّاهِرِ كَيْفَ وَالصَّرِيحُ الَّذِي هُنَا هُوَ الْمَذْهَبُ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ عِنْدَ مِنْ أَحَاطَ بِتِلْكَ النُّقُولِ الَّتِي قَدَّمْتهَا فَإِنْ قُلْت مَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي التَّفْلِيسِ مَرْدُودٌ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ قُلْت

الْمَرْدُودُ مِنْهُ بَحْثُ مَنْعِ الْحَجْرِ فِي الْمَرْهُونِ بِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ وَوَجْهُ رَدِّهِ أَنَّ لَهُ فَوَائِدَ كَالْمَنْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ وَفِيمَا عَسَاهُ يَحْدُثُ بِنَحْوِ اصْطِيَادٍ وَهَذَا الْبَحْثُ وَإِنْ سَلِمَ رَدُّهُ بِمَا ذُكِرَ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى مَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ فَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا كَوْنُهُ مَرْدُودًا. الْعِبَارَةُ التَّاسِعَةُ مَا فِي فَتَاوَى الْأَصْبَحِيِّ. وَصُورَتُهُ رَجُلٌ وَقَفَ أَرْضَهُ وَعَلَيْهِ دُيُونٌ فَهَلْ يَصِحُّ الْوَقْفُ الْجَوَابُ إنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي صِحَّتِهِ فَالْوَقْفُ صَحِيحٌ فَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا هُوَ الْمَنْقُولُ السَّابِقُ أَنَّ تَبَرُّعَ الْمَدِينِ فِي حَالِ صِحَّتِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ صَحِيحٌ وَإِنْ لَمْ يَرْجُ لِدَيْنِهِ وَفَاءً. الْعِبَارَةُ الْعَاشِرَةُ قَوْلُ الْأَصْحَابِ لَا يَمْنَعُ الدَّيْنُ الَّذِي لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْآدَمِيِّ وَإِنْ حَلَّ وَاسْتَغْرَقَ مَالَهُ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ وُجُوبَ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ. وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ مَالَهُ لَا يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ لِجِهَةِ الدَّيْنِ ثُمَّ فَرَّعُوا عَلَى ذَلِكَ نَذْرَ التَّصَدُّقِ بِعَيْنِ النِّصَابِ النَّقْدِ أَوْ الْحَيَوَانِ أَوْ غَيْرِهِمَا أَوْ قَالَ جَعَلْته صَدَقَةً أَوْ هَدْيًا أَوْ ضَحِيَّةً فَتَمَّ الْحَوْلُ قَبْلَ صَرْفِهِ لِجِهَةِ النَّذْرِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ بِالنَّذْرِ أَوْ الْجَعْلِ هَذَا مَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ وَنَقَلَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَاعْتِرَاضُ الْبُلْقِينِيُّ لَهُ أَشَارَ الْجَلَالُ إلَى رَدِّهِ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُمْ إنَّ مَالَهُ لَا يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ إلَى جِهَةِ الدَّيْنِ أَيْ وَلَوْ بَعْدَ الطَّلَبِ الْمُوجِبِ لِلْأَدَاءِ فَوْرًا لِأَنَّ لَهُ الْأَدَاءَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى بِاقْتِرَاضٍ أَوْ نَحْوِهِ تَجِدُهُ صَرِيحًا فِيمَا مَرَّ أَنَّهُ مَا دَامَ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ فَالْمَالُ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّتِهِ لَا بِشَيْءٍ مِنْ أَعْيَان مَالِهِ وَإِذَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِشَيْءٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ فَأَيُّ مُبْطِلٍ لِتَبَرُّعِهِ وَتَأَمَّلْ أَيْضًا مَا فَرَّعُوهُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ صِحَّةِ النَّذْرِ وَالصَّدَقَةِ وَالْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ مِنْ الْمَدِينِ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الدَّيْنَ مُسْتَغْرِقٌ لِمَا لَهُ وَزَائِدٌ عَلَيْهِ تَجِدْهُ صَرِيحًا ظَاهِرًا لَا يَقْبَلُ تَأْوِيلًا فِي صِحَّةِ تَبَرُّعِ الْمَدِينِ قَبْلَ الْحَجْرِ وَحِينَئِذٍ يَزْدَادُ تَعَجُّبُك مِنْ الْمُخَالِفِينَ لِذَلِكَ مَعَ وُضُوحِ صَرَائِحِ الْمَذْهَبِ فِيهِ. وَلَقَدْ رَأَيْت لِكَثِيرٍ مِنْ عُلَمَاءِ حَضْرَمَوْت فِي بَيْعِ الْعُهْدَةِ مَا يُشَابِهُ مَا وَقَعَ فِيهِ أُولَئِكَ بَلْ هُوَ أَقْبَحُ بِكَثِيرٍ لِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْمَذْهَبِ الْمُخَالَفَةَ الصَّرِيحَةَ بِإِبْدَاءِ آرَاءَ يَجْزِمُونَ بِهَا مَعَ خُرُوجِهَا عَنْ الْمَذْهَبِ وَقَوَاعِدِهِ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَمْ أَرَ لَهُمْ عُذْرًا فِي ذَلِكَ بَلْ أَقُولُ إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ الْمُقَرَّرِ الْمُعْتَرِفِينَ بِهِ وَالْمُذْعِنِينَ لَهُ أَنَّهُمْ شَافِعِيَّةٌ وَمُفْتُونَ وَمُؤَلِّفُونَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَيْسُوا مُجْتَهِدِينَ قَطْعًا بِأَيِّ مَرْتَبَةٍ فَرَضْتَهَا مِنْ مَرَاتِبِ الِاجْتِهَادِ فَمَعَ ذَلِكَ كَيْفَ يَجُوزُ لَهُمْ فِي إفْتَاءٍ أَوْ تَأْلِيفٍ أَنْ يَذْكُرُوا آرَاءً لَا يُمْكِنُ تَخْرِيجُهَا عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ بِوَجْهٍ بَلْ مُجْتَهِدُو الْمَذْهَبِ أَصْحَابُ الْوُجُوهِ وَغَيْرُهُمْ لَمْ يُبْدُوا شَيْئًا مِنْ وُجُوهِهِمْ وَآرَائِهِمْ إلَّا عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَوْ قَاعِدَتِهِ لَا يَخْرُجُونَ عَنْ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ. وَمَنْ خَرَجَ عَنْهُ كَمُفْرَدَاتِ الْمُزَنِيِّ وَآرَاءِ أَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَابْنِ الْمُنْذِرِ لَا تُعَدُّ آرَاؤُهُ وُجُوهًا فِي الْمَذْهَبِ وَلَا مِنْهُ بَلْ هُوَ كَبَقِيَّةِ آرَاءِ الْمُخَالِفِينَ لِلْمَذْهَبِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ أُولَئِكَ الْحَضَارِمَةِ أَنَّهُمْ جَرَوْا فِي ذَلِكَ عَلَى آرَاءَ مِنْ مَذَاهِبِ الْمُجْتَهِدِينَ غَيْرِ الشَّافِعِيِّ فَبَعِيدٌ لِأَنَّهُمْ إذَا سَلَكُوا ذَلِكَ كَانَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمْ أَنْ يُبَيِّنُوا تِلْكَ الْآرَاءَ بِنِسْبَتِهَا إلَى قَائِلِهَا أَوْ بِكَوْنِهِمْ أَخَذُوهَا مِنْ قِيَاسِ قَوْلِ الْمُخَالِفِينَ أَوْ قَوَاعِدِهِمْ وَأَمَّا إطْلَاقُهَا عَرِيَّةً عَنْ ذَلِكَ فَفِيهِ إيهَامٌ بَلْ صَرِيحٌ أَنَّهَا مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمِنْ ثَمَّ رَأَيْت أَكْثَرَ مُشْتَغِلِي الْحَضَارِمَةِ يُتَوَهَّمُونَ ذَلِكَ فَاتَّضَحَتْ حُرْمَةُ هَذَا الْفِعْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ لِلْمُسْلِمِينَ وَالتَّجَاسُرِ عَلَى مَرَاتِبِ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاهُمْ لِطَاعَتِهِ أَجْمَعِينَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ. (تَنْبِيهٌ) اخْتَلَفُوا فِي الْمَدِينِ الَّذِي عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِمَا فِي يَدِهِ هَلْ يَلْزَمُهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ وَعَلَى عَدَمِ اللُّزُومِ يُسِنُّ لَهُ إخْرَاجُهَا أَخْذًا مِنْ قَوْلِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْعِبْرَةُ فِي الْفَضْلِ عَمَّا ذَكَرَهُ بِوَقْتِ الْوُجُوبِ فَوُجُودُهُ بَعْدَهُ لَا يُوجِبُهَا اتِّفَاقًا لَكِنْ يُنْدَبُ إخْرَاجُهَا. اهـ. فَإِذَا نُدِبَ إخْرَاجُهَا هُنَا مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا فَأَوْلَى أَنْ يُنْدَبَ فِي مَسْأَلَتِنَا لِقُوَّةِ الْخِلَافِ فِي الْوُجُوبِ وَبِفَرْضِ تَسْلِيمِ عَدَمِ النَّدْبِ. فَجَوَازُ الْإِخْرَاجِ لَا نِزَاعَ فِيهِ وَعَلَى كُلِّ مَنْ نَدَبَ إخْرَاجَهَا أَوْ جَوَازَهُ فَفِي ذَلِكَ الْحُجَّةُ لِجَوَازِ تَبَرُّعِ الْمَدِينِ لِأَنَّ إخْرَاجَهَا حَيْثُ لَمْ يَجِبْ يَكُونُ تَبَرُّعًا وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِالنَّدْبِ مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَيْضًا فِي خَبَرِ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي نَزَلَ بِهِ الضَّيْفُ فَأَطْعَمَهُ قُوتَهُ وَقُوتَ صِبْيَانِهِ مِنْ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِصَدَقَةٍ بَلْ ضِيَافَةٌ وَهِيَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْفَضْلُ

عَنْ عِيَالِهِ وَنَفْسِهِ لِتَأَكُّدِهَا وَكَثْرَةِ الْحَثِّ عَلَيْهَا حَتَّى إنَّ جَمْعًا أَوْجَبُوهَا. اهـ. فَكَذَا الْإِخْرَاجُ هُنَا مُتَأَكِّدٌ لِلْخِلَافِ الشَّهِيرِ فِي وُجُوبِهِ فَلَيْسَ لِلْمَدِينِ وَيُؤَيِّدُ جَوَازَ الْإِخْرَاجِ مَا بُحِثَ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ مِنْ دَيْنٍ لَا يَرْجُو وَفَاءً رِعَايَةً لِقَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ إنَّهَا تَجِبُ حَتَّى عَلَى الْمُعْسِرِ كَمَا أَنَّ الضِّيَافَةَ لَا تَحْرُمُ عَلَى الْمَدِينِ. اهـ. وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُمْ إنَّمَا تُسَنُّ لِلْقَادِرِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنْ فِي يَدِهِ مَا يَفِي بِهَا وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دُيُونٌ مُسْتَغْرِقَةٌ لَهُ وَعَلَيْهِ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ وُجُوبَهَا وَالضِّيَافَة وَالْأُضْحِيَّةَ يَجُوزُ إخْرَاجُهَا وَلَوْ مِنْ مَدِينٍ لَا يَرْجُو وَفَاءً فَيُفِيدُ ذَلِكَ صِحَّةَ تَبَرُّعِ الْمَدِينِ وَلَا يُنَافِي الْجَوَازَ هُنَا الْحُرْمَةُ فِي الصَّدَقَةِ لِأَنَّهُ لَا دَاعِي لَهَا وَلَا عُذْرَ فِي إخْرَاجِهَا بِخِلَافِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِهَا وَالْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ سُنَّةٌ بِشَرْطِهِ فَإِنْ قُلْت مَا ذَكَرْته عَنْ الْمَجْمُوعِ فِي الضِّيَافَةِ خَالَفَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ. وَانْتَصَرْت لَهُ فِي كِتَابِك الْمُسَمَّى بِإِتْحَافِ ذَوِي الْمُرُوءَةِ وَالْأَنَاقَةِ بِمَا جَاءَ فِي الصَّدَقَةِ وَالضِّيَافَةِ قُلْت مَا فِي الْمَجْمُوعِ جَرَى عَلَيْهِ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ فَصَحَّ الِاسْتِشْهَادِ بِهِ لِمَا مَرَّ. الْعِبَارَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ قَوْلُهُمْ فِي التَّيَمُّم لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَمْ يَلْزَمْهُ صَرْفُ شَيْءٍ مِمَّا بِيَدِهِ إلَى مَاءِ طَهَارَتِهِ فَقَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنَّهُ لَوْ صَرَفَهُ إلَى الْمَاءِ جَازَ أَيْ صَحَّ لِأَنَّ حُرْمَةَ ذَلِكَ مَعْلُومَةٌ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الصَّدَقَةِ وَهُوَ مُرَادُ الْإِسْنَوِيِّ بِقَوْلِهِ وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي بَعْض الصُّورِ وَإِذَا تَقَرَّرَتْ صِحَّةُ صَرْفِهِ فِي ذَلِكَ كَانَ صَرِيحًا فِي صِحَّةِ تَبَرُّعِ الْمَدِينِ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ دَيْنَهُ مُسْتَغْرِقٌ وَأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِشِرَاءِ الْمَاءِ وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ فَلْتَصِحَّ سَائِرُ تَبَرُّعَاتِهِ. الْعِبَارَةُ الثَّانِيَةَ عَشَرَ قَوْلُ الرَّوْضَةِ فِي التَّفْلِيسِ اعْلَمْ أَنَّ التَّعْلِيقَ الْمَانِعَ مِنْ التَّصَرُّف مُفْتَقِرٌ إلَى حَجْرِ الْقَاضِي عَلَيْهِ قَطْعًا انْتَهَتْ وَهِيَ صَرِيحَةٌ لَا تَقْبَلُ تَأْوِيلًا فِي صِحَّة تَبَرُّعِ الْمَدِينِ قَبْلَ الْحَجْرِ وَأَنَّهُ لَا يُمْنَعُهُ مِنْهُ إلَّا الْحَجْرُ الْحِسِّيُّ أَوْ الشَّرْعِيُّ. وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِمَّنْ قَالَ لَا دَلَالَةَ فِي ذَلِكَ لِخُرُوجِهِ بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ فَأَيُّ تَنْصِيصٍ عَلَى خِلَافِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ عِبَارَتُهَا الْمُوَافِقُ لِعِبَارَتِهَا أَيْضًا فِي الْعِتْقِ فَإِنْ أُرِيدَ بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ مَا اقْتَضَاهُ تَخْرِيجُ ابْنِ الرِّفْعَةِ كَانَ ذَلِكَ أَعْجَبَ إذْ كَيْفَ تُتْرَكُ صَرَائِحَ النُّقُولِ لِتَخْرِيجٍ مُتَأَخِّرٍ بِمُحْتَمَلٍ بَلْ مَرْدُودٍ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ مُوَضَّحًا. الْعِبَارَةُ الثَّالِثَةُ عَشْرَةَ قَوْلُ جَمْعٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْحِيَلِ إنَّهَا إذَا أَسْقَطَتْ حَقَّ الْغَيْرِ بَعْدَ وُجُوبِهِ حُرِّمَتْ فَهَذَا مِنْهُمْ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهَا مَعَ حُرْمَتِهَا وَإِبْطَالِهَا لِحَقِّ الْغَيْرِ الْمُتَعَلِّقِ بِتِلْكَ الْعَيْنِ الْمُتَصَرَّفِ فِيهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الشُّفْعَةِ بَعْدَ وُجُوبِهَا يَصِحُّ الْعَقْدُ الْمُشْتَمِلَةُ تِلْكَ الْحِيلَةُ عَلَيْهِ وَإِنْ فَوَّتَ ذَلِكَ الْحَقَّ وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا مِنْ كَلَامِهِمْ. وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ حُرْمَةَ تَفْوِيت ذَلِكَ الْحَقِّ لَا يُنَافِي صِحَّةَ الْعَقْدِ الْمُفَوِّتِ لَهُ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ فَأَوْلَى تَبَرُّعُ الْمَدِينِ قَبْلَ الْحَجْرِ لِأَنَّ الْحَقَّ حِينَئِذٍ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ وَبِفَرْضِ صِحَّةِ تَعَلُّقِهِ بِالْعَيْنِ لَيْسَ مُقْتَضِيًا لِبُطْلَانِ الْعَقْدِ بَلْ إنَّمَا يُبْطِلُهُ التَّعَلُّقُ بِهَا مِنْ حَيْثُ ذَاتِهَا أَوْ الْأَمْرِ اللَّازِمِ لَهَا فَتَدَبَّرْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ اضْطَرَّنَا إلَيْهِ مَا عَلِمْت مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الْحِيَلِ وَبِمَا قَرَّرْته يُعْلَمُ رَدُّ مَا لِلْبَنْدَنِيجِيِّ فِيهَا فَتَأَمَّلْهُ الْعِبَارَةُ الرَّابِعَةُ عَشْرَةَ قَوْلُ الْجَوَاهِرِ فِي بَابِ الْهِبَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَيْ فِي الْوَاهِبِ أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ. اهـ. وَهَذَا صَرِيحٌ قَاطِعٌ لِلنِّزَاعِ عِنْدَ مَنْ لَهُ أَدْنَى تَأَمُّلٍ فَإِنَّهُ مَتَى انْتَفَى الْحَجْرُ وُجِدَتْ أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ فَفِيهِ أَبْلَغُ رَدٍّ عَلَى الْمُفْتِي وَمَنْ تَبِعَهُ فِي قَوْلِهِمْ أَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ وَإِنْ انْتَفَى الْحَجْرُ فَلَا تَصِحُّ تَبَرُّعَاتِهِ وَلَيْسَ كَمَا زَعَمُوا فَإِنْ قُلْت لَوْ كَانَ فِيهِ أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ التَّبَرُّعُ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِيمَا مَرَّ أَنَّ كُلَّ تَبَرُّعٍ فَوَّتَ حَقَّ الدَّائِنِ يَكُونُ حَرَامًا قُلْت هَذَا غَفْلَة عَمَّا مَرَّ مَبْسُوطًا أَنَّ مَلْحَظ الْحُرْمَةِ غَيْرُ مَلْحَظِ الصِّحَّةِ إذْ مَدَارُ الْحُرْمَةِ عَلَى إلْحَاق الضَّرَرِ بِالْغَيْرِ وَمَنْ تَبَرَّعَ بِمَا يُفَوِّتُ قَضَاءَ دَيْنِهِ بِأَنْ لَمْ يَرْجُ وَفَاءً بِالْمَعْنَى السَّابِقِ فَقَدْ أَضَرَّ بِالدَّائِنِ فَأَثِمَ لِذَلِكَ وَمَدَارُ الصِّحَّةِ عَلَى عَدَمِ تَعَلُّقِ حَقٍّ بِالْعَيْنِ وَمَتَى لَمْ يُحْجَرْ عَلَى الْمَدِينِ فَالدَّيْنُ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّتِهِ لَا غَيْرُ فَلَمْ يَكُنْ لِإِبْطَالِ تَصَرُّفِهِ وَجْهٌ وَإِنْ حَرُمَ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِأَمْرٍ خَارِجٍ لَا لِمَعْنًى يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ أَصْلًا كَمَا مَرَّ مَبْسُوطًا وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ وَيَقْطَعُ النِّزَاعَ أَيْضًا أَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي أَنَّهُ يَجِبُ أَدَاءُ الدَّيْنِ بِالطَّلَبِ وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهُ حِينَئِذٍ. وَمَعَ ذَلِكَ

صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَمَا مَرَّ بِنُفُوذِ التَّصَرُّفِ الشَّامِلِ لِلتَّبَرُّعِ فَعَلِمْنَا أَنَّ حُرْمَةَ التَّبَرُّعِ لَا تُنَافِي صِحَّتَهُ فَاحْفَظْ ذَلِكَ وَاشْدُدْ بِهِ يَدَيْك تَسْلَمْ مِنْ اللَّجَاجِ وَالْعِنَادِ اللَّذَيْنِ لَا يَلِيقَانِ بِفَاضِلٍ فَضْلًا عَنْ كَامِلٍ حَمَانَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ عَنْ ذَلِكَ وَوَفَّقَنَا لِسُلُوكِ أَقْوَمِ الْمَسَالِكِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ. الْعِبَارَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ قَوْلُ أَفْقَهِ تَلَامِذَةِ الْفَتَى وَأَجَلِّ مَشَايِخِ شَيْخِ الْمُفْتِي اللَّذَيْنِ احْتَجَّ بِكَلَامِهِمَا فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَعْنِي شَيْخَ الْإِسْلَامِ الشِّهَابَ الْمُزَجَّدَ صَاحِبَ الْعُبَابِ فِي فَتَاوِيهِ بِصِحَّةِ نَذْرِ الْمَدِينِ وَعِبَارَةُ السُّؤَالِ هَلْ يَصِحُّ النَّذْرُ مِنْ الْمَدْيُونِ لِمَا يَحْتَاجُهُ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ وَذَلِكَ أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ وَعِبَارَةُ الْجَوَابِ نَعَمْ يَصِحُّ النَّذْرُ مِنْ الْمَدْيُونِ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ إذَا كَانَ يَصْبِرُ عَلَى الْإِضَافَةِ وَإِلَّا فَلَا إذْ التَّصْدِيقُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَكْرُوهٌ وَالنَّذْرُ لَا يَصِحُّ بِالْمَكْرُوهِ وَمُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِالْمَكْرُوهِ لِذَاتِهِ بِخِلَافِ الْمَكْرُوهِ لِغَيْرِهِ بَلْ وَالْمُحَرَّمُ لِغَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَحِينَئِذٍ فَهَذَا نَصٌّ فِي صِحَّةِ سَائِرِ تَبَرُّعَاتِ الْمَدِينِ إذْ النَّذْرُ مِنْ أَفْرَادِ التَّبَرُّعِ. وَعَجِيبٌ اعْتِمَادُ الْمُفْتِي لِفَتْوَى شَيْخِهِ أَبِي الْعَبَّاسِ الطَّنْبَدَاوِيِّ وَتَبَاهِيهِ بِهَا إعْرَاضًا عَنْ الْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ اعْرِفْ الرِّجَالَ بِالْحَقِّ وَلَا تَعْرِفْ الْحَقَّ بِالرِّجَالِ وَإِعْرَاضُهُ عَنْ فَتْوَى شَيْخِ الطَّنْبَدَاوِيِّ مَعَ أَنَّهُ أَجَلُّ مِنْهُ فِقْهًا وَتَحْقِيقًا بَلْ لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُمَا فَالْفَارِق بَيْن النَّاسِ إنَّمَا هُوَ آثَارُهُمْ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي صِحَّةِ نَذْرِ الْمَدِينِ بَيْنَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَرْجُو لَهُ وَفَاءً وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى صَرْفِ مَالِهِ فِي الدَّيْنِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ لِحُرْمَةِ الصَّدَقَةِ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِدَيْنٍ لَا يَرْجُو لَهُ وَفَاءً. اهـ. فَتَأَمَّلْ كَيْفَ جَعَلَ ذَلِكَ بِحَالَتَيْهِ دَاخِلًا فِي كَلَامِهِمْ وَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ إنَّ الْمَسْأَلَةَ إذَا دَخَلَتْ تَحْتَ إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ كَانَتْ مَنْقُولَةً لَهُمْ تَعْلَم أَنَّ مَا أَفْتَى بِهِ الْمُزَجَّدُ هُوَ الْمَنْقُولُ وَأَنَّ مَنْ خَالَفَهُ فِيهِ لَمْ يُصِبْ الْعِبَارَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ قَوْل شَيْخِ شَيْخِهِ الْمَذْكُورِ فِي فَتَاوِيهِ أَيْضًا فِيمَنْ عَلَيْهِ صَدَاقٌ حَالٌّ لِزَوْجَتِهِ فَمَلَّكَ مَالَهُ لَآخَرَ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ لَهُ وَأَذِنَ لَهُ فِي الْقَبْضِ فَقَبِلَ وَقَبَضَ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ مَالٌ فَهَلْ يَصِحُّ التَّمْلِيكُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَوْ لَا نَعَمْ يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ وَإِقْبَاضُهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. اهـ. فَتَأَمَّلْ هَذَا مِنْ هَذَا الْفَقِيهِ الْغَيْرِ الْخَفِي عَلَيْهِ مَا وَقَعَ فِيهِ شَيْخُهُ الْفَتَى مِنْ وَرْطَةِ عَدَمِ صِحَّةِ نَذْرِ الْمَدِينِ وَسَائِرِ تَبَرُّعَاتِهِ تَجِدْهُ أَعْرَضَ عَمَّا شَذَّ بِهِ شَيْخُهُ الْمَذْكُورُ وَأُفْتَى بِالْمَذْهَبِ وَلَمْ يُعَوَّلْ عَلَى إفْتَاءِ شَيْخِهِ بِذِكْرٍ وَلَا رَدٍّ اكْتِفَاءً بِأَنَّ مَنْ لَهُ أَدْنَى مُمَارَسَةٍ بِالْفِقْهِ يَعْلَمُ شُذُوذَهُ فِيمَا أَفْتَى بِهِ وَأَنَّ مَنْ تَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ قَلَّدَهُ مِنْ غَيْرِ إمْعَانٍ وَتَفْتِيشٍ لِكُتُبِ الْمَذْهَبِ بَلْ مَرَّ أَنَّ مَا يُعْلَمُ بِهِ الرَّدُّ الْوَاضِحُ عَلَى الْفَتَى فِي الْمُخْتَصَرَاتِ فَضْلًا عَنْ الْمُطَوَّلَاتِ فَتَيَقَّظْ لِذَلِكَ كُلِّهِ لِتَسْلَمَ وَتَغْنَمَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَإِذَا اتَّضَحَ كُلَّ الِاتِّضَاحِ مَنْقُولُ الْمَذْهَبِ حَتَّى صَارَ كَنَارٍ عَلَى عِلْمٍ فَلْنَرْجِعْ إلَى بَعْضِ مُؤَاخَذَاتٍ عَلَى عِبَارَةِ الْمُفْتِي السَّابِقَةِ الَّتِي سُقْت حَاصِلَهَا فِي قَوْلِي خَامِسُهَا قَوْلُهُ عَلَى أَنَّ مَا فِي شَرْح الْمُهَذَّبِ مَنْظُورٌ فِيهِ فَقَوْلُهُ مَنْظُورٌ فِيهِ هُوَ الْمَنْظُورُ فِيهِ إذْ لَا وَجْهَ لِلنَّظَرِ فِيهِ مَعَ مُوَافَقَتِهِ لِمَا مَرَّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَعَنْ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي الْعِتْقِ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِقَدْرِ مَا فِي يَدِهِ زَادَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّشَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ نَفَذَ تَبَرُّعُهُ بِالْعِتْقِ وَغَيْرِهِ فَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ شَرْحِ الْمُهَذَّب عَنْ الشَّاشِيِّ مِنْ أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ دُيُونٌ وَطُولِبَ بِهَا فَوَهَبَ مَالَهُ وَسَلَّمَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ. اهـ. وَعَلَيْهِ فَفَارَقَ مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ بِأَنَّ الْحَقَّ ثَمَّ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ الْمَاءِ فَلَمْ يَصِحَّ التَّصَرُّفُ فِيهِ حَتَّى بِالْبَيْعِ بِغِبْطَةٍ وَهُنَا الدَّيْنُ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ دُونَ أَعْيَانِ مَالِ الْمَدِينِ إذْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا إلَّا بِالْحَجْرِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَقَدْ مَرَّ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَلَوْ بَعْدَ مُطَالَبَتِهِمْ وَرَفْعِهِمْ لِلْقَاضِي حَتَّى يَحْجُرَ عَلَيْهِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ اعْتِرَاضُ الْإِسْنَوِيِّ الشَّيْخَيْنِ فِيمَا ذَكَرَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ بِكَلَامِ الشَّاشِيِّ وَيُعْلَمُ أَنَّهُ لَا جَامِعَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِوَجْهٍ وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ كَلَامَ الشَّاشِيِّ هَذَا مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ فَالنَّظَرُ فِيهِ بَاطِلٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَلَمَّا كَانَ مَا ذَكَرَهُ مَشْهُورًا لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ مُوَافَقَتِهِ لِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ لَمْ يَحْتَجْ النَّوَوِيُّ إلَى التَّعَرُّضِ لَهُ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ بَلْ سَكَتَ عَلَيْهِ لِذَلِكَ وَعَلَى قِيَاسِهِ مَسْأَلَةُ الْمَاءِ عَلَيْهِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا كَمَا تَقَرَّرَ وَمَعْنَى قَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ إنَّ

شَرْحَ الْمُهَذَّبِ جَزَمَ بِمَا قَالَهُ الشَّاشِيُّ أَنَّهُ حَكَى جَزْمَ الشَّاشِيِّ وَلَمْ يَعْتَرِضْهُ وَمِنْ عَادَتِهِ فِي هَذَا الشَّرْحِ أَنَّهُ مُتَتَبِّعٌ فِيهِ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ فَحِكَايَتُهُ عَنْهُ ذَلِكَ الْقِيَاسَ وَسُكُوتُهُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى تَقْرِيرِهِ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الضَّعِيفَ إنَّمَا يَقِيسُ عَلَى مَا يُوَافِقُهُ عَلَيْهِ الْأَصَحُّ وَقَدْ يَقِيسُ عَلَى مَا ظَهَرَ دَلِيلُهُ وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَيْهِ ذَكَرَ ذَلِكَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْأَخْذُ بِالْغَالِبِ صَحِيحٌ وَقَدْ أَخَذَ بِهِ الْمُخَالِفُونَ فِي تَخْرِيجِ ابْنِ الرِّفْعَةِ السَّابِقِ بَسَطَ مَا فِيهِ فَقَالُوا إنَّهُ يُفْهِمُ أَنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ قَائِلٌ بِبُطْلَانِ الصَّدَقَةِ نَظِير مَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ الْمُخَرَّجِ عَلَيْهَا فَأَخْذُهُمْ بِقَضِيَّةِ الْغَالِبِ مِنْ التَّخْرِيجِ وَهُوَ الِاتِّحَادُ فِي الْحُكْمِ أَيْضًا وَاعْتِرَاضُهُمْ عَلَى الْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ فِي اعْتِمَادِهِمْ كَلَامَ الشَّاشِيِّ وَنِسْبَتِهِمْ إلَى النَّوَوِيِّ اعْتِمَادَهُ نَظَرًا لِلْغَالِبِ السَّابِقِ تَحَكُّمٌ غَيْرُ مَرْضِيٍّ فَاتَّضَحَ مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَبَطَل الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ صَنِيعَ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ظَاهِرٌ فِي تَزْيِيفِ هَذَا الْقِيَاسِ مِنْ الْعَجِيبِ فَأَيُّ صَنِيعٍ اقْتَضَى فِي الْقِيَاسِ مَا ذَكَرَ وَأَنَّمَا الصَّنِيعُ يَقْتَضِي تَقْرِيرَ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَاعْتِمَادَهُ نَظَرًا لِلْغَالِبِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَخَذَ بِهِ الْمُعْتَرِضُ نَفْسُهُ فِي ذَلِكَ التَّخْرِيجِ كَمَا تَقَرَّرَ وَقَوْلُهُ وَكَثِيرًا إلَخْ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ هَذَا مُسَلَّمٌ لَكِنْ لَا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ خِلَافُهُ وَالْأَخْذُ بِالْغَالِبِ مُتَعَيِّنٌ هَذَا كُلُّهُ بِفَرْضِ أَنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ لَا يُوَافِقُ كَلَامَ الشَّاشِيِّ وَأَمَّا إذَا بَانَ مُوَافَقَته لَهُ فَلَا نَظَرَ إلَى كَثِيرٍ وَلَا إلَى غَالِبٍ وَقَوْلُهُ إنَّهُ اكْتَفَى بِمَا سَيَذْكُرُهُ إلَخْ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ كَمَا تَقَرَّرَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْحُرْمَةِ الْبُطْلَانُ إلَّا إذَا رَجَعَتْ إلَى مَعْنًى يَتَعَلَّقُ بِذَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ لَازِمِهِ وَأَنَّ مِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةَ الْمَاءِ لَا مَسْأَلَةَ الصَّدَقَةِ وَنَحْوِهَا وَأَنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَمَعْنَى تَعْلِيلِ الْأَوَّلِ بِحُرْمَةِ التَّسْلِيمِ أَنَّ الْحُرْمَةَ فِيهِ لِمَعْنًى يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ بَسْطُهُ وَتَقْرِيرُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ بِأَمْتَنِ دَلِيلٍ وَأَوْضَحِهِ وَقَوْلُهُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَأْخَذُ ابْنِ الرِّفْعَةِ إلَخْ مُسَلَّمٌ لَكِنْ قَدْ سَبَقَ إيضَاحُ أَنَّ كَلَامَهُمْ صَرِيحٌ فِي رَدِّ هَذَا الْمَأْخَذِ إذْ مَأْخَذُهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ تَعَلُّقُ الْحَقِّ بِالْعَيْنِ بِدَلِيلِ بُطْلَانِ الْبَيْعِ وَلَوْ بِغِبْطَةٍ وَفِي مَسْأَلَةِ الصَّدَقَةِ كَوْنُهَا تَبَرُّعًا يُضِرُّ بِالدَّائِنِ لَا تَعَلُّقُ دَيْنِهِ بِعَيْنِ الْمَالِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْمَالِ إلَّا بِالْحَجْرِ وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ الْمَأْخَذَيْنِ كَمَا مَرَّ بَسْطُ ذَلِكَ وَإِيضَاحُهُ وَقَوْلُهُ بَلْ بَحَثَ مَعَهُ فِي التَّوَسُّطِ إلَخْ هَذَا الْبَحْث فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لِمَا قَرَّرْته مِنْ الْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْنَ الْمَأْخَذَيْنِ وَسَبَقَ رَدُّهُ أَيْضًا بِأَنَّ الْحُرْمَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَفِي مَسْأَلَةِ الصَّدَقَةِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَمَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْحُرْمَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ اخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ التَّصَرُّف فَكَيْفَ مَعَ ذَلِكَ يُقَالُ يَنْبَغِي فِي مَسْأَلَةِ الصَّدَقَةِ الْجَزْمُ بِعَدَمِ نُفُوذِ التَّصَرُّفِ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِي الْحُرْمَةِ وَمَعَ حِكَايَتِهِمْ الْخِلَافَ فِي مَسْأَلَةَ الْمَاء مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى الْحُرْمَةِ هَذَا مِمَّا لَا يُتَعَقَّلُ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ وَفَرْقُهُ أَعْنِي الْأَذْرَعِيَّ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ يَرُدُّهُ مَا سَبَقَ عَنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ حَقَّ الدَّائِنِ لَا يَتَعَلَّقُ بِأَعْيَانِ مَالِ الْمَدِينِ إلَّا بِالْحَجْرِ وَلَمْ يُوجَدْ وَلَا نَظَرَ إلَى الطَّلَبِ وَلَا إلَى تَوَجُّهِ الْأَدَاءِ فِي الْحَالِ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّعَلُّقَ بِالْعَيْنِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَاءِ لِلتَّعَلُّقِ بِالْعَيْنِ فِيهَا كَمَا مَرَّ نَقْلُهُ وَبَسْطُهُ فَلَا نَظَرَ لِكَوْنِ ذَلِكَ حَقَّ آدَمِيٍّ وَهَذَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ وَإِنَّمَا كَانَ يَحْسُنُ النَّظَرُ لِذَلِكَ لَوْ اتَّحَدَتْ وَقَدْ بَانَ وَاتَّضَحَ اخْتِلَافُهَا فَبَطَلَ مَا فَرَّقَ بِهِ مِنْ أَصْلِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ وَقَوْلُهُ إنَّ النَّشَائِيَّ إلَخْ مِنْ الْعَجِيبِ أَيْضًا وَكَمْ حَذَفَ هَؤُلَاءِ مَسَائِلَ مِنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَأَيُّ قَاعِدَةٍ أَوْ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ إذَا حَذَفُوا مِنْهُ حُكْمًا دَلَّ عَلَى ضَعْفِهِ وَأَيُّ إشْعَارٍ بِأَنَّهُمْ فَهِمُوا عَنْ النَّوَوِيِّ تَزْيِيفَهَا وَالتَّشَبُّثَ بِمَا لَا يَصْلُحُ تَشَبُّثًا يَنْبَغِي التَّنَزُّهُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ وَنَسَبَهُ الْفَتَى إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فَقِيَاسُ مَا سَبَقَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ مَا سَبَقَ فِي التَّفْلِيسِ وَصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ مِنْ أَنَّ الدَّيْنَ مَتَى وَجَبَ عَلَى الْفَوْرِ حَرُمَ تَأْخِيرُ أَدَائِهِ وَلَوْ بِالتَّصَدُّقِ وَإِنْ رَجَا الْوَفَاءَ مِنْ جِهَةٍ ظَاهِرَةٍ وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَادُ بِالِامْتِنَاعِ فِي كَلَامِ الْإِسْنَوِيّ الْحُرْمَةُ إنْ أَرَادَ بِالتَّصَرُّفِ التَّبَرُّع لَا الْبُطْلَانَ إلَّا عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ تَخْرِيجِ ابْنِ الرِّفْعَةِ

السَّابِقِ رَدُّهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ مَا سَبَقَ فِي التَّيَمُّم، وَالسَّابِق فِيهِ شَيْئَانِ الْحُرْمَةُ وَبُطْلَانُ التَّصَرُّفِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَهُمَا أَوْ الْأَوَّلَ فَقَطْ وَعَلَى كُلٍّ فَجَزْمُ الْمُعْتَرِضِ بِأَنَّهُ أَرَادَ قِيَاسَ مَا سَبَقَ فِي التَّيَمُّم فِي هِبَةِ الْمَاءِ مِنْ الْحُرْمَةِ وَالْبَطَلَانِ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ إذْ لَا دَلِيلَ لَهُ عَلَى هَذَا الْجَزْمِ بَلْ الْحَقُّ أَنَّ كَلَامَهُ مُحْتَمَلٌ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بَلْ قَوْلُهُ بَعْدَهُ فَفِي صِحَّةِ ذَلِكَ نَظَرٌ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالِامْتِنَاعِ فِي مَسْأَلَةِ الْكَفَرَةِ إلَّا الْحُرْمَةَ لِأَنَّ الْمَلْحَظَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَعْنِي مَسْأَلَةَ الْكَفَّارَةِ وَمَسْأَلَةَ الصَّدَقَةِ وَاحِدٌ وَحِينَئِذٍ فَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ قَائِلٌ فِي مَسْأَلَةِ الْكَفَّارَةِ بِبُطْلَانِ التَّصَرُّفِ وَمُتَرَدِّدٌ فِي الْبُطْلَانِ فِي مَسْأَلَةِ الصَّدَقَةِ إذْ الِاسْتِقْرَاءُ مِنْ صَنِيعِ الْمُؤَلِّفِينَ قَاضٍ بِأَنَّهُمْ إذَا قَالُوا فِي صِحَّةِ كَذَا أَوْ حُرْمَتِهِ أَوْ نَحْو ذَلِكَ نَظَرٌ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا فِيهِ نَقْلًا وَهَذَا مُؤَيِّدٌ لِمَا قَالَهُ الْفَتَى إنَّهُ نَسِيَ مَا قَدَّمَهُ فِي التَّيَمُّم عَلَى أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ قَائِلٌ بِبُطْلَانِ تَبَرُّع الْمَدِينِ الَّذِي قَالَ بِهِ الْمُفْتِي وَمَنْ تَبِعَهُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ لِمَا مَرَّ مِنْ مُخَالَفَتِهِ لِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ الْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ لَمْ يَصِلْ إلَى دَرَجَةِ الِاجْتِهَادِ اتِّبَاعُهُ وَاعْتِمَادُهُ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ خَطَأُ تَعْبِيرِ الْمُعْتَرِضِ بِقَوْلِهِ فَالصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْحَجْرِ وَجَعَلَهُ الْقِيَاسَ وَلَقَدْ وَقَعَ لِلنَّوَوِيِّ مَعَ جَلَالَتِهِ مَا لَا يُقَارِبُ هَذِهِ الْعِبَارَة الشَّنِيعَةَ وَمَعَ ذَلِكَ اعْتَرَضَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّهُ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُصَوِّبَ مَا خَالَفَ فِيهِ الشَّافِعِيَّ وَأَصْحَابَهُ بَلْ وَقَعَ لِلْإِمَامِ مَعَ عِظَمِ جَلَالَته أَنَّهُ لَمَّا قَالَ فِي مَسْأَلَةٍ فِي النَّذْرِ عَدَمُ انْعِقَاده عِنْدِي خَطَأٌ اعْتَرَضُوهُ بِأَنَّهُ كَانَ الصَّوَابُ أَنْ لَا يُعَبِّرَ بِالْخَطَإِ كَيْفَ وَعَدَمُ الِانْعِقَادِ هُوَ مَنْصُوصُ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ قَالُوا وَكَائِنُ عُذْرِهِ أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُوَلَّدَةٌ لَا مَنْصُوصَةٌ مَنْقُولَةٌ. اهـ. وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إنَّ هَذَا هُوَ عُذْرُ ذَلِكَ الْمُفْتِي وَقَوْلُهُ وَفَرَّقَ فِي التَّيَمُّم هَذَا الْفَرْق هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ كَمَا مَرَّ بَسْطُهُ وَإِيضَاحُهُ وَقَوْلُهُ وَنَظَرَ فِيهِ إلَخْ لَا وَجْهَ لِهَذَا النَّظَرِ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَقَدْ رَضِيَ بِذَلِكَ الدَّائِن إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ فِي الدَّيْنِ لَا أَنَّهُ قَيْدٌ فَلَا يُرَدُّ دَيْنُ الْإِتْلَافِ وَقَوْلُهُ وَيَخْدِشُهُ أَيْضًا إلَخْ مَا ذَكَرَهُ فِيهِ مُسَلَّمٌ حُكْمُهُ لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي كَلَامِهِمْ فِي التَّيَمُّم لِأَنَّهُمْ لَمَّا قَيَّدُوا تَعَلُّقَ الْحَقُّ بِعَيْنِ الْمَاءِ بِمَا إذَا لَمْ يَحْتَجْ الْمُمَلِّكُ إلَى ثَمَنِ الْمَاءِ وَهَذَا الَّذِي أَبْدَاهُ الْمُعْتَرِضُ وَأَوْهَمَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِيَّاتِهِ الَّتِي يُسَلِّمُهَا الْفَقِيهُ وَلَا يُنْكِرُهَا إلَّا الْجَامِدُ الْمُتَعَسِّفُ احْتَاجَ فِيهِ الْمِلْكُ إلَى ثَمَنِ الْمَاءِ فَمَعَ التَّعَلُّقِ بِالْعَيْنِ بِصَرِيحِ كَلَامِهِمْ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَطَلَبُ الدَّائِنِ بَيْعَهُ قَيْدٌ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ بَلْ وُجُودُ الدَّيْنِ الْمَذْكُورِ مَانِعٌ تَعَلَّقَ حَقُّ الطَّهَارَةِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ الدَّائِنُ بَيْعَهُ بَلْ وَلَوْ مُؤَجَّلًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَقَوْلُهُ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ تَعَيَّنَ لِلطَّهَارَةِ إلَخْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ أَبُو زُرْعَةَ وَلَا غَيْرُهُ وَإِنَّمَا الَّذِي قَالُوهُ إنَّ الْحَقَّ فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ حَيْثُ لَا حَاجَةَ بِالْمُمَلِّكِ إلَى ثَمَنِهِ وَلَا بِالْمُتَمَلِّكِ إلَى عَيْنِهِ لِلْعَطَشِ تَعَلَّقَ بِعَيْنِهِ. وَفِي مَسْأَلَةِ الصَّدَقَةِ الدَّيْنُ الْمُحَرِّمُ لَهَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالْعَيْنِ إذْ لَا حَجْر بَلْ بِالذِّمَّةِ لَا غَيْرُ فَلَمْ يَقْتَضِ بُطْلَان التَّبَرُّعِ هَذَا حَاصِلُ مَا فَرَّقَ بِهِ أَبُو زُرْعَةَ فَالِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا يُقَالُ إلَخْ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَقَوْلُهُ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْمُصَحِّحِينَ إلَخْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ بَلْ الْمَعْلُومُ عِنْدَهُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْحَقَّ فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِالْعَيْنِ وَفِي مَسْأَلَةِ الشَّاشِيِّ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ لَا غَيْرُ لِمَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ إلَّا بِالْحَجْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَقَوْلُهُ وَمَنْ نَظَرَ إلَى الْمَعْنَى إلَى قَوْلِهِ وَلَمْ يُرَتِّبْ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا مِنْ الْعَجِيبِ كَيْفَ وَاَلَّذِي اتَّضَحَ الْقَطْعُ بِهِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ صِحَّةُ تَبَرُّعِ الْمَدِينِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَرْجُ وَفَاءً وَقَوْلُهُ إلَى الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ امْتَنَعَ التَّبَرُّعُ بِالْمَاءِ أَعْجَبُ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي فِي الْمَاءِ لَمْ يَمْنَعْ التَّبَرُّعَ بِهِ فَحَسْبُ بَلْ مَنَعَ التَّصَرُّفَ فِيهِ حَتَّى بِالْبَيْعِ وَلَوْ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ فَعَلِمْنَا بِطَرِيقِ الْقَطْعِ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ الْمَعْنَى الَّذِي امْتَنَعَ بِهِ تَبَرُّعُ الْمَدِينِ بِالْمَالِ فَتَسْوِيَتُهُ بَيْنَهُمَا وَاسْتِنْتَاجُهُ مِنْ ذَلِكَ ضَعْفَ مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الشَّاشِيِّ. وَقَوْلُهُ وَلَمْ يُرَتِّبْ فِي صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ إلَخْ كُلُّ ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ وُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَلْحَظَيْنِ وَأَنَّهُ قَاضٍ بِصِحَّةِ مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَمِنْ أَنَّ بُطْلَانَ تَبَرُّعِ

الْمَدِينِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ رَأْيٌ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِلْمَذْهَبِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ التَّمَسُّكُ بِهِ وَلَا الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ فِي إفْتَاءٍ وَلَا تَأْلِيفٍ فَاحْفَظْ ذَلِكَ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا سِوَاهُ وَإِذَا انْتَهَى الْكَلَامُ مَعَهُ فِي بَعْضِ تَأْلِيفِهِ الْمَذْكُورِ فَلْنَرْجِعْ إلَى بَقِيَّةِ الْكَلَامِ عَلَى جَوَابِهِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا ثُمَّ إلَى مَا بَقِيَ فِي تَأْلِيفِهِ مِمَّا يَحْتَاجُ لِلرَّدِّ سَادِسُهَا قَوْلُهُ أَمَّا صُورَةُ السُّؤَالِ فَلَا يُخَالِفُ فِيهَا أَحَدٌ فَإِنَّهَا مَفْرُوضَةٌ فِي صُدُورِ ذَلِكَ مِنْهُمْ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ لَهُمْ بِالدَّيْنِ. اهـ. وَهَذَا مِنْ الْعَجَبِ أَيْضًا إذْ كَيْفَ يَنْفِي الْخِلَافَ فِيهَا مَعَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ فِي الْأُمِّ مُصَرِّحٌ بِخِلَافِهَا وَعِبَارَتُهَا كَمَا مَرَّ وَيَجُوزُ لَهُ مَا صَنَعَ فِي مَالِهِ بَعْدَ رَفْعِهِ إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَقِفَ الْقَاضِي مَالَهُ أَيْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ انْتَهَتْ وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي نُفُوذِ تَبَرُّعِهِ وَلَوْ بَعْدَ الطَّلَبِ وَالرَّفْعِ لِلْحَاكِمِ مَا لَمْ يَحْجُرُ عَلَيْهِ وَمَعَ مَا مَرَّ عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الشَّاشِيِّ مِنْ قَوْلِهِ وَكَمَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ دُيُونٌ وَطُولِبَ بِهَا فَوَهَبَ مَالَهُ وَسَلَّمَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ فَجَزَمَ الشَّاشِيُّ بِالصِّحَّةِ بَعْدَ الطَّلَبِ فِيهِ أَبْلَغ الرَّدِّ لِقَوْلِهِ لَا يُخَالِفُ فِيهَا أَحَدٌ وَحِينَئِذٍ فَالتَّجَاسُرُ عَلَى الْمَذْهَبِ بِأَنَّ بُطْلَانَ تَبَرُّعِ الْمَدِينِ بَعْدَ الطَّلَبِ لَا يُخَالِفُ فِيهِ أَحَدٌ لَا يَنْبَغِي صُدُورُهُ مِنْ جَاهِلٍ فَضْلًا عَنْ فَاضِلٍ سَابِعُهَا قَوْلُهُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَخْ سَوْقُهُ لِعِبَارَةِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ هَذِهِ مِمَّا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا حُجَّةَ لَهُ فِيهَا أَصْلًا عَلَى مُدَّعَاهُ بَلْ فِيهَا الْحُجَّةُ عَلَيْهِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ أَدَاءِ مَا عَلَيْهِ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ إلَخْ فِيهِ تَقْيِيدُ عَدَمِ نُفُوذِ الْعِتْقِ وَالتَّبَرُّعِ بِمَا إذَا مَاتَ وَلَمْ يُؤَدِّ مَا عَلَيْهِ وَقَدْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَهَذَا الْحُكْمُ لَا نِزَاعَ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ لِأَنَّ تَبَرُّعَ الْمَرِيضِ لِكَوْنِهِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ إنَّمَا يَنْفُذُ مِنْ ثُلُثِهِ وَهُوَ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ دُيُونِهِ فَإِذَا لَمْ يَفْضُلْ عَنْهَا شَيْءٌ بَطَلَتْ جَمِيعُ تَبَرُّعَاتِهِ كَمَا مَرَّ وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَهَذَا التَّقْيِيدُ مِنْهُ يُفْهِمُ نُفُوذَ تَبَرُّعَاتِهِ الَّتِي قَبْلَ مَرَضِهِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِتَقْيِيدِهِ بِالْمَرَضِ كَبِيرُ جَدْوَى. وَقَوْلُهُ وَكَذَا الْحُكْمُ إلَخْ يُفِيدُ التَّقْيِيدَ بِوُقُوعِ تَبَرُّعِ الْمُكَاتَبِينَ وَنَحْوِهِمْ فِي الْمَرَضِ وَأَنَّهُمْ مَاتُوا قَبْلَ وَفَاءِ مَا عَلَيْهِمْ وَهَذَا حُجَّةٌ لَنَا فِيمَا قُلْنَاهُ وَحَرَّرْنَاهُ تَقَبَّلَهُ اللَّهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ. (تَنْبِيهٌ) وَقَعَ لَهُ أَدَامَ اللَّهُ النَّفْعَ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يُعَوِّلْ فِي جَوَابِهِ هَذَا عَلَى مَا فِي السُّؤَالِ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ حِيلَةً لِئَلَّا يَحْصُلَ لِأَهْلِ الدُّيُونِ شَيْءٌ هَلْ ذَلِكَ قَيْدٌ فِيمَا يَقُولُهُ أَوْ غَيْرُ قَيْدٍ فَإِنْ قَالَ إنَّهُ قَيْدٌ قِيلَ لَهُ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُ هَذَا الْقَيْدُ كَيْفَ وَهُوَ لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّ الْمَلْحَظَ إضْرَارُ الدَّائِنِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِالتَّبَرُّعِ قُصِدَ بِهِ الْحِيلَةُ أَوَّلًا وَإِنْ قَالَ لَيْسَ بِقَيْدٍ قِيلَ لَهُ إنَّك مُصَرِّحٌ بِاتِّبَاعِك فِي هَذَا الْإِفْتَاءِ لِلْفَتَى وَهُوَ يَشْتَرِطُ قَصْدَ الْإِضْرَارِ كَمَا يَأْتِي فِي جَوَابِهِ مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَاعْلَمْ أَنَّ كَلَامَهُمْ فِي الزَّكَاةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحِيلَةَ الْمُسْقِطَةَ لَهَا لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ وَإِنْ قُلْنَا بِحُرْمَةِ الْحِيلَةِ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الزَّرْكَشِيُّ وَحَاصِلُ كَلَامِهِمْ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا بِقَصْدِ الْفِرَارِ وَحْدَهُ مَكْرُوهَةٌ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَاخْتَارَ الْغَزَالِيُّ أَنَّهَا حَرَامٌ وَأَنَّ الذِّمَّةَ لَا تَبْرَأُ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْعِلْمِ الضَّارِّ وَوَافَقَهُ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرُهُ وَجَعَلَهُ مِثْلَ طَلَاقِ الْمَرِيضِ فِرَارًا وَالْإِقْرَارُ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ بِقَصْدِ حِرْمَانِ الْبَاقِينَ قَالَ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ تَنْفُذُ ظَاهِرًا اهـ. وَمَا قَالَهُ صَحِيحٌ فِي الْآخِرِ فَقَطْ وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي مَحَلٍّ وَقِيلَ مُحَرَّمٌ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَفِيهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ أَنَّ قَوْلَ الْغَزَالِيِّ كَجَمْعِ مُتَقَدِّمِينَ بِالْحُرْمَةِ غَلَطٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ الْحَوْلَ يَنْقَطِعُ بِذَلِكَ وَإِنْ نَوَى بِهِ الْفِرَارَ بِلَا خِلَافٍ وَاخْتَارَ ابْنُ الصَّلَاحِ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِقَصْدِهِ لَا بِفِعْلِهِ فَإِنْ قُلْت سَلَّمْنَا صِحَّةَ الْعَقْدِ الْمُفَوِّتِ هُنَا وَفِي مَسْأَلَتنَا فَلِمَ قُلْتُمْ بِالْحُرْمَةِ فِي مَسْأَلَتنَا وَلَمْ تَقُولُوا بِهَا هُنَا مَعَ أَنَّ السَّبَبَ وَهُوَ الْحَجْرُ فِي مَسْأَلَتنَا لَمْ يُوجَدْ كَمَا أَنَّ السَّبَبَ هُنَا وَهُوَ الْمَالُ مَعَ الْحَوْلِ أَوْ بِشَرْطِهِ لَمْ يُوجَدْ قُلْت لِأَنَّ الْحَقَّ هُنَا لِمُعَيَّنٍ فَاحْتِيطَ لَهُ وَلِبِنَاءِ الزَّكَاةِ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ وَهَذَا هُوَ مَلْحَظُ الْقَوْلِ الضَّعِيفِ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ فِي الْمَرَضِ تَرِثُ وَلَا يَنْفُذُ طَلَاقُهَا وَوَجْهُهُ أَيْضًا أَنَّهُ بِالْمَرَضِ صَارَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِلْوَرَثَةِ وَهِيَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ فَلَمْ يَمْلِكْ إبْطَالَ حَقِّهَا وَلَمْ يَنْظُرْ الْأَصَحّ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهَا إلَى الْآنَ لَمْ يَثْبُت لَهَا حَقٌّ وَالْإِرْثُ إنَّمَا يُعْتَبَرُ بِوَقْتِ الْمَوْتِ لَا الْمَرَضِ فَنَفَذَ طَلَاقُهَا وَلَمْ تَرِثْ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا وَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ حِرْمَانَهَا هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِجَوَابِ السُّؤَالِ وَبَعْضِ مَا فِي

السُّؤَالِ وَبَعْضِ مَا فِي التَّأْلِيفِ وَبَقِيَ فِيهِ مَا قَدْ يَحْتَاجُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ وَقَدْ أَفْتَيْت مِرَارًا بِبُطْلَانِ التَّبَرُّعِ الْمَذْكُورِ إذَا كَانَ لَا يَرْجُوَا الْوَفَاءَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ يُقَالُ عَلَيْهِ الْإِفْتَاءُ الَّذِي رَأَيْنَاهُ فِي عِدَّةِ نُسَخٍ لَيْسَ فِيهِ هَذَا الْقَيْدُ وَقَوْلُهُ وَلَا لِلْبَائِعِ إلَى ثَمَنِهِ بِتَأَمُّلِ هَذَا مَعَ مَا مَرَّ عَنْهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي أَوْهَمَ أَنَّهُ أَبَدَاهَا وَأَنَّ الْفَقِيهَ يُسَلِّمُهَا وَأَنَّهُ لَا يُنْكِرُهَا إلَّا جَامِدٌ أَوْ مُتَعَسِّفٌ يُعْلَمُ أَنَّهَا عَيْنُ قَوْلِ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا وَلَا لِلْبَائِعِ إلَى ثَمَنِهِ كَمَا مَرَّ ذَلِكَ مَبْسُوطًا وَأَنَّ الْإِنْسَانَ مَجْبُولٌ عَلَى النِّسْيَانِ لَكِنَّهُ قَيْدٌ مَا قَالَهُ بِقَيْدٍ مَرَّ أَنَّ كَلَامَهُمْ هَذَا يَرُدُّهُ وَقَوْلُهُ فَرْعٌ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَلَهُ مَال فَتَصَدَّقَ بِهِ ثُمَّ مَاتَ فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَى الْفُقَرَاءِ لِأَنَّهُ بَانَ أَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهُ قَالَ فِي الْخَادِمِ الظَّاهِرُ نَعَمْ كَمَا فِي مَسْأَلَة هِبَةِ الْمَالِ أَوْ التَّصَدُّقِ بِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ اهـ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي هَذَا الْفَرْعِ إلَّا فِي قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ هِبَةِ الْمَالِ إلَخْ أَيْ بِنَاءً عَلَى اعْتِمَادِ مَا أَفْهَمَهُ تَخْرِيجُ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَقَدْ بَانَ وَاتَّضَحَ غَيْرَ مَرَّةٍ فِيمَا مَضَى أَنَّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فَلَا يُعْتَمَدُ وَإِنْ اعْتَمَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَوْ غَيْرُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ لِعَدَمِ اسْتِحْضَارِهِمْ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَنْقُولَاتِ الْمَذْهَبِ وَمُعْتَمَدَاتِهِ وَأَمَّا مَا رَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ فَلَا يَتَّجِهُ أَدْنَى اتِّجَاهٍ الْقَوْلُ بِهِ إلَّا إنْ تَضَيَّقَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَتَعَيَّنَ صَرْفُ مَا بِيَدِهِ إلَيْهِ فَتَصَدَّقَ بِهِ ثُمَّ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُشْبِهُ مَسْأَلَةَ الْمَاءِ فِي تَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ بِعَيْنِ ذَلِكَ الْمَالِ فَلَمْ يَصِحَّ التَّصَرُّفُ فِيهِ وَلَوْ بِغَيْرِ التَّبَرُّعِ كَالْبَيْعِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ قِيَاسِهِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمَاءِ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْحَجُّ مُوَسَّعًا فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ فَلْيَصِحَّ التَّصَدُّقُ بِهِ وَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ فَإِنْ قُلْتَ وَقْتُ الصَّلَاةِ مُوَسَّعٌ وَقَدْ قَالُوا بِالْبُطْلَانِ مَعَ ذَلِكَ قُلْتُ أَجَابُوا عَنْ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ عَنْهُمْ فِي ثَالِثِ الِاعْتِرَاضَاتِ بِأَنَّ سَبَبَ التَّعَلُّقِ كَوْنُ الصَّلَاةِ لَهَا وَقْتٌ مَحْدُودٌ إلَى آخِرِ مَا سَبَقَ ثَمَّ وَلَك أَنْ تَأْخُذَ مِنْ هَذَا عَدَمَ صِحَّةِ قِيَاسِ مَسْأَلَةِ الْحَجِّ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمَاءِ وَتُفَرَّقُ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْحَجِّ أَنَّهُ مُوَسَّعٌ غَيْرٌ مَحْدُودِ الطَّرْفَيْنِ وَتَضْيِيقُهُ عَارِضٌ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَيَتَعَلَّقُ حَقُّهَا بِالْعَيْنِ فَأُبْطِلَ التَّصَرُّفُ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَأَمَّا قِيَاسُ الزَّرْكَشِيّ عَلَى مَسْأَلَةِ هِبَةِ الْمَدِينِ بِنَاءً عَلَى بُطْلَانِهَا فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ هَذَا حَقُّ آدَمِيٍّ فَلْيُشَدَّدْ فِيهِ أَكْثَر بِخِلَافِ الْحَجِّ وَقَدْ مَرَّ عَنْ الْأَذْرَعِيِّ أَنَّهُ نَظَرَ فِي فُرْقَةٍ بَيْنَ هِبَةِ الْمَاءِ وَهِبَةِ الْمَدِينِ الْمَالَ إلَى ذَلِكَ وَقَوْلُهُ اعْتِرَاضًا عَلَى مَا فِي شَرْحِي الْكَبِيرِ لِلْإِرْشَادِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا اقْتَضَاهُ تَخْرِيجُ ابْنِ الرِّفْعَةِ بِنَاءً عَلَى اعْتِمَادِهِ مِنْ عَدَمِ مِلْكِ الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ وَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الشَّاشِيِّ مِنْ صِحَّةِ هِبَةِ الْمَدِينِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَكَيْفَ يُقَالُ بِتَخْرِيجِ التَّصَدُّقِ عَلَى الْهِبَةِ ثُمَّ يُتَخَيَّلُ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا مِمَّا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ أَيْضًا لِأَنَّ الْفَرْقَ الَّذِي ذَكَرْته إنَّمَا هُوَ بَيْنَ هِبَةِ الْمَدِينِ وَصَدَقَتِهِ وَالتَّخْرِيجُ لَيْسَ عَلَى هَذِهِ الْهِبَةِ فَإِنَّهَا صَحِيحَةٌ كَمَا مَرَّ عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى هِبَةِ الْمَاءِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ بِشَرْطِهِ كَمَا مَرَّ بَسْطُ ذَلِكَ مُوَضَّحًا لَكِنَّ مَحَبَّةَ الِاعْتِرَاضِ قَدْ تُؤَدِّي إلَى اخْتِلَاطِ الْمَقَامَاتِ وَعَدَمِ إمْعَانِ النَّظَرِ فِي الْعِبَارَاتِ وَقَوْلُهُ اعْتِمَادًا عَلَى مَا ذَكَرْته فِي الْفَرْقِ أَنَّ الْحُرْمَةَ فِي الْهِبَةِ لَيْسَتْ ذَاتِيَّةً هَذَا هُوَ عِلَّةُ الْوَجْهِ الثَّانِي الَّذِي ضَعَّفَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ هُوَ مِمَّا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ عَلَى وِزَانِ مَا قَبْلَهُ مِنْ أَنَّهُ الْتَبَسَ عَلَيْهِ هِبَةُ الْمَاءِ بِهِبَةِ الْمَدِينِ وَكَلَامِي إنَّمَا هُوَ فِي هِبَةِ الْمَدِينِ وَكَلَامُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي تَعْلِيلِ الْوَجْهِ الثَّانِي إنَّمَا هُوَ فِي هِبَةِ الْمَاءِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْحُرْمَةَ فِي هَذِهِ ذَاتِيَّةٌ فَاقْتَضَتْ إبْطَالَهَا بَلْ إبْطَالَ الْبَيْعِ وَفِي تِلْكَ لِأَمْرٍ خَارِجٍ هُوَ إضْرَارُ الدَّائِنِ فَلَمْ تَقْتَضِ الْإِبْطَالَ وَقَوْلُهُ اعْتِرَاضًا عَلَى قَوْلِي ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ فَرَّقَ بِمَا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَذْرَعِيُّ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ التَّصَدُّقِ وَالْهِبَةِ وَإِنَّمَا بَحَثَ الْحُرْمَةَ مَعَ ابْنِ الرِّفْعَةِ اهـ. وَهَذَا عَلَى وِزَانِ مَا قَبْلَهُ مِنْ الِالْتِبَاسِ أَيْضًا لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَذْرَعِيَّ اعْتَرَضَ ابْنَ الرِّفْعَةِ فِي إجْرَائِهِ خِلَافَ الْمَاءِ فِي تَصَدُّقِ الْمَدِينِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي هُنَا الْجَزْمُ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ رِعَايَةً لِحَقِّ الْآدَمِيِّ فَنَظَرْت فِي ذَلِكَ لِمَا مَرَّ بَسْطُهُ أَنَّ الْمُدْرَكَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مُخْتَلِفٌ وَأَنَّهُ قَاضٍ بِصِحَّةِ الصَّدَقَةِ فَضْلًا عَنْ الْجَزْمِ بِعَدَمِ صِحَّتِهَا فَرَاجِعْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَقَوْلُهُ عَنْ إيضَاحِ النَّاشِرِيِّ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ اعْتَمَدَ مَا أَفْهَمهُ كَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ

تَبَرُّعِ الْمَدِينِ يُقَالُ عَلَيْهِ لَا نَظَرَ إلَى النَّاشِرِيِّ وَلَا إلَى غَيْرِهِ مَعَ مَا مَرَّ بَيَانُهُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَالشَّيْخَيْنِ وَأَكَابِرِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَوْلُهُ وَلَيْتَ الشَّارِحَ الْمَذْكُورَ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا التَّمَنِّي مَبْنِيٌّ عَلَى ذَلِكَ الِالْتِبَاسِ السَّابِقِ بَيَانُهُ فَأَمَّا عِنْدَ تَأَمُّلِ مَا ذَكَرْنَاهُ فَالزِّيَادَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي مَحَلِّهَا كَمَا هُوَ جَلِيٌّ. وَقَوْلُهُ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ صَحَّحَ هِبَةَ الْمَدِينِ وَمِنْ أَيْنَ لَهُ ذَلِكَ وَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ صَحَّحَهُ يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا مِمَّا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ أَيْضًا لِمَا مَرَّ مَبْسُوطًا أَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ الشَّاشِيِّ وَسَكَتَ عَلَيْهِ وَأَنَّ مَوْضُوعَ شَرْحِهِ لِلْمُهَذَّبِ الَّذِي هُوَ مُتَتَبِّعٌ فِيهِ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ سُكُوتَهُ عَلَى الْحُكْمِ فِيهِ إنَّمَا هُوَ لِارْتِضَائِهِ لَهُ وَأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الضَّعِيفَ إنَّمَا يَقِيسُ عَلَى مَا يُوَافِقُهُ عَلَيْهِ الْأَصَحُّ فَهَذَا كُلُّهُ يُؤَيِّدُ الْقَائِلَ بِأَنَّهُ صَحَّحَهُ أَوْ جَزَمَ بِهِ السَّابِقُ عَنْ الْإِسْنَوِيِّ وَزَعَمَ الْمُعْتَرِضُ أَنَّ كَلَامَهُ فِيهِ تَزْيِيفٌ لِكَلَامِ الشَّاشِيِّ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ وَقَوْلُهُ وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمُفَرِّقِينَ فِي التَّيَمُّم أَقَرُّوا ابْنَ الرِّفْعَةِ عَلَى تَخْرِيجِهِ يُقَالُ عَلَيْهِ لَا عَجَبَ فِي ذَلِكَ لِمَا مَرَّ أَنَّ التَّخْرِيجَ لَا يَسْتَلْزِمُ الِاتِّحَادَ فِي الْحُكْمِ وَبِفَرْضِ اسْتِلْزَامِهِ لَهُ أَوْ النَّظَرِ لِلْغَالِبِ فِيهِ يُجَابُ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ إنَّمَا سَكَتُوا عَلَيْهِ فِي مَوْضِعٍ لِلْعِلْمِ بِضَعْفِهِ مِمَّا قَرَّرُوهُ وَفَرَّقُوا بِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَهَذَا كَثِيرًا مَا يَقَعُ لِلْمُؤَلِّفِينَ فَلَا بِدَعَ فِيهِ وَقَوْلُهُ. وَإِذَا بَرِئَ شَرْحُ الْمُهَذَّبِ عَمَّا نَسَبَهُ الْإِسْنَوِيُّ إلَيْهِ وَالْحَقُّ بَرَاءَتُهُ بِعَيْنِ التَّخْرِيجِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَوْ الْقَطْعِ الَّذِي بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا مِمَّا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ أَيْضًا لِمَا مَرَّ مُوَضَّحًا أَنَّ التَّخْرِيجَ لَيْسَ عَلَى هِبَةِ الْمَدِينِ الَّتِي فِي شَرْحِ الْمُهَذَّب عَنْ الشَّاشِيِّ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى هِبَة الْمَاءِ وَهَذَا لَا ارْتِبَاط لَهُ بِمَسْأَلَةِ الشَّاشِيِّ بَلْ التَّخْرِيجُ عَلَى حَالِهِ سَوَاءٌ قُلْنَا بِاعْتِمَادِ مَا قَالَهُ الشَّاشِيُّ أَمْ لَا إنْ أُرِيدَ التَّخْرِيجُ مِنْ حَيْثُ الْخِلَافُ وَأَمَّا إذَا أُرِيدَ التَّخْرِيجُ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ فَقَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ بُطْلَانُ هِبَةِ الْمَدِين وَالشَّاشِيُّ جَازِمٌ بِصِحَّتِهَا فَيَقَعُ حِينَئِذٍ التَّعَارُضُ بَيْنهمَا فِي ذَلِكَ وَمَرَّ أَنَّ كَلَامَ الشَّاشِيِّ هُوَ مَنْقُولُ الْمَذْهَبِ الَّذِي لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَأَنَّ كَلَامَ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ ظَاهِرٌ فِي اعْتِمَادِهِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ أَيْضًا فَهُوَ لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ تَخْرِيجُ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَلَا قَطْعُ الْأَذْرَعِيِّ وَمَنْ نَظَرَ لِمَا قَدَّمْتُهُ مُتَكَرِّرًا فِي رَدِّ ذَلِكَ التَّخْرِيجِ وَذَلِكَ الْقَطْع اتَّضَحَ لَهُ أَنَّهُ لَا تَعْوِيلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ لِمُخَالَفَتِهِ لِصَرِيحِ الْمَذْهَبِ وَمَنْقُولِهِ وَقَوْلُهُ بَلْ أَقُولُ صَدْعًا بِالْحَقِّ يَجُوزُ نِسْبَةُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إلَى بُطْلَانِ هِبَةِ الْمَدْيُونِ حَيْثُ حَرَّمْنَا عَلَيْهِ التَّصْدِيقَ أَخْذًا مِنْ تَعْلِيلِ التَّيَمُّم وَمِنْ تَحْرِيمِ التَّصَدُّقِ فِي بَابِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَمِنْ نِسْبَةِ الْوَجْهَيْنِ بِالْهِبَةِ لِلْوَالِي عَلَى سَبِيل الرِّشْوَةِ وَتَعْلِيلُ أَحَدِهِمَا بِالْمَعْصِيَةِ وَهِيَ الْعِلَّةُ الَّتِي اعْتَمَدَهَا النَّوَوِيُّ. اهـ. يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا الصَّدْعُ مَبْنِيٌّ عَلَى صَدْعٍ فِي فَهْمِ مَدْرَكِ هِبَةِ الْمَاءِ وَمُدْرَكِ صَدَقَةِ الْمَدِين وَقَدْ مَرَّ مُتَكَرِّرًا أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ كَوْنُ الْحُرْمَةِ ذَاتِيَّةً فَاقْتَضَتْ الْبُطْلَانَ حَتَّى فِي الْبَيْعِ بِأَضْعَافِ الثَّمَنِ وَالثَّانِي هُوَ كَوْنُهَا خَارِجَةً عَنْ الذَّاتِ وَلَازِمِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لِمَعْنًى فِي الْمُتَصَدَّقِ بِهِ إذْ لَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّ الدَّائِنِ بِهِ بَلْ فِي الدَّائِنِ الْخَارِجِ عَنْ ذَلِكَ بِإِضْرَارِهِ بِتَفْوِيتِ دَيْنِهِ وَالْخَارِجَةُ كَذَلِكَ لَا تَقْتَضِي إبْطَالًا وَمَسْأَلَةُ الرِّشْوَةِ مِنْ قَبِيلِ الْأُولَى فَحُرْمَتُهَا ذَاتِيَّةٌ لِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِهَا وَإِخْرَاجُهَا مِنْ يَدِهِ إنَّمَا هُوَ كَرْهٌ عَلَيْهِ فَلَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْصِ الْمُعْطِي لِإِرْشَائِهِ عَلَى وُصُولِ حَقِّهِ فَاعْتِمَادُ النَّوَوِيِّ لِكَوْنِ الْعِلَّةِ الْمَعْصِيَةَ مَحْمُولٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ هُوَ وَالْأَصْحَابُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ الذَّاتِيَّةِ دُونَ غَيْرِهَا وَبِتَأَمُّلِ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ مُطْلَقِ الْحُرْمَةِ وَإِبْطَال التَّصَرُّفِ الْمُحَرَّمِ خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ الْمُعْتَرِضُ وَبَنَى عَلَيْهِ صَدْعَهُ بِالْحَقِّ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ لِشَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِ هِبَةِ الْمَدِينِ وَإِنَّمَا الَّذِي يُنْسَبُ إلَيْهِ الْقَوْلُ بِصِحَّتِهَا مُحَرَّمَةً لِمَا مَرَّ مِنْ الطَّرِيقِ الْمُسَوِّغَةِ لِنِسْبَةِ ذَلِكَ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ إنَّ التَّحْقِيقَ فِي قَوْلِهِ عَصَى وَلَمْ يَصِحَّا لَازِمٌ بَيْنَ الْعِصْيَانِ وَالْإِبْطَالِ يُقَالُ عَلَيْهِ أَيُّ وَجْهٍ يَفْهَم بِهِ مِنْ عِبَارَتِهِ هَذَا التَّلَازُمُ لَا سِيَّمَا مَعَ الْعِطْفِ بِالْوَاوِ الْمُقْتَضِي لِاسْتِقْلَالِ كُلِّ جُمْلَةٍ بِحُكْمِهَا وَإِنَّمَا كَانَ يَتَوَجَّهُ ذَلِكَ لَوْ عَطَفَ بِالْفَاءِ فَقَالَ عَصَى فَلَمْ يَصِحَّا فَهَذَا يَقْتَضِي نَوْعَ ارْتِبَاطٍ أَوْ تَلَازُمٍ عَلَى أَنَّهُ لَوْ عَبَّرَ بِهَذِهِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا دَلِيلٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ

عَصَى إنَّمَا هُوَ فِي بَيْعِ الْمَاءِ وَهِبَتِهِ وَالْمَعْصِيَةُ هُنَا ذَاتِيَّةٌ كَمَا تَقَرَّرَ فَيَصِحُّ أَنْ يَقُولَ فَلَمْ يَصِحَّا لِمَا بَيْنَ الْحُرْمَةِ الذَّاتِيَّةِ وَالْإِبْطَالِ مِنْ التَّلَازُمِ وَقَوْلُهُ فَالْحَاصِلُ الَّذِي تَلَخَّصَ لَنَا مِمَّا قَرَّرْنَاهُ وَحَرَّرْنَاهُ أَنَّهُ حَيْثُ حَرَّمَ تَبَرُّعَ الْمَدِينِ فَإِنَّا نَحْكُمُ بِعَدَمِ صِحَّتِهِ وَنُلَازِمُ مَا بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَالْبُطْلَانِ هُنَا وَإِنْ لَمْ نَلْتَزِمْهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ لِفَارِقٍ. اهـ. يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا إنَّمَا يَصْدُرُ مِثْلُهُ مِنْ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ الَّذِي يُؤَسِّسُ لَهُ قَوَاعِدَ تُخَالِفُ قَوَاعِدَ غَيْرِهِ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا أَحْكَامُهُ الَّتِي يَسْتَنْبِطُهَا وَأَنَّى لِأَحَدٍ مِنْ مُنْذُ نَحْوِ سَبْعمِائَةِ سَنَةٍ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ ابْنِ الصَّلَاحِ أَنْ يَتَحَلَّى بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ فِي هَذَا الْحَاصِلِ خَالَفَ نَصَّ الشَّافِعِيِّ السَّابِقَ أَنَّهُ يَصِحُّ تَبَرُّعُ الْمَدِينِ بَعْدَ مُطَالَبَتِهِ وَرَفْعِهِ إلَى الْحَاكِمِ مَعَ حُرْمَةِ هَذَا التَّبَرُّعِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الدَّيْنَ يَجِبُ أَدَاؤُهُ فَوْرًا بِالطَّلَبِ وَإِذَا تَقَرَّرَتْ مُخَالَفَةُ هَذَا الْحَاصِلِ لِنَصِّ إمَامِ الْمَذْهَب عُلِمَ أَنَّهُ حَاصِلٌ مُبْتَدَعٌ لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ فَلْيَكُنْ رَدًّا عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ لِفَارِقٍ يُقَالُ عَلَيْهِ كَانَ يَنْبَغِي لَك إبْدَاءُ هَذَا الْفَارِقِ لِيَصِحَّ أَوْ يَبْطُلَ مَا اخْتَرَعْته مِمَّا لَمْ تُسْبَقْ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْحُرْمَةَ وَلَوْ لِأَمْرٍ خَارِجٍ تَقْتَضِي الْإِبْطَال وَلَوْ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ نَعَمْ هَذَا الْحَاصِلُ يُنَاسِبُ مَذْهَبَ أَحْمَدَ لَكِنَّهُ يُعَمِّمُ ذَلِكَ فِي كُلِّ حُرْمَةٍ خَارِجِيَّةٍ فَالتَّخْصِيصُ بِهَذَا الْمَحَلِّ فِي التَّلَازُمِ دُونَ غَيْرِهِ لَا يُوَافِقُ قَوَاعِدَ أَحْمَدَ وَلَا قَوَاعِدَنَا بَلْ وَلَا قَوَاعِدَ بَقِيَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ تَحْرِيرِ مَذَاهِبِهِمْ فِي الْأُصُولِ. وَقَوْلُهُ وَإِيَّاكَ وَالتَّهْوِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَالْجُمُودَ عَلَيْهِ فَتَقَعَ فِي تَخْطِئَةِ كَثِيرٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ الْمُعْتَمَدِينَ يُقَالُ عَلَيْهِ قَدْ عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ أَنَّا لَمْ نَعْتَمِدْ فِي التَّهْوِيلِ إلَّا كَلَامَ إمَامِ الْمَذْهَبِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَتَخْطِئَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ لِأَجْلِ هَذَا مُتَعَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ مَعْذُورُونَ بِعَدَمِ اطِّلَاعِهِمْ عَلَى مَا اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ وَإِلَّا لَمْ يُخَالِفُوهُ بِوَجْهٍ كَمَا هُوَ الظَّنُّ بِالْمُقَلِّدِينَ وَإِنَّمَا ظَنُّوا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي كَلَامِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا غَيْرُ فَجَرُّوا عَلَى مَا ظَهَرَ لَهُمْ مِنْ الْمُدْرَك وَنَحْنُ لَا نَمْنَعُ ظُهُورَ مُدْرِكِهِمْ فِيهَا وَأَنَّ صِحَّةَ تَبَرُّعِ الْمَدِينِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ الضَّرَرِ مَا لَا يَخْفَى لَكِنَّ الْمَذَاهِبَ نَقْلٌ يَجِبُ أَنْ يُتَطَوَّقَ بِهِ أَعْنَاقُ الْمُقَلِّدِينَ حَتَّى لَا يَخْرُجُوا عَنْهُ وَإِنْ اتَّضَحَتْ مَدَارِكُ الْمُخَالِفِينَ وَقَوْلُهُ إنَّ السَّمْهُودِيَّ حَاوَلَ تَعَدِّي الصِّحَّةِ إلَى النَّذْرِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِمَا مَرَّ رَدُّهُ مَبْسُوطًا يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا غَفْلَةٌ عَنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي الزَّكَاةِ. فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِصِحَّةِ نَذْرِ الْمَدِينِ وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ مُسْتَغْرِقًا كَمَا مَرَّ بَيَانُ ذَلِكَ فَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ إنَّ نَذْرَهُ بَاطِلٌ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ وَلِمَا ظَهَرَ لِأَعْظَمِ تَلَامِذَةِ الْفَتَى وَهُوَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمُزَجَّدُ أَنَّ الْمَنْقُولَ صِحَّتُهُ جَزَمَ بِهَا كَمَا مَرَّ وَلَمْ يُبَالِ بِمُخَالَفَةِ شَيْخِهِ وَلَا غَيْرِهِ وَقَوْلُهُ عَنْ إفْتَاءٍ لِحَمْزَةَ النَّاشِرِيِّ فِيهِ اعْتِمَادُ الْبُطْلَانِ وَنَقْلُهُ عَنْ جَمْعٍ مُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ إفْتَاءٌ جَيِّدٌ وَفِيهِ إيمَاءٌ أَوْ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَنْقُولُ وَهُوَ الْحَقُّ كَمَا قَدَّمْنَاهُ يُقَالُ عَلَيْهِ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ وَلَا إيمَاءٌ بِذَلِكَ لِأَنَّ ابْنَ الْخَيَّاطِ الَّذِي نَقَلَ ذَلِكَ عَنْهُ إنَّمَا قَاسَ عَلَى مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْمَاءِ وَهِبَتِهِ. وَقَدْ عَلِمْت بُطْلَانَ الْقِيَاسِ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فَأَيُّ مَنْقُولٍ أَوْمَأَ إلَيْهِ أَوْ صَرَّحَ بِهِ نَعَمْ قَوْلُهُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ مُحْتَمِلٌ لِلْإِيمَاءِ إلَيَّ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ هَذِهِ دَعْوَى يُبْطِلُهَا مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مَنْقُولَ الْمَذْهَبِ الصِّحَّةُ وَبِذَلِكَ بَانَ انْدِفَاعُ قَوْلِهِ وَهُوَ الْحَقُّ وَأَيُّ حَقٍّ يَتَعَقَّلهُ مُقَلِّدٌ مَعَ مُخَالَفَةِ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَّا أُولَئِكَ الْجَمْعَ الْمُتَأَخِّرِينَ الَّذِينَ اغْتَرَّ بِكَلَامِهِمْ جَمَاعَةٌ مِنْ الْيَمَنِيِّينَ كَالْعَلَّامَةِ التَّقِيِّ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفَتَى فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّا لَفْظه رَجُل لَهُ وَرَثَةٌ وَلَهُ مَال وَعَلَيْهِ دُيُونٌ كَمَهْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَأَرَادَ إضْرَارَ الْغُرَمَاءِ فَبَاعَ بَعْضَ الْوَرَثَةِ أَوْ أَقَرَّ لَهُمْ أَوْ نَذَرَ عَلَيْهِمْ أَوْ الْتَزَمَ فِي ذِمَّتِهِ تِلْكَ الْأَمْوَالَ إضْرَارًا بِالْغُرَمَاءِ فَحَصَلَ مِنْهَا تَفْوِيتُ تَرِكَتِهِ كُلِّهَا ثُمَّ مَاتَ هَلْ تَصِحُّ هَذِهِ التَّبَرُّعَاتِ أَوْ لَا؟ فَأَجَابَ بِمَا لَفْظُهُ أَمَّا النَّذْرُ فَلَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْقُرْبَة وَأَمَّا الِالْتِزَامُ بِلَفْظِهِ فَلَا يَصِحُّ وَأَمَّا الْإِقْرَارُ ظَاهِرًا مِنْ غَيْرِ حَقِيقَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ وَلَا يَصِحُّ بَاطِنًا وَمَنْ عَلِمَ مُرَادَهُ مِمَّنْ سَمِعَهُ لَا تَحِلُّ لَهُ الشَّهَادَةُ هَذَا وَأَمَّا الْبَيْعُ بِهَذَا الْقَصْدِ فَحَرَامٌ بِلَا شَكٍّ وَأَمَّا صِحَّتُهُ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي وَيَتَّجِهُ بَلْ يَتَعَيَّنُ أَنْ يُحْكَمُ بِفَسَادِهِ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا الْمُضَارَّةُ وَمِنْهَا أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ عَظِيمَةٌ وَهِيَ سَدُّ بَابِ اسْتِيفَاءِ الدُّيُونِ وَالْأَحْكَامِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَقْدِرُ عَلَى هَذَا فَيَتَعَطَّلُ عَلَى

الْحُكَّامِ الْحُكْمُ وَالْحَبْسُ بِالدُّيُونِ وَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إنَّ الشَّرْعَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَصَالِحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ فَمَا أَمَرَ الشَّرْعُ بِشَيْءٍ إلَّا وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ وَلَا نَهْيَ عَنْ شَيْءٍ إلَّا وَفِيهِ مَفْسَدَةٌ وَهِيَ مَفْسَدَةٌ عَظِيمَةٌ هَذَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَأَمَّا النَّقْلُ فَإِنَّ الْفَقِيهَ نَجْمَ الدَّيْنِ بْنَ الرِّفْعَةِ بَنَاهُ عَلَى بَيْعِ الْمَاءِ وَهِبَتِهِ فِي الْوَقْتِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الْخِلَافُ. وَيَكُونُ الصَّحِيحُ الْمَنْعَ وَبَحَثَ الْإِمَامُ الْأَذْرَعِيُّ مَعَهُ مَا يَقْتَضِي الْقَطْعَ بِالْمَنْعِ مُعَلِّلًا بِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ وَالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمُ يُؤَيِّدُ مَا قَالَاهُ فَلْيَكُنْ هُوَ الْحَقَّ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنْطِقُ كُلَّ عَالَمٍ بِمَا يَلِيقُ بِأَهْلِ زَمَانِهِ نَعَمْ أَطْلَقَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ صِحَّةَ تَمْلِيكِ الْمَدْيُونِ مَالَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عَدَمِ قَصْدِ الْمُضَارَّةِ وَتَعْطِيلِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ أَوْ تَكُونَ الْمَصْلَحَةُ الْفَتْوَى بِخِلَافِهِ لِلْمَصْلَحَةِ وَدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ وَيَتَأَيَّدُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ. اهـ. جَوَابُهُ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى عَجَائِبَ مِنْهَا قَوْلُهُ أَمَّا النَّذْرُ فَلَا يَصِحُّ لِعَدَمِ الْقُرْبَةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ فَإِنَّ الَّذِي مَرَّ عَنْ الْأَصْحَابِ صِحَّتُهُ فَإِنْ قُلْت تَبَرُّعُ الْمَدِينِ حَرَامٌ فَكَيْفَ صَحَّ نَذْرُهُ مَعَ ذَلِكَ وَالنَّذْرُ شَرْطُهُ الْقُرْبَةُ قُلْت الَّذِي حَقَّقْتُهُ فِي بَابِ النَّذْرِ أَنَّ الْحُرْمَةَ إنْ كَانَتْ لِأَمْرٍ خَارِجٍ لَمْ تُنَافِ انْعِقَادَهُ وَهِيَ هُنَا كَذَلِكَ كَمَا مَرَّ. وَيَأْتِي فَمِنْ ذَلِكَ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ مِنْ صِحَّةِ نَذْرِ عِتْقِ الْمَرْهُونِ مِنْ الْمُوسِرِ وَاسْتَشْكَلَ ذَلِكَ كَثِيرُونَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى عِتْقِهِ مَعْصِيَةٌ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْحُرْمَةَ هُنَا لِأَمْرٍ خَارِجٍ هُوَ إزَالَةُ وَثِيقَةِ الْغَيْرِ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ لَهُ بَدَلُهَا مَعَ تَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْعِتْقِ وَيُوَافِقُ ذَلِكَ قَوْلَ جَمْعٍ مُتَقَدِّمِينَ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا عَلَى مَا فِيهِ يَصِحُّ نَذْرُ الصَّلَاةِ فِي الْمَغْصُوبِ وَيُصَلِّي فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَلَوْلَا أَنَّ الْمُقَرَّرَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْحُرْمَةَ الْخَارِجِيَّةَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ النَّذْرِ لَمَا قَالُوا بِذَلِكَ فَإِنْ قُلْتَ فَمَا وَجْهُ ضَعْفِهِ حِينَئِذٍ قُلْتُ كَانَ وَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا صَرَّحَ بِالْمَعْصِيَةِ فِي نَذْرِهِ كَانَ ذَلِكَ مُلْحَقًا بِالذَّاتِيِّ بَلْ أَبْلَغَ بِخِلَافِ عِتْقِ الْمَرْهُونِ وَنَذْرِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِيهِمَا تَعَرُّضٌ لِلْمَعْصِيَةِ فِي النَّذْرِ فَنَظَرَ فِيهَا إلَى كَوْنِهَا خَارِجَةً عَنْهُ فَصَحَّ مِنْهُ. وَجَرَى جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ عَلَى صِحَّةِ نَذْرِ الْجُنُبِ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَلِلِاعْتِكَافِ نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي الْمَغْصُوبِ بِمَا فِيهِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَصْحَابَ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَذْرُ الْمَكْرُوهِ قَالُوا بِصِحَّةِ نَذْرِ صَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَيْسَ وَجْهُهُ إلَّا مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ الْكَرَاهَةَ فِيهِ غَيْرُ ذَاتِيَّةٍ بَلْ لِأَمْرٍ خَارِجٍ هُوَ كَوْنُهُ عِيدًا أَوْ الضَّعْفِ عَنْ وَظَائِفِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ يُعَارِضْ أَصْلَ مَطْلُوبِيَّةِ الصَّوْمِ وَلَمَّا خَفِيَ هَذَا الْمَعْنَى عَلَى جَمْعٍ مُتَأَخِّرِينَ نَازَعُوا فِي صِحَّةِ نَذْرِ صَوْمِهِ بِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَكَذَا وَقَعَ فِي صَوْمِ الدَّهْرِ فَإِنَّهُمْ لَمَّا نَقَلُوا عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الِاتِّفَاقَ عَلَى انْعِقَادِ نَذْرِهِ اعْتَرَضُوهُ بِأَنَّ النَّذْرَ تَقَرُّبٌ وَالْمَكْرُوهُ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ وَيُرَدُّ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِأَمْرٍ خَارِجٍ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعِبَادَةَ الْمَطْلُوبَةَ مِنْ حَيْثُ الْعُمُومُ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ نَذْرِهَا اقْتِرَانُ كَرَاهَةٍ أَوْ حُرْمَة بِهَا لِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْ ذَاتِهَا مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالْمَعْصِيَةِ فِي نَذْرِهِ لِمُنَافَاةِ الْمَعْصِيَةِ حِينَئِذٍ النَّذْرَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَمْ يُمْكِنْ انْعِقَادُهُ ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْضَ الْمُحَقِّقِينَ ذَكَرَ نَحْوَ مَا ذَكَرْته فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ نَفِيسٌ مُهِمٌّ فَإِنْ قُلْتَ هَذَا ظَاهِرٌ حَيْثُ لَمْ يَقْصِد بِهِ إضْرَارَ الْغُرَمَاءِ. أَمَّا عِنْدَ قَصْدِهِ ذَلِكَ فَالصِّحَّةُ مُشْكِلَةٌ قُلْتُ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ قَصْدَهُ الْإِضْرَارَ لَا يُصَيِّرُ الْحُرْمَةَ فِيهِ ذَاتِيَّةً وَإِذَا لَمْ تَكُنْ ذَاتِيَّةً انْعَقَدَ كَمَا تَقَرَّرَ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِيهِ عَلَى الصِّيغَةِ فَإِذَا وَقَعَتْ مُسْتَوْفِيَةً لِشُرُوطِهَا صَحَّتْ وَإِنْ صَحِبَهَا قَصْدٌ مُحَرَّمٌ خَارِجٌ عَنْهَا وَعَنْ الْمَنْذُورِ بِهِ كَمَا هُنَا فَإِنَّ مَنْ نَذَرَ لِزَيْدٍ بِأَلْفٍ قَاصِدًا إضْرَارَ غُرَمَائِهِ يُصَدَّقُ عَلَى نَذْرِهِ هَذِهِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ أَنَّهُ نَذْرُ قُرْبَةٍ وَأَمَّا قَصْدُ الْإِضْرَارِ فَأَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ هَذِهِ الْقُرْبَةِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهَا عَلَى أَنَّ هَذَا الْقَصْدَ لَمْ يُحْدِثْ إلَّا قُوَّةَ الْحُرْمَةِ وَإِلَّا فَأَصْلِهَا مَوْجُودٌ وَإِنْ انْتَفَى ذَلِكَ الْقَصْدُ لِمَا مَرَّ مِنْ حُرْمَةِ تَبَرُّعِ الْمَدِينِ. وَمَعَ ذَلِكَ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِصِحَّةِ النَّذْرِ وَإِذَا لَمْ يُحْدِثْ الْقَصْدُ حُرْمَةً لَمْ يَكُنْ أَصْلِهَا مَوْجُودًا فَلَا وَجْهَ لِاقْتِضَائِهِ الْبُطْلَانَ وَمِنْهَا قَوْلُهُ وَأَمَّا صِحَّتُهُ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي إلَخْ وَهَذَا فَاسِدٌ أَيْضًا لِأَنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّ كُلَّ مَا أَبْطَلَ شَرْطُهُ الْعَقْدَ لَا يَضُرُّ إضْمَارُ نِيَّتِهِ فِيهِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْكَافِي أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ الْإِضْمَارِ هَلْ يَحِلُّ بَاطِنًا وَجْهَانِ قَالَ وَأَصَحُّهُمَا عِنْدِي يَحِلُّ لِحَدِيثِ عَامَلَ خَيْبَرَ. اهـ. وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ الشُّرُوطَ الْمُبْطِلَةَ لِلْعَقْدِ لَا تُؤَثِّرُ

فِي صِحَّتِهِ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا قَصَدَهَا عِنْدَهُ أَوْ قَصَدَهُ لِأَجْلِهَا فَأَوْلَى قَصْدُ الْإِضْرَارِ هُنَا بَلْ لَوْ قِيلَ فِيمَا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا إضْرَارًا بِغُرَمَائِي أَنَّهُ لَا يَضُرُّ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ لَمْ يَبْعُدْ مِنْ كَلَامِهِمْ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْبَيْعَ لِأَجْلِ الْإِضْرَارِ صَحِيحٌ فَقَوْلُهُ إضْرَارًا بِغُرَمَائِي تَصْرِيحٌ بِذَلِكَ لَا غَيْرُ وَلَمْ يَقَعْ عَلَى جِهَةِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ حَتَّى يَبْطُلَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا بِشَرْطِ أَنْ يَضُرَّ غُرَمَائِي أَوْ عَلَى أَنْ يَضُرَّهُمْ فَإِنَّ هَذَا بَاطِلٌ بِلَا شَكٍّ وَمِنْهَا قَوْلُهُ إنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ عَظِيمَةٌ إلَخْ. وَهَذَا فَاسِدٌ أَيْضًا أَمَّا أَوَّلًا فَمُطْلَقُ الْبَيْعِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَ الْبَيْعَ بِمُحَابَاةٍ فَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخُصَّ الْبُطْلَانَ بِقَدْرِ الْمُحَابَاةِ وَحِينَئِذٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَصْدِ الْمُضَارَّةِ لِأَنَّ مَنْ يَقُولُ بِبُطْلَانِ تَبَرُّعِ الْمَدِينِ لَا يُشْتَرَطُ قَصْدُ الْمُضَارَّةِ فَجَعْلُ الْفَتَى قَصْدَ الْمُضَارَّةِ مُقْتَضِيًا لِلْبُطْلَانِ غَيْرُ مُتَعَقَّلٍ لِأَنَّ الْبَيْعَ إذَا كَانَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَلَا مُضَارَّةَ أَوْ بِدُونِهِ فَقَدْرُ الْمُحَابَاةِ عَلَى طَرِيقَةِ أُولَئِكَ الْبَيْعُ فِيهِ بَاطِلٌ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْمُضَارَّةَ فَإِنْ قُلْتَ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ مِنْ ظَالِمٍ لَا يُعْطِي الْغُرَمَاءَ شَيْئًا وَإِنْ اشْتَرَى بِثَمَنِ الْمِثْلِ قُلْتَ هَذَا بَعِيدُ الْوُقُوعِ وَخِلَافُ فَرْضِ السُّؤَالِ أَنَّ الْبَيْعَ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ لَكِنَّ قَوْلَ السَّائِلِ يَحْصُلُ مِنْهَا تَفْوِيتُ التَّرِكَةِ كُلِّهَا يُوَضِّحُ الْمُرَادَ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْبَحْث عَنْ الْمَصَالِحِ أَوْ الْمَفَاسِدِ إنَّمَا هُوَ وَظِيفَةُ الْمُجْتَهِدِينَ وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ الْمَحْضُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ذَلِكَ وَيُخَالِفَ كَلَامَ أَئِمَّتِهِ. وَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِصِحَّةِ بَيْعِ الْمُصَادَرِ وَإِنْ انْحَصَرَتْ جِهَةُ خَلَاصِهِ فِي بَيْعِ مَالِهِ مَعَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاسِدِ الَّتِي لَا يُتَدَارَكُ خَرْقُهَا بَلْ الْمَفَاسِدُ هُنَا أَقْبَحُ مِنْهَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَدِينِ لِأَنَّ الْمَالَ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ فَلَمْ يَفُتْ عَلَى الدَّائِنِ مَالُهُ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ الْمُصَادَرِ فَإِنَّ مَالَهُ فَاتَ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقِرًّا فِي ذِمَّةِ أَحَدٍ لِأَنَّ الْفَرْضَ صِحَّةُ بَيْعِهِ فَعَلِمْنَا بِذَلِكَ أَنَّ غَيْرَ الْمُجْتَهِدِ لَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ فِي الْمَصَالِحِ وَلَا فِي الْمَفَاسِدِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ النَّظَرُ فِي كَلَامِ إمَامِهِ وَأَئِمَّةِ مَذْهَبِهِ. وَالْعَجَبُ مِنْهُ أَنَّهُ فِيمَا يَأْتِي سَلَّمَ مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبَ ثُمَّ قَالَ أَوْ تَكُونُ الْمَصْلَحَةُ الْفَتْوَى بِخِلَافِهِ إلَخْ وَهَذَا تَجَاسُرٌ مِنْهُ قَبِيحٌ جِدًّا لِأَنَّا إذَا رَأَيْنَا كَلَامَ الْأَصْحَابِ أَوْ بَعْضِهِمْ وَلَمْ يُعَارِضْهُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ ثُمَّ رَأَيْنَا أَنَّ الْمَصْلَحَةَ اقْتَضَتْ الْإِفْتَاءَ بِخِلَافِهِ كَيْفَ يَسُوغُ لَنَا ذَلِكَ الْإِفْتَاءُ هَذَا مِمَّا لَا يُمَكِّنُ مُقَلِّدًا الْقَوْلَ بِهِ. وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدَ فَتْوَى لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ وَظِيفَتِهِ وَإِنَّمَا وَظِيفَتُهُ التَّرْجِيحُ وَالتَّخْرِيجُ عِنْدَ تَعَارُضِ الْآرَاءِ وَأَمَّا مُخَالَفَةُ مَنْقُولِ الْمَذْهَبِ لِمَصْلَحَةٍ أَوْ مَفْسَدَةٍ قَامَتْ فِي الذِّهْنِ فَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَمَنْ فَعَلَهُ فَقَدْ وَقَعَ فِي وَرْطَةِ التَّقَوُّلِ فِي الدَّيْنِ وَسَلَكَ سُنَنَ الْمَارِقِينَ حَفِظَنَا اللَّهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ دَقِيقِ الْعِيدِ قَالَ إنَّ قَاعِدَةَ تَقْدِيمِ الْمَصَالِحِ أَوْ الْأَصْلَحِ وَدَرْءِ الْمَفَاسِدِ أَوْ الْأَفْسَدِ إنَّمَا هِيَ فِي الْجُمْلَةِ لَا أَنَّهُ عَامٌّ مُطْلَقًا حَيْثُ كَانَ وَوُجِدَ بَلْ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ نَفْسُهُ اسْتَشْكَلَ الْقَاعِدَةَ بِأَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ الْعَدُوَّ لَوْ نَزَلَ بِبَلَدٍ وَخَافَ نَاسُهُ مِنْ اسْتِئْصَالِهِ لَهُمْ إلَّا لَمْ يُعْطُوهُ فُلَانًا أَوْ مَالَهُ أَوْ امْرَأَتَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ مَفْسَدَةَ الْوَاحِدِ دُونَ مَفْسَدَةِ الْجَمِيعِ بَلْ لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِمَا لَا يَشْفِي ثُمَّ تَرَتُّبُ تِلْكَ الْمُفْسِدَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا عَلَى الْبَيْعِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْتُهُ آنِفًا فِي الْبَيْعِ مِنْ ظَالِمٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْهُ. وَوُقُوعُ هَذَا مِنْ الْمَدْيُونِينَ نَادِرٌ جِدًّا أَوْ فِي الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِهِ لَكِنْ بِمُحَابَاةٍ وَهَذَا أَيْضًا فِيهِ نُدُورٌ وَإِنَّمَا الْغَالِبُ تَبَرُّعُهُمْ بِالصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ وَالْوَقْفِ بَلْ لَا يَسْلَم مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْفَذُّ النَّادِرُ لِأَنَّ غَالِبَ النَّاسِ لَا يَخْلُو مِنْ دَيْنِ مَهْرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَمَعَ ذَلِكَ يَتَبَرَّعُونَ وَإِنْ لَمْ يَرْجُوا لِذَلِكَ وَفَاءً فَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُ الْفَتَى فِي التَّبَرُّعِ فَقَطْ أَوْجَهُ مِمَّا ذَكَرَهُ هُوَ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ ضَعِيفًا بَلْ شَاذًّا وَقَوْلُهُ بَنَاهُ عَلَى بَيْعِ الْمَاءِ وَهِبَتِهِ ذِكْرُهُ الْبَيْعَ سَهْوٌ فَإِنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ لَمْ يُخَرِّجْ إلَّا عَلَى هِبَةِ الْمَاءِ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الصَّدَقَةِ بِمَا يَحْتَاجُهُ وَذَلِكَ إنَّمَا يَتَأَتَّى قِيَاسُهُ عَلَى الْهِبَةِ لَا الْبَيْعِ كَمَا هُوَ جَلِيُّ. وَقَوْلُهُ وَالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمُ يُؤَيِّدُ مَا قَالَاهُ فَلْيَكُنْ هُوَ الْحَقَّ هَذَا فَاسِدٌ أَيْضًا وَكَيْفَ يَكُونُ الْحَقَّ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ الَّذِي مَرَّ بَيَانُهُ عَلَى أَنَّهُ أَعْنِي الْفَتَى لَمْ يَجْرِ عَلَى مَا قَالَاهُ لِأَنَّهُمَا قَائِلَانِ بِبُطْلَانِ تَبَرُّعِ الْمَدِينِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ قَصْدِ مُضَارَّةٍ لِلْغُرَمَاءِ وَالْفَتَى يُقَيِّدُ

بِاشْتِرَاطِ قَصْدِ الْمُضَارَّةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّقْيِيدُ بِذَلِكَ فِي السُّؤَالِ وَفِي كَلَامِهِ فِي قَوْلِهِ وَأَمَّا الْبَيْعُ بِهَذَا الْقَصْد فَاقْتَضَى أَنَّهُ حَيْثُ انْتَفَى ذَلِكَ الْقَصْدُ صَحَّ مِنْهُ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ وَهَذَا تَفْصِيلٌ مُخْتَرَعٌ مِنْ عِنْدِهِ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ نَقْلٌ وَلَا قَاعِدَةٌ بَلْ الْمَنْقُولُ وَالْقَاعِدَةُ مُصَرِّحَةٌ بِخِلَافِهِ فَلِيَكُنْ رَدًّا عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ وَقَدْ وَرَدَ إلَخْ هُوَ مُطَالَبٌ بِبَيَانِ وُرُودِ ذَلِكَ عَمَّنْ وَمِنْ أَيِّ طَرِيقٍ مُعْتَدٍّ بِهَا عَلَى أَنَّ الْوَاقِعَ قَاضٍ بِخِلَافِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَالِمِ فِي هَذَا الَّذِي زَعَمَ وُرُودَهُ الْمُجْتَهِدُ الْمُطْلَق وَهُوَ قَدْ انْقَطَعَ مِنْ مُنْذُ نَحْوِ سَبْعمِائَةِ سَنَةٍ وَالنَّاسُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ إنَّمَا يَعْمَلُونَ بِقَوْلِ الْمُجْتَهِدِينَ وَوُجُوهُ الْأَصْحَابِ مِنْ أَقْوَالِ الْمُجْتَهِدِينَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْهَا وَكُلُّ عَالِمٍ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ لَا يَنْطِقُ إلَّا بِمَا يَلِيقُ بِقَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ لَاقَ بِأَهْلِ زَمَانِهِ أَمْ لَا وَمِنْهَا قَوْله وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عَدَمِ قَصْدِ الْمُضَارَّةِ وَهَذَا فَاسِدٌ أَيْضًا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ قَصْدَ الْمُضَارَّةِ لَا يَقْتَضِي إبْطَالًا مُطْلَقًا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ الَّذِي قَدَّمْته آنِفًا وَبِمَا قَرَّرْتُ بِهِ كَلَامَهُ وَبَيَّنْتُ مَا فِيهِ يُعْلَمُ صِدْقُ مَنْ قَالَ اعْتِرَاضًا عَلَيْهِ إنَّ إفْتَاءَ هَذَا إفْتَاءٌ بِالرَّأْيِ وَبُطْلَانُ اعْتِرَاضِ هَذَا بِأَنَّهُ تَعَصُّبٌ عَلَيْهِ. وَبَيَانُ ذَلِكَ مَا قَدَّمْته أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْبُطْلَان قَصْدُ الْمُضَارَّةِ وَهَذَا رَأْيٌ مُخْتَرَعٌ لَمْ يَقُلْ بِهِ مَنْ قَلَّدَهُمَا فِيمَا زَعَمَهُ أَعْنِي ابْنَ الرِّفْعَةِ وَالْأَذْرَعِيَّ وَلَا غَيْرُهُمَا وَإِنَّمَا مَنْقُولُ الْمَذْهَب صِحَّة تَبَرُّع الْمَدِينِ مُطْلَقًا مَا لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ حِسًّا أَوْ شَرْعًا كَمَا مَرَّ أَوَائِل الْكِتَاب عِنْد تَحْرِيرِي لِلْمَدِينِ الَّذِي وَقَعَ النِّزَاع فِي صِحَّة تَبَرُّعِهِ وَبَحَثَ ذَيْنك وَمَنْ تَبِعَهُمَا بُطْلَانَهُ مُطْلَقًا فَتَفْصِيلُ الْفَتَى بَيْنَ قَصْدِ الْمُضَارَّةِ وَعَدَمِهَا رَأْيٌ مُخْتَرَعٌ مِنْ عِنْدِهِ فَهُوَ رَدٌّ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَ مُحَقِّقًا وَلَهُ تَآلِيفُ عَظِيمَةٌ لِأَنَّ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ الْحَقُّ بِالرِّجَالِ خِلَافًا لِمَنْ اسْتَعْظَمَ تَخْطِئَتَهُ مَعَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ الرِّجَالُ بِالْحَقِّ وَالْعَجَبُ مِمَّنْ قَالَ إنَّ فَتْوَاهُ هَذِهِ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ مَا أَفْتَى بِهِ هُوَ الْمَنْقُولُ كَيْفَ وَهُوَ مُصَرِّحٌ بِأَنَّهُ إنَّمَا خَالَفَ مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْفَاسِدَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا وَبِأَنَّهُ قَلَّدَ فِيمَا قَالَهُ ابْنَ الرِّفْعَةِ وَالْأَذْرَعِيَّ عَلَى أَنَّهُ خَالَفَهُمَا بِالتَّفْصِيلِ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ بَيْنَ قَصْدِ الْإِضْرَارِ وَعَدَمِهِ فَأَيُّ مَنْقُولٍ اتَّبَعَهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى يَزْعُمَ مَنْ قَلَّدَهُ فِيمَا ذَكَرَهُ أَنَّ فَتْوَاهُ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ مَا أَفْتَى بِهِ هُوَ الْمَنْقُولُ وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ بَعْضِ مَعَاصِرِي الْفَتَى اعْتِرَاضًا عَلَيْهِ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ صِحَّةُ تَصَرُّفِهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ قَبْلَ الْحَجْرِ فَقَدْ بَرَّ فِي ذَلِكَ وَصَدَقَ لِمَا عَلِمْت أَنَّ هَذَا هُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ فِي مَوَاضِعَ وَأَنَّ الْأَصْحَابَ وَالشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا جَرَوْا عَلَى ذَلِكَ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فَمَنْ اعْتَرَضَ عِبَارَتَهُ هَذِهِ فَهُوَ لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ عَلَى أَنَّهُ تَعَسَّفَ فِي اعْتِرَاضِهِ وَأَتَى فِيهِ بِمَا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ كَقَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ عَنْ الرَّوْضَةِ فِي التَّفْلِيسِ فِي الثَّانِيَةِ عَشَرَ إنَّ هَذَا لَا دَلَالَةَ لَهُ فِيهِ وَقَدْ مَرَّ ثُمَّ بَسَطَ الرَّدَّ عَلَيْهِ. وَمِنْ أَعْجَبِ الْعَجِيبِ أَنَّ صَاحِبَ الْمُؤَلِّفِ السَّابِقِ ذَكَرَهُ لَمَّا حَكَى عَنْ فَتْحِ الْبَارِي لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ الْحَافِظِ الشِّهَابِ ابْنِ حَجَرٍ أَنَّهُ قَالَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ ذَا الدَّيْنِ الْمُسْتَغْرِقِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ التَّبَرُّعُ لَكِنَّ مَحْمَلَ ذَلِكَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ إذَا حَجَرَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ بِالْفَلَسِ وَقَدْ نَقَلَ فِيهِ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ فَيُحْمَلُ إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ. اهـ. أَيْ الْبُخَارِيِّ فِي قَوْلِهِ إنَّ مَا فَعَلَهُ الْمَدِينُ رَدٌّ عَلَيْهِ قَالَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ لَكِنَّ مَحْمَلَ ذَلِكَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ إلَخْ لَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِهِ لِغَيْرِهِ وَأَحْسَبُ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَ الرَّوْضَةِ السَّابِقَ وَقَدْ قَدَّمْت أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ. اهـ. الْمَقْصُودُ وَأَنْتَ فِيهِ مِنْ وَرَاءِ التَّأَمُّلِ غَنِيٌّ عَنْ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى رَدِّهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ إشَارَةٍ مَا إلَى مَا فِيهِ إذْ هَذَا الْحَافِظُ مِنْ الْمَعْلُومِ الَّذِي لَا يُنْكَرُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُسْنِدَ ذَلِكَ الْحَمْلَ لِلْفُقَهَاءِ الشَّامِلَ لِلْمُجْتَهِدِينَ ذَوِي الْمَذَاهِبِ الْمُدَوَّنَةِ بَلْ وَغَيْرِهَا بِمُجَرَّدِ عِبَارَةٍ يَجِدُهَا فِي الرَّوْضَةِ وَمِنْ ثَمَّ نَقَلَ عَنْ الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ الْإِجْمَاعَ فَكَيْفَ مَعَ ذَلِكَ يَتَجَاسَرُ عَلَى كَلَامِهِ بِرَدِّهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ لِغَيْرِهِ وَمِثْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ لَا يُعْتَدُّ بِهَا إلَّا مِمَّنْ سَاوَاهُ فِي الْحِفْظِ وَالِاطِّلَاعِ عَلَى مَذَاهِبِ الْمُجْتَهِدِينَ وَأَمَّا مَنْ قَصَرَ نَظَرَهُ عَلَى مَذْهَبِهِ فَمِثْلُ هَذِهِ الْعِبَارَة مِنْهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ عَلَى أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمْ يُحِطْ بِنُصُوصِ مَذْهَبِهِ الْمُوَافِقَةِ لِمَا قَالَهُ ذَلِكَ الْحَافِظُ وَإِنَّمَا اعْتَمَدَ أَبْحَاثًا

كتاب الذيل المسمى بكشف الغين عمن ضل عن محاسن قرة العين

مَرْدُودَةً كَمَا مَرَّ. وَقَوْلُهُ عَنْ كَلَامِ الرَّوْضَةِ الَّذِي قَدَّمْتُهُ فِي الثَّانِيَةِ عَشَرَ إنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَعْجَبْ الْعَجَبِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فَإِنْ قُلْتَ نَقْلُهُ الْإِجْمَاعَ يُنَافِي مَا مَرَّ عَنْ الْمَالِكِيَّةِ قُلْت: قَدَّمْتُ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ مَبْسُوطًا فَرَاجِعْهُ وَأَمْعِنْ النَّظَرَ فِي جَمِيعِ هَذَا الْكِتَابِ وَمُقَابِلِهِ لِتَعْلَمَ الْحَقَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْبَاطِلِ وَالْقَوْلَ الْجَلِيّ مِنْ الْقَوْلِ الْحَائِرِ الْمَائِلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يُوَفِّقُنَا أَجْمَعِينَ لِمَرْضَاتِهِ وَيُدِرُّ عَلَيْنَا أَخْلَافَ نِعَمِهِ وَهِبَاتِهِ وَيَجْعَلُنَا مِنْ إخْوَانِ الصَّفَا الَّذِينَ هُمْ عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلُونَ وَبِالْحَقِّ عَامِلُونَ وَإِلَيْهِ مُسَارِعُونَ وَعَنْ دَاءِ اللَّجَاجِ وَالتَّعَصُّبِ يَتَنَزَّهُونَ إنَّهُ الْمَنَّان بِكَرَمِهِ الْمُتَفَضِّلُ بِنِعَمِهِ فَإِلَيْهِ مَفْزَعُنَا فِي الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلِ يَا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِك وَعَظِيمِ سُلْطَانِك عَدَد مَعْلُومَاتِكَ وَمِدَادَ كَلِمَاتِك كُلَّمَا ذَكَرَك الذَّاكِرُونَ أَبَدًا دَائِمًا بِدَوَامِك أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ أَفْضَلَ صَلَاةٍ وَأَنْ تُسَلِّمَ أَفْضَلَ سَلَامٍ وَأَنْ تُبَارِكْ أَفْضَلَ بَرَكَةٍ عَلَى أَفْضَلِ خَلْقِك سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ عَدَدَ مَعْلُومَاتِك وَأَنْ تَخْتِمَ لَنَا أَجْمَعِينَ بِالْحُسْنَى بِمَنِّك وَكَرَمِك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَالَ الْمُؤَلِّفُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَرَحِمَهُ فَرَغَتْ مِنْهُ وَقْت صَلَاةِ الْجُمُعَةِ خَامِسَ عَشَرَ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَةٍ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلِ. [كِتَابُ الذَّيْلِ الْمُسَمَّى بِكَشْفِ الْغَيْنِ عَمَّنْ ضَلَّ عَنْ مَحَاسِنِ قُرَّةِ الْعَيْنِ] هَذَا كِتَابُ الذَّيْلِ الْمُسَمَّى بِكَشْفِ الْغَيْنِ عَمَّنْ ضَلَّ عَنْ مَحَاسِنِ قُرَّةِ الْعَيْنِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ رَبِّ تَمِّمْ بِالْخَيْرِ (أَمَّا بَعْدَ) حَمْدِ اللَّهِ عَلَى آلَائِهِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى وَاسِطَةِ عِقْدِ أَوْلِيَائِهِ وَأَصْحَابِهِ وَتَابِعِيهِ حُمَاةِ دَيْنِ اللَّهِ مِنْ سَفَاسِفِ كُلِّ جَاهِلٍ عَنِيدٍ وَغَوَائِلِ إغْوَائِهِ فَهَذَا كِتَابٌ لَقَّبْته كَشْفَ الْغَيْنِ عَمَّنْ ضَلَّ عَنْ مَحَاسِنِ قُرَّةِ الْعَيْنِ دَعَانِي إلَيْهِ أَنِّي لَمَّا فَرَغْت مِنْ كِتَابِيّ قُرَّةِ الْعَيْنِ بِبَيَانِ أَنَّ التَّبَرُّعَ لَا يُبْطِلُهُ الدَّيْنُ الَّذِي أَلَّفْته جَوَابًا عَنْ إفْتَاءٍ وَتَأْلِيفٍ فِي بُطْلَانِهِ لِمُفْتِي زَبِيدٍ الْقَائِلِ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدِ مِنْ عُلَمَائِهَا أَنَّهُ عَنِيدٌ وَأَيُّ عَنِيدٍ انْتَشَرَ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةَ فَكَتَبَهُ الْمِصْرِيُّونَ وَالْيَمَانِيُّونَ فَلَمَّا اطَّلَعَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْإِفْتَاءِ وَالتَّأْلِيفِ كَرَّرَ غَلَطَهُ الْمُشْتَمِلَ عَلَى كَثِيرِ هَذْرٍ وَهَذَيَان وَسَفَاهَةٍ وَطُغْيَانٍ وَقَبَائِحَ تُصَمُّ عَنْهَا الْآذَانُ وَفَضَائِحَ لَا يَصْدُرُ مِثْلُهَا إلَّا مِمَّنْ مَانَّ وَخَانَ وَوَصَمَاتٍ يَبْقَى عَارُهَا أَبَدَ الْآبِدِينَ وَصَدَمَاتٍ ظَنَّ أَنْ لَا يَتَيَقَّظَ لَهَا أَحَدٌ مِنْ الْفُضَلَاءِ الْمُحَقِّقِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَوَّدَ الصَّحِيفَةَ وَأَوْجَبَ النَّارَ وَالْكَشِيفَةَ فِي عِدَّةِ تَصَانِيفَ فِي صُورَةِ تَأْلِيفِ يُرْسِلُهَا إلَى مَكَّةَ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ وَالْكَرَّةَ بَعْدَ الْكَرَّةِ حَتَّى أَوْجَبَ ذَلِكَ لِبَعْضِ فُضَلَاءِ الْمِصْرِيِّينَ أَنَّهُ رَفَعَ الْأَمْرَ لِعُلَمَاءِ بَلَدِهِ فَكُلُّهُمْ أَطْبَقُوا أَنَّهُ خَالَفَ الصَّوَابَ وَالْمَنْقُولَ وَسَلَكَ مَسَالِكَ الْعِنَادَ وَالتَّعَسُّفِ الْغَيْرِ الْمَنْقُولِ ثُمَّ أَرْسَلَ خُطُوطَهُمْ لِمَكَّةَ فَأَحْصَوْا بِضْعًا وَسَبْعِينَ نَفْسًا وَوَافَقَهُمْ الْمَكِّيُّونَ أَيْضًا مُشِيرِينَ كُلُّهُمْ إلَى أَنَّ مَا رَقَمَهُ حَقِيقٌ بِأَنْ يُنْبَذَ وَرَاءَ الظَّهْرِ وَلَا يُسَامَ بِثَمَنٍ وَلَا مَهْرٍ وَلِمَ لَا وَلَمْ يُمَنَّ بِقِرَاعِ الْأَبْطَالِ الْمَيَامِينِ وَلَمْ يُدْفَعْ إلَى جَدَلٍ مِمَّا يَعْرُكُ عَرْكَ الْأَدِيم وَلَمْ يُرْزَقْ أَرَيْبًا وَلَا نَاصِحًا لَبِيبًا يَصُدُّهُ عَنْ التَّهَوُّر وَالْبُهْتَانِ وَالتَّقَوُّلِ وَالشَّنَاعَةِ وَالْعُدْوَانِ فَلْيَأْخُذْ مَا يَأْتِيه مِنْ وَضَائِحِ الرَّدِّ وَحَقَائِقِ الْحَقِّ وَالنَّقْدِ لَا لِتَنْقِيصِ ذَاتِهِ بَلْ لِرَدِّ قَوْلِهِ وَهُنَيْهَاتِهِ امْتِثَالًا لِمَا أَخَذَهُ اللَّهُ مِنْ الْمِيثَاقِ وَتَعْوِيلًا عَلَى مَا يُسَلِّمهُ تَالِد مِنْ خُلُوِّ قُلُوبِنَا عَنْ الْحِقْدِ وَالْحَسَدِ وَالنِّفَاقِ وَإِنَّمَا اضْطَرَّنَا إلَى ذَلِكَ خَوْفُ اغْتِرَارِ الْعَوَامّ بِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ السَّقَطَاتِ وَالْأَوْهَامِ مِمَّا قَدْ يَسْتَزِلُّ الضُّعَفَاءَ الْقَاصِرِينَ وَلَمْ يَجْرِ عَلَى سَنَنِ الْمُحَصِّلِينَ فَضْلًا عَنْ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ فَشَرَعْتُ فِي بَيَانِ مَا فِيهَا مِمَّا لَا يُدْرِكُ الْقَاصِرُونَ مَا فِي مَطَاوِيهَا مُسْتَعِيذًا بِاَللَّهِ مِنْ الْخَطَإِ وَالْخَطَلِ وَمُسْتَعْفِيًا مِنْ الْعِثَارِ وَالزَّلَلِ وَمُسْتَعِينًا بِهِ وَمُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ وَمَادًّا أَكُفَّ الضَّرَاعَةِ إلَيْهِ وَأَنْ يُصْلِحَ جَمِيعَ أَحْوَالِي وَأَحْوَالِهِ وَأَنْ يُطَهِّرَهَا مِنْ حُظُوظِ نُفُوسِنَا فِي أَقْوَالِ كُلٍّ وَأَفْعَالِهِ وَأَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا فِي الْمُبَاحَثَاتِ الْعِلْمِيَّةِ بِسَدَدِهِ مِمَّا جَاءَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ أَنَّهُمَا كَانَا يَتَنَازَعَانِ فِي الْمَسَائِلِ الْعِلْمِيَّةِ حَتَّى يُقَالَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يُخَاطِبُ صَاحِبَهُ بَعْدُ فِي زَمَنٍ مِنْ الْأَزْمَانِ ثُمَّ لَا يَقُومَانِ مِنْ مَجْلِسِهِمَا إلَّا وَهُمَا عَلَى غَايَةٍ مِنْ الصَّفَاءِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْوَفَاءِ

لِمَا أَنَّهُمَا طُهِّرَا مِنْ حُظُوظِ النُّفُوسِ الْمُهْلِكَةِ وَأَهْوِيَتِهَا وَتَحَلِّيًا بِمَعَانِي الْأَخْلَاقِ الْكَرِيمَةِ وَأُمْنِيَّتِهَا وَكَذَا مِمَّا جَاءَ عَمَّنْ اسْتَمْسَكَ بِهَدْيِهِمَا وَهَدْيِ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ أَدَامَ اللَّهَ عَلَيْهِمْ شَآبِيبَ الرَّحْمَةِ وَالرِّضْوَانِ وَلَقَدْ وَقَعَ لِشَيْخِنَا زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ ثَرَاهُ فِي مَسْأَلَةٍ فِي الْوَقْفِ أَنَّهُ وَبَعْضَ الْحَنَفِيَّةِ تَجَاذَبَ فِيهَا أَنْظَارَهُمَا وَتَكَرَّرَتْ فِي أَحْوَالِهَا فَتَاوِيهِمَا مَعَ الْإِغْلَاظِ مِنْ كُلٍّ فِي الرَّدِّ عَلَى الْآخَرِ لَكِنْ بِمَا لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ إلَّا بَيَان الْحَقِّ مَعَ صَفَاءِ الْخَاطِرِ وَصَلَاحِ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ بِدَلِيلِ بَقَاءِ مَحَبَّتِهِمَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ وَمَزِيد مُوَاصَلَةِ كُلٍّ لِلْآخَرِ بِالثَّنَاءِ وَالتَّرَدُّدِ إلَيْهِ هَذَا مَعَ أَنَّ شَيْخَنَا كَانَ لَهُ فِي تَحَمُّلِ الرَّدِّ وَأَذَى مُعَاصِرِيهِ الْقَدَمُ الرَّاسِخُ وَإِيصَالُ قَاطِعِيهِ الطَّوْدُ الشَّامِخُ وَمِنْ ثَمَّ أَظْهَرَهُ اللَّه ظُهُورًا لَمْ يَنَالُوهُ وَأَبْقَى لَهُ مِنْ الْآثَارِ الْحَمِيدَةِ وَالتَّآلِيفِ الْفَرِيدَةِ مَا لَمْ يُؤَمِّلُوهُ حَقَّقَ اللَّهُ لَنَا اقْتِفَاءَ تِلْكَ الْآثَارِ وَأَجَارَنَا مِنْ الْفِتَنِ وَالْمِحَنِ وَسَائِرِ الْآضَارِ إنَّهُ الْكَرِيمُ الْغَفَّارُ الْحَلِيمُ السَّتَّارُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ مُتَمَثِّلًا بِمَا دَعَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِقَائِلِهِ إنَّ اللَّهَ - هُنَا بَيَاضٌ بِالْأَصْلِ - وَلَا خَيْرَ فِي حِلْمٍ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ... بَوَادِرُ تَحْمِي صَفْوَهُ أَنْ يُكَدَّرَا وَلَا خَيْرَ فِي جَهْلٍ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ... حَلِيمٌ إذَا مَا أَوْرَدَ الْقَوْم أَصْدَرَا وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ لِابْنِ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمَّا أَرَادَ الْخِلَافَةَ وَقَدْ خُلِّيَتْ الدَّارُ مُتَمَثِّلًا يَا لَك مِنْ قُبُّرَةٍ بِمَعْمَرِ ... خَلَا لَكِ الْبَرُّ فَبِيضِي وَاصْفِرِي وَنَقِّرِي مَا شِئْت أَنْ تُنَقِّرِي ... صَنَادِدُ الْبُومِ عَلَيْك تَجْتَرِي وَمُصَنَّفَاتُهُ تِلْكَ قِسْمَانِ أَكْثَرُهَا تَكْرِيرٌ لِمَا مَرَّ فِي كِتَابِهِ الْأَوَّلِ الَّذِي رَدَدْته وَنَقَدَتْهُ فَلَمْ أَرَهُ إلَّا زَيْفًا وَحِرَافًا وَحَيْفًا وَهَذَا الْقِسْمُ لَا أَتَعَرَّضُ لَهُ إلَّا نَادِرًا وَالْقِسْمُ الثَّانِي اشْتَمَلَ إمَّا عَلَى بُهْت يَخْتَرِعُهُ اخْتِرَاعًا قَبِيحًا ثُمَّ يُرَتِّبُ عَلَيْهِ مَا ظَنَّ أَنَّهُ لَا يُكْشَفُ كَشْفًا صَرِيحًا وَإِمَّا عَلَى عَدَمِ فَهْمٍ وَتَصَوُّرٍ لَمَا يَعْتَرِضُهُ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَتَخَيَّلُ أَنَّهُ يَرُدُّهُ وَيَنْقُضُهُ وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الَّذِي أَتَعَرَّضُ لَهُ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَى صِغَارِ الطَّلَبَةِ فَضْلًا عَنْ الْفُضَلَاءِ وَالْأَئِمَّةِ النُّبَلَاءِ لِمَا آتِي بِبَسْطِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَأُبَيِّنُ عَوَارَهُ فِي الْأَكْثَرِ وَأُقِيمُ عَلَى ذَلِكَ الْبَرَاهِينَ الصَّحِيحَةَ الَّتِي هِيَ مِنْ الشَّمْسِ أَظْهَرُ وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ تَبْلُغُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ مَوْضِعًا الْأَوَّلُ تَعَجُّبٌ بِحَسَبِ مَا حَرَّفَهُ فَهْمُهُ مِنْ رَدِيءٍ لِتَخْرِيجِ ابْنِ الرِّفْعَةِ مَعَ جَرَيَانِي فِي كُتُبِي عَلَيْهِ وَبِفَرْضِ صِحَّةِ ذَلِكَ أَيُّ تَعَجُّبٍ فِيهِ مَعَ أَنَّ مَنْ لَهُ أَدْنَى مُمَارَسَةٍ بِكُتُبِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقَعُ لَهُمْ كَثِيرًا أَنَّهُمْ يُخَالِفُونَ فِي فَتَاوِيهِمْ مَا فِي مُؤَلِّفَاتِهِمْ وَفِي بَعْضِ مُؤَلِّفَاتِهِمْ مَا فِي بَقِيَّتهَا فَلَا تَعْجَبْ مِنْ ذَلِكَ بِوَجْهٍ وَإِنَّمَا قَصْدُهُ مِنْ نَحْوِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ إيهَامُ الْأَغْبِيَاءِ مِثْلِهِ أَنَّ هَذَا تَنَاقُضٌ قَادِحٌ مُخِلٌّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَدْنَى مُتَعَلِّمٍ عَلَى أَنَّ قَوْلِي قَضِيَّةُ تَخْرِيجِ ابْنِ الرِّفْعَةِ كَذَا لَا يَقْتَضِي أَنِّي مُرْتَضِيهِ أَوْ مُعْتَمِدُهُ فَكَمْ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ يَذْكُرُونَهَا وَيَسْكُتُونَ عَلَيْهَا وَلَا تَكُونُ مُعْتَمَدَةً لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ إلَّا جَاهِلٌ مُبْتَدِعٌ لَا مُسْتَقِرٍّ وَلَا مُتَتَبِّعٌ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اعْتِمَادِي لِأَصْلِ التَّخْرِيجِ أَنِّي فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ الْكَبِيرِ قَصَرْته عَلَى الصَّدَقَةِ وَفَرَّقْت بَيْنَهَا وَبَيْنَ نَحْوِ الْهِبَةِ بِمَا مَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي قُرَّةِ الْعَيْنِ مَعَ بَيَانِ غَلَطِ هَذَا الْعَنِيدِ فِيمَا وَقَعَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَيَأْتِي تَكْرِيرُهُ كَذَلِكَ وَتَكْرِيرُنَا لِرَدِّهِ آخِرَ الْكِتَابِ وَلَقَدْ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ فِي التَّفْلِيسِ بَعْدَ كَلَامٍ سَاقَهُ نَعَمْ اسْتِيلَاده أَيْ الْمُفْلِس هَلْ يَنْفُذُ ذَكَرْت فِي الْكِفَايَةِ شَيْئًا لَمْ أَرْضَهُ الْآن فَإِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ نُفُوذُهُ بِكُلِّ حَالٍ الْمَوْضِعُ الثَّانِي مِنْ تِلْكَ الْقَبَائِحِ قَوْلُهُ كَيْفَ وَقَدْ أَطْبَقَ عَلَى حُكْمِهَا الْمُتَأَخِّرُونَ إلَّا مَنْ شَذَّ فَهِيَ مِنْ مَنْقُولِ الْمَذْهَبِ هَذَا مِنْ أَوَّلِ شَقَاشِقِهِ وَافْتِرَائِهِ الَّتِي قَدَّمْنَا فِي الْقُرَّةِ بُطْلَانَهَا بِالنُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ مِنْ كَلَامِ الشَّاشِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَهُمْ إنَّمَا عَبَّرُوا بِقَوْلِهِمْ وَقَضِيَّةُ كَذَا وَهَذَا لَا يَقْتَضِي اعْتِمَادَهُ لِأَمْرَيْنِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ قَضِيَّتَهُ وَعَلَيْهَا يُحْتَمَل أَرَادَهَا وَأَنَّ لَا وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ سُكُوتَهُمْ عَلَيْهَا لَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ يُوَافِقُونَهُ عَلَيْهَا لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ أَرَادَهَا وَمَنْ

تَأَمَّلَ كَلِمَاتِ الْمُؤَلِّفِينَ عَلِمَ ذَلِكَ وَلَمْ يُرَتِّبْ فِيهِ وَتَأَمَّلْ غِشَّهُ لِنَفْسِهِ وَالْمُسْلِمِينَ فَإِنِّي ذَكَرْت لَهُ فِي الْقُرَّةِ نُصُوصَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ الْمُصَرَّحَةِ بِخِلَافِ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ لِقَوْلِ الْجَوَاهِرِ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْوَاهِبِ إلَّا أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ بِنُفُوذِ الْعِتْقِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ الْمُعْتَقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الصَّرَائِحِ الْمُنَادِيَةِ عَلَيْهِ بِالْبَوَارِ وَالْخَسَارِ الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ مِنْ تِلْكَ الْقَبَائِحِ الطَّوِيلَةِ فِي أَنَّ الْبُطْلَانَ فِي هِبَةِ الْمَاءِ وَفِي الرِّشْوَةِ مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ وَأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ أَقْوَى لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لِحَقِّ اللَّهِ بِخِلَافِ الرِّشْوَةِ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ فِيهَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِأَحَدٍ وَاسْتِنْتَاجُهُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ التَّحْرِيمَ الْمُتَعَلِّقَ بِحَقِّ الْآدَمِيِّ أَقْوَى. اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ هَذَيَانٌ لَا حَاصِلَ لَهُ لَا سِيَّمَا إذَا نَظَرَ إلَى افْتِرَائِهِ أَنَّ التَّحْرِيمَ فِي الرِّشْوَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِأَحَدٍ وَإِلَى اسْتِنْتَاجِهِ الْمَذْكُورِ مَعَ أَنَّ الَّذِي مَهَّدَهُ إنَّمَا يُنْتِجُ أَنَّ التَّحْرِيمَ الْمُتَعَلِّقَ أَقْوَى مِمَّا لَمْ يَتَعَلَّق بِهِ حَقٌّ لِأَحَدٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدُ بِوَرَقَاتٍ الْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ بَيْنَ هِبَةِ الْمَاءِ وَالرِّشْوَةِ مُجَرَّدُ التَّحْرِيمِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى تَعَيُّنٍ وَغَيْرِهِ وَوَجْهُ بُطْلَانِ هَذَا الْهَذَيَانِ الْغَنِيِّ عَنْ الْبَيَانِ لَوْلَا مَا مَرَّ مِنْ خَشْيَةِ تَوَهُّمِ الْقَاصِرِينَ أَنَّ الَّذِي حَقَّقْته وَقَرَّرْته فِي الْقُرَّةِ أَنَّا لَا نَنْظُرَ إلَى التَّحْرِيمِ الْمُتَعَلِّقِ بِخُصُوصِ الْآدَمِيِّ أَوْ بِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا نَنْظُرُ إلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ أَوْ لَازِمِهَا وَإِلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِخَارِجٍ عَنْهُمَا وَمَسْأَلَةُ هِبَةِ الْمَاءِ وَالرِّشْوَةِ مِنْ الْقَبِيلِ الْأَوَّلِ وَمِنْ ثَمَّ بَطَلَ بَيْعُ الْمَاءِ وَلَوْ بِأَضْعَافِ ثَمَنِهِ بِخِلَافِ تَبَرُّعِ مَدِينٍ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مِنْ الْقَبِيلِ الثَّانِي فَبَطَلَ مَا طَوَّلَهُ وَاسْتَنْتَجَهُ. ثُمَّ قَوْلُهُ إنَّ التَّحْرِيمَ فِي الرِّشْوَة لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِأَحَدٍ مُرَادُهُ بِدَلِيلِ جَعْلِهِ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْمُتَعَلِّقِ بِحَقِّ اللَّه أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْآدَمِيِّ وَهَذَا مِمَّا يُعْلِمُك بِجَهْلِهِ وَيُوقِظُك إلَى أَنَّهُ غَافِلٌ عَنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ جَاهِلٌ بِكَلَامِ الْأُصُولِيِّينَ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ بِأَسْرِهَا لَا يَخْلُو كُلٌّ مِنْهَا عَنْ أَنَّ الْمَلْحَظَ فِي تَحْرِيمِهِ إمَّا رِعَايَةُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقِّ الْآدَمِيِّ أَوْ حَقِّهِمَا وَإِمَّا خُلُوُّ حُكْمٍ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَلَيْسَ بِوَاقِعٍ بَلْ وَلَا مُتَعَقَّلٍ لِأَنَّ شَرْعَ الْحُكْمِ إمَّا لِمُصْلِحَةٍ تَظْهَرُ فِيهِ أَوْ لِلتَّعَبُّدِ وَكِلَاهُمَا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَلَوْلَا أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ عَامِّيٌّ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَمُقَدِّمَاتُهُ لَمْ تَمُرُّ بِفِكْرِهِ وَلَا اخْتَلَجَتْ فِي سِرِّهِ إذْ زَعْمُهُ أَنَّ التَّحْرِيمَ فِي الرِّشْوَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِأَحَدٍ نَزْعَةٌ فَلْسَفِيَّةٌ نَاشِئَةٌ عَنْ الْإِيجَابِ الذَّاتِيِّ الَّذِي هُوَ كُفْرٌ صُرَاحٌ لَكِنَّ مَحَبَّةَ التَّشْنِيعِ بِمَا لَمْ يُعْقَلْ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَالْمُبَادَرَةَ إلَى الْمَنْقُولِ بِالْهَوَى فِيمَا لَمْ يَتَأَهَّلْ لِلْوُصُولِ إلَيْهِ يُوجِبَانِ الْوُقُوعَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْوَرْطَةِ وَزَلَّةِ الْقَدَمِ بِالِارْتِبَاكِ فِي هَذِهِ السَّقْطَةِ. وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْعَضُدِ رَدًّا عَلَى بَعْضِ مُعَاصِرِيهِ أَمَّا مَنْ لَا يَأْمَنُ مَعَ الدَّغْدَغَةِ سُوءَ الْعِثَارِ وَيَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَقُودُ عَصَاهُ فِي ضَوْءِ النَّهَارِ فَإِذَا سَابَقَ فِي الْمِضْمَارِ الْعِتْقَ الْجِيَادَ وَنَاضَلَ عِنْدَ الرِّهَانِ ذَوِي الْأَيْدِي الشِّدَادِ فَقَدْ جَعَلَ نَفْسَهُ سُخْرِيَةً لِلسَّاخِرِينَ وَضُحْكَةً لِلضَّاحِكِينَ وَدَرِيئَةً لِلطَّاعِنِينَ وَعَرْضًا لِسِهَامِ الرَّاسِفِينَ الْمَوْضِعُ الرَّابِعُ قَوْلُهُ مُشِيرًا إلَى رَدِّ الْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرْته آنِفًا بَيْنَ هِبَةِ الْمَاءِ وَهِبَةِ الدَّيْنِ وَلَا يَصِحُّ الْفَرْقُ بِتَعَيُّنِ الْمَاءِ دُونَ الْمَالِ لِأَنَّ مَعْنَى التَّعَيُّنِ فِيهِمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فَكَمَا يَجِبُ الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ الْمَذْكُورِ يَجِبُ قَضَاءُ الدَّيْنِ فِي الْمَالِ الْمَذْكُورِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ الَّذِي فِي الْأَصْلِ تَعَلُّقُهُ بِالذِّمَّةِ فَهُوَ فِي هَذِهِ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ وَبِالْعَيْنِ وَكَذَلِكَ الطَّهَارَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالذِّمَّةِ وَبِالْعَيْنِ أَيْضًا وَمَسْأَلَةُ تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِعَيْنِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ قَطْعِ النَّظَرِ إلَى الذِّمَّةِ. اهـ. وَهَذَا مِنْهُ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ مَا قَرَّرْته وَلَا حَامَ حَوْلَ حِمَى مَا وَضَّحْته فِي الْقُرَّةِ وَكَرَّرْته وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ إنَّ التَّعَيُّنَ فِيهِمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ مُكَابَرَةٌ قَبِيحَةٌ كَيْفَ وَتَعَيُّنُ الْمَاءِ يَمْنَعُ إخْرَاجَهُ عَنْ مِلْكِهِ حَتَّى بِالْبَيْعِ بِأَضْعَافِ الْقِيمَةِ بِخِلَافِ تَعَيُّنِ الْمَالِ لِلَّذِي زَعَمَهُ فَإِنَّهُ وَإِنْ سَلِمَ لَهُ لَا يَمْنَعُ عَلَى زَعْمِهِ إلَّا مُجَرَّدَ التَّبَرُّعِ لَا غَيْر كَمَا قَرَّرْت ذَلِكَ فِي الْقُرَّةِ فَمَنْ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ الْفَرْقِ الَّذِي هُوَ أَظْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ ثُمَّ كَابَرَ وَزَعَمَ أَنْ لَا فَرْقَ وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْخَيَالِ حَقِيقٌ بِأَنْ يُقَالَ فِيهِ سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْت مُغَرِّبًا ... شَتَّانَ مَا بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ

وَأَنَّى لَهُ بِغَوْصٍ عَلَى مَعْنًى دَقِيقٍ وَغَوْصٍ فِي أَدْنَى تَحْقِيقٍ وَإِنَّمَا هُوَ يُلَفِّقُ الْأَلْفَاظَ لَا يَدْرِي مَا تُؤَدِّي إلَيْهِ وَلَا مَا يُحِيطُ أَمْرُهَا عَلَيْهِ كَيْفَ وَقَدْ قَالَ لَيْسَ الْفِقْهُ إلَّا الْفَرْقَ وَالْجَمْعَ فَهُمَا مُهْلِكَانِ انْقَطَعَتْ فِيهِمَا أَعْنَاق أَمْثَالِهِ وَشَامِخَاتٌ أَعْيَتْ عَنْ الرُّقِيِّ إلَيْهَا أَطْمَاعُ آمَالِهِ وَمِنْ تَمَامِ خَبَالِهِ زَعْمُهُ أَنَّ الطَّهَارَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالذِّمَّةِ النَّاشِئُ عَنْ عَدَمِ فَهْمِ مَعْنَى التَّعَلُّقِ بِالذِّمَّةِ وَكَيْفِ يُتَعَقَّلُ تَعَلُّقُ الطَّهَارَةِ بِالذِّمَّةِ الَّتِي هِيَ اصْطِلَاحًا مَعْنًى اعْتِبَارِيٌّ يَنْشَأُ عَنْهُ الْإِلْزَامُ وَالِالْتِزَامُ قَائِمٌ بِالْإِنْسَانِ حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالطَّهَارَةِ مَدْلُولَهَا الْمَجَازِيَّ وَهُوَ الْأَفْعَالُ الْحِسِّيَّةُ فَتَعَلُّقُ هَذِهِ الْأَفْعَالِ بِذَلِكَ الْمَعْنَى الِاعْتِبَارِيِّ عَلَى جِهَةِ قِيَامِ أَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ غَيْرَ مُتَعَقَّلٍ لِبُعْدِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْقِيَاسِ أَوْ مَدْلُولِهَا الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ زَوَالُ الْمَنْعِ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ أَيْضًا لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يُوجَدُ بَعْدَ اسْتِعْمَالِهِ فِي تِلْكَ الْأَفْعَالِ وَبِاسْتِعْمَالِهِ فِيهَا يَزُولُ التَّعَلُّقُ فَتَوَقُّفُ التَّعَلُّقِ بِالذِّمَّةِ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِهِ قَبْلَهُ نَاشِئٌ عَنْ عَدَمِ تَصَوُّرِهِ لِمَا يَقُولُ وَإِلَّا لَمْ يَأْتِ بِهَذِهِ الْفَضَائِحِ الَّتِي سَوَّدَتْ ذِهْنَ مُخْتَرِعِهَا وَتَحَقَّقَ قُصُورُ مُخْتَرِعِهَا الْمَوْضِعُ الْخَامِسُ وَمِنْ فَضَائِحِهِ أَيْضًا قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ تَعَلُّقُ الزَّكَاةِ إلَخْ وَهَذَا يُنْبِئُ عَنْ أَنَّهُ لَا يَفْهَمُ فَرْقًا بَيْنَ الْعِبَادَةِ الْبَدَنِيَّةِ الْمَحْضَةِ وَالْمَالِيَّةِ الْمَحْضَةِ وَالْمُرَكَّبَةِ مِنْهُمَا وَالزَّكَاةُ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ تَارَةً يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَتَارَةً بِالذِّمَّةِ بِخِلَافِ الطَّهَارَةِ فَإِنَّهَا مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّعَلُّقُ بِالذِّمَّةِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ لِأَدْنَى الطَّلَبَةِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ تُفْعَلْ عَنْ الْغَيْرِ بِإِذْنٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا يَرِدُ الصَّوْمُ لِأَنَّ لِلْمَالِ دَخْلًا فِيهِ بِالنَّصِّ فَهُوَ كَالْحَجِّ وَإِنْ فَارَقَهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى هِيَ فِعْلُ الْأَجْنَبِيِّ لَهُ عَنْ الْمَيِّتِ بِلَا إذْنِ أَحَدٍ بِخِلَافِ الصَّوْمِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إذْنِ الْقَرِيبِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَالَ مُتَأَصِّلٌ فِي الْحَجِّ أَكْثَرَ مِنْ تَأَصُّلِهِ فِي الصَّوْمِ فَسُومِحَ فِي سُقُوطِ الْحَجِّ عَنْ الذِّمَّةِ بِمَا لَمْ يُسَامَحْ بِهِ فِي سُقُوطِ الصَّوْمِ نَظَرًا لِمَا فِي الْحَجِّ مِنْ شَائِبَةِ الْمَالِ السَّابِقَةِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا الْمُشَقْشِقِ لَا يَقْبَلُ طَبْعُهُ الْخَوْضَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الدَّقَائِقِ وَأَنَّى لَهُ بِذَلِكَ وَهُوَ يَسْتَدِلُّ عَلَى تَعَلُّقِ الطَّهَارَةِ بِالذِّمَّةِ أَيْضًا بِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالذِّمَّةِ وَلَمْ يَتَعَقَّلْ مَا بَيْنَهُمَا إيثَارًا لِلرَّجْمِ بِالْغَيْبِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ فِي هُوَّةِ الشَّطَطِ وَلَا مَنِيَّتَهُ لِأَبْعَدِ الضَّلَالِ وَأَقْبَحِ الْغَلَطِ عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ إنَّمَا هُوَ فِي تَعَلُّقِ الطَّهَارَةِ بِالْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَيْسَتْ الزَّكَاةُ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا تَارَةً تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَتَارَةً تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَأَمَّا تَعَلُّقُهَا بِهِمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ الَّذِي أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ فَهُوَ مِنْ فَرَطَاتِهِ الْقَبِيحَةِ أَيْضًا الْمَوْضِعُ السَّادِسُ مِنْ تِلْكَ الْقَبَائِحِ أَيْضًا قَوْلُهُ بَعْدَ كَلَامٍ طَوَّلَهُ هُنَا وَبَالَغْت فِي رَدِّهِ عَلَيْهِ فِي الْقُرَّةِ وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَيْ هِبَةِ الْمَاءِ وَهِبَةِ الدَّيْنِ فَلَا مَعْنَى لَهُ إذْ التَّعَيُّنُ فِيهِمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءَ إمَّا صِحَّةً وَإِمَّا بُطْلَانًا. اهـ. وَتَصْمِيمُهُ عَلَى هَذِهِ الْمَرَاتِبِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ مَا قَرَّرْتُهُ لَهُ مِنْ الْفَرْقِ الْوَاضِحِ الْمُعْتَرِف هُوَ بِهِ مِنْ أَنَّ الْمَاءَ حُظِرَ فِيهِ إخْرَاجُهُ عَنْ الْمِلْكِ وَلَوْ بِأَضْعَافِ الْقِيمَةِ وَالدَّيْنُ لَمْ يُحْظَرْ عَلَيْهِ إلَّا الْإِخْرَاجُ الَّذِي فِيهِ تَبَرُّعٌ لَا غَيْرُ يَزِيدُك فِيهِ بَصِيرَةً أَنَّهُ فِي غَايَةٍ مِنْ الْبَلَادَةَ وَالْعِنَادِ مَا مَثَلُهُ فِي ذَلِكَ إلَّا مَثَل رَجُلٍ تَقُولُ لَهُ هَذِهِ الشَّمْسُ تُشِيرُ إلَيْهَا لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ فَيَقُولُ لَك لَيْسَ فِي السَّمَاءِ شَمْسٌ أَصْلًا فَيُعْلَمَ حِينَئِذٍ أَنَّهُ سَفْسَطِيٌّ عِنَادِيٌّ لَيْسَ دَوَاؤُهُ إلَّا أَنْ يُوقَدَ عَلَيْهِ نَار الْأَدِلَّةِ الْيَقِينِيَّةِ إلَى أَنْ يَعْتَرِفَ أَوْ يَحْتَرِقَ وَبِهَذَا الْفَرْقِ الظَّاهِرِ يَبْطُلُ مَا فَرَّعَهُ عَلَيْهِ وَتَذْيِيلُهُ تَكْرَارٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَقَدْ بَالَغْت فِي الْقُرَّةِ فِي تَزْيِيفِ جَمِيعِ مَا أَبْدَاهُ مِمَّا لَمْ يُدْرِكْ فَحْوَاهُ فَضْلًا عَنْ مَغْذَاهُ وَكَيْفَ لَا وَهُوَ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى ذَلِكَ الْفَرْقِ الْوَاضِحِ يَزْدَادُ فِي تَكْرِيرِ سَفْسَطَتِهِ وَعِنَادِهِ وَفَضِيحَتِهِ فِي إصْدَارِهِ وَإِيرَادِهِ فَيَجْعَلُ الْمَسْأَلَتَيْنِ مُتَّحِدَتَيْنِ وَيَجْعَلُ الْعِلَّةَ حُرْمَةَ التَّسْلِيمِ فِيهِمَا قَالَ فَيَتَّحِدَانِ فِي الْبُطْلَانِ وَالشَّاشِيُّ قَائِلٌ بِالصِّحَّةِ فِي كُلٍّ وَالْعِلَّةُ عِنْدَهُ أَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَرْجِعُ لِمَعْنًى فِي الْعَقْدِ وَهَذَا بَاطِلٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ وَجَعْلُ حُرْمَةِ التَّسْلِيمِ بِمُجَرَّدِهَا عِلَّةً غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ أَمْرٌ عَامٌّ وَإِنَّمَا النَّظَرُ لَيْسَتْ هَذِهِ الْحُرْمَة وَهُوَ فِي هِبَتِهِ الْمَاءَ ذَاتِيٌّ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ لِمَعْنًى فِي ذَاتِ الْعَاقِدِ وَهُوَ عَجْزُهُ عَنْ تَسْلِيمه شَرْعًا وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِالتَّبَرُّعِ وَفِي هِبَةِ الْمَدِينِ عَرْضِيٌّ لِأَنَّهُ

لَا يَرْجِعُ لِمَعْنًى كَذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ تَقَيَّدَ التَّحْرِيمُ بِالتَّبَرُّعِ لَا غَيْرُ الْمَوْضِعُ السَّابِعُ قَوْلُهُ تَخْرِيجُ ابْنِ الرِّفْعَةِ حُكْمَ مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ عَلَى هِبَةِ الْمَاءِ تَخْرِيجٌ أَوْلَوِيٌّ حَقٌّ. اهـ. وَهَذَا مِنْ زِيَادَةِ شَقْشَقَتِهِ أَيْضًا لِمَا بَيَّنْته وَوَضَّحْته فِي الْقُرَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُسَاوِي مِدَادَهُ عَلَى أَنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ لَمْ يُخَرِّجْ الْحُكْمَ خِلَافًا لِمَا افْتَرَاهُ هَذَا الْعَنِيدُ وَإِنَّمَا خَرَّجَ الْخِلَافَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ التَّرْجِيحُ كَمَا مَرَّ بَسْطُهُ فِي الْقُرَّةِ ثُمَّ قَالَ عَنْ كَلَامِي فِي الْقُرَّةِ وَقَوْلُهُ إنَّ فِي الرِّشْوَةِ إكْرَاهًا مُجَرَّدُ دَعْوَى إذْ لَوْ كَانَ فِيهَا إكْرَاهٌ لِمَا أَشْبَهَ الْخِلَافَ فِي هِبَةِ الْمَاءِ إذْ لَيْسَ فِيهِ فِي هِبَةِ الْمَاءِ إكْرَاهٌ. اهـ. وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يَزِيدُ بَصِيرَتَك فِيهِ أَنَّهُ رَدِيءُ الْفَهْمِ فَاسِدُ التَّصَوُّرِ وَبَيَانُهُ أَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ مَعْنَى الْإِكْرَاهِ وَلَا وَجْهَ ذِكْرِهِ وَعِبَارَتِي وَمَسْأَلَةُ الرِّشْوَةِ مِنْ قَبِيلِ الْأَوْلَى أَيْ هِبَة الْمَاءِ فَحُرْمَتُهَا ذَاتِيَّةٌ لِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِهَا وَإِخْرَاجُهَا مِنْ يَدِهِ إنَّمَا هُوَ كَرْهٌ عَلَيْهِ فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَعْصِ الْمُعْطِي لِإِرْشَائِهِ عَلَى وُصُولِهِ لِحَقِّهِ انْتَهَتْ وَاعْتِرَاضُهُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ بِمَا ذَكَرَهُ مَعْذُورٌ فِيهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْهَمْهَا وَلَا أَدْرَكَ شَيْئًا مِمَّا انْطَوَتْ عَلَيْهِ وَبَيَانُهَا أَنَّهُمْ لَمَّا صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمُرْتَشِيَ لَا يَمْلِكُ الرِّشْوَةَ سَوَاءٌ أَثِمَ الرَّاشِي أَمْ لَا أَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَى تَعْلِيلِهِمْ الْبُطْلَانَ فِي هِبَةِ الْمَاءِ بِحُرْمَةِ التَّسْلِيمِ. وَوَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّ التَّسْلِيمَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِثْمِ بَاطِلٌ لِمَعْنَيَيْنِ ذَاتِيَّيْنِ هُمَا حُرْمَةُ التَّسْلِيمِ وَالْإِكْرَاهِ الْمَعْنَوِيّ وَبِحَقٍّ لِلْمَعْنَى الثَّانِي فَقَطْ وَهُوَ بِمُفْرَدِهِ مُقْتَضٍ لِلْإِبْطَالِ أَلَا تَرَى إلَى حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مَنْ أُخِذَ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى سَبِيلِ الْحَيَاءِ مِنْ غَيْرِ رِضَا مِنْهُ بِذَلِكَ لَا يَمْلِكُهُ الْآخِذُ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ فِيهِ إكْرَاهًا بِسَيْفِ الْحَيَاءِ فَهُوَ كَالْإِكْرَاهِ بِالسَّيْفِ الْحِسِّيِّ بَلْ كَثِيرُونَ يُقَابِلُونَ هَذَا السَّيْفَ وَيَتَحَمَّلُونَ مِرَارَ جُرْحَهُ وَلَا يُقَابِلُونَ الْأَوَّلَ خَوْفًا عَلَى مُرُوءَتِهِمْ وَوَجَاهَتِهِمْ الَّتِي يُؤْثِرُهَا الْعُقَلَاءُ وَيَخَافُونَ عَلَيْهَا أَتَمَّ الْخَوْفِ وَلَا شَكَّ أَنَّ لِلرَّاشِي بِحَقٍّ أَنْ يُخْرِجَ مَالَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِرِضَاهُ أَلْبَتَّةَ وَإِنَّمَا اضْطَرَّهُ الْمُرْتَشِي إلَى إعْطَائِهِ مَالَهُ كُرْهًا عَلَيْهِ إذْ الْغَرَضُ أَنَّهُ لَوْلَا إعْطَاؤُهُ لَمَا حَكَمَ لَهُ بِحَقِّهِ فَعَلِمْنَا أَنَّ عَدَمَ الْمِلْكِ فِي الرِّشْوَةِ إمَّا لِذَاتِيَّيْنِ أَوْ ذَاتِيٍّ وَاحِدٍ وَوَجْهُ كَوْنِ الْإِكْرَاهِ ذَاتِيًّا أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الذَّاتِيَّ هُوَ مَا رَجَعَ لِمَعْنًى فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ فِي الْعَاقِدِ وَالْإِكْرَاهُ مَعْنًى رَجَعَ فِي الْعَاقِدِ فَكَانَ ذَاتِيًّا فَتَأَمَّلْ هَذَا التَّحْقِيقَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَيْهِ تِلْكَ الْعِبَارَةُ تَعْلَمْ أَنَّ سَبَبَ اعْتِرَاضِهَا عَمَى الْبَصِيرَةِ وَالِارْتِبَاك فِي مُهَاوِي الْهَذَيَانِ وَالْحِيرَةِ الْمَوْضِعُ الثَّامِنُ ثُمَّ قَالَ اعْتِرَاضًا عَلَيَّ وَمِمَّا قَالَ الْمُتَجَلِّي مِنْ الْفُرُوقِ إنَّ مَسْأَلَةَ هِبَةِ الْمَدِينِ حَيْثُ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ فِيهَا خِلَافٌ فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَاءِ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ فِيهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ إلَى أَنْ قَالَ فَكَيْفَ مَعَ ذَلِكَ يَأْتِي الذَّمُّ بِبُطْلَانِ الصَّدَقَةِ مَعَ الْخِلَافِ فِي حُرْمَتِهَا وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ صَدَرَ مِنْ غَيْرِ إعْطَاءِ الْمَسْأَلَةِ حَقِّهَا مِنْ التَّأَمُّلِ. فَإِنَّ النَّوَوِيَّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ رَفَعَ الْخِلَافَ بِحَمَلَةِ الْإِطْلَاقَ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَنَّ حَاصِلَهُ الِاتِّفَاقُ عَلَى التَّحْرِيمِ حَيْثُ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ كَمَا أَنَّ حَاصِلَهُ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْجَوَازِ فِيمَنْ يَرْجُو الْوَفَاءَ فَهَذَا الْخِلَافُ الَّذِي أَبْدَاهُ فِي مَسْأَلَةِ هِبَةِ الْمَدِينِ الَّذِي يَرْجُو الْوَفَاءَ لَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا وَقَفْت عَلَيْهِ. اهـ. لَفْظه وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فَضَائِحَ تُنَادِي عَلَيْهِ بِالْغَبَاوَةِ وَعَدَمِ الْفَهْمِ وَالْجَهْلِ بِاصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَمَدْلُولِ عِبَارَاتهمْ أَمَّا أَوَّلًا فَقَوْلُهُ عَنِّي إنِّي قُلْت مُجْمَعٌ افْتِرَاءٌ وَجَهْلٌ وَعِبَارَتِي اتَّفَقُوا عَلَى الْحُرْمَةِ فِي الْمَاءِ دُونَ الصَّدَقَةِ فِي مَوْضِعٍ وَفِي آخَرَ لَا خِلَافَ وَفِي آخَرَ مَجْزُومٌ بِهِ وَشَتَّانَ بَيْن اتَّفَقُوا وَهَذَا مَجْزُومٌ بِهِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَبَيْنَ هَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْعِبَارَاتِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلُ يُقَالُ فِيهَا تَتَعَلَّقُ بِأَهْلِ الْمَذْهَبِ لَا غَيْرُ وَأَمَّا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَإِنَّهَا عِبَارَةٌ تُقَالُ فِيمَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ فَتَحْوِيل هَذَا الْمُعْتَرِضِ عِبَارَتِي مِنْ اتَّفَقُوا أَوْ لَا خِلَافَ فِيهِ أَوَمَجْزُومٌ بِهِ إلَى مُجْمَعٍ عَلَيْهِ مِمَّا قَضَى عَلَيْهِ بِجَهْلِ اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَمَنْ لَمْ يُحْسِنْ الْفَرْقَ بَيْنَ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ مَعَ زَعْمِهِ أَنَّ لَهُ فِي الِاشْتِغَالِ بِالْفِقْهِ لَا غَيْرُ نَحْوَ خَمْسِينَ سَنَةً حَقِيقٌ أَنْ لَا يُقَالَ لَهُ مَا أَحَقَّك بِأَنَّك رَاكِبٌ مَتْنَ عَمْيَاءَ وَخَابِطٌ خَبْطَ عَشْوَاءَ وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ ابْنِ قَيْسِ بْنِ الْحَطِيم وَدَاءُ النُّوكِ لَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ وَقَوْلَ الْعَضُدِ لَيْسَ لِمَرَضِ الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ مِنْ شِفَاءٍ وَأَمَّا ثَانِيًا فَقَوْلُهُ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ صَدَرَ إلَخْ هُوَ مِنْ قَبِيحِ غَبَاوَتِهِ

إذْ لَمْ يَفْهَمْ كَلَامَ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَا كَلَامَ الْأَصْحَابِ وَلَا حَامَ حَوْلَهُمَا بِوَجْهٍ وَلَعَمْرِي إنَّ مَنْ تَرَدَّى إلَى هَذِهِ الْهُوَّةِ مِنْ التَّحْرِيفِ وَسُوءِ الْفَهْمِ فَحَقِيقٌ بِأَنْ لَا يُجَاوِبَ وَلَا يُخَاطِبَ إذْ مُخَاطَبَةُ مِثْلِ هَذَا الْبَلِيدِ تُؤَدِّي إلَى مَا يُظْلِمُ الْقَلْبَ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي رَدْعِهِ وَزَجْرِهِ مِنْ السَّبِّ لَكِنْ أَلْجَأَهُ إلَى ذَلِكَ طَعَامُ أَحَدِ قِرَابِهِ حَتَّى خَرَجَ عَنْ طُورِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِمَرْتَبَتِهِ وَقَدْرِهِ وَلَمْ يَرَ فَوْقَهُ أَحَدًا فَوَقَعَ فِي الدَّاهِيَةِ الدَّهْيَا وَالْحَمَاقَةِ الْعُظْمَى كَيْفَ وَهُوَ فِي هَذَا الْمَبْحَثِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ الَّذِي فِي الْمُخْتَصَرَاتِ فَضْلًا عَنْ الْمُطَوَّلَاتِ وَكَأَنَّهُ مَا رَأَى مَا فِي الْمِنْهَاجِ الْمُصَرِّحِ بِثُبُوتِ الْخِلَافِ فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَرْجُو وَفَاءَهُ وَعِبَارَتُهُ قُلْتُ الْأَصَحُّ تَحْرِيمُ صَدَقَتِهِ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ أَوْ لِدَيْنٍ لَا يَرْجُو لَهُ وَفَاءً انْتَهَتْ فَهِيَ مُصَرِّحَةٌ بِوُجُودِ الْخِلَافِ بَلْ وَتُقَوِّيه فِيمَنْ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ وَبِهَذَا يَزْدَادُ تَعَجُّبُك مِنْ قَوْلِهِ فَهَذَا الْخِلَافُ الَّذِي أَبْدَاهُ فِي هَذَا الْمَدِينِ الَّذِي لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ لَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا وَقَفْت عَلَيْهِ. اهـ. وَحِينَئِذٍ فَقُلْ لَهُ أَعْمَى اللَّهُ بَصِيرَتَك بِسُوءِ تَصَرُّفِك وَفَهْمِك كَيْفَ مَسْأَلَةٌ صَرِيحَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي مَتْنِ الْمِنْهَاجِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ لَمْ تَرَهَا فِي شَيْءٍ مِمَّا وَقَفَ عَلَيْهِ هَلْ هَذَا إلَّا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْسَاك الْعِلْمَ لِيُحِقَّ عَلَيْك كَلِمَةَ الْحَمَاقَةِ وَالْجَهْلِ وَعَدَمِ الْحِلْمِ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِشَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَهُوَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى بَلَادَتِهِ وَعَدَمِ فَهْمِهِ لِعِبَارَتِهِ وَقَدْ ذَكَرْتهَا فِي الْقُرَّةِ وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ لَمَّا حَكَى فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ حُرْمَةَ التَّصَدُّقِ مِمَّا يَحْتَاجُهُ لِوَفَائِهِ وَكَرَاهَتِهِ عَنْ آخَرِينَ وَعَدَمِ اسْتِحْبَابِهِ عَنْ آخَرِينَ قَالَ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ حُصُولُ الْوَفَاءِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَلَا بَأْسَ بِالصَّدَقَةِ وَقَدْ تُسْتَحَبُّ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيل يُحْمَلُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ الْمُطْلَقِ. اهـ. فَتَأَمَّلْ فَرْضَهُ الْحُرْمَةَ فِيمَنْ تَصَدَّقَ بِمَا يَحْتَاجُهُ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ الْمُسْتَلْزِم أَنَّهُ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ ثُمَّ الْكَرَاهَة وَعَدَم الِاسْتِحْبَابِ فِي ذَلِكَ تَجِدُ عِبَارَتَهُ فِي أَنَّ كَثِيرِينَ قَائِلُونَ بِجَوَازِ التَّصَدُّق مِمَّا يَحْتَاجُهُ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ وَهَؤُلَاءِ هُمْ الْقَائِلُونَ بِمُقَابِلِ الْأَصَحِّ الْمَذْكُورِ فِي عِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُ وَالْمُخْتَارُ إلَخْ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْإِشَارَة إلَى غَيْرِ الْمَذْكُورِينَ مِمَّنْ أَطْلَقَ الْحُرْمَةَ أَوْ عَدَمَهَا فَهَذَانِ الْإِطْلَاقَانِ عَلَى الْحَالَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ الْمُطْلَقُ فَهَذَا يَرْجِعُ إلَى الْمُطْلِقِينَ غَيْر الْمَذْكُورِينَ لَا إلَى الْمَذْكُورِينَ لِأَنَّهُمْ مُقَيِّدُونَ لَا مُطْلِقُونَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ فَرَضَ الْحُرْمَةَ فِيمَنْ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ تَقْيِيدُ مُقَابِلِهَا بِذَلِكَ أَيْضًا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُقَابِلًا عَلَى أَنَّ قَوْلَ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَإِلَّا فَلَا لَيْسَ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ غَلَبَةِ ظَنِّ الْوَفَاءِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى بِهِ بَأْس أَوْ لَا يُسْتَحَبُّ وَالْأَخِيرُ وَاضِحٌ وَأَمَّا بِهِ بَأْسٌ فَكَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَحِينَئِذٍ يَزْدَادُ تَعَجُّبُك مِنْ افْتِرَاءِ هَذَا الْبَلِيدِ وَتَقَوُّلِهِ عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِقَوْلِهِ حَاصِلُهُ الِاتِّفَاقُ عَلَى التَّحْرِيمِ حَيْثُ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ أَنْ يَصِلَ التَّهَوُّرُ وَالِافْتِرَاءُ بِصَاحِبِهِ إلَى مِثْلِ هَذِهِ الْمُجَازَفَةِ كَيْفَ وَهُوَ لَمْ يَفْهَمْ مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا أَنَّهُ نَفَى لِمَاذَا وَهُوَ مَعْذُورٌ فَإِنَّهُ عَامِّيٌّ فِي الْعَرَبِيَّةِ بِأَنْوَاعِهَا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي عِبَارَة شَرْحِ الْمُهَذَّبِ يَرْجُو الْوَفَاءَ وَلَا عَدَمَهُ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ وَإِنَّمَا هُوَ لَازِمٌ لِقَوْلِهِ يَحْتَاجُهُ لِوَفَائِهِ كَمَا قَدَّمْته ثُمَّ وَإِنَّمَا عَبَّرُوا بِقَوْلِهِ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَبِقَوْلِهِ وَإِلَّا أَيْ وَإِلَّا يَغْلِبُ ذَلِكَ عَلَى ظَنِّهِ وَهُوَ صَادِقٌ بِرَجَاءِ الْوَفَاءِ بِلَا غَلَبَةٍ وَعَدَمُ رَجَائِهِ أَصْلًا لِأَنَّ السَّالِبَةَ تَصْدُقُ بِنَفْيِ الْمَوْضُوعِ كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ فَلَا صَادِق بِالْجَوَازِ وَالْحُرْمَةِ كَمَا قَرَّرْته وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ فِي عِبَارَتِهِ تَعَرُّضٌ لِمَنْ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ فَضْلًا عَنْ حِكَايَةِ الِاتِّفَاق عَلَى الْحُرْمَةِ فِيهِ فَبَانَ أَنَّ قَوْلَ هَذَا الْبَلِيدِ حَاصِلُهُ أَيْ التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الِاتِّفَاقُ عَلَى التَّحْرِيمِ حَيْثُ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ حَاصِلٌ مُنْهَدِمٌ عَلَى رَأْسِهِ مُؤْذِنٌ بِعَقْرِهِ مِنْ الْعِلْم وَنَفْسه هُدَانَا اللَّهُ وَإِيَّاهُ لِطَاعَتِهِ الْمَوْضِعُ التَّاسِعُ قَوْلُهُ وَقَدْ فَسَّرَ الْأَصْحَابُ عَدَمَ الْجَوَازِ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي نَصِّ الْأُمِّ فِي الْجِزْيَةِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فَلَازَمُوا بَيْنَ الْحُرْمَة وَالْبُطْلَانِ حَيْثُ وَجَدَ التَّحْرِيم فَهَذَا نَصٌّ مِنْ الْأَصْحَاب عَلَى أَنَّهُ حَيْثُ حَرَّمَ تَصَرُّف الْمُفْلِسِ كَمَا فِي صُورَةِ تَبَرُّعِ مَنْ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ فَتَبَرُّعُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ. اهـ. وَهَذَا كَلَامٌ رُدِئَ مَبْنِيُّ عَلَى فَسَادِ التَّصَوُّرِ وَالتَّحَيُّلِ لِأَنَّ الْأَصْحَابَ إذَا فَسَّرُوا نَصًّا فِي مَوْضِعٍ بِشَيْءٍ يُخَالِفُ مَدْلُولَهُ كَيْفَ يُقْضَى بِهِ عَلَى سَائِرِ الْمَوَاضِعِ

ثُمَّ يُسْتَنْتَجُ مِنْهُ أَنَّهُمْ لَازَمُوا بَيْنَ الْحُرْمَةِ وَالْبُطْلَانِ حَيْثُ وُجِدَ التَّحْرِيمُ وَهُوَ كَذِبٌ صَرِيحٌ وَتَقَوُّلٌ قَبِيحٌ وَكَيْفَ نَقُولُ ذَلِكَ وَهُمْ قَسَمُوا الْبُيُوعَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا إلَى بَاطِلٍ وَصَحِيحٍ وَكَذَا سَائِرُ الْعُقُودِ وَحِينَئِذٍ فَكَيْفَ يَسُوغُ لِمَنْ عِنْدَهُ أَدْنَى مُسْكَةٍ مِنْ عَقْلٍ فَضْلًا عَنْ فَضْلٍ أَزْيَدَ عَنْ هَذِهِ الْمُلَازَمَةِ فَهِيَ مُلَازَمَةٌ بَاطِلَةٌ مُسْتَنْتَجَةٌ مِنْ مُقَدِّمَةٍ بَاطِلَةٍ وَإِنَّمَا تَكَلَّمْت عَلَى قَوْلِهِ وَقَدْ فَسَّرَ الْأَصْحَابُ عَدَم الْجَوَازِ إلَخْ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِهِ ثُمَّ رَأَيْته بَعْدَ ذَلِكَ سَاقَ النَّصَّ الْمَذْكُورَ وَمَا ذَكَرَهُ وَلَيْسَ فِيهِ تَعْبِيرٌ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ كُلُّهُ كَذِبٌ مَحْضُ وَبُهْتَانٌ عَمْدٌ وَكَأَنَّ هَذَا الشَّقِيَّ ظَنَّ أَنَّ كِتَابَهُ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ السَّفَاهَةِ وَالْفُحْشِ لَا أَنْظُر فِيهِ فَيَتِمُّ تَرْوِيجُهُ عَلَى طُغَامِهِ وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ بَلْ نَظَرْتُ فِيهِ غَيْرَ مُلْتَفِتٍ إلَى تِلْكَ السَّفَاهَةِ وَالْحَمَاقَة لِأُبَيِّنَ كَذِبَهُ الشَّنِيعَ وَبُهْتَانَهُ الْفَظِيعَ وَغَايَةُ ذَلِكَ النَّصِّ أَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنَّ رَفْعَ الْمُفْلِسِ إلَى الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فَيُعَارِضُ تِلْكَ النُّصُوصَ الْآتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا وَلَا مُعَارَضَةَ لِأَنَّ مَا فِي الْجِزْيَةِ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ هَذَا الْجَاهِلُ الْمُفْتَرِي قَبَّحَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ كَانَ هَذَا سَبِيلَهُ كَانَ الْجَهْلُ ظِلَّهُ وَمَقِيلَهُ وَتَأَمَّلْ جَرَاءَتَهُ وَمُهَاجَمَتَهُ بِقَوْلِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ مَعَ الصِّحَّةِ فَهُوَ مُحَرِّفٌ لِلنُّصُوصِ وَمُغَلِّطٌ لِلْأَصْحَابِ تَجِدُهُ كَالْأَبْلَهِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ الْخِطَابَ وَلَا يُحْسِنُ رَدَّ الْجَوَابِ كَيْفَ وَسَبَبُ التَّحْرِيفِ وَالتَّغْلِيطِ الْأَخْذُ بِمَدْلُولِ كَلَامِهِمْ وَحَمْلُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَاز عَدَمُ الصِّحَّةِ كَمَا هُوَ بَدِيهِيُّ التَّعَقُّلِ وَنَصُّ الْإِدْرَاكِ مِنْ كَلَامِهِمْ وَلَا يُنْسَبُ لِذَلِكَ مَنْ اسْتَنْتَجَ مِنْ تَأْوِيلٍ مُتَعَيِّنٍ فِي مَحَلٍّ لِدَاعٍ دَعَا إلَيْهِ أَنَّ جَمِيعَ النُّصُوصِ كَذَلِكَ وَأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ الصِّحَّةِ حَيْثُ وُجِدَ التَّحْرِيمُ فَهَذَا الْمُتَقَوِّلُ الْمُخَلِّطُ الَّذِي لَا يَرْعَى لِحَقٍّ وَلَا يَهْتَدِي بِصَوَابٍ هُوَ الْمُحَرِّفُ الْمُغَلِّطُ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ تِلْكَ النُّصُوصَ وَمَا جُمْلَتُهَا عَلَيْهِ قَوْلُ الْأُمِّ فِي الرَّهْنِ وَلَوْ كَانَ رَهَنَهُ إيَّاهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا أَوْ وَلَدَتْ لَهُ وَلَا مَالَ لَهُ بِيعَ مِنْهَا بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَعَتَقَ مَا بَقِيَ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ عَتَقَ إلَخْ فَعُلِمَ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِتِلْكَ النُّصُوصِ فِي نُفُوذِ عِتْقِهِ وَغَيْرِهِ مَعَ إحَاطَةِ الدَّيْنِ بِمَالِهِ وَمِمَّا يَزْدَادُ عَجَبُك مِنْهُ أَنَّهُ لَمَّا سَاقَ نُصُوصَ الْأُمِّ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْقُرَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى تَصَرُّفِ الْمَدِينِ الْمُفْلِسِ قَبْلَ الْحَجْرِ وَلَوْ بَعْدَ الرَّفْعِ لِلْقَاضِي وَصَلَهُ أَنْ يُعَارِضَهَا بِنَصِّ الْأُمِّ فِي الْجِزْيَةِ وَلَفْظُهُ إذْ أُعْسِرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِالْجِزْيَةِ فَالسُّلْطَانُ غَرِيمٌ مِنْ الْغُرَمَاءِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِنَّ فَلَسَهُ لِأَهْلِ دَيْنِهِ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ ضَرَبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِحِصَّةِ جِزْيَتِهِ لِمَا مَضَى عَلَيْهِ مِنْ الْحَوْلِ وَإِنْ قَضَاهُ الْجِزْيَةَ دُونَ الْغُرَمَاءِ كَانَ لَهُ مَا لَمْ يَسْتَعْدِ عَلَيْهِ غُرَمَاؤُهُ فَإِذَا اسْتَعْدَى عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ جِزْيَتَهُ دُونَهُمْ لِأَنَّ عَلَيْهِ حِينَ اسْتَعْدَى عَلَيْهِ إنْ بَقِيَ مَا لَهُ إذَا أَقَرَّ بِهِ أَوْ بَيَّنَ بَيِّنَةً فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ لَمْ يُقِرّ وَاسَتَعْدَى عَلَيْهِ كَانَ لَهُ أَخْذُ جِزْيَتِهِ دُونَهُمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَقٌّ حِينَ أَخَذَ جِزْيَتَهُ. اهـ. فَانْظُرْ حَتَّى تَعْلَمَ كَذِبَهُ فِي نِسْبَتِهِ إلَى هَذَا النَّصِّ أَنَّ فِيهِ عَدَمَ الْجَوَازِ وَإِلَى الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ أَوَّلُوا مَا فِيهِ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ بِعَدَمِ النُّفُوذِ سُبْحَانك هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ وَرَقَاتٍ وَهَذَا نَصُّ الْأُمِّ فِي الْجِزْيَةِ مُصَرِّحٌ بِعَدَمِ جَوَازِ التَّصَرُّفِ قَبْلَ الْحَجْرِ وَكَرَّرَ ذَلِكَ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فِي كِتَابِهِ مِنْهَا قَوْلُهُ أَيْضًا وَقَدْ فَسَّرَ الْأَصْحَابُ نَصَّهُ فِي الْجِزْيَةِ السَّابِقِ بِعَدَمِ النُّفُوذِ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا عَدَمُ الْجَوَازِ وَكُلُّهُ كَذِبٌ صُرَاحٌ كَمَا عَرَفْت مِنْ سَوْقِ لَفْظِ النَّصّ بِحُرُوفِهِ الَّتِي سَاقَهَا هُوَ نَفْسُهُ عَنْ تَوَسُّطِ الْأَذْرَعِيِّ وَتَأَمَّلْ مُعَارَضَتَهُ لِتِلْكَ النُّصُوصِ بِهَذَا النَّصِّ مَعَ قَوْلِهِ بَعْدُ وَلِهَذَا أَعْرَضَ الْجُمْهُورُ عَنْ الْعَمَلِ بِظَاهِرِ هَذَا النَّصِّ وَأَوَّلُوهُ تَعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَهْتَدِي لِمَا يَقُولُ أَصْلًا وَلِهَذَا الْإِعْرَاض قَطَعَ فِي الرَّوْضَة بِمُقَابِلِهِ فَقَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْعِتْقَ الْمَانِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ يَفْتَقِرُ إلَى حَجْرِ الْقَاضِي عَلَيْهِ قَطْعًا وَاعْتَرَضَ قَطْعَهُ بِأَنَّ فِيهِ وَجْهًا وَهُوَ اعْتِرَاضٌ سَهْلٌ لِأَنَّهُ كَثِيرًا مَا يُنَزَّلُ الْوَجْهُ لِشُذُوذِهِ مَنْزِلَةَ الْعَدَمِ فَيُقْطَعُ بِمُقَابِلِهِ مِنْ غَيْرِ مُبَالَاةٍ بِهِ الْمَوْضِعُ الْعَاشِرُ ثُمَّ اعْتَرَضَ عَلَيَّ فِي نَقْلِي لِلْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ أَحْكَامِهِمْ

وَنِسْبَتِهَا إلَيْهِمْ بِمُجَرَّدِ الْوُقُوفِ عَلَى مَا نَقَلُوهُ فِي كُتُبِهِمْ وَإِنَّمَا الرُّجُوعُ إلَى مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ بِمُرَاجَعَةِ الرَّاسِخِينَ فِي قَوَاعِدِهِمْ فَلَعَلَّ لِإِمَامِهِمْ رِوَايَتَيْنِ. اهـ. وَهَذَا مِنْ سُوءِ فَهْمِهِ وَاخْتِلَاطِ الْمَأْخَذِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي مَقَامَيْنِ نَقْلِ الْمَذَاهِبِ وَمَقَامِ الْعَمَلِ أَوْ الْإِفْتَاءِ بِهَا وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ إنَّمَا هُوَ فِي الثَّانِي وَاَلَّذِي وَقَعَ إنَّمَا هُوَ الْأَوَّلُ لَكِنْ لِمَزِيدِ اخْتِلَاطِ عَقْلِهِ لَمْ يَعْرِفْ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ بَلْ سَوَّى بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ لَا يَجُوز أَخْذُ أَحْكَامِهِمْ وَنِسْبَتِهَا إلَيْهِمْ إلَخْ وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ تَهَوُّرِهِ مِنْ غَيْرِ مُسْتَنَدٍ وَتَقَوُّلِهِ الَّذِي لَا يَدْرِي مَا وَرَاءَهُ فَقَدْ صَرَّحَ الْأَئِمَّةُ فِي كُتُبِهِمْ كَالسُّبْكِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقَبْلَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ يَحْكُونَ الْخِلَافَ الْعَالِي بِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَعْتَمِدُونَ فِي نَقْلِهِمْ نَقْلَهُ وَحِكَايَتَهُ عَلَى كُتُبِ الْمُخَالِفِينَ الْمُدَوَّنَةَ فِي ذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الثَّلَاثَةِ النُّصُوص بِالْجَوَازِ وَلَا يَجُوزُ تَفْسِيرُ الْجَائِزِ بِالنَّافِذِ الْمُحَرَّمِ إذْ لَا يَصِحُّ إطْلَاقُ الْمُحَرَّمِ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِ الْجَائِزِ فَهُوَ تَفْسِيرٌ بِغَيْرِ مُطَابِقٍ وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَبِّرْ فِي الْأَوَّلِ بِالْجَوَازِ وَحْدَهُ وَإِنَّمَا قَالَ جَائِزٌ كُلُّهُ عَلَيْهِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْفِعْلَ إذَا عُدِّيَ بِغَيْرِ مَا يَتَعَدَّى بِهِ ضُمِّنَ فِعْلًا آخَرَ يُنَاسِبُ ذَلِكَ الْحَرْفَ الْمُعَدَّى بِهِ أَوْ أَوَّلَ ذَلِكَ الْحَرْفَ بِحَرْفٍ آخَرَ يُنَاسِبُ ذَلِكَ الْفِعْلَ وَهَذَا مُتَعَذِّرٌ هُنَا فَتَعَيَّنْ الْأَوَّلُ وَحِينَئِذٍ فَتَعْدِيَةُ جَائِزٍ بِعَلَيْهِ لَا يُمْكِنُ مَعَهَا بَقَاءُ جَائِز عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الْمُبَاحُ وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُهُ بِنَافِذِ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَعَدَّى بِعَلَى فَبَطَلَ زَعْمُهُ بَقَاء الْجَوَازِ عَلَى حَقِيقَتِهِ لَكِنَّهُ مَعْذُورٌ فَإِنَّهُ بَعِيدٌ عَنْ مَعْرِفَةِ الْقَاعِدَةِ النَّحْوِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمُتَعَدِّي وَالتَّضْمِينِ وَيُؤْخَذُ مِنْ بَلَاغَةِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَنَفْعنَا بِهِ الْبَالِغِ فِيهَا الْمَبْلَغَ الَّذِي لَا يُشِقُّ غُبَارُهُ وَلَا يُخْشَى عِثَارُهُ أَنَّ مُغَايَرَتَهُ بَيْنَ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ فِي النَّصِّ الْأَوَّلِ بِتَعْدِيَتِهِ بِعَلَى وَالْفِعْلَيْنِ فِي النَّصَّيْنِ الْآخَرَيْنِ بِتَعْدِيَتِهِمَا بِلَهُ أَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ حَيْثُ عَبَّرَ بِالنُّفُوذِ تَارَةً وَبِالْجَوَازِ أُخْرَى إلَى أَنَّهُ قَبْلَ الْحَجْرِ يَنْفُذُ مُطْلَقًا جَازَ أَوْ حَرُمَ وَهِيَ نُكْتَةٌ بَدِيعَةٌ لَا يَنْقَادُ لِفَهْمِهَا ذِهْنُ مِثْلِ هَذَا الْجَاهِلِ بِفَنِّ الْبَلَاغَةِ عَلَى أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا لَهُ أَنَّ الْجَوَازَ عُدِّيَ بِاللَّامِ فِي الْأَوَّلِ أَيْضًا كَانَ الْمَعْنَى النُّفُوذَ أَيْضًا وَأَمَّا إذَا أُرِيدَ بِالْجَوَازِ حَقِيقَتُهُ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ فَرْضِ كَلَامِهِ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الْمُفْلِسَ الَّذِي لَا يَرْجُو وَفَاءً وَهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ فَيَخْرُجُ مِنْ كَلَامِهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَأَمَّا إذَا حَمَلْنَا الْجَوَازَ عَلَى النُّفُوذ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ مَنْ جَازَ تَصَرُّفُهُ وَمَنْ حَرُمَ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ نَصٌّ فِي الْعُمُومِ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِالتَّشَهِّي وَالْهَذَيَانِ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَرِضَ قَدَّمَ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ اعْتِرَاضَ هَذِهِ النُّصُوصِ الثَّلَاثَةِ بِنَصِّ الْجِزْيَةِ وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَوَازِ مُطْلَقُ النُّفُوذِ إذْ هَذَا هُوَ الَّذِي يَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَ النُّصُوصِ كَمَا ذَكَرَهُ وَأَمَّا إذَا أُرِيدَ بِهِ حَقِيقَتُهُ فَلَا يَتَأَتَّى اعْتِرَاضُ تِلْكَ النُّصُوصِ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ تَسْتَلْزِمُ أَنَّ لَهُ جِهَةً ظَاهِرَةً فَلَا يَكُونُ مُفْلِسًا وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ مُفْلِسًا كَانَ أَوْ غَيْر مُفْلِسِ فَاتَّضَحَ حَمْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرَ وَقَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ تَفْسِيرُ الْجَائِز بِالنَّافِذِ الْمُحَرَّمِ إلَخْ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى جَهْلِهِ بِقَاعِدَةِ الْعُمُومِ الْمُطْلَقِ وَبَيَانُهُ يَلْزَمُ مِنْ الْجَوَازِ النُّفُوذَ وَلَا عَكْسَ فَالنُّفُوذُ وَلَا عُكِسَ فَالنُّفُوذ أَعَمُّ مُطْلَقًا وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ بِخِلَافِ عَكْسِهِ فَإِذَا فَسَّرْنَا بِالنَّافِذِ شَمِلَ الْجَائِزَ وَغَيْرَهُ فَبَطَلَ قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ تَفْسِيرُ الْجَائِزِ بِالنَّافِذِ الْمُحَرَّمِ لِأَنَّهُ لَا يُفَسِّرُهُ بِذَلِكَ إلَّا مَنْ هُوَ مِثْلُهُ فِي عَدَمِ فَهْمِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَادَّتَيْ التَّضَادّ وَالْعُمُومِ وَلَوْلَا جَهْلُهُ بِذَلِكَ لِمَا كَانَ يُورِدُ عَلَيْنَا الضِّدَّ مَعَ أَنَّا إنَّمَا فَسَّرْنَاهُ بِالْأَعَمِّ مُطْلَقًا وَشَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا لَكِنْ مَنْ لَا ذَوْقَ لَهُ يُورِدُ مَا يَشَاءُ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْيَاءٍ مِنْ الْكَذِبِ وَعَارُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَيْتَهُ فِي كَذِبِهِ اكْتَفَى بِإِيرَادِهِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَإِنَّمَا كَرَّرَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى قَالَ عَقِبَ قَوْلِهِ وَتَفْسِيرُ الْجَائِزِ إلَخْ وَقَدْ فَسَّرَ الْأَصْحَابُ عَدَمَ الْجَوَازِ بِعَدَمِ النُّفُوذِ فَلَازَمُوا بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَعَدَمِ النُّفُوذِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ تَبَرُّعَ مَنْ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ غَيْرُ جَائِزٍ وَأَنَّ الْأَصْحَابَ فَسَرُّوا عَدَمَ الْجَوَازِ فِي كَلَامِ إمَامهمْ بِعَدَمِ النُّفُوذِ فَهَذَا نَصٌّ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ حَيْثُ حَرُمَ تَصَرُّفُ الْمَدِينِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ فَارْفَعْ يَدَك فَقَدْ لَاحَتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَصْحَابِ انْتَهَى وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا كَلَامٌ كَذِبٌ وَأَنَّ الْمُلَازَمَةَ الَّتِي

أَخَذَهَا مِنْهُ بَاطِلَةٌ وَأَنَّ هَذَا الْجَاهِلَ الْغَبِيَّ لَا تَأَمُّلَ لَهُ وَلَا ذَوْقَ وَلَيْتَهُ مَعَ ذَلِكَ سَلِمَ مِنْ الْبُهْتِ وَالْكَذِبِ اللَّذَيْنِ هُمَا أَقْبَحُ وَصْفٍ فِي الْإِنْسَانِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ بِالدُّعَاءِ بِهَلَاكِهِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ شَيْءٌ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ لِتُنَاسِبَ وَصْفَهُ فَإِنَّ مَنْ هَذَا حَالُهُ مَضَلَّةٌ لِلنَّاسِ وَأَيُّ مَضَلَّةٍ وَمَزَلَّةٌ لِلضُّعَفَاءِ وَأَيُّ مَزَلَّةِ فَحُقَّ أَنْ يُبْتَهَلَ فِي أَمْرِهِ بِصَلَاحِهِ وَإِلَّا فَبِهَلَاكِهِ فَإِنَّ بَلَدَهُ خَلَتْ عَمَّنْ يَتَأَهَّلُ لِلرَّدِّ عَلَيْهِ فَأَنْشَدَ لِسَانُ الْحَالِ الْأَصْدَقُ مِنْ لِسَانِ الْقَالِ خَلَا لَكِ الْبَرُّ فَبِيضِي وَاصْفَرِي ... وَنَقِّرِي مَا شِئْتِ أَنْ تُنَقِّرِي لَكِنْ بِحَمْدِ اللَّهِ الْعُلَمَاءُ مَا زَالُوا فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ فَكُلُّ مَنْ بَلَغَهُمْ قَالُهُ أَوْ رُفِعَ إلَيْهِمْ حَالُهُ أَوْضَحُوا مَا انْطَوَى عَلَيْهِ مِنْ الْجَهْلِ وَالْغَبَاوَةِ وَالْكَذِبِ وَالْخِيَانَةِ وَالشَّقَاوَةِ لِيُحَذِّرُوا النَّاسَ مِنْ حَالِهِ وَيُنَفِّرُوهُمْ عَنْ قَالِهِ. فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ آكَدِ الْوَاجِبَاتِ عَلَيْهِمْ إذْ لَوْ تَرَكُوا كُلَّ قَائِلٍ وَبَهَّاتٍ فِي غَيِّهِ وَتَزْوِيرِهِ وَعِيِّهِ لَفَسَدَ النِّظَامُ وَتَغَيَّرَتْ الْأَحْكَامُ وَتَطَاوَلَ أَهْل الْفَسَادِ وَأَفْسَدَ النَّاسَ أَهْلُ الْحُمْقِ وَالْعِنَادِ أَبَادَهُمْ اللَّهُ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ الْمَعْصُومُ وَقَضَى بِهِ الْأَمْرُ الْمَحْتُومُ ثُمَّ أَنْشَدَ مُتَبَجِّحًا عَلَى تَرْوِيجِ كَذِبِهِ وَعِنَادِهِ وَمُدَّعِيًا مَرْتَبَةَ كَذِبِهِ فِيهَا قَوَاطِع بَلَادَتِهِ الْمَعْلُومَةِ مِنْ إصْدَارِهِ وَإِيرَادِهِ وَإِذَا كُنْت بِالْمَدَارِكِ غِرًّا ... ثُمَّ أَبْصَرْت عَارِفًا لَا تُمَارِ وَإِذَا لَمْ تَرَ الْهَلَاكَ فَسَلِّمْ ... لِرِجَالٍ رَأَوْهُ بِالْأَبْصَارِ وَلَقَدْ صَدَقَ فَإِنَّهُ وَاَللَّهِ غَرِيرُ الْمَدَارِكِ وَغَيْرِهَا وَأَيُّ غَرٍّ بَلْ غَبِيٍّ مِمَّنْ أَبْصَرَ الْعِرْفَانَ وَالْحَقَّ ثُمَّ عَانَدَ وَمَارَى وَكَذَّبَ وَافْتَرَى وَلَمْ يَسْلُكْ فِي هَذَا الْكِتَابِ مَسْلَكَ نُورٍ قَطُّ وَإِنَّمَا سَلَكَ مَسَالِكَ ظُلْمَةِ الْكَذِبِ وَالشَّطَطِ حَتَّى هَوَتْ بِهِ إلَى مُهَاوِي الْعَنَا وَالْعِنَادِ الْمُوجِبَةِ لِحِرْمَانِ التَّوْفِيقِ وَالسَّدَادِ الْمَوْضِعُ الْحَادِيَ عَشَر أَنِّي لَمَّا اعْتَرَضْت نِسْبَته لِابْنِ الرِّفْعَةِ تَقْلِيدًا لِغَيْرِهِ أَنَّ كُلًّا مِنْ التَّمْلِيكِ وَالْعِتْقِ وَالْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ بِأَنَّ نِسْبَةَ الثَّلَاثَةِ الْأُخْرَى إلَيْهِ عَلَى جِهَةِ كَوْنِهِ صَرَّحَ بِهَا لَا يَجُوزُ قَالَ الْجَوَابُ أَنَّهُ لَمَّا اتَّحَدَ تَعْلِيلُهُمْ وَلَمْ يُمْكِنْ الْفَرْقُ وَكَانَ فِي قُوَّةِ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ جَازَتْ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ. اهـ. فَتَأَمَّلْ هَذَا الْجَوَابَ الْبَاطِلَ الْمَبْنِيَّ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ جَهْلِهِ بِالْأُصُولِ جُمْلَةً كَيْفَ وَقَدْ قَالُوا فِي الْمَقِيسِ بِالْأَوْلَى لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا قَالَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحُوا فِي الْقَوْلِ الْمُخَرَّجِ بِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَّا مُقَيَّدًا لِجَوَازِ أَنَّهُ لَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ لَا يَرَى فَارِقًا فَكَذَا يُقَالُ يَجُوزُ أَنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ لَوْ سُئِلَ عَنْ تِلْكَ الثَّلَاثَةِ لَا يَرَى فَارِقًا كَمَا أَبْدَيْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَتَكَلَّمْت عَلَيْهِ فِي الْقُرَّةِ رَدًّا عَلَى اعْتِرَاضِ ذَلِكَ الْبَلِيدِ عَلَيْهِ فَاتَّضَحَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي تِلْكَ الثَّلَاثَة كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ كَذِبٌ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ آخِرًا إنَّ مَالَ الْيَتِيمِ وَضَرْب أَحَدِ الْوَالِدَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا نَصَّ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ عَلَى حُرْمَتِهِ لَكِنَّهُ عَامِّيٌّ فِي هَذِهِ الْمَبَاحِثِ فَلَيْتَهُ لَمْ يَحْضُرْ فِيهَا وَتَأَمَّلَ عَامِّيَّتَهُ الْقَبِيحَةَ فِي قَوْله لَمَّا اتَّحَدَ تَعْلِيلُهُمْ وَالْمُتَعَيِّنُ تَعْلِيلُهَا أَيْ الْمَسَائِلَ وَمَا أَحْسَنَ ذَلِكَ فِي نَحْوِ خَاضِعِينَ وَطَائِفِينَ وَلَا يَتَأَتَّى اعْتِبَارُهُ هُنَا عَلَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يُقَالُ لَوْ كَانَ الْكَلَامُ مَعَ مَنْ يَدْرِي ذَلِكَ أَوْ يَتَأَهَّلُ لِإِدْرَاكِهِ وَأَمَّا مَنْ لَا يَدْرِي ذَلِكَ رَأْسًا فَهُوَ الْقَاعِدُ مَعَ الْمُخَالِفِينَ الْآخِذُ بِحُجْزَةِ الْجَاهِلِينَ الْمَوْضِعُ الثَّانِي عَشَرَ ثُمَّ قَالَ اعْتِرَاضًا عَلَى مَسْأَلَةِ التَّحْرِيمِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا فِي النُّفُوذِ فِي الْجَائِزِ وَهُوَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَحَكَمَ عَلَى تَصَرُّفَاتِ الْمُفْلِسِ قَبْل الْحَجْرِ الْجَائِزِ وَالْحُرْمَةُ بِالنُّفُوذِ اتِّفَاقًا. اهـ. وَهَذَا بِكَلَامِ الْمُبَرْسَمِينَ أَشْبَه أَوْجَبَهُ أَنَّهُ تَوَالَتْ عَلَيْهَا ثِقَالُ الْبَرَاهِينِ الْحَقِّيَّةِ حَتَّى كَسَتْ عَقْلَهُ فَشَقْشَقَ بِمُهْمَلَاتِ الْأَلْفَاظِ الْعَامِّيَّةِ وَلَسْت أَنَا الْحَاكِيَ لِلِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا الْحَاكِي لَهُ الرَّوْضَةُ وَعِبَارَتُهَا وَاعْلَمْ أَنَّ التَّعَلُّقَ الْمَانِعَ مِنْ التَّصَرُّف يَفْتَقِرُ إلَى حَجْرِ الْقَاضِي عَلَيْهِ قَطْعًا وَعِبَارَةُ أَصْلِهَا لَا شَكَّ أَنَّ التَّعَلُّقَ الْمَانِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ يَفْتَقِرُ إلَى حَجْر الْقَاضِي عَلَيْهِ فَعَدُّوهُمَا مِنْ التَّعْلِيقِ الْمَانِعِ لِلتَّصَرُّفِ بِحَجْرِ الْقَاضِي وَقَطْعًا بِذَلِكَ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّعَلُّقَ عَامٌّ لِلْجَائِزِ وَالْمُحَرَّمِ فَيَكُونُ الْقَطْعُ فِيهِمَا وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ إذَا دَخَلَتْ فِي خِلَالِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ كَانَتْ مَنْقُولَةً وَكَأَنَّهُ

تَوَهَّمَ مَا قَالَهُ مِنْ اعْتِرَاضِ جَمْعٍ لِقَطْعِ الرَّوْضَة بِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلًا أَوْ وَجْهًا بِعَدَمِ النُّفُوذِ وَلَوْ قَبْلَ الْحَجْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَوْ الْوَجْهَ يُبْطِلُ قَوْلَهُ وَكَبْسهَا فِي مَحَلِّ الِاتِّفَاقِ عَلَى النُّفُوذِ فِي الْجَائِزِ فَقَوْلُهُ الْخِلَافُ فِي النُّفُوذِ فِي مَسْأَلَةِ التَّحْرِيمِ وَالِاتِّفَاقُ فِي مَسْأَلَةِ الْجَوَازِ مِنْ السَّفْسَافِ الَّذِي سَوَّلَ لَهُ عَقْلُهُ الْقَاصِرُ أَنَّهُ شَيْءٌ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ عَلَى أَنَّ مَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ الشَّيْخَيْنِ رَآهُمَا لَا سِيَّمَا النَّوَوِيَّ يَقْطَعَانِ كَثِيرًا بِالْحُكْمِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ إشَارَةً إلَى فَسَادِ مُدْرَكِهِ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ شُذُوذِ نَقْلِهِ فَاعْتِرَاضُهُ عَلَى قَطْعِهِمَا هُنَا سَاقِطٌ لِمَا ذَكَرْته الْمَوْضِعُ الثَّالِثَ عَشَرَ ثُمَّ كَرَّرَ مَا مَرَّ مِنْ زَعْمِ مُخَالَفَةِ مَا فِي كِتَابِي الْقُرَّةِ لِمَا فِي شَرْحِي عَلَى الْإِرْشَادِ فَقَالَ إنْ اعْتَمَدَ الْأَوَّلَ كَشَطَ مَا فِي الثَّانِي أَوْ الثَّانِيَ رَجَعَ عَنْ الْأَوَّلَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خُلُوٌّ عَنْ كَلَامِ النَّاسِ وَمُصْطَلَحَاتِهِمْ وَمِمَّا وَقَعَ لَهُمْ فِي كُتُبِهِمْ كَيْفَ وَابْنُ الرِّفْعَةِ كَثِيرًا مَا يَذْكُرُ شَيْئًا فِي الْكِفَايَةِ وَيَرْجِعُ عَنْهُ فِي الْمَطْلَبِ وَيَبْقَى كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ النَّوَوِيُّ وَالسُّبْكِيُّ وَسَائِرُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَكِنْ مَنْ عَمِيَتْ عَلَيْهِ طُرُقُ الْهُدَى يَقُولُ مَا شَاءَ كَيْف وَاَلَّذِي فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ إنَّمَا هُوَ قَصْر بَحْث ابْنِ الرِّفْعَةِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَا تُمْلَكُ حَيْثُ حُرِّمَتْ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ عُقُودِ التَّبَرُّعِ وَفَرَّقْت بَيْنَ الصَّدَقَةِ وَغَيْرهَا بِمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ الْكَبِيرَ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ اعْتِرَاضَ تَخْرِيجِ ابْنِ الرِّفْعَةِ مِنْ أَصْلِهِ فَهُوَ الْجَاهِلُ أَنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ أَحَدُهُمَا قَصْرُ تَخْرِيجِ ابْنِ الرِّفْعَةِ عَلَى الصَّدَقَةِ كَمَا قَصَرَهُ هُوَ عَلَيْهَا وَبَيَانُ سَبَب ذَلِكَ ثَانِيهِمَا مُنَازَعَتُهُ فِي أَصْلِ التَّخْرِيجِ الَّذِي فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ الْأَوَّلِ وَاَلَّذِي فِي الْقُرَّةِ الثَّانِي وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُبْطِلُ زَعْمَ هَذَا الْمُفْتِي أَنَّ اعْتِمَادَ الْأَوَّلِ يَسْتَلْزِمُ كَشْطَ الثَّانِي وَاعْتِمَادَ الثَّانِي يَسْتَلْزِمُ الرُّجُوعَ عَنْ الْأَوَّلِ وَلَقَدْ وَقَعَ لِابْنِ الرِّفْعَةِ نَفْسِهِ أَنَّهُ فِي الْغَصْبِ مِنْ الْكِفَايَةِ خَرَّجَ تَخْرِيجًا ثُمَّ رَدَّهُ فِي الْمَطْلَبِ وَأَبْقَى كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ فَبِفَرْضِ مَا افْتَرَاهُ لَا يَلْزَمُ كَشْطٌ وَلَا رُجُوعٌ الْمَوْضِعُ الرَّابِعَ عَشَرَ ثُمَّ قَالَ رَدُّهُ لِدَعْوَايَ فِي الْقُرَّةِ تَرَادُفُ مَنْ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ وَالْمُفْلِسَ بِأَنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ فَعُمُومُ الْمُفْلِسُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَدْ يَرْجُو الْوَفَاءَ وَقَدْ لَا يَرْجُوهُ وَخُصُوصُهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُ مَالِهِ أَقَلَّ مِنْ دَيْنِهِ وَعُمُومُ مَنْ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ مِنْ حَيْثُ كَوْنِ مَالِهِ مُسَاوِيًا لِدَيْنِهِ أَوْ أَقَلَّ وَخُصُوصُهُ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ رَجَائِهِ. اهـ. وَهُوَ بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ أَنِّي لَمْ أَدَّعِ التَّرَادُفَ بَيْنَ مَنْ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ وَمُطْلَقِ الْمُفْلِسِ خِلَافًا لِمَا وَهِمَ فِيهِ هَذَا الْمُفْتِي بَلْ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالْمُفْلِسِ الَّذِي لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ الثَّانِي أَنَّ مَا قَالَهُ مِنْ الْعُمُومِ مِنْ وَجْهِ أَخْذِهِ مِنْ قَوْلِي فِي الْقُرَّةِ فَإِنْ قُلْتَ لَا أُسَلِّمُ تَرَادُفَهُمَا لِأَنَّ مَنْ لَا يَرْجُو وَفَاءً إلَخْ ثُمَّ رَدَدْته بِمَا إذَا وَقَفْت عَلَيْهِ وَتَأَمَّلْته بَانَ لَك بُطْلَانُ مَا تَلَقَّفَهُ شِرَاء الْمُفْتِي وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَصِرَ لَهُ بِمُجَرَّدِ هَوَاهُ وَحَدْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَدِلَّ عَلَيْهِ بِكَلِمَةٍ مِنْ كَلِمَاتِ الْأَصْحَابِ وَلَا بِقَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِهِمْ وَإِنَّمَا رَأَى شَيْئًا أَشَارَ إلَيْهِ غَيْرُهُ فَتَلَقَّفَهُ وَنَسَبَهُ لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخِيط حَوْرَةً عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ سَلَكَ ذَلِكَ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُرَادَ بِمَنْ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ بِتَبَرُّعِهِ وَإِنَّمَا فَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَهُ فَالْمُفْلِسُ قَدْ يَرْجُو الْوَفَاءَ فَيَجُوزُ تَبَرُّعُهُ فَقَوْلُهُمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُضَيِّعَ مَالَهُ بِالصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا يَجِبُ تَقْيِيدُ التَّبَرُّعِ بِالْجَائِزِ وَوُجُوب هَذَا التَّقْيِيدِ مِنْ خُرَافَاته السَّابِق رَدُّهَا عَلَيْهِ فِي الْقُرَّةِ وَفِي هَذَا الْكِتَابِ الْمَرَّةَ بَعْد الْمَرَّةِ الْمَوْضِعُ الْخَامِسَ عَشَرَ ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى بُطْلَانِ التَّرَادُفِ بِتَقْيِيدِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي الْقُرَّةِ بِمَا يَقْضِي لِمَقَالَتِهِ بِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُدْرِكْ تَحْقِيقَهُ كَيْفَ وَهُوَ يَتَلَقَّفُ أَنَّ كَلَامَهُمْ فِيمَنْ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَصَوَّرَ الْمُرَادَ بِهِ حَتَّى فَتَحْت لَهُ سَبِيلَهُ بِالِاسْتِنْبَاطِ الْوَاضِح مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فَاسْتَفَادَهُ ثُمَّ أَظْهَرَ مُكَابَرَةً فِي بَعْضِهِ بِمَا يَقْضِي مِنْهُ الْمُتَأَمِّلُ الْعَجَبَ الْعُجَابَ لَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ عَلَى مَنْ عَمِيَتْ عَلَيْهِ طُرُقُ الْهُدَى فَسَلَكَ سُنَنَ الضَّلَالِ وَالِاعْتِدَاءِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنِّي لَمَّا اسْتَنْبَطْتُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَنْ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ جِهَةٌ ظَاهِرَةٌ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ قَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْهَا حَالًّا فِي الْحَالِّ وَعِنْدَ حُلُولِ الْأَجْلِ فِي الْمُؤَجَّلِ قَالَ اعْتِرَاضًا عَلَى مِثْلِ هَذَا وَحَيْثُ اشْتَرَطَ الْحُلُولَ فِي الْحَالِّ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ عَلَى مَلِيٍّ بَاذِلٍ حَاضِرٍ

اهـ. فَتَأَمَّلْ هَذَا الْفَهْمَ الْعَجِيب وَالذُّهُولَ الْغَرِيبَ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِغَرِيبٍ بِمِثْلِ مَنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ حَتَّى أَضَلَّهُ وَأَعْمَاهُ إذْ مَعْنَى قَوْلِي كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى صِغَارِ الطَّلَبَةِ حَالًّا فِي الْحَالِّ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ وَلَيْسَ مَعَهُ وَفَاؤُهُ حَالًّا بِيَدِهِ وَإِنَّمَا لَهُ جِهَةٌ ظَاهِرَةٌ يَقْدِرُ عَلَى وَفَاءِ الْحَالِّ الَّذِي عَلَيْهِ حَالًّا لَوْ وَجَّهَ إلَيْهَا وَكَذَا عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فِي الْمُؤَجَّلِ كَانَ مُوسِرًا رَاجِيًا لِلْوَفَاءِ وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ الْمَعْنَى فَكَيْفَ يُقَالُ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ عَلَى مَلِيٍّ بَاذِلٍ حَاضِرِ فَفَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ لَهُ دَيْنًا حَالًا عَلَى آخَرَ وَأَشْبَهُ مِنْ هَذَا الْفَهْمِ الْفَاسِدِ قَوْلُهُ لَزِمَ ذَلِكَ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ إلَخْ فَوَقَعَ فِي الدَّاهِيَةِ الدَّهْيَاءِ وَخَبَطَ خَبْطَ عَشْوَاءَ وَقَوْلُهُ فَاشْتِرَاطُ تَصَوُّرِ الْحُلُولِ يَعُودُ عَلَى التَّرَادُفِ بِإِبْطَالِهِ فَزَادَ وَأَخْطَأَ وَضَلَّ وَمُوجِبِ هَذَا الزَّلَلِ الْوَاضِحِ الْمُبَادَرَةُ إلَى الِاعْتِرَاضِ قَبْلَ التَّأَمُّلِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْفَهْمَ الرَّدِيءَ بَعْدَ تَأَمُّلِهِ بِحَسَبِ جَهْدِهِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَهْمَ لَهُ وَلَا تَأَمُّلَ الْمَوْضِعُ السَّادِسَ عَشَرَ ثُمَّ قَالَ وَإِذَا سَلَّمْتَ أَنَّ التَّحْرِيمَ فِي هِبَةِ الْمَاءِ ذَاتِيٌّ سَلَّمْتُ أَنَّ التَّحْرِيمَ فِي جِهَةِ الْمَدِينِ ذَاتِيٌّ وَهَذَا مِنْ الْمُغَالَطَةِ أَوْ الْمُصَادَرَةِ الدَّالَّةِ عَلَى فَسَادِ التَّصَوُّرِ وَكَيْفَ تَقُولُ ذَلِكَ لِمَنْ بَسَطَ فِي كَلَامِهِ فِي كِتَابِهِ هَذَا وَالْقُرَّةُ الْكَلَامُ مَعَك وَبَيْنَ الْقُرَّةِ الْمُوَضِّحِ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ وُجُوهٍ عَدِيدَةٍ لَمْ تَحُمْ حَوْلَ فَهْمِهَا فَضْلًا عَنْ إدْرَاكِ غَوْرِهَا وَإِلَّا لَمْ تَذْكُرْ هَذِهِ الْمُلَازَمَةَ الْبَاطِلَةَ الْمَوْضِعُ السَّابِعَ عَشَرَ ثُمَّ سَاقَ قَوْلِي فِي الْقُرَّةِ عَنْ جَمْعٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْحِيَلِ أَنَّهَا إذَا أَسْقَطَتْ حَقَّ الْغَيْرِ بَعْدَ وُجُوبِهِ حُرِّمَتْ هَذَا مِنْهُمْ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهَا مَعَ حُرْمَتِهَا وَإِبْطَالِهَا حَقَّ الْغَيْرِ الْمُتَعَلِّقِ بِتِلْكَ الْعَيْنِ الْمُتَصَرِّفِ فِيهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الشُّفْعَةِ بَعْدَ وُجُوبِهَا يَصِحُّ الْعَقْدُ الْمُشْتَمِلَةُ تِلْكَ الْحِيلَةُ عَلَيْهِ وَإِنْ فَوَّتَ ذَلِكَ الْحَقَّ وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا مِنْ كَلَامِهِمْ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ حُرْمَةَ تَفْوِيت ذَلِكَ الْحَقِّ لَا تُنَافِي صِحَّةَ الْعَقْدِ الْمُفَوِّتِ لَهُ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ فَأَوْلَى تَبَرُّعُ الْمَدِينِ إلَخْ هَذِهِ عِبَارَتِي اعْتَرَضَهَا بِاعْتِرَاضَاتٍ فَقَالَ وَمِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ فِي الشُّفْعَةَ إذَا بَاعَ الشِّقْصَ بَعْدَ الشِّرَاءِ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ وَقَفَهُ قَاصِدًا الْحِيلَةَ أَنَّهُ يَحْرُمُ وَيَصِحُّ فَأَبْقَوْا الصِّحَّةَ وَالتَّحْرِيمَ مَعَ وُجُودِ النُّفُوذِ هَذَا حَاصِلُ كَلَامِهِ وَهُوَ مُغَالَطَةٌ وَانْظُرْ إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ تَفْوِيتٌ فَأَدْخَلَ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِمْ كَعَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ لَهُ الِاسْتِشْهَادُ إلَّا إذَا أَدْخَلَ فِي الْكَلَامِ تَلْبِيسًا ثُمَّ قَالَ وَلَوْلَا جَوَازُ النَّقْضِ لَمَا صَحَّ الْعَقْدُ. اهـ. كَلَامُهُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى مَا يُسَوِّدُ الْوَجْهَ مِنْ الِافْتِرَاءِ عَلَيَّ بِأَنْ نَسَبَ إلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْهُ وَفَهِمَ كَلَامِي عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ مِمَّا لَا يَقَعُ فِيهِ صِغَارُ الطَّلَبَةِ وَبَيَان ذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى عِبَارَتِي أَنَّ كَثِيرِينَ قَائِلُونَ بِتَحْرِيمِ الْحِيلَةِ الْمُسْقِطَةِ لِلشُّفْعَةِ بَعْدَ وُجُوبِهَا كَالْإِبْرَاءِ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ هِبَةِ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبَيْع فِي مَجْلِسِ الْخِيَارِ أَوْ زَمَنِهِ وَسَبَبُ الْحُرْمَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ الْإِضْرَارُ بِالشَّفِيعِ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْعَيْنِ بِسَبَبِ الْبَيْعِ وَمَعَ هَذَا التَّحْرِيمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْعَيْنِ عِنْد هَؤُلَاءِ يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ وَالْهِبَةُ فَعَلِمْنَا مِنْ الصِّحَّةِ فِي هَذَا مَعَ التَّحْرِيمِ عِنْدَ أُولَئِكَ أَنَّ التَّحْرِيمَ لِلْأَمْرِ الْخَارِجِيِّ كَالْإِضْرَارِ هُنَا وَفِي تَبَرُّعِ الْمَدِينِ لَا يُنَافِي الصِّحَّةَ بَلْ يُجَامِعُهَا وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ مَعْنَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ الْمُتَبَادِرِ مِنْهَا حَتَّى لِلصِّغَارِ فَكَيْفَ سَاغَ لَهُ تَبْدِيلُهَا وَتَحْرِيفُهَا إلَى مَا ذَكَرَهُ لَكِنْ مَنْ لَا فَهْمَ لَهُ وَلَا تَصَوُّرَ لَيْسَ بِبَعِيدٍ عَلَيْهِ أَنْ تَصْدُرَ مِنْهُ هَذِهِ الْقَبَائِحُ مِنْهَا قَوْلُهُ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ فِي الشُّفْعَةِ إذَا بَاعَ الشِّقْصَ بَعْدَ الشِّرَاءِ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ وَقَفَهُ إلَخْ وَهَذَا كَذِبٌ صُرَاحٌ عَلَى سَبِيلِ سُوءِ فَهْمِهِ وَتَحْرِيفِهِ حَتَّى يُرَتِّبَ عَلَيْهِ جَوَابَهُ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا صَحَّ مَعَ الْحُرْمَةِ لِأَنَّ لِلشَّفِيعِ نَقْضُهُ. وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ وَكَيْفَ يُعْقَلُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْإِضْرَارُ بِالشَّفِيعِ مَعَ أَنَّ لِلشَّفِيعِ النَّقْضَ فَهَمُّهُ أَنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُنْبِي عَنْ أَنَّهُ مَا فَهِمَ عِبَارَتِي وَلَا مُرَادَ الْأَصْحَابِ وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ مَا ذَكَرْتُهُ أَنَّ الشَّرِيكَ بَعْدَ بَيْعِهِ الْمُوجِبِ لِلشُّفْعَةِ يُرِيدُ إسْقَاطَهَا بِالْكُلِّيَّةِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي قَالَ أُولَئِكَ بِحُرْمَتِهِ وَعَلَّلُوا بِإِضْرَارِ الشَّفِيعِ بِبَقَاءِ الشَّرِكَةِ وَحُرْمَةُ هَذَا مَعَ صِحَّتِهِ لَا جَوَابَ عَنْهُ وَأَمَّا مَا قَالَهُ ذَلِكَ الْغَبِيُّ وَأَجَابَ عَنْهُ فَهُوَ مِنْ فَضَائِحِهِ الَّتِي أَظْهَرَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ حَتَّى تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا فَهْمَ لَهُ بَلْ وَلَا دَيْنَ وَإِلَّا لَسَاقَ لَفْظ عِبَارَتِي وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ حَاصِلُ كَذَا ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِمَا تَبَيَّنَ بِهِ

عَدَمُ فَهْمهِ لَهَا وَلِكَلَامِهِمْ وَتَحْرِيفه لِلْمُرَادِ وَإِيهَامِهِ أَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَى الْجَوَابِ فَهُوَ مِمَّا قَضَى عَلَيْهِ بِالضَّلَالِ وَجَرَّ إلَيْهِ الْوَبَالَ وَالنَّكَالَ الْمَوْضِعُ الثَّامِنَ عَشَرَ قَوْلُهُ وَهُوَ مُغَالَطَةٌ هُوَ مِنْ تَهَوُّرِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ الْعِبَارَةَ بَلْ حَرَّفَهَا وَبَدَّلَهَا عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ عَلَى مَا فَهِمَهُ الْمَذْكُور بِأَنَّهُ مُغَالَطَةٌ يُنَبِّئُك أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ حَدَّ الْمُغَالَطَةِ وَإِلَّا لَمَا ذَكَرَ هَذَا وَأَنَّى لَهُ بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ وَهُوَ عَامِّيٌّ فِي غَيْرِ مَبَادِئِ الْفِقْهِ الْمَوْضِعُ التَّاسِعَ عَشَرَ قَوْلُهُ وَانْظُرْ إلَى قَوْله وَهُوَ تَفْوِيتٌ فَأَدْخُلَ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِمْ إلَخْ وَهَذَا مِنْ الْكَذِبِ الْقَبِيحِ أَيْضًا وَلَمْ يَقَعْ هَذَا اللَّفْظُ فِي عِبَارَتِي كَمَا عَلِمْتَهُ مِنْهَا وَبِهَذَا تَزْدَادُ بَصِيرَتُك فِيهِ حَيْثُ نَسَبَ إلَيَّ أَنِّي ذَكَرْت هَذَا اللَّفْظَ مِنْ عِنْدِي ثُمَّ أَدْرَجْتُهُ فِي كَلَامِهِمْ لِيَتِمَّ لِي الِاسْتِشْهَادُ وَأَنَا أَبْرَأُ إلَى اللَّه مِنْ بُهْت هَذَا الْجَاهِلِ وَافْتِرَائِهِ نَعَمْ الَّذِي ذَكَرَتْهُ وَإِنْ فَوَّتَ ذَلِكَ الْحَقَّ وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ كَلَامِهِمْ وَذَكَرْت وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ حُرْمَةَ تَفْوِيت ذَلِكَ الْحَقِّ إلَخْ. وَهَذَا لَيْسَ مُدْرَجًا فِي كَلَامِهِمْ وَحِينَئِذٍ فَلَا عُذْرَ لَهُ فِي هَذِهِ الْفَضِيحَةِ الَّتِي كَشَفَتْ أَحْوَالَهُ بَعْد سِتْرِهَا وَنَادَتْ عَلَيْهِ بِالْغَيِّ وَالْعَجْزِ مَعَ الِافْتِرَاءِ وَالْبُهُت فِي بَحْرِهَا وَبَرِّهَا وَمَنْ وَصَلَ حَالُهُ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ مُرَادَ الْفُقَهَاءِ بِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ الْمُخْتَلَفِ فِي حُرْمَتِهِ كَيْفَ يُؤَهَّلُ لِخِطَابٍ أَوْ نَقْدٍ عَلَى الْفُضَلَاءِ حَتَّى تُرَاعَى آكَدِيَّةُ حُرْمَتِهِ الْمَوْضِعُ الْعِشْرُونَ قَوْلُهُ وَلَوْلَا جَوَازُ النَّقْضِ لَمَا صَحَّ الْعَقْدُ وَهَذِهِ مُلَازَمَةٌ بَاطِلَةٌ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ صِحَّةِ التَّفْوِيتِ مِنْ الْبَائِعِ مَعَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى نَقْضِهِ فَاتَّضَحَ مَا ذَكَرْته مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ تَبَرُّعِ الْمَدِينِ فَاعْتَمِدْهُ. وَأَعْرِضْ عَنْ هَذَا الْغَبِيِّ الْمَحْرُومِ الْمَوْضِعُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ أَنَّهُ اعْتَرَضَ قَوْلِي فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ فِي الْحَاصِل أَنَّ الَّذِي تَلَخَّصَ لَنَا مِمَّا قَرَّرْنَاهُ وَحَرَّرْنَاهُ أَنَّهُ حَيْثُ حَرُمَ تَبَرُّعُ الْمَدِينِ فَإِنَّا نَحْكُمُ بِعَدَمِ صِحَّتِهِ وَنُلَازِمُ بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَالْبُطْلَانِ هُنَا وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ الْفَارِقِ. اهـ. يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا إنَّمَا يَصْدُرُ عَنْ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ يُؤَسِّسُ لَهُ قَوَاعِدَ غَيْرِ إلَخْ فَقَالَ كُتُبُ الْأَصْحَابِ طَافِحَةٌ بِمِثْلِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَهَذَا مِنْهُ بَاطِلٌ قَبِيحٌ لِأَنَّهُ لَا يُعْقَلُ مِثْلُ هَذَا الِاخْتِرَاعِ إلَّا لِمُجْتَهِدٍ مِنْهُمْ وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ فَيَتْبَعُ قَوَاعِدَ إمَامِهِ وَيُخَرِّجُ عَلَيْهَا وَهَذَا الْغَبِيُّ سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ الْمَمْلُوءَةُ بِالْجَهْلِ وَالْحُمْقِ أَنَّهُ يُدَانِي الْأَصْحَابَ وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ بَلْ لَا يُدَانِي صِغَارَ الطَّلَبَةِ لِأَدْنَى أَحَدٍ مِنْ آخِرِ الْمُتَأَخِّرِينَ فَقَوْلُهُ نَحْكُمُ وَنُلَازِمُ مِنْ هَذَيَانَاتِهِ الَّتِي كَانَ غَنِيًّا عَنْ إبْدَائِهَا ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ الْفَارِقَ بِمَا فِي الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا مِنْ مَسَائِلَ شَتَّى لَا تَلَازُمَ فِيهَا لِفَارِقٍ هُوَ أَنَّ التَّحْرِيمَ فِيهَا غَيْرُ ذَاتِيٍّ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَدِينِ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ فِيهَا ذَاتِيٌّ كَمَا يُعْطِيهِ تَفْسِيرُ الْأَصْحَابِ السَّابِقُ وَتَخْرِيجُ ابْنِ الرِّفْعَةِ. اهـ. نَاقِضٌ لِمَا قَدَّمْته فِي هَذَا الْكِتَابِ وَالْكِتَابُ الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ التَّحْرِيمَ حَيْثُ دَخَلَ وُجِدَ عَدَمُ الصِّحَّةِ وَإِنَّمَا اضْطَرَّهُ إلَى الِاعْتِرَاضِ بِهَذَا أَنِّي لَمَّا ضَايَقَتْهُ فِي الْقُرَّةِ حَتَّى لَمْ يَرَ لَهُ مَنَاصًا فَرَّ إلَى هَذَا التَّنَاقُضِ لِمَا قَدَّمْته مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ ثُمَّ لَمَّا آلَ إلَى مَا هُوَ بَدِيهِيُّ الْبُطْلَانِ وَهُوَ أَنَّ التَّحْرِيمَ فِي الدَّيْنِ ذَاتِيٌّ وَكَأَنَّهُ بِحَسَبِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ فِي كِتَابِهِ الْأَوَّلِ لَمْ يُعْرَفْ الْفَرْقُ بَيْنَ الذَّاتِيِّ وَغَيْرِهِ إلَّا مِنْ كِتَابِي الْقُرَّةِ الَّذِي لَوْ تَأَمَّلَ أَوْ فَهِمَ مَا فِيهِ لَمْ يَزْعُمْ أَنَّ الْمَنْعَ فِي الدَّيْنِ ذَاتِيٌّ وَإِلَّا لَمَا قَالَ أَحَدٌ بِجَوَازِ تَصَرُّفِهِ وَقَدْ سَبَقَ لَك أَنَّ النَّقْلَ الصَّرِيحَ أَنَّ كَثِيرِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى حِلِّ تَصَرُّفِهِ ثُمَّ اعْتَرَضَ فَرْقِي بَيْنَ هِبَةِ الْمَاءِ وَهِبَةِ الْمَالِ وَاعْتِرَاضِي لِتَخْرِيجِ ابْنِ الرِّفْعَةِ بِمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ الْأَوَّلِ وَبَسَطْتُ رَدَّهُ فِي الْقُرَّة بِمَا لَا مَزِيدُ عَلَيْهِ وَمِنْ شَقْشَقَتِهِ أَنَّهُ أَتَى بَعْدَهُ جَمَاعَاتٌ قَرَّرُوهُ عَلَى تَخْرِيجِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَائِغٍ لَهُ شَأْنًا لِمَا بَسَطْته هُنَا وَفِي الْقُرَّةِ ثُمَّ اعْتَرَضَ الِاسْتِدْلَالَ عَلَيْهِ بِنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَمْثَالِنَا الِاسْتِشْهَادُ بِالنُّصُوصِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِأَهْلِ التَّخْرِيجِ ثُمَّ ذَكَر عَنْ بَعْضِ مُؤَلِّفَاتِي أَنَّ فِيهَا النَّهْيَ عَنْ رَدِّ مَا دُوِّنَ فِي الْكُتُبِ بِالنُّصُوصِ وَهَذَا مِمَّا الْتَبَسَ عَلَيْهِ فَهْمُهُ وَطَغَى فِيهِ قَلَمُهُ وَوَضَعَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَرَدَّهُ إلَى غَيْرِ مَرْجِعِهِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّا لَمْ نَسْتَشْهِدْ بِهَا وَمَرَدُّنَا مَا وَجَدْنَاهُ فِي غَيْرهَا صَرِيحًا قَاطِعًا لِلنِّزَاعِ وَإِنَّمَا كُلٌّ مِنَّا يَدَّعِي أَنَّ مَا قَالَهُ هُوَ مَنْقُولُ الْمَذْهَبِ فَمَنْ أَبْدَى فِي دَعْوَاهُ النَّقْلَ لِنَصٍّ أَوْ نُصُوصٍ لَا نَعِيبُ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ

باب الحجر

بَلْ لَهُ بِذَلِكَ غَايَةُ الْفَخْرِ وَالتَّمَيُّزِ وَأَمَّا مَا دُوِّنَ وَاسْتَقَرَّ بَيْنَ مَنْ عَلَيْهِمْ الْعُمْدَةُ فِي تَحْرِيرَ الْمَذْهَبِ وَتَرْجِيحه فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمْ بِنُصُوصِ مُخَالِفِهِمْ أَلَا تَرَى مَا وَقَعَ لِلشِّيحَيْنِ فِي مَسَائِلَ يُعْتَرَضُ فِيهَا عَلَيْهِمَا بِالنُّصُوصِ فَأُجِيبَ عَنْهُمَا وَأُبِينَ مُسْتَنَدُهُمَا مِنْ نُصُوصٍ أُخْرَى أَوْ غَيْرِهَا وَالِاعْتِرَاضُ بِذَلِكَ مُغَالَطَةٌ لَيْسَتْ فِي مَحَلِّهَا ثُمَّ قَوْلُهُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِأَهْلِ التَّخْرِيجِ إنْ أَرَادَ بِهِمْ أَصْحَابَ الْوُجُوهِ كَمَا هُوَ مُؤَدَّى هَذَا اللَّفْظِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ كَانَ ذَلِكَ مِنْ مُفْتَرَيَاتِهِ الَّتِي يَشْهَدُ بِهَا مَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ بَعْدَ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ مِنْ اسْتِشْهَادِهِمْ بِالنُّصُوصِ مُطْلَقًا لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ إلَّا مَنْ لَيْسَ لَهُ إلْمَامٌ بِشَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ أَوْ غَيْر أَصْحَابِ الْوُجُوهِ فَهُوَ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِاصْطِلَاحِهِمْ يَشْمَلُ أَمْثَالَهُ فَيُنَاقِضُ مَا اخْتَرَعَهُ بِقَوْلِهِ لَيْسَ لِأَمْثَالِنَا إلَخْ غَافِلًا عَمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ اعْتَرَضَ فَرْقِي فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ بَيْنَ الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ عَلَى تَرْجِيحِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَقَصْرِهِ كَلَامَهُ فِي الصَّدَقَةِ بِأَنِّي فَرَّقْت بِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ فِي الصَّدَقَةِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَهَذَا كَذِبٌ عَلَيَّ فَإِنِّي لَمْ أُفَرِّقْ بِذَلِكَ أَصْلًا وَإِنَّمَا حَاصِلُ الَّذِي فَرَّقْت بِهِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ فِي الصَّدَقَةِ إلَّا الْفِعْلَ وَهُوَ حَرَامٌ لِذَاتِهِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ فَإِنَّ الْمُمَلَّكَ فِيهَا الْقَوْل وَهُوَ بِمُجَرَّدِهِ لَا تَفْوِيتَ فِيهِ هَذَا آخِرُ مَا أَرَدْتُهُ وَبَيَّنْتُهُ وَحَرَّرْتُهُ مِنْ سَقَطَاتِهِ مِمَّا يَحِقُّ لَهُ أَنْ يُنْشِدَ فِيهِ وَلَيْسَ يَصِحُّ فِي الْأَذْهَانِ شَيْءٌ إذَا احْتَاجَ النَّهَارُ إلَى دَلِيلٍ فَلْيُنْتَبَهْ لِذَلِكَ الْمَحْظُورِ وَلَا يَغْفُلْ عَنْهُ الرَّاسِخُونَ فَإِنَّ تَحْرِيفَاتِ هَذَا الرَّجُلِ وَإِظْهَارَهُ لِلْمُفْتَرَيَاتِ فِي صُوَرٍ مُوهِمَةٍ بِالْأَبَاطِيلِ وَالتُّرَّهَاتِ حَتَّى رُبَّمَا تَوَهَّمَ ضُعَفَاءُ الْإِدْرَاكِ أَنَّهَا يَقِينِيَّاتٌ فِي صُورَة قُوَى يَحْتَاجُ لِمَزِيدِ تَيَقُّظٍ وَبَصِيرَةٍ أَحْسَنَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْهُ السَّرِيرَةَ وَحَقَّقَ لَنَا الْهِدَايَة وَالْإِخْلَاصَ وَنَجَّانَا مِنْ بَوَائِقِنَا حِينَ لَا مَنَاصَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ كُلَّمَا ذَكَرَك وَذَكَرَهُ الذَّاكِرُونَ وَكُلَّمَا غَفَلَ عَنْ ذِكْرِكَ وَذِكْرِهِ الْغَافِلُونَ قَالَ مُؤَلِّفُهُ أَنْهَيْته نِصْفَ لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ سَابِعَ مُحَرَّمِ الْحَرَامِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَةٍ وَإِلَى اللَّه تَعَالَى أَرْفَعُ أَكُفَّ الضَّرَاعَةِ فِي أَنْ يَخْرِقَ الْعَادَةَ بِطُولِ حَيَاتِهِ وَلِسَانِ قَلَمِهِ فِي الذَّبِّ عَنْ الشَّرِيعَة عَلَى وَفْقِ مَرْضَاتِهِ آمِينَ تَمَّ الْكِتَابُ الْمُبَارَكُ بِحَمْدِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ وَحُسْنِ تَوْفِيقِهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ أَجْمَعِينَ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيل. [بَابُ الْحَجْرِ] (وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ كَانَ الْيَتِيمُ بِبَلَدٍ وَمَالُهُ بِأُخْرَى وَمَا حَاصِل كَلَامِ بُرْهَانِ الدَّيْنِ بْنِ ظَهِيرَةَ فِي فَتَاوِيهِ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِقَاضِي بَلَدِ مَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ كَانَ بِبَلَدٍ وَمَالُهُ بِآخَرَ فَالْوَلِيُّ قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِ تَرْتَبِطُ بِمَالِهِ كَمَالِ الْغَائِبِينَ لَكِنَّ مَحَلَّهُ فِي تَصَرُّفِهِ فِيهِ بِالْحِفْظِ وَبِالتَّعَهُّدِ وَبِمَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ مِنْ الْغِبْطَةِ اللَّائِقَةِ إذَا أَشْرَفَ عَلَى التَّلَفِ إمَّا مُطْلَقٌ نَحْوُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَغَيْرِهِمَا فَلِقَاضِي بَلَدِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ اسْتِحْضَارَهُ إلَيْهِ عِنْدَ أَمْنِ الطَّرِيق وَظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ لِيَتَّخِذَ لَهُ عَقَارًا بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً وَيَجِبُ عَلَى قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ إسْعَافُهُ بِذَلِكَ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ طَلَبُهُ إيَّاهُ وَأَهْلِيَّتُهُ لِتَسَلُّمِهِ فَيُسَلِّمُهُ لِثِقَةٍ لِيُوَصِّلَهُ لَهُ وَلَيْسَ عِنْدِي فَتَاوَى الْبُرْهَانِ الَّتِي ذَكَرْتُمُوهَا وَمَسْأَلَةُ مِنْ مَاتَ بِلَا وَارِثٍ مَذْكُورَةٌ فِي الْفَرَائِضِ مِنْ شَرْح الْإِرْشَادِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا بِيعَ مَالُ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ فَكَمُلَ فَادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ بَيْعٌ بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلِهِ أَوْ بِلَا حَاجَةٍ فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ وَمَا الْمُعْتَمَدُ مِنْ الِاضْطِرَابِ فِيهَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ إنْ ادَّعَى بَعْدَ كَمَالِهِ الْبَيْعَ بِلَا حَاجَةٍ أَوْ مَصْلَحَةٍ عَلَى الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ صُدِّقَا بِيَمِينِهِمَا أَنَّهُ وَقَعَ لِلْحَاجَةِ أَوْ الْمَصْلَحَةِ فَذَاكَ وَإِلَّا صُدِّقَ الْمُدَّعِي بِيَمِينِهِ أَنَّ بَيْعَهُمَا وَقَعَ بِدُونِ الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ هَذَا مَا عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا سَوَاءٌ فِيهِ عَلَى الْأَوْجَهِ مَالُ التِّجَارَةِ وَغَيْرُهُ وَمَا يَجِبُ فِيهِ الْإِشْهَادُ كَالْبَيْعِ نَسِيئَةً وَغَيْرِهِ وَإِنْ نَازَعَ فِي ذَلِكَ جَمِيعِهِ الزَّرْكَشِيُّ وَأَطَالَ فِيهِ بِمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي خَادِمه فَلْيَنْظُرْ مِنْهُ وَدَعْوَاهُ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ الْوَلِيّ كَهِيَ عَلَى

الْوَلِيِّ فِيمَا ذُكِرَ وَأَمَّا إذَا ادَّعَى عَلَى وَلِيِّهِ أَنَّهُ بَاعَ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ فَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْخَادِمِ أَيْضًا لَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا وَيَظْهَرُ تَصْدِيقُهُمْ أَيْ الْأَوْلِيَاءِ وَلَوْ نَحْوَ وَصِيٍّ لِأَنَّهُمْ أُمَنَاءُ وَفَارَقَ مَا قَبْلَهُ بِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ مَتْبُوعَةٌ لِلْبَيْعِ فَكُلِّفَ الْبَيِّنَةَ بِهَا كَمَا يُكَلَّفُ الْوَكِيلُ بِبَيِّنَةٍ بِوَكَالَتِهِ وَأَمَّا ثَمَنُ الْمِثْلِ فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الْبَيْعِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْبَائِعَ جَائِز الْبَيْعِ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي صِفَتِهِ وَدَعْوَى صِحَّتِهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ مُدَّعَى فَسَادِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْبَيْع بِثَمَنِ الْمِثْلِ اخْتِلَافٌ فِي صِفَةِ الْبَيْعِ الْمَأْذُونِ فِيهِ فَيُصَدَّقُ الْعَاقِدُ وَيَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ هُوَ اخْتِلَافٌ فِي الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الْقَوْلَانِ. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّ دَعْوَى الْمُوَلَّى عَلَيْهِ الْبَيْعَ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ كَدَعْوَاهُ الْبَيْعَ بِدُونِ الْحَاجَةِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْأَبِ وَغَيْرِهِ وَيَرُدُّ فَرْقُهُ الْمَذْكُورُ بِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ كَمَا أَنَّهَا مَتْبُوعَةٌ لِلْبَيْعِ كَذَلِكَ ثَمَنُ الْمِثْلِ هُوَ مَتْبُوعٌ لِلْبَيْعِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَزَعْمُهُ أَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ الْبَيْعِ دُونَ الْمَصْلَحَةِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ ثُمَّ رَأَيْت كَلَامَ شَيْخِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ يُوَافِقُ مَا ذَكَرْتُهُ وَيَرُدُّ مَا ذَكَرَهُ وَمُخْتَصَرَهُ وَإِنْ كَانَ بَسَطَهُ فِي حَوَاشِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْمُوَكِّلُ أَنَّ وَكِيلَهُ بَاعَ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَادَّعَى الْوَكِيلُ أَنَّهُ بَاعَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ صُدِّقَ الْوَكِيلُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ يَدَّعِي خِيَانَتَهُ. وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا وَقَوْلُ الْبَغَوِيِّ يُصَدَّقُ الْمُوَكِّلِ مَبْنِيٌّ عَلَى رَأْيِهِ الضَّعِيفِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مُدَّعِي الْفَسَاد فَإِنْ قُلْتَ إذَا اخْتَلَفَ الرَّشِيدُ وَالْوَصِيُّ فِي صُدُورِ الْبَيْعِ بِلَا حَاجَةٍ أَوْ بِلَا غِبْطَةٍ صُدِّقَ الرَّشِيدُ قُلْت الْفَرْقُ أَنَّ الرَّشِيدَ لَمْ يُسَلِّطْهُ عَلَى الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ هُنَا. اهـ. مُلَخَّصًا وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُصَدَّقَ فِي الْبَيْعِ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ هُوَ الرَّشِيدُ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّط نَحْوَ الْوَصِيِّ عَلَى الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْمُوَكَّلِ فَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِذَلِكَ وَأَقَامَ الْوَلِيّ بَيِّنَةً أَنَّهُ بَاعَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ فَفِيهَا تَفْصِيلٌ بَسَطْتُهُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَاد فِي بَابِ الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ فَانْظُرْهُ وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ هُنَا كَلَامُ الْمُحَقِّقِ أَبِي زُرْعَةَ فَإِنَّهُ ذَكَر الْمَسْأَلَةَ فِي فَتَاوِيهِ. وَأَطَالَ فِيهَا بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ أَجَّرَ النَّاظِرُ أَرْضًا بِأُجْرَةٍ شَهِدَتْ بِهَا بَيِّنَةٌ أَنَّهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَحُكِمَ بِهَا ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى بِأَنَّهَا دُونَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ بِكَثِيرٍ وَالْأُولَى لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِأُجْرَةِ الْأَرَاضِي فَهَلْ يَتَبَيَّنُ بِذَلِكَ بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ وَالْحُكْمُ بِهَا فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ لِنَقْضِ الْحُكْمِ بَعْدَ وُقُوعِهِ إلَّا بِأَحَدِ طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ الشَّاهِدَةَ أَوَّلًا لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِمَا شَهِدَتْ وَلَكِنْ كَيْفَ يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ إنْ قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ فَهَذِهِ شَهَادَةُ نَفْيٍ. وَإِنْ اعْتَرَفَ بِهَا الشَّاهِدَانِ فَأَيُّ فَائِدَةٍ لِاعْتِرَافِهِمَا بَعْدَ الْحُكْمِ بِقَوْلِهِمَا الثَّانِي إنَّهُ يُفِيدُ كَذِبَ الْبَيِّنَةِ الثَّانِيَةِ بِعَيْنِ الْأُولَى وَلَكِنْ كَيْفَ الطَّرِيقُ إلَى ذَلِكَ وَالْبَيِّنَتَانِ عِنْدَ التَّعَارُضِ لَا يَنْتَهِي الْحَالُ فِيهِمَا إلَى ذَلِكَ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تَصِلَ الثَّانِيَةُ إلَى التَّوَاتُرِ فَإِنَّهُ مَتَى خَالَفَ الْآحَادُ عُلِمَ كَذِبُ الْآحَادِ وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَفْرِضَ زِيَادَةَ الْأُجْرَةِ عَلَى الْأُجْرَة الْأُولَى تِسْعَةَ أَضْعَافِهَا وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَالِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي الْإِجَارَة الْأُولَى لِأَنَّهُ قَدْ يَرْغَبُ فِي اسْتِئْجَارِ فَدَّانٍ مِنْ قَوِيٍّ بِثَلَثِمِائَةٍ وَلَا يَرْغَبُ فِي اسْتِئْجَارِ مِثْلِهِ مِنْ ضَعِيفٍ بِثَلَاثِينَ لِجَرَيَانِ عَادَةِ بِلَادِ مِصْرَ بِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ مِنْ ضَعِيفٍ يَغْرَمُ عَلَى الْفَدَّانِ مَظَالِم فَوْقَ الثَّلَاثِمِائَةِ وَالْمُسْتَأْجِرُ مِنْ قَوِيٍّ لَا يَغْرَمُ مِنْهَا شَيْئًا قَالَ. وَقَدْ يُخَالِفُ مَا أَفْتَيْت بِهِ مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ بَعْدَ الِاسْتِخَارَةِ وَالتَّمَهُّلِ أَيَّامًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ اُحْتِيجَ لِبَيْعِ مِلْكِ يَتِيمٍ فَقَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ قِيمَتَهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ فَبَاعَهُ الْقَيِّمُ بِذَلِكَ وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى بِأَنَّ قِيمَتَهُ حِينَئِذٍ مِائَتَانِ نُقِضَ الْحُكْمُ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَكَمَ بِنَاءً عَلَى الْبَيِّنَةِ السَّالِمَةِ عَنْ الْمُعَارِضِ بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي هِيَ مِثْلُهَا أَوْ أَرْجَحُ وَقَدْ بَانَ خِلَافُ ذَلِكَ وَتَبَيَّنَ إسْنَادُ مَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ إلَى حَالَةِ الْحُكْمِ فَهُوَ كَمَا لَوْ حَكَمَ لِلْخَارِجِ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ بِبَيِّنَةٍ وَانْتُزِعَتْ الْعَيْنُ مِنْهُ ثُمَّ أُتِيَ صَاحِبُ الْيَدِ بِبَيِّنَةٍ فَإِنَّ الْحُكْمَ يُنْقَضُ لِمِثْلِ هَذِهِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَخَالَفَ مَا لَوْ رَجَعَ الشَّاهِدُ بَعْدَ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ إسْنَادَ مَانِعٍ إلَى حَالَةِ الْحُكْمِ لِأَنَّ قَوْلَ الشَّاهِدِ مُتَعَارِضٌ وَلَيْسَ أَحَدُ قَوْلَيْهِ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ قُلْت وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصُّورَةِ الَّتِي اسْتَشْهَدَ بِهَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ الَّتِي أَقَامَهَا الدَّاخِلُ لَوْ كَانَ أَقَامَهَا قَبْلُ امْتَنَعَ الْحُكْمُ لِغَرِيمِهِ

وَوَجَبَ الْحُكْمُ لَهُ بِخِلَافِ هَذِهِ الصُّورَةِ فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ الْمُعَارِضَةَ لَوْ أُقِيمَتْ مِنْ الْأَوَّلِ مَنَعَتْ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ وَمِنْ الْجَانِبَيْنِ لِتَعَارُضِهِمَا وَتَسَاقُطِهِمَا فَإِنَّهُ لَا تَرْجِيحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْأُخْرَى بَلْ قَدْ تَرَجَّحَتْ الْمَحْكُومُ بِهَا بِالْحُكْمِ وَالْحُكْمُ لَا يُنْقَضُ بِالِاحْتِمَالِ مَعَ الِاعْتِضَادِ أَيْضًا فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ الْجَارِيَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الصِّحَّةُ ثُمَّ قَالَ عَلَى أَنَّ مَا قَالَهُ يُخَالِفُ الْمَنْقُولَ فِي الْبَيِّنَةِ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ سَرَقَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشْرَةٌ وَآخَرَانِ قِيمَتُهُ عِشْرُونَ لَزِمَهُ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ لِأَنَّ الْمُقِلَّ رُبَّمَا عَرَفَ عَيْبًا بِهِ غَفَلَ عَنْهُ الْمُكْثِرُ فَكَانَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ أَوْلَى وَأَيْضًا فَإِنَّ الْأَصْلَ هُوَ السَّلَامَةُ وَالْمُقِلُّ نَاقِلٌ عَنْ الْأَصْلِ وَالْمُكْثِرُ مُبْقٍ عَلَيْهِ وَالنَّاقِلُ أَوْلَى مِنْ الْمُبْقِي وَقَالَ الْإِمَامُ هَذَا الْحُكْمُ فِيمَا لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى الصِّفَاتِ وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَقِلَّ وَاحِدٌ بِمَعْرِفَةِ صِفَةٍ لَمْ يُدْرِكْهَا الْآخَرَ وَرَدُّوا النِّزَاعَ إلَى الْقِيمَةِ نَفْسِهَا فَلَا يَجِبُ عِنْدَنَا إلَّا الْأَقَلُّ حَمْلًا عَلَى بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ. اهـ. وَفِي أَصْل الرَّوْضَةِ شَهِدَ وَاحِدٌ عَلَى إتْلَافِ ثَوْبٍ قِيمَتُهُ رُبُعُ دِينَارٍ وَآخَرُ عَلَى إتْلَافِ ذَلِكَ الثَّوْبِ بِعَيْنِهِ وَقَالَ قِيمَتُهُ ثُمُنُ دِينَارٍ ثَبَتَ الْأَقَلُّ وَلِلْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ مَعَ الْآخَرِ وَلَوْ شَهِدَ بَدَل الْوَاحِدِ وَالْوَاحِد اثْنَانِ وَاثْنَانِ ثَبَتَ الْأَقَلُّ أَيْضًا وَتَعَارَضَا فِي الزِّيَادَةِ وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّ وَزْنَ الذَّهَبِ الَّذِي أَتْلَفَهُ دِينَارٌ وَالْآخَرَانِ أَنَّ وَزْنَهُ نِصْفُ دِينَارٍ ثَبَتَ الدِّينَارُ لِأَنَّ مَعَ شَاهِدِهِ زِيَادَةَ عِلْمٍ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْقِيمَةِ فَإِنَّ مَدْرَكَهَا الِاجْتِهَادُ وَقَدْ يَقِفُ شَاهِدُ الْقَلِيلِ عَلَيْهِ. اهـ. فَانْظُرْ كَيْفَ جَزَمَ أَوَّلًا بِتَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ خِلَافَ قَوْلِ ابْنِ الصَّلَاحِ إنَّهُ تَقَدَّمُ الزِّيَادَةُ وَتَعْلِيلُهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْقِيمَةِ وَالزِّنَةِ بِأَنَّهُ قَدْ يَقِفُ شَاهِدُ الْقَلِيلِ عَلَى عَيْبٍ يَقْتَضِي تَقْدِيمَ بَيِّنَةِ النَّقْصِ كَمَا فِي التَّنْبِيه فَظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ يُخَالِفُ الْمَنْقُولَ وَاَلَّذِي يَتَحَرَّرُ لِي فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ قَطَعَ بِكَذِبِ الْبَيِّنَةِ الْأُولَى كَأَنْ قَوَّمَ الْحِجَازِيَّةَ الَّتِي عَلَى شَاطِئِ النِّيلِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَثَلًا نُقِضَ الْحُكْمُ وَذَلِكَ لَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ بَلْ نُقِضَ الْحُكْمُ بِهَا لِلْقَطْعِ بِكَذِبِهَا فَصَارَتْ الْبَيِّنَةُ الْأُخْرَى لَا مُعَارِضَ لَهَا وَأَمَّا مَعَ الِاحْتِمَالِ فَلَا نَقْضَ لِلْحُكْمِ وَبِدُونِ الْحُكْمِ مَعَ الِاحْتِمَالِ إمَّا تَرْجِيحُ النَّاقِضَةِ وَإِمَّا أَنْ يَتَعَارَضَا وَيَتَسَاقَطَا. اهـ. وَتَبِعَ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَى ابْنِ الصَّلَاحِ وَرَدَّ كَلَامَهُ بِنَحْوِ مَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ لَكِنْ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ انْتَصَرْتُ لِكَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ ثُمَّ جَمَعْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلَامِ مَنْ اعْتَرَضَهُ بِمَا يُوَافِقُهُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ الْوَلِيُّ آخِرًا بِقَوْلِهِ وَاَلَّذِي يَتَحَرَّر لِي إلَخْ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ مَعَ مَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ تَعْلَمْ أَنَّ الرَّاجِحَ فِي الْمَسْأَلَةِ التَّفْصِيلُ الدَّالُّ عَلَيْهِ كَلَامِي الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ أَبِي زُرْعَةَ الْمَذْكُورِ. (وَسُئِلَ) فِي شَخْصٍ أَقَامَهُ الْقَاضِي الْمُتَكَلِّمُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ عَلَى حَجْرِ سَفِيهٍ بَعْد أَنْ ثَبَتَتْ أَهْلِيَّتُهُ لِذَلِكَ لِيَصْرِفَ عَلَيْهِ وَمَعَهُ بِذَلِكَ إقَامَةٌ شَرْعِيَّةٌ مِنْ الْقَاضِي فَاسْتَمَرَّ ثَلَاثَ سِنِينَ يَقُومُ بِهِ فِيمَا يَحْتَاجُهُ مِنْ شَخْصٍ آخَر وَيَثْبُت مَا ادَّعَاهُ مَعَ إقَامَةِ الْقَاضِي الْأَوَّلِ لِلْحَاجِرِ مَعَ اسْتِمْرَارِهِ عَلَى الْمَصْرُوفِ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) إذَا وَلَّى الْقَاضِي الْمُسْتَقِلُّ أَوْ النَّائِبُ الَّذِي شَمِلَتْ وِلَايَتُهُ النَّظَرَ فِي أَمْرِ نَحْوِ الْأَيْتَامِ قَيِّمًا فَإِنْ كَانَ لِظَنِّ أَنَّهُ لَا قَيِّمَ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ كَانَتْ وِلَايَةُ الثَّانِي بَاطِلَةً وَالْوِلَايَةُ ثَابِتَةٌ لِلْأَوَّلِ مَا دَامَ أَهْلًا وَإِنْ كَانَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ لَهُ قَيِّمًا وَرَأَى فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً صَحَّ وَصَارَ الثَّانِي قَيِّمًا أَيْضًا وَلَا يَنْعَزِلُ الْأَوَّلُ إلَّا إنْ قَالَ الْقَاضِي لِلثَّانِي جَعَلْتُكَ قَيِّمًا فِيمَا جَعَلَ الْقَاضِي فُلَانًا الْأَوَّلَ قَيِّمًا. وَإِذَا لَمْ يَنْعَزِلْ الْأَوَّلُ بِأَنْ لَمْ يَقُلْ الْقَاضِي لِلثَّانِي ذَلِكَ لَمْ يَسْتَقِلَّ أَحَدُهُمَا بِالتَّصَرُّفِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا فِيهِ إلَّا إنْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِالْقَبُولِ أَوْ صَرَّحَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالِانْفِرَادِ بِالتَّصَرُّفِ أَوْ ضَعُفَ أَحَدُهُمَا أَوْ فَسَقَ فَيَنْفَرِدُ الْآخَرُ بِالتَّصَرُّفِ حِينَئِذٍ كَكُلِّ مِنْهُمَا فِي الثَّانِيَةِ وَإِنْ جَعَلَ الثَّانِي مُشْرِفًا عَلَى الْأَوَّلِ لَمْ يَتَصَرَّفْ الْأَوَّلُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَلَيْسَ لِلثَّانِي حِينَئِذٍ الِانْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ أَيْضًا وَالْحَاصِلُ أَنِّي لَمْ أَرَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ نَقْلًا بِخُصُوصِهَا وَإِنَّمَا أَخَذْت مَا ذَكَرْته بَعْدَ قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ مَعَ عِلْمِهِ. . . إلَخْ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الْوَصِيَّيْنِ فَلْيَجْرِ فِي ذَلِكَ جَمِيعُ مَا ذَكَرُوهُ ثُمَّ مِمَّا يُمْكِنُ إتْيَانُهُ فِي الْقَيِّمِينَ وَالْجَامِعُ بَيْنَ الْقَيِّمِينَ وَالْوَصِيِّينَ غَيْرُ خَفِّي وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِ وَهُوَ الْمُوصِي ثُمَّ وَاحِدًا وَالْمَوْلَى وَهُوَ الْقَاضِي الثَّانِي هُنَا غَيْرُ الْقَاضِي لِأَنَّهُمَا

نَائِبَا الشَّرْعِ فَهُمَا بِمَنْزِلَةِ شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ لَهُ ابْنَة زَوَّجَهَا مِنْ رَجُلٍ وَهِيَ بِكْرٌ وَلَمْ يَفُكَّ عَنْهَا حَجْرَهُ الشَّرْعِيَّ فَأَقَامَتْ مَعَ زَوْجِهَا الْمَذْكُورِ مُدَّةً مُسْتَطِيلَةً وَاسْتَوْلَدَهَا أَوْلَادًا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ طَرَأَ لِوَالِدِهَا سَفَرٌ مِنْ بَلْدَتِهِ الَّتِي ابْنَتُهُ مُقِيمَةٌ بِهَا إلَى الْحِجَازِ فَجَعَلَ الزَّوْجُ الْمَذْكُورُ يُشَاجِرُهَا حَتَّى أَبْرَأَتْهُ مِنْ صَدَاقِهَا عَلَى يَدِ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ وَتَحَمَّلَتْ بِأَوْلَادِهَا التَّحَمُّلَ الشَّرْعِيَّ فَأَبَانَهَا الزَّوْجُ الْمَذْكُورُ الْبَيْنُونَةَ الشَّرْعِيَّةَ فَهَلْ تَصِحُّ مِنْهَا الْبَرَاءَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي غَيْبُوبَةِ وَالِدِهَا وَهِيَ تَحْتَ حَجْرِهِ أَمْ لَا وَهَلْ يَصِحُّ تَحَمُّلُهَا بِأَوْلَادِهَا أَمْ لَا وَهَلْ إذَا قُلْتُمْ يَصِحُّ تَحَمُّلُهَا فَهَلْ لَهَا تَعْجِيزُ نَفْسِهَا عَنْ التَّحَمُّلِ بِالْأَوْلَادِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) مَتَى لَمْ يَثْبُت رُشْدُهَا فَإِبْرَاؤُهَا بَاطِلٌ وَكَذَلِكَ تَحَمُّلُهَا إلَّا أَنْ يَحْكُمَ بِذَلِكَ حَاكِمٌ يَرَاهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ عِنْدَهُ دَرَاهِمُ لِيَتِيمٍ أَوْ لِغَائِبٍ أَوْ لِمَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ وَالْيَتِيمُ وَنَحْوُهُ غَيْرُ مُحْتَاج لَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَأَرَادَ الْقَيِّمُ وَنَحْوُهُ إقْرَاضَهَا أَوْ التَّصَرُّفَ فِيهَا بِرَدِّ بَدَلِهَا فَهَلْ يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ وَهَلْ قَالَ بِذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَعَ أَنَّ الْبَلَدَ لَيْسَ بِهَا حَاكِمٌ وَهَلْ تَجِدُونَ لَهُ طَرِيقًا فِي ذَلِكَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) إقْرَاضُ الْوَلِيِّ مَالَ مَحْجُورِهِ فِيهِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْوَصِيِّ الْإِقْرَاضُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ لِنَهْبٍ أَوْ حَرِيقٍ أَوْ إرَادَةِ سَفَرٍ وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَلِلْقَاضِي الْإِقْرَاضُ مُطْلَقًا لِكَثْرَةِ أَشْغَاله هَذَا مَا عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ لَكِنْ أَطَالَ الْإِسْنَوِيُّ كَالسُّبْكِيِّ فِي رَدِّهِ وَأَنَّ الْقَاضِيَ كَغَيْرِهِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِقْرَاضُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْمَحْجُورِ بُسْتَانٌ فَأَجَّرَ وَلِيُّهُ بَيَاضَ أَرْضِهِ بِأُجْرَةٍ تَفِي بِمِقْدَارِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ وَقِيمَةِ الشَّجَرِ ثُمَّ سَاقَى عَلَى الشَّجَرِ عَلَى سَهْمٍ مِنْ أَلْفِ سَهْمٍ لِلْمَحْجُورِ وَالْبَاقِي لِلْمُسْتَأْجِرِ كَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ صَحَّتْ الْمُسَاقَاةُ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةٌ وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَ رَجُلٍ صَبِيٌّ يَتِيمٌ وَلَيْسَ وَصِيًّا شَرْعِيًّا وَلَا وَلِيًّا وَخَافَ ضَيَاعَ مَالِهِ إلَّا سَلَّمَهُ إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ جَازَ لَهُ النَّظَرُ فِي أَمْرِهِ وَالتَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ وَمُخَالَطَتُهُ فِي الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ أَصْلَحُ لَهُ وَاسْتِخْدَامُهُ بِمَا فِيهِ تَدْرِيبُهُ قَاصِدًا مَصْلَحَتَهُ وَيَجُوزُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ بِمَا لَا يُعَدُّ لِمِثْلِهِ أُجْرَةً وَمَا سِوَى ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ لِلْعَصَبَاتِ كَالْأَخِ وَالْعَمِّ الْإِنْفَاقُ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ فِي تَأْدِيبِهِ وَتَعْلِيمِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ لِأَنَّهَا قَلِيلَةٌ فَسُومِحَ بِهَا قَالَ الْجُرْجَانِيُّ. وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَالْحَاكِمِ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ النَّظَرُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بِالْحِفْظِ وَغَيْرِهِ. اهـ. وَأَمَّا تَصَرُّفُهُ فِيهِ لِنَفْسِهِ فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ بِنِيَّةِ أَنْ يَرُدَّ بَدَلَهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْبِضَ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ فَلَا حِيلَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَذْهَبَ هُوَ وَالْيَتِيمُ إلَى بَلَدٍ لَهَا قَاضٍ فَإِذَا ذَهَبَا إلَيْهِ وَكَانَ هُنَاكَ ضَرُورَةٌ مُجَوِّزَةٌ لِإِقْرَاضِ مَالِ الْيَتِيمِ لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يُقَالَ يَجُوزُ لِلْقَاضِي حِينَئِذٍ إقْرَاضُ مَالِهِ لِلْوَلِيِّ وَأَمَّا فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ نَظَرٍ فَلَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَبًا أَوْ غَيْرَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِ مُوَلِّيهِ لِنَفْسِهِ نَعَمْ إنْ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا أَوْ وَصِيًّا وَاشْتَغَلَ بِمَالِ مُوَلِّيهِ عَنْ كَسْبٍ يَكْفِيه وَكَانَ فَقِيرًا أَوْ مِسْكِينًا جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ مُرَاجَعَةِ الْقَاضِي خِلَافًا لِمَا فِي الْأَنْوَارِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ كِفَايَتِهِ وَأُجْرَةِ مِثْلِ عَمَلِهِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ نَعَمْ إنْ نَقَصَ أَجْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْأُمِّ إذَا كَانَتْ وَصِيَّةً عَنْ نَفَقَتِهِمْ وَكَانُوا فُقَرَاءَ تَمَّمُوهَا مِنْ مَالِ مَحْجُورِهِمْ وَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي الْأَخْذُ مُطْلَقًا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ قَاضِيًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ وَصِيًّا وَبِخِلَافِ أَمِينِهِ فَإِنَّ لَهُمَا الْأَخْذَ كَمَا صَرَّحَ بِالثَّانِي الْمَحَامِلِيُّ فَبَحْثُ بَعْضِهِمْ خِلَافَهُ مَرْدُودٌ وَقِيَاسُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ جَوَازِ الْأَخْذِ بِغَيْرِ قَاضٍ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَاعْتَمَدَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَسْتَقِلُّ بِرَدِّ الْبَدَلِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ رَدُّ بَدَلِ مَا يَأْخُذُهُ لَكِنْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الْوَصَايَا بِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ إلَى الْحَاكِمِ لِأَنَّهُ لَا يُبَرِّئُ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ. وَلَوْ تَبَرَّمَ الْوَلِيُّ بِحِفْظِ مَالِ مُوَلِّيه وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَتَوَلَّاهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَأَقَلَّ مِنْ مَالِ مُوَلِّيهِ وَأَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ لِلْقَاضِي لِيُنَصِّبَ قَيِّمًا لِذَلِكَ لَا لِيَفْرِضَ لَهُ أُجْرَةً فَلَا يُجِيبُهُ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا وَمَحَلُّهُ حَيْثُ وُجِدَ مُتَبَرِّعًا وَإِلَّا أَجَابَهُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ جَمْعٍ أَنَّهُ يُجِيبُهُ وَيُظْهِرُ أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْجَرَ مَنْ

يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ جَازَ لِلْأَجِيرِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْوَلِيَّ لِيَعْمَلَ عَنْهُ وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَيَكُونُ مِنْ الْحِيَلِ الْمُجَوِّزَةِ لِلْوَلِيِّ الْعَمَلَ فِي مَالِ مُوَلِّيهِ بِالْأُجْرَةِ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ مُتَبَرِّعٍ هَذَا كُلُّهُ حُكْمُ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ مِنْ يَتِيمٍ وَنَحْوِهِ وَمِثْلُهُ فِي جَمِيعِ مَا تَقَرَّرَ نَاظِر الْوَقْفِ فِي مَالِ الْوَقْفِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ لِمَنْ يَتَوَلَّى وَقْفَهُ شَيْئًا مِنْ الرُّبُعِ جَازَ وَكَانَ ذَلِكَ أُجْرَةَ عَمَلِهِ فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ لَهُ شَيْئًا لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا وَعَلَيْهِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَوْ رَفَعَ الْأَمْرَ لِلْحَاكِمِ لِيُقَرِّرَ لَهُ أُجْرَةً فَهُوَ كَمَا لَوْ تَبَرَّمَ الْوَلِيُّ بِحِفْظِ مَالِ الطِّفْلِ وَرَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيُثْبِتَ لَهُ أُجْرَةً قَالَ تِلْمِيذُهُ أَبُو زُرْعَةَ مُقْتَضَى تَشْبِيهِهِ أَنْ يَأْخُذَ مَعَ الْحَاجَةِ إمَّا قَدْرَ النَّفَقَةِ عَلَى مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَإِمَّا أَقَلَّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْأُجْرَةِ وَالنَّفَقَةِ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَقَدْ رَجَّحَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ يَسْتَقِلُّ بِهِ مِنْ غَيْرِ حَاكِمٍ وَذَلِكَ يَأْتِي هُنَا. اهـ. فَافْهَمْ ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْوَلِيِّ فِيمَا تَقَرَّرَ فِيهِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ لِنَفْسِهِ قَرْضًا مِمَّا تَحْتَ يَدِهِ لِمَالِ الْوَقْفِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الشَّيْخَانِ حَيْثُ قَالَا لَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْوَقْفِ عَلَى أَنْ يَضْمَنَهُ فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ وَأَمَّا مَنْ تَحْتَ يَدِهِ مَالٌ لِغَائِبٍ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى ذَلِكَ الْمَالِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَوَاضِحٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَتْ بِحَقٍّ فَإِنْ كَانَ قَاضِيًا أَوْ نَائِبَهُ جَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ إذَا اضْطَرَّ إلَيْهِ كَبَيْعِهِ عِنْدَ خَوْفِ تَلَفِهِ وَإِنْ كَانَ وَكِيلًا جَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ بِحَسَبِ مَا أَذِنَ لَهُ مُوَكِّلُهُ فِيهِ نَعَمْ لَهُ وَلِغَيْرِ الْمُوَكِّلِ أَنْ يَأْخُذَ مَا يَعْلَمَانِ أَوْ يَظُنَّانِ أَنَّهُ يَرْضَى بِهِ هَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَ الْغَائِبُ الْمَالِكُ رَشِيدًا وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ مُطْلَقًا وَلَا التَّصَرُّفُ فِيهِ إلَّا لِلْوَلِيِّ أَوْ مَأْذُونِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ أَخَذَ الرَّقِيقُ أَوْ الصَّبِيُّ شَيْئًا مِنْ الْمُعْرِضِ عَنْهُ أَيَمْلِكُهُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّ الصَّبِيَّ يَمْلِكُ مَا أَخَذَهُ مِمَّا أَعْرَضَ عَنْهُ مَالِكه الْمُطْلَقُ التَّصَرُّف وَكَذَلِكَ سَيِّدُ الرَّقِيقِ يَمْلِكُ مَا أَخَذَ قِنُّهُ مِنْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ وَصِيٍّ شَرْعِيٍّ عَلَى يَتِيمٍ قَاصِرٍ عَنْ الْبُلُوغِ وَلِلْيَتِيمِ الْمَذْكُورِ دِمْنَةُ أَرْضٍ مُعَدَّةٍ لِلْقَمَائِمِ وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْأَبْنِيَةِ وَلَا حَاصِلَ مِنْهَا نَافِعٌ لِلْمَحْجُورِ الْمَالِكِ وَفِي بِنَائِهَا مِنْ مَالِهِ أَوْ تَرَكَهَا مُهْمَلَةً لِلْقَمَائِمِ غَايَةَ الْإِضْرَارِ بِهِ وَالْإِضَاعَةَ عَلَيْهِ فَبَاعَ الْوَصِيُّ الشَّرْعِيُّ عَنْ الْيَتِيمِ الْمَذْكُورِ الدِّمْنَةَ الْمَذْكُورَةَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَظِّ وَالْمَصْلَحَةِ وَبَعْدَ ثُبُوتِ الزِّيَادَةِ عَنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ كَذَلِكَ وَثَبَتَ أَيْضًا أَنَّ الْوَصِيَّ الْمَذْكُورَ بَاعَ ذَلِكَ طَائِعًا مُخْتَارًا مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ لَهُ فِي ذَلِكَ وَلَا إجْبَارٍ وَثَبَتَ ذَلِكَ عَلَى يَدِ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ شَافِعِيِّ الْمَذْهَبِ فَحَكَمَ بِمُوجَبِ الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ وَبِمُوجَبِ مَا ثَبَتَ لَدَيْهِ مِنْ الْمُسَوِّغَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَثُبُوتِ الطَّوْعِ وَالِاخْتِيَارِ وَأَرَادَ الْوَصِيُّ الْمَذْكُورُ أَوْ الْيَتِيمُ الْمَذْكُورُ بَعْدَ بُلُوغِهِ الدَّعْوَى بِأَنَّ صُدُورَ الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ مِنْ الْوَصِيِّ الْمَذْكُورِ كَانَ بِالْجَبْرِ وَالتَّهْدِيدِ فَهَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِذَلِكَ بَعْدَ ثُبُوتِ الطَّوْعِ وَالِاخْتِيَارِ وَالْمُسَوِّغَاتِ الشَّرْعِيَّةِ بِذَلِكَ أَمْ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَهَلْ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ بِذَلِكَ أَمْ لَا تُقْبَلُ وَإِذَا أَرَادَ الْوَصِيُّ الْمَذْكُورُ أَوْ الْيَتِيمُ الْمَذْكُورُ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ الثَّمَنَ الْمَذْكُورَ لِلدِّمْنَةِ الْمَذْكُورَةِ دُونَ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَأَنَّ ثَمَنَ الْمِثْلِ فَوْقَ ذَلِكَ وَلَهُ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ بِدَعْوَاهُ أَنَّ ثَمَنَ الْمِثْلِ حَالَ الْبَيْعِ الصَّادِرِ مِنْ الْوَصِيِّ الْمَذْكُورِ كَانَ أَزْيَدَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَ بِهِ الْوَصِيُّ الْمَذْكُورُ فَهَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتُهُ بِذَلِكَ. وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ شَافِعِيٌّ بِأَنَّ الثَّمَنَ الْأَوَّلَ كَانَ ثَمَنَ الْمِثْلِ أَوْ لَا تُسْمَعُ وَهَلْ تُقَدَّمُ الْبَيِّنَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى الْأُولَى وَلَوْ حَكَمَ بِالْأُولَى حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ شَافِعِيُّ الْمَذْهَبِ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ تُسْمَعُ دَعْوَى الْوَصِيِّ لِلْإِكْرَاهِ بِقَرِينَةٍ وَكَذَا لِلنَّقْصِ عَنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ إلَّا ذَكَرَ عُذْرًا وَإِلَّا فَقَدْ فَسَقَ وَانْعَزَلَ وَأَمَّا دَعْوَى الْمَحْجُورِ إذَا بَلَغَ وَثَبَتَ رُشْدُهُ فَتُسْمَعُ بِذَلِكَ مُطْلَقًا ثُمَّ إذَا سُمِعَتْ الدَّعْوَى وَأُقِيمَتْ بَيِّنَةٌ بِالْإِكْرَاهِ وَبَيِّنَةٌ بِالِاخْتِيَارِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْإِكْرَاهِ لِأَنَّهُ نَاقِلَةٌ عَنْ الْأَصْلِ وَهُوَ الِاخْتِيَارُ نَعَمْ إنْ قَالَتْ بَيِّنَةُ الِاخْتِيَارِ كَانَ مُكْرَهًا وَزَالَ الْإِكْرَاهُ حَالَ الْبَيْعِ كَأَنْ قَالَتْ الْأُولَى بَاعَ عِنْدَ الْغُرُوبِ وَهُوَ مُكْرَهٌ وَقَالَتْ الثَّانِيَة بَاعَ عِنْدَهُ وَكَانَ مُكْرَهًا قَبْلَهُ وَزَالَ الْإِكْرَاهُ عِنْدَهُ قُدِّمَتْ الثَّانِيَةُ الَّتِي هِيَ بَيِّنَةُ الِاخْتِيَارِ

لِأَنَّهَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ نَاقِلَةٌ عَنْ أَصْلِ الْإِكْرَاهِ الَّتِي أَثْبَتَتْهُ الْأُولَى وَاعْلَمْ أَنَّ شَرْطَ سَمَاعِ بَيِّنَةِ الْإِكْرَاهِ أَنْ تَذْكُرَ سَبَبَهُ مِنْ نَحْوِ ضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ تَخْوِيفٍ نَاجِزٍ فَلَا يَكْفِي قَوْلُهَا نَشْهَدُ أَنَّهُ كَانَ مُكْرَهًا لِاخْتِلَافِ مَا بِهِ الْإِكْرَاهُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ وَإِذَا أُقِيمَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ بَيْعَ الْوَصِيِّ كَانَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَأُقِيمَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى بِأَنَّهُ كَانَ بِدُونِهِ بِقَدْرٍ لَا يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ قُدِّمَتْ الثَّانِيَةُ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ حَيْثُ سُئِلَ عَمَّا إذَا اُحْتِيجَ إلَى بَيْعِ مَالِ يَتِيمٍ فَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالْحَاجَةِ وَبِأَنَّ قِيمَتَهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ فَبَاعَهُ الْقَيِّمُ بِذَلِكَ وَحَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى بِأَنَّهُ بَيْعٌ بِلَا حَاجَةٍ أَوْ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ فَقَالَ بِنَقْضِ الْحُكْمِ وَبِحُكْمِ فَسَادِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَكَمَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْبَيِّنَةَ سَالِمَةٌ مِنْ الْمُعَارِضِ وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ أُزِيلَتْ يَدُ الدَّاخِلِ بِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ ثُمَّ أَقَامَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَةً فَإِنَّ الْحُكْمَ يُنْقَضُ لِذَلِكَ. اهـ. وَأَمَّا مُخَالَفَةُ السُّبْكِيّ لَهُ حَيْثُ قَالَ الَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِالشَّكِّ وَإِنَّمَا قَالُوا بِنِقْضِهِ فِي مَسْأَلَةِ الدَّاخِلِ الَّتِي قَاسَ عَلَيْهَا ابْنُ الصَّلَاحِ لِأَجْلِ الْيَدِ وَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِأَنَّهُ سَرَقَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ وَشَهِدَ آخَرَانِ بِأَنَّ قِيمَتَهُ عِشْرُونَ وَجَبَ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ لِأَنَّهُ الْمُحَقَّقُ اهـ فَأَجَابَ عَنْهَا بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ بِمَنْعِ أَنَّ ذَلِكَ نُقِضَ بِالشَّكِّ أَيْ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ مُرَجَّحًا وَغَايَتُهُ أَنَّهُ مُفَادُ الْبَيِّنَةِ الْأُولَى الظَّنُّ وَمُفَادُ الثَّانِيَةِ الظَّنُّ أَيْضًا وَإِنَّمَا قُدِّمَ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَبِأَنَّ مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ السُّبْكِيّ عَلَى مَا زَعَمَهُ مَحَلّهُ قَبْلَ الْحُكْمِ فَحِينَئِذٍ لَا يُحْكَمُ إلَّا بِالْأَقَلِّ لِأَنَّهُ الْمُحَقَّقُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ ابْنِ الصَّلَاحِ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالْأُولَى قَدْ وَقَعَ عَلَى ظَنِّ سَلَامَتِهَا مِنْ الْمُعَارِضِ وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ فَبَطَلَ الْحُكْمُ بِهَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ تَصْرِيحُ السُّبْكِيّ نَفْسِهِ فِي مَسْأَلَةِ ابْنِ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ التَّعَارُضُ فِيهَا قَبْلَ الْبَيْعِ وَالْحُكْمِ امْتَنَعَ كُلٌّ مِنْ الْبَيْعِ وَالْحُكْمِ لِأَنَّ مُعَارَضَةَ الثَّانِيَةِ الْأُولَى أَبْطَلَ النَّظَرَ إلَيْهَا وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا عَمَّا يُتَوَهَّمُ مِنْ مُخَالَفَةِ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ الْمَذْكُورِ فَقَالَ وَلَعَلَّ كَلَامَهُمْ هُنَا فِيمَا لَوْ تَلِفَ وَتَعَذَّرَ تَحْقِيقُ الْأَمْرِ فِيهِ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي سِلْعَةٍ قَائِمَةٍ يَقْطَعُ بِكَذِبِ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِأَنَّ قِيمَتَهَا مِائَةٌ. اهـ. وَفِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ يُعْرَفُ وَجْهُهُ مِمَّا تَقَرَّرَ فِي وَجْهِ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ السَّابِقِ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي كَلَامِهِ بَيْنَ التَّالِفَةِ وَالْبَاقِيَةِ نَعَمْ إنْ كَانَتْ الْعَيْنُ الْمَبِيعَةُ قَائِمَةً عَلَى صِفَاتهَا وَقْتَ الْبَيْعِ وَقُطِعَ بِكَذِبِ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِالزِّيَادَةِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهَا وَحُكْمُ الْحَاكِمِ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ وَابْنُ الصَّلَاح لَا يُخَالِفُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَلِفَتْ أَوْ تَغَيَّرَتْ صِفَاتُهَا وَلَمْ يَقْطَعْ بِكَذِبِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهَا تُؤَثِّرُ وَيُعْمَلُ بِهَا كَمَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (سُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جَرَتْ الْعَادَةُ عِنْدَ حِفْظِ الْوَلَدِ لِسُوَرٍ مُعِينَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بِصِرَافَةٍ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الضِّيَافَةِ لِلْمُعَلِّمِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ هَلْ فِي ذَلِكَ وَفِي خُصُوصِهِ فِي سُوَرٍ مُعِينَاتٍ أَثَرٌ وَهَلْ لِوَلِيِّ الطِّفْلِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الطِّفْلِ؟ (فَأَجَابَ) صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ مَا يُجْعَلُ مِنْ الطَّعَامِ عِنْدَ خَتْمِ الْقُرْآنِ سُنَّةٌ قِيَاسًا عَلَى بَقِيَّةِ الْوَلَائِمِ الْمَسْنُونَةِ بِجَامِعِ السُّرُورِ وَإِظْهَارِ الشُّكْرِ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ وَكَفَى بِذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى نَدْبِ مَا ذُكِرَ وَلَا أَحْفَظُ فِي ذَلِكَ بِخُصُوصِهِ شَيْئًا مِنْ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ إلَّا مَا نُقِلَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ لَمَّا خَتَمَ الْبَقَرَةَ ذَبَحَ بَدَنَةً وَلَيْسَ لَوَلِيّ الطِّفْلِ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْوَلَائِمِ الْمَنْدُوبَةِ مِنْ مَالِ الطِّفْلِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (مَسْأَلَةٌ) أَسْنَدَ وَصِيَّتَهُ عَلَى تَرِكَتِهِ وَوَلَدِهِ لِإِنْسَانٍ وَجَعَلَ آخَرَ نَاظِرًا عَلَيْهِ وَأَقَرَّ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ لِوَلَدِهِ بِأَعْيَانٍ مُعَيَّنَةٍ ثُمَّ مَاتَ عَنْهُ وَعَنْ أُمِّهِ فَصَدَّقَتْ عَلَى الْإِقْرَارِ الْمَذْكُورِ وَحَكَمَ بِذَلِكَ شَافِعِيٌّ ثُمَّ إنَّ النَّاظِرَ اقْتَضَى رَأْيُهُ أَنَّهُ يَدْفَعُ لَهَا مِنْ الْمَقْرُبَةِ لِلْوَلَدِ مَبْلَغًا صُلْحًا عَمَّا ادَّعَتْهُ فِيمَا أَعْذَرَتْ فِيهِ لِمَنَامٍ رَأَتْهُ أَنَّ وَلَدَهَا يُعَذَّبُ مِنْ جِهَتِهَا فَهَلْ لِلنَّاظِرِ ذَلِكَ أَوَّلًا وَيَغْرَمُ مَا دَفَعَهُ إلَيْهَا وَيَكُونُ ذَلِكَ جُنْحَةً فِيهِ ثُمَّ اتَّفَقَ النَّاظِرُ وَالْوَصِيُّ عَلَى خَزْنِ مَالِ الْمَحْجُورِ وَعَدَمِ الِاتِّجَارِ فِيهِ مَعَ إخْرَاجِ مُؤَنٍ مِنْهُ كَثِيرَةٍ عَلَى الْوَلَدِ وَإِخْرَاجِ زَكَاتِهِ نَحْوَ أَلْفٍ وَثَلَثِمِائَةِ دِينَارٍ فَهَلْ لَهُمَا ذَلِكَ أَمْ يَجِبُ عَلَيْهِمَا

الِاسْتِرْبَاحُ فَيَأْثَمَانِ بِتَرْكِهِ وَيَغْرَمَانِ مَا فَاتَ بِسَبَبِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ جُنْحَةً فِيهِمَا أَوَّلًا وَهَلْ لِلْحَاكِمِ حِينَئِذٍ رَفْعُ يَدِهِمَا وَنَصْبُ مَنْ يَسْتَرِيحُ لِلْيَتِيمِ وَلَوْ بِطَرِيقِ الْعَيِّنَةِ وَإِذَا بَلَغَ الْمَحْجُور سَفِيهًا فَهَلْ يُعْتَبَرُ مَنْعُهُ لِلْقَاضِي عَمَّا اقْتَضَاهُ نَظَرَهُ أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ مُؤَكِّدًا لِدَوَامِ سَفَهِهِ (الْجَوَابُ اعْتِمَادُ النَّاظِرِ فِي إعْطَائِهَا عَلَى مُجَرَّدِ الْمَنَامِ غَيْرُ سَائِغٍ لَهُ فَيَغْرَمُ مَا فَاتَ عَلَى الْوَلَدِ بِسَبَبِ إعْطَائِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ جُنْحَةً فِيهِ. وَاخْتَلَفَ أَئِمَّتُنَا فِي الِاتِّجَارِ لِلْمَحْجُورِ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ مُطْلَقًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَقَالَ الْأَقَلُّونَ وَصَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ إنَّهُ بِقَدْرِ الْمُؤَنِ نَفَقَةً وَزَكَاةً وَغَيْرهمَا وَاجِبً قَالَ الْقَفَّالُ إنْ نَصَّ لَهُ فِي الْإِيصَاءِ إلَيْهِ عَلَى التِّجَارَةِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لَهُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ كَانَ الزَّمَانُ آمِنًا وَالسُّلْطَانُ عَادِلًا وَغَلَبَ الرِّبْحُ حَالًا أَوْ مَآلًا بِغَلَبَةِ الظَّنِّ فَإِنْ فَاتَ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الِاتِّجَارُ وَحِينَئِذٍ فَامْتِنَاعُ الْوَصِيِّ مِنْ الِاتِّجَارِ مَعَ وُجُودِ شُرُوطِهِ الْمَذْكُورَةِ إنْ كَانَ لِاعْتِقَادِهِ النَّدْبَ لَمْ يَأْثَمْ أَوْ مَعَ اعْتِقَادِهِ الْوُجُوبَ أَثِمَ لَكِنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بَلْ يُقِيمُ الْحَاكِمُ نَائِبًا عَنْهُ يَتَصَرَّفُ فِي الْمَالِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَئِمَّتُنَا فِيمَا إذَا امْتَنَعَ وَصِيَّانِ أَلْزَمَهُمَا الْحَاكِمُ بِالْعَمَلِ بِالْمَصْلَحَةِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَقَالُوا لَا يَنْعَزِلُ الْمُمْتَنِعُ بَلْ يُنِيبُ الْحَاكِمُ عَنْهُ وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِأَنَّ السَّفَرَ بِمَالِ الْمَحْجُورِ حَيْثُ حَرَّمْنَاهُ لَا يَنْعَزِلُ بِهِ الْوَلِيُّ. وَصَرَّحَ الدَّارِمِيُّ بِأَنَّا إذَا أَلْزَمْنَا الْوَلِيّ بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ مَالِ الْمَحْجُورِ فَوْرًا كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَنَا فَامْتَنَعَ لَا يَنْعَزِلُ وَلَا يَضْمَنُ الْوَصِيُّ الرِّبْحَ الْفَائِتَ بِسَبَبِ عَدَمِ التِّجَارَةِ فَقَدْ حَكَى أَئِمَّتُنَا وَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ تَرَكَ الْوَلِيُّ التَّصَرُّفَ فَنَقَصَ الْمَالُ أَوْ تَلِفَ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ فِي حِفْظِهِ كَأَنْ تَرَكَ تَلْقِيحَ طَلْعِهِ أَوْ بَيْعَ فِرْصَادِهِ أَوْ عِمَارَةَ دَارِهِ أَوْ إجَارَتَهَا أَوْ عَلَفَ دَوَابِّهِ حَتَّى مَاتَتْ قَالَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيُّ سَقَى اللَّهُ عَهْدَهُ. وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الضَّمَانِ فِي الْجَمِيعِ إلَّا فِي الدَّوَابِّ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا لِحُرْمَةِ الرُّوحِ وَيُؤَيِّدُ مَا رَجَّحَهُ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ لَوْ أَخَذَ ثِيَابًا مُنْقَطِعًا فَمَاتَ بَرْدًا لَمْ يَضْمَنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ فِي ذَاتِهِ شَيْئًا بَلْ صَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ حَبَسَهُ ظُلْمًا فَمَاتَتْ دَوَابُّهُ جُوعًا لَا يَضْمَنُهَا لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الدَّوَابِّ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَاضِحٌ لِأَنَّ الْوَلِيَّ هُنَا مُخَاطَبٌ بِدَفْعِ الْمُتْلِفَاتِ لِأَنَّهَا تَحْتَ يَدِهِ مَعَ حُرْمَةِ مَا تَمَيَّزَتْ بِهِ مِنْ الرُّوحِ الَّتِي يُحْتَاطُ لَهَا أَكْثَرَ فَهُوَ كَالْوَدِيعِ بَلْ أَوْلَى فَضَمِنَهَا لِتَقْصِيرِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْحَابِسُ فَإِنَّ تَعَدِّيهِ مَقْصُورٌ عَلَى الْمَحْبُوسِ لَا يَتَجَاوَزُهُ إلَى بَقِيَّةِ أَمْوَالِهِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ تَحْتَ يَدِهِ وَالِاسْتِرْبَاحُ بِطَرِيقِ بَيْعِ الْعِينَةِ الْخَالِي عَنْ شَرْطٍ مُفْسِدٍ صَحِيحٌ لَكِنْ. قَالَ السُّبْكِيّ فِي فَتَاوِيهِ وَغَيْرِهَا يَنْبَغِي لِلْوَلِيِّ أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ فِي مَالِ الْمَحْجُورِ بِمُعَامَلَةٍ فِيهَا شُبْهَةٌ لِأَنَّ رِعَايَةَ الْمَحْجُورِ فِي الْآخِرَةِ أَوْلَى مِنْ رِعَايَةِ مَصْلَحَتِهِ فِي الدُّنْيَا وَمِنْ مَصْلَحَةِ الْآخِرَة إطْعَامُهُ الْحَلَالَ الْخَالِصَ عَنْ الشُّبْهَةِ وَبَيْعُ الْعِينَةِ قَالَ بِتَحْرِيمِهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا فَفِيهِ شُبْهَةٌ قَوِيَّةٌ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] وَكُلُّ مَا فِيهِ شُبْهَةٌ لَيْسَ مِنْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. اهـ. مُلَخَّصًا قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْإِرْشَادِ عَقِبَهُ وَهُوَ كَلَامٌ نَفِيسٌ وَلَا عِبْرَةَ بِمَنْعِ السَّفِيهِ وَلَا بِإِذْنِهِ وَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ مُطَاوَعَتُهُ فِي تَرْكِ مَا لَزِمَ الْحَاكِمَ فِعْلُهُ مِنْ النَّظَرِ فِي مَالِهِ بِالْمَصْلَحَةِ وَمَنْعِهِ مِنْ الِاسْتِرْبَاحِ السَّائِغِ أَمَارَةً عَلَى سَفَهِهِ وَإِنْ لَمْ نُثْبِتهُ بِمُجَرَّدِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ رُفِعَ إلَيَّ هَذَا السُّؤَالُ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَحَاصِلُهَا شَخْصٌ أَسْنَدَ وَصِيَّتَهُ عَلَى أَوْلَادِهِ وَمَالَهُ لِإِنْسَانٍ وَجَعَلَ النَّظَرَ لِآخَرَ وَقَالَ لَهُمَا أَثْنَاءَ وَصِيَّتِهِ قَصْدِي أَنْ أَخُصَّ وَلَدِي بِمَا هُوَ فِي مِلْكِي مِنْ نُحَاسٍ وَغَيْرِهِ وَعَيَّنَهُ فَقَالَا لَهُ هَذَا حَرَامٌ إجْمَاعًا ثُمَّ بَعْدَ هَذَا الْمَجْلِسِ قِيلَ لَهُ اجْعَلْ الْوَصِيَّةَ بِلَفْظِ الْإِقْرَارِ لِيَصِحَّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَأَقْرٍ وَأَثْبَتَ إقْرَارَهُ شَافِعِيٌّ فَلَمَّا مَاتَ الْمُوصِي أُفْهِمَتْ وَالِدَتُهُ أَنَّهُ لَا حَقّ لَهَا فِي تِلْكَ الْأَعْيَانِ لِأَنَّهَا مِلْكُ وَلَدِهِ الْمُقَرِّ لَهُ دُونَهَا حَسَبَ إقْرَارِهِ الصَّحِيحِ فَأَعْذَرَتْ ظَانَّةً صِدْقَ مَا قِيلَ لَهَا ثُمَّ اطَّلَعَتْ عَلَى حَقِيقَةِ الْحَالِ وَأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ وَصِيَّةٌ فِي بَاطِن الْأَمْرِ وَأَنَّ الْإِقْرَارَ الْمَذْكُورَ حِيلَةٌ فَادَّعَتْ بِنَصِيبِهَا مِنْ تِلْكَ الْأَعْيَانِ وَتَمَسَّكَتْ بِمَا قَالَهُ وَلَدُهَا مِنْ التَّخْصِيصِ قَبْلَ الْإِقْرَارِ وَاسْتَشْهَدَتْ

فِي ذَلِكَ بَيِّنَةً عَادِلَةً تَشْهَدُ لَهَا بِذَلِكَ وَطَالَبَتْ الْوَصِيَّ وَالنَّاظِرَ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ وَمَا يَعْلَمَانِهِ مِمَّا سَمِعَاهُ مِنْ لَفْظِ وَلَدِهَا مِنْ التَّصْرِيحِ بِالتَّخْصِيصِ قَبْلَ الْإِقْرَارِ فَدَفَعَا لَهَا حِصَّتَهَا مِنْهَا فَهَلْ الدَّفْعُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ سِيَّمَا وَالنَّاظِرُ حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ بِالْبَلَدِ إذْ ذَاكَ يَرَى بُطْلَانَ الْإِقْرَارِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ مِنْ الْمُقِرِّ مَا يُنَافِيهِ فَكَيْفَ. وَقَدْ سَبَقَ مِنْهُ ذَلِكَ وَهَلْ ثُبُوتُهُ عَلَى يَدِ شَافِعِيٍّ مَانِعٌ لِلنَّاظِرِ مِنْ الدَّفْعِ إلَيْهَا وَمُقْتَضٍ لِإِثْمِهِمَا أَمْ لَا لِفِعْلِهِمَا مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمَا عِنْدَهُمَا مَعَ أَنَّ الْوَلَدَ الْمُنْحَصِرَ الْإِرْثُ فِيهِ أَعْذَرَ بَعْدَ بُلُوغِهِ لِلْجَدَّةِ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ وَرَجَعَ مَا أَخَذَتْهُ إلَيْهِ وَهَلْ الِاسْتِرْبَاحُ فِي مَالِ الْمَحْجُورِ وَاجِبٌ عَلَيْهِمَا أَوْ لَا مَعَ أَنَّهُمَا لَمْ يَجِدَا أَمِينًا وَإِنْ وَجَدَاهُ فَأَنَّمَا يَأْخُذ الْمَالَ بِصُورَةٍ مُحَرَّمَةٍ إجْمَاعًا أَوْ عَلَى قَوْلٍ فَهَلْ يَسْتَرْبِحَانِ فِيهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَوْ لَا وَهَلْ تَرَكَهُمَا الِاسْتِرْبَاحَ لِهَذَا الْمَعْنَى جُنْحَةٌ فِيهِمَا أَمْ لَا وَهَلْ يَتَصَرَّفُ النَّاظِرُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ عَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِهِ أَمْ عَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِ صَاحِبِ الْمَالِ وَهَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِتَغْرِيمِ الْوَصِيِّ وَالنَّاظِرِ مَا صَرْفَاهُ عَلَى الْوَلَدِ مِنْ لَوَازِمِهِ الشَّرْعِيَّةِ وَزَكَاتِهِ الْوَاجِبَةِ حَيْثُ لَمْ يَسْتَرْبِحَا فِيهِ أَوْ لَا وَإِذَا فَعَلَا مَا هُوَ الْحَقُّ فَهَلْ لِحَاكِمٍ شَرْعِيٍّ تَعَرُّضٌ لَهُمَا بِعَزْلٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ لَا (الْجَوَابُ) إذَا ثَبَتَ وَلَوْ بِشَهَادَةِ الْوَصِيِّ وَالنَّاظِرِ لِقَبُولِ شَهَادَتِهِمَا عَلَى الْمَحْجُورِ قَوْلُ الْمُوصِي قَصْدِي أَخُصُّ بِمَا فِي مِلْكِي مِنْ كَذَا وَكَذَا وَلَدِي ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ حَالًا لِوَلَدِهِ كَانَ الْإِقْرَارُ بَاطِلًا فَقَدْ صَرَّحَ أَئِمَّتُنَا بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ دَارِي الْمَمْلُوكَةُ لِي لِزَيْدٍ كَانَ بَاطِلًا لِلتَّنَاقُضِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مَلَّكَهُ حَالًا انْتَفَى الْإِقْرَارُ بِهِ أَمَّا لَوْ أَقَرَّ بِهِ بَعْدَ مُدَّةٍ يُمْكِنُ الِانْتِقَالُ فِيهَا لِلْوَلَدِ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ فَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا سَبَقَ مِنْهُ وَإِذَا بَطَلَ الْإِقْرَارُ بِشَرْطِهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَحْكُمَ بِهِ وَمَعَ بُطْلَانِهِ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِمَا الدَّفْعُ لِأَنَّهُ مَا يَخُصُّهَا مِنْ تِلْكَ الْأَعْيَانِ وَلَا عِبْرَةَ بِتَصْدِيقِهَا بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ لِعُذْرِهَا فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ بَاعَ شَخْصٌ دَارًا وَأَقَرَّ ابْنُهُ بِأَنَّهَا مِلْكُ الْأَبِ الْبَائِعِ حَالَ الْبَيْعِ ثُمَّ ادَّعَى الِابْنُ أَنَّ الْأَبَ كَانَ وَقَفَهَا عَلَيْهِ وَأَنَّهُ جَهِلَ ذَلِكَ حِينَ إقْرَارِهِ بِالْمِلْكِ فَقَدْ نَقَلَ الْبَغَوِيّ عَنْ الْعَبَّادِيِّ أَنَّهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي دَعْوَاهُ هَذِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَيَجِبُ الْجَزْمُ بِهِ إذَا دَلَّتْ الْقَرَائِنُ عَلَى صِدْقِهِ كَأَنْ كَانَ طِفْلًا وَقْتَ الْوَقْف. اهـ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَقَوْلُ الْقَاضِي لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ الْمَذْكُورَةُ ضَعِيفٌ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالدَّفْعُ الْمَذْكُورُ لِلْأُمِّ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا صَحِيحٌ لَا فِسْقَ فِيهِ وَلَا انْعِزَالَ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِمَا وَإِنْ حَكَمَ الشَّافِعِيُّ بِخِلَافِهِ لِأَنَّ وُجُودَ مَا مَرَّ الْمُقْتَضِي لِبُطْلَانِ الْإِقْرَارِ دَافِعٌ لِصِحَّةِ حُكْمِهِ عَلَى أَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ النَّاظِرِ وَالْوَصِيِّ الْعَمَلَ بِعِلْمِهِ وَاعْتِقَادِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَفْتَى بِأَنَّهُ إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ وَكَانَ مِمَّنْ يَرَاهُ جَازَ لِلشَّافِعِيِّ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِبَيْعٍ وَوَقْفٍ وَغَيْرِهِمَا كَسَائِرِ الْإِمْلَاك فِي الْبَاطِنِ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُغَيِّرُ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ قَالَ مَا مَعْنَاهُ وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْهُ فِي الظَّاهِرِ سِيَاسَةً شَرْعِيَّةً. اهـ. وَأَقَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مُحَقِّقُونَ مِنْهُمْ الشَّرَفُ الْغَزِّيُّ فِي أَدَب الْقَضَاءِ وَشَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ وَيَلْحَقُ بِهَذَا مَا فِي مَعْنَاهُ. اهـ. فَإِنْ قُلْتَ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّعِيفِ إنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ حَيْثُ وُجِدَتْ شُرُوطُهُ إنَّمَا يَنْفُذُ ظَاهِرًا فَقَطْ أَمَّا عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّهَا إذَا وُجِدَتْ نَفَذَ بَاطِنًا وَظَاهِرًا فَكَيْفَ يَجُوزُ لِلشَّافِعِيِّ مَا ذَكَرَهُ قُلْتُ هَذَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ابْنَ الصَّلَاحِ وَمَنْ تَبِعَهُ لَمْ يَغْفُلُوا عَنْهُ بَلْ فَرَّعُوا مَا قَالُوهُ حَتَّى عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّهُ يَنْفُذُ بَاطِنًا أَيْضًا وَمَعْنَى نُفُوذِهِ بَاطِنًا فِي الْمُخْتَلَف فِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ بَاطِنًا أَيْضًا الْعَمَلُ بِقَضِيَّةِ ذَلِكَ الْحُكْمِ لَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا وَنَحْوِهَا لِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَى النَّفْسِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِصِحَّتِهِ لَا يُخَالِفُ الْمِلْكَ إلَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْفَوَائِدِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَيْهِمَا لَا بِالنِّسْبَةِ لِاسْتِحْقَاقِ مَنْفَعَتِهِمَا فَلَمْ يَتَوَجَّهْ حُكْمُ الْحَنَفِيِّ بِالصِّحَّةِ إلَّا لِلْعَمَلِ بِتِلْكَ الْفَوَائِدِ وَبَيْنَ أَنْ يَخْرُجَ عَنْهَا وَيَفْعَلَ فِيهِ حُكْمُ الْأَمْلَاكِ هَذَا غَايَةُ مَا يَتَوَجَّهُ مِنْ كَلَامِ هَؤُلَاءِ وَلَا يَخْلُو عَنْ تَكَلُّفٍ وَبُعْدٍ فَالْأَوْجَهُ أَنَّ تِلْكَ مَقَالَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى ذَلِكَ الضَّعِيفِ وَعَلَى ضَعْفِهَا فَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ فِسْقِ النَّاظِرِ بِمَا فَعَلَهُ مِنْ الدَّفْعِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ

أَنَّ لَنَا وَجْهًا بِقَبُولِ قَوْلِ الْوَصِيِّ فِي عَيْنٍ مِنْ التَّرِكَةِ هَذِهِ لِفُلَانٍ. وَوَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ مَالٌ لِمَيِّتٍ فَقَالَ أَوْصَى إلَيَّ رَبُّ الْمَالِ أَنْ أَصْرِفَهُ فِي كَذَا قَبْلُ ذَكَرَهُ شُرَيْحٌ فِي رَوْضَتِهِ فَإِذَا دَفَعَ ظَانَّا إفَادَةَ عِلْمِهِ ظَاهِرًا أَوْ مُقَلِّدًا لِلْقَائِلِ بِصِحَّةِ إقْرَارِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَادِحًا فِي وِلَايَته لِأَنَّهُ لَمْ يَرْتَكِبْ حَرَامًا مَحْظُورًا فِي اعْتِقَادِهِ فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي حَنَفِيٍّ شَرِبَ النَّبِيذَ أَحُدُّهُ وَأَقْبَلُ شَهَادَتَهُ قَالُوا أَمَّا حَدُّهُ فَلِضَعْفِ شُبْهَتِهِ إذْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ فِي تَحْرِيمِ النَّبِيذِ أَيْ الْقَدْرِ الَّذِي لَا يُسْكِرْ مِنْهُ أَكْثَر مِنْ أَنْ تُحْصَرَ وَأَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ وَأَمَّا قَبُولُ شَهَادَتِهِ؛ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَرْتَكِبْ مُحَرَّمًا فِي اعْتِقَادِهِ فَلَمْ تَبْطُلْ عَدَالَتُهُ وَالِاسْتِرْبَاحُ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِهِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ لَهُ شُرُوطٌ مُقَرَّرَةٌ فِي مَحَلِّهَا فَإِذَا امْتَنَعَ الْوَصِيُّ مَعَ وُجُودِهَا وَسُهُولَتِهَا عَلَيْهِ أَثِمَ وَلَا يَنْعَزِلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ فِي عِدَّةِ مَسَائِلَ مِنْهَا قَوْلُهُمْ لَوْ اخْتَلَفَ وَصِيَّانِ فِي التَّصَرُّفِ أُلْزِمَا بِالْعَمَلِ بِمَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ مَصْلَحَةً فَإِنْ امْتَنَعَا لَمْ يَنْعَزِلَا بَلْ يُنِيبُ عَنْهُمَا اثْنَيْنِ لِيَتَوَلَّيَاهُ حَتَّى يَتَّفِقَا عَلَى الْعَمَلِ بِالْمَصْلَحَةِ فَإِنْ امْتَنَعَ وَاحِدٌ فَقَطْ أَنَابَ عَنْهُ. اهـ. وَمِنْهَا قَوْلُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ حَيْثُ مَنَعَ الْوَلِيَّ مِنْ السَّفَرِ بِمَالِ مَحْجُورِهِ فَتَعَدَّى وَسَافَرَ بِهِ لَمْ يَنْعَزِلْ بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ التَّعَدِّي كَمَا لَا تُرَدُّ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ بِكُلِّ فِسْقِ. اهـ. وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَمُولِيُّ فِي جَوَاهِرِهِ فَإِنْ قُلْتَ يُنَافِيه قَوْلُ الْقَاضِي نَفْسِهِ وَأَقَرَّهُ فِي الرَّوْضَةِ لَوْ لَمْ يَقْبَلْ الْوَلِيّ أَوْ الْقَيِّمُ الْهَدِيَّةَ أَوْ الْوَصِيَّةَ لِمُوَلِّيهِ أَثِمَ وَانْعَزَلَ لِتَرْكِهِ النَّظَرَ قُلْتُ لَا مُنَافَاةَ لِأَنَّهُ هُنَا فَوَّتَ عَلَيْهِ عَيْنًا مَوْجُودَةً مَحْسُوسَةً بِخِلَافِ مُجَرَّدِ سَفَرِهِ بِالْمَالِ فَإِنَّ الَّذِي فِيهِ إنَّمَا هُوَ خَشْيَةُ فَوَاتٍ وَلَمْ تُوجَدْ وَفَرْقٌ ظَاهِرٌ بَيْنَ حَقِيقَةِ التَّفْوِيتِ وَخَشْيَةِ الْفَوَاتِ عَلَى أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا إِسْحَاقَ قَيَّدَ الْوُجُوبَ عَلَى الْأَب بِمَا إذَا لَمْ يَقْصِد التَّقَرُّبَ إلَيْهِ بِالْهَدِيَّةِ لِابْنِهِ وَصَوَّبَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْجُوَيْنِيِّ وُجُوبُهُ فِي الْوَصِيَّةِ دُونَ الْهَدِيَّةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا الْمُكَافَأَةَ وَمَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَى الْوُجُوب عَلَى نَحْوِ الْوَصِيِّ إذْ لَا مِنَّةَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْجَدِّ ثُمَّ قَيَّدَ الْوُجُوبَ بِمَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ التَّوَدُّدَ إلَى الْأَبِ لِوِلَايَةٍ أَوْ قَضَاءٍ وَإِلَّا فَهُوَ طَرِيقٌ إلَى الرِّشْوَةِ لِوُلَاةِ السُّوءِ وَقُضَاتِهِ. اهـ. قَالَ غَيْرُهُ وَهُوَ حَقٌّ وَصَوَّبَهُ فِي الْخَادِمِ بَلْ زَادَ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْأَبِ الْقَاضِي الْقَبُولُ لِئَلَّا يُتَّخَذَ ذَرِيعَةً إلَى الرِّشْوَةِ وَمِنْهَا قَالَ الدَّارِمِيُّ إذَا أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ إخْرَاجَ الزَّكَاةِ فَوْرًا أَيْ كَمَا هُوَ الْأَصَحُّ فَلَمْ يُخْرِجْهَا لَمْ يَنْعَزِلْ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ شَيْئًا فَهُوَ نَظِيرُ مَا مَرَّ عَنْ الْقَاضِي فِي السَّفَرِ وَعَنْ غَيْرِهِ فِي مَسْأَلَةِ امْتِنَاعِ الْوَصِيَّيْنِ السَّابِقَةِ عَلَى أَنَّ الصَّيْمَرِيَّ مِنْ أَكَابِرِ أَئِمَّتِنَا قَالَ لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ لِلْمَحْجُورِ مُطْلَقًا لِفَسَادِ الزَّمَانِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَى التُّجَّارِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ تِلْمِيذُهُ الْمَاوَرْدِيُّ لَا يَجُوزُ الِاتِّجَارُ إلَّا إنْ كَانَ الزَّمَانُ أَمِينًا وَالسُّلْطَانُ عَادِلًا وَالتِّجَارَةُ مُرْبِحَةً حَالًا أَوْ مَآلًا بِغَلَبَةِ الظُّنُونِ لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَتَّجِرَ لِمُوَلِّيهِ بِصُورَةٍ مُحَرَّمَةٍ إجْمَاعًا أَوْ فِي اعْتِقَادِ الْوَلِيِّ وَأَمَّا مَا فِيهِ شُبْهَةٌ فَلِلسُّبْكِيِّ فِي فَتَاوِيهِ كَلَامٌ طَوِيلٌ فِيهِ حَاصِلُهُ اخْتَلَفُوا فِي الِاتِّجَارِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ وَاجِبٌ بِقَدْرِ النَّفَقَةِ وَالزَّكَاةِ أَيْ دُونَ الزَّائِدِ وَالْوُجُوبُ مَشْرُوطٌ بِالسُّهُولَةِ وَالْيُسْرِ وَأَمَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ الْوَلِيَّ ذَلِكَ وَلَا بُدَّ فَلَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِهِ لِأَنَّا نَرَى حُذَّاقَ التُّجَّارِ يُكِدُّونَ أَنْفُسَهُمْ وَفَائِدَتُهُمْ غَالِبًا لَا تَفِي بِكُلْفَتِهِمْ وَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ لَعَلَّهُ كَانَ حِينَ تَيَسُّرِ الْكَسْبُ مِنْ غَيْرِ ظُلْمٍ وَلَا مُكْسٍ وَلَا خَوْفٍ وَأَمَّا الْيَوْمُ فَهَذَا أَعَزُّ شَيْءٍ يَكُونُ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَخْسَرُونَهُ وَلَوْ قَدَرَ كُلُّ مَنْ مَعَهُ مَالٌ عَلَى اسْتِنْمَائِهِ قَدْرَ نَفَقَتِهِ كَانُوا سُعَدَاءَ وَنَحْنُ نَرَى أَكْثَرَهُمْ مُعْسِرِينَ وَلَا أَعَزَّ عِنْدَ الْإِنْسَانِ مِنْ نَفْسِهِ فَلَوْ أَمْكَنَهُمْ ذَلِكَ لَفَعَلُوهُ فَكَيْفَ يُكَلَّفُ بِهِ وَلِيُّ الْيَتِيمِ فَقَدْرُ الْمُؤَنِ وَاجِب عِنْدَ السُّهُولَةِ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ لَا يَجِبُ مُطْلَقًا عَلَى أَنَّهَا مَعَ اجْتِمَاعِ شُرُوطِ الْوُجُوبِ عَسِرَةٌ إذْ لَا وُثُوقَ بِالْأَسْعَارِ فَقَدْ يَخْسَرُ فَيَغْرَمُ وَيُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ فَرَّطَ وَاشْتَرَى بِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ. وَالْقَوْلُ بِالِاسْتِحْبَابِ حِينَئِذٍ جَيِّدٌ ثُمَّ الِاتِّجَارُ لَهُ بِشُرُوطِهِ حَلَالٌ قَطْعًا وَأَمَّا مَا يَعْتَمِدُونَهُ الْآنَ مِنْ طَلَبِ أَلْفٍ بِفَائِدَةِ مِائَتَيْنِ مَثَلًا مِمَّنْ يَفْعَلُ الْحِيلَةَ الْمَعْرُوفَةَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا فَهَذِهِ لَمْ يَنُصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهَا تُفْعَلُ فِي مَالِ

الْيَتِيمِ وَفِيهَا خَطْرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يُوَفِّي حِينَ الْحُلُولِ لَمَطْلٍ أَوْ خُسْرَانٍ أَوْ إعْسَارٍ وَيَخْرُجُ رَهْنُهُمْ غَيْرَ مَمْلُوكٍ لَهُمْ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاسِدِ وَعَلَى سَلَامَتِهَا مِنْ هَذَا كُلِّهِ فِيهَا الْكَرَاهَةُ وَالشُّبْهَةُ لِقَوْلِ إمَامَيْنِ كَبِيرَيْنِ وَأَتْبَاعِهِمَا بِتَحْرِيمِهَا وَبُطْلَانِهَا وَمِنْ مَصَالِحِ الصَّبِيِّ أَنَّ الْوَلِيَّ يَصُونُهُ عَنْ أَكْلِ مَا فِيهِ شُبْهَةٌ وَعَنْ اخْتِلَاطِ مَالِهِ بِهِ وَيَحْرِصُ عَلَى إطْعَامِهِ الْحَلَالَ الْمَحْضَ وَعَلَى أَنْ يَكُونَ مَالُهُ كُلُّهُ مِنْهُ وَهِيَ مَصْلَحَةٌ أُخْرَوِيَّةٌ وَدُنْيَوِيَّةٌ أَمَّا أُخْرَوِيَّةٌ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا لَكِنَّ الْجَسَدَ النَّابِتَ مِنْ الْحَلَالِ الطَّيِّبِ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَعْلَى دَرَجَةً فِي الْآخِرَةِ مِنْ غَيْرِهِ وَأَمَّا دُنْيَوِيَّةٌ فَلِأَنَّ الْجَسَدَ النَّاشِئَ عَنْ الْحَلَالِ يَنْشَأُ عَلَى الْخَيْرِ فَيَحْصُلُ لَهُ مَصَالِحُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَقَدْ يَكُونُ بِتَرْكِهِ الشُّبُهَاتِ يُبَارَكُ لَهُ فِي الْقَلِيلِ فَيَكْفِيهِ وَيَرْزُقُهُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ فَهَذِهِ الْمَصَالِحُ مُحَقَّقَةٌ وَالْفَائِدَةُ الدُّنْيَوِيَّةُ الَّتِي يَكْتَسِبهَا بِالْمُعَامَلَةِ السَّابِقَةِ دُنْيَوِيَّة مَحْضَة فَتَعَارَضَ مُصْلِحَتَانِ أُخْرَوِيَّةٌ وَدُنْيَوِيَّةُ وَرِعَايَةُ الْأُخْرَوِيَّةِ أَوْلَى فَكَانَ الْأَحُظُّ وَالْأَصْلَحُ لِلْيَتِيمِ تَرْكُ هَذِهِ الْمُعَامَلَةِ فَأَمَّا أَنْ يُقَالَ تَرْكُهَا مُسْتَحَبٌّ أَوْ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] دِينًا وَأُخْرَى حَلَالٌ قَطْعًا وَغَيْرُ الْأَحْسَنِ فِيهِمَا مُمْتَنِعٌ قَطْعًا وَالْأَحْسَنُ فِي الْآخِرَة فَقَطْ أَحْسَنُ مِنْ الْآخِرِ فَهُوَ الْأَحْسَنُ مُطْلَقًا فَأَنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا فَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا وَيَأْكُلُ مَالَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَأْكُلَهُ غَيْرُهُ. اهـ. فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْوَلِيَّ يَنْبَغِي لَهُ تَجَنُّبُ مَا فِيهِ الشُّبْهَةُ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ نَدْبًا أَوْ وُجُوبًا عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي كَلَامِهِ وَأَنَّ تَرْكَهُ الِاتِّجَارَ لِذَلِكَ غَايَةُ الْإِحْسَانِ فَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِوَجْهٍ وَالْعِبْرَةُ فِي تَصَرُّفِ كُلٍّ مِنْ الْمُوصِي وَالنَّاظِرِ بِمَذْهَبِهِ لَا بِمَذْهَبِ صَاحِبِ الْمَالَ وَلَا بِمَذْهَبِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ حَيْثُ قَالُوا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مَالِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ صَبِيًّا كَانَ أَوْ مَجْنُونًا أَوْ سَفِيهًا فَعَلَى الْوَلِيِّ إخْرَاجُهَا مِنْهُ قَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَإِنْ نَهَاهُ الْإِمَامُ وَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ فَإِنْ خَافَ مِنْ الْإِمَامِ أَخْرَجَهَا سِرًّا فَإِنْ تَعَسَّرَ عَلَيْهِ إخْرَاجُهَا أَوْ لَمْ يُخْرِجْهَا تَعَدِّيًا أَخْرَجَهَا الْمَحْجُورُ إذَا كَمُلَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْوَلِيّ إخْرَاجُهَا إذَا كَانَ يَرَى وُجُوبَهَا وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْقَفَّالُ لَوْ كَانَ لَا يَرَاهُ كَحَنَفِيٍّ لَمْ يَخْرُجْهَا لِئَلَّا يُلْزِمَهُ قَاضِي مَذْهَبِهِ بَلْ الِاحْتِيَاطُ لَهُ ضَبْطُهَا إلَى أَنْ يُكْمِلَ الْمَحْجُورُ فَيُعَرِّفَهُ لِيُخْرِجَهَا. اهـ. وَلَا يَتَعَيَّنُ الِاحْتِيَاطُ فِي ذَلِكَ بَلْ يُغْنِيه عَنْهُ اسْتِئْذَانُ حَاكِمٍ شَافِعِيٍّ فِي إخْرَاجِهَا أَوْ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَيْهِ بَعْدَ إخْرَاجِهَا حَتَّى يَحْكُمَ لَهُ بِعَدَمِ مُطَالَبَةِ الْمَوْلَى لَهُ بِهَا إذَا كَمَّلَ وَبِعَدَمِ تَعَرُّضِ الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ لَهُ بِتَغْرِيمِهِ إيَّاهَا وَقَيِّمُ الْحَاكِمِ يَعْمَلُ بِمَذْهَبِهِ لَا بِمَذْهَبِ الْحَاكِمِ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ كَحَاكِمٍ أَنَابَ حَاكِمًا آخَر يُخَالِفُهُ فِي مَذْهَبِهِ وَالْأَوْجَهُ مَنْ تَرَدَّدَ لَهُ فِي الْوَلِيّ الْعَامِّ الصَّرْفُ إذَا لَمْ يُلْزِمْهُ حَاكِمٌ يَرَاهَا بِإِخْرَاجِهَا أَنَّهُ يَحْتَاجُ لِمِثْلِ مَا مَرَّ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ الْقَفَّالِ السَّابِقِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَصِيِّ وَلَا عَلَى النَّاظِرِ فِيمَا فَاتَ بِسَبَبِ تَرْكِهِمَا الِاسْتِرْبَاحَ مِنْ الرِّبْحِ الْمُتَوَهَّمِ لَوْ اتَّجَرَ لِأَنَّ الْوَلِيَّ إذَا لَمْ يَضْمَنْ بِتَرْكِ عِمَارَةِ الدَّارِ حَتَّى خَرِبَتْ أَوْ بَيْع الْفِرْصَادِ أَوْ تَلْقِيحِ الطَّلْعِ حَتَّى فَسَدَ فَأَوْلَى هَذَا لَا يَأْتِي فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّ فِيهَا فَوَاتَ عَيْنٍ مَحْسُوسَةٍ مَوْجُودَةٍ مِنْ مَالِ الطِّفْلِ بِخِلَافِ الرِّبْحِ الْمُتَوَهَّمِ وَحَيْثُ كَانَا عَلَى الْحَقِّ لَمْ يَسُغْ لِحَاكِمٍ شَرْعِيٍّ وَلَا لِغَيْرِهِ تَعَرُّضٌ لَهُمَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سُؤَالًا صُورَتُهُ إذَا كَانَ بَعْضُ أَهْلِ بَجِيلَةَ يَتَبَرَّكُونَ بِرَجُلٍ يُنْسَبُ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ فَيَأْتُونَهُ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ لِأَجْلِ التَّبَرُّكِ بِهِ وَرُبَّمَا كَانَ فِيهِمْ يَتِيمٌ فَيَأْخُذُ الْوَلِيُّ مِنْ مَالِهِ الْمُخْتَلِطِ بِمَالِ الْيَتِيمِ وَيَأْتِي بِهِ إلَيْهِ لِلتَّبَرُّكِ فَهَلْ يَحِلُّ لِهَذَا الرَّجُلِ أَخْذُ ذَلِكَ مِنْ الْوَلِيِّ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْيَتِيمِ حَيْفٌ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا سُئِلَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ مُحَيِّي الدَّيْنِ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ وَصِيِّ أَيْتَامٍ وَلَهُ أَوْلَادٌ عِيَالٌ وَلَهُ وَلِلْأَيْتَامِ مِلْكٌ مُشْتَرَكٌ وَيَأْكُلُونَ كُلُّهُمْ جَمِيعًا وَيُضَيِّفُ الْوَصِيُّ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ نَاسًا مِنْ ذَلِكَ الطَّعَامِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِيتَامِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْأَيْتَامِ حَيْفٌ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. فَهَلْ هُوَ كَالْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ فَذَاكَ وَإِنْ

قُلْتُمْ لَا فَمَا الْفَرْقُ أُوضِحُوا الْقَوْلَ لَنَا فِي ذَلِكَ أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَخْذُ ذَلِكَ مِنْ الْوَلِيِّ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَبَرَّعَ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِ مُوَلِّيه وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَمَسْأَلَةِ النَّوَوِيِّ فَإِنَّ الضِّيَافَةَ لِتَأَكُّدِهَا سَامَحُوا فِيهَا مَا لَمْ يُسَامِحُوا فِي غَيْرِهَا مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا تَفْوِيتُ شَيْءٍ عَلَى الْيَتِيمِ لِأَنَّ الصُّورَةَ أَنَّ الْوَلِيَّ هَيَّأَ ذَلِكَ الطَّعَامَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْيَتِيمِ ثُمَّ أَفْرَزَ مِنْهُ لِلْيَتِيمِ كِفَايَتَهُ فَبَقِيَتْ حِصَّةُ الْوَلِيِّ فَلَهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِأَكْلِهَا وَلَهُ أَنْ يُشْرِكَ غَيْرَهُ مَعَهُ فِيهَا فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ أَشَارَ النَّوَوِيُّ لِمَا ذَكَرْتُهُ بِقَوْلِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْأَيْتَامِ حَيْفٌ فِي ذَلِكَ. وَلَا يُتَصَوَّرُ انْتِفَاءُ الْحَيْفِ إلَّا فِي الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا بِخِلَافِ الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا السَّائِلُ فَإِنَّ فِي إعْطَاءِ الْوَلِيِّ مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَك بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْيَتِيمِ حَيْفًا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ حَتَّى لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ نَزَلَ بِهِ أَضْيَافٌ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَزِيدَ لِأَجْلِهِمْ فِي الطَّعَامِ الَّذِي يَكْفِيه وَيَكْفِي يَتِيمَيْهِ مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ فِيهِ حَيْفًا عَلَى الْيَتِيمِ حِينَئِذٍ وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ لَهُمْ مَا يَكْفِيهِمْ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى تَحَقَّقَ التَّبَرُّعُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ بِفَلْسٍ حَرُمَ عَلَى الْوَلِيّ أَعَطَاؤُهُ وَعَلَى غَيْرِهِ قَبُولُهُ وَهَذَا وَاضِحٌ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ عَلَيْهِ دُيُونٌ لِصَبِيٍّ أَوْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ أَوْ لِبَالِغٍ وَلَيْسَ مَعَهُ إلَّا عَقَارٌ أَوْ مَعَهُ بَعْضُ مَا يُوَفِّي مَا عَلَيْهِ فَمَا الْحِلْيَة فِي جَوَازِ سَفَرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْغَرِيمِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ سَفَرُ الْغَرِيمِ بِغَيْرِ إذْنِ دَائِنِهِ لَا يَجُوزُ إنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا وَالْمَدِينُ مُوسِرًا فَإِذَا وُجِدَ هَذَانِ الشَّرْطَانِ فَلَا حِيلَةَ فِي جَوَازِ السَّفَرِ بِغَيْرِ إذْنِ الدَّائِنِ وَإِنْ فُقِدَا أَوْ أَحَدُهُمَا جَازَ السَّفَرُ فَلَا يَحْتَاجُ لِحِيلَةٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَقَارَ يَجِبُ بَيْعُهُ فِي الدَّيْنِ فَلَا يَجُوز لِمَنْ لَهُ عَقَارٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ السَّفَرُ إلَّا إذَا بَاعَهُ وَوَفَّى بِهِ فَإِنْ فَضَلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَهُوَ مُعْسِرٌ جَازَ لَهُ السَّفَرُ بِلَا إذْنٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) هَلْ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ بَيْعُ مَالِ الْيَتِيمِ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ إذَا خَشِيَ عَلَيْهِ التَّلَفَ؟ (فَأَجَابَ) نَعَمْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فَقَدْ أَفْتَى الْقَفَّالُ عَنْ ضَيْعَةٍ خَرَابٍ يُطْلَبُ مَالُهَا مِنْ الصَّبِيِّ وَتَسْتَأْصِلُ مَالَهُ فَقَالَ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَوْ بِدِرْهَمٍ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِيهِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ لَهُ بَيْعَ كُلِّ مَا خِيفَ غَصْبُهُ أَوْ هَلَاكُهُ بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلِهِ وَيُؤَيِّدُهُ إفْتَاءُ الْغَزَالِيِّ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَبِ نَقْصُ الصَّغِيرَة عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ لِلْمَصْلَحَةِ وَأَخَذَ مِنْهُ ابْن عُجَيْلٍ مَسْأَلَتنَا وَمَثَّلَهُ بِمَا لَوْ أَبِقَ عَبْدُ الْمَحْجُورِ الْمُكْتَسِبِ مَالًا وَتَعَذَّرَ اسْتِرْدَادُهُ وَمَا مَعَهُ فَبَاعَهُ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى انْتِزَاعِ الْكَسْبِ مِنْهُ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَشَرَطَ أَنْ يَرُدَّ لَهُ الْكَسْبُ جَازَ وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِ هَذَا وَعْدًا لِأَنَّ الظَّاهِرَ بَقَاؤُهُ عَلَيْهِ نَظِيرَ قَوْلِهِمْ لَوْ زَادَ رَاغِبٌ وَقَدْ بَاعَ الْوَكِيلُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ انْفَسَخَ الْبَيْع وَإِنْ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ بَقَاؤُهُ عَلَى الزِّيَادَةِ وَيُؤَيِّدُهُ تَجْوِيزُهُمْ تَعْيِيبَ مَالِ الْيَتِيمِ إذَا خِيفَ أَخْذُ ظَالِمٍ لَهُ كَقَضِيَّةِ السَّفِينَةِ مَعَ الْخَضِرِ وَمِنْ ثَمَّ أَفْتَى الْأَزْرَقِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ ثَوْبَانِ سُرِقَ أَحْسَنُهُمَا وَلَمْ يَرُدَّهُ اللِّصُّ إلَّا بِأَخْذِ الْأَدْوَنِ جَازَ إعْطَاؤُهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ الْأُمُورِ الَّتِي تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى بَيْنَ أَهْلِ بَلَدٍ فِي الْمُعَامَلَاتِ كَالْبَيْعِ عَلَى الْيَتِيم إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ وَغَيْرِ ذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ مَصْلَحَةٌ فِي مُبَادَلَةِ عَقَارٍ بِعَقَارٍ أَحْسَنَ مِنْهُ فَإِذَا اجْتَمَعَتْ أَكَابِرُ بَلْدَتَيْنِ بَيْنَ يَدَيْ مُحَكَّمٍ وَبَادَلُوا بِحَدِيقَةٍ لِلْيَتِيمِ فِي حَدِيقَةٍ أُخْرَى أَحْسَنَ مِنْ حَدِيقَةِ الْيَتِيمِ وَظَنُّوا أَنَّ هَذِهِ الْمُبَادَلَةَ أَصْلَحُ لِلْيَتِيمِ فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْيَتِيمِ وَلِيٌّ وَلَا قَاضٍ بِالْبَلَدِ جَازَ لِأَهْلِ تِلْكَ الْبَلَدِ إذَا لَمْ يَكُونُوا تَحْتَ حُكْمِ أَحَدٍ أَنْ يُنَصِّبُوا قَاضِيًا فَإِذَا اتَّفَقُوا عَلَى نَصْبِ قَاضٍ كَانَ وَلِيًّا لِلْيَتَامَى فَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ أَوْ يُفَوِّضَ إلَى عَدْلٍ أَمِينٍ يَتَصَرَّفُ فِي أَمْوَالِهِمْ بِالْمَصْلَحَةِ إذَا عُلِمَ ذَلِكَ فَعَلَى أَهْل تِلْكَ الْبَلَدِ أَنْ يُنَصِّبُوا قَاضِيًا وَالْقَاضِي يَبِيعُ تِلْكَ الْحَدِيقَةِ بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ وَجْهُ الْمَصْلَحَةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ امْرَأَةٍ شَهِدَ لَهَا أَجْنَبِيٌّ بِالرُّشْدِ هَلْ يُقْبَلُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى الْبُرْهَانُ الْمَرَاغِيّ وَغَيْرُهُ بِالْقَبُولِ وَأَنْكَرَهُ الْقَاضِي شَمْسُ الدَّيْن بْنُ خَلِّكَانَ بِأَنَّهُ خِلَافُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا شَهَادَةُ الْمَحَارِمِ وَلَفْظُهُ وَاخْتِبَارُ الْمَرْأَةِ مَعَ عِلْمِ صَلَاحِهَا لِقِلَّةِ مُخَالَطَتِهَا فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أَبْعَدُ فَتَخْتَبِرُهَا النِّسَاءُ ذَوَاتُ الْمَحَارِمِ بِمِثْلِ

مَا وُصِفَتْ بِهِ. اهـ. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَأَمَّا الْإِنَاثُ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ إلَيْهِنَّ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ وَيَجْعَلُ نِسَاءً ثِقَاتٍ يُشْرِفْنَ عَلَيْهِنَّ فَإِنْ غَزَلْنَ وَاسْتَغْزَلْنَ وَنَسَجْنَ وَاسْتَنْسَجْنَ سُلِّمَ الْمَالُ إلَيْهِنَّ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِتَخْصِيصِ الشَّهَادَةِ بِالْمَحَارِمِ وَهَذَا مَوْضِعُ بَيَانهِ وَلَوْ كَانَ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُشِيرُ إلَيْهِ لَبَيَّنْتُهُ وَإِنَّمَا تُعَرَّضَ الشَّافِعِيُّ لِلطَّرِيقِ الْغَالِبِ فِي الِاخْتِبَارِ دُونَ الشَّهَادَةِ قَالَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ وَأَمَّا الْجَارِيَةُ فَتُخْتَبَرُ بِأَنْ يُعَامِلَهَا مَحَارِمُهَا وَالنِّسْوَانُ وَتُؤْمَرَ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْقُطْنِ وَالْغَزْلِ إلَخْ. وَقَالَ فِي الْحَاوِي وَاخْتِبَارُهَا فِي رُشْدِهَا أَصْعَبُ مِنْ اخْتِبَارِ الْغُلَامِ لِأَنَّ أَظْهَرُ وَاَلَّذِي يَتَوَلَّى اخْتِبَارَهَا ذَوُو مَحَارِمهَا وَنِسَاءُ أَهْلِهَا بِخِلَافِ الْغُلَامِ الَّذِي يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ اخْتِبَارُهُ وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا وَحَالُ النِّسَاءِ أَيْضًا مُخْتَلِفٌ فِي الْبُرُوزِ وَالتَّحْصِينِ فَيَدْفَعُ إلَيْهَا مِنْ مَالِهَا مَا تَتَوَلَّى إنْفَاقَهُ عَلَى نَفْسِهَا فِي تَدْبِيرِ خَدَمهَا إلَخْ وَصَرَّحَ هُوَ وَالْقَاضِي بِأَنَّهُ لَا فَرْق فِيمَا ذَكَرَهُ بَيْنَ أَنْ تُزَوَّجَ أَوَّلًا قَالَ فِي الْمُهَذَّبِ وَيَخْتَبِرُهُ الْوَلِيُّ اخْتِبَارَ مِثْلِهِ مِنْ تِجَارَةٍ إنْ كَانَ تَاجِرًا أَوْ بَنَّاءً إنْ كَانَ بَانِيًا أَوْ إصْلَاحِ أَمْرِ الْبَيْتِ إنْ كَانَتْ امْرَأَةً فَقَدْ صَرَّحَ بِاخْتِبَارِ الْوَلِيِّ الْمَرْأَةَ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ الْمَحْرَمِيَّةِ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ مَاتَ بِمَحَلٍّ لَا حَاكِمَ بِهِ وَلَهُ فِيهِ مَالٌ وَعِيَالٌ صِغَارٌ فَمَنْ الْقَيِّمُ عَلَيْهِمْ وَمَنْ يَتَوَلَّى قَضَاءَ دُيُونِهِ وَنَحْوِهَا وَمَا الْحُكْمُ فِيمَا لَوْ عَمَّ الْفِسْقُ أَهْلَ الْمَوْضِعِ الْمَذْكُورِ؟ (فَأَجَابَ) أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ فِيمَنْ عِنْدَهُ يَتِيمٌ لَهُ مَالٌ لَوْ سَلَّمَهُ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ خَافَ ضَيَاعَهُ وَلَيْسَ بِوَلِيٍّ وَلَا وَصِيٍّ شَرْعًا بِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ فِي أَمْرِهِ وَالتَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ وَاسْتَحْسَنَهُ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ الْأَزْرَقِيُّ كَصَاحِبِ التَّعْجِيزِ قِيَاسًا عَلَى أَوْقَافِ الْمَسْجِدِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا نَاظِرٌ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِصُلَحَاءِ الْمَوْضِعِ صَرْفُهَا فِي مَصَارِفِهَا ثُمَّ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَيَجُوزُ لَهُ مُخَالَطَتُهُ فِي الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا هُوَ الْأَصْلَحُ وَلَهُ اسْتِخْدَامُهُ بِمَا هُوَ تَخْرِيجٌ لَهُ وَتَدْرِيجٌ قَاصِدًا مَصْلَحَتَهُ وَيَجُوزُ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ مَا لَا يُعَدُّ لِمِثْلِهِ أُجْرَةً وَمَا سِوَاهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ وَعِبَارَةُ صَاحِبِ التَّعْجِيزِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لِلطِّفْلِ وَلِيٌّ أَوْ وُجِدَ حَاكِمٌ جَائِرٌ وَجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ النَّظَرُ فِي مَالِهِ وَحِفْظُهُ وَفِي الْمَجْمُوعِ لِلْأَخِ وَالْعَمِّ وَنَحْوِهِمَا تَعْلِيمُ الصَّبِيِّ وَتَأْدِيبُهُ وَالْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ وِصَايَةٌ. وَسُئِلَ الْجَمَالُ بْنُ ظَهِيرَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا إذَا فَسَدَتْ أَحْوَالُ النَّاسِ وَلَمْ تُوجَدْ الْعَدَالَةُ الْمَعْرُوفَةُ وَإِذَا بَطَلَتْ وِلَايَتُهُمْ تَعَطَّلَتْ أَحْوَالُ الْأَيْتَامِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَحْتَاطُ وَيَنْظُرُ أَقْرَبَهُمْ إلَى الْعَدَالَةِ إذَا فُقِدَتْ شُرُوطُهَا أَوْ بَعْضُهَا مِنْهُمْ وَأَقْرَبُهُمْ إلَى الْأَمَانَةِ وَأَقُلْهُمْ تَعَاطِيًا لِمَا يُخِلُّ بِالْعَدَالَةِ فَيُقَامُ عَلَى الْأَيْتَامِ وَيُوصِي إلَيْهِ مَنْ لَهُ الْإِيصَاءُ لِلْحَاجَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى ذَلِكَ وَالْأَمْرُ إذَا ضَاقَ اتَّسَعَ وَالضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ إذْ لَا يُسْتَغْنَى عَمَّنْ يَقُومُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأُمُور. وَسُئِلَ أَبُو شُكَيْلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا إذَا لَمْ يَثِقْ الْحَاكِمُ بِأَحَدٍ فِي تَسْلِيمِ نَفَقَةِ الطِّفْلِ إلَيْهِمْ إلَّا أُمَّهُ لِكَوْنِهَا أَشْفَق لَكِنَّهَا لَا تُصَلِّي مَعَ عُمُومِ الْفِسْقِ فِي غَيْرِهَا حَتَّى الْحَاكِم هَلْ فِي التَّسْلِيمِ إلَيْهَا رُخْصَةٌ لِعَدَمِ عَدْلٍ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَسُوغَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ إذْ لَا غِنَى عَمَّنْ يَتَوَلَّى أَمْرَ هَذَا الْيَتِيمِ وَإِذَا تَوَقَّفَ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ عَلَى طَلَبِ الْعَدْلِ ضَاعَ. اهـ. وَبِهَذَا كُلِّهِ إنْ سَلِمَ يُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ عَلَى غَيْرِ حَالَةِ الضَّرُورَاتِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ اشْتَرَى شَيْئًا فَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ رَشِيدًا حَالَ الْبَيْعِ فَهَلْ يُقْبَلُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ فِي بَابِ الْقِصَاصِ وَغَيْره سَمَاعُ الدَّعْوَى وَتَصْدِيقُ الْمُدَّعِي الْمَذْكُورِ بِيَمِينِهِ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ إذَا ادَّعَى حَجْرَ السَّفَهِ الْمُقَارِنِ لِلْبُلُوغِ وَلَمْ تَتَوَفَّرْ قَرَائِنُ الْحَالِ عَلَى تَكْذِيبِهِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْوَسِيطِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ إلَّا إنْ صَرَّحَ بِأَنَّ حَجْرَهُ حَجْر السَّفَهِ مَثَلًا فَإِنْ أَطْلَقَ الْحَجْرَ اسْتَفْصَلَهُ الْحَاكِمُ بِأَنْ يَذْكُرَ حَجْرًا مُسْتَدَامًا مِنْ الصِّبَا أَوْ طَارِئًا كَحَجْرِ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ فَفِي الْأَوَّلِ الْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ إلَى الْبَيْعِ وَفِي الثَّانِي الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ وَيَقْرُبُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الرَّوْضَةِ فِي اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي النِّكَاحِ وَلَوْ بَاعَ عَبْدًا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ الْبَيْعِ بِعْته وَأَنَا مَحْجُورٌ عَلَيَّ أَيْ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي فَإِنْ لَمْ يَعْهَدْ لِلْبَائِعِ مَا ادَّعَاهُ وَلَا بَيِّنَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي

بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ صِحَّةُ الْبَيْعِ وَنَحْوُهُ قَوْلُ أَبِي زُرْعَةَ فِي الْكِتَابَةِ مِنْ تَحْرِيرِهِ قَوْلَهُ يَعْنِي الْمِنْهَاجَ وَلَوْ قَالَ كَاتَبْتُك وَأَنَا مَجْنُونٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيَّ قَالَ أَيْ بِسَفَهٍ طَارِئٍ أَوْ بِفَلَسٍ فَلَوْ كَانَ بِصِبًا أَوْ بِسَفَهِ مُقَارَن لِلْبُلُوغِ لَمْ يَحْتَجْ لِقَوْلِهِ إنْ عَرَفَ سِبْقَ مَا ادَّعَاهُ فَدَلَّ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. (وَسُئِلَ) سُؤَالًا صُورَتُهُ ذَكَرُوا أَنَّ السَّفَر بِمَالِ الْيَتِيم فِي الْبَحْر لَا يَجُوز فَهَلْ يَشْمَلُ مَا لَوْ كَانَ بِبَلَدٍ وَمَالُهُ بِآخَرَ وَلَا طَرِيقَ آمِنَ إلَّا الْبَحْر وَالْيَتِيم مُحْتَاج إلَى مَالِهِ لِمُؤْنَتِهِ وَهَلْ يَجُوز نَقْلُ مَالِهِ فِي الْبَحْر إذَا خِيفَ عَلَيْهِ مِنْ ظَالِم أَوْ يَتَعَيَّن الْإِقْرَاض فِي كِلَا الصُّورَتَيْنِ وَلِلْمُقْتَرِضِ السَّفَر وَهُوَ فِي ذِمَّته إذَا اقْتَرِضْهُ مِنْ قَاضِي بَلَدِ الْمَال أَوْ مِنْ وَكِيل وَلِيِّهِ إذَا كَانَ سَفَره إلَى بَلَد الْيَتِيم لِيُوَفِّيَ الْوَلِيّ مَا فِي ذِمَّته؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى بَعْضهمْ بِجِوَازِ رُكُوب الْبَحْر حِينَئِذٍ لِأَنَّ الضَّرُورَة دَعَتْ إلَى ذَلِكَ وَأَمَّا قَرْضُهُ مِنْ مَلِيٍّ ثِقَةٍ فَجَائِزٌ لِلْقَاضِيَّ مُطْلَقًا، وَحِينَئِذٍ لِلْمُقْتَرَضِ السَّفَر إلَى بَلَد الْيَتِيم إذَا طَلَب قَاضِي بَلَد الْيَتِيم إشْخَاصَهُ إلَيْهِ وَلَا خَفَاءَ أَنَّ السَّفَرَ بِمَالِهِ فِي الْبَحْرِ إذَا دَعَتْ إلَى شِرَاء مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ بِأَكْثَر مِنْ ثَمَن مِثْلِهِ جَازَ فَأَوْلَى هَذَا لِأَنَّ ذَاكَ فِيهِ تَحَقُّقُ فَوَات الزَّائِد عَلَى ثَمَن الْمِثْل. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَوْل الْأَنْوَار يَجُوزُ لِوَلِيِّ الْيَتِيمِ أَنْ يُضَيِّف مِنْ مَالِهِ إلَّا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَيْفٌ فِي ذَلِكَ هَلْ هُوَ مُعْتَمَدٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هُوَ مَفْرُوضٌ فِي مَخْلُوطٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ لِيَأْكُلَا مِنْهُ فَلَهُ أَنْ يُطْعِمَ عِيَالَهُ مِنْهُ وَيُضَيِّفَ مِنْهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْيَتِيمِ حَيْفٌ فِي ذَلِكَ كَمَا فِي فَتَاوَى النَّوَوِيِّ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا فِي الْأَنْوَارِ عَنْ فَتَاوَى ابْنِ عَبْدَانَ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ يَتِيمٍ وَلَا وَصِيَّ وَلَا حَاكِمَ أَمِين جَازَ لِلْأَمِينِ مِنْ أَقَارِبِهِ بَيْعُ مَالِهِ بِالْمَصْلَحَةِ وَالْغِبْطَةِ هَلْ هُوَ مُعْتَمَدٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هُوَ مُتَّجِهٌ فَقَدْ أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَاسْتَحْسَنَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَاعْتَمَدَهُ غَيْرُهُ وَفِي الْمَجْمُوعِ فِي الْحَجِّ مَا يُؤَيِّدُهُ وَحِينَئِذٍ فَلِلْأُمَّيْنِ الْمَذْكُورِ النَّظَرُ فِي أَمْرِهِ وَالتَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ بِالْمَصْلَحَةِ وَمُخَالَطَتُهُ فِي الْأَكْلِ بِمَا هُوَ الْأَصْلَحُ لَهُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا فِي نُكَتِ ابْنِ كَبَّنَ لَا يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُوَكِّلَ فَاسِقًا فِي بَيْعِ مَالِ مَحْجُورِهِ هَلْ هُوَ مُعْتَمَدٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ هُوَ مُعْتَمَدٌ رِعَايَةً لِمَصْلَحَةِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الْوَكِيلَ حَيْثُ جَازَ لَهُ التَّوْكِيلُ إنَّمَا يُوَكِّلُ أَمِينًا إلَّا أَنْ يُعَيِّنَ الْمُوَكِّلُ غَيْرَهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ لَا يَأْتِي نَظِيرُهُ فِي مَسْأَلَتنَا. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ بَلَغَ وَلَمْ يَثْبُتْ رُشْدُهُ ثُمَّ تَصَرَّفَ وَمَاتَ فَادَّعَى الْآخِذُ مِنْهُ أَنَّهُ رَشِيدٌ وَوَارِثُهُ أَنَّهُ غَيْرُ رَشِيدٍ فَمَنْ الْمُصَدَّق مِنْهُمَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُصَدَّقُ الْوَارِثُ كَمَا أَفْتَى بِهِ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ وَهُوَ مُتَّجِهٌ إذْ الْأَصْلُ بَقَاءُ السَّفَهِ وَلِأَنَّ ارْتِفَاعَ الْحَجْرِ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ إذَا ثَبَتَ رُشْدُهُ فَحَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ كَانَ الْحَجْرُ بَاقِيًا وَمَنْ قَالَ الْأَصْلُ بَقَاءُ الرُّشْدِ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَنْ عُرِفَ لَهُ حَالَة رُشْدٍ ثُمَّ اُخْتُلِفَ فِي سَفَهِهِ فَحِينَئِذٍ يُصَدَّقُ مُدَّعِي الرُّشْدِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ حِينَئِذٍ وَحَلِفُ الْوَارِث فِي صُورَةِ السُّؤَالِ يَكُونُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالرُّشْدِ. (وَسُئِلَ) عَمَّا ذَكَرُوهُ فِي بَيْعِ الْوَلِيّ لِمَالِ مَحْجُورِهِ نَسِيئَةً يَتَأَتَّى فِي إجَارَةِ أَرْضِهِ كَذَلِكَ وَفِي إجَارَةِ نَاظِرِ وَقْفٍ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ جِهَةٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي إجَارَةِ أَرْضِهِ لِأَنَّهَا بَيْعُ مَنَافِعِهَا وَأَمَّا إجَارَةُ الْوَقْفِ فَحَيْثُ اُعْتُبِرَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي حَقِّ الْمُؤَجِّرِ كَانَ كَالْوَلِيِّ وَإِذَا لَمْ يُعْتَبَرْ كَمَا إذَا كَانَ الْمُؤَجِّرُ يَسْتَحِقُّ الْمَنْفَعَةَ فَتَصِحُّ الْإِجَارَةُ وَإِنْ جَرَتْ مِنْ غَيْرِ غِبْطَةٍ أَوْ مَصْلَحَةٍ فِي حَقِّهِ. (وَسُئِلَ) عَنْ وَلِيٍّ تَحْتَ حَجْرِهِ أَيْتَامٌ شُرَكَاءُ فِي مَالٍ فَاشْتَرَى مِنْهُ لَهُمْ شَيْئًا فَهَلْ يَقَعُ لَهُمْ بِحَسَبِ رُءُوسِهِمْ أَوْ بِحَسَبِ أَنْصِبَائِهِمْ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْأَوْجَهُ وِفَاقًا لِلْأَصْبَحِيِّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَفْصِلْ ذَلِكَ وَلَا نَوَاهُ انْعَقَدَ الْبَيْعُ عَلَى السَّوِيَّةِ بَيْنَهُمْ. (وَسُئِلَ) عَنْ قِنٍّ اُشْتُرِيَ قَبْلَ بُلُوغِهِ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ هَلْ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ فَيُمَكَّنُ مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلِهِ وَهَلْ تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهُ وَهَلْ يُصَلَّى عَلَيْهِ إذَا مَاتَ حِينَئِذٍ كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً فَهَلْ يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا أَوْ لَا وَشِرَاءُ الْمُسْلِمُ أَطْفَالَ الْكَفَرَةَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ هَلْ يَصِحُّ أَوْ لَا لِلْحُكْمِ بِعِتْقِهِمْ لِوُقُوعِهِمْ فِي مِلْكِ الْأَصْلِ كَمَا إذَا مَلَكَ أَحَدُ الْمُسْلِمِينَ أَصْلَهُ أَوْ فَرْعَهُ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِالْإِسْلَامِ

الصَّادِرِ مِنْ حُرٍّ أَوْ قِنٍّ قَبْلَ الْبُلُوغِ بِأَنْ لَمْ يَحْتَلِمْ وَلَا أَكْمَلَ خَمْسَةَ عَشَرَ سَنَةً فَتُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْكُفْرِ لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ حَمْلِ مُصْحَفٍ إلَّا أَنْ يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْهُ وَرُجِيَ إسْلَامُهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَلَا يُزَكَّى عَنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إذَا مَاتَ وَمَنْ أَفْتَى مِنْ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ فَقَدْ وَهِمَ وَلَا يُزَوَّجُ إنْ كَانَ امْرَأَةً لِمُسْلِمٍ إلَّا إنْ وُجِدَتْ فِيهَا شُرُوطُ نِكَاحِ الْكَافِرَةِ وَلَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْمُسْلِمِ الْكَافِرَ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ صِحَّةُ الْبَيْعِ إلَّا مِنْ مَالِكٍ وَهَذَا مَتَى مَلَكَهُ عَتِّقْ عَلَيْهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ وَلِيِّ يَتِيمٍ بِيَدِهِ مَالٌ لِلْيَتِيمِ وَالْوَلِيُّ وَالْمَالُ بِبَلَدٍ غَيْرِ الْبَلَدِ الَّتِي بِهَا الْيَتِيمُ فَهَلْ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ الْمَذْكُورِ الْمُسَافِرَةُ فِي الْبَحْرِ عِنْدَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ فِي الْبَحْرِ إذَا كَانَ يَخَافُ عَلَى الْمَالِ الَّذِي بِيَدِهِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي يُرِيدُ السَّفَرَ مِنْهَا لَوْ تَرَكَ الْمَالَ فِيهَا أَمْ لَا فَقَدْ سُئِلَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بَاقْضَامْ مُفْتِي عَدَنَ عَنْ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ إنَّ السَّفَرَ بِمَالِ الْيَتِيمِ فِي الْبَحْرِ لَا يَجُوزُ فَلَوْ كَانَ الْيَتِيمُ بِبَلَدٍ وَمَالُهُ بِآخَرَ وَلَا طَرِيقَ آمِنٌ إلَّا الْبَحْرَ وَالْيَتِيمُ مُحْتَاجٌ مَالَهُ فَهَلْ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَأْذَنَ لِشَخْصٍ فِي نَقْلِ مَالِ الْيَتِيمِ فِي الْبَحْرِ لِيُوَصِّلَهُ إلَيْهِ فِي بَلَدِ الْيَتِيمِ وَهَلْ يَجُوزُ نَقْلُ مَالِ الْيَتِيمِ هَذَا فِي الْبَحْرِ إذَا خِيفَ عَلَيْهِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهَا مِنْ ظَالِمٍ وَيُقَالُ بِجَوَازِ إرْكَابِهِ الْبَحْرَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَوْ يَمْتَنِعُ أَوْ يَتَعَيَّنُ الْإِقْرَاضُ فِي الصُّورَتَيْنِ وَيَجُوزُ لِلْمُقْتَرِضِ السَّفَرُ وَهُوَ فِي ذِمَّتِهِ إذَا اقْتَرَضَ مِنْ وَلِيِّ الْيَتِيمِ أَوْ وَكِيلِهِ أَوْ مِنْ قَاضِي بَلَدِ الْمَالِ إذَا كَانَ سَفَرُهُ إلَى بَلَدِ الْيَتِيمِ لِيُوَفِّيَ الْوَلِيَّ مَالَ الْيَتِيمِ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ فَأَجَابَ بِأَنَّهَا إذَا دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى رُكُوبِهِ فِي الْبَحْرَ جَازَ إذْ الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ. وَأَمَّا قَرْضُهُ مِنْ مَلِيءٍ ثِقَةٍ فَجَائِزٌ لِلْقَاضِي مُطْلَقًا وَأَمَّا غَيْرُ الْقَاضِي فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْرِضَ مَالَ الصَّبِيِّ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَالسَّفَرِ وَالنَّهْبِ وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لِلْمُقْتَرَضِ الْمُسَافِرَةُ إلَى بَلَدِ الْيَتِيمِ لِيُوَفِّيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْقَرْضِ ثُمَّ قَالَ وَلَا خَفَاءَ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْمُسَافَرَةُ بِمَالِ فِي الْبَحْرِ آمَنُ مِنْ بَقَائِهِ فِي بَلَدِ الْمَالِ تَعَيَّنَ عَلَى الْوَلِيِّ الْمُسَافَرَةُ بِهِ حَيْثُ أَمْكَنَ ذَلِكَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا أَرْهَقَتْ الْحَاجَةُ إلَى شِرَاءِ مَا لَا بُدَّ لِلْيَتِيمِ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ جَازَ لِلْوَلِيِّ شِرَاؤُهُ لَهُ بِذَلِكَ فَإِذَا جَازَ لِلْوَلِيِّ مَعَ تَحْقِيقِ الزَّائِدِ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ فَالْمُسَافَرَةُ بِهِ فِي الْبَحْرِ مَعَ نُدْرَةِ خَوْفِ الْفَوَاتِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. جَوَابُهُ فَهَلْ مَسْأَلَتنَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَوْ لَا وَهَلْ مَا قَالَهُ مُعْتَمَدٌ أَوْ لَا أَفْتُونَا جَزَاكُمْ اللَّهُ خَيْرًا فَالْمَسْأَلَةُ وَاقِعَةٌ وَإِلَيْكُمْ أَحْكَامُهَا رَاجِعَةً لَا عَدِمَكُمْ الْمُسْلِمُونَ. (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ مَعْنَى قَوْلِ الْفَقِيهِ الْمُجِيبِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَشَكَرَ سَعْيَهُ إذَا دَعَتْ الضَّرُورَةُ إلَى رُكُوبِهِ فِي الْبَحْرِ إلَخْ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوجَدْ فِي الْبَرِّ طَرِيقٌ آمِنَةٌ يُسَافِرُ بِهِ فِيهَا وَتَعَذَّرَ إبْقَاؤُهُ فِي الْبَلَدِ لِخَوْفِ نَهْبٍ أَوْ نَحْوِهِ وَاضْطَرَّ الْيَتِيمُ إلَى مَجِيءِ مَالِهِ إلَيْهِ لِلْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْهُ لِتَعَذُّرِهِ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ السَّفَرِ حِينَئِذٍ فِي الْبَحْرِ الَّذِي تَغْلِبُ فِيهِ السَّلَامَةُ وَكَلَامُهُمْ مُصَرِّحٌ بِذَلِكَ فِي بَابَيْ الْإِيصَاءِ الْوَدِيعَةِ وَغَيْرِهِمَا وَمِنْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ تَغْيِيبُ مَالِ الْمَوْلَى إذَا سَلِمَ بِهِ مِنْ نَحْوِ ظَالِمٍ وَكَذَا إعْطَاءُ بَعْضِهِ لَهُ لِسَلَامَةِ بَاقِيهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الضَّرُورَاتِ الَّتِي تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ أَمَّا إذَا كَانَ الْبَرُّ آمِنًا فَلَا يَجُوزُ السَّفَرُ بِهِ فِي الْبَحْرِ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ مَصْرُوفُ الْبَحْرِ أَقَلَّ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ بَلْ وَلَا حَاجَةَ فِي رُكُوبِ الْبَحْرِ بِهِ حِينَئِذٍ وَكَذَا إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ إبْقَاؤُهُ فِي الْبَلَدِ لِوُجُودِ أَمِينٍ بِهَا حَيْثُ لَا قَاضِي أَمِينًا بِهَا يَكُونُ عِنْدَهُ وَتَرَقُّبُ خَوْفٍ عَلَيْهِ بِفَرْضِ مَوْتِ الْأَمِينِ لَا نَظَرَ إلَيْهِ لِأَنَّا لَا نَنْظُرُ لِلْمُسْتَقْبِلَاتِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى التَّوَهُّمَاتِ سِيَّمَا وَالْخَوْفُ فِي الْبَحْرِ مَوْجُودٌ حَالًا وَفِي الْإِيدَاعِ لِلْأَمِينِ مَوْجُودٌ مَآلًا وَالْخَوْفُ الْحَالِيُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَآلِيِّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَكَذَا إذَا تَعَذَّرَ إبْقَاؤُهُ فِي الْبَلَدِ وَلَمْ يَضْطَرَّ الْيَتِيمُ لِإِحْضَارِهِ لِبَلَدِهِ وَوُجِدَ مُوسِرٌ ثِقَةٌ يَقْتَرِضُهُ بِشَرْطِهِ لِانْتِقَاءِ الضَّرُورَةِ حِينَئِذٍ إلَى السَّفَرِ بِهِ فِي الْبَحْرِ هُنَا أَيْضًا فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مُقْتَرِضٌ كَذَلِكَ أَوْ وُجِدَ وَلَمْ يَجُزْ إقْرَاضُهُ. وَخِيفَ عَلَيْهِ فِي الْبَرِّ وَخِيفَ عَلَى إبْقَائِهِ فِي الْبَلَدِ فَقَدْ تَعَارَضَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَخُوفَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ خَوْفُ الْبَحْرِ وَخَوْفُ الْبَرِّ وَخَوْفُ الْإِبْقَاءِ فِي الْبَلَدِ فَإِنَّ زَادَ خَوْفُ الْبَلَدِ وَالْبَرِّ عَلَى خَوْفِ الْبَحْرِ فَإِنْ كَانَتْ السَّلَامَةُ فِيهِ أَغْلَبُ مِنْهَا فِيهِمَا وَكَانَ الْخَوْفُ

نَاجِزًا فِي الْكُلِّ لَا مُتَرَقَّبًا احْتَمَلَ أَنَّهُ يُقَالُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِجَوَازِ السَّفَرِ فِي الْبَحْرِ لِأَنَّا عَلِمْنَا مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي التَّعْيِيبِ وَإِعْطَاءِ الْبَعْضِ الْمَذْكُورَيْنِ آنِفًا أَنَّهُمْ رَاعَوْا أَخْطَرَ الضَّرَرَيْنِ فَلْيُرَاعَ الْأَخْطَرُ فِي مَسْأَلَتنَا وَإِذَا رُوعِيَ فِيهَا جَازَ السَّفَرُ بِهِ فِي الْبَحْرِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْبَرَّ وَالْبَلَد أَخْطَرُ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ اسْتَوَى خَطَرُ الثَّلَاثَةِ فَلَا يَجُوزُ الْبَحْر؛ لِأَنَّ إيثَارَهُ عَلَى نَظِيرَيْهِ تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ لَا سِيَّمَا وَالْأَصْحَابُ أَيْ أَكْثَرُهُمْ مُصَرِّحُونَ بِحُرْمَتِهِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَلَامِهِمْ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْحَالَةِ الْأُولَى أَوْ عِنْدَ الْقَرِيبِ مِنْ الضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَلَمْ يُوجَدْ فِيهَا ذَلِكَ فَبَقِيَتْ الْحُرْمَة فِيهَا عَلَى أَصْلِهَا هَذَا حَاصِلُ مَا يَظْهَرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. فَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَجْتَهِدَ وَيُرَاعِيَ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَة وَيَعْمَلَ بِمَا قُلْنَاهُ فِي كُلِّ قِسْمٍ مِنْهَا وَكَلَامُ الْفَقِيهِ الْمُجِيبِ مُنَزَّلٌ عَلَى مَا فَصَّلْتُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مُنَاقَشَةٌ؛ لِأَنَّهُ عَبَّرَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ بِالْجَوَازِ وَعِنْدَ كَوْنِ الْبَحْرِ آمِنًا بِالْوُجُوبِ وَاللَّائِقِ بَلْ الصَّوَابُ عَكْسُ ذَلِكَ وَهُوَ الْوُجُوبُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَالْجَوَازُ عِنْدَ غَيْرِهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَفِيهِ مُنَاقَشَةٌ أُخْرَى وَهِيَ قَوْلُهُ آخِرًا فَالْمُسَافَرَةُ بِهِ فِي الْبَحْرِ مَعَ نُدْرَةِ خَوْفِ الْفَوَاتِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ فَصَرَّحَ هُنَا بِالْجَوَازِ فِي الْحَالَيْنِ مَعَ مَا قَدَّمَهُ مِنْ الْجَوَازِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَالْوُجُوبِ عِنْدَ عَدَمِهَا وَهَذَا عَجِيبٌ مِنْهُ تَعْبِيرُهُ هُنَا بِأَوْلَى إذْ كَيْفَ يُتَعَقَّلُ أَنَّهُ عِنْدَ نُدْرَةِ الْفَوَاتِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ لَكِنْ هَذَا يُؤَيِّدُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْجَوَازِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ حَقِيقَتَهُ وَبِالْوُجُوبِ عِنْدَ عَدَمِهَا حَقِيقَتَهُ أَيْضًا وَلَيْسَ هَذَا كَاَلَّذِي قَبْلَهُ مُرَادًا لِلْفَقِيهِ وَإِنْ أَوْهَمَتْهُ عِبَارَتُهُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ. ثُمَّ رَأَيْت الْكَمَالَ الرَّدَّادَ شَارِحَ الْإِرْشَادِ أَفْتَى بِمَا يُوهِمُ خِلَافَ مَا ذَكَرْته وَذَكَرَهُ بَاقْضَامْ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ نَحْوِ مَا سُئِلَ عَنْهُ بَاقْضَامْ فَقَالَ فِي جَوَابِهِ الْوَجْهُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ غَلَبَةِ السَّلَامِ فِي الْبَحْرِ قَرْض مَالِهِ مِمَّنْ يَجُوزُ إقْرَاضُهُ لِلضَّرُورَةِ وَيُسَافِرُ الْمُقْتَرِضُ فِي الْبَحْرِ إلَى بَلَدِ طِفْل الْأَمِين إذْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَصِيٌّ إذْ ذَاكَ مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ ثُمَّ نَقَلَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - كَانَتْ تُبْضِعُ بِأَمْوَالٍ بَنِي أَخِيهَا مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْبَحْرِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ مَنْعِ السَّفَرِ فِي الْبَحْرِ وَإِنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ اهـ. وَقَدْ قَدَّمْت أَنَّ الْمُعْتَمَدَ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَاب مَا عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ مَنْعِ السَّفَرِ فِي الْبَحْرِ وَإِنْ غَلَبَتْ السَّلَامَةُ ثُمَّ مَا أَفْتَى بِهِ الْكَمَالُ مِنْ تَعَيُّنِ الْإِقْرَاضِ لَهُ وَجْهٌ إنْ وُجِدَ مَلِيء ثِقَة طَيِّبُ الْمَالِ غَيْرُ مُمَاطِلٍ لَهُ فِي بَلَدِهِ مَالٌ يَفِي بِمَا اقْتَرَضَهُ لَوْ فُرِضَ هَلَاكُهُ مَعَ مَا اقْتَرَضَهُ فِي الْبَحْرِ فَإِذَا وُجِدَ هَذَا فَتَعَيُّنُ إقْرَاضِهِ وَجِيهٌ وَأَمَّا إذَا اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ فَالْوَجْهُ مَا قَدَّمْته مِنْ التَّفْصِيلِ وَفِي فَتَاوَى السُّبْكِيّ فِي بَابِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ لَمْ يَرَ نَقْلًا فِيمَا إذَا تَحَقَّقَ أَنَّ الْمَبْذُولَ فِي عَقَارِ الْيَتِيمِ دُونَ الْقِيمَةِ وَلَمْ يَجِدْ رَاغِبًا بِأَكْثَرَ وَدَعَتْ حَاجَةُ الْيَتِيمِ إلَى الْبَيْعِ لِلْأَكْلِ مَثَلًا وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَقْتَرِضْ مِنْهُ عَلَيْهِ قَالَ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ إذَا فَرَضَ ذَلِكَ وَحَقَّتْ الْحَاجَةُ الْجَوَازُ وَيَأْتِي مِثْلُهُ فِي الْبَيْعِ عَلَى الْمَدِينِ إذَا طَالَبَ الْغَرِيمَ وَلَمْ يَجِدْ طَرِيقًا غَيْرَهُ. اهـ. وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ فِي تَوَسُّطِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَيْعِ مَالِ الْمُفْلِسِ بِثَمَنِ مِثْلِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَالُهُ مِمَّا يُسْرِعُ فَسَادُهُ كَالرِّيَاحَيْنِ وَالْبُقُولِ وَنَحْوِهَا فَيَظْهَرُ جَوَازُ بَيْعِهَا بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلِهَا إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يَشْتَرِيهَا بِهِ لِئَلَّا تَتْلَفَ جُمْلَةً وَرَأْسًا. اهـ. وَهَذَانِ ظَاهِرَانِ مِمَّا قَدَّمْته مِنْ التَّفْصِيلِ. (وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ سُئِلَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ عَمَّا إذَا كَانَ كِتَابٌ لِجَمَاعَةٍ وَفِيهِمْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَهَلْ يَجُوزُ لِأَحَدٍ مُطَالَعَةُ الْكِتَابِ بِإِذْنِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ مِنْ غَيْرِ إجَازَةٍ حَيْثُ لَا ضَرَرَ وَإِنْ قُلْتُمْ لَا يَجُوزُ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا نُقِلَ عَنْ الْجُوَيْنِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ دُخُولُ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ بِإِذْنِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ فَأَجَابَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالَ يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ مُطَالَعَةُ الْكِتَابِ الْمُشْتَرَكِ بِشَرْطِ سَلَامَتِهِ وَالْخَوْفِ عَلَيْهِ مِنْ الْأَرَضَةِ وَالتُّرَابِ وَالْغُبَارِ وَخَوْفِ الْفَسَادِ وَلَا يَجُوزُ لِأَجْنَبِيٍّ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْكِتَابِ إلَّا بِإِذْنِهِمْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. جَوَابُهُ فَهَلْ يَا شَيْخَ الْإِسْلَامِ بَلْ آخِرَ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ مَا أَجَابَ بِهِ هَذَا الْعَالِمُ صَحِيحٌ مُعْتَمَدٌ أَوْضِحُوا لَنَا الْقَوْلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جَزَاكُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَلْفَ خَيْرٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ

الَّذِي ذَكَرُوهُ أَنَّ الشَّرِيكَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ كَالْأَجْنَبِيِّ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِأَحَدٍ فِي دُخُولِ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ بِغَيْرِ إذْنِ جَمِيعِ شُرَكَائِهِ وَمَا نُقِلَ عَنْ الْجُوَيْنِيِّ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْمُطَالَعَةُ فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ مَا لَمْ يُكْمِلْ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ وَيَأْذَنُ كَبَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ. وَالْخَوْفُ عَلَيْهِ مِنْ نَحْوِ الْأَرَضَةِ لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْوَلِيِّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يَنْدَفِعُ بِغَيْرِ الْمُطَالَعَةِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَيْهَا وَعَلَى السَّائِلِ وَفَّقَهُ اللَّهُ الْفَحْصُ وَالتَّنْقِيرُ عَمَّا يَجِدُهُ مِنْ الْفَتَاوَى الصَّادِرَةِ مِمَّنْ لَمْ يَتَأَهَّلْ لِلنَّظَرِ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ بَلْ يَكْتَفِي بِمُجَرَّدِ كَلَام يَجِدُهُ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهَذَا لَا يَجُوزُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ قَالَ لَا يَجُوزُ لِمَنْ لَمْ يَتَأَهَّلْ الْإِفْتَاءُ بِمَا يَجِدُهُ فِي الْكُتُبِ وَإِنْ رَأَى ذَلِكَ الْحُكْمَ فِي عَشْرِ كُتُبٍ فَأَكْثَرَ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْكُتُبَ كُلَّهَا قَدْ تَكُونُ مَاشِيَةً عَلَى طَرِيقَةٍ ضَعِيفَةٍ. اهـ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ أَرْضًا وَمَاتَ الْمُشْتَرِي وَهِيَ بِيَدِ الْبَائِعِ وَلِهَذَا الْمُشْتَرِي وَلَدٌ سَفِيهٌ وَلَهُ زَوْجَةٌ أَقَامَهَا عَلَيْهِ أَبُوهُ وَحَجَرَهُ لَهَا فَمَاتَ هَذَا الْوَلَدُ وَلَهُ أَوْلَادٌ مِنْ هَذِهِ الزَّوْجَةِ فَأَقَامَهَا عَلَيْهِمْ أَيْضًا جَدُّهُمْ الْمُشْتَرِي الْمَذْكُورُ بَعْدَ مَوْتِ وَالِدِهِمْ وَحَجْرِهِمْ لَهَا وَمَاتَ وَهَذِهِ الْأَرْضُ بِيَدِ بَائِعِهَا فَعَمَدَتْ هَذِهِ الزَّوْجَةُ إلَى إنْسَانٍ مِنْ ذَوِي الشَّوْكَةِ وَجَعَلَتْ لَهُ عَلَى خَلَاصِ هَذِهِ الْأَرْضِ مِنْ بَائِعِهَا الْمَذْكُورِ جَمِيعَ مَا يَتَحَصَّلُ فِيهَا مِنْ الْغَلَّةِ مُدَّةَ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ لِكَوْنِ بَائِعِ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ مُتَغَلِّبٌ عَلَيْهَا وَالْمُشْتَرِي يَضْعُفُ عَنْ الِاسْتِخْلَاصِ مِنْهُ فَقَامَ هَذَا الْإِنْسَانُ عَلَى هَذَا الْبَائِعِ وَرَفَعَ إلَى ذِي سُلْطَانٍ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى انْتِزَاعِ الْأَرْضِ مِنْهُ بِالْحَقِّ وَانْتَزَعَهَا مِنْهُ وَاسْتَقَلَّ بِغَلَّتِهَا سَنَةً فَقَطْ فَمَاتَتْ الزَّوْجَةُ فَقَامَ الْأَوْلَادُ عَلَى هَذَا الْإِنْسَانِ وَطَالَبُوهُ بِالْغَلَّةِ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ وَمَنَعُوهُ مِنْ السَّنَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَأَخَّرَتَا لَهُ مِنْ الْجِعَالَةِ فَهَلْ لَهُمْ هَذَا أَمْ لَا وَهَلْ هَذِهِ الْجِعَالَةُ صَحِيحَةٌ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَيْثُ كَانَ لِأُمِّ الْأَوْلَادِ وِلَايَةٌ عَلَيْهِمْ بِوِصَايَةٍ مِنْ الْجَدِّ أَوْ نِيَابَةٍ مِنْ الْحَاكِمِ وَعَلِمْت أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَتَخَلَّصُ مِنْ بَائِعِهَا إلَّا بِمَا فَعَلَتْهُ مَعَ ذَلِكَ الْإِنْسَانِ وَكَانَتْ الْغَلَّةُ مَعْلُومَةً بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ بِأَنْ وَصَفَتْهَا لَهُ بِأَوْصَافِ السَّلَمِ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ تِلْكَ الْغَلَّةِ أَوْ قَدْرَهَا فِي مُدَّةِ السِّنِينَ الثَّلَاثِ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْغَلَّةُ مَعْلُومَةً لِذَلِكَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ الْأَوْلَادِ أُجْرَةَ مِثْلِهِ وَأَمَّا إنْ كَانَتْ لَا وِلَايَةَ لَهَا عَلَيْهِمْ فَيَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا أُجْرَةَ الْمِثْلِ مِنْ مَالِهَا وَفِيمَا إذَا اسْتَحَقَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ مِنْ مَالِ الْأَوْلَادِ يُقَاصِصُهُمْ بِمَا اسْتَغَلَّهُ مِنْ أَرْضِهِمْ إنْ وُجِدَتْ شُرُوطُ التَّقَاصِّ وَإِلَّا رَدَّ إلَيْهِمْ غَلَّتَهُمْ وَرَجَعَ عَلَيْهِمْ بِأُجْرَتِهِ وَفِيمَا إذَا اسْتَحَقَّهَا مِنْ مَالِ الْأُمِّ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ رَدُّ الْغَلَّةِ وَرَفْعُ يَدِهِ عَنْ الْأَرْض وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِأُجْرَتِهِ. (وَسُئِلَ) عَنْ الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ إذَا كَانَتْ وَصِيَّةً أَوْ قَيِّمَةً عَلَى أَوْلَادِهَا وَبَاعَتْ عَلَيْهِمْ مَالًا مِنْ غَيْرِ ثُبُوتِ حَاجَةٍ وَلَا غِبْطَةٍ وَلَا ثَمَنِ مِثْلٍ لَدَى حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ أَخَلَّتْ بِوَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورِينَ فَهَلْ هَذَا الْبَيْعُ وَيُسَجِّلُ عَلَيْهِ الْقَاضِي لِشَفَقَتِهَا عَلَيْهِمْ كَبَيْعِ الْأَبِ أَوْ الْجَدِّ إذَا بَاعَا عَلَى أَوْلَادِهَا أَمْ غَيْرُ صَحِيحٍ لِكَوْنِهَا وَصِيَّةً أَوْ قَيِّمَةً فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ مَا ذُكِرَ أَعْلَاهُ وَإِذَا بَلَغَ الْوَلَدُ وَادَّعَى عَلَى أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ أَنَّهُ بَاعَ مَالَهُ بِغَيْرِ غِبْطَةٍ أَوْ حَاجَةٍ أَوْ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ فَقَالَا لَهُ بَلْ بِعْنَا بِغِبْطَةٍ أَوْ حَاجَةٍ مَثَلًا فَإِذَا قُلْتُمْ الْقَوْلُ قَوْلُهُمَا مَعَ يَمِينِهِمَا فَإِذَا مَاتَا وَادَّعَى الْوَلَدُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا ذُكِرَ فَهَلْ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي كَحَلِفِ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ أَنَّهُمَا بَاعَا عَلَيْهِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَاجَةِ وَالْغِبْطَةِ أَوْ مَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ وَإِذَا انْتَقَلَ الْمَالُ مِنْ وَاحِدٍ إلَى عَشْرَةٍ مَثَلًا فَهَلْ لِلْوَلَدِ هَذِهِ الدَّعْوَى عَلَى كُلِّ وَاضِعٍ أَوْ لِمَنْ هُوَ تَحْتَ يَدِهِ يَوْمَ الدَّعْوَى؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي أَعْتَمِدُهُ بَقَاءُ كَلَامِهِمْ عَلَى إطْلَاقِهِ مِنْ أَنَّ غَيْرَ الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ الْوَصِيِّ أَوْ الْقَيِّمِ وَلَوْ أُمًّا لَا يُسَجِّلُ الْقَاضِي بِنَحْوِ بَيْعِهِ إلَّا إنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ مُسَوِّغُهُ الشَّرْعِيُّ وَلَا يُكْتَفَى بِقَوْلِهِ فِي ذَلِكَ. وَلَيْسَ فِي تَعْلِيلِهِمْ اغْتِفَارَ ذَلِكَ فِي الْأَبِ وَالْجَدِّ بِالشَّفَقَةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْأُمَّ الْوَصِيَّةَ مَثَلًا كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ التَّعْلِيلَ لَا يَنْظُرُ لِلشَّفَقَةِ فَحَسْبُ بَلْ إلَى كَوْنِهَا مِنْ كَامِلِ الْعَقْلِ وَالتَّصَرُّفِ فَالْعِلَّةُ مُرَكَّبَةٌ فَتَخْرُجُ الْأُمُّ؛ لِأَنَّ شَفَقَتَهَا مَعَ نَقْصِ عَقْلهَا وَتَصَرُّفُهَا

لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا فَوَجَبَ أَنْ لَا تَلْحَقَ بِالْأَبِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبِهَذَا يَتَّضِحُ ضَعْف بَحْثِ بَعْضِهِمْ إلْحَاقَهَا بِهِ وَالدَّعْوَى عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ الْأَبِ وَالْمُشْتَرَى مِنْهُ وَهَكَذَا كَهِيَ عَلَى الْأَبِ وَلَهُ الدَّعْوَى عَلَى كُلِّ مَنْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْمَبِيعِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَا حُكْمُ مُعَامَلَةِ مَنْ بَلَغَ وَهُوَ مُصْلِحٌ لِدُنْيَاهُ فَقَطْ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حُكْمُهُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ مِنْهُ الْعُقُودُ الْمَالِيَّةُ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِمَا كَالشَّهَادَةِ وَالْوِلَايَةِ عَلَى الْغَيْرِ كَبِنْتِهِ فِي نِكَاحِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْفُرُوعِ الَّتِي ذَكَرُوهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ مَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَإِنْ تَبَرَّمَ اسْتَأْجَرَ أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ الْوَلِيُّ مِنْ الْقَاضِي أَنَّهُ يَفْرِضُ لَهُ أُجْرَةً لَمْ يُجِبْهُ هَلْ الْمَانِعُ مِنْ الْإِجَابَةِ صُورَةُ الْفَرْضِ دُونَ صُورَةِ الِاسْتِئْجَارِ أَمْ الْمَانِعُ دَوَامُ وِلَايَتِهِ حَتَّى يَكُونَ عَزْلُهُ وَالْفَرْضُ لَهُ بَعْدَهُ سَائِغٌ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى صُورَةِ الِاسْتِئْجَارِ أَمْ مُجَرَّدُ الْفَرْضِ كَافٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ فِيهِ غُمُوضٌ وَيَتَّضِحُ جَوَابُهُ بِنَقْلِ كَلَامِهِمْ عَلَى وَجْهِهِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا تَبَرَّمَ الْوَلِيُّ بِحِفْظِ مَالِ مُوَلِّيهِ وَالتَّصَرُّف فِيهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَتَوَلَّاهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَأَقَلّ مِنْ مَالِ مُوَلِّيهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَرِّرَ مِنْهُ لِنَفْسِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُتَّهَمًا تُهْمَةً قَوِيَّةً فِي فَرْضِهِ لِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا بِخِلَافِهِ فِي تَوَلِّيه لِطَرَفَيْ الْبَيْعِ مَثَلًا مِنْ نَفْسِهِ لَهُ وَعَكْسُهُ وَجَازَ لَهُ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيُنَصِّبَ قَيِّمًا لِذَلِكَ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ إذْ لَا تُهْمَةَ حِينَئِذٍ بِوَجْهٍ. فَإِنَّ رَفَعَ إلَيْهِ لِيُقَرِّرَ لَهُ أُجْرَةً فَأَطْلَقَ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ لَا يُقَرِّرُهَا لَهُ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي الرَّفْع هُنَا أَيْضًا فَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ لَكِنْ حَمَلَهُ جَمْعٌ مُحَقِّقُونَ كَالْغَزَالِيِّ وَابْنِ الصَّلَاحِ وَسَبَقَهُمَا إلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الْبَارِزِيُّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عَلَى مَا إذَا وَجَدَ مُتَبَرِّعًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مُتَبَرِّعًا أَجَابَهُ وَقَرَّرَ لَهُ أُجْرَةً وَقَدَّرَهَا الْقَاضِي بِمَا يَلِيقُ بِحَالِهِ وَعَمَلِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ الِاسْتِئْجَارَ فَلَهُ أَنْ يَطْلُبَ الْأُجْرَةَ لِنَفْسِهِ حَيْثُ انْحَصَرَ الْأَمْرُ فِيهِ هَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَمْ يَعْزِلْ نَفْسَهُ. أَمَّا إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَتَسَلَّمَ الْمَالَ مِنْهُ ثُمَّ يَنْصِبَ لَهُ مَنْ يَرَاهُ بِأُجْرَةِ أَوْ بِدُونِهَا بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا تَبَرَّمَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِحِفْظِ مَالِ الْوَلِيِّ أَوْ بِتَنْمِيَتِهِ أَوْ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ عَنْ كَسْبِهِ الَّذِي يَكْفِيهِ أَمَّا إذَا اشْتَغَلَ بِهِ عَنْ ذَلِكَ فَلَهُ إذَا كَانَ غَيْرَ قَاضٍ وَكَانَ فَقِيرًا أَوْ مِسْكِينًا أَخَذَ الْأَقَلَّ مِنْ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ مُمَوِّنِهِ أَيْ أَقَلّ أَنْوَاعِ كِفَايَةِ ذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ وَمِنْ أُجْرَةِ عَمَلِهِ وَلَا يَضْمَنُ بَدَلَ مَا أَخَذَهُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ عَمَلِهِ كَالْإِمَامِ إذَا أَخَذَ الرِّزْقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ نَعَمْ إنْ نَقَصَ أَجْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْأُمِّ إذَا كَانَتْ وَصِيَّةً عَنْ نَفَقَتِهِمْ وَكَانُوا فُقَرَاءَ تَمَّمُوهَا مِنْ مَالِ مَحْجُورِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا وَجَبَتْ بِلَا عَمَلٍ فَمَعَ الْعَمَلِ أَوْلَى فَانْدَفَعَ مَا لِلْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ هُنَا مِنْ الِاعْتِرَاضِ فَإِنْ قُلْت لِمَ جَوَّزُوا لَهُ هُنَا الِاسْتِقْلَالَ بِالْأَخْذِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ الْقَاضِي بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ فِي صُورَةِ التَّبَرُّمِ قُلْت يُفَرَّقُ بِأَنَّ هَذِهِ حَالَةُ ضَرُورَةٍ فَالتُّهْمَةُ فِيهَا ضَعِيفَةٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ شُغْلَهُ بِمَالِ مُوَلِّيهِ عَنْ كَسْبِهِ الَّذِي يَكْفِيهِ شَاهِدٌ لَهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ مَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ. وَمَنْ اشْتَرَطْنَا كَوْنَهُ فَقِيرًا بِخِلَافِ الْمُتَبَرِّمِ فَإِنَّهُ لَمْ يُضْطَرَّ لِلْأَخْذِ فَلَمْ نُمَكِّنْهُ مِنْ الْأَخْذِ بِنَفْسِهِ بَلْ أَمَرْنَاهُ بِالرَّفْعِ لِلْقَاضِي فَإِنْ رَأَى مُتَبَرِّعًا غَيْرَهُ اسْتَعْمَلَهُ وَإِلَّا فَرَضَ لَهُ كَمَا مَرَّ بَسْطُهُ هَذَا حَاصِلُ كَلَامِهِمْ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مَعَ تَوْضِيحِهِ وَتَقْرِيرِهِ فَعَلَى السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يَتَأَمَّلَهُ حَتَّى تَزُولَ عَنْهُ تِلْكَ التَّرْدِيدَاتُ الْمُنْبِئَةُ عَنْ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَرَّرْ لَهُ مِنْ كَلَامِهِمْ شَيْءٌ يَرْجِعُ إلَيْهِ أَوْ عَنْ أَنَّهُ لَمْ يَتَأَمَّلْهُ إذْ كَيْفَ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالِاسْتِئْجَارِ مَعَ أَنَّ الْفَرْضَ هُوَ الِاسْتِئْجَارُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي قَوْلِهِمْ الَّذِي ذَكَرَهُ أَنْ يَفْرِضَ لَهُ أُجْرَةً فَفَرْضُ الْأُجْرَةِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ اسْتِئْجَارٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَمْ الْمَانِعُ دَوَامُ وِلَايَتِهِ فَجَوَابُهُ أَنَّ مَا قَرَّرْنَاهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ إجَابَتِهِ لَيْسَ هُوَ دَوَام وِلَايَتِهِ بَلْ اتِّهَامه فِي طَلَبِهِ الْفَرْضَ لِنَفْسِهِ مَعَ وُجُودِ مُتَبَرِّعٍ غَيْره وَمِنْ ثَمَّ لَوْ لَمْ يُوجَدْ مُتَبَرِّعٌ غَيْرُهُ فَرَضَ لَهُ الْأُجْرَةَ كَمَا تَقَرَّرَ فَعَلِمْنَا أَنَّ دَوَامَ وِلَايَتِهِ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْمَنْعِ بِمُجَرَّدِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مُتَبَرِّعًا غَيْرَهُ يَفْرِضُ لَهُ الْأُجْرَةَ مَعَ دَوَامِ وِلَايَتِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى عَزْلِهِ ثُمَّ تَوْلِيَتِهِ بِأُجْرَةٍ؛ لِأَنَّ هَذَا بِالْعَبَثِ أَشْبَهُ وَقَوْلُهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى صُورَةٍ الِاسْتِئْجَارِ إلَخْ مَبْنِيٌّ

باب الصلح

عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْ تَغَايُرِ الْفَرْضِ وَالِاسْتِئْجَارِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَرَّرَ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ فُلَانًا بَالِغٌ بِالسِّنِّ وَبَيِّنَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ بِهِ أَوْ بِأَنْ عَمَّرَهُ ثَلَاثَ عَشَرَةَ سَنَةً فَهَلْ تَكُونُ مِنْ شَهَادَةِ النَّفْيِ أَوْ لَا وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ وَإِنْ قِيلَ هَذَا فَمَا صُورَةُ شَهَادَةِ النَّفْيِ الْمَقْبُولِ وَغَيْرِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي صَرَّحُوا بِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الشَّهَادَةِ بِالْبُلُوغِ بِالسِّنِّ مِنْ كَوْنِ الشَّاهِدَيْنِ خَبِيرَيْنِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِمَا لِعَدَدِ السِّنِينَ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي سِنِّ الْبُلُوغِ فَحِينَئِذٍ إذَا تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَانِ فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا خَبِيرَةً بِهِ دُونَ الْأُخْرَى قُدِّمَتْ الْخَبِيرَةُ عَلَى الْأُخْرَى وَكَذَا إذَا أَطْلَقَتْ إحْدَاهُمَا وَعُيِّنَتْ الْأُخْرَى فَتُقَدَّمُ الْمُعَيِّنَةُ عَلَى الْمُطْلَقَةُ وَإِنْ كَانَتَا خَبِيرَتَيْنِ وَعَيَّنَتَا كَأَنْ قَالَتْ وَاحِدَةٌ سَنَةَ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً وَقَالَتْ الْأُخْرَى سَنَةَ أَرْبَعَ عَشَرَةَ سَنَةً قُدِّمَتْ الْأُولَى؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ بِكَوْنِهَا نَاقِلَةً عَنْ أَصْلِ بَقَاءِ الْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ وَالْأُخْرَى مُسْتَصْحِبَةٌ لِبَقَائِهِ فِيهَا وَالنَّاقِلَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمُسْتَصْحِبَةُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ نَعَمْ إنْ عَيَّنَتْ زَمَنًا لِلْوِلَادَةِ بِأَنْ قَالَتْ وُلِدَ وَقْتَ كَذَا وَقَالَتْ الْأُخْرَى شَاهَدْنَا أُمَّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهِيَ غَيْرُ وَالِدَةٍ تَعَارَضَتَا وَتَسَاقَطَتَا وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ مِنْ شَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ بِأَنَّ فُلَانًا بَالِغٌ بِالسِّنِّ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَكَذَا شَهَادَةُ الْبَيِّنَةِ الْأُخْرَى أَنَّهُ غَيْرُ بَالِغٍ بِالسِّنِّ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ عَدَدِ السِّنِينَ وَهَذَا مِنْ صُوَرِ شَهَادَةِ النَّفْيِ غَيْرِ الْمَقْبُولِ وَإِنْ بَيَّنَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ بِالسِّنِّ وَعُمْرُهُ ثَلَاثَ عَشَرَةَ سَنَةً فَرْقًا إذْ الْأُولَى غَيْرُ مُعَيِّنَةٍ لِلسِّنِينَ فَلَا تُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ يُعَارِضْهَا بَيِّنَةٌ أُخْرَى وَالثَّانِيَةُ مُعَيِّنَةٌ لَهَا فَتُقْبَلُ مَا لَمْ تُعَارِضْهَا بَيِّنَةٌ أُخْرَى كَمَا قَدَّمْتُهُ وَصُورَةُ شَهَادَةِ النَّفْيِ الْمَقْبُولِ هُنَا مَا ذَكَرْته مِنْ أَنْ تُعَيِّنَ بَيِّنَةً وَقْتًا لِلْوِلَادَةِ وَتَقُولَ الْأُخْرَى شَاهَدْنَا أُمَّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ غَيْرَ وَالِدَةٍ فَهَذَا نَفْيٌ مَحْصُورٌ مُتَقَبَّلٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ تُلْغِي الْبَيِّنَةَ الْأُخْرَى لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ تَعَارُضِهِمَا. [بَابُ الصُّلْحِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي رَجُلَيْنِ تَصَالَحَا عَلَى إنْكَارٍ ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَ الصُّلْحِ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ عِنْدَهُ شَيْءٌ وَأَبْرَأهُ فَهَلْ يَنْفُذُ الْإِقْرَارُ وَالْإِبْرَاءُ مُطْلَقًا أَمْ فِيهِ تَفْصِيلٌ بَيِّنُوا ذَلِكَ مَعَ بَسْطِ الْجَوَابِ فِيهِ فَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا؟ (فَأَجَابَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِبَارَةُ الْأُمِّ لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الصُّلْح عَلَى الْإِنْكَارِ وَإِذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُنْكِرًا فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ وَهُمَا عَلَى أَصْلِ حَقِّهِمَا وَيَرْجِعُ الْمُدَّعِي إلَى دَعْوَاهُ وَالْمُعْطَى بِمَا أُعْطِي وَسَوَاءٌ إذَا أَلْغَيْنَا الصُّلْحَ قَالَ الْمُدَّعِي قَدْ أَبْرَأْتُك مِمَّا ادَّعَيْت عَلَيْك أَوْ لَمْ يَقُلْهُ مِنْ قَبْلُ إنَّمَا أَبْرَأَهُ عَلَى أَنَّهُ يُتِمُّ لَهُ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ وَلَيْسَ هَذَا بِأَكْثَرَ مِنْ أَنْ يَبِيعَهُ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ فَإِذَا لَمْ يُتِمَّ لَهُ لِلْفَسَادِ رَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ أَصْلِ مِلْكِهِ كَمَا كَانَا قَبْلَ أَنْ يَتَبَايَعَا. اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِقَوْلِ الْمُدَّعِي بَعْدَ الصُّلْحِ الْفَاسِدِ قَدْ أَبْرَأْتُك لِمَا عُلِّلَ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا أَبْرَأَهُ عَلَى أَنْ يُتِمَّ لَهُ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ أَيْ وَلَمْ يُتِمَّ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَمْلِكُ مَا أَخَذَهُ بِالصُّلْحِ الْفَاسِدِ بَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَهُوَ أَنَّمَا أَبْرَأَ عَلَى ظَنِّ سَلَامَةِ مَا أَقْبِضُهُ لَهُ وَلَوْ ظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبْرِئْهُ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ بَانَ فَسَادُ إبْرَائِهِ فَيَبْقَى دَيْنُهُ بِحَالِهِ وَجَرَى عَلَى هَذَا الَّذِي فُهِمَ مِنْ هَذَا النَّصِّ الْمَاوَرْدِيُّ فَقَالَ إذَا صَالَحَ مَعَ الْإِنْكَارِ مِنْ الْأَلْفِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ وَأَبْرَأَهُ مِنْ الْبَاقِي لَمْ يَبْرَأْ وَلَزِمَهُ فِي الْحُكْمِ رَدُّ مَا قَبَضَ حَتَّى لَوْ أَقَامَ بِالْأَلْفِ بَيِّنَةً عَادِلَةً كَانَ لَهُ اسْتِيفَاءُ جَمِيعِهَا؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ كَانَ مَقْرُونًا بِمِلْكِ مَا صَالَحَ بِهِ فَلَمَّا لَزِمَهُ رَدُّهُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ بَطَلَ إبْرَاؤُهُ لِعَدَمِ صِفَتِهِ كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا بَيْعًا فَاسِدًا فَأَذِنَ لِمُشْتَرِيهِ فِي عِتْقِهِ فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِهِ لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ كَانَ بِمِلْكِ الْعِوَضِ فَلَمَّا لَمْ يَمْلِكْهُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ لَمْ يُعْتِقْ عَلَيْهِ. اهـ. وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ الْمُتَوَلِّي أَيْضًا مَعَ زِيَادَةٍ فَقَالَ لَوْ قَالَ بَعْدَ الصُّلْحِ بَرِئْت مِنْ الْحَقِّ أَوْ كَانَ الْمُدَّعَى عَيْنًا فَقَالَ قَدْ مَلَّكْتُكهَا فَلَهُ الْعَوْدُ إلَى الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ اعْتِرَافَهُ عَلَى تَقْدِيرِ سَلَامَةِ الْعِوَضِ لَهُ كَمَا لَوْ قَالَ لِمَكَاتِبِهِ بَعْدَ قَبْضِ النُّجُومِ أَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ خَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً يُرَدُّ إلَى الرِّقِّ عَلَى النَّصِّ؛ لِأَنَّ اعْتِرَافَهُ عَلَى تَقْدِيرِ سَلَامَةِ الْعِوَضِ لَهُ وَلَمْ

يَسْلَمْ فَإِنْ قَالَ بَعْدَ الصُّلْح أَبْرَأْتُك فَإِنْ كَانَ يَعْتَقِد صِحَّة الصُّلْحِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حُكْمٌ كَمَسْأَلَةِ الْكِتَابَة وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ الْفَسَادَ صَحَّ الْإِبْرَاءُ وَكَذَا لَوْ قَالَ بَعْدَ الصُّلْحِ وَهَبْتهَا مِنْك وَكَانَ الْمُدَّعِي عَيْنًا وَقَالَ قَبِلْت فَإِنْ اعْتَقَدَ فَسَادَ الصُّلْحِ صَحَّتْ الْهِبَةُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَا لِلْإِبْرَاءِ حُكْمٌ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ تَارَةً يَأْتِي بَعْد الصُّلْحِ بِمَا يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْشَاءَ كَقَوْلِهِ بَرِئَتْ مِنْ الْحَقِّ وَمَلَكْت الْعَيْنَ فَلَا تَحْصُلُ الْبَرَاءَةُ وَلَا الْمِلْك قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابَةِ السَّابِقَةِ وَتَارَةً يَأْتِي بِمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْإِبْرَاءِ وَالْمِلْكِ كَأَبْرَأْتُكَ وَمَلَّكْتُك فَإِنْ عَلِمَ فَسَاد الصُّلْحِ صَحَّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِمَا عَلَى ظَنِّ شَيْءٍ وَإِنْ جَهِلَ فَسَادَهُ فَسَدَا؛ لِأَنَّهُ أُتِيَ بِهِمَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يَسْلَمُ لَهُ مَا صَالَحَ بِهِ فَلَمَّا لَمْ يَسْلَمْ لَهُ بَانَ عَدَمُ صِحَّتِهِمَا ثُمَّ تَفْصِيلُهُ الْمَذْكُورُ فِي أَبْرَأْتُك وَمَلَّكْتُك إنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوْل شَيْخِهِ الْقَاضِي وَصَاحِبِهِ الْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِمَا فِي الرَّهْنِ. وَنَظَائِرِهِ عَلَى ظَنِّ الْوُجُوبِ أَنَّهُ فَاسِدٌ وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَمَّا عَلَى الْمُعْتَمَدِ الَّذِي صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي الرَّهْنِ تَبَعًا لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَوَلَدِهِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ مِنْ الصِّحَّةِ قَالَ الْإِمَامُ وَقَوْلُ الْقَاضِي بِالْفَسَادِ غَلَطٌ فَالْقِيَاسُ صِحَّةُ الْإِبْرَاءِ وَالتَّمْلِيكِ فِي أَبْرَأْتُك وَمَلَّكْتُك مُطْلَقًا وَهُوَ الْوَجْهُ. وَأَمَّا مَا مَرَّ عَنْ الْمُتَوَلِّي فِي بَرِئْت فَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبْرَأْتُك أَنَّ بَرِئْت وَأَنْتَ حُرٌّ كُلٌّ مِنْهُمَا مُحْتَمِلٌ لِلْإِقْرَارِ وَالْإِنْشَاءِ بَلْ بَرِئْت صَرِيحٌ أَوْ كَالصَّرِيحِ فِي الْإِقْرَارِ لَكِنَّ الْقَرِينَةَ الظَّاهِرَةَ صَرَفَتْ ذَيْنك عَنْ الْإِنْشَاءِ وَمَحَّضْتُهُمَا لِلْإِقْرَارِ عَلَى أَنَّ ظَنَّ أَنْ لَا شَيْءَ لَهُ فَإِذَا بَانَ بَقَاءُ حَقِّهِ بَانَ أَنَّ إقْرَارَهُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا وَأَمَّا أَبْرَأْتُك وَمَلَّكْتُك فَهُمَا صَرِيحَانِ فِي الْإِنْشَاءِ وَالْقَرِينَةِ وَإِنْ قَوِيَتْ لَا قُوَّةَ لَهَا عَلَى صَرْفِ اللَّفْظِ الصَّرِيحِ فِي مَعْنَى إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْمَعْنَى فَعَمِلَا بِمَا فِي مَعْنَاهُمَا مِنْ إفَادَةِ الْإِبْرَاءِ وَالْمِلْك سَوَاءٌ ظَنَّ صِحَّةَ الصُّلْحِ أَمْ لَا وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ النَّصِّ وَكَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى كَلَامِ الْقَاضِي الضَّعِيفِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْبُلْقِينِيُّ أَيَّدَ كَلَامَ الْقَاضِي بِذَلِكَ النَّصِّ وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِقَوْلِهِ كَمَنْ بَاعَ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ وَأَنَّ الْقِيَاسَ الْعِتْقُ لِصِحَّةِ الْإِذْنِ وَمُصَادَفَةِ الْإِعْتَاقِ الْمِلْكَ بِاللَّفْظِ الصَّرِيحِ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ السَّابِقَةِ أَمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ الْإِبْرَاءُ صَرِيحًا بَلْ ضِمْنًا كَأَنْ يَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِهِ صَالَحْتُك مِنْ الْأَلْفِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ فِي الظَّاهِرِ وَكَذَا الْبَاطِنِ إنْ اشْتَرَطْنَا الْقَبُولَ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَلْفِ إذَا بَانَ بَعْدَ ذَلِكَ ثُبُوتُهَا بِإِقْرَارٍ وَبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ هُنَا إنَّمَا كَانَ فِي ضِمْنِ الصُّلْحِ فَإِذَا فَسَدَ فَسَدَ الْإِبْرَاءُ تَبَعًا لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ صَالَحْتُك مِنْ الْأَلْفِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ وَأَبْرَأْتُك مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ الْأُخْرَى فَالْإِبْرَاءُ هُنَا وُجِدَ مُسْتَقِلًّا فَيَكُونُ صَحِيحًا وَلَا نَظَرَ لِتَبَعِيَّتِهِ لِلصُّلْحِ؛ لِأَنَّ شَأْنَ التَّابِعِ أَنْ لَا يُمْكِنَ اسْتِقْلَالُهُ بِنَفْسِهِ مَعَ وَصْفِ التَّبَعِيَّةِ وَهَذَا مَعَ كَوْنِهِ تَابِعًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُمْكِنُ اسْتِقْلَالُهُ بِنَفْسِهِ فَأَثَّرَ فِي مَدْلُولِهِ وَإِنْ فَسَدَ مَا سَبَقَهُ مِنْ الصُّلْحِ هَذَا هُوَ الَّذِي يَتَّجِهُ فِيمَا قَرَّرْته تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْكِتَابَةِ وَالصُّلْحِ وَغَيْرِهِمَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَانِي الْأَمْرِ فِي نَحْوِ ذَلِكَ عَلَى مَا اعْتَقَدَهُ مُخَالِفًا لِمَا فِي الْبَاطِنِ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ. اهـ. وَوَجْهُ رَدِّهِ أَنَّ هَذَا الْبَانِيَ تَارَةً بِعُذْرٍ فِي بِنَائِهِ بِأَنْ يَأْتِيَ بِصِيغَةٍ لِلْقَرِينَةِ دَخْلٌ فِي تَخْصِيصِهَا فَلَا يُؤَاخَذُ وَتَارَةً لَا يُعْذَرُ بِأَنْ يَأْتِي بِمَا لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ الْقَرِينَةُ فَيُؤَاخَذُ كَمَا سَبَقَ إيضَاحُهُ وَقَدْ جَرَى فِي الْأَنْوَارِ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ بَرِئْت وَأَبْرَأْتُك فَقَالَ لَوْ صَالَحَ مِنْ الْإِنْكَارِ ثُمَّ قَالَ بَرِئْت مِنْ الْحَقِّ أَوْ أَبْرَأْتُك عَنْهُ أَوْ كَانَ الْمُدَّعَى عَيْنًا فَقَالَ مَلَّكْتهَا فَلَهُ الْعَوْدُ إلَى الدَّعْوَى وَلَا مُؤَاخَذَةَ بِالْإِقْرَارِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ مُسْتَنِدٌ إلَى مَا جَرَى. اهـ. وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ صَحِيحٌ إلَّا مَا ذَكَرَهُ فِي أَبْرَأْتُك لِمَا مَرَّ مِنْ صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ حَيْثُ وُجِدَتْ هَذِهِ الصِّيغَةُ مُطْلَقًا وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ الْأَذْرَعِيِّ إذَا لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَرْجِعُ إلَى الْعِوَضِ الَّذِي دَفَعَهُ وَلَا يَبْرَأُ بِذَلِكَ أَيْ بِإِبْرَاءِ الْمُدَّعَى لَهُ سَوَاءٌ صَرَّحَ بِالْإِبْرَاءِ أَوْ لَمْ يُصَرِّحْ فَإِنَّهُ وَإِنْ صَرَّحَ فَإِنَّهُ إنَّمَا أَبْرَأَهُ لِيَسْلَمَ لَهُ الْعِوَضُ وَلَمْ يَسْلَمْ لَهُ فَبَطَلَ الْإِبْرَاءُ هَكَذَا رَأَيْته مَجْزُومًا بِهِ فِي طَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ وَأَوْرَدَهُ فِي الذَّخَائِرِ عَنْ الْمُذْهَبِ. اهـ. وَوَجْهُ عَدَمِ

مُنَافَاتِهِ لِمَا قُلْنَاهُ حَمْلُ قَوْلِهِ سَوَاءٌ أَصَرَّحَ بِالْبَرَاءِ عَلَى مَا إذَا صَرَّحَ بِهِ بِلَفْظِ بَرِئْت لَا بِلَفْظِ أَبْرَأْتُك لِمَا مَرَّ وَكَذَا يُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الْحِلْيَةِ وَإِنْ صَالَحَهُ عَلَى الْإِنْكَارِ عَلَى مَالٍ ادَّعَاهُ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ وَيَرْجِعُ بِمَا دَفَعَ مِنْ الْعِوَضِ سَوَاءٌ أَصَرَّحَ بِإِبْرَائِهِ أَوْ لَمْ يُصَرِّحْ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إذَا صَرَّحَ بِإِبْرَائِهِ بَعْدَ الصُّلْحِ سَقَطَ حَقُّهُ وَإِنْ قَالَ أَسْقَطْت عَنْك الدَّيْنَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ صُلْحٍ فَفِي الْحَاوِي فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَسْقُطُ كَأَبْرَأْتُكَ اهـ. وَهَذَا الْوَجْهُ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي أَسْقَطْت هُوَ الَّذِي يَتَّجِهُ تَرْجِيحُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ صَرَّحَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّلَفُّظِ بَعْدَ الصُّلْحِ بِالْإِبْرَاءِ وَعَدَمِهِ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ بِلَفْظِ بَرِئْت دُونَ أَبْرَأْتُك فَكَلَامُهُ صَحِيحٌ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ فَكَلَامُهُ ضَعِيفٌ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ مَا نَقَلَهُ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ مِنْ صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ إذَا كَانَ بِلَفْظِ أَبْرَأْتُك مُطْلَقًا وَمَرَّ مَا يُصَرِّحُ بِهِ وَيُؤَيِّدُهُ إطْلَاقُ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ يُنْكِرُ وَقُلْنَا لَا يَفْتَقِر الْإِبْرَاءُ إلَى الْقَبُولِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ بِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الصُّورَةَ حَيْثُ لَمْ تَجْرِ مُصَالَحَةٌ وَيُحْتَمَلُ التَّعْمِيمُ كَمَا هُوَ الْوَجْهُ الْآخَرُ. اهـ. وَالتَّعْمِيمُ هُوَ الْأَوْجَهُ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَتِمَّاتٌ وَمُنَاسِبَاتٌ مِنْهَا أَفْتَى النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ اسْتَوْفَى دَيْنَهُ مِنْ مَالٍ حَرَامٍ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ أَبْرَأَهُ فَإِنْ أَبْرَأَهُ بَرَاءَةَ اسْتِيفَاءٍ لَمْ يَصِحَّ وَالدَّيْنُ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ أَوْ بَرَاءَةِ إسْقَاطٍ سَقَطَ وَأَلْحَقَ الزَّرْكَشِيُّ مَا إذَا أَطْلَقَ بِالِاسْتِيفَاءِ فَلَا يَسْقُطُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَقِيَاسُ مَا مَرَّ إلْحَاقُهُ بِالْإِسْقَاطِ فَيَسْقُطُ وَلِأَنَّ لَفْظَ الْإِبْرَاءِ صَرِيحٌ فِي الْإِسْقَاطِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى غَيْرِهِ إلَّا بِنِيَّةٍ وَفِي الْأَنْوَارِ لَوْ اشْتَرَى طَعَامًا فِي الذِّمَّةِ وَقَضَى ثَمَنَهُ مِنْ حَرَامٍ فَإِنْ سَلَّمَهُ الْبَائِعُ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ بِطِيبِ قَلْبِهِ وَأَكَلَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ حَلَّ أَدَّاهُ مِنْ الْحَرَامِ أَوْ لَمْ يُؤَدِّ أَصْلًا وَالثَّمَنُ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنْ أَدَّاهُ مِنْ الْحَرَامِ وَأَبْرَأَهُ الْبَائِعُ مَعَ الْعِلْمِ بِحُرْمَتِهِ بَرِئَ وَلَكِنْ أَثِمَ وَإِنْ أَبْرَأَهُ بِظَنِّ الْحِلِّ لَمْ يَبْرَأْ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَقَدَّمْت مَا فِيهِ وَمِنْهَا قَالَ فِي الْبَحْرِ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ أَبْرَأْتُك مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَالَ الْأَصْحَابُ تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ فِي الْحُكْمِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنِّي لَمْ أَعْلَمُ ذَلِكَ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بَاطِنًا؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الدَّيْنَ فَهُوَ مَجْهُولٌ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا اعْتَقَدَتْ قَبْضَ مَهْرِهَا فَقَالَتْ أَبْرَأْتُك عَنْ مَهْرِي ثُمَّ بَانَ بَقَاؤُهُ عَلَيْهِ أَوْ قَالَ أَبْرَأْتُك مِمَّا أَسْتَحِقُّهُ عَلَيْك مِنْ الشُّفْعَةِ بَاطِنًا وَهُوَ لَا يَعْرِفُهَا أَوْ طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ مِنْ جَهِلَهَا زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ. اهـ. مُلَخَّصًا وَمِنْهُ يُؤْخَذُ صِحَّةُ إفْتَاءِ الْأَصْبَحِيِّ فِيمَنْ خَالَعَ زَوْجَتَهُ بِمَهْرِ مِثْلِهَا فِي ذِمَّة أُمِّهَا فَظَنَّ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ مِنْ الْمَهْرِ فَأَبْرَأَ الْأُمَّ مِمَّا ثَبَتَ لَهُ عَلَيْهَا مِنْ عِوَضِ الْخُلْعِ لِظَنِّهِ أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ مِثْلِهِ الَّذِي لِلزَّوْجَةِ بِذِمَّتِهِ بِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ بَلْ يُحْكَمُ بِصِحَّةِ الْبَرَاءَةِ ظَاهِرًا إنْ نَشَأَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. اهـ. وَيُوَافِقُهُ إفْتَاءُ أَبِي مَخْرَمَةَ فِيمَنْ ضَمِنَ فَأَبْرَأَ الْمَضْمُون لَهُ الْمَضْمُونَ عَنْهُ لِظَنِّهِ أَنَّهُ يَتَحَوَّلُ الْحَقُّ وَلَمْ يُرِدْ سُقُوطَ دَيْنِهِ عَنْهُمَا بِأَنَّهُ يَبْرَأُ الْمَضْمُونُ عَنْهُ وَالضَّامِنُ عَنْ الدَّيْنِ الْمَذْكُورِ وَلَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ. اهـ. وَهَذَانِ صَرِيحَانِ فِيمَا قَدَّمْته مِنْ الْإِبْرَاءِ بِقَوْلِهِ أَبْرَأْتُك بَعْدَ الصُّلْحِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ هَذَيْنِ الْإِمَامَيْنِ لَمْ يَنْظُرَا لِلْقَرِينَةِ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ فَكَذَا فِي تِلْكَ نَعَمْ نَقَلَ الْأَزْرَقِيُّ عَنْ الْأَصْبَحِيِّ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى الْبَرَاءَةِ وَالشَّرْطُ فَوْرِيٌّ فَأَبْرَأْته عَلَى التَّرَاخِي جَوَابًا لِكَلَامِهِ عَلَى ظَنِّ حُصُولِ الطَّلَاقِ لَهَا لَمْ تَصِحَّ الْبَرَاءَةُ عَلَى قِيَاسِ نَظَائِرِهَا فِي الصُّلْحِ اهـ وَفِيهِ مَيْلٌ إلَى مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِهِ صِحَّة الْإِبْرَاءِ بَعْدَ الصُّلْحِ الْفَاسِدِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْأَوْجَهَ خِلَافُهُ فَقِيَاسُهُ أَنَّ الزَّوْجَ هُنَا يَبْرَأُ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْإِبْرَاءَ هُنَا وَقَعَ فِي ضِمْنِ مُعَاوَضَةٍ وَهِيَ الْخُلْعُ فَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ وَيَلْزَمُ مِنْ فَسَادِ الْمُعَاوَضَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْإِبْرَاءِ فَسَادُهُ وَأَمَّا فِي الصُّلْحِ فَلَمْ يَقَع فِي ضِمْنِ مُعَاوَضَةٍ وَإِنَّمَا وَقَعَ عَلَى جِهَةِ التَّبَرُّعِ بِهِ بَعْدَ الصُّلْحِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ فَسَادِ الصُّلْحِ فَسَادُهُ. وَمِنْهَا مَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابَةِ فِيهِ خِلَافٌ حَاصِلُهُ أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ قَالَ لِلْمُكَاتَبِ حِينَ أَدَّى النُّجُومَ اذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ فَقَدْ عَتَقْتَ فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهَا لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّهُ بَنَى قَوْلَهُ ذَلِكَ عَلَى الظَّاهِرِ وَهُوَ صِحَّةُ الْأَدَاءِ فَهُوَ كَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا فَاسْتَحَقَّ

فَقَالَ مَعَ مُخَاصَمَتِهِ لِلْمُدَّعِي هُوَ مِلْكُ بَائِعِي إلَى أَنْ اشْتَرَيْته مِنْهُ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ فِي رُجُوعِهِ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ فَإِنْ قَالَ الْمُكَاتَبُ أَرَدْت بِذَلِكَ عِتْقِي وَقَالَ السَّيِّد إنَّمَا أَرَدْت أَنَّك حُرٌّ أَوْ عَتَقْت بِمَا أَدَّيْت وَبِأَنَّ فَسَادَ الْأَدَاءِ صُدِّقَ السَّيِّدُ بِيَمِينِهِ لِلْقَرِينَةِ وَهِيَ إطْلَاقُ الْحُرِّيَّةِ عِنْدَ قَبْضِ النُّجُومِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ كَأَنْ قَالَ لَهُ ذَلِكَ لَا عِنْدَ قَبْضِ شَيْءٍ وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَنْ قِيلَ لَهُ طَلَّقْت امْرَأَتَك فَقَالَ نَعَمْ طَلَّقْتُهَا ثُمَّ قَالَ ظَنَنْت أَنَّ مَا جَرَى طَلَاقٌ وَقَدْ أَفْتَانِي الْفُقَهَاءُ بِخِلَافِهِ وَقَالَتْ الزَّوْجَةُ بَلْ طَلَّقْتنِي فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِقَرِينَةٍ كَأَنْ تَخَاصَمَا فِي لَفْظَة أُطَلِّقُهَا فَقَالَ ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ التَّأْوِيلَ فَحِينَئِذٍ يُقْبَلُ وَهَذَا فِي الصُّورَتَيْنِ تَفْصِيلٌ لِلْإِمَامِ نَقَلَهُ عَنْهُ الشَّيْخَانِ وَقَالَ إنَّهُ قَوِيمٌ لَا بَأْسَ بِالْأَخْذِ بِهِ ثُمَّ قَالَ وَتَصْدِيقُهُ بِلَا قَرِينَةٍ عِنْدِي غَلَطٌ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ جَرَى بِالصَّرِيحِ فَقَبُولُ قَوْلِهِ فِي دَفْعِهِ مُحَالٌ وَأَطْلَقَ فِي الْوَسِيطِ فِي الْأُولَى تَصْدِيقَ السَّيِّدِ بِيَمِينِهِ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ وَأَطْلَقَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ فِيهِمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَمَا فِي الْوَسِيطِ قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ الْمَنْقُولُ فِيهِمَا. اهـ. وَمَعَ ذَلِكَ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ فَهُوَ الْوَجْهُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْأَصْحَابِ لَوْ أَقَرَّ بِبَيْعٍ ثُمَّ قَالَ كَانَ فَاسِدًا أَوْ أَقْرَرْت لِظَنِّي الصِّحَّةَ لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ يُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاق عَلَى الصَّحِيحِ وَلَا يُفَرَّقُ بِأَنَّ مَا هُنَاكَ لَمْ يُعَيِّنْ مُسْتَنَدَ ظَنّه بِخِلَافِهِ هُنَا؛ لِأَنَّ هَذَا لَا تَأْثِيرَ لَهُ إذْ الصَّرِيحُ لَا يَرْتَفِعُ بِظَنِّ خِلَافِهِ سَوَاءٌ بَيَّنَ لِظَنِّهِ مُسْتَنَدًا أَمْ لَا ثُمَّ إذَا تَأَمَّلْت مَا تَقَرَّرَ عَلِمْت أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا قَالَ أَنْتَ حُرٌّ أَوْ قَدْ عَتَقْت فَنَظِيرُهُ فِي مَسْأَلَتنَا أَنْتَ بَرِيءٌ أَوْ قَدْ بَرِئْت فَيُقْبَلُ لِقَرِينَةِ الصُّلْحِ الْفَاسِدِ وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَعْتَقْتُك عَتَقَ حَتَّى عَلَى كَلَامِ الْإِمَامِ وَالشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّ الْقَرِينَةَ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِيهِ فَنَظِيرُهُ الْإِبْرَاءُ فِي أَبْرَأْتُك مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلْقَرِينَةِ فِيهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ صُورَةِ اعْتِرَاضٍ عَلَيْهِ فِي فَتْوَى سَابِقَةٍ بِقَوْلِهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ذَكَرْتُمْ فِي أَوَّلِ جَوَابِكُمْ السَّابِقِ لِلْمَالِكِ أَنْ يَحْفِرَ فِي مِلْكِهِ كَيْفَ شَاءَ وَلَهُ مُطَالَبَةُ جَارِهِ بِتَحْوِيلِ عُرُوقِهِ مِنْ أَرْضِهِ وَإِنْ امْتَنَعَ حَوَّلَهَا هُوَ فَإِنْ تَعَذَّرَ تَحْوِيلُهَا فَلَهُ قَطْعُهَا ثُمَّ ذَكَرْتُمْ فِي آخِرِ الْجَوَابِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ بِمَا يُخَالِفُ الْعَادَةَ إلَّا إذَا لَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ إلَى ضَرَرِ مِلْكِ الْجَارِ فَإِنْ أَدَّى إلَى ضَرَرِ مِلْكِ الْجَارِ ضَمِنَهُ وَالْحَالُ أَنَّ عَادَةَ أَهْلِ الْبِلَادِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا إذَا كَانَ يَتَضَرَّرُ مَالِك الْأَرْضِ مِنْ عُرُوقِ شَجَرِ الْجَارِ فِي أَرْضِهِ وَأَرَادَ مَالِك الْأَرْضِ إزَالَتَهَا إمَّا بِيَدِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ مَنَعُوهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي مَصْلَحَتِهِ مَا يُؤَدِّي إلَى إتْلَافِ مِلْكِ الْغَيْرِ وَقَدْ قَالُوا لِكُلٍّ مِنْ الْمُلَّاكِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ عَلَى الْعَادَةِ فَإِنْ تَعَدَّى ضَمِنَ أَيْ مُخَالِفُ الْعَادَةِ وَقَالُوا إنْ تَصَرَّفَ بِمَا يَضُرُّ الْمِلْكَ فَلَهُ مَنْعُهُ وَإِنْ تَصَرَّفَ بِمَا يَضُرُّ الْمَالِكَ فَلَا مَنْعَ. وَقَالُوا لَوْ فَعَلَ مَا الْغَالِبُ فِيهِ ظُهُورُ الْخَلَلِ فِي حِيطَانِ الْجَارِ كَدَقٍّ عَنِيفٍ يُزْعِجُ الْحِيطَانَ فَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ الْمَنْعَ مِنْ كُلِّ مُؤْذٍ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ مُطْلَقًا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي يَتَحَرَّرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا أَشَرْت إلَيْهِ فِي الْجَوَابِ الْأَوَّلِ بَلْ وَصَرَّحْت بِهِ أَنَّ الشَّخْصَ مَتَى تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ بِمَا يُوَافِقُ الْعَادَةَ لَمْ يُمْنَعْ مُطْلَقًا وَمَتَى تَصَرَّفَ بِمَا يُخَالِفُهَا فَإِنْ أَضَرَّ بِالْمَالِكِ لَمْ يُمْنَعْ أَوْ بِالْمِلْكِ مِنْهُ وَالْكَلَامُ فِي غَيْرِ الْعُرُوقِ الْمَذْكُورَة أَمَّا هِيَ فَالْحُكْمُ فِيهَا مَا ذَكَرْته فِي الْجَوَابِ السَّابِقِ سَوَاءٌ اعْتَادَ أَهْلُ الْبَلَدِ إبْقَاءَهَا أَمْ قَطْعَهَا؛ لِأَنَّهَا شَاغِلَةٌ لِمِلْكِ الْغَيْرِ وَمَانِعَةٌ لَهُ مِنْ تَمَامِ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَالشَّخْصُ لَا يُلْزَمُ بِأَنْ يَتَحَمَّلَ الضَّرَرَ بِبَقَاءِ مَالِ الْغَيْرِ فِي مِلْكِهِ نَظَرًا إلَى إزَالَةِ ذَلِكَ الْمَالِ عَنْ الْمِلْكِ أَنْ يُتْلِفَهُ فَإِنَّ الضَّرَرَ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ وَضَرَرُ صَاحِبِ الْأَرْضِ مُقَدَّمٌ عَلَى ضَرَرِ صَاحِبِ الشَّجَرِ؛ لِأَنَّهَا وُضِعَتْ أَوْ نَبَتَتْ فِي أَرْضِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَمْ يَكُنْ لِإِلْزَامِهِ بِبَقَائِهَا وَجْهٌ فَلَا تَلْتَبِسْ عَلَيْك هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِمَا قَبْلَهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ فِي مِلْكِهِ شَجَرَةٌ وَعُرُوقُهَا فِي مِلْكِ رَجُلٍ آخَر فَارَاد الَّذِي فِي مِلْكِهِ عُرُوقُ الشَّجَرَةِ أَنْ يَقْطَعَهَا وَادَّعَى ضَرَرَهَا عَلَيْهِ فَمَنَعَهُ صَاحِبُ الشَّجَرَةِ وَقَالَ إذَا قَطَعْت عُرُوقَهَا فَسَدَتْ الشَّجَرَةُ فَمَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يَجُوز لِمَالِكِ الْأَرْضِ قَطْعُ الْعُرُوقِ السَّارِيَةِ إلَيْهَا مِنْ مِلْكِ الْغَيْرِ وَإِنْ

حَصَلَ لِلْغَيْرِ تَضَرُّرٌ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ صَاحِبِ الْأَرْضِ مُقَدَّمٌ عَلَى ضَرَرِ صَاحِبِ الشَّجَرَةِ فَلَا نَظَرَ لِفَسَادِهَا بِقَطْعِ عُرُوقِهَا الْمَذْكُورَةِ (وَسُئِلَ) عَنْ شَجَرَةٍ بِمِلْكِ شَخْصٍ خَرَجَتْ أَغْصَانُهَا إلَى مِلْكِ آخَرَ فَأَضَرَّتْ بِزَرْعِهِ أَوْ شَجَرِهِ هَلْ لَهُ قَطْعُهَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِتَحْوِيلِهَا فَإِنْ امْتَنَعَ فَلَهُ قَطْعُهَا وَلَوْ بِلَا إذْنِ قَاضٍ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ حَيْثُ قَالُوا وَلِمَنْ تَحَوَّلَتْ أَغْصَان شَجَرِهِ لِهَوَاءِ مِلْكِهِ الْخَالِصِ أَوْ الْمُشْتَرَكِ وَكَذَا مَا اسْتَحَقَّ مَنْفَعَتَهُ بِنَحْوِ وَصِيَّةٍ إنْ قُلْنَا إنَّهُ يُخَاصِمُ أَنَّهُ يُطَالِبُ الْمَالِكَ بِتَحْوِيلِهَا فَإِنْ امْتَنَعَ الْمَالِكُ جَازَ لَهُ تَحْوِيلُهَا إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا جَازَ لَهُ قَطْعُهَا وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْقَاضِي وَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنْ إبْقَائِهَا؛ لِأَنَّهُ اعْتِيَاضٌ عَنْ مُجَرَّدِ الْهَوَاءِ لَا عَنْ اعْتِمَادِهَا عَلَى جِدَارِهِ مَا دَامَتْ رَطْبَةً وَكَالْأَغْصَانِ فِيمَا تَقَرَّرَ انْتِشَارُ الْعُرُوقِ وَمَيْلُ الْجِدَارِ وَحَيْثُ تَوَلَّى الْقَطْعَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أُجْرَةٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَوَلَّاهُ بَعْدَ أَنْ حَكَمَ الْقَاضِي عَلَيْهِ بِالتَّفْرِيغِ وَمَتَى قَطَعَ مَعَ إمْكَانِ التَّحْوِيل ضَمِنَ نَقْص قِيمَةِ الشَّجَرَةِ. وَلَوْ دَخَلَ الْغُصْنُ الْمَائِلُ إلَى هَوَاءِ مِلْكِهِ فِي بَرْنِيَّة وَنَبَتَ فِيهِ أُتْرُجَّةٌ وَكَبُرَتْ حَتَّى تَعَذَّرَ إخْرَاجُهَا قُطِعَ الْغُصْنُ وَالْأُتْرُجَّةُ لِتَسْلَمَ الْبَرْنِيَّة لِاسْتِحْقَاقِ قَطْعِهِمَا قَبْلَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ يُذْبَحْ حَيَوَانُ غَيْرِهِ إذَا بَلَعَ جَوْهَرَة؛ لِأَنَّ لَهُ حُرْمَةً قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَلِلْمَالِكِ غَرْسُ الْأَشْجَارِ فِي مِلْكه وَإِنْ عَلِمَ انْتِشَار أَغْصَانهَا إلَى هَوَاء مِلْكِ جَاره ثُمَّ إذَا انْتَشَرَتْ إلَى ذَلِكَ يَأْتِي فِيهَا مَا مَرَّ وَلَوْ سَكَتَ الْمَالِك عَنْ مُطَالَبَته بِالْقَطْعِ فِيمَا مَرَّ ثُمَّ بَاعَ مِلْكه فَلِلْمُشْتَرِي مُطَالَبَته بِهِ وَاَللَّه أَعْلَم (وَسُئِلَ) عَنْ شَجَر عَلَى جِسْر بَيْن أَرْضَيْنِ أَحَدهمَا لِصَاحِبِهِ خَرَجَ مِنْهُ أَغْصَانٌ وَانْتَشَرَتْ فِي هَوَاء الْأَرْض الْأُخْرَى حَتَّى تَضَرَّرَ صَاحِبهَا بِهَا فَهَلْ تُقْطَعُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِمَا حَاصِله أَنَّ جَوَابَ هَذِهِ الْمَسْأَلَة كَالْمَسْأَلَةِ السَّابِقَة فِي شَجَرَة خَرَجَتْ أَغْصَانهَا إلَى مِلْك آخَر فَأَضَرَّتْ بِشَجَرِهِ أَوْ زَرْعه، وَاَللَّه أَعْلَم. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رِجَال مُشْتَرَكِينَ فِي دَارٍ فَمَالَ بَعْضهَا فَهَدَمُوهُ ثُمَّ أَعَادُوهُ بِنَقْضِهِ وَزِيَادَة فَادَّعَى أَحَدهمَا أَنَّهُ لَمْ يَأْذَن بِالْهَدْمِ وَلَا بِالْإِعَادَةِ مَا الَّذِي يَسْتَحِقّهُ هَذَا الْمُدَّعِي عَلَى الْمَذْكُورِينَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُصَدَّقُ مُنْكِر الْإِذْن فِي الْهَدْم فَلَهُ عَلَى الْهَادِمِينَ بِغَيْرِ إذْن شَرْعِيّ الْأَرْش وَهُوَ مَا بَيْن قِيمَة الْجِدَار قَائِمًا مَائِلًا وَقِيمَته مَهْدُومًا وَلَيْسَ لَهُمْ عَلَيْهِ شَيْء فِي مُقَابَلَة مَا أَعَادُوهُ لَكِنْ إنْ أَعَادُوهُ بِآلَةٍ يَمْلِكُونَهَا دُونَهُ جَازَ لَهُمْ نَقْضُهَا وَإِلَّا فَلَا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَرَجَتْ شَجَرَةٌ مِنْ مِلْكِهِ فَتَلِفَ بِظِلِّهَا زَرْعُ غَيْرِهِ هَلْ يَضْمَنُهُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يَضْمَنُهُ سَوَاءٌ أَطَلَبَ مَالِكُهَا إزَالَةَ الشَّجَرَة عَنْهُ أَمْ لَا قِيَاسًا عَلَى الْمَيَازِيبِ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ طَلَبِ إزَالَتِهَا وَعَدَمِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سُؤَالًا صُورَتُهُ سُئِلَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ عَنْ جِدَارٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَخَافَ أَحَدُهُمَا سُقُوطَهُ فَهَدَمَهُ أَيْ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ ثُمَّ أَعَادَهُ عَلَى الْحَالَةِ الْأُولَى أَوْ أَحْسَنَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ شَيْء فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَنْ هَدَمَ جِدَارًا بَنَاهُ لَكِنْ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إنَّهُ لَا يَلْزَمهُ الْبِنَاءُ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ يَخْتَلِفُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَرْشُ النَّقْصِ فَلَوْ بَنَاه كَبِنَائِهِ الْأَوَّلِ أَوْ أَحْسَنَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فَعَلَيْهِ أَرْشُ مَا نَقَصَ. اهـ. جَوَابُهُ فَهَلْ جَوَابُكُمْ كَذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَحْتَاجُ لِمُقَدِّمَةٍ وَهِيَ أَنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِي الْجِدَارِ الْمُشْرِفِ عَلَى الِانْهِدَامِ فَقَالَ جَمَاعَةٌ إذَا مَالَ الْجِدَارُ إلَى الطَّرِيقِ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى نَقْضِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلِلْمَارَّةِ نَقْضُهُ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ مَالَ وَخَشَى الْجَارُ مِنْ سُقُوطِهِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَالِهِ وَطَالَبَهُ بِهَدْمِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ شَيْئًا وَانْهِدَامُهُ مَظْنُونٌ قَالَ الْقَمُولِيُّ وَمُرَادُهُ إذَا لَمْ يَدْخُلْ فِي هَوَائِهِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ أَشْرَفَ الْجِدَارُ الْمُشْتَرَكُ عَلَى الِانْهِدَامِ وَخَشَى سُقُوطَهُ فِي الطَّرِيقِ وَتَضَرَّرَ النَّاسُ بِهِ أُجْبِرَ مَالِكَاهُ عَلَى نَقْضِهِ فَإِنْ طَلَبَهُ أَحَدُهُمَا أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَيْهِ وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ بِأَنَّ الشَّرِيكَ يَخَافُ تَلَفَ النَّقْضِ الْمُشْتَرَكِ بِخِلَافِ الْجَارِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ النَّقْضُ مُطْلَقًا حَيْثُ بَنَاهُ مُسْتَوِيًا فَعَرَضَ لَهُ الْمَيْلُ أَوْ الِاسْتِهْدَام وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَمَتَى كَانَ هَدْمُ الشَّرِيكِ سَائِغًا بِأَنْ امْتَنَعَ شَرِيكَهُ

وَحَكَمَ لَهُ حَاكِمٌ بِهِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَرْشُ نَقْصِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ وَإِلَّا لَزِمَهُ بِأَنْ يُقَوَّمَ الْجِدَارُ قَائِمًا وَمَهْدُومًا وَيُنْظَرَ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا فَيَلْزَمُهُ حِصَّةُ شَرِيكِهِ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهَدْمِهِ وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِإِعَادَتِهِ فَتَارَةً يُعِيدُهُ بِآلَةِ نَفْسِهِ وَتَارَةً يُعِيدُهُ بِالْآلَةِ الْمُشْتَرَكَةِ فَإِنْ أَعَادَهُ بِآلَةِ نَفْسِهِ كَانَ الْمُعَادُ مِلْكَهُ يَضَعُ عَلَيْهِ مَا شَاءَ وَيَنْقُضُهُ إذَا شَاءَ وَلِلشَّرِيكِ الْآخَرِ هَدْمُهُ إنْ بَنَاهُ شَرِيكُهُ قَبْلَ امْتِنَاعِهِ مِنْ الْبِنَاءِ وَإِنْ أَعَادَهُ بِالْآلَةِ الْمُشْتَرَكَةِ فَهُمَا بَاقِيَانِ عَلَى مِلْكِهِمَا لَهُ وَلَا رُجُوعَ لِلْمُعِيدِ بِشَيْءٍ عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالْإِعَادَةِ وَمَا غَرِمَهُ لَهُ مِنْ أَرْشِ الْهَدْمِ يَفُوزُ بِهِ الْآخَرُ بَلْ لَهُ عَلَيْهِ أَيْضًا أَرْشُ نَقْصِ حِصَّتِهِ مِنْ الْهَدْمِ إنْ نَقَصَتْ مُنْهَدِمَةً عَنْهَا مَبْنِيَّةً إلَّا أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ قِيمَتَهَا مَبْنِيَّةً تَزِيدُ عَلَيْهَا مُنْهَدِمَةً عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ فِي السُّؤَالِ أَنَّهُ أَعَادَهُ كَمَا كَانَ أَوْ لَا أَوْ أَحْسَنَ فَعُلِمَ بِهَذَا التَّفْصِيلِ الْمَأْخُوذِ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ مَا أَطْلَقَهُ الْمُفْتِي الْمَذْكُورُ يَحْتَاجُ إلَى هَذَا التَّقْيِيدِ وَالتَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْته، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) شَخْصٌ أَخَذَ مِنْ مَالِ أَبِيهِ فِي حَيَاتِهِ مَبْلَغًا مَجْهُولَ الْعَدَدِ مِنْهُ فِضَّةٌ مُخْتَلِفَةُ الضَّرْبِ وَالصِّفَةِ وَالْوَزْنِ وَمِنْهُ ذَهَبٌ مُخْتَلِفُ النَّوْعِ ثُمَّ تُوُفِّيَ وَالِدُهُ وَخَلَّفَ وَلَدًا غَيْرَهُ فَقَالَ الْوَلَدُ الْمَذْكُورُ لِأَخِيهِ الْآخِذِ الْمَذْكُورَ أَنْتَ أَخَذْت مِنْ مَالِ أَبِينَا عِشْرِينَ أَلْفًا مِنْ الْأَشْرَفِيَّةِ مِنْهَا مَا هُوَ فِضَّةٌ مُخْتَلِفَةُ الضَّرْبِ وَالصِّفَةِ وَالْوَزْنِ وَمِنْهَا مَا هُوَ ذَهَبٌ مُخْتَلِفُ النَّوْعِ فَأَنْكَرَ الْآخِذُ أَخْذَ الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ وَقَالَ إنَّمَا أَخَذْت تِسْعَةَ آلَافٍ مَثَلًا مِنْهَا مَا هُوَ فِضَّةٌ مُخْتَلِفَةُ الضَّرْبِ وَالصِّفَةِ وَالْوَزْنِ وَمِنْهَا مَا هُوَ ذَهَبٌ مُخْتَلِفُ النَّوْعِ فَطَالَ النِّزَاعُ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ ثُمَّ أَنَّهُمَا تَصَالَحَا عَلَى أَنَّ الْآخِذَ يَدْفَعُ لِأَخِيهِ الْمَذْكُورِ أَلْفًا وَخَمْسمِائَةِ أَشْرَفِيّ مِنْ الْفِضَّةِ السُّلَيْمَانِيَّة الْمُتَّفِقَةِ الضَّرْبِ وَالصِّفَةِ وَتَكُونُ مُؤَجَّلَةً فِي ذِمَّةِ الْآخِذِ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَلَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا تَقَابُضٌ فِي الْمَجْلِسِ فَهَلْ هَذَا الصُّلْحُ صَحِيحٌ أَمْ لَا وَإِذَا ضَمِنَ الْآخِذَ شَخْصٌ فِي الْمَبْلَغِ الْمُؤَجَّلِ الَّذِي وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَيْهِ فَهَلْ يَكُونُ الضَّمَانُ صَحِيحًا أَمْ لَا (الْجَوَابُ) هَذَا الصُّلْحُ بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمَّا أَقَرَّ بِالتِّسْعَةِ آلَافٍ الْمَذْكُورَةِ لَمْ يُبَيِّنْ كَمْ قَدْرُ الْفِضَّةِ مِنْهَا وَلَا كَمْ قَدْرُ الذَّهَبِ وَلَا بَيَّنَ أَنْوَاعَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا صِفَاتِهَا الْمُخْتَلِفَةِ وَحِينَئِذٍ فَهِيَ مُبْهَمَةٌ وَالصُّلْح عَنْ الْمُبْهَمِ عِنْدَ الْمُتَصَالِحَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا بَاطِلٌ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ أَصْحَابِنَا إنَّ الصُّلْحَ عَنْ الْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ شَيْئًا مُجْمَلًا وَأَقَرَّ لَهُ بِهِ وَصَالَحَهُ عَنْ عِوَضٍ صَحَّ فَحَمَلَهُ أَصْحَابُهُ كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَعْلُومًا لِلْمُتَصَالِحِينَ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ الصُّلْحُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مَجْهُولًا لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الصُّلْحُ ذَكَرَ ذَلِكَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا ثَانِيهَا أَنَّهُ صَالِحٌ مِنْ الْحَالِّ عَلَى مُؤَجَّلٍ وَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَغَيْرُهُمَا لَوْ أَتْلَفَ عَلَيْهِ شَيْئًا قِيمَتُهُ دِينَارٌ فَصَالَحَهُ عَنْهُ بِعِوَضٍ مُؤَجَّلٍ لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ فَإِنْ قُلْت يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُمَا أَيْضًا لَوْ صَالَحَهُ مِنْ أَلْفٍ حَالَّةٍ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مُؤَجَّلَة فَهَذَا لَيْسَ مِنْ الْمُعَاوَضَةِ فِي شَيْءٍ بَلْ هُوَ مُسَامَحَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا حَطّ خَمْسِمِائَةٍ وَالثَّانِي إلْحَاقُ أَجَلٍ بِالْبَاقِي وَالْأَوَّلُ سَائِغٌ فَيَبْرَأُ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ وَالثَّانِي وَعْدٌ لَا يَلْزَمُ فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْبَاقِي فِي الْحَالِ. اهـ. قُلْت لَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِي صُلْحِ الْمُعَاوَضَةِ فَهُوَ أَنَّ الصَّالِح عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعِي فَإِذَا صَالَحَ مِنْ عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ عَلَى عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ كَانَ بَيْعًا فَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَحْكَامُهُ وَمِنْهَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ عِوَضِ الدَّيْنِ فِي الْمَجْلِسِ وَكَذَا قَبْضُهُ فِيهِ إنْ كَانَ الْعِوَضَانِ رِبَوِيَّيْنِ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِالْمُؤَجَّلِ عَنْ الْحَال وَلَا عَكْسُهُ وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ فِي صُلْحِ الْحَطِيطَةِ وَهُوَ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى بَعْضِ الْمُدَّعَى عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا كَصَالَحْتُكَ مِنْ الْأَلْفِ الَّتِي عَلَيْك عَلَى خَمْسِمِائَةٍ فِي الذِّمَّةِ وَكَذَا إنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَصَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَقَوْلُ الْإِمَامِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَهَا يَقْتَضِي كَوْنَهَا عِوَضًا فَيَصِيرُ بَائِعًا الْأَلْفَ بِخَمْسِمِائَةٍ أَشَارَ الرَّافِعِيُّ إلَى رَدِّهِ بِأَنَّ الصُّلْحَ مِنْهُ عَلَى بَعْضِهِ إبْرَاءٌ لِلْبَعْضِ وَاسْتِيفَاءٌ لِلْبَاقِي. اهـ. وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ صُلْحَ الْحَطِيطَةِ هِبَةٌ لِبَعْضِ الْعَيْنِ وَإِبْرَاءً عَنْ بَعْضِ الدَّيْنِ فَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الصُّلْحِ وَجَبَ الْقَبُولُ فِيهِمَا وَقَبْضُ الْمَوْهُوبِ بِالْإِذْنِ

وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ وَنَحْوِهِ كَأَبْرَأْتُكِ عَنْ خَمْسِمِائَةٍ وَصَالَحْتُك عَلَى الْبَاقِي لَمْ يَجِبْ الْقَبُولُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي هَذَا النَّوْعِ تَعْيِين الْبَاقِي فِي الْمَجْلِسِ وَلَا قَبْضَهُ فِيهِ وَلَا يَعُودُ الدَّيْنُ الْمُبَرَّأُ مِنْهُ بِامْتِنَاعِهِ مِنْ إعْطَاءِ الْبَاقِي وَلَوْ قَالَ صَالَحْتُك عَنْ الْأَلْفِ بِخَمْسِمِائَةٍ عَلَى أَنْ تُبْرِئَنِي مِنْ الْبَاقِي لَمْ يَصْلُحْ الصُّلْحُ فَإِنْ قُلْت فَمَا فِي السُّؤَال هَلْ هُوَ مِنْ أَنْوَاعِ صُلْحِ الْمُعَاوَضَةِ أَوْ صُلْحِ الْحَطِيطَةِ قُلْت هُوَ مِنْ أَنْوَاعِ صُلْحِ الْمُعَاوَضَةِ؛ لِأَنَّهُ صَالَحَهُ مِنْ الْمُدَّعَى بِهِ عَلَى غَيْرِهِ لَا عَلَى بَعْضِهِ وَحِينَئِذٍ فَالتَّأْجِيلُ فِيهِ يُفْسِدهُ فَإِنْ قُلْت هُوَ مُصَالَحَةٌ مِنْ التِّسْعَةِ آلَافٍ الْمَذْكُورَةِ عَلَى الْأَلْفِ وَالْخَمْسمِائَةِ الْمَذْكُورَةِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُصَالَحَ عَلَيْهِ مُوَافِقٌ لِبَعْضِ أَنْوَاعِ الْمُصَالَحِ عَنْهُ قُلْت إذَا فُرِضَ ذَلِكَ كَانَ فِيهِ تَفْصِيلٌ أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخَانِ بِقَوْلِهِمَا وَلَوْ كَانَ لَهُ فِي يَدِ رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَخَمْسُونَ دِينَارًا فَصَالَحَهُ مِنْهُ عَلَى أَلْفَيْ دِرْهَمٍ لَا يَجُوزُ وَكَذَا لَوْ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ وَالتَّرِكَةُ أَلْفَا دِرْهَمٍ وَمِائَةُ دِينَارٍ وَهِيَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَصَالَحَهُ الْآخَرُ مِنْ نَصِيبِهِ عَلَى أَلْفَيْ دِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ كَانَ الْمَبْلَغُ الْمَذْكُورُ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ غَيْرِهِ فَصَالَحَهُ مِنْهُ عَلَى أَلْفَيْ دِرْهَمٍ جَازَ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى تَقْدِيرِ الْمُعَاوَضَةِ فِيهِ فَيُجْعَلُ مُسْتَوْفِيًا لِأَحَدِ الْأَلْفَيْنِ وَمُعْتَاضًا عَنْ الدَّنَانِيرِ الْأَلْفِ الْأُخْرَى وَإِذَا كَانَ مُعَيَّنًا كَانَ الصُّلْحُ عَنْهُ اعْتِيَاضًا فَكَأَنَّهُ بَاعَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَخَمْسِينَ دِينَارًا بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ وَهُوَ مِنْ صُورَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ. اهـ. وَحَاصِلُهُ الِامْتِنَاع فِيمَا إذَا كَانَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ مُعَيَّنًا وَجَوَازُهُ إنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ وَالْفَرْضِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صُلْحُ مُعَاوَضَةٍ وَحِينَئِذٍ لَا يُنَافِي مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ فِيهَا صُلْحُ حَطِيطَةٍ فَبَعُدَ فِيهَا الِاعْتِيَاضُ وَفِي الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا لَوْ تَصَالَحَ وَارِثَانِ عَنْ تَرِكَةٍ هِيَ عَرْضٌ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ مَثَلًا عَلَى أَنَّ لِوَاحِدٍ الْعَرْضَ وَلِلْآخَرِ الدَّنَانِيرُ جَازَ وَكَأَنَّهُ اسْتَوْفَى خَمْسَةً وَاعْتَاضَ عَنْ نِصْفِ الْعَرْضِ خَمْسَة أَوْ وَهِيَ دِرْهَمٌ وَدِينَارٌ مَثَلًا وَهُمَا مُعَيَّنَانِ بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ دِينَارَيْنِ بَطَلَ أَوْ فِي الذِّمَّةِ صَحَّ وَلَا تُقَدَّرُ فِيهِ الْمُعَاوَضَةُ بَلْ هُوَ مُسْتَوْفٍ لِدِرْهَمٍ وَمُعْتَاضٌ عَنْ الْآخَرِ بِالدِّينَارِ ثَالِثُهَا كَوْنُ الْأَلْفِ وَالْخَمْسمِائَةِ صُلْحًا عَنْ التِّسْعَةِ الْآلَافِ إنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً وَالْحَالُ أَنَّهَا مِنْ أَنْوَاعِ صُلْحِ الْمُعَاوَضَةِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ بُطْلَانِ الصُّلْحِ حِينَئِذٍ فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ التِّسْعَةَ الْآلَافِ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ صَحَّ الصُّلْحُ إنْ قُبِضَتْ الْأَلْفُ وَالْخَمْسُمِائَةِ فِي الْمَجْلِسِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ صُلْحَ الْمُعَاوَضَةِ يُشْتَرَطُ فِيهِ قَبْضُ الْعِوَضِ فِي الْمَجْلِسِ إنْ كَانَ الْعِوَضَانِ رِبَوِيَّيْنِ رَابِعُهَا عَدَمُ قَبْضِ الْأَلْفِ وَالْخَمْسمِائَةِ الَّتِي صَالَحَ عَلَيْهَا إنْ كَانَ الْفَرْضُ أَنَّهَا مِنْ أَنْوَاعِ صُلْحِ الْمُعَاوَضَةِ لِمَا تَقَرَّرَ فَإِنْ فُرِضَ أَنَّهَا مِنْ صُلْحِ الْحَطِيطَةِ بِأَنْ كَانَتْ الْأَلْفُ وَالْخَمْسمِائَةِ كُلُّهَا مِنْ بَعْضِ أَنْوَاعِ التِّسْعَةِ آلَافٍ صَحَّ الصُّلْحُ وَلَمْ يُشْتَرَطْ قَبْضُهَا فِي الْمَجْلِسِ وَلَا يَضُرُّ شَرْطُ التَّأْجِيلِ فِيهَا لِمَا تَقَرَّرَ آنِفًا وَأَمَّا إذَا كَانَ بَعْضُ التِّسْعَةِ آلَافٍ مُوَافِقًا لِنَوْعِ الْأَلْفِ وَخَمْسِمِائَةٍ وَبَعْضُهَا مُخَالِفًا لَهُ فَإِنْ كَانَتْ التِّسْعَةُ آلَافٍ بَاقِيَةً تَحْتَ يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا تَالِفَةً فَهَذِهِ الصُّورَةُ مَحَلُّ نَظَرٍ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ فِيهَا أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ الَّذِي ذَكَرْته أَنَّ هَذَا الصُّلْحَ حِينَئِذٍ اجْتَمَعَ فِيهِ صُلْحُ الْمُعَاوَضَة وَصُلْحُ الْحَطِيطَةِ وَذَلِكَ أَنَّنَا نَنْسُبُ النَّوْعَ الَّذِي فِي التِّسْعَةِ آلَافٍ الْمُوَافِقُ لِلْمُصَالَحِ عَلَيْهِ إلَى التِّسْعَةِ آلَافٍ ثُمَّ نَأْخُذُ بِمِثْلِ تِلْكَ النِّسْبَةِ مِنْ الْمُصَالَحِ عَلَيْهِ فَإِذَا فَرَضْنَا ذَلِكَ ثُلُثًا جَعَلْنَا ثُلُثَ الْأَلْفِ وَخَمْسمِائَةِ فِي مُقَابَلَتِهِ وَيَكُونُ حِينَئِذٍ صُلْحَ حَطِيطَةٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى ثُلُثِهَا فَيَصِحُّ الصُّلْحُ بِثُلُثِهَا عَنْ ثُلُثِ التِّسْعَةِ آلَاف وَلَا يَضُرُّ بِالنِّسْبَةِ لِهَذَا الثُّلُثِ اشْتِرَاطُ التَّأْجِيلِ وَلَا عَدَم الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُصَالَحَ بِهِ أَوْ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا أَوْ لَا لِمَا مَرَّ فِي صُلْحِ الْحَطِيطَةِ وَأَمَّا ثُلُثَا الْأَلْفِ وَالْخَمْسِمِائَةِ فَيَكُونُ الصُّلْحُ بِهِمَا عَنْ ثُلُثَيْ التِّسْعَةِ الْآلَافِ صُلْحَ مُعَاوَضَةٍ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ وَعَدَمُ التَّأْجِيلِ وَكَوْنُ الْمُصَالَحِ عَنْهُ فِي الذِّمَّةِ فَإِنْ قُلْت لِمَ لَمْ تَجْعَلْ هَذِهِ الصُّورَةَ عَلَى وِزَانِ الصُّورَةِ السَّابِقَةِ عَنْ الشَّيْخَيْنِ وَهِيَ مَا لَوْ صَالَحَ عَنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَخَمْسِينَ دِينَارًا فِي الذِّمَّةِ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيَكُونُ مُسْتَوْفِيًا أَحَدَ الْأَلْفَيْنِ وَمُعْتَاضًا عَنْ الدَّنَانِيرِ الْأَلْفِ الْأُخْرَى وَقِيَاسُ هَذِهِ الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهُ يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا لِمَا فِي التِّسْعَةِ الْآلَافِ مِنْ الْفِضَّةِ السُّلَيْمَانِيَّة

بِقَدْرِهَا مِنْ الْأَلْفِ وَخَمْسِمِائَةٍ وَمُعْتَاضًا لِبَاقِيهَا بِبَاقِي تِلْكَ قُلْت هَذَا ظَاهِرٌ إنْ كَانَ مَا فِي التِّسْعَةِ الْآلَافِ مِنْ الْفِضَّةِ السُّلَيْمَانِيَّة دُونَ الْأَلْفِ وَالْخَمْسِمِائَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُفَضِّلُ شَيْئًا يُقَابِلُ بِهِ الْبَاقِيَ فَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ أَكْثَرُ تَعَذَّرَ كَوْنُ الْأَقَلِّ عِوَضًا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ عِوَضًا عَنْ جَمِيعِ التِّسْعَةِ الْآلَافِ فَلَمْ يُمْكِنْ حِينَئِذٍ إلَّا الْقَوْلُ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّ الْمُصَالَحَةَ حِينَئِذٍ اشْتَمَلَتْ عَلَى مُقَابَلَةِ السُّلَيْمَانِيَّةِ بِالسُّلَيْمَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَمُقَابَلَةُ السُّلَيْمَانِيَّة بِالسُّلَيْمَانِيَّةِ لَهُ حُكْمٌ وَمُقَابَلَتُهَا بِغَيْرِهَا لَهُ حُكْمٌ إذْ الْأَوَّلُ مِنْ صُلْحِ الْحَطِيطَةِ إنْ كَانَ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ أَقَلَّ وَالثَّانِي مِنْ صُلْحِ الْمُعَاوَضَةِ وَإِذَا اشْتَمَلَتْ الصَّفْقَةُ عَلَى حُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَجَبَ رِعَايَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ هُنَا إلَّا بِمَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّا نَنْسِبُ مَا فِي التِّسْعَةِ الْآلَاف مِنْ السُّلَيْمَانِيَّة إلَيْهَا وَنَأْخُذُ بِمِثْلِ تِلْكَ النِّسْبَةِ مِنْ السُّلَيْمَانِيَّة الْمُصَالَحِ عَلَيْهَا وَنَجْعَلُهُ صُلْحَ حَطِيطَةٍ وَنُدِيرُ عَلَيْهِ أَحْكَامَ صُلْحِ الْحَطِيطَةِ وَيَكُونُ الْبَاقِي مِنْ السُّلَيْمَانِيَّة الْمُصَالَحِ عَلَيْهَا عِوَضًا عَنْ بَقِيَّةِ التِّسْعَةِ الْآلَافِ فَيَكُونُ صُلْحَ مُعَاوَضَةٍ وَيُدَارُ عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ السَّابِقَةُ فَإِنْ قُلْت فَلَوْ كَانَ بَعْضُ التِّسْعَةِ بَاقِيًا وَبَعْضُهَا تَالِفًا مَا حُكْمُهُ قُلْت الَّذِي يَتَّجِهُ فِي هَذِهِ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ نَنْسُبُ التَّالِفَ إلَى الْبَاقِي فَإِنْ كَانَ النِّصْفَ مَثَلًا بَطَلَ الصُّلْحُ فِي نِصْفِ الْأَلْفِ وَالْخَمْسمِائَةِ وَبَقِيَ الصُّلْحُ وَاقِعًا بِنِصْفِ الْأَلْفِ وَالْخَمْسمِائَةِ عَنْ النِّصْفِ التَّالِفِ مِنْ التِّسْعَةِ آلَافٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا التَّالِفِ شَيْءٌ مِنْ السُّلَيْمَانِيَّة فَهُوَ صُلْحُ مُعَاوَضَةٍ وَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْهَا يَأْتِي فِيهِ مَا ذُكِرَ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ وَضَمِنَ شَخْصُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْأَلْفِ وَالْخَمْسمِائَةِ الْمُصَالَحِ عَلَيْهَا فَحَيْثُ حَكَمْنَا بِصِحَّةِ الصُّلْحِ عَلَيْهَا جَمِيعِهَا صَحَّ ضَمَانُهَا؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ دَيْنٌ ثَابِتٌ لَازِمٌ مَعْلُومٌ وَحَيْثُ حَكَمْنَا بِصِحَّتِهِ عَلَى بَعْضِهَا صَحَّ ضَمَانُ ذَلِكَ الْبَعْضِ وَحَيْثُ حَكَمْنَا بِبُطْلَانِهِ فِي جَمِيعِهَا لَمْ يَصِحَّ ضَمَانُهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ لَهُ فِي ذِمَّةِ شَخْصٍ خَمْسُونَ دِينَارًا وَأَلْفُ دِرْهَمٍ صَالَحَهُ عَلَى أَلْفَيْ دِرْهَمٍ جَازَ وَيُجْعَلُ مُسْتَوْفِيًا لِلْأَلْفِ وَمُعْتَاضًا عَنْ الْخَمْسِينَ الْأَلْفِ الْأُخْرَى ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ فِي الصُّلْحِ وَقِيَاسُ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ الْبُطْلَانُ فَمَا الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَدُ مَا ذَكَرَاهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ؛ لِأَنَّ أَلْفًا مِمَّا صَالَحَ بِهِ مُمَاثِلَةٌ لِلْأَلْفِ الَّتِي فِي الذِّمَّةِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ جَعْلُهَا فِي مُقَابَلَتِهَا بَيْعًا بَلْ ذَلِكَ هُوَ حَقِيقَةُ الِاسْتِيفَاءِ وَالْأَلْفُ الْأُخْرَى تَعَيَّنَتْ مُعَاوَضَةً عَنْ الدَّنَانِيرِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِهَا وَحِينَئِذٍ فَعَقْدُ الْمُعَاوَضَةِ لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى شُرُوطِ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَة؛ لِأَنَّ الِاعْتِيَاضَ عَنْ الدَّنَانِيرِ بِالدَّرَاهِمِ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ فَلِذَا صَحَّحَ الشَّيْخَانِ مَا ذُكِرَ مِنْ الصِّحَّةِ. (وَسُئِلَ) عَنْ الْجِدَارِ بَيْنَ الْمَالِكَيْنِ إذَا كَانَ لِأَحَدِهِمَا فِيهِ بَابٌ هَلْ يُرَجَّحُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قِيَاسُ عَدَمِ التَّرْجِيح بِالْجُذُوعِ عَدَمُهُ بِالْبَابِ أَيْضًا (وَسُئِلَ) عَنْ شَجَرَةٍ عَلَى الطَّرِيقِ مَنَعَتْ النَّاسَ مِنْ الْمَمَرِّ تَحْتَهَا رُكْبَانًا وَلَمْ يُعْلَمْ أَسَبَقَتْ الطَّرِيقَ أَمْ لَا فَهَلْ يُقْطَعُ الْمَانِعُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يُقْطَعُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ فِي الصُّلْحِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ فَتَحَ فِي مِلْكِهِ طَاقَاتٍ تُشْرِفُ عَلَى جَمِيعِ جِيرَانِهِ فَهَلْ يُؤْمَرُ بِسَدِّهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يُؤْمَرُ بِسَدِّهَا بَلْ بِعَدَمِ الِاطِّلَاع مِنْ الْكُوَّاتِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ لَهُ دَارَانِ فِي أَحَدهمَا شَجَرَةٌ فَتَدَلَّتْ أَغْصَانُهَا إلَى الْأُخْرَى فَاشْتَرَطَ شَخْصٌ الَّتِي فِيهَا الْأَغْصَانُ ثُمَّ زَادَ انْتِشَارُهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ حَالَ الْبَيْعِ فَهَلْ يُكَلَّفُ قَطْعَهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى الْبَارِزِيُّ بِأَنَّ لَهُ مُطَالَبَةَ الْبَائِعِ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ إلَّا بِالْمَوْجُودِ وَلَا يُقَالُ شِرَاؤُهُ لِذَلِكَ إقْدَامٌ مِنْهُ عَلَى نُمُوِّهِ؛ لِأَنَّ نُمُوَّهُ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ بَلْ لَوْ قَالَ رَضِيت بِمَا يَمْتَدُّ مِنْ ذَلِكَ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ بَلْ لَوْ صَالَحَ عَلَى إبْقَائِهِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ هَوَاءٍ بِلَا أَصْلٍ فَإِنْ قُلْت يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا لَوْ اشْتَرَى مَرِيضًا عَالِمًا بِمَرَضِهِ فَمَاتَ فَإِنَّهُ لَا خِيَارِ لَهُ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ بِمَرَضِهِ رِضًا مِنْهُ بِمَا يَحْدُثُ مِنْهُ قُلْتُ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ الرِّضَا بِالْمَرَضِ مُسْتَلْزِمٌ لِتَوْطِينِ النَّفْسِ عَلَى الرِّضَا بِتَلَفِ الْمَبِيعِ مِنْ أَصْلِهِ وَذَلِكَ مَعْلُومٌ مُنْضَبِطٌ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ وَالرِّضَا بِهِ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ الْمَبِيعِ فَلَمْ يَكُنْ الرِّضَا بِهِ مُسْتَلْزِمًا لِتَوْطِينِ النَّفْسِ عَلَى نَظِيرِ مَا ذَكَرْته. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هَلْ إذَا كَانَ بَيْنَ شَخْصٍ وَجَمَاعَةٍ

عَقَارٌ وَفِيهِ عُلُوٌّ فَآلَ الْعُلُوُّ إلَى السُّقُوطِ وَتَضَرَّرَ مِنْهُ الْجَارُ وَالْمَارُّ فَأَرَادَ الشَّخْصُ أَنْ يَهْدِمَهُ فَلَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا بِعِمَارَةِ شَيْءٍ فِي الْعَقَارِ الْمَذْكُورِ يَصْعَدُ مِنْهُ إلَيْهِ فَعَمَّرَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ وَهَدَمَ الْعُلُوّ أَيْضًا بِغَيْرِ إذْنِهِمْ وَبِغَيْرِ إذْنِ حَاكِمٍ وَإِنَّمَا هُوَ بِمُجَرَّدِ تَضَرُّرِ مَنْ ذُكِرَ فَهَلْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي مَحَلِّهِ وَيُحْسَبُ لَهُ مَا صَرَفَهُ لِلْعِمَارَةِ وَالْهَدْمِ وَإِذَا عَمَّرَ فِي الْمَكَانِ الْمَذْكُورِ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِمْ وَإِذَا كَانَ تَحْتَ يَدِهِ شَيْءٌ لَمْ يَعْلَمُوا بِهِ فَصَرَفَهُ عَلَى الْمَكَانِ ثُمَّ آلَ إلَى التَّلَفِ بِالْكُلِّيَّةِ فَهَلْ يَبْرَأُ بِذَلِكَ وَيَسْقُطُ حَقُّهُ مِنْ الْعِمَارَةِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْهَدْمُ الْمَذْكُورُ فِيهَا لَمْ يَقَعْ فِي مَحَلِّهِ وَلَا يُحْسَبُ لَهُ مَا صَرَفَهُ لِلْعِمَارَةِ وَالْهَدْمِ وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِمْ بِمَا عَمَّرَهُ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِمْ وَلَا يَبْرَأُ بِمَا صَرَفَهُ مِمَّا تَحْتَ يَدِهِ لَهُمْ لَكِنَّ الْآلَةَ الَّتِي عَمَّرَ بِهَا عَلَى مِلْكِهِ فَلَهُ هَدْمُهَا وَالرُّجُوعُ فِي أَعْيَانِهَا. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا تَنَازَعَا عَيْنًا ثُمَّ تَصَالَحَا عَلَيْهَا بَعْدَ إقْرَارِ أَحَدِهِمَا أَنَّهَا لِلْآخَرِ فَإِذَا مَضَى لَهَا مُدَّةٌ تَحْت يَدِ الْمُقِرِّ وَلَمْ يَتَعَرَّضَا فِي الصُّلْحِ لِذِكْرِ الْأُجْرَةِ فَهَلْ تَلْزَمُ الْمُقِرَّ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ تَقَدَّمَتْ الْمُدَّةُ عَلَى الْإِقْرَارِ فَلَا أُجْرَةَ إذْ يَكْفِي فِي صِدْقِ الْإِقْرَارِ الْمُطْلَقِ سَبْقُ الْمِلْكِ عَلَيْهِ بِلَحْظَةِ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ عَنْهُ وَتَضْمَنُ مَا يَقْتَضِي وُجُوبَ أُجْرَتِهَا فَالصُّلْحُ عَلَى مُجَرَّدِ الْعَيْنِ لَا يَتَنَاوَلُ الْأُجْرَةَ الْوَاجِبَة بِسَبَبِهَا فَيَجِبُ. (وَسُئِلَ) عَنْ امْرَأَةٍ تُوُفِّيَتْ عَنْ زَوْجٍ وَبِنْتٍ وَأُمٍّ وَلَهَا حِصَّةٌ فِي عَقَارَاتٍ فَصَالَحَتْ الْأُمُّ الزَّوْجَ عَنْ حِصَّتِهِ وَحِصَّةِ بِنْتِهِ بَعْدَ إخْفَائِهَا مُسْتَنَد الْمَيِّتَة وَأَبْرَأهَا الزَّوْجُ عَنْ حَقِّهِمَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الصُّلْحُ إنْ وَقَعَ بَعْدَ إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَهُوَ بَاطِلٌ أَوْ بَعْد إقْرَارِهِ أَوْ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ بِالْحَقِّ صَحَّ فِي نَصِيبِ الزَّوْجِ وَبَطَلَ فِي نَصِيب بِنْتِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهَا فِيهِ حَظٌّ وَالْأَصَحُّ أَيْضًا وَأَمَّا الْإِبْرَاءُ هُنَا فَبَاطِلٌ إذْ الْمُبَرَّأُ مِنْهُ عَيْنٌ لَا دَيْنٌ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ هَلَكَ عَنْ زَوْجَةٍ وَلَهَا عَلَيْهِ حَقٌّ وَكَسَاوِي فَعَوَّضَهَا أَخُوهُ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ وَلَيْسَ بِوَصِيٍّ فَهَلْ يَصِحُّ وَإِذَا أَبْرَأَتْهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَهَلْ تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ الْأَخُ الْمُعَوِّضُ وَارِثًا وَعَلِمَ هُوَ وَهِيَ أَنَّ مَا تَعَوَّضَتْ عَنْهُ يَنْقُصُ عَنْ حَقِّهَا أَوْ يُسَاوِيهِ صَحَّ التَّعْوِيضُ فِي حِصَّتِهِ وَإِلَّا فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ وَكَذَا لَوْ جَهِلَتْ الْقَدْر الْمُبَرَّأ مِنْهُ. (وَسُئِلَ) هَلْ يَجُوز التَّوْكِيلُ فِي اسْتِيفَاء الْحَقِّ وَالصُّلْحِ أَوْ لَا لِقَوْلِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي الْخُصُومَة وَأَجَازَ صُلْحَهُ وَإِقْرَارَهُ بَطَل التَّوْكِيلُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَجُوزُ التَّوْكِيل فِي اسْتِيفَاء الْحَقِّ وَالصُّلْحُ عَنْهُ كَمَا ذَكَرُوهُ وَلَا يُنَافِيهِ مَا ذَكَرَ عَنْ الْأَنْوَارِ إنْ سُلِّمَ أَنَّهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ فِي الْخُصُومَةِ وَلَمْ يَنُصَّ لَهُ عَلَى صُلْحٍ وَلَا إقْرَارٍ فَتَعَدَّى وَصَالَحَ أَوْ أَقَرَّ عَنْ مُوَكِّله بَطَلَ تَوْكِيلُهُ فِي تِلْكَ الْخُصُومَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَة لِبُطْلَانِ مَا فَعَلَهُ بِتَعَدِّيهِ مِنْ الصُّلْحِ وَالْإِقْرَارِ عَلَى أَنَّ التَّوْكِيلَ فِي الْإِقْرَار لَا يَصِحُّ وَإِنْ نَصَّ لَهُ الْمُوَكِّلُ عَلَى ذَلِكَ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَحْدَثَ وَفَتَحَ فِي جِدَاره نَقْبًا إلَى زُقَاق ضَيِّق مِنْ شَوَارِع الْمُسْلِمِينَ وَحَمَلَ جِيرَانَهُ وَرَكَّبَ عَلَى النَّقْبِ فِي هَوَاء الشَّارِعِ بَرْبَخًا وَسَلَّطَ عَلَى هَذَا الشَّارِعِ الضَّيِّقِ مِيَاهَ بَيْتِهِ مِنْ الطُّهْرِ وَغَيْرِهِ وَرَكَّبَ فَوْق الْبَرْبَخِ خَارِجَ الْجِدَار أَلْوَاحًا مِنْ الْخَشَب لِحِفْظِ الْبَرْبَخِ عَنْ الْكَسْرِ وَتَضَرَّرَ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ وَجِيرَانُهُ الْمَارُّونَ فِي هَذَا الزُّقَاقِ بِسَبَبِ مَا يَنْزِل مِنْ الْمِيَاهِ النَّجِسَةِ وَاَلَّذِي أَحْدَثه مِنْ النَّقْبِ الْمَذْكُورِ إحْدَاثٌ مِنْهُ وَبِدْعَةٌ صَدَرَتْ عَنْهُ لَمْ تَكُنْ مِنْ قَبْلُ أَبَدًا فَهَلْ لَهُ إحْدَاث هَذَا الْأَمْرِ الْمُضِرِّ لِلْجِيرَانِ وَالْمُسْلِمِينَ الْمَارِّينَ فِي هَذَا الزُّقَاقِ وَهَلْ لِحَاكِمِ الشَّارِعِ زَجْرُهُ وَمَنْعُهُ عَنْ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَيْسَ لَهُ إحْدَاث مَا ذُكِرَ فِي الشَّارِعِ الضَّيِّقِ إذَا تَضَرَّرَ بِهِ الْمَارَّةُ تَضَرُّرًا لَا يُحْتَمَل عَادَةً كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُمْ سِيَّمَا كَلَامَ الْمِنْهَاجِ فَإِنَّهُ قَالَ الطَّرِيقُ النَّافِذ لَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا يَضُرُّ الْمَارَّة قَالَ فِي دَقَائِقِهِ وَتَعْبِيرِي بِمَا يَضُرُّ الْمَارَّةَ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِ غَيْرِي بِمَا يُبْطِلُ الْمُرُورَ. اهـ. وَمُرَادُهُ بِالضَّرَرِ مَا ذَكَرْته لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِيهِ الضَّرَرُ الْخَفِيف الَّذِي لَا يَدُوم كَإِلْقَاءِ نَحْو الْحِجَارَةِ لِلْعِمَارَةِ. وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَفِي عِبَارَة الْمِنْهَاج شُمُولٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ أَيْ مِنْ أَنَّ مَا أَضَرَّ بِهِمْ ضَرَرًا لَا يُحْتَمَلُ، يُمْنَعُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الدَّوَامَ كَحَفْرِ الْقَنَاةِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَالرَّشِّ الْمُفْرِط وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحْتَمَلُ ضَرَره

اهـ. عَلَى أَنَّ الْغَزَالِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَرَّحَ بِخُصُوصِ مَسْأَلَتنَا فِي الْإِحْيَاءِ فَقَالَ وَكَذَا الْقَصَّابُ إذَا كَانَ يَذْبَحُ فِي الطَّرِيقِ حِذَاءَ بَابِ الْحَانُوت وَيُلَوِّثُ الطَّرِيقَ بِالدَّمِ فَيُمْنَعَ مِنْهُ بَلْ حَقُّهُ أَنْ يَتَّخِذَ فِي دُكَّانِهِ مَذْبَحًا فَفِي ذَلِكَ تَضْيِيقٌ وَإِضْرَارٌ بِسَبَبِ تَرْشِيشِ النَّجَاسَةِ وَإِضْرَارٌ بِسَبَبِ اسْتِقْذَارِ الطِّبَاع الْقَاذُورَاتِ وَكَذَا طَرْح الْقُمَامَةِ عَلَى جَوَادِ الطَّرِيق وَتَبْدِيد قُشُور الْبِطِّيخِ أَوْ رَشُّ الْمَاء بِحَيْثُ يُخْشَى مِنْهُ التَّزَلُّق وَالتَّعَثُّر كُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْمُنْكَرَات وَكَذَا إرْسَالُ الْمَاء مِنْ الْمَيَازِيبِ الْمُخْرَجَةِ مِنْ الْحَائِطِ فِي الطَّرِيقِ الضَّيِّقَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُنَجِّسُ الثِّيَاب وَيُضَيِّقُ الطَّرِيق وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ فِي الطُّرُقِ الْوَاسِعَة إذْ الْعُدُول عَنْهُ مُمْكِنٌ. اهـ. كَلَام الْأَحْيَاء وَاعْتَمَدَهُ جَمْعٌ مُحَقِّقُونَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِ بَلْ جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ جَزْمَ الْمَذْهَبِ وَلَمْ يُسْنِدْهُ إلَيْهِ وَوَجْهُهُ ظَاهِر فَإِنَّ مَا قَدَّمْته مِنْ كَلَامِ الْمِنْهَاج وَغَيْرِهِ صَرِيح فِيهِ وَيُؤْخَذ مِنْ كَلَامِ الْإِحْيَاء الْمَذْكُورِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالضَّيِّقِ مَا لَا يُمْكِنُ الْعُدُولُ عَنْ الْمَاء النَّازِل مِنْ الْمِيزَابِ فِيهِ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ مِنْ جَانِبِ الطَّرِيقِ بِحَيْثُ لَا يُصِيبهُ شَيْءٌ مِنْ النَّازِلِ مِنْهُ وَبِالْوَاسِعِ مَا يُمْكِن الْعُدُول عَنْهُ إلَى مَا لَا يُصِيبُهُ شَيْءٌ مِنْهُ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَهَذَا الْمِيزَابُ الْمُحْدَثُ الْمَذْكُورُ إنْ كَانَ الْمَارُّ لَا يُمْكِنُهُ الْعُدُولُ إلَى مَحَلٍّ يَمْنَعُهُ مِنْ تَلَوُّثِهِ بِمَائِهِ وَقْتَ نُزُولِهِ يَمْنَعُ مِنْهُ مَخْرَجُهُ وَيَجِبُ عَلَى حَاكِمِ الشَّرْعِ وَفَّقَهُ اللَّه وَسَدَّدَهُ إلْزَامُهُ بِهَدْمِهِ أَوْ نَحْو أُخْدُود فِي جِدَاره يَنْزِل فِيهِ مَاؤُهُ إلَى مَوْضِعٍ لَا يَضُرُّ بِالْمَارَّةِ الضَّرَر السَّابِق وَمَتَى امْتَنَعَ مُحْدِثُهُ مِنْ ذَلِكَ بَالَغَ فِي زَجْرِهِ وَنَكَالِهِ حَتَّى يَنْزَجِرَ غَيْرُهُ عَنْ أَمْثَالِ هَذِهِ الْمُحْدَثَات الْمُنْكَرَات وَلَا يُعَارِض مَا تَقَرَّرَ خَبَرَ مُسْنَدِ أَحْمَدَ فِي «قَلْعِ عُمَرَ لِمِيزَابِ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - ثُمَّ أَعَادَهُ لَمَّا قَالَ لَهُ إنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَعَهُ بِيَدِهِ» مَعَ أَنَّ النَّازِلَ مِنْهُ دَمٌ مُخْتَلِطٌ بِمَا حَمَلَ عُمَرَ عَلَى قَلْعِهِ أَوَّلًا ثُمَّ لَمَّا أَعَادَهُ لِمَا ذُكِرَ لَمْ يَنْهَهُ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ وَاقِعَةُ حَالٍ فِعْلِيَّةٌ طَرَقَهَا احْتِمَالُ أَنَّ الشَّارِعَ كَانَ وَاسِعًا فَلَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى خِلَافِ مَا قُلْنَاهُ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ لِصَاحِبِ الْمِيزَابِ فِي الطَّرِيقِ الْوَاسِع النَّافِذ أَنْ يُجْرِيَ مِنْهُ مَا شَاءَ مِنْ مَاءٍ الْمَطَر وَالْغُسَالَة الطَّاهِرَة وَالنَّجِسَة وَغَيْر ذَلِكَ إذْ لَا ضَرَر عَلَى أَحَدٍ مَعَ الِاتِّسَاع الْمَذْكُورِ السَّابِق ضَابِطُهُ، وَاَللَّه أَعْلَم (وَسُئِلَ) عَنْ سَاقِيَةٍ لِأَرَاضٍ مُتَعَدِّدَةٍ لِكُلِّ مِنْهَا مَنْفَذٌ وَبَعْضُ مَنَافِذهَا مُرْصَدٌ بِوَضْعِ أَحْجَار فِيهِ وَلَا يَسُدُّ شَيْئًا مِنْ الْمَنَافِذِ لِشُرْبِ آخَرَ وَأَرَادَ صَاحِبُ الْمَنْفَذِ الَّذِي لَا رَصْدِ عَلَيْهِ أَنْ يَنْحِتَ تُرَاب أَرْضِهِ وَيَنْقُلَهُ لِيَنْخَفِضَ وَيَأْخُذَ الْمَاء عَلَى أَصْحَابِهِ لِانْخِفَاضِ أَرْضِهِ اللَّازِم مَعَهَا انْخِفَاضُ مَنْفَذِهَا بِجَرْيٍ فَهَلْ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ الْمُرْصَدَةِ مَنْعُهُ وَالْحَالُ أَنَّ مَنَافِذَهَا مُتَسَاوِيَةُ الِاتِّسَاعِ أَوْ مُتَفَاوِتَةٌ وَهَلْ لَوْ اطَّرَدَتْ عَادَةٌ بِأَنَّ الَّذِي لَا رَصْدَ عَلَيْهِ لَهُ فِعْلُ ذَلِكَ وَهَلْ لِهَذِهِ أَثَرٌ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَنْ أَرَادَ حَفْرَ نَهْرٍ فَوْقَ نَهْرِ غَيْرِهِ إنْ ضَيَّقَ عَلَيْهِ مُنِعَ وَإِلَّا فَلَا وَبِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ مَنْ أَرْضُهُ أَسْفَلَ تَوْسِيعَ فَمِ النَّهْرِ أَوْ أَرَادَ الْأَوَّلُونَ تَضْيِيقَهُ أَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمْ بِنَاءَ قَنْطَرَةٍ أَوْ رَحًى عَلَيْهِ أَوْ غَرْسَ شَجَرَةٍ عَلَى حَافَّتِهِ أَوْ تَقْدِيمَ رَأْسَ سَاقِيَتِهِ أَوْ تَأْخِيرِهِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِرِضَا الْجَمِيعِ وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّ نَحْتَ التُّرَابِ وَنَقْلَهُ إنْ كَانَ يُضَرُّ بِأَحَدِ الشُّرَكَاءِ بِأَخْذِ مَاءٍ أَكْثَرَ أَوْ بِغَيْرِهِ مُنِعَ مِنْهُ مُطْلَقًا. (وَسُئِلَ) عَنْ بَيْتٍ بَابُهُ نَافِذٌ إلَى الشَّارِعِ لَكِنَّهُ فِي مُنْعَطَفٍ بِحَيْثُ كَانَتْ فَتْحَةُ الْبَابِ فِي مُقَابَلَةِ طُولِ الشَّارِعِ دُونَ عَرْضِهِ فَالْخَارِجُ مِنْهَا يَمْشِي ابْتِدَاءً فِي الشَّارِع مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى انْحِرَافٍ وَقَدْ اتَّصَلَ بِفَتْحَةِ الْبَاب دِكَّةٌ مُمْتَدَّة تَحْتَ جِدَار الْبَيْتِ عَرْضُهَا مُسَامِتٌ لِعَرْضِ الْفَتْحَة بِحَيْثُ لَوْ مُدَّ جِدَارُ الْفَتْحَةِ الْمُتَّصِل بِالشَّارِعِ كَانَتْ الدَّكَّة فِي دَاخِلِهِ إلَى جِهَةِ الْبَيْت وَلَمْ يَعْلَم أَنَّ مَوْضِعَ تِلْكَ الدِّكَّةِ مِنْ الشَّارِعِ وَلَا أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ بِغَيْرِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ مُسَوِّغٍ لِوَضْعِهَا وَأَهْلُ الْبَيْتِ مُسْتَوْلُونَ عَلَى تِلْكَ الدَّكَّةِ مُنْتَفَعُونَ بِهَا بِالْجُلُوسِ عَلَيْهَا وَوَضْع الْأَمْتِعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَحْدَثُوا عَلَى بَعْضِ أَجْزَائِهَا عَشَّةً وَكُلٌّ مِنْ الدَّكَّةِ وَالْعَشَّة الَّتِي بِهَا لَا تَضُرُّ بِالْمَارَّةِ فَهَلْ يَجُوزُ لِأَحَدٍ إزَالَةُ تِلْكَ الدَّكَّةِ أَوْ الْعَشَّة قَهْرًا عَلَى أَهْل الْبَيْتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَثْبُتَ أَنَّ أَصْلَهُمَا مِنْ الشَّارِعِ وَأَنَّهُمَا مَوْضُوعَانِ فِيهِ بِغَيْرِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ مُسَوِّغٍ لِوَضْعِهِمَا أَوْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّ أَصْلَهُمَا مِنْ الشَّارِعِ

وَأَنَّهُمَا مَوْضُوعَانِ فِيهِ بِغَيْرِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ مُسَوِّغٍ لَهُ فَيَبْقَيَانِ عَلَى حَالِهِمَا وَيُمَكَّنُ أَهْلُ الْبَيْتِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِمَا بِالْجُلُوسِ وَوَضْعِ الْأَمْتِعَةِ وَسَائِرِ وُجُوهِ الِانْتِفَاعَات الَّتِي لَا تَضُرُّ بِالْمَارَّةِ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّ وَضَعَهُمَا بِغَيْرِ وَجْهٍ شَرْعِيٍّ وَهَلْ إذَا ادَّعَى مُنَازِعٌ أَنَّهُمَا يَضُرَّانِ بِالْمَارَّةِ يُلْتَفَتُ إلَى قَوْله بِدُونِ إثْبَاتِ ذَلِكَ بِطَرِيقِهِ الشَّرْعِيِّ وَهَلْ إذَا كَانَ مَعَهُمَا يُمْكِنُ مُرُورُ الْبَعِيرِ وَعَلَيْهِ الْمَحْمِلُ بِدُونِ مُصَادَمَتِهِ لَهُمَا وَلَا ضَرَرَ يَلْحَقهُ فِي مُرُورِهِ لَكِنَّ مُرُورَهُ بِدُونِهِمَا أَبْعَدُ عَنْ الْمُصَادَمَةِ لِكَوْنِهِ يُمْكِنُهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَقْرُبَ مِنْ كُلّ جَانِبٍ بِلَا مُصَادَمَةٍ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ ضَرَرِ الْمَارَّةِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ أَصْلُ الدَّكَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا وُضِعَتْ بِحَقٍّ وَأَنَّ مَحَلَّهَا مُسْتَحَقٌّ لِأَهْلِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَئِمَّتُنَا فِي مَسَائِلَ فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا لَوْ وَجَدْنَا جُذُوعًا مَوْضُوعَةً عَلَى جِدَارٍ وَلَمْ نَعْلَمْ أَصْلَهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا وُضِعَتْ بِحَقٍّ فَلَا تُنْقَضُ بَلْ يُقْضَى لِصَاحِبِهَا بِاسْتِحْقَاقِ وَضْعِهَا دَائِمًا حَتَّى لَوْ سَقَطَ الْجِدَار فَأُعِيدَ جَازَ لَهُ وَضْعُهَا عَلَيْهِ قَالَ فِي الرَّوْضَة بِلَا خِلَافٍ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّا حَكَمْنَا بِأَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ وَعَلَّلَهُ الْمَحَامِلِيُّ بِأَنَّ الظَّاهِرَ حُصُولُهُ عَلَى الْحَائِطِ بِحَقٍّ وَفِي بَابِ الْعَارِيَّةِ مِنْ الْكِفَايَةِ لَوْ لَمْ يَدْرَأْ وُضِعَتْ الْجُذُوعُ بِحَقٍّ أَوْ غَيْرِهِ حُمِلَ عَلَى أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ بِحَقٍّ لَازِمٍ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَيَجِيءُ مِثْلُهُ فِي الْأَجْنِحَةِ الْمُطِلَّةِ عَلَى مِلْكِ الْجَارِ وَالْقَنَوَاتِ الْمَدْفُونَة تَحْت الْأَمْلَاكِ؛ لِأَنَّ صُوَرَهَا دَالَّةٌ عَلَى وَضْعِهَا بِحَقٍّ وَبِهِ صَرَّحَ عِزُّ الدِّينِ فِي الْقَوَاعِدِ. اهـ. قَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِجَوَازِ أَنَّهُ اسْتَحَقَّهَا مُؤَبَّدَةً بِبَيْعٍ وَأَلْحَقْت بِذَلِكَ مَا لَوْ رَأَيْنَا سَاقِيَّةً مُشْتَرَكَةً عَلَى فُوَيْهَةِ بِئْرٍ وَعَلَيْهَا بُسْتَانَانِ وَمَاءُ أَحَدِهِمَا يَمُرُّ عَلَى الْآخَرِ فَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ إجْرَائِهِ فِي أَرْضِهِ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ بِحَقٍّ فَلَا يُزَالُ بِغَيْرِ حَقٍّ اهـ وَأَفْتَى وَالِدُهُ فِي مَصَارِفَ عَلَى قَنَاةِ حَمَّام لَا يُعْرَفُ أَصْلُهَا بِأَنَّهُ إنْ عُرِفَ حُدُوثُهَا سُدَّتْ وَإِلَّا بَقِيَتْ وَلَا يُشَارِكُهُ أَصْحَابُهَا فِي نَزْحِ تِلْكَ الْقَنَاةِ حَيْثُ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِذَلِكَ وَأَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْبَارِزِيُّ وَأَئِمَّةُ عَصْرِهِ فِيمَنْ لَهُ دَارٌ يَنْزِلُ إلَيْهَا الضَّوْءُ مِنْ كُوَّةٍ بِجِدَارِ الْغَيْرِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِذِي جِدَارِهَا هَدْمُهُ وَلَا سَدُّهَا وَنَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ فُرُوقِ الْجُوَيْنِيِّ وَالتَّوَقُّفُ فِيهِ بِأَنَّ مُجَرَّدَ الضَّوْء لَا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ فَتْحُ هَذِهِ بِحَقٍّ لَازِمٍ رَدَّهُ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ اشْتَرَى مِنْهُ بَعْضَ الْحَائِطِ وَفَتَحَهُ طَاقَةً. وَأَفْتَى التَّاجُ الْفَزَارِيّ وَغَيْرُهُ فِيمَنْ لَهُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ قَنَاةٌ أَوْ جُذُوعٌ ادَّعَى تَعَدِّيهِ بِهَا بِأَنَّهَا لَا تُزَالُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِأَنَّهَا وُضِعَتْ تَعَدِّيًا إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ أَصْلُهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا بِحَقٍّ وَأَنَّ مَحِلَّهَا مُسْتَحَقٌّ لِأَهْلِهَا فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الشَّارِعِ قُلْت تَصَوُّرُهُ فِيهِ أَقْرَبُ مِنْ تَصْوِيرِ مَسْأَلَةِ الْكُوَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ الِاحْتِمَالَ الْمَذْكُورَ فِيهَا فِي غَايَةِ النُّدُورِ وَمَعَ ذَلِكَ رَاعَوْهُ وَقَضَوْا بِاحْتِرَامِهَا لِأَجْلِهِ بَلْ وَقَدَّمُوهُ عَلَى يَدِ مَالِك الْجِدَارِ حَتَّى مَنَعُوهُ مِنْ هَدْمِهِ وَسَدِّهَا فَإِذَا قَالُوا بِذَلِكَ فِي هَذَا النَّادِرِ فَقَوْلُهُمْ بِهِ فِي مَسْأَلَتنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَصْوِيرَ الْوَضْعِ فِيهَا بِحَقٍّ أَظْهَرُ وَأَشْهُرُ بِأَنْ تَكُونَ الْبُقْعَةُ مُسَبَّلَةٌ إلَّا مَحَلَّ تِلْكَ الدَّكَّةِ أَوْ بِأَنْ يَخُصَّ الْإِمَامُ أَهْلَهَا بِمَحَلِّهَا إذَا رَآهُ أَوْ بِأَنْ يَكُونَ مِنْ أَصْلِ الدَّارِ فَأَخْرَجَهَا أَهْلُهَا مِنْهَا لِيَنْتَفِعُوا بِهَا فَهَذِهِ كُلُّهَا صُوَرٌ قَرِيبَةٌ لَا نُدْرَةَ فِيهَا فَرِعَايَتُهَا فِي الِاحْتِرَامِ وَالدَّلَالَة عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ الْمُؤَبَّدِ أَوْلَى مِنْ رِعَايَةِ الْأَئِمَّةِ لِمَا قَدَّمْته عَنْهُمْ فَظَهَرَ مَا قُلْنَاهُ. وَاتَّضَحَ مَا حَرَّرْنَاهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِهَذِهِ الدَّكَّةِ بِهَدْمٍ وَلَا غَيْرِهِ إلَّا إنْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا وُضِعَتْ بِطَرِيقِ التَّعَدِّي وَالظُّلْمِ وَلَا يَكْفِي شَهَادَتُهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَسْتَلْزِمُهُ بَلْ لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهَا مِنْ الشَّارِعِ وَبَيِّنَةٌ بِخِلَافِهَا تَأْتِي فِيهَا نَظِيرُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاح وَتَبِعُوهُ بَلْ جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ عَزْوِهِ إلَيْهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ شَخْصٌ بَيِّنَةً أَنَّ هَذَا طَرِيقٌ يَخْتَصُّ بِهِ وَأَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ طَرِيقٌ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ كَانَتْ الْيَدُ لِلْأَوَّلِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ أَوْ لِلْمُسْلِمِينَ لِسُلُوكِهِمْ لَهُ عَلَى الْعُمُومِ مُدَّةً قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الثَّانِي فَإِذَا كَانَتْ الْيَدُ لِأَهْلِ الدَّكَّةِ كَمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُمْ أَنَّهُمْ يَخْتَصُّونَ بِهَا وَذَكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ أَيْضًا أَنَّ تَصَرُّفَ الْمُتَصَرِّفِ رَاجِحٌ مُثْبِتٌ لِدَوَامِ شَجَرِ ذِي التَّصَرُّفِ فِي أَرْضِ الْغَيْرِ فَإِذَا أَثْبَتَ

هَذَا التَّصَرُّفُ الدَّوَامَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَالشَّارِعُ كَذَلِكَ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الدَّكَّةَ الْمَذْكُورَةَ مُسْتَحَقَّةٌ لَأَرْبَابِهَا فَلَهُمْ أَنْ يَضَعُوا عَلَيْهَا عَشَّةً ثُمَّ إنْ خَرَجَتْ تِلْكَ الْعَشَّةُ فِي هَوَاءِ الشَّارِعِ اُشْتُرِطَ عَدَمُ ضَرَرهَا لِلْمَارَّةِ. قَالَ الشَّيْخَانِ وَيُرْجَعُ فِي مَعْرِفَةِ الضَّرَرِ وَعَدَمِهِ إلَى حَالِ الطَّرِيقِ ثُمَّ قَالَ وَالْأَصْلُ فِي الشَّوَارِعِ الْإِبَاحَةُ وَجَوَازُ الِانْتِفَاعِ إلَّا فِيمَا يَقْدَحُ فِي مَقْصُودِهَا وَهُوَ الِاسْتِطْرَاقُ ثُمَّ الْمُرَادُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ بِضَرَرِ الْمَارَّةِ الضَّرَرُ الَّذِي لَا يُحْتَمَلُ عَادَةً بِخِلَافِ الْيَسِيرِ الَّذِي يُحْتَمَلُ عَادَةً فَإِنَّهُ لَا مَنْعَ مِنْهُ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ مِنْ خَشْيَةِ الْمُصَادَمَةِ عِنْدَ الْعُدُول عَنْ جَادَّة الطَّرِيق لَيْسَ مِنْ الضَّرَرِ الْمُنَافِي لِلِاسْتِطْرَاقِ فَلَا يُنْظَرُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ تِلْكَ الْعَشَّةُ فِي هَوَاءِ الشَّارِع بِأَنْ كَانَتْ فِي هَوَاءِ الدَّكَّةِ فَلَا مَنْعَ مِنْهَا وَإِنْ أَضَرَّتْ بِالْمَارَّةِ لِمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْته عَنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّ أَرْبَابَ الدَّكَّةِ يَسْتَحِقُّونَ التَّصَرُّفَ فِيهَا حَتَّى بِهَدْمِ جِدَارِهِمْ وَإِدْخَالهَا فِي دَارِهِمْ إذْ هَوَاؤُهَا مُسْتَحَقٌّ لَهُمْ وَلَيْسَ هَوَاء شَارِع فَلَمْ يُرَاعَ حِينَئِذٍ ضَرَرُ الْمَارَّةِ بِهِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ رِعَايَتِهِ إنَّمَا هُوَ حَيْثُ كَانَ الْبَارِزُ فِي هَوَاءِ الشَّارِعِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ هَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى الْمُعْتَمَدِ الَّذِي عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَالْجُمْهُورُ أَنَّ إحْدَاثَ الدَّكَّةِ بِالشَّارِعِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ تَضُرَّ بِأَنْ كَانَتْ فِي مُنْعَطَفٍ. أَمَّا عَلَى مُقَابَلَةِ الَّذِي اعْتَمَدَهُ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ وَمُتَأَخِّرُونَ وَانْتَصَرَ لَهُ السُّبْكِيّ مِنْ جَوَازِ إحْدَاثهَا حَيْثُ لَا ضَرَرَ فَوَاضِحٌ أَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِيهَا إلَّا إنْ أَثْبَتَ ضَرَرهَا الَّذِي مَرَّ ضَبْطُهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَم (وَسُئِلَ) عَمَّنْ عَلَيْهِ دَرَاهِمُ عَجَزَ عَنْ تَحْصِيلهَا وَأَرَادَ أَنْ يُعَوِّضَ دَائِنَهُ فَمِنْ الْخِيَرَةُ إلَيْهِ مِنْهُمَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى بَعْضهمْ بِأَنَّ الْخِيَرَةَ فِيمَا يُعْتَاضُ بِهِ إلَى الدَّائِنِ لَا الْمَدِينِ قَالَ وَوَقَعَ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ مَا يُوهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ وَلَيْسَ مُرَادًا. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ لَهُ زَبِيرٌ عَلَيْهِ شَجَرَةٌ فَأَظَلَّتْ زَرْعَ غَيْرِهِ وَأَفْسَدَتْهُ بِظِلِّهَا فَهَلْ يَضْمَن وَإِنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِإِزَالَتِهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِضَمَانِهِ مُطْلَقًا وَقَاسَهُ عَلَى التَّالِف بِالْمِيزَابِ وَقَالَ إذَا وُجِدَ الضَّمَانُ فِيمَا لَمْ يَصِلْ لِمِلْكِهِ وَهُوَ الْمِيزَاب فَأَوْلَى فِيمَا انْتَشَرَ وَوَصَلَ إلَى مِلْكِهِ وَلَا فَرْقَ فِي الضَّمَانِ بَيْنَ الْمُبَاشَرَةِ وَالسَّبَبِ. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَيُفَرَّقُ بَيْنه وَبَيْن الْمِيزَاب بِأَنَّ الْمِيزَابَ تَصَرَّفَ وَاضِعُهُ فِي هَوَاءِ الطَّرِيقِ بِإِخْرَاجِهِ إلَيْهِ فَاشْتَرَطْنَا لِجَوَازِ تَصَرُّفِهِ فِي ذَلِكَ الْهَوَاء سَلَامَةَ الْعَاقِبَةِ فَحَيْثُ لَا سَلَامَةَ ضَمِنَ وَأَمَّا غَارِسُ الشَّجَرَة فَقَدْ تَصَرَّفَ فِي مَحْض مِلْكِهِ وَهَوَائِهِ فَلَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُقَالَ إنَّ تَصَرُّفَهُ مَشْرُوطٌ بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَة فَإِذَا جَاوَزَتْ تِلْكَ الشَّجَرَةُ مِلْكَهُ وَخَرَجَتْ إلَى غَيْرِهِ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَضْمَنَ بِهِ إلَّا إنْ طُولِبَ بِإِزَالَتِهِ فَامْتَنَعَ لِتَعَدِّيهِ حِينَئِذٍ فَهَذَا هُوَ الْفِقْهُ الَّذِي يَتَعَيَّنُ اعْتِمَادُهُ فَاحْفَظْهُ وَلَا تُغَيِّر بِغَيْرِهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا لَفْظه طَلَبَ صَاحِبُ الْأَعْلَى أَنْ يَتَمَلَّكَ السَّقْفَ الَّذِي أَحَدَثَهُ الْأَسْفَلُ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ وَهَلْ لَهُ إحْدَاث عُلُوٍّ ثَالِثٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ امْتَنَعَ مِنْ بِنَاء سَقْفِ نَفْسِهِ كَمَا كَانَ لَمْ يَتَمَلَّك لِتَقْصِيرِهِ وَإِنْ أَحْدَثَ الْأَسْفَلُ السَّقْفَ قَبْلَ امْتِنَاع الْأَعْلَى الْمَالِكِ لِلسَّقْفِ مِنْ الْإِعَادَة فَلِلْأَعْلَى هَدْمُهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِيمَا لَوْ بَنَى الْأَعْلَى قَبْلَ امْتِنَاع الْأَسْفَل فَإِنَّهُمْ قَالُوا لِلْأَسْفَلِ هَدْمُهُ مَا لَمْ يَبْنِ الْأَعْلَى وَلِلْأَعْلَى حِينَئِذٍ طَلَبُ تَمَلُّكِ السَّقْفِ بِالْقِيمَةِ كَمَا ذَكَرُوا نَظِيرَهُ فِي تَمَلُّكِ صَاحِب السُّفْلِ بِالْقِيمَةِ حَيْثُ بَنَى الْأَعْلَى الْأَسْفَل وَالْعُلْو وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَحْدَثَ بِنَاءً فِي مِلْكِ الْآخَرِ قَبْلَ امْتِنَاعِهِ وَلَمَّا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ قَالَ لَا يُقَالُ إنَّ السَّقْفَ الَّذِي أَحْدَثَهُ صَاحِبُ السُّفْل أَحْدَثَهُ فِي مِلْكِهِ إذْ الْجُدْرَانُ لَهُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُمَكَّنَ صَاحِب الْعُلُوِّ مِنْ التَّمَلُّكِ وَالْهَدْمِ بِخِلَافِهِ فِي تِلْكَ. فَإِنَّ صَاحِبَ الْعُلُوِّ أَحْدَثَهُ فِي مِلْكِ صَاحِبِ السُّفْلِ فَمِنْ ثَمَّ قُلْنَا لَهُ التَّمَلُّكُ وَالْهَدْمُ فَافْتَرَقَا؛ لِأَنَّا نَقُول هُوَ مَوْجُود فِيمَا يَمْلِك صَاحِبُ الْعُلُوِّ الِانْتِفَاعَ بِهِ فَكَأَنَّ صَاحِبَ السُّفْلِ أَحْدَثَهُ فِي مِلْكِ صَاحِبِ الْعُلُوِّ فَلِذَا قُلْنَا لَهُ التَّمَلُّكُ وَالْهَدْمُ وَلَا يَجُوزُ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ أَنْ يَبْنِيَ مَنْزِلًا ثَالِثًا فَوْقَ عُلُوِّهِ كَمَا نَقَلَهُ السُّبْكِيّ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الصُّلْحِ وَجَزَمَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ فِي قُوتِهِ فِي الْقِسْمَةِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ أَرَادَ نَقْلَ الطَّرِيقِ عَنْ مَوْضِعِهَا إلَى قَرِيبٍ مِنْهُ فَهَلْ يَجُوزُ مُطْلَقًا أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَحْرُمُ نَقْلُ الطَّرِيقِ الْعَامَّةِ عَنْ مَحَلِّهَا بَلْ هُوَ كَبِيرَةٌ كَمَا بَيَّنْته فِي كِتَابِي الزَّوَاجِر عَنْ

باب الحوالة

اقْتِرَافِ الْكَبَائِر لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «مَلْعُونٌ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ» وَأَمَّا الْخَاصَّةُ كَأَنْ اسْتَأْجَرَ جَمْعٌ مَحْصُورُونَ الْمُرُور فِي أَرْضٍ فَلَهُمْ بِتَوَافُقِ الْمُؤَجِّرِ نَقْلُهُ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ. [بَابُ الْحَوَالَةِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِغَائِبِ فَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ الْمَدِينَ أَبْرَأَهُ وَأَنِّي قَضَيْت الدُّيُونَ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ خُصُومَةٍ مَا الْمُفْتَى بِهِ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْل الْقَفَّالِ وَابْنِ الصَّلَاحِ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَمَّا الْقَفَّالُ فَلَمْ أَرَ لَهُ حِيلَةً فِي هَذِهِ الصُّورَة وَإِنَّمَا الَّذِي رَأَيْته حِيلَةً لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي فَتَاوِيهِ فِي نَظِير ذَلِكَ لَكِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الضَّعِيفِ أَنَّ غَرِيمَ الْغَرِيمِ غَرِيمٌ وَأَحْسَنُ مَا فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ مِنْ أَنَّ طَرِيقَ ذَلِكَ أَنْ يَدَّعِيَ إنْسَانٌ أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ أَحَالَهُ بِهِ فَيَعْتَرِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ لِرَبِّهِ وَبِالْحَوَالَةِ وَيَدَّعِي أَنَّهُ أَبْرَأهُ مِنْهُ أَوْ أَقْبَضَهُ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى بِذَلِكَ وَالْبَيِّنَةُ وَإِنْ كَانَ رَبُّ الدَّيْنِ حَاضِرًا بِالْبَلَدِ. اهـ. وَأَقَرَّهُ الْقَمُولِيُّ وَغَيْرُهُ كَشَيْخِنَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ عَهْدَهُ لَكِنْ تَعَقَّبَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَقَالَ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي دَفْعِ الْمُحْتَالِ وَأَمَّا إثْبَاتُ الْبَرَاءَةِ مِنْ دَيْنِ الْمُحِيلِ فَلَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِهِ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا تَكْفِي إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ فِي وَجْهِ الْمُحْتَالِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إعَادَتِهَا فِي وَجْهِ الْمُحِيلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ نَذَرَ عَدَمَ الْمُطَالَبَةِ لِفُلَانٍ بِمَا لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ وَإِذَا قُلْتُمْ نَعَمْ فَهَلْ تَصِحُّ حَوَالَتُهُ بِهِ أَوْ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ وَيَبْطُلُ بِالْحَوَالَةِ النَّذْرُ وَلِلْمُحْتَالِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَدُ الَّذِي صَرَّحُوا بِهِ اللُّزُومُ لَكِنْ هَلْ يَصِيرُ الدَّيْنُ بِالنَّذْرِ الْمَذْكُورِ مُؤَجَّلًا أَوْ حَالًّا امْتَنَعَتْ الْمُطَالَبَةُ بِهِ لِمَانِعِ الْأَوْجَهِ كَمَا رَجَّحَهُ جَمْعُ مُتَأَخِّرُونَ الثَّانِي فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ صَحَّتْ الْحَوَالَةُ بِهِ وَعَلَيْهِ إنْ كَانَ الدَّيْنُ الْآخَرُ مُؤَجَّلًا لَا حَالًّا وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي انْعَكَسَ الْحُكْمُ وَإِذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ الْحَوَالَةِ عَلَى الثَّانِي فَهَلْ يَمْتَنِعُ عَلَى الْمُحْتَالِ الْمُطَالَبَةُ حَالًّا كَالْمُحِيلِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ مَنْ الْتَزَمَ قُرْبَة لَا يَلْزَم سَرَيَانُهَا فِي حَقِّ غَيْره وَالْمُحِيلُ هُوَ الْمُلْتَزِمُ عَدَمَ الْمُطَالَبَةِ بِالنَّذْرِ فَاخْتَصَّ بِهِ كُلُّ مُحْتَمَلٍ. لَكِنَّ مَا رَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَنَّ النَّاذِرَ لَوْ مَاتَ كَانَ لِوَارِثِهِ الْمُطَالَبَةُ حَالًا؛ لِأَنَّهُ نَذَرَ وَهُمْ لَمْ يَنْذِرُوا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَوْجَهَ هُنَا الثَّانِي وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُهُمْ وَعَلَى مُقَابِلِهِ فَلِلْمُحْتَالِ الْخِيَارُ إنْ جَهِلَ الْحَالَ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْمُطَالَبَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ فَإِنْ قُلْت يَلْزَمُ مِنْ هَذَا عَدَمُ صِحَّةِ الْحَوَالَة حَيْثُ قُلْنَا بِهَذَا الْمُقَابِل؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَسَاوِي الدَّيْنَيْنِ وَأَحَدُهُمَا مَعِيبٌ قُلْت هُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ الدَّيْنُ فِي نَفْسِهِ لَا عَيْبَ فِيهِ فَالتَّسَاوِي حَاصِل فِي ذَاتِ الدَّيْنَيْنِ وَتَوَابِعهمَا اللَّازِمَة وَامْتِنَاع الْمُطَالَبَةِ لِلْأَمْرِ الْعَارِضِ وَإِنْ نَزَلَ مَنْزِلَةَ الْعَيْب لَا يَقْتَضِي إلْحَاقَهُ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنْ قُلْت الْحَوَالَةُ بَاطِلَةٌ حَتَّى عَلَى الثَّانِي مِنْ وَجْهٍ آخَر وَهُوَ عَجْزُ الْمُحِيلِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي الدَّيْنِ الْمُحَالِ بِهِ بِسَبَبِ نَذْرِهِ وَالشَّرْطُ قُدْرَتُهُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهِ قُلْنَا الشَّرْطُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ قُدْرَةُ الْآخِذِ لَا الْمُعْطِي أَخْذًا مِمَّا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ فِي الْبَيْعِ قُدْرَةُ الْمُشْتَرِي عَلَى التَّسَلُّمِ وَإِنْ عَجَزَ الْبَائِعُ عَنْ التَّسْلِيمِ خِلَافًا لِمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ فَيَصِحُّ بَيْعُ الْمَغْصُوبِ الْقَادِرِ عَلَى انْتِزَاعِهِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ الْبَائِعُ وَهَذَا جَارٍ فِي كُلِّ عِوَضٍ كَالْأُجْرَةِ وَعِوَضِ الْبُضْعِ صَدَاقًا وَبَدَلِ خَلْعٍ وَعِتْقٍ عَلَى عِوَضٍ فَتَلَخَّصَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إلَّا قُدْرَةُ الْمُحْتَالِ عَلَى تَسَلُّمِهِ لَا قُدْرَةُ الْمُحِيلِ عَلَى تَسْلِيمِهِ (وَسُئِلَ) هَلْ تَجْرِي الْإِقَالَةُ فِي الْحَوَالَة؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ أَوَائِلَ التَّفْلِيسِ بِعَدَمِ جَوَازِهَا وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ عَجِيبٌ فَقَالَ إنَّهُ كَشَفَ كُتُبًا كَثِيرَةً فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا بَيْعٌ وَأَنَّ الْخُوَارِزْمِيَّ صَرَّحَ بِالْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَبِتَصْحِيحِ الْجَوَازِ وَقَيَّدَ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِدُونِ إذْنِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِدُونِ إذْنِهِ صَحَّ وَجْهًا وَاحِدًا. اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَيَرُدُّ تَعْلِيلَ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ أَنَّهَا بَيْعٌ لَكِنَّ التَّحْقِيقَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ الْقَوْلُ فِيهَا بِأَنَّهَا بَيْعٌ وَلَا بِأَنَّهَا اسْتِيفَاءٌ؛ لِأَنَّ بَعْضَ فُرُوعِهَا يَقْتَضِي الْأَوَّلَ وَبَعْضَهَا يَقْتَضِي الثَّانِيَ لَكِنَّ فُرُوعَ الْأَوَّلِ أَكْثَرُ فَمِنْ ثَمَّ اُشْتُهِرَ أَنَّهَا بَيْعٌ

باب الضمان

لَا اسْتِيفَاءٌ وَنَظِير ذَلِكَ الْخِلَافُ فِي الْإِبْرَاءِ هَلْ هُوَ إسْقَاطٌ أَوْ تَمْلِيكٌ وَفِي الرَّجْعَةِ هَلْ هِيَ ابْتِدَاءُ نِكَاحٍ أَوْ اسْتِدَامَتُهُ وَفِي النَّذْرِ هَلْ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ أَوْ جَائِزِهِ. (وَسُئِلَ) هَلْ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ قَبُولُ الْحَوَالَةِ بِمَالِ مُوَلِّيهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ بَحَثَ بَعْضُهُمْ عَدَمَ الْجَوَازِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ بِخِلَافِ الْحَوَالَةِ عَلَى الطِّفْلِ فَتَجُوزُ وَيُطَالَبُ الْوَلِيُّ بِالتَّسْلِيمِ وَذَكَرَ الْمَرْعَشِيُّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِأَحَدِ طِفْلَيْنِ عَلَى أَخِيهِ مَالٌ فَأَحَالَهُ الْأَبُ بِمَا لَهُ عَلَى أَخِيهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى ابْنٍ آخَرَ لَهُ صَغِيرٍ جَازَ. (وَسُئِلَ) وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْغَنِيِّ أَدَاءُ الدَّيْنِ فَوْرًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ إنْ خَافَ فَوْتَ أَدَائِهِ إلَى الْمُسْتَحَقِّ إمَّا بِمَوْتِهِ أَوْ بِمَرَضِهِ أَوْ بِذَهَابِ مَالِهِ أَوْ خَافَ مَوْتَ الْمُسْتَحِقِّ أَوْ طَالَبَهُ رَبُّ الدَّيْن أَوْ عَلِمَ حَاجَته إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ ذَكَرَ ذَلِكَ الْبَارِزِيُّ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَحَالَ بِدَيْنٍ لَهُ بِهِ رَهْنٌ أَوْ كَفِيلٌ فَهَلْ يَنْتَقِلُ الدَّيْنُ إلَى الْمُحْتَالِ مَعَ وَصْفِ الْكَفَالَةِ وَالرَّهْنِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِصِفَةِ الْكَفَالَةِ وَالرَّهْنِ كَصِفَةِ الْأَجَلِ وَالْحُلُولِ وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَا الرَّاهِنِ أَوْ الْكَفِيلِ كَمَا يَنْتَقِلُ الدَّيْنُ إلَى وَرَثَةِ الدَّائِنِ بِصِفَةِ الرَّهْنِ وَالْكَفِيل مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ رِضَاهُمَا وَفَارَقَ هَذَا مَا لَوْ أَحَالَ الْمَدْيُونُ دَائِنَهُ بِدَيْنٍ لَهُ بِهِ رَهْنٌ أَوْ كَفِيلٌ فَقَبِلَ فَإِنَّهُمَا يَنْفَكَّانِ لِبَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ اللَّازِم مِنْهَا بَرَاءَةُ كَفِيلِهِ وَانْفِكَاكُ رَهْنِهِ هَذَا مَا أَفْتَى بِهِ الْبَارِزِيُّ وَبَيَّنَ فِي الْقُوتِ مَا فِيهِ مِنْ اعْتِرَاضٍ وَغَيْرِهِ فَلْيُنْظَرْ مِنْهُ. (وَسُئِلَ) هَلْ تَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِالزَّكَاةِ وَعَلَيْهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ تَجُوزُ الْحَوَالَةُ بِهَا كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ الْمُتَوَلِّي بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَوَالَةَ اسْتِيفَاءٌ وَقَيَّدَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِمَا إذَا تَلِفَ النِّصَابُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ لِيَصِيرَ دَيْنًا وَقَالَ غَيْرُهُ بَلْ هُوَ مَعَ بَقَائِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ لَا تَخْلُو عَنْهَا عَلَى أَنَّ مَا نَظَرَ فِيهِ السُّبْكِيّ نَظَرَ فِيهِ وَغَيْره وَتَجُوزُ عَلَيْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي أَيْضًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنْ انْحَصَرَ الْمُسْتَحِقُّونَ وَتَعَيَّنُوا وَإِلَّا فَالْوَجْهُ الْبُطْلَانُ مُطْلَقًا وَهُوَ ظَاهِرٌ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ رَجُلٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَحَالَ بِهِ دَائِنه وَقَبِلَ الْحَوَالَةَ ثُمَّ طَالَبَ الْمُحَالَ عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ وَقَالَ لَيْسَ لِمُحِيلِك عَلَيَّ دَيْنٌ فَرَجَعَ لِلْمُحِيلِ فَقَالَ أَنْتَ قَبِلْت الْحَوَالَة فَلَا مُطَالَبَة لَك عَلَيَّ فَهَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَيْسَ لِلْمُحْتَالِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحِيلِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ قَبُولَهُ لِلْحَوَالَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِالدَّيْنِ مُتَضَمِّنٌ لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الصِّحَّةِ فَيُؤَاخَذُ بِذَلِكَ لَوْ أَنْكَرَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ وَهَلْ لَهُ تَحْلِيفُ الْمُحِيلِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بَرَاءَتَهُ فِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي مَطْلَبِهِ قَالَ غَيْرُهُ وَأَوْجَهُ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ لَهُ تَحْلِيفَهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ شَخْصٍ أُحِيلَ عَلَيْهِ بِحَبٍّ لِشَخْصٍ فَدَفَعَ لَهُ الْبَعْضَ وَبَاعَهُ مَا بَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ بِثَمَنٍ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ ذَلِكَ فَهَلْ يَصِحُّ بَيْعُ مَا فِي ذِمَّتِهِ وَيَلْزَمُ الثَّمَنُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِالْحَبِّ إلَّا إذَا كَانَ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ حَبٌّ مُوَافِقٌ لِمَا عَلَى الْمُحِيلِ مِنْ الْحَبِّ جِنْسًا وَنَوْعًا وَقَدْرًا وَصِفَةً وَحُلُولًا وَأَجَلًا فَإِذَا وُجِدْت هَذِهِ الشُّرُوطُ صَحَّتْ الْحَوَالَةُ وَانْتَقَلَ حَقّ الْمُحْتَالِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَإِنْ فُقِدَ شَرْطٌ مِنْهَا فَالْحَوَالَة بَاطِلَةٌ وَلَا شَيْءَ لِلْمُحْتَالِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ ثُمَّ إذَا صَحَّتْ الْحَوَالَة لَمْ يَصِحَّ اسْتِبْدَال الْمُحْتَال عَنْ الْحَبِّ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الِاسْتِبْدَالِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمُسْتَبْدَلَ عَنْهُ رِبَوِيًّا بِيعَ بِجِنْسِهِ وَالْحَوَالَة بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ فَالْمُسْتَبْدَلُ عَنْهُ رِبَوِيٌّ بِيعَ بِجِنْسِهِ فَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ الْمَذْكُورُ فِي السُّؤَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الضَّمَانِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ قِنٍّ مَمْلُوكٍ يَعْمَلُ صَنْعَةً فَجَاءَ لَهُ شَخْصٌ دَفَعَ لَهُ سِلْعَةً لِيَصْنَعهَا لَهُ فَأَخَذَهَا وَأَتْلَفَهَا فَجَاءَ إلَيْهِ وَأَلْزَمَهُ بِقِيمَتِهَا مِنْ غَيْرِ اطِّلَاعِ سَيِّدِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ حُجَّةً بِقِيمَتِهَا فَجَاءَ شَخْصٌ آخَرُ فَضَمَّنَهُ فِيمَا لَزِمَهُ مِنْ الْقِيمَةِ فَهَلْ يَلْزَمُ الْعَبْدَ مَا الْتَزَمَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَهَلْ يَصِحُّ الضَّمَانُ كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْمُفْتِينَ بِمَكَّةَ بَعْدَ أَنْ كَانَ أَفْتَى بِعَدَمِ صِحَّتِهِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) التَّنَاقُضُ الصَّادِرُ مِنْ الْمُفْتِي الْمَذْكُورِ كَأَنَّهُ نَشَأَ مِنْ إغْفَالِهِ النَّظَرَ إلَى أَنَّ هَذَا الْمَالَ أَعْنِي قِيمَةَ الْعَيْنِ الْمُتْلَفَةِ هَلْ يَلْزَم الْعَبْدَ

أَوْ لَا فَتَوَهَّمَ أَوَّلًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فَأَفْتَى بِعَدَمِ صِحَّةِ ضَمَانِهِ ثُمَّ تَوَهَّمَ ثَانِيًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فَأَفْتَى بِصِحَّةِ ضَمَانِهِ وَصِحَّةِ ضَمَانِ الْأَجْنَبِيِّ لِلْعَبْدِ فِي دُيُونِ الْمُعَامَلَةِ أَيْ مَثَلًا مَذْكُور فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا. وَمَا وَقَعَ لِلْمُفْتِي الْمَذْكُورِ تَخْلِيطٌ نَشَأَ مِنْ عَدَمِ التَّأَمُّلِ وَالْجَوَابُ الْحَقُّ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ فِي إتْلَافِ الْوَدِيعَةِ فَإِنَّهُ مِنْ تَفَرُّدِهِ وَقَدْ رَدَّهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَكَابِرِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَإِنْ انْتَصَرَ لَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا لَا يُجْدِي أَنَّ السَّيِّدَ هُنَا إنْ كَانَ أَذِنَ لِقِنِّهِ فِي أَخْذِ السِّلَعِ لِيَصْنَعَهَا لِأَرْبَابِهَا كَانَ الضَّمَانُ عَلَى السَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ بِإِبْقَائِهَا مُسَلَّطٌ لَهُ عَلَى الْإِتْلَافِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِرَقَبَةِ الْقِنِّ دُونَ ذِمَّتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ فَيُبَاعُ مِنْهُ بِقَدْرِ قِيمَةِ مَا أَتْلَفَهُ وَفِي كُلٍّ مِنْ الصُّورَتَيْنِ لَا يَصِحُّ ضَمَانُ الضَّامِنِ الْمَذْكُورِ لِلْعَبْدِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ حَتَّى يَضْمَنَ عَنْهُ بَلْ الْمَلْزُومُ بِذَلِكَ هُوَ السَّيِّدُ فِيهِمَا إلَّا أَنَّ الْقِيمَةَ تَتَعَلَّقُ فِي الْأُولَى بِجَمِيعِ أَمْوَالِهِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ فَإِنْ وَقَّتَ بِهَا وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لِصَاحِبِ الْقِيمَةِ غَيْرُ مَا سَاوَتْهُ الرَّقَبَةُ وَإِذَا كَانَ السَّيِّدُ هُوَ الْمُلْزَمُ بِذَلِكَ فِي الصُّورَتَيْنِ فَالْعَبْدُ غَيْرُ مُلْزَمٍ أَمَّا فِي الْأُولَى فَوَاضِحٌ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ مَحَلُّ الْحَقِّ الْمُسْتَوْفَى مِنْهُ فَهُوَ كَعَيْنٍ تَعَلَّقَ بِهَا حَقٌّ يُسْتَوْفَى مِنْهَا فَلَمْ يَصِحَّ ضَمَانُهَا فِي الصُّورَتَيْنِ لِمَا قَرَّرْته فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ وَقَعَ فِيهِ خَبْطٌ وَتَخْلِيطٌ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي السُّؤَال وَالْجَوَاب، وَاَللَّه أَعْلَم. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيمَا إذَا أَبْرَأَ الْأَصِيلُ عَلَى ظَنِّ انْتِقَالِ الدَّيْنِ عَنْ ذِمَّتِهِ إلَى ذِمَّةِ الضَّمِينِ هَلْ يَبْرَأُ الْأَصِيلُ وَالضَّامِنُ مَعًا أَمْ أَحَدُهُمَا اُبْسُطُوا الْجَوَابَ مَعَ بَيَانِ الْمُعْتَمَدِ فِي ذَلِكَ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْيَمَنِ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ صَرَائِحُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَبْرَأُ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ ذَلِكَ قَوْل الرُّويَانِيِّ فِي الْبَحْرِ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ أَبْرَأْتُك مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ شَيْئًا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَالَ الْأَصْحَابُ تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ فِي الْحُكْمِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَنِّي لَمْ أَعْلَمْ ذَلِكَ. وَهَلْ يَبْرَأُ فِي الْبَاطِنِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَجْهَانِ الْمَذْهَبُ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْلَمْ الدَّيْنُ فَهُوَ مَجْهُولٌ. اهـ. وَنَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَاعْتَمَدُوهُ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي فَتَاوِيهِ لَوْ اسْتَوْفَى دَيْنَهُ مِنْ غَرِيمِهِ وَكَانَ الْوَفَاءُ مِنْ مَالٍ حَرَامٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَابِضُ أَنَّهُ حَرَامٌ ثُمَّ ابْرَأْهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ إنْ أَبْرَأَهُ بَرَاءَةَ اسْتِيفَاءٍ لَمْ يَصِحَّ وَيَبْقَى الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ أَبْرَأَهُ بَرَاءَةَ إسْقَاطٍ سَقَطَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِيمَا لَوْ أَطْلَقَ وَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ لِأَنَّهُ لَا اسْتِيفَاءَ فَلَا يَسْقُطُ. اهـ. وَنَظِيرُ مَسْأَلَتنَا مَا لَوْ أَبْرَأَهُ بَرَاءَة إسْقَاطٍ وَقَدْ عُلِمَتْ صِحَّة الْبَرَاءَةِ وَسُقُوطُ الدَّيْنِ حِينَئِذٍ فَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتنَا وَلَا يُحْمَلُ الْإِطْلَاقُ فِيهَا عَلَى الِاسْتِيفَاءِ فِيهَا بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ النَّوَوِيِّ فَإِنَّ فِيهَا اسْتِيفَاءً فَحُمِلَ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ وَمِنْ ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ وَاعْتَمَدَهُ وَقَالَ إنَّهُ مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ وَهُوَ أَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْ الصَّدَاقِ مِنْ الرَّشِيدَةِ يَنْبَغِي نُفُوذُهَا وَإِنْ كَانَتْ إنَّمَا أَبْرَأَتْهُ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ صِفَةً لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فَبَانَ عَدَمُ وُقُوعِهِ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ الْأَصْبَحِيِّ فِي فَتَاوِيهِ رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يَخْتَلِعَ امْرَأَتَهُ فَحَضَرَ آخَرُ وَقَالَ اخْلَعْهَا إلَى ذِمَّةِ أُمِّهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا فَخَلَعَهَا الزَّوْجُ إلَى ذِمَّةِ أُمِّهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا فَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ بَرِئْت ذِمَّتُهُ مِنْ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ رَجُلٌ مِنْ الْعَامَّةِ لَا يَعْرِفُ الْفِقْهَ ثُمَّ قَالَ الْوَاسِطَةُ تَبَارَأْ أَنْتَ وَصِهْرَتك فَأَبْرَأَهَا الزَّوْجُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ الْمَهْرِ فَهَلْ تَصِحُّ بَرَاءَتُهُ لِلصِّهْرَةِ مِمَّا ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهَا لَهُ مِنْ عِوَضِ الْخُلْعِ الَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ بَرِئَ مِنْ مِثْله الَّذِي بِذِمَّتِهِ لِلزَّوْجَةِ أَمْ لَا الْجَوَابُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بَلْ يُحْكَمُ بِصِحَّةِ الْإِبْرَاءِ فِي الظَّاهِرِ إنْ كَانَ قَدْ نَشَأَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. اهـ. وَهَذَا كَالنَّصِّ فِي مَسْأَلَتنَا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْ الْمُبَرِّئِ دَعْوَاهُ أَنَّهُ ظَنَّ انْتِقَالَ الدَّيْنِ مِنْ الْأَصِيلِ إلَى ذِمَّةِ الضَّامِنِ إنْ كَانَ نَشَأَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ نَشَأَ بَيْنَهُمْ وَشَهِدَتْ قَرَائِنُ أَحْوَالِهِ بِأَنْ يَجْهَلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَلَا يَبْعُدُ حِينَئِذٍ بُطْلَانُ الْبَرَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا مَعْنَاهَا الشَّرْعِيَّ إلَّا أَنَّ كَلَامَهُمْ كَالصَّرِيحِ فِي خِلَافِ ذَلِكَ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا بِمَا فِي ظَنّ الْمُكَلَّفِ

وَلَمْ يَخُصُّوا ذَلِكَ بِمَنْ عَذَرَ بِذَلِكَ الظَّنِّ وَمِنْ ثَمَّ صَحَّ بَيْعُ وَعِتْقُ وَتَزْوِيجُ وَإِبْرَاءُ مَنْ ظَنَّ أَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ ثُمَّ بَانَ أَنَّ لَهُ وِلَايَةً وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَنْ عُذِرَ فِي ظَنِّهِ أَوْ لَا فَتَقْيِيدُ الْأَصْبَحِيِّ بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ قَدْ نَشَأ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِمْ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا فَرْق فَتَنْفُذُ الْبَرَاءَةُ مُطْلَقًا نَشَأَ بَيْن الْمُسْلِمِينَ أَمْ لَا ثُمَّ رَأَيْت الْفَقِيهَ الصَّالِحَ عَبْدَ اللَّهِ أَبَا مَخْرَمَةَ أَفْتَى بِمَا أَفْتَيْت فَقَالَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ يَبْرَأ الْمَضْمُون عَنْهُ وَالضَّامِنُ عَنْ الدَّيْنِ الْمَذْكُورِ فَلَا عِبْرَة بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ فَإِنْ قُلْت يُنَافِي مَا ذَكَرْته عَنْ أَبِي مَخْرَمَةَ قَوْلَ الْأَنْوَار لَوْ اشْتَرَى طَعَامًا فِي الذِّمَّةِ وَقَضَى ثَمَنَهُ مِنْ حَرَامٍ فَإِنْ سَلَّمَهُ الْبَائِع قَبْل قَبْضِ الثَّمَن بِطِيبِ قَلْبِهِ وَأَكَلَهُ الْمُشْتَرِي قَبْل أَدَاءِ الثَّمَنِ حَلَّ مِنْ الْحَرَامِ أَوْ لَمْ يُؤَدِّ أَصْلًا وَالثَّمَنُ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنْ أَدَّاهُ مِنْ الْحَرَامِ وَأَبْرَأهُ الْبَائِعُ مَعَ الْعِلْم بِحُرْمَتِهِ بَرِئَ وَلَكِنْ أَثِمَ بِرَوَاحِهِ وَإِنْ أَبْرَأهُ بِظَنِّ الْحِلِّ لَمْ يَبْرَأ. اهـ. وَوَجْهُ الْمُنَافَاة أَنَّ الظَّنَّ هُنَا أَثَرٌ فَلِمَ لَا أَثَرَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ قُلْت لَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْأَنْوَار يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ عَنْ النَّوَوِيِّ فِي عَيْنِ مَسْأَلَته وَهُوَ أَنَّ الصُّورَةَ أَنَّهُ أَبْرَأَهُ بَرَاءَةَ اسْتِيفَاءٍ أَوْ أَطْلَقَ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبْرَأَهُ بَرَاءَةَ إسْقَاطٍ فَإِنَّ الْبَرَاءَةَ تَصِحُّ حِينَئِذٍ وَهَذِهِ هِيَ نَظِيرُ مَسْأَلَتنَا؛ لِأَنَّهُ لَا اسْتِيفَاءَ فِيهَا حَتَّى يُقْصَدَ أَوْ يَنْزِلَ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ فَتَعَيَّنَ حَمْلُ الْإِبْرَاءِ عَلَيْهَا عَلَى بَرَاءَةِ الْإِسْقَاطِ وَقَدْ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ بِصِحَّتِهِ مَعَ ظَنِّ الْحِلِّ فَقِيَاسُهُ صِحَّتُهُ فِي مَسْأَلَتنَا وَلَوْ مَعَ ظَنِّ انْتِقَالِ الدَّيْنِ إلَى ذِمَّةِ الضَّامِنِ فَإِنْ قُلْت سَلَّمْنَا عَدَمَ الْمُنَافَاةِ فِيمَا ذَكَرَ لَكِنْ يُنَافِيهِ مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْأَصْحَابُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ صَالَحَهُ عَلَى إنْكَارٍ ثُمَّ قَالَ أَبْرَأْتُك مِنْ الْحَقِّ أَوْ بَرِئْت مِنْهُ لَمْ يَبْرَأْ وَرَدُّوا عَلَى مَنْ قَالَ إذَا صَرَّحَ بِالْإِبْرَاءِ بَعْدَ الصُّلْحِ سَقَطَ حَقُّهُ وَقَوْلُ الذَّخَائِرِ إنَّ الشَّاشِيَّ حَكَى هَذَا عَنْ الْمَذْهَبِ وَلَمْ يَحْكِ سِوَاهُ غَلَطٌ وَإِنَّمَا حَكَاهُ الشَّاشِيُّ مَقَالَة وَأَفْسَدَهَا وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إنْ ظَنَّ صِحَّةَ الْمُصَالَحَةِ فَإِنْ عَلِمَ فَسَادَهَا ثُمَّ أَبْرَأَهُ نَفَذَ الْإِبْرَاءُ لَا مَحَالَةَ وَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ إطْلَاقَ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ مُنْكِرٌ وَقُلْنَا لَا يَفْتَقِرُ الْإِبْرَاءُ إلَى الْقَبُولِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ بِهِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ تَجْرِ مُصَالَحَةٌ قُلْت لَا يُنَافِي شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّ السُّبْكِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - صَوَّرَ مَسْأَلَةَ الصُّلْحِ بِمَا إذَا صَالَحَ مَعَ الْإِنْكَارِ مِنْ أَلْفٍ عَلَى خَمْسمِائَةِ وَأَبْرَأَهُ مِنْ الْبَاقِي فَحِينَئِذٍ لَا يَبْرَأُ وَيَلْزَمُهُ ظَاهِرًا رَدُّ مَا قَبَضَ حَتَّى لَوْ أَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِالْأَلْفِ أَخَذَهَا جَمِيعَهَا وَعَلَّلَ ذَلِكَ نَقْلًا عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ الْإِبْرَاءَ كَانَ مَقْرُونًا بِمِلْكِ مَا صَالَحَ بِهِ فَلَمَّا لَزِمَهُ رَدُّهُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ بَطَلَ إبْرَاؤُهُ لِعَدَمِ صِفَاتِهِ كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا بَيْعًا فَاسِدًا فَأَذِنَ لِمُشْتَرِيهِ فِي عِتْقِهِ فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِهِ لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ كَانَ لِمِلْكِ الْعِوَضِ فَلَمَّا لَمْ يَمْلِكهُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِد لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ لِلْإِذْنِ. اهـ. كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَوَافَقَهُ حَتَّى عَلَى مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَبِهِ يَتَّجِهُ عَدَمُ الْمُنَافَاةِ الَّتِي ذَكَرْتهَا؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاء هُنَا وَقَعَ عِوَض مُعَاوَضَة لِاقْتِرَانِهِ بِمِلْكِ مَا صَالَحَ بِهِ وَيَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ بُطْلَانُهُ فِي الْآخَرِ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَتنَا فَإِنَّ الْإِبْرَاءَ فِيهَا لَمْ يَقَعْ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ حَتَّى إذَا فَسَدَ فَسَدَ الْإِبْرَاءُ فَمِنْ ثَمَّ صَحَّ مُطْلَقًا كَمَا قَدَّمْته وَمِمَّا يُزِيدُ ذَلِكَ وُضُوحًا قَوْلُ السُّبْكِيّ أَيْضًا وَمَا ذُكِرَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ لَا شَكَّ فِيهِ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ صَالَحْتُك مِنْ الْأَلْفِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ كَمَا سَبَقَ أَطْلَقَهَا أَوْ عَيَّنَهَا وَيُعَلَّلُ عَدَمُ حُصُولِ الْبَرَاءَةِ وَإِنْ انْكَشَفَ الْحَالُ بَعْدَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ بِأَنَّ الْبَرَاءَةَ هُنَا إنَّمَا كَانَتْ فِي ضِمْنِ الصُّلْحِ فَإِذَا فَسَدَ الصُّلْحُ فَسَدَتْ أَمَّا لَوْ زَادَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ أَبْرَأْتُك مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ الْأُخْرَى فَالْإِبْرَاء هُنَا وُجِدَ مُسْتَقِلًّا لَكِنَّهُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ وَكَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ هُنَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ أَيْضًا وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ بَعْدَ الصُّلْح أَبْرَأْتُك فَإِنْ اعْتَقَدَ صِحَّةَ الصُّلْح لَمْ يَبْرَأْ كَمَا لَوْ قَالَ لِمُكَاتَبِهِ بَعْدَ قَبْضِ النُّجُومِ أَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ يُرَدُّ لِلرِّقِّ وَإِنْ اعْتَقَدَ فَسَادَهُ بَرِئَ لَكِنْ إنَّمَا يَأْتِي مَا قَالَهُ عَلَى قَوْلِ شَيْخِهِ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيَّ وَغَيْرهمَا فِي الرَّهْن وَنَظَائِرِهِ عَلَى ظَنِّ الْوُجُوبِ بِالْفَسَادِ وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُصَنِّفُ يَعْنِي النَّوَوِيَّ الصِّحَّةُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقِيَاسُهُ أَنْ

يَكُونَ الْأَصَحُّ هَذَا كَذَلِكَ أَيْ فَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ وَقَوْلُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابَةِ أَنْتَ حُرٌّ مُحْتَمِلٌ لِلْإِقْرَارِ وَالْقَرِينَةُ الظَّاهِرَةُ صَارِفَةٌ إلَيْهِ فَلَمْ يَقَعْ بِهِ عِتْقٌ بِخِلَافِ أَبْرَأْتُك فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْإِنْشَاءِ فَوَقَعَتْ بِهِ الْبَرَاءَةُ. اهـ. وَبِتَأَمُّلِهِ يَزِيدُ إيضَاحُ مَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّ مَسْأَلَةَ الصُّلْحِ لَا تُنَافِي مَا ذَكَرْته؛ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ الْإِبْرَاءِ مُطْلَقًا وَهُوَ مَا اعْتَمَدَهُ السُّبْكِيّ فَوَاضِحٌ مُوَافِقٌ لِمَا قُلْنَاهُ أَوْ بِفَسَادِهِ وَهُوَ مَا اعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَأَطَالَ فِيهِ فَلِكَوْنِهِ وَقَعَ عِوَضًا فِي مُقَابَلَةِ مِلْكِ مَا صَالَحَ عَلَيْهِ فَإِذَا فَسَدَ أَحَدُهُمَا فَسَدَ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ شَأْنُ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى فِيمَا نَحْنُ فِيهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيمَا لَوْ قَالَ أَبْرِئْ فُلَانًا مِنْ دَيْنِك أَوْ أَبْرِئِي فُلَانًا مِنْ مَهْرِك وَهُوَ فِي أَرْضِي الْفُلَانِيَّة أَوْ أَنَا بِهِ ضَمِينٌ فَأَبْرَأَ أَوْ أَبْرَأْت فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا الِالْتِزَامُ وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ عَلَى مَيِّتٍ أَوْ حَيٍّ وَفِي الْمَسْأَلَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَيِّتِ كَلَامٌ جَمَعْته فِي تَعْلِيقَةٍ مِنْ فَتَاوَى الْمُتَأَخِّرِينَ أَوْضِحُوا ذَلِكَ بِنَقْلِ مَا هُنَالِكَ وَابْسُطُوا وَاذْكُرُوا الْحَاصِلَ الْمُرَادَ آخِرَ الْكَلَامِ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ يَجُوزُ بَذْلُ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِبْرَاءِ حَيْثُ قَالَ لِآخَرَ إنْ رَدَدْت عَبْدِي فَقَدْ أَبْرَأْتُك عَنْ دَيْنِي عَلَيْك صَحَّ وَإِذَا رَدَّ يَبْرَأُ وَإِنْ قُلْنَا الْإِبْرَاءُ إسْقَاطٌ فَهُوَ إسْقَاطٌ يَجُوزُ بَذْلُ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَتِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ مَنَافِعَ بَدَنِهِ اهـ. قَالَ السُّبْكِيّ وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرِهِ أَنَّ تَعْلِيقَ الْإِبْرَاءِ لَا يَصِحُّ. اهـ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَمَنْ قَالَ لِدَائِنٍ أَبْرِئْ فُلَانًا مِنْ دَيْنِك بِهَذِهِ الْعَيْنِ فَقَالَ أَبْرَأْته بِهَا بَرِئَ وَمَلَكَهَا الدَّائِنُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَبْرِئْهُ وَأَنَا بِهِ ضَمِينٌ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ ضَمَانٌ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيل وَهُوَ بَاطِلٌ عَلَى الْمَشْهُودِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْمَدِينِ الْحَيِّ وَأَمَّا الْمَدِينُ الْمَيِّتُ فَهُوَ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى أَعْنِي بَذْلَ الْعَيْنِ فِي مُقَابَلَةِ إبْرَائِهِ كَالْحَيِّ بَلْ أَوْلَى فَيَصِحُّ الْبَذْلُ وَيَبْرَأُ سَوَاءٌ أَكَانَ الْبَاذِلُ وَارِثًا أَوْ أَجْنَبِيًّا وَأَمَّا فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ وَالضَّمَانُ وَيُغْتَفَرُ حِينَئِذٍ كَوْنُهُ ضَمَانًا بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ تَعْجِيلًا وَتَحْصِيلًا لِمَصْلَحَةِ بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَالْحَيِّ فِي ذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ الضَّمَانُ وَكَذَا لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ إنْ جُعِلَ فِي مُقَابَلَةِ صِحَّةِ الضَّمَانِ وَإِلَّا صَحَّ الْإِبْرَاءُ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ الضَّمَانُ فَإِنْ قُلْت مَا الَّذِي يَتَرَجَّحُ مِنْ هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ قُلْت الْكَلَامُ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْهُمَا يَحْتَاجُ لِمُقَدِّمَةٍ لَا بَأْسَ بِذِكْرِهَا وَإِنْ أَدَّتْ إلَى طُولٍ وَهِيَ أَنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يُبَادَرَ إلَى قَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ إنْ تَيَسَّرَ فِي الْحَالِ أَيْ بِأَنْ يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ جِنْسُ الدَّيْنِ وَهُوَ حَاضِرٌ قَالَ فِي الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ يَتَأَخَّرُ أَيْ قَضَاءُ دَيْنِ الْمَيِّتِ سَأَلَ غُرَمَاءَهُ أَنْ يُحَلِّلُوهُ وَيَحْتَالُوا بِهِ عَلَيْهِ. اهـ. وَجَرَى عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعِبَارَةُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ يَتَوَصَّلُ إلَى أَنْ يُحِيلَ غُرَمَاءَ الْمَيِّتِ عَلَى مَنْ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَهِيَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ فَلَيْسَتْ قَيْدًا ثُمَّ كَلَامهمْ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ هَذِهِ الْحَوَالَة مُبَرِّئَةٌ لِلذِّمَّةِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ فَقَالَ ظَاهِر كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ الْبَرَاءَةُ بِتَحَمُّلِ الْوَلِيِّ وَفِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ تَرَاضِيهِمْ عَلَى مَصِيرِهِ فِي ذِمَّةِ الْوَلِيِّ يَبْرَأُ الْمَيِّتُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَوَالَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِرِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ وَإِنْ كَانَ ضَمَانًا فَكَيْفَ يَبْرَأُ الْمَضْمُون عَنْهُ ثُمَّ يُطَالَبُ الضَّامِنُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ لَمَّا ضَمِنَ الْمَالَ عَنْ الْمَيِّتِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْآن بَرَدَتْ جِلْدَتُهُ حِين وَفَّاهُ لَا حِينَ ضَمِنَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَالْأَصْحَابَ رَأَوْا هَذِهِ الْحَوَالَة جَائِزَةً مُبَرِّئَةً لِلْمَيِّتِ فِي الْحَالِ لِلْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ. اهـ. وَتَبِعَهُ فِي الْخَادِمِ فَقَالَ كَلَامُهُمْ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ هَذِهِ الْحَوَالَةَ مُبَرِّئَةٌ لِلذِّمَّةِ وَنَازَعَ فِيهِ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَة تَفْتَقِرُ إلَى مُحِيلٍ وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ اُغْتُفِرَ ذَلِكَ مَصْلَحَةً لِلْمَيِّتِ كَمَا فَعَلَ أَبُو قَتَادَةَ لَمَّا امْتَنَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَدْيُونَ حَتَّى قَالَ عَلَيَّ دَيْنُهُ وَاسْتَفَدْنَا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى احْتِيَالِ الْوَلِيِّ بَلْ الْأَجْنَبِيِّ كَذَلِكَ. اهـ. وَتَوَقَّفَ فِيهِ النَّشَائِيُّ أَيْضًا فِي جَامِعِهِ وَلَا تَوَقُّفَ لِمَا مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ ثُمَّ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَكَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي تَحَمُّلِ الْوَلِيِّ الْمُقْتَضِي لِانْتِقَالِ الدَّيْنِ إلَيْهِ وَبَرَاءَةِ الْمَيِّتِ بِهِ لِلْمَصْلَحَةِ بَيْنَ أَنْ يُرَادَ بِالْحَوَالَةِ أَنْ يُحِيلَ الْوَلِيُّ

عَنْ الْمَيِّتِ فِي إيجَابِهَا وَاحْتُمِلَتْ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ وَمِنْ غَيْرِ رِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ لِلْمَصْلَحَةِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ إنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ نَقْدًا قُضِيَ الدَّيْنُ مِنْهَا أَوْ غَيْرَ نَقْدٍ سَأَلَ الْوَلِيُّ غُرَمَاءَ الْمَيِّتِ أَنْ يَحْتَالُوا عَلَيْهِ لِيَصِيرَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ وَتَبْرَأُ ذِمَّةُ الْمَيِّتِ وَلَا بَيْنَ أَنْ يُرَادَ بِهَا تَحَمُّلُ الْوَلِيِّ الدَّيْنَ عَنْ الْمَيِّتِ بِرِضَا الْغَرِيمِ فَيَحْصُلُ انْتِقَالُهُ لِذِمَّتِهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى أَنَّ الْمَيِّتَ خَلَّفَ تَرِكَةً أَوْ لَا نَظَرًا لِكَوْنِهِ حِينَئِذٍ يُشْبِهُ الضَّمَانَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا بِصِحَّتِهِ عَلَى الضَّعِيفِ فَظَاهِرٌ وَحِينَئِذٍ الْأَجْنَبِيُّ كَالْوَلِيِّ لِمَا صَحَّ فِي قِصَّةِ أَبِي قَتَادَةَ لَمَّا ضَمِنَ الدِّينَارَيْنِ عَنْ جَابِرٍ فَقَالَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ هُمَا عَلَيْك وَالْمَيِّتُ مِنْهُمَا بَرِيءٌ فَقَالَ نَعَمْ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا بِبُطْلَانِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَهَذَا مُسْتَثْنًى لِلْمُصْلِحَةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَرِئَ مِنْهُمَا الْمَيِّتُ بَرَاءَتَهُ مِنْ رُجُوعِ أَبِي قَتَادَةَ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانٌ بِغَيْرِ أَمْرِهِ. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَحَمُّلَ الْوَلِيِّ بِقِسْمَيْهِ الْمَذْكُورَيْنِ مُغْتَفَرٌ لِمَصْلَحَةِ بَرَاءَةِ الْمَيِّتِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ إطْلَاقُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الرَّاجِحَ مِنْ الِاحْتِمَالَيْنِ اللَّذَيْنِ أَبْدَيْتهمَا أَوَّلُهُمَا فَحِينَئِذٍ يُفَارِقُ الْمَيِّتُ الْحَيَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ احْتِيَاجِ الْمَيِّتِ لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ أَكْثَرَ فَاغْتُفِرَ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْحَيِّ ثُمَّ رَأَيْت الرِّيمِيَّ ذَكَرَ فِي تَفْقِيهِهِ مَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته بَلْ يُصَرِّحُ بِهِ حَيْثُ قَالَ وَصُورَةُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ الْحَوَالَةِ أَنْ يَقُولَ لِرَبِّ الدَّيْنِ أَسْقِطْ حَقَّكَ عَنْ الْمَيِّتِ وَعَلَيَّ عِوَضُهُ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ رَبُّ الدَّيْنِ بَرِئَ الْمَيِّتُ وَلَزِمَ الْمُلْتَزِمَ مَا الْتَزَمَهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدْعَاءُ إتْلَافِ مَالِهِ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ ثُمَّ اسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِكَلَامِ صَاحِبِ الْبَيَانِ حَاصِلُهُ أَنَّ الْحَوَالَة عَلَى مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ تُسَمَّى حَوَالَة حَقِيقَةً عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَضَمَانًا بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ الْأَصْبَحِيِّ فِي فَتَاوِيهِ ذَكَرَ فِي الْبَيَانِ أَوَّلَ مَا يَبْدَأُ بِهِ وَلِيُّ الْمَيِّتِ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ أَوْ يَحْتَالَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ يَلْتَزِمَ لِغَرِيمِ الْمَيِّتِ دَيْنَهُ فِي ذِمَّتِهِ بِمُعَاوَضَةٍ إنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ. اهـ. فَقَوْلُهُ أَنْ يَلْتَزِمَ إلَخْ ظَاهِرٌ فِيمَا ذَكَرْته مِنْ صِحَّةِ الضَّمَانِ عَنْ الْمَيِّتِ بِشَرْطِ بَرَاءَتِهِ وَتَنْظِيرُ بَعْضِهِمْ فِيهِ لَيْسَ بِوَاضِحٍ وَمِمَّا يَدُلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ الْبُخَارِيَّ تَرْجَمَ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ بِبَابِ الْحَوَالَةِ ثُمَّ بِبَابِ الْكَفَالَةِ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ وَالثَّانِي هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ غَيْرُهُ إنَّمَا تَرْجَمَ بِالْحَوَالَةِ ثُمَّ أَدْخَلَ الْحَدِيثَ وَهُوَ فِي الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ وَالضَّمَانَ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ مُتَقَارِبَانِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو ثَوْرٍ؛ لِأَنَّهُمَا يَنْتَظِمَانِ فِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِيهِ نَقْلُ ذِمَّةِ رَجُلٍ إلَى ذِمَّةِ آخَرَ وَالضَّمَانُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ نَقْلُ مَا فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ إلَى ذِمَّةِ الضَّامِنِ فَصَارَ كَالْحَوَالَةِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ. اهـ. وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِمَا قَدَّمْته مِنْ اسْتِوَاءِ الضَّمَانِ وَالْحَوَالَة فِي حَقِّ الْمَيِّتِ وَأَنَّهُمَا إنَّمَا اُغْتُفِرَ فِيهِمَا عَدَمُ وُجُودِ شُرُوطِهِمَا لِمَصْلَحَةِ بَرَاءَةِ الْمَيِّتِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْحَدِيثِ إنَّ الضَّمَانَ عَنْ الْمَيِّتِ يُبْرِئُهُ إذَا كَانَ مَعْلُومًا سَوَاءٌ خَلَّفَ الْمَيِّتُ وَفَاءً أَمْ لَا وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا امْتَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِارْتِهَانِ ذِمَّتِهِ بِالدَّيْنِ فَلَوْ لَمْ يُبْرِئْ ضَمَانَ أَبِي قَتَادَةَ لَمَا صَلَّى عَلَيْهِ وَالْعِلَّةُ الْمَانِعَةُ قَائِمَةٌ. اهـ. لَا يُقَالُ الْحَدِيثُ إنَّمَا هُوَ حُجَّةٌ لِلْوَجْهِ الْمَرْجُوحِ الْقَائِلِ بِصِحَّةِ الضَّمَانِ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ حُجَّةٌ لِلْمُعْتَمَدِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَدَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ يَصِحُّ الضَّمَانُ عَنْ الْمَيِّتِ وَلَوْ بِشَرْطِ بَرَاءَتِهِ وَلَا يَضُرُّ هَذَا الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُقْتَضَيَاتُ الْعَقْد إذْ يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الضَّمَانِ بَرَاءَتُهُ بِمُجَرَّدِ الضَّمَانِ كَمَا مَرَّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ فِي التَّحَمُّلِ الصَّادِقِ بِالضَّمَانِ وَالْحَوَالَة وَاغْتَفَرُوا ذَلِكَ هُنَا تَعْجِيلًا لِبَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ وَرِعَايَةً لِمَصْلَحَتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَجُ لِذَلِكَ مِنْ الْحَيِّ لِانْقِطَاعِ سَعْيِهِ فَاغْتَفَرُوا فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْحَيِّ (تَتِمَّةٌ) قَالَ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ فِي حَوَاشِي الرَّوْضَةِ بَعْدَ إيرَادِهِ مَا مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اغْتَفَرُوا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِحَاجَةِ الْمَيِّتِ وَمَصْلَحَتِهِ كَوْنَ الْوَلِيِّ مُحِيلًا وَمُحَالًا عَلَيْهِ مَعَ فَرَاغِ ذِمَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَاكْتَفَوْا بِرِضَاهُ مَعَ رَبِّ الدَّيْنِ بِذَلِكَ فَلِرَبِّ الدَّيْنِ مُطَالَبَتِهِ بِدَيْنِهِ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ وَإِنْ تَلْفِت التَّرِكَةُ وَهَلْ يَنْقَطِعُ تَعَلُّقُهُ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ وَالْمُتَّجَهُ دَوَامُهُ؛ لِأَنَّ تَسْوِيغَ ذَلِكَ

لِمَصْلَحَةِ الْمَيِّتِ وَالتَّعْلِيقِ بِالْعَيْنِ مِنْ مَصْلَحَتِهِ وَكَأَنَّ الْوَلِيَّ اسْتَدَامَ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِهَا عَنْ جِهَتِهِ فَهُوَ كَتَجَدُّدِ رَهْنِهَا مِنْ جِهَتِهَا بَعْدَ انْتِقَالِ الدَّيْنِ إلَى ذِمَّتِهِ سِيَّمَا إذَا تَعَرَّضَ رَبُّ الدَّيْنِ لِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ عَلَى الْوَلِيِّ لِيَكُونَ بَاعِثًا عَلَى تَعْجِيلِ الْقَضَاءِ. اهـ. وَتَعَقَّبَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ وَالِاتِّجَاهُ فِي دَوَامِ التَّعَلُّقِ وَادِّعَاءِ مَصْلَحَةِ الْمَيِّت فِيهِ مَمْنُوع فَلْيَتَأَمَّلْ. اهـ وَالتَّعَقُّب أَوْجَه؛ لِأَنَّ رِضَا الدَّائِن بِذِمَّةِ الْوَلِيّ فِيهِ فَكٌّ مِنْهُ لِلتَّرِكَةِ عَنْ الرَّهْنِيَّةِ فَكَيْف مَعَ تَعَلُّقِ حَقّه بِذِمَّةِ الْوَلِيّ وَانْتِقَاله مِنْ ذِمَّة الْمَيِّت وَفَرَاغهَا مِنْهُ تَبْقَى التَّرِكَة مَرْهُونَة بِدَيْنٍ لَيْسَ عَلَى الْمَيِّت مِنْهُ شَيْءٌ وَدَعْوَى أَنَّ مَصْلَحَةَ الْمَيِّتِ تَقْتَضِي التَّعَلُّقَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ ذِمَّتَهُ بَرِئْت مِنْ الدَّيْنِ بِكُلِّ وَجْه فَلَا يَعُود عَلَيْهِ مَنْفَعَة بِتَعَلُّقِ الدَّيْن بِالتَّرِكَةِ وَعَدَم تَعَلُّقِهِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ بَعْد أَنْ اسْتَقَرَّ فِي ذِمَّة الْوَلِيّ وَفَرَغَتْ ذِمَّة الْمَيِّت مِنْهُ صَارَ لَا يُمْكِنُ عَوْدُهُ لِذِمَّتِهِ سَوَاء أَدَّاهُ الْوَلِيّ أَمْ لَمْ يُؤَدِّهِ نَعَمْ إنْ تَعَرَّضَ الدَّائِن لِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ عَلَى الْوَلِيّ اُحْتُمِلَ أَنْ يُقَالَ بِصِحَّةِ الشَّرْطِ وَالْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ وَأَنْ يُقَالَ بِبُطْلَانِهِ وَعَلَيْهِ فَهَلْ يَبْطُلُ أَصْلُ التَّحَمُّل لِاقْتِرَانِهِ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ أَوْ لَا كُلٌّ مُحْتَمَل وَالْأَوَّلُ أَعْنِي صِحَّةَ الشَّرْطِ وَالْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهُ غَيْرُ بَعِيدٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ لِلْمَيِّتِ إذْ الْفَرْضُ أَنَّ الدَّائِنَ لَمْ يَرْضَ بِتَحَمُّلِ الْوَلِيِّ إلَّا بِهَذَا الشَّرْطِ فَلَوْ لَمْ نُصَحِّحْهُ لَبَقِيَ التَّعْلِيقُ بِذِمَّةِ الْمَيِّتِ مُسْتَمِرًّا، وَاَللَّه أَعْلَم (وَسُئِلَ) هَلْ يَصِحُّ الضَّمَان لِغَائِبٍ عَلَى غَائِبٍ وَهُوَ عَارِفٌ لِلْمَضْمُونِ عَنْهُ وَالْمَضْمُونَ لَهُ وَبِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يَصِحُّ الضَّمَانُ الْمَذْكُورُ فَقَدْ قَالُوا شَرْطُ الضَّامِنِ أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ وَشَرْطُ الْمَضْمُونِ لَهُ مَعْرِفَةُ عَيْنِهِ فَلَا يَكْفِي مَعْرِفَةُ وَكِيلِهِ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ وَلَا رِضَاهُ بَلْ يَلْزَمُهُ أَدَاءُ ضَامِنٍ وَالْمُؤَدَّى بِإِذْنِ الْغَرِيمِ وَلَا يُشْتَرَط رِضَا الْمَضْمُونِ عَنْهُ وَلَا قَبُولُهُ وَلَا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ فَيَصِحُّ الضَّمَانُ عَنْ الْمُعْسِرِ وَالرَّقِيقِ وَالْمَجْهُولِ وَالْمُنْكَرِ وَشَرْطُ الْمَالِ الْمَضْمُونِ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا ثَابِتًا لَازِمًا أَوْ أَصْلُهُ اللُّزُومُ مَعْلُومَ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ وَالصِّفَةِ، وَاَللَّه أَعْلَم (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي رَجُلٍ يَعْلَمُ دَيْنَ مُورَثِهِ الَّذِي عَلَى زَيْدٍ وَلَا يَعْلَمُ كَمْ نَصِيبُهُ مِنْهُ فَأَبْرَأَ زَيْدًا مِنْهُ مَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) إذَا عَلِمَ دَيْنَ مُورَثِهِ الَّذِي عَلَى زَيْدٍ وَلَمْ يَعْلَمْ كَمْ نَصِيبُهُ فَأَبْرَأَ مِنْ الْجَمِيعِ الْمَعْلُومِ لَهُ صَحَّ الْإِبْرَاءُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ نَقْلًا عَنْ نَصِّ الْبُوَيْطِيِّ وَغَيْرِهِ يُسْتَثْنَى مِنْ الْإِبْرَاءِ بِالْمَجْهُولِ مَا إذَا ذَكَرَ غَايَةً يَعْلَم أَنَّ حَقَّهُ دُونَهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَ حَقِّهِ فَكَمَا صَحَّ هُنَا مَعَ جَهْلِهِ بِقَدْرِ دَيْنِهِ فَكَذَلِكَ يَصِحُّ فِي مَسْأَلَتنَا؛ لِأَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْ قَدْرٍ مَعْلُومٍ يَعْلَمُ أَنَّ حَقَّهُ دُونَهُ بَلْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَاخِلَةٌ فِي كَلَامِهِمْ ذَاكَ؛ لِأَنَّ مِنْ صُوَرِهِ أَنْ يُبْرِئَهُ مِنْ مِائَةٍ وَهُوَ يَتَحَقَّقُ أَنَّ دَيْنَهُ دُونَهَا لَكِنَّهُ لَا يَعْلَمُ قَدْرَهُ وَصُورَتُهُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مَالَ مُورَثِهِ وَلَا يَعْلَمُ كَمْ لَهُ مِنْهَا فَإِذَا صَحَّ الْإِبْرَاءُ فِي تِلْكَ صَحَّ فِي هَذِهِ فَالصُّورَتَانِ دَاخِلَتَانِ تَحْتَ كَلَامِهِمْ الَّذِي ذَكَرْته وَكَذَا تَحْتَ قَوْلِ الْأَنْوَار وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُبْرِئ مِنْ مَجْهُولٍ فَالطَّرِيقُ أَنْ يَذْكُرَ عَدَدًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ الدَّيْنُ عَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ حَقَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى مِائَةٍ مَثَلًا أَوْ أَلْفٍ فَيَقُولُ أَبْرَأْتُك مِنْ مِائَةٍ أَوْ أَلْفٍ ثُمَّ رَأَيْت الْأَصْبَحِيَّ أَفْتَى بِمَا ذَكَرْته، وَاَللَّه أَعْلَم. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَحَالَهُ ثُمَّ قَضَاهُ فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ؟ (فَأَجَابَ) إذَا أَحَالَ دَائِنُهُ عَلَى مَدِينِهِ انْتَقَلَ الدَّيْنُ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَإِذَا قَضَى الْمُحِيلُ الْمُحْتَالَ ذَلِكَ الدَّيْنَ الَّذِي أَحَالَهُ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ فِي الْأَدَاءَ عَنْهُ كَانَ الْمُحِيلُ حِينَئِذٍ مُتَبَرِّعًا بِالْأَدَاءِ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى أَحَدٍ نَعَمْ قِيَاسُ كَلَامِهِمْ فِي الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ أَنَّهُ لَوْ أَدَّى إلَيْهِ ظَانًّا أَنَّ ذِمَّتَهُ مَشْغُولَةٌ لَهُ إلَى الْآن وَإِنَّ الْحَقَّ لَمْ يَنْتَقِلْ لِذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَوْ انْتَقَلَ إلَيْهَا مَعَ بَقَائِهِ فِي ذِمَّتِهِ أَيْضًا كَانَ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُ مُقْتَضِيًا لِرُجُوعِهِ عَلَى مَنْ أَدَّى إلَيْهِ بِمَا أَدَّاهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بَنَى الْإِعْطَاءَ لَهُ عَلَى ظَنٍّ بَانَ خَطَؤُهُ وَلَا يُقَالُ لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي نَحْو الْعِبَادَات وَحَيْثُ لَا عُذْر وَإِلَّا فَقَدْ يُعَوِّلُونَ عَلَى الظَّنِّ وَإِنْ بَانَ خَطَؤُهُ إذَا عُذِرَ الظَّانُّ بِقِيَامِ قَرِينَةٍ تَقْتَضِي مَا ظَنَّهُ وَالْقَرِينَةُ هُنَا قَوِيَّةٌ وَهِيَ أَنَّ ذِمَّتَهُ كَانَتْ مَشْغُولَةً بِالدَّيْنِ وَكَوْنُهُ يَنْتَقِلُ عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ بِالْحَوَالَةِ أَمْرٌ يَخْفَى عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْعَوَامّ فَمَنْ ظَنَّ خِلَافَهُ مَعْذُورٌ بِلَا شَكٍّ، وَاَللَّه أَعْلَم. (وَسُئِلَ) هَلْ

يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ بَيْعُ مَالِ الْيَتِيمِ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ إذَا خَشِيَ عَلَيْهِ التَّلَفَ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فَقَدْ أَفْتَى الْقَفَّالُ عَنْ ضَيْعَةِ خَرَابٍ يُطْلَبُ مَالُهَا عَنْ الصَّبِيّ وَيَسْتَأْصِلُ مَالَهُ فَقَالَ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَوْ بِدِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِيهِ وَقَضِيَّته أَنَّ لَهُ بَيْعُ كُلِّ مَا خِيفَ غَصْبُهُ أَوْ هَلَاكُهُ بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلِهِ وَيُؤَيِّدُهُ إفْتَاءُ الْغَزَالِيِّ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَبِ نَقْصُ الصَّغِيرَةِ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ لِلْمَصْلَحَةِ وَأَخَذَ مِنْهُ ابْن عُجَيْلٍ مَسْأَلَتنَا وَمَثَّلَهُ بِمَا لَوْ أَبَقَ عَبْدُ الْمَحْجُورِ الْمُكْتَسِبِ مَالًا وَتَعَذَّرَ اسْتِرْدَادُهُ وَمَا مَعَهُ فَبَاعَهُ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى انْتِزَاعِ الْكَسْبِ مِنْهُ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَشَرَطَ أَنْ يَرُدَّ لَهُ الْكَسْبَ جَازَ وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِ هَذَا وَعْدًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ بَقَاؤُهُ عَلَيْهِ نَظِيرُ قَوْلِهِمْ لَوْ زَادَ رَاغِبٌ وَقَدْ بَاعَ الْوَكِيلُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ بَقَاؤُهُ عَلَى الزِّيَادَةِ وَيُؤَيِّدُهُ تَجْوِيزُهُمْ تَعْيِيبَ مَالِ الْيَتِيمِ إذَا خِيفَ أَخْذُ ظَالِمٍ لَهُ كَقَضِيَّةِ السَّفِينَةِ مَعَ الْخَضِرِ وَمِنْ ثَمَّ أَفْتَى الْأَزْرَقِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ ثَوْبَانِ سُرِقَ أَحْسَنُهُمَا وَلَمْ يَرُدَّهُ اللِّصُّ إلَّا بِأَخْذِ الْأَدْوَنِ جَازَ إعْطَاؤُهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَم. (وَسُئِلَ) فِي شَخْصٍ قَيِّمٍ عَلَى مَحْجُورٍ بَالِغٍ دَفَعَ إلَيْهِ مَبْلَغًا لِيَتَّجِرَ فِيهِ وَيَخْتَبِرَ بِهِ فَأَتْلَفَهُ فَهَلْ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ الْقَدْرَ الْمَذْكُورَ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي وَتَلِفَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ يُحْسَبُ عَلَى الْمَحْجُورِ أَوْ لَا وَهَلْ إذَا اسْتَدَانَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ دَيْنًا وَلَمْ يَحْكُمْ بِدَفْعِهِ حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ لِرَبِّ الدَّيْنِ وَوَفَّى الْقَيِّمُ عَنْهُ ذَلِكَ يُحْسَبُ عَلَى الْمَحْجُورِ أَوْ لَا وَمَا حُكْمُ اللَّهِ فِي ذَلِكَ أَفْتَوْنَا مَأْجُورِينَ؟ (فَأَجَابَ) إذَا دَفَعَ الْوَلِيُّ الْمَالَ إلَى مَحْجُورِهِ قُبَيْلَ الْبُلُوغِ لِلْمُمَاكَسَةِ الَّتِي يَتَبَيَّنُ بِهَا اخْتِبَارُهُ فَتَلِفَ فِي يَدِ الْمَحْجُورِ لَمْ يَضْمَنْهُ الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ فَإِذَا دَفَعَهُ لَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ كَذَلِكَ ضَمِنَ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ الِاخْتِبَارَ وَقْتُهُ قُبَيْلَ الْبُلُوغِ وَأَمَّا اسْتِدَانَةُ الْمَحْجُورِ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ رَشِيدٍ مُطْلَقًا أَوْ مِنْ رَشِيدٍ وَتَلِفَ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ بِرَدِّهِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْهُ يَضْمَنُهُ الْمَحْجُورُ فَإِذَا أَدَّاهُ وَلِيُّهُ عَنْهُ مِنْ مَالِ الْمَحْجُورِ لَمْ يَضْمَنْهُ الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْأَدَاءُ حِينَئِذٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ رَشِيدٍ وَتَلِفَ قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ بِرَدِّهِ لَا يَضْمَنُهُ الْمَحْجُورُ فَإِذَا أَدَّاهُ الْوَلِيُّ حِينَئِذٍ ضَمِنَهُ وَقَوْلُنَا لَمْ يَضْمَنْهُ الْمَحْجُورُ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الْحَجْرِ وَالْإِقْرَارِ أَنَّ الْمَحْجُورَ يَضْمَنُهُ بَعْدَ انْفِكَاك الْحَجْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَم. (وَسُئِلْتُ) عَمَّا لَوْ قِيلَ لِامْرَأَةٍ أَبْرِئِي فُلَانًا مِنْ مَهْرِك وَهُوَ فِي أَرْضِي الْفُلَانِيَّةِ وَفِي الضَّمَانِ وَالرَّهْن مِنْ الْقُوتِ مَا يَنْبَغِي مُرَاجَعَته فِي ذَلِكَ (فَأَجَبْت) الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ صِحَّةُ الْبَرَاءَةِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَائِلِ؛ لِأَنَّهَا إذَا أَبْرَأَتْهُ لَمْ يَبْقَ لَهَا شَيْءٌ حَتَّى تَتَعَلَّقَ بِأَرْضِهِ مَثَلًا فَلَيْسَ مِنْ بَابِ ضَمَانِ الدَّيْنِ فِي رَقَبَةِ عَيْنٍ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ هُنَاكَ مَوْجُودٌ ثَابِتٌ عِنْدَ الضَّمَانِ فَصَحَّ تَعَلُّقُهُ بِعَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ أَمْوَالِ الضَّامِنِ وَأَمَّا هُنَا فَإِنَّهُ اشْتَرَطَ عَلَيْهَا لِتَعَلُّقِ الْمَهْرِ بِأَرْضِهِ مَثَلًا إبْرَاءَهَا مِنْهُ وَبِالْإِبْرَاءِ مِنْهُ لَمْ يَبْقَ لَهَا شَيْءٌ حَتَّى تَتَعَلَّقَ بِغَيْرِهِ فَاتَّضَحَ أَنَّ هَذَا لَغْوٌ لَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ وَإِحَالَةُ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَبِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ عَلَى مَا فِي الْقُوتِ إنْ كَانَتْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ كَلَامَهُ يُؤْخَذُ مِنْ عُمُومِهِ ذَلِكَ فَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْقُوتِ بِذَلِكَ. وَإِنْ كَانَتْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِيهِ بِخُصُوصِهَا فَالْأَمْرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ بِحَسَبِ النُّسْخَةِ الَّتِي عِنْدِي فَإِنِّي فَتَّشْت فِيهَا بَابَيْ الضَّمَانِ وَالرَّهْنِ فَلَمْ أَرَ لِخُصُوصِ مَسْأَلَة السُّؤَال ذِكْرًا فِيهِ أَصْلًا فَإِمَّا أَنَّ السَّائِلَ أَرَادَ الْمَعْنَى الْأَوَّل أَوْ أَنَّ فِي نُسْخَتِهِ زِيَادَةٌ فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلْيَنْظُرْ مَا قُلْته مَعَ مَا فِي نُسْخَتِهِ فَإِنْ وَافَقَهُ فَلِلَّهِ أَتَمُّ الْحَمْدِ وَأَكْمَلَهُ وَإِنْ خَالَفَهُ فَلْيُرْسِلْ إلَيَّ بِالْعِبَارَةِ حَتَّى أَنْظُر فِيهَا وَفِي الرَّوْضَة عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ مَا يَقْرَبُ مِنْ مَسْأَلَتنَا وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْ عَبْدَك مِنْ زَيْدٍ بِأَلْفٍ عَلَيَّ لَمْ يَصِحَّ الْتِزَامُهُ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ وَلَا جَرَى سَبَبُ وُجُوبِهِ فَلَوْ بَاعَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ لِاشْتِرَاطِ الثَّمَنِ عَلَى غَيْرِ مَالِكِ الْمَبِيعِ نَعَمْ إنْ تَوَلَّى الْآمِرُ الْعَقْدَ صَحَّ لَكِنْ إنْ تَوَلَّاهُ بِوِلَايَةٍ أَوْ وَكَّلَهُ وَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا وَقَعَ لَهُ وَلَزِمَهُ الثَّمَن فِيهِمَا وَلَهُ الرُّجُوعُ فِي الْأُولَى وَإِنْ قَالَ بِعْهُ مِنْهُ بِأَلْفٍ وَأَنَا أَدْفَعُهُ لَك فَهُوَ وَعْدٌ لَا يَلْزَمُ فَلَوْ بَاعَهُ صَحَّ وَلَا يَلْزَمُ الْآمِرَ شَيْءٌ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ، وَاَللَّه أَعْلَم. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هَلْ يُسْتَثْنَى مِنْ قَاعِدَة أَنَّ الْحَالَّ

لَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ التَّأْجِيلُ بَعْدَ لُزُومِهِ حَالًّا شَيْءٌ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ اسْتَثْنَى الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ مَسْأَلَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا إذَا قَالَ الدَّائِنُ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا أُطَالِبَ الْمَدِينَ بِهِ إلَّا بَعْد شَهْرٍ مَثَلًا لَزِمَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ اعْتِمَادُهُ الثَّانِيَةَ إذَا أَوْصَى أَنْ لَا يُطَالَبَ بِهِ إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ فَإِنَّهُ تَنْفَدُ وَصِيَّتُهُ وَزَادَ ابْنُ الرِّفْعَةِ ثَالِثَةً وَهُوَ مَا لَوْ بَاعَ بِثَمَنٍ حَالٍّ ثُمَّ أَلْحَقَ الْأَجَلَ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَالزَّرْكَشِيُّ رَابِعَةً وَهِيَ إذَا ثَبَتَ الْإِفْلَاسُ عَلَى الْمَدِينِ فَلَمْ يُطَالِبهُ حَتَّى أَيْسَر وَارْتَفَعَ الْحَجْرُ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَعُودُ مُؤَجَّلًا ذَكَرَهَا الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ وَخَامِسَةً وَهِيَ مَا إذَا أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي شَيْءٍ وَأَطْلَقَ الْعَقْدَ حَالًّا. وَلَنَا خِلَافٌ هَلْ السَّلَمُ أَصْلُهُ الْحُلُولُ أَوْ التَّأْجِيلُ إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَأَجَّلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ مُؤَجِّلًا وَالْكَلَام عَلَى ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ وَمَزِيد بَسْطٍ فَنَقُول أَمَّا مَسْأَلَةُ النَّذْرِ فَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي قَوَاعِده مُسْتَشْكِلًا لَهَا إنْ كَانَتْ الصُّورَة فِي مُعْسِرٍ فَإِنْظَارُهُ وَاجِب وَالْوَاجِب لَا يَصِحُّ نَذْره وَإِنْ كَانَتْ فِي مُوسِرٍ مُؤَدٍّ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ أَخْذه مِنْهُ وَاجِبٌ وَلَا يَصِحُّ إبْطَالُ الْوَاجِب بِالنَّذْرِ وَيُؤَيِّدهُ قَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ إنْ كَانَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مَيِّتًا فَلَا أَثَرَ لِنَذْرِ تَأْخِيرِ الْمُطَالَبَة؛ لِأَنَّ الْمُبَادَرَةَ إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ وَاجِبَةٌ فَلَا يُؤَثِّرُ النَّذْرُ حَتَّى وَلَوْ رَضِيَ رَبُّ الدَّيْنِ وَالْوَارِث بِذَلِكَ وَيُجَاب بِأَنَّهُ قَدْ يُتَصَوَّرُ كَوْنُ الْإِنْظَارِ مَنْدُوبًا لَا وَاجِبًا فَيَصِحُّ نَذْرُهُ وَيَصِير وَاجِبًا بِالنَّذْرِ وَذَلِكَ فِي مُوسِر بِغَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ لَوْ طَالَبَهُ بِالْوَفَاءِ وَجَبَ عَلَيْهِ بَيْعُ أَمْتِعَتِهِ حِينَئِذٍ وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ فَوَاتُ رِبْحٍ يُؤَمِّلُهُ فِيهَا فَإِذَا عَلِمَ الدَّائِنُ ذَلِكَ مِنْ حَالِهِ نَدَبَ لَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَنْ يُنْظِرَهُ إلَى أَنْ يَحْصُلَ لَهُ مَا يُؤَمِّلُهُ فِي أَمْتِعَتِهِ مِنْ الرِّبْحِ فَإِذَا نَذَرَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَدَمَ مُطَالَبَتِهِ إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ لَزِمَ النَّذْرُ؛ لِأَنَّهُ نَذْرُ قُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ غَيْرِ وَاجِبَةٍ فَهَذَا هُوَ مَحْمَلُ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا مَسْأَلَة الْمُعْسِرِ وَالْمُوسِرِ بِجِنْسِ الدَّيْنِ الْبَاذِل لَهُ وَالْمَيِّت فَمَعْلُومٌ مِنْ كَلَامهمْ فِي بَاب النَّذْرِ عَدَمُ صِحَّة النَّذْرِ فِيهَا فَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ وَاحِدَةً مِنْهَا مُرَادَة لِلْمُتَوَلِّيَّ فَاتَّضَحَ بِذَلِكَ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ التَّحْقِيقَ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَرَجَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ لَا اسْتِثْنَاءَ بَلْ الْحُلُولُ مُسْتَمِرٌّ وَلَكِنْ مُنِعَ الطَّلَبُ لِعَارِضٍ كَالْإِعْسَارِ لِلْعِلْمِ بِحَالِهِ أَوْ لِقِيَمِ الرِّقّ فِيمَا يَتْبَعُ بِهِ الْعَبْد إذَا عَتَقَ وَقَوْل الْمُتَوَلِّي لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا أُطَالِبَهُ إلَّا بَعْد شَهْر لَزِمَ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِلُزُومِ الْأَجَلِ بَلْ كَلَامٌ مُحْتَمَلٌ لَأَنْ يُرِيدَ لُزُومَ الْأَجَلِ أَوْ لُزُومَ النَّذْرِ وَإِطْبَاقهمْ عَلَى أَنَّ الْحَالَّ لَا يُؤَجَّلُ يُومِئُ إلَى أَنَّ مُرَادَهُ الثَّانِي وَيَكُونُ سَمَّاهُ تَأْجِيلًا مَجَازًا لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ عَلَاقَةِ مَنْعِ الْمُطَالَبَةِ وَفَاءً بِالنَّذْرِ وَلَا بِدْعَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ حَالًّا وَتَمْتَنِعَ الْمُطَالَبَةُ بِهِ لِعَارِضٍ كَالْمُعْسِرِ فَإِنَّهُ إذَا حُجِرَ عَلَيْهِ بِدَيْنِهِ الْحَالِّ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ تَأْجِيلٌ وَإِنَّمَا صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يُطَالِبُ مَعَ أَنَّ مَسْأَلَته هِيَ الْأَصْلُ فِي الْكَلَام عَلَى تَأْخِير الْحَالِّ وَحُلُول الْمُؤَجَّلِ عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوف فِي بَابِهِ فَإِنْ قُلْت هَلْ يَظْهَرُ لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُ مُؤَجَّلٌ أَوْ حَالٌّ امْتَنَعَ طَلَبُهُ لِعَارِضٍ أَثَرٌ. قُلْت: نَعَمْ يَظْهَر لِذَلِكَ أَثَرٌ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا إذَا عَجَّلَهُ الْمَدْيُونُ قَبْلَ الْمُدَّةِ لِغَرَضِ الْبَرَاءَة هَلْ يُجْبَرُ رَبُّ الدَّيْن جَزْمًا عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْإِبْرَاءِ أَوْ الْقَبُولِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْحَالَّةِ لَا سِيَّمَا أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّة لَمْ تَقَعْ بِرِضَا الْمَدْيُونِ أَوْ لَا يُجْبَرُ؛ لِأَنَّهُ مُؤَجَّلٌ وَمِنْهَا الْحِنْثُ إذَا حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ وَقُلْنَا بِالتَّفْصِيلِ بَيْن الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ وَمِنْهَا مَسْأَلَةُ الزَّكَاة وَتَحْرِيرُهَا أَنَّ النَّذْرَ إمَّا أَنْ يَكُون بَعْد تَمَام الْحَوْل فَلَا إشْكَال فِي إخْرَاجِ الزَّكَاة غَيْرَ أَنَّهُ هَلْ يُسْتَثْنَى ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ وُجُوب الْإِنْظَار فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لِغَيْرِهِ بِنَاءً عَلَى الصَّحِيح وَهُوَ أَنَّ الْفُقَرَاءَ شُرَكَاءُ رَبّ الْمَالِ أَوْ يَجِبُ الْإِنْظَار فِيهِ وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِكَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى تَمَامِ نَذْرِهِ لِجَوَازِ الْإِخْرَاجِ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا قُلْنَا بِهِ فِيمَا إذَا رَهَنَ مَالًا زَكَوِيًّا وَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ قَالَ بَلْ مَسْأَلَتنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ سَابِق عَلَى الْوُجُوبِ بِخِلَافِ النَّذْرِ وَأَمَّا أَنْ يَكُون قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ احْتِمَالٌ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَصَرُّفٌ مِنْهُ قَبْل تَعَلُّقِ حَقِّ الْفُقَرَاءِ وَقِيَاسُ مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وُجُوبُ الْإِخْرَاجِ مِنْ غَيْره عِنْد الْقُدْرَةِ وَمِنْهُ عِنْد عَدَمِهَا وَمِنْهَا مَا لَوْ مَاتَ النَّاذِرُ فَإِنْ قُلْنَا بِالتَّأْجِيلِ لَمْ يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ الْمُطَالَبَةُ وَإِنْ قُلْنَا بِبَقَائِهِ عَلَى صِفَةِ الْحُلُولِ فَهَلْ

لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ حَالٌّ وَالنَّاذِرَ مَاتَ وَهُمْ لَمْ يَنْذِرُوا أَمْ عَلَيْهِمْ الْإِمْهَال؛ لِأَنَّ الْحَقَّ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ كَذَلِكَ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ. وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْأَوَّلُ هَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ إنْ كَانَتْ الصُّورَةُ مَا مَرَّ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَهِيَ مَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا أَطْلُبُهُ إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ فَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ مَا لِي عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ يَصِيرُ مُؤَجَّلًا إلَى شَهْرٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَهَلْ يَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ مِنْ كَوْنِهِ مُسْتَمِرًّا عَلَى الْحُلُولِ وَيَكُونُ الْتِزَامُ التَّأْجِيلِ مَعْنَاهُ الْتِزَامُ عَدَمِ الْمُطَالَبَةِ أَوْ يُقَالُ هُنَا إنَّهُ تَأْجِيل لِلنَّصِّ عَلَى الْتِزَامِ التَّأْجِيل بِخُصُوصِهِ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْوَصِيَّةِ فَفِيهَا مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ النَّذْرِ حَرْفًا بِحَرْفٍ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَنْفِيذهَا بِتَأْخِيرِ الطَّلَب تَأْجِيلُ الدَّيْنِ بَلْ هُوَ بَاقٍ بِصِفَةِ الْحُلُولِ وَلَكِنَّ تَنْفِيذَهَا مَنَعَ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِهِ عَلَى حُكْمِ الْحُلُولِ كَالْمُعْسِرِ إذَا ثَبَتَ إعْسَارُهُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ وَالرَّوْضَةِ لَوْ أَوْصَى مَنْ لَهُ دَيْنٌ حَالٌّ بِإِمْهَالِهِ مُدَّةً فَعَلَى وَرَثَتِهِ إمْهَالُهُ وَلَمْ يَقُولَا إنَّ الدَّيْنَ تَأَجَّلَ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ ابْنِ الرِّفْعَةِ الَّتِي زَادَهَا وَادَّعَى أَنَّهَا أَوْلَى مَمْنُوعَة كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ إمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا وَقَعَ بِهِ الْعَقْدُ أَوْ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ مَعَ اعْتِبَارِ اللَّوَاحِقِ فِي مَجْلِسِ التَّخَايُرِ وَالرَّاجِحُ الثَّانِي إذْ اللَّاحِقُ فِي الْمَجْلِسِ كَالْوَاقِعِ فِي طَلَب الْعَقْدِ وَحِينَئِذٍ فَالثَّمَنُ إنَّمَا هُوَ مُؤَجَّلٌ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَكَأَنَّهُ إنَّمَا عَقَدَ بِهِ بِصِفَتِهِ لَا أَنَّهُ كَانَ حَالًّا ثُمَّ تَأَجَّلَ؛ لِأَنَّ الثَّمَن كَمَا يُرَاعَى فِي مِقْدَارِهِ تُرَاعَى صِفَته وَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ فِي نَحْو عَقَدِ التَّوْلِيَةِ هَلْ يَدْخُل الْمُلْحَقُ فِي زَمَن الْخِيَارِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَدْخُلُ وَدَعْوَى ابْن الرِّفْعَةِ التَّأْجِيلَ بَعْدَ الْحُلُولِ لَا تَتِمُّ إلَّا إذَا ثَبَتَ تَعَلُّقُهُ بِذِمَّتِهِ وَكَوْنُهُ مَمْلُوكًا وَذَلِكَ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا مَلَك الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَالْبَائِعُ الثَّمَنَ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ وَمَا دَامَ زَمَنُ الْخِيَارِ لَهُمَا بَاقِيًا فَالِانْتِقَالُ غَيْرُ وَاقِعٍ لِأَنَّ الْخِيَارَ إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ فَمَلَكَ الْمَبِيع لَهُ أَوْ لِلْمُشْتَرِي فَمِلْكه لَهُ أَوْ لَهُمَا فَمَوْقُوفٌ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ خِيَارُ الشَّرْطِ وَالْمَجْلِسِ لَكِنَّ صُورَةَ ابْنِ الرِّفْعَةِ إنَّمَا تَتَأَتَّى إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا؛ لِأَنَّ إلْحَاقَ الْأَجَلِ وَنَحْوِهِ إنَّمَا يَصِحُّ حَيْثُ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا وَإِلَّا فَمَتَى لَزِمَ مِنْ جِهَةِ أَحَدِهِمَا أَوْ انْفَسَخَ لَمْ يُمْكِنْ الْإِلْحَاقُ فَمُرَادُ ابْنِ الرِّفْعَةِ بِقَوْلِهِ ثُمَّ أُلْحِقَ الْأَجَلُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا وَلَمْ يَلْزَمْ الْعَقْدُ وَلَوْ مِنْ جِهَةِ أَحَدِهِمَا وَلَا انْفَسَخَ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْقَفَّالِ وَهِيَ أَنَّ الْمُفْلِسَ إذَا ثَبَتَ إفْلَاسُهُ حَلَّ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَذَلِكَ وَجْهٌ أَوْ قَوْلُ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ بَاقٍ بِأَجَلِهِ بَلْ بَقِيَّةُ كَلَامِ الْقَفَّالِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ آثَارَ الْأَجَلِ بَاقِيَةٌ لَمْ تَنْقَطِعْ قَطْعًا حَقِيقِيًّا لِعَوْدِهِ مُؤَجَّلًا كَمَا كَانَ إذَا أَيْسَر وَلَمْ يُطَالِبْهُ حَتَّى انْفَكَّ الْحَجَرُ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ السَّلَمِ فَقَدْ عُلِمَ جَوَابَهَا مِنْ مَسْأَلَةِ ابْنِ الرِّفْعَةِ. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُل زَوَّجَ ابْنَهُ عَلَى صَدَاقٍ ضَمِنَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَمَاتَ الِابْنُ عَنْ تَرِكَةٍ تَفِي بِهِ فَأَرَادَ وَارِثُهُ أَخْذَ الصَّدَاقِ مِنْ الْأَبِ الضَّامِنِ وَتَبْقَى التَّرِكَةُ مِيرَاثًا لِضَمَانِهِ بِلَا إذْنٍ فَهَلْ يُجَابُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى التَّاجُ الْفَزَارِيّ وَالْبُرْهَانُ الْمَرَاغِيُّ بِأَنَّ لِلضَّامِنِ الِامْتِنَاعَ مِنْ الْأَدَاءِ حَتَّى يَقْضِيَ الدَّيْنَ مِنْ التَّرِكَةِ قَالَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ تَعَلَّقَ بِتَرِكَةِ الْمَيِّتِ بِالْمَوْتِ وَإِذَا تَعَلَّقَ الْحَقُّ بِالذِّمَّةِ وَالْعَيْنِ كَانَ لِمَنْ الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْأَدَاءِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْ الْعَيْنِ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِهِ رَهْنٌ لَا يُلْزَمُ بِأَدَاءٍ إذَا أَمْكَنَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ الرَّهْنِ وَأَيْضًا فَالدَّيْنُ لَا يَنْفَكُّ بِالضَّمَانِ مِنْ ذِمَّةِ الْأَصِيل فَإِذَا مَاتَ تَعَلَّقَ بِتَرِكَتِهِ وَلَا مِيرَاثَ إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ فَلَوْ جَازَ إلْزَامُ الضَّامِنِ بِالْأَدَاءِ وَأَنْ تَبْقَى التَّرِكَةُ لِلْوَارِثِ لَقُدِّمَ الْإِرْثُ عَلَى الدَّيْنِ قَالَ ثُمَّ وَجَدْت فِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ لِشَيْخِنَا الْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَإِنْ مَاتَ الْأَصِيلُ فَأَرَادَ الْكَفِيلُ إلْزَامَ رَبِّ الدَّيْنِ بِقَبْضِهِ مِنْ التَّرِكَةِ أَوْ أَنْ يُبْرِئَهُ مِنْ الضَّمَانِ فَلَهُ ذَلِكَ عَلَى أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ وَفِي النِّهَايَةِ وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِتَمَامِ هَذَا الْأَصْلِ أَنَّ الْأَجَلَ إذَا ثَبَتَ مَقْصُودًا فِي حَقِّ الضَّامِنِ وَلَوْ مَاتَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ وَحَكَمْنَا بِحُلُولِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ فَكَانَتْ تَرِكَتُهُ عِنْدَهُ وَافِيَةً فَلَوْ قَالَ مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ لَسْت أَطْلُبُ حَقِّي مِنْ التَّرِكَةِ فَهَلْ لِلضَّامِنِ أَنْ يَقُولَ إمَّا أَنْ تَأْخُذَ حَقَّك مِنْهَا نَاجِزًا أَوْ تُبْرِئَنِي فَعَلَى وَجْهَيْنِ أَظْهَرهُمَا فِي النَّقْلِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَالثَّانِي لَا وَهُوَ ظَاهِرُ الْقِيَاسِ اهـ. وَمَا أَفْتَى بِهِ مِمَّا ذُكِرَ ظَاهِرٌ إنْ

كَانَ الطَّالِبُ لِذَلِكَ هُوَ وَارِثُ الِابْن غَيْر الزَّوْجَة فَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ لَهُ هُوَ الزَّوْجَةُ الَّتِي هِيَ الْمَضْمُونُ لَهُ فَالْأَوْجَه أَنَّ لَهَا أَنْ تُطَالِبَ الْأَبَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مُخَيَّرَةٌ بَيْنَ الرُّجُوعِ عَلَى التَّرِكَةِ وَعَلَى الضَّامِنِ فَإِذَا اخْتَارَتْ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ كَانَ لَهَا ذَلِكَ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ وَكَلَام النِّهَايَةِ وَمُخْتَصَرهَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ نَافَاهُ ظَاهِر مَا ذَكَرَهُ الْفَزَارِيّ. (وَسُئِلَ) هَلْ يُشْتَرَطُ إقْرَارُ الْمَضْمُون عَنْهُ بِالدَّيْنِ حَتَّى لَوْ أَنْكَرَ أَصْلَ الدَّيْنِ وَاعْتَرَفَ بِهِ إنْسَانٌ ثُمَّ ضَمِنَهُ يَصِحُّ وَيَلْزَمُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْكِفَايَة أَنَّ ذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ فَيَصِحُّ وَيَلْزَمهُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ فِي الْمَدِينَة الشَّرِيفَة عَلَى سَاكِنهَا أَفْضَل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفِي مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ أَنْ يَقْتَرِضَ مِنْ آخَرَ دَرَاهِمَ ثُمَّ يُرْهِنهُ بِهَا رَهْنًا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَلَا يَتِمُّ تَوَثُّقُهُ فَيَتَوَلَّى طَامِعه عَلَى أَنَّهُ يَأْتِي لَهُ بِضَامِنٍ يَضْمَنُ لَهُ صِحَّةَ الرَّهْن فَيُقْرِضهُ ثُمَّ يَرْهَنُ عِنْدَهُ الرَّهْنَ ثُمَّ يَقُولُ آخَر ضَمِنْت لَك صِحَّةَ الرَّهْنِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ لَكِنَّهُمَا يُضْمِرَانِ أَنَّهُ مَتَى خَرَجَ الرَّهْنُ مُسْتَحَقًّا صَارَ الضَّامِنُ الْمَذْكُور ضَامِنًا لِذَلِكَ الدَّيْن الْمَرْهُونِ بِسَبَبِهِ أَوْ لِمِثْلِ هَذَا الرَّهْنِ لِيَأْتِيَ بِهِ إلَى الْمُقْرِض لِيُبْقِيَ تَوَثُّقَهُ فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا الضَّمَانُ وَإِذَا خَرَجَ مُسْتَحَقًّا يَكُونُ ضَامِنًا لِلدَّيْنِ أَوْ لِمِثْلِ الرَّهْنِ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُحْتَمَلُ تَخْرِيجُهُ عَلَى مَا قَرَّرُوهُ مِنْ صِحَّةِ ضَمَانِ دَرْكِ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ بِجَامِعِ الْحَاجَةِ إلَيْهِمَا فِي مُعَامَلَةِ مَنْ لَا يُعْرَفُ حَاله وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ الْأَقْرَبُ عَدَم تَخْرِيجِهِ عَلَيْهِ إمَّا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْقَاعِدَةِ كَمَا قَرَّرُوهُ فَلَا يُقَاسَ عَلَيْهِ كَمَا وَقَعَ لِلْفُقَهَاءِ نَظِيرُهُ فِي مَسَائِل خَرَجَتْ عَنْ الْأَصْلِ فَلَا يَقِيسُونَ عَلَيْهَا وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي خَرَجَتْ لِأَجْلِهِ هَذَا إنْ سُلِّمَ أَنَّ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ جَامِعًا وَقَدْ يُقَالُ لَا جَامِعَ بَيْنهمَا أَصْلًا فَلَا تُقَاسُ مَسْأَلَةُ الرَّهْنِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِ الْقِيَاس لِوُجُودِ الْفَارِقِ بَيْنَهُمَا. وَهُوَ أَنَّ فِي تَصْحِيحِ الضَّمَانِ الْمَذْكُورِ فِي مَسْأَلَة الْبَيْعِ الْأَمْنُ مِنْ ضَيَاعِ الْمُقَابِلِ مِنْ كُلِّ الْمَبِيع أَوْ الثَّمَنِ أَوْ مَا نَقَصَ فَفِيهِ مَصْلَحَةٌ تَعُود عَلَى نَفْسِ الْعَقْدِ الْمُشْتَمِل عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَمْنِ غَائِلَةِ مَنْ لَا يُدْرَى حَاله وَأَمَّا فِي مَسْأَلَة الرَّهْنِ فَلَيْسَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ تَعُود عَلَى نَفْس عَقْدِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ تَابِعٌ وَبِخُرُوجِ الْمَرْهُون مُسْتَحَقًّا لَا يُمْكِنُ إلْزَامُ الضَّامِن بِمِثْلِهِ بَلْ يَكُونُ ضَامِنًا لِدَيْنِ الْقَرْضِ فَالْمَنْفَعَةُ لَمْ تَعُدْ إلَّا عَلَيْهِ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمَضْمُونِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُقَابِلٍ لَهُ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ فَعَوْدُ الْمَصْلَحَةِ إلَيْهِ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ لِثُبُوتِهِ وَرِضَا الْمُقْرِضِ بِذِمَّتِهِ قَبْلَ الضَّمَانِ الْمَذْكُورِ حَيْثُ لَمْ يُشْتَرَطْ الرَّهْنُ فِي عَقْدِ الْقَرْضِ وَإِلَّا فَاشْتِرَاطُهُ كَافٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ خُرُوجِ الْمَرْهُونِ مُسْتَحَقًّا يُطَالِبهُ بِرَهْنِ غَيْرِهِ وَأَيْضًا فَهُوَ فِي دَيْنِ الْقَرْضِ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّوَثُّقِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ بِأَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِ فِي الْعَقْدِ الْإِتْيَانَ بِمَنْ يَكْفُلهُ فَلَا ضَرُورَةَ لَهُ إلَى ضَمَانِ دَرْكِ الرَّهْنِ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَة الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ اشْتِرَاطُ الْكَفِيلِ وَالرَّهْنِ إلَّا عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ مِنْ الْمُعَيَّنِ فَإِذَا خَافَ آخِذُهُ مِنْ خُرُوجِهِ مُسْتَحَقًّا أَوْ نَاقِصًا كَانَ مُضْطَرًّا إلَى وُجُودِ مَنْ يَضْمَنُ لَهُ دَرْكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْدُوحَةَ لَهُ عِنْدَهُ لِعَدَمِ تَأَتِّي الضَّمَان الْأَصْلِيّ فِيهِ فَاغْتُفِرَ لَهُ اشْتِرَاطُ ضَمَانِ دَرْكِهِ لِلضَّرُورَةِ. فَهِيَ مُحَقَّقَةٌ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ فَجَازَ فِيهِ ضَمَانُ الدَّرْكِ الْمُخَالِف لِلْأَصْلِ وَالْقَاعِدَةُ غَيْرُ مُحَقَّقَةٍ بَلْ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ فَلَمْ تَجْرِ فِيهَا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ ضَمِنَ دَيْنًا مُعَيَّنًا وَرَهَنَ بِهِ مِلْكَهُ ثُمَّ إنَّ الدَّائِنَ أَبْرَأَهُ مِنْ الضَّمَانِ فَهَلْ يَنْفَكُّ الرَّهْنُ أَيْضًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَجَابَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَعْدَ فِكْرِهِ فِيهَا مُدَّةً أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ الرَّهْنُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الضَّامِنَ الْتَزَمَ هَذَا الدَّيْنَ بِطَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا تَعَلُّقُهُ بِعَيْنِ الرَّهْنِ وَالْآخَرُ جَعْلُهُ فِي ذِمَّتِهِ وَأَحَدُهُمَا مُنْفَكٌّ عَنْ الْآخَرِ فَالْإِبْرَاءُ عَنْ الضَّمَانِ لَا يَكُونُ فَسْخًا لِلرَّهْنِ وَقَالَ غَيْرُهُ هُمَا مُتَعَلِّقَانِ بِدَيْنٍ وَاحِدٍ فَإِسْقَاطُ أَحَدِهِمَا إسْقَاطٌ لِلْآخَرِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْمُطَالَبَةِ بِالدَّيْنِ لَا عَنْ خُصُوصِيَّةِ الضَّمَانِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ أَنْتَ فِي حِلٍّ فِي نَصِيبِي هَلْ هُوَ صَرِيحٌ أَمْ كِنَايَةَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ صَرِيحٌ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ يُونُسَ أَلْفَاظُ الْإِبْرَاءِ تِسْعَةٌ عَفَوْت وَأَبْرَأْت وَأَسْقَطْت وَحَطَطْت

وَتَرَكْت وَوَهَبْت وَأَحْلَلْت وَوَضَعْت وَمَلَّكْت. (وَسُئِلَ) عَنْ إبْرَاءِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ ظَانًّا تَحَوُّلَ الْحَقِّ عَنْهُ بِالضَّمَانِ فَهَلْ يَبْرَأُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَبْرَأُ هُوَ وَالضَّامِنُ وَلَا عِبْرَةَ بِظَنٍّ بَانَ خَطَؤُهُ وَنَظِيرُهُ إذَا طَلَّقَ رَجْعِيًّا ثُمَّ ثَانِيَةً فِي الْعِدَّةِ ظَنًّا أَنَّهُ قَدْ بَانَتْ مِنْهُ الْأُولَى فَإِنَّ الثَّانِيَةَ تَقَعُ أَيْضًا. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ طَالَبَ مَدِينَهُ فَقَالَ لَهُ آخَرُ اُتْرُكْهُ وَاَلَّذِي لَك عَلَيْهِ عِنْدِي أَوْ قَالَ أَبْرِئْهُ وَلَك عِنْدِي كَذَا فَهَلْ يَلْزَمُهُ مَا ذَكَرَهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَلْزَمُ الْقَائِلَ بِذَلِكَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ عِنْدِي لِلظَّرْفِيَّةِ وَلَا إشْعَارَ لَهَا بِاشْتِغَالِ الذِّمَّةِ بِذَلِكَ فَإِنْ قَالَ عَلَيَّ أَوْ فِي ذِمَّتِي كَانَ ضَمَانًا لَكِنَّهُ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ فَلَا يَصِحُّ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْأَصْحَابِ رَحِمَهُمْ اللَّه تَعَالَى بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمَيِّت عَنْ الدَّيْنِ بِتَحَمُّلِ الْوَلِيّ وَاسْتَشْكَلَهُ وَصَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الشَّامِلِ بِأَنْ يَقُولَ الْوَارِثُ لِلدَّائِنِ أَبْرِئْ مُوَرِّثِي أَوْ أَسْقِطْ حَقَّك عَنْهُ وَعَلَيَّ عِوَضُهُ فَإِذَا أَبْرَأَهُ بَرِئَ وَلُزُومُ الْوَارِثِ مَا الْتَزَمَهُ وَبَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِذَلِكَ أَيْضًا. وَقَالَ إنَّهُ اسْتِدْعَاءُ إتْلَافِ مَالٍ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ مُشْكِلٌ بِقَوْلِهِمْ فِي بَابِ الضَّمَانِ أَنَّ التَّحَمُّل وَغَيْرَهُ مِنْ أَلْفَاظِ الضَّمَانِ لَا يَحْصُلُ بِهِ بَرَاءَةُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ وَإِذَا بَرِئَ الضَّامِنُ وَفِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ إذَا لَمْ يُمْكِنُ الْمُبَادَرَةُ إلَى قَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَحْتَالَ الْوَلِيُّ حَتَّى يُسْقِطَهُ عَنْ الْمَيِّتِ وَيَصِيرَ فِي ذِمَّتِهِ فَمَا صُورَةُ ذَلِكَ وَمَا الْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ وَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا تَحَمَّلَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ يَخْتَصُّ بِهِ أَوْ لَا أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ قَاصِرٌ أَوْ لَا وَإِذَا قَالَ الْوَارِثُ أَوْ غَيْرُهُ ضَمِنْت دَيْنَك عَلَى فُلَانٍ فَأَبْرِئْهُ أَوْ أَبْرِئْهُ وَأَنَا ضَمِينُك بِمَا عَلَيْهِ فَهَلْ يَبْرَأ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا ذُكِرَ عَنْ الْمَجْمُوعِ وَتَصْوِيرُهُ بِمَا ذَكَرَ صَحِيحٌ مُعْتَمَدٌ وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الضَّمَانِ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَى حَقِيقَةِ الضَّمَانِ الْمَشْهُورِ الْمُفْتَقِرِ إلَى أَصِيلٍ بَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ اسْتِدْعَاءِ إتْلَافِ مَالٍ بِعِوَضٍ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ وَهُوَ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ مِمَّا نَفْسُهُ مُعَلَّقَةٌ بِهِ كَمَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ فَالْمُسَارَعَةُ إلَى فِكَاكِهَا مِنْ الْمَقَاصِدِ الصَّحِيحَةِ الْمَطْلُوبَةِ فَهُوَ كَمَا ذَكَرُوا فِي أَطْلِقْ هَذَا الْأَسِيرَ أَوْ اُعْفُ عَمَّنْ لَك عَلَيْهِ قَوَدٌ أَوْ أَطْعِمْ هَذَا الْجَائِعَ وَلَك عَلَيَّ كَذَا أَوْ أَلْقِ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ وَعَلِيَّ ضَمَانُهُ. وَمَا ذُكِرَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ هُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَحُمِلَ عَلَى التَّصْوِير السَّابِق وَيُؤَيِّدهُ حِكَايَةُ الْمَرَاغِيِّ لَهُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاج وَالْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ هُنَا الْوَارِثُ وَهُوَ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَالْأَجْنَبِيُّ كَذَلِكَ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ وَإِذَا الْتَزَمَ ذَلِكَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ اخْتَصَّ بِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْبَقِيَّةِ إلَّا إنْ أَذِنُوا لَهُ وَلَا عِبْرَةَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ إذْ لَا مَصْلَحَةَ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَإِذَا الْتَزَمَ ذَلِكَ أَجْنَبِيٌّ أَوْ وَصِيٌّ فَلَا رُجُوعَ لَهُ إلَّا إنْ أَذِنَ لَهُ الْوَارِثُ بِشَرْطِ الرُّجُوعِ أَوْ أَطْلَقَ عَلَى الْأَوْجَهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجْرِي فِي غَيْرِ دَيْنِ الْمَيِّتِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْبَغَوِيِّ فِي فَتَاوِيهِ لَوْ قَالَ اقْضِ دَيْنِي عَلَى أَنْ تَرْجِعَ عَلِيَّ أَوْ دَيْنَ فُلَانٍ عَلَى أَنْ تَرْجِعَ عَلَيَّ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْقَائِلُ ضَامِنًا عَنْ فُلَان. اهـ وَظَاهِرٌ أَنَّ اسْتِدْعَاءَ إبْرَاءِ الْغَيْرِ كَاسْتِدْعَاءِ الْأَدَاءِ عَنْهُ وَقَدْ ذَكَرَ فِيهِ الْبَغَوِيّ مَا عَلِمْت وَالْأَوْجَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ. قَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ النَّقْلُ أَنَّ الْبَرَاءَةَ لَا تَصِحُّ فَإِنَّهُ لَمْ يُبْرِئْهُ بَرَاءَةَ تَبَرُّعٍ وَإِنَّمَا أَبْرَأَهُ عَلَى أَنْ يُتِمَّ لَهُ مَا جَرَى وَلَمْ يُتِمَّ لِفَسَادِ الضَّمَانِ فَفِي الْمُهِمَّاتِ أَوَائِلَ الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ أَبْوَابِ الْبَيْعِ عَنْ النَّصِّ أَنَّ الصُّلْحَ إذَا فَسَدَ لِكَوْنِهِ جَرَى عَلَى الْإِنْكَارِ فَهُمَا عَلَى أَصْلِ حَقِّهِمَا وَيَصِيرُ الْمُدَّعِي عَلَى دَعْوَاهُ وَإِنْ قَالَ أَبْرَأْتُك مِمَّا ادَّعَيْت عَلَيْك أَوْ مِنْ بَدَلِهِ مِنْ قَبِيلِ أَنَّهُ إنَّمَا أَبَرَأَهُ عَلَى أَنْ يُتِمَّ لَهُ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ. اهـ. وَعَلَى مَا اقْتَضَاهُ هَذَا النَّصُّ جَرَى فِي الْأَنْوَارِ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ. اهـ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا إذَا قَالَ إلَّا رَدَدْت عَبْدِي فَقَدْ أَبْرَأْتُك عَنْ الدَّيْنِ فَهَلْ يَصِحُّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمَنْقُولُ عَنْ التَّتِمَّةِ الصِّحَّةُ وَإِذَا أَبْرَأَهُ بَرِئَ؛ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا الْإِبْرَاءُ تَمْلِيكٌ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ وَهَذَا الثَّوْبُ لَك أَوْ إسْقَاطٌ فَهُوَ إسْقَاطٌ يَجُوزُ بَذْلُ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَتِهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هَلْ إذَا كَانَ لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ حَالٌّ فَصَارَ يُعْطِيه فِي كُلِّ

وَقْتٍ شَيْئًا عَلَى سَبِيلِ أَنَّهُ مِنْ دَيْنِهِ وَالْآخَرُ يَظُنُّ أَنَّهُ هَدِيَّةٌ فَيُرْسِلُ إلَيْهِ طَعَامًا يُسَاوِي ثَمَنَ ذَلِكَ فَهَلْ يَقَعُ ذَلِكَ عَنْ الدَّيْنِ أَوْ يَصِيرُ مُقَابِلًا لَهُ وَذِمَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مُعَلَّقَةٌ لِلْآخَرِ إلَى أَنْ يَقَعَ بَيْنَهُمَا مُقَاصَّةٌ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْعِبْرَةُ فِيهَا بِنِيَّةِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَيَسْقُطُ عَنْهُ مَا أَدَّاهُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ وَإِنْ ظَنَّ صَاحِبُ الدَّيْنِ أَنَّهُ إنَّمَا يَدْفَعُ لَهُ ذَلِكَ هَدِيَّةً وَمَا يُرْسِلهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ عَلَى جِهَةِ مُكَافَأَتِهِ بِمَا ظَنَّهُ هَدِيَّةً مِنْهُ فَهُوَ تَبَرُّعٌ لَا رُجُوعَ لَهُ بِهِ عَلَيْهِ فَعُلِمَ أَنَّ ذِمَّةَ الْمَدِينِ تَبْرَأُ مِمَّا دَفَعَهُ بِنِيَّةِ الدَّيْنِ وَأَنَّهَا لَا تَشْتَغِلُ بِشَيْءٍ مِمَّا أَرْسَلَهُ لَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذَا كَانَ عَلَى شَخْصٍ دَيْنٌ لِآخَرَ وَلَهُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ وَلَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمَا مُقَاصَّةٌ فَهَلْ تَكُونُ ذِمَّتُهُمَا مُعَلَّقَةً وَإِنْ تَعَذَّرَتْ الْمُقَاصَّةُ بِأَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ طَوِيلَةٌ ذَاتُ مَفَاوِزَ أَمْ تَبْرَأُ ذِمَّتهمَا لِلتَّعَذُّرِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا كَانَ الدَّيْنَانِ الْمَذْكُورَانِ فِيهَا نَقْدَيْنِ وَاتَّفَقَا جِنْسًا وَحُلُولًا وَصِفَةً سَقَطَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ بِلَا رِضًا بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْجِنْسِ أَوْ الصِّفَةِ كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ أَوْ الْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ أَوْ فِي قَدْرِ الْأَجَلِ وَإِنْ كَانَا غَيْرَ نَقْدَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا نَقْدًا وَالْآخَرُ عَرْضًا فَلَا تَقَاصَّ وَإِنْ تَرَاضَيَا وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذُكِرَ بَيْنَ أَنْ تَطُولَ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُمَا أَوْ تَقْصُرَ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا صَالَحَ الضَّامِنُ عَنْ الدَّيْنِ بِشَيْءٍ رَجَعَ بِالْأَقَلِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ عَيْنًا بِالدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالدَّيْنِ مَا الْفَرْقُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْفَرْقُ أَنَّ لَفْظَ الصُّلْحِ يُشْعِرُ بِقَنَاعَةِ الْمُسْتَحِقِّ بِالْقَلِيلِ عَنْ الْكَثِيرِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَالْمُتَوَلِّي بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِتَفَاوُتِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ فِي الْقِيمَةِ فَعَمِلْنَا فِي كُلٍّ بِمَا هُوَ الْأَغْلَبُ فِيهِ وَهَذَا فَرْقٌ صَحِيحٌ وَإِنْ سَوَّى الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ كَالسُّبْكِيِّ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَقَالُوا وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ. (وَسُئِلَ) هَلْ يُبْطِلُ ضَمَانَ الْمَرِيضِ وَارِثُهُ مُطْلَقًا أَمْ فِيهِ تَفْصِيلُ الْأَجْنَبِيِّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي ذَكَرُوهُ أَنَّ الضَّمَانَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ إنْ كَانَ بِحَيْثُ يَثْبُتُ الرُّجُوعُ بِأَنْ أَذِنَ الْأَصِيلُ لِلضَّامِنِ فِي الضَّمَانِ وَالْأَدَاءِ أَوْ فِي الضَّمَانِ فَقَطْ أَوْ فِي الْأَدَاءِ بِشَرْطِ الرُّجُوعِ وَوَجَدَ الضَّامِنُ مَرْجِعًا فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ الْوَارِثِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ رُجُوعُ وَلَا وَجَدَ مَرْجِعًا فَإِنْ كَانَ الضَّمَانُ عَنْ وَارِثٍ فَهُوَ وَصِيَّةٌ لَهُ وَإِنْ كَانَ عَنْ أَجْنَبِيٍّ فَمِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ وَأَجَازَ الْوَارِث نَفَذَ وَإِلَّا بَطَل فِي الزَّائِد فَقَطْ وَمَا ذَكَر عَنْ الْأَنْوَارِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ أَوْ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ وَهُوَ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ ادَّانَ مَبْلَغًا وَضَمِنَهُ جَمَاعَةٌ فَهَلْ يَكُونُ كُلٌّ ضَامِنًا لِلْجَمِيعِ أَوْ بِالْقِسْطِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ قَالُوا مَعًا ضَمِنَّاهُ فَكُلٌّ بِالْقِسْطِ وَإِنْ قَالَ كُلٌّ عَلَى حِدَةِ فَكُلٌّ ضَامِنٌ لِلْجَمِيعِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فِي مَسْأَلَةِ أَلْقِ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ وَأَنَا وَالْجَمَاعَةُ ضَامِنُونَ أَوْ أَنَا ضَامِنٌ وَالْجَمَاعَةُ ضَامِنُونَ فَإِنَّهُ فِي الْأُولَى يَضْمَنُ بِالْقِسْطِ وَفِي الثَّانِيَةِ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْته يُحْمَلُ مَا مَالَ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ لَا يَكُونُ ضَامِنًا إلَّا بِالْقِسْطِ وَمَا صَحَّحَهُ السُّبْكِيّ تَبَعًا لِلْمُتَوَلِّي مِنْ أَنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا لِلْجَمِيعِ. (وَسُئِلَ) عَنْ تَعْيِين ضَمَانِ الدَّرْكِ فِي مِلْكٍ مُعَيَّنٍ يَصِحُّ تَبَعًا أَمْ لَا وَضَمَانُ أَرْشِ الْعَيْبِ الَّذِي يَخَافُ مِنْ حُصُولِهِ يَصِحُّ وَيَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الدَّرْكِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ضَمَانُ الدَّرْكِ هُوَ ضَمَانُ الثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ الْمُعَيَّنُ مُسْتَحَقًّا مَثَلًا أَوْ أُخِذَ بِشُفْعَةٍ أَوْ ضَمَانِ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ إنْ خَرَجَ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ مُسْتَحَقًّا مَثَلًا أَوْ أُخِذَ بِشُفْعَةٍ سَابِقَةٍ عَلَى الْبَيْعِ بِبَيْعٍ آخَرَ أَوْ ضَمَانِ دَرْكِ رَدَاءَةِ جِنْسِ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ أَوْ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي الذِّمَّةِ وَشَكَّ الْمُسْتَحِقُّ عِنْدَ الْقَبْضِ هَلْ الْمَقْبُوضُ مِنْ جِنْسِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ أَرْدَأُ. وَكَذَا لَوْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا فِي الْعِوَضِ صِفَةٍ وَخَشِيَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الصِّفَةُ غَيْرَهَا أَوْ ضَمَان دَرْكِ نَقْصِ صَنْجَةٍ وُزِنَ بِهَا الثَّمَنُ أَوْ الْمَبِيعُ وَمِثْلهَا الْكَيْلُ وَالذِّرَاعُ أَوْ ضَمَانُ دَرْكِ عَيْبِ يَظْهَرُ فِي الْمَبِيع بِأَنْ يَرُدَّ الثَّمَنَ إذَا رَدَّ الْمَبِيعَ أَوْ فِي الثَّمَنِ بِأَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ إذَا رَدَّ الثَّمَنَ بِالْعَيْبِ أَوْ ضَمَانِ دَرْكِ فَسَادٍ يَظْهَرُ فِي الْعَقْدِ بِسَبَبِ غَيْرِ الِاسْتِحْقَاقِ كَتَخَلُّفِ شَرْطِ مُعْتَبَرٍ فِي الْبَيْعِ أَوْ اقْتِرَانِ مُفْسِدٍ بِهِ فَيَصِحُّ الضَّمَانُ

فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ لِلْحَاجَةِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهِ وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ ضَمَانَ الدَّرْكِ لَا يَجْرِي فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ لَا اسْتِقْلَالًا وَلَا تَبَعًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَرَى فِيمَا مَرَّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ مَا جَازَ لِضَرُورَةٍ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَأَنَّهُ أَعْنِي ضَمَانَ الدَّرْكِ إنَّمَا يَدْخُلُ فِي صُوَرِ الْعَيْبِ فِيمَا ذَكَرْته وَهُوَ صِحَّةُ ضَمَانِ دَرْكِ عَيْبٍ يَظْهَرُ فِي الْمَبِيعِ بِأَنْ يَرُدَّ الثَّمَنَ إذَا رَدَّ الْمَبِيعَ بِالْعَيْبِ أَوْ يَظْهَرُ فِي الثَّمَنِ بِأَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ إذَا رَدَّ الثَّمَنَ بِالْعَيْبِ وَأَمَّا ضَمَانُ دَرْكِ أَرْشِ عَيْبٍ يَجِبُ فِي الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ رَدٍّ لَعَيْنِهِمَا بِأَنْ يَقُولَ لِلْمُشْتَرِي ضَمِنْت لَك دَرْكَ ضَمَانِ مَا يَجِبُ لَك عَلَى الْبَائِعِ مِنْ عَيْبٍ قَدِيمٍ إنْ وَجَدْته وَسَقَطَ رَدُّك لِحُدُوثِ عَيْبٍ عِنْدَك أَوْ لِلْبَائِعِ نَظِيرُ ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي مَوَاضِعَ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ ضَمَانَ الدَّرْكِ إنَّمَا يَصِحُّ فِيمَا مَرَّ بَعْدَ قَبْضِ ثَمَنٍ إنْ كَانَ التَّدَارُكَ بِهِ أَوْ مَبِيع إنْ كَانَ التَّدَارُكُ بِهِ قَالُوا؛ لِأَنَّ ضَامِنَ الدَّرْكِ إنَّمَا يَضْمَنُ مَا دَخَلَ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي وَلَزِمَهُ رَدُّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الِاسْتِحْقَاقِ أَوْ نَحْوِهِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ. اهـ. فَكَذَا الْأَرْشُ الْمَذْكُورُ لَمْ يُوجَدْ مُوجِبُهُ حَالَ الْعَقْدِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى ضَمَانِهِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ ضَمَانُ الدَّرْكِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ قَالُوا وَلَوْ ضَمِنَ لِمُشْتَرِي أَرْضٍ لِغَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ عُهْدَةَ ثَمَنِهِمَا وَأَرْشَ نَقْصِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ لَوْ قُلِعَا بِاسْتِحْقَاقٍ صَحَّ ضَمَانُ عُهْدَة الثَّمَنِ دُونَ الْأَرْشِ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عِنْدَ ضَمَانِهِ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ ضَمِنَهُ فَقَطْ قَبْلَ الْقَلْعِ وَلَوْ بَعْدَ ظُهُورِ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إنْ عَلِمَ قَدْرَهُ. اهـ. فَكَذَا يُقَالُ فِي ضَمَانِ أَرْشِ عَيْبٍ مُطَّلَعٍ عَلَيْهِ فِي الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ إنْ كَانَ بَعْدَ ظُهُورِهِ وَعَلِمَ قَدْرَهُ صَحَّ ضَمَانُهُ وَلَا يَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الدَّرْكِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ ضَمَانَ الدَّرْكِ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ عُهْدَةَ الثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي فَبَانَ فَسَادُ الْعَقْدِ بِشَرْطٍ أَوْ غَيْرِهِ مَا عَدَا الِاسْتِحْقَاق أَوْ فَسَخَ الْعَقْدَ بِعَيْبٍ أَوْ وَجَبَ بِهِ أَرْشٌ لِحُدُوثِ مَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِهِ كَحُدُوثِ كَحُدُوثِ عَيْبٍ عِنْدَهُ أَوْ انْفَسَخَ الْبَيْعُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ بَعْدَهُ بِخِيَارٍ أَوْ تَقَايُلٍ لَمْ يُطَالَبْ بِالثَّمَنِ أَوْ الْأَرْشِ ضَامِنُ الْعُهْدَةِ بَلْ الْبَائِعُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ ضَمَانِهَا إنَّمَا هُوَ الرُّجُوعُ عَلَى الضَّامِنِ بِسَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ. وَفِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا قَبْلَ ذَلِكَ لَوْ ضَمِنَ عُهْدَة فَسَادِ الْبَيْعِ بِغَيْرِ الِاسْتِحْقَاقِ أَوْ عُهْدَةَ الْعَيْبِ أَوْ التَّلَفِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ صَحَّ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ وَلَا يَنْدَرِجُ ذَلِكَ تَحْتَ ضَمَانِ الْعُهْدَةِ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ ضَمَانِهَا إنَّمَا هُوَ الرُّجُوعُ بِسَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ. اهـ. وَمَعْنَى ضَمَانِ عُهْدَةِ الْعَيْبِ فِيمَا ذُكِرَ كَمَا يُعْلَمُ بِتَأَمُّلِ كَلَامِهِمْ الْمَذْكُورِ مَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّهُ يَرُدُّ الثَّمَنَ إذَا رَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ أَوْ يَرُدُّ الْمَبِيعَ إذَا رَدَّ الثَّمَن بِالْعَيْبِ وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِضَمَانِ عُهْدَةِ الْعَيْبِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا فَلَا تَعَرُّضَ فِيهَا لِصُورَةِ السُّؤَالِ بِطَرِيقِ التَّصْرِيحِ أَصْلًا خِلَافًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْهَا بِبَادِئِ الرَّأْيِ وَإِنَّمَا اقْتَضَى كَلَامُهُمْ فِي مَوْضِعِ الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ وَفِي مَوَاضِع عَدَمَهَا وَهُوَ الَّذِي يَتَّجِهُ كَمَا قَدَّمْته ثُمَّ رَأَيْت الْمَسْأَلَة مَنْصُوصَةً بِعَيْنِهَا لِأَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ لَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيهَا فَمِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ الصِّحَّةَ وَمِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ عَدَمَهَا. وَعِبَارَةُ الْجَوَاهِرِ لَوْ قَالَ ضَمِنْتُ لَك أَرْشَ مَا يَظْهَر مِنْ عَيْبٍ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَصِحُّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَوْرَدَهُ سُلَيْمٌ وَثَانِيهمَا لَا يَصِحُّ وَصَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الطَّبَرِيُّ وَلِتَأَخُّرِ هَذَيْنِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَاسْتِدْرَاكهمَا عَلَيْهِ كَانَ مَا قَالَاهُ أَوْلَى بِالِاعْتِمَادِ وَهُوَ الَّذِي رَجَّحْته فِيمَا مَرَّ وَيُوَجَّهُ أَيْضًا بِأَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ فِي ضَمَانِ الدَّرْكِ هُوَ الْأَصْلُ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إذْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهُ عِنْدَ الْعَقْدِ بِخِلَافِ نَحْو الْفَسَادِ أَوْ نَقْصِ الصَّنْجَةِ فَإِنَّهُ مَوْجُودٌ عِنْدَ الْعَقْدِ وَيُخْشَى مَعَهُ مِنْ فَوَاتِ عَيْنِ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ فَمَسَّتْ الْحَاجَة إلَى ضَمَان دَرْكِ عَيْنِهِمَا وَأَمَّا الْعَيْبُ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ظُهُورِهِ وَعَدَمِ صِحَّةِ ضَمَانِ دَرْكِهِ فَوَاتُ عَيْنٍ أَصْلًا لَا بَعْضًا وَلَا كُلًّا وَإِنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَوَاتُ وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِ الثَّمَنِ أَوْ الْمَبِيعِ مَعَ أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ الْفَوَاتِ هُوَ تَعَاطِيهِ الرَّدَّ بِاخْتِيَارِهِ. وَمَعَ صِحَّةِ الْبَيْعِ فِي جَمِيعِ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ لَوْ لَمْ يُرَدَّ فَلَمْ يَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ

إلَى ضَمَانِ أَرْشِ ذَلِكَ الْعَيْبِ فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا قُلْته أَوَّلًا تَخْرِيجًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ الْمَنْقُولُ عَلَى أَحَدِ ذَيْنك الْوَجْهَيْنِ الَّذِي هُوَ أَوْلَاهُمَا بِالِاعْتِمَادِ لِتَأَخُّرِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالطَّبَرِيِّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ الْمُصَحِّحِ لِمُقَابِلِهِ وَاطِّلَاعِهِمَا عَلَى تَصْحِيحِهِ مَعَ عَدَمِ الِالْتِفَاتِ إلَيْهِ عَلَى أَنَّ الطَّبَرِيَّ لَمْ يَعْتَدَّ بِذَلِكَ الْوَجْهِ الْمُقَابِلِ الْقَائِلِ بِالصِّحَّةِ حَيْثُ جَزَمَ بِعَدَمِهَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْقَائِلِينَ بِهَا وَقَدْ سَبَقَ الْقَمُولِيَّ إلَى حِكَايَةِ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي عَيْنِ صُورَةِ السُّؤَالِ شَيْخُهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَنُقِلَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ فِيهَا الصِّحَّةَ وَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ عَلَى الضَّامِنِ وَأَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ وَجْهًا وَاحِدًا ثُمَّ قَالَ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الضَّمَانَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَصِحُّ قَالَ وَفِيهِ وَجْهٌ. اهـ. فَأَشْعَرَ قَوْلُهُ أَعْنِي ابْنَ الرِّفْعَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ حَكَى عَدَمَ الصِّحَّةِ وَقَوْلُهُ وَفِيهِ وَجْهٌ بِأَنَّ مَقَالَةَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَجْهٌ ضَعِيفٌ فِي الْمَذْهَبِ وَأَنَّ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ صِحَّةِ ضَمَانِ أَرْشِ الْعَيْبِ وَهُوَ مَا قَدَّمْته وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. (وَسُئِلَ) عَنْ مَظْلُومٍ أَذِنَ لِآخَرِ فِي دَفْعِ مَظْلِمَةٍ عَنْهُ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ كَمَا قَالُوهُ فِي الْأَسِيرِ إذَا قَالَ لِآخَرَ افْدِنِي بِكَذَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ الرُّجُوعَ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ قَالَ مَنْ ضَمِنَ لِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَزَوْجَتِي طَالِقٌ فَضَمِنَ لَهُ الْأَلْفَ شَخْصَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ شَخْصَيْنِ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا فَهَلْ يَصِحُّ الضَّمَان وَيَقَع الطَّلَاق بَائِنًا أَمْ لَا وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَضَمِنَ لَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو الْأَلْفَ مَعًا فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِذَلِكَ بَائِنًا وَلَهُ مُطَالَبَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْأَلْفِ أَوْ لَا يُطَالِبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا بِخَمْسِمِائَةٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُرَادُ بِالضَّمَانِ هُنَا حَيْثُ أُطْلِقَ الِالْتِزَامُ فَمَتَى الْتَزَمَ لَهُ بِالْأَلْفِ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ وَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا فَإِنْ الْتَزَمَ كُلٌّ مِنْ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بِالْأَلْفِ مَعًا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ فِي مُطَالَبَةِ أَيٍّ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ بِهِ أَوْ مُرَتَّبًا وَقَعَ بِالْأَوَّلِ فَيُطَالَبُ بِالْأَلْفِ وَحْدَهُ فَإِنْ الْتَزَمَ كُلٌّ بِبَعْضِ الْأَلْفِ وَقَعَ الطَّلَاقُ عِنْدَ تَمَامِ الْتِزَامِ الْأَلْف. وَيُطَالَبُ كُلٌّ بِمَا الْتَزَمَهُ إلَّا الْأَخِيرَ فَإِنَّهُ إذَا الْتَزَمَ مَا يُوَفِّي الْأَلْفَ وَزِيَادَةً لَا يُطَالَبُ إلَّا بِتَتِمَّةِ الْأَلْفِ لَا غَيْرُ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَفْظ مَنْ يَشْمَلُ الْوَاحِدَ وَالزَّائِدَ عَلَيْهِ وَلَفْظُ الضَّمَانِ الْمُرَادُ بِهِ الِالْتِزَامُ أَوْ الْمُنْصَرِفُ إلَيْهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي مُقَابَلَتِهِ وَحَيْثُ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي مُقَابَلَة مَالٍ رَاجِعٍ إلَى الزَّوْجِ فَهُوَ بَائِنٌ وَلَفْظُ الْأَلْفِ مَعَ رِعَايَةِ مَنْ يَشْمَلُ وُجُودَ الْتِزَامِهِ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا تَقَرَّرَ كَمَا أَنَّهُ أَرَادَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ فِي مُقَابَلَةِ التَّلَفُّظ بِالضَّمَانِ لَا الْتِزَامَهُ فَتَلَفَّظَ بِهِ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ فَإِنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ أَيْضًا لَكِنَّهُ رَجْعِيٌّ لَا بَائِن. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا صَرَّحَ الْمَالِكُ بِإِبْرَاءِ الْغَاصِبِ عَنْ ضَمَانِ الْغَصْبِ وَالْمَغْصُوبُ بَاقٍ فِي يَده صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ يَبْرَأُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا صَارَتْ الْوَدِيعَة مَضْمُونَة عَلَى الْمُودَع فَأَبْرَأَهُ الْمَالِكُ وَصَحَّحَ أَنَّهُ يَعُودُ أَمِينًا فَهَلْ ذَلِكَ تَنَاقُضٌ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَوْ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَرْقٌ وَمَا الرَّاجِح فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ وَقَوْلُ السَّائِلُ إنَّ النَّوَوِيَّ صَحَّحَ أَنَّهُ يَبْرَأُ لَيْسَ بِصَحِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَحِّحْ شَيْئًا مِنْ عِنْدِ نَفْسه. وَإِنَّمَا الَّذِي وَقَعَ لَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَة أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ تَصْحِيحَ الرَّافِعِيِّ عَدَمَ الْبَرَاءَةِ زَادَ أَنَّ غَيْرَ الرَّافِعِيِّ كَالْبَغَوِيِّ صَحَّحَ الْبَرَاءَةَ وَهِيَ ظَاهِرُ النَّصِّ فِي الشَّامِلِ وَالْمُهَذَّبِ أَيْ وَصَرَّحَ بِهَا الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا وَمَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ الْمُعْتَمَدُ مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ مُخْتَصِرُو الرَّوْضَة وَالْمُتَكَلِّمُونَ عَلَيْهَا وَغَيْرُهُمْ وَقَدْ أَشَارَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ إلَى وَجْهِ ضَعْفِ مَا فِيهَا وَهُوَ أَنَّ مَا ذُكِرَ عَنْ هَؤُلَاءِ مِنْ الْبَرَاءَةِ إنَّمَا هُوَ وَجْهٌ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ عَمَّا لَمْ يَجِبْ وَوَجَدَ سَبَبَ وُجُوبِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ فَكَذَا هُنَا وَيُفَرَّق بَيْنَ هَذَا وَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ فِي الْوَدِيعَةِ مِنْ أَنَّهَا إذَا صَارَتْ مَضْمُونَةً بِانْتِفَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ فَأَحْدَث لَهُ الْمَالِكُ اسْتِئْمَانًا أَوْ إبْرَاءً أَوْ إيدَاعًا أَوْ إذْنًا فِي حِفْظِهَا فَإِنَّهُ يَبْرَأُ بِأَنَّ الْإِيدَاعَ لَا يُجَامِعُ الضَّمَانَ لِتَأَصُّلِ الْأَمَانَةِ فِيهِ فَبِالْخِيَانَةِ فِيهَا صَارَتْ غَيْرَ وَدِيعَةٍ وَمِنْ ثَمَّ لَزِمَهُ رَدّهَا فَوْرًا فَإِذَا أَحْدَثَ لَهُ الْمَالِكُ مَا ذُكِرَ صَارَ ذَلِكَ اسْتِيدَاعًا جَدِيدًا وَيَلْزَمُهُ ارْتِفَاعُ حُكْمِ الْأَوَّلِ وَمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنْ الضَّمَانِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الضَّمَانَ لَا يُجَامِعُ الْإِيدَاعَ أَصْلًا وَأَمَّا الْغَصْبُ فَهُوَ بَاقٍ لَا يَرْتَفِعُ بِالْإِبْرَاءِ وَإِنَّمَا الْمُرْتَفِعُ بِهِ عَلَى الْقَوْلِ

باب الشركة

بِصِحَّةِ الْإِبْرَاءِ حُكْمه مِنْ الضَّمَانِ فَقَطْ سَوَاءٌ أَقُلْنَا بِصِحَّةِ الْإِبْرَاءِ أَمْ لَا فَتَمَحَّضَ الْإِبْرَاءُ فِيهِ إلَى أَنَّهُ أَبْرَأَ عَمَّا لَمْ يَجِبْ وَوُجِدَ سَبَبُ وُجُوبِهِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْأَصَحَّ عَدَمُ صِحَّتِهِ. (وَسُئِلَ) عَنْ تَضْمِينِ وَكِيلِ الْمَالِكِ نَصِيبَ الْفُقَرَاءِ مِنْ الزَّكَاةِ هَلْ يَقُولُ ضَمِنْت مُوَكِّلَك أَوْ جَعَلْتُهُ ضَامِنًا الرُّطَبَ بِكَذَا كَمَا فِي نَظِيرِهِ فِيمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِالضَّمَانِ حَيْثُ قَالُوا صِيغَتُهُ أَنْ يَقُولَ جَعَلْتُ مُوَكِّلِي ضَامِنًا لَك بِكَذَا أَمْ يَقُولُ غَيْرَ ذَلِكَ وَمَا هُوَ وَكَذَلِكَ الْوَكِيلُ فِي الْجِعَالَةِ إذَا أَرَادَ أَنْ يُجَاعِلَ لِمُوَكِّلِهِ شَخْصًا هَلْ يَقُولُ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَى فُلَانٍ كَذَا أَمْ لَا فَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِمَا لَفْظُهُ إنَّ الْوَكِيلَ بِالْتِزَامِ الْجُعْلِ فِي الْجَعَالَةِ كَوَكِيلِ الزَّوْجَةِ بِالْتِزَامِ عِوَضِ الْخُلْعِ فَلَهُ التَّصْرِيحُ بِإِضَافَةِ الْمَالُ إلَى الْمُوَكِّلِ وَبِالْوِكَالَةِ مَعًا وَبِأَحَدِهِمَا فَقَطْ كَأَنْ يَقُولَ إنْ رَدَدْت عَبْدَ زَيْدٍ أَوْ حَجَجْت عَنْهُ فَلَكَ فِي ذِمَّتِهِ كَذَا وَذَلِكَ بِوَكَالَتِهِ أَوْ وِصَايَته إلَيَّ وَلَا يَقُولُ فَعَلَيَّ كَذَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِقْلَالٌ بِالْتِزَامِ الْمَالِ وَتَلْغُو نِيَّتُهُ إنْ نَوَى ذَلِكَ فَهَلْ مَا قَالَهُ صَحِيحٌ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا ذُكِرَ فِيهِ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ أَمَّا ضَمِنْت مُوَكِّلَك فَلِخُلُوِّهِ عَنْ الْخِطَابِ فَهُوَ كَبَعْثِ مُوَكِّلِك وَهُوَ لَا يَصِحُّ لِعَدَمِ انْتِظَامِ الصِّيغَةِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْوَكِيلِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بِعْتُك لِمُوَكِّلِك فَكَذَا هُنَا لَا بُدَّ مِنْ ضَمِنْتُك لِمُوَكِّلِك وَأَمَّا جَعَلْته ضَامِنًا فَلِأَنَّهُ لَيْسَ وَكِيله حَتَّى يَجْعَلَهُ ضَامِنًا وَبِهَذَا فَارَقَ قَوْلَ وَكِيلِ الضَّمَانِ جَعَلْتُ مُوَكِّلِي ضَامِنًا وَكَيْفَ تُقَاسُ تِلْكَ عَلَى هَذِهِ فَتَعَيَّنَتْ الصِّيغَةُ الْأُولَى وَنَحْوِهَا وَمَا ذُكِرَ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي وَكِيلِ الْجِعَالَةِ غَيْرُ بَعِيدٍ. [بَاب الشَّرِكَةِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا فِي مَالٍ بِالسَّوِيَّةِ وَعَقَدَا عَلَيْهِ عَقْدَ شَرِكَة وَتَسَلَّمَ الْمَالَ أَحَدهمَا وَتَبَرَّعَ بِعَمَلِهِ لِصَاحِبِهِ وَتَبَرَّعَ الثَّانِي لِلْمُتَبَرِّعِ الْمَذْكُورِ بِمُؤْنَتِهِ مِنْ أَصْلِ الشَّرِكَةِ وَرِبْحِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَيِّنَ قَدْرًا مَعْلُومًا فَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فِي الْمُتَبَرِّعِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فَهَلْ لِلْمُتَبَرِّعِ الْأَوَّلِ الرُّجُوعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَهَلْ لِلثَّانِي مُطَالَبَتُهُ بِالْمُؤْنَةِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ جَعَلَا الْمُؤْنَةَ فِي مُقَابَلَةِ الْعَمَلِ وَجَبَ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ وَإِنْ لَمْ يَجْعَلَاهَا فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ وَفِي الْحَالَيْنِ التَّبَرُّعُ بِالْمُؤْنَةِ غَيْر صَحِيحٍ فَلِلشَّرِيكِ الرُّجُوعُ بِحِصَّتِهِ مِنْهَا مُطْلَقًا، وَاَللَّهُ أَعْلَم. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سُؤَالًا صُورَتُهُ سُئِلَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ عَنْ كِتَابِ مُشْتَرَكٍ لِجَمَاعَةٍ وَفِيهِمْ مَحْجُور عَلَيْهِ فَهَلْ يَجُوزُ لِأَحَدٍ مُطَالَعَةُ الْكِتَابِ بِإِذْنِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ مِنْ غَيْرِ إجَازَةٍ حَيْثُ لَا ضَرَرَ فَإِنْ قُلْتُمْ لَا يَجُوزُ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيْنَ مَا نُقِلَ عَنْ الْجُوَيْنِيِّ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ دُخُولُ الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ بِإِذْنِ الشُّرَكَاءِ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ مُطَالَعَةُ الْكِتَابِ الْمُشْتَرَكِ بِشَرْطِ سَلَامَتِهِ وَالْخَوْفِ عَلَيْهِ مِنْ الْأَرَضَةِ وَالتُّرَابِ وَالْغُبَارِ وَخَوْفِ الْفَسَادِ وَلَا يَجُوزُ لِأَجْنَبِيٍّ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْكِتَابِ إلَّا بِإِذْنِهِمْ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. جَوَابُهُ فَهَلْ جَوَابُكُمْ كَذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ لِشَرِيكٍ وَلَا لِغَيْرِهِ الْمُطَالَعَةُ فِي الْمُشْتَرَكِ إلَّا بِإِذْنِ جَمِيعِ الشُّرَكَاءِ الْكَامِلِينَ فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ قَاصِرٌ لَمْ يَجُزْ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَأْذَنَ لِأَحَدٍ فِي الْمُطَالَعَةِ فِيهِ إلَّا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ بِشَرْطِ الْمَصْلَحَةِ فَإِنْ كَانَ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ كَشَرِيكٍ أَوْ وَدِيعٍ وَخَشِيَ عَلَيْهِ مِنْ التَّلَفِ إنْ لَمْ يَتَعَهَّدْهُ بِالنَّفْضِ وَغَيْرِهِ لَزِمَهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْمُطَالَعَةُ فِيهِ لِأَجَلِ ذَلِكَ خِلَافًا لِمَا ذُكِرَ عَنْ هَذَا الْمُفْتِي وَكَأَنَّهُ تَوَهَّمَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ يَجِبُ عَلَى الْوَدِيعِ لُبْسُ نَحْوِ الصُّوف وَالْجُوخِ وَلَيْسَ كَمَا فَهِمَهُ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنَّ الْعَتَّ فِي الثِّيَابِ لَا يَنْدَفِعُ إلَّا إنْ عَبِقَتْ فِيهِ رَائِحَةُ الْآدَمِيِّ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ جَازَ اللُّبْسُ بَلْ وَجَبَ بِخِلَافِ الْأَرَضَةِ هُنَا فَإِنَّهَا تَنْدَفِعُ مِنْ الْكُتُبِ بِمُجَرَّدِ التَّقْلِيبِ وَالنَّفْضِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى الْمُطَالَعَةِ فَلَمْ تَجُزْ نَعَمْ إنْ فُرِضَ أَنَّهُ نَظَرَ فِيهَا حَالَ النَّفْضِ وَلَمْ يَمْضِ زَمَنٌ لِأَجْلِ الْمُطَالَعَةِ لَمْ يَبْعُدْ الْقَوْلُ بِحِلِّ ذَلِكَ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا نُقِلَ عَنْ الْجُوَيْنِيِّ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ اطَّرَدَتْ بِأَنَّ الشُّرَكَاءَ إذَا سَامَحُوا بَعْضَهُمْ بِسُكْنَى الْمُشْتَرَكِ سَامَحُوهُ فِي أَنْ يَأْذَنَ لِمَنْ أَرَادَ فِي الدُّخُولِ إلَيْهِ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْكُتُبِ إذْ كَثِيرًا مَا يَسْمَحُ الشَّخْصُ لِوَاحِدٍ وَيَضِنُّ بِهِ عَنْ أَشْخَاصٍ وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ قَوْلُ الْفَتَاوَى عَنْ

باب الوكالة

الْأَصْحَابِ يَجُوزُ الْمُرُورُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ إذَا لَمْ يَصِرْ بِذَلِكَ طَرِيقًا لِلنَّاسِ قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَلَوْ مَنَعَهُ الْمَالِكُ مِنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الِامْتِنَاعُ. اهـ. فَعُلِمَ بِهَذَا صِحَّةُ مَا قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ بِالْأَوْلَى. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ أُتِيَ بِآخَرَ جَاهِلٍ بِالْبَضَائِعِ وَالْأَثْمَانِ لِمَنْزِلِهِ وَعَرَضَ عَلَيْهِ أَصْنَافًا مِنْ بِضَاعَتِهِ قَوَّمَهَا بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ بِحَسَبِ اخْتِيَارِهِ وَوَزَنَ بَعْضَهَا فَتَاهَ بَعْضهَا وَجَعَلَهَا ضِمْنَ خَيْش وَمَعَ ذَلِكَ الرَّجُلِ دَارِهِمْ قَدْرُ قِيمَتِهَا فَبَاعَهُ نِصْفَهَا بِنِصْفِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُمَيِّزَهَا ثُمَّ عَقَدَا شَرِكَةً عَلَيْهَا وَعَلَى الدَّرَاهِمِ وَأَذِنَ لَهُ فِي السَّفَرِ بِهِمَا وَالشِّرَاءِ بِهِمَا مَا أَحَبّ فَسَافَرَ ثُمَّ بَاعَهَا فَنَقَصَتْ عَنْ تَقْوِيمِهِ فَهَلْ الْخَسَارَةُ عَلَيْهِمَا وَهَلْ الْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرِكَةُ كَذَلِكَ أَوْ لَا وَهَلْ يَلْزَمُ الْمُتَصَرِّفَ مِثْلُهَا أَوْ قِيمَتُهَا أَوْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي مَبِيعِهَا؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِيهِ وَيَرْجِعُ بِمَا صَرَفَهُ عَلَيْهَا وَحَلَّفَهُ أَنَّهُ لَمْ يَخُنْهُ فِي وَزْنِهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا لَمْ يَرَ الْمُشْتَرِي تِلْكَ الْأَصْنَافَ الرُّؤْيَةَ الْمُمَيِّزَةَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ غَيْره فَالشِّرَاءُ بَاطِلٌ. وَكَذَا عَقْدُ الشَّرِكَةِ فَالدَّرَاهِمُ كُلُّهَا عَلَى مِلْكِ مَالِكِهَا وَالْأَصْنَافُ كُلُّهَا عَلَى مِلْكِ مَالِكِهَا لَكِنْ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي قَدْ وَقَعَ فِي نِصْفِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ فَيَلْزَمُهُ فِي الْمِثْلِيِّ مِنْهَا الْمِثْلُ وَفِي الْمُتَقَوِّمِ أَقْصَى قِيمَةٍ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ إلَى التَّلَفِ وَفِي نِصْفِهَا الْآخَرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ وَكِيلٌ فِيهِ فَلَا يَلْزَمهُ إلَّا مَا بَاعَ بِهِ إنْ كَانَ ثَمَنُ الْمِثْلِ فِي الْمَحَلِّ الْمَأْذُونِ لَهُ فِيهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ الْخَسَارَةِ فِي هَذَا النِّصْفِ شَيْءٌ وَمَا صَرَفَهُ عَلَى النِّصْفِ الْأَوَّل لَا يَرْجِعُ بِهِ وَمَا صَرَفَهُ عَلَى النِّصْفِ الثَّانِي بِالْإِذْنِ يَرْجِعُ بِهِ وَلَوْ تَنَازَعَا فِي قَدْر وَزْنهَا صُدِّقَ الْقَابِض بِيَمِينِهِ فِي أَنَّهُ لَمْ يَضَعْ يَدَهُ إلَّا عَلَى الْقَدْرِ الْفُلَانِيِّ مِنْهَا وَعَلَى الْمُقْبِضِ الْبَيِّنَةَ، وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْوَكَالَةِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ تَأَمُّلِ مَضْمُونِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَمَا احْتَوَتْ عَلَيْهِ مِنْ التَّوْكِيلِ وَالْإِذْنِ مِنْ الْمُوَكِّلَةِ لِوَكِيلِهَا الشَّرْعِيِّ وَهَلْ هِيَ وَكَالَةٌ مِنْ الْمُوَكِّلَةِ عَنْهَا وَعَنْ وَلَدِهَا كَافَّة هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَنْ الْمُوَكِّلَةِ وَعَنْ وَلَدهَا أَمْ هِيَ مُقْتَصِرَةٌ عَلَى التَّوْكِيلِ مِنْ الْمُوَكِّلَةِ فَقَطْ غَيْر دَاخِلٍ فِيهَا وَلَا فِي مَعَانِيهَا التَّوْكِيلُ عَنْ الْوَلَدِ وَبَيَّنُوا أَنَّ الْمُوَثِّقَ قَالَ فِي الْوَثِيقَةِ وَكَّلَتْ فُلَانَةَ الْفُلَانِيَّةَ فِي جَمِيعِ تَعَلُّقَاتِهَا وَجِهَادَتِهَا وَإِيجَارِ مَا تَرَى فِي إيجَارِهِ مِنْ كَامِلِ الْعَقَارِ وَمَشَاعِهِ الْكَائِنِ بِكَذَا وَكَذَا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَمَا فَوْقَهَا وَفِي قَبْضِ الْأُجْرَةِ وَغَيْرِهَا وَفِي الدَّعْوَى بِحُقُوقِ الْمُوَكِّلَةِ لَدَى السَّادَةِ الْقُضَاةِ وَغَيْرِهِمْ وَكَالَةً صَحِيحَةً شَرْعِيَّةً مُطْلَقَةً فِي ذَلِكَ غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ أَقَامَتْهَا فِي ذَلِكَ مَقَامَ نَفْسِهَا وَرَضِيت بِقَوْلِهَا وَفِعْلِهَا وَأَذِنْت لَهَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَنْ نَفْسِهَا وَعَنْ مَحْجُورِهَا وَلَدِهَا فُلَانٍ الْمَشْمُولِ بِحَجْرِهَا بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ وَالِدِهِ الْمَذْكُورِ إذْنًا شَرْعِيًّا وَإِذَا اتَّصَلَ بِقَاضِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ هَذَا الْإِيصَاءُ أَوْ بِثُبُوتِ الْوَصِيِّ الَّذِي أَثْبَتَهُ تَصِحُّ ذِي الْوَكِيلَةُ عَنْ هَذَا الْمَحْجُورِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ الْمَذْكُورَةُ أَنَّ ذَلِكَ وَكَالَةً عَنْهَا وَعَنْ مَحْجُورِهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَأَذِنْت لَهَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ جَمِيعِ تَعَلُّقَاتِهَا وَجِهَاتِهَا وَهَذَا يَشْمَلُ مِلْكَهَا وَمَا لَهَا التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْوَصِيَّةِ أَوْ غَيْرِهِ فَصَحَّ رُجُوعُ قَوْلِهَا عَنْ نَفْسِهَا وَعَنْ مَحْجُورِهَا إلَى جَمِيعِ مَا قَبْلَهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ مِلْكِهَا وَمِلْكِ مَحْجُورِهَا فَلِلْوَكِيلِ حِينَئِذٍ الدَّعْوَى عَنْ هَذَا الْمَحْجُورِ لَكِنْ إنْ وُجِدَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْوَكَالَةِ عَنْ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ قَالَ أَنْتَ وَكِيلٌ بِبَيْعِ كَذَا وَتَجِيئُنِي بِالثَّمَنِ هَذَا الْيَوْمَ وَإِنْ لَمْ تَجِئْنِي بِهِ فَلَسْت بِوَكِيلٍ فَبَاعَ الْوَكِيلُ وَلَمْ يَأْتِهِ بِالثَّمَنِ لَكِنَّهُ قَبَضَهُ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ لَفْظُ الْمُوَكِّلِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ تَجِئْنِي بِهِ فَلَسْت بِوَكِيلٍ إنْ لَمْ تَجِئْنِي بِهِ الْيَوْمَ فَلَسْت بِوَكِيلٍ فِيهِ وَلَا فِيمَا بَعْدَهُ فَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ مُرَادُهُ أَوْ جُهِلَ حَاله عَمِلْنَا بِقَضِيَّتِهِ اتِّبَاعًا لِمُرَادِهِ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلِمَا دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ لَفْظِهِ فِي الثَّانِي وَتِلْكَ الْقَضِيَّةُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِئْهُ بِهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ كَانَ مَعْزُولًا فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ فَبَيْعُهُ الْمَذْكُورُ إنْ وَقَعَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَمْ يَجِئْهُ بِالثَّمَنِ كَانَ فَاسِدًا؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ حِينَئِذٍ مُوَقَّتَةٌ بِزَمَنٍ وَمُعَلَّقٍ

عَزْلُهَا بِشَرْطٍ وَحُكْمُهَا مَا ذُكِرَ وَحَيْثُ صَحَّ بَيْعُهُ فَلَمْ يَقْبِضْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَبَضَهُ وَالْبَيْعُ فَاسِدٌ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ أَوْ وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ إنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي قَبْضِهِ وَإِلَّا ضَمِنَهُ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ وَكَّلَ شَخْصًا مُعَيَّنًا فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ وَكَّلَ كُلَّ مُسْلِمٍ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ فِي تَعَاطِي ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ الْمَذْكُورِ فَهَلْ يَسُوغُ تَوْكِيلُ الثَّانِي أَمْ لَا لِجَهَالَتِهِ وَيَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ أَمْ لَا أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ مُرَتَّبًا وَأَزِيلُوا اللَّبْسَ أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَفَسَّحَ فِي مُدَّتِكُمْ بِبَلَدِهِ الْحَرَامِ وَبَلَّغَكُمْ جَمِيعَ الْمَرَامِ بِجَاهِ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَوْكِيلُ الثَّانِي الْمَجْهُولِ صَحِيحٌ أَيْ إنْ أَرَادَ بِعِنْدَ التَّعَذُّرِ أَنَّهُ شَرْطٌ لِلتَّصَرُّفِ وَفَاسِدٌ إنْ أَرَادَ بِهِ تَعْلِيقَ الْوَكَالَةِ وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ إذَا وُجِدَ شَرْطُهُ أَوْ مَا عَلَّقَهُ بِهِ وَلَا يَضُرُّ الْجَهْلُ بِهِ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ عَهْدَهُ قَالَ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ اهـ. وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ نَظِيرُهُ الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي الْمُوَكَّلِ فِيهِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّا وَإِنْ قُلْنَا بِهَذَا فِي الْوَكِيلِ لَا نَقُولُ بِنَظِيرِهِ فِي الْوَصِيِّ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّهُ يُحْتَاطُ فِيهِ بِالْعَدَالَةِ وَغَيْرِهَا مَا لَا يُحْتَاطُ بِهِ فِي الْوَكِيلِ فَاغْتُفِرَ الْجَهْلُ هُنَا تَبَعًا وَلَمْ يُغْتَفَرْ ثَمَّ مُطْلَقًا وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ صِحَّةَ الْوِصَايَةِ مَعَ التَّعْلِيقِ وَالشَّرْط بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ وَإِنْ نَفَذَ التَّصَرُّفُ فِيهَا؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْوِصَايَةِ عَلَى التَّعْلِيقِ إذْ هِيَ تَعْلِيق تَصَرُّفٍ بِالْمَوْتِ فَلَمْ يَكُنْ التَّعْلِيقُ مُنَافِيًا لَهَا بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ فَإِنَّ وَضْعَهَا عَلَى التَّنْجِيزِ فَنَافَاهَا كُلٌّ مِنْ التَّعْلِيقِ وَالشَّرْطِ، وَاَللَّه أَعْلَم. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ وَكَّلَ آخَرَ فِي بَيْعِ مَا هُوَ مُرْسِلٌ صُحْبَتَهُ مِنْ الْبَضَائِعِ مِنْ أَصْنَافِ التِّجَارَةِ وَمِنْ فَتْحٍ حَاصِلٍ لَهُ آخَر فِي بَلَدٍ آخَر مَعْلُومَةٍ وَفِي قَبْضِ مَا فِيهِ وَبَيْعِهِ مِنْ الْبَضَائِعِ وَأَذِنَ لَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِيمَا يَرَاهُ مِنْ الْأَصْنَافِ وَإِرْسَالِ مَا يَرَاهُ مِنْ الْبَعْضِ بَحْرًا وَبَرًّا إلَى بَلَدِ الْمُوَكِّلِ فَتَصَرَّفَ فِي بَعْضِ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَجَهَّزَ لَهُ فِي تَجْهِيزِهِ صُحْبَة مَنْ أَذِنَ الْمُوَكِّلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرْسَلُ مِنْ الصِّنْفِ الْمَذْكُورِ صُحْبَته فِي مَرْكَبٍ عَيَّنَهُ فَجَهَّزَ الْوَكِيلُ الصِّنْفَ الْمَذْكُورَ وَأَكْرَى عَلَيْهِ بَرًّا وَبَحْرًا وَسَلَّمَ جَمِيع الْكَرْي عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ نَحْوُ ثَلَاثِينَ حِمْلًا ثُمَّ بَعْدَ تَسَلُّمِ الْجَمَّالَةِ الْحِمْلَ الْمَذْكُورَ وَالْكَرْي عَنْهُ وَخَرَجُوا خَارِجَ الْبَلَدِ الْمَذْكُورِ وَرَدَ كِتَابٌ مِنْ الْمُوَكِّل الْمَذْكُورِ بَعْدَ إخْرَاج الصِّنْفِ الْمَذْكُورِ إلَى الْوَكِيلِ بِعَدَمِ تَسْلِيمِ الْجَمَّالَةِ لِلْحِمْلِ الْمَذْكُورِ وَالْكَرْي وَالْحَالُ أَنْ لَا قُدْرَةَ لِلْوَكِيلِ عَلَى رَدِّهِ لِتَعَذُّرِهِ وَعَجْزِهِ عَنْ ذَلِكَ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ هَرَبَتْ الْجَمَّالَةُ خَشْيَةً مِنْ خُرُوجِ الْعِمَارَةِ الْخَنْكَارِيَّةِ وَالْعَسَاكِرِ السُّلْطَانِيَّةِ وَتَضْيِيقُهُمْ الدُّرُوبَ وَالطُّرُقَ وَعَسُرَ رَدُّ الْجَمَّالَةِ وَالْحِمْلِ إلَى الْبَلَدِ وَرَدُّ مَا أَخَذُوهُ وَقَبَضُوهُ مِنْ الْكَرْي لِذَلِكَ. وَفَوَاتُهُ عَلَيْهِ وَيَحْتَاجُ فِي رَدِّهِ إلَى مَصْرِفٍ كَبِيرٍ لِعَوْدِهِ مِنْ خَارِجِ الْبَلَدِ بَعْدَ تَحْصِيلِ الْجَمَّالَةِ وَخَلَاصِ الْكَرْي مِنْهُمْ وَالْحِمْل وَحَمْلِهِ وَتَدْخِيلِهِ إلَى مَالٍ كَثِيرٍ فَرَأَى إبْقَاءَهُ عَلَى الْإِرْسَالِ وَرَأَى ذَلِكَ رِفْقًا بِمَالِ الْمُوَكِّلِ مِنْ تَكَرُّرِ الْكُلَفِ وَالْمَصْرُوفِ عَلَيْهِ وَتَعَذُّره عَلَيْهِ وَعَجْزه عَنْ ذَلِكَ فَوَصَلَ الْحِمْلُ الْمَذْكُورُ إلَى الْمَرْكَبِ الْمَذْكُورِ الْإِرْسَال فِيهِ مُعَيَّنًا كَمَا أَذِنَ فِي ذَلِكَ فَجَرَى عَلَيْهِ الْغَرَقُ فَمَا حُكْمُ اللَّهِ فِي ذَلِكَ هَلْ الْأَعْذَارُ الْمَذْكُورَةُ أَعْلَاهُ مَقْبُولَةٌ مِنْ الْوَكِيلِ الْمَذْكُورِ وَتَبْرَأُ عُهْدَتُهُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِعَجْزِهِ وَتَعَذُّرِهِ عَلَيْهِ وَهَلْ تُقْبَلُ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ أَوْ حَلِفُهُ عَلَى ذَلِكَ وَإِذَا أَقَامَ الْمُوَكِّلُ الْمَذْكُورُ بَيِّنَةً تُنَافِي بَيِّنَةَ الْوَكِيلِ أَوْ حَلَفَ يُعْمَلُ بِبَيِّنَةِ الْمُوَكِّلِ أَوْ بَيِّنَةِ الْوَكِيلِ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ إذَا عَجَزَ الْوَكِيلُ عَنْ تَخْلِيصِ الْأَحْمَالِ الْمَذْكُورَةِ مِمَّنْ أَعْطَاهَا لَهُمْ بِأَنْ امْتَنَعُوا مِنْ إعْطَائِهَا لَهُ لِشَوْكَتِهِمْ أَوْ هَرَبِهِمْ وَثَبَتَ عَجْزُهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِحَلِفِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ لَمْ يَضْمَنْ مَا غَرِقَ مِنْهَا وَلَا عِبْرَةُ بِوُصُولِ الْكِتَابِ إلَيْهِ حِينَئِذٍ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى تَخْلِيصِهَا مِنْهُمْ بِنَفْسِهِ أَوْ بِالْحُكَّامِ فَتَرَكَ لَمَّا رَأَى فِي ذَلِكَ الْحَظَّ لِلْمُوَكِّلِ بِتَرْكِ مَا يُصْرَفُ عَلَى رَدِّهَا إلَى مَحَلِّهَا فَإِنْ ثَبَتَ أَوْ صَدَّقَ الْوَكِيلُ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَهُ خَطُّ الْمُوَكِّلِ أَوْ أَمَرَ بِهِ وَصَدَّقَهُ الْوَكِيلُ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِكِتَابَتِهِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ أَلْفَاظُهُ أَوْ حَلَفَ الْمُوَكِّلُ عَلَى ذَلِكَ ضَمِنَ الْوَكِيلُ مَا أَرْسَلَهُ لِتَقْصِيرِهِ بِالْأَرْسَالِ حِينَئِذٍ وَلَا عِبْرَةَ بِكَوْنِهِ قَصَدَ بِعَدَمِ الرَّدِّ الرِّفْقَ بِمَالِ الْمُوَكِّل وَأَمَّا إذَا لَمْ يَثْبُتْ وَلَا صُدِّقَ الْوَكِيلُ عَلَى أَنَّ

ذَلِكَ الْكِتَابَ بِخَطِّ الْمُوَكِّلِ وَلَا بِأَمْرِهِ أَوْ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِكِتَابَتِهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ حِينَئِذٍ وَإِذَا أَقَامَ الْوَكِيلُ بَيِّنَةً بِالْعَجْزِ عَنْ الْأَرْسَالِ وَأَقَامَ الْمُوَكِّلُ بَيِّنَةً بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْإِرْسَالِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْوَكِيلِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ عَنْ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْإِرْسَال وَبَيِّنَةُ الْمُوَكِّلِ مُسْتَصْحِبَةٌ لِأَصْلِ الْقُدْرَةِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْوَكِيلِ هُمَا مُتَعَارِضَتَانِ فَيُصَدَّقُ الْوَكِيلُ بِيَمِينِهِ، وَاَللَّه أَعْلَم (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ وَكَّلْتُك تَقْبِضُ لِي جَمِيعَ أَمْلَاكِي بِبَلَدِ فُلَانٍ وَهُوَ نَاءٍ عَنْهُ وَأَمْلَاكُهُ عَقَارٌ وَمَنْقُولٌ وَبَعْضُ الْمَنْقُولِ مَا يُسَاوِي أُجْرَةَ النَّقْلِ لَوْ نُقِلَ إلَيْهِ فَهَلْ لَهُ بَيْعُ الْعَقَارِ وَمَا يَشُقُّ نَقْلُهُ ثُمَّ يُنْقَلُ ثَمَنُهُ أَمْ لَا فَمَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) لَيْسَ لِلْوَكِيلِ الْبَيْعُ فِيمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ خُصُوصًا وَلَا عُمُومًا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَذِنَ وَلَوْ عُمُومًا كَأَنْ أَمَرَهُ بِفِعْلِ الْأَصْلَحِ أَوْ مَا أَرَادَ فَلَهُ فِي الْأُولَى الْبَيْع إنْ كَانَ أَصْلَحَ وَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ الْبَيْعُ مُطْلَقًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) هَلْ يَقُومُ الْوَكِيلُ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ بِقَبْضِ الزَّكَاةِ لَهُ مِنْ الْبَلَدِ الْبَعِيدَةِ عَنْ بَلَدِ الْمُوَكِّلِ؟ (فَأَجَابَ) لَا يَقُومُ الْوَكِيلُ مَقَام الْمُوَكِّل فِي قَبْضِ الزَّكَاةِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَال؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّل لَمْ يَثْبُت لَهُ حَقّ حَتَّى يُوَكِّلَ فِي اسْتِيفَائِهِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ انْحَصَرَ الْمُسْتَحِقُّونَ فِي بَلَدٍ بِأَنْ كَانَ فِيهِ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ ثَلَاثَةٌ فَأَقَلُّ حَالَ حَوَلَانِ الْحَوْل مَعَ التَّمَكُّنِ جَازَ لِمَنْ سَافَرَ مَعَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَقْبِضُ لَهُ حِصَّتَهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقِّينَ إذَا انْحَصَرُوا كَذَلِكَ مَلَكُوا الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ فِي أَمْوَالِ تِلْكَ الْبَلَدِ مِلْكًا حَقِيقِيًّا يُورَثُ عَنْهُمْ وَيَسْتَحِقُّونَ الْمُطَالَبَةَ بِهِ فَإِذَا غَابَ أَحَدُهُمْ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَوَكَّلَ مَنْ يُطَالِبُ لَهُ بِحَقِّهِ أَوْ يَقْبِضُهُ لَهُ نَفَذَ ذَلِكَ التَّوْكِيلُ، وَاَللَّه أَعْلَم. (وَسُئِلَتْ) عَمَّنْ وَكَّلَ فِي شِرَاءِ بَقَرَةٍ فَاشْتَرَاهَا وَسَلَّمَ الْمُوَكِّلُ ثَمَنَهَا قَبَضَهَا فَبَقِيَتْ مَعَهُ مُدَّةً حَتَّى كَثُرَ نَسْلُهَا وَمُؤْنَتُهَا فَقَالَ الْوَكِيلُ لَمْ اشْتَرِهَا إلَّا لِي وَأَرَادَ أَخْذَهَا وَنَسْلَهَا وَتَغْرِيمَ مُوَكِّلِهِ مَنَافِعَهَا مَا الْحُكْمُ (فَأَجَبْت) بِقَوْلِي يُصَدَّقُ الْوَكِيلُ بِيَمِينِهِ فِي أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ مَا لَمْ يَثْبُت أَنَّهُ قَالَ اشْتَرَيْت لِمُوَكِّلِي أَوْ نَحْوه مِمَّا لَا يُمْكِنُ مَعَهُ وُقُوعُ الْعَقْدِ لِلْوَكِيلِ وَإِذَا صَدَّقْنَاهُ بِيَمِينِهِ أَخَذَهَا وَنَسْلهَا وَغَرِمَ وَاضِعُ الْيَدِ عَلَيْهَا تَعَدِّيًا أُجْرَة مِثْلِهَا مُدَّةَ وَضْعِ الْيَدِ وَطَلَبُهُ شِرَاهَا مِنْهُ اعْتِرَافٌ لَهُ بِالْمِلْكِ فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَهُ الدَّعْوَى بِهِ فَإِنْ طَلَبَ شِرَاءَ بَعْضِ نَسْلِهَا كَانَ اعْتِرَافًا فِيمَا طَلَبَ شِرَاءَهُ فَقَطْ. (وَسُئِلَ) عَنْ الْوَكِيلِ إذَا أَخَلَّ بِشَرْطٍ بِأَنْ قَالَ لَهُ لَا تَبِعْ بِالنَّسِيئَةِ وَلَا تَدْخُلْ الْبَلْدَةَ الْفُلَانِيَّةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَخَالَفَ فَهَلْ تَفْسُدُ الْوَكَالَةُ فَإِذَا قُلْتُمْ بِفَسَادِهَا وَتَصَرَّفَ فِيهَا بَعْدَ الْفَسَادِ فَهَلْ يَكُونُ تَصَرُّفُهُ هَذَا صَحِيحًا وَرِبْحُ ذَلِكَ لِمَنْ يَكُونُ وَإِذَا تَلِفَ الْمَالُ هَلْ يَضْمَنُ وَهَلْ الْوَكَالَةُ وَالْإِذْنُ سِيَّانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَوْ بَيْنهمَا فَارِقٌ كَقَوْلِهِ أَذِنْت لَهُ بِبَيْعِ هَذَا أَوْ وَكَّلْته بِبَيْعِ هَذَا أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) إذَا أَخَلَّ الْوَكِيل بِالشَّرْطِ كَأَنْ قَالَ لَهُ مُوَكِّلُهُ لَا تَبِعْ أَوْ لَا تَشْتَرِ بِنَسِيئَةٍ فَبَاعَ أَوْ اشْتَرَى بِهَا بَطَلَ الْبَيْعُ أَوْ الشِّرَاءُ وَلَا رِبْحَ لِلْوَكِيلِ وَلَا لِمُوَكِّلِهِ بَلْ الْعَيْنُ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ مَالِكِهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ هُنَا رِبْحٌ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ الْوَارِدَةَ عَلَيْهَا مِنْ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ وَفُرُوعِهِمَا كُلَّهَا بَاطِلَةٌ وَإِذَا خَالَفَ الْوَكِيلُ الشَّرْطَ وَبَاعَ فَاسِدًا وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ ضَمِنَهُ لِتَعَدِّيهِ وَكَذَا لَوْ اسْتَرَدَّهُ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ وَالْوَكَالَةُ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الْإِذْنِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ حَيْثُ فَسَدَتْ الْوَكَالَةُ وَلَمْ يَفْسُدْ الْإِذْنُ فَتَصَرَّفَ الْوَكِيلُ عَلَى وَفْقِهِ صَحَّ التَّصَرُّفُ رِعَايَةً لِعُمُومِ الْإِذْنِ دُونَ خُصُوصِ الْوَكَالَةِ وَفَائِدَةُ صِحَّةِ الْوَكَالَةِ مَعَ نُفُوذِ التَّصَرُّفِ فِي فَاسِدِهَا اسْتِقْرَارُ الْجُعْلِ الْمُسَمَّى إنْ كَانَ بِخِلَافِهِ فِي الْفَاسِدَةِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ وَتَجِبُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَم. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ أَرْسَلَ لِآخَرَ فِضَّةً لِيَبِيعَهَا لَهُ بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ فَلَمْ تَسْوَ إلَّا دُونَ ذَلِكَ فَأَمَرَ صَاحِبُ الْفِضَّةِ شَخْصًا آخَر بِأَنْ يُطَالِبَ ذَلِكَ الشَّخْصَ الْأَوَّلَ بِالْفِضَّةِ وَيَأْخُذَهَا مِنْهُ وَيَأْتِيَ بِهَا لِصَاحِبِهَا فَجَاءَ وَأَخَذَهَا ثُمَّ سَافَرَ بِهَا إلَى مَالِكِهَا لِيَدْفَعَهَا لَهُ ثُمَّ قَالَ إنَّهَا سُرِقَتْ أَوْ إنَّهَا سَقَطَتْ مِنِّي وَلَا عِلْم لِي وَقَالَ أَنَا أُعْطِي ثَمَنَهَا وَأَعْطَى مَالِكَهَا بَعْضَ الثَّمَنِ ثُمَّ إنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ إعْطَاءِ بَاقِي الثَّمَنِ فَمَا حُكْمُ اللَّهِ فِي ذَلِكَ

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ قَصَّرَ قَابِضُ الْفِضَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حِفْظِهَا بِأَنْ لَمْ يُحْكِمْ رَبْطَهَا أَوْ جَعَلَ الرَّبْطَةَ مِنْ دَاخِلِ الثَّوْبِ فَانْحَلَّتْ ضَمِنَهَا وَإِنْ لَمْ يُقَصِّرْ فِي حِفْظِهَا أَوْ ادَّعَى أَنَّهَا سُرِقْت مِنْهُ أَوْ أَنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ فِي رَبْطِهَا وَلَا فِيهَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ وَلَهُ الرُّجُوعُ بِمَا غَرِمَهُ إنْ أَعْطَاهُ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَم. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ نَذَرَ عَدَمَ مُطَالَبَةِ مَدِينِهِ صَحَّ وَلَزِمَ فَلَوْ وَكَّلَ مَنْ يُطَالِبُهُ فَهَلْ تَصِحُّ الْوَكَالَةُ وَلِلْوَكِيلِ مُطَالَبَتُهُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَضِيَّةُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا الصِّحَّةُ وَالْمُطَالَبَةُ حَالًا إذْ النُّذُورُ وَالْأَيْمَان أَخَوَانِ وَعَلَيْهِ جَرَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ النَّذْرَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَفِعْلُ الْوَكِيلِ غَيْرُ فِعْلِهِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ النَّذْرَ بِقُرْبَةٍ فَقَالَ لِلَّهِ عَلِيَّ إنْ طَالَبْت فُلَانًا بِشَيْءٍ قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرٍ مَثَلًا عِتْقُ عَبْدِي سَالِمٍ ثُمَّ طَالَبَهُ عَتَقَ سَالِمٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ اتِّفَاقًا فَإِنْ قُلْت شَرْطُ الْمُوَكِّلِ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى مُبَاشَرَةِ مَا وُكِّلَ فِيهِ قُلْنَا هَذَا أَغْلَبِيٌّ لَا كُلِّيٌّ فَقَدْ اسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ كَالْأَعْمَى يُوَكَّلُ فِي نَحْوِ الْبَيْعِ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي مِنْ زَيْدٍ مَثَلًا فَوَكَّلَ صَحَّ مَعَ عَجْزِهِ عَنْ مُبَاشَرَةِ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ بِمُقْتَضَى الْحَلِفِ وَإِنَّمَا مَنَعُوا ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ فِيهِ سِفَارَةٌ مَحْضَةٌ وَقَدْ جَعَلُوا التَّوْكِيلَ مِنْ الطُّرُقِ الْمُوَصِّلَةِ إلَى انْحِلَالِ الدَّوْرِ فِي مَسَائِلِهِ (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا مَاتَ الْوَكِيلُ بِبَيْعِ عَيْنٍ وَلَمْ تُوجَدْ فِي تَرِكَتِهِ وَلَا وَصَّى بِثَمَنِهَا وَجَهِلَ الْوَرَثَةُ فِيهَا وَقَدْ كَانَ غَرِقَ فِي الْبَحْرِ وَنُهِبَ فِي الْبَرِّ فَهَلْ يَضْمَنُ وَمَنْ يُصَدَّقُ فِي قِيمَتِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ فِي الْمُودَعِ وَعَامِلِ الْقِرَاضِ أَنَّهُ يَضْمَنُ وَإِنْ بَحَثَ الْغَزِّيُّ خِلَافَهُ وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي الْبَيَانِ وَمَحَلُّ ضَمَانِهَا التَّرِكَةُ كَالدَّيْنِ وَلَوْ وَصَّى بِهَا فِي مَرَضِهِ أَيْضًا مُمَيِّزًا لَهَا عَنْ غَيْرِهَا وَلَمْ تُوجَدْ فَلَا ضَمَانَ وَالْمُصَدَّقُ فِي الْقِيمَةِ الْغَارِمُ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته قَوْلُ التَّوْشِيحِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ مِنْ حَالِ الْأَمَانَةِ شَيْءٌ وَجَبَ ضَمَانُهَا فِي التَّرِكَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَدِيعَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الْأَمَانَاتِ نَعَمْ إذَا ادَّعَى الْوَارِثُ مُسْقِطًا مِنْ تَلَفٍ أَوْ رَدِّ مُورَثِهِ وَحَلَفَ عَلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ كَمَا اقْتَضَاهُ مَا فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَصُورَةُ حَلِفِهِ أَنَّهُ إنْ ادَّعَى التَّلَفَ حَلَفَ عَلَيْهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التَّفْرِيطِ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا إذَا وَكَّلَ بِبَيْعِ دَارِهِ وَهُوَ يَجْهَلُهَا هَلْ يَصِحُّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ عِنْدَ تَوْكِيلِهِ كَمَا فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ شَخْصٍ لَهُ أَمَةٌ فِي يَدِ وَكِيلِهِ فَهَرَبَتْ إلَى دَارِ رَجُلٍ فَحَفِظَهَا وَنَادَى عَلَيْهَا فَظَهَرَ الْوَكِيلُ فَقَالَ لَهُ امْضِ مَعِي إلَيْهَا فَامْتَنَعَ وَمَالِكُهَا غَائِبٌ وَالرَّجُلُ جَاهِلٌ بِرَفْعِ الْأَمْرِ إلَى الْحَاكِمِ فَبَعْد ذَلِكَ هَرَبَتْ مِنْ عِنْدِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ فَهَلْ يَضْمَنُهَا وَلَوْ أَنَّهُ وَجَدَهَا خَارِجَ بَيْتِهِ فَأَخَذَهَا إلَيْهِ وَطَلَبَهَا الْوَكِيلُ فَقَالَ أَعْطِنِي أَشَرَفِيَّيْنِ وَخُذْهَا فَلَمْ يُعْطِهِ ثُمَّ هَرَبَتْ مِنْ بَيْتِهِ فَهَلْ يَضْمَنُهَا وَإِذَا ادَّعَى مَالِكُهَا أَنَّ وَكِيلَهُ طَلَبَهَا مِمَّنْ هِيَ مَعَهُ فَامْتَنَعَ إلَّا بِتَسْلِيمِ أَشَرَفِيَّيْنِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً وَادَّعَى الْآخَرُ أَنَّ الْوَكِيلَ امْتَنَعَ مِنْ أَخْذِهَا وَأَقَامَ بَيِّنَةً فَأَيُّهُمَا تُقَدِّمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا دَخَلَتْ الْجَارِيَةُ الْمَذْكُورَةُ دَارَ رَجُلٍ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ مِنْهُ لَهَا وَلَمْ يَنْقُلْهَا فَهَرَبَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا وَإِنْ عَرَفَ مَالِكهَا وَلَمْ يُخْبِرْهُ بِالْحَالِ فَإِنْ أَخَذَهَا بَيْتَهُ ثُمَّ امْتَنَعَ مِنْ تَسْلِيمِهَا لِلْوَكِيلِ بَعْدَ الطَّلَبِ وَثُبُوتِ وَكَالَتِهِ ضَمِنَ وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى ثَبَتَ امْتِنَاعُهُ مِنْ تَسْلِيمِهَا لِلْوَكِيلِ ضَمِنَهَا وَإِنْ امْتَنَعَ الْوَكِيلُ مِنْ الْقَبْضِ بَعْدُ نَعَمْ لَوْ أَرَّخْتَ الِامْتِنَاعَيْنِ بِتَارِيخٍ وَاحِدٍ تَعَارَضَتَا وَلَا ضَمَانَ وَقَدْ يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُ الِامْتِنَاعَيْنِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ مَعَ تَضْمِينِ أَحَدِهِمَا وَذَلِكَ حَيْثُ طَلَبَ مِنْ الْوَكِيلِ أَنْ يَقْبِضَهَا بِشَرْطِ أَنْ يُسَلِّمَ الْأَشْرَفِيَّيْنِ فَامْتَنَعَ الْوَكِيلُ مِنْ ذَلِكَ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَكَّلَ غَيْرَهُ فِي فَسْخِ عَقْدٍ فِي عَيْنٍ وَبَيْعِهَا مِنْ آخَرَ فَهَلْ يَصِحُّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ الْأَوْجَهُ أَنَّهُ يَصِحُّ. (وَسُئِلَ) عَنْ إنْسَانٍ وَكِيلٍ عَنْ آخَرَ عَلَى مَتْجَرٍ تَحْتَ يَدِهِ بَاعَ فِيهِ وَاشْتَرَى أُسْوَةَ أَمْثَالِهِ فَلَمَّا أَرَادَ الْحُضُورَ إلَى مُوَكِّلِهِ تَرَكَ بَعْضَ الْبِضَاعَةِ بِحَاصِلِ مُوَكِّلِهِ وَحَمَلَ بَعْضَهَا فِي الْبَحْرِ وَبَعْضَهَا فِي الْبَرِّ فَوَرَدَ عَلَيْهِ كِتَابٌ مِنْ مُوَكِّلِهِ بِمَنْعِهِ مِنْ الْحُضُورِ بِالصِّنْفِ الْفُلَانِيِّ مَثَلًا وَالْحَالُ أَنَّ الْوَكِيلَ مَا وَرَدَ

عَلَيْهِ الْكِتَابُ إلَّا وَقَدْ جَهَّزَ الصِّنْفَ الَّذِي ظَهَرَ أَنَّهُ نَهَاهُ عَنْ الْحُضُورِ بِهِ مَعَ الْعَرَبِ وَأَكْرَى عَلَيْهِ مَعَهُمْ وَتَفَرَّقُوهُ وَظَهَرُوا بِهِ إلَى ظَاهِرِ الْمَدِينَةِ الَّتِي وَرَدَ إلَيْهَا كِتَابُ الْمُوَكِّلِ الْمَذْكُورِ فَجَاءَ الْوَكِيلُ لَمَّا عَسُرَ عَلَيْهِ عَوْدُ الصِّنْفِ الْمَذْكُورِ وَفَوَاتُ الْكِرَاءِ عَلَى الصِّنْفِ الْمَذْكُورِ بَرًّا وَبَحْرًا إلَى بَعْضِ التُّجَّارِ وَعَرَّفَهُمْ بِوُرُودِ الْكِتَابِ عَلَيْهِ مِنْ مُوَكِّلِهِ وَأَنَّهُ مَنَعَهُ مِنْ الْحُضُورِ بِالصِّنْفِ الْفُلَانِيِّ. وَقَالَ لَا أَقْدِرُ عَلَى عَوْدِ ذَلِكَ وَأَخْشَى أَنْ يَفُوتَ الْكِرَاءُ عَلَى مُوَكِّلِي عِنْدَ الْجَمَّالَةِ وَصَاحِبِ الْمَرْكَبِ وَتَوَكَّلْت عَلَى اللَّهِ وَأَرْسَلَهُ وَالْحَالُ أَنَّ الصِّنْفَ الْمَذْكُورَ نَحْوُ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ حِمْلًا فَحَصَلَ عَلَى الصِّنْفِ الْمَذْكُورِ أَمْرُ اللَّهِ وَفَاتَ مِنْهُ نَحْوُ الثُّلُثَيْنِ وَسَلِمَ الثُّلُثُ فَهَلْ إذَا عَجَزَ الْوَكِيلُ عَنْ إعَادَة الصِّنْفِ الْمَذْكُورِ إلَى مَحَلِّهِ لِعُذْرٍ وَاضِحٍ هُوَ فِي أَوَانِ خُرُوجِ الْعِمَارَةِ الْخَنْكَارِيِّةِ وَالْبَاشَا وَالْعَسَاكِر وَتَضْيِيقِهِمْ فِي الدَّوَابِّ وَالتَّضْيِيق عَلَى أَرْبَابِهَا وَجَاءَ لَهُمْ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ يَضْمَنُ الْوَكِيلُ مَا فَاتَ أَمْ لَا وَإِذَا وَجَدَ بَيِّنَةً تَشْهَدُ بِذَلِكَ تُقْبَلُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا عَجَزَ الْوَكِيلُ عَنْ تَخْلِيص الْأَحْمَالِ الْمَذْكُورَةِ مِمَّنْ أَعْطَاهَا لَهُ لِيَحْمِلَهَا إلَى مُوَكِّلِهِ وَكَانَ مُوَكِّلُهُ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي حَمْلِهَا إلَيْهِ فَتَلِفَ بَعْضُهَا أَوْ كُلُّهَا فِي الطَّرِيقِ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ مِنْ الْوَكِيلِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ أَثْبَتَ الْعَجْزَ الْمَذْكُورَ أَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ وَلَا عِبْرَةَ بِوُصُولِ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ إلَيْهِ حِينَئِذٍ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ لَا يُعْمَلُ بِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ إلَّا إنْ ثَبَتَ وَصُدِّقَ الْوَكِيلُ عَلَى أَنَّهُ خَطُّ مُوَكِّلِهِ أَوْ أَمَرَ بِهِ وَصُدِّقَ الْوَكِيلُ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِكِتَابَتِهِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ أَلْفَاظُهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتَاوِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْته أَوْ لَا مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ مَا صَرَّحَ بِمَا ذَكَرْته فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ. (وَسُئِلَ) هَلْ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ وَالِاسْتِيفَاءِ وَالْمُصَالَحَةِ بِمَا يَرَى الْوَكِيلُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَجُوزُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَقَدْ قَالُوا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِي الْخُصُومَاتِ مِنْ جَانِبِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَفِي اسْتِيفَاءِ الْعُقُوبَاتِ وَالْحُدُودِ الَّتِي لِلْآدَمِيِّ وَسَائِر الْحُقُوقِ قَالُوا وَلَوْ قَالَ لَهُ بِعْ بِمَا شِئْت صَحَّ وَكَانَ إذْنًا فِي بَيْعِهِ بِالْعَرْضِ فَكَذَا قَوْله صَالَحَ بِمَا تَرَى يَصِحُّ أَيْضًا وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ بِحُقُوقِهِ فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِمَا ثَبَتَ مِنْهَا لِلْمُوَكِّلِ بَعْدَ الْوَكَالَةِ كَمَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ فِي بَيْعِ ثَمَرِ شَجَرَتِهِ الَّذِي يَحْدُثُ وَفَارَقَ بُطْلَانَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ سَيَمْلِكُهُ وَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي أَمْلَاكِهِ ثُمَّ حَدَثَ لَهُ مِلْكٌ بِإِرْثٍ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ التَّاجُ الْفَزَارِيّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْأُولَى الْحَقُّ فِيهَا مَوْجُودٌ لَكِنْ لَمْ يَثْبُت حَالًا وَفِي الثَّانِيَةِ مَالِكٌ لِأَصْلِ الثَّمَرَةِ بِخِلَافِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ فَإِنَّهُ تَوْكِيلٌ فِيمَا لَمْ يَمْلِكْهُ وَلَا مَلَكَ أَصْلَهُ وَلَا هُوَ مَوْجُودٌ حَالَ الْوَكَالَةِ وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِصِحَّةِ تَوْكِيلِهِ فِيمَا يَمْلِكُهُ الْآنَ وَمَا سَيَمْلِكُهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ شَرْطَ الْمُوَكِّلِ فِيهِ أَنْ يَمْلِكَ الْمُوَكِّلُ التَّصَرُّفَ فِيهِ حِينَ التَّوْكِيلِ أَوْ يَذْكُرَهُ تَبَعًا لِذَلِكَ أَوْ يَمْلِكُ أَصْلَهُ. (وَسُئِلَ) عَنْ الْمُوَكِّلِ إذَا طَلَبَ مِنْ وَكِيلِهِ بَيَانًا لِتَصَرُّفَاتِهِ فِيمَا وَكَّلَ فِيهِ هَلْ يَلْزَمُهُ الْبَيَانُ وَهَلْ تُعْتَبَرُ دَفَاتِرُهُ وَهَلْ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ زِيَادَةً عَلَى مَصْرُوفِ كُتُبِهِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَطْلَقَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ كُلَّ أَمِينٍ طُلِبَ مِنْهُ الْبَيَانُ وَالْحِسَابُ لَزِمَهُ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا فِي الْخَطِّ وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ بِمَا يَقَعُ فِي الْجَوَابِ وَالدَّعْوَى وَإِذَا أَقَرَّ بِأَنَّهُ صَرَفَ كَذَا عَنْ كَذَا ثُمَّ ادَّعَى زِيَادَةً لَمْ يُقْبَلْ لَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي بَعْض الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ حَيْثُ ذَكَرَ عُذْرًا يُقْبَلُ بِالنِّسْبَةِ لِتَحْلِيفِ الْمُوَكِّلِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ، وَاَللَّه أَعْلَم. (وَسُئِلَ) هَلْ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْ مَالِ الْوَكِيلِ أَوْ مِنْ دَيْنٍ عَلَيْهِ لِلْمُوَكِّلِ وَإِذَا كَانَ لَهُ فِي ذِمَّةِ وَكِيلِهِ أَلْفٌ فَقَالَ لَهُ أَسْلِمْهُ فِي كَذَا مِنْ طَعَامٍ فَأَسْلَمَهُ هَلْ يَصِحُّ أَيْضًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ بِجَوَازِ التَّوْكِيلِ فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ مِنْ مَالِ الْوَكِيلِ وَيَرْجِع بِمَا أَدَّاهُ عَلَى مَا ذَكَرَ فِي التَّوْكِيلِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَلَوْ بَاعَهُ قَدْرَ الزَّكَاةِ أَوْ النِّصَابَ كُلَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأُولَى وَلَا فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ فِي الثَّانِيَةِ. فَلَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ فَأَذِنَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي فِي إخْرَاجِ قَدْرِ الزَّكَاةِ صَحَّ وَجَرَى التَّقَاصُّ فَلَوْ قَالَ لَهُ اُدْعُنِي مِنْ دَيْنِي الَّذِي عَلَيْك لَمْ يَقَعْ عَنْ الْآذِن فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ كَوْنُهُ قَابِضًا لِمَا فِي ذِمَّتِهِ

مِنْ نَفْسِهِ وَمُقْبِضًا لَهُ عَنْ الْمَالِكِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ أَدَّى وَقَعَ الْمَوْقِعَ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِأَنَّ الْوَكَالَةَ الْفَاسِدَةَ إذَا عَمِلَ الْوَكِيلُ فِيهَا بِعُمُومِ الْإِذْنِ الضِّمْنِيّ صَحَّ تَصَرُّفُهُ وَبِأَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لِلْمُسْتَأْجِرِ خَارِج الْعَقْدِ فِي صَرْفِ مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ عَلَى الْعِمَارَةِ صَحَّ وَبِقَوْلِ الْغَزِّيِّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لَوْ قَالَ لِلْمَدْيُونِ إذَا مِتّ فَفَرِّقْ مَا لِي عَلَيْك مِنْ الدَّيْنِ وَهُوَ كَذَا إلَى الْفُقَرَاءِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ صِحَّةُ هَذَا وَهُوَ إيصَاءٌ وَبِقَوْلِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ لَوْ كَانَ لَهُ فِي ذِمَّةِ إنْسَانٍ دِرْهَمٌ فَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِهِ طَعَامًا فَاشْتَرَى كَمَا أُمِرَ وَدَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ وَقَبَضَ الطَّعَامَ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ فَذِمَّتُهُ بَرِيئَةٌ مِنْ الدِّرْهَمِ وَيَصِيرُ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ وَكَّلَ الْبَائِعَ بِقَبْضِ ذَلِكَ الدِّرْهَمِ مِنْ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا كَمَا لَوْ اجْتَمَعَ لَهَا عَلَيْهِ النَّفَقَةُ فَأَمَرَتْهُ أَنْ يَكِيلَ فَيَدْفَعَ إلَى الطَّحَّانِ كَذَا فَيَطْحَنَهُ فَفَعَلَهُ فَالطَّحَّانُ يَكُونُ مِنْ جِهَتِهَا كَالْوَكِيلِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ كَمَا لَوْ قَالَتْ أَطْعِمْ عَنْ كَفَّارَتِي عَشَرَةَ مَسَاكِينَ عَشَرَةَ أَمْدَادٍ مِنْ طَعَامٍ كَذَا يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْمَسَاكِينُ مُتَعَيِّنِينَ. اهـ. وَيُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَحَلَّ النَّظَرِ لِعُمُومِ الْإِذْنِ فِي الْوَكَالَةِ الْفَاسِدَةِ حَتَّى يَصِحَّ التَّصَرُّفُ مَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِمَانِعٍ وَقَدْ اقْتَرَنَ هُنَا بِمَانِعٍ وَهُوَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَدْخُلُ الدَّيْنُ فِي مِلْكِهِ إلَّا بِقَبْضٍ صَحِيحٍ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَمْ يُؤَدِّ مِنْ دَيْنِهِ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَمْ يَشْمَلْهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي الْأَدَاءِ مِنْ دَيْنِهِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِقَبْضٍ صَحِيحٍ وَلَمْ يُوجَدْ وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعِمَارَةِ فَخَارِجٌ عَنْ الْقَاعِدَةِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ عَلَى اتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ لِوُقُوعِهِ ضِمْنًا أَيْ لَا مَقْصُودًا وَسَبَبُهُ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ بَعْدَ انْبِرَامِ الْعَقْدِ فَلَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا بِهِ فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْقَاعِدَةِ وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَتِنَا أَنَّ تِلْكَ الْإِذْنُ فِيهَا وَقَعَ بَعْدَ انْبِرَامِ الْعَقْدِ فَلَمْ يُقْصَدْ بِالْعَقْدِ وَأَيْضًا فَالْمُسْتَأْجِرُ يَعُودُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ فِي بَقَاءِ الْعَيْنِ فَسُومِحَ لَهُ فِي ذَلِكَ رِعَايَةً لِبَقَاءِ الْعَقْدِ مَا أَمْكَنَ فَإِنَّ الْمُؤَجِّر قَدْ لَا يُعْمِرُ فَيَفْسَخُ وَأَمَّا هُنَا فَعَقْدُ الْوَكَالَةِ وَقَعَ التَّصْرِيحُ فِيهِ بِالْأَدَاءِ مِنْ الدَّيْنِ فَلَمْ يَقَعْ ضِمْنًا بَلْ مَقْصُودًا وَلَا يَعُودُ عَلَيْهِ مَنْفَعَةٌ كَالْمَنْفَعَةِ فِي تِلْكَ فَافْتَرَقَا وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْغَزِّيِّ فَالْمُتَّجَهُ فِيهَا أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ تَوَقَّفَتْ صِحَّةُ التَّفْرِقَةِ عَلَى قَبْضِهِمْ مِنْهُ ثُمَّ إقْبَاضِهِمْ لَهُ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْغَزِّيِّ مَا يُنَافِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي صِحَّةُ هَذَا وَهُوَ إيصَاءٌ أَيْ صِحَّةُ قَوْلِ الْمُوصَى لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إيصَاءٌ لَهُ وَأَمَّا صِحَّةُ التَّفْرِقَةِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا فَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ قَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ وَأَمَّا كَلَامُ الْقَاضِي فَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ سِلْعَةٍ وَصَفَهَا بِثَمَنٍ مِنْ جُمْلَةِ دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ فَاشْتَرَاهَا لِمُوَكِّلِهِ بِثَمَنِ وَأَدَّاهُ مِنْ جُمْلَةِ دَيْنِهِ صَحَّ وَبَرِئَ الْوَكِيلُ مِنْ ذَلِكَ. اهـ. لَكِنْ صَرَّحَ ابْنُ كَجٍّ بِالْبُطْلَانِ وَبِهِ يُعْلَم أَنَّ الْقَاضِيَ وَالْمَاوَرْدِيَّ مَاشِيَانِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَضُرُّ اتِّحَاد الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ بِخِلَافِهِ وَأَمَّا مَسْأَلَة السَّلَمِ الْمَذْكُورَة فِي السُّؤَالِ فَقَالَ ابْن سُرَيْجٍ فِيهَا بِالصِّحَّةِ فَإِذَا قَبَضَ الْأَلْفَ بَرِئْت ذِمَّتُهُ وَوَافَقَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَيُوَافِقهُ كَلَامُ الْقَاضِي وَالْمَاوَرْدِيِّ السَّابِقُ لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَطَرِيقُهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِي إسْلَام الَّذِي لِي عَلَيْك إلَيْهِ فَإِذَا فَعَلَ صَحَّ أَيْ لِأَنَّهُ صَارَ حَوَالَة قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَلَوْ قَالَ أَسْلِمْ لِي فِي كَذَا وَأَدِّ رَأْسَ الْمَالِ مِنْ مَالِك وَارْجِعْ عَلَيَّ فَفَعَلَ صَحَّ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ كَذَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ زَادَ النَّوَوِيُّ الْأَصَحُّ عِنْد صَاحِبِ الْعِدَّةِ وَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَالَ أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ سَهْوٌ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَبِهِ يُعْلَمُ ضَعْفُ مَا مَرَّ عَنْ الْقَاضِي وَالْمَاوَرْدِيِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَطَرِيقُهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِي إسْلَامِ الْأَلْفِ فِي كَذَا فَإِذَا فَعَلَ الْوَكِيلُ قَالَ لَهُ الْمُوَكِّلُ حَصَلَ عَلَيَّ أَلْفٌ لِهَذَا وَلِي عَلَيْكَ أَلْفٌ فَادْفَعْ الْأَلْفَ الَّذِي لِي عَلَيْكَ إلَيْهِ فَإِذَا فَعَلَ صَحَّ أَيْ لِأَنَّهُ صَارَ حَوَالَةً قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَلَوْ قَالَ أَسْلِمْ لِي فِي كَذَا وَأَدِّ رَأْسَ الْمَالِ مِنْ مَالِكَ وَارْجِعْ عَلَيَّ فَفَعَلَ صَحَّ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ كَذَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ زَادَ النَّوَوِيُّ الْأَصَحُّ عِنْدَ صَاحِبِ الْعُدَّةِ وَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَالَ أَبُو حَامِدٍ مَا قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ سَهْو مُخَالِفٌ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَالَ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَقُولَ أَسْلِمْ أَلْفًا فِي كَذَا فَإِذَا عَقَدَ الْعَقْدَ قَالَ اقْضِ عَنِّي أَلْفًا لِأَدْفَعَ إلَيْك عِوَضَهَا وَعَلَيْهِ فَيُفَارِقُ اشْتَرِ لِي عَبْدَ فُلَانٍ بِثَوْبِك هَذَا حَيْثُ يَصِحُّ وَيَقَعُ عَنْ الْآمِرِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ فِي الْبَاب الثَّالِث مِنْ الْوَكَالَةِ بِأَنَّ السَّلَمَ

ضَيَّقُوا فِيهِ فَلَمْ يَكْتَفُوا بِالْأُمُورِ التَّقْدِيرِيَّة بِخِلَافِ نَحْو الْبَيْع فَيُقَدَّرُ دُخُول الثَّوْب فِي مِلْكِ الْآمِرِ كَمَا فِي أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَلَى كَذَا وَبِهَذَا تَعْلَمُ صِحَّةَ مَا ذَكَرَهُ أَبُو حَامِدٍ ثَانِيًا مِنْ الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ خِلَافًا لِابْنِ الصَّبَّاغِ إذْ لَيْسَ فِيهَا تَقْدِيرُ دُخُول شَيْءٍ فِي مِلْكِ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَقَدَ لَهُ بِالْأَلْفِ صَارَتْ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ فَإِذَا أَذِنَ فِي الْمَجْلِس لِلْوَكِيلِ فِي دَفْعِهَا عَنْهُ كَانَ ذَلِكَ قَضَاءً لِدَيْنِهِ وَهُوَ جَائِزٌ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ ابْنِ سُرَيْجٍ فَإِنَّهُ إذَا جَعَلَ رَأْسَ الْمَالِ مِنْ مَالِهِ اُحْتِيجَ إلَى تَقْدِيرِ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْمُوَكِّلِ وَذَلِكَ لَا يَكْفِي فِي السَّلَمِ كَمَا تَقَرَّرَ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ مَسْأَلَةُ التَّوْكِيلِ فِي السَّلَمِ مُسَاوِيَةٌ لِمَسْأَلَةِ التَّوْكِيلِ فِي الشِّرَاءِ مَرْدُودٌ لِمُخَالَفَتِهِ لِصَرِيحِ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّ الْوَرَع لِمَنْ اشْتَرَى زَكَوِيًّا مِمَّنْ يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يُزَكَّى أَنْ يَسْتَأْذِنهُ فِي إخْرَاجهَا عَنْهُ مِنْ الْمَبِيعِ وَيَتَبَرَّعُ بِذَلِكَ فَلَا يَرْجِعُ بِمُقَابِلِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنْ تَعَذَّرَ الْبَائِعُ فَالسَّاعِي فَإِنْ تَعَذَّرَ فَالْقَاضِي بِنَاءً عَلَى شُمُولِ تَوْلِيَتِهِ لِلنَّظَرِ فِي أَمْوَالِ الزَّكَاةِ وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْهَرَوِيِّ هَذَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ مَوْت الْمَالِكِ وَإِلَّا اسْتَقَلَّ بِالْإِخْرَاجِ إذْ لِلْأَجْنَبِيِّ التَّبَرُّعُ عَنْ الْمَيِّت بِإِخْرَاجِ الزَّكَاة عَنْهُ وَبِتَبَرُّعِهِ يَتَبَيَّنُ الْمِلْكُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ مِنْ الْمَبِيعِ لِلْوَرَثَةِ فَيَجِبُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِمْ. (وَسُئِلَ) عَنْ غَرِيبٍ اسْتَنَابَ فِي قَبْضِ الزَّكَاةِ فَهَلْ تَصِحُّ وَإِنْ غَابَ وَهَلْ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي إخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ النَّصِّ يَسْتَحِقُّونَ أَيْ الْأَصْنَاف الزَّكَاة يَوْم الْقِسْمَةِ وَعَنْ نَصٍّ آخَرَ يَسْتَحِقُّونَ يَوْم الْوُجُوب وَعَنْ الْأَصْحَابِ حَمْلُ الثَّانِي عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ إلَّا ثَلَاثَة أَوْ أَقَلَّ أَيْ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ وَمَنَعْنَا النَّقْل فَيَسْتَحِقُّونَ يَوْم الْوُجُوب حَتَّى لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمْ فَنَصِيبُهُ لِوَرَثَتِهِ. وَإِنْ غَابَ أَوْ أُسِرَ فَحَقُّهُ بِحَالِهِ وَإِنْ قَدِمَ غَرِيبٌ لَمْ يُشَارِكهُمْ وَحُمِلَ الْأَوَّل عَلَى مَا إذَا لَمْ يَنْحَصِرُوا فِي ثَلَاثَة أَوْ كَانُوا وَجَوَّزْنَا النَّقْلَ فَيَسْتَحِقُّونَ بِالْقِسْمَةِ فَلَا حَقَّ لِمَنْ غَابَ أَوْ مَاتَ أَوْ أُسِرَ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ وَإِنْ قَدِمَ غَرِيبٌ شَارَكَهُمْ. اهـ. وَبِهِ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ إنْ كَانَ مِنْ الْمَحْصُورِينَ وَحَضَرَ يَوْمَ الْوُجُوبِ صَحَّتْ اسْتِنَابَتُهُ وَإِنْ غَابَ بَعْدُ لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ إذْ لَا حَقَّ لَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْمَحْصُورِينَ اسْتَحَقَّ إنْ كَانَ حَاضِرًا عِنْدَ الْقِسْمَةِ وَلَا يَكْفِي حُضُورُ وَكِيلِهِ حِينَئِذٍ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ تِلْمِيذُ ابْنِ الصَّلَاحِ وَإِنْ تَرَدَّدَ الْأَصْبَحِيُّ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ حَقٌّ حَتَّى يُوَكِّلَ فِي قَبْضِهِ؛ لِأَنَّ لَلْمُفَرِّقَ أَنْ يَحْرِمَهُ وَيُعْطِيَ غَيْره فَأَيُّ شَيْءٍ تَعَيَّنَ لَهُ حَتَّى يُوَكِّلَ فِي قَبْضِهِ وَأَمَّا التَّوْكِيلُ فِي إخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْر فَيَجُوزُ وَفِيهِ وَجْهٌ مَرْجُوحٌ وَشَرْطُ الْجَوَازِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ دُخُولُ رَمَضَانَ إذْ لَا يَجُوزُ تَفْرِيقُهَا إلَّا حِينَئِذٍ وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَا يَجُوز التَّوْكِيل فِيهَا لِامْتِنَاعِ إخْرَاجهَا وَقَدْ قَالُوا شَرْطُ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ صِحَّةُ مُبَاشَرَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَا وَكَّلَ أَوْ وُكِّلَ فِيهِ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُمْ أَوْرَدُوا عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ وَطَرْدِهِ صُوَرًا كَثِيرَة؛ لِأَنَّ أَكْثَر قَوَاعِد الْأَصْحَابِ أَكْثَرِيَّةٌ لَا كُلِّيَّةٌ وَمَعَ ذَلِكَ يَسْتَدِلُّونَ بِهَا فِيمَا لَمْ يُصَرِّحُوا بِدُخُولِهِ وَلَا خُرُوجِهِ عَنْهَا وَرَجَّحَ بَعْض الْمُتَأَخِّرِينَ الصِّحَّة وَلَوْ قَبْل رَمَضَان وَأَطَالَ فِي الِاسْتِدْلَالِ لَهُ بِمَا لَا يُجْدِي وَقَدْ أَشَرْنَا إلَى كَثِيرٍ مِنْ شُبَهِهِ بِقَوْلِنَا وَلَا يَضُرُّ إلَخْ. وَأَمَّا مَا قَاسَ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ الْمُحْرِم وَكِيلًا لِيُزَوِّجهُ بَعْد التَّحَلُّلِ أَوْ أَطْلَقَ صَحَّ فَكَذَا هُنَا فَجَوَابُهُ وُضُوحُ الْفَرْقِ بَيْن الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْوِلَايَةِ لِلْوَلِيِّ قَبْلَ الْإِحْرَام وَاسْتِمْرَارُهَا فِيهِ وَلِهَذَا لَوْ وَكَّلَ ثُمَّ أَحْرَمَ لَمْ يَنْعَزِلْ فَالْإِحْرَام مَانِع طَارِئ لِلْمُبَاشَرَةِ لَا لِلْإِذْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ أَهْلِيَّتَهُ وَوِلَايَتَهُ مَوْجُودَةٌ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ زَوَّجَ الْقَاضِي حَالَ إحْرَامِهِ كَانَ مُزَوِّجًا بِالنِّيَابَةِ عَنْهُ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي بَابه فَصَحَّ تَوْكِيلُهُ وَأَمَّا هُنَا فَالْمُوَكِّلُ لَمْ يَثْبُت لَهُ قَبْلَ رَمَضَانَ وِلَايَةُ التَّصَرُّف بِإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوه فَكَيْف يَصِحُّ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ حِينَئِذٍ سَوَاءٌ أَطْلَقَ أَوْ قَالَ لِتَخْرُجْ بَعْدَ دُخُولِ رَمَضَانَ وَإِذَا تَأَمَّلْت هَذَا الْفَرْقَ انْدَفَعَ عَنْك كَثِيرٌ مِنْ شُبَهِ الْمُخَالِفِ وَقِيَاسُ مَسْأَلَتنَا مَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ فِي مَسْأَلَةِ التَّوْكِيلِ بِتَزْوِيجِ ابْنَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّزْوِيجَ حِينَئِذٍ فَبَطَل تَوْكِيلُهُ فِيهِ لِعَدَمِ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ مَا وُكِّلَ فِيهِ وَفَارَقَتْ هَذِهِ مَسْأَلَةُ الْإِحْرَامَ بِأَنَّ الْوِلَايَةَ

فِي الْمُحْرِمِ بَاقِيَةٌ كَمَا مَرَّ بِخِلَافِهَا هُنَا. وَمِنْ ثَمَّ لَوْ وَكَّلَ ثُمَّ أَحْرَمَ لَمْ يَنْعَزِلْ وَلَوْ وَكَّلَ فِي تَزْوِيجِ بِنْتِهِ وَهِيَ غَيْرُ مُزَوَّجَةٍ ثُمَّ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ أَوْ وَكِيلٌ لَهُ آخَرُ انْعَزَلَ فَلَوْ طَلَقَتْ وَزَالَ الْمَانِعُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ بِتِلْكَ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ مَحَلِّ التَّصَرُّفِ عَنْ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ يَقْتَضِي انْعِزَالَهُ وَعَجِيبٌ مِنْ قَوْلِ الْمُخَالِفِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُتَوَقِّفَ عَلَى دُخُولِ رَمَضَانِ إنَّمَا هُوَ الْإِخْرَاجُ لَا الْإِذْنُ فِيهِ إذْ الْإِذْنُ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْأَهْلِيَّةِ وَهِيَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ وَإِنْ مَنَعَ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ الْخَاصِّ فِي الْحَالِ فَهُوَ غَيْرُ قَادِحٍ فِي الْأَهْلِيَّةِ إذْ الْأَهْلِيَّةُ لَا تَتَجَدَّد بِدُخُولِ الْوَقْتِ كَمَا لَا تَتَجَدَّدُ بِزَوَالِ الْإِحْرَامِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ هَذَا الْمُوَكِّلِ الْآنَ إخْرَاجُ فِطْرَةِ الْعَامِ الْمَاضِي - وَلِهَذَا لَمْ يُقَيِّدْ الْأَصْحَابُ صِحَّةَ التَّوْكِيلِ بِذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْي وَتَقْدِيمِ النِّيَّةِ فِيهِمَا وَتَفْوِيضِهَا لِلْوَكِيلِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ وَوَجْهُ الْعَجَبِ أَنَّ قَوْلَهُ وَمَعْلُومٌ إلَى قَوْلِهِ أَلَا تَرَى كُلَّهُ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا فَلَيْسَ بِمَعْلُومٍ وَلَا مَظْنُونٍ. وَأَمَّا قَوْلُهُ أَلَا تَرَى فَلَا يَصْلُحُ دَلِيلًا وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلِهَذَا إلَخْ فَلَيْسَ فِي مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ يُفْهَمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي صِحَّةِ التَّوْكِيلِ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ دُخُولِ الْوَقْتِ أَيْضًا قَالَ وَقَدْ اتَّضَحَ لِي دَلِيلُ ذَلِكَ مِنْ حَدِيث الصَّحِيحَيْنِ عَنْ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ فَتَلْت قَلَائِدَ هَدْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا أَوْ قَلَّدَتْهَا ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إلَى الْبَيْتِ وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ لَهُ حِلٌّ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا أَيْضًا عَنْهَا أَنَّهَا فَتَلَتْ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ يَحْرُمْ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّه تَعَالَى لَهُ حَتَّى نُحِرَ الْهَدْيُ» وَجْه الِاسْتِدْلَال أَنَّ وَقْت ذَبْحِ الْهَدْي الْمُتَطَوَّعِ بِهِ إنَّمَا يَدْخُلُ بِدُخُولِ وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ عِنْدَنَا أَوْ بِبُلُوغِ الْمَحَلِّ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ وَالْبَعْثُ الْمَذْكُورُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي حَجِّهِ بِالنَّاسِ عَامَ سَنَةِ تِسْعٍ كَمَا قَالَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ وَهُوَ وَاضِحٌ فِي كَوْنِهِ قَبْلَ الْوَقْت الْمَذْكُور إلَى آخِر مَا ذَكَرَهُ وَجَوَابه أَنَّ هَذِهِ وَاقِعَةٌ حَالَ تَطَرَّقَ إلَيْهَا احْتِمَالُ أَنَّ هَذِهِ هَدْيٌ مَنْذُورٌ أَوْ مُتَطَوَّعٌ بِهِ. وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ تَطَوُّعًا فَهُوَ احْتِمَال قَرِيبٌ فَسَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال وَالْمَنْذُورُ بِجَوَازِ إرْسَالِهِ مَعَ الْغَيْرِ كَمَا قَالُوهُ فِي أَوَاخِرِ بَاب النَّذْر وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَوْكِيلٌ قَبْل الْوَقْتِ إلَّا أَنَّ الضَّرُورَةَ أَلْجَأَتْ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ إرْسَالُهُ وَقَدْ لَا يَتَيَسَّرُ لَهُ السَّفَرُ فَجَوَّزَ لَهُ التَّوْكِيلُ فِي ذَلِكَ قَبْلَ الْوَقْت لِلضَّرُورَةِ وَمَا جَازَ لِضَرُورَةٍ يُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَلَا يُقَاسَ عَلَيْهِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ صِحَّةُ الْإِجَارَةِ عَلَى الْحَجِّ قَبْلَ وَقْتِهِ إنْ كَانَتْ وَقْتَ السَّيْرِ الْمُعْتَاد وَصِحَّةِ إذْنِ الْمَغْصُوب فِيهِ مُطْلَقًا وَأَيْضًا تَطَرَّقَ إلَيْهَا احْتِمَالُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَلَّكَهَا لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَطُرُوقُ هَذَا كَافٍ فِي دَفْعِ الِاسْتِدْلَالِ الْمَذْكُورِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ أَعْطَى وَكِيلَهُ دِينَارًا وَقَالَ لَهُ اشْتَرِ بِهَذَا شَيْئًا فَهَلْ هُوَ كَقَوْلِهِ اشْتَرِ بِعَيْنِهِ حَتَّى إذَا اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ يَقَعُ لِلْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ أَوْ لَا فَيَتَخَيَّرُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ هُنَا وَصَرِيحُهُ فِي قَوْلِهِمْ لَوْ قَالَ لَهُ اشْتَرِ بِهَذَا الدِّينَارِ شَاةً جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِعَيْنِهِ وَفِي الذِّمَّةِ أَنَّهُ هُنَا مُخَيَّرٌ بَيْنَ الشِّرَاءِ فِي الذِّمَّةِ وَبِالْعَيْنِ وَفِي الْحَالَتَيْنِ يَقَعُ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ لَكِنْ سَوَّى بَعْضُ الْأَصْحَابِ بَيْنَ الصِّيغَتَيْنِ فَعَلَيْهِ إذَا اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ يَقَع لَهُ وَإِلَى اخْتِيَارِ هَذَا يُومِئُ كَلَامُ بَعْضِ شُرَّاحِ الْمِنْهَاجِ. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ وَكَّلَ آخَرَ فِي طَلَاقِ زَوْجَتِهِ فَخَالَعَ فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا فِي طَلَاقِهَا فَخَالَعَ فَإِنْ قُلْنَا الْخُلْعُ فَسْخٌ لَمْ يَنْفُذْ وَإِنْ قُلْنَا طَلَاقٌ قَالَ الْبُوشَنْجِيُّ الَّذِي يَجِيء عَلَى أَصْلِنَا أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ الرَّجْعَة إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ. قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي الطَّلَاقِ فَطَلَّقَ عَلَى مَالٍ إنْ كَانَ بِحَيْثُ تُتَصَوَّرُ الرَّجْعَةُ لَمْ يَنْفُذ وَإِنْ لَمْ تُتَصَوَّرْ بِأَنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ كَانَ الْمَمْلُوكُ لَهُ الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ فَذَكَرَ فِي نُفُوذِهِ احْتِمَالَيْنِ؛ لِأَنَّهُ حَصَّلَ غَرَضُهُ مَعَ فَائِدَةٍ أُخْرَى لَكِنَّهُ غَيْرُ مَفْهُومٍ مِنْ التَّوْكِيل الْمُطْلَقِ وَقَدْ يَتَوَقَّفْ فِي بَعْضِ مَا ذَكَرَهُ حَمْلًا وَدَلِيلًا. اهـ. وَعِبَارَةُ أَصْلِهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الَّذِي يَجِيءُ عَلَى أَصْلِنَا أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ لِلْخُلْعِ صِيغَةً وَلِلطَّلَاقِ صِيغَةً فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَيُقْطَعُ بِعَدَمِ

النُّفُوذِ؛ لِأَنَّهُ وُكِّلَ بِطَلَاقٍ رَجْعِيٍّ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ قَطْعُ الرَّجْعَةِ. اهـ. وَعِبَارَتُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ كَعِبَارَتِهَا الْمَذْكُورَةِ فِيهَا وَوَجْهُ تَوَقُّفِهِمَا مَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ الْخُلْعَ أَحَدَ نَوْعَيْ الطَّلَاقِ وَالتَّوْكِيلِ فِي جِنْسِ تَوْكِيلٍ فِي أَنْوَاعِهِ لَكِنْ مَتَى اقْتَضَى الْعُرْفُ التَّخْصِيصَ بِنَوْعٍ حَمَلَ عَلَيْهِ. اهـ. وَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ أَوْ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَذَكَرَ فِي الثَّانِيَةِ احْتِمَالَيْنِ وَجَزَمَ فِي الْأُولَى بِعَدَمِ النُّفُوذِ مَعَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ إمَّا صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ أَوْ كِنَايَةٌ فَإِنْ كَانَ صَرِيحًا لَمْ يَضُرَّ اخْتِلَافُ اللَّفْظَيْنِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ فَقَالَ خَالَعْتُكِ أَوْ خَالِعْنِي بِكَذَا فَقَالَ طَلَّقْتُك أَوْ وَكِّلْ وَكِيلًا بِالطَّلَاقِ فَقَالَ فَارَقْتُك أَوْ سَرَّحْتُك وَإِنْ كَانَ كِنَايَةً فَكَذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ اهـ وَأَقُولُ يُؤَيِّدُ هَذَا التَّوَقُّفَ قَوْلُهُمْ فِي الْوَكَالَةِ لَوْ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ بِالْعَيْنِ أَوْ فِي الذِّمَّةِ تَعَيَّنَ لِاخْتِلَافِ أَحْكَامِهِمَا فَإِنْ وَكَّلَهُ فِي الشِّرَاءِ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ شَيْئًا تَخَيَّرَ بَيْن الشِّرَاءِ بِالْعَيْنِ وَالشِّرَاءِ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ يَتَنَاوَلُ الْأَمْرَيْنِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا مَأْذُونٌ فِيهِ فَكَذَا يُقَالُ هُنَا التَّوْكِيلُ الْمُطْلَقُ يَتَنَاوَلُ الطَّلَاقَ بِعِوَضٍ وَغَيْرِ عِوَضٍ فَلَمْ يُخَالِفْ الْمُوَكِّل فَكَانَ الْقِيَاسُ الْوُقُوعَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَجَزَمَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي الثَّانِيَةِ وَهِيَ مَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي الطَّلَاقِ فَطَلَّقَ بِمَالٍ بِعَدَمِ النُّفُوذِ حَيْثُ تُصُوِّرَتْ الرَّجْعَةُ قِيَاسًا عَلَى الْأُولَى وَهِيَ مَا لَوْ وَكَّلَهُ فَخَالَعَ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا تَقَرَّرَ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَأَقَرَّهُ وَإِنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِقِيلٍ؛ لِأَنَّهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ لَيْسَتْ لِلتَّضْعِيفِ مِنْ أَنَّ الِاحْتِمَالَ الَّذِي أَبْدَاهُ الْبُوشْنَجِيُّ فِي الثَّانِيَةِ وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا وَمِنْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْأُولَى مِنْ عَدَمِ الْوُقُوعِ فِيهِ نَظَرٌ قَالَ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالطَّلَاقِ فَإِذَا أَوْقَعَهُ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ وَلَا يَثْبُت الْمَالُ حَيْثُ كَانَ فِي ثُبُوتِهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُوَكِّلِ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ وَكَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ قَضِيَّةَ قَوْله أَنْ يُطَلِّقَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا فَإِذَا طَلَّقَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَثْبُتُ لَكِنْ هَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ هَذَا مَحَلُّ النَّظَرِ وَالْأَشْبَهُ الْوُقُوعُ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْقَفَّالِ وَلَا يُنْظَرُ حِينَئِذٍ إلَى تَخَالُفِ لَفْظِ الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْخُلْعِ إمَّا صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ أَوْ كِنَايَة وَلَوْ قَالَ لَهُ طَلِّقْ زَوْجَتِي فَطَلَّقَهَا بِصَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ وَنَوَى وَقَعَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَأَيْضًا فَلَوْ قَالَتْ لَهُ طَلِّقْنِي عَلَى كَذَا فَقَالَ خَالَعْتُكِ وَقَعَ إذَا قُلْنَا إنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ. اهـ. ثُمَّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَأَمَّا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي لِلْبُوشَنْجِيِّ أَيْ وَهُوَ عَدَمُ الْوُقُوعِ الَّذِي جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّ قَضِيَّةَ تَوْكِيلِهِ أَنْ يُمَلِّكَهَا بُضْعَهَا مَجَّانًا فَإِذَا مَلَّكَهَا إيَّاهُ بِعِوَضٍ لَغَا تَصَرُّفَهُ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَهَبَهَا عَيْنًا فَبَاعَهَا مِنْهَا فَتَأَمَّلْهُ اهـ. وَفِيمَا وَجَّهَ بِهِ نَظَرٌ إذْ قَوْلُهُ قَضِيَّةُ تَوْكِيلِهِ أَنْ يُمَلِّكَهَا بُضْعَهَا مَجَّانًا مَمْنُوعٌ بِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ التَّوْكِيلَ فِي الطَّلَاقِ جِنْسٌ تَحْتَهُ نَوْعَانِ هُمَا الطَّلَاقُ بِعِوَضٍ وَغَيْرِ عِوَضٍ فَالتَّوْكِيلُ فِي الطَّلَاقِ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْعِوَضِ كَمَا أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْعِوَضَ بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ فِي الْهِبَةِ فَلَمْ يَصِحَّ قِيَاسُهُ مَا هُنَا عَلَى التَّوْكِيلِ فِي الْهِبَةِ فَإِنْ قُلْت قَوْلُهُ طَلَّقَهَا لَيْسَ بِعَامٍّ فِي الرَّجْعِيِّ وَالْبَائِنِ فَلْيُحْمَلْ عَلَى الرَّجْعِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَال لَمْ يَتَعَرَّض لَهُ وَالْأَصْل عَدَمُهُ قُلْت هُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَامًّا لَكِنَّهُ مُطْلَقٌ وَالْمُطْلَقُ فِيهِ شُمُولٌ أَيْضًا لَكِنْ عَلَى طَرِيقِ الْبَدَلِيَّةِ بِخِلَافِ الْعَامِّ فَإِنَّ الشُّمُولَ فِيهِ عَلَى جِهَةِ الْمَعِيَّةِ وَعَلَى كُلٍّ فَلَفْظ الْمُوَكِّل يَتَنَاوَلُ الْأَمْرَيْنِ لَكِنْ إنْ قُلْنَا بِالْعُمُومِ تَنَاوَلَهُمَا مَعًا أَوْ بِالْإِطْلَاقِ تَنَاوَلَهُمَا عَلَى الْبَدَلِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَامِّ وَالْمُطْلَقِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَلَامَ الشَّيْخَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يَقْتَضِي تَقْرِيرَ الْبُوشَنْجِيِّ عَلَى مَا قَالَهُ مِنْ عَدَم الْوُقُوعِ فِيهَا إلَّا أَنْ يُجْعَلَ تَوَقُّفُهُمَا فِي الْحُكْمِ فِي قَوْلِهِمَا حُكْمًا عَائِدًا إلَيْهَا وَحِينَئِذٍ فَالْأَوْجَهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَقِيَاس كَلَامِهِمْ فِي الْوَكَالَة كَمَا قَدَّمْته الْوُقُوعَ فِيهَا وَفِي الثَّانِيَة وَاعْتَرَضَ الْإِسْنَوِيُّ مَا ذَكَرَاهُ هُنَا عَنْهُ مِنْ عَدَمِ النُّفُوذِ حَيْثُ أَدَّى إلَى بُطْلَانِ الرَّجْعَةِ بِمَا نَقَلَاهُ بَعْدُ عَنْ الْقَفَّال وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ فِي تَطْلِيقِ زَوْجَتِهِ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً بِأَلْفِ وَقَعَ رَجْعِيًّا فَلَا مَال وَرُدَّ بِأَنَّ صُورَةَ مَا هُنَا كَمَا يُومِئُ إلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنْ لَا يُخَالِفَ الْوَكِيلُ الزَّوْجَ فِي الْعَدَدِ وَكَلَامُ الْقَفَّالِ فِيمَا إذَا خَالَفَ فِيهِ وَلَك أَنْ تَرُدَّ هَذَا الرَّدَّ بِأَنَّهُ كَانَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ عَدَمُ الْوُقُوعِ أَصْلًا فِي مَسْأَلَةِ

باب الغصب

الْقَفَّالِ لِلْمُخَالَفَةِ الصَّرِيحَةِ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي عِتْقِ عَبْدٍ فَأَعْتَقَ نِصْفَهُ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى وَجْهٍ لِلْمُخَالِفَةِ فَإِذَا لَمْ يَنْظُرُوا هُنَا لِصَرِيحِ الْمُخَالِفَةِ بَلْ أَوْقَعُوهُ مَعَهَا فَلَأَنْ يَقَعَ فِي مَسْأَلَةِ الْبُوشَنْجِيِّ بِقِسْمَيْهَا بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ لِمَا مَرَّ مِنْ تَنَاوُلِ التَّوْكِيلِ بِالطَّلَاقِ لِلتَّطْلِيقِ بِعِوَضٍ وَغَيْرِ عِوَضٍ. وَمِنْ ثَمَّ نَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ كَلَامَ الْإِسْنَوِيِّ الْمَذْكُورَ وَأَقَرَّهُ قَالَ الشَّيْخَانِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا بِالْأَلْفِ لَا مَالَ أَيْضًا وَلَا يَبْعُدُ ثُبُوتُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ الزَّوْجُ لَهُ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ خَالِعهَا بِمِائَةِ فَخَالَعَهَا بِأَكْثَرَ قَالَ الرَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ بِهِ الطَّلَاقُ وَهُوَ قَدْ يَكُونُ بِمَالٍ وَقَدْ يَكُون بِغَيْرِهِ فَإِذَا أُتِيَ بِمَا وَكَّلَ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ اهـ. وَهُوَ كَمَا قَالَ وَبِهِ يَتَأَيَّدُ مَا قَدَّمْته فِي رَدِّ كَلَامِ الْبُوشَنْجِيِّ وَاعْتِرَاضِ الْأَذْرَعِيُّ لَهُ بِأَنَّهُ وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا بِلَا عِوَضٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِهِبَةِ شَيْءٍ لِزَيْدٍ فَبَاعَهُ لَهُ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ شَيْءٍ بِمِائَةٍ فَبَاعَهُ بِأَزْيَدَ جَازَ وَإِدْخَالُ الْعِوَضِ فِي مِلْكِ الْمُوَكِّلِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لَهُ جُمْلَة بَعِيد وَلَيْسَ ذَلِكَ كَالزِّيَادَةِ التَّابِعَةِ مَرْدُودٌ كَمَا عَلِمْت مِمَّا مَرَّ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا بِلَا عِوَضٍ مَمْنُوعٍ إذْ التَّوْكِيلُ فِي الطَّلَاقِ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْعِوَضِ غَايَتُهُ أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْعِوَضَ بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ فِي الْهِبَةِ لَكِنَّ قَوْلَهُمَا وَمُقْتَضَاهُ إلَخْ مُعْتَرَضٌ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مُقْتَضَاهُ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا خَالَفَ الْوَكِيلُ الزَّوْجَ فِي الْعَدَدِ وَالْمُقْتَضَى الْمَذْكُور فِيمَا إذَا لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ وَيُرَدُّ هَذَا الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ كَلَامَ الْقَفَّالِ اشْتَمَلَ عَلَى الْمُخَالَفَةِ فِي شَيْئَيْنِ النَّقْصِ مِنْ الْعَدِّ وَذِكْرِ الْمَالِ فَرُبَّمَا يَقْتَضِي أَنَّ مُطْلَقَ الْمُخَالَفَةِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْمَالِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بِالْأَلْفِ كَانَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ وَكَوْنُ كَلَامِهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا خَالَفَ فِي الْعَدَدِ دَعْوَى مُرَادٍ وَهُوَ وَإِنْ سَلِمَ لَا يَدْفَعُ الْإِيرَادَ وَاعْتِرَاضُ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ أَيْضًا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ بِأَنَّهُ لَا خَيْرِيَّةَ فِيهِ لِتَفْوِيتِهِ الرَّجْعَةَ عَلَيْهِ وَهُوَ غَفْلَةٌ عَنْ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ إذْ الصُّورَةُ أَنَّهُ وَكَّلَهُ فِي التَّطْلِيقِ ثَلَاثًا فَكَيْفَ يُقَالُ فَوَّتَ عَلَيْهِ الرَّجْعَةَ. فَإِذَا قَالَ لَهُ طَلِّقْهَا ثَلَاثًا فَخَالَفَ فَمُخَالَفَته قَدْ تَكُونُ فِي الْعَدَدِ وَالصِّفَة وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْقَفَّال وَذَلك بِأَنْ يُطَلِّقَ وَاحِدَةً بِعِوَضٍ وَقَدْ تَكُونَ بِالصِّفَةِ فَقَطْ بِأَنْ يُطَلِّقَ ثَلَاثًا بِعِوَضٍ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الرَّافِعِيِّ الَّتِي أَلْزَمَ بِهَا الْقَفَّالُ فَإِنْ قُلْت فَمَا الْفَرْق بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ غَيْر مَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ حَيْثُ لَمْ يَثْبُت الْمَالُ فِي الْأُولَى وَثَبَتَ فِي الثَّانِيَةِ قُلْتُ الْمُخَالَفَةُ فِي الْأُولَى أَفْحَشُ فَوَقَعَ الطَّلَاقُ لِشِدَّةِ تَعَلُّقِهِ وَلُزُومِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ الْمَالُ لِعَدَمِ التَّصَرُّفِ عَلَى الْوَجْه الْمَأْذُون فِيهِ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّ مَنْ رَضِيَ بِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ مَجَّانًا فَلَأَنْ يَرْضَى بِهَا بَعُوضٍ أَوْلَى وَلَا يُقَالُ قَدْ يَقْصِد مُحَابَاة الزَّوْجَةِ؛ لِأَنَّا نَقُول الطَّلَاق إنَّمَا يَكُونُ عَنْ تَبَاغُضٍ وَتَنَافُرٍ فَكَانَ قَصْدُ الْمُحَابَاةِ فِيهِ بَعِيدًا فَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ بِخِلَافِ نَظِير ذَلِكَ فِي الْوَكَالَة فِيمَا إذَا عَيَّنَ لَهُ الثَّمَنَ وَالْمُشْتَرِي كَبِعْهُ لِزَيْدٍ فَإِنَّ الْقَرِينَةَ قَاضِيَةٌ هُنَا بِقَصْدِ الْمُحَابَاة ثُمَّ الضَّمِيرُ فِي قَوْل الشَّيْخَيْنِ وَلَا يَبْعُدُ ثُبُوتُهُ رَاجِعٌ إلَى مَسْأَلَتهمَا الَّتِي أَبْدَيَاهَا وَهِيَ مَا لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا بِالْأَلْفِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ لَا إلَى مَسْأَلَةِ الْقَفَّال خِلَافًا لِمَنْ وَهِمَ فِيهِ [بَابُ الْغَصْبِ] (وَسُئِلَ) لَوْ أَتْلَفَ زَرْعًا لِغَيْرِهِ أَوَّلَ خُرُوجِهِ أَوْ ثَمَرًا كَذَلِكَ بِحَيْثُ يَكُونُ لَا قِيمَةَ لَهُ أَوْ لَهُ قِيمَةٌ قَلِيلَةٌ وَلَوْ بَقِيَ إلَى وَقْتِ كَمَالِهِ لَتَضَاعَفَتْ قِيمَتُهُ فَمَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيمَا أَتْلَفَهُ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ لَوْ بَقِيَ إلَى حَالَةِ كَمَالِهِ كَمَا قَالَ بِذَلِكَ إسْمَاعِيلُ الْحَضْرَمِيُّ صَاحِب ثَمَرَةِ الرَّوْضَةِ أَوْ الْوَاجِبُ غَيْرُ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ إذَا أَتْلَفَ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ سِوَى التَّعْزِير أَوْ مَاله قِيمَةٌ قَلِيلَةٌ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ عِنْدَ تَلَفِهِ وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ إلَى وَقْتِ كَمَالِهِ لَتَضَاعَفَتْ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّ النَّظَر فِي قِيمَةِ الْمُتْلَفِ إنَّمَا هُوَ إلَى وَقْتِ إتْلَافِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ قَالُوا وَلَا عِبْرَةَ بِالزِّيَادَةِ بَعْدَ التَّلَفِ كَمَا لَا عِبْرَةَ بِالنَّقْصِ بِالْكَسَادِ وَمَا نُقِلَ عَنْ إسْمَاعِيلَ الْحَضْرَمِيِّ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ اخْتِيَارٌ لَهُ غَرِيبٌ أَوْ شَاذٌّ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَاَللَّه أَعْلَم. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَتْلَفَ زَرْعًا لَا قِيمَةَ لَهُ عِنْدَ الْإِتْلَاف أَوْ لَهُ قِيمَةٌ مَا حُكْمُهُ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِأَنَّ مَنْ أَتْلَفَ زَرْعًا لَا قِيمَة لَهُ عِنْد الْإِتْلَافِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ التَّغْزِير كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابنَا حَيْثُ قَالُوا لَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا لَا يُتَمَوَّلُ كَحَبَّتَيْ

بُرٍّ أَوْ زَبِيب وَمَعَ هَذَا يَحْرُمُ غَصْبُ ذَلِكَ وَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ وَيَجِبُ رَدُّهُ فَإِنْ أُتْلِفَ فَلَا ضَمَانَ إذْ لَا مَالِيَّةَ لِذَلِكَ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ التَّعْبِيرَ بِحَبَّتَيْ حِنْطَةٍ مِثَالٌ وَمِنْ ثَمَّ عَبَّرَا فِي التَّتِمَّة وَالْبَحْر بِحَبَّاتِ حِنْطَة وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يُعَدُّ مَالًا فِي الْعُرْفِ لِقِلَّتِهِ لَا يُضْمَنُ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَهُوَ مَا اعْتَمَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ كَعِشْرِينَ حَبَّةِ خَرْدَلٍ بِخِلَافِ عِشْرِينَ حَبَّةِ حِنْطَةٍ. اهـ. وَاعْتَرَضَ تَمْثِيلَهُ بِذَلِكَ بِمَا رَدَدْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَأَمَّا إذَا كَانَ لَهُ قِيمَةٌ قَلِيلَةٌ فَإِنَّهَا تَلْزَمُهُ وَيُعَزَّرُ أَيْضًا وَشَرْطُ تَعْزِيرِهِ مُطْلَقًا أَنْ يَتَعَمَّدَ الْإِتْلَافَ عَالِمًا بِحُرْمَتِهِ فَإِنْ قُلْت مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ نَحْو الْحَبَّتَيْنِ مِنْ الْحِنْطَة وَالزَّبِيب لَا يُعَدَّانِ مَالًا مُعْتَرِض وَإِنْ جَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ فِي الْبَيْعِ بِأَنَّهُمَا صَرَّحَا فِي الْإِقْرَارِ بِأَنَّ الزَّبِيبَةَ حَيْثُ يَكُونُ لَهَا قِيمَةُ مَالٍ كَذَا زَعَمَهُ الْإِسْنَوِيُّ لَكِنْ رَدَّهُ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّ الْمُرَاد هَهُنَا أَنَّهُ لَا يُعَدُّ مَالًا يُتَمَوَّلُ لَا أَنَّهُ لَا مَالِيَّةَ فِيهِ أَصْلًا وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِكَلَامِهِمْ هُنَا وَثَمَّ وَضَبَطَ الْإِمَامُ الْمُتَمَوَّل بِأَنَّهُ الَّذِي يُقَدَّرُ لَهُ أَثَرٌ فِي النَّفْعِ أَوْ الَّذِي يُفْرَضُ لَهُ قِيمَةٌ عِنْدَ غَلَاءِ الْأَسْعَارِ وَالْمَالُ بِخِلَافِهِ هُنَا. اهـ. وَاَلَّذِي يُضْمَنُ إنَّمَا هُوَ الْمُتَمَوَّلُ دُونَ مُطْلَقِ الْمَالِ فَإِنْ قُلْت قَالَ الْقَفَّالُ وَمَنْ تَبِعَهُ مَنْ أَتْلَفَ حَبَّتَيْ حِنْطَةٍ ضَمِنَهُمَا قُلْت هَذِهِ مَقَالَةٌ ضَعِيفَةٌ وَالْمُعْتَمَدُ مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ فَإِنْ قُلْت يَلْزَمُ عَلَى عَدَمِ الضَّمَانِ عَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى بِذَلِكَ فَكَيْفَ قُلْتُمْ يُعَزَّرُ قُلْت لَا يَلْزَمُ ذَلِكَ بَلْ تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِهِ؛ لِأَنَّ فَائِدَتَهَا لَا تَنْحَصِرُ فِي التَّغْرِيمِ بَلْ قَدْ يَكُونُ مِنْ مَقَاصِدِهَا إثْبَاتُ فِسْقِهِ وَطَلَبُ تَعْزِيره، وَاَللَّه أَعْلَم. (وَسُئِلَ) فِي دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ وَرَثَةٍ مَشَاعًا فَقَامَ أَحَدُ الْوَرَثَة وَهَدَمَ وَبَنَى وَعَمَّرَ وَأَصْلَحَ وَأَدْخَلَ فِيهَا أَنْقَاضًا مِنْ مَالِهِ كَأَحْجَارٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِحَيْثُ تَعَذَّرَ تَمْيِيزُ الْأَنْقَاضِ الْقَدِيمَةِ مِنْ الْأَنْقَاضِ الْحَادِثَةِ الْمُسْتَجَدَّةِ وَزَادَ فِيهَا أَيْضًا زِيَادَاتٌ مِنْ الْمَنَافِعِ وَالسُّكْنَى بِأَنْقَاضٍ مُنْفَرِدَةٍ حَادِثَةٍ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِ شُرَكَائِهِ فَهَلْ لَهُمْ الْمُطَالَبَةُ بِرَفْعِ الزِّيَادَاتِ الْمُنْفَرِدَةِ الْمُسْتَجَدَّةِ بِإِنْقَاضِهِ أَوْ يُجْبَرُونَ عَلَى إبْقَائِهَا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ أَمْ لَا فَإِذَا قُلْتُمْ بِنَقْضِهَا وَرَفْعِهَا وَتَسْوِيَةِ أَرْضِهَا فَهَلْ يَلْزَمُهُمْ بِسَبَبِ نَقْضِهَا لِذَلِكَ شَيْءٌ أَمْ لَا وَمَا الْحُكْمُ فِي الْأَنْقَاضِ الْقَدِيمَة وَالْأَنْقَاضِ الْحَادِثَة الْمُخْتَلِطَة الَّتِي تَعَذَّرَ تَمْيِيزُ بَعْضِهَا عَنْ بَعْض إذَا لَمْ يَصْطَلِحُوا عَلَى شَيْءٍ؟ (فَأَجَابَ) لِبَقِيَّةِ الْوَرَثَة مُطَالَبَةُ الْمُتَعَدِّي الْمَذْكُورِ بِرَفْعِ بِنَائِهِ وَلَا يُجْبَرُونَ عَلَى إبْقَائِهِ بِأُجْرَةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَلَا يَضْمَنُونَ بِسَبَبِ هَدْمِهِ وَيَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْض بَعْد الْهَدْمِ وَالْأُجْرَةُ مِنْ حِين وَضْعِ بِنَائِهِ إلَى إزَالَتِهِ وَإِذَا تَعَدَّى بِخَلْطِ أَنْقَاضِهِ بِأَنْقَاضِ غَيْرِهِ الَّتِي وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا تَعَدِّيًا وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ غَرِمَ قِيمَةَ أَنْقَاضِ غَيْرِهِ، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم. (وَسُئِلَ) سَعَى بِآخَرَ إلَى ظَالِمٍ فَأَخَذَ مِنْهُ مَالًا هَلْ يَرْجِعُ عَلَى السَّاعِي؟ (فَأَجَابَ) لَيْسَ عَلَى السَّاعِي الْمَذْكُورِ ضَمَانٌ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْإِثْمُ الشَّدِيدُ إذْ السِّعَايَةُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَفِي نِهَايَةِ الْغَرِيب حَدِيث السَّاعِي مُتْلِبٌ أَيْ مُهْلِكٌ بِسِعَايَتِهِ نَفْسَهُ وَالْمُسْعَى بِهِ وَإِلَيْهِ، وَاَللَّه أَعْلَم. (وَسُئِلَ) اُعْتِيدَ فِي جِهَةٍ أَنَّ الدَّابَّةَ لَا يُرْغَبُ فِي اسْتِئْجَارِهَا فِي بَعْضِ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ فَلَوْ غُصِبَتْ فَهَلْ تُعْتَبَرُ أُجْرَةُ مِثْلهَا فِي مُدَّةِ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ؟ (فَأَجَابَ) نَعَمْ يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمَنَافِعَ كَالْأَعْيَانِ فَالْقِيمَةُ فِيهَا ذَاتِيَّةٌ وُجِدَ رَاغِبٌ بِالْفِعْلِ أَمْ لَا وَمِنْ ثَمَّ أَفْتَى بَعْضُ شُرَّاحِ الْإِرْشَادِ فِي أَرْضٍ لَا تُؤَجَّرُ قَطُّ بِأَنَّهَا تُعْتَبَرُ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهَا، وَاَللَّه أَعْلَم. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ دُفِعَ إلَيْهِ ثَوْبٌ وَقَالَ أَحْرِقْهُ أَوْ ارْمِهِ فِي الْبَحْرِ فَاسْتَعْمَلَهُ ثُمَّ حَرَقَهُ أَوْ رَمَاهُ فَهَلْ يَضْمَنُهُ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَبْدَى فِيهَا الْقَاضِي وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالِاسْتِعْمَالِ وَالْإِلْقَاءِ وَالثَّانِي لَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ اهـ وَعَلَيْهِ فَالْمُرَادُ بِالدُّخُولِ فِي الضَّمَانِ أَنَّهُ يَضْمَنُ أُجْرَتَهُ مُدَّةَ اسْتِعْمَالَهُ أَوْ يَضْمَنُ جُمْلَتَهُ كُلّ مُحْتَمَل وَلَعَلَّ الثَّانِيَ أَقْرَب وَلَا نُسَلِّم أَنَّ الْإِتْلَافَ مَأْذُونٌ فِيهِ الْآن؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَعْمَلَهُ صَارَ غَاصِبًا لَهُ لِتَعَدِّيهِ بِاسْتِعْمَالِهِ فِيمَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ وَالْغَاصِبُ لَا يَبْرَأُ إلَّا بِالرَّدِّ وَلَمْ يَحْصُلْ وَأَمَّا فِعْلُهُ مَا أَمَرَ بِهِ فَلَا يُضَافُ حِينَئِذٍ إلَى الْإِذْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَعْمَلَهُ أَعْرَضَ عَنْ الْإِذْنِ وَصَارَ مُتَصَرِّفًا فِيهِ لِنَفْسِهِ فَلَزِمَهُ بَعْدَ التَّصَرُّفِ فِيهِ رَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ وَإِلَّا ضَمِنَهُ وَالتَّعْبِيرُ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ لَا يُنَافِي ضَمَانَ جَمِيعِهِ بَلْ جَعْلُهُ الْإِلْقَاءَ سَبَبًا لِلضَّمَانِ

ظَاهِرٌ فِي ضَمَانِ جَمِيعِهِ إذْ لَوْ ضَمِنَ أُجْرَة اسْتِعْمَالِهِ فَقَطْ لَمْ يَكُنْ لِلْإِلْقَاءِ دَخْلٌ فِي الضَّمَانِ مُطْلَقًا فَإِنْ قُلْت هُوَ وَكِيلٌ وَتَعَدِّيهِ لَا يَمْنَعُ تَصَرُّفه قُلْت مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ فِي الْمَعَاصِي بَاطِلٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَوْصَلَ غُصْنًا لَهُ بِشَجَرَةِ غَيْرِهِ عُدْوَانًا فَأَثْمَرَ فَالثَّمَرَةُ لِمَنْ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى الْبَغَوِيّ بِأَنَّهَا لِصَاحِبِ الْغُصْنِ فَقَطْ وَقَاضِي حَمَاة الْبَارِزِيِّ بِأَنَّهَا بَيْنهمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ مِنْ مِلْكهَا وَالْأَوْجَه الْأَوَّل كَمَا لَوْ غَرَسَهُ فِي أَرْض غَيْره عُدْوَانًا فَصَارَ شَجَرَة فَأَثْمَرَ بَلْ يَلْزَم الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ أَنْزَى فَحْلَهُ عَلَى شَاة غَيْره عُدْوَانًا كَانَ النِّتَاج بَيْنَهُمَا لِتَوَلُّدِهِ مِنْ مِلْكَيْهِمَا وَلَا قَائِلَ بِذَلِكَ مِنْ أَصْحَابنَا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا إذَا زَرَعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَهَلْ لِلشَّرِيكِ الْآخَرِ قَلْعُهُ مَجَّانًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ لَهُ ذَلِكَ وَغَلِطَ مَنْ قَالَ لَهُ أُجْرَة الْمِثْل وَلَا يُقْلَعُ مَجَّانًا؛ لِأَنَّهُ انْتَفَعَ بِمَالِهِ فِيهِ شَرِكَة وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ لَنَصِيبِ شَرِيكِهِ فَلَا حُرْمَةَ لِمَا فَعَلَهُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ رَكِبَ فَرَسًا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَأَجْهَدَهُ فِي السُّوقِ فَأَسْقَطَتْ مُهْرًا مَيِّتًا فَهَلْ يَضْمَنُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يَضْمَنُهُ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ نَجَّسَ ثَوْبَ آخَرَ وَلَمْ يَنْقُص بِالْغَسْلِ فَهَلْ يَلْزَمهُ تَطْهِيره؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَلْزَمهُ بَلْ وَلَا يَجُوز لَهُ بِغَيْرِ إذْن صَاحِبه وَإِنْ كَانَ لِغَسْلِهِ مُؤْنَة فَإِنْ طَهَّرَهُ فَنَقَصَ ضَمِنَ أَرْش النَّقْص وَلَوْ رَدَّهُ نَجِسًا فَمُؤْنَةُ التَّطْهِير عَلَيْهِ وَكَذَا الْأَرْشُ اللَّازِم مِنْهُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَخَذَ مِنْ الصَّبِيِّ شَيْئًا لَمْ يَبْرَأ بِرَدِّهِ إلَيْهِ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْعَبْد فَمَا الْفَرْقُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْفَرْق أَنَّ الْعَبْدَ أَهْلٌ لِلْيَدِ فِي الْجُمْلَة فَمَا احْتَوَتْ عَلَيْهِ يَدُهُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ كَانَتْ كَيَدِ السَّيِّد بِخِلَافِ الصَّبِيِّ فَإِنَّ يَدَهُ كَلَا يَدٍ إذْ مَا فِيهَا عُرْضَةٌ إلَى الضَّيَاع وَلِهَذَا جَازَ أَخْذُهُ لِلرَّدِّ عَلَى وَلِيِّهِ أَوْ الْحَاكِم حِسْبَةً بِخِلَافِ مَا بِيَدِ الْعَبْدِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَلْبُوسِ الصَّبِيِّ وَغَيْرِهِ فِيمَا مَرَّ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ غَصَبَ شَيْئًا فَاسْتَأْجَرَ مَنْ يَحْمِلُهُ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْأَجِيرُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ أَوْ الْمُسَمَّى؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الِاسْتِئْجَارِ لِحَجِّ التَّطَوُّعِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لَا الْمُسَمَّى وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَيَانِ وَقَيَّدَهُ ابْنُ عُجَيْلٍ بِمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْغَصْبَ وَإِلَّا لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا بَلْ يَضْمَنهُ أَيْضًا. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ غَصَبَ أَرْضًا وَلَمْ يُعْتَدْ إيجَارُهَا إلَّا بِطَعَامٍ فَمَا الَّذِي يَلْزَمُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ فِي نَظِيرِهِ أَنَّهُ يَجْرِي عَلَى عَادَةِ الْبَلَدِ فِيمَا يَقُومُ بِهِ مِنْ طَعَامٍ وَغَيْره فَإِذًا يَلْزَمهُ مِنْ الطَّعَام مَا يُسْتَأْجَرُ بِهِ عَادَةً وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَة ذَلِكَ الطَّعَام الَّذِي يَسْتَأْجِرُ بِهِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ وَنَقَلَهُ عَنْ غَيْرِهِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَطَعَ لِسَانَ بَقَرَةٍ مَثَلًا فَتَرَكَهَا الْمَالِكُ بِلَا ذَبْحٍ حَتَّى مَاتَتْ فَهَلْ يَضْمَنُ الْأَرْشَ فَقَطْ كَمَا لَوْ ذَبَحَهَا فَتَرَكَهَا الْمَالِكُ حَتَّى أَنْتَنَتْ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يَضْمَنُهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى بِجَمِيعِ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ التَّلَف حَصَلَ بِسِرَايَتِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ جَرَحَ رَجُلًا فَسَرَى لِنَفْسِهِ وَمَاتَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى مُدَاوَاتِهَا بِخِلَافِهِ فِي الثَّانِيَةِ فَإِنَّ الْأَرْش اسْتَقَرَّ بِالذَّبْحِ وَمَا حَدَثَ بَعْده مِنْ كَوْنِ الْأَنْفُسِ صَارَتْ تَعَافُهَا لَيْسَ مِنْ سَرَايَته وَأَيْضًا فَلَحْمُهَا لَمْ يَحْرُمْ بِالنَّتْنِ بِخِلَافِهِ فِي الْأُولَى فَإِنَّهُ حُرِّمَ بِوَاسِطَةِ فِعْلِهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ غَصَبَ عَبْدًا فَمَرِضَ عِنْدَهُ ثُمَّ رَدَّهُ مَرِيضًا فَمَكَثَ فِي يَدِ السَّيِّدِ مُدَّةً ثُمَّ زَالَ مَرَضُهُ فَهَلْ عَلَيْهِ أُجْرَة مِثْلِ الْمُدَّة الَّتِي كَانَ مَرِيضًا فِيهَا فِي يَد السَّيِّد؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ كَلَام الْبَغَوِيِّ فِي فَتَاوِيهِ صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ ذَلِكَ وَهُوَ مُتَّجَه خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ حَيْثُ قَالَ لَا أُجْرَةَ؛ لِأَنَّهُ بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِك زَالَ الضَّمَانُ وَالنَّقْصُ الَّذِي قَدْ حَصَلَ بِالْمَرَضِ فِي يَده قَدْ ضَمِنَهُ بِالْأَرْشِ. اهـ. وَيُرَدُّ بِأَنَّ هَذَا مُتَوَلِّدٌ مِنْ فِعْلِهِ فَضَمِنَهُ بِالْأُجْرَةِ وَإِنْ كَانَ ضَمِنَهُ أَوَّلًا بِالْأَرْشِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ غَصَبَ أَرْضًا أَوْ اشْتَرَاهَا شِرَاءً فَاسِدًا وَهِيَ تُزْرَعُ بُرًّا وَذُرَة وَغَيْرهمَا فَمَا الَّذِي يَضْمَنهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَضْمَنهُ هُوَ أُجْرَةُ مِثْل أَعْلَاهَا مَنْفَعَةً كَمَا لَوْ غَصَبَ عَبْدًا يُحْسِنُ صِنَاعَاتٍ مُخْتَلِفَةً فَإِنَّهُ يَضْمَن أَعْلَاهَا. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ سَعَى بِآخَرَ إلَى السُّلْطَانِ فَغَرَّمَهُ لِأَجْلِ السِّعَايَة شَيْئًا فَهَلْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى السَّاعِي؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَضِيَّةُ قَوَاعِدِ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يَرْجِع عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَهُوَ كَذَلِكَ خِلَافًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ

وَيُفَرَّق بَيْنه وَبَيْن تَغْرِيمِ الشَّاهِدِ إذَا رَجَعَ بِأَنَّ الشَّاهِدَ أَلْجَأَ الْحَاكِمَ شَرْعًا إلَى الْحُكْمِ الْمُقْتَضِي لِتَغْرِيمِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ السَّاعِي فَإِنَّهُ لَمْ يُلْجِئْ السُّلْطَانَ لِذَلِكَ وَيُفَرَّقُ أَيْضًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ بَلْ لِعَمْرٍو بِأَنَّهُ ثَمَّ أَحَلَّ بَيْنَ عَمْرٍو وَبَيْنَ دَارِهِ بِإِثْبَاتِهَا لِلْأَوَّلِ بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ نَاقَضَهَا قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَنَاسَبَ أَنْ يَغْرَمَ لِتَحَقُّقِ حَيْلُولَتِهِ بَيْنَ عَمْرٍو وَبَيْنَ حَقِّهِ وَهُنَا لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ حَيْلُولَةٌ وَلَا إلْجَاءٌ شَرْعِيّ فَلَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَتْلَفَ وَلَدَ بَهِيمَةٍ فَنَقَصَ لَبَنُهَا فَهَلْ يَلْزَمُهُ أَرْشُ النَّقْص؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى بَعْضهمْ بِأَنَّهُ يَلْزَمهُ فَتُقَوَّمُ لَبُونًا تَحْلُب كُلَّ يَوْم كَذَا وَتُقَوَّمُ نَاقِصَة عَمَّا كَانَ وَهُوَ كَذَا فَمَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ غُرْمُهُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ غَصَبَ طَعَامًا وَأَضَافَ بِهِ الْمَالِكُ بَرِئَ هَلْ هُوَ عَلَى إطْلَاقِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ قَدَّمَهُ لَهُ عَلَى حَالِهِ أَوْ بَعْدَ تَغَيُّرِهِ وَلَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ فَلَا كَلَامَ فِي الْبَرَاءَة أَوْ بَعْد أَنْ نَقَصَتْ وَلَمْ يَسِرْ لِلتَّلَفِ ضَمِنَ نَقْصَهَا وَبَرِئَ مِنْ الْبَاقِي أَمَّا إذَا قَدَّمَهُ وَقَدْ صَارَ سَارِيًا لِلتَّلَفِ فَلَا يَبْرَأُ بِأَكْلِ الْمَالِك حِينَئِذٍ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ حِينَئِذٍ حُكْمُ التَّالِفِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَالضَّمَان قَدْ صَارَ مُسْتَقِرًّا فِي ذِمَّةِ الْغَاصِب قَبْل الْأَكْلِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ وَأَيْضًا فَإِنْ قُلْنَا بِبَقَائِهِ عِنْدَ صَيْرُورَتِهِ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ فَلَا كَلَامَ أَوْ بِانْتِقَالِهِ إلَى مِلْكِ الْغَاصِبِ فَقَدْ حَمَلَهُ عَلَيْهِ ضِيَافَتُهُ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ مَا اسْتَقَرَّ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الضَّمَانِ. (وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ اطَّرَدَتْ عَادَةُ أَهْلِ بَلَدِ بِإِجَارَةِ أَرَاضِيهِمْ بِنَوْعٍ مِنْ الْحُبُوبِ فَغَصَبَ شَخْصٌ أَرْضًا مِنْهَا فَهَلْ تَلْزَمهُ الْأُجْرَةُ حَبًّا أَوْ نَقْدًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُحَقَّق عِنْد جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ فِي نَظِيرِهِ أَنَّهُ يَجْرِي عَلَى عَادَة الْبَلَد فِيمَا تَقُومُ بِهِ مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ وَقَدْ يُؤَيِّدهُ قَوْلهمْ لَوْ غَلَبَ مِنْ جِنْس الْعُرُوضِ نَوْعٌ كَالطَّعَامِ انْصَرَفَ الذِّكْرُ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ كَالنَّقْدِ فَإِلْحَاقُهُ بِالنَّقْدِ فِي ذَلِكَ يُومِئُ إلَى إلْحَاقِهِ بِهِ فِي غَرَامَةِ الْمُتْلَفَاتِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَكَلَ مِنْ يَد آخَرَ طَعَامًا وَكَانَ فِي الْأَصْلِ مَغْصُوبًا وَلَمْ يَعْلَم فَهَلْ يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَقَلَ الْغَزِّيُّ عَنْ الْبَغَوِيِّ أَنَّ الْمَأْكُولَ مِنْهُ إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالصَّلَاحِ لَمْ يُؤَاخِذْ بِهِ الْآكِلُ وَإِلَّا أُوخِذَ بِهِ ثُمَّ قَالَ الْغَزِّيُّ وَأَظُنُّهُ لَا يُوَافِقُ عَلَيْهِ أَيْ بَلْ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ مُطْلَقًا لِعَدَمِ الْعِلْمِ وَقَدْ يُقَالُ مُقْتَضَى الْمُطَالَبَةِ بِمَا يُتْلِفهُ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا الْمُطَالَبَة هُنَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ فَلَيْسَتْ مُطَالَبَتُهُ بِفِعْلٍ حَرَامٍ بَلْ بِإِتْلَافِ مَاله وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ غَصَبَ عَيْنًا مِثْلِيَّةً وَأَتْلَفَهَا وَقُلْتُمْ يَضْمَنُ مِثْلَهَا وَإِنْ أَعْوَزَهُ وَوَجَدَهُ بِأَكْثَرَ ضَمِنَهَا بِقِيمَةِ الْمِثْلِ وَقْتَ الْمُحَاكَمَةِ وَالتَّأْدِيَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مِثْلٌ ضَمِنَهَا بِقِيمَتِهَا أَكْثَرَ مَا كَانَتْ مِنْ حِينَ الْغَصْبِ إلَى حِينَ التَّلَفِ مَفْهُومُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَكْثَرُ الْقِيمَةِ مَا بَيْنَ الْغَصْب وَالتَّلَف دُون ثَمَن الْمِثْلِ فَلَهُ قَبُولُهُ بَيِّنُوا لَنَا صُورَةَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ فِي الْقِيمَة فِي الْمُدَّة وَأَوْضِحُوا ذَلِكَ مُفَصَّلًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْحَاصِلُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة أَنَّ مَنْ غَصَبَ عَيْنًا مِثْلِيَّةً وَأَتْلَفَهَا يَلْزَمهُ مِثْلُهَا فَإِنْ فَقَدَهُ أَوْ وَجَدَهُ بِزِيَادَةٍ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ لَزِمَهُ أَقْصَى قِيمَة مِنْ وَقْتِ الْغَصْب إلَى وَقْتِ فَقْدِ الْمِثْلِ فَلَوْ كَانَ وَقْتَ الْغَصْبِ يُسَاوِي مِائَةً وَوَقْتَ الْفَقْدِ يُسَاوِي مِائَتَيْنِ وَفِيمَا بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ يُسَاوِي أَلْفًا لَزِمَهُ الْأَلْفُ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ وَأَمَّا الْمُتَقَوِّمُ فَيُضْمَن بِأَقْصَى قِيمَةٍ مِنْ الْغَصْبِ إلَى التَّلَفِ، وَاَللَّه أَعْلَم. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ شَغَلَ بُقْعَةً مِنْ الْمَسْجِدِ بِمَتَاعٍ لَهُ فَهَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَتَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَقَلَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي فَتَاوِيهِ عَنْ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ أُجْرَة الْبُقْعَة مَا لَمْ يَغْلِقْ بَاب الْمَسْجِدِ وَإِلَّا لَزِمَهُ أُجْرَةُ جَمِيعِهِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا صَحِيحٌ مُعْتَبَرٌ وَتُصْرَفُ الْأُجْرَة فِي مُصَالَح الْمَسْجِد وَظَاهِرُ حُرْمَةِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُضَيِّق عَلَى الْمُصَلِّينَ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا صُورَتُهُ قَالُوا لَوْ غَصَبَ خَشَبَةً وَأَدْرَجَهَا فِي سَفِينَةٍ لَمْ تُقْلَعْ مِنْهَا فِي اللُّجَّةِ إنْ خَشِيَ تَلَفَ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ مُحْتَرَمٍ مَا الْمُرَادُ بِالْمُحْتَرَمِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُرَاد بِالْمُحْتَرَمِ فِي غَيْر هَذَا الْبَاب مَا حَرُمَ قَتْلُهُ أَوْ إتْلَافُهُ وَيُحْتَمَلُ إلْحَاق هَذَا الْبَابِ بِغَيْرِهِ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنْ يُقَالَ إنْ خَشِيَ إتْلَافَ نَفْسٍ اشْتَرَطَ

أَنْ لَا تَكُونَ مُحْتَرَمَةً كَحَرْبِيٍّ وَمُرْتَدٍّ وِزَانٍ مُحْصَنٍ وَإِنْ خُشِيَ إتْلَافُ مَالٍ فَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا فَهُوَ مُحْتَرَمٌ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ مُحْتَرَمٍ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَالَ الْحَرْبِيِّ غَيْرُ مُحْتَرَمٍ وَيُحْتَمَلُ إلْحَاق الْمُرْتَدِّ بِهِ لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ كَنَفْسِ الْحَرْبِيِّ وَمَالِهِ فَأُتِيَ بِالْكَافِ الدَّالَّةِ غَالِبًا عَلَى عَدَمِ الْحَصْرِ فِي مَدْخُولِهَا وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقَ بِأَنَّ مَالَ الْمُرْتَدِّ لِبَيْتِ الْمَالِ إنْ مَاتَ مُرْتَدًّا وَإِلَّا فَهُوَ لَهُ وَأَيْضًا مَنْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ لَا يَمْلِك شَيْئًا مِنْهُ بِخِلَافِ مَالِ الْحَرْبِيِّ وَأَيْضًا فَالْحَرْبِيُّ إذَا مَاتَ عَلَى حِرَابَتِهِ انْتَقَلَ لِوَارِثِهِ الْحَرْبِيِّ وَهُوَ غَيْرُ مَعْصُومٍ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ فَإِنَّهُ إذَا مَاتَ عَلَى حَالَتِهِ انْتَقَلَ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَهُمْ حَقٌّ مُتَأَكِّدٌ فِي مَالِهِ بِخِلَافِ مَالِ الْحَرْبِيِّ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ خَلَطَ الْمَغْصُوبَ وَصَارَ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ فَهَلْ يَمْلِكُهُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا خَلَطَهُ بِمَا لَا يَتَمَيَّزُ عَنْهُ مَلَكَهُ سَوَاءً أَكَانَ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَسَوَاءً أَكَانَ مَا خَلَطَهُ بِهِ لَهُ أَوْ لِمَالِكٍ آخَرَ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَد مَذْهَبًا وَلَا يُكَلَّفُ الْمَالِكُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُخْتَلِطِ بِغَيْرِ جِنْسِهِ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْمُخْتَلِطِ بِجِنْسِهِ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِ بَعْضِ الْمُخْتَلَطِ بِالْأَجْوَدِ أَوْ الْمِثْلِ لَا الْأَرْدَإِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْغَاصِبَ يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ بِنَفْسِ الْخَلْطِ سَوَاءٌ أَعْطَى الْمَالِكُ الْبَدَلَ أَوْ لَا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ أَنَّ الْحَقَّ انْتَقَلَ بِالْخَلْطِ إلَى ذِمَّتِهِ لَكِنْ لَوْ قِيلَ إنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّصَرُّف قَبْلَ رَدِّ الْبَدَلِ وَأَنَّهُ لَا يَنْفُذُ مِنْهُ لَمْ يَبْعُدْ قِيَاسًا عَلَى الْوَرَثَةِ حَيْثُ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ التَّصَرُّفُ فِي تَرِكَةِ مُوَرِّثِهِمْ إذَا كَانَ مَدِينًا مَعَ أَنَّهَا مِلْكُهُمْ وَالدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ مُورَثِهِمْ وَلَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ رِعَايَةً لِصَاحِبِ الدَّيْنِ وَلَا يُقَالُ إنَّ التَّرِكَةَ مَرْهُونَةٌ بِالدَّيْنِ شَرْعًا بِخِلَافِ هَذَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ وَالْعَيْنُ الْمُخْتَلِفَةُ بِمَا يُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ مِنْهَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مَرْهُونَةً بِحَقِّ الْمَالِكِ كَذَلِكَ رِعَايَةً لَحَقِّهِ. (وَسُئِلَ) هَلْ تَجِبُ إرَاقَةُ الْخَمْرِ الْغَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ وَإِنْ قَصَدَ صَاحِبُهَا التَّخَلُّل وَمَا هِيَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْأَوْجَهُ أَنَّهَا الَّتِي عُصِرَتْ بِقَصْدِ الْخَمْرِيَّةِ وَحِينَئِذٍ فَتَجِبُ إرَاقَتُهَا فَوْرًا وَلَا يُجَابُ لِلْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلَى التَّخَلُّلِ نَعَمْ إنْ قَصَدَ قَبْل تَخَمُّرهَا اتِّخَاذَهَا لِلْخَلِيَّةِ لَمْ تَجِبْ إرَاقَتُهَا؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ النِّيَّةَ الْأُولَى بِالنِّيَّةِ الثَّانِيَة. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ قَوْلِ الْإِرْشَادِ وَضَمِنَ آخِذٌ مِنْ غَاصِبٍ لَا بِنِكَاحٍ وَفِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فِي بَاب الْغَصْب لَوْ زَوَّجَ الْغَاصِبُ الْأَمَةَ الْمَغْصُوبَةَ فَفَاتَتْ مَنَافِعُهَا تَحْتَ يَدِ الزَّوْجِ فَغُرْمهَا رَجَعَ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ وَإِذَا مَاتَتْ عِنْدَهُ وَغَرِمَ قِيمَتَهَا رَجَعَ بِهَا. اهـ. وَهَذَا يُنَاقِضُ مَا اقْتَضَتْهُ عِبَارَةُ الْإِرْشَادِ مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ فَتَأَمَّلُوا الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِأَيِّ شَيْءٍ أَثَابَكُمْ اللَّهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا تَنَافِي بَيْنَ عِبَارَةِ الْإِرْشَادِ. وَعِبَارَةِ شَرْحِ الْمِنْهَاجِ الْمَذْكُورَةِ بَلْ هُمَا مُتَّحِدَتَانِ مَفَادُهُمَا وَاحِدٌ كَمَا يُفْهِمُهُ قَوْلُ الْإِرْشَادِ عَقِبَ لَا بِنِكَاحٍ وَرَجَعَ إلَخْ إذْ مَعْنَى لَا بِنِكَاحٍ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ الْمَغْصُوبَةَ مِنْ الْغَاصِبِ جَاهِلًا فَتَلْفِت عِنْدَهُ لَا يُطَالَبُ بِقِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ زَوْجَةٌ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ نَعَمْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ يَنْبَغِي تَخْصِيصُهُ بِمَا إذَا تَلِفَ بِغَيْرِ الْوِلَادَةِ وَإِلَّا فَيَضْمَنُهَا كَمَا لَوْ أَوْلَدَ أَمَةَ غَيْرِهِ بِشُبْهَةٍ وَمَاتَتْ بِالْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا كَمَا قَالُوهُ. اهـ. وَفِيهِ شَيْءٌ بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَإِذَا عَلِمَ أَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَضْمَنُ قِيمَتَهَا لَوْ تَلِفَ عِنْدَهُ فَلَوْ غَرَّمَهَا لَهُ الْمَالِكُ رَجَعَ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ كَمَا أَفَادَ قَوْلُ الْإِرْشَادِ وَرَجَعَ إلَخْ وَكَذَا مَنَافِعُهَا الْفَائِتَةُ فِي يَد الزَّوْجِ مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ لَا يَضْمَنُهَا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الزَّوْجَةَ مِنْ حَيْثُ هِيَ زَوْجَةٌ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ فَإِذَا غَرَّمَهُ الْمَالِكُ إيَّاهَا رَجَعَ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْإِرْشَادِ وَرَجَعَ إلَخْ بِخِلَافِ مَا لَوْ غَرَّمَهُ مَهْرَ وَطْئِهِ أَوْ أُجْرَةَ الْمَنَافِعِ الَّتِي اسْتَخْدَمَهَا فِيهَا فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِي الْعَقْدِ عَلَى أَنْ يَضْمَنَ الْمَهْرَ وَلِأَنَّ الْغَاصِبَ لَمْ يُسَلِّطْهُ بِالتَّزْوِيجِ عَلَى الِاسْتِخْدَامِ فَظَهَرَ لِمَنْ لَهُ أَدْنَى تَأَمُّلٍ أَنْ لَا تَخَالُفَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ بِوَجْهٍ وَأَنَّ تَوَهُّمَ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَهُمَا إنَّمَا نَشَأَتْ عَنْ الْغَفْلَةِ عَنْ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا بِنِكَاحٍ وَعَنْ قَوْلِهِ عَقِبَهُ وَرَجَعَ إلَخْ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ غَصَبَ عَبْدًا يَعْرِفُ صَنْعَةً فَنَسِيَهَا وَقُلْنَا يَغْرَمُ قِيمَةَ هَذَا الْوَصْفِ مِنْ الْمُصَدَّقِ فِي النِّسْيَانِ لَوْ تَذَكَّرَ فَادَّعَى الْغَاصِبُ أَنَّهُ مُتَذَكِّرٌ فَلَا عَلَيْهِ غُرْم وَالْمَالِك أَنَّهُ مُتَعَلِّمٌ فَالْغُرْمُ مِنْ الْمُصَدَّقِ مِنْهُمَا هَذَا عَلَى قَوْلِ الْفَرْقِ بَيْنَ التَّذَكُّرِ وَالتَّعْلِيمِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّ الْغَاصِبَ هُنَا هُوَ الْمُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ الْمَالِك يَدَّعِي عَلَيْهِ

إحْسَانَ قِنِّهِ لِحِرْفَةٍ فَأَتَتْ فِي يَدِهِ فَلَزِمَهُ قِيمَتُهَا وَالْغَاصِبُ يَدَّعِي بَقَاءَ تِلْكَ الْحِرْفَةِ أَوْ عَدَمَهَا مِنْ أَصْلِهَا فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِمَّا يَدَّعِيهِ عَلَيْهِ الْمَالِكُ حَتَّى يَثْبُتُ مُوجِبُهُ وَأَيْضًا فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى وُجُودِ تِلْكَ الْحِرْفَةِ وَاخْتَلَفَا فِي النِّسْيَانِ فَالْأَصْلُ دَوَامُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى وُجُودِهَا بِأَنْ اخْتَلَفَا فِيهِ فَالْأَصْلُ عَدَمُهَا وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ مُسَاعِدٌ لِأَصْلِ بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْغَاصِبِ فَقَوِيَ جَانِبُهُ بِاعْتِضَادِ دَعْوَانَا أَصْلُ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ مَعَ أَصْلِ الدَّوَامِ فِي الْأُولَى أَوْ أَصْلُ الْعَدَمِ فِي الثَّانِيَةِ وَمِمَّا يَشْهَدُ لِتَصْدِيقِهِ قَوْلُهُمْ لَوْ اخْتَلَفَا فِي كَوْنِ الْمَغْصُوبِ كَاتِبًا أَوْ مُحْتَرِفًا صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ وَعَدَمُ مَا ادَّعَاهُ الْمَالِكُ. وَقَوْلُهُمْ لَوْ رَدَّ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ أَعْمَى مَثَلًا وَقَالَ هَكَذَا غَصَبْته وَقَالَ الْمَالِكُ بَلْ حَدَثَ عِنْدَهُ صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عَمَّا يَزِيدُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ فَتَأَمَّلْ هَذَا كَاَلَّذِي قَبْلَهُ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِي تَصْدِيقِ الْغَاصِبِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ وَالْمُعْتَمَدُ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ تَعَلُّمَ الصَّنْعَةِ كَتَذَكُّرِهَا وَعَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا الَّذِي ذَكَرَهُ السَّائِلُ فَالْمُصَدَّقُ فِيمَا ذَكَرَهُ الْغَاصِبُ أَيْضًا كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْته عَلَى الْأَصَحِّ فِي صُورَةِ اخْتِلَافِهِمَا فِي النِّسْيَانِ. (وَسُئِلَ) عَنْ مَغْصُوبٍ تَحَقَّقَ جَهْلُ مَالِكِهِ هَلْ هُوَ حَرَامٌ مَحْضٌ أَوْ شُبْهَةٌ وَهَلْ يَحِلُّ التَّصَرُّفُ فِيهِ كَاللُّقَطَةِ أَوْ كَغَيْرِهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَحِلُّ التَّصَرُّفُ فِيهِ مَا دَامَ مَالِكُهُ مَرْجُوَّ الْوُجُودِ بَلْ يُوضَعُ عِنْدَ قَاضٍ أَمِينٍ إنْ وُجِدَ وَإِلَّا فَعَالِمٌ كَذَلِكَ فَإِنْ أَيِسَ مِنْ مَعْرِفَةِ مَالِكِهِ صَارَ مِنْ جُمْلَةِ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَإِنَّهُ قَالَ مَا مُلَخَّصُهُ مَنْ مَعَهُ مَالٌ حَرَامٌ وَأَيِسَ مِنْ مَعْرِفَةِ مَالِكِهِ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصْرِفَهُ فِي الْمُصَالَحِ الْعَامَّةِ كَالْقَنَاطِرِ وَالْمَسَاجِدِ وَإِلَّا فَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى فَقِيرٍ أَوْ فُقَرَاءَ. وَيَتَوَلَّى صَرْفَهُ الْقَاضِي إنْ كَانَ عَفِيفًا وَإِلَّا حَرُمَ التَّسْلِيمُ إلَيْهِ وَضَمِنَهُ الْمُسْلِمُ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُحَكِّمَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ دَيِّنًا عَالِمًا فَإِنْ فَقَدْ تَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ وَأَخْذُ الْفَقِيرِ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ حَلَالٌ طَيِّبٌ وَلَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ إنْ كَانُوا فُقَرَاءَ وَالْوَصْفُ مَوْجُودٌ فِيهِمْ بَلْ هُمْ أَوْلَى مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ قَدْرَ حَاجَتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا فَقِيرٌ كَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَنُقِلَ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَأَحْمَدَ وَالْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْل الْوَرَعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إتْلَافُ الْمَالِ وَلَا رَمْيُهُ فِي الْبَحْرِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا مَصَالِحَ الْمُسْلِمِينَ. اهـ. وَقَدْ سَبَقَهُ إلَيْهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَغَيْرِهِ هَذَا فِي الْحَرَامِ الْمَحْضِ كَمَا تَقَرَّرَ أَمَّا مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهِ ذَلِكَ فَهُوَ شُبْهَةٌ وَالِاشْتِرَاءُ مِنْهُ مَكْرُوهٌ وَإِنْ غَلَبَ الْحَرَامُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ حَرَامٌ قِيلَ وَيُسْتَثْنَى مِنْ الْأَوَّلِ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدَّيْنِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ اخْتَلَطَ ثَوْبٌ مُبَاحٌ بِنَحْوِ أَلْفِ ثَوْبٍ مَغْصُوبٍ فَيَجِبُ الْجَزْمُ بِتَحْرِيمِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُبَاحَ مَغْمُورٌ تَافِهٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَرَامِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ فِي بَابِ الصَّيْدِ لَوْ اخْتَلَطَ حَمَامٌ مَمْلُوكٌ غَيْرُ مَحْصُورٍ بِحَمَامٍ مُبَاح مَحْصُورٍ حَرُمَ الِاصْطِيَادُ مِنْهُ. اهـ. وَمَا مَرَّ مِنْ وَضْعِ مَا لَمْ يَيْأَسْ مِنْ مَالِكه فِي يَدِ مَنْ مَرَّ هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ وَقَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ فِي كُتِبَ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي بِيَدِ الْفِرِنْجِ هَلْ يَحِلُّ شِرَاؤُهَا أَنَّ اسْتِنْقَاذَهَا حَسَنٌ ثُمَّ لَا يَجُوزُ الْقِرَاءَةُ وَالِانْتِفَاعُ بِهَا حَالًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا إذَا عَرَّفَهَا سَنَةً جَازَ تَمَلُّكُهَا كَاللُّقَطَةِ مَرْدُودٌ وَمِمَّنْ رَدَّهُ الْأَذْرَعِيُّ فَقَالَ فِي تَوَسُّطِهِ الْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُ بِاللُّقَطَةِ بَلْ يَحْفَظُ إلَى الْيَأْسِ مِنْ الْعُثُورِ عَلَى مَالِكِهِ ثُمَّ يَصْنَعُ بِهِ مَا يَصْنَعُ بِالْمَالِ الضَّائِعِ أَيْ يَصْرِفُهُ فِي الْمَصَالِحِ عِنْدَ الْيَأْسِ مِنْ مَعْرِفَةِ مَالِكِهِ. (وَسُئِلَ) عَنْ أَرْضٍ لَا تُؤَجَّرُ قَطُّ فَمَاذَا يَلْزَمُ غَاصِبَهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ تَجِبُ أُجْرَةُ أَقْرَبِ الْأَرَاضِي إلَيْهَا وَهُوَ مُحْتَمَلٌ مُنْقَاسٌ وَيُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ. (وَسُئِلَ) عَنْ دَارٍ مُشْتَرِكَةٍ بَيْنَ أَخَوَيْنِ فَسَكَنَا فِيهَا وَلَمْ يَسْتَأْجِرْ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ وَلَا اسْتَعَارَ وَلَا اسْتَبَاحَ لَكِنْ أَحَدُهُمَا وَحْدَهُ وَالْآخَرُ لَهُ عِيَالٌ فَهَلْ لِكُلٍّ الرُّجُوعُ عَلَى الْآخَرِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مُطَالَبَةُ الْآخَرِ بِأُجْرَةِ سُكْنَاهُ فِي نَصِيبِهِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ بِقِسْطِهِ عَلَى قَدْرِ السُّكَّانِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا إذَا اخْتَلَطَ الْمَغْصُوبُ أَوْ الْمَنْهُوبُ بِغَيْرِهِ مِنْ الْمَمْلُوكِ اخْتِلَاطَ امْتِزَاجٍ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ كَزَيْتٍ وَحِنْطَةٍ بَيْضَاءَ بِمِثْلِهَا فَهَلْ

يَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ وَكَيْفَ يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِذَلِكَ مَعَ تَعَدِّيهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَمْ تَزَلْ مَعْرُوفَةً بِالْإِشْكَالِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا وَلَكِنَّ الَّذِي صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ أَنَّ الْمَغْصُوبَ كَالْهَالِكِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ الْغَاصِبُ مِنْ إعْطَائِهِ قَدْرَ حَقّه مِنْ غَيْرِ الْمُخْتَلِطِ وَلَنَا قَوْلُ أَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ وَنَصَرَهُ جَمْعٌ فَيَرْجِعُ فِي قَدْرِ حَقِّهِ مِنْ نَفْسِ الْمَخْلُوطِ نَفْسه وَوُجِّهَ بِأَنْ خُلِطَ بِالْمِثْلِ اشْتَرَكَا أَوْ بِالْأَجْوَدِ أَوْ الْأَرْدَإِ فَكَالْهَالِكِ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ كَالْهَالِكِ مُطْلَقًا وَانْتَصَرَ جَمَاعَةٌ لِلْقَوْلِ بِالِاشْتِرَاكِ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا لَوْ سَالَتْ صُبْرَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى صُبْرَةِ الْآخَرِ وَفَرَّقَ السُّبْكِيّ بِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ تَصَرُّفُ مُكَلَّفٍ بِحَالِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ هُنَا فَالضَّرُورَةُ هُنَا لَمْ تَدْعُ إلَى الِاشْتِرَاكِ. وَأَجَابَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ عَنْ أَشْكَالِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا حَاصِلُهُ مَعَ الْإِيضَاحِ أَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ وُصُولُ الْمَالِكِ لِعَيْنِ حَقِّهِ بِسَبَبِ خَلْطِ الْغَاصِبِ الْمُقْتَضِي لِضَمَانِهِ جَعَلَ الْمَخْلُوطَ كَالتَّالِفِ وَجَعَلَ شَغْلَ ذِمَّتِهِ بِالْغُرْمِ وَتَمْكِينِ الْمَالِكِ مِنْ أَخْذِهِ حَالًا مُقْتَضِيًا لَمِلْكِ الْغَاصِبِ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ إذْ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِي مِلْكِ الْغَاصِبِ حَتَّى يَضْمَنَهُ فَيَدْخُلَ فِي مِلْكِهِ بِالتَّعَذُّرِ الْمَذْكُورِ وَتَعَدِّي الْغَاصِبِ لَا يَقْتَضِي جَعْلَ عَيْن مَالِهِ مَمْلُوكًا لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ مَجَّانًا إذْ الظَّالِمُ لَا يَظْلِمُ بَلْ يُنْتَصَفُ مِنْهُ وَالْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ إذَا أَبَقَ مَرْجُوُّ الْعَوْدِ فَلَمْ يَتَعَذَّرْ رَدُّهُ بِإِبَاقِهِ فَتَوَجَّهَ فِيهِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ لِلْحَيْلُولَةِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِتَعَذُّرِ رَدِّهِ مُطْلَقًا فَالْوَاجِبُ فِيهِ يَكُونُ لِلْفَيْصُولَةِ وَقَدْ قَالَ جَمْعٌ وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافَهُ إنْ اخْتَلَطَ تَمْرُ الْبَائِعِ بِتَمْرِ الْمُشْتَرِي يُفْسَخُ الْبَيْعُ لِتَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ الْمُسْتَحَقِّ فَإِذَا جَعَلُوا الْمِلْكَ فِي الْمَبِيعِ مُنْتَقِلًا لِلْبَائِعِ بِسَبَبِ تَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْخَلْطُ مِنْ فِعْلِهِ فَكَذَلِكَ هُنَا وَعَلَى الرَّاجِحِ لَوْ أَرَادَ الْقِسْمَةَ بِحَسَبِ الْقِيمَتَيْنِ امْتَنَعَ لِلرِّبَا وَرَجَّحَ السُّبْكِيّ قَوْل الشَّرِكَةِ وَفَرَّعَ عَلَيْهِ مَا مَرَّ وَأَطَالَ فِي الِانْتِصَارِ لَهُ وَأَنَّ قَوْلَ الْهَلَاكِ بَاطِلٌ لَكِنْ أَطَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ نَاقَضَ نَفْسَهُ وَكَيْفَ يَكُونُ بَاطِلًا وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَخْلُو قَوْلٌ مِنْ الْأَقْوَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ مَحْذُورٍ وَأَنَّ الْقَوْلَ بِالْهَلَاكِ يَنْدَفِعُ مَحْذُورُهُ بِمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَابْنُ الْمُقْرِي فِي تَمْشِيَتِهِ مِنْ أَنَّا وَإِنْ قُلْنَا بِمِلْكِ الْغَاصِبِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ حَتَّى يُعْطِيَ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ مَا وَجَبَ لَهُ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ فِيمَا مَلَّكَهُ إيَّاهُ بِعِوَضٍ وَرَضِيَ فَكَيْفَ إذَا مَلَّكَهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ قِيلَ وَهُوَ حَسَنٌ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ خِلَافَهُ وَيَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا كَانَ مُوسِرًا قَالَ السُّبْكِيّ وَقَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ فَرْضِ الْمَسْأَلَةِ فِي الزَّيْتِ وَالْحِنْطَةِ اخْتِصَاصَهَا بِالْمِثْلِيِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ خَلْطُ الْمُتَقَوِّم كَذَلِكَ ثُمَّ حَكَى عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ جَزَمُوا بِأَنَّ قَوْلَ الْهَلَاكِ لَا يَأْتِي فِي خَلْطِ الدَّرَاهِمِ بِمِثْلِهَا وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ كُلَّ دِرْهَمٍ مُتَمَيِّزٌ فِي نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَمَيَّزْ لَنَا وَلَيْسَ كَالزَّيْتِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ بِالِاخْتِلَاطِ حَقِيقَةٌ أُخْرَى وَرُدَّ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ لَا يَأْتِي فِي خَلْطِ الْقَمْحِ بِمِثْلِهِ لِتَمَيُّزِ كُلِّ حَبَّةٍ فِي نَفْسِهَا وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ كَالْحِنْطَةِ فِيمَا مَرَّ فَيَأْتِي فِيهَا مَا تَقَدَّمَ أَيْضًا مِنْ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ وَابْنِ الْمُقْرِي وَلَوْ غَصَبَ مِنْ اثْنَيْنِ زَيْتًا ثُمَّ خَلَطَهُ قَالَ السِّرَاجُ الْبُلْقِينِيُّ فَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّة أَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ كَالْهَالِكِ لَكِنْ حَكَى صَاحِب الْبَحْر وَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا غَصَبَ دَرَاهِمَ مِنْ اثْنَيْنِ وَخَلَطَهَا أَحَدُهُمَا تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا وَالثَّانِي يَتَخَيَّرَانِ بَيْنَ الْقِسْمَةَ وَالْمُطَالَبَةَ بِالْمِثْلِ. اهـ. وَفِي فَتَاوَى النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَضِيَ عَنْهُ إذَا أَخَذَ الْمَكَّاسُ مِنْ إنْسَانٍ دَرَاهِمَ فَخَلَطَهَا بِدَرَاهِمِ الْمَكْس ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ قَدْرَ دَرَاهِمِهِ مِنْ ذَلِكَ الْمُخْتَلِطِ لَا يَحِلُّ لَهُ إلَّا أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الَّذِي أُخِذَتْ مِنْهُ وَهُوَ يُرَجِّحُ الْوَجْهَ الْأَوَّل مِنْ وَجْهَيْ الْبَحْرِ وَرَجَّحَ الشَّيْخَانِ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الْمَغْصُوبِ مَا يَسْرِي لِلتَّلَفِ كَبَلِّ الْحِنْطَةِ وَتَعَفُّنِهَا وَجَعْلِهَا هَرِيسَةً وَغَصْبِ تَمْرٍ وَدَقِيقٍ وَسَمْنٍ وَجَعْلِهِ عَصِيدَةً فَهُوَ كَالْهَالِكِ وَيَغْرَمُ بَدَلَ كُلِّ مَغْصُوبٍ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ وَقِيلَ يَرُدُّهُ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ مُوجِبِ الْقَوْلَيْنِ وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيّ وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ الْغَاصِبُ بَيْنَ إمْسَاكِهِ وَغُرْم بَدَلِهِ وَرَدِّهِ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهَلْ

الْمَغْصُوبُ لِمَالِكِهِ أَوْ لِلْغَاصِبِ فِيهِ وَجْهَانِ وَجْهُ الْأَوَّلِ الْقِيَاسُ عَلَى مَا لَوْ قَتَلَ شَاةً فَإِنَّ الْمَالِكَ يَكُونُ أَحَقَّ بِجِلْدِهَا مَعَ قِيمَتِهَا وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْغَاصِبَ غَرِمَ لَهُ مَا يَقُومُ مَقَامَ التَّالِفِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَالْأَوَّلُ لَا وَجْهَ لَهُ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَمِنْ ثَمَّ صَحَّحَ الثَّانِي وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّهُ مُقْتَضَى كَلَامِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ اسْتَبْعَدَ مُقَابِلِهِ وَفَارَقَ مَسْأَلَةَ الشَّاةِ بِبَقَاءِ الْمَالِيَّةِ هُنَا وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيُّ النَّظَائِرُ تَقْتَضِي تَرْجِيحَ الْأَوَّلِ فِيهِ نَظَرٌ وَلَا فَرْقَ عَلَى الثَّانِي بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لِلْحِنْطَةِ وَالْهَرِيسَةِ مَالِيَّةٌ أَمْ لَا وَعَلَى الثَّانِي فَهَلْ يَأْتِي هُنَا مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْغَاصِبِ التَّصَرُّفُ حَتَّى يَغْرَم الْبَدَلَ أَوْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ مَنْعَهُ هُنَا يُؤَدِّي إلَى إتْلَافِ مَالٍ بِخِلَافِهِ ثُمَّ فَإِنَّ التَّأْخِيرَ لَيْسَ فِيهِ إتْلَافٌ لَهُ مَحَلُّ نَظَرٍ وَالثَّانِي مُنْقَدِحٌ إنْ لَمْ يَجِدْ قَاضِيًا يَقُومُ مَقَامَ الْمَالِكِ أَوْ كَانَ مُعْسِرًا كَمَا مَرَّ وَلَوْ غَصَبَ خَشَبًا وَأَحْرَقَهُ فَالرَّمَادُ كَالْهَرِيسَةِ فِيمَا مَرَّ، وَاَللَّه أَعْلَم. (سُؤَال) وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ الْحَمْد لِلَّهِ وَحْدَهُ أَسْأَل اللَّه الْكَرِيم رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَمُنَّ وَيَتَفَضَّلَ عَلَيْنَا وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ بِطُولِ حَيَاة سَيِّدنَا وَمَوْلَانَا وَعُمْدَتِنَا وَعُدَّتِنَا وَمَلَاذِنَا وَسَيِّدِنَا وَبَرَكَتِنَا وَشَيْخِنَا وَأُسْتَاذِنَا شَيْخِ مَشَايِخِ الْإِسْلَامِ عُمْدَةِ الْأَنَامِ مَنْ إلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَعَلَيْهِ الْمُعَوَّلُ شِهَابِ الدَّيْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَجَرٍ حَفِظَهُ اللَّهُ وَأَطَالَ بَقَاءَهُ لَنَا وَلِلْمُسْلِمِينَ وَبَعْدُ فَتَفَضَّلُوا بِوَضْعِ جَوَابِكُمْ الشَّافِي الْوَافِي لَا زِلْتُمْ أَهْلًا وَمَلَاذًا لِحَلِّ الْمُشْكِلَاتِ وَرَفْعِ الْمُعْضِلَاتِ عَلَى إشْكَالٍ فِي مَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا فِي الْعُبَابِ فِي الْغَصْبِ فِي فَرْعٍ. كَمَا أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ خَافٍ عَلَى شَيْخِنَا حَيْثُ قَالَ فَرْعٌ لَوْ غَصَبَ حِنْطَةً قِيمَتُهَا خَمْسُونَ فَطَحَنَهَا فَعَادَتْ عِشْرِينَ فَخَبَزَهَا فَبَلَغَتْ خَمْسِينَ ثُمَّ تَلِفَتْ ضَمِنَ ثَمَانِينَ بِسَبَبِ نَقْصِ الطَّحْنِ وَلَا عِبْرَةَ بِزِيَادَةِ قِيمَةِ الْخُبْزِ كَأَنْ نَسِيَ الْعَبْدُ الْحِرْفَةَ وَتَعَلَّمَ أُخْرَى. اهـ. مَا فِي الْعُبَابِ وَنُقِلَ هَذَا فِي التَّجْرِيدِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَكَذَلِكَ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْغَزِّيِّ وَتَبِعَهُ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا فِي مُخْتَصَرِهِ وَنَقَلَهَا فِي الْجَوَاهِرِ وَكَذَلِكَ مُوسَى بْنُ الزَّيْنِ فِي كَوْكَبِهِ وَكُلُّهُمْ سَاكِتُونَ عَنْهَا مَعَ أَنَّهَا مُشْكَلَةٌ عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي أَنَّ الْمِثْلِيَّ إذَا تَغَيَّرَ مِنْ حَالَةٍ إلَى أُخْرَى ضَمِنَهُ الْغَاصِبُ بِالْأَغْبَطِ مِنْهُمَا فَفِي التَّمْشِيَة وَالْأَنْوَار أَنَّهُ إذَا غَصَبَ حِنْطَةً وَطَحَنَهَا ثُمَّ خَبَزَهَا فَلِلْمَالِكِ الْأَغْبَطُ فَإِنْ قُلْت فِي تَصْوِيرِ الْعُبَابِ زِيَادَةٌ وَهِيَ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ ثُمَّ عَوْدُهَا قُلْنَا الْقَاعِدَةُ أَنَّ الْمِثْلِيَّ لَا يَتَغَيَّرُ ضَمَانُهُ بِنَقْصِ الْقِيمَةِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا إنْ لَمْ يَصِرْ مُتَقَوِّمًا كَمَا فِي الْعُبَابِ أَوْ يُقَالُ إنَّ الْفَرْع الَّذِي فِي الْعُبَابِ مَعْرُوفٌ لِلْقَاضِي الْحُسَيْنِ وَقَدْ عُرِفَ مِنْ الرَّوْضَةِ أَنَّ طَرِيقَةَ الْقَاضِي أَنَّ الْمِثْلِيَّ يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ الْجَوَاب لَا عَدِمَكُمْ الْمُسْلِمُونَ وَلَا أَخْلَى الْوُجُودَ مِنْكُمْ وَهَدَى بِكُمْ كُلَّ ضَالٍّ آمِينَ سُؤَال آخَرُ) ذَكَر فِي الْإِرْشَادِ تَبَعًا لِلشَّيْخَيْنِ أَنَّ زَوْجَ الْمَغْصُوبَة إذَا كَانَ جَاهِلًا وَتَلِفَتْ عِنْدَهُ لَا يَضْمَنُ لَا طَرِيقًا وَلَا قَرَارًا وَصَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضِ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِهِ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ فِي الْعُبَابِ كُلُّ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَفِي آخِرِهِ ذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ إذَا غَرِمَ قِيمَتَهَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ وَكَذَا أُجْرَةُ الْمُدَّةِ الَّتِي لَمْ يَسْتَخْدِمْهَا فِيهَا وَجَرَيَا فِي الرَّوْضَةِ وَالْعُبَابِ عَلَى الْأُجْرَةِ وَسَكَتَا عَنْ الْقِيمَةِ وَلَمْ يَظْهَرْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَاَلَّذِي فِي آخِرِ الْبَابِ يُشْكِلُ عَلَى الَّذِي فِي أَوَّلِهِ فَمَا الظَّاهِرُ مَا ذُكِرَ أَوَّلًا أَوْ آخِرًا أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا مُقَرَّرٌ وَعَلَيْهِ فَمَا الْفَرْقُ (الْجَوَاب) مَا فِي الْعُبَاب هُوَ الْمَنْقُولُ الْمُعْتَمَدُ وَلَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْمِثْلِيّ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ صُوَرِ مَا إذَا صَارَ الْمِثْلِيُّ مُتَقَوِّمًا؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي ذَلِكَ بِالْآخَرِ وَهُوَ بِاعْتِبَارِهِ كَذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَلَا نَظَرَ لِكَوْنِهِ صَارَ مِثْلِيًّا ثُمَّ مُتَقَوِّمًا وَقَدْ صَرَّحُوا فِي هَذَا الْقِسْمِ بِأَنَّهُ يَجِبُ الْمِثْلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُتَقَوِّمُ أَكْثَرَ قِيمَةً فَتَجِبُ قِيمَتُهُ فَعُلِمَ وُجُوبُ الثَّمَانِينَ هُنَا؛ لِأَنَّهَا الْأَغْبَطُ وَإِنْ اخْتَلَفَ سَبَبُ وُجُوبِهَا أَمَّا الْخَمْسُونَ فَلِأَنَّهَا الْقِيمَةُ حِينَ التَّلَفِ وَأَمَّا الثَّلَاثُونَ فَلِأَنَّهَا أَرْشُ جِنَايَتِهِ عَلَى الْمَغْصُوبِ بِطَحْنِهِ الَّذِي نَقَصَتْ بِهِ قِيمَتُهُ وَقَاعِدَةُ الْبَابِ أَنَّ مَا ضَمِنَهُ بِجِنَايَتِهِ لَا يَعُودُ بِفِعْلِهِ فِيهِ مَا سَاوَى قِيمَةَ أَرْشِ تِلْكَ الْجِنَايَةِ وَمِنْ ثَمَّ شَبَّهَ الْقَاضِي هَذِهِ بِمَا إذَا غَصَبَ عَبْدًا يَعْرِف حِرْفَةً تَزِيدُ بِهَا قِيمَتُهُ فَنَسِيَهَا عِنْده فَإِنَّهُ يَضْمَن أَرْش نَقْصِهَا وَإِنْ عَلَّمَهُ حِرْفَةً أُخْرَى تُسَاوِيهَا أَوْ تَزِيدُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي الْمَغْصُوبِ وَلَوْ بِمَا يَزِيدُ فِيهِ غَيْرُ

مُحْتَرَمٍ فَلَا يُقَابَلُ بِمَالٍ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَة لَوْ نَسِيَ صَنْعَةً وَتَعَلَّمَ أُخْرَى أَوْ أَبْطَلَ صَنْعَةَ الْحُلِيّ وَأَحْدَثَ أُخْرَى فَلَا انْجِبَارَ بِحَالٍ وَعَلَى هَذَا لَوْ تَكَرَّرَ النَّقْصُ وَكَانَ النَّاقِصُ فِي كُلِّ مَرَّة مُغَايِرًا لِلنَّاقِصِ فِي الْمَرَّةِ الْأُخْرَى ضَمِنَ الْجَمِيعَ حَتَّى لَوْ غَصَبَ جَارِيَةً قِيمَتُهَا مِائَةٌ فَسَمِنَتْ وَبَلَغَتْ أَلْفًا وَتَعَلَّمَتْ صَنْعَةً فَبَلَغَتْ أَلْفَيْنِ ثُمَّ هَزِلَتْ وَنَسِيَتْ الصَّنْعَة وَعَادَتْ قِيمَتُهَا مِائَةً يَرُدَّهَا وَيَغْرَم أَلْفًا وَتِسْعَمِائَةٍ اهـ وَبِهِ كَاَلَّذِي قَبْله يَعْلَمُ أَنَّ مَحَلَّ قَوْلِهِمْ الْمِثْلِيُّ لَا يَتَغَيَّرُ ضَمَانُهُ بِنَقْصِ الْقِيمَةِ حَيْثُ كَانَ النَّقْص لِمُجَرَّدِ الرُّخْصِ أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ فِعْلِهِ فَضَمِنَهُ وَإِنْ انْجَبَرَ وَزَادَ مِنْ فِعْلِهِ أَوْ غَيْرِ فِعْلِهِ كَمَا تَقَرَّرَ وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ فَإِنْ قُلْت إلَخْ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ نَقْصِ الْقِيمَةِ فِي إشْكَالِهِ وَجَوَابِهِ غَيْرُ مُعَوَّلٍ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا النَّقْصُ الَّذِي يُضْمَنُ مَا كَانَ عَنْ فِعْلِهِ عَادَ أَمْ لَا بَلْ وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ عَنْ فِعْلِهِ لِمَا تَقَرَّرَ فِي النِّسْيَانِ عِنْدَهُ وَاَلَّذِي لَا يُضْمَنُ هُوَ مَا كَانَ عَنْ الرُّخْصِ فَقَطْ وَرَدَّ الْعَيْنَ كَمَا هِيَ وَحِينَئِذٍ فَالْجَوَابُ لَا يُلَاقِي السُّؤَالَ؛ لِأَنَّ النَّقْصَ الَّذِي فِي عِبَارَةِ الْعُبَابِ مِمَّا يُضْمَنُ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ السَّائِلِ ثُمَّ عَوْدُهَا يُوهِمُ ارْتِفَاعَ هَذَا النَّقْصِ بِعَوْدِ الْقِيمَةِ لِلْخَمْسِينَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ وُجُوبِ الثَّلَاثِينَ مُطْلَقًا وَمِنْ وُجُوب قِيمَةِ الصَّنْعَةِ الْفَائِتَة وَإِنْ خَلَّفَتْهَا صَنْعَة أُخْرَى أَزْيَدُ قِيمَةً مِنْهَا وَالنَّقْصُ الَّذِي فِي جَوَابِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ لَا يَتَغَيَّرُ ضَمَانُهُ بِنَقْصِ الْقِيمَةِ مِمَّا لَا يُضْمَنُ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ مِمَّا قَرَّرْته فَلْيُتَأَمَّلْ وَقَوْلُهُ اللَّهُمَّ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّ صَيْرُورَتَهُ مُتَقَوِّمًا لَا دَخْلَ لَهَا فِي وُجُوبِ أَرْشِ النَّقْصِ الَّذِي يُضْمَنُ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ وُجُوبِهِ وَإِنْ عَادَ مَا يَجْبُرُهُ وَرَدُّ الْمُتَقَوِّمِ كَالْعَبْدِ بِهِ لِإِلْغَاءِ فِعْلِ الْغَاصِبِ وَالزِّيَادَة فِي يَدِهِ فَلَمْ يَتَجَبَّرْ بِهِمَا نَقْصٌ ضَمِنَهُ وَقَوْلُهُ أَوْ يُقَالُ إنَّ الْفَرْعَ إلَخْ جَوَابُهُ إنَّ كَلَامَ الْقَاضِي فِي هَذَا الْفَرْعِ مَاشٍ عَلَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ أَنَّ لَهُ رَأْيًا يُخَالِفُ كَلَامَهُمْ فِي الْمِثْلِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُخَالِفُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا سَتَعْلَمُهُ نَعَمْ يُشْكِلُ عَلَى كَلَامِهِ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ فِي الْمِثْلِيِّ أَنَّهُ فِي صُورَةِ الْقَاضِي يَرُدُّ مِثْلَ الْحِنْطَةِ وَالثَّلَاثِينَ الَّتِي هِيَ أَرْشُ جِنَايَتِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُمْ فِي صُورَةِ مَا إذَا صَارَ الْمِثْلِيُّ مُتَقَوِّمًا أَوْجَبُوا الْمِثْلَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْمُتَقَوِّمُ أَغْبَطَ وَهُنَا لَيْسَ الْخَبَرُ أَغْبَطَ مِنْ الْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّ قِيمَتَهَا خَمْسُونَ وَقِيمَتُهُ خَمْسُونَ فَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فَلَا أَغْبَط وَحَيْثُ لَا أَغْبَط تَعَيَّنَ الْمِثْلُ فَإِيجَابُ الْقَاضِي الْقِيمَة وَهِيَ خَمْسُونَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِمْ وَأَمَّا الثَّلَاثُونَ فَلِأَنَّهَا أَرْشُ جِنَايَتِهِ فَلْتَجِبْ وَإِنْ رَدَّ الْمِثْلَ فَإِنْ قُلْت فِي الرَّوْضَة عَنْ الْقَاضِي فِيمَا إذَا غَصَبَ حِنْطَةً ثُمَّ طَحَنَهَا ثُمَّ جَعَلَهَا خُبْزًا وَأَتْلَفَهُ وَقُلْنَا لَا مِثْلَ لِلدَّقِيقِ أَنَّهُ يَغْرَمُ أَكْثَرَ الْقِيَمِ وَلَا يُطَالَبُ بِالْمِثْلِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ وَهُوَ مُتَقَوِّمٌ كَمَا عَلَّلَهُ بِهِ بَعْضُهُمْ وَكَلَامُهُ السَّابِقُ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى هَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا تَلِفَ وَهُوَ مُتَقَوِّمٌ وَجَبَتْ الْخَمْسُونَ مَعَ الثَّلَاثِينَ وَكَلَامُهُ هَذَا ضَعِيفٌ فَكَيْفَ سَكَتُوا عَلَيْهِ قُلْت لَيْسَ كَلَامُهُ هَذَا ضَعِيفًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِمْ لَوْ صَارَ الْمِثْلِيُّ مُتَقَوِّمًا وَجَبَ الْمِثْلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُتَقَوِّم أَكْثَرَ قِيمَةً إلَّا فِي صُورَةِ مَا لَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الْحِنْطَةِ فِي صُورَةِ الرَّوْضَةِ أَكْثَرَ فَعِنْدَ الْقَاضِي تَجِبُ قِيمَتُهَا وَعَلَى الْأَصَحِّ يَجِبُ مِثْلُهَا وَلَيْسَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ نَظِيرَةً لِصُورَتِنَا فَلَا يَضُرُّنَا ضَعْفُ كَلَامِهِ فِيهَا وَمَا لَوْ سَاوَتْ قِيمَتُهَا قِيمَةَ الْخُبْزِ فَعَلَى الْأَصَحِّ يَجِبُ مِثْلُ الْحِنْطَةِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْقَاضِي وُجُوبُ الْقِيمَةِ نَظَرًا لِلتَّعْلِيلِ السَّابِقِ وَهُوَ كَوْنُهُ يَنْظُرُ إلَى حَالِهِ وَقْتَ تَلَفِهِ أَيْ فِيمَا إذَا سَاوَتْ الْقِيمَةَ أَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ مُتَقَوِّمًا وَكَذَا لَوْ زَادَتْ مِثْلِيًّا وَيُوَجَّهُ اعْتِبَارُهُ الْقِيمَةَ فِي هَذِهِ بِيَوْمِ التَّلَفِ بِأَنَّهُ يَعْتَبِرُهُ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ لِأَصْلِ وُجُوبِ الْقِيمَةِ وَإِذَا اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ وَجَبَ النَّظَرُ لِأَكْثَرِ أَحْوَالهَا وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَكَلَامُ الْقَاضِي فِي فَرْعِ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا إنَّمَا يُوَافِقُ رَأْيَهُ فِي صُورَةِ الرَّوْضَةِ وَلَك أَنْ تَقُولَ يُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ عَلَى الْأَصَحّ أَيْضًا كَمَا أَشَرْت إلَيْهِ بِقَوْلِي أَوَّلًا؛ لِأَنَّهَا الْأَغْبَطُ وَإِنْ اخْتَلَفَ سَبَبُ وُجُوبِهَا وَإِيضَاحُهُ أَنَّ الثَّلَاثِينَ لَمَّا كَانَتْ مُقَابِلَةً لِنَقْصِ أَجْزَاءِ الْعَيْنِ وَجَبَ ضَمُّهَا إلَيْهَا فَصَارَتْ مُسَاوِيَة لِثَمَانِينَ لَا لِخَمْسِينَ وَالثَّمَانُونَ أَغْبَطُ مِنْ قِيمَةِ الْحِنْطَة فَوَجَبَتْ حَتَّى عَلَى الْأَصَحِّ وَحِينَئِذٍ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا تَقْيِيدُ قَوْلِهِمْ حَيْثُ لَا أَغْبَطَ فِي صُورَةٍ إذَا صَارَ الْمِثْلِيُّ مُتَقَوِّمًا يَجِبُ الْمِثْلُ مَا لَمْ يَكُنْ

باب العارية

الْغَاصِبُ ضَمِنَ جُزْءًا مِنْ الْمِثْلِ إذَا ضُمَّ أَرْشُهُ إلَى قِيمَةِ الْمُتَقَوِّمِ صَارَ أَغْبَطَ فَتَجِبُ الْقِيمَةُ هُنَا نَظَرًا لِمَا قَرَّرْته مِنْ وُجُوبِ تَبَعِيَّةِ الْأَرْشِ لِلْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ جُزْئِهَا وَمَعَ هَذَا لَا يَخْلُو كَلَامُ الْقَاضِي عَنْ نَظَرٍ وَنَقْدٍ وَإِنْ أَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي فَرْعِ الْقَمُولِيِّ وَضَعَّفُوا كَلَامَهُ فِي فَرْعِ الرَّوْضَةِ إلَّا أَنَّ وَجْهَ تَقْرِيرِهِمْ يُقِرُّ بِهِ مَا ذَكَرْته فَتَأَمَّلْهُ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَا تَخَالُفَ فِيهَا فِي كَلَامِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ بَيَّنُوا أَوَّلَ الْبَاب أَنَّ يَدَ الزَّوْجِ لَيْسَتْ يَدَ ضَمَانٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْقِيمَةِ وَفِي آخِرِهِ أَنَّ الْأُجْرَةَ فِيهَا تَفْصِيلٌ فَإِنْ فَوَّتَ الْمَنَافِعَ لَزِمَتْهُ أُجْرَتُهَا وَإِلَّا فَلَا وَإِنَّمَا الَّذِي يُشْكِلُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ إذَا غَرِمَ قِيمَتَهَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ فَإِنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ طَرِيقٌ فِي الضَّمَانِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلِأَجْلِ هَذَا الْإِيهَامِ حَذَفَهُ الرَّوْضُ لَكِنَّ الْجَوَابَ عَنْهُ أَنَّهُ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ غَيْرُ طَرِيقٍ فَوَجَبَ حَمْلُ قَوْلِهِ إذَا غَرِمَ قِيمَتَهَا عَلَى مَا إذَا أَدَّاهَا لِلْمَالِكِ ظَنًّا أَنَّهَا تَلْزَمُهُ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِهَا عَلَيْهِ لِتَبَيُّنِ فَسَادِ الْأَدَاءِ إذْ لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْعَارِيَّةِ] (وَسُئِلَ) حَيْثُ اقْتَضَى الْحَالُ أَنَّ الْمُعِيرَ يَتَمَلَّكُ بِالْقِيمَةِ هَلْ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ قَهْرًا مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ فَإِنْ قُلْتُمْ لَا بُدَّ فَهَلْ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِالْقِيمَةِ حَالَ التَّمَلُّكِ أَمْ لَا وَهَلْ يَكْتَفِي بِاللَّفْظِ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْقِيمَةِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ تَسْلِيمِهَا أَوْ رِضَا الْمُسْتَعِيرِ بِذِمَّتِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْعَزِيزِ نَقْلًا عَنْ التَّهْذِيبِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُعِيرِ قَهْرًا وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عَقْدٍ وَعِبَارَتُهُ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَيْسَ لَهُ التَّمَلُّكُ إلَّا بِإِذْنِ الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ أَوْ إجَارَةٌ. اهـ. وَعِبَارَةُ التَّهْذِيبِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْقَلْعِ مَجَّانًا وَالْأَخْذِ بِالْقِيمَةِ أَوْ الْإِبْقَاءِ بِالْأُجْرَةِ فَإِنْ أَرَادَ الْقَلْعَ لَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْمُسْتَعِيرِ وَإِنْ أَرَادَ التَّمَلُّكَ بِالْقِيمَةِ أَوْ التَّقْرِيرَ بِالْأُجْرَةِ يَحْتَاجُ إلَى إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ أَوْ إجَارَةٌ وَرُبَّمَا يُرِيدُ الْمُسْتَعِيرُ نَقْلَهُ انْتَهَتْ وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِالتَّمَلُّكِ أَوْ بِالْإِبْقَاءِ بِالْأُجْرَةِ بِخِلَافِ الْقَلْعِ؛ لِأَنَّ فِي التَّمَلُّكِ إخْرَاجَ مِلْكِهِ عَنْهُ وَفِي الْإِبْقَاءِ بِالْأُجْرَةِ إلْزَام ذِمَّتِهِ مَالًا وَهُوَ قَدْ لَا يُرِيدُ ذَلِكَ بَلْ يُرِيدَ الْقَلْعَ وَاعْتَمَدَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ مَا ذُكِرَ وَحِينَئِذٍ فَإِذَا اخْتَارَ الْمُعِيرُ التَّمَلُّكَ أَوْ الْإِبْقَاءَ بِالْأُجْرَةِ فَإِنْ رَضِيَ الْمُسْتَعِيرُ قُلْنَا لَهُمَا لَا بُدَّ مِنْ إنْشَاءِ عَقْدِ بَيْعٍ فِي الْأَوَّلِ أَوْ إجَارَةٍ فِي الثَّانِي وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمُسْتَعِيرُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلِّفَ تَفْرِيغَ الْأَرْضِ، وَأَمَّا إذَا امْتَنَعَ الْمُعِيرُ مِنْ التَّخْيِيرِ وَالْمُسْتَعِيرُ مِنْ بَذْلِ الْأُجْرَةِ وَقَدْ طَلَبَهَا الْمُعِيرُ فَإِنَّهُمَا يُهْمَلَانِ إلَى أَنْ يَخْتَارَ الْمُعِيرُ مَا لَهُ اخْتِيَارُهُ أَوْ يَبْذُلَ لَهُ الْمُسْتَعِيرُ الْأُجْرَةَ وَيَرْضَى فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَالتَّمَلُّكِ بِالشُّفْعَةِ حَيْثُ لَمْ يَتَعَيَّنْ فِيهِ اللَّفْظُ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بَعْدَ رُؤْيَةِ الشِّقْصِ وَعِلْمِ الثَّمَنِ. أَمَّا بِنَحْوِ تَمَلَّكْت بِالشُّفْعَةِ مَعَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي عِوَضَ مَا سَلَّمَهُ لِلْبَائِعِ قَبْضًا كَقَبْضِ الْمَبِيعِ، وَإِمَّا بِأَنْ يَرْضَى الْمُشْتَرِي بِذِمَّتِهِ حَيْثُ لَا رِبَا وَإِنْ لَمْ يَتَسَلَّمْ الشِّقْصَ، وَإِمَّا بِأَنْ يَتَمَلَّكَ عِنْدَ الْقَاضِي وَيَحْكُمَ لَهُ بِالشُّفْعَةِ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ الثَّمَنَ قُلْت الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ لَا طَرِيقَ لَهُ سِوَى تَمَلُّك الشِّقْصِ الْمَذْكُورِ فَلِذَلِكَ كَانَ التَّمَلُّكُ فِيهَا قَهْرِيًّا بِخِلَافِ الضَّرَرِ فِي مَسْأَلَتنَا فَإِنَّهُ يَنْدَفِعُ بِالْقَلْعِ أَوْ بِالتَّبْقِيَةِ بِالْأُجْرَةِ كَمَا يَنْدَفِعُ بِالتَّمَلُّكِ فَلَمْ يَكُنْ قَهْرِيًّا وَإِذَا بَانَ أَنَّهُ غَيْرُ قَهْرِيٍّ بَانَ اتِّضَاحُ تَوَقُّفِهِ عَلَى رِضَا الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ دَفْعَ الضَّرَرِ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الْقَلْعُ وَإِذَا تَوَقَّفَ رِضَاهُ وَرَضِيَ اُحْتِيجَ إلَى نَاقِلٍ لَهُ عَنْ مِلْكِهِ إلَى مِلْكِ الْمُعِيرِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِعَقْدٍ فَلِذَلِكَ اشْتَرَطَ هُنَا وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ بِالْقِيمَةِ أَوْ أُجْرَةِ الْمِثْل حَتَّى يَقَعَ عَقْدُ الْبَيْعِ أَوْ الْإِجَارَةِ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ وَأَنَّهُمَا حَيْثُ عَرَفَا الْقِيمَةَ أَوْ الْأُجْرَةَ وَعَقَدَا بِهَا فِي الذِّمَّةِ صَحَّ وَلَا يُشْتَرَطُ تَسْلِيمُهَا لِصِحَّةِ الْعَقْدِ بَلْ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْهَا، ثُمَّ يُطَالِبُ الْمُسْتَعِيرُ الْمُعِيرَ فِي الْأُولَى وَعَكْسُهُ فِي الثَّانِيَةِ فَإِنْ تَنَازَعَا فِي الْبُدَاءَةِ بِالتَّسْلِيمِ يَأْتِي فِيهِمَا مَا فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ وَإِنْ امْتَنَعَ الْمُسْتَعِيرُ مِنْ الْعَقْدِ بِالْقِيمَةِ فِي الذِّمَّةِ وَأَبِي إلَّا أَنْ يَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى عَيْنِهَا فَإِنْ وَافَقَهُ الْمُعِيرُ فَذَاكَ وَإِلَّا أَعْرَضَ

الْحَاكِمُ عَنْهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ نَظِيرَ مَا مَرَّ، وَاَللَّهُ أَعْلَم بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ مَسْأَلَةِ الْفَقِيهِ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى بْن عُجَيْلٍ الْيَمَنِيِّ فِي فَتْوَاهُ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ بَهِيمَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ يَنْتَفِعُ بِهَا أَحَدُهُمَا بِرِضَا مِنْ صَاحِبِهِ فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُ نَصِيبِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَارِيَّةٌ وَكَذَا وَلَدُهَا حُكْمُهُ حُكْمُ وَلَدِ الْمُسْتَعَارِ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ مُهَايَأَةٌ كَانَ حُكْمُهُ فِي يَدِ هَذَا وَيَدِ هَذَا حُكْمَ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فَلَا ضَمَانَ مَا صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ وَالسَّبَبُ الْمُوجِبُ لِضَمَانِ نَصِيبِ الْآخَرِ وَمَا صُورَةُ الْمُهَايَأَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَال؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا ذُكِرَ عَنْ ابْنِ عُجَيْلٍ مِنْ ضَمَانِ نَصِيبِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ عَارِيَّةٌ وَمِنْ أَنَّ وَلَدَهَا كَوَلَدِ الْمُسْتَعَارِ صَحِيحٌ وَحُكْمُ وَلَدِ الْعَارِيَّةِ أَنَّهُ إنْ حَدَثَ بِيَدِ الْمُسْتَعِيرِ كَانَ أَمَانَةً شَرْعِيَّةً وَكَذَا لَوْ سَاقَهَا فَتَبِعَهَا وَلَدهَا الَّذِي وَلَدَتْهُ قَبْلَ الْعَارِيَّةِ وَعَلِمَ بِهِ الْمَالِك فَسَكَتَ فَيَكُون تَحْت يَده أَمَانَة شَرْعِيَّة أَيْضًا فَإِنْ تَلِفَ بِتَقْصِيرِهِ ضَمِنَهُ وَإِلَّا فَلَا وَمَا ذَكَره فِي مَسْأَلَة الْمُهَايَأَة مَبْنِيّ عَلَى أَنَّ الْمُهَايَأَة هَلْ هِيَ إجَارَة أَوْ عَارِيَّةٌ فِيهِ خِلَاف وَقَضِيَّة تَجْوِيزهمْ الرُّجُوع فِيهَا أَنَّهَا عَارِيَّة وَقَضِيَّة قَوْلهمْ لَوْ تَهَايَئَا فَرَجَعَ السَّابِقُ بَعْدَ أَنْ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَة لَزِمَهُ لِصَاحِبِهِ أُجْرَة مِثْل الْمَنْفَعَة الَّتِي اسْتَوْفَاهَا أَنَّهَا إجَارَة وَاَلَّذِي يَظْهَر تَرْجِيحُهُ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ الْقَوْلُ بِأَنَّهَا إجَارَةٌ مَحْضَةٌ وَلَا عَارِيَّة مَحْضَة بَلْ فِيهَا شَائِبَة مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لَكِنَّ شَائِبَة الْإِجَارَة أَظْهَر؛ لِأَنَّ وَضْعَهَا اسْتِيفَاء مَنْفَعَة فِي مُقَابَلَة مَنْفَعَة إذْ صُورَتهَا أَنْ تَكُونَ بَيْنَ اثْنَيْنِ مَثَلًا عَيْن مُشْتَرَكَة فَيَتَّفِقَانِ عَلَى قِسْمَة مَنَافِعهَا مُيَاوَمَة أَوْ مُشَاهَرَة أَوْ مُسَانَهَة بِأَنْ تَكُونَ عِنْدَ أَحَدِهِمَا زَمَنًا مُعَيَّنًا وَعِنْدَ الْآخَرِ زَمَنًا كَذَلِكَ فَإِذَا تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ جَازَ وَكَانَ فِي مَعْنَى الْإِجَارَة؛ لِأَنَّ الْمَنَافِع الْمُسْتَوْفَاة ضِمْنًا لَمْ تَكُنْ فِي غَيْر مُقَابِل وَإِنَّمَا مَنَافِع كُلّ مُقَابِلَة لِمَنَافِع الْآخَر وَهَذَا شَأْن الْإِجَارَة وَوَضَعَهَا دُون الْعَارِيَّة فَظَهَر أَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهَا مَعْنَى الْإِجَارَة وَإِذَا غَلَبَ فِيهَا ذَلِكَ كَانَ حُكْم مَا فِي يَد أَحَدهمَا مُدَّة الْمُهَايَأَة حُكْم الْمُؤَجَّرَة وَهُوَ الْأَمَانَة فَمَنْ تَلِفَ عِنْده مِنْهُمَا بِغَيْرِ تَفْرِيط لَا يَضْمَنُهَا فَظَهَرَ بِمَا قَرَّرْته صِحَّةُ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ ابْنُ عُجَيْلٍ أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ وَصَالِحِ مُعَامَلَاتِهِ، وَاَللَّه أَعْلَم. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي شَخْصٍ قَالَ لِجَمَاعَةٍ أَعِينُونِي بِأَثْوَارِكُمْ بُكْرَةً لِلْحَرْثِ وَالْعَادَةُ أَنَّ مُعِيرَ الْأَثْوَارِ يَحْرُثُ عَلَيْهَا بِنَفْسِهِ أَوْ أَجِيرِهِ أَوْ عَبْدِهِ فَسَرَحُوا مَعَهُ بُكْرَةً فَأَحَدُ الْجَمَاعَةِ يَحْرُثُ عَلَى ثَوْرَيْهِ بِنَفْسِهِ وَالثَّانِي حَرَثَ عَلَى ثَوْرَيْهِ عَبْدُهُ وَالثَّالِث أَجِيرُهُ وَالرَّابِعُ مُشْتَرِكٌ هُوَ وَآخَرُ فِي الثَّوْرَيْنِ وَآلَةِ الْحِرَاثَةِ وَفِي أُجْرَةِ الْأَجِيرِ كَذَلِكَ فَأَمَرَ الْأَجِيرَ يَحْرُثُ عَلَيْهِمَا فِي حَوْلِ الْمُسْتَعِيرِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَحَرَثُوا إلَى نَحْوِ رُبْعِ النَّهَارِ فَجَاءَ مُتَلَصِّصُونَ أَخَذُوا بَعْضَ الْأَثْوَارِ وَأَتْلَفُوا الْبَعْضَ وَقَتَلُوا الْحَرَّاثِينَ جَمِيعًا وَأَخَذُوا آلَةَ الْحِرَاثَةِ وَالدَّوَابَّ الَّتِي تَحْمِلُهَا مَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْحُكْمُ فِي صُورَةِ الْأَثْوَارِ أَنَّ عَلَى الْآمِرِ لِمَالِكِهَا بِإِعَانَتِهِ بِهَا فِي أَرْضِهِ ضَمَانَهَا وَضَمَانَ جَمِيعِ مَا اسْتَعَارَهُ مِنْ آلَةِ الْحَرْثِ وَغَيْرِهَا وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْعَبْدَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِمَالِكِهِ أَعْنِي بِثَوْرِك لَا يَسْتَلْزِمُ اسْتِعَارَةَ الْعَبْدِ لِمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ مِنْ أَنَّ الْحُرَّاثَ تَارَةً يَكُونُ الْمَالِك وَتَارَةً يَكُونُ أَجِيرَهُ أَوْ عَبْدَهُ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْعَبْدُ وَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَعَارًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهُ أَعْنِي بِثَوْرِك وَعَبْدِك فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الثَّوْرِ وَالْعَبْدِ مُسْتَعَارٌ حِينَئِذٍ وَوَاضِحٌ أَنَّ الرَّابِعَ يَضْمَنُ أَيْضًا حِصَّةَ شَرِيكِهِ فِي الثَّوْرَيْنِ وَالْآلَةِ الْمُشْتَرَكَةِ لِتَعَدِّيهِ بِاسْتِعْمَالِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ فِيمَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ وَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَم. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ شَرِبَ مِنْ سِقَايَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَانْكَسَرَ مِنْهُ كُوزُهَا أَوْ انْكَسَرَ مِنْهُ قِنْدِيلُ الْمَسْجِدِ أَوْ أَخَذَ كُوزًا مِنْ سِقَاءٍ لِيَشْرَبَ مِنْهُ فَانْكَسَرَ أَوْ اسْتَعَارَ قِنْدِيلًا مُسْرَجًا أَوْ دَوَاةً فَانْكَسَرَا أَوْ شَمْعَةً لِيُقِدْهَا أَوْ انْكَسَرَ إنَاءٌ مِنْ بَعْضِ الضُّيُوفِ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَى مَنْ أَعْيَا بِرُكُوبِ دَابَّتِهِ فَمَاتَتْ تَحْتَهُ أَوْ اسْتَعْمَلَ ظَرْفَ الْهَدِيَّةِ فَهَلْ يَضْمَنُ فِي كُلِّ ذَلِكَ أَمْ فِي بَعْضِهِ أَمْ لَا يَضْمَنُ فِي كُلِّهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ أَمَّا الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ فَإِنْ كَانَتْ الْكِيزَانُ أَوْ الْقَنَادِيلُ الَّتِي لِلِاسْتِصْبَاحِ دُونَ غَيْرِهَا فَإِنَّهَا تُضْمَنُ مُطْلَقًا وُقِفَتْ عَلَى الشَّارِبِينَ أَوْ شُرِيَتْ مِنْ رُبْعِ الْوَقْفِ

حَيْثُ شَرَطَ الْوَاقِفُ فَلَا ضَمَانَ إنْ لَمْ يُفَرِّطْ. وَمِثْلُهُمَا الْأَبَارِيقُ الْمَوْقُوفَةُ عَلَى مَنْ يَتَوَضَّأُ فَإِنْ بَقِيَتْ عَلَى مِلْكِ وَاضِعِهَا ضَمِنَ كَاسِرُهَا وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَإِذَا أَعْطَى عَطْشَانًا كُوزًا لِيَشْرَبَ فَوَقَعَ مِنْهُ وَانْكَسَرَ ضَمِنَهُ كَالْمَاءِ الَّذِي فِيهِ إنْ زَادَ عَلَى كِفَايَتِهِ فَيَضْمَنُ الزَّائِدَ عَلَى الْأَوْجَه؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِغَرَضِ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَإِنْ أَعْطَاهُ لَهُ بِعِوَضٍ ضَمِنَ الْمَاءَ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ لِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ دُونَ الْكُوزِ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، وَأَمَّا الرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ فَإِنْ اسْتَعَارَ لِيَسْتَصْبِحَ أَوْ يَكْتُبَ فَالْقِنْدِيلُ وَالدَّوَاةُ مَضْمُونَانِ بِالْعَارِيَّةِ دُونَ الزَّيْتِ وَالْحِبْرِ؛ لِأَنَّهُمَا مَأْخُوذَانِ بِالْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ فَإِنْ اسْتَعَارَ لِيَكْتُبَ بِبَعْضِهِ فَقَطْ ضَمِنَ الزَّائِدَ عَلَى مَا مَرَّ، وَأَمَّا السَّادِسَةُ فَإِنْ صَرَّحَ بِالْعَارِيَّةِ فَإِنْ اعْتَبَرْنَا الصِّيغَةَ ضَمِنَ أَوْ الْمَعْنَى فَلَا، وَنَظَرُهُمْ لِلْأَوَّلِ أَكْثَرُ وَعَلَى الثَّانِي فَإِنْ اسْتَعَارَهَا لِإِيقَادِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا يَأْتِي مَا سَبَقَ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهَا لَمْ يَضْمَنْ وَكَذَا يُقَالُ فِي كُلِّ مَا لَا تَصِحُّ إعَارَتُهُ مِمَّا يُسْتَهْلَكُ، وَأَمَّا السَّابِعَةُ فَالْأَوْجَهُ فِيهَا الضَّمَانُ كَمَا مَرَّ فِيمَنْ أَخَذَ كُوزًا لِيَشْرَبَ مِنْهُ بِلَا عِوَضٍ، وَأَمَّا الثَّامِنَةُ فَيَضْمَنُ فِيهَا الدَّابَّةَ، وَأَمَّا التَّاسِعَةُ فَإِذَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِرَدِّ الظَّرْفِ ضَمِنَهُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِ الرَّسُولِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُهْدَى لَهُ فَإِنْ كَانَ عَبْدَهُ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِهِ أَوْ وَكِيلِهِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ أَرْسَلَهُ لِيَطْلُبَ ذَلِكَ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِقَبْضِ الْوَكِيل فَيَضْمَنُ الظَّرْفَ بِتَلَفِهِ فِي يَدِ وَكِيلِهِ بِلَا تَقْصِيرٍ وَإِنْ لَمْ يُرْسِلْهُ لَمْ يَدْخُل فِي مِلْكِهِ إلَّا بِقَبْضِهِ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَضْمَنُهُ الْوَكِيلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَكِيلُ الْمُهْدِي لَا الْمُهْدَى لَهُ. (وَسُئِلَ) عَنْ مُسْتَعِيرٍ سُرِقَ مِنْ عِنْدِهِ الْمُسْتَعَارُ فَحَلْوَنَ عَلَيْهِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْحُلْوَانُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الرَّدِّ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ الْإِبَاحَةُ مِنْ أَلْفَاظِ التَّمْلِيكِ أَوْ لَا وَهَلْ قَوْلُهُمْ فِي بَابِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَإِبَاحَةُ الطَّعَامِ لِلْفُقَرَاءِ يُفْهَمُ التَّقْيِيدُ بِالْفُقَرَاءِ أَمْ لَا وَهَلْ الصَّدَقَةُ كَالْإِبَاحَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَام الزَّرْكَشِيّ أَوَّلَ قَوَاعِدِهِ فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ وَغَيْرِهِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ التَّاجِ السُّبْكِيّ أَنَّ لَفْظَ الْإِبَاحَةِ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِالشَّيْءِ الْمُبَاحِ، ثُمَّ إنْ كَانَ الِانْتِفَاعُ بِهِ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِذَهَابِ عَيْنِهِ كَانَتْ الْإِبَاحَةُ قَبْلَ إتْلَافِهِ غَيْرَ لَازِمَةٍ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ مَالِكِهِ وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِأَيِّ وَجْهٍ أَرَادَ. وَلَيْسَ لِلْمُبَاحِ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي أُبِيحَ لَهُ وَهُوَ أَكْلُهُ مَثَلًا فَإِذَا أَتْلَفَهُ بِأَكْلِهِ أَوْ نَحْوِهِ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ مَلَكَهُ قُبَيْلَ إتْلَافِهِ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الضَّيْفِ وَإِنْ كَانَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مُمْكِنًا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ كَالْأَرْضِ كَانَتْ الْإِبَاحَةُ مُفِيدَةً لِجَوَازِ انْتِفَاعِهِ لَا لِمِلْكِهِ الْعَيْنَ وَلَا الْمَنْفَعَةَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ إجَارَتُهُ وَلَا إعَارَتُهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَلَك أَنْ يَنْتَفِعَ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بَيْنَ أَنْ يُقَيِّدَ الْإِبَاحَةَ بِمُدَّةٍ أَوْ يُطْلِقَهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ تَعْلِيقُهَا كَمَا رَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ إذْ لَا تَمْلِيكَ فِيهَا فَتَوْقِيتُهَا أَوْلَى وَإِذَا تَأَمَّلْتَ مَا قَرَّرَتْهُ عَلِمْت الْجَمْعَ بَيْنَ مَسَائِلَ ذَكَرَهَا الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ ظَاهِرُهَا التَّنَاقُضُ وَعَلِمْت الْفَرْقَ بَيْنَ الصَّدَقَةِ وَالْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَقْتَضِي الْمِلْكَ حَيْثُ قَبَضَهَا الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ بِنَحْوِ طَعَامٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَلَا فَرْقَ فِي الصَّدَقَةِ وَالْإِبَاحَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا عَلَى فَقِيرٍ أَوْ غَنِيٍّ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ التَّاجُ السُّبْكِيّ فِي قَوَاعِدِهِ وَإِنْ أَوْهَمَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ فِي بَابِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهَا وَإِبَاحَةُ الطَّعَامِ لِلْفُقَرَاءِ خِلَافَهُ (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَجَدَ غَلَطًا فِي كِتَابٍ مُسْتَعَارٍ مَعَهُ أَوْ مَوْقُوفٍ هَلْ لَهُ إصْلَاحُهُ وَمَا ظَنَّهُ غَلَطًا هَلْ لَهُ أَنْ يَكْتُبَ فَوْقَهُ لَعَلَّهُ كَذَا كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْعَبَّادِيِّ وَأَقَرُّوهُ أَنَّهُ إذَا اسْتَعَارَ كِتَابًا فَرَأَى فِيهِ خَطَأً لَا يُصْلِحهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قُرْآنًا فَيَجِبُ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْقُوفِ وَغَيْرِهِ وَلَا بَيْنَ حَسَنِ الْخَطِّ وَغَيْرِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ وَلِلنَّظَرِ فِيهِ مَجَالٌ. وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي لَا يَجُوزُ رَدُّ الْغَلَطِ فِي كُتُبِ الْغَيْرِ وَحَمَلَهُ الرِّيمِيُّ عَلَى مَا لَا يُغَيِّرُ الْحُكْمَ وَإِلَّا وَجَبَ رَدُّهُ لَا سِيَّمَا عَلَى الثَّبْتِ الْيَقِظِ، وَكُتُبُ الْوَقْفِ أَوْلَى وَمَا ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ عِنْدَ تَيَقُّنِ الْغَلَطِ فَلَا يَجُوزُ بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ أَنْ يَكْتُبَ لَعَلَّهُ كَذَا فِي مِلْكٍ أَوْ وَقْفِ كَذَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَأَخَذَ الْأَذْرَعِيُّ بِجَوَازِ ذِكْرِ عَيْبِ الْخَاطِبِ لِأَجْلِ النَّصِيحَةِ

جَوَاز إصْلَاحِ الْخَطَإِ فِي الْكُتُبِ الْمُسْتَعَارَةِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْعَبَّادِيِّ مَا مَرَّ، ثُمَّ قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ إطْلَاقَ إصْلَاحِ الْخَطَإِ فِي الْمُسْتَعَارِ خَطَأٌ فَنَقُولُ إنْ عَلِمَ رِضَا الْمُعِيرِ وَهُوَ أَهْلٌ لِلْإِصْلَاحِ جَازَ قَطْعًا أَوْ كَرَاهَتَهُ فَلَا قَطْعًا وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ خَطُّ الْمُسْتَعِيرِ كَخَطِّ الْكِتَابِ الْمُسْتَعَارِ أَوْ يُقَارِبُهُ فَهَذَا مُحْتَمِلٌ وَجْهَ الْجَوَازِ أَنَّهُ إحْسَانٌ فَالظَّاهِرُ رِضَا الْمُعِيرِ بِهِ وَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ أَمْره، وَإِنْ كَانَ خَطُّ الْكِتَابِ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ لَمْ يَجُزْ قَطْعًا أَوْ الْعَكْسُ فَفِي الْجَوَازِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْإِصْلَاحَ بِتَخْرِيجِ السَّاقِطِ بِالْخَطِّ الْحَسَنِ يُبَيِّنُ قُبْحَ خَطِّ الْأَصْلِ وَيَفْضَحُهُ وَهَذَا إنْ لَمْ يَحْصُلْ بِالْإِصْلَاحِ كَشْطُ مَكْتُوبٍ أَوْ تَعْيِيبٌ أَوْ ضَرْبٌ فَإِنَّ هَذَا يُظْهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِرِضَا الْمُعِيرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمَوْقُوفِ عَلَى جَمَاعَةٍ مُسْلِمِينَ وَبَيْنَ الْمِلْكِ وَالْمَوْقُوفِ عَلَى مُعَيَّنٍ فَكُلُّ مَا جَازَ فِيهِمَا جَازَ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَى الْعُمُومِ مِنْ بَاب أَوْلَى وَكُلُّ مَا امْتَنَعَ فِيهِمَا هَلْ يَمْتَنِعُ فِيهِ هَذَا مَوْضِعُ تَرَوٍّ وَتَفْصِيلٍ يُدْرِكهُ النَّبِيهُ. اهـ. مُلَخَّصًا (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا صُورَتُهُ ذَكَرَ أَبُو شُكَيْلٍ شَارِحُ الْوَسِيطِ أَنَّ رَجُلًا اسْتَعَارَ عَبْدَيْنِ مِنْ مَالِكِهِمَا فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ عَمْدًا فَاقْتَصَّ الْمَالِكُ ضَمِنَ قِيمَتَهُمَا فَهَلْ هُوَ مُعْتَمَدٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ إذَا قَتَلَ السَّيِّدُ الْعَبْدَ الْقَاتِل لِعَبْدِهِ فِي يَدِ الْغَاصِب بَرِئَ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الْمُتْلِفُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُ فَمَا ذَكَرَهُ أَبُو شُكَيْلٍ فِيهِ نَظَرٌ وَإِنْ وَافَقَهُ بَعْضُهُمْ. وَفَرَّقَ بَيْنَ الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَعِيرِ بِأَنَّ الْمُسْتَعَارَ تُضْمَنُ رَقَبَتُهُ دُونَ جِنَايَتِهِ، وَالْمَغْصُوبُ تُضْمَنُ رَقَبَتُهُ وَجِنَايَتُهُ فَإِذَا اقْتَصَّ الْمَالِكُ مِنْ الْمَغْصُوبِ فَقَدْ اُسْتُوْفِيَ مُتَعَلِّقُ الْغَصْبِ وَسَقَطَ عَنْ الْغَاصِبِ حُكْمُ الْغَصْبِ فِي الرَّقَبَةِ وَفِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ وَإِذَا اسْتَوْفَى الْمُعِيرُ فَقَدْ اسْتَوْفَى شَيْئًا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْعَارِيَّةِ وَلَا يَضْمَنُهُ الْمُسْتَعِيرُ فَيَبْقَى حُكْمُ الْعَارِيَّةِ بِحَالِهِ وَهُوَ ضَمَانُ الْعَبْدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَهَلْ يَطَّرِدُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْعَوَارِيِّ إذَا أَتْلَفَهَا الْمُعِيرُ قَبْل أَنْ يَقْبِضَهَا؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَتْلَفَ أَجْنَبِيٌّ الْمُسْتَعَارَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُعِيرُ فَإِنْ لَمْ يَضْمَنْهُ بِأَنْ أَتْلَفَهُ لِصِيَالٍ أَوْ قِصَاصٍ ضَمِنَهُ الْمُسْتَعِيرُ فَقَطْ وَإِلَّا فَهُوَ طَرِيقٌ وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُتْلِفِ وَحِينَئِذٍ فَإِتْلَافُ الْمُعِير كَذَلِكَ فَفِي الْحَالَةِ الْأُولَى الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِإِتْلَافِ الْمُعِيرِ بِخِلَافِ الْغَصْبِ فِي الْقِصَاصِ لِمَا مَرَّ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَفِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ يَسْقُطُ الضَّمَانُ عَنْهُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي تَغْرِيمِهِ وَهُوَ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْآخَرِ اهـ. وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَعِيرِ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ قَالَ لِآخَرَ مَنَحْتُك كَذَا فَهَلْ هُوَ كَأَعَرْتُكَ أَوْ كَوَهَبْتُكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ صَرَّحَ فِي الْبَيَانِ فِي الْهِبَةِ بِأَنَّ الْمِنْحَةَ هِبَةٌ لَكِنَّ كَلَامَهُ فِي الْعَارِيَّةِ صَرِيحٌ أَوْ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ الْمِنْحَةَ هِيَ الْعَارِيَّةُ وَهُوَ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيث وَاللُّغَةُ وَالِاسْتِعْمَال وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْوَسِيط. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ اسْتَعَارَ عَبْدًا فَهَلْ يَضْمَنُ ثِيَابَهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَضْمَنُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ مُسْتَعْمِلًا لَهَا بِخِلَافِ إكَافِ الدَّابَّةِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ اسْتَعَارَ كِتَابًا مَوْقُوفًا فَتَلِفَ عِنْدَهُ بِلَا تَقْصِيرٍ فَهَلْ يَضْمَنُهُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِي أَوَاخِر كِتَابِ الْوَقْفِ إذَا سُبِّلَتْ كِيزَانٌ عَلَى حَوْضٍ أَوْ نَهْرٍ فَتَلِفَ مِنْهَا شَيْءٌ فِي يَدِ أَحَدٍ لَمْ يَضْمَنْ إلَّا بِالتَّعَدِّي وَمِنْهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ مَا وُقِفَ لَهُ وَبِهِ يَعْلَمُ أَنَّ الْكِتَابَ الْمَذْكُورَ إنْ كَانَ وَقْفًا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بِأَنْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ وَقْفًا عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ وَقْفًا عَلَى إنْسَانٍ بِخُصُوصِهِ فَاسْتَعَارَهُ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ اسْتَعَارَ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ وَأَلْحَقَ بِذَلِكَ الِاسْتِعَارَةَ مِنْ كُلِّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْمَنْفَعَةَ اسْتِحْقَاقًا لَازِمًا دُونَ الرَّقَبَةِ قَالَ وَعَلَيْهِ لَوْ أَصْدَقَ زَوْجَتَهُ مَنْفَعَةً أَوْ صَالَحَ عَلَيْهَا أَوْ جَعَلَهَا رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ لَمْ يَضْمَنْ الْمُسْتَعِيرُ مِنْ هَؤُلَاءِ اهـ. وَهُوَ بَحْثٌ مُتَّجَهٌ. (وَسُئِلَ) عَنْ دَابَّةٍ مُسْتَعَارَةٍ عَثَرَتْ حَالَةَ الِاسْتِعْمَالِ وَمَاتَتْ مَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ سَبَبُ تَعَثُّرِهَا هُوَ الِاسْتِعْمَالُ الْمَأْذُونُ فِيهِ لَمْ يَضْمَنْهَا الْمُسْتَعِيرُ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَلِفَتْ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَإِنْ تَعَثَّرَتْ لَا بِسَبَبٍ أَوْ بِسَبَبٍ هُوَ الِاسْتِعْمَالُ لَكِنَّهُ غَيْرُ الْمَأْذُونِ فِيهِ ضَمِنَهَا كَمَا لَوْ تَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فِي الطَّرِيقِ، وَاَللَّه أَعْلَم. (وَسُئِلَ)

باب الشفعة

عَمَّنْ أَبْرَأَهُ عَنْ عَيْنٍ فَأَبْرَأَهُ الْآخَرُ عَنْ دَيْنٍ فَهَلْ يَصِحَّانِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْعَيْنَ بَلْ عَنْ الدَّيْنِ لَكِنْ بَحَثَ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ بِالْإِبْرَاءِ عَنْ الدَّيْنِ جَعْلَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْعَيْنِ لَمْ يَصِحَّ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ قَوْلِهِمْ فِي الْعَارِيَّةِ وَقَلَعَ مَجَّانًا بَذْرًا وَنَوَاة حَمَلَهُ سَيْلٌ فَنَبَتَ فِي أَرْضه فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْك صَاحِبه فَإِنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ هَذَا فِيمَا لَا قِيمَةَ لَهُ كَنَوَاةٍ أَمَّا غَيْرُهُ فَهُوَ بَاقٍ لِمَالِكِهِ ذَكَرَهُ ابْن أَبِي شَرِيفٍ فِي شَرْحِهِ زَادَ فِي الْأَسْنَى وَعَلَى مَالِكِهِ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّ مَالِكَ الْأَرْضِ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ انْتَشَرَتْ أَغْصَانُ الشَّجَرَةِ فِي هَوَاءِ دَارِهِ وَعَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ لِلْأَرْضِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لِتَخْلِيصِ مِلْكِهِ وَفِي فَتَاوَى السَّمْهُودِيِّ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَسِيرًا يُعْرِضُ النَّاسُ عَنْ الْمُطَالَبَةِ بِهِ عَادَةً أَلْحَقَ ذَلِكَ بِالسَّوَاقِطِ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهَا. وَفِي الْأَسْنَى بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ فَإِنْ أَعْرَضَ عَنْهَا وَكَانَ مِمَّنْ يَصِحُّ إعْرَاضُهُ فَهِيَ لِمَالِكِ الْأَرْضِ. اهـ. وَلَا يَخْفَى مُنَاقَضَةُ مَا ذُكِرَ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي شَرِيفٍ فَمَا الْمُعْتَمَدُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ كَلَامُ الْإِسْعَادِ لَا يُخَالِفُهُ مَا ذُكِرَ بَعْدَهُ وَمِنْ ثَمَّ جَرَيْت عَلَيْهِ مُبَيِّنًا لِمُرَادِهِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ حَيْثُ قُلْت وَعَلَى مَالِكِ الْأَرْضِ رَدُّهُ أَيْ مَا حَمَلَ مِنْ نَحْو نَوَى وَحَبٍّ لِمَالِكِهِ إنْ حَضَرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ كَحَبَّةٍ وَنَوَاةٍ لَمْ يُعْرِضْ عَنْهَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَقْيِيدَهُ الْإِعْرَاضَ بِمَا لَا قِيمَةَ لَهُ الْمُوهِم أَنَّ مَا لَهُ قِيمَةٌ لَا يَزُولُ الْمِلْكُ عَنْهُ بِالْإِعْرَاضِ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ قِيمَةٌ لَهَا وَقْعٌ عَادَةً أَمَّا مَا لَيْسَ لَهَا وَقْعٌ كَذَلِكَ فَهِيَ كَعَدَمٍ وَكَلَامُهُ فِي بَاب الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ دَالٌّ عَلَى ذَلِكَ وَعِبَارَةُ شَرْحِي عَلَى الْمِنْهَاجِ فَرْعٌ يَزُولُ مِلْكُهُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْ نَحْوِ كِسْرَةِ خُبْزٍ وَسَنَابِلِ الْحَصَّادِينَ وَبُرَادَةِ الْحَدَّادِينَ فَيَمْلِكُهَا آخِذُهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَيْ: عِنْدَ النَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِقَوْلِ الرَّافِعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّهَا تَصِيرُ مُبَاحَةً وَلَا تُمْلَكُ. اهـ. وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهَا أَخْذًا بِظَاهِرِ أَحْوَالِ السَّلَفِ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا تَتَعَلَّقُ بِهِ الزَّكَاةُ وَغَيْرُهُ مُسَامَحَةً بِذَلِكَ لِحَقَارَتِهِ عَادَةً فَبَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ التَّقْيِيدَ بِمَا لَا تَتَعَلَّقُ بِهِ مَرْدُودٌ لِذَلِكَ نَعَمْ مَحَلُّ جَوَازِ أَخْذِ ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مَا لَمْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ مِنْ الْمَالِكِ عَلَى عَدَمِ رِضَاهُ كَأَنْ وَكَّلَ مَنْ يَلْقُطُهُ لَهُ انْتَهَتْ عِبَارَة الشَّرْح الْمَذْكُورِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِعْرَاضَ الْمُمَلَّك الْمُكْتَفَى فِيهِ بِالْقَرِينَةِ يَجْرِي فِيمَا لَا قِيمَةَ لَهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَفِيمَا لَهُ قِيمَةٌ تَافِهَةٌ، وَأَمَّا مَا لَهُ قِيمَةٌ لَهَا وَقْعٌ فَلَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالْقَرَائِنِ بَلْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّمْلِيكِ أَوْ صَرِيحِ الْإِبَاحَةِ. [بَابُ الشُّفْعَةِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هَلْ لِلشَّفِيعِ بَعْدَ الْعِلْمِ الِاشْتِغَالُ بِصَلَاةِ النَّفْلِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَهُ الِاشْتِغَالُ بِنَافِلَةٍ مُؤَقَّتَةٍ كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُهُمْ وَهَلْ يَلْحَقُ بِهَا النَّافِلَةَ الْمُطْلَقَةَ أَوْ لَا؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ هَذِهِ لَا يُخْشَى فَوْتُهَا بِخِلَافِ تِلْكَ وَعَلَى كُلٍّ فَلَوْ عَلِمَ وَهُوَ فِيهَا فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِلْمِ أَوْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مَا شَاءَ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ أَيْضًا وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَقْوَى مَدْرَكًا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا إذَا اشْتَرَى زَيْدٌ حِصَّةً مِنْ عَمْرٍو مِنْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ، ثُمَّ بَاعَ الْمُشْتَرِي الشِّقْصَ مِنْ مُشْتَرٍ آخَرَ مَثَلًا بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَادَّعَى الشَّفِيعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالشُّفْعَةِ وَأَيْضًا ادَّعَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ الثَّانِيَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالشُّفْعَةِ أَقَرَّ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ إنَّمَا اشْتَرَى هَذَا الْمَبِيعَ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ يُرِيدُ الشَّفِيعُ الشُّفْعَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِالْعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ هَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ بَلْ نَقُولُ لَا نُؤَاخِذُ الْمُشْتَرِيَ الْأَوَّلَ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بَلْ أَنْتَ أَيُّهَا الشَّفِيعُ مُخَيَّرٌ إنْ أَرَدْت الشُّفْعَةَ عَلَى الثَّانِي بِقِيمَةِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ هُوَ عِشْرُونَ وَإِنْ أَرَدْت فَاتْرُكْ عَقْدَهُ عَلَى حَالِهِ وَأَثْبِتْ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ أَنَّ ثَمَنَهُ هُوَ الْعَشَرَةُ الدَّرَاهِمُ وَاشْفَعْ فَهَلْ هُوَ قَوْلٌ صَوَابٌ أَوْ لِلشَّفِيعِ مَا أَرَادَ مِنْ الْمُؤَاخَذَةِ يُرِيدُ ادْفَعْ الثَّمَن الْقَلِيل إلَى الْمُشْتَرِي الثَّانِي الْمُدَّعِي إقْرَاره وَأَخَذَهُ الْمَبِيع مِنْهُ.؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا ذُكِرَ مِنْ تَخْيِيرِ الشَّفِيعِ هُوَ الصَّوَابُ كَمَا يُعْرَفُ بِأَدْنَى نَظَرٍ فِي كَلَامِهِمْ فَقَدْ قَالُوا لَوْ بَاعَ الْمُشْتَرِي لِثَانِي وَهُوَ لِثَالِثٍ وَهُوَ لِرَابِعٍ وَهَكَذَا تَخَيَّرَ الشَّفِيعُ فِي الْأَخْذ مِنْ أَيّهمْ شَاءَ؛ لِأَنَّ الثَّمَن قَدْ يَكُون فِي نَحْوِ الْبَيْعِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي أَقَلُّ أَوْ مِنْ

جِنْسٍ عَلَيْهِ أَيْسَرُ اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ النِّزَاعَ فِي كَوْنِ الشِّرَاءِ الْمَذْكُورِ فِي السُّؤَالِ بِعَشَرَةٍ لَا فَائِدَةَ لَهُ بَلْ مَهْمَا أَثْبَتَهُ الشَّفِيعُ مِنْ أَيِّ الْأَثْمَانِ شَاءَ أَخَذَ بِهِ وَوَاضِحٌ أَنَّ إقْرَارَ أَحَدِ الْمُشْتَرِيَيْنِ أَنَّهُ اشْتَرَى بِكَذَا إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي حَقِّهِ فَقَطْ أَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِي مِنْهُ أَوْ الْبَائِعَ لَهُ إنَّمَا كَانَ شِرَاؤُهُ بِكَذَا لَا عِبْرَةَ بِهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الشِّقْصُ بِيَدِهِ وَإِنَّمَا يُؤَاخَذُ كُلٌّ بِإِقْرَارِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِشِرَائِهِ فَقَطْ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا وَكَّلَتْ امْرَأَةٌ زَيْدًا فِي طَلَبِ الشُّفْعَةِ مِنْ عَمْرٍو فَلَمْ يُبَادِرْ الْمُوَكَّلُ بِالشُّفْعَةِ بِأَنْ حَضَرَ مَجْلِسَ الْقَاضِي وَمَضَى عَلَيْهِ زَمَنٌ يُمْكِنُهُ الشُّفْعَةُ فِيهِ فَهَلْ هَذَا يُسْقِطُ شُفْعَةَ مُوَكِّلَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُبَادَرَةَ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمُوَكِّلَةِ وَالْوَكِيلِ. وَإِذَا قُلْتُمْ بِسُقُوطِ الشُّفْعَةِ بِذَلِكَ فَادَّعَى الْوَكِيل الطَّلَبَ مِنْ الْقَاضِي وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الطَّلَبَ وَوَافَقَهُ الْقَاضِي عَلَى عَدَمِ الطَّلَبِ فَأَرَادَ الْوَكِيلُ إقَامَة بَيِّنَةٍ عَلَى الطَّلَبِ مِنْ الْقَاضِي وَسَمَاعُهُ لِلطَّلَبِ هَلْ لَهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ أَمْ لَا وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ حُكْمِ الْقَاضِي بِسُقُوطِ الشُّفْعَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إذَا تَرَاخَى الْوَكِيلُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ أَلْجَأَ إلَى ذَلِكَ كَأَنْ حَضَرَ مَجْلِسَ الْقَاضِي وَلَمْ يُبَادِرْ بَطَلَتْ الشُّفْعَةُ لِمُوَكِّلِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَهُ مُسْقِطٍ لِشُفْعَةِ مُوَكِّلِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ حَتَّى فِي الْمُخْتَصَرَاتِ وَإِذْ ادَّعَى الْوَكِيلُ أَنَّهُ بَادَرَ بِالطَّلَبِ مِنْ الْقَاضِي وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً لَمْ تَسْقُطْ شُفْعَةُ مُوَكِّلِهِ وَلَا عِبْرَةَ حِينَئِذٍ بِقَوْلِ الْقَاضِي وَلَا بِحُكْمِهِ النَّاشِئِ عَنْ عِلْمِهِ أَوْ عَنْ بَيِّنَةٍ أُخْرَى أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ مَحَلَّ الْحُكْم بِالْعِلْمِ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ تُخَالِفُهُ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ بَيِّنَةَ الْإِثْبَاتِ وَهِيَ بَيِّنَةُ الْوَكِيلِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى بَيِّنَةِ النَّفْيِ وَإِنْ كَانَ مَعَهَا حُكْمٌ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي لَيْسَ مِنْ الْمُرَجَّحَاتِ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَإِنْ فَرَضَ حَصْرُ بَيِّنَةِ النَّفْيِ لَهُ بِأَنْ أَثْبَتَتْ بَيِّنَةُ الْوَكِيلِ طَلَبَهُ فِي مَجْلِسٍ مَحْصُورٍ وَنَفَتْهُ بَيِّنَةُ خَصْمِهِ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ تَعَارَضَتْنَا فَيَتَسَاقَطَانِ وَيَصْدُقُ الشَّفِيعُ بِيَمِينِهِ فِي عَدَمِ تَقْصِيرِهِ فِي الطَّلَبِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ حَقِّهِ نَعَمْ لِلْحَاكِمِ هُنَا الْحُكْمُ بِعِلْمِهِ لِسُقُوطِ حَقِّهِ لَكِنْ إنْ كَانَ ثِقَةً أَمِينًا عَلَى الْأَوْجَهِ وَمِمَّا صَرَّحُوا بِهِ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الطَّلَبَ، ثُمَّ اعْتَذَرَ بِنَحْوِ مَرَضٍ أَوْ مَطَرٍ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي صُدِّقَ الطَّالِبُ بِيَمِينِهِ إنْ عَرَفَ مِنْهُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَالْمُشْتَرِي. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا مَاتَ زَيْدٌ وَخَلَّفَ وَرَثَةً مَثَلًا ثُمَّ مَاتَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ وَوَرِثَهُ الْبَاقُونَ فَادَّعَى عَلَى الْبَاقِي مِنْ الْوَرَثَةِ اشْتِرَاءَ شِقْصٍ مِنْ الْوَارِثِ الْمَيِّتِ فَأَنْكَرَ أَحَدُ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ الِاشْتِرَاءَ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي حُجَّةً عَلَى ذَلِكَ فَأَرَادَ الْمُنْكِرُ الشُّفْعَةَ بَعْدَ الْإِنْكَارِ فَهَلْ لَهُ الشُّفْعَةُ أَمْ لَا أَمْ يُفَرَّقُ بَيْنَ تَخْصِيصِ الْإِنْكَار بِحِصَّتِهِ وَعَدَمِ تَخْصِيصِهِ قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ مَا فِي الصُّلْحِ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْإِرْشَادِ وَشَفْعُ مُنْكِر خَصَّصَ أَمْ لَا يَرْجِعُ إلَى التَّخْصِيصِ وَعَدَمِهِ بَلْ إلَى إنْكَارِهِ أَصْلَ الشَّرِكَةِ مُطْلَقًا فَلَا شُفْعَةَ وَبَيْنَ إنْكَارِ الشِّرَاءِ فَيَشْفَعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إنْكَارِ الشَّرِكَةِ إنْكَارُ مُطْلَقِ الشَّرِكَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا شُفْعَةَ لِلْمُنْكِرِ هُنَا مُطْلَقًا لِزَعْمِهِ بُطْلَانَ الْبَيْعِ مِنْ أَصْلِهِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ الْآخِذُ بِالشُّفْعَةِ. إذْ فَرْضُ السُّؤَالِ أَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْ الْمَيِّتِ قَالَ لَهُ أَحَدُ وَرَثَتِهِ لَمْ تَشْتَرِ مِنْهُ شَيْئًا فَإِذَا ثَبَتَ الشِّرَاءُ مِنْهُ لَمْ يَشْفَعْ ذَلِكَ الْمُنْكِرُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ أَنْكَرَ أَصْلَ الْبَيْعِ الْمُسْتَلْزِمِ لِإِنْكَارِهِ اسْتِحْقَاقَهُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ. وَلَيْسَ هَذَا نَظِيرُ مَسْأَلَتِهِمْ الْمَذْكُورَةِ فِي الصُّلْحِ؛ لِأَنَّ صُورَتَهَا أَنَّ الْمُدَّعِيَ ادَّعَى جَمِيعَ الدَّارِ الَّتِي فِي يَدِ اثْنَيْنِ فَفَصَّلْنَا فِيمَنْ لَمْ يُقِرَّ لَهُ بَيْنَ أَنْ يُنْكِرَ مِلْكَهُ لِحِصَّتِهِ فَقَطْ فَيَشْفَعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْكِرْ حِينَئِذٍ بُطْلَانَ الْبَيْعِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الصُّلْحُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ بَلْ قَضِيَّةُ تَخْصِيصِهِ الْإِنْكَارَ بِمَا بِيَدِهِ فَقَطْ اعْتِرَافُهُ بِصِحَّةِ مِلْكِ الْمُقَرِّ لَهُ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ اعْتِرَافَهُ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ فَجَازَ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ وَبَيْنَ أَنْ يُعَمِّمَ إنْكَارَهُ لِمِلْكِ شَيْءٍ مِنْ الدَّارِ الْمُدَّعَى بِهَا فَحِينَئِذٍ إذَا صَالَحَ الْمُقَرَّ لَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُنْكِرِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ لِاعْتِرَافِهِ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَقَدْ ذَكَرْت فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ أَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِ مُصَنِّفِهِ فِي شَرْحِهِ أَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ لَوْ بَاعَ النَّصِيب لِأَجْنَبِيٍّ غَيْرِ الْمُقِرِّ لَا يَأْخُذُهُ الْمُنْكِرُ بِالشُّفْعَةِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَيْ: لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى اعْتِرَافِ الشَّرِيكِ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ فَيَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ أَوْ بِبُطْلَانِهِ فَلَا يَأْخُذُ بِهَا فَإِنْ قُلْت يُشْكِلُ عَلَى مَا ذَكَرْت قَوْلُهُمْ لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَرْصَة مُشْتَرَكَة فَادَّعَى أَجْنَبِيٌّ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا وَشَهِدَ لَهُ الْآخَرُ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ

ثُمَّ بَاعَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ نَصِيبَهُ لِآخَرَ فَلِلشَّاهِدِ أَخْذُهُ بِالشُّفْعَةِ. فَقَدْ صَحَّحُوا أَخْذَهُ بِالشُّفْعَةِ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ الْأَخْذُ قُلْت لَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُصَحِّحُوا أَخْذَهُ بِالشُّفْعَةِ وَأَبْقَوْهُ لَهُ بَلْ أَوْجَبُوا رَدَّهُ عَلَيْهِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ لِاعْتِرَافِهِ بِشَهَادَتِهِ السَّابِقَةِ أَنَّهُ مِلْكُهُ فَإِذَا صَارَ فِي يَدِهِ أَخَذْنَاهُ بِقَضِيَّةِ شَهَادَتِهِ فَكَانَ هَذَا أَعْنِي رَدَّهُ إلَى مَالِكِهِ هُوَ الْمُسَوِّغُ لِلْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ وَإِنْ كَانَ الْآخِذُ بِهَا يَزْعُمُ بُطْلَانَ الْبَيْعِ وَقَوْلُ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ بَلْ إلَى إنْكَارِهِ أَصْلُ الشَّرِكَةِ إلَخْ عَجِيبٌ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ بَيْنَ إنْكَارِ الشَّرِكَةِ وَإِنْكَارِ الشِّرَاءِ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ الشَّرِيكِ الْقَدِيمِ مَانِعٌ مِنْ أَخْذِهِ بِالشُّفْعَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُوجِبُ إقْرَارَهُ بِعَدَمِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي مِنْ الشَّرِيكِ الْقَدِيمِ وَإِذَا أَنْكَرَ مِلْكَ الْمُشْتَرِي لِلشِّقْصِ فَكَيْفَ يَتَصَوَّرُ أَخْذَهُ لَهُ وَقَوْلُهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إنْكَارِ الشَّرِكَةِ إنْكَارُ مُطْلَقِ الشَّرِكَةِ أَعْجَبُ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالشَّرِكَةِ الْأُولَى نَوْعًا خَاصًّا مِنْهَا لَزِمَ مِنْ إنْكَارِهِ إنْكَارُ مُطْلَقِهَا وَإِنْ أَرَادَ بِالشَّرِكَةِ الْأُولَى مُطْلَقَهَا كَانَتْ هِيَ عَيْنُ الثَّانِيَةِ فَيَلْزَمُ مِنْ إنْكَارِ إحْدَاهُمَا إنْكَارُ الْأُخْرَى وَلَعَلَّ فِي ذَلِكَ تَحْرِيفًا وَالْأَصْلُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ إنْكَارِ الشِّرَاءِ إنْكَارُ مُطْلَقِ الشَّرِكَةِ وَهَذَا اللُّزُومُ الصَّحِيحُ لَا يُفِيدُ فِي مَسْأَلَتنَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الِاعْتِرَافِ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فَحَيْثُ اعْتَرَفَ بِهِ لَمْ يَأْخُذْ بِالشُّفْعَةِ سَوَاء أَنْكَرَ أَصْلَ الشَّرِكَةِ أَمْ أَنْكَرَ الشِّرَاءَ كَمَا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا تَمَلَّكَ الشَّفِيعُ بِمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الصِّيَغِ وَبِشَرْطِهِ مَثَلًا ثُمَّ لَمْ يُسَلِّمْ الثَّمَنَ قَالُوا يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ لَمْ يُسَلِّم فَسَخَ الْحَاكِمُ تَمَلُّكَهُ، ثُمَّ اسْتَطْرَدَ فِي الدَّمِيرِيِّ خِلَافًا حَتَّى قَالَ: وَقِيل بِحَبْسِ الشَّفِيعِ فَهَلْ الْمُشْتَرِي يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَبَيْنَ إجْبَار الشَّفِيعِ عَلَى التَّسْلِيمِ أَوْ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي إلَّا فَسْخُ الشُّفْعَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِمْ فَسَخَ الْحَاكِمُ تَمَلُّكَهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ عِبَارَةُ الدَّمِيرِيِّ الَّتِي أَجْمَلهَا السَّائِل إذَا تَمَلَّكَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِغَيْرِ الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَسَلَّمَهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَدَائِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُؤَخِّرَ حَقَّهُ بِتَأْخِيرِ الْبَائِعِ حَقَّهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الثَّمَنُ حَاضِرًا بِأَنْ غَابَ مَالُهُ وَقْتَ التَّمَلُّكِ أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِذَا انْفَضَّتْ وَلَمْ يَحْضُرهُ فَسَخَ الْقَاضِي تَمَلُّكَهُ وَقِيلَ: إذَا قَصَّرَ فِي الْأَدَاءِ بَطَلَ حَقُّهُ وَقِيلَ: إنَّ الْمُشْتَرِي يَفْسَخُ وَقِيلَ: يُحْبَسُ الشَّفِيعُ حَتَّى يُوَفِّيَ الثَّمَنَ انْتَهَتْ وَهِيَ وَاضِحَةُ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْحَبْسَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ وَعَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِي عَقِبَ مُضِيِّ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فِي صُورَةِ غَيْبَةِ الثَّمَنِ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَصْبِرَ إلَى حُضُورِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ لِيَفْسَخَ وَلَيْسَ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِالْفَسْخِ وَلَا إجْبَارُ الشَّفِيعِ عَلَى التَّسْلِيمِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ قَوْلِ الدَّمِيرِيِّ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ وَلَوْ بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نِصْفَ حِصَّتِهِ لِرَجُلٍ مَثَلًا ثُمَّ بَاقِيهَا لِآخَر فَالشُّفْعَةُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ لِلشَّرِيكِ الْقَدِيمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ فِي حَالِ بَيْعِهِ شَرِيكٌ إلَّا الْبَائِعُ وَالْبَائِعُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَأْخُذَ مَا بَاعَهُ بِالشُّفْعَةِ. اهـ. هَلْ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا الْبَيْعُ فِي الِابْتِدَاءِ أَمَّا بَعْدَ أَنْ يَأْخُذَ الشَّرِيكُ الْقَدِيمُ فَيَأْخُذُ الْبَائِعُ بِالشُّفْعَةِ بِقِسْطِهِ مِمَّا يَمْلِكُ الشَّرِيكُ الْقَدِيمُ بِالشُّفْعَةِ مُحْتَجًّا بِأَنَّ تَمَلُّكَ الشُّفْعَةِ مُعَاوَضَةٌ قُلْنَا هَذَا يَمْنَعُ ذَلِكَ وَلَا سِيَّمَا فِي الْأَنْوَارِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مَا هُوَ أَصَرْحُ مِنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ حَتَّى لَا يَتَمَكَّنَ أَيْ الْبَائِعُ مِنْ أَخْذِهِ إلَخْ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ كَأَنَّ السَّائِلَ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْبَائِعَ لَمَّا بَاعَ نِصْفَ حِصَّتِهِ وَأَخَذَهَا شَرِيكُهُ بِالشُّفْعَةِ كَانَ هُوَ حِينَ الْأَخْذِ شَرِيكًا قَدِيمًا بِالنِّسْبَةِ إلَى وَقْتِ الْأَخْذِ فَلِمَ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ الشَّفِيعِ بِقِسْطِ مَا بَقِيَ لَهُ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الشَّفِيعِ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ فَكَأَنَّ الشَّفِيعَ اشْتَرَى الشِّقْصَ الْمَشْفُوعَ وَالشَّفِيعُ لَهُ شَرِيكٌ قَدِيمٌ فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يُشَارِكَهُ هَذَا حَاصِلُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُفْهَم مِنْ كَلَامِ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ. وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ بَلْ صَرَّحَ بِهِ قَوْلُهُمْ أَنَّ الْبَائِعَ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَأْخُذَ مَا بَاعَهُ بِالشُّفْعَةِ أَنَّ الْبَائِع لَا شُفْعَة لَهُ عَلَى الشَّفِيعِ مُطْلَقًا وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ عِلَّةَ ثُبُوتِ الشُّفْعَة إمَّا دَفْعُ ضَرَرِ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَوْ دَفْعُ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَكُلٌّ مِنْ هَاتَيْنِ الْعِلَّتَيْنِ يَمْنَعُ أَخْذَ الْبَائِعِ مِنْ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا بَاعَ بَعْضَ حِصَّتِهِ لِغَيْرِ شَرِيكِهِ كَانَ مِنْهُ نَوْعُ تَعَدٍّ إذْ أَدْخَلَ عَلَيْهِ مَنْ يَضُرُّهُ بِطَلَبِ الْقِسْمَةِ أَوْ مَنْ يُسِيءُ مُشَارَكَتَهُ فَدَفَعَ الشَّارِعُ ذَلِكَ

باب القراض

كُلَّهُ عَنْهُ بِأَنْ أَثْبَتَ لَهُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ مِنْ الْمُشْتَرِي حَتَّى تَنْتَفِيَ عِلِّيَّةُ كُلٍّ مِنْ ضَرَرِ الْقِسْمَةِ وَسُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي عِلَّةِ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لِلشَّرِيكِ الْقَدِيمِ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ لِلْبَائِعِ عَلَى الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ التَّعَدِّي عَلَى الْبَائِعِ بِالْأَخْذِ بَلْ إنَّمَا قَصَدَ بِأَخْذِهِ مَنْعَ تَعَدِّي الْبَائِعِ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ مِنْ غَيْرِهِ فَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ حِينَئِذٍ أَنَّ الْبَائِعَ يَأْخُذُ مَعَ أَنَّهُ الْمُتَعَدِّي بِالْبَيْعِ وَالشَّفِيعُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ بِالْأَخْذِ وَأَيْضًا فَالْبَائِع بِبَيْعِهِ بَعْضَ حِصَّتِهِ لِثَالِثٍ قَدْ وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ الثَّالِثِ مِنْ ضَرَرِ الْقِسْمَةِ وَسُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَشَرِيكُهُ الْقَدِيمُ لَمْ يُوَطِّنْ نَفْسَهُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْبَائِعُ أَدْخَلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الضَّرَرَ فَنَاسَبَ ثُبُوتَ الشُّفْعَةِ لَهُ لِعُذْرِهِ وَلَمْ يُنَاسِبْ أَخْذَ الْبَائِعِ لِشَيْءٍ مِنْ الشَّفُوعِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ عِلَّةَ أَخْذِهِ مَنْعُ آثَارِ تَعَدِّي الْبَائِعِ وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ هِيَ الْعِلَّةُ فَهِيَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي الْبَائِعِ فَتَعَذَّرَ أَخْذُهُ هَذَا حَاصِلُ مَا يُوَجَّهُ بِهِ كَلَامُهُمْ وَهُوَ تَوْجِيهٌ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ لَا غُبَار عَلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ أَخَوَيْنِ مُشْتَرِكَيْنِ فِي أَرْضٍ بَاعَ أَحَدُهُمَا لِأَجْنَبِيٍّ مَثَلًا ثُمَّ مَاتَ الْآخَرُ الَّذِي لَمْ يَبِعْ قَبْلَ أَنْ يَسْقُطَ حَقُّهُ وَوَرِثَهُ الْآخَرُ الْبَائِعُ فَهَلْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَشْفَعَ فِيمَا بَاعَ؛ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ أَخِيهِ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَنَّ لِلْبَائِعِ الْوَارِثِ أَنْ يَشْفَعَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ إذْ لَا مَانِعَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِالشُّفْعَةِ لِلْوَصْفِ الَّذِي طَرَأَ وَهُوَ الْإِرْثُ غَيْر الْوَصْفِ الَّذِي بَاعَ بِهِ، وَتَبَدُّلُ الْأَوْصَافُ كَتَبَدُّلِ الذَّوَاتِ وَلَيْسَ هَذَا كَفُرُوعٍ ذَكَرُوا فِيهَا سُقُوطَ حَقِّهِ بِإِرْثِهِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْحَقُّ فِيهَا لَهُ عَلَى الْمَيِّتِ فَإِذَا صَارَ هُوَ الْوَارِثُ تَعَذَّرَ طَلَبُهُ لِذَلِكَ الْحَقِّ وَهُنَا الْحَقُّ لِلْمَيِّتِ عَلَى الْمُشْتَرِي فَإِذَا مَاتَ انْتَقَلَ حَقُّ الْمَيِّتِ لِوَارِثِهِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْبَائِعُ فَلَهُ حِينَئِذٍ الْأَخْذُ بِهِ خِلَافَةً عَنْ مُورَثِهِ الْآنَ. وَكَوْنُهُ بَائِعًا وَصْفٌ انْقَضَى وَخَلَفَهُ وَصْفٌ آخَرُ فَعُمِلَ بِهِ لِإِطْبَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ مَا يَثْبُتُ لِلْمَيِّتِ يَثْبُتُ لِوَارِثِهِ إلَّا فِي مَسَائِلَ لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا فَإِنْ قُلْت صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لِلشَّرِيكِ الْوَارِثِ فِيمَا بِيعَ فِي دَيْنِ مُورَثِهِ فَهَلْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْمَنْعُ فِي مَسْأَلَتنَا؟ قُلْت لَا يُؤْخَذَ مِنْهُ ذَلِكَ بِوَجْهٍ لِوُضُوحِ فُرْقَانِ مَا بَيْنَهُمَا إذْ سَبَبُ الْمَنْع هُنَا أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَرْكِ بَيْعِهِ وَأَدَاءِ الدَّيْنِ مِنْ مَالِهِ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْوَجْهُ أَنَّ سَبَبَهُ أَنَّ الْوَارِثَ يَمْلِكُ التَّرِكَةَ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا فَالشِّقْصُ الْمَبِيعُ مِلْكُهُ حَالَةَ الْبَيْعِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَخْذُهُ بِالشُّفْعَةِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَرْكِ بَيْعِهِ لِكَوْنِ الْمَيِّتِ أَوْصَى بِبَيْعِهِ فِي دَيْنِهِ، ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ قَالَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَنْعَ لِكَوْنِهِ نَائِبَ مُورَثِهِ فَلَوْ شَفَعَ لَكَانَ كَالشَّافِعِ فِيمَا بَاعَهُ بِنَفْسِهِ أَيْ لِنَفْسِهِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرْته لَكِنْ مَا ذَكَرْته أَوْضَحُ لِمَا ذَكَرُوهُ أَنَّهُ يَمْلِكُ التَّرِكَةَ مِلْكًا حَقِيقِيًّا وَإِنْ اسْتَغْرَقَهَا الدَّيْنُ فَلَيْسَ كَالْبَائِعِ فِيمَا بَاعَهُ لِنَفْسِهِ بَلْ هُوَ هُوَ حَقِيقَةً وَظَاهِرٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الْكَلَامَ فِي وَارِثٍ حَائِزٍ أَوْ غَيْرِهِ لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَخُصُّ قِسْطَهُ مِنْ الْإِرْثِ دُونَ قِسْطِ غَيْرِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَم. [بَابُ الْقِرَاضِ] (مَسْأَلَةٌ) نَقَلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الرَّافِعِيِّ وَالزَّرْكَشِيُّ فِي الْخَادِمِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ ابْنِ حَزْمٍ وَأَقَرُّوهُ أَنَّ كُلَّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ لَهُ أَصْلٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إلَّا الْقِرَاضَ مَعَ قِيَامِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ عَنْ أَصْلٍ فَهَلْ هُوَ كَمَا قَالَ وَكَيْفَ سَاغَ لِهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ تَقْرِيرُهُ مَعَ حَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ «ثَلَاثٌ فِيهِنَّ الْبَرَكَةُ الْبَيْعُ إلَى أَجَلٍ وَالْمُقَارَضَةُ وَخَلْطُ التَّمْرِ بِالشَّعِيرِ لِلْبَيْتِ لَا لِلْبَيْعِ» (الْجَوَابُ) الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ كَمَا قَالَهُ الْبُخَارِيُّ وَعَلَى التَّنَزُّلِ وَأَنَّ لَهُ أَصْلًا فَهُوَ لَيْسَ بِهَذَا اللَّفْظِ أَعْنِي الْمُقَارَضَةَ بِالْقَافِ خِلَافًا لِمَنْ وَهِمَ فِيهِ اغْتِرَارًا بِكَوْنِ ابْنِ مَاجَهْ ذَكَرَهُ فِي الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ أَيْ: الْمُقَارَضَةِ وَإِنَّمَا صَوَابُهُ بِالْعَيْنِ أَيْ: بَيْعِ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ فَاتَّضَحَ قَوْلُ ابْنِ حَزْمٍ مَا مَرَّ وَتَقْرِيرُهُمْ عَلَيْهِ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ مَا اشْتَهَرَ فِي السِّيَرِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَافَرَ تَاجِرًا لِخَدِيجَةَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَحَكَى ذَلِكَ وَأَقَرَّهُ بَعْدَهَا فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِ جَاهِلِيَّةً وَإِسْلَامًا وَثَبَتَ أَنَّ لِلْقِرَاضِ أَصْلًا أَصِيلًا

وَاَللَّه أَعْلَم (وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ اخْتَلَفَ الدَّافِعُ وَالْمَدْفُوعُ لَهُ بَعْدَ تَلَفِ الْمَدْفُوعِ فَادَّعَى الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ أَنَّهُ قِرَاض وَادَّعَى الدَّافِعُ أَنَّهُ قَرْض فَمَا الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ وَمَا وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مَعَ مُلَاحَظَة كَلَامِهِمْ آخِرَ الْعَارِيَّةِ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِأَنَّ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْجَوَاهِرِ وَالْخَادِمِ وَغَيْرُهُمَا تَصْدِيقُ الْمَالِك؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَدَّعِي سُقُوطَ الضَّمَانِ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِتَصَرُّفِهِ فِيهِ الْمُقْتَضِي لِشَغْلِ الذِّمَّةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ ذَلِكَ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ عَلِيٍّ الثَّقَفِيِّ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ أَلْفًا فَتَصَرَّفَ فِيهَا فَرَبِحَ أَلْفًا، ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْقَابِضُ كَانَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ مَثَلًا وَقَالَ الْمَالِكُ كَانَ بِضَاعَةً أَيْ وَكَالَةً صَدَقَ الدَّافِعُ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبَحْرِ وَرَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا ادَّعَاهُ الْقَابِضُ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ مَالِك الدَّابَّةِ لِرَاكِبِهَا أَجَّرْتُكَهَا فَعَلَيْك الْأُجْرَةُ وَقَالَ الرَّاكِبُ أَعَرْتنِي صَدَقَ الْمَالِكُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ إذْنِ الْمَالِكِ فِي إبَاحَةِ مَنَافِعِ دَابَّتِهِ مَجَّانًا وَخَالَفَ فِي مَسْأَلَتنَا ابْنُ الصَّلَاحِ فَأَفْتَى بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْقَابِضِ فِي نَفْيِ الضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْإِذْنِ فِي التَّصَرُّفِ وَاخْتَلَفَا فِي شَغْلِ الذِّمَّةِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَتهَا اهـ وَمَا قَالَهُ مَمْنُوعٌ وَإِنْ تَبِعَهُ الدَّمِيرِيُّ وَالْجَوْجَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِالتَّصَرُّفِ اشْتِغَالَ الذِّمَّةِ وَالْقَابِضُ يَدَّعِي سُقُوطَهُ فَكَانَتْ دَعْوَاهُ مُخَالِفَةً لِلْأَصْلِ فَلَمْ تُسْمَعْ مِنْهُ وَمَالَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ إلَى مَا رَجَّحَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَأَيَّدَهُ بِقَوْلِ الْبَغَوِيِّ لَوْ دَفَعَ أَلْفًا لِإِنْسَانٍ فَقَالَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ كَانَ وَدِيعَةً فَهَلَكَ فَقَالَ الدَّافِعُ بَلْ أَخَذْته قَرْضًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ غَصَبْتنِي فَقَالَ لَا بَلْ أَكْرَيْتَنِي فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَنْفَعَةَ مَالِهِ، ثُمَّ ادَّعَى إسْقَاطَ الضَّمَانِ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَخْذِهِ لِحَقِّ نَفْسِهِ اهـ. وَلَا شَاهِدَ فِيهِ لِمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ الْجَلَالُ؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْبَغَوِيِّ الْأُولَى أَعْنِي قَوْلَ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ قِرَاضٌ وَقَوْلُ الدَّافِعِ قَرْضُ لَمْ يَحْصُلْ فِيهَا تَصَرُّفٌ يَقْتَضِي شَغْلَ الذِّمَّةِ بَلْ الذِّمَّةُ بَاقِيَةٌ عَلَى أَصْلِ بَرَاءَتِهَا فَلِذَا صَدَقَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ لَمْ يُعَارِضْهُ شَيْءٌ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتنَا فَقَدْ تَيَقَّنَّا الصَّرْفَ وَهُوَ مُقْتَضٍ لِشَغْلِ الذِّمَّةِ فَبَطَلَ أَصْلُ بَرَاءَتِهَا وَلَزِمَ مِنْ بُطْلَانِ هَذَا الْأَصْلِ تَصْدِيقُ الدَّافِعِ؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ عَضَّدَهَا تَيَقُّنُ شَغْلِ الذِّمَّةِ الْمُوَافِقِ لَهَا عَلَى أَنَّ مَسْأَلَةَ الْبَغَوِيِّ الثَّانِيَةَ تُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْته مِنْ التَّوْجِيهِ فَكَلَامُهُ لَنَا لَا عَلَيْنَا فَتَأَمَّلْ وَمِمَّنْ تَبِعَ ابْنَ الصَّلَاحِ أَيْضًا الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ أَبُو زُرْعَةَ فَرَجَّحَ تَصْدِيقَ الْعَامِلِ بَعْدَ التَّلَفِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْعَارِيَّةِ السَّابِقَةِ بِأَنَّهُمَا ثَمَّ مُتَّفِقَانِ عَلَى عَدَمِ انْتِقَالِ مِلْكِ الْعَيْنِ لِلْآخِذِ بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ مَالِكِهَا وَقَدْ انْتَفَعَ بِهَا وَمُدَّعٍ عَدَمَ الْعِوَضِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ سُقُوطِهِ فَإِنَّ الِانْتِفَاعَ بِمِلْكِ الْغَيْرِ يَقْتَضِي الْعِوَضَ اهـ. وَيُرَدُّ بِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّا فِي مَسْأَلَتنَا تَيَقَّنَّا التَّصَرُّفَ وَهُوَ مُقْتَضٍ لِشَغْلِ الذِّمَّةِ فَلَمْ يَصْدُقْ الْآخِذُ فَاتَّضَحَ أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ وَأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي مَسْأَلَة الْعَارِيَّةِ شَاهِدُ عَدْلٍ عَلَى تَصْدِيقِ الدَّافِعِ، ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمِنْ ثَمَّ جَرَى عَلَيْهِ فِي الْأَنْوَارِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ إنَّهُ مُتَعَيِّنٌ وَبِهِ أَفْتَى شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّه عَهْدَهُ، وَأَمَّا مَا فِي مِنْهَاجِ الْقُضَاةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا وَتَلِفَ فِي يَدِهِ فَقَالَ دَفَعْته قَرْضًا وَقَالَ الْآخَرُ وِكَالَةً صَدَقَ الدَّافِعُ. اهـ. فَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ تَصْدِيقُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ نَظِيرَ مَسْأَلَةِ الْبَغَوِيِّ وَبِمَا قَرَّرْته يُعْلَمُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي مَسْأَلَتِنَا فِيمَا إذَا كَانَ التَّلَفُ بَعْدَ تَصَرُّفِ الْقَابِضِ فَيَصْدُقُ الدَّافِعُ حِينَئِذٍ لِمَا قَدَّمْته أَمَّا إذَا وَقَعَ التَّلَفُ قَبْلَ التَّصَرُّفِ فَالْمُصَدَّقُ حِينَئِذٍ هُوَ الْقَابِضُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى الْإِذْنِ وَاخْتَلَفَا فِي شَغْلِ الذِّمَّةِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِمَا قَالَ الشَّيْخَانِ وَلَوْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِمَا قَالَهُ قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ بَيِّنَةُ الْقَابِضِ أَوْلَى فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ اهـ. وَاعْتَرَضَ بِأَنَّ الْحَقَّ التَّعَارُض وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْأَوْجَهُ مَا بَحَثَهُ أَبُو زُرْعَةَ مِنْ تَرْجِيحِ بَيِّنَةِ الدَّافِعِ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ بِالِانْتِقَالِ إلَى الْآخِذِ، وَاَللَّهُ أَعْلَم. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ قَارَضَ شَخْصًا فَاشْتَرَى وَبَاعَ فَلَمَّا نَضَّ الثَّمَنُ وَلَمْ يَظْهَرْ فِيهِ رِبْحٌ أَخَذَ الْعَامِلُ مَالًا مِنْ عِنْدِهِ وَأَضَافَهُ إلَى مَالِ

الْقِرَاضِ بِإِذْنِ الْمَالِكِ مَثَلًا ثُمَّ عَمِلَا فِيهِ فَمَا حُكْمُ الرِّبْحِ الْحَاصِلِ بَعْدَ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ جَرَى ذَلِكَ بَعْدَ فَسْخِ عَقْدِ الْقِرَاضِ أَوْ اسْتِرْدَاد الْمَالِك رَأْسَ الْمَالِ فَهُوَ مَحْضُ شَرِكَةٍ وَإِلَّا صَحَّتْ الشَّرِكَةُ مَعَ بَقَاءِ عَقْدِ الْقِرَاض عَلَى حَالِهِ فَيُعْمَلُ فِي الرِّبْحِ الْحَاصِلِ بِمُقْتَضَى الْعَقْدَيْنِ شَرِكَةً وَقِرَاضًا فَإِنْ تَسَاوَيَا فِي الْمَالِ فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلِلْعَامِلِ مِنْ حِصَّةِ الْمَالِكِ مَا كَانَ شَرَطَهُ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا مَاتَ الْمَالِكُ فَتَصَرَّفَ الْعَامِلُ فِي مَالِ الْقِرَاضِ جَاهِلًا فَهَلْ يَضْمَنُ وَهَلْ الْوَكِيلُ مِثْلُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مِنْ الْمَعْلُومِ ارْتِفَاعُ الْعَقْدِ بِالْمَوْتِ فَتَصَرُّفُ الْعَامِلِ حِينَئِذٍ كَتَصَرُّفِ الْغَاصِبِ فَإِنْ كَانَ بِعَيْنِ الْمَالِ بَطَلَ وَالْأَصَحُّ وَمَا صَرَفَهُ مِنْ مَالِ الْقِرَاض مَضْمُونٌ عَلَيْهِ وَإِنْ جَهِلَ وَكَذَا حُكْمُ الْوَكِيلِ إذَا تَصَرَّفَ بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ الْعَزْلِ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصَيْنِ دَفَعَا لِإِنْسَانٍ قِرَاضًا فَدَفَعَ أَحَدُهُمَا أَلْفَ أَشْرَفِيّ وَالْآخَرُ أَلْفَيْ أَشْرَفِيّ فَالْجُمْلَةُ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَاتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَكُونَ لِلْعَامِلِ الثُّلُثُ مِنْ الرِّبْحِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الثُّلُثُ وَرَضِيَ الْعَامِلُ بِذَلِكَ وَثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَ قَاضٍ شَافِعِيِّ الْمَذْهَبِ وَسَافَرَ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ وَرَبِحَ رِبْحًا كَثِيرًا فَامْتَنَعَا أَنْ يَدْفَعَا لَهُ مَا وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَيْهِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمَا دَفْعُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْقِرَاض الْمَذْكُورُ فَاسِدٌ فَيَسْتَحِقُّ الْعَامِلُ أُجْرَةَ مِثْلِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ وَاَللَّهُ أَعْلَم (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ قَارَضْتُك عَلَى إحْدَى هَاتَيْنِ الصُّرَّتَيْنِ مَثَلًا ثُمَّ عَيَّنَ إحْدَاهُمَا فِي الْمَجْلِسِ صَحَّ بِخِلَافِ سَاقَيْتُكَ عَلَى إحْدَى هَاتَيْنِ الْحَدِيقَتَيْنِ ثُمَّ عَيَّنَ إحْدَاهُمَا فِي الْمَجْلِسِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَا وُقُوعُ الْعَقْدِ عَلَى شَيْءٍ مُرْبِحٍ مِنْ غَيْرِ خُصُوصِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَذَلِكَ حَاصِلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يَخْتَصُّ بِوَاحِدَةٍ دُونَ الْأُخْرَى فَلَا يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ فِي تَعَيُّنِ أَيِّ وَاحِدَة مِنْهُمَا وَلَا نَظَرَ فِيهَا إلَى كَوْنِ وَاحِدَةٍ أَرْوَجَ مِنْ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي كَوْن الْأُخْرَى فِيهَا رِبْح وَهُوَ الْمَقْصُودُ دُونَ الرِّبْحِ وَالْقَصْدُ فِي الْمُسَاقَاةِ وُقُوعُ عَقْدِهَا عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ يُثْمِرُ غَالِبًا وَذَلِكَ غَيْرُ حَاصِلٍ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّامِنَةِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ فِيهَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ عَيْنِ الْحَدِيقَةِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ الثَّمَرَةُ وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَوَجَبَ تَعْيِينُ مَحَلِّهَا لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِهِ. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ دَفَعَ إلَى آخَرَ مَالًا نَقْدًا قَدْرُهُ عِشْرُونَ أَلْفَ مُحَلَّق عَلَى سَبِيلِ الْمُضَارَبَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَاشْتَرَى الْعَامِلُ بِذَلك بَضَائِعَ وَمَتَاجِرَ وَسَافَرَ بِذَلِكَ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ إلَى بَعْضِ الْبِلَادِ وَبَاعَ وَاشْتَرَى فِي ذَلِكَ أَيْضًا مَثَلًا ثُمَّ حَضَرَ إلَى رَبِّ الْمَالِ وَذَكَرَ لَهُ أَنَّ الْمُتَحَصِّلَ فِي ذَلِكَ رِبْحًا ثَلَاثَةَ عَشْرَةَ أَلْفَ مُحَلَّق مَثَلًا ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ إنَّ الْمُتَحَصِّلَ فِي ذَلِكَ رِبْحًا إنَّمَا هُوَ سِتَّة آلَاف مُحَلَّق فَسَأَلَهُ رَبُّ الْمَالِ عَنْ تَفْصِيلِ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ وَرِبْحِهِ وَمَصَارِفِهِ وَمَحْصُولَاتِهِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بَيَانُ ذَلِكَ وَلَا الْجَوَابُ وَأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ بَيَانُ ذَلِكَ وَتَفْصِيلُهُ وَمُحَاسَبَةُ رَبِّ الْمَالِ عَنْ الْأَصْلِ وَالرِّبْحِ وَتَفْصِيلَات التَّصَرُّفِ أَمْ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَالْحَالُ أَنَّ التُّجَّارَ الْمُسَافِرِينَ مَعَهُ إلَى الْبَلَدِ الَّتِي سَافَرَ إلَيْهَا بِمِثْلِ الْبَضَائِعِ الَّتِي سَافَرَ بِهَا رَبِحُوا فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ ضِعْفِ رِبْحِ الْعَامِلِ الْمَذْكُورِ مَعَ أَنَّ بَيْعَهُمْ وَشِرَاءَهُمْ فِي أَوَانٍ وَاحِدٍ عَلَى كَيْفِيَّةٍ مُتَقَارِبَةٍ وَمَاذَا يَلْزَمُ الْعَامِلَ الْمَذْكُورَ إذَا صَمَّمَ عَلَى عَدَمِ الْمُحَاسَبَةِ إذَا فَصَّلَ تَفْصِيلًا بَعِيدًا عَنْ تَفْصِيلِ أَمْثَالِهِ مِنْ التُّجَّارِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ رَبِّ الْمَالِ بَيِّنَةٌ بِاعْتِرَافِ الْعَامِلِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّهُ رَبِحَ فِي ذَلِكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَلْف مُحَلَّق فَمَاذَا يَلْزَمَهُ فِي ذَلِكَ وَمَا حُكْمُ اللَّه تَعَالَى فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا قَالَ لَهُ رَبِحْت كَذَا، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ وَإِنْ ذَكَرَ شُبْهَةً لِغَلَطِهِ لَكِنْ لَهُ تَحْلِيفُ الْمَالِكِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ سَوَاءٌ ذَكَرَ شُبْهَةً أَمْ لَا عَلَى الْأَصَحِّ وَإِذَا فَصَّلَ مَا صَرَفَهُ فَإِنْ كَانَ قَدْرًا لَائِقًا مُحْتَمَلًا فِي الْعَادَةِ صَدَقَ بِيَمِينِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْرًا غَيْر لَائِقٍ لِذَلِكَ لَمْ يَصْدُقْ بِالنِّسْبَةِ لِلزَّائِدِ عَلَى اللَّائِقِ فَيُطَالَبُ بِهِ وَإِذَا لَمْ يُفَصِّلْ وَامْتَنَعَ مِنْ الْمُحَاسَبَةِ أُلْزِمَ بِهَا أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي نَاظِرِ الْوَقْفِ، وَفَائِدَتُهَا أَنَّهُ إذَا ذَكَرَ مَقَادِيرَ الْمَصَارِيفِ نَظَرَ فِيهَا هَلْ هِيَ لَائِقَةٌ أَمْ لَا وَيَأْتِي فِيهَا مَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَمَّا الْمُحَاسَبَةُ عَنْ كَيْفِيَّةِ الرِّبْحِ وَمَقَادِيرِهِ فَلَا يُلْزَمُ بِهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ إذْ لَا ضَابِطَ لَهُ يُوقَفُ عَلَيْهِ بِهَا بِخِلَافِ الْمَصَارِيفِ فَإِنَّ لَهَا مَقَادِيرَ

باب الإقرار

عِنْدَ أَهْلِ الْعُرْفِ لَا تَتَخَرَّمُ غَالِبًا وَإِذَا عَدِمَ الْمَالِكُ الْبَيِّنَةَ بِاعْتِرَافِ الْعَامِلِ الْأَوَّلِ أَوْ لَمْ يَعْدَمْهَا جَازَ لَهُ تَحْلِيفُهُ عَلَى أَنَّهُ مَا اعْتَرَفَ لَهُ أَوَّلًا بِمَا ذَكَرَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَنَا قَالَ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لَا يُطَالَبُ أَحَد مِنْهُمْ أَيْ: الْأُمَنَاء كَالْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُقَارِضِ وَالْمُرْتَهِنِ بِإِقَامَةِ حِسَابٍ بَلْ إنْ ادَّعَى عَلَيْهِ جِنَايَةً فَالْقَوْل قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي الْوَصِيِّ وَالْهَرَوِيُّ فِي أُمَنَاءِ الْقَاضِي وَمِثْلُهُمْ بَقِيَّةُ الْأُمَنَاءِ لَكِنَّ الْأَوْجَهَ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ يَرْجِعُ إلَى رَأْي الْقَاضِي بِحَسْبِ مَا يَرَاهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ . اهـ. وَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى الْمُحَاسَبَةِ عَنْ كَيْفِيَّةِ الرِّبْحِ وَمِقْدَارِهِ، وَأَمَّا عَلَى الْمَصَارِيفِ فَاَلَّذِي يُتَّجَهُ فِيهِ مَا ذَكَرْتُهُ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي نَاظِرِ الْوَقْفِ كَمَا قَدَّمْته. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ دَفَعَ مِائَةً لِآخَرَ يُسَافِرُ بَرًّا أَوْ بَحْرًا بِشَرْطِ أَنَّهُ إذَا عَادَ بِالسَّلَامَةِ يُسَلِّمُ إلَيْهِ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَوَاءٌ رَبِحَ فِي تِلْكَ الْمِائَةِ أَضْعَافًا أَوْ خَسِرَ خُسْرَانًا بَيِّنًا وَمَعَ ذَلِكَ إذَا تَلِفَ الْمَالُ لَا يَصِيرُ الْقَابِضُ ضَامِنًا كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَة أَهْلِ الْهِنْدِ وَيَتَعَامَلُونَ بِهَذَا الشَّرْطِ فَالْمَسْئُولُ بَيَانُ حُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِهَا فَإِنْ قُلْتُمْ بِعَدَمِ الْجَوَازِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ فَهَلْ حُكْمُ ذَلِكَ كَحُكْمِ الرِّبَا أَوْ الْقِرَاضِ أَوْضِحُوهُ لَنَا إيضَاحًا وَافِيًا أَثَابَكُمْ اللَّهُ ثَوَابَ الْمُحْسِنِينَ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ بَاطِلٌ وَمُبْطِلٌ لِعَقْدِ الْقِرَاضِ الْمَذْكُورِ وَالْمَالُ الْمَأْخُوذُ بِهِ مُحَرَّمٌ شَدِيدُ التَّحْرِيمِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْل أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَمَنْ أَخَذَ بِهَذَا الشَّرْطِ مَالًا فَهُوَ عَاصٍ آثِمٌ فَعَلَيْهِ التَّوْبَةُ وَالرُّجُوعُ إلَى اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَإِنْ قُلْت فَمَا حُكْمُ الْمَالِ الَّذِي أَخَذَهُ الْعَامِلُ بِهَذَا الشَّرْطِ قُلْت هُوَ قِرَاضٌ فَاسِدٌ فَيَدُ الْعَامِلِ يَدُ أَمَانَةٍ وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْمَالِكِ وَالْخُسْرُ عَلَيْهِ، ثُمَّ إنْ طَمِعَ الْعَامِلُ فِي زِيَادَةِ رِبْحٍ لَهُ عَلَى الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ مَنْ عَمِلَ غَيْرَ طَامِعٍ فِي شَيْءٍ لَا شَيْءَ لَهُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ لَوْ طَلَبَ الرَّصَدِيُّ نَقْدًا وَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِ الْقِرَاض أَوْ تَعَسَّرَ إحْضَارُهُ أَوْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ أَنْ لَا يُبَاعَ لِذَلِكَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَأَعْطَاهُ مِنْ مَالِهِ وَأَشْهَدَ عِنْدَ عَجْزِهِ عَنْ الرَّفْعِ إلَى الْحَاكِمِ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ كَنَظَائِرِهِ أَوْ لَا وَهَلْ يَجْرِي ذَلِكَ فِي الْوَكِيلِ وَالْمُودَعِ وَنَحْوِهِمْ حَيْثُ جَازَ لَهُمْ الدَّفْعُ مِنْ الْمَالِ الَّذِي بِأَيْدِيهِمْ لِمَنْ ذُكِرَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّ مَا ذَكَرُوهُ فِي هَرَبَ عَامِلِ الْمُسَاقَاةِ وَالْجَمَّالِ وَنَحْوِهِمَا قَاضٍ بِأَنَّهُ إذَا طَلَبَ مِنْ عَامِلِ الْقِرَاضِ أَوْ نَحْوِهِ مَا يُحْسَبُ عَلَى الْمَالِكِ كَمَا يَأْخُذُهُ الرَّصَدِيّ وَالْمِكَاس وَتَعَذَّرَ أَوْ تَعَسَّرَ وَزْنُهُ مِنْ الْمَالِ فَأَعْطَاهُ الْعَامِلُ أَوْ نَحْوُهُ مِنْ مَالِهِ بِإِذْنِ الْقَاضِي أَوْ مَعَ إشْهَادِهِ عَلَى أَنَّهُ أَعْطَاهُ لِيَرْجِعَ أَوْ بِشَرْطِ الرُّجُوعِ لِفَقْدِ الْقَاضِي أَوْ تَعَسُّرِهِ لِكَوْنِهِ فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى أَوْ لِلْخَوْفِ مِنْهُ عَلَى الْمَالِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ الْآن رَجَعَ بِهِ عَلَى الْمَالِكِ وَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ لِتَبَرُّعِهِ، وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَم. [بَابُ الْإِقْرَارِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَوْ أَقَرَّ لِأَوْلَادِهِ بِمَالٍ وَفِيهِمْ حَيٌّ وَمَيِّتٌ فَهَلْ يَدْخُلُ الْمَيِّتُ فِي الْإِقْرَارِ وَيَكُونُ لِوَارِثِهِ كَمَا لَوْ خَصَّهُ بِالْإِقْرَارِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمَيِّتَ مِنْ الْأَوْلَادِ يَدْخُلُ فِيهِمْ وَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الرُّويَانِيِّ لَوْ قَالَ لِهَذَا الْمَيِّتِ عَلَيَّ كَذَا فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُخْتَصَرِ جَوَازُ الْإِقْرَارِ بِتَقْدِيرِ كَانَ لَهُ عَلَيَّ اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْ تَقْدِيرِ كَانَ لَهُ عَلَيَّ أَنَّ تَخْصِيصَهُ بِالْإِقْرَارِ لَهُ لَيْسَ هُوَ مُلَخَّصُ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ لَهُ وَإِنَّمَا مُلَخَّصُهُ أَنَّ كَوْنَهُ مَيِّتًا لَا يُنَافِي صِحَّةَ الْإِقْرَارِ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُمْكِنُ تَصَوُّرُ الْمِلْكِ لَهُ حِينَ الْإِقْرَارِ يُمْكِنُ تَصَوُّرُهُ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ بِالتَّقْدِيرِ الْمَذْكُورِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَوْتُ مَانِعًا لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ. وَإِذَا اتَّضَحَ أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْمَوْتِ وَصِحَّةِ الْإِقْرَارِ اتَّضَحَ الْعَمَلُ بِعُمُومِ قَوْلِهِ عَلَيَّ لِأَوْلَادِي كَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا تَخْصِيصَ لِأَحَدِهِمْ فَدَخَلُوا كُلُّهُمْ أَحْيَاؤُهُمْ وَأَمْوَاتُهُمْ لِاسْتِوَاءِ وَصْفِ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى صِحَّةِ الْإِقْرَارِ فَإِنْ قُلْت يُعَارِضُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ لَوْ أَطْلَقَ الْإِقْرَارَ لِلْحَمْلِ بِالْمَالِ وَانْفَصَلَ حَيٌّ وَمَيِّتٌ اسْتَحَقَّ الْحَيُّ جَمِيعَ الْمَالِ الْمُقَرِّ بِهِ وَكَانَ الْمَيِّتُ كَالْمَعْدُومِ قُلْت الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ

وَمَسْأَلَتِنَا وَاضِحٌ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ لِلْحَمْلِ لَا يَصِحُّ إلَّا إنْ أَسْنَدَهُ إلَى نَحْوِ إرْثٍ أَوْ أَطْلَقَ وَانْفَصَلَ حَيًّا لِوَقْتٍ يُعْلَمُ وُجُودُهُ عِنْدَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُتَصَوَّرَ لَهُ الْمِلْكُ حَقِيقَةً أَوْ احْتِمَالًا إلَّا بِذَلِكَ فَالْمَيِّتُ الْمُنْفَصِلُ لَا يُتَصَوَّرُ لَهُ الْمِلْكُ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ لَهُ وَصَحَّ لِلْحَيِّ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّهُ عُهِدَ لَهُ قَبْلَ الْآنَ مِلْكٌ وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ فَصَحَّ إسْنَادُ الْمِلْكِ إلَيْهِ وَالْإِقْرَارُ لَهُ بِهِ فَدَخَلَ فِي مُطْلَقِ الْإِقْرَارِ لِلْأَوْلَادِ لِشُمُولِ اللَّفْظِ لَهُ مَعَ عَدَمِ شَيْءٍ يُخْرِجُهُ وَلَا نَظَرَ إلَى الْمُتَعَارَفِ الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَكُونُ إلَّا لِحَيٍّ؛ لِأَنَّا لَوْ نَظَرْنَا لِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ لِلْمَيِّتِ وَإِنْ نَصَّ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْت فَرَّقَ بَيْنَ النَّصِّ وَالظَّاهِرِ قُلْت فَرْقٌ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ عِلْمِ الْأُصُولِ وَمَبَاحِثِهِ، وَأَمَّا فِي الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ فَهُمَا مُسْتَوِيَانِ غَالِبًا فَإِنْ قُلْت فَإِنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْمَوْتَى مِنْهُمْ حَتَّى لَا يُصْرَفَ مِنْهُ شَيْءٌ لِوَرَثَتِهِمْ قُلْت الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَالْوَقْفِ جَلِيٌّ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ وَالْحَقُّ السَّابِقُ الْمَيِّتُ فِيهِ وَالْحَيُّ سَوَاءٌ بِخِلَافِ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ إنْشَاءُ تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَاشْتُرِطَ فِيمَنْ يُوقَفُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْوَقْفِ مِمَّنْ يُمْكِنُ تَمْلِيكُهُ الْآنَ وَالْمَيِّتُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَلَمْ يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِدُخُولِهِ فِيهِ فَالْمَلْحَظُ فِي الْبَابَيْنِ مُخْتَلِفٌ بَلْ بَيْنَهُمَا مِنْ الْبَوْنِ مَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى تَأَمُّلٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) فِي شَخْصٍ أَقَرَّ أَنَّ جَمِيعَ كَامِلِ الْبُسْتَانِ الصَّغِيرِ مِنْ أَرْضٍ وَأَخْشَابٍ وَبِنَاءٍ الْمَعْرُوفِ بِمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الصَّائِرِ إلَيْهِ بِالشِّرَاءِ الشَّرْعِيِّ وَجَمِيعَ الْبَيْتِ الصَّائِرِ إلَيْهِ بِالشِّرَاءِ مِنْ أَوْلَادِ إدْرِيسَ الْكَائِنِينَ بِالْحِجَازِ بِجَمِيعِ حُقُوقِ ذَلِكَ مِنْ سَقِيَّةٍ وَمَنَافِعَ وَحُقُوقِ مِلْكٍ لِبِنْتِهِ فَاطِمَةَ مَثَلًا ثُمَّ وُجِدَ فِي مَكْتُوبٍ شِرَاءُ الْبُسْتَانِ الْمَذْكُورِ لِهَذَا الْمُقِرِّ مِنْ مُحَمَّدٍ بْنِ يَحْيَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ أَيْ: اشْتَرَى مِنْهُ سَقِيَّتَهُ وَهِيَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا فَهَلْ تَسْتَحِقُّ الْبِنْتُ الْمَذْكُورَةُ جَمِيعَ الْبُسْتَانِ بِجَمِيعِ السَّقِيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ فِي مَكْتُوبِ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِجَمِيعِ حُقُوقِ ذَلِكَ مِنْ سُقْيَةٍ وَمَنَافِعَ إنَّمَا هُوَ قَيْدٌ لِكَامِلِ الْبُسْتَانِ الصَّغِيرِ فَالضَّمِيرُ فِي سَقِيَّتِهِ رَاجِعٌ إلَيْهِ وَالْمَرْجِعُ إنَّمَا هُوَ مُقَيَّدٌ بِمَنْ هُوَ الْمَعْرُوفُ بِهِ الْبُسْتَانُ وَهُوَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ. فَتَكُونُ السَّقِيَّةُ أَيْضًا مُقَيَّدَةً بِقَيْدِ مَرْجِعِ الضَّمِيرِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادَرُ سِيَّمَا عِنْدَ عَدَمِ الْمَانِعِ وَإِلَّا يَكُنْ الْقَيْدُ لَغْوًا مَحْضًا فِي الْوَصِيَّةِ فَالْمُقَرُّ بِهِ إنَّمَا هُوَ جَمِيعُ السَّقِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ بِالْمُشْتَرَى مِنْهُ لَا السَّقِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ فَحِينَئِذٍ لَوْ فَرَضْنَا أَنَّ هَذِهِ السَّقِيَّةَ تَكُونُ زَائِدَةً عَلَى كِفَايَةِ الْبُسْتَانِ الْمُرْجَعِ لِلضَّمِيرِ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ عَلَى مَا هُوَ عَادَةُ أَرْضِ أَهْلِ الْحِجَازِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْفُصُولِ فَهَلْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ دَاخِلَةٌ فِي الْإِقْرَارِ وَيَكُونُ لِلْمَرْأَةِ الْمُقَرِّ لَهَا جَمِيعُ السَّقِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ بِمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى أَمْ عَلَى قَدْرِ الْعَادَةِ، ثُمَّ لَوْ فَرَضْنَا أَنَّهَا أَقَلُّ مِنْ الْكِفَايَةِ فَكَيْفَ الْعَمَلُ فِيهَا أَيْضًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ تَسْتَحِقُّ الْبِنْتُ الْمَذْكُورَةُ جَمِيعَ الْبُسْتَانِ وَسَقِيَّتَهُ، ثُمَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَئِمَّتِنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِسَقِيَّتِهِ سَقِيَّتُهُ الْمَوْجُودَةُ لَهُ حَالَ الْإِقْرَارِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ زَائِدَةً عَلَى السَّقِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي مُسْتَنَدِ الشِّرَاءِ أَمْ لَا فَمَا يَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ لِمَالِكِ هَذِهِ الدَّابَّةِ عَلَيَّ كَذَا حُمِلَ عَلَى مَالِكِهَا الْآنَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ لِمَالِكٍ آخَرَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَكِنْ قَدْ يَعْهَدُهَا وَلَا يَعْلَمُ انْتِقَالَهَا عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ وَقَدْ يَشْتَرِيهَا أَوْ يَتَّهِبُهَا أَوْ يَرِثُهَا أَوْ يَقْبَلُ الْوَصِيَّةَ بِهَا فَيَقُولُ آخَرُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ ذَلِكَ فَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَالِكِهَا الْآنَ قَطْعًا اهـ. فَتَأَمَّلْ رِعَايَتَهُمْ لِلظَّاهِرِ وَهُوَ الْحَمْلُ عَلَى الْمَالِكِ حَالَ الْإِقْرَارِ وَإِعْرَاضَهُمْ عَنْ كَوْنِهِ مِلْكًا لِلْمُقَرِّ لَهُ فَيَجِبُ تَقْدِيمُ الْمُخْبَرِ عَنْهُ عَلَى الْمُخْبِرِ فَهُوَ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ ثَابِتٍ وَيَكْفِي فِي ثُبُوتِهِ سَبْقُهُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِلَحْظَةٍ وَأَيْضًا فَمَالِكٌ اسْمُ فَاعِلٍ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي مَالِكِهَا حَالَ الْإِقْرَارِ مَجَازٌ فِي مَالِكِهَا قَبْلَهُ فَحُمِلَ اللَّفْظُ عَلَى حَقِيقَتِهِ دُونَ مَجَازِهِ وَمَحِلُّ حَمْلِهِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ الَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذَا أَرَادَهُمَا الْمُتَكَلِّمُ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالسَّقِيَّةُ مُخْتَلِفَةٌ أَيْضًا فَيَكْفِي فِي اسْتِحْقَاقِ الْمُقِرِّ لَهَا ثُبُوتُهُ لَهَا قُبَيْلَ الْإِقْرَارِ بِلَحْظَةٍ عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ فَإِذَا عُلِمَ أَنَّهَا إنَّمَا ثَبَتَتْ لَهَا فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ لَا فِيمَا قَبْلَهُ فَلْيَنْظُرْ إلَيْهَا حَالَ الْإِقْرَارِ وَيُنْزِلْ الْإِقْرَارَ عَلَيْهَا وَلَا نَظَرَ لِسَقِيَّتِهِ الْمَذْكُورَةِ فِي

مُسْتَنَدِ الشِّرَاءِ إذَا كَانَتْ أَزْيَدَ أَوْ أَنْقَصَ مِنْ سَقِيَّتِهِ الثَّابِتَةِ لَهُ يَوْمَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْإِقْرَارِ عَلَى الْيَقِينِ أَوْ الظَّاهِرِ الْقَوِيِّ وَطَرْحِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ سَقِيَّتُهُ حَالَ الْإِقْرَارِ دُونَ الَّتِي قَبْلَ ذَلِكَ إذَا تَخَالَفَتَا فَحَمَلْنَا لَفْظَهُ عَلَيْهَا عَمَلًا بِالظَّاهِرِ دُونَ السَّقِيَّةِ السَّابِقَةِ طَرْحًا لِلْمَشْكُوكِ فِيهِ وَكَوْنُ الضَّمِيرِ فِي سَقِيَّتِهِ يَرْجِعُ إلَى الْبُسْتَانِ الْمُقَيَّدِ بِأَنَّهُ مُشْتَرًى مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى لَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ السَّقِيَّةِ الْمَوْجُودَةِ حَالَ الشِّرَاءِ لِلْمُقَرِّ لَهَا لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ الْبُسْتَانَ قُبَيْلَ الْإِقْرَارِ دُونَ مَا قَبْلَ ذَلِكَ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقٌّ فِيمَا قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْمِلْكُ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهَا حَقٌّ فِيمَا قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ مَعْرِفَةُ قَدْرِ السَّقِيَّةِ فَوَجَبَ النَّظَرُ إلَيْهَا حَالَ الْإِقْرَارِ وَالْإِعْرَاضُ عَنْ النَّظَرِ لِمَا قَبْلَهُ فَانْدَفَعَ ادِّعَاءُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِقَيْدِ مَرْجِعِ الضَّمِيرِ عَلَى أَنَّ هَهُنَا مَانِعًا يَمْنَعُ مِنْ حَمْلِهَا عَلَى الْمَوْجُودَةِ حَالَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهُ إذَا فُرِضَ أَنَّهُ حِينَئِذٍ كَانَ شُرْبُهُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا فَتَصَرَّفَ فِيهَا الْمُشْتَرِي وَجَعَلَ لَهُ عَشَرَةَ قَرَارِيطَ أَوْ زَادَ حَتَّى بَقِيَتْ عِشْرِينَ قِيرَاطًا، ثُمَّ أَقَرَّ فَلَوْ حَمَلْنَا إقْرَارَهُ عَلَى الْمَوْجُودَةِ حَالَ الشِّرَاءِ دُونَ الْإِقْرَارِ لَكَانَ ذَلِكَ مُخَالِفًا لِلْقَاعِدَةِ وَكَلَامِهِمْ إذْ اعْتِبَارُ السَّابِقِ الْمُقْتَضِي وَالْإِعْرَاضِ اللَّاحِقِ الْمَوْجُودِ بَعِيدٌ مَعَ أَنَّ الْأَلْفَاظَ إنَّمَا تُحْمَلُ عَلَى مَدْلُولَاتِهَا حَالَ التَّلَفُّظِ بِهَا وَالْأَذْهَانُ إنَّمَا يَتَبَادَرُ إلَيْهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ حَمْلُهَا عَلَى مَدْلُولِهَا حَالَ التَّلَفُّظِ بِهَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ كَانَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ لَمْ يَكُنْ لَا فِي جَوَابِ دَعْوَى إقْرَارًا قَالُوا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ فِي الْحَالِ بِشَيْءٍ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْقَيْدَ لَغْوٌ خِلَافًا لِمَا فِي السُّؤَالِ؛ لِأَنَّ فَائِدَتَهُ فِي الْبُسْتَانِ تَعْرِيفُهُ وَتَمْيِيزُهُ عَنْ غَيْرِهِ وَفَائِدَةُ رُجُوعِ الضَّمِيرِ فِي سَقِيَّتِهِ لِلْبُسْتَانِ بِذَلِكَ الْقَيْدِ رَبْطُ السَّقِيَّةِ الْمُقَرِّ بِهَا بِذَلِكَ الْبُسْتَانِ الْمُقَيَّدِ إذْ لَوْ حُذِفَ الضَّمِيرُ فَقَالَ وَسُقْيَةُ لَكَانَ إقْرَارًا بِمَجْهُولٍ مُطْلَقٍ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْبُسْتَانِ الْمَذْكُورِ فَوَجَبَ رُجُوعُ الضَّمِيرِ إلَى الْبُسْتَانِ حَتَّى تَرْتَبِطَ السَّقِيَّةُ بِهِ وَمِمَّا يَدُلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَدَرَاهِمُ الْبَلَدِ مَغْشُوشَةٌ أَوْ نَاقِصَةٌ وَتَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ حُمِلَ عَلَى دَرَاهِمِ الْبَلَدِ الْمُتَعَامَلِ بِهَا حَالَةَ الْإِقْرَارِ حَمْلًا عَلَى الْمَعْهُودِ وَلَا نَظَرَ لِدَرَاهِمِهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَمَا ذَكَرْته هُوَ مَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ الصَّوَابُ الْمَنْقُولُ الْمَنْصُوصُ فِي الْمُعَامَلَاتِ؛ وَلِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا زَعَمَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ مِنْ نَقْلِ مَا يُخَالِفُهُ. اهـ. وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ هَذَا أَنَّهُمْ حَمَلُوا الدَّرَاهِمَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى الْمَوْجُودِ حَالَ الْإِقْرَارِ وَأَعْرَضُوا عَنْ الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ وَهِيَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ حَيْثُ أُطْلِقَتْ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ حُمِلَتْ عَلَى دَرَاهِمِ الْإِسْلَامِ وَهِيَ الْوَازِنَةُ الْخَالِصَةُ إلَّا فِيمَا اسْتَثْنَوْهُ فَإِذَا خَالَفُوا الْقَاعِدَةَ تَحْكِيمًا لِلْمَعْهُودِ حَالَ الْإِقْرَارِ حَتَّى حَمَلُوهَا عَلَيْهِ فَأَوْلَى أَنْ تُحْمَلَ السَّقِيَّةُ فِي مَسْأَلَتِنَا عَلَى السَّقِيَّةِ الْمَعْهُودَةِ حَالَ الْإِقْرَارِ وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ رُجُوعَ الضَّمِيرِ لِلْبُسْتَانِ بِقَيْدِهِ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ السَّقِيَّةُ الْمَوْجُودَةُ حَالَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْقَرِينَةَ عَارَضَهَا مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا مِمَّا قَدَّمْنَاهُ وَمِمَّا سَيَأْتِي وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ لَهُ عِنْدِي جَارِيَةٌ أَوْ شَجَرَةٌ فَكَانَتْ الْجَارِيَةُ حَامِلًا وَالشَّجَرَةُ مُثْمِرَةٌ لَمْ يَدْخُلْ الْحَمْلُ وَلَا الثَّمَرَةُ. قَالُوا؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَنَاوَلَانِهِمَا؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ كَمَا مَرَّ وَرُبَّمَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ وَالشَّجَرَةُ لَهُ دُونَ الْحَمْلِ وَالثَّمَرَةِ بِأَنْ كَانَا مُوصًى بِهِمَا فَإِذَا أَخْرَجُوهُمَا لِهَذَا الِاحْتِمَالِ الْبَعِيدِ فَأَوْلَى إخْرَاجُ السَّقِيَّةِ الْمَوْجُودَةِ حَالَ الشِّرَاءِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُقِرَّ تَصَرَّفَ فِيهَا بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ حَالَ كَوْنِ الْبُسْتَانِ عَلَى مِلْكِهِ، ثُمَّ إذَا انْتَقَلَ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أَمْرُهُ مِنْ السَّقِيَّةِ وَوُجُودُهَا حَالَ الْإِقْرَارِ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّهَا الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهَا أَمْرُ هَذَا الْبُسْتَانِ وَأَنَّهَا الَّتِي أَقَرَّ بِهَا دُونَ السَّقِيَّةِ الْمَوْجُودَةِ حَالَ الشِّرَاءِ، ثُمَّ رَأَيْتُ مَا هُوَ أَصْرَحُ فِي مَسْأَلَتِنَا مِمَّا مَرَّ وَهُوَ مَا فِي الْأَنْوَارِ وَغَيْرِهِ حَيْثُ قَالُوا قَالَ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ وَضَابِطُ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُطْلَقِ الْبَيْعِ يَدْخُلُ تَحْتَ الْإِقْرَارِ وَمَا لَا فَلَا إلَّا الثَّمَرَةَ الْمُؤَبَّرَةَ وَالْحَمْلَ وَالْجِدَارَ أَيْ فَإِنَّهَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَلَا تَدْخُلُ فِي الْإِقْرَارِ لِبِنَاءِ الْإِقْرَارِ عَلَى الْيَقِينِ وَبِنَاءِ الْبَيْعِ عَلَى الْعُرْفِ اهـ وَإِذَا تَأَمَّلْت هَذَا الضَّابِطَ وَجَدْته شَامِلًا لِمَسْأَلَتِنَا فَتَكُونُ مَنْقُولَةً إذْ مَا دَخَلَ تَحْتَ كَلَامِهِمْ كَذَلِكَ يَصْدُقُ

عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْقُولُهُمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ وَوَجْهُ شُمُولِهِ لَهَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الْبُسْتَانَ الَّذِي اشْتَرَيْته مِنْ فُلَانٍ وَسَقِيَّتَهُ وَكَانَتْ سَقِيَّتُهُ الْمَوْجُودَةُ وَقْتَ الْبَيْعِ دُونَ تِلْكَ السَّقِيَّةِ السَّابِقَةِ وَهَذَا مِمَّا لَا يَشُكُّ فِيهِ الْمُتَفَقِّهُ فَضْلًا عَنْ الْفَقِيهِ وَقَدْ عَلِمْت مِنْ الضَّابِطِ أَيْضًا أَنَّ الْإِقْرَارَ أَوْلَى بِعَدَمِ التَّنَاوُلِ مِنْ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّا وَجَدْنَاهُ لَا يَتَنَاوَلُ أَشْيَاءَ مَعَ أَنَّ الْبَيْعَ يَتَنَاوَلُهَا فَإِذَا لَمْ يَتَنَاوَلْ الْبَيْعُ شَيْئًا كَانَ الْإِقْرَارُ أَوْلَى بِعَدَمِ تَنَاوُلِهِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى الْيَقِينِ أَيْ: أَوْ الظَّنِّ الْقَوِيِّ لَمَا مَرَّ فَاتَّضَحَ بِمَا ذَكَرْته سِيَّمَا مِنْ هَذَا الضَّابِطِ أَنَّ قَوْلَ الْمُقِرِّ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْمَوْجُودَةَ حَالَ الْإِقْرَارِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُوَافِقَةً لِلسَّقِيَّةِ حَالَ الشِّرَاءِ أَمْ أَنْقَصَ عَنْهَا أَمْ أَزْيَدَ وَسَوَاءٌ أَكَفَتْ السَّقِيَّةُ الْمَوْجُودَةُ حَالَ الْإِقْرَارِ الْبُسْتَانَ أَمْ زَادَتْ عَنْهُ أَمْ نَقَصَتْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) فِي شَخْصٍ اشْتَرَى دَارًا وَقَبَضَهَا، ثُمَّ أَسْكَنَهَا شَخْصًا آخَرَ، ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ أَقَرَّ بِأَنَّ الدَّارَ الْمَذْكُورَةَ مِلْكٌ مِنْ أَمْلَاكِ السَّاكِنِ الْمَذْكُورِ وَصَدَّقَهُ السَّاكِنُ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَزَلْ مُسْتَمِرًّا عَلَى سُكْنَاهُ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ الْمُقِرُّ الْمَذْكُورُ فَادَّعَى بَعْضُ وَرَثَتِهِ أَعْنِي الْمُقِرَّ الْمَذْكُورَ أَنَّ الدَّارَ الْمَذْكُورَةَ حَالَ الْإِقْرَارِ مَبِيعَةٌ لِشَخْصٍ مَعْلُومٍ بَيْعَ عِدَةٍ وَأَمَانَةٍ فَهَلْ تُسْمَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى مِنْ الْوَارِثِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ دَعْوَى الْمُشْتَرِي أَوْ تُسْمَعُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِذَا سُمِعَتْ الدَّعْوَى مِمَّنْ تَسُوغُ لَهُ وَثَبَتَ مَا ادَّعَاهُ فَهَلْ تُنْزَعُ الدَّارُ مِنْ السَّاكِنِ أَوْ لَا وَإِذَا اُنْتُزِعَتْ فَعَادَتْ إلَى الْوَارِثِ بِإِقَالَةٍ أَوْ غَيْرِهَا هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهَا لِلْمُقِرِّ أَوْ لَا وَهَلْ عَوْدُهَا إلَى الْوَارِثِ بِغَيْرِ إقَالَةٍ كَعَوْدِهَا بِهَا أَوْ لَا وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ مُدَّةَ السُّكْنَى بِالدَّارِ الْمَذْكُورَةِ تَلْزَمُ السَّاكِنَ إذَا قُلْتُمْ بِفَسَادِ الْإِقْرَارِ أَمْ لَا.؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ بَيْعُ الْعِدَةِ الْخَالِي عَنْ الشَّرْطِ الْمُفْسِدِ صَحِيحٌ عِنْدَنَا فَلَيْسَ لِلْوَارِثِ الدَّعْوَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مُتَمَحِّضٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْمُشْتَرِي وَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِذَلِكَ فَإِنْ أَثْبَتَ الشِّرَاءَ مِنْ الْوَارِثِ قَبْلَ إقْرَارِهِ انْتَزَعَ الْعَيْنَ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ وَيَلْزَمُهُ لِلْمُشْتَرِي أُجْرَةُ مِثْلِهَا مُدَّةَ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهَا وَهِيَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي وَحَيْثُ عَادَتْ لِلْوَارِثِ فَإِنْ كَانَ مُصَدِّقًا لِلْمُورَثِ فِي إقْرَارِهِ انْتَزَعَهَا الْمُقَرُّ لَهُ مِنْهُ مُطْلَقًا وَإِلَّا فَإِنْ عَادَتْ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ مُورَثِهِ فَإِنْ كَانَ سَبَبُ الْعَوْدِ إلَيْهِ إرْثَهُ كَالْإِقَالَةِ انْتَزَعَهَا مِنْهُ أَيْضًا، لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ مُورَثِهِ أَوَّلًا مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ لَمْ يَنْتَزِعْهَا مِنْهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ تَزَوَّجَ مَجْهُولَةً فَاسْتَلْحَقَهَا أَبُوهُ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ لَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) فِي شَخْصٍ أَقَرَّ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِدَيْنٍ مَثَلًا ثُمَّ بِدَيْنٍ آخَرَ مَثَلًا ثُمَّ بِآخَرَ مُرَتَّبًا مَثَلًا ثُمَّ بِوَقْفٍ سَابِقٍ مَثَلًا ثُمَّ بِهِبَةٍ صَحِيحَةٍ مَقْبُوضَةٍ سَابِقَةٍ مَثَلًا ثُمَّ بِعِتْقٍ سَابِقٍ مَثَلًا ثُمَّ أَوْصَى لِجِهَاتٍ مَثَلًا ثُمَّ دَبَّرَ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ مُرَتِّبًا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ مَثَلًا ثُمَّ بِجِنَايَةٍ مَثَلًا ثُمَّ بِرَهْنٍ وَالْحَالُ أَنَّ التَّرِكَةَ لَمْ تَفِ بِذَلِكَ كُلِّهِ فَمَنْ الْمُقَدَّمُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَوْضِحُوا لَنَا وَصَدَّرَ الْبَعْضَ فِي مَجْلِسٍ وَالْبَعْضَ فِي مَجَالِسَ لَكِنَّهُ مُرَتَّبًا كَمَا ذُكِرَ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّ الدُّيُونَ الْمُقَرَّ بِهَا الْمُتَرَتِّبَةَ تَسْتَوِي كُلُّهَا فِي كَوْنِهَا تَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ فَتُوَزَّعُ عَلَيْهَا إنْ لَمْ تَفِ بِهَا وَلَا يُقَدَّمُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ إلَّا لِمُوجِبٍ آخَرَ. ، وَأَمَّا التَّقَدُّمُ فِي الْإِقْرَارِ فَلَيْسَ مُقْتَضِيًا لِتَقَدُّمِ وَفَاءٍ وَلَا تَعَلُّقٍ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ بِالْوَقْفِ السَّابِقِ عَلَى الْمَرَضِ وَبِالْهِبَةِ الصَّحِيحَةِ الْمَقْبُوضَةِ السَّابِقَةِ عَلَى الْمَرَضِ أَيْضًا وَبِالْعِتْقِ السَّابِقِ عَلَيْهِ أَيْضًا فَهُوَ صَحِيحٌ فَيُخْرَجُ الْمُقَرُّ بِهِ فِي الثَّلَاثَةِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ دَيْنٌ وَلَا تُزَاحِمُهُ وَصِيَّةٌ وَلَا يَحْتَاجُ لِإِجَازَةِ وَرَثَتِهِ وَيَصِحُّ أَيْضًا إقْرَارُهُ بِالْجِنَايَةِ وَالرَّهْنِ فَإِنْ أَقَرَّ بِهِمَا فِي عَبْدٍ مَثَلًا وَقَدَّمَ الْإِقْرَارَ بِالْجِنَايَةِ تَعَلَّقَتْ الْجِنَايَةُ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ الرَّهْنُ إلَّا إنْ عَفَا ذُو الْجِنَايَةِ عَنْهُ وَإِذَا أَوْصَى لِجِهَاتٍ، ثُمَّ دَبَّرَ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ فَهَذِهِ كُلُّهَا تَبَرُّعَاتٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْمَوْتِ وَحُكْمُهَا أَنَّهُ يُسَوَّى بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُتَرَتِّبَةً أَمْ غَيْرَ مُتَرَتِّبَةٍ وَسَوَاءٌ أَكَانَ فِيهَا عِتْقٌ أَمْ لَا لِاشْتِرَاكِهَا فِي وَقْتِ نَفَاذِهَا وَهُوَ وَقْتُ الْمَوْتِ فَسَقَطَ الثُّلُثُ عَلَى الْوَصَايَا وَعَلَى الْمُدَبَّرِينَ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فَقَطْ أَوْ مَعَ الْمِقْدَارِ فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْمُدَبَّرِينَ مِائَةً وَالْوَصَايَا بِمِائَةٍ وَالثُّلُثُ مِائَةٌ عَتَقَ نِصْفُ كُلٍّ مِنْ الْمُدَبَّرِينَ وَكَانَ لِأَرْبَابِ الْوَصَايَا خَمْسُونَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) أَفَاضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ إنْعَامَهُ وَبَلَّغَهُ فِي الدَّارَيْنِ مَرَامَهُ فِي شَخْصٍ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ فِي الْوَقْفِ الْكَائِنِ بِكَذَا وَلَا فِي مَعْلُومِهِ شَيْئًا قَلَّ وَلَا جَلَّ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ لَهُ

فِيهِ حَقًّا حَالَ الْإِقْرَارِ مَثَلًا ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ لَهُ فِيهِ حَقًّا هَلْ يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ وَيَسْقُطُ حَقُّهُ وَهَلْ يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ إذَا عَلِمَ بِهِ أَمْ لَا أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي أَفْتَى بِهِ السُّبْكِيّ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِالْإِقْرَارِ الْمُخَالِفِ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ أَنْ لَا يُكَذِّبَهُ الشَّرْعُ فَإِنْ كَانَ لَهُ احْتِمَالٌ مَا أَخَذْنَا الْمُقَرَّ بِهِ وَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ. وَأَفْتَى غَيْرُهُ بِأَنَّهُ يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَيْ: وَإِنْ خَالَفَ إقْرَارُهُ شَرْطَ الْوَاقِفِ وَقَدْ نَقَلَ الْغَزِّيُّ وَغَيْرُهُ هَذَيْنِ الْإِفْتَاءَيْنِ وَلَمْ يُرَجِّحُوا مِنْهُمَا شَيْئًا وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ تَرْجِيحُهُ هُوَ الثَّانِي وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ لَوْ وَقَفَ دَارًا، ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا لِشَخْصٍ وَصَدَّقَهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ لَمْ يَبْطُلْ الْوَقْفُ بَلْ يَسْقُطُ حَقُّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مِنْ الْغَلَّةِ وَيُصْرَفُ إلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ فَأَفْهَمَ إطْلَاقَهُ صِحَّةَ إقْرَارِهِ بِالنِّسْبَةِ لِسُقُوطِ حَقِّهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ سَوَاءٌ أَخَالَفَ شَرْطَ الْوَاقِفِ وَكَانَ لَهُ احْتِمَالٌ مَا أَمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ احْتِمَالٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ احْتِمَالٌ ظَاهِرًا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ احْتِمَالٌ بَاطِنًا وَالْمُقِرُّ أَعْرَفُ بِنَفْسِهِ فَآخَذْنَاهُ بِإِقْرَارِهِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ الشَّرْعُ حِينَئِذٍ مُكَذِّبًا لِلْإِقْرَارِ خِلَافًا لِمَا ادَّعَاهُ السُّبْكِيّ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ حَيْثُ رَاعَى مَا قُلْنَاهُ لَمْ يَكُنْ مُكَذِّبًا لِلْإِقْرَارِ فَانْدَفَعَ تَعْلِيلُ السُّبْكِيّ بِذَلِكَ هَذَا كُلُّهُ إنْ أَقَرَّ وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّهُ وَقْفٌ فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا وَعُذِرَ بِجَهْلِهِ لَغَا إقْرَارُهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ بَاعَ دَارَ أَبِيهِ فَادَّعَى عَلَى الْمُشْتَرِي أَنَّ الْبَائِعَ كَانَ وَقَفَهَا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً بَطَلَ الْبَيْعُ فَلَوْ أَقَامَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً بِإِقْرَارِ الْمُدَّعِي أَنَّهَا كَانَتْ مِلْكًا لِأَبِيهِ حِينَ بَاعَهَا وَثَمَّ أَطْفَالٌ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ سُمِعَتْ وَبَطَلَتْ دَعْوَى الْوَقْفِيَّةِ فِي نَصِيبِهِ دُونَ نَصِيبِ الْأَطْفَالِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ نَصِيبَ أَوْلَادِهِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ بِإِقْرَارِهِ عَنْ كَوْنِهِ قَيِّمًا لَهُمْ وَيَجُوزُ أَنْ يُنَصِّبَ الْمُقِرُّ مُدَّعِيًا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ قَالَ الْبَغَوِيّ كَمَا قَالَ الْعَبَّادِيُّ وَلَوْ ادَّعَى الْمُقِرُّ جَهْلَهُ بِالْوَقْفِ حَالَ الْإِقْرَارِ صَدَقَ بِيَمِينِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَيَجِبُ الْجَزْمُ بِهِ إذَا دَلَّتْ الْقَرَائِنُ عَلَى صِدْقِهِ بِأَنْ كَانَ طِفْلًا وَقْتَ الْوَقْفِ. اهـ. فَكَلَامُ الْعَبَّادِيِّ وَالْأَذْرَعِيِّ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته فِي مَسْأَلَتِنَا مِنْ إلْغَاءِ إقْرَارِهِ إذَا دَلَّتْ الْقَرَائِنُ عَلَى صِدْقِهِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِمَا ظَهَرَ لَهُ بَعْدَ إقْرَارِهِ لِعُذْرِهِ فَالْحَاصِلُ نُفُوذُ الْإِقْرَارِ مِنْ الْعَالِمِ مُطْلَقًا لَا مِنْ الْجَاهِلِ سِيَّمَا إذَا دَلَّتْ الْقَرَائِنُ عَلَى صِدْقِهِ اهـ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ادَّعَى وَارِثٌ عَلَى وَرَثَةٍ أَنَّ أَبَاكُمْ أَقَرَّ لِي بِأَرْضِ كَذَا الَّتِي تَحْتَ أَيْدِيهمْ فَهَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ عُلَمَاءُ زُبَيْدٍ كَيُوسُفَ الْمُقْرِي وَأَهْلِ عَصْرِهِ وَالْوَجْهُ سَمَاعُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةِ بِالْإِقْرَارِ وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُمْ أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ لِبُطْلَانِ يَدِ مُورَثِهِمْ الَّذِي تَلَقَّوْا عَنْهُ بِإِقْرَارِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) فِي شَخْصٍ قَالَ لَيْسَ لِي عِنْدَ أَوْ مَعَ فُلَانٍ شَيْءٌ هَلْ يَشْمَلُ الْعَيْنَ وَالدَّيْنَ؟ (فَأَجَابَ) الَّذِي قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ فِي لَيْسَ لِي عَلَى فُلَانٍ أَوْ فِي ذِمَّتِهِ شَيْءٌ أَنَّهُ إقْرَارٌ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الدَّيْنِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) فِي امْرَأَةٍ أَعَارَتْ بِنْتَهَا مَصَاغًا وَحُلِيًّا وَفُرُشًا وَأَوَانِيَ وَغَيْرَهَا وَأَقَرَّتْ الْبِنْتُ أَنَّ جَمِيعَ مَا بِيَدِهَا مِنْ حُلِيٍّ وَمَصَاغٍ وَغَيْرِهِمَا وَعَدَّدَتْ أَنْوَاعَ ذَلِكَ مِلْكٌ لِأُمِّهَا وَأَنَّهُ فِي يَدِهَا عَارِيَّةٌ لَا حَقَّ لَهَا فِيهِ وَلَا شَيْءَ مِنْ مَنَافِعِهِ سِوَى بُشْخَانَةٍ وَجَارِيَةٍ اسْمُهَا كَذَا وَلَمْ يَزَلْ جَمِيعُ ذَلِكَ بِيَدِهَا إلَى أَنْ مَاتَتْ فِي عِصْمَةِ زَوْجِهَا فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَمِيعِهِ وَادَّعَى أَنَّهَا زُفَّتْ بِهِ إلَيْهِ وَأَنَّ إقْرَارَهَا لَمْ يَكُنْ إلَّا وَهِيَ فِي عِصْمَةِ زَوْجٍ غَيْرِهِ وَأَنَّ عَلَى وَالِدَتِهَا إثْبَاتَ أَنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ مِلْكٌ لَهَا وَأَنَّهَا اسْتَجَدَّتْ أَمْتِعَةً وَمَصَاغًا بَعْدَ إقْرَارِهَا فَهَلْ تُسْمَعُ دَعَاوِيهِ هَذِهِ جَمِيعُهَا أَوْ بَعْضُهَا وَهَلْ الْمُصَدَّقُ هُوَ أَوْ أُمُّهَا فِي جَمِيعِهَا وَبَعْضِهَا. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إقْرَارُ الْمَرْأَةِ لِأُمِّهَا بِمَا ذُكِرَ صَحِيحٌ مَعْمُولٌ بِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ حَالَ الزِّفَافِ أَمْ بَعْدَهُ أَمْ قَبْلَهُ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ بَالِغَةً عَاقِلَةً مُخْتَارَةً رَشِيدَةً وَدَعْوَى الزَّوْجِ الثَّانِي أَنَّ الْإِقْرَارَ لَمْ يَقَعْ وَهِيَ فِي عِصْمَتِهِ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ يُؤَاخَذُ بِحُكْمِ ذَلِكَ الْإِقْرَارِ وَإِنْ وَقَعَ مِنْهَا وَهِيَ فِي عِصْمَةِ غَيْرِهِ، وَأَمَّا طَلَبُهُ مِنْ الْأُمِّ أَنَّهَا تُثْبِتُ أَنَّ الْأَعْيَانَ الَّتِي مَاتَتْ عَنْهَا هِيَ الَّتِي كَانَتْ مَوْجُودَةً عِنْدَ الْإِقْرَارِ فَهُوَ صَحِيحٌ فَعَلَيْهَا إثْبَاتُ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ تُثْبِتْهُ وَاخْتَلَفَا فِي الْأَعْيَانِ الَّتِي مَاتَتْ عَنْهَا كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا هَلْ كَانَتْ مَوْجُودَةً حَالَ

الْإِقْرَارِ أَمْ لَا صُدِّقَ الزَّوْجُ بِيَمِينِهِ أَخْذًا مِمَّا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ مَا يُنْسَبُ إلَيَّ أَوْ مَا فِي يَدَيَّ لِزَيْدٍ مَثَلًا ثُمَّ نَازَعَهُ زَيْدٌ فِي عَيْنٍ هَلْ كَانَتْ فِي يَدِهِ حِينَئِذٍ صُدِّقَ الْمُقِرُّ بِيَمِينِهِ أَنَّ تِلْكَ الْعَيْنَ لَمْ تَكُنْ فِي يَدِهِ حَالَ الْإِقْرَارِ وَعَلَى الْمُقَرِّ لَهُ الْبَيِّنَةُ وَكَذَا لَوْ قَالَ لَيْسَ لِي مِمَّا فِي يَدَيَّ إلَّا كَذَا وَالْبَاقِي لِزَيْدٍ قَالَ جَمْعٌ وَمِثْلُ الْمُقِرِّ وَارِثُهُ وَلَا يُشْكِلُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ عَنْ الرَّوْضَةِ قَوْلُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي فَتَاوِيهِ لَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ وَمَا فِيهَا لِفُلَانٍ مَثَلًا ثُمَّ مَاتَ وَنَازَعَ وَارِثُهُ الْمُقَرَّ لَهُ فِي بَعْضِ الْأَمْتِعَةِ فَقَالَ الْوَارِثُ لَمْ يَكُنْ هَذَا فِي الدَّارِ يَوْمَ الْإِقْرَارِ وَعَاكَسَهُ الْمُقَرُّ لَهُ صُدِّقَ الْمُقَرُّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ أُقِرَّ لَهُ بِهَا وَبِمَا فِيهَا وَوَجَدْنَا الْمَتَاعَ فِيهَا فَالظَّاهِرُ وُجُودُهُ فِيهَا يَوْمَ الْإِقْرَارِ اهـ. وَكَالْوَارِثِ فِي هَذَا الْمُقِرُّ وَوَجْهُ عَدَمِ اسْتِشْكَالِ هَذَا عَلَى مَا مَرَّ مَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي وَهُوَ أَنَّهُ هُنَا وُجِدَتْ قَرِينَةٌ تُؤَيِّدُ صِدْقَ الْمُقَرِّ لَهُ فَقَوِيَ بِذَلِكَ جَانِبُهُ عَلَى جَانِبِ الْمُقِرِّ فَصُدِّقَ الْمُقَرُّ لَهُ بِيَمِينِهِ لِذَلِكَ مَعَ مُسَاعَدَةِ أَصْلِ الِاسْتِصْحَابِ لِدَعْوَاهُ، وَأَمَّا مُخَالَفَةُ الْبَغَوِيِّ لِلْقَاضِي فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَعِنْدِي لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِأَنَّهُ كَانَ فِي الدَّارِ حَالَةَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَيَّدٍ يَدَّعِي أَنَّ الْمَيِّتَ أَقَرَّ لَهُ بِهَا وَيَحْلِفُ الْوَارِثُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِإِقْرَارِ الْمُورَثِ فَفِيهِ نَظَرٌ كَمَا قَالَهُ الْقَمُولِيُّ فِي جَوَاهِرِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَهُ بِمَا فِي الدَّارِ صَحِيحٌ وَكَلَامُ الْبَغَوِيِّ لَا يَتَأَتَّى إلَّا عَلَى أَنَّ الْإِقْرَارَ بِذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمَذْهَبَ صِحَّتُهُ فَإِنْ قُلْت مُقِرًّا عَلَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي مَا فِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّ جَمِيعَ مَا فِي هَذَا الْبَيْتِ مِلْكُ زَوْجَتِي مَثَلًا ثُمَّ مَاتَ وَأَقَامَتْ بَيِّنَةً بِذَلِكَ فَقَالَ الْوَارِثُ هَذِهِ الْأَعْيَانُ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً عِنْدَ الْإِقْرَارِ حَلَفَ الْوَارِثُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ أَنَّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ وَلَا شَيْءَ مِنْهَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي الْبَيْتِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ وَلَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ سَاكِنَةً مَعَهُ فِي الدَّارِ كَانَ لَهَا أَنْ تَحْلِفَ عَلَى اسْتِحْقَاقِ نِصْفِ هَذِهِ الْأَعْيَانِ، ثُمَّ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ حِصَّتُهَا مِنْ الْمِيرَاثِ مِنْ النِّصْفِ الْآخَرِ قَالَ وَلَا يَكْفِي حَلِفُهُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَسْتَحِقُّ هَذِهِ الْأَعْيَانَ إلَّا إذَا لَمْ يُقِمْ الْمُدَّعِي حُجَّةً وَمِنْ ذَلِكَ وَأَطَالَ فِيهِ وَاعْتَمَدَ مَا قَالَهُ الْغَزِّيُّ وَغَيْرُهُ وَجَعَلُوهُ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ يَكْفِي قَوْلُ الْخَصْمِ فِي الْجَوَابِ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا قُلْت مَا قَالَهُ لَا يُشْكِلُ عَلَى كَلَامِ الْقَاضِي إذْ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ عَنْ الرَّوْضَةِ. وَقَدْ عَلِمْت الْفَرْقَ بَيْنَ مَا فِيهَا وَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَلَا نَظَرَ هُنَا إلَى كَوْنِهِ عَيَّنَ الْبَيْتَ نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي كَلَامِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ هُنَا أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ الْبَيْتَ مُقَرًّا بِهِ حَتَّى يَكُونَ مَا فِيهِ تَابِعًا لَهُ فِي الْإِقْرَارِ بِهِ فَلَمْ تَقْوَ حِينَئِذٍ الْقَرِينَةُ مَعَ الْمُقَرِّ لَهُ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ عَنْ الْقَاضِي فَإِنَّهُ جَعَلَ فِيهِ الدَّارَ وَمَا فِيهَا مُقَرًّا بِهِمَا فَاسْتَتْبَعَتْ الدَّارُ مَا فِيهَا حَتَّى يُعْلَمَ خِلَافُهُ فَلِذَا قَوِيَ جَانِبُ الْمُقَرِّ لَهُ وَصُدِّقَ وَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِيمَا لَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ سَاكِنَةً مَعَهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِمْ إذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ وَلَوْ بَعْدَ الْفُرْقَةِ فِي مَتَاعِ الْبَيْت وَلَا بَيِّنَةَ وَلَا اخْتِصَاصَ لِأَحَدِهِمَا بِيَدٍ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا تَحْلِيفُ الْآخَرِ فَإِذَا حَلَفَا جُعِلَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ قَضَى لَهُ كَمَا لَوْ اخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِالْيَدِ وَحَلَفَ وَمِثْلُهُمَا وَارِثَاهُمَا وَوَارِثُ أَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ وَسَوَاءٌ أَصَلُحَ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا فَإِنْ قُلْت إذَا أَقَرَّ بِأَنَّ جَمِيعَ مَا بِيَدِهِ مِلْكُ فُلَانٍ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ. وَمَاتَ فَمَا كَيْفِيَّةُ شَهَادَةِ الشُّهُودِ قُلْت الَّذِي صَرَّحُوا بِهِ أَنَّ كُلَّ مَا عَلِمَ الشُّهُودُ أَنَّهُ كَانَ بِيَدِهِ وَقْتَ إقْرَارِهِ عَلَيْهِمْ أَنْ يَشْهَدُوا بِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ جَمِيعِ مَا فِي السُّؤَالِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلْت) عَنْ رَجُلٍ قَالَ فُلَانٌ أَوْ هَذَا ابْنُ عَمِّي أَوْ وَارِثِي مَثَلًا ثُمَّ مَاتَ الْمُقِرُّ فَهَلْ يَرِثُهُ الْمُقَرُّ بِهِ مُطْلَقًا أَوْ لَا أَوْ فِيهِ تَفْصِيلٌ؟ (فَأَجَبْت) إذَا قَالَ هَذَا ابْنُ عَمِّي وَبَيَّنَ أَنَّهُ ابْنُ عَمٍّ لِغَيْرٍ أَمْ صَحَّ إلْحَاقُهُ لَهُ بِعَمِّهِ بِشُرُوطِهِ الْمُقَرَّرَةِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ ذَكَرًا مُكَلَّفًا مُخْتَارًا وَالْمُقَرُّ بِهِ مَجْهُولُ النَّسَبِ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ رِقٌّ لِلْغَيْرِ وَلَا وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ الْغَيْرِ وَإِنْ نَفَاهُ وَأَنْ يُمْكِنَ كَوْنُهُ وَلَدًا لِلْمُلْحَقِ بِهِ وَهُوَ الْعَمُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَأَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُقَرُّ بِهِ إنْ كَانَ أَهْلًا لِلتَّصْدِيقِ وَأَنْ يَكُونَ الْمُلْحَقُ بِهِ مَيِّتًا وَأَنْ يَكُونَ الْمُقِرُّ وَارِثًا حَائِزًا لِتَرِكَةِ الْعَمِّ الْمُلْحَقِ بِهِ لَوْ قُدِّرَ مَوْتُهُ حِينَ الْإِلْحَاقِ بِهِ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ مَعَ رَدِّ إشْكَالٍ لِابْنِ الرِّفْعَةِ وَغَيْرِهِ أَوْ رَدُّوهُ عَلَى ذَلِكَ. فَإِذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ وَمَاتَ الْمُقِرُّ وَلَا وَارِثَ أَقْرَبَ إلَيْهِ مِنْ هَذَا الْمُسْتَلْحَقِ وَرِثَهُ أَمَّا إذَا قَالَ هَذَا

ابْنَ عَمِّي وَأَطْلَقَ فَلَا يَرِثُ الْمُقَرُّ بِهِ مِنْهُ شَيْئًا لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ ابْنَ عَمٍّ لِأُمٍّ وَإِنْ قَالَ وَارِثِي فَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْهَرَوِيِّ وَالْقَفَّالِ قَالَ الْهَرَوِيُّ فِي إشْرَافِهِ لَوْ أَقَرَّ أَنَّ هَذَا وَارِثُ فُلَانٍ لَا تُقْبَلُ وَلَوْ قَالَ هَذَا وَارِثِي قُبِلَ قَالَ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ حَسَنَةٌ غَرِيبَةٌ لَا يَعْرِفُهَا إلَّا مَنْ تَبَحَّرَ فِي الْفِقْهِ وَقَالَ الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ لَوْ قَالَ فُلَانٌ عَصَبَتِي وَوَارِثِي إذَا مِتُّ مِنْ غَيْرِ عَقِبٍ لَمْ يَكُنْ هَذَا شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ إنْ كَانَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ فَلَا فَائِدَةَ فِي إقْرَارِهِ هَذَا وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ النَّسَبِ فَلَا يَصِحُّ أَيْضًا مَا لَمْ يُفَسِّرْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ بِعَصَبَتِهِ أَنَّهُ أَخُوهُ وَرُبَّمَا يُرِيدُ أَنَّهُ عَمُّهُ أَوْ ابْنُ عَمِّهِ، ثُمَّ بَعْدَ التَّفْسِيرِ يُنْظَرُ فِيهِ فَإِنْ قَالَ هُوَ أَخِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُوَ جَمِيعُ وَارِثِ أَبِيهِ وَإِنْ كَانَ عَمًّا فَيَكُونُ هُوَ وَارِثُ جَمِيعِ مَالِ جَدِّهِ وَإِنْ كَانَ ابْنَ عَمِّهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُوَ وَارِثُ عَمِّهِ فَيَصِحُّ مِنْهُ الْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ عَلَى طَرِيقِ الْخِلَافَةِ عَنْهُ، ثُمَّ الْمِيرَاثُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَلَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ فُلَانٌ ابْنُ عَمِّي وَهُوَ وَلِيِّي فِي النِّكَاحِ وَوَارِثِي إذَا مِتُّ مَثَلًا ثُمَّ مَاتَتْ فَجَاءَهُ يَطْلُبُ مِيرَاثَهَا قَالَ الْقَفَّالُ لَا يَكُونُ لَهُ مِيرَاثُهَا وَلَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ التَّزْوِيجُ إنْ كَانَ قَدْ زَوَّجَهَا؛ لِأَنَّهَا بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ أَلْحَقَتْ نَسَبًا بِجَدِّهَا وَهِيَ لَيْسَتْ بِوَارِثَةٍ جَمِيعَ مَالِ الْجَدِّ فَلَمْ يَصِحَّ التَّزْوِيجُ وَلَا يَرِثُهَا اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ أَوْجَهُ مَعْنًى وَنَقْلًا أَمَّا الْمَعْنَى فَلِأَنَّهُ إذَا قَالَ لِمَجْهُولِ النَّسَبِ هَذَا أَوْ فُلَانٌ وَارِثِي كَانَ مُجْمَلًا غَيْرَ مُبَيَّنٍ فِيهِ جِهَةُ الْإِرْثِ لِشُمُولِهِ لِلْوَارِثِ بِفَرْضٍ أَوْ عَصَبَةٍ وَعَلَى كُلٍّ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَلْحَقَهُ بِنَفْسِهِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ إذَا مِتُّ مِنْ غَيْرِ عَقِبٍ أَوْ بِأَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ أَوْ عَمِّهِ مَثَلًا وَلِإِلْحَاقِهِ بِنَفْسِهِ شُرُوطٌ وَبِغَيْرِهِ شُرُوطٌ مِنْهَا تِلْكَ الشُّرُوطُ وَزِيَادَةُ كَوْنِهِ وَارِثًا حَائِزًا لِتَرِكَةِ الْمُلْحَقِ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَا يَتَحَقَّقُ اسْتِيفَاءُ تِلْكَ الشُّرُوطِ إلَّا مَعَ بَيَانِ جِهَةِ الْإِرْثِ مِنْ بُنُوَّةٍ أَوْ أُخُوَّةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، ثُمَّ يَبْحَثُ عَنْ تِلْكَ الشُّرُوطِ هَلْ وُجِدَتْ فِي هَذَا الِاسْتِلْحَاقِ أَوْ لَا فَكَانَ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ مِنْ الْإِبْهَامِ مَا يُوجِبُ تَعَذُّرَ الْعَمَلَ بِهِ فَوَجَبَ إلْغَاؤُهُ وَإِنْ قَالَ لِمَنْ ذَكَرَ هَذَا عَصَبَتِي كَانَ فِيهِ مِنْ الْإِبْهَامِ الْمَذْكُورِ نَحْوَ مَا تَقَرَّرَ لِشُمُولِهِ الْعَصَبَةَ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ وَمَعَ غَيْرِهِ وَعَلَى التَّنَزُّلِ وَأَنَّ الْمُرَادَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْ إطْلَاقِ الْعَصَبَةِ فَهُوَ شَامِلٌ لِعَصَبَةِ الْبُنُوَّةِ وَالْأُخُوَّةِ وَالْأُبُوَّةِ وَالْعُمُومَةِ وَالْجُدُودَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَعِنْدَ شُمُولِهِ لِتِلْكَ الْجِهَاتِ وَتَرَدُّدِهِ فِيمَا بَيْنَهَا يَتَعَذَّرُ الْعَمَلُ بِهِ فَوَقَعَ لَغْوًا غَيْرَ مُعْتَدٍّ بِهِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ، وَأَمَّا النَّقْلُ فَلِأَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَارِثُ التَّرِكَةِ احْتَاجَ إلَى ذِكْرِ الْوِرَاثَةِ وَجِهَتِهَا مِنْ نَحْوِ بُنُوَّةٍ أَوْ أُخُوَّةٍ فَإِنْ أَقَامَ بَيِّنَةً لَمْ تُسْمَعْ إلَّا إنْ ذَكَرَتْ هَذَيْنِ أَعْنِي الْوِرَاثَةَ أَيْ: كَوْنَهُ وَارِثًا وَبَيَّنَتْ جِهَتَهَا وَقَالَتْ لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا سِوَاهُ وَكَانَتْ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِبَاطِنِ حَالِ مُورَثِهِ بِنَحْوِ صُحْبَةٍ أَوْ جِوَارٍ فَإِنْ لَمْ يَقُولَا لَا نَعْرِفُ لَهُ وَارِثًا سِوَاهُ أَوْ قَالَاهُ وَلَمْ يَكُونَا خَبِيرَيْنِ بِبَاطِنِ الْحَالِ وَكَانَ سَهْمُهُ غَيْرَ مُقَدَّرٍ أَوْ كَانَ مُقَدَّرًا لَكِنْ كَانَ مِمَّنْ يُحْجَبُ لَمْ يُعْطَ شَيْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ حَتَّى يَبْحَثَ الْقَاضِي عَنْ حَالِ مُورَثِهِ فِي الْبِلَادِ الَّتِي سَكَنَهَا أَوْ طُرُقِهَا فَيَكْتُبُ إلَيْهَا أَوْ يَأْمُرُ مَنْ يُنَادِي فِيهَا أَنَّ فُلَانًا قَدْ مَاتَ فَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ فَلْيَأْتِ الْقَاضِيَ فُلَانًا أَوْ يَبْعَثُ إلَيْهِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ أَعْطَاهُ حَقَّهُ بِلَا يَمِينٍ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَإِنْ كَانَ سَهْمُهُ مُقَدَّرًا وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُحْجَبُ أُعْطَى أَقَلَّ فَرْضَيْهِ عَائِلًا بِلَا بَحْثٍ وَأَكْثَرَهُمَا بَعْدَ الْبَحْثِ وَلَوْ قَالَا وَهُمَا غَيْرُ خَبِيرَيْنِ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ لَمْ يَقْدَحْ فِي شَهَادَتِهِمَا وَإِنْ أَخْطَأَ مِنْ جِهَةِ الْقَطْعِ بِهَا مِنْ غَيْرِ تَحَقُّقٍ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا شَهِدَا بِمَا اعْتَقَدَا وَلَمْ يَقْصِدَا الْكَذِبَ وَإِنْ شَهِدَا بِأَنَّهُ ابْنُهُ أَوْ أَخُوهُ مَثَلًا وَلَمْ يَذْكُرَا كَوْنَهُ وَارِثًا نَزَعَ الْمَالَ مِمَّنْ هُوَ بِيَدِهِ وَأُعْطِيَهُ بَعْدَ بَحْثِ الْقَاضِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْجُمْهُورِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ دُونَ مَا قَالَهُ الْهَرَوِيُّ فَتَعَيَّنَ اعْتِمَادُ كَلَامِ الْقَفَّالِ دُونَ كَلَامِ الْهَرَوِيِّ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْهَرَوِيِّ عَلَى مَا إذَا صَدَرَ ذَلِكَ مِنْ فَقِيهٍ عَارِفٍ بِشُرُوطِ الِاسْتِلْحَاقِ وَبِحَقِيقَةِ قَوْلِهِ هَذَا وَارِثِي وَمَا يُشْتَرَطُ لَهُ، ثُمَّ مَاتَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْتَمَلَ حُدُوثُ حَاجِبٍ لِلْمُقَرِّ بِهِ فَحِينَئِذٍ يُقْبَلُ مِنْهُ هَذَا الْإِقْرَارُ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الِاحْتِمَالَاتِ الَّتِي نَظَرَ إلَيْهَا الْقَفَّالُ مُنْتَفِيَةٌ حِينَئِذٍ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي ذَلِكَ الْفَقِيهِ الْمُقِرِّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبُهُ

مُوَافِقًا لِمَذْهَبِ الْحَاكِمِ فِي بَابِ الْإِلْحَاقِ بِالنَّفْسِ وَبِالْغَيْرِ فَإِنَّ تِلْكَ الِاحْتِمَالَاتِ لَا تَنْتَفِي إلَّا عِنْدَ مُوَافَقَةِ مَذْهَبِ الْحَاكِمِ لِمَذْهَبِ الْمُقِرِّ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَإِلَّا فَتِلْكَ الِاحْتِمَالَاتُ قَائِمَةٌ فَلَا يُفِيدُ إقْرَارُهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ الْغَالِبَةَ فِي الْإِقْرَارِ الَّتِي بَنَى عَلَيْهَا الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - غَالِبَ أَحْكَامِهِ أَوْ جَمِيعَهَا أَنَّهُ يَطْرَحُ الشَّكَّ وَيَأْخُذُ بِالْيَقِينِ وَلَا يَسْتَعْمِلُ الْغَلَبَةَ كَمَا نَصَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى ذَلِكَ (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَنْ رَجُلٍ أَقَرَّ لِآخَرَ بِدَيْنٍ وَأَقَرَّ الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّ مَالِي عِنْدَك دَيْنٌ وَلَا بَقِيَّةَ دَيْنٍ وَأَنَّ ابْنَ الصَّلَاحِ أَفْتَى بِتَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ الْمُثْبَتَةِ فَهَلْ يُخَالِفُ مَا ذُكِرَ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنِّي أَسْتَحِقُّ عَلَيْك أَلْفًا فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِي بَيِّنَةٌ أَنَّك أَقْرَرْت أَنَّ مَا لِي عِنْدَك دَعْوَى فَإِنَّهَا تُقَدَّمُ وَيُبْطِلُ دَعْوَاهُ أَمْ لَا وَمَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّ عِبَارَةَ ابْنِ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ رَجُلٌ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِدَيْنٍ مَعْلُومٍ وَأَقَرَّ الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْمُقِرِّ دَيْنًا وَلَا بَقِيَّةَ دَيْنٍ. وَالْإِقْرَارَانِ جَمِيعًا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَيِّنَ أَيَّهُمَا قَبْلُ فَبِأَيِّهِمَا يُعْمَلُ وَهَلْ يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِالدَّيْنِ أَجَابَ يُحْكَمُ بِبَيِّنَةِ الْإِقْرَارِ الْمُثْبِتَةِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ بِهِ شَغْلٌ إذْ لَوْلَاهُ لَجَعَلْنَا إقْرَارَ الْمُقَرِّ لَهُ تَكْذِيبًا لِلْمُقِرِّ وَلَا يُصَارُ إلَى ذَلِكَ بِالِاحْتِمَالِ وَإِذَا ثَبَتَ أَصْلُ الشُّغْلِ وَالْقَوْلِ بِتَصْدِيقِ الْإِقْرَارَيْنِ مَعًا فَلَا يُصَارُ إلَى تَصْدِيقِهِمَا بِتَقْدِيرِ تَأْخِيرِ الْإِقْرَارِ النَّافِي عَنْ الْإِقْرَارِ الْمُثْبِتِ بِنَاءً عَلَى احْتِمَالِ طَرَيَان الْبَرَاءَةِ وَالْإِسْقَاطِ فَإِنَّا لَا نَتْرُكُ أَصْلَ الشَّغْلِ بِاحْتِمَالِ تَعَقُّبِ الْمُسْقِطِ فَتَعَيَّنَ تَصْدِيقُهُمَا بِتَقْدِيرِ وُقُوعِ الْإِقْرَارِ النَّافِي قَبْلَ الْإِقْرَارِ الْمُثْبِتِ فَإِذَا ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ هَذَا فَذَلِكَ مَقْبُولٌ. اهـ. كَلَامُ ابْنِ الصَّلَاحِ وَيُنَازِعُ فِيهِ أُمُورٌ مِنْهَا قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا نَقْلًا عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ وَأَقَرُّوهُ لَوْ أَقَامَ شَاهِدًا بِأَلْفٍ ادَّعَاهُ لِيَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَأَقَامَ خَصْمُهُ شَاهِدًا بِإِقْرَارِهِ أَنْ لَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ شَاهِدِهِ وَسَقَطَتْ دَعْوَى الْمُدَّعِي؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ. اهـ. فَأَصْلُ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ هُنَا اقْتَضَى تَرْجِيحَ الشَّاهِدِ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهِ فَقُدِّمَ عَلَى الشَّاهِدِ بِشَغْلِ الذِّمَّةِ بِالْأَلْفِ فَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ ابْنِ الصَّلَاحِ يَنْبَغِي أَنْ تُقَدَّمَ الْبَيِّنَةُ النَّافِيَةُ عَلَى الْمُثْبِتَةِ لِاعْتِضَادِ الْأُولَى بِأَصْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَقَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ إنَّهُ يَثْبُتُ بِالْمُثْبِتَةِ شَغْلُ ذِمَّتِهِ يُرَدُّ بِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهَا ذَلِكَ إلَّا مَعَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ لَهَا، وَأَمَّا عِنْدَ وُجُودِ النَّافِيَةِ الْمُعَارِضَةِ لَهَا فَلَا يَتَحَقَّقُ شَغْلُ ذِمَّتِهِ وَحِينَئِذٍ فَتُقَدَّمُ النَّافِيَةُ لِاعْتِضَادِهَا بِالْأَصْلِ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تَرْكُ أَصْلِ الشَّغْلِ بِاحْتِمَالِ تَعْقِيبِ الْمُسْقِط خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ طَرَفَيْ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ هُنَا مُحْتَمَلٌ فَإِذَا وُجِدَ مُرَجِّحٌ لِأَحَدِهِمَا عُمِلَ بِهِ وَالْمُرَجِّحُ مَوْجُودٌ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّفْيِ لَا لِلْإِثْبَاتِ فَلْيُقَدَّمْ طَرَفُ النَّفْيِ عَلَى الْإِثْبَاتِ لِاعْتِضَادِهِ وَعَدَمِ اعْتِضَادِ مُقَابِلِهِ فَإِنْ قُلْت يُمْكِن الْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الشَّيْخَيْنِ وَمَسْأَلَةِ ابْنِ الصَّلَاحِ بِأَنَّ مَسْأَلَتَهُ فِيهَا حُجَّةٌ تَامَّةٌ فِي كُلٍّ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فَكَانَ أَصْلُ الشَّغْلِ مُحَقَّقًا وَيَلْزَمُ مِنْ تَحَقُّقِهِ انْتِفَاءُ أَصْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ فَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ فِي مَسْأَلَتِهِ، وَأَمَّا مَسْأَلَتُهُمَا فَلَيْسَ فِيهَا حُجَّةٌ تَامَّةٌ بَلْ بَعْضُهَا فَلَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهَا شَغْلٌ فَنَظَرُوا حِينَئِذٍ إلَى أَصْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَجَعَلُوهُ مُرَجِّحًا لِطَرَفِ النَّفْيِ الْمُوَافِقِ لَهُ دُونَ طَرَفِ الْإِثْبَاتِ الْمُخَالِفِ لَهُ قُلْت هَذَا الْفَرْقُ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُتَخَيَّلَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فَإِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ يَرْجِعُ إلَى الْفَرْقِ بِالصُّورَةِ دُونَ الْمَعْنَى وَهُوَ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ الْمُثْبِتَةَ فِي مَسْأَلَتِهِ لَمَّا عَارَضَتْهَا الْبَيِّنَةُ النَّافِيَةُ لَمْ يَبْقَ حِينَئِذٍ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ لِمَا تَقَرَّرَ أَوَّلًا مِنْ وُجُودِ الْمُعَارِضِ لَهَا وَاعْتِضَادِهِ بِالْأَصْلِ دُونَهَا فَسَاوَتْ حِينَئِذٍ الشَّاهِدَ وَحْدَهُ فِي مَسْأَلَةِ الشَّيْخَيْنِ فَكَمَا رَجَّحَا النَّافِيَ عَلَى الْمُثْبِتِ لِمَا مَرَّ كَذَلِكَ يَنْبَغِي تَرْجِيحُ النَّافِيَةِ عَلَى الْمُثْبِتَةِ فِي مَسْأَلَتِهِ لِذَلِكَ وَمِنْهَا أَنَّ الْأَذْرَعِيَّ نَازَعَهُ فِيمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِ شُرَيْحٍ فِي رَوْضَتِهِ إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالْمَالِ وَأُخْرَى بِالْإِبْرَاءِ مِنْهُ فَبَيِّنَةُ الْإِبْرَاءِ أَوْلَى إنْ أُطْلِقَتَا وَإِنْ وُقِّتَتَا فَالْمُتَأَخِّرَةُ وَإِنْ أُطْلِقَتْ بَيِّنَةٌ وَأُرِّخَتْ بَيِّنَةٌ فَبَيِّنَةُ الْبَرَاءَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْعَلَ كَمَا لَوْ ذَكَرْنَا وَقْتًا وَاحِدًا فَيَتَعَارَضَانِ. اهـ. كَلَامُ شُرَيْحٍ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: عَقِبَهُ وَهَذَا قَدْ يُنَازِعُ فِيمَا ذَكَرَهُ أَبُو عَمْرٍو - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ. وَمُنَازَعَتُهُ فِيهِ ظَاهِرَةٌ سِيَّمَا مَا ذَكَرَهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَإِنَّ

قِيَاسَ مَا قَالَهُ أَبُو عَمْرٍو أَنَّ بَيِّنَةَ الْمَالِ مُقَدَّمَةٌ؛ لِأَنَّهُ تَحَقَّقَ بِهَا شَغْلُ الذِّمَّةِ فَلَا يُتْرَكُ ذَلِكَ بِاحْتِمَالِ تَعْقِيبِ الْمُسْقِطِ وَهُوَ الْإِبْرَاءُ وَإِذَا لَمْ يَنْظُرْ شُرَيْحٌ إلَى ذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِهِ فَلَا يُنْظَرُ إلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ أَبِي عَمْرٍو فَإِنْ قُلْت يُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْهِمَا بِأَنَّ مَسْأَلَةَ أَبِي عَمْرٍو فِيهَا إقْرَارَانِ مُتَعَارِضَانِ لَا يَسْتَدْعِي أَحَدُهُمَا قِدَمَ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِعَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ لَا يَسْتَدْعِي وُجُودَ شَيْءٍ مُسْتَحَقٍّ أُقِرَّ بِانْتِفَائِهِ بَلْ كَثِيرًا مَا يَصْدُرُ هَذَا مِمَّنْ لَا دَيْنَ لَهُ وَلَا حَقَّ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ شُرَيْحٍ فَإِنَّ الْإِبْرَاءَ يَسْتَلْزِمُ مُبَرَّأً مِنْهُ فَتَكُونُ الشَّهَادَةُ بِهِ مُتَأَخِّرَةً عَنْ الشَّهَادَةِ بِالْمَالِ فَلِذَا قُدِّمَتْ عِنْدَ الْإِطْلَاق بَيِّنَةُ الْإِبْرَاءِ؛ لِأَنَّهَا مُتَأَخِّرَةٌ فَتَقْدِيمُهَا لِاعْتِضَادِهَا بِمَا ذُكِرَ مُسْتَلْزِمٌ لِتَأَخُّرِهَا عَنْ شَغْلِ الذِّمَّةِ وَرَفْعِهَا لِمَا اشْتَغَلَتْ بِهِ وَلَا كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ أَبِي عَمْرٍو قُلْت يُرَدُّ ذَلِكَ بِأَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ كَثِيرًا مَا يَصْدُرُ ذَلِكَ مِمَّنْ لَا حَقَّ لَهُ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْإِبْرَاءِ لَكِنَّ ذَلِكَ لَا يَرْفَعُ احْتِمَالَ تَقَدُّمِ الْإِبْرَاءِ مِنْ دَيْنٍ آخَرَ أَوْ لَا مِنْ دَيْنٍ بِالْكُلِّيَّةِ عَلَى ثُبُوتِ الْمَالِ الشَّاهِدَةُ بِهِ الْبَيِّنَةُ الْمُعَارِضَةُ لِبَيِّنَةِ الْإِبْرَاءِ فَلَيْسَ تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الْإِبْرَاءِ لِذَلِكَ فَحَسْبُ وَإِنْ تُوُهِّمَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ شُرَيْحٍ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْوُجُوبِ بَلْ لِكَوْنِهَا اعْتَضَدَتْ بِأَصْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ تَقْدِيمَ بَيِّنَةِ الْإِبْرَاءِ لَهُ سَبَبَانِ اسْتِلْزَامُهَا أَنَّهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ، وَاعْتِضَادُهَا بِأَصْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ فَيُقَاسُ عَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ النَّافِيَةُ فِي مَسْأَلَةِ أَبِي عَمْرٍو لِاعْتِضَادِهَا بِذَلِكَ الْأَصْلِ وَإِنْ انْتَفَى عَنْهَا السَّبَبُ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي النَّظَرُ إلَيْهِ مُسْتَقِلًّا؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ اسْتَلْزَمَتْ ذَلِكَ لَكِنَّ هَذَا الِاسْتِلْزَامَ لَا يَقْتَضِي تَقْدِيمَهَا إلَّا إذَا كَانَتْ تَسْتَلْزِمُ أَنَّهَا بَعْدَ وُجُوبِ ذَلِكَ الْمَالِ الَّذِي شَهِدَتْ بِهِ الْأُولَى بِخُصُوصِهِ وَوَاضِحٌ أَنَّهَا لَا تَسْتَلْزِمُ هَذَا الْخَاصَّ فَكَانَ الْأَوْلَى تَعْلِيلُ تَقْدِيمِهَا بِاعْتِضَادِهَا بِأَصْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ فَإِنْ قُلْت بَلْ يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ الْخَاصُّ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ غَيْرِهِ وَالْإِبْرَاءُ مِنْهُ قُلْت وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي اسْتِلْزَامَهُ بِخُصُوصِهِ، وَإِنَّمَا يُشِيرُ إلَيْهِ لَكِنْ لَمَّا اعْتَضَدَتْ تِلْكَ الْإِشَارَةُ بِأَصْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ اقْتَضَتْ تَرْجِيحَ بَيِّنَةِ الْإِبْرَاءِ وَكَذَلِكَ الْبَيِّنَةُ النَّافِيَةُ فِي مَسْأَلَةِ أَبِي عَمْرٍو وَاعْتَضَدَتْ بِذَلِكَ الْأَصْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ آخَرُ يُعَضِّدُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ بِهِ وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ لَوْ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ غَيْرِهِ فَقَالَ اشْتَرَيْتهَا مِنْ زَيْدٍ وَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِ زَيْدٍ لَهُ بِهَا قَبْلَ الْبَيْعِ وَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِهَا لِزَيْدٍ قَبْلَهُ وَجُهِلَ التَّارِيخُ. أُقِرَّتْ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اهـ. وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ تَارِيخَ الْبَيِّنَتَيْنِ لَمَّا انْبَهَمَ تَعَارَضَتَا فَتَسَاقَطَتَا وَبَقِيَ الْأَصْلُ الْمُحَقَّقُ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي وَضْعِ الْيَدِ أَنْ يَكُونَ بِحَقٍّ وَأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ حَتَّى يَثْبُتَ مَا يَرْفَعُهُ وَحِينَئِذٍ فَقِيَاسُ هَذَا فِي مَسْأَلَةِ أَبِي عَمْرٍو أَنْ يُقَالَ إنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ لَمَّا انْبَهَمَ تَارِيخُهُمَا تَعَارَضَتَا فَتَسَاقَطَتَا وَبَقِيَ الْأَصْلُ الْمُحَقَّقُ وَهُوَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ هَذَا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْأَمْرِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي مِنْ تَقْدِيمِ الْبَيِّنَةِ النَّافِيَةِ إلَّا أَنَّ مَآلَ هَذَا وَذَيْنَك إلَى عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْمُدَّعِي وَبَرَاءَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَانْتَفَتْ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِنْ حَيْثِيَّةٍ أُخْرَى كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُقَالُ لِأَبِي عَمْرٍو إمَّا أَنْ تَنْظُرَ إلَى أَنَّ لِإِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ مُرَجِّحًا فَهُوَ لِلنَّافِيَةِ فَقَطْ وَإِمَّا أَنْ تَنْظُرَ إلَى أَنْ لَا مُرَجِّحَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ يَقْتَضِي بَرَاءَةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَعَدَمَ ثُبُوتِ شَيْءٍ فِي جِهَتِهِ. ، وَأَمَّا دَعْوَى أَنَّ الْأَصْلَ شَغْلُ ذِمَّتِهِ وَأَنَّ هَذَا مُرَجِّحٌ لِلْبَيِّنَةِ الْمُثْبِتَةِ فَهَذَا مَحَلُّ النَّظَرِ وَالنِّزَاعِ؛ لِأَنَّا إنْ سَلَّمْنَاهُ قُلْنَا عَارَضَهُ أَصْلُ الْبَرَاءَةِ الْمُرَجِّحُ لِلنَّافِيَةِ وَإِنْ مَنَعْنَاهُ نَظَرًا إلَى مُعَارِضِهِ قُلْنَا فَيَتَسَاقَطَانِ وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ يَقْتَضِي بَرَاءَةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا تَقَرَّرَ وَمِنْهَا مَا أَفْتَى بِهِ أَبُو عَمْرٍو وَنَفْسُهُ فِيمَا إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ مَالِكَ هَذِهِ الدَّارِ رَهَنَهَا مِنْ فُلَانٍ وَأَقْبَضَهَا فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِمِائَةٍ مَثَلًا وَأَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِهَا سَنَةَ تِسْعٍ وَلَمْ يَذْكُرُوا شَهْرًا مِنْ أَنَّهُمَا يَتَعَارَضَانِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ أَنَّ صِحَّةَ الرَّهْنِ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ فَيَتَسَاقَطَانِ فَلَا يَثْبُتُ الرَّهْنُ وَلَا الْإِقْرَارُ. اهـ. فَكَمَا حُكِمَ بِالتَّعَارُضِ هُنَا وَلَمْ يُنْظَرْ إلَى أَنَّ الْبَيِّنَةَ الْمُثْبِتَةِ لِلرَّهْنِ تَحَقَّقَ بِهَا شُغْلُ الْعَيْنِ وَشَكَكْنَا فِي تَقَدُّمِ الْإِقْرَارِ الشَّاهِدِ بِهِ الْبَيِّنَةُ الْأُخْرَى وَتَأَخُّرِهِ عَنْهُ فَلَا يَسْقُطُ أَعْنِي الرَّهْنَ بِالِاحْتِمَالِ فَكَانَ قِيَاسُ

مَا قَالَهُ هُنَا مِنْ التَّعَارُضِ أَنْ يَقُولَ بِهِ فِي مَسْأَلَتِهِ السَّابِقَةِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ يَقُولُ فِي الْأُولَى بِتَقْدِيمِ الْمُثْبِتَةِ وَيَقُولُ هُنَا بِالتَّعَارُضِ فَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ أَيْ نَظَرٌ لِاسْتِوَاءِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَمَجِيءِ نَظِيرِ مَا عَلَّلَ بِهِ تِلْكَ فِي هَذِهِ حَرْفًا بِحَرْفٍ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مُتَأَمِّلٍ وَيَلْزَمُ مِنْ مَجِيءِ عِلَّتِهِ الَّتِي قَالَهَا، ثُمَّ هُنَا اسْتِوَاؤُهُمَا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ. فَعُدُولُهُ عَنْهُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ مَعَ اتِّحَادِهِمَا فِي الْعِلَّةِ يَقْدَحُ فِيمَا قَالَهُ فِي تِلْكَ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الْوَجْهَ نَظِيرُ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ مِنْ تَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ، ثُمَّ أَيْضًا وَبَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) (- رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَنْ امْرَأَةٍ سَاكِنَةٍ فِي بَيْتٍ اسْتَأْجَرَهُ زَوْجُهَا قَالَ لَهَا الْمَالِكُ إنَّك وَجَدْت فِي الدَّارِ كِيسًا لِمُوَرِّثِنَا ضِمْنُهُ عَشْرَةُ آلَافِ دِينَارٍ فَأَجَابَتْ بِأَنَّهَا لَمْ تَجِدْ إلَّا أَلْفَ دِينَارٍ فَهَلْ هَذَا الْإِقْرَارُ مُعْتَبَرٌ فَيَلْزَمُهَا مَا أَقَرَّتْ بِهِ لِمَالِك الدَّارِ وَهَلْ يُقْبَلُ تَفْسِيرُهَا لِلدِّينَارِ بِغَيْرِ مَفْهُومِهِ الشَّرْعِيِّ وَهَلْ الْيَدُ عَلَى الدَّارِ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَمْ لِلْمَالِكِ وَهَلْ فِي ذَلِكَ إقْرَارٌ بِمَجْهُولٍ وَعَلَى تَقْدِيرِهِ فَمَا الَّذِي يَلْزَمُهَا وَهَلْ عَدَمُ تَعْيِينِهَا بِمَحَلٍّ مَخْصُوصٍ فِي الدَّارِ يُوجِبُ عَدَمَ اعْتِبَارِ مُؤَاخَذَتِهَا بِالْإِقْرَارِ. وَهَلْ إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِصُورَةِ مَا أَقَرَّتْ بِهِ هَلْ الشَّهَادَةُ صَحِيحَةٌ أَمْ لَا وَإِذَا لَمْ يَسْتَفْسِرْهَا الْحَاكِمُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ، ثُمَّ اسْتَفْسَرَهَا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ يُقْبَلُ تَفْسِيرُهَا أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِمَا صُورَتُهُ إنْ كَانَتْ صِيغَةُ إقْرَارِهَا لَمْ أَجِدْ لَهُ إلَّا أَلْفَ دِينَارٍ كَانَ إقْرَارًا مُعْتَبَرًا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَقُلْ لَهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَغْوًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ قَالَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ فِي جَوَابِهِ خُذْهُ أَوْ لَسْت مُنْكِرًا أَوْ لَا أُنْكِرُ أَوْ قَالَ أَظُنُّ أَوْ أَحَسَب أَوْ أُقَدِّرُ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا لِاحْتِمَالِهِ غَيْرَ الْإِقْرَارِ أَيْضًا وَالْأَصْلُ فِي الْإِقْرَارِ الْعَمَلُ بِالْيَقِينِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. قَالُوا وَلَوْ قَالَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ غَيْرَ عَشْرَةِ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا أَيْضًا وَلَوْ قَالَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ مَعَ مِائَةِ لَمْ تَجِبْ الْأَلْفُ وَلَا الْمِائَةُ فَهَذَا كُلُّهُ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته وَإِذَا قُلْنَا الْإِقْرَارُ صَحِيحٌ لَمْ يُقْبَلْ تَفْسِيرُهَا لِلدِّينَارِ بِغَيْرِ مَفْهُومِهِ الشَّرْعِيِّ إلَّا إنْ وَصَلْته بِهِ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ إقْرَارٌ بِمَجْهُولٍ وَالْيَدُ عَلَى الدَّفِينِ الَّذِي فِي الدَّارِ لِلْمُسْتَأْجِرِ بِاتِّفَاقِ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ إلَّا الْمُزَنِيَّ وَغَلَّطُوهُ بِأَنَّ الدَّارَ وَمَا فِيهَا فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ قَالُوا لَكِنَّ مَحَلَّ تَصْدِيقِ الْمُسْتَأْجِرِ إنْ اُحْتُمِلَ صِدْقُهُ وَلَوْ عَلَى بُعْدٍ فَأَمَّا إذَا لَمْ يُحْتَمَلْ لِكَوْنِ مِثْلِهِ لَا يُحْتَمَلُ دَفْنُهُ فِي مُدَّةِ يَدِهِ فَالْمُصَدَّقُ الْمَالِكُ بِلَا خِلَافٍ هَذَا كُلُّهُ إذَا وُجِدَ الدَّفِينُ وَالدَّارُ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ أَمَّا لَوْ وُجِدَ بَعْدَ عَوْدِهَا إلَى الْمَالِكِ فَإِنْ قَالَ الْمَالِكُ أَنَا دَفَنْته بَعْدَ عَوْدِ الدَّارِ إلَيَّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ بِشَرْطِ الْإِمْكَانِ وَإِنْ قَالَ كَانَ مَدْفُونًا قَبْلَ وَضْعِ الْمُسْتَأْجِرِ يَدَهُ صُدِّقَ الْمُسْتَأْجِرُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ اعْتَرَفَ بِحُصُولِ الْكَنْزِ فِي يَدِهِ فَيَدُهُ تَفْسَخُ الْيَدَ السَّابِقَةَ وَلِهَذَا لَوْ تَنَازَعَا قَبْلَ الرُّجُوعِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ أَيْ: الْمُسْتَأْجِرِ كَمَا مَرَّ بِتَفْصِيلِهِ ذَكَرَ ذَلِكَ جَمِيعَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَكَذَا هُوَ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَغَيْرِهِمَا وَإِذَا صَحَّ الْإِقْرَارُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ لَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يُعَيِّنَ مَحَلًّا مَخْصُوصًا مِنْ الدَّارِ وَعَلَى الْحَاكِمِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَسَدَّدَهُ أَنْ يَنْظُرَ فِي اللَّفْظِ الَّذِي شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ وَيُحَرِّرَهُ وَيَحْكُمَ بِمُوجِبِهِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَغَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّرْ عِنْدَهُ لَفْظُ الشُّهُودِ بِالْإِقْرَارِ اسْتَعَادَ شَهَادَتَهُمْ وَرَتَّبَ عَلَيْهَا مُقْتَضَاهَا وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَيِّنَةِ حِينَئِذٍ ثَانِيًا كَمَا يُعْلَمُ بِالْأَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْغَزِّيِّ لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ تَعْلِيمُ الشَّاهِدِ كَيْفِيَّةَ الشَّهَادَةِ فَلَوْ فَعَلَ وَأَدَّى الشَّاهِدُ بِتَعْلِيمِهِ اُعْتُدَّ بِذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) هَلْ يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِقْرَارِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَمَّا تَعْلِيقُ الْإِقْرَارِ فَلَا يَصِحُّ كَقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ مَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّأْجِيلَ وَالْأَصَحُّ وَلَوْ قَالَ مُعْسِرٌ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ إنْ أَيْسَرْت فَإِنْ قَصَدَ التَّعْلِيقَ بَطَلَ أَوْ التَّأْجِيلَ صَحَّ وَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتِفْسَارُهُ صَحَّ عَلَى نِزَاعٍ فِيهِ. (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَمَّا إذَا أَقَرَّ شَخْصٌ لِآخَرَ فِي غَيْبَةِ الْمُقَرِّ لَهُ فَهَلْ يَمْلِكُهُ الْمُقَرُّ لَهُ أَمْ لَا بُدَّ أَنْ يَسْمَعَ مَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَنْ أَقَرَّ لِشَخْصٍ بِشَيْءٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ حَتَّى يَبْلُغَ الْخَبَرُ الْمُقَرَّ لَهُ وَيَرُدُّ الْإِقْرَارَ فَإِنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ عَدَمُ تَكْذِيبِ الْمُقَرِّ لَهُ فَإِنْ كَذَبَ بَطَلَ الْإِقْرَارُ وَإِلَّا صَحَّ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي مِلْكِهِ أَنْ يَسْمَعَ حَتَّى لَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ

يَبْلُغَهُ الْخَبَرُ مَلَّكَهُ وَرَثَتَهُ إنْ لَمْ تُكَذِّبْ الْمُقَرَّ لَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا كَانَ لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ شَرْعِيٌّ بِمُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ ثَابِتٍ مَحْكُومٍ بِهِ فِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ وَلَهُ عَقَارَاتٌ فَمَرِضَ مَرَضًا مَاتَ بِهِ فَأَقَرَّ فِي الْمَرَضِ الْمَذْكُورِ أَنَّ وَلَدَهُ فُلَانًا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْعَقَارَاتِ كَذَا وَابْنَتَهُ تَسْتَحِقُّ كَذَا وَفُلَانًا كَذَا إلَى أَنْ تَصَرَّفَ فِي جَمِيعِ الْعَقَارَاتِ وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا يُوَفَّى بِهِ دَيْنُهُ وَمَاتَ فَهَلْ إقْرَارُ الْمَرِيضِ لِوَلَدِهِ بِعَقَارٍ هُوَ مَعْرُوفٌ بِهِ وَعَلَيْهِ الدَّيْنُ مَانِعٌ لِرَبِّ الدَّيْنِ مِنْ الْمُطَالَبَةِ عَلَى الْوَلَدِ إلَّا كَانَ حَيًّا أَمْ يُحْمَلُ عَلَى تَبَرُّعِ الْمَرِيضِ فِي الْمَرَضِ وَيَكُونُ وَصِيَّةً وَلَا يَسْرِي إلَّا فِي الثُّلُثِ وَلَا يُمْنَعُ رَبُّ الدَّيْنِ مِنْ الْمُطَالَبَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَنَّهُ مَلَّكَ وَارِثَهُ كَذَا وَقَالَ فِي عَيْنٍ عُرِفَ أَنَّهَا كَانَتْ لِلْمَرِيضِ هَذِهِ مِلْكٌ لِوَارِثِي فَلْيُنْزَلْ ذَلِكَ عَلَى حَالَةِ الْمَرَضِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى إقْرَارِ الْمُفْلِسِ بِدَيْنٍ مُطْلَقٍ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمَرِيضَةَ لَوْ أَقَرَّتْ بِإِبْرَاءِ زَوْجِهَا مِنْ الصَّدَاقِ يُنَزَّلُ عَلَى الْإِبْرَاءِ فِي الْمَرَضِ وَلَهُ نَظِيرٌ فِي إقْرَارِ الْوَالِدِ بِمِلْكٍ لِلِابْنِ إذَا لَمْ يُفَسِّرْهُ بِالْهِبَةِ وَالْكَلَامُ فِيهِ مَعْرُوفٌ. اهـ. وَقَدْ اخْتَصَرَ الْبُلْقِينِيُّ كَلَامَ الْقَاضِي وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ فِي الْمَرَضِ أَنَّهَا أَبْرَأَتْ زَوْجَهَا مِنْ صَدَاقِهَا فَفِيهِ الْخِلَافُ فِيمَنْ أَقَرَّ فِي الْمَرَضِ بِأَنَّهُ وَهَبَ لِوَارِثِهِ فِي الصِّحَّةِ أَيْ وَالْأَصَحُّ مِنْهُ الْقَبُولُ ثَمَّ فَكَذَا هُنَا قَالَ وَلَوْ أَطْلَقَ الْمَرِيضُ الْإِقْرَارَ بِالْعِتْقِ حُمِلَ عَلَى عِتْقِهِ فِي الْمَرَضِ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ بِهِبَةِ عَيْنٍ مُطْلَقًا حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ وَهَبَهَا فِي الْمَرَضِ وَيُحْسَبُ مِنْ ثُلُثِهِ وَلَوْ أَطْلَقَتْ الْمَرِيضَةُ أَنَّهَا أَبْرَأَتْ زَوْجَهَا مِنْ صَدَاقِهَا حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ فِي الْمَرَضِ فَلَا يَصِحُّ أَيْ إنْ لَمْ يُجِزْهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ. اهـ. وَالرَّاجِحُ فِي النَّظِيرِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ عِنْدَ النَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِ كَابْنِ الصَّلَاحِ وَالْهَرَوِيِّ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ أَيْ: تَنْزِيلًا عَلَى أَضْعَفِ الْمِلْكَيْنِ وَأَدْنَى السَّبَبَيْنِ وَهُوَ أَنَّ الْوَلَدَ إنَّمَا مَلَكَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ أَنَّ الْأَبَ وَهَبَهُ لَهُ فَكَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا يُنَزَّلُ الْإِقْرَارُ عَلَى الْأَضْعَفِ وَهُوَ وُقُوعُ التَّمْلِيكِ فِي حَالَةِ الْمَرَضِ حَتَّى يَكُونَ تَبَرُّعًا وَلِلدَّائِنِ رَدُّ التَّبَرُّعِ مَحْسُوبًا مِنْ الثُّلُثِ إنْ كَانَ لِغَيْرِ وَارِثٍ وَإِلَّا وُقِفَ عَلَى إجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ لَكِنْ يُشْكِلُ عَلَى مَا ذُكِرَ عَنْ الْقَاضِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّهُ رَجَّحَ فِي النَّظِيرِ الْمَذْكُورِ مُقَابِلَ مَا مَرَّ عَنْ النَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِ فِيهِ فَقَالَ فِي تَعْلِيقِهِ لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ مِلْكُ ابْنِي وَهِيَ فِي يَدِي أَمَانَةٌ مَثَلًا ثُمَّ ادَّعَى بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ كَانَ لَهُ مَثَلًا ثُمَّ وَهَبَهُ لَهُ مَثَلًا ثُمَّ رَجَعَ فِيهِ وَكَذَّبَهُ الْوَلَدُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلَدِ. اهـ. وَرَجَّحَ هَذَا فِي فَتَاوِيهِ فَقَالَ إنَّهُ الظَّاهِرُ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ يُتَوَهَّمُ بَيْنَ كَلَامَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ تَنَافٍ وَلَا تَنَافِيَ لِظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأُولَى تَأَخُّرُ الْإِقْرَارِ إلَى حَالَةِ الْمَرَضِ فَاعْتَضَدَتْ دَعْوَى وُقُوعِهِ فِيهِ بِذَلِكَ الْأَصْلِ فَقُبِلَتْ وَالْأَصْلُ فِي النَّظِيرِ الْمَذْكُورِ بَقَاءُ مِلْكِ الِابْنِ فَاعْتَضَدَتْ دَعْوَاهُ تَكْذِيبَ الْوَالِدِ بِذَلِكَ الْأَصْلِ فَصُدِّقَ دُونَ الْوَالِدِ؛ لِأَنَّا تَحَقَّقْنَا مِلْكَهُ وَشَكَكْنَا فِي السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِرَفْعِهِ وَهُوَ الْهِبَةُ فَلَمْ يُصَدَّقْ مُدَّعِيهَا وَهَذَا وَإِنْ دَفَعَ التَّنَاقُضَ عَنْ الْقَاضِي إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي اعْتِمَادَ مَا قَالَهُ فِي النَّظِيرِ الْمَذْكُورِ لِمَا مَرَّ مِنْ رَدِّهِ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ يُنَزَّلُ عَلَى أَقَلِّ السَّبَبَيْنِ وَأَضْعَفِهِمَا وَمِنْ ثَمَّ لَمَّا نَقَلَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَنْ الْعَبَّادِيِّ مُوَافَقَةَ الْقَاضِي هُنَا مُتَمَسِّكًا بِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمِلْكِ رَدَّهُ بِأَنَّا نَتَمَسَّكُ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ الْمُطْلَقَ مُنَزَّلٌ عَلَى أَقَلِّ السَّبَبَيْنِ وَأَضْعَفِهِمَا كَمَا يُنَزَّلُ عَلَى أَقَلِّ الْمِقْدَارَيْنِ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ الْقَدِيمِ وَهَذَا الْأَصْلُ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي تَمَسَّكَ بِهِ الْعَبَّادِيُّ فَكَانَ الْأَخْذُ بِهِ أَوْلَى وَلَا يَرُدُّ هَذَا أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ مُطْلَقًا، ثُمَّ فَسَّرَ بِثَمَنٍ مَبِيعٍ لَمْ يَقْبِضْهُ أَوْ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ الْمُطَالَبَةَ وَالْإِلْزَامَ فِي الْحَالِ فَهُوَ مُنَاقِضٌ لِمُوجِبِ قَوْلِهِ عَلَيَّ نَعَمْ يُشْكِلُ عَلَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَوْلُ النَّوَوِيِّ لَوْ وَهَبَ وَأَقْبَضَ وَمَاتَ وَادَّعَى الْوَارِثُ كَوْنَ ذَلِكَ فِي الْمَرَضِ وَادَّعَى الْمُتَّهَبُ كَوْنَهُ فِي الصِّحَّةِ فَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُتَّهَبِ. اهـ. وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْهِبَةِ مَعَ الْقَبْضِ أَنْ تَكُونَ مُسْتَلْزِمَةً لِمِلْكِ الْمُتَّهَبِ فَادِّعَاءُ الْوَارِثِ وُقُوعَهَا فِي الْمَرَضِ فِيهِ مُعَارَضَةٌ لِهَذَا الْأَصْلِ وَرَفْعٌ لَهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ رَفْعِهِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ

وُقُوعُهُ فِي الْمَرَضِ فَصَدَّقْنَا الْمُتَّهَبِ لِذَلِكَ إذْ لَا قَرِينَةَ وَلَا أَصْلَ يَدُلَّانِ عَلَى خِلَافِ دَعْوَاهُ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْقَاضِي فَالْقَرِينَةُ تُصَدِّقُ الْوَارِثَ وَهِيَ وُقُوعُ الْإِقْرَارِ فِي الْمَرَضِ وَكَوْنُ الْعَيْنِ مَعْرُوفَةً بِأَنَّهَا لَهُ إلَى حَالَةِ مَرَضِهِ وَحِينَئِذٍ فَتَنْزِيلُ الْإِقْرَارِ عَلَى حَالَةِ الْمَرَضِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ سَابِقٍ وَيَكْفِي فِي تَحَقُّقِ سَبْقِهِ كَوْنُهُ قَبْلَ وَقْتِ الْإِقْرَارِ بِلَحْظَةٍ فَنُزِّلَ عَلَيْهَا لِلِاعْتِضَادِ بِهَاتَيْنِ الْقَرِينَتَيْنِ الظَّاهِرَتَيْنِ فِي ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى وَبِهَذَا الَّذِي قَرَّرْته يَنْدَفِعُ اعْتِمَادُ الْبُلْقِينِيُّ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ بِخِلَافِ مَا مَرَّ عَنْ النَّوَوِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ وَيَنْدَفِعُ أَيْضًا قَوْلُ الْقَمُولِيِّ مُقْتَضَى كَلَامِ الْقَاضِي تَنْزِيلُ الْإِقْرَارِ فِي مَسْأَلَةِ النَّوَوِيِّ عَلَى الْمَرَضِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ بَعْدَ أَنْ سَاقَ كَلَامَ النَّوَوِيِّ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا لَوْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْوَارِثِ لِزِيَادَةِ عِلْمِهَا وَقَدْ أَفْتَى النَّوَوِيُّ بِتَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْمَرَضِ عَلَى بَيِّنَةِ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ وَالْأُخْرَى مُسْتَصْحِبَةٌ. اهـ. وَبِمَا تَقَرَّرَ اتَّجَهَ كَلَامُ الْقَاضِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الَّتِي هِيَ صُورَةُ السُّؤَالِ وَذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ مَا يُوَافِقُهُ فَقَالَ أَطْلَقُوا الْخِلَافَ أَيْ فِي صِحَّةِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ بِالْعَيْنِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا تَحَقَّقَ مِلْكُهُ لِلْعَيْنِ إلَى حَالَةِ مَرَضِ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِهَا مُطْلَقًا وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ هُوَ عَنْ هِبَةٍ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ عَنْ مُعَاوَضَةٍ لَا مُحَابَاةَ فِيهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمُعَاوَضَةِ وَهِيَ نَظِيرُ الْأَبِ يُقِرُّ لِوَلَدِهِ بِشَيْءٍ، ثُمَّ يُفَسِّرُهُ بِالْهِبَةِ لِيَرْجِعَ فَيُقْبَلُ عَلَى الْأَصَحِّ. اهـ. وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ شَيْخُهُ الْبُلْقِينِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْهَا فَقَالَ فِيهَا شَخْصٌ أَقَرَّ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِأَعْيَانٍ هَلْ يَحْتَاجُ لِإِجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ أَجَابَ إذَا ظَهَرَ مَا يَقْتَضِي صُدُورَ انْتِقَالِ ذَلِكَ عَنْهُ فِي الصِّحَّةِ لِمَنْ ذَكَرَ أَوْ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ بِعِوَضٍ لَا مُحَابَاةَ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ بِهِ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّهُ كَانَ مَالِكَهُ إلَى حَالَةِ الْمَرَضِ الْمَذْكُورِ وَقَالَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ إنَّهُ انْتَقَلَ عَنْهُ فِي الْمَرَضِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بَلْ كَانَ بِعِوَضٍ لَا مُحَابَاةَ فِيهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهُ كَانَ بِغَيْرِ عِوَضٍ بِيَمِينِهِ وَحِينَئِذٍ يَحْتَاجُ إلَى إجَازَةٍ. اهـ. وَفِي الْأَشْرَافِ لِلْهَرَوِيِّ لَوْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ مَثَلًا ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ كَانَ فِي مِلْكِهِ إلَى أَنْ أَقَرَّ بِهِ لَمْ يَصِحَّ الْإِقْرَارُ قَالَ السُّبْكِيّ: وَهَذَا فِي بَيِّنَةٍ وَاحِدَةٍ أَمَّا إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالْإِقْرَارِ وَبَيِّنَةٌ بِالْمِلْكِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يُقَدِّمُ بَيِّنَةَ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَةَ بِالْمِلْكِ تَعْتَمِدُ الظَّاهِرَ. اهـ. وَبِهَذَا يُعْرَفُ أَنَّ مَحَلَّ مَا قَالَهُ الْقَاضِي مِنْ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَتَنْزِيلِهِ عَلَى حَالَةِ الْمَرَضِ مَحَلُّهُ مَا إذَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ كَانَ فِي مِلْكِهِ إلَى أَنْ أَقَرَّ بِهِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِالْإِقْرَارِ وَبَيِّنَةٌ بِالْمِلْكِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْإِقْرَارِ وَنُزِّلَ عَلَى حَالَةِ الْمَرَضِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) بِمَا لَفْظُهُ ذَكَرُوا فِيمَا لَوْ قَالَ بِعْنِي مَا تَدَّعِيه أَنَّهُ يَكُونُ إقْرَارًا فَهَلْ أَجَرَنِي كَذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هُوَ كَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِتَضَمُّنِهِ الْإِقْرَارَ بِالْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ. (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَنْ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ شَرْطُ مُلْحَقِ النَّسَبِ بِغَيْرِهِ أَنْ يَكُونَ وَارِثًا حَائِزًا لِتَرِكَةِ الْمُلْحَقِ بِهِ وَلَوْ بِوَاسِطَةٍ كَأَنْ أُقِرَّ بِعَمٍّ وَهُوَ حَائِزٌ تَرِكَةَ أَبِيهِ الْحَائِزِ تَرِكَةَ جَدِّهِ الْمُلْحَقِ بِهِ فَإِنْ كَانَ مَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ جَدِّهِ فَلَا إلْحَاقَ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَهُوَ يُفْهِمُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْمُقِرِّ وَارِثًا حَائِزًا لِمِيرَاثِ الْمُلْحَقِ بِهِ لَوْ قُدِّرَ مَوْتُهُ حِينَ الْإِلْحَاقِ وَكَلَامُهُمْ يَأْبَاهُ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ مَاتَ مُسْلِمٌ وَتَرَكَ وَلَدَيْنِ مُسْلِمًا وَكَافِرًا مَثَلًا ثُمَّ مَاتَ الْمُسْلِمُ وَتَرَكَ ابْنًا مُسْلِمًا وَأَسْلَمَ عَمُّهُ الْكَافِرُ فَحَقَّ الْإِلْحَاقُ بِالْجَدِّ لِابْنِ ابْنِهِ الْمُسْلِمِ لَا لِابْنِهِ الَّذِي أَسْلَمَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قِيلَ لَكَانَ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ فَمَا الْمُعْتَمَدُ مِنْ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَدُ مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَقَدْ يُجَابُ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ حَقَّ الْإِلْحَاقِ ثَبَتَ لِلِابْنِ الْمُسْلِمِ عَلَى انْفِرَادِهِ، ثُمَّ انْتَقَلَ بِمَوْتِهِ لِابْنِهِ؛ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ لِلْمُورَثِ يَثْبُتُ لِوَارِثِهِ فَطُرُوِّ إسْلَامِ الِابْنِ لَا يَرْفَعُ مَا ثَبَتَ لِابْنِ الْمُسْلِمِ مِنْ حَقِّ الْإِلْحَاقِ فَاخْتَصَّ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُشْرِكَهُ فِيهِ عَمُّهُ لِقِيَامِ الْمَانِعِ بِهِ وَهُوَ الْكُفْرُ حِينَ مَوْتِ أَبِيهِ فَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرُوهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ كَمَا يُعْلَمُ لِمَنْ تَأَمَّلَ مَا ذَكَرْته. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَقَرَّ لِوَلَدِهِ بِدُورٍ بِمَكْتُوبٍ لَكِنَّ صِيغَةَ لَفْظِ الْمَكْتُوبِ وَأَقَرَّ الْمُشْهَدُ

الْمَذْكُورُ أَنَّ الدُّورَ الْمُخَلَّفَةَ عَنْ وَالِدِهِ مِلْكٌ لِوَلَدِهِ فُلَانٍ فَهَلْ هَذَا الْإِقْرَارُ صَحِيحٌ مَعْمُولٌ بِهِ سَوَاءٌ عُلِمَ قَصْدُ الْمُقِرِّ أَوْ جُهِلَ لِمَوْتِهِ مِنْ الْمَرَضِ الَّذِي كَانَ بِهِ حَالَ الْإِقْرَارِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الدَّارُ الَّتِي وَرِثْتهَا مِنْ أَبِي لِفُلَانٍ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا إلَّا أَنْ يُرِيدَ وَوَجْهُهُ مَا فِي كَلَامِهِ مِنْ التَّنَاقُضِ فِيمَا هُوَ كَالْجُمْلَةِ الْوَاحِدَةِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ دَارِي لِفُلَانٍ فَإِنَّهُ لَغْوٌ لِمَا تَقَرَّرَ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنَّ الْإِضَافَةَ فِيهِ لِلسُّكْنَى أَوْ الْمَعْرِفَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْإِضَافَةِ الْمِلْكُ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِلتَّنَاقُضِ. وَاسْتِشْكَالُ الْإِسْنَوِيِّ الْأُولَى بَعْدَ أَنْ نَقَلَهَا عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ بِأَنَّ الْمِلْكَيْنِ فِيهَا لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى وَقْتٍ وَاحِدٍ مَمْنُوعٌ بَلْ تَوَارَدَا عَلَيْهِ بِالْمَعْنَى الَّذِي قَرَّرْته نَعَمْ يُشْكِلُ عَلَى كَلَامِ الْبَغَوِيِّ هَذَا قَوْلُهُ نَفْسَهُ وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الرَّوْضَةِ وَلَوْ قَالَ الدَّارُ الَّتِي تَرَكَهَا أَبِي لِفُلَانٍ بَلْ لِفُلَانٍ سُلِّمَتْ لِلْأَوَّلِ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ الْإِقْرَارِ فَيُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ صِحَّتِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُ تَرَكَهَا أَبِي لَيْسَ فِيهِ إضَافَةُ مِلْكٍ لَهُ صَرِيحًا وَلَا لُزُومًا بِخِلَافِ وَرَثْتهَا مِنْ أَبِي فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي مِلْكِهِ لَهَا بِالْإِرْثِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي الْأَنْوَارِ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْعَيْنُ الْفُلَانِيَّةُ تَرِكَةُ فُلَانٍ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِالْمِلْكِ وَلَا لِوَارِثِهِ بِالْيَدِ قَالَ شَارِحُهُ أَيْ: لِصِدْقِ اللَّفْظِ عَلَى ذَلِكَ وَالْأَصْلُ عَدَمُ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ قَاعِدَةُ الْبَابِ وَهُوَ إلْزَامُ الْيَقِينِ وَإِطْرَاحُ الشَّكِّ اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ تَرَكَهَا أَبِي لَا يَسْتَدْعِي مِلْكَهُ وَلَا مِلْكَ أَبِيهِ لَهَا فَيَصِحُّ إقْرَارُهُ بِهَا مَعَهُ إذْ لَا مَانِع فِيهِ بِخِلَافِ وَرَثْتهَا مِنْ أَبِي لِوُجُودِ الْمَانِعِ وَهُوَ الْإِضَافَةُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلْمِلْكِ الْمُنَافِي لِلْإِقْرَارِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَوْلُ الْمُوَثِّقِ وَأَقَرَّ الْمُشْهَدُ إلَخْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حِكَايَةً لِلَفْظِ كَلَامِ الْمُقِرِّ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ وَأَنْ يَكُونَ عَبَّرَ عَمَّا سَمِعَهُ مِنْهُ بِذَلِكَ بِحَسَبِ مَا أَدَّاهُ إلَيْهِ فَهْمُهُ فَيَرْجِعُ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَتْ الصِّيغَةُ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْهُ الدُّورُ الَّتِي وَرَثْتهَا مِنْ أَبِي لِوَلَدِي فُلَانٍ فَالْإِقْرَارُ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَهُ فَإِنْ تَبَيَّنَ ذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِهِ وَإِلَّا فَهُوَ مَحْكُومٌ بِبُطْلَانِهِ وَكَذَا إنْ كَانَتْ الدُّورُ الْمُخَلَّفَةُ لِي عَنْ وَالِدِي، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الدُّورُ الَّتِي تَرَكَهَا أَوْ خَلَّفَهَا وَالِدِي لِفُلَانٍ فَالْإِقْرَارُ صَحِيحٌ فَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتِفْسَارُ الْمُوَثِّقِ فَقَاعِدَةُ بَابِ الْإِقْرَارِ مِنْ الْعَمَلِ بِالْيَقِينِ مَا لَمْ يَكُنْ اللَّفْظُ نَصًّا أَوْ ظَاهِرًا قَوِيًّا فِي خِلَافِهِ تَقْتَضِي بُطْلَانَ الْإِقْرَارِ الْمَذْكُورِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ لَفْظَ الْمُوَثِّقِ الْمَذْكُورِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَأَقَرَّ إلَخْ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ صَحِيحَيْنِ وَمَعْنَيَيْنِ بَاطِلَيْنِ وَلَيْسَ هُوَ فِي أَحَدِ تِلْكَ الْمَعَانِي أَظْهَرَ مِنْهُ فِي الْآخَرِ فَلَا وَجْهَ لِتَرْجِيحِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ إلَّا بِأَنْ يُقَالَ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُوَثِّقِ أَنَّهُ يَحْكِي لَفْظَ الْمُقِرِّ مِنْ غَيْرِ تَصَرُّفٍ فِيهِ بِزِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ فَحِينَئِذٍ يَتَرَجَّحُ الْعَمَلُ بِهِ فَيَصِحُّ الْإِقْرَارُ إنْ سَلَّمَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الظَّاهِرُ وَأَنَّ مِثْلَ هَذَا الظَّاهِرِ يُرَجَّحُ بِهِ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ وَفِي النَّفْسِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ بَلْ أَشْيَاءُ وَمَيْلُ النَّفْسِ الْآنَ إلَى عَدَمِ الْعَمَلِ بِعِبَارَةِ الْمُوَثِّقِ الْمَذْكُورَةِ لِاحْتِمَالِهَا وَعَدَمِ تَرْجِيحِ بَعْضِ مَعَانِيهَا عَلَى بَعْضٍ بِمُرَجِّحٍ قَوِيٍّ وَمَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ أَئِمَّتِنَا فِي بَابِ الْإِقْرَارِ وَمُبَالَغَتِهِمْ فِي عَدَمِ النَّظَرِ إلَى ظَوَاهِرِ اللَّفْظِ وَتَحَرِّي الْيَقِينِ مَا أَمْكَنَ عُلِمَ صِحَّةُ مَا ذَكَرْته، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ غَابَ فَادَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ شَافِعِيٍّ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّ جَمِيعَ مَا بِيَدِهِ شَرِكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي وَلَمْ يُعَيِّنْ مَا بِيَدِهِ وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ كَذَلِكَ فَهَلْ تُسْمَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ مَعَ الْجَهْلِ؟ (فَأَجَابَ) إذَا وُجِدَتْ شُرُوطُ الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ سُمِعَتْ الدَّعْوَى الْمَذْكُورَةُ وَقُبِلَتْ شَهَادَةُ الْبَيِّنَةِ الْمَذْكُورَةِ، ثُمَّ مَا عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ بِيَدِهِ يَوْمَ الْإِقْرَارِ يَكُونُ شَرِكَةً بَيْنَهُمَا وَمَا لَمْ يُعْلَمْ فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي عَيْنٍ أَوْ أَعْيَانٍ هَلْ كَانَتْ بِيَدِهِ إذْ ذَاكَ يَصْدُقُ الْمُقِرُّ بِيَمِينِهِ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي يَدِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَعَلَى الْمُقِرِّ لَهُ الْبَيِّنَةُ وَمِثْلُهُمَا وَارِثَاهُمَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَمَّا إذَا قَالَ شَخْصٌ ذُو أَوْلَادٍ مَعَهُ فِي بَلَدِهِ لِي وَلَدٌ فِي بَلَدٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا الْإِقْرَارُ فَإِذَا مَاتَ فَلِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَوْلَادِهِ حِصَّةَ وَلَدٍ وَيَحْفَظَهَا إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ الْحَالُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ الْمَذْكُورُ أَخْذًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ أَمَتَانِ فَأَتَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ بِوَلَدٍ فَقَالَ أَحَدُ هَذَيْنِ الْوَلَدَيْنِ ابْنِي فَهَلْ يُوقَفُ مِيرَاثُ ابْنٍ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يُوقَفُ فَكَذَا يُقَالُ فِي صُورَةِ

السُّؤَالِ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا ثَبَتَ دَيْنٌ عَلَى مَيِّتٍ فَأَقَرَّ وَارِثُهُ بِأَعْيَانِ التَّرِكَةِ لِشَخْصٍ فَهَلْ يَصِحُّ إقْرَارُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَصِحُّ كَإِقْرَارِ الْمُفْلِسِ بِالْأَعْيَانِ بَلْ أَوْلَى وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الشَّمْسُ الْجَوْجَرِيُّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ. (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَمَّا إذَا اُسْتُلْحِقَ شَخْصٌ وَصَدَّقَ الْمُسْتَلْحَقُ بِأَنَّهُ أَبُوهُ ثَمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ انْتَسَبَ لِشَرِيفٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِاسْتِلْحَاقِهِ أَوْ وِلَادَتِهِ عَلَى فِرَاشِهِ فَهَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ الثَّانِيَةُ وَلَا بَيِّنَتُهُ نَعَمْ إنْ شَهِدَتْ حِسْبَةٌ بِاسْتِلْحَاقِ الشَّرِيفِ لَهُ فِي صِغَرِهِ قَبْلَ اسْتِلْحَاقِ الثَّانِي سُمِعَتْ وَكَذَا إنْ شَهِدَتْ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَإِنْ قَالَتْ بِعَقْدِ نِكَاحٍ اُشْتُرِطَ تَعَرُّضُهَا لِشُرُوطِهِ. (سُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ أَقَرَّ بِإِقْرَارٍ صُورَتُهُ أَقَرَّ فُلَانٌ أَنَّ فِي ذِمَّتِهِ لِبَنَاتِهِ مَبْلَغًا جُمْلَتُهُ كَذَا وَأَنَّ ذَلِكَ تَرَتَّبَ فِي ذِمَّتِهِ لَهُنَّ بِمُقْتَضَى أَنَّهُ بَاعَ لَهُنَّ أَمَاكِنَ مُخْتَلِفَةً عَنْ وَالِدَتِهِنَّ فُلَانَةَ بِوَادِي كَذَا وَقَبَضَ لَهُنَّ صُرَّا وَمَعَالِيمَ وَأُجْرَةَ بُيُوتٍ وَغِلَالًا وَتَصَرَّفَ فِي ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَالْحَالُ أَنَّ وَالِدَةَ الْبَنَاتِ أَقَرَّتْ لِبَنَاتِهَا أَنَّ جَمِيعَ مَا بِيَدِهَا مِنْ الْعَقَارِ مِلْكٌ لَهُنَّ ثَمَّ تُوُفِّيَتْ الْأُمُّ بَعْدَ وَضْعِ يَدِ وَالِدِهِنَّ عَلَى الْعَقَارِ وَبَاعَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ وَفَاتِهَا وَتَضَمَّنَ هَذَا الْإِقْرَارَ وَغَيْرَهُ مَسْطُورٌ شَرْعِيٌّ وَكَتَبَ عَلَيْهِ حَاكِمٌ شَافِعِيُّ الْمَذْهَبِ ثَبَتَ عِنْدِي ذَلِكَ وَحَكَمْت بِمُوجِبِهِ فَهَلْ يَتَضَمَّنُ حُكْمُ الشَّافِعِيِّ غَيْرَ مَقَاصِدِ الْمَحْكُومِ بِهِ أَوْ يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَى مَقَاصِدِهِ وَإِذَا قُلْتُمْ بِشُمُولِهِ لِلْمَقَاصِدِ وَغَيْرِهَا فَهَلْ يَتَسَلَّطُ عَلَى قَوْلِهِ بَاعَ لَهُنَّ إلَخْ وَيَكُونُ حُكْمًا بِصِحَّةِ مَا تَضَمَّنَهُ هَذَا اللَّفْظُ مِنْ كَوْنِ الْأَمَاكِنِ مُخَلَّفَةً عَنْ وَالِدَتِهِنَّ حَتَّى يَكُونَ لِوَارِثٍ غَيْرِهِنَّ التَّمَسُّكُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَالْمُطَالَبَةُ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ هَذَا الْمُخَلَّفِ. وَإِذَا قُلْتُمْ بِشُمُولِهِ وَأَنَّ لَهُ الْمُطَالَبَةَ فَهَلْ يَكُونُ قَوْلُهُ لَهُنَّ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ بَاعَ فَقَطْ أَوْ بِهِ وَبِقَوْلِهِ مُخَلَّفَةٌ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مَانِعًا لِلْغَيْرِ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِمُقْتَضَى أَنَّهُ لَمْ يَبِعْ إلَّا مَا هُوَ مُخَلَّفٌ لَهُنَّ أَوْ يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَى التَّعَلُّقِ بِقَوْلِهِ بَاعَ وَيَكُونُ قَوْلُهُ مُخَلَّفَةٌ مُطْلَقًا عَنْ التَّقْيِيدِ بِالْجَارِ الْمَذْكُورِ وَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِ شُمُولِ الْحُكْمِ لِلْمَقَاصِدِ فَهَلْ لِحَاكِمٍ آخَرَ أَنْ يَنْظُرَ فِي غَيْرِ الْمَقَاصِدِ وَمَا تَضَمَّنَهُ اللَّفْظُ مِنْ الْأَقَاوِيلِ بِمَا يَقْتَضِيه نَظَرُهُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْوَلِيُّ أَبُو زُرْعَةَ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْحُكْمَ بِمُوجِبِ كَذَا أَوْ بِالْمُوجِبِ فِي كَذَا إذَا صَدَرَ مِنْ الْحَاكِمِ فَقَدْ أَتَى بِصِيغَةٍ شَامِلَةٍ لِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ فَكَأَنَّهُ نَصَّ عَلَى جَمِيعِ الْآثَارِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي تَنَاوُلِهِ الْآثَارَ الْمَقْصُودَةَ وَغَيْرَهَا فَيَتَسَلَّطُ قَوْلُ الْحَاكِمِ وَحَكَمْتُ بِمُوجِبِهِ عَلَى جَمِيعِ مَا سَبَقَهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ بَاعَ لَهُنَّ إلَخْ وَمَعَ شُمُولِهِ لِذَلِكَ وَكَوْنِهِ حُكْمًا بِمَا يَضْمَنُهُ فَلَيْسَ لِوَارِثٍ غَيْرِهِنَّ مُطَالَبَتُهُنَّ مِنْ هَذَا الْمُخْلِف بِمَا يَخُصُّهُ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَيْسَ صَرِيحًا بَلْ وَلَا دَالًّا دَلَالَةً قَوِيَّةً عَلَى أَنَّ الْمُقِرَّ الْمَذْكُورَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى مُخَلَّفِ تِلْكَ الْوَالِدَةِ جَمِيعِهِ وَأَتْلَفَهُ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ وَإِنَّمَا الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الدَّيْنَ الْمُتَرَتِّبَ فِي ذِمَّتِهِ لِبَنَاتِهِ لَهُ أَسْبَابٌ مِنْ جُمْلَتِهَا بَيْعُ أَمَاكِنَ لَهُنَّ مُخَلَّفَةً عَنْ وَالِدَتِهِنَّ فَجَعْلُهُ هَذَا سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ ثُبُوتِ الدَّيْنِ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْ لَهُنَّ إلَّا مَا خَصَّهُنَّ مِنْ مُخَلَّفِهَا وَأَنَّهُ لَمْ يَبِعْ مَا خَصَّ غَيْرَهُنَّ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ وَسِيَاقَهُ يَنْبُو عَنْ بَيْعِهِ مَا خَصَّ غَيْرَهُنَّ عَلَى أَنَّهُ مُحْتَمَلٌ وَاللَّفْظُ الْمُحْتَمَلُ لَا يُعْمَلُ بِهِ فِي الْإِقْرَارِ عِنْدَنَا فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْهُ أَصْلُ مَا أَبْنِي عَلَيْهِ الْإِقْرَارَ أَنْ أَلْزَمَ الْيَقِينَ وَأَطْرَحَ الشَّكَّ وَلَا أَسْتَعْمِلَ الْغَلَبَةَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ أَيْ مَا غَلَبَ عَلَى النَّاسِ وَالْمُرَادُ بِالْيَقِينِ فِي كَلَامِهِ مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ الْقَوِيَّ وَلِهَذَا قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَلَا أَلْزَمَهُ إلَّا ظَاهِرَ مَا أَقَرَّ بِهِ بَيِّنًا وَإِنْ سَبَقَ إلَى الْقَلْبِ غَيْرُ ظَاهِرٍ مَا قَالَ. وَمِنْ هُنَا قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ يَلْزَمُ فِي الْإِقْرَارِ بِالْيَقِينِ وَبِالظَّنِّ الْقَوِيِّ لَا بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ وَالشَّكِّ إذْ الْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ ظُهُورُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ قَوْلَ الْمُقِرِّ مُخَلَّفَةٌ عَنْ وَالِدَتِهِنَّ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ اسْتَوْلَى عَلَى جَمِيعِ مُخَلَّفَاتِهَا وَلَا عَلَى بَعْضِهِ الشَّامِلِ لِحِصَّةِ بَقِيَّةِ بَعِيدٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ بَلْ وَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُلْزِمَ بِهِ ذِمَّةَ الْمَيِّتِ بِشَيْءٍ لِلْوَارِثِ حَتَّى يَطْلُبَهُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيمَا تَقَرَّرَ أَنْ يُعَلَّقَ قَوْلُهُ لَهُنَّ بِمُخَلَّفَةٍ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ بُعْدٍ وَبَيْنَ أَنْ يُعَلَّقَ بِبَاعَ وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْته أَوَّلًا أَنَّهُ لَيْسَ لِحَاكِمٍ مُخَالِفٍ لَلشَّافِعِيِّ

أَنْ يَحْكُمَ بِخِلَافِ مَا شَمِلَهُ حُكْمُهُ بِالْمُوجِبِ فِي شَيْءٍ مِنْ مَقَاصِدِ ذَلِكَ الْمَحْكُومِ بِمُوجِبِهِ وَغَيْرِ مَقَاصِدِهِ مِنْ جَمِيعِ الْآثَارِ، ثُمَّ رَأَيْت مَا يُصَرِّحُ بِمَا ذَكَرْته فِي مُخَلَّفَةٍ عَنْ وَالِدَتِهِنَّ وَهُوَ قَوْلُ الْأَنْوَارِ وَلَوْ قَالَ الْعَيْنُ الْفُلَانِيَّةُ تَرِكَةُ فُلَانٍ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِالْمِلْكِ لِفُلَانٍ وَلَا لِوَارِثِهِ وَيَكُونُ إقْرَارًا بِالْيَدِ قَالَ شَارِحُهُ أَيْ لِصِدْقِ اللَّفْظِ عَلَى ذَلِكَ وَالْأَصْلُ عَدَمُ زِيَادَةٍ عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ قَاعِدَةُ الْبَابِ وَهُوَ إلْزَامُ الْيَقِينِ وَإِطْرَاحُ الشَّكِّ اهـ. وَهَذَا نَصٌّ ظَاهِرٌ بَلْ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ مُخَلَّفَةٌ عَنْ وَالِدَتِهِنَّ لَا يَقْتَضِي الرُّجُوعَ لِلْوَارِثِ عَلَى تَرِكَةِ الْمُقِرِّ بِشَيْءٍ لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إقْرَارٌ بِالْمِلْكِ لَا لِلْوَالِدَةِ وَلَا لِوَارِثِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ أَقَرَّ فِي مَكْتُوبٍ وَصِيَّتَهُ لِوَلَدَيْهِ مَحْمُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ مَثَلًا بِالسَّوِيَّةِ بِمِلْكِ جَمِيعِ الْبُسْتَانِ الْكَبِيرِ الْكَائِنِ بِالْحِجَازِ بِضَيْعَةِ كَذَا وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ أَرْضٍ وَبِنَاءٍ وَأَخْشَابٍ وَفَوَاكِهَ وَسَائِرِ حُقُوقِهِ مِلْكًا شَرْعِيًّا وَأَقَرَّ أَيْضًا لِابْنَتِهِ فَاطِمَةَ مَثَلًا بِمِلْكِ جَمِيعِ الْبُسْتَانِ الصَّغِيرِ الْكَائِنِ بِالْحِجَازِ بِالضَّيْعَةِ الَّتِي بِهَا الْبُسْتَانُ الْكَبِيرُ الْمَذْكُورُ أَعْلَاهُ بِجَمِيعِ حُقُوقِهِ مِنْ سَقِيَّةٍ وَبِنَاءٍ هَذَا صُورَةُ لَفْظِهِ فِي مَكْتُوبٍ وَقَفَهُ، ثُمَّ تُوُفِّيَ إلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ سَقِيَّةِ كُلِّ بُسْتَانٍ مِنْهُمَا مِنْ قَرَارِ الضَّيْعَةِ الْمُسَمَّاةِ أَعْلَاهُ الْكَائِنُ بِهَا الْبُسْتَانَانِ الْمَذْكُورَانِ فَإِذَا كَانَ بِيَدِ الْمُقِرِّ الْمَذْكُورِ سَقِيَّةٌ مَعْلُومَةٌ فِي حَالِ حَيَاتِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا بِمَا شَاءَ فِي الْبُسْتَانَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ هَلْ تُقْسَمُ بَيْنَ الْبُسْتَانَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا كَانَ لِكُلٍّ مِنْ الْبُسْتَانَيْنِ سَقِيَّةٌ مَعْلُومَةٌ مُعْتَادَةٌ حَالَ الْإِقْرَارِ نَزَلَ الْإِقْرَارُ عَلَيْهَا فَلَا يَسْتَحِقُّ مَالِكُ كُلِّ بُسْتَانٍ إلَّا قَدْرَ تِلْكَ السَّقِيَّةِ الْمَعْلُومَةِ الْمُعْتَادَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَادَةً نَزَلَ الْإِقْرَارُ الْمَذْكُورُ عَلَى مَا يَكْفِي كُلًّا مِنْ الْبُسْتَانَيْنِ فَلَا يَسْتَحِقُّ صَاحِبُ كُلِّ بُسْتَانٍ إلَّا قَدْرَ مَا يَكْفِي بُسْتَانَهُ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ عَبَّرَ فِيهِمَا بِقَوْلِهِ وَسَائِرُ أَوْ جَمِيعُ حُقُوقِهِ وَالْحَقُّ إنَّمَا يَنْصَرِفُ لِمَا ذَكَرْته مِنْ التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ تَفَقُّهًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ امْرَأَةٍ بَغِيٍّ رُمِيَتْ بِابْنِهَا بِزِنًا فَنَفَاهُ فَنَفَاهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ مَعَهَا نِكَاحٌ وَلَا وَطْءٌ مَثَلًا ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ قَالَ هَذَا وَلَدِي جَاهِلًا بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْ هَذَا الْإِقْرَارِ لِجَهْلِهِ وَهَلْ لَوْ قَالَ لِمَجْهُولِ الْأَبِ هَذَا وَلَدِي عَلَى سَبِيلِ الشَّفَقَةِ يَلْحَقُهُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَفْيُهُ الْأَوَّلُ لَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ اسْتِلْحَاقِهِ فَيَلْحَقُهُ بِقَوْلِهِ هَذَا وَلَدِي حَيْثُ وُجِدَتْ شُرُوطُ الِاسْتِلْحَاقِ وَإِنْ جَهِلَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ نَفْيَهُ الْأَوَّلَ يَمْنَعُ مُؤَاخَذَتَهُ بِإِقْرَارِهِ الثَّانِي كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ وَحِينَئِذٍ فَرُجُوعُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَوِفَاقًا لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْعِمْرَانِيِّ وَصَاحِبِ الِانْتِصَارِ وَالْفَارِقِيِّ. قَالَ الشَّيْخُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ الْمَحْكُومَ بِثُبُوتِهِ لَا يَرْتَفِعُ بِالِاتِّفَاقِ وَنَقَلَ الشَّيْخَانِ هَاتَيْنِ الْمَقَالَتَيْنِ قَبْلُ وَلَمْ يُفْصِحَا بِتَرْجِيحٍ وَعَدَمُ تَصْرِيحِهِمَا بِالتَّرْجِيحِ ظَاهِرٌ لَكِنَّهُمَا تَرَكَاهُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِنْ كَلَامِهِمَا إذْ قِيَاسُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ ذَلِكَ عَلَى مَا لَوْ أَقَرَّ لَهُ بِمَالٍ وَرَجَعَ وَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ مَعْلُومٌ ضَعْفَهُ مِنْ كَلَامِهِمَا مِنْ أَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ لَهُ بِخِلَافِ الْمَالِ وَمَنْ نَقَلَهُمَا بَعْدَهُ عَنْ أَبِي حَامِدٍ مَا مَرَّ مِنْ الِاتِّفَاقِ وَأَقَرَّاهُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ لَوْ اسْتَلْحَقَ صَغِيرًا فَكَذَّبَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ لَمْ يَنْدَفِعْ النَّسَبُ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَاطُ لَهُ فَلَا يَنْدَفِعُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ كَالثَّابِتِ بِالْبَيِّنَةِ، ثُمَّ قَالَ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَرَادَ الْمُقَرُّ لَهُ تَحْلِيفَهُ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُمَكَّنَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ فَلَا مَعْنَى لِتَحْلِيفِهِ. اهـ. فَقَدْ أَقَرَّ الشَّيْخَانِ ابْنَ الصَّبَّاغِ عَلَى هَذَا وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى مَا يُخَالِفُ الْإِقْرَارَ وَقَوْلَهُمَا عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ يَنْبَغِي غَيْرَ مَا فِي شَامِلِهِ إذْ الَّذِي فِيهِ الْجَزْمُ بِذَلِكَ وَهُوَ مَا فِي الذَّخَائِرِ وَغَيْرِهَا وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ إذَا اتَّفَقَا عَلَى الرُّجُوعِ فَإِنْ انْفَرَدَ الْمُسْتَلْحَقُ لَمْ يُقْبَلْ جَزْمًا وَإِنْ ادَّعَى جَهْلًا وَنَحْوَهُ وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا لَوْ قَالَ هَذَا أَخِي وَفَسَّرَهُ بِأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ أَوْ الرَّضَاعِ لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَبِهِ يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ لَوْ قَالَ هَذَا وَلَدِي عَلَى سَبِيلِ الشَّفَقَةِ وَهُوَ أَنَّهُ يَصِيرُ وَلَدَهُ وَلَا عِبْرَةَ بِدَعْوَاهُ ذَلِكَ لِمَا قَدَّمْته فَإِنْ قُلْت يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي اللَّقِيطِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ أَيْ: فِي ثُبُوتِ نَسَبِ الْمُسْتَلْحَقِ بَيْنَ الْمُلْتَقَطِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَالَ لِلْمُلْتَقِطِ مِنْ أَيْنَ هُوَ لَك فَرُبَّمَا تَوَهَّمَ أَنَّ الِالْتِقَاطَ

يُفِيدُ النَّسَبَ. اهـ. وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بَعْدَ إقْرَارِهِ فِي جَوَابِ قَوْلِنَا مِنْ أَيْنَ هُوَ لَك هُوَ مِنْ الِالْتِقَاطِ لِأَنِّي أَرَاهُ يُفِيدُ النَّسَبَ قَبُولُ ذَلِكَ مِنْهُ فَيُلْحَقُ بِهِ مَا إذَا قَالَ أَقْرَرْت بِهِ مُعْتَقِدًا أَنَّ وَلَدَ الزِّنَا يَلْحَقُ الزَّانِيَ قُلْت لَا يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُلْحَقُ بِهِ مَا ذَكَرَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِالْتِقَاطَ أَمْرٌ ظَاهِرٌ يُمْكِنُ إحَالَةُ الْأَمْرِ عَلَيْهِ وَيَعْتَقِدُ كَثِيرٌ أَنَّهُ يُفِيدُ النَّسَبَ فَسُنَّ سُؤَالُهُ لِيُزَالَ تَوَهُّمُ إفَادَتِهِ لِلنَّسَبِ وَيَبْطُلُ مَا يَعْتَقِدُهُ مِنْ كَوْنِهِ وَلَدَهُ بِهَذَا الْإِقْرَارِ بَلْ نُبْطِلُهُ وَإِنْ اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّا عَلِمْنَا اسْتِنَادَهُ إلَى أَمْرٍ ظَاهِرٍ يَقَعُ فِي اعْتِقَادِ كَثِيرٍ مِثْلِهِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَنَّ مَجْهُولًا وَلَدُهُ لَيْسَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ ظَاهِرَة وَلَا خَفِيَّةٌ تُخَالِفُ حَقِيقَةَ هَذَا اللَّفْظِ حَتَّى يَحْتَمِلَ إسْنَادُهُ إلَيْهَا فَلَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهُ مُطْلَقًا إعْمَالًا لِلَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا مُعَارِضٌ أَلْبَتَّةَ وَدَعْوَاهُ اعْتِقَادَ أَنَّ وَلَدَ الزِّنَا يَلْحَقُ الزَّانِيَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا قَرِينَةَ تُسَاعِدُهُ وَلَا ظَاهِرَ يَسْتَنِدُ إلَيْهِ فَأَعْمَلْنَا اللَّفْظَ فِي حَقِيقَتِهِ وَبِمَا قَرَّرْته يُعْلَمُ أَنَّهُ حَيْثُ عُلِمَ اسْتِنَادُ إقْرَارِهِ إلَى الِالْتِقَاطِ قَبْلَ رُجُوعِهِ وَزَالَ نَسَبُ اللَّقِيطِ عَنْهُ مُطْلَقًا فَقَوْلُ الْأَزْرَقِيِّ كَابْنِ عُجَيْلٍ يُقْبَلُ رُجُوعُهُ فِيمَا لَهُ دُونَ مَا عَلَيْهِ حَتَّى إذَا مَاتَ وَرِثَهُ اللَّقِيطُ وَلَا عَكْسَ ضَعِيفٌ بَلْ الْأَوْجَهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ مُطْلَقًا لِمَا قَرَّرْته (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ أَقَرَّ أَنَّ الدَّارَ وَنَحْوَهَا مِلْكٌ لِشَخْصٍ بَالِغٍ مُكَلَّفٍ أَوْ قَاصِرٍ فَهَلْ يَمْلِكُ الشَّخْصُ الْمُقَرُّ لَهُ بِتَصْدِيقِهِ أَوْ الْقَاصِرُ بِتَصْدِيقِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ أَوْ وَلِيِّهِ أَوْ الْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ فِي حَالِ قُصُورِهِ بِمُقْتَضَى هَذَا الْإِقْرَارِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الْقَبُولِ وَالْإِذْنِ فِي قَبْضِهِ إذَا قُلْتُمْ أَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ وَالْإِذْنِ فِي حَوْزِهِ إذَا جَعَلْتُمُوهُ إنْشَاءً؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا أَقَرَّ بِالْمِلْكِ فِي دَارٍ لِآخَرَ صَحَّ الْإِقْرَارُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا مِنْ شُرُوطِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولِ الْمُقَرِّ لَهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ عَدَمُ تَكْذِيبِهِ (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَنْ شَخْصٍ اشْتَرَى كِتَابًا مَثَلًا مِنْ شَخْصٍ مَعَ عِلْمِ الْمُشْتَرِي أَوْ غَلَبَةِ ظَنِّهِ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ مَوْقُوفٌ فَهَلْ يَصِحُّ شِرَاءُ هَذَا الشَّخْصِ الْمَذْكُورِ إذَا قَصَدَ بِشِرَاءِ هَذَا الْكِتَابِ اسْتِخْرَاجَهُ وَاسْتِنْقَاذَ الْوَقْفِ مِنْ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ وَانْدِرَاسِهِ بِتَدَاوُلِ الْأَيْدِي عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ كَمَا قَالَ الْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ لَوْ اشْتَرَى مُسْلِمٌ أَسِيرًا مُسْلِمًا حُرًّا مِنْ كَافِرٍ صَحَّ اسْتِنْقَاذًا لَا تَمْلِيكًا وَشَبَّهُوا ذَلِكَ بِمَنْ شَهِدَ بِطَلَاقِ امْرَأَةِ فَرْدٍ مَثَلًا ثُمَّ اخْتَلَعَهَا مِنْ زَوْجِهَا فَيَصِحُّ وَيَلْزَمُهُ الْعِوَضُ. وَكَمَا لَوْ قَالَ فِي عَبْدٍ فِي يَدِ غَيْرِهِ هُوَ حُرٌّ مَثَلًا ثُمَّ اشْتَرَاهُ صَحَّ تَنْزِيلًا لِلْعَقْدِ عَلَى قَوْلِ مَنْ صَدَّقَهُ الشَّرْعُ وَهُوَ الْبَائِعُ لِكَوْنِهِ ذَا يَدٍ وَكَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّ عُمَرَ أَغْصَبَ عَبْدًا مِنْ زَيْدٍ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْ عُمَرَ وَصَحَّ الشِّرَاءُ اسْتِنْقَاذًا لِمِلْكِ الْغَيْرِ كَمَا يُسْتَنْقَذُ الْحُرُّ أَوْ لَا يَصِحُّ شِرَاءُ هَذَا الشَّخْصِ الْمَذْكُورِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِأَنَّ فُلَانَةَ أُخْتُهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ عَلِمَ الْوَقْفَ كَانَ شِرَاؤُهُ افْتِدَاءَ نَظِيرِ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنْ ظَنَّهُ صَحَّ شِرَاؤُهُ ظَاهِرًا وَأُدِيرَتْ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْيَدِ الْمِلْكُ فَيُعْمَلُ بِهِ حَتَّى يُوجَدَ مَا يَرْفَعُهُ وَمُجَرَّدُ ظَنِّ الْمُشْتَرِي وَإِنْ اعْتَضَدَ بِقَرَائِنَ لَا يَرْفَعُهُ وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا لَا يُنَافِيه مَا قَالُوهُ فِي فُلَانَةُ أُخْتِي مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْكِحُهَا بَلْ لَا تُشْبِهُ مَا نَحْنُ فِيهِ عِنْدَ التَّأَمُّلِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ أَقَرَّ أَنَّ هَذَا ابْنُهُ لَكِنْ مِنْ زِنَاهُ مَثَلًا ثُمَّ مَاتَ الْمُقِرُّ فَهَلْ يَرِثُهُ الْمُقَرُّ بِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا قَالَ هَذَا ابْنِي وَوُجِدَتْ شُرُوطُ الِاسْتِلْحَاقِ الْمُقَرَّرَةُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ بَعْدَهُ مِنْ زِنًا بَلْ يَصِيرُ وَلَدُهُ يَرِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ تَعْقِيبِ الْإِقْرَارِ بِمَا يَرْفَعُهُ وَهُوَ أَعْنِي ذَلِكَ الرَّفْعَ لَا يُقْبَلُ فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لَكِنْ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِقَوْلِهِ عَلَى أَلْفٍ وَيَلْغُو قَوْلُهُ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ فَيَلْزَمُهُ الْأَلْفُ فَكَذَا يَصِيرُ هُنَا ابْنَهُ وَيَلْغُو قَوْلُهُ لَكِنْ مِنْ زِنًا فَإِنْ قُلْت قَدْ يُنَافِي هَذَا قَوْلَهُمْ لَوْ قَالَ هَذَا أَخِي فَإِنْ قَالَ مُنْفَصِلًا أَرَدْت مِنْ الرَّضَاعِ لَمْ يُقْبَلْ أَوْ مُتَّصِلًا قُبِلَ فَهَلَّا جَرَى هَذَا التَّفْصِيلُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ قُلْت فَرْقٌ ظَاهِرٌ بَيْنَ هَذَا وَصُورَةِ السُّؤَالِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مِنْ زِنًا رَافِعٌ لِلْإِقْرَارِ مِنْ أَصْلِهِ فَلَوْ قَبِلْنَاهُ لَرَفَعْنَا إقْرَارَهُ بِكَوْنِهِ ابْنَهُ وَأَبْطَلْنَاهُ مِنْ أَصْلِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ مُطْلَقًا، وَأَمَّا تَفْسِيرُهُ الْأُخُوَّةَ بِأُخُوَّةِ الرَّضَاعِ فَهُوَ غَيْرُ رَافِعٍ لِلْإِقْرَارِ بَلْ مُخَصِّصٌ لَهُ فَإِنَّ الرَّضَاعَ وَإِنْ كَانَ

كَالنَّسَبِ لَكِنْ لَا فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ وَشَأْنُ الْمُخَصِّصِ لِلْإِقْرَارِ أَنَّهُ يُقْبَلُ إنْ اتَّصَلَ لَا إنْ انْفَصَلَ كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ وَفَسَّرَهُ بِنَاقِصٍ أَوْ رَدِيءٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ أَقَرَّ أَنَّ فُلَانًا وَارِثَهُ لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ سِوَاهُ مَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُكَذِّبَهُ الْحِسُّ وَلَا الشَّرْعُ وَيُقْبَلُ حَصْرُهُ الْإِرْثَ فِيهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ إلَّا أَوْلَادُهُ هَؤُلَاءِ وَزَوْجَتُهُ فَقَالَ يَثْبُتُ حَصْرُ وَرَثَتِهِ فِيهِمْ بِإِقْرَارِهِ وَكَمَا يُعْتَمَدُ إقْرَارُهُ فِي أَصْلِ الْإِرْثِ يُعْتَمَدُ فِي حَصْرِهِ فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْوَصْفِ لَهُ قَالَ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ. اهـ. وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِمَا أَشَرْت إلَيْهِ أَوَّلًا وَهُوَ أَنْ لَا يُكَذِّبَهُ فِي الْحَصْرِ الشَّرْعُ فَلَوْ ثَبَتَ نَسَبُ وَلَدٍ مِنْهُ بِنِكَاحٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ وَلَمْ تُوجَدْ شُرُوطُ النَّفْيِ لَمْ يُقْبَلْ حَصْرُهُ الْوَرَثَةَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَلَدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ أَقَرَّ لِزَيْدٍ بِوَقْفِيَّةِ مِلْكٍ فِي يَدِهِ لِعَمْرٍو مَثَلًا ثُمَّ أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لِبَكْرٍ يُؤَاخَذُ بِالْإِقْرَارِ الثَّانِي أَمْ لَا وَمَا مَعْنَى الْمُؤَاخَذَةِ قَالَ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُقَرِّ بِهِ أَنْ لَا تَكُونَ يَدُهُ نَائِبَةً عَنْ غَيْرِ جِهَةِ وَقْفٍ أَوْ يَتِيمٍ وَفِي حَاشِيَةِ الْأَنْوَارِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ لَوْ أَقَرَّ بَعْضُهُمْ آخَذْنَاهُ بِمَا يَخُصُّهُ لِلْجَامِعِ بَيْنَهُمَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَالْحُكْمِ بِثُبُوتِ مِلْكِ الْمُقَرِّ لَهُ أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ بِهِ تَحْتَ يَدِ الْمُقِرِّ وَتَصَرُّفِهِ حِسًّا أَوْ شَرْعًا وَكَوْنُهُ مُسْتَقِلًّا بِالْيَدِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَحْتَ يَدِهِ كَذَلِكَ كَانَ كَلَامُهُ لَغْوًا؛ لِأَنَّهُ إمَّا دَعْوَى عَيْنٍ لِلْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَإِمَّا شَهَادَةٌ بِغَيْرِ لَفْظِهَا لَكِنَّهُ إذَا حَصَلَ فِي يَدِهِ عُومِلَ الْآنَ بِقَضِيَّةِ إقْرَارِهِ وَلَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ لِلْمُقَرِّ لَهُ فَلَوْ أَقَرَّ أَجْنَبِيٌّ عَلَى مَيِّتٍ بِدَيْنٍ، ثُمَّ مَلَكَ تَرِكَتَهُ قَضَى ذَلِكَ الدَّيْنَ مِنْهَا مُعَامَلَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ كَانَ تَحْتَ يَدِهِ عَيْنٌ لِعَمْرٍو وَدِيعَةً مَثَلًا فَأَقَرَّ بِوَقْفِيَّتِهَا مَثَلًا ثُمَّ أَقَرَّ بِأَنَّهَا مِلْكٌ لِعَمْرٍو يَكُونُ إقْرَارُهُ الْآنَ لَغْوًا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ تَحْتَ يَدِهِ وَاسْتِقْلَالِهِ حَتَّى يَصِحَّ إقْرَارُهُ فِيهَا وَيُؤَاخَذَ بِهِ، ثُمَّ إنْ لَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ يَدِهِ فَوَاضِحٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَإِنْ دَخَلَتْ تَحْتَ يَدِهِ بِنَحْوِ شِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ لَزِمَهُ تَسْلِيمُهَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَغَرِمَ قِيمَتَهَا لِبَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ أَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بِإِقْرَارِهِ بِوَقْفِيَّتِهَا قَبْلَ إقْرَارِهِ لَهُ بِمِلْكِهَا فَلَزِمَهُ ذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُهُمْ وَمِنْهُ قَوْلِي فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَإِنْ أَقَرَّ بِمِثْلِيٍّ أَوْ مُتَقَوِّمٍ كَدَارٍ فِي يَدِهِ لِزَيْدٍ مَثَلًا ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا عَلَى التَّرَاخِي أَوْ الْفَوْرِيَّةِ لِعَمْرٍو بَعْدَ إقْرَارِهِ لِزَيْدٍ كَأَنْ قَالَ هَذَا لِزَيْدٍ، ثُمَّ لِعَمْرٍو أَوْ بَلْ لِعَمْرٍو أَوَّلًا بَلْ لِعَمْرٍو أَوْ غَصَبْته مِنْ زَيْدٍ ثُمَّ أَوْ بَلْ أَوَّلًا مِنْ عَمْرٍو أَوْ غَصَبْتُهُ مِنْ زَيْد وَغَصَبْته مِنْ عَمْرٍو سُلِّمَ الْمُقَرُّ بِهِ لِزَيْدٍ لِسَبْقِ الْإِقْرَارِ لَهُ؛ وَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ لَا يُرْجَعُ عَنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْلُهُ وَحَذَفَهُ لِفَهْمِهِ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلَ الْبَابِ يُؤَاخَذُ مُكَلَّفٌ وَغَرِمَ الْمُقِرُّ قِيمَتَهُ. وَلَوْ مِثْلِيًّا أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ الْآتِي وَإِنْ تَلَف ذَلِكَ الْمِثْلِيُّ فِي يَدِ زَيْدٍ فِيمَا يَظْهَرُ لِاحْتِمَالِ رَدِّهِ لِلْإِقْرَارِ فَيَغْرَمُ لِعَمْرٍو مِثْلَهُ فَلَمْ يَكُنْ غُرْمُ الْمُقِرِّ إلَّا لِلْحَيْلُولَةِ وَلَوْ مَعَ التَّلَفِ لِعَمْرٍو وَإِنْ كَانَ الَّذِي سَلَّمَ لِزَيْدٍ هُوَ الْحَاكِمُ أَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ أَيْ: الْمُقِرُّ مَا ذَكَرَ بَلْ أَخْطَأَ فِيهِ لِلْحَيْلُولَةِ وَلَوْ بَاعَ عَيْنًا لِآخَرَ وَأَقْبَضَهَا لَهُ مَثَلًا ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَ خِيَارِهِ أَوْ خِيَارِهِمَا بِبَيْعِهَا لِآخَرَ أَوْ بَعْضِهَا مِنْهُ لَمْ يَبْطُلْ بَيْعُهُ الْأَوَّلُ وَغَرِمَ قِيمَتَهَا لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهَا عَلَيْهِ بِتَصَرُّفِهِ وَإِقْبَاضِهِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا غُرْمَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِقْبَاضِ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ لَا حَيْلُولَةَ حِينَئِذٍ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَبْضِ الثَّمَنِ وَعَدَمِ قَبْضِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ خِلَافَهُ. اهـ. الْمَقْصُودُ مِنْ عِبَارَةِ الشَّرْحِ الْمَذْكُورُ فَإِنْ قُلْت لَا دَلِيلَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّهُمْ قَيَّدُوهُ بِقَوْلِهِمْ كَدَارٍ فِي يَدِهِ وَمَا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ لَيْسَ كَذَلِكَ قُلْت هَذِهِ غَفْلَةٌ عَمَّا قَدَّمْته أَوَّلَ الْبَابِ مِنْ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لَيْسَ فِي يَدِهِ مَثَلًا ثُمَّ صَارَ فِي يَدِهِ صَارَ إقْرَارُهُ السَّابِقُ كَأَنَّهُ وَاقِعٌ الْآنَ فَيُعَامَلُ بِهِ وَيَكُونُ كَمَنْ أَقَرَّ لَهُ وَهُوَ فِي يَدِهِ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ مِنْ قَوْلِهِمْ يُشْتَرَطُ فِي الْمُقِرِّ أَنْ لَا تَكُونَ يَدُهُ نَائِبَةً إلَخْ مَعْنَاهُ مَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْيَدِ الِاسْتِقْلَالُ فَلَوْ كَانَتْ يَدُهُ نَائِبَةً عَنْ غَيْرِهِ بِأَنْ أَقَرَّ بِمَالٍ لِآخَرَ وَذَلِكَ الْمَالُ إنَّمَا هُوَ تَحْتَ يَدِهِ

لِيَتِيمٍ أَوْ جِهَةِ وَقْفٍ مَثَلًا لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ أَيْ: الْآنَ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْمُقَرَّ بِهَا إلَى الْآنَ لَمْ تَدْخُلْ فِي يَدِهِ فَإِذَا دَخَلَتْ فِي يَدِهِ بِشِرَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ عُومِلَ بِذَلِكَ الْإِقْرَار وَسُلِّمَتْ لِمَنْ أَقَرَّ لَهُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا الْآنَ صَارَتْ تَحْتَ يَدِهِ وَاسْتِقْلَالِهِ فَلَا تَكْفِي الْيَدُ بِدُونِ اسْتِقْلَالٍ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أَقَرَّ مُفْلِسٌ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ فِي وِلَايَتِهِ فَلَوْ اشْتَرَاهَا بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ أَخَذَهَا الْمُقَرُّ لَهُ؛ لِأَنَّهَا الْآنَ صَارَتْ تَحْتَ يَدِهِ وَوِلَايَتِهِ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَفِيمَا إذَا أَقَرَّ نَاظِرُ الْوَقْفِ بِهِ لِآخَرَ مَثَلًا ثُمَّ قَسَمَهُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ لَا يَغْرَمُ قَطْعًا وَلَا يَخْرُجُ عَلَى قَوْلِهِ الْغُرْمُ بِالْحَيْلُولَةِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ لَيْسَتْ لَهُ كَمَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّ الدَّارَ الَّتِي كَانَتْ فِي يَدِ زَيْدٍ لِعَمْرٍو. اهـ. وَفِي الرَّوْضَةِ فِي الصُّلْحِ لَوْ بَنَى بِأَرْضٍ مَسْجِدًا وَأَقَرَّ بِهَا لِمُدَّعِيهَا غَرِمَ لَهُ قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا بِوَقْفِهَا وَمُرَادُهُ بِبِنَاءِ مَسْجِدٍ بِهَا أَنَّهُ وَقَفَهَا مَسْجِدًا أَوْ غَيْرَهُ كَمَا عَبَّرَ بِهِ بَعْضُ مُخْتَصِرِيهَا وَمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ عَنْ حَاشِيَةِ الْأَنْوَارِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لَوْ أَقَرَّ بِالْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ لِآخَرَ اُنْتُزِعَتْ مِنْهُ وَسُلِّمَتْ لِلْآخَرِ مُدَّةَ اسْتِحْقَاقِ الْمُقِرِّ لَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ إنَّمَا يَسْرِي فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّهِ دُونَ حَقِّ غَيْرِهِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْته مِنْ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَالْمُؤَاخَذَةِ بِهِ إذَا صَدَرَ فِيمَا تَحْتَ يَدِ الْمُقِرِّ وَاسْتِقْلَالِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَيْنَ الْمَوْقُوفَةَ مَا دَامَتْ مُسْتَحَقَّةً لِلْمُقِرِّ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ وَاسْتِقْلَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَاظِرًا وَفَارَقَ الْمُفْلِسُ فِيمَا مَرَّ بِصِحَّةِ عِبَارَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَإِلْغَاءِ عِبَارَةِ الْمُفْلِسِ فِي الْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهَا لِحَقِّ الْغَيْرِ. (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَمَّا لَوْ قَالَ إنْسَانٌ لِمَالٍ فِي يَدِهِ لَيْسَ لِي فِي هَذَا الْمَالِ شَيْءٌ لَا يُنْزَعُ مِنْهُ وَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ هَلْ هَذَا مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي يَدِ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ بَلْ يَكْتَفِي حَقِيقَةً بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا ذُكِرَ أَوَّلًا وَجْهُهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ لِي فِي هَذَا الْمَالِ شَيْءٌ إنَّمَا يَنْفِي مِلْكَهُ فَقَطْ، وَأَمَّا كَوْنُهُ فِي يَدِهِ وَدِيعَةً أَوْ عَارِيَّةً أَوْ نَحْوَهَا فَإِنَّهُ لَا يَنْفِيه وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ هَذَا مَعْنَاهُ فَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَ مِلْكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَيُثْبِتَهُ بِطَرِيقِهِ وَإِذَا كَانَ هَذَا لَا يَنْفِي الْمِلْكَ مَعَ كَوْنِ الْإِقْرَارِ وَهُوَ بِيَدِ الْمُقِرِّ فَبِالْأَوْلَى إذَا أَقَرَّ وَهُوَ بِيَدِ الْغَيْرِ فَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ وَيُثْبِتَ مِلْكَهُ وَمَنَافِعَهُ فَإِنْ قُلْت مَا نَقَلَهُ السَّائِلُ عَنْهُمْ هَلْ يُنَافِيه قَوْلُ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا لَوْ قَالَ بِيَدِي مَالٌ لَا أَعْرِفُ مَالِكَهُ كَانَ مُؤَدَّاهُ أَنَّهُ إقْرَارٌ بِمَالٍ ضَائِعٍ فَيَكُونُ إقْرَارًا صَحِيحًا قُلْت لَا يُنَافِيه؛ لِأَنَّهُ هُنَا نَفَى صَرِيحًا أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةَ مِلْكٍ أَوْ اسْتِيفَاءَ مَنْفَعَةٍ أَوْ أَمَانَةً فَوَجَبَ عَلَى الْقَاضِي نَزْعُهُ مِنْهُ، وَأَمَّا فِيمَا مَرَّ فَهُوَ لَمْ يَنْفِ إلَّا وِلَايَةُ الْمِلْكِ دُونَ غَيْرِهِ فَلَمْ يُنْزَعْ مِنْهُ وَبَقِيَ تَحْتَ يَدِهِ وَمُكِّنَ مِنْ دَعْوَى مِلْكِهِ بَعْدَ ذَلِكَ. (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَمَّنْ أَقَرَّ أَنَّ ثَمَرَةَ بُسْتَانِهِ لِزَيْدٍ مَثَلًا ثُمَّ قَالَ إنَّمَا مَوْضُوعُ إقْرَارِي إبَاحَةٌ وَأُرِيدُ أَرْجِعُ فِي الْإِبَاحَةِ فَهَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ثَمَرَةُ بُسْتَانِي لِزَيْدٍ صَرِيحٌ فِي الْإِقْرَارِ بِالْمِلْكِ فَدَعْوَاهُ أَنَّ مُرَادَهُ بِهِ إبَاحَةُ ذَلِكَ مُخَالِفَةٌ لِصَرِيحِ لَفْظِهِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا وَيُحْكَمُ بِمِلْكِ الثَّمَرَةِ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَقَدْ أَطْبَقُوا عَلَى أَنَّ تَعْقِيبَ الْإِقْرَارِ بِمَا يُبْطِلُهُ بَاطِلٌ وَهَذَا يُشْبِهُهُ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَيْسَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ وَلَكِنْ لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ أَوَّلًا لَيْسَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ فَإِنْ قُلْت هَذَا مُشْكِلٌ عَلَى مَا قَالُوهُ مِنْ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَأَنَّهُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَعَكْسُهُ قُلْت لَا يُشْكِلُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ صَرِيحٌ فِي نَفْيِ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ لَا يَقْبَلُ تَأْوِيلًا فَكَانَ قَوْلُهُ بَعْدَهُ وَلَكِنْ إلَخْ مُنَاقِضًا لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَمْ يُمْكِنْ اجْتِمَاعُهُمَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا بِخِلَافِ بَقِيَّةِ صُوَرِ الِاسْتِثْنَاءِ فَإِنَّهُ لَا تَنَاقُضَ فِيهَا صَرِيحًا فَصَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ وَعُمِلَ بِهِ (وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ لِمَ لَا قَيَّدَ الْإِرْشَادَ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ فِي قَوْلِهِ وَأَلْفٌ وَأَلْفٌ وَأَلْفٌ ثَلَاثَةٌ بِلَا فَصْلٍ وَاخْتِلَافٌ عِنْدَ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يُؤَكَّدْ الثَّانِي كَمَا قَيَّدَهُ فِي الطَّلَاقِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْعِبَارَتَانِ مُتَسَاوِيَتَانِ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تُفْهِمُ مَا تُفْهِمُهُ الْأُخْرَى فَلَا تَحْتَاجُ الْأُولَى إلَى التَّقْيِيدِ الْمَذْكُورِ كَمَا أَشَرْت إلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمَحَلَّيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ. وَإِيضَاحُهُ أَنَّ دَاعِيَ الِاخْتِصَارِ لَمَّا أَلْجَأَهُ إلَى إدْخَالِ حُكْمِ أَلْفٍ وَأَلْفٍ وَأَلْفٍ فِيمَا قَبْلَهَا أَدْخَلَهَا فِيهَا لَكِنَّهَا تَمَيَّزَتْ عَمَّا قَبْلَهَا بِاحْتِيَاجِهَا إلَى شُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: قَصْدِ

التَّوْكِيدِ، وَاتِّفَاقِ اللَّفْظِ، وَعَدَمِ الْفَصْلِ قَيَّدَهَا بِتِلْكَ الثَّلَاثِ لِاسْتِفَادَتِهَا مِنْ قَوْلِهِ إنْ لَمْ يُؤَكَّدْ الثَّانِي فَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ يُؤَكَّدْ عَمَّا إذَا قُصِدَ الِاسْتِئْنَافُ أَوْ أُطْلِقَ لِاقْتِضَاءِ الْعَطْفِ التَّغَايُرَ وَبِقَوْلِهِ الثَّانِي عَمَّا لَوْ أَرَادَ تَأْكِيدَ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي وَالثَّالِثِ لِعَدَمِ اتِّفَاقِ اللَّفْظِ فِيهِمَا وَتَخَلُّلِ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا فِي الْأَخِيرَةِ أَعْنِي تَأْكِيدَ الْأَوَّلِ بِالثَّالِثِ وَمِنْ ثَمَّ اُسْتُفِيدَ مِنْ هَذَا اشْتِرَاطُ عَدَمِ الْفَاصِلِ بِاللَّفْظِ أَوْ بِسَكْتَةٍ فَوْقَ سَكْتَةِ التَّنَفُّسِ وَالْعَيِّ؛ لِأَنَّ سَبَبَ امْتِنَاعِ تَأْكِيدِ الْأَوَّلِ بِالثَّالِثِ شَيْئَانِ اخْتِلَافُ اللَّفْظِ لِزِيَادَةِ الْوَاوِ فِي الْمُؤَكِّدِ بِكَسْرِ الْكَافِ، وَتَخَلُّلُ الْفَاصِلِ بَيْنَهُمَا بِالثَّانِي فَظَهَرَ أَنَّ تِلْكَ الشُّرُوطَ الثَّلَاثَةَ الَّتِي ذَكَرهَا فِي الطَّلَاقِ صَرِيحَةٌ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ قَوْلِهِ هُنَا إنْ لَمْ يُؤَكِّدْ الثَّانِي فَلَمْ تَحْتَجْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ إلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الطَّلَاقِ لِاسْتِفَادَتِهِ مِنْهَا اسْتِفَادَةً ظَاهِرَةً كَمَا تَقَرَّرَ، وَأَمَّا حِكْمَةُ تَصْرِيحِهِ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ فِي الطَّلَاقِ فَهِيَ أَنَّهُ لَمْ يُسَاعِدْهُ الِاخْتِصَارُ عَلَى تَكْرِيرِ اللَّفْظِ ثَلَاثًا كَمَا فِي الْإِقْرَارِ لِطُولِ أَنْتِ طَالِقٌ مَثَلًا فَضْلًا عَنْ تَكْرِيرِهَا ثَلَاثًا فَلَمَّا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ هَذَا التَّكْرِيرُ احْتَاجَ إلَى إجْمَالٍ يَشْمَلُهُ فَقَالَ وَمَا تَكَرَّرَ عُدَّ وَلَمَّا أَتَى بِهَذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْإِشَارَة إلَى شُرُوطِ الْعَدِّ إذْ لَا تُمْكِنُهُ الْإِشَارَة إلَّا لَوْ كَرَّرَ وَقَالَ إنْ لَمْ يُؤَكِّدْ الثَّانِي كَمَا فِي الْإِقْرَارِ صَرَّحَ بِهَا فَقَالَ بِلَا فَصْلٍ وَاخْتِلَافٍ فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ بِلَا فَصْلٍ تَأْكِيدُ الْأَوَّلِ بِالثَّالِثِ فَتَقَعُ الثَّلَاثُ لِتَخَلُّلِ الْفَاصِلِ وَكَذَا لَوْ فَرَّقَهَا بِفَوْقِ سَكْتَةِ التَّنَفُّسِ وَالْعَيِّ وَبِقَوْلِهِ وَاخْتِلَافُ تَأْكِيدِ الْأَوَّلِ بِالْأَخِيرَيْنِ الْمُقْتَرِنَيْنِ بِالْعَاطِفِ فَيَقَعُ ثَلَاثًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْأَخِيرَيْنِ مُخَالِفٌ لِلْأَوَّلِ لِاقْتِرَانِهِمَا بِحَرْفِ الْعَاطِفِ وَتَجَرُّدِهِ أَعْنِي الْأَوَّل عَنْهُ بِخِلَافِهِ فِي نَحْوِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّ تَأْكِيدَ الْأَوَّلِ بِالْأَخِيرَيْنِ صَحِيحٌ فَتَقَعُ وَاحِدَةً فَقَطْ فَاتَّضَحَ بِمَا قَرَّرْته مَعْنَى الْعِبَارَتَيْنِ وَحُكْمُهُ الْإِتْيَانُ بِهِمَا فِي الْمَحَلَّيْنِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأُولَى ذُكِرَتْ تِلْكَ الثَّلَاثَةُ فِيهَا بِطَرِيقِ الْإِيمَاءِ وَالْإِشَارَةِ الْمُكْتَفَى بِهَا فِي مِثْلِ الْإِرْشَادِ، وَالثَّانِيَةَ ذُكِرَتْ تِلْكَ الثَّلَاثَةُ فِيهَا بِطَرِيقِ التَّصْرِيحِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ تَعْرِفْ تَحْقِيقَ صَاحِبِ الْإِرْشَادِ وَدِقَّةَ نَظَرِهِ وَجَلَالَةَ مَقْصِدِهِ وَكَمَالَ حِكْمَتِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِيَّانَا بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ (وَسُئِلَ) عَنْ إقْرَارِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْمُشْتَرَكِ يَنْزِلُ عَلَى الشُّيُوعِ أَوْ الْحَصْرِ فِي حِصَّةِ الْمُقِرِّ وَيُؤْخَذُ جَمِيعُ الْمُقَرِّ بِهِ أَمْ مِنْ الْحِصَّةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَدْ اضْطَرَبَ تَرْجِيحُ الشَّيْخَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَطَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ الْكَلَامَ فِيهَا وَقَدْ لَخَّصْتُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَعِبَارَتُهُ وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُ شَرِيكَيْنِ بِنِصْفِ الْمُشْتَرَكِ انْحَصَرَ فِي نَصِيبِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ هُنَا بِخِلَافِ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ مُورَثِهِ لَكِنْ رَجَّحَ فِي الْعِتْقِ الْإِشَاعَةَ وَاعْتَمَدَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَيْ: لِذَهَابِ الْأَكْثَرِينَ إلَيْهِ وَضَعَّفُوا مَا هُنَا وَهَذَا مِنْ إفْرَادِ الْقَاعِدَةِ الْمُضْطَرَبِ فِيهَا أَعْنِي قَاعِدَةَ الْحَصْرِ وَالْإِشَاعَةِ. وَالْمُرَجَّحُ فِي الْخُلْعِ الْإِشَاعَةُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ وَالْوَصِيَّةِ وَالصَّدَاقِ وَالْعِتْقِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَمِنْهَا يُعْلَمُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ تَنْزِيلُ إقْرَارِ الشَّرِيكِ عَلَى الْإِشَاعَةِ فَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مِائَةُ شَرِكَةٍ نِصْفَيْنِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِنِصْفِهَا لِثَالِثٍ نَزَلَ إقْرَارُهُ عَلَى الْإِشَاعَةِ حَتَّى يَبْطُلَ فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ وَيَصِحَّ فِي خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ وَهِيَ نِصْفُ حِصَّتِهِ وَعَلَى قَوْلِ الْحَصْرِ يَصِحُّ فِي الْخَمْسِينَ الَّتِي هِيَ قَدْرُ حَقِّهِ فَيَأْخُذُهَا كُلَّهَا الْمُقَرُّ لَهُ فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِقْرَارِ حَيْثُ نَزَلَ عَلَى الْإِشَاعَةِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ وَبَيْنَ الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ وَالْوَصِيَّةِ وَالصَّدَاقِ وَالْعِتْقِ حَيْثُ يَنْزِلُ عَلَى الْحَصْرِ قُلْت يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تَيَقُّنِ ثُبُوتِ ذَلِكَ السَّابِقِ بِأَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَيْهِ صَرِيحًا فِي دُخُولِهِ تَحْتَ مَدْلُولِهِ أَوْ ظَاهِرًا ظُهُورًا مُتَبَادِرًا مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ فَإِذَا قَالَ أَقْرَرْت لَك بِنِصْفِ هَذَا الْعَبْدِ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ نِصْفَيْنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ هَذَا اللَّفْظُ صَرِيحًا وَلَا ظَاهِرًا فِي أَنَّ الْإِقْرَارَ وَقَعَ بِنِصْفِ الْعَبْدِ الْمُخْتَصِّ بِالْمُقِرِّ بَلْ هُوَ مُحْتَمِلٌ لِذَلِكَ وَلِكَوْنِ النَّصِّ الْمُقَرِّ بِهِ شَائِعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ فَلَا نُوجِبُ بِهِ إلَّا الْمُتَيَقَّنَ وَهُوَ رُبُعُهُ لَا نِصْفُهُ لِقَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْمَشْهُورَةِ فِي الْإِقْرَارِ الْمُشَارِ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ أَصْلُ مَا أَبْنِي عَلَيْهِ مَسَائِلَ الْإِقْرَارِ أَنْ أَلْزَمَ الْيَقِينَ أَيْ: الظَّنَّ الْقَوِيَّ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَأَطْرَحَ الشَّكَّ أَيْ: وَمُجَرَّدَ

الظَّنِّ وَلَا أَسْتَعْمِلَ الْغَلَبَةَ أَيْ: مَا غَلَبَ عَلَى النَّاسِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَأَمَّا الْبَيْعُ وَمَا ذُكِرَ بَعْدَهُ فَهِيَ مِنْ حَيِّزِ الْإِنْشَاءَاتِ وَالْإِنْشَاءُ إذَا أُطْلِقَ فِي شَيْءٍ إنَّمَا يَنْصَرِفُ لِلْمَمْلُوكِ دُونَ غَيْرِهِ فَإِذَا قَالَ بِعْتُك نِصْفَ هَذَا الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ انْصَرَفَ الْبَيْعُ لِجَمِيعِ حِصَّتِهِ وَانْحَصَرَ فِيهَا دُونَ حِصَّةِ شَرِيكِهِ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ إنْشَاءٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَلَمَّا كَانَ الْقَصْدُ مِنْ الْخُلْعِ تَخْلِيصَ الْعِصْمَةِ وَمِنْ ثَمَّ صَحَّ بِالْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ وَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ الْمَعْنَى الْمُقَرَّرُ فِي الْإِنْشَاءَاتِ فَمِنْ ثَمَّ أَلْحَقُوهُ بِالْإِقْرَارِ فِي تَنْزِيلِ عِوَضِهِ عَلَى الْإِشَاعَةِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا فَرَّقَ بَيْنَ تِلْكَ الْأَبْوَابِ وَسِرِّ تَخَالُفِ مَدَارِكَ الْأَئِمَّةِ فِيهَا وَقَدْ اتَّضَحَ سَبَبُ تَخَالُفِهَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَقَرَّ لِوَرَثَةِ فُلَانٍ بِشَيْءٍ فَهَلْ يُقَسَّمُ كَإِرْثِهِمْ مِنْ فُلَانٍ أَوْ بِالسَّوِيَّةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُقَسَّمُ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمْ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ؛ لِأَنَّ غَالِبَ الِاسْتِحْقَاقَاتِ الْمُسَاوَاةُ كَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ لَهُمْ وَالْوَقْفِ عَلَيْهِمْ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَقَرَّ بِأَنَّ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ عَمِّي لَا وَارِثَ لِي غَيْرُهُ وَرِثَهُ عَمُّهُ كَمَا قَالَهُ الْقَزْوِينِيُّ. اهـ. فَهَلْ ذَلِكَ إذَا بَيَّنَ جِهَةَ الْعُمُومَةِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ كَمَا فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ بِهَا أَمْ يَكْفِي الْإِطْلَاقُ وَهَلْ ذَلِكَ فِي مَعْرُوفِ الْعُمُومَةِ فَيَكْفِي الْإِطْلَاقُ فِيهِ دُونَ مَجْهُولِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا قَالَهُ الْقَزْوِينِيُّ صَحِيحٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ بَلْ ذَكَرَهُ غَيْرُهُ أَيْضًا وَلَا يَحْتَاجُ مَعَ قَوْلِهِ لَا وَارِثَ لِي غَيْرُهُ إلَى بَيَانِ جِهَةِ الْعُمُومَةِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِمَعْنَى قَوْلِهِ عَمِّي مِنْ جِهَةِ الْأَبِ أَوْ الْأَبَوَيْنِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ اعْتِرَافِهِ بِانْحِصَارِ الْإِرْثِ فِيهِ. فَإِنْ قُلْت يُنَافِي هَذَا مَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ أَنَّ مَنْ قَالَ هَذَا وَارِثِي وَمَاتَ قَبْلَ بَيَانِ جِهَةِ الْإِرْثِ لَا يَرِثُهُ وَكَذَا قَالَ الْعَبَّادِيُّ وَمِثْلُهُ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي فِيمَنْ قَالَ فُلَانٌ عَصَبَتِي أَوْ وَارِثِي إلَّا لَمْ يَكُنْ لِي عَقِبٌ وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ لَكِنْ نَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ إذَا قَالَ فُلَانٌ وَارِثِي قُبِلَ قُلْت لَا يُخَالِفُهُ؛ لِأَنَّهُ بَيَّنَ جِهَةَ الْإِرْثِ مَعَ انْحِصَارِهِ فِيهِ بِقَوْلِهِ فُلَانٌ عَمِّي لَا وَارِثَ لِي غَيْرُهُ بِخِلَافِ مَا فِي مَسْأَلَةِ الْقَفَّالِ فَإِنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ فِيهَا جِهَةَ الْإِرْثِ فَضْلًا عَنْ انْحِصَارِهِ فِيهِ فَإِنْ قُلْت فَمَا الْمُعْتَمَدُ مِنْ ذَلِكَ الْمَذْكُورِ عَنْ الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ قُلْت قَدْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ فِي الشَّهَادَةِ الَّتِي يُحْتَاطُ فِيهَا مَا لَا يُحْتَاطُ فِي الْإِقْرَارِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ بِأَنَّهُ ابْنُ عَمِّهِ أَوْ أَخُوهُ لَمْ يُقْبَلَا لِصِدْقِهِ بِابْنِ الْعَمِّ لِلْأُمِّ وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ وَبِأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ مَنْ أَقَرَّ بِأُخُوَّةٍ مَجْهُولَةٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ وَإِنْ كَانَتْ الْأُخُوَّةُ لِلْأُمِّ لَا تَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ عَلَى خِلَافِ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَأَبُو زُرْعَةَ كَمَا بَيَّنْتُهُ مَعَ مَا فِيهِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ أَيْ: حَمْلًا لِكَلَامِ الْمُقِرِّ عَلَى مَا لِلْإِقْرَارِ فِيهِ مَدْخَلٌ إذْ الْمُكَلَّفُ يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ وَلَا نَظَرَ أَيْضًا لِاحْتِمَالِهِ لِأُخُوَّةِ الرَّضَاعِ وَالْإِسْلَامِ قَالُوا؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ يَحْتَاطُ لِنَفْسِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَلَا يُقِرُّ إلَّا عَنْ تَحَقُّقٍ أَنَّ كَلَامَ الْقَفَّالِ وَمَنْ وَافَقَهُ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرِثُهُ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنْ وَرَثَتِهِ وَكَلَامُ غَيْرِهِمْ عَلَى أَنَّهُ يَرِثُهُ بَعْدَ الْبَحْثِ وَبَيَانُ ذَلِكَ يُعْلَمُ بِسِيَاقِ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَحَاصِلُهُ أَنَّ دَعْوَى الْإِرْثِ لَا بُدَّ لِصِحَّتِهَا مِنْ ذِكْرِ جِهَةٍ كَالْأُخُوَّةِ وَأَنَّ الْحُكْمَ بِهِ أَيْ: حَالًا لِمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي لَا بُدَّ لِصِحَّتِهِ مِنْ ذِكْرِ الْجِهَةِ وَالْإِرْثِ بِأَنْ يَشْهَدَ خَبِيرَانِ بِبَاطِنِ حَالِ الْمُورَثِ لِصُحْبَةٍ أَوْ جِوَارِ حَضَرٍ أَوْ سَفَرٍ بِأَنَّ هَذَا وَارِثُهُ وَأَنَّهُمَا لَا يَعْرِفَانِ لَهُ وَارِثًا سِوَاهُ فَتُدْفَعُ لَهُ التَّرِكَةُ وَإِنْ كَانَ ذَا فَرْضٍ وَشَهِدَا لَهُ كَذَلِكَ أُعْطِيَ فَرْضَهُ وَلَا يَقْدَحُ فِي شَهَادَتِهِمَا قَطْعُهُمَا بِأَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ وَإِنْ أَخْطَآ بِهِ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا شَهِدَا بِمَا اعْتَقَدَاهُ وَلَمْ يَقْصِدَا الْكَذِبَ أَمَّا إذَا لَمْ يَقُولَا لَا نَعْرِفُ لَهُ وَارِثًا سِوَاهُ أَوْ قَالَاهُ وَلَمْ يَكُونَا خَبِيرَيْنِ بِبَاطِنِ حَالِهِ فَإِنْ كَانَ سَهْمُهُ غَيْرَ مُقَدَّرٍ أَوْ مُقَدَّرًا لَكِنَّهُ مِمَّنْ يُحْجَبُ لَمْ يُعْطَ شَيْئًا مِنْ التَّرِكَةِ حَالًا بَلْ بَعْدَ بَحْثِ الْقَاضِي عَنْ حَالِ الْوَرَثَةِ فِيمَا سَكَنَهُ الْمَيِّتُ أَوْ طَرَقَهُ مِنْ الْمَحَالِّ مَعَ النِّدَاءِ فِيهَا أَنَّ فُلَانًا مَاتَ فَمَنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ فَلْيَأْتِ أَوْ يُوَكِّلْ فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ أَعْطَاهُ حَقَّهُ بِلَا يَمِينٍ وَلَمْ يَكُنْ ثِقَةً مُوسِرًا أَوْ مُقَدَّرًا وَهُوَ لَا يَحْجُبُ أَعْطَى أَقَلَّ فَرْضِهِ عَائِلًا حَالًا مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ، ثُمَّ الْبَاقِي بَعْدَ الْبَحْثِ وَعَدَمِ ظُهُورِ غَيْرِهِ وَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ ابْنُهُ أَوْ أَخُوهُ وَلَمْ يَذْكُرَا

كَوْنَهُ وَارِثًا نُزِعَ بِشَهَادَتِهِمَا الْمَالُ مِمَّنْ هُوَ بِيَدِهِ وَأُعْطِيَهُ بَعْدَ الْبَحْثِ كَمَا رَجَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْجُمْهُورِ فَإِذَا اكْتَفَوْا فِي الشَّهَادَةِ بِأَنَّ هَذَا وَارِثُهُ وَإِنْ لَمْ يَقُولَا لَا نَعْرِفُ لَهُ وَارِثًا سِوَاهُ؛ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِإِعْطَائِهِ حَالًا مِنْ غَيْر بَحْثٍ وَلَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الشَّهَادَةِ لِإِعْطَائِهِ بَعْدَ الْبَحْثِ كَمَا تَقَرَّرَ فَأَوْلَى أَنْ يَكْتَفِيَ فِي الْإِقْرَارِ بِقَوْلِهِ هَذَا وَارِثِي لِمَا مَرَّ أَنَّهُ يُحْتَاطُ لِلشَّهَادَةِ مَا لَا يُحْتَاطُ لِلْإِقْرَارِ فَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الْقَفَّالِ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى مَا ذَكَرْته وَإِلَّا فَهُوَ ضَعِيفٌ لِمُنَابَذَتِهِ لِكَلَامِ الشَّيْخَيْنِ كَالْأَصْحَابِ فِي الشَّهَادَةِ كَمَا تَقَرَّرَ فَإِنْ قُلْت كَلَامُ الْأَصْحَابِ هُنَا مَفْرُوضٌ فِي شَهَادَةٍ بَعْدَ ذِكْرِ جِهَةٍ فِي الدَّعْوَى فَكَانَتْ الْجِهَةُ مَذْكُورَةً فِي الشَّهَادَةِ وَحِينَئِذٍ فَهَذَا لَا يُلَاقِي كَلَامَ الْقَفَّالِ؛ لِأَنَّ فِيهِ ذِكْرَ الْجِهَةِ وَالْقَفَّالُ إنَّمَا مَنَعَ الْإِقْرَارَ الْخَالِيَ عَنْ ذِكْرِ الْجِهَةِ قُلْت هُوَ مَعَ ذَلِكَ مُلَاقِيه لِمَا عَرَفْت أَنَّهُمْ شَدَّدُوا فِي الشَّهَادَةِ بِمَا لَمْ يُشَدِّدُوا بِهِ فِي الْإِقْرَارِ فَلَمْ يَبْعُدْ مَعَ مُلَاحَظَةِ ذَلِكَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ حَمْلُ كَلَامِ الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا قَرَرْته، ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ حَمَلَ كَلَامَ الْقَفَّالِ عَلَى مَا إذَا عُرِفَ أَنَّ مُرَادَ الْمُقِرِّ جِهَةٌ مُعَيَّنَةٌ وَعَرَفَ انْحِصَارَهَا فِي الْمُقَرِّ بِهِ وَمَا ذَكَرْته أَوْجَهُ كَمَا يَظْهَرُ لِلْمُتَأَمِّلِ فَإِنْ قُلْت مَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْقَزْوِينِيِّ السَّابِقُ مِنْ ثُبُوتِ حَصْرِ الْوَرَثَةِ بِالْإِقْرَارِ هَلْ ذَكَرَهُ غَيْرُهُ قُلْت نَعَمْ ذَكَرَهُ غَيْرُهُ لَا سِيَّمَا الْإِمَامَ أَبَا عَمْرو بْنِ الصَّلَاحِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ إلَّا أَوْلَادُهُ هَؤُلَاءِ وَزَوْجَتُهُ يَثْبُتُ حَصْرُ وَرَثَتِهِ فِيهِمْ بِإِقْرَارِهِ فَكَمَا يُعْتَمَدُ إقْرَارُهُ فِي أَصْلِ الْإِرْثِ يُعْتَمَدُ فِي حَصْرِهِ فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْوَصْفِ لَهُ قَالَ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْت مَا ذُكِرَ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فِي الشَّهَادَةِ بِالْإِرْثِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ جِهَةٍ خَصَّهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَا نُقِلَ عَنْهُ بِمَا إذَا لَمْ يَقُلْ الشَّاهِدَانِ نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا وَارِثُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرَهُ فَإِنْ قَالَا ذَلِكَ لَمْ يَحْتَجْ لِبَيَانِ جِهَةِ الْإِرْثِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِكَلَامِ السَّيِّدِ السَّمْهُودِيِّ وَالْجَمَّالِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بِأَفْضَل الْحَضْرَمِيِّ فَهَلْ ذَلِكَ صَحِيحٌ مُعْتَمَدٌ أَوْ لَا قُلْت الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَالشَّيْخَيْنِ وَالْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَا يُعْتَمَدُ؛ لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ مُطْبِقُونَ عَلَى أَنَّ شَرْطَ سَمَاعِ الدَّعْوَى ذِكْرُ الْجِهَةِ وَعِبَارَتُهُمْ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ وَارِثُ فُلَانٍ وَطَلَبَ إرْثَهُ وَجَبَ بَيَانُ جِهَةِ إرْثِهِ مِنْ نَحْوِ أُخُوَّةٍ فَيَقُولُ أَنَا أَخُوهُ وَوَارِثُهُ وَيُبَيِّنُ أَنَّهُ أَخُوهُ لِأَبَوَيْهِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الدَّعْوَى أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً وَلَا تُعْلَمُ إلَّا بَعْدَ بَيَانِ مَا ذُكِرَ، ثُمَّ قَالُوا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ الْمُطْلَقَةُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ السَّبَبِ إلَّا فِي مَسَائِلَ يَجِبُ فِيهَا تَفْصِيلُ الشَّهَادَةِ كَالدَّعْوَى وَذَكَرُوا مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْمُسْتَثْنَاةِ الشَّهَادَةَ بِأَنَّ هَذَا وَارِثُ فُلَانٍ لَا بُدَّ مِنْ جِهَةِ الْإِرْثِ عَلَى طِبْقِ مَا ذُكِرَ فِي الدَّعْوَى فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْحَصْرَ لَا يَكْفِي عَنْ ذِكْرِ الْجِهَةِ وَإِنَّمَا فَائِدَتُهُ أَنَّهُ إذَا انْضَمَّ لِذِكْرِ الْجِهَةِ مِنْ خَبِيرَيْنِ بِبَاطِنِ الْمَيِّتِ أَفَادَ الْحُكْمَ بِالْإِرْثِ وَإِعْطَاءِ التَّرِكَةِ حَالًا وَإِنْ لَمْ يَنْضَمَّ لِذِكْرِ الْجِهَةِ بِأَنْ اقْتَصَرَ الشَّاهِدَانِ عَلَيْهَا أَوْ ضَمَّاهُ وَلَيْسَا خَبِيرَيْنِ لَمْ يُفِدْ ذَلِكَ فَلَا يُعْطِي إلَّا بَعْدَ الْبَحْثِ الْقَوِيِّ عَلَى الظَّنِّ أَنْ لَا وَارِثَ آخَرَ فَذَلِكَ هُوَ فَائِدَةُ ذِكْرِ الْحَصْرِ، وَأَمَّا ادِّعَاءُ أَنَّهُ يَكْفِي عَنْ ذِكْرِ الْجِهَةِ فَهُوَ مُنَابِذٌ لِقَوْلِهِمْ لَا بُدَّ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الشَّهَادَةِ بِالْإِرْثِ كَالدَّعْوَى بِهِ فَإِنْ قُلْت لِمَ لَمْ يَكْفِ تَفْصِيلُ الدَّعْوَى عَنْ تَفْصِيلِ الشَّهَادَةِ هُنَا قُلْت عِلَّتُهُ الِالْتِبَاسُ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ فِي جِهَاتِ الْإِرْثِ وَتَمَيُّزُ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ وَمَنْ يَحْجُبُ وَيُحْجَبُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَوَجَبَ عَلَى الشَّاهِدِ بَيَانُ الْجِهَةِ سَوَاءٌ أَضَمَّ لِذَلِكَ الْحَصْرِ أَمْ لَا وَهَذَا أَوْلَى بِالْوُجُوبِ مِمَّا اعْتَمَدَ فِيهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ كَغَيْرِهِ وُجُوبَ التَّفْصِيلِ حَيْثُ قَالَ: قَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ: هَلْ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِاسْتِحْقَاقِ زَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو دِرْهَمًا مَثَلًا إذَا عُرِفَ سَبَبُهُ كَأَنْ أَقَرَّ لَهُ بِهِ فَشَهِدَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ دِرْهَمًا فِيهِ وَجْهَانِ أَشْهُرُهُمَا لَا تُسْمَعُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ وَافَقَ الْحَاكِمَ فِي مَذْهَبِهِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يَظُنُّ مَا لَيْسَ بِسَبَبٍ سَبَبًا؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرَتِّبَ الْأَحْكَامَ عَلَى أَسْبَابِهَا بَلْ وَظِيفَتُهُ نَقْلُ مَا سَمِعَهُ مِنْ إقْرَارٍ أَوْ عَقْدٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ مَا شَاهَدَهُ مِنْ الْأَفْعَالِ، ثُمَّ الْحَاكِمُ يَنْظُرُ فِيهِ فَإِنْ رَآهُ سَبَبًا رَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَهَذَا

رفع الشبه والريب عن حكم الإقرار بأخوة الزوجة المعروفة النسب

ظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ. اهـ. فَإِذَا كَانَ الْإِطْلَاقُ فِي هَذَا الشَّيْءِ الظَّاهِرِ لِكُلِّ أَحَدٍ لَا يَكْفِي فَأَوْلَى فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنْ قُلْت قَدْ خَالَفَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ ابْنِ الصَّبَّاغِ فَقَالَ كَغَيْرِهِ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى النَّصِّ الْمَذْكُورِ أَنَّ ذَلِكَ يَكْفِي وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا قُلْت هَذَا بِفَرْضِ اعْتِمَادِهِ لَا يُؤَيِّدُ عَدَمَ وُجُوبِ ذِكْرِ جِهَةِ الْإِرْثِ فِي الشَّهَادَةِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بَعْدَ نَحْوِ الْإِقْرَارِ ظَاهِرٌ لِغَالِبِ النَّاسِ بِخِلَافِ الْإِرْثِ إذْ لَهُ أَسْبَابٌ وَمَوَانِعُ يَعِزُّ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ مَعْرِفَتُهَا مَعَ كَثْرَةِ الْخِلَافِ فِيهَا فَوَجَبَ بَيَانُ جِهَتِهِ مُطْلَقًا عَلَى أَنَّ كَلَامَهُمْ صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا مَسْأَلَةَ الْإِرْثِ مُسْتَثْنَاةً مِمَّا يَكْفِي فِيهِ الْإِطْلَاقُ كَمَا مَرَّ فَافْهَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ التَّفْصِيلِ مُطْلَقًا وَأَنَّ خِلَافَ ابْنِ أَبِي الدَّمِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ لَا يَأْتِي فِيهَا وَهُوَ وَاضِحٌ كَمَا تَقَرَّرَ. ، وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِكَلَامِ السَّيِّدِ السَّمْهُودِيِّ عَلَى ذَلِكَ التَّخْصِيصِ السَّابِقِ عَنْ بَعْضِهِمْ فَلَيْسَ فِي مَحَلِّهِ بَلْ كَلَامُهُمْ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ وَمُنَزَّلٌ عَلَيْهِ وَبِفَرْضِ مُخَالَفَتِهِ لَهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ لَكِنَّهُ مَعَ تَأَمُّلِهِ غَيْرُ مُخَالِفٍ لَهُ فَإِنَّ السُّؤَالَ مَاتَ شَخْصٌ مَشْهُورُ النَّسَبِ مِنْ قَبِيلَةٍ وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْ الْبَاقِينَ أَوْ ادَّعَى بَعْضُهُمْ الْقُرْبَ وَالْبَاقُونَ الْمُسَاوَاةَ وَلَمْ يَقُمْ مَعَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَيِّنَةٌ بِمَا ادَّعَاهُ فَمَا الْحُكْمُ فَقَالَ الْجَوَابُ أَنَّ مَنْ ادَّعَى وِرَاثَته مِنْهُمْ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ عُصُوبَةً وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَوْ ادَّعَى الْمُسَاوَاةَ لِمُدَّعِي الْأَقْرَبِيَّةِ وَمُشَارَكَتَهُ فِي وِرَاثَتِهِ فَلَا يُسَلِّمُ الْحَاكِمُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ حَتَّى يُقِيمَ بَيِّنَةً شَرْعِيَّةً مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِبَاطِنِ حَالِ الْمَيِّتِ فِي قَدِيمِ الزَّمَانِ وَحَدِيثِهِ وَسَفَرِهِ وَحَضَرِهِ أَنَّ هَذَا وَارِثُهُ وَأَنَّ هَؤُلَاءِ وَرَثَتُهُ لَا يَعْرِفُونَ لَهُ وَارِثًا سِوَاهُ أَوْ سِوَاهُمْ لِاحْتِمَالِ وَارِثٍ آخَرَ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الشُّهُودُ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ بِحَالِهِ أَوْ كَانُوا مِنْ أَهْلِهَا وَلَمْ يَقُولُوا لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا فَلَا يُعْطِي الْمَشْهُودُ لَهُ شَيْئًا فِي الْحَالِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. بَلْ يَبْحَثُ الْقَاضِي، ثُمَّ يُعْطِيه بَعْدَ غَلَبَةِ الظَّنِّ أَنْ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ اهـ. الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا الَّذِي قَدَّمْته فَإِنَّ السُّؤَالَ مَفْرُوضٌ فِي مَشْهُورِ النَّسَبِ مِنْ قَبِيلَةٍ وَإِنَّ بَقِيَّةَ الْقَبِيلَةِ مُخْتَلِفُونَ فِي الْأَقْرَبِ إلَيْهِ فَجِهَةُ الْإِرْثِ وَهِيَ بُنُوَّةُ الْعَمِّ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ مَعْلُومَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا مَذْكُورَةٌ فِي الدَّعْوَى وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأَقْرَبِ مِنْهُمْ لِلْمَيِّتِ فَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّ هَذَا وَارِثُهُ وَأَنَّ هَؤُلَاءِ وَرَثَتُهُ لَا يَعْرِفُونَ لَهُ وَارِثًا سِوَاهُ أَوْ سِوَاهُمْ كَمَا أَنَّهُ مَفْرُوضٌ فِي ذِكْرِ الْجِهَةِ وَأَنَّ ذِكْرَ الْحَصْرِ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِلْإِعْطَاءِ حَالًا لَا غَيْرُ وَكَلَامُ السَّيِّدِ مُصَرِّحٌ بِالْأَمْرَيْنِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ، وَأَمَّا كَلَامُ الْجَمَّالِ الْحَضْرَمِيِّ فِي إقْرَارٍ لَا فِي شَهَادَةٍ وَقَدْ مَرَّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنَّ فِيهِ ذِكْرَ الْجِهَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَمِّي وَاكْتَفَى عَنْ ذِكْرِ كَوْنِهِ لِأَبَوَيْنِ أَوَلِأَبٍ بِقَوْلِهِ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْجَوَابِ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ بِوَجْهٍ أَيْضًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ وَمِنْهُ الْهِدَايَةُ وَإِلَيْهِ الْمَآبُ لَا رَبَّ غَيْرُهُ وَلَا مَأْمُولَ إلَّا خَيْرُهُ إنَّهُ الْجَوَّادُ الْكَرِيمُ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ [رَفْعُ الشُّبَهِ وَالرِّيَبِ عَنْ حُكْمِ الْإِقْرَارِ بِأُخُوَّةِ الزَّوْجَةِ الْمَعْرُوفَةِ النَّسَبِ] ِ تَأْلِيفُ كَاتِبِهِ فَقِيرُ عَفْوِ رَبِّهِ وَكَرَمِهِ الْمُلْتَجِئُ إلَى بَيْتِهِ وَحَرَمِهِ عِيَاذًا بِهِ مِنْ بَوَائِقِهِ وَزَلَلِهِ وَجُرْمِهِ أَحْمَدُ بْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ سَامَحَهُ اللَّهُ بِغُفْرَانِهِ وَأَفْرَغَ عَلَيْهِ سِجَالَ قُرَبِهِ وَرِضْوَانِهِ إنَّهُ الْجَوَّادُ الْكَرِيمُ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ لَا إلَه إلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَافِعِ غَيَاهِبِ الْغَوِيصَاتِ وَغَرَائِبِ الْمُشْكِلَاتِ بِوَاضِحِ الدَّلَائِلِ وَمَانِعِ ثَوَاقِبِ الْأَفْهَامِ عَنْ سَوَابِقَ الْأَوْهَامِ فِي مُعْضِلَاتِ الْمَسَائِلِ وَمَانِحِ سَوَاطِعِ الْبَصَائِرِ أَحْكَامَ الْبَوَاطِنِ وَالظَّوَاهِرِ وَالظَّفْرَ مِنْهَا بِكُلِّ طَائِلٍ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَه إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً أَنْجُو بِهَا مِنْ الْهَوَى وَأَعُوذُ بِهَا مِنْ التَّوَى الْمُوجِبِ لِاتِّبَاعِ الْحُظُوظِ وَالرَّذَائِلِ وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الْأَوَاخِرِ وَالْأَوَائِلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَكَرِّرَيْنِ بِتَكَرُّرِ الْبُكَرِ وَالْأَصَائِلِ آمِينَ. (وَبَعْدُ) . فَهَذَا كِتَابٌ لَقَّبْته رَفْعَ الشُّبَهِ وَالرِّيَبِ عَنْ حُكْمِ الْإِقْرَارِ بِأُخُوَّةِ الزَّوْجَةِ

الْمَعْرُوفَةِ النَّسَبِ دَعَانِي إلَى تَأْلِيفِهِ أَنَّهُ كَانَ بَلَغَنِي اخْتِلَافُ عُلَمَاءِ مِصْرَ فِيهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَتَنَاقُضُهُمْ فِي الْإِفْتَاءِ فِيهَا تَنَاقُضًا عَجِيبًا شَهِيرًا لَكِنْ عَلَى طَرِيقِ الْإِجْمَالِ لَا التَّفْصِيلِ فَإِنَّا لَمْ نَسْمَعْ ذَلِكَ إلَّا مِنْ غَيْرِ ذَوِي التَّحْصِيلِ إلَى أَنْ قَدِمَ بَعْضُهُمْ إلَى مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ أَوَاخِرَ ذِي الْقَعْدَةِ الْحَرَامِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ فَأَخْبَرَ بِأَنَّ مَا أُشِيعَ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ أَصِيلٌ وَلَا عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ التَّعْوِيلِ وَإِنَّمَا اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى جَانِبٍ وَاحِدٍ هُوَ حُرْمَتُهَا عَلَيْهِ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا وَبِذَلِكَ أَفْتَى سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ شَافِعِيًّا وَشَذَّ بَعْضُهُمْ فَأَفْتَى بِالْحِلِّ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَبَعْضُهُمْ فَأَفْتَى بِالْحُرْمَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَلَمَّا سَمِعْت مِنْهُ ذَلِكَ وَكَانَ مُخَالِفًا لِمَا انْقَدَحَ عِنْدِي فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ تَعَجَّبْت مِنْ هَذِهِ الْإِطْلَاقَاتِ وَقُلْت لَا بُدَّ وَأَنْ أُنْتَدَبَ لِبَيَانِ مَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ التَّفْصِيلَاتِ فَحِينَئِذٍ بَادَرْت إلَى بَيَانِ مَا فِي كُلٍّ مِنْ تِلْكَ الِاحْتِمَالَاتِ، ثُمَّ إلَى تَرْجِيحِ أَظْهَرِهَا نَقْلًا وَأَدَقَّهَا مُدْرَكًا وَعَقْلًا وَمَا عَلَيْهِ مِنْهَا التَّعْوِيلُ وَمَا هُوَ الْأَوْفَقُ بِمَا حَقَّقُوهُ مِنْ التَّفْرِيعِ وَالتَّأْصِيلِ بِتَأْلِيفِ هَذَا الْكِتَابِ وَرَفْعِ ذَلِكَ الِارْتِيَابِ وَرَتَّبْته عَلَى ثَلَاثِ مُقَدِّمَاتٍ وَثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ رَاجِيًا مِنْ اللَّهِ الْكَرِيمِ الْوَهَّابِ الْإِعَانَةَ وَالتَّوْفِيقَ لِلصَّوَابِ مَعَ الْقَبُولِ وَجَزِيلِ الثَّوَابِ لَا إلَه إلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَإِلَيْهِ مَآبِ. (الْمُقَدِّمَة الْأُولَى) فِي بَيَانِ الْوَاقِعَةِ بِحَسَبِ مَا بَلَغَنَا هِيَ أَنَّ رَجُلًا بِدَمَنْهُورَ الْوَحْشِ بَلْدَةٌ كَبِيرَةٌ بِإِقْلِيمِ الْبُحَيْرَةِ مِنْ رِيفِ مِصْرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُخْتِهِ الْمَعْرُوفَةِ مِنْ أَبِيهِ تَخَاصُمٌ فِي إرْثٍ طَالَ بَيْنَهُمَا فِيهِ التَّنَازُعُ وَعَظُمَ التَّخَاصُمُ وَالتَّمَانُعُ وَأَرَادَ أَنْ يَنْجُوَ مِنْهَا بِحِيلَةٍ وَإِنْ بَاءَ بِأَقْبَحِ رَذِيلَةٍ فَجَاءَ بِزَوْجَتِهِ الْمَشْهُورَةِ النَّسَبِ إلَى قُضَاةِ الشَّرْعِ وَشُهُودِهِ الَّذِينَ خَاصَمَ أُخْتَهُ الْمَعْرُوفَةَ إلَيْهِمْ بَيْنَ أَيْدِيهمْ مِرَارًا مُتَعَدِّدَةً وَأَجْلَسَهَا عِنْدَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ هَذِهِ أُخْتِي فُلَانَةُ الَّتِي مِنْ أَبِي وَقَدْ أَبْرَأَتْنِي فَاشْهَدُوا عَلَيْهَا فَاسْتَرْعَوْا عَلَيْهَا فَكَشَفُوا وَجْهَهَا، ثُمَّ كَتَبُوا حِلْيَتَهَا، ثُمَّ شَهِدُوا عَلَيْهَا بِالْإِبْرَاءِ الْعَامِّ وَحُكِمَ بِهِ فَلَمَّا عَلِمَتْ الْأُخْتُ جَاءَتْ إلَيْهِمْ مُنْكِرَةً عَلَيْهِمْ فَكَشَفُوا سِجِلَّهُمْ فَرَأَوْا حِلْيَتَهَا غَيْرَ مَا عِنْدَهُمْ فَأَحْضَرُوا أَخَاهَا وَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتَّى أَقَرَّ أَنَّهُ اصْطَنَعَ ذَلِكَ وَافْتَعَلَهُ لِيَبْرَأَ عَنْهَا فَقُبِضَ عَلَيْهِ، ثُمَّ اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ فِي بَقَاءِ زَوْجَتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فِي عِصْمَتِهِ فَكَتَبَ سُؤَالًا لِمُفْتِي تِلْكَ الْبَلَدِ فَأَفْتَى بِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ فَخَالَفَهُ بَعْضُ فُضَلَائِهَا فَأَرْسَلُوا يَسْتَفْتُونَ عَنْ ذَلِكَ عُلَمَاءَ مِصْرَ فَقِيلَ إنَّ بَعْضَهُمْ أَفْتَى بِحِلِّهَا لَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَبَعْضَهُمْ بِحُرْمَتِهَا كَذَلِكَ وَبَعْضَهُمْ بِحِلِّهَا بَاطِنًا لَا ظَاهِرًا، ثُمَّ رُفِعَ الْأَمْرُ لِحَاكِمِ الشَّوْكَةِ فَنَفَّذُوا الْإِفْتَاءَ الْأَوَّلَ وَمَكَّنُوهُ مِنْهَا وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ (الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ) فِي تَحْرِيرِ السُّؤَالِ الَّذِي أَجَابُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَّضِحْ لَنَا تَحْرِيرُهُ إلَى الْآنَ فَوَجَبَ أَنْ نُحَرِّرَهُ لِيَقَعَ الْكَلَامُ فِي صُورَةٍ خَاصَّةٍ وَيَتَوَارَدَ الْمُخْتَلِفُونَ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ فَنَقُولَ إنْ كَانَتْ صُورَةُ السُّؤَالِ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ هَذِهِ أُخْتِي فُلَانَةُ ذَاكِرًا لِاسْمِ زَوْجَتِهِ أَوْ هَذِهِ أُخْتِي الَّتِي وَقَعَ الْخِصَامُ بَيْنِي وَبَيْنَهَا عِنْدَكُمْ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ذِكْرُ الْوَاقِعَةِ السَّابِقُ فَيُتَعَجَّبُ مِنْ الْخِلَافِ فِيهَا حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِالْإِقْرَارِ بِأُخْتِيَّتِهَا لَهُ أَصْلًا وَإِنَّمَا فِيهِ الْحُكْمُ بِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ الشَّخْصِيَّةَ هِيَ تِلْكَ الصُّورَةُ الذِّهْنِيَّةُ وَهَذَا أَمْرٌ يُكَذِّبهُ الْحِسُّ فِيهِ وَكُلُّ إقْرَارٍ يُكَذِّبُهُ الْحِسُّ فِيهِ لَا يَرْتَبِطُ بِهِ حُكْمٌ أَصْلًا اتِّفَاقًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي نَحْوِ هَذِهِ بِنْتِي أَوْ أُخْتِي أَوْ ابْنَةُ أُخْتِي أَوْ بِنْتِي لِمَنْ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ صُورَةُ السُّؤَالِ هَذِهِ أُخْتِي مِنْ أَبِي فَهَذِهِ هِيَ الَّتِي يَتَّجِهُ فِيهَا جَرَيَانُ الْخِلَافِ بَلْ هِيَ الْمَنْقُولَةُ فِي كَلَامِهِمْ بِالشَّخْصِ لَا بِالْأَخْذِ (الْمُقَدِّمَةُ الثَّالِثَةُ) فِي تَحْرِيرِ الْجَوَابِ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِصَارِ اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ تَصْرِيحًا وَتَلْوِيحًا أَنَّ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ النَّسَبِ هَذِهِ أُخْتِي أَوْ أَنْتِ أُخْتِي سَوَاءٌ أَضَمَّ إلَيْهِ مِنْ أَبِي أَمْ سَكَتَ عَنْهُ لَمْ تُحَرَّمْ عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ سَوَاءٌ أَقَصَدَ الْكَذِبَ أَمْ أُخُوَّةَ الْإِسْلَامِ وَكَذَا إنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا عَلَى خِلَافِ مَا يَقْتَضِيه كَلَامُ الْخُوَارِزْمِيِّ الْآتِي بِمَا فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ الِاسْتِلْحَاقَ أَوْ صَرَّحَ بِهِ وَهِيَ مِمَّنْ يُمْكِنُ لُحُوقُهَا بِأَبِيهِ لَوْ فُرِضَ جَهْلُ نَسَبِهَا كَمَا يَأْتِي فَإِنَّهُ إنْ صَدَقَ لِكَوْنِهَا مُلْحَقَةً بِفِرَاشٍ بِحُكْمِ الظَّاهِرِ وَهُوَ يَعْلَمُ لُحُوقَهَا بِأَبِيهِ بِحُكْمِ الْبَاطِنِ لِوَطْئِهِ أُمَّهَا بِشُبْهَةٍ

الباب الأول في الكلام على الحل من غير تفصيل

كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ بَاطِنًا وَهَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَطْرُقَهُ خِلَافٌ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ وَكَذَا ظَاهِرًا عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ الْخِلَافِ فِيهِ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ وَهَذَا حَاصِلُ مَا يَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا سَتَعْلَمُهُ مِمَّا يُتْلَى عَلَيْك وَبِهِ يَزْدَادُ عَجَبُك مِنْ الْإِطْلَاقَاتِ السَّابِقَةِ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْقَائِلِينَ بِالْحِلِّ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا عَلَى مَا إذَا قَصَدَ الْكَذِبَ أَوْ أُخُوَّةَ الْإِسْلَامِ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا وَالْقَائِلِينَ بِحُرْمَتِهَا كَذَلِكَ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ الِاسْتِلْحَاقَ وَصَدَقَ فِيهِ وَالْقَائِلِينَ بِحُرْمَتِهَا ظَاهِرًا وَحِلِّهَا بَاطِنًا عَلَى مَا إذَا قَصَدَ الِاسْتِلْحَاقَ وَكَذَبَ فِيهِ وَهَذَا الْحَمْلُ مُتَعَيَّنٌ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِتِلْكَ الْإِطْلَاقَاتِ وَجْهٌ أَلْبَتَّةَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ وَإِذْ قَدْ تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَلْنَشْرَعْ الْآنَ فِي ذِكْرِ الْأَبْوَابِ الثَّلَاثَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى تِلْكَ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ وَنَتَكَلَّمُ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا مِمَّا يَشْفِي الْعَلِيلَ وَيُبْرِدُ الْغَلِيلَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ وَهِدَايَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَإِسْعَافِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَوِقَايَتِهِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ. [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحِلِّ مِنْ غَيْر تَفْصِيلٍ] (الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحِلِّ مِنْ غَيْر تَفْصِيلٍ) اعْلَمْ أَنَّ مَسْأَلَةَ مَنْ قَالَ أَنْتِ أَوْ هَذِهِ أُخْتِي لِزَوْجَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ النَّسَبِ فِيهَا وَجْهَانِ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ لَكِنْ لَا مُطْلَقًا بَلْ عِنْدَ اسْتِلْحَاقِهَا بِذَلِكَ فَفِي الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا لَوْ كَانَ الْمُسْتَلْحَقُ لَا الْمُكَذِّبُ زَوْجَةَ الْمُسْتَلْحِقِ فَفِي ارْتِفَاعِ النِّكَاحِ وَجْهَانِ جَارِيَانِ فِيمَا إذَا كَانَتْ مَشْهُورَةَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ. اهـ. فَفِيهِ التَّصْرِيحُ فِي الزَّوْجَةِ الْمَجْهُولَةِ وَالْمَعْرُوفَةِ النَّسَبِ إذَا اسْتَلْحَقَهَا زَوْجُهَا بِجَرَيَانِ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا: الْحِلُّ وَالثَّانِي: الْحُرْمَةُ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِمْ مَا يَدُلُّ لِتَرْجِيحِ الْأَوَّلِ وَقَدْ يُؤْخَذُ مَا يَدُلُّ لِتَرْجِيحِ الثَّانِي كَمَا يَأْتِي مَعَ الْجَوَابِ عَنْهُ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ لِكُلٍّ مِنْ الْإِفْتَاءَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ مُسْتَنَدًا مِنْ كَلَامِهِمْ وَسَيَأْتِي أَنَّ لِلْإِفْتَاءِ الثَّالِثَ مُسْتَنَدًا أَيْضًا لَكِنَّهُ مِنْ بَحْثِ الْأَذْرَعِيِّ بِقَيْدِهِ الْآتِي مَعَ بَسْطِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَفِي الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا أَيْضًا لَوْ مَاتَ وَخَلَّفَ ابْنَيْنِ مُسْتَغْرِقَيْنِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأَخٍ ثَالِثٍ وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ أَيْ: إجْمَاعًا كَمَا حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ أَنَّ الْمِيرَاثَ لَا يَثْبُتُ وَخَرَّجَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَجْهًا أَنَّهُ يَثْبُتُ وَيَتَأَكَّدُ بِمَسَائِلَ يَثْبُتُ فِيهَا الْفَرْعُ دُونَ الْأَصْلِ مِنْهَا لَوْ قَالَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ فُلَانَةُ بِنْتُ أَبِينَا فَفِي حِلِّهَا لِلْمُقِرِّ وَجْهَانِ وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ كَانَتْ مَجْهُولَةَ النَّسَبِ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ مَعْرُوفَةَ النَّسَبِ فَوَجْهَانِ. اهـ. وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الِابْنَيْنِ الْمُسْتَغْرَقِينَ بِأَخٍ فَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يَرِثُ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ فَرْعُ النَّسَبِ وَلَمْ يَثْبُتْ وَفِي وَجْهٍ يَرِثُ وَيُشَارِكُ الْمُقِرَّ فِيمَا فِي يَدِهِ كَمَا لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا فُلَانَةُ بِنْتُ أَبِينَا هَلْ يُحْكَمُ بِعِتْقِهَا وَجْهَانِ انْتَهَتْ. قَالَ فِي التَّوَسُّطِ هَذَا كَلَامٌ سَقَطَ صَدْرُهُ مِنْ بَعْضِ نُسَخِ الرَّافِعِيِّ وَصَوَابُهُ مَا فِي النُّسْخَةِ الصَّحِيحَةِ وَهُوَ مَا فِي الْكُتُبِ غَيْرِهَا وَلَوْ قَالَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ فُلَانَةُ بِنْتُ أَبِينَا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ حُرِّمَ عَلَى الْمُقِرِّ نِكَاحُهَا مَعَ أَنَّ حُرْمَتَهُ فَرْعُ النَّسَبِ الَّذِي لَمْ يَثْبُتْ وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِعَبْدٍ فِي التَّرِكَةِ أَنَّهُ ابْنُ أَبِينَا هَلْ يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ فِيهِ وَجْهَانِ وَفِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ أَنْتِ أُخْتِي مِنْ النَّسَبِ وَكَذَّبَهُ أَخُوهُ وَهِيَ مَجْهُولَةُ النَّسَبِ حُرِّمَ نِكَاحُهَا وَإِنْ كَانَتْ مَعْرُوفَةَ النَّسَبِ فَفِي التَّحْرِيمِ وَجْهَانِ قَالَ الْإِمَامُ وَذِكْرُ الْخِلَافِ فِيهَا عَظِيمٌ، ثُمَّ لَا خِلَافَ فِيهِ مَعَ تَسْلِيمِ الْحُرْمَةِ فِي مَجْهُولَةِ النَّسَبِ. اهـ. مَا فِي التَّوَسُّطِ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ عَلِمْت أَنَّ مَنْقُولَ الْمَذْهَبِ فِي مَعْرُوفَةِ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِ أَبِيهِ عِنْدَ اسْتِلْحَاقِهَا وَجْهَانِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ لَهَا ذَلِكَ وَهِيَ فِي نِكَاحِهِ أَوْ قَبْلَهُ وَأَنَّ مُنَازَعَةَ الْإِمَامِ فِي حِكَايَتِهِمَا فِيهَا قَبْلَ النِّكَاحِ مَرْدُودَةٌ وَمِنْ ثَمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا الْقَمُولِيُّ وَغَيْرُهُ حَيْثُ حَكَوْا الْوَجْهَيْنِ فِيهَا. بَلْ صَنِيعُ الْقَمُولِيِّ السَّابِقُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمَا مَحْكِيَّانِ حَتَّى فِي الْمَجْهُولَةِ النَّسَبِ وَأَنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُمَا إنَّمَا هِيَ لِلْقَاضِي فَإِنَّهُ رَجَّحَ فِي الْمَجْهُولَةِ التَّحْرِيمَ دُونَ الْمَعْرُوفَةِ وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ وَاضِحًا بَيْنَهُمَا بِمَا يُعْلَمُ بِهِ رَدُّ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَقَدْ صَرَّحَ غَيْرُ الْقَمُولِيِّ بِحِكَايَتِهِمَا فِي الْمَجْهُولَةِ وَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ مِنْ حِكَايَةِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَعْرُوفَةِ مَا مَرَّ عَنْ نُسَخِ الرَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ فِي الْمَجْهُولَةِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ كَلَامِهِ وَكَلَامِ غَيْرِهِ وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ فِي الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ اسْتِلْحَاقِهَا وَجْهَيْنِ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي نِكَاحِهِ أَمْ لَا تَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَى الرَّاجِحِ مِنْهُمَا وَاَلَّذِي

يَدُلُّ لِتَرْجِيحِ الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِالْحِلِّ أُمُورٌ مِنْهَا أَنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ ظَاهِرٌ فِيهِ حَتَّى فِي الْمَجْهُولَةِ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ فِيهَا لِمَا يَأْتِي مِنْ الْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْنَهُمَا وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَوْ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ وَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأَخٍ وَشَهِدَ عَلَى أَبِيهِ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ ابْنُهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ الْمِيرَاثِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ جَمَعَ أَمْرَيْنِ أَحَدَهُمَا لَهُ وَالْآخَرَ عَلَيْهِ فَلَمَّا بَطَلَ الَّذِي لَهُ بَطَلَ الَّذِي عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ لِي عَلَيْك مِائَةُ دِينَارٍ فَقَالَ بِعْتنِي بِهَا دَارَك هَذِهِ فَهِيَ لَك فَأَنْكَرَ الرَّجُلُ الْبَيْعَ أَوْ قَالَ بَاعَنِيهَا أَبُوك وَأَنْتَ وَارِثُهُ فَهِيَ لَك عَلَيَّ وَلِي الدَّارُ كَانَ إقْرَارًا بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَثْبَتَ عَلَى نَفْسِهِ مِائَةً يَأْخُذُ لَهَا عِوَضًا فَلَمَّا بَطَلَ عَنْهُ الْعِوَضُ بَطَلَ عَنْهُ الْإِقْرَارُ اهـ. فَقَوْلُهُ فَلَمَّا بَطَلَ الَّذِي لَهُ بَطَلَ الَّذِي عَلَيْهِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ مَسْأَلَتَنَا إذَا بَطَلَ الَّذِي لَهُ وَهُوَ الْأُخُوَّةُ الْمُوجِبَةُ لِلْإِرْثِ وَنَحْوِهِ بَطَلَ الَّذِي عَلَيْهِ وَهُوَ الْأُخُوَّةُ الْمُوجِبَةُ لِلتَّحْرِيمِ وَانْفِسَاخ النِّكَاحِ لَوْ كَانَ؛ فَإِنْ قُلْت أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الْمَجْهُولَةِ وَالْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ مِمَّنْ رَجَّحَ فِي الْمَجْهُولَةِ التَّحْرِيمَ وَوَقَفَ فِي التَّرْجِيحِ عَنْ الْمَعْرُوفَةِ قُلْت الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ جَلِيٌّ وَهُوَ أَنَّ الْمَجْهُولَةَ حُرْمَتُهَا عَلَيْهِ شَرْعًا مُمْكِنَةٌ بَعْدَ تَصْدِيقِ أَخِيهِ أَوْ مَوْتِهِ وَالِانْحِصَارِ فِيهِ فَإِنَّ نَسَبَهَا حِينَئِذٍ يَثْبُتُ وَتَصِيرُ أُخْتَهُ شَرْعًا فَتَعَيَّنَ تَرْجِيحُ حُرْمَتِهَا احْتِيَاطًا، وَأَمَّا الْمَعْرُوفَةُ فَلَا يُمْكِنُ شَرْعًا أَنْ تَصِيرَ أُخْتَ الْمُقِرِّ ظَاهِرًا أَصْلًا لَا فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كُلِّ مَعْرُوفِ نَسَبٍ اُسْتُلْحِقَ وَمَا لَا يُمْكِنُ شَرْعًا لَا يُتَصَوَّرُ الِاحْتِيَاطُ فِيهِ وَلَا الْمُؤَاخَذَةُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ فَقَدْ شَرَطَ الْأَئِمَّةُ لِصِحَّةِ كُلِّ إقْرَارٍ بِنَسَبٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلِلْمُؤَاخَذَةِ بِهِ أَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا شَرْعًا وَبِهَذَا الَّذِي ذَكَرْته يُجَابُ عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ وَذِكْرُ الْخِلَافِ فِيهَا عَظِيمٌ إلَخْ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ بَانَ وَاتَّضَحَ أَنَّ لِلِاحْتِيَاطِ بِالتَّحْرِيمِ فِي الْمَجْهُولَةِ وَجْهًا وَاضِحًا وَلَا كَذَلِكَ الْمَعْرُوفَةُ فَإِنْ قُلْت هَلْ يُمْكِنُ فَرْقٌ بَيْنَ عَدَمِ ثُبُوتِ الْإِرْثِ فِي الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَصْلُهُ وَهُوَ النَّسَبُ وَبَيْنَ ثُبُوتِ الْفَرْعِ دُونَ الْأَصْلِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي اسْتَشْهَدَ بِهَا كَثِيرُونَ لِتَخْرِيجِ ابْنِ سُرَيْجٍ كَمَسْأَلَةِ ثُبُوتِ الشَّفْعَةِ مَعَ عَدَمِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ وَثُبُوتِ الضَّمَانِ مَعَ عَدَمِ ثُبُوتِ الْمَالِ الْمَضْمُونِ وَثُبُوتِ الْبَيْنُونَةِ مَعَ عَدَمِ ثُبُوتِ الْمَالِ الْمُخَالَعِ عَلَيْهِ وَحُرْمَةُ تَزَوُّجِ امْرَأَةٍ ادَّعَتْ نِكَاحَ مَنْ كَذَّبَهَا وَحَلَفَ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ مَعَ عَدَمِ ثُبُوتِ النِّكَاحِ قُلْت نَعَمْ يُمْكِنُ ذَلِكَ بَلْ هُوَ وَاضِحٌ فَإِنَّ إقْرَارَهُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا لَمْ يُخَالِفْ الشَّرْعَ بَلْ هُوَ مُحْتَمِلٌ الصِّدْقَ ظَاهِرًا شَرْعًا فَلَيْسَ فِي الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ مَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ إذْ مَنْ اعْتَرَفَ لِغَيْرِهِ بِمُقْتَضَى شُفْعَةٍ أَوْ ضَمَانٍ أَوْ بَيْنُونَةٍ أَوْ نَحْوِهَا لَمْ يَقَعْ فِي إقْرَارِهِ شَيْءٌ يُكَذِّبُهُ الشَّرْعُ فِيهِ لِإِمْكَانِ ثُبُوتِهِ شَرْعًا بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِرْثِ فَإِنَّ إقْرَارَهُ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ لِبُطْلَانِ اسْتِلْحَاقِهِ شَرْعًا فَلَمْ يُمْكِنْ ثُبُوتُ فَرْعِهِ وَهُوَ الْإِرْثُ فَهُوَ نَظِيرُ عَدَمِ حُرْمَةِ الْمَعْرُوفَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ كَذَّبَهُ فِي اسْتِلْحَاقِهَا فَلَمْ يُمْكِنْ الْقَوْلُ بِالْفَرْعِ مَعَ عَدَمِ ثُبُوتِ الْأَصْلِ، وَأَمَّا مَا مَرَّ فِي الْمَجْهُولَةِ فَهُوَ نَظِيرُ تِلْكَ النَّظَائِرِ وَأَمْكَنَ الْقَوْلُ فِيهَا بِثُبُوتِ الْفَرْعِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْأَصْلُ بِجَامِعِ أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُكَذِّبْهُ فِي الْفَرْعِ وَإِنَّمَا انْتَفَى الْأَصْلُ لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِهِ مَعَ أَنَّهُ بِصَدَدِ أَنْ يُوجَدُ بِتَصْدِيقِ الْأَخِ الْآخَرِ، وَأَمَّا الْمَعْرُوفَةُ فَالشَّرْعُ مُكَذِّبٌ لَهُ فِيمَا ذَكَرَهُ فِيهَا وَشَتَّانَ بَيْنَ مَنْ كَذَّبَهُ الشَّرْعُ حَالًا وَمَآلًا وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ الشَّرْعُ الْآنَ وَيُصَدِّقُهُ بَعْدُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ وَإِذَا تَأَمَّلْت مَا أَجَبْتُ بِهِ مِنْ هَذِهِ النَّظَائِرِ عَلِمْتَ أَنَّهُ أَحْسَنُ وَأَوْضَحُ مِنْ جَوَابَيْ الْإِمَامِ عَنْهَا وَأَنَّهُ لَا يَأْتِي مَا تَعَقَّبَهَا بِهِ وَقَدْ بَسَطَهُمَا الْأَذْرَعِيُّ فِي الْمُتَوَسِّطِ مَعَ تَسْلِيمِهِ لَهُ قَوْلُهُ عَقِبَهُمَا وَعَقِبَ اسْتِبْعَادِهِمَا وَكُلُّ هَذَا تَكَلُّفٌ وَمَنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِأَشْكَالِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَيْسَ مِنْ التَّحْقِيقِ عَلَى نَصِيبٍ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالْأَمْرُ عَلَى مَا قَالَ الْإِمَامُ. اهـ. وَهَذَا جَرَى مِنْهُمَا عَلَى انْتِصَارِهِمَا لِلْوَجْهِ الضَّعِيفِ الَّذِي خَرَّجَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا انْتَصَرَ لَهُ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَأَنَّ الْإِمَامَ اخْتَارَهُ وَقَوَّاهُ بِمُقْتَضَى أَنَّهُ قِيَاسُ تِلْكَ النَّظَائِرِ اهـ. لَكِنْ قَدْ ظَهَرَ وَاتَّضَحَ

الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ عَدَمِ الْإِرْثِ وَأَنَّ نَصَّ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرَ يَرُدُّ ذَلِكَ التَّخْرِيجَ فَتَأَمَّلْ هَذَا الْمَوْضِعَ فَإِنَّهُ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُتَأَمَّلَ وَيُسْتَفَادَ لِتَعَيُّنِ الِانْتِصَارِ لِلْمَذْهَبِ وَأَهْلِهِ عَلَى مَنْ وَجَدَ لِذَلِكَ سَبِيلًا فَإِنَّهُمْ أَطْبَقُوا عَلَى ضَعْفِ التَّخْرِيجِ مَعَ تَقْرِيرِهِمْ فِي تِلْكَ النَّظَائِرِ مَا يُؤَيِّدُهُ حَتَّى قَالَ الْإِمَامُ مَا قَالَ لَوْلَا مَا ظَهَرَ بِحَمْدِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ مِنْ الْجَوَابِ الْوَاضِحِ عَنْهَا لِمَنْ تَدَبَّرَهُ وَتَأَمَّلَهُ فَإِنْ قُلْتَ هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ عَدَمِ الْإِرْثِ وَثُبُوتِ الْحُرْمَةِ فِي الْمَجْهُولَةِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ النَّسَبِ الْإِرْثُ إذْ قَدْ يَمْنَعُ مِنْهُ نَحْوُ الرِّقِّ أَوْ الْقَتْلِ بِخِلَافِ النَّسَبِ وَحُرْمَةِ نَحْوَ الْأُخْتِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِهِ ثُبُوتُهَا قُلْت يُمْكِنُ ذَلِكَ لَوْلَا تَصْرِيحُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْعَبَّادِيِّ وَحَكَاهُ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَتَبِعَهُمْ الْمُتَأَخِّرُونَ بِأَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ مَجْهُولَةَ النَّسَبِ فَاسْتَلْحَقَهَا أَبُوهُ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ لَمْ يَبْطُلْ نِكَاحُهُ مَعَ ثُبُوتِ نَسَبِهَا وَكَوْنِهَا أُخْتَهُ فَلَا تَلَازُمَ أَيْضًا وَمِنْهَا قَوْلُ الْجَلَالِ الْبُلْقِينِيُّ عَقِبَ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ قَالَ زَيْدٌ أَخِي مَثَلًا ثُمَّ فَسَّرَهُ بِأُخُوَّةِ الرَّضَاعِ حَكَى الرُّويَانِيُّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الْأَشْبَهَ بِالْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَلِهَذَا لَوْ فَسَّرَهُ بِأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ لَمْ يُقْبَلْ اهـ. مَحَلُّ هَذَا مَا إذَا كَانَ مَجْهُولَ النَّسَبِ وَكَانَ الْمُقِرُّ حَائِزًا لِإِرْثِ الْوَالِدِ الَّذِي أَلْحَقَ هَذَا بِهِ أَمَّا مَعْرُوفُ النَّسَبِ فَلَا يَحْتَمِلُ إلَّا أُخُوَّةَ الْإِسْلَامِ أَوْ أُخُوَّةَ الرَّضَاعِ فَسَوَاءٌ فَسَّرَهُ بِذَلِكَ أَمْ لَا لَا يُحْمَل إلَّا عَلَى أُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ هَلْ يُقْبَلُ فِيهِ نَظَرٌ اهـ. وَبِتَأَمُّلِ قَوْلِهِ فَلَا يَحْتَمِلُ إلَّا أُخُوَّةَ الْإِسْلَامِ إلَخْ يُعْلَمُ أَنَّهُ مُصَرِّحٌ بِإِلْغَاءِ الْإِقْرَارِ فِي الْمَعْرُوفِ النَّسَبِ مِنْ أَصْلِهِ وَأَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ أَصْلًا فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُصَرِّحًا بِتَرْجِيحِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحِلِّ، ثُمَّ تَنْظِيرُهُ فِي الْمَرْأَةِ إنَّمَا هُوَ مَعَ جَهْلِ نَسَبِ الْمُقَرِّ بِهِ وَوَجْهُ النَّظَرِ حِينَئِذٍ وَاضِحٌ وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَمَدُ مَا أَطْلَقَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ عَدَمِ الْقَبُولِ وَمِنْهَا مَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ أُخْتِي كَانَ كِنَايَةَ طَلَاقٍ وَيَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ كِنَايَةَ طَلَاقٍ أَنَّهُ غَيْرُ صَرِيحٍ فِي حُرْمَتِهَا الْمُؤَبَّدَةِ وَإِلَّا كَانَ تَنَافِيًا إذْ مِنْ لَازِمِ كَوْنِهِ طَلَاقًا بَقَاءُ الْعِصْمَةِ حَيْثُ لَا نِيَّةَ وَرُجُوعُهَا بِالْمُرَاجَعَةِ مَعَ النِّيَّةِ وَمِنْ لَازِمِ كَوْنِهِ اعْتِرَافًا بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ وَمُؤَاخَذَاتِهِ بِذَلِكَ بَيْنُونَتُهَا مِنْهُ بِبَيْنُونَةِ فَسْخٍ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ لَهَا ذَلِكَ النِّيَّةِ فَتَنَافَى الْمَوْضِعَانِ وَإِذَا تَنَافَيَا لَزِمَ مِنْ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ كِنَايَةُ طَلَاقٍ تَرْجِيحُهُمْ لِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي مَعْرُوفَةِ النَّسَبِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ حُرْمَتِهَا بِاسْتِلْحَاقِهَا وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ صَاحِبَ الْأَنْوَارِ وَمَنْ تَبِعَهُ مُرَجِّحُونَ لِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ الْمُطْلَقَيْنِ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَكَفَى بِصَاحِبِ الْأَنْوَارِ سَلَفًا وَسَنَدًا فِي التَّرْجِيحِ فَإِنْ قُلْت كَلَامُ كَافِي الْخُوَارِزْمِيِّ الْآتِي فِي الْبَابِ الثَّالِثِ يَرُدُّ مَا ذُكِرَ وَكَذَا كَلَامُ الْقَفَّالِ الْآتِي، ثُمَّ أَيْضًا قُلْتُ مَمْنُوعٌ كَمَا سَأُقَرِّرُهُ بَعْدُ فَتَأَمَّلْهُ وَمِنْهَا قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا لَوْ قَالَ امْرَأَتِي هَذِهِ بَائِنٌ مِنِّي بَيْنُونَةً لَا تَحِلُّ لِي أَبَدًا أَوْ امْرَأَتِي هَذِهِ لَا تَحِلُّ لِي أَبَدًا لَمْ تُحَرَّمْ لِاحْتِمَالِهِ وَقِيلَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْبَيْنُونَةِ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِمُقْتَضَى إقْرَارِهِ وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّهُ قَدْ يَعْتَقِد التَّحْرِيمَ مُؤَبَّدًا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مُؤَاخَذٌ بِمُوجِبِ إقْرَارِهِ وَإِنْ احْتَمَلَ مَا ذُكِرَ. اهـ. فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ تَجِدْهُ صَرِيحًا ظَاهِرًا فِي تَرْجِيحِهِمْ لِلْوَجْهِ السَّابِقِ الْقَائِلِ بِالْحِلِّ وَوَجْهُ ظُهُورِهِ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي تَعْلِيلِ الْوَجْهِ الضَّعِيفِ هُوَ تَعْلِيلُ الْوَجْهِ الْمُقَابِلِ لِلْأَوَّلِ وَهُوَ الْقَائِلُ بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ لَهَا أَنْتِ أُخْتِي وَإِذَا أَعْرَضُوا عَنْ ذَلِكَ التَّعْلِيلِ وَالْمُعَلِّلِ وَهُوَ الْحُرْمَةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَانُوا مُعْرِضِينَ عَنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ فِي مَسْأَلَتِنَا بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَصْرَحُ مِنْ مُجَرَّدِ قَوْلِهِ هَذِهِ أُخْتِي بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي عَنْ الْخُوَارِزْمِيِّ أَنَّهَا تَحْتَمِلُ أُخُوَّةَ الدِّينِ وَأَنَّهُ يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِهَا وَمِنْهَا مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ تَرْجِيحِهِ لِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ الْقَائِلِ بِالْحِلِّ وَعِبَارَتُهُ لَوْ قَالَتْ لِرَجُلٍ أَنْتَ أَخِي مِنْ النَّسَبِ وَهُوَ مَعْرُوفُ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِ أَبِيهَا فَفِي تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ وَجْهَانِ وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ رَجُلٌ لِزَوْجَتِهِ فَكَذَّبَتْهُ وَهِيَ مَجْهُولَةُ النَّسَبِ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا عَلَى الصَّحِيحِ فَأَفْهَمْ أَنَّ مَعْرُوفَةَ النَّسَبِ لَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهَا بِذَلِكَ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ فِيهَا كِنَايَةٌ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا عَنْ قَوَاعِدِ الزَّرْكَشِيّ مَا يُؤَيِّدُ هَذَا وَمِنْهَا فَرْقُهُمْ بَيْن قَبُولِهِ إقْرَارَ الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ بِفَرْقَيْنِ ثَانِيهِمَا أَنَّهَا إذَا

الباب الثاني في الكلام على حرمتها عليه من غير تفصيل

أَقَرَّتْ بِالنَّسَبِ فَإِنَّهَا تُقِرُّ بِحَقٍّ عَلَيْهَا وَعَلَى غَيْرِهَا وَقَدْ بَطَلَ إقْرَارُهَا فِي حَقِّ الْغَيْرِ فَيَبْطُلُ فِي الْجَمِيعِ وَاعْتُرِضَ هَذَا بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِهِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ بُطْلَانُهُ فِي الْجَمِيعِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ تُؤَاخَذَ بِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهَا كَمَا فِي الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ اهـ. فَالْفَرْقُ مُصَرِّحٌ بِإِلْغَاءِ الْإِقْرَارِ مِنْ أَصْلِهِ فَيُؤَيَّدُ بِهِ الْوَجْهُ الْقَائِلُ بِالْحِلِّ، وَأَمَّا اعْتِرَاضُهُ الْمَذْكُورُ فَيَرُدُّهُ مَا مَرَّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَإِنَّهُ عَلَى طَبَقِهِ حَرْفًا بِحَرْفٍ فَمَا كَانَ جَوَابًا عَنْ النَّصِّ فَهُوَ الْجَوَابُ عَنْهُ. تَنْبِيهٌ أَوَّلٌ) مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَعْرُوفَةِ النَّسَبِ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ أُخْتِي مِنْ النَّسَبِ لِمَنْ فِي نِكَاحِهِ وَغَيْرِهَا قَدْ يُنَافِيه صَنِيعُ الزَّرْكَشِيّ فِي قَوَاعِدِهِ وَعِبَارَتُهُ لَوْ قَالَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ فُلَانَةُ بِنْتُ أَبِينَا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَفِي حِلِّهَا لِلْمُقِرِّ وَجْهَانِ وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ إنْ كَانَتْ مَجْهُولَةَ النَّسَبِ حُرِّمَتْ وَإِنْ كَانَتْ مَعْرُوفَةَ النَّسَبِ فَوَجْهَانِ وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ فِي اللَّقِيطِ تَحْرِيمُهَا وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ فَقَدْ ثَبَتَ الْفَرْعُ دُونَ الْأَصْلِ وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ أُخْتِي مِنْ النَّسَبِ وَهِيَ مَعْرُوفَةُ النَّسَبِ فَفِي تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ وَجْهَانِ. وَلَوْ كَانَتْ مَجْهُولَةَ النَّسَبِ وَكَذَّبَتْهُ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا عَلَى الْأَصَحِّ فَرَجَّحَ فِي الْأُولَى التَّحْرِيمَ بِقَوْلِهِ وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ وَسَكَتَ عَنْ التَّرْجِيحِ فِي الثَّانِيَةِ الْمَفْرُوضَةِ فِي الزَّوْجَةِ مَعَ ذِكْرِهِ لَهَا عَقِبَ الْأُولَى فَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ حَيْثُ التَّرْجِيحُ، وَأَمَّا حِكَايَةُ الْوَجْهَيْنِ فَهِيَ فِي الصُّورَتَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ هُوَ وَغَيْرُهُ كَمَا مَرَّ وَحِينَئِذٍ فَكَلَامُهُ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ لَا مُخَالِفَ لَهُ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِي جَرَيَانِ الْوَجْهَيْنِ وَهَذَا فِي تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا فِي غَيْرِ الزَّوْجَةِ وَكَانَ الْفَرْقُ أَنَّهُ قَبْلَ النِّكَاحِ لَا تُهْمَةَ فِي اسْتِلْحَاقِهِ مِنْ حَيْثُ الزَّوْجِيَّةُ فَأَثَّرَ عِنْدَ الزَّرْكَشِيّ كَالْإِمَامِ، وَأَمَّا مَعَ الزَّوْجِيَّةِ فَهُوَ مُتَّهَمٌ بِإِبْطَالِهِ بِاسْتِلْحَاقِهَا حَقَّهَا مِنْ النِّكَاحِ كَالْمُسَمَّى الزَّائِدِ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ فَمِنْ ثَمَّ تَوَقَّفَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ التَّرْجِيحِ فِي هَذَا فَتَأَمَّلْهُ. (تَنْبِيهٌ) ثَانٍ قَوْلُهُمْ وَكَذَّبَتْهُ فِي مَجْهُولَةِ النَّسَبِ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا عَلَى الصَّحِيحِ لَيْسَ قَيْدًا فِي انْفِسَاخِ نِكَاحِهَا وَحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَيْدٌ لِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي الِانْفِسَاخِ لِمَا قَرَّرْتُهُ آنِفًا أَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ إبْطَالَ حَقِّهَا أَمَّا إذَا صَدَّقَتْهُ فَوَاضِحٌ انْفِسَاخَ نِكَاحِهَا وَحُرْمَتَهَا عَلَيْهِ قَطْعًا وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فِي الْمَجْهُولَةِ فَهَلْ يَأْتِي نَظِيرُهُ فِي الْمَعْرُوفَةِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِيهِمَا أَوْ لَا إلَّا وَجْهَ الثَّانِي لِمَا مَرَّ أَنَّ كُلَّ إقْرَارٍ كَذَّبَهُ الشَّرْعُ لَا يُدَارُ عَلَيْهِ حُكْمٌ بِوَجْهٍ؛ وَلِأَنَّ الْعِصْمَةَ بِيَدِ الزَّوْجِ فَإِذَا لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ وَحْدَهُ لَا يُقْبَلُ تَصْدِيقُهَا لَهُ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ مَرَّ فِي الْمَجْهُولَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَصْدِيقِهَا وَتَكْذِيبِهَا وَمِمَّا يُؤَيِّدُ اعْتِبَارَ قَوْلِ الْمَرْأَةِ فِي الْحُرْمَةِ لَا النَّسَبِ فَرَقَّ الْبَغَوِيّ بَيْنَ قَوْلِهِمْ قَالَتْ أَمَةٌ لِشَخْصٍ بَيْنِي وَبَيْنَك رَضَاعٌ مُحَرِّمٌ إنْ كَانَ قَبْلَ الْمِلْكِ حُرِّمَتْ أَوْ بَعْدَ التَّمْكِينِ مِنْ الْوَطْءِ فَلَا أَوْ قَبْلَ التَّمْكِينِ فَوَجْهَانِ وَقَوْلُهُمْ لَوْ قَالَتْ بَيْنِي وَبَيْنَك أُخُوَّةُ نَسَبٍ لَمْ تُقْبَلْ فِي حُكْمٍ مَا بِأَنَّ النَّسَبَ أَصْلٌ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ كُلُّهَا أَهَمُّ وَأَعْظَمُ مِنْ أَمْرِ التَّحْرِيمِ فَلَا يَثْبُتُ بِقَوْلِ الْمَمْلُوكِ اهـ. (تَنْبِيهٌ) ثَالِثٌ قَدْ عَلِمْت مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ مَحَلَّ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا قَالَتْ أَنْتَ أَخِي مِنْ النَّسَبِ وَيُلْحَقُ بِذَلِكَ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ أُخْتِي فَقَطْ وَلَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَتْ مَجْهُولَةَ النَّسَبِ جَرَى عَلَى الْخِلَافِ فِيهَا فِيمَا يَظْهَرُ أَوْ مَعْرُوفَتَهُ فَلَا كَمَا مَرَّ عَنْ الْجَلَالِ الْبُلْقِينِيُّ وَسَيَأْتِي عَنْ الْخُوَارِزْمِيِّ مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ (تَنْبِيهٌ) رَابِعٌ جَمِيعُ مَا تَقَرَّرَ مَحَلُّهُ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ بَاطِنًا مَا يُخَالِفُ الظَّاهِرَ وَإِلَّا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بَاطِنًا بِلَا خِلَافٍ وَلُحُوقُهَا كَأَنْ عَلِمَ أَنَّهَا بِنْتُ أَبِيهِ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةِ الْفِرَاشِ بِمَا هُوَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ فَقَطْ كَمَا مَرَّ (تَنْبِيهٌ) خَامِسٌ مَحَلُّهُ أَيْضًا حَيْثُ أَمْكَنَ لُحُوقُهَا بِأَبِيهِ لَوْ اسْتَلْحَقَهَا بِفَرْضِ جَهْلِ نَسَبِهَا وَإِلَّا كَأَنْ كَانَتْ أَكْبَرَ مِنْ أَبِيهِ أَوْ أَصْغَرَ مِنْهُ بِسِنٍّ لَا يَحْتَمِلُ كَوْنَهَا بِنْتَه أَوْ كَانَتْ أُمُّهَا مِنْهُ بِمَسَافَةٍ يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهُ بِهَا عَادَةً فَلَا أَثَرَ لِإِقْرَارِهِ اتِّفَاقًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي اسْتِلْحَاقٍ يُكَذِّبُهُ الْحِسُّ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِإِقْرَارِهِ فِي تَحْرِيمٍ وَلَا غَيْرِهِ اتِّفَاقًا. [الْبَابُ الثَّانِي فِي الْكَلَامِ عَلَى حُرْمَتِهَا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ]

قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ وَجْهٌ مَشْهُورٌ فِي الْمَذْهَبِ لَا مَسَاغَ لِإِنْكَارِهِ وَاحْتِمَالِهِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُهُ تَرْجِيحًا قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ فِي قَوَاعِدِهِ لَوْ قَالَ أَحَدُ الِاثْنَيْنِ فُلَانَةُ بِنْتُ أَبِينَا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَفِي حِلِّهَا لِلْمُقِرِّ وَجْهَانِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ كَانَتْ مَجْهُولَةَ النَّسَبِ حُرِّمَتْ وَإِنْ كَانَتْ مَعْرُوفَتَهُ فَوَجْهَانِ وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ فِي اللَّقِيطِ تَحْرِيمُهَا وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ فَقَدْ ثَبَتَ الْفَرْعُ دُونَ الْأَصْلِ اهـ. وَقَوْلُ الرَّوْضَةِ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ ابْنِي وَمِثْلُهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ابْنًا لَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَعِتْقُهُ إنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ بَالِغًا وَصَدَّقَهُ وَإِنْ كَذَّبَهُ عَتَقَ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَوْنُهُ ابْنَهُ بِأَنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْهُ عَلَى حَالَةٍ لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهُ ابْنَهُ لَغَا قَوْلُهُ وَلَمْ يُعْتَقْ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ مُحَالًا، هَذَا فِي مَجْهُولِ النَّسَبِ فَإِنْ كَانَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يُلْحِقْهُ لَكِنْ يُعْتَقُ عَلَى الْأَصَحِّ لِتَضَمُّنِهِ الْإِقْرَارَ بِحُرِّيَّتِهِ وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ بِنْتِي قَالَ الْإِمَامُ الْحُكْمُ مِنْ حُصُولِ الْفِرَاقِ بَيْنَهُمَا وَثُبُوتِ النَّسَبِ كَمَا فِي الْعِتْقِ اهـ. وَمِمَّا يُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا يَأْتِي عَنْ الْقَفَّالِ وَالْخُوَارِزْمِيّ وَوَجْهُ التَّأْيِيدِ فِي هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ لِتَرْجِيحِ الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِالْحُرْمَةِ غَيْرُ خَفِيٍّ؛ لِأَنَّ الزَّرْكَشِيّ كَالْإِمَامِ مُرَجِّحَانِ لِلتَّحْرِيمِ فِي غَيْرِ الزَّوْجَةِ وَمِثْلُهَا الزَّوْجَةُ وَالْفَرْقُ السِّبَاقُ بَيْنَهُمَا إقْنَاعِيٌّ عِنْدَ التَّحْقِيقِ؛ وَلِأَنَّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ الْمَذْكُورَ صَرِيحٌ فِي التَّحْرِيمِ فِي الزَّوْجَةِ إذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أُخْتِي وَبِنْتِي وَهُوَ أَعْنِي التَّحْرِيمَ فِي الزَّوْجَةِ وَغَيْرِهَا هُوَ الْأَحْوَطُ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ النَّسَبُ وَلِلْقَائِلِينَ بِتَرْجِيحِ الْحِلِّ أَنْ يُجِيبُوا عَنْ ذَلِكَ بِأُمُورٍ مِنْهَا أَنَّ جَزْمَ الْإِمَامِ بِالتَّحْرِيمِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَرَّ عَنْهُ مِنْ اسْتِعْظَامِهِ جَرَيَانَ الْخِلَافِ وَقَدْ مَرَّ رَدُّ هَذَا الِاسْتِعْظَامِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَرَاجِعْهُ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ فِيهِ مَا مَرَّ عَنْ شَيْخِهِ الْأَذْرَعِيِّ مِنْ اخْتِيَارِهِ لِمَقَالَةِ الْإِمَامِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى اخْتِيَارِهِ لِتَخْرِيجِ ابْنِ سُرَيْجٍ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِخُرُوجِهَا عَنْ الْمَذْهَبِ فَتَأَمَّلْهُ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الزَّرْكَشِيّ وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ لَيْسَ صَرِيحًا فِي التَّرْجِيحِ عَلَى مَا قِيلَ فِي نَظِيرِهِ فِيمَا وَقَعَ فِي الْمِنْهَاجِ. وَمِنْهَا أَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ بِحُصُولِ الْفُرْقَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَا فُرْقَةَ الْفَسْخِ أَوْ فُرْقَةَ الطَّلَاقِ وَهُمَا وَجْهَانِ كَمَا يُفِيدُهُ قَوْلُ الْجَوَاهِرِ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ يَا بِنْتِي بِنَاءً عَلَى وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِهِ عِنْدَ احْتِمَالِ الْبِنْتِيَّةِ وَلَا نِيَّةَ لَهُ هَلْ هِيَ فُرْقَةُ فَسْخٍ أَوْ طَلَاقٍ وَجْهَانِ جَارِيَانِ فِيمَا إذَا كَانَتْ مَشْهُورَةَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ كَبِيرَةً وَكَذَّبَتْهُ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ كَلَامَ الْإِمَام مُحْتَمِلٌ لِفُرْقَةِ الطَّلَاقِ انْتَفَى وَالِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى التَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِفُرْقَةِ الطَّلَاقِ إلَّا حِلُّهَا لَهُ بِالرَّجْعَةِ فَحِينَئِذٍ لَا دَلَالَةَ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ عَلَى الْحُرْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْقَمُولِيِّ جَارٍ فِيمَا إذَا كَانَتْ مَشْهُورَةَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ كَبِيرَةً وَكَذَّبَتْهُ ظَاهِرًا فِي جَرَيَانِ الْوَجْهَيْنِ فِي نَفْسِ أَنْتِ بِنْتِي؛ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ إنَّمَا يَتَّجِهُ فِي هَذَا دُونَ النِّدَاءِ لِاحْتِمَالِهِ لِلْكَرَامَةِ احْتِمَالًا ظَاهِرًا بِخِلَافِ أَنْتِ بِنْتِي وَبِذَلِكَ يَزِيدُ إيضَاح مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ هَذَا عَلَى التَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ أَصْلًا وَمِنْهَا احْتِمَالُ الْفَرْقِ بَيْن أَنْتِ بِنْتِي وَأَنْتِ أُخْتِي وَذَلِكَ أَنَّ حِكَايَةَ الْخِلَافِ فِي أَنْتِ أُخْتِي مَشْهُورَةٌ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ قَبْلَ وُجُودِ الْإِمَامِ بِزَمَنٍ طَوِيلٍ فَلَا يَكُونُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ وَمِنْهَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَيَّدَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِمَا إذَا قَصَدَ الِاسْتِلْحَاقَ فَإِنَّهُ قَالَ عَقِبَ كَلَامِ الرَّوْضَةِ الْمَذْكُورِ قُلْت وَكَأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ إذَا قَالَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِلْحَاقِ أَمَّا لَوْ قَالَهُ عَلَى وَجْهِ الْمُلَاطَفَةِ أَوْ قَالَ قَصَدْتُ بِهِ ذَلِكَ أَيْ: الْفِرَاقَ لَا حَقِيقَةَ الْبِنْتِيَّةِ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ اهـ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ قَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ إلَى مَا سَأَذْكُرُهُ عَنْهُ قَرِيبًا وَذَكَرَهُ فِي بَابِ الطَّلَاقِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ هُنَا لَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى حُرْمَةٍ وَلَا فُرْقَةٍ فِي الْوَقْعَةِ السَّابِقَةِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَقْصِدْ فِيهَا اسْتِلْحَاقًا قَطْعًا كَمَا يَأْتِي وَحِينَئِذٍ فَالِاسْتِدْلَالُ بِكَلَامِ الْإِمَامِ هَذَا عَلَى الْحُرْمَةِ فِيهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا يُرَدُّ بِمَا ذَكَرَهُ وَسَأَذْكُرُهُ فَلْيَكُنْ ذَلِكَ عَلَى ذِكْرٍ مِنْك وَقَدْ مَرَّ أَنَّ مَحَلَّ الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِالْحُرْمَةِ إنَّمَا هُوَ إذَا قَصَدَ بِأَنْتِ أُخْتِي الِاسْتِلْحَاقَ فَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى التَّحْرِيمِ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ أَصْلًا إذْ لَيْسَ فِيهَا قَصْدُ اسْتِلْحَاقٍ

الباب الثالث في الكلام على حرمتها ظاهرا وحلها له باطنا إن كذب

قَطْعًا كَمَا تَقَرَّرَ وَمِنْهَا فَرْقُهُمْ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ بَيْنَ قَبُولِ الْإِقْرَارِ بِالْبُنُوَّةِ لَا بِالْأُخُوَّةِ بِفُرُوقٍ مُتَّعَدِّدَةٍ مِنْهَا أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْبُنُوَّةِ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْأُخُوَّةِ فَاحْتِيطَ لِذَلِكَ مَا لَا يُحْتَاطُ لِهَذَا وَيُفَرَّقُ أَيْضًا بِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَعْلَمُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِهِ مَا لَا يَعْلَمُهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهِ فَجَازَ أَنْ يُؤَثِّرَ إقْرَارُهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِهِ كَالْبُنُوَّةِ مَا لَا يُؤَثِّرُ إقْرَارُهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهِ كَالْأُخُوَّةِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُمْ اشْتَرَطُوا فِي الْإِلْحَاقِ بِالْغَيْرِ شُرُوطًا زَائِدَةً فَدَلَّ عَلَى تَرَاخِي رُتْبَةِ الْأُخُوَّةِ عَنْهَا بِالْبُنُوَّةِ وَحَاصِلُ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ فِي الْبُنُوَّةِ لَا يُرَدُّ نَقْضًا لِمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي الْأُخُوَّةِ لِمَا تَقَرَّرَ مُوَضَّحًا فَإِنْ قُلْتَ فِي تَقْرِيرِ الشَّيْخَيْنِ لَلْإِمَامِ عَلَى ذَلِكَ أَوْضَحُ حُجَّةً عَلَى ضَعْفِ الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِالْحَالِ؛ لِأَنَّا إنْ جَعَلْنَاهَا فُرْقَةَ فَسْخٍ فَوَاضِحٌ أَوْ فُرْقَةَ طَلَاقٍ فَأَيْنَ الْحِلُّ وَفِيهِ أَيْضًا رَدُّ مَا مَرَّ مِنْ دَعْوَى أَنَّ الْإِقْرَارَ الَّذِي كَذَّبَهُ الشَّرْعُ لَا يُعْمَلُ بِهِ أَصْلًا قُلْت قَدْ مَرَّ لَك أَنَّ أُخْتِي يَحْتَمِلُ أُخُوَّةَ الدِّينِ وَأُخُوَّةَ النَّسَبِ وَمَعَ هَذَا الِاحْتِمَالِ الْمُنْضَمِّ إلَيْهِ تَكْذِيبُ الشَّرْعِ لَهُ فِي إقْرَارِهِ بِنَحْوِ الْأُخُوَّةِ يَنْدَفِعُ قِيَاسُ الْإِقْرَارِ بِالْبُنُوَّةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا احْتِمَالَ ظَاهِرٌ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ فِي فَرْقِهِمْ بَيْنَ يَا بِنْتِي وَأَنْتِ بِنْتِي فَإِنَّ الْأَوَّلَ ظَاهِرٌ فِي الْكَرَامَةِ بِخِلَافِ الثَّانِي فَاتَّضَحَ أَنَّ مَا هُنَا لَا يَدْفَعُ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ (تَنْبِيهٌ أَوَّلٌ) فِي ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِدُونِ ثُبُوتِ النَّسَبِ هُنَا تَأْيِيدًا لِمَا مَرَّ مِنْ تَخْرِيجِ ابْنِ سُرَيْجٍ لَكِنْ قَدْ سَبَقَ الْجَوَابُ عَنْهُ (تَنْبِيهٌ ثَانٍ) قَدْ عَلِمْت مِنْ فَرْضِهِمْ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ عَنْ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ فِي صُورَةِ الِاسْتِلْحَاقِ أَنَّهُ حَيْثُ لَا اسْتِلْحَاقَ فَلَا حُرْمَةَ حَتَّى عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (تَنْبِيهٌ ثَالِثٌ) مَرَّ أَيْضًا أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلظَّاهِرِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْبَاطِنِ فَلَا يَتَّجِهُ فِيهِ خِلَافٌ بَلْ يَجِبُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ إنْ صَدَقَ فِيمَا ذَكَرَهُ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بَاطِنًا وَإِنْ كَذَبَ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ بَاطِنًا وَهَذَا مِمَّا لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَا يَأْتِي عَنْ الْأَذْرَعِيِّ مِنْ الْحُرْمَةِ ظَاهِرًا هُوَ هَذَا الْوَجْهُ الثَّانِي وَمِنْ الْحِلِّ بَاطِنًا إنْ كَذَبَ أَيْ: وَالْحُرْمَةُ إنْ صَدَقَ هُوَ مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ وَحِينَئِذٍ فَكَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ لَيْسَ خَارِجًا عَنْ ذَيْنَك الْوَجْهَيْنِ خِلَافًا لِمَنْ فَهِمَ أَنَّهُ احْتِمَالٌ ثَالِثٌ وَجَرَيْتُ عَلَيْهِ إرْخَاءً لِلْعَنَانِ مَعَ ذَلِكَ الْوَهْمِ، ثُمَّ بَيَّنْتُ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ فَتَدَبَّرْ ذَلِكَ وَشُدَّ بِهِ يَدَيْك لِتُحْفَظَ مِنْ الْوَهْمِ الَّذِي رُبَّمَا رَاجَ عَلَيْك. [الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْكَلَامِ عَلَى حُرْمَتِهَا ظَاهِرًا وَحِلِّهَا لَهُ بَاطِنًا إنْ كَذَبَ] (الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْكَلَامِ عَلَى حُرْمَتِهَا ظَاهِرًا وَحِلِّهَا لَهُ بَاطِنًا إنْ كَذَبَ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَذْرَعِيَّ أَبْدَى هَذَا بَحْثًا لَكِنْ قَيَّدَهُ بِقَيْدٍ رُبَّمَا يُغْفَلُ عَنْهُ وَقَدْ مَرَّ آنِفًا أَنَّهُ الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ كَلَامِ الْخُوَارِزْمِيِّ مَا قَدْ يَدُلُّ لِمَا ذَكَرَهُ وَمَا قَدْ يَرُدُّهُ كَمَا سَتَعْرِفُهُ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ نَقَلَا عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ الَّتِي هِيَ ثَابِتَةُ النَّسَبِ يَا بِنْتِي وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ احْتِمَالِ السِّنِّ كَمَا لَوْ قَالَهُ لِعَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ زَادَ النَّوَوِيُّ قُلْت الْمُخْتَارُ فِي هَذَا أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ فُرْقَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْعَادَةِ لِلْمُلَاطَفَةِ وَحُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ. اهـ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ عَقِبَ ذَلِكَ: قُلْت لَفْظُ الْعَبَّادِيِّ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ الَّتِي هِيَ ثَابِتَةُ النَّسَبِ يَا بِنْتِي فَإِنَّهُ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا إذَا اُحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهَا ابْنَتَهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ يَا أُخْتِي أَوْ قَالَ يَا أُمِّي أَوْ قَالَ أَنْتِ أُمِّي أَنْتِ أُخْتِي أَمَّا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ يَا ابْنِي وَإِنْ كَانَ ثَابِتَ النَّسَبِ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ إذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ابْنًا لَهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِجَارِيَتِهِ يَا بِنْتِي فَإِنَّهَا تُعْتَقُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ ثَابِتَةَ النَّسَبِ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يُولَدَ لَهُ مِثْلُهَا وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ قُلْتُ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ فُرْقَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يُوهِمُ الْمُوَافَقَةَ عَلَى صُورَةِ الْعِتْقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ اسْتِعْمَالُ الْمُلَاطَفَةِ لِلْعَبْدِ وَالْأَمَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ غَالِبٌ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِيهَا ذَلِكَ وَقَوْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ إنْ أَرَادَ بِهِ نِيَّةَ إيقَاعِ الطَّلَاقِ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا إشْعَارَ لَهُ بِذَلِكَ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ قَصْدَ الِاسْتِلْحَاقِ حَيْثُ يُمْكِنُ كَوْنُهَا مِنْهُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُقِرًّا بِعَدَمِ الزَّوْجِيَّةِ فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَلَا فُرْقَةَ بَاطِنًا وَيُحْكَمُ بِهَا ظَاهِرًا، ثُمَّ رَأَيْت الْخُوَارِزْمِيَّ قَالَ فِي كَافِيهِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا بِنْتِي

أَوْ يَا أُمِّي أَوْ جَدَّتِي نُظِرَ إنْ كَانَتْ فِي سِنٍّ يَسْتَحِيلُ أَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ فَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ الْحُرْمَةِ وَإِنْ كَانَتْ فِي سِنٍّ يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ كَمَا يَقُولُ تُحَرَّمُ عَلَيْهِ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً وَإِنْ كَانَتْ مَعْرُوفَةَ النَّسَبِ فَلَوْ قَالَ إنَّمَا قُلْت ذَلِكَ لَهَا بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ أَوْ الِاسْتِهْزَاءِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ يَا أُخْتِي مَثَلًا ثُمَّ قَالَ عَنَيْت مِنْ جِهَةِ الدِّينِ يُقْبَلُ. اهـ. كَلَامُ التَّوَسُّطِ وَذَكَرَ كَلَامَ الْخُوَارِزْمِيِّ أَيْضًا بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْفُرُوعِ الْمَنْثُورَةِ آخِرَ الطَّلَاقِ، وَبَيَانُ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الَّذِي أَشَرْت إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ بِأُمُورٍ: أَوَّلِهَا: أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا قَيَّدَهُ بِمَا إذَا قَصَدَ الزَّوْجُ الِاسْتِلْحَاقَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَوْلُهُ وَإِنْ أَرَادَ بِالنِّيَّةِ قَصْدَ الِاسْتِلْحَاقِ حَيْثُ يُمْكِنُ كَوْنُهَا مِنْهُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُقِرًّا بِعَدَمِ الزَّوْجِيَّةِ فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا إلَخْ فَرَتَّبَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْفُرْقَةِ عَلَى مَا فَرَضَهُ مِنْ قَصْدِ الِاسْتِلْحَاقِ بِقَوْلِهِ يَا بِنْتِي وَجَعَلَ إقْرَارَهُ بِعَدَمِ الزَّوْجِيَّةِ مُتَوَقِّفًا عَلَى ذَلِكَ الْقَصْدِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَعْرِفَةَ قَصْدِ ذَلِكَ لَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا دَلَالَةَ فِي كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ عَلَى وُقُوعِ فُرْقَةٍ فِي صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ فِي الْمُقَدِّمَةِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ مُصَرِّحٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ اسْتِلْحَاقًا وَإِنَّمَا قَصَدَ الْكَذِبَ حَتَّى تَتِمَّ لَهُ الْحِيلَةُ الَّتِي قَصَدَهَا وَقَرَائِنُ أَحْوَالِهِ تُفِيدُ الْقَطْعَ بِتَصْدِيقِهِ فِي كَوْنِهِ لَمْ يَقْصِدْ اسْتِلْحَاقًا وَإِذَا لَمْ يَقْصِدْ فَلَا فُرْقَةَ وَهَذَا عَلَى مِنْوَالِ مَا قَدَّمْتُهُ عَنْهُ فِي أَنْتِ بِنْتِي كَمَا مَرَّ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْتَ هَلْ يُعْتَمَدُ كَلَامُهُ هَذَا قُلْتُ قَدْ قَدَّمْت لَك أَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي الْقَائِلُ بِالْحُرْمَةِ الْمَعْقُودُ لَهُ الْبَابُ الثَّانِي كَمَا مَرَّ وَالْقَوْلُ بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ كَذَلِكَ مَعَ قَصْدِهِ الِاسْتِلْحَاقَ وَكَذِبُهُ فِيهِ بَعِيدٌ جِدًّا فَتَعَيَّنَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ التَّفْصِيلِ الَّذِي قَدَّمْته أَوَّلَ الْبَابِ الْأَوَّلِ فَتَدَبَّرْهُ فَإِنَّهُ مِمَّا يَلْتَبِسُ. ثَانِيهَا: قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ إنْ أَرَادَ بِهِ نِيَّةَ إيقَاعِ الطَّلَاقِ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا إشْعَارَ لَهُ بِذَلِكَ. اهـ. يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا نَظَرَ فِيهِ وَمَا عُلِّلَ بِهِ مَمْنُوعٌ وَمِمَّا يَرُدُّهُ مَا ذَكَرَهُ هُوَ مِنْ إفَادَةِ الْفُرْقَةِ بِقَيْدِهِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ قَصْدُ الِاسْتِلْحَاقِ وَمَرَّ أَنَّ الْفُرْقَةَ فُرْقَةُ طَلَاقٍ فِي وَجْهٍ وَفَسْخٌ فِي وَجْهٍ وَحِينَئِذٍ فَلَهُ إشْعَارٌ بِهِ أَيَّ إشْعَارٍ. ثَالِثهَا سِيَاقُهُ لِكَلَامِ الْخُوَارِزْمِيِّ قَصَدَ بِهِ التَّأْيِيدَ لِمَا بَحَثَهُ هُوَ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِغَيْرِ قَصْدِ الِاسْتِلْحَاقِ وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْخُوَارِزْمِيَّ جَعَلَ يَا بِنْتِي يَا أُمِّي يَا جَدَّتِي يَا أُخْتِي إذَا أَمْكَنَ ذَلِكَ فِيهَا يُوجِبُ التَّحْرِيمَ الْمُؤَبَّدَ وَإِنْ عُرِفَ نَسَبُهَا مَا لَمْ يَقْصِدْ الْكَرَامَةَ أَوْ الِاسْتِهْزَاءَ أَوْ أُخُوَّةَ الدِّينِ فَإِنْ قُلْت قَدْ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي الْبَابِ الثَّانِي أَنَّ الْأَذْرَعِيَّ أَحَالَ فِي بَابِ الْعِتْقِ بَيَانَ مَا إذَا قَصَدَ الْمُلَاطَفَةَ أَوْ الْفِرَاقَ لَا حَقِيقَةَ الْبُنُوَّةِ عَلَى مَا قَدَّمَهُ فِي بَابِ الطَّلَاقِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ ذَلِكَ قُلْت مَمْنُوعٌ بَلْ ذَكَرَ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ وَفِيهِ قَصْدُ الِاسْتِلْحَاقِ أَمَّا هَذَا فَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ لَهُ صَرِيحًا، وَأَمَّا الْأَوَّلُ أَعْنِي قَصْدَ الْمُلَاطَفَةِ فَقَدْ ذَكَرَهُ عَنْ صَاحِبِ الْكَافِي وَأَمَّا قَصْدُ الْفِرَاقِ فَقَدْ ذَكَرَهُ أَعْنِي الْأَذْرَعِيَّ وَنَظَرَ فِيهِ وَرَدَدْتُ عَلَيْهِ نَظَرَهُ كَمَا سَبَقَ فَإِنْ قُلْت عِبَارَةُ فَتَاوَى الْقَفَّالِ الْآتِي ذِكْرُهَا صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ أُخْتِي صَرِيحٌ فِي تَأْبِيدِ الْحُرْمَةِ وَبِهَا يَتَأَيَّدُ مَا مَرَّ فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ الْحُرْمَةِ كَمَا هُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ قُلْت هُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا لَوْ كَانَ رَأْيُ الْقَفَّالِ مُعْتَمَدًا أَمَّا حَيْثُ ضَعَّفَ النَّوَوِيُّ رَأْيَهُ كَمَا مَرَّ فَلَا يَتِمُّ التَّمَسُّكُ بِكَلَامِهِ فَإِنْ قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ تَضْعِيفِ النَّوَوِيِّ لِمَا ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ فِي النِّدَاءِ تَضْعِيفُهُ لِمَا ذَكَرَهُ فِي أَنْتِ أُمِّي أَنْتِ أُخْتِي لِمَا هُوَ مُقَرَّرٌ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ النِّدَاءِ وَغَيْرِهِ إذْ النِّدَاءُ يَقَعُ عَلَى جِهَةِ التَّلَطُّفِ وَنَحْوِهِ كَثِيرًا بِخِلَافِ أَنْتِ بِنْتِي أَوْ أُمِّي وَنَحْوِهِمَا وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي اعْتِرَاضِ النَّوَوِيِّ لِكَلَامِ الْقَفَّالِ فِي النِّدَاءِ وَتَقْرِيرِهِ لِلْإِمَامِ فِي أَنْتِ بِنْتِي عَلَى إفَادَته الْفُرْقَةَ كَمَا مَرَّ قُلْتُ قَوْلُ الْقَفَّالِ أَنْتِ أُمِّي أَنْتِ أُخْتِي ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَحِينَئِذٍ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى مَا لَوْ قَالَ أَنْتِ أُخْتِي؛ لِأَنَّ الِاحْتِمَالَ فِيهِ لِأُخُوَّةِ الدِّينِ وَغَيْرِهَا أَظْهَرُ مِنْهُ فِيمَا لَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنَّ الْقَفَّالَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ صَاحِبُ ذَلِكَ الْوَجْهِ الصَّائِرِ إلَى أَنَّ أُخْتِي يُوجِبُ التَّحْرِيمَ الْمُؤَبَّدَ فَإِنْ قُلْتَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخُوَارِزْمِيِّ أَنَّ بِنْتِي وَأُمِّي وَجَدَّتِي وَأُخْتِي فِي النِّدَاءِ يَنْصَرِفُ إلَى الْحُرْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ مَا لَمْ يُرِدْ غَيْرَهَا قُلْتُ نَعَمْ ظَاهِرُهُ ذَلِكَ فَهُوَ مُوَافِقٌ

باب المساقاة

لِلْقَفَّالِ فِي حَالَةِ الْإِطْلَاقِ وَلِلنَّوَوِيِّ فِي حَالَةِ إرَادَةِ غَيْرِ الْفُرْقَةِ وَقَدْ عُلِمَ ضَعْفُ كَلَامِ الْقَفَّالِ فِي حَالَةِ الْإِطْلَاقِ وَكَذَا كَلَامُ الْخُوَارِزْمِيِّ وَقَدْ يُقَالُ بَيَّنَ الْخُوَارِزْمِيُّ أَنَّ مُرَادَ الْقَفَّالِ بِالْحُرْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ مَا لَمْ يُرِدْ غَيْرَهَا وَحِينَئِذٍ فَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْوَجْهَ الثَّانِي الْقَائِلَ بِالتَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ فِي أَنْتِ أُخْتِي مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ وَبِهِ يَتَأَيَّدُ مَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي نَحْوِ أَنْتِ بِنْتِي بِأَنَّ مَحَلَّهُ مَا لَمْ يَقْصِدْ الِاسْتِلْحَاقَ أَوْ الْمُلَاطَفَةَ أَوْ الِاسْتِهْزَاءَ، وَكَذَا أُخُوَّةُ الدِّينِ فِي أَنْتِ أُخْتِي وَحِينَئِذٍ يَتَّجِهُ كَمَا مَرَّ أَنَّا وَلَوْ قُلْنَا بِهَذَا الْوَجْهِ الصَّائِرِ إلَى الْحُرْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ لَا يُرَدُّ هَذَا الْوَجْهُ عَلَى مَنْ أَفْتَى فِي السَّابِقَةِ بِالْحِلِّ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَحَلَّهُ مَا لَمْ يُرِدْ غَيْرَ ذَلِكَ كَمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْخُوَارِزْمِيِّ الَّذِي أَيَّدَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ بَحْثَهُ السَّابِقَ فَتَأَمَّلْ هَذَا كَاَلَّذِي قَبْلَهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَبِهِ يَتَّضِحُ الْحَقُّ وَفَّقَنَا اللَّهُ لِسُلُوكِ سَبِيلِهِ وَحَمَانَا مِنْ الشَّيْطَانِ وَتَسْوِيلِهِ وَخَلَّصَنَا مِنْ شَوَائِبِ الْبَقَاءِ مَعَ الْحُظُوظِ وَالنُّفُوسِ وَأَزَالَ عَنْ نُفُوسِنَا كُلَّ هَمٍّ وَغَمٍّ وَبُغْضٍ وَبُؤْسٍ إنَّهُ الرَّحِيمُ الرَّحْمَنُ الْكَرِيمُ الْمَنَّانُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ قَالَ مُؤَلِّفُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ نُجِزَ فِي دُونِ يَوْمَيْنِ سُلِخَ ذِي الْقَعْدَةِ الْحَرَامِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ تَقَبَّلَهُ اللَّهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ [بَابُ الْمُسَاقَاةِ] (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَمَّا إذَا مَاتَ الْمُسَاقِي الْعَامِلُ وَكَانَتْ الْمُسَاقَاةُ عَيْنِيَّةً وَقَالُوا انْفَسَخَتْ كَالْإِجَارَةِ الْعَيْنِيَّةِ مَا يَصِيرُ لِلْعَامِلِ وَرُبَّمَا أَثْمَرَ النَّخْلُ وَرُبَّمَا لَمْ يُثْمِرْ مَا الْحُكْمُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا؟ (فَأَجَابَ) إذَا مَاتَ الْعَامِلُ وَقُلْنَا بِانْفِسَاخِ الْمُسَاقَاةِ وَجَبَ لَهُ مِنْ الثَّمَرِ الَّذِي ظَهَرَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِقَدْرِ مَا عَمِلَ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي فَتَاوِيهِ فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَرَةِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ عَامَلَ رَجُلًا عَلَى أَرْضٍ لِيَزْرَعَهَا وَيَقُومَ عَلَى شَجَرِهَا بِجُزْءٍ مِنْهَا فَعَطَّلَ أَكْثَرَ الْأَرْضِ وَبَوَّرَهَا فَهَلْ يَضْمَنُ قِيمَةَ مَا عَطَّلَهُ مِنْهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى التَّاجُ الْفَزَارِيّ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ تَسَلَّمَ الْأَرْضَ مِنْ الْمَالِكِ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ مَا عَطَّلَهُ مِنْهَا وَنَقَلَهُ عَنْ النَّصِّ وَغَلِطَ مَنْ قَالَ بِخِلَافِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ يَدَ الْعَامِلِ لَيْسَتْ يَدَ ضَمَانٍ حَتَّى يَضْمَنَ بِالتَّفْوِيتِ. (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَمَّا إذَا مَاتَ الْمُسَاقِي الْعَامِلُ وَالْمُسَاقَاةُ عَيْنِيَّةٌ وَقَالُوا انْفَسَخَتْ كَالْإِجَارَةِ الْعَيْنِيَّةِ مَا يَصِيرُ لِلْعَامِلِ مِمَّا أَثْمَرَ النَّخْلُ وَمِمَّا لَمْ يُثْمِرْ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ الْوَاقِعِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَلَا تَتَوَزَّعُ الثَّمَرَةُ عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِ جَمِيعِ الْعَمَلِ حَتَّى يَجِبَ لَهُ مِنْهَا حِصَّةٌ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَعْلُومَةً عِنْدَ الْعَقْدِ حَتَّى يَقْتَضِيَ الْعَقْدُ التَّوْزِيعَ عَلَيْهَا فَإِنْ قُلْت ذَكَرُوا أَنَّ الْمُسَاقَاةَ مَتَى وَقَعَتْ قَبْلَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ مَلَكَهَا بِالظُّهُورِ فَكَيْفَ لَا تُورَثُ عَنْهُ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا قُلْت مِلْكُهُ لَهَا بِالظُّهُورِ لَيْسَ مِلْكًا نَاجِزًا بَلْ هُوَ مِلْكٌ مُرَاعًى فَإِنْ تَمَّ الْعَمَلُ بَانَ أَنَّهُ مَلَكَهَا بِالظُّهُورِ وَإِلَّا فَلَا. [بَابُ الْإِجَارَةِ] (سُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَنْ امْرَأَةٍ وَقَفَتْ وَقْفًا عَلَى نَفْسِهَا مُدَّةَ حَيَاتِهَا مَثَلًا ثُمَّ مِنْ بَعْدِهَا عَلَى أَوْلَادِهَا وَأَوْلَادِ وَلَدِهَا وَشَرَطَتْ النَّظَرَ لَهَا مُدَّةَ حَيَاتِهَا مَثَلًا ثُمَّ مِنْ بَعْدِهَا لِمَنْ عَيَّنَتْهُ مَثَلًا ثُمَّ إنَّهَا بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ الْوَقْفُ عَلَى يَدِ حَنَفِيٍّ أَجَّرَتْهُ مِائَةَ سَنَةٍ مَثَلًا ثُمَّ مَاتَتْ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ بَعْدَ أَنْ ثَبَتَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى يَدِ شَافِعِيٍّ فَوَقَعَ السُّؤَالُ هَلْ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ أَمْ لَا فَأَفْتَى الشَّافِعِيُّ بِانْفِسَاخِهَا فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ فَهَلْ هَذَا الْإِفْتَاءُ صَحِيحٌ أَوْ لَا أَوْضِحُوا لَنَا الْجَوَابَ لَا عَدِمَكُمْ الْمُسْلِمُونَ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْإِفْتَاءَ الْمَذْكُورَ صَحِيحٌ لَكِنْ بِقَيْدِهِ الْآتِي. وَقَدْ أَفْتَى بِمَا يُوَافِقُهُ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ عَهْدَهُ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى شَخْصٍ، ثُمَّ أَوْلَادِهِ وَشَرَطَ النَّظَرَ لَهُ عَلَيْهِ أَيَّامَ حَيَاتِهِ، ثُمَّ لِمَنْ يَنْتَهِي لَهُ الْوَقْفُ مِمَّنْ ذَكَرَ، ثُمَّ أَجَّرَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْمَوْقُوفَ مُدَّةً وَمَاتَ قَبْلَ انْقِضَائِهَا فَأَجَابَ بِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُؤَجِّرِ لِغَيْرِهِ اهـ. وَكَذَلِكَ الْكَمَالُ الرَّدَّادُ شَارِحُ الْإِرْشَادِ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ ضَيْعَةٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى الذُّرِّيَّةِ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ عَلَى التَّرْتِيبِ وَالنَّظَرِ

فِيهِ لِلْأَكْبَرِ مِنْ كُلِّ بَطْنٍ فَأَجَّرَهُ النَّاظِرُ وَلَيْسَ مِنْ الذُّرِّيَّةِ مِنْ ذَلِكَ الْبَطْنِ غَيْرُهُ فَهَلْ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ وَهَلْ يَصِحُّ إيجَارُهُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ نَعَمْ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ وَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ النَّاظِرِ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ اهـ. وَلَمَّا كَانَ فِي إطْلَاقِ الِانْفِسَاخِ فِي هَذَيْنِ الْإِفْتَاءَيْنِ نَظَرٌ خَالَفَ الْأَوَّلَ أَجَلُّ تَلَامِذَتِهِ شَيْخُنَا الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ وَالثَّانِيَ وَلَدُهُ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ وَعِبَارَةُ فَتَاوَى الْأَوَّلِ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ، ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ وَهَكَذَا وَشَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِلْأَرْشَدِ أَوْ الْأَصْلَحِ مِنْهُمْ وَآلَ النَّظَرُ وَالِاسْتِحْقَاقُ لِأَحَدِهِمْ بِمَوْتِ إخْوَتِهِ فَأَجَّرَ مُدَّةً وَمَاتَ قَبْلَ انْقِضَائِهَا فَهَلْ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لِغَيْرِهِ وَكَذَا النَّظَرُ فَلَا نَظَرَ لَهُ عَلَى الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ مَنَعَهُ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ حَالَ نَظَرِهِ وَجَعَلَ اسْتِحْقَاقَهُ حَالَ نَظَرِ غَيْرِهِ بِلَا وِلَايَةٍ لَهُ عَلَيْهِ وَلَا نِيَابَةٍ إذْ الْبَطْنُ الثَّانِي إنَّمَا يَتَلَقَّى مِنْ الْوَاقِفِ لَا مِنْ الْأَوَّلِ فَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِي حَقِّ مَنْ بَعْدَهُ. وَلِقَوْلِ الْمَحَلِّيِّ بَعْدَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ وَيَتَوَلَّى الْوَقْف إلَّا فِي صُورَةٍ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ وَلَوْ أَجَّرَ إلَخْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ النَّاظِرُ حَاكِمًا أَوْ أَجْنَبِيًّا أَوْ مُسْتَحِقًّا وَالْوَقْفُ وَقْفُ تَشْرِيكٍ أَوْ تَرْتِيبٍ وَبَقِيَ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ أَوْ أَحَدُهُمْ فَإِنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ مُطْلَقًا فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ وَفِيهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهِ؛ لِأَنَّهُ نَاظِرٌ لِلْجَمِيعِ فِي غَيْرِ الْأَخِيرَةِ وَلِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ فِيهَا وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ التَّشْرِيكِ وَالتَّرْتِيبِ أَجَابَ إجَارَةُ نَاظِرِ الْوَقْفِ لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ لِدُخُولِهَا فِي قَوْلِ الْأَصْحَابِ وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِ مُتَوَلِّي الْوَقْفِ فَلَيْسَتْ مِنْ مَسْأَلَةِ إجَارَةِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ مَثَلًا؛ لِأَنَّ صُورَتَهَا أَنْ يَشْرُطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِكُلِّ مُسْتَحِقٍّ عَلَى حِصَّتِهِ خَاصَّةً وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَسْأَلَتَنَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ النَّظَرُ فِيهَا لِلْأَرْشَدِ أَوْ الْأَصْلَحِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ يَتَنَاوَلُ ثُبُوتَ النَّظَرِ لَهُ حَالَةَ اسْتِحْقَاقِهِ مِنْ الْوَقْفِ وَحَالَ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ حَتَّى لَوْ وُجِدَ فِي بَطْنٍ سَافِلٍ كَالثَّانِي وَالثَّالِثِ مَنْ هُوَ أَرْشَدُ وَأَصْلَحُ مِنْ أَهْلِ بَطْنٍ عَالٍ كَالْأَوَّلِ ثَبَتَ لَهُ النَّظَرُ. وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا مِنْ الْوَقْفِ مَعَ وُجُودِ أَحَدٍ مِنْ بَطْنٍ أَعْلَى مِنْهُ فَعُلِمَ أَنَّ وِلَايَةَ مَنْ هُوَ مِنْ الْبَطْنِ الْعَالِي لَمْ يُقَيِّدْهَا الْوَاقِفُ بِحَالَةِ اسْتِحْقَاقِهِ إذْ لَوْ تُصُوِّرَ أَنْ يَسْتَحِقَّ مَعَهُ أَحَدٌ مِنْ بَطْنٍ أَسْفَلَ مِنْهُ ثَبَتَتْ وِلَايَةُ نَظَرِهِ عَلَى اسْتِحْقَاقِ ذَلِكَ السَّافِلِ بِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ مَعَ وُجُودِهِ لَا لِعَدَمِ شُمُولِ وِلَايَتِهِ لَهُمْ فَالتَّرْتِيبُ فِي الْبُطُونِ لِاسْتِحْقَاقِ الرَّيْعِ لَا لِثُبُوتِ النَّظَرِ وَقَدْ عُلِمَ جَوَابُ بَقِيَّةِ السُّؤَالِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ إجَارَةَ نَاظِرِ الْوَقْفِ لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ إلَّا فِي مَسْأَلَةِ شَرْطِ الْوَاقِفِ النَّظَرَ لِكُلِّ مُسْتَحِقٍّ عَلَى حِصَّتِهِ خَاصَّةً وَقَدْ يُجَابُ عَنْ عِبَارَةِ شَيْخِنَا زَكَرِيَّا بِأَنَّ قَوْلَ السَّائِلِ، ثُمَّ لِمَنْ يَنْتَهِي إلَيْهِ الْوَقْفُ مَعْنَاهُ أَنَّ الْوَاقِفَ قَيَّدَ نَظَرَهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ لِمَنْ يَنْتَهِي إلَيْهِ الْوَقْفُ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِهِ لِكُلِّ بَطْنٍ عَلَى حِصَّتِهِ فَيَكُونُ النَّظَرُ حِينَئِذٍ مُقَيَّدًا بِالِاسْتِحْقَاقِ وَيَلْزَمُ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِهِ الِانْفِسَاخُ بِالْمَوْتِ كَمَا يَأْتِي فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الشَّيْخِ وَلَا إطْلَاقَ فِي كَلَامِهِ فَتَأَمَّلْهُ نَعَمْ تَعْلِيلُ الِانْفِسَاخِ بِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُؤَجِّرِ لِغَيْرِهِ فِيهِ نَظَرٌ. ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ هُوَ الْمَلْحَظُ فِي الِانْفِسَاخِ وَعَدَمِهِ وَإِنَّمَا الْمَلْحَظُ عُمُومُ نَظَرِهِ أَوْ خُصُوصِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي مَبْسُوطًا وَعِبَارَةُ الثَّانِي بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا مَرَّ عَنْ أَبِيهِ وَقَدْ نَزَلَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَيَّ بَعْدُ وَقَالَ شَيْخُنَا الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَجَبْتُ بِجَوَابٍ مَبْسُوطٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى نُقُولٍ نَاصَّةٍ عَلَى عَدَمِ انْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ إذَا كَانَ التَّأْخِيرُ مِمَّنْ ذَكَرَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ مِنْ ذَلِكَ مَا فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ إذَا أَجَّرَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ الْوَقْفَ مَثَلًا ثُمَّ مَاتُوا فَإِنْ كَانَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ مُتَوَلِّيًا فِي ذَلِكَ صَحَّتْ إجَارَتُهُمْ وَلَيْسَ لِلْبَطْنِ الثَّانِي فَسْخُهُ إذَا كَانَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ. وَفِي حَاوِي الْمَاوَرْدِيُّ وَحِلْيَةِ الرُّويَانِيِّ إنْ كَانَ مُتَوَلِّيًا وَلَهُ حَقٌّ فِي غَلَّتِهِ لِكَوْنِهِ وَقْفًا عَلَيْهِ فَأَجَّرَهُ، ثُمَّ مَاتَ هَلْ تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ وَجْهَانِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ أُجْرَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَحَقِّ مَنْ بَعْدَهُ بِوِلَايَةٍ وَفِي حَوَاشِي الرَّوْضَةِ لِجَلَالِ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ لَوْ فَرَضْنَا أَنَّ النَّاظِرَ انْفَرَدَ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَإِنْ أَجَّرَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لَمْ تَنْفَسِخْ إجَارَتُهُ وَإِنْ أَجَّرَ بِدُونِهَا انْفَسَخَتْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُحَابِي فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ الْغَيْرِ اهـ. نَعَمْ مَا أَطْلَقَهُ مِنْ عَدَمِ الِانْفِسَاخِ غَيْرُ صَحِيحٍ كَقَوْلِ وَالِدِهِ فِي الصُّورَةِ الَّتِي سُئِلَ عَنْهَا بِالِانْفِسَاخِ؛ لِأَنَّ صُورَتَهُ هِيَ عَيْنُ صُورَةِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ وَقَدْ سَبَقَ كَلَامُهُ فِيهَا

الْجَارِي عَلَى غَايَةِ التَّحْقِيقِ وَالْإِتْقَانِ فَلْيُعْتَمَدْ إذْ شَرْطُ النَّظَرِ لِلْأَكْبَرِ كَشَرْطِهِ لِلْأَصْلَحِ فَهُوَ شَرْطُ نَظَرٍ عَامٍّ فِيهَا لِتَصَوُّرِ بَقَائِهِ مَعَ عَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ شَرْطِهِ لِكُلِّ بَطْنٍ عَلَى حِصَّتِهِ فَقَطْ كَمَا يَأْتِي بَسْطُهُ وَعِبَارَةُ أَبِي زُرْعَةَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُهِمَّاتِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مَأْخَذُ إفْتَاءِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ بِمَا مَرَّ فَلَعَلَّهُ جَعَلَ النَّظَرَ لِلْأَرْشَدِ فَانْتَقَلَ بَعْضُ الْوَقْفِ لِلْبَطْنِ الثَّانِي وَالْأَرْشَدُ مِنْ الْأَوَّلِ فَأَجَّرَ الْأَرْشَدُ، ثُمَّ مَاتَ فَالْمُتَّجَهُ عَدَمُ الِانْفِسَاخِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَجْنَبِيًّا إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَلْنَذْكُرْ مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ مَا يَتَبَيَّنُ بِهِ الرَّاجِحُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَنَقُولُ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ كَالْأَصْحَابِ بِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ نَاظِرِ الْوَقْفِ سَوَاءٌ أَكَانَ حَاكِمًا أَوْ نَائِبَهُ أَوْ مَشْرُوطًا لَهُ النَّظَرُ الْمُطْلَقُ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ نَاظِرٌ لِلْجَمِيعِ وَلَا يَخْتَصُّ تَصَرُّفُهُ بِبَعْضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَحَكَى جَمْعٌ الِاتِّفَاقَ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ، ثُمَّ قَالَ الشَّيْخَانِ كَالْأَصْحَابِ أَيْضًا وَلَوْ أَجَّرَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ مُدَّةً وَمَاتَ قَبْلَ تَمَامِهَا انْفَسَخَتْ وَاسْتَشْكَلَ كَثِيرُونَ الْجَمْعَ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَقَالَتَيْنِ وَتَصْوِيرَ إجَارَةِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ إنْ شَرَطَ لَهُ النَّظَرَ فَهُوَ يَتَوَلَّى الْوَقْفَ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهُ لَهُ فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ إلَّا عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ يَبْعُدُ التَّفْرِيعُ عَلَيْهِ وَأَجَابَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالْإِسْنَوِيِّ وَأَبِي زُرْعَةَ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ تَبَعًا لِصَاحِبِ الِاسْتِقْصَاءِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَسُلَيْمٍ وَابْنِ الصَّلَاحِ بِتَصْوِيرِهَا بِمَا إذَا شَرَطَ النَّظَرَ لِكُلِّ بَطْنٍ عَلَى حِصَّتِهِ خَاصَّةً فَلَا يَتَعَلَّقُ بِمَا بَعْدَهُ فَحِينَئِذٍ انْفَسَخَتْ بِمَوْتِهِ لِعَدَمِ عُمُومِ نَظَرِهِ؛ لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ صَرِيحًا بِمُدَّةِ اسْتِحْقَاقِهِ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُ جَمْعٍ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالْإِمَامُ يُشْتَرَطُ فِي النَّاظِرِ أَيْ: الَّذِي لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ لِيَكُونَ نَظَرُهُ لِكُلٍّ كَنَظَرِهِ لِلْآخَرِ أَيْ فَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَتَقَيَّدَ نَظَرُهُ بِحِصَّتِهِ مُدَّةَ اسْتِحْقَاقِهِ انْفَسَخَتْ بِمَوْتِهِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّقْيِيدِ قَوْلُ هَؤُلَاءِ لِيَكُونَ نَظَرُهُ لِكُلٍّ كَنَظَرِهِ لِلْآخَرِ كَمَا لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ النَّاظِرِ الْعَامِّ كَذَلِكَ لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِهِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْعَاقِدَ نَاظِرٌ عَلَى سَائِرِ الْبُطُونِ وَهَذِهِ الصُّورَةُ هِيَ الْمُرَادَةُ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ، وَأَمَّا إذَا أَجَّرَ الْمُتَوَلِّي فَمَوْتُهُ لَا يُؤَثِّرُ فَالضَّمِيرُ فِي مَوْتِهِ رَاجِعٌ لِلْبَطْنِ الْأَوَّلِ لَا لِلْمُتَوَلِّي يُسْتَثْنَى مِنْ عَدَمِ انْفِسَاخِهَا بِمَوْتِ النَّاظِرِ الْعَامِّ مَا لَوْ أَجَّرَهُ النَّاظِرُ لِلْبَطْنِ الثَّانِي فَمَاتَ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ فَإِنَّهَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ لِانْتِقَالِ الْمَنَافِعِ إلَيْهِمْ بِجِهَةِ الْوَقْفِ وَالشَّخْصُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ شَيْئًا وَإِذَا اتَّضَحَ لَك أَنَّ شَرْطَ الِانْفِسَاخِ بِمَوْتِ النَّاظِرِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَنْ يُقَيَّدَ نَظَرُهُ بِحِصَّةٍ خَاصَّةٍ مُدَّةَ اسْتِحْقَاقِهِ فَهَلْ مِنْ التَّقْيِيدِ مَا فِي السُّؤَالِ مِنْ كَوْنِهَا وَقَفَتْ عَلَى نَفْسِهَا مُدَّةَ حَيَاتِهَا وَشَرَطَتْ النَّظَرَ لِنَفْسِهَا مُدَّةَ اسْتِحْقَاقِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَيْسَ ذَلِكَ مِنْ التَّقْيِيدِ وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَبُ؛ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ هُنَا بَقَاءُ النَّظَرِ مَعَ عَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ بِأَنْ تُقِرَّ بِاسْتِحْقَاقِ الْبَطْنِ الثَّانِي فَإِنَّهُ يَسْرِي ذَلِكَ عَلَيْهَا وَتُؤَاخَذُ بِهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَبْطُلُ نَظَرُهَا فَتُصُوِّرَ بَقَاءُ نَظَرِهَا مَعَ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهَا فَكَانَ نَظَرُهَا عَامًّا لَا خَاصًّا بِخِلَافِ شَرْطِ النَّظَرِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ عَلَى حِصَّتِهِ فَقَطْ مُدَّةَ اسْتِحْقَاقِهِ فَإِنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِاسْتِحْقَاقِ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْبُطُونِ بَطَلَ اسْتِحْقَاقُهُ وَنَظَرُهُ فَلَمْ يُتَصَوَّرْ بَقَاءُ النَّظَرِ مَعَ عَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ فَكَانَ النَّظَرُ خَاصًّا وَيُوَافِقُ مَا رَجَّحْتُهُ مَا مَرَّ مِنْ كَلَامِ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ بَلْ هُوَ صَرِيحٌ فِيهِ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنْ قُلْت يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ صَاحِبِ الْعُبَابِ نَعَمْ لَوْ أَجَّرَ الْمُوصِي بِمَنْفَعَتِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَوْ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ حَيْثُ جَعَلَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِكُلِّ بَطْنٍ فِي حِصَّتِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، ثُمَّ مَاتَ فِي أَثْنَائِهَا انْفَسَخَتْ فِي الْبَاقِي فَقَطْ اهـ. وَوَجْهُ الْمُنَافَاةِ أَنَّهُ عَبَّرَ بِمُدَّةِ حَيَاتِهِ وَمَعَ ذَلِكَ قَالَ بِالِانْفِسَاخِ قُلْت لَا يُنَافِيه بَلْ يُوَافِقهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يَكْتَفِ بِقَوْلِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ بَلْ ضَمَّ إلَيْهِ قَوْلَهُ فِي حِصَّتِهِ فَقَيَّدَهُ بِالْحِصَّةِ حَتَّى إذَا انْتَقَلَ الِاسْتِحْقَاقُ لِغَيْرِهِ لَمْ يُتَصَوَّرْ بَقَاءُ نَظَرِهِ لَهُ فَلَيْسَ نَظِيرَ مَا فِي السُّؤَالِ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِيهِ لَيْسَ فِيهِ تَقْيِيدٌ بِالصِّحَّةِ بَلْ بِمُدَّةِ الْحَيَاةِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ التَّقْيِيدَ بِهَا لَا يَقْتَضِي سَلْبَ النَّظَرِ عِنْدَ عَدَمِ الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ التَّقْيِيدِ بِالْحِصَّةِ فَافْتَرَقَا رَقَا وَقَدْ مَرَّ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى التَّقْيِيدِ بِالْحِصَّةِ وَبَيَّنَّا أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْحَيَاةِ لَيْسَ مِثْلَهَا فَلَا يُلْحَقُ

أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ فَاتَّجَهَ مَا رَجَّحْته مِنْ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِمُدَّةِ الْحَيَاةِ لَا يَقْتَضِي الْفَسْخَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا مِنْ جَمَاعَةٍ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا وَزَرَعَهَا مَثَلًا ثُمَّ إنَّ شَخْصًا ادَّعَى عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِلْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ لَدَى حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ بِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ قَبْلَهُ وَأَظْهَرَ فِي يَدِهِ مَا يَشْهَدُ بِذَلِكَ مَثَلًا ثُمَّ إنَّ الْحَاكِمَ حَكَمَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ بِرَفْعِ يَدِهِ عَنْ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ فَهَلْ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ أَنْ يَقْعُدَ عَلَى زَرْعِهِ إلَى حِينِ حَصَادِهِ وَيَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ أَوْ يُلْزَمُ بِقَلْعِ زَرْعِهِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمُدَّعِي بِالْقَدْرِ الَّذِي يَدُهُ عَلَى الْأَرْضِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) لِمَنْ ثَبَتَ أَنَّ الْأَرْضَ فِي إيجَارِهِ أَنْ يَقْلَعَ زَرْعَ الْمُسْتَأْجِرِ الثَّانِي وَأَنْ يُطَالِبَهُ بِمِثْلِ أُجْرَةِ تِلْكَ الْأَرْضِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي شَغَلَهَا بِزَرْعِهِ وَلَا رُجُوعَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الثَّانِي بِشَيْءٍ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ نَعَمْ لَهُ الرُّجُوعُ بِأَرْشِ نَقْصِ زَرْعِهِ الْمَقْلُوعِ عَلَى الَّذِي أَجَّرَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ كَانَ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا بِبِلَادِ الرِّيفِ مِنْ وَقْفِ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ بِأُجْرَةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ تُؤْخَذُ مِنْهُ سَوَاءٌ رُوِيَتْ مِنْهُ أَمْ لَا فَغَرَسَ فِي جَانِبٍ مِنْهَا غَرْسَ نَخْلٍ وَحَفَرَ فِيهَا بِئْرًا مَثَلًا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تُوُفِّيَ الرَّجُلُ فَاسْتَوْلَى عَلَيْهَا ابْنُهُ بِالْأُجْرَةِ الَّتِي كَانَتْ تُؤْخَذُ مِنْ وَالِدِهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَثَلًا ثُمَّ تُوُفِّيَ الْآخَرُ وَخَلَّفَ أَوْلَادًا ذُكُورًا وَإِنَاثًا فَوَضَعَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ مِنْ الذُّكُورِ وَهُوَ أَكْبَرُهُمْ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ لِيَزْرَعَهَا وَصَارَ يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ ثَمَرَ النَّخِيلِ الْمَذْكُورِ وَيَدْفَعُ أُجْرَةَ الْأَرْضِ إلَى أَرْبَابِهَا وَكَانَ يَظْهَرُ فِي الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَعْضِ السِّنِينَ الْمَكْسَبُ فِي زَرْعِهَا فَطَلَب مِنْهُ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ أَنْ يَقْسِمَ الْأَرْضَ بَيْنَهُمْ بِطَرِيقِ أَنَّهَا آلَتْ إلَيْهِمْ مِنْ وَالِدِهِمْ فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) إذَا صَحَّتْ الْإِجَارَةُ الْمَذْكُورَةُ وَلَمْ تَنْفَسِخْ بِالْمَوْتِ اسْتَحَقَّ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ جَمِيعُ وَرَثَةِ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمْ وَضْعُ يَدِهِ عَلَيْهَا بَلْ تُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ عَلَى حَسَبِ إرْثِهِمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) فِي مَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ الْمُدْرَجَةِ الَّتِي صُورَتُهَا أَجَرْتُك هَذِهِ الْأَرْضَ مِائَةَ سَنَةٍ بِمِائَةٍ مُحَلَّقٍ كُلَّ سَنَةٍ بِمُحَلَّقٍ عُقُودًا مُخْتَلِفَةً يَتْلُو بَعْضُهَا بَعْضًا هَلْ تَصِحُّ هَذِهِ الْإِجَارَةُ أَمْ لَا فَإِذَا قُلْتُمْ بِصِحَّتِهَا فَهَلْ يَجْرِي ذَلِكَ فِي الْمَمْلُوكِ وَالْمَوْقُوفِ أَمْ فِي الْمَمْلُوكِ فَقَطْ أَمْ لَا يَصِحُّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَمَا يَكُونُ إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ ذَلِكَ فَإِذَا قُلْتُمْ بِصِحَّتِهَا فِي الْمَمْلُوكِ وَالْمَوْقُوفِ وَكَانَ مِنْ شَرْطِ الْوَاقِفِ أَنْ لَا يُؤَجِّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ فَهَلْ تَصِحُّ الْإِجَارَةُ بِهَذَا الْعَقْدِ هَذِهِ الْمُدَّةَ أَمْ عَلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ وَلَا يَصِحُّ التَّدْرِيجُ وَإِذَا قُلْتُمْ بِصِحَّتِهَا فِي الْعُقُودِ الْمُخْتَلِفَةِ. وَإِنْ زَادَتْ عَلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ فَهَلْ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَقْفُ وَقْفَ تَرْتِيبٍ أَمْ تَشْرِيكٍ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ بِصِحَّتِهَا فِي الْمَوْقُوفِ فَهَلْ تَكُونُ كَالصَّحِيحَةِ تَسْقُطُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِيمَا مَضَى أَمْ تَكُونُ كَالْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ وَبَطَلَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِيمَا مَضَى بَيِّنُوا لَنَا جَوَابَ ذَلِكَ مَا الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَذْهَبِ الْغَيْرِ أَثَابَكُمْ اللَّهُ؟ (فَأَجَابَ) إجَارَةُ الْأَرْضِ الْمَمْلُوكَةِ مِائَةَ سَنَةٍ صَحِيحَةٌ، وَكَذَا الْمَوْقُوفَةُ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ تَخْرَبَ تِلْكَ الْأَرْضُ فَتَحْتَاجُ لِأُجْرَةِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَجْلِ الْعِمَارَةِ وَأَنْ لَا يَكُونَ لِلْوَقْفِ حَاصِلٌ يُعَمَّرُ بِهِ وَأَنْ لَا يُوجَدَ مِنْ يُقْرِضُ الْقَدْرَ الْمَذْكُورَ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ لِلْعِمَارَةِ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ تِلْكَ الْمُدَّةِ فَإِنْ انْتَفَى شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ تَجُزْ إجَارَتُهَا تِلْكَ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْوَلِيُّ أَبُو زُرْعَةَ فِي فَتَاوِيهِ وَأَطَالَ فِي بَيَانِهِ وَتَحْقِيقِهِ وَحَيْثُ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا تُؤَجَّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ لَمْ تَجُزْ إجَارَتُهَا أَكْثَرَ مِنْهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ وَلَا مَنْ بَعْدَهُ سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَقْفُ وَقْفَ تَرْتِيبٍ أَمْ وَقْفَ تَشْرِيك إلَّا فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ مَا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِكُلِّ مُسْتَحِقٍّ عَلَى حِصَّتِهِ مَا دَامَ مُسْتَحِقًّا فَحِينَئِذٍ تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِ الْمُؤَجِّرِ الْمُسْتَحِقِّ وَحَيْثُ انْفَسَخَتْ بِالْمَوْتِ وَجَبَ حِصَّةُ مَا مَضَى مِنْ الْمُسَمَّى وَرَجَعَ الْمُسْتَأْجِرُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْمُسَمَّى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ آخَرَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِالدَّرَاهِمِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ رَجُلٍ وَسْقَيْنِ تَمْرًا مَثَلًا وَكَتَبَ مَعَهُ كِتَابًا إلَى صَاحِبِ

التَّمْرِ الْمَذْكُورِ فَلَمَّا أَنْ وَصَلَ أَعْطَى صَاحِبَ التَّمْرِ الدَّرَاهِمَ فَأَعْطَاهُ وَسْقًا وَاحِدًا وَقَالَ لَهُ التَّمْرُ فِي هَذَا الْوَقْتِ غَالٍ وَصَاحِبُ الدَّرَاهِمِ قَدْ الْتَزَمَ لِلرَّسُولِ إذَا جَاءَ بِالتَّمْرِ أَعْطَاهُ أَشْرَفِيًّا فَإِذَا لَمْ يَأْتِ إلَّا بِوَاحِدٍ هَلْ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْجَمِيعِ لِقَوْلِهِ أَعْنِي صَاحِبَ الدَّرَاهِمِ اشْتَرِ لِي بِهَا أَيْ بِالدَّرَاهِمِ وَسْقَيْنِ تَمْرًا وَأُعْطِيك عَلَى حَمْلِهَا أَشْرَفِيًّا أَمْ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِقَدْرِ الْحِصَّةِ. وَإِذَا كَانَ فِي عُرْفِ ذَلِكَ الْحَيِّ أَنَّهُ إذَا قَالَ خُذْ لِي كَذَا وَأُعْطِيك أَشْرَفِيًّا بِغَيْرِ لَفْظِ إجَارَةٍ وَلَا وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْعُقُودِ الصَّحِيحَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا أُجْرَةَ مِثْلِ حَمْلِ الْوَسْقِ الْمَذْكُورِ سَوَاءٌ أَكَانَ أَشْرَفِيًّا أَمْ أَقَلَّ أَمْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ فَاسِدَةٌ وَلَا نَظَرَ لِعُرْفِ أَهْلِ النَّاحِيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ افْعَلْ لِي كَذَا فَفَعَلَهُ لَهُ وَلَمْ يَجْرِ بَيْنَهُمَا تَسْمِيَةُ أُجْرَةٍ وَلَا مَا يُشْعِرُ بِهَا لَمْ يَسْتَحِقَّ الْفَاعِلُ عَلَى الْمَفْعُولِ لَهُ شَيْئًا سَوَاءٌ اطَّرَدَ الْعُرْفُ بِأَخْذِ شَيْءٍ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ الْفِعْلِ أَمْ لَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهُ افْعَلْ لِي كَذَا وَلَك كَذَا أَوْ أَنَا أُرْضِيك وَلَا أُضَيِّعُ تَعَبَك فَإِنَّهُ إذَا فَعَلَ لَهُ مَا أَمَرَهُ بِهِ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ مَا سَمَّاهُ لَهُ إنْ كَانَ صَحِيحًا وَإِلَّا كَالصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَنْ الصِّيغَةِ الْمُعْتَبَرَةِ الْمُخْتَصَرَةِ التَّامَّةِ فِي الْإِجَارَةِ لِلْحَجِّ وَزِيَارَةِ قَبْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ (فَأَجَابَ) صِيغَةُ الْإِجَارَةِ لِلْحَجِّ وَالزِّيَارَةِ اسْتَأْجَرْتُك لِتَحُجَّ عَنْ مُورَثِي مَثَلًا وَتَدْعُو لَهُ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) شَخْصٌ أَجَرَ شَخْصًا مَحَلًّا مَعْلُومًا مُدَّةً مُعَيَّنَةً سَنَةً مَثَلًا بِعِشْرِينَ مَثَلًا مَثَلًا ثُمَّ أَجَرَ الْمُسْتَأْجِرُ الْمُؤَجَّرَ يَوْمَ تَارِيخِهِ فَهَلْ الْإِجَارَتَانِ صَحِيحَتَانِ وَيَنْفَسِخَانِ بِانْهِدَامِ الدَّارِ فِي نِصْفِ الْمُدَّةِ أَوْ بِاسْتِحْقَاقِهَا لِلْغَيْرِ أَوْ بِالتَّقَابُلِ وَإِذَا انْفَسَخَتَا هَلْ يَرْجِعُ الْمُؤَجِّرُ الْأَوَّلُ عَلَى الثَّانِي فِي الْإِجَارَةِ الْأُولَى بِنِصْفِ الْمُسَمَّى وَهُوَ عَشَرَةٌ وَيَرْجِعُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ فِي الْإِجَارَةِ الثَّانِيَةِ بِنِصْفِ مُسَمَّاهَا وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ أَوْ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَمَا الْحُكْمُ أَيْضًا إذَا حَصَلَ الِانْفِسَاخُ بِالتَّقَايُلِ (الْجَوَاب) الْإِجَارَتَانِ صَحِيحَتَانِ وَإِنْ لَمْ يَتَسَلَّمْ الْمُسْتَأْجِرُ الْأَوَّلُ الْمَحَلَّ الْمُؤَجَّرَ عَلَى مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ لَكِنَّ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ بَعْدُ كَالرَّافِعِيِّ عَدَمُ صِحَّتِهَا قَبْلَ التَّسَلُّمِ كَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَاعْتَمَدَ هَذَا الثَّانِيَ جَمَاعَةٌ مُتَأَخِّرُونَ لِقَوْلِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ إنَّهُ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ فَعَلَيْهِ لَا يَصِحُّ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُؤَجِّرَ مُؤَجَّرَهُ إلَّا إنْ قَبَضَ ذَلِكَ الْمَحَلَّ الْقَبْضَ الْمُعْتَدَّ بِهِ فِي الْبَيْعِ فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ الْإِجَارَةُ الثَّانِيَةُ. أَيْضًا، ثُمَّ إذَا انْهَدَمَتْ تِلْكَ الدَّارُ بِحَيْثُ صَارَتْ لَا تَصْلُحُ لِلسُّكْنَى وَلَوْ بِهَدْمِ الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ انْفَسَخَتْ فِي الْبَاقِي مِنْهَا دُونَ الْمَاضِي لِاسْتِقْرَارِهِ بِالْقَبْضِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَتَخَيَّرْ فِيهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَلِلْمُؤَجِّرِ مِنْ الْمُسَمَّى قِسْطُ الْمَاضِي مِنْ الْمُدَّةِ مُوَزَّعًا عَلَى قِيمَةِ الْمَنْفَعَةِ وَهِيَ أُجْرَةُ مِثْلِ مَا مَضَى وَمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ لَا عَلَى الْمُدَّتَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ فَرُبَّمَا تَزِيدُ أُجْرَةُ شَهْرٍ عَلَى أُجْرَةِ شَهْرَيْنِ لِكَثْرَةِ الرَّغَبَاتِ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ فَإِذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ سَنَةً مَضَى نِصْفُهَا وَأُجْرَةُ مِثْلِهِ ضِعْفُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي وَجَبَ مِنْ الْمُسَمَّى ثُلُثَاهُ. وَإِنْ كَانَ بِالْعَكْسِ فَثُلُثُهُ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَالْعِبْرَةُ بِتَقْوِيمِ الْمَنْفَعَةِ حَالَةَ الْعَقْدِ لَا بِمَا بَعْدَهُ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَتَانِ بِالِانْهِدَامِ فِي نِصْفِ الْمُدَّةِ وَحِينَئِذٍ فَنُقَوِّمُ تِلْكَ الْمَنْفَعَةَ حَالَ الْإِجَارَةِ الْأُولَى وَنُوجِبُ لِلْمُؤَجِّرِ الْأَوَّلِ مَا يَخُصُّ الْمَاضِي بِاعْتِبَارِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لَا بِاعْتِبَارِ الْمُدَّتَيْنِ وَنُقَوِّمُهَا حَالَ الْإِجَارَةِ الثَّانِيَةِ وَنُوجِبُ لِلْمُؤَجِّرِ الثَّانِي مَا يَخُصُّ الْمَاضِي بِذَلِكَ الِاعْتِبَارِ أَيْضًا فَإِنْ اسْتَوَى النِّصْفَانِ حَالَ عَقْدِ كُلٍّ مِنْ الْإِجَارَتَيْنِ وَجَبَ لِلْأَوَّلِ نِصْفُ الْمُسَمَّى وَهُوَ عَشَرَةٌ وَلِلثَّانِي نِصْفُ الْمُسَمَّى وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَإِنْ اخْتَلَفَا وَجَبَ لِكُلٍّ الْقِسْطُ بِالِاعْتِبَارِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَمَّا لَوْ لَمْ تَنْهَدِمْ كُلُّهَا بِأَنْ انْهَدَمَ بَعْضُهَا فَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بَلْ إنْ أَمْكَنَ إصْلَاحُهُ حَالًا وَأُصْلِحَ لَمْ يَتَخَيَّرْ وَإِلَّا تَخَيَّرَ وَإِذَا بَانَ اسْتِحْقَاقُ الدَّارِ الْمُؤَجَّرَةِ فِي نِصْفِ الْمُدَّةِ مَثَلًا بَانَ بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ مِنْ أَصْلِهَا وَلَا يُقَالُ انْفَسَخَتْ وَحِينَئِذٍ فَيَرْجِعُ مَنْ أُثْبِتَتْ لَهُ عَلَى ذِي الْيَدِ وَمَنْ تَرَتَّبَتْ يَدُهُ عَلَى يَدِهِ بِأُجْرَةِ مَا مَضَى وَالْقَرَارُ عَلَى مَنْ تَلِفَتْ الْمَنَافِعُ تَحْتَ يَدِهِ وَإِذَا

تَقَايَلَا بَعْد مُضِيِّ نِصْفِ الْمُدَّةِ مَثَلًا تَأْتِي هُنَا مَا مَرَّ فِي الِانْفِسَاخِ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْإِقَالَةَ فَسْخٌ فَيَرْجِعُ كُلٌّ عَلَى الْآخَرِ مِنْ الْمُسَمَّى بِقِسْطِ مَا مَضَى بِالِاعْتِبَارِ السَّابِقِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) فِي رَجُلٍ أَجَرَ زَيْدًا أَنْ يَحْمِلَ لَهُ فِي سَفِينَةٍ لَهُ مَشْهُورَةٍ مِائَةَ حِمْلٍ مَثَلًا مِنْ بَنْدَرِ جَدَّةَ إلَى عَدَنَ مَعَ تَعْيِينِ أُجْرَةِ الْحَمْلِ وَمَعْرِفَتِهِ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ قَدْرًا وَنَوْعًا مَثَلًا ثُمَّ بَعْدَ تَطْلِيعِ الْقَدْرِ وَشَحْنِهِ تَغَيَّرَتْ السَّفِينَةُ الْمَذْكُورَةُ بِعَارِضِ رِيحٍ أَوْ مَطَرٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْمُؤَجِّرُ الْأُجْرَةَ أَمْ قِسْطًا أَمْ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا وَهَلْ ثَمَّ فَرْقٌ بَيْنَ تَغَيُّرِهَا قَبْلَ السَّفَرِ أَمْ بَعْدَهُ وَلَوْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ بَيِّنُوا وَأَوْضِحُوا أَثَابَكُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْجَنَّةَ وَإِذَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّ نَقْلَ الْأَسْبَابِ الَّتِي بِالسَّفِينَةِ لَهُ أُجْرَةٌ لَهَا وَقْعٌ يُقَوَّمُ بِهَا الْأَجِيرُ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْفَاضِلُ لَهُ مِنْ أُجْرَتِهِ نَحْوَ الثَّلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ هَلْ تَلْزَمُ ذَلِكَ الْأَجِيرَ عَمَلًا بِالْعَادَةِ الَّتِي يَعْلَمُهَا أَمْ تَلْزَمُ ذَا الْمَالِ الَّذِي هُوَ الْمُسْتَأْجِرُ؟ (فَأَجَابَ) إذَا تَغَيَّرَتْ السَّفِينَةُ فَتَلِفَتْ الْأَحْمَالُ الْمَذْكُورَةُ بِغَرَقٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأَجِيرُ شَيْئًا مِنْ الْأُجْرَةِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ خَاطَ نِصْفَ الثَّوْبِ فَاحْتَرَقَ أَوْ تَرَكَهُ أَوْ بَنَى بَعْضَ الْحَائِطِ فَانْهَدَمَ أَوْ تَرَكَهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ أَيْ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ لَمْ يَقَعْ مُسَلَّمًا لِلْمَالِكِ وَلَا ظَهَرَ أَثَرُهُ عَلَى الْمَحَلِّ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ وَقَعَ مُسَلَّمًا إلَيْهِ بِأَنْ كَانَ بِحَضْرَتِهِ اسْتَحَقَّ الْقِسْطَ وَيُوَافِقُ مَا ذَكَرْتُهُ أَوَّلًا قَوْلُ الْأَنْوَارِ لَوْ دَفَعَ لِلْأَجِيرِ وِقْرًا مِنْ مَتَاعٍ لِيَحْمِلَهُ إلَى مَوْضِعِ كَذَا فَحَمَلَهُ عَلَى الدَّابَّةِ فَسَقَطَ وَانْكَسَرَ لَمْ يَضْمَنْ وَسَقَطَتْ الْأُجْرَةُ وَإِنْ لَمْ تَتْلَفْ تِلْكَ الْأَحْمَالُ فَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ بَعْضُ مَشَايِخِنَا فِي نَظِيرِ ذَلِكَ وَهُوَ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِحَمْلِ مَتَاعٍ إلَى مَكَّةَ فَمَاتَتْ الدَّابَّةُ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْأُجْرَةِ قَالَ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ الْقِسْطِ فِي الْإِجَارَةِ وُقُوعُ الْعَمَلِ مُسَلَّمًا وَظُهُورُ أَثَرِهِ عَلَى الْمَحَلِّ وَمِثْلُهَا الْجَعَالَةُ. اهـ. وَمَحَلُّهُ إنْ سَلَّمَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْمَالِكُ مَعَهُ وَإِلَّا اسْتَحَقَّ الْقِسْطَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْأَنْوَارِ لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً إلَى بَلَدٍ إيَابًا وَذَهَابًا فَعَرَجَتْ هُنَاكَ وَتَعَذَّرَ رَدُّهَا فَتَرَكَهَا عِنْدَ حَاكِمٍ أَوْ أَمِينٍ وَفَسَخَ أَوْ مَضَتْ الْمُدَّةُ لَمْ يَجِبْ إلَّا نِصْفُ الْأُجْرَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ الرَّدُّ. اهـ. فَانْظُرْ إلَى إيجَابِهِمْ الْقِسْطَ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِ الْعَمَلِ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ عَلَيْهِ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِوُقُوعِهِ مُسَلَّمًا إلَيْهِ فَكَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّهُ بِحَضْرَتِهِ يَقَعُ مُسَلَّمًا إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ عَلَى الْمَحَلِّ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّ لَهُ الْقِسْطَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ وَصُورَةِ شَيْخِنَا وَقَوْلُهُ إنَّ الْعَمَلَ فِيهَا لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ عَلَى الْمَحَلِّ مَمْنُوعٌ كَيْفَ وَحُصُولُهُ لَهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ فَكَفَى بِتَوَفُّرِهَا عَلَى الْمَالِكِ ظُهُورُ أَثَرٍ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْآنَ أَنْ يُكْرِيَهُ إلَى مَقْصِدِهِ أَكْرَاهُ بِدُونِ أُجْرَتِهِ مِنْ ابْتِدَاءِ السَّيْرِ غَالِبًا فَلَوْلَا ظُهُورُ أَثَرٍ عَلَيْهِ لَمَا نَقَصَتْ الْأُجْرَةُ فِي مُقَابَلَةِ حُصُولِهِ فِي مَحَلِّ التَّلَفِ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْتُهُ قَوْلُ الْعُمْرَانِيِّ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ كِتَابًا إلَى رَجُلٍ وَيَرُدَّ جَوَابَهُ فَأَوْصَلَهُ إلَيْهِ وَمَاتَ قَبْلَ رَدِّ الْجَوَابِ فَلِلْأَجِيرِ مِنْ الْأُجْرَةِ قَدْرُ ذَهَابِهِ. اهـ. فَافْهَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِظُهُورِ الْأَثَرِ حُصُولُ نَفْعٍ لِلْمُؤَجِّرِ يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ بِسَبَبِ الْعَمَلِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ أَيْضًا وَأَطْلَقَ الْقَاضِي فِي هَذِهِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْأَجِيرُ فِي الْبَلَدِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَوْ مَاتَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أَوْ وَجَدَهُ غَائِبًا اسْتَحَقَّ نِصْفَ الْأُجْرَةِ بِنَاءً عَلَى مَا لَوْ شَرَعَ الْأَجِيرُ فِي الْإِحْرَامِ أَيْ بِالْحَجِّ أَوْ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ مَاتَ. قَالَ الْقَمُولِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ رَدَّ الْجَوَابِ اهـ. وَهُوَ كَمَا قَالَ إذَا لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِأَنَّ لَهُ نِصْفَ الْأُجْرَةِ إلَّا إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ رَدَّ الْجَوَابِ وَاسْتُفِيدَ مِنْ بِنَاءِ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ظُهُورِ الْأَثَرِ بَيْنَ مَا يَعُودُ إلَى النَّفْعِ الدُّنْيَوِيِّ وَالْأُخْرَوِيِّ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيُوَافِقُ كَلَامَ الْعُمْرَانِيِّ وَالْقَاضِي قَوْلُ الْأَنْوَارِ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَذْهَبَ إلَى بَلَدٍ فَيَبْتَاعَ لَهُ فِيهَا فَذَهَبَ وَلَمْ يَجِدْ فَلَهُ أُجْرَةُ الذَّهَابِ فَقَطْ اهـ. وَهَذَا يُفْهِمُ وُجُوبَ الْقَسْطِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ هُنَا لَمْ يَنْتَفِعْ بِشَيْءٍ مِنْ عَمَلِ الْأَجِيرِ وَمَعَ ذَلِكَ لَزِمَهُ لَهُ نِصْفُ الْأُجْرَةِ لِعَدَمِ تَقْصِيرِ الْأَجِيرِ وَإِتْيَانِهِ بِبَعْضِ مَا شَرَطَ عَلَيْهِ وَفِي كُلٍّ مِنْ تِينَك الْمَسْأَلَتَيْنِ انْتَفَعَ الْمُسْتَأْجِرُ بِعَمَلِ الْأَجِيرِ فَلَزِمَهُ لَهُ الْقَسْطُ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ وَفِي الْأَنْوَارِ أَيْضًا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ أَغْنَامًا إلَى بَلَدٍ وَيَبِيعَهَا هُنَاكَ وَقَالَ إنْ قَلَّ

الْعَلَفُ فِي الطَّرِيقِ فَبِعْهَا بِكَذَا فَقَلَّ الْعَلَفُ وَوَجَدَ مَنْ يَشْتَرِيهَا بِمَا عَيَّنَ فَلَمْ يَبِعْ وَمَضَى ضَمِنَ الْأَغْنَامَ وَاسْتَحَقَّ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مَا مَضَى عَلَى أَمْرِهِ دُونَ مَا خَالَفَهُ اهـ. فَإِيجَابُ الْقَسْطِ هُنَا يُفْهِمُ إيجَابَ الْقَسْطِ فِي مَسْأَلَتِنَا بِالْمُسَاوَاةِ إنْ لَمْ يَكُنْ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ النَّفْعَ الْعَائِدَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ فِي مَسْأَلَتِنَا أَظْهَرُ كَمَا لَا يَخْفَى وَمِمَّا يُصَرِّحُ أَيْضًا بِمَا ذَكَرْتُهُ قَوْلُهُمْ لَوْ حَمَّلَ الْمُكْتَرِي الدَّابَّةَ مَتَاعَهُ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُؤَجِّرِ فَعَرَضَ فِي الطَّرِيقِ خَوْفٌ فَلْيَضَعْهُ مَعَ أَمِينٍ هُنَاكَ فَإِنْ رَدَّهُ ضَمِنَهُ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْأَمِينَ فَلَهُ بِقَدْرِ مَا عَمِلَ مِنْ الْمُسَمَّى اهـ. فَظَهَرَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ وُجُوبِ الْقَسْطِ فِي تِينَك الْمَسْأَلَتَيْنِ وَأُجْرَةُ نَقْلِ تِلْكَ الْأَحْمَالِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَلَا عِبْرَةَ بِاطِّرَادِ الْعُرْفِ بِأَنَّهَا عَلَى الْأَجِيرِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ التَّخْلِيَةُ بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَمَتَاعِهِ فَلَا يُكَلَّفُ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ اطَّرَدَ الْعُرْفُ بِهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) هَلْ يَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ لِنَسْخِ مُصْحَفٍ نَقْطُهُ وَشَكْلُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ اُعْتِيدَ ذَلِكَ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَلَا وَمَتَى اضْطَرَبَتْ الْعَادَةُ فِي ذَلِكَ وَجَبَ الْبَيَانُ وَإِلَّا بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ وَيَلْزَمُ الْكَاتِبَ كِتَابَةُ الْغَلَطِ أَوْ أَرْشُهُ لَا خُصُوصَ الْمُقَابَلَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا اُسْتُؤْجِرَ لِلْقِرَاءَةِ عَلَى مَيِّتٍ وَأَطْلَقَ فَهَلْ تَلْزَمُهُ الْقِرَاءَةُ عَلَى قَبْرِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَلْزَمهُ ذَلِكَ عَلَى مَا نُقِلَ وَهُوَ مُتَّجَهٌ إنْ عَلِمَ قَبْرَهُ فِي بَلَدِ الْإِجَارَةِ وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ عَمَلًا بِالْعُرْفِ فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا اسْتَأْجَرَ الْكَافِرُ مُسْلِمًا إجَارَةَ عَيْنٍ هَلْ يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ إتْمَامُ الْإِجَارَةِ بِنَفْسِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُسْلِمِ إتْمَامُ الْإِجَارَةِ بِنَفْسِهِ بَلْ يُكْرَهُ لَهُ نَعَمْ إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا يُمْتَهَنُ بِهِ كَالْأَعْمَالِ الدَّنِيئَةِ الْغَيْرِ اللَّائِقَةِ بِهِ اشْتَدَّتْ الْكَرَاهَةُ بَلْ قِيلَ بِالْحُرْمَةِ حِينَئِذٍ. (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَنْ شَخْصٍ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فَهَلْ يَدْخُلُ مَا لَهَا مِنْ نَخِيلٍ وَشَجَرٍ وَمَا بِالتَّبَعِيَّةِ كَالْبَيْعِ أَوَّلًا يَدْخُلُ شَيْءٌ دُونَ شَيْءٍ آخَرَ سَوَاءٌ أَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ بِصِحَّةِ الْإِجَارَةِ بِدُخُولِ شَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ فَتُوَزَّعُ الْإِجَارَةُ كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَئِمَّتِنَا أَنَّ مَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ كَالْبَيْعِ يَتَنَاوَلُ مَا فِي الْأَرْضِ مَثَلًا مِنْ بِنَاءٍ وَشَجَرٍ وَنَحْوِهِمَا وَمَا لَا يَنْقُلُهُ كَالرَّهْنِ لَا يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ وَكَالْبَيْعِ الصَّدَاقُ وَالْخُلْعُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ سَائِرِ الْأَعْوَاضِ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ. وَالْهِبَةُ كَمَا ذَكَرَهُ جَمْعٌ وَفِي مَعْنَاهَا الصَّدَقَةُ وَالْوَقْفُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُ شُرَّاحِ التَّنْبِيهِ وَالْوَصِيَّةُ كَمَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ وَكَالرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ جَمْعٌ وَالْإِقْرَارُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُهُ وَإِفْتَاءُ الْقَفَّالِ بِأَنَّهُ كَالْهِبَةِ فِيهِ نَظَرٌ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْإِجَارَةَ كَالرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ فَلَا تَتَنَاوَلُ نَخْلًا وَلَا شَجَرًا وَلَا غَيْرَهُمَا لِضَعْفِ الرَّهْنِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ فَإِنَّهَا قَوِيَّةٌ تَنْقُلُ الْمِلْكَ فَتُسْتَتْبَعُ نَعَمْ لَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الْأَرْضِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ مَسِيلُ الْمَاءِ وَلَا شُرْبُهَا مِنْ قَنَاةٍ أَوْ نَهْرٍ مَمْلُوكَيْنِ إذَا كَانَ ذَلِكَ خَارِجًا عَنْهَا بِخِلَافِ الدَّاخِلِ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا رَيْبَ فِي دُخُولِهِ أَرْضًا وَبِنَاءً كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ، وَأَمَّا اسْتِئْجَارُهَا لِزَرْعٍ أَوْ غِرَاسٍ فَهُوَ يَسْتَلْزِمُ دُخُولَ ذَلِكَ وَإِنْ خَرَجَ عَنْهَا وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَنْفَعَةَ الْمُسْتَأْجَرَ لَهَا لَا تَحْصُلُ بِدُونِهِ فَاسْتَتْبَعَتْهُ الْإِجَارَةُ مُطْلَقًا لِتَوَقُّفِ مَقْصُودِهَا عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ مِلْكُ الْمَبِيعِ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ وَالْخَارِجُ لَيْسَ كَذَلِكَ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْأَرْضَ مَتَى صَلُحَتْ لِزَرْعٍ وَبِنَاءٍ وَغِرَاسٍ اُشْتُرِطَ لِصِحَّةِ الْإِجَارَةِ بَيَانُ مَا يُسْتَأْجَرُ لَهُ مِنْ هَذِهِ الْمَنَافِعِ أَوْ أَنْ يَقُولَ لِتَنْتَفِعَ بِهَا بِمَا شِئْت أَوْ كَيْفَ شِئْت فَيَفْعَلُ مَا شَاءَ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِهَا لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِأَنَّهَا إذَا زُرِعَ فِيهَا شَيْءٌ فِي سَنَةٍ أُرِيحَتْ مِنْهُ فِي أُخْرَى قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَتَى لَمْ تَصْلُحْ إلَّا لِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ كَفَى الْإِطْلَاقُ كَأَرْضِ بَعْضِ الْبَسَاتِينِ فَإِنَّهُ يَغْلِبُ فِيهَا الْغِرَاسُ وَإِذَا عَيَّنَ الزِّرَاعَةَ أَوْ الْغِرَاسَ أَوْ الْبِنَاءَ لَمْ يَلْزَمْهُ بَيَانُ نَوْعِ الْمَزْرُوعِ أَوْ الْمَغْرُوسِ أَوْ الْمَبْنِىِّ لِتَقَارُبٍ فِي ذَلِكَ الِاخْتِلَافِ نَعَمْ إنْ أَجَرَ عَنْ غَيْرِهِ بِنِيَابَةٍ أَوْ وِلَايَةٍ لَمْ يَكْفِ الْإِطْلَاقُ لِوُجُوبِ الِاحْتِيَاطِ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَا تَقَرَّرَ فِي الشُّرْبِ بِالنِّسْبَةِ

لِلْإِجَارَةِ مَحَلُّهُ إذَا كَانَ هُنَاكَ عُرْفٌ مُطَّرِدٌ فَإِنْ اضْطَرَبَ الْعُرْفُ وَلَمْ يُشْتَرَطْ دُخُولُ الشُّرْبِ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ كَمَا لَوْ اسْتَثْنَاهُ نَعَمْ إنْ وُجِدَ لَهَا شُرْبٌ غَيْرُهُ صَحْوٌ إنَّمَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُهَا لِلزِّرَاعَةِ قَبْلَ سَقْيِهَا إنْ كَانَ لَهَا مَا يُوثَقُ بِهِ مِنْ نَحْوِ نَهْرٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ يَغْلِبُ حُصُولُهُ مِنْ نَحْوِ مَطَرٍ مُعْتَادٍ وَلَا يَكْتَفِي بِمُجَرَّدِ الْإِمْكَانِ وَمَا تَقَرَّرَ أَيْضًا مِنْ عَدَمِ تَنَاوُلِ إجَارَةِ الْأَرْضِ لِمَا فِيهَا مِنْ نَحْوِ الشَّجَرِ مَحَلُّهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَإِنْ نَصَّا عَلَى دُخُولِ الشَّجَرِ لِلِانْتِفَاعِ بِنَحْوِ رَبْطِ شَيْءٍ فِيهِ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ فِيهِ أَيْضًا وَانْتَفَعَ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ فِيمَا اسْتَأْجَرَهُ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ فَإِنْ تَعَطَّلَ انْتِفَاعُهُ بِهِ لِجَائِحَةٍ أَوْ نَحْوِهَا تَخَيَّرَ الْمُسْتَأْجِرُ فَإِنْ أَجَازَ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا الْقَسْطُ مِنْ الْمُسَمَّى وَإِنْ فَسَخَ ارْتَفَعَ الْعَقْدُ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْمَاضِي وَيَتَخَيَّرُ أَيْضًا بِانْقِطَاعِ مَاءِ الْأَرْضِ الْمَذْكُورِ مَا لَمْ يَبْذُلْهُ الْمُؤَجِّرُ مِنْ مَكَان آخَرَ وَوَقْتُ الزِّرَاعَةِ بَاقٍ وَلَمْ يَمْضِ مُدَّةً لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ حَيْثُ تَخَيَّرَ بِتَلَفِ بَعْضِ الْمُؤَجَّرِ وَأَجَازَ لَزِمَهُ الْقَسْطُ مِنْ الْمُسَمَّى كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا فَسَخَ فَإِنَّ الْعَقْدَ يَرْتَفِعُ وَيَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ أَمِيرِ بَلَدٍ لَهُ إقْطَاعٌ فَأُسْلِمَ لَهُ فِي قَدْرٍ مِنْ حُبُوبِ غِلَالِهِ مَبْلَغُ فِضَّةٍ وَتَصَرَّفَ فِيهِ وَاسْتُؤْجِرَ مِنْهُ أَرْضٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى مَنْ كَانَ أَمِيرًا بِبَلَدِهِ مُدَّةً مَثَلًا ثُمَّ تُوُفِّيَ فَوَلِيَ بَعْدَهُ أَمِيرٌ وَلَمْ يُمَكَّنْ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ الْغَلَّةِ وَلَا مِنْ الْأَرْضِ الْمُؤَجَّرَةِ وَزَعَمَ أَنَّ السَّنَةَ الَّتِي بَاشَرَهَا الْمَيِّتُ لَا يَسْتَحِقُّ مَعْلُومَهَا فَهَلْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا عَيَّنَ لِلْمُسْلَمِ فِيهِ الْحَالِّ أَوْ الْمُؤَجَّلِ أَرْضًا أَوْ نَاحِيَةً فَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً بِأَنْ اطَّرَدَتْ الْعَادَةُ الْغَالِبَةُ بِأَنَّ الْقَدْرَ الْمُسْلَمَ فِيهِ يَحْصُلُ مِنْ غَلَّةِ تِلْكَ الْأَرْضِ أَوْ النَّاحِيَةِ الْمُعَيَّنَةِ غَالِبًا. وَإِنْ وَقَعَتْ فِيهَا آفَةٌ صَحَّ السَّلَمُ وَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ فَالسَّلَمُ فَاسِدٌ وَإِجَارَةُ الْأَمِيرِ الْأَرْضَ الْمَوْقُوفَةَ عَلَى مَنْ ذَكَرَ صَحِيحَةٌ إنْ جَعَلَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِلْمُسْتَحِقِّ وَإِلَّا فَفَاسِدَةٌ وَإِذَا صَحَّتْ فَإِنْ قَيَّدَ الْوَاقِفُ نَظَرَهُ بِمُدَّةِ اسْتِحْقَاقِهِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ وَإِلَّا لَمْ تَنْفَسِخْ، ثُمَّ حَيْثُ صَحَّ السَّلَمُ وَجَبَ لِلْمُسْلِمِ فِي تَرِكَةِ الْأَمِيرِ وَمِنْهَا مَا اسْتَحَقَّهُ بِمُبَاشَرَتِهِ الْقَدْرَ الْمُسْلِمَ إلَيْهِ فِيهِ وَحَيْثُ فَسَدَ لَمْ يَجِبْ لِلْمُسْلِمِ فِي تَرِكَةِ الْأَمِيرِ الْمَذْكُورِ إلَّا أَرْشُ مَالِهِ وَحَيْثُ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ اسْتَوْفَى الْمُسْتَأْجِرُ مَا اسْتَحَقَّهُ وَحَيْثُ فَسَدَتْ أَوْ انْفَسَخَتْ رَجَعَ عَلَى تَرِكَةِ الْأَمِيرِ بِكُلِّ الْأُجْرَةِ فِي الْأُولَى وَبِقَسْطِ مَا انْفَسَخَ فِيهِ فِي الثَّانِيَةِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَمَعْلُومُ السَّنَةِ الَّتِي بَاشَرَهَا الْمَيِّتُ مِنْ جُمْلَةِ تَرِكَتِهِ كَمَا تَقَرَّرَ فَيَتَعَلَّقُ بِهَا دُيُونُهُ وَلَا حَقَّ فِيهَا لِلْأَمِيرِ الثَّانِي، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَجِيرًا أَوْ عَامِلَ جَعَالَةٍ عَنْ أَشْخَاصٍ مُتَعَدِّدِينَ فِي زِيَارَتِهِ فِي سَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَجُوزُ كَمَا أَفْتَى بِهِ كَثِيرُونَ لِعَدَمِ الْمُزَاحَمَةِ بِخِلَافِ الْحَجِّ فِي غَيْرِ إجَارَةِ الذِّمَّةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ إلَّا إنْ عَلِمَ الْجَاعِلُونَ الْحَالَ وَلَوْ جُوعِلَ فَعَجَزَ عَنْ الزِّيَارَةِ فَجَاعَلَ غَيْرَهُ اسْتَحَقَّ الْمُسَمَّى. (وَسُئِلَ) بِمَا صُورَتُهُ إذَا لَمْ تُعْرَفْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فِي مَوْضِعٍ لِعَدَمِ الِاسْتِئْجَارِ أَوْ لِلْمُسَامَحَةِ بِالسُّكْنَى فَبِمَ تُعْرَفُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ تُعْرَفُ بِأَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ أَمَّا فِي الْأُولَى فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَكَذَلِكَ وَفِيهِ احْتِمَالٌ أَنَّهَا تُقَدَّرُ بِعُرْفِ قَوْمٍ لَا يُسَامِحُونَ بِذَلِكَ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ اُسْتُؤْجِرَ لِرَعْيِهِ غَنَمًا فَاسْتَنَابَ غَيْرَهُ فَهَلْ يَضْمَنُ مَا تَلِفَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ اسْتَنَابَ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ فِي الْحِفْظِ وَالْأَمَانَةِ، وَالْإِجَارَةُ إجَارَةُ ذِمَّةٍ لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ وَإِلَّا ضَمِنَ. (وَسُئِلَ) بِمَا صُورَتُهُ اسْتَأْجَرَ إجَارَةً فَاسِدَةً مَثَلًا ثُمَّ حَرَثَ الْأَرْضَ وَزَادَتْ قِيمَتُهَا بِذَلِكَ قَبْلَ عِلْمِهِ بِالْفَسَادِ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ بِأُجْرَةِ فِعْلِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ قَاعِدَةِ أَنَّ فَاسِدَ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْقَاعِدَةُ لَا تَشْهَدُ لَهُ كَمَا يَظْهَرُ بِالتَّأَمُّلِ، ثُمَّ رَأَيْت هَذَا الْمُفْتِي نَفْسَهُ أَفْتَى فِيمَا لَوْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً وَصَرَفَ عَلَى عِمَارَةِ الْأَرْضِ مَالًا بِأَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ وَهُوَ مُفْسِدٌ احْتِجَاجَهُ بِالْقَاعِدَةِ الْمَذْكُورَةِ فَالْأَوْجَهُ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ (وَسُئِلَ) عَمَّنْ اسْتَأْجَرَ بِئْرًا وَفِيهَا مَاءٌ فَهَلْ تَصِحُّ الْإِجَارَةُ

أَمْ لَا كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ تَصِحُّ الْإِجَارَةُ كَمَا أَفْهَمَهُ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ وَيَقَعُ اسْتِيفَاءُ الْمَاءِ تَبَعًا وَلَا وَجْهَ لِلْإِفْتَاءِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فَقَدْ صَرَّحُوا فِي اسْتِئْجَارِ الْقَنَاةِ بِمَا ذُكِرَ وَبِأَنَّ الْإِجَارَةَ قَدْ يُسْتَحَقُّ بِهَا عَيْنٌ تَبَعًا لِضَرُورَةٍ أَوْ حَاجَةٍ حَاقَّةٍ تَلْحَقُ تِلْكَ الْعَيْنَ بِالْمَنْفَعَةِ (وَسُئِلَ) عَمَّنْ اسْتَأْجَرَ مَنْ يُعَلِّمُ وَلَدَهُ الْقُرْآنَ جَمِيعَهُ بِثَلَاثِينَ دِينَارًا فَعَلَّمَهُ سِتَّةً وَعِشْرِينَ حِزْبًا وَعَلَّمَهُ الْخَطَّ حَتَّى أَحْكَمَهُ إحْكَامًا تَامًّا فَمَا يَجِبُ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى غَيْرُ وَاحِدٍ بِأَنَّ الْخَطَّ يُقَابِلُهُ رُبُعُ الْأُجْرَةِ فَعَلَيْهِ يَجِبُ هُنَا رُبُعُ الْأُجْرَةِ وَثُلُثُهَا وَعُشْرُهَا وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا وَمَا أَدْرِي مَا مُسْتَنَدُ الْمُوجِبِينَ لِرُبُعِ الْأُجْرَةِ فِي مُقَابَلَةِ الْخَطِّ بَلْ الْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْخَطِّ حَيْثُ لَمْ يُنَصَّ عَلَيْهِ فَإِنْ نُصَّ عَلَيْهِ اُعْتُبِرَتْ الْأُجْرَةُ مُوَزَّعَةً عَلَى ذَلِكَ وَوَجَبَ مَا يُقَابِلُهُ. (وَسُئِلَ) بِمَا صُورَتُهُ لَوْ قَالَ إنْسَانٌ أَلْزَمْت ذِمَّتَك الْحَجَّ عَنِّي لِتَفْعَلَهُ بِنَفْسِك صَحَّ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَلْزَمْت ذِمَّتَك خِيَاطَةَ هَذَا الثَّوْبِ لِتَفْعَلَهُ بِنَفْسِك فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فَمَا الْفَرْقُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا عُسْرٌ وَلَمَّا لَمْ يَظْهَرْ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ فَرَّ إلَى تَضْعِيفِ أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْغَرَضَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَإِنْ اسْتَوَوْا كُلُّهُمْ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يُحْسِنُ الْحَجَّ بَلْ رُبَّمَا يُقَدَّمُ الْعَارِفُ بِأَعْمَالِ الْحَجِّ عَلَى الْأَعْرَفِ مِنْهُ لِمَزِيدِ زُهْدٍ أَوْ وَرَعٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا هُوَ سَبَبٌ فِي الْإِجَابَةِ وَالْقَبُولِ، وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فَلَا يَخْتَلِفُ الْغَرَضُ فِيهَا بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ بَعْدَ اسْتِوَائِهِمْ فِي خِيَاطَةِ الثَّوْبِ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ شَيْءٌ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الذَّوَاتِ وَالسَّرَائِرِ بِخِلَافِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهَذَا فَرْقٌ وَاضِحٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ. (وَسُئِلَ) فَسَحَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي قَبْرِهِ بِمَا صُورَتُهُ فِي الْإِحْيَاءِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ عِوَضٍ عَلَى كَلِمَةٍ يَقُولُهَا طَبِيبٌ عَلَى دَوَاءٍ يَنْفَرِدُ بِمَعْرِفَتِهِ إذْ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي التَّلَفُّظِ وَعَمَلُهُ بِهِ لَا يَنْتَقِلُ إلَى غَيْرِهِ فَلَيْسَ مِمَّا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ عَرَفَ الصَّقِيلُ الْمَاهِرُ إزَالَةَ اعْوِجَاجِ السَّيْفِ وَالْمِرْآةِ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَهُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَلَيْهَا وَإِنْ كَثُرَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّنَاعَاتِ يُتْعَبُ فِي تَعْلِيمِهَا لِتُكْتَسَبَ وَيُخَفِّفُ عَنْ نَفْسِهِ كَثْرَةَ التَّعَبِ اهـ. فَهَلْ هُوَ الْمُعْتَمَدُ أَمْ الْمُعْتَمَدُ مَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ مِنْ أَنَّ الِاسْتِئْجَارَ لَا يَصِحُّ وَهَلْ الْفَصْدُ وَنَحْوُهُ كَذَلِكَ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ كَمَا اعْتَمَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُؤَيِّدُهُ تَصْرِيحُهُمْ بِصِحَّةِ الِاسْتِئْجَارِ لِلْفَصْدِ وَنَحْوِهِ مَعَ أَنَّهُ عَمَلٌ لَا يُتْعِبُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَاسْأَلْ عَنْ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ اسْتِئْجَارِ الْبَيَّاعِ عَلَى كَلِمَةٍ لَا تُتْعِبُ اهـ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ السَّابِقِ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَحَاصِلُهُ أَنَّ عِلَّةَ الْبُطْلَانِ مُرَكَّبَةٌ مِنْ عَدَمِ الْمَشَقَّةِ وَعَدَمِ انْتِقَالِ الْعِلْمِ لِلْغَيْرِ وَعَدَمِ التَّعَبِ فِي تَعَلُّمِهَا لِتُكْتَسَبَ وَيُخَفِّفُ عَنْ النَّفْسِ كَثْرَةُ التَّعَبِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي كَلِمَةِ الْبَيَّاعِ وَكَلِمَةِ الطَّبِيبِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا الثَّانِي؛ فَلِأَنَّ الْمَقُولَ لَهُ تِلْكَ الْكَلِمَةُ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ عِلْمُهَا وَأَيْضًا فَلَيْسَ مِنْ شَأْنِ عِلْمِ الطِّبِّ أَنْ يَتْعَبَ فِي تَحْصِيلِهِ لِيُخَفِّفَ عَنْ النَّفْسِ كَثْرَةَ التَّعَبِ بَلْ لِتَتَحَلَّى النَّفْسُ بِكَمَالِ الْعُلُومِ أَوْ بَعْضِهَا بِخِلَافِ كَلِمَةِ الْمَاهِرِ فَإِنَّ عِلْمَهَا يَنْتَقِلُ إلَى مَنْ عَرَّفَهُ إيَّاهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَذْكُرُهَا إلَّا لِمَنْ شَارَكَهُ فِي صَنْعَتِهِ لَكِنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الدَّقِيقَةُ وَأَيْضًا فَمِنْ شَأْنِهَا وَنَحْوِهَا التَّعَبُ فِي تَحْصِيلِهِ لِلتَّخْفِيفِ الْمَذْكُورِ وَبِتَأَمُّلِ ذَلِكَ يَتَّضِحُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَصْدِ وَكَلِمَةِ الْبَيَّاعِ وَنَحْوِهَا مِنْ الرَّدِّ عَلَى مَنْ غَلِطَ فِيهَا لَا يُقَالُ تَعَلُّمُ الْقُرْآنِ يُتْعَبُ فِي تَحْصِيلِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ مِثْلَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ لَا يُتْعَبُ فِي تَحْصِيلِهَا أَوْ يُتْعَبُ لَا لِلتَّخْفِيفِ الْمَذْكُورِ بَلْ لِمَا مَرَّ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ اسْتَأْجَرَهُ لِقَلْعِ سِنِّهِ الْوَجِعَةِ فَبَرِئَتْ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ هَلْ هُوَ سَوَاءٌ أَكَانَ لَهُ سِنٌّ أُخْرَى وَجِعَةٌ مِثْلُهَا أَوْ لَا أَوْ خَاصٌّ بِالثَّانِي وَعَلَى الْأَوَّلِ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَجَوَازِ إبْدَالِ الرَّضِيعِ بِمِثْلِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ بِأَنَّ الرَّضِيعَ مُشَاهَدٌ يُمْكِنُ الْإِحَاطَةُ بِهِ فَجَازَ إبْدَالُهُ بِمِثْلِهِ بِخِلَافِ السِّنِّ فَإِنَّهُ وَإِنْ فَرَضَ مُسَاوَاتِهَا لِسِنٍّ أُخْرَى لَكِنَّهُ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ مِنْهُمَا، وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ أَصْلِهِمَا الْمَسْتُورِ بِاللِّثَةِ فَلَا يَتَحَقَّقُ مُسَاوَاتُهُمَا فِيهِ فَلَمْ يَجُزْ الْإِبْدَالُ هُنَا بِخِلَافِهِ ثَمَّ. (وَسُئِلَ) بِمَا صُورَتُهُ لَوْ قَالَ

فِي أَرْضٍ صَالِحَةٍ لِلزَّرْعِ وَالْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ أَجَرْتُك لِتَزْرَعَ أَوْ تَغْرِسَ لَمْ يَصِحَّ مَا وَجْهُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ وَجْهُهُ أَنَّ أَوْ لِلتَّرْدِيدِ فَلَيْسَ فِيهِ الْإِذْنُ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ نَعَمْ إنْ نَوَى بِهَا التَّخْيِيرَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ إلَّا شِئْت فَازْرَعْ وَإِنْ شِئْت فَاغْرِسْ صَحَّ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا؛ لِأَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَ مَا شَاءَ مِنْ كُلٍّ مِنْ الْمَنْفَعَتَيْنِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّرْدِيدِ بِأَنَّ التَّرْدِيدَ فِيهِ إبْهَامٌ مُطْلَقٌ لَا يُرْجَى تَعْيِينُهُ مِنْ غَيْرِ الْمُؤَجِّرِ بِخِلَافِ التَّخْيِيرِ فَإِنَّ الْأَمْرَ مُعَلَّقٌ بِمَا يَخْتَارُهُ الْمُسْتَأْجِرُ وَمَا يَخْتَارُهُ مُعَيَّنٌ فَلَوْ أَطْلَقَ فَهَلْ يُحْمَلُ عَلَى التَّرْدِيدِ فَتَبْطُلُ أَوْ عَلَى التَّخْيِيرِ فَتَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ الصِّحَّةُ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَلَعَلَّ الْأَقْرَبَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ وَضْعَ أَوْ فِي مِثْلِ ذَلِكَ إلَى التَّرْدِيدِ أَمَيْلُ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْأَصْلُ فِي الْعُقُودِ الصِّحَّةَ حَيْثُ لَمْ يَقْوَ ظُهُورُ وَجْهِ الْمُبْطِلِ، ثُمَّ رَأَيْت عَنْ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَفْعَلُ أَيَّهُمَا شَاءَ صَحَّ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته وَلَوْ قَالَ لِتَغْرِسَ أَوْ لِتَبْنِيَ وَأَطْلَقَ صَحَّ وَغَرَسَ وَبَنَى مَا شَاءَ لِتَقَارُبِ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ نَعَمْ إنْ أَجَرَ عَنْ غَيْرِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ نِيَابَةٍ لَمْ يَكْفِ الْإِطْلَاقُ لِوُجُوبِ الِاحْتِيَاطِ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَجَرَ عَبْدَهُ مُدَّةً مَثَلًا ثُمَّ أَعْتَقَهُ فِي أَثْنَائِهَا مَثَلًا ثُمَّ رَأَى الْمُسْتَأْجِرُ فِيهِ عَيْبًا وَفَسَخَ بِهِ فَهَلْ تَرْجِعُ الْمَنَافِعُ لِلْعَبْدِ أَوْ لِسَيِّدِهِ وَهَلْ قِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ أَجَرَ دَارِهِ، ثُمَّ وَقَفَهَا، ثُمَّ رَأَى الْمُسْتَأْجِرُ بِهَا عَيْبًا وَفَسَخَ بِهِ أَنْ تَرْجِعَ مَنَافِعُهَا لِلْوَاقِفِ أَوْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْمَنَافِعَ تَرْجِعُ لِلْعَبْدِ لَا لِسَيِّدِهِ وَعَلَيْهِ فَهَلْ يَرْجِعُ الْمُسْتَأْجِرُ بِحِصَّةِ مَا يَخُصُّ بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ عَلَى الْعَبْدِ لِرُجُوعِ الْمَنَافِعِ لَهُ أَوْ عَلَى السَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ الْمُؤَجِّرُ الْقَابِضُ لِلْمُسَمَّى كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَلَعَلَّ الْأَقْرَبَ الثَّانِي وَقِيَاسُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَنَافِعَ تَرْجِعُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لَا لِلْوَاقِفِ لِخُرُوجِ الدَّارِ بِوَقْفِهِ عَنْ رُجُوعِ مَنَافِعِهَا إلَيْهِ بِوَجْهٍ وَأَنَّ حِصَّةَ بَقِيَّةِ الْمُدَّةِ يَرْجِعُ بِهَا الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى الْوَاقِفِ دُونَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُؤَجِّرُ الَّذِي قَبَضَ الْمُسَمَّى. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَجَرَ دَارًا فِيهَا صِهْرِيجٌ لِمُدَّةِ سَنَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الصِّهْرِيجَ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ فَهَلْ يَدْخُلُ الصِّهْرِيجُ فِي الدَّارِ فَيَنْتَفِعُ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ تَبَعًا لِلدَّارِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ بِإِفْرَادِ الصِّهْرِيجِ عَنْ الدَّارِ بِالْإِجَارَةِ لِكَثْرَةِ مَنَافِعِهِ لَمْ يَدْخُلْ وَإِلَّا دَخَلَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ يَدْخُلُ الشُّرْبُ فِي اسْتِئْجَارِهِ الْأَرْضَ إنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِاسْتِئْجَارِهَا مَعَهُ وَمَا أَفْتَى بِهِ الْإِمَامُ الْأَصْبَحِيُّ مِنْ أَنَّهُ إذَا اكْتَرَى دَارًا وَفِيهَا مَدَافِنُ لِلْحَبِّ وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ فِي بِلَادِ مِصْرَ بِالْمَطَامِيرِ. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي بَلَدٍ يُتَعَارَفُ فِيهَا أَنَّهُ إذَا اسْتَأْجَرَ الدَّارَ لِلسُّكْنَى تَرَكَ الْحَبَّ فِي الْمَدَافِنِ دَخَلَتْ فِيهِ إذْ هُوَ الْمُتَعَارَفُ وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدٍ الْعُرْفُ إفْرَادُهَا بِالْإِجَارَةِ لِكَثْرَةِ مَنْفَعَتِهَا لَمْ تَدْخُلْ فِي ذَلِكَ. اهـ. فَإِنْ قُلْت قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ دُخُولُ الْبِئْرِ فِي الدَّارِ مُطْلَقًا قُلْت إنَّمَا أَطْلَقُوا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا بَلْ الْمُطَّرِدَ أَنَّهَا لَا تُفْرَدُ عَنْ الدَّارِ بِإِجَارَةٍ فَإِنْ فُرِضَ ذَلِكَ وَاعْتِيدَ فِي بَلَدٍ لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يُقَالَ فِيهَا بِعَدَمِ الدُّخُولِ فَإِنْ قُلْت صَرَّحُوا فِي بَابِ الْأُصُولِ وَالثِّمَارِ أَنَّ نَحْوَ بَيْعِ الْأَرْضِ وَالسَّاحَةِ وَالْبُقْعَةِ وَنَحْوِهَا يَتَنَاوَلُ مَا فِيهَا مِنْ شَجَرٍ وَبِنَاءٍ بِخِلَافِ نَحْوِ رَهْنِهَا وَفَرَّقُوا بِأَنَّ نَحْوَ الْبَيْعِ قَوِيٌّ يَسْتَتْبِعُ الْمِلْكَ بِخِلَافِ نَحْوِ الرَّهْنِ وَأَخَذَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُ عَدَمَ دُخُولِهِمَا فِي الْإِجَارَةِ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ عَدَمُ دُخُولِ الصِّهْرِيجِ الْمَذْكُورِ مُطْلَقًا قُلْت الْفَرْقُ بَيْنَ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ وَالصِّهْرِيجِ أَنَّهُ إذَا دَخَلَ فِي مُسَمَّى الِانْتِفَاعِ بِالدَّارِ يَدْخُلُ حَيْثُ لَمْ تَطَّرِدْ الْعَادَةُ بِعَدَمِ دُخُولِهِ فِيهَا بِخِلَافِهِمَا فَإِنَّهُمَا غَيْرُ دَاخِلَيْنِ فِي مُسَمَّى الِانْتِفَاعِ بِهَا فَلَمْ يَدْخُلَا وَهَلْ مَا يَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ مِنْ حَجَرِ الرَّحَى الْأَسْفَلِ وَالْأَعْلَى وَالرُّفُوفِ وَالسَّلَالِمِ وَغَيْرِهَا يَدْخُلُ فِي إجَارَتِهَا أَوْ لَا قَضِيَّةٌ أَخَذَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمَذْكُورُ عَدَمَ الدُّخُولِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّ كُلَّ مَا دَخَلَ فِي بَيْعِهَا وَكَانَ مِنْ مُتَمِّمَاتِ السُّكْنَى وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِإِفْرَادِهِ عَنْهَا بِإِجَارَةٍ خَاصَّةٍ يَدْخُلُ فِي إجَارَتِهَا وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَدْخُلُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا قَالَ الْوَاقِفُ فُلَانٌ نَاظِرٌ عَلَى وَقْفِي هَذَا وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ أَوْ قَالَ نَاظِرٌ مُدَّةَ حَيَاتِهِ فَقَطْ وَلَمْ يَذْكُرْ عَلَى حِصَّتِهِ إذَا كَانَ مُسْتَحِقًّا هَلْ يَكُونُ قَوْلُهُ هَذَا نَظَرٌ عَامٌّ مُنْسَحِبٌ عَلَى سَائِرِ الْبُطُونِ حَتَّى لَوْ أَجَرَ الْوَقْفَ مُدَّةً بِشَرْطِهِ لَمْ تَنْفَسِخْ بَعْدَ

مَوْتِهِ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا. وَهَلْ يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ لِسَائِرِ النُّظَّارِ مِنْ بَعْدِهِ إذَا قَالَ الْوَاقِفُ: النَّظَرُ لِفُلَانٍ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ لِفُلَانٍ إلَخْ؟ وَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ وَحَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ هَلْ لِحَاكِمٍ شَرْعِيٍّ نَقْضُهُ أَمْ لَا؟ وَهَلْ النَّاظِرُ الْمُسْتَحِقُّ وَالْأَجْنَبِيُّ وَالْحَاكِمُ الشَّرْعِيُّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَمْ لَا؟ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ النَّاظِرِ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا تَنْفَسِخُ إجَارَةُ النَّاظِرِ بِمَوْتِهِ إلَّا إنْ صَرَّحَ بِتَخْصِيصِ نَظَرِهِ بِحِصَّتِهِ، وَأَمَّا فِيمَا عَدَا هَذِهِ الصُّورَةَ فَلَا انْفِسَاخَ، سَوَاءٌ قَيَّدَ بِمُدَّةِ الْحَيَاةِ أَمْ لَا. وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَشْرُوطِ نَظَرُهُ مِنْ الْبَطْنِ الْأُولَى وَمَا بَعْدَهَا ابْتِدَاءً أَوْ بِشَرْطِ مَوْتِ فُلَانٍ مَثَلًا، وَإِذَا حَكَمَ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ قَاضٍ يَرَاهُ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ، وَالنَّاظِرُ الْمُسْتَحِقُّ وَالْأَجْنَبِيُّ وَالْحَاكِمُ الشَّرْعِيُّ سَوَاءٌ فِي التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْته، وَقَدْ بَسَطْتُ الْكَلَامَ فِي جَوَابٍ طَوِيلٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى بَيَانِ أَنَّ ذَلِكَ التَّفْصِيلَ هُوَ الْمَنْقُولُ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِجَمَاعَةٍ، وَمَنْ أَرَادَ تَحْقِيقَ ذَلِكَ فَلْيَنْظُرْ ذَلِكَ الْجَوَابَ مِنْ الْفَتَاوَى. وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ وَاضِحٌ وَهُوَ أَنَّ الْعَامَّ صَيَّرَهُ مُتَكَلِّمًا عَلَى غَيْرِهِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ أَجَّرَ وَلِيٌّ صَبِيًّا مُدَّةً فَبَلَغَ بِالِاحْتِلَامِ أَوْ سَيِّدٌ عَبْدَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ، فَإِذَا اقْتَضَى نَظَرُهُ مُدَّةً يُؤْجَرُ لَهَا لَمْ تَنْفَسِخْ بِمَوْتِهِ لِسَرَيَانِ فِعْلِهِ عَلَى غَيْرِهِ لِتَعْمِيمِ الْوَاقِفِ لِنَظَرِهِ بِخِلَافِ الْخَاصِّ، فَإِنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَرْضَ بِتَكَلُّمِهِ عَنْ غَيْرِهِ، وَبِمَوْتِهِ انْتَقَلَ الْحَقُّ لِغَيْرِهِ فَانْفَسَخَ فِيهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَمَّنْ اسْتَأْجَرَ دَوَابَّ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ إجَارَةَ عَيْنٍ إلَى بَلَدٍ مَعْلُومَةٍ وَشَرَطَ عَلَيْهِ السَّفَرَ صُحْبَةَ الرَّكْبِ الْيَمَانِيِّ مَثَلًا أَوَّلَ شَهْرِ كَذَا فَأَحْضَرَهَا لَهُ الْمُؤَجِّرُ فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ وَأَنَاخَهَا بِبَابِهِ مَثَلًا فَحَصَلَ لِلْمُسْتَأْجِرِ عُذْرٌ كَمَرَضٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ غَيْبَةٍ فِي مَحَلٍّ لَا يُعْرَفُ، فَهَلْ لِمُؤَجِّرِ الْجِمَالِ الْفَسْخُ وَدَفْعُ الْأُجْرَةِ إنْ كَانَ قَبَضَهَا لِوَكِيلِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ لِحَاكِمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ تَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ؟ وَهَلْ لَهُ إجَارَتُهَا بِمُقْتَضَى ذَلِكَ لِلْغَيْرِ وَالسَّفَرُ بِهَا إلَى أَيِّ مَحَلٍّ أَرَادَ أَمْ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ؟ فَإِذَا قُلْتُمْ: لَا فَسْخَ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ تَحْيِيرُهُ وَضَرَرُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَدَوَابِّهِ لِمُؤَنِهِ وَمُؤَنِ دَوَابِّهِ الْمَضَرَّةَ الشَّدِيدَةَ. وَالْحَدِيثُ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَلَا سِيَّمَا إنْ طَالَ مَرَضُ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ حَبْسُهُ أَوْ غَيْبَتُهُ، وَإِذَا أَنَاخَهَا الْمُؤَجِّرُ بِبَابِ الْمُسْتَأْجِرِ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ أَوْ سَلَّمَهَا لِوَكِيلِهِ أَوْ لَهُ وَلَيْسَ لَهُ عُذْرٌ وَمَضَتْ مُدَّةُ زَمَنِ إمْكَانِ السَّفَرِ إلَى الْبَلْدَةِ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا الْعَقْدُ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالِهَا مُدَّةَ زَمَنِ الْمُضِيِّ إلَى الْبَلْدَةِ الْمَذْكُورَةِ هَلْ يَكُونُ كَالْمُتَسَلِّمِ مِفْتَاحَ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ شَرْعِيٍّ مِنْ غَيْرِ انْتِفَاعٍ بِهَا؟ هَلْ تَسْقُطُ الْأُجْرَةُ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الشُّرُوطِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي صُلْبِ الْإِجَارَةِ الْمَذْكُورَةِ صَحِيحٌ أَمْ تُخِلُّ بِهَا وَتَبْطُلُ الْإِجَارَةُ مِنْ أَصْلِهَا؟ أَوْضِحُوا لَنَا الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: تَسْتَقِرُّ الْأُجْرَةُ الْمُسَمَّاةُ إنْ صَحَّ الْعَقْدُ وَإِلَّا فَأُجْرَةُ الْمِثْلِ عَلَى الْمُكْتَرِي بِتَسَلُّمِهِ الدَّابَّةَ وَمُضِيِّ قَدْرِ نَحْوِ الْمُدَّةِ أَوْ الْعَمَلِ الْمُقَدَّرِ بِهِ، سَوَاءٌ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ عَدَمُ الِاسْتِيفَاءِ لِعُذْرٍ أَمْ لِغَيْرِهِ، وَشَرْطُهُ صُحْبَةَ الرَّكْبِ غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلْعَقْدِ فَلَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ فَسْخٌ وَلَا يَلْزَمُهُ رَدُّ الْأُجْرَةِ وَلَيْسَ لَهُ إيجَارُهَا لِشَخْصٍ ثَانٍ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ اسْتِقْرَارِ الْأُجْرَةِ بِمُضِيِّ إمْكَانِ اسْتِيفَاءِ مَا قُدِّرَ بِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِمَّا قُلْنَاهُ تَضَرُّرُ الْمُؤَجِّرِ بِوَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْجُلُوسُ عِنْدَ دَابَّتِهِ يُوَكِّلُ مَنْ يَقُومُ عَنْهُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَتَعَهُّدِهَا فَإِنْ لَمْ يَرَ وَكِيلًا وَلَا وَثِقَ بِالْمُسْتَأْجِرِ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ كَارَى جَمَّالًا عَلَى أَحْمَالٍ مَعْلُومَةِ الْوَزْنِ فَحَمَلَهَا الْجَمَّالُ أَيَّامًا فَانْقَطَعَتْ جِمَالُهُ مَثَلًا فَوُزِنَتْ الْأَحْمَالُ فَوُجِدَتْ زَائِدَةً زِيَادَةً كَثِيرَةً عَلَى مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ فَهَلْ يَضْمَنُ الْجَمَّالُ بِسَبَبِ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إذَا حَمَّلَ الْمُكْتَرِي ذَلِكَ الزَّائِدَ وَلَيْسَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ مَعَهَا ضَمِنَهَا كُلَّهَا، وَإِنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ الْحَمْلِ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ أَوْ وَصَاحِبُهَا مَعَهَا أَوْ سَلَّمَ الْمُكْتَرِي ذَلِكَ لِلْمُكْرِي فَحَمَلَهُ جَاهِلًا بِالزِّيَادَةِ بِأَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ فِي قَدْرِهِ ضَمِنَ قَسْطَ الزَّائِدِ إنْ تَلِفَتْ بِالْحَمْلِ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ، وَيَضْمَنُ مَعَ ذَلِكَ أُجْرَةَ مِثْلِ الزِّيَادَةِ. (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) بِمَا لَفْظُهُ لَفْظُهُ اسْتَأْجَرَ زَيْدٌ نَحْوَ أَرْضٍ أَوْ دَابَّةٍ وَسَافَرَ قَبْلَ قَبْضِهَا فَهَلْ تَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ إذَا قَبَضَهَا مِنْهُ الْقَاضِي

لِلْمُسْتَأْجِرِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يَجُوزُ لِلْقَاضِي قَبْضُهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يَكُونُ الْعَرْضُ مِنْ الْمُؤَجِّرِ عَلَى الْقَاضِي كَالْعَرْضِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يَجُوزُ لِلْقَاضِي قَبْضُ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ لِلْغَائِبِ ثُمَّ يُؤَجِّرُهَا وَتَسْتَقِرُّ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْأُجْرَةُ وَلَيْسَ مُجَرَّدُ الْعَرْضِ عَلَيْهِ كَهُوَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ لِآخَرَ لِآخَر ازْرَعْ أَرْضِي وَاحْرُثْهَا وَلَك نِصْفُ غَلَّتِهَا فَفَعَلَ ثُمَّ بَاعَهَا الْمَالِكُ مَا حُكْمُ بَيْعِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: بَيْعُهُ صَحِيحٌ إنْ بَاعَهَا لِمَنْ رَآهَا قَبْلَ الزَّرْعِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَمْ يَسْتُرْهَا وَلِلْحَارِثِ الزَّارِعِ عَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ. (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) حَوْلَ وَقْفٍ فِيهِ عَنَاءٌ لِذِمِّيٍّ وَهُوَ مَا يَزِيدُ فِي ثَمَنِهَا بِسَبَبِ الْحَرْثِ وَالْإِصْلَاحِ فَأَرَادَ أَنْ يَنْقُلَهُ إلَى آخَرَ كَيْفَ الصِّيغَةُ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: هَذَا بِنَفْسِهِ مُتَعَذَّرُ النَّقْلِ لِلْغَيْرِ؛ لِأَنَّ نَحْوَ الْحَرْثِ وَالْإِصْلَاحِ صِفَةٌ تَابِعَةٌ فَإِنْ كَانَ لِلذِّمِّيِّ فِي مُقَابَلَتِهِ أُجْرَةٌ صَحِيحَةٌ مُسْتَقِرَّةٌ أَمْكَنَ نَقْلُهَا لِلْغَيْرِ بِهِبَةٍ وَنَحْوِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي مُقَابَلَتِهِ أُجْرَةٌ فَالْعَمَلُ وَآثَارُهُ يَتَعَذَّرُ نَقْلُهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ لَا يُقَابَلَانِ بِمَالٍ. (وَسُئِلَ) عَنْ مُسْتَأْجَرٍ لِرَعْيِ إبِلٍ فَنَدَّتْ عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ وَلَمْ يَدْرِ أَيْنَ تَوَجَّهَتْ ثُمَّ بَانَ تَلَفُهَا مَا الْحُكْمُ؟ ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنْ نَدَّتْ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ مِنْهُ لَمْ يَضْمَنْهَا وَإِلَّا ضَمِنَهَا. وَذَكَرُوا مِنْ أَمْثِلَةِ التَّقْصِيرِ الْمُضَمِّنَةِ لِلْأَجِيرِ أَنْ يَرْعَى الْبَهَائِمَ الَّتِي اُسْتُؤْجِرَ لِرَعْيِهَا فِي مَسْبَعَةٍ أَوْ مَكَان مَخُوفٍ أَوْ يَتْرُكَ بَعْضَهَا فِي الْمَرْعَى وَيَذْهَبَ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِأَجْلِ نِسْيَانِهِ لَهُ أَوْ تَقَعَ وَاحِدَةٌ مِنْهَا فِي حُفْرَةٍ مِنْ غَيْرِ شُعُورِهِ فَلَمْ يَأْتِ إلَّا، وَقَدْ هَلَكَتْ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ سَلَّمَ بَقَرَةً لِصَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ لِيَرْعَاهَا وَلَمْ يُسَمِّ أُجْرَةً فَتَلِفَ بَعْضُهَا مَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إذَا لَمْ يُسَمِّ أُجْرَةً وَلَا ذَكَرَ مَا يُشْعِرُ بِالْأُجْرَةِ كَأُرْضِيك مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ الْأَجِيرُ لَا أُرِيدُهَا لَمْ يَسْتَحِقَّ الْأَجِيرُ أُجْرَةً؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مَنْفَعَتَهُ لَا فِي مُقَابِلٍ، وَيَظْهَرُ أَنَّ مَحِلَّهُ فِي الرَّشِيدِ وَأَنَّ غَيْرَهُ تَجِبُ أُجْرَتُهُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّبَرُّعِ بِمَنَافِعِهِ، وَأَمَّا التَّلَفُ عِنْدَهُ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ تَقْصِيرٍ لَمْ يَضْمَنْهُ مُطْلَقًا، وَإِنْ كَانَ بِتَقْصِيرٍ ضَمِنَهُ الرَّشِيدُ دُونَ غَيْرِهِ بِخِلَافِ إتْلَافِهِ فَإِنَّهُ يُضَمَّنُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ رَشِيدٍ؛ لِأَنَّ إعْطَاءَهَا لَهُ لِيَرْعَاهَا لَيْسَ فِيهِ تَسْلِيطٌ لَهُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْبَيْعِ لَهُ فَإِنَّ فِيهِ تَسْلِيطًا لَهُ عَلَى الْإِتْلَافِ فَلَمْ يُضَمِّنْهُ بِهِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَجَّرَ أَرْضًا مُدَّةً مُعَيَّنَةً مَعْلُومَةً ثُمَّ مَضَتْ وَبَقِيَ فِي الْأَرْضِ أَثَرُ الْعِمَارَةِ بِحَيْثُ تَزِيدُ قِيمَةُ الْأَرْضِ بِهَا هَلْ لِلْمُسْتَأْجِرِ مُطَالَبَةُ الْمُؤَجِّرِ بِهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ مُطَالَبَتُهُ بِأَثَرٍ نَحْوُ حَرْثٍ أَوْ إصْلَاحٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا فَعَلَهُ لِيَعُودَ عَلَيْهِ نَفْعُهُ إلَى انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ دُونَ مَا زَادَ عَلَيْهَا، فَهُوَ مُوَطِّنٌ نَفْسَهُ عَلَى بَقَاءِ تِلْكَ الْآثَارِ لِلْمُؤَجِّرِ، وَأَيْضًا فَهِيَ صِفَاتٌ تَابِعَةٌ لَا تُقَابَلُ وَحْدَهَا بِمَالٍ إذْ لَا تَقْبَلُ انْتِقَالًا لِلْغَيْرِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ اسْتَأْجَرَ دَارًا مَوْقُوفَةً ذَاتَ مَسَاكِنَ وَمَنَافِعَ مُدَّةً طَوِيلَةً بِشُرُوطِهَا ثُمَّ هَدَمَ مِنْهَا الْبَعْضَ وَبَنَى بِأَنْقَاضِهَا وَزَادَ فِيهَا أَنْقَاضًا مِنْ مَالِهِ كَخَشَبٍ وَأَحْجَارٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَحْدَثَ فِيهَا مَسَاكِنَ وَمَنَافِعَ بِحَيْثُ تَغَيَّرَتْ هَيْئَةُ الْوَقْفِ عَمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ وَتَعَذَّرَ تَمْيِيزُ الْأَنْقَاضِ الْحَادِثَةِ مِنْ الْقَدِيمَةِ فَصَارَ لَا يُعْرَفُ أَنْقَاضُ الْمِلْكِ مِنْ الْوَقْفِ مَثَلًا فَلَمَّا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ طَلَبَ الْمُسْتَحِقُّ الْمُؤَجِّرُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ رَفْعَ يَدِهِ عَنْ الدَّارِ الْمَوْقُوفَةِ فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟ وَكَيْفَ الْوُصُولُ إلَى اسْتِحْقَاقِهِ مِنْ الْوَقْفِ بَعْدَ تَغَيُّرِ هَيْئَتِهِ وَعَدَمِ مَعْرِفَةِ الْأَنْقَاضِ الْقَدِيمَةِ مِنْ الْحَادِثَةِ؟ فَهَلْ يُجْبَرُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى هَدْمِ الْأَنْقَاضِ الْقَدِيمَةِ وَالْحَادِثَةِ وَعَلَى عَوْدِ الْوَقْفِ عَلَى هَيْئَتِهِ كَمَا كَانَ سَوَاءٌ أَكَانَ بِالْأَنْقَاضِ الْمُشْتَرَكَةِ أَوْ بِغَيْرِهَا مِنْ مَالِهِ لِعَدَمِ تَمَيُّزِهَا عَنْ بَعْضِهَا بَعْضًا أَمْ يَدْفَعُ الْمُسْتَأْجِرُ لِلْمُسْتَحِقِّ قِيمَةَ أَنْقَاضِ الْوَقْفِ بَعْدَ اجْتِهَادِهِ بِشَيْءٍ وَالتَّقْوِيمِ لِذَلِكَ وَيُجْبَرُ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى أَخْذِ ذَلِكَ وَيَمْلِكُهُ الْمُسْتَأْجِرُ أَمْ لَا؟ فَإِذَا قُلْتُمْ غَيْرَ ذَلِكَ فَكَيْفَ الْوُصُولُ إلَى حَقِّهِ وَهُوَ وَقْفٌ لَا يَصِحُّ فِيهِ بَيْعٌ وَلَا هِبَةٌ وَلَا قِسْمَةٌ وَلَا إجَارَةٌ لِجَهَالَةِ أَنْقَاضِ الْوَقْفِ وَلَا صُلْحٌ أَيْضًا؟ وَإِذَا اجْتَهَدَ الْمُسْتَأْجِرُ فِي الْأَنْقَاضِ الْقَدِيمَةِ وَالْحَادِثَةِ وَمَيَّزَهَا عَنْ بَعْضِهَا بَعْضًا هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ بِلَا يَمِينٍ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ؟ وَمَا الْحُكْمُ أَيْضًا إذَا تَعَذَّرَتْ مَعْرِفَةُ الْوَقْفِ مِنْ أَصْلِهِ مِنْ الْمِلْكِ وَغُمَّ عَلَيْنَا ذَلِكَ بِمُقْتَضَى تَغَيُّرِ الْهَيْئَةِ

الْأُولَى بِالْبِنَاءِ الْحَادِثِ؟ وَكَيْفَ وُصُولُ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى حَقِّهِ مِنْ ذَلِكَ؟ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ وُضُوحًا شَافِيًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْكَلَامُ عَلَى هَذَا السُّؤَالِ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلِ: مَا أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ أَنَّهُ غَيَّرَ هَيْئَةَ الْوَقْفِ وَأَنَّ ذَلِكَ هَلْ يَقْتَضِي هَدْمَ بِنَائِهِ؟ وَحَاصِلُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي التَّغْيِيرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَغْيِيرُ الْوَقْفِ عَنْ هَيْئَتِهِ فَلَا يَجْعَلُ الدَّارَ بُسْتَانًا وَلَا حَمَّامًا وَلَا بِالْعَكْسِ إلَّا إذَا جَعَلَ الْوَاقِفُ إلَى النَّاظِرِ مَا يَرَى فِيهِ مَصْلَحَةَ الْوَقْفِ. وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ حَانُوتُ الْقَصَّارِينَ لِلْخَبَّازِينَ قَالَ الشَّيْخَانِ: وَكَأَنَّهُ احْتَمَلَ تَغَيُّرَ النَّوْعِ دُونَ الْجِنْسِ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِمَا جَوَازُ التَّغْيِيرِ حَيْثُ بَقِيَ الِاسْمُ وَالْجِنْسُ، سَوَاءٌ أَكَانَ يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا، وَسَوَاءٌ اقْتَضَتْهُ الْمَصْلَحَةُ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ فِيهِ إذْهَابُ شَيْءٍ مِنْ عَيْنِ الْوَقْفِ أَمْ لَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُرَادٍ لَهُمَا كَالْأَصْحَابِ إذْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ خَرْقٌ عَظِيمٌ وَمَفَاسِدُ لَا تَخْفَى؛ وَمِنْ ثَمَّ اشْتَرَطَ السُّبْكِيّ مَا سَأَذْكُرُهُ عَنْهُ وَأَقَرُّوهُ عَلَيْهِ، وَفِي الْخَادِمِ وَالضَّابِطُ فِي الْمَنْعِ تَبَدُّلُ الِاسْمِ أَيْ: مَعَ الْجِنْسِ لِمَا تَقَرَّرَ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي عِلَّةِ مَنْعِ تَزْوِيجِ الْأَمَةِ الْمَوْقُوفَةِ أَنَّهُ يُنْقِصُ الْوَقْفَ وَيُخَالِفُ غَرَضَ الْوَاقِفِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَهَذَا يُفْهِمُ أَنَّ أَغْرَاضَ الْوَاقِفِينَ، وَإِنْ لَمْ يُصَرَّحْ بِهَا يُنْظَرْ إلَيْهَا اهـ. وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَفَّالُ فَقَالَ: لَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ إلَى مَقَاصِدِ الْوَاقِفِينَ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَلِهَذَا كَانَ شَيْخُنَا عِمَادُ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: إذَا اقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ تَغْيِيرَ بَعْضِ بِنَاءِ الْوَقْفِ فِي صُورَتِهِ لِزِيَادَةِ رَيْعِهِ جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ الْوَاقِفُ بِلَفْظِهِ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ شَاهِدَةٌ بِأَنَّ الْوَاقِفَ لَوْ ذَكَرَهُ فِي حَالَةِ الْوَقْفِ لَأَثْبَتَهُ فِي كِتَابِ وَقْفِهِ. وَقُلْت لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي وَقْتِهِ تَقِيِّ الدِّينِ الْقَشِيرِي أَيْ: ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ رَحِمَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ فِعْلِ الْقُضَاةِ مِنْ تَغْيِيرِ بَابٍ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان وَذَكَرَ عَنْهُ كَلَامًا أَشْعَرَ بِرِضَاهُ بِذَلِكَ وَبَيَّنَ فِي الْخَادِمِ ذَلِكَ الْكَلَامَ فَقَالَ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي كِتَابِ وَقْفِهِ: وَقَدْ قَضَى بِذَلِكَ قَاضِي الْقُضَاةِ تَاجُ الدِّينِ وَوَلَدُهُ قَاضِي الْقُضَاةِ صَدْرُ الدِّينِ فِي تَغْيِيرِ بَابٍ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان وَهُمَا فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ بِالْمَحَلِّ الْأَعْلَى. وَقُلْت ذَلِكَ لِابْنِ دَقِيقِ الْعِيد فَقَالَ: كَانَ وَالِدِي يَعْنِي الشَّيْخَ مَجْدَ الدِّينِ يَقُولُ: كَانَ شَيْخِي الْمَقْدِسِيُّ يَقُولُ بِذَلِكَ وَبِأَكْثَرَ مِنْهُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: فَأَشْعَرَ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ بِرِضَاهُ قَالَ فِي التَّوَسُّطِ: قَالَ السُّبْكِيّ: وَكَانَ هَذَا الرَّجُلُ قُدْوَةَ زَمَانِهِ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ فَلِذَلِكَ اغَتَبَطَ بِمَا اسْتَشْعَرَهُ مِنْ رِضَاهُ بِذَلِكَ وَكَانَ بِحَيْثُ يُكْتَفَى مِنْهُ بِدُونِ ذَلِكَ قَالَا أَعْنِي الْأَذْرَعِيَّ فِي التَّوَسُّطِ وَالزَّرْكَشِيَّ فِي الْخَادِمِ قَالَ السُّبْكِيّ وَاَلَّذِي أَرَاهُ فِي ذَلِكَ الْجَوَازَ بِشَرْطَيْنِ هَذِهِ عِبَارَةُ التَّوَسُّطِ. وَعِبَارَةُ الْخَادِمِ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ: أَحَدِهِمَا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا لَا يُغَيِّرُ مُسَمَّى الْوَقْفِ. الثَّانِي: أَنْ لَا يُزِيلَ شَيْئًا مِنْ عَيْنِهِ بَلْ يَنْتَقِلُ بَعْضُهُ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ فَإِنْ اقْتَضَى زَوَالَ شَيْءٍ مِنْ الْعَيْنِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الَّذِي نَصَّ الْوَاقِفُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْخَادِمِ الشَّارِعُ وَهُوَ تَحْرِيفٌ عَلَى جِنْسِهِ تَجِبُ الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهِ زَادَ فِي التَّوَسُّطِ وَهُوَ الْعَيْنُ وَالرَّقَبَةُ وَهِيَ مَادَّةُ الْوَقْفِ وَصُورَتُهُ الْمُسَمَّاةُ مِنْ دَارٍ أَوْ حَمَامٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، فَيَجِبُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى إبْقَاءِ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ وَإِنْ وَقَعَ التَّسَمُّحُ فِي بَعْضِ الصِّفَاتِ، وَاسْتَنَدَ إلَى مَا سَبَقَ عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ فِي حَانُوتِ الْحَدَّاد اهـ. زَادَ فِي الْخَادِمِ. الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْوَقْفِ وَعَلَى هَذَا فَفَتْحُ شُبَّاكِ الطَّبَرَسِيَّةِ فِي جِدَارِ الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ لَا يَجُوزُ؛ إذْ لَا مَصْلَحَةَ لِلْجَامِعِ فِيهِ وَكَذَلِكَ فَتْحُ أَبْوَابِ سَطْحِ الْحَرَمِ الْمَكِّيِّ لَا حَاجَةَ لِلْحَرَمِ بِهَا، وَإِنَّمَا هِيَ لِمَصْلَحَةِ سَاكِنِيهَا فَلِهَذَا لَا تَجُوزُ. قَالَ: وَلِهَذَا كَانَ شَيْخُنَا ابْنُ الرِّفْعَةِ لَمَّا زُيِّنَتْ الْقَاهِرَةُ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِمِائَةٍ زِينَةً عَظِيمَةً أَفْتَى بِتَحْرِيمِ النَّظَرِ إلَيْهَا قَالَ: لِأَنَّهَا إنَّمَا تُعْمَلُ لِلنَّظَرِ إلَيْهَا فَهُوَ الْعِلَّةُ الْغَائِبَةُ الْمَطْلُوبَةُ مِنْهَا فَفِي تَحْرِيمِ النَّظَرِ إلَيْهَا حَمْلٌ عَلَى تَرْكِهَا فَكَذَا هُنَا، وَحَيْثُ امْتَنَعَ الْفَتْحُ امْتَنَعَ الِاسْتِطْرَاقُ، نَعَمْ مَنْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى التَّغْيِيرِ إذَا كَانَ سَاكِنًا فِي شَيْءٍ مِنْ الْبُيُوتِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْحَرَمِ فَيُحْتَمَلُ جَوَازُ دُخُولِهِ مِنْهُ وَيَقْوَى عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ بِدُخُولِ اللَّيْلِ وَيُخَافُ مِنْ دَرَجِ الْحَرَمِ اهـ. وَمَا قَالَهُ فِي مَنْعِ فَتْحِ بَابٍ مِنْ أَحَدِ الْمَسَاجِدِ إلَى الْآخَرِ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ

الْوَجْهُ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ الْمُتَّصِلَةَ لَهَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ عَلَى الصَّحِيحِ فِي الْقَدْرِ وَغَيْرِهَا عَلَى مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إلَّا سُدَّ إلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ.» وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ سَدِّ الْأَبْوَابِ الزَّائِدَةِ عَلَى مِقْدَارِ الْحَاجَةِ الْعَامَّةِ، وَيَلْزَمُ عَلَى مُقْتَضَى مَا دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى جَوَازِهِ إشْكَالٌ عَلَى الْمَذْكُورِ أَوَّلًا، وَهِيَ أَنَّ هَذِهِ الْأَبْوَابَ إنْ كَانَتْ مِنْ أَصْلِ الْوَقْفِ الَّتِي وُضِعَ الْمَسْجِدُ عَلَيْهَا لَزِمَ عَلَيْهِ جَوَازُ تَغْيِيرِ مَعَالِمِ الْوَقْفِ وَخُرُوجِهِ عَنْ الْهَيْئَةِ الَّتِي وُضِعَ عَلَيْهَا أَوَّلًا، وَإِنْ كَانَتْ مُحْدَثَةً لَزِمَ عَلَيْهِ فَتْحُ بَابٍ فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ وَكُوَّةٍ يَدْخُلُ مِنْهَا الضَّوْءُ وَغَيْرُهُ مِمَّا تَقْتَضِيه مَصْلَحَتُهُ حَتَّى يَجُوزَ وَفِي نُسْخَتَيْنِ مِنْ الْخَادِمِ لَا يَجُوزُ، وَهُوَ تَحْرِيفٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: الْآتِي وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ لِآحَادِ الرَّعِيَّةِ أَنْ يَفْتَحَ فِي دَارِهِ الْمُجَاوِرَةِ لِلْمَسْجِدِ بَابًا إلَى الْمَسْجِدِ فِي حَائِطِ الْمَسْجِدِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ نَقُولَ يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْوَاقِفِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي وَقَفَ الْمَسْجِدَ، لَكِنَّ الْوَقْفَ يَزُول عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَالْأَقْرَبُ إلَى لَفْظِ الْخَبَرِ الْجَوَازُ مُطْلَقًا عِنْدَ اقْتِضَاءِ الْحَاجَةِ الْعَامَّةِ أَوْ الْخَاصَّةِ ذَلِكَ. وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ رِبَاطٌ مَوْقُوفٌ اقْتَضَتْ مَصْلَحَةُ أَهْلِهِ فَتْحَ بَابٍ مُضَافٍ إلَى بَابِهِ الْقَدِيمِ. أَجَابَ إنْ اسْتَلْزَمَ تَغْيِيرُ شَيْءٍ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَنْ هَيْئَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا مِثْلُ أَنْ يَفْتَحَ إلَى أَرْضٍ وُقِفَتْ بُسْتَانًا مَثَلًا فَيَسْتَلْزِمُ تَغْيِيرُ مَحِلِّ الِاسْتِطْرَاقِ وَيُجْعَلُ ذَلِكَ طَرِيقًا بَعْدَ أَنْ كَانَ أَرْضَ غَرْسٍ وَزِرَاعَةٍ فَهَذَا وَشِبْهُهُ غَيْرُ جَائِزٍ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَلْزِمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ إلَّا مُجَرَّدَ فَتْحِ بَابٍ جَدِيدٍ فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ اقْتِضَاءِ الْمَصْلَحَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَسْوِيغِهِ وَهُوَ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْلَا حَدَثَانِ عَهْدِ قَوْمك بِالْكُفْرِ لَجَعَلْت لِلْكَعْبَةِ بَابَيْنِ» قَالَ ابْنُ الْأُسْتَاذِ: وَهَذَا حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْأَحْوَذِيِّ فِي النَّهْيِ عَنْ إيطَانِ الْمَسْجِدِ يَعْنِي أَنْ يُتَّخَذَ وَطَنًا يَسْتَحِقُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعَلِّمًا يَتَّخِذُ مِنْهُ مَوْضِعًا فَقَدْ بَنَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَسْجِدِ مَوْضِعًا مِنْ طِينٍ لِيَجْلِسَ عَلَيْهِ لِلنَّاسِ لِيَنْظُرَ إلَيْهِ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ، وَهَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي الْعِلْمِ مِنْ سُنَنِهِ وَاسْتِدْلَالُ ابْنِ الصَّلَاحِ بِحَدِيثِ الْكَعْبَةِ لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْبَابَيْنِ كَانَا فِي زَمَنِ إبْرَاهِيمَ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، فَفَتْحُ الثَّانِي لِرَدِّ مَا كَانَتْ الْكَعْبَةُ عَلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ، وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: لَا بُدَّ أَنْ يُصَانَ ذَلِكَ عَنْ هَدْمِ شَيْءٍ لِأَجْلِ الْفَتْحِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَعْمِلُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْمَكَانِ الْمَوْقُوفِ، فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ الْوَقْفِ فِيهِ بِبَيْعٍ وَغَيْرِهِ، فَإِذَا كَانَ الْفَتْحُ بِانْتِزَاعِ حِجَارَةٍ بِأَنْ يُجْعَلَ فِي طَرَفِ الْحِجْرِ مِنْ الْمَكَانِ فَلَا بَأْسَ اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَجُوزُ الْفَتْحُ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ فِي بَابٍ جَدِيدٍ فِي الْحَرَمِ إذَا ضَاقَتْ أَبْوَابُهُ مِنْ ازْدِحَامِ النَّاسِ وَنَحْوِهِمْ فَفُتِحَ فِيهِ بَابٌ آخَرَ لِيَتَّسِعُوا هـ. كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ. وَسُقْته مَعَ طُولِهِ لِأُبَيِّنَ مَا فِيهِ، فَقَوْلُهُ عَقِبَ كَلَامِ السُّبْكِيّ مِنْ مَنْعِ فَتْحِ بَابٍ مِنْ أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الْمُتَلَاصِقَةِ إلَى الْآخَرِ غَيْرُ ظَاهِرٍ إلَخْ هُوَ الَّذِي لَيْسَ بِظَاهِرٍ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ جَعْلِهِمْ الْمَسَاجِدَ الْمُتَلَاصِقَةَ كَالْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ فِي الْقُدْوَةِ وَغَيْرِهَا لَا يَشْهَدُ لَهُ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ وَنَحْوَهُ أَحْكَامٌ لَا يَعُودُ مِنْهَا ضَرَرٌ عَلَى تِلْكَ الْمَسَاجِدِ بِوَجْهٍ، وَأَمَّا الْفَتْحُ فِي جُدْرَانِهَا فَإِنَّ فِيهِ ضَرَرًا أَيَّ ضَرَرٍ وَهُوَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِمُسَوِّغٍ اُضْطُرَّ إلَيْهِ، وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا إلَى الْفَتْحِ فَاتُّجِهَ أَنَّ الْحَقَّ مَا قَالَهُ السُّبْكِيّ لَا الزَّرْكَشِيُّ وَأَنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ لَا يَشْهَدُ لَهُ فَتَأَمَّلْهُ، وَقَوْلُهُ عَقِبَ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ وَفِيهِ دَلِيلٌ إلَخْ هُوَ كَمَا قَالَهُ وَقَوْلُهُ وَيَلْزَمُ عَلَى مُقْتَضَى مَا دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى جَوَازِهِ إشْكَالٌ إلَخْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّا وَإِنْ جَعَلْنَاهَا مِنْ أَصْلِ الْوَقْفِ لَا يَلْزَمُ عَلَى سَدِّهَا مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَغْيِيرِ مَعَالِمِ الْوَقْفِ لِمَا سَبَقَ أَنَّ الْمَحْذُورَ لَيْسَ هُوَ كُلَّ تَغْيِيرٍ، بَلْ تَغْيِيرٌ يُؤَدِّي إلَى زَوَالِ الِاسْمِ وَالْجِنْسِ كَمَا مَرَّ تَحْقِيقُهُ، وَمِنْ الْجَلِيِّ أَنَّ سَدَّ الْأَبْوَابِ لِحَاجَةٍ اقْتَضَتْهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ التَّغْيِيرِ الْمُمْتَنِعِ، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ مُحْدَثَةً لَزِمَ عَلَيْهِ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِإِطْلَاقِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ، وَإِنْ كَانَتْ وَاقِعَةً حَالَ قَوْلِيَّةٍ وَتَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ فِيهَا يَقْتَضِي عُمُومَهَا إلَّا أَنَّ مِنْ قَوَاعِدِهِمْ أَنَّهُ

يُسْتَنْبَطُ مِنْ النَّصِّ مَعْنًى يُخَصِّصُهُ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذِنَ فِي صَحْنِهَا إذْ يَبْعُدُ كُلَّ الْبَعْدِ فَتْحُهَا فِي حَيَاتِهِ مَعَ عَدَمِ إذْنِهِ وَبِفَرْضِ أَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فَتَقْرِيرُهُ قَبْلَ أَمْرِهِ بِسَدِّهَا دَلِيلٌ عَلَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا بِمُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ الْأُولَى لَكِنَّا عَمِلْنَا بِالْقَاعِدَةِ الثَّانِيَةِ فَقَيَّدْنَاهُ بِالشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ احْتِرَامَ الْوَقْفِ وَأَنَّ الْمَسْجِدَ حُرٌّ يَمْلِك فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ إلَّا بِمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ تَعُودُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْمَصْلَحَةِ الْخَاصَّةِ فَلَا يَكْتَفِي بِهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ فَاتَّضَحَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا لِلْمَصْلَحَةِ الْخَاصَّةِ بِالْمَسْجِدِ أَوْ الْعَامَّةِ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَحَقَّقُ تِلْكَ الْمَصْلَحَةُ إلَّا بِتِلْكَ الشُّرُوطِ فَلَمْ نُجَوِّزْهُ إلَّا بِهَا، وَقَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ نَقُولَ يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْوَاقِفِ إلَخْ هَذَا احْتِمَالٌ ضَعِيفٌ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ، وَقَوْلُهُ: فَالْأَقْرَبُ إلَخْ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته أَوَّلًا وَفِي رَدِّ قَوْلِهِ: لَزِمَ عَلَيْهِ جَوَازُ فَتْحِ بَابٍ فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ وَكُوَّةٍ إلَخْ، وَقَوْله: وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ إلَخْ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ بَعِيدٍ، وَاعْتِرَاضُ الزَّرْكَشِيّ اسْتِدْلَالَهُ بِحَدِيثِ: لَوْلَا قَوْمُك إلَخْ. يُرَدُّ بِأَنَّ رَدَّهَا لِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ مَصْلَحَةٌ فِي نَظَرِهِ اقْتَضَتْ جَوَازَ الْفَتْحِ فِي جِدَارِهَا فَأُخِذَ مِنْهُ جَوَازُ الْفَتْحِ لِلْمَصْلَحَةِ، وَقَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا إلَخْ هُوَ فِقْهٌ ظَاهِرٌ، لَكِنْ بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ، وَلِلْأَذْرَعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ تَغْيِيرِ مَعَالِمِ الْوَقْفِ اخْتِيَارٌ ذَكَرَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ تَوَسُّطِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَكَرِهِ لِيُسْتَفَادَ قَالَ الْقَاضِي: لَوْ أَرَادُوا أَنْ يَغْرِسُوا فِي أَرْضِ الْوَقْفِ هَلْ لَهُمْ ذَلِكَ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدَهُمَا لَهُمْ ذَلِكَ، وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّ فِيهِ تَغْيِيرَ شَرْطِ الْوَاقِفِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ السُّبْكِيّ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحَ إلَّا أَنْ يَنُصَّ الْوَاقِفُ عَلَى أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهَا بِجَمِيعِ الِانْتِفَاعَاتِ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ حُكْمَ تَحْكِيرِ الْأَرْضِ لِيَبْنِيَ فِيهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ مَعْرُوفَةً بِذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا مَا كَانَ بُسْتَانًا لَا يُجْعَلُ حِكْرًا وَمَا كَانَ حِكْرًا لَا يُجْعَلُ بُسْتَانًا وَفِيهِ نَظَرٌ إذَا اقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ ذَلِكَ مَعَ إطْلَاقِ الْوَاقِفِ وَعَدَمِ مَنْعِهِ مِنْهُ، وَلَا كَانَ هُنَاكَ اسْمٌ تَجِبُ الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهِ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ وَقَفَ بُسْتَانًا فَانْقَلَعَ شَجَرُهُ لَمْ يَجُزْ إيجَارُهُ لِلْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَغْيِيرَ الِاسْمِ الَّذِي وَرَدَ الْوَقْفُ عَلَيْهِ كَمَا لَا تُجْعَلُ الدَّارُ حَوَانِيتَ وَلَا حَمَّامًا فَإِنَّا نُحَافِظُ عَلَى أَنَّ مَعَالِمَ الْوَقْفِ لَا تُغَيَّرُ اهـ. وَيَطْرُقُ هَذَا قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ السَّابِقُ لَا يَجُوزُ تَغْيِيرُ الْوَقْفِ، وَالْمُخْتَارُ الْأَقْوَى الْجَوَازُ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ التَّغْيِيرَ مَا لَمْ يَصُدَّ عَنْهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ إذْ غَرَضُ الْوَاقِفِ الِاسْتِعْمَالُ وَتَكْثِيرُ الرَّيْعِ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِلَا شَكٍّ لَا مُسَمَّى الْبُسْتَانِ وَنَحْوِهِ، وَقَدْ قَالَ الْقَفَّالُ: إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ إلَى مَقَاصِدِ الْوَاقِفِينَ، وَكُلُّ أَحَدٍ يَجْزِمُ بِأَنَّ غَرَضَهُ تَوْفِيرُ الرَّيْعِ عَلَى جِهَةِ الْوَقْفِ، وَقَدْ يَحْدُثُ عَلَى تَعَاقُبِ الْأَزْمَانِ مَصَالِحُ لَمْ تَظْهَرْ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي وَتَظْهَرُ الْغِبْطَةُ فِي شَيْءٍ يَقْطَعُ بِأَنَّ الْوَاقِفَ لَوْ أُطْلِعَ عَلَيْهِ لَمْ يَعْدِلْ عَنْهُ فَيَنْبَغِي لِلنَّاظِرِ أَوْ الْحَاكِمِ فِعْلُهُ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ، وَلَا سِيَّمَا إذَا عَظُمَتْ الْأُجْرَةُ وَتَضَاعَفَتْ الْفَائِدَةُ، وَالتَّسْمِيَةُ بِالدَّارِ أَوْ الْبُسْتَانِ إنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ غَالِبًا التَّعْرِيفُ لِإِبْقَاءِ الِاسْم مَعَ ظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ الظَّاهِرَةِ فِي غَيْرِهِ ظُهُورًا عَظِيمًا، كَدَارٍ ظَهْرُهَا مُجَاوِرٌ لِسُوقٍ أُخِذَتْ أُجْرَتُهَا فِي الشَّهْر عَشَرَةً مَثَلًا، وَلَوْ عُمِلَتْ حَوَانِيتَ فَبَلَغَتْ مِائَةً أَوْ مِائَتَيْنِ مَعَ خِفَّةِ عِمَارَتِهَا وَمَرَمَّتِهَا فِيمَا يَسْتَقْبِلُ، وَحِينَئِذٍ فَلَا مَعْنًى لِلْجُمُودِ عَلَى بَقَاءِ اسْمِ الدَّارِ مِنْ غَيْرِ تَنْصِيصٍ مِنْ الْوَاقِفِ عَلَيْهِ، وَقَوْلُ الشُّرُوطِيِّ وَقْفُ جَمِيعِ الدَّارِ أَوْ الْبُسْتَانِ لِلتَّعْرِيفِ، وَالْمُخْتَارُ مِنْ وَجْهَيْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ الْأَوَّلُ عِنْدَ ظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ فِي الْغَرْسِ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ بِبِلَادِ الشَّامِ فِي قُرَى الِاسْتِغْلَالِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، فَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي فَإِنْ يَكُنْ صَوَابًا فَمِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَتَوْفِيقِهِ وَإِلَّا فَهُوَ مِنِّي، وَأَكْثَرُ الْوَاقِفِينَ يَقُولُ فِي شَرْطِهِ وَعَلَى النَّاظِرِ فِعْلُ مَا فِيهِ النَّمَاءُ وَالْمَزِيدُ لِغَلَّاتِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ اهـ. كَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ وَهُوَ مُصَرَّحٌ فِيهِ كَمَا تَرَى بِأَنَّ اخْتِيَارَهُ هَذَا خَارِجٌ عَنْ الْمَذْهَبِ إذْ الْمَذْهَبُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ مَتَى أَدَّى التَّغْيِيرُ إلَى تَغْيِيرِ الِاسْمِ مَعَ الْجِنْسِ كَأَنْ يَجْعَلَ الدَّارَ بُسْتَانًا أَوْ حَمَّامًا امْتَنَعَ، بِخِلَافِ جَعْلِ حَانُوتِ الْحَدَّادِ حَانُوتَ قَصَّارٍ لِبَقَاءِ الِاسْم، وَإِنَّمَا الْمُتَغَيِّرُ النَّوْعُ دُونَ الْجِنْسِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الْأَرْجَحَ مِنْ وَجْهَيْ الْقَاضِي الْمُخْتَلَفِ فِيهِمَا تَرْجِيحُ السُّبْكِيّ

وَالْأَذْرَعِيِّ كَمَا عَلِمْت، الثَّانِي: أَنَّ نَصَّ الْوَاقِفِ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لِلسُّكْنَى أَوْ الزَّرْعِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ تَرْجِيحُ السُّبْكِيّ وَالْأَوَّلُ إنْ أَطْلَقَ أَوْ ذَكَرَ أَنَّهُ يَعْمَلُ فِيهَا بِالْمَصْلَحَةِ أَوْ يَنْتَفِعُ بِهَا بِجَمِيعِ الِانْتِفَاعَاتِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ تَرْجِيحُ الْأَذْرَعِيِّ وَفِي الْخَادِمِ قَالَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي: لَا يَجُوزُ جَعْلُ الْأَرْضِ الْقَرَاحِ دَارًا وَلَا بُسْتَانًا، فَإِنْ فَعَلَ وَجَبَ رَدُّهُ إلَى مَا كَانَ قَالَ الْقَاضِي: وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَعَدَّى ذَلِكَ إلَى مَا لَوْ خَرِبَ وَعَمَّرَهُ وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْأَرْضَ الْمُحْكَرَةَ إذَا خَرِبَ بِنَاؤُهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْنِي عَلَيْهَا إلَّا نَظِيرَ مَا كَانَ اهـ. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ كُلُّهُ عُلِمَ أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ الْمَذْكُورِ فِي السُّؤَالِ مِنْ زِيَادَةِ مَرَافِقَ وَمَسَاكِنَ لَيْسَ فِيهِ تَغْيِيرٌ مُمْتَنِعٌ فَلَا مَحْذُورَ عَلَيْهِ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَحْذُورٌ مِنْ جِهَاتٍ أُخْرَى كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي. الثَّانِي: مَا أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ مِنْ هَدْمِ الْمُسْتَأْجِرِ وَبِنَائِهِ وَأَنَّهُ هَلْ يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ؟ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ أَوْ النَّاظِرِ، وَأَمَّا بِغَيْرِ إذْنِهِمَا فَهُوَ مُتَعَدٍّ فَيَلْزَمُهُ التَّعْزِيرُ وَأَرْشُ مَا هَدَمَهُ بِأَنْ يَقُومَ قَائِمًا مَبْنِيًّا ثُمَّ مُنْهَدِمًا وَيَنْظُرَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّفَاوُتِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ لِيُصْرَفَ فِي جِهَةِ الْوَقْفِ، الثَّالِثُ: مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ إذَا عَمَّرَ فِي الْوَقْفِ هَلْ يَرْجِعُ بِأَنْقَاضِهِ أَوْ بَدَلِهَا أَوْ يَكُونُ مُتَبَرِّعًا؟ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ وَإِنْ انْهَدَمَ مَا عَمَّرَهُ وَتَمَيَّزَتْ أَنْقَاضُهُ وَجَوَابُهُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلًا وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِمَّا صَرَفَهُ بِغَيْرِ إذْنِ النَّاظِرِ وَالْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا عَمَّرَ لِامْتِنَاعِ النَّاظِرِ مِنْ الْعِمَارَةِ، نَعَمْ إنْ عُدِمَا أَعْنِي النَّاظِرُ وَالْحَاكِمُ أَوْ غَابَا وَاضْطُرَّ إلَى الْعِمَارَةِ فَعَمَّرَ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ، رَجَعَ فِيمَا يَظْهَرُ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي هَرَبِ الْجَمَّالِ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا مَا صَرَفَهُ بِإِذْنِ أَحَدِهِمَا السَّائِغُ فَيَرْجِعُ بِهِ، وَحَيْثُ قُلْنَا لَا رُجُوعَ لَهُ بِمَا صَرَفَهُ فَهَلْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ أَعْيَانُ مَا لَهُ مِنْ خَشَبٍ وَحَجَرٍ وَغَيْرِهِمَا فَلَا رُجُوعَ لَهُ فِيهَا أَيْضًا، وَإِنْ انْهَدَمَتْ وَتَمَيَّزَتْ عَنْ الْوَقْفِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ أَوْ هِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ، وَإِنْ كَانَتْ مَبْنِيَّةً فِي الْوَقْفِ مُخْتَلِطَةً بِأَنْقَاضِهِ؟ الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي كَلَامِهِمْ الثَّانِي، وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَيْضًا مَا يَدُلُّ لِلْأَوَّلِ كَمَا سَتَعْلَمُهُ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَعْيَانِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَصَارِيفِ كَأَجْرِ الْبَنَّائِينَ وَنَحْوِهِمْ أَنَّ تِلْكَ الْأُجَرَ أَخْرَجَهَا مِنْ يَدِهِ إلَى غَيْرِهِ آذِنًا لَهُمْ فِي إتْلَافِهَا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ بِهَا عَلَيْهِمْ بِهَذَا الْإِذْنِ وَلَا عَلَى الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُتَبَرِّعِ بِهَا، وَأَمَّا الْأَعْيَانُ الْبَاقِيَةُ فَهِيَ لَا تَخْرُج عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِلَفْظٍ وَلَمْ يُوجَدْ. وَمِمَّا يَدُلُّ لِمَا قُلْته أَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي كَلَامِهِمْ الثَّانِي قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّهُمَا ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْقَمُولِيُّ وَالسُّبْكِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ وَالْإِسْنَوِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ الْفَارِقِيّ إذَا بَنَى مَسْجِدًا فِي مَوَاتٍ صَارَ مَسْجِدًا بِالْبِنَاءِ وَالنِّيَّةِ، وَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ الْآلَةِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهَا فِي مَوْضِعِهَا وَهِيَ قَبْلَهُ عَلَى مِلْكِهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ: إنَّهَا لِلْمَسْجِدِ فَتَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ وَلَوْ بَنِي بَعْضَهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى إتْمَامِهِ وَلَوْ سَقَطَ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَضْمَنْهُ، سَوَاءٌ أَذِنَ الْإِمَامُ أَمْ لَا. قَالَ الْقَمُولِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ وَفِي قَوْلِهِ تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِقَوْلِهِ إنَّهَا لِلْمَسْجِدِ نَظَرٌ، وَيَنْبَغِي تَوَقُّفُهُ عَلَى قَبُولِ مَنْ لَهُ النَّظَرُ وَقَبْضُهُ اهـ. وَلَمْ يُنَازِعَاهُ فِي أَنَّ قَوْلَهُ: إنَّهَا لِلْمَسْجِدِ يُفِيدُ التَّمْلِيكَ حَتَّى يَحْتَاجَ لِلْقَبُولِ مَعَ قَبُولِهِ لِلْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا إقْرَارٌ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولٍ أَوْ كِنَايَةِ هِبَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّتِهَا، وَجَوَابُهُ أَنَّهُمْ فَهِمُوا مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ كِنَايَةُ هِبَةٍ وَأَنَّهُ نَوَاهَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْبُقْعَةَ تَقْدِيرًا وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي الْبِئْرِ الْمَحْفُورَةِ فِي الْمَوَاتِ لِلسَّبِيلِ وَمَا يَحْيَى بِقَصْدِ تَسْبِيلِهِ مَقْبَرَةً، وَنَحْوُ ذَلِكَ قُلْته تَخْرِيجًا اهـ. وَوَجْه السُّبْكِيّ خُرُوجُ هَذِهِ الصُّورَةِ عَنْ نَظَائِرِهَا الْمُتَوَقَّفِ وُجُودِ الْوَقْفِ فِيهَا عَلَى اللَّفْظِ وَلَا تُغْنِي عَنْهُ النِّيَّةُ بِأَنَّ الْمَوَاتَ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ مَنْ أَحْيَاهُ مَسْجِدًا، وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ إلَى اللَّفْظِ لِإِخْرَاجِ مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ عَنْهُ وَصَارَ لِلْبِنَاءِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ تَبَعًا اهـ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ بَنِي فِي الْمَوَاتِ وَنِيَّتُهُ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ جِهَةٍ كَانَتْ وَقْفًا بِالْبِنَاءِ وَالنِّيَّةِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ كَالْبُلْقِينِيِّ وَالْإِسْنَوِيِّ مِنْ إجْرَاءِ مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْمَدَارِسِ وَالرُّبَطِ وَالْبِئْرِ الْمَحْفُورَةِ فِي الْمَوَاتِ لِلسَّبِيلِ وَالْمَقْبَرَةِ الْمُحْيَاةِ فِي الْمَوَاتِ وَغَيْرِهَا أَخْذًا مِنْ كَلَامِ

الرَّافِعِيِّ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ عَلِمْت مِنْهُ أَنَّهُمْ مُطْبَقُونَ عَلَى أَنَّ آلَاتِ الْعِمَارَةِ لَا تَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ بَانِيهَا مِنْ مَالِهِ مِنْ غَيْرِ كَوْنِهِ نَائِبًا فِي ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ إلَّا بِاللَّفْظِ وَلَا تُغْنِي عَنْهُ النِّيَّةُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِعْيَارُ الْعُمُومِ وَهُمْ لَمْ يُسْتَثْنَوْا مِنْ اشْتِرَاطِ اللَّفْظِ فِي الْوَقْفِ إلَّا هَذِهِ الصُّورَةَ، وَحِينَئِذٍ فَالْآلَاتُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ بَانِيهَا الْمُتَعَدِّي بِبِنَائِهَا فَلْتَكُنْ بَاقِيَةً عَلَى مِلْكِهِ وَإِنْ نَوَى بِوَضْعِهَا الْوَقْفَ أَوْ التَّبَرُّعَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ النِّيَّةَ لَا يُكْتَفَى بِهَا وَحْدَهَا إلَّا فِي صُورَةِ الْمَوَاتِ، وَمِمَّا هُوَ صَرِيحٌ أَيْضًا فِيمَا قُلْته مِنْ بَقَاءِ الْآلَةِ عَلَى مِلْكِهِ قَوْلُ الرُّويَانِيِّ: إذَا عَمَّرَ إنْسَانٌ الْمَسْجِدَ الْخَرَابَ وَلَمْ يَقِفْ الْآلَةَ كَانَتْ عَارِيَّةً يَرْجِعُ فِيهَا مَتَى شَاءَ اهـ. وَهَذَا صَرِيحٌ أَيْ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ فِي مَسْأَلَتِنَا يَرْجِعُ فِي آلَتِهِ مَتَى شَاءَ، لَكِنْ إنْ تَرَتَّبَ عَلَى رُجُوعِهِ هَدْمٌ لِلْمَوْقُوفِ غَرِمَ أَرْشَهُ لِيُعَادَ بِهِ كَمَا كَانَ فَإِنْ قُلْت نَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي كَلَامِ الرُّويَانِيِّ حَيْثُ قَالَ عَقِبَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَكَلَامُ الْبَغَوِيِّ قَدْ يُخَالِفُهُ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لِقَيِّمِ الْمَسْجِدِ اضْرِبْ اللَّبِنَ مِنْ أَرْضِي لِلْمَسْجِدِ فَضَرَّبَهُ وَبَنَى الْمَسْجِدَ صَارَ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ وَلَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ كَالصَّدَقَةِ الَّتِي اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ وَلَهُ اسْتِرْدَادُهُ قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَ بِهِ. قَالَ: وَلَوْ أَعَارَ الطِّينَ وَالْخَشَبَ لِقَيِّمِ الْمَسْجِدِ لِيَبْنِيَ بِهِمَا لَمْ يَجُزْ إذْ مُقْتَضَى الْإِعَارَةِ الِاسْتِرْدَادُ، وَالشَّيْءُ إذَا صَارَ مَسْجِدًا لَا يَجُوزُ اسْتِرْدَادُهُ بِخِلَافِ إعَارَةِ الْأَرْضِ لِلدَّفْنِ فَإِنَّ لَهُ غَايَةً اهـ. قُلْت: ذَلِكَ الْبَعْضُ اسْتَنَدَ فِي نَظَرِهِ إلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ أَنَّ كَلَامَ الْبَغَوِيِّ قَدْ يُخَالِفُهُ وَأَنْتَ إذَا حَقَّقْت النَّظَرَ فِي قَوْلِ الْبَغَوِيِّ كَالصَّدَقَةِ إلَخْ وَفِي فَرْضِهِ الْكَلَامَ فِي قَوْلِهِ لِلْقَيِّمِ مَا ذُكِرَ وَأَنَّ هَذَا يَتَضَمَّنُ الْهِبَةَ نَظِيرَ مَا مَرَّ آنِفًا عَقِبَ كَلَامِ الْقَمُولِيِّ وَالْبُلْقِينِيِّ وَجَدْته غَيْرَ مُخَالِفٍ لِكَلَامِ الرُّويَانِيِّ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الرُّويَانِيِّ فِيمَا إذَا بَنَى الْمَسْجِدَ بِآلَةِ نَفْسِهِ وَهُوَ سَاكِتٌ، فَالْآلَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ لِأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ عَنْهُ فِي غَيْرِ مَسْأَلَةِ الْمَوَاتِ السَّابِقَةِ إلَّا بِلَفْظِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَأَمَّا كَلَامُ الْبَغَوِيِّ فَهُوَ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا قَالَ لِلْقَيِّمِ مَا ذُكِرَ، وَهَذَا قَوْلٌ مُتَضَمِّنٌ لِلتَّمْلِيكِ لِلْمَسْجِدِ وَهُوَ حُرٌّ يَمْلِكُ فَإِذَا قَبَضَهُ نَاظِرُهُ بِأَنْ بَنِي بِهِ فِيهِ مَلَكَهُ الْمَسْجِدُ كَالصَّدَقَةِ الَّتِي اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ فَعُلِمَ وُضُوحُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَانْدَفَعَ الْقَوْلُ بِأَنَّ كَلَامَ الْبَغَوِيِّ قَدْ يُخَالِفُ كَلَامَ الرُّويَانِيِّ وَوَجْهُ انْدِفَاعِ هَذَا أَنَّ كَلَامَ الْبَغَوِيِّ مُخَالِفٌ لَهُ صَرِيحًا لَكِنْ لِمُدْرَكٍ يَخُصُّهُ كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَمَسْأَلَةُ السُّؤَالِ إنَّمَا تُشْبِهُ فَرْضَ مَسْأَلَةِ الرُّويَانِيِّ لَا فَرْضَ مَسْأَلَةِ الْبَغَوِيِّ، فَنَتَجَ مِنْ ذَلِكَ إيضَاحُ مَا ذَكَرْته أَنَّ كَلَامَ الرُّويَانِيِّ صَرِيحُ فِي مَسْأَلَتِنَا وَأَنَّ كَلَامَ الْبَغَوِيِّ لَا يُخَالِفُهُ وَلَا يُخَالِفُ مَسْأَلَتَنَا أَيْضًا فَلَا يُرَدُّ عَلَيْنَا وَلَا عَلَى الرُّويَانِيِّ، وَمِمَّا هُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته أَيْضًا قَوْلُهُمْ يَصِحُّ وَقْفُ الْمُسْتَأْجِرِ لِمَا بَنَاهُ فِي الْأَرْضِ الْمُؤَجَّرَةِ وَلَوْ بَعْدَ الْمُدَّةِ، فَإِنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً تَعَيَّنَ الْإِبْقَاءُ بِالْأُجْرَةِ عَلَى مَا فِيهِ مِمَّا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَحِلِّهِ مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّمَا صَارَ الْمَبْنِيُّ فِي عِمَارَةِ الْمَوْقُوفِ وَتَرْمِيمِهِ وَقْفًا بِالْبِنَاءِ لِجِهَةِ الْوَقْفِ وَلَمْ يَحْتَجْ لِإِنْشَاءِ وَقْفِهِ بِخِلَافِ بَدَلِ الْمَوْقُوفِ إذَا قُتِلَ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ الْمَوْقُوفَةَ بَاقِيَةٌ، وَالْمَبْنِيُّ بِهِ كَالْوَصْفِ التَّابِعِ بِخِلَافِ الْمَقْتُولِ فَإِنَّهُ فَاتَ بِالْكُلِّيَّةِ، فَإِذَا تَأَمَّلْت كَلَامَهُمْ هَذَا مَعَ الَّذِي قَبْلَهُ عَلِمْت أَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا بَنَى فِي الْمَوْقُوفِ مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ كَالنَّاظِرِ أَوْ الْحَاكِمِ أَوْ مَأْذُونِ أَحَدِهِمَا فَبِمُجَرَّدِ بِنَاءِ أَحَدِ هَؤُلَاءِ يَصِيرُ الْمَبْنِيُّ وَقْفًا مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ لِإِنْشَاءِ وَقْفٍ لِوُقُوعِهِ تَابِعًا لِلْمَوْقُوفِ الْمَوْجُودِ مِمَّنْ لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ، وَعَلِمْت أَنَّ الْأَوَّلَ فِي بِنَاءِ غَيْرِ هَؤُلَاءِ فِي أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ فَلَا يَصِيرُ بِنَاؤُهُ وَقْفًا بِمُجَرَّدِ بِنَائِهِ لِمَا عَلِمْت مِنْ تَصْرِيحِهِمْ بِصِحَّةِ وَقْفِهِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِكَوْنِهِ مَالِكًا لَهُ، وَهَذَا هُوَ عَيْنُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ إذَا بَنَى مُتَعَدِّيًا فِي الْأَرْضِ أَوْ الدَّارِ الْمَوْقُوفَةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، لَا يَخْرُجُ بِنَاؤُهُ عَنْ مِلْكِهِ بِمُجَرَّدِ بِنَائِهِ بَلْ وَلَا بِنِيَّةِ أَنَّهُ لِلْوَقْفِ كَمَا مَرَّ، فَإِنْ قُلْت: صَرَّحُوا فِي غَرْسِ الشَّجَرَةِ فِي الْمَسْجِدِ بِاعْتِبَارِ نِيَّةِ الْغَارِسِ وَقَالُوا فِيمَا إذَا غَرَسَهَا مُسَبَّلَةً لِلْأَكْلِ: إنَّهُ يَجُوزُ أَكْلُ ثَمَرِهَا بِلَا عِوَضٍ، وَكَذَا إنْ جُهِلَتْ نِيَّتُهُ حَيْثُ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّهَا تُغْرَسُ مُسَبَّلَةً لِلْأَكْلِ، فَمَا بَالُ النِّيَّةِ أَثَّرَتْ هُنَا وَلَمْ تُؤَثِّرْ فِي مَسْأَلَتِنَا قُلْت: مَا ذَكَرُوهُ هُنَا مِنْ تَأْثِيرِ النِّيَّةِ وَحْدَهَا مُشْكِلٌ خَارِجٌ عَنْ الْقَوَاعِدِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِإِشْكَالِهِ

الْإِسْنَوِيُّ فَقَالَ: كَيْف يَخْرُجُ الْمَغْرُوسُ عَنْ مِلْكِ الْغَارِسِ بِلَا لَفْظٍ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَوْ بَنَى مَسْجِدًا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ بِالْقَصْدِ أَيْ: فِي غَيْرِ الْمَوَاتِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اللَّفْظِ وَأَجَابَ عَنْهُ الْأَذْرَعِيُّ بِمَا لَا يَشْفِي فَقَالَ: الْقَرِينَةُ الظَّاهِرَةُ قَدْ يَكْتَفِي بِهَا هُنَا، وَالنَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَخْتَارُ جَوَازَ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ لِمُعَاطَاةٍ فَلَا يَبْعُدُ الْقَوْلُ بِالِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ هُنَا إذَا جَوَّزْنَا الْغَرْسَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِذَلِكَ إلَّا التَّبَرُّعَ لِلْمَسْجِدِ وَالْمُسْلِمِينَ الْمُصَلِّينَ بِالِاسْتِظْلَالِ، وَلَا خَفَاءَ أَنَّ مَنْ وَضَعَ خَابِيَةً عَلَى الطَّرِيقِ وَكِيزَانًا أَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ التَّسْبِيلَ لِلْمَاءِ بِحُكْمِ الْعَادَةِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ إذْ الِاكْتِفَاءُ بِالْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِجَوَازِ الْأَكْلِ مَعَ جَهْلِ نِيَّةِ الْغَارِسِ وَلَا كَلَامَ لَنَا فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَلَامُنَا فِي أَنَّا لَوْ تَحَقَّقْنَا أَنَّهُ غَرَسَهَا بِنِيَّةِ التَّسْبِيلِ لِلْأَكْلِ خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَجَازَ الْأَكْلُ مِنْ ثَمَرِهَا بِلَا عِوَضٍ وَبِهَذَا يَظْهَرُ انْدِفَاعُ قَوْلِهِ: وَالنَّوَوِيُّ يَخْتَارُ إلَخْ وَأَيُّ جَامِعٍ بَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَبَيْنَ الْمُعَاطَاةِ؛ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا فِي الْمُعَاطَاةِ: إنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَهِيَ لَا تُشْبِهُ مَسْأَلَتَنَا بِوَجْهٍ. وَإِنَّ قُلْنَا: إنَّهُ يُكْتَفَى فِيهَا بِالْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ مَعَ السُّكُوتِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ تَحْكِيمًا لِلْقَرِينَةِ فَفِيهِ نَوْعُ شَبَهٍ بِمَسْأَلَتِنَا، لَكِنَّ الْقَوْلَ بِجَوَازِ الْمُعَاطَاةِ ضَعِيفٌ فِي الْمَذْهَبِ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِنَادُ إلَيْهِ فِي الْإِشْكَالِ الْوَارِدِ عَلَى الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ هُنَا مِنْ اللَّفْظِ. وَقَوْلُهُ وَلَا خَفَاءَ إلَخْ لَا دَلِيلَ فِيهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ مُجَوِّزَةٌ لِلشُّرْبِ، وَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ نَظِيرُ مَا سَبَقَ آنِفًا مِنْ الْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ، وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ فِي الْجَوَابِ عَنْ اكْتِفَائِهِمْ بِالنِّيَّةِ فِي نَحْوِ الْغَرْسِ لِلتَّسْبِيلِ أَنَّهُمْ سَامَحُوا فِي الْمَأْكُولَاتِ وَالْمَشْرُوبَاتِ لِغَلَبَةِ وُقُوعِ الْمُسَامَحَةِ مِنْ النَّاسِ فِي جِنْسِهَا بِمَا لَمْ يُسَامِحُوا بِهِ فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ لِغَلَبَةِ وُقُوعِ الْمُشَاحَّةِ فِيهَا فَاكْتَفَوْا فِي خُرُوجِ الْأُولَى عَنْ الْمِلْكِ بِالنِّيَّةِ وَاشْتَرَطُوا لِخُرُوجِ الثَّانِيَةِ عَنْ مِلْكِ اللَّفْظِ، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَا بَنَاهُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الْأَنْقَاضِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَطَلَبِهِ فَالظَّاهِرُ كَمَا يَأْتِي أَنَّا نُمَكِّنُهُ مِنْ أَخْذِهِ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَغْرَمَ أَرْشَ مَا هَدَمَهُ مِنْ بِنَاءِ الْوَقْفِ لِيُعَادَ الْوَقْفُ بِذَلِكَ الْأَرْشِ كَمَا كَانَ، فَإِنْ كَانَ مَا يُرِيدُ هَدْمَهُ هُوَ الَّذِي عَمَّرَهُ كُلَّهُ مِنْ مَالِهِ مُتَعَدِّيًا فَلَا أَرْشَ عَلَيْهِ لِلْهَدْمِ. الرَّابِعُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ مِنْ أَنَّهُ يُجْبَرُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى هَدْمِ الْأَنْقَاضِ الْقَدِيمَةِ وَالْحَادِثَةِ وَعَلَى عَوْدِ الْوَقْفِ عَلَى هَيْئَتِهِ إلَخْ. وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْهَدْمِ إلَّا إذَا طَلَبَ أَنْقَاضَهُ فَحِينَئِذٍ يُمَكَّنُ مِنْهُ بِشَرْطِ غُرْمِهِ لِلْأَرْشِ هَذَا إنْ لَمْ يُغَيِّرْ هَيْئَةَ الْوَقْفِ الْمُمْتَنِعِ وَإِلَّا أُجْبِرَ عَلَى هَدْمِ جَمِيعِ مَا حَصَلَ بِهِ بِذَلِكَ التَّغَيُّرِ وَأَخَذَ مِنْهُ أَرْشَهُ وَيَلْزَمُ النَّاظِرَ رَدُّهُ بِهِ إلَى مَا كَانَ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَقَدَّمْته عَنْهُمَا فِي أَوَاخِرِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ. الْخَامِسُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ إذَا بَنَى مُتَعَدِّيًا وَاخْتَلَطَتْ أَنْقَاضُهُ بِأَنْقَاضِ الْوَقْف وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ وَطَلَبَ أَخْذَ أَنْقَاضِهِ فَهَلْ يُجَابُ إلَى الْهَدْمِ ثُمَّ يَجْتَهِدُ وَيَأْخُذُ أَنْقَاضَهُ وَيَغْرَمُ أَرْشَ الْهَدْمِ أَوْ لَا؟ يُجَابُ إلَيْهِ وَيُجْبَرُ عَلَى تَعْيِينِ قِيمَةٍ أَوْ مِثْلِ أَنْقَاضِهِ وَيَأْخُذُهَا مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ صِيَانَةً لِلْوَقْفِ عَنْ الْهَدْمِ أَوْ يَمْلِكُ الْكُلَّ وَيَلْزَمُهُ الْبَدَلُ؟ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ ثُمَّ رَأَيْتنِي سَبَقَ مِنِّي فِي جَوَابِ سُؤَالٍ قَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ أَنِّي قُلْت: وَإِذَا تَعَدَّى الْمُسْتَأْجِر بِخَلْطِ أَنْقَاضِهِ بِأَنْقَاضِ الْوَقْفِ وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ فَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يُمَلَّكُ أَنْقَاضَ الْوَقْفِ وَيَلْزَمُهُ بَدَلُهَا مِنْ مِثْلٍ فِي الْمِثْلِيِّ وَقِيمَةٍ فِي الْمُتَقَوِّمِ فَإِنْ اخْتَلَطَتْ بِلَا تَعَدٍّ صَارَتْ شَرِكَةً بَيْنَهُمَا اهـ. وَأَصْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: لَوْ خَلَطَ الْمَغْصُوبَ مِنْ وَاحِدٍ وَكَذَا مِنْ اثْنَيْنِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَاعْتَمَدَهُ غَيْرُهُ، لَكِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْمَعْرُوفُ عِنْد الشَّافِعِيَّةِ وَأَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ كَالْهَالِكِ فَلَا يَمْلِكُهُ بِمَالِهِ وَتَعَذَّرَ تَمْيِيزُهُ كَانَ كَالْهَالِكِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ رَدُّهُ أَبَدًا أَشْبَهَ التَّالِفَ؛ وَلِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ مُشْتَرَكًا احْتَجْنَا لِلْبَيْعِ وَقِسْمَةِ الثَّمَنِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَلَا يَصِلُ الْمَالِكُ لِعَيْنِ حَقِّهِ وَلَا لِمِثْلِهِ. وَالْمِثْلُ أَقْرَبُ إلَى حَقِّهِ مِنْ الثَّمَنِ فَانْتَقَلَ إلَى ذِمَّتِهِ وَمِلْكُ الْمَغْصُوبِ الَّذِي خَلَطَهُ بِمِلْكِهِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لَهُ، وَلِهَذَا لَا يَتَصَرَّفُ فِي الْمَغْصُوبِ إلَّا بَعْدَ إعْطَاءِ مَالِكِهِ مِثْلَ الْمَغْصُوبِ وَبِقَوْلِنَا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لَهُ فَارَقَ هَذَا مَا مَرَّ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرِهِ فِيمَا لَوْ غَصَبَ مَالَ اثْنَيْنِ وَخَلَطَهُ وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذُكِرَ بَيْنَ خَلْطِ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ وَلَهُ دَفْعُ الْبَدَلِ مِنْ غَيْرِ الْمَخْلُوطِ وَكَذَا مِنْهُ إنْ

كَانَ كَالْمَغْصُوبِ أَوْ أَجْوَدَ لَا دُونَهُ إلَّا بِرِضَا الْمُسْتَحِقِّ. وَقَوْلُهُمْ: لَوْ انْصَبَّ زَيْتُ رَجُلٍ عَلَى زَيْتِ غَيْرِهِ أَوْ خَلَطَاهُ اشْتَرَكَا فِيهِ لِعَدَمِ التَّعَدِّي فَإِنْ تَمَاثَلَا اقْتَسَمَاهُ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَجْوَدَ فَأَعْطَى صَاحِبُ الْأَجْوَدِ شَرِيكَهُ قَدْرَ مِلْكِهِ مِنْ الْمَخْلُوطِ وَجَبَ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ عَيْنُ حَقِّهِ. وَبَعْضَهُ خَيْرٌ مِنْهُ وَلِصَاحِبِ الْأَجْوَدِ قَبُولُ قَدْرِ حَقِّهِ مِنْهُ فَإِنْ أَبَى بِيعَ الْكُلُّ وَتَقَاسَمَا الثَّمَنَ بِنِسْبَةِ الْقِيمَةِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُمَا قِسْمَةُ الْمَخْلُوطِ بِنِسْبَتِهَا لِلتَّفَاضُلِ فِي الْكَيْلِ وَنَحْوِهِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمِلْكَيْنِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ مَنْ انْصَبَّ عَلَى مَالِهِ اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ أَوْ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَغْصُوبُ وَقْفًا وَأَنْ يَكُونَ مِلْكًا. وَيُؤَيِّدُهُ تَعْلِيلُهُمْ الْمِلْكَ بِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ رَدُّهُ أَبَدًا أَشْبَهَ التَّالِفَ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ إذَا خَلَطَ آلَاتِهِ بِأَنْقَاضِ الْوَقْفِ وَبَنَى بِالْجَمِيعِ وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ كَانَ الْكُلُّ مِلْكَهُ وَحِينَئِذٍ فَلَهُ هَدْمُهُ وَأَخْذُهُ بَلْ يُجْبَرُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَتْرُكْهُ لِجِهَةِ الْوَقْفِ إذْ يَلْزَمُ نَاظِرَهُ حِينَئِذٍ قَبُولُهُ مِنْهُ حَيْثُ لَا ضَرَرَ يَعُودُ مِنْهُ عَلَى الْوَقْفِ ثُمَّ يَغْرَمُ لِلْوَقْفِ بَدَلَ أَنْقَاضِهِ، ثُمَّ إنْ كَانَ هَدَمَهَا لَزِمَهُ أَرْشُهَا أَيْضًا، وَيَصْرِفُ النَّاظِرُ ذَلِكَ فِي بِنَاءٍ مِثْلِ الْمَهْدُومِ. وَتَلْزَمُهُ أَيْضًا الْأُجْرَةُ لِمُدَّةِ بَقَاءِ مِلْكِهِ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ بِتَعَذُّرِ التَّمْيِيزِ مَلَكَ الْكُلَّ فَهُوَ مِنْ يَوْمئِذٍ مُسْتَعْمِلٌ لِأَرْضِ الْوَقْفِ فِي مِلْكِهِ فَيَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مُدَّةِ بَقَائِهِ فِيهَا وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا تَسْوِيَتُهَا وَأَرْشُ نَقْصهَا إنْ نَقَصَهَا بِنَاؤُهُ، هَذَا كُلُّهُ إذَا تَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ كَمَا تَقَرَّرَ، فَإِنْ بَنَى بِالْجَمِيعِ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ التَّمْيِيزُ وَحَكَمْنَا بِبَقَاءِ آلَاتِهِ الْحَادِثَةِ عَلَى مِلْكِهِ وَطَلَب أَخْذَ مِلْكِهِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُجَابُ إلَيْهِ، وَإِنْ أَدَّى إلَى الْهَدْمِ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ مِنْ فِعْلِهِ فَهُوَ لَمْ يُفَوَّتْ بِالْهَدْمِ شَيْئًا مَمْلُوكًا لِلْوَقْفِ نَعَمْ يَلْزَمُهُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ أَنْقَاضِ الْوَقْفِ وَأَرْضِهِ بِاسْتِعْمَالِهَا فِي الْبِنَاءِ ثُمَّ الْهَدْمِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِذَلِكَ السَّادِسِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ مِنْ أَنَّهُ إذَا اجْتَهَدَ الْمُسْتَأْجِرُ فِي الْأَنْقَاضِ الْقَدِيمَةِ. وَالْحَادِثَةِ وَمَيَّزَ بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ بِلَا يَمِينٍ أَوْ لَا؟ وَجَوَابُهُ أَنَّ الَّذِي صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الْآنِيَةِ فِيمَا لَوْ اخْتَلَطَتْ حَمَامَةٌ لِغَيْرِهِ بِحَمَامٍ لَهُ أَنَّهُ لَهُ أَكْلُهُ بِالِاجْتِهَادِ إلَّا وَاحِدَةً كَمَا لَوْ اخْتَلَطَتْ ثَمَرَةُ الْغَيْرِ بِثَمَرِهِ وَاعْتَمَدَهُ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ فَمَا حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ وَاحِدَةً مِنْهُ حَتَّى يُصَالِحَ ذَلِكَ الْغَيْرَ أَوْ يُقَاسِمَهُ ضَعِيفٌ، وَإِنْ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ فِي بَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ بَعْدَ الْأَوَّلِ. وَلَمْ يُرَجِّحْ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَيُوَافِقُ الْأَوَّلَ قَوْلُ الْقَاضِي لَوْ اشْتَبَهَتْ غَنَمُهُ أَوْ طُيُورُهُ بِغَنَمِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ طُيُورِهِمْ أَوْ رَحْلُهُ بِرِحَالِهِمْ جَازَ لَهُ الِاجْتِهَادُ، فَإِنْ نَازَعَهُ ذُو الْيَدِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ ذِي الْيَدِ، وَيُوَافِقُ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ: إذَا خَرِبَتْ مَحَلَّةٌ وَاشْتَبَهَتْ جَازَ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَخْذُ مِلْكِهِ بِالتَّحَرِّي كَمَا لَوْ اخْتَلَطَتْ حَمَامَةٌ بِحَمَامِ الْغَيْرِ، وَإِذَا جَوَّزْنَا لَهُ الِاجْتِهَادَ وَنَازَعَهُ النَّاظِرُ فَإِنْ كَانَتْ الْيَدُ لِلْمُسْتَأْجِرِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ أَوْ لِلنَّاظِرِ صُدِّقَ هُوَ دُونَ الْمُسْتَأْجِرِ، ثُمَّ رَأَيْت فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ مَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته آخِرَ الْخَامِسِ مِنْ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يُجَابُ لِلْهَدْمِ، وَعِبَارَةُ فَتَاوِيهِ: رَجُلٌ وَقَفَ جَامِعًا عَلَى قَوْمٍ فَانْهَدَمَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ الْآلَةِ شَيْءٌ فَأَجَرَ الْمُتَوَلِّي عَرْصَتَهُ مِنْ إنْسَانٍ أَرْبَعِينَ سَنَةً لِيَبْنِيَ فِيهَا فَبَنَى، ثُمَّ إنَّ الْبَانِي وَقَفَ عِمَارَتَهُ عَلَى آخَرِينَ غَيْرِ الْأَوَّلِينَ قَالَ: لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فَتَكُونُ الْعِمَارَةُ فِي حُكْمِ الْوَقْفِ الْأَوَّلِ فَلَوْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ أَدْخَلَ فِيهَا شَيْئًا مِنْ آلَاتِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَرْفَعَهَا وَيَضْمَنَ أَرْشَ النُّقْصَانِ الَّذِي دَخَلَ الْأَرْضَ لَهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَقْلَعَ وَيَغْرَمَ أَرْشَ النَّقْصِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْقَلْعَ لَيْسَ مِنْ مَصْلَحَةِ الْوَقْفِ، فَإِنَّهُ مَا دَامَ بِنَاؤُهُ فِيهَا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْعَرْصَةِ فَلَزِمَهُ ذَلِكَ إحْيَاءً لِلْوَقْفِ الْأَوَّلِ اهـ. الْمَقْصُودُ مِنْهُ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ: فَلَوْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ أَدْخَلَ فِيهَا شَيْئًا مِنْ آلَاتِهِ إلَخْ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِيمَا ذَكَرْته فَإِنْ قُلْت قَوْلُهُ فَتَكُونُ الْعِمَارَةُ فِي حُكْمِ الْوَقْفِ الْأَوَّلِ يُنَافِي مَا قَدَّمْته أَنَّ مَا عَمَّرَهُ الْمُسْتَأْجِرُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ قُلْت: هَذَا فَرْعُهُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْوَقْفِ، وَالْمَنْقُولُ الْمُعْتَمَدُ صِحَّةُ وَقْفِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ فِي الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ أَوْ الْمُسْتَعَارَةِ، سَوَاءٌ الْمَمْلُوكَةُ وَالْمَوْقُوفَةُ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَبَعْدَهُ، عَلَى أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ قَوْلِهِ: فَتَكُونُ الْعِمَارَةُ فِي حُكْمِ الْوَقْفِ الْأَوَّلِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهَا بِالْوَقْفِ لَا تَنْسَلِخُ عَنْ أَحْكَامِ

الْوَقْفِ الْأَوَّلِ مِنْ لُزُومِ أُجْرَتِهَا لِمُصَرِّفِهِ؛ لِأَنَّ وَقْفَهَا عَلَى غَيْرِ مُصَرِّفِهِ بَاطِلٌ عَلَى مَا اخْتَارَهُ، وَإِذَا كَانَ بَاطِلًا لَزِمَ بَقَاءُ الْعِمَارَةِ عَلَى حُكْمِهَا الْأَوَّلِ مِنْ أَنَّ مَالِكَهَا يَغْرَمُ أُجْرَةَ مَحِلِّهَا لِمُصَرِّفِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ كُلَّ الْبُعْدِ أَنَّ مِثْل الْبَغَوِيِّ يَقُولُ بِأَنَّ مَنْ اسْتَأْجَرَ عَرْصَةً مَوْقُوفَةً لِلْبِنَاءِ فِيهَا أَنَّ بِنَاءَهُ يَصِيرُ وَقْفًا قَهْرًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُنَافِي وَضْعَ الْإِجَارَةِ؛ وَلِأَنَّ الْأَئِمَّةَ مُطْبِقُونَ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا يُعْلَمُ مَنْ بَابَيْ الْإِجَارَةِ وَالْوَقْفِ. وَقَدْ ذَكَرْتُ آنِفًا مَا هُوَ صَرِيحٌ فِيهِ بِقَوْلِي: وَالْمَنْقُولُ الْمُعْتَمَدُ إلَخْ فَإِنْ قُلْت: إذَا أَرَادَ النَّاظِرُ أَنْ يَتَمَلَّكَ لِلْوَقْفِ آلَاتِ الْمُسْتَأْجِرِ الْمُخْتَلِطَةَ بِآلَاتِ الْوَقْفِ الَّتِي يُمْكِنُ تَمْيِيزُهَا فَلِمَ لَمْ يَجِبْ لِذَلِكَ؟ قُلْت: الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ أَنَّ تَخْيِيرَ الْمُؤَجِّرِ بَيْن التَّمَلُّكِ وَالْقَلْعِ مَجَّانًا وَالتَّبْقِيَةِ بِالْأُجْرَةِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ عَدَمِ اخْتِيَارِ الْمُسْتَأْجِرِ الْقَلْعَ، أَمَّا إذَا اخْتَارَهُ فَإِنَّهُ يَقْلَعُ وَعَلَيْهِ الْأَرْشُ وَالتَّسْوِيَةُ لِلْأَرْضِ وَلَا يُجَابُ الْمُؤَجِّرُ إلَى وَاحِدَةٍ مِنْ تِلْكَ الْخِصَالِ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْأَرْضُ الْوَقْفُ وَالْمِلْكُ. (فَائِدَةٌ) لَوْ أَرَادَ النَّاظِرُ بَعْدَ الْمُدَّةِ الْقَلْعَ وَغَرِمَ الْأَرْشَ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ وَلَمْ يَقْتَضِهِ شَرْطُ الْوَاقِفِ لَمْ يَجُزْ وَكَذَا لَوْ أَرَادَ لِلْإِبْقَاءِ وَكَانَ يَتَغَيَّرُ بِهِ مَقْصُودُ الْوَقْفِ مِنْ بَقَاءِ الْأَرْضِ مَكْشُوفَةً فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ أَيْضًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَنْ أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ الصَّحَابَةَ بِسَدِّ أَبْوَابِهِمْ النَّافِذَةِ إلَى مَسْجِدِهِ إلَّا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ رَوَاهُ وَمَا حُكْمُ ذَلِكَ بَعْدَ وَفَاتِهِ؟ (فَأَجَابَ: رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا بَلْ بَلَغَتْ طُرُقُهُ حَدَّ التَّوَاتُرِ كَمَا بَيَّنَهُ الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ شَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى سَعْيَهُ وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَسَنَدُهَا حَسَنٌ «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا بَكَى إذْ سَمِعَ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ إلَخْ قَالَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عَلَى رِسْلِك أَفْضَلُ النَّاسِ عِنْدِي فِي الصُّحْبَةِ وَذَاتِ الْيَدِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، اُنْظُرُوا هَذِهِ الْأَبْوَابَ الشَّوَارِعَ فِي الْمَسْجِدِ فَسُدُّوهَا إلَّا مَا كَانَ مِنْ بَابِ أَبِي بَكْرٍ فَإِنِّي رَأَيْت عَلَيْهِ نُورًا. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى رِجَالُهَا ثِقَاتٌ اُنْظُرُوا إلَى هَذِهِ الْأَبْوَابِ اللَّاصِقَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَسُدُّوهَا إلَّا مَا كَانَ مِنْ بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَانَ أَفْضَلَ عِنْدِي فِي الصُّحْبَةِ مِنْهُ.» قَالَ الْعُلَمَاءُ: وَلَا يُعَارِضُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الْأُخْرَى الْكَثِيرَةُ الْمُتَوَاتِرَةُ أَيْضًا الْمُصَرِّحَةُ بِسَدِّ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا حَتَّى بَابِ أَبِي بَكْرٍ إلَّا بَابَ عَلِيٍّ؛ لِأَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ فَقَضِيَّةُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَتْ مُتَقَدِّمَةً وَهِيَ فِي سَدِّ الْأَبْوَابِ الشَّارِعَةِ، وَقَدْ كَانَ أَذِنَ لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَمُرَّ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ جُنُبٌ. وَيَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِهَا رِوَايَةُ الْبَزَّارِ «عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: انْطَلِقْ فَمُرْهُمْ أَنْ يَسُدُّوا أَبْوَابَهُمْ فَانْطَلَقْت فَقُلْت لَهُمْ فَفَعَلُوا إلَّا حَمْزَةَ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ فَعَلُوا إلَّا حَمْزَةَ فَقَالَ: قُلْ لِحَمْزَةَ فَلْيُحَوِّلْ بَابَهُ فَقُلْت: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُك أَنْ تُحَوِّلَ بَابَك فَحَوَّلَهُ.» فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ وَاقِعَةَ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَتْ قَبْلَ أُحُدٍ وَقَضِيَّةَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُتَأَخِّرَةٌ فِي مَرَضِ الْوَفَاةِ فِي سَدِّ طَاقَاتٍ كَانُوا يَسْتَقْرِبُونَ الدُّخُولَ مِنْهَا وَهِيَ الْخَوْخُ وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: قَضِيَّةُ عَلِيٍّ فِي سَدِّ الْأَبْوَابِ، وَأَمَّا سَدُّ الْخَوْخِ فَالْمُرَادُ بِهَا طَاقَاتٌ كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ يَسْتَقْرِبُونَ الدُّخُولَ مِنْهَا فَأَمَرَ بِسَدِّهَا إلَّا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِي ذَلِكَ أَشَارَّة إلَى اسْتِخْلَافِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّ الْخَلِيفَةَ يَحْتَاجُ إلَى الْمَسْجِدِ كَثِيرًا. وَعُلِمَ مِنْ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بَلْ الْمُتَوَاتِرَةِ كَمَا مَرَّ أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ فَتْحِ بَابِ شَارِعٍ إلَى مَسْجِدِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ فِي ذَلِكَ لِأَحَدٍ حَتَّى لِأَبِي بَكْرٍ وَالْعَبَّاسِ إلَّا لِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِمَكَانِ ابْنَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ وَمِنْ فَتْحِ خَوْخَةٍ صَغِيرَةٍ أَوْ طَاقَةٍ أَوْ كُوَّةٍ وَلَمْ يَأْذَنْ فِي ذَلِكَ لِأَحَدٍ حَتَّى لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَّا لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَاصَّةً لِمَكَانِ الْخِلَافَةِ وَلِكَوْنِهِ أَفْضَلَ النَّاسِ يَدًا عِنْدَهُ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِمَا فِي الْأَحَادِيثِ وَهَذِهِ خِصِّيصَةٌ لَهُ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ أَحَدٍ عَلَيْهِ فِيهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَإِنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَأْذَنَ فِي كَوَّةٍ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَالْعَبَّاسَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي فَتْحِ بَابٍ

صَغِيرٍ بِقَدْرِ مَا يَخْرُج مِنْهُ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَفِيهَا أَيْضًا أَنَّهُ لَمْ يَسُدَّ مَا سَدَّ وَلَمْ يَفْتَحْ مَا فَتَحَ إلَّا بِأَمْرٍ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فِي آخِرِ مَجْلِسٍ جَلَسَهُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ مَا عَهِدَهُ لِأَمَتِهِ وَمَاتَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَنْسَخْهُ شَيْءٌ فَوَجَبَ اسْتِمْرَارُ حُرْمَتِهِ وَأَنَّهُ لَا رَأْيَ لِلْإِمَامِ فِيهِ لِنَصِّهِ عَلَى مَنْعِهِ، وَإِسْنَادُهُ ذَلِكَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا إلَيْهِ وَلَا نَظَرَ لِتَغْيِيرِ مَعَالِمِ الْمَسْجِدِ وَجُدُرِهِ وَالزِّيَادَةِ فِيهِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْفَتْحِ مَنُوطَةٌ بِالْمَسْجِدِ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا بِتِلْكَ الْجُدُرِ بِعَيْنِهَا وَمِنْ ثَمَّ وُسِّعَ مَرَّاتٍ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ عَلَى فَتْحِ شَيْءٍ فِيهِ قَالَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ بَعْدَ ذِكْرِهِ نَحْوَ مَا مَرَّ: أَكْثَرُ مُفْتِيِّ عَصْرِنَا أَفْتَوْا بِجَوَازِ فَتْحِ الْبَابِ وَالْكُوَّةِ وَالشُّبَّاكِ مِنْ دَارٍ بُنِيَتْ مُلَاصِقَةً لِلْمَسْجِدِ الشَّرِيفِ، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ اسْتِرْوَاحًا وَعَدَمَ وُقُوفٍ عَلَى مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ ثُمَّ رُوجِعَ كُلٌّ مِنْهُمْ فِي مُسْتَنَدِهِ فِيمَا أُفْتِيَ بِهِ فَأَبْدَوْا شُبَهًا كُلُّهَا مَرْدُودَةٌ، مِنْهَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ: لَا نَقْلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَهْلِ مَذْهَبِنَا، وَنَقُولُ بِالْجَوَازِ اسْتِحْسَانًا حَيْثُ لَا ضَرَرَ، وَجَوَابُهُ: لَا اسْتِحْسَانَ يُعْتَدُّ بِهِ مَعَ النُّصُوصِ النَّبَوِيَّةِ الْمُصَرِّحَةِ بِالْمَنْعِ. وَإِذَا مُنِعَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ فَتْحِ كُوَّةٍ يَنْظُرُ مِنْهَا حِينَ يَخْرُجُ لِلصَّلَاةِ فَكَيْفَ يَنْهَدِمُ الْحَائِطُ كُلُّهُ؟ بَلْ أَقُولُ: لَوْ أُعِيدَ حَائِطُ الْمَسْجِدِ وَبُنِيَ خَلْفَهُ جِدَارٌ أَطْوَلُ مِنْهُ، وَفُتِحَ فِي أَعْلَاهُ كُوَّةٌ يُطَّلَعُ مِنْهَا إلَى الْمَسْجِدِ فَيَنْبَغِي الْمَنْعُ احْتِيَاطًا. فَإِنْ انْضَمَّ لِذَلِكَ أَنَّ الشَّبَابِيكَ تَصِيرُ مُعَدَّةً لِمَنْ يَجْلِسُ فِيهَا مُرْتَفِعًا وَالْقَبْرُ الشَّرِيفُ تَحْته فَهَذَا أَشَدُّ وَأَشَدُّ، وَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُتَحَرِّكٍ الِاحْتِيَاطُ لِدِينِهِ حَيْثُ عَلِمَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ مِنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَأَنَّهُ لَا رَأْيَ لِأَحَدٍ فِيهِ بَعْدَ نَصِّهِ، وَأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ وَإِفْتَاءَ الْمُفْتِي بِمَا يُخَالِفُ النَّصَّ يُرَدُّ، وَالتَّوَصُّلُ إلَى خِلَافَةِ بِالْحِيَلِ الْفَاسِدَةِ كَجَعْلِهِ فِي غَيْرِ جِدَارِ الْمَسْجِدِ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَ الْيَهُودُ فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِأَدْنَى الْحِيَلِ» ، وَمِنْهَا الْقِيَاسُ عَلَى سَائِرِ الْمَسَاجِدِ حَيْثُ رَأَى النَّاظِرُ ذَلِكَ وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ لَا قِيَاسَ مَعَ النَّصِّ، فَقَدْ دَلَّتْ الْأَحَادِيثُ عَلَى تَمْيِيزِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ بِذَلِكَ، وَمِنْهَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ: الْأَمْرُ مَنُوطٌ فِي ذَلِكَ بِرَأْيِ الْإِمَامِ. وَجَوَابُهُ لَا رَأْيَ لِأَحَدٍ مَعَ النَّصِّ وَمِنْهَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ: تِلْكَ الْأَحَادِيثُ الْمَانِعَةُ مَخْصُوصَةٌ بِزَمَنِهِ وَهَذَا بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدِهَا أَنَّهُ لَا دَلِيلَ لِهَذَا التَّخْصِيصِ، ثَانِيهَا أَنَّ الْقِصَّةَ أَمَرَ بِهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا أَوَاخِرُ حَيَاتِهِ إذْ لَمْ يَعِشْ بَعْدَهَا إلَّا دُونَ عَشْرَةِ أَيَّامٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ شَرْعٌ مُسْتَمِرٌّ بَعْدَ وَفَاتِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ثَالِثِهَا لَوْ كَانَ التَّخْصِيصُ مُرَادَ الْبَيِّنَةِ وَإِلَّا كَانَ مُؤَخَّرًا لِلْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا سِيَّمَا وَهِيَ آخِرُ جَلْسَةٍ جَلَسَهَا لِلنَّاسِ، رَابِعِهَا اسْتِمْرَارُ الصَّحَابَةِ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ فَهِمُوهُ شَرْعًا مُؤَبَّدًا، خَامِسِهَا يُقَالُ لِزَاعِمِ التَّخْصِيصِ مَا وَجْهُ مَنْعِ الصَّحَابَةِ فِي زَمَنِهِ وَالْإِذْنُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ وَالصَّحَابَةُ أَجَلُّ وَأَحَقُّ بِكُلِّ خَيْرٍ، وَهَلْ يَتَخَيَّلُ مُتَخَيِّلٌ أَنَّهُ يُرَخَّصُ لِأَهْلِ الْقَرْنِ الْأَرْذَلِ مَا مُنِعَ مِنْهُ أَشْرَفُ الْأُمَّةِ وَخِيَارُهُمْ؟ مَعَاذَ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْهَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ: الْمَنْعُ مَخْصُوصٌ بِجِدَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا هُدِمَ وَأُعِيدَ غَيْرُهُ كَانَ مِلْكًا لِلْمُعِيدِ فَيَفْتَحُ مِنْهُ مَا شَاءَ وَلَا يَصِيرُ وَقْفًا حَتَّى يُوقِفَهُ، وَهَذَا مَرْدُودٌ بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلِ أَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِخُصُوصِ الْجِدَارِ كَمَا فَهِمَ هَذَا الْقَائِلُ بَلْ بِعُمُومِ الْمَسْجِدِ وَقَصْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ، أَنْ لَا يَتَطَرَّقَ لِمَسْجِدِهِ مِنْ بَابِ دَارٍ تُلَاصِقُهُ وَلَا يُطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ كُوَّةٍ فِي دَارٍ تُلَاصِقُهُ، وَالْمُعَادُ يَقُومُ مَقَامَ الْأَوَّلِ فِي هَذَا الْحُكْمِ. الثَّانِي أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ يُشْعِرُ بِالْعَلِيَّةِ. وَقَدْ قَالَ: «اُنْظُرُوا هَذِهِ الْأَبْوَابَ الشَّوَارِعَ إلَى الْمَسْجِدِ فَسُدُّوهَا» فَرَتَّبَ الْأَمْرَ بِالسَّدِّ عَلَى وَصْفِ كَوْنِهَا شَوَارِعَ إلَى الْمَسْجِدِ، وَإِنْ فُتِحَتْ فِي غَيْرِ جِدَارِهِ وَمِنْ ثَمَّ لَمَّا هَدَمَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ جِدَارَهُ وَأَعَادَاهُ لَمْ يَفْتَحَا فِيهِ شَيْئًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ فَهِمُوا تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِالْمَسْجِدِ لَا بِالْجِدَارِ وَإِلَّا لَفَتَحُوا لَهُمْ أَبْوَابًا وَكُوَّاتٍ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْجِدَارَ مِلْكُ بَانِيهِ وَحَاشَاهُمْ مِنْ ذَلِكَ، أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ «أَنَّ عُمَرَ قَالَ: لَوْلَا أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي مَسْجِدِنَا هَذَا مَا زِدْت فِيهِ.» . الرَّابِعِ: إنْ زَعَمَ أَنَّ

الْجِدَارَ الْمُعَادَ مِلْكُ الْمُعِيدِ يُقَال: عَلَيْهِ هَدْمُ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ فَإِعَادَتُهُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْهَادِمِ فَإِذَا أَعَادَهُ كَانَ بَدَلَ مُتْلَفٍ لَا مِلْكَهُ أَوْ لِمَصْلَحَةٍ فَإِعَادَتُهُ وَاجِبَةٌ مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ أَوْ بَيْتِ الْمَالِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمُعَادُ وَقْفًا لَا مِلْكًا. وَلَوْ ادَّعَاهُ الْإِمَامُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ عَلَى نِيَّةِ إعَادَتِهِ لِلْمَسْجِدِ فَكَذَلِكَ أَوْ عَلَى نِيَّةِ التَّمَلُّكِ لَمْ يَجُزْ. الْخَامِسِ: أَنَّ الْمُعَادَ إنْ تَمَحَّضَ جِدَارًا لِلْمَسْجِدِ وَجَبَ فَصْلُ الدَّارِ مِنْهُ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْتَفِعَ بِجِدَارِ الْمَسْجِدِ فِي الدَّارِ أَوْ لِلدَّارِ الْمُلَاصِقَةِ وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ النَّاظِرِ إعَادَةُ جِدَارِ الْمَسْجِدِ، وَلَا يَتْرُكُهُ مَهْدُومًا عَلَى أَنَّ بِنَاءَ جِدَارِ الدَّارِ إنْ كَانَ فِي أَرْضِ الْمَسْجِدِ هُدِمَ أَوَّلُهَا يُعَادُ جِدَارُ الْمَسْجِدِ كَمَا كَانَ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ. السَّادِسِ: أَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُدُّوا الْأَبْوَابَ الْمُلَاصِقَةَ فِي الْمَسْجِدِ» . يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَخُصَّ الْحُكْمَ بِجِدَارِهِ بَلْ عَلَّقَهُ بِاللُّصُوقِ فِي الْمَسْجِدِ أَيْ: كَوْنُهُ مُتَّصِلًا بِهِ فَشَمِلَ ذَلِكَ كُلَّ بَابٍ لَصِقَ بِهِ مِنْ أَيِّ جِدَارٍ كَانَ. السَّابِعِ: أَنَّ حَدِيثَ «لَوْ بُنِيَ مَسْجِدِي هَذَا إلَى صَنْعَاءَ» يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا يَحْدُثُ فِيهِ بَعْدَهُ كَمَا كَانَ بِزَمَنِهِ فِي الْحُكْمِ فَكَذَا الْجِدَارُ. الثَّامِنُ: لَوْ قُدِّرَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى احْتِيَاجُ بَعْضِ حِيطَانِ الْكَعْبَةِ إلَى هَدْمٍ وَإِصْلَاحٍ فَهَدَمَهَا الْإِمَامُ وَأَعَادَهَا قِيلَ: الْحَائِطُ الْمُعَادُ مِلْكُهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْفَ أَرَادَ حَتَّى يُوَقِّفَهُ فَإِنْ قِيلَ بِذَلِكَ فَفِي غَايَةِ السُّقُوطِ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ فَجِدَارُ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ كَذَلِكَ إذَا الْحَرَمَانِ الشَّرِيفَانِ مُسْتَوِيَانِ فِي غَالِبِ الْأَحْكَامِ، وَقِيَاسُ الْمَدَنِيِّ عَلَى الْمَكِّيِّ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى بَقِيَّةِ الْمَسَاجِدِ، التَّاسِعِ: ذَكَرَ ابْنُ الْعِمَادِ أَنَّ الظَّاهِرَ بِيبَرْسَ هُوَ الْمُحْدِثُ لِمَقْصُورَةِ الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَسِتِّمِائَةٍ وَأَنَّهُ أَسَاءَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حَجَرَ بِهِ طَائِفَةً مِنْ الرَّوْضَةِ الشَّرِيفَةِ عَنْ صَلَاةِ النَّاسِ فِيهَا فَإِذَا حُكِمَ بِإِسَاءَتِهِ بِذَلِكَ مَعَ قَصْدِهِ التَّعْظِيمَ. وَعَدَمِ نَصٍّ بِالْمَنْعِ فِيهِ فَكَيْفَ يُفْتَحُ بَابٌ أَوْ شُبَّاكٌ مَعَ مَا فِيهِمَا مِنْ عَدَمِ التَّعْظِيمِ وَالْأَدَبِ لِارْتِفَاعِهِمَا كَمَا مَرَّ؟ الْعَاشِرِ: لَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ تَخْصِيصَ الْجِدَارِ لِلْحِرْصِ عَلَيْهِ أَوْ لِخَشْيَةِ ضَعْفِهِ بَلْ إنَّمَا هُوَ لِمَنْعِ الِاسْتِطْرَاقِ وَالِاطِّلَاعِ إلَى مَسْجِدِهِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ خُصُوصِ الْجِدَارِ حَسْبَمَا أَمَرَهُ بِهِ رَبُّهُ. الْحَادِيَ عَشَرَ: أَسْنَدَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَنْعَ لِلْوَحْيِ وَلَمْ يُبَيِّنْ عِلَّتَهُ فَإِنْ كَانَتْ تَعْظِيمَ الْمَسْجِدِ اسْتَمَرَّ التَّحْرِيمُ وَالْمَنْعُ، وَإِنْ لَمْ يُدْرَكْ لَهُ عِلَّةٌ اسْتَمَرَّ أَيْضًا تَعَبُّدًا، وَزَعْمُ أَنَّهَا لِخُصُوصِ الْجِدَارِ وَخَوْفِ ضَعْفِهِ سَاقِطٌ. الثَّانِيَ عَشَرَ: أَنَّ ابْنَ الصَّلَاحِ سُئِلَ عَنْ رِبَاطٍ مَوْقُوفٍ عَلَى الصُّوفِيَّةِ اقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ أَنْ يُفْتَحَ فِيهِ بَابٌ جَدِيدٌ مُلْصَقًا لِبَابِهِ الْقَدِيمِ. فَأَجَابَ بِالْجَوَازِ بِشُرُوطٍ وَاسْتُدِلَّ بِفِعْلِ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حَيْثُ فَتَحَ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ أَبْوَابًا زِيَادَةً عَلَى مَا كَانَ، وَأَقَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ، وَهَذَا مِنْهُمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ فَهِمُوا أَنَّ الْجِدَارَ الْمُعَادَ لَهُ حُكْمُ الْجِدَارِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ عُثْمَانَ إنَّمَا فَتَحَ فِي جِدَارِهِ الَّذِي أَعَادَهُ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ بَطَلَ الِاسْتِدْلَال بِإِبْدَاءِ فَرْقٍ بِأَنَّ جِدَارَ الرِّبَاطِ جِدَارُ الْوَقْفِ وَجِدَارَ عُثْمَانَ لَيْسَ جِدَارَ الْوَقْفِ بَلْ هُوَ مِلْكُ عُثْمَانَ. الثَّالِثُ عَشَرَ: صَرَّحَ الْعَبَّادِيُّ وَالْجُوَيْنِيُّ بِأَنَّ مَنْ الْتَمَسَ مِنْ النَّاسِ آلَةً لِبِنَاءِ مَسْجِدٍ فَأَعْطَوْهُ صَارَ مَسْجِدًا بِنَفْسِ الْبِنَاءِ وَلَا يَحْتَاجُ لِإِنْشَاءِ وَقْفٍ كَمَا لَوْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا بِنِيَّةِ جَعْلِهَا مَسْجِدًا، وَهَذَا يُبْطِلُ زَعْمَ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا أَعَادَ حَائِطَ الْمَسْجِدِ كَانَتْ مِلْكَهُ فَتَحْتَاجُ لِإِنْشَاءِ وَقْفٍ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَرَائِنَ مُتَظَافِرَةٌ عَلَى أَنَّهُ مَا نَوَى بِعِمَارَتِهَا إلَّا إعَادَةَ حَائِطِ الْمَسْجِدِ. وَمِمَّا يُبْطِلُ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ: إذَا بَنَى مَسْجِدًا فِي مَوَاتٍ أَغْنَى فِعْلُهُ مَعَ النِّيَّةِ عَنْ التَّلَفُّظِ بِالْوَقْفِ وَزَالَ مِلْكُهُ عَنْ الْآلَةِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهَا فِي مَوَاضِعِهَا مِنْ الْبِنَاءِ وَقَبْلَ الِاسْتِقْرَارِ هِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ إنَّهَا لِلْمَسْجِدِ فَتَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ؛ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ حِينَ وَسَّعَ الْمَسْجِدَ صَرَّحَ بِوَقْفٍ وَلَا ذَكَرَ لَفْظًا وَكَذَا مَنْ بَعْدَهُ مَعَ كَثْرَتِهِمْ وَتَوْفِيرِ الْعُلَمَاءِ فِي زَمَنِهِمْ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْبِنَاءَ الْمُجَدَّدَ تَابِعٌ لِلْمَسْجِدِ الْقَدِيمِ، وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ: وَلَا شَكَّ فِي انْقِطَاعِ تَصَرُّفِ الْإِمَامِ عَنْ بِقَاعِ الْمَسَاجِدِ فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ اهـ. وَهَذَا صَرِيحٌ فِي مَنْعِهِ مِنْ أَنْ يَبْنِيَ حَائِطًا عَلَى بُقْعَةِ الْمَسْجِدِ وَيَضُمَّ

إلَيْهَا زِيَادَةً فِي الْبِنَاءِ مَوْصُولَةً بِهَا مُتَمَلِّكًا ذَلِكَ يَتَصَرَّفُ فِي الْمَجْمُوعِ بِفَتْحِ شَبَابِيكَ أَوْ غَيْرِهَا. الرَّابِعَ عَشَرَ: لَا أَظُنُّ فَقِيهًا يَسْمَحُ بِأَنَّهُ يُجَوِّزُ لِأَحَدٍ إعَادَةَ حَائِطِ الْمَسْجِدِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ عَلَى نِيَّةِ التَّمْلِيكِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ بِمَا يَشَاءُ مَعَ وُجُودِ سَهْمِ الْمَصَالِحِ أَوْ رَيْعِ وَقْفِ الْمَسْجِدِ. الْخَامِسَ عَشَرَ: لَا شَكَّ أَنَّ جَمِيعَ مَا بِأَيْدِي الْمُلُوكِ الْآنَ هُوَ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ وَلَيْسَ فِي أَيْدِيهِمْ شَيْءٌ يُثْبِتُ أَنَّهُ مِلْكُهُمْ بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ وَأَيُّ جِهَةٍ فُرِضَتْ فَفِيهَا الْجَوَابُ الشَّافِي، فَالْحَائِطُ الَّذِي يُعِيدُهُ الْإِمَامُ الْآنَ لَيْسَ مِلْكَهُ. السَّادِسَ عَشَرَ: صَرَّحَ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ رَفْعُ جُدُرٍ بَيْنَ مَسَاجِدَ مُتَلَاصِقَةٍ وَجَعْلِهَا مَسْجِدًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَغْيِيرِ مَعَالِمَ الْوَقْفِ فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ تَرْكُ جِدَارِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى جِدَارٍ وَاحِدٍ يُجْعَلُ لِلْمَدْرَسَةِ الَّتِي تُلَاصِقُهُ مُكْتَفِيًا بِهِ عَنْ جِدَارِ الْمَسْجِدِ عَلَى جِهَةِ الِاخْتِصَاصِ بِالْمَدْرَسَةِ أَوْ الِاشْتِرَاكِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ جِدَارٍ لِلْمَسْجِدِ مُتَمَيِّزٍ مُنْفَصِلٍ عَنْ جِدَارٍ غَيْرِهِ مُخْتَصٍّ بِهِ وَيَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ غَيْرِهِ اهـ. حَاصِلُ كَلَامِ الْجَلَالِ مَعَ حَذْفِ كَثِيرٍ مِنْهُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَفِيهِ نَقْدٌ يُمَيِّزُهُ التَّأَمُّلُ الصَّادِقُ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُ حَسَنٌ قَالَ: وَقَدْ تَعَرَّضَ جَمَاعَةٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا لِلْمَسْأَلَةِ وَعُمُومِهَا فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ. سُئِلَ السُّبْكِيّ عَنْ بَابٍ فُتِحَ فِي سُورِ الْمَسْجِدِ هَلْ بَعْدَ فَتْحِهِ يَجُوزُ الِاسْتِطْرَاقُ مِنْهُ لِلْمَسْجِدِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مَقَامَيْنِ: جَوَازِ فَتْحِ الْبَابِ الْمَذْكُورِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ عَلَى قَوَاعِدِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَا تَكَادُ الشَّافِعِيَّةُ يَرْتَابُونَ فِي إنْكَارِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ يَحْتَرِزُونَ عَنْ تَغْيِيرِ الْوَقْفِ جِدًّا، وَلَمَّا فُتِحَ شُبَّاكُ الطَّبَرَسِيَّةِ فِي جِدَارِ الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ عَظُمَ ذَلِكَ عَلَيَّ وَرَأَيْته مِنْ الْمُنْكَرَاتِ، وَلَمَّا فَتَحَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ فِي بَيْتِهِ بِالْمَدْرَسَةِ الشَّرِيفِيَّةِ بِالْقَاهِرَةِ شُبَّاكًا لَطَّهَا لِأَجْلِ الضَّوْءِ خَشِيَ الْإِنْكَار عَلَيْهِ فَقَالَ لِي: إنَّهُ اسْتَنَدَ إلَى كَلَامٍ فِي الْمَطْلَبِ هُوَ كَلَامُهُمْ مَعَهُمْ أَنَّ أَغْرَاضَ الْوَاقِفِينَ، وَإِنْ لَمْ يُصَرَّحْ بِهَا يُنْظَرُ إلَيْهَا وَلِهَذَا كَانَ شَيْخُنَا عِمَادُ الدِّينِ يَقُولُ: إذَا اقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ تَغْيِيرَ الْوَقْفِ فِي صُورَتِهِ لِزِيَادَةِ رَيْعِهِ جَازَ، وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ الْوَاقِفُ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ شَاهِدَةٌ بِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ ذَكَرَهُ الْوَاقِفُ حَالَةَ الْوَقْفِ لَأَثْبَتَهُ فِي كِتَابِ وَقْفِهِ، ثُمَّ نَقَلَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ التَّقِيِّ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ مَا يُشْعِرُ بِجَوَازِ ذَلِكَ وَاغْتَبَطَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ؛ لِأَنَّ التَّقِيَّ كَانَ قُدْوَةَ زَمَانِهِ عِلْمًا وَدِينًا قَالَ السُّبْكِيّ، وَاَلَّذِي أَرَاهُ جَوَازُ ذَلِكَ إنْ قَلَّ بِحَيْثُ لَا يُغَيَّرُ مُسَمَّى الْوَقْفِ أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ الْوَاقِفُ عَلَى مَنْعِهِ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ ابْنِ الصَّلَاحِ وَلَمْ يُزَلْ شَيْءٌ مِنْ عَيْنِهِ بِأَنْ يُنْقَلَ بَعْضُهُ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ وَكَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةُ الْوَقْفِ وَفَتْحُ شُبَّاكِ الطَّيْبَرِسِيَّةِ لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ لِلْجَامِعِ الْأَزْهَرِ فَلَا يَجُوزُ، وَكَذَا فَتْحُ أَبْوَابٍ لِلْحَرَمِ لَا حَاجَةَ لِلْحَرَمِ فِيهَا، وَإِنَّمَا هِيَ لِمَصْلَحَةِ سَاكِنِهَا فَلَا يَجُوزُ عَلَى مُقْتَضَى قَوَاعِدِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَلَا عَلَى مَذْهَبِ غَيْرِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ، وَقَدْ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي فَتَاوِيهِ، لَكِنْ فِي اسْتِدْلَالِهِ عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ بَابَيْهَا كَانَا فِي زَمَنِ إبْرَاهِيمَ وَكَذَا بِفِعْلِ عُثْمَانَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ هَدْمًا بِالْكُلِّيَّةِ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا يَلْزَمُ طَرْدُهُ فِي كُلِّ وَقْفٍ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَلَا بُدَّ أَنْ يُصَانَ ذَلِكَ عَنْ هَدْمِ شَيْءٍ لِأَجْلِ الْفَتْحِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْمَوْقُوفِ، وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ الْفَتْحُ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ فِي بَابٍ جَدِيدٍ فِي الْحَرَمِ إذَا ضَاقَتْ أَبْوَابُهُ مِنْ ازْدِحَامِ الْحَجِيجِ، الْمَقَامُ الثَّانِي جَوَازُ الِاسْتِطْرَاقِ فِيهِ بَعْدَ فَتْحِهِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي فِيهِ أَنَّهُ حَيْثُ جَازَ الْفَتْحُ جَازَ الِاسْتِطْرَاقُ وَحَيْثُ لَا فَلَا، لَكِنْ عَلَى بَسْطٍ فِيهِ ذَكَرَهُ فِي فَتَاوِيهِ وَفِي أَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ لِلزَّرْكَشِيِّ وَظَاهِرُ خَبَرِ الْأَمْرِ بِسَدِّ الْأَبْوَابِ مُشْكِلٌ، وَهُوَ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مِنْ أَصْلِ الْوَقْفِ لَزِمَ عَلَيْهِ جَوَازُ تَغْيِيرِ مَعَالِمِهِ وَإِنْ كَانَتْ مُحْدَثَةً لَزِمَ عَلَيْهِ جَوَازُ فَتْحِ الْبَابِ فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ وَكُوَّةٍ يَدْخُلُ مِنْهَا الضَّوْءُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا تَقْتَضِيهِ مَصْلَحَةٌ حَتَّى يَجُوزَ أَنْ يَفْتَحَ مِنْ دَارِهِ الْمُجَاوِرَةِ لِلْمَسْجِدِ بَابًا إلَى الْمَسْجِدِ فِي حَائِطِ الْمَسْجِدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْوَاقِفِ دُونَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي وَقَفَ الْمَسْجِد اهـ. وَهُوَ إشْكَالٌ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ الْفَتْحَ أَوَّلًا كَانَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ نُسِخَ

بِوَحْيٍ بِالسَّدِّ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا إشْكَالَ. (خَاتِمَةٌ سَبَبُ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ الَّتِي اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا أَنَّ السُّلْطَانَ قَايِتْبَايْ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ بِجِوَارِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ مَدْرَسَةً وَيَجْعَلَ الْحَائِطَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَالْمَدْرَسَةِ وَيَفْتَحَ فِيهِ بَابًا يَدْخُلُ مِنْهُ إلَى الْمَسْجِدِ وَشَبَابِيكَ مُطِلَّةً عَلَيْهِ مَنَعَ نَائِبَهُ مِنْ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَأَرْسَلَ يَطْلُبُ مَرْسُومًا مِنْ السُّلْطَانِ بِذَلِكَ فَبَلَغَهُ مَنْعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: اسْتَفْتُوا الْعُلَمَاءَ فَأَفْتَاهُ الْقُضَاةُ الْأَرْبَعَةُ وَجَمَاعَةٌ بِالْجَوَازِ، مَنَعَ آخَرُونَ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ الْعَجَبِ زَعْمُ قَاضِي الْقُضَاةِ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الْأَحَادِيثَ مُخْتَصَّةٌ بِالْجِدَارِ النَّبَوِيِّ، وَقَدْ أُزِيلَ، وَهَذَا الْجِدَارُ مِلْكٌ لِلسُّلْطَانِ يَفْتَحُ فِيهِ مَا شَاءَ وَلَا يَصِيرُ وَقْفًا إلَّا بِوَقْفِهِ ثُمَّ لَمْ يَتِمَّ لَهُمْ فَتْحُ بَابٍ وَعَدَلُوا إلَى الْفَتْحِ مِنْ الْجِهَةِ الْغَرْبِيَّةِ وَاسْتِدْلَالُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى جَوَازِ الْفَتْحِ بِأَنَّ بَابَ أَبِي بَكْرٍ كَانَ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ بَابٌ مَفْتُوحٌ فَيُفْتَحُ نَظِيرُهُ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الثَّابِتَ فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَقَرَّرَهُ الْعُلَمَاءُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي فَتْحِ بَابٍ، بَلْ أُمِرَ بِسَدِّ بَابِهِ، وَإِنَّمَا أُذِنَ لَهُ فِي خَوْخَةٍ صَغِيرَةٍ، فَلَا يَجُوزُ الْآنَ فَتْحُ بَابٍ كَبِيرٍ قَطْعًا وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّ الْمَعْنَى الِاسْتِطْرَاقُ فَيَسْتَوِي الْبَابُ وَالْخَوْخُ فِي الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ نَصَّ الشَّارِعِ صَرِيحٌ بِالتَّفْرِقَةِ لِأَمْرِهِ بِسَدِّ بَابِهِ وَإِبْقَاءِ خَوْخَتِهِ؛ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ بَقِيَتْ دَارُ أَبِي بَكْرٍ وَاتَّفَقَ هَدْمُهَا وَإِعَادَتُهَا أُعِيدَتْ بِتِلْكَ الْخَوْخَةِ كَمَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا تَحْوِيلٍ لَهَا عَنْ مَحِلِّهَا، لَكِنَّ دَارَ أَبِي بَكْرٍ هُدِمَتْ وَأُدْخِلَتْ فِي الْمَسْجِدِ زَمَنَ عُثْمَانَ وَفِي جَوَازِ بِنَاءِ دَارٍ بِإِزَائِهَا وَفَتْحِ خَوْخَةٍ مِنْهَا نَظِيرَ تِلْكَ تَرَدُّدٌ وَاحْتِمَالٌ وَالْمَنْعُ أَقْرَبُ؛ لِأَنَّ تِلْكَ خُصُوصِيَّةٌ لَهَا فَلَا تَتَعَدَّى لِغَيْرِهَا ذَكَرَهُ الْجَلَالُ وَأَبْدَى لِاحْتِمَالِ الْجَوَازِ وَجْهَيْنِ وَشَرْطَيْنِ يَتَعَذَّرُ وُجُودُهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَا يُفْتَحُ بِقَدْرِ تِلْكَ الْخَوْخَةِ لَا أَوْسَعَ وَعَلَى سَمْتِهَا لَا فِي مَحِلٍّ آخَرَ، وَالْأَمْرَانِ مُتَعَذِّرَانِ لِلْجَهْلِ بِقَدْرِهَا وَمَحِلِّهَا. (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَنْ شَخْصٍ تَصَدَّقَ عَلَى بَوَّابِينَ لِلْمَسْجِدِ الشَّرِيفِ النَّبَوِيِّ عَلَى مُشَرِّفِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ بِصَدَقَةٍ أَوْ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى الْبَوَّابِينَ الْمَذْكُورِينَ وَلِلْمَسْجِدِ الْمَذْكُورِ أَبْوَابٌ مُتَعَدِّدَةٌ مَثَلًا وَبَعْضُ الْأَبْوَابِ لَهُ بَوَّابَانِ وَبَعْضُهَا لَهُ بَوَّابٌ وَاحِدٌ وَاحِدٌ فَهَلْ تُقَسَّمُ الصَّدَقَةُ أَوْ غَلَّةُ الْوَقْفِ الْمَذْكُورَتَانِ عَلَى عَدَدِ الْأَبْوَابِ أَوْ عَلَى عَدَدِ الْبَوَّابِينَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يُصْرَفُ عَلَى عَدَدِ الْأَبْوَابِ وَمَا يَخُصُّ كُلَّ بَابٍ يُصْرَفُ عَلَى عَدَدِ مَنْ بِهِ مِنْ الْبَوَّابِينَ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمَا فِي الْأَوَّلِ وَبَيْنَهُمْ فِي الثَّانِي، وَمَأْخَذُ ذَلِكَ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ فِيمَا لَوْ أَوْصَى لِجِيرَانِهِ يُقَسَّمُ عَلَى عَدَدِ الدُّورِ لَا عَلَى عَدَدِ السُّكَّانِ قَالَ السُّبْكِيّ: وَتُقَسَّمُ حِصَّةُ كُلِّ دَارٍ عَلَى عَدَدِ سُكَّانِهَا هَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يَخْتَلِفْ الْعَمَلُ فِي الْبَوَّابَةِ بِالتَّعَدُّدِ لِلْبَوَّابِينَ فِي الْأَبْوَابِ وَإِلَّا قُسِّمَ عَلَى عَدَدِ الْبَوَّابِينَ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُمْ الْآنَ مَقْصُودٌ فَإِذَا اسْتَوَوْا فِيهِ اسْتَوَوْا فِيمَا عَلَيْهِمْ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ دَخَلَ إلَى الْحَرَمِ الشَّرِيفِ النَّبَوِيِّ وَأَعْطَى الْبَوَّابِينَ بِهِ وَهُمْ تِسْعَةُ أَنْفَارٍ لِكُلِّ نَفَرٍ مِنْهُمْ خَمْسِينَ مُحَلِّقًا وَالتِّسْعَةُ الْأَنْفَارُ بَعْضُهُمْ مُقَرَّرٌ بِالْأَصَالَةِ فِي وَظِيفَةِ الْبِوَابَةِ بِتَقْرِيرِ النَّاظِرِ الشَّرْعِيِّ وَبَعْضُهُمْ نَائِبٌ بِالْأُجْرَةِ عَنْ صَاحِبِ الْوَظِيفَةِ مَثَلًا فَأَخَذَ الْبَوَّابُ جَمِيعَ الْمَبْلَغِ الْمُتَصَدَّقِ بِهِ وَلَمْ يَدْفَعْ لِلْمُقَرَّرِينَ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ شَيْئًا فَهَلْ لَهُمْ ذَلِكَ أَوْ يُؤْخَذُ جَمِيعُ الْمَبْلَغِ الْمَذْكُورِ وَيُدْفَعُ لِلْمُقَرَّرِينَ فَقَطْ وَيَكْتَفِي الْبَوَّابُ بِالْأُجْرَةِ أَوْ يُقَسَّمُ ذَلِكَ عَلَى التِّسْعَةِ الْأَنْفَارِ الْمَكْتُوبِينَ بِأَسْمَائِهِمْ فِي دَفْتَرِ الْمُتَصَدِّقِ مَثَلًا لِكُلِّ وَاحِدٍ خَمْسُونَ مُحَلِّقًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مَا أَعْطَاهُ الْمُتَصَدِّقُ بِنَفْسِهِ لَا رُجُوعَ بِهِ عَلَى الْمُعْطِي إلَّا بَعْدَ مُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ وَلَيْسَ مِنْهُ كَوْنُهُ نَائِبًا عَنْ غَيْرِهِ فِي الْبِوَابَةِ، بَلْ لَوْ قَالَ الْمُتَصَدِّقُ بَعْدَ الْإِعْطَاءِ: إنَّمَا ظَنَنْت أَنَّهُ أَصْلِيٌّ لَا نَائِبٌ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِهِ مُقْتَضِيًا لِلرُّجُوعِ عَلَى الْآخِذِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهِ، بَلْ وَمَعَ الْيَمِينِ فِي ذَلِكَ تَرَدُّدٌ مَنْشَؤُهُ خِلَافٌ ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ فِي التَّنَازُعِ فِي دَعْوَى الْقَرْضِ وَالْهِبَةِ أَوْ نَحْوِهِمَا. (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَنْ مَبْلَغٍ قَدْرُهُ نَحْوَ سِتَّةٍ وَخَمْسِينَ ذَهَبًا وَرَدَتْ مِنْ غَلَّةِ وَقْفٍ عَلَى بَوَّابِي الْحَرَمِ الشَّرِيفِ النَّبَوِيِّ وَقَبَضَ الْبَوَّابُ عَنْ الْبَوَّابِينَ الْمُقَرَّرِينَ جَمِيعَ الْمَبْلَغِ الْمَذْكُورِ وَلَمْ يَدْفَعُوا لِلْبَوَّابِينَ الْمُقَرَّرِينَ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ

باب إحياء الموات

شَيْئًا فَهَلْ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُمْ أَوْ لَا يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْمَبْلَغِ الْمَذْكُورِ إلَّا الْبَوَّابُونَ الْمُقَرَّرُونَ وَالنُّوَّابُ لَهُمْ الْأُجْرَةُ أَوْ يُقَسَّمُ الْمَبْلَغُ الْمَذْكُورُ بَيْنَهُمْ أَوْ مَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْمَسْأَلَةُ فِيهَا تَفْصِيلٌ ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إنْ تَعَلَّقَ بِسَدِّ الْوَظِيفَةِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ فِي نَحْوِ الْبِوَابَةِ وَلَمْ يَكُنْ فِي شَرْطِ الْوَاقِفِ مَا يَقْتَضِي جَوَازَ الْإِنَابَةِ أَوْ لَا عُذْرَ مُقْتَضٍ لِجَوَازِهَا فَالْمَعْلُومُ كُلُّهُ لِلنَّائِبِ وَإِلَّا فَلِلْأَصْلِ مَا لَمْ يُعَلَّقْ الِاسْتِحْقَاقُ بِالتَّوْلِيَةِ وَالسَّدِّ لِلْوَظِيفَةِ وَإِلَّا لَمْ يَسْتَحِقَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُ - فِي مَدْرَسَةٍ جَعَلَ وَاقِفُهَا لَهَا أَرْبَعَةَ مُدَرِّسِينَ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَحُضُورًا وَجَعَلَ بِإِزَائِهَا خَلَاوِي يُسَمَّى مَجْمُوعُهَا فِي الْعُرْفِ رِبَاطًا وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ تَنْقَطِعْ نِسْبَتُهَا عَنْ تِلْكَ الْمَدْرَسَةِ مَثَلًا بَلْ يُقَالُ خَلْوَةٌ بِمَدْرَسَةِ كَذَا وَكَذَا وَلَمْ يُعْلَمْ لِوَاقِفِهَا شَرْطٌ فِي سُكَّانِ تِلْكَ الْخَلَاوِي مَثَلًا وَإِنَّمَا جَرَتْ عَادَةُ تِلْكَ الْبَلَدِ بِأَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِيهِمْ تَفَقُّهٌ مَثَلًا بَلْ وَلَا تَصَوُّفٌ فَهَلْ إذَا قَرَّرَ نَاظِرُهَا إنْسَانًا مُحْتَرِفًا فِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا مَعَ كَوْنِهِ عَارِيًّا عَنْ التَّفَقُّهِ مُشْتَغِلًا بِحِرْفَتِهِ عَنْ الْإِقَامَةِ بِتِلْكَ الْخَلْوَةِ. وَثَبَتَ ذَلِكَ التَّقْرِيرُ عَلَى يَدِ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ شَافِعِيٍّ وَحَكَمَ بِهِ يُنَفَّذُ ذَلِكَ التَّقْرِيرُ أَوْ لَا؟ اُبْسُطُوا لَنَا الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ كَثِيرٌ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَذْهَانِ مُتَشَبِّثُونَ فِيهِ بِمَا اسْتَحْسَنُوهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْنِدُوهُ إلَى قَاعِدَةٍ أَوْ كِتَابٍ، وَإِنَّمَا يُسْنِدُوهُ إلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ فِي تِلْكَ الْبَلَدِ مُعْتَقِدِينَ أَنَّ الْمُعَوَّلَ فِي نَحْوِ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا دُونَ غَيْرِهِمَا (أَجَابَ) فَقَالَ: الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى مُقَدِّمَةٍ هِيَ أَنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ أَنْ يُنْظَرَ فِي نَحْوِ ذَلِكَ إلَى الْغَرَضِ الَّذِي بُنِيَ لَهُ ذَلِكَ الْمَحَلُّ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ الْغَرَضُ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا فَمَا قَضَتْ بِهِ تِلْكَ الْقَرَائِنُ الْمُطَّرِدَةُ اُتُّبِعَ، سَوَاءٌ أَوَافَقَ الْعُرْفَ وَالْعَادَةَ أَمْ لَا، إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْغَرَضُ مِنْ وَضْعِ بُيُوتِ الْمَدْرَسَةِ أَنَّهَا تَكُونُ سَكَنًا لِلْمُشْتَغِلِينَ بِالدَّرْسِ فِيهَا وَمِنْ ثَمَّ بَحَثَ فِي الرَّوْضَةِ مَا حَاصِلُهُ وَتَبِعَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ كَابْنِ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيِّ وَالنَّشَائِيِّ وَالْإِسْنَوِيِّ وَالْأَذْرَعِيِّ وَالْبُلْقِينِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ يُمْنَعُ حَيْثُ لَا شَرْطَ لِلْوَاقِفِ غَيْرُ الْفُقَهَاءِ مِنْ سُكْنَى بُيُوتِ الْمَدْرَسَةِ، سَوَاءٌ وَافَقَ ذَلِكَ عُرْفَ الْبَلَدِ أَوْ خَالَفَهُ وَفِيهِ احْتِمَالٌ إذَا خَالَفَهُ، زَادَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ هُنَا بَيْنَ عُرْفِ زَمَنِ الْوَاقِفِ وَمَا بَعْدَهُ وَأَنَّ الِاحْتِمَالَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا يَجْرِي فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَقَوْلُ شَيْخِهِ الْأَذْرَعِيِّ أَنَّ الِاحْتِمَالَ غَلَطٌ إذَا وُقِفَتْ الْمَدْرَسَةُ عَلَى طَائِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ هُوَ الْغَلَطُ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ كَمَا عَرَفْت حَيْثُ لَا شَرْطَ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ شَرْطٌ، وَيُوَجَّهُ عَدَمُ نَظَرِهِمْ لِلْعُرْفِ هُنَا، وَإِنْ كَانَ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ عَلَى مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ مَعَ قَوْلِهِمْ: إنَّ الْعَادَةَ الْمُطَّرِدَةَ فِي زَمَنِهِ كَشَرْطِهِ بِأَنَّ الْقَرِينَةَ الْوَضْعِيَّةَ أَقْوَى مِنْ الْقَرِينَةِ الْعُرْفِيَّةِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ لَا تَتَغَيَّرُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ بِخِلَافِ هَذِهِ فَإِنَّهَا تَتَغَيَّرُ بِذَلِكَ تَغَيُّرًا كَثِيرًا كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ وَضْعَ الْمَدْرَسَةِ قَاضٍ بِأَنَّ بُيُوتَهَا خَاصَّةٌ بِمَنْ قَدَّمْنَاهُ فَلَا يُقَرَّرُ فِيهَا غَيْرُهُمْ، سَوَاءٌ اقْتَضَى عُرْفُ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ ذَلِكَ أَمْ لَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَقَدْ أَلْغَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَمَنْ تَبِعَهُ شَرْطَ الْوَاقِفِ فِي مَسَائِلَ لِكَوْنِهِ عَارَضَهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ فَأَوْلَى هُنَا أَنْ تُقَدَّمَ تِلْكَ الْقَرِينَةُ الْوَضْعِيَّةُ عَلَى الْعُرْفِ الْمُنَزَّلِ مَنْزِلَةَ شَرْطِهِ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى مِنْهُ كَمَا تَقَرَّرَ وَبِمَا قَرَّرْته يُعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِبُيُوتِ الْمَدْرَسَةِ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ الْبُيُوتُ الْمَنْسُوبَةُ إلَيْهَا، سَوَاءٌ أَسُمِّيَتْ مَعَ ذَلِكَ رِبَاطًا لِتِلْكَ الْمَدْرَسَةِ أَمْ بُيُوتًا لَهَا؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى نِسْبَتِهَا لَهَا وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي كُلٍّ مِنْ الْحَالَيْنِ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْوَضْعُ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ، وَإِيضَاحُهُ أَنَّ وَضْعَ تِلْكَ الْمَدْرَسَةِ بِإِزَاءِ تِلْكَ الْبُيُوتِ إنَّمَا قُصِدَ بِهِ سُكْنَى مَنْ يَشْتَغِلُ فِي تِلْكَ الْمَدْرَسَةِ فَاشْتُرِطَ فِي سَكَنِهَا مَا مَرَّ وَلَمْ يَخْتَصَّ ذَلِكَ بِالْبُيُوتِ الَّتِي هِيَ دَاخِلُهَا، بَلْ يَشْمَلُ مَا فِيهَا وَمَا خَرَجَ عَنْهَا مِمَّا يُنْسَبُ إلَيْهَا كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَأَوْضَحْنَاهُ، وَأَمَّا الرِّبَاطُ فَهُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ أَيْضًا، وَالْمُحَكَّمُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا الْقَرِينَةُ الْوَضْعِيَّةُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ أَيْضًا هُنَا، وَوَجْهُ انْحِصَارِهِ فِي الْقِسْمَيْنِ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يُوضَعَ

بِالطُّرُقِ أَوْ أَطْرَافِ الْبِلَادِ، وَإِمَّا أَنْ يُوضَعَ دَاخِلَ الْبَلَدِ، فَالْقَرِينَةُ الْوَضْعِيَّةُ فِي الْأَوَّلِ بِقِسْمَيْهِ قَاضِيَةٌ بِاخْتِصَاصِهِ بِالْمُسَافِرِينَ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ كَمَا قَرَّرُوهُ وَأَطَالُوا الْكَلَامَ فِيهِ بِمَا لَا غَرَضَ لَنَا فِي بَسْطِهِ، وَقَاضِيَةٌ أَيْضًا بِأَنَّ نَازِلَهُ لَا يُشْتَرَطَ فِيهِ شَيْءٌ. وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الْمِنْهَاجِ وَلَوْ سَبَقَ رَجُلٌ إلَى رِبَاطٍ مُسَبَّلٍ فَلَمْ يَخُصَّ نَازِلَهُ بِوَصْفٍ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ قَالَ عَقِبَهُ أَوْ فَقِيهٌ إلَى مَدْرَسَةٍ أَوْ صُوفِيٌّ إلَى خَانِقَاهُ، وَالْقَرِينَةُ الْوَضْعِيَّةُ فِي الثَّانِي قَاضِيَةٌ بِاخْتِصَاصِهِ بِمَنْ يَأْتِي فِي الْوَقْفِ عَلَى الصُّوفِيَّةِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الِاخْتِصَاصِ تَفْسِيرُهُمْ لِلرِّبَاطِ بِأَنَّهُ الْمَكَانُ الْمُسَبَّلُ لِلْأَفْعَالِ الصَّالِحَةِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ» ثَلَاثًا إشَارَةً إلَى نَحْوِ كَثْرَةِ الْخُطَا إلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَعُلِمَ مِنْ الْقَرِينَةِ الْوَضْعِيَّةِ وَتَفْسِيرِهِمْ الْمَذْكُورَيْنِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي سَاكِنِهِ مِمَّا يَأْتِي مِنْ الْأَوْصَافِ بِخِلَافِ الْمُحْتَرِفِ وَنَحْوِهِ مِمَّنْ لَا يُعَدُّ مِنْ أَهْلِهَا فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ سُكْنَاهَا، وَأَمَّا الْخَانْقَاهْ فَهِيَ دِيَارُ الصُّوفِيَّةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَبِتَفْسِيرِهِمْ لَهَا وَلِلرِّبَاطِ بِمَا ذُكِرَ يُعْلَمُ أَنَّ بَيْنَهُمَا تَسَاوِيًا أَوْ قَرِيبًا مِنْ التَّسَاوِي. فَيُشْتَرَطُ فِي الْمُنْزَلِينَ بِهِمَا مَا يُشْتَرَطُ فِي الصُّوفِيَّةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَهُوَ أَنْ يَكُونُوا مُتَعَبِّدِينَ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ مُعْرِضِينَ عَنْ الدُّنْيَا مَعَ الْعَدَالَةِ وَتَرْكِ الْحِرْفَةِ قَالَ الْغَزَالِيُّ: نَعَمْ لَا بَأْسَ بِنَحْوِ الْوِرَاقَةِ وَالْخِيَاطَةِ أَحْيَانًا فِي رِبَاطٍ لَا حَانُوتٍ وَلَا تَقْدَحُ قُدْرَةُ الْكَسْبِ وَلَا الْوَعْظُ وَالتَّدْرِيسُ وَلَا مِلْكُ نِصَابِ الزَّكَاةِ وَمَا لَا يَفِي بِخَرْجِهِ دُونَ الثَّرْوَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْعُرُوضِ الْكَثِيرَةِ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا زِيُّ الْقَوْمِ وَمُسَاكَنَتُهُمْ دُونَ لُبْسِ مُرَقَّعَةٍ مِنْ شَيْخٍ اهـ. وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ، وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِتَسَاوِيهِمَا أَيْضًا قَوْلُ الْفَارِقِيِّ فِي فَوَائِدِ الْمُهَذَّبِ يَجُوزُ لِلْفُقَهَاءِ الْإِقَامَةُ فِي الرُّبُطِ وَتَنَاوُلُ مَعْلُومِهَا وَلَا يَجُوزُ لِلْمُتَصَوِّفِ الْقُعُودُ فِي الْمَدَارِسِ وَأَخْذُ شَيْءٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يُطْلَقُ بِهِ اسْمُ التَّصَوُّفِ مَوْجُودٌ فِي الْمُتَفَقِّهَةِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ اهـ. وَيُوَافِقُهُ صَنِيعُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فَإِنَّهُ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ قَاضٍ بِأَنَّ الرُّبُطَ تُطْلَقُ عَلَى جَمِيعِ الْأَقْسَامِ السَّابِقَةِ أَعْنِي الْمَدْرَسَةَ وَبُيُوتَهَا وَالْخَانِقَاهْ وَخَانَاتِ الطُّرُقِ وَأَطْرَافَ الْبِلَادِ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَنَا نَوْعٌ رَابِعٌ، وَيُوَافِقُهُ أَيْضًا عِبَارَةُ وَسِيطِ الْغَزَالِيِّ وَبَسِيطِهِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْأُولَى: لَوْ طَالَ مُقَامُ سَاكِنِ الْمَدْرَسَةِ أُزْعِجَ بَعْدَ تَمَامِ غَرَضِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْغَرَضِ مَرَدٌّ كَرِبَاطِ الصُّوفِيَّةِ فَفِي إزْعَاجِهِ وَجْهَانِ، وَأَشَارَ فِي الثَّانِي إلَى أَنَّ الرَّاجِحَ غَيْرُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَقَالَ: يُفَوَّضُ الْأَمْرُ فِي الْخَوَانِقِ لِلْوَالِي لِاخْتِلَافِ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْبِقَاعِ وَالْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ، فَإِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي إخْرَاجِ وَاحِدٍ فَلَهُ ذَلِكَ اهـ. فَجَعَلَ رِبَاطَ الصُّوفِيَّةِ هُوَ الْخَانْقَاهْ فَحِينَئِذٍ كَلَامُ الْفَارِقِيِّ وَالْغَزَالِيِّ وَالشَّيْخَيْنِ مُصَرِّحٌ بِمَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّ وَضْعَ الْمَدَارِسِ وَبُيُوتِهَا لِلْفُقَهَاءِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ وَوَضْعَ الرُّبُطِ الَّتِي دَاخِلَ الْبُلْدَانِ لِلصُّوفِيَّةِ وَالْمُتَصَوِّفَةِ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيهًا وَلَا مُتَفَقِّهًا وَلَا مُتَصَوِّفًا وَلَا تَابِعًا لِأَحَدِهِمَا صُوفِيًّا وَلَا كَالْبَوَّابِ وَالْخَادِمِ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي سُكْنَى بُيُوتِ مَدْرَسَةٍ وَلَا رِبَاطٍ؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ أَهْلِهَا فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ وَمِمَّا قَرَّرْته أَخْذًا مِنْ صَرِيحِ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُحْتَرِفَ فِي حَانُوتِهِ وَمَنْ لَا يُعَدُّ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ وَلَا مِنْ الصُّوفِيَّةِ لَا حَقَّ لَهُ فِي سُكْنَى بُيُوتِ مَدْرَسَةٍ وَلَا رِبَاطٍ وَأَنَّ تَقْرِيرَهُ فِي أَحَدِهِمَا لَغْوٌ، سَوَاءٌ أَحَكَمَ بِهِ شَافِعِيٌّ أَمْ لَا قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي بَسِيطِهِ: وَالْمَحِلُّ الْمَبْنِيُّ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ كَالْمَدْرَسَةِ أَيْ: فَيُشْتَرَطُ فِي نَازِلِهِ مَا يُشْتَرَطُ نَحْوُهُ فِي نَازِلِهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) فِي أَرْضٍ مُتَحَاذِيَةٍ بَعْضُهَا بِجَنْبِ بَعْضٍ وَعُرُوقُ شَجَرِ كُلِّ مَالِكٍ لِهَذِهِ الْأَرَاضِي الْمَذْكُورَةِ مُتَّصِلَةٌ بِأَرْضِ الْآخَرِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْخَلَاصُ مِنْهَا إلَّا بِالْإِتْلَافِ مَثَلًا فَأَرَادَ بَعْضُ الْمُلَّاكِ أَنْ يَحْفِرَ فِي مِلْكِهِ حَفْرًا عَمِيقًا مُخَالِفًا لِلْعَادَةِ لِيَقْطَعَ بِهِ عُرُوقَ شَجَرِ جَارِهِ فَهَلْ لِلْجَارِ مَنْعُهُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّهُ إذَا قَطَعَ الْعُرُوقَ مَاتَ الْأَصْلُ؟ وَالْحَالُ أَنَّ عَادَةَ أَهْلِ هَذِهِ الْبِلَادِ الْمَذْكُورَةِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا إذَا كَانَ مَالِكُ الْأَرْضِ يَتَضَرَّرُ بِعُرُوقِ شَجَرِ الْجَارِ فِي أَرْضِهِ وَأَرَادَ مَالِكُ الْأَرْضِ إزَالَتَهَا بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ مَنَعُوهُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي مَصْلَحَتِهِ مَا يُؤَدِّي إلَى إتْلَافِ مِلْكِ الْغَيْرِ فَهَلْ يُعْمَلُ بِعَادَتِهِمْ وَيُجْبَرُ صَاحِبُ الشَّجَرَةِ عَلَى إزَالَةِ عُرُوقِهَا مِنْ ذَلِكَ الْغَيْرِ إنْ لَمْ

يَكُنْ ذَلِكَ الْغَيْرُ أَذِنَ لَهُ فِي غَرْسِ الشَّجَرَةِ وَارِسَالِ عُرُوقِهَا فِي أَرْضِهِ وَإِلَّا فَهُوَ مُعِيرٌ فَإِنْ مَنَعَ فَلَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ اهـ. فَهَلْ مَا قَالَهُ صَحِيحٌ مُعْتَمَدٌ أَمْ هُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الشَّيْخِ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِ لِكُلٍّ مِنْ الْمُلَّاكِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ عَلَى الْعَادَةِ، فَإِنْ تَعَدَّى ضَمِنَ أَيْ: لِمُخَالَفَةِ الْعَادَةِ وَقَالُوا أَيْضًا: إنْ تَصَرَّفَ بِمَا يَضُرُّ الْمِلْكَ فَلَهُ مَنْعُهُ، وَإِنْ تَصَرَّفَ بِمَا يُضَرُّ الْمَالِكَ فَلَا مَنْعَ وَاخْتَارَ الْمَنْعَ جَمَاعَةٌ مِنْ كُلِّ مُؤْذٍ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ مُطْلَقًا وَقَالُوا أَيْضًا: الضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ فَمَا الرَّاجِحُ عِنْدَكُمْ؟ أَوْضِحُوا لَنَا الْجَوَابَ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: قَدْ جَاءَ هَذَا السُّؤَالُ مِنْ بِلَادِكُمْ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ، وَأَنَا أَكْتُبُ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ مَذْهَبُنَا الْمُوَافِقُ لِغَيْرِنَا فَكَأَنَّ أَهْلَ بِلَادِكُمْ لَا يَمْتَثِلُونَ الشَّرْعَ وَهَذِهِ مُصِيبَةٌ عَظِيمَةٌ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الشَّافِعِيَّةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنْ انْتَشَرَتْ عُرُوقُ شَجَرَةِ الْغَيْرِ إلَى أَرْضِهِ جَازَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْمَالِكِ بِتَحْوِيلِهَا أَوْ قَطْعِهَا مِنْ مِلْكِهِ فَإِنْ امْتَنَعَ، فَلَهُ تَحْوِيلُهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَهُ قَطْعُهَا وَقَلْعُهَا بِنَفْسِهِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْحَاكِمِ لَهُ فِي ذَلِكَ وَمَتَى كَلَّفَ مَالِكَهَا قَلْعَهَا فَنَقَصَتْ الْأَرْضُ بِذَلِكَ لَزِمَ الْقَالِعَ أَرْشُ نَقْصِهَا؟ وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا تَسْوِيَةُ الْحُفَرِ الْحَاصِلَةِ بِالْقَلْعِ، وَلَا فَرْقَ فِي إجْبَارِ مَالِكِ الْعُرُوقِ عَلَى قَلْعِهَا بَيْنَ أَنْ يَتَضَرَّرَ بِذَلِكَ أَوْ يَمُوتَ بِهِ شَجَرُهُ أَوْ لَا وَلَا بَيْنَ أَنْ يَعْتَادَ أَهْلُ الْبَلَدِ قَلْعَ الْعُرُوقِ الْمُنْتَشِرَةِ إلَى أَرْضِهِمْ أَمْ لَا، وَلَا بَيْنَ أَنْ يَحْفِرَ الْأَرْضَ مَالِكُهَا حَفْرًا عَمِيقًا مُخَالِفًا لِلْعَادَةِ حَتَّى تَظْهَرَ الْعُرُوقُ فَيُطَالَبُ مَالِكُهَا بِقَلْعِهَا أَوْ تَكُونَ الْعُرُوقُ ظَاهِرَةً عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، نَعَمْ مَنْ اشْتَرَى الْأَرْضَ مِنْ أَوَّلِ انْتِشَارِ الْعُرُوقِ إلَيْهَا ثُمَّ عَظُمَتْ وَأَضَرَّتْ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إزَالَتُهَا لِعِلْمِهِ حَالَ الشِّرَاءِ بِأَنَّهَا سَتَزِيدُ وَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرْنَا مَا نَقَلَهُ السَّائِلُ عَنْ النَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِ، كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى بَصِيرَةٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. . (وَسُئِلَ) عَنْ قَوْلِ الرَّوْضَةِ وَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ أَيْ مِنْ الْمَاءِ الْمُبَاحِ شَيْئًا فِي إنَاءٍ وَجَعَلَهُ فِي حَوْضٍ مِلْكُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ: وَفِي مَعْنَاهُ الْإِنَاءُ وَسَوَّقَهُ إلَى بِرْكَةٍ أَوْ حُفْرَةٍ فِي أَرْضِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ فِيهَا: وَإِنْ دَخَلَ مِنْهُ شَيْءٌ مِلْكُ إنْسَانٍ بِسَيْلٍ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ أَخْذُهُ إلَى آخِرِ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ قَالَ فِي النَّهْرِ الْمَمْلُوكِ بِأَنْ حَفَرَ نَهْرًا يَدْخُلُ فِيهِ الْمَاءُ مِنْ الْوَادِي، فَالْمَاءُ بَاقٍ عَلَى إبَاحَتِهِ لَكِنَّ مَالِكَ النَّهْرِ أَحَقُّ بِهِ. كَالسَّيْلِ يَدْخُلُ مِلْكَهُ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مُزَاحَمَتُهُ لِسَقْيِ الْأَرْضِينَ، وَأَمَّا الشُّرْبُ وَالِاسْتِعْمَالُ وَسَقْيُ الدَّوَابِّ أَيْ: فَلَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ إلَى آخِرِ مَا قَالَ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ جَعْلِهِ فِي الْحَوْضِ وَسَوْقِهِ إلَى بِرْكَةٍ وَنَحْوِهَا مِنْ أَمْلَاكِهِ حَيْثُ يَمْلِكُهُ وَبَيْنَ دُخُولِهِ الْأَمْلَاكَ مِنْ نَهْرٍ وَنَحْوِهِ حَيْثُ لَا يَمْلِكُهُ فَلِمَ لَا يُعْتَبَرُ الْقَصْدُ فِي ذَلِكَ كَمَا اُعْتُبِرَ فِي سَقْيِ الْأَرْضِ لِتَوَحُّلِ الصَّيْدِ وَالْبِنَاءِ لِتَعْشِيشِ الطَّيْرِ حَيْثُ يَمْلِكُ الصَّيْدَ وَالْبَيْضَ وَالْفَرْخَ بِذَلِكَ؟ لِأَنَّ الْقَصْدَ مَرْعِيٌّ فِي التَّمَلُّكِ وَقَوْلُهُ فِي النَّهْرِ الْمَمْلُوكِ لَيْسَ لِأَحَدٍ مُزَاحَمَتُهُ لِسَقْيِ الْأَرْضِينَ، وَأَمَّا الشُّرْبُ وَالِاسْتِعْمَالُ فَلَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ سَقْيِ الْأَرْضِينَ وَمَا ذَكَرُوهُ بَعْدَهَا؟ وَهَلْ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِبَقَاءِ الْمَاءِ عَلَى إبَاحَتِهِ، أَمَّا إذَا قُلْنَا بِمِلْكِهِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا ذَكَرُوهُ فِي فَاضِلِ الْبِئْرِ وَالْقَنَاةِ أَمْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الدَّاخِلِ فِي النَّهْرِ مِنْ السَّيْلِ لِاتِّسَاعِهِ غَالِبًا لِلْعُرْفِ الْمُطَّرِدِ فِيمَا يُعْتَادُ مِنْ ذَلِكَ؟ وَعَلَى الْقَوْلِ بِمَنْعِ سَقْيِ الْأَرْضِينَ لَوْ سَقَى بِهِ الْغَيْرُ أَرْضًا فَمَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ؟ هَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْمَاءِ؟ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْمَاءِ الْمَمْلُوكِ أَوْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا وَالْمَاءُ فِيهَا مُسْتَوٍ عَلَيْهَا غَيْرَ مَكْسُورَةٍ وَبَيْنَ قِيمَتِهَا الْآنَ يَابِسَةً كَمَا قَالَ بِذَلِكَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِيمَا إذَا كَانَتْ أَرْضُ الْغَيْرِ مُسْتَوِيًا عَالِيهَا الْمَاءُ فَأَجَّرَهَا شَخْصٌ آخَرُ، وَمَا حَقِيقَةُ الْجَعْلِ وَالسَّوْقِ فِي قَوْلِهِمْ جَعَلَ فِي حَوْضِهِ أَوْ سَاقَهُ إلَى أَرْضِهِ فَإِنَّ الْجَعْلَ فِي الْإِنَاءِ فِي الْعُرْفِ إبْقَاؤُهُ فِيهِ وَلَا نَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ مُرَادُهُمْ هُنَا وَالسَّوْقُ لَمْ نَفْهَمْ مَا الْمُرَادَ مِنْهُ هُنَا، فَإِنَّ السَّوْقَ فِي الْعُرْفِ حَثُّ السَّائِقِ لِلْمَسُوقِ مِنْ خَلْفِهِ وَجَوَانِبِهِ إلَى جِهَةِ مَقْصِدِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْإِبَاحَةَ مُتَأَصِّلَةٌ فِي الْمَاءِ وَقَوِيَّةٌ فِيهِ وَمِنْ ثَمَّ جَرَى لَنَا وَجْهٌ بِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُمْلَكُ، وَإِذَا ثَبَتَ تَأَصُّلُ الْإِبَاحَةِ فِيهِ اُحْتِيجَ فِي تَمَلُّكِهِ إلَى سَبَبٍ قَوِيٍّ دَالٍّ عَلَى ذَلِكَ صَرِيحًا وَذَلِكَ السَّبَبُ الْقَوِيُّ، إمَّا أَخْذُهُ فِي إنَاءٍ كَمَا

عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ حِيَازَتُهُ فِيهِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ أَدْخَلَ كُوزًا فِي مَاءٍ مُبَاحٍ فَمَلَأَهُ مِنْهُ مَلَكَ مَا حَوَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَرْفَعْ الْكُوزَ مِنْ الْمَاءِ، بَلْ أَبْقَاهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ هَذَا حِيَازَةٌ لَا أَخْذٌ إذْ هِيَ الِاحْتِوَاءُ عَلَى الشَّيْءِ، وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْهُ فَهِيَ أَعَمُّ مُطْلَقًا، وَأَمَّا جَعْلُهُ فِي حَوْضٍ مَسْدُودِ الْمَنَافِذِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَوْضِ خُصُوصَهُ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ مَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُمَا كَالْقَمُولِيِّ وَالْأَذْرَعِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ وَآخَرِينَ مِمَّا يَشْمَلُ الْبِرْكَةَ وَالصِّهْرِيجَ وَالْحُفْرَةَ فِي أَرْضِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَالْمُرَادُ بِجَعْلِهِ فِي ذَلِكَ وَسَوْقِهِ إلَيْهِ وَاحِدٌ وَهُوَ حُصُولُ الْمَاءِ فِي وَاحِدٍ مِمَّا ذُكِّرَ بِفِعْلِهِ كَأَنْ يَفْتَحَ سَدًّا بَيْنَ نَحْوِ الْحَوْضِ وَالْمَاءِ الْمُبَاحِ فَيَدْخُلُ فِيهِ وَخَرَجَ بِالسَّبَبِ الْقَوِيِّ السَّبَبُ الضَّعِيفُ فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي مِلْكَ الْمَاءِ لِمَا تَقَرَّرَ، وَإِنَّمَا غَايَةُ مَا يَقْتَضِيه كَوْنُ الْمُتَسَبَّبِ بِهِ أَحَقُّ بِمَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ مِنْ الْمَاءِ وَذَلِكَ السَّبَبُ الضَّعِيفُ، إمَّا مُجَرَّدُ دُخُولِ الْمَاءِ مِلْكَ إنْسَانٍ لَا بِفِعْلِهِ وَلَا بِمَا يَقُومُ مَقَامَ فِعْلِهِ، بَلْ بِسَيْلٍ وَنَحْوِهِ، وَأَمَّا دُخُولُهُ فِي مِلْكِهِ بِفِعْلِهِ الَّذِي لَا يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ لِضَعْفِهِ كَأَنْ يَحْفِرَ نَهْرًا يَدْخُلُ فِيهِ الْمَاءُ مِنْ الْوَادِي الْعَظِيمِ أَوْ مِنْ النَّهْرِ الْمُنْخَرِقِ مِنْهُ فَالْمَاءُ بَاقٍ عَلَى إبَاحَتِهِ، لَكِنَّ مَالِكَ النَّهْرِ أَحَقُّ بِهِ كَالسَّيْلِ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ، وَإِنَّمَا جَعَلُوا فِعْلَهُ هُنَا وَهُوَ الْحَفْرُ لَا يَقْتَضِي مِلْكًا بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ فِي صُورَةِ الْحَوْضِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ مُطَّرِدَةٌ بِأَنْ يُقْصَدَ بِحَفْرِهَا فِي الْعَادَةِ الِانْتِفَاعُ بِمَائِهَا فِي سَقْيِ الْمَزَارِعِ وَنَحْوِهَا فَلِذَلِكَ جَعَلُوهُ سَبَبًا فِي كَوْنِهِ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَلِكَوْنِ هَذَا الِاسْتِحْقَاقُ لَا يُخْرِجُ الْمَاءَ عَنْ أَصْلِهِ مِنْ الْإِبَاحَةِ اكْتَفَى فِيهِ بِالسَّبَبِ الضَّعِيفِ وَهُوَ مُجَرَّدُ دُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ بِخِلَافِ مِلْكِهِ فَإِنَّهُ يُنَافِي أَصْلَهُ الْمَذْكُورَ فَاحْتِيجَ فِيهِ إلَى سَبَبٍ قَوِيٍّ. وَهُوَ حِيَازَتُهُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ إدْخَالِهِ مَحِلًّا يَقْصِدُ فِي الْعَادَةِ بِحِيَازَتِهِ فِيهِ مِلْكَهُ وَالتَّصَرُّفَ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ كَالْحَوْضِ وَالصِّهْرِيجِ، فَبَانَ بِهَذَا الَّذِي قَرَّرْته فَرْقَانِ مَا بَيْنَ إدْخَالِهِ لِنَحْوِ الْحَوْضِ، فَإِنَّهُ يَمْلِكُ بِهِ وَإِدْخَالِهِ لِنَحْوِ النَّهْرِ، فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ الْآتِي عَلَى الْإِثْرِ وَبَانَ بِهِ أَيْضًا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ الْأَذْرَعِيِّ فِي تَوَسُّطِهِ، وَكُنْت أَوَدُّ لَوْ قِيلَ: إنْ أَجْرَى حَافِرُ النَّهْرِ أَوْ الْقَنَاةِ الْمَاءَ فِيمَا حَفَرَهُ مِنْهَا مَلَكَهُ كَمَا لَوْ حَازَهُ فِي إنَائِهِ، وَوَجْهُ الْجَوَابِ عَنْهُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ إجْرَاءَهُ فِي نَحْوِ النَّهْرِ لَا يَقْصِدُ بِهِ تَمَلُّكَهُ عَادَةً بِخِلَافِ حَوْزِهِ فِي إنَاءٍ وَنَحْوِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْتَبَرْ الْقَصْدُ فِي الْإِجْرَاءِ إلَى نَحْوِ النَّهْرِ، وَاعْتَبَرُوهُ فِي مَسْأَلَةِ الْأَرْضِ لِتَوَحُّلِ الصَّيْدِ وَنَحْوِهَا لِمَا قَرَّرْته أَيْضًا مِنْ أَنَّ السَّقْيَ لِتَوَحُّلِ الصَّيْدِ وَالْبِنَاءَ لِتَعْشِيشِ الطَّائِرِ لَا يُفْعَلُ عَادَةً إلَّا لِقَصْدِ تَمَلُّكِ الصَّيْدِ وَالطَّيْرِ، فَجَرَوْا فِيهِمَا عَلَى مُقْتَضَى الْعَادَةِ الْمُطَّرِدَةِ الْمُحْكَمَةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَفِي الْمِيَاهِ وَتَمَلُّكِهَا وَاسْتِحْقَاقِهَا وَجَرَوْا فِي الْحَفْرِ عَلَى مُقْتَضَاهَا أَيْضًا مِنْ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ مِنْهُ أَهْلُهَا إلَّا الِارْتِفَاقَ بِالْمِيَاهِ وَالِانْتِفَاعَ بِهَا دُونَ تَمَلُّكِهَا وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مَعْرُوفٌ. أَلَا تَرَى أَنَّ مِيَاهَ نَحْوِ الصَّهَارِيجِ وَالْبِرَكِ لَا تُتَّخَذُ فِي الْعَادَةِ إلَّا لِلتَّصَرُّفِ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ بِخِلَافِ مِيَاهِ الْأَنْهَارِ فَإِنَّهَا لَا تُتَّخَذُ لِذَلِكَ فِي الْعَادَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ قَصَدَ مَا يُوَافِقُ الْعَادَةَ اُعْتُدَّ بِقَصْدِهِ، بَلْ مَا يُوَافِقُهَا لَا يُحْتَاجُ فِي الْعَمَلِ بِهِ إلَى أَنْ يَقْصِدَ وَمِنْ ثَمَّ يَمْلِكُ الْمَاءَ فِي مَسْأَلَةِ نَحْوِ الْحَوْضِ السَّابِقَةِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ تَمَلُّكَهُ وَمَا خَالَفَ الْعَادَةَ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، وَإِنْ قَصَدَ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَكْتَفِ بِالْإِجْرَاءِ فِي النَّهْرِ، وَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّمَلُّكَ فَإِنْ قُلْت: لِمَ فَرَّقَ فِي مَسْأَلَةِ سَقْيِ الْأَرْضِ لِتَوَحُّلِ الصَّيْدِ وَنَحْوِهَا بَيْنَ الْقَصْدِ وَعَدَمِهِ وَلَمْ يُفَرِّقْ فِي الْمَاءِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ نَحْوِ الْحَوْضِ يَمْلِكُهُ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ. وَفِي مَسْأَلَةِ الْإِجْرَاءِ إلَى النَّهْرِ لَا يَمْلِكُهُ، وَإِنْ قَصَدَ قُلْت: حِكْمَةُ ذَلِكَ مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْإِبَاحَةَ مُتَأَصِّلَةٌ فِي الْمَاءِ فَإِذَا وُجِدَ سَبَبٌ قَوِيٌّ يُخْرِجُهُ عَنْ أَصْلِهِ لَمْ يُحْتَجْ مَعَهُ إلَى قَصْدٍ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ سَبَبٌ قَوِيٌّ لَمْ يُؤَثِّرْ مَعَهُ الْقَصْدُ، وَأَمَّا نَحْوُ الصَّيْدِ فَلَيْسَ الْأَصْلُ فِيهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ لَنَا خِلَافٌ فِي أَنَّهُ يُمْلَكُ بِالْحِيَازَةِ فَأُدِيرَ الْأَمْرُ فِي التَّسَبُّبِ إلَى مِلْكِهِ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ بِهِ تَمَلُّكَهُ أَوْ لَا فَإِنْ قُلْت ذَهَبَ الْإِمَامُ إلَى أَنَّ مَا دَخَلَ فِي نَهْرِهِ أَوْ قَنَاتِهِ يَمْلِكهُ كَالْمُحْرَزِ فِي إنَائِهِ. وَتَبِعَهُ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الصَّيْدِ

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ الْفَرْقِ الَّذِي قَرَّرْته فِيمَا سَبَقَ قُلْت: لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ مُنَابِذٌ لِتَصْرِيحِ الْأَصْحَابِ بِخِلَافِهِ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ، بَلْ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ: إنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ بِلَا خِلَافٍ وَحِينَئِذٍ فَاخْتِيَارُ ابْنِ الرِّفْعَةِ لَهُ مَرْدُودٌ أَيْضًا وَالشَّيْخَانِ إنَّمَا لَمْ يُضَعِّفَاهُ فِي بَابِ الصَّيْدِ لِلْعِلْمِ بِضَعْفِهِ مِمَّا ذَكَرَاهُ هُنَا فَبَانَ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ، وَلَا مُعَوِّلَ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْت: سَلَّمْنَا ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ، لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْفَرْقِ مَا فِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ وَنَقَلَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ عَنْهُ وَأَقَرُّوهُ مِنْ أَنَّ الدُّولَابَ الَّذِي يُدِيرُهُ الْمَاءُ إذَا دَخَلَ الْمَاءُ فِي كِيزَانِهِ مَلَكَهُ صَاحِبُ الدُّولَابِ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ اسْتَقَاهُ بِنَفْسِهِ اهـ. قَالَ غَيْرُهُ: وَفِي مَعْنَاهُ مَا يُدِيرُهُ بِدَابَّتِهِ مِنْ طَرِيقٍ أَوْلَى قُلْت: لَا يُعَكِّرُ عَلَيْهِ فَإِنَّ هَذَا فِيهِ حِيَازَةُ الْمَاءِ فِي إنَائِهِ بِفِعْلِهِ وَهُوَ نَصْبُهُ لِلدُّولَابِ عَلَى الْمَاءِ أَوْ إدَارَتُهُ لَهُ بِدَابَّتِهِ وَحِيَازَةُ الْمَاءِ فِي الْإِنَاءِ مِنْ شَأْنِهَا فِي الْعَادَةِ أَنْ يَقْصِدَ بِهَا مِلْكَ الْمَاءِ، فَأَخَذَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَمَنْ تَبِعَهُ بِالْقَاعِدَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَإِنْ فَرَّقَ فِيهَا بِخُصُوصِهَا الْقَصْدَ بِالْمَاءِ الَّذِي يُدِيرُهُ الدُّولَابُ أَوْ الدَّابَّةُ لَا يُقْصَدُ بِهِ إلَّا مَا يُقْصَدُ بِإِجْرَاءِ الْمَاءِ فِي النَّهْرِ إلْحَاقًا لِشَاذِّ الْجِنْسِ بِغَالِبِهِ وَطَرْدًا لِلْبَابِ، وَقَوْلُ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَقَوْلُهُ: النَّهْرُ الْمَمْلُوكِ لَيْسَ لِأَحَدٍ مُزَاحَمَتُهُ إلَخْ جَوَابُهُ ظُهُورُ الْفَرْقِ بَيْنَ سَقْيِ الْأَرْضِ وَمَا بَعْدَهُ فَإِنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ وَمُطَّرِدَةٌ بِأَنَّ النُّفُوسَ تَسْمَحُ مِنْ الْمَاءِ الْمَذْكُورِ بِنَحْوِ الشُّرْبِ وَالِاسْتِعْمَالِ لِقِلَّةِ مَا يَذْهَبُ بِسَبَبِهِمَا مِنْ الْمَاءِ بِخِلَافِ سَقْيِ الْأَرْضِ فَإِنَّهَا لَمْ تَجْرِ بِالْمُسَامَحَةِ بِهِ لِكَثْرَةِ مَا يَذْهَبُ بِسَبَبِهِ. فَإِنْ قُلْت يُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي الرَّوْضَةِ ضَمَّ إلَى الشُّرْبِ وَالِاسْتِعْمَالِ سَقْيَ الدَّوَابِّ حِكَايَةً فِي الثَّلَاثَةِ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الْعَبَّادِيِّ وَالْمُتَوَلِّي وَلَا شَكَّ أَنَّ سَقْيَ الدَّوَابِّ يَتَنَاوَلُ الْكَثِيرَ مِنْهَا وَهُوَ يَذْهَبُ بِسَبَبِهِ مَاءٌ كَثِيرٌ وَلَا يَسْمَحُ بِهِ مَعَ كَثْرَتِهِ غَالِبُ النَّاسِ قُلْت مَا نَقَلَهُ عَنْ الْعَبَّادِيِّ وَالْمُتَوَلِّي لَمْ يَنْفَرِدَا بِهِ، بَلْ جَرَى عَلَيْهِ أَيْضًا الْمَحَامِلِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ وَسُلَيْمٌ فِي تَقْرِيبِهِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ هَؤُلَاءِ كَالرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَثِيرِ الدَّوَابِّ وَقَلِيلِهَا وَلَا بَيْنَ أَنْ يَظْهَرَ بِسَبَبِ سَقْيِهَا نَقْصٌ فِي الْمَاءِ أَوْ لَا، وَحِينَئِذٍ فَيُشْكِلُ بِمَنْعِ سَقْيِ الْأَرْضِينَ وَيُجَابُ بِأَنَّ مِنْ شَأْنِ سَقْيِ الْأَرْضِ أَنَّهَا تَحْتَاجُ لِمَاءٍ أَكْثَرَ مِمَّا تَحْتَاجُهُ الْمَاشِيَةُ وَأَنَّ مُلَّاكَ الْقَنَوَاتِ وَالْأَنْهَارِ يَشِحُّونَ بِالتَّمْكِينِ مِنْ سَقْيِ الْأَرْضِ، وَإِنْ صَغُرَتْ بِخِلَافِ سَقْيِ الدَّوَابِّ، وَإِنْ كَثُرَتْ وَأَيْضًا فَسَقْيُ الْأَرْضِ يَلْزَمُ عَلَى التَّمْكِينِ مِنْهُ الضَّرَرُ عَلَى صَاحِبِ النَّهْرِ فَإِنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ التَّمْكِينُ مِنْهُ كَانَ ذَلِكَ مُقْتَضِيًا عِنْدَ تَقَادُمِ الْعَهْدِ أَنَّ مَالِكَ تِلْكَ الْأَرْضِ قَدْ يَدَّعِي بِأَنَّ لَهَا اسْتِحْقَاقَ شُرْبٍ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ، فَكَانَتْ خَشْيَةُ ذَلِكَ الضَّرَرِ مَانِعَةً مِنْ التَّمْكِينِ مِنْ سَقْيِ الْأَرَاضِي مِنْ النَّهْرِ الْمَذْكُورِ، وَإِنْ كَانَ مَاؤُهُ بَاقِيًا عَلَى إبَاحَتِهِ، وَأَمَّا قَوْلُ الْإِمَامِ وَتَبِعَهُ فِي الْوَسِيط كُلُّ مَنْ تَصَرَّفَ فِي مَائِهَا يَعْنِي الْأَنْهَارَ وَالْقَنَوَاتِ الْمَمْلُوكَةَ بِمَا يُنْقِصُهُ وَيُظْهِرُ نَقْصَهُ فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ حَتَّى يَسْقِيَ الْمَوَاشِيَ. وَالتَّصَرُّفُ الَّذِي لَا يَظْهَرُ لَهُ أَثَرٌ كَالشُّرْبِ أَوْ سَقْيِ دَوَابَّ مَعْدُودَةٍ أَوْ أَخْذِ قِرَبٍ فَقَدْ ذَهَبَ ذَاهِبُونَ إلَى أَنَّهُ لَا يَسُوغُ الْمَنْعُ مِنْ هَذَا الْقَدْرِ وَاسْتَمْسَكُوا بِقَوْلِهِ: «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ الْمَاءِ وَالنَّارِ وَالْكَلَإِ.» ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ هُوَ الَّذِي نَقَلْته عَنْ شَيْخِي فَإِنَّهُ انْتِفَاعٌ، وَذَهَبَ الْقَاضِي وَطَبَقَةُ الْمُحَقِّقِينَ إلَى إجْرَاءِ الْقِيَاسِ وَالْمَصِيرِ إلَى أَنَّ لِلْمُلَّاكِ أَنْ يَمْنَعُوا مِنْ هَذَا، وَمَا دَرَجَ عَلَيْهِ الْأَوَّلُونَ مِنْ التَّسَامُحِ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ النَّاسَ لَا يَضِنُّونَ بِهَذَا الْقَدْرِ فَصَارَتْ قَرَائِنُ الْأَحْوَالِ بِمَثَابَةِ التَّصْرِيحِ بِالْإِبَاحَةِ فَهُوَ كَمَا بَيَّنَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ مُفَرَّعٌ عَلَى رَأْيِهِ الضَّعِيفِ السَّابِقِ عَنْهُ وَهُوَ أَنَّ مَاءَ الْأَنْهَارِ وَالْقَنَوَاتِ الْمَمْلُوكَةِ مَمْلُوكٌ كَمَاءِ الْبِئْرِ الْمَمْلُوكَةِ وَكَلَامُ الْأَوَّلِينَ أَعْنِي الْعَبَّادِيَّ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ أَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ عَلَى أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ: الشُّرْبُ وَسَقْيُ الدَّوَابِّ مِنْ الْجَدَاوِلِ وَالْأَنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ إذَا كَانَ السَّقْيُ لَا يَضُرُّ بِمَالِكِهَا جَائِزٌ إقَامَةً لِلْإِذْنِ الْعُرْفِيِّ مَقَامَ اللَّفْظِيِّ، فَلَوْ أَوْرَدَ أَلْفًا مِنْ الْإِبِل إلَى جَدْوَلٍ ضَعِيفٍ فِيهِ مَاءٌ يَسِيرٌ فَلَا أَرَى جَوَازَ ذَلِكَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمُعْتَادِ، نَعَمْ لَوْ كَانَ النَّهْرُ لِمَنْ لَا يُعْتَبَرُ إذْنُهُ كَالْيَتِيمِ وَالْأَوْقَافِ

الْعَامَّةِ فَعِنْدِي فِيهِ وَقْفَةٌ؛ لِأَنَّ صَرِيحَ إذْنِ الْمُسْتَحِقِّ لَا يُؤَثِّرُ هَا هُنَا فَكَيْفَ يُؤَثِّرُ مَا قَامَ مَقَامَهُ فِي الْعُرْفِ اهـ؟ مُلَخَّصًا وَخَالَفَهُ الْبُلْقِينِيُّ فِيمَا تَوَقَّفَ فِيهِ وَأَفْتَى بِالْجَوَازِ وَيُجَابُ عَنْ عِلَّةِ تَوَقُّفِهِ بِأَنَّ الْإِذْنَ هُنَا لَيْسَ شَرْطًا، وَإِنَّمَا الشَّرْطُ عَدَمُ الْمَنْعِ وَيُعْلَمُ بِالْعَادَةِ أَنَّ نَحْوَ الصَّغِيرِ لَوْ رَشَدَ لَمْ يُمْنَعْ، فَاكْتُفِيَ بِذَلِكَ فِي إبَاحَةِ تَنَاوُلِ مَا ذُكِرَ لِعَدَمِ تَوَقُّفِهِ عَلَى الْإِذْنِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمَنْعِ وَبِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ السَّابِقِ مُفَرَّعٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ بَقَاءُ الْمَاءِ عَلَى إبَاحَتِهِ يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ وَهَلْ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِبَقَاءِ الْمَاءِ عَلَى إبَاحَتِهِ وَقَوْلُهُ، أَمَّا إذَا قُلْنَا بِمِلْكِهِ فَيَأْتِي فِيهِ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّهُ كَذَلِكَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ وَأَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَقَوْلُ السَّائِلِ: أَمْ يُفَرَّقُ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْفَرْقِ؛ لِأَنَّ مَلْحَظَ إيجَابِ بَذْلِ فَضْلِ الْمَاءِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «لَا تَمْنَعُوا فَضْلَ الْمَاءِ لِتَمْنَعُوا بِهِ الْكَلَأَ» أَيْ: مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمَاشِيَةَ إنَّمَا تَرْعَى بِقُرْبِ الْمَاءِ، فَإِذَا مَنَعَ مِنْ الْمَاءِ فَقَدْ مَنَعَ مِنْ الْكَلَإِ كَذَا قَالُوهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَاءِ الْبِئْرِ وَالْقَنَاةِ وَالنَّهْرِ إذَا قُلْنَا إنَّ مَاءَهُ مَمْلُوكٌ بَلْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُمَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا وَجَبَ بَذْلُ فَاضِلِ مَائِهِمَا بِشَرْطِهِ مَعَ قِلَّةِ مَائِهِمَا فَلَأَنْ يَجِبَ ذَلِكَ فِي النَّهْرِ الْمُتَّسِعِ الْمَاءِ مِنْ بَابِ أَوْلَى فَإِنْ قُلْت مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّفْصِيلِ السَّابِقِ فِي الْمَاءِ يُنَافِيه مَا ذَكَرُوهُ فِي الْحَطَبِ مِنْ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ مُبَاحًا لَمْ يَكُنْ لِمَنْ أَشْعَلَ نَارَهُ فِيهِ مَنْعُ أَحَدٍ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا، وَعَلَيْهِ وَعَلَى الشِّقِّ الْأَخِيرِ الْآتِي يُحْمَلُ الْحَدِيثُ، وَحَيْثُ كَانَ مَمْلُوكًا جَازَ الْمَنْعُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا بِالْأَخْذِ مِنْهَا وَنَحْوِهِ. وَعَلَيْهِ حَمَلَ الْقَمُولِيُّ إطْلَاقَ صَاحِبِ الْعِدَّةِ أَنَّ لَهُ الْمَنْعَ وَحَمَلَ قَوْلَ الْمُتَوَلِّي، أَمَّا الِاسْطِلَاءُ أَوْ الِاسْتِصْبَاحُ بِهَا أَوْ مِنْهَا فَلَا مَنْعَ وَعَلَيْهِ حَمَلَ الْقَمُولِيُّ أَيْضًا قَوْلَ الْمُتَوَلِّي إنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهَا مَنَعَهُ، وَإِنْ احْتَاجَ لِدَفْعِ بَرْدٍ أَوْ تَخْفِيفِ ثَوْبٍ لَمْ يَمْنَعهُ وَلَا يَأْخُذهُ مِنْهُ عِوَضًا فَإِنَّ مَنْفَعَتَهُ لَا تُقَابَلُ بِعِوَضِ بَيْعٍ وَلَا إجَارَةٍ اهـ. قُلْت: الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ أَنَّ غَيْرَهُ كَالْحَطَبِ لَا يَسْتَخْلِفُ فِي الْحَال وَيَتَمَوَّلُ فِي الْعَادَةِ بِخِلَافِ الْمَاءِ فِيهِمَا فَلِذَلِكَ سَامَحُوا فِيهِ مَا لَمْ يُسَامِحُوا بِهِ غَيْرَهُ، عَلَى أَنَّ لَك أَنْ تَقُولَ الْحَطَبُ كَالْمَاءِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَجُزْ الْمَنْعُ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّ إشْعَالَ النَّارِ فِيهِ لَا يَقْتَضِي مِلْكَهُ وَلَا الِاخْتِصَاصَ بِهِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى إبَاحَتِهِ وَلَا فِي الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ لِأَنَّ الِاسْتِضَاءَةَ مِنْهُ مُتَسَامَحٌ بِهَا عَادَةً فَهِيَ كَالشُّرْبِ مِنْ الْمَمْلُوكِ، وَإِنَّمَا جَازَ الْمَنْعُ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَسَامَحُ بِهِ فَهُوَ كَأَخْذِ مَا لَا يُتَسَامَحُ بِهِ مِنْ الْمَاءِ وَقَوْلُ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فَمَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّ مَا فِي الرَّوْضَةِ هُنَا مِنْ وُجُوبِ قِيمَةِ الْمَاءِ يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى الْحَالَةِ الْآتِيَةِ فَإِنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ الْغَصْبِ مِنْ أَنَّهُ مِثْلِيٌّ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ مَا لَمْ يُغَلَّ بِالنَّارِ نَعَمْ مَحِلُّ وُجُوبِ مِثْلِهِ إنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ كَمَا بَيَّنْت ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فِي بَابَيْ التَّيَمُّمِ وَالْغَصْبِ وَعِبَارَتُهُ فِي الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ قَهْرًا بِقِيمَةٍ لَهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ، وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا لِمَا فِي أَمْرِهِ بِأَخْذِ الْمِثْلِ مِنْ الْإِجْحَافِ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ فِي الْحَضَرِ تَافِهٌ إذْ الْفَرْضُ أَنَّهُ أَخَذَهُ فِي مَفَازَةٍ، وَإِنْ غَرِمَ الْقِيمَةَ فِي الْوَطَنِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا قِيمَةَ لِلْمَاءِ فِيهِ فَإِنَّ فَرْضَ الْغُرْمِ بِمَحِلِّ الشُّرْبِ أَوْ بِمَحِلٍّ آخَرَ لِلْمَاءِ فِيهِ قِيمَةٌ يَوْمَ الْإِتْلَافِ، وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً غَرِمَ مِثْلَ الْمَاءِ كَسَائِرِ الْمِثْلِيَّاتِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْعِدَّةِ وَاسْتُشْكِلَ وُجُوبُ الْمِثْلِ عِنْدَ كَوْنِهَا يَسِيرَةً وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ الْأَصْلُ، وَإِنَّمَا يُعَدَّلُ حَيْثُ لَا مَالِيَّةَ لَهُ وَلَا نَظَرَ لِزِيَادَةِ قِيمَةِ الْمِثْلِ وَنَقْصِهَا كَمَا لَا نَظَر لِتَفَاوُتِ الْأَسْعَارِ عِنْدَ رَدِّ الْعَيْن وَهُوَ وَجِيهٌ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ: الشَّمْسِ الْجَوْجَرِيِّ: الْإِشْكَالُ أَقْوَى؛ لِأَنَّ قِيمَتَهُ إذَا كَانَتْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ دِرْهَمًا وَفِي مَكَانِ الْإِتْلَافِ وَزَمَانِهِ أَلْفًا فَإِيجَابُ دُونَ الْقِيمَةِ إجْحَافٌ بِالْمَالِكِ، وَهُمْ إنَّمَا عَلَّلُوا الْعُدُولَ إلَى الْقِيمَةِ بِدَفْعِ الْإِجْحَافِ يُرَدُّ بِأَنَّ تَعْلِيلَهُمْ بِذَلِكَ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ عَدَمِ الْقِيمَةِ بِالْكُلِّيَّةِ إذْ بِهِ يَتَحَقَّقُ الْإِجْحَافُ وَأَمَّا حَيْثُ كَانَ لِلْمِثْلِ قِيمَةٌ فَلَا عُدُولَ عَنْهُ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ الْآتِي فِي الْغَصْبِ، وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ أَيْ: صَاحِبُ الْإِرْشَادِ بِأَنَّ الْمَاءَ وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا لِنَقْلِهِ مُؤْنَةً وَمَنْ أَتْلَفَ شَيْء لِنَقْلِهِ مُؤْنَةً إذَا ظَفِرَ بِهِ الْمَالِكُ فِي غَيْرِ بَلَدِ التَّلَفِ لَا يُطَالِبُهُ بِالْمِثْلِ، بَلْ بِقِيمَةِ بَلَدِ التَّلَفِ وَلَا يُكَلَّفُ الْمَالِكُ قَبُولَ

الْمِثْلِ وَيُرَدُّ بِأَنَّ الْأَلْيَقَ بِكَلَامِهِمْ مَا مَرَّ مِنْ التَّفْصِيلِ، سَوَاءٌ أَكَانَ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةً أَمْ لَا، وَاعْتِبَارُ مُؤْنَةِ النَّقْلِ أَمْرٌ مَرَّ زَائِدٌ عَلَى ذَلِكَ قَدْ يُجَامِعُهُ، وَقَدْ لَا فَحَيْثُ كَانَ الْمِثْلُ مُتَقَوِّمًا وَلَمْ يَكُنْ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةً وَجَبَ وَلَوْ فِي غَيْرِ مَحِلِّ الْإِتْلَافِ، وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ فِيهِ دُونَ قِيمَةِ بَلَدِ الْإِتْلَافِ وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ مُتَقَوِّمًا لَمْ يَجِبْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ وَمَا اقْتَضَاهُ جَوَابُهُ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ الْمَاءَ فِي غَيْرِ مَحِلِّ الْإِتْلَافِ إذَا كَانَ لَهُ فِيهِ قِيمَةٌ دُونَ قِيمَةِ مَحِلِّ الْإِتْلَافِ مُخَالِفٌ لِصَرِيخِ كَلَامِهِمْ انْتَهَتْ عِبَارَتُهُ فِي التَّمِيم، وَعِبَارَتُهُ فِي الْغَصْبِ: نَعَمْ إنْ خَرَجَ الْمِثْلِيُّ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ قِيمَةٌ كَمَا لَوْ غَصَبَهُ فِي مَفَازَةٍ وَتَلِفَ أَوْ أَتْلَفَهُ هُنَاكَ بِلَا غَصْبٍ وَكَجَحْدِ غَصْبِهِ وَتَلِفَ أَوْ أَتْلَفَهُ فِي الصَّيْفِ ثُمَّ اجْتَمَعَا عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ أَوْ بِمَحَلِّ قِيمَتِهِ فِيهِ تَافِهَةٌ كَهِيَ عَلَى الشَّطِّ أَوْ أَعْلَى مِنْهَا بِقَلِيلٍ فِي الْأَوَّلِ أَوْ فِي الشِّتَاءِ فِي الثَّانِي لَزِمَهُ قِيمَةُ الْمِثْلِ فِي تِلْكَ الْمَفَازَةِ أَوْ فِي الصَّيْفِ، ثُمَّ إذَا اجْتَمَعَا فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَفَازَةِ أَوْ فِي الصَّيْفِ فَلَا تَرَادَّ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ بِمَحِلٍّ الْغَالِبُ لَا قِيمَةَ لَهُ أَصْلًا أَوْلَهُ قِيمَةٌ تَافِهَةٌ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ التَّصْوِيرُ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ فَإِنْ كَانَتْ وَلَوْ يَسِيرَةً وَجَبَ الْمِثْلُ قَالَهُ ابْنُ النَّقِيبِ ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ وَأَجَابَ عَنْهُ أَبُو زُرْعَةَ بِأَنَّ الْأَصْلَ الْمِثْلُ وَهُوَ مُتَّجِهٌ، وَإِنْ نَازَعَ الشَّارِحُ أَيْ: الشَّمْسُ الْجَوْجَرِيُّ فِيهِ وَفِي اقْتِضَاءِ كَلَامِهِمْ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ النَّقِيبِ مَا لَا يَخْفَى رَدُّهُ عَلَى الْمُتَأَمِّلِ إذْ قَوْلُهُ: إنَّمَا وَجَبَتْ الْقِيمَةُ رِفْقًا بِالْمَالِكِ، وَأَيُّ رِفْقٍ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ بِالْمَفَازَةِ أَلْفًا وَبِمَحِلِّ الْإِعْطَاءِ دَانِقًا، يُرَدُّ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ غَصَبَ بُرًّا مَثَلًا يُسَاوِي أَلْفًا فَرَدَّ مِثْلَهُ وَهُوَ يُسَاوِي دِرْهَمًا فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَمَا شَمِلَهُ قَوْلُهُمْ لَا أَثَرَ لِلرُّخْصِ وَالْغَلَاءِ، وَقَوْلُهُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَاءَ لَا قِيمَةَ لَهُ عَلَى الشَّطِّ بِأَنَّ الْغَالِبَ ذَلِكَ حَيْثُ لَا صِفَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى مَا فِي النَّهْرِ كَصَفَاءٍ وَبُرُودَةٍ وَلَوْ وَجَدَهُ لَا عَلَى الشَّطِّ وَنَحْوِهِ، بَلْ فِي مَفَازَةٍ أُخْرَى طَالَبَهُ بِقِيمَةِ مَحِلِّ التَّلَفِ إنْ كَانَ لِحَمْلِ الْمَاءِ مُؤْنَةٌ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ انْتَهَتْ عِبَارَتُهُ فِي بَابِ الْغَصْبِ، وَبِهَا مَعَ مَا قَبْلَهَا يَتَبَيَّنُ مَا فِي إطْلَاقِ الرَّوْضَةِ مِنْ وُجُوبِ الْقِيمَةِ وَأَنَّ قَوْلَ الْإِسْنَوِيِّ وَأَنَّ مَا فِيهَا سَهْوٌ وَالصَّوَابُ إيجَابُ مِثْلِ الْمَاءِ لَا قِيمَتِهِ، فَإِنَّ الْمَاءَ مِثْلِيٌّ كَمَا سَبَقَ فِي الْغَصْبِ، وَلَمْ يُخَالِفُوا هَذِهِ الْقَاعِدَةَ فِي الْمَاءِ إلَّا إذَا غَصَبَهُ فِي مَفَازَةٍ ثُمَّ قَدِمَ الْبَلَدَ فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ هُنَاكَ غَالِبًا اهـ. فِيهِ تَحَامُلٌ وَلَوْ حَمَلَهُ عَلَى مَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ عِبَارَتُهَا لَكَانَ أَصْوَبَ، وَقَدْ جَرَى ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ عَلَى مَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرْته فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ لَهُ دُولَابٌ عَلَى نَهْرٍ عَظِيمٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ يُدِيرُهُ الْمَاءُ بِنَفْسِهِ وَيَرْتَفِعُ الْمَاءُ إلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ مُهَيَّأَةٍ لَهُ فَهَلْ يَدْخُلُ الْمَاءُ فِي مِلْكِهِ بِمُجَرَّدِ صَيْرُورَتِهِ فِي كِيزَانِ الدُّولَابِ كَمَا لَوْ اسْتَسْقَاهُ بِنَفْسِهِ فِي إنَاءٍ وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ يَنْصَبُّ مِنْ الدُّولَابِ فِي سَاقِيَةٍ مُخْتَصَّةٍ بِمِلْكِ صَاحِبِ الدُّولَاب، فَجَاءَ جَارٌ لَهُ فَخَرَقَ السَّاقِيَةَ حَتَّى انْصَبَّ الْمَاءُ إلَى أَرْضِ الْجَارِ وَسَقَى بِهِ أَرْضَهُ فَمَا الَّذِي يَلْزَمُهُ أَمِثْلُ الْمَاءِ أَمْ ثَمَنُ مِثْلِهِ أَمْ أُجْرَةُ مِثْلُ الدُّولَابِ لِلْمُدَّةِ الَّتِي انْتَفَعَ فِيهَا الْغَاصِبُ بِالْمَاءِ وَأُجْرَةُ مَا يُجْرَى مَجْرَاهُ مِنْ السَّاقِيَةِ وَغَيْرِهَا أَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ ثَمَنُ الْمَاءِ وَالْأُجْرَةُ جَمِيعًا؟ (فَأَجَابَ) : نَعَمْ يَمْلِكُهُ بِمُجَرَّدِ حُصُولِهِ فِي كِيزَانِ الدُّولَابِ، وَيَجِبُ عَلَى الْجَارِ الْغَاصِبِ مِثْلُ ذَلِكَ الْمَاءِ مُحَصَّلًا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ الْمَأْخُوذُ مُعَدَّ السُّقْيَةِ بِهِ، فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى أَخْذِ قِيمَتِهِ جَازَ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخَذَ فِي الْبَادِيَةِ مَاءً أَخْذًا يُوجِبُ الضَّمَانَ حَيْثُ قُلْنَا يَضْمَنُهُ فِي الْحَضَرِ بِقِيمَتِهِ لَا بِمِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الْمُقَدَّرَ بِقَدْرِهِ فِي الْحَضَرِ لَيْسَ مِثْلًا لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّفَاوُتِ الْعَظِيمِ فِي الْمَالِيَّةِ، وَهَذَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ لَا تَفَاوُتَ فِيهِ وَالْمَاءُ مِثْلِيٌّ اهـ. وَوَقَعَ لِلْأَذْرَعِيِّ فِي تَوَسُّطِهِ أَنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِمَا فِيهِ نَظَرٌ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: وَفِيمَا أَطْلَقَهُ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّ الْمَاءَ رِبَوِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَمَعْرِفَةُ مِقْدَارِ مَا اُغْتُصِبَ مِنْ مَاءِ الْقَنَاةِ وَنَحْوِهَا وَسَقْيُ الْأَرْضِ بِهِ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا لَا يَكَادُ يَنْضَبِطُ أَصْلًا وَلَا سِيَّمَا إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ فَكَيْفَ السَّبِيلُ إلَى مَعْرِفَةِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْمِقْدَارِ؟ وَإِذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ وَلَا شَكَّ فِيهِ فِي مُعْظَمِ الْأَحْوَالِ فَلَا سَبِيلَ إلَى الْإِلْزَامِ بِمِثْلِ مَجْهُولٍ؛ لِأَنَّهُ يُوقِعُ فِي الرِّبَا وَحِينَئِذٍ فَيَغْرَمُ الْقِيمَةَ لِلضَّرُورَةِ تَخْمِينًا اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّ الرِّبَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي ضِمْنِ عَقْدٍ دُونَ نَحْوِ فَسْخٍ

وَأَخْذُ الْبَدَلِ لَيْسَ عَقْدًا فَانْدَفَعَ قَوْلُهُ: إنَّ ذَلِكَ يُوقِعُ فِي الرِّبَا ثَانِيهمَا كَوْنُهُ فَرَّقَ بَيْن اغْتِفَارِ الْجَهْلِ بِالْمِقْدَارِ بِالنِّسْبَةِ لِلْقِيمَةِ دُونَ أَخْذِ الْمِثْلِ وَهُوَ يُشْبِهُ التَّحَكُّمَ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يُحْتَاطُ لِإِلْزَامِ الْمِثْلِ كَذَلِكَ يُحْتَاطُ لِإِلْزَامِ الْقِيمَةِ فَكَيْفَ يُقَالُ حِينَئِذٍ بِوُجُوبِهَا عَلَى سَبِيلِ التَّخْمِينِ؟ عَلَى أَنَّهُ لَا تَخْمِينَ وَلَا تَعَذُّرَ فِي مَعْرِفَةِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْمِقْدَارِ خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَا يَقْبَلُ دَعْوَاهُ إلَّا إذَا بَيَّنَ قَدْرَ مَا غُصِبَ مِنْهُ، ثُمَّ إنْ وَافَقَهُ الْغَاصِبُ عَلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ أُلْزِمَ بِإِعْطَائِهِ مِثْلَهُ، وَإِنْ ادَّعَى قَدْرًا أَنْقَصَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَلَزِمَ دَفْعُ مِثْلِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: وَالثَّانِي أَنَّهُ قَدْ غَصَبَهُ فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ الْحَاقَّةِ إلَيْهِ، وَيَكُونُ لَهُ قِيمَةٌ خَطِيرَةٌ ذَلِكَ الْوَقْتَ لِحَاجَةِ الزَّرْعِ وَنَحْوِهِ إلَى السَّقْيِ، فَإِذَا رَامَ رَدَّ مِثْلِهِ فِي حَالَةِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ كَانَتْ قِيمَتُهُ تَافِهَةً أَوْ لَا قِيمَةَ لَهُ، كَمَا لَوْ رَدَّهُ فِي الشِّتَاءِ وَأَيْضًا فَقَدْ يَكُونُ فِي تَحْصِيلِهِ مِثْلَهُ فِي مَوْضِعِهِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ إضْرَارٌ بِمَالِكِهِ؛ لِأَنَّ قَنَاتَهُ وَنَحْوَهَا مَلْآنَةٌ بِمَائِهِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْغَصْبِ مِنْ الدُّولَابِ لَا تَسَعُ لِغَيْرِهِ، فَلَوْ أَمَرَ بِرَدِّ ذَلِكَ إلَى مَوْضِعِهِ لَأَضَرَّ بِالْمَالِكِ وَالْمِلْكِ، فَكَيْفَ يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ مِثْلِهِ هُنَاكَ لَوْ تَصَوَّرَ مَعْرِفَةَ مِقْدَارِهِ؟ وَإِذَا كَانَ كَمَا وَصَفْنَا فَلَيْسَ لِكَلَامِهِ مَأْخَذٌ صَحِيحٌ أَوْ مَأْخَذٌ اهـ. الْمَقْصُودُ مِنْهُ نَظَرٌ أَيْضًا لِمَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ رَدُّ مِثْلِ الْمَاءِ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ قِيمَةٌ لَهَا وَقْعٌ دُونَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ أَوْ لَهُ قِيمَةٌ تَافِهَةٌ كَهِيَ عَلَى الشَّطِّ أَوْ أَعْلَى مِنْهَا بِقَلِيلٍ فَحِينَئِذٍ تَجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ تَلَفِهِ إذَا كَانَ لَهُ قِيمَةٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا هُوَ مَحْمَلُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ كَمَا مَرَّ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ يَوْمَ التَّلَفِ وَالرَّدِّ فَلَا نَظَرَ إلَى تَفَاوُتِ الْقِيمَتَيْنِ، بَلْ يَجِبُ رَدُّ الْمِثْلِ فَقَوْلُهُ فَإِذَا رَامَ رَدَّ مِثْلِهِ فِي حَالَةِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ إلَخْ لَا يَصْلُحُ لِلِاعْتِرَاضِ عَلَى كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ وَغَيْرِهِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُمْ قَائِلُونَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِرَدِّ الْقِيمَةِ لَا الْمِثْلِ، كَمَا لَوْ غَصَبَ جَمْدًا فِي الصَّيْفِ ثُمَّ رَامَ رَدَّ مِثْلِهِ فِي الشِّتَاءِ، وَقَوْلُهُ وَأَيْضًا فَقَدْ يَكُونُ إلَخْ يُرَدُّ بِأَنَّ مَحِلَّ رَدِّ الْمِثْلِ هُنَا حَيْثُ طَالَبَهُ بِهِ الْمَالِكُ وَإِلَّا لَمْ يَسْتَقِلَّ بِرَدِّهِ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِيمَنْ غَصَبَ تُرَابًا وَأَتْلَفَهُ وَأَرَادَ رَدَّ مِثْلِهِ مِنْ أَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يُطَالِبْهُ الْمَالِكُ بِرَدِّهِ فَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ كَمَا مَرَّ، وَأَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي لَمْ يَغْلِ مِثْلِيٌّ إلَّا فِي الْحَالَةِ السَّابِقَةِ، وَمَا نَقَلَهُ السَّائِلُ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا إلَخْ فَهُوَ لَا يُوَافِقُ قَوَاعِدَ مَذْهَبِنَا إلَّا إنْ فُرِضَ أَنَّهُ حَصَلَ فِي الْأَرْضِ تَعْيِيبٌ بِأَخْذِ الْمَاءِ مِنْهَا فَيَجِبُ حِينَئِذٍ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهَا، وَقَوْلُ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَمَا حَقِيقَةُ الْجَعْلِ إلَخْ جَوَابُهُ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَوَّلَ هَذَا الْجَوَابِ، وَتَفْسِيرُهُ الْجَعْلَ وَالسَّوْقَ بِمَا ذُكِرَ غَيْرُ مُرَادٍ لِلْفُقَهَاءِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَيْضًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ الْوَاحِدَةُ بَعْضُهَا مُرْتَفِعٌ وَبَعْضُهَا مُنْخَفِضٌ وَلَوْ سُقِيَا مَعًا لَزَادَ الْمَاءُ فِي الْمُنْخَفِضَةِ عَلَى الْحَدِّ الْمُسْتَحَقِّ مَثَلًا أَفْرَدَ كُلَّ بَعْضٍ بِالسَّقْيِ مَثَلًا وَطَرِيقُهُ أَنْ يَسْقِيَ الْمُنْخَفِضَ ثُمَّ يَسُدُّهُ ثُمَّ يَسْقِيَ الْمُرْتَفِعَ مَثَلًا فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَرْضُ لِاثْنَيْنِ وَتَضَرَّرَ الَّذِي يَتَأَخَّرُ سَقْيُهُ فَهَلْ يَتَعَيَّنُ حِينَئِذٍ قِسْمَةُ الْمَاءِ لِئَلَّا يَتَقَدَّمَ شَرِيكٌ عَلَى شَرِيك أَمْ لَا؟ فَإِنْ قِيلَ يُفْرَدُ الْمُرْتَفِعُ بِحَاجِزٍ فَالْحَاجِزُ الَّذِي يَرُدُّ الْمَاءَ هَلْ هُوَ عَلَيْهِمَا مَعًا أَوْ عَلَى أَيِّهِمَا؟ فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَرْضُ الْوَاحِدَةُ مُنْقَسِمَةً بَيْنَ جَمَاعَةٍ قِطَعًا مُتَفَرِّقَةً وَوَجَدْنَا عَلَيْهَا حَاجِزًا يَرُدُّ الْمَاءَ فَهَلْ الْمِلْكُ فِيهِ لِمَنْ يَلِي مِلْكَهُ مِنْهُمْ كَالْجِدَارِ الْمُتَّصِلِ بِمِلْكِهِ مَعَ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِمَا حَصَلَ عَلَيْهِ مِنْ نَبَاتٍ وَحَشِيشٍ وَنَحْوِهِمَا أَمْ هُوَ لِلْجَمِيعِ بِانْتِفَاعِهِمْ بِرَدِّ الْمَاءِ إلَى أَمْلَاكِهِمْ وَحَبْسِهِ عَنْ الْخُرُوجِ عَنْهَا فَيَكُونُ حَرِيمًا لِهَذِهِ الْأَرْضِ؟ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ مُطَّرِدَةٌ فِي جِهَةِ السَّائِلِ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إذَا بِيعَ كُلُّ ذِرَاعٍ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ وَأَمْثَالِهَا أَنَّهُ يَحُطُّ هَذَا الْحَاجِزَ مِنْ غَيْرِ مُقَابَلَةٍ بِعِوَضٍ وَكَذَا يَحُطُّونَ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ مِنْ الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ بِسَبَبِ وُجُودِ شَجَرٍ فِيهَا لِأَجْنَبِيٍّ أَوْ مَصَبِّ مَاءٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَضْعُفُ بِسَبَبِهِ الْإِنْبَاتُ هَكَذَا اطَّرَدَ الْعُرْفُ بِذَلِكَ فِي جِهَتِنَا. فَهَلْ هَذِهِ الْعَادَةُ مُتَّبَعَةٌ مَعْمُولٌ بِهَا أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ قَوْلَ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ إلَخْ أَخَذَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ، وَعِبَارَتُهَا: وَلَوْ كَانَتْ أَرْض الْأَعْلَى

بَعْضُهَا مُرْتَفِعًا وَبَعْضُهَا مُنْخَفِضًا وَلَوْ سُقِيَا مَعًا لَزَادَ الْمَاءُ فِي الْمُنْخَفِضَةِ عَلَى الْحَدِّ الْمُسْتَحَقِّ أَفْرَدَ كُلَّ بَعْضٍ بِالسَّقْيِ بِمَا هُوَ طَرِيقُهُ قُلْتُ: طَرِيقُهُ أَنْ يَسْقِيَ الْمُنْخَفِضَ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يَسُدَّهُ ثُمَّ يَسْقِيَ الْمُرْتَفِعَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ اهـ. وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا مَحِلُّهَا إنْ أَمْكَنَتْ وَإِلَّا حُبِسَ فِيهَا مِنْ الْمَاءِ بِقَدْرِ مَا لَوْ اعْتَدَلَتْ لَبَلَغَ الْكَعْبَيْنِ كَمَا فِي الْمَطْلَبِ وَعِبَارَتِهِ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَوْ كَانَ فِي مِلْكِ وَاحِدٍ أَرْضٌ بَعْضُهَا مُسْتَغَلٌّ وَبَعْضُهَا عَالٍ إنْ حُبِسَ الْمَاءُ فِيهَا حَتَّى يَبْلُغَ الْعَالِي زَادَ عَلَى الْكَعْبَيْنِ فِي الْمُسْتَفَلِ، وَإِنْ حُبِسَ فِي الْمُسْتَفِلِ قَدْرُ الْكَعْبَيْنِ لَمْ يَبْلُغْ الْعَالِي فَلَا يُعْمَلُ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ وَلَكِنْ نَحْبِسُ فِيهَا مِنْ الْمَاءِ بِقَدْرِ مَا لَوْ اعْتَدَلَتْ لَبَلَغَ الْكَعْبَيْنِ قُلْت: وَهَذَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ سَقَى الْمُسْتَفِلَةَ أَوَّلًا حَتَّى يَصِلَ إلَى الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يَسُدُّ عَلَيْهَا وَيُرْسِلُهُ إلَى الْعَالِيَة، أَمَّا إذَا أَمْكَنَ ذَلِكَ تَعَيَّنَ فِعْلُهُ اهـ. وَعِبَارَةُ جَمْعٍ مِنْ شُرَّاحِ الْمِنْهَاجِ وَكَأَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَتَيَسَّرْ سَقَى الْعَالِيَةَ أَوَّلًا حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يَسُدُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ وَيُرْسِلُهُ إلَى السَّافِلَةِ، فَإِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ فَمُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ تَعَيُّنُهُ قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْقَمُولِيُّ وَلَا تَخَالُفَ بَيْنَ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ، بَلْ حَيْثُ أَمْكَنَ سَقَى الْمُسْتَفِلَةَ أَوَّلًا أَوْ الْعَالِيَةَ أَوَّلًا كَمَا ذُكِرَ تَعَيَّنَ، وَقَوْلُ السَّائِلِ فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَرْضُ لِاثْنَيْنِ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّ أَرْضَيْهِمَا إنْ كَانَتَا تُسْقَيَانِ مِنْ مَاءٍ مُبَاحٍ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا كَمَا اقْتَضَاهُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ وَلَوْ تَنَازَعَ اثْنَانِ أَرْضَاهُمَا مُتَحَاذِيَتَانِ أَوْ أَرَادَا شَقَّ النَّهْرِ مِنْ مَوْضِعَيْنِ مُتَحَاذِيَيْنِ يَمِينًا وَشِمَالًا فَهَلْ يُقْرَعُ أَوْ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا أَوْ يُقَدِّمُ الْإِمَامُ مَنْ يَرَاهُ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْعَبَّادِيُّ قُلْت: أَصَحُّهَا يُقْرَعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَكَأَنَّ الصُّورَةَ فِيمَا إذَا أُحْيِيَا دَفْعَةً وَاحِدَةً أَوْ جُهِلَ أَسْبَقُهُمَا اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالْكَلَامُ عِنْدَ ضِيقِ الْمَاءِ وَإِلَّا سَقَى كُلٌّ مِنْهُمْ مَتَى شَاءَ، أَمَّا إذَا كَانَتْ أَرْضَاهُمَا تُسْقَى مِنْ مَاءٍ مَمْلُوكٍ لَهُمَا فَإِنَّهُ لَا يُقَدَّمُ هُنَا الْأَعْلَى عَلَى الْأَسْفَلِ وَحِينَئِذٍ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ سَقْيُهُمَا مَعًا وَلَا بِنَصْبِ خَشَبَةٍ مُسْتَوِيَةِ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ فِي عُرْضِ النَّهْرِ وَيُفْتَحُ فِيهَا ثُقَبٌ مُتَسَاوِيَةٌ أَوْ مُتَفَاوِتَةٌ عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا وَلَمْ يَرْضَيَا بِقِسْمَتِهِ بِالْمُهَايَأَةِ كَيَوْمٍ وَيَوْمٍ وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَتَهُ بِقِطْعَةٍ مِنْ أَوَّلِ الْأَرَاضِي فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي إذْ قُسِمَ أَمْكَنَ كُلُّ وَاحِدٍ أَنْ يَسْقِيَ أَرْضَهُ بِمَا يُصِيبُهُ مِنْ الْمَاءِ أُجِيبَ طَالِبُ الْقِسْمَةِ حِينَئِذٍ وَأَجْبَرَ صَاحِبَهُ عَلَيْهَا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ وَقِسْمَتَهَا قِسْمَةُ إجْبَارٍ إذْ الْمُمْتَنِعُ مِنْهَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْأَنْصِبَاءُ مُتَفَاوِتَةً إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهَا وَهَذِهِ الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ لَا بَيْعٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فَيَجُوزُ فِي الرِّبَوِيِّ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ مَثَلًا وَمِنْ ثَمَّ جَازَتْ الْقِسْمَةُ فِيهَا بِالْمُهَايَأَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ بِقَوْلِهِمْ: وَإِنْ اقْتَسَمُوا الْمَاءَ بِالْمُهَايَأَةِ جَازَ، وَقَدْ يَكُونُ الْمَاءُ قَلِيلًا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا كَذَلِكَ، وَبِهَذَا يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ الْأَذْرَعِيِّ، وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ أَيْ: الْمَاءُ الْمَمْلُوكُ فَكَيْفَ يَنْقَدِحُ الْقَوْلُ بِالْقِسْمَةِ مُهَايَأَةً عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ هَذَا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ؟ وَأَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّهَا إفْرَازُ حَقٍّ فَهَذَا مَوْضِعُ تَأَمُّلٍ وَلَمْ أَرَ لَهُ ذِكْرًا فِي كَلَامِهِمْ هُنَا فَتَأَمَّلْهُ اهـ. وَلَا يَحْتَاجُ لِذِكْرِهِمْ لَهُ هُنَا؛ لِأَنَّهُمْ اسْتَغْنَوْا بِذِكْرِهِمْ مَا يُصَرَّحُ بِحُكْمِهِ فِي الْقِسْمَةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْته وَقَوْلُ السَّائِلِ: فَإِنْ قِيلَ يَنْفَرِدُ الْمُرْتَفِعُ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّهُ حَيْثُ أَمْكَنَتْ الْقِسْمَةُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْفَرِدَ الْمُرْتَفِعُ بِحَاجِزٍ كَمَا فِي الطَّرِيقِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا لَمْ يُحْتَجْ إلَى حَاجِزٍ وَحَيْثُ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا بِحَاجِزٍ فَالظَّاهِرُ وُجُوبُهُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ الْعَائِدَةَ مِنْهُ لَا تَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا، بَلْ هِيَ عَائِدَةٌ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَى اسْتِيفَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا حَقَّهُ وَلَا نَظَرَ إلَى إمْكَانِ سَقْيِ أَرْضِ أَحَدِهِمَا بِدُونِهِ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاكَهُمَا فِي الْمَاءِ مَنَعَ النَّظَرَ إلَى هَذَا الْإِمْكَانِ وَصَيَّرَ أَرْضَ كُلٍّ مِنْهُمَا لَا يُمْكِنُ سَقْيُهَا مِنْ هَذَا الْمَاءِ الْمُشْتَرَكِ إلَّا بِهَذَا الْحَاجِزِ فَاتَّضَحَ عَوْدُ مَنْفَعَتِهِ عَلَيْهِمَا، وَقَوْلُهُ فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَرْضُ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ أَنَّ الْحَاجِزَ الْمَذْكُورَ وَمَا يَنْبُتُ عَلَيْهِ مِلْكٌ لِجَمِيعِ أَرْبَابِ الْأَرَاضِي الَّتِي تَنْتَفِعُ بِهِ بِرَدِّ الْمَاءِ عَنْهَا فَقَدْ قَالُوا وَتَبِعَهُمْ الشَّيْخَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَلَوْ تَنَازَعَ الشُّرَكَاءُ فِي النَّهْرِ فِي قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ جُعِلَ عَلَى قَدْرِ الْأَرَضِينَ عَلَى الْأَصَحِّ

لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الشَّرِكَةَ بِحَسَبِ الْمِلْكِ وَكُلَّ أَرْضٍ وُجِدَ فِي يَدِ أَهْلِهَا نَهْرٌ لَا تُسْقَى الْأَرْضُ إلَّا مِنْهُ وَلَمْ يُدْرَ أَنَّهُ حُفِرَ أَوْ انْخَرَقَ حُكِمَ لَهُمْ بِمِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ يَدٍ وَانْتِفَاعٍ فَلَا يُقَدَّمُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَالْمُرَادُ بِالنَّهْرِ فِي الْأُولَى وَمِثْلُهُ الثَّانِيَةُ الَّذِي لَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ إلَّا أَنَّهُمْ يَسْقُونَ أَرَضِيهِمْ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَبِكَلَامِهِ يُعْلَمُ رَدُّ قَوْلِ الْأَذْرَعِيِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَنْبَعَهُ فِي أَرَاضِيهِمْ الْمَمْلُوكَةِ لَهُمْ فَيَمْلِكُونَهُ، أَمَّا لَوْ كَانَ مَنْبَعُهُ بِمَوَاتٍ أَوْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ نَهْرٍ عَامٍّ كَدِجْلَةَ وَنَحْوِهَا فَلَا، بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى الْإِبَاحَةِ اهـ. وَأَمَّا تَنْظِيرُ السُّبْكِيّ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَفْرِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَنْهَارِ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ، وَالْمُحَقَّقُ مِنْ الْيَدِ فِيهِ الِانْتِفَاعُ وَالسَّقْيُ مِنْهُ وَلَا يَكْفِي ذَلِكَ لِدَلَالَةِ الْيَدِ عَلَى الْمِلْكِ؛ إذْ الْيَدُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ هِيَ الَّتِي يَكُونُ مَعَهَا الِاسْتِيلَاءُ وَمَنْعُ الْغَيْرِ فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى الْمِلْكِ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُحْكَمَ بِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا لَهُمْ، نَعَمْ ذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي قَنَاةٍ أَوْ سَاقِيَةٍ يَظْهَرُ اخْتِصَاصُهُمْ بِهَا وَاسْتِيلَاؤُهُمْ عَلَيْهَا بِحَيْثُ لَا يُسْتَنْكَرُ أَنْ يَحْمُوهَا وَيَسُدُّوهَا فَيَرُدُّهُ أَنَّا، وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْأَصْلَ مَا ذَكَرَهُ وَإِلَّا فَهُوَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ، وَكَوْنُ الْمُحَقَّقِ مِنْ الْيَد فِيهِ الِانْتِفَاعُ لَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ بِالْمِلْكِ أَيْضًا عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَكَوْنُ ذَلِكَ لَا يَكْفِي لِدَلَالَةِ الْيَدِ عَلَى الْمِلْكِ مَمْنُوعٌ وَدَعْوَى أَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ إلَّا إنْ كَانَ مَعَهَا اسْتِيلَاءٌ وَمَنَعَ الْغَيْرَ إنْ أَرَادَ مَنْعَهُ بِالْفِعْلِ فَمَمْنُوعٌ أَيْضًا أَوْ بِالْقُوَّةِ فَهُوَ لَازِمُ الِاسْتِيلَاءِ وَبَقِيَّةُ نَظَرِهِ عُلِمَ رَدُّهُ مِمَّا تَقَرَّرَ فَالصَّحِيحُ مَا قَالُوهُ مِنْ دَلَالَةِ ذَلِكَ عَلَى الْمِلْكِ، وَحِينَئِذٍ فَكَمَا أَنَّ السَّقْيَ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ لِجَمِيعِ الَّذِينَ يَسْقُونَ مِنْهُ كَمَا تَقَرَّرَ عَنْ الْمُتَوَلِّي رَدُّ الْحَاجِزِ هُنَا عَنْ أَرَضِينَ يَدُلُّ عَلَى مِلْكِ أَهْلِهَا لَهُ وَلَا نَظَرَ هُنَا لِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِ أَحَدِهِمَا وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ الَّذِي ذَكَرَهُ السَّائِلُ بِأَنَّ الْجِدَارَ لَيْسَ عَلَى مِلْكِهِ لِأَحَدِهِمَا بِخُصُوصِهِ قَرِينَةٌ إلَّا اتِّصَالَهُ بِمِلْكِ أَحَدِهِمَا اتِّصَالًا لَا يُمْكِنُ إحْدَاثُهُ، فَحَيْثُ وُجِدَ هَذَا الِاتِّصَالُ حَكَمْنَا بِمِلْكِهِ لِمَنْ اتَّصَلَ كَذَلِكَ بِمِلْكِهِ وَإِلَّا حَكَمْنَا بِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَالْحَاجِزُ هُنَا عَلَى مِلْكِهِ لِأَرْبَابِ الْأَرَاضِي جَمِيعِهِمْ قَرِينَةٌ وَهِيَ انْتِفَاعُهُمْ بِهِ فَعَمِلْنَا بِهَا، وَلَمْ نَنْظُرْ إلَى اتِّصَالِهِ بِأَحَدِهِمَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ عَارَضَهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ، وَأَمَّا الْجِدَارُ فَالِاتِّصَال الْمَذْكُورُ فِيهِ لَمْ يُعَارِضْهُ شَيْءٌ فَلِهَذَا حَكَمْنَا بِقَضِيَّتِهِ وَمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ مَا يَنْبُتُ عَلَيْهِ مِلْكٌ لِلْجَمِيعِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ لَا يَمْلِكُهُ مَالِكُهَا ضَعِيفٌ وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ فِي مُرْصَدَةٍ لِلزَّرْعِ وَالْغَرْسِ لَا يَمْلِكُهُ مَالِكُهَا بِخِلَافِ الْمُرْصَدَةِ لِلْكَلَإِ فَتَفْصِيلُهُ ضَعِيفٌ، بَلْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّهُ غَرِيبٌ وَقَوْلُ السَّائِلِ فَهَلْ هَذِهِ الْعَادَةُ مُتَّبَعَةٌ مَعْمُولٌ بِهَا أَمْ لَا؟ جَوَابُهُ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِهَا فِي حَطِّ شَيْءٍ مِنْ الثَّمَنِ بِسَبَبِ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إذَا وَقَعَ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ مَلَكَهُ الْبَائِعُ وَاشْتُغِلَتْ بِهِ ذِمَّةُ الْمُشْتَرِي، وَقَضِيَّةُ الْعَادَةِ لِضَعْفِهَا لَا تَقْوَى عَلَى إزَالَةِ شَيْءٍ مِمَّا اشْتَغَلَتْ بِهِ الذِّمَّةُ يَقِينًا، بَلْ لَا طَرِيقَ هُنَا إلَّا الْإِعْطَاءَ أَوْ الْإِبْرَاءَ، وَأَمَّا إطْرَادُهَا بِأَنَّهُ إذَا بِيعَ كُلُّ ذِرَاعٍ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ فَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ إذَا قُلْنَا إنَّ الْحَاجِزَ الْمَذْكُورَ مِلْكٌ لِجَمِيعِ الْأَرَاضِي كَانَ بِمَنْزِلَةِ حَرِيمِ الدَّارِ؛ لِأَنَّ الْحَرِيمَ هُوَ مَا يَتِمُّ بِهِ الِانْتِفَاعُ وَبَيْعُ الدَّارِ دُونَ حَرِيمِهَا لَا يَصِحُّ بِشَرْطِهِ الْمُقَرَّرِ فِي مَحِلِّهِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ دُخُولَهُ أَوْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ فَكَذَا يُقَالُ فِي هَذَا الْحَاجِزِ إنْ شَرَطَ عَدَمَ دُخُولِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ، وَالْأَصَحُّ وَدَخَلَ حِصَّةَ الْمَبِيعِ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِدُخُولِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) لَوْ كَانَتْ أَرْضٌ بَيْنَ شَخْصَيْنِ لِوَاحِدٍ أَعْلَاهَا وَلِلْآخَرِ أَسْفَلُهَا فَأَخْرَبَ السَّيْلُ أَعْلَاهَا وَأَصْلَحَهُ مَالِكُهَا مَثَلًا لَكِنْ بَقِيَ مُنْخَفِضًا يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ وَلَا يَجْرِي إلَى الْأَسْفَلِ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ مَثَلًا وَطَلَبَ الْأَسْفَلُ حَقَّهُ فَمَا حُكْمُ ذَلِكَ وَهَلْ الْإِصْلَاحُ عَلَى مَنْ أَخْرَبَ السَّيْلُ مِلْكَهُ مِنْهُمَا وَاجِبٌ لِيَصِلَ صَاحِبُهُ إلَى سَقْيِ مِلْكِهِ؟ سَوَاءٌ أَوْجَبْنَا الْعِمَارَةَ أَمْ لَا أَوْ الْحُكْمُ غَيْرُ ذَلِكَ؟ وَمَا هُوَ ذَلِكَ؟ فَلَوْ انْخَفَضَتْ أَرْضُ الْأَسْفَلِ وَلَمْ يَسْتَقِرَّ الْمَاءُ فِي أَرْضِ الْأَعْلَى إلَّا بَعْدَ الزِّيَادَةِ فِي السُّفْلَى عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ أَوْ انْخَفَضَ الْحَاجِزُ الَّذِي يَرُدُّ الْمَاءَ وَلَمْ يَرُدَّ لِصَاحِبِهِ إلَى شَرِيكِهِ مَا يَكْفِيه مِنْ الْمَاءِ وَأَوْجَبْنَا الْعِمَارَةَ، لَكِنْ تَعَسَّرَ أَوْ تَعَذَّرَ

رَدُّهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ، فَمَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ هَلْ يَغْرَمُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ مَنْفَعَةَ أَرْضِ صَاحِبِهِ مُدَّةَ التَّعْطِيلِ إلَى أَنْ يُكْمِلَ الْإِصْلَاحَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ كَمَا فِي هَدْمِ السَّقْفِ الْمُسْتَحَقِّ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ بِجَامِعِ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَيْهِمَا أَوْ لَا إذْ لَا تَعَدِّي مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَهَلْ رَدَّ الْحَاجِزَ مَنْ أَخْرَبَ السَّيْلُ مِلْكَهُ الْمُجَاوِرَ لِلْعَاجِزِ أَوْ عَلَيْهِمَا أَوْ عِمَارَةُ الْحَاجِزِ تَابِعَةٌ لِمِلْكِهِ فَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ فِيهِ لَهُمَا فَالْعِمَارَةُ عَلَيْهِمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا فَعَلَيْهِ؟ أَوْضِحُوا لَنَا الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ. (فَأَجَابَ) بِأَنَّ صَاحِبَ الْأَعْلَى الَّذِي أَخْرَبَهُ السَّيْلُ إذَا أَرَادَ إصْلَاحَهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُعِيدَهُ كَمَا كَانَ فَإِذَا أَصْلَحَهُ وَبَقِيَ مُنْخَفِضًا لَزِمَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ أَخْذِ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ كَأَنْ يَطِمَّهُ حَتَّى يَرْتَفِعَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أَوَّلًا فَإِنْ تَعَذَّرَ وَقَفَ حَتَّى يَصْطَلِحَا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إصْلَاحُ مِلْكِهِ، وَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَيْهِ سَقْيُ مِلْكِ الْأَسْفَلِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَا يُجْبَرُ شَرِيكٌ عَلَى إعَادَةِ الْجِدَارِ أَوْ الْبَيْتِ الْمُشْتَرَكِ إذَا انْهَدَمَ وَلَوْ بِفِعْلِهِ كَمَا لَا يُجْبَرُ عَلَى زَرْعِ الْأَرْضِ الْمُشْتَرَكَةِ؛ وَلِأَنَّ الْمُمْتَنِعَ يَتَضَرَّرُ أَيْضًا بِتَكْلِيفِهِ الْعِمَارَةَ، نَعَمْ يُجْبَرُ فِي الْأَرْضِ عَلَى إجَارَتِهَا وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ قَالَ الشَّيْخَانِ وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي النَّهْرِ وَالْقَنَاةِ وَالْبِئْرِ الْمُشْتَرَكَةِ وَاِتِّخَاذِ سُتْرَةٍ بَيْنَ سَطْحَيْهِمَا قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ: وَلَا يُجْبَرُ أَيْضًا عَلَى سَقْيِ النَّبَاتِ مِنْ شَجَرٍ وَغَيْرِهِ، وَقَوْلُ الْحَوْزِيِّ يُجْبَرُ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا ضَعِيفٌ وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِنَظِيرِ مَسْأَلَتِنَا وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عُلُوُّ الدَّارِ لِوَاحِدٍ وَسُفْلُهَا لِآخَرَ وَانْهَدَمَتْ فَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ إجْبَارُ الثَّانِي عَلَى إعَادَةِ السُّفْلِ وَلَا لِلثَّانِي إجْبَارُ الْأَوَّلِ عَلَى مُعَاوَنَتِهِ فِي إعَادَتِهِ انْتَهَى، فَإِنْ قُلْتَ صَرَّحُوا هُنَاكَ أَيْضًا بِأَنَّ لِلشَّرِيكِ إعَادَةَ الْمُشْتَرَكِ بِآلَةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي وُصُولِهِ إلَى حَقِّهِ بِخِلَافِهِ بِآلَةِ شَرِيكِهِ أَوْ بِالْآلَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَبِأَنَّ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ بِنَاءَ الْأَسْفَلِ بِمَا لَهُ، وَقِيَاسُهُ هُنَا أَنَّ لِلْأَسْفَلِ إصْلَاحُ الْعُلْيَا إذَا تَوَقَّفَ وُصُولُهُ لِحَقِّهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي وُصُولِهِ إلَى حَقِّهِ قُلْت: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ قِيَاسُ الصُّورَةِ الْأُولَى ذَلِكَ، وَقَدْ يُومِئُ إلَيْهِ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ فَإِنْ قِيلَ: أَسَاسُ الْجِدَارِ بَيْنَهُمَا فَكَيْفَ جَوَّزْتُمْ لَهُ بِنَاءَهُ بِآلَتِهِ وَأَنْ يَنْفَرِدَ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ قُلْنَا: لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الْحَمْلِ عَلَيْهِ فَكَانَ لَهُ الْإِعَادَةُ اهـ. وَكَذَا يُقَالُ فِي مَسْأَلَتِنَا لَهُ حَقُّ الْإِجْرَاءِ فِي الْعُلْيَا فَإِذَا امْتَنَعَ صَاحِبُهَا مِنْ إصْلَاحِهَا كَانَ لِلْأَسْفَلِ إصْلَاحُهَا حَتَّى يَصِلَ إلَى حَقِّهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ مَسْأَلَتِنَا وَمَسْأَلَةِ الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ بِأَنَّ الشَّرِيكَ مَالِكٌ لِلْبَعْضِ وَلَهُ حَقُّ الْحَمْلِ عَلَى الْمُنْهَدِمِ فَسَاغَتْ لَهُ الْإِعَادَةُ بِخِلَافِ الْأَسْفَلِ هُنَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ أَعْنِي قَوْلَهُمْ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ بِنَاءُ الْأَسْفَلِ بِمَا لَهُ فَقِيَاسُهَا أَنَّ لِلْأَسْفَلِ هُنَا الْإِصْلَاحَ أَيْضًا بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْ صَاحِبِ الْعُلُوِّ هُنَا وَالسُّفْلِ ثَمَّ لَيْسَ مَالِكًا لِشَيْءٍ مِمَّا بَنَى فِيهِ فَكَمَا سَامَحُوا لِلْأَعْلَى فِي ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ مِلْكِهِ لِلْعَرْصَةِ الْمَبْنِيِّ فِيهَا وَلَا لِشَيْءٍ مِنْهَا حَتَّى يَصِلَ لِحَقِّهِ وَهُوَ الْحَمْلُ عَلَى مَا بَنَاهُ، فَقِيَاسُهُ أَنْ يُسَامَحَ هُنَا لِذِي السُّفْلَى فِي إصْلَاحِ الْعُلْيَا حَتَّى يَجْرِيَ مِنْهَا إلَى أَرْضِهِ، وَإِذَا انْخَفَضَتْ السُّفْلَى وَلَمْ يَسْتَقِرَّ الْمَاءُ فِي الْعُلْيَا إلَّا بَعْدَ الزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ لَمْ يَلْزَمْ مَالِكُ السُّفْلَى ذَلِكَ نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي الَّتِي قَبْلَهَا، نَعَمْ إنْ أَرَادَ إصْلَاحَهَا أَلْزَمَهُ أَنْ يَرُدَّهَا إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الْأَمْرُ يَصْطَلِحَا. وَقِيَاسُ مَا مَرَّ أَنَّ لِصَاحِبِ الْعُلْيَا إصْلَاحَ السُّفْلَى الْمُتَوَقِّفُ عَلَيْهِ سَقْيُ أَرْضِهِ لِيَصِل إلَى حَقِّهِ، وَإِذَا انْخَفَضَ الْحَاجِزُ الَّذِي يَرُدُّ الْمَاءَ فَإِنْ كَانَ مُخْتَصًّا بِأَرْضِ أَحَدِهِمَا فَإِصْلَاحُهُ إلَيْهِ إنْ شَاءَ فَعَلَهُ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ، وَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ أَرْضَيْهِمَا فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى إصْلَاحِهِ فَذَاكَ وَإِلَّا لَمْ يُجْبَرْ أَحَدُهُمَا نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ إذَا هَدَمَهُ أَحَدُهُمَا فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُوبُ إعَادَتِهِ، وَبِهَذَا يَتَّضِحُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَشْبِيهِ السَّائِلِ لَهُ بِالسَّقْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ، نَعَمْ إنْ كَانَ اسْتِحْقَاقُ الْأَسْفَلِ الْإِجْرَاءَ فِي مِلْكِ الْأَعْلَى بِعَقْدِ بَيْعٍ وَأَخْرَبَ الْأَعْلَى مَحِلَّ الْإِجْرَاءِ غَرِمَ لِلْأَسْفَلِ قِيمَةَ حَقِّ الْإِجْرَاءِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ لِلْفُرْقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَقِّهِ بِمَا فَعَلَهُ حَتَّى إذَا أُعِيدَ مَحِلُّ الْإِجْرَاءِ أُعِيدَ الْإِجْرَاءُ وَرَدَّ الْقِيمَةَ لِزَوَالِ الْحَيْلُولَةِ، وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ غُرْمِ الْقِيمَةِ مَبْنِيٌّ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَلَى أَنَّ مَنْ هَدَمَ جِدَارَ الْغَيْرِ يَلْزَمُهُ أَرْشُ النَّقْصِ لَا إعَادَةُ الْجِدَارِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْهَادِمُ هُوَ الْمَالِكَ أَوْ غَيْرَهُ خِلَافًا لِمَا صَوَّبَهُ

الْإِسْنَوِيُّ كَالسُّبْكِيِّ؛ لِأَنَّ الْجِدَارَ لَيْسَ مِثْلِيًّا كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، نَعَمْ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ إذَا هَدَمَ جِدَارَ نَفْسِهِ الَّذِي اسْتَحَقَّ غَيْرُهُ الْبِنَاءَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ إعَادَتُهُ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مِثْلِيًّا، بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فَوَّتَ بِالْهَدْمِ عَلَى الْمُشْتَرِي الْمَنْفَعَةَ الَّتِي اسْتَحَقَّهَا عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ فَلَزِمَهُ تَحْصِيلُهَا بِإِعَادَةِ مَحِلِّهَا اُتُّجِهَ مَا قَالَاهُ، وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَجِبُ هُنَا عَلَى الْأَعْلَى الَّذِي أَخْرَبَ مَحِلَّ الْإِجْرَاءِ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ الْأَسْفَلُ بِعَقْدِ الْبَيْعِ أَنْ يُعِيدَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةَ الَّتِي اسْتَحَقَّهَا عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ فَلَزِمَهُ تَحْصِيلُهَا بِإِعَادَةِ مَحِلِّهَا، وَاعْلَمْ أَنَّ هَادِمَ الْجِدَارِ لَا يَغْرَمُ أُجْرَةَ الْبِنَاءِ لِمُدَّةِ الْحَيْلُولَةِ قَالَ الْإِمَامُ: لِأَنَّ الْحَقَّ عَلَى التَّأْبِيدِ وَمَا يَتَقَدَّرُ لَا يَنْحَطُّ مِمَّا لَا يَتَنَاهَى. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ فِيمَا إذَا وَقَعَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى مُدَّةٍ وَالْمُتَّجَهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْأُجْرَةِ لِلْحَيْلُولَةِ إنَّمَا مَحِلُّهُ عِنْدَ قِيَامِ الْعَيْنِ اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ عَدَمُ صِحَّةِ التَّشْبِيهِ فِي قَوْلِ السَّائِلِ هَلْ يَغْرَمُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ مَنْفَعَةَ عَيْنِ صَاحِبِهِ مُدَّةَ التَّعْطِيلِ إلَى أَنْ يُكْمِلَ الْإِصْلَاحَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ كَمَا فِي هَدْمِ السَّقْفِ الْمُسْتَحِقِّ لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ اهـ؟ وَوَجْهُ رَدِّهِ مَا تَقَرَّرَ فِي مَسْأَلَةِ الْبِنَاءِ أَنَّهُ لَا يَغْرَمُ أُجْرَتَهُ لِمُدَّةِ الْحَيْلُولَةِ فَلَوْ قَالَ السَّائِلُ: هَلْ يَغْرَمُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الرَّدُّ قِيمَةَ حَقِّ الْإِجْرَاءِ الَّذِي أَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُسْتَحِقِّهِ كَمَا فِي هَدْمِ السَّقْفِ إلَخْ لَصَحَّ التَّشْبِيهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا قَدَّمْته وَبِمَا تَقَرَّرَ أَوَّلًا عُلِمَ الْجَوَّابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ وَهَلْ رَدُّ الْحَاجِزِ إلَخْ؟ (فَائِدَةٌ) إذَا انْهَارَ النَّهْرُ الْمُشْتَرَكُ أَوْ الْقَنَاةُ الْمُشْتَرَكَةُ وَانْقَطَعَ ثُمَّ تَوَلَّى أَحَدُ الْمُسْتَحِقِّينَ إصْلَاحَهَا أَوْ عِمَارَتَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْعُ الْبَاقِينَ عَنْ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَنْبُعُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَ الْمَالِكَ مِنْ الِارْتِفَاقِ بِمِلْكِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ كَانَتْ أَرْضٌ لِاثْنَيْنِ لِأَحَدِهِمَا أَعْلَاهَا أَيْ مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي يَلِي مَصَبَّ الْمَاءِ وَلِلْآخَرِ أَسْفَلُهَا وَالْمَاءُ يَجِيءُ فِيهِ التُّرَابُ فَأَرَادَ الْأَسْفَلُ أَنْ يَجْعَلَ فِي مِلْكِهِ حَاجِزًا لِمَنْعِ التُّرَابِ الْآتِي فِي الْمَاءِ وَيَتْرُكُ فِي الْحَاجِزِ فُتَحًا يَجْرِي مِنْهَا الْمَاءُ إلَى أَرْضِهِ وَيُتْرَكُ الضَّرَرُ مِنْ التُّرَابِ عَلَى صَاحِبِهِ الَّذِي أَرْضُهُ مُجَاوِرَةٌ لِمَصَبِّ الْمَاءِ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ أَوْ لَا لِإِضْرَارِهِ بِمِلْكِ صَاحِبِهِ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الشَّخْصَ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ بِمَا يَضُرُّ الْمُلَّاكَ لَا الْأَمْلَاكَ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ تُرَابٌ يُخْشَى الضَّرَرُ بِسَبَبِهِ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَلَوْ انْعَكَسَ الْحُكْمُ بِأَنْ أَرَادَ صَاحِبُ مَصَبِّ الْمَاءِ وَهُوَ الْأَعْلَى أَنْ يَجْعَلَ فِي أَرْضِهِ حَاجِزًا أَوْ يَتْرُكَ لِلْأَسْفَلِ فَتْحًا يَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ إلَى الْأَسْفَلِ هَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فَلَوْ كَانَتْ أَرْضُ الْأَسْفَلِ يُخْشَى خَرَابُهَا فَخَافَ الْأَعْلَى أَنْ يَخْرُجَ الْمَاءُ عَنْ جَمِيعِ أَرْضَيْهِمَا فَأَرَادَ الْأَعْلَى أَنْ يَجْعَلَ الْحَاجِزَ لِأَجْلِ ذَلِكَ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فَقَدْ أَفْتَى بَعْضُ فُقَهَاءِ تِلْكَ الْجِهَةِ بِالْمَنْعِ مُعَلِّلًا ذَلِكَ بِأَنَّ الْأَسْفَلَ يَسْتَحِقُّ الشُّرْبَ مِنْ جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ الْعُلْيَا مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ بِالْبَعْضِ فَهَلْ مَا قَالَهُ مُقَرَّرٌ أَمْ لَا؟ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الضَّرُورَةِ وَعَدَمِهَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ اُعْتِيدَ نَصْبُ مِثْلِ الْحَاجِزِ الْمَذْكُورِ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ جَازَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ أَضَرَّ أَرْضَ جَارِهِ فَإِنْ لَمْ يَعْتَدْ ذَلِكَ وَضَرَّ أَرْضَ جَارِهِ مُنِعَ مِنْهُ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُمْ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ مَتَى تَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ عَلَى الْعَادَةِ جَازَ وَإِنْ تَضَرَّرَ بِهِ جَارُهُ؟ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا أَفْضَى إلَى تَلَفٍ كَمَا لَوْ اتَّخَذَ بِئْرًا عَلَى الِاقْتِصَادِ الْمُعْتَادِ فِي دَارِهِ أَوْ حَفَرَ فِيهَا بَالُوعَةً كَذَلِكَ فَاخْتَلَّ بِأَحَدِهِمَا حَائِطُ جَارِهِ أَوْ نَقَصَ بِهِ مَاءُ بِئْرِهِ أَوْ تَغَيَّرَ بِالنَّجَسِ بِخِلَافِ مَا لَوْ جَاوَزَ الْعَادَةَ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِمَّا يَضُرُّ بِالْمِلْكِ دُونَ الْمَالِكِ اهـ. وَإِذَا أَرَادَ صَاحِبُ الْعُلْيَا أَنْ يَجْعَلَ فِيهَا حَاجِزًا أَوْ يَتْرُكَ مَنَافِذَ يَخْرُجُ الْمَاءُ مِنْهَا إلَى الْأَسْفَلِ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِ السُّفْلَى؛ لِأَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ السَّقْيَ بِطَرِيقٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ لَهُ بَدَلَهَا إلَّا بِرِضَاهُ وَلَا نَظَرَ أَيْ: أَنَّ هَذِهِ الْمَنَافِذَ تَكْفِي أَرْضَهُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ قَدْ يَقِلُّ فَيَرُدُّهُ الْحَاجِزُ عَنْ السُّفْلَى فَلَا يَصِلُ لَهَا مِنْ الْمَنَافِذِ مَا يَكْفِيهَا أَوْ مَا يُسَاوِي مَا كَانَ يَصِلُ لَهَا لَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ ذَلِكَ الْحَاجِزُ، وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ قَوْلُ التَّتِمَّةِ لَوْ اسْتَحَقَّ إجْرَاءَ الْمَاءِ فِي نَهْرٍ فِي أَرْضِ إنْسَانٍ فَأَرَادَ تَحْوِيلَهُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ وَفِي وَجْهٍ أَنَّهُ إذَا كَانَ تَحَوُّلُهُ إلَى بُقْعَةٍ هِيَ أَقْرَبُ إلَى أَرْضِهِ مِنْ الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ فِيهِ عَنْ قَضَاءِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَإِسْنَادُهُ مُنْقَطِعٌ اهـ. فَانْظُرْ إلَى

كَوْنِهِ مَنَعَ تَحْوِيلَهُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، وَإِنْ كَانَ إلَى أَصْلَحَ وَأَنْفَعَ مِنْ الْأَوَّلِ فَامْتِنَاعُ مَا فِي مَسْأَلَتِنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَا يُرِيدُ يَفْعَلهُ مِنْ فَتْحِ الْمَنَافِذِ أَدْوَنَ مِنْ الْأَوَّلِ الَّذِي كَانَ يَسْتَحِقُّهُ الْأَسْفَلُ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَا نُقِلَ فِي السُّؤَالِ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَنَّهُ أُفْتِيَ بِالْمَنْعِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ صَحِيحٌ مُقَرَّرٌ مُؤَيِّدٌ بِتَصْرِيحِ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ بِمَا يُوَافِقُهُ وَلَا نَظَرَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ وَلَا لِعَدَمِهَا كَمَا اقْتَضَاهُ قَوْلُ التَّتِمَّةِ أَيْضًا لَوْ كَانَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ نَهْرٌ مُمْتَدٌّ فِي الْأَرْضِ إلَى طَرَفِ مِلْكِ جَارِهِ، وَلَيْسَ لِجَارِهِ نَهْرٌ يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ إلَى مِلْكِهِ فَأَرَادَ إجْرَاءَ الْمَاءِ فِي نَهْرِ جَارِهِ، وَاحْتَاجَ صَاحِبُ الْأَرْضِ إلَى سَقْيِ أَرْضِهِ وَسَوْقِ الْمَاءِ فِيهِ لَمْ يَلْزَمْهُ تَمْكِينُهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكُهُ مُحْتَاجًا إلَى سَوْقِ الْمَاءِ فِيهِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ تَمْكِينُ الْغَيْرِ مِنْ سُكْنَى دَارِهِ الَّتِي لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا اهـ. مُلَخَّصًا فَإِنْ قُلْت هَذَا الْحَاجِزُ لِمَصْلَحَتِهِمَا فَلِمَ لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ مِنْهُ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ بِوَجْهٍ؟ قُلْت غَايَتُهُ أَنَّ فِيهِ إصْلَاحًا لِلْمِلْكِ أَوْ عِمَارَةً لَهُ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنْ لَا إجْبَارَ عَلَى ذَلِكَ مُطْلَقًا، فَإِنْ قُلْت سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُمْتَنِعَ لَا يُجْبَرُ، لَكِنْ لِمَ جَازَ لِلْأَسْفَلِ الْمَنْعُ مِنْهُ كَمَا قَرَّرْته مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْإِصْلَاحِ وَعَدَمِ الضَّرَرِ فِيهِ عَلَى الْأَسْفَلِ، بَلْ فِيهِ عَوْدُ مَصْلَحَةٍ عَلَى مِلْكِ الْأَسْفَلِ قُلْت: لَا ضَرُورَةَ إلَى كَوْنِ الْحَاجِزِ يُفْعَلُ فِي أَرْضِ الْأَعْلَى وَيُفْتَحُ مِنْهَا مَنَافِذُ يَخْرُجُ مِنْهَا الْمَاءُ لِأَرْضِ الْأَسْفَلِ لِإِمْكَانِ أَنْ يُجْعَلَ الْحَاجِزُ فِي آخِرِ أَرْضِ الْأَسْفَلِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فَالشَّخْصُ لَا يُجْبَرُ عَلَى السُّكُوتِ عَنْ حَقِّهِ لِمَصْلَحَةِ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةُ تَعُودُ عَلَيْهِ نَعَمْ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْحَاجِزُ يَسِيرًا تُمْكِنُ إزَالَتُهُ فِي الْحَالِ وَاضْطُرَّ إلَى وَضْعِهِ وَأَرَادَ وَضْعَهُ زَمَنًا قَلِيلًا بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ ثُمَّ رَفَعَهُ وَلَمْ يَحْصُلْ لِلْأَسْفَلِ مِنْهُ ضَرَرٌ بِوَجْهٍ بِأَنْ يُحَوِّلَ الْمَاءَ الْجَارِي إلَى أَرْضِهِ إلَى مَحِلِّهِ كَأَنْ وَضَعَ الْحَاجِزَ الْمَذْكُورَ فِي مَجْرَاهُ وَفَتَحَ فِيهِ مَنَافِذَ تَكْفِي أَرْضَ الْأَسْفَلِ احْتَمَلَ حِينَئِذٍ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ أَخْذًا بِإِطْلَاقِ التَّتِمَّةِ السَّابِقِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) لَوْ وَجَدْنَا فِي أَرْضٍ حَوَاجِزَ وَالْمَاءُ يَخْرُجُ بَيْنَ الْحَوَاجِزِ إلَى أَسْفَلَ هَذِهِ الْأَرْضِ وَأَعْلَاهَا لِجَمَاعَةٍ وَأَسْفَلُهَا لِآخَرِينَ مَثَلًا فَادَّعَى بَعْضُ الْأَسْفَلِينَ حُدُوثَ الْحَوَاجِزِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَطَلَبَ إزَالَتَهَا وَسُقِيَ نَصِيبُهُ مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ الْعُلْيَا مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ بِفَتْحٍ مَثَلًا وَثَبَتَ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ وَاعْتَرَفَ بَعْضُ شُرَكَائِهِ بِكَوْنِ الْحَوَاجِزِ مَوْضُوعَةً بِحَقٍّ فَمَا حُكْمُ ذَلِكَ؟ وَلَوْ ادَّعَى ذَلِكَ جَمِيعُ الْأَسْفَلِينَ، لَكِنْ حَلَفَ بَعْضُهُمْ وَنَكَلَ بَعْضٌ فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ. (فَأَجَابَ) بِأَنَّ دَعْوَى بَعْضِ الْأَسْفَلِينَ حُدُوثَ الْحَوَاجِزِ بِغَيْرِ حَقٍّ مَسْمُوعَةٌ، لَكِنْ يَلْزَمُ مَنْ أَنْكَرَ إحْدَاثُهَا وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ بِحَقِّ الْحَلِفِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ نَكَلَ مَنْ لَزِمَهُ يَمِينٌ كَذَلِكَ عَنْهَا حَلَفَ الْمُدَّعِي عَلَى أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ بِغَيْرِ حَقٍّ، ثُمَّ يُزَالُ حِينَئِذٍ مَا يَخُصُّ النَّاكِلَ مِنْهَا فَإِنْ نَكَلَ الْأَعْلَوْنَ جَمِيعُهُمْ حَلَفَ الْأَسْفَلُونَ وَأُزِيلَتْ كُلُّهَا، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ مَنْ ادَّعَى إحْدَاثَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِمُجَرَّدِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا صُدِّقَ مَنْ ادَّعَى أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ بِحَقٍّ بِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ وَضْعُهَا بِحَقٍّ كَمَا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا لَوْ وَجَدْنَا جِذْعًا لِإِنْسَانٍ مَوْضُوعًا عَلَى جِدَارٍ لِآخَرَ وَلَمْ نَعْلَمْ كَيْفَ وُضِعَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ فَلَا يُنْقَضُ وَيُقْضَى لَهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ دَائِمًا فَلَوْ سَقَطَ الْجِدَارُ وَأُعِيدَ فَلَهُ إعَادَةُ الْجِذْعِ وَلِمَالِك الْجِدَارِ نَقْضُهُ إنْ كَانَ مُتَهَدِّمًا وَإِلَّا فَلَا اهـ. فَإِنْ قُلْت: يُعَكِّرُ عَلَى ذَلِكَ مَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ يَجْرِي مَاءٌ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَادْعِي الْمَالِكُ أَنَّهُ كَانَ عَارِيَّةً قُبِلَ قَوْلُهُ، قُلْت: أَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَصُورَةِ السُّؤَالِ فَوَاضِحٌ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِي الْحَوَاجِزِ لِجَمِيعِهِمْ وَالْيَدُ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ وَالِاسْتِحْقَاقِ؛ فَلِذَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي عَدَمَ الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّعَدِّي بِخِلَافِ مَنْ يَدَّعِي مِلْكَ الْمَجْرَى فِي صُورَةِ الْبَغَوِيِّ، فَإِنَّ الْيَدَ لَيْسَتْ لَهُ بَلْ لِمَالِك الْأَرْضِ الَّتِي فِيهَا الْمَجْرَى، فَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ لَيْسَ مِلْكَ الْآخَرِ وَأَنَّهُ إنَّمَا يُجْرِيه فِيهِ عَارِيَّةً قُبِلَ قَوْلُهُ لِقُوَّتِهِ بِكَوْنِ الْيَدِ عَلَيْهِ لَهُ وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ تَعَدِّيَ صَاحِبِ الْمَاءِ فَلَا جَامِعَ بَيْنَ مَسْأَلَتِهِ وَصُورَةِ السُّؤَالِ، وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ صُورَةِ الْبَغَوِيِّ وَصُورَةِ الشَّيْخَيْنِ فِيمَا إذَا ادَّعَى صَاحِبُ الْجِدَارِ وَضْعَ الْجِذْعِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ

وَادَّعَى صَاحِبُ الْجِذْعِ وَضْعَهُ بِحَقٍّ فَيُحْكَمُ لِصَاحِبِ الْجِذْعِ بِالظَّاهِرِ مِنْ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ بِحَقٍّ وَتُفْرَضُ مَسْأَلَةُ الْبَغَوِيِّ فِيمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ يَجْرِي بِحَقٍّ، لَكِنْ قَالَ الْمَالِكُ: عَارِيَّةٌ، وَقَالَ مَالِكُ الْمَاءِ: إجَارَةٌ أَوْ بَيْعٌ فَيُصَدَّقُ الْمَالِكُ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ أَدْنَى الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ فَهِيَ مُحَقَّقَةٌ وَمَا عَدَاهَا مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَلِذَا صُدِّقَ الْمَالِكُ، وَهَذَا أَقْرَبُ عِنْدِي وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُمَا لَوْ اتَّفَقَا فِي مَسْأَلَةِ الْجِدَارِ عَلَى وَضْعِ الْجِذْعِ بِحَقٍّ، وَقَالَ الْمَالِكُ: عَارِيَّةٌ، وَقَالَ مَالِكُ الْجِذْعِ: إجَارَةً أَوْ بَيْعًا صُدِّقَ الْمَالِكُ وَإِنَّ مَالِكَ الْأَرْضِ فِي مَسْأَلَةِ الْبَغَوِيِّ: لَوْ قَالَ: هَذَا الْمَاءُ يَجْرِي بِغَيْرِ حَقٍّ، وَقَالَ مَالِكُهُ: بَلْ يَجْرِي بِحَقٍّ وَلَمْ يُعْلَمْ كَيْفَ وُضِعَ قُضِيَ لَهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ دَائِمًا، وَهَذَا جَمْعٌ حَسَنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ، بَلْ يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ تَوْفِيقًا بَيْنَ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَالْبَغَوِيِّ، فَإِنَّ كَلَامَهُ نَقَلَهُ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ وَأَقَرُّوهُ مَعَ ذِكْرِهِمْ كَلَامَ الشَّيْخَيْنِ السَّابِقَ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ وَلَمْ يَعْتَرِضُوا أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْ الْكَلَامَيْنِ مُعْتَمَدٌ وَقَدْ عَلِمْتُ مَا فِيهِمَا وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِهَذَا الْحَمْلِ الَّذِي ذَكَرْته وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلِيُّ التَّوْفِيقِ وَالْهِدَايَةِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ ثُمَّ رَأَيْت عِبَارَةَ الْبَغَوِيِّ فِي فَتَاوِيه تُومِئُ لِمَا ذَكَرْته فَإِنَّهُ قَالَ: فِيهَا رَجُلٌ يُجْرِي مَاءَ بَحْرٍ إلَى مِلْكِ الْغَيْرِ فَقَالَ صَاحِبُ الْمِلْكِ: لَا حَقَّ لَك فِيهِ إنَّمَا هُوَ عَارِيَّةٌ وَادَّعَاهُ مَنْ كَانَ يُجْرِي الْمَاءَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْمِلْكِ مَعَ يَمِينِهِ اهـ. فَأَفْهَمَ قَوْلُهُ لَا حَقَّ لَك فِيهِ إنَّمَا هُوَ عَارِيَّةٌ أَنَّ الْمُرَادَ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ وَقَوْلُهُ وَادَّعَاهُ مَنْ كَانَ يُجْرِي أَنَّهُ إنَّمَا ادَّعَى مِلْكِيَّتَهُ، وَهَذَا هُوَ عَيْنُ مَا قَدَّمْته فِي تَصْوِيرِ كَلَامِهِ قَبْلَ أَنْ أَرَى عِبَارَتَهُ هَذِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِي الْأَرَاضِي الَّتِي تَشْرَبُ عَلَى التَّعَاقُبِ وَلَمْ يَحْبِسْ الْأَوَّلُ الْمَاءَ فِي أَرْضِهِ وَجْهَانِ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ، وَالثَّانِي يَرْجِعُ فِي وَقْتِ السَّقْيِ إلَى الْعَادَةِ وَالْحَاجَةِ، وَعَلَيْهِ فَهَلْ لِلْعَادَةِ مِقْدَارٌ مُقَدَّرٌ يُعْرَفُ بِهِ مَا تَحْتَاجُهُ الْأَرْضُ الْعُلْيَا مِنْ الْمَاءِ أَيْ: السَّيْلُ الْأَوَّلُ ثُمَّ مَا يَلِيه إذَا اتَّبَعَتْ السُّيُولُ فَإِنَّ عَادَةَ أَهْلِ الْبِحَارِ الْأَسَفُ عَلَى الْمَاءِ خُصُوصًا فِي جِهَتِنَا مَا يُخْرِجُونَ شَيْئًا مِنْ الْمَاءِ إلَّا وَهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى حِفْظِهِ. وَهَلْ يُقَالُ: إنَّ الْعَادَةَ فِي ذَلِكَ مَا يُرَدُّ بِهِ الشَّجَرُ وَالثَّمَرُ وَالزَّرْعُ وَنَحْوُهَا أَمْ هُوَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَمَا هُوَ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ مَعْنَى تَقْدِيمِ الْأَوَّلِ، فَالْأَوَّلُ الْمَذْكُورُ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَحْبِسُ الْمَاءَ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الْكَعْبَيْنِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى بِذَلِكَ، وَالتَّقْدِيرُ بِهِ هُوَ مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ لِلْحَدِيثِ وَتَبِعَهُمْ الْحَاوِي الصَّغِيرُ كَالْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ، لَكِنْ نَقَلَ الشَّيْخَانِ بَعْدُ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الْأَوْلَى التَّقْدِيرُ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إنَّمَا يُقَدِّمُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ عَلَى مَا اعْتَادُوهُ فِي ذَلِكَ، وَاعْتَمَدَ ذَلِكَ السُّبْكِيّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَجَزَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّي، وَمَا فِي الْحَدِيثِ وَاقِعَةُ حَالٍ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّهُ عَادَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ فَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْأَوْلَى وَإِلَّا ضُبِطَ التَّقْدِيرُ بِالْحَاجَةِ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَرْضِ وَبِاخْتِلَافِ مَا فِيهَا مِنْ زَرْعٍ وَشَجَرٍ وَبِوَقْتِ الزِّرَاعَةِ وَبِوَقْتِ السَّقْيِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ وَعَلَيْهِ فَهَلْ لِلْعَادَةِ إلَخْ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَادَةِ الْحَاجَةُ كَمَا تَقَرَّرَ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ إلَى الْعَادَةِ وَالْحَاجَةِ فَبَيَّنَ بِعَطْفِ الْحَاجَةِ عَلَى الْعَادَةِ أَنَّ الْمُرَادَ الْحَاجَةَ عَلَى قَدْرِ عَادَةِ أَهْلِ تِلْكَ النَّاحِيَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) لَوْ ثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ السَّاقِيَةَ أَيْ النَّهْرَ مُسْقًى لِأَهْلِ هَذَا النَّخْلِ مَثَلًا وَأَنَّ هَذَا النَّخْلَ يَشْرَبُ أَوَّلًا ثُمَّ هَذَا ثُمَّ أَنَّ النَّخْلَ الْمُقَدِّمُ الْمُتَقَدَّمُ شُرْبُهُ تَعَطَّلَ بِأَنْ ارْتَفَعَ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ بِسَبَبِ إهْمَالِ مَالِكِهِ فَصَارَ لَا يَدْخُلُهُ إلَّا قَلِيلٌ مِنْ الْمَاءِ بِحَيْثُ لَا يَصِلُ إلَى مَنْ خَلْفَهُ الَّذِي مُتَرَتِّبٌ شُرْبِهِ عَلَى شُرْبِهِ فَهَلْ يُجْبَرُ الْأَوَّلُ عَلَى تَعْمِيقِ الْمُرْتَفِعِ مِنْ أَرْضِهِ حَتَّى يَسْقِيَ مَنْ خَلْفَهُ فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ فَامْتَنَعَ وَأَرَادَ مَنْ خَلْفَهُ أَنْ يُعَمِّقَهُ لِيَصِلَ الْمَاءُ إلَيْهِ فَهَلْ يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ فَذَاكَ، وَإِنْ قُلْتُمْ لَا فَقَدْ تَعَطَّلَ شُرْبُ مَنْ خَلْفَهُ بِسَبَبِهِ، وَهَذَا إضْرَارٌ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْجَوَابَ عَنْهُ مَرَّ مَبْسُوطًا فِي الْجَوَابِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ وَالْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يُجْبَرُ عَلَى تَعْمِيقِ الْمُرْتَفِعِ مِنْ أَرْضِهِ وَأَنَّ لِمَنْ خَلْفَهُ أَنْ يُعَمِّقَهُ حَتَّى يَصِلَ

الْمَاءُ إلَيْهِ كَمَا مَرَّ ثَمَّ مَعَ بَيَانِ مَا يُؤَيِّدُهُ، وَإِذَا فُرِضَ أَنَّهُ أَصْلَحَهُ عَادَ حَقُّ الْأَوَّلِ بِحَالِهِ وَصَارَ مُقَدَّمًا عَلَى مَنْ بَعْدَهُ كَمَا عُلِمَ بِالْأَوْلَى مِمَّا مَرَّ فِي الْفَائِدَةِ الْمَذْكُورَةِ آخِرَ الْجَوَابِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ. (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) لَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِبَلَدٍ أَنَّ الْأَوَّلَ يَسُدُّ الْمَاءَ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ بِتُرَابٍ مَعْلُومٍ أَوْ حَجَرٍ مَعْدُودٍ أَوْ بِخَشَبٍ أَوْ سَعَفِ نَخْلٍ هَلْ هَذِهِ الْعَادَةُ لَازِمَةٌ مُتَّبَعَةٌ مَعَ عَدَمِ انْضِبَاطِهَا، وَإِنْ اطَّرَدَتْ أَمْ لَا؟ مَعَ أَنَّهُ لَا خَفَاءَ أَنَّ التُّرَابَ يَسُدُّ جَمِيعَ الْمَاءِ بِحَيْثُ إنَّهُ لَا يَخْرُجُ إلَى الْأَسْفَلِ شَيْءٌ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَ بَعْدَهُ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا خَفَاءَ أَنَّ الْحَقَّ لِلْأَوَّلِ فَيَسُدُّ إلَى تَمَامِ حَاجَتِهِ عَمَّنْ بَعْدَهُ بِمَا شَاءَ مِنْ حَجَرٍ وَغَيْرِهِ، نَعَمْ إنْ اُعْتِيدَ السَّدُّ بِشَيْءٍ يَنْزِلُ مِنْ خِلَالِهِ شَيْءٌ إلَى شَيْءٍ إلَى أَرْضِ مَنْ بَعْدَهُ وَكَانَ فِي ذَلِكَ نَفْعٌ لَهَا بِمَا يَصِلُهَا مِنْ هَذَا الْمَاءِ الْقَلِيلِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهَا الْمَاءُ الْكَثِيرُ وَاطَّرَدَتْ الْعَادَةُ بِذَلِكَ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَجِبَ عَلَى الْأَوَّلِ أَنْ يَسُدَّ بِذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ السَّدُّ بِمَا يَمْنَعُ أَكْثَرَ مِمَّا اُعْتِيدَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَسُدَّ بِمَا يَمْنَعُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) فِي أَرْضَيْنِ مُسْتَوِيَتَيْنِ أَوْ عُلْيَا وَسُفْلَى بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ هَلْ الْيَدُ فِيهِ لِمَالِكَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ أَوْ يَخْتَصُّ بِهِ صَاحِبُ الْعُلْيَا؟ وَكَلَامُهُمْ فِي الْمِيَاه يَقْتَضِي الْأَوَّلَ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ شَجَرٌ كَنَخِيلٍ هَلْ يَخْتَصُّ بِهِ صَاحِبُ الشَّجَرِ دُونَهُمَا أَوْ بِبَعْضٍ مِنْهُ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ مَبْسُوطًا أَوَاخِرَ الْجَوَابِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّ الْيَدَ فِي الْحَاجِزِ الْمَذْكُورِ لِمُلَّاكِ الْأَرْضَيْنِ وَأَنَّ مَا يَنْبُتُ عَلَيْهِ لَهُمْ أَيْضًا وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدُهُمْ، نَعَمْ إنْ كَانَ شَجَرٌ لِغَيْرِهِمْ فَالْيَدُ فِيهِ لِمَالِك الشَّجَرِ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الشَّجَرِ عَلَى مِلْكِ مُغْرِسِهِ لِمَالِكِهِ أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ انْتِفَاعِ الْأَرَاضِي بِهِ مِنْ حَيْثُ حَبْسُهُ لِلْمَاءِ حَتَّى يَعُمَّهَا وَيَسْقِيهَا عَلَى مِلْكِ مَالِكَيْهَا لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ أَمْرٌ حِسِّيٌّ مُتَّصِلٌ بِهِ وَثَابِتٌ، وَالثَّانِي مُجَرَّدُ انْتِفَاعٍ وَهُوَ أَمْرٌ تَقْدِيرِيٌّ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ. وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَقْوَى فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لِمَالِكِهِ فَإِنْ قُلْت يُحْتَمَلُ أَنَّ النَّخْلَ كَانَ لَهُمْ وَبَاعُوهُ لِأَجْنَبِيٍّ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَلْعِ، وَحِينَئِذٍ فَهُوَ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بَقَاءَهُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ اسْتِحْقَاقُهُ مَنْفَعَةَ الْمُغْرَسِ مَا بَقِيَ الشَّجَرُ فِيهِ قُلْت لَا نَظَرَ لِهَذَا الِاحْتِمَالِ عَلَى أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنَّ الْأَرْضَ لِصَاحِبِ النَّخْلِ، وَإِنَّمَا سَاقِيَاهُ عَلَى تِلْكَ الْأَرَاضِي وَيَكُونُ مَالِكُهَا أَذِنَ لَهُمْ فِي جَعْلِهَا حَاجِزًا لِمِيَاهِهِمْ فَلَمَّا تَعَارَضَ الِاحْتِمَالَانِ قَدَّمْنَا الْأَقْوَى فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمِلْكِ وَهُوَ النَّخْلُ هَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لَهُمْ وَإِلَّا قُدِّمَ مَنْ شَهِدَتْ لَهُ الْبَيِّنَةُ بِمِلْكِهِ، وَلِأَصْحَابِ الْأَرْضِ تَحْلِيفُ صَاحِبِ النَّخْلِ أَنَّ الْمِلْكَ لَهُ هَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَ الْحَاجِزُ هُوَ مَغَارِسُ النَّخْلِ، أَمَّا لَوْ كَانَ غَيْرَ الْمَغَارِسِ فَيَكُونُ هُوَ لِمُلَّاكِ الْأَرْضِ وَتَكُونُ هِيَ لِمَالِك الشَّجَرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) لَوْ ادَّعَى جَمَاعَةٌ عَلَى شَخْصٍ أَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ الشُّرْبَ مِنْ أَرْضِهِ لِأَرْضِهِمْ أَوْ شَجَرِهِمْ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمْ وَرَدَّ الْيَمِينَ عَلَيْهِمْ فَحَلَفَ بَعْضُهُمْ وَنَكَلَ بَعْضُهُمْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إفْرَادُ نَصِيبِ الْحَالِفِ بِالسَّقْيِ فَمَا حُكْمُ ذَلِكَ؟ وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَوْا اسْتِحْقَاقَ الشُّرْبِ مِنْ نَهْرِهِ لِأَرْضِهِمْ وَاقْتَضَى الْحَالُ تَحْلِيفَ بَعْضِهِمْ وَنُكُولَ بَعْضٍ فَهَلْ يُفَوَّتُ حَقُّ الْحَالِفِ حَذَرًا مِنْ اسْتِحْقَاقِ مَنْ لَمْ يَحْلِفْ بِيَمِينِ غَيْرِهِ أَوْ يُرْسَلُ لِلْحَالِفِ بِمِقْدَارِ نَصِيبِهِ مِنْ الشُّرْبِ فَقَطْ؟ . وَإِنْ أَدَّى إلَى أَنْ يَسْقِيَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ الْمُرْسَلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يَحْلِفْ وَفِي فَتَاوَى الْفُقَهَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ جِهَةِ السَّائِلِ كَلَامٌ ظَاهِرُهُ التَّنَاقُضُ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْمُدَّعِينَ لِاسْتِحْقَاقِ الشُّرْبِ إمَّا أَنْ تَكُونَ أَرْضُهُمْ وَاحِدَةً وَهُمْ مُشْتَرِكُونَ فِيهَا عَلَى الْإِشَاعَةِ، أَوْ مُتَعَدِّدَةً مُتَمَايِزٌ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ وَتَعَذَّرَ سَقْيُ نَصِيبِ أَحَدِهِمْ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى ظَاهِرٌ بِخِلَافِهِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، وَعَلَى كُلٍّ فَمَنْ حَلَفَ بَعْدَ نُكُولِ جَاحِدِ اسْتِحْقَاقِ الشُّرْبِ مِنْ أَرْضِهِ أَوْ نَهْرِهِ اسْتَحَقَّ نَصِيبَ شُرْبِ أَرْضِهِ مِنْ أَرْضِ النَّاكِلِ أَوْ نَهْرِهِ ثُمَّ إنْ قُسِمَتْ الْمُشْتَرَكَةُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَأَمْكَنَ سَقْيُ نَصِيبِهِ فِيهَا وَفِي الثَّانِيَةِ فَوَاضِحٌ، وَإِنْ لَمْ يُقَسَّمْ أَوْ فُرِضَ عَلَى بُعْدِ عَدَمِ سَقْيِ أَرْضِهِ أَوْ شَجَرِهِ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ، بَلْ إذَا طَلَبَهُ أَرْسَلَ لَهُ بِقَدْرِهِ وَلَا نَظَرَ لِعَوْدِ نَفْعِهِ عَلَى غَيْرِهِ إذَا رَضِيَ هُوَ بِذَلِكَ فَإِنْ قُلْت

يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ الرَّوْضَةِ لَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنْ الْمَاءِ وَسَقَى بِهِ أَرْضًا لَيْسَ لَهَا رَسْمُ شُرْبٍ مِنْ هَذَا النَّهْرِ مُنِعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ لَهَا شُرْبًا لَمْ يَكُنْ قُلْت كَلَامُ الرَّوْضَةِ إنَّمَا هُوَ كَمَا تَرَى فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ وَيَسْقِي بِهِ أَرْضًا لَيْسَ لَهَا رَسْمُ شُرْبٍ بِالْكُلِّيَّةِ، وَهَذَا لَمْ يُرِدْ سَقْيَ أَرْضِ شَرِيكِهِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا أَرَادَ سَقْيَ أَرْضِ نَفْسِهِ الَّتِي ثَبَتَ لَهَا رَسْمُ شُرْبٍ لَكِنَّهُ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِسَقْيِ أَرْضِ شَرِيكِهِ أَوْ جَارِهِ إنْ فُرِضَ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُفَوِّتَ عَلَيْهِ حَقَّهُ مَعَ عُذْرِهِ بِخِلَافِ مَا فِي مَسْأَلَةِ الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ سَقْيِ أَرْضِهِ الَّتِي لَهَا رَسْمُ شُرْبٍ فَإِذَا أَرَادَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ الَّذِي لَهَا وَيَصْرِفَهُ إلَى أَرْضٍ أُخْرَى لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ مُنِعَ مِنْهُ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ، وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الرُّويَانِيِّ مِنْ أَنَّ مَحِلَّ الْمَنْعِ مَا إذَا سَاقَ الْمَاءَ إلَى الْأَرْضِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا رَسْمُ شُرْبٍ ابْتِدَاءً أَمَّا لَوْ سَاقَهُ إلَى أَرْضِهِ الْمُسْتَحِقَّةِ لِلشُّرْبِ ثُمَّ نَقَلَهُ مِنْهَا إلَى أُخْرَى فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا فِي مَبْحَثِ قِسْمَةِ الْمَاءِ، وَيَسُوقُ كُلُّ وَاحِدٍ نَصِيبَهُ فِي سَاقِيَتِهِ إلَى أَرْضِهِ وَلَهُ أَنْ يُدِيرَ رَحًى بِمَا صَارَ لَهُ اهـ. فَدَلَّ كَلَامُهُمَا عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُدِيرَ بِهِ الرَّحَى وَلَوْ فِي أَرْضٍ أُخْرَى لَهُ وَحِينَئِذٍ فَإِذَا جَازَ لَهُ ذَلِكَ فَلَأَنْ يَجُوزَ لَهُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ الْأُخْرَى الَّتِي يُدِيرُ الرَّحَى فِيهَا هُنَا مُنْفَرِدَةٌ لَا ضَرُورَةَ إلَى الْإِدَارَةِ فِيهَا بِخِلَافِ سَقْيِ أَرْضِ الشَّرِيكِ أَوْ الْجَارِ مِنْ نَصِيبِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ لِتَوَقُّفِ سَقْيِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ، فَإِنْ قُلْت: قَيَّدَ الْمَحَامِلِيُّ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا بِمَا إذَا كَانَ يُدِيرُهَا فِي أَرْضِهِ الَّتِي لَهَا رَسْمُ شُرْبٍ مِنْهُ قُلْت كَلَامُهُمَا لَا يَقْتَضِي هَذَا التَّقْيِيدَ فَيَحْتَمِلُ اعْتِمَادَ إطْلَاقِهِمَا وَيَحْتَمِلُ الْأَخْذَ بِقَضِيَّةِ التَّقْيِيدِ، وَعَلَيْهِ فَلَا يُنَافِي مَا قُلْنَاهُ لِمَا عَلِمْته مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَتِنَا مِنْ أَنَّ هَذَا لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنْ قُلْت مَا ذَكَرَهُ فِيهَا هَلْ هُوَ فِي النَّهْرِ الْمُبَاحِ أَوْ الْمَمْلُوكِ؟ قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِهِمَا أَنَّهُ فِي الْمَمْلُوكِ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الرُّويَانِيُّ، وَإِنْ كَانَ الشُّرْبُ فِي نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ فَأَرَادَ أَنْ يُنْقَلَ إلَى أَرْضٍ أُخْرَى فَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ إذَا لَمْ يُضَيِّقْ الْمَاءَ وَإِلَّا قُدِّمَ الْأَسْبَقُ وَتَنْظِيرُ الْأَذْرَعِيِّ فِيهِ فِي قُوَّتِهِ بِأَنَّهُ قَدْ لَا يَضِيقُ الْآن وَيَضِيقُ فِيمَا بَعْدُ فَيَثْبُتُ لَهُ عَلَى طُولِ الْأَمَدِ شُرْبٌ فِيهِ لَا أَصْلَ لَهُ يُرَدُّ بِقَوْلِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي النَّهْرِ الْمُبَاحِ: وَلَوْ أَرَادَ رَجُلٌ إحْيَاءَ مَوَاتٍ وَسَقْيَهُ مِنْ هَذَا النَّهْرِ فَإِنْ ضَيَّقَ عَلَى السَّابِقِينَ مُنِعَ؛ لِأَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوا أَرْضَهُمْ بِمَرَافِقِهَا وَالْمَاءُ مِنْ أَعْظَمِ مَرَافِقِهَا وَإِلَّا فَلَا مَنْعَ وَسَلَكَ فِي تَوَسُّطِهِ طَرِيقَةً أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ مَا فِي الرَّوْضَةِ مِنْ الْمَنْعِ مَحِلُّهُ إذَا قُلْنَا إنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ الْمَاءَ وَمَا فِي غَيْرِهَا كَالْكَافِي وَجَرَى عَلَيْهِ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ عَدَمِ الْمَنْعِ فِي صُورَةِ الرَّوْضَةِ مَحِلُّهُ مَا إذَا كَانَ الْمَاءُ مَمْلُوكًا لَهُمْ فَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ بِنَصِيبِهِ بَعْدَ إفْرَازِهِ مَا شَاءَ وَإِذَا امْتَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ أُجْبِرُوا عَلَيْهِ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ ضَعِيفَةٌ؛ لِأَنَّ صَرِيحَ كَلَامِ الرَّوْضَةِ يَرُدُّهَا كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ، وَبَحَثَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ مَحِلَّ الْمَنْعِ فِي كَلَامِ الرَّوْضَةِ فِي أَرْضٍ يُجْعَلُ لَهَا رَسْمُ شُرْبٍ وَهُوَ أَعْلَى السَّاقِيَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ حَقِّ التَّقْدِيمِ لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي أَسْفَلِهَا بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ بَعْدَهَا أَرْضٌ لَهَا حَقُّ شُرْبٍ فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بِذَلِكَ لَا يُعَطِّلُ عَلَى غَيْرِهِ حَقًّا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لَهَا حَقٌّ عِنْدَ تَقَادُمِ الْعَهْدِ لَمْ يَكُنْ اسْتِدْلَالًا بِظَاهِرِ الْحَالِ عِنْدَ انْطِوَاءِ مَعْرِفَةِ أَصْلِ ذَلِكَ اهـ. وَهُوَ ظَاهِرٌ فَبَحْثُ ابْنِ الرِّفْعَةِ ضَعِيفٌ. (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَنْ قَوْلِ الرَّوْضَةِ: لَوْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي الْحَفْرِ اشْتَرَكُوا فِي الْمِلْكِ عَلَى قَدْرِ عَمَلِهِمْ ثُمَّ لَهُمْ قِسْمَةُ الْمَاءِ بِنَصْبِ خَشَبَةٍ مُسْتَوِيَةِ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ فِي عُرْضِ النَّهْرِ وَيُفْتَحُ فِيهَا ثُقَبٌ مُتَسَاوِيَة أَوْ مُتَفَاوِتَةٌ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ هَلْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْبَارِ إذْ لَا يَسْتَوِي النَّصِيبُ مِنْ الْمَاءِ إلَّا بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يَقُومُ الْبِنَاءُ بِالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ مَقَامَ الْخَشَبَةِ أَمْ لَا؟ . قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لَوْ تَنَازَعَ الشُّرَكَاءُ فِي قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ هَلْ يُجْعَلُ عَلَى قَدْرِ الْأَرَضِينِ أَمْ لَا؟ وَصَحَّحَ الْأَوَّلُ هَلْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ قَوَاسِمُ لِلْمَاءِ، فَإِنْ كَانَتْ فَهَلْ تَدُلُّ عَلَى الْيَدِ أَمْ لَا؟ فَلَوْ وَجَدْنَا الثُّقَبَ مُتَسَاوِيَةً مَعَ تَفَاوُتِ الْأَرْضِينَ أَوْ بِالْعَكْسِ وَذَلِكَ هُوَ مَعَ جَهْلِنَا بِمِلْكِ النَّهْرِ فِي الْأَصْلِ، وَلَكِنْ وَجَدْنَا عَمَلَ أَهْلِهِ الْآنَ

مَعْلُومًا فِيهِ عِنْدَ احْتِيَاجِهِ إلَى الْعِمَارَةِ فَمَا الرَّاجِحُ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَرْضِينَ أَوْ الْقَوَاسِمِ أَوْ الرَّصَدَاتِ بَيْنَهُمْ أَوْ الْعَمَلِ فِي عِمَارَةِ النَّهْرِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَصْلٌ لَهُ؟ (فَأَجَابَ بِأَنَّ قَوْلَ الرَّوْضَةِ لَهُمْ قِسْمَةُ الْمَاءِ بِنَصْبِ خَشَبَةٍ إلَخْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا إجْبَارَ عَلَى ذَلِكَ وَيَحْصُلُ الِاسْتِوَاءُ فِي الْمَاءِ بِغَيْرِ هَذِهِ الطَّرِيقِ كَمَا قَدَّمْته أَوَائِلَ الْجَوَابِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ فَرَاجِعْهُ إذْ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ الرَّوْضَةِ وَلَوْ أَرَادُوا قِسْمَةَ النَّهْرِ وَكَانَ عَرِيضًا جَازَ وَلَا يَجْرِي فِيهَا الْإِجْبَارُ كَمَا فِي الْجِدَارِ الْحَائِلِ، فَإِنْ قُلْت يُعَارِضُهُ مَا فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا فِي الشُّفْعَةِ مِنْ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ الطَّاحُونُ وَالْحَمَّامُ وَالْبِئْرُ وَالنَّهْرُ إذَا أَمْكَنَ جَعْلُ كُلِّ اثْنَيْنِ وَكَذَا مَسِيلُ الْمَاءِ إلَى الْأَرْضِ وَبِئْرُ الزِّرَاعَةِ. قُلْت الْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ النَّهْرُ بَيْنَ مَزَارِعَ وَهِيَ عَلَى حَافَّتَيْهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا كَمَا يَدُلُّ لَهُ تَشْبِيهُ ذَلِكَ بِالْجِدَارِ الْحَائِلِ وَالثَّانِي مَحْمُولٌ عَلَى حَفْرِ أَنْهَارٍ وَسَوَاقٍ يَأْتِي إلَيْهَا الْمَاءُ مِنْ الْأَوْدِيَةِ الْعَظِيمَةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي تَرْكِ الْقِسْمَةِ هُنَا ضَرَرًا عَظِيمًا فَأُجْبِرَا عَلَيْهِ إزَالَةً لَهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ لَا ضَرَرَ فِي عَدَمِ الْقِسْمَةِ، بَلْ فِيهَا نَفْعٌ وَالْبِنَاءُ بِنَحْوِ الْحَجَرِ إنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ فِيهِ ثُقْبٌ كَمَا يُجْعَلُ فِي الْخَشَبَةِ قَامَ مَقَامَهَا وَإِلَّا فَلَا ثُمَّ مَا ذُكِرَ مِنْ عَدَمِ الْإِجْبَارِ عَلَى الْقِسْمَةِ بِنَصْبِ الْخَشَبَةِ مَحِلُّهُ إنْ أُمْكِنَتْ الْقِسْمَةُ بِغَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ كَمَا تَقَرَّرَ، أَمَّا إذَا لَمْ تُمْكِنُ إلَّا بِهَا فَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَيْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ حَيْثُ قَالَ عَقِبَ قَوْلِ الرَّوْضَةِ ثُمَّ لَهُمْ قِسْمَةُ الْمَاءِ بِنَصْبِ خَشَبَةٍ إلَخْ قُلْت وَيَتَعَيَّنُ هَذَا الطَّرِيقُ عِنْدَ التَّشَاجُرِ وَعَدَمِ التَّرَاضِي بِالْمُهَايَأَةِ؛ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ يَصِلُ بِهِ كُلٌّ إلَى جِهَةِ حَقِّهِ فِي وَقْتِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ إذْ فِي الْمُهَايَأَةِ تَأْخِير أَحَدِهِمْ عَنْ حَقِّهِ فَاشْتُرِطَ فِيهَا التَّرَاضِي اهـ. وَمَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ تَنَازَعَ الشُّرَكَاءُ فِي النَّهْرِ فِي قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ جُعِلَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِينَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّ النَّهْرَ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ إلَّا أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُمْ يَسْقُونَ أُرَاضِيهِمْ مِنْهُ، وَاعْتَرَضَ الْبُلْقِينِيُّ مَا فِي الرَّوْضَةِ بِأَنَّ الْأَصَحَّ بِمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ أَنَّهُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْقَرَائِنَ لَا يُنْظَرُ إلَيْهَا قَالَ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي كِتَابَةِ عَبْدَيْنِ خَسِيسٍ وَنَفِيسٍ عَلَى نُجُومٍ مُتَفَاوِتَةٍ بِحَسَبِ قِيمَتِهَا فَأَحْضَرَا مَالًا وَادَّعَى الْخَسِيسُ أَنَّهُ سَوَاءٌ بَيْنَهُمَا وَالنَّفِيسُ أَنَّهُ مُتَفَاوِتٌ عَلَى قَدْرِ النُّجُومِ، فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْخَسِيسِ عَمَلًا بِالْيَدِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجِدَارِ لَا أَنْظُرُ إلَى مَنْ إلَيْهِ الدَّوَاخِلُ وَالْخَوَارِجُ وَلَا أَنْصَافُ اللَّبِنِ وَلَا مَعَاقِدُ الْقِمْطِ وَنَصَّ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ يَخْتَلِفُ فِيهِ الزَّوْجَانِ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي أَيْدِيهمَا يَحْلِفَانِ وَهُوَ بَيْنَهُمَا وَلَا نَظَرَ إلَى مَا يَخْتَصُّ بِالرَّجُلِ عَادَةً وَلَا مَا يَخْتَصُّ بِالْمَرْأَةِ اهـ. وَتَبِعَهُ وَلَدُهُ الْجَلَالُ فَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَرَجَّحَ أَنَّهُ بِالسَّوِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ وَذَلِكَ يَقْتَضِي الِاسْتِوَاءَ اهـ. وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْن مَا هُنَا وَفِي الْكِتَابَةِ بِأَنَّ الْيَدَ هُنَا عَلَى النَّهْرِ حُكْمِيَّةٌ لَا حِسِّيَّةٌ؛ لِأَنَّ النَّهْرَ لَيْسَ فِي قَبْضَتِهِمْ يَقِينًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ عَنْ الْمُتَوَلِّي، وَإِنَّمَا نَزَلَ اسْتِحْقَاقُهُمْ الشُّرْبَ مِنْهُ مَنْزِلَةَ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ وَيَدُ الْمُكَاتَبَيْنِ عَلَى مَا أَحْضَرَاهُ حِسِّيَّةٌ وَلَا حُكْمِيَّةٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْيَدَ الْحِسِّيَّةَ أَقْوَى فَلَمْ يُنْظَرْ لِمُعَارِضِهَا مِنْ تَفَاوُتِهِمَا فِي الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ مَعَ دَلَالَةِ الْيَدِ الْحِسِّيَّةِ عَلَى الِاسْتِوَاءِ فَعَمِلُوا بِهِ وَهُنَا وُجِدَ لِلْيَدِ الْحُكْمِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى الِاسْتِوَاءِ مُعَارِضٌ حِسِّيٌّ وَهُوَ تَفَاوُتُهُمْ فِي الْأَنْصِبَاءِ الْمُسْتَلْزِمُ غَالِبًا أَنَّ النَّهْرَ تَكُونُ الشَّرِكَةُ فِيهِ كَذَلِكَ وَالْحِسِّيُّ أَقْوَى مِنْ الْحُكْمِيِّ فَقُدِّمَ هَذَا الْمُعَارِضُ لِقُوَّتِهِ عَلَى الْيَدِ الْحُكْمِيَّةِ لِضَعْفِهَا فَانْدَفَعَ قَوْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ فَظَهَرَ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا وَاضِحًا، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي مَسْأَلَةِ الْجِدَارِ فَالْيَدُ عَلَيْهِ حِسِّيَّةٌ أَيْضًا، وَتِلْكَ الْقَرَائِنُ غَيْرُ مُطَّرِدَةٍ، بَلْ وَلَا غَالِبَةً فَلَمْ تَقْوَ عَلَى مُعَارَضَتِهَا فَأُلْغِيَ النَّظَرُ إلَيْهَا، وَكَذَلِكَ الزَّوْجَانِ يَدُهُمَا عَلَى أَمْتِعَةِ الْبَيْتِ حِسِّيَّةٌ، وَقَدْ تَكُونُ يَدُ الزَّوْجَةِ عَلَى مَا يَخْتَصُّ بِالزَّوْجِ وَعَكْسُهُ فَلَمْ يَقْوَ ذَلِكَ عَلَى دَفْعِ مَا اقْتَضَتْهُ الْيَدُ الْحِسِّيَّةُ مِنْ الِاسْتِوَاءِ فَظَهَرَ أَنَّ الْمَسَائِلَ الثَّلَاثَةَ الَّتِي أَوْرَدَهَا عَلَى مَسْأَلَتِنَا لَا تُشْبِهُهَا؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ فِيهَا يَدًا قَوِيَّةً وَمُعَارِضُهَا ضَعِيفٌ، وَالْمَوْجُودُ فِي مَسْأَلَتِنَا يَدٌ ضَعِيفَةٌ وَمُعَارِضُهَا قَوِيٌّ فَلَا جَامِعَ بَيْنَهَا

وَبَيْنَ مَا ذَكَرَهُ فَاتَّجَهَ مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَانْدَفَعَ مَا أَوْرَدَهُ عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ، وَإِذَا قُلْنَا بِمَا فِي الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّ الْأَنْصِبَاءَ تُجْعَلُ عَلَى قَدْرِ الْأَرَضِينَ وَوَجَدْنَا الْأَرَضِينَ مُتَفَاوِتَةً وَالثُّقَبَ مُتَسَاوِيَةً لَمْ يَكُنْ تُسَاوِيهَا بِمُجَرَّدِهِ مُقْتَضِيًا لِلتَّسَاوِي فِي الْأَرَضِينَ أَخْذًا مِنْ قَوْلَيْ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الثُّقَبُ مُتَسَاوِيَةً مَعَ تَفَاوُتِ الْحُقُوقِ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الثُّلُثِ يَأْخُذُ ثُقْبَةً وَالْآخَرُ ثُقْبَتَيْنِ اهـ. فَإِذَا تَنَازَعَ الشُّرَكَاءُ حِينَئِذٍ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ الِاسْتِوَاءَ فِي السَّقْيِ لِاسْتِوَاءِ الثُّقَبِ وَبَعْضُهُمْ الِاخْتِلَافَ فِيهِ عَلَى قَدْرِ الْأَرَضِينَ وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ مِنْ الثُّقَبِ الْمُتَسَاوِيَةِ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِ صُدِّقَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ إذْ الِاخْتِلَافُ فِي الْأَنْصِبَاءِ يَدُلُّ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْأَرْضَيْنِ، وَالتَّسَاوِي فِي الثُّقَبِ لَا يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِوَاءِ فِي الْأَنْصِبَاءِ لِمَا عَلِمْته مِنْ عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ الْمَذْكُورَةِ، أَمَّا لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِوَائِهِمْ فِي الثُّقَبِ وَادَّعَى بَعْضُهُمْ الِاخْتِلَافَ فِي الْأَنْصِبَاءِ عَمَلًا بِاخْتِلَافِ الْأَرَضِينَ وَبَعْضُهُمْ الِاسْتِوَاءَ فِيهَا عَمَلًا بِتَسَاوِي الثُّقَبِ، فَإِنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْمُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الِاسْتِوَاءَ فِي الْأَنْصِبَاءِ يُمْكِنُ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَرْضَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرَاضٍ، بَلْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ الصَّوَابُ كَمَا مَرَّ عَنْهُ مَعَ الرَّدِّ عَلَيْهِ وَالِاخْتِلَافُ فِي الْأَنْصِبَاءِ لَا يُمْكِنُ مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي الثُّقَبِ إلَّا بِالتَّرَاضِي فَلَمْ يَكُنْ اخْتِلَافُ الْأَرْضَيْنِ مُرَجِّحًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَكَانَ الِاسْتِوَاءُ فِي الثُّقَبِ مُرَجِّحًا فَقُدِّمَ. وَحُكْمُ الِاسْتِوَاءِ فِي الْعِمَارَةِ حُكْمُ الِاسْتِوَاءِ فِي الثُّقَبِ، فَإِذَا اتَّفَقُوا عَلَى الِاسْتِوَاءِ فِيهَا وَادَّعَى بَعْضُهُمْ الِاخْتِلَافَ فِي الْأَنْصِبَاءِ عَمَلًا بِاخْتِلَافِ الْأَرْضَيْنِ وَبَعْضُهُمْ الِاخْتِلَافَ فِيهَا عَمَلًا بِالتَّسَاوِي فِي الْعِمَارَةِ صُدِّقَ الثَّانِي لِنَظِيرِ مَا تَقَرَّرَ فَإِنْ تَعَارَضَ هَذَانِ الْأَمْرَانِ بِأَنْ اسْتَوَوْا فِي الثُّقَبِ وَتَفَاوَتُوا فِي الْعِمَارَةِ أَوْ بِالْعَكْسِ فَهُوَ مَحِلُّ نَظَرٍ، وَيَتَّجِهُ تَقْدِيمُ الثُّقَبِ؛ لِأَنَّهَا عَلَامَاتٌ مُسْتَمِرَّةٌ يَكْثُرُ فِيهَا الْمُنَازَعَةُ وَالْمُشَاحَّةُ فَيَبْعُدُ الِاتِّفَاقُ فِيهَا عَلَى التَّرَاضِي بِاسْتِوَائِهِمَا مَعَ اخْتِلَافِ الْأَنْصِبَاءِ وَبِاخْتِلَافِهِمَا مَعَ تَسَاوِي الْأَنْصِبَاءِ بِخِلَافِ الْعِمَارَةِ فَإِنَّهَا خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يَكْثُرُ وُقُوعُهَا وَيَغْلِبُ فِيهَا الْمُسَامَحَةُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ، فَكَانَتْ دَلَالَتُهَا ضَعِيفَةً بِالنِّسْبَةِ لِدَلَالَةِ الثُّقَبِ، وَإِنْ كَانَتْ قَوِيَّةً فِي نَفْسِهَا وَمِنْ ثَمَّ لَوْ انْفَرَدَتْ عَنْ الثُّقَبِ عَمِلْنَا بِهَا كَمَا مَرَّ وَبِمَا قَرَّرْته يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ: فَلَوْ وَجَدْنَا الثُّقَبَ مُتَسَاوِيَةً إلَخْ السُّؤَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) لَوْ وَجَدْنَا ثُقَبًا فِي نَهْرٍ بَعْضُهَا مُرْتَفِعًا وَبَعْضُهَا مُنْخَفِضًا أَوْ بَعْضُهَا مُتَّسِعًا وَبَعْضُهَا ضَيِّقًا مَعَ إمْكَانِ إحْدَاثِ الِارْتِفَاعِ وَالِانْخِفَاضِ وَالسَّعَةِ وَالضِّيقِ وَنَحْوِهِ هَلْ يَدُلُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْيَدِ أَمْ لَا؟ وَلَوْ رَفَعَهَا لِرِفْعَةِ أَرْضِهِ بِسَيْلٍ أَوْ وَضْعِ تُرَابٍ مِنْ الْمَالِكِ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ عَلَى الْمُمْتَنِعِ وَقَالَ لِلطَّالِبِ: اخْفِضْ أَرْضَك لِيَنَالَهَا الْمَاءُ وَالْخَفْضُ يَشُقُّ عَلَيْهِ أَوْ يَضْعُفُ بِسَبَبِهِ الْإِنْبَاتُ وَرَفْعُ الْقَوَاسِمِ أَسْهَلُ فَمَنْ الْمُجَابُ مِنْهُمَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّا إذَا وَجَدْنَا ثُقَبًا فِي النَّهْرِ مُتَفَاوِتَةً فِي السَّعَةِ وَالضِّيقِ وَالِارْتِفَاعِ وَالِانْخِفَاضِ وَلَمْ نَعْلَمْ أَصْلَ ذَلِكَ هَلْ هُوَ قَدِيمٌ أَوْ حَادِثٌ؟ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ قَدِيمٌ مَوْضُوعٌ بِحَقٍّ دَالٌّ عَلَى الْيَدِ لِمُسْتَحِقَّيْهِ وَأَقْرَرْنَاهُ عَلَى حُكْمِهِ، فَمَنْ ادَّعَى حُدُوثَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ حَقٍّ كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ حَلَفَ لَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ تَغْيِيرِهَا عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا، وَإِنَّمَا عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ الَّتِي رَفَعَهَا السَّيْلُ تَنْظِيفُهَا إنْ أَرَادَ سَقْيَهَا، سَوَاءٌ أَشَقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَضَعُفَ بِسَبَبِهِ الْإِنْبَاتُ أَمْ لَا كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْته عَنْ التَّتِمَّةِ فِي الْجَوَابِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ. أَمَّا إذَا أَرَادَ إصْلَاحَ الثُّقَبِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ لَهَا عَنْ مَحِلِّهَا وَلَمْ يَكُنْ عَلَى شُرَكَائِهِ ضَرَرٌ فِي ذَلِكَ بِوَجْهٍ فَلَا يُجَابُونَ إلَى مَنْعِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ تَعَنُّتٍ مَعَ تَصَرُّفِهِ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ دُونَ غَيْرِهِ، بَلْ يُجَابُ هُوَ إلَى ذَلِكَ، سَوَاءٌ أَكَانَ لِإِزَالَةِ ضَرَرٍ أَمْ لِزِيَادَةِ نَفْعٍ لِأَرْضِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) لَوْ كَانَ لِاثْنَيْنِ أَرْضَانِ إحْدَاهُمَا تَشْرَبُ قَبْلَ الْأُخْرَى وَمَاءُ السُّفْلَى يَخْرُجُ مِنْ الْعُلْيَا فَأَرَادَ صَاحِبُ الْعُلْيَا أَنْ يَرْفَعَ مَخْرَجَ الْمَاءِ إلَى الْفَتْحَةِ الَّتِي فِي الزَّبِيرِ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا الْمَاءُ إلَى الْأَرْضِ السُّفْلَى وَأَرَادَ أَنْ يُحَوِّلَ الْفَتْحَةَ إلَى مَكَان آخَرَ مِنْ الزَّبِيرِ مَعَ أَنَّ الْمَاءَ يَنْزِلُ فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى فِي الْحَالَيْنِ

فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَقَدْ قَالَ بِالْمَنْعِ فِي صُورَةِ رَفْعِ الْفَتْحَةِ بَعْضُ أَكَابِرِ فُقَهَاءِ الْجِهَةِ مُعَلِّلًا ذَلِكَ بِأَنَّ الرَّفْعَ يُؤَدِّي إلَى أَنْ تَأْخُذَ الْعُلْيَا فَوْقَ قَدْرِ الْحَاجَةِ لِمَنْعِ خُرُوجِ الْمَاءِ بِرَفْعِ مَنْفَذِ الْمَاءِ فَهَلْ هُوَ كَمَا قَالَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ صَرِيحُ كَلَامِ التَّتِمَّةِ السَّابِقِ فِي الْجَوَابِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ أَنَّهُ حَيْثُ أَرَادَ تَحْوِيلَ الْمَنْفَذِ مِنْ مَحِلِّهِ إلَى مَحِلٍّ آخَرَ وَلَمْ يَرْضَ شَرِيكُهُ مُنِعَ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَ يُحَوِّلُهُ إلَى مَحِلٍّ أَصْلَحَ لَهُ مِنْ الْأَوَّلِ أَمْ لَا، وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ الْأَصْلَحِ وَغَيْرِهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ مَرَّ. ثَمَّ عَنْ التَّتِمَّةِ اسْتِدْلَالًا بِفِعْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَكِنَّهُ مَرْدُودٌ بِأَنَّ أَثَرَ عُمَرَ مُنْقَطِعٌ وَيُوَافِقُ ذَلِكَ قَوْلُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمْ تَقْدِيمَ رَأْسِ السَّاقِيَةِ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ إلَى أَرْضِهِ أَوْ تَأْخِيرَهُ لَمْ يَجُزْ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَدَّمَ بَابَ دَارِهِ إلَى بَابِ السِّكَّةِ الْمُنْسَدَّةِ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ هُنَاكَ فِي الْجِدَارِ الْمَمْلُوكِ وَهُنَا فِي الْحَافَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ اهـ. وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا أَفْتَى بِهِ مَنْ ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ بَعْضِ أَكَابِرِ فُقَهَائِكُمْ وَحَيْثُ أُبْقِيَ الْمَنْفَذُ عَلَى مَحِلِّهِ وَسَعَتِهِ أَوْ ضِيقِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ إصْلَاحَهُ بِمَا يَعُودُ مِنْهُ نَفْعٌ عَلَى أَرْضِهِ وَأَرْضِ مَنْ بَعْدَهُ أَوْ عَلَى أَرْضِهِ فَقَطْ وَلَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ بِوَجْهٍ فَإِنَّهُ لَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ حِينَئِذٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَلَوْ أَرَادَ الشُّرَكَاءُ الَّذِينَ أَرْضُهُمْ أَسْفَلَ تَوْسِيعَ فَمِ النَّهْرِ لِئَلَّا يَقْصُرَ الْمَاءُ عَنْهُمْ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِرِضَا الْأَوَّلِينَ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الشَّرِيكِ فِي الْمُشْتَرَكِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَا الشَّرِيكِ؛ وَلِأَنَّهُمْ قَدْ يَتَضَرَّرُونَ بِكَثْرَةِ الْمَاءِ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ لِلْأَوَّلِينَ تَضْيِيقُ فَمِ النَّهْرِ إلَّا بِرِضَا الْآخَرِينَ اهـ. وَوَجْهُ عَدَمِ الْمُنَافَاةِ أَنَّ مَا فِي مَسْأَلَةِ الرَّوْضَةِ إضْرَارٌ وَتَصَرُّفٌ فِي السَّعَةِ وَالضِّيقِ بِخِلَافِ مَا فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ قُلْت: الْإِصْلَاحُ الَّذِي فِي مَسْأَلَتِنَا فِيهِ تَصَرُّفٌ فِي الْمُشْتَرَكِ، وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ بِامْتِنَاعِهِ قُلْت: مَحِلُّ امْتِنَاعِهِ حَيْثُ لَمْ يُقَصِّرْ الشَّرِيكُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ: لَوْ انْهَدَمَ الْجِدَارُ الْمُشْتَرَكُ وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا بِنَاءَهُ بِخَالِصِ مَالِهِ بَعْدَ امْتِنَاعِ صَاحِبِهِ جَازَ كَمَا مَرَّ مَبْسُوطًا بِمَا فِيهِ فِي الْجَوَابِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ فَكَمَا جَازَ هُنَاكَ فَلِيَجُزْ مَا ذَكَرْنَاهُ هُنَا إذَا امْتَنَعَ شُرَكَاؤُهُ مِنْ الْإِصْلَاحِ مَعَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَنْهُ لَوْ وَجَدْنَا أَرْضَيْنِ يَشْرَبَانِ مَعًا وَتَحْتَ أَحَدِ الْأَرْضَيْنِ أَرْضٌ ثَالِثَةٌ تَشْرَبُ مِنْ الَّتِي فَوْقَهَا بَعْدَ رَيِّ الْأُخْرَى وَقُلْنَا إنَّ الْعِبْرَةَ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ بِقَدْرِ الْأَرَاضِي فَهَلْ يَدْخُلُ الْمُتَأَخَّرُ شُرْبُهُ فِي التَّقْدِيرِ أَوْ يَخْتَصُّ التَّقْدِيرُ بِالْمُتَقَدِّمِ شُرْبُهُ وَهَلْ عَلَى الْمُتَأَخِّرِ شُرْبُهُ مِثْلُ الْمُتَقَدِّمِ فِي مَصْرُوفِ عِمَارَةِ النَّهْرِ إذَا قُلْنَا بِالْإِجْبَارِ؟ وَهَلْ يُعْرَفُ التَّقْدِيرُ فِي الْأَرْضَيْنِ بِالْمِسَاحَةِ أَوْ بِالتَّقْوِيمِ؟ فَإِنَّ أَرْضًا قَلِيلَةَ الْمِسَاحَةِ قَدْ تَكُونُ خَيْرًا مِنْ أَرْضٍ كَثِيرَةِ الْمِسَاحَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ أَنَّ الْأَرْضَ الْمُتَأَخِّرَ شُرْبُهَا إذَا كَانَ شُرْبُهَا مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ دُونَ غَيْرِهِ تَدْخُلُ فِي التَّقْدِيرِ فَيَسْتَحِقُّ صَاحِبُهَا مِنْ النَّهْرِ بِحِصَّتِهَا، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ: كُلُّ أَرْضٍ أَمْكَنَ سَقْيُهَا مِنْ هَذَا النَّهْرِ إذَا رَأَيْنَا لَهَا سَاقِيَةً مِنْهُ وَلَمْ نَجِدْ لَهَا شُرْبًا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ حَكَمْنَا عِنْدَ التَّنَازُعِ بِأَنَّ لَهَا شُرْبًا مِنْهُ انْتَهَتْ. وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُمْ لَا يُجْبَرُونَ عَلَى عِمَارَةِ النَّهْرِ كَالشُّرَكَاءِ لَا يُجْبَرُونَ عَلَى إعَادَةِ الْمُشْتَرَكِ إذَا انْهَدَمَ ثُمَّ إذَا اجْتَمَعُوا عَلَى الْإِصْلَاحِ جَبْرًا عَلَى الضَّعِيفِ أَوْ اخْتِيَارًا عَلَى الصَّحِيحِ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي حَاوِيهِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مُؤْنَةِ الْحَفْرِ كَيْفَ تَكُونُ بَيْنَهُمْ فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ مَعَ الْأَوَّلِ فَيَحْفِرُونَ مَعَهُ حَتَّى إذَا انْتَهَى إلَى آخِرِ مِلْكِهِ خَرَجَ وَحَفَرَ الْبَاقُونَ مَعَ الثَّانِي فَإِذَا انْتَهَى لِآخِرِ مِلْكِهِ خَرَجَ وَحَفَرَ الْبَاقُونَ مَعَ الثَّالِثِ وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْأَخِيرِ فَيَنْفَرِدُ وَحْدَهُ بِحَفْرِ مَا يَلِيه وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ مَاءَ النَّهْرِ كُلَّهُ يَجْرِي عَلَى أَرْضِ الْأَوَّلِ فَاشْتَرَكَ الْجَمِيعُ فِي حَفْرِهِ، وَمَاءُ الْأَوَّلِ لَا يَجْرِي عَلَى الثَّانِي فَلَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَحْفِرَ مَعَهُ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْجُمْهُورُ إلَى أَنَّ مُؤْنَةَ الْحَفْرِ مُقَسَّطَةٌ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَمْلَاكِهِمْ إلَّا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَسَّطَهَا عَلَى مِسَاحَاتِ الْأَرَضِينِ وَقَدَّرَ جَرَيَانَهَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْجَارِي يَسْبَحُ عَلَيْهَا عَلَى قَدْرِ مِسَاحَتِهَا وَجَرَيَانِهَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَسَّطَهَا عَلَى مِسَاحَةِ الْأَرْضَيْنِ الَّتِي عَلَى النَّهْرِ وَهُوَ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلِ أَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الْحَفْرِ تَزِيدُ بِطُولِ مِسَاحَةِ

الْوَجْهِ الَّذِي عَلَى النَّهْرِ وَتَقِلُّ بِقِصَرِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا بِهِ اهـ. كَلَامُ الْحَاوِي مُلَخَّصًا وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فَوَائِدَ وَتَبِعَهُ الرُّويَانِيُّ كَعَادَتِهِ عَلَى ذَلِكَ فِي بَحْرِهِ وَعِبَارَةُ الشَّيْخَيْنِ تُوَافِقُ ذَلِكَ وَتَنْقِيَةُ هَذَا النَّهْرِ وَعِمَارَتُهُ يَقُومُ بِهَا الشُّرَكَاءُ بِحَسَبِ الْمِلْكِ وَهَلْ عَلَى وَاحِدٍ عِمَارَةُ الْمَوْضِعِ الْمُسْتَفِلِ عَنْ أَرْضِهِ؟ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا لَا وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ الصَّبَّاغِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ فِيهِ لِلْبَاقِينَ وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ أَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّ التَّوْزِيعَ فِي الْأَرْضَيْنِ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ مِسَاحَتِهَا لَا قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ كُلَّمَا زَادَتْ مِسَاحَتُهَا زَادَ شُرْبُهَا فَلَزِمَ صَاحِبَهَا أَكْثَرُ مِنْ صَاحِبِ مَا هِيَ أَصْغَرُ مِنْهَا وَلَا نَظَرَ لِتَفَاوُتِ الْقِيَمِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا دَخْلَ لَهُ هُنَا كَمَا هُوَ جَلِيٌّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) لَوْ كَانَتْ أَرْضٌ مُقَدَّمَةٌ فِي الشُّرْبِ عَلَى غَيْرِهَا مِنْ الْأَرَاضِي وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ فِيهَا إلَّا بِالزَّرْعِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا يَكْتَفِي بِالْمَاءِ الْقَلِيلِ فَهَلْ لِصَاحِبِهَا أَنْ يُحْدِثَ فِيهَا شَجَرًا وَنَحْوَهُ مِمَّا يَحْتَاجُ لِزِيَادَةِ مَا يُعْتَادُ مِنْ الْمَاءِ أَمْ لَا لِأَنَّ الْأَرْضَ قَدْ تَكُونُ مُشَاعَةً فَيَشْتَرِطُونَ عِنْدَ الْقِسْمَةِ الِانْتِفَاعَ بِنَوْعٍ خَاصٍّ لِلْمُقَدَّمِ بِالشُّرْبِ، فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ وَيَلْزَمُ أَوْ يَكُونُ مُفْسِدًا؟ وَمَا الَّذِي يَصِحُّ مِنْ الشُّرُوطِ فِي الْقِسْمَةِ بِتَقْدِيمٍ فِي السَّقْيِ أَوْ تَأْخِيرٍ عَلَى خِلَافِ الْمَعْهُودِ أَوْ بِشَرْطِ الزَّرْعِ دُونَ الْغَرْسِ وَمَا الَّذِي لَا يَصِحُّ مِنْ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ مَنْ أَرَادَ إحْدَاثَ نَحْوِ شَجَرٍ فِي أَرْضِهِ مِمَّا يَحْتَاجُ لِزِيَادَةِ سَقْيٍ لَا يُطْلَقُ الْقَوْلُ بِمَنْعِهِ، بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. وَذَلِكَ لِأَنَّ أَرْضَهُ تَكُونُ بَعْدَهَا أَرْضٌ أُخْرَى تَسْتَحِقُّ الشُّرْبَ مِمَّا يَصِلُ إلَيْهَا زِيَادَةً أَوْ لَا يَكُونُ بَعْدَهَا شَيْءٌ بِأَنْ تَكُونَ هِيَ آخِرَ الْأَرَاضِي الَّتِي تَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ فَفِي الْحَالَةِ الْأُولَى يُمْنَعُ مِنْ إحْدَاثِ مَا ذُكِرَ فِيهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا عَلَى مَنْ بَعْدَهُ وَفِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ لَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ؛ لِأَنَّ مَا يَنْزِلُ فِي أَرْضِهِ مِنْ الْمَاءِ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِيهِ فَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِمَا أَرَادَ وَفِي الْحَالَةِ الْأُولَى لَوْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُحْدِثَ فِي أَرْضِهِ مَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِهِ مِمَّا يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِمَّا يُعْتَادُ مِنْ الْمَاءِ فَمَنَعَهُ شُرَكَاؤُهُ فَقَالَ: أَنَا أَسُوقُ لَهُ مِنْ مَحِلٍّ آخَرَ مَا يَكْفِيه مِنْ الْمَاءِ فَهَلْ يُجَابُ هُوَ أَوْ هُمْ؟ وَقَضِيَّةُ مَا مَرَّ عَنْ الرَّوْضَةِ فِي الْجَوَابِ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنْ الْمَاءِ وَيَسْقِي بِهِ أَرْضًا لَيْسَ لَهَا رَسْمٌ مِنْ هَذَا النَّهْرِ مُنِعَ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ لَهَا رَسْمَ شُرْبٍ لَمْ يَكُنْ أَنَّهُمْ يُجَابُونَ؛ لِأَنَّا إذَا مَكَّنَّاهُ مِنْ غَرْسِ مَا ذَكَرَ كَانَ فِيهِ إضْرَارٌ بِهِمْ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قَدْ يَسْتَدِلُّ بِغَرْسِهِ فِي الْأَرْضِ الْمُسْتَحِقَّةِ لِلشُّرْبِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الشُّرْبَ أَيْضًا فَإِنْ قُلْت يُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ بِأَنَّهُ هُنَا لَمْ يَفْعَلْ مَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِمْ الْآنَ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ مَا أَحْدَثَهُ مِنْ الْغَرْسِ سَاقَ لَهُ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيه وَثَمَّ أَحْدَثَ مَا يَضُرُّهُمْ الْآنَ وَهُوَ إجْرَاءُ مَاءِ أَرَاضِيهمْ إلَى غَيْرِهَا، وَفَرْقٌ بَيْنَ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ وَالْمُتَوَقَّعِ قُلْت: هَذَا الْفَرْقُ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَا يَضُرُّهُمْ الْآنَ، وَإِنَّمَا جَاءَ الضَّرَرُ مِنْ أَنَّهُ إذَا اسْتَمَرَّ يَسْقِي تِلْكَ الْأَرْضَ مِنْ مَائِهِمْ وَتَقَادَمَ الْعَهْدُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى مَاتَ مَنْ يَعْرِفُ أَصْلَهَا ظَنَّ حِينَئِذٍ أَنَّ لَهَا رَسْمَ شُرْبٍ، فَمَنْ ادَّعَاهُ صُدِّقَ فِيهِ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَالِ، فَالضَّرَرُ فِيهَا إنَّمَا هُوَ مُتَوَقَّعٌ أَيْضًا، فَإِنْ قُلْت: هَذَا يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِهِ هُنَا بِالْغَرْسِ وَنَحْوِهِ فَكَيْفَ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ؟ قُلْت وَهُنَا يَتَصَرَّفُ فِي مَائِهِ الَّذِي هُوَ مِلْكُهُ أَوْ مُسْتَحَقٌّ لَهُ فَكَمَا قَالُوا ثَمَّ بِمَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ لِكَوْنِهِ سَبَبًا لِجَرِّ الضَّرَرِ عَلَى الشُّرَكَاءِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَا يَقِينًا بَلْ احْتِمَالًا، فَكَذَلِكَ الضَّرَرُ يَمْنَعُ هُنَا مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِهِ بِمَا يَكُونُ سَبَبًا لِذَلِكَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا الشَّرْطُ فِي الْقِسْمَةِ فَإِنْ كَانَتْ إفْرَازًا لَمْ يُؤَثِّرْ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَقْدًا حَتَّى يَتَأَثَّرَ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ وَيَلْزَمُ فِيهَا الشَّرْطُ الصَّحِيحُ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهَا أَنَّهَا تُبَيِّنُ أَنَّ مَا خَرَجَ لِكُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ كَانَ مِلْكَهُ، وَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ فَلَا يُعْتَدُّ بِالشَّرْطِ فِيهَا مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَتْ بَيْعًا تَأْتِي فِيهَا التَّفْصِيلُ فِي الشُّرُوطِ الْوَاقِعَةِ فِيهِ وَهُوَ أَنَّهُ مَا وَافَقَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ كَانَ لَازِمًا، وَإِنْ لَمْ يَشْرُطْ فَلَا فَائِدَةَ لِذِكْرِهِ إلَّا التَّأْكِيدُ وَمَا نَافَى مُقْتَضَاهُ يُبْطِلُهُ إنْ وَقَعَ فِي صُلْبِهِ أَوْ فِي مَجْلِسِهِ، وَمَا لَا يُنَافِيه وَلَا يَقْتَضِيه يَكُونُ لَغْوًا وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، فَالْأَرْضُ الَّتِي يَقْتَسِمُونَهَا هُنَا إنْ كَانَتْ مُسْتَوِيَةَ الْأَجْزَاء صَحَّتْ الْقِسْمَةُ وَلَمْ يُعْتَدَّ

بِمَا وَقَعَ فِيهَا مِنْ الشُّرُوطِ مُطْلَقًا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُسْتَوِيَةَ الْأَجْزَاء كَانَتْ قِسْمَتُهَا تَعْدِيلًا أَوْ رَدًّا وَكِلَاهُمَا بَيْعٌ، فَإِذَا شُرِطَ فِيهَا تَقْدِيمٌ أَوْ تَأْخِيرٌ أَوْ زَرْعٌ فَقَطْ وَكَانَ ذَلِكَ يُنَافِي مُقْتَضَاهَا بَطَلَ وَأَبْطَلَهَا وَإِلَّا فَلَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (سُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) لَوْ كَانَ النَّهْرُ الْأَصْلِيُّ الْمَمْلُوكُ يَتَفَرَّعُ مِنْهُ سَوَاقٍ تَنْقَسِمُ عَلَى أَرَاضٍ فَارْتَوَى أَحَدُهُمْ أَيْ أَحَدُ أَهْلِ السَّوَاقِي الْمُتَفَرِّعَةِ قَبْلَ شَرِيكِهِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَوِي صَرْفُ الْمَاءِ إلَى شَرِيكِهِ فِي الْفَرْعِ أَوْ لَهُ صَرْفُهُ كَيْفَ شَاءَ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: يَجِبُ الصَّرْفُ إلَى الشَّرِيكِ وَاحْتَاجَ صَرْفُ الْمَاءِ إلَى كُلْفَةٍ وَمُؤْنَةٍ فَهَلْ ذَلِكَ عَلَى الْمُرْتَوِي أَوْ عَلَى الْمَصْرُوفِ إلَيْهِ إلَيْهِ وَإِذَا ارْتَوَى جَمِيعُ الْمُتَفَرِّعِينَ عَنْ النَّهْرِ الْأَصْلِيِّ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ صَرْفُ مَا أَخَذُوهُ مِنْ الْمَاءِ إلَى النَّهْرِ الْأَصْلِيِّ أَمْ لَهُمْ صَرْفُهُ كَيْفَ أَرَادُوا؟ فَإِنْ قُلْتُمْ بِصَرْفِهِ إلَى النَّهْرِ الْأَصْلِيِّ فَهَلْ يَجِبُ صَرْفُهُ عَلَى الْمُتَقَدِّمِ أَمْ عَلَى الْمُتَأَخِّرِ أَمْ عَلَى الْجَمِيعِ أَمْ عَلَى مَنْ تَضَرَّرَ بِالْمَاءِ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمَاءِ الْمُبَاحِ وَغَيْرِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَوِي صَرْفُ الْمَاءِ إلَى مَنْ بَعْدَهُ فِي السَّقْيِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَلْزَمُهُ التَّخْلِيَةُ بَيْنَ مَنْ بَعْدَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ الَّذِي اسْتَحَقَّ مَنْ بَعْدَهُ سَقْيُ أَرْضِهِ مِنْهُ فَحِينَئِذٍ إذَا احْتَاجَ إلَى مُؤْنَةٍ وَكُلْفَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ بِهَذَا الْمَاءِ حِينَئِذٍ خَاصَّةٌ بِهِ وَلَيْسَ عَلَى مَنْ ارْتَوَى إلَّا التَّمْكِينُ فَقَطْ. وَعَدَمُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَاءِ بِمَا يَضُرُّ مَنْ اسْتَحَقَّ السَّقْيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا فَرَغَتْ حَاجَتُهُ مِنْهُ صَارَ مُسْتَحَقًّا لِلْغَيْرِ، وَمَا اسْتَحَقَّهُ الْغَيْرُ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا يَضُرُّ ذَلِكَ الْغَيْرَ، وَإِذَا ارْتَوَى جَمِيعُ الْمُتَفَرِّعِينَ عَنْ النَّهْرِ الْأَصْلِيِّ فَتَارَةً يَكُونُ مَاءُ النَّهْرِ مُبَاحًا وَتَارَةً يَكُونُ مَمْلُوكًا لَهُمْ فَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُمْ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا يَصِلُ إلَى أَرْضِ كُلٍّ مِنْهُمْ بِالْقِسْمَةِ يَمْلِكُهُ مِلْكًا مُقَيَّدًا قَبْلَ اسْتِغْنَاءِ مَنْ بَعْدَهُ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الشُّرْبَ مِنْ أَرْضِهِ وَمُطْلَقًا بَعْدَ اسْتِغْنَاءِ مَنْ بَعْدَهُ، وَإِذَا مَلَكَهُ مِلْكًا مُطْلَقًا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ؟ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى النَّهْرِ أَيْضًا، نَعَمْ إنْ اُعْتِيدَ رَدُّهُ إلَى النَّهْرِ الْمُبَاحِ أَوْ الْمَمْلُوكِ لِيَكُونَ مَحْفُوظًا فِيهِ إلَى الِارْتِوَاءِ مِنْهُ لِشُرَكَائِهِ ثَانِيًا حُرِّمَ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمَا يَمْنَعُ رَدَّهُ إلَى النَّهْرِ وَلَمْ يَلْزَمْهُ الرَّدُّ إلَيْهِ، بَلْ التَّخْلِيَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَدِّهِ إلَيْهِ وَمَرَّ فِي الْجَوَابِ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبه مِنْ مَاءٍ مُبَاحٍ أَوْ مَمْلُوكٍ عَلَى مَا مَرَّ فِيهِ وَيَسْقِي بِهِ أَرْضًا لَيْسَ لَهَا رَسْمُ شُرْبٍ مِنْ هَذَا النَّهْرِ مُنِعَ فَلَا يَغِبْ عَنْك اسْتِحْضَارُ ذَلِكَ هُنَا فَمَحِلُّ تَصَرُّفِهِ فِيهِ هُنَا كَيْف شَاءَ مَا لَمْ يَصْرِفْهُ لِأَرْضٍ لَيْسَ لَهَا رَسْمُ شُرْبٍ مِنْ هَذَا النَّهْرِ وَإِلَّا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِمَا مَرَّ ثَمَّ مَبْسُوطًا مَثَلًا وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ مَمْلُوكًا لِوَاحِدٍ وَأَبَاحَ لِآخَرَ السَّقْيَ مِنْهُ أَوْ أَعَارَهُ لَهُ بِطَرِيقِهِ بِأَنْ أَعَارَهُ مَحِلَّ نَبْعِهِ جَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ أَيْضًا كَيْفَ شَاءَ مَا لَمْ يَرْجِعْ الْمُبِيحُ أَوْ الْمُعِيرُ، أَمَّا إذَا رَجَعَ فَيَلْزَمُهُ رَدُّهُ إلَيْهِ وَالْمُؤْنَةُ عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْمُسْتَعِيرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) لَوْ وَجَدْنَا سَاقِيَةً يَتَفَرَّعُ مِنْهَا فُرُوعٌ بَعْضُهَا فِي بَطْنِهَا بِنَاءٌ بِالْحِجَارَةِ كَالثُّقْبِ فِي الْخَشَبَةِ مَثَلًا وَبَعْضُهَا أَيْ: الْفُرُوعُ خَالِيَةٌ عَنْ الْبِنَاءِ فَطَلَبَ الَّذِي فِي بَطْنِ سَاقِيَتِهِ الْبِنَاءُ بَقِيَّةَ شُرَكَائِهِ أَيْ أَهْلَ الْفُرُوعِ الَّذِينَ لَا بِنَاءَ فِي سَوَاقِيهِمْ أَنْ يَبْنُوا مِثْلَهُ فَهَلْ يُجْبَرُونَ حَيْثُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِمْ سِوَى كُلْفَةِ الْبِنَاءِ أَمْ لَا لَا وَلَوْ حَصَلَ الطَّلَبُ مِنْ أَحَدِ الَّذِينَ لَا بِنَاءَ عَلَيْهِمْ فِي سَوَاقِيهِمْ وَطَلَبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا هَلْ يُجْبَرُ عَلَيْهِ الْمُمْتَنِعُ حَيْثُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمَطْلُوبِ مِنْهُ أَمْ لَا؟ وَفَائِدَةُ الْبِنَاءِ الْفِرَارُ مِنْ أَنْ يَخْفِضَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ أَرْضَهُ وَالسَّاقِيَةَ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ فَيَفُوزَ بِكُلِّ الْمَاءِ أَوْ أَكْثَرِهِ دُونَ شُرَكَائِهِ. وَبِالْبِنَاءِ يَزُولُ الْمَحْذُورُ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) : بِأَنَّا حَيْثُ وَجَدْنَا بَعْضَ الْفُرُوعِ فِي بَاطِنِهِ بِنَاءٌ بِالْحِجَارَةِ وَبَعْضُهَا لَيْسَ كَذَلِكَ وَلَا نَدْرِي هَلْ وُضِعَ كُلٌّ مِنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ لَا؟ حَكَمْنَا بِحَقِّيَّةِ كُلِّ سَاقِيَةٍ أَوْ فَرْعٍ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ. وَلَا يُجَابُ مَنْ طَلَبَ اسْتِوَاءَهَا فِي الْبِنَاءِ أَوْ عَدَمِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ فِي كُلِّ مَوْضُوعٍ لَا يُعْلَمُ أَصْلُهُ أَنَّهُ وُضِعَ بِحَقٍّ فَلَا يُجَابُ مَنْ طَلَبَ تَغْيِيرَهُ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ أَمْ لَا، وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّ أَحَدَهُمْ قَدْ يَخْفِضُ أَرْضَهُ وَسَاقِيَتَهُ فَيَفُوزُ بِكُلِّ الْمَاءِ أَوْ أَكْثَرِهِ وَلَا إلَى أَنَّ الْبِنَاءَ يُزِيلُ هَذَا الْمَحْذُورَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ فِعْلِ ذَلِكَ وَعَلَى تَقْدِيرِهِ فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ مُتَمَكِّنٌ مِنْ

رَفْعِ الْفَاعِلِ إلَى الْحَاكِمِ لِيَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ. . (وَسُئِلَ) لَوْ أَرَادَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنْ هَذَا الْمَاءِ الْمُبَاحِ وَيَسْقِيَ بِهِ أَرْضًا لَيْسَ لَهَا رَسْمُ شُرْبٍ مِنْ هَذَا النَّهْرِ الْمَمْلُوكِ أَوْ يُحْيِيَ تَحْتَهَا مَوَاتًا وَيَسْقِيَ مَا أَحْيَاهُ بِمَا صَارَ إلَيْهِ مِنْ هَذَا الْمَاءِ هَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ثَمَّ مَنْ يَحْتَاجُ لِفَاضِلِ الْمَاءِ أَمْ لَا؟ وَلَوْ كَانَ يَحْتَاجُهُ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ فَمَا حُكْمُهُ؟ وَقَوْلُ الْإِرْشَادِ لَا حَادِثَ ضَيِّقٌ يُشِيرُ إلَى الْجَوَازِ عِنْدَ عَدَمِ الضِّيقِ وَمَا الْمُرَادُ مِنْ هَذَا الضِّيقِ الْمَانِعِ مِنْ سَقْيِ الْحَادِثِ؟ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ الرَّوْضَةِ وَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنْ الْمَاءِ وَيَسْقِيَ بِهِ أَرْضًا لَيْسَ لَهَا رَسْمُ شُرْبٍ مِنْ هَذَا النَّهْرِ مُنِعَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ لَهَا شُرْبًا لَمْ يَكُنْ اهـ. قَالَ السَّمْهُودِيُّ فِي فَتَاوِيهِ: وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ زَادَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي لَهَا رَسْمُ شُرْبٍ مِنْ هَذَا النَّهْرِ مُنِعَ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ لِتِلْكَ الزِّيَادَةِ شُرْبًا لَمْ يَكُنْ، لَكِنْ قَدْ يَكُونُ الْمَاءُ الْجَارِي فِي النَّهْرِ وَاسِعًا فَإِنْ مَنَعْنَاهُ أَضْرَرْنَا بِهِ، وَإِنْ تَرَكْنَاهُ يُحْيِي وَيَسْقِي أَضْرَرْنَا بِشُرَكَائِهِ إذَا حَكَمْنَا عِنْدَ التَّنَازُعِ بِأَنَّ لَهَا شُرْبًا لَمْ يَكُنْ، وَيُجْعَلُ الْمِلْكُ فِي النَّهْرِ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضَيْنِ عِنْدَ طُولِ الزَّمَانِ وَانْدِرَاسِ الْحُقُوقِ وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ النَّهْرِ وَالْمَاءِ الْمَمْلُوكَيْنِ وَالْمُبَاحَيْنِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ أَوْ شَيْءٍ مِنْهُ أَمْ لَا؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ؟ (فَأَجَابَ) : قَدْ مَرَّ الْجَوَابُ مَبْسُوطًا آخِرَ الْجَوَابِ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ فَلَا نُطِيلُ بِذِكْرِهِ هُنَا، وَكَانَ الْأَنْسَبُ تَأْخِيرَهُ إلَى هُنَا لَكِنَّهُ عِنْدَ كِتَابَتِهِ ثَمَّ لَمْ أَدْرِ أَنَّكُمْ أَفْرَدْتُمُوهُ بِسُؤَالٍ مُسْتَقِلٍّ، وَحَاصِلُ الَّذِي مَرَّ ثَمَّ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنْ النَّهْرِ الْمَمْلُوكِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ وَيَسْقِي بِهِ أَرْضًا أُخْرَى لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ لَيْسَ لَهَا رَسْمُ شُرْبٍ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ مُنِعَ، وَكَذَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يُحْيِيَ تَحْتَ أَرْضِهِ مَوَاتًا وَيَسْقِيَهُ بِمَا صَارَ إلَيْهِ مِنْ هَذَا الْمَاءِ فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا، أَمَّا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مِنْ نَهْرٍ مُبَاحٍ فَإِنْ كَانَ يُضَيِّقُ بِهِ عَلَى مَنْ اسْتَحَقُّوا الشُّرْبَ مِنْهُ مُنِعَ وَإِلَّا فَلَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِحْيَاءِ وَتَبِعَهُ فِي الْإِرْشَادِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُهُمَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَمُنَازَعَةُ الْأَذْرَعِيِّ فِي تَصْرِيحِ الرُّويَانِيِّ بِذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ غَيْرِ الْإِحْيَاءِ رَدَدْتهَا ثَمَّ بِكَلَامِ الرَّوْضَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِحْيَاءِ، وَالْمُرَادُ بِالضِّيقِ الْمَانِعِ مِنْ إحْدَاثِ الْإِحْيَاء أَنْ لَا يَكُونَ الْمَاءُ يَفِي بِالْحَادِثِ مَعَ الْقُدَمَاءِ، أَمَّا إذَا كَانَ يَفِي بِالْجَمِيعِ أَيْ: بِقَدْرِ حَاجَاتِهِمْ الْمُخْتَلِفَةِ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَأَنْوَاعِ الْمَزْرُوعَاتِ وَالْمَغْرُوسَاتِ فَلَا يُمْنَعُ الْحَادِثُ مِنْ الْإِحْيَاءِ، بَلْ يَسْقِي كُلَّ مَا شَاءَ مَتَى شَاءَ، وَمَا ذَكَرَهُ السَّمْهُودِيُّ أَنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْ عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ صَحِيحٌ، وَقَوْلُ السَّائِلِ: لَكِنْ قَدْ يَكُونُ الْمَاءُ الْجَارِي إلَخْ جَوَابُهُ: أَنَّهُ لَا نَظَرَ لِسَعَتِهِ حَيْثُ أَضَرَّتْ بِشُرَكَائِهِ وَلَوْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عِنْدَ كَوْنِ النَّهْرِ مَمْلُوكًا لَهُمْ أَمَّا عِنْدَ كَوْنِهِ مُبَاحًا فَيُنْظَرُ إلَى سَعَتِهِ وَضِيقِهِ كَمَا مَرَّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَنْ أَهْلِ بَلْدَةٍ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَعِظَهُمْ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ زَمَانِهِمْ، فَقَالَ حَاكِمُ تِلْكَ الْبَلْدَةِ: إنِّي لَا آذَنُ لَكُمْ أَنْ يَعِظَكُمْ الرَّجُلُ الْعَالِمُ لِأَجْلِ الْخُصُومَةِ الْوَاقِعَةِ بَيْنِي وَبَيْنَهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الْحَاكِمُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يَجُوزُ لِلْعَالِمِ أَنْ يَعِظَ النَّاسَ بِدُونِ إذْنِ الْحَاكِمِ أَوْ هَلْ يَجُوزُ لِأَهْلِ الْبَلْدَةِ أَنْ يَتَّعِظُوا بِدُونِ إذْنِ الْحَاكِمِ حِينَ يُخَالِفُ الْحَاكِمُ لِخُصُومَتِهِ؟ (فَأَجَابَ) : إنْ كَانَ فِيمَنْ يُرِيدُ وَعْظَ النَّاسِ أَهْلِيَّةٌ لِذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ يَسْلُكُ مَا يَسْلُكُ وُعَّاظُ هَذَا الزَّمَنِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْبَاطِلَةِ الْمَوْضُوعَةِ وَالْقِصَصِ الْكَاذِبَةِ، وَكَانَ يَجْلِسُ لِذَلِكَ فِي بَيْتِهِ أَوْ مَسْجِدٍ صَغِيرٍ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى وَعْظِهِ فِتْنَةٌ جَازَ لَهُ الْوَعْظُ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْحَاكِمِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ لِلْوَعْظِ بِأَنْ لَمْ يُحْسِنْ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْفِقْهِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَإِلَّا نَهَاهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْوَعْظُ، وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْحَاكِمُ، نَعَمْ إنْ كَانَ يَعِظُ مِنْ كِتَابٍ مَوْثُوقٍ كَالْإِحْيَاءِ لَلْغَزَالِيِّ، وَلَمْ يَكُنْ يَلْحَنُ فِيمَا يَقْرَؤُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ جَازَ لَهُ أَنْ يَعِظَ النَّاسَ مِنْ ذَلِكَ الْكِتَابِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ يَذْكُرُ فِي وَعْظِهِ شَيْئًا مِنْ الْكُتُبِ الْبَاطِلَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْأَحَادِيثِ أَوْ الْقِصَصِ الْكَاذِبَةِ فَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَصْلَحَهُ اللَّهُ مَنْعُهُ وَزَجْرُهُ زَجْرًا يَلِيق بِهِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ كَمَا ذُكِرَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي وَعْظِهِ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ وَأَرَادَ الْجُلُوسَ لِذَلِكَ

فِي الْمَسْجِدِ الْكَبِيرِ، فَإِنْ جَرَتْ عَادَةُ تِلْكَ الْبَلَدِ بِاسْتِئْذَانِ حَاكِمِهَا عِنْدَ الْجُلُوسِ لِذَلِكَ وَنَحْوِهِ لَمْ يَجْلِسْ إلَّا إنْ أَذِنَ لَهُ الْحَاكِمُ، وَإِنْ جَرَتْ عَادَتُهُمْ بِأَنَّهُمْ يَجْلِسُونَ لِذَلِكَ بِلَا إذْنِهِ لَمْ يَحْتَجْ لِاسْتِئْذَانِهِ هَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَمْ يُصَرِّحْ الْحَاكِمُ لَهُ بِالْمَنْعِ، أَمَّا إذَا مَنَعَهُ مِنْ الْوَعْظِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ امْتِثَالُ نَهْيِهِ امْتِثَالًا لِمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ إطَاعَةِ أُولِي الْأَمْرِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ أَئِمَّتُنَا: تَجِبُ طَاعَةُ الْإِمَامِ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ أَوْ يَنْهَى عَنْهُ مِمَّا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ هَذَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَمْنُوعِ، وَأَمَّا الْحَاكِمُ الْمَانِعُ لَهُ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ تَأَهَّلَ لِوَعْظٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ الْمُسْلِمِينَ لِيَرُدَّ بِهِ شَارِدَهُمْ وَيَسْتَتِيبَ بِصَوَاعِقِ تَخْوِيفِهِمْ عَاصِيَهُمْ، وَمَتَى فَعَلَ الْحَاكِمُ ذَلِكَ لِحَظِّ نَفْسِهِ فَقَدْ عَرَّضَ نَفْسَهُ لِمَقْتِ اللَّهِ وَغَضَبِهِ وَكَانَ خَصْمًا لِرَسُولِ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّضَ مَنْ تَأَهَّلَ لِذَلِكَ مِنْ أُمَّتِهِ عَلَى فِعْلِهِ تَحْرِيضًا شَدِيدًا أَكِيدًا وَنَهَى عَنْ السَّعْيِ فِي تَعْطِيلِ أَسْبَابِ الْخَيْرِ نَهْيًا بَلِيغًا: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ بِرْكَةٍ فِي مَسْجِدٍ يَتَحَصَّلُ إلَيْهَا مَاءٌ مِنْ مَاءِ الْمَطَرِ هَلْ يَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْ مَائِهَا إلَى الْبُيُوتِ لِلطَّهُورِ أَوْ غَيْرِهِ؟ (فَأَجَابَ) : لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْقُلَ مِنْ مَاءِ تِلْكَ الْبِرْكَةِ شَيْئًا لَا لِطَهُورٍ وَلَا لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ صَارَ مُخْتَصًّا بِمَاءِ تِلْكَ الْبِرْكَةِ الَّتِي هِيَ مِلْكٌ لَهُ أَوْ وَقْفٌ عَلَيْهِ، وَإِذَا اخْتَصَّ بِمَائِهَا لَمْ يَجُزْ نَقْلُهُ مِنْهَا وَفِي الْخَادِمِ عَنْ الْعَبَّادِيِّ أَنَّهُ يَحْرُمُ حَمْلُ شَيْءٍ مِنْ الْمَاءِ الْمُسَبَّلِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْمَحِلِّ كَمَا لَوْ أَبَاحَ لِوَاحِدٍ طَعَامًا لِيَأْكُلَهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ حَمْلُ الْحَبَّةِ مِنْهُ وَلَا صَرْفُهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْآكِلِ ثُمَّ قَالَ: وَفِي هَذَا تَضْيِيقٌ شَدِيدٌ وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَى خِلَافِهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَعَلَى الْأَوَّلِ الْأَوْجَهِ فَهَلْ الْمُرَادُ بِالْمَحِلِّ فِي كَلَامِهِ الْمَحَلَّةُ الَّتِي هُوَ فِيهَا كَنَقْلِ الزَّكَاةِ أَوْ مَوْضِعُهُ الْمَنْسُوبُ إلَيْهِ عَادَةً بِحَيْثُ يَقْصِدُ الْمُسَبَّلَ أَهْلُهُ بِذَلِكَ؟ مَحِلُّ نَظَرٍ وَالثَّانِي أَقْرَبُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) هَلْ لِأَحَدٍ أَنْ يُحْيِيَ مَوَاتًا فِي طَرِيقِ السَّيْلِ يَزْرَعُهُ وَيَسْقِي بِهِ قَبْلَ مَنْ لَهُمْ أَمْلَاكٌ تَسْقِي بِالسَّيْلِ الْمَذْكُورِ أَوْ لَا؟ فَإِنْ كَانَ لَهُ إحْدَاثُ الْإِحْيَاءِ الْمَذْكُورِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَسْقِيَ قَبْلَ مَنْ لَهُ الْأَمْلَاكُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى إحْيَائِهِ الْحَادِثِ أَوْ لَا؟ وَإِذَا قُلْتُمْ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ فَمَا مَعْنَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ يَشْرَبُ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى هَلْ الْمُرَادُ بِالْأَعْلَى الْمُتَقَدِّمُ مِلْكُهُ عَلَى الْإِحْيَاءِ الْحَادِثِ أَمْ الْمُرَادُ بِالْأَعْلَى الْأَقْرَبُ إلَى مَجْرَى السَّيْلِ؟ وَإِنْ كَانَ إحْيَاؤُهُ حَادِثًا فَإِنْ قُلْتُمْ: الْمُرَادُ بِالْأَعْلَى هُوَ السَّابِقُ مِلْكُهُ عَلَى الْإِحْيَاءِ الْحَادِثِ فَهَلْ لِلْمُلَّاكِ الْأَقْدَمِينَ مَنْعُ الْمُحْيِي الْحَادِثِ مِنْ التَّقَدُّمِ بِالسَّقْيِ أَمْ لَا؟ وَإِذَا قُلْتُمْ: لَهُمْ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ فَهَلْ مَنْعُ بَعْضِ الْمُلَّاكِ كَافٍ فِي مَنْعِهِ مِنْ التَّقَدُّمِ عَلَى الْجَمِيعِ أَمْ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْمَانِعِ فَقَطْ؟ وَهَلْ يَفْتَرِقُ الْحَالُ فِي مَنْعِهِ مِنْ التَّقَدُّمِ بِالسَّقْيِ بَيْنَ مَنْعِهِمْ كُلِّهِمْ أَوْ بَعْضِهِمْ أَوْ إذْنِهِمْ كُلِّهِمْ أَوْ بَعْضِهِمْ أَوْ بِسُكُوتِهِمْ كُلِّهِمْ أَوْ بَعْضُهُمْ أَوْ لَا؟ وَهَلْ إذَا تَقَدَّمَ بِالسَّقْيِ مُدَّةً طَوِيلَةً وَمَاتَ وَلَهُ وَرَثَةٌ هَلْ يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا يُمْنَعُ هُوَ لَوْ كَانَ حَيًّا أَمْ لَا؟ وَهَلْ مَنْعُهُ مُخْتَصٌّ بِأَهْلِ الضَّيْعَةِ الَّتِي أَحْيَا فَوْقَهُمْ أَمْ ذَلِكَ لِكُلِّ مَنْ يَشْرَبُ بِالسَّيْلِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ كَانَ فِي ضَيْعَةٍ أُخْرَى قَرُبَتْ أَمْ بَعُدَتْ؟ وَهَلْ لِمَنْ كَانَ لَهُ مِلْكٌ سَابِقٌ فِي الضَّيْعَةِ الَّتِي وَقَعَ الْإِحْيَاءُ فَوْقَهَا وَمِلْكٌ سَابِقٌ بِضَيْعَةٍ أُخْرَى تَشْرَبُ بِالسَّيْلِ الْمَذْكُورِ مَنْعُهُ مِنْ التَّقَدُّمِ بِسَبَبِ مِلْكِهِ الَّذِي فِي الضَّيْعَةِ الْأُخْرَى قَرُبَتْ أَمْ بَعُدَتْ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) : أَصْحَابُ الْأَرَاضِي الَّتِي تُسْقَى بِالسَّيْلِ يَمْلِكُونَ مَرَافِقَهَا، وَمِنْ جُمْلَةِ تِلْكَ الْمَرَافِقِ مَمَرُّ ذَلِكَ السَّيْلِ الْمُسْتَقِرُّ لَهُ فَلِكُلٍّ مِنْ مُلَّاكِ تِلْكَ الْأَرَاضِي الْمَنْعُ مِنْ الْإِحْيَاءِ فِي ذَلِكَ الْمَمَرِّ مُطْلَقًا، فَإِنْ كَانَ الْإِحْيَاءُ خَارِجًا عَنْ ذَلِكَ الْمَمَرِّ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ إلَّا إنْ أَرَادَ سَقْيَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَمَرِّ الْمُسْتَحَقِّ لِأُولَئِكَ فَلَهُمْ حِينَئِذٍ مَنْعُهُ مِنْ نَفْسِ الْإِحْيَاءِ إذَا ضَيَّقَ عَلَيْهِمْ بِهِ قَالَ الشَّيْخَانِ: لِأَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوا أَرْضَهُمْ بِمَرَافِقِهَا، وَالْمَاءُ أَعْظَمُ مَرَافِقِهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْإِحْيَاءُ خَارِجًا عَنْ الْمَمَرِّ وَلَمْ يُرِدْ الْمُحْيِي سَقْيَ مَا أَحْيَاهُ مِنْهُ أَوْ أَرَادَهُ وَلَمْ يُضَيِّقْ عَلَى أَرْبَابِ تِلْكَ الْأَرَاضِي فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مَنْعُهُ مِنْ الْإِحْيَاءِ حِينَئِذٍ لَكِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ السَّقْيَ مِنْ ذَلِكَ السَّيْلِ الْمُسْتَحَقِّ لِتِلْكَ الْأَرَاضِي إلَّا بَعْدَ أَنْ تَشْرَبَ جَمِيعُ

الْأَرَاضِي السَّابِقِ إحْيَاؤُهَا عَلَى إحْيَائِهِ، سَوَاءٌ الَّتِي فِي ضَيْعَتِهِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا. وَإِنْ بَعُدَتْ وَفَحُشَ بُعْدُهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ أَرْضٍ سَبَقَ إحْيَاؤُهَا عَلَى إحْيَاءِ هَذَا الْحَادِثِ تَسْتَحِقُّ الشُّرْبَ قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ أَقْرَبَ إلَى مَجْرَى السَّيْلِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ السَّبْقَ لَيْسَ بِالْقُرْبِ، بَلْ بِالسَّبَقِ فِي الْإِحْيَاءِ وَحَيْثُ قُلْنَا بِأَنَّ لَهُمْ مَنْعَهُ مِنْ الْإِحْيَاءِ أَوْ السَّقْيِ فِي الصُّوَرِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كُلِّهِمْ وَبَعْضِهِمْ وَلَا بَيْنَ سُكُوتِهِمْ عَنْهُ مُدَّةً وَمُبَادَرَتِهِمْ بِالْمَنْعِ عَقِبَ الْإِحْيَاءِ فَلِبَعْضِهِمْ، وَإِنْ سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ الْمُحْيِي الْحَادِثِ إلَى أَنْ مَاتَ أَنْ يَمْنَعَ وَرَثَتَهُ مِنْ الْإِحْيَاءِ أَوْ السَّقْيِ بِتَفْصِيلِهِمَا السَّابِقِ، وَالْمَنْعُ مِنْ الْإِحْيَاءِ لَا يُمْكِنُ تَبْعِيضُهُ، فَإِذَا مَنَعَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ كَفَى، وَأَمَّا الْمَنْعُ مِنْ السَّقْيِ فَيُمْكِنُ تَبْعِيضُهُ، فَإِذَا مَنَعَهُ وَاحِدٌ مَثَلًا امْتَنَعَ حَتَّى تُسْقَى أَرْضُ السَّابِقِ إحْيَاؤُهَا، سَوَاءٌ اتَّحَدَتْ أَمْ تَعَدَّدَتْ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ أَرَاضِيه فِي ضَيْعَةٍ وَاحِدَةٍ أَمْ ضِيَعٍ، نَعَمْ لَوْ تَخَلَّلَ بَيْنَ أَرَاضِي وَاحِدٍ أَرْضٌ لِغَيْرِهِ وَأَرَادَ ذَلِكَ الْغَيْرُ أَنْ يُؤْثِرَ ذَلِكَ الْحَادِثَ بِقَدْرِ مَا تَسْتَحِقُّهُ أَرْضُهُ مِنْ الشُّرْبِ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ سَابِقِ إذْنٍ فَيُقَدَّمُ الْمَأْذُونُ لَهُ عَلَى الْمُتَأَخِّرِ عَنْ الْآذِنِ بِقَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْآذِنُ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِإِذْنِ بَعْضِهِمْ إلَّا بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ السَّقْيِ فَقَطْ. وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْإِحْيَاءِ فَلَا يَكْفِي إذْنُ بَعْضِهِمْ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِ جَمِيعِهِمْ لِمَا مَرَّ أَنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُ تَبْعِيضُهُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَلِمَنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ إذْنِهِ، فَإِنْ رَجَعَ الْكُلُّ بَعْدَ إذْنِهِمْ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ أَذِنُوا كُلُّهُمْ ثُمَّ رَجَعَ بَعْضُهُمْ أَثَّرَ رُجُوعُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَنْعِ مِنْ بَقَاءِ ذَلِكَ الْمُحْيِي لَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَنْعِ مِنْ السَّقْيِ إلَّا فِيمَا يَخُصُّهُ فَقَطْ لِمَا عَلِمْت مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَالَيْنِ، نَعَمْ يَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِيمَا إذَا رَجَعُوا عَنْ إذْنِهِمْ بَعْدَ أَنْ أَحْيَا وَعَمَّرَ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَأْتِيَ هُنَا نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِي رُجُوعِ الْمُعِيرِ. (وَسُئِلَ) هَلْ يَحْرُمُ الْمُرُورُ فِي سُوقِ الصَّاغَةِ؟ (فَأَجَابَ) نَعَمْ يَحْرُمُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُمَا وَالْكَلَامُ فِي الْمُرُورِ حَالَ الْمُعَامَلَةِ الْمُحَرَّمَةِ كَالرِّبَا لَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ مَلْحَظَ الْحُرْمَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ الْإِقْرَارُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَهُوَ حَرَامٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ: يَحْرُمُ الْجُلُوسُ مَعَ الْفُسَّاقِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُرُورَ عَلَى الْمُتَبَايِعِينَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ فِيهِ إقْرَارٌ لَهُمْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَغَيْرِهِ يَحْرُمُ الْمُرُورُ أَيَّامَ الزِّينَةِ، وَمَلْحَظُهُ مَا فِيهِ مِنْ التَّقْرِيرِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَمِمَّا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ ذِكْرَ الصَّاغَةِ مَثَلٌ وَإِلَّا فَمَحِلُّ كُلِّ مَعْصِيَةٍ كَذَلِكَ. (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) فِي بِئْرٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ أَقْوَامٍ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَوْمٌ مَعْلُومٌ وَعَلَيْهَا أَرْضٌ مُرْتَفِعَةٌ وَمُنْخَفِضَةٌ مَثَلًا فَالْمُرْتَفِعَةُ لَهَا رَفِيعٌ يُسَاقُ مِنْ عَلَيْهِ الْأَرَاضِي الْمُرْتَفِعَةُ، وَالْمُنْخَفِضَةُ لَهَا أَيْضًا رَفِيعٌ يُسَاقُ مِنْ عَلَيْهِ وَتُرَابُ الرَّفِيعَيْنِ مَعًا مِلْكٌ لِزَيْدٍ وَلِبَاقِي الشُّرَكَاءِ الْمُرُورُ بِالْمَاءِ إلَى أَرَاضِيِهِمْ مِنْ تُرَابِ زَيْدٍ فَانْهَدَمَ الرَّفِيعُ الْأَعْلَى الَّذِي يُسَاقُ مِنْ عَلَيْهِ الْأَرَاضِي الْمُرْتَفِعَةُ وَهِيَ خَاصَّةُ زَيْدٍ أَعْنِي الْأَرَاضِيَ الْمُرْتَفِعَةَ فَعَجَزَ زَيْدٌ عَنْ عِمَارَتِهِ وَهُوَ الْمَالِكُ لِلتُّرَابِ الْمَذْكُورِ فَأَرَادَ أَنْ يَمْضِيَ بِمَائِهِ مِنْ الْبِئْرِ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ مَمَرِّ الشُّرَكَاءِ إلَى أَرْضِهِ الْمُرْتَفِعَةِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ بِمَا يُوَافِقُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ ضَرَرٌ عَلَى شُرَكَائِهِ أَوْ لِلشُّرَكَاءِ مَنْعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ، وَإِنْ أَضَرَّ بِهِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ -: نَعَمْ لِزَيْدٍ أَنْ يُجْرِيَ الْمَاءَ إلَى أَرْضِهِ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ أَرَادَ مِنْ جِهَاتِ مِلْكِهِ الْخَاصَّةِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْأَرَاضِي الْمَذْكُورَةِ مَنْعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ، بَلْ وَلَا إجْبَارُهُ عَلَى عِمَارَةِ الْمَمَرِّ الَّذِي يَسْتَحِقُّونَهُ فِي أَرْضِهِ فَإِنْ أَرَادُوا عِمَارَتَهُ مِنْ مَالِهِمْ حَتَّى يَجْرِيَ الْمَاءُ إلَى أَرَاضِيهِمْ لَمْ يَكُنْ لِزَيْدٍ مَنْعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلْتُ) عَنْ أَرْضٍ لَهَا شُرْبٌ مِنْ أَرَاضٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَرَادَ صَاحِبُهَا الِاقْتِصَارَ عَلَى سَقْيِهَا مِنْ بَعْضِهَا فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ لِتَرْكِهِ بَعْضَ حَقِّهِ أَوْ لَا لِحُصُولِ الضَّرَرِ عَلَى الْمَسْقِيِّ مِنْهُ؟ فَأَجَبْت الْقِيَاسُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِعَادَةِ تِلْكَ الْأَرْضِ فَإِذَا اطَّرَدَتْ بِشُرْبِهَا مِنْ أَرَاضٍ مُتَعَدِّدَةٍ لَمْ يَجُزْ لِمَالِكِهَا الِاقْتِصَارُ بِشُرْبِهَا جَمِيعِهَا عَلَى بَعْضِ تِلْكَ الْأَرَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اطَّرَدَ فِيهَا ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا الِاسْتِحْقَاقُ إلَّا بِقَدْرِ تِلْكَ الْحِصَصِ الَّتِي تَخُصُّهَا مِنْ كُلٍّ مِنْ تِلْكَ الْأَرَاضِي فَإِذَا أَرَادَ مَالِكُهَا أَنْ يَسْقِيَهَا كُلَّهَا مِنْ أَحَدِ

تِلْكَ الْأَرَاضِي كَانَ آخِذً أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ بِمُقْتَضَى الْعَادَةِ الْمَعْمُولِ بِهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تَطَّرِدْ بِأَنْ كَانَتْ مَرَّةً تُسْقَى مِنْ جَمِيعِهَا وَمَرَّةً تُسْقَى مِنْ بَعْضِهَا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا اخْتِصَاصٌ مُعَيَّنٌ مِنْ الْكُلِّ وَلَا مِنْ الْبَعْضِ، بَلْ الثَّابِتُ لَهَا مُطْلَقُ اسْتِحْقَاقِ الشُّرْبِ فَلِمَالِكِهَا اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ تِلْكَ الْأَرَاضِي كُلِّهَا وَمِنْ بَعْضِهَا وَلَا نَظَرَ إلَى ضَرَرٍ يَلْحَقُ بَعْضَ مَالِكِيِّ تِلْكَ الْأَرَاضِيَ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ ثُبُوتِ ذَلِكَ الْحَقِّ الْمُشْتَرَكِ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا لَا عَلَى التَّعْيِينِ وَعِنْدَ تَقَرُّرِ هَذَا الثُّبُوتِ لَا يُنْظَرُ لِلُحُوقِ ذَلِكَ الضَّرَرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) فِيمَا إذَا كَانَ مَوْضِعٌ فِي صَحْرَاءَ يَسِيلُ مَاؤُهُ فِي بُسْتَانِ شَخْصٍ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقُرَى نَحْوُ خَمْسِينَ ذِرَاعًا فَأَرَادَ شَخْصٌ أَنْ يَحْفِرَ فِيهِ بِئْرًا أَوْ يُجْرِيَ فِيهِ نَهْرًا أَوْ يَغْرِسَ فِيهِ غَرْسًا أَوْ يَبْنِيَ فِيهِ بَيْتًا وَنَحْوَ ذَلِكَ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ فِيهِ مَطْرَحُ رَمَادٍ وَسِرْجِينٌ وَقُمَامَاتٌ لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنَّ ذَلِكَ الْمَحَلَّ الَّذِي أُرِيدَ فِيهِ إحْدَاثُ مَا ذُكِرَ إنْ كَانَ مِنْ حَرِيمِ الْبَلَدِ أَوْ بَعْضِ مَزَارِعِهَا أَوْ أَنْهَارِهَا أَوْ مَجَارِي سُيُولِهَا الَّتِي تُرْوَى بِهَا مَزَارِعُهَا أَوْ شَيْءٍ مِنْ بَسَاتِينِهَا أَوْ مِنْ حَرِيمِ ذَلِكَ الْبُسْتَانِ الْمَذْكُورِ فِي السُّؤَالِ أَوْ مَجْرَى مَائِهِ لَمْ يَجُزْ فِيهِ إحْدَاثُ مَا ذُكِرَ إلَّا بِإِذْنِ جَمِيعِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ فِي الْأُولَى أَوْ صَاحِبِ الْبُسْتَانِ فِي الثَّانِيَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ فِيهِ اسْتِحْقَاقٌ فَهُوَ مَوَاتٌ فَلِمَنْ سَبَقَ إلَيْهِ إحْيَاؤُهُ وَمَنْ أَحْيَاهُ مَلَكَهُ بِشَرْطِهِ. (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) سُؤَالًا صُورَتُهُ: سُئِلَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ مِنْ أَكَابِرِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ صَحْرَاءَ يَسِيلُ مَاؤُهَا فِي مَعْمُورٍ فَأَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يَبْنِيَ فِي تِلْكَ الصَّحْرَاءِ بَيْتًا بِحَيْثُ لَا يَمْنَعُ نُزُولَ الْمَاءِ إلَى الْمَعْمُورِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِ الْمَعْمُورِ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ بَيْتًا فِي الصَّحْرَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ أَهْلُ الْمَعْمُورِ إذَا لَمْ يَضُرُّ ذَلِكَ بِهِمْ، وَهَذَا مِنْ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. جَوَابُهُ فَهَلْ جَوَابُكُمْ كَذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّ ذَلِكَ الْمَحَلَّ الَّذِي يُرِيدُ الْبِنَاءَ فِيهِ إنْ كَانَ مَجْرَى مَاءِ الْمَعْمُورِ أَوْ مِنْ حَرِيمِهِ فَلِأَهْلِ الْمَعْمُورِ مَنْعُهُ مِنْ الْبِنَاءِ فِيهِ مُطْلَقًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُمْ مَنْعُهُ مُطْلَقًا، نَعَمْ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا أَنَّ الْأَنْهَارَ الْمُبَاحَةَ فَضْلًا عَنْ الْمَمْلُوكَةِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى حَافَّاتِهَا وَلَا فِي حَرِيمِهَا؛ لِأَنَّ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا حَقًّا فَهِيَ كَالشَّوَارِعِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) سُؤَالًا صُورَتُهُ: قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ مِنْ الْبَابِ السَّابِعِ فِي الْفَتَاوَى إذَا أَقْطَعَ السُّلْطَانُ جُنْدِيًّا أَرْضًا فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ إجَارَتُهَا أَمْ لَا؟ الْجَوَابُ نَعَمْ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِمَنْفَعَتِهَا وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُهَا مُعَرَّضَةً لَأَنْ يَسْتَرِدَّهَا السُّلْطَانُ بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَا يَجُوزُ لِلزَّوْجَةِ أَنْ تُؤَجِّرَ الْأَرْضَ الَّتِي هِيَ صَدَاقُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، وَإِنْ كَانَتْ مُعَرَّضَةً لَأَنْ يَسْتَرِدَّهَا مِنْهَا بِفَسْخٍ أَوْ غَيْرِهِ اهـ. قَالَ الْبُرْهَانُ الْفَزَارِيّ: وَكَانَ وَالِدِي يُفْتِي بِبُطْلَانِ إجَارَةِ الْإِقْطَاعِ وَمُسْتَنَدُهُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ إجَارَةُ الْإِقْطَاعِ بِمُجَرَّدِ الْإِقْطَاعِ وَأَنَا مُوَافِقٌ فِي ذَلِكَ وَتَحْقِيقُ الْبَحْثِ عِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَرْجِعُ إلَى شَيْءٍ وَهُوَ أَنَّ الْمُقْطَعَ هَلْ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ الْأَرْضِ الْمُقْطَعَةِ بِالْإِقْطَاعِ أَوْ لَا؟ فَإِنْ قِيلَ: إنَّهُ مَلَكَهَا فَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ تَصِحُّ الْإِجَارَةُ بِذَلِكَ، وَإِنْ قِيلَ إنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا لَمْ تَصِحَّ بِمُجَرَّدِ الْإِقْطَاعِ وَكَأَنَّهُ أُبِيحَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهَا كَالْمُسْتَعِيرِ. فَنَقُولُ: لَمْ يَمْلِكْهَا، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِهِ: الْمُؤَبَّدُ مِنْ الْإِقْطَاعِ يَكُونُ تَمْلِيكًا وَيَكُونُ غَيْرَ تَمْلِيكٍ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «لَمَّا قَدِمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ أَقْطَعَ النَّاسَ الدُّورَ» مَعْنَاهُ أَنْزَلَهُمْ فِي دُورِ الْأَنْصَارِ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ: وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَتَأَوَّلُ إقْطَاعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُهَاجِرِينَ الدُّورَ عَلَى مَعْنَى الْعَارِيَّةِ فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُجَرَّدِ الْإِقْطَاعِ الْمِلْكُ. وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ وَكَانَ قَبْلَ الْإِقْطَاعِ لِغَيْرِ الْمُقْطَعِ قَطْعًا احْتَمَلَ أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ، وَإِذَا كَانَ الْأَصْلُ بَقَاءُ الْمِلْكِ الْمُحَقَّقِ فَلَا يَكُونُ الْمُقْطَعُ مَالِكًا عَمَلًا بِالْأَصْلِ السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ سِوَى مُجَرَّدِ الْإِقْطَاعِ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ زَوَالَ الْمِلْكِ وَلَا يَصْلُحُ مُعَارِضًا لِلْأَصْلِ الْمَذْكُورِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْمُقْطَعُ مَالِكًا لِلْمَنْفَعَةِ فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ كَالْمُسْتَعِيرِ، وَإِذَا عَرَفْت هَذَا التَّحْقِيقَ عَرَفْت انْدِفَاعَ الْقِيَاسِ الَّذِي

ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مَحْيِي الدِّينِ وَأَنَّ الْأَرْضَ الَّتِي هِيَ صَدَاقٌ لِلزَّوْجَةِ مَلَكَهَا بِالْعَقْدِ وَلَيْسَ مِلْكُ الصَّدَاقِ مُتَوَقِّفًا عِنْدَنَا عَلَى الدُّخُولِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَى الدُّخُولِ الِاسْتِقْرَارُ وَهُنَا لَمْ يَمْلِكْ الْمُقْطَعُ الْأَرْضَ بِلَا شَكٍّ وَلِهَذَا لَوْ أَرَادَ بَيْعَهَا مُنِعَ مِنْهُ وَالتَّرَدُّدُ وَقَعَ فِي مِلْكِهِ الْمَنْفَعَةَ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَلَيْسَ الْمُقْطَعُ مَالِكًا لِأَرْضٍ وَلَا مَنْفَعَتِهَا، وَالصَّدَاقُ مَمْلُوكٌ لِلزَّوْجَةِ بِالْعَقْدِ وَقَاسَ بَعْضُهُمْ إجَارَةَ الْإِقْطَاعِ عَلَى إجَارَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَلَا يَتِمُّ هَذَا الْقِيَاسُ أَيْضًا، فَإِنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ يَمْلِكُ مَنْفَعَةَ الْوَقْفِ. وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ: زَوَائِدُ الْوَقْفِ وَمَنَافِعُهُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ فِي أَمْلَاكِهِمْ جَزَمَ بِذَلِكَ وَحَكَى قَوْلًا أَنَّهُ يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ أَيْضًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْإِقْطَاعُ كَالْوَقْفِ إلَّا إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُقْطَعَ يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ وَلَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْمَوْقُوفَ إذَا صَحَّ لَزِمَ وَلَمْ يَكُنْ لِلْوَاقِفِ الرُّجُوعُ عَنْهُ، فَالْإِقْطَاعُ إنَّمَا يُخْرِجُهُ الْإِمَامُ عَلَى وَجْهِ الْجَوَازِ لَا عَلَى وَجْهِ اللُّزُومِ، وَلِهَذَا يَرْجِعُ فِيهِ إذَا رَأَى ذَلِكَ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ إجَارَةُ الْوَقْفِ لِكَوْنِهِ وَقْفًا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُؤَجِّرُهُ إذَا جَعَلَهُ الْوَاقِفُ نَاظِرًا أَوْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ مَنْ لَهُ ذَلِكَ شَرْعًا وَنَظِيرُهُ هُنَاكَ أَنَّ الْمُقْطَعَ لَا يُؤَجِّرُ الْإِقْطَاعَ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ مَقْطَعًا، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي الْإِجَارَةِ جَازَ حِينَئِذٍ، وَإِذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مَلَكَ مَنْفَعَةَ الْوَقْفِ جَزْمًا وَالرَّقَبَةَ عَلَى قَوْلٍ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ بِكَوْنِهِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، فَالْمُقْطَعُ أَوْلَى أَنْ لَا يُؤَجِّرَ الْإِقْطَاعَ بِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ مُقْطَعًا فَإِنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ الرَّقَبَةَ جَزْمًا وَلَا يَثْبُتُ مِلْكُهُ لِلْمَنْفَعَةِ بَلْ الْأَصْلُ عَدَمُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْحِصْنِيُّ فِي الْمُرْشِدِ: وَلِلْمُقْطَعِ أَنْ يُؤَجِّرَ الْأَرْضَ الَّتِي أَقْطَعَهَا الْإِمَامُ وَلَوْ بِلَا إذْنِهِ فِي الْمُخْتَارِ، وَكُلُّ مَنْ مَلَكَ التَّصَرُّفَ بِمِلْكٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَهُ إجَارَتُهُ وَإِعَارَتُهُ وَالتَّصَرُّفُ كَيْفَ شَاءَ اهـ. وَقَالَ الْعُثْمَانِيُّ الصَّفَدِيُّ: وَالْمَشْهُورُ وَالْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ صِحَّتُهَا قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لِأَنَّ الْجُنْدِيَّ يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ قَالَ السُّبْكِيّ مَازِلْنَا نَسْمَعُ عَنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ بِالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ يَقُولُونَ بِصِحَّةِ إجَارَةِ الْإِقْطَاعِ (فَأَجَابَ) جَلَى اللَّهُ عَنْ مِرْآةِ قُلُوبِنَا بِفَيْضِ مَدَدِهِ وَمَعْلُومَاتِهِ رِبْقَةَ الْإِشْكَالِ: الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيمِ مُقَدِّمَةٍ وَهِيَ أَنَّ التَّقِيَّ السُّبْكِيّ قَالَ: الْإِقْطَاعَاتُ الْمَعْرُوفَةُ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنْ السُّلْطَانِ لِلْجُنْدِ فِي أَرْضٍ عَامِرَةٍ تَسْتَغِلُّهَا وَتَكُونُ لَهُمْ فَوَائِدُهَا وَمَنَافِعُهَا مَا لَمْ يَنْزِعْهَا مِنْهُمْ أَوْ يَمُوتُوا لَمْ أَجِدْ لَهُ ذِكْرًا فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ، وَتَسْمِيَتُهُ إقْطَاعًا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ: إنَّ الْإِقْطَاعَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَوَاتِ، وَتَجْوِيزُهُ يَحْتَاجُ إلَى أَصْلٍ يَسْتَنِدُ إلَيْهِ وَإِلَى تَخْرِيجِ طَرِيقٍ فِقْهِيٍّ حَتَّى يُقَالَ إنَّ الْمُقْطَعَ بِمُجَرَّدِ الْإِقْطَاعِ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ وَالْفَوَائِدَ وَأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا، وَإِنَّمَا يَقُومُ مَقَامَ الْإِمَامِ فِي اسْتِغْلَالِهَا وَإِيجَارِهَا ثُمَّ يَسْتَأْثِرُ بِمَا تَحَصَّلَ اقْتَضَى تَسْلِيطُ الْإِمَامِ عَلَى أَخْذِهِ قَبْلَ اسْتِئْثَارِهِ بِهِ، وَأَنَّهُ مِلْكٌ لِرَبِّ الْمَالِ وَكُلُّ ذَلِكَ مُشْكِلٌ. وَعَلَى الْفَقِيهِ الْفِكْرُ فِيهِ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْإِقْطَاعَاتِ، بَلْ الرِّزَقِ الَّتِي يُطْلِقُهَا السُّلْطَانُ لِلْفُقَرَاءِ وَغَيْرِهِمْ يَجْرِي فِيهَا هَذَا الْكَلَامُ وَمِنْ فَوَائِدِ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّى أَحَدٌ وَزَرَعَهَا هَلْ نَقُولُ يَجِبُ عَلَيْهِ أُجْرَتُهَا لِصَاحِبِهَا لِأَنَّهُ مَلَكَ مَنْفَعَتَهَا بِالْإِقْطَاعِ أَوْ الْإِطْلَاقُ مُجَرَّدُ الِاخْتِصَاصِ الْمُتَحَجِّرِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى اشْتِرَاكِ النَّاسِ فِيهَا وَالزَّارِعُ أَحَدُهُمْ؟ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: الْإِقْطَاعُ تَسْوِيغُ الْإِمَامِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ شَيْئًا لِمَنْ يَرَاهُ أَهْلًا لِذَلِكَ وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي إقْطَاعِ الْأَرْضِ وَهُوَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهَا لَهُ مَا يُجَوِّزُهُ، وَأَمَّا أَنْ يُمَلِّكَهُ إيَّاهُ فَيُعَمِّرَهُ أَوْ يَجْعَلَ لَهُ غَلَّتَهُ مُدَّةً هَذَا مَعْنَى الْإِقْطَاعِ الَّذِي فِي هَذَا الزَّمَانِ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا لَمْ يَذْكُرُوهُ اهـ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَلَا أَظُنُّ فِي جَوَازِ الْإِقْطَاعِ الْمَذْكُورِ إذَا صَدَرَ فِي مَحِلِّهِ لِمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ النَّجْدَةِ قَدْرًا يَلِيقُ بِالْحَالِ مِنْ غَيْرِ مُجَازَفَةٍ خِلَافًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَمِمَّنْ ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِقِيُّ قَالَ: ثُمَّ بِعَدَدِ هَذَا وَقَفْت عَلَى مُصَنَّفٍ قَدِيمٍ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا سَمَّاهُ كِتَابَ مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ أَرَاضِي الْإِسْلَامِ وَتَصَرُّفِ الْإِمَامِ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقْطِعَ الْجُنْدِيَّ مِنْ أَرَاضِي بَيْتِ الْمَالِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِ مِنْ غَيْر زِيَادَةٍ، قَالَ وَمَا يَأْخُذُهُ الْجُنْدِيُّ عَلَى الزِّرَاعَةِ لَيْسَ بِخَرَاجٍ

بَلْ هُوَ أُجْرَةُ الْأَرْضِ وَيَحِلُّ لَهُمْ تَنَاوُلُ الْغَلَّةِ وَغَيْرِهَا إذَا كَانَ بِالِاتِّفَاقِ وَالْمُرَاضَاةِ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ فَحَرَامٌ قَطْعًا، وَكَذَا مَا يَأْخُذُهُ الْمُقْطَعُونَ مِنْ الْفَلَّاحِينَ وَالْمُزَارِعِينَ مِنْ الْغَنَمِ وَالدَّوَابِّ وَالْعَسَلِ وَالدَّجَاجِ فَهُوَ جَوْرٌ وَظُلْمٌ اهـ. وَيُعْلَمُ مِنْ قَوْلِ السُّبْكِيّ: هَذِهِ الْإِقْطَاعَاتُ الْمَعْرُوفَةُ فِي هَذَا الزَّمَانِ لَمْ أَجِدْ لَهَا ذِكْرًا فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ مِنْ إقْطَاعِ الِاسْتِغْلَالِ وَجَعْلِهِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: عُشْرٍ، وَخَرَاجٍ لَيْسَ هُوَ هَذَا الْإِقْطَاعَ الْمَعْرُوفَ فِي هَذَا الزَّمَانِ، فَإِنَّهُ إنَّمَا هُوَ إقْطَاعُ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ أَيْ: أَرْضِ بَيْتِ الْمَالِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَأَمَّا إقْطَاعُ الْعُشْرِ فَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ زَكَاةٌ لِأَصْنَافٍ يَصِيرُ مِنْهُ اسْتِحْقَاقُهُمْ عِنْدَ دَفْعِهَا إلَيْهِمْ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونُوا مِنْ أَهْلِهَا وَقْتَ اسْتِحْقَاقِهَا؛ وَلِأَنَّهَا تَجِبُ بِشُرُوطٍ قَدْ يَجُوزُ أَنْ لَا تُوجَدَ فَلَا تَجِبُ قَالَ: وَأَمَّا الْخَرَاجُ فَيَخْتَلِفُ حُكْمُ إقْطَاعِهِ بِاخْتِلَافِ حَالِ مُقْطَعِهِ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ. وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَلِكَ. الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ رِزْقٌ مَفْرُوضٌ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقْطَعُوهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يُقْطَعُوا مِنْ مَالِ الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ نَفْلِ أَهْلِ الْفَيْءِ لَا مِنْ فَرِيضَتِهِ كَمَا يُعْطَوْنَ مِنْ غَلَّاتِ الْمَصَالِحِ. وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونُوا مِنْ مُرْتَزِقَةِ أَهْل الْفَيْء وَفَرِيضَة الدِّيوَان وَهُمْ الْجَيْشُ فَهُمْ أَخَصُّ النَّاسِ بِجِوَارِ الْإِقْطَاعِ؛ لِأَنَّ لَهُمْ أَرْزَاقًا مُقَدَّرَةً تُصْرَفُ إلَيْهِمْ مَصْرِفَ الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّهَا أَعْوَاضٌ عَمَّا أَرَصَدُوا نُفُوسَهُمْ لَهُ مِنْ حِمَايَةِ الْبَيْضَةِ وَالذَّبِّ عَنْ الْحُرَمِ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَقْسَامِ وَالشُّرُوطِ يَجْرِي فِي إقْطَاعَاتِ هَذَا الزَّمَانِ، فَأَمَّا الْإِمَامُ فَلَا يَخْلُو إقْطَاعُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدِهَا أَنْ يُقَدِّرَ سِنِينَ مَعْلُومَةً فَيَصِحُّ إذَا رُوعِيَ فِيهِ كَوْنُ رِزْقِ الْمُقْطَعِ مَعْلُومَ الْقَدْرِ عِنْدَ بَاذِلِ الْإِقْطَاعِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ. وَكَوْنُ قَدْرِ الْخَرَاجِ مَعْلُومًا عِنْدَ الْمُقْطَعِ وَالْبَاذِلِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا، الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يُقْطِعَهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ ثُمَّ لِوَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَهَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ بِهَذَا الْإِقْطَاعِ عَنْ حُقُوقِ بَيْتِ الْمَالِ إلَى الْأَمْلَاك الْمَوْرُوثَةِ وَحِينَئِذٍ فَمَا اجْتَبَاهُ بِإِذْنٍ فِي عَقْدٍ فَاسِدٍ بَيْنَ أَهْلِ الْخَرَاجِ يَقْبِضُهُ وَيُحَاسَبُ بِهِ مِنْ جُمْلَةِ رِزْقِهِ، فَإِنْ زَادَ رَدَّ الزِّيَادَةَ وَإِلَّا رَجَعَ بِالْبَاقِي، وَأَظْهَرَ لَهُ السُّلْطَانُ فَسَادَ الْقَبْضِ حَتَّى يَمْتَنِعَ مِنْ الْقَبْضِ وَهُمْ مِنْ الدَّفْعِ، فَإِنْ دَفَعُوا بَعْدَ إظْهَارِ ذَلِكَ لَهُمْ لَمْ يَبْرَءُوا لَهُمْ، الْقِسْمُ الثَّالِثُ أَنْ يُقْطِعَهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِ فَفِي صِحَّتِهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ إذَا قِيلَ: إنَّ حُدُوثَ زَمَانَتِهِ لَا يَقْتَضِي سُقُوطَ رِزْقِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ اهـ. حَاصِلُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِذَا تَقَرَّرَ عُدْنَا إلَى مَسْأَلَتِنَا فَنَقُولُ: كَلَامُ النَّوَوِيِّ فِي فَتَاوِيهِ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْإِقْطَاعِ الْوَاقِعِ فِي هَذَا الزَّمَانِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ إجَارَتِهِ فَرْعُ صِحَّتِهِ، وَقَدْ مَرَّ كَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ، وَمَا نَقَلَهُ فِيهِ مِنْ الصِّحَّةِ الْمُوَافِقَةِ لِمَا أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ فَهُوَ الْأَصَحُّ الْمَعْمُولُ بِهِ، وَقَدْ كَانَ التَّقِيُّ ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ يُفْتِي بِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ طُولِ الْمُدَّةِ وَقِصَرِهَا، لَكِنْ إذَا خَرَجَ الْإِقْطَاعُ عَنْهُ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ وَالْجَوَابُ عَمَّا قَالَهُ الْفَزَارِيّ، أَمَّا تَرَدُّدُهُ بَيْنَ كَوْنِ الْمُقْطَعِ يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ أَوْ لَا فَنَقُولُ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَمْلِكُهَا لِقَوْلِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي إقْطَاعِ الِاسْتِغْلَالِ لِأَنَّهَا أَعْوَاضٌ عَمَّا أَرْصَدُوا نُفُوسَهُمْ لَهُ إلَخْ فَهِيَ عِوَضٌ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلٍ فَمَلَكُهَا كَالْأَجِيرِ، وَلِقَوْلِ الْمِنْهَاجِ: وَأَمَّا الْأَخْمَاسُ الْأَرْبَعَةُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا لِلْمُرْتَزِقَةِ، فَاللَّامُ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: الْمُرْصَدُونَ لِلْجِهَادِ أَيْ: بِتَعْيِينِ الْإِمَامِ، وَالْعَجَبُ مِنْ الْفَزَارِيّ كَيْفَ شَبَّهَهَا بِالْمُسْتَعِيرِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَبْذُلْ عِوَضًا، وَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُ يَمْلِكُهَا فَالْإِجَارَةُ صَحِيحَةٌ وَكَذَا قِيَاسُ النَّوَوِيِّ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ أَرْضِ الْإِقْطَاعِ لِكَوْنِهِ بَذَلَ فِي مُقَابَلَتِهَا مَا مَرَّ كَمَا أَنَّ الزَّوْجَةَ بَذَلَتْ فِي مُقَابَلَةِ الصَّدَاقِ وَالنَّفَقَةِ عِوَضًا وَهُوَ كَوْنُهَا أَرْصَدَتْ نَفْسَهَا لِتُمَتِّعَ الزَّوْجَ، وَقِيَاسُ إجَارَةِ الْإِقْطَاعِ عَلَى إجَارَةِ الْوَقْفِ صَحِيحٌ أَيْضًا. قَالَ فِي الْمِنْهَاجِ: هَذَا حُكْمُ مَنْقُولِ الْفَيْءِ أَيْ: أَنَّهُ يُخَمَّسُ، فَأَمَّا عَقَارُهُ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُجْعَلُ وَقْفًا وَتُقَسَّمُ غَلَّتُهُ كَذَلِكَ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: بَلْ يَصِير وَقْفًا بِمُجَرَّدِ انْتِقَالِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ وَقْفٌ عَلَى الْمُرْتَزِقَةِ، وَقَدْ صَارُوا بِتَعْيِينِ

الْإِمَامِ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ فَمَلَكُوا مَنْفَعَةَ الْمَوْقُوفِ، لَكِنْ فَارَقُوا الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِمْ الَّذِينَ عَيَّنَهُمْ الْوَاقِفُ فِي جَوَازِ رُجُوعِ الْإِمَامِ عَنْهُمْ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ حِمَايَةُ الْبَيْضَةِ بِأَيِّ جَمْعٍ كَانُوا، وَبِالْجُمْلَةِ فَتَشْبِيهُهُمْ بِالزَّوْجَةِ الْوَاقِعُ فِي كَلَامِ النَّوَوِيِّ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُمْ أَرَصَدُوا أَنْفُسَهُمْ وَبَذَلُوهَا لِلذَّبِّ، كَمَا أَرْصَدَتْ بُضْعَهَا وَبَذَلَتْهَا لِلِاسْتِمْتَاعِ، فَمَلَكَتْ الْمَنْفَعَةَ وَتَصَرَّفَتْ فِيهَا مِنْ غَيْرِ مُرَاجَعَةِ الزَّوْجِ، فَكَذَلِكَ الْمُرْتَزِقَةُ لَا يَحْتَاجُونَ إلَى مُرَاجَعَةِ الْإِمَامِ فِي الْإِجَارَةِ بِخِلَافِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ لَا بُدَّ مِنْ مُرَاجَعَتِهِمْ لِلنَّاظِرِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَرْصُدُوا أَنْفُسَهُمْ وَلَمْ يَبْذُلُوهَا لِلْوَاقِفِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ} [التوبة: 111] الْآيَةَ، فَسَمَّى بَذْلَهَا بَيْعًا وَجَعَلَ ثَمَنَهُ الْجَنَّةَ وَسَمَّاهُ شِرَاءً وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} [الحشر: 6] إلَى أَنْ قَالَ {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الحشر: 7] وَكَذَا فِي آيَةِ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} [الأنفال: 41] فَأُتِيَ بِاللَّامِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمِلْكِ وَالْمُقْتَضِيَةِ؛ لِأَنَّ مَا يُصْرَفُ لِلْمُرْتَزِقَةِ مِنْ مَنْقُولِ الْفَيْءِ مِلْكٌ لَهُمْ رَقَبَةً وَمَنْفَعَةً فَإِنْ كَانَ مِنْ عَقَارِهِ قَبْلَ إنْشَاءِ الْوَقْفِ وَرَأَى الْإِمَامُ تَمْلِيكَهُمْ إيَّاهُ فَلَهُ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ، وَاعْتَمَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَحِينَئِذٍ فَيَمْلِكُونَهُ رَقَبَةً وَمَنْفَعَةً، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ إنْشَائِهِ فَقَدْ تَعَذَّرَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ فَبَقِيَ حُكْمُهُمْ حُكْمَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ يَمْلِكُونَ الْمَنْفَعَةَ وَيَدْخُلُونَ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى {فَلِلَّهِ} [الحشر: 7] الْآيَةَ حَيْثُ أَتَى فَاللَّامُ الْمِلْكِ فَقَدْ زَالَ التَّرَدُّدُ الَّذِي قَالَهُ الْفَزَارِيّ فِي مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ وَتَبَيَّنَ بِالنَّصِّ أَنَّهُمْ يَمْلِكُونَهَا وَبَطَلَ التَّشْبِيهُ بِالْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا، وَإِنَّمَا مَلَكَ أَنْ يَنْتَفِعَ. (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَنْ أَرْضٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ لِوَاحِدٍ عُلُوُّهَا وَلِلْآخَرِ سُفْلُهَا وَالْمَاءُ يَدْخُلُ مِنْ عُلُوِّهَا لِسُفْلِهَا فَأَخْرَبَ السَّيْلُ عُلُوَّهَا فَأَصْلَحَهُ مَالِكُهُ مَثَلًا لَكِنْ بَقِيَ مُنْخَفِضًا يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ أَوْ انْعَكَسَ الْحَالُ فَمَا يَكُونُ الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ تَسْتَحِقُّ السَّقْيَ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَكَانَتْ تُسْقَى كَذَا فَخَرِبَ أَعْلَاهَا فَعُمِّرَ وَبَقِيَ مُنْخَفِضًا أُجْبِرَ عَلَى تَسْوِيَتِهِ بِالتُّرَابِ حَتَّى يَصِيرَ فِي الِارْتِفَاعِ كَالسُّفْلَى فَإِنْ تَعَذَّرَ وُقِفَ الْأَمْرُ حَتَّى يَصْطَلِحَا وَلَا سَبِيلَ إلَى إبْطَال حَقِّ السُّفْلَى، وَكَذَا فِي صُورَةِ الْعَكْسِ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ السُّفْلَى تَسْوِيَتُهَا كَذَلِكَ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَالْوَقْفُ كَمَا ذُكِرَ وَلَا يَلْزَمُ وَاحِدًا مِنْهُمَا عِمَارَةُ مِلْكِهِ، وَإِنْ كَانَ بِتَقْصِيرِهِ فِي إخْرَابِ السَّيْلِ لِأَرْضِهِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ فِي الصُّلْحِ. وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّ كُلًّا يَسْتَحِقُّ السَّقْيَ فِي مِلْكِ صَاحِبِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُوَصِّلَ صَاحِبَهُ إلَى حَقِّهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ التَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَقِّهِ فَأَفْتَاهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ عِمَارَةُ مِلْكِهِ مُطْلَقًا نَظَرًا لِذَلِكَ ضَعِيفٌ وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَوْ حَفَرَ الْمُسْتَأْجِرُ سَاقِيَةً تَعَدِّيًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ تُعَادَ كَمَا كَانَتْ. (وَسُئِلَ) هَلْ لِمَالِكِ أَرْضٍ لَهَا شُرْبٌ مَنْعُ النَّاسِ مِنْ الِاسْتِقَاءِ مِنْهُ وَنَحْوِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمَنْقُولُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى مَا يَكْفِي أَرْضَهُ لَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ مِنْهُ. (وَسُئِلَ) عَنْ قَوْلِ الرَّوْضَةِ فِي إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَلَوْ أَرَادُوا قِسْمَةَ النَّهْرِ وَكَانَ عَرِيضًا جَازَ وَلَا يَجْرِي فِيهِ الْإِجْبَارُ كَالْجِدَارِ الْمَائِلِ هَلْ هُوَ عَلَى إطْلَاقِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَدْ يُعَارِضُهُ مَا فِي الشُّفْعَةِ فَإِنَّهُ ذُكِرَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ الطَّاحُونُ وَالْحَمَّامُ وَالْبِئْرُ وَالنَّهْرُ إذَا أَمْكَنَ جَعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ اثْنَيْنِ ثُمَّ قَالَ: وَكَذَا الشَّرِكَةُ فِي مَسِيلِ الْمَاءِ إلَى الْأَرْضِ وَفِي بِئْرِ الْمَزْرَعَةِ دُونَ الْمَزْرَعَةِ كَالشَّرِكَةِ فِي الْمَمَرِّ، وَحُمِلَ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ النَّهْرُ بَيْنَ مَزَارِعَ وَهِيَ عَلَى حَافَّتَيْهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا لَا عَلَى حَفْرِ أَنْهَارٍ وَسَوَاقِيَ وَسَوْقِ الْمَاءِ إلَيْهَا مِنْ الْأَوْدِيَةِ الْعَظِيمَةِ وَلِمَا فِي تَرْكِ الْقِسْمَةِ فِي هَذِهِ مِنْ الْمَضَرَّةِ الْعَظِيمَةِ. (وَسُئِلَ) نُقِلَ عَنْ الْفَارِقِيِّ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا أَقْطَعَ وَمَاتَ لَا يَجُوزُ لِلْمُقْطَعِ أَنْ يَسْتَدِيمَ مَا أُقْطِعَ إلَّا بِإِذْنٍ جَدِيدٍ مِنْ الْإِمَامِ الثَّانِي فَهَلْ هُوَ مُعْتَمَدٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْغَزِّيِّ فِي بَابِ الْهِبَةِ مِنْ أَدَبِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ ضَعِيفٌ. (وَسُئِلَ) كَمْ يَمْلِكُ الرَّجُلُ مِنْ الْجَبَلِ الَّذِي فَوْقَ أَرْضِهِ مَثَلًا وَإِذَا كَانَ فَوْقَ أَرْضِهِ وَادٍ صَغِيرٍ وَأَرْضُهُ تَحْتَمِلُ جَمِيعَ مَا يَرِدُ مِنْ الْمَاءِ فَهَلْ يَمْلِكُ هَذَا الْمَسِيلَ جَمِيعَهُ؟ (فَأَجَابَ) إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ مَمْلُوكَةً بِالْإِحْيَاءِ مَلَكَ قَدْرَ ذَلِكَ أَوْ بِغَيْرِهِ فَمَا عَرَفَ مِنْ حُقُوقِهَا عِنْدَ نَحْوِ الْبَيْعِ أَوْ الْإِرْثِ هُوَ الَّذِي يَمْلِكُهُ دُونَ غَيْرِهِ. (وَسُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) عَمَّنْ

أَرْسَلَ الْمَاءَ فِي بُسْتَانِهِ فَدَخَلَ فِي ثَقْبٍ وَأَفْسَدَ دَارَ جَارِهِ فَهَلْ يَضْمَنُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى الْقَفَّالُ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ الثَّقْبُ مَوْجُودًا قَبَلَ الْإِرْسَالِ ضَمِنَ، وَإِنْ جَهِلَهُ، وَإِنْ حَدَثَ بَعْدَ الْإِرْسَالِ فَلَا وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ: إنَّمَا يَضْمَنُ إنَّ خَرَجَ عَنْ عَادَةِ مِثْلِهِ فِي السَّقْيِ، وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ وَمِثْلُهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مَا لَوْ سَقَى مَعَ عِلْمِهِ بِالثَّقْبِ وَكَوْنِهِ يَنْفُذُ لِدَارِ جَارِهِ وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْعَادَةَ. وَسُئِلَ) عَنْ أَرْضٍ تُسْقَى مِنْ أَرَاضٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَرَادَ صَاحِبُهَا الِاقْتِصَارَ عَلَى سَقْيِهَا مِنْ بَعْضِهَا فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ لِتَرْكِ بَعْضِ حَقِّهِ أَوْ لَا لِحُصُولِ الضَّرَرِ عَلَى أَهْلِ الْمُسْتَقَى مِنْهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ ذَلِكَ الِاقْتِصَارُ يُؤَدِّي إلَى لُحُوقِ ضَرَرٍ بِالْأَرْضِ الْمُسْتَقَى مِنْهَا فَلِصَاحِبِهَا مَنْعُهُ مِنْهُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لَهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ اعْتِيَادَ شُرْبِهَا مِنْ مَحَالَّ مُتَعَدِّدَةٍ يُصَيِّرُ اسْتِحْقَاقَهَا الشُّرْبَ مِنْ كُلٍّ مِنْ تِلْكَ الْمَحَالِّ بِطَرِيقِ التَّوْزِيعِ لَا بِطَرِيقِ الِاسْتِقْلَالِ، فَإِذَا أَرَادَ الِاسْتِقْلَالَ كَانَ مُرِيدًا مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ فَإِنْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِالْغَيْرِ مَنَعَهُ مِنْهُ هَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَتْ الْعَادَةُ أَنَّهَا تَشْرَبُ مِنْ كُلٍّ مِنْ تِلْكَ الْمَحَالِّ بَعْضَ كِفَايَتِهَا، أَمَّا لَوْ كَانَتْ الْعَادَةُ أَنَّهَا يَأْتِيهَا الْمَاءُ الَّذِي يَكْفِيهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ تِلْكَ الْمَحَالِّ فَهِيَ حِينَئِذٍ تَسْتَحِقُّ الِاسْتِقْلَالَ مِنْ كُلٍّ مِنْ تِلْكَ الْمَحَالِّ، فَإِذَا أَرَادَ الِاقْتِصَارَ حِينَئِذٍ فَلَيْسَ لِلْغَيْرِ مَنْعُهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْعَادَةَ الْمُسْتَمِرَّةَ مُحَكَّمَةٌ فِي مِثْلِ ذَلِكَ فَكُلُّ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا عَلَى وَفْقِهَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ وَإِنْ أَضَرَّ بِغَيْرِهِ، وَكُلُّ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا لَا عَلَى وَفْقِهَا مُنِعَ مِنْهُ. . (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ لَهُ حَدِيقَةُ نَخْلٍ ثُمَّ اشْتَرَى عُلُوَّهَا أَرْضًا أُخْرَى وَغَرَسَهَا نَخْلًا وَجَعَلَهُمَا حَدِيقَةً وَاحِدَةً وَجَعَلَ سَقْيَهُمَا مِنْ أَعْلَى الْحَدِيقَةِ لِيَعُمَّهُمَا الْمَاءُ فَهَلْ لِأَحَدٍ التَّحَجُّرُ عَلَى صَاحِبِ الْحَدِيقَةِ بِأَنْ لَا يَسْقِيَهَا إلَّا مِنْ أَسْفَلَهَا أَوْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلِصَاحِبِ الْحَدِيقَةِ أَنْ يَسْقِيهَا مِنْ أَيِّ مَحَلٍّ اخْتَارَ اخْتَارَ لِأَنَّ الْمِلْكَ مِلْكُهُ وَالْمَاءَ مُسْتَحَقٌّ لَهُ مَثَلًا وَإِذَا انْتَهَى زَمَنُ اسْتِحْقَاقِهِ لِلْمَاءِ سَدَّ مَحَلَّ السَّقِيَّةِ لِيَذْهَبَ الْمَاءُ إلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهُ بَعْدَهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمَاءُ الَّذِي تُسْقَى مِنْهُ الْحَدِيقَةُ الْأُولَى إنْ كَانَ مِنْ نَهْرٍ مُبَاحٍ جَازَ لِأَهْلِ النَّهْرِ أَنْ يَمْنَعُوا صَاحِبَ الْحَدِيقَةِ مِنْ سَقْيِ الْحَدِيقَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ النَّهْرِ قَبْلَهُمْ إنْ ضَيَّقَ عَلَيْهِمْ، وَالْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ سَبَقَ لَهُ اسْتِحْقَاقُ شُرْبٍ مِنْ النَّهْرِ قَبْلَ شِرَاءِ الْحَدِيقَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَإِنْ كَانَ مِنْ نَهْرٍ مَمْلُوكٍ جَازَ لَهُمْ أَيْضًا مَنْعُهُ مِنْ تَقْدِيمِ رَأْسِ سَاقِيَتِهِ الَّتِي يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ إلَى أَرْضِهِ وَمِنْ تَأْخِيرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ تَصَرُّفٌ مِنْهُ فِي الْحَافَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ بِغَيْرِ إذْنِ الشُّرَكَاءِ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ اقْتِسَامُهُمْ لِلْمَاءِ بِالزَّمَنِ كَالسَّاعَةِ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ مَحِلَّ السَّقْيِ مِنْ أَعْلَى الْحَدِيقَةِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي الْحَافَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَلَا أَخَذَ شَيْئًا مِنْ الْمَاءِ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ شُرَكَاؤُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَكُلُّ أَرْضٍ وُجِدَ بِيَدِ أَهْلِهَا نَهْرٌ لَا تُسْقَى إلَّا بِهِ. وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهُ حُفِرَ أَوْ انْخَرَقَ يُحْكَمُ لَهُمْ بِمِلْكِهِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا تَقَرَّرَ فِي النَّهْرِ الْمَمْلُوكِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ عَنْ سَيْلٍ يَنْزِلُ مِنْ جَبَلٍ عَالٍ وَعَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ مَزَارِعُ فَوَضَعَ رَجُلٌ أَحْجَارًا وَأَخْشَابًا بِمَجْرَاهُ فَتَحَوَّلَ عَنْهُ وَأَتْلَفَ الْأَرْضَ الْمُتَحَوِّلَ إلَيْهَا فَهَلْ يَضْمَنُهَا؟ وَهَلْ لِمَالِكِ هَذِهِ الْأَرْضِ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْمَكَانَ الَّذِي عَنْهُ تَحَوَّلَ؟ (فَأَجَابَ) نَعَمْ يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ السَّيْلُ الَّذِي حُوِّلَ إلَيْهَا إذَا تَلِفَتْ أَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا بِهِ وَمَا تَحَوَّلَ عَنْهُ إنْ كَانَ مُسْتَحَقًّا لِأَصْحَابِ تِلْكَ الْأَرْضِ لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِمْ تَمَلُّكُهُ؛ لِأَنَّ انْتِفَاعَ أَرَاضِيِهِمْ بِهَذَا الْمَجْرَى الْمُرَتَّبِ لَهَا يُصَيِّرُهُ حَقًّا مِنْ حُقُوقِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا لَهُمْ بِأَنْ مَهَّدَ السَّيْلُ مَجْرًى أَوْ أَرْضًا فِي مَوَاتٍ وَلَمْ يَكُنْ فِي أَحَدِهِمَا اسْتِحْقَاقٌ لِأَحَدٍ جَازَ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ إحْيَاء ذَلِكَ؛ إذْ لَا حَقَّ فِيهِ لِلْغَيْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) بِمَا صُورَتُهُ اُقْتُسِمَ الْمَاءُ بَيْنَ مَالِكِ أَرْضَيْنِ مُتَجَاوِرَتَيْنِ بِأَنْ يَجْعَلَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا رَسْمَ شُرْبٍ يَجْرِي إلَى أَرْضِهِ ثُمَّ يُرْسِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْمَاءَ مِنْ أَرْضِهِ بَعْدَ رَيِّهَا إلَى أَرْضٍ تَحْتَهَا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمَا لِمَنْ بَعْدَهُمَا لِمَنْ بَعْدَهُ وَهَكَذَا حُكْمُ جَمِيعِ الْمُتَفَرِّعِينَ يَكُونُ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ إلَى النَّهْرِ أَحَقُّ بِجَمِيعِ حِصَّتِهِ مَثَلًا وَحِصَّةُ مُجَاوِرِهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِ مَثَلًا وَلَوْ جَرَتْ عَادَةٌ بِإِجْرَاءِ كُلٍّ لِمَنْ بَعْدَهُ قَبْلَ رَيِّ الْمُجَاوِرِ فَهَلْ لِهَذِهِ الْعَادَةِ اتِّبَاعٌ أَمْ لَا لِمُخَالِفَتِهَا اسْتِحْقَاقَ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى، وَإِنْ قُسِمَ الْمَاءُ أَجِيبُوا جَوَابًا شَافِيًا؟ (فَأَجَابَ)

باب الوقف

بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ الْمُتَجَاوِرَتَيْنِ مَنْفَذٌ بِحَيْثُ إذَا خَرَجَ مِنْ إحْدَاهُمَا مَاءٌ نَقَصَ مَاءُ الْأُخْرَى لَمْ يَجُزْ فَتْحُ إحْدَاهُمَا لِمَا بَعْدَهَا حَتَّى يُكْمِلَ رَيَّ كُلٍّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَعْلَى وَأَقْرَبُ إلَى النَّهْرِ مِمَّا بَعْدَهُمَا فَلَا يَسْتَحِقُّ مَنْ بَعْدَهُمَا شُرْبٌ مِنْهُ إلَّا بَعْدَ رَيِّهِمَا كَمَا هُوَ الْمُقَرَّرُ الْمَعْرُوفُ، هَذَا إذَا لَمْ تَجْرِ عَادَةٌ قَدِيمَةٌ مُطَّرِدَةٌ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَإِلَّا عُمِلَ بِهَا كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ الْعَمَلَ بِهَا الْمُقَدَّمَ عَلَى الْعَمَلِ بِتَقْدِيمِ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَخَذُوا بِهَذَا لِكَوْنِ الْغَالِبِ أَنَّ الْمُحْيِيَ أَوَّلًا يَقْصِدُ الْقُرْبَ مِنْ النَّهْرِ فَهُوَ عَمَلٌ بِظَنٍّ لَمْ يُعَارَضْ فَحَيْثُ عَارَضَتْهُ الْعَادَةُ قُدِّمَتْ؛ لِأَنَّ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى تَقْدِيمِ سَافِلِهِ عَلَى عَالِيه يُبْطِلُ ذَلِكَ الظَّنَّ الَّذِي هُوَ تَقْدِيمُ إحْيَاءِ الْأَعْلَى كَمَا هُوَ وَاضِحٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَنْفَذٌ، وَإِنَّمَا كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَقِلٌّ بِمَا يَحْصُلُ لَهَا مِنْ الْمَاءِ لَا حَقَّ لِمُجَاوَرَتِهَا فِيهِ فَلِمَالِكِ كُلٍّ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَفْتَحَ بَعْدَ رَيِّهِ لِمَا يَلِي أَرْضَهُ وَلَا يُكَلَّفُ بَقَاءَ الْمَاءِ فِي أَرْضِهِ إلَى أَنْ يُكْمِلَ رَيَّ مُجَاوِرِهِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ مَعَ السَّدِّ أَوْجَبَتْ شَيْئَيْنِ: أَحَدَهُمَا أَنَّهَا صُيِّرَتْ كُلًّا مُسْتَقِلَّةً لَا حَقَّ لِلْمُجَاوِرَةِ فِيمَا يَصِيرُ مِنْ الْمَاءِ لِمُجَاوَرَتِهَا، ثَانِيهمَا: أَنَّهَا مَنَعَتْ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلِيًّا بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَلِي الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْعُلْيَا هِيَ الَّتِي يَصِلُ مَاؤُهَا لِمَا تَحْتَهَا وَهُنَا لَا يَصِلُ مَاءُ كُلٍّ إلَّا لِمَا يَلِيه فَقَطْ دُونَ مَا يَلِي مُجَاوِرَهُ فَكَانَ أَعْلَى بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَلِيه لَا بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَلِي مُجَاوِرَهُ. (وَسُئِلَ) عَنْ الْمَعْدِنِ الْبَاطِنِ كَالْمِلْحِ وَنَحْوِهِ إذَا كَانَ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا بِعَمَلٍ وَاعْتَادَ الْوُلَاةُ الِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ إذَا هَلَكَ الْوَالِي الْمُسْتَوْلِي عَلَيْهِ خَلَفَهُ مَنْ بَعْدَهُ فَتَارَةً يَسْتَأْجِرُ الْوَالِي عُمَّالًا يَعْمَلُونَ فِي الْمَعْدِنِ الْمَذْكُورِ وَتَارَةً يُكْرِهُهُمْ عَلَى الْعَمَلِ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ فَلِمَنْ يَكُونُ الْمُتَحَصَّلُ مِنْ الْمَعْدِنِ لِلْوَالِي أَمْ لِلْعَامِلِ؟ وَلَوْ جَاءَ رَجُلٌ آخَرُ مَثَلًا وَأَخَذَ مِنْ الْمَعْدِنِ لِنَفْسِهِ فَهَلْ يَمْلِكُهُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مَنْ أَخَذَ مِنْ مَعْدِنٍ شَيْئًا لَمْ يَحُزْهُ غَيْرُهُ مَلَكَهُ مَا لَمْ يَنْوِ غَيْرَهُ بِهِ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْأَجِيرِ، وَمَا لَمْ يَنْوِ نَفْسَهُ بِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَجِيرِ، أَمَّا إذَا نَوَى الْأَوَّلُ نَفْسَهُ أَوْ أَطْلَقَ أَوْ نَوَى الثَّانِي نَفْسَهُ فَيَمْلِكُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَهَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرْته فِيهِمَا ظَاهِرٌ، وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. [بَابُ الْوَقْفِ] (وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاته فِي الدَّارَيْنِ عَمَّا لَوْ قَالَ أَوْصَيْت أَوْ وَقَفْت كَذَا عَلَى سَطْح فُلَان وَاطَّرَدَ فِي عُرْف الْقَائِل أَنَّ ذَلِكَ لِجِهَةٍ مَعْلُومَةٍ عِنْد قَوْمِهِ وَأَهْلِ نَاحِيَتِهِ أَوْ مَثَلًا ظَهَرَ مِنْهُ تَخْصِيصُ الْعُرْفِ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّ سَطْحَ فُلَانٍ إنْ اطَّرَدَ عُرْف الْقَائِل بِأَنَّهُ اسْمٌ لِجِهَةٍ مَعْلُومَة تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهَا وَالْوَقْفُ عَلَيْهَا صَحَّ الْوَقْفُ أَوْ الْوَصِيَّةُ لِتِلْكَ الْجِهَةِ بِشَرْطِهَا، وَإِنْ لَمْ يَطَّرِد عُرْفٌ بِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ وَلَا الْوَصِيَّةُ وَلَا عِبْرَةٌ حِينَئِذٍ بِالْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمُرَاد؛ لِأَنَّ الْقَرَائِنَ لَا تَأْثِير لَهَا فِي نَحْوِ ذَلِكَ [سَوَابِغُ الْمَدَدِ فِي الْعَمَلِ بِمَفْهُومِ قَوْلِ الْوَاقِفِ مَنْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ وَلَد] (وَسُئِلَ) عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَ فِيهَا بِجَوَابٍ مُخْتَصَرٍ ثُمَّ بَلَغَهُ أَنَّ بَعْض الْمُفْتِينَ أَفْتَى فِيهَا بِخِلَافِ ذَلِكَ فَصَنَّفَ فِيهَا تَصْنِيفًا سَمَّاهُ: سَوَابِغُ الْمَدَدِ فِي الْعَمَلِ بِمَفْهُومِ قَوْلِ الْوَاقِفِ مَنْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ وَلَدٍ، وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَذْكُرَهُ بِرُمَّتِهِ هُنَا، وَإِنْ كَانَ تَصْنِيفًا مُسْتَقِلًّا؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْفَتَاوَى بِاعْتِبَارِ أَصْلِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ وَذَلِكَ التَّصْنِيف: أَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى تَوْفِيقِهِ وَإِنْعَامِهِ وَأَشْكُرهُ عَلَى مَزَايَا فَضْلِهِ وَإِلْهَامِهِ (وَأَشْهَدُ) أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً أَفُوزُ بِهَا مِنْ غَضَبِهِ وَانْتِقَامِهِ وَأَتَبَوَّأ مِنْهَا مَعَالِي الصَّوَابِ وَذُرْوَة سَنَامِهِ (وَأَشْهَدُ) أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي أَنْقَذَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ سَعِيرِ الْبَاطِلِ وَظُلْمِ أَوْهَامِهِ وَهَدَانَا بِهِدَايَتِهِ الْعُظْمَى إلَى سُلُوك سَبِيلِ الْحَقِّ وَمُجَانَبَةِ وَعْرِهِ وَآثَامِهِ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ قِيَامِهِ مَا صَدَقَتْ هِمَّةُ عَبْدٍ عِنْد تَزَاحُمِ الْآرَاءِ فِي إبَانَةِ الصَّوَابِ وَكَشْفِ خَفَايَا أَحْكَامِهِ. (وَبَعْدُ) فَإِنِّي سُئِلْت عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي الْوَقْف فِي شَهْرِ ذِي الْقَعْدَة سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ فَأَجَبْت فِيهَا بِالْمَنْقُولِ ثُمَّ رَأَيْت كَثِيرِينَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ اخْتَلَفُوا فِيهَا لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ الْمَنْقُولِ الَّذِي أَجَبْت بِهِ فَأَحْبَبْت أَنْ أُفْرِدَهَا بِتَأْلِيفٍ لَطِيفٍ وَنَمُوذَج شَرِيف لِيَكْشِف

الْغِطَاءَ عَنْ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ وَيَصِيرَ سَبَبًا لِلْإِحَاطَةِ بِأَكْثَرِ مَا يَقَعُ فِي كُتُبِ الْأَوْقَافِ مِنْ عَوِيصَات الْمَسَائِلِ الْوَعِرَةِ الْمَسَالِكِ وَلِيَكُونَ ذَلِكَ وَسِيلَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إلَى فَيْضِ الْفَضْلِ الْجَزِيلِ وَالرِّضَاءِ الَّذِي هُوَ بِكُلِّ خَيْرٍ كَفِيلٍ مِنْ وَاهِبِ الْعَطَايَا وَمَانِح الْمَزَايَا فَإِنَّهُ لَا يَخِيبُ مَنْ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ وَلَجَأَ فِي سَائِرِ أُمُورِهِ إلَيْهِ فَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيل وَعَلَيْهِ اعْتِمَادِي فِي الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ، (وَسَمَّيْته: سَوَابِغ الْمَدَدِ فِي الْعَمَلِ بِمَفْهُومِ قَوْلِ الْوَاقِف مَنْ مَاتَ مِنْ غَيْر وَلَدِ) وَرَتَّبْته عَلَى بَابَيْنِ وَخَاتِمَةٍ (الْبَابِ الْأَوَّلِ فِي أَحَدِ شِقَّيْ السُّؤَالِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ) وَهُوَ أَنَّ شَخْصَيْنِ وَقَفَا بَيْتًا عَلَى بِنْتَيْهِمَا ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمَا عَلَى أَوْلَادِهِمَا ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ وَهَكَذَا ثُمَّ قَالَا عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبه لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ مَثَلًا فَإِذَا مَاتَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا عَنْ بِنْتهَا فَهَلْ تَسْتَحِقُّ نَصِيبَهَا بِنْتُهَا أَوْ أُخْتَهَا الَّتِي فِي دَرَجَتِهَا وَالْكَلَام عَلَى ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ: الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِي بَيَانِ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِذَلِكَ هُوَ الْبِنْتُ دُونَ الْأُخْتِ وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ فِي بَحْرِهِ وَعِبَارَتِهِ وَقَعَ بِأَهْلِ طَبَرِسْتَانَ أَنَّ امْرَأَةً وَقَفَتْ أَرْضًا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا عَلَى أَنْ يُصْرَف مِنْهَا إلَى ابْن عَمَّتهَا زَيْدٍ سَهْمَانِ وَخَمْسَةُ أَسْهُمٍ إلَى ابْن بِنْتِهَا عَمْرٍو وَخَمْسَةُ أَسْهُمٍ إلَى أَخِيهَا بَكْرٍ وَذَكَرَتْ فِي قُبَالَة الْوَقْف أَنَّهُ وَقْفٌ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادهمْ مَا عَاشُوا عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ مِنْ غَيْر عَقِب كَانَ نَصِيبه مَصْرُوفًا لِشُرَكَائِهِ وَأَهْلِ طَبَقَتِهِ، ثُمَّ مَاتَ ابْن عَمَّتهَا زَيْد عَنْ سَهْمَيْنِ وَتَرَك ثَلَاثَةَ أَوْلَاد فَانْتَقَلَ ذَلِكَ إلَيْهِمْ ثُمَّ مَاتَ أَخُوهَا بَكْرٌ بَعْدُ عَنْ غَيْر عَقِب فَهَلْ يَنْتَقِل نَصِيبُهُ إلَى ابْن بِنْتهَا عَمْرٍو لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ طَبَقَتِهِ دُون أَوْلَادِ ابْن عَمَّتِهَا زَيْدٍ؟ يُحْتَمَل أَنْ يُقَالَ: يَنْتَقِلُ إلَى وَلَدِ الْبِنْتِ وَيُحْتَمَل أَنْ يُقَالَ خِلَافُهُ. قَالَ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَإِذَا انْتَقَلَ نَصِيبه إلَى ابْن بِنْتهَا عَمْرٍو فَإِذَا مَاتَ هَلْ يَنْتَقِلُ جَمِيعُ مَا أَصَابَهُ وَهُوَ عَشَرَةُ أَسْهُم مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا إلَى أَوْلَادِهِ دُون أَوْلَادِ ابْن عَمَّتهَا أَمْ لَا؟ الْجَوَابُ أَنَّ الْعَشَرَة تَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ وَلَا يَخْتَصُّ بِالِانْتِقَالِ إلَيْهِمْ مَا كَانَ نَصِيب الْمَيِّتِ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعَشَرَةِ الْآنَ صَارَتْ حَقًّا لِلْمَيِّتِ وَنَصِيبًا لَهُ، فَالْمَوْت كَافٍ فِي الْجَمِيع انْتَهَتْ عِبَارَة الْبَحْر وَنَقَلَهَا كَذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ ثُمَّ قَالَ عَقِبَهَا، وَهَذَا الْفَرْع مِمَّا تَعُمّ بِهِ الْبَلْوَى فِي الْفَتَاوَى اهـ. وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ نَصِيبَ الْمَيِّتَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا لِبِنْتِهَا لَا لِأُخْتِهَا لِتَسَاوِي صُورَتِنَا وَصُورَتِهَا فِي الْعَطْف بِثُمَّ، وَفِي التَّصْرِيح بِأَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ كَانَ نَصِيبه لِشُرَكَائِهِ مَعَ عَدَم ذِكْر مَفْهُومِهِ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ أَخَذَ الرُّويَانِيُّ وَوَالِده بِمَفْهُومِ هَذَا الشَّرْطِ الْمُتَبَادَرِ مِنْهُ فِي صُورَتِهِمَا حَيْثُ جَعَلَا سَهْمَيْ زَيْدٍ لِأَوْلَادِهِ مَعَ مَوْته فِي حَيَاة عَمْرٍو وَبَكْرٍ اللَّذَيْنِ هُمَا فِي دَرَجَته؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَةَ وَقَفَتْ مَا مَرَّ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادهمْ، وَكَأَنَّ قَضِيَّة الْعَطْف بِثُمَّ أَنْ لَا يَنْتَقِل شَيْء إلَى أَوْلَادهمْ مَا بَقِيَ أَحَد مِنْهُمْ، لَكِنْ لَمَّا ذَكَرَتْ الشَّرْط الْمَذْكُور اقْتَضَى مَنْطُوقه أَنَّ تِلْكَ الْقَضِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ مَخْصُوصَةٌ بِمَا إذَا مَاتَ أَحَدهمْ عَنْ غَيْر وَلَدٍ وَاقْتَضَى مَفْهُومه الْمُتَبَادَرَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَد يَكُونُ نَصِيبه لِوَلَدِهِ، وَإِنْ مَاتَ فِي حَيَاة مَنْ هُوَ فِي دَرَجَته فَلَا يَكُونُ لِمَنْ هُوَ فِي دَرَجَته شَيْءٌ مِنْ حِصَّتِهِ حِينَئِذٍ، بَلْ هِيَ لِوَلَدِهِ فَكَذَا يُقَال فِي مَسْأَلَتنَا حَرْفًا بِحَرْفٍ، فَإِنْ قُلْت يُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا انْتِقَال سَهْمَيْ زَيْدٍ لِأَوْلَادِهِ بِطَرِيقِ الْقَصْد. وَإِنَّمَا وَقَعَ فِي عِبَارَتِهِمَا أَوْ فِي عِبَارَةِ السَّائِل عَنْ ذَلِكَ فَذَكَرَاهُ مُوَافَقَة لَا قَصْدًا وَاعْتِقَادًا قُلْت: صَرِيحُ عِبَارَتِهِمَا يُبْطِل ذَلِكَ، وَبَيَانه أَنَّهُمَا تَرَدَّدَا فِي أَنَّ نَصِيب بَكْرٍ الْمَيِّتِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ يَنْتَقِلُ إلَى عَمْرٍو الَّذِي فِي دَرَجَته وَحْده أَوْ إلَيْهِ وَإِلَى أَوْلَادِ زَيْد، فَقَضِيَّةُ تَرَدُّدِهِمَا فِي انْتِقَالِ ذَلِكَ إلَيْهِمْ إنَّهُمَا جَازِمَانِ بِمَا ذُكِرَ مِنْ انْتِقَال نَصِيب وَالِدهمْ إلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا وَقَعَ تَرَدُّدُهُمَا فِي مُشَارَكَتهمْ لِمَنْ فِي دَرَجَة أَبِيهِمْ، وَإِنْ رَجَّحَ وَالِدُهُ مِنْهُ عَدَم الْمُشَارَكَةِ وَأَيْضًا فَجَعْلُهُمَا نَصِيب عُمَر وَعَشْرَة فَقَطْ صَرِيحٌ فِي اسْتِحْقَاقِ أَوْلَادِ زَيْدٍ لِسَهْمِهِ إذْ لَوْ لَمْ يَأْخُذَا بِمَفْهُومِ قَوْلهَا عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ إلَخْ. لَكَانَا يَجْعَلَانِ سَهْمَيْ زَيْدٍ الْمَيِّتِ أَوَّلًا لِعَمْرِو وَبَكْرٍ فَيَصِير لِكُلِّ سِتَّة أَسْهُم وَهُمَا لَمْ يَجْعَلَا

لِبَكْرٍ إلَّا خَمْسَةَ أَسْهُمٍ وَلِعَمْرٍو إلَّا خَمْسَة أَسْهُم وَأَبْقَيَا سَهْمَيْ أَوْلَادِ زَيْدٍ لَهُمْ، ثُمَّ تَرَدَّدَا فِي أَنَّ الْعَشَرَة الصَّائِرَة لِعَمْرٍو هَلْ يَخْتَصُّ بِهَا أَوْلَادُهُ أَوَّلًا وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ عَنْ ذَلِكَ فِي الْبَابِ الثَّانِي فَإِنْ قُلْت مَا وَجْهُ الِاحْتِمَالِ الَّذِي أَبْدَيَاهُ فِي مَوْتِ بَكْرٍ مِنْ غَيْرِ وَلَدٍ قُلْت: لِأَنَّهُ جَرَى خِلَافٌ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي أَنَّ الْعَطْفَ بِثُمَّ هَلْ يَقْتَضِي التَّرْتِيب فِي الْأَفْرَادِ وَالْجُمَلِ أَوْ لَا؟ وَسَيَأْتِي إشَارَةٌ إلَيْهِ، وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ لَك وَبَانَ أَنَّ كَلَامَ الرُّويَانِيِّ وَوَالِده وَهُمَا مَنْ هُمَا صَرِيحٌ فِي انْتِقَالِ نَصِيب الْمَيِّتَةِ لِبِنْتِهَا فِي مَسْأَلَتِنَا وَالْفَرْع لِأَصِلْهُ فِي مَسْأَلَته فَاقْضِ حِينَئِذٍ عَلَى مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِع فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة عَلَى هَذَا النَّقْل الصَّحِيح الصَّرِيح؛ إذْ لَوْ اطَّلَعُوا عَلَيْهِ لَمْ يَسَعْهُمْ مُخَالَفَته؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَجِلَّاء أَصْحَابنَا، وَإِذَا جَزَمَ شَخْصَانِ مِنْ أَجِلَّاءِ الْأَصْحَابِ بِحُكْمٍ. وَأَقَرَّهُمَا مِثْل الْأَذْرَعِيُّ عَلَيْهِ وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ هَذَا يَحْتَاج إلَيْهِ كَثِيرًا فِي الْفَتَاوَى وَأَشَارَ إلَى الْعَمَل بِهِ فِيهَا وَلَمْ يَرِد فِي كَلَام الْأَصْحَاب وَلَا فِي قَوَاعِدهمْ مَا يُخَالِفهُ، بَلْ كَلَامُهُمْ فِي أَمَاكِنَ وَكَلَامُ مَنْ بَعْدَهُمْ فِي أَمَاكِنَ دَالٌّ عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي بَسْطُهُ فَلَا سَبِيلَ لِمَنْ لَمْ يَصِلْ إلَى مَرْتَبَتِهِمْ أَنْ يَذْهَبَ إلَى خِلَافِهِ، وَكَلَامُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِهِمَا وَالْمُخَالِفُ لَهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمْ لَمْ يَطَّلِعُوا عَلَى نَقْلٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا سَيَظْهَرُ لَك ذَلِكَ مِنْ كَلَامهمْ الْآتِي سِيَّمَا كَلَامُ السُّبْكِيّ وَأَبِي زُرْعَةَ. وَكَذَلِكَ كَلَام شَيْخِنَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ تَبَعًا لِلزَّرْكَشِيِّ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَسْتَحِقُّ قَالَ خِلَافًا لِأَبِي زُرْعَةَ فَعُدُولُهُ لِذَلِكَ عَنْ قَوْله خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ وَوَالِده صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى كَلَامهمَا فَإِنْ قُلْت كَيْف ذَلِكَ وَهُوَ فِي تَوَسُّطِ الْأَذْرَعِيِّ، وَهَذَا الْكِتَاب نُصْبَ عَيْنَيْ الزَّرْكَشِيّ وَالشَّيْخِ سِيَّمَا الزَّرْكَشِيُّ فَإِنَّهُ مَادَّةُ خَادِمِهِ إلَّا الْفَذَّ الْفَاذَّ قُلْت هُوَ فِي غَيْرِ مَظِنَّتِهِ وَلَئِنْ سَلَّمَ فَهُوَ لَمْ يَسُقْ فِيهِ لِبَيَانِ حُكْمِ مَفْهُومِ هَذَا الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يُفْهَم بِبَادِي الرَّأْي أَنَّهُ مَسُوقٌ لِبَيَانِ التَّسَاوِي فِي الصُّورَة الْأَخِيرَة فِيهِ الْآتِي حُكْمهَا مَبْسُوطًا فِي الْبَابِ الثَّانِي. فَفَهِمَ الزَّرْكَشِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْهُ ذَلِكَ وَلَمْ يُمْعِنَا النَّظَرَ فِيهِ فَفَاتَهُمَا مَا فِي أَثْنَائِهِ مِنْ التَّصْرِيح بِحُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَة الَّتِي أَشْكَلَتْ عَلَى كَثِير مِنْهُمْ وَطَالَ النِّزَاع فِيهَا بَيْنهمْ وَمِمَّا يَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّك إذَا سَبَرْتَ كَلَام الْمُتَأَخِّرِينَ رَأَيْتهمْ فِي مِثْل هَذِهِ الْمَحَالِّ الَّتِي يَقَع فِيهَا النِّزَاع بَيْنهمْ يَفِرُّونَ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِكَلَامِ مَنْ هُوَ دُون هَذَيْنِ الْحَبْرَيْنِ، فَعُدُولُ كُلٍّ مِنْهُمْ عَنْ ذَلِكَ إلَى نَصْبِ الْخِلَاف مَعَ أَهْلِ عَصْرِهِ أَوْ مَنْ قَرُبَ مِنْهُمْ يُؤَكِّد الْقَطْعَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَظْفَرُوا فِي الْمَسْأَلَة بِنَقْلٍ أَلْبَتَّةَ وَإِنَّمَا تَكَلَّمُوا فِيهَا بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لَهُمْ، فَإِذَا وُجِدَ نَقْلٌ تَأَيَّدَ بِهِ كَلَامُ الْمُوَافِقِ وَرُدَّ بِهِ كَلَامُ الْمُخَالِفِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ لَمْ يُخَالِفْهُ وَعَلَى تَقْدِيرِ مُخَالَفَتِهِ فَلَا تُسْمَع مِنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ. وَسَيَأْتِي أَنَّ الْأَدِلَّةَ مُتَظَافِرَةٌ عَلَى مَا قَالَاهُ. الْوَجْهُ الثَّانِي فِي بَيَانِ مَنْ وَافَقَ كَلَامُهُ كَلَامَهُمَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ غَيْرِ اطِّلَاعٍ عَلَيْهِ فَمِنْ هَؤُلَاءِ بَلْ أَجَلُّهُمْ السُّبْكِيّ عَلَى مَا يَأْتِي فَإِنَّهُ أَفْتَى بِمَا يُوَافِق ذَلِكَ، وَإِنْ أَفْتَى أَيْضًا بِمَا قَدْ يُخَالِفهُ كَمَا يَأْتِي فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ. وَبَيَانُ كَوْنِهِ أَفْتَى بِمَا يُوَافِقُ كَلَامَهُمَا أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَرْيَةٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى شَخْصٍ مُعَيَّن أَيَّامَ حَيَّاته وَعَلَى أَوْلَادِهِ مِنْ بَعْدِهِ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، فَمَنْ مَاتَ مِنْ أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ وَلَمْ يُخَلِّفْ وَلَدًا أَوْ وَلَدَ وَلَدٍ وَلَا لَهُ عَقِبٌ وَلَا نَسْلٌ كَانَ نَصِيبه عَائِدًا عَلَى إخْوَتِهِ وَأَخَوَاته الْبَاقِينَ بَعْده الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء يَجْرِي فِيهِ ذَلِكَ كَذَلِكَ قَرْنًا بَعْد قَرْنٍ، وَلَيْسَ لِأَوْلَادِ الْبَنَات اللَّوَاتِي لَا يَرْجِعُونَ لِأَنْسَابِ آبَائِهِمْ إلَى الْمَوْقُوف عَلَيْهِ أَوَّلًا شَيْء مِنْ هَذِهِ الصَّدَقَةِ مَعَ مَنْ يُرْجَعُ بِنَسَبِهِ إلَيْهِ. فَإِذَا انْقَرَضَ عَقِبه جَمِيعه كَانَتْ هَذِهِ الصَّدَقَةُ عَلَى أَوْلَادِ الْبَنَاتِ اللَّوَاتِي يَرْجِعْنَ بِأَنْسَابِ آبَائِهِمْ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا انْقَرَضُوا رَجَعَتْ هَذِهِ الصَّدَقَة لِلْفُقَرَاءِ، وَقَدْ بَقِيَتْ لِأَوْلَادِ الْمَوْجُودِينَ مِنْ نَسْلِ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ أَوْلَادُ حَفْصَةَ بِنْت زَيْنَبَ بِنْت حَلِيمَةَ بِنْت الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوَّلًا، فَهَلْ تَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْوَقْفِ أَوْ لَا؟ وَهَلْ يَسْتَحِقُّ مَنْ شَرَطَهُ لَهُ بَعْد عَدَمِ مَنْ يُنْسَبُ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوْ لَا مَعَ عَدَمِ وُجُود هَذِهِ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ هَذَا اللَّفْظُ إذَا أُخِذَ مَدْلُولُهُ فَقَطْ عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ هَذَا الِاسْتِفْتَاء فِيهِ انْقِطَاع فِي وَسَطِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ حُكْم مَا إذَا مَاتَ

الْأَوْلَادُ وَخَلَّفُوا أَوْلَادًا وَلَا حُكْمَ مَا إذَا مَاتَ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ وَخَلَّفُوا أَوْلَادًا فَيَتَطَرَّقُ إلَيْهِ خِلَافٌ فِي أَنَّ أَوْلَادَهُمْ يَسْتَحِقُّونَ أَوْ يَكُونُ مُنْقَطِع الْوَسَط. وَالْأَوْلَى عِنْدِي فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ الْخَاصَّةِ الِاسْتِحْقَاق بِتَأْوِيلِ اللَّفْظِ الْمُتَقَدِّمِ كَيْ لَا يَنْقَطِعَ وَعَلَى هَذَا تَسْتَحِقُّ حَفْصَةُ الْمَذْكُورَةُ إذَا ثَبَتَ انْحِصَار النَّسْلِ فِيهَا. وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَشْرُوط الْمَوْجُود بَعْدَهُمْ وَلَا نَسْله شَيْءٌ مَعَ وُجُودهَا اهـ. كَلَامُهُ فَقَوْلُهُ وَالْأَوْلَى عِنْدِي إلَخْ صَرِيح فِي مُوَافَقَتِهِمَا فِيمَا مَرَّ مِنْ اسْتِحْقَاق وَلَدِ الْبِنْتِ دُون مَنْ فِي دَرَجَتِهِ فَتَأَمَّلْ كَوْنَهُ سَلِمَ أَنَّ فِي هَذَا انْقِطَاعًا لِلْوَسَطِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُجْعَلْ الْمُسْتَحِقُّ فِيهَا الْأَقْرَبَ إلَى الْوَاقِفِ، بَلْ جَعَلَ الِاسْتِحْقَاقَ لِأَوْلَادِ الْمَيِّتِ وَبَانَ بِآخِرِ كَلَامه أَنَّ هَذَا الِانْقِطَاع الَّذِي فِيهِ لَمْ يَذْكُرهُ لِيُرَتِّب عَلَيْهِ حُكْمَهُ، بَلْ لِيَكُونَ مُقَرِّبًا لِطُرُوقِ خِلَافٍ فِيهِ مِنْ جِهَةِ هَذَا الِاعْتِبَار؛ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُرَجِّح الْأَخْذ بِقَضِيَّتِهِ، بَلْ رَجَّحَ عَدَم الْأَخْذ بِتِلْكَ الْقَضِيَّة وَأَخَذَ بِنَقِيضِهَا الْمُصَرِّح بِعَدَمِ الِانْقِطَاع كَمَا يُصَرِّح بِذَلِكَ أَيْضًا قَوْله بِتَأْوِيلِ اللَّفْظ الْمُتَقَدِّم كَيْ لَا يَنْقَطِعَ، وَأَرَادَ بِاللَّفْظِ الْمُتَقَدِّمِ قَوْلَهُ وَلَمْ يُخَلِّفْ وَلَدًا. . . إلَخْ. وَبِتَأْوِيلِهِ أَنَّ مَفْهُومَهُ، وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا، لَكِنْ يُرَجَّحُ أَحَدُ مُحْتَمَلَاته، بَلْ أَظْهَرهَا وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ الْوَلَدِ حَذَرًا مِنْ الِانْقِطَاعِ الَّذِي لَا يُقْصَد غَالِبًا مَعَ اعْتِضَادِهِ بِمَا يَأْتِي مَبْسُوطًا مِنْ الْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ وَالْحَالِيَّةِ، وَبَعْد أَنْ بَانَ لَك هَذَا فَاحْدِقْ النَّظَر فِيهِ فَإِنَّهُ مُشْفٍ لِلْعَلِيلِ مُوَافِقٌ لِلْمَنْقُولِ وَالدَّلِيلِ، وَبِهِ أَحْكُمُ عَلَى أَنَّ مَا يَأْتِي عَنْهُ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ ضَعِيفٌ وَعَلَى أَنَّ مَنْ تَبِعَهُ عَلَى هَذَا الثَّانِي كَالزَّرْكَشِيِّ لَمْ يَرَ إلَّا أَوَّل كَلَامه فِي فَتَاوِيهِ فَاغْتَرَّ بِهِ. وَنَسَب إلَيْهِ أَنَّهُ يَقُولُ بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْأَوْلَادِ وَلَوْ رَأَى كَلَامه هَذَا لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَنْسِبَ إلَيْهِ ذَلِكَ فَإِنْ قُلْت: الْعَطْف فِي صُورَة الرُّويَانِيِّ بِثُمَّ وَفِي صُورَة السُّبْكِيّ بِالْوَاوِ وَبَيْنهمَا فَرْقٌ وَاضِح، قُلْت: لَا فَرْق بَيْنهمَا هُنَا؛ لِأَنَّ صَرِيحَ كَلَام الْوَاقِف فِي صُورَة السُّبْكِيّ يَقْتَضِي التَّرْتِيب أَيْضًا؛ لِأَنَّ تَخْصِيصه عَوْدَ نَصِيب الْمَيِّت إلَى أَخَوَاته بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْوَقْف لَيْسَ وَقْفُ تَشْرِيك وَإِلَّا كَانَ ذَلِكَ الْكَلَامُ كُلُّهُ لَغْوًا، وَذَلِكَ لَا يُصَار إلَيْهِ حَيْثُ أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى حَالَةٍ تُصَحِّحُهُ وَعَلَى تَسْلِيم أَنَّهُ لِلتَّشْرِيكِ فَكَلَامُهُ فِيهِ أَيْضًا مُوَافِق لِكَلَامِهِمَا، وَبَيَانه أَنَّهُ إذَا قَالَ بِاسْتِحْقَاقِ أَوْلَادِ الْمَيِّتِ دُون إخْوَته مَعَ أَنَّ الْعَطْف بِالْوَاوِ يَدُلُّ عَلَى مُشَارَكَته لَهُمْ وَلَمْ يَلْتَفِت لِذَلِكَ أَخْذًا بِمَفْهُومِ الشَّرْط لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ بِاسْتِحْقَاقِ الْوَلَد فِي مَسْأَلَتنَا وَلَا يَقُولُ بِقَضِيَّةِ الْعَطْفِ بِثُمَّ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْأُخْتِ دُون الْبِنْتِ أَخْذًا بِمَفْهُومِ الشَّرْط أَيْضًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَفْهُوم هَذَا الشَّرْطِ كَمَا خَصَّصَ قَضِيَّةَ التَّشْرِيكِ فِي مَسْأَلَته بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلَد وَإِلَّا فَلَا تَشْرِيكَ، بَلْ يَفُوز الْوَلَد بِحِصَّةِ أَبِيهِ جَمِيعًا كَذَلِكَ يُخَصِّص قَضِيَّة انْفِرَادِ الْأُخْتِ فِي مَسْأَلَتنَا بِمَا إذَا مَاتَتْ أُخْتهَا عَنْ غَيْر وَلَد وَإِلَّا كَانَتْ حِصَّةُ الْمَيِّتَةِ لَهَا نَفْسهَا لَا لِأُخْتِهَا، وَسَبَبُ تَسَاوِي الصُّورَتَيْنِ أَنَّهُ لَا فَرْق بَيْن حِرْمَانِ مَنْ فِي الدَّرَجَةِ مِنْ الْبَعْضِ كَمَا فِي مَسْأَلَته وَمِنْ الْكُلِّ كَمَا فِي مَسْأَلَتنَا؛ لِأَنَّ الْمَلْحَظَ فِيهِمَا وَاحِد وَلَا عِبْرَةَ بِالتَّفَاوُتِ فِي النَّصِيب، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ بِمَا يَتَسَبَّبُ عَنْهُ الِاسْتِحْقَاقُ أَوْ عَدَمه كَثُرَ النَّصِيبُ الْمُسْتَحِقُّ أَوْ لَا فَافْهَمْ ذَلِكَ. وَاعْتَنِ بِهِ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ. وَقَدْ أَفْتَى أَيْضًا بِمَا لَا يُوَافِق مَا قَالَاهُ فِي نَظِير مَسْأَلَتنَا حَتَّى فِي الْعَطْفِ بِثُمَّ، وَمِنْ كَلَامه فِي ذَلِكَ طُولٌ فَلْنُلَخِّصْ الْمَقْصُودَ مِنْهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى الطَّنْبَاءِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ أَحْمَدَ وَمُحَمَّدٍ وَبَتَّارٍ وَمَنْ يَحْدُثُ لَهُ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ أَنْسَالِهِمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. فَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْ أَوْلَاد الطَّنْبَاءِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَنَسْله عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ أَوْ وَلَدِ وَلَدٍ أَوْ نَسْلٍ عَادَ مَا كَانَ جَارِيًا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهِ مِنْ أَهْل الْوَقْفِ يُقَدَّم الْأَقْرَب إلَيْهِ فَالْأَقْرَب، وَانْتَهَى الْوَقْف إلَى أَحْمَدَ بْنِ بَتَّارٍ الْمَذْكُور وَانْفَرَدَ بِهِ فَوُلِدَ لَهُ: مُحَمَّد وَأَلْتَى وَشَقْرَى، ثُمَّ وُلِدَ لِمُحَمَّدٍ: سُتَيْتَة وَعَائِشَة وَأَمَة الرَّحِيم. وَتُوُفِّيَ مُحَمَّد عَنْ بَنَاتِهِ الثَّلَاث فِي حَيَاة أَبِيهِ، ثُمَّ تُوُفِّيَ أَحْمَد عَنْ بِنْتَيْهِ وَبَنَات ابْنه فَهَلْ نَصِيبه لِبِنْتَيْهِ فَقَطْ أَوْ لَهُمَا وَلِبَنَاتِ ابْنه؟ (فَأَجَابَ بِمَا حَاصِله) : هُنَا مُقَدِّمَات إحْدَاهَا: هَلْ أَوْلَاد الْأَوْلَاد مَوْقُوف عَلَيْهِمْ فِي حَيَاة الْأَوْلَاد وَلَكِنَّهُمْ مَحْجُوبُونَ بِآبَائِهِمْ أَوْ لَا يَصِيرُونَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِمْ إلَّا بَعْد انْقِرَاض آبَائِهِمْ؟ يُحْتَمَل الْأَوَّل لِشُمُولِ اللَّفْظ وَعُمُومه، وَالثَّانِي بِقَرِينَةِ ثُمَّ، فَكَأَنَّهُ

قَالَ: عَلَى أَوْلَاد أَوْلَادِي الْمَوْجُودِينَ حِينَ انْقِرَاض أَوْلَادِي، فَإِذْ ذَاكَ يَصِيرُ وَقْفًا عَلَيْهِمْ، وَهُنَا شَيْئَانِ: تَخْصِيص أَوْلَاد الْأَوْلَاد بِأَنْ يَخْرُج مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فِي حَيَاةِ الْأَوْلَاد عَنْ شُمُول لَفْظِ الْأَوْلَادِ، وَالثَّانِي تَقْيِيد الْوَاقِفِ بِأَنْ لَا يَصِير وَلَد الْوَلَد الْبَاقِي بَعْد الْوَلَدِ مُنْدَرِجًا فِي الْوَقْفِ إلَّا بَعْد وَفَاةِ الْوَلَدِ وَهُمَا اعْتِبَارَانِ مُتَغَايِرَانِ. فَلِقَائِلٍ أَنْ يَذْهَبَ إلَى هَذَا التَّخْصِيص وَالتَّقْيِيد؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ وَلَقَائِلٌ أَنْ يَدْفَعهُمَا وَيَذْهَب إلَى الِاحْتِمَال الْأَوَّل وَهُوَ أَنَّ أَوْلَاد الْأَوْلَاد مَوْقُوف عَلَيْهِمْ فِي حَيَاة الْأَوْلَاد بِمَعْنَى أَنَّ الْوَقْف شَامِل لَهُمْ وَمُقْتَضٍ لِلصَّرْفِ إلَيْهِمْ، وَلَهُ شَرْط إذَا وَجَدَ عَمَل الْمُقْتَضَى عَمَله، وَهَذَا أَقْرَب إلَى قَوَاعِد اللُّغَة وَالْفِقْه. وَبِمَا قَدَّمْنَاهُ يَتَبَيَّنُ لَك أَنَّ هَذِهِ الْمُقَدَّمَةَ انْطَوَتْ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنَّ كُلَّ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ دَاخِلُونَ فِي لَفْظِ الْوَاقِفِ وَمُرَاده أَوَّلًا، وَالثَّانِيَةِ: هَلْ الْوَقْف عَلَيْهِمْ مَوْقُوف عَلَى انْقِرَاض آبَائِهِمْ أَوْ لَا؟ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَوْقُوفًا عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ يُقَال إنَّهُمْ مِنْ أَهْل الْوَقْف أَوْ لَيْسُوا مِنْهُمْ حَتَّى يَنْقَرِض آبَاؤُهُمْ؛ لِأَنَّ أَهْل الشَّيْء هُوَ الْمُتَمَكِّنُ مِنْهُ الْقَوِيُّ فِيهِ؟ الْمُقَدَّمَةِ الثَّالِثَةِ: التَّرْتِيب الْمُسْتَفَاد مِنْ ثُمَّ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُصْرَف لِأَحَدٍ مِنْ أَوْلَاد الْأَوْلَاد شَيْء حَتَّى يَنْقَرِض جَمِيع الْأَوْلَاد وَهُوَ مَوْضُوع اللَّفْظ؛ لِأَنَّ اللَّفْظ اقْتَضَى تَأَخُّر مُسَمَّى أَوْلَاد الْأَوْلَاد عَنْ مُسَمَّى الْأَوْلَاد وَمَجْمُوعهمْ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ مَا قُلْنَاهُ. ، وَأَمَّا تَرْتِيب الْأَفْرَاد عَلَى الْأَفْرَاد فَلَيْسَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ وَلَكِنَّهُ مُحْتَمَلٌ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَقَرِينَةٍ فِي اللَّفْظِ تَدُلُّ عَلَيْهِ. الْمُقَدِّمَةِ الرَّابِعَةِ: أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ الْأَوْلَادِ فِي حَيَاةِ بَاقِيهمْ فَإِنَّهُ يَنْتَقِل نَصِيبه إلَى الْبَاقِينَ وَالْفَرْق أَنَّ مُسَمَّى الْوَلَد بَاقٍ، وَالْوَقْفُ عَلَى الْأَوْلَادِ كَالْوَقْفِ عَلَى الْجِهَةِ، وَالْجِهَةُ صَادِقَةٌ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَمَا دَامَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مَوْجُودًا كَانَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ؛ فَلِذَلِكَ لَا نَقُول بِالِانْقِطَاعِ وَلَا بِالِانْتِقَالِ إلَى مَنْ بَعْدَهُمْ، وَبَلَغَنِي أَنَّ فِي مَذْهَبِ الْأَمَامِ أَحْمَدَ رِوَايَة أَنَّهُ يَنْتَقِلَ إلَى وَلَدِ الْوَلَدِ وَيَحْمِلُ التَّرْتِيبَ عَلَى تَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَة فَهِيَ كَالْوَجْهِ الَّذِي عِنْدنَا فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى زَيْد وَعَمْرو وَبَكْر، وَلَكِنْ الْفَرْق بَيْنهمَا هُوَ الَّذِي أَوْضَحْنَاهُ فِيمَ لَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي: زَيْد وَعَمْرو وَبَكْر احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هُنَا قَدْ قَوَّى جَانِب الْأَعْيَان وَضَعَّفَ جَانِب الْجِهَة. وَلَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى زَيْد وَعَمْرو وَبَكْر، كُلُّ وَاحِدٍ ثُلُثٌ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاء، فَهَذَا التَّفْصِيل يَقْتَضِي أَنَّهُ كَثَلَاثَةِ أَوْقَاف فَهُنَا يَضْعَفُ الْقَوْل بِأَنَّهُ إذَا مَاتَ وَاحِد يَنْتَقِل نَصِيبه إلَى الْبَاقِينَ وَيَقْوَى الْقَوْلُ بِأَنَّ نَصِيبه يَنْتَقِلُ إلَى الْفُقَرَاءِ. الْمُقَدِّمَةِ الْخَامِسَةِ: تَرْتِيبُ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ عَلَى الْأَوْلَادِ تَرْتِيبَ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ، وَتَرْتِيبُ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ تَارَةً يُرَادُ بِهِ تَرْتِيبُ الْأَفْرَادِ عَلَى الْأَفْرَادِ مِثَاله أَنْ يَكُونَ كُلُّ فَرْعٍ مُرَتَّبًا عَلَى أَصْلِهِ فَهُنَا يَصِحّ أَنْ يُقَالَ: الْأَفْرَادُ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى الْأَفْرَادِ. وَالْجُمْلَةُ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ وَتَارَةٌ يُرَادُ بِهِ تَرْتِيب الْجُمْلَة عَلَى الْجُمْلَة مِنْ غَيْرِ تَرْتِيب الْأَفْرَاد عَلَى الْأَفْرَاد، وَهَذَا الَّذِي قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ ظَاهِر اللَّفْظ مِثَاله هُنَا أَنَّهُ لَا يَنْتَقِل لِأَوْلَادِ الْأَوْلَاد شَيْء حَتَّى يَنْقَرِض جَمِيع الْأَوْلَاد مِثَال الْأَوَّل أَنَّهُ يَنْتَقِل لِكُلِّ وَاحِد نَصِيب أَصْله، وَقَدْ يَكُونُ بَيْن الْمَعْنَيَيْنِ وَاسِطَة، مِثَاله أَنْ يُرَادَ تَرْتِيب الْجُمْلَة عَلَى الْجُمْلَة إلَّا فِي بَعْض الْمَوَاضِع الَّتِي يَنُصُّ الْوَاقِف عَلَيْهَا، مِثَاله أَنْ يَقُول: لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ أَوْلَاد الْأَوْلَاد شَيْءٌ إلَّا مَنْ كَانَ لَهُ مِنْ الْأَوْلَاد نَصِيب قَدْ اسْتَحَقَّهُ وَمَاتَ بَعْد اسْتِحْقَاقه فَإِنَّهُ يَنْتَقِل لِوَلَدِهِ فَلَا يَدْخُلُ مَنْ مَاتَ أَبُوهُ قَبْل الِاسْتِحْقَاق، وَإِنْ كَانَ لَوْ قَالَ: يُرَتَّبُ كُلُّ فَرْعٍ عَلَى أَصْلِهِ لَدَخَلَ، وَإِذَا دَار لَفْظ مُجْمِل بَيْن الْمَعَانِي الثَّلَاث وَتَعَذَّرَ الْعَمَل بِظَاهِرِهَا فَلِقَائِلٍ أَنْ يُرَجِّح هَذَا الْمَعْنَى الثَّالِثَ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ أَقْرَب إلَى حَقِيقَة اللَّفْظ، وَإِذَا تَعَذَّرَ الْعَمَل بِالْحَقِيقَةِ فَكَانَ مَا قَرُبَ مِنْهَا أَوْلَى. الْمُقَدَّمَةِ السَّادِسَةِ لَفْظ النَّصِيب ظَاهِر فِي الْمُسْتَحَقّ الْمُتَنَاوَلِ وَيُحْتَمَل أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا يَخُصّهُ مِنْ الْوَقْفِ بِحَيْثُ لَوْ زَالَ الْحَاجِبُ لَتَنَاوَلَهُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَعْنِي وَلَدَ الْوَلَدِ لَوْ زَالَ الْحَاجِب لَاسْتَحَقَّ قِسْطًا فَذَلِكَ نَصِيبٌ إمَّا بِالْقُوَّةِ فَقَطْ. وَإِمَّا بِالْفِعْلِ فَتَنَاوُلُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى شَرْطٍ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا قُلْنَا: إنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى. الْمُقَدِّمَةِ السَّابِعَةِ قَدْ يَقُولُ وَقَفْت عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَلَى أَوْلَاده ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ، وَقَدْ يَقُولُ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَلَى

أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ، وَفِي الصِّيغَةِ الْأُولَى الضَّمِيرُ فِي أَوْلَادِهِمْ لِأَوْلَادِ زَيْدٍ، وَهَلْ يَنْدَرِجُ أَوْلَادُهُمْ فِي الظَّاهِرِ عَوْدًا عَلَى لَفْظِ الْأَوْلَادِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ بَعْضُهُمْ، فَيَعُودُ الضَّمِيرُ عَلَى الْمُرَادِ فِيهِ احْتِمَالَانِ أَيْضًا، وَإِنْ قُلْنَا بِالِانْدِرَاجِ انْدَرَجَ أَوْلَادُهُمْ فِي الضَّمِيرِ، وَأَمَّا الصِّيغَةُ الثَّانِيَةُ فَلَا يَأْتِي فِيهَا الِاحْتِمَالُ، بَلْ يَشْمَل جَمِيعَ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ، سَوَاءٌ دَخَلَ آبَاؤُهُمْ فِي الْوَقْفِ أَوْ لَا لِصِدْقِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا بَعْد زَوَالِ مَنْ يَحْجُبُهُمْ فَلَا إشْكَال وَقَدْ يُقَالُ: يَحْجُبُهُمْ الْأَعْمَامُ، فَيَكُونُ حُكْمُهُمْ حُكْمَ آبَائِهِمْ. الْمُقَدِّمَةِ الثَّامِنَةِ: الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ يَعُودُ عَلَى مَنْ قُلْنَا: إنَّهُ دَاخِل فِي الْوَقْفِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وِفَاقًا وَاحْتِمَالًا فَمَنْ جَزَمْنَا بِدُخُولِهِ هُنَاكَ جَزَمْنَا بِدُخُولِهِ هُنَا وَمَنْ تَرَدَّدْنَا فِي دُخُوله هُنَاكَ تَرَدَّدْنَا فِي دُخُوله هُنَا. الْمُقَدِّمَةِ التَّاسِعَةِ: أَنَّ قَوْله مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ إلَخْ هُوَ كَالْوَقْفِ الْكَامِل يَجِبُ النَّظَرُ فِي صِيَغِهِ وَدَلَالَته كَمَا سَبَقَ. الْمُقَدَّمَةِ الْعَاشِرَةِ: أَنَّ كُلَّ مَا أَدَّى إلَى قِلَّة التَّخْصِيص وَالتَّقْيِيد كَانَ أَوْلَى مِمَّا أَدَّى إلَى كَثْرَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. إذَا عَرَفْت هَذِهِ الْمُقَدَّمَاتِ الْعَشْرَ فَنَقُولُ: أَحْمَدُ وَبَتَّار الْمُتَوَفَّى هُوَ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِ الطَّنْبَاءِ، وَهُوَ دَاخِل فِي الْوَقْف فَلَا إشْكَال يَشْمَلهُمْ قَوْل الْوَاقِفِ ثُمَّ أَوْلَاد أَوْلَادِهِمْ أَيْ أَوْلَاد أَوْلَادِ أَحْمَدَ وَمُحَمَّدٍ وَبَتَّار هَاتَانِ أَيْ بِنْتَا أَحْمَد مِنْ أَوْلَاد أَوْلَاد بَتَّار، وَأَمَّا أَخُوهُمَا مُحَمَّدٌ الْمُتَوَفَّى قَبْلَ وَالِده فَفِي دُخُولِهِ فِي الْوَقْفِ وَشُمُولِ الْوَقْفِ لَهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الِاحْتِمَالَيْنِ وَلَمْ نَجِد نَقْلًا يُعْتَضَد بِهِ. وَقَدْ تَكَلَّمَ شُيُوخنَا فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ مِنْ أَهْل الْوَقْفِ أَوْ لَا؟ وَالظَّاهِر مِنْ كَلَامهمْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْل الْوَقْف، وَقَدْ قَدَّمْنَا مَا بَلَغَنَا عَنْ الْحَنَابِلَةِ فِي ذَلِكَ وَقَدَّمْنَا الْإِشَارَة إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ كَوْنِهِ لَا يَصْدُق عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ أَنَّهُ لَا يَصْدُق عَلَيْهِ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ دَاخِلٌ فِي حَقِيقَتِهِ، وَأَمَّا بَنَاتُهُ فَإِنَّهُنَّ دَاخِلَاتٌ فِي قَوْلِ الْوَاقِفِ ثُمَّ أَنْسَالُهُمْ فَهُنَّ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِنَّ فِي الِاثِّنَاء بِلَا شَكٍّ، وَقَدْ انْدَرَجَ أَصْلُهُنَّ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا عَمَّاتُهُنَّ، وَالنَّظَرُ فِي أَنَّهُنَّ حَاجِبَات لَهُنَّ أَوْ لَا. وَالْمُحَقَّقُ مِنْ ثَمَّ حَجْبُ أَبِيهِنَّ. وَأَمَّا حَجْب عَمَّاتِهِنَّ فَمُحْتَمَلٌ وَالْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلهمْ الْحَجْب وَعَدَمُ الْحَجْبِ أَيْضًا مُحْتَمَل مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ ثُمَّ أَبْدَى احْتِمَالًا ثَالِثًا لِاسْتِحْقَاقِ كُلِّ وَاحِد مَا لِوَالِدِهِ وَأَطَالَ فِي بَيَانه، وَإِنَّمَا تَرَكْتُهُ لِتَحْرِيفٍ وَقَعَ فِي نُسْخَة الْفَتَاوَى الَّتِي رَأَيْتهَا وَلَمْ أَرَ لَهَا ثَانِيَة ثُمَّ قَالَ فَصَارَ لِاسْتِحْقَاقِهِنَّ هِنَّ وُجُوه مِنْ الِاحْتِمَالَات وَحَجْبهنَّ بِعِمَامَتِهِنَّ يَلْزَمُ مِنْهُ تَخْصِيصُ قَوْلِهِ لِوَلَدِهِ وَتَخْصِيصُ قَوْلِهِ، ثُمَّ لِوَلَدِ وَلَدِهِ فِي بَعْض الْأَحْوَال إذَا مَاتَتْ شَقْرَى وَأَلْتَى عَنْ وَلَدٍ وَتَخْصِيصُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ إذَا قُلْنَا أَبُوهُنَّ دَخَلَ فِي اللَّفْظِ فَهُوَ ضِعْفُ جَانِبِ دَلَالَةِ التَّرْتِيبِ وَيَبْقَى التَّرَدُّدُ فِيهِ هَلْ الْمُرَادُ بِهِ حَجْبَ كُلِّ فَرْعٍ بِأَصْلِهِ فَقَطْ أَوْ حَجْب الْجُمْلَةِ لِلْجُمْلَةِ وَيَخْرُج عَنْهَا بَعْضُ الْأَفْرَادِ، وَإِذَا كَانَ التَّرَدُّدُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ كَوْنَ وَلَد الْوَلَد مَوْقُوفًا عَلَيْهِ فِي حَيَاةِ الْوَلَدِ رَاجِح، فَنَقُولُ الِاسْتِحْقَاق مُحَقَّق وَالْحَجْب مَشْكُوكٌ فِيهِ فَنَتْرُكُ الْمَشْكُوكَ فِيهِ وَنَعْمَلُ بِالْمُحَقَّقِ فَنَقْضِي لَهُنَّ بِالِاسْتِحْقَاقِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَال: الْأَصْلُ قَبْلَ الْوَقْفِ عَدَم الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يُحْكَم بِهِ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ الْأَوَّلُ أَرْجَحُ وَاَللَّه أَعْلَم (تَنْبِيه) : لَمَّا تَجَاذَبَتْ عِنْدِي الِاحْتِمَالَات وَلَمْ أَسْتَطِعْ الْجَزْمَ بِالْقَوْلِ بِاسْتِحْقَاقِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ فِي حَيَاةِ بَعْض الْأَوْلَادِ وَإِقَامَتِهِنَّ مَقَام آبَائِهِنَّ لِأَنِّي لَمْ أَرَ فِيهِ سَلَفًا تَطَلَّبَتْ أَحْكَام الْحُكَّام الَّذِينَ سَلَفُوا وَأَقْوَال الْعُلَمَاء مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَالْمُتَقَدِّمِينَ لَعَلَّ يَكُونُ فِيهَا مُسْتَنَدٌ مَا، إمَّا بِهَذَا وَإِمَّا بِضِدِّهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ كَثِيرَةُ الْوُقُوع تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى، وَقَدْ رَأَيْتُ جَمَاعَة مِنْ أَصْحَابنَا الشَّافِعِيَّةِ بِالشَّامِ قَدْ اسْتَنْكَرُوا الْفَتْوَى بِخِلَافِ ذَلِكَ وَرَأَيْت جَمَاعَةً مِنْ الْحَنَابِلَةِ بِالشَّامِ أَفْتَوْا بِعَدَمِ الِاخْتِصَاصِ فَقَالَ أَحَدُهُمْ: يَنْتَقِل النَّصِيب لِبَنَاتِ مُحَمَّد وَيَقُمْنَ فِي الِاسْتِحْقَاق مَقَام وَالِدِهِنَّ لَوْ بَقِيَ حَيًّا وَلَا يَمْنَع مِنْ اسْتِحْقَاقهنَّ ذَلِكَ كَوْن وَالِدهنَّ كَانَ مَحْجُوبًا كَتَبَهُ أَحْمَد بْن الْحَسَن الْحَنْبَلِيُّ وَتَحْتَهُ كَذَلِكَ يَقُول عُبَادَةُ. وَقَالَ الْآخَر يَنْتَقِلُ النِّصْفُ إلَى بَنَات مُحَمَّد وَلَا يَمْنَع مِنْ اسْتِحْقَاقهنَّ عَدَم تَنَاوُلِ أَبِيهِنَّ فَإِنَّهُ كَانَ مَحْجُوبًا بِأَبِيهِ وَهُوَ مِنْ أَهْل الْوَقْف، وَلَكِنْ وُجُود أَبِيهِ مَنَعَهُ مِنْ التَّنَاوُلِ مَعَ قِيَامِ الْمُقْتَضَى، وَهَذَا الْمَانِع لَمْ يُوجَد فِي بَنَاتِهِ. وَالْبَطْنُ الثَّانِي إنَّمَا يَتَلَقَّوْنَ

عَنْ الْوَاقِف، وَوُجُود الْأَعْلَى مَانِع مِنْ تَنَاوُلِ مَنْ دُونَهُ وَلَيْسَ تَنَاوُلُهُ شَرْطًا فِي تَنَاوُلِ مَنْ بَعْده إذَا قَامَ شَرْطُ التَّنَاوُل وَيُؤَيِّد هَذَا أَنَّ أَحَدًا لَا يَكَادُ يَقْصِد حِرْمَانَ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ الْأَيْتَام وَإِبْقَاءَهُنَّ بِوَصْفِ الْحَاجَةِ وَالْفَاقَةِ وَتَوْفِيرِ الْوَقْفِ كُلِّهِ عَلَى مَنْ هُوَ نَظِيرُهُمْ فِي الدَّرَجَةِ وَالْقُرْب مِنْ الْوَاقِف فَهَذَا لَيْسَ مِنْ عَادَةِ الْعُقَلَاء كَتَبَهُ مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر الْحَنْبَلِيُّ. وَقَالَ الْآخَرُ مِنْهُمْ بِنَقْلِ النِّصْف إلَى بَنَاتِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْوَاقِف قَصَدَ تَخْصِيص الْمَوْقُوف عَلَيْهِمْ وَأَنْسَالِهِمْ دُون غَيْرهمْ. وَأَكَّدَ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ وَيَقُمْنَ بَنَاتُ الْمَذْكُور فِي الِاسْتِحْقَاق مَقَامَ وَالِدهنَّ لَوْ كَانَ حَيًّا فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا اسْتَحَقَّ النِّصْفَ وَلَكِنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ وَهُوَ وَفَاتُهُ فِي حَيَاة أَبِيهِ فَنَقَلَ نَصِيبَهُ إلَى أَوْلَادِهِ دُون غَيْرِهِمْ، وَوُجُودُ أَلْتَى وَشَقْرَى لَمْ يَكُنْ مَانِعًا لِبَنَاتِ مُحَمَّدٍ مِنْ التَّنَاوُلِ لِمَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ وَالِدُهُنَّ لَوْ كَانَ حَيًّا كَتَبَهُ مُحَمَّدُ بْن الشِّحْنَا الْحَنْبَلِيُّ هَذِهِ فَتَاوَى الْحَنَابِلَة وَحَكَمَ بُرْهَانُ الدِّينِ الْحَنْبَلِيُّ الزَّوْعِيُّ بِمُقْتَضَاهَا فِي الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ وَنَفَّذَهُ فِي تَارِيخِهِ مُسْتَنِيبَةُ قَاضِي الْقُضَاةِ عَلَاءِ الدِّينِ. وَنَفَّذَهُ فِي تَارِيخِهِ قَاضِي الْقُضَاة عِمَادُ الدِّينِ الْحَنَفِيُّ وَنَفَّذَهُ ثَالِثَ رَمَضَانَ قَاضِي الْقُضَاةِ شَرَفُ الدِّينِ الْمَالِكِيُّ وَنَفَّذَهُ قَاضِي الْقُضَاة جَلَالُ الدِّينِ فِي تَارِيخِهِ فِي ثَالِثِ رَمَضَانَ الْمَذْكُورِ ثُمَّ أَذِنَ جَلَالُ الدِّينِ قَاضِي الْقُضَاةِ فِي تَارِيخِهِ لِجَلَالِ الدِّينِ نَاظِرِ الْأَيْتَامِ أَنْ يَنْظُرَ فِيمَا ثَبَتَ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْبَنَاتِ الثَّلَاثِ الْأَخَوَات إلَى أَنْ يَتَعَيَّن مَنْ يَسْتَحِقُّ النَّظَرَ فِي الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ، وَأَشْهَد قَاضِي الْقُضَاةِ جَلَالُ الدِّينِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فِي الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمِائَةِ وَاسْتُفْتِيَ فِي هَذَا الْحُكْمِ إذَا رُفِعَ إلَى حَاكِمٍ آخَرَ هَلْ يَسُوغُ لَهُ نَقْضُهُ يَعْنِي حُكْم الزَّوْعِيِّ وَتَنْفِيذه؟ فَأَجَابَ جَمَاعَةٌ مِنْ جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ. وَمِنْهُمْ مِنْ الْحَنَابِلَةِ مَنْ عَلَّلَ بِأَنَّهُ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَالْحَاكِم إذَا حَكَمَ فِي مَسْأَلَة الْخِلَاف يَرْتَفِع الْخِلَاف، كَتَبَهُ يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنْبَلِيُّ، فَأَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّل وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَنْتَقِل النِّصْف لِبَنَاتِ مُحَمَّدٍ فَدَعْوًى، وَقَوْله: إنَّهُنَّ يَقُمْنَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ مَقَامَ وَالِدِهِنَّ أَيْضًا دَعْوًى لَيْسَ فِي شَرْطِ الْوَاقِفِ تَصْرِيح بِهَا وَقَوْلُهُ: إنَّهُ لَا يَمْنَع مِنْ اسْتِحْقَاقِهِنَّ كَوْن وَالِدهنَّ كَانَ مَحْجُوبًا صَحِيحٌ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْن هَذَا لَا يَمْنَع غَيْره وَلَا مِنْ كَوْنه يَمْنَع وُجُودَ الْمُقْتَضِي لِلِاسْتِحْقَاقِ فَلَمْ يَأْتِ بِدَلِيلٍ عَلَيْهِ، وَأَمَّا قَوْلُ مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ ابْن الْقَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ يَنْتَقِلُ النِّصْفُ فَهُوَ أَيْضًا دَعْوًى، وَقَوْلُهُ: لَا يَمْنَع مِنْ اسْتِحْقَاقهنَّ عَدَمُ تَنَاوُلِ أَبِيهِنَّ جَوَابه مَا تَقَدَّمَ. وَقَوْله: فَإِنَّهُ كَانَ مَحْجُوبًا بِأَبِيهِ إلَخْ مُنَازَع بِأَنَّ كَلَامَ الْعُلَمَاءِ فِيهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ حَتَّى يَنْقَرِضَ مِنْ قِبَله، وَإِنَّمَا يُطْلَق أَهْلُ الْوَقْفِ عَلَى مَنْ يُتَنَاوَلُ، وَإِنْ كَانَ الْآخَر مُحْتَمَلًا فَأَخْذُهُ هُنَا مُسَلَّمٌ لَيْسَ بِجَيِّدٍ، بَلْ يَحْتَاجُ أَنْ يَأْتِيَ بِدَلِيلٍ عَلَيْهِ، وَقَوْله: وَيُؤَيِّد هَذَا إلَخْ هَذَا عُمْدَة الْحَنَابِلَة وَهُوَ الِاعْتِمَاد عَلَى الْمَعْنَى وَفِيهِ نَظَر؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلْوَاقِفِ مَقْصُود فِي مُرَاعَاة الْقُرْب، وَقَوْله: وَالْقُرْب مِنْ الْوَاقِف ذُهُول عَنْ صُورَة الِاسْتِفْتَاء؛ لِأَنَّهُ فِي الْوُقُوف عَلَيْهِ لَا فِي الْوَاقِف، وَأَمَّا مَا قَالَ الْآخَر فَجَوَابه مَا سَبَقَ فَتَبَيَّنَ أَنَّ فَتَاوَى الْحَنَابِلَة لَمْ تَشْتَمِل عَلَى حُجَّة، وَأَمَّا الْفَتَاوَى بِعَدَمِ النَّقْض فَكُلّهَا لَمْ يُبَيَّنْ فِيهَا الْمُسْتَنَد إلَّا يُوسُف بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنْبَلِيُّ بِقَوْلِهِ: مِنْ الْمُخْتَلَف فِيهِ عَلَى مَا فِيهِ خِلَاف لِلْمُتَقَدِّمِينَ، وَأَمَّا مَا يَقَع لَنَا فَتَتَجَاذَب الْآرَاء فِيهِ فَلَا يُقَال: إنَّهَا مِنْ الْمُخْتَلَف فِيهِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُر فِيهَا فَإِنَّ اتَّضَحَ دَلِيلٌ عَلَيْهَا اُتُّبِعَ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ حُكِمَ فِيهَا بِحُكْمٍ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَلِيل يَنْبَغِي جَوَازُ نَقْضِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَلِيل لَمْ يُنْقَضْ، وَهَذَا الْحُكْم لَمْ نَجِدْهُ فِي كَلَام الْحَنَابِلَة الَّذِي اسْتَنَدَ إلَيْهِمْ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا، نَعَمْ عِنْدنَا دَلِيل آخَر وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي كَلَامنَا، يَبْقَى نَظَرٌ آخَر وَهُوَ أَنَّ الْحَاكِمَ الْحَنْبَلِيَّ إذَا لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى دَلِيلٍ وَلَكِنْ اسْتَنَدَ إلَى مَا ذَكَره أَصْحَابُهُ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ هَلْ تَكُونُ مُدَافَعَةُ حُكْمِهِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الدَّلِيلِ مَانِعًا مِنْ نَقْضِهِ أَمْ لَا؟ هَذَا مُحْتَمَلٌ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يَصْلُح أَنْ يَكُونَ مَانِعًا فَإِنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْحُكْمِ الِاسْتِنَادَ إلَى دَلِيلٍ صَحِيحٍ، فَإِنْ وَجَدْنَا إسْجَالَ الْحَاكِمِ مُطْلَقًا غَيْرَ مُسْتَنِدٍ إلَى سَبَبٍ وَوَجَدْنَا دَلِيلًا

صَحِيحًا لَمْ يَكُنْ لَنَا نَقْضُهُ بَلْ نُحْسِنُ الظَّنَّ بِهِ وَلَا نَعْتَقِدُ أَنَّهُ اسْتَنَدَ إلَى مَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ الدَّلِيلِ أَوْ إلَى دَلِيلٍ مِثْلِهِ. وَإِنْ بَيَّنَ الْمُسْتَنَدَ وَرَأَيْنَاهُ غَيْرَ صَالِحٍ وَلَا تَشْهَدُ لَهُ قَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ بِصِحَّتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْقَضَ وَيُحْكَمَ حُكْمًا مُسْتَنِدًا إلَى دَلِيلٍ صَحِيحٍ لَكِنْ أَرَى مِنْ بَابِ الْمَصْلَحَةِ أَنْ لَا يُنْقَضَ وَيُنَفَّذَ؛ لِئَلَّا يَتَجَرَّأَ النَّاسُ عَلَى نَقْضِ أَحْكَامِ الْحُكَّامِ وَيُجْعَلُ التَّنْفِيذُ كَأَنَّهُ حُكْمٌ مُبْتَدَأٌ مُسْتَقِلٌّ وَلَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ الْمُنَفِّذ بِحُكْمٍ مُسْتَنِدٍ إلَى دَلِيلٍ مُوَافِقٍ لِلْأَوَّلِ وَبَقِيَ الْأَوَّلُ عَلَى حَالَةٍ كَانَ أَوْلَى وَأَجْمَعَ لِلْمَصَالِحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. جَوَاب السُّبْكِيّ لَكِنَّهُ لَمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَائِسِ يَسْتَحِقُّ أَنْ لَا يُتْرَكَ وَإِنْ كَانَ مُطَوَّلًا وَكَانَ مَبْنَى هَذَا الْكِتَابِ عَلَى الِاخْتِصَارِ مَا أَمْكَنَ فَتَأَمَّلْهُ تَجِدْهُ مُرَجِّحًا لِاسْتِحْقَاقِ بَنَاتِ مُحَمَّدٍ مَعَ عَمَّتَيْهِمَا وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَرْجَحُ قُبَيْل التَّنْبِيه وَاعْتِرَاضُهُ عَلَى الْحَنَابِلَةِ الَّذِينَ ذَكَرهمْ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمِ بَلْ مِنْ حَيْثُ جَزْمُهُمْ بِهِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ مُسْتَنَدِهِ أَوْ مَعَ بَيَانِ مُسْتَنَدٍ لَا يَنْهَضُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ فِي جَوَابِ ابْن الْقَيِّمِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ نَعَمْ عِنْدنَا دَلِيلٌ آخَر وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي كَلَامنَا فَعُلِمَ أَنَّهُ مُوَافَقَةٌ عَلَى الْحُكْمِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ أَوَّلُ كَلَامِهِ وَآخِرِهِ وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ صُورَةَ السُّؤَالِ الَّتِي أَفْتَى هُوَ وَهُمْ فِيهَا بِاسْتِحْقَاقِ الْأَوْلَادِ هِيَ مَا تَقَدَّمَ كَمَا رَأَيْتُهُ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي اطَّلَعْتُ عَلَيْهَا فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي الْوَاقِع فَهِيَ عَيْنُ مَسْأَلَتنَا فَيُنْسَبُ إلَيْهِ وَإِلَيْهِمْ أَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِاسْتِحْقَاقِ الْأَوْلَادِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي الْوَاقِع بَلْ فِيهِ زِيَادَة وَهِيَ أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ عَنْ وَلَد فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ كَمَا قَدْ يَدُلّ عَلَيْهِ بَعْضُ كَلَامِهِ الَّذِي تَرَكْتُهُ لِتَحْرِيفِ النُّسْخَة كَمَا أَشَرْت إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ لَمْ يُنْسَبْ إلَيْهِ وَإِلَيْهِمْ الْقَوْل بِالِاسْتِحْقَاقِ فِي مَسْأَلَتنَا إلَّا بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاء لَا الصَّرِيح وَبَيَانه أَنَّ صُورَتَنَا مُوَافِقَةٌ لِصُورَتِهِ فِي الْعَطْف بِثُمَّ وَمَعَ ذَلِكَ أُلْغِي الْعَمَل بِقَضِيَّتِهَا لِمَا قَرَّرَهُ مِمَّا عَارَضَهَا فَكَذَلِكَ نُلْغِي قَضِيَّتهَا فِي صُورَتِنَا لِمَا عَارَضَهَا مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ الْمُتَبَادِرِ مِنْهُ الْمُعْتَضَدِ بِمَا يَأْتِي مِنْ الْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ وَالْحَالِيَّةِ. وَأَيْضًا فَمَا وُجِّهَ بِهِ اسْتِحْقَاقُ بَنَاتِ مُحَمَّدٍ مَعَ عَمَّتَيْهِمَا الْمُخَالِف لِقَضِيَّتِهِ ثُمَّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ شَيْءٌ لِوَاحِدِ مِنْ بَطْنٍ سَافِلٍ وَهُنَاكَ أَحَدٌ مِنْ بَطْنٍ عَالٍ وَذَلِكَ الَّذِي وُجِّهَ بِهِ وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ أَنَّ وَلَد الْوَلَدِ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ فِي حَيَاةِ الْوَلَدِ وَأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ مُحَقَّقٌ وَحَجْبَهُ مَنْ فِي دَرَجَةِ أَبِيهِ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَتَرْكُ الْمَشْكُوكِ وَالْعَمَلُ بِالْمُحَقَّقِ يَقْضِي لَهُنَّ بِالِاسْتِحْقَاقِ فِي حَيَاةِ عَمَّتَيْهِمَا وَأُلْغِي بِذَلِكَ قَضِيَّةُ التَّرْتِيبِ الَّتِي صَرَّحَ بِهَا الْأَئِمَّةُ مَوْجُودٌ بِعَيْنِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِمْ فِي حَيَاةِ آبَائِهِمْ أَيْضًا. وَإِنَّمَا هُمْ مَحْجُوبُونَ بِآبَائِهِمْ يَقِينًا وَشَكَكْنَا فِي حَجْبِهِمْ بِمَنْ فِي دَرَجَةِ آبَائِهِمْ فَتَرَكْنَا الْمَشْكُوكَ فِيهِ وَعَمِلْنَا بِالْيَقِينِ مَعَ مَا انْضَمَّ إلَيْهِ مِمَّا يُسَاعِدُهُ مِنْ الْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ وَالْحَالِيَّةِ الْآتِي بَيَانُهَا فِي صُورَتِنَا وَلَا يُتَوَهَّمُ مِنْ كَلَامه أَنَّ كَوْنَ الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ مَثَلًا يَصِحُّ أَنْ يُقَال: إنَّهَا مَوْقُوفٌ عَلَيْهَا فِي حَيَاةِ أَهْلِ الْمَرْتَبَة الْأُولَى وَإِنَّمَا هِيَ مَحْجُوبَةٌ بِهَا مِمَّا هُوَ بِمُجَرَّدِهِ مُلْغٍ لِقَضِيَّةِ الْعَطْفِ بِثُمَّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَمَشَّى عَلَى كَلَام الْأَئِمَّةِ فِي ثُمَّ وَإِنَّمَا الَّذِي يُلْغِيهَا مَا يَنْضَمُّ إلَى ذَلِكَ مِنْ الْقَرَائِنِ كَمَفْهُومِ الشَّرْطِ فِي صُورَتِنَا وَصُورَتِهِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ النُّسْخَةِ الَّتِي مَرَّتْ وَكَصَرِيحِ الشَّرْطِ الَّذِي أَشَرْنَا إلَى أَنَّ كَلَامَهُ فِي غُضُونِ جَوَابِهِ قَدْ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِهِ وَهُوَ أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ وَلَهُ نَصِيبٌ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ وَحِينَئِذٍ فَوَجْهُ التَّوَقُّفِ بِنَاءً عَلَى فَرْضِ أَنَّ هَذَا فِي صُورَتِهِ أَنَّ مُحَمَّدًا الْمُتَوَفَّى هُنَا قَبْلَ وَالِدِهِ لَا نَصِيب لَهُ فَكَأَنَّ قَضِيَّةَ اللَّفْظِ أَنْ لَا يَنْتَقِل لِبَنَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ نَصِيب أَبِيهِ؛ لِأَنَّ نَصِيبه انْتَقَلَ لِبِنْتِهِ الْحَاجِبَتَيْنِ لِبَنَاتِ أَخِيهِمَا نَظَرًا لِقَضِيَّةِ الْعَطْفِ بِثُمَّ السَّابِقَةِ لَكِنْ لَمَّا اُحْتُمِلَ أَنَّ الْوَاقِفَ يُرِيدُ بِالنَّصِيبِ فِي قَوْلِهِ مَنْ تُوُفِّيَ وَلَهُ وَلَد فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ النَّصِيبُ الْحَقِيقِيُّ وَالتَّقْدِيرِيُّ. وَعَضَّدَهُ مَا قَدَّمَهُ السُّبْكِيّ فِي جَوَابِهِ صَلُحَ ذَلِكَ مَعَهُمَا لِلنَّصِيبِ فِي الْمُحَقَّقِ وَالْمُقَدَّرِ فَلَزِمَ حِينَئِذٍ اسْتِحْقَاقُ بَنَاتِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ وَالِدُهُمْ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَحْجُوبٌ بِهِ فَلَهُ نَصِيبٌ لَكِنَّهُ مُقَدَّرٌ أَيْ: لَوْ مَاتَ أَبُوهُ فِي حَيَّاته لَاسْتَحَقَّهُ فَأَخَذَ بَنَاتُهُ نَصِيبَهُ ذَلِكَ الْمُقَدَّرَ لَا فِي حَيَاةِ أَحْمَدَ أَبِيهِ؛ لِأَنَّ وَالِدَهُمْ لَا نَصِيبَ لَهُ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ بَلْ بَعْدَ مَمَاتِهِ إذْ بِمَمَاتِهِ تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ مَوْجُودًا لَاسْتَحَقَّ مِنْ

أَبِيهِ نَصِيبًا فَلَهُ حِينَئِذٍ نَصِيبٌ مُقَدَّرٌ بِمَوْتِ أَبِيهِ فَلَمَّا مَاتَ أَبُوهُ اسْتَحَقَّ بَنَاتُهُ نَصِيبَهُ ذَلِكَ الَّذِي كَانَ مُقَدَّرًا؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ صَارَ مَوْجُودًا هَذَا حَاصِلُ مَا يُوجِبُهُ بِهِ اسْتِحْقَاقُ أَوْلَادِ مُحَمَّدٍ عَلَى فَرْضِ أَنَّ صُورَةَ مَسْأَلَتِهِنَّ فِيهَا زِيَادَةٌ. وَمَنْ تُوُفِّيَ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ وَإِذَا خَرَجَ النَّصِيبُ عَنْ ظَاهِرِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِهَذِهِ الطَّرِيق الَّتِي تَقَرَّرَتْ وَعُمِّمَ فِي الْمُحَقَّقِ وَالْمَوْجُودِ وَقُضِيَ بِسَبَبِ مَا قَدَّمَهُ السُّبْكِيّ عَلَى الْعَمَّتَيْنِ بِاسْتِحْقَاقِ بَنَاتِ أَخِيهِمَا مَعَهُمَا لِأَدْنَى مُعَارِضٍ فَأَوْلَى أَنْ نَأْخُذَ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ فِي مَسْأَلَتنَا وَنَقْضِي بِهِ عَلَى الْخَالَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي دَرَجَةِ الْمَيِّتَةِ بِاسْتِحْقَاقِ بِنْت أُخْتِهَا مَعَهَا؛ لِقُوَّةِ الْمُعَارِضِ فِيهَا لِقَضِيَّةٍ ثُمَّ كَمَا يَأْتِي بَيَانه وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَلَامَ السُّبْكِيّ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ فِي هَذَا السُّؤَالِ دَالٌّ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْبِنْتِ فِي مَسْأَلَتِنَا إمَّا بِطَرِيقِ التَّصْرِيح وَإِمَّا بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ كَمَا بَانَ لَك ذَلِكَ وَاتَّضَحَ مِمَّا قَرَّرْتُهُ ثُمَّ رَأَيْتُ السُّبْكِيّ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي سُؤَالٍ آخَر فِيهِ الزِّيَادَةُ الْمَذْكُورَةُ وَإِبْدَال الْعَطْفِ بِثُمَّ بِقَوْلِهِ: تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا الطَّبَقَةَ السُّفْلَى وَذَكَر مَعَ ذَلِكَ سَبْعَ صُوَرٍ تَتَعَيَّنُ الْإِحَاطَةُ بِهَا فَإِنَّهَا مُهِمَّةٌ وَلِجَمِيعِهَا تَعَلُّقٌ بِمَسْأَلَتِنَا نَعَمْ. سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الثَّانِي عَنْ الْبَغَوِيِّ مَا يُصَرِّحُ بِرَدِّ مَا قَالَهُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ فَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِرَدِّ كَلَامه هُنَا وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِكَلَامِ الْبَغَوِيِّ الْآتِي مَعَ أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي رَدِّهِ كَمَا سَأَذْكُرُهُ. ثُمَّ وَمِمَّنْ وَافَقَ الرُّويَانِيَّ وَوَالِدَهُ عَلَى مَا مَرَّ عَنْهُمَا مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْوَلَدِ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ الْوَلِيُّ أَبُو زُرْعَةَ مِنْ غَيْرِ اطِّلَاع مِنْهُ عَلَى كَلَامِهِمَا وَعِبَارَتُهُ فِي فَتَاوِيهِ سُئِلْتُ عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَنَسْلِهِ وَعَقِبِهِ طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ وَنَسْلًا بَعْد نَسْلٍ تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا مِنْهُمْ الطَّبَقَةَ السُّفْلَى عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَمْ يُخَلِّفْ وَلَدًا وَلَا وَلَدَ وَلَدٍ كَانَ نَصِيبُهُ لِإِخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ عَنْ وَلَدٍ هَلْ يَكُونُ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ أَوْ لِإِخْوَتِهِ؟ فَأَجَبْتُ بِأَنَّهُ قَدْ تَعَارَضَ هُنَا أَمْرٌ أَنَّ مُقْتَضَى قَوْلِهِ تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا الطَّبَقَةَ السُّفْلَى أَنَّهُ لَا اسْتِحْقَاق لِأَوْلَادِ الْمُتَوَفَّى مَعَ وُجُود إخْوَته. وَمُقْتَضَى مَفْهُومِ تَقْيِيدِ انْتِقَالِ ذَلِكَ لِإِخْوَتِهِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ اسْتِحْقَاقُ وَلَدِهِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْعَمَلِ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فِي أَلْفَاظ الْآدَمِيِّينَ فَحُكِيَ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْن إنْكَارُهُ وَأَنَّهُ إنَّمَا يُعْمَلُ بِهِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ فِي أَلْفَاظِ الشَّرْعِ وَمَالَ إلَيْهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيّ بَلْ حُكِيَ عَنْ إلْكِيَا الْهِرَّاسِيِّ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ وَهُوَ أَنَّ جَمِيعَ الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّة إنَّمَا يُعْمَلُ بِهَا فِي أَلْفَاظِ الشَّرْعِ لَا فِي كَلَام الْآدَمِيِّينَ لَكِنَّ هَذَا قَوْلٌ مَهْجُورٌ، وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَى خِلَافِهِ وَلَا مَعْنَى لَهُ فَإِنْ صَحَّ مَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَمَنْ تَبِعَهُ تَعَيَّنَ انْتِقَالُ الِاسْتِحْقَاقِ لِإِخْوَةِ الْمُتَوَفَّى. وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَام الْأَصْحَابِ، بَلْ حُكِيَ عَنْ الْحَنَفِيَّة الْمُنْكِرِينَ لِمَفَاهِيمِ الْمُخَالَفَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا بِهَا فِي أَلْفَاظِ الْآدَمِيِّينَ فَالِاسْتِحْقَاقُ حِينَئِذٍ لِوَلَدِ الْمُتَوَفَّى عَمَلًا بِالْمَفْهُومِ فَإِنَّهُ خَاصٌّ، وَقَوْلُهُ: تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا الطَّبَقَةَ السُّفْلَى عَامٌّ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ وَالْمَشْهُورُ فِي الْأُصُولِ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِالْمَفْهُومِ اهـ. كَلَامُهُ وَهُوَ حَسَنٌ كَمَا يَأْتِي تَحْقِيقُهُ وَمِمَّنْ وَافَقَهُمَا أَيْضًا مِنْ مُعَاصِرِي السُّبْكِيّ الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الْقَمَّاحِ والقَلْقَشَنْدِيُّ وَيُونُسُ بْنُ أَحْمَدَ وَيُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ فَإِنَّهُمْ سُئِلُوا عَمَّنْ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْفُسٍ بَيْنهمْ بِالسَّوِيَّةِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ وَعَقِبهمْ أَبَدًا بَطْنًا بَعْد بَطْنٍ وَقَرْنًا بَعْد قَرْنٍ سَهْمُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء عَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَا وَلَدِ وَلَدٍ وَلَا نَسْلٍ وَلَا عَقِبٍ وَإِنْ سَفَلَ كَانَ مَا يَسْتَحِقّهُ مِنْ هَذَا عَائِدًا عَلَى الثَّلَاثَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْأَوْلَادِ أَحَدٌ حَتَّى يَنْقَرِضَ الْأَعْلَى مِنْ آبَائِهِ فَمَاتَ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ مِنْ غَيْرِ نَسْلٍ فَانْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى الثَّلَاثَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا ثُمَّ مَاتَ الثَّلَاثَةُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا فَهَلْ يَنْتَقِل لِوَلَدِ كُلٍّ مِنْهُمْ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ أَبُوهُ لَوْ كَانَ حَيًّا أَمْ يَشْتَرِكُ جَمِيعُ الْأَوْلَادِ الْمُخَلَّفِينَ عَنْ الثَّلَاثَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا؟ فَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ الْقَلْقَشَنْدِيُّ بِقَوْلِهِ: قُوَّةُ الْكَلَامِ تُشْعِرُ بِأَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ

انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى أَوْلَادِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ وَكَذَلِكَ عَلَى جَوَابِهِ هَذَانِ الْمَذْكُورَانِ بَعْدَهُ وَأَجَابَ ابْنُ الْقَمَّاحِ بِقَوْلِهِ: لَا يَدُلُّ كَلَامُ الْوَاقِفِ عَلَى التَّشْرِيكِ بَلْ قَدْ يَدُلُّ عَلَى ضِدّه فَإِنَّهُ شَرْطٌ فِي صَرْفِ نَصِيبِ الْمَيِّتِ إلَى غَيْرِ أَوْلَادِهِ أَنْ يَمُوتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَمَتَى مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ صُرِفَ إلَيْهِمْ فَوُجُودُ الْوَلَدِ مَانِعٌ مِنْ صَرْف نَصِيب الْمَيِّتِ إلَى غَيْرِ أَوْلَادِهِ وَأَجَابَ مَرَّةً أُخْرَى بِقَوْلِهِ: مَنْ مَاتَ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ فَنَصِيبُهُ لِأَوْلَادِهِ خَاصَّةً لَا يُشَارِكهُ فِيهِ أَوْلَادُ الْآخَرِ وَكَذَا حُكْمُ بَقِيَّةِ الطَّبَقَاتِ مِنْ الْأَوْلَادِ وَإِنْ سَفَلُوا اهـ فَانْظُرْ كَيْف أَفْتَى هَؤُلَاءِ بِأَنَّ نَصِيبَ الْمَيِّتِ لِوَلَدِهِ لَا لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ مَعَ مُسَاوَاة صُورَتِهِمْ هَذِهِ لِصُورَتِنَا فِي الْعَطْف بِثُمَّ وَفِي أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّح بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ كَانَ مَا يَسْتَحِقُّهُ عَائِدًا عَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ فِي دَرَجَتِهِ بَلْ صُورَتُهُمْ هَذِهِ فِيهَا زِيَادَةٌ عَلَى صُورَتِنَا تَقْتَضِي مَنْعَ الْأَوْلَادِ بِالصَّرِيحِ لِقَوْلِهِ: مَعَ الْعَطْف بِثُمَّ بَطْنًا بَعْد بَطْنٍ وَقَرْنًا بَعْد قَرْنٍ وَهَذَا أَظْهَرُ فِي حَجْبِ الْأَوْلَادِ مِنْ مُجَرَّد الْعَطْفِ بِثُمَّ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَنْظُرُوا إلَيْهِ بَلْ خَصَّصُوهُ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ عَادَ مَا يَسْتَحِقّهُ إلَى الثَّلَاثَة الَّتِي فِي دَرَجَتِهِ فَإِذَا جَعَلُوا مَفْهُومَ هَذَا مُخَصَّصًا فِي هَذِهِ الصُّورَة فَأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ مُخَصَّصًا فِي صُورَتِنَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَوَافَقَ ابْنَ الْقَمَّاحِ عَلَى مَا مَرَّ عَنْهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ الرُّويَانِيُّ وَوَالِدِهِ وَغَيْرهمَا مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْبِنْتِ فِي مَسْأَلَتنَا لَا يَخْتَصُّ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ بَلْ هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٌ أَيْضًا وَمَرَّ فِي جَوَابِ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ الْحَنَفِيَّة مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا وَمَرَّ عَنْ ابْنِ الْقَيِّمِ مِنْ أَهْلِ الْحَنَابِلَةِ وَمُعَاصِرِيهِ مِنْ أَئِمَّةِ مَذْهَبِهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ مَذْهَب أَحْمَدَ أَيْضًا فَبِمُقْتَضَى ذَلِكَ صَارَ الْقَوْلُ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْبِنْتَ لَيْسَ مِنْ مُفْرَدَات مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، بَلْ الْمَذَاهِبُ الْأَرْبَعَةُ مُتَّفِقُونَ عَلَيْهِ عَلَى مُقْتَضَى مَا تَقَرَّرَ فَلْتُرَاجَعْ كُتُبَهُمْ فَإِنْ وُجِدَ فِيهَا التَّصْرِيحُ بِمَا يُخَالِف مَا قُلْنَاهُ عُمِلَ بِهِ وَإِلَّا فَالْعَمَلُ بِمَا نَسَبْنَاهُ إلَيْهِمْ أَخْذًا مِمَّا تَقَرَّرَ، وَهَذَا كُلُّهُ يُبْطِلُ قَوْلَ الزَّرْكَشِيّ الْآتِي: أَنَّ عَدَمَ الِاسْتِحْقَاقِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ بِأَبْسَطِ مِنْ هَذَا. وَمِمَّنْ وَافَقَهُمَا أَيْضًا الْبُلْقِينِيُّ وَبَيَانه أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى وَلَدَيْهِ الرَّجُلَيْنِ نَصِيبَ كُلّ وَاحِد عَلَيْهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ مِنْ بَعْدِهِ مَهْمَا نَزَلُوا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَمَنْ انْقَرَضَ عَنْ غَيْر وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِأَخِيهِ ثُمَّ لِأَوْلَادِ أَخِيهِ مَهْمَا نَزَلُوا عَلَى الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّة، فَإِنْ انْقَرَضُوا كُلُّهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ كَانَ عَائِدًا عَلَى مَنْ يَرِثهُمْ مِنْ الْأَقَارِبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى مَنْ يَرِثُهُمْ مِنْ الْعَصَبَات فَآلَ الْوَقْفُ إلَى أَخَوَيْنِ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ذَكَرٍ اسْمُهُ عُبَيْدٌ وَأُنْثَى فَتُوُفِّيَتْ الْأُنْثَى عَنْ أَخِيهَا وَبِنْتٍ تُسَمَّى عَائِشَةَ فَتُوُفِّيَتْ عَائِشَةُ عَنْ وَالِدهَا وَإِخْوَةٍ مِنْ أَبِيهَا وَخَالِهَا عُبَيْدٍ فَلِمَنْ تَنْتَقِل مَنَافِع الْوَقْف عَنْ عَائِشَةَ ثُمَّ مَاتَ عُبَيْد عَنْ وَلَدَيْنِ ذَكَر وَأُنْثَى وَلَمْ يَبْقَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ غَيْرُهُمَا فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: تَنْتَقِل مَنَافِع ذَلِكَ لِعُبَيْدٍ وَيَسْتَقِلُّ وَلَدَا عُبَيْدٍ بَعْده بِغَلَّةِ الْوَقْفِ الْمَذْكُور لِلذَّكَرِ مِثْل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ وَلَا يَنْتَقِل شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِإِخْوَتِهَا لِأَبِيهَا؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ ذُرِّيَّةِ أَحَدِ الذَّكَرَيْنِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمَا أَوَّلًا وَلَا شَيْء لِوَالِدِ عَائِشَةَ لِذَلِكَ اهـ. الْمَقْصُودُ مِنْ جَوَابِهِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي اسْتِحْقَاقِ عَائِشَةَ نَصِيبَ أُمِّهَا دُون أَخِي أُمِّهَا الَّذِي فِي دَرَجَتِهَا وَهُوَ عُبَيْدٌ مَعَ أَنَّ مَسْأَلَتَهُ نَظِيرُ مَسْأَلَتنَا فِي الْعَطْف بِثُمَّ لِقَضِيَّتِهَا الدَّالَّةَ عَلَى اسْتِحْقَاق عُبَيْدٍ دُون عَائِشَةَ أَخْذًا بِمَفْهُومِ، وَمَنْ انْقَرَضَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِأَخِيهِ فَعُلِمَ أَنَّ مَسْأَلَتَهُ نَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا وَأَنَّهُ قَائِلٌ بِاسْتِحْقَاقِ الْوَلَدِ دُونَ الْأَخِ وَأَنَّ مَنْ نَسَبَ إلَيْهِ خِلَافَ ذَلِكَ فَقَدْ وَهِمَ وَأَجَابَ عَنْهُ مَرَّةً أُخْرَى بِقَوْلِهِ: لَيْسَ لِوَالِدِ الصَّغِيرَةِ الْمَذْكُورَةِ أَيْ: عَائِشَةَ حَقٌّ فِي نَصِيبِهَا وَلَا لِأَوْلَادِهِ، بَلْ نَصِيبُهَا لِخَالِهَا إلَخْ فَانْظُرْ تَصْرِيحَهُ بِأَنَّ لِعَائِشَة نَصِيبهَا وَبِأَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ لِخَالِهَا إلَّا بَعْد مَوْتِهَا، وَهَذَا صَرِيحٌ أَيْ: صَرِيحٌ فِي مَسْأَلَتنَا بِاسْتِحْقَاقِ الْبِنْتِ دُونَ الْأُخْتِ، الْوَجْهُ الثَّالِثُ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ خَالَفَ كَلَامُهُ مَا مَرَّ عَنْ الرُّويَانِيُّ وَغَيْره وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَنْ غَيْر قَصْدٍ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ آخَرُ لَهُمْ فَمِنْ هَؤُلَاءِ السُّبْكِيّ فَإِنَّهُ أَفْتَى فِي صُورَةِ السُّؤَالِ الَّتِي أَفْتَى فِيهَا ابْنُ الْقَمَّاحِ

وَمَنْ مَعَهُ بِمَا مَرَّ بِقَوْلِهِ: يَشْتَرِك جَمِيعُ الْأَوْلَادِ الْمُخَلَّفِينَ عَنْ الثَّلَاثَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا فِي جَمِيعِ الْمَوْقُوفِ بَيْنهمْ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ، ثُمَّ أَوْلَادُهُمْ كَذَلِكَ تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا أَبَدًا الطَّبَقَةَ السُّفْلَى وَلَا يَخْتَصُّ أَوْلَادُ كُلٍّ بِنَصِيبِ وَالِدِهِمْ وَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ نَصِيبِ وَالِدِهِ حَتَّى يُتَوَفَّى مَنْ يُسَاوِي وَالِدَهُ فِي الطَّبَقَةِ عَمَلًا بِأَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ الْوَقْفِ بَعْد الْأَرْبَعَةِ لِأَوْلَادِهِمْ وَلَمْ يَخُصَّ وَلَمْ يُفَصِّلْ وَلَمْ يَأْتِ بِصِيغَةٍ تُشْعِرُ بِذَلِكَ كَمَا أَتَى فِي الطَّبَقَةِ الْأُولَى بِقَوْلِهِ: أَرْبَاعًا وَمُحَافَظَةً عَلَى تَعْمِيمِ قَوْلِهِ: الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ، وَلَوْ خَصَّصْنَا أَوْلَادَ كُلٍّ بِنَصِيبِ أَبِيهِمْ لَزِمَ تَخْصِيصُ قَوْلِهِ: الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ، وَالتَّخْصِيصُ فِيهِ خِلَافُ الْأَصْلِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْأَوَّلِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَمْرٌ مَرْجُوحٌ مَعَ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ دُون مَا عَدَاهُ وَلَا يَمْنَع مِنْ ذَلِكَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ: عَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ كَانَ مَا يَسْتَحِقّهُ عَائِدًا عَلَى الثَّلَاثَةِ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْكَلَامِ أَوَّلًا يَقْتَضِي أَنَّ الْوَقْفَ فِي الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ لِأَوْلَادِ الْأَرْبَعَةِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمْ وَلَدٌ قَدْ يُقَالُ: إنَّ نَصِيبَهُ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الثَّلَاثَةِ وَلَا إلَى أَوْلَادِهِمْ؛ لِأَنَّهُ وَقَفَهُ عَلَى أَوْلَادِ الْأَرْبَعَةِ وَلَمْ يُوجَدْ إلَّا أَوْلَادُ الثَّلَاثَةِ فَيَكُونُ ذَلِكَ النَّصِيبُ مُنْقَطِعًا فَبَيَّنَ بِهَذَا اللَّفْظِ أَنَّ ذَلِكَ النَّصِيبَ يَعُودُ إلَى الثَّلَاثَةِ وَإِلَى أَوْلَادِهِمْ عَلَى الْحُكْم الْمَشْرُوحِ. وَيَصِيرُ الْوَقْفُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ بَعْدَهُمْ وَقْفًا عَلَى أَوْلَادِ الثَّلَاثَةِ، وَمَفْهُومُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَهُ وَلَدٌ لَا يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ بِأَنْ نَقُولَ: نَصِيبُهُ لِلثَّلَاثَةِ عَمَلًا بِالتَّرْتِيبِ وَبَعْدَ الثَّلَاثَةِ يَعُودُ نَصِيبُهُمْ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ عَمَلًا بِقَوْلِهِ: ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَلَا يَنْحَصِرُ مَفْهُومُ ذَلِكَ فِي أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَهُ وَلَدٌ يَأْخُذُ وَلَدُهُ نَصِيبَهُ فَذَلِكَ لَا دَلِيل عَلَيْهِ وَمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ مُحْتَمَل يُكْتَفَى بِهِ فِي الْمَفْهُومِ مَعَ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ فَكَانَ مُتَيَقَّنًا، وَمَتَى ثَبَتَتْ الْمُخَالَفَةُ بِوَجْهٍ مَا كَفَى فِي الْعَمَلِ بِالْمَفْهُومِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ مِنْ الْأَوْلَادِ حَتَّى يَنْقَرِضَ الْأَعْلَى مِنْ آبَائِهِ فَذَلِكَ مَعْمُول بِهِ عَلَى مَا قُلْنَاهُ بِأَنْ يَنْقَرِضَ الْأَعْلَى مِنْ آبَائِهِ وَلَا يَكُونُ فِي طَبَقَتِهِ مَنْ يُسَاوِيه فَعِنْدَ ذَلِكَ يَسْتَحِقُّ وَمَتَى حَصَلَ الْعَمَلُ بِالْمَفْهُومِ فِي صُورَةٍ كَفَى وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَسْتَحِقَّ عِنْد انْقِرَاضِ أَبِيهِ مُطْلَقًا عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ؛ لِعَدَمِ الْمُتَقَضِّي لِلْعُمُومِ، وَإِنَّمَا أَتَى الْوَاقِفُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ لِيَدُلَّ عَلَى الَّذِي ثَبَتَ فِي جَمِيعِ الْبُطُونِ فِي اسْتِحْقَاقِ النَّصِيبِ الْأَصْلِيِّ وَالنَّصِيبِ الْعَائِدِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِثُمَّ فِي الْأَوَّلِ مَرَّتَيْنِ وَفِي الثَّانِي مَرَّةً وَاحِدَةً وَأَتَى بِالْوَاوِ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ فَلَوْ اقْتَصَرَ لَمْ يَجِبْ التَّرْتِيبُ فِي بَقِيَّةِ الْبُطُونِ وَلَاحْتَمَلَ أَنَّ نَصِيبَ مَنْ مَاتَ وَلَا وَلَدَ لَهُ يَرْجِعُ إلَى الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ مَعًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: إنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ فَأَتَى بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ لِيُزِيلَ هَذَا الْوَهْمَ وَيَتَبَيَّنُ أَنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ مَقْصُودٌ فِي كُلِّ الطَّبَقَات فِي جَمِيعِ الْوَقْفِ وَأَنَّ كُلَّ طَبَقَةٍ تَحْجُبُ مَا تَحْتَهَا وَلَمْ يَبْقَ مَا فِيهِ احْتِمَالٌ إلَّا أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ يَنْتَقِلُ إلَى وَلَدِهِ بِمَوْتِ أَبِيهِ فَيَكُونُ الْوَلَدُ مَحْجُوبًا بِمَوْتِ أَبِيهِ أَوْ بِمَوْتِ أَبِيهِ، وَمَنْ يُسَاوِيه وَلَمْ يَتَبَيَّنْ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْأَوَّلِ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى الثَّانِي، لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْوَلَدِ قَبْلَ انْقِرَاضِ الطَّبَقَةِ بِكَمَالِهَا مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ لِلشَّكِّ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ، الْأَمْرُ الثَّانِي: إذَا انْتَقَلَ نَصِيبُ الطَّبَقَةِ لِلطَّبَقَةِ الَّتِي تَحْتَهَا هَلْ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْن الْجَمِيعِ بِالسَّوَاءِ أَوْ تَأْخُذُ كُلَّ مَا كَانَ لِأَبِيهِمْ وَلَا دَلِيلَ عَلَى الثَّانِي، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ فَتَعَيَّنَ، وَذَلِكَ يُبَيِّنُ صِحَّةَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْوَقْتِ " وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ " اهـ. وَيُرَدُّ كَلَامُهُ هَذَا بِأُمُورٍ مِنْهَا: أَنَّ قَوْلَهُ: وَلَمْ يَأْتِ بِصِيغَةٍ تُشْعِرُ بِذَلِكَ إنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ بِنَصِيبِ أَبِيهِ وَلَا بِمَا يَقْتَضِي تَفْضِيلًا فِي ذَلِكَ، بَلْ جَمِيعُ أَهْلِ الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ يَسْتَوُونَ فِيمَا آلَ إلَيْهِمْ وَلَا يُفَضَّلُ أَحَدُهُمْ بِنَصِيبِ أَصْلِهِ فَهُوَ ظَاهِرٌ وَمُسَلَّمٌ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْنَا؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ كَلَامُنَا فِيهِ الْآن، وَإِنَّمَا يَأْتِي الْبَحْثُ عَنْهُ فِي الْبَاب الثَّانِي وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّ الْوَلَدَ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَبِيهِ الْمَيِّتِ فِي حَيَاةِ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ وَغَيْرُ مُسَلَّمٍ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ مَفْهُوم الشَّرْطِ الْمُتَبَادِر مِنْهُ ذَلِكَ وَقَوْله: وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ: عَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ

إلَخْ صَرِيحٌ فِي أَنَّ كَلَامَهُ إنَّمَا هُوَ فِي مَبْحَثِ اسْتِحْقَاقِ الْأَوْلَادِ نَصِيبَ أَبِيهِمْ فِي حَيَاةِ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ لَكِنَّ قَوْلَهُ: وَلَا يَنْحَصِرُ مَفْهُومُ ذَلِكَ فِي أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَهُ وَلَدٌ يَأْخُذُ وَلَدُهُ نَصِيبَهُ إلَخْ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْأَوْلَادَ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا يَسْتَحِقُّونَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْمَفْهُومَ، وَإِنْ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِل أَحْوَالًا أَرْبَعَةً كَمَا يَأْتِي إلَّا أَنَّ الْمُتَبَادِر مِنْ هَذَا الشَّرْطِ الِانْحِصَارُ كَمَا يَأْتِي بَسْطُهُ وَقَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَسْتَحِقّ عِنْدَ انْقِرَاضِ أَبِيهِ مُطْلَقًا إلَخْ يُقَال: عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا عَقْلًا وَلَا وَضْعًا إلَّا أَنَّهُ لَازِمٌ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ عُرْفًا وَالدَّلَالَة الْعُرْفِيَّة يُكْتَفَى بِهَا فِي الْأَوْقَافِ وَغَيْرهَا كَمَا يَأْتِي الْإِشَارَة إلَى ذَلِكَ فِي كَلَامِ السُّبْكِيّ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ وَقَوْله: وَإِنَّمَا أَتَى الْوَاقِفُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ إلَخْ يُقَال عَلَيْهِ: هَذَا الْحَصْر مَمْنُوعٌ بَلْ الْغَالِبُ أَنَّ الْوَاقِفِينَ يَأْتُونَ بِذَلِكَ قَصْدًا إلَى أَنْ لَا تُحْرَمَ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ، وَإِنْ سَفَلُوا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ أَهْلَ الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ مَثَلًا يَكُونُونَ مُحْتَاجِينَ صِغَارًا فُقَرَاء بِالنِّسْبَةِ إلَى أَهْلِ الدَّرَجَة الْأُولَى فَيَقْصِدُ الْوَاقِفُونَ النَّصَّ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَنْدَفِعَ مَا أَفْهَمَهُ الْعَطْفُ بِثُمَّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْطَى أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ وَهُنَاكَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الدَّرَجَةِ الْأُولَى، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ أَكْثَر كُتُبِ الْأَوْقَافِ الْمَذْكُورِ فِيهَا هَذَا الشَّرْطُ لَا يُكْتَفَى بِمَفْهُومِهِ، وَإِنَّمَا يُصَرِّحُونَ بِهِ؛ لِيَصِيرَ مَنْطُوقًا لَا يَقْبَلُ النِّزَاعَ وَلَيْسَ التَّصْرِيحُ بِهَذَا الْمَفْهُومِ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ اتِّكَالًا مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَبَادَرُ مِنْ ذِكْرِ هَذَا الشَّرْطِ إلَّا الْعَمَلُ بِمَنْطُوقَةِ وَبِمَفْهُومِهِ الْمُتَبَادِر مِنْهُ وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ الْوَلَدِ فِي حَيَاةِ مَنْ فِي دَرَجَةِ أَبِيهِ فَيَتَّكِلُونَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُصَرِّحُونَ بِهَذَا الْمَفْهُومِ إيثَارًا لِلِاخْتِصَارِ وَهُوَ تَسَاهُلٌ مِنْهُمْ وَلِذَا لَمَّا كَانَ أَكْثَرُهُمْ يَحْتَاط فِي ذَلِكَ وَجَدْنَاهُمْ بِالِاسْتِقْرَاءِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الِاطِّلَاعِ عَلَى فَتَاوَى الْأَئِمَّةِ الْمُسَطَّرِ فِيهَا أَكْثَرُ ذَلِكَ وَعَلَى غَيْرِهَا يُصَرِّحُونَ بِهَذَا الْمَفْهُومِ فَعَدَمُ التَّصْرِيحِ بِهِ يُحْمَل عَلَى سَهْوٍ أَوْ تَسَاهُلٍ مِنْ الْمُوَثِّقِ مَعَ الْعِلْمِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْغَالِبِ مِنْ عَادَةِ الْوَاقِفِينَ بِأَنَّهُمْ لَا يَقْصِدُونَ حِرْمَانَ الصِّغَارِ مِنْ ذُرِّيَّاتهمْ كَمَا مَرَّ التَّصْرِيحُ بِأَبْلَغَ مِنْ ذَلِكَ فِي كَلَام ابْن الْقَيِّمِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا وَقَعَ لِلْبُلْقِينِيِّ فِي فَتَاوِيهِ فَإِنَّهُ قَضَى عَلَى بَعْضِ الْمُوَثِّقِينَ بِالسَّهْوِ لِقَرَائِنَ ذَكَرهَا تَقْرُبُ مِنْ الْقَرَائِنِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا ثُمَّ قَالَ: وَالْجُمُودُ عَلَى مُجَرَّدِ مَا كُتِبَ وَظَهَرَ أَنَّهُ سَهْوٌ بِمُقْتَضَى مَا قَرَّرْنَاهُ خُرُوجٌ عَنْ طَرِيقَةِ الْفُقَهَاءِ الْغَائِصِينَ عَلَى الْجَوَاهِرِ الْمُعْتَبَرَةِ اهـ. فَإِنْ قُلْتَ: يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْعَطْفَ بِثُمَّ لَغْوٌ قُلْتُ: لَا يَلْزَم ذَلِكَ كَمَا يَأْتِي تَحْقِيقُهُ وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يَتَبَيَّنْ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْأَوَّلِ مَمْنُوعٌ بَلْ فِيهِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَمِمَّا يَأْتِي وَقَوْله: لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْوَلَدِ إلَخْ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مَشْكُوكًا فِيهِ إلَّا إذَا لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ، وَقَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَمِمَّا يَأْتِي وَقَوْلُهُ: وَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْوَقْتِ إلَخْ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى كَلَام الرُّويَانِيِّ وَوَالِدِهِ الَّذِي قَدَّمْتُهُ وَلَمَّا كَانَ فِي بَحْثِهِ هَذَا مِنْ قَبُولِ الْمُنَاقَشَةِ وَالرَّدِّ مَا أَشَرْتُ إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ وَمَا سَأُصَرِّحُ بِهِ فِيمَا يَأْتِي خَالَفَهُ فِيمَا أَفْتَى بِهِ فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ مُعَاصِرِيهِ كَمَا قَدَّمْتُ ذَلِكَ عَنْهُمْ وَمِمَّا يَرُدُّ مَا قَالَهُ هُنَا مَا قَدَّمْتُهُ عَنْهُ فِي الْوَجْه الثَّانِي مَبْسُوطًا وَمَا سَأَذْكُرُ فِيهِ عَقِبَ الْكَلَام عَلَى مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَشَيْخنَا زَكَرِيَّا فَإِنَّهُمَا تَبِعَاهُ فِي هَذَا الْجَوَاب وَغَفَلَا عَنْ بَقِيَّةِ كَلَامه فِي الْأَجْوِبَةِ الْأُخْرَى الَّتِي مَرَّ بَعْضُهَا وَيَأْتِي بَعْضُهَا وَمِنْهُمْ الزَّرْكَشِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي خَادِمِهِ عَلَى قَوْلِ الرَّافِعِيِّ، وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِي مَا تَنَاسَلُوا بَطْنًا بَعْد بَطْنٍ فَهُوَ لِلتَّرْتِيبِ وَلَا يُصْرَفُ لِلْبَطْنِ الثَّانِي مَا بَقِيَ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ أَحَدٌ كَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَالْقِيَاسُ فِيمَا إذَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ أَنْ يَجِيءَ فِي نَصِيبِهِ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى شَخْصَيْنِ ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِين فَمَاتَ وَاحِدٌ إلَى مَنْ يُصْرَف نَصِيبُهُ وَلَمْ أَرَ تَعَرُّضًا لَهُ إلَّا لِأَبِي الْفَرَج السَّرَخْسِيِّ فَإِنَّهُ سَوَّى بَيْن الصُّورَتَيْنِ وَحَكَى فِيهَا وَجْهَيْنِ: أَحَدَهُمَا: أَنَّ نَصِيبَ الْمَيِّتِ لِصَاحِبِهِ وَالثَّانِي: لِأَقْرَب النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِينَ وَكَذَا ذَكَر صَاحِبُ الْإِفْصَاحِ أَنَّهُ يُصْرَفُ لِأَقْرَب النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ قَالَ فِي الْخَادِمِ فِيهِ أُمُورٌ: أَحَدُهَا مَا جَزَمَ بِهِ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لِلتَّرْتِيبِ خَالَفَ فِيهِ الْعَبَّادِيَّ ثُمَّ أَطَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْكَلَامَ

فِي بَيَانِ ذَلِكَ وَالرَّدِّ عَلَى مَنْ تَوَهَّمَ أَنْ الْعَبَّادِيَّ يَقُول: أَنَّ ثُمَّ وَالْوَاو سَوَاء مُطْلَقًا قَالَ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا قَالَهُ فِيهَا إذَا أَضَافَ إلَى ثُمَّ بَطْنًا بَعْد بَطْنٍ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْقَاضِي وَوَجْهُهُ أَنَّ ثُمَّ تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَبَطْنًا بَعْد بَطْنٍ يَقْتَضِي الْجَمِيعَ فَلَوْ قُلْنَا بِظَاهِرِهِمَا لَأَبْطَلْنَا اللَّفْظَ؛ لِلتَّنَاقُضِ فَاحْتَاجَ لِطَرِيقٍ تُصَحِّحهُ هِيَ أَنَّ ثُمَّ تُسْتَعْمَلُ لِلْجَمْعِ لُغَةً فَنَقَلَ الْكَلَام مِنْ حَقِيقَتِهِ إلَى مَجَازِهِ بِقَرِينَةِ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ فَإِنَّ الْبَغَوِيَّ لَمْ يُصَرِّحْ بِهَذَا إلَّا فِيمَا تَنَاسَلُوا سَوَاء أَضَمَّ إلَيْهَا بَطْنًا بَعْد بَطْنٍ أَمْ لَا أَمَّا فِي صُورَةِ إفْرَاد بَطْنًا بَعْد بَطْنٍ فَلَمْ يَذْكُرهَا ثُمَّ قَالَ: وَالصَّوَاب قَوْلُ الْقَاضِي لَوْ قَالَ: عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ مَا تَنَاسَلُوا أَوْ تَعَاقَبُوا فَهَذَا وَقْفٌ مُرَتَّبُ الِابْتِدَاءِ لَا الِانْتِهَاءِ وَمَعْنَى التَّرْتِيبِ فِي بَطْنًا بَعْد بَطْنٍ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ لِأَحَدٍ مِنْ الطَّبَقَةِ السُّفْلَى شَيْءٌ حَتَّى يَنْقَرِضَ جَمِيعُ الطَّبَقَةِ الْعُلْيَا وَمَعْنَى التَّرْتِيبِ فِي ثُمَّ كَذَلِكَ عِنْد الْإِطْلَاقِ وَقَدْ يَقْتَرِنُ بِهَاتَيْنِ الصِّيغَتَيْنِ مِنْ أَلْفَاظِ الْوَاقِفِ قَرَائِن تُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ حَجْبُ كُلِّ فَرْعٍ بِأَصْلِهِ فَيَعْمَل بِهَا الثَّالِثُ مَا حَاوَلَهُ مِنْ التَّخْرِيجِ يُوهِمُ التَّسْوِيَةَ بَيْن الْمَسْأَلَتَيْنِ أَعْنِي بَيْن مَسْأَلَةِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو ثُمَّ الْفُقَرَاء وَبَيْن مَسْأَلَة الْأَوْلَاد ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ وَقَدْ اغْتَرَّ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ فَأَفْتَى فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ يَنْتَقِل نَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ فَمَاتَ وَاحِدٌ عَنْ وَلَدٍ فَأَفْتَى أَنَّ نَصِيبَهُ لِوَلَدِهِ، وَهَذَا غَلَط، وَآخِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ يُبَيِّنُ مُرَادَهُ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُعْطَى أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ حَتَّى يَنْقَرِضَ الْأَوْلَاد وَمَا دَامَ وَاحِد مِنْهُمْ لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَاد الْأَوْلَاد وَالْمَسْأَلَة إجْمَاعِيَّة وَلَمْ يُخَالِف فِيهَا أَحَدٌ إلَّا مِمَّنْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَدْ سَبَقَ مِنْ كَلَام صَاحِب التَّقْرِيب ذَلِكَ وَإِنَّهُ يَصِير مُنْقَطِعَ الْوَسَط الرَّابِعُ: مَا حَاوَلَهُ مِنْ التَّخْرِيج مَنَعَهُ فِي الرَّوْضَة وَفَرَّقَ بِأَنَّ مَنْ بَقِيَ مِنْ الْأَوْلَاد يُسَمَّى أَوْلَادًا بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ أَحَد الشَّخْصَيْنِ وَهُوَ فَرْقٌ صَحِيحٌ وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَوْلُ الْبَغَوِيِّ فِي فَتَاوَى شَيْخِهِ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِي لَا يَرْجِعُ إلَى الْآخَر عِنْد مَوْت أَحَدِهِمَا بَلْ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَاد أَوْلَادِي اهـ. الْخَامِسُ: أَطْلَقُوا أَنَّ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ وَلَمْ يَعْتَبِرُوا حَقِيقَتَهَا فِي اللُّغَة مَعَ التَّرْتِيب وَهُوَ التَّرَاخِي وَالِانْفِصَال، وَقِيَاس ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْوَقْف مُنْقَطِعًا فِي لَحْظَة وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ وَيَجِيءُ مِثْلُهُ فِيمَا لَوْ قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى زَيْد ثُمَّ عَمْرو أَوْ قَالَ: أَوْصَيْت إلَى زَيْد ثُمَّ عَمْرو اهـ. حَاصِلُ كَلَامِهِ عَلَى عِبَارَةِ الرَّافِعِيِّ الْمَذْكُورَةِ وَمَا ذَكَره فِي مَسْأَلَتِنَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَرَ فِيهَا شَيْئًا لِأَحَدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ إذْ لَوْ رَأَى فِيهَا كَلَامَ مِثْلِ الرُّويَانِيُّ وَوَالِدِهِ السَّابِقِ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَقُولَ مَعَ ذَلِكَ وَالْمَسْأَلَةُ إجْمَاعِيَّةُ وَلَمْ يُخَالِف فِيهَا أَحَدٌ إلَّا مِمَّنْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَبَعْد أَنْ بَانَ لَك أَنَّ الْقَائِلَ بِخِلَافِ مَا قَالَهُ فِيهَا مِثْلُ الرُّويَانِيِّ وَوَالِدِهِ فَلَا مُعَوِّل عَلَى مَا ذَكَره حِينَئِذٍ وَلَا نَظَرَ لِقَوْلِهِ: إجْمَاعِيَّةٌ وَلَا إلَى قَوْلِهِ: إلَّا مِمَّنْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَيُقَال: لَهُ إنَّمَا كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَسْلَمَ لَكَ مَا ذَكَرْتَ أَنْ لَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ لَا نَقْلَ فِيهَا مِنْ مِثْل الرُّويَانِيِّ وَوَالِدِهِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا مَرَّ، وَأَمَّا بَعْد أَنْ وُجِدَتْ مَنْقُولَةً وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَلَا مُعَوِّلَ عَلَى غَيْرِ الْمَنْقُولِ فِيهَا ثُمَّ فِي كَلَامِهِ أُمُورٌ: مِنْهَا أَنَّ قَوْلَهُ: وَقَدْ يَقْتَرِنُ بِهَاتَيْنِ الصِّيغَتَيْنِ مِنْ أَلْفَاظِ الْوَاقِفِ قَرَائِنُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ حَجْبُ كُلِّ فَرْعٍ بِأَصْلِهِ فَيُعْمَلُ بِهَا ظَاهِرٌ بَلْ صَرِيحٌ فِي الْعَمَلِ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ الْمُتَبَادِر مِنْهُ فِي مَسْأَلَتنَا الْمُعَيَّن أَنَّ الْمُرَادَ فِيهَا حَجْبُ كُلِّ فَرْعٍ بِأَصْلِهِ لِمَا احْتَفَّ بِهِ مِنْ الْقَرَائِنِ الْآتِيَةِ، وَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُ قَائِلٌ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ الَّتِي يَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهَا فِي كَلَام غَيْرِهِ وَأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَسْأَلَتنَا فَلْيُعْلَمْ بُطْلَانَ قَوْلِهِ فِي صُورَةِ الْإِفْتَاءِ الَّتِي ذَكَرهَا فِيمَا مَرَّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ لِمَا قَدَّمَهُ قَبْله بِقَلِيلٍ، فَإِنْ قُلْتَ: قَدْ لَا يَسْلَم أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ قَرِينَةٌ. (قُلْتُ:) لَا يَسَعُهُ إنْكَارُ ذَلِكَ لِمَا هُوَ جَلِيٌّ مِنْ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَهُ مَفْهُومٌ وَأَنَّ مَفْهُومَهُ، وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ لَكِنْ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَقَاصِدِ الْوَاقِفِينَ وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ عُرْفُهُمْ يُرَجِّحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَفْهُومِهِ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ يَكُونُ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ ذَلِكَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ لَغْوًا وَبَيَانُهُ أَنَّ صَرِيحَ الْعَطْف بِثُمَّ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ شَيْءٌ لِأَحَدٍ مِنْ الْبَطْنِ الثَّانِي مَا بَقِيَ أَحَدٌ

مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْجُمْهُورِ فَلَوْ أَلْغَيْنَا مَفْهُومَ هَذَا الشَّرْطِ، وَقُلْنَا: إنَّ نَصِيبَ الْمَيِّتِ عَنْ وَلَدٍ يَنْتَقِلُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ دُونَ وَلَدِهِ لَزِمَ إلْغَاءُ هَذَا الشَّرْطِ مِنْ أَصْلِهِ، وَإِلْغَاءُ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الْوَاقِفِ مَعَ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِهِ وَمَعَ ظُهُورِهِ وَقُرْبِهِ إلَى مَقَاصِدِ الْوَاقِفِينَ لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِهِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا مَرَّ أَنَّ أَكْثَر كُتُبِ الْأَوْقَافِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى تَخْصِيصِ الْعَطْف بِثُمَّ فِي الْمَرَاتِب بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الطَّبَقَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ فَرْعٌ، وَإِلَّا انْتَقَلَ مَا كَانَ لَهُ لِفَرْعِهِ، وَلَوْ فِي حَيَاةِ مَنْ فِي طَبَقَةِ الْمَيِّتِ وَيُصَرِّحُونَ بِذَلِكَ وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ عُرْفُ الْوَاقِفِينَ وَتَطَابَقَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ كُتُبِهِمْ فَلْيُعْمَلْ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ فِي مَسْأَلَتنَا الْمُؤَيِّدِ لِذَلِكَ وَيُحْمَلُ الْمُوَثِّقُ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ الْمَفْهُوم لِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ السَّابِقَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الزَّرْكَشِيّ سَلَّمَ أَنَّهُ إذَا كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تُنَافِي الْعَطْف بِثُمَّ وَنَحْوِهَا عُمِلَ بِتِلْكَ الْقَرِينَةِ وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ تِلْكَ الْقَرِينَةَ فِي مَسْأَلَتنَا مَوْجُودَة كَمَا يَأْتِي بَيَانُهَا بِأَبْسَطَ مِمَّا مَرَّ، وَمَنْ زَعَمَ خِلَافَهُ فَلْيُثْبِتْهُ بِدَلِيلٍ، وَلَا يَظْهَرُ بِهِ فَعُلِمَ أَنَّ مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَوَّلًا يَرُدُّ مَا قَالَهُ فِي صُورَةِ الْإِفْتَاءِ الَّتِي ذَكَرهَا آخِرًا وَكَفَى بِهَذَا عَلَى فَرْضِ أَنْ لَا نَقْلَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَكَيْفَ بِهِ مَعَ وُجُودِ النَّقْلِ فِيهَا، وَمِنْهَا أَنَّ قَوْلَهُ: وَقَدْ اغْتَرَّ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ فَأَفْتَى إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ: هَذَا الِاغْتِرَارُ صَحِيحٌ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ مُؤَيِّدٌ لِمَا ذَكَره هَذَا الْبَعْضُ وَأَفْتَى بِهِ الْمَوَاقِفُ لِلْمَنْقُولِ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ، وَآخِر كَلَامِ الرَّافِعِيِّ يُبَيِّنُ مُرَادَهُ مُجَرَّدَ دَعْوَى، وَاَلَّذِي ذَكَره بَعْدُ مُبَايِنٌ لِمَا نَحْنُ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي، وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَنَصِيبُهُ لِأَوْلَادِهِ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمْ كَانَ نَصِيبُهُ لِأَوْلَادِهِ خَاصَّةً وَيُشَارِكُونَ الْبَاقِينَ فِيمَا عَدَا نَصِيبَ أَبِيهِمْ اهـ. وَهَذَا لَيْسَ مُشَابِهًا لِمَا نَحْنُ فِيهِ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ فَكَيْف يَدَّعِي أَنَّهُ يُبَيِّنُ مُرَادَهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَعَ تَبَايُنِ الصُّورَتَيْنِ؟ ، فَإِنَّ فِي صُورَتِنَا الْعَطْفُ بِثُمَّ وَهَذِهِ فِي الْعَطْف بِالْوَاوِ الْمُقْتَضِي لِأَخْذِ الْوَلَدِ نَصِيبَ أَبِيهِ وَمُشَارَكَتِهِ الْبَاقِينَ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ النَّصِيبِ كَمَا تَقَرَّرَ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَتَبِعَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَلَى الْجَزْمِ بِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قِيلَ: إنَّ ظَاهَرَ كَلَام الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لِلتَّرْتِيبِ. وَمِنْهَا قَوْلُهُ: وَقَدْ سَبَقَ مِنْ كَلَام صَاحِبِ التَّقْرِيبِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَصِيرُ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ، مُرَادُهُ بِذَلِكَ مَا قَدَّمَهُ عَلَى قَوْلِ الرَّافِعِيِّ وَقَفَ عَلَى شَخْصَيْنِ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا حَكَى الْأَئِمَّةُ فِي نَصِيبِهِ وَجْهَيْنِ: أَظْهَرهمَا وَيَحْكِي عَنْ نَصِّهِ فِي حَرْمَلَةَ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِي الِانْتِقَالِ إلَى الْمَسَاكِينِ انْقِرَاضَهُمَا وَلَمْ يُوجَدْ وَالثَّانِي: عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى الْمَسَاكِينِ وَيُقَال: صَارَ الْوَقْفُ فِي نَصِيبِ الْمَيِّتِ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ اهـ. كَلَامُ الرَّافِعِيِّ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: فِيهِ أَمْرٌ: أَنَّ أَحَدَهُمَا مَا قَالَ إنَّهُ الْقِيَاس وَلَمْ يَذْكُرهُ مَنْقُولًا وَقَدْ ذَكَرَهُ بَعْد ذَلِكَ بِقَلِيلٍ عَنْ رِوَايَةِ أَبِي الْفَرَجِ عَنْ صَاحِبِ الْإِقْنَاعِ وَهُوَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمَا عَزَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْإِفْصَاحِ هُوَ مَا بَحَثَهُ هُنَا وَأَيْضًا فَيَكُونُ لِلطَّبَرِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ ثُمَّ رَأَيْته فِي التَّقْرِيبِ لِابْنِ الْقَفَّالِ الشَّاشِيِّ احْتِمَالًا لَهُ فَقَالَ: يَحْتَمِل هَذَا وَجْهَيْنِ: أَحَدَهُمَا: أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ لِلْوَاقِفِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ مَخْرَجًا بَعْد مَوْتِ مَنْ يَمُوتُ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ لِلْبَاقِينَ وَلَا لِغَيْرِهِمْ، وَالْحُكْمُ فِي حِصَّةِ مَنْ مَاتَ إذَا لَمْ يُبَيِّن مَخْرَجًا كَالْحُكْمِ فِيمَا إذَا مَاتُوا، وَهَذَا قَوْلٌ صَحِيحٌ، وَمَنْ قَالَ بِهِ قَالَ: لَوْ جَعَلَهُ عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ وَلَدِ وَلَدِهِ وَلَهُ عِدَّةُ أَوْلَادٍ فَمَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَمْ تَرْجِعْ حِصَّتُهُ إلَى سَائِرِ الْأَوْلَادِ وَلَا إلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ وَيُرْجَعُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ فَإِذَا انْقَرَضَ الْأَوْلَادُ كُلُّهُمْ عَادَ الْوَقْفُ كُلّه إلَى وَلَدِ الْوَلَدِ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى شُرَكَائِهِ فِي الْوَقْفِ اهـ. الْمَقْصُودُ مِنْ كَلَام الزَّرْكَشِيّ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَقَدْ سَبَقَ مِنْ كَلَام صَاحِبِ التَّقْرِيبِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَصِير مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ وَحِينَئِذٍ فَإِنْ أَرَادَ بِالْإِشَارَةِ فِي ذَلِكَ مَا أَفْتَى بِهِ غَيْرُهُ مِنْ اسْتِحْقَاقِ وَلَدِ الْوَلَدِ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ إذْ لَا مُنَاسَبَةَ بَيْن اسْتِحْقَاقِ وَلَدِ الْوَلَدِ هُنَا وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ بَلْ بَيْنهمَا غَايَةُ التَّنَافِي؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاق الْفَرْع هُنَا يُخْرِجُهُ عَنْ الِانْقِطَاعِ فِي الْوَسَطِ وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ يُحَقِّقُ الِانْقِطَاع فِيهِ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ ذَاكَ، وَإِنْ أَرَادَ الَّذِي قَالَهُ هُوَ مِنْ اسْتِحْقَاقِ مَنْ فِي دَرَجَةِ الْمَيِّتِ

دُون وَلَدِهِ هُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ صَاحِب التَّقْرِيبِ فَكَفَى بِذَلِكَ شَاهِدًا عَلَى ضَعْفِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَلْ شُذُوذِهِ؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ ثَمَّ ضَعِيفٌ جِدًّا مِنْ حَيْثُ الْمَذْهَبُ، وَإِنْ وَافَقَ بَحْثَ الرَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْحَثهُ مُتَعَمِّدًا لَهُ بَلْ مُبَيِّنًا أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصُّورَة أَعْنِي مَا إذَا وُقِفَ عَلَيْهِمَا ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاء فَمَاتَ أَحَدُهُمَا يُشْبِهُ مُنْقَطِعَ الْوَسْطِ فَيَأْتِي فِيهَا جَمِيعُ الْأَوْجُهِ فِي مُنْقَطِعِ الْوَسَطِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا الِانْتِقَالُ إلَى أَقْرِبَاءِ الْوَاقِفِ بَلْ هُوَ أَصَحُّهَا لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَسْلَم لَهُ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ فِيهَا انْقِطَاعٌ مُحَقَّقٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ نَصِيبُ الْمَيِّتِ لِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِي الِانْتِقَالِ لِلْمَسَاكِينِ انْقِرَاضَهُمَا جَمِيعًا وَلَمْ يُوجَدْ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ ظَهَرَ بِذِكْرِ الزَّرْكَشِيّ لِذَلِكَ أَنَّ مَا صَوَّبَهُ وَغَلَّطَ مَنْ خَالَفَهُ إنَّمَا هُوَ بِنَاءً عَلَى الضَّعِيفِ أَنَّ فِي صُورَتِهِ انْقِطَاعًا فِي الْوَسَطِ كَمَا فِي صُورَةِ الرَّافِعِيِّ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْوَقْفِ عَلَيْهِمَا ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا انْقِطَاعَ فِي الْوَسَطِ ثَمَّ فَكَذَلِكَ هُنَا بِالْأُولَى عَلَى أَنَّ تَخْرِيجَهُ هَذِهِ عَلَى تِلْكَ عَجِيبٌ مَعَ قَوْلِهِ عَقِبَ قَوْلِهِ: وَقَدْ سَبَقَ مِنْ كَلَام صَاحِبِ التَّقْرِيبِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَصِيرُ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ أَنَّ مَا حَاوَلَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ تَخْرِيجِ هَذِهِ عَلَى تِلْكَ فَكَيْفَ يُخَرِّجُ هُوَ وَيَذْكُر أَنَّ مَا قَالَهُ وَصَوَّبَهُ هُنَا هُوَ مَا مَرَّ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ فِي تِلْكَ؟ ، فَوَقَعَ فِي مَحْذُورَيْنِ: التَّخْرِيجِ مَعَ وُجُودِ الْفَرْقِ وَالتَّخْرِيجِ عَلَى ضَعِيفٍ فِي تِلْكَ لَا عَلَى الصَّحِيحِ فَنَتَجَ مِنْ ذَلِكَ ضَعْفُ مَا صَوَّبَهُ وَفَسَادُ تَغْلِيطِهِ لِغَيْرِهِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَيْضًا ضَعْفُ مَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّه عَهْدَهُ تَبَعًا لَهُ كَالسُّبْكِيِّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ابْنَيْنِ وَبِنْتَيْنِ الذُّكْرَانِ كُلٌّ مِنْ أُمٍّ وَالِابْنَتَانِ مِنْ أُمٍّ بَيْنهمْ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ وَشَرَط أَنَّ مَنْ مَاتَ بِلَا وَلَدٍ أَوْ نَسْلٍ عَادَ نَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ ثُمَّ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ لِلْمُتَوَفَّى فَمَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ بِلَا وَلَدٍ فَانْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِأَخِيهِ وَأُخْتِهِ وَإِحْدَى الْبِنْتَيْنِ بِلَا وَلَدٍ فَهَلْ يَخْتَصُّ بِنَصِيبِهَا أَخُوهَا أَوْ أُخْتهَا أَوْ يَشْتَرِكَانِ؟ وَإِذَا مَاتَتْ الْأُخْرَى عَنْ أَوْلَادٍ فَهَلْ يَرْجِع نَصِيبُهَا وَنَصِيبُ أُخْتِهَا لِأَوْلَادِهَا وَأَخِيهَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يَشْتَرِكُ الْأَخُ وَالْأُخْتُ فِيمَا كَانَتْ تَسْتَحِقُّهُ الْأُولَى فَلَا يَرْجِعُ اسْتِحْقَاقُ الثَّانِيَةِ إلَى أَوْلَادِهَا، وَإِنْ أَفْتَى بِهِ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ إذْ مَفْهُومُهُ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ عِنْد وُجُودِ الْأَوْلَادِ يَكُونُ لِمَنْ فِي دَرَجَةِ الْمُتَوَفَّى وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لِأَوْلَادِهِ، بَلْ يَرْجِعَ اسْتِحْقَاقُهَا إلَى أَخِيهَا لَا لِشَرْطِ الْوَاقِفِ بَلْ لِكَوْنِ الْوَقْفِ صَارَ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ وَأَخُوهَا أَقْرَبُ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ اهـ. وَجَرَى عَلَى نَظِيرِ ذَلِكَ فِي أَمَاكِن مِنْ فَتَاوِيهِ وَيُرَدُّ مَا ذَكَره بِأَنَّ قَوْلَهُ: لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِأَوْلَادِهِ إلَخْ مَمْنُوعٌ بِاعْتِبَارِ مَا مَرَّ وَمَا يَأْتِي وَعَلَى تَسْلِيمِهِ فَهُوَ لَا يَقْتَضِي الِانْقِطَاعَ الَّذِي ذَكَره؛ لِأَنَّا لَا نَبْنِي عِبَارَةَ الْوَاقِفِينَ عَلَى الدَّقَائِقِ الْأُصُولِيَّةِ وَالْفِقْهِيَّةِ وَالْعَرَبِيَّةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ الْبُلْقِينِيُّ فِي فَتَاوِيهِ، وَإِنَّمَا نُجْرِيهَا عَلَى مَا يَتَبَادَرُ وَيُفْهَمُ مِنْهَا فِي الْعُرْفِ وَعَلَى مَا هُوَ أَقْرَبُ إلَى مَقَاصِدِ الْوَاقِفِينَ وَعَادَاتهمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَام الزَّرْكَشِيّ أَنَّ الْقَرَائِنَ يُعْمَلُ بِهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ كَمَا سَيَأْتِي وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَهَذَا الَّذِي ذَكَره الشَّيْخُ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ إلَّا أَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ ذَلِكَ الشَّرْطِ عَادَةً عُرْفًا فَإِنَّا لَوْ لَمْ نَعْمَلْ بِمَفْهُومِهِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِفُ عِنْد وُجُودِ الْوَلَد لَا يَرَى صَرْفه لَهُ وَلَا لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ، وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا إذَا لَمْ يُعْهَدُ مِنْ أَحَدٍ. ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَقْصِدُونَهُ بِذَلِكَ أَنَّ الْفَرْعَ يَجُوزُ مَا كَانَ لِأَصْلِهِ وَأَنَّهُ لَا يُحَرَّمُ بِمَنْ فِي دَرَجَة أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ مَعَهُ نَصِيبًا مِنْ الْوَاقِف، وَالْفَرْعُ لَا نَصِيب لَهُ فَيَقْصِد الْوَاقِفُونَ رِفْقَ الْفَرْع بِنَصِيبِ أَصْلِهِ، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ هَذَا هُوَ مَقْصُودُهُمْ وَأَنَّهُمْ لَا يَقْصِدُونَ غَيْرَهُ لِبُعْدِهِ فَلَا مُعَوِّلَ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ أَظْهَر مَقَاصِدِ اللَّفْظِ مَا ذَكَرْنَاهُ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ وَقَدْ صَرَّحُوا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي بِأَنَّ أَلْفَاظَ الْوَاقِفِينَ إذَا تَرَدَّدَتْ تُحْمَلُ عَلَى أَظْهَرِ مَعَانِيهَا، وَبِأَنَّ النَّظَر إلَى مَقَاصِد الْوَاقِفِينَ مُعْتَبَر كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ عَنْ الْبَحْرِ: لَوْ قَالَ: عَلَى أَوْلَادِي فَإِذَا انْقَرَضُوا وَأَوْلَادُهُمْ فَعَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِمْ

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَعَلَ لِأَوْلَادِهِمْ شَيْئًا قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ اُعْتُبِرَ انْقِرَاضُهُمْ بَعْد انْقِرَاضِ وَلَدِهِ. قَالَ أَبُو حَامِدٍ: هِيَ مَسْأَلَةٌ حَدَثَتْ فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا فَأَفْتَيْتُ فِيهَا بِأَنَّ هَذَا الْوَقْفَ مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ فَيُخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي مُنْقَطِع الِابْتِدَاءِ مَعْلُومِ الِانْتِهَاءِ، أَحَدُهُمَا يَبْطُلُ، وَالثَّانِي يَصِحُّ وَإِلَى مَنْ يُصْرَفُ بَعْد انْقِرَاضِ الْوَلَدِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَالْفَتْوَى أَنَّهُ لِأَقْرَب النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ حَتَّى تَنْقَرِضَ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ ثُمَّ يَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ قَالَ أَبُو حَامِدٍ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: عِنْدِي يَنْتَقِلُ الْوَقْفُ إلَى وَلَدِ (الْوَلَدِ) عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا وَقَدْ ذَكَر الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَات مِنْ الْأُمِّ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ لَهُمْ شَيْئًا، وَإِنَّمَا شَرَطَ انْقِرَاضَهُمْ؛ لِاسْتِحْقَاقِ غَيْرِهِمْ قَالَ: أَعْنِي الْأَذْرَعِيَّ وَقُلْت: وَالْمُخْتَارُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُقْصَدُ، وَإِنَّمَا يَجِيء هَذَا غَالِبًا مِنْ الْكَاتِبِ وَالنَّظَرُ إلَى مَقَاصِدِ الْوَاقِفِينَ مُعْتَبَرٌ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ قَوْلَهُ فَإِذَا انْقَرَضُوا وَأَوْلَادُهُمْ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالْأَوَّلِ وَلَدَ الظَّهْرِ خَاصَّةً بَلْ هُوَ وَلَدُ الْوَلَدِ ثُمَّ رَأَيْتُنِي ذَكَرْتُ فِي الْغَنِيَّةِ أَنَّ كَلَامَ الْأَكْثَرِينَ مَائِلٌ إلَى تَرْجِيحِ أَنَّهُ مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ وَقِيلَ: يُجْعَلُ ذِكْرُهُمْ قَرِينَةً فِي دُخُولِهِمْ وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، إذْ الِانْقِطَاعُ لَا يُقْصَدُ وَلَا حِرْمَانُهُمْ وَإِعْطَاءُ الْفُقَرَاءِ مَعَ بَقَائِهِمْ وَالظَّاهِرُ أَنِّي تَبِعْت فِي ذَلِكَ أَبَا الْحَسَنِ السُّبْكِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِابْنِ أَبِي عَصْرُونَ يَعْقُوبَ فَلَهُ مُؤَلَّفٌ حَسَنٌ عَلَى الْمُهَذَّبِ، وَأَمَّا أَبُو سَعِيدٍ فَجَزَمَ فِي مُرْشِدِهِ بِأَنَّهُ مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ وَكَذَا فِي انْتِصَارِهِ اهـ. فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ: إنَّ ذَلِكَ لَا يُقْصَدُ، وَإِنَّمَا يَجِيءُ هَذَا غَالِبًا مِنْ الْكَاتِبِ وَقَوْلُهُ: وَالنَّظَرُ إلَى مَقَاصِدِ الْوَاقِفِينَ مُعْتَبَرٌ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ: إنَّ قَوْلَهُ فَإِذَا انْقَرَضُوا وَأَوْلَادُهُمْ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ إلَخْ فَعُلِمَ أَنَّ الْحَقَّ فِي مَسْأَلَتنَا مَا ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّ حِرْمَانَ الْفَرْعِ وَإِعْطَاءَ مَنْ فِي دَرَجَةِ الْأَصْلِ مَعَ وُجُودِ الْفَرْعِ لَا يُقْصَدُ سِيَّمَا مَعَ التَّصْرِيحِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ حِرْمَانِ الْفَرْعِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَيْسَ حِرْمَانُهُ حِينَئِذٍ مِنْ مَقَاصِدِ الْوَاقِفِينَ وَقَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا عَنْ غَيْر وَلَدٍ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فَكَانَ مَا قَدَّمْتُهُ فِي مَسْأَلَتنَا مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْفَرْعِ مُسَاوِيًا لِمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْعِلَّة وَالْقَرِينَة حَرْفًا بِحَرْفِ، فَإِنْ قُلْت: مَا اخْتَارَهُ وَوَجَّهَهُ بِمَا ذَكَرَ لَيْسَ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قُلْت: الْحُكْمُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ صَحِيحٍ إلَّا أَنَّ الْعِلَلَ الَّتِي ذَكَرهَا يُمْكِن الِاسْتِنَادُ إلَيْهَا وَالتَّعْوِيلُ عَلَيْهَا إذْ الْغَالِبُ فِي الْعِلَلِ أَنْ يَكُونَ مُتَّفَقًا عَلَيْهَا أَوْ كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ضَعْفِ الْحُكْمِ لِمَعْنًى آخَرَ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِد ضَعَّفَ عِلَّتَهُ، فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْن مَسْأَلَته وَمَسْأَلَتنَا وَلِمَ كَانَ الصَّحِيحُ خِلَافَ مَا قَالَهُ فِي تِلْكَ مَعَ تَعْلِيله بِمَا ذَكَرَ الَّذِي اسْتَنَدْتُمْ إلَيْهِ فِي مَسْأَلَتكُمْ؟ قُلْتُ: لِأَنَّ مَسْأَلَتنَا انْضَمَّ إلَى الْقَرِينَة الْحَالِيَّةِ فِيهَا قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ هِيَ مَفْهُومُ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا مَسْأَلَتُهُ فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا قَرِينَةٌ حَالِيَّةٌ وَهِيَ بِمُجَرَّدِهَا غَيْرُ كَافِيَةٌ، فَإِنْ قُلْت: بَلْ فِي مَسْأَلَتِهِ قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ أَيْضًا هِيَ ذِكْرُ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ قُلْتُ: هَذِهِ قَرِينَةٌ ضَعِيفَةٌ؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُمْ مَعَ عَدَمِ النَّصِّ لَهُمْ عَلَى شَيْءٍ لَا بِطَرِيقِ الْمَنْطُوقِ وَلَا بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ لَا يُلْحِقهُمْ بِذِكْرِ الشَّرْطِ فِي مَسْأَلَتنَا لِأَنَّ مَفْهُومَهُ الْمُتَبَادِرَ مِنْهُ أَنَّ الْأَوْلَادَ يُعْطَوْنَ فَلَا تُقَاسُ إحْدَى الْقَرِينَتَيْنِ بِالْأُخْرَى، وَلَيْسَتْ كُلُّ قَرِينَةٍ مُعْتَدًّا بِهَا كَمَا أَشَارَ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَرِينَةٍ قَوِيَّةٍ لِذَاتِهَا أَوْ لِمَا انْضَمَّ إلَيْهَا. وَمِمَّا يَرُدُّ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا مَا أَفْتَى هُوَ بِهِ فِي رَجُلٍ اسْمُهُ نُورُ الدِّينِ مَلَّكَ أَجْنَبِيًّا أَرْضًا لِيَقِفهَا عَلَيْهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَاده فَلَمَّا مَلَكهَا وَقَفَهَا عَلَيْهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ الْخَمْسَةِ مُحَمَّدٍ وَعِمَادِ الدِّينِ وَنُورِ الدِّينِ وَكَمَالِ الدِّينِ وَبَرَكَةَ وَعَلَى مَنْ سَيَحْدُثُ لَهُمْ مِنْ الْأَوْلَادِ يَنْتَفِعُونَ بِذَلِكَ مُدَّةَ حَيَاتِهِمْ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ مَثَلًا وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ وَعَقِبهمْ مَا تَنَاسَلُوا بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ ثُمَّ تُوُفِّيَ نُورُ الدِّينِ وَصَارَ الْوَقْفُ لِأَوْلَادِهِ الْخَمْسَةِ ثُمَّ بَدْرُ الدِّينِ عَنْ وَلَدَيْهِ مُحَمَّدٍ وَفَاطِمَةَ ثُمَّ كَمَالُ الدِّينِ عَنْ بِنْتِهِ أَمَةِ الْخَالِقِ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ هَذِهِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلِعَمِّهَا مُحَمَّدٍ وَلَدَانِ ذَكَرَانِ وَلِعَمِّهَا عِمَادِ الدِّين وَلَدٌ ذَكَرٌ وَلِعَمَّتِهَا بَرَكَةَ وَلَدٌ ذَكَرٌ فَهَلْ تَنْتَقِلُ حِصَّتِهَا لِبَقِيَّةِ أَعْمَامِهَا

الثَّلَاثَةِ أَوْ لِأَوْلَادِهِمْ الْأَرْبَعَةِ أَوْ لِوَلَدَيْ عَمِّهَا بَدْرِ الدِّينِ أَوْ لِأَقْرَب النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ وَهُوَ الرَّجُلُ الْأَجْنَبِيُّ الَّذِي جُعِلَ وَاسِطَةً فِي ذَلِكَ أَوْ لِجَمِيعِ الْأَوْلَادِ؟ فَأَجَابَ شَيْخُنَا بِأَنَّهُ يُحْتَمَل أَنْ يَصِيرَ حَقُّهَا لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ؛ لِانْقِطَاعِ الْوَقْفِ فِي حِصَّتِهَا عَمَلًا بِقَضِيَّةِ شَرْطِ الْوَاقِفِ فِي الْأَوْلَادِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِيرَ لِمَنْ فِي دَرَجَتهَا وَهُمْ أَوْلَادُ أَعْمَامِهَا تَسْوِيَةً بَيْن الْمُتَعَاطِفِينَ فِي الْمُتَعَلِّقِ، وَإِنْ كَانَ مُتَوَسِّطًا، وَهَذَا هُوَ الْأَوْجَهُ لِاطِّرَادِهِ بَلْ لِلْقَرِينَةِ وَهِيَ الْغَالِبُ وَغَرَضِ الْوَاقِفِ إذْ الْغَالِبُ اتِّصَالُ الْوَقْفِ وَغَرَضُ الْوَاقِفِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَنَافِع الْمَوْقُوفِ لَهُ وَلِذُرِّيَّتِهِ مَا لَمْ يَمْنَع مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ ظَاهِرٌ اهـ. فَتَأَمَّلْ كَوْنَهُ جَعَلَ الْغَالِبَ وَهُوَ اتِّصَالُ الْوَقْفِ قَرِينَةً مُرَجِّحَةً، وَكَذَا جَعْلُ غَرَضِ الْوَاقِفِ قَرِينَةً مُرَجِّحَةً، وَإِذَا جُزِمَ بِأَنَّ هَاتَيْنِ قَرِينَتَانِ مُرَجِّحَتَانِ هُنَا مَعَ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى خِلَافِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَمَا يُعْلَم بِتَأَمُّلِهِ فَمَا ظَنُّك بِهِمَا فِي مَسْأَلَتك فَلْيَكُونَا مُرَجِّحَيْنِ فِيهَا بِالْأَوْلَى فَإِنَّ لَفْظَ الْوَاقِفِ فِيهَا لَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا دَلَّتَا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُحْتَمَلُ مَا دَلَّتَا عَلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُمَا فَرَجَّحْنَا بِهِمَا أَحَدَ الِاحْتِمَالَيْنِ أَوْ أَحَدَ الِاحْتِمَالَات، وَبَيَانُهُ أَنَّ قَوْلَهُ: عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ يَحْتَمِلُ أُمُورًا: أَحَدُهَا أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ يَكُونُ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ، وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ كَمَا قَدَّمْته غَيْرَ مَرَّةٍ، وَفِيهِ أَيْضًا الْفِرَارُ مِنْ الِانْقِطَاعِ الَّذِي هُوَ نَادِرٌ وَغَيْرُ مَقْصُودٍ ثَانِيَهَا: أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ تَكُونُ حِصَّتُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَةِ الْمَيِّتِ وَيَكُونُ حِينَئِذٍ مَفْهُومَ مُوَافَقَةٍ لَا مُخَالَفَةٍ. وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الِاحْتِمَالِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِالِاحْتِمَالِ الْأَوَّل لِاعْتِضَادِهِ بِتَيْنِكَ الْقَرِينَتَيْنِ فَرَجَّحْنَاهُ وَعَمِلْنَا بِعَيْنِ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا فِي جَوَابِ هَذَا السُّؤَالِ، وَإِنَّمَا مَشَى عَلَى مَا مَرَّ تَبَعًا لِلزَّرْكَشِيِّ وَهُنَا لَمْ يَتْبَعْ أَحَدًا فَكَانَ مَا قَالَهُ هُنَا مِنْ التَّعْلِيلِ بِمَا ذَكَرُهُ الَّذِي هُوَ ظَاهِرٌ أَوْ صَرِيحٌ فِي مَسْأَلَتنَا بِمَا قُلْنَاهُ أَوْلَى بِالِاعْتِمَادِ وَالْأَخْذِ بِهِ فِي التَّرْجِيحِ لِمُوَافَقَتِهِ لِمَا مَرَّ عَنْ الْقَفَّالِ مِنْ أَنَّ أَغْرَاضَ الْوَاقِفِينَ مُعْتَبَرَةٌ وَلِمَا مَرَّ مَبْسُوطًا عَنْ الْأَذْرَعِيِّ فَتَأَمَّلْ هَذَا فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَبِهِ تَسْهُلُ مُخَالَفَتُهُ فِي إفْتَائِهِ بِمَا مَرَّ تَبَعًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ ذَلِكَ الْإِفْتَاءِ أَيْضًا مَا قَالَهُ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ آخَر. وَهُوَ أَنَّ شَخْصًا وَقَفَ وَقْفًا عَلَى نَفْسِهِ وَشَرَطَ أَنْ يُصْرَفَ مِنْ رِيعِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِجِهَةٍ عَيَّنَهَا ثُمَّ بَاقِي الرِّيعِ يُصْرَفُ لِبِنْتَيْهِ خَدِيجَةَ وَفَاطِمَةَ وَلِوَلَدَيْ خَدِيجَةَ هَذِهِ أَحْمَدَ وَسِتَّ الْعَجَمِ وَلِمَنْ يَحْدُثُ لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ وَيُقَسَّمُ بَيْنهمْ بِالسَّوِيَّةِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ عَلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَهَكَذَا الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ وَلَدُ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا مِنْهُمْ أَبَدًا الطَّبَقَةَ السُّفْلَى إلَى حِينِ انْقِرَاضهمْ خَلَا وَلَدَيْ بِنْتِ الْوَاقِفِ الْمَذْكُورِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَتَرَك وَلَدًا أَوْ وَلَدَ وَلَدٍ أَوْ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ إلَى وَلَدِهِ أَوْ. (وَلَدِ) وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ، فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا وَلَا وَلَدَ وَلَدٍ وَلَا نَسْلًا وَلَا ذُرِّيَّةً انْتَقَلَ نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ لِمَنْ هُوَ فِي دَرَجَتِهِ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْوَقْفِ يَسْتَقِلُّ بِهِ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَيَشْتَرِكُ فِيهِ الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ يَتَدَاوَلُونَ ذَلِكَ كَذَلِكَ إلَى حِين انْقِرَاضِهِمْ فَهَلْ إذَا مَاتَتْ سِتُّ الْعَجَمِ بِنْتُ خَدِيجَةَ الْمَذْكُورَةُ بَعْدَ دُخُولِهَا فِي الْوَقْفِ وَخَلَّفَتْ أَوْلَادًا يَدْخُلُونَ فِي الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ وَيَسْتَحِقُّونَ شَيْئًا مِنْ رِيعِهِ مَعَ وُجُودِ فَاطِمَةَ بِنْت الْوَاقِفِ أَوْ لَا؟ فَأَجَابَ الشَّيْخُ بِأَنَّ سِتَّ الْعَجَمِ إذَا مَاتَتْ وَتَرَكَتْ أَوْلَادًا فَلَا يَدْخُلُونَ فِي الْوَقْفِ لِقَوْلِ الْوَاقِفِ خَلَا وَلَدَيْ بِنْت الْوَاقِفِ إلَخْ أَيْ: فَإِنَّ أَوْلَادَهُمَا لَا يَسْتَحِقُّونَ شَيْئًا هَذَا هُوَ مَدْلُولُ هَذَا اللَّفْظِ، فَإِنْ قُلْت: بَلْ يَدْخُلُونَ وَيَسْتَحِقُّونَ مَا كَانَتْ تَسْتَحِقّهُ أُمّهمْ عَمَلًا بِقَوْلِ الْوَاقِفِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ وَتَرَك وَلَدًا إلَخْ وَيَكُونُ قَوْلُهُ: خَلَا وَلَدَيْ بِنْت الْوَاقِفِ إلَخْ رَاجِعًا إلَى قَوْلِهِ: تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا مِنْهُمْ أَبَدًا الطَّبَقَةَ السُّفْلَى أَيْ: خَلَا وَلَدَيْ بِنْت الْوَاقِفِ فَإِنَّهُمَا لَا يُحْجَبَانِ بِهَا وَإِنْ كَانَا أَسْفَلَ مِنْهَا، وَهَذَا، وَإِنْ فُهِمَ مِنْ عَطْفِهِمَا عَلَيْهَا بِالْوَاوِ الْمُشْرِكَةِ لَكِنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ خُرُوجُهُمَا بِقَوْلِهِ: تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا مِنْهُمْ أَبَدًا الطَّبَقَةَ السُّفْلَى فَصَرَّحَ بِهَا دَفْعًا لِهَذَا التَّوَهُّمِ قُلْت: ذَلِكَ يُحْتَمَلُ لَكِنَّهُ لَا يُنَافِي الظُّهُورَ فِيمَا قُلْنَا عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ

الِاسْتِثْنَاءُ الْمَذْكُورُ تَأْكِيدًا، وَالتَّأْسِيسُ خَيْرٌ مِنْهُ وَلَا نَظَرَ مَعَ ظُهُورِ اللَّفْظِ فِيمَا قُلْنَا إلَى اسْتِبْعَادِهِ بِأَنَّ فِيهِ حِرْمَانَ بَعْضِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ دُونَ بَعْضٍ بِلَا سَبَبٍ ظَاهِرٍ اهـ. كَلَامُ الشَّيْخِ. وَبِتَأَمُّلِهِ يَتَّضِحُ مَا قُلْنَاهُ فِي صُورَتِنَا أَتَمَّ إيضَاحٍ وَأَظْهَرَ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْوَاقِفِ فِيهَا عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ يَكُونُ نَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ لَهُ مَفْهُومٌ قَطْعًا لَكِنَّ ذَلِكَ الْمَفْهُومَ مُحْتَمِلٌ أُمُورًا تَقَدَّمَ بَعْضُهَا، وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ يَكُونُ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِوَلَدِ الْمَيِّتِ وَمَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ فَقَطْ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْوَلَدِ وَلَا لِمَنْ فِي الدَّرَجَةِ، وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ هُوَ الْغَالِبُ الْمُصَرِّحُ بِهِ فِي أَكْثَرِ كُتُبِ الْأَوْقَافِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ إلَى مَقَاصِدِ الْوَاقِفِينَ وَلَيْسَ فِيهِ ارْتِكَابُ الِانْقِطَاعِ الَّذِي هُوَ نَادِرٌ أَنْ يَقْصِدَهُ أَحَدٌ مِنْ الْوَاقِفِينَ كَمَا قَدَّمْتُهُ قَرِيبًا عَنْ شَيْخِنَا فَرَجَّحْنَا هَذَا الِاحْتِمَالَ لِهَذِهِ التَّأْيِيدَات، وَأَمَّا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي فَبَعِيدٌ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ الذَّوْقُ، وَأَمَّا الِاحْتِمَالُ الثَّالِثُ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ وَمَنْ تَبِعَهُ فَيُرَدُّ بِعَيْنِ مَا مَرَّ عَنْ السُّبْكِيّ وَغَيْرِهِ مِمَّا اسْتَوْفَيْنَاهُ فِيمَا مَرَّ وَبِعَيْنِ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ هُنَا وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا إلَخْ تَأْكِيدٌ؛ لِأَنَّهُ فُهِمَ مِنْ الْعَطْفِ بِثُمَّ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ شَيْءٌ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الطَّبَقَةِ الْأُولَى، وَهَذَا يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ: عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا إلَخْ؛ لِأَنَّ إذَا لَمْ نَعْمَلْ بِمَفْهُومِهِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْإِتْيَانُ بِهِ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ؛ لِأَنَّا كُنَّا نَعْمَلُ بِالِانْتِقَالِ إلَى الْبِنْتِ الْبَاقِيَةِ. وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهَذَا الشَّرْطُ فَلَمْ يُفِدْ التَّصْرِيحُ بِهِ إلَّا مُجَرَّدَ التَّأْكِيدِ بِخِلَافِ مَا قُلْنَا بِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يُفِيدُ بِمَفْهُومِهِ شَيْئًا لَمْ يُفِدْهُ الْكَلَامُ لَوْ حُذِفَ مِنْهُ هَذَا الشَّرْطُ بَلْ كَانَ يُفْهِمُ خِلَافُهُ كَمَا تَقَرَّرَ هَذَا هُوَ عَيْنُ التَّأْسِيسِ؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ التَّأْكِيدِ وَإِذَا كَانَ الشَّيْخُ أَخَذَ فِي جَوَابِهِ السَّابِقِ قَرِيبًا بِقَضِيَّةِ التَّأْسِيسِ؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ التَّأْكِيدِ مَعَ مُنَافَاةِ اللَّفْظِ لِذَلِكَ وَمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِمَّا اعْتَرَفَ بِهِ كَمَا قَرَّرَهُ فِي جَوَابِهِ وَلَيْسَ مُسْتَنَدُهُ فِي هَذِهِ الْمُخَالَفَةِ إلَّا الْأَخْذَ بِقَاعِدَةِ أَنَّ التَّأْسِيسَ خَيْرٌ مِنْ التَّأْكِيدِ الْمُصَرَّحِ بِهَا فِي فَتَاوَى السُّبْكِيّ وَغَيْرهَا فَلِيَكُنْ الْعَمَل بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي مَسْأَلَتنَا مِنْ بَابِ أَوْلَى لِتَعَيُّنِ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ؛ وَلِأَنَّ اللَّفْظَ فِي مَسْأَلَتِنَا لَيْسَ دَالًّا عَلَى خِلَافِهَا بَلْ عَلَى مَا يُوَافِقهَا مِمَّا تَقَرَّرَ فِي سَبَبِ تَرْجِيحِ الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ فَتَأَمَّلْ إفْتَاءَ الشَّيْخِ هَذَا أَيْضًا تَجِدْهُ قَاضِيًا عَلَى إفْتَائِهِ فِي نَحْوِ صُورَتِنَا بِأَنَّهُ تَبِعَ فِيهِ السُّبْكِيّ وَالزَّرْكَشِيَّ مِنْ غَيْرِ إعْطَاءِ الْمَسْأَلَةِ حَقَّهَا مِنْ نَظَرٍ وَمِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ مَا قَدَّمْته مِنْ بَعْضِ أَجْوِبَةِ السُّبْكِيّ الْقَاضِيَةِ بِرَدِّ مَا قَالَهُ فِي نَحْوِ صُورَتِنَا، وَلَوْ أَعْطَاهَا حَقّهَا مِنْ ذَلِكَ لَأَفْتَى فِيهَا بِمَا يُوَافِقُ مَا أَفْتَى بِهِ فِي هَذَا السُّؤَالِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ هَذَا. وَفِي بَعْضِ أَجْوِبَةِ الشَّيْخِ التَّابِعِ فِيهَا لِمَنْ مَرَّ زِيَادَةً عَلَى مَا قَدَّمَهُ فَنَذْكُرُهَا مَعَ رَدِّهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ وَقَفَتْ عَلَى بِنْتهَا فَاطِمَةَ وَسِتّ رَيْحَانَ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمَا ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمَا طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ عَلَى الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى أَنَّ مَنْ انْقَرَضَ مِنْهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذُرِّيَّةٌ كَانَ نَصِيبُهُ لِإِخْوَتِهِ الْأَشِقَّاءِ الْأَشِقَّاءِ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَلِإِخْوَتِهِ لِلْأَبِ ثُمَّ عَلَى أَقْرَبِ عَصَبَاتِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ سِتُّ رَيْحَانَ وَتَرَكَتْ أَوْلَادًا فَاسْتَقَلُّوا بِحِصَّتِهَا وَتُوُفِّيَتْ أُخْتُهَا فَاطِمَةُ عَنْ ابْنٍ يُسَمَّى عَبْدَ اللَّهِ وَبِنْتٍ تُسَمَّى قَمَرَ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ عَنْ ابْنٍ وَعَنْ أَخِيهَا عَبْدِ اللَّهِ فَهَلْ تَنْتَقِلُ حِصَّةُ قَمَرٍ لِابْنِهَا أَوْ لِأَخِيهَا؟ فَأَجَابَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَخُ أَخًا لِأُمٍّ، فَالْحَقُّ لَهُ وَلِأَوْلَادِ سِتِّ رَيْحَانَ عَمَلًا بِالتَّرْتِيبِ الْمُفَادِ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمَا ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمَا، وَإِنْ كَانَ أَخًا لِغَيْرِ أُمٍّ فَقَدْ تَعَارَضَ هُنَا أَمْرَانِ مُقْتَضَى اعْتِبَارِ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْحَقَّ لِأَخِي قَمَرَ وَأَوْلَادِ سِتّ رَيْحَان لِكَوْنِهِمْ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ. وَمُقْتَضَى مَفْهُومِ تَقْيِيدِ انْتِقَالِ مَا كَانَ لَهَا إلَى إخْوَتِهَا بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهَا وَلَدٌ أَنَّ الْحَقَّ لَيْسَ لِأَخِيهَا لِوُجُودِ وَلَدِهَا وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ لِوَلَدِهَا، وَإِنْ اُحْتُمِلَ عَلَى بُعْدٍ أَنْ يَكُونَ لَهُ فَيَكُونُ الْحَقُّ بِمُقْتَضَى التَّرْتِيبِ لِأَخِيهَا وَلِأَوْلَادِ سِتِّ رَيْحَانَ لِكَوْنِهِمْ فِي دَرَجَةِ قَمَرَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ لِأَوْلَادِ سِتَّ رَيْحَانَ

لِانْتِقَالِ الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ، وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ وَفَائِدَةُ تَقْيِيدِ الِانْتِقَالِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ وَلَدٍ يَكُونُ حَقُّ الْمَيِّتِ لِإِخْوَتِهِ دُونَ مَنْ سَاوَاهُمْ فِي الدَّرَجَةِ وَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لِسِتِّ رَيْحَان أَوْلَادٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ لِأَخِي قَمَرَ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَخُوهَا؛ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ انْتِقَالِ الْحَقِّ إلَيْهِ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِي دَرَجَتِهَا وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ أَوْلَادَ سِتّ رَيْحَان لَا يَأْخُذُونَ شَيْئًا بِمَوْتِهَا مَعَ وُجُودِ فَاطِمَةَ عَمَلًا بِمُقْتَضَى التَّرْتِيبِ مَعَ مَا قُلْنَاهُ اهـ. جَوَابُ الشَّيْخِ فَأَمَّا قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ إلَخْ فَقَدْ مَرَّ رَدُّهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَإِنْ اُحْتُمِلَ عَلَى بُعْدٍ أَنْ يَكُونَ لَهُ جَوَابُهُ أَنَّهُ لَا بُعْد فِيهِ بَلْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْ غَيْرِهِ الَّذِي ذَكَره بِشَهَادَةِ مَا مَرَّ مَبْسُوطًا وَقَوْلُهُ: وَفَائِدَةُ تَقْيِيدِ الِانْتِقَالِ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا إنْ أَمْكَنَ الْقَوْلُ بِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَلَا يَأْتِي فِي صُورَتِنَا؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَخُصّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الدَّرَجَةِ عِنْد عَدَمِ الْوَلَدِ بَلْ جَعَلَهُ لِجَمِيعِ مَنْ فِيهَا فَلَزِمَ مِنْ عَدَمِ إعْطَاءِ الْوَلَدِ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لَهُ أَصْلًا كَمَا مَرَّ مَبْسُوطًا أَيْضًا ثُمَّ فِي جَوَابِ هَذَا أَنْظَارٌ أُخَرُ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَا نَحْنُ فِيهِ؛ فَلِذَا لَمْ نُعَوِّلْ عَلَيْهَا وَأَحَلْنَاهَا عَلَى التَّأَمُّلِ الصَّادِقِ. وَأَمَّا الِاحْتِمَالُ الرَّابِعُ فَبَعِيدٌ جِدًّا كَمَا لَا يَخْفَى أَيْضًا وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُعَوِّلْ عَلَيْهِ أَبُو زُرْعَةَ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ مِمَّا مَرَّ، وَإِنَّمَا عَوَّلَ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ وَكَأَنَّهُ لِمَا قُلْنَاهُ مِنْ قُرْبِهِ وَتَبَادُرِهِ إلَى الْفَهْمِ مَعَ اعْتِضَادِهِ بِمَا مَرَّ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ الْأُخْرَى فَإِنَّهُ بَعِيدٌ وَلَمْ يُعْتَضَدْ بِشَيْءٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُرَجِّحًا لَهُ عَلَى غَيْره وَمِمَّا يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى مَا قُلْنَاهُ مَا قَالَهُ السُّبْكِيّ فِي فَتَاوِيهِ أَيْضًا مِنْ أَنَّ ارْتِكَابَ الْمَجَازِ، وَإِنْ بَعُدَ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ الْكَلَامِ وَقَدْ أَفْتَى بِذَلِكَ أَيْضًا فِي وَاقِعَةٍ أُخْرَى سُئِلَ عَنْهَا وَهِيَ أَنَّ تَاجَ الْمُلُوكِ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ الْأَرْبَعَةِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَإِنْ سَفَلُوا تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا مِنْهُمْ الطَّبَقَةَ السُّفْلَى عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ، وَمَنْ مَاتَ وَلَا وَلَدَ لَهُ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِإِخْوَتِهِ، وَمَنْ مَاتَ وَلَا وَلَد لَهُ وَلَا إخْوَةٌ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِأَقْرَب النَّاسِ مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ فَمَاتَ رَجُلٌ وَلَهُ بِنْتُ وَابْنُ ابْنٍ قَدْ مَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: يَأْخُذُ ابْنُ الِابْنِ الَّذِي مَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ أَبُوهُ لَوْ كَانَ حَيًّا الْآن وَلَا تَحْجُبُهُ عَنْهُ عَمَّتُهُ وَلَا يَمْنَع مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا مِنْهُمْ الطَّبَقَةَ السُّفْلَى؛ لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ هُنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَحْجُبُ وَلَدَهُ جَمْعًا بَيْن الْكَلَامَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لُغِيَ قَوْله: مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ اسْتَحَقَّ وَلَدُهُ نَصِيبه اهـ. فَتَأَمَّلْ كَوْنَهُ اضْطَرَّ إلَى الْجَمِيعِ خَوْفًا مِنْ إلْغَاءِ الشَّرْطِ الَّذِي ذَكَره فَكَذَلِكَ نُضْطَرُّ فِي مَسْأَلَتنَا إلَى الْجَمْعِ بَيْن قَوْلِهِ: عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ الْمُقْتَضَى بِمَفْهُومِهِ الْمُتَبَادِرِ مِنْهُ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لَهُ وَبَيْن قَوْلِهِ: ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ الْمُقْتَضَى بِمَنْطُوقِهِ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ شَيْءٌ مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الطَّبَقَةِ الْأُولَى، وَوَجْهُ الْجَمْعِ أَنَّا نَحْمِلُ الْأَوَّلَ عَلَى مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ وَالثَّانِيَ عَلَى مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ؛ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نَعْمَلْ بِمَفْهُومِ الْأَوَّلِ لَزِمَ إلْغَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَغْنَى عَنْ الْعَمَل بِمَنْطُوقِهِ بِثُمَّ فَإِنَّ مَنْطُوقَهُ يَلْزَمُ بِعَيْنِ مَا قَالَهُ السُّبْكِيّ حَمَلَهُ عَلَى حَالَةٍ بِهَا يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنه وَبَيْن الثَّانِي وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ إلَّا إذَا قُلْنَا بِالْعَمَلِ بِمَفْهُومِ الْأَوَّلِ وَإِذَا وَقْدَ عُلِمَ مِنْ كَلَام السُّبْكِيّ فِي هَذَا الْجَوَّابِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ الْفِرَارَ إلَى التَّجَوُّزِ الْبَعِيدِ أَوْلَى مِنْ الْفِرَارِ إلَى الْحُكْمِ عَلَى بَعْضِ كَلَام الْوَاقِفِ بِالْإِلْغَاءِ فَلْيَتَعَيَّنْ فِي مَسْأَلَتنَا مَا قُلْنَاهُ لِمَا يَلْزَمُ عَلَى خِلَافِهِ مِنْ إلْغَاءِ قَوْلِهِ: عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ إلَخْ، بَلْ مَسْأَلَتنَا أَوْلَى بِذَلِكَ مِمَّا قَالَهُ السُّبْكِيّ؛ لِأَنَّ غَايَة مَا فِي مَسْأَلَتنَا الْعَمَلُ بِأَحَدِ مَا صَدَقَات اللَّفْظِ بَلْ بِمَا لَا يَتَبَادَرُ مِنْ اللَّفْظِ غَيْرُهُ، وَهَذَا أَوْلَى وَأَقْرَبُ مِنْ الْفِرَارِ عَنْهُ إلَى الْفِرَارِ إلَى التَّجَوُّزِ الْبَعِيدِ فَإِذَا جَوَّزَ ذَلِكَ حَذَرًا مِنْ الْإِلْغَاءِ فَلَإِنْ نُجَوِّزُ مَا قُلْنَاهُ حَذَرًا مِنْ ذَلِكَ بِالْأَوْلَى. وَقَالَ فِي فَتَاوِيهِ أَيْضًا مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ فِي كَلَام الْوَاقِفِ عُمُومَانِ اُحْتِيجَ إلَى التَّرْجِيحِ وَمِنْ طُرُقِهِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْعُمُومَيْنِ لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ إلْغَاء شَيْءٍ مِنْ كَلَام الْوَاقِفِ وَالْآخَرُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَيُعْمَلُ بِالْعَامِّ الَّذِي لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ إلْغَاء وَبِمِثْلِهِ يُقَالُ: فِي مَسْأَلَتنَا فَإِنَّ أَحَدَ مُحْتَمَلَاتِ اللَّفْظِ

الَّذِي فِيهَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ إلْغَاءٌ وَالْآخَرُ لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ إلْغَاءٌ كَمَا تَقَرَّرَ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالْمَفْهُومِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إلْغَاءٌ وَبِهَذَيْنِ يُعْلَمُ رَدُّ مَا مَرَّ عَنْ فَتَاوِيهِ الْمُوَافِقُ لِمَا مَشَى عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَشَيْخُنَا وَمِنْ ثَمَّ خَالَفَهُ صَاحِبُهُ ابْنُ الْقَمَّاحِ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا سَبَقَ وَمِمَّا يُضَعِّفُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فِي كَلَام غَيْرِ الشَّارِعِ فَلَعَلَّ ذَهَابَهُ إلَى مَا مَرَّ لِضَعْفِ دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ عِنْده أَوْ عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهَا، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ السَّابِقِ لَا يُوَافِقُ هَذَا الثَّانِيَ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ هَذَا الرَّأْيَ ضَعِيفٌ وَأَنَّ الْمَنْقُولَ عِنْد أَئِمَّتِنَا وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ يُعْتَدُّ بِدَلَالَتِهِ فِي كَلَام الشَّارِعِ وَغَيْرِهِ وَأَنَّ لَهَا قُوَّةً تَقْتَضِي الْعَمَلَ بِقَضِيَّتِهَا وَتَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَنْ جَرَى عَلَيْهَا فِي مَسْأَلَتنَا مَنْ مَرَّ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَوْ نَظَرَ الزَّرْكَشِيُّ وَشَيْخُنَا ذَلِكَ مَعَ الْمُدْرِكِ الَّذِي قَدَّمْته لِمَا تَبِعَاهُ عَلَى ذَلِكَ وَلَجَعَلُوا كَلَامَهُ مُفَرَّعًا عَلَى رَأْيه الضَّعِيف وَقَدْ تَنَبَّهْ لِذَلِكَ الْمُحَقِّقُ أَبُو زُرْعَةَ فَأَشَارَ فِي عِبَارَته السَّابِقَة إلَى أَنَّ السُّبْكِيّ قَائِلٌ بِالضَّعِيفِ وَأَنَّ اسْتِحْقَاقَ مَنْ فِي الدَّرَجَةِ دُون الْأَوْلَادِ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِهِ السُّبْكِيّ أَيْ: فَلَا تَغْتَرُّ بِمَا فِي فَتَاوِيهِ، وَمِنْ ثَمَّ خَالَفَهُ فِيمَا مَرَّ عَنْهَا مُعَاصَرَةً كَمَا مَرَّ. وَالدَّلِيلُ عَلَى تَرْجِيحِ مَا قُلْنَاهُ أَيْضًا أَنَّ السُّبْكِيّ نَفْسَهُ احْتَجَّ بِالْمَفْهُومِ الْمُنْضَمِّ إلَى غَيْرِهِ فِي فَتَاوِيهِ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ إلَخْ بِالْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ أَسْفَل فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ ثُمَّ لِوَلَدِ وَلَدِهِ يَسْتَقْبِل بِهِ الْوَاحِدُ مِنْ أَهْلِ كُلِّ طَبَقَةٍ وَيَشْتَرِك فِيهِ الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَتْرُك ذَلِكَ كَانَ نَصِيبُهُ لِإِخْوَتِهِ وَإِخْوَته مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ فَتُوُفِّيَ شَخْصٌ عَنْ وَلَدَيْنِ ثُمَّ أَحَدُهُمَا عَنْ وَلَدٍ وَأَخٍ ثُمَّ الْوَلَدُ عَنْ غَيْرِ أَخٍ فَهَلْ يَنْتَقِلُ نَصِيبه لِعَمِّهِ أَوْ إلَى الْمَوْجُودِينَ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: نَصِيبُهُ لِعَمِّهِ دُونَ الطَّبَقَةِ الْأُولَى وَلَا يَرْجِعُ إلَى الْمَوْجُودِينَ مِنْ الْبَطْنِ الْأُولَى مَا دَامَ هَذَا الْعَمُّ الْأَقْرَبُ مَوْجُودًا لِثَلَاثَةِ أَدِلَّةٍ أَحَدُهَا قَوْلُهُ: مَنْ مَاتَ كَانَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ إلَخْ وَقَالَ: مِنْ أَهْلِ كُلِّ طَبَقَةٍ فَاَلَّذِي خَلَّفَ وَلَدَيْنِ اسْتَحَقَّا نَصِيبُهُ وَكِلَاهُمَا يَسْتَحِقُّهُ كَامِلًا لَوْلَا أَخُوهُ فَحَقُّ اسْتِحْقَاقِهِ كَامِلًا ثَابِتٌ لَهُ، وَإِنَّمَا حَجَبَهُ أَخُوهُ ثُمَّ ابْنُهُ مِنْ بَعْدِهِ. فَإِذَا فَقَدَ عَمِلَ ذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقُ عَمَله وَأَخَذَ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ أَبُوهُ مِنْ جِهَةِ وَالِدِهِ لَا مِنْ جِهَةِ أَخِيهِ وَلَا مِنْ جِهَةِ ابْن أَخِيهِ الثَّانِي قَوْلُهُ: مَنْ مَاتَ وَلَا وَلَدَ لَهُ كَانَ نَصِيبُهُ لِإِخْوَتِهِ اقْتَضَى تَقْدِيمَ الْأَخِ عَلَى الْعَمِّ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ تَقْدِيمَ الْعَمِّ عَلَى الْأَبِ وَقَدْ يُنَازَعُ فِي هَذَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ لَا يُعْمَلُ بِهِ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ الثَّالِثِ أَنَّهُ يَصْدُقُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنَّ أَخَا الْعَمِّ الْمَسْئُولِ عَنْهُ تُوُفِّيَ وَلَا وَلَدَ لَهُ، إذَا لَمْ تُجْعَلْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ لِلْحَالِ بَلْ يُخْبَرُ عَنْهُ أَنَّهُ تُوُفِّيَ وَأَنَّهُ لَا وَلَدَ لَهُ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهُ لِأَخِيهِ وَهُوَ عَمُّ الْمُتَوَفَّى وَقَدْ يُنَازَعُ فِي هَذَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ جَعَلَ الْجُمْلَةَ حَالِيَّةً، وَالْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ هُوَ قَوْلُ الْأَوَّلِ وَيُعْتَضَدُ بِأَنَّهُ الْمَفْهُوم مِنْ عُرْفِ الْوَاقِفِينَ وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَفْهُومُ يُمْكِنُ الْمُنَازَعَةُ فِيهِ لَمْ نَجْعَلهُ الْعُمْدَةَ وَاعْتَمَدْنَا عَلَى اللَّفْظِ كَمَا بَيَّنَاهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ اهـ. فَانْظُرْ قَوْلَهُ وَيُعْتَضَدُ بِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ عُرْفِ الْوَاقِفِينَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَفْهُومُ إلَخْ. فَيُقَالُ عَلَيْهِ: مُسْلَمٌ أَنَّ هَذَا الْمَفْهُومَ مَسْأَلَته يُمْكِنُ الْمُنَازَعَةُ فِيهِ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ الْعَطْفِ بِثُمَّ وَلَمْ يَتَأَيَّد بِمَا غَلَبَ فِي عُرْفِ الْوَاقِفِينَ وَقَصْدِهِمْ مِنْ صَرْفِ مَا كَانَ لِلْمَيِّتِ لِفُرُوعِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ هَذَا الْمَيِّت لَا فَرْعَ لَهُ فَلَمْ يُعَارِضْ قَضِيَّةَ الْعَطْف بِثُمَّ الْمُقْتَضِيَةِ لِلِانْتِقَالِ إلَى الْعَمِّ شَيْءٌ مِنْ الْقَرَائِنِ الْحَالِيَّةِ وَلَا اللَّفْظِيَّةِ، وَإِنَّمَا غَايَةُ مَا عَضُد بِهِ هَذَا الْمَفْهُوم أَنَّ حَقّ الِاسْتِحْقَاقِ كَامِلًا ثَابِتٌ لِكُلِّ وَاحِد إلَخْ، وَهَذَا يَقْبَلُ الْمُنَازَعَةَ بِأَنْ يُقَال: لَا نُسَلِّم مَعَ وُجُودِ الِاثْنَيْنِ أَنَّ حَقّ الِاسْتِحْقَاق ثَبَتَ كَامِلًا لِكُلٍّ وَأَنَّ أَخَاهُ هُوَ الَّذِي حَجَبَهُ، وَإِنَّمَا الَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّا نَتَبَيَّنُ بِتَعَدُّدِ الْوَلَدِ أَنَّ حَقَّ الِاسْتِحْقَاقِ مُوَزَّعٌ عَلَيْهِمَا وَحِينَئِذٍ فَقَدْ انْتَفَى قَوْلُ السُّبْكِيّ فَإِذَا فَقَدَ عَمَلُ ذَلِكَ الِاسْتِحْقَاق عَمَلَهُ إلَخْ وَلَئِنْ سَلَّمَ مَا ذَكَره فَقَضِيَّةُ الْعَطْف بِثُمَّ الْمَذْكُورَةُ أَقْوَى مِنْ هَذَا التَّعَسُّفِ. فَإِذَا رَجَّحَ السُّبْكِيّ هَذَا التَّعَسُّفَ وَأَلْغَى بِهِ قَضِيَّةَ الْعَطْف بِثُمَّ مَعَ قُوَّتِهَا وَتَصْرِيح اللَّفْظِ بِهَا وَعَدَم تَصْرِيحه بَلْ دَلَالَته عَلَى ذَلِكَ التَّعَسُّفِ فَمِنْ بَابِ أَوْلَى أَنْ نُلْغِي نَحْنُ قَضِيَّتهَا فِي مَسْأَلَتِنَا وَأَنْ

نَأْخُذَ بِالْمَفْهُومِ السَّابِقِ بَيَانُهُ فِيهَا لِاعْتِضَادِهِ بِقَرِينَةٍ بَلْ بِقَرَائِن مَرَّ بَيَانُهَا بِمَا يُعْلَم مِنْهُ أَنَّ تِلْكَ لَيْسَتْ قَابِلَةً لِلنِّزَاعِ فِيهَا كَهَذِهِ الْقَرِينَةِ الَّتِي ذَكَرهَا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْقَرَائِنِ اعْتَرَفَ بِهَا حَتَّى الْمُخَالِف كَمَا بَانَ لَك مِنْ كَلَامه نَفْسِهِ وَكَلَامِ شَيْخنَا الَّذِي قَدَّمْته، وَأَمَّا قَرِينَته هَذِهِ فَلَمْ يَعْتَرِفْ بِصِحَّتِهَا مُوَافِقٌ وَلَا مُخَالِفٌ لِبُعْدِهَا كَمَا لَا يَخْفَى وَمِمَّا يُصَرِّح أَيْضًا بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْقُرْبَ إلَى مَقَاصِد الْوَاقِفِينَ وَأَهْلِ الْعُرْف مُعْتَبَر وَمُرَجِّحٌ مَا ذَكَره السُّبْكِيّ فِي فَتَاوِيهِ أَيْضًا فِي أَثْنَاءِ جَوَابٍ طَوِيلٍ مِنْ أَنَّ غَرَضَ الْوَاقِفِينَ تَعْمِيمُ النَّفْعِ فِي ذُرِّيَّاتِهِمْ وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَى اعْتِبَارِ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِهِ وَنَحْنُ أَلْغَيْنَاهُ عِنْد انْفِرَاده إذْ لَا نَعْتَبِرُ مَا نَظُنّ أَنَّهُ غَرَضُ الْوَاقِفِ إلَّا بِمُسَاعِدَةِ قَرِينَةٍ لَا بِمُجَرَّدِهِ فَلَا نُلْغِيه إذَا اعْتَضَدَ بِغَيْرِهِ وَمَا هُنَا قَدْ اعْتَضَدَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فَكَانَ الِاسْتِنَادُ إلَى مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ وَصَلَحَا بِأَنْ يَنْهَضَ مِنْهُمَا دَلِيلٌ اهـ فَانْظُرْ إلَى مَا صَرَّحَ بِهِ وَقَرَّرَهُ مِنْ أَنَّ مَا يَظُنُّ أَنَّهُ غَرَضُ الْوَاقِفِ إذَا سَاعَدَتْهُ قَرِينَةٌ يَكُونُ حِينَئِذٍ دَلِيلًا مُرَجِّحًا لِذَلِكَ وَمُقْتَضِيًا لِلْعَمَلِ بِهِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا كَذَلِكَ بَلْ أَوْلَى كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ وَيُوَافِقهُ. قَوْلُهُ: فِي فَتَاوِيهِ أَيْضًا فِي أَثْنَاءِ جَوَابٍ فَرَجَعْنَا إلَى الْمَعْنَى فَرَأَيْنَا أَنَّ تَقْدِيمَ الْأَقْرَبِ إلَى الْمَيِّتِ أَقْرَبُ إلَى مَقَاصِدِ الْوَاقِفِينَ وَإِلَى مَقَاصِدِ أَهْلِ الْعُرْفِ مَا لَمْ يُقْصَدْ الْأَقْرَبُ إلَى الْوَاقِفِ وَهَهُنَا لَمْ يَقْصِدْ الْأَقْرَبَ إلَى الْوَاقِفِ؛ فَلِذَلِكَ تُرَجَّحُ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ هَذَا الْأَقْرَبِ إلَى الْوَاقِفِ إلَى الْمُتَوَفَّى اهـ. فَتَأَمَّلْهُ حَقَّ التَّأَمُّلِ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِي التَّرْجِيحِ بِذَلِكَ مِنْ بَابِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَسْأَلَتَهُ هَذِهِ كَمَا يُعْلَمُ بِتَأَمُّلِهَا مَعَ تَأَمُّلِ كَلَامِهِ فِيهَا؛ تَعَارَضَ فِيهَا التَّرْجِيحُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ فَفَرَّ إلَى التَّرْجِيحِ فِيهَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَحَسْبُ. وَأَمَّا مَسْأَلَتُنَا فَفِيهَا تَرْجِيحَاتٌ لَفْظِيَّةٌ وَمَعْنَوِيَّةٌ كَمَا مَرَّتْ مَبْسُوطَةً فَتَعَيَّنَ الْعَمَلُ فِيهَا بِذَلِكَ وَبَانَ بِكَلَامِهِ هَذَا وَغَيْرِهِ مِمَّا مَرَّ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ ضَعْفُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ نَظِيرَ مَسْأَلَتنَا مِنْ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْوَلَدِ وَتَأَمَّلْ أَيْضًا تَصْرِيحَهُ بِأَنَّ تَقْدِيمَ الْأَقْرَبِ إلَى الْمَيِّتِ أَقْرَبُ إلَى مَقَاصِدِ الْوَاقِفِينَ إلَخْ. يَزِيدُ ذَلِكَ إيضَاحُ تَقْدِيمِ الْبِنْتِ فِي مَسْأَلَتنَا عَلَى الْأُخْتِ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى الْمَيِّتَةِ مِنْ الْأُخْتِ، وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْتُ أَقْرَبَ إلَى الْوَاقِفِ وَقَدْ تَقَرَّرَ مِنْ كَلَامه هَذَا وَمِنْ كَلَامه وَكَلَامِ غَيْرِهِ السَّابِقِ أَنَّ الْأَقْرَبَ إلَى مَقَاصِدِ الْوَاقِفِينَ وَأَهْلِ الْعُرْفِ مُعْتَبَرٌ وَمُرَجَّحٌ إذَا انْضَمَّتْ إلَيْهِ قَرِينَةٌ فَكَيْفَ وَقَدْ انْضَمَّتْ إلَيْهِ قَرَائِنُ لَفْظِيَّةٌ وَمَعْنَوِيَّةٌ كَمَا سَبَقَ بَسْطُهَا وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَيْهَا بِمَا لَا يَبْقَى مَعَهُ تَوَقُّفٌ فِي أَرْجَحِيَّةِ مَا قُلْنَاهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ أَرْجَحَ مِنْ جِهَةِ الْمَنْقُولِ؟ وَمِمَّا يَزِيدهُ وُضُوحًا أَيْضًا قَوْلُهُ: فِي وَقْفِ شَرْطٍ فِيهِ النَّظَرُ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدُ مِنْ أَوْلَادِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَنَسْلِهِمْ يُقَدَّمُ الْأَرْشَدُ وَالْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَالْمُنْتَسِبُ إلَيْهِ بِالذُّكُورِ عَلَى أَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الْبَنَات. وَإِذَا انْتَهَى النَّظَرُ إلَى أُنْثَى كَانَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ ذَاتَ زَوْجٍ يَصْلُح لِلتَّقَدُّمَةِ عَلَى الْمُجَاهِدِينَ فَوُجِدَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إنَاثٌ: وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ ذَاتُ زَوْجٍ يَصْلُحُ لِمَا ذُكِرَ وَذَكَرٌ أَنْزَلُ مِنْهُنَّ وَقَامَتْ بَيِّنَةٌ لِكُلٍّ مِنْ الْمَذْكُورِينَ بِالْأَرْشَدِيَّةِ وَوُجِدَ أُنْثَى أَعْلَى مِنْ الْجَمِيعِ قَامَتْ بَيِّنَةٌ لَهَا أَنَّهَا مِنْ نَسْلِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَلِمَنْ يَكُونُ النَّظَرُ قَدْ يَتَوَهَّمُ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ قَوْلَهُ: عَلَى أَوْلَادِ الْبَنَاتِ يَعُودُ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَهُ وَكَأَنَّهُ قَالَ يُقَدَّمُ الْأَرْشَدُ عَلَى أَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَالْأَقْرَبُ عَلَى أَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَالْمُنْتَسِبُ إلَيْهِ بِالذُّكُورِ عَلَى أَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَيُحْتَجُّ بِأَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ يَعُودُ إلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ يَجْرِي مَجْرَى الِاسْتِثْنَاءِ وَعَطْفُ الْمُفْرَدَات أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ إذَا وُجِدَ فِي هَذَا الْوَقْفِ فِي الْمُنْتَسِبِينَ بِالذُّكُورِ رَشِيدٌ وَأَرْشَدُ لَا يَتَقَدَّمُ الرَّشِيدُ عَلَى الْأَرْشَدِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَرْشَدَ إنَّمَا يَتَقَدَّمُ عَلَى أَوْلَادِ الْبَنَاتِ، وَهَذَا الْوَهْمُ يَنْدَفِعُ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ: أَحَدُهَا أَنَّ السَّابِقَ إلَى الْفَهْمِ فِي هَذَا الْوَقْفِ وَمَا أَشْبَهَهُ خِلَافَهُ وَأَنَّ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ يَخْتَصُّ بِالْأَخِيرَةِ، وَإِنْ كَانَ وَصْفٌ مِمَّا ذُكِرَ يُقَدَّمُ عَلَى ضِدِّهِ فَيَتَقَدَّمُ الْأَرْشَدُ عَلَى غَيْرِ الْأَرْشَدِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الذُّكُورِ أَمْ مِنْ الْإِنَاثِ وَيُقَدَّمُ الْمُنْتَسِبُ بِالذُّكُورِ عَلَى أَوْلَادِ الْبَنَاتِ، سَوَاءٌ أَكَانَ

أَرْشَدَ أَوْ لَمْ يَكُنْ أَرْشَدَ هَذَا هُوَ السَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ فِي هَذَا الْكَلَامِ وَأَشْبَاهِهِ وَلَا نَقُولُ: إنَّهُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا الشَّافِعِيُّ بِالْعَوْدِ إلَى الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ الْقَرِينَةَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ تَقَدُّمَةِ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى ضِدِّهِ صَارِفَةً عَنْهُ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى مَا سَبَقَ الذِّهْنُ إلَيْهِ، الْأَمْرُ الثَّانِي مِنْ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ: الْقَرِينَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَهِيَ مَعَ سَبْقِ الذِّهْنِ شَيْئَانِ الْأَمْرُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ قِيلَ بِهَذَا التَّوَهُّمِ لَزِمَ التَّخْصِيصُ أَوْ التَّقْيِيدُ فِي الْجُمْلَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ فَلِهَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ جَعَلْنَاهُ لِلْأَخِيرَةِ فَقَطْ انْتَهَى. الْمَفْهُومُ مِنْهُ فَانْظُرْ قَوْلَهُ: هَذَا السَّابِقَ إلَى الْفَهْمِ فِي هَذَا الْكَلَامِ إلَخْ وَقَوْلَهُ: فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى مَا سَبَقَ الذِّهْنُ إلَيْهِ تَجِدْهُ صَرِيحًا وَدَلِيلًا أَيُّ دَلِيلٍ عَلَى رَدِّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ فِي نَظِيرِ مَسْأَلَتنَا؛ لِأَنَّهُ هُنَا إذَا خَالَفَ قَاعِدَةَ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ مِنْ رُجُوعِ الْوَصْفِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَنَحْوِهِمَا كَالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَهُ لِأَجْلِ مُبَادَرَةٍ خِلَافِهِ إلَى الذِّهْنِ فَحَسْبُ فَكَيْفَ لَا تُجْعَلُ هَذِهِ الْمُبَادَرَةُ فِي مَسْأَلَتِنَا مُرَجِّحَةً مَعَ اعْتِضَادِهَا بِمَا مَرَّ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْوَاضِحَةِ وَالْقَرَائِنِ الدَّالَّة وَعَدَمِ مُخَالَفَتِهَا لِقَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّافِعِيِّ أَوْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ؟ بَلْ مَا ذَكَرْنَاهُ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرُوهُ كَمَا ظَهَرَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ مِمَّا مَرَّ بَسْطُهُ وَتَقْرِيرُهُ بِأَوْضَحِ طَرِيقٍ وَأَتَمِّ تَقْرِيرٍ وَتَحْقِيقٍ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا تَغْفُلْ عَنْ هَذَا الْمَحَلِّ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ مِنْ كَلَامه فَإِنَّهُ شَاهِدُ صِدْقٍ وَدَلِيلُ حَقٍّ عَلَى ظُهُورِ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ تَبَعًا لِلْمَنْقُولِ وَضَعْفِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ هُوَ، وَمَنْ تَبِعَهُ هَذَا مَا تَيَسَّرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ تَشَتُّت الْبَالِ وَضَعْفِ الْحَالِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ وَالْمُعَوِّلُ عَلَى فَضْلِهِ وَكَرْمِهِ وُجُودِهِ فِي إلْهَامِ الْحَقِّ عِنْدَ تَصَادُمِ الْآرَاءِ وَارْتِبَاكِهَا فِي مَظَانِّ الِارْتِيَابِ أَنَّهُ أَكْرَمُ مَسْئُولٍ وَأَرْجَى مَأْمُولٍ. (الْبَابُ الثَّانِي فِي الْكَلَامِ عَلَى شِقِّ السُّؤَالِ الثَّانِي) وَهُوَ أَنَّكُمْ إذَا قُلْتُمْ بِأَنَّ نَصِيبَ الْمَيِّتَةِ لَبِنْتهَا فَإِذَا مَاتَتْ الْأُخْتُ الْبَاقِيَةُ عَنْ أَوْلَادٍ فَهَلْ لِلْبِنْتِ نَصِيبُ أُمِّهَا وَلِأَوْلَادِ هَذِهِ الثَّانِيَةِ نَصِيبُ أُمِّهِمْ أَوْ تَشْتَرِكُ الْبِنْتُ وَالْأَوْلَادُ فِي جَمِيعِ الْمُخَلَّفِ عَنْ أُمَّيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمْ عَلَى حَسَبِ الرُّءُوسِ؟ وَبَيَانُ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ مِنْ كَلَامٍ كَثِيرٍ فِيهِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْوَجْهَ فِي مَسْأَلَتنَا التَّسَاوِي وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ كُلَّ طَبَقَةٍ إنَّمَا يَتَلَقَّوْنَ مِنْ الْوَاقِفِ لَا مِنْ الَّذِي قَبْلَهُمْ. وَمَعْنَى تَلَقِّيهمْ مِنْهُ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لِجَمِيعِهِمْ بِحَسْبِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْوَاقِفُ مِنْ حِينِ الْوَقْفِ، وَأَمَّا الْأَحَقِّيَّةُ فَلَا تَثْبُتُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ مُسَوِّغِ الْأَخْذِ كَمَا قَالُوا فِي الْوَلَاءِ أَنَّهُ يَثْبُتُ لِجَمِيعِ الْعَصَبَاتِ وَيُقَدَّمُ فِي الْإِرْثِ بِهِ الْأَقْرَبُ مِنْهُمْ فَالْأَقْرَبُ، وَإِذَا كَانُوا يَتَلَقَّوْنَ مِنْ الْوَاقِفِ، وَالْوَاقِفُ إنَّمَا شَرَطَ التَّفَاوُتَ فِي مَسْأَلَتنَا فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى دُونَ مَا عَدَاهَا فَيَكُونُ مَا عَدَاهَا عَلَى التَّسَاوِي إذْ لَيْسَ فِي لَفْظِ الْوَاقِفِ فِي مَسْأَلَتِنَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ فَرْعِ كُلٍّ مِنْ الْبِنْتَيْنِ إنَّمَا يَأْخُذُ جَمِيعَ مَا يَسْتَحِقُّهُ أَصْلُهُ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ مَفْهُومٌ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ إلَخْ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا عَنْ وَلَدٍ يَأْخُذُ وَلَدُهُ نَصِيبَهُ بِتَمَامِهِ مُطْلَقًا، بَلْ مَفْهُومه أَنَّ نَصِيبَهُ يَنْتَقِلُ لِوَلَدِهِ مَا دَامَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ طَبَقَةِ أَصْلِهِ مَوْجُودًا فَإِذَا مَاتَتْ بِنْتَا الْوَاقِفِ صَارَ كُلٌّ مِنْ فَرْعَيْهِمَا لَا يَأْخُذُ بِقَضِيَّةِ مَفْهُومِ ذَلِكَ الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُ بِقَضِيَّةِ نَصِّ الْوَاقِفِ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمَا إلَخْ، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ حِينَئِذٍ إلَّا بِنَصِّ الْوَاقِفِ عَلَيْهِ لَا بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ فَلَا وَجْهَ إلَّا الْقَوْلُ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنهمْ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَرْتَبَةً بَعْدَ الْأُولَى حُكْمُهَا فِي التَّفَاوُتِ أَوْ عَدَمِهِ فَأَخَذْنَا فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا بِالْأَصْلِ وَهُوَ التَّسَاوِي لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا مُعَارِضَ لَهُ. وَيَدُلُّ عَلَى مَا قَرَرْته أُمُورٌ: مِنْهَا قَوْلُ الرُّويَانِيُّ وَوَالِدِهِ فِي جَوَابِهِمَا السَّابِقِ أَوَّل الْبَابِ الْأَوَّلِ الْجَوَابُ أَنَّ كُلَّ الْعَشَرَةِ يَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ إلَخْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ إلَيْهِمْ يَرْجِعُ إلَى جَمِيعِ مَا قَبْلَهُ مِنْ أَوْلَادِ عَمْرو وَأَوْلَادِ زَيْدٍ لَكِنَّ قَوْلَهُ عَقِبه وَلَا يَخْتَصُّ بِالِانْتِقَالِ إلَيْهِمْ مَا كَانَ نَصِيبُ الْمَيِّتِ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعَشَرَةِ الْآنَ حَقًّا لِلْمَيِّتِ وَنَصِيبًا لَهُ، فَالْمَوْتُ كَافٍ فِي الْجَمِيعِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ رُجُوعُ الضَّمِيرِ فِي إلَيْهِمْ إلَى أَوْلَادِ عَمْرو فَقَطْ وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ عِبَارَتُهُمَا مُنَافِيَةً لِمَا قُلْنَاهُ مِنْ التَّسَاوِي فَإِنَّ قَضِيَّةَ مَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ الْعَشَرَةَ الَّتِي هِيَ حَقٌّ لِعَمْرٍو

تَتَقَسَّمُ هِيَ وَسَهْمَا أَوْلَادِ زَيْدٍ عَلَى جَمِيعِ أَوْلَادِ عَمْرو وَزَيْدٍ بَيْنَهُمْ بِالسَّوَاءِ وَلَا يَخْتَصُّ أَوْلَادُ عَمْرو بِالْعَشَرَةِ وَأَوْلَادُ زَيْدٍ بِالسَّهْمَيْنِ لِعَيْنِ مَا قَرَّرْنَاهُ نَعَمْ يُقَالُ: إنَّ صُورَةَ الرُّويَانِيِّ هَذِهِ تُخَالِفُ صُورَتَنَا فَإِنَّ الَّذِي فِي صُورَتِنَا أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى بِنْتَيْهِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمَا إلَخْ ثُمَّ قَالَ: عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ فَلَمْ يَأْتِ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمْ عِنْدَ انْتِقَالِ الْوَقْفِ إلَيْهِمْ فَعَمِلْنَا فِيهِمْ بِالْأَصْلِ وَهُوَ التَّسَاوِي كَمَا تَقَرَّرَ، وَأَمَّا مَسْأَلَتُهُ فَإِنَّ الْوَاقِفَةَ أَتَتْ فِيهَا بِالتَّصْرِيحِ بِالتَّفَاوُتِ بَيْنَ أَهْلِ الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى وَبِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَوْلَادَ كُلٍّ مِنْ أَهْلِ الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَهُ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا لَمَّا ذَكَرَتْ فِي قُبَالَةِ وَقْفِهَا أَنَّهُ أَيْ: مَا مَرَّ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ عَلَى حَسَبِ التَّفَاوُتِ الَّذِي ذَكَرَتْهُ وُقِفَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ مَا عَاشُوا إلَخْ اقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا التَّفَاوُتَ جَارٍ فِي كُلِّ طَبَقَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا ذَكَرَتْ التَّفَاوُتَ الْمَذْكُورَ ثُمَّ عَقَّبَتْهُ بِأَنَّ الْوَقْفَ الْمُتَّصِفَ بِهَذَا التَّفَاوُتِ وَقْفٌ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورِينَ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ إلَخْ كَانَ ذَلِكَ ظَاهِرًا فِيمَا قُلْنَاهُ وَحِينَئِذٍ فَيَتَّضِحُ مَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَوَالِدُهُ مِنْ انْتِقَالِ الْعَشَرَةِ إلَى أَوْلَادِ عَمْرو وَلَا يُشَارِكُهُمْ فِيهَا أَوْلَادُ زَيْدٍ وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ عِلَّتِهِمَا أَنَّ مَا قَالَاهُ مِنْ انْتِقَالِ الْعَشَرَةِ لِأَوْلَادِ عَمْرو فَقَطْ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّعِيفِ أَنَّ كُلَّ طَبَقَةٍ تَتَلَقَّى مِمَّا قَبْلَهَا لَا مِنْ الْوَاقِفِ وَبَيَانُهُ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ سَبَبَ اخْتِصَاصِهِمْ بِالْعَشَرَةِ إلَّا أَنَّ جَمِيعَهَا صَارَ حَقّه لِلْمَيِّتِ وَنَصِيبًا لَهُ فَاقْتَضَى أَنَّهُمْ إنَّمَا يَتَلَقَّوْنَهَا عَنْهُ، وَإِذَا كَانُوا يَتَلَقَّوْنَهَا عَنْهُ فَلَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يُشَارِكَهُمْ فِيهَا بِوَجْهٍ؛ لِأَنَّهُمْ نَازِلُونَ مَنْزِلَتَهُ دُونَ غَيْرِهِمْ وَمِمَّنْ أَفْتَى بِمَا قَدَّمْته مِنْ التَّسَاوِي السُّبْكِيّ وَقَدْ قَدَّمْت كَلَامَهُ فِي ذَلِكَ أَوَّل الْوَجْهِ الثَّالِثِ فَرَاجِعْهُ وَانْظُرْ قَوْلَهُ وَلَا يَخْتَصُّ أَوْلَادُ كُلٍّ بِنَصِيبِ وَالِدِهِمْ إلَخْ وَقَوْله: الْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّهُ إذَا انْتَقَلَ نَصِيبُ الطَّبَقَةِ الَّتِي تَحْتَهَا يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْجَمِيعِ بِالسَّوَاءِ أَوْ يَأْخُذُ كُلُّ أَوْلَادٍ مَا كَانَ لِأَبِيهِمْ وَلَا دَلِيلَ عَلَى الثَّانِي، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ، فَتَعَيُّنُ ذَلِكَ يُبَيِّنُ صِحَّةَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْوَقْتِ " وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ " اهـ. لَكِنْ قَدْ يُخَالِفُ مَا ذَكَره فِي هَذَا الْجَوَابِ مَا ذَكَره فِي جَوَابٍ آخَرَ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ وَقَفَتْ عَلَى نَفْسِهَا ثُمَّ زَوْجِهَا ثُمَّ أَوْلَادِهِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ كَذَلِكَ ثُمَّ نَسْلِهِ، وَإِنْ سَفَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ عَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ نَسْلٍ عَادَ مَا كَانَ جَارِيًا عَلَيْهِ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَمَنْ تُوُفِّيَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَا نَسْلٍ عَادَ إلَى مَنْ مَعَهُ فَتُوُفِّيَ زَوْجهَا قَبْلَهَا عَنْ بِنْته مِنْهَا نَسَبٌ وَبِنْت مِنْ غَيْرِهَا تُوُفِّيَتْ أُمُّهَا قَبْلَ صُدُورِ الْوَقْفِ اسْمُهَا قُضَاةُ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ الْوَاقِفَةُ فَانْتَقَلَ الْوَقْفُ لِنَسَبٍ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ عَنْ ابْنهَا أَحْمَدَ فَحَكَمَ حَاكِمٌ بِمُشَارَكَةِ قُضَاةَ لَهُ وَأَنَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ قُضَاةُ عَنْ ابْنَيْهَا أَحْمَدَ وَأَمِينِ الدِّينِ فَأَقَرَّ لِأَخِيهِ بِثُلُثَيْ الْوَقْفِ وَأَقَرَّ لَهُ أَحْمَدُ بِثُلُثِهِ ثُمَّ تُوُفِّيَ أَحْمَدُ عَنْ وَلَدَيْنِ ثُمَّ تُوُفِّيَ أَمِينُ الدِّينِ عَنْ أَوْلَادٍ. فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: مُقْتَضَى هَذَا الْوَقْفِ أَنَّ قُضَاةَ تُشَارِكُ أَحْمَدَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا مُشَارَكَتهمَا فَلِعُمُومِ قَوْلِ الْوَاقِفَةِ عَلَى كَمَالِ الدِّينِ ثُمَّ أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ فَإِنَّهُ اقْتَضَى دُخُولَ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ كُلِّهِمْ وَأَحْمَدَ وَقُضَاةَ كِلَاهُمَا مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَتْ قُضَاةُ عَنْ مُشَارَكَتِهَا لِخَالَتِهَا نَسَبَ لِأَجَلِ التَّرْتِيبِ وَقَدْ زَالَ فَإِنَّ أَحْمَدَ مُسَاوٍ لَهَا فَيَشْتَرِكَانِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا يُخَالِفُ قَوْلَ الْوَاقِفَةِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ كَانَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ نَصِيبَ نَسَبٍ وَهُوَ جَمِيعُ الْوَقْفِ كُلِّهِ لِابْنِهَا أَحْمَدَ لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِعُمُومِ قَوْلِهَا: أَوْلَادِ أَوْلَادِ كَمَالِ الدِّينِ وَاقْتِضَائِهِ اسْتِحْقَاقِهِمْ فَحَمَلْنَا قَوْلَ النَّصِيبِ عَلَى النَّصِيبِ الذِّمِّيِّ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ لَوْ كَانَتْ هِيَ مُسَاوِيَةً لِقُضَاةِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا قُدِّمَتْ عَلَيْهَا لِعُلُوِّهَا فِي الدَّرَجَةِ، وَهَذَا الْوَصْفُ مَفْقُودٌ فِي ابْنهَا فَلَا يُقَدَّمُ عَلَيْهَا، فَإِنْ قُلْتَ هَذَا تَجَوُّزٌ فِي لَفْظِ النَّصِيبِ وَذَاكَ تَخْصِيصٌ وَالتَّخْصِيصُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَجَازِ قُلْتُ: لَنَا أَنْ نَقُولَ: النَّصِيبُ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ فَلَا مَجَازَ، وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ مَجَازٌ فَهُوَ هُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ إذَا قِيلَ بِهِ هُنَا يَكُونُ فِي مَجَالِ صُدُورِ الْوَقْفِ

وَتَفَاصِيلِهِ فَكَانَ وَاحِدٌ أَوْلَى وَأَيْضًا فَفَرْضُ الْوَاقِفِ يَقْتَضِي عُمُومَ الذُّرِّيَّةِ إذَا عُرِفَ هَذَا فَكَانَ الِاشْتِرَاكُ بَيْنَهُمَا لَا يَكُونُ بِالسَّوِيَّةِ بَلْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَيَكُونُ لِأَحْمَد الثُّلُثَانِ وَلِقُضَاةِ الثُّلُثُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ يُرَاعَى ذَلِكَ فِي نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ إذْ لَا يَنْتَقِلُ لِأَوْلَادِهِ خَاصَّةً مِثَالُهُ إذَا كَانَ ابْنٌ وَبِنْت فَإِنَّهُمَا يَسْتَحِقَّانِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. فَإِذَا مَاتَ الِابْنُ عَنْ بِنْت وَالْبِنْتُ عَنْ ابْنٍ انْتَقَلَ لِكُلِّ مِنْهُمَا مَا كَانَ لِأَبِيهِ كَامِلًا وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ نَصِيبَيْهِمَا وَيُقَالُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَتَرْجِيحُ أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّا إنَّمَا خَرَجْنَا عَنْ ظَاهِرِ لَفْظِ النَّصِيبِ إلَى أَصْل الشَّرِكَةِ لِأَجْلِ الْعُمُومِ، وَمِثْلُهُ لَا يَقْوَى هُنَا وَمَعَ هَذَا فَقُضَاةُ تُشَارِكُ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ إنَّمَا لَهُ نَصِيبُ أُمِّهِ وَأُمُّهُ لَا تُفَضَّلُ عَنْ قُضَاةَ فِي اسْتِحْقَاقِ النَّصِيبِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْوَالِدَةِ، وَإِنَّمَا تُفَضَّلُ عَلَيْهِمَا فِي التَّقَدُّمِ لِعُلُوِّ دَرَجَتهَا وَعَلَى هَذَا يَكُونُ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِمُشَارَكَةِ قُضَاةَ لِأَحْمَد وَمُنَاصَفَتهمَا صَحِيحًا ثُمَّ لَمَّا تُوُفِّيَتْ قُضَاةُ عَنْ ابْنَيْهَا اسْتَحَقَّا نِصْفَ الْوَقْفِ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّا إنْ عَمَّمْنَا قَوْلَهُ: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَهُمَا ذَكَرَانِ، وَإِنْ خَصَّصْنَا فَكُلُّ وَاحِدٍ يَأْخُذُ نَصِيبَ أُمِّهِ. وَحِينَئِذٍ الْإِقْرَارُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ إلَّا أَنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ إذَا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مُسْتَنَدٌ غَيْرَ مَا ذُكِرَ، فَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَا يُؤْخَذُ بِهِ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَالْأَقْرَبُ مَا ذُكِرَ وَالْحُكْمُ الَّذِي حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ لَا يَلْزَمُ حُكْمُهُمَا لِمَنْ بَعْدَهُمَا فَيَأْخُذُ وَلَدَا أَحْمَدَ مَا كَانَ لِأَبِيهِمَا وَيَأْخُذُ أَوْلَادُ أَمِينِ الدِّينِ مَا كَانَ لِأَبِيهِمْ، فَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ أُنْثَى مَعَ ذَكَرٍ كَانَتْ الْقِسْمَةُ ثَلَاثَةً فِي النِّصْفِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِمَا مِنْ أَبِيهِمَا خَاصَّةً لَا فِي الْجَمِيع عَلَى مَا رَجَّحْنَاهُ مِنْ أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ اهـ. كَلَامُ السُّبْكِيّ. وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْمُخَالَفَةِ لِمَا قَالَهُ مِنْ التَّسَاوِي فِي الَّذِي قَبْلَهُ لَكِنْ إذَا تَأَمَّلْت كُلًّا مِنْ الصُّورَتَيْنِ الْمَسْئُولِ عَنْهُمَا ظَهَرَ لَك أَنْ لَا مُخَالَفَةَ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ صُورَةَ السُّؤَالِ الَّذِي أَجَابَ عَنْهُ أَوَّلًا أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى أَرْبَعَةٍ سَمَّاهُمْ بَيْنهمْ بِالسَّوَاءِ أَرْبَاعًا ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ الذَّكَر وَالْأُنْثَى فِيهِ، سَوَاءٌ عَلَى أَنَّ مِنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ وَلَدٍ كَانَ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ هَذَا عَائِدًا عَلَى ثَلَاثَةٍ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ الَّتِي أَجَابَ فِيهَا بِالتَّسَاوِي فَجَوَابُهُ بِهِ حِينَئِذٍ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ ذَكَر فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى التَّسْوِيَةَ وَكَذَا فِي كُلِّ مَرْتَبَةٍ بَعْدَهَا بِقَوْلِهِ: الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ، سَوَاءٌ وَلَمْ يُخَصِّصْ هَذَا بِالتَّصْرِيحِ بِأَنَّ كُلَّ فَرْعٍ يَأْخُذُ جَمِيعَ نَصِيبِ أَصْلِهِ وَمَعَ هَذَا الَّذِي ذَكَره لَا سَبِيلَ إلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ كُلَّ أَوْلَادٍ يَأْخُذُونَ مَا كَانَ لِأَبِيهِمْ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ السُّبْكِيّ: إنَّ هَذَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَقَالَ: إنَّ التَّسَاوِي أَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ فَتَعَيَّنَ فَاتَّضَحَ حِينَئِذٍ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْمُنَاسِبَةِ لِصُورَتِنَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، وَصُورَةُ السُّؤَالِ الَّتِي أَجَابَ عَنْهَا ثَانِيًا أَنَّ الْوَاقِفَةَ جَعَلَتْ مَا فِي كُلِّ طَبَقَةٍ مَقْسُومًا بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَمَنْ تُوُفِّيَ عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ عَادَ مَا كَانَ لَهُ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ فَاقْتَضَى هَذَا الصَّنِيعُ أَنْ يَنْتَقِلَ لِكُلٍّ مِنْ الْفُرُوعِ مَا كَانَ لِأَصْلِهِ كَامِلًا ثُمَّ إنْ اتَّحَدَ الْفَرْعُ أَخَذَهُ، وَإِنْ تَعَدَّدَ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا أَخَذُوهُ بِالسَّوَاءِ أَوْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا أَخَذُوهُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَأَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ أَنْصِبَاءِ الْأُصُولِ ثُمَّ يُقْسَمُ عَلَى الْفُرُوعِ بِالسَّوِيَّةِ إنْ لَمْ يَخْتَلِفُوا وَإِلَّا فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا وَقَرِيبًا إلَى لَفْظِ الْوَاقِفَةِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَقْرَبُ لِتَصْرِيحِهِمَا بِأَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ يَنْتَقِلُ نَصِيبه إلَى وَلَدِهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي فَوْز الْفَرْعِ بِجَمِيعِ نَصِيب الْأَصْلِ فَمِنْ ثَمَّ اتَّجَهَ قَوْلُ السُّبْكِيّ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي إلَخْ لَكِنْ لَا مُطْلِقًا لَمَا يَأْتِي فَتَأَمَّلْ هَذَا الْجَمْعَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ وَخُذْ مِنْهُ قَاعِدَةً، وَهِيَ أَنَّهُ حَيْثُ دَلَّ صَرِيحُ كَلَام الْوَاقِفِ عَلَى اخْتِصَاصِ كُلِّ فَرْعٍ بِجَمِيعِ نَصِيبِ أَصْلِهِ اخْتَصَّ بِهِ وَلَمْ يُشَارِكهُ فِيهِ مَنْ هُوَ فِي دَرَجَته وَحَيْثُ لَمْ يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ كَانَ جَمِيعُ الْوَقْفِ مَقْسُومًا بِالسَّوِيَّةِ عَلَى أَهْلِ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مَثَلًا، سَوَاء أَكَانَ مَقْسُومًا عَلَى أَهْل الْأُولَى بِالسَّوِيَّةِ أَيْضًا أَمْ لَا وَلَا يُكْتَفَى فِي التَّفَاوُتِ بِالْمَفْهُومِ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى خُصُوصِ التَّفَاوُتِ، وَإِنْ دَلَّ عَلَى أَصْلِ

الِاسْتِحْقَاقِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ وَبِهَذَا يَزِيدُ لَك إيضَاحُ فُرْقَانِ مَا بَيْنَ صُورَتَيْ السُّبْكِيّ فَإِنَّ الْأَوْلَى لَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى التَّفَاوُت وَقَوْلُهُ: فِيهَا عَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْر وَلَدٍ كَانَ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ هَذَا عَائِدًا عَلَى الثَّلَاثَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ عَنْ وَلَدٍ يَكُونُ جَمِيعُ مَا كَانَ لَهُ لِأَوْلَادِهِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ فِي حَيَاةِ مَنْ فِي دَرَجَةِ الْمَيِّتِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ بَلْ عَلَى أَنَّ جَمِيعَهُ يَكُونُ لَهُ فِي حَيَاةِ ذَاكَ فَقَطْ، وَأَمَّا بَعْدَ مَمَاتِهِ فَهُوَ لَا يَأْخُذُ بِقَضِيَّةِ الْمَفْهُومِ بَلْ بِصَرِيحِ قَوْلِ الْوَاقِفِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ وَلَمْ يُفَاوِت الْوَاقِفُ فَعَمَلَ بِأَصْلِ التَّسَاوِي بِخِلَافِ قَوْلِهِ: فِي الثَّانِيَةِ مَنْ تُوُفِّيَ عَنْ نَسْلٍ عَادَ مَا كَانَ جَارِيًا عَلَيْهِ عَلَى نَسْلِهِ إلَخْ. فَإِنَّهُ يَقْتَضِي بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمَهُ السُّبْكِيّ أَنَّ ذَلِكَ جَارٍ فِي كُلِّ مَرْتَبَةٍ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ مَاتَ الْأَصْلُ فِي حَيَاةِ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ أَمْ لَا، وَإِذْ قَدْ بَانَ لَك وَاتَّضَحَ فُرْقَانه مَا بَيْنَ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ فَصُورَتنَا مُسَاوِيَةٌ لِلصُّورَةِ الْأُولَى وَصُورَةُ الرُّويَانِيُّ وَوَالِدِهِ لِلصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَحِينَئِذٍ فَاتَّضَحَ مَا قُلْنَاهُ فِي صُورَتنَا مِنْ التَّسَاوِي، وَمَا قَالَاهُ فِي صُورَتهمَا مِنْ عَدَمِهِ وَاتَّضَحَ أَيْضًا مَا قَالَهُ السُّبْكِيّ فِي الْأُولَى مُوَافِقٌ لِمَا قُلْنَاهُ فِي صُورَتنَا وَمَا قَالَهُ فِي الثَّانِيَة مُوَافِقٌ لَمَا قَالَاهُ وَبَعْدَ أَنْ تَمَهَّدَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ لَا يُخَالِفُ مَا قُلْنَاهُ وَلَا نَظَائِرَهُ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ وَلَفْظُ فَتَاوِيهِ وُقِفَ عَلَى عَائِشَةَ وَفَاطِمَةَ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمَا وَأَنْسَالِهِمَا بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ وَقَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ وَكُلُّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَأَعْقَبَ صُرِفَتْ حِصَّته مِنْ ذَلِكَ إلَى عَقِبه، وَإِلَّا فَلِمَنْ فِي دَرَجَته فَمَاتَتْ فَاطِمَةُ وَلَا نَسْلَ لَهَا وَانْحَصَرَ الْوَقْفُ فِي رَجُلٍ مِنْ نَسْلِ عَائِشَةَ هِيَ جَدَّةُ أُمِّهِ وَلَهُ أَوْلَادٌ مُحَمَّدٌ وَعَلِيٌّ وَعَائِشَةُ وَغَالِيَةُ فَمَاتَتْ عَائِشَةُ فِي حَيَاةِ أَبِيهَا وَخَلَّفَتْ وَلَدَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَبُوهَا عَنْ بَقِيَّةِ أَوْلَادِهِ الْمَذْكُورِينَ ثُمَّ مَاتَ الْأَوْلَادُ الْبَاقُونَ عَنْ أَوْلَادِهِمْ فَهَلْ يَنْتَقِلُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمْ نَصِيبُ أَبِيهِ أَمْ يُشَارِكُهُمْ وَلَدَا عَائِشَةَ الْمَيِّتَةِ فِي حَيَاةِ أَبِيهَا؛ لِأَنَّ الْكُلَّ الْيَوْمَ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ؟ قَالَ: لَا يُشَارِكهُمْ أَوْلَادُ عَائِشَةَ. وَوَجْهُ عَدَمِ مُخَالَفَته لِمَا قَالَهُ السُّبْكِيّ أَنَّهُ إنَّمَا تَعَرَّضَ لِعَدَمِ مُشَارَكَةِ وَلَدَيْ عَائِشَةَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّصْرِيحِ بِأَنَّ كُلًّا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ نَصِيبُ أَبِيهِ كَامِلًا أَوْ لَا نَعَمْ كَلَامُهُ قَدْ يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَهُوَ لَيْسَ مُخَالِفًا لِمَا مَرَّ فَإِنَّ صُورَةَ مَسْأَلَته مُسَاوِيَةٌ لِصُورَةِ السُّبْكِيّ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى وَدُونَ صُورَتنَا؛ لِأَنَّ صُورَته هَذِهِ نَصَّ الْوَاقِفُ فِيهَا فِي سَائِرِ الْبُطُونِ عَلَى أَنَّ كُلَّ فَرْعٍ يَأْخُذُ حِصَّةَ أَصْلِهِ بِقَوْلِهِ: وَكُلُّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَأَعْقَبَ صُرِفَتْ حِصَّته مِنْ ذَلِكَ إلَى عَقِبه، وَإِلَّا فَمَنْ فِي دَرَجَته فَإِذَا وُجِدَ الْعَقِب كَانَ النَّصِيبُ مَصْرُوفًا إلَيْهِ بِنَصِّ الْوَاقِفِ فَلَا يَنْقُصُ عَنْهُ أَيْ: لَا بِقَيْدِهِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ كَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ الْآتِي، وَأَمَّا مَسْأَلَتنَا فَالْوَاقِفُ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهَا بِنَظِيرِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا خَصَّ ذَلِكَ بِالطَّبَقَةِ الْأُولَى فَقَطْ فَإِنَّهُ وَقَفَ عَلَى بِنْتَيْهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمَا إلَخْ ثُمَّ شَرَطَ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا أَيْ: مِنْ بِنْتَيْهِ أَيْ: عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ كَانَتْ حِصَّته لِمَنْ فِي دَرَجَته، فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: مِنْهُمَا يَخُصُّ هَذَا الشَّرْطَ بِهِمَا دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ سَائِرِ الطَّبَقَات فَإِذَا مَاتَتْ إحْدَاهُمَا عَنْ وَلَدٍ أَخَذَ حِصَّتهَا عَمَلًا بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ كَمَا مَرَّ فَإِذَا تُوُفِّيَتْ الْأُخْرَى عَنْ أَوْلَادٍ بَطَل ذَلِكَ الشَّرْطُ وَلَمْ يَصِرْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ يَأْخُذُ بِهِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا يَأْخُذُونَ بِقَضِيَّةِ قَوْلِهِ: ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ فَلَيْسَتْ مَسْأَلَتُنَا نَظِيرَةَ مَسْأَلَةِ الْبَغَوِيِّ هَذِهِ لِلْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْنَهُمَا كَمَا تَقَرَّرَ وَكَذَلِكَ مَسْأَلَته الْأُولَى فَإِنَّهَا لَيْسَتْ نَظِيرَتهَا فِي جَوَابِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ مُقْتَضَى هَذَا الْوَقْفِ أَنَّ قُضَاةَ تُشَارِكُ أَحْمَدَ إلَخْ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ صُورَتَيْهِمَا مُتَّحِدَتَانِ فِي سَائِرِ الْأَوْصَافِ مِنْ الْعَطْفِ بِثُمَّ، وَشَرَطَ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ. وَإِلَّا فَلِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَفِي أَنَّ قُضَاةَ تُوُفِّيَتْ أُمُّهَا قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا بَلْ قَبْلَ صُدُورِ الْوَقْفِ وَوَلَدَيْ عَائِشَةَ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُمَا قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِمَا أَيْضًا فَإِفْتَاءُ الْبَغَوِيِّ بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِمَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ قُضَاةَ إذْ لَا سَبَبَ؛ لِإِفْتَائِهِ بِذَلِكَ إلَّا أَنَّ أُمَّهُمَا تُوُفِّيَتْ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِمَا، وَهَذَا مَوْجُودٌ بِعَيْنِهِ فِي أُمِّ قُضَاةَ فَلَا تَسْتَحِقُّ لِمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ بَلْ أَوْلَى وَعَلَيْهِ فَمَا وَجَّهَ بِهِ السُّبْكِيّ اسْتِحْقَاقِهِمَا مِنْ عُمُومِ قَوْلِ الْوَاقِفَةِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ إلَخْ مَا قَدَّمْتُهُ عَنْهُ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ حَمْلَ قَوْلِهِ: النَّصِيب عَلَى مَا ذَكَره حِينَئِذٍ بَلْ هُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ

وَبِهِ يُخَصُّ الْعُمُومُ الَّذِي ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ خَيْرٌ مِنْ الْمَجَازِ وَإِنْ تَعَدَّدَ دُونَ الْمَجَازِ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الْأُصُولِيِّينَ فَانْدَفَعَ قَوْلُهُ:، وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ مَجَازٌ فَهُوَ هُنَا أَوْلَى إلَخْ وَقَوْلُهُ: لَنَا أَنْ نَقُولَ: النَّصِيب قَدْر يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ النَّصِيبَ لَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ إلَّا الْمَوْجُودُ حَقِيقَةً دُونَ الْمَعْدُومِ حَقِيقَةً الْمَوْجُودِ تَقْدِيرًا وَالتَّبَادُرُ عَلَامَةُ الْحَقِيقَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَقَوْلُهُ: وَغَرَضُ الْوَاقِفِ يَقْتَضِي عُمُومَ الذُّرِّيَّةِ يُقَالُ: عَلَيْهِ مَحَلُّهُ مَا لَمْ يُعَارِضْهُ تَصْرِيحُهُ بِخِلَافِهِ وَهُوَ هُنَا قَدْ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ كَمَا تَقَرَّرَ وَقَدْ وَقَعَ لِلسُّبْكِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَتَاوِيهِ مَوَاضِعُ قَرِيبَةٌ أَوْ مُسَاوِيَةٌ لِمَا قَالَهُ هُنَا فِي النَّصِيبِ وَمَا تَفَرَّعَ عَلَيْهِ فَإِيَّاكَ أَنْ تَغْتَرَّ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَتَأَمَّلَهُ مَعَ كَلَام الْبَغَوِيِّ هَذَا فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي رَدِّ جَمِيعِ مَا قَالَهُ السُّبْكِيّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَنَظَائِرِهَا وَبِالضَّرُورَةِ إذَا تَعَارَضَ إفْتَاءُ السُّبْكِيّ وَالْبَغَوِيِّ فَالْأَصْلُ وَالْغَالِبُ تَقْدِيمُ إفْتَاءِ الْبَغَوِيِّ إلَّا لِمَانِعِ. ثُمَّ رَأَيْتُ الْبُلْقِينِيُّ أَشَارَ فِي فَتَاوِيهِ إلَى جَمِيعِ مَا قَدَّمْته عَقِبَ كَلَام الرُّويَانِيِّ وَوَالِدِهِ وَإِلَى مَا ذَكَرْته عَقِبَ جَوَابَيْ السُّبْكِيّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِهِمَا عَلَى مَا مَرَّ وَإِلَى مَا ذَكَرْته عَقِبَ إفْتَاءِ الْبَغَوِيِّ مِنْ عَدَمِ مُخَالَفَتِهِ لِمَا ذَكَرْته فِي صُورَتِنَا وَلِمَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيّ فِي صُورَتِهِ الْأُولَى، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ الثَّلَاثَةِ، وَعَلَى مَنْ سَيُولَدُ لَهُ ذُكُورًا وَإِنَاثًا بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمْ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ، وَإِنْ سَفَلُوا تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا السُّفْلَى، وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لَهُ، وَإِلَّا فَلِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ ثُمَّ حَدَثَ لَهُ وَلَدَانِ فَقَسَمَ الرِّيعَ بَيْنَ الْخَمْسَةِ سَوَاءً، ثُمَّ مَاتَ الذَّكَرَانِ الْأَوَّلَانِ عَنْ أَوْلَادٍ فَحَازُوا نَصِيبَهُمْ ثُمَّ تُوُفِّيَ الْأَخِيرَانِ عَنْ غَيْرِ أَوْلَادٍ فَحَازَتْ أُخْتُهُمَا نَصِيبَهَا إذْ هِيَ فِي دَرَجَتِهِمَا ثُمَّ تُوُفِّيَتْ عَنْ وَلَدٍ وَعَنْ ثَلَاثَةِ أَخْمَاسٍ مِنْ الْوَقْفِ فَأَرَادَ وَلَدُهَا حَوْزَ ذَلِكَ فَإِنَّ وَالِدَتَهُ كَانَتْ تَأْخُذُهُ فَقَالَ: أَوْلَادُ خَالَتِهِ لَيْسَ لَك إلَّا مَا كَانَتْ تَأْخُذُهُ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَهُوَ الْخُمُسُ، وَالْبَاقِي بَيْنَنَا فَمَا الْحُكْمُ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: لَا يُعْمَلُ بِمَا قَصَدَهُ وَلَدُ الْمَرْأَةِ وَلَا بِمَا قَصَدَهُ أَوْلَادُ خَالَتِهِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يُعْمَلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْغَلَّةَ تُقْسَمُ عَلَى جَمِيعِ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ بَيْنهمْ بِالسَّوِيَّةِ عَمَلًا بِقَوْلِ الْوَاقِفِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ عَلَى أَوْلَادِهِمْ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ فَذَاكَ عِنْدَ وُجُودِ مَنْ يُسَاوِي الْمَيِّتَ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ قَوْلَهُ: الطَّبَقَةَ الْعُلْيَا تَحْجُبُ الطَّبَقَةَ السُّفْلَى إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَجْبِ الْأَصْلِ لِفَرْعِهِ، وَأَنَّ التَّرْتِيبَ الَّذِي ذَكَرَهُ بِثُمَّ تَرْتِيبُ أَفْرَادٍ لَا تَرْتِيبُ جُمْلَةٍ. فَإِذَا مَاتَ الْأَخِيرُ مِنْ طَبَقَتِهِ أَيِّ طَبَقَةٍ كَانَتْ لَمْ تَخْتَصَّ وَلَدَهُ بِنَصِيبِهِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْغَلَّةُ لِلطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى حَسَبِ مَا شَرَطَ الْوَاقِفُ مِنْ تَفْضِيلٍ وَتَسْوِيَةٍ وَصَارَ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ، وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ دُونَ مَنْ هُوَ فِي طَبَقَةِ أَبِيهِ حَتَّى لَا يُحْرَمَ الْوَلَدُ فِي حَيَاةِ مَنْ يُسَاوِي أَصْلَهُ، وَقَدْ زَالَ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوْتِ الْأَخِيرِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَقَدْ وَقَعَتْ قَدِيمًا فَأَفْتَيْتُ بِهَذَا فِيهَا وَوَافَقَ عَلَيْهَا أَكَابِرُ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ثُمَّ وَجَدْتُ التَّصْرِيحَ بِهَا فِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ وَفِيهِ الْجَزْمُ بِمَا أَفْتَيْتُ بِهِ اهـ كَلَامُ الْبُلْقِينِيُّ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ الْخَمْسَةِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادهمْ تَحْجُب الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا السُّفْلَى عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ، وَلَهُ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ فَلِإِخْوَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إخْوَة فَلِبَنِي إخْوَته فَتُوُفِّيَ أَحَدُ الْخَمْسَةِ عَنْ بَنِينَ أَرْبَعَةٍ ثُمَّ الثَّانِي عَنْ ثَلَاثَةٍ ثُمَّ الثَّالِثُ عَنْ ابْنَيْنِ ثُمَّ الرَّابِعُ عَنْ وَاحِدٍ فَصَارَ كُلُّ مَنْ تُوُفِّيَ لَهُ أَبٌ يَتَنَاوَلُ حِصَّةَ أَبِيهِ وَيَقْسِمُ بَنُو الْأَوَّلِ نَصِيبَهُ بَيْنهمْ أَرْبَاعًا وَبَنُو الثَّانِي أَثْلَاثًا وَبَنُو الثَّالِثِ أَنْصَافًا وَيَخْتَصُّ ابْنُ الرَّابِعِ بِحِصَّةِ أَبِيهِ ثُمَّ مَاتَ الْخَامِسُ عَنْ غَيْر وَلَدٍ فَهَلْ تَدُومُ تِلْكَ الْقِسْمَةُ مَعَ قِسْمَةِ حِصَّةِ الْخَامِسِ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ أَمْ يُقْسَمُ رِيعُ الْوَقْفِ كُلِّهِ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: إذَا مَاتَ الْخَامِسُ صَارَ أَوْلَادُ الْبَنِينَ كُلُّهُمْ طَبَقَةً وَاحِدَةً وَهُمْ عَشَرَةٌ فَيَسْتَحِقُّونَ رِيعَ الْوَقْفِ أَعْشَارًا بِالسَّوِيَّةِ بَيْنهمْ عَمَلًا بِقَوْلِ الْوَاقِفِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ فَإِنَّهُ خُصِّصَ بِهِ حَجْبُ الطَّبَقَةِ الْعُلْيَا لِلسُّفْلَى فَيُعْمَلُ بِهِ مَا دَامَ أَحَدٌ مِنْ الطَّبَقَةِ الْعُلْيَا مَوْجُودًا، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ

أَحَدٌ مِنْ الْعُلْيَا فَقَدْ حَصَلَ الِاسْتِوَاءُ فَتَعَيَّنَ الْقِسْمَةُ بَيْنهمْ عَلَى السَّوَاءِ عَمَلًا بِمَا تَقَدَّمَ وَمِمَّنْ أَفْتَى بِذَلِكَ السِّرَاجُ الْبُلْقِينِيُّ اهـ. فَإِنْ قُلْتَ فِي كَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ بَعْضُ مُخَالَفَةٍ لِمَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيّ فِي جَوَابِهِ الثَّانِي فَمَا الْمُعْتَمَدُ مِنْهُمَا؟ قُلْتُ: الْأَوْجَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ مُجَرَّد قَوْلِ الْوَاقِفِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ، فَنَصِيبُهُ لَوَلَدِهِ، وَإِلَّا فَلِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ لَا يَقْتَضِي عُمُومَ جَرَيَانِ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَرْتَبَةٍ حَتَّى يَأْخُذَ الْفَرْعُ نَصِيبَ أَصْلِهِ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَفُوزُ بِهِ حَيْثُ كَانَ فِي دَرَجَةِ أَصْلِهِ لِمَا قَرَّرَهُ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ أَنَّ مَحَلَّ الْعَمَلِ بِهَذَا الشَّرْطِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ وُجُودِ مَنْ يُسَاوِي الْمَيِّتَ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّ الْحَجْبَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ ثُمَّ فِي مَسْأَلَةِ السُّبْكِيّ وَمِنْهَا، وَمَنْ تَحْجُبُ الْعُلْيَا السُّفْلَى فِي مَسْأَلَةِ الْبُلْقِينِيُّ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَجْبِ الْأَصْلِ لِفَرْعِهِ، وَإِنَّ التَّرْتِيبَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ ذَلِكَ تَرْتِيبُ أَفْرَادٍ لَا تَرْتِيبُ جُمْلَةٍ فَإِذَا مَاتَ الْأَخِيرُ مِنْ طَبَقَةِ أَيِّ طَبَقَةٍ كَانَتْ لَمْ تَخْتَصَّ وَلَدَهُ بِنَصِيبِهِ. وَإِنَّمَا تَكُونُ الْغَلَّةُ لِلطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى حَسْبِ مَا شَرَطَ الْوَاقِفُ مِنْ تَفْضِيلٍ وَتَسْوِيَةٍ وَحِينَئِذٍ فَمَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيّ فِي جَوَابِهِ الثَّانِي ظَاهِرٌ إلَّا بِالنِّسْبَةِ لِأَوْلَادِ أَمِينِ الدِّين فَإِنَّهُ إذَا مَاتَ لَا تَأْخُذُ أَوْلَادُهُ نَصِيبَهُ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ أَنَّهُ مَاتَ آخِرًا بَلْ يَشْتَرِكُونَ هُمْ وَأَوْلَادُ أَحْمَدَ فِيمَا كَانَ بِيَدِهِمَا عَلَى حَسْبِ رُءُوسِهِمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ؛ لِأَنَّهُمْ الْآن لَا يَأْخُذُونَ بِهَذَا الشَّرْطِ بَلْ بِقَوْلِهِ: مَا ثُمَّ أَوْلَاد أَوْلَادِهِمْ كَذَلِكَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَمْ يُؤْتَ بِهِ إلَّا لِتَخْصِيصِ الْحَجْبِ الْمَذْكُورِ. (خَاتِمَة) مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ كَلَامِ الْبَغَوِيِّ يَرُدُّ كَلَامَ السُّبْكِيّ وَمَا وَجَّهْتُ بِهِ كَلَامَ الْبَغَوِيِّ بِقَوْلِي نَعَمْ فِي قَوْلِ الْبَغَوِيِّ لَا يُشَارِكهُمْ أَوْلَادُ عَائِشَةَ رَدَّ قَوْلَ السُّبْكِيّ إلَخْ رَأَيْتُ شَيْخنَا شَيْخَ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ عَهْدَهُ قَدْ سَبَقَنِي إلَيْهِ فِي فَتَاوِيهِ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى ابْنَتِهِ سَارَةَ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهَا ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهَا بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ رَجَعَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ وَلَدٍ كَانَ لِمَنْ فِي طَبَقَتِهِ عَلَى حُكْمِ الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ، ثُمَّ إنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهَا رُزِقَتْ ثَلَاثَ بَنَاتٍ وَابْنًا ثُمَّ مَاتَ فِي حَيَاةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا بِنْتَانِ وَتَرَكَتَا أَوْلَادًا ثُمَّ مَاتَتْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهَا وَتَرَكَتْ ابْنًا وَبِنْتًا ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ وَالْبِنْتُ وَتَرَكَا أَوْلَادًا فَهَلْ يَشْتَرِك أَوْلَادُ الْبِنْتَيْنِ اللَّتَيْنِ مَاتَتَا فِي حَيَاةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا مَعَ أَوْلَادِ الِابْنِ وَالْبِنْتِ الَّذِينَ عَاشَا بَعْدَهَا؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُمْ لَا يُشَارِكُونَهُمْ عَمَلًا بِقَوْلِ الْوَاقِفِ عَلَى أَنَّ مِنْ مَاتَ مِنْهُمْ رَجَعَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ فَإِنَّهُ مُقَيِّدٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ غَرَضُ الْوَاقِفِ غَالِبًا أَنْ لَا يَحْرِمَ أَحَدًا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إذْ لَا يُعْمَلُ بِغَرَضِهِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِصَرِيحِ شَرْطِهِ، وَقَدْ رُفِعَ إلَيَّ هَذَا السُّؤَالُ مَرَّةً أُخْرَى فَكَتَبْتُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَقِيلَ: قَدْ أَفْتَيْتَ مَرَّةً بِالتَّشْرِيكِ وِفَاقًا لِجَمَاعَةٍ فَقُلْتُ: إنْ كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ وَقَعَ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ صَادِقٍ وَبِمَا أَفْتَيْتُ بِهِ مِنْ عَدَمِ التَّشْرِيكِ أَفْتَى بِهِ جَمْعٌ مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ وَالشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ وَالشَّيْخُ كَمَالُ سَلَّارٍ شَيْخُ النَّوَوِيِّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمَا السُّبْكِيّ لَكِنَّهُ أَعْنِي السُّبْكِيّ وَقَعَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ أَنَّهُمْ أَفْتَوْا فِي نَظِيرِ ذَلِكَ بِالتَّشْرِيكِ تَبَعًا لِلْخَصَّافِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا لَا يَشْفِي الْغَلِيلَ ثُمَّ قَالَ: أَعْنِي السُّبْكِيّ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ وَلَا أَشْتَهِي أَحَدًا مِنْ الْفُقَهَاءِ يُقَلِّدنِي فِيهِ، بَلْ يَنْظُرُ لِنَفْسِهِ فَإِنَّ هَذَا نِهَايَةُ مَا وَصَلَ إلَيْهِ نَظَرِي اهـ. كَلَامُ الشَّيْخِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرَتْهُ عَقِبَ كَلَامِ السُّبْكِيّ مِمَّا مَرَّ بَسْطُهُ فَرَاجِعْهُ وَاعْتَنِ بِهِ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَيَحْتَاجُ إلَيْهِ كَثِيرٌ وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ كَلَام الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ قَوْلَ الْوَاقِفِ فِي مَسْأَلَتِنَا عَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمَا عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ يَكُونُ عَامًّا فِي الْأَخْذِ بِمَفْهُومِهِ فِي سَائِرِ الطَّبَقَاتِ، وَوَجْهُ تَوَهُّمِ ذَلِكَ يُعْلَمُ بِسِيَاقِ كَلَامِهِ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ جَعَلَ نَظَرَ وَقْفٍ لِابْنِهِ خِضْرٍ ثُمَّ لِإِخْوَتِهِ ثُمَّ لِأَوْلَادِ ابْنه خِضْرٍ الذُّكُورِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ ثُمَّ تُوُفِّيَ خِضْرٌ وَأَوْلَادُهُ وَأَوْلَادُ الْوَاقِفِ وَبَقِيَ ابْنُ بِنْتِ خِضْرٍ وَبِنْتُ ابْنِ خِضْرٍ هَلْ تَدْخُلُ الْبِنْتُ وَتُشَارِكُ أَوْ لَا تَدْخُلُ عَمَلًا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ؟ الْمَذْكُورِ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: لَا تَدْخُلُ الْبِنْتُ فِي ذَلِكَ عَمَلًا بِقَوْلِهِ الذُّكُورُ، وَهَذَا الشَّرْطُ مُسْتَمِرٌّ فِي كُلِّ بَطْنٍ وَقَدْ جَاءَ فِي كِتَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وَمَا جُعِلَ فِي الْأَوَّلِ يَجْرِي فِيمَا بَعْدَهُ اهـ. ، وَهَذَا التَّوَهُّمُ غَيْرُ

صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ مَلْحَظَ الْبُلْقِينِيُّ فِي الرُّجُوعِ قَوْلُهُ: الذُّكُورُ لِمَا بَعْدَهُ أَنَّهُ وَصْفٌ مُتَوَسِّطٌ أَوْ مُقَدَّمٌ وَهُوَ بِقِسْمَيْهِ يَرْجِعُ إلَى جَمِيعِ مَا بَعْدَهُ لِصَلَاحِيَّتِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: فِي مَسْأَلَتِنَا عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُجُوعُهُ لِمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لَهُ فَإِنَّ الضَّمِيرَ، وَإِنْ كَانَ كَالصِّفَةِ فِي عَوْدِهِ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْقَفَّالُ إلَّا أَنَّ مَحَلّ ذَلِكَ فِي ضَمِيرٍ يَصْلُحُ لَلْعَوْدِ لِلْجَمِيعِ أَمَّا مَا لَا يَصْلُحُ لِلْجَمِيعِ فَلَا يَعُودُ إلَّا لِمَا يَصْلُحُ لَهُ فَقَطْ وَهُوَ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلْبِنْتَيْنِ فَلَا يُعْمَلُ بِهِ فِي غَيْرِهِمَا فَاتَّضَحَ فُرْقَانُ مَا بَيْنَ صُورَةِ الْبُلْقِينِيُّ فِي فَتَاوِيهِ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ وَقَفَتْ عَلَى نَفْسِهَا ثُمَّ مَنْ سَيَحْدُثُ لَهَا مِنْ الْأَوْلَادِ وَعَلَى وَالِدَتِهَا حَلِيمَةَ وَعَلَى زَوْجِهَا أَحْمَدَ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنهمْ ثُمَّ بَعْدَ وَفَاتِهِمْ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنهمْ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ تَحْجُبُ الطَّبَقَة الْعُلْيَا السُّفْلَى عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ الْوَاقِفَةُ عَنْ بِنْتهَا كَرْكَ وَزَوْجِهَا أَحْمَدَ وَوَالِدَتِهَا ثُمَّ وَالِدَتُهَا عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ ثُمَّ أَحْمَدُ عَنْ بِنْتِهِ كَرْكَ مِنْهَا وَعَنْ وَلَدِهِ عَبْدِ الْوَهَّابِ مِنْ غَيْرِهَا فَهَلْ تَسْتَحِقُّ كَرْكُ نَصِيبَ وَالِدِهَا فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: نَعَمْ تَسْتَحِقُّ كَرْكُ نَصِيبَ وَالِدِهَا أَحْمَدَ وَلَا شَيْءَ لِعَبْدِ الْوَهَّابِ وَلَدِهِ لِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْوَقْفِ فَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْوَقْفِ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَقَضِيَّةُ مَا مَرَّ عَنْ الْقَفَّالِ مِنْ أَنَّ الضَّمِيرَ يَرْجِعُ لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُ اسْتِحْقَاقُهُ فَإِنَّ قَوْلَهُ عَلَى أَوْلَادِهِمْ يَرْجِعُ لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُ وَمِنْهُمْ أَحْمَدُ وَكَذَا قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ إلَخْ يَرْجِعُ لِأَحْمَدَ أَيْضًا، وَإِذَا رَجَعَ إلَيْهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَوْلَادِهِ مِنْ الْوَاقِفَةِ وَغَيْرِهَا إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى التَّخْصِيصِ بِأَوْلَادِهِ مِنْهَا بَلْ قَوْلُهُ: مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ إلَخْ صَرِيحٌ فِي الشُّمُولِ وَالْعُمُومِ عَلَى أَنَّ لَنَا قَوْلًا ضَعِيفًا أَنَّ الضَّمِيرَ لَا يَرْجِعُ إلَّا إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ وَهُوَ هُنَا أَحْمَدُ فَدُخُولُ أَوْلَادِهِ مُطْلَقًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يَسُوغُ حِرْمَانُ بَعْضِهِمْ؟ فَالْوَجْهُ خِلَافُ مَا قَالَهُ وَقَدْ خَالَفَ الْبُلْقِينِيُّ فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ وَعَقَدُوا لَهُ فِيهَا مَجَالِسَ، لَكِنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ لَهُمْ وَلَعَلَّهُ لِشَيْءٍ ظَهَرَ لَهُ لَكِنَّ الْحَقَّ خِلَافُ مَا قَالَهُ، وَإِنْ جَلَّتْ مَرْتَبَتُهُ، وَهَذَا آخِرُ مَا تَيَسَّرَ لِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتَوَابِعِهَا مَعَ تَضَعْضُعِ الْحَالِ وَقِصَرِ الْبَاعِ عِنْدَ الْوُقُوعِ فِي الْمَهَامِهِ وَالْمَضَايِقِ وَسُوءِ الِاقْتِرَافِ مِنْ النَّقَائِضِ وَالْبَوَائِقِ أَتَوَسَّلُ إلَى اللَّهِ وَجَوْدِهِ وَعَفْوِهِ وَرِضَاهُ وَلُطْفِهِ وَمَزِيدِهِ بِمِنْ لَا يَخِيبُ الْمُتَوَسِّلُونَ بِجَنَابِهِ وَلَا يَنْقَطِعُ الْمُؤَمِّلُونَ عَنْ الْعُلُوقِ فِي رِحَابِهِ أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَوَسِيلَةِ الرُّسُلِ وَالْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشُرِّفَ وَكُرِّمَ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَتَابِعِهِمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ رَجُلٍ قَرَّرَهُ نَاظِرٌ شَرْعِيٌّ فِي وَظِيفَةِ قِرَاءَةِ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ بِالْحَرَمِ الشَّرِيفِ النَّبَوِيِّ عَلَى الْحَالِّ بِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ بِمَعْلُومٍ قَدْرُهُ لِكُلِّ سَنَةٍ أُجْرَةُ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ دَارٍ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ ثُمَّ تَوَلَّى الْوَقْفَ نَاظِرٌ غَيْرُ الْأَوَّلِ فَهَلْ لَهُ عَزْلُ الشَّخْصِ الْمُقَرَّرِ الْمَذْكُورِ بِغَيْرِ جُنْحَةٍ مَعَ أَهْلِيَّتِهِ وَمُبَاشَرَتِهِ لِمَا قُرِّرَ فِيهِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ إذَا قُرِّرَ غَيْرُهُ وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ يَصِحُّ تَقْرِيرُهُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) لَيْسَ لِلنَّاظِرِ عَزْلُ الْمُقَرَّرِ الْمَذْكُورِ إلَّا بِمُسَوِّغٍ وَلَا يُكْتَفَى بِقَوْلِهِ: عَزَلْتُهُ بِمُسَوِّغٍ فَاقْتَضَى عَزْلَهُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ الْمُسَوِّغِ حَتَّى يُنْظَرَ فِيهِ هَلْ هُوَ مِمَّا يَقْتَضِي ذَلِكَ أَوْ لَا؟ وَإِذَا عَزَلَهُ وَقَرَّرَ غَيْرَهُ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ مَا ذُكِرَ لَمْ يَنْفُذْ عَزْلُهُ بَلْ رُبَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِانْعِزَالِهِ عَنْ النَّظَرِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَوْ وَقَفَ أَرْضًا أَوْ أَوْصَى بِهَا عَلَى مَنْ يُؤَذِّنُ أَوْ يُعَلِّمُ الصِّبْيَانَ بِبَلَدِ كَذَا فَهَلْ يَصِحُّ الْوَقْفُ وَالْوَصِيَّةُ أَمْ يَصِحُّ الْوَقْفُ دُونَ الْوَصِيَّةِ؟ . كَمَا نُقِلَ عَنْ الْأَصْبَحِيِّ قَالَ: لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ مَجْهُولٍ لَا آخِرَ لَهُ وَنَصَّ غَيْرُهُ عَلَى الصِّحَّةِ فِي الصُّورَتَيْنِ فَمَا الْمُعْتَمَدُ فِي الْفَتْوَى، وَحَيْثُ قِيلَ بِالصِّحَّةِ فَهَلْ إذَا أَقَامَ النَّاظِرُ مَنْ يُؤَذِّنُ أَوْ يُعَلِّمُ يَكُونُ لِلْمَوْقُوفِ وَالْمُوصَى بِهِ حُكْمُ الْمَوْقُوفِ عَلَى مُعَيَّنٍ حَتَّى يَلْزَمَ الْمُؤَذِّنَ وَالْمُعَلِّمَ زَكَاتُهُ إنْ بَلَغَ نِصَابًا وَصَلُحَ فِي مُلْكِهِ أَوْ يَكُونُ كَالْمَوْقُوفِ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ صِحَّةُ الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ فِي الصُّورَةِ

الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ وَمَا أَشْبَهَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَقْفٌ أَوْ إيصَاءٌ لِمُتَّصِفٍ بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ وَتَعَلُّقِ كُلٍّ مِنْ الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ بِالصِّفَاتِ الْمَعْلُومَةِ صَحِيحٌ قَطْعًا ثُمَّ إنْ عَيَّنَ الْمُوصِي الْمُؤَذِّنَ أَوْ الْمُعَلِّمَ وَجَبَ قَبُولُهُ، وَإِلَّا فَلَا وَمَا نُقِلَ عَنْ الْأَصْبَحِيِّ فَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ فِي نَظِيرِ الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ وَعِبَارَته إذَا أَوْصَى أَنْ يُوقَفَ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ فَهَذَا يَنْصَرِفُ إلَى الْغَلَّةِ لَا غَيْرَ وَيَحْكُمُ الْعُرْفُ فِي غَلَّةِ كُلِّ سَنَةٍ بِسَنَتِهَا فَمَنْ قَرَأَ جُزْءًا اسْتَحَقَّ بِقِسْطِهِ وَمَنْ قَرَأَ أَكْثَر كَذَلِكَ، وَإِنْ قَرَأَ الْجَمِيعَ اسْتَحَقَّ غَلَّةَ ذَلِكَ الْعَامِ، وَإِنْ كَانَ وَصِيَّتُهُ بِالْأَرْضِ غَيْرَ وَقْفٍ، فَإِنْ عَيَّنَ مُدَّةَ الْقِرَاءَةِ فِي كُلِّ يَوْمٍ جُزْءًا إلَى مُدَّةِ كَذَا وَكَذَا فَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَيْنَ الْمُوصَى بِهَا إلًّا مَنْ قَرَأَ تِلْكَ الْمُدَّةَ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّن الْمُدَّةَ وَقَعَتْ الْمُدَّةُ مَجْهُولَةً إذْ لَا آخِرَ لِذَلِكَ، وَالِاسْتِحْقَاقُ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ مَجْهُولٍ لَا آخِرَ لَهُ فَيُشْبِه مَسْأَلَةَ الدِّينَارِ وَفِيهَا إشْكَالٌ حَتَّى قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي آخِرِ تَفْرِيعَاتِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا يُهْتَدَى إلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ وَقْفًا فَهُوَ أَقْرَبُ أَوْ وَصِيَّةً مُدَّةً مُعِينَةً فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ وَصِيَّةً إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ فَمُشْكِلٌ وَالْمَسْأَلَةُ مَنْصُوصَةٌ فِي الْغَرَائِبِ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُ مَقْبُولٌ وَبَعْضُهُ مَرْدُودٌ فَلْنُبَيِّنْهُ، وَإِنْ اسْتَدْعَى بَسْطًا فَنَقُولُ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَيَحْكُمُ الْعُرْفُ إلَخْ فَفِيهِ إجْمَالٌ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ فِيهِ أَنْ يُقَالَ: إذَا أَوْصَى أَنْ تُوقَفَ أَرْضٌ مَثَلًا عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ الْمُقَرَّرِ وَلَا وَقْتَهُ، فَهَذَا أَمْرٌ مُطْلَقٌ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ فَإِذَا اطَّرَدَ الْعُرْفُ فِي زَمَنِ الْوَقْفِ فِي زَمَنِ حَالِ الْوَقْفِ بِشَيْءٍ وَجَبَ تَنْزِيلُ وَقْفِهِ الْمُطْلَقِ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ فِي نَظَائِرِ ذَلِكَ، وَإِذَا نَزَلَ الْوَقْفُ عَلَى الْعُرْفِ الْمَذْكُورِ فَمَنْ وَفَّى بِجَمِيعِ مَا اقْتَضَاهُ الْعُرْفُ اسْتَحَقَّ كُلَّ الْمَعْلُومِ، وَمَنْ أَخَلَّ بِبَعْضِهِ نَقَصَ مِنْ مَعْلُومِهِ مَا أَخَلَّ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ عُرْفٌ كَذَلِكَ فَمَا الَّذِي يَنْزِلُ عَلَيْهِ هَذَا الْوَقْفُ لِلنَّظَرِ فِيهِ مَجَالٌ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِأَصْلِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ فَلَا يَضُرُّ إخْلَالُهُ بِهَا فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ وَعِبَارَتُهُ وَأَمَّا مَنْ أَخَلَّ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ دُونَ بَعْضٍ فَيُنْظَرُ فِي كَيْفِيَّةِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ الشَّرْطِ الَّذِي أَخَلَّ بِهِ وَمُسْتَنَدِهِ، فَإِنْ كَانَ مُقْتَضِيًا اشْتِرَاطَهُ فِي الزَّمَانِ الَّذِي يَتْرُكُهُ فِيهِ وَيَتَقَيَّدُ الِاسْتِحْقَاقُ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ بِالْقِيَامِ بِهِ فِيهَا فَيَسْقُطُ اسْتِحْقَاقُهُ فِيهَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَضَاهُ وَكَانَ مَشْرُوطًا عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونُ تَرْكُهُ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ إخْلَالًا بِمَا هُوَ الْمَشْرُوطُ مِنْهُ فَلَا يَسْقُطُ حِينَئِذٍ اسْتِحْقَاقُهُ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ إخْلَالُ الْمُتَّفِقَةِ بِالِاشْتِغَالِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ حَيْثُ لَا يَكُونُ الْوَاقِفُ نَصَّ عَلَى اشْتِرَاطِ وُجُودِهِ كُلَّ يَوْمٍ فَإِنَّ مَا هُوَ الْمُسْتَنَدُ فِي اشْتِرَاطٍ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَهُ عَلَى الْجُمْلَةِ لَا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَيَلْتَحِقُ بِهَذَا الْإِخْلَالِ بِحُضُورِ الدَّرْسِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونُ خَارِجًا عَنْ الْمُتَعَارَفِ حَيْثُ لَمْ يَنُصَّ عَلَى اشْتِرَاطِهِ كُلَّ يَوْمٍ وَمِنْ الْقَبِيلِ الْأَوَّلِ مَا ذَكَرَ مِنْ اشْتِرَاطِهِ مِنْ قِرَاءَةِ جُزْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ كُلَّ يَوْمٍ فَأَيُّ يَوْمٍ أَخَلَّ بِذَلِكَ سَقَطَ اسْتِحْقَاقُهُ فِيهِ وَلَا يُتَوَهَّمُ تَعَدِّي سُقُوطِ الِاسْتِحْقَاقِ إلَى سَائِرِ الْأَيَّامِ الَّتِي لَمْ يَقَعْ فِيهَا إخْلَالُهُ بِالشَّرْطِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ بِمَنْزِلَةِ عَدَمِ وُجُودِ هَذَا الْمُسْتَحَقِّ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ كَالْأَيَّامِ الَّتِي تَقَدَّمَهُ، وَقَضَاؤُهُ لِمَا فَاتَ مِنْ ذَلِكَ لَا يُثْبِتُ اسْتِحْقَاقَهُ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ فَإِنَّ الْمُقَيَّدَ بِوَقْتٍ لَا يَتَنَاوَلُ مَا فُعِلَ فِي غَيْرِهِ اهـ. وَإِذَا تَأَمَّلْتَهُ عَلِمْت أَنَّ قَوْلَ الْمُوصِي عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِي لَا يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ كُلَّ يَوْمٍ بَلْ عَلَى الْجُمْلَةِ هَذَا كُلُّهُ إنْ جَعَلَ قَوْلَهُ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِي شَرْطًا وَقَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّهُ لَيْسَ شَرْطًا فَإِنَّهُ قَالَ: مَا وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي كَوْنِهِ مِنْ الشُّرُوطِ فَلَا يُجْعَلُ شَرْطًا فِي الِاسْتِحْقَاقِ مَعَ الشَّكِّ وَبَيَّنَ ذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ لَهُ ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ صُوَرِهَا إنْ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ أُمُورًا غَيْرَ مَقْرُونَةٍ بِصِيغَةِ الِاشْتِرَاطِ؟ فَلَمْ يَقُلْ فِيهَا وَقَفْتُ عَلَى أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ كَذَا أَوْ بِشَرْطِ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ كَذَا وَمَا أَشْبَهَ هَذَا، وَإِنَّمَا قِيلَ: فِيهَا لِيَفْعَلُوا كَيْتَ وَكَيْتَ أَوْ يَفْعَلُوا كَذَا وَكَذَا فَمِثْلُ هَذَا مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ تَوْصِيَةً وَبَيْن أَنْ يَكُونَ اشْتِرَاطًا اهـ. وَمَعَ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ وَقَفْتُ عَلَى مَنْ يَفْعَلُ كَذَا أَوْ أَوْصَيْتُ لِمَنْ يَفْعَلُ كَذَا مِمَّا لِلْوَاقِفِ أَوْ الْمُوصِي فِيهِ حَظٌّ يَعُودُ عَلَيْهِ مِنْهُ نَفْعٌ بِمَنْزِلَةِ الِاشْتِرَاطِ؛ لِأَنَّهُ رَبَطَ الْوَقْفَ أَوْ الْوَصِيَّةَ بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ مَقْصُودَةٍ

فَلَا بُدَّ فِي الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ وُجُودِهَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ: وَقَفْتُ كَذَا عَلَى فُلَانٍ وَيَفْعَلُ كَذَا فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا هُوَ الْمُتَرَدِّدُ بَيْنَ الِاشْتِرَاطِ وَالتَّوْصِيَةِ فَلَا يَلْحَقُ بِالشُّرُوطِ كَمَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ، وَلَوْ تَعَدَّدَ الْقَارِئُونَ عَلَى قَبْرِهِ اسْتَحَقُّوا الْمَوْقُوفَ أَوْ الْمُوصَى بِهِ عَلَى قَدْرِ عَمَلِهِمْ عَلَى الْأَوْجَهِ وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ وَلَا الْوَصِيِّ تَخْصِيصُ بَعْضِهِمْ بِهِ؛ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ لِتَنَاوُلِ لَفْظِ الْوَاقِفِ أَوْ الْمُوصِي لِلْكُلِّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِي ظَاهِرٌ فِي الْعُمُومِ، وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ مَنْ فِيهِ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِذَا قَالَ: مَنْ قَامَ بِوَصِيَّتِي فَلَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَأَيُّ مَنْ قَامَ بِهَا وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا فَلَهُ الْمِائَةُ، وَإِنْ قَامَ بِهَا جَمَاعَةٌ كَانَتْ الْمِائَةُ بَيْنهمْ، وَإِذَا قَامَ بِهَا وَاحِدٌ وَكَانَ كَافِيًا مَعَ غَيْرِهِ بَعْدَ الْعَمَلِ أَنْ يُشَارِكَهُ اهـ. وَفِيهِ فَوَائِدُ وَيَأْتِي فِيمَنْ يُؤَذِّنُ أَوْ يُعَلِّمُ مَا تَقَرَّرَ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي فِيمَنْ يَقْرَأُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَيْنَ الْمُوصَى بِهَا إلَّا مَنْ قَرَأَ تِلْكَ الْمُدَّةَ فَمُرَادُهُ لَا يَسْتَحِقُّهَا كَامِلَةً إذْ لَوْ أَخَلَّ بِالْقِرَاءَةِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ لَا نَقُولُ: إنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعَيْنَ بِكَمَالِهَا، وَإِنَّمَا الَّذِي لَا يَسْتَحِقُّهُ هُوَ قِسْطٌ وَمَا فَوَّتَهُ لِمَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَلِقَوْلِهِ: هُوَ فِي فَتَاوِيهِ لِمَا سُئِلَ عَمَّنْ وَقَفَ أَرْضًا عَلَى رَجُلٍ لِيَقْرَأَ عَلَى قَبْرِ مَيِّتٍ فِي كُلّ يَوْمٍ شَيْئًا مَعْلُومًا مِنْ الْقُرْآنِ فَفَاتَهُ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ وَقَضَاهُ إذَا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ أَوْ يَوْمًا وَاحِدًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ حِصَّةَ ذَلِكَ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ وَلَا يُفِيدُ الْقَضَاءُ وَبَيَّنَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي يَوْمٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ حِصَّةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَإِنَّ اسْتِحْقَاقَهُ مَشْرُوطٌ بِهِ وَلَمْ يُوجَدْ وَالْقَضَاءُ لَا يُفِيدُ فِيهِ إذْ لَا يَعُودُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ فَإِنَّهُ لَوْ عَادَ لَمْ يَكُنْ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَتَقْدِيرِهِ فَائِدَةٌ اهـ. ، وَأَمَّا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِيمَنْ وَقَفَ شَيْئًا عَلَى مَنْ يَقْرَأُ كُلَّ يَوْمٍ فِي هَذِهِ التُّرْبَةِ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَخَلَّ بِالْقِرَاءَةِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْغَلَّةِ فِي مُقَابَلَةِ الْأَيَّامِ الَّتِي أَدَّى الْوَظِيفَةَ فَضَعِيفٌ كَمَا بَيَّنَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ. ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُعَيِّن الْمُدَّةَ إلَخْ فَغَيْرُ صَحِيحٍ إذْ لَا أَثَرَ لِلْجَهْلِ بِالْمُدَّةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مُعَلَّقٌ بِصِفَةٍ هِيَ الْقِرَاءَةُ كُلَّ يَوْمٍ فَحَيْثُ وُجِدَتْ وُجِدَ الِاسْتِحْقَاقُ وَحَيْثُ انْتَفَتْ انْتَفَى الِاسْتِحْقَاقُ وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ مَزِيد قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُتَنَبَّهَ لَهُ أَنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ كَانَ آتِيًا بِوَقْفٍ مُنْقَطِع الْأَوَّل وَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنْ قَالَ: وَقَفْتُ كَذَا بَعْد مَوْتِي عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِي صَحَّ وَكَانَ وَصِيَّةً، وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَيُشْبِهُ مَسْأَلَةَ الدِّينَارِ إلَخْ فَغَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ صُورَةَ مَسْأَلَةِ الدِّينَارِ الْمُشَارِ إلَيْهَا أَنْ يُوصِي لِشَخْصٍ بِدِينَارٍ كُلَّ سَنَةٍ فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى بِدِينَارِ دُون مَا بَعْدهَا وَهَذِهِ لَا تُشْبِهُ مَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَلْحَظَ عَدَمِ الصِّحَّةِ فِيهَا فِيمَا عَدَا السَّنَةِ الْأُولَى أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ قَدْرَ الْمُوصَى بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِيَخْرُجَ مِنْ الثُّلُثِ فَالْمُوصَى بِهِ لَمْ يَجْهَلْ خُرُوجَهُ مِنْ الثُّلُثِ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ الدِّينَارِ، وَإِذَا لَمْ يَجْهَلْ خُرُوجَ الْمُوصَى بِهِ مِنْ الثُّلُثِ وَأَنَاطَ الْمُوصِي اسْتِحْقَاقَهُ بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ وَجَبَ الْقَوْلُ بِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ فَتَأَمَّلْ بُعْدَ مَا بَيْن الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَكَأَنَّهُ لُحِظَ أَنَّ عَدَمَ تَعْيِينِ مُدَّةِ الشَّرْطِ الْمُعَلَّقِ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ وَهُوَ الْقِرَاءَةُ كَعَدَمِ الْعِلْمِ بِخُرُوجِ الْمُوصَى بِهِ فِيمَا عَدَا السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ الثُّلُثِ فِي مَسْأَلَةِ الدِّينَارِ، وَهَذَا بَعِيدٌ إذْ لَا جَامِعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ حَتَّى يُقَابَل أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، وَأَمَّا قَوْله: وَإِنْ كَانَ وَقْفًا إلَخْ فَفَرْقُهُ بَيْن الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ يَرُدُّهُ تَسْوِيَةُ الْفُقَهَاءِ بَيْنهمَا فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ وَمَا فَرَّقُوا بَيْنهمَا إلَّا فِي مَسَائِلَ لَا يَتَأَتَّى نَظِيرُهَا هُنَا فَوَجَبَ أَنْ لَا فَارِقَ بَيْنهمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ لَك أَنْ تَرُدَّ مَا قَالَهُ بِأَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ وَمِنْ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهَا تَقْبَلُ مِنْ الْمَجَاهِيلِ وَالتَّعْلِيقَاتِ وَغَيْرِهِمَا مَا لَا يَقْبَلُهُ الْوَقْف فَإِذَا قَالَ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ مَعَ تَعْلِيقه بِشَرْطٍ مَجْهُولِ الْآخَرِ فَلْيَقُلْ بِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ مَعَ ذَلِكَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تَقْبَلُ مِنْ الْمَجَاهِيل مَا لَا يَقْبَلُهُ الْوَقْفُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ تَأَمَّلَ تَصَارِيفَهُمْ فِي الْبَابَيْنِ وَكَوْنُ الْوَقْفِ أَصْلُهُ الدَّوَامُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لَا يَنْفَعْهُ فِي الْفَرْقِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّة أَيْضًا قَدْ تَكُونُ لِلدَّوَامِ، فَالدَّوَامُ لَا يَقْتَضِي فَسَادَهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَصْلًا فِيهِ، وَقَوْلُ السَّائِلِ وَحَيْثُ قِيلَ بِالصِّحَّةِ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّ الْوَاقِفَ إنْ عَيَّنَ شَخْصًا أَوْ أَكْثَرَ وَشَرَطَ كَوْنَهُ يُؤَذِّنُ أَوْ يُعَلِّمُ مَثَلًا لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ بِشَرْطِهَا، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ

أَحَدًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ السَّائِلِ فَلَا تَلْزَمُهُ زَكَاةٌ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَا زَكَاةَ فِي رِيعٍ مَوْقُوفٍ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاجِدِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمَالِك بِخِلَافِ الْمَوْقُوفِ عَلَى مُعَيَّنٍ وَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ اهـ. وَبِهَذَا يُعْلَم أَنَّ الْمُوصَى بِهِ كَذَلِكَ، فَإِنْ عَيَّنَ الْمُوصِي مَنْ يُؤَذِّنُ أَوْ يُعَلِّمُ لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (مَسْأَلَة) وَقَفَ دَارًا عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ وَهَكَذَا وَشَرَط النَّظَرَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ لِوَلَدِهِ الْمُعَيَّنِ ثُمَّ لِلْأَرْشَدِ وَحَكَمَ بِمُوجِبِ الْوَقْفِ وَبِصِحَّتِهِ وَلُزُومِهِ حَنَفِيٌّ، وَشَرَطَ أَنْ يَبْدَأ بِعِمَارَتِهِ مِنْ أُجْرَتِهِ بِنَظَرِ وَلَدِهِ الْمَذْكُورِ فَبَعْدَ وَفَاتِهِ وَضَعَ وَلَدُهُ يَدَهُ وَأَجَّرَهُ مِائَةَ سَنَةٍ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجِ لِعِمَارَتِهِ وَحَكَمَ بِصِحَّةِ الْإِيجَارِ شَافِعِيٌّ فَهَلْ حُكْمُ الْحَنَفِيِّ يَتَنَاوَلُ الْحُكْمَ بِبُطْلَانِ هَذِهِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّ مَذْهَبَهُ أَنْ لَا تَجُوزَ إجَارَةُ الْوَقْفِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ؟ (فَأَجَبْتُ) الْحُكْمُ بِالْمُوجِبِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِجَمِيعِ الْآثَارِ الَّتِي يَرَاهَا الْحَاكِمُ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: مُخَالِفًا لِكَلَامِ شَيْخِهِ الْإِمَام الْبُلْقِينِيُّ بِشَرْطِ أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ الْحُكْمِ بِهَا، مِثَالُهُ أَنْ يَحْكُمَ حَنَفِيٌّ بِمُوجِبِ تَدْبِيرٍ فَمِنْ مُوجِبِهِ عِنْدَهُ مَنْعُ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ فَقَدْ حَكَمَ بِهِ فِي وَقْتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَنْعٌ لِلسَّيِّدِ مِنْهُ فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَذِنَ لَهُ شَافِعِيٌّ فِيهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَقْضًا لِلْحُكْمِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ أَيْضًا الْحُكْمُ بِصِحَّةِ بَيْعِهِ لَوْ وَقَعَ فَإِنَّهُ وَقَعَ بَاطِلًا بِقَضِيَّةِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ بِمُوجِبِ هَذَا الْوَقْفِ مُتَضَمِّنٌ لِحُكْمِهِ بِامْتِنَاعِ إجَارَتِهِ مُدَّةً لَا يُجِيزُهَا الْحَنَفِيُّ؛ لِأَنَّ هَذَا أَثَرٌ مِنْ آثَارِ حُكْمِهِ وَقَدْ دَخَلَ وَقْتُهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ وَجَّهَ حُكْمَهُ إلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ الْحُكْمُ بِمَا يُخَالِفُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَقْضًا لِحُكْمِ الْحَنَفِيِّ وَعَلَى التَّنَزُّل، وَأَنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ لَا يَشْمَلُ ذَلِكَ فَإِجَارَةُ النَّاظِرِ الْوَقْفَ مِائَةَ سَنَةٍ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ لِذَلِكَ بَاطِلَة كَمَا حَرَّرَهُ الْوَلِيُّ أَبُو زُرْعَةَ فِي فَتَاوِيهِ حَيْثُ قَالَ: مَا يَفْعَلهُ حُكَّامُ مَكَّةَ مِنْ إجَارَةِ دُورِ الْوَقْفِ الْخَرِبَةِ السَّاقِطَةِ مِائَةَ سَنَةٍ أَوْ نَحْوِهَا عِنْد الِاحْتِيَاجِ لِأُجْرَةِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَجْلِ الْعِمَارَةِ حَسَنٌ يَسُوغُ اعْتِمَادُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَقْفِ حَاصِلٌ يَعْمُرُ بِهِ وَلَا وُجِدَ مَنْ يُقْرِضُ الْقَرْضَ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ لِلْعِمَارَةِ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ تِلْكَ الْمُدَّةِ فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لِإِجَارَةِ مُدَّةً مُسْتَقْبَلَةً بِأُجْرَةٍ حَالَةٍ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ لِذَلِكَ فَإِجَارَةُ النَّاظِرِ الْمَذْكُورَةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْأَذْرَعِيَّ قَالَ: لَا تَجُوزُ إجَارَةُ الْوَقْفِ مِائَةَ سَنَةٍ مَثَلًا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اسْتِهْلَاكِ الْوَقْفِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ إجَارَةَ النَّاظِرِ الْمَذْكُورَةَ بَاطِلَةٌ عِنْد الْحَنَفِيِّ وَالشَّافِعِيِّ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ. (سُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَوْ وَقَفَ أَرْضًا لِتُزْرَعَ غَلَّتُهَا كُلَّ سَنَةٍ أَوْ لِتُصْرَفَ غَلَّةُ كُلِّ سَنَةٍ أَوْ قَدْرٍ مَعْلُومٍ مِنْ غَلَّةِ كُلِّ سَنَةٍ لِمَنْ يُهَلَّل لَهُ كُلَّ سَنَةٍ كَذَا أَوْ لِلْمُعَلِّمِ أَوْ مَنْ يُعَلِّمُ بِبَلَدٍ كَذَا أَوْ أَوْصَى كَذَلِكَ، وَقُلْتُمْ بِالصِّحَّةِ وَكَانَتْ تَزِيدُ عَلَى الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ فَهَلَّلَ وَعَلَّمَ سَنَةً ثُمَّ مَاتَ أَوْ امْتَنَعَ أَوْ عُزِلَ أَوْ وُجِدَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ وَلَمْ تُغَلَّ فِي سَنَتِهِ أَوْ لَمْ تَفِ بِالْقَدْرِ فَهَلْ يُعْطَى غَلَّةَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ يُكَمَّلُ الْقَدْرُ مِنْهَا؟ أَيْ: مِنْ غَلَّتِهَا أَوْ يُسْتَرَدُّ مِمَّا يُصْرَفُ لِلْأَقْرَبِ إلَى الْوَاقِفِ فِي مَاضِي الزَّمَانِ حَيْثُ صَرَفْنَا الزَّائِدَ عَلَى الْمُقَدَّرِ إلَيْهِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْن أَنْ يَقُولَ: وَمَا فَضَلَ مِنْ غَلَّةِ كُلِّ سَنَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ الشَّرْطِ بِكُلِّ سَنَةٍ فَلَا يُسْتَرَدُّ حِينَئِذٍ أَوْ يُطْلَقُ فَيُسْتَرَدُّ وَقَدْ يَقُولُ: الْوَاقِفُ أَوْ الْمُؤَجِّرُ بِصَرْفٍ مِنْ غَلَّتِهَا أَعْنِي الْقَدْرَ الْمَعْلُومَ فِي صُورَتِهِ، وَإِنْ أَجْدَبَتْ أَيْ: لَمْ تُغِلَّ فَهَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ وَيَلْزَمُ حَيْثُ وَقَعَ فِي نَفْسِ الْوَاقِفِ أَوْ الْوَصِيَّةِ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ بِصُورَةِ شَرْطٍ أَوْ لَا؟ وَلِأَبِي زُرْعَةَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُهِمَّاتِ كَلَامٌ فِي ذَلِكَ كَمَا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُ سَيِّدِي؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ مَنْ وَقَفَ أَرْضًا أَوْ أَوْصَى بِهَا لِتُصْرَفَ غَلَّتُهَا أَوْ جُزْءٌ مِنْهَا إلَى مَنْ يَفْعَلُ كَذَا، فَإِنْ جَاءَتْ كُلَّ سَنَةٍ بِقَدْرِ مَا شَرَطَ فَذَاكَ، وَإِنْ زَادَتْ عَلَيْهِ، فَالزِّيَادَة لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ، وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا آخَرَ هَذَا إنْ بَاشَرَ الْمَشْرُوطُ عَلَيْهِ جَمِيعَ السَّنَةِ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ غَيْرَهُ، أَمَّا إذَا لَمْ يُبَاشِرْهُ جَمِيعَ السَّنَةِ كَأَنْ مَاتَ أَثْنَاءَ السَّنَةِ أَوْ امْتَنَعَ أَوْ عُزِلَ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ مِنْ مُغَلِّ تِلْكَ السَّنَةِ قِسْطَ مَا بَاشَرَهُ فَقَطْ، وَأَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ غَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مُقَدَّرٌ فَإِنْ وَفَّى الْمُغِلُّ بِقَدْرَيْهِمَا فَذَاكَ، فَإِنْ نَقَصَ وُزِّعَ عَلَيْهِمَا بِالنِّسْبَةِ

عَلَى مُقَدَّرَيْهِمَا فَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَشَرَةٌ وَلِلْآخَرِ عِشْرُونَ اسْتَحَقَّ الْأَوَّلُ ثُلُثَ الْحَاصِلِ وَالثَّانِي ثُلُثَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُقَدَّرٌ كُلٌّ لِصَاحِبِ الْمُقَدَّرِ مِنْ رِيعِ السَّنَة الثَّانِيَةِ كَأَصْحَابِ الْفُرُوضِ فِي الْمِيرَاثِ، وَمَنْ يَكُونُ كَالْعَصَبَةِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْوَاقِفُ: وَمَا فَضَلَ بِكُلِّ سَنَةٍ فَلَا يَكْمُلُ حِينَئِذٍ مُغَلُّ سَنَةٍ مِمَّا قَبْلهَا وَلَا مِمَّا بَعْدَهَا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، بَلْ إنْ وَفَّى مُغِلُّ كُلِّ سَنَةٍ بِأَرْبَابِ الْوَقْفِ فَذَاكَ، وَإِنْ زَادَ فَالزِّيَادَةُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ، وَإِنْ نَقَصَ وُزِّعَ بِحَسْبِ مُقَدَّرَاتِهِمْ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ. وَلَا يُخَالِفُ ذَلِكَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ فِي فَرْعِ ابْنِ الْحَدَّادِ وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِدِينَارٍ كُلَّ شَهْرٍ مِنْ غَلَّةِ دَارِهِ وَبَعْدَهُ لِلْفُقَرَاءِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَكْمُلُ لِلْمُوصَى لَهُ مِنْ رِيعِ الشَّهْرِ الثَّانِي لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْن الصُّورَتَيْنِ فَإِنَّ الْبَاقِيَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ مُسْتَحَقٌّ لِلْوَارِثِ تَبَعًا لِلرَّقَبَةِ فَلَا يُزَاحِمُهُ فِيهِ الْمُوصَى لَهُ بِخِلَافِ الْوَقْفِ فَإِنَّ الرِّيعَ مُسْتَحَقٌّ لِأَصْحَابِهِ بِجِهَةِ الْوَقْفِ فَقُدِّمَ فِيهِ الْمُقَدَّرُ مُطْلَقًا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَوْ كَمُلَ الْمُقَرَّرُ فِي سَنَةٍ وَأَعْطَى مَا فَضَلَ مِنْهَا لِمَنْ بَقِيَ مِمَّنْ لَا مُقَدَّر لَهُ ثُمَّ نَقَصَ فِي سَنَةٍ أُخْرَى بَعْدَهَا فَهَلْ يُسْتَرَدُّ فِيمَا إذَا لَمْ يَخُصَّ كُلَّ سَنَةٍ بِهَا مَا صُرِفَ لِمَنْ بَقِيَ مِنْهُ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَوْجَهُ الِاسْتِرْدَادُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْأَمْلَاكِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَبِنَقْصِ الْمُقَدَّرِ فِي سَنَةٍ؟ إذَا قُلْنَا: إنَّهُ يُكْمِل مِنْ غَيْرِهَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ مَنْ صُرِفَ لَهُمْ الْبَاقِي لَا يَمْلِكُونَهُ الْآن، وَأَنَّ مِلْكَهُمْ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ مِلْكًا مُرَاعًى وَبِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا قُبِضَ بِاسْتِحْقَاقِ أَنْ يَسْتَمِرَّ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقِ وَيَدُلُّ لِمَا ذَكَرْته فِي بَعْضِ هَذَا التَّفْصِيلِ إفْتَاءُ الشَّرَفِ الْمَقْدِسِيِّ وَهُوَ مِنْ مَعَاصِرِي النَّوَوِيِّ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَكَان مَوْقُوفٍ عَلَى جَمَاعَةٍ وَعَلَيْهِمْ وَظَائِف شَرَطَهَا الْوَاقِفُ وَجَامِكِيَّةٌ وَجِرَايَةٌ مُعَيَّنَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَالْجِرَايَةِ فِي بَعْضِ السِّنِينَ تَعْجِزُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْقَفِ عَنْ الْوَفَاءِ بِهَا. وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْف مُغَلٌّ قَائِم مِنْ بَعْضِ الْأَوْقَافِ الْبُرَانِيَّةِ عَلَى الْجِهَةِ الْمَذْكُورَةِ فَلَمَّا حَصَلَ الْمُغَلُّ تَحْتَ يَدِ النَّاظِرِ أَرَادَ حَبْسَهُ لِيَصْرِفَهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ مِنْ الْجَامِكِيَّةِ وَالْجِرَايَةِ وَأَرَادَ مُبَاشِرُو الْوَقْفِ أَنْ يُكَمِّلَ لَهُمْ مَا تَأَخَّرَ مِنْ مَعْلُومِهِمْ فَأَيُّهُمْ يُجَابُ؟ وَهَلْ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَصْرِفَ مِنْ مُغَلِّ هَذِهِ السَّنَة الَّتِي تَأَخَّرَ فِيهَا مَا ذُكِرَ مِنْ سَنَتِهِمْ الَّتِي بَاشَرُوا فِيهَا أَوْ لَا؟ فَأَجَابَ بِمَا صُورَتُهُ يُجَابُ مَنْ كَانَ الْمُغَلُّ قَائِمًا فِي الْأَرْضِ فِي زَمَنِ مُبَاشَرَتِهِ وَيُكَمَّلُ لَهُمْ مِنْهُ مَعْلُومَهُمْ الْمَشْرُوطَ لَهُمْ عَلَى قَدْرِ مُبَاشَرَتِهِمْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفُ فِي غَيْرِ السَّنَة الَّتِي كَانَ الْمُغَلُّ فِيهَا شَيْءٌ فِي السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ إلَّا مَا يَفْضُلَ عَنْ الْمُسْتَحَقِّينَ فِي سَنَةَ الْمُغَلُّ اهـ. وَأَفْتَى غَيْرُهُ فِيمَنْ وَقَفَ أَرْضًا لِيُصْرَفَ مِنْ غَلَّتِهَا لِلْمُعَلِّمِ بِبَلَدِ كَذَا شَيْءٌ مَعْلُومٌ سَنَةً وَامْتَنَعَ ثُمَّ عَلَّمَ غَيْرُهُ وَلَمْ يَحْصُلْ فِي سَنَةٍ إلَّا دُون مَا شُرِطَ لَهُ فَهَلْ يُكَمَّلُ لَهُ مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ؟ وَهَلْ لَوْ مَاتَ أَثْنَاء السَّنَةِ يَسْتَحِقُّ بِقِسْطِهِ فِي الثَّانِيَةِ وَأَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى جِهَاتٍ وَذَكَرَ لِبَعْضِهَا مِقْدَارًا مُعَيَّنًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَمَا فَضَلَ مِنْ الرِّيعِ عَمَّا قَدَّرَهُ يَكُونُ لِلْجِهَاتِ الْفُلَانِيَّةِ فَجَاءَ فِي سَنَةِ الرِّيعِ أَقَلُّ مِنْ الْمُقَدَّرِ ثُمَّ كَثُرَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَهَلْ يُكَمَّلُ لِلْمُقَدِّرِ وَيُعْطِي الْفَاضِلَ لِلْمَشْرُوطِ لَهُمْ الْبَاقِي بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ أَصْحَابَ الْمُقَدَّرِ يُكَمِّلُ لَهُمْ كَأَصْحَابِ الْفُرُوضِ فِي الْمِيرَاثِ، وَمَنْ لَهُ الْبَاقِي كَالْعَصَبَةِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْوَاقِفُ: وَمَا فَضْلُ كُلِّ سَنَةٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ الشَّرْطِ بِكُلِّ سَنَةٍ اهـ. وَفِي مُخْتَصَرِ الْمُهِمَّاتِ عَنْ السُّبْكِيّ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ مَاتَ أَثْنَاءَ سَنَةٍ وَلَمْ تُغِلَّ الْأَرْضُ إلَّا بَعْد مَوْتِهِ أُعْطِيت حِصَّتُهُ لِوَارِثِهِ وَهُوَ شَاهِدٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مَنْ مَاتَ أَثْنَاءَ سَنَةٍ يَسْتَحِقُّ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَحْصُل مِنْ تِلْكَ الْأَرْضِ مُغَلٌّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ مِنْهُ بِالْقِسْطِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا شَيْءٌ لَمْ يُسْتَحَقَّ شَيْءٌ، وَقَوْلُ الْوَاقِفِ أَوْ الْوَصِيِّ عَلَى أَنْ يَصْرِفَ مِنْ غَلَّتِهَا، وَإِنْ لَمْ تُغِلّ كَلَام لَغْو فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَيَصِحُّ الْوَقْفُ، وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ فِي صُلْبِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَيْسَ مُتَنَافِيًا لِخُصُوصِ الْوَقْفِ حَتَّى يُبْطِلهُ، بَلْ الْعُمُومُ اشْتِرَاط الْإِمْكَانِ فِي اتِّحَادِ الْأَشْيَاءِ الْمُمْكِنَةِ وَقَوْلُهُ: ذَلِكَ مُتَنَاقِضٌ فَيَكُونَ فِي حَيِّزِ النُّطْقِ بِالْهَذَيَانِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَسْأَلَة) هَلْ يَصِحُّ الْوَقْفُ بِشَرْطِ الْعُزُوبِيَّةِ (أَجَبْت) الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِشَرْطِ الْعُزُوبَةِ اُتُّبِعَ شَرْطُهُ

وَفِي فَتَاوَى الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ لِمُخَالَفَتِهِ طَلَبَ التَّزَوُّجِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ اهـ. ، وَإِنَّمَا يُتَّجَهُ ذَلِكَ إنْ كُنَّا نَشْتَرِطُ فِي شُرُوطِ الْوَاقِفِ أَنْ تَكُونَ قُرْبَةً أَمَّا إذَا لَمْ نَشْرِطْ فِيهَا ذَلِكَ وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَكْثَرِينَ فَلَا نُلْغِي هَذَا الشَّرْطَ وَفِي الْخَادِمِ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ أَنَّ الْوَقْفَ قُرْبَةٌ وَلَا يَصِحَّ إلَّا عَلَى جِهَةٍ تَظْهَرُ فِيهَا الْقُرْبَة إنَّ كُلَّ شَرْطٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قُرْبَة لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا فَالْوَقْفُ بِشَرْطِ الْعُزُوبِيَّةِ بَاطِلٌ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ فَلَيْسَ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ ذَلِكَ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ رِعَايَةِ الْقُرْبَة فِي أَصْلِ الْوَقْفِ رِعَايَتهَا فِي شُرُوطِهِ فَتَأَمَّلْهُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى عِيَالِهِ هَلْ يَشْمَلُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ أَوْ يَخْتَصُّ بِالذُّكُورِ وَإِذَا قَضَى الْعُرْفُ بِهَذَا يُعْمَلُ بِهِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يَشْمَلُ النَّوْعَيْنِ لَكِنَّ الْمُرَادَ هُنَا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ مِنْ الْقَرَابَةِ الَّذِينَ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ» هَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لِبَلَدِ الْوَاقِفِ عُرْفٌ مُطَّرِدٌ عَلِمَهُ الْوَاقِفُ قَبْلَ وَقْفِهِ، وَإِلَّا نَزَلَ وَقْفُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ. (وَسُئِلْتُ) عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِ مَا تَنَاسَلُوا بَطْنًا بَعْد بَطْنٍ فَإِذَا انْقَرَضُوا كَانَ عَلَى جِهَات بِرٍّ عَيَّنَهَا وَشَرَط النَّظَر لِلْأَرْشَدِ مِنْ الْأَوَّلِينَ ثُمَّ مِنْ الذُّرِّيَّةِ فَمَاتَ الْأَوَّلُ عَنْ غَيْرِ عَقِبٍ وَانْتَهَى إلَى الْوَرَثَة وَهُمْ إذْ ذَاكَ وَلَد الْوَاقِفِ لِصُلْبِهِ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَبِنْت ابْن لَهُ آخَر فَمَاتَ الْوَلَدُ عَنْ بِنْتِهِ وَبِنْتِ أَخِيهِ الْمَذْكُورَتَيْنِ وَبَنِي عَمِّهِ ثُمَّ بِنْت الْوَاقِفِ عَنْ أَوْلَادٍ وَبَنِي عَمٍّ فَهَلْ لِبِنْتِ الِابْن مَعَ عَمِّهَا وَعَمَّتِهَا شَيْءٌ أَوْ بَعْدَهُمَا وَكَذَا بَنُو الْعَمِّ؟ وَهَلْ هُوَ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنهمْ؟ وَهَلْ مَا لِلْبِنْتِ يُنْقَلُ لِأَوْلَادِهَا؟ وَهَلْ قَوْلُهُ: أَوَّلًا بَطْنًا بَعْد بَطْنٍ يَجْرِي كَذَلِكَ فِي الْوَرَثَةِ فَيُفِيدُ انْتِقَاله إلَى سَائِرِ بُطُونِهِمْ عَلَى التَّرْتِيبِ وَهَلْ الشَّرْطُ تَابِعٌ لِلِاسْتِحْقَاقِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَبْت) الْعِبْرَةُ فِي كَوْنِهِمْ وَرَثَة بِوَقْتِ انْقِرَاضُ مَنْ قَبْلَهُمْ فَحِينَئِذٍ يَسْتَحِقُّهُ الْوَلَدَانِ الذَّكَر وَالْأُنْثَى بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا مَاتَ الذَّكَرُ أَخَذَتْهُ الْأُنْثَى جَمِيعَهُ فَإِذَا مَاتَتْ وَانْتَقَلَ إلَى الْجِهَاتِ الَّتِي عَيَّنَهَا بَعْد الْوَرَثَةِ بَطْنًا بَعْد بَطْنٍ لَا يُفِيدُ تَرْتِيبًا وَمُسْتَحِقُّ النَّظَرِ الْأَرْشَدِ مِنْ الْوَارِثِينَ الْمَوْجُودِينَ عِنْد وُجُودِهِمَا وَالْأُنْثَى عِنْد انْفِرَادِهَا إنْ كَانَتْ رَشِيدَةً، وَإِلَّا فَالْحَاكِمُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ صَدَقَةٍ عَلَى وَارِدِ مَسْجِدٍ ثُمَّ وَسَّعَ ذَلِكَ الْمَسْجِدَ لِحَاجَةٍ أَوْ لِغَيْرِهَا وَقُلْنَا: لَا بُدَّ مِنْ وُرُودِهَا لِأَجْلِ الِاسْتِحْقَاقِ أَوْ لَمْ نَقُلْ بِهِ فَهَلْ الْوَارِدُ فِي الزِّيَادَةِ كَالْوَارِدِ فِي الْمُزَادِ عَلَيْهِ؟ وَتَلْحَقُ الزِّيَادَةُ بِهِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ حَتَّى يُسْرِجَ فِيهَا مِنْ صَدَقَتِهِ وَيَشْتَرِي لَهَا الْحُصْرَ مِنْ صَدَقَتِهِ الْمَوْجُودَة قَبْلَ فِعْلِ الزِّيَادَةِ وَهَلْ تَدْخُلُ الزِّيَادَةُ فِي الصَّدَقَةِ الْحَادِثَةِ عَلَى الْمَسْجِدِ بَعْد حُدُوثِهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَوْ لَا؟ وَهَلْ يَأْتِي ذَلِكَ فِي نَظَائِرِهِ كَبِئْرٍ عُمْقُهُ عِشْرُونَ ذِرَاعًا وَلَهُ صَدَقَةٌ عَلَى رَشَاهُ فَعَمَّقَ إلَى ثَلَاثِينَ؟ وَهَلْ الْوُرُود شَرْطٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْوَارِدِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَوْ يُفَرَّقُ بَيْن وَارِدٍ وَوَارِدٍ بِحَسَبِ الْعَادَةِ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: لَا فَرْقَ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْمُحْدِثُ حَدَثًا أَكْبَرَ وَذُو الْجُرُوح السَّيَّالَةِ وَيَلْحَقُ بِهِمَا الْأَجْذَمُ أَوْ لَا؟ وَقَدْ أَفْتَى أَبُو شُكَيْلٍ نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِأَنَّهُ يُصَلَّى عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ وَأَفْتَى آخَرُ بِالْمَنْعِ إذَا لَمْ يُوجَدْ وُرُود وَفِي شَرْحِ الْجَلَالِ السُّيُوطِيِّ لِلتَّنْبِيهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَعْذُورِ عَنْ مَبِيتِ مِنًى كَلَامٌ لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَا نَحْنُ فِيهِ فِيمَا أَظُنُّ فَتَفَضَّلُوا بِإِيضَاحِهِ وَبَسْطِهِ وَتَحْصِيل الْمُرَادِ مِنْهُ لِتَعْظِيمِ فَائِدَتِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي يُتَّجَهَ لِي أَنَّ الْوُرُودَ شَرْطٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ صِفَةٍ وَقَعَتْ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ فَالْأَصْلُ أَنَّهَا لِلِاشْتِرَاطِ حَتَّى يُوجَد مِنْ كَلَامِهِ أَوْ بِقَرِينَةٍ خَارِجِيَّةٍ مَا يَصْرِفُهَا عَنْ ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ نَقُولُ: مَحَلّ كَوْن الْوُرُودِ شَرْطًا مَا لَمْ يَكُنْ الْعُرْفُ حَالَ الْوَقْفِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلّ مُطَّرِدًا بِإِنَّ الْمُرَاد بِالْوُرُودِ إلَى الْمَسْجِدِ مَا يَشْمَلُ دُخُوله وَالْإِقَامَة عَلَى بَابِهِ أَوْ بِقُرْبِهِ وَيَكُونُ الْوَاقِفُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْعُرْفِ فَحِينَئِذٍ يُتَّجَهُ أَنَّ الْوُرُودَ لَيْسَ شَرْطًا لِمَا هُوَ مُقَرَّرٌ مَعْرُوفٌ أَنَّ الْعُرْفَ الْمُطَّرِدَ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ مُنْزَلٌ مَنْزِلَة شَرْطٍ فَيُنَزَّلُ الْوَقْفُ عَلَى الْعُرْفِ الْمَذْكُورِ كَمَا يُنَزَّلُ عَلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ وَعَلَى التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ إطْلَاق مَنْ أَطْلَقَ أَنَّ الْوُرُود شَرْطٌ أَوْ لَيْسَ بِشَرْطٍ

؛ لِأَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ هُوَ الَّذِي يُنَزَّلُ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ وَيُؤَيِّدُهُ إفْتَاءُ ابْنِ الصَّلَاحِ بِنَظِيرِهِ وَأَقَرُّوهُ عَلَيْهِ وَلَا بَأْسَ بِذَكَرِهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَوْعُ بَسْطٍ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْفَوَائِدِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَدْرَسَةٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ وَوُقِفَ لَهَا شَيْءٌ عَلَى فُقَهَائِهَا وَمُتَفَقِّهِيهَا هَلْ يَسْتَحِقُّ مِنْهُ مَنْ يَشْتَغِلُ بِهَا وَلَا يَحْضُرُ دَرْسَ الْمُدَرِّسِ أَوْ يَحْضُرُ الدَّرْس وَلَا يَحْفَظُ شَيْئًا وَلَا يُطَالِعُ أَوْ يَشْتَغِلُ بِالْمُطَالَعَةِ وَحْدَهَا أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: يُلْحَظُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَغَيْرِهَا شُرُوط الْوَاقِفِ فَمَا كَانَ مِنْهَا مُخِلًّا بِمَا نَصَّ الْوَاقِفُ عَلَى جَعْلِهِ شَرْطًا فِي الِاسْتِحْقَاقِ فَهُوَ قَادِحٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إخْلَالٌ بِشَيْءٍ مِمَّا اشْتَرَطَهُ الْوَاقِفُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَلَكِنْ فِيهِ إخْلَالٌ بِمَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْعُرْفُ وَاقْتَضَتْهُ الْعَادَةُ، فَالِاسْتِحْقَاقُ يَنْتَفِي بِهَذَا الْإِخْلَال أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ الْوَاقِفُ لِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ لِتَنَزُّلِ الْعُرْفِ فِي هَذَا مَنْزِلَة الِاشْتِرَاطِ لَفْظًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ الْإِيمَاءُ إلَى بَيَانِهِ فِي الْفُتْيَا الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ وَنَعْنِي بِهِ الْعُرْفَ الَّذِي قَارَنَ الْوَقْفَ. وَكَانَ الْوَاقِفُ مِنْ أَهْلِهِ وَمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إخْلَال بِمَا ظَهَرَ اشْتِرَاطُهُ لَفْظًا وَعُرْفًا وَمَا لَا تَرَدُّدَ فِي كَوْنِهِ مِنْ الشُّرُوطِ فَلَا يَقْدَحُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَمَا وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي كَوْنِهِ مِنْ الشُّرُوطِ فَلَا يُجْعَلُ شَرْطًا فِي الِاسْتِحْقَاقِ مَعَ الشَّكِّ فَلَا يَمْنَعنَا مِنْ الْحُكْمِ بِالِاسْتِحْقَاقِ كَوْنُنَا تَرَدَّدْنَا، وَالْأَصْلُ عَدَمه؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ قَدْ تَحَقَّقَ وَشَكَكْنَا فِي تَقْيِيده بِشَرْطٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْقَيْدِ، وَالشَّرْطُ وَالْحُكْمُ هُنَا عَلَى ذَلِكَ وَلَهُ فِي بَابِ الْوَقْفِ نَفْسه شَاهِدٌ مَسْطُورٌ هَذَا مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ فِيمَا لَوْ انْدَرَسَ شَرْطُ الْوَاقِفِ فَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ عَلَى تَرْتِيبٍ أَوْ تَشْرِيكٍ وَتَنَازَعَ أَرْبَابُ الْوَقْفِ فِي ذَلِكَ وَلَا بَيِّنَة قَالُوا: يُجْعَلُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ هَذَا مَعَ أَنَّ الشَّكَّ فِي التَّرْتِيبِ يُوجِبُ شَكًّا فِي اسْتِحْقَاقِهِ الْآن وَكَذَا الشَّكُّ فِي التَّفْضِيلِ يُوجِبُ شَكًّا فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضِ مَا حُكِمَ لَهُ بِتَنَاوُلِهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ لَكِنَّ أَصْلَ الْوَقْفِ عَلَيْهِ سَبَبٌ مُتَحَقِّقٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّقْيِيدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمْ وَمَعَ هَذَا فَالْأَوْلَى فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ أَنْ لَا يُتَنَاوَلَ وَمِنْ صُوَرِهَا أَنْ يَذْكُرَ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ أُمُورًا غَيْرَ مَقْرُونَةٍ بِصِيغَةِ الِاشْتِرَاطِ فَلَمْ يَقُلْ فِيهَا وَقَفْت عَلَى أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ كَذَا وَكَذَا أَوْ بِشَرْطِ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ كَذَا وَكَذَا فَهَلْ هَذَا مُتَرَدِّدٌ بَيْن أَنْ يَكُونَ تَوْصِيَةً وَبَيْن أَنْ يَكُونَ اشْتِرَاطًا؟ وَبَعْد هَذِهِ الْحِيلَةِ فَمَنْ كَانَ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ يَشْتَغِلُ بِالْمَدْرَسَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا يَحْضُر الدَّرْسَ لَا يَثْبُت لَهُ الِاسْتِحْقَاقُ مِنْ حَيْثُ إنَّ حُضُورَ الْمُتَفَقِّهِ بِالْمَدْرَسَةِ دُرُوسَ مُدَرِّسهَا هُوَ الْعُرْفُ الْغَالِبُ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْوَاقِفِ التَّعَرُّضُ لِإِسْقَاطِهِ فَنُزِّلَ مُطْلَقُ وَقْفِهِ عَلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ الْحِفْظَ فَمَنْ يَحْضُرُ الدَّرْسَ وَلَا يَحْفَظُ، وَلَا يُطَالِعُ يَسْتَحِقُّ إنْ كَانَ فَقِيهًا مُنْتَهِيًا فِيهَا أَوْ كَانَ يَتَفَقَّهُ مِمَّا يَسْمَعُهُ مِنْ الدَّرْسِ لِكَوْنِهِ يَفْهَمهُ وَيَتَعَلَّقُ بِذِهْنِهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَلَا مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ، وَإِنَّمَا وُقِفَ عَلَيْهِمْ فَحَسْب وَعَلَى هَذَا فَمَنْ لَا يَحْضُر الدَّرْسَ، وَإِنَّمَا اشْتِغَالُهُ بِالْمُطَالَعَةِ وَحْدَهَا يَسْتَحِقُّ إنْ كَانَ مُنْتَهِيًا أَوْ كَانَ مِمَّنْ يَتَفَقَّهُ بِذَلِكَ وَلَا يَسْتَحِقُّ إذَا لَمْ يَكُنْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا اهـ. لَفْظُ ابْنِ الصَّلَاحِ وَمَا ذَكَرَهُ وَمِنْ أَنَّهُ إذَا انْدَرَسَ شَرْطُ الْوَاقِفِ جُعِلَ بَيْنهمْ بِالسَّوِيَّةِ وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ كَانَ فِي يَدِ جَمِيعِهِمْ أَوْ فِي يَدِ غَيْرِهِمْ، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ بَعْضِهِمْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: وَالْفُتْيَا الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: عَلَى مَا تَقَدَّمَ الْإِيمَاءُ إلَى بَيَانِهِ فِي الْفُتْيَا قَبْلَ هَذِهِ هِيَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَدَارِسِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الْفُقَهَاءِ هَلْ لِغَيْرِهِمْ دُخُولُ بُيُوتِ الْخَلَاءِ فِيهَا وَالْجُلُوسُ فِي مَجَالِسِهَا وَالشُّرْبِ مِنْ مَائِهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: يَجُوزُ مِنْ هَذَا وَأَشْبَاهِهِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَاسْتَمَرَّ بِهِ الْعُرْفُ فِي الْمَدَارِس وَيُنَزَّل الْعُرْفُ فِي ذَلِكَ مَنْزِلَة اشْتِرَاطِ الْوَاقِفِ لَهُ فِي وَقْفه تَصْرِيحًا لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ تَأْثِيرِ الْعُرْفِ فِي أَلْفَاظِ الْعُقُودِ وَمُطْلَقَاتِ الْأَقْوَالِ وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ تَنَزُّلُ الْعُرْف فِي تَبْقِيَةِ الثِّمَارِ إلَى أَوَانِ الْجِذَاذ مَنْزِلَة اشْتِرَاطِ التَّبْقِيَة فِيمَا اُسْتُبْقِيَتْ وَأَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِنَظِيرِ هَذَا وَنَقَلَ الْفُتْيَا إلَى الْأَحْيَاءِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فِيمَا إذَا وَقَفَ رِبَاطًا لِلصُّوفِيَّةِ فَذَكَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِغَيْرِ الصُّوفِيِّ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُمْ بِرِضَاهُمْ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَإِنَّ الْوَاقِفَ لَا يَقِفُ إلَّا مُعْتَقِدًا فِيهِ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الصُّوفِيَّةِ

فَيُنَزَّلُ عَلَى عَادَتِهِمْ وَعُرْفِهِمْ اهـ. لَفْظه أَيْضًا يُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْعُرْفِ نَقَلَ الْأَئِمَّةُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَقَرُّوهُ مَا لَفْظُهُ فِي الْعُرْفِ الْمُطَّرِدِ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرُوطِ ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ شَرْطٍ بِهَذَا الْعُرْفِ بِتَخْصِيصِهِ اهـ. وَبِمَا ذَكَرَاهُ فِي ذَلِكَ يَتَّضِحُ مَا ذَكَرْته مِنْ التَّفْصِيلِ السَّابِقِ فِي الْوُرُود، فَإِنْ قُلْت: مَحَلُّ اعْتِبَارِ الْعُرْفِ فِيمَا لَمْ يَنُصُّ الْوَاقِفُ عَلَى اشْتِرَاطِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ صَدْرِ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَقَوْل الْوَاقِف عَلَى وَارِدِ مَسْجِدٍ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: وَقَفْت هَذَا عَلَى الْغَنِيِّ أَوْ الْفَقِيرِ أَوْ نَحْوِهِمَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْله وَقَفْته عَلَى فُلَانٍ بِشَرْطِ كَوْنِهِ فَقِيرًا مَثَلًا فَيَكُونُ قَوْلُهُ: عَلَى وَارِد مَسْجِدِ بَلَدٍ كَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: بِشَرْطِ وُرُوده مَسْجِدَ كَذَا وَهُوَ إذَا قَالَ هَذَا الْأَخِيرَ لَا يُنْظَرُ فِيهِ لِلْعُرْفِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُنْظَرُ إلَيْهِ فِي الْأَلْفَاظِ الْمُطْلَقَةِ وَنَحْوِهَا كَمَا مَرَّ فَكَيْفَ حَكَّمْتُمْ الْعُرْفَ فِي هَذَا؟ وَلِمَ لَمْ تَقُولُوا حَيْثُ انْتَفَى الْوُرُود لَا اسْتِحْقَاق أَصْلًا؟ قُلْت: يُفَرَّقُ بَيْن الْوُرُود وَنَحْو الْفَقْرِ وَالْغِنَى بِأَنَّ تِلْكَ الصِّفَاتِ لَهَا ضَابِطٌ فِي الشَّرْعِ فَرُجِعَ فِيهَا إلَيْهِ وَلَمْ يُرْجَعْ لِلْعُرْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّر الْمَدْلُولَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْحَمْل عَلَيْهَا، وَأَمَّا الْوُرُود فَإِنَّهُ لَا ضَابِطَ فِي الشَّرْعِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ أَهْلِ الْعُرْفِ وَكُلُّ لَفْظٍ لَا مَدْلُولَ لَهُ فِي الشَّرْعِ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَدْلُولِهِ فِي الْعُرْفِ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ قُلْنَا فِي الْوُرُود: إنَّهُ لِلِاشْتِرَاطِ فَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا مَنْ وَرَدَ الْمَسْجِدَ مَا لَمْ يَطَّرِدْ الْعُرْفُ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ. وَحَيْثُ قُلْنَا: إنَّ الْوُرُودَ إلَى الْمَسْجِدِ شَرْطٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْوَارِدِ أَنْ يَحِلَّ لَهُ الْمُكْث فِي الْمَسْجِدِ؟ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ نَوَى نَحْو الْجُنُبِ الِاعْتِكَافَ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَصِحَّ اعْتِكَافُهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ مِنْ حَيْثُ الْمُكْثِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي حُصُولِ الِاعْتِكَافِ فَكَذَا يُقَالُ: هُنَا بِنَظِيرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَعْصِيَتَهُ مِنْ حَيْثُ الْمُكْثِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي حُصُولِ الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ مَعْصِيَةً وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ كَمَا يَصِحُّ بِنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ لَابِسُ الْخُفِّ الْمُحَرَّمِ لَهُ الْمَسْح بِخِلَافِ مَا إذَا حُرِّمَ لِذَاتِ اللُّبْسِ كَأَنْ كَانَ مُحْرِمًا وَلَبِسَهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْح عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ مِنْ حَيْثُ اللُّبْسِ الَّذِي بِهِ الرُّخْصَةُ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِاسْتِبَاحَتِهَا وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ هُنَا مِنْ حَيْثُ الْوُرُودِ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ الِاسْتِحْقَاقَ لِئَلَّا يُتَوَصَّلَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ بَلْ لَوْ فُرِضَ أَنَّ الْوَاقِفَ نَصَّ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ لَغَا وَقْفُهُ أَوْ شَرْطه؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ عَلَى ذِي الْمَعْصِيَةِ أَوْ اشْتِرَاطِ مَا فِيهِ مَعْصِيَةٌ كُلٌّ مِنْهُمَا لَغْوٌ. ثَانِيهِمَا هَلْ يَسْتَحِقُّ مَنْ وَرَدَ إلَى زِيَادَةِ الْمَسْجِدِ الْحَادِثَةِ بَعْد الْوَقْفِ الَّذِي يَظْهَرُ لِي فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى لَفْظِ الْوَاقِفِ؟ ، فَإِنْ كَانَ قَالَ: وَقَفْت هَذَا عَلَى وَارِدِ هَذَا الْمَسْجِدِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْوَارِدُ إلَى الزِّيَادَةِ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ قَالَ: عَلَى وَارِدِ مَسْجِدِ بَلَدِ كَذَا اسْتَحَقَّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْأَوَّلِ هَذَا الْمَسْجِد لَمْ يَتَنَاوَل الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ أَنَّهَا حَدَثَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْإِشَارَةُ تَخْتَصُّ بِالْمَوْجُودِ وَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ، فَالْوَارِدُ إلَى الزِّيَادَة حِينَئِذٍ لَمْ يَتَنَاوَلهُ لَفْظُ الْوَاقِفِ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: مَسْجِد بَلَدِ كَذَا فَإِنَّهُ لَا إشْعَارَ فِيهِ بِالِاخْتِصَاصِ بِالْمَسْجِدِ الْمَوْجُودِ حَالَ الْوَقْفِ فَاسْتَحَقَّ الْوَارِدُ إلَى الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهَا إذَا وَقَفَتْ مَسْجِدًا صَارَتْ مِنْ مَسْجِدِ بَلَدِ كَذَا وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْته وَمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ الْأَفْضَلِيَّةَ الثَّابِتَةَ لِمَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُسْتَفَادَة مِنْ قَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا» خَاصَّةٌ بِمَا كَانَ فِي زَمَنِهِ دُون مَا زِيدَ فِيهِ بَعْدُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذَا لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْمَوْجُودَ حَالَ الْإِشَارَةِ، وَالزِّيَادَةُ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَلْحَقُ بِهِ فِي الْفَضِيلَةِ اقْتِصَارًا عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِجَمْعٍ عَلَيْهِ اعْتِرَاضَاتٌ كَثِيرَةٌ بُيِّنَتْ فِي حَاشِيَةِ مَنَاسِك النَّوَوِيِّ الْكُبْرَى رَدَّهَا، وَأَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فَاتَّضَحَ بِمَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْته مِنْ التَّفْصِيلِ ثُمَّ رَأَيْت مَا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ الرَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نَقَلَ آخِرَ كِتَابِ الْأَيْمَانِ عَنْ الْحَنِيفَةِ فُرُوعًا وَقَالَ فِي آخِرِهَا: وَبِجَمِيعِ هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ نَقُولُ: إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْعِلْمِ، وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ تِلْكَ الْفُرُوعِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْمَسْجِدَ فَزِيدَ فِيهِ فَدَخَلَ

لِلزِّيَادَةِ حَنَثَ قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي الرَّوْضَةِ قُلْت فِي مُوَافَقَتِهِمْ: فِي مَسْأَلَةِ زِيَادَةِ الْمَسْجِدِ نَظَرٌ. وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ بِدُخُولِهَا؛ لِأَنَّ الْيَمِين لَمْ يَتَنَاوَلهَا حَالَةَ الْحَلِفِ اهـ. قَالَ الْإِسْنَوِيّ: وَيَدُلُّ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ الْحِنْث أَنَّ الْأَفْضَلِيَّةَ الثَّابِتَةَ لِمَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةٌ بِمَا كَانَ فِي زَمَنِهِ دُونَ مَا زِيدَ فِيهِ بَعْدُ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيّ فِي مَنَاسِكِهِ وَغَيْرُهُ اهـ. فَتَأَمَّلْ قَوْلَ النَّوَوِيِّ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا حَالَةَ الْحَلِفِ وَاسْتِشْهَادُ الْإِسْنَوِيِّ بِمَا ذَكَرَهُ فِي زِيَادَةِ مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُنْتِجْ لَك مَا ذَكَرْتُهُ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَأَنَّ مَسْأَلَةَ الْوَقْفِ وَمَسْأَلَةَ الْحَلِفِ وَالثَّوَابِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ وُجِدَ فِيهِ التَّلَفُّظُ بِهَذَا الْمَسْجِدِ فَكَمَا لَمْ تَدْخُلْ الزِّيَادَةُ فِي تَيْنِك عَمَلًا بِقَوْلِهِ: هَذَا فَكَذَلِكَ لَا تَدْخُلُ فِي مَسْأَلَة الْوَقْف عَمَلًا بِقَوْلِهِ: فِيهَا هَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ وَارِدُ مَسْجِدِ كَذَا، فَإِنَّ وَارِدَ الزِّيَادَةِ يُسْتَحَقُّ لِمَا مَرَّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ صَرِيحًا قَوْلُ الرَّافِعِيِّ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ مَسْجِدَ بَنِي فُلَانٍ فَدَخَلَ فِي زِيَادَةٍ حَادِثَةٍ فِيهِ حَنَثَ اهـ. وَأَقَرُّوهُ مَعَ تَضْعِيفِهِمْ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ فَاقْتَضَى أَنَّ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ فَرْقًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا يَتَّضِحُ لَك مِمَّا قَرَّرْتُهُ وَيَأْتِي فِي إيقَادِ الزِّيَادَةِ وَفَرْشِهَا وَغَيْرِهِمَا مِنْ مَالِ الصَّدَقَاتِ الْمَوْجُودَةِ قَبْلَهَا مَا تَقَرَّرَ فَإِنَّ الْمُتَصَدِّقَ عَلَى هَذَا الْمَسْجِدِ لَمْ يُصْرَفْ مِنْ صَدَقَتِهِ شَيْءٌ لِمَصَالِحِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ بَعْدَ تِلْكَ الصَّدَقَةِ، وَإِنْ قَالَ: عَلَى مَسْجِدِ بَلَدِ كَذَا أَوْ بَنِي فُلَانٍ صُرِفَ مِنْ صَدَقَتِهِ لِمَصَالِحِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ وَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْغَزَالِيِّ يَجُوزُ بِنَاءُ مَنَارَةٍ لِلْمَسْجِدِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: أَوْ عَلَى عِمَارَتِهِ وَمَحَلُّهُمَا إنْ جَازَ بِنَاؤُهُمَا بِأَنْ احْتَاجَ إلَيْهِمَا وَلَمْ تَمْتَنِعْ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا وَمِنْ ثَمَّ عَلَّلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إطْلَاقَهُ مَنْعَ بِنَائِهَا بِأَنَّهَا تَشْغَلُ مَوْضِعَ الصَّلَاةِ وَمِثْلُهَا حَفْرُ الْبِئْرِ فِيهِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ، نَعَمْ الَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهُ إنْ ضَيَّقَ وَلَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ حَرُمَ، وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ وَلَمْ يُضَيِّقْ لَمْ يُكْرَهْ وَعَنْ الْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَى مَصْلَحَةِ الْمَسْجِدِ أَوْ عَلَى الْمَسْجِدِ يَجُوزُ شِرَاءُ الْحُصْرِ وَالدُّهْنِ مِنْهُ، وَالْقِيَاسُ جَوَازُ الصَّرْفِ إلَى الْمُؤَذِّنِ وَالْإِمَامِ أَيْضًا اهـ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَمَحَلُّ جَوَازِ الصَّرْفِ عَلَى نَحْوِ الْمَنَارَةِ وَالْبِئْرِ وَالْبِرْكَةِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَى الْمَسْجِدِ أَوْ عَلَى مَصَالِحِهِ إنْ جَازَ بِنَاءُ الْمَنَارَةِ وَحَفْرُ الْبِئْرِ وَالْبِرْكَةِ، وَإِلَّا لَمْ يُصْرَفْ عَلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ اهـ. مُلَخَّصًا، فَإِنْ قُلْتَ: فَحَيْثُ قُلْنَا بِأَنَّ الزِّيَادَةَ يُصْرَفُ عَلَى مَصَالِحِهِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَى الْمَسْجِدِ أَوْ عَلَى مَصَالِحِهِ قَبْلَ وُجُودِهَا فَهَلْ يَتَقَيَّدُ الصَّرْفُ عَلَيْهَا؟ وَمِنْ ذَلِكَ إذَا جَازَتْ بِأَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهَا لِضِيقِ الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَضْطَرَّ إلَيْهَا فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَأَقَرُّوهُ قُلْت: يُحْتَمَلُ أَنْ يُفِيدَ جَوَازَ الصَّرْفِ عَلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ بِمَا إذَا جَازَتْ قِيَاسًا عَلَى الصَّرْفِ عَلَى نَحْوِ الْمَنَارَةِ وَالْبِئْرِ وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ وَإِنْ حَرُمَتْ تُسَمَّى مَسْجِدًا فَيَتَنَاوَلُهَا قَوْلُ الْمُتَصَدِّقِ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا، وَالْحُرْمَةُ لَيْسَتْ فِي اتِّخَاذِهَا بَلْ فِي هَدْمِ جِدَارِ الْمَسْجِدِ لِأَجْلِهَا، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ إطْلَاق لَفْظِ الْمَسْجِدِ عَلَيْهَا فَمِنْ ثَمَّ اسْتَحَقَّتْ أَنْ يُصْرَفَ عَلَيْهَا مِنْ وَقْفِهِ لِشُمُولِ لَفْظِهِ لَهَا مَعَ عَدَمِ اتِّصَافِهَا بِالْحُرْمَةِ بِخِلَافِ نَحْوِ الْمَنَارَةِ وَالْبِئْرِ فَإِنَّهُمَا يُوصَفَانِ بِالْحُرْمَةِ مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِمَا فَلَمْ يُمْكِنْ مَعَ ذَلِكَ الصَّرْفُ عَلَيْهِمَا مِنْ وَقْفِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حِينَئِذٍ إعَانَةً عَلَى مَعْصِيَةٍ عَلَى أَنَّهُمَا مَعَ الزِّيَادَةِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ؛ لِأَنَّا إنْ أَرَدْنَا الصَّرْفَ عَلَى الثَّلَاثَةِ حِينَ تُوجَدُ فَصَلْنَا بَيْنَ جَوَازِ اتِّخَاذِهَا وَعَدَمِهِ وَإِنْ أَرَدْنَا الصَّرْفَ عَلَيْهَا بَعْدَ بِنَاءِ الْمَنَارَةِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ وَبِنَاءِ الزِّيَادَةِ جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ حَرُمَ اتِّخَاذُهَا؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ ذَاتِهَا بَلْ مِنْ حَيْثُ انْتِفَاعِ الْمَسْجِدِ بِهَا كَالصَّرْفِ عَلَى رِشَاءِ الْبِئْرِ وَمُؤَذِّنٍ عَلَى الْمَنَارَةِ أَوْ إيقَادٍ عَلَيْهَا عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ وَعَلَى نَحْوِ حُصْرٍ وَإِيقَادٍ لِلزِّيَادَةِ. فَالثَّلَاثَةُ سَوَاءٌ فَنَتَجَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَيَسْقُطُ السُّؤَالُ مِنْ أَصْلِهِ، فَإِنْ قُلْت: مَا ذَكَرْته مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الزِّيَادَةِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ: هَذَا الْمَسْجِد لَا يَشْمَلُهَا وَقَوْلَهُ: مَسْجِدُ كَذَا يَشْمَلُهَا كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الِاقْتِدَاءِ يُخَالِفُهُ وَيَقْتَضِي أَنَّ الزِّيَادَةَ لَهَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَلْحَقُوا رَحَبَة الْمَسْجِدِ بِهِ وَهِيَ الْخَارِجَةُ عَنْهُ الْمُحَوَّطُ عَلَيْهَا لِأَجْلِهِ سَوَاءٌ أَبُنِيَتْ مَعَهُ أَمْ لَا فَيَحْرُمُ الْمُكْثُ فِيهَا عَلَى الْجُنُبِ

وَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ لِمَنْ فِيهَا بِمَنْ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنْ حَالَ بَيْنَهُمَا مَا يَمْنَعُ الْمُرُورَ وَالرُّؤْيَةَ وَغَيْر ذَلِكَ صَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ شَيْخُ الطَّرِيقَيْنِ بِمَا هُوَ أَعَمّ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: فَأَمَّا الصَّلَاةُ فِي الْمَسَاجِدِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْمَسْجِدِ وَبَابُهَا إلَى الْمَسْجِدِ فَالْحُكْمُ فِيمَنْ صَلَّى فِيهَا حُكْمُ مَنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ أَبْوَابهَا مُغْلَقَةً عَنْ الْمَسْجِدِ أَوْ مُفَتَّحَةً، وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَسَاجِد بُنِيَتْ مَعَ الْجَامِعِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَتْ بُنِيَتْ مَعَهُ فَهِيَ مِنْ الْجَامِعِ، وَإِنْ كَانَتْ بُنِيَتْ بَعْدَهُ فَقَدْ أُضِيفَتْ إلَيْهِ فَهِيَ مِنْهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ اهـ. كَلَامُهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمَذْكُورَةَ حُكْمُهُمَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا فَلِمَ لَمْ نَقُلْ بِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا قُلْتُ مَلْحَظُ مَا نَحْنُ فِيهِ غَيْرُ مَلْحَظِ صِحَّةِ الْقُدْوَةِ وَالِاعْتِكَافِ وَحُرْمَةِ الْمُكْثِ عَلَى الْجُنُبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَسْجِدِ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ مَسْجِدًا وَهَذِهِ كُلُّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالزِّيَادَةِ وَالرَّحَبَةِ وَنَحْوِهِمَا فَهُمَا فِيهِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى مَا يُسَمَّى مَسْجِدًا وَمَا يَلْحَقُ بِهِ وَهَذِهِ كَذَلِكَ، وَأَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَالْحُكْمُ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِالْمَسْجِدِ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ مَسْجِدًا فَحَسْبُ، بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَاقِفَ قَصَرَ الِاسْتِحْقَاقَ لِوَقْفِهِ عَلَى الْوُرُودِ لِمَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ فَكُلُّ مَنْ وَرَدَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الْوَاقِفُ اسْتَحَقَّ، وَمَنْ لَمْ يَرِدْهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ، وَقَصْرُ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ إنَّمَا يَكُونُ بِاللَّفْظِ فَمِنْ ثَمَّ نَظَرْنَا لِلَّفْظِ وَقُلْنَا: إنْ كَانَ فِيهِ إشَارَةٌ لَمْ تَدْخُلْ الزِّيَادَةُ وَإِلَّا دَخَلَتْ عَمَلًا بِمَدْلُولِ اللَّفْظِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ أُعْطِيت أَحْكَامَ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَلْحَظَ آخَرُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ هَذَا كُلُّهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالزِّيَادَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَبَقِيَ النَّظَرُ فِي قَوْلِ السَّائِلِ نَفَعَنِي اللَّهُ تَعَالَى بِبَرَكَاتِهِ وَمَدَدِهِ وَهَلْ يَأْتِي ذَلِكَ فِي نَظَائِرِهِ كَبِئْرِ عُمْقُهُ عِشْرُونَ ذِرَاعًا وَلَهُ صَدَقَة عَلَى رِشَاهُ فَعُمِّقَ إلَى ثَلَاثِينَ؟ . وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ لِي فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى رِشَاهُ مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَيْهَا مُطْلَقًا وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زِيَادَةِ الْمَسْجِدِ بِأَنَّ رِشَاءَ الْبِئْرِ لَا ضَابِطَ لَهُ وَلَا انْحِصَار فَإِنَّهُ قَدْ يَطُولُ وَقَدْ يَقْصُرُ بِحَسْبِ قِلَّةِ مَاءِ الْبِئْرِ تَارَةً وَكَثْرَتِهَا أُخْرَى فَلِذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّ غَرَضَ الْوَاقِفِ لَيْسَ التَّخْصِيصَ بِرِشَاءٍ مُعَيَّنٍ، وَإِنَّمَا قَصْده أَنْ يُصْرَفَ مِنْ صَدَقَتِهِ لِرِشَاءِ هَذِهِ الْبِئْرِ، سَوَاءٌ أَطَالَ أَمْ قَصُرَ فَمِنْ ثَمَّ لَمْ نَقُلْ بِتَخْصِيصِهِ بِرِشَاءٍ لَهُ طُولٌ مُعَيَّنٌ بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى وُرُودِ هَذَا الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ بِهِ أَنَّ النَّاسَ يَكْثُر وِرْدُهُمْ لَهُ حَتَّى يَزِيدَ ثَوَابُهُ بِزِيَادَتِهِمْ وَقَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي تَخْصِيصِهِ الْوَرْدِ بِمَحَلٍّ مُعَيَّنٍ لِكَوْنِهِ بِنَاءَهُ أَوْ بِنَاءَ صَدِيقِهِ أَوْ مَنْ يُرِيدُ إيصَالَ خَيْرٍ لَهُ بِكَثْرَةِ صَلَاةِ النَّاسِ وَاجْتِمَاعِهِمْ فِيهِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِرِشَاءٍ لَهُ طُولٌ مُعَيَّنٌ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ لَهُ أَغْرَاضٌ تُحْمَلُ عَلَيْهِ وَيَكْثُرُ وُقُوعُهَا وَقَصْدُهَا بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ بِرِشَاءٍ لَهُ طُولٌ مُعَيَّنٌ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ لَهُ غَرَضٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ أَلْبَتَّةَ فَحَمَلْنَا لَفْظَهُ عَلَى الْعُمُومِ؛ لِأَنَّ الْخُصُوصَ غَيْرُ مَقْصُودٍ عَادَةً فَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ وَقَدْ مَرَّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْعُرْفَ قَدْ يُخَصِّصُ الشَّرْطَ وَقِيَاسُهُ أَنَّ الْعُرْفَ قَدْ يُعَمِّمُهُ عَلَى أَنَّهُ فِي مَسْأَلَتِنَا لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّا لَمْ نُخْرِجْ لَفْظَ الْوَاقِفِ عَنْ مَوْضُوعِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: عَلَى رِشَاءِ هَذَا الْبِئْرِ يَشْمَلُ رِشَاءَهَا وَعُمْقَهَا عِشْرُونَ أَوْ ثَلَاثُونَ؛ لِأَنَّهُ رِشَاءٌ لَهَا فِي الْحَمْلَيْنِ وَوُجُودُ زِيَادَةٍ فِيهِ لِزِيَادَةِ عُمْقِهَا بَعْدَ الْوَقْفِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ عَنْهُ لَا يُخْرِجُ الرِّشَاءَ عَنْ كَوْنِهِ رِشَاءَ هَذِهِ الْبِئْرِ بِخِلَافِ وَارِدِ الزِّيَادَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَارِدٌ إلَى هَذَا الْمَسْجِدِ لِتَمَيُّزِ الزِّيَادَةِ عَنْهُ حِسًّا وَمَعْنًى وَقَوْلُكُمْ فِي شَرْحِ الْجَلَالِ السُّيُوطِيِّ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَيَسَّرْ لِي الْآنَ رُؤْيَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِي فِيهِ قَوْل الْبُلْقِينِيُّ لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ الْمَبِيتَ فِي خَانِقَاه أَوْ مَدْرَسَةٍ مَثَلًا فَبَاتَ مَنْ شَرَطَ مَبِيتَهُ خَارِجَ الْمَدْرَسَةِ لِخَوْفٍ عَلَى نَفْسٍ أَوْ زَوْجَةٍ أَوْ مَالٍ وَنَحْوِهَا فَقَدْ أَفْتَيْتُ بِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ مِنْ جَامِكِيَّتِهِ شَيْءٌ كَمَا لَا يُجْبَرُ تَرْكُ الْمَبِيتِ أَيْ: بِمُزْدَلِفَةَ أَوْ مِنًى لِلْمَعْذُورِينَ بِالدَّمِ وَهُوَ مِنْ الْقِيَاسِ الْحَسَنِ وَلَمْ أُسْبَقْ إلَيْهِ اهـ. كَذَا نُقِلَ عَنْهُ وَعِبَارَةُ فَتَاوِيهِ وَظِيفَةٌ فِي مَدْرَسَةٍ شَرَطَ وَاقِفُهَا الْبَيَاتَ فِيهَا وَكَذَا إذَا ظَهَرَ عُذْرٌ شَرْعِيٌّ ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْوَظِيفَةِ تَزَوَّجَ وَلَا يَطْمَئِنُّ إلَّا أَنْ يَبِيتَ عِنْدَ أَهْلِهِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى مُفَارَقَةِ بَيْتِهِ خَوْفًا عَلَيْهِ

وَعَلَى مَا فِيهِ لَا سِيَّمَا بِاللَّيْلِ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ مَعْلُومِهِ؟ فَأَجَابَ نَعَمْ يَسْتَحِقُّ مَعْلُومَهُ وَقَدْ أَفْتَيْت بِهَذَا مَرَّاتٍ وَاسْتَشْهَدْت فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَضِيَّةِ تَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى بِعُذْرٍ. وَلَا يَلْزَمُ الْجَبْرُ بِالْفِدْيَةِ وَهُوَ اسْتِشْهَادٌ حَسَنٌ اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّا حَيْثُ قُلْنَا: الْوَرْدُ شَرْطٌ فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَوْ تَرَكَهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ مَحَلَّهُ مَا إذَا تَرَكَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ مِمَّا مَرَّ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ مَعَ ذَلِكَ لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي شَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ الْمَبِيتَ يُحْمَلُ عَلَى مُعْظَمِ اللَّيْلِ فَهَلْ يَلْحَقُ بِهِ الْوُرُودُ فِي ذَلِكَ؟ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْوَارِدُ إلَّا إلَّا مَكَثَ فِي الْمَسْجِدِ مُعْظَمَ اللَّيْلِ حَتَّى لَوْ خَرَجَ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ يُغَرَّمُ مَا تَعَاطَاهُ مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَى الْوَارِدِينَ أَوْ يُكْتَفَى بِمُكْثِهِ فِيهِ حَتَّى يَأْكُلَ مَحَلُّ نَظَرٍ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ لِلْوُرُودِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ ضَابِطٌ مُطَّرِدٌ حُمِلَ عَلَيْهِ كَمَا أَشَرْت إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عُرْفٌ كَذَلِكَ حُمِلَ عَلَى مَدْلُولِهِ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَوْ لَحْظَةً وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الصَّلَاحِ أَفْتَى فِيمَنْ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى أَنْ يُصْرَفَ مِنْ مُغَلِّهِ لِمَنْ يَبِيتُ بِمَوْضِعِ كَذَا هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَبِيتُ بَعْدَ الْأَكْلِ؟ وَإِذَا لَمْ يَبِيت يَضْمَنُ النَّاظِرُ وَهَلْ يَجِبُ مَبِيتُ اللَّيْلِ كُلِّهِ أَوْ أَكْثَرِهِ؟ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَبِيتُ وَلَكِنْ إذَا لَمْ يَبِتْ غَرِمَ مَا أَكَلَ كَابْنِ السَّبِيلِ إذَا أَخَذَ لَا يَلْزَمُهُ السَّفَرُ لَكِنْ أَنَّ لَمْ يُسَافِرْ لَزِمَهُ رَدُّ مَا أَخَذَهُ وَيَحْرُمُ الْأَكْلُ مَعَ الْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ الْمَبِيتِ، وَيَحْصُلُ الِاسْتِحْقَاقُ بِمَبِيتِ مُعْظَمِ اللَّيْلِ كَمَنْ حَلَفَ لَيَبِيتَنَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِمَوْضِعِ كَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فِي تَوَسُّطِهِ وَفِي تَعْزِيمِهِ بِمَا إذَا لَمْ يَبِتْ نَظَرٌ إذَا كَانَ عِنْدَ الْأَكْلِ عَازِمًا عَلَى الْمَبِيتِ ثُمَّ عَنَّ لَهُ السَّفَرُ مَعَ رِفْقَةٍ تَرْحَلُ أَوْ لِعُذْرٍ طَرَأَ إذْ الْوَاقِفُ لَا غَرَضَ لَهُ وَلَا حَظَّ لَهُ فِي الْمَبِيتِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ الْوَاقِعُ أَوْ الْغَالِبُ مِنْ أَنَّ الْغَرِيبَ إذَا قَدِمَ إلَى رِبَاطٍ مُسَبَّلٍ وَأَمْسَى بِهِ أَنَّهُ يَبِيتُ بِهِ وَيَظْهَرُ لِلْمُتَأَمِّلِ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ السَّبِيلِ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ أَنَّ الْمَبِيتَ لَيْسَ بِشَرْطٍ مُتَّجَهٌ أَنَّ اطَّرَدَ الْعُرْفِ حَالَ الْوَقْفِ بِمَدْلُولِ لَفْظِ الْوَاقِفِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (سُئِلَ) عَمَّا لَوْ قَالَ شَخْصٌ تَصَدَّقْت بِهَذَا عَلَى الْفُطُورِ أَوْ الْوَارِدِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ مَكَان يُفْطِرُ فِيهِ وَمَكَانٍ يَرِدُ فِيهِ وَجَرَتْ الْعَادَةُ بِإِرَادَةِ مَكَان مُعَيَّنٍ أَوْ لَمْ تَجْرِ مَا الْحُكْمُ فِيهِ؟ وَهَلْ إذَا قُلْتُمْ بِحِصَّةِ ذَلِكَ فَهَلْ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُفْطِرَ فِيهِمَا أَوْ يُفْطِرَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ حَيْثُ اطَّرَدَتْ الْعَادَةُ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ حَالَ الْوَقْفِ بِإِرَادَةِ مَكَان مُعَيَّنٍ حُمِلَ الْوَقْفُ عَلَيْهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْعُرْفَ الْمُطَّرِدَ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ حَالَ وَقْفِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرُوطِ فِي وَقْفِهِ فَلَا يُعْطَى إلَّا مَنْ وَرَدَ ذَلِكَ الْمَكَانَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِمْ: لَوْ قَالَ: وَقَفْت هَذَا عَلَى مَسْجِدٍ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ وَلَمْ تَطَّرِدْ الْعَادَةُ بِإِرَادَةِ مَسْجِدٍ مُعَيَّنٍ بَطَلَ الْوَقْفُ. وَقَوْلُهُمْ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ لَمْ يَصِحَّ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يُقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ وَلَمْ يُعْلَمْ قَبْرُهُ بَطَلَ الْوَقْفُ وَعَلَى قَضِيَّةِ كَلَامِ النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ لِلْقِرَاءَةِ مُدَّةً مَعْلُومَةً لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ وَعَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي مَالٍ مَوْقُوفٍ عَلَى مَصْلَحَةِ الْبِلَادِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْبِلَادُ مُعَيَّنَةً مُسَبَّلَةً، وَإِلَا لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ خَيْرَانَ فِي اللَّطِيفِ لَوْ قَالَ: وَقَفْت هَذِهِ مُدَّةً عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ أَوْ عَلَى بَنِي آدَمَ أَوْ عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ لَا تُحْصَى أَهْلُهُ كَثْرَةً كَبَغْدَادَ لَمْ يَجُزْ وَلَا عَلَى بَنِي تَمِيمٍ وَلَا عَلَى مَنْ وُلِدَ فِي هَذَا الْعَامِ وَلَا عَلَى مَنْ افْتَقَرَ وَلَا عَلَى مَنْ قَدِمَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ اهـ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَصِحُّ الْوَقْفُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى الْفُطُورِ أَوْ عَلَى الْوَارِدِ لَا إيهَامَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفِ، وَإِنَّمَا فِيهِ إيهَامٌ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانِ، وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ فَهُوَ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَأَطْلَقَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ هُنَا عَلَى جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَالْجَهْلُ فِيهَا بِالْمَكَانِ لَا يَضُرُّ، وَبِهَذَا فَارَقَتْ صُورَةُ السُّؤَالِ مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ ثَمَّ لَيْسَ عَلَى جِهَةٍ، وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ عَلَى جِهَةٍ اُشْتُرِطَ تَعْيِينُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِالشَّخْصِ أَوْ بِالْوَصْفِ الْمُمَيِّزِ لَهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَذَلِكَ مَفْقُودٌ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ أَمَّا مَسْأَلَةُ الْمَسْجِدِ وَأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ ابْنِ الصَّلَاحِ فَلِأَنَّهُ كَمَا ذَكَرَهُ مَخْصُوصٌ بِجِهَةٍ خَاصَّةٍ فَإِذَا تَعَذَّرَتْ لَغَا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ

وَقَفْتُ هَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ جِهَةً بَطَلَ وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ النِّهَايَةِ فِيهِ نَظَرٌ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الْأَصْبَحِيِّ اعْتِمَاده وَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَيْسَ فِيهِ تَعْيِينٌ لِلْجِهَةِ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ خَيْرَانَ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ الصِّحَّةُ وَيَجُوز الِاقْتِصَارُ فِي الصَّرْفِ عَلَى ثَلَاثَةٍ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ الَّتِي ذَكَرُوهَا وَإِذَا قُلْنَا: بِالصِّحَّةِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَة بِإِرَادَةِ مَكَان مُعَيَّنٍ الَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّ النَّاظِرَ الْخَاصَّ أَوْ الْعَامَّ وَهُوَ الْحَاكِمُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِبَلَدِ الْوَقْفِ حَاكِمٌ فَأَهْلُ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ مِنْ أَهْلِهَا يَتَوَلَّى صَرْفَ هَذَا الْوَقْف فِي الْفُطُورِ أَوْ إطْعَام الْوَارِدِينَ فِي أَيِّ مَكَان اقْتَضَى نَظَرُهُ أَنَّ فِيهِ الْمَصْلَحَةَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ بَلَدِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الْجِهَةَ إذَا لَمْ يُعَيَّنْ لِلصَّرْفِ فِيهَا مَكَانٌ كَانَ الْخِيَرَةُ فِي الصَّرْفِ فِيهَا إلَى النَّاظِرِ كَمَا لَا يَخْفَى وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّ النَّاظِرَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ مِنْهَا فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلنَّاظِرِ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ إلَّا مَا شُرِطَ لَهُ وَبِأَنَّهُ لَوْ عَمِلَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا فَلْيَرْفَعْ الْأَمْرَ إلَى حَاكِمٍ لِيُقَرِّرَ لَهُ أُجْرَةَ مِثْلِ فِعْلِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِالْأَخْذِ قِيَاسًا عَلَى الْوَالِي لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ فِي مَالِ الْوَقْفِ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ هَذَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَخْذِهِ لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا مَنْعُ إعْطَائِهِ لِمَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ فَيُحْتَمَلُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذَا قَالَ الْمُوصِي: ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ شِئْت لَمْ يَضَعْهُ فِي نَفْسِهِ وَابْنِهِ وَزَوْجَتِهِ وَلَا وَرَثَةُ الْمُوصِي وَلَا فِيمَا لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ لِلْمَيِّتِ وَأَفْتَى الدَّارِمِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: فَرِّقْ ثُلُثِي لَمْ يُعْطِ نَفْسَهُ وَلَا مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا مَنْ يَخَافُهُ أَوْ يَسْتَصْلِحُهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: لَهُ الصَّرْفُ لِأَبَوَيْهِ وَأَوْلَادِهِ وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْوَصِيِّ الْأَوَّلِ وَقِيَاسُهُ أَنَّ النَّاظِرَ مِثْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمُوصِي فَوَّضَ لِلْوَصِيِّ الدَّفْعَ لِمَنْ شَاءَ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ شَاءَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لَمْ يَجُزْ، فَالنَّاظِرُ كَذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْوَقْفَ هُنَا عَلَى جِهَةٍ فَأَفْرَادُهَا لَيْسُوا مَقْصُودِينَ بِطَرِيقِ الذَّاتِ بَلْ مِنْ حَيْثُ دُخُولِهِمْ تَحْتَ ضَابِطِ تِلْكَ الْجِهَةِ وَمُسَمَّاهَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهَا لَمْ يُقْصَدْ بِهَا الْجِهَةُ، وَإِنَّمَا قُصِدَ بِهَا أَفْرَادٌ مِنْ النَّاسِ لَكِنْ وُكِّلَ تَعْيِينُهُمْ إلَى الْوَصِيِّ وَاجْتِهَادِهِ فَاخْتِيَارُهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ يُنَافِي مَا فَوَّضَهُ إلَيْهِ مِنْ الِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَ أُولَئِكَ لِلنَّفْسِ فِيهِ حَظٌّ وَيَعُودُ عَلَيْهِ مِنْهُ مَنْفَعَةٌ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ إذْنُ الْمُوصِي وَتَفْوِيضُهُ التَّعْيِينَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اجْتِهَادٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ دَاعِيَةَ إيثَارِهِمْ تَبْطُلُ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الِاجْتِهَادِ وَتَقْضِي أَنَّ سَبَبَهُ عَوْدُ مَنْفَعَة عَلَيْهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ مَوْجُودًا فِي نَاظِرِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ رَبَطَ الِاسْتِحْقَاقَ فِي وَقْفِهِ بِجِهَةٍ مَوْصُوفَة بِوَصْفٍ فَكَانَ مِنْ وَجْه مُتَّصِفًا بِتِلْكَ الصِّفَةِ جَازَ إعْطَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا اجْتِهَادَ هُنَا حَتَّى يُقَالَ فِيهِ بِمِثْلِ مَا مَرَّ فِي الْوَصِيِّ وَاَلَّذِي يَتَرَجَّحُ عِنْدِي الْآنَ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ قِيَاسًا عَلَى الْوَصِيِّ وَلَا تَأْثِيرَ لِلْفَرْقِ الْمَذْكُورِ لِمَا عَلِمْت أَوَّلًا مِنْ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِمَنْعِ أَخْذِهِ لِنَفْسِهِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ إعْطَاءَ مُمَوَّنِهِ فِيهِ إعْطَاءٌ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ بِهِ تَتَوَفَّرُ مُؤْنَةُ الْمُمَوِّنِ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ نَعَمْ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ لَا يَتَوَفَّرُ عَلَيْهِ بِالْإِعْطَاءِ شَيْءٌ كَأَنْ كَانَ عَلَى الْمُمَوَّنِ دَيْنٌ أَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ لَا يَكْفِيهَا مَا يَجِبُ لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ فَلَا يَبْعُدُ حِينَئِذٍ جَوَازُ الدَّفْعِ إلَيْهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ يَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَيْهِمْ وَيَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ بِنَظِيرِ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَإِنْ اقْتَضَى إطْلَاقُ الشَّافِعِيِّ وَالدَّارِمِيِّ السَّابِقُ خِلَافَهُ، فَإِنْ قُلْت: قَضِيَّةُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ مَا هُنَا وَالْوَصِيَّةِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي أَنَّ النَّاظِرَ لَا يَجُوزُ لَهُ الدَّفْعُ إلَى وَرَثَة الْوَاقِفِ كَمَا لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ الدَّفْع إلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ قُلْت: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ وَهُوَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ مُمْتَنِعَةٌ إلَّا بِإِجَازَةِ بَاقِي الْوَرَثَةِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ فَلَمْ يُحْمَلْ لَفْظُ الْمُوصِي عَلَى مَا يَشْمَلُ وَارِثَهُ بِخِلَافِ لَفْظِ الْوَاقِفِ لِصَدَقَتِهِ الدَّائِمَةِ وَهِيَ عَلَى الْقَرِيبِ أَفْضَلُ مِنْهَا عَلَى الْبَعِيدِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّ أَظْهَرَ مَقَاصِدِهَا التَّمْلِيكُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ حِينَئِذٍ مُمْتَنِعٌ عَلَى الْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْمَوْتِ، وَبِهَذَا يُعْلَمُ فُرْقَانُ مَا بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، فَإِنْ قُلْت: مَرَّ عَنْ الدَّارِمِيِّ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يُعْطِي مَنْ يَخَافُهُ أَوْ يَسْتَصْلِحُهُ فَهَلْ يُقَالُ بِنَظِيرِهِ فِي نَاظِرِ الْوَقْفِ؟ قُلْت: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: بِنَظِيرِ هَذَا أَيْضًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِالْفَرْقِ وَهُوَ الَّذِي يُتَّجَهُ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ غَرَضَ الْخَوْفِ أَوْ الِاسْتِصْلَاحِ يُنَافِي مَا فَوَّضَهُ إلَيْهِ مِنْ الِاجْتِهَادِ بِخِلَافِ فِي الْوَقْفِ فَإِنَّ

الْوَاقِفَ أَنَاطَهُ بِصِفَةٍ فَحَيْثُ وُجِدَتْ جَازَ لِلنَّاظِرِ الصَّرْفُ، وَإِنْ كَانَ لِخَوْفٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَمِنْ ثَمَّ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِوَصِيِّهِ: فَرِّقْ ثُلُثِي عَلَى الْفُقَرَاءِ جَازَ لَهُ الدَّفْعُ لِكُلِّ مُتَّصِفٍ بِالْفَقْرِ وَالْخَوْفِ أَوْ نَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ اجْتِهَادَهُ بِإِنَاطَةِ الْإِعْطَاءِ بِالْوَصْفِ الَّذِي عَيَّنَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ قَالَ شَخْصٌ: تَصَدَّقْت بِأَرْضِي الْفُلَانِيَّةِ عَلَى أَوْلَادِي فِي غَيْبَةِ آلَ فُلَانٍ وَآلِ فُلَانٍ إنْ قَامُوا بِالْغَيْبَةِ فَهِيَ بَيْنَهُمْ، وَإِلَّا فَهِيَ لِمَنْ قَامَ بِالْغَيْبَةِ وَمُرَادُهُ فِيمَا يَظْهَرُ بِالْغَيْبَةِ ضِيَافَةُ مَنْ ذُكِرَ، وَالْغَالِبُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَنْ يَقْصِدَ الْمُتَصَدِّقُ إرْفَاقَ الْقَائِمِ بِهَذِهِ الْمَكْرُمَةِ وَالْحَثَّ عَلَيْهَا وَأَنْ لَا يُخِلُّ بِهَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى فَهْمِ الْمُرَادِ مِنْهَا وَهُوَ غَيْرُ مُتَّضِحٍ فَإِنَّ قَوْلَ الْوَاقِفِ عَلَى أَوْلَادِي فِي غَيْبَةِ آلِ فُلَانٍ إلَخْ كَلَامٌ مُتَنَاقِضٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: فِي غَيْبَةِ آلِ فُلَانٍ أَنَّ آلَ فُلَان يَسْتَعِينُونَ بِهَذِهِ الْأَرْضِ عَنْ ضِيَافَتِهِمْ نَاقَضَهُ قَوْلُهُ: عَلَى أَوْلَادِي، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ أَوْلَادَهُ يَسْتَعِينُونَ فِي ضِيَافَتِهِمْ لِآلِ فُلَانٍ نَاقَضَهُ: وَآلِ فُلَانٍ إنْ قَامُوا بِالْغَيْبَةِ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمْ مُضِيفُونَ لَا أَضْيَافٌ، فَإِنْ أَرَادَ بِآلِ فُلَانٍ نَفْسَ أَوْلَادِهِ بِأَنْ ذَكَرَ مَا يَصِحُّ اتِّصَافُ أَوْلَادِهِ بِهِ صَحَّ الْمُرَادُ وَكَأَنَّهُ قَالَ: عَلَى أَوْلَادِي فِي ضِيَافَتِهِمْ لِلنَّاسِ إنْ قَامُوا بِهَا فَهِيَ بَيْنَهُمْ وَإِلَّا فَهِيَ لِمَنْ قَامَ بِهَا وَحِينَئِذٍ فَحِكْمَةُ كَوْنِهِ عَدَلَ عَلَى ضِيَافَتِهِمْ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى ظَاهِرِ السِّيَاقِ إلَى ضِيَافَةِ آلِ فُلَانٍ لِيُبَيِّنَّ شُهْرَةَ أَوْلَادِهِ؛ لِأَنَّ الْعُدُولَ عَنْ الْإِضْمَارِ إلَى الْإِظْهَارِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ حِكْمَةٍ. وَعَلَى فَرْضِ أَنَّهُ أَرَادَ هَذَا الْمَعْنَى فَالْحُكْمُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ حِينَئِذٍ أَنَّ أَوْلَادَهُ لَا يَسْتَحِقُّونَ هَذِهِ الْأَرْضَ إلَّا مَا دَامُوا قَائِمِينَ بِالضِّيَافَةِ وَإِنْ كَانَ مَنْ قَامَ بِهَا مِنْ أَوْلَادِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ يَسْتَحِقُّ مَنْفَعَةَ هَذِهِ الْأَرْضِ، فَإِنْ سَاوَتْ مُؤَنَ الضِّيَافَةِ أَوْ نَقَصَتْ عَنْهَا فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَصْرِفُهَا فِيهَا، وَإِنْ زَادَتْ اسْتَحَقَّ الْقَائِمُ بِالضِّيَافَةِ الزَّائِدَ، فَإِنْ قُلْت: فَإِذَا أَتَى الْوَاقِفُ بِكَلَامٍ مُتَنَاقِضٍ مَا حُكْمُهُ؟ قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ فِي ذَلِكَ الْعَمَلُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ وَقَرَائِنُ الْأَحْوَالِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْبُلْقِينِيُّ فِي فَتَاوِيهِ فِي وَاقِفَةٍ كَتَبَتْ فِي كِتَابِ وَقْفِهَا وَجَعَلْت النَّظَرَ إلَى أَنْ قَالَتْ: لِنَفْسِهَا أَيَّامَ حَيَاتِهَا ثُمَّ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ مِنْ أَوْلَادِهَا ثُمَّ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ هَذِهِ عِبَارَتُهَا هَلْ نُدْخِلُ الطَّبَقَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الْأَوْلَادِ؟ نَعَمْ يَدْخُلُ فِي النَّظَرِ الْأَرْشَدُ فَالْأَرْشَدُ مِنْ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا كُتِبَ مِنْ قَوْلِهَا مِنْ أَوْلَادِهَا ثُمَّ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ سَهْوٌ مِنْ الْمُوَثِّقِ فَإِنَّهُ جَاءَ يَكْتُبُ مِنْ أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ فَذَكَرَ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ سَهْوًا وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّ عَاقِلًا لَا يَمْنَعُ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ مِنْ النَّظَرِ وَيُعْطِي النَّظَرَ لِأَوْلَادِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ فَيَمْنَعُ الْعَالِيَ وَيُعْطِي النَّازِلَ، وَيَمْنَعُ الْأَصْلَ وَيُعْطِي الْفَرْعَ وَيَدُلُّ لِهَذَا مَا كَتَبَ قَبْلَهُ بِسُطُورٍ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ لِأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَقَوْلُهُ: فِيمَا بَعْدَهُ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ لِأَوْلَادِ مَنْ لَهُ أَوْلَادٌ مِنْهُمْ ثُمَّ لِأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَمَعَ السَّهْوِ الَّذِي نَسَبْنَاهُ لِلْمُوَثِّقِ وَأَيَّدْنَاهُ بِمَا قَرَّرْنَاهُ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ أَوْلَادُ أَوْلَادِهَا فِي قَوْلِهَا ثُمَّ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ مِنْ أَوْلَادِهَا وَتَكُونُ الْقَرَائِنُ الْمَذْكُورَةُ قَاضِيَةً بِدُخُولِ وَلَدِ الْوَلَدِ فِي الْأَوْلَادِ ثُمَّ قَالَ: وَالْجُمُودُ عَلَى مُجَرَّدِ مَا كَتَبَ وَظَهَرَ أَنَّهُ سَهْوٌ بِمُقْتَضَى مَا قَرَّرْنَاهُ خُرُوجٌ مِنْ طَرِيقَةِ الْفُقَهَاءِ الْغَائِصِينَ عَلَى الْجَوَاهِرِ الْمُعْتَبَرَةِ اهـ. ، فَإِنْ قُلْت: فَمَا الَّذِي يَدُلُّ عَلَى السِّيَاقِ وَقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ هُنَا قُلْت هُوَ الْمَعْنَى الثَّالِثُ الَّذِي قَدَّمْته؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَنَافٍ فِي اللَّفْظِ وَلَا تَنَاقُضٌ بِخِلَافِ الْمَعْنَيَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، فَإِنْ قُلْت: هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُقَيَّد لِذَلِكَ مَكْتُوبَ الْوَقْفِ لِإِمْكَانِ الْغَلَطِ أَوْ السَّهْوِ مِنْ الْمُوَثِّقِ بِخِلَافِ مَا إذَا سُمِعَ مِنْ الْوَاقِفِ هَذَا اللَّفْظُ قُلْت لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْمُوَثِّقِ بِهَذَا، بَلْ إذَا سُمِعَ مِنْ الْوَاقِفِ كَلِمَاتٌ مُتَنَاقِضَةٌ حَكَمْنَا عَلَيْهِ بِالسَّهْوِ فِي بَعْضِهَا وَرَجَّحْنَا مُقَابِلَهُ وَعَمِلْنَا بِهِ بِقَرَائِنَ لَفْظِيَّةٍ أَوْ حَالِيَّةٍ، فَإِنْ قُلْت: فَإِنْ فُقِدَتْ تِلْكَ الْقَرَائِنُ مَا حُكْمُهُ؟ بِأَنْ قَالَ هُنَا عَلَى أَوْلَادِي فِي غَيْبَةِ آلِ فُلَانٍ وَذَكَرَ وَصْفًا لَا يُمْكِنُ تَنْزِيلُهُ عَلَى أَوْلَادِهِ بَلْ عَلَى أُنَاسٍ مَشْهُورِينَ غَيْرِهِمْ قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ فِي ذَلِكَ أَنَّنَا نَعْمَلُ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ لِسَبَقِهِ وَنُلْغِي مَا حَصَلَ بِهِ التَّنَاقُضُ مِنْ اللَّفْظِ الثَّانِي وَنَظِيرُهُ مَا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي الرَّجْعَةِ وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا وَلَا مُرَجِّح

بِأَنْ لَمْ يُعَيِّنَا يَوْمًا مِنْ أَنَّ الْمُصَدِّقَ هُوَ السَّابِقُ بِالدَّعْوَى؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ وَقَعَتْ صَحِيحَةً وَالثَّانِيَةَ وَقَعَتْ مُنَاقِضَةً لَهَا فَعُمِلَ بِالْأُولَى لِسَبْقِهَا وَالْحُكْمِ بِحِصَّتِهَا قَبْلَ أَنْ تَقَعَ الثَّانِيَةُ فَكَذَلِكَ يُعْمَلُ هُنَا إذَا فُرِضَ فَقْدُ تِلْكَ الْقَرَائِنِ بِالْأُولَى لِسِبْقِهَا وَالْحُكْمِ بِصِحَّتِهَا قَبْلَ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِالثَّانِي. فَإِذَا تَلَفَّظَ بِهِ قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْهُ أَوَّلًا مَا يُبْطِلُهُ وَحِينَئِذٍ فَيُحْكَمُ بِمَدْلُولِ قَوْلِهِ عَلَى أَوْلَادِي فِي غَيْبَةِ آلِ فُلَانٍ وَيُلْغَى قَوْلُهُ: وَآلِ فُلَانٍ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي حَصَلَتْ بِهِ الْمُنَاقَضَةُ كَمَا تَقَرَّرَ أَوَّلًا، فَإِنْ قُلْتَ: يُمْكِنُ تَصْحِيحُ اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ هَذَا التَّكَلُّفِ جَمِيعِهِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ وَقَفَ هَذَا عَلَى أَوْلَادِهِ لِيُعِينُوا بِهِ آلَ فُلَانٍ إذَا قَامَ آلُ فُلَانٍ بِضِيَافَتِهِمْ لِلنَّاسِ، فَإِنْ لَمْ يَقُومُوا بِهَا وَقَامَ بِهَا غَيْرُهُمْ فَهِيَ لِأُولَئِكَ الَّذِينَ قَامُوا بِهَا وَيَكُونُ فَائِدَةُ قَوْلِهِ: عَلَى أَوْلَادِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَقُومُ بِالضِّيَافَةِ يَكُونُ لِلْأَوْلَادِ وَيَصِيرُ الْوَقْفُ عَلَى ضِيَافَةِ آلِ فُلَانٍ لِلنَّاسِ، ثُمَّ إنْ لَمْ يُوجَدُوا وَامْتَنَعُوا كَانَ عَلَى مَنْ قَامَ بِالضِّيَافَةِ غَيْرِهِمْ ثُمَّ إنْ لَمْ يَقُمْ بِهَا أَحَدٌ كَانَ عَلَى الْأَوْلَادِ يَأْكُلُونَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةُ أَحَدٍ قُلْتُ: نَعَمْ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَصْحِيحَ جَمِيعِ اللَّفْظِ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِ بَعْضِهِ، وَحِينَئِذٍ فَيَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِقَضِيَّةِ ذَلِكَ وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْوَاقِفِ عَلَيْهِ لِإِمْكَانِهِ بَلْ ظُهُورهِ فَانٍ الْغَالِبَ أَنَّ الشَّخْصَ يُشَدِّدُ فِي الْوَقْفِ عَلَى غَيْرِ أَوْلَادِهِ بِمَا لَا يُشَدِّدُ بِهِ فِي الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي اسْتِحْقَاقِ أَوْلَادِهِ إلَّا عَدَمَ مَنْ يَقُومُ بِالضِّيَافَةِ غَيْرَهُمْ فَإِذَا لَمْ يَقُمْ بِهَا أَحَدٌ غَيْرُهُمْ اسْتَحَقُّوهَا وَإِنْ لَمْ يُضَيِّفُوا أَحَدًا، فَإِنْ قُلْتَ: قَدْ قَالَ السَّائِلُ، وَمُرَادُهُ فِيمَا يَظْهَرُ بِالْغَيْبَةِ إلَخْ فَأَشْعَرَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَيْسَ مَوْضُوعًا فِي عُرْفِ تِلْكَ الْبِلَادِ لِلضِّيَافَةِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَوْضُوعًا لَهَا عُرْفًا وَلَا لُغَةً فَكَيْفَ يُحْمَلُ عَلَيْهَا بِبَادِئِ الرَّأْي؟ قُلْتُ: إنَّمَا يُحْمَلُ اللَّفْظُ فِي بَابِ الْوَقْفِ وَنَحْوِهِ عَلَى وَضْعِهِ الشَّرْعِيِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي حَمْلُهُ عَلَى وَضْعِهِ الْعُرْفِيِّ إنْ كَانَ عَامًّا وَالْوَاقِفُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْعُرْفِ، وَإِلَّا فَوَضْعُهُ الْعُرْفِيُّ عِنْدَ الْوَاقِفِ، فَإِنْ انْتَفَى الْعُرْفُ بِقِسْمَيْهِ حُمِلَ عَلَى مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ إنْ أَمْكَنَ أَنَّ الْوَاقِفَ يَعْرِفُهُ، وَإِلَّا بَطَلَ الْوَقْفُ لِتَعَذُّرِ الْعِلْمِ بِمَدْلُولِ لَفْظِ الْوَاقِفِ فَهُوَ كَمَا مَرَّ فِيمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ وَتَعَذَّرَ الْعِلْمُ بِعَيْنِ قَبْرِهِ بَلْ مَا نَحْنُ فِيهِ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى فَحِينَئِذٍ فَلَفْظُ الْغَيْبَةِ إنْ عُهِدَ فِي عُرْفِ الْوَاقِفِ حَمْلُهُ عَلَى الضِّيَافَةِ تَأَتَّى فِيهِ مَا مَرَّ، وَإِنْ لَمْ يُعْهَدْ اسْتِعْمَالُهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ حُمِلَ عَلَيْهِ بِبَادِي الرَّأْيِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهَذَا الْحَمْلِ بَلْ إنْ تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى مَعْنًى صَحِيحٍ لُغَةً وَعُرْفًا حُكِمَ بِبُطْلَانِ الْوَقْفِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) عَنْ خَشَبٍ عَلَى خَابِيَةٍ مَوْقُوفَةٍ اقْتَضَتْ الضَّرُورَةُ بَيْعَهُ هَلْ يَجُوزُ صَرْفُهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ غَيْرِ الْخَابِيَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ حَيْثُ فُرِضَ جَوَازُ بَيْعِ الْخَشَبِ الْمَذْكُورِ وَصِحَّةُ بَيْعِهِ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ عَلَى الْمَسْجِدِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُمْ لَا يُصْرَفُ لِحَشِيشِ مَسْجِدِ السَّقْفِ مَا عُيِّنَ لِحَشِيشِ الْحُصْرِ وَلَا عَكْسُهُ وَلَا لِلُّبُودِ مَا عُيِّنَ لِأَحَدِهِمَا وَلَا عَكْسُهُ وَقَوْلُهُمْ لَوْ تَعَطَّلَ مَسْجِدٌ لَمْ يُنْقَضْ مَا لَمْ يُخَفْ عَلَى نَقْضِهِ وَإِلَا نَقَضَهُ الْحَاكِمُ وَبَنَى بِهِ مَسْجِدًا آخَرَ إنْ رَأَى ذَلِكَ، وَإِلَّا حَفِظَهُ وَبِنَاؤُهُ بِقُرْبِهِ أَوْلَى وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْنِيَ بِنِقْضَيْهِ بِئْرًا كَمَا أَنَّ الْبِئْرَ لَوْ خَرِبَتْ بَنَى الْحَاكِمُ بِنَقْضِهَا بِئْرًا أُخْرَى لَا مَسْجِدًا وَيُرَاعَى غَرَضُ الْوَاقِفِ مَا أَمْكَنَ اهـ. وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْخَابِيَةِ عَامِرًا أَوْ خَرَابًا أَمَّا إذَا كَانَ عَامِرًا فَوَاضِحٌ أَنَّهُ يُصْرَفُ غَلَّتُهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ خَرَابًا بِحَيْثُ صَارَ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا فَإِنَّهُ يُحْفَظُ غَلَّةُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا كَمَا أَنَّ الْمَسْجِدَ إذَا خَرِبَ لَا يَبْطُلُ وَقْفُهُ قَالُوا:؛ لِإِمْكَانِ الصَّلَاةِ فِيهِ وَلِإِمْكَانِ عَوْدِهِ كَمَا كَانَ وَكَمَا أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَى الثَّغْرِ إذَا اتَّسَعَتْ خُطَّةُ الْإِسْلَامِ وَحَصَلَ فِيهِ الْأَمْنُ يَحْفَظُهَا نَاظِرُهُ فِي زَمَنِ الْأَمْنِ؛ لِاحْتِمَالِ عَوْدِهِ ثَغْرًا (سُئِلَ) عَمَّا لَوْ نُقِلَ خَشَبُ مَسْجِدٍ خَرَابٍ بِشَرْطِهِ لِمَسْجِدٍ أَقْرَبَ إلَيْهِ فَعُمِّرَ بِهِ ثُمَّ عُمِّرَتْ مَحَلَّةُ الْمَسْجِدِ الْخَرَابِ وَالْمَسْجِدُ فَهَلْ يُرَدُّ خَشَبُهُ إلَيْهِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ لِي فِيهَا أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْخَشَبَ الْمَذْكُورَ لَا يُرَدُّ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا: لَوْ خَرِبَ الْمَسْجِدُ وَخَافَ عَلَى نَقْضِهِ نَقَضَهُ الْحَاكِمُ وَبَنَى بِهِ مَسْجِدًا آخَرَ إنْ رَأَى ذَلِكَ، وَإِلَّا

حِفْظُهُ وَبِنَاؤُهُ بِقُرْبِهِ أَوْلَى اهـ. فَافْهَمْ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا بَنَى بِهِ مَسْجِدًا آخَرَ لَا يُنْقَضُ، وَإِنْ عُمِّرَ الْمَسْجِدُ الْأَوَّلُ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا خَرِبَ وَكَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي نَقْلِ نَقْضِهِ إلَى غَيْرِهِ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ مُسْتَحِقًّا لِذَلِكَ النَّقْضِ فَإِذَا نُقِلَ إلَيْهِ وَبُنِيَ بِهِ امْتَنَعَ حِينَئِذٍ هَدْمُهُ مِنْهُ وَرَدُّهُ إلَى مَحَلِّهِ الْأَوَّلِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ أَنَّ غَيْرَ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ مِنْ مُسْتَحَقِّي الْوَقْفِ لَوْ رَدَّ الْوَقْفَ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ، وَلَوْ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِهِ لِغَيْرِهِ خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ كَمَا بَيَّنَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَإِنْ سَكَتَ الشَّيْخَانِ عَلَيْهِ أَيْ: عَلَى مَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ، فَإِنْ قُلْتَ: يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الرَّادَّ مُقَصِّرٌ فَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ مُعَامَلَةً لَهُ بِتَقْصِيرِهِ بِخِلَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ قُلْتُ: قَدْ يَكُونُ مَعْذُورًا فِي الرَّدِّ كَانَ يَظُنّ عَدَمَ صِحَّةِ الْوَقْفِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّ، وَإِنْ رَجَعَ وَقَالَ: كُنْتُ مَعْذُورًا وَبَيَّنَ عُذْرَهُ كَمَا أَفْهَمَهُ إطْلَاقُهُمْ، فَإِنْ قُلْتَ: يُؤَيِّدُ النَّقْلَ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى فُقَرَاءِ أَوْلَادِهِ وَأَرَامِلِ بَنَاتِهِ اسْتَحَقُّوا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْفَقْرُ وَعَدَمُ التَّزَوُّجِ وَمُنِعُوا عِنْدَ عَدَمِهِ بِأَنْ وُجِدَ الْغِنَى أَوْ التَّزَوُّجِ، وَهَكَذَا مَتَى وُجِدَ عَادَ الِاسْتِحْقَاقُ وَمَتَى انْتَفَى انْتَفَى قُلْتُ: الْمَلْحَظُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَعَدَمِهِ هُنَا النَّظَرُ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ وَعَدَمِهِ عَمَلًا بِمَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ. وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمَسْجِدَيْنِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ فَلَيْسَ فِيهَا شَرْطُ وَاقِفٍ يُدَارُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ وَيَخْتَلِفُ بِهِ الْغَرَضُ فَأُدِيرَ الْأَمْرُ فِيهَا عَلَى مَا تَشْهَدُ بِهِ قَرَائِنُ الْأَحْوَالِ وَيُقْضَى بِالْوَفَاءِ بِمَقْصُودِ الْوَاقِفِ وَلَا شَكَّ أَنَّ وَاقِفَ النَّقْضِ لَيْسَ قَصْدُهُ تَخْصِيصَ مَحَلٍّ بِهِ، وَإِنَّمَا قَصْدُهُ أَنْ يَكُونَ نَقْضُهُ بِمَسْجِدٍ، سَوَاءٌ الَّذِي عَيَّنَهُ أَمْ غَيْرُهُ فَحَيْثُ خَرِبَ مَا عَيَّنَهُ وَنُقِلَ إلَى مَسْجِدٍ غَيْرِهِ فَقَدْ وَفَّى بِمَقْصُودِهِ فَإِذَا عَادَ مَا عَيَّنَهُ لَا يَعُودُ النَّقْضُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لَهُ إذْ لَا مُوجِبَ لِلْعَوْدِ إلَّا التَّوْفِيَةُ بِمَقْصُودِ الْوَاقِفِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي مَسْأَلَتِنَا لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ حُصُولِ مَقْصُودِهِ بِبِنَاءِ نَقْضِهِ فِي أَيِّ مَسْجِدٍ كَانَ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ فَرْقُهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ أَعْنِي الْإِعْطَاءَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالْحِرْمَانَ عِنْدَ عَدَمِهِ وَبَيْنَ مَا لَوْ قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى أُمَّهَاتِ أَوْلَادِي إلَّا مَنْ تَزَوَّجَتْ أَوْ اسْتَغْنَتْ مِنْهُنَّ فَتَزَوَّجَتْ أَوْ اسْتَغْنَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ فَإِنَّهَا تَخْرُجُ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ وَلَمْ يَعُدْ اسْتِحْقَاقُهَا بِطَلَاقِهَا وَفَقْرِهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ بِهِ عَنْ غَيْرِهَا تَزَوَّجَتْ أَوْ اسْتَغْنَتْ وَأَنَّ غَرَضَ الْوَاقِفِ إنْ بَقِيَ لَهُ أُمُّ وَلَدِهِ وَلَا يَخْلُفُهُ عَلَيْهَا أَحَدٌ فَمَنْ تَزَوَّجَتْ لَمْ تَفِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ صِحَّةُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ رِعَايَةِ غَرَضِ الْوَاقِفِ مِنْ عَوْدِ الِاسْتِحْقَاقِ وَعَدَمِهِ. فَإِنْ قُلْتَ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ غَلَّةَ الْمَسْجِدِ الْخَرَابِ تَعُودُ إلَيْهِ بِعَوْدِ عِمَارَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ صُرِفَتْ إلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ عَلَى مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبَحْرِ أَوَّلًا قُرْبُ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْبَحْرِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ أَوْ لِأَقْرَبِ الْمَسَاجِدِ إلَيْهِ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَهُوَ الْمُتَّجَهُ إنْ لَمْ يَرْجُ عَوْدَهُ وَإِلَّا فَالْمُتَّجَهُ قَوْلُ الْإِمَامِ أَنَّهُ يُحْفَظُ لِتَوَقُّعِ عَوْدِهِ، وَقَضِيَّةُ عَوْدِ الْغَلَّةِ بِعَوْدِ الْعِمَارَةِ أَنَّ النَّقْضَ يَعُودُ إلَيْهِ بِعَوْدِ عِمَارَتِهِ قُلْتُ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ فَإِنَّ عَوْدَ الْغَلَّةِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَحْذُورٌ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ خَارِجٌ عَنْ ذَاتِ الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ عَوْدِ النَّقْضِ فَإِنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَحْذُورٌ وَهُوَ هَدْمُ الْمَسْجِدِ الثَّانِي وَكَيْفَ يُهْدَمُ عَامِرٌ وُضِعَ فِيهِ ذَلِكَ النَّقْضُ بِحَقٍّ لِرَجَاءِ عِمَارَةِ خَرَابٍ زَالَ اسْتِحْقَاقُهُ لِذَلِكَ النَّقْضِ بِحَقٍّ لِخَرَابِهِ فَمَنْ أَرَادَ عِمَارَتَهُ قِيلَ لَهُ إمَّا أَنْ تُعَمِّرَهُ كَامِلًا وَإِمَّا أَنْ تَتْرُكَهُ وَكَوْنُكَ تُعَمِّرُ فِيهِ الْبَعْضَ وَتُرِيدُ هَدْمَ مَسْجِدٍ كَامِلٍ لِتَوْفِيَةِ بَعْضِ مَسْجِدٍ لَا تُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَلِيلَ الضَّرَرِ وَهُوَ عَدَمُ تَوْفِيَةِ الْأَوَّلِ لَا يُزَالُ بِكَثِيرِ الضَّرَرِ وَهُوَ خَرَابُ الثَّانِي هَذَا مَا يُتَّجَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ. (وَسُئِلَ) عَنْ جَمَاعَةٍ شُرَكَاءَ فِي وَظِيفَةٍ ثُمَّ أَنَّهُ جَرَتْ الْعَادَةُ بِمُبَاشَرَةِ الْوَظِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَحَدِهِمْ ثُمَّ أَنَّهُ غَابَ الْغَيْبَةَ الشَّرْعِيَّةَ عَنْ الْمَحَلِّ الَّذِي فِيهِ الْوَظِيفَةُ الْمَذْكُورَةُ ثُمَّ إنَّ الشُّرَكَاءَ طَلَبُوا مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى الْمَحَلِّ فِي أَنْ يَكُونُوا مُبَاشِرِينَ لِلْوَظِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ مُدَّةَ غَيْبَةِ شَرِيكِهِمْ ثُمَّ أَنَّهُمْ لَمْ يُجِيبُوهُمْ إلَى ذَلِكَ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَرَضُوا عَلَيْهِمْ الْمَعْلُومَ وَطَلَبُوا مِنْهُمْ الْإِشْهَادَ بِذَلِكَ حَسْبَ الْعَوَائِدِ الْقَدِيمَةِ ثُمَّ إنَّهُمْ رَجَعُوا عَنْ أَدَاءِ الْمَعْلُومِ لِمُسْتَحِقِّيهِ فَهَلْ يَكُونُ عَدَمُ إجَابَتِهِمْ تَقْصِيرًا مِنْهُمْ وَيَسْتَحِقُّ أَهْلُ الْوَظِيفَةِ الْمَعْلُومَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنَّمَا

يَسْتَحِقُّ كُلٌّ مِنْ الشُّرَكَاءِ حِصَّتَهُ إنْ بَاشَرَ بِقَدْرِهَا فِي الْوَظِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ بِنَفْسِهِ وَكَذَا بِنَائِبِهِ إنْ كَانَتْ غَيْرَ نَحْوِ إمَامَةٍ أَوْ تَدْرِيسٍ أَوْ كَانَتْ نَحْوَ إمَامَةٍ، وَالنَّائِبُ مِثْلُ الْمُسْتَنِيبِ عِلْمًا وَوَرَعًا وَنَحْوِهِمَا سَوَاءٌ أَقَدَرَ الْمُسْتَنِيبُ فِيهِ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ أَمْ لَا كَمَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيّ لَكِنْ مَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَى عَدَمِ جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ فِي نَحْوِ الْإِمَامَةِ مُطْلَقًا. وَيَمْتَنِعُ عَلَى الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى الْمَحَلِّ مَنْعُ بَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ، وَإِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّ أَحَدَهُمْ يُبَاشِرُهَا وَحْدَهَا فَيُعَزَّرُونَ عَلَى ذَلِكَ التَّعْزِيرَ اللَّائِقَ بِهِمْ ثُمَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى عَدَمِ مُبَاشَرَةِ وَظِيفَتِهِ هَلْ يَسْتَحِقُّ مَعْلُومَهَا؟ قَالَ التَّاجُ الْفَزَارِيّ: نَعَمْ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا؛ لِأَنَّهَا جِعَالَةٌ وَهُوَ لَمْ يُبَاشِرْهَا وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ مِنْ ذَلِكَ كَلَامُ السُّبْكِيّ فِي الْأُولَى وَالْفَزَارِيِّ فِي الثَّانِيَةِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ مَحْضُ جِعَالَةٍ، وَإِلَّا لَمْ يَقُلْ السُّبْكِيّ أَنَّ نَحْوَ الْمُدَرِّسِ إذَا مَاتَ يُصْرَفُ لِزَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ مِمَّا كَانَ يَأْخُذُهُ مَا يُقَوِّمُهُمْ، وَإِنْ نُوزِعَ فِي ذَلِكَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ وَقَفَ أَمْلَاكًا عَلَى نَفْسِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَنَسْلِهِ وَعَقِبِهِ وَشَرَطَ فِي كِتَابِ وَقْفِهِ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ وَقْفُهُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَنْ لَا يَدْخُلَ عَقْدٌ عَلَى عَقْدٍ وَثَبَتَ بِبَيِّنَاتٍ عَلَى يَدِ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ ثُمَّ إنَّ الْوَقْفَ الْمَذْكُورَ انْحَصَرَ اسْتِحْقَاقُ مَنَافِعِهِ فِي وَاحِدٍ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ صَغِيرًا فَأَقَامَ حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ قَيِّمًا شَرْعِيًّا عَلَى الْوَلَدِ الْمَذْكُورِ وَأَجَّرَ بَعْضَ الْأَمَاكِنِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى شَخْصٍ، وَالْحَالُ أَنَّ الْوَلَدَ الْمَذْكُورَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى إيجَارِ مَا أُجِرَ عَنْهُ لَا إلَى النَّفَقَةِ وَلَا إلَى الْكِسْوَةِ وَلَا لِشَيْءٍ مِنْ اللَّوَازِمِ الشَّرْعِيَّةِ فَهَلْ الْإِيجَارُ صَحِيحٌ أَمْ لَا؟ وَهَلْ لِلْوَلَدِ مُطَالَبَتُهُ بِالْوَقْفِ الْمَذْكُورِ، وَلَوْ طَالَتْ الْمُدَّةُ؟ (فَأَجَابَ) مَتَى أَجَّرَ الْقَيِّمُ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ كَانَتْ الْإِجَارَةُ بَاطِلَةً وَمَتَى أَجَّرَ سَنَةً، فَإِنْ كَانَ لِمَصْلَحَةٍ بِقَوْلِهِ: تَعُودُ عَلَى الْوَلَدِ الْمَذْكُورِ كَانَتْ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً. ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْإِجَارَةِ مَصْلَحَةٌ كَانَتْ بَاطِلَةً وَحَيْثُ حَكَمْنَا بِبُطْلَانِ الْإِجَارَةِ طَالَبَ بِذَلِكَ الْوَلَدُ إنْ كَانَ بَالِغًا رَشِيدًا، وَإِلَّا وَجَبَ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُنَصِّبَ قَيِّمًا يُطَالِبُ بِذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) فِي شَخْصٍ وَقَفَ دَارًا مُشْتَمِلَةً عَلَى عُزُلَتَيْنِ وَمِنْ شُرُوطِهِ يُصْرَفُ عَشْرَةٌ أَشْرَفِيَّةٌ مَثَلًا فِي قِرَاءَةِ قُرْآنٍ وَتَسْبِيلُ مَاءٍ مَثَلًا ثُمَّ أَجَّرَ نَاظِرُهُ الشَّرْعِيُّ عُزْلَةً وَاحِدَةً مُدَّةً مَعْلُومَةً بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ مَقْبُوضَةٍ جَمِيعِهَا ثُمَّ تُوُفِّيَ وَبَعْضُ الْمُدَّةِ بَاقٍ فَهَلْ تُؤْخَذُ بَقِيَّةُ الْأُجْرَةِ مِنْ تَرِكَتِهِ وَتُدْفَعُ لِمُسْتَحِقِّيهَا؟ فَيَبْدَأُ صَاحِبُ الْقِرَاءَةِ وَصَاحِبُ السَّبِيلِ بِمَا يَخُصُّهُ كَامِلًا إنْ كَانَ بَقِيَّةُ الْأُجْرَةِ يَحْمِلُ ذَلِكَ وَالْبَاقِي لِمُسْتَحِقِّيهِ إذَا كَانَ شَرْطُ الْوَاقِفِ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْعِمَارَةِ وَمَا حُكْمُ الْعُزْلَةِ الثَّانِيَةِ؟ يُدْفَعُ لِلْقَارِئِ مِنْ أُجْرَتِهَا مَا يَخُصُّهُ كَامِلًا وَهُوَ الْعَشَرَةُ الْأَشْرَفِيَّةُ الْمُقَرَّرُ لَهُ بِهَا وَمَا فَضَلَ مِنْ بَقِيَّةِ الْأُجْرَةِ لِمُسْتَحِقِّيهِ يَقْتَسِمُونَهُ بِحَسْبِ مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ وَمَا حُكْمُ الْوَقْفِ إذَا شُرِطَ الِانْتِفَاعُ بِهِ سَكَنًا وَإِسْكَانًا وَشُرِطَ فِيهِ أَيْضًا أَنْ يُصْرَفَ مِنْ رِيعِهِ عَشْرَةٌ أَشْرَفِيَّةٌ لِقَارِئٍ مَثَلًا فَإِذَا اتَّفَقَ الْمُسْتَحِقُّونَ عَلَى السُّكْنَى بِهِ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَدْفَعُوا الْعَشَرَةَ الْأَشْرَفِيَّةَ الْمَشْرُوطَةَ لِلْقَارِئِ. وَيَسْتَقِرُّ ذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِمْ كَالدَّيْنِ الشَّرْعِيِّ وَإِذَا أَرَادَ الْبَعْضُ السُّكْنَى وَالْبَعْضُ الْآخَرُ الْإِجَارَةَ وَتَنَازَعُوا وَعَطَّلُوا مَصَالِحَ الْوَقْفِ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ فَيُؤَجِّرُ النَّاظِرُ عَلَيْهِمْ قَهْرًا وَيُؤَدِّي كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ بَعْدَ الْعِمَارَةِ أَوْ يُعَلِّقُوا عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ. (فَأَجَابَ) بِأَنَّ مَا قَبَضَهُ النَّاظِرُ مِنْ حَقِّ الْمُسْتَحَقِّينَ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى تَرِكَتِهِ إذَا مَاتَ وَهُوَ بَاقٍ عِنْدَهُ، وَمَا حَصَلَ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ جَمِيعِهِ أَوْ بَعْضِهِ يُنْظَرُ فِيهِ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ، فَإِنْ شَرَطَ لِذِي الْقِرَاءَةِ مَثَلًا قَدْرًا مَعْلُومًا وَالْبَاقِي لِغَيْرِهِ قُدِّمَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ الْقَدْرِ وَلَمْ يَسْتَحِقَّ مَنْ بَعْدَهُ إلَّا مَا فَضَلَ عَنْهُ، وَإِنْ شَرَطَ لَهُ قَدْرًا مَعْلُومًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْرِطَ تَقْدِيمَهُ فَكُلُّ مَا قُبِضَ مِنْ الْغَلَّةِ يُوَزَّعُ عَلَى الْمُسْتَحَقِّينَ بِقَدْرِ حِصَصِهِمْ، نَعَمْ تُقَدَّمُ الْعِمَارَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا، وَإِنْ فَوَّتَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِمْ غَلَّةَ الْوَقْفِ لِسُكْنَى أَوْ غَيْرِهَا لَزِمَهُمْ لِلْقَارِئِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمَا فَوَّتُوهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ بِقَدْرِ أُجْرَتِهِ فَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ أَكْثَرَ صُرِفَ الْبَاقِي لِلْمُسْتَحِقِّينَ أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ وَإِذَا أَرَادَ الْبَعْضُ السُّكْنَى وَالْبَعْضُ الْإِجَارَةَ وَتَنَازَعُوا

عِنْدَ الْحَاكِمِ أَعْرَضَ الْحَاكِمُ عَنْهُمَا إلَى أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِمَا بِفِعْلٍ وَلَا غَيْرِهِ بَلْ يُلْزِمُ النَّاظِرَ بِفِعْلِ مَا فِيهِ الْأَصْلَحُ مِنْ إسْكَانِ طَالِبِ السُّكْنَى وَالْإِيجَارِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ كَصُورَةِ الشَّيْخَيْنِ الَّتِي قَالَا فِيهَا فِي بَابِ الْقِسْمَةِ يُؤَجِّرُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ ثَمَّ يَنْحَصِرُ فِيهِ فَأَجَّرَ عَلَيْهِمَا صِيَانَةً لِلْأَمْلَاكِ وَهُنَا الْأَمْرُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ النَّاظِرُ فَأَلْزَمَهُ بِمَا هُوَ لَازِمٌ لَهُ مِنْ فِعْلِ الْأَصْلَحِ عَلَى أَنَّهُمَا ذَكَرَا فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ وَغَيْرِهَا مَا يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُمَا فِي الْقِسْمَةِ أَجَّرَ لَيْسَ لِلتَّحَتُّمِ إلَّا إنْ أَرَادَ التَّصَرُّفَ، وَإِلَّا جَازَ لَهُ الْإِعْرَاضُ وَقَضِيَّةُ مَا فِي الْقِسْمَةِ أَنَّ قَوْلَهُمَا فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ وَغَيْرِهَا أَعْرَضَ لَيْسَ لِلتَّحَتُّمِ، بَلْ لَهُ الْإِيجَارُ عَلَيْهِمَا إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَنَازِعَيْنِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِالِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ فِي صُورَةِ الْعَارِيَّةِ وَنَحْوِهَا بِالْقَلْعِ فَكَانَ لَهُ مَنْدُوحَةٌ فِي الْوُصُولِ إلَى مِلْكِهِ فَلَمْ يَنْحَصِرْ الْأَمْرُ فِي الْحَاكِمِ فَإِذَا أَعْرَضَ فِي صُورَةِ الْقِسْمَةِ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِاسْتِغْلَالُ بِالِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ لِشُيُوعِهِ فَانْحَصَرَ الْفَصْلُ فِي الْحَاكِمِ فَلَزِمَهُ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِالْإِيجَارِ عَلَيْهِمَا صِيَانَةً لِلْمِلْكِ مِنْ التَّعْطِيلِ، وَهَذَا فَرْقٌ وَاضِحٌ يُعْلَمُ بِهِ بَقَاءُ مَا فِي كُلِّ بَابٍ عَلَى حُكْمِهِ الْمُقَرَّرِ فِيهِ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى غَيْرِهِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ قِطْعَةَ أَرْضٍ عَلَى مَسْجِدٍ وَجَعَلَ عَلَيْهَا قَدْرًا مَعْلُومًا طَعَامًا فِي عَيْنِ كُلِّ سَنَةٍ لِلْمَسْجِدِ وَشَرَطَ لَهُ النَّظَرَ، وَمُرَادُهُ أَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ غَلَّتِهَا عَلَى مَا قَرَّرَهُ يَكُونُ لَهُ ثُمَّ لِمَنْ لَهُ النَّظَرُ مِنْ بَعْدِهِ مَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) إذَا وَقَفَ أَرْضًا عَلَى مَسْجِدٍ وَشَرَطَ لِنَفْسِهِ مِنْهَا جُزْءًا، فَإِنْ كَانَ لَا فِي مُقَابِلَةِ نَظَرِهِ بَطَلَ الْوَقْفُ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ النَّظَرُ لِنَفْسِهِ بِبَعْضِ الْغَلَّةِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ الَّذِي شَرَطَهُ قَدْرَ أُجْرَةِ مِثْلِهِ صَحَّ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ دَارًا بِشُرُوطٍ مِنْهَا أَنْ يُدْفَعَ مِنْ رِيعِهَا فِي كُلِّ عَامٍ عَشْرَةٌ أَشَرَفِيَّةٌ جُعْلًا لِمَنْ يَقْرَأُ كَذَا وَيُهْدِيهِ لِشَخْصٍ عَيَّنَهُ ثُمَّ قَرَّرَ الْوَاقِفُ بِمُقْتَضَى أَنَّ لَهُ النَّظَرَ شَخْصًا وَأَوْلَادَهُ مِنْ بَعْدِهِ فِي تِلْكَ الْقِرَاءَةِ فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا التَّقْرِيرُ؟ وَهَلْ لِلنَّاظِرِ عَزْلُهُ وَلَوْ بِغَيْرِ جُنْحَةٍ، وَلَوْ نَازَعَهُ فِي أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ وَلَمْ يُهْدِ مِنْ الْمُصَدَّقِ، إذْ الْإِهْدَاءُ لَا اطِّلَاعَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ؟ (فَأَجَابَ) التَّقْرِيرُ صَحِيحٌ لِلْمُقْرِئِ الْأَوَّلِ دُونَ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ أَوْلَادِهِ فَيَسْتَحِقُّ مَا شَرَطَ لَهُ، وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ عَزْلُ مَنْ صَحَّ تَقْرِيرُهُ إلَّا لِمُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ لَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَنْفُذْ عَزْلُهُ وَقِيَاسُ كَلَامِهِمْ فِي الْجَعَالَةِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا إنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ أَتَى بِالْقِرَاءَةِ وَالْإِهْدَاءِ الْمَشْرُوطَيْنِ، وَالْبَيِّنَةُ لَهَا اطِّلَاعٌ عَلَى الْإِهْدَاءِ؛ لِأَنَّهُ الدُّعَاءُ عَقِبَ الْقِرَاءَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) فِيمَا لَوْ وَقَفَ شَخْصٌ يَصِحُّ مِنْهُ الْوَقْفُ شَيْئًا عَلَى مَسْجِدِ الْفُلَانِيِّ ثُمَّ أُحْدِثَ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ زِيَادَةٌ فَهَلْ يُصْرَفُ إلَى تِلْكَ الزِّيَادَةِ شَيْءٌ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: نَعَمْ فَلَوْ قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى الْمَسْجِدِ الْفُلَانِيِّ بِصِيغَةِ التَّعْرِيفِ فَهَلْ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ أَمْ لَا؟ وَلِلرَّافِعِيِّ كَلَامٌ فِي بَابِ الْإِيمَانِ فِي نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ؟ (فَأَجَابَ) الَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ مَجْمُوعِ كَلَامِهِمْ فِي أَبْوَابٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَنَّهُ إنْ أَشَارَ بِأَنْ قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى هَذَا الْمَسْجِدِ لَمْ يَجُزْ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْ غَلَّةِ ذَلِكَ الْوَقْفِ إلَى الزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى شَيْءٍ تَقْتَضِي تَعَيُّنَهُ وَحُضُورَهُ وَإِذَا تَعَيَّنَ مَوْجُودٌ لِلْوَقْفِ بِالنَّصِّ مِنْ الْوَاقِفِ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْفِ إلَى غَيْرِ الْمُتَعَيِّنِ الْمَذْكُورِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ بَلْ يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ النَّوَوِيِّ، وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ إنَّ الْمُضَاعَفَةَ فِي مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةٌ بِمَا كَانَ مَوْجُودًا فِي زَمَنِهِ دُونَ الْحَادِثِ فِيهِ بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُحْدِثُ لِذَلِكَ مِثْلَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَخْذًا مِنْ مَفْهُومِ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَصَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا تَعْدِلُ أَلْفَ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: هَذَا مَا زِيدَ فِيهِ فَإِنَّ الْإِشَارَةَ لَا تَتَنَاوَلُهُ فَلَا تَضْعِيفَ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ. ، وَأَمَّا مَا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَى النَّوَوِيِّ مِنْ الْآثَارِ الْكَثِيرَةِ وَأَحَادِيثَ تَقْتَضِي عُمُومَ الْمُضَاعَفَةِ لِلزِّيَادَةِ وَأَطَالُوا فِي ذَلِكَ الِاعْتِرَاضَ فَقَدْ رَدَدْتُهُ عَلَيْهِمْ فِي حَاشِيَةِ مَنَاسِكِهِ الْكُبْرَى وَخُلَاصَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ الْآثَارِ وَالْأَحَادِيثِ لَمْ يَصِحَّ مِنْهَا شَيْءٌ فَلَمْ تَصْلُحْ لِمُعَارَضَةِ مَفْهُومِ الْإِشَارَةِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ فَعَمِلْنَا بِهِ وَيَدُلُّ عَلَى اعْتِمَادِ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ وَأَقَرَّاهُ مِنْ أَنَّهُ

لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ زِيَادَةً حَادِثَةً فِيهِ لَمْ يَحْنَثْ قَالُوا: لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ تَتَنَاوَلْ الزِّيَادَةَ حَالَ الْحَلِفِ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي مَسْأَلَتِنَا بِمَا قَدَّمْته، إذْ الْيَمِينُ وَالْوَقْفُ مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ مِنْ حَيْثُ مُرَاعَاةِ الْأَلْفَاظِ وَمَدْلُولَاتِهَا مَا أَمْكَنَ، وَإِنْ لَمْ يُشْرِ بِأَنْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى مَسْجِدِ بَلَدِ كَذَا أَوْ عَلَى الْمَسْجِدِ الْغَرْبِيِّ مِنْهَا مَثَلًا جَازَ صَرْفُ غَلَّةِ ذَلِكَ الْوَقْفِ إلَى الزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُشِرْ إلَيْهِ لَمْ يَأْتِ بِمَا يَقْتَضِي التَّعْيِينَ وَالِانْحِصَارَ فِي الْمَوْجُودِ، وَإِنَّمَا أَتَى بِمَا يَشْمَلُ الْحَادِثَ كَالْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُمَا مَعًا يُسَمَّيَانِ بِاسْمٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مَسْجِدُ كَذَا أَوْ الْمَسْجِدُ الْفُلَانِيُّ فَيَتَنَاوَلُهُمَا لَفْظُهُ وَمَعَ تَنَاوُلِهِ لَهُمَا لَا نَظَرَ لِلْخَارِجِ؛ لِأَنَّ الْقَرَائِنَ الْخَارِجِيَّةَ لَا يُنْظَرُ إلَيْهَا إلَّا إذَا لَمْ يَقَعْ فِي اللَّفْظِ مَا يُخَالِفُهَا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ يُصَرِّحُ بِهِ لِمَا مَرَّ مِنْ اتِّحَادِ الْوَقْفِ وَالْأَيْمَانِ مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الَّتِي قَدَّمْتُهَا قَوْلُ الرَّافِعِيِّ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ مَسْجِدَ بَنِي فُلَانٍ حَنِثَ بِالزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ فِيهِ، وَوَجْهُهُ مَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يُشِرْ فَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِلزِّيَادَةِ أَيْضًا فَحَنِثَ بِهَا كَالْأَصْلِ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ شَامِلٌ لَهُمَا، وَإِذَا ثَبَتَ شُمُولُ اللَّفْظِ لَهُمَا فِي الْأَيْمَانِ ثَبَتَ شُمُولُهُ لَهُمَا فِي الْوَقْفِ لِاتِّحَادِهِمَا فِيمَا مَرَّ وَكَالْإِضَافَةِ فِي هَذَا الْمَعْرِفَةُ بِالْأَلْفِ وَاللَّامِ بِجَامِعِ شُمُولِ اللَّفْظِ فِيهِمَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ أَئِمَّتِنَا فِي قَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ تَعْدِلُ مِائَةَ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي هَذَا» إنَّ الْمُضَاعَفَةَ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ تَعُمُّ الزِّيَادَةَ الْحَادِثَةَ فِيهِ أَيْضًا، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُعَرَّفِ وَالْمُضَافِ أَنَّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مَسْجِدَ الْكَعْبَةِ وَفِي رِسَالَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ صَلَاةً وَاحِدَةً جَمَاعَةً كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ أَلْفَ أَلْفِ صَلَاةٍ وَخَمْسَمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ» وَبِهَا يُعْلَمُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِذَا تَسَاوَيَا فِي ذَلِكَ أَخْذًا مِمَّا تَقَرَّرَ فَلْيَتَسَاوَيَا فِي مَسْأَلَتِنَا أَخْذًا مِنْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى مُرَاعَاةِ الْأَلْفَاظِ وَمَدْلُولَاتِهَا مَا أَمْكَنَ وَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْأَيْمَانِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُعَرَّفِ وَالْمُضَافِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُشَارِ إلَيْهِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِذَلِكَ كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَلَكِنَّا نَقُولُ أَيْضًا: بِأَنَّ الْمُعَرَّفَ كَالْمُضَافِ أَخْذًا مِنْ الْحَدِيثِ وَكَلَامِهِمْ الَّذِي ذَكَرْته فَإِنَّهُمْ قَائِلُونَ بِعُمُومِ الْمُضَاعَفَةِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ لِزِيَادَاتِهِ مَعَ وُرُودِ التَّعْبِيرِ فِيهِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْكَعْبَةِ فَلَوْ افْتَرَقَا لَقَالُوا بِافْتِرَاقِ الْحُكْمِ عَمَلًا بِافْتِرَاقِهِمَا فَلَمَّا قَالُوا بِاتِّحَادِهِ مَعَ وُرُودِهِمَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى اتِّحَادِهِمَا، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) فِي شَخْصٍ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى جِهَةٍ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهَا وَجَعَلَ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ الْوَقْفِ لِشَخْصٍ عَيَّنَهُ وَجَعَلَ لِلنَّاظِرِ الْمَذْكُورِ الْأَكْلَ مِنْهُ وَقَضَاءَ دُيُونِهِ وَغَيْرَ ذَلِكَ فَهَلْ يَصِحُّ الْوَقْفُ الْمَذْكُورُ؟ ، فَإِنْ قُلْتُمْ: نَعَمْ فَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ فِي ذَلِكَ بِصِيغَةِ شَرْطٍ فَلَا يَصِحُّ أَوْ لَا فَيَصِحُّ وَحَيْثُ قُلْتُمْ: بِالصِّحَّةِ مُطْلَقًا أَوْ لَمْ يَأْتِ بِصِيغَةِ شَرْطٍ فَهَلْ لِلنَّاظِرِ الْأَخْذُ وَالِاسْتِقْلَالُ بِهِ مِنْ غَيْرِ مُرَاجَعَةِ حَاكِمٍ وَكَمْ الْقَدْرُ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ وَهَلْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ الِاسْتِقْلَالُ بِأَخْذِ غَلَّةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ صِيغَةِ الشَّرْطِ وَعَدَمِهَا وَبَيْنَ الْجِهَةِ وَالْمُعَيَّنِ؟ (فَأَجَابَ) يَصِحُّ الْوَقْفُ مَعَ التَّنْصِيصِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي النَّاظِرِ سَوَاءٌ أَتَى بِصِيغَةِ شَرْطٍ أَوْ بِمَا يُفْهِمُ الشَّرْطِيَّةَ كَمَا شَمَلَهُ قَوْلُهُمْ تَصِحُّ شُرُوطُ الْوَاقِفِ وَيُعْمَلُ بِهَا مَا لَمْ تُخَالِفْ الشَّرْعَ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَا ذُكِرَ هُنَا مِنْ شَرْطِ أَكْلِ النَّاظِرِ وَقَضَاءِ دُيُونِهِ لَا يُخَالِفُهُ بَلْ قَوْلُهُمْ يَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَ لِلنَّاظِرِ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ شَامِلٌ لِهَذِهِ الصُّورَةِ فَهِيَ مِنْ صَدَقَاتِ إطْلَاقِهِمْ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِأَخْذِ مَا شُرِطَ لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ أَلْحَقُوهُ بِالْوَكِيلِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ، وَالْوَكِيلُ لَوْ قَالَ لَهُ مُوَكِّلُهُ أَعْطِ هَذَا لِلْفُقَرَاءِ، وَإِنْ شِئْت أَنْ تَضَعَهُ فِي نَفْسِك فَافْعَلْ لَمْ يَجُزْ لَهُ إعْطَاءُ نَفْسِهِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ لَكِنْ نَازَعَهُمَا فِيهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْمَنْعُ فِي النَّاظِرِ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ عَلَى الْوَكِيلِ وَمِثْلُهُ الْوَصِيُّ إعْطَاءُ نَفْسِهِ مَعَ النَّصِّ لَهُ عَلَيْهِ فَأَوْلَى أَنْ يَمْتَنِعَ عَلَى النَّاظِرِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ لَمْ يَنُصَّ لَهُ عَلَى تَوَلِّي الْأَخْذَ بِنَفْسِهِ وَكَذَا عَلَى الثَّانِي لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ النَّاظِرِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ

وَالْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَوْ الْمُوصِيَ ثَمَّ فَوَّضَ لِنَائِبِهِ الِاسْتِقْلَالَ بِالْأَخْذِ، وَالْوَاقِفُ فِي صُورَتِنَا لَمْ يُفَوِّضْ لَهُ ذَلِكَ، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لَا يَسْتَقِلُّ بِالْأَخْذِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي مَنْعِ النَّاظِرِ مِنْ الِاسْتِقْلَالِ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ فِي صُورَتِنَا وَأَخْذُهُ لَهُ يُنَافِي ذَلِكَ فَقَدْ قَالُوا: يَجُوزُ أَنْ يَشْرُطَ لِلْمُتَوَلِّي عُشْرَ الْغَلَّةِ أُجْرَةً لِعَمَلِهِ وَسُومِحَ فِيهِ تَبَعًا لِبَعْضِ الْمُسْتَحِقِّينَ، وَإِلَّا فَالْأُجْرَةُ لَا تَكُونُ مِنْ مَعْدُومٍ ثُمَّ إذَا عَزَلَهُ بَطَلَ اسْتِحْقَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِهِ أُجْرَةً كَأَنْ قَالَ: جَعَلْتُ لِلْمُتَوَلِّي عُشْرَهَا اسْتَحَقَّهُ، وَإِنْ عَزَلَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ اهـ. وَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِهِ أُجْرَةً فَيَسْتَحِقَّهُ النَّاظِرُ، وَإِنْ انْعَزَلَ عَنْ النَّظَرِ وَحَيْثُ مَنَعْنَاهُ مِنْ الِاسْتِقْلَالِ لَزِمَهُ رَفْعُ الْأَمْرِ إلَى النَّاظِرِ الْعَامِّ وَهُوَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ لِيُعْطِيَهُ مَا شُرِطَ لَهُ وَهُوَ الْأَكْلُ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ كِفَايَتُهُ اللَّائِقَةُ بِهِ يَوْمًا بِيَوْمٍ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ، وَلَيْسَ لَهُ إطْعَامُ مُمَوِّنِهِ؛ لِأَنَّ شُرُوطَ الْوَقْفِ يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مُؤَدَّى الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَيْهَا وَمُؤَدَّى مَا فِي السُّؤَالِ أَكْلُهُ وَحْدَهُ فَلَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ مِنْ أَكْلِ غَيْرِهِ وَكِسْوَتِهِ هُوَ نَعَمْ إنْ اطَّرَدَ عُرْفُ قَوْمٍ مِنْهُمْ الْوَاقِفَ فِي زَمَنه وَعُلِمَ بِهِ بِأَنْ يُعَبِّرُوا بِالْأَكْلِ فِي نَحْوِ ذَلِكَ عَمَّا يَشْمَلُ الْكِسْوَةَ وَمُؤْنَةَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ نُزِّلَ الْوَقْفُ عَلَيْهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامٌ الْإِمَامَيْنِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ الصَّلَاحِ. وَلَيْسَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الِاسْتِقْلَالُ بِأَخْذِ غَلَّةِ الْمَوْقُوفِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ وَظَائِفِ النَّاظِرِ لِقَوْلِهِمْ مِنْ وَظَائِفِهِ جَمْعُ الْغَلَّةِ وَقِسْمَتُهَا عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ، سَوَاءٌ أَشَرَطَ الْوَاقِفُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَمْ أَطْلَقَ، فَإِنْ قُلْتَ: يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ النَّاظِرَ لَا يَقْبِضُ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، قَوْلُهُمْ يَمْتَنِعُ اتِّحَادُ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ إلَّا فِي مَسَائِلَ وَعَدُّوا مِنْهَا السَّاعِيَ فَإِنَّهُ يَقْبِضُ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، وَقِيَاسُهُ النَّاظِرُ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مُتَصَرِّفٌ عَلَى الْغَيْرِ قُلْت: لَا يُنَافِيهِ؛ لِأَنَّ صُورَةَ السَّاعِي خَرَجَتْ عَنْ الْأَصْلِ لِمَعْنًى لَمْ يُوجَدْ مِثْلُهُ فِي النَّاظِرِ وَهُوَ أَنَّ السَّاعِيَ نَائِبُ الشَّرْعِ وَلَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ نَائِبًا عَنْ أَحَدٍ مَخْصُوصٍ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهِ السَّبَبُ الْمُقْتَضِي لِامْتِنَاعِ اتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ بِخِلَافِ النَّاظِرِ فَإِنَّهُ نَائِبٌ خَاصٌّ عَنْ شَخْصٍ خَاصٍّ هُوَ الْوَاقِفُ مَثَلًا أَوْ حَاكِمُ بَلَدِ الْوَاقِفِ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ اتِّحَادُ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ؛ لِاخْتِلَافِ جِهَةِ الْقَبْضِ مِنْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ لِذَلِكَ الِاخْتِلَافِ، وَأَمَّا السَّاعِي فَلَمْ تَخْتَلِفْ الْجِهَةُ فِيهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ قَبْضِهِ وَإِقْبَاضِهِ إنَّمَا هُوَ بِجِهَةِ السِّعَايَةِ فَقَطْ فَلَمْ يَحْتَجْ فِيهِ لِمُمَيِّزٍ ثُمَّ رَأَيْتُ الْبُلْقِينِيُّ أَخَذَ مِنْ إفْتَاءِ ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّ لِلْوَلِيِّ إذَا تَبَرَّمَ بِحِفْظِ مَالِ مُوَلِّيهِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِأَخْذِ مَا يُقَرِّرُهُ لَهُ الْحَاكِمُ لَوْ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَيْهِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ هُنَا، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي مَسْأَلَتِنَا أَنَّ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِأَخْذِ مَا شُرِطَ لَهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ قُلْنَا: بِمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رَفْعِ الْأَمْرِ لِلْقَاضِي فِي الْوَلِيِّ، وَمِثْلُهُ النَّاظِرُ بِالْأَوْلَى عَلَى أَنَّ قِيَاسَ النَّاظِرِ عَلَى الْوَلِيِّ قَابِلٌ لِلْمَنْعِ كَيْفَ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَقْتَرِضَ لِعِمَارَةِ الْوَقْفِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ وَبِأَنَّ وَلِيَّ الْيَتِيمِ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ لِذَلِكَ، وَأَمَّا مُنَازَعَةُ الْبُلْقِينِيُّ فِي هَذَا فَإِنِّي رَدَدْتُهَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ حَيْثُ قُلْت: وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي اشْتِرَاطِ إذْنِ الْحَاكِمِ فِي الِاقْتِرَاضِ وَقَالَ: التَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ؛ وَمَالَ إلَيْهِ غَيْرُهُ قِيَاسًا عَلَى وَلِيِّ الْيَتِيمِ فَإِنَّهُ يَقْتَرِضُ دُونَ وَلِيِّ الْحَاكِمِ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ النَّاظِرَ يُضَيِّقُ فِيهِ بِمَا لَا يُضَيِّقُ بِهِ فِي وَلِيِّ الْيَتِيمِ اهـ. وَمِمَّا يُقَوِّي الْفَرْقَ بَيْنَ النَّاظِرِ وَالْوَلِيِّ مَا قَدَّمْته مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ السَّاعِي وَالنَّاظِرِ فَإِنَّ الْوَلِيَّ كَالسَّاعِي بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا نَائِبُ الشَّرْعِ فَجَازَ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ لِمَا مَرَّ، وَأَمَّا النَّاظِرُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا قَدَّمْته وَيُؤَيِّدُهُ تَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ النَّاظِرُ أُجْرَةً مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَشْرُوطُ لَهُ بِقَدْرِ أُجْرَةِ مِثْلِهِ أَوْ أَكْثَرَ، وَسَوَاءٌ احْتَاجَ لِلْأَخْذِ أَمْ لَا، وَأَمَّا الْوَلِيُّ فَلَا يَأْخُذُ كَذَلِكَ بَلْ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ لَيْسَ نَائِبًا عَنْ أَحَدٍ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَالنَّاظِرُ نَائِبٌ عَنْ الْوَاقِفِ فَاسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيمَنْ وَقَفَ نَخْلًا مَثَلًا أَوْ أَوْصَى بِهِ عَلَى أَنْ تُبَاعَ غَلَّتُهُ وَيُسَبَّلُ مِنْهَا كُلَّ سَنَةٍ فِي رَمَضَانَ قِرْبَةُ مَاءٍ وَيُسْرَجَ مِنْهُ سِرَاجٌ بِاللَّيْلِ فِيهِ ثُمَّ إنَّ الْقَيِّمَ بِذَلِكَ تَرَكَهُ فِي بَعْضِ اللَّيَالِيِ

عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ عِنْدَ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلَدِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْقَيِّمِ بِذَلِكَ أَنْ يُبَادِرَ بِقَضَاءِ ذَلِكَ فَيُسْرِجَ سِرَاجَيْنِ إلَّا فَاتَهُ ذَلِكَ فِي لَيْلَةٍ مَثَلًا وَيَسْقِي قِرْبَتَيْ مَاءٍ وَهَلْ يَتَعَيَّنُ الْقَضَاءُ فِي رَمَضَانَ أَوْ يَجُوز تَأْخِيرُهُ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الشُّهُورِ؟ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ تَرْكِهِ لِعُذْرٍ فَيَجُوزُ التَّأْخِيرُ أَوْ لِغَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ وَهَلْ يُفَرَّقُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) أَفْتَى النَّوَوِيُّ فِي وَاقِفٍ شَرَطَ أَنْ يُفَرِّقَ كَذَا فِي وَقْفٍ كَعَاشُورَاءَ أَوْ رَمَضَانَ فَتَأَخَّرَ عَنْ ذَلِكَ الزَّمَانِ بِأَنَّهُ لَا يُؤَخَّرُ إلَى مِثْلِهِ مِنْ قَابِلٍ بَلْ يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ عِنْدَ الْإِمْكَانِ اهـ. وَمَحَلُّهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ إنْ لَمْ يَشْرُطْ كَذَا لِصَوَّامِ رَمَضَانَ، فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ وَأَخَّرَ عَنْهُ وَجَبَ تَأْخِيرُهُ إلَى رَمَضَانَ الثَّانِي لِيُصْرَفَ إلَى صَوَّامِهِ؛ لِأَنَّهُ قُيِّدَ بِغَرَضٍ مَخْصُوصٍ مَقْصُودٍ مُغَايِرٍ لِلزَّمَنِ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: يُصْرَفُ فِي رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْهُ لِجِهَةٍ مَخْصُوصَةٍ مَقْصُودَةٍ، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى زَمَنٍ، وَالزَّمَنُ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الصَّرْفِ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ مِثْلُ ذَلِكَ الزَّمَنِ عِنْدَ فَوَاتِهِ بَلْ جَازَ الصَّرْفُ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ يَتَعَلَّقُ بِأَحَدٍ بِطَرِيقِ الْقَصْدِ حَتَّى يُؤَخَّرَ إلَيْهِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ، فَإِنْ قَالَ يُسْرِجُ أَوْ يُسَبَّلُ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ فَاتَ ذَلِكَ فِيهِ مَثَلًا وَلَوْ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ لَزِمَهُ أَنْ يُسْرِجَ أَوْ يُسَبَّلَ عِنْدَ الْإِمْكَانِ عَلَى الْفَوْرِ فِي غَيْرِهِ وَلَا يَنْتَظِرُ رَمَضَانَ الثَّانِيَ، وَإِنْ قَالَ يُسْرَجُ عَلَى قُوَّامِ رَمَضَانَ أَوْ يُسَبَّلُ لِصَوَّامِهِ أَوْ لِلْمُفْطِرِينَ مِنْ صَوْمِهِ فَفَاتَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ تَعَيَّنَ التَّأْخِيرُ إلَى رَمَضَانَ الثَّانِي لِمَا تَقَرَّرَ وَفِي الْحَالَةِ إذَا أَخَّرَ عَنْ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَقْضِيَ فِيهِ عِنْدَ التَّمَكُّنِ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ لِاتِّحَادِهِمَا فِي أَكْثَرِ الْمَسَائِلِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) إذَا كَانَ السُّلْطَانُ يَقْبِضُ مِنْ غَلَّاتِ الْمَسَاجِدِ وَالْمَدَارِسِ مَا فَضَلَ عَنْ مَصَالِحِهِمَا فِي عَيْنِ كُلِّ سَنَةٍ ثُمَّ يَصْرِفُ بَعْضَ ذَلِكَ إلَى الْمُحْتَاجِينَ مِنْ عُلَمَاءِ بَلَدِهِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ هَلْ يَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْ ذَلِكَ إذْ لَوْ امْتَنَعُوا مِنْ الْأَخْذِ لَمَا رُدَّ إلَى مَصْرِفِهِ الْأَصْلِيِّ؟ وَاَلَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ صَرْفَ ذَلِكَ إلَى مَنْ ذُكِرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ صَرْفِهِ عَلَى الْجُنْدِ وَشَحْنِ الْحُصُونِ بِهِ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْ الْفَاضِلِ مِنْ غَلَّةِ مَسْجِدٍ إذَا خَالَفَ ذَلِكَ الْأَخْذُ شَرْطَ الْوَاقِفِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْإِمَامُ يَصْرِفُ ذَلِكَ فِي مَصَارِفِهِ أَمْ لَا وَلَا نَظَرَ إلَى قَوْلِ السَّائِلِ وَاَلَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ إلَخْ؛ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِخِلَافِ شَرْطِ الْوَاقِفِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) كَيْفَ الْحِيلَةُ فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ؟ (فَأَجَابَ) لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ عَلَى قَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ امْرَأَةٌ وَقَفَتْ وَقْفًا بَعْدَ عَيْنِهَا عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهَا بَعْدَ مَوْتِهَا وَلَمْ يُعْرَفْ لَهَا قَبْرٌ فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا الْوَقْفُ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يُصْرَفُ إلَى مَنْ يَقْرَأُ وَيُهْدِي ثَوَابَ الْقِرَاءَةِ إلَيْهَا أَوْ يُصْرَفُ إلَى وَرَثَتِهَا وَالْمَوْقُوفُ لَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهَا وَالْوَارِثُ لَمْ يُجِزْ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ؟ أَجَابَ لَا يَصِحُّ هَذَا الْوَقْفُ؛ لِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِجِهَةٍ خَاصَّةٍ فَإِذَا تَعَذَّرَتْ لَغَا وَلَا يُكْتَفَى بِعُمُومِ تَضَمُّنِهِ الْخُصُوصَ، كَمَا لَوْ أَوْصَى قَائِلًا اشْتَرُوا لِي عَبْدَ فُلَانٍ فَاعْتِقُوهُ عَنِّي فَتَعَذَّرَ شِرَاؤُهُ فَلَا يُشْتَرَى مُطْلَقًا عَبْدٌ آخَرُ وَيُعْتَقُ عَنْهُ، وَلَيْسَ فَسَادُ هَذَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ وَقْفًا بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مُفْسِدًا عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَهُوَ نَوْعُ وَصِيَّةٍ اهـ. وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ عُرِفَ قَبْرُهَا صَحَّ الْوَقْفُ فَحِينَئِذٍ مَنْ أَوْصَى بِوَقْفِ شَيْءٍ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ ثُمَّ مَاتَ وَعُرِفَ قَبْرُهُ وَخَرَجَ مَا أَوْصَى بِوَقْفِهِ وَجَبَ وَقْفُهُ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ، فَهَذِهِ حِيلَةٌ فِي الْوَقْفِ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَمِنْ الْحِيَلِ أَيْضًا أَنْ يَقِفَ شَيْئًا عَلَى فُقَهَاءِ بَلَدِهِ مَثَلًا أَوْ عَلَى فُلَانٍ وَأَوْلَادِهِ وَهَكَذَا أَوْ عَلَى أَوْلَادِ نَفْسِهِ وَأَوْلَادِهِمْ وَهَكَذَا وَيَشْتَرِطُ فِي وَقْفِهِ عَلَى كُلِّ مَنْ آلَ إلَيْهِ اسْتِحْقَاقٌ فِي هَذَا الْوَقْفِ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى قَبْرِهِ إنْ عَرَفَ شَيْئًا مُعَيَّنًا، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ قَبْرٌ بِأَنْ يَقْرَأَ شَيْئًا وَيُهْدِيَهُ إلَيْهِ، فَهَذَا شَرْطٌ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ كَمَا شَمَلَهُ كَلَامُهُمْ وَبِهِ يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْوَاقِفِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي مَسْجِدٍ صَغِيرٍ بِهِ مُدَرِّسٌ يُدَرِّسُ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَرْضِ

ثُمَّ يَحْضُرُ مَنْ لَمْ يُصَلِّ فَيُصَلِّي الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ وَقْتَ التَّدْرِيسِ التَّدْرِيسِ وَلَوْ أَخَّرَ الْمُدَرِّسُ التَّدْرِيسَ إلَى فَرَاغِ الْمُصَلِّينَ لَطَالَ التَّأْخِيرُ التَّأْخِيرُ وَإِنْ دَرَّسَ خَافَ أَنْ يَشْتَغِلُوا بِتَدْرِيسِهِ عَنْ الصَّلَاةِ وَمِنْ بَعْدِ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ لَهُ أَشْغَالٌ فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ، وَإِذَا قَعَدَ فِي الْمَسْجِدِ لِلتَّدْرِيسِ أَوْ الْمُطَالَعَةِ وَكَانَ يَشْغَلُهُ مَنْ يَقْرَأُ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْقِرَاءَةِ سِرًّا أَوْ جَهْرًا خَارِجَ الْمَسْجِدِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) يَجِبُ عَلَى الْمُدَرِّسِ أَنْ يَفْعَلَ مَا يُوَافِقُ شَرْطَ الْوَاقِفِ وَلَا يَنْظُرُ لِأَشْغَالِهِ وَلَا لِصَلَاةِ النَّاسِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُدَرِّسَ بِخَفْضِ صَوْتٍ مَا دَامَ الْمُصَلُّونَ فِي صَلَاتِهِمْ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَاقِفِ فِي ذَلِكَ شَرْطٌ، فَإِنْ اطَّرَدَتْ عَادَةُ الْمُدَرِّسِينَ فِي زَمَنِهِ حِينَ الْوَقْفِ بِزَمَنٍ مَخْصُوصٍ يُدَرِّسُونَ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ وَجَبَ عَلَى الْمُدَرِّسِ أَنْ يُرَاعِيَ تِلْكَ الْعَادَةَ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ الْمُطَّرِدَةَ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِهِ. ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي نَفْسِ التَّدْرِيسِ فَقَالَ: الْعُرْفُ الْمُطَّرِدُ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ إذَا عُلِمَ بِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ فَيُنَزَّلُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ فَإِذَا وَقَفَ عَلَى الْمُدَرِّسِ وَالْمُعِيدِ وَالْفُقَهَاءِ بِمَدْرَسَةٍ نُزِّلَ عَلَى الْعُرْفِ مِنْ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْفَقِيهِ وَالْأَفْقَهِ وَكَذَا يُنَزَّلُ عَلَى التَّدْرِيسِ فِي الْغَدَوَاتِ فَلَا يَكْفِي لَيْلًا وَلَا عَشِيَّةً وَلَا ظُهْرًا اهـ. وَأَمَّا مَنْ يُطَالِعُ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ يُدَرِّسُ احْتِسَابًا فَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ، بَلْ لَهُ فِعْلُ ذَلِكَ فِي أَيِّ وَقْتٍ أَرَادَهُ مَا لَمْ يُشَوِّشْ بِهِ عَلَى نَحْوِ مُصَلٍّ أَوْ نَائِمٍ، وَلِمَنْ اشْتَغَلَ بِتَدْرِيسٍ أَوْ مُطَالَعَةٍ فَقَرَأَ آخَرُ بِجَنْبِهِ أَوْ ذَكَرَ بِحَيْثُ شَوَّشَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِخَفْضِ الصَّوْتِ، فَإِنْ امْتَثَلَ أَمْرَهُ بِذَلِكَ فَلَهُ مَزِيدُ الثَّوَابِ، وَإِلَّا فَلَهُ رَفْعُهُ إلَى الْحَاكِمِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِيَأْمُرَ بِالسُّكُوتِ، فَإِنْ أَبَى أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ يَجُوزُ إخْرَاجُ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ أَكَلَ نَحْوَ ثُومٍ أَوْ بَصَلٍ أَوْ كُرَّاثٍ أَيْ: أَوْ فُجْلٍ فَإِنَّهُ مِثْلُهَا كَمَا فِي حَدِيثٍ وَجَرَى عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ فَإِذَا جَازَ إخْرَاجُ مَنْ هَذِهِ حَالُهُ فَلْيَجُزْ إخْرَاجُ مَنْ يُشَوِّشُ بِقِرَاءَتِهِ أَوْ ذِكْرِهِ عَلَى الْمُشْتَغِلِينَ بِالْعِلْمِ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) شَخْصٌ وَقَفَ مَحَلًّا عَلَى جَمَاعَةٍ وَجَعَلَ النَّظَرَ فِيهِ لِأَحَدِهِمْ وَشَرَطَ لَهُ زِيَادَةً عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ؟ وَإِذَا جَعَلَ النَّظَرَ لِغَيْرِهِمْ وَشَرَطَ لَهُ نِصْفَ الْغَلَّةِ يَجُوزُ أَمْ لَا وَإِذَا لَمْ يَشْرِطْ لِلنَّاظِرِ هَلْ يَأْخُذُ أُجْرَةَ مِثْلِهِ؟ وَإِذَا أَجَّرَ النَّاظِرُ الْمُسْتَحِقُّ أَوْ غَيْرُهُ الْوَقْفَ مُدَّةً طَوِيلَةً بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ وَكَانَ لَهُ النَّظَرُ عَلَى سَائِرِ الْبُطُونِ هَلْ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ؟ (الْجَوَابُ) نَعَمْ يَسْتَحِقُّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَالنِّصْفَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ زَادَ عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ، وَإِذَا لَمْ يُشْرَطْ شَيْءٌ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا، وَإِنْ عَمِلَ مَا لَمْ يَرْفَعْ الْأَمْرَ لِلْحَاكِمِ لِيُقَرِّرَ لَهُ أُجْرَةَ مِثْلِهِ وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِالْمَوْتِ فِيمَا ذُكِرَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) فِي شَخْصٍ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ أَحْمَدَ مَثَلًا ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ فَهَلْ الضَّمِيرُ الثَّانِي عَائِدٌ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ أَوْلَادِهِ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الضَّمِيرَ فِيهَا يَرْجِعُ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ مَا لَمْ يُعَارِضْهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ كَأَنْ يَكُونَ الْمُحَدَّثُ عَنْهُ غَيْرَ الْأَقْرَبِ، وَلَا يَتَّضِحُ ذَلِكَ إلَّا بِذِكْرِ عِبَارَةِ الْوَاقِفِ بِسَوَابِقِهَا وَلَوَاحِقِهَا فَإِنَّ بِذَلِكَ يَتَّضِحُ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ فِي كَلَامِهِ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ وَقَفَ عَلَى جَمَاعَةٍ وَعَلَى أَوْلَادِهِمْ الْمَوْجُودِينَ وَسَمَّاهُمْ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ عَلَى التَّرْتِيبِ فَإِذَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ الْجَمَاعَةِ الْمَذْكُورِينَ وَلَهُ وَلَدٌ دَاخِلٌ فِي الْوَقْفِ مَعَ أَبِيهِ حَالَ الْوَقْفِ هَلْ تَنْتَقِلُ حِصَّةُ أَبِيهِ لَهُ مَعَ مَا بِيَدِهِ مِنْ الْوَقْفِ إلَّا كَانَ مُنْفَرِدًا؟ . وَإِذَا مَاتَ أَحَدٌ عَنْ غَيْر وَلَدٍ وَلَمْ يَنُصَّ الْوَاقِفُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ بَعْده فَلِمَنْ تَكُونُ حِصَّته لِشُرَكَائِهِ فِي الْوَقْف أَوْ تَسْقُط وَتَدْخُلُ فِي مَصَالِح الْوَقْف أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا يَنْتَقِل شَيْء إلَى مَنْ بَعْدهمْ إلَّا بِانْقِرَاضِ جَمِيع الْمَذْكُورِينَ قَبْلهَا، فَإِذَا مَاتَ بَعْض هَؤُلَاءِ انْتَقَلَتْ حِصَّتُهُ إلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهِ عَلَى حَسْبِ مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ مِنْ تَسْوِيَةٍ أَوْ تَفَاضُلٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ أَمْ لَا فَلَا يَخْتَصُّ الْوَلَدُ بِحِصَّةِ أَبِيهِ حَيْثُ كَانَ لَهُ مُشَارِكٌ فِي دَرَجَتِهِ، وَإِلَّا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ حِصَّةُ الْمَيِّتِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ أَبِيهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ تَرْتِيبٌ بَيْنَ الْبُطُونِ لَمْ يَسْتَحِقَّ أَحَدٌ مِنْ بَطْنٍ مُتَأَخِّرَةٍ شَيْئًا مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ بَطْنٍ مُتَقَدِّمَةٍ حَتَّى لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا إلَّا وَاحِدٌ فَازَ بِالْجَمِيعِ إلَّا إنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ

وَلَدٍ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ فَيَخْتَصُّ الِابْنُ حِينَئِذٍ بِنَصِيبِ أَبِيهِ، وَلَوْ مَعَ وُجُود مُسَاوِي أَبِيهِ فِي دَرَجَتِهِ، وَقَوْلُ السَّائِلِ: وَإِذَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إلَخْ يُعْلَمُ جَوَابُهُ مِمَّا قَرَّرْته وَهُوَ أَنَّ نَصِيبَ الْمَيِّتِ يَنْتَقِلُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ فِي الصُّورَة الَّتِي ذَكَرَهَا السَّائِلُ قَبْلَ ذَلِكَ لِمَا عَلِمْت فِي تَقْرِيرِهَا أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ شَيْءٌ لِلْبَطْنِ الْمُتَأَخِّرِ، وَهُنَاكَ أَحَدٌ مِنْ الْبَطْنِ الْمُتَقَدِّمِ. (وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ تَجَمَّدَ مِنْ رِيعِ وَقْفٍ مَالٌ بَعْدَ الْعِمَارَةِ وَالصَّرْفِ لِلْمُسْتَحِقِّ هَلْ يَسُوغُ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ دَارًا وَيُوقِفَهُ وَيَجْعَلَ رِيعَهُ فِي مَصَالِحِ الْوَقْفِ الْأَوَّلِ بَعْدَ عِمَارَتِهِ إذَا حَصَلَ فِيهِ هَدْمٌ إذَا رَأَى ذَلِكَ مَصْلَحَةً لِلْوَقْفِ الْأَوَّلِ؟ وَالْحَالُ أَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَشْرِطْ ذَلِكَ فِي وَقْفِهِ، وَإِذَا قُلْتُمْ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ هَلْ لِلْمُسْتَحِقِّينَ أَخْذُ الْمَالِ الْمُتَجَمِّدِ تَحْتَ يَدِهِ وَيَقْتَسِمُونَهُ زِيَادَةً عَلَى اسْتِحْقَاقِهِمْ اسْتِحْقَاقِهِمْ لِاسْتِغْنَاءِ الْوَقْفِ عَنْهُ أَمْ يُرْصَدُ ذَلِكَ تَحْتَ يَدِ النَّاظِرِ لِحُدُوثِ عِمَارَةٍ وَغَيْرِهَا أَمْ يَنْزِعُهُ الْحَاكِمُ مِنْهُ وَيَكُونُ فِي مُسْتَوْدَعِ الْحَاكِمِ لِلِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ لِعِمَارَةِ الْوَقْفِ؟ . وَإِذَا قُلْتُمْ بِصِحَّةِ الشِّرَاءِ وَالْوَقْفِ كَيْفَ يَسُوغُ شِرَاءُ النَّاظِرِ وَوَقْفُهُ وَشُرُوطُهُ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ وَاقِفًا وَلَا نَاظِرًا عَنْ الْوَاقِفِ فِي ذَلِكَ؟ وَهَلْ يَكُونُ الشِّرَاءُ وَالْوَقْفُ بِاسْمِهِ أَوْ بِاسْمِ الْوَاقِفِ وَيُعَيِّنُ شُرُوطَهُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ مُفَصَّلًا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْوَقْفَ الْفَاضِلَ مِنْ رِيعِهِ شَيْءٌ تَارَةً يَكُونُ عَلَى مَسْجِدٍ وَتَارَةً يَكُونُ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَسْجِدِ فَتَارَةً يَكُونُ عَلَى مَصَالِحِهِ وَتَارَةً يُطْلَقُ وَتَارَةً يَكُونُ عَلَى عِمَارَتِهِ فَفِي الْحَالَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ يُدَّخَرُ مِنْ الزَّائِدِ مَا يُعَمِّرُهُ وَأَمْلَاكَهُ أَوْ الدُّورَ وَنَحْوَهَا الْمَوْقُوفَةَ عَلَيْهِ لِوُجُوبِ ذَلِكَ وَيُشْتَرَى لَهُ بِبَاقِيهَا مَا فِيهِ زِيَادَةُ غَلَّتِهِ وَيَقِفُهُ؛ لِأَنَّهُ أَحْفَظُ لَهُ وَالْمُتَوَلِّي لِلشِّرَاءِ وَالْوَقْفِ هُوَ الْحَاكِمُ، وَهَذَا الْوَقْفُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ لِشُرُوطٍ وَلَا لِبَيَانِ مَصْرِفٍ؛ لِأَنَّ مَصْرِفَهُ مَعْلُومٌ شَرْعًا؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى لِلْمَسْجِدِ وَوَقَفَ صَارَ مَصْرِفُهُ مَصَالِحَ الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَفِي الْحَالِ الثَّالِثِ أَعْنِي الْمَوْقُوفَ عَلَى عِمَارَتِهِ لَا يُشْتَرَى مِنْ زَائِدِ غَلَّتِهِ شَيْءٌ بَلْ يَرْصُدُهُ لِلْعِمَارَةِ، وَإِنْ كَثُرَ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ إنَّمَا وَقَفَ عَلَى الْعِمَارَةِ فَلَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ لِغَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى غَيْرِ مَسْجِدٍ كَانَتْ فَوَائِدُهُ مِلْكًا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ فَتُصْرَفُ إلَيْهِمْ جَمِيعُ غَلَّتِهِ مَا لَمْ يَحْتَجْ لِعِمَارَةٍ فَحِينَئِذٍ تُقَدَّمُ عَلَى حَقِّهِمْ وَلَا يُصْرَفُ لَهُمْ شَيْءٌ مَا دَامَ الِاحْتِيَاجُ لِلْعِمَارَةِ مَوْجُودًا، سَوَاءٌ شَرَطَ الْوَاقِفُ تَقْدِيمَ الْعِمَارَةِ أَمْ لَمْ يَشْرِطْهُ، وَكَذَلِكَ عِمَارَةُ عَقَارِ الْمَسْجِدِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ الْوَاقِفُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ حِفْظَ الْوَقْفِ وَالْمُتَوَلِّي لِصَرْفِ مَا ذُكِرَ لِلْمُسْتَحِقِّينَ هُوَ النَّاظِرُ الْخَاصُّ إنْ كَانَ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى إذْنِ حَاكِمٍ، فَإِنْ امْتَنَعَ رَفَعُوهُ إلَى حَاكِمٍ وَأَجْبَرَهُ عَلَى الصَّرْفِ إلَيْهِمْ كَمَا ذَكَرْنَاهُ. وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَسْتَقِلُّوا بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ بِدُونِ إذْنِ النَّاظِرِ أَوْ الْحَاكِمِ وَحَيْثُ أَلْزَمْنَاهُ بِالصَّرْفِ إلَيْهِمْ فَاشْتَرَى مِنْ الْغَلَّةِ شَيْئًا كَانَ شِرَاؤُهُ بَاطِلًا وَمَا نَأْمُرُهُ بِإِمْسَاكِهِ لِلْعِمَارَةِ يَكُونُ تَحْتَ يَدِهِ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى إذْنِ الْحَاكِمِ وَبِقَوْلِنَا: فِيمَا مَرَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ وَاَلَّذِي يَقِفُ هُوَ الْحَاكِمُ انْدَفَعَ قَوْلُ السَّائِلِ كَيْفَ يَسُوغُ شِرَاءُ النَّاظِرِ إلَخْ؟ وَبِقَوْلِنَا: إنَّ هَذَا الْوَقْفَ لَا يَحْتَاجُ لِشُرُوطٍ إلَخْ انْدَفَعَ قَوْلُهُ: أَيْضًا وَشُرُوطُهُ وَيَنْدَفِعُ بِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ: هَلْ يَكُونُ الشِّرَاءُ وَالْوَقْفُ بِاسْمِهِ أَوْ بِاسْمِ الْوَاقِفِ وَيُعَيِّنُ شُرُوطَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَوَجْهُ انْدِفَاعِ ذَلِكَ أَنَّ الْمَوْقُوفَ مِلْكٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَبْقَ لِلْوَاقِفِ وَلَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ دَخْلٌ فِيهِ، وَكَذَلِكَ النَّاظِرُ، وَإِنَّمَا التَّصَرُّفُ فِي الشِّرَاءِ وَالْوَقْفِ لِلْحَاكِمِ يَتَوَلَّى الشِّرَاءَ وَالْوَقْفَ بِنِيَابَةِ الشَّرْعِ وَلَيْسَ نَائِبًا عَنْ أَحَدٍ فَاتَّضَحَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَانْدَفَعَ جَمِيعُ مَا أَوْرَدَهُ السَّائِلُ فِي ذَلِكَ. (وَسُئِلَ) فِي وَاقِفٍ وَقَفَ عَلَى زَيْدٍ مَثَلًا دَارًا ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ الْفُقَرَاءَ وَشَرَطَ النَّظَرَ لِزَيْدٍ الْمَذْكُورِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوَّلًا وَأَطْلَقَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ وَلَمْ يُعَيِّنْ عَلَى حِصَّتِهِ وَلَا عَلَى سَائِرِ الْبُطُونِ فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟ فَهَلْ يَكُونُ النَّظَرُ لِزَيْدٍ عَلَى حِصَّتِهِ فَقَطْ أَوْ عَلَى سَائِرِ الْبُطُونِ حَتَّى لَوْ أَجَّرَ النَّاظِرُ وَهُوَ زَيْدٌ الْمَذْكُورُ الْوَقْفَ مُدَّةً طَوِيلَةً مَضَتْ عَلَى سَائِرِ الْبُطُونِ لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ وَهَلْ يَكُونُ حُكْمُ النَّاظِرِ مِنْ بَعْدِ زَيْدٍ كَحُكْمِهِ أَمْ لَا أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ؟ (الْجَوَابُ) إنَّ الْوَاقِفَ حَيْثُ لَمْ يُقَيِّدْ النَّظَرَ

بِحِصَّةِ النَّاظِرِ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْوَقْفِ فَتَصِحُّ إجَارَتُهُ وَتَمْضِي عَلَى الْبُطُونِ بَعْدَهُ وَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ كَمَا حَرَّرْته، وَأَطْلَقْت الْكَلَامَ فِيهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) إنْسَانٌ وَقَفَ دَارًا عَلَى وَالِدَتِهِ وَأُخْرَى عَلَى وَلَدِهِ وَأُخْرَى عَلَى وَصِيِّهِ لِيَنْتَفِعَ كُلٌّ بِمَا وُقِفَ عَلَيْهِ وَشَرَطَ أَنْ يُصْرَفَ لِلنَّاظِرِ عَلَى تَرِكَتِهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ رِيعِ الْأَوْقَافِ الْمَذْكُورَةِ ثَلَاثُونَ أَشَرَفِيًّا يُوَزَّعُ ذَلِكَ عَلَى الدُّورِ الثَّلَاثَةِ بِنِسْبَةِ رِيعِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى مَجْمُوعِ رِيعِهَا فَلَمَّا تُوُفِّيَ الْمُوصِي سَكَنَ كُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ مَا وُقِفَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُؤَجَّرْ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الدُّورِ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ النَّاظِرُ مَا شُرِطَ لَهُ أَوْ لَا؟ لِكَوْنِ الْوَاقِفِ إنَّمَا شَرَطَ ذَلِكَ مِنْ الرِّيعِ وَلَمْ يُوجَدْ رِيعٌ لِعَدَمِ إيجَارِ شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الدُّورِ، وَإِذَا قُلْتُمْ: بِاسْتِحْقَاقِهِ فَهَلْ يَأْخُذُ مِنْهَا بِالتَّوْزِيعِ أَوْ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ، وَإِذَا أَخَذَهُ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ فَهَلْ يَغْرَمُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَيَكُونُ جُنْحَةً فِيهِ أَوْ لَا؟ (الْجَوَابُ) يَسْتَحِقُّ النَّاظِرُ مَا شُرِطَ لَهُ بِالتَّوْزِيعِ الْمَذْكُورِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالرِّيعِ إلَّا مُقَابِلَ الْمَنْفَعَةِ الْمُسْتَوْفَاةِ، سَوَاءٌ اسْتَوْفَاهَا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ أَمْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ مَا ذُكِرَ لِلنَّاظِرِ تَخْصِيصٌ أَوْ تَقْيِيدٌ لِمَا أَطْلَقَهُ مِنْ الْوَقْفِ عَلَى مَنْ ذُكِرَ وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ أَخْذُ حِصَّةِ دَارَيْ الْوَالِدَةِ وَالْوَصِيِّ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ، فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ غُرْمُهُ مُطْلَقًا، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِإِثْمِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ جُنْحَةٌ فِيهِ، فَشَرْطُهُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمَالَ الْمَأْخُوذَ هُوَ مَالُ الْوَلَدِ، وَأَنْ يَعْلَمَ أَيْضًا شَرْطَ الْوَاقِفِ وَحُكْمَهُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، فَإِذَا عَلِمَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ أَثِمَ بِذَلِكَ وَكَانَ جُنْحَةً فِيهِ، وَإِنْ جَهِلَهَا أَوْ أَحَدَهَا فَلَا إثْمَ وَلَا جُنْحَةَ كَمَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى نَظِيرِهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كَلَامِهِ، وَالْكَلَامُ فِيمَنْ يُعْذَرُ بِجَهْلِ مِثْلِ ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ دَعْوَى الْجَهْلِ. (مَسْأَلَةٌ) شَخْصٌ وَقَفَ مَحَلًّا عَلَى جَمَاعَةٍ فَحَصَلَ فِيهِ مَا يَحْتَاجُ لِعِمَارَةٍ فَأَجَّرَهُ النَّاظِرُ الْعَامُّ نَحْوَ ثَمَانِينَ سَنَةً مَعَ إمْكَانِ إصْلَاحِهِ بِأُجْرَةِ خَمْسِ سِنِينَ هَلْ تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ فِي الْجَمِيعِ أَوْ فِيمَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِ؟ . (الْجَوَابُ) لَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُؤَجِّرَهُ إلَّا الْقَدْرَ الَّذِي يَحْتَاجُ لِأُجْرَتِهِ فِي الْعِمَارَةِ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ بَطَلَتْ إجَارَتُهُ فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ مُتَعَدٍّ فَيَنْعَزِلُ عَنْ النَّظَرِ فَتَبْطُلُ إجَارَتُهُ مِنْ أَصْلِهَا. (مَسْأَلَةٌ وَقْفٌ يُصْرَفُ رِيعُهُ سَوَاءٌ أَكَانَ دَرَاهِمَ أَوْ حَبًّا أَوْ تَمْرًا عَلَى الْوَارِدِينَ أَوْ الْمَارِّينَ مَحَلَّ كَذَا وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِوَقْتٍ فَهَلْ يَلْزَمُ تَعْمِيمُ الْوَارِدِينَ أَوْ يُقْتَصَرُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ؟ وَهَلْ يَلْزَمُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ وَإِنْ تَكَرَّرُوا وَمَاذَا يُدْفَعُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ وَمَا قَدْرُ الزَّمَنِ الَّذِي يَتَقَيَّدُ بِهِ الْوُرُودُ؟ (الْجَوَابُ) قِيَاسُ مَا ذَكَرُوهُ فِي بَابَيْ الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ أَنَّ الْوَارِدِينَ بِمَحَلِّ كَذَا لَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ إلَّا إنْ انْحَصَرُوا وَوَفَّى بِهِمْ رِيعُ الْوَقْفِ، فَإِنْ لَمْ يَنْحَصِرُوا فَلَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مَا لَمْ يَفْضُلْ عَنْ حَاجَاتِهِمْ شَيْءٌ فَيَجِبُ صَرْفُهُ إلَى بَعْضِ الْبَاقِينَ، وَإِنْ انْحَصَرُوا لَزِمَهُ الصَّرْفُ لِجَمِيعِهِمْ إنْ وَفَّى بِهِمْ الرِّيعُ، وَإِلَّا فَلِمَنْ يَفِي بِهِ وَمَا دَامَ عِنْدَ النَّاظِرِ شَيْءٌ مِنْ الرِّيعِ لَزِمَهُ صَرْفُهُ لِلْوَارِدِينَ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ وَلَا يَخُصُّ الصَّرْفَ بِوَارِدِينَ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ عَمَلًا بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامٌ الْوَاقِفِ مِنْ عَدَمِ التَّحْصِيصِ. وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُهُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ هُوَ قَدْرُ كِفَايَتِهِ الْمُدَّةَ الَّتِي أَقَامَهَا وَلَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ كَوْنِهِ مُسَافِرًا؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ لَوْ كَانَ سَفَرُهُ طَوِيلًا بِشُرُوطِهِ يُسَمَّى وَارِدًا وَمَارًّا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ لِنَحْوِ إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ كَامِلَةٍ أَوْ لِنِيَّةِ إقَامَةِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُسَمَّى مُقِيمًا لَا وَارِدًا وَلَا مَارًّا فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (سُئِلْت) عَمَّنْ قَالَ إذَا مِتُّ فَضَيْعَتِي الْفُلَانِيَّةُ وَقْفٌ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ عَلَى قَبْرِي وَيُهْدِي ثَوَابَ الْقِرَاءَةِ إلَيَّ هَلْ يَصِحُّ وَقْفًا وَإِذَا صَحَّ فَكَمْ يَقْرَأُ الْقَارِئُ الْقَارِئُ وَلَوْ ازْدَحِمْ عَلَى الْقِرَاءَةِ اثْنَانِ مَا حُكْمُهُ؟ (فَأَجَبْت) بِأَنَّ ذَلِكَ وَصِيَّةٌ يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا، فَإِذَا مَاتَ وَلَمْ يَرْجِعْ وَخَرَجَتْ تِلْكَ الضَّيْعَةُ مِنْ الثُّلُثِ كَانَتْ وَقْفًا عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ إنْ عُرِفَ قَبْرُهُ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَّا بَعْضُهَا كَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ كَذَلِكَ، وَمَنْ قَرَّرَهُ وَصِيٌّ أَوْ نَحْوُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْفِ أَجْزَأَهُ أَنْ يَقْرَأَ مَا اطَّرَدَ بِهِ عُرْفُ بَلَدِ الْمُوصِي فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ الْمُطَّرِدَ فِي بَابِ الْوَقْفِ، وَمِثْلُهُ الْوَصِيَّةُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْمَشْرُوطِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ، فَإِنْ لَمْ يَطَّرِدْ الْعُرْفُ بِشَيْءٍ عُمِلَ بِظَاهِرِ لَفْظِهِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِقِرَاءَةِ

الْقُرْآنِ عَلَى قَبْرِهِ، وَلَوْ مَرَّةً. وَإِذَا تَزَاحَمَ عَلَى الْقِرَاءَةِ اثْنَانِ لَمْ يَسْتَحِقَّ إلَّا مَنْ قَرَّرَهُ الْوَصِيُّ أَوْ نَحْوُهُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا وَلَهُ تَقْرِيرُ وَاحِدٍ وَمُتَعَدِّدٍ؛ لِأَنَّ مَنْ يَقْرَأُ فِي لَفْظِ الْوَصِيِّ يَشْمَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، وَمَا ذَكَرْته مِنْ تَوَقُّفِ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى التَّقْرِيرِ هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي بَابِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ هَذَا يُبَيِّنُ كَوْنَهُ وَصِيَّةً مَحْضَةً، وَإِلَّا بَطَلَتْ بِالْمَوْتِ فَتَعَيَّنَ أَنَّهَا تُفِيدُ اسْتِحْقَاقًا بِشَرْطٍ، وَهَذَا يَحْتَاجُ فِي تَنْفِيذِهِ إلَى نَظَرٍ فَتَوَقَّفَ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى مَنْ يَرَاهُ النَّاظِرُ أَهْلًا وَيُقَرِّرُهُ. وَيُشْتَرَطُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ الْوَفَاءُ بِمَا شَرَطَهُ الْمُوصِي مِنْ إهْدَاءِ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ إلَيْهِ، لَكِنْ لَيْسَ الْمُرَادُ إهْدَاءَ ثَوَابِ الْقَارِئِ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ مُسْتَحِيلٌ شَرْعًا؛ لِأَنَّ ثَوَابَ كُلِّ إنْسَانٍ مُرَتَّبٌ عَلَى عَمَلِهِ فَلَا يَمْلِكُ نَقْلَهُ إلَى غَيْرِهِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ مُوصٍ أَوْ وَاقِفٌ بِإِهْدَاءِ الثَّوَابِ بِهَذَا الْمَعْنَى بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ أَوْ الْوَقْفُ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يُوجَدَ مَا أَرَادَهُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ إهْدَاءُ مِثْلِ الثَّوَابِ بِأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ مِثْلَ ثَوَابِ مَا قَرَأْته إلَى فُلَانٍ. (وَسُئِلَ) كَيْفَ الطَّرِيقُ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقِفَ قِطْعَةَ أَرْضٍ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ؟ ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِي فِي بَعْضِ الْفَتَاوَى وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُتَنَبَّهَ لَهُ أَنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ كَانَ آتِيًا بِوَقْفٍ مُنْقَطِعِ الْأَوَّلِ وَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنْ قَالَ: وَقَفْت كَذَا بَعْدَ مَوْتِي عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَيَّ فَهُوَ وَصِيَّةٌ اهـ. ، وَلَوْ قَالَ: وَقَفْت كَذَا بَعْدَ مَوْتِي عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِي كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُعْلَمُ قَبْرُهُ فَيَتَعَذَّرُ الْإِتْيَانُ بِمَا شَرَطَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَك عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَيَّ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ وَصِيَّةً فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ الْمَوْقُوفَ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِوَقْفِهِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ مِنْهُ مِنْ الثُّلُثِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ فَقَطْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (سُئِلْت) عَنْ رَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يَقِفَ ضَيْعَتَهُ نَاجِزًا وَأَرَادَ أَنَّهُ يَسْتَنْفِعُ بِهَا وَبِغَلَّتِهَا حِينَئِذٍ مُدَّةَ حَيَاتِهِ فَهَلْ مِنْ حِيلَةٍ أَنْ يُؤَجِّرَهَا مِنْ آخَرَ مُدَّةً طَوِيلَةً ثُمَّ يَقِفَهَا؟ (فَأَجَبْت) نَعَمْ ذَلِكَ مِنْ حِيلَةٍ، بَلْ أَحْسَنُهَا؛ لِأَنَّ غَيْرَهَا فِيهَا خِلَافٌ قَوِيٌّ بِخِلَافِ هَذِهِ فَإِنَّا لَمْ نَرَ مَنْ تَعَقَّبَ ابْنَ الصَّلَاحِ فِيهَا بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْحِيَلِ فِي الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ فَإِنَّهَا مُتَعَقَّبَةٌ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ وَقَفَ عَلَى ذُكُورِ أَوْلَادِهِ دُونَ الْإِنَاثِ وَغَالِبُ الظَّنِّ أَنَّهُ قَصَدَ حِرْمَانَهُنَّ مِنْ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ نَاسًا مِنْ جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ عِنْدَ كِبَرِ سِنِّ الْوَاقِفِ وَقُرْبِ أَجَلِهِ فَيَتَضَرَّرُ الْإِنَاثُ بِانْقِطَاعِهِنَّ عَنْ الْمِيرَاثِ، وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَفْتَى بِصِحَّةِ ذَلِكَ فَتَفَضَّلُوا عَلَيْنَا بِبَيَانِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنْ صَدَرَ ذَلِكَ الْوَقْفُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَهُوَ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ، فَإِنْ أَجَازَهُ الْبَنَاتُ نَفَذَ، وَإِنْ رَدَدْنَهُ بَطَلَ وَإِنْ صَدَرَ فِي صِحَّتِهِ صَحَّ، وَإِنْ قَصَدَ حِرْمَانَ وَرَثَتِهِ صَحَّ وَغَايَةُ ذَلِكَ الْقَصْدِ أَنَّ عَلَيْهِ فِيهِ إثْمًا، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي شَخْصٍ أَوْصَى شَخْصًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ مِنْ مَالِهِ الْمَفْسُوحِ لَهُ فِيهِ شَرْعًا مَحَلًّا يَكُونُ مَسْجِدًا أَوْ رِبَاطًا وَأَنْ يَكُونَ نَاظِرًا عَلَيْهِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ لِأَوْلَادِهِ وَعَيَّنَ الْمَالَ فَهَلْ لِلشَّخْصِ أَخْذُ الْمَالِ الْمُوصَى بِهِ مِنْ التَّرِكَةِ وَالشِّرَاءُ بِهِ مَحَلًّا يَجْعَلُهُ رِبَاطًا أَوْ مَسْجِدًا كَمَا أَوْصَى بِهِ؟ فَإِذَا اشْتَرَى وَوَقَفَ بِطَرِيقِ النَّظَرِ عَنْ الْمُوصِي فَمَا الْأَفْضَلُ أَنْ يُسْكِنَ الْقَاطِنِينَ بِبَلَدِ الرِّبَاطِ أَوْ الْأَفَّاقِيَّةِ، وَإِذَا شَرَطَ شُرُوطًا خِلَافَ الْأَصْلَحِ هَلْ يُعْمَلُ بِهَا أَوْ لَا لِكَوْنِ الْوَاقِفِ لَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا أَصْلًا؟ (فَأَجَابَ) أَنَّ الْوَصِيَّةَ فِيهَا بِمَا ذُكِرَ صَحِيحَةٌ فَيَأْخُذُ الْوَصِيُّ الْمَالَ الْمُوصَى بِهِ مِنْ التَّرِكَةِ إذَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ ثُمَّ يَشْتَرِي بِهِ مَحَلًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ مَسْجِدًا أَوْ رِبَاطًا كَمَا شَرَطَهُ الْمُوصِي ثُمَّ الْأَوْلَى أَنْ يُسْكِنَ الرِّبَاطَ الْأَحْوَجَ مِنْ الْمُقِيمِينَ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ وَالْوَارِدِينَ إلَيْهَا وَلَا يُعْتَدُّ بِشُرُوطِهِ الْمُخَالِفَةِ لِمَا تُحْمَلُ الْوَصِيَّةُ عَلَيْهِ شَرْعًا وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ حُكْمُ مَا ذَكَرْنَاهُ بِالْأَوْلَى فَلَا نُطِيلُ بِذِكْرِهِ اهـ. (وَسُئِلْت) عَمَّا لَوْ قَالَ حَبَسْت مَالِي عَلَى فُلَانٍ فُلَانٌ وَالْعُرْفُ عِنْدَ قَائِلِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ وَقْفًا عَلَى غَيْرِ فُلَانٍ مِنْ الْوَرَثَةِ وَيُمْنَعَ مِنْهُ فُلَانٌ فَهَلْ يُعْمَلُ بِهَذَا الْعُرْفِ؟ (فَأَجَبْت) لَا يُعْمَلُ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْعُرْفِ، وَإِنَّمَا يُعْمَلُ بِصَرِيحِ قَوْلِهِ: حَبَسْت مَالِي عَلَى فُلَانٍ مِنْ أَنَّهُ حَبْسٌ عَلَيْهِ وَيُلْغَى عُرْفُهُ أَنَّهُ حَبَسَهُ عَلَى وَرَثَتِهِ دُونَهُ وَمَأْخَذُ مَا ذَكَرْته الْقَاعِدَةُ الْمَشْهُورَةُ، وَهِيَ أَنَّ

الِاصْطِلَاحَ الْخَاصَّ هَلْ يَرْفَعُ الِاصْطِلَاحَ الْعَامَّ؟ وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِأَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ تَغْيِيرُ اللُّغَةِ بِالِاصْطِلَاحِ؟ وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمُصْطَلِحِينَ نَقْلُ اللَّفْظِ عَنْ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ بِشَرْطِ بَقَاءِ أَصْلِ الْمَعْنَى وَلَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ بِأَكْثَرَ مِنْ تَخْصِيصِهِ؟ قَوْلَانِ لِلْأُصُولِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ. وَالْمُخْتَارُ الثَّانِي وَمِنْ فُرُوعِهَا لَوْ اتَّفَقَ الزَّوْجَانِ عَلَى أَلْفٍ وَاصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يُعَبِّرُوا عَنْ أَلْفٍ فِي الْعَلَانِيَةِ بِأَلْفَيْنِ فَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ الْأَلْفَيْنِ لِجَرَيَانِ اللَّفْظِ الصَّرِيحِ بِهِ، وَقِيلَ: يَجِبُ الْأَلْفُ عَمَلًا بِاصْطِلَاحِهِمَا قَالَ الْإِمَامُ: وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَجْرِي الْأَحْكَامُ الْمُتَلَقَّاةُ مِنْ الْأَلْفَاظِ فَلَوْ قَالَ: لِزَوْجَتِهِ إذَا قُلْت: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَمْ أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ أَوْ أُرِيدُ بِهِ طَلْقَةً وَاحِدَةً، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِذَلِكَ. وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ عَمَّ فِي نَاحِيَةٍ اسْتِعْمَالُ الطَّلَاقِ فِي إرَادَةِ الْخَلَاصِ وَالِانْطِلَاقِ ثُمَّ أَرَادَ الزَّوْجُ حَمْلَ الطَّلَاقِ فِي مُخَاطَبَتِهِ زَوْجَتَهُ عَلَى مَعْنَى التَّخْلِيصِ وَحَلِّ الْوَثَاقِ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ وَالْعُرْفُ إنَّمَا يَعْمَلُ فِي إزَالَةِ الْإِبْهَامِ لَا فِي تَغْيِيرِ مُقْتَضَى الصَّرَائِحِ، إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ بِالْأَوْلَى مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِعُرْفِهِمْ فِي أَنَّ حَبَسْته عَلَى فُلَانٍ حُبِسَ عَلَى وَرَثَتِهِ دُونَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعُرْفَ لَيْسَ بِعَامٍّ، وَإِنَّمَا هُوَ خَاصٌّ وَالْعُرْفُ الْخَاصُّ بَلْ الْعَامُّ لَا يُعْمَلُ بِهِ فِي تَغْيِيرِ مُقْتَضَى الصَّرَائِحِ كَمَا عَلِمْت مِنْ صَرِيحِ كَلَامِهِمْ فَلَوْ عَمِلْنَا بِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا لَغَيَّرْنَا صَرِيحَ قَوْلِهِ: حَبَسْته عَلَى فُلَانٍ بِالْعُرْفِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ كَمَا تَقَرَّرَ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته أَيْضًا قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ لَوْ تَعَارَضَ الْعُرْفُ وَالْوَضْعُ، فَكَلَامُ الْأَصْحَابِ يَمِيلُ إلَى الْوَضْعِ، وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ يَرَيَانِ اتِّبَاعَ الْعُرْفِ أَيْ: وَالْمُعْتَمَدُ هُوَ الْأَوَّلُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي مَسَائِلَ وَلَا يُعَارِضُهُ مَا وَقَعَ لَهُمَا فِي مَسَائِلَ أُخْرَى مِنْ تَقْدِيمِ الْعُرْفِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا إذَا هُجِرَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ أَوْ اضْطَرَبَ وَعَمَّ الْمَعْنَى الْعُرْفِيُّ وَاطَّرَدَ وَاشْتُهِرَ، فَحِينَئِذٍ يُقَدَّمُ الْعُرْفُ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ، وَبِهِ يَزُولُ عَنْك اسْتِشْكَالُ كَثِيرِينَ لِمَا وَقَعَ لِلشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَيْمَان وَغَيْرِهَا مِنْ تَقْدِيمِ اللُّغَةِ تَارَةً وَالْعُرْفِ أُخْرَى، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِوَضْعِ حَبَسْته عَلَى فُلَانٍ وَلَا يُنْظَرُ لِلْعُرْفِ الْمُخَالِفِ لَهُ، وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ فِي الْأَيْمَانِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ اللُّغَةَ إذَا عَمَّ اسْتِعْمَالُهَا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ فِي شَيْءٍ قُدِّمَتْ عَلَى الْعُرْفِ الْعَامِّ، فَإِذَا عَلِمْت تَقْدِيمَهَا حِينَئِذٍ عَلَى الْعُرْفِ الْعَامِّ فَمَا بَالُك بِالْعُرْفِ الْخَاصِّ فَلْتُقَدَّمْ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلْت) عَمَّا إذَا شَرَطْنَا الْقَبُولَ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْمُعَيَّنِ أَوْ قُلْنَا بِعَدَمِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَرُدَّ فَهَلْ تَصَرُّفُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِمَا يُنَافِي الْوَقْفَ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ رَدٍّ رَدٌّ؟ (فَأَجَبْت) مَتَى شَرَطْنَا الْقَبُولَ فَلَا بُدَّ مِنْ اتِّصَالِهِ بِالْإِيجَابِ الصَّادِرِ مِنْ الْوَاقِفِ كَالِاتِّصَالِ الْمُشْتَرَطِ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَحِينَئِذٍ فَتَصَرُّفُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبُولِ كَتَصَرُّفِ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ فَوَقَعَ تَصَرُّفُهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَإِنْ شَرَطْنَا عَدَمَ الرَّدِّ فَلَمْ يَرُدَّ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ ثَبَتَ لَهُ الِاسْتِحْقَاقُ الَّذِي جَعَلَهُ لَهُ الْوَاقِفُ، فَإِذَا تَصَرَّفَ بِغَيْرِ مَا جَعَلَهُ لَهُ الْوَاقِفُ أَثِمَ وَضَمِنَ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ رَدًّا مِنْهُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: رَدَدْت بِأَنَّ هَذَا صَرِيحٌ فِي مُنَافَاةِ الْوَقْفِ وَإِبْطَالِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، وَأَمَّا تَصَرُّفُهُ الْمُنَافِي لِمَا جَعَلَهُ لَهُ فَلَيْسَ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ وَلَا مُقْتَضَاهُ لَهُ إذْ كَثِيرًا مَا يَتَصَرَّفُ الْإِنْسَانُ فِي مِلْكِهِ بِمَا لَا يَسُوغُ لَهُ فَأَوْلَى الْوَقْفُ، وَأَيْضًا فَدَلَالَةُ الْفِعْلِ أَضْعَفُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ دَلَالَةِ الْقَوْلِ لِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ وَصَرَاحَةِ الثَّانِي فَلَا يُقَاسُ فِعْلُ الْمُنَافِي بِقَوْلِهِ: رَدَدْت؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُنَافِي مُحْتَمِلٌ لِلرَّدِّ احْتِمَالًا ضَعِيفًا، وَقَوْلُهُ: رَدَدْت صَرِيحٌ فِي الْمُنَافَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهَا، وَالْفِعْلُ كَمَا يَحْتَمِلُهَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنَّمَا قُدِّمَ عَلَيْهِ طَمَعًا فِي زِيَادَةِ الِانْتِفَاعِ، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ أَظْهَرُ وَأَغْلَبُ فَلَمْ يَكُنْ الْفِعْلُ مُقْتَضِيًا لِلرَّدِّ بَلْ لَوْ قَصَدَ بِهِ الرَّدَّ لَمْ يَكُنْ رَدًّا أَيْضًا كَمَا هُوَ مُتَّجَهٌ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ مِنْ مَقُولَةِ الْأَحْكَامِ الْمُنَاطَةِ بِاللَّفْظِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْوَقْفِ وَالطَّلَاقِ وَالنَّذْرِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْفِعْلُ وَحْدَهُ وَلَا مَعَ الْقَصْدِ كَمَا هُوَ شَأْنُ تِلْكَ الْأَحْكَامِ الْمُتَوَقِّفِ حُصُولُهَا عَلَى اللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لَهَا. (وَسُئِلْت) عَمَّا لَوْ قَالَ فِي وَقْفِهِ أَوْ وَصِيَّتِهِ وَقَفْت أَوْ أَوْصَيْت بِأَرْضِي الْفُلَانِيَّةِ يُسْرَجُ بِغَلَّتِهَا أَوْ لِلْمِصْبَاحِ فِي

رَمَضَانَ وَلَمْ يَقُلْ لِلْمَسْجِدِ، وَقَرِينَةُ الْحَالِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْجَامِعُ أَوْ غَيْرُهُ وَاطَّرَدَ الْعُرْفُ بِأَنَّهُ يُسْرَجُ إلَى فَرَاغِ الْوِتْرِ بِهِ أَوْ لَمْ يَطَّرِدْ هَلْ يُسْرَجُ مِنْهَا جَمِيعُ اللَّيْلِ؟ (فَأَجَبْت) الَّذِي يُتَّجَهُ الْعَمَلُ فِي ذَلِكَ بِالْعُرْفِ الْمُطَّرِدِ فِيهِ فَإِذَا قَالَ: وَقَفْت أَوْ أَوْصَيْت بِغَلَّةِ أَرْضِي الْفُلَانِيَّةِ لِيُسْرَجَ بِهَا فِي رَمَضَانَ وَاطَّرَدَ الْعُرْفُ عِنْدَهُمْ بِأَنَّهُمْ إنَّمَا يُرِيدُونَ الْإِسْرَاجَ فِي مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ حُمِلَتْ الْوَصِيَّةُ عَلَيْهِ، وَوَجَبَ الْإِسْرَاجُ فِيهِ ثُمَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ أَنَّ جَمِيعَ غَلَّةِ الْأَرْضِ الْمُوصَى بِهَا تُصْرَفُ فِي السِّرَاجِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِذَلِكَ يَعْنِي أَنَّهُ تُؤْخَذُ تِلْكَ الْغَلَّةُ وَتُوَزَّعُ عَلَى جَمِيعِ لَيَالِي رَمَضَانَ وَيُسْرَجُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ بِمَا خَصَّهَا، سَوَاءٌ أَكَفَى بَعْضُ اللَّيْلِ أَمْ اسْتَغْرَقَهُ نَعَمْ إنْ خَصَّ كُلَّ لَيْلَةٍ مَا يُسْرَجُ بِهَا جَمِيعَهَا فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ الَّذِي نَزَّلْنَا الْوَقْفَ أَوْ الْوَصِيَّةَ عَلَيْهِ اُشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يَنْتَفِعُ بِالسِّرَاجِ، وَإِلَّا لَمْ يُسْرِجْ إلَّا الْقَدْرَ الَّذِي يُتَوَقَّعُ مِنْهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ؛ لِأَنَّ إسْرَاجَ مَا عَدَاهُ حَرَامٌ فَلَا تُحْمَلُ الْوَصِيَّةُ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْفَاضِلُ هُنَا. وَفِيمَا لَوْ فَضَلَ عَنْ كِفَايَةِ جَمِيعِ لَيَالِي رَمَضَانَ شَيْءٌ مَحْفُوظًا عِنْدَ الْوَصِيِّ أَوْ النَّاظِرِ إلَى رَمَضَانَ الْقَابِلِ الْقَابِلِ فَإِنْ لَمْ يَخُصَّ لَيَالِيهِ بِالتَّوْزِيعِ مَا يَكْفِي كُلًّا مِنْهَا وَجَبَ الْإِسْرَاجُ بِقَدْرِ مَا يَتَحَصَّلُ، وَلَوْ زَمَنًا يَسِيرًا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ لَيْلَةٍ؛ لِأَنَّ قَصْدَ الْمُوصِي أَحْيَاءُ ذَلِكَ الْمَحَلَّ بِالْإِسْرَاجِ فِيهِ كُلَّ لَيْلَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَتَحَصَّلْ إلَّا مَا يَكْفِي بَعْضَ اللَّيَالِي فَقَطْ لَزِمَ إسْرَاجُهُ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ. (وَسُئِلْتُ) عَنْ أَرْضٍ فِيهَا صَدَقَةٌ كُلَّ لَيْلَةٍ مُدُّ فُطُورٍ وَهِيَ بَيْضَاءُ ثُمَّ غَرَسَهَا الْوَلِيُّ نَخْلًا ثُمَّ تَصَدَّقَ بِنَصِيبِهِ صَدَقَةً مُجْزِئَةً فِي نَخْلٍ مَعْلُومٍ مِنْهَا عَلَى جِهَةٍ مَعْلُومَةٍ مَا حُكْمُهُ (فَأَجَبْتُ) الصَّدَقَةُ بِالنَّخْلِ الْمَذْكُورِ صَحِيحَةٌ، وَإِنْ اسْتَحَقَّ الْقَلْعَ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي وَقْفِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُسْتَعِيرِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ الْإِعَارَةِ. وَلِذَلِكَ تَفَارِيعُ مَذْكُورَةٌ فِي بَابَيْ الْعَارِيَّةِ وَالْوَقْفِ لَا يَبْعُدُ مَجِيئُهَا هُنَا حَرْفًا بِحَرْفٍ. (وَسُئِلَ) عَنْ وَقْفٍ خَرَابٍ أَجَّرَهُ نَاظِرُهُ الشَّرْعِيُّ مُدَّةَ خَمْسِينَ سَنَةً مَثَلًا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِكُلِّ سَنَةٍ مَعْلُومٌ تَفِي بِعِمَارَتِهَا إجَارَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَإِذَا تَرَتَّبَتْ الْأُجْرَةُ لِذَلِكَ فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَأْجِرِ فَهَلْ يَتَسَلَّمُهَا النَّاظِرُ وَيَصْرِفُهَا عَلَى عِمَارَةِ الْوَقْفِ شَيْئًا فَشَيْئًا إلَى أَنْ تَكْمُلَ ثُمَّ يَنْتَفِعُ بِهَا الْمُسْتَأْجِرَ أَوْ تُرْصَدُ تَحْتَ يَدِ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ وَيَصْرِفُهَا بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ إلَى أَنْ تَكْمُلَ فَإِذَا قُلْتُمْ: يَتَسَلَّمُهَا النَّاظِرُ أَوْ الْحَاكِمُ أَوْ تَسْتَمِرُّ تَحْتَ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى مَنْ تَكُونُ الْأُجْرَةُ فِي يَدِهِ عِمَارَةُ الْوَقْفِ وَإِعَادَتُهُ عَلَى مَا كَانَ أَوْ لَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَيُجْبِرُهُ الْمُسْتَحِقُّونَ عَلَى ذَلِكَ لِيَعُودَ نَفْعُهُ عَلَيْهِمْ بَعْد انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَإِذَا قُلْتُمْ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ. وَلَا يُجْبَر فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ صَرْفُ الْأُجْرَةِ كُلِّهَا لِلْمُسْتَحِقِّينَ كَامِلًا أَوْ شَيْئًا فَشَيْئًا، كُلُّ سَنَةٍ بِحِسَابِهَا؟ فَإِذَا قُلْتُمْ بِلُزُومِ الْعِمَارَةِ عَلَى النَّاظِرِ بَعْدَ قَبْضِ الْأُجْرَةِ كُلِّهَا، وَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ فَعَمَّرَهَا الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ مَالِهِ وَأَعَادَ الْوَقْفَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أَوَّلًا هَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى النَّاظِرِ بِالْأُجْرَةِ الَّتِي قَبَضَهَا مِنْهُ لِكَوْنِهِ أَصْرَفَ ثَانِيًا مِنْ مَالِهِ؟ وَإِذَا زِيدَ فِي الْوَقْفِ زِيَادَةٌ يَسِيرَةٌ كَفَتْحِ بَابٍ آخَرَ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ وَفَتْحِ كَوَّاتٍ وَشَبَابِيكَ وَإِحْدَاثِ طَهَارَةٍ مَثَلًا هَلْ لَهُ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْأُجْرَةِ أَمْ مِنْ مَالٍ تَبَرَّعَ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ النَّاظِرُ؟ وَإِذَا عَمَّرَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ مَالِهِ مِنْ غَيْرِ أُجْرَةِ الْوَقْفِ ثُمَّ انْتَفَعَ بِهِ الْمُدَّةَ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا هَلْ لَهُ أَخْذُ الْأَنْقَاضِ وَالْأَخْشَابِ الَّتِي أَحْدَثَهَا إذَا كَانَتْ مُمَيَّزَةً وَيَرُوحُ مَا أَصْرَفَهُ مَجَّانًا أَوْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى قَابِضِ الْأُجْرَةِ؟ وَإِذَا اخْتَلَطَتْ أَنْقَاضُهُ الْمُسْتَجَدَّةُ بِأَنْقَاضِ الْوَقْفِ الْقَدِيمَةِ الْقَدِيمَةِ وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ مَاذَا يَفْعَلُ الْمُسْتَأْجِرُ هَلْ يَقْبَلُ قَوْلَهُ فِيمَا أَصْرَفَهُ فِي ثَمَنِ أَحْجَارٍ وَأَخْشَابٍ وَأُجْرَةٍ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى قَابِضِ الْأُجْرَةِ أَمْ لَا؟ وَإِذَا امْتَنَعَ النَّاظِرُ مِنْ الْعِمَارَةِ وَعَمَّرَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الْأُجْرَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ مَالِهِ هَلْ يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ حَاكِمٍ فِي ذَلِكَ أَمْ يَكْفِي اسْتِئْجَارُهُ لِذَلِكَ؟ وَمَنْ شَهِدَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ تَخْتَلِفُ بِالْأَمَاكِنِ وَالزَّمَانِ وَالزَّمَانِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَظْنُونٌ لِكَوْنِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَكَيْفَ يَشْهَدُ بِشَيْءٍ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ؟ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) إذَا صَحَّتْ إجَارَةُ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِوُجُودِ مُسَوِّغِهَا الشَّرْعِيِّ تَوَلَّى النَّاظِرُ قَبْضَ الْأُجْرَةِ جَمِيعَهَا لِيَصْرِفَهَا عَلَى الْعِمَارَةِ إلَى أَنْ تَفْرُغَ ثُمَّ يُسَلِّمُ الْمُؤَجَّرَ لِمُسْتَأْجِرِهِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ

وَإِذَا تَسَلَّمَ النَّاظِرُ الْأُجْرَةَ لَزِمَهُ أَنْ يُعَمِّرَهَا وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَأَنْ يُعِيدَ الْمَوْقُوفَ الَّذِي يُرِيدُ عِمَارَتَهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَغْيِيرُهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ كَجَعْلِ دَارٍ حَمَّامًا وَأَرْضٍ دَارًا، نَعَمْ إنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ لِلنَّاظِرِ الْعَمَلَ بِالْمَصْلَحَةِ عَمَّرَ بِحَسْبِهَا وَقَيَّدَ السُّبْكِيّ جَوَازَ التَّغْيِيرِ بِمَا إذَا كَانَ يَسِيرًا لَا يُغَيِّرُ مُسَمَّى الْوَقْفِ وَكَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لَهُ وَلَمْ يُزِلْ شَيْئًا مِنْ عَيْنِهِ بَلْ يَنْقُلُ بَعْضَهُ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ صَرْفُ الْغَلَّةِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ كُلَّ سَنَةٍ بِحِسَابِهَا، فَإِنْ عَجَّلَ ضَمِنَ وَمَتَى عَمَّرَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِ النَّاظِرِ كَانَ مُتَبَرِّعًا فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِهِ. وَالزِّيَادَةُ الْيَسِيرَةُ إنَّمَا تَجُوزُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ عَنْ السُّبْكِيّ بِشُرُوطِهَا الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْهُ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَخْذُ مَا تَمَيَّزَ مِنْ خَشَبِهِ وَنَقْضِهِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِمَا أَصْرَفَهُ كَمَا مَرَّ، وَإِذَا تَعَدَّى الْمُسْتَأْجِرُ بِخَلْطِ أَنْقَاضِهِ بِأَنْقَاضِ الْوَقْفِ وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ فَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَمْلِكُ أَنْقَاضَ الْوَقْفِ وَيَلْزَمُهُ بَدَلُهَا مِنْ مِثْلٍ فِي الْمِثْلِيِّ وَقِيمَةٍ فِي الْمُتَقَوِّمِ، فَإِنْ اخْتَلَطَتْ بِلَا تَعَدٍّ صَارَتْ شَرِكَةً بَيْنَهُمَا، وَمَرَّ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِمَّا أَصْرَفَهُ بِغَيْرِ إذْنِ النَّاظِرِ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا عَمَّرَ لِامْتِنَاعِ النَّاظِرِ مِنْ الْعِمَارَةِ، نَعَمْ إنْ كَانَ أَذِنَ لَهُ حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ عِنْدَ امْتِنَاعِ النَّاظِرِ تَعَدِّيًا رَجَعَ بِمَا أَصْرَفَهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ إلَّا الْقَدْرَ الَّذِي يَرْغَبُ بِهِ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ حَالَ الْإِجَارَةِ فَلَا يُنْظَرُ فِيهَا لِلْمُسْتَقْبِلَاتِ، وَحِينَئِذٍ فَشَهَادَةُ الشُّهُودِ بِأَنَّ أُجْرَةَ مِثْلِ هَذِهِ الْعَيْنِ إذَا أُجِّرَتْ خَمْسِينَ سَنَةً بِكَذَا شَهَادَةٌ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا بِأَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ وَالْأَزْمِنَةِ، وَإِنَّمَا شَهِدُوا بِأَمْرٍ مُنْضَبِطٍ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ وَهُوَ مَا يَرْغَبُ بِهِ فِيهَا حَالَ الْإِجَارَةِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أَجَّرَ النَّاظِرُ الْوَقْفَ سِنِينَ مُتَعَدِّدَةً بِأُجْرَةٍ مُتَعَيِّنَةٍ وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ حَالَ الْإِجَارَةِ ثُمَّ زَادَتْ الْأُجْرَةُ زِيَادَةً كَثِيرَةً لَمْ يُلْتَفَتْ لِتِلْكَ الزِّيَادَةِ وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي صِحَّةِ الْإِجَارَةِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ إلَّا مَا نَقَصَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ عِنْدَ الِاسْتِئْجَارِ لَا بِمَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ دَارٍ مَوْقُوفَةٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى مِرْحَاضٍ وَمَخْزَنَيْنِ وَسَرْحٍ يَنْتَفِعُ بِهِ أَهْلُ الْمَخْزَنَيْنِ لِكَوْنِهِ حَرِيمًا لَهُمَا بَلْ يَتَوَقَّفُ نَفْعُهُمَا عَلَيْهِ فَأَجَّرَ الدَّارَ الْمَذْكُورَةَ نَاظِرُهَا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ مُدَّةَ مِائَةِ سَنَةٍ وَحَكَمَ بِذَلِكَ حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ يَرَاهُ فَهَدَمَ الْمُسْتَأْجِرُ الْمَخْزَنَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَالْمِرْحَاضَ وَأَعَادَ بَدَلَهُمَا اثْنَيْنِ دُونَهُمَا وَزَادَ فِي السَّرْحِ الْمَذْكُورِ نَحْوَ سِتَّةِ مَخَازِينَ أُخْرَى وَبَنَى فَوْقَ عُلُوِّ ذَلِكَ مِثْلَهُ فِي الْعَدَدِ وَالْقَدْرِ فَأَخْرَجَ الدَّارَ الْمَذْكُورَةَ عَنْ وَضْعِهَا وَاسْمِهَا بِحَيْثُ صَارَتْ الْآنَ تُسَمَّى رِبَاطًا لَا دَارًا فَهَلْ يَلْزَمُهُ هَدْمُ مَا بَنَاهُ وَأَرْشُ مَا هَدَمَهُ مِنْ أَعْيَانِ الْوَقْفِ وَقِيمَةُ الْأَعْيَانِ الْمَوْقُوفَةِ الَّتِي أَتْلَفَهَا بِالْهَدْمِ وَالتَّعْزِيرُ عَلَى تَعَدِّيهِ فِي الْوَقْفِ وَتَغْيِيرِ مَعَالِمِهِ وَرُسُومِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُغَيِّرَ الْوَقْفَ عَنْ هَيْئَتِهِ فَلَا تُجْعَلُ الدَّارُ بُسْتَانًا وَلَا حَمَّامًا وَلَا بِالْعَكْسِ. إلَّا إذَا جَعَلَ الْوَاقِفُ لِلنَّاظِرِ مَا يَرَى فِيهِ مَصْلَحَةَ الْوَقْفِ وَرَأَى النَّاظِرُ التَّغْيِيرَ مَصْلَحَةً فَيَجُوزُ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ قَالَ الْقَفَّالُ: وَيَجُوزُ جَعْلُ حَانُوتِ الْقَصَّارِينَ لِلْخَبَّازِينَ قَالَ الشَّيْخَانِ: فَكَأَنَّهُ احْتَمَلَ تَغْيِيرَ النَّوْعِ دُونَ الْجِنْسِ. وَإِذَا خَرِبَ الْبِنَاءُ الْمَوْقُوفُ بِفِعْلِ ظَالِمٍ، فَإِنْ تَلِفَتْ آلَاتُهُ أُخِذَ مِنْهُ غُرْمُهَا وَأُعِيدَ بِهِ مِثْلُ الْبِنَاءِ الْمَوْقُوفِ وَوَقَفَ، وَإِنْ لَمْ تَتْلَفْ أُخِذَ مِنْهُ الْأَرْشُ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا قَائِمَةً وَمَقْلُوعَةً وَأُعِيدَ بِهِ الْمَقْلُوعُ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَهَدْمُ الْمُسْتَأْجِرِ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ حَرَامٌ عَلَيْهِ وَيُعَزَّرُ عَلَيْهِ التَّعْزِيرَ الْبَلِيغَ الزَّاجِرَ لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ عَنْ التَّعَدِّي عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ وَحُقُوقِهِمْ وَعَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْجَرَاءَةِ الْعَظِيمَةِ وَإِعَادَتِهِ لِتِلْكَ الْأَبْنِيَةِ الَّتِي أَخْرَجَ بِهَا الدَّارَ الْمَوْقُوفَةَ عَنْ اسْمِهَا إلَى جِنْسٍ آخَرَ لَا يَرْفَعُ تَعَدِّيَهُ الْمَذْكُورَ، بَلْ يَلْزَمُ النَّاظِرَ رَفْعُهُ إلَى الْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ لِيُعَزِّرَهُ التَّعْزِيرَ الْبَلِيغَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ ثُمَّ يُلْزِمَهُ بِهَدْمِ مَا بِنَاهُ فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ نَقْصُ الْبِنَاءِ الْمَوْقُوفِ الَّذِي هَدَمَهُ مَوْجُودًا لَزِمَهُ الْأَرْشُ السَّابِقُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَإِنْ كَانَ قَدْ أَتْلَفَهُ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ ثُمَّ يَلْزَمُ النَّاظِرَ أَنْ يُعِيدَ تِلْكَ الدَّارَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ رِعَايَةً لِغَرَضِ الْوَاقِفِ وَإِدَامَةً لِمَا قَصَدَهُ مِنْ دَوَامِ الْقُرْبَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَسُئِلَ) عَنْ وَاقِفٍ شَرَطَ فِي وَقْفِهِ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ مَثَلًا فَإِذَا أَجَّرَهُ النَّاظِرُ عَشْرَ سِنِينَ فِي عَشَرِ عُقُودٍ كُلَّ سَنَةٍ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ تِلْكَ السَّنَةِ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِهِ عِمَادُ الرِّضَا فِي بَيَانِ أَدَبِ الْقَضَا أَمْ لَا يَجُوزُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْعَقْدِ الْأَوَّلِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَأَفْتَى غَيْرُهُ بِالصِّحَّةِ نَظَرًا لِلَّفْظِ تَبَعًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا؟ . وَقَالَ: وَهُوَ أَفْقَهُ لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ الْأَوَّلُ الَّذِي أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَإِذَا قُلْتُمْ بِالْجَوَازِ تَبَعًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا، سَوَاءٌ كَانَ الْوَقْفُ عَامِرًا أَمْ خَرَابًا أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ مِنْ الِامْتِنَاعِ نُظِرَ فِيهِ إلَى الْمَعْنَى فَإِنَّهُ عَلَّلَهُ بِأَنَّ الْمُدَّتَيْنِ الْمُتَّصِلَتَيْنِ فِي عَقْدٍ فِي مَعْنَى الْعَقْدِ الْوَاحِدِ فَيُخَالِفُ شَرْطَ الْوَاقِفِ قَالَ صَاحِبُ الْإِسْعَادِ فِي بَعْضِ نُسَخِهِ وَمَا أَفْتَى بِهِ مُتَّجَهٌ جِدًّا اهـ. وَإِنَّمَا يَتِمُّ اتِّجَاهُهُ عِنْد النَّظَر لِلْمَعْنَى كَمَا قَرَرْته لَكِنَّ مَنْ تَأَمَّلَ كَلَامهمْ وَتَفَارِيعهمْ عَلِمَ أَنَّهُمْ فِي الْغَالِب يُرَجِّحُونَ مَا كَانَ أَقْرَب إلَى لَفْظ الْوَاقِف مِمَّا هُوَ أَقْرَب إلَى غَرَضه دُون لَفْظه؛ وَلِهَذَا يَظْهَر تَرْجِيح الْجَوَاز. وَمِنْ ثَمَّ جَرَى عَلَيْهِ ابْن الْأُسْتَاذ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَار وَتَبِعَهُمَا شَيْخنَا شَيْخ الْإِسْلَام زَكَرِيَّا سَقَى اللَّه عَهْده وَغَيْره فَانْدَفَعَ قَوْل مَنْ قَالَ: الْمُعْتَمَد مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَوَجْه انْدِفَاعه مَا قَرَّرْته مِنْ أَنَّ الْجَوَاز أَقْرَبُ إلَى كَلَام الْأَئِمَّة وَلِذَلِكَ اعْتَمَدَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَخَالَفُوا ابْنَ الصَّلَاحِ وَلَمْ يُبَالُوا بِذَلِكَ وَلَا يَجُوز لِحَاكِمٍ نَقْضُ حُكْم غَيْره بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتَمَد كَمَا عَلِمْت وَمَحَلّ الْخِلَاف حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِط الْوَاقِف أَنْ لَا يَدْخُلَ عَقْدٌ عَلَى عَقْدٍ، وَإِلَّا بَطَلَ الْعَقْدُ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ اتِّفَاقًا؛ لِاسْتِلْزَامِ الْقَوْل بِصِحَّتِهِ مُخَالَفَةَ تَصْرِيحَ الْوَاقِف بِامْتِنَاعِهِ مِنْ غَيْر ضَرُورَة دَاعِيَةٍ لِذَلِكَ إذْ الْفَرْضُ أَنَّ الْوَقْف عَامِر، وَاَللَّه أَعْلَم. (وَسُئِلَ) سُؤَالًا صُورَته سُئِلَ بَعْض الْمُفْتِينَ مِنْ أَكَابِر الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ امْرَأَة مَاتَتْ وَخَلَّفَتْ وَرَثَة مِنْهُمْ أَخٌ وَبِنْت وَكَانَتْ أَقَرَّتْ فِي صِحَّتهَا لِلْأَخِ أَنَّهَا وَقَفَتْ مَالهَا عَلَى الْبِنْت فَأَخْبَرَ الْأَخ الْوَرَثَة بِمَا أَقَرَّتْ بِهِ فَهَلْ يَثْبُت الْوَقْف بِذَلِكَ حَيْثُ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمْ صِدْقَهُ؟ وَحَيْثُ قُلْتُمْ: لَا يَثْبُت الْوَقْف بِذَلِكَ فَمَا يَكُونُ الْحُكْم فِي نُصِيب الْأَخ الْمَذْكُور فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: لَا يَثْبُت الْوَقْف بِذَلِكَ وَنَصِيب الْأَخِ الَّذِي أَقَرَّتْ لَهُ بِذَلِكَ تَسْتَحِقّهُ الْبِنْتُ الْمَذْكُورَة وَبَقِيَّة ذَلِكَ يَكُونُ لِبَقِيَّةِ وَرَثَة الْمُقِرّ وَاَللَّه أَعْلَم اهـ. جَوَابه فَهَلْ هَذَا جَوَاب صَحِيحٌ مُعْتَمَد، وَحَيْثُ قُلْتُمْ نَعَمْ فَإِذَا أَخْبَرَ شَخْص أَنَّ فُلَانًا وَقَفَ هَذِهِ الْعَيْنَ عَلَى أَوْلَاده وَغَلَبَ عَلَى الظَّنّ صِدْقُهُ فَهَلْ هِيَ كَالْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَة فَلَا يَثْبُت الْوَقْف بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ ، فَإِنْ قُلْتُمْ: لَا فَمَا الْفَرْق؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْجَوَاب عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَة حَاصِله أَنَّ الْوَقْفَ لَا يَثْبُت بِمَا ذَكَره الْأَخ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ. وَيَثْبُت بِالنِّسْبَةِ لِنَفْسِهِ فَتَسْتَحِقّ الْبِنْت نَصِيبه؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهَا بِهِ وَيُقَسَّمُ الْبَاقِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَقِيَّة الْوَرَثَة كَمَا ذَكَره الْمُفْتِي الْمَذْكُور، وَمَنْ أَخْبَرَ بِوَقْفٍ لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِ: إلَّا عَلَى مَنْ صَدَّقَهُ، وَاَللَّه أَعْلَم. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ وَقْفٍ هَذِهِ صُورَته هَذَا مَا وَقَفَهُ وَحَبَسَهُ وَسَبَّلَهُ وَأَبَّدَهُ وَحَرَّمَهُ وَتَصَدَّقَ بِهِ أَبُو الْفَتْحِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ مَكِينَةَ عَلَى أَوْلَادِهِ الْمَوْجُودِينَ حَالَ هَذَا الْوَقْف وَهُمْ مُحَمَّد وَخَدِيجَة وَرَابِعَة وَأُمّ الْكَامِل وَفَاطِمَة وَحَفْصَة وَعَلَى مَنْ يُحَدِّثُهُ اللَّهُ لَهُ مِنْ الْأَوْلَاد غَيْرهمْ فِي أَيَّام حَيَاته ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَقَفَ أَبُو الْفَتْحِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَذْكُور عَلَى أَوْلَاده الْمَذْكُورِينَ جَمِيعَ مَا ذَكَره فِي كِتَابِ وَقْفِهِ إلَى أَنْ قَالَ: وَقَفَ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَذْكُورُ جَمِيعَ مَا ذَكَر مِنْ الْأَرَاضِي الْمَذْكُورَة بِمَرَافِقِهَا وَجَمِيع سُقْيَتِهَا مِنْ آبَارهَا الْمَعْرُوفَة بِهَا وَالدَّاخِلَة فِي حُكْم ذَلِكَ الْوَقْف وَمِنْهُ جَمِيعُ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَرَاضِي الْمَذْكُورَة مِنْ الْأَشْجَار عَلَى أَوْلَاده الْمَذْكُورِينَ أَعْلَاهُ الْمَوْجُودِينَ حَالَ الْوَقْفِيَّةِ، وَقَفَ وَحَبَسَ وَسَبَّلَ وَحَرَّمَ وَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْكِتَاب مِنْ خَالِص وَمُشَاع وَقْفًا مُؤَبَّدًا وَحَبْسًا مُحَرَّمًا مُؤَكَّدًا وَصَدَقَةً بَتَّةً بَتَلَةً عَلَى أَوْلَاده الْمَوْجُودِينَ وَعَلَى مَنْ يُحْدِثُهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ غَيْرَهُمْ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى لِلذَّكَرِ مِنْهُمْ مِثْل حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَعَلَى أَوْلَاد أَوْلَاده الذُّكُور دُون الْإِنَاث فَلَيْسَ لِأَوْلَادِهِنَّ حَظّ وَلَا نَصِيب فِي هَذِهِ الصَّدَقَة

لِكَوْنِهِمْ غَيْرَ لَاحِقِينَ بِنِسْبَةِ هَذَا الْمُتَصَدِّق ثُمَّ عَلَى أَوْلَاد أَوْلَاد أَوْلَاده أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا وَدَائِمًا مَا تَعَاقَبُوا بَطْنًا بَعْد بَطْن وَعَقِبًا بَعْد عَقِبٍ كُلّ طَبَقَة مِنْهُمْ تُشْرِكُ الطَّبَقَة الْأُخْرَى فَمَنْ مَاتَ مِنْ بَنِي هَذَا الْمُتَصَدِّق وَبَنِي بَنِيهِ وَلَهُ بَنُونَ عَادَ نَصِيبُهُ وَمَا كَانَ لَهُ مِنْ هَذِهِ الصَّدَقَة عَلَى أَوْلَاده لِلذَّكَرِ سَهْمَانِ وَلِلْأُنْثَى سَهْم، وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَوْلَاد هَذَا الْمُتَصَدِّق وَلَيْسَ لَهُ بَنُونَ عَادَ نَصِيبُهُ إلَى إخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ الَّذِينَ هُمْ فِي دَرَجَتِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا وَتَعَاقَبُوا مَا عَدَا أَوْلَادِ الْبَنَاتِ مِنْ غَيْرِ مَنْ يُنْسَبُ وَيَنْتَمِي إلَى هَذَا الْوَاقِفِ فَإِنَّهُ لَا حَظَّ لَهُ فِي هَذِهِ الصَّدَقَةِ وَلَا نَصِيبَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَنْتَمِي إلَى هَذَا الْوَاقِفِ بِالنَّسَبِ الْمَذْكُورِ كَانَ لَهُ فِيهَا الْحَظُّ وَالنَّصِيبُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ فَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَادُ الْوَاقِفِ الْمَذْكُورِ وَأَوْلَادُ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادُ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ عَادَتْ مَنَافِعُ هَذَا الْوَقْفِ إلَى الْمَوْجُودِينَ مِنْ نَسْلِهِ وَعَقِبِهِ وَعَقِبِ عَقِبِهِ وَأَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ مَا تَنَاسَلُوا وَتَعَاقَبُوا إلَّا أَوْلَادَ الْبَنَاتِ فَلَيْسَ لَهُمْ دُخُولٌ فِي هَذَا الْوَقْفِ إذْ كَانُوا مِنْ غَيْرِ نَسْلِهِ، فَإِذَا انْقَرَضُوا، وَإِنْ بَعُدُوا وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ عَادَتْ الصَّدَقَةُ جَارِيَةً إلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ ذَوِي ابْنِ مَكِينَةَ ثُمَّ إلَى الْأَقْرَبِ مِنْ ذَوَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ثَمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ ثَمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ يَجْرِي الْحَالُ بَيْنهمْ أَيَّامَ حَيَاتِهِمْ عَلَى الْوَضْعِ الْمَذْكُورِ مَا تَنَاسَلُوا دَائِمًا وَتَعَاقَبُوا بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ فَإِذَا انْقَرَضَ مَنْ يُنْسَبُ وَيَنْتَمِي إلَى هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ أَحَدٌ عَادَتْ هَذِهِ الصَّدَقَةُ جَارِيَةً عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَمَسَاكِينِهِمْ وَذَوِي الْحَاجَةِ مِنْهُمْ. يَتَوَلَّى النَّظَرَ فِي هَذَا الْوَقْفِ الْبَالِغُ الرَّشِيدُ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ الْمَذْكُورِ الذُّكُورُ دُونَ الْإِنَاث ثُمَّ الرَّشِيدُ مِنْ ذَوِي ابْنِ مَكِينَةَ ثُمَّ الرَّشِيدُ مِنْ ذَوِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهَ ثُمَّ إذَا صَارَ إلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ يَتَوَلَّى النَّظَرَ فِي ذَلِكَ حَاكِمُ الْمُسْلِمِينَ يُوَلِّي النَّظَرَ فِيهِ لِمَنْ شَاءَ مِنْ الْعُدُولِ لِيَنْظُرَ فِيهِ عَلَى مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ إلَى أَنْ قَالَ: لَا يُبَاعُ وَلَا يُرْهَنُ وَلَا يُؤَجَّرُ وَلَا يُنَاقَلُ بِهِ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُتْلَفُ بِوَجْهِ تَلَفِ قَائِمَةٍ عَلَى أُصُولِهَا مَحْفُوظَةٍ عَلَى شُرُوطِهَا مُسَبَّلَةٍ عَلَى سُبُلِهَا أَبَدَ الْآبِدِينَ وَدَهْرَ الدَّاهِرِينَ إلَى أَنْ يَرِثَ اللَّهُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا، وَهُوَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ أَوَّلًا مَا حُكْمُهُ؟ هَلْ هُوَ عَلَى الذُّرِّيَّةِ مُطْلَقًا أَوْ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ ثَمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ بَعْضِ كَلَامِهِ أَوْ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ بِشَرْطِهِ؟ وَثَانِيًا مَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: عَدَا أَوْلَادِ الْبَنَاتِ مِنْ غَيْرِ مَنْ يُنْسَبُ وَيَنْتَمِي إلَى هَذَا الْوَاقِفِ فَلَا حَظَّ لَهُمْ فِي هَذِهِ الصَّدَقَةِ وَلَا نَصِيبَ، وَإِنْ كَانُوا مِمَّنْ يَنْتَمِي إلَى هَذَا الْوَاقِفِ بِالنَّسَبِ الْمَذْكُورِ كَانَ لَهُمْ فِيهَا الْحَظُّ وَالنَّصِيبُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ ثُمَّ إنَّ أَوْلَادَ الْوَاقِفِ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ لَا ذُكُورٌ وَلَا إنَاثٌ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَوْلَادُ بَنَاتِ الْوَاقِفِ، وَبَعْضُهُمْ أَوْلَادُ ابْنِ أَخِ الْوَاقِفِ شَقِيقِهِ. وَبَعْضُهُمْ أَوْلَادُ أَخِيهِ لِأُمِّهِ ابْن عَمّه لَكِنْ فِي بَنِي عَمَّ الْوَاقِف أَقْرَب مِنْهُمْ لِأَبِيهِ وَأُمّه، وَإِلَّا أَوْلَادَ أَخِ الْوَاقِفِ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ هَذِهِ الْوَقْفِيَّةَ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ أَوْ أَوْلَادُ أَخِ الْوَاقِفِ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ الَّذِينَ هُمْ عَصَبَةُ الْوَاقِفِ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ النَّاسِ فَإِنَّ الْكُلَّ عَصَبَةٌ لَكِنَّ الْأَشِقَّاءَ أَقْرَبُ، وَإِذَا قُلْتُمْ: إنَّهُ لِأَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَأَنَّهُمْ مِمَّنْ يَنْتَمِي إلَى هَذَا الْوَاقِفِ بِالنَّسَبِ الْمَذْكُورِ، فَمَا الْوَجْهُ الْمَشْرُوحُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْوَاقِفُ بِقَوْلِهِ: عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ؟ وَهَلْ يَدْخُلُ هَذَا الْوَقْفُ إجَارَةً أَوْ غَيْرَهَا مِنْ وُجُوهِ الْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؟ أَمْ لَا وَهَلْ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُسْتَحَقِّينَ رَشِيدٌ يَنْتَقِلُ النَّظَرُ لِلرَّشِيدِ مِنْ ذَوِي ابْنِ مَكِينَةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْتِحْقَاقٌ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْوَاقِفِ الْمَذْكُورِ أَنَّ وَقْفَهُ هَذَا يَكُونُ وَقْفًا عَلَى مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ مُطْلَقًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا إلَخْ، وَأَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ لِأَوْلَادِ الْبَنَاتِ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِمْ أَوْلَادَ بَنَاتٍ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُنْسَبُونَ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُنْسَبُونَ إلَى آبَائِهِمْ، فَإِنْ نُسِبَتْ آبَاؤُهُمْ إلَيْهِ اسْتَحَقُّوا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ بِالشَّرْطِ الْمَعْلُومِ مِمَّا يَأْتِي، وَقَوْلُهُ: لِكَوْنِهِمْ غَيْرَ لَاحِقِينَ بِنَسَبِ هَذَا الْمُتَصَدِّقِ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ وَقْفُ تَشْرِيكٍ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ فِيهِ بِالْوَاوِ بِخِلَافِ أَوْلَادِ أَوْلَادِ الْأَوْلَاد فَإِنَّهُ عَلَيْهِمْ وَقْفُ تَرْتِيبٍ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ فِيهِ بِثُمَّ فَلَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ

شَيْئًا إلَّا إنْ فُقِدَتْ الْأَوْلَاد وَأَوْلَادهمْ، فَإِنْ قُلْتَ: يُنَافِي هَذَا قَوْله كُلّ طَبَقَة مِنْهُمْ تُشْرِك الطَّبَقَة الْأُخْرَى قُلْتُ: لَا مُنَافَاة؛ لِأَنَّ عَطْفَ أَوْلَاد الْأَوْلَاد بِالْوَاوِ، وَمَنْ بَعْدهمْ بِثُمَّ صَرِيح فِي التَّرْتِيب، وَقَوْله كُلّ لَيْسَ صَرِيحًا فِي عَوْده لِجَمِيعِ الْبُطُون فَوَجَبَ حَمْله عَلَى أَنَّهُ عَائِد لِلْبُطُونِ الْمَذْكُورَة بَعْدَ ثُمَّ الْمُسْتَفَادَة مَنْ قَوْله: أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا إلَخْ، نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْبَطْن الرَّابِعَة فَإِنَّهَا لَا تَسْتَحِقّ شَيْئًا إلَّا إنْ فُقِدَتْ الْبَطْن الثَّالِثَة كَمَا يُفِيدهُ صَرِيحُ قَوْله: فَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَاد الْوَاقِف الْمَذْكُور إلَخْ، وَدَلِيل ذَلِكَ الْقَاعِدَة الَّتِي أَسْتَنْبِطُهَا مَنْ كَلَامهمْ، وَهُوَ أَنَّ الْمُوَثِّق إذَا وَقَعَ مِنْهُ عِبَارَتَانِ مُتَنَافِيَتَانِ، فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْع بَيْنهمَا بِحَمْلِ كُلّ مِنْهُمَا عَلَى حَالِهِ كَمَا هُنَا وَجَبَ الْمَصِير إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِن ذَلِكَ، فَإِنْ اعْتَضَدَتْ أَحَدُهُمَا بِقَرِينَةٍ عُمِلَ بِهَا وَطُرِحَتْ الْأُخْرَى، وَإِنْ لَمْ تَعْتَضِدْ وَاحِدَةٌ بِشَيْءِ تَعَارَضَتَا فَتَسَاقَطَتَا. وَقَدْ أَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ بِنَحْوِ ذَلِكَ حَيْثُ أَلْغَى عِبَارَة بَعْض الْمُوَثَّقِينَ وَحَكَمَ عَلَيْهَا بِالسَّهْوِ وَالْغَلَط أَخْذًا مَنْ قَرَائِن فِي كَلَام ذَلِكَ الْمُوَثِّق، وَأَنْ مَحَلّ التَّشْرِيك فِي الْبَطْنَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَفِيمَا بَعْده الْبَطْن الثَّالِث وَالتَّرْتِيب بَيْن الْأَوَّلَيْنِ وَالثَّالِثَةِ وَبَيْنَ الثَّالِثَة وَمَا بَعْدهَا مَا إذَا مَاتَ أَحَد الْبُطُون عَنْ غَيْر وَلَد وَلَا أَخ أَمَّا إذَا مَاتَ أَحَد مَنْ بَنِي الْوَاقِف أَوْ بَنِي بَنِيهِ عَنْ وَلَد فَيَعُود نُصِيبهُ إلَى إخْوَته وَأَخَوَاته الْمُسَاوِينَ لَهُ فِي الدَّرَجَة، فَإِنْ فُقِدُوا فَلِأَوْلَادِهِمْ ثَمَّ أَوْلَاد أَوْلَادهمْ وَهَكَذَا مَا عَدَا أَوْلَاد الْبَنَات. وَكَذَا يُقَال: فِيمَنْ مَاتَ عَنْ وَلَد أَخْذًا مَنْ قَوْلهمْ إنَّ الضَّمِير كَالصِّفَةِ فَيَرْجِع إلَى جَمِيع مَا قَبْله مِمَّا يَصِحّ رُجُوعه إلَيْهِ، وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ قَوْلَهُ: ثُمَّ عَلَى أَوْلَادهمْ إلَخْ وَاقِع بَعْد قَوْله: فَمَنْ مَاتَ مِنْ بَنِي هَذَا الْمُتَصَدِّق بِقِسْمَيْهِ فَيَرْجِع إلَيْهِمَا، وَمَنْ أَخَذَ نَصِيب وَالِده أَوْ أُخْته يُشَارِك الْبَاقِينَ أَيْضًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، ذِكْرهمْ حَيْثُ قَالُوا لَوْ عَطَفَ بِالْوَاوِ ثَمَّ قَالَ: مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ فَمَاتَ أَحَدهمْ اخْتَصَّ وَلَده بِنَصِيبِهِ وَشَارَكَ الْبَاقِينَ وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الضَّمِير فِي قَوْلِهِ: " ثُمَّ " عَلَى أَوْلَادهمْ. . . إلَخْ عَائِد إلَى الْأَوْلَاد فِي الصُّورَة الْأَوْلَى وَإِلَى الْإِخْوَة فِي الصُّورَة الثَّانِيَة، وَأَنْ قَوْله: فَمَنْ مَاتَ، الْأَوَّل خَاصّ بِالْبَنِينَ وَبَنِيهِمْ، وَالثَّانِي خَاصّ بِالْأَوْلَادِ فَقَطْ أَخْذًا مِنْ صَرِيحِ كَلَامِهِ فَإِنَّهُ قَالَ أَوَّلًا: فَمَنْ مَاتَ مِنْ بَنِي هَذَا الْمُتَصَدِّق وَبَنِي بَنِيهِ. وَقَالَ فِي الثَّانِي: وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَوْلَاد هَذَا الْمُتَصَدِّق فَأَفْهَمْ أَنَّ هَذَا الْحُكْم أَعْنِي الِانْتِقَال فِي الْأَوْلَى لِلْأَوْلَادِ ثُمَّ أَوْلَادهمْ وَهَكَذَا خَاصّ بِالطَّبَقَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا فَلَا يَدْخُل فِي ذَلِكَ غَيْرهمَا، وَالِانْتِقَال فِي الثَّانِيَة لِلْإِخْوَةِ ثُمَّ أَوْلَادهمْ، وَهَكَذَا خَاصّ بِالطَّبَقَةِ الْأَوْلَى فَلَا يَجْرِي فِيمَا عَدَاهَا لِاقْتِصَارِهِ عَلَيْهَا إذْ الطَّبَقَةُ الثَّانِيَة، وَمَنْ بَعْدهَا لَا يَجْرِي فِيهَا الِانْتِقَال لِلْإِخْوَةِ ثَمَّ بَنِيهِمْ عَلَى التَّرْتِيب وَالطَّبَقَة الثَّالِثَة، وَمَنْ بَعْدهَا لَا يَجْرِي فِيهِمْ الِانْتِقَال لِلْأَوْلَادِ ثَمَّ أَوْلَادهمْ عَلَى التَّرْتِيب اقْتِصَارًا عَلَى إفَادَة لَفْظ الْوَاقِف الْمَذْكُور، وَالْوَجْه الْمَشْرُوح فِي كَلَامه هُوَ مَا تَقَرَّرَ مَنْ التَّشْرِيك وَالتَّرْتِيب وَغَيْرهمَا مِمَّا ذَكَرْنَا عَلَى أَنْ قَوْله، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَنْتَمِي إلَى هَذَا الْوَاقِف بِالنَّسَبِ الْمَذْكُور كَانَ لَهُ فِيهَا الْحَظّ وَالنَّصِيب عَلَى الْوَجْه الْمَشْرُوح لَا حَاجَة إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُوم مِمَّا قَبْله، وَإِنَّمَا هُوَ لِمَزِيدِ الْإِيضَاح وَالتَّوْكِيد وَأَفْهَم قَوْله: فَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَاد الْوَاقِف الْمَذْكُور الذُّكُور إلَخْ أَنَّهُ يَعُود لِمَنْ بَعْد الْبُطُون الثَّلَاثَة عَلَى التَّشْرِيك بَيْنهمْ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ طَبَقَاتهمْ وَقَوْله: فَإِذَا انْقَرَضُوا، وَإِنْ بَعُدُوا عَادَتْ هَذِهِ الصَّدَقَة جَارِيَة إلَى الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب مَنْ ذَوِي ابْن مَكِينَةَ إلَخْ صَرِيح فِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ أَوْلَاده وَأَوْلَادهمْ أَحَد عَادَ الْوَقْف إلَى أَخِيهِ، سَوَاء كَانَ شَقِيقًا أَمْ لِأَبٍ لَا لِأَوْلَادِ بَنَاته، سَوَاء أَكَانُوا أَوْلَاد ابْن أَخِيهِ شَقِيقه أَوْ أَوْلَاد أَخِيهِ لِأُمِّهِ ابْن عَمّه؛ لِأَنَّ أَخَاهُ شَقِيقَهُ أَوْ لِأَبِيهِ أَقْرَبُ مَنْ هَؤُلَاءِ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ جَمِيعُ الْوَقْفِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخٌ عَادَ لِأَوْلَادِ أَخِيهِ لِأَبِيهِ ثُمَّ لِأَوْلَادِ ابْنِ أَخِيهِ لِأَبِيهِ، وَهَكَذَا يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ مِنْهُمْ فَالْأَقْرَبُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى كَوْنِ أَحَدِهِمْ ابْنَ بِنْتِ الْوَاقِفِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ اكْتَفَى بِهَذِهِ النِّسْبَةِ بِمَا قَدَّمَهُ فِي كَلَامِهِ. الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ، وَقَوْلُهُ: ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ إلَخْ رَاجِعٌ إلَى الْأَقْرَبِ مِنْ ذَوِي ابْنِ مَكِينَةَ ثُمَّ مِنْ ذَوِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَوْلُهُ: يَجْرِي الْحَالُ بَيْنَهُمْ أَيَّامَ حَيَاتِهِمْ عَلَى الْوَضْعِ الْمَذْكُورِ أَيْ: فِي أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ، وَهَكَذَا عَلَى النَّحْوِ الَّذِي

ذَكَرْته مُفَصَّلًا فَكُلُّ مَا ذَكَرْنَاهُ هُنَاكَ يَأْتِي نَظِيرُهُ هُنَا. وَصَرِيحُ قَوْلِهِ وَلَا يُؤَجَّرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إجَارَةُ هَذَا الْوَقْفِ مُطْلَقًا ثُمَّ إنْ اسْتَحَقَّهُ وَاحِدٌ فَوَاضِحٌ أَوْ جَمْعٌ تَهَايَئُوا وَأُقْرِعَ بَيْنَهُمْ لِلتَّرْتِيبِ وَتَجُوزُ لَهُمْ إعَارَتَهُ وَإِبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِهِ لِلْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ مُقَابِلٍ لِأَنَّ شَرْطَ عَدَمِ الْإِيجَارِ لَا يَقْتَضِي مَنْعَ الْإِعَارَةِ وَالْإِبَاحَةِ نَعَمْ لَوْ خَرِبَ وَلَمْ يُمْكِنْ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا بِإِيجَارِهِ فَلَا يَبْعُدُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ فِيمَا إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَلَا يُورَدَ عَقْدٌ عَلَى عَقْدٍ فَخَرِبَ وَلَمْ يُمْكِنْ عِمَارَتُهُ إلَّا بِإِيجَارِهِ سِنِينَ جَوَازُ الْإِجَارَةِ هُنَا بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَلَا يَدْخُلُ هَذَا الْوَقْفَ وَلَا غَيْرَهُ مِنْ الْأَوْقَافِ شَيْءٌ مِنْ وُجُوهِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِمَا سَوَاءٌ أَشَرَطَ الْوَاقِفُ عَدَمَ ذَلِكَ أَمْ لَمْ يَشْرِطْهُ وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ ذَكَرٌ بَالِغٌ رَشِيدٌ انْتَقَلَ النَّظَرُ فِيهِ لِلرَّشِيدِ مِنْ ذَوِي ابْنِ مَكِينَةَ ثُمَّ ذَوِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ وَلَا فَرْقَ فِيمَنْ انْتَقَلَ النَّظَرُ إلَيْهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ اسْتِحْقَاق فِي الْوَقْف أَوْ لَا إذْ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ النَّظَرِ وَالِاسْتِحْقَاقِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) سُؤَالًا صُورَتُهُ إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْوَقْفَ مُسْتَحَقٌّ لِلْغَيْرِ وَكَانَ النَّاظِرُ اسْتَلَمَ رِيعَهُ سِنِينَ كَثِيرَةً وَأَصْرَفَهَا عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ وَفِي جِهَاتِهِ فَعَلَى مِنْ يَرْجِعُ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ النَّاظِرِ أَوَّلًا ثُمَّ يَرْجِعُ النَّاظِرُ عَلَى مَنْ اسْتَلَمَ مِنْهُ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ وَإِذَا كَانَ أَصْرَفَهَا النَّاظِرُ فِي تَسْبِيلِ مَاءٍ أَوْ صَدَقَةٍ كَطَعَامٍ وَغَيْرِهِ فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْوَاقِفِ لِكَوْنِهِ غَرَّهُ فِي ذَلِكَ وَوَرَّطَهُ فِيهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا وَقَفَ إنْسَانٌ شَيْئًا فَصَرَفَهُ النَّاظِرُ عَلَى مَا شَرَطَهُ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ لِلْغَيْرِ فَالْوَاقِفُ غَاصِبٌ إنْ عَلِمَ تَعَدِّيَهُ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْغَاصِبِ وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ كُلَّ يَدٍ تَرَتَّبَتْ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ فِي مَعْنَاهُ فَهِيَ يَدُ ضَمَانِ يَتَخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ مُطَالَبَةِ نَحْوِ الْغَاصِبِ وَالْآخِذِ مِنْهُ بِرَدِّ الْمَوْجُودِ. وَضَمَانِ التَّالِف وَإِنْ جَهِلَ الثَّانِي تَعَدِّي الْأَوَّلِ ثُمَّ إذَا جَهِلَ الْآخِذ فَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ مَوْضُوعَةً لِلضَّمَانِ كَعَارِيَّةٍ وَسَوْمٍ وَهِبَةٍ وَبَيْعٍ فَقَرَارُ ضَمَانِ الرَّقَبَةِ وَالتَّعَيُّبِ وَالْمَنَافِعِ الْمُسْتَوْفَاةِ عَلَى الثَّانِي وَالْمَنَافِعِ الْفَائِتَةِ عَلَى الْأَوَّلِ فَإِنْ نَقَصَ بِنَاؤُهُ وَغِرَاسُهُ رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ بِالْأَرْشِ لَا بِمَا أَنْفَقَ وَإِنْ كَانَتْ مَوْضُوعَةً لِلْأَمَانَةِ كَالْوَدِيعَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالتَّوْكِيلِ وَالرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ وَالتَّزْوِيجِ اسْتَقَرَّ ضَمَانُ الرَّقَبَةِ وَالتَّعَيُّبِ وَالْمَنَافِع الْفَائِتَةِ عَلَى الْأَوَّلِ وَالْمُفَوَّتَةِ عَلَى الثَّانِي إلَّا فِي الْإِجَارَةِ تَسْتَقِرُّ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ سَوَاءٌ أَفَوَّتَ الْمَنْفَعَةَ أَمْ فَاتَتْ فِي يَدِهِ وَلَوْ أَتْلَفَ الْقَابِضُ مِنْ نَحْوِ الْغَاصِبِ أَوْ عِيبَ فَالْقَرَارُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَتْلَفَهُ مُسْتَقِلًّا أَمْ حَمَلَهُ الْغَاصِبُ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ طَعَامًا فَقَدَّمَهُ إلَيْهِ فَأَكَلَهُ وَلَوْ جَاهِلًا نَعَمْ لَوْ غَصَبَ شَاةً وَأَمَرَ قَصَّابًا بِذَبْحِهَا فَذَبَحَهَا جَاهِلًا بِالْحَالِ فَقَرَارُ النَّقْصِ عَلَى الْغَاصِبِ كَمَا لَوْ غَصَبَ ثَوْبًا وَأَمَرَ خَيَّاطًا بِقَطْعِهِ فَقَطَعَهُ وَهُوَ جَاهِلٌ وَلَوْ أَمَرَ الْغَاصِبُ إنْسَانًا بِإِتْلَافِ الْمَغْصُوبِ بِنَحْوِ قَتْلٍ أَوْ إحْرَاق فَفَعَلَهُ جَاهِلًا بِالْحَالِ فَالْقَرَار عَلَى الْمُتْلِفِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ اسْتَوْفَى شَيْئًا مِنْ الْعَيْنِ الَّتِي ظَهَرَتْ مَمْلُوكَةً قَرَارُ ضَمَانِهِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَمْكَنَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ أَمْ لَا كَغَيْرِ الْمُعَيَّنِينَ الْمَذْكُورِينَ فِي السُّؤَالِ وَأَنَّ لِمَنْ ظَهَرَتْ الْعَيْنُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَاقِفِ إنْ كَانَ حَيًّا وَإِلَّا فَعَلَى تَرِكَتِهِ وَأَمَّا النَّاظِرُ فَمَا فَاتَ فِي يَدِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ بِخِلَافِ مَا فَوَّتَهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ أَمَانَةٍ فَهُوَ كَالْوَكِيلِ وَأَمَّا مَا صَرَفَهُ بِأَمْرِ الْوَاقِفِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ ضَمَانٌ لَكِنَّهُ طَرِيقٌ فِيهِ قِيَاسًا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْقَصَّابِ وَالْخَيَّاطِ بِجَامِعِ أَنَّ النَّفْعَ عَادَ عَلَى الْآمِرِ فَقَطْ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ لِأَنَّهُ مَحْضُ آلَةٍ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ وَبِهِ فَارَقَ الْمَأْمُورَ بِالْإِتْلَافِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَقِلًّا لَا آلَةً وَتَصَرُّفُ النَّاظِرِ لَيْسَ إتْلَافًا فَتَعَيَّنَ إلْحَاقُهُ بِالْقَصَّابِ وَالْخَيَّاطِ وَأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ لِمَا فَوَّتَهُ وَلِمَا فَاتَ فِي يَدِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهَا مُسْتَحِقُّ الْعَيْنِ. وَمَا دَفَعَهُ لِلنَّاظِرِ أَوْ غَيْرِهِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ ثُمَّ رَأَيْتُ جَامِعَ فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ وَالتَّاجِ الْفَزَارِيّ وَالنَّوَوِيِّ وَمُعَاصَرِيهِمْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَنَقَلَ فِيهَا عَنْ التَّاجِ الْفَزَارِيّ مَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرْته فِي النَّاظِرِ فَقَالَ وُقِفَ بَيْتٌ عَلَى حَاكِمٍ وَحَكَمَ بِهِ وَوَلَّى عَلَيْهِ نَاظِرًا يَصْرِفُ أَجْرَهُ فِي الْمَصَارِيفِ الْمَذْكُورَةِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ فَبَاشَرَ النَّاظِرُ ذَلِكَ مُدَّةً بِأَمْرِ الْحَاكِمِ

ثُمَّ ظَهَرَ اسْتِحْقَاقُ الْوَقْفِ وَأَنَّهُ مِلْكٌ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَبَطَلَ الْوَقْفُ هَلْ يَرْجِعُ عَلَى النَّاظِرِ بِمَا صَرَفَهُ فِي مَصَارِفِ الْوَقْفِ أَوْ لَا عُرِضَتْ عَلَى شَيْخِنَا تَاجِ الدِّينِ فَتَوَقَّفَ فِيهَا فَأَقَامَتْ مُدَّةً لَا يَكْتُبُ عَلَيْهَا أَحَدٌ ثُمَّ عُرِضَتْ عَلَيْهِ ثَانِيًا لِأَنَّهُ كَانَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمَرْجِعُ إلَيْهِ وَالْمُعَوَّلُ فِي الْمُعْضِلَاتِ عَلَيْهِ فَكَتَبَ فِيهَا أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا صَرَفَهُ إلَى ذَلِكَ وَخَرَّجَهُ عَلَى أَصْلٍ مَذْكُورٍ فِي الْغَصْبِ فِي الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ جَاهِلًا بِالْغَصْبِ وَهُوَ أَنَّ مَا لَمْ يُلْتَزَمْ ضَمَانُهُ يُرْجَعُ بِهِ جَامِعًا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَصَرَّفَ تَصَرُّفًا مَأْذُونًا فِيهِ ظَاهِرًا ثُمَّ بَانَ خِلَافُ ذَلِكَ وَهُوَ مَعْذُورٌ بِالْجَهْلِ بِذَلِكَ فَاتَّبَعَ ظَنَّهُ فِي ذَلِكَ وَالْتِزَامَهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ نَاظِرَ الْوَقْفِ لَمْ يَلْتَزِمْ ضَمَانَ مَا يَصْرِفُهُ فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانُهُ اهـ. وَمُرَادُهُ بِعَدَمِ لُزُومِ ضَمَانِهِ عَدَمُ اسْتِقْرَارِهِ عَلَيْهِ لِمَا قَدَّمْته أَنَّهُ طَرِيقٌ فِيهِ. وَمَا قَرَّرْته مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى الْقَصَّابِ وَالْخَيَّاطِ أَظْهَرُ مِمَّا قَرَّرَهُ مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا لَا يَخْفَى فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَعَجِبْت مِنْ الْأَصْحَابِ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرُوا مَسْأَلَةَ السُّؤَالِ بِالصَّرِيحِ مَعَ كَثْرَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ شَخْصٍ وَقَفَ مَحِلَّيْنِ عَلَى جَمْعٍ وَجِهَاتٍ لِلَّهِ كَتَسْبِيلِ مَاءٍ وَقِرَاءَةٍ وَصَدَقَةٍ مِنْ رِيعِ ذَلِكَ فَإِذَا أَجَّرَ النَّاظِرُ عَلَيْهِ أَحَد الْمَحِلَّيْنِ وَتَعَطَّلَ الثَّانِي بِهَدْمٍ أَوْ اسْتِيلَاءِ ظَالِمٍ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَجِدْ مُسْتَأْجِرًا أَوْ وَجَدَهُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَمَا يُجْعَلُ فِي أُجْرَةِ الْمَحَلِّ الْمُسْتَأْجَرِ يُوَزِّعُهُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ بِحَسَبِ اسْتِحْقَاقِهِمْ مُرَتَّبًا أَوْ مُتَسَاوِيًا أَمْ لَا وَإِذَا بَاعَ أَوْ رَهَنَ الْوَقْفَ هَلْ يُعْزَلُ وَيُفَسَّقُ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ وَيُقِيمُ الْحَاكِمُ الشَّرْعِيُّ غَيْرَهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْوَاقِفِ أَوْ غَيْرِهِ وَإِذَا جُنَّ أَوْ كَانَ صَبِيًّا وَقُلْتُمْ يَئُولُ إلَى الْحَاكِمِ وَيُقِيمُ نَائِبًا عَنْهُمَا فَإِذَا فَاقَ أَوْ كَمُلَ الصَّبِيُّ هَلْ تَعُودُ وِلَايَتُهُمَا أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ رَتَّبَ الْوَاقِفُ صَرْفَ الْغَلَّةِ أَوْ بَيَّنَ لِلْمُسْتَحِقِّينَ وَجَبَ الْعَمَلُ بِمَا رَتَّبَهُ وَإِلَّا فَمَا وُجِدَ مِنْ الْغَلَّةِ يُقْسَمُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ بِحَسَبِ اسْتِحْقَاقِهِمْ وَإِذَا تَعَدَّى النَّاظِرُ بِنَحْوِ بَيْعٍ أَوْ رَهْنٍ انْعَزَلَ وَلَزِمَ الْحَاكِمَ أَنْ يُوَلِّيَ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْوَاقِفِ وَكَذَا إذَا جُنَّ أَوْ كَانَ صَبِيًّا فَإِذَا زَالَ مَانِعُهُ عَادَتْ وِلَايَتُهُ إنْ كَانَ نَظَرُهُ مَشْرُوطًا فِي الْوَقْفِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ وَإِلَّا لَمْ تَعُدْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَسُئِلَ) عَنْ قَاضِي مَكَّةَ وَنَاظِرِ الْحَرَمِ إذَا أَنَابَ مَنْ يَقْبِضُ غَلَّاتِ أَوْقَافِهِ وَأَذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِيهَا بِإِيجَارِهَا وَإِصْلَاحِهَا وَعِمَارَتِهَا وَقَبْضِ مُسْتَغَلَّاتِهَا وَإِيصَالِهَا إلَى الْحَرَمِ وَأَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا بِمَا يَرَاهُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْمَوْقُوفِ وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَحَصَّلَ غَلَّةً وَاحْتَاجَ لِمَا يَصْرِفُهُ عَلَيْهَا إلَى أَنْ يَصِلَ بِهَا إلَيْهِ فَاسْتَدَانَ وَأَصْرَفَ لِمَا رَآهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ فَهَلْ يَثْبُتُ الدَّيْنُ عَلَى الْوَقْفِ وَهَلْ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِقَضَائِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَرْجِعُ نَائِبُ النَّاظِرِ الْمَذْكُورِ بِمَا صَرَفَهُ إلَّا إنْ أَذِنَ لَهُ الْقَاضِي فِي الِاقْتِرَاضِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَمُخَالَفَةُ الْبُلْقِينِيُّ فِيهِ رَدَدْتُهَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَإِنْ تَبِعَهُ غَيْرُهُ وَسَبَقَهُ إلَى الْإِشَارَة لِذَلِكَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَقِيَاسُهُ أَنَّ إنْفَاقَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَرْجِعَ لَا يَقْتَضِي الرُّجُوعَ إلَّا إنْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ الْقَاضِي إنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ. وَإِذْنُ النَّاظِرِ فِيمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ لَا يُفِيدُهُ لِأَنَّ النَّاظِرَ نَفْسَهُ لَوْ أَصْرَفَ مِنْ مَالٍ اقْتَرَضَهُ أَوْ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَرْجِعَ احْتَاجَ إلَى إذْنِ الْقَاضِي وَكَوْنُ الْمُسْتَنِيبِ هُنَا قَاضِيًا لَا يُفِيدُهُ أَيْضًا لِأَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَاضِي هُنَا قَاضِي بَلَدِ الْوَقْفِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْوِلَايَةَ لِقَاضِي بَلَدِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَوَّلِ كَمَا اقْتَضَاهُ تَشْبِيهُ مَا هُنَا بِالْقَاضِي بِالنِّسْبَةِ لِلْوِلَايَةِ عَلَى مَال الْيَتِيمِ مِنْ حَيْثُ الْحِفْظُ وَالتَّصَرُّفُ بِمَا تَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ مِنْ الْحِفْظِ وَنَحْوِهِ وَوِلَايَةِ الثَّانِي مِنْ حَيْثُ التَّصَرُّفُ فِيهِ إذَا وَصَلَ إلَيْهِ بِالتَّفْرِقَةِ وَالِاسْتِنْمَاء وَغَيْرِهِمَا وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْإِذْنِ فِي الِاقْتِرَاضِ وَالْإِنْفَاقِ إنَّمَا يَرْجِعُ إلَى الْوِلَايَةِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ وَلَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْوَقْفِ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَأَقَرُّوهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصَيْنِ بَيْنَهُمَا وَقْفٌ مُشْتَرَكٌ وَلِأَحَدِهِمَا النَّظَرُ وَالتَّكَلُّمُ وَالْعِمَارَةُ وَصَرْفُ مَا يُحْتَاجُ صَرْفُهُ إلَيْهِ كَمَا شَرَطَهُ وَاقِفُهُ فَإِذَا اسْتَقَلَّ الشَّرِيكُ الثَّانِي الَّذِي لَيْسَ لَهُ نَظَرٌ وَلَا تَكَلُّمٌ بِالسُّكْنَى وَالْإِجَارَةِ وَالْعِمَارَةِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ الَّذِي لَهُ النَّظَرُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ هَلْ لَهُ ذَلِكَ وَهَلْ لِلنَّاظِرِ

عَلَيْهِ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ وَأَخْذُ الْأُجْرَةِ لِلْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ مِنْهُ لِيَصْرِفَهَا فِي مَصَالِحِهَا أَوْ أَخْذُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ مِمَّنْ آجَرَهُ الشَّرِيكُ بِغَيْرِ إذْنِ النَّاظِرِ وَهَلْ لِلنَّاظِرِ أَيْضًا إجَازَةُ الْوَقْفِ مُدَّةً طَوِيلَةً أَوْ قَصِيرَةً إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُسْتَحَقِّينَ فَإِذَا قُلْتُمْ لَهُ ذَلِكَ فَأَجَّرَهُ وَقَبَضَ الْأُجْرَةَ هَلْ يَدْفَعُ لِشَرِيكِهِ فِي الْوَقْفِ جَمِيعَ مَا يَخُصُّهُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ شَيْئًا فَشَيْئًا كُلَّ سَنَةٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا تَصِحُّ إجَارَةُ الشَّرِيكِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ نَظَرٌ مِنْ غَيْرِ إذْنِ النَّاظِرِ وَلِلنَّاظِرِ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ فَلَوْ أَجَّرَ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ فَأَجَازَهُ لَمْ يَنْقَلِبْ الْعَقْدُ بِإِجَازَتِهِ صَحِيحًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْنَافه. وَحَيْثُ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ فَمَضَتْ مُدَّةٌ وَالْعَيْنُ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ لَزِمَهُ أُجْرَةٌ مِثْلَ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ وَالْمُتَوَلِّي لِقَبْضِهَا هُوَ النَّاظِرُ دُونَ غَيْرِهِ أَيْ الْإِجَارَةُ وَيَصْرِفُهَا فِيمَا هُوَ الْأَصْلَحُ وَلَهُ إجَارَة الْوَقْفِ مُدَّةً طَوِيلَةً وَقَصِيرَةً حَيْثُ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يُخَالِفْ شَرَطَ الْوَاقِفِ رَضِيَ الْمُسْتَحِقُّونَ أَمْ سَخِطُوا ثُمَّ الْأُجْرَةُ مَتَى اسْتَقَرَّتْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ بِتَفْوِيتِهَا صُرِفَتْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فِي الْحَال وَأَمَّا إذَا لَمْ تَسْتَقِرَّ بِأَنْ أَجَّرَهُ النَّاظِرُ سِنِينَ مُسْتَقْبَلَةً فَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي كُلِّ الْأُجْرَةِ وَأَنَّ النَّاظِرَ لَا يَصْرِفُ لَهُ جَمِيعَهَا جُمْلَةً خَشْيَةَ مَوْتِهِ وَانْتِقَالِهَا لِغَيْرِهِ بَلْ يَصْرِفُهَا إلَيْهِ شَيْئًا فَشَيْئًا مُرَاعِيًا مَا اسْتَقَرَّ مِنْهَا حَتَّى لَا يُصْرَفُ لَهُ مَا لَمْ يَسْتَقِرّ فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ وَبِذَلِكَ أَفْتَى الْقَفَّالُ فَقَالَ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ نَسْلِهِمْ ثَمَّ الْفُقَرَاءِ فَأَجَّرَ أَيْ النَّاظِرُ عَشْرَ سِنِينَ وَأَخَذَ الْأُجْرَةَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُعَجِّلَ لَهُمْ الْأُجْرَةَ وَإِنَّمَا يُعْطِي بِقَدْرِ مَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ فَإِنْ دَفَعَ أَكْثَرَ فَمَاتَ الْآخِذُ فَعَلَى الْقَيِّمِ الضَّمَانُ اهـ. وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْإِصْطَخْرِيِّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ دَارًا تُكْرَى فَإِذَا مَضَى وَقْتٌ فَقْد حَصَلَ لَهُمْ أُجْرَةُ ذَلِكَ الَّذِي مَضَى اهـ. وَنَقَلَ ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ بَعْضِ الْقُضَاةِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ أَنَّهُ كَانَ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي كُلِّ الْأُجْرَةِ وَلَا يَصْرِفُهَا لَهُ خَشْيَةَ انْتِقَالهَا لِغَيْرِهِ لَكِنَّ الَّذِي رَجَّحَهُ أَعْنِي ابْنَ الرِّفْعَةِ وَاقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا تُصْرَفُ إلَيْهِ جَمِيعُهَا فِي الْحَالِ وَإِنْ احْتَمَلَ عَدَمَ بَقَائِهِ لِمُدَّةِ الْإِجَارَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ الْقِيَاسُ كَمَا تَتَصَرَّفُ الْمَرْأَةُ فِي الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِنْ كَانَ مِلْكُهَا عَلَيْهِ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ لِاحْتِمَالِ عَوْدِ الشَّطْرِ إلَى الزَّوْجِ بِالْفِرَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصُّوَرِ اهـ. وَهَذَا مُتَّجَهٌ مُدْرَكًا وَقِيَاسًا لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَنْقُولُ وَهُوَ الْأَحْوَطُ وَالْفَرْقُ بَيْن الْوَاقِفِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْوَاقِفَ اخْتَصَّ عَنْ غَيْرِهِ بِمَزِيدِ احْتِيَاط وَأَيْضًا فَنَحْو الزَّوْجِ مُتَصَرِّفٌ عَنْ نَفْسِهِ فَكَانَ تَصَرُّفُهُ مُقْتَضِيًا لِلْمِلْكِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ وَلَوْ مَعَ عَدَمِ الِاسْتِقْرَارِ وَأَمَّا النَّاظِرُ فَهُوَ مُتَصَرِّفٌ عَنْ غَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْوِلَايَةِ وَالْعُمُومِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ بِالْأَصْلَحِ وَأَخْتَصّ تَصَرُّفُهُ بِمَزِيدِ احْتِيَاطٍ لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ الْمُتَصَرِّفُ لِنَفْسِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمَنْقُولَ الَّذِي هُوَ الْأَوَّلُ لَهُ وَجْهٌ وَاضِحٌ وَأَنَّهُ لَا يَرُدُّ عَلَى الْقَائِلِينَ بِهِ تِلْكَ الصُّوَرِ فَلَا مَحِيدَ لِلْعُدُولِ عَنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا قَرَّرَ الشَّيْخُ زَمَانَ الدَّرْسِ وَمَكَانَهُ وَالطَّلَبَةُ جَمَاعَةٌ مُتَعَدِّدُونَ وَقَرَّرَ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالسَّابِقِ فَلَوْ قَدِمَ أَحَدٌ إلَى الدَّرْسِ فِي غَيْرِ زَمَانِ الدَّرْسِ وَاسْتَمَرَّ وَجَاءَ آخَرُ أَوَّلَ زَمَانِهِ فَهَلْ لِلْأَوَّلِ بِاعْتِبَارِ تَقَدُّمِهِ فِي غَيْرِ زَمَانِ الدَّرْسِ تَقَدُّم فَيَسْتَحِقُّ الْقِرَاءَةَ قَبْلَ مَنْ قَارَنَهُ فِي أَوَّلِ زَمَانِ الدَّرْسِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَنَّ التَّقْدِيمَ فِي ذَلِكَ وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ فَقَالَ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ بِالنَّدْبِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ فِي النِّهَايَةِ وَالْبَسِيطِ بَلْ صَرِيحُهُمَا تَرْجِيحُهُ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ بِالْوُجُوبِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا فِي نَظِيرِ ذَلِكَ مِنْ الْقَاضِي بَلْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ فِي الْمُفْتِي حَيْثُ قَالَ يَجِبُ عَلَى الْمُفْتِي عِنْدَ اجْتِمَاع الرِّقَاعِ بِحَضْرَتِهِ أَنْ يُقَدِّمَ الْأَسْبَقَ فَالْأَسْبَق كَمَا يَفْعَلهُ الْقَاضِي فِي الْخُصُومِ وَهَذَا فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الْإِفْتَاء فَإِنْ تَسَاوَوْا وَجَهِلَ السَّابِقَ (الطَّلَبَةُ) قَدَّمَ بِالْقُرْعَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُ الْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ الَّذِي يَشُدُّ رَحْلَهُ وَفِي تَأْخِيرِهِ ضَرَرٌ بِتَخَلُّفِهِ عَنْ الرُّفْقَةِ وَنَحْو ذَلِكَ عَلَى مِنْ سَبَقَهُمَا إلَّا إذَا كَثُرَ الْمُسَافِرُونَ وَالنِّسَاءُ بِحَيْثُ يَلْحَقُ غَيْرَهُمْ بِتَقْدِيمِهِمْ ضَرَرٌ كَبِيرٌ فَيَعُودُ إلَى التَّقْدِيمِ بِالسَّبْقِ أَوْ الْقُرْعَةِ ثُمَّ لَا يُقَدَّمُ أَحَدٌ إلَّا فِي فُتْيَا وَاحِدَة وَقَوْلِي وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُ

الْمَرْأَةِ إلَخْ هُوَ مَا رَأَيْته فِي النُّسْخَةِ الَّتِي عِنْدِي وَنَقْلُ الْأَذْرَعِيِّ الْوُجُوبَ فِي ذَلِكَ وَكَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي الْقَاضِي صَرِيحٌ فِي الْجَوَازِ وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَقْدِيمُ السَّابِقِ فِي الْإِفْتَاء إلَّا إنْ ظَهَرَ لَهُ جَوَابُهُ وَإِلَّا لَمْ يَحْبِسْ الْمُتَأَخِّر إلَى الْبَحْثِ فَإِنَّهُ قَدْ يُبْحَثُ وَلَا يَظْهَرُ لَهُ شَيْءٌ وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَفِيهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِنْ ذَكَرَ دُرُوسًا قَدَّمَ أَهَمَّهَا فَيُقَدِّمُ التَّفْسِيرَ ثُمَّ الْحَدِيثَ ثُمَّ الْأَصْلَيْنِ ثُمَّ الْمَذْهَبَ ثُمَّ الْخِلَافَ ثُمَّ الْجَدَلَ وَقَالَ أَيْضًا فِي الطَّالِبِ وَلَا يُؤْثِرُ بِنَوْبَتِهِ فَإِنَّ الْإِيثَارَ بِالْقُرْبِ مَكْرُوهٌ فَإِنْ رَأَى الشَّيْخُ الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ فِي وَقْتٍ فَأَشَارَ بِهِ اُمْتُثِلَ أَمْرُهُ فَإِنْ قُلْتَ قَوْلُهُ فَإِنْ رَأَى الشَّيْخُ الْمَصْلَحَةَ إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّ الْخِيرَةَ إلَى رَأْي الشَّيْخِ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَقْدِيمٌ بِالسَّبْقِ وَبِهِ يَتَأَيَّدُ الْقَوْلُ بِالنَّدْبِ. وَيُنَافِي مَا قَدَّمَهُ مِنْ الْوُجُوبِ فِي الْإِفْتَاءِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّدْرِيسَ قُلْتُ يُمْنَعُ ذَلِكَ كُلُّهُ بِأَنَّ هَذَا مُحْتَمَلٌ وَذَاكَ أَعْنِي الْوُجُوبَ مُصَرَّحٌ بِهِ وَالصَّرِيحُ يَقْضِي بِهِ عَلَى الْمُحْتَمَلِ وَلَا عَكْسَ فَالْحَقُّ الْوُجُوبُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ اُمْتُثِلَ أَمْرُهُ أَيْ نَدْبًا عَلَى أَنَّهُ أَعْنِي الْوُجُوبَ هُوَ أَنَّ الْمُفْتِي لَوْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي تَقْدِيمِ الْمَسْبُوقِ لِأُنُوثَةٍ أَوْ سَفَرٍ جَازَ فَتُحْمَلُ الْمَصْلَحَةُ هُنَا عَلَيْهَا ثَمَّ وَحِينَئِذٍ لَا تَخَالُفَ بَيْن كَلَامَيْهِ أَصْلًا فَقْد عَلِمْنَا مِنْ مَجْمُوعِهِمَا أَنَّ شَرْطَ وُجُوبَ تَقْدِيمِ السَّابِقِ عَلَى الشَّيْخِ أَنْ لَا يَرَى الْمَصْلَحَةَ الْحَقَّةَ فِي تَقْدِيمِ غَيْرِهِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لَهُ التَّقْدِيمُ بِحَسْبِهَا. وَسَيَأْتِي أَنَّهُ فِي غَيْرِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ يُقَدِّمُ مَنْ شَاءَ فَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ الْأَخِيرِ عَلَى هَذَا أَيْضًا فَإِنْ قُلْت مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَوْضِعِ الثَّانِي يُنَافِيه قَوْلُ عَصْرَيْهِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْبَدْرِ بْنِ جَمَاعَةَ وَالِدِ الْعِزِّ بْنِ جَمَاعَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إذَا تَعَدَّدَتْ الدُّرُوسُ قُدِّمَ الْأَشْرَفُ فَالْأَشْرَفُ وَالْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ فَيُقَدَّمُ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ ثُمَّ الْحَدِيثُ ثُمَّ أُصُولُ الدِّينِ ثُمَّ أُصُولُ الْفِقْهِ ثُمَّ الْمَذْهَبُ ثُمَّ الْخِلَافُ أَوْ النَّحْوُ أَوْ الْجَدَلُ قُلْت لَا يُنَافِيه وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لَهُ فَإِنَّ النَّوَوِيَّ أَجْمَلَ تَقْدِيمَ الْأَصْلَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنُ أَيُّهُمَا الْمُقَدَّمُ فَبَيَّنَ الْبَدْرُ أَنَّ أُصُولَ الدِّينِ مُقَدَّمٌ عَلَى أُصُولِ الْفِقْهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ مِنْهُ فَإِنْ قُلْتَ هُوَ أَشْرَفُ مِنْ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ أَيْضًا نَظَرًا إلَى غَايَتِهِ إذْ الْعُلُومِ إنَّمَا تَشْرُفُ بِشَرَفِ غَايَاتِهَا قُلْتُ هُوَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُمَا أَصْلَانِ لَهُ فَهُوَ فَرْعٌ عَنْهُمَا لِاسْتِمْدَادِ أَكْثَرِ مَسَائِلِهِ مِنْهُمَا فَكَانَا أَشْرَفَ مِنْهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَقُدِّمَا عَلَيْهِ وَأَيْضًا النَّوَوِيُّ بَيَّنَ تَرْتِيبَ مَا بَعْدَ الْمَذْهَبِ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ وَالْبَدْرُ زَادَ النَّحْوَ وَتَرَدَّدَ فِي أَيِّ الثَّلَاثَةِ أَحَقُّ بِالتَّقْدِيمِ فَلَمْ يَجْزِمْ فِيهِ بِشَيْءٍ وَالْعُمْدَةُ عَلَى مَا رَتَّبَهُ النَّوَوِيُّ لِظُهُورِهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ النَّحْوَ مُؤَخَّرٌ عَنْ الْخِلَافِ وَالْجَدَلِ وَلَهُ وَجْهٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُمَا بِمَا قَبْلَهُمَا أَشَدُّ تَعَلُّقًا عِنْد تَقْرِيرِهَا وَإِنْ كَانَ هُوَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَسْبَقَ فِي التَّعَلُّقِ بَلْ يَنْبَغِي تَقْدِيمُ تَعَلُّمِ أُصُولِ مُسَائِلِهِ عَلَى الْكُلِّ إذْ لَا يَتِمُّ فَهْمُ حَقَائِقهَا إلَّا بِهِ فَإِنْ قُلْت قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ التَّقْدِيمَ وَاجِبٌ بِالسَّبَقِ وَإِلَّا فَبِالْقُرْعَةِ فَبِأَحَدِهِمَا يَجِبُ التَّقْدِيمُ وَلَوْ كَانَ الْمُقَدَّمُ بِهِ مُتَأَخِّرًا فِي الرُّتْبَةِ فَمَا وَجْهُ هَذَا التَّرْتِيبِ قُلْت إذَا تَأَمَّلْت قَوْلَ الْمَجْمُوعِ فَإِنْ ذَكَرَ دُرُوسًا قَدَّمَ إلَخْ عَلِمْت أَنَّ الْكَلَامَ هَهُنَا فِي إلْقَاءِ الشَّيْخِ الْعُلُومَ عَلَى الطَّلَبَةِ مِنْ غَيْرِ قِرَاءَةٍ مِنْهُمْ فَحِينَئِذٍ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يُرَتِّبَ كَمَا ذُكِرَ لِأَنَّهُمْ قَابِلُونَ لِإِلْقَاءِ الْكُلِّ فَنَاسَبَ أَنْ يُقَدِّمَ فِي الْإِمْلَاءِ عَلَيْهِمْ الْأَشْرَفَ فَالْأَشْرَفَ أَوْ يُحْمَلَ عَلَى طَالِبٍ وَاحِدٍ لَهُ دُرُوسٌ مُتَعَدِّدَةٌ فِي تِلْكَ الْعُلُومِ وَأَرَادَ قِرَاءَتَهَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَحِينَئِذٍ يُقَدَّمُ الْأَشْرَفُ فَالْأَشْرَفُ إذْ لَا مُعَاوِضَ لِلنَّظَرِ إلَى الْأَشْرَفِ حِينَئِذٍ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ وَأَنَّ الْمُعْتَمَدَ وُجُوبُ التَّقْدِيمِ بِالسَّبْقِ وَإِلَّا فَبِالْقُرْعَةِ فَلْتَرْجِعْ إلَى قَوْلِ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّه بِهِ فَهَلْ لِلْأَوَّلِ إلَخْ فَنَقُولُ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا بِأَنَّ الْقَاضِيَ يُقَدِّمُ عِنْد ازْدِحَامِ الْمُدَّعِينَ بِالسَّبْقِ إنْ عَرَفَ السَّابِقَ فَإِنْ جَهِلَ أَوْ جَاءُوا مَعًا قَدَّمَ بِالْقُرْعَةِ فَإِنْ كَثُرُوا وَعَسُرَ الْإِقْرَاعُ كُتِبَتْ أَسْمَاؤُهُمْ فِي رِقَاع وَصُبَّتْ بَيْن يَدَيْهِ فَيَأْخُذَهَا وَاحِدَةً وَاحِدَةً وَيَسْمَعُ دَعْوَى مِنْ خَرَجَ اسْمُهُ ثُمَّ قَالَا وَالْمُفْتِي وَالْمُدَرِّسُ يُقَدَّمَانِ أَيْضًا عِنْد الِازْدِحَامِ بِالسَّبْقِ أَوْ بِالْقُرْعَةِ وَلَوْ كَانَ الَّذِي يَعْلَمُهُ لَيْسَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَالِاخْتِيَارُ إلَيْهِ فِي تَقْدِيمِ مِنْ شَاءَ اهـ. فَأَفْهَمُ سِيَاقُهُمَا أَنَّهُ يَأْتِي فِي الْمُفْتِي وَالْمُدَرِّسِ مَا قَالُوهُ فِي الْقَاضِي

وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ كَمَا مَرَّ عَنْهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالسَّبْقِ إلَى مَحَلِّ الْقَضَاءِ وَلَوْ قَبْلَ مَجِيءِ الْقَاضِي فَلْيَكُنْ الْمُفْتِي وَالْمُدَرِّسُ مِثْلَهُ بَلْ صَرِيحُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ذَلِكَ فِي الْقَاضِي وَعِبَارَتُهُمْ وَيُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يُقَدِّمَ كُلَّ يَوْمٍ ثِقَةً إلَى مَجْلِسِ حُكْمِهِ حَتَّى يُثْبِتَ أَسَامِيَ الْخُصُومِ وَيَكْتُبَهَا الْأَسْبَقَ فَالْأَسْبَقَ فَإِذَا جَلَسَ يُقَدِّمُ مَنْ سَبَقَ عَلَى التَّرْتِيبِ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُمْ أَنْ يُقَدِّمَ. وَقَوْلُهُمْ فَإِذَا جَلَسَ يُقَدِّمُ تَجِدْ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالسَّبْقِ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَلَوْ قَبْلَ جُلُوسِ الْقَاضِي فَكَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا يَكُونُ السَّابِقُ إلَى مَحَلِّ الدَّرْسِ وَلَوْ قَبْلَ جُلُوسِ الشَّيْخِ وَقَبْلَ زَمَنِهِ الَّذِي عَيَّنَهُ مُسْتَحِقًّا لِلتَّقْدِيمِ عَلَى مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ سَوَاءٌ أَجَاءَ أَيْضًا قَبْلَ الْوَقْتِ أَمْ أَوَّلَهُ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) أَدَامَ اللَّهُ النَّفْعَ بِعُلُومِهِ عَنْ قَرْيَةٍ فِيهَا مَسْجِدٌ لَهُ وَقْفٌ وَمِنْهُ وَقْفٌ عَلَى مُدَرِّسٍ فِيهِ وَلَمْ يُوجَدْ فِيهَا طَالِبُ عِلْمٍ فَضْلًا عَنْ مُدَرِّسٍ وَفِي قَرْيَةٍ أُخْرَى مُدَرِّسٌ لَكِنَّهُ لَوْ قَصَدَهَا لِلتَّدْرِيسِ فِيهَا ضَاعَ يَوْمُهُ بِغَيْرِ نَفْعٍ وَفِي قَرْيَتِهِ طَلَبَةُ عِلْمٍ فَهَلْ لَهُ أَنْ يُدَرِّسَ لَهُمْ فِي قَرْيَتِهِ إذَا لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَعَهُ إلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَيَأْخُذُ مَا عُيِّنَ لِلتَّدْرِيسِ أَوْ لَا وَهَذِهِ وَاقِعَةٌ مُهِمَّةٌ جِدًّا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا تَعَذَّرَ وُجُودُ مُدَرِّسٍ وَطَلَبَةٍ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ جَازَ لِنَاظِرِهِ وَلِلْحَاكِمِ نَقْلُ التَّدْرِيسِ لِأَقْرَبِ الْمَسَاجِدِ إلَيْهِ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا ذَلِكَ أَخْذًا مِمَّا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ وَاقِفُ مَدْرَسَةٍ أَنْ لَا يَشْتَغِلَ بِهَا هَذَا الْمُعِيدَ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ فَمَضَتْ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْبَلَدِ مُعِيدٌ غَيْرُهُ جَازَ اسْتِمْرَارُهُ وَأَخْذُ الْجَامِكِيَّةِ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَشْهَدُ بِأَنَّ الْوَاقِف لَمْ يُرِدْ شُغُورَ مَدْرَسَتِهِ بَلْ أَرَادَ أَنْ يَنْتَفِعَ هَذَا مُدَّةً وَغَيْرُهُ مُدَّةً قَالَ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ شَرْطٍ شَهِدَ الْعُرْف بِالصُّورَةِ الَّتِي أَخْرَجَهَا عَنْ لَفْظِ الْوَاقِفِ اهـ. وَصُورَةُ السُّؤَالِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَشْهَدُ بِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَقْصِدْ بِالْوَقْفِ عَلَى الْمُدَرِّسِ وَالطَّلَبَةِ إلَّا دَوَامَ أَحْيَاءِ الْعِلْمِ وَظُهُورِ شِعَارِهِ وَهَذَا حَاصِلٌ بِوُجُودِ الْمُدَرِّسِ فِي غَيْرِ مَدْرَسَتِهِ إذَا تَعَذَّرَ وُجُودُهُ فِي مَدْرَسَتِهِ. وَمِمَّا يُصَرَّحُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ قَوْل جَمْع لَوْ خَرِبَ الْمَسْجِدُ نَقَلَ الْحَاكِم مَا فِيهِ مِنْ حُصْرٍ وَقَنَادِيلَ وَنَحْوِهَا إلَى غَيْرِهِ عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَيْهَا وَقَوْلُ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَالْخُوَارِزْمِيِّ لَوْ تَعَطَّلَ مَسْجِدٌ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْ بَلَدِهِ أَوْ خَرِبَ فَإِنْ لَمْ يُخْشَ مِنْ أَهْلِ الْفَسَادِ عَلَى نَقْضِهِ تُرِكَ بِحَالِهِ وَإِنْ خِيفَ مِنْهُمْ عَلَيْهِ حُفِظَ فَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ أَنْ يَبْنِيَ بِهِ مَسْجِدًا آخَرَ جَازَ. قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْأَوْلَى أَنْ يُنْقَلَ لِأَقْرَبِ الْجِهَاتِ إلَيْهِ وَيَجُوزُ إلَى الْأَبْعَدِ وَالْحَاصِلُ مِنْ رِيعِ وَقْفِ عِمَارَةِ هَذَا الْمَسْجِدِ يُصْرَفُ إلَى عِمَارَةِ مَسْجِدٍ آخَرَ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْقَاضِي يَصْرِفُ إلَى عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ وَلَا يُنْقَلُ إلَى غَيْرِ نَوْعِ الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدُ نَوْعُهُ فَيُصْرَفُ إلَى غَيْرِهِ كَالرَّبْطِ وَالْقَنَاطِر وَالْآبَارِ لِلضَّرُورَةِ فَتَأَمَّلْ مَا قَالُوهُ فِي نَقْلِ الْحُصْرِ وَالْقَنَادِيلِ وَنَحْوِهَا وَنَقْلِ النَّقْضِ وَنَقْلِ رِيعِ الْوَقْفِ تَجِدْ ذَلِكَ كُلَّهُ صَرِيحًا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَخَالَفَ الْمَاوَرْدِيُّ مَا مَرَّ فِي نَقْلِ الرِّيعِ فَقَالَ لَوْ خَرِبَتْ مَحَلَّةُ مَسْجِدٍ صُرِفَ رِيعُهُ لِلْمَسَاكِينِ لِأَنَّهُ مَصْرِفٌ لَا يَنْقَطِعُ لِبَقَائِهِمْ عَلَى الْأَبَدِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَكَذَا جَزَمَ بِهِ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَجَعَلَهُ فِي مَوْضِعٍ مُنْقَطِعِ الْآخِرِ وَيُوَافِقُهُ أَنَّ فِي فَتَاوَى الْحَنَّاطِيِّ نُقِلَ وَجْهٌ أَنَّهُ يُصْرَفُ لِلْمَصَالِحِ وَوَجْهٌ أَنَّهُ يُصْرَفُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ وَنُقِلَ عَنْ فَتَاوَى الْإِمَامِ ابْنِ عُجَيْلٍ الْيَمَنِيِّ فِي الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ وَالسِّقَايَةِ وَالْمَدْرَسَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَقْلُهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ إلَى غَيْرِهِ بَلْ يُحْفَظُ إلَى أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ لِذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِعَيْنِهِ أَوْ إلَى أَقْرَبِ مَحَلٍّ لِلْمَسْجِدِ أَوْ لِطَرِيقِ السِّقَايَةِ وَمَنْ نَقَلَهُ ابْتِدَاءً أَثِمَ وَضَمِنَ وَإِنْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ نُقِضَ حُكْمُهُ وَهَذَا لَا يَرُدُّ عَلَى مَا قَدَّمْته فِي صُورَةِ السُّؤَالِ لِأَنَّ مَحَلَّهُ إذَا رَجَا عَوْدَ النَّاسِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّهُ جَوَّزَ فِيهِ النَّقْلَ لِلْأَقْرَبِ وَكَذَا فِيمَا قَدَّمْته فِي صُورَةِ السُّؤَالِ لِتَعْبِيرِي فِيهِ كَمَا مَرَّ بِالتَّعَذُّرِ فَأَفْهَمْ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَعَذَّرْ بِأَنْ رَجَا عَلَى قُرْبِ عَوْدِ مُدَرِّسٍ وَطَلَبَتِهِ فِي مَحَلِّ الْوَقْفِ فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ النَّقْلَ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ حَيْثُ أَيِسَ عَادَةً مِنْ عَوْدِ مَنْ ذُكِرَ عَلَى قُرْبٍ عُرْفًا فَحِينَئِذٍ يُنْقَلُ

لِمُدَرِّسٍ وَطَلَبَةٍ فِي مَحَلٍّ آخَرَ وَلَوْ وَقَفَ قَدْرًا عَلَى أَهْلِ مَحَلَّةٍ فَخَرِبَتْ جَازَ نَقْلُهُ إلَى أُخْرَى كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُمْ وَهَذَا أَيْضًا يُؤَيِّدُ مَا قَدَّمْته، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى ذُكُورِ أَوْلَادِهِ دُونَ إنَاثِهِمْ قَاصِدًا بِذَلِكَ حِرْمَانهنَّ فَهَلْ يَصِحُّ الْوَقْفُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ شَرَطْنَا لِصِحَّةِ الْوَقْفِ الْقُرْبَةُ وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الْمُعْظَمِ لَمْ يَصِحُّ وَبِهِ أَفْتَى جَمْعٌ كَعُمَرَ الْفَتَى وَتِلْمِيذِهِ الْكَمَالِ الرَّدَّادِ وَغَيْرِهِمَا وَإِنْ اشْتَرَطْنَا لِصِحَّتِهِ انْتِفَاءَ الْمَعْصِيَةِ صَحَّ إنْ قُلْنَا إنَّ قَصْدَ حِرْمَانِ الْوَارِثِ بِالتَّصَرُّفِ فِي الصِّحَّةِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ لَكِنْ قَضِيَّةُ عُمُومِ مَا رُوِيَ مِنْ خَبَر «مَنْ قَطَعَ مِيرَاثَ فَرِيضَةٍ قَطَعَ اللَّهُ مِيرَاثَهُ مِنْ الْجَنَّةِ» إنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ حَيْثُ وَقَعَ ذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ صَحَّ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَكْثَرِينَ إنَّ الْمُغَلَّبَ فِي الْوَقْفِ التَّمْلِيكُ لَا الْقُرْبَةُ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ تَمْلِيكَ أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ أَوْ عَكْسه صَحِيحٌ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَمَا ذُكِرَ عَنْ الْإِمَامِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْجِهَةِ فَلَا تَعَارُضَ وَحِينَئِذٍ فَلَا حُجَّةَ لِأُولَئِكَ الْمُفْتِينَ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَأَنَا أَقُولُ لِلْقَاضِي أَنْ يُقَلِّدَ مَا ذُكِرَ عَنْ الْإِمَامِ وَيَحْكُمَ بِبُطْلَانِ الْوَقْفِ لِأَنَّهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ اهـ. وَقَدْ عَلِمْت رَدَّهُ (وَسُئِلَ) عَنْ شَجَرِ الْمَقْبَرَة مَا يُفْعَلُ بِهِ إذَا انْقَطَعَ وَمَا مَصَارِفُهَا الَّتِي يُصْرَفُ فِيهَا وَهَلْ لِلْقَاضِي قَلْعُهُ إلَّا رَآهُ وَأَعْطَاهُ مَا فَضَلَ عَنْ مَصَالِحهَا لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لِلْقَاضِي بَيْعُ شَجَرِهَا وَثَمَرِهِ وَصَرْفُهُ فِي مَصَالِحِهَا كَتُرَابٍ يَمْنَعُ نَبْشَ الْقُبُورِ وَزُبَيْرَ يَمْنَعُ نَسْفَ الرِّيحِ وَإِزَالَةَ الْمَطَرِ لِتُرَابِهَا أَوْ مُرُورَ الدَّوَابِّ وَنَحْوِهَا إذَا أَضَرَّ الْقُبُورَ وَوُجُوهُ الْمَصَالِحِ كَثِيرَةٌ وَمَنَاطُهَا نَظَرُ الْقَاضِي الْعَدْلِ الْأَمِينِ وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ لَهَا مَصَالِحُ حُفِظَ ثَمَنُ ذَلِكَ إلَى ظُهُورِ مَصَالِحَ لَهَا وَلَا تُصْرَفُ لِغَيْرِهَا كَمَا لَوْ وَجَبَ لِلْمَسْجِدِ مَالٌ عَلَى مَنْ شَغَلَ بُقْعَةً مِنْهُ فَإِنَّهُ يُصْرَفُ لِمَصَالِحِهِ لَا لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَالْغَزَالِيِّ خِلَافًا لِابْنِ رَزِينٍ كَالْمُتَوَلِّي. قَالَ بَعْضُهُمْ وَأَمَّا قَطْعُهَا مَعَ قُوَّتهَا وَسَلَامَتِهَا فَيَظْهَرُ إبْقَاؤُهَا لِلرِّفْقِ بِالزَّائِرِ وَالْمُشَيِّع اهـ. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يُرْجَعُ فِيهَا لِنَظَرِ الْقَاضِي الْمَذْكُورِ فَإِنْ اُضْطُرَّ لِقَطْعِهَا لِاحْتِيَاجِ مَصَالِحِ الْمَقْبَرَةِ إلَى مَصْرِفٍ وَتَعَيَّنَ فِيهَا قَطْعُهَا وَإِلَّا فَلَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ مُسْتَأْجِرِ دَارٍ مَوْقُوفَةٍ أَذِنَ لَهُ نَاظِرُهَا فِي عِمَارَتِهَا مِنْ مَالِهِ فَفَعَلَ ثُمَّ مَاتَ النَّاظِرُ فَهَلْ يَرْجِعُ الْمُعَمَّرُ عَلَى تَرِكَةِ النَّاظِرِ أَوْ عَلَى الْوَاقِفِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ تَرَتَّبَ فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَأْجِرِ أُجْرَةٌ فَأَذِنَ لَهُ النَّاظِرُ فِي صَرْفِهَا فِي الْعِمَارَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى تَرِكَتِهِ بِشَيْءٍ وَإِنْ لَمْ يَتَرَتَّب فِي ذِمَّتِهِ شَيْءٌ فَاقْتَرَضَ مِنْهُ النَّاظِرُ وَلَوْ بِالْإِذْنِ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْعِمَارَةِ رَجَعَ عَلَى تَرِكَتِهِ بِمَا صَرَفَهُ لَا عَلَى الْوَاقِفِ ثُمَّ مَا أَخَذَهُ مِنْ تَرِكَةِ النَّاظِرِ لَيْسَ لِوَرَثَتِهِ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَى الْوَاقِفِ إلَّا إذَا كَانَ الْوَاقِفُ شَرَطَ لَهُ الِاقْتِرَاضَ لِلْعِمَارَةِ أَوْ أَذِنَ لَهُ الْقَاضِي فِيهِ. (وَسُئِلَ) عَنْ رِبَاطٍ بِهِ طِهَارَاتٌ وَدَرَجَةٌ يُصْعَدُ مِنْهَا إلَى دَوْرٍ عُلْوِيّ أَشَارَ بَعْضُ الْمُهَنْدِسِينَ مِنْ الْبُنَاةِ بِتَأْخِيرِ بَعْضِ الطِّهَارَات وَالدَّرَجَةِ عَنْ مَوْضِعِهِمَا الْأَصْلِيِّ قَلِيلًا مَعَ بَقَاءِ نَفْعِهِمَا الَّذِي كَانَا عَلَيْهِ وَأَنْشَأَ ثَلَاثَةَ دَكَاكِين فِي مَحَلِّ ذَلِكَ لِيَنْتَفِعَ بِأُجْرَتِهِمْ فِي مَصَالِحِ الرِّبَاطِ الْمَذْكُورِ كَمَا اخْتَارَهُ السُّبْكِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَلْ مَا اخْتَارَهُ السُّبْكِيّ مُعْتَمَدٌ مَعْمُولٌ بِهِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ كَلَامُ الْأَصْحَابِ صَرِيحٌ فِي مَنْعِ ذَلِكَ وَكَذَا كَلَامُ ابْنِ الصَّلَاحِ عَلَى مَا فِيهِ بَلْ وَكَلَامُ السُّبْكِيّ أَيْضًا فَإِنَّ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ أَنَّ مَا اخْتَارَهُ خَارِجٌ عَنْ الْمَذْهَبِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ التَّغْيِيرُ يَسِيرًا لَا يُغَيِّرُ مُسَمَّى الْوَقْفِ وَأَنْ لَا يُزِيلُ شَيْئًا مِنْ عَيْنِهِ بِأَنْ يَنْتَقِلَ بَعْضُهُ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ. وَلَا شَكَّ أَنَّ جَعْلَ الْمَطْهَرَةَ دَكَاكِين فِيهِ تَغْيِيرٌ لِمُسَمَّى الْوَقْفِ فَقْد صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ جَعْلَ الدَّارِ حَمَّامًا وَعَكْسهُ تَغْيِيرٌ عَنْ هَيْئَتِهِ نَعَمْ فِي الْمَطْلَبِ عَنْ جَمْعٍ كَشَيْخِهِ عِمَادِ الدِّينِ وَقَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ وَوَلَدِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ صَدْرِ الدِّينِ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ الْمُجْتَهِدِ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ وَسَبَقَهُمْ إلَيْهِ الْمَقْدِسِيُّ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَنَاهِيك بِالْمَقْدِسِيِّ مَا يَقْتَضِي جَوَازَ مَا فِي السُّؤَالِ وَمَعَ ذَلِكَ فَهَذَا كُلُّهُ خَارِجٌ وَاَلَّذِي أَرَاهُ الْكَفَّ عَنْ ذَلِكَ إلَّا إنْ قَالَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فَيُقَلَّدُ حِينَئِذٍ وَيُعْمَلُ بِمَذْهَبِهِ (وَسُئِلَ) عَنْ وَقْفٍ عَلَى مَصَالِحِ

مَسْجِدٍ بِهِ أَئِمَّةٌ وَخَطِيبٌ وَمُؤَذِّنُونَ وَمُعَلِّمُونَ لِلْقُرْآنِ وَالْوَقْفُ لَا يَفِي بِهِمْ فَمَنْ يُقَدَّمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ تَقْدِيمُ الْإِمَامِ فَالْخَطِيبِ فَالْمُؤَذِّنِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ وَقْفًا وَشَرَطَ لِلنَّاظِرِ فِيهِ شَيْئًا مَعْلُومًا فَانْحَطَّ الْوَقْفُ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ أُجْرَتِهِ إلَّا مِقْدَارَ مَا شَرَطَهُ لَهُ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ فَهَلْ يَأْخُذُهُ بِأَجْمَعِهِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يُقَسِّطُهُ بِنِسْبَةِ مَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ عِنْد الْوَقْفِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْوَاقِفِ أَنَّهُ لَمْ يَشْرِطْ ذَلِكَ الْقَدْرَ إلَّا مَعَ وُجُودِ شَيْءٍ يُقَابِلُهُ يُصْرَفُ فِيمَا شَرَطَهُ فَحَيْثُ لَمْ يَبْقَ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرُ وُزِّعَ عَلَى مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ مِنْ مَصَارِفِهِ بِحَسَبِ النِّسْبَةِ هَذَا إنْ عَيَّنَ الْوَاقِفُ كَمِّيَّةً وَإِلَّا فَعَلَى أَجْرِ مِثْلِ تِلْكَ الْمَصَارِفِ حَالَ الْوَقْفِ نَعَمْ إنْ كَانَ انْحِطَاطُ الْأُجْرَةِ بِسَبَبِ الِاحْتِيَاجِ إلَى الْعِمَارَةِ وَجَبَ تَقْدِيمُهَا عَلَى جَمِيعِ الْمَصَارِفِ وَالْمُرَتَّبَاتِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا النَّاظِرُ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَأْخُذَ بِسَبَبِ النَّظَرِ قَبْلَهَا وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ مَا يُفْرَضُ لَهُ مِنْ أُجْرَةِ عَمَلِهِ. (وَسُئِلَ) عَمَّا يَفْضُلُ مِنْ أَوْقَافِ الْمَسَاجِدِ وَالرِّبَاطَاتِ وَنَحْوِهَا مَا حُكْمُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ فَتَاوَى ابْنِ الْبَزْرِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ فِيهِ أَوْ الْحَاكِمِ أَوْ نَائِبِهِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ لِلْمَوْقُوفِ عَقَارًا إنْ رَأَى ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ وَقْفًا وَيَجُوزُ بَيْعُهُ قَالَ وَرَأَيْت فِي فَتَاوَى مَنْسُوبَةٍ لِلْغَزَالِيِّ إذَا رَأَى الْحَاكِمُ وَقْفَهُ عَلَى جِهَةٍ فَعَلَ وَصَارَ وَقْفًا وَعَجِيبٌ أَنَّهُ يَصِحُّ الْوَقْفُ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ اهـ وَالْأَوْجَهُ أَنَّا وَإِنْ قُلْنَا بِتَصَوُّرِ الْوَقْفِ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ لَا يَصِحُّ وَقْفُ مَنْ ذُكِرَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ بَلْ بَقَاؤُهُ عَلَى الْمِلْكِيَّةِ لِلْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ أَوْلَى لِأَنَّهُ قَدْ يَضْطَرُّنَا الْحَالُ إلَى بَيْعِهِ نَعَمْ إنْ فُرِضَ أَنَّهُ بِوَقْفِهِ تَرْتَفِعُ عَنْهُ يَدُ ظَالِمٍ أَوْ خَرَاجٌ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ ظُلْمًا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ بِصِحَّةِ وَقْفِهِ حِينَئِذٍ لِلضَّرُورَةِ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ بِيَدِهِ وَظِيفَةٌ كَقِرَاءَةٍ أَوْ عَمَلٍ كَجِبَايَةٍ أَوْ اسْتِحْقَاقٍ كَخَلْوَةٍ وَنَحْوِهَا ثُمَّ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ ذَلِكَ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مُطْلَقًا بِنُزُولٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ غَابَ غَيْبَةً طَوِيلَةً وَشُغِرَتْ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ فَقَرَّرَ أَجْنَبِيًّا فِي ذَلِكَ نَاظِرٌ شَرْعِيٌّ خَاصٌّ أَوْ عَامٌّ عِنْدَ غَيْبَةِ الْخَاصِّ الْغَيْبَةَ الشَّرْعِيَّةَ فَإِذَا رَجَعَ فِي الْإِسْقَاطِ الْمَذْكُورِ قَبْلَ التَّقْرِيرِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ رَجَعَ مِنْ غَيْبَتِهِ الطَّوِيلَةِ هَلْ يَسْتَحِقُّ الْوَظِيفَةَ الْمَذْكُورَةَ بَعْد التَّقْرِيرِ وَأَخْذَ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ مَعْلُومِ الْوَظِيفَةِ حَالَ غَيْبَتِهِ أَمْ لَا وَهَلْ لِلنَّاظِرِ الْخَاصِّ إبْطَالُ مَا قَرَّرَهُ النَّاظِرُ الْعَامُّ فِي غَيْبَتِهِ الطَّوِيلَةِ أَوْ بِجُنْحَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَمَا قَدْرُ الْغَيْبَةِ الطَّوِيلَةِ فَإِنْ قُلْتُمْ مَرْجِعُهَا إلَى الْعُرْفِ فَإِذَا كَانَ الْعُرْفُ شَهْرًا مَثَلًا فَهَذَا بِالْوَظِيفَةِ بِعَدَمِ الْقِرَاءَةِ أَوْ الْعَمَلِ أَوْ السُّكْنَى مِنْ غَيْرِ اسْتِنَابَةٍ عَنْهُ فِيهَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ. وَإِذَا اسْتَنَابَ عَنْهُ حَالَ غَيْبَتِهِ الطَّوِيلَةِ أَوْ الْقَصِيرَةِ بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ هَلْ يَسْتَحِقُّ النَّائِبُ الِاسْتِحْقَاقَ كَمَلًا أَوْ مَا شَرَطَهُ لَهُ الْمُسْتَنِيبُ أَوْ يَسْتَحِقُّهُ الْمُسْتَنِيبُ. وَلَيْسَ لِلنَّائِبِ شَيْءٌ أَوْ لَيْسَ لَهُمَا شَيْءٌ وَإِذَا لَمْ يَأْذَنْ الْوَاقِفُ فِي الِاسْتِنَابَةِ مُطْلَقَا هَلْ لِصَاحِبِ الْوَظِيفَةِ الِاسْتِنَابَةُ بِعُذْرٍ وَبِغَيْرِ عُذْرٍ أَمْ لَا وَإِذَا تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ شَرْطِ الْوَاقِفِ أَوْ الْعُرْفِ فِي زَمَنِهِ مَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ هَلْ تُعْتَبَرُ السُّكْنَى فِي الْخَلْوَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا مَعَ الْمُلَازَمَةِ أَوْ لَيْلًا فَقَطْ أَوْ نَهَارًا أَوْ التَّرَدُّدُ فِيهَا أَيَّ وَقْتٍ أَرَادَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَهَلْ يَكْفِي أَيْضًا وَضْعُ أَمْتِعَتِهِ فِيهَا وَغَلْقُ بَابِهَا مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ إلًّا فِي النَّادِرِ. وَإِذَا قُلْتُمْ نَعَمْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَلْ يَسْتَحِقُّ مُعِيرُهُ الْوَظِيفَةَ أَمْ لَا وَهَلْ لِمَالِكِ الْمَنْفَعَةِ فِي الْخَلْوَةِ إعَارَتُهَا فِي حَالِ غَيْبَتِهِ الطَّوِيلَةِ أَوْ الْقَصِيرَةِ وَيَسْتَحِقُّ مَعْلُومَهَا دُونَ الْمُسْتَعِيرِ إذَا قُلْتُمْ لِلْمُعِيرِ أَنْ يُعِيرَ وَهَلْ يَسُوغُ هَذَا الْإِسْقَاطُ عَنْ الْوَظِيفَةِ بِغَيْرِ نُزُولٍ عَنْهَا أَمْ لَا وَهَلْ لِلنَّاظِرِ مَنْعُ صَاحِبِ الْوَظِيفَةِ مِنْ إسْقَاطِهَا لِلْغَيْرِ إذَا قُلْتُمْ بِهِ وَلَهُ التَّقْرِيرُ بِذَلِكَ لِلْغَيْرِ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ مُفَصَّلًا وَمُرَتَّبًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا أَسْقَطَ ذُو وَظِيفَةٍ حَقَّهُ مِنْهَا وَهُوَ رَشِيدٌ سَقَطَ وَمَنْ غَابَ عَنْ وَظِيفَتِهِ بِقَصْدِ مُفَارَقَةِ بَلَدِهَا وَتَوَطَّنَ غَيْرَهَا بَطَلَ حَقُّهُ مِنْهَا بِذَلِكَ وَكَذَا إنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ لَكِنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ عُرْفًا بِغَيْرِ عُذْرٍ فَيُقَرِّرُ النَّاظِرُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا غَيْرَهُ وَمَنْ قَرَّرَهُ اسْتَحَقَّ وَإِنْ عَادَ الْغَائِبُ لِبُطْلَانِ حَقِّهِ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِتَقْرِيرٍ شَرْعِيٍّ وَإِذَا غَابَ النَّاظِرُ الْخَاصُّ وَلَا نَائِبَ لَهُ فَالنَّظَرُ لِلْعَامِّ فَيَمْضِي مَا فَعَلَهُ مِمَّا لَا مُخَالَفَةَ فِيهِ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَالْغَيْبَةُ الْمُسْقِطَةُ لِحَقِّ ذِي الْوَظِيفَةِ الْمَدَارُ

فِيهَا عَلَى الطَّوِيلَةِ عُرْفًا فَإِنْ كَانَتْ قَصِيرَةً أَنَابَ النَّاظِرُ عَنْهُ مَنْ يُبَاشِرُ وَأَعْطَاهُ الْمَعْلُومَ حَيْثُ لَا مُخَالَفَةَ فِي ذَلِكَ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَأَفْتَى النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَضِيَ عَنْهُ بِأَنَّ مَنْ اسْتَنَابَ لِعُذْرٍ لَا يُعَدُّ بِسَبَبِهِ مُقَصِّرًا تَكُونُ الْجَامِكِيَّةُ لِلْمُسْتَنِيبِ وَأَمَّا النَّائِبُ فَإِنْ ذَكَرَ لَهُ جُعْلًا اسْتَحَقَّهُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَإِنْ اسْتَنَابَ عَلَى صِفَةٍ يُعَدُّ مَعَهَا مُقَصِّرًا لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمُسْتَنِيبُ شَيْئًا مِنْ الْجَامِكِيَّةِ وَأَمَّا النَّائِبُ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ النَّاظِرُ فِيهِ اسْتَحَقَّ الْجَامِكِيَّةَ وَإِلَّا فَلَا يَسْتَحِقُّهَا وَإِذَا تَعَذَّرَتْ مَعْرِفَةُ شَرْطِ الْوَاقِفِ وَالْعُرْفِ الْمُطَّرِدِ فِي زَمَنِهِ رَجَعَ إلَى عَادَةِ النُّظَّارِ الْمُطَّرِدَةِ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ فَإِنْ شَكَّ فِي شَيْءٍ مِنْ الِاحْتِيَاطِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ عَادَةٌ أَوْ اخْتَلَفَتْ رَجَعَ لِاجْتِهَادِ النَّاظِرِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّ النَّاظِرَ مَتَى أَسْكَنَ شَخْصًا أَمْضَى مَا لَمْ تَتَحَقَّقْ مُخَالَفَتُهُ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَبِهَذَا عُلِمَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ هَلْ تُعْتَبَرُ السُّكْنَى إلَخْ وَمَتَى شَرَطَ الْوَاقِفُ سُكْنَى الْمُسْتَحَقِّ امْتَنَعَتْ إعَارَتُهُ وَإِجَارَتُهُ وَإِلَّا فَلَا وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ مِنْ الْوَظِيفَةِ مُرَادِفٌ لِلنُّزُولِ عَنْهَا فَيَنْفُذُ وَإِنْ مَنَعَ مِنْهُ النَّاظِرُ. (وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ عَزَلَ نَاظِرُ وَقْفٍ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ نَفْسَهُ فَهَلْ يَنْعَزِلُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي رَجَّحَهُ السُّبْكِيّ وَقَالَ إنَّهُ لَمْ يَرَ فِيهِ خِلَافًا أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ لَكِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ النَّظَرُ بَلْ يَرْفَعُ الْأَمْرَ لِقَاضٍ أَوْ لِلْوَاقِفِ إنْ كَانَ حَيًّا وَقُلْنَا لَهُ ذَلِكَ لِيُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ وَحُمِلَ كَلَامُ ابْنِ الصَّلَاحِ الْمُقْتَضِي لِانْعِزَالِهِ عَلَى مَا إذَا صَدَرَ مِنْهُ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبُولِ فَيَكُونُ رَدًّا ثُمَّ اخْتَارَ خِلَافَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَيْضًا وَرَدَّ عَلَى مَنْ أَفْتَى بِانْعِزَالِهِ وَلَوْ قَبْلَ الرَّدِّ (وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَمِمَّا يَتَفَرَّعُ عَلَى الضَّعِيف أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ غَلَّةَ مُدَّةِ الْحَمْلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْمَوْقُوفِ نَخْلَةٌ فَخَرَجَتْ ثَمَرَتُهَا قَبْلَ خُرُوجِ الْحَمْلِ لَا يَكُونُ لَهُ مِنْ تِلْكَ الثَّمَرَةِ شَيْءٌ كَذَا قَطَعَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَأَطْلَقَاهُ. وَقَالَ الدَّارِمِيُّ فِي الثَّمَرَةِ الَّتِي أَطْلَعَتْ وَلَمْ تُؤَبَّرْ قَوْلَانِ هَلْ لَهَا حُكْمُ الْمُؤَبَّرَةِ فَتَكُونُ لِلْأَوَّلِ أَوْ لَا فَتَكُونُ لِلثَّانِي قَالَ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ يَجْرِيَانِ هُنَا فَمَا الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَقَلَ السُّبْكِيّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ عَنْ الْقَاضِي أَنَّ الثَّمَرَةَ إذَا بَرَزَتْ قَبْلَ انْفِصَالِ الْحَمْلِ وَقَبْلَ مَوْتِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ حَدَثَ وَلَا لِلْبَطْنِ الثَّانِي مِنْهَا شَيْءٌ. وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ أَفْتَى أَيْضًا فِي بُسْتَانٍ وُقِفَ عَلَى رَجُلٍ ثَمَّ عَلَى بَطْنٍ آخَرَ فَمَاتَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ بَعْدَ خُرُوجِ الثَّمَرَةِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ هَلْ يَتَعَلَّقُ الْغُرَمَاءُ بِالثَّمَرَةِ بِأَنَّ ثَمَرَةَ غَيْرِ النَّخْلِ لِلْمَيِّتِ تُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَكَذَا ثَمَرَةُ النَّخْلِ إنْ مَاتَ بَعْد التَّأْبِيرِ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَكَذَا إذَا تَرَكَ جَارِيَةً حَامِلًا أَوْ شَاةً مَاخِضًا فَوَلَدَتْ بَعْد الْمَوْتِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَيْ وَقُلْنَا وَلَدُهَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ هَلْ يُقْضَى حَقُّ الْغُرَمَاءِ مِنْ الْوَلَدِ أَوْ يَكُونُ لِلْبَطْنِ الثَّانِي فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ هَلْ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ الْقَطْعُ بِهِ مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الْجُمْهُورِ وَقَضِيَّةُ إجْرَاءِ الْخِلَافِ فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ إنْ نَظَرَ فِيمَا أَلْحَقْنَاهُ بِهَا فِي التَّأْبِيرِ وَعَدَمِهِ وَالْحَمْلِ يَتَرَتَّبُ عَلَى الثَّمَرَةِ. وَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ لِلْبَطْنِ الثَّانِي لِأَنَّ الثَّمَرَةَ يُمْكِنُ فَصْلُهَا فِي الْحَالِ وَلَا كَذَلِكَ الْحَمْلُ ثُمَّ قَالَ السُّبْكِيّ وَهَذَا الْفَرْعُ يَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِهِ فَإِنَّ الْبَلْوَى تَعُمُّ بِهِ وَالْكَلَامُ فِيهِ لَا يَخْتَصُّ بِالتَّفْرِيعِ عَلَى عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ مُدَّةِ الْحَمْلِ بَلْ عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ إذَا خَرَجَتْ الثَّمَرَةُ قَبْلَ انْفِصَالِ الْحَمْلِ بِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَا يَخْتَصُّ أَيْضًا بِوَقْفِ التَّرْتِيبِ بَلْ يَكُونُ فِيهِ النِّزَاعُ بَيْنَ الْبَطْنِ الثَّانِي وَوَرَثَةِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ وَيَكُونُ فِي وَقْفِ التَّشْرِيكِ بَيْن الْوَلَدِ الْحَادِثِ وَبَقِيَّةِ الَّذِينَ يُشَارِكُهُمْ فِي الْوَقْفِ هَلْ يَخْتَصُّونَ بِالثَّمَرَةِ أَمْ يُشَارِكُونَهُ فِيهَا. وَاَلَّذِي اقْتَضَاهُ نَظَرِي فِيهِ مُوَافَقَةُ الْجُمْهُورِ فِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ وُجُودُ الثَّمَرَةِ لَا تَأْبِيرُهَا لِأَنَّهَا إذَا وُجِدَتْ كَانَتْ مِلْكَ مَنْ هُوَ مَوْجُودٌ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ لَمْ تَنْتَقِلْ عَنْهُ. وَيَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ الثَّمَرَةَ حُكْمُهَا حُكْمُ الرَّقَبَةِ فِي الْمِلْكِ حَتَّى يَتَنَاوَلَهَا وَالتَّأْبِيرُ وَإِنْ كَانَ اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ فَلِأَنَّ بِوُجُودِهِ تَصِيرُ الثَّمَرَةُ ظَاهِرَةً كَعَيْنٍ أُخْرَى وَقَبْلَهَا نَقَلَهُ الْمَالِكُ لَهَا تَبَعًا لِلرَّقَبَةِ فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ فِي شَيْءٍ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ وَالْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّا لَيْسَ عَلَى عَمَلٍ وَلَا شَرَطَ الْوَاقِف فِيهِ صَرْف مُسَانَهَة أَوْ مُشَاهَرَةٍ أَوْ مُيَاوَمَة أَمَّا مَا كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى عَمَلٍ كَأَوْقَافِ الْمَدَارِسِ وَالْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ

وَنَحْوهمْ إذَا شَرَطَ لِوَاقِفِ تَقْسِيطِهِ عَلَى الْمُدَّةِ وَقَدْ تَكُونُ تِلْكَ الْأَرْضُ لَا يَأْتِي مُغَلُّهَا إلَّا مَرَّةً فِي سَنَةٍ. وَالْبُسْتَانُ لَا يَأْتِي ثَمَرَهُ إلَّا كَذَلِكَ وَأُجْرَةُ الْمَنَافِعِ تَخْتَلِفُ فَفِي بَعْضِ السَّنَةِ كَثِيرَةٌ وَبَعْضُهَا قَلِيلَةٌ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي فِي مِثْل هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُغَلِّ وَالثَّمَرَةِ وَنَحْوِهَا أَنْ تُقَسَّطَ عَلَى الْمُدَّةِ وَيُعْطَى مِنْهُ لِوَرَثَةِ مَنْ مَاتَ عَنْ الْمُدَّةِ الَّتِي بَاشَرَهَا وَإِنْ كَانَتْ الْغَلَّةُ مَا وُجِدَتْ إلَّا بَعْد وَهَكَذَا الْإِقْطَاعَاتُ يُقَسَّطُ مُغَلُّ السَّنَةِ عَلَيْهَا وَيُعْطَى لِكُلِّ وَاحِدٍ قِسْطَهُ وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ خِلَافَ هَذَا كُلِّهِ اتَّبَعَ شَرْطُهُ وَمِمَّا وَقَعَ فِي الْمُحَاكَمَاتِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ وَاقِفُ وَقْفٍ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى غَيْرِهِ وَحَكَمَ بِهِ مَنْ يَرَاهُ وَكَانَ فِي الْمَوْقُوفِ كَرْمٌ فَمَاتَ الْوَاقِفُ وَهُوَ حِصْرِمٌ وَأَرَادَ مَنْ بَعْدَهُ أَخْذَ الْحِصْرِمِ وَحِرْمَانَ وَرَثَةِ الْوَاقِفِ عَنْهُ فَمَنَعْتُهُ وَالْوَاقِفُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَوْلَى بِالِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ إذَا كَانَ غَيْرَ الْوَاقِفِ اهـ. وَإِنَّمَا سُقْته بِطُولِهِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى تَحْقِيقٍ وَفَوَائِدَ يَتَعَيَّنُ إمْعَانُ النَّظَرِ فِيهَا وَالِاعْتِنَاءُ بِهَا فَإِنَّهَا عَزِيزَةٌ النَّقْلِ إلَّا فِي هَذَا الْكِتَابِ (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ ضَيْعَةً عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ فَصَرَفَ إلَيْهِمْ وَلَيْسُوا مُعَيَّنِينَ فَخَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةٌ فَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى مَنْ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهُ عَلَى الْوَاقِفِ لِتَعْزِيرِهِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ. فَكُلُّ مَنْ سَكَنَ الْمَوْضِعَ أَوْ انْتَفَعَ بِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَغَيْرِهِمْ غَرِمُوا الْأُجْرَةَ فَإِنْ أَجَّرَ النَّاظِرُ وَأَخَذَ الْأُجْرَةَ وَسَلَّمَهَا إلَى الْعُلَمَاءِ فَرُجُوعُ مُسْتَحِقِّ الْمِلْكِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لَا عَلَى النَّاظِرِ وَالْعُلَمَاءِ وَرُجُوعُ الْمُسْتَأْجِرِ بِمَا سَلَّمَهُ عَلَى مَنْ سَلَّمَ إلَيْهِ أَوْ وَصَلَتْ دَرَاهِمُهُ إلَيْهِ فَإِنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكه لِفَسَادِ الْإِجَارَةِ وَقَرَارُ غُرْمِ الدَّرَاهِمِ عَلَى مَنْ تَلِفَتْ فِي يَدِهِ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا اسْتَغْنَى مَسْجِدٌ عَنْ الْعِمَارَةِ وَبِقُرْبِهِ مَسْجِدٌ آخَرُ يَحْتَاجُ إلَيْهَا فَهَلْ يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَقْتَرِضَ لَهَا مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ الْغَنِيِّ عَنْهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ذَكَرُوا أَنَّ إقْرَاضَ مَالِ الْوَقْفِ كَمَالِ الطِّفْلِ وَذَكَرُوا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَيْ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ إقْرَاض مَال الطِّفْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَرُورَةً بِخِلَافِ نَحْو الْأَبِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَقَضِيَّةِ ذَلِكَ أَنَّ مَالَ الْمَسْجِدِ كَمَالِ الطِّفْلِ فَالِاقْتِرَاض لِعِمَارَةِ الْمَسْجِدِ جَائِزَةٌ لِذَلِكَ كَالِاقْتِرَاضِ لِعِمَارَةِ الْوَقْفِ بَلْ أَوْلَى وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ مَا مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَيْ أَوْ الْقَاضِي أَنْ يَقْتَرِضَ لِعِمَارَةِ الْوَقْفِ وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلنَّاظِرِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أَيْ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ لِلنَّاظِرِ وَإِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ لِأَنَّ النَّظَرَ وِلَايَةٌ تَقْبَلُ مِثْلَ هَذَا وَعَلَيْهِ فَيَلْحَقُ بِهِ الصُّورَةُ الْمَسْئُولُ عَنْهَا إلْحَاقًا لِعِمَارَةِ الْمَسْجِدِ بِإِصْلَاحِ ضِيَاعِ الطِّفْلِ. (وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ خَوَابِي وَنَحْوهَا عِنْد مَسْجِدٍ وَبِهَا مِيَاهٌ وَلَا يُدْرَى عَلَى أَيِّ جِهَةٍ وُقِفَتْ فَمَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُتَّبَعُ فِيهَا الْعَادَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ مِنْ غَيْر نَكِيرٍ أَخْذًا مِنْ قَاعِدَةِ أَنَّ الْعَادَة مُحَكَّمَةٌ. (وَسُئِلَ) هَلْ يَصِحُّ وَقْفُ نَحْو مُصْحَفٍ عَلَى عَامِّيٍّ أَوْ أَعْمَى لِيَقْرَأَ فِيهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الظَّاهِرُ الصِّحَّةُ فِي الْأَوَّلِ لِإِمْكَانِ تَعَلُّمِهِ وَقِرَاءَتِهِ فِيهِ بِخِلَافِ الثَّانِي (وَسُئِلَ) عَنْ وَقْفِ الْوَرَقِ الْأَبْيَضِ عَلَى مَنْ يَكْتُب فِيهِ هَلْ يَصِحّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَوْ صَرِيحُهُ الصِّحَّةُ حَيْثُ كَانَ الْمَكْتُوبُ فِيهِ مُبَاحًا وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ شَرْطَ الْمَوْقُوفِ أَنْ يَكُون الِانْتِفَاعُ بِهِ بِغَيْرِ إتْلَافِهِ وَالْكِتَابَةُ فِيهِ إتْلَافٌ لَهُ فِيهِ نَظَر بَلْ لَا وَجْهَ لَهُ. (وَسُئِلَ) عَنْ النَّخْلِ الْمَوْقُوفِ عَلَى مُعَيَّنٍ إذَا حَدَثَ لَهُ أَوْلَادٌ مَا حُكْمُهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هِيَ كَالْأَصْلِ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ جَمْعٌ وَأَفْتَى آخَرُونَ بِأَنَّهَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا مِنْ الْفَوَائِدِ الْحَادِثَةِ بَعْد الثَّمَرَةِ فَتُلْحَقُ بِالثَّمَرَةِ وَنَحْوهَا. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ هَذَا عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَنِيهِمَا مَنْ اتَّصَفَ مِنْهُمْ بِالْفِقْهِ فَمَاتَ زَيْدٌ عَنْ أَوْلَادٍ غَيْرِ فُقَهَاءَ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ عَمْرٌو الْكُلَّ إلَى أَنْ يَتَفَقَّهُوا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَسْتَحِقُّ الْكُلَّ إلَى أَنْ يَتَفَقَّهُوا كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ دَارًا ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا لِآخَرَ وَصَدَّقَهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ فَهَلْ يَبْطُلُ الْوَقْفُ أَوْ حَقُّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَبْطُلُ الْوَقْفُ بَلْ يَسْقُطُ حَقُّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مِنْ الْغَلَّةِ وَتُصْرَفُ لِمَنْ بَعْدَهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْن أَنْ يَعُودَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَيُصَدَّقُ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ أَوْ لَا وَهُوَ ظَاهِرٌ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ دَارِهِ بَعْد مَوْتِهِ

عَلَى أَوْلَادِهِ فَمَا حُكْمُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هُوَ وَصِيَّةٌ يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى سَبِيلِ الْبِرِّ ذَكَرُوا أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ فَهَلْ يَخْتَصُّ بِالْفُقَرَاءِ كَمَا إذَا انْقَرَضَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ أَمْ يُفَرَّقُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُصْرَفُ لِأَقَارِبِهِ ثُمَّ لِأَهْلِ الزَّكَاةِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ قِيلَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ دُخُولُ الْقَرِيبِ الْبَعِيدِ وَالْغَنِيِّ فِي ذَلِكَ وَفَارَقَ مَسْأَلَةَ الِانْقِرَاضِ بِأَنَّ الْمُصْرَفَ الْمُعَيَّنَ مِنْ الْوَاقِفِ فِيهَا تَعَذَّرَ فَاحْتِيجَ لِمُرَجِّحٍ وَأَقْوَاهُ الْقَرَابَةُ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْأَقَارِبِ أَفْضَلُ وَلَمَّا كَانَتْ الْقَرَابَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى جِهَاتٍ رَاعَيْنَا أَفْضَلهَا وَهِيَ مِنْ جِهَةِ الْفَقْرِ وَالْقُرْبِ فَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ غَنِيًّا وَالْآخَرُ فَقِيرًا رَجَّحْنَا بِالْفَقْرِ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَالْوَاقِف نَصَّ عَلَى الْجِهَةِ الْمُعَبَّرِ عَنْهَا بِسَبِيلِ الْبِرِّ وَقَدْ عَيَّنَ الشَّرْعُ أَنَّهَا الْأَقَارِبُ فَلَا نَظَرَ إلَى الْمُرَجِّحَاتِ لِشُمُولِ لَفْظِ الْوَاقِفِ لِلْكُلِّ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ صِلَةُ الرَّحِمِ فَشُمُولُهُ لِلْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ وَالْقَرِيبِ وَالْأَقْرَبِ وَاضِحٌ مِنْ لَفْظِهِ وَمَا فِي تَفْقِيه الرِّيمِيِّ مِمَّا يَقْتَضِي اسْتِوَاءَ مَسْأَلَةِ الِانْقِرَاضِ وَمَسْأَلَةِ الْوَقْفِ عَلَى الْقَرَابَةِ فِي الِاخْتِصَاصِ بِمَا مَرَّ مِنْ تَصَرُّفِهِ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا أُشْغِرَتْ وَظِيفَةُ نَحْو التَّدْرِيسِ مُدَّةً فَهَلْ يَسْتَحِقُّ مَعْلُومَهَا مَنْ قَرَّرَ بَعْد فِي الْوَظِيفَةِ أَوْ مَا يَفْعَلُ بِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ بَحَثَ بَعْضُ الْيَمَنِيِّينَ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى مَنْ تَصَدَّى بَعْد أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ فِي الْحَاصِلِ مِنْ رِيعِ وَقْف الْمَسْجِد أَنَّهُ إذَا خَرِبَ يُصْرَف لِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ آخَرَ. وَفِيهِ حُكْمٌ وَأَخْذُ نَظَرٍ وَالْقِيَاسُ صَرْفُهُ لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ الَّذِي فِيهِ تِلْكَ الْوَظِيفَةُ فَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ فَمَحَلُّ نَظَرٍ وَقِيَاسُ مَسْأَلَةِ الْمَسْجِدِ الَّذِي خَرِبَ أَنَّهُ يُصْرَفُ لِبَقِيَّةِ مُدَرِّسِي الْبَلَدِ وَإِلَّا فَمُدَرِّسُ أَقْرَب الْبِلَاد إلَيْهِمْ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ أَرْضًا عَلَى مُعَيَّنٍ فَهَلْ يَجُوزُ غَرْسُهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَكَى ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ قَالَ أَحَدُهُمَا نَعَمْ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ كَلَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَظَاهِره أَنَّهُ مَائِلٌ إلَيْهِ وَلَوْ قِيلَ الْمُعْتَبَرُ الْعَادَةُ الْمُطَّرِدَةُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ فَلَا يَجُوزُ تَغْيِيرُ الْأَرْضِ عَمَّا كَانَتْ مُعْتَادَةً لَهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَبْعُد. وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ اشْهَدُوا أَنَّ مَالِي وَقْفٌ عَلَى أَوْلَادِي هَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْإِقْرَارِ أَوْ الْإِنْشَاءِ فَيَحْتَاجُ إلَى إجَازَة؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ كَالْغَزَالِيِّ أَنَّ قَوْلَهُ اشْهَدُوا عَلَى أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَوْ فِي ذِمَّتِي كَذَا لَيْسَ إقْرَارًا بَلْ صِيغَةَ أَمْرٍ لَا صِيغَةَ إخْبَارٍ وَلَا يَجُوزُ لِلشُّهُودِ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ وَمِثْلُهُ عَلَيَّ الدَّبِيلِيُّ بِمَا إذَا قَالَ اُكْتُبُوا لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْف دِرْهَم قَالَ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرُّ بَلْ أَمَرَ بِالْكِتَابَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَا فِي السُّؤَالِ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ وَلَا إنْشَاء إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّهُ هُنَا يَحْتَمِلُ الْإِنْشَاءَ الْأَقْوَى مِنْ الْإِخْبَارِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْإِنْشَاءَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ أَيْضًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ اشْهَدُوا عَلَى أَنِّي وَقَفْت جَمِيعَ أَمْلَاكِي وَذَكَرَ مَصْرِفَهَا وَلَمْ يَحُدَّ مِنْهَا شَيْئًا صَارَ الْجَمِيعُ وَقْفًا وَإِنْ جَهِلَ الشُّهُودُ الْحُدُودَ وَلَا يُعَارِضُ هَذَا مَا مَرَّ عَنْهُ لِأَنَّهُ هُنَا أَمَرَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى إنْشَائِهِ لِلْوَقْفِ وَقَدْ أَنْشَأَهُ بِقَوْلِهِ وَقَفْت وَهُنَاكَ أَمَرَ بِهَا عَلَى إخْبَارِهِ وَلَمْ يُخْبِر وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الدَّبِيلِيِّ السَّابِقِ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى الْمَسْجِدِ وَعَرَّفَ بَلَدَهُ أَنَّ الْوَقْفَ يَكُونُ عَلَى الْوَارِدِ وَإِذَا وُقِفَ عَلَى الْوَارِدِ هَلْ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ كَانَ غَائِبًا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ ثُمَّ قَدِمَ وَإِذَا طَلَب الْوَارِدُ عَشَاءَهُ لِيَشْتَرِيَ بِهِ شَيْئًا وَيَصْبِرُ بِلَا عَشَاءٍ يُجَابُ وَإِذَا اُعْتِيدَ فِي تِلْكَ أَنَّ الضِّيَافَةَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ هَلْ يَجُوزُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَهَلْ يَشْمَلُ الْوَارِدَ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ وَمَنْ يُرِيدُ الْإِقَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ وَمَنْ ضِيفَ ثُمَّ ذَهَبَ لِبَلَدٍ قَرِيبَةٍ ثُمَّ رَجَعَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا وَقَفَ عَلَى مَسْجِدٍ مُعَيَّنٍ وَعُلِمَ مُرَادُ الْوَاقِفِ مِنْ ذَلِكَ كَالْوَارِدِ حُمِلَ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مُرَادُهُ وَأُطْلِقَ فَهُوَ كَالتَّنْصِيصِ عَلَى الْعِمَارَةِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَإِذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمَسْجِدَ بَطَلَ الْوَقْفُ كَمَا فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْغَزِّيِّ وَإِنْ وُجِدَ وَقْفٌ عَلَى مَسْجِدٍ وَلَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ سَلَكَ ذَكِرهمْ مَا هُوَ عَلَيْهِ وَيَتْبَعُ فِيهِ وَفِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ الْعُرْفَ الْمُطَّرِدَ الْعَامَّ الْمَعْلُومَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الزَّمَانِ مِنْ الْوَقْفِ إلَى الْآن مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ إذْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرُوطِ فَيَنْزِلُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ

وَغَيْرُهُ وَفِي فَتَاوَى الْأَصْبَحِيِّ أَرْضٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى أَنْ تَكُونَ غَلَّتُهَا طَعَامًا لِلْوَارِدِينَ إلَى مَسْجِدِ كَذَا فَقَدِمَ غَرِيبَانِ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِيهِ فَإِنْ أَرَادَ بِالْوَارِدِينَ الْأَضْيَافَ لَمْ يُصْرَفْ إلَيْهِمْ شَيْءٌ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ مَنْ لَمْ يَقُمْ فَهُمَا مُقِيمَانِ فَلَا يَسْتَحِقَّانِ شَيْئًا أَوْ مَنْ لَمْ يَتَوَطَّنْ فَهُمَا غَيْر مُتَوَطِّنِينَ فَيَسْتَحِقَّانِ وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَالْمَسْأَلَةُ مُحْتَمَلَةٌ وَتَحْكِيمُ الْعُرْفِ لَائِقٌ بِالْحَالِ اهـ. وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ فِي الْوَقْفِ عَلَى وَارِدِ الْمَسْجِدِ بِأَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ أَهْلَ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَمَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ بِسَمَاعِ نِدَائِهِ لَا يَسْتَحِقُّونَ شَيْئًا فِي هَذَا الْوَقْفِ وَإِنْ شَمَلَهُمْ اسْم الْوُرُود لِأَنَّهُمْ مَنْسُوبُونَ إلَى أَهْلِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ. وَالتَّقْيِيد بِالْوَارِدِ إلَيْهِ يَقْتَضِي غَيْرَ أَهْلِهِ عُرْفًا بَلْ لَوْ قِيلَ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ لَمْ يَبْعُد كَمَا فِي حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ثُمَّ قَالَ وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْوَارِدَ يُعْطَى مَا دَامَ فِي حُكْمِ السَّفَرِ أَيْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَنَحْوِهَا فِي وُرُودٍ وَاحِدٍ. (وَسُئِلَ) هَلْ لِوَلِيِّ الصَّدَقَةِ الْأَكْلُ مَعَ الضَّيْفِ أَوْ يَخْلِطُ عَشَاءَهُ بِعَشَائِهِ تَأْنِيسًا وَمَا حَدُّ الْمُدَّةِ الَّتِي يُعْطَى الضَّيْفُ مِنْ الصَّدَقَةِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَيْهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ وَلِيُّ الصَّدَقَةِ كَوَلِيِّ الطِّفْلِ فِيمَا ذَكَرُوهُ فَلَهُ أَنْ يَخْلِطَ عَشَاءَهُ مَعَ عَشَائِهِ وَحَدُّ الْمُدَّةِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ تَصَدَّقَ بِثَمَرِ نَخْلِهِ عَلَى عَشَاءِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ فَهَلْ يَصْرِفُهُ النَّاظِرُ فِي لَيْلَةٍ أَوْ لَيَالِي؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْأَمْرُ رَاجِعٌ إلَى نَظَرِهِ فَمَا رَآهُ مَصْلَحَةً وَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ. (وَسُئِلَ) هَلْ قَوْلُهُ صَدَقَةُ بِرٍّ كَقَوْلِهِ صَدَقَةٌ مُحَرَّمَةٌ فَيَكُونُ صَرِيحًا فِي الْوَقْفِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ وَلَفْظُ الصَّدَقَةِ إنَّمَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي الْجِهَةِ الْعَامَّةِ وَتَمْلِيكًا فِي الْمُعَيَّنِ إذَا تَجَرَّدَ عَنْ الْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَوْقُوفُ وَقْفًا عَلَى جِهَةِ الْبِرِّ وَهِيَ أَقَارِبُ الْوَاقِفِ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا مَاتَ النَّاظِرُ وَلَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ حَاكِمٌ فَلِمَنْ يَكُونُ النَّظَرُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَكُونُ لِلْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ بِذَلِكَ الْمَكَانِ. (وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ اُسْتُفِيضَ فِي أَرْضٍ أَنَّهَا وَقْفٌ لِمَسْجِدٍ فِي بَلَدِ كَذَا وَفِي ذَلِكَ الْبَلَدِ مَسَاجِدُ فَمَا يُفْعَلُ فِي غَلَّتِهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ذَكَرُوا فِي الْوَقْفِ الَّذِي عَمَى مَصْرِفُهُ خِلَافًا مَشْهُورًا فَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا مِثْلُهُ وَيُحْتَمَلُ صَرْفَهُ إلَى مَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ تِلْكَ الْمَسَاجِدِ وَبِهِ أَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا وَقَفَ بَعْد مَوْتِهِ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ جُزْءًا فَهَلْ يُشْتَرَطُ حَفِظَهُ لِجَمِيعِ الْقُرْآنِ وَقِرَاءَتُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ مُطْلَقًا أَوْ يَفْصِلُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ غَيْبًا وَلَا نَظَرًا وَلَا قِرَاءَتُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ بَلْ لَوْ لَزِمَ قِرَاءَةُ جُزْءٍ وَاحِدٍ دَائِمًا جَازَ كَمَا أَفْتَى بِجَمِيعِ ذَلِكَ جَمْعٌ وَأَفْتَى الْبُرْهَانُ الْمَرَاغِيُّ فِيمَنْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ قِرَاءَةً كُلَّ يَوْمٍ فَقَرَءُوا نَحْوَ يَس وَغَيْرِهَا بِأَنَّهُمْ إنْ قَرَءُوا قَدْرَ جُزْءٍ أَجْزَأَهُمْ وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُتَنَبَّه لَهُ أَنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ كَانَ آتِيًا بِوَقْفٍ مُنْقَطِعِ الْأَوَّلِ وَهُوَ بَاطِلٌ فَإِنْ قَالَ وَقَفْت كَذَا بَعْد مَوْتِي عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَيَّ فَهُوَ وَصِيَّةٌ. (وَسُئِلَ) عَنْ مَالٍ مَوْقُوفٍ لَمْ يَدْرِ عَلَى أَيِّ جِهَةٍ لَكِنْ اشْتَهَرَ وَاسْتُفِيضَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى كَذَا وَجَرَتْ نُظَّارُهُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ الْمُتَأَخِّرِ اتِّبَاعَهُمْ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَجِبُ صَرْفُهُ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْأَوَّلِينَ فِيهِ وَيَجْرِي عَلَى الْحَالِ الْمَعْهُودِ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ فِيهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْ عِمَارَةٍ وَغَيْرِهَا وَيَتَّبِعُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ الْعُرْفَ الْمُطَّرِدَ الْعَامَّ الْمَعْلُومَ فِيمَا تَقَدَّمَ إلَى الْآن مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَإِنَّ الْعُرْفَ الْمُطَّرِدَ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرُوطِ كَمَا قَالَهُ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ وَيُحْمَلُ ذَلِكَ الْمُتَعَارَفُ عَلَى الْجَوَازِ وَالصِّحَّةِ وَكَانَ الْمَالُ الْمَوْقُوفُ لِذَلِكَ الْمَعْهُودِ هَذَا إنْ عَلِمَ أَنَّ صَرْفَ النُّظَّارِ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ وَإِلَّا فَلَا عِبْرَةَ بِظَنِّ ذَلِكَ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى جِهَاتٍ وَذَكَرَ لِبَعْضِهَا مِقْدَارًا مُعَيَّنًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَمَا فَضَلَ مِنْ الرِّيعِ عَمَّا قَدَّرَهُ يَكُونُ لِلْجِهَاتِ الْفُلَانِيَّةِ فَجَاءَ فِي سَنَةِ الرِّيعِ الْمُقَدَّرُ ثُمَّ كَثُرَ فِي الثَّانِيَةِ فَهَلْ يُكَمَّلُ لِلْمُقَدَّرِ وَيُعْطِي الْفَاضِلَ لِلْمَشْرُوطِ لَهُمْ الْبَاقِي؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمَنْقُولِ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ أَصْحَابَ الْمُقَدَّرِ يُكَمَّلُ لَهُمْ كَأَصْحَابِ الْفُرُوضِ فِي الْمِيرَاثِ وَمَنْ لَهُ الْبَاقِي كَالْعَصَبَةِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْوَاقِفُ وَمَا فَضَلَ عَنْ كُلِّ سَنَةٍ وَنَحْوه مِمَّا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ الشَّرْطِ بِكُلِّ سَنَةٍ. وَهَذَا يَقْتَضِي فِي فَرْعِ ابْنِ الْحَدَّادِ أَنْ يُكَمِّلَ لِلْمُوصَى لَهُ مِنْ

رِيعِ الشَّهْرِ الثَّانِي وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ السِّرَاجُ. وَلَكِنَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ مُسْتَحَقٌّ لِلْوَارِثِ تَبَعًا لِلرَّقَبَةِ فَلَا يُزَاحِمُهُ فِيهِ الْمُوصَى لَهُ بِخِلَافِ الْوَقْفِ فَإِنَّ الرِّيعَ مُسْتَحَقٌّ لِأَصْحَابِهِ بِجِهَةِ الْوَقْفِ فَقُدِّمَ فِيهِ الْمُقَدَّرُ مُطْلَقًا نَعَمْ لَوْ كَمُلَ الْمُقَدَّرُ فِي سَنَةٍ وَأَعْطَيْنَا مَا فَضَلَ لِمَنْ بَقِيَ ثُمَّ نَقَصَ فِي السَّنَةِ الْأُخْرَى هَلْ يُسْتَرَدُّ مِنْهُ فِيهِ وَقْفَةٌ وَفِي فَرْعِ كُلِّ سَنَةٍ مَا يَشْهَدُ لِلِاسْتِرْدَادِ وَلَوْ أَفْتَى بِالْمَنْعِ لَمْ يَبْعُد اهـ. وَفَرَّعَ ابْنُ الْحَدَّادِ هُوَ مَا إذَا أَوْصَى الرَّجُلُ بِدِينَارٍ كُلَّ شَهْرٍ مِنْ غَلَّةِ دَارِهِ وَبَعْدَهُ لِلْفُقَرَاءِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَوْصَى بِوَقْفِ نَخْلِهِ عَلَى فُلَانٍ وَذُرِّيَّته مَا تَنَاسَلُوا فَمَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْل الْوَقْفِ عَنْ وَرَثَةٍ فَهَلْ يَصِحُّ وَعَلَى مَنْ تُوقَفُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَهَلْ الْمُرَادُ الذُّرِّيَّةُ عِنْد الْمَوْتِ أَوْ الْوَقْفِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْوَصِيَّةُ صَحِيحَةٌ. قَالَ بَعْضُهُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُوقَفُ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْ الذُّرِّيَّةِ مَوْجُودًا عِنْد الْوَصِيَّةِ مُنْفَصِلًا عِنْدَ مَوْتِ الْمُوَصِّي. وَيُوَزَّعُ النَّخْلُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَصْلِهِمْ وَتَرْجِعُ حِصَّتُهُ لِوَرَثَةِ الْمُوَصِّي إرْثًا وَلَا يَتَعَدَّى الْوَقْفُ إلَى سَائِرِ ذُرِّيَّتِهِ وَلَا ذُرِّيَّةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ فِيمَا يَظْهَرُ اهـ. وَفِيهِ تَأَمُّلٌ ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيّ بَحَثَ فِيمَا إذَا أَوْصَى أَنْ يُوقَفَ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ زَيْدٌ قَبْل الْوَاقِفِ إنَّ حِصَّتَهُ لَا تَرْجِعُ إلَى الْوَرَثَةِ وَلَا تَكُونُ لِعَمْرٍو بَلْ تُوقَفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ قِيلَ وَلَا مُنَافَاةَ لِاتِّفَاقِ الْكَلَامَيْنِ عَلَى بُطْلَانِ الْوَقْفِ عَلَى الْمَيِّتِ بِالنِّسْبَةِ إلَى حِصَّتِهِ وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ لِشَرِيكِهِ فَيَرْجِعُ لِلْوَرَثَةِ لِتَعَذُّرِ صَرْفِهِ لِلْمَوْجُودِينَ مِنْ الذُّرِّيَّةِ كَمَا تَعَذَّرَ صَرْفُهُ فِي مَسْأَلَةِ الزَّرْكَشِيّ إلَى عَمْرٍو. وَلَا سَبِيلَ إلَى الْوَقْفِ عَلَى مَنْ سَيَحْدُثُ مَنْ الذُّرِّيَّةِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِمْ إنَّمَا يَصِحّ بِالتَّبَعِيَّةِ وَقَدْ تَعَذَّرَ الْوَقْفُ عَلَى الْمَتْبُوعِ وَهُوَ الْأَبُ وَهُمْ فِي لَفْظِ الْمُوصِي تَابِعُونَ لَهُ لَا لِلْمَوْجُودِينَ مِنْ الذُّرِّيَّةِ وَفِي مَسْأَلَةِ الزَّرْكَشِيّ لَمَّا تَعَذَّرَ الْوَقْفُ عَلَى زَيْدٍ وَوُجِدَ ثَمَّ مَنْ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَهُمْ الْفُقَرَاءُ فِي لَفْظِ الْمُوصِي فَإِذَا تَعَذَّرَ الْوَقْفُ عَلَى الْبَطْنِ الْأَوَّلِ لَمْ يَتَعَذَّرُ عَلَى الْبَطْنِ الثَّانِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْمَيْسُورَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ وَالْوَقْفُ فِي مَسْأَلَةِ الزَّرْكَشِيّ عَلَى بَطْنَيْنِ وَهُنَا وَقْفُ تَشْرِيَك فَهُوَ كَبَطْنٍ وَاحِدَة اهـ. وَنَقَلَ الْجَوْجَرِيُّ عَنْ الْخَصَّافِ وَغَيْرِهِ مَا قَدْ يُنَازِع فِي جَمِيع مَا ذُكِرَ فَانْظُرْهُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا أُشْغِرَتْ وَظِيفَةٌ نَحْو التَّدْرِيسِ أَوْ الْإِمَامَة فَهَلْ تُصْرَفُ غَلَّتهَا لِنَظِيرِهِ فِي أَقْرَبِ مَكَان؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ سُئِلَ الْأَصْبَحِيُّ عَنْ أَرْضٍ وُقِفَتْ عَلَى أَنْ تُصْرَفُ غَلَّتهَا لِمُعَلِّمِ الْقُرْآنِ بِمَحَلِّ كَذَا فَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَتَعَلَّمُ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا إلَّا بِالتَّعْلِيمِ وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ لِقَرْيَةٍ أُخْرَى عَلَى رَأْي الْمُتَقَدِّمِينَ وَرَأْي الْمُتَأَخِّرِينَ جَوَازُ ذَلِكَ اهـ قَالَ غَيْرُهُ وَالْفَتْوَى وَالْعَمَلُ عَلَى الثَّانِي وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْن الْأَقْرَبِ وَالْأَبْعَدِ لَكِنَّ الْأَقْرَبَ أَوْلَى كَمَا ذَكَرُوهُ اهـ. (وَسُئِلَ) هَلْ يُصْرَفُ لِنَحْوِ الْمُدَرِّسِ جَمِيعُ غَلَّةِ السَّنَةِ أَوَّلهَا أَوْ لَا يُدْفَعُ لَهُ إلَّا مَا بَاشَرَهُ كَمَا إذَا أَجَّرَ النَّاظِرُ الْوَقْفَ مُدَّةً طَوِيلَةً فَإِنَّهُ لَا يَدْفَعُ الْغَلَّةَ لِأَهْلِ الْوَقْفِ دُفْعَةً بَلْ كُلَّمَا مَضَتْ مُدَّةٌ دَفْعَ إلَيْهِمْ بِقَدْرِهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ عُلِمَ شَرْطُ الْوَاقِفِ فِي ذَلِكَ فَوَاضِحٌ وَإِلَّا صُرِفَتْ الْغَلَّةُ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْأَوَّلِينَ الْمُطَّرِدَةُ الْمَعْلُومَةُ مَنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ حَادِثًا اُعْتُبِرَتْ الْعَادَةُ الْمُقَارِنَةُ لَهُ زَمَن الْوَاقِفِ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِهِ كَمَا قَالَهُ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَيُنْزِلُ وَقْفَهُ عَلَيْهَا فَإِنْ لَمْ تَطَّرِدْ الْعَادَةُ أَوْ جُهِلَتْ رَجَعَ فِي ذَلِكَ لِرَأْيِ النَّاظِرِ وَاجْتِهَادِهِ وَيُفَرَّقُ بَيْنهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ ثَمَّ مَعْرِضُ عِقْدِهَا الْمُوجِب لَهَا بِانْهِدَامِ الدَّارِ وَتَعَيُّبِ الْأَرْضِ أَوْ إتْلَافِهَا فَاحْتِيطَ لِحَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَمْ يُدْفَعْ لِلْمُسْتَحِقِّينَ بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّ الْغَلَّةَ قَدْ حَصَلَتْ وَأَمِنَ عَلَيْهَا مِنْ تَطَرُّقِ اسْتِحْقَاقِ الْغَيْرِ لِأَجْلِهَا فَفَوَّضَ أَمْرَهَا لِلنَّاظِرِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْغَزِّيِّ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَلَهُ حَمْلٌ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَقُّ وَالْقِيَاسُ اسْتِحْقَاقُ الْأَخِ كَيْفَ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ وَقْفٌ عَلَى وَلَدِهِ ثَمَّ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ ثُمَّ عَلَى أَخِي الْوَاقِفِ فَمَاتَ وَلَدُهُ وَلَهُ حَمْلٌ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْحَمْلُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى وَلَدًا وَقَالَ السُّبْكِيّ الْقِيَاسُ اسْتِحْقَاقُ الْأَخِ إلَى أَنْ يَنْفَصِلَ الْحَمْلُ قَالَ الْغَزِّيُّ وَالْمُتَبَادَرُ إلَى الذِّهْنِ أَنَّ الرِّيعَ يُوقَفُ إلَى الِانْفِصَالِ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ عِنْد كَوْنِهِ يُسَمَّى وَلَدًا وَلَا يُسَمَّاهُ إلَّا بَعْد

انْفِصَالِهِ فَلَا فَائِدَةَ لِلْوَقْفِ لِأَنَّهُ إنْ بَانَ حَيًّا لَمْ يَسْتَحِقُّ إلًّا مِنْ حِين الِانْفِصَالِ وَإِنْ بَانَ مَيِّتًا فَالِاسْتِحْقَاقُ لِلْأَخِ فَلَمَّا كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ لَهُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ وَجَبَ الصَّرْفُ إلَيْهِ مُدَّةَ الْحَمْلِ فَاتَّضَحَ بِذَلِكَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي كَوْنِ الْحَمْلِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا. وَبَحَثَ السُّبْكِيّ مِنْ الصَّرْفِ لِلْأَخِ وَرَدَّ مَا بَحَثَهُ الْغَزِّيُّ وَلِبَعْضِ الْيَمَنِيِّينَ هُنَا أَوْهَامٌ يَجِبُ تَجَنُّبُهَا. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ أَرْضًا عَلَى مَنْ رُزِقَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَهَلْ يَجِبُ الصَّرْفُ لِثَلَاثَةٍ أَوْ لَا. وَعَلَيْهِ فَهَلْ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَخُصَّ نَفْسَهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الصَّرْفُ لِثَلَاثَةٍ لِأَنَّ لَفْظَ مَنْ يَشْمَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَلَا يَخْتَصُّ بِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ لِشُمُولِ لَفْظِ الْوَاقِفِ لِلْأَغْنِيَاءِ وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ الْخَاصِّ وَلَا لِلْعَامِّ أَنْ يَخْتَصَّ بِهَا بَلْ النَّظَرُ فِي التَّخْصِيصِ إلَى الْحَاكِم الَّذِي فَوْقَهُ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُ الرَّوْضَةِ لَوْ قَالَ ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ رَأَيْت أَوْ فِيمَا أَرَاك اللَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَضْعُهُ فِي نَفْسِهِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ فَرِّقْ ثُلُثِي فَهَلْ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ نَفْسَهُ وَإِنْ ذَكَرَ صِفَةً تَشْمَلُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَوْ أَخَّرَ الْوَكَالَةَ حَيْثُ قَالَ. وَلَوْ قَالَ فَرِّقْ ثُلُثِي عَلَى الْفُقَرَاءِ وَإِنْ شِئْت أَنْ تَضَعَهُ فِي نَفْسِك فَافْعَلْ فَعَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْبَيْعِ لِنَفْسِهِ اهـ. وَجَزَمَ بِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمَا هَذَا مِنْ الْمَنْعِ بَعْضُ مُخْتَصِرِيهَا. وَبِهِ يُنْظَرُ فِي قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمَا مِنْ الْمَنْعِ مَرْدُودٌ نَقْلًا وَتَوْجِيهًا أَمَّا النَّقْلُ فَقْد نَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى الْجَوَازِ كَمَا نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ وَرَجَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَأَمَّا التَّوْجِيهُ فَالرَّافِعِيُّ وَجَّهَ الْمَنْعَ ثَمَّ أَيْ فِي الْبَيْعِ لِنَفْسِهِ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا تُضَادُّ الْغَرَضَيْنِ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا بَلْ فِيهِ وَفَاءٌ بِمَقْصُودِ الْآذِن وَالثَّانِي اتِّحَادُ الْمُوجِبُ وَالْقَابِلُ وَهُوَ مُنْتَفٍ أَيْضًا لِأَنَّهُ هُنَاكَ تَوْكِيلٌ فِي صِيغَةِ عَقْدٍ فَيُؤَدِّي إلَى الِاتِّحَادِ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا اهـ. وَاَلَّذِي فِي التَّوَسُّطِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ لَوْ قَالَ ضَعْ ثُلُثِي فِي نَفْسِك جَازَ خِلَافًا لِلْجُرْجَانِيِّ وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ لَوْ قَالَ فَرِّقْ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَأْمُورُ فَقِيرٌ هَلْ لَهُ الْأَخْذُ مِنْهَا وِجْهَاتٌ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِاللَّفْظِ وَالثَّانِي يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى وَهُوَ الْفَقْرُ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْهَرَوِيُّ إذَا قَالَ الْمُوصِي ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ شِئْت قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَضَعهُ فِي نَفْسِهِ وَابْنِهِ وَزَوْجَتِهِ وَلَا وَرَثَةِ الْمُوصِي وَلَا فِيمَا لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ لِلْمَيِّتِ فَإِنْ وَضَعَهُ فِي وَرَثَةِ الْمُوصِي لَمْ يَصِحّ الِاخْتِيَارُ وَلَا يَخْتَارُ ثَانِيًا لِأَنَّهُ انْعَزَلَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَوَكِيلٍ بَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا اهـ. كَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ وَيُؤَيِّد احْتِمَالُهُ الْأَخِيرُ الْمُقْتَضِي لِصِحَّةِ اخْتِيَارِ الْوَصِيِّ ثَانِيًا مَا فِي الرَّوْضَةِ آخِرُ خِيَارِ الْبَيْعِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّصَرُّفِ لَلْوَصِيِّ ثَانِيًا إذَا لَمْ يَفْسُقْ بِالتَّصَرُّفِ الْأَوَّلِ أَيْ بِأَنْ كَانَ الْوَصِيّ هُنَا جَاهِلًا بِصَرْفِهِ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي. وَنَقَلَ الْغَزِّيُّ فِي فَتَاوِيهِ عَنْ الدَّارِمِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ فَرِّقْ ثُلُثِي لَمْ يُعْطِ نَفْسَهُ وَلَا مَنْ لَا تُقْبَلُ لَهُ شَهَادَتُهُ وَلَا مَنْ يَخَافُهُ أَوْ يَسْتَصْلِحُهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَهُ الصَّرْفُ لِأَبَوَيْهِ وَأَوْلَادِهِ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ يُفَرِّقَ كَذَا يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَهَلْ يَلْزَمُ وَإِذَا تَعَذَّرَ التَّفْرِيقُ فِيهِ يُؤَخَّرُ لِعَاشُورَاءَ الثَّانِي أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَجِب أَنْ يُفَرِّق يَوْم عَاشُورَاء فَإِنْ اتَّفَقَ تَأْخِيره عَنْهُ فَرَّقَ عِنْد الْإِمْكَان وَلَا يُؤَخَّر إلَى عَاشُورَاء الثَّانِي نَعَمْ لَوْ شَرَطَ كَذَا لِصُوَّامِ رَمَضَانَ فَأَخَّرَ عَنْهُ وَجَبَ تَأْخِيره إلَى رَمَضَانَ الثَّانِي كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ يُصْرَفُ فِي رَمَضَانَ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ أَرْضَهُ أَوْ أَوْصَى بِهَا لِإِطْعَامِ الضُّيُوفِ فَهَلْ يَتَعَيَّنُ صَرْفُ غَلَّتِهَا. وَيَكْفِي صَرْفُ الْقَمْحِ لِلضُّيُوفِ حَبًّا أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا تَجَرَّدَ لَفْظُهُ عَنْ الْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِصَرْفِ الْأَرْضِ أَوْ غَلَّتِهَا اتَّبَعَ عُرْفَ زَمَنِ الْوَاقِفِ الْمُطَّرِدِ وَإِعْطَاءِ الْحَبِّ لَيْسَ بِضِيَافَةٍ فَلَا يُجْزِئُ عَنْهَا. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ أَرْضًا لِيَصْرِفَ مِنْ غَلَّتِهَا كُلَّ شَهْرٍ لِفُلَانٍ وَلِلْفُقَرَاءِ كَذَا فَهَلْ يَصِحُّ الْوَقْفُ وَمَا مَصْرِفُ الْفَاضِلِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْوَقْفُ صَحِيحٌ وَيُصْرَفُ الْفَاضِلُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ عَلَى كَلَامٍ فِيهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ قَالَ أَرْضِي الْفُلَانِيَّةُ صَدَقَةٌ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِي كُلَّ جُمُعَةٍ يَس فَهَلْ هُوَ وَقْفٌ أَوْ وَصِيَّةٌ وَهَلْ تُجْزِئُ الْقِرَاءَةُ لَيْلًا وَنَهَارًا وَتَتَعَيَّنُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ وَإِنْ جَهِلَ فَمَا يَفْعَلُ فِيهِ

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَفْظُ التَّصَدُّقِ صَرِيحٌ فِي التَّمْلِيكِ إذَا كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ وَإِلَّا فَهُوَ كِنَايَةٌ فِي الْوَقْفِ فَإِنْ أَرَادَهُ بِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعُ الْأَوَّل نَعَمْ إنْ قَالَ هِيَ صَدَقَةٌ بَعْد مَوْتِي إلَخْ صَحَّ وَكَانَ وَصِيَّةٌ وَحَيْثُ صَحَّ الْوَقْفُ أَوْ الْوَصِيَّةُ أَجْزَأَتْ الْقِرَاءَةُ لَيْلًا وَنَهَارًا وَتَتَعَيَّنُ عَلَى الْقَبْرِ وَإِنْ لَمْ يُعْتَدْ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ مَا يُصَرِّحُ بِأَنَّهُ إذَا جَهِلَ الْقَبْرَ بَطَلَ الْوَقْفُ قَالَ لِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِجِهَةٍ خَاصَّةٍ فَإِذَا تَعَذَّرَتْ لَغَا أَيْ كَمَا لَوْ قَالَ وَقَفْتُ هَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ جِهَةً وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْبَحِيِّ أَخْذًا مَنْ كَلَامِ النِّهَايَةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعَيِّنُ لِلْقِرَاءَةِ مُدَّةً مَعْلُومَةً لَا يَصِحّ الْوَقْفُ وَلَا الْوَصِيَّةُ وَفِيهِ وَقْفَةٌ وَكَفَى بِقَوْلِهِ كُلُّ جُمُعَةٍ تَعْيِينًا فِي الْجُمْلَةِ بَلْ يَنْبَغِي فِي وَقَفْتُ هَذَا بَعْد مَوْتِي عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِي وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ عَلَى قَبْرِهِ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ اسْتَحَقَّ الْمُوصَى بِهِ وَلَمْ يُلْزِمُهُ بِذَلِكَ قِرَاءَةً عَلَى ذَلِكَ الْقَبْرِ عَمَلًا بِمَدْلُولِ ذَلِكَ اللَّفْظِ نَعَمْ إنْ اطَّرَدَ عُرْفٌ ثُمَّ بَانَ الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ مُدَّةٌ مَعْلُومَةٌ وَقَدْرٌ مَعْلُومٌ وَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي الْوَقْفِ الْحَقِيقِيِّ لِأَنَّ عُرْفَ الْوَاقِفِ الْمُطَّرِدِ فِي زَمَنِهِ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِهِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ أَرْضًا لِيُصْرَفَ مِنْ غَلَّتِهَا لِلْمُعَلِّمِ بِبَلَدِ كَذَا شَيْءٌ مَعْلُومٌ فَعَلَّمَ سَنَةً وَامْتَنَعَ ثُمَّ عَلَّمَ غَيْرُهُ وَلَمْ يُحَصِّلْ فِي سَنَتِهِ إلَّا دُون مَا شُرِطَ لَهُ فَهَلْ يُكَمِّلُ السَّنَةَ الثَّانِيَةَ وَهَلْ لَوْ مَاتَ أَثْنَاءَ السَّنَةِ يَسْتَحِقُّ بِقِسْطِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يُكَمِّلُ وَيَسْتَحِقُّ بِقِسْطِهِ. (وَسُئِلَ) هَلْ تَجُوزُ الِاسْتِنَابَةُ فِي نَحْو التَّدْرِيسِ وَإِذَا عَطَّلَهُ أَيَّامًا فِي الشَّهْرِ تُحْسَبُ عَلَيْهِ مَنْ جَامِكِيَّتِهِ وَهَلْ يُعْمَلُ بِالْعَادَةِ فِي الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ تَجُوزُ الِاسْتِنَابَةُ لِعُذْرٍ وَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ النَّائِبُ مِثْلَ الْمُسْتَنِيبُ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ. وَمَنْ عَطَّلَ مَا ذُكِرَ قُطِعَ مَنْ جَامِكِيَّتِهِ بِنِسْبَتِهِ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ النَّوَوِيِّ فِي فَتَاوِيه وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ ضَعِيفٌ وَتَرْكُ التَّدْرِيسِ فِي الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ يُعْمَلُ فِيهِ بِالْعَادَةِ الْمُطَّرِدَةِ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ فَإِنْ جُهِلَتْ لَمْ تَجُزْ الْبَطَالَةُ وَلَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ خِلَافًا لِمَنْ اسْتَثْنَاهُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَلَيْسَ لَهُ إلًّا وَلَدٌ وَاحِدٌ فَهَلْ يَصِحّ الْوَقْفُ وَالْوَصِيَّةُ. وَيُصْرَفُ إلَيْهِ الثُّلُثُ أَوْ الْجَمِيعُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ذَكَرَ الْجِيلِيُّ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِأَقَارِبِ زَيْدٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا قَرِيبٌ إنَّ فِيهِ وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا يُصْرَفُ لَهُ الْجَمِيعُ لِأَنَّ الْقَصْدَ الصَّرْفُ إلَى جِهَةِ الْقَرَابَةِ فَقِيَاسه أَنْ يُصْرَف فِي مَسْأَلَتنَا إلَيْهِ الْكُلّ فَإِنْ حَدَث أَحَدٌ مِنْ الْأَوْلَادِ شَارَكَهُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ وَقَفْتُ هَذَا لِلَّهِ فَهَلْ يَصِحّ وَمَا مَصْرِفُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قِيَاسُ قَوْلِهِمْ لَوْ قَالَ وَقَفْتُهُ لِسَبِيلِ اللَّهِ صَحَّ أَنَّهُ يَصِحّ الْوَقْفُ هُنَا لَكِنَّ الْمَنْقُولَ عَدَمُ صِحَّةِ الْوَقْفِ فِي الْوَقْفِ لِلَّهِ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ سَبِيلَ اللَّهِ مَصْرِفٌ مَعْلُومٌ يُحْمَلُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَلِلَّهِ فَقَطْ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ مَصْرِفٌ مَعْلُومٌ فَبَطَلَ وَإِنَّمَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لِلَّهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا أَنَّهَا تُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ فَحُمِلَتْ عَلَيْهِمْ نَظَرًا لِذَلِكَ الْغَالِب بِخِلَافِهِ وَقَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ أَوْصَيْت لِلَّهِ تَعَالَى صَحَّ وَصُرِفَ إلَى الْفُقَرَاءِ لِأَنَّهُ يُصْرَفُ هُنَا لِلْفُقَرَاءِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقْف وَقْفًا عَلَى أَوْلَاده وَأَوْلَاد أَوْلَاده وَهَكَذَا وَجَعَلَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ زَوْجَتِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِ فَهَلْ يَنْتَقِلُ النَّظَرُ بَعْد الْأَوْلَاد لِأَوْلَادِهِمْ أَوْ لِلْحَاكِمِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَنْبَغِي بِنَاءُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ هَلْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً أَنَّهُ وَلَد وَفِيهِ خِلَافٌ فَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ حَقِيقَة فَالنَّظَرُ لِأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ وَإِلَّا فَالنَّظَرُ لِلْحَاكِمِ وَيُؤَيِّدُ تَرْجِيحَهُمْ الثَّانِي قَوْلُهُمْ لَا تَدْخُلُ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ وَقَوْلُ الْأَزْرَقِيِّ عَنْ الْعَبَّادِيِّ لَوْ قَالَ بَنُو آدَمَ كُلُّهُمْ أَحْرَارٌ لَمْ تُعْتَقْ عَبِيدُهُ بِخِلَافِ عَبِيدِ الدُّنْيَا وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ إطْلَاقَ الِابْنِ عَلَى ابْنِ الِابْنِ مَجَازٌ فَلَمْ تَدْخُلُ عَبِيده فِي كَلَامِهِ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الثَّانِي إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْوَجْهُ أَنَّ النَّظَرَ لِلْحَاكِمِ لَا إلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ. (وَسُئِلَ) عَنْ نَقْضِ الْمَسْجِدِ وَتَوْسِيعِهِ هَلْ يَجُوزُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ جَوَّزَهُ ابْنُ عُجَيْلٍ الْيَمَنِيُّ وَمَنَعَهُ الْأَصْبَحِيُّ وَقَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْوَسِيطِ يَجُوزُ بِشَرْطِ أَنْ تَدْعُوَ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَيَرَاهُ الْإِمَامُ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فَقْد فُعِلَ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ مِرَارًا فِي زَمَنِ الْعُلَمَاءِ وَالْمُجْتَهِدِينَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا وَجَدْنَا صُورَةَ مَسْجِدٍ وَلَمْ نَدْرِ هَلْ وُقِفَ مَسْجِدًا أَمْ لَا فَهَلْ تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْمَسَاجِدِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ

الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ ذَلِكَ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَالِ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَفْتَى بِذَلِكَ وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ فِي بَابِ الْوَقْفِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ وَجَرَى عَلَيْهِ السُّبْكِيّ عَمَلًا بِالْقَرِينَةِ هَذَا إنْ لَمْ تَسْتَفِضْ تَسْمِيَةُ النَّاسِ لَهُ مَسْجِدًا وَإِلَّا حُكِمَ بِكَوْنِهِ مَسْجِدًا بِلَا تَوَقُّفٍ وَالْكَلَامُ فِي غَيْرِ مَسَاجِدِ مِنًى غَيْر مَسْجِدِ الْخَيْفِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ وُجُودُ مَسْجِدٍ فِيهَا غَيْرَهُ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ بِنَاءُ مَسْجِدٍ فِيهَا. (وَسُئِلَ) هَلْ لِلنَّاظِرِ إقْرَاضُ غَلَّةَ الْوَقْفِ وَالِاقْتِرَاضُ لِعِمَارَتِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ إقْرَاضُ ذَلِكَ إلَّا إنْ غَابَ الْمُسْتَحِقُّونَ وَخَشِيَ تَلَفَ الْغَلَّةِ أَوْ ضَيَاعَهَا فَيُقْرِضُهَا لِمِلْءٍ ثِقَةٍ وَلَهُ الِاقْتِرَاضُ لِعِمَارَةِ الْوَقْفِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ. (وَسُئِلَ) هَلْ يُرَدُّ الْوَقْفُ بِرَدِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا؟ (فَأَجَابَ) بِإِنَّمَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ قَبْلَ رِضَاهُ وَقَبْضِهِ وَأَمَّا إذَا رَضِيَ وَقَبَضَهُ فَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ لِأَنَّهُ لَزِمَ حِينَئِذٍ هَذَا مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْمُهَذَّبِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الشَّامِلِ وَفَرَّقَ بَيْن الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ فِي ذَلِكَ وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ مَنْ ذُكِرَ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا وُقِفَ شَيْءٌ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِ فُلَانٍ شَيْئًا مَعْلُومًا مَنْ الْقُرْآنِ كُلَّ يَوْمٍ فَتَرَك الْقِرَاءَةَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فَهَلْ يَقْضِيهَا وَيَسْتَحِقُّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مَنْ مَعْلُومِ ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي فَوَّتَ قِرَاءَتَهُ سَوَاء أَقَضَاهُ أَمْ لَا. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ شَيْئًا وَقْفَ تَرْتِيبٍ عَلَى أَوْلَادِهِ فَادَّعَاهُ آخَرُ وَصَدَّقَهُ أَهْلُ الطَّبَقَةِ الْعُلْيَا مَثَلًا فَهَلْ يَسْرِي تَصْدِيقُهُمْ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَسْرِي تَصْدِيقُهُمْ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ بَلْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَتَكُونُ الْمَنْفَعَةُ لِلْمُقَرِّ لَهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِمْ فَإِذَا مَاتُوا انْتَقَلَتْ لِلْبَطْنِ الثَّانِيَةِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ عَلَيْهِمْ إلَّا إنْ أَقَامَ بَيِّنَةً تَشْهَدُ لَهُ بِمِلْكِ تِلْكَ الْعَيْنِ بِشَرْطِهِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَلْحَق فِي مَجْلِسِ وَقْفِهِ شُرُوطًا فَهَلْ تَلْزَم؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُحْتَمَلُ لُزُومُهَا قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ أَلْحَقَ شُرُوطًا فِي مَجْلِسِ الْبَيْعِ وَيُحْتَمَلُ إلْغَاؤُهَا حَيْثُ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً عَنْ تَلَفُّظِهِ بِالْوَقْفِيَّةِ بِغَيْرِ سَكْتَةِ تَنَفُّسٍ وَعِيٍّ وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ وَيُفَرَّقُ بَيَّنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْعِ بِأَنَّ الْبَيْعَ يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فَجَازَ فِيهِ إلْحَاقُ شُرُوطٍ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ كَإِلْحَاقِ الْإِجَارَةِ وَالْفَسْخِ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ إلَى الْآنَ بِخِلَافِ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ فَرَاغِ التَّلَفُّظِ مِنْ ذِكْرِهِمْ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَلْحَقَهُ شَرْطٌ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَثْبَتَتْ بَقَاءَ مَهْرِهَا فِي ذِمَّةِ زَوْجِهَا الْمَيِّتِ وَتَعَوَّضَتْ أَرْضُهُ الَّتِي لَمْ يَخْلُفْ غَيْرَهَا ثُمَّ وَقَفَتْهَا فَجَاءَتْ أُخْرَى وَأَثْبَتَتْ نِكَاحَهَا مِنْهُ وَمَهْرَهَا عَلَيْهِ فَهَلْ تُشَارِكُ الْأُولَى فِي الْأَرْضِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْقِيَاسُ بُطْلَانُ الْوَقْفِ فِي قَدْرِ مَا يَخُصُّ الثَّانِيَةَ مَنْ الْأَرْضِ لَوْ وُزِّعَتْ عَلَى قَدْرِ الْمَهْرَيْنِ وَأَمَّا مَا أَفْتَى بِهِ الْأَصْبَحِيُّ مِنْ صِحَّةِ الْوَقْفِ وَبَقَائِهِ فِي الْجَمِيعِ وَيَجِبُ عَلَى الْأُولَى الْغُرْمُ لِلثَّانِيَةِ بِقَدْرِ حِصَّتِهَا فَغَيْرُ مُنْقَاسٍ كَمَا يُعْلَمُ بِتَأَمُّلِ كَلَامِهِمْ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ عَمَّرَ طَبَقَةً كَانَتْ بِمَسْجِدٍ وَخَرِبَتْ ثُمَّ مَاتَ فَهَلْ لِغَيْرِهِ سُكْنَاهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلَدِهِ وَهَلْ يَسْتَحِقُّ وَلَدُهُ سُكْنَاهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَمْلِكُ الْبَانِي إلَّا الْآلَةَ وَلَا يَسْتَحِقُّ وَلَدُهُ السُّكْنَى بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ السُّكْنَى فِيهَا بِغَيْرِ إذْنه لِمَا فِيهَا مَنْ الِانْتِفَاعِ بِالْآلَةِ الْبَاقِيَةِ عَلَى مِلْكه. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ دَرْسٍ فِي مَكَّةَ شَغَرَتْ وَظِيفَتُهُ مِنْهُ فَقَرَّرَ فِيهَا قَاضِي مَكَّةَ لِغَيْبَةِ النَّاظِرِ بِمِصْرَ أَوْ الشَّامِ فَهَلْ يَصِحُّ تَقْرِيرُهُ وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ إذَا بَلَغَهُ ذَلِكَ أَنْ يُقَرِّرَ غَيْرَ مَنْ قَرَّرَهُ وَهَلْ النَّظَرُ عَلَى وَظَائِفِ الدَّرْسِ الْمَذْكُورِ لِقَاضِي بَلَد الْوَظَائِف إذَا غَابَ النَّاظِر فَيُقَرِّرُ فِيهَا كَمَا يُزَوِّج مُوَلِّيَةَ الْغَائِب؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي أَفْتَى بِهِ السِّرَاج الْبُلْقِينِيُّ وَوَلَده جَلَالُ الدِّينِ أَنَّهُ يَصِحُّ تَوْلِيَةُ قَاضِي مَكَّةَ الْوَظِيفَة لِمَنْ ذَكَرَ وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُوَلِّيَ غَيْرَ مَنْ وَلَّاهُ وَأَنَّ النَّظَرَ عَلَى وَظَائِفِ الدَّرْسِ الْمَذْكُورِ لِقَاضِي بَلَدِ الْوَظَائِفِ الْمَذْكُورَةِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ وَقَفْت نِصْفَ كَذَا عَلَى زَوْجَتِي وَالْبَاقِي عَلَى أَوْلَادِي ثَمَّ عُتَقَائِي فَإِذَا انْقَرَضَ الْأَوْلَادُ وَكَانَتْ الزَّوْجَةُ عَتِيقَةً لَهُ فَهَلْ تُشَارِكُ عُتَقَاءَهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ تُشَارِكهُمْ لِوُجُودِ الصِّفَةِ فِيهَا وَفَارَقَ مَا لَوْ قَالَ وَقَفْتُ نِصْفَهُ عَلَى زَوْجَتِي وَالْبَاقِي عَلَى عُتَقَائِي فَإِنَّهَا لَا تُشَارِكهُمْ حِينَئِذٍ وَإِنْ كَانَتْ عَتِيقَةً لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ فَهُوَ نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِدِينَارٍ وَالْبَاقِي لِلْفُقَرَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُشَارِكُ الْفُقَرَاءَ لِمَا ذُكِرَ. (وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ مَنْ يُزَوِّجُ الْجَارِيَةَ الْمَوْقُوفَةَ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ جِهَةٍ

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ مَنْ غَيْرِ إجْبَارٍ بِإِذْنِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ أَهْلًا وَإِلَّا فَعَلَى الْوَلِيِّ رِعَايَةُ الْمَصْلَحَةِ فِي الْإِذْنِ وَعَدَمِهِ فَإِنْ امْتَنَعَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مَنْ الْإِذْنِ اسْتَقَلَّ الْحَاكِمُ عَلَى مَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ إنْ اقْتَضَتْهُ الْمَصْلَحَةُ تَحْصِينًا لَهَا وَبَحَثَ أَنَّ مِثْلَهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْقُوفَةُ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَيَسْتَقِلُّ الْحَاكِمُ بِتَزْوِيجِهَا. (وَسُئِلَ) هَلْ يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْعَبْدِ الْمَوْقُوفِ عَلَى مُعَيَّنٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْأَصْبَحِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِر إذْ الْمِلْكُ فِيهِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَإِنَّمَا صَحَّ تَزْوِيجُ الْمَوْقُوفَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مُنَافَاةٌ لِغَرَضِ الْوَاقِفِ بِوَجْهٍ بِخِلَافِ تَزْوِيجِ الْعَبْدِ فَإِنَّ مَنَافِعَهُ أَوْ أَكْثَرهَا تَصِيرُ مُسْتَغْرَقَةٌ لِلزَّوْجَةِ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا أَجَّرَ النَّاظِرُ سَنَةً مَثَلًا وَقَبَضَ أُجْرَتَهَا ثُمَّ صَرَفَهَا لِلْمُسْتَحِقِّينَ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ قَبْل مُضِيِّ السَّنَةِ فَمَنْ الضَّامِنُ النَّاظِرُ أَوْ الْمَيِّتُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَيْسَ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَصْرِفَ إلَّا بِقَدْرِ مَا مَضَى فَإِنْ زَادَ ضَمِنَ الزَّائِدَ قَالَ بَعْضُهُمْ وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي تَرِكَةِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ لِتَقْصِيرِهِ بِالدَّفْعِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ إذْ لَا عُهْدَةَ عَلَى الْقَابِضِ فِيمَا قَبَضَهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ حَتَّى يَرْجِعَ عَلَيْهِ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِأَنَّ الْقَابِضَ أَخَذَ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ فَيَدُهُ ضَامِنَةٌ لَهُ وَإِنْ تَرَتَّبَتْ عَلَى يَدِ النَّاظِرِ وَهِيَ يَدُ ضَمَانٍ وَالْقَرَارُ عَلَى الْقَابِضِ وَالنَّاظِرِ إنَّمَا هُوَ طَرِيقٌ فَقَطْ. (وَسُئِلَ) هَلْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ النَّذْرُ بِمَنْفَعَةِ الْمَوْقُوفِ مُطْلَقًا أَوْ مُدَّةَ حَيَاتِهِ لِآخَرَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ صَرَّحَ ابْن الرِّفْعَةِ بِأَنَّ شَرْطَ جَوَازِ إعَارَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ أَنْ يَكُونَ نَظَرُ الْوَقْفِ إلَيْهِ وَبِهِ يُعْلَمُ صِحَّةُ نَذْرِهِ إنْ كَانَ النَّظَرُ إلَيْهِ. (وَسُئِلَ) عَنْ دَارٍ مَوْقُوفَةٍ بَنَاهَا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ بِآلَاتِهِ ثَمَّ بَاعَ بِنَاءَهُ لِآخَرَ ثُمَّ مَاتَ وَانْتَقَلَ الْوَقْفُ إلَى آخَرَ فَهَلْ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى هَدْمِ هَذَا الْبِنَاءِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ذَكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ فِيمَا لَوْ بَنَى مُسْتَأْجِرٌ أَرْضًا مَوْقُوفَةً فِيهَا مَا يَقْتَضِي عَدَمَ إجْبَارِ الْمُشْتَرِي هُنَا بَلْ يَبْقَى بِنَاؤُهُ بِأُجْرَةٍ نَعَمْ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُبْدِلَ أَرْشَ النَّقْصِ مَنْ مَالِهِ لِيَنْقُضَ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا تَعَطَّلَتْ الْبِئْرُ وَالْخَابِيَةُ وَالْقَنْطَرَةُ وَالتَّدْرِيسُ وَنَحْوُهَا فَهَلْ يُنْقَلُ مَا وُقِفَ عَلَيْهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ إذَا تَعَطَّلَ ذَلِكَ نُقِلَتْ غَلَّةُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا إلَى مِثْلِهَا فِي جِهَةٍ أُخْرَى. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى تَحْصِيلِ مَاءِ الطَّهَارَةِ فِي نَحْو خَابِيَةِ مَسْجِدٍ فَهَلْ تَجُوزُ الطَّهَارَةُ مِنْهَا لِمَنْ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِجَوَازِ ذَلِكَ لِشُمُولِ لَفْظِ الْوَاقِفِ لَهُ مَا لَمْ يَنُصَّ الْوَاقِفُ عَلَى تَخْصِيصِ ذَلِكَ بِمَنْ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ فَلَا تَجُوزُ الطَّهَارَةُ مِنْهَا إلَّا لِمَنْ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فِيهِ. (وَسُئِلَ) عَنْ الْمَاءِ الْمُتَصَدَّقِ بِهِ لِلطَّهُورِ فِي الْمَسَاجِدِ عِنْدنَا هَلْ يَجُوزُ لِأَحَدٍ نَقْلُهُ إلَى خَلْوَتِهِ وَادِّخَارِهِ فِيهَا لِلطُّهْرِ بِهِ مَعَ مَنْعِ النَّاسِ مِنْهُ وَالْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ وَهَلْ يَجُوزُ مَعَ عَدَمِ ذَلِكَ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ مَنْ تَصَدَّقَ بِمَاءٍ أَوْ وَقَفَ مَا يَحْصُلُ مِنْهُ الطَّهُورُ بِمَسْجِدِ كَذَا لَمْ يَجُزْ نَقْلُهُ مِنْهُ لِطَهَارَةٍ وَلَا لِغَيْرِهَا مُنِعَ النَّاسُ مِنْهُ أَوْ لَا لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُسَبَّلَ يَحْرُمُ نَقْلُهُ عَنْهُ إلَى مَحَلّ آخَرَ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ كَالْخَلْوَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ نَعَمْ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَتَوَضَّأَ مِنْهُ لَا يَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ فِيهِ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنَّ الْوَاقِفَ أَرَادَ ذَلِكَ تَكْثِيرًا لِثَوَابِهِ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَقْصُرُ عَمَّا يُفْهِمُ ذَلِكَ هَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يَطَّرِدْ عُرْفٌ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ وَيَعْلَمهُ وَإِلَّا نَزَلَ وَقْفُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةِ شَرْطِهِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ أَرْضًا عَلَى مَالِكٍ مَنْفَعَتَهَا فَهَلْ يَصِحّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْأَوْجَهُ مَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ مَنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ حَيْثُ مَلَكَ مَنْفَعَتَهَا عَلَى الدَّوَامِ أَوْ مُدَّةَ عُمْرِهِ لِخُلُوِّ الْوَقْفِ حِينَئِذٍ عَنْ الْفَائِدَةِ الْعَاجِلَةِ وَالْآجِلَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ بِهِ مِلْك الرَّقَبَةِ فَإِنْ قُيِّدْت الْمَنْفَعَةَ بِمَا يُمْكِنُ تَقَدُّمُهُ عَلَى مَوْتِ الْمُوصَى لَهُ صَحَّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مُتَوَقَّعَةٌ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ نَخْلَةً لَهَا أَوْلَادٌ وَبَعْضُهَا يَضُرُّ بَقَاؤُهُ فَهَلْ يَجُوزُ قَطْعُ الْمُضِرِّ وَمَا الَّذِي يُفْعَلُ بِهِ إذَا قُطِعَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَجُوزُ قَطْعُ الْمُضِرِّ ثُمَّ مَا حَدَثَ بَعْد الْوَقْفِيَّة أَفْتَى جَمْعٌ بِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْأَصْلِ فَيَكُونُ وَقْفًا وَيَشْهَدُ لَهُ مَا قَالَهُ السُّبْكِيّ فِي شَجَرِ اللَّوْزِ وَأَفْتَى آخَرُونَ بِأَنَّهُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَوْجُودِ حَالَ الْوَقْفِيَّةِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَاَلَّذِي تَحَرَّرَ لِي بَعْدَ التَّثَبُّتِ أَيَّامًا أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ نَقْلُهُ إلَى مَكَان آخَرَ

فُعِلَ وَإِلَّا بِيعَ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ نَخْلٌ أَوْ يُشَارِكُ بِهِ فِي نَخْلٍ يَقُومُ مَقَامَ الْأَصْلِ وَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ وَتُصْرَفُ غَلَّتُهُ فِي مَصَارِفِهِ وَلِذَلِكَ شَاهِدٌ مَنْ كَلَامِهِمْ اهـ. وَهُوَ مُتَّجَهٌ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ عَمَّرَ فِي مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ ثُمَّ مَاتَ فَهَلْ لِوَرَثَتِهِ طَلَبُ مَا أَصْرَفَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ نَعَمْ بَحَثَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَدْخَلَ عَيْنًا فِي الْعِمَارَةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ كَانَ لَهُمْ طَلَبُهَا وَفِيهِ نَظَرٌ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا وَقَفَ شَخْصٌ عَلَى مَسْجِد شَيْئًا وَشَرَطَ فِي الْوَقْفِ أَنْ يُصْرَفَ لِأَرْبَابِ الْوَظَائِفِ كَذَا وَمَا فَضَلَ لِلْعِمَارَةِ وَالْمَصَالِحِ فَعَمَّرَ النَّاظِرُ الْمَسْجِدَ وَبَعْضَ الْأَمَاكِنِ ثُمَّ عَمَّرَ أَخْلِيَةً يَرْتَفِقُ جَمَاعَةُ الْمَسْجِدِ وَغَيْرُهُمْ بِهَا وَالْحَالُ أَنَّ وَاضِعَهَا فِي الْأَصْلِ هُوَ الْوَاقِفُ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى أَرْصَادِ شَيْءٍ لِعِمَارَتِهَا فَهَلْ تَكُونُ دَاخِلَةً فِي الْمَصَالِحِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ عِمَارَةِ بَقِيَّةِ الْوَقْفِ قَبْلَ عِمَارَتِهَا وَلَا يُحْسَبُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ عِمَارَتِهَا إلَّا بَعْد عِمَارَةِ الْوَقْفِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ كَانَتْ الْأَخْلِيَةُ الْمَذْكُورَة يَنْتَفِعُ بِهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ كَانَتْ مَنْ جُمْلَةِ مَصَالِحِهِ ثَمَّ الْوَاجِبُ عَلَى النَّاظِرِ أَنْ يَبْدَأَ بِعِمَارَةِ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ إنْ عَمَّرَهَا وَهِيَ أَهَمُّ مِنْ غَيْرِهَا حُسِبَ لَهُ مَا صَرَفَ عَلَى عِمَارَتهَا وَإِلَّا فَلَا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ شَخْص وَقَفَ وَقْفًا عَلَى نَفْسِهِ أَيَّامَ حَيَاتِهِ وَحَكَمَ بِهِ مَنْ يَرَاهُ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ دُون الْإِنَاثِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ عَلَى أَبْنَائِهِمْ وَأَعْقَابِهِمْ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا وَدَائِمًا مَا تَعَاقَبُوا بَطْنًا بَعْد بَطْنٍ وَنَسْلًا بَعْد نَسْلٍ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا مِنْهُمْ تَحْجُبُ الطَّبَقَةَ السُّفْلَى مَنْ نَفْسِهَا يَسْتَقِلُّ بِهَا الْوَاحِدَةُ الْوَاحِدَةُ عِنْد الِانْفِرَادِ وَيَشْتَرِكُ فِيهِ الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا عِنْد الِاجْتِمَاعِ وَعَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَتَرَكَ وَلَدًا أَوْ وَلَدَ وَلَدٍ أَوْ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ إلَيْهِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ فَهَلْ إذَا مَاتَ الْوَاقِفُ الْمَذْكُورُ وَتَرَكَ وَلَدَيْنِ ذَكَرَيْنِ وَبِنْتًا وَمَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ عَنْ بِنْتٍ هَلْ تَسْتَحِقُّ مِنْ الْوَقْفِ شَيْئًا أَوْ لَا تَسْتَحِقُّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَئِمَّتِنَا وَهُوَ الْمَنْقُولُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الصِّفَةَ فِي لَفْظِ الْوَاقِفِ وَمِثْلَهَا بَدَلُ الْبَعْضِ وَالِاشْتِمَالِ وَالْحَالُ تَرْجِعُ إلَى سَائِرِ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهَا وَتَأَخَّرَ عَنْهَا مَنْ الْجُمَلِ وَالْمُفْرَدَاتِ الْمَعْطُوفَةِ بِالْوَاوِ وَثَمَّ وَالْفَاءِ دُون لَكِنَّ وَبَلْ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ فِي غَيْرِ بَابِ الْوَقْفِ أَنَّ غَيْرَ الْمَعْطُوفَةِ كَذَلِكَ وَكَأَنَّ الْأَذْرَعِيَّ لَمْ يَسْتَحْضِرهُ حَيْثُ نَقَلَ عَنْ بَعْضِهِمْ مَا قَدْ يُوَافِقُهُ ثُمَّ بَحَثَ خِلَافَهُ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَغَيْرُ خَفِيٍّ أَنَّ قَوْلَ الْوَاقِفِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ الذُّكُور دُون الْإِنَاثِ يَحْتَمِلُ ثَلَاثَ احْتِمَالَاتٍ مُخْتَلِفَةَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ الذُّكُورُ دُونَ الْإِنَاثِ بَدَلًا مَنْ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ فَحِينَئِذٍ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ أَهْلِ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ إلَّا ذَكَرٌ مِنْ ذَكَرٍ فَلَا حَقَّ لِبِنْتِ الِابْنِ. وَلَا لِأَوْلَادِ الْبِنْتِ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُضَافِ فَقَطْ فَلَا يَسْتَحِقُّ مِنْ أُولَئِكَ إلًّا الذَّكَر سَوَاء أَكَانَ مِنْ ذَكَرٍ أَمْ أُنْثَى فَيَسْتَحِقُّ ابْنُ الْبِنْتِ دُون بِنْتِ الِابْنِ وَعَلَى هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ فَلَا حَقَّ لِبِنْتِ الِابْنِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ وَلَا يُنَافِيهِمَا قَوْلُهُ آخِرًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى مَنْ وَلَدِ الظَّهْر لِمَا سَيَجِيءُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ فَقَطْ وَعَلَيْهِ فَالْمُسْتَحِقُّ كُلُّ مَنْ أَدْلَى بِذَكَرٍ ذَكَرًا كَانَ هُوَ أَوْ أُنْثَى فَتَسْتَحِقُّ بِنْتُ الِابْنِ الْمَذْكُورَةِ دُونَ وَلَدِ الْبِنْتِ. وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ عِبَارَةَ الْوَاقِفِ إذَا احْتَمَلَتْ أَمْرَيْنِ فَأَكْثَر وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى الْمُرَجِّحِ فَإِنْ وُجِدَ لِكُلٍّ مُرَجِّحٌ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى مَا قَوِيَ مُرَجِّحِهِ فَمُرَجِّحُ الْأَوَّلَ أُمُورٌ مِنْهَا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ الَّذِي قَدَّمْته مَنْ رُجُوعِ نَحْو الصِّفَةِ إلَى سَائِرِ مَا تَقَدَّمَهَا مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعْطُوفَةً وَمِنْهَا أَنَّ تَخْصِيصَهُ بِأَحَدِ الْجُزْأَيْنِ مَعَ صَلَاحِيَّتِهِ لَهُمَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَبَقِيَتْ مُرَجِّحَاتٌ أُخَرُ يَشْتَرِكُ فِيهَا هُوَ وَالثَّانِي كَمَا يَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا وَمُرَجِّحُ الثَّانِي أُمُورٌ أَيْضًا مِنْهَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ السِّرَاجِ الْبُلْقِينِيُّ حَيْثُ أَفْتَى فِيمَنْ جَعَلَ نَظَرَ وَقْفِهِ عَلَى أَوْلَادِ ابْنِهِ خِضْرٍ الذُّكُورِ ثَمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ الذُّكُورُ مُقَدَّرًا فِي الْمَعْطُوفِ فَيَكُونُ رَاجِعًا لِلْمُضَافِ فَلَا تَسْتَحِقُّ بِنْتُ ابْنِ خِضْرٍ شَيْئًا وَيَحْتَمِلُ كَلَامُهُ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْمُضَافِ إلَيْهِ مَعَ رُجُوعِهِ لِلْمُضَافِ فَيَكُونُ مَنْ مُرَجِّحَاتِ

الْأَوَّلِ وَمِنْهَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ شَيْخِنَا زَكَرِيَّا خَاتِمَةِ الْمُحَقِّقِينَ سَقَى اللَّهُ تَعَالَى عَهْدَهُ صَوْبَ الرَّحْمَةِ وَالرِّضْوَانِ مِنْ أَنَّ لَفْظَ الْوَاقِفِ إذَا احْتَمَلَ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَنَّ مَا صَرَّحَ بِهِ بَعْدُ يَكُونُ تَأْكِيد وَالْآخَرُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ تَأْسِيسًا رَجَّحَ الثَّانِي لِأَنَّ التَّأْسِيسَ خَيْرٌ مِنْ التَّأْكِيدِ وَهَذَا مِنْ مُرَجِّحَاتِ الْأَوَّلِ أَيْضًا وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيهِمَا أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى إلْغَاءِ قَوْلِ الْوَاقِفِ الذُّكُورِ دُون الْإِنَاثِ وَأَنَّ قَوْله آخِرًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ يُنَافِيه فَيَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَطَرِيقُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى أَنَّ إلَخْ دَافِعٌ لِمَا أَفْهَمَتْهُ الْقَاعِدَةُ السَّابِقَةُ الْمُقْتَضِيَةُ بِتَقْدِيرِ قَوْلِهِ الذُّكُورُ دُون الْإِنَاثِ فِي سَائِرِ الطَّبَقَاتِ بَعْدَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْأُنْثَى فِي غَيْرِ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَة أَيْضًا وَوَجْهُ دَفْعِهِ لِذَلِكَ أَنْ يَقْتَصِرَ بِقَوْلِهِ الذُّكُورُ دُون الْإِنَاثِ عَلَى الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ وَلَا يُقَدِّرُ فِيمَا بَعْدَهَا عَمَلًا بِصَرِيحِ قَوْلِهِ آخِرًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى. فَعُلِمَ أَنَّ فِي قَوْلِهِ آخِرًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى تَأْسِيسًا أَيَّ تَأْسِيس سَوَاء أَقُلْنَا بِالِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ أَمْ الثَّانِي بِخِلَافِهِ عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّالِثِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ لَا يُقَالُ بَلْ يَأْتِي التَّأْسِيسُ عَلَى الثَّالِثِ أَيْضًا لِصِحَّةِ تَقْدِيرِ قَوْلِهِ الذُّكُورُ فِيمَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ إذْ الْمَعْنَى عَلَيْهِ وَعَلَى أَوْلَادِهِ مِنْ أَوْلَادِهِ وَالْعَطْفُ لَيْسَ عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ الْمُقَيَّدِ بِذَلِكَ بَلْ عَلَى الْمُضَافِ الْأَعَمِّ فَلَا قَيْدَ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ حَتَّى يُقَدَّرُ فِي الْمَعْطُوفِ بِخِلَافِهِ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ. فَإِنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ مُقَيَّدٌ بِقَيْدٍ فَاعْتُبِرَ فِي الْمَعْطُوفِ وَإِنَّمَا لَمْ يَتَعَرَّضْ إلَى الْأَرْجَحِ مَنْ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا حَقَّ لِبِنْتِ الِابْنِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا وَأَمَّا مُرَجِّحُ الثَّالِثِ فَهُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّهُ يَبْعُدَ عَادَةً أَنَّ الْوَاقِفَ يُعْطِي بِنْتَ ابْنِ ابْنِهِ وَابْنِ بِنْتِهِ وَلَا يُعْطِي بِنْتَ ابْنه وَقَدْ نَظَرَ إلَى هَذِهِ الْقَرِينَةِ الْعَادِيَة وَكَوْنِهَا مُرَجِّحَةً الْبُلْقِينِيُّ فِي بَعْضِ فَتَاوِيهِ لَكِنَّ كَلَامَهُمْ لَا يُسَاعِدُهُ حَيْثُ أَشَارُوا إلَى أَنَّ لَفْظَ الْوَاقِف كَنَصِّ الشَّارِع فِي النَّظَر فِي التَّعْمِيمِ وَالتَّخْصِيصِ وَغَيْرِهِمَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْعَادَةِ وَكَوْن الْوَاقِفِ مِمَّنْ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ أَمْ لَا خِلَافًا لِمَنْ يَثْبُت بِاحْتِمَالِ التَّفْصِيلِ وَقَدْ ذَكَرَ هُوَ نَفْسَهُ وَنَقَلَهُ عَنْ التَّاجِ السُّبْكِيّ وَأَقَرَّهُ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى الْبَنِينَ لَمْ تَدْخُلْ الْإِنَاثُ وَإِنْ اُحْتُمِلَ التَّغْلِيبُ احْتِمَالًا ذَائِعًا شَائِعًا لِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ مَعَ أَنَّهُ يَبْعُدُ عَادَة أَنَّ الْإِنْسَانَ يَقِفُ عَلَى ابْنِهِ دُون بِنْتِهِ فَإِخْرَاجه الْبِنْتَ بِهَذَا الِاحْتِمَالِ فَقَطْ لِظُهُورِهِ مَعَ شَهَادَةِ الْعَادَةِ بِخِلَافِهِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ لِمَا قُلْنَاهُ وَلِلْعَمَلِ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَإِنْ خَلَّى عَمَّا مَرَّ مِنْ الْمُرَجِّحَات وَظَاهِر لَفْظ الْوَاقِف هُنَا أَنَّ قَوْله الذُّكُور بَدَلٌ مِنْ الْمُضَافِ إذْ الْمُضَافُ مَتَى كَانَ هُوَ الْمُحَدَّث عَنْهُ تَعَيَّنَ كَوْنَ الصِّفَة. وَمِثْلُهَا الْبَدَلُ رَاجِعَةً إلَيْهِ إلَّا لِصَارِفٍ عَلَى أَنَّ كَلَامَ الْبُلْقِينِيُّ إذَا تُؤَمِّلَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ بِالْقَرِينَةِ الْعَادِيَّةِ بِمُجَرَّدِهَا فَقَطْ بَلْ بِاعْتِضَادِهَا بِقَرِينَةٍ لَفْظِيَّةٍ وَأَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ بِهَا مَعَ ذَلِكَ مُطْلَقًا بَلْ فِي صُورَة تُعْرَفُ بِمُرَاجَعَةِ كَلَامه وَفِي مَسْأَلَتنَا لَمْ تُعْضَد الْقَرِينَةَ الْعَادِيَّةَ قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ فَلَا نَظَر إلَيْهَا وَمِمَّا يُضْعِفُ الِاحْتِمَالَ الثَّالِثَ أَيْضًا مَا صَرَّحَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ قَوْلَ الْوَاقِفِ عَلَى إلَخْ بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاء وَعَلَى تَقْدِير كَوْنِ الذُّكُورِ بَدَلًا مَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِالنِّسْبَةِ لِلطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ وَلَا لِمَا بَعْدَهَا لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ أَنَّ كُلًّا مِنْ الطَّبَقَاتِ عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّالِثِ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَمُ اتِّحَادُ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ بَاطِلٌ بِخِلَافِ مَا إذَا جُعِلَ بَدَلًا مَنْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ اسْتِثْنَاءٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا عَدَا الطَّبَقَةَ الثَّانِيَةَ لِأَنَّ قَضِيَّةَ الْعَطْفِ كَمَا مَرَّ أَنَّ أَحَدًا مَنْ الْإِنَاثِ فِي غَيْرِ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فَأَخْرَجَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَلَى إلَخْ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ. وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُسْتَثْنَى مِنْ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ إلْغَاءُ قَوْلِهِ فِيهَا الذُّكُورُ دُون الْإِنَاثِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ خِلَافُ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّالِثِ يَصِيرُ الْمُسْتَثْنَى مُتَّحِدًا مَعَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي الْحُكْمِ وَعَلَى غَيْرِهِ يَصِيرُ الِاسْتِثْنَاءُ لَوْ جَعَلْنَاهُ رَاجِعًا إلَى الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مُبْطِلًا لِقَوْلِهِ فِيهَا الذُّكُورُ دُون الْإِنَاثِ فَتَعَيَّنَ الْفِرَارُ مَنْ هَذَيْنِ وَالْقَوْلُ بِرُجُوعِ الِاسْتِثْنَاءِ لِمَنْ عَدَا الطَّبَقَةَ الثَّانِيَةَ هَذَا مَا سَنَحَ لِي وَلَا أَجْزِمُ بِأَنَّهُ

الصَّوَابُ فَعَلَى مَنْ تَأَهَّلَ لِلنَّظَرِ الْإِمْعَانُ فِيهِ لِيَظْهَرَ لَهُ صَوَابُهُ أَوْ خَطَؤُهُ وَلَا يُبَادِرُ إلَى اعْتِمَادِهِ حَذَرًا مِنْ الْوُقُوعِ فِي حِرْمَانِ مُسْتَحِقٍّ أَوْ إعْطَاءِ مَحْرُومٍ وَلَيْسَ فَائِدَةُ ذَلِكَ إلَّا بَيَانُ الْمَآخِذِ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى مَا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ ثُمَّ رَأَيْت الْوَلِيَّ أَبَا زُرْعَةَ فِي فَتَاوِيهِ ذَكَرَ مَا يُؤَيِّد مَا ذَكَرْته مِنْ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ بِنْتِ الِابْنِ. وَلَفْظُهُ سُئِلْت عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ ثَمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ ثُمَّ نَسْلِهِ وَعَقِبِهِ الذُّكُورِ دُون الْإِنَاثِ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ دُون وَلَدِ الْبَطْنِ هَلْ يَعُودُ الْوَصْفُ بِالذُّكُورِيَّةِ فَيَكُونُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ خَاصَّةً إلَى الطَّبَقَةِ الْأَخِيرَةِ فَقَطْ أَوْ يَعُودَ إلَى سَائِرِ الطَّبَقَاتِ فَأَجَبْت بِعُودِهِ إلَى سَائِرِ الطَّبَقَاتِ عَمَلًا بِقَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي عَوْدِ الْمُتَعَلِّقَاتِ الْمَذْكُورَةِ بَعْد جُمَلٍ أَوْ مُفْرَدَاتٍ مِنْ شَرْطٍ أَوْ اسْتِثْنَاءٍ أَوْ وَصْف أَوْ غَيْرِهَا إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فِي غَيْرِ اخْتِصَاصٍ بِالْأَخِيرَةِ ثُمَّ رَدَّ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ وَأَطَالَ فِيهِ بِمَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته أَوَّلًا مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْن الْوَاوِ وَثُمَّ وَالْفَاءِ. وَبِتَأَمُّلِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْعَوْدِ إلَى سَائِرِ الطَّبَقَاتِ إلَخْ يُعْلَمُ أَنَّهُ مُصَرَّحٌ بِعُودِ قَوْلِ الْوَاقِفِ الذُّكُورُ دُون الْإِنَاثِ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ إلَى الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ فِي سَائِرِ الطَّبَقَاتِ الَّتِي سَبَقَتْ فَيَكُونُ نَصًّا فِي عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ بِنْتِ الِابْنِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ وَظِيفَةِ بَوَّابَةٍ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْمَكِّيِّ بِاسْمِ شَخْصٍ وَأَخِيهِ غَابَ الْأَخُ الْمَذْكُورُ غَيْبَةَ انْقِطَاعٍ بِنَوَاحِي مِصْرَ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِينَ سَنَةً وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ الشَّخْصُ الْمَذْكُورُ مُبَاشِرًا جَمِيعَ الْوَظِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ حَتَّى نَزَلَ بِجَمِيعِهَا لِرَجُلٍ وَثَبَتَ النُّزُولُ عَلَى يَدِ قَاضِي مَكَّةَ وَنَاظِرِ مَسْجِدِهَا وَقَرَّرَ الْمُتَوَلِّي لَهُ فِي جَمِيعِ الْوَظِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ وَبَاشَرَ مُدَّةَ خَمْسِ سِنِينَ وَقَبَضَ مَعْلُومَهَا الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ فَرَفَعَ شَخْصٌ إلَى قَاضِي مِصْرَ قِصَّةً أَنْهَى فِيهَا وَفَاةَ أَخِي النَّازِلِ وَسَأَلَ فِي تَقْرِيرِهِ فِيمَا كَانَ بِاسْمِهِ مَنْ الْوَظِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ فَهَلْ يَصِحُّ تَقْرِيرُ قَاضِي مِصْرَ فِي ذَلِكَ وَالْحَالُ أَنَّهُ سَبَقَ التَّقْرِيرُ مَنْ قَاضِي مَكَّةَ لِلْمَنْزُولِ لَهُ فِي الْوَظِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ جَمِيعِهَا لِغَيْبَةِ الْأَخِ وَانْقِطَاعِ اسْتِحْقَاقِهِ لِغَيْبَتِهِ وَعَدَمِ مُبَاشَرَتِهِ أَوْ لَا يَصِحّ تَقْرِيرُهُ فِي ذَلِكَ وَيُعْمَلُ بِمَا سَبَقَ مَنْ التَّقْرِيرِ الصَّادِرِ مَنْ قَاضِي مَكَّةَ لِلْمَنْزُولِ لَهُ الْمَذْكُورِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ التَّقْرِيرُ فِي الْوَظِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ لِنَاظِرِ الْمَسْجِدِ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَوْقُوفُ عَلَى تِلْكَ الْوَظِيفَةِ بِغَيْرِ الْبَلَدِ وَتَطَّرِدُ الْعَادَةُ بِأَنَّ الْمُوَلِّيَ فِيهَا هُوَ قَاضِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ فَأَلْحَقَ فِي التَّقْرِيرِ لَهُ فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَتَقْرِيرُ النَّاظِرِ هُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ حَيْثُ لَمْ تُوجَدْ الْعَادَةُ الْمَذْكُورَةُ وَإِلَّا فَهُوَ لِقَاضِي تِلْكَ الْبَلَدِ وَمَحَلُّ هَذَا كُلِّهِ حَيْثُ فُقِدَ شَرْطُ الْوَاقِفِ وَإِلَّا فُوِّضَ لِنَاظِرِ الْمَسْجِدِ التَّقْرِيرُ فِي جَمِيعِ وَظَائِفِهِ وَإِنْ كَانَتْ أَوْقَافُهَا فِي غَيْرِ بَلَدِ الْمَسْجِدِ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ شَرْطَ وَاقِفٍ عُمِلَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَفُوِّضَ لِلنَّاظِرِ مَا ذُكِرَ عُمِلَ بِتَقْرِيرِهِ هُنَا مُطْلَقًا وَأَجَابَ مَرَّةً أُخْرَى بَعْد تَغْيِيرٍ فِي بَعْضِ السُّؤَالِ فَقَالَ إنْ كَانَ الْوَقْفُ بِمَكَّةَ فَالتَّقْرِيرُ لِقَاضِيهَا لَا غَيْرُ وَإِنْ كَانَ بِمِصْرَ مَثَلًا فَإِنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ شَيْئًا عُمِلَ بِهِ وَإِلَّا فَإِنْ اطَّرَدَتْ الْعَادَةُ فِي زَمَنِهِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ قَاضِي مَكَّةَ وَمِصْرَ يُقَرِّرُ فَتَقْرِيرُ قَاضِي مَكَّةَ هُوَ الصَّحِيحُ لِسَبْقِهِ وَإِنْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ كَذَلِكَ فَالْوِلَايَةُ لِقَاضِي مِصْرَ فَلَيْسَ لِقَاضِي مَكَّةَ أَنْ يُوَلِّيَ إلَّا عَلَى جِهَةِ النِّيَابَةِ فِي تِلْكَ الْوَظِيفَةِ حَتَّى يَنْتَهِيَ الْأَمْرُ إلَى قَاضِي مِصْرَ وَيُقَرِّرُ فِيهَا مَنْ يَرَاهُ هَذَا حَاصِلُ كَلَامِ السُّبْكِيّ وَالْأَذْرَعِيِّ وَكَلَامُ الْبُلْقِينِيُّ فِي فَتَاوِيهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ وَاقِفٍ شَرَطَ فِي وَقْفِهِ أَنْ يُصْرَفَ رِيعُهُ فِي جِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْهَا قُرَّاءٌ يَقْرَءُونَ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَهَلْ يَسْتَحِقُّونَ مَعْلُومَ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الْأُجْرَةِ الْمَقْبُوضَةِ أَوْ بَعْضِهَا بِحِسَابِهِ أَمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ إلَّا بَعْد انْقِضَاءِ الْإِجَارَةِ وَالْحَال أَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَنُصَّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَإِذَا حَصَلَ فِي الْوَقْفِ هَدْمٌ أَوْ خَلَلٌ فِيهِ فَتَوَقَّفَ النَّاظِرُ عَنْ عِمَارَتِهِ وَإِصْلَاحِهِ مِنْ رِيعِهِ فَهَلْ لِلْمُسْتَحِقِّينَ مُطَالَبَتُهُ بِذَلِكَ لِئَلَّا يَتَمَادَى إلَى خَرَابِهِ كُلِّهِ فَيَفُوتُ غَرَضُ الْوَاقِفِ وَهَلْ لِلْمُسْتَحِقِّينَ مُحَاسَبَتُهُ بِالْأُجْرَةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ لِيَعْلَمَ كُلٌّ مِنْهُمْ مَا يَخُصُّهُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْأُجْرَةَ تَزِيدُ وَتَنْقُصُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ

وَهَذَا مَحْسُوسٌ لَا خَفَاءَ فِيهِ وَإِذَا قُلْتُمْ لَهُمْ ذَلِكَ فَهَلْ لَهُمْ تَحْلِيفُهُ إذَا لَمْ يُصَادِقْهُمْ عَلَى شَيْءٍ خَفِيَ أَوْ الْقَوْلُ قَوْلُهُ مَنْ غَيْرِ مُحَاسَبَةٍ وَهَلْ لَهُمْ أَيْضًا مُحَاسَبَتُهُ فِي الْعِمَارَةِ أَيْضًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَسْتَحِقُّونَ مَا يَخُصُّ كُلَّ يَوْمٍ قَرَءُوهُ بِمُضِيِّهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ اسْتِحْقَاقُهُمْ لِذَلِكَ عَلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَيَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ الْعِمَارَةُ وَإِنْ لَمْ يَشْرِطهَا الْوَاقِفُ فَإِنْ تَرَكَهَا مَعَ التَّمَكُّنِ فَسَقَ وَانْعَزَلَ عَنْ النَّظَرِ وَلِلْمُسْتَحِقَّيْنِ مُطَالَبَتُهُ بِهَا وَلَهُمْ أَيْضًا مُطَالَبَتُهُ بِالْحِسَابِ إذَا كَانُوا مُعَيَّنِينَ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ كَشُرَيْحٍ وَغَيْرِهِ بِأَنَّ النَّاظِرَ لَوْ ادَّعَى صَرْفَهُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ وَهُمْ مُعَيَّنُونَ وَأَنْكَرُوا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ وَلَهُمْ الْمُطَالَبَةُ بِالْحِسَابِ وَبِهِ يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ جَمِيعِ مَا فِي السُّؤَالِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ وَقَفَ رَبْعَةً شَرِيفَةً وَقَرَّرَ فِيهَا صُوفِيَّةً وَشَيْخًا لَهُمْ وَقَرَّرَ لِكُلِّ إنْسَانٍ مَبْلَغًا مَعْلُومًا فِي كُلِّ سَنَةٍ وَشَرَطَ فِي كِتَابٍ وَقَفَهُ شُرُوطًا مِنْهَا أَنَّ مَنْ غَابَ أَكْثَرَ مَنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ ظَاهِرَةٍ أَخْرَجَهُ النَّاظِرُ أَوْ الشَّيْخُ وَقَرَّرَ فِي وَظِيفَتِهِ غَيْرَهُ وَكَانَ الْوَاقِفُ قَرَّرَ شَخْصًا فِي أَوَّلِ وَظِيفَةٍ تَشْغُرُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ فَشَغَرَتْ بَعْد مُدَّةٍ وَظِيفَةٌ بِمَوْتِ صَاحِبِهَا وَكَانَ الشَّخْصُ الْمُقَرَّرُ بِالتَّعْلِيقِ مُسَافِرًا إذْ ذَاكَ فِي بِلَادٍ بَعِيدَةٍ لَمْ يَبْلُغْهُ شُغُورُ الْوَظِيفَةِ فَهَلْ تَكُونُ غَيْبَتُهُ فِي الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ وَعَدَمُ عِلْمِهِ بِالشُّغُورِ ضَرُورَةً ظَاهِرَةً لِأَنَّهُ سَافَرَ قَبْل الشُّغُورِ وَإِذَا قُلْتُمْ إنَّهَا ضَرُورَةٌ ظَاهِرَةٌ فَهَلْ لِلْمُتَكَلِّمِ عَنْ الْغَائِبِ إقَامَةُ نَائِبٍ عَنْهُ إلَى حِينِ حُضُورِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَتَى ثَبَتَ لِلْمُقَرَّرِ بِالتَّعْلِيقِ حَقُّ الْوَظِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنْ اُسْتُوْفِيَتْ شُرُوطُ ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ وَحَكَمَ بِهِ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ مِنْ الْوَظِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَّا بَعْد عَمَلِهِ وَمُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ قَبْلَ حُضُورِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ شَرْعِيٌّ فِي عَدَمِ الْحُضُورِ كَخَوْفِ الطَّرِيقِ أَوْ عَدَمِ الْأَمْنِ عَلَى أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ لَوْ سَافَرَ مِنْ عِنْدِهِمْ وَقَدْ صَرَّحَ بِمَا ذَكَرْته آخِرًا أَوْ بِنَظِيرِ مَا ذَكَرْته أَوَّلًا تَلْوِيحًا شَيْخَا الْإِسْلَامِ أَبُو حَفْصِ السِّرَاجُ الْبُلْقِينِيُّ وَأَبُو زُرْعَةَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ قَالَ وَلِذَلِكَ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ حَبَسَ جِهَاتٍ لَهُ عَلَى عَشَرَةِ أَشْخَاصٍ مَنْ الْمُقِيمِينَ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ عَلَى أَنْ يَقْرَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جُزْءًا مِنْ الْقُرْآنِ الشَّرِيفِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَشَرَطَ أَنَّ مَنْ غَابَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِضَرُورَةٍ يُسَامَحُ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَائِبٍ وَمَنْ غَابَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فِي سَفَرِ حَجٍّ أَوْ زِيَارَةٍ أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ سُومِحَ بِإِقَامَةِ نَائِبٍ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ غَابَ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَلَوْ فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَوْ فِي سَفَرِ حَجٍّ أَوْ زِيَارَةٍ تُنْزَعُ مِنْهُ الْوَظِيفَةُ وَيُقَرَّرُ فِيهَا غَيْرُهُ وَشَرَطَ النَّاظِرُ فِي ذَلِكَ لِنَفْسِهِ التَّغْيِير وَالتَّبْدِيلِ عَلَى حَسَبِ مَا يَقْتَضِيه رَأْيُهُ وَثَبَتَ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى صِحَّةَ ذَلِكَ. وَرَفَعَ لَهُ شَخْصٌ قِصَّةً تَتَضَمَّن أَنَّهُ مِنْ الْمُقِيمِينَ بِالْبَلَدِ الْمُشْتَرَطِ فِيهَا قِرَاءَةُ الْجُزْءِ بِهَا وَسَأَلَهُ أَنْ يُقَرِّرهُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ يَشْغُرُ مِنْ ذَلِكَ فَأَجَابَ سُؤَالَهُ وَقَرَّرَهُ فِي ذَلِكَ وَالْحَالُ أَنَّهُ اسْتَمَرَّ مُقِيمًا بِغَيْرِ الْبَلَدِ الْمُشْتَرَطِ بِهَا الْقِرَاءَةُ إلَى أَنْ رَفَعَ لِلْوَاقِفِ النَّاظِرِ الْمُشَارِ إلَيْهِ أَعْلَاهُ شَخْصٌ آخَرُ قِصَّةً تَتَضَمَّن مَا تَضَمَّنَتْهُ الْقِصَّةُ الْأَوْلَى فَأَجَابَ النَّاظِرُ سُؤَالَهُ وَقَرَّرَهُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ يَشْغَرُ وَأَشْهَد عَلَى نَفْسِهِ النَّاظِرُ فِي ذَلِكَ وَأَثْبَتَ تِلْكَ الْقِصَّةَ عَلَى يَدِ حَاكِمِ الشَّرْعِ الَّذِي يَرَى صِحَّةَ ذَلِكَ فَانْتَقَلَ بِالْوَفَاةِ أَحَدُ الْمُسْتَحِقِّينَ فَأَظْهَرَ الثَّانِي مِنْ الْمُقَرَّرِينَ قِصَّتَهُ الْمَثْبُوتَةَ الْمَشْهُودَ فِيهَا عَلَى الْوَاقِفِ الْمَذْكُورِ أَعْلَاهُ فَمُكِّنَ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ وَبَاشَرَ عَامَيْنِ ثُمَّ إنَّ وَالِدَ الْمُقَرَّرِ الْأَوَّلِ نَازَعَ الثَّانِي عَنْ وَلَدِهِ بِحَسَبِ مَا بِيَدِهِ مِنْ الْقِصَّةِ الْعَارِيَّةِ عَنْ الثُّبُوتِ وَعَنْ الْإِشْهَادِ عَلَى النَّاظِرِ الْمَذْكُورِ أَعْلَاهُ وَرَفَعَ أَنَّهُ مَحْجُورٌ مَعَ أَنَّ الْمُقَرِّرَ الْأَوَّلَ مِنْ يَوْمِ قَرَّرَ إلَى الْآنَ غَائِبٌ عَنْ الْبَلَدِ الْمُشْتَرَطِ الْقِرَاءَةُ فِيهَا فَهَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عَنْ وَلَدِهِ بِحَسَبِ حَجْرِهِ لَهُ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ لَا فَهَلْ اسْتِمْرَارُ غَيْبَتِهِ بَعْد الشُّغُورِ وَإِظْهَارِ الثَّانِي الْمُقِيمِ بِالْبَلَدِ الْمُشْتَرَطِ فِيهَا الْقِرَاءَةُ قِصَّتَهُ الْمَحْكُوم بِهَا وَتَمْكِينُهُ مَنْ الْمُبَاشَرَةِ وَالْمُبَاشَرَةُ لِتِلْكَ الْمُدَّةِ مُبْطِلٌ لِمَا بِيَدِ الْأَوَّلِ مَنْ التَّقْرِيرِ وَيُوجِبُ الِاسْتِحْقَاقَ لِلثَّانِي أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا ثَبَتَ أَنَّ النَّاظِرَ الَّذِي هُوَ الْوَاقِفُ اشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ التَّغْيِيرَ وَالتَّبْدِيلَ عَلَى حَسْبِ مَا يَرَاهُ وَحَكَمَ بِصِحَّتِهِ وَبِصِحَّةِ التَّقْرِيرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ كَانَ

تَقْرِيرُهُ لِلثَّانِي إبْطَالًا لِتَقْرِيرِهِ لِلْأَوَّلِ إنْ كَانَ حَالُ تَقْرِيرِ الثَّانِي ذَاكِرًا لِتَقْرِيرِ الْأَوَّلِ وَصَرَّحَ بِالرُّجُوعِ عَنْهُ أَوْ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ قَرِينَةٌ وَإِلَّا اشْتَرَكَا فِي الْوَظِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا لَوْ أَوْصَى بِعَيْنٍ لِزَيْدٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهَا لِعُمَرَ وَشَرَّكَ بَيْنهمَا فَإِنْ قَالَ الَّذِي أَوْصَيْتُ بِهِ لِعُمَرَ وَكَانَ رُجُوعًا عَنْ الْوَصِيَّةِ الْأَوْلَى وَفِي الْحَالَةِ الْأَوْلَى لَوْ رَدَّ أَحَدُهُمَا كَانَ لِلْآخَرِ الْجَمِيعُ اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّا إذَا قُلْنَا بِالتَّشْرِيكِ بَيْنَ الْمُقَرَّرِينَ فِي السُّؤَالِ فَبَطَل حَقُّ الْأَوَّلِ لِعِلْمِهِ بِالْمَوْتِ وَغَيْبَتِهِ الْمُدَّةَ الَّتِي اشْتَرَطَهَا الْوَاقِفُ لِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ اسْتَحَقَّ الثَّانِي جَمِيعَ الْوَظِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ وَحَيْثُ ثَبَتَ لِلْأَوَّلِ حَقٌّ نَابَ عَنْهُ وَلِيُّهُ أَوْ وَكِيلُهُ الثَّابِتَةُ وِلَايَتُهُ أَوْ وَكَالَتُهُ وَإِلَّا فَلَا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا إذَا جُدِّدَ مَسْجِدٌ وَزِيدَ عَلَى حُدُودِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فَهَلْ لِلْمَزِيدِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ وَنَحْوِهَا وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْن كَوْنِ الْأَرْضِ الَّتِي زِيدَ فِيهَا مَوَاتًا أَوْ مِلْكًا لِلْمَسْجِدِ وَبَيْن نِيَّةِ جَعْلِهِ مَسْجِدًا وَالْإِطْلَاقِ وَإِذَا لَمْ يَثْبُت لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فَهَلْ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّمَا يَكُونُ لِلْمَزِيدِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ وَغَيْرِهَا إنْ وَقَفَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةِ بِأَرْضِهَا مَسْجِدًا بِأَنْ تَلَفَّظَ الْوَاقِفُ بِذَلِكَ أَوْ كَانَتْ أَرْضُ الزِّيَادَةِ مَوَاتًا وَنَوَى بِالْبِنَاءِ فِيهَا إحْيَاءَهَا مَسْجِدًا وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِذَلِكَ فَإِنْ انْتَفَى قَيْدٌ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ لَمْ يَكُنْ لِلزِّيَادَةِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ وَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الْمَسْجِدِ حَيْثُ كَانَ فِيهَا مَصْلَحَةٌ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا ضَرَرٌ كَهَدْمِ جِدَارِ الْمَسْجِدِ أَوْ إحْدَاث مَا يَضُرّهُ كَوَضْعِ الْجُذُوعِ عَلَى جِدَارِهِ فَإِنْ انْتَفَى شَرْطٌ مِمَّا ذُكِرَ امْتَنَعَتْ الزِّيَادَةُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا قَالَ أَحَدٌ وَقَفْتُ كَذَا وَجَعَلْتُ زَيْدًا وَالِيًا عَلَيْهِ وَهُوَ بِحِلٍّ مِمَّا يَأْخُذُ مِنْ الْوَقْفِ هَلْ يُؤَثِّرُ هَذَا الْإِحْلَالُ أَثَرًا أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَمَّا قَوْلُهُ وَجَعَلْته وَالِيًا عَلَيْهِ فَلَا يُفِيدُ شَرْطُ النَّظَرِ لَهُ عَلَى إطْلَاقِهِ فَفِي شَرْحِي لِلْإِرْشَادِ قَالَ السُّبْكِيّ وَمُوَرِّقُو كُتُبِ الْأَوْقَافِ تَارَةً يَقُولُونَ وَشَرَطَ الْوَاقِفِ النَّظَرَ لِفُلَانٍ وَيَفْهَمُونَ بَيْنهمَا مَعْنًى وَاحِدًا وَهُوَ الِاشْتِرَاطُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ إذَا دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَجْعَلهُ فِي ضِمْنِ الْكِتَابِ. وَيَشْهَدُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ وَقْفٌ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ وَمَا أَشْبَهَهُ حَتَّى لَوْ قَالَ فِي الْكِتَابُ وَبَعْد تَمَامِ الْوَقْفِ جَعَلَ النَّظَرِ لِفُلَانٍ أَوْ شَرَطَهُ لَهُ لَمْ يَصِحَّ فَالْحَاصِل أَنَّهُ إذَا وَرَدَ الْوَقْفُ عَلَى صِفَةٍ دَلَّ عَلَيْهَا بِصِيغَةِ الشَّرْطِ أَوْ الْجَعْلِ أَوْ التَّفْوِيضِ أَوْ غَيْرِهَا لَزِمَ جَمِيعُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ الَّذِي أَوْرَدَ الْوَقْفَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْرَدَ الْوَقْف وَحْده ثُمَّ ذَكَرَ تِلْكَ الشُّرُوطَ مُتَرَاخِيَةً أَوْ مُتَعَاقِبَةً فَإِنَّهَا لَا تَلْزَم وَلَا تَصِحّ وَفِي إطْلَاقه ذَلِكَ نَظَرٌ يُتَلَقَّى مِمَّا مَرَّ فِي وَقَفْت وَشَرَطْت وَيُجَاب بِأَنَّ مَا ذُكِرَ إنَّمَا هُوَ فِي عِبَارَاتِ كُتُبِ الْأَوْقَافِ الْمُحْتَمَلَة لِصُدُورِهَا مِنْ الْوَاقِفِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ فَاحْتِيطَ لَهَا بِمَا ذُكِرَ. وَمَا مَرَّ إنَّمَا هُوَ فِي لَفْظِ الْوَاقِفِ الْمُحَقِّقِ فَعُمِلَ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَهُوَ بِحِلٍّ إلَخْ فَلَا أَثَر لَهُ لِأَنَّهُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْإِبَاحَةِ لَا الشَّرْطِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَالْإِبَاحَةُ لَا تُتَصَوَّر مِنْ الْوَاقِفِ لِأَنَّهُ بِالْوَقْفِ خَرَجَتْ الْعَيْنُ الْمَوْقُوفَةُ عَنْ مِلْكه فَلَا تَنْفُذُ إبَاحَتُهُ فِيهَا عَلَى أَنَّ مِثْلَ تِلْكَ الصِّيغَةِ لَوْ صَدَرَتْ مَنْ حَيٍّ لِآخَرَ فِي مَالِهِ لَمْ يَسْتَبِحْهُ بِهَا فَبِالْأَوْلَى أَنْ لَا يَسْتَبِيح بِهَا مِنْ الْوَاقِفِ شَيْئًا وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَبَحْت لَك مَا فِي دَارِي مِنْ الطَّعَامِ أَوْ مَا فِي كَرْمِي مِنْ الْعِنَبِ جَازَ لَهُ أَكْلُهُ لَا بَيْعُهُ وَحَمْلُهُ وَتُقْتَصَرُ الْإِبَاحَةُ عَلَى الْمَوْجُودِ وَلَوْ قَالَ أَبَحْت لَك جَمِيعَ مَا فِي دَارِي أَكْلًا وَاسْتِعْمَالًا وَلَمْ يَعْلَمْ الْجَمِيعَ لَمْ تَحْصُلْ الْإِبَاحَةُ اهـ. فَالصُّورَةُ الْأَخِيرَةُ هِيَ الَّتِي نَظِيرُ مَسْأَلَتنَا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهَا مَعَ الْجَهْلِ لَا تُفِيدُ الْإِبَاحَةَ فَبِالْأَوْلَى أَنْ لَا تُفِيدَهَا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ مِمَّا قَرَّرْته عَلَى أَنَّ لِلْعِمَادِ بْنِ يُونُسَ احْتِمَالًا فِي نَظِيرِ مَسْأَلَتنَا بِالْبُطْلَانِ. فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ قَالَ وَقَفْت دَارِي هَذِهِ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا وَلِأُمِّي السُّكْنَى بِهَا حَتَّى تَمُوتَ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا صِحَّةُ الْوَقْفِ وَإِلْغَاءُ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ تَطْلُقُ وَيَلْغُو الِالْتِزَام وَالثَّانِي بُطْلَانُهُ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِيهِ اسْتِيفَاءَ مَنْفَعَتِهِ مُدَّةً مَجْهُولَةً وَهِيَ حَيَاتُهَا فَهَذَا الِاحْتِمَالُ يَجْرِي فِي مَسْأَلَتنَا وَلَكِنَّ الْأَوْجَهَ

مِنْ احْتِمَالَيْ ابْنِ الْعِمَادِ الْأَوَّلُ وَيُجَابُ عَمَّا عَلَّلَ بِهِ الثَّانِي الْجَارِي فِي مَسْأَلَتنَا نَظِيرُهُ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ نَصًّا فِي الشَّرْطِيَّة إذْ قَوْلُهُ وَلِأُمِّي إلَخْ بِالْوَعْدِ أَوْ الْإِبَاحَةِ أَشْبَهُ كَمَا قُلْنَاهُ فِي مَسْأَلَتنَا فَمِنْ ثَمَّ رَجَّحْنَا بُطْلَانَهُ هُوَ لَا بُطْلَانَ الْوَقْفِ مِنْ أَصْلِهِ وَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا اسْتَغَلَّ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْغَلَّةَ وَانْتَفَعَ بِهَا بِغَيْرِ صَرْفٍ مَنْ النَّاظِرِ فَتَقَعُ الْمَوْقِعَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ تَقَعُ الْمَوْقِعَ كَمَا يُعْلَمُ بِالْأَوْلَى مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي مَبْحَثِ الْوِصَايَةِ مِنْ أَنَّ لِلْمُسْتَحِقِّ لِعَيْنٍ فِي التَّرِكَةِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِأَخْذِهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِنَحْوِ فَتْحِ بَابٍ وَحَلِّ وِكَاءٍ وَيُشْتَرَطُ هُنَا أَيْضًا أَنْ لَا يَكُونَ النَّاظِرُ أَرْصَدَهُ تَحْتَ يَدِهِ لِعِمَارَةٍ أَوْ نَحْوهَا وَأَنْ لَا يَكُونَ اسْتَحَقَّ صَرْفَهُ فِي ذَلِكَ لِوُجُودِ الدَّاعِي إلَيْهِ فَحِينَئِذٍ مَتَى أَخَذَهُ ضَمِنَهُ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ حِينَئِذٍ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ الْأَنْوَارِ وَغَيْرُهُ يَبْدَأُ مِنْ فَوَائِدِ الْوَقْفِ بِعِمَارَتِهِ سَوَاءٌ أَشَرَطَ الْوَاقِفُ ذَلِكَ أَمْ لَمْ يَشْرِطْهُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ بُسْتَانًا عَلَى أَحَدٍ وَاشْتَرَطَ عِمَارَةَ دَارِهِ الْمَوْقُوفَةِ مِنْ غَلَّةِ الْبُسْتَانِ فَاسْتَغَلَّ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْبُسْتَانَ مُدَّةً ثَمَّ وَقَعَ الْخَرَابُ بِالدَّارِ هَلْ يُؤْخَذُ لِعِمَارَةِ الدَّارِ مِمَّا اسْتَغَلَّهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مِنْ الْبُسْتَانِ قَبْلَ الْخَرَابِ شَيْءٌ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَمَّا الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ فَالظَّاهِرُ صِحَّتَهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِي فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنَّ الْعِمَارَةَ عَلَى السَّاكِنِ وَشَرَطَ أَنَّ تِلْكَ الدَّارَ لَا تُؤَجَّرُ فَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي مِنْ كَلَامِهِمْ بَعْد الْفَحْصِ أَنَّ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ صَحِيحٌ كَمَا شَمِلَهُ عُمُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ لَمْ يَشْرِطْ أَيْ نَفَقَتَهُ فِي كَسْبِهِ ثُمَّ فِي بَيْتِ الْمَالِ إنْ لَمْ يَشْرِطْ. وَقَوْلُهُمْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ مَا لَمْ يُنَافِ الْوَقْفَ أَوْ الشَّرْعَ وَفَائِدَةُ صِحَّتِهِ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْعِمَارَةَ لَا تَجِبُ عَلَى أَحَدٍ فَلَا يُلْزَمُ بِهَا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ لِأَنَّ لَهُ تَرْكَ مِلْكِهِ بِلَا عِمَارَةٍ فَمَا يَسْتَحِقُّ مَنْفَعَتَهُ بِالْأَوْلَى تَوَقُّفُ اسْتِحْقَاقِهِ عَلَى تَعْمِيرِهِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِيمَا إذَا أَشْرَفَتْ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا عَلَى الِانْهِدَامِ لَا بِسَبَبِهِ بَيْن أَنْ يُعَمِّرَ وَيَسْكُنَ وَبَيْنَ أَنْ يُهْمِلَ وَإِنْ أَفْضَى ذَلِكَ إلَى خَرَابِهَا نَعَمْ عَلَى النَّاظِر إيجَارُهَا الْمُتَوَقِّفُ عَلَيْهِ بَقَاؤُهَا وَإِنْ خَالَفَ شَرْطَ الْوَاقِفِ عَدَمَهُ لِأَنَّهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ لَا يُقَالُ شَرْطَ الْعِمَارَةِ عَلَى السَّاكِنِ يُنَافِي مَقْصُودَ الْوَاقِفِ مِنْ إدْخَالِ الرِّفْقِ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إذْ شَأْنُهُ أَنْ يَغْنَمَ وَلَا يَغْرَمَ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ قَطَعَ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ بِالصِّحَّةِ فِيمَا لَوْ وَقَفَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْكُنَ مَكَانَ كَذَا كَمَا مَرَّ وَهَذَا صَادِقٌ بِمَا إذَا عَيَّنَ مَكَانًا لَا يُسْكَنُ إلَّا بِأُجْرَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ. وَإِنْ لَمْ يَحْتَجَّ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ لِسُكْنَاهُ أَوْ زَادَتْ أُجْرَتُهُ عَلَى مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ فَكَمَا أَوْجَبَ الِاسْتِحْقَاقُ هُنَا السُّكْنَى بِالْأُجْرَةِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا فَكَذَلِكَ تَجِبُ الْعِمَارَةُ لِاسْتِحْقَاقِ السُّكْنَى إنْ أَرَادَهَا وَإِلَّا سَقَطَ حَقُّهُ مِنْهَا فَعُلِمَ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ قَدْ يَغْرَمُ وَقَدْ يَحْصُلُ لَهُ رِفْقٌ بِالْمَوْقُوفِ وَأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ غَيْرُ مُنَافٍ لِلْوَقْفِ حَتَّى يَلْغُوَ كَشَرْطِ الْخِيَارِ فِيهِ مَثَلًا وَإِنَّمَا غَايَتُهُ أَنَّهُ قَيَّدَ اسْتِحْقَاقَهُ لِسُكْنَاهُ بِأَنْ يُعَمِّرَ مَا تَهَدَّمَ مِنْهُ فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَلْيُعَمِّرْهُ وَإِلَّا فَلْيُعْرِضْ عَنْهُ ثُمَّ رَأَيْت بَعْض مَشَايِخَنَا أَيَّدَ الصِّحَّةَ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا لَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِأَلْفٍ إنْ تَبَرَّعَ لَوَلَدِهِ بِخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّهُ يَصِحّ وَإِذَا قَبِلَ لَزِمَهُ دَفْعُهَا إلَيْهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ النَّفَقَةَ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لَزِمَتْهُ بِمَعْنَى أَنَّ اسْتِحْقَاقه يَتَوَقَّفُ عَلَى بَذْلهَا انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَأَخْذُ صِحَّةِ الشَّرْطِ مِنْهَا فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ كَمَا لَا يَخْفَى وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِهِ أَيْضًا. قَوْلُهُمْ لَوْ وَقَفَ دَابَّةً وَجَعَلَ الرُّكُوبَ لِوَاحِدٍ وَالدَّرَّ وَالنَّسْلَ لِآخَرَ جَازَ قَطْعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَقَوْلُهُمْ نَفَقَةُ الْعَبْدِ وَالْبَهِيمَةِ الْمَوْقُوفَيْنِ إلَّا شَرَطَهَا الْوَاقِفُ فِي كَسْبِهِمَا اتَّبَعَ شَرْطَهُ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَكَذَا إنْ شَرَطَهَا فِي مَالِ نَفْسِهِ وَفِي مَعْنَاهُ مَا إذَا شَرَطَهَا فِي وَقْفٍ آخَرَ وَقَفَهُ ثُمَّ إذَا صَحَّ الشَّرْطُ فَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الصَّرْفَ إلَى الدَّارِ بَعْد خَرَابِهَا أَوْ خَرَابِ بَعْضِهَا أَوْ إشْرَافِهِ عَلَى الْخَرَابِ فَمِنْ الْآن يُمْنَع الْمَوْقُوف عَلَيْهِ مِنْ أَخْذ شَيْءٍ مِنْ الْغَلَّةِ حَتَّى تَكْمُلَ الْعِمَارَةُ لِاسْتِحْقَاقِ صَرْفِهَا لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْعِمَارَةُ الْمَذْكُورَةُ فَإِنْ أَخَذَ مِنْهَا شَيْئًا غَرِمَهُ وَأَمَّا مَا اسْتَغَلَّهُ قَبْل الْإِشْرَافِ عَلَى الِانْهِدَامِ فَإِنَّهُ يَفُوزُ بِهِ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ بِالظُّهُورِ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّقِ حَقِّ أَحَدٍ بِهِ. وَعَلَى

هَذَا لَوْ اسْتَغَلَّ ثَمَرَةَ سَنَةٍ ثُمَّ وَقَعَ خَرَابٌ بِهَا بَعْد الِاسْتِغْلَالِ فَازَ بِهِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَاسْتَمَرَّتْ الدَّارُ مُعَطَّلَةً إلَى غَلَّةِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ يَمْلِكُ أُجْرَةَ الدَّارِ الْمَوْقُوفَةِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقْد أَفْتَى الْقَفَّالُ وَصَرَّحَ الْإِصْطَخْرِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ أَجَّرَهُ النَّاظِرُ سِنِينَ بِأُجْرَةٍ مُعَجَّلَةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْعَلَ الْأُجْرَةَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُعْطِي بِقِسْطِ مَا مَضَى وَوَقَعَ لِابْنِ الرِّفْعَةِ أَنَّ لَهُ التَّعَجُّلَ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَإِنْ عَجَّلَ النَّاظِرُ فَمَاتَ الْآخِذُ ضَمِنَ النَّاظِرُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ أَيْضًا وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّ لِلنَّاظِرِ مَنْع الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مِنْ سُكْنَى الدَّارِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَيْهِ لِيُؤَجِّرَهَا لِعِمَارَةٍ اقْتَضَاهَا الْحَالُ وَإِلَّا لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى الْخَرَابِ. وَقَوْلِي السَّابِقُ بِالظُّهُورِ سَبَقَنِي إلَيْهِ الْقَاضِي فِي ثَمَرَةِ غَيْرِ النَّخْلِ وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ وَعِبَارَةُ فَتَاوِيهِ إذَا مَاتَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ بَعْد خُرُوجِ الثَّمَرَةِ إنْ كَانَتْ ثَمَرَةَ غَيْرِ النَّخْلِ فَهِيَ لِلْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَتْ ثَمَرَةَ النَّخْلِ فَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ بَعْد التَّأْبِيرِ وَقَبْلَهُ وَجْهَانِ انْتَهَتْ قَالَ الْغَزِّيُّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ وَكَذَا لَوْ تَرَكَ شَاةً أَوْ جَارِيَةً حَامِلًا فَوَلَدَتْ بَعْد مَوْتِهِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ هُنَا لَهُ قِسْطٌ أَوْ لَا اهـ. وَقَضِيَّةُ بِنَائِهِ أَنَّ الْأَرْجَحَ مِنْ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ الْحَمْلَ لِلْمَيِّتِ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يَعْلَمُ وَيُقَابِلُ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَذْكُرْ الْغَزِّيُّ حُكْمَ مَا إذَا مَاتَ وَقَدْ سَنْبَلَ الْحَبُّ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ بَعْدَ الِاشْتِدَادِ كَبَعْدِ تَأْبِيرِ النَّخْلِ وَقَبْله عَلَى الْوَجْهَيْنِ اهـ. وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِقَوْلِي وَأَمَّا مَا اسْتَغَلَّهُ قَبْل الْإِشْرَافِ فَإِنَّهُ يَفُوزُ بِهِ إلَخْ قَوْلُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ لَوْ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ الْمُقِيمِينَ بِدِمَشْقَ مِنْ أَهْلِهَا وَالْوَارِدِينَ إلَيْهَا مِنْ الشَّامِ دُون غَيْرِهِ فَحَصَلَ مِنْ الْوَقْفِ حَاصِل وَتَأَخَّرَتْ قِسْمَته حَتَّى وَرَدَ وَارِدٌ مِنْ الْمَوْصُوفِينَ لَمْ يُسَاهِمْهُمْ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِفُقَرَاءَ وَهُمْ مَحْصُورُونَ اهـ. فَتَأَمَّلْ إفْتَاءَهُ بِعَدَمِ الْمُسَاهَمَةِ فِيمَا ذَكَرَهُ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِيمَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا ظَهَرَ مِنْ الثَّمَرَةِ قَبْل اسْتِحْقَاقِ الْعِمَارَةِ يَفُوزُ بِهِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُهُ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْهُ لَهَا وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الصَّرْفُ مِنْ الْغَلَّةِ الَّتِي قَارَنَ ظُهُورُهَا وُجُودَ سَبَبَ الْعِمَارَةِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ وَقَفْت عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ فَقَبِلَ زَيْدٌ ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ رَدَّ بَعْضَ الْأَوْلَادِ فَحِصَّتُهُ لِمَنْ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هَذَا وَقْفٌ مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ حَيْثُ لَا زِيَادَةَ عَلَى مَا ذَكَرنَا فِي السُّؤَال وَمَصْرِفُ مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ أَقْرَبُ النَّاسِ رَحِمًا إلَى الْوَاقِفِ يَوْمَ انْقِرَاضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَفِي صُورَتِنَا لَا يُصْرَفُ لِلْأَقْرَبِ إلَيْهِ شَيْءٌ إلَّا بَعْد انْقِرَاضِ جَمِيعِ الْأَوْلَادِ أَوْ رَدِّهِمْ كُلِّهِمْ فَإِذَا مَاتَ بَعْضُهُمْ أَوْ رَدَّ وَبَقِيَ بَعْضُهُمْ صَرَفَ الْكُلَّ إلَى مَنْ بَقِيَ وَلَوْ وَاحِدًا وَهَذَا ظَاهِرٌ جَلِيٌّ مِنْ كَلَامِهِمْ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ بَنَى فِي مَوْضِعٍ مَمْلُوكٍ بِنَاءً لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا ثُمَّ جَعَلَهُ مَسْجِدًا مِنْ غَيْر وَقْفِ الْأَرْضِ فَهَلْ يَصِيرُ بِذَلِكَ مَسْجِدًا أَوْ لَا وَهَلْ يَجُوزُ بِنَاءُ الْمَسْجِدِ فِي أَرْضٍ مُسْتَعَارَةٍ أَوْ مُسْتَأْجَرَةٍ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ كَالْقَمُولِيِّ قَالَ بَعْضُهُمْ وَلَا يَصِحّ الِاعْتِكَافُ فِي بِنَاءِ أَرْضٍ مُسْتَأْجَرَةٍ إلَّا أَنْ يُثَبِّتَ فِيهِ دَكَّةً أَوْ بَلَّطَهُ بِأَحْجَارٍ وَوُقِفَتْ مَسْجِدًا وَاعْتَمَدَاهُ هُمَا وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ أَوْجَهُ مِمَّا وَقَعَ لِلزَّرْكَشِيِّ مِنْ صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَبْنِ فِيهِ مَسْطَبَةً بَلْ عِنْدَ التَّأَمُّلِ لَا وَجْهَ لِمَا قَالَهُ لِأَنَّهُ إنْ وَقَفَ ذَلِكَ الْبِنَاءَ مَسْجِدًا وَقُلْنَا بِصِحَّةِ وَقْفِهِ هُوَ لِإِقْرَارٍ لَهُ وَالِاعْتِكَافُ إنَّمَا يَصِحُّ بِاللُّبْثِ فِي مَسْجِدٍ وَلُبْثه هُنَا لَيْسَ فِي مَسْجِدٍ بِخِلَافِهِ فِي الدَّكَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّهَا مَسْجِدٌ فَاللُّبْث فِيهَا لُبْثٌ فِي مَسْجِدٍ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ قَالَ عَقِب قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ الْمُتَّجَهُ صِحَّتُهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَغْرِسْ بِالْبِنَاءِ تَبَعًا لِلْحِيطَانِ وَالسَّقْفِ وَإِنْ جَلَسَ عَلَى الْأَرْضِ لِأَنَّ الْهَوَاءَ يُحِيطُ بِهِ اهـ. مُلَخَّصًا وَمَا قَالَهُ عَجِيبٌ وَالصَّوَابُ خِلَافُهُ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ إنَّمَا يَصِحّ عَلَى السَّقْفِ لَا تَحْتَهُ انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ وَهِيَ صَرِيحَةٌ كَمَا تَرَى فِي صِحَّة وَقْف الْبِنَاءِ دُون الْأَرْضِ مَسْجِدًا سَوَاء أَكَانَتْ الْأَرْضُ مُسْتَأْجَرَةً أَمْ مُسْتَعَارَةً أَمْ لَا وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْإِرْشَادِ الرَّابِعُ الْمُعْتَكَفُ فِيهِ فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ إلَّا فِي مَسْجِدٍ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِلْإِجْمَاعِ وَلَا فَرْقَ بَيْن سَطْحِهِ وَصَحْنِهِ وَرَحْبَتِهِ الْمَعْدُودَةِ مِنْهُ وَأَفْهَم كَلَامه أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي مُصَلَّى بَيْتِ الْمَرْأَةِ وَلَا فِيمَا وُقِفَ جُزْؤُهُ شَائِعًا مَسْجِدًا وَلَا فِي مَسْجِدٍ أَرْضُهُ مُسْتَأْجَرَةٌ وَهُوَ

كَذَلِكَ نَعَمْ رَجَّحَ الْإِسْنَوِيُّ قَوْلَ بَعْضِهِمْ لَوْ بَنَى فِيهِ مَسْطَبَةً وَوَقَفَهَا مَسْجِدًا صَحَّ كَمَا يَصِحُّ عَلَى سَطْحِهِ وَجُدْرَانِهِ وَقَوْلِ الزَّرْكَشِيّ يَصِحّ وَإِنْ لَمْ يَبْنِ مَسْطَبَةً مَرْدُودٌ إذْ الْمَسْجِدُ هُوَ الْبِنَاءُ الَّذِي فِي تِلْكَ الْأَرْضِ لَا الْأَرْضُ وَمِنْ هُنَا عُلِمَ أَنَّهُ يَصِحُّ وَقْفُ الْعُلْوِ دُون السُّفْلِ مَسْجِدًا كَعَكْسِهِ انْتَهَتْ وَهِيَ أَيْضًا مُصَرِّحَةٌ بِصِحَّةِ وَقْفِ الْبِنَاءِ دُون الْأَرْضِ مَسْجِدًا فَالْمُصَلِّي فِي هَوَائِهِ كَأَنَّهُ مُصَلٍّ بِالْمَسْجِدِ وَلَوْ سَقَّفَ ذَلِكَ الْبِنَاءَ صَحَّ عَلَى سَقْفِهِ الِاعْتِكَافُ وَأُعْطِيَ سَقْفُهُ جَمِيعَ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ وَذَكَرَ الْقَمُولِيُّ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ نَحْو مَا قَدَّمْته فَقَالَ يَصِحّ وَقْفُ الْعُلْوِ دُونَ السُّفْلِ مَسْجِدًا وَعَكْسُهُ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَرَادَ بِنَاءَ مَسْجِدٍ فِي أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ لِلسُّكْنَى وَقُلْنَا لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ فِيهَا وَهُوَ الْمُرَجَّحُ فَالْحِيلَةُ أَنْ تُبْنَى الْعَرْصَةُ بِالْآجُرِّ وَالنُّورَةِ فَيَصِيرُ مَسْجِدًا إذَا وَقَفَهُ قِيَاسًا عَلَى وَقْفِ الْعُلْوِ دُون السُّفْلِ اهـ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ بَنَى مَسْجِدًا فِي مَوَاتٍ صَارَ مَسْجِدًا بِالنِّيَّةِ وَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ آلَاتِهِ بَعْد اسْتِقْرَارِهَا فِي مَوْضِعهَا وَهِيَ قَبْلَهُ مِلْكه إلَّا أَنْ يَقُولَ إنَّهَا لِلْمَسْجِدِ فَتَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ وَلَوْ بَنَى بَعْضَهُ لَمْ يُجْبَر عَلَى إتْمَامه وَلَوْ سَقَطَ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَضْمَنهُ سَوَاءٌ أَذِنَ الْإِمَامُ أَمْ لَا اهـ. قَالَ الْقَمُولِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ وَفِي قَوْلِهِ تَخْرُجُ آلَاتُهُ عَنْ مِلْكِهِ بِقَوْلِهِ إنَّهَا لِلْمَسْجِدِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي تَوَقُّفُهُ عَلَى قَبُولِ مَنْ لَهُ النَّظَرُ وَقَبْضُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْبُقْعَةَ تَقْدِيرًا وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي الْبِئْرِ الْمَحْفُورَةِ فِي الْمَوَاتِ لِلتَّسْبِيلِ وَمَا يَحْيَى بِقَصْدِ تَسْبِيلِهِ مَقْبَرَةً قُلْته تَخْرِيجًا اهـ. فَتَأَمَّلْ كَوْنَهُ حُكِمَ بِأَنَّ الْبِنَاءَ مَسْجِدٌ مَعَ بَحْثِهِ أَنَّ الْبَانِي لَا يَمْلِك الْأَرْضَ تَقْدِيرًا وَأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى كَوْنِهَا مَوَاتًا لِيَزِيدَ بِذَلِكَ اتِّضَاحُ مَا مَرَّ مِنْ صِحَّةِ وَقْفِ الْبِنَاءِ مَسْجِدًا دُون الْأَرْضِ وَقَوْلُ الْفَارِقِيِّ لَا يَصِيرُ مَسْجِدًا لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ يَنْتَفِعُونَ بِهِ فَلَا يَجُوزُ تَخَصُّصُهُ بِالصَّلَاةِ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ ضَعُفَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَرْضِ دُون الْبِنَاءِ فَيُوَافِقُ مَا مَرَّ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ السَّابِق أَنَّهُ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ الْآلَةِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهَا فِي مَوْضِعِهَا رَدٌّ بِمَا نَقَلَهُ الْقَمُولِيُّ بَعْدَهُ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَمَّرَ مَسْجِدًا خَرَابًا وَلَمْ يَقِفْ الْآلَةَ كَانَتْ عِمَارَتُهُ لَهُ يَرْجِعُ فِيهَا مَتَى شَاءَ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ كُتُبَهُ هَلْ يَدْخُلُ مُصْحَفُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الظَّاهِرُ مَنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَدْخُلُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى كِتَابًا لُغَةً وَشَرْعًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ بَيْتَ الشَّعْرِ يُسَمَّى بَيْتًا لُغَةً وَهُوَ وَاضِحٌ وَشَرْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ} [النحل: 80] فَكَذَلِكَ نَقُولُ الْمُصْحَفُ يُسَمَّى كِتَابًا شَرْعًا لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَمَّاهُ فِي الْقُرْآنِ كِتَابًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ فَثَبَتَ أَنَّهُ يُسَمَّى كِتَابًا لُغَةً وَشَرْعًا وَبِفَرْضِ أَنَّهُ لَا يُسَمَّاهُ عُرْفًا لَا اعْتِبَارَ بِهِ فَقْد صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَغْيِيرُ مُقْتَضَى اللُّغَةِ بِاصْطِلَاحٍ. وَصَرَّحَ الْإِمَامُ بِأَنَّ الْعُرْفَ إنَّمَا يُعْمَلُ بِهِ فِي إزَالَةِ الْإِبْهَامِ لَا فِي تَغْيِيرِ مُقْتَضَى الصَّرَائِحِ وَقَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِأَنَّهُ إذَا تَعَارَضَتْ اللُّغَةُ وَالْعُرْفُ الْعَامُّ قُدِّمَتْ اللُّغَةُ ثُمَّ قَالَ مَتَى كَانَ اللَّفْظُ مُطْلَقًا وَجَبَ الْعَمَلُ بِإِطْلَاقِهِ عَمَلًا بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مَتَى عَمَّتْ اللُّغَةُ قُدِّمَتْ عَلَى الْعُرْفِ وَقَوْلُهُ إذَا اخْتَلَفَتْ اللُّغَةُ وَالْعُرْفُ فَكَلَامُ الْأَصْحَابِ يَمِيلُ إلَى تَرْجِيحِ اللُّغَةِ وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ يَرَيَانِ اعْتِبَارَ الْعُرْفِ أَيْ فِي الْأَيْمَانِ وَنَحْوهَا فَإِنْ قُلْت قَدْ قَدَّمُوا الْعُرْفَ عَلَى اللُّغَةِ فِيمَا يُشْبِه مَسْأَلَتنَا فَقَالُوا لَوْ قَالَ زَوْجَتِي طَالِق لَمْ تَطْلُقْ سَائِرُ زَوْجَاتِهِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ وَإِنْ اقْتَضَى وَضْعُ اللُّغَةِ الطَّلَاقَ لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ إذَا أُضِيفَ عَمَّ وَكَذَا لَوْ قَالَ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَمْ يُحْمَلُ عَلَى الثَّلَاثِ وَإِنْ كَانَ فِي اللُّغَةِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعُمُومِ. وَلَوْ أَوْصَى لِلْقُرَّاءِ لَمْ يَدْخُل مَنْ يَقْرَأُ فِي الْمُصْحَف وَلَا يَحْفَظُ عَمَلًا بِالْعُرْفِ لَا بِاللُّغَةِ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ قُلْت يُجَابُ عَنْ الصُّورَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ بِأَنَّ دُخُول الزَّائِد عَلَى الْوَاحِدَة فِيهِمَا خِلَافُ الْمَقْصُودِ بِحَسَبِ الظَّاهِر وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ شَرْطَ دُخُول غَيْر الْمَقْصُود فِي الْعَامِّ أَنْ لَا تَقُومَ قَرِينَةٌ عَلَى إخْرَاجِهِ وَإِلَّا لَمْ يَدْخُل فِيهِ قَطْعًا وَالْقَرِينَة هُنَا اطِّرَاد اسْتِعْمَال ذَلِكَ مُرَادًا بِهِ الْوَاحِدَةَ لَا زَائِد عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَسْأَلَتنَا فَإِنَّهُ لَا يُقَال إنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا إخْرَاجُ الْمُصْحَفِ بَلْ الْمَقْصُودُ إدْخَالُهُ لِأَنَّ قَصْدَ الْوَاقِف الثَّوَاب وَهُوَ فِي وَقْفِ الْمُصْحَفِ أَكْثَر فَلَمْ يُعَارِضْ

الْوَضْعَ اللُّغَوِيَّ فِيهِ شَيْءٌ فَأُبْقِيَ عَلَى عُمُومِهِ. وَعَنْ الثَّالِثِ بِنَظِيرِ مَا قَبْلَهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّنَا لَمَّا نَظَرْنَا فِي أَكْثَرِ الْوَصَايَا رَأَيْنَا أَنَّهُمْ لَا يَقْصِدُونَ بِالْقُرَّاءِ فِيهَا إلَّا الْحُفَّاظَ فَحَمَلْنَا لَفْظَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِمْ دُون غَيْرِهِمْ وَإِنْ خَالَفَ الْوَضْعَ اللُّغَوِيَّ عَمَلًا بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ شَرْطَ شُمُولِ الْعَامِّ لِلصُّورَةِ الْمَقْصُودَةِ أَنْ لَا تَقُومَ قَرِينَةٌ عَلَى إخْرَاجِهَا وَهُنَا قَامَتْ الْقَرِينَةُ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ مُطْلَقِ مَنْ يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ فَعَمِلُوا بِذَلِكَ هَذَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ وَأَمَّا مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ عَلَى سَبِيلِ الْخُصُوصِ مِمَّا يَقْتَضِي أَوْ يُصَرِّحُ بِالدُّخُولِ فِي مَسْأَلَتنَا فَأُمُورٌ الْأَوَّلُ أَنَّ كَلَامَهُمْ فِي الْوَقْفِ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ الْمَدَارَ فِيهِ غَالِبًا عَلَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ لَا الْعُرْفِيِّ. وَمِنْ ثَمَّ لَمَّا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْعِشْرَةُ الْعَشِيرَةُ عَلَى الْأَصَحِّ اعْتَرَضَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ أَكْثَرَ مَنْ جَعَلَهُمْ عَشِيرَةً خَصَّصَهُمْ بِالْأَقْرَبِينَ وَنُقِلَ فِيهِ عِبَارَاتُ جَمْعٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ ثُمَّ قَالَ وَمُقْتَضَى مَا قَالُوهُ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِمْ ذُرِّيَّتُهُ وَعَشِيرَتُهُ الْأَدْنَوْنَ وَهُوَ الظَّاهِرُ الْمُخْتَارُ اهـ. وَتَرْجِيحُ الْأَذْرَعِيِّ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ الْأَقْرَبُ إلَى الْعُرْفِ يُرَدُّ بِمَا قَرَّرْته أَنَّ الَّذِي يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ فِي أَمَاكِنَ مِنْ صُوَرِ الْوَقْفِ أَنَّ اللُّغَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْعُرْفِ مِنْ ذَلِكَ شُمُولُ الْمَوْلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِلْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ فَإِنَّ الْأَكْثَرِينَ وَالْمُحَقِّقِينَ قَالُوا بِهِ وَوَجَّهُوهُ بِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُهُمَا وَانْفَرَدَ الْفَارِقِيَّ فَصَحَّحَ أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْمُعْتَقُ قَالَ لِأَنَّ اللَّفْظَ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ يَنْصَرِفُ إلَى الْعَتِيقِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ إطْبَاقَهُمْ إلَّا الْفَارِقِيَّ عَلَى تَقْدِيمِ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ عَلَى الْعُرْفِيِّ. وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا الْكَلَامُ الْمَشْهُورُ فِيمَا إذَا حَدَّثَ أَحَدُهُمَا بَعْد الْوَقْفِ عَلَى الْآخَرِ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ مِنْ دُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ فِيمَا لَوْ قَالَ الْوَاقِفُ إذَا كَانَ امْرَأَةً وَقَفْت عَلَى مَنْ يُنْسَبُ إلَيَّ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِي وَأُجِيبَ عَنْ الْإِشْكَال الْمُقَرَّرِ هُنَا بِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ اللُّغَوِيَّةِ لَا الشَّرْعِيَّةِ فَإِنْ قُلْت قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي قَوْلِهِمْ عَلَى عِيَالِي هُمْ مَنْ فِي نَفَقَتِهِ وَلَوْ وَالِدًا أَوْ وَلَدًا وَعَلَى حَشَمِي هُمْ مَنْ فِي نَفَقَتِهِ سِوَى الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَعَلَى حَاشِيَتِهِ هُمْ الْمُتَّصِلُونَ بِخِدْمَتِهِ مَأْخَذُ ذَلِكَ كُلِّهِ الْعُرْفُ اهـ. وَهَذَا يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ بِالْعُرْفِ فَلَا يَدْخُلُ الْمُصْحَفُ قُلْت فَرْقٌ ظَاهِرٌ بَيْنهمَا فَإِنَّ اللُّغَةَ لَمْ تَضْبِط تِلْكَ الْأَلْفَاظَ الثَّلَاثَةَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِمَا فِيهَا فَالرُّجُوعُ فِيهَا إلَى الْعُرْفِ إنَّمَا هُوَ لِتَعَذُّرِ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ أَوْ اضْطِرَابِهِ فِيهَا لَا لِتَقَدُّمِهِ عَلَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ فَإِنَّ الْوَضْعَ اللُّغَوِيَّ فِيهَا مُطَّرِدٌ اطِّرَادًا ظَاهِرًا أَنَّ الْمُصْحَفَ يُسَمَّى كِتَابًا فَقُدِّمَ هَذَا الْوَضْعُ عَلَى الْعُرْفِ سِيَّمَا. وَقَدْ عَضَّدَ اللُّغَوِيُّ الشَّرْعِيَّ كَمَا مَرَّ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ الرُّجُوعَ لِلْعُرْفِ إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ اطِّرَادِ اللُّغَةِ إنَّهَا لَمَّا اطَّرَدَتْ فِي الْغِلْمَانِ وَالْجَوَارِي وَالْفَتَيَاتِ وَالشُّبَّانِ رَجَعُوا إلَيْهَا فِيهَا فَقَالُوا الْأَوَّلُ لِمَنْ لَمْ يَبْلُغُ مِنْ الذُّكُورِ وَالثَّانِي لِمَنْ لَمْ يَبْلُغُ مِنْ الْإِنَاثِ وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ مَنْ بَلَغَ إلَى أَنْ يُجَاوِزَ ثَلَاثِينَ سَنَةَ وَلِمَا لَمْ يَطَّرِدْ فِيمَنْ بَلَغَ أَشُدَّهُ قَالُوا يُرْجَعُ فِيهِ لِرَأْيِ الْحَاكِمِ الثَّانِي قَوْلُهُمْ فِي الْإِقْرَارِ الْأَضْعَفِ مِنْ الْوَقْفِ فِي الشُّمُولِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي أَنَّ الْوَقْفَ كَالْبَيْعِ فِي الشُّمُولِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ وَلَوْ أَقَرَّ أَوْ أَوْصَى بِثِيَابِ بَدَنِهِ دَخَلَ فِيهِ حَتَّى الطَّيْلَسَانُ وَاللِّحَافُ وَالْقَلَنْسُوَةُ وَمُنَازَعَةُ الْإِسْنَوِيِّ فِي نَحْوِ الْآخَرِينَ رَدُّوهَا عَلَيْهِ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي رِعَايَتِهِمْ لِمُقْتَضَى اللُّغَةِ لَا الْعُرْفِ وَإِذَا رَاعَوْا ذَلِكَ فِي الْإِقْرَار الْأَضْعَفِ مِنْ الْوَقْف كَمَا تَقَرَّرَ وَفِي الْوَصِيَّةِ الْمُسَاوِيَةِ لِلْوَقْفِ فَلْيُرَاعُوهُ فِي الْوَقْفِ بِالْأَوْلَى فِي الْأَوَّلِ وَالْمُسَاوَاةِ فِي الثَّانِي. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ وَهَكَذَا وَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ثُمَّ شَرَطَ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ انْتَقَلَ حَقُّهُ لِوَرَثَتِهِ بِالنَّسَبِ لِلذَّكَرِ سَهْمَانِ وَلِلْأُنْثَى سَهْمٌ فَمَاتَ رَجُلٌ مِنْهُمْ وَخَلَفَ بِنْتًا وَأَخًا فَهَلْ لِبِنْتِهِ النِّصْفُ اعْتِبَارًا بِظُهُورِ قَصْدِهِ مِنْ أَنَّهُ أَرَادَ إجْرَاءَ الْوَارِثِ عَلَى فَرِيضَةِ اللَّهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى وَإِنْ قَصُرَتْ عِبَارَتُهُ لِجَرْيِهَا عَلَى الْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ أَوْ لَهَا الثُّلُثُ اعْتِبَارًا بِعُمُومِ لَفْظِهِ فَإِنْ قُلْتُمْ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَقَدْ مَاتَ الْأَخُ أَيْضًا وَهُوَ الْأَخِيرُ مِنْ الطَّبَقَةِ الْأَوْلَى وَلَمْ يَخْلُفْ فِي الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ إلَّا ابْنَ الْأَخِ وَبِنْتَ الْأَخِ الْمَذْكُورَةِ فَهَلْ لَهَا الثُّلُثُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الثَّانِيَةَ تَرْجِعُ فِي مَقَامِ الْأُولَى كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَجَمَاعَةٌ أَوْ لَا يَكُون لَهَا شَيْءٌ وَيَفُوزُ ابْنُ الْأَخِ بِالْجَمِيعِ بِاعْتِبَارِ الشَّرْطِ كَمَا مَالَ إلَيْهِ السَّيِّدُ

السَّمْهُودِيُّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ظَاهِرُ كَلَامِ أَئِمَّتِنَا فِي بَابِ الْوَقْفِ بَلْ صَرِيحُهُ كَمَا بَسَطْتُهُ فِي كِتَابِي الْمُسَمَّى بِالتَّحْقِيقِ فِيمَا يَشْمَلهُ لَفْظ الْعَتِيقِ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى مَا يُعْطِيهِ لَفْظُ الْوَاقِفِ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ مُعْتَبَرَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ غَيْرَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُهُ وَحِينَئِذٍ فَلَفْظُهُ هُنَا ظَاهِرٌ فِي عُمُومِ شَرْطِ أَنَّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَيُعْمَلُ بِهِ وَيَكُونُ لَهَا الثُّلُثُ وَلَهُ الثُّلُثَانِ وَلَا يُعْتَبَرُ بِالْمِيرَاثِ حَتَّى يَكُونَ لَهَا النِّصْفُ لِأَنَّهُ لَمْ تَقُمْ مِنْ لَفْظِهِ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ رِعَايَةَ الْإِرْثِ وَاسْتَثْنَاهَا مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ وَبِهَذَا يَرُدُّ قَوْلَ بَعْضِهِمْ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ أَنَّ لَهَا النِّصْفَ بِاعْتِبَارِ قَصْدِهِ أَنَّ لِلذَّكَرِ ضِعْفُ مَا لِلْمَرْأَةِ فِيمَا اسْتَوَوْا فِيهِ فِي كَيْفِيَّةِ الْإِدْلَاء إلَى الْمَيِّتِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ كَأَخٍ وَأُخْتٍ وَابْنٍ وَبِنْتٍ لَا فِيمَا لَمْ يَسْتَوِيَا فِيهِ كَذَلِكَ كَبِنْتٍ وَأَخٍ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِالْقَصْدِ لِقُوَّتِهِ لَا بِعُمُومِ اللَّفْظِ لِأَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا فِي النِّكَاحِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ الْعُمُومُ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُمَا يَعْلَمَانِ مَا انْطَوَى تَحْتَ عُمُومِ كَلَامِهِمَا بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا إذْ لَا يَسْتَحْضِرُ حَالَ نُطْقِهِ مَا انْطَوَى مِنْ الْمَعَانِي تَحْتَ عُمُومِ لَفْظِهِ فَيَكُونُ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ عَمَلًا بِقُوَّةِ الْقَصْدِ لِأَنَّ الصُّورَةَ الْمَسْئُول عَنْهَا لَيْسَ هِيَ مِمَّا يَكُونُ لِلذَّكَرِ فِيهِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَكَذَا نَقُولُ فِي ابْنِ أَخٍ وَبِنْتِ أَخٍ فَإِنَّهَا لَا شَيْءَ لَهَا فِي الْإِرْثِ مَعَ أَخِيهَا وَهُنَا لَهَا الثُّلُثُ لِأَنَّ قَصْدَهُ لَيْسَ الْإِرْثَ بَلْ الْقَرَابَةَ فَلَا تَحْرُمُ فِيمَا يَظْهَرُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ لَهَا النِّصْفَ إذْ لَا تَعْصِيبَ لَهَا فِي الْفَرَائِضِ وَهُوَ الَّذِي يَقْوَى عِنْدِي عَمَلًا بِقَصْدِهِ وَهُوَ مُطْلَقُ الْقَرَابَةِ وَلَيْسَ الْمَقَامُ مِمَّا لَا يَكُونُ فِيهِ لِلذَّكَرِ ضِعْفُ مَا لِلْمَرْأَةِ إذْ لَا إرْثَ هُنَا بِخِلَافِهِ فِي الْفَرَائِضِ اهـ. وَقَدْ أَشَرْت أَوَّلًا إلَى رَدِّ أَكْثَرِ مَا قَالَهُ عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ لَا يَخْلُو عَنْ تَنَافٍ وَقَعَ فِي أَطْرَافِهِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ إنَّ قَصْدَهُ أَنَّ لِلذَّكَرِ ضِعْفُ مَا لِلْمَرْأَةِ فِيمَا اسْتَوَوْا فِيهِ إلَخْ دَعْوَى مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَكَمَا أَنَّ هَذَا الْقَصْدَ لَا يُدْرِكُهُ إلَّا فَقِيهٌ كَذَلِكَ الْعُمُومُ لَا يُدْرِكُهُ إلَّا فَقِيهٌ فَلِمَ اُعْتُبِرَ قَصْدُهُ الْمَذْكُورُ مَعَ عَدَمِ دَلَالَةٍ عَلَيْهِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ الْعُمُومُ الْمَذْكُورُ مَعَ صَرَاحَةَ اللَّفْظِ بِهِ فَكَانَ مَا زَعَمَهُ مِنْ النَّظَرِ إلَى الْقَصْدِ دُون الْعُمُومِ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ فَبِتَقْدِيرِ وُقُوعِهِ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مَقَالَةٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا وَلَا يُنْظَرُ إلَيْهَا وَكَمْ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِعَامٍّ مِنْ لَفْظِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَوْ أَحَدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى أَحْكَامٍ وَقَضَايَا وَحَوَادِثٍ بَلْ فِي كَلَامِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِعُمُومِ أَلْفَاظِ الْوَاقِفِينَ مَا لَا يُحْصَى كَثْرَةً وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الصُّورَةَ الْمَسْئُولَ عَنْهَا إلَخْ لَا يَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا لِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ هُوَ إلَخْ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْإِرْثِ وَنَحْنُ إنَّمَا نُفَرِّعُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ هُنَا إنَّمَا هُوَ بِالْقَرَابَةِ مَعَ شَرْطِ أَنَّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَالْمُرَادُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ صَرِيحُ اللَّفْظِ أَنَّ كُلَّ قَرِيبَيْنِ اقْتَضَى شَرْطُ الْوَاقِفِ اسْتِحْقَاقَهُمَا يَكُونُ ذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى وَجْهٍ هُوَ أَنَّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ لَهَا فِي الْإِرْثِ مَعَ أَخِيهَا وَهُنَا لَهَا الثُّلُثُ إلَخْ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّا لَا نَعْتَبِرُ كَيْفِيَّةَ الْإِرْثِ وَلَا نَقِيس عَلَيْهِ وَإِنَّمَا نَعْتَبِرُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ حَيْثُ اقْتَضَى لَفْظُ الْوَاقِفِ دُخُولَ اثْنَيْنِ فِي وَقْفِهِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ كَانَ لِلذَّكَرِ مِنْهُمَا مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَك أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنَّ قَوْلَ ذَلِكَ الْبَعْض وَيُحْتَمَلُ أَنَّ لَهَا النِّصْفُ إلَخْ غَيْرُ صَحِيحٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ وَقَفَ دَارًا لِلسُّكْنَى عَلَى بَنَاته وَأَوْلَادِهِنَّ وَهَكَذَا فَكَثُرُوا وَصَارُوا غَيْرَ مَحَارِمَ أَوْ ضَاقَتْ الدَّارُ عَنْهُمْ فَهَلْ لَهُمْ الْإِجَارَةُ وَيُؤَجِّرُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِمْ أَوْ الْقِسْمَةُ أَوْ الْإِعَارَةُ وَهَلْ تَسْكُن الزَّوْجَةُ وَالْخَادِمُ مَعَ مَتْبُوعِهِمَا مَعَ أَنَّهُمَا غَيْرَ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِمَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَيْسَ لَهُمْ إجَارَةٌ وَلَا إعَارَةٌ وَلَا يَجُوزُ الْإِيجَارَةُ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ إذَا تَنَازَعُوا فِيهِ وَهُنَا الْإِجَارَةُ مُنَافِيَةٌ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَمَقْصُودُهُ مِنْ سُكْنَاهُمْ فِيهَا وَعِنْدَ تَنَازُعِهِمْ يَدْعُوهُمْ الْحَاكِمُ إلَى السُّكْنَى جَمِيعًا إنْ أَمْكَنَ حِسًّا وَشَرْعًا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ اخْتِلَاطٌ مُحَرَّمٌ بَيْن الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الْأَجَانِبِ وَإِلَّا تَهَايُؤُهَا عَلَى مَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ فَإِنْ امْتَنَعُوا أَعْرَضَ عَنْهُمْ إلَى أَنْ يَصْطَلِحُوا وَيَجُوزُ إسْكَانُ الْخَادِمِ

مَعَ مَخْدُومِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَأَمَّا زَوْجَةُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَزَوْجُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا فَأَفْتَى فِيهِمَا مُحَمَّدٌ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ النَّاشِرِيُّ الْيَمَنِيُّ بِمَنْعِهِمَا إذَا امْتَنَعَ بَعْضُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ دَاخِلَيْنِ فِي الْوَقْفِ وَالْإِعَارَةُ هُنَا مُمْتَنِعَةٌ كَالْإِجَارَةِ وَأَقَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ فُقَهَاءُ عَصْره وَفِي قَوْلِهِ إذَا امْتَنَعَ بَعْضُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إذَا سَلَّمَ أَنْ يَسْكُنُ التَّابِعُ إعَارَةً وَأَنَّ الْإِعَارَةَ مُمْتَنِعَةٌ وَإِنْ رَضِيَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ فَلْيُمْنَعَا وَإِنْ رَضِيَ جَمِيعُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ فَاشْتِرَاطُهُ فِي الْمَنْعِ امْتِنَاعُ بَعْضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ غَيْرُ صَحِيحٍ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْيَمَنِيِّينَ مِمَّنْ تَأَخَّرَ عَنْ عَصْرِ أُولَئِكَ خَالَفَهُمْ فَأَفْتَى بِجِوَازِ سُكْنَى الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَإِنْ لَمْ تَخْدُمْ زَوْجَهَا لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَتِمَّةِ الِانْتِفَاعِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ لِمُخَالِفَتِهِمَا لِمَقْصُودِ الْوَاقِفِ. (وَسُئِلَ) هَلْ يَصِحّ بَيْعُ الْأَرْضِ الَّتِي فِيهَا أَمْوَاتٌ مَدْفُونُونَ سَوَاءٌ أَعُرِفَتْ قُبُورُهُمْ أَمْ لَا وَيَصِحّ وَقْفُهَا مَسْجِدًا أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَصِحّ الْبَيْعُ مُطْلَقًا لِإِمْكَانِ الِانْتِفَاعِ بِهَا مَعَ وُجُودِ الدَّفْنِ فِيهَا أَمَّا بِالْفَارِغِ فَوَاضِحٌ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَبُعْدٌ وَحَيْثُ صَحَّ الْبَيْعُ صَحَّ الْوَقْفُ كَمَا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ وَقَفَ أَرْضًا مَسْجِدًا وَفِيهَا أَشْجَارٌ فَإِنَّهُ يَصِحّ الْوَقْفُ وَلَا تَدْخُلُ الْأَشْجَارُ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَفَهَا غَيْرَ مَسْجِدٍ فَإِنَّ الْأَشْجَارَ تَدْخُلُ. (وَسُئِلَ) هَلْ يُعْتَمَدُ عَلَى التَّارِيخِ الْمَكْتُوبِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْمَقَابِرِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا اعْتِمَادَ عَلَى ذَلِكَ نَعَمْ يَنْبَغِي أَنَّهُ يُفِيدُ نَوْعًا مِنْ الِاحْتِيَاطِ فَإِذَا رَأَيْنَا مَحَلًّا مُهَيَّأً لِلصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَاتَرْ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُ مَسْجِدٌ لَمْ يَجِبُ الْتِزَامُ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ فِيهِ لَكِنْ إذَا رَأَيْنَا مَكْتُوبًا فِي بَعْضِهِ ذَلِكَ تَأَكَّدَ نَدْبُ الِاحْتِيَاطِ فِي أَمْرِهِ وَالْتِزَامُ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِيَّةِ لَهُ لِأَنَّ الْغَالِب فِي الْمَوَاضِع الْمُهَيَّأَة لِلصَّلَاةِ أَنَّهَا مَسَاجِد لَا سِيَّمَا الْمَبْنِيّ فِي الْمَوَات إذْ الْمَبْنِيّ فِيهَا بِنِيَّةِ الْمَسْجِدِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّلَفُّظُ بِالْوَقْفِ بَلْ يَصِيرُ مَسْجِدًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ ثَمَّ رَأَيْت السُّبْكِيّ أَوْجَبَ إجْرَاءَ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِيَّةِ عَلَى مَا هُوَ عَلَى هَيْئَةِ الْمَسَاجِدِ وَجَهِلَ وَلَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ وَأَمَّا الْمَقْبَرَةُ فَالْمَدَارُ فِي كَوْنِهَا مُسَبَّلَةً أَوْ غَيْرَ مُسَبَّلَةٍ عَلَى اعْتِيَادِ أَهْلِ الْبَلَدِ الدَّفْنَ وَعَدَمِ اعْتِيَادِهِمْ فَإِنْ اعْتَادُوهُ فِي مَحَلٍّ حُكِمَ بِأَنَّهُ مُسَبَّلٌ وَيُهْدَمُ كُلُّ مَا بُنِيَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَإِنْ لَمْ يَعْتَادُوهُ بَقِيَ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ الْمِلْكِ فِي غَيْرِ الْمَوَاتِ وَالْإِبَاحَةُ فِي الْمَوَاتِ هَذَا حُكْمُهَا الشَّرْعِيُّ فَإِنْ رَأَيْنَا تَارِيخًا يُخَالِفُ شَيْئًا مِمَّا تَقَرَّرَ كَوَقْفِهَا عَلَى طَائِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ مَثَلًا لَمْ يَجِبُ الْتِزَامُ الْعَمَلِ بِهِ لَكِنْ يَنْبَغِي الْعَمَلُ بِهِ احْتِيَاطًا أَوْ تَوَرُّعًا. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقْفَ كِتَابًا مُكَرَّسًا فِي جِلْدٍ أَوْ كَانَ مَحْبُوكًا وَتَكَرَّسَ عَلَى جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ أَوْ أَهْلِ رِبَاطٍ مُعَيَّنِينَ هَلْ يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَخْذُ كُرَّاسٍ يَنْتَفِعُ بِهِ وَإِنْ كَانَ فِي جِلْدِهِ أَحْفَظُ أَوْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ انْتِفَاعُ الْكُلُّ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ إلَّا عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ فَهَلْ يَجُوزُ لِوَاحِدٍ أَنْ يَأْخُذَ كُرَّاسًا بَعْد كُرَّاسٍ لِلِانْتِفَاعِ وَإِنْ انْتَفَتْ تِلْكَ الْعِلَّةُ أَوْ لَا وَهَلْ يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَنْتَفِعُوا بِهِ خَارِجَ الرِّبَاطِ أَوْ لَا فَإِنْ جَازَ لَهُمْ فَهَلْ يَجُوزُ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يُعِيرَهُ لِغَيْرِهِمْ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يَجُزْ لَهُ لِأَنَّ الْحَقَّ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِيهِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُمْ إذَا اتَّفَقُوا عَلَى الْإِعَارَةِ كُلُّهُمْ أَوْ لَا وَمَنْ وَقَفَ كِتَابًا عَلَى أَهْلِ رِبَاطٍ هَلْ يُقَدَّمُ بِهِ الْأَسْبَقُ أَمْ الْأَكْثَرُ انْتِفَاعًا أَمْ يَكُونُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مُشَاهَرَةً وَعَمَّنْ وَقَفَ زِيرًا وَقِدْرًا وَقَصْعَةً عَلَى أَهْلِ رِبَاطٍ هَلْ يَجُوزُ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يُخْرِجَهَا عَنْ الرِّبَاطِ لِيَنْتَفِعَ بِهَا أَوْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ لَا يَجُزْ لِأَحَدِهِمْ هَلْ يَجُوز لَهُمْ إذَا رَضُوا جَمِيعًا أَوْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ يَجُوز عِنْد الِاتِّفَاقِ عَلَى إخْرَاجِهِ مِنْ الرِّبَاطِ هَلْ لَهُمْ أَنْ يُعِيرُوهُ أَوْ يُؤَجِّرُوهُ فَإِنْ جَازَ هَلْ تُقَسَّمُ الْأُجْرَةُ بَيْنهمْ أَوْ تُرْصَدُ لِمَصَالِحِ الرِّبَاطِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ هُنَاكَ عُرْفٌ مُطَّرِدٌ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ عَرَفَهُ عَمِلَ بِقَضِيَّتِهِ لِأَنَّهُ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ شَرْطِهِ وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنْ فُقِدَ ذَلِكَ فَإِنْ وَقَفَ الْكِتَابَ مَحْبُوكًا لَمْ يَجُزْ فَكُّهُ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ نَقْصِهِ وَضَيَاعِهِ أَوْ مُكَرَّسًا جَازَ انْتِفَاعُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِبَعْضِهِ انْتِفَاعًا بِحَسْبِهِ وَيَلْزَمهُ وِقَايَتُهُ مِمَّا يُؤَدِّي إلَى نَقْصِهِ وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْمَوْقُوفِ عَلَى أَهْلِ مَحَلٍّ مِنْهُ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرَهُ الْعَبَّادِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حُرْمَةِ نَقْلِ الْمَاءِ الْمُسَبَّلِ وَعِبَارَةُ شَرْحِي لِلْعُبَابِ وَفِي الْخَادِمِ عَنْ الْعَبَّادِيِّ أَنَّهُ يَحْرُمُ حَمْلُ شَيْءٍ مِنْ الْمُسَبَّلِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ كَمَا لَوْ أَبَاحَ لِوَاحِدٍ طَعَامًا لِيَأْكُلهُ لَا يَجُوز لَهُ حَمْلُ الْحَبَّةِ مِنْهُ

وَلَا صَرْفه إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْأَكْلِ ثُمَّ قَالَ وَفِي هَذَا تَضْيِيقٌ شَدِيدٌ وَعَمِلَ النَّاسُ عَلَى خِلَافِهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَعَلَى الْأَوَّلِ الْأَوْجَهُ فَهَلْ الْمُرَادُ بِالْمَحَلِّ فِي كَلَامِهِ الْمَحَلَّةُ الَّتِي هُوَ فِيهَا كَنَقْلِ الزَّكَاةِ أَوْ مَوْضِعِهِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ عَادَةً بِحَيْثُ يَقْصِدُ الْمُسَبَّلَ أَهْلُهُ بِذَلِكَ مَحَلُّ نَظَرٍ وَالثَّانِي أَقْرَبُ انْتَهَتْ وَبِهَا يُعْلَمُ مَا ذَكَرْته مِنْ حُرْمَةِ نَقْلِ الْمَوْقُوفِ مِنْ كِتَابٍ أَوْ قِدْرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا عَلَى أَهْلِ مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ عَنْهُ وَلَا يَجُوز لِأَحَدٍ مِنْهُمْ إعَارَتُهُ بَلْ وَلَا لِكُلِّهِمْ وَمَا حُكِيَ عَنْ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِمَّا قَدْ يُخَالِفُ ذَلِكَ لَعَلَّهُ اخْتِيَارٌ لَهُ وَيُقَدَّمُ الْأَسْبَقُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ فِي الزَّمَنِ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِيهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ لِغَيْرِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الزَّمَنِ وَلَا تَأْتِي الْمُشَاهَرَةُ وَنَحْوُهَا هُنَا وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ وَلَا لِأَحَدِهِمْ إجَارَةُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلنَّاظِرِ حَيْثُ رَآهُ مَصْلَحَةً وَلَمْ يُخَالِف شَرْطَ الْوَاقِفِ وَلَا غَرَضَهُ وَمَتَى صَحَّتْ إجَارَتُهُ لَهُ لَزِمَهُ صَرْفُ الْأُجْرَةِ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ مِنْ مَصَالِحِ الْوَقْفِ وَإِلَّا فَلِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ كِتَابًا عَلَى أَهْلِ مَحَلَّةٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ رِبَاطٍ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يُعْلَمُ هَلْ جَعَلَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِنَاظِرِ الرِّبَاطِ أَوْ لَا أَوْ جَعَلَ لِمَنْ لَا أَهْلِيَّةَ لَهُ وَالنَّظَرُ إنَّمَا هُوَ لِلنَّاظِرِ الْعَامِّ ثُمَّ أَرَادَ أَحَدُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَخْذَ الْكِتَابِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ عَلَى مُقْتَضَى مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ فَهَلْ يُشْتَرَطُ إذْنُ النَّاظِرِ الْخَاصِّ أَوْ الْعَامِّ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَتَّجِهُ لِي فِي ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ صَرِيحِ كَلَامِهِمْ الْآتِي أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ هُنَاكَ شَرْطٌ لِلْوَاقِفِ اُتُّبِعَ وَهُوَ وَاضِحٌ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْعُرْفَ الْمُطَّرِدَ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ إذَا عَلِمَهُ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِهِ فَيُتَّبَعُ ذَلِكَ أَيْضًا وَهُوَ وَاضِحٌ أَيْضًا وَإِنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عُرْفٌ وَلَا شَرْطٌ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ لَمْ يَتَوَقَّفْ حِلُّ انْتِفَاعِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِالْمَوْقُوفِ سَوَاءٌ الْكِتَابُ وَغَيْرُهُ عَلَى إذْنِ النَّاظِرِ سَوَاءٌ الْعَامُّ وَالْخَاصُّ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِي الْحِلِّ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ مَوْجُودٌ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ النَّاظِرُ وَإِنَّمَا الَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَى النَّاظِرِ تَقْدِيمُ الْأَحَقِّ عِنْد تَزَاحُمِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ لِسَبْقٍ أَوْ أَحْوَجِيَّةٍ أَوْ عُمُومِ انْتِفَاعٍ أَوْ عَدَمِ خَوْفٍ مِنْ بَقَاءِ الْوَقْفِ تَحْت يَدِهِ أَوْ نَحْو ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِيه النَّظَرُ السَّدِيدُ فَإِذَا ازْدَحَمَ جَمَاعَةٌ عَلَى الْكِتَابِ الْمَوْقُوفِ مَثَلًا تَعَيَّنَ عَلَى النَّاظِرِ إيثَارُ أَحَقَّهُمْ بِهِ رِعَايَةً لِغَرَضِ الْوَاقِفِ مِنْ وُصُولِ مَزِيدِ الثَّوَابِ إلَيْهِ وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِمَا ذَكَرْته أَوَّلًا مِنْ عَدَمِ تَوَقُّفِ حَلِّ الِانْتِفَاعِ عَلَى إذْنِ النَّاظِرِ. قَوْلُ الرَّوْضَةِ مَنْ سَبَقَ إلَى مَوْضِعٍ مِنْ رِبَاطٍ مُسَبَّلٍ صَارَ أَحَقَّ بِهِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ إزْعَاجُهُ سَوَاءٌ أَدَخَلَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَمْ بِغَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْمَدَارِسِ وَالْخَوَانِقِ إذَا نَزَلَ بِهَا مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا وَهَذَا كَمَا تَرَى صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ لِإِذْنِ النَّاظِرِ بِالنِّسْبَةِ لِحِلِّ الِانْتِفَاعِ وَعِبَارَةُ الْمُتَوَلِّي تَجُوزُ السُّكْنَى أَذِنَ الْإِمَامُ أَمْ لَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يَسْكُنَ أَحَدٌ إلًّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ مَنْ لَهُ النَّظَرُ فَمَنْ سَكَنَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْمُقَامِ اهـ. قَالَ الْإِمَامُ التَّقِيُّ أَبُو الْحَسَنِ السُّبْكِيّ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ هَذَا تَصْرِيحٌ بِاشْتِرَاطِ إذْنِ النَّاظِرِ وَلَا بِعَدَمِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَشْتَرِط حَيْثُ لَا شَرْطَ لِلْوَاقِفِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ اهـ. فَإِنْ قُلْت قَدْ يُنَافَى ذَلِكَ قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ بَعْد مَا مَرَّ عَنْ الرَّوْضَةِ. وَقَيَّدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَحَقِّيَّةَ السَّابِقِ إلَى الْمَدَارِسِ وَالْخَوَانِقِ وَالرَّبْطِ أَيْ لِلسُّكْنَى بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَاظِرٌ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَجُزْ النُّزُولُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ إنْ أَمْكَنَ لِلْعُرْفِ وَكَذَا إذَا كَانَ لِلْمَدْرَسَةِ مُدَرِّسٌ دُون مَا إذَا فُقِدَ اهـ. قُلْت لَا يُنَافِيه بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أَحَقِّيَّةُ السَّابِقِ فَكَلَامُهُ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَحَقِّيَّةِ وَهِيَ عِنْد التَّنَازُعِ إنَّمَا يُرْجَعُ فِيهَا لِنَظَرِ النَّاظِرِ فَلَا يَتَقَدَّمُ أَحَدُ الْمُتَنَازِعَيْنِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَحِينَئِذٍ فَمَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ يُجِزْ النُّزُولُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ أَيْ لَمْ يَسْتَمِرَّ حَقُّهُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَتَقْرِيرِهِ وَبِفَرْضِ الْأَخْذِ بِظَاهِرِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ مِنْ أَنَّ إذْنَهُ شَرْطٌ لِحِلِّ الِانْتِفَاعِ بِهِ يَكُونُ كَلَامُهُ ضَعِيفًا لِمَا عَلِمْت مِنْ مُخَالَفَتِهِ لِكَلَامِ الرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِمَا وَاعْتِمَادُ السُّبْكِيّ هَذَا دُون كَلَامِ شَيْخِهِ ابْنِ الرِّفْعَةِ فَإِنْ قُلْت يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَتَاوِيهِ يَجُوز لِلْفَقِيهِ الَّذِي لَيْسَ بِمَنْزِلِ سُكْنَى الْمَدْرَسَةِ إذَا أَسْكَنَهُ النَّاظِرُ اهـ. قُلْت لَا يُؤَيِّدُهُ لِأَنَّ مُرَادَهُ بِجَوَازِ السُّبْكِيّ اسْتِمْرَارهَا كَمَا تَقَرَّرَ عَلَى أَنَّ الْإِسْنَوِيَّ اعْتَرَضَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فَقَالَ

وَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يُقَالَ الْمَنْزِلُ لَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ الْإِذْنُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ لِأَنَّ السُّكْنَى حَقٌّ آخَرُ مُغَايِرٌ لِحَقِّ التَّنْزِيلِ اهـ لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ نَظَر لِأَنَّ التَّنْزِيلَ يُشْعِرُ بِالْإِذْنِ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ يَكْفِي إذَا كَانَ شَرْطُ الْوَاقِفِ السُّكْنَى بِهَا اكْتِفَاءً بِشَرْطِهِ اهـ. وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِمَا ذَكَرْته أَوَّلًا وَآخِرًا قَوْلُ الْقَاضِي فِي نَحْوِ الرِّبَاطَاتِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَدَارِسِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الصُّوفِيَّةِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ كُلُّ مَنْ يَسْكُنُهَا مِنْ أَهْلِهَا بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَانَ أَوْلَى فَإِذَا جَاءَ فَقِيرٌ آخَرُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزْعِجَهُ عَنْهُ وَيَسْكُنُ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ إخْرَاجُهُ لِأَنَّهُ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ اللَّهُمَّ إلَّا إذَا رَأَى الْإِمَامُ الْمَصْلَحَةَ فِي أَنْ يَجْعَلَهَا مُتَسَاوِيَةً بَيْن الْفُقَرَاءِ أَوْ مَخَافَةَ أَنَّهُ إذَا طَالَ مُقَامُ وَاحِدٍ فِيهِ تَمَلَّكَهُ وَيَنْدَرِسُ الْوَقْفُ فَلَهُ أَنْ يُزْعِجَهُ وَيُسْكِنَ فِيهِ آخَرُ اهـ. فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَظْهَرُ لَك وَوَضَّحْته وَحَرَّرْته، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) وَاقِفٌ صُورَةُ شَرْطِهِ أَنَّهُ أَوْقَفَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى وَلَدِهِ أَحْمَدَ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى أَوْلَادٍ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادٍ وَإِنْ سَفَلُوا الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ طَبَقَةً بَعْد طَبَقَةٍ وَنَسْلًا بَعْد نَسْلٍ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا أَبَدًا تَحْجُبُ الطَّبَقَةَ السُّفْلَى عَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْوَقْفِ وَتَرَك وَلَدًا أَوْ وَلَدَ وَلَدٍ أَوْ أَسْفَل مِنْ ذَلِكَ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ أَوْ مِنْ وَلَدِ الْبَطْنِ انْتَقَلَ ذَلِكَ إلَى وَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ عَلَى الْحُكْمِ الْمَشْرُوحِ فِيهِ وَعَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَلَمْ يَتْرُك وَلَدًا وَلَا وَلَدَ وَلَدٍ وَلَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ انْتَقَلَ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ مِنْ ذَلِكَ إلَى إخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ الْمُشَارِكِينَ لَهُ فِي هَذَا الْوَقْفِ عَلَى الْحُكْمِ الْمَشْرُوحِ فِيهِ مُضَافًا إلَى مَا يَسْتَحِقُّونَ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَلَمْ يَتْرُك وَلَدًا وَلَا وَلَدَ وَلَدٍ وَلَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَخًا وَلَا أُخْتًا انْتَقَلَ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ مِنْ ذَلِكَ إلَى مَنْ هُوَ فِي دَرَجَتِهِ وَذَوِي طَبَقَتِهِ مُضَافًا إلَى مَا يَسْتَحِقُّونَ مِنْ ذَلِكَ وَحَكَمَ بِذَلِكَ مَنْ يَرَاهُ ثُمَّ انْتَهَى الْوَقْفُ الْمَذْكُورُ إلَى وَلَدَيْنِ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ وَهُمَا عَزِيزٌ وَعَلِيٌّ وَلَدَا شَرْعَانِ بْنِ أَحْمَدَ ثَمَّ تُوُفِّيَ عَلِيٌّ عَنْ وَلَدِهِ أَبِي الْقَاسِمِ وَبِنْتِهِ خُونْدَةَ ثُمَّ تُوُفِّيَ عَزِيزٌ عَنْ أَوْلَادِهِ شَرْعَانَ وَأَجْوَدَ وَمُحَمَّدٍ وَفَاطِمَةَ وَشُمَيْسَةَ ثُمَّ تُوُفِّيَ أَبُو الْقَاسِمِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَرَجَعَ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ إلَى أُخْتِهِ خُونْدَةَ بِمُقْتَضَى الشَّرْطِ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ شُمَيْسَةُ عَنْ إخْوَتِهَا الْمَذْكُورِينَ وَهُمَا شَرْعَانُ وَأَجْوَدُ وَمُحَمَّدٌ وَفَاطِمَةُ ثَمَّ تَزَوَّجَ أَجْوَدُ ابْنَةَ عَمِّهِ خُونْدَةَ وَرُزِقَ مِنْهَا مِصْبَاحًا ثُمَّ تُوُفِّيَتْ خُونْدَةُ عَنْ زَوْجِهَا أَجْوَدَ وَبِنْتِهَا مِصْبَاحَ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ مِصْبَاحُ عَنْ وَالِدِهَا أَجْوَدَ وَعَنْ أُخْتٍ لَهَا مِنْ أَبِيهَا تُسَمَّى مُجِيبَةَ فَهَلْ تَسْتَحِقُّ مُجِيبَةُ مَا كَانَ لِأُخْتِهَا مِصْبَاحَ أَوْ يَكُونُ الِاسْتِحْقَاقُ لِوَالِدِهَا أَجْوَدَ وَلِطَبَقَتِهِ وَإِنْ قُلْتُمْ بِاسْتِحْقَاقِ مُجِيبَةَ وَرُزِقَ وَالِدُهَا أَجْوَدُ أَوْلَادًا أُخَرُ مِنْ جِهَةٍ ثَانِيَةٍ فَهَلْ يَسْتَحِقُّونَ مَعَ مُجِيبَةَ شَيْئًا أَوْ تَكُونُ قَدْ اسْتَحَقَّتْ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ انْفِرَادِهَا عِنْد مَوْتِ أُخْتِهَا مِصْبَاحَ قَبْلَ وُجُودِ الْإِخْوَة الْمَذْكُورِينَ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ وَبَيِّنُوا وَأَوْضِحُوا مَا أُشْكِلَ أَثَابَكُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْجَنَّةَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ قَدْ وَقَعَ فِي نَظِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ وَالْمُشَارَكَةَ الْمَذْكُورَيْنِ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ هَلْ يُحْمَلَانِ عَلَى مَا بِالْقُوَّةِ نَظَرًا لِقَصْدِ الْوَاقِفِ لَا يَحْرِمُ أَحَدًا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ أَوْ عَلَى مَا بِالْفِعْلِ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِهِ فَيَكُونُ حَقِيقَةً فِيهِ وَالْحَقِيقَةُ لَا تَنْصَرِفُ عَنْ مَدْلُولِهَا بِمُجَرَّدِ غَرَضٍ لَمْ يُسَاعِدُهُ اللَّفْظُ اضْطِرَابٌ طَوِيلٌ بَيْن أَئِمَّتِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَاَلَّذِي حَرَّرْته فِي كِتَابِي سَوَابِغُ الْمَدَدِ أَنَّ الرَّاجِحَ الثَّانِي ثُمَّ رَأَيْت بَعْد ذَلِكَ شَيْخَنَا شَيْخَ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَهْدَهُ وَقَدْ اسْتَقَرَّ أَمْرُهُ فِي فَتَاوِيهِ عَلَيْهِ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ أَئِمَّةٍ كَالْبَغَوِيِّ وَالتَّاجِ وَالْفَزَارِيِّ وَالْكَمَالِ سَلَّارٍ شَيْخِ النَّوَوِيِّ وَرَدَّ أَعْنِي شَيْخُنَا مَا أَفْتَى بِهِ قَبْلُ مِنْ خِلَافِهِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ السُّبْكِيّ وَجَمَاعَةٌ لَكِنْ قَالَ السُّبْكِيّ لَا أَشْتَهِي أَحَدًا مِنْ الْفُقَهَاءِ يُقَلِّدُنِي فِيهِ وَمِمَّنْ جَرَى عَلَى الْأَوَّلِ السِّرَاجُ الْبُلْقِينِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَعَلَيْهِ فَحِصَّةُ عَلِيٍّ وَهِيَ النِّصْفُ لِوَلَدَيْهِ أَبِي الْقَاسِمِ وخُونْدَةَ أَثْلَاثًا وَحِصَّةُ عَزِيزٍ وَهِيَ النِّصْفُ لِأَوْلَادِهِ أَثْمَانًا وَحِصَّةُ أَبِي الْقَاسِم وَهِيَ ثُلُثَا النِّصْفِ لِأُخْتِهِ خُونْدَةَ لِأَنَّهَا حِين مَوْتِهِ مِنْ

أَهْلِ الْوَقْفِ مُضَافًا لِمَا تَسْتَحِقُّهُ فَيُكَمَّلُ لَهَا النِّصْفُ وَحِصَّةُ شُمَيْسَةَ وَهِيَ ثُمْنُ النِّصْفِ لِإِخْوَتِهَا الْمَذْكُورِينَ أَسْبَاعًا وَحِصَّةُ خُونْدَةَ وَهِيَ النِّصْفُ كَامِلًا لَبِنْتِهَا مِصْبَاحَ وَحِصَّةُ مِصْبَاحَ وَهِيَ النِّصْفُ كَامِلًا لِأَبِيهَا أَجْوَدَ وَإِخْوَته عَمَلًا بِقَوْلِ الْوَاقِفِ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا أَبَدًا تَحْجُبُ الطَّبَقَةَ السُّفْلَى دُون قَوْلِهِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ وَقَوْلُهُ وَعَلَى الثَّالِثَةِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْإِخْوَة وَالْأَخَوَاتِ وَأَنْ يَكُونُوا مُشَارِكِينَ لِلْمَيِّتِ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ وَأَنَّ مَا يَنْتَقِلُ مِنْهُ إلَيْهِمْ مُضَافٌ لِمَا يَسْتَحِقُّونَهُ وَمُجِيبَةُ وَإِخْوَتُهَا لَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْوَقْفِ الْآن فَلَمْ يُوجَد فِيهِمْ الْآن شَرْطُ الْوَاقِفِ لِأَنَّ مَنْ فِي دَرَجَةِ مِصْبَاحَ غَيْرَ مُسْتَحِقِّينَ فَتَعَيَّنَ الْعَمَلُ بِمَا قُلْنَاهُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّه تَعَالَى بِعُلُومِهِ عَنْ شَخْصٍ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ النَّظَرُ فِي وَقْفِهِ لِأَوْلَادِهِ وَفِيهِمْ قَاصِرٌ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ النَّظَرُ وَيَقُومُ وَلِيُّهُ الشَّرْعِيُّ مَقَامَهُ أَوْ لَا وَفِيمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى أَخَوَاتِ زَيْدٍ فَانْقَرَضَ أَوْلَادُهُ وَلِزَيْدٍ أُخْتٌ وَاحِدَةٌ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ أَخَوَاتٌ بَعْد سَنَتَيْنِ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْأُخْتِ الْمَوْجُودَةِ لِلْوَقْفِ فَهَلْ يَشْتَرِكْنَ مَعَهَا أَمْ لَا وَفِيمَا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يُؤَجِّرَ وَقْفَهُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ ثُمَّ خَرِبَ الْوَقْفُ الْمَذْكُورُ وَتَعَيَّنَتْ إجَارَتُهُ لِبَقَاءِ عَيْنِهِ فَهَلْ تَصِحُّ وَيُبَاشِرُهَا النَّاظِرُ وَلَا يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ أَمْ لَا تَصِحّ مِنْهُ بَلْ مِنْ الْحَاكِمِ أَمْ لَا تَصِحّ الْإِجَارَةُ أَصْلًا وَفِيمَا لَوْ شَرَطَ أَنَّهُ مَتَى أَجَّرَ النَّاظِرُ الْوَقْفَ كَانَ مَعْزُولًا قُبَيْلَ إجَارَتِهِ وَقُلْتُمْ بِجَوَازِ إجَارَةِ النَّاظِرِ فَهَلْ يُلْغَى هَذَا الشَّرْطُ أَمْ يَصِحّ وَيَكُونُ مَحَلُّ جَوَازِ الْإِجَارَةِ إذَا تَعَيَّنَتْ مَا لَمْ يَشْرِط مَا ذَكَرَ وَهَلْ هَذَا الشَّرْطُ فِي نَفْسِهِ مُعْتَبَرٌ مُؤَثَّرٌ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا نَظَر لِلْقَاصِرِ وَلَا لِوَلِيِّهِ بَلْ لِلْقَاضِي وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ وَتُشَارِكُ الْحَادِثَانِ الْمَوْجُودَةَ وَتَصِحّ الْإِجَارَةُ فِيمَا ذَكَرَ فِي الْقَدْرِ الضَّرُورِيّ وَيُبَاشِرهَا النَّاظِرُ وَلَا يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ إذْ لَا يُؤَثِّرُ الشَّرْطُ الْمَذْكُورِ حِينَئِذٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ مُنْقَطِعِ الْوَسَطِ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى الْأَقْرَبِ إلَى الْوَاقِفِ فَمَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ الْأَقْرَبُ إلَى الْوَاقِفِ هَلْ الْمُرَادُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْوَصَايَا بِقَوْلِهِمْ وَأَقْرَبُ قَرِيبٍ فَرْعٌ ثُمَّ أَصْلٌ إلَى آخِرَ مَا ذَكَرُوهُ أَمْ الْمُرَادُ غَيْرُ ذَلِكَ وَمَا هُوَ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْمُرَادَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ الْأَقْرَبُ إلَى الْوَاقِفِ رَحِمًا وَهُوَ مَا ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ وَقَفَ دَارًا وَجَعَلَ ثُلُثَ غَلَّتِهَا لِوَلَدِهِ وَالثُّلُثَ الثَّانِيَ لِبِنْتِهِ وَالثُّلُثَ الثَّالِثِ يُصْرَفُ مِنْهُ فِي عِمَارَةِ الْوَقْفِ مَا يَحْتَاجَ إلَيْهِ وَمَا فَضَلَ بَعْد الْعِمَارَةِ يُصْرَفُ مِنْهُ أَشْرَفِيَّانِ فِي كُلّ سَنَةٍ لِمَعْتُوقِهِ مُبَارَكٍ لِيَتَعَاطَى إجَارَةَ الْبُيُوتِ وَعِمَارَاتِهَا وَمَا بَقِيَ بَعْد ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ يُدْفَعُ لِأُمِّ وَلَدِهِ الْمَذْكُورِ أَعْلَاهُ وَوَقَفَ دَارًا أَيْضًا عَلَى أَنْ يُصْرَفَ مِنْ غَلَّتِهَا لِأَرْبَعَةِ قُرَّاءٍ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ فِي الْمَسْجِدِ لِكُلِّ شَخْصٍ أَشْرَفِيَّانِ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَلِتَسْبِيلِ مَاءٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَشْرَفِيَّانِ وَمَا فَضَلَ يُصْرَفُ مِنْهُ فِي عِمَارَةِ الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ثُمَّ مَا بَقِيَ بَعْد ذَلِكَ يُدْفَعُ لِأُمِّ وَلَدِهِ الْمَذْكُورَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ جِهَةً يُصْرَفُ إلَيْهَا غَيْرُ الْمَذْكُورِينَ بَعْد انْقِرَاضِهِمْ فَمَاتَ الْمَعْتُوقُ الْمَذْكُورُ وَأُمُّ الْوَلَدِ فَوَضَعَ يَدَهُ الْوَلَدُ وَأُخْتُهُ الْمَذْكُورَانِ أَعْلَاهُ عَلَى الْأَمَاكِنِ الْمَذْكُورَةِ وَاقْتَسَمَا مَا كَانَ يُعْطَى لِلْمَعْتُوقِ وَلِأُمِّ الْوَلَدِ نِصْفَيْنِ وَالْحَالُ أَنَّ الْوَلَدَ وَلَدُ الْوَاقِفِ الْمَذْكُورِ وَلَدًا وَبِنْتًا فُقَرَاءَ وَطَلَبَا أَنْ يُصْرَفَ لَهُمَا مَا كَانَ لِلْمَعْتُوقِ وَأُمِّ الْوَلَدِ الْمَذْكُورَيْنِ فَهَلْ يُصْرَفُ لَهُمَا ذَلِكَ لِاسْتِحْقَاقِهِمَا لَهُ بِصِفَةِ الْفَقْرِ أَمْ يُصْرَفُ لِأَوْلَادِ الْوَاقِفِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ لِكَوْنِهِمْ أَقْرَبَ إلَى الْوَاقِفِ الْمَذْكُورِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْفَاضِلُ عَنْ الْعِمَارَةِ وَعَنْ حِصَّتَيْ الْوَلَدِ وَالْبِنْتِ فِي الْأُولَى وَعَنْ حِصَّتَيْ الْقُرَّاءِ وَالتَّسْبِيلِ فِي الثَّانِيَةِ يَجِبُ صَرْفُهُ لِلْوَلَدِ وَالْبِنْتِ اللَّذَيْنِ هُمَا وَلَدَا وَلَدِ الْوَاقِفِ لِفَقْرِهِمَا وَلَا يُصْرَفُ مِنْهُ شَيْءٌ لِوَلَدِ الْوَاقِفِ وَبِنْتِهِ مَا دَامَا غَنِيَّيْنِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى أَوْلَادِهِ لِصُلْبِهِ وَهُمْ حِينَئِذٍ عَوْدَةُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَبَنَاتِهِ وَهُنَّ رُقَيَّةُ ابْنَةُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَمَرْيَمُ ابْنَةُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَنَفِيسَةُ ابْنَةُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَخَيْرَةُ ابْنَةُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَأُمُّ هَانِئٍ ابْنَةُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْبَالِغِينَ كُلُّهُمْ وَعَلَى

مَنْ يُحْدِثُهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ الْأَوْلَادِ غَيْرِهِمْ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فِي بَاقِي عُمْرِهِ أَيَّامِ حَيَاتِهِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ لِلْأَوْلَادِ الذُّكُورِ مِنْ وَلَدِهِ لَيْسَ لِأَوْلَادِ الْبَنَاتِ دُخُولٌ فِي ذَلِكَ وَشَرْطُ الْوَاقِف الْمَذْكُور أَنْ يَقْتَسِمُوا غَلَّة هَذَا الْوَقْفِ الْمَوْصُوفِ بَيْنهمْ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] . وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَبْنَاءِ دُخُولٌ فِي ذَلِكَ مَعَ الْآبَاءِ إلَّا أَنْ يَنْقَرِضَ أَحَدٌ وَيَتْرُكَ وَلَدًا فَتَكُونُ أَوْلَادُهُ عَلَى مِثْلِ نَصِيبِ أَبِيهِمْ مِنْ هَذَا الْوَقْفِ الْمَنْعُوتِ يَقْتَسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] فَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَادُ الْمَيِّتِ كُلُّهُمْ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ رَجَعَ هَذَا الْوَقْفُ إلَى الذُّكُورِ مِنْ أَوْلَادٍ ذُكِرَ أَنَّهُمْ أَوْلَادُ الذُّكُورِ وَإِنَاثُهُمْ يَقْتَسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وَلَا تَدْخُلُ الْأَبْنَاءُ مَعَ الْآبَاءِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَنْقَرِضَ أَحَدٌ فَيَتْرُكَ وَلَدًا فَتَكُونُ أَوْلَادُهُ عَلَى مِثْلِ نَصِيبِ أَبِيهِمْ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ بَنِي بَنَاتِ الْمُحْتَسِبِ الْوَاقِفِ دُخُولٌ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْوَقْفِ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ بَنِي بَنَاتِ بَنِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إذْ كَانَ وَقْفُهُ هَذَا إنَّمَا هُوَ عَلَى أَوْلَادٍ لِصُلْبِهِ وَعَلَى أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ دُون أَوْلَادِ بَنَاتِهِمْ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ يَجْرِي الْحَالُ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ وَنَسْلًا بَعْد نَسْلٍ فَإِذَا انْقَرَضُوا كَانَ ذَلِكَ وَقْفًا عَلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ عَصَبَاتِ الْوَاقِفِ الْمَذْكُورِ يَجْرِي الْحَالُ بَيْنَهُمْ أَيَّامَ حَيَاتِهِمْ عَلَى الْوَضْعِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ فَإِذَا انْقَرَضُوا وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْهُمْ كَانَ ذَلِكَ وَقْفًا عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ يَتَوَلَّى النَّظَرُ فِي ذَلِكَ الْبَالِغُ الرَّشِيدُ مِنْ أَوْلَادِهِ ثُمَّ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ فَإِذَا انْقَرَضُوا وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ نَسْلٌ تَوَلَّى النَّظَرَ فِي ذَلِكَ الْأَرْشَدُ فَالْأَرْشَدُ مِنْ عَصَبَاتِ الْوَاقِفِ فَإِذَا انْقَرَضُوا وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ تَوَلَّى النَّظَرَ فِي ذَلِكَ حَاكِمُ الْمُسْلِمِينَ يُوَلِّي النَّظَرَ فِيهِ لِمَنْ شَاءَ مِنْ الْعُدُولِ هَذَا لَفْظُهُ فَإِذَا آلَ الْوَقْفُ إلَى أَقْرَبِ عَصَبَاتِهِ بِشَرْطِهِ وَهُمْ سُلَيْمَانُ وَإِبْرَاهِيمُ وَعُمَرُ وَمُحَمَّدٌ فَتُوُفِّيَ عُمَرُ الْمَذْكُورُ وَتَرَك وَلَدَهُ عَبْدَ اللَّطِيفِ عَلَى الرُّبْعِ ثُمَّ تُوُفِّيَ إبْرَاهِيمُ الْمَذْكُورُ وَتَرَك وَلَدَهُ أَحْمَدَ عَلَى الرُّبْعِ أَيْضًا ثُمَّ تُوُفِّيَ مُحَمَّدٌ الْمَذْكُورُ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَانْتَقَلَ الرُّبْعُ الْمُخْتَصُّ بِهِ لِسُلَيْمَانَ الْمَذْكُورَ ثُمَّ تُوُفِّيَ سُلَيْمَانُ الْمَذْكُورُ وَتَرَك وَلَدَهُ عَبْدَ الْعَزِيزِ عَلَى النِّصْفِ ثُمَّ تُوُفِّيَ أَحْمَدُ وَتَرَكَ وَلَدَهُ مُحَمَّدًا عَلَى الرُّبْعِ حِصَّةَ وَالِدِهِ ثُمَّ تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّطِيفِ الْمَذْكُورُ وَتَرَكَ أَوْلَادَهُ وَهُمْ عِيسَى وَعَبْدُ اللَّهِ وَمُبَارَكُ وَعَائِشَةُ وَحُورِيَّةُ عَلَى الرُّبْعِ حِصَّةِ وَالِدِهِمْ ثُمَّ تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ الْمَذْكُورُ وَتَرَكَ ثَلَاثَةَ صِبْيَانٍ وَخَمْسَ بَنَاتٍ وَتُوُفِّيَ عِيسَى الْمَذْكُورُ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَتُوُفِّيَتْ بِنْتٌ مِنْ بَنَاتِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَهَلْ حِصَّةُ عِيسَى وَحِصَّةُ الْبِنْتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ تَنْتَقِلُ لِعَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَذْكُورِ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ الطَّبَقَاتِ إلَى الْوَاقِفِ أَمْ لِإِخْوَتِهِمْ الْمَذْكُورِينَ أَعْلَاهُ وَمَا الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ فِي هَذَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْوَاقِفِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْعَصَبَاتِ حُكْمُهُمْ حُكْمُ الْأَوْلَادِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرَهُ فِيهِمْ لِقَوْلِهِ عَلَى الْأَقْرَبِ مِنْ عَصَبَاتِ الْوَاقِفِ الْمَذْكُورِ يَجْرِي الْحَالُ بَيْنهمْ أَيَّامَ حَيَاتِهِمْ عَلَى الْوَضْعِ الْمَذْكُورِ وَمِنْ الْوَضْعِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَوْلَادِ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَبْنَاءِ دُخُولٌ فِي ذَلِكَ مَعَ الْآبَاءِ إلَّا أَنْ يَنْقَرِضَ أَحَدٌ وَيَتْرُكَ وَلَدًا فَتَكُونُ أَوْلَادُهُ عَلَى مِثْلِ نَصِيبِ أَبِيهِمْ وَمَنْ مَاتَ مِنْ الْأَبْنَاءِ وَلَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا فَنَصِيبُهُ رَاجِعٌ إلَى كُلِّ مَنْ عَلَيْهِ الْوَقْفُ يَقْتَسِمُونَهُ بَيْنهمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ هَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَوْلَادِ فَيَجْرِي مِثْلُهُ فِي الْعَصَبَاتِ لِنَصِّ الْوَاقِفِ عَلَيْهِ كَمَا عَلِمْت فَحِينَئِذٍ حِصَّةُ مُحَمَّدٍ الْمُتَوَفَّى عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ لَا تَخْتَصُّ بِسُلَيْمَانَ خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ السَّائِلُ بَلْ يَشْتَرِكُ فِيهَا عَلَى السَّوَاءِ عَبْدُ اللَّطِيفِ وَأَحْمَدُ وَسُلَيْمَانُ فَإِذَا تُوُفِّيَ سُلَيْمَانُ كَانَ لِوَلَدِهِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الرُّبْعُ وَثُلُثُ الرُّبْعِ لَا النِّصْفُ خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ السَّائِلُ وَإِذَا تُوُفِّيَ أَحْمَدُ كَانَ لِوَلَدِهِ الرُّبْعُ وَثُلُثُ الرُّبْعِ وَإِذَا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّطِيفِ كَانَ لِأَوْلَادِهِ الرُّبْعُ وَثُلُثُ الرُّبْعِ وَهُوَ ثُلُثُ الْكُلِّ فَيَكُونُ لَهُمْ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا عَلَى سَبْعَةِ رُءُوسٍ فَيَخُصُّ عَبْدَ اللَّهِ سَهْمٌ وَسُبُعَا سَهْمِ يَنْتَقِلَانِ لِأَوْلَادِهِ وَنَصِيبُ عِيسَى الْمَيِّتِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَهُوَ سَهْمَانِ وَسُبُعَا سَهْمٍ يَنْتَقِلُ لِعَبْدِ الْعَزِيزِ وَلِمُحَمَّدِ بْن أَحْمَدَ وَلِمُبَارَكَةَ وَعَائِشَةَ وَحُورِيَّةَ وَلِأَوْلَادِ عَبْدِ اللَّهِ يَقْتَسِمُونَ

هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ وَالسُّبْعَيْنِ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وَنَصِيبُ الْبِنْتَيْنِ الْمَيِّتَتَيْنِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ مِنْ أَبِيهِمَا عَبْدِ اللَّهِ يَنْتَقِلُ لِعَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَوْصَى آخَرَ بِأَنْ يَقِفَ بَعْدَ مَوْتِهِ أَرْضًا عَلَى قَارِئٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ عَلَى شَفِيرِ قَبْرِهِ وَعَيَّنَ خِتْمَاتٍ شَرِيفَةً مَعْلُومَةً بِالسَّنَةِ أَوْ بَعْضِهَا وَتَفَضَّلَ مِنْ مُغِلِّ الْأَرْضِ شَيْءٌ كَثِيرٌ زَائِدٌ عَلَى أُجْرَةِ الْقَارِئِ فَهَلْ الزَّائِدُ لِلْوَرَثَةِ إرْثًا أَوْ غَيْرَهُ أَوْ لِغَيْرِهِمْ وَإِذَا لَمْ يُعَيِّنْ قَدْرَ الْخَتْمَاتِ فَهَلْ الْقِرَاءَةُ بِقَدْرِ أَمْثَالِ الْأَرْضِ، أَوْ يَسْتَأْجِرُ بِالْكُلِّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّمَا يَصِحُّ وَقْفُ الْأَرْضِ الْمُوصَى بِهَا لِمَا ذُكِرَ إنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ وَإِلَّا فَمَا يَحْتَمِلُهُ مِنْهَا ثُمَّ إذَا وُقِفَتْ فَإِنْ كَانَ الْمُوصِي قَالَ: أَوْصَيْتُ بِأَنْ تُوَقَّفَ تِلْكَ الْأَرْضُ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ كَذَا وَكَذَا خَتْمَةً عَلَى شَفِيرِ قَبْرِي بَعْدَ مَوْتِي وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ فَاَلَّذِي يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي بَابِ الْجَعَالَةِ أَنَّ الْقَارِئَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْوَقْفِ إلَّا إنْ قَرَأَ مَا عُيِّنَ لَهُ وَحِينَئِذٍ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ مُغَلِّ الْأَرْضِ وَإِنَّ كَثُرَ وَزَادَ عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ لِأَنَّ هَذَا كَالْجَعَالَةِ فَإِذَا أَتَى بِالْعَمَلِ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ اسْتَحَقَّ كُلَّ الْجُعْلِ وَهُوَ مُغَلُّ الْأَرْضِ مَا دَامَ حَيًّا فَإِذَا مَاتَ صَارَ الْوَقْفُ مُنْقَطِعَ الْآخِرِ فَيُصْرَفُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ رَحِمًا لَا إرْثًا بِشَرْطِ الْفَقْرِ فَإِنْ اسْتَوَى جَمَاعَةٌ فِي الْأَقْرَبِيَّةِ صُرِفَ إلَيْهِمْ بِحَسَبِ رُءُوسِهِمْ. وَإِنْ قَالَ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ وَلَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ فِي مَحَلِّ الْمُوصِي حَالَ الْوَصِيَّةِ عُرْفٌ مُطَّرِدٌ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ قَدْرًا وَزَمَنًا عُمِلَ بِذَلِكَ الْعُرْفِ وَنَزَلَ كَلَامُ الْمُوصَى عَلَيْهِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْعُرْفَ الْمُطَّرِدَ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ شَرْطِهِ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَسْتَحِقُّ كُلُّ مَنْ قَرَأَ كَالْجَعَالَةِ وَلَا يَنْتَقِلُ شَيْءٌ مِنْ الْوَقْفِ إلَى غَيْرِ الْقُرَّاءِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ مُنْقَطِعِ الْآخِرِ لِأَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ لِلْقِرَاءَةِ حَدٌّ تَنْتَهِي إلَيْهِ فَيَكُونُ الْوَقْفُ مُسْتَمِرًّا عَلَى الْقِرَاءَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عُرْفٌ مُطَّرِدٌ كَمَا ذَكَرْنَاهُ اسْتَحَقَّ مِنْ الْوَقْفِ كُلُّ مَنْ قَرَأَ عَلَى الْقَبْرِ وَلَوْ شَيْئًا يَسِيرًا فَيُعْطِيهِ النَّاظِرُ مَا يَرَاهُ لَائِقًا بِعَمَلِهِ وَالْوَقْفُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَيْرُ مُنْقَطِعِ الْآخِرِ أَيْضًا فَلَا يُصْرَفُ مِنْهُ شَيْءٌ لِغَيْرِ الْقُرَّاءِ ثَمَّ رَأَيْت فِي فَتَاوَى الْأَصْبَحِيِّ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْهُ مُخَالَفَةً لِبَعْضِ مَا ذَكَرْتُهُ فَلَا تَغْتَرَّ بِهِ وَلَفْظُهُ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُوقَفَ عَلَى قَبْرِهِ فَهَذَا يَنْصَرِفُ إلَى الْغَلَّةِ لَا غَيْرُ وَيَحْكُمُ الْعُرْفُ فِي غَلَّةِ كُلِّ سَنَةٍ لِسَنَتِهَا فَمَنْ قَرَأَ جُزْءًا اسْتَحَقَّ بِقِسْطِهِ وَمَنْ قَرَأَ أَكْثَرَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَرَأَ الْجَمِيعَ اسْتَحَقَّ غَلَّةَ ذَلِكَ الْعَامِ وَإِنْ كَانَ وَصِيَّةٌ بِالْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ وَقْفٍ فَإِنْ عَيَّنَ مُدَّةَ الْقِرَاءَةِ فِي كُلِّ يَوْمٍ جُزْءًا إلَى مُدَّةِ كَذَا فَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَيْنَ الْمُوصَى بِهَا إلَّا مَنْ قَرَأَ تِلْكَ الْمُدَّةَ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ وَقَعَتْ الْمُدَّةُ مَجْهُولَةً إذْ لَا آخِرَ لِذَلِكَ وَالِاسْتِحْقَاقُ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ مَجْهُولٍ لَا آخِرَ لَهُ فَيُشْبِهُ مَسْأَلَةَ الدِّينَارِ وَفِيهَا إشْكَالٌ وَتَصْوِيرَاتٌ حَتَّى قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي آخِرِ تَفْرِيعَاتِهَا وَهَذِهِ مُشْكِلَةٌ لَا يُهْتَدَى إلَيْهَا وَإِنْ كَانَ وَقْفًا فَهُوَ أَقْرَبُ أَوْ وَصِيَّةً مُدَّةً مُعَيَّنَةً فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ وَصِيَّةً إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ فَهُوَ مُشْكِلٌ وَالْمَسْأَلَةُ مَنْصُوصَةٌ فِي الْغَرَائِبِ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُدَّةِ الْمَجْهُولَةِ مَرْدُودٌ كَقِيَاسِهِ لَهُ عَلَى مَسْأَلَةِ الدِّينَارِ قَبْلُ فَإِذَا قَرَأَ الْقَارِئُ عَلَى قَبْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ جُزْءًا مِنْ الْقُرْآنِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ اسْتَحَقَّ الْوَصِيَّةَ وَإِلَّا فَلَا. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ وَقَفْتُ كَذَا عَلَى وَارِدِ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ يَصِحُّ الْوَقْفُ وَيُصْرَفُ لِلْوَارِدِ فِي مَسْجِدٍ مَا فَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ فَمَا وَجْهُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ بُطْلَانُ الْوَقْفِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ وَقَفْتُ هَذَا عَلَى الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ لَمْ يَصِحَّ أَيْ: لِإِبْهَامِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَيَتَعَذَّرُ الصَّرْفُ إلَيْهِ وَذَلِكَ يُنَافِي مَقْصُودَ الْوَاقِفِ فَبَطَلَ وَظَاهِرٌ أَنَّ مِثْلَ هَذَا قَوْلُهُ عَلَى وَارِدِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْوَارِدَ وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا بِوَصْفِهِ إلَّا أَنَّهُ صَارَ مُبْهَمًا مِنْ حَيْثُ انْبِهَامُ مَحَلِّهِ لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يُطْلِقْهُ وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِمَحَلٍّ مُبْهَمٍ فَلَزِمَ مِنْ انْبِهَامِ الْقَيْدِ انْبِهَامُ الْمُقَيَّدِ فَتَعَذَّرَ الصَّرْفُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَبَطَلَ الْوَقْفُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ مُحَلًّى بِأَلْ فَيَعُمُّ لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ حِينَئِذٍ لِأَنَّ مَدْلُولَ الْعَامِّ كُلِّيَّةً فَكَأَنَّهُ قَالَ وَقَفْتُ هَذَا عَلَى وَارِدِ كُلِّ مَسْجِدٍ وَوُرُودُ الشَّخْصِ لِكُلِّ مَسْجِدٍ الْمَشْرُوطُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ بِالتَّقْرِيرِ الَّذِي تَقَرَّرَ مُحَالٌ.

فَلَمْ يُنْظَرْ إلَيْهِ كَمَا أَنَّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا إلَيْهِ فِي: وَقَفْتُ هَذَا الْمَسْجِدَ، وَصَرْفَهُ لِلْوَارِدِ فِي مَسْجِدٍ مَا لَمْ يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فَلِمَ يَنْظُرْ إلَيْهِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عَامًّا كَمَا تَقَرَّرَ، فَوَاضِحٌ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مَدْلُولُهُ أَوْ غَيْرُ عَامٍّ بِأَنْ كَانَتْ أَلْ فِيهِ عَهْدِيَّةً فَالْإِبْهَامُ فِيهِ حَاصِلٌ لِلْجَهْلِ بِذَلِكَ الْمَعْهُودِ فَبَطَلَ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ. نَعَمْ لَوْ قَالَ الْوَاقِفُ: أَرَدْتُ مَسْجِدَ كَذَا فَيَظْهَرُ قَبُولُ قَوْلِهِ لِاحْتِمَالِهِ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ. (وَسُئِلَ) عَنْ التَّحْشِيَةِ فِي الْكُتُبِ الْمَوْقُوفَةِ أَتَجُوزُ أَوْ يُفَرِّقُ بَيْنَ مَحْشٍ وَمَحْشٍ، وَتَحْشِيَةٍ دُونَ تَحْشِيَةٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْقِيَاسُ مَنْعُ التَّحْشِيَةِ فِي الْكُتُبِ الْمَوْقُوفَةِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَلَى حَوَاشِيهَا اسْتِعْمَالُ لَهَا فِيمَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الْوَاقِفُ. وَالْأَصْلُ امْتِنَاعُهُ إلَّا إذَا اقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ خِلَافُهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَبْعُدُ جَوَازُهَا إنْ اقْتَضَتْهَا الْمَصْلَحَةُ بِأَنْ كَانَ الْخَطُّ حَسَنًا، وَعَادَ مِنْهَا مَصْلَحَةٌ عَلَى الْكِتَابِ الْمُحَشِّي عَلَيْهِ لِتَعَلُّقِ الْحَوَاشِي بِمَا فِيهِ تَصْحِيحًا أَوْ بَيَانًا وَإِيضَاحًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ سَبَبًا لِكَثْرَةِ مُطَالَعَةِ النَّاسِ لَهُ وَانْتِفَاعِهِمْ بِهِ لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَوْ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ لَأَحَبَّهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِ الثَّوَابِ لَهُ بِتَعْمِيمِ النَّفْعِ بِوَقْفِهِ وَمَتَى انْتَفَى شَرْطٌ مِمَّا ذَكَرْتُهُ لَمْ تَجُزْ التَّحْشِيَةُ، وَهَذَا كُلُّهُ وَإِنْ لَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا لَكِنْ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الْوَقْفِ دَالٌّ عَلَيْهِ، فَإِنْ قُلْتَ قَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ: يُكْرَهُ نَقْشُ الْمَسْجِدِ كَمَا فِيهِ أَحْكَامٌ تَبَرُّعًا: جَوَازُ الْحَوَاشِي هُنَا مُطْلَقًا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ: يُكْرَهُ أَيْضًا كِتَابَةَ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فِي قِبْلَتِهِ، قَالَهُ مَالِكٌ اهـ فَكَمَا جَازَ النَّقْشُ فِي جِدَارِهِ مَعَ عَدَمِ إذْنِ الْوَاقِفِ فِيهِ فَكَذَا تَجُوزُ التَّحْشِيَةُ فِي حَوَاشِي الْكِتَابِ الْمَوْقُوفِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْوَاقِفُ فِيهِ. قُلْتُ: النَّقْشُ إنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُفْعَلَ فِي جِدَارِهِ تَعْظِيمًا لِشَعَائِرِ الْإِسْلَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ حَيْثُ قَالَ: لَيْسَ تَزْوِيقُهُ مِنْ الْمَنَاكِيرِ الَّتِي يُبَالَغُ فِيهَا لِأَنَّهُ يُفْعَلُ تَعْظِيمًا لِشَعَائِرِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ أَبَاحَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ إشْغَالِ قَلْبِ الْمُصَلِّي. وَأَمَّا الْحَوَاشِي الَّتِي لَا تَعُودُ مِنْهَا مَصْلَحَةٌ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ فَلَا تَعْظِيمَ فِيهَا فَلِذَلِكَ قُلْنَا بِامْتِنَاعِهَا عَلَى أَنَّ مِنْ شَأْنِ كِتَابَةِ الْحَوَاشِي أَنَّهَا تَضُرُّ بِمَحَلِّهَا مِنْ الْوَرَقِ فَفِيهَا نَوْعُ ضَرَرٍ لِلْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ فَعِنْدَ الْمَصْلَحَةِ يُحْتَمَلُ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ مُحَقَّقَةٌ، وَالْمَضَرَّةُ مَوْهُومَةٌ، وَالْمُحَقَّقُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَوْهُومِ. وَأَمَّا التَّزْوِيقُ فَلَا ضَرَرَ فِيهِ لِلْجِدَارِ بِوَجْهٍ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ مَسْحُهُ وَإِزَالَتُهُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْحَوَاشِي فَاتَّضَحَ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّزْوِيقِ وَكِتَابَةِ الْحَوَاشِي. (وَسُئِلَ) عَنْ وَاقِفَةٍ وُقِفَتْ عَلَى جَمَاعَةِ نِسْوَةٍ نَحْوِ سَبْعَةٍ مَثَلًا عَلَى بَنَاتِهِنَّ وَبَنَاتِ بَنَاتِهِنَّ إنَاثًا غَيْرَ ذُكُورٍ مُرَتَّبًا بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِنَّ عَلَى غَيْرِهِمْ وَقْفًا شَرْعِيًّا ثُمَّ شَرَطَتْ أَنْ يَبْدَأَ بِالْعِمَارَةِ مِنْ رِيعِهِ وَأَنْ يَدْفَعَ لِلْمُسْتَحِقَّاتِ اسْتِحْقَاقَهُنَّ وَأَنْ يَدْفَعَ مِنْ أُجْرَتِهِ لِقَارِئٍ شَرَطَتْهُ فِي وَقْفِهَا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ مَثَلًا فَهَذَا صُورَةُ لَفْظِهَا فِي وَقْفِهَا فَهَلْ يَأْخُذُ الْقَارِئُ الْعَشَرَةَ الْمَشْرُوطَةَ لَهُ أَوْ مَا فَضَلَ بَعْدَ الْعِمَارَةِ قَبْلَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِنَّ وَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ يَكُونُ لَهُنَّ بِالسَّوِيَّةِ كَمَا شَرَطَتْ أَمْ يُوَزَّعُ الْبَاقِي بَعْدَ الْعِمَارَةِ بَيْنَ الْقَارِئِ وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِنَّ بِالسَّوِيَّةِ وَالْقَصْدُ التَّأَمُّلُ الشَّافِي فِي عِبَارَةِ الْوَاقِفَةِ فَإِنَّ مَا فِيهَا تَرْتِيبٌ بَلْ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهَا تَقْدِيمُ اسْتِحْقَاقِ الْقَارِئِ عَلَيْهِنَّ يُدْفَعُ لِلْقَارِئِ مِنْ رِيعِهِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَيُدْفَعُ لِلْمُسْتَحِقَّاتِ اسْتِحْقَاقُهُنَّ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا فَضَلَ عَنْ الْعِمَارَةِ يُصْرَفُ مِنْهُ لِلْقَارِئِ قَدْرُ أُجْرَةِ مِثْلِ قِرَاءَتِهِ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ لَا عَمَلَ عَلَيْهِ وَمَا فَضَلَ عَنْ أُجْرَةٍ مِثْلِهِ مِمَّا سَمَّاهُ لَهُ الْوَاقِفُ إنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ يُقَسَّمُ مَا بَقِيَ مِنْ الْغَلَّةِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِنَّ لِأَنَّهُ يُضَارُّ بِهِنَّ بِهِ كَمَا أَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ بِنَظِيرِهِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ شَرَطَ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ فَنَصِيبُهُ رَاجِعٌ إلَى الْبَاقِينَ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمْ وَمَنْ حَدَثَ مِنْ الذَّرَارِيِّ فَهُوَ بِنَصِيبِهِ مَعَ الْمَوْجُودِينَ حَالَ ظُهُورِهِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] فَهَلْ يَرْجِعُ نَصِيبُ الْمَيِّتِ إلَى الْبَاقِينَ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ أَقْرَبَ وَيَسْتَحِقُّ مَنْ حَدَثَ وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ مِنْ أَحَدِ الْمَوْجُودِينَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْأَوْلَادِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُهُمْ وَكَذَا يُقَالُ فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَهَكَذَا وَأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَفِي أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ الْبَنُونَ وَالْبَنَاتِ مَا لَمْ يَقُلْ عَلَى مَنْ يُنْسَبُ إلَيَّ مِنْهُمْ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا

فَاَلَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْوَاقِفِ الْمَذْكُورَةِ أَوَّلًا وَآخِرًا أَنَّ نَصِيبَ الْمَيِّتِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ يَرْجِعُ إلَى الْمَوْجُودِينَ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمْ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ أَقْرَبَ إلَى الْمَيِّتِ مِنْ الْبَاقِينَ وَأَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى هُنَا سَوَاءٌ وَأَنَّ مَنْ حَدَثَ مِنْ أَوْلَادِ الْبُطُونِ أَوْ أَوْلَادِ الظُّهُورِ شَارَكَ الْمَوْجُودِينَ لَكِنْ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَلَهُ مِثْلُ الذَّكَرِ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَلَهُ نِصْفُ مَا لِلذَّكَرِ وَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَادِثُ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْمَوْجُودِ أَيْضًا أَوْ لَا وَهَذَا آخِرُ مَا كَتَبْتُهُ فِي جَوَابِ السُّؤَالِ وَبَقِيَ فِيهِ شَيْءٌ نُنَبِّهُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ قَوْلُهُ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] إلَى مَسْأَلَةِ الْمَيِّتِ أَيْضًا فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا سِيَاقٌ آخَرُ وَذَلِكَ لِأَنَّ السِّيَاقَ الْأَوَّلَ فِيهِ مِنْ الشَّرْطِيَّةِ وَجَوَابِهَا بِقَوْلِهِ فَنَصِيبُهُ رَاجِعٌ إلَى الْبَاقِينَ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمْ وَالثَّانِي فِيهِ [مَنْ] أَيْضًا وَجَوَابُهَا بِقَوْلِهِ فَهُوَ نَصِيبُهُ إلَخْ فَتَخْصِيصُ قَوْلِهِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ الْمُقْتَضَى لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِقَوْلِهِ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وَقَعَ فِي جَوَابِ هَذَا الشَّرْطِ الثَّانِي وَجَوَابُ الْأَوَّلِ لَمْ يُخَصِّصْ فِيهِ الِاسْتِوَاءُ بِشَيْءٍ فَعَمِلْنَا بِقَضِيَّةِ قَوْلِهِمْ وَالصِّفَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى جُمَلٍ مَعْطُوفَةٍ كَوَقَفْت عَلَى فُقَرَاءِ أَوْلَادِي وَأَحْفَادِي وَإِخْوَتِي وَكَذَا الْمُتَأَخِّرَةِ كَعَلَى أَوْلَادِي وَإِخْوَتِي الْمُحْتَاجِينَ وَالِاسْتِثْنَاءُ كَقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَفْسَخَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ تُعْتَبَرُ فِي الْكُلِّ قَالَ الْإِمَامُ إلَّا إنْ عَطَفَ بِثُمَّ أَوْ تَخَلَّلَ كَلَامٌ طَوِيلٌ وَإِلَّا اخْتَصَّتْ بِالْأَخِيرَةِ لَا يُنَافِي مَا قَرَّرْتُهُ لِأَنَّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَقَعَ فِي جَوَابِ شَرْطٍ غَيْرَ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ تَأْخِيرِ الصِّفَةِ عَنْ جُمَلٍ مُتَعَاطِفَةٍ وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ مَوْضِعُهُ إنْ كَانُوا فُقَرَاءَ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْبَاقِينَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَيِّتِ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ. نَعَمْ لَوْ قَالَ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ اتَّجَهَ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ إذْ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِشَيْءٍ فَحَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ هُوَ قَاعِدَةُ الْبَابِ وَهَلْ يَتَقَيَّدُ قَوْلُهُ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ مَعَ الْمَوْجُودِينَ؟ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ إلَّا إنْ كَانَ هُنَاكَ مَوْجُودِينَ غَيْرَهُ فَلَوْ حَدَثَ وَلَا مَوْجُودَ غَيْرَهُ تَسَاوَى الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى أَوْ لَا يَتَقَيَّدُ بِهِ لِأَنَّ هَذَا قَيْدٌ فِي اسْتِحْقَاقِهِ مُطْلَقًا الْأَقْرَبُ الثَّانِي. (وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ كَيْفَ يُمَثِّلُ الْأَصْحَابُ لِتَأْخِيرِ الصِّفَةِ عَنْ الْجُمَلِ الْمَعْطُوفَةِ أَوْ تَقَدُّمِهَا عَلَيْهِ أَوْ الِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَهَا بِقَوْلِهِمْ: وَقَفْتُ عَلَى مُحْتَاجِي أَوْلَادِي وَأَحْفَادِي وَإِخْوَتِي مَعَ أَنَّ هَذِهِ مُفْرَدَاتٍ لَا جُمَلَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ذَلِكَ إطْلَاقٌ مَجَازِيٌّ وَمِنْ ثَمَّ مَثَّلَ الْإِمَامُ لِذَلِكَ فِي الْأُصُولِ بِقَوْلِهِ وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي دَارِي وَحَبَسْتُ عَلَى أَقَارِبِي ضَيْعَتِي وَتَصَدَّقْتُ عَلَى عُتَقَائِي بِبُسْتَانِي إلَخْ وَقَدْ اسْتَبْعَدَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ كَوْنَ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ وَإِنْ قَدَّرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَامِلٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ نَعَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الْمَعْطُوفِ فِعْلٌ مُقَدَّرٌ بَعْدَ الْعَاطِفِ لَا الْعَامِلَ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ شَيْئًا عَلَى مَنْ يُصَلِّي الْخَمْسَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ أَوْ مَنْ يَشْتَغِلَ بِالْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ أَوْ يَقْرَأُ كُلَّ يَوْمٍ فِي هَذِهِ التُّرْبَةِ فَأَخَلَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ بِقِسْطِهِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْغَلَّةِ فِي مُقَابَلَةِ الْأَيَّامِ الَّتِي أَدَّى فِيهَا الْوَظِيفَةَ بِخِلَافِ مَا لَوْ اُسْتُؤْجِرَ لِخِيَاطَةِ خَمْسَةِ أَثْوَابٍ فَخَاطَ بَعْضَهَا وَالْفَرْقُ أَنَّا نَتَّبِعُ فِي الْأَعْوَاضِ وَالْعُقُودِ الْمَعَانِي وَفِي الشُّرُوطِ وَالْوَصَايَا الْأَلْفَاظ وَالْوَقْفُ مِنْ بَابِ الْأَرْصَادِ وَالْأَرْزَاقِ لَا مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَاتِ فَمَنْ أَخَلَّ بِشَيْءِ مِنْ الشُّرُوطِ لَمْ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا اهـ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ يَسْتَحِقُّ قَدْرَ مَا عَمِلَ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ الْأَصْحَابِ: إنَّ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِلنِّيَابَةِ فِي الْحَجِّ فَمَاتَ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْأَرْكَانِ أَنَّهُ يُوَزَّعُ وَهُوَ وَاضِحٌ اهـ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا اسْتَنَابَ إمَامُ الْمَسْجِدِ مَنْ يُصَلِّي عَنْهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَهَلْ يَسْتَحِقَّانِ شَيْئًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْإِمَامَ وَالنَّائِبَ لَا يَسْتَحِقَّانِ شَيْئًا مِنْ الْجَامِكِيَّةِ ثُمَّ إنْ جَعَلَ لِلنَّائِبِ جُعْلًا اسْتَحَقَّهُ وَإِلَّا فَلَا. قَالَا فَإِنْ أَذِنَ لَهُ النَّاظِرُ فِي الِاسْتِنَابَةِ جَازَتْ وَاسْتَحَقَّ النَّائِبُ الْمَشْرُوطُ لِلْإِمَامَةِ دُونَهُ وَلَيْسَ هُوَ نَائِبًا عَنْهُ بَلْ هُوَ وَكِيلُهُ فِي هَذِهِ التَّوْلِيَةِ فَإِنْ تَوَاطَآ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلٌّ بَعْضًا لَمْ يَجُزْ وَفِي صِحَّةِ التَّوْلِيَةِ حِينَئِذٍ نَظَرٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَعْلُومَ

كَالْمَشْرُوطِ وَلَوْ شَرَطَ ذَلِكَ فِي التَّوْلِيَةِ بَطَلَتْ وَلَمْ يَسْتَحِقَّ الْقَائِمُ بِالْإِمَامَةِ شَيْئًا فَإِنْ لَمْ يَجْرِ شَرْطٌ وَلَا تَوَاطَآ فَتَبَرَّعَ الْإِمَامُ عَلَى الْوَكِيلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ اهـ وَخَالَفَهُمَا التَّقِيُّ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ فَأَفْتَوْا بِجَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ قَالَ السُّبْكِيّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ إذَا اسْتَعَانَ الْمَجْعُولُ لَهُ بِغَيْرِهِ وَعَمِلَ غَيْرُهُ بِقَصْدِ الْإِعَانَةِ مُنْفَرِدًا أَوْ مُشَارِكًا اسْتَحَقَّ الْمَجْعُولُ لَهُ كَمَالَ الْجُعْلِ فَقِيَاسُهُ أَنَّ الْمُسْتَنِيبَ هُنَا يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْمَعْلُومِ لِأَنَّ النَّائِبَ مُعَيِّنٌ لَهُ قَالَ لَكِنِّي أَشْتَرِطُ أَنْ يَكُونَ النَّائِبُ مِثْلَ الْمُسْتَنِيبِ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ لِأَنَّ الْغَرَضِ هُنَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ بِخِلَافِهِ فِي الْجَعَالَةِ إذْ الْغَرَضُ رَدُّ الْعَبْدِ مَثَلًا فَالْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ فِيهِ سَوَاءٌ فَإِنْ كَانَ دُونُهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إنْ كَانَتْ التَّوْلِيَةُ شَرْطًا وَإِلَّا اسْتَحَقَّ الْمُبَاشِرُ لِاتِّصَافِهِ بِالْإِمَامَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَالِاسْتِنَابَةُ فِيهَا تُشْبِهُ التَّوْكِيلَ فِي الْمُبَاحَاتِ وَفِي مَعْنَى هَذَا كُلُّ وَظِيفَةٍ تَقْبَلُ الِاسْتِنَابَةَ كَالتَّدْرِيسِ وَهَذَا فِيمَا لَا يَعْجَزُ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ وَإِلَّا فَلَا إشْكَالَ فِي الِاسْتِنَابَةِ اهـ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى مُدَرِّسٍ يُقْرِئُ النَّاسَ فِي مَسْجِدٍ أَوْ مَدْرَسَةٍ كُلَّ يَوْمٍ وَاعْتِيدَ تَرْكُ الْإِقْرَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَهَلْ عَلَيْهِ الْإِقْرَاءُ فِيهِ أَيْضًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ أَنَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ يَوْمٍ تَصْرِيحٌ بِالْعُمُومِ فَلَا يُتْرَكُ بِعُرْفٍ خَاصٍّ قَالَ ثُمَّ إنْ كَانَ مُرِيدٌ وَالْقِرَاءَةُ مَحْصُورَيْنِ فَلَا بُدٌّ مِنْ اسْتِيعَابِهِمْ وَإِلَّا اكْتَفَى بِثَلَاثَةٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ الْعُرْفُ الْمُطَّرِدُ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرُوطِ فَيَنْزِلُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ فَإِذَا وَقَفَ عَلَى الْمُدَرِّسِ وَالْمُعِيدِ وَالْفُقَهَاءِ بِمَدْرَسَةِ كَذَا نَزَلَ عَلَى مَا يَقْتَضِيه الْعُرْفُ مِنْ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْفَقِيهِ وَالْأَفْقَهُ وَكَذَلِكَ يَنْزِلُ عَلَى إلْقَاءِ الدَّرْسِ فِي الْغَدَوَاتِ وَلَا يَكْفِي إلْقَاؤُهُ لَيْلًا وَلَا عَشِيَّةً وَلَا ظُهْرًا. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا أَجَّرَ مُتَوَلِّي الْمَسْجِدِ حَانُوتَهُ بِشَرْطِ أَنْ يُعَمِّرَهُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ مَالِهِ وَيَكُونَ مَا أَنْفَقَهُ مَحْسُوبًا لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ فَهَلْ تَصِحُّ الْإِجَارَةُ وَيُحْسَبُ لَهُ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - آخِرَ الْإِجَارَةِ عَدَمُ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهُ عِنْدَهَا غَيْرُ مُنْتَفِعٍ وَعَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ إذْ لَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ حَتَّى يُحْسَبَ مِنْهَا مَا أَنْفَقَهُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ هَلْ يَجُوزُ صَرْفُ الرِّيعِ إلَى نَحْوِ نَقْشِهِ وَمُؤَذِّنِيهِ وَقُوَّامِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى النَّقْشِ وَالتَّزْوِيقِ قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ وَفِي الْعِدَّةِ أَيْ وَالْحَاوِي وَلَا إلَى أَئِمَّتِهِ وَمُؤَذِّنِيهِ وَيَجُوزُ إلَى قُوَّامِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَيِّمَ لِحِفْظِ الْعِمَارَةِ وَاخْتِصَاصِ الْأَئِمَّةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ بِأَحْوَالِ الْمُصَلِّينَ قَالَ وَلَا يَشْتَرِي مِنْهُ الدُّهْنَ بِخِلَافِ الْبَوَارِي قَالَ الرَّافِعِيُّ وَكَانَ الْفَرْقُ أَنَّ مَا يُفْرَشُ حَافِظٌ لِلْعِمَارَةِ وَمَنْفَعَةُ الدُّهْنِ تَخْتَصُّ بِالْمُصَلِّي قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَأَكْثَرُ مَنْ تَعَرَّضَ لِلْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِي بِهِ الدُّهْنَ وَلَا الْحُصْرَ وَالتَّجْصِيصَ الَّذِي فِيهِ أَحْكَامٌ مَعْدُودٌ مِنْ الْعِمَارَاتِ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى مَصْلَحَتِهِ لَمْ يُصْرَفُ إلَى النَّقْشِ وَالتَّزْوِيقِ أَيْضًا وَتَجُوزُ عِمَارَتُهُ وَشِرَاءُ الْحُصْرِ وَالدُّهْنِ وَنَحْوِهِمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْقِيَاسُ جَوَازُ الصَّرْفِ إلَى الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ أَيْضًا وَلَوْ وَقَفَ عَلَى الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا صَحَّ قَالَ الْبَغَوِيّ وَهُوَ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى عِمَارَتِهِ وَفِي الْجُرْجَانِيَّاتِ حِكَايَةُ وَجْهَيْنِ فِي جَوَازِ الصَّرْفِ إلَى النَّقْشِ وَالتَّزْوِيقِ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ وَمَا فَضَلَ عَنْ الْعِمَارَةِ قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَحْفَظُ لِلْمَسْجِدِ وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ يَشْتَرِي بِهِ عِقَارًا وَيُوقَفُ لَهُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى دُهْنِ السِّرَاجِ فِي الْمَسْجِدِ هَلْ يَجُوزُ سِرَاجُهُ جَمِيعَ اللَّيْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ جَمِيعَ اللَّيْلِ إنْ انْتَفَعَ مَنْ بِالْمَسْجِدِ وَلَوْ نَائِمًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَحَدٌ وَلَا يُمْكِنُ دُخُولُهُ لَمْ يُسْرِجْ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَجُوزُ إيقَادُ الْيَسِيرِ مِنْ الْمَصَابِيحِ لَيْلًا مَعَ خُلُوِّهِ احْتِرَامًا لَهُ وَتَنْزِيهًا عَنْ وَحْشَةِ الظُّلْمَةِ وَلَا يَجُوزُ نَهَارًا لِمَا فِيهِ مِنْ السَّرَفِ وَالْإِضَاعَةِ وَالتَّشْبِيهِ بِالنَّصَارَى وَمِنْ كَلَامِهِ هَذَا يُؤْخَذُ تَحْرِيمُ إكْثَارِ الْوُقُودِ فِي الْمَسَاجِدِ بِحَيْثُ يَزِيدُ عَلَى الْحَاجَةِ قَطْعًا أَيَّامَ رَمَضَانَ وَنَحْوَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ. (وَسُئِلَ) عَنْ الْمَدَارِسِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الْفُقَهَاءِ هَلْ يَجُوزُ لِغَيْرِهِمْ دُخُولُ أَخْلِيَتِهَا وَالشُّرْبُ مِنْ مَائِهَا وَالْجُلُوسُ فِيهَا أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ

بِجَوَازِ ذَلِكَ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَاسْتَمَرَّ بِهِ الْعُرْفُ فِي الْمَدَارِسِ وَيَنْزِلُ الْعُرْفُ فِي ذَلِكَ مَنْزِلَةَ شَرْطِ الْوَاقِفِ فِي وَقْفِهِ صَرِيحًا قَالَ وَبِذَلِكَ أَفْتَى الْغَزَالِيُّ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا كَانَ لِلْمَسْجِدِ مُؤَذِّنٌ وَوَقَّادٌ وَكَنَّاسٌ فَعَجَزَ رِيعُ الْوَقْفِ فَمَنْ مُقَدَّمٌ مِنْهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُقَدَّمُ الثَّانِي كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيّ وَأَطَالَ فِي الِاسْتِدْلَالِ لَهُ قَالَ وَمَحَلُّهُ إنْ كَانَ مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ فَإِنْ كَانَ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ فَالْمُؤَذِّنُ أَوْلَى لِعِظَمِ مَوْقِعِهِ فِي الدِّينِ وَأَفْتَى ابْنُ الْفِرْكَاحِ فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى مَصَالِحِ جَامِعٍ عَلَيْهِ وَتَرَتَّبَ أَئِمَّةٌ وَخَطِيبٌ وَمُؤَذِّنُونَ وَقَوْمُهُ وَأُنَاسٌ يُلَقِّنُونَ الْكِتَابَ الْعَزِيزَ. وَالْوَقْفُ لَا يَفِي بِجَمِيعِهِمْ بِأَنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُ الْمُؤَذِّنِينَ وَالْإِمَامِ وَالْخَطِيبِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُلَقِّنِينَ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ وَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ وَقَفَ حَوْشًا بِهِ ثَلَاثَةُ حَوَاصِلَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْفَارٍ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ ثُمَّ أَنْهَى أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الْمُسْتَحِقِّينَ إلَى النَّاظِرِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي لَهُ وِلَايَةُ النَّظَرِ الْعَامِّ أَنَّ الْحَوْشَ وَمَا بِهِ مِنْ الْحَوَاصِلَ الْمَذْكُورَةِ خَرِبٌ مُنْهَدِمٌ مُتَسَاقِطٌ وَاسْتَأْجَرَهُ مِنْ قَيِّمٍ شَرْعِيٍّ أَقَامَهُ النَّاظِرُ الْمُشَارُ إلَيْهِ أَعْلَاهُ فِي ذَلِكَ وَالْحَالُ أَنَّ الْحَوَاصِلَ الْمَذْكُورَةَ قَائِمَةٌ عَلَى أُصُولِهَا وَقْتَ الْإِيجَارِ لَمْ يَحْصُلْ بِهَا هَدْمٌ وَلَا خَرَابٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَجِّرُ شَيْئًا مِنْ الْحَوَاصِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْإِيجَارِ الْمَذْكُورِ لَكِنْ حَدَّدَ الْحَوْشَ بِحُدُودٍ شَمِلَتْ الْحَوَاصِلَ الْمَذْكُورَةَ فَهَلْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَوْ لِوَرَثَتِهِمْ الْمُطَالَبَةُ بِأُجْرَةِ الْحَوَاصِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي وَضَعَ فِيهَا الْمُسْتَأْجِرُ يَدَهُ عَلَيْهَا لِكَوْنِ الْمُؤَجِّرِ لَمْ يَذْكُرْهَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا أَمْ لَا؟ أَوْ تَدْخُلُ فِي الْحُدُودِ الْمَذْكُورَةِ وَتَشْمَلُهَا الْإِجَارَةُ لِكَوْنِ الْحُدُودِ شَامِلَةً لَهَا مَعَ كَوْنِهَا لَمْ تُذْكَرْ فِي الْإِجَارَةِ وَالْحَالُ أَنَّ الْأُجْرَةَ الْمُسْتَأْجِرُ بِهَا دُون أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَهَلْ تَصِحُّ الْإِجَارَةُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ أَمْ لَا وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْأُجْرَةَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ حِينَ الْإِجَارَةِ وَحُكِمَ بِذَلِكَ فَهَلْ تُقَدَّمُ الْبَيِّنَةُ الشَّاهِدَةُ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ دُونَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ أَمْ لَا وَهَلْ يُنْقَضُ الْحُكْمُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى ثُبُوتِ الْأُجْرَةِ السَّابِقَةِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا أَجَّرَ النَّاظِرُ أَوْ نَائِبُهُ الْحَوْشَ الْمَذْكُورَ لِأَجْلِ كَوْنِهِ خَرِبًا وَكَانَ خَرَابُهُ هُوَ الْمُسَوِّغُ لِلْإِيجَارِ فَبَانَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَرَابًا وَقْتَ الْإِيجَارِ بَانَ بُطْلَانُ الْإِيجَارِ وَكَذَلِكَ يَبْطُلُ إيجَارُهُ إنْ وَقَعَ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَإِذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ مَا أَجَّرَ بِهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَشَهِدَتْ أُخْرَى بِأَنَّهُ دُونَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ قُدِّمَتْ الثَّانِيَةُ وَإِنْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِقَضِيَّةِ الْأُولَى عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ نَعَمْ إنْ كَانَ الْمَحَلُّ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ إلَى يَوْمِ التَّنَازُعِ وَلَمْ يَخْلُفْ الرَّاغِبُونَ فِيهِ بَلْ كَانَتْ رَغْبَتُهُمْ فِيهِ يَوْمُ الْإِيجَارِ رَغْبَتَهُمْ فِيهِ عِنْدَ التَّدَاعِي وَقَطَعَ الْمُقَوِّمُونَ أَنَّ الْأُجْرَةَ الَّتِي حَكَمَ بِهَا الْحَاكِمُ بِأَنَّهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ هِيَ أُجْرَةُ مِثْلِهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الشَّاهِدَانِ بِأَنَّهَا دُونَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ سَبَبًا يَقْتَضِي مَا شَهِدَا بِهِ قُدِّمَتْ الْبَيِّنَةُ الشَّاهِدَةُ بِأَنَّ ذَلِكَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ لَا مُعَارِضَ لَهَا حِينَئِذٍ وَعَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ السُّبْكِيّ وَحَيْثُ قُلْنَا بِصِحَّةِ الْإِجَارَةِ دَخَلَ فِيهَا مَا تَنَاوَلَتْهُ الْحُدُودُ الْمَذْكُورَةُ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ وَشَرْطُ النَّظَرِ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ مِنْ الذُّرِّيَّةِ فَأَثْبَتَ بَعْضُهُمْ أَرْشَدِيَّتَهُ بِبَيِّنَةٍ وَمَكَثَ سِتَّ سَنَوَاتٍ ثُمَّ أَثْبَتَ آخَرُ أَرْشَدِيَّتَهُ بِبَيِّنَةٍ أُخْرَى فَهَلْ يُشَارِكُ الْأَوَّلُ فِي النَّظَرِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ لَوْ شَرَطَ النَّظَرَ لِلْأَرْشَدِ أَيْ فَالْأَرْشَدِ مِنْ أَوْلَادِهِ فَأَثْبَتَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنَّهُ الْأَرْشَدُ اشْتَرَكُوا فِي النَّظَرِ مِنْ غَيْرِ اسْتِقْلَالٍ إذَا وُجِدَتْ الْأَهْلِيَّةُ فِي جَمِيعِهِمْ فَإِنْ وُجِدَتْ فِي بَعْضِهِمْ اخْتَصَّ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ تَعَارَضَتْ فِي الْأَرْشَدِ فَتَسَاقَطَتْ وَبَقِيَ أَصْلُ الرُّشْدِ فَصَارَتْ كَمَا لَوْ قَالَتْ الْبَيِّنَةُ بِرُشْدِ الْجَمِيعِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَحُكْمُهُ التَّشْرِيكُ لِعَدَمِ الْمَزِيَّةِ وَأَمَّا عِنْدَ الِاسْتِقْلَالِ فَكَمَا لَوْ أَوْصَى إلَى شَخْصَيْنِ مُطْلَقًا اهـ وَتَبِعَهُ عَلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ جَمَاعَةٌ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي التَّشْرِيكِ بَيْنَهُمْ إذَا أَثْبَتَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنَّهُ الْأَرْشَدُ بَيْنَ أَنْ يُقِيمَا الْبَيِّنَتَيْنِ مَعًا أَوْ تَتَقَدَّمُ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا وَهُوَ مُتَّجَهٌ إذْ التَّعَارُضُ حَاصِلٌ فِي كِلَا الْحَالَيْنِ وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ التَّعَارُضَ يَلْزَمُهُ تَسَاقُطُ الْبَيِّنَتَيْنِ وَبَقَاءُ الرُّشْدِ وَذَلِكَ صَرِيحٌ أَوْ كَالصَّرِيحِ فِي مُشَارَكَةِ الثَّانِي الْمَذْكُورِ فِي السُّؤَالِ

لِلْأَوَّلِ مِنْ حِينِ تَثْبُتُ أَرْشَدِيَّتُهُ وَأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِتَقَدُّمِ ثُبُوتِ رُشْدِهِ وَهُوَ وَجِيهٌ مَعْنًى وَنَقْلًا وَأَمَّا مَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ كَالْمَاوَرْدِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ لِلْأَفْضَلِ فَالْأَفْضَلِ مِنْ بَنِيهِ كَانَ لِأَفْضَلِهِمْ حَالَةَ اسْتِحْقَاقِ النَّظَرِ فَلَوْ تَجَدَّدَ أَفْضَلُ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ. نَعَمْ إنْ تَغَيَّرَ حَالُهُ انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَى مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ فَلَوْ جَعَلَهَا لِلْأَفْضَلِ مِنْ وَلَدِهِ فَفِي دُخُولِ الْإِنَاثِ وَجْهَانِ ثَانِيهمَا يُرَاعَى الذُّكُورُ لِأَنَّهُمْ أَفْضَلُ اهـ. فَهُوَ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ نَقَلَهُ وَأَقَرَّهُ لَكِنَّ الْأَوْجَهَ خِلَافُهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَمِنْ ثَمَّ لِمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْهُمَا قَالَ وَعِنْدِي فِيهِ وَقْفَةٌ فِيمَا لَوْ تَجَدَّدَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحِقَّ وَيَنْعَزِلَ الْأَوَّلُ عَمَلًا بِقَضِيَّةِ كَلَامِ الْوَاقِفِ اهـ. وَبِتَأَمُّلِ قَوْلِهِ وَيَنْبَغِي إلَخْ يُعْلَمُ أَنَّ الصُّورَةَ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيِّ بِأَنْ يَعْلَمَ تَجَدُّدَ الْأَفْضَلِيَّةِ لِلثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ حَتَّى لَوْ فُرِضَ التَّعَارُضُ هُنَا كَأَنْ أَقَامَ كُلَّ بَيِّنَةٍ أَنَّهُ الْأَفْضَلُ وَجَبَ التَّسَاوِي بَيْنَهُمْ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُنَافِي مَا قَالَاهُ مَا مَرَّ عَنْ الرَّوْضَةِ لِأَنَّ كَلَامَهُمَا كَمَا عَلِمْتَ فِيمَا إذَا حَصَلَ تَعَارُضٌ فَيَجِب الْحُكْمُ بِالتَّسَاوِي إذْ لَا مُرَجِّحَ بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّهُ لَا تَعَارُضَ فَوَجَبَ اتِّبَاعُ لَفْظِ الْوَاقِفِ وَهَذَا نَصٌّ فِيمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فَوَجَبَ تَضْعِيفُهُ وَالْعَمَلُ بِمَا مَرَّ وَبِمَا قَرَّرْتُهُ آخِرًا، تَعْلَمُ وَجْهَ اعْتِمَادِي مَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَتَضْعِيفِي لِكَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيِّ وَوَجْهُ عَدَمِ اعْتِمَادَنَا لِمُقْتَضَى تَنْظِيرِهِ فِي كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا كَمَا عَرَفْتَ ثُمَّ قَوْلَهُمَا نَعَمْ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا وَإِنْ مَشَى ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى مُقْتَضَاهُ إذْ مُقْتَضَى النَّصِّ انْتِقَالُ النَّظَرِ إلَى الْحَاكِمِ كَمَا لَوْ غَابَ الْأَهْلُ وَفَارَقَ انْتِقَالُ وِلَايَةِ النِّكَاحِ إلَى الْأَبْعَدِ بِفِسْقِ الْأَقْرَبِ بِأَنَّ الثَّانِي هُنَا لَمْ يُجْعَلْ لَهُ النَّظَرُ إلَّا بَعْدَ الْأَوَّلِ وَلَا سَبَبَ فِي حَقِّهِ غَيْرِهِ وَأَوْلِيَاءُ النِّكَاحِ السَّبَبُ الْمُقْتَضَى مَوْجُودٌ فِي جَمِيعِهِمْ وَهُوَ الْقَرَابَةُ وَقُدِمَ الْأَقْرَبُ عِنْدَ أَهْلِيَّتِهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ عَمِلَ الْمُقْتَضَى فِي الْأَبْعَدِ عَمَلُهُ ثُمَّ رَأَيْتَ السُّبْكِيّ قَالَ لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَرْشَدِيَّةِ زَيْدٍ ثُمَّ أَرَادَ آخَرُ أَنْ يُثْبِتَ أَرْشَدِيَّتَهُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدِهِ وَقَصُرَ الزَّمَنُ بَيْنَهُمَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ صِدْقَهُمَا تَعَارَضَتَا ثُمَّ يُحْتَمَلُ سُقُوطُهُمَا وَيُحْتَمَلُ اشْتِرَاكُهُمَا اهـ. قَالَ غَيْرُهُ وَبِالثَّانِي أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ قَالَ أَعْنِي السُّبْكِيّ وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَحْكُمُ بِالثَّانِيَةِ إنْ صَرَّحَتْ بِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ مُتَجَدِّدٌ اهـ. قَالَ غَيْرُهُ بَلْ مُقْتَضَاهُ مَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّا نَحْكُمُ بِالثَّانِيَةِ إذَا تَغَيَّرَ حَالُ الْأَرْشَدِ الْأَوَّلِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ شَرَطَ فِي كِتَابِ وَقْفِهِ مَبْلَغًا فِي كُلِّ سَنَةٍ لِإِمَامِ مَسْجِدٍ فَهَلْ لِلنَّاظِرِ عَلَى الْمَسْجِدِ صَرْفُ الْمَبْلَغِ فِي عِمَارَتِهِ إذَا صَارَ خَرَابًا أَوْ لَا وَهَلْ صَرْفُ مَبْلَغِ الْإِمَامِ فِي مُدَّةِ خَرَابِ الْمَسْجِدِ وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ وَهَلْ لَهُ صَرْفُ الْمَبْلَغِ فِي ثَمَنِ حُصْرٍ وَقَنَادِيلَ وَإِذَا قُلْتُمْ لَا فَمَا حُكْمُ الْمَبْلَغِ الْمُتَحَصِّلِ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ قَالَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا وَتَقَدَّمَ عِمَارَةُ الْمَسْجِدِ عَلَى حَقِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَيْ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حِفْظِ الْوَقْفِ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ بِالْأَوْلَى أَنَّهُ لَوْ تَعَذَّرَ إعَادَةُ الْمَسْجِدِ أَوْ الْمُنْهَدِمِ مِنْهُ إلَّا بِصَرْفِ مَبْلَغِ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ صَرَفَهُ فِي ذَلِكَ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْعِلَّةِ وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فَقْد قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَوْ تَوَلَّى وَظِيفَةً وَأُكْرِهَ عَلَى عَدَمِ مُبَاشَرَتِهَا أَفْتَى تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْمَعْلُومَ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ لِأَنَّهَا جَعَالَةٌ وَهُوَ لَمْ يُبَاشِرْ اهـ وَفِي فَتَاوَى شَيْخِنَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا كَفَتَاوَى السِّرَاجِ الْبُلْقِينِيُّ مَا يُوَافِقُ الْأَوَّلَ لَكِنَّ الْأَوْجَهَ الثَّانِي وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فَالظَّاهِرُ فِيهَا أَنَّ مَبْلَغَ الْإِمَامِ لَا يُصْرَفُ إلَى نَحْوِ الْقَنَادِيلِ لِأَنَّ إقَامَةَ الْجَمَاعَةِ بِالْمَسْجِدِ أَقْرَبُ إلَى غَرَضِ الْوَاقِفِ وَالشَّارِعِ مِنْ وَقُودِهِ وَفَرْشِهِ وَأَمَّا غَلَّةُ وَقْفِ الْمَسْجِدِ الْمُتَعَطِّلِ فَقَالَ الرُّويَانِيُّ كَالْمَاوَرْدِيِّ تُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينَ وَقَالَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ إنَّهُ مُنْقَطِعٌ فَتُصْرَفُ غَلَّتُهُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يُصْرَفُ لِأَقْرَبِ الْمَسَاجِدِ إلَيْهِ وَقَالَ الْإِمَامُ يُحْفَظُ لِتَوَقُّعِ عَوْدِهِ وَهُوَ قِيَاسُ مَا ذَكَرُوهُ فِي غَلَّةِ وَقْفِ الثَّغْرِ اهـ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ تَرْجِيحُهُ إنْ رَجَا تَوَقُّعَ عَوْدِهِ وَوُجِدَ مَوْثُوقٌ ذِكْرُهُمْ يُحْفَظُ وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَتَّجِه مَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَأَمَّا الزَّائِدُ مِنْ غَلَّةِ الْمَسْجِدِ عَلَى مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فَيُدَّخَرُ مِنْهُ مَا يُعَمِّرُهُ بِتَقْدِيرِ

هَدْمِهِ وَيُشْتَرَى لَهُ بِالْبَاقِي عَقَارٌ أَوْ نَفَقَةٌ لِأَنَّهُ أَحْفَظُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَى عِمَارَتِهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حِفْظِ الْوَقْفِ هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَجِّ وَالْقَفَّالُ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ. (وَسُئِلَ) هَلْ يَصِحُّ وَقْفُ الْإِمَامِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ جِهَةٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ بِرَدِّ اللَّهِ تَعَالَى مَضْجَعَهُمَا بِصِحَّةِ ذَلِكَ تَبَعًا لِجَمْعٍ لَكِنْ قَالَ السُّبْكِيّ الَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَقْفُهُ عَلَى مُعَيَّنٍ وَلَا عَلَى طَوَائِفَ مَخْصُوصَةٍ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ أَنَّ الْإِمَامَ فِي أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ كَالْوَلِيِّ فِي مَالِ مُولِيهِ وَقَدْ صَرَّحُوا هُنَا بِأَنَّهُ لَا يَصِحّ وَقْفَ الْوَلِيِّ فَلْيَكُنْ الْإِمَامُ مِثْلَهُ لَكِنْ قَدْ يُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْإِقْطَاع لِمَا يَرَى فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ وَكَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ جِهَةٍ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ سُومِحَ لَهُ فِي أَنْ يَقِفَ مَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً عَلَى مِنْ يَرَاهُ أَهْلًا لِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَالْوَلِيِّ فِيمَا ذُكِرَ إلًّا أَنَّهُ أَوْسَعُ نَظَرًا مِنْهُ فَلَمْ يُعْطَ حُكْمَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَقَوْلُهُمْ شَرْطُ الْمَوْقُوفِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا جَرَى عَلَى الْغَالِبِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ وَقَفْتُ هَذَا عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَلَى رَجُلٍ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَهَلْ بَعْدَ مَوْتِ زَيْدٍ يُصْرَفُ إلَى مَنْ؟ وَمَا مُدَّةُ الصَّرْفِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُصْرَفُ بَعْدَ مَوْتِ زَيْدٍ إلَى الْفُقَرَاءِ لِتَعَذُّرِ مَعْرِفَةِ أَمَدِ الِانْقِطَاعِ هَذَا مَا مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَهَذَا أَخْذَهُ مِنْ تَفْرِيعِ الْأَصْلِ لَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ وَقْفٍ مُنْقَطِعِ الْأَوَّلِ اهـ. وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَضْعِيفًا لَهُ وَيُحْتَمَلُ خِلَافَهُ أَيْ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ أَخْذُهُ إيَّاهُ مِنْ التَّفْرِيعِ عَلَى ضَعِيفٍ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ لَكِنْ اعْتَمَدَ بَعْضُهُمْ الْأَوَّلَ وَاسْتَدَلَّ بِعِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ وَالرَّوْضَةِ وَجَامِعِ النَّشَائِيِّ وَرَدَ بِأَنَّ مَحَلَّ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ فِي مَجْهُولٍ يُمْكِنُ انْتِظَارَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الرَّجُلَ الْآخَرَ يُمْكِنُ انْتِظَارُهُ بِمَا سَنَذْكُرُهُ وَإِذَا قُلْنَا إنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُقْرِي ضَعِيفٌ فَيُصْرَفُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ أَيْ أَفْقَرِ الْأَقْرِبَاءِ إلَيْهِ حِينَئِذٍ وَأَمَّا مُدَّةُ الصَّرْفِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تُقَدَّرُ بِزَمَنِ حَيَاةِ ذَلِكَ الرَّجُلِ الْمُبْهَمُ لَوْ كَانَ مُعَيَّنًا وَعَلَيْهِ فَهَلْ يُقَدَّرُ الْعُمْرُ الطَّبِيعِيُّ وَهُوَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً لِأَنَّا قَبْلَ ذَلِكَ نَشُكُّ فِي اسْتِحْقَاقِ الْفُقَرَاءِ حِينَئِذٍ أَوْ يُقَدَّرُ الْعُمْرُ الْغَالِبُ وَهُوَ مَا يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ لَوْ غَابَ كُلُّ مُحْتَمَلٍ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي أَيْضًا لِأَنَّ الرَّجُلَ إنَّمَا يُطْلَقُ فِي أَشْهَرِ إطْلَاقَاتِهِ عَلَى الْبَالِغِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا جَدَّدَ مَسْجِدًا بِآلَاتٍ جُدُدٍ، فَهَلْ يَجُوز صَرْفُ مَا بَقِيَ مِنْ آلَاتِهِ الْقَدِيمَةِ فِي عِمَارَةِ مَسْجِدٍ آخَرَ قَدِيمٍ مُحْتَاجٍ لِلْعِمَارَةِ أَوْ لَا وَحِينَئِذٍ فَهَلْ تُبَاعُ وَيُحْفَظُ ثَمَنُهَا أَوْ تُحْفَظُ هِيَ لِحَاجَاتِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ آجِلًا وَلَوْ نَوَى أَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْمُرَ مَسْجِدًا مُعَيَّنًا وَجَمَعَ لِذَلِكَ آلَاتٍ فَلَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَعْمُرَ مَسْجِدًا آخَرَ أَوْ لَا وَهَلْ يُفَرِّقُ بَيْنَ النَّذْرِ وَالْقَصْدِ أَوْ لَا وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا فِي مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَوْ يَصْرِفَ مَا نَذَرَهُ فِي عِمَارَةِ مَسْجِدٍ آخَرَ أَوْ لَا وَهَلْ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ حُصْرِ الْمَسْجِدِ وَفَرَاشِهِ لِحَاجَاتٍ كَحَاجَةِ الْعُرْسِ وَكَعَرْضِ شَيْءٍ كَالْكُتُبِ عَلَى الشَّمْسِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ بُدٌّ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ صَرْفُ تِلْكَ الْآلَاتِ الَّتِي قَدْ يَحْتَاجُ إلَيْهَا مَسْجِدُهَا فِي عِمَارَةِ مَسْجِدٍ آخَرَ وَلَا يَبِيعَهَا بَلْ يَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ حِفْظُهَا لِحَاجَاتِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُعَمِّرَ مَسْجِدًا مُعَيَّنًا أَوْ فِي مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُعَمِّرَ غَيْرَهُ بَدَلًا عَنْهُ هَذَا إنْ تَلَفَّظَ بِالنَّذْرِ فَإِنْ قَصَدَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ بِمُجَرَّدِ الْقَصْدِ شَيْءٌ وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ حُصْرِ الْمَسْجِدِ وَلَا فِرَاشِهِ فِي غَيْرِ فُرُشِهِ مُطْلَقًا سَوَاءً أَكَانَ لِحَاجَةٍ أَمْ لَا وَاسْتِعْمَالُهَا فِي الْأَعْرَاسِ مِنْ أَقْبَحِ الْمُنْكَرَاتِ الَّتِي يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ إنْكَارُهَا وَقَدْ شَدَّدَ الْعُلَمَاءُ النَّكِيرَ عَلَى مَنْ يَفْرِشُهَا بِالْأَعْرَاسِ وَالْأَفْرَاحِ وَقَالُوا يَحْرُمُ فَرْشُهَا وَلَوْ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ جَدَّدَ مَسْجِدًا أَوْ عَمَّرَهُ بِآلَاتٍ جُدُدٍ وَبَقِيَتْ الْآلَةُ الْقَدِيمَةُ هَلْ تَجُوزُ عِمَارَةُ مَسْجِدٍ آخَرَ قَدِيمٍ بِهَا أَوْ لَا فَتُبَاعُ وَيُحْفَظُ ثَمَنُهَا أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ تَجُوزُ عِمَارَةُ مَسْجِدٍ قَدِيمٍ أَوْ حَادِثٍ بِهَا حَيْثُ قَطَعَ بِعَدَمِ احْتِيَاجِ الْمَسْجِدِ الَّذِي هِيَ مِنْهُ إلَيْهَا قَبْلَ فِنَائِهَا وَلَا يَجُوزُ بَيْعَهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمَسْجِدَ الْمُعَطَّلَ لِخَرَابِ الْبَلَدِ إذَا خِيفَ مِنْ

أَهْلِ الْفَسَادِ عَلَى نَقْضِهِ نُقِضَ وَحُفِظَ وَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ أَنْ يُعَمِّرَ بِنَقْضِهِ مَسْجِدًا آخَرَ جَازَ وَمَا قَرُبَ مِنْهُ أَوْلَى وَالْحَاصِلُ مِنْ رِيعِ الْمَسْجِدِ الْمَذْكُورِ يَصْرِفُهُ لِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ آخَرَ قَالَ الْمُتَوَلِّي إلَى عِمَارَةِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ وَكَذَا الرِّبَاطَاتِ وَالْآبَارِ الْمُسَبَّلَةِ يُنْقَلُ نَقْضُهَا وَرِيعُ وَقْفِهَا إلَى مِثْلِهَا لَا إلَى نَوْعٍ آخَرَ إلَّا إذَا فُقِدَ نَوْعُهَا فَتُصْرَفُ لِغَيْرِهِ لِلضَّرُورَةِ وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي وَيَفْعَلُ الْحَاكِمُ بِمَا فِي الْمَسْجِدِ الْخَرَابِ مِنْ حُصْرِ وَقَنَادِيلَ وَنَحْوِهَا ذَلِكَ فَيَنْقُلُهَا إلَى غَيْرِهِ عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَيْهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ وَقْفُ تَرْتِيبٍ عَلَى بُطُونٍ مَضَتْ عَلَيْهِ مُدَدٌ وَإِنْسَانٌ سَاكِنٌ فِيهِ فَطَالَبَهُ نَاظِرٌ مُسْتَحِقٌّ الْآنَ بِجَمِيعِ مَا مَضَى إلَّا لَمْ يَقُمْ بَيِّنَةٌ بِدَفْعِهِ لِمَنْ قَبْلَهُ فَهَلْ تُسْمَعُ مُطَالَبَتُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ تُسْمَعُ مُطَالَبَتُهُ بِمَا فِي اسْتِحْقَاقِهِ وَأَمَّا بِمَا مَضَى فِي اسْتِحْقَاقِ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ يَحْتَاجُ لِعِمَارَةٍ سُمِعَتْ لِيَأْخُذَ وَيَصْرِفَهُ فِيهَا لِأَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِيمَا لَوْ كَانَ فِي زَمَنِ الْأَوَّلِينَ عَامِرًا إلَى مُضِيِّ زَمَنِ اسْتِحْقَاقِهِمْ وَلَمْ يَطْرَأْ خَرَابُهُ إلَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَهَلْ يُصْرَفُ فِيهِ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ الْمُتَقَدِّمُونَ لِأَنَّهُمْ إلَى الْآنَ لَمْ يَمْلِكُوهُ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا فَتُقَدَّمُ عِمَارَةُ الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ أَوْ يَفُوزُونَ بِهِ لِأَنَّ الْعِمَارَةَ لَمَّا حَدَثَتْ بَعْدُ تَعَلَّقَتْ بِغَلَّةِ زَمَنِ حُدُوثِهَا لَا غَيْرُ لِلنَّظَرِ فِيهِ مَجَالٌ وَالْمُتَبَادَرُ هُوَ الثَّانِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِمَارَةً لَمْ يُطَالِبْهُ إلَّا بَعْدَ طَلَبِ الْمُسْتَحِقِّ أَوْ وَارِثِهِ لِأَنَّ الْغَلَّةِ إذَا تَمَخَّضَتْ لِمُسْتَحِقٍّ جَازَ لَهُ أَنْ يُسَامِحَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَرْضَ النَّاظِرُ فَاشْتَرَطَ فِي طَلَبِهِ عَدَم مُسَامَحَةِ الْمُسْتَحِقِّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَهِيَ تَسْتَحِقُّ حِصَّةً مَعْلُومَةً فِي وَقْفِ نَخْلٍ مَعْلُومٍ وَكَانَ مَوْتُهَا بَعْدَ إطْلَاعِ بَعْضِ ذَلِكَ النَّخْلِ وَتَأْبِيرِ بَعْضِهِ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ وَرَثَتُهَا حِصَّتَهَا مِنْ ذَلِكَ النَّخْلِ الْمَوْقُوفِ بِمُجَرَّدِ إطْلَاعِ بَعْضِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ إطْلَاعُ كُلِّهِ وَتَأْبِيرِهِ أَوْ لَا وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّونَ فِيمَا أَطْلَعَ قَبْلَ الْمَوْتِ دُونَ مَا أَطْلَعَ بَعْدَهُ وَأَيْضًا لَوْ أَطْلَعَ بَعْضُ النَّخْلُ قَبْلَ مَوْتِهَا وَأَطْلَعَ بَاقِيهِ بَعْدَهُ فَهَلْ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ أَوْ يَسْتَحِقُّونَ ذَلِكَ جَمِيعَهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْبَعْضُ كَافِيًا فِي الِاسْتِحْقَاقِ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيمَا أَطْلَعَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَقِيهَانِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ مَتَى وَقَعَ الْمَوْتُ بَعْدَ وُجُودِ الثَّمَرَةِ اسْتَحَقَّهَا وَرَثَةُ الْمَيِّتِ وَإِنْ لَمْ تَتَأَبَّرْ وَقَدْ بَسَطْتُ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فِي إفْتَاءٍ سَبَقَ وَفِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فَرَاجِعْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَالْإِفْتَاءُ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ عَلَى مُشَرِّفِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَتِسْعمِائَةٍ فِي عَشْرِ رَمَضَانَ الْأَخِيرِ بِمَا صُورَتُهُ بَيْتُ وَقْفٍ بِالْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ عَلَى مَنْ يُوجَدُ بِهَا مِنْ الْحَضَارِمِ مُقَدِّمًا مِنْهُمْ أَهْلَ السَّفَلَةِ وَالْكَثِيرِ وَذَوُو عَنْ وَدَاوَى عَمَدَ عَلَى غَيْرِهِمْ الذَّكَرُ الْمُحْتَاجُ الْمُتَزَوِّجُ مِنْ الْجِهَاتِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ أَحَدٌ أَوْ انْقَرَضَ مَنْ وُجِدَ أَجَّرَ الْوَقْفَ الْمَذْكُورَ لِمَنْ يَسْكُنُ فِيهِ سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ وَأُصْرِفَتْ أُجْرَتُهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ الْمُقِيمِينَ بِالْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ مِنْ الْجِهَاتِ الْمَذْكُورَةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ أَحَدٌ أَوْ انْقَرَضَ مَنْ وُجِدَ فَعَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ فَأَكْثَرُ مِنْ الْمُجَاوِرِينَ بِالْمَدِينَةِ هَذَا لَفْظُ الْوَاقِفِ فَمَا الْمُرَادُ بِالْحَضْرَمِيِّ هَلْ هُوَ الْمُتَوَلِّدُ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْطِنُهَا أَوْ مَنْ قَدْ اسْتَوْطَنَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يُولَدْ فِيهَا أَوْ مَنْ أَبُوهُ أَوْ جَدُّهُ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ يُولَدْ هُوَ فِيهَا. وَسُئِلَ عَنْ الْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا وَقَدْ أَسْكَنَهُ فِيهَا أَوْ أَعْتَقَهُ فِيهَا هَلْ هُوَ حَضْرَمِيٌّ أَوْ لَا وَهَلْ الْمُرَادُ بِالْمُحْتَاجِ مَنْ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَسْكَنٌ أَوْ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَسْكَنٌ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى تَحْصِيلِهِ بِكِرَاءٍ وَنَحْوِهِ وَهَلْ يُقَدَّمُ الْمُتَزَوِّجُ بِالسُّكْنَى فَقَطْ أَوْ بِالسُّكْنَى وَالْأُجْرَةِ إنْ أُوجِرَ وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْ. وَقَوْلُ الْوَاقِفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ الْمُقِيمِينَ مَا الْمُرَادُ بِالْإِقَامَةِ هَلْ هُوَ الْإِقَامَةُ الشَّرْعِيَّةُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ أَوْ الْمُجَاوَرَةُ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ الِاسْتِيطَانِ لِأَنَّ لَفْظَ الْوَاقِفِ مَتَى خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمَدِينَةِ بِغَيْرِ نِيَّةِ الْعَوْدِ بَطَلَ اسْتِحْقَاقُهُ وَإِذَا حَضَرَ مُسْتَحِقُّونَ فَهَلْ يُقَدِّمُ مِنْهُمْ النَّاظِرُ مَنْ شَاءَ بِاجْتِهَادِهِ أَوْ الْأَسْبَقَ وَالسَّبْقُ هَلْ يُعْتَبَرُ بِكَوْنِهِ إلَى الْمَدِينَةِ أَوْ إلَى النَّاظِرِ فَإِنْ تَشَاحُّوا فَهَلْ يُكْرَى مِنْ بَيْنَهُمْ أَوْ يَسْكُنُهُ أَحَدُهُمْ بِأُجْرَةِ مَا يَخُصُّ الْبَاقِينَ وَإِذَا أَعْرَضَ الْمُتَزَوِّجُونَ عَنْ السُّكْنَى وَأَكْرَى هَلْ

يَخْتَصُّونَ بِالْأُجْرَةِ أَوْ يُشَارِكهُمْ فِيهَا الْأَعْزَابُ وَهَلْ يَسْتَحِقُّ مَنْ حَضَرَ وَقْتَ لُزُومِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ أَوْ وَقْتِ اسْتِقْرَارِ الْأُجْرَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْوَاقِفِ وَيَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِهِ إنَّهُ إذَا وُجِدَ بِالْمَدِينَةِ ذَكَرٌ مُحْتَاجٌ مُتَزَوِّجٌ وَهُوَ لَا أَبُوهُ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْمَحَالِّ الْخَمْسَةِ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ الْمَكَانُ سَكَنًا أَوْ إسْكَانًا اتَّحَدَا وَتَعَدَّدَ نَوَى الْإِقَامَةَ وَالِاسْتِيطَانَ بِالْمَدِينَةِ أَمْ لَا مَا دَامَ مَوْجُودًا بِالْمَدِينَةِ أَوْ خَارِجَهَا إنْ كَانَ عَازِمًا عَلَى الْعَوْدِ إلَيْهَا وَإِنْ طَالَ زَمَنُ غَيْبَتِهِ عَنْهَا كَمَا يَأْتِي وَأَنَّ الْمُرَادَ بِأَهْلِ تِلْكَ الْمَحَالِّ الْخَمْسَةِ مِنْ سَكَنِهَا هُوَ لَا أَبُوهُ أَيْضًا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِيطَانِ بِهَا سَوَاءً أَكَانَ مِنْ الْقَبِيلَةِ الْمُسَمَّاةِ بِحَضْرَمَوْتَ أَمْ لَا لِأَنَّ فَحَوَى عِبَارَتِهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ إلَّا كَوْنَهُ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْمَحَالِّ لَا غَيْرُ. وَأَهْلُ تِلْكَ الْمَحَالِّ يَكُونُونَ مِنْ تِلْكَ الْقَبِيلَةِ وَغَيْرِهِمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ بَلْ لَا نَظَرًا إلَى خُصُوصِ تِلْكَ الْقَبِيلَةِ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ لِلْجَهْلِ بِهِمْ أَوْ خَفَائِهِمْ فَلَمْ يَعْتَبِرْ الْوَاقِفُ كَأَهْلِ الْعُرْفِ الْعَامِّ فِي الْحَضْرَمِيِّ إلَّا سَاكِنَ حَضْرَمَوْتَ وَإِنْ لَمْ يُنْسَبْ لِتِلْكَ الْقَبِيلَةِ وَقَدْ صَرَّحَ الْأَئِمَّةُ بِأَنَّ الْعُرْفَ الْمُطَّرِدَ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ إذَا عَلِمَ بِهِ يَنْزِلُ عَلَيْهِ لَفْظُهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَثَابَةِ شَرْطِهِ الْعَمَلَ ذَكَرَهُمْ فِي صُلْبِ عَقْدِ وَقْفِهِ وَالْمُرَادُ بِسَاكِنِ حَضْرَمَوْتَ الْمُتَوَطِّنُ مَحَلًّا مِنْ ذَلِكَ الْإِقْلِيمِ وَلَوْ قِنًّا عَلَى مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ بَعْضِهِمْ فِي الْوَقْفِ عَلَى جِهَةٍ غَيْرِ مَحْصُورٍ أَهْلُهَا أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَنْ لَا يَصِحُّ تَمَلُّكِهِ وَمِنْهُمْ الْأَرِقَّاءُ فَيَكُونُ لِسَادَاتِهِمْ وَعَلَيْهِ فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحُرِّ وَغَيْرِهِ إلَّا عِنْدَ النَّظَرِ لِلْقَبِيلَةِ إذْ لَا يَدْخُلُ فِيهِمْ مَوَالِيهمْ فَضْلًا عَنْ أَرِقَّائِهِمْ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْقَبِيلَةَ غَيْرَ مُرَادَةٍ هُنَا نَعَمْ إنْ ثَبَتَ أَنَّ الْوَاقِفَ أَرَادَهَا عُمِلَ بِذَلِكَ وَلَمْ يَدْخُلْ مَمْلُوكُهُمْ وَلَا مَوْلَاهُمْ. وَخَبَرُ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ الْمُرَادُ بِهِ فِي الشَّرَفِ وَمِنْ ثَمَّ حُرِّمَتْ الزَّكَاةُ عَلَى مَوْلَى بَنِي هَاشِمِ وَالْمُطَّلِبِ لَا فِي التَّسْمِيَةِ بِاسْمِهِمْ حَتَّى يَدْخُلَ فِيمَا وُقِفَ عَلَيْهِمْ مَثَلًا وَفَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْنَ اعْتِبَارِ الشَّرَفِ الَّذِي هُوَ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ يُكْتَفَى فِيهِ بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَاعْتِبَارُ التَّسْمِيَةِ الَّتِي هِيَ فِي الْأَصْلِ إنَّمَا تَنْشَأُ عَنْ أَمْرٍ وُجُودِيٍّ وَالْمُحْتَاجُ هُنَا مَنْ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ أَوْ قَدَرَ عَلَى تَحْصِيلِهِ وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ سَوَاءٌ اتَّحَدَ أَمْ تَعَدَّدَ يَسْتَحِقُّ السُّكْنَى أَوْ الْإِسْكَانَ فَإِنْ وُجِدَ جَمَاعَةٌ مُتَّصِفُونَ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ غَيْرُ مَحْصُورِينَ جَازَ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ أَوْ مَحْصُورِينَ اسْتَحَقُّوا كُلُّهُمْ ثُمَّ إنْ كَانَ كُلٌّ يُرِيدُ السُّكْنَى تَهَايُؤًا فِيهَا وَإِلَّا أَجَّرَهُ النَّاظِرُ وَقَسَمَ غَلَّتَهُ عَلَى الْمَوْجُودِينَ مِنْهُمْ حَالَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَكَانَ السَّائِلُ نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فَهِمَ أَنَّ فِي الْإِجَارَةِ خِيَارًا حَتَّى صَرَّحَ فِيهَا بِاللُّزُومِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ حَتَّى خِيَارُ الْمَجْلِسِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ. فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَوْجُودُ حَالَ وُجُوبِ الْغَلَّةِ وَهِيَ تَجِبُ بِالْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ تَسْتَقِرَّ إلَّا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْوَاقِفِ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ ذَكَرٌ مُحْتَاجٌ مُتَزَوِّجٌ مِنْ تِلْكَ الْجِهَاتِ الْخَمْسَةِ بِإِنْ لَمْ يُوجَدُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهَا أَصْلًا أَوْ وُجِدَ أَحَدٌ مِنْهُمْ لَا بِتِلْكَ الصِّفَاتِ وَوَجَدَ أَحَدٌ مِنْ بَقِيَّةِ الْحَضَارِمِ تَعَيَّنَتْ إجَارَةُ تِلْكَ الدَّارِ وَصُرِفَتْ أُجْرَتُهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ الْحَضَارِمِ وَمَرَّ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ مَنْ تَوَطَّنَ بِنَفْسِهِ مَحَلًّا مِنْ إقْلِيمِ حَضْرَمَوْتَ الْمُقِيمِينَ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ وَالْخَارِجِينَ عَنْهَا بِنِيَّةِ الْعَوْدِ إلَيْهَا وَإِنْ طَالَ زَمَنُ خُرُوجِهِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الْوَاقِفِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَصْدُقُ فِي نِيَّةِ الْعَوْدِ بِلَا يَمِينٍ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَبَحَثَ غَيْرُ وَاحِدٍ الِاكْتِفَاءَ فِي الْإِقَامَةِ بِمَا لَا يُعَدُّ أَيْ عُرْفًا مَعَهُ غَرِيبًا أَيْ بِأَنْ نَوَى الِاسْتِيطَانَ وَإِنْ قَلَّتْ إقَامَتُهُ أَوْ مَكَثَ مُدَّةً ثُمَّ بِحَيْثُ صَارَ أَهْلُ الْعُرْفِ يَعُدُّونَهُ مُقِيمًا بِذَلِكَ الْمَحَلِّ وَلَا يَكْتَفِي هُنَا بِمُجَرَّدِ الْإِقَامَةِ الْمَانِعَةِ لِلتَّرَخُّصِ بِنَحْوِ الْقَصْرِ لِأَنَّ أَلْفَاظَ الْوَاقِفِينَ إنَّمَا تُحْمَلُ غَالِبًا عَلَى الْأُمُورِ الْمُتَعَارَفَةِ دُونَ الدَّقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ وَإِذَا وُجِدَ مَنْ هَؤُلَاءِ جَمَاعَةٌ فَإِنْ كَانُوا عِنْدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ غَيْرَ مَحْصُورِينَ جَازَ لِلنَّاظِرِ الِاقْتِصَارُ عَلَى إعْطَاءِ ثَلَاثَةٍ أَوْ مَحْصُورِينَ لَزِمَ اسْتِيعَابُهُمْ وَقَوْلُ السَّائِلِ - نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ - فَإِنْ تَشَاحُّوا إلَخْ قَدْ عُلِمَ جَوَابُهُ أَنَّهُمْ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ إنْ تَهَايَئُوا وَإِلَّا أُوجِرَ لِأَنَّ الْوَاقِفَ بِمُقْتَضَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ صَنِيعُهُ خُيِّرَ ثَمَّ بَيْنَ السَّكَنِ وَالْإِسْكَانِ. وَفِي الْقِسْمِ الثَّانِي أَعْنِي الْمُقِيمِينَ مِمَّنْ لَمْ تُوجَدْ فِيهِمْ تِلْكَ الصِّفَاتُ حِين إيجَارِهِ فَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي سَكْنَاهُ - وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -

مَا وَظِيفَةُ النَّاظِرِ فِي الْوَقْفِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ وَظِيفَتُهُ الْعِمَارَةُ وَجَمْعُ الْغَلَّةِ وَقِسْمَتُهَا عَلَى مُسْتَحِقِّيهَا وَتَوَابِعُ ذَلِكَ لَا نَحْوَ تَنْزِيلِ طَلَبَةٍ لِلدَّرْسِ عَلَى خِلَافٍ فِي ذَلِكَ. (وَسُئِلَ) عَنْ وَقْفٍ صُورَتُهُ وَقَفَ دَارِهِ الْمُعَيَّنَةَ عَلَى نَفْسِهِ أَيَّامَ حَيَاتِهِ ثُمَّ عَلَى بَنَاتِهِ الْأَرْبَعِ وَمَنْ سَيَحْدُثُ لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدًا أَوْ وَلَدَ وَلَدٍ كَانَ نَصِيبُهُ لِمَنْ فِي طَبَقَتِهِ مِنْ إخْوَتِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَعَلَى وَلَدِ وَلَدِ أُخْتِهِ مَحْمُودٍ وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ كَانَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ وَعَقِبِهِ فَإِذَا انْقَرَضُوا كَانَ وَقْفًا عَلَى جَمَاعَةٍ سَمَّاهُمْ. وَقَالَ فِي كِتَابٍ وَقَفَهُ تُحْجَبُ الطَّبَقَةُ الْأُولَى مِنْ دُونِهَا وَلَا تُحْجَبُ مِنْ دُونِهَا مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ مِنْ أَوْلَادِ مَنْ هُوَ فِي طَبَقَتِهِ إذَا مَاتَ مَنْ هُوَ فِي الطَّبَقَةِ ثُمَّ مَاتَ الْوَاقِفُ عَنْ بَنَاتِهِ الْأَرْبَعِ ثُمَّ مَحْمُودٌ فِي حَيَاتِهِنَّ عَنْ وَلَدٍ ثُمَّ ثَلَاثٍ مِنْهُنَّ لَا عَنْ وَلَدٍ ثُمَّ الرَّابِعَةِ عَنْ أَرْبَعَةِ أَوْلَادٍ لَهَا وَثَلَاثَةِ أَوْلَادِ لِوَلَدٍ لَهَا مَاتَ قَبْلَهَا فَهَلْ يَشْتَرِكُ الْكُلُّ حَتَّى وَلَدُ مَحْمُودٍ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْوَاقِفِ أَنَّ الْوَقْفَ بَعْدَ مَوْتِ بِنْتِ الْوَاقِفِ الْأَخِيرَةِ يَنْتَقِلُ كُلُّهُ إلَى الْأَوْلَادِ الثَّمَانِيَةِ الْمَذْكُورِينَ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمْ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ الْوَقْفَ بَعْدَ انْقِرَاضِ الطَّبَقَةِ الْأُولَى لِسَائِرِ الطَّبَقَاتِ بَعْدَهَا وَبِأَنَّهُ لَا حَجْبَ فِيمَا بَعْدَ الْأُولَى وَبِأَنَّ مَنْ مَاتَ يَكُونُ نَصِيبُهُ لَوَلَدِهِ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ لِقَوْلِهِ وَلَا تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ مَنْ هُوَ دُونَهَا إلَخْ الصَّرِيحُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْوَلَدِ نَصِيبُ أَبِيهِ بِفَرْضِ حَيَاتِهِ وَمَحْمُودٌ لَوْ عَاشَ مَعَ أَوْلَادِ بِنْتِ الْوَاقِفِ الْأَرْبَعَةِ كَانَ مُشَارِكًا لَهُمْ بِنَصِّ الْوَاقِفِ وَكَذَا وَلَدُ بِنْتِ الْوَاقِفِ الْمَيِّتِ فِي حَيَاتِهَا لَوْ عَاشَ كَانَ مُشَارِكًا لَهُمْ بِنَصِّ الْوَاقِفِ أَيْضًا فَكَذَا وَلَدُ مَحْمُودٍ وَأَوْلَادِ هَذَا يَكُونُونَ مُشَارِكِينَ لَهُمْ بِنَصِّ الْوَاقِفِ أَيْضًا وَبِمَا قَرَّرْتُهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَأْتِي هُنَا الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ بَيْنَ أَئِمَّتِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ لَفْظَ النَّصِيبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يُذْكَرُ فِي كُتُبِ الْأَوْقَافِ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى مَا يَعُمُّ النَّصِيبَ الْمُقَدَّرَ مَجَازُ الْقَرِينَةِ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ وَكَادَ السُّبْكِيّ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنْ يَنْقُلَ إجْمَاعَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ عَلَيْهِ أَوْ يَخْتَصُّ بِالْحَقِيقِيِّ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَالْقَرَائِنُ فِي ذَلِكَ ضَعِيفَةٌ وَهُوَ الْمَنْقُولُ وَعَلَيْهِ كَثِيرُونَ أَيْضًا لِأَنَّ مَحَلَّ هَذَا الْخِلَافِ كَمَا يَعْلَمهُ مَنْ أَحَاطَ بِحُجَجِ الْفَرِيقَيْنِ فِي لَفْظٍ يَشْمَلُ ذَا النَّصِيبِ الْمُقَدَّرِ وَيَجْعَلُهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَهَذَا لَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَتنَا مَعَ قَوْلِ الْوَاقِفِ وَلَا تَحْجُبُ مَنْ دُونِهَا إلَخْ وَهَذَا وَاضِحٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ عَلَى الْإِشَاعَةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا وَقْفٌ لِلْغِرَاسِ تَبَعًا لِغَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الضَّيْعَةِ وَرُبْعُهَا طَلْقٌ وَقَدْ صَارَ لِبَعْضِ أَرْبَابِ الْوَقْفِ بِطَرِيقِ الشِّرَاءِ وَفِي تِلْكَ الْأَرْضِ مَسْجِدٌ صَغِيرٌ بَنَاهُ الْأَوَائِلُ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ صَاحِبُ الثَّلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ حِصَّتَهُ فَاتَّفَقَ أَنَّ أَهْلَ الْبَلَدِ يَتْرُكُونَ تِلْكَ الضَّيْعَةِ بَعْضَ السَّنَةِ مِنْ خَوْفِ الْإِفْرِنْجِ وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الضَّيْعَةِ مَاءٌ سِوَى بِرْكَةٍ وَاحِدَةٍ بِقُرْبِ الْمَسْجِدِ الْمَذْكُورِ وَاحْتَاجُوا لِمَسْجِدٍ فَجَاءَ بَعْضُ النَّاسِ وَأَحْدَثَ دَكَّةً شَرْقِيَّ الْمَسْجِدِ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ لِيُصَلِّيَ النَّاسُ عَلَيْهَا وَجَاءَ آخَرُ وَأَحْدَثَ دَكَّةً أُخْرَى قِبْلِيَّ الْمَسْجِدِ أَيْضًا وَاتَّصَلَتْ الْمَنَافِذُ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى الدَّكَّتَيْنِ وَأَقَامُوا عَلَى هَذَا مُدَّةً. وَلَمَّا رَأَى بَعْضُ أَرْبَابِ الْوَقْفِ حَاجَةَ النَّاسِ إلَى الْمَسْجِدِ وَاسْتَمَرَّتْ عَادَةُ الْبَلَدِ بِالنَّقْلَةِ إلَى هَذِهِ الضَّيْعَةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ انْتَهَضَ لِعِمَارَةِ تِلْكَ الْبُقْعَةِ فَأَخْرَبَ الدِّكَّتَيْنِ وَالْمَسْجِدَ وَجَعَلَهُمَا مَسْجِدًا وَقَدْ بَنَاهُ وَخَصَّصَهُ بِالْجِصِّ سَطْحَهُ وَصَحْنَهُ فَمُنْذُ شَرَعَ فِي عِمَارَتِهِ إلَى الْآنَ نَحْوُ اثْنَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَالْآنَ جَمَعَ شَيْئًا مِنْ النُّورَةِ وَأَرَادَ تَرْمِيمَ الْمَسْجِدِ وَتَقْوِيَتِهِ فَأَشَارَ إلَيْهِ بَعْضُ طَلَبَةِ الْعِلْمِ الشَّرِيفِ بِأَنَّ بِنَاءَ الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ رَضِيَ أَهْلُ الْوَقْفِ وَكَانَ الْفَقِيهُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَنْظُرْ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ أَوْ لَمْ يَحْضُرْهُ عِلْمٌ بِالْوَقْفِ وَإِلَّا فَهَذَا الْفَقِيهُ نَفْسُهُ قَدْ رَامَ بِنَاءَ هَذِهِ الْبُقْعَةِ لَمَّا رَأَى حَاجَةَ النَّاسِ إلَى الْمَسْجِدِ فَالْآنَ الْمَسْجِدُ قَدْ بُنِيَ وَالنَّاسُ مُحْتَاجُونَ لَهُ وَلَا فِي الْمَكَانِ مَسْجِدٌ آخَرُ غَيْرُهُ وَقَدْ بَدَا الْخَلَلُ فِي سَطْحِهِ وَشُرَافَاتِهِ إنْ لَمْ يُتَدَارَكْ وَيُتَعَهَّدُ بِالتَّرْمِيمِ وَإِلَّا خَرِبَ رَأْسًا وَأَيْضًا عَامِرُ الْمَسْجِدِ هُوَ صَاحِبُ الرُّبْعِ.

الطَّلْقِ فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُعَوِّضَ أَهْلَ الْوَقْفِ بِمِثْلِ مِسَاحَةِ الْمَسْجِدِ أَوْ بِمِثْلَيْهَا أَوْ يَتْرُكُ رُبْعَهُ كُلَّهُ وَيَكُونُ وَقْفًا عَلَى مُقْتَضَى الْوَقْفِ الْأَوَّلِ فَهَلْ يُثَابُ عَلَى ذَلِكَ وَيَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْأَثِمِ. فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ فَكَيْفَ صُورَةُ ذَلِكَ وَإِنْ قُلْتُمْ لَا فَهَلْ مِنْ حِيلَةٍ أَوْ رُخْصَةٍ وَلَوْ بِتَقْلِيدِ بَعْضِ الْمَذَاهِبِ فِي تَبْقِيَةِ الْمَسْجِدِ وَالِاسْتِمْرَارِ عَلَى عِمَارَتِهِ وَتَعَهُّدِهِ وَلَا تَرَوْا عَلَى الْمَمْلُوكِ بِالسُّؤَالِ عَنْ الرُّخْصَةِ فَالْأَمْرُ كَمَا عَلِمْتُمْ وَلَا يَخْفَى كَمْ مَقْصُودُهُ فَإِنْ قُلْتُمْ لَا رُخْصَةَ وَلَا حِيلَةَ فَهَلْ تُشِيرُونَ بِخَرَابِ الْمَسْجِدِ وَمَنْعِ الصَّلَاةِ فِيهِ أَمْ بِالْبَقَاءِ عَلَى حَالِهِ وَنَكُفُّ عَنْ تَرْمِيمِهِ لَا غَيْرُ؟ وَمَا الْحُكْمُ لَوْ أَنَّ ذَلِكَ الَّذِي بَنَى بَنَى بِإِذْنِ أَرْبَابِ أَهْلِ الْوَقْفِ الْكَامِلِينَ؟ فَهَلْ يَسُوغُ لَهُمْ وَلَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قُلْتُمْ لَا يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ أَرْبَابُ الْوَقْفِ مُرَاعَاةً لِحَقِّ مَنْ سَيَأْتِي بَعْدَهُمْ مِنْ بَاقِي الْبُطُونِ فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْمُبَادَرَةُ إلَى هَذِهِ وَرَدُّ الْأَرْضِ إلَى الْحَالَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا أَوْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَلَوْ أَنَّ الَّذِي بَنَاهُ امْتَنَعَ مِنْ هَدْمِهِ وَحَاوَلَ تَبْقِيَتَهُ وَلَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ فَهَلْ يَجُوزُ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ الصَّلَاةُ وَالْقُعُودُ فِيهِ عَلَى الدَّوَامِ وَيَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِيهِ لِمُرِيدِ الِاعْتِكَافِ فِيهِ أَيْضًا أَوْ لَا وَهَلْ يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ الْمُكْثُ فِيهِ أَوْ لَا وَلَوْ أَنَّ ذَلِكَ الَّذِي بَنَاهُ وَقَفَهُ مَسْجِدًا مَا حُكْمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ هَلْ تُوجِبُونَ هَدْمَهُ أَمْ لَا وَلَوْ أَنَّ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ إمَامًا يُصَلِّي بِالْجَمَاعَةِ فِيهِ دَوَامًا فَهَلْ الْأَوْلَى لِلشَّخْصِ الصَّلَاةُ مَعَهُمْ لِأَجْلِ تَحْصِيلِ ثَوَابِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ أَوْ الْأَوْلَى تَرْكُهُ وَاعْتِزَالُهُ عَنْهُ وَصَلَاتُهُ مُنْفَرِدًا بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَجِبُ هَدْمُ الْمَسْجِدِ الْمَذْكُورِ عَلَى كُلِّ مَنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ وَإِعَادَتُهُ عَلَى حَالَتِهِ الْأُولَى لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمَّا وَقَفَ بَعْضَ تِلْكَ الْأَرْضِ لِلْغِرَاسِ أَبْطَلَ سَائِرَ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ بِهَا بِغَيْرِ الْغِرَاسِ فَلَوْ جَوَّزْنَا بِنَاءَ مَسْجِدٍ فِيهَا وَلَوْ بِإِذْنِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ لَزِمَ إبْطَالُ غَرَضِ الْوَاقِفِ وَتَغْيِيرُ مَعَالِمِ الْوَقْفِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ احْتَاجَ النَّاسُ لِمَسْجِدٍ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ أَعَوَّضَ بَانِي تِلْكَ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ أَهْلَ الْوَقْفِ أَضْعَافَهَا أَمْ لَا نَعَمْ يَجُوزُ أَنْ يُرْفَعَ الْأَمْرُ إلَى حَاكِمٍ يَرَى التَّعْوِيضَ فَإِذَا رُفِعَ إلَيْهِ وَحَكَمَ بِهِ جَازَ بِنَاءُ تِلْكَ الزِّيَادَةِ وَالصَّلَاةُ فِيهَا وَأَمَّا قَبْلَ الْحُكْمِ بِذَلِكَ فَلَا يَثْبُتُ لِتِلْكَ الزِّيَادَةِ أَحْكَامُ الْمَسْجِدِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُقِرَّ بَانِيهَا عَلَى بِنَائِهَا أَوْ تَرْمِيمِهَا وَلَا الصَّلَاةِ فِيهَا وَلَا الِاعْتِكَافِ لِأَنَّ الْأَرْضَ حِينَئِذٍ مَغْصُوبَةٌ فَيَتَرَتَّبُ عَلَى بَانِيهَا أَحْكَامُ الْغَاصِبِ إثْمًا وَضَمَانًا وَرَدًّا وَغَيْرَهَا وَلَوْ كَانَ بَانِي تِلْكَ الزِّيَادَةِ يَمْلِكُ بَعْضَ أَرْضِهَا فَوَقَفَ ذَلِكَ الْبَعْضَ مَسْجِدًا ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي حُرْمَةِ الْجُلُوسِ فِيهِ عَلَى الْجُنُبِ لَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ وَوَقْفُهُ ذَلِكَ الْبَعْضَ مَسْجِدًا لَا يَمْنَعُ حُرْمَةَ الْبِنَاءِ وَوُجُوبَ الْهَدْمِ عَلَيْهِ بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْبِنَاءُ وَيَجِبُ هَدْمُهُ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ صَلَاةٌ وَلَا اعْتِكَافٌ فِيهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَفَ مَا مَلَكَهُ مَسْجِدًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) فِي وَقْفٍ عَلَى فُطُورِ الْمَسْجِدِ هَلْ يَحِلُّ لِلْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ أَمْ يَخْتَصُّ بِالْفَقِيرِ وَهَلْ يَحِلُّ لِلْمُفْطِرِ الْمَعْذُورِ؟ وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمُقِيمِ بِالْمَسْجِدِ التَّفْضِيلُ بَيْنَ آحَادِ النَّاسِ؟ وَهَلْ يَجُوزُ إخْرَاجُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ مَنْ صَلَّى فِيهِ وَهَلْ يَحِلُّ لِلْعَبِيدِ وَالصِّغَارِ وَمَنْ لَا يُصَلِّي وَإِذَا أَخَذَ بَعْضُ مَنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ شَيْئًا وَخَرَجَ بِهِ لِغَيْرِ مَنْ صَلَّى فِيهِ مِنْ غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ أَوْ لِمَنْ لَا يُصَلِّي لَكِنَّهُ حَضَرَ الْمَسْجِدَ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ؟ وَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ أَخَذَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ لِمَنْ لَا يَصُومُ أَوْ يَصْرِفَهُ فِي حَوَائِجِهِ حَوَائِجِهِ وَأَغْرَاضِهِ أَوْ يَبِيعَهُ أَوْ يُبْقِيَهُ لِسُحُورِهِ أَوْ يَتَصَدَّقُ بِهِ؟ بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ فَقَدْ وَقَفْنَا عَلَى جَوَابَاتٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمْ يَتَحَرَّرْ لَنَا مَا التَّحْقِيقُ فِيهَا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الْوَقَائِعِ عِنْدَنَا فَبَيِّنُوا لَنَا حُكْمَهَا وَابْسُطُوا لَنَا الْكَلَامَ فِيهَا أَثَابَكُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْجَنَّةَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَتَّضِحُ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ إلَّا إنْ عُلِمَ لَفْظُ الْوَاقِفِ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْأَوْقَافِ مَنُوطَةٌ بِأَلْفَاظِ الْوَاقِفِينَ دَائِمًا إلَّا إذَا عَرَفْتَ مَقَاصِدَهُمْ كَأَنْ اطَّرَدَتْ عَادَةُ زَمَنِهِمْ بِأَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ فَتَنْزِلُ عَلَيْهَا أَلْفَاظُهُمْ وَحِينَئِذٍ فَمَا ذُكِرَ مِنْ الْوَقْفِ عَلَى الْفِطْرِ فِي الْمَسْجِدِ إنْ كَانَ لِذَلِكَ عَادَةٌ مُطَّرِدَةٌ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ وَعَلَمَ بِهَا الْوَاقِفُ كَانَ وَقْفُهُ مُنَزَّلًا عَلَيْهَا لِتَصْرِيحِ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ شَرْطِهِ فَحِينَئِذٍ مَا قَصَدْت بِهِ مِنْ الِاخْتِصَاصِ بِالْفَقِيرِ أَوْ الصَّائِمِ.

أَوْ الْأَكْلِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ أَنَّ مَا يُعْطَاهُ يَأْكُلهُ فَوْرًا أَوْ لَا يُعْطِيهِ غَيْرَهُ أَوْ غَيْر ذَلِكَ يُعْمَلُ بِالْعَادَةِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ وَلَا إشْكَالٍ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عَادَةٌ لِذَلِكَ فَلَا بُدَّ لَنَا مِنْ نَظَرِ عِبَارَةِ الْوَاقِفِ لِنُرَتِّبَ عَلَيْهَا مُقْتَضَاهَا وَبِفَرْضٍ أَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَقُلْ إلَّا وَقَفْتُ كَذَا عَلَى مَنْ يَفْطُرُ فِي رَمَضَانَ فِي مَسْجِدِ كَذَا فَحُكْمُ ذَلِكَ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ اغْتِنَامُ فَضِيلَةِ تَفْطِيرِ الصَّائِمِينَ وَفَضِيلَةِ تَعْجِيلِهِمْ لِلْفِطْرِ وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَيَتَقَيَّدُ الْإِعْطَاءُ بِمِنْ فِي الْمَسْجِدِ وَبِالصَّائِمِ حَقِيقَةً فَلَا يُعْطَى لِمَنْ أَفْطَرَ لِنَحْوِ مَرَضٍ وَلَا لِمَنْ نَسِيَ النِّيَّةَ وَإِنْ لَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ وَيُعْطَى مُمَيَّزٌ صَامَ، وَقِنٌّ كَذَلِكَ وَيَجِبُ عَلَى مَنْ أُعْطَى شَيْئًا أَنْ يُفْطِرَ بِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَا أَنْ يُؤَخِّرَهُ لِسُحُورِهِ وَلَا أَنْ يُعْطِيَهُ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِغَيْرِ الْفِطْرِ عَلَيْهِ كُلُّ ذَلِكَ تَقْدِيمًا لِغَرَضِ الْوَاقِفِ وَتَحْقِيقًا لِمَا قَصَدَهُ مِنْ عَظِيمِ ثَوَابِ تَفْطِيرِ الصَّائِمِينَ وَتَعْجِيلِهِمْ لِلْفِطْرِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ بُقْعَةٍ مِنْ الْأَرْضِ تَشْتَمِلُ عَلَى قَدْرِ عِشْرِينَ عُودًا مِنْ النَّخْلِ وَصِفَةُ ذَلِكَ النَّخْلِ فِي الْبُقْعَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ بَيْنَ كُلِّ نَخْلَةٍ وَنَخْلَةٍ مَسَافَةً قَدْرَ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ تَقْرِيبًا ثُمَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ النَّخْلِ الْمَذْكُورِ فِي الْبُقْعَةِ الْمَذْكُورَةِ لَيْسَ هُوَ مِمَّا يَشْرَبُ مِنْ النَّهْرِ أَوْ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا يَشْرَبُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ عِنْدَ غِرْسِهِ بِحَمْلِ الْمَاءِ إلَيْهِ فِي قِرَبٍ وَنَحْوِهَا فَإِذَا اشْتَدَّ وَصَارَ حَيًّا لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْمَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ الْمَاءِ بِجَذْبِ عُرُوقِهِ وَاكْتِفَائِهِ بِذَلِكَ إذَا عُرِفَ هَذَا فَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَذْكُورَةِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو مُشَاعًا لِزَيْدٍ فِيهِ رُبْعُهُ وَلِعَمْرٍو ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ فَاتَّفَقَ مِنْ حَالِ الشَّرِيكَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى قِسْمَةِ النَّخْلِ الْمَذْكُورِ دُونَ أَرْضِهِ بِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى تَبْقِيَتهَا بَيْنَهُمَا عَلَى الْإِشَاعَةِ إلَى وَقْتٍ مَا فَاقْتَسَمَا كَذَلِكَ فَخَرَجَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نَصِيبُهُ عَدَدًا مِنْ النَّخْلِ عَلَى قَدْرِ مَا اقْتَضَتْهُ شَرِكَتُهُمَا فِي ذَلِكَ مُفَرَّقًا فِي جَمِيعِ جِهَاتِ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ فَأَخَذَا عَلَى ذَلِكَ مُدَّةً مَدِيدَةً وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَعْرِفُ مَا يَخْرُجُ لَهُ مِنْ النَّخْلِ بِالْقِسْمَةِ ثُمَّ إنَّ عُمَرًا صَاحِبَ الثَّلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ الْمَذْكُورَةِ وَقَفَ نَصِيبَهُ فِي النَّخْلِ وَالْأَرْضِ جَمِيعًا عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ مَا تَنَاسَلُوا ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ أَيْضًا طَلَبَ وَرَثَةُ عَمْرٍو الْوَاقِفِ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ زَيْدٍ الشَّرِيكِ الْمَذْكُورِ قِسْمَةَ الْأَرْضِ الْمَشْغُولَةِ بِمَا ذُكِرَ مِنْ النَّخْلِ. وَالْفَرْضُ أَنَّ النَّخْلَ الَّذِي اقْتَسَمَاهُ كُلَّهُ أَوْ مُعْظَمَهُ بَاقٍ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ لَمْ يَزُلْ مِنْهَا فَأَجَابَ زَيْدٌ إلَى ذَلِكَ وَاقْتَسَمَا الْأَرْضَ الْمَذْكُورَةَ فَخَرَجَ لِزَيْدٍ رُبْعُ بَيَاضِ الْأَرْضِ فِي طَرَفٍ مُعَيَّنٍ مَشْغُولًا بِشَيْءٍ مِنْ نَخْلِهِ وَنَخْلِ شُرَكَائِهِ أَصْحَابِ الْوَقْفِ وَلِأَرْبَابِ الْوَقْفِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ بَيَاضِ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ النَّخْلِ مُفَرَّقًا أَيْضًا فِي سَائِرِ جِهَاتِهَا فَالثَّلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ الْمَذْكُورَةِ صَارَتْ مَشْغُولَةً كَذَلِكَ بِشَيْءٍ مِنْ نَخْلِهِمْ وَنَخْلِ زَيْدٍ الْمَذْكُورِ فَدَامُوا عَلَى هَذَا الْوَصْفِ مُدَّةً ثُمَّ إنَّ بَعْضَ أَرْبَابِ الْوَقْفِ اُنْتُدِبَ لِبِنَاءِ مَسْجِدٍ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ بَيْنَ بَيَاضِ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ النَّخْلِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ يَقَعُ فِي بَعْضِهِ دَاخِلًا وَذَلِكَ لِحَاجَةِ النَّاسُ إلَيْهِ وَتَعْوِيلِهِمْ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِ فَبَنَاهُ بِإِذْنِ أَرْبَابِ أَهْلِ الْوَقْفِ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ الْبَيَاضِ الَّذِي صَارَ لِلْوَقْفِ وَكَانَ مِنْ صُورَةِ بِنَائِهِ فِيهِ أَنَّهُ اخْتَطَّ بُقْعَةً قَدْرُهَا عِشْرُونَ أَوْ ثَلَاثُونَ ذِرَاعًا وَبَنَاهَا بِنَاءً مُحْكَمًا وَأَوْقَفَهَا مَسْجِدًا عَلَى الْمُصَلِّينَ وَغَيْرِهِمْ وَاسْتَمَرَّ الْحَالُ بَعْدَ بِنَائِهِ وَتَرَدَّدَ النَّاسُ إلَيْهِ وَصَلَاتُهُمْ فِيهِ مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ يَزِيدُ قَدْرُهَا عَلَى عَشْرِ سِنِينَ ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْمَدْرَسَةِ الْمُتَفَقِّهَةِ وَصَلَ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي اتَّفَقَ فِيهِ وُقُوعُ ذَلِكَ الْبِنَاءِ وَجَرَى لَهُ مَعَ صَاحِبِ الْمَكَانِ الَّذِي اتَّفَقَ لَهُ وُقُوعُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْبِنَاءِ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ بَحْثٌ فِي جَوَازِ الْبِنَاءِ وَعَدَمِهِ فَقَالَ ذَلِكَ الْمُتَفَقِّهُ إنَّ ذَلِكَ الْبِنَاءَ لَا يَجُوزُ وَيَجِبُ عَلَى بَانِيهِ أَنْ يَهْدِمَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ وَلَا ثَوَابَ لِلْجَمَاعَةِ فِيهِ بَلْ لَا يَثْبُتُ لِذَلِكَ الْبِنَاءِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ لَا حِلًّا وَلَا حُرْمَةً فَتَحَرَّجَ الَّذِي بَنَاهُ وَطَالَ لِأَجْلِ ذَلِكَ عَنَاهُ وَذَلِكَ لِوُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَأُمُورٍ غَيْرِ وَاحِدَةٍ مِنْهَا أَنَّهُ قَدْ تَعِبَ فِي بِنَائِهِ تَعَبًا شَدِيدًا وَأَنْفَقَ فِي إنْشَائِهِ مَالًا كَثِيرًا وَمِنْهَا أَنَّ أَهْلَ الْمَكَانِ الَّذِي بَنَى ذَلِكَ الْمَسْجِدَ مِنْ أَجْلِهِمْ وَبِسَبَبِهِمْ وَبِرَأْيِهِمْ

حَاجَتُهُمْ إلَى إبْقَائِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مُتَأَكِّدَةٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ مَكَانًا تُصَلِّي فِيهِ الْجَمَاعَةُ غَيْرَهُ وَلَا يَجِدُونَ مَا يَتَوَضَّؤُنَّ وَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ إلَّا عِنْدَهُ وَمِنْهَا أَنَّ فِي هَدْمِهِ وَإِزَالَتِهِ عَنْ مَكَانِهِ سَبَبُ افْتِرَاقِ شَمْلِ الْجَمَاعَةِ الَّتِي كَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ لَا سِيَّمَا مَعَ ضَعْفِ أَهْلِ الْمَكَانِ وَعَدَمِ قُدْرَتِهِمْ عَلَى إنْشَاءِ مَسْجِدٍ آخَرَ فَهَلْ تَرَوْنَ طَرِيقًا لِهَذَا الْمُسْتَفْتِي فِي إبْقَاءِ مَا بَنَاهُ وَتَقْرِيرُ مَا عَنَاهُ فَقَدْ طَالَ تَعَطُّشُهُ لِذَلِكَ وَتَطَلُّبُهُ لِمَا هُنَالِكَ أَوْ تَجِدُونَ فِي ذَلِكَ وَجْهًا نَخْتَارُهُ وَنَقْتَفِي مَنَارَهُ أَوْ تَرَوْنَ فِي بَعْضِ مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ إسَاغَةَ التَّقْلِيدِ فِي هَذِهِ الْمُهِمَّةِ فَإِنْ رَأَيْتُمْ ذَلِكَ وَعَرَفْتُمُوهُ فَأَوْضِحُوهُ لَنَا وَمَا الَّذِي تَعُدُّونَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْضًا صَوَابًا التَّقْلِيدُ لِلضَّرَرِ الْأَكِيدِ وَالِاحْتِرَازِ مِنْهُ وَالتَّخَلِّي عَنْهُ أَوْضِحُوا لَنَا حُكْمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَدِلَّتِهَا وَأَحْكَامِهَا وَأَقْسَامِهَا إيضَاحًا شَافِيًا وَبَيِّنُوا لَنَا الْمَقْصُودَ مِنْ الْغَرَضِ فِي التَّقْلِيدِ وَعَدَمِهِ بَيَانًا شَافِيًا وَافَيَا وَلِيَعْلَمْ سَيِّدُنَا شَرَّفَ اللَّهُ قَدْرَهُ وَأَعْلَى فِي الطَّيِّبِينَ ذِكْرَهُ أَنَّ هَذَا الَّذِي بَنَى مَا ذَكَرْنَاهُ لَمْ يَبْنِهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ اسْتَشَارَ أَهْلَ الْوَقْفِ وَاسْتَشَارَ صَاحِبَ الرُّبْعِ الطَّلْقِ أَيْضًا فَصَوَّبَ الْجَمِيعُ رَأْيَهُ وَأَذِنَ فِي بِنَائِهِ فَهَلْ تَرَوْنَ ذَلِكَ لَهُ مُفِيدًا أَوْ تَجِدُونَ لِمَا اُبْتُلِيَ بِهِ تَسْدِيدًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قِسْمَةُ النَّخْلِ دُونَ الْأَرْضِ جَائِزَةٌ بِالتَّرَاضِي وَكَذَا قِسْمَةُ الثَّلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ الْوَقْفِ عَنْ الرُّبْعِ الْمِلْكِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْقِسْمَةُ إفْرَازًا بِأَنْ تَسْتَوِيَ جَمِيعُ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَلَمْ يَقَعْ رَدٌّ مِنْ الْمَالِكِ وَإِذَا اقْتَسَمَاهَا كَذَلِكَ صَارَ مَا خَرَجَ بِالْقِسْمَةِ لِجِهَةِ الْوَقْفِ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ وَلِجِهَةِ الْمِلْكِ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ وَأَمَّا فِي حِصَّةِ كُلٍّ مِنْ نَخْلِ الْآخَرَ فَيَجْرِي فِيهِ كَمَا رَجَّحْتُهُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ مَا ذَكَرُوهُ آخِرَ الْعَارِيَّةِ مِمَّا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي كُتُبِهِمْ هُنَاكَ وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَا خَرَجَ بِالْقِسْمَةِ لِجِهَةِ الْوَقْفِ تُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْوَقْفِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ وَلَوْ بِإِذْنِ الْبَاقِينَ تَغْيِيرُ مَا قَصَدَهُ الْوَاقِفُ مِنْ كَوْنِهِ وَقْفًا عَلَى ذُرِّيَّتِهِ يَنْتَفِعُونَ بِغَلَّتِهِ بِأَنْ يَجْعَلَهُ مَسْجِدًا فَحِينَئِذٍ يَجِبُ هَدْمُهُ وَلَا يَثْبُتُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِيَّةِ وَيَجِبُ عَلَى بَانِيهِ الرُّجُوعُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانِهِ وَتَعَالَى وَالتَّوْبَةُ مِمَّا اقْتَرَفَهُ إنْ عَلِمَ حُرْمَةُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ هَدْمُ بِنَائِهِ وَإِنْ تَعِبَ وَصَرَفَ أَمْوَالًا وَإِنْ احْتَاجَ النَّاسُ أَوْ اُضْطُرُّوا إلَيْهِ وَلَوْ تَفَرَّقَتْ الْجَمَاعَةُ بِسَبَبِ هَدْمِهِ وَلَوْ كَانَ لَهُ قَصْدٌ صَالِحٌ فِي الْبِنَاءِ وَالرُّجُوعِ إلَى الْحَقِّ خَيْرٌ مِنْ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ نَعَمْ إنْ رَأَى لَهُ فِي مَذْهَبٍ مِنْ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ وَجْهًا مُسَوِّغًا لِبَقَاءِ بِنَائِهِ مَسْجِدًا فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي رَفْعِ الْأَمْرِ لِلْحَاكِمِ بِهِ لِيَحْكُمَ لَهُ بِذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا وَوَجَدَ قَوْلًا مُعْتَمِدًا فِي أَحَدِ تِلْكَ الْمَذَاهِبِ بِذَلِكَ فَلَهُ تَقْلِيدُهُ لَكِنْ لَا يُقَلِّدُ فِي اعْتِقَادِهِ إلَّا رَجُلًا عَالِمًا ثِقَةً عُرِفَ بِالتَّقَدُّمِ فِي ذَلِكَ الْمَذْهَبِ وَيُمَيِّزُ مُعْتَمِدُهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ وَقَفْتُ عَلَى مَنْ يُنْسَبُ إلَيَّ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِي لَمْ يَدْخُلْ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ هَلْ هُوَ سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَاقِفُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ دُخُولُ أَوْلَادِ الْبَنِينَ دُونَ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَاقِفُ رَجُلًا أَمْ امْرَأَةً فَإِنْ قُلْتَ هُوَ فِي الْمَرْأَةِ مُشْكِلٌ بِقَوْلِهِمْ فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ إنَّهُ لَا مُشَارَكَةَ بَيْنَ الْأُمِّ وَالِابْنِ فِي النَّسَبِ قُلْتُ: يُمْكِنُ الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا مُشَارَكَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنِهَا فِي الِانْتِسَابِ إلَى مَنْ تُنْسَبُ هِيَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَى أَبِيهَا لِكَوْنِهِ ابْنَ ابْنَتِهِ وَإِنْ كَانَ يُنْسَبُ إلَيْهَا لِكَوْنِهِ ابْنهَا فَدَخَلَ ابْنُهُ فِي قَوْلِهَا مَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ ابْنِ بِنْتِهَا فَإِنَّهُ إنَّمَا يُنْسَبُ إلَى أَبِيهِ وَأَبُوهُ لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّ أُمِّهِ بِخِلَافِ ابْنِ ابْنِهَا فَإِنَّهُ يُنْسَبُ إلَى أَبِيهِ وَأَبُوهُ مَنْسُوبٌ إلَى أُمِّهِ بِالْمَعْنَى الَّذِي قَرَّرْتُهُ وَإِذَا تَأَمَّلْتَ مَا قَرَّرْتُهُ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ شَيْخِنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْإِشْكَالَ السَّابِقَ إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَكَرَ الِانْتِسَابَ هُنَا لِبَيَانِ الْوَاقِعِ لَا لِلْإِخْرَاجِ فَتَدْخُلُ أَوْلَادُ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ أَيْضًا وَلَا يَلْزَمُ إلْغَاءُ الْوَصْفِ أَصْلًا فَالْعِبْرَةُ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ اللُّغَوِيَّةِ لَا الشَّرْعِيَّةِ وَيَكُونُ كَلَامُ الْفُقَهَاءِ مَحْمُولًا عَلَى وَقْفِ الرَّجُلِ اهـ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَفُلَانَةَ إلَّا عَمَلَا لَهَا حُلِيًّا فَهَلْ يَصِحُّ الْوَقْفُ وَيَلْزَمُ الشَّرْطُ أَوْ لَا

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هَذَا الْوَقْفُ بَاطِلٌ سَوَاء قَصَدَ تَعْلِيقَ صِحَّةَ الْوَقْفِ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يُعْلَم لَهُ قَصْدٌ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّ الصِّيغَةَ ظَاهِرَةٌ فِي الشَّرْطِ وَإِنْ ذَكَرَهُ بَعْد أَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْوَقْفُ وَهُوَ قَاصِدٌ عَدَمَ تَعْلِيقِهِ عَلَى شَيْءٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ يَسْتَحِقُّ وَقْفًا كَامِلًا بِمُفْرَدِهِ وَشَرَطَ لَهُ الْوَاقِفُ النَّظَرَ بَعْدَهُ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ يَسْتَحِقُّ الْوَقْفَ أَوْلَادُهُ إلَى آخِرِهَا ثُمَّ عَصَبَاتُهُمْ إلَى آخِرِهَا ثُمَّ الْفُقَرَاءُ فَخَرِبَ الْوَقْفُ (بَعْدَ مَوْتِ الْوَاقِفِ) وَلَمْ يَجِد النَّاظِرُ الْمُسْتَحِقُّ مَنْ يَسْتَأْجِرَهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَخَشِيَ عَلَى أَنْقَاضِهِ الْفَوْتَ فَأَجَّرَهُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ هَلْ يَصِحّ مِنْهُ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ رَأَى الْحَظَّ وَالْمَصْلَحَة فِي ذَلِكَ وَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ سَوَاءٌ أَصَرَفَهَا فِي عِمَارَتِهِ أَمْ لَا لِكَوْنِهِ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي حَيَاتِهِ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ. وَإِذَا قُلْتُمْ بِبُطْلَانِهَا فَهَلْ لِوَرَثَتِهِ أَوْ لِعَصَبَاتِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ الرُّجُوعُ بِالْأُجْرَةِ كُلِّهَا أَوْ بِأُجْرَةِ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ حَالَ مَوْتِهِ وَإِذَا أَجَّرَهَا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَأَصْرَفَ بَعْضَهَا فِي عِمَارَتِهِ وَالْبَاقِي أَصَرَفَهُ عَلَى نَفْسِهِ لِكَوْنِهِ يَسْتَحِقُّهُ فَهَلْ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بَعْدَ حَيَاتِهِ وَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ وَارِثُهُ بَقِيَّةَ الْأُجْرَةِ مِنْ تَرِكَةِ مُوَرِّثِهِ وَالْحَالُ أَنَّ الْوَقْفَ وَالتَّرِكَةَ صَارَتْ إلَيْهِ بِمَوْتِهِ وَإِذَا قُلْتُمْ لَهُ ذَلِكَ كَيْف صُورَةُ ذَلِكَ وَهَلْ يَكُونُ حُكْمُ الْوَارِثِ وَالْأَجْنَبِيِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ سَوَاءً أَمْ يَفْتَرِقَانِ وَإِذَا أَصْرَفَ النَّاظِر الْمُسْتَحَقّ مِنْ مَالِهِ بِإِذْنِ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ فِي صَرْفِ عِمَارَتِهِ لِيَرْجِعَ عَلَى رِيعِهِ بِذَلِكَ هَلْ يَسُوغُ مِنْهُ ذَلِكَ أَمْ لَا يَسُوغُ لِكَوْنِهِ يَسْتَحِقّ رِيعَهُ وَيَرُوحُ عَلَيْهِ مَجَّانًا فَإِذَا قُلْتُمْ يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ كَيْفَ يُحَاسِبُ بِشَيْءٍ يَسْتَحِقُّهُ وَقَدْ أَشْكَلَ عَلَيْنَا ذَلِكَ أَوْضِحُوهُ لَنَا وُضُوحًا شَافِيًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَصِحُّ لِلنَّاظِرِ الْمُسْتَحِقِّ وَحْدَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لَكِنَّهُ إذَا مَاتَ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ فِيمَا بَقِيَ مِنْهَا لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ يَنْتَقِلُ لِمَنْ بَعْدَهُ وَهُوَ لَمْ يَرْضَ حَالَ اسْتِحْقَاقِهِ بِإِيجَارِهِ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَإِنْ أَجَّرَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ وَإِنْ مَاتَ مُعْسِرًا وَضَيَّعَ الْأُجْرَةَ جَمِيعَهَا لَكِنَّهَا أَعْنِي مَا يَخُصّ مَا بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ يَصِيرُ لِلطَّبَقَةِ الَّذِينَ بَعْدَهُ وَلَوْ كَانُوا أَوْلَادَهُ دَيْنًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَلَقَّوْنَ مِنْهُ بَلْ مِنْ الْوَاقِفِ وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ آخَرُ قُسِّمَتْ تَرِكَتُهُ بَيْن الْكُلِّ بِالْحِصَّةِ وَحَيْثُ قُدِّمَ اسْتِحْقَاقُ النَّاظِرِ عَلَى الْعِمَارَةِ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ ذَلِكَ فَأَصْرَفَ مِنْ اسْتِحْقَاقِهِ عَلَيْهَا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ لِيَرْجِعَ رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا يَرْجِعُ إنْ صَرَفَ مِنْ مَالِهِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَفَائِدَةُ الرُّجُوعِ مَعَ أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ وَحْدَهُ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ صَارَ مَا أَصَرَفَهُ دَيْنًا لِوَرَثَتِهِ عَلَى الْوَقْفِ وَكَذَا لَوْ فُرِضَ بُطْلَانُ اسْتِحْقَاقِهِ فِي حَيَاتِهِ فَيَصِيرُ مَا أَصَرَفَهُ دَيْنًا لَهُ عَلَى الْوَقْف فَعُلِمَ أَنَّ كَوْنَهُ الْمُسْتَحِقّ لَا يُنَافِي أَنَّهُ يَثْبُت لَهُ دَيْنٌ عَلَى الْوَقْفِ. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى أَوْلَادٍ ذُكُورٍ خَمْسَةٍ قَاسِم الرَّجُلِ الرَّشِيدِ وَأَحْمَدَ الرَّجُلِ الرَّشِيدِ أَيْضًا حَسْبَمَا اعْتَرَفَ بِذَلِكَ وَالِدُهُمَا الْوَاقِفُ الْمَذْكُورُ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ وَإِبْرَاهِيمَ الْمُرَاهِقِ وَحَسَنٍ الْمُمَيِّزِ وَحُسَيْنٍ السُّدَاسِيِّ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنهمْ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ وَعَقِبِهِمْ لِلذَّكَرِ مِنْهُمْ سَهْمَانِ وَلِلْأُنْثَى سَهْمٌ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ أَوْ وَلَدِ وَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لَهُ وَأَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَا وَلَدِ وَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِأَهْلِ دَرَجَتِهِ وَذَوِي طَبَقَتِهِ تَحْجُبُ أَبَدًا الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا السُّفْلَى {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] فَإِذَا انْقَرَضُوا بِأَسْرِهِمْ وَأَبَادَهُمْ الْمَوْتُ عَنْ آخِرِهِمْ كَانَ ذَلِكَ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينَ الْقَاطِنِينَ بِمَكَّةَ وَالْوَارِدِينَ إلَيْهَا وَجَعَلَ الْوَاقِف الْمَذْكُور النَّظَرَ فِي ذَلِكَ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ فَمَاتَ الْوَاقِفُ الْمَذْكُورُ ثَمَّ مَاتَ قَاسِمٌ وَتَرَكَ وَلَدًا يُدْعَى جَسَّارًا ثُمَّ مَاتَ جَسَّارٌ الْمَذْكُورُ وَلَمْ يَعْقُب وَمَاتَ أَحْمَدُ وَحُسَيْنٌ وَلَمْ يَعْقُبَا وَالْمَوْجُودُ الْآن مِنْ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ ذَكَرَانِ أَخَوَانِ شَقِيقَانِ أَحَدُهُمَا يُدْعَى مُبَارَكًا وَالْآخَرُ يُدْعَى عَلِيًّا مِنْ ذُرِّيَّةِ إبْرَاهِيمَ ابْن الْوَاقِفِ أَحَدِ الْأُخُوَّةِ الْخَمْسَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَبِنْتٌ تُدْعَى شُمَيْسَةَ يَتَّصِلُ نَسَبُهَا بِحَسَنٍ وَلَدِ الْوَاقِفِ فَمَا يَسْتَحِقُّ الْأَخَوَانِ وَمَا تَسْتَحِقُّ شُمَيْسَةُ مِنْ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ هَلْ يَكُونُ بَيْنهمْ أَثْلَاثًا النِّصْف لِلْبِنْتِ وَالنِّصْفُ لِلْأَخَوَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَوْ الْخُمْسُ لِلْبِنْتِ أَمْ

كَيْفَ الْحَالُ وَمُبَارَكٌ وَعَلِيٌّ الْأَخَوَانِ الْمَذْكُورَانِ هُمَا وَلَدَا إبْرَاهِيمَ بْن إبْرَاهِيمَ بْن عَلِيٍّ الَّذِي هُوَ الْوَاقِفُ وَشُمَيْسَةُ الْمَذْكُورَةُ هِيَ بِنْتُ إبْرَاهِيمَ بْن مُحَمَّد بْن عِيسَى بْن حَسَن بْن عَلِيٍّ الْوَاقِفِ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَمَّا شُمَيْسَةُ فَلَهَا الْخُمْسُ بِيَقِينٍ عَلَى كُلّ تَقْدِير وَأَمَّا الْأَخَوَانِ الْمَذْكُورَانِ عَلِيٌّ وَمُبَارَكٌ فَلَهُمَا الْخُمْسُ كَذَلِكَ وَأَمَّا الْأَخْمَاسُ الثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ فَيَحْتَاجُ الْكَلَامُ فِيهَا إلَى مَعْرِفَةِ مَنْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْد مَوْت جَسَّارٍ وَأَحْمَدَ وَحُسَيْنٍ مِنْ أَوْلَادِ الْوَاقِفِ أَوْ مِمَّنْ بَعْدهمْ لِاخْتِلَافِ الْحُكْمُ بِذَلِكَ فَإِنَّ جَدّ شُمَيْسَة إنْ تَأَخَّرَ مَوْته عَنْ جَسَّار وَأَحْمَد وَحُسَيْن وَإِبْرَاهِيمَ كَانَتْ تِلْكَ الْأَخْمَاسُ الثَّلَاثَةُ لَهَا وَحْدَهَا وَإِنْ كَانَ الْمُتَأَخِّر مَوْته هُوَ جَدّ الْوَلَدَيْنِ كَانَتْ تِلْكَ الثَّلَاثَةُ لَهُمَا وَحْدَهُمَا وَإِنْ تَأَخَّرَ مَوْتٌ الْجَدَّيْنِ عَنْ مَوْتِ أُولَئِكَ الثَّلَاثَةِ كَانَتْ تِلْكَ الْأَخْمَاسُ الثَّلَاثَةُ بَيْنهمَا وَانْتَقَلَتْ إلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمَا شُمَيْسَةَ وَالْأَخَوَيْنِ كَذَلِكَ فَإِنْ عُرْف ذَلِكَ فَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَهُ وَإِنْ لَمْ يُعْرَف فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ تُوقَفُ الْأَخْمَاسُ الثَّلَاثَةُ بَيْن شُمَيْسَةَ وَالْأَخَوَيْنِ إلَى أَنْ يُعْرَفَ ذَلِكَ أَوْ يَصْطَلِحُوا فِيهِ عَلَى شَيْءٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى جَمَاعَةٍ بِالسَّوِيَّةِ شُرِطَ فِيهِ لِقَارِئٍ بِمَبْلَغٍ مَعْلُومٍ وَلِجِهَةِ صَدَقَاتٍ بِمَبْلَغٍ مَعْلُومٍ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ فِيهِمْ فَهَلْ يُقَدَّمُ مِنْ رَيْعِهِ بَعْدَ عِمَارَتِهِ أَحَدٌ إذَا لَمْ يَفِ رَيْعُهُ بِهِمْ أَجْمَعِينَ أَمْ يُوَزَّعُ بَيْنهمْ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ الْحُقُوقُ عَلَى قَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ وَإِذَا قُلْتُمْ بِالتَّوْزِيعِ وَكَانَ رَيْعُهُ فِي سَنَةٍ أَرْبَعِينَ أَشْرَفِيًّا وَكَانَ لِلْقَارِئِ عَشْرَةٌ أَشْرَفِيَّةٌ وَلِجِهَاتِ الْبِرِّ خَمْسَ عَشَرَ أَشْرَفِيًّا مَثَلًا مَا يَأْخُذُ الْقَارِئُ مِنْ اسْتِحْقَاقِهِ وَأَصْحَابُ الْبِرِّ مِنْ اسْتِحْقَاقِهِمْ إذَا كَانَ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنهمْ وَمَاذَا يَأْخُذُهُ الْجَمَاعَةُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ إذَا كَانَ بَيْنهمْ بِالسَّوِيَّةِ. وَمَا الْحُكْمُ بَيْنهمْ إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَيْهِمْ مُرَتَّبًا وَلَمْ يَفِ رَيْعُهُ بِهِمْ فَهَلْ يُعْطِي الْقَارِئُ كَمَلًا أَوَّلًا ثُمَّ جِهَاتُ الْبِرِّ كَمَلًا إنْ كَانَ أَوْ مَا فَضَلَ وَالْبَاقِي لِجَمَاعَةِ الْوَقْفِ إنْ كَانَ بَقِيَ شَيْءٌ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُمْ وَإِذَا سَكَنَ بَعْضُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَوْ مَنْ لَهُ اسْتِحْقَاقٌ فِيهِ بِإِجَارَةٍ مِنْ النَّاظِرِ هَلْ لَهُ أَنْ يُقَاصِصَ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الرِّيعِ وَيَسْقُط عَنْهُ وَيَدْفَع الْبَاقِي لِلْمُسْتَحِقِّينَ أَمْ لَا وَإِذَا أَرَادَ الْبَعْضُ السُّكْنَى بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ وَأَبَى الْبَعْضُ وَأَرَادُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ وَتَنَازَعُوا فِي ذَلِكَ هَلْ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُؤَجِّرَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ أَوْ يُؤَجِّرَ أَجْنَبِيًّا أَوْ يُغْلِقَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ إلَى أَنْ يَصْطَلِحُوا وَهَلْ يَتَوَقَّفُ إغْلَاقُ الْبَابِ عِنْد التَّنَازُعِ عَلَى إذْنِ الْحَاكِمِ مَعَ وُجُودِ النَّاظِرِ الْخَاصِّ أَمْ لَا. وَإِذَا سَكَنَ الْبَعْضُ تَعَدِّيًا مِنْ غَيْرِ إجَارَةٍ مِنْ نَاظِرِهِ هَلْ لَهُ إخْرَاجُهُمْ وَيُطَالِبُهُمْ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِلْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ أَمْ لَا وَإِذَا غَابَ النَّاظِرُ الْخَاصُّ غَيْبَةً طَوِيلَةً وَلَمْ يُوَكِّل وَكِيلًا أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِجَارَةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ هَلْ يَقُومُ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ وَإِذَا كَانَ لِلْوَقْفِ نَاظِرَانِ وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا اسْتِئْجَارَ الْوَقْفِ لِنَفْسِهِ هَلْ لِلنَّاظِرِ الثَّانِي أَنْ يُؤَجِّرَهُ أَوْ الْحَاكِمِ الشَّرْعِيّ وَإِذَا لَمْ يَحْصُل فِي الْوَقْفِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ فِي بَعْضِ السِّنِينَ فَهَلْ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُؤَجِّرَهُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ رَضِيَ أَرْبَابُ الْحُقُوقِ أَمْ لَا وَهَلْ تَنْفَسِخُ إجَارَتُهُ بِذَلِكَ أَمْ لَا تَنْفَسِخ إذَا رَأَى الْحَظَّ فِي ذَلِكَ لِلْوَقْفِ خُصُوصًا لِإِجْلِ عِمَارَته وَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ إنَّ هَذَا حَظٌّ وَمَصْلَحَةٌ لِلْعِمَارَةِ. وَإِذَا خَرِبَ بَعْضُ الْوَقْفِ وَعَمَّرَهُ النَّاظِرُ مِنْ رَيْعِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ هَلْ يُرْجَعُ إذَا اقْتَرَضَهُ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِإِذْنِ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ وَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا أَصَرَفَهُ وَعَمَّرَ بِهِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا أَوْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ شَرْعِيَّةٍ تَشْهَدُ بِذَلِكَ وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ التَّفْصِيلُ بِمَا أَصَرَفَهُ فِي ثَمَنِ نَوْرَةٍ وَأَحْجَارٍ وَأُجْرَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَمْ يَكْفِي قَوْلُ الشَّاهِدِ إنَّهُ أَصْرَفَ كَذَا وَكَذَا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِ وَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُ النَّاظِرِ أَنَّ الْوَقْفَ خَرَابٌ أَمْ لَا بُدّ مِنْ الْبَيِّنَةِ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ مُرَتَّبًا مُفَصَّلًا أَثَابَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى الْجَنَّةَ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يُقَدَّمُ أَحَدٌ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ إذَا كَانَ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمْ بَعْدَ الْعِمَارَةِ بَلْ يُوَزَّعُ عَلَيْهِمْ بِحَسَبِ اسْتِحْقَاقِهِمْ فَلَوْ كَانَ الرِّيعُ خَمْسَةً وَالْمَشْرُوطُ لِوَاحِدٍ عَشَرَةً وَلِآخَرَ خَمْسَةَ عَشَرَ قُسِّمَتْ الْخَمْسَةُ بَيْنهمَا أَخْمَاسًا فَيَأْخُذُ ذُو الْعَشَرَةِ اثْنَيْنِ وَذُو الْخَمْسَةِ ثَلَاثَةً وَأَمَّا مِثَال السَّائِلِ فَلَا تَوْزِيعَ فِيهِ لِأَنَّهُ إذَا فُرِضَ أَنَّ الرِّيعَ أَرْبَعُونَ وَأَنَّ لِوَاحِدٍ عَشَرَةٌ

وَلِآخَرَ خَمْسَةَ عَشَرَ كَانَ الرَّيْعُ أَكْثَرَ مِنْ مَجْمُوعِ حَقَّيْهِمَا فَيَأْخُذَانِ حَقَّيْهِمَا وَيُفْعَلُ فِي الْفَاضِلِ مَا شَرَطَ الْوَاقِفُ فِيهِ وَإِلَّا أَرْصَدَهُ لِنَحْوِ عِمَارَةِ الْوَقْفِ فَإِنْ كَانَ وَقْفَ تَرْتِيبٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمُؤَخَّرُ شَيْئًا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْمُقَدَّمُ جَمِيعَ مَا شَرَطَهُ لَهُ وَلَا تَقَاصَّ فِي مَسْأَلَةِ السُّكْنَى الْمَذْكُورَةِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ فَيَدْفَعُ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ لِلنَّاظِرِ ثُمَّ يُفَرِّقُهَا النَّاظِرُ فِي مَصَارِفِهَا وَيَتَخَيَّرُ النَّاظِرُ بَيْن إيجَارِ بَعْضِهِمْ وَغَيْرِهِمْ وَلَا يُجَابُ طَالِبٌ خِلَافَ ذَلِكَ مِنْ غَلْقٍ وَغَيْرِهِ بَلْ لَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ إجَابَةُ طَالِب الْغَلْقِ وَمَنْ سَكَنَ مِنْهُمْ تَعَدِّيًا أَخْرَجَهُ النَّاظِرُ قَهْرًا عَلَيْهِ وَأَخَذَ مِنْهُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لِلْمُدَّةِ الَّتِي سَكَنَهَا أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْوَقْفِ فِيهَا وَيَقُومُ الْحَاكِمُ مَقَامَ النَّاظِرِ لِنَحْوِ غَيْبَةٍ أَوْ امْتِنَاعِهِ وَإِذَا شَرَطَ اجْتِمَاعَ النَّاظِرِينَ عَلَى تَصَرُّفٍ لَمْ يُؤَجِّرْ أَحَدَهُمَا الْآخَر وَإِلَّا جَازَ لَهُ إيجَارُهُ وَلَهُ الْإِجَارَةُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ بِرِضَا الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنِ أَوْ لِضَرُورَةِ الْعِمَارَةِ وَنَحْوِهَا أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي وَلِيّ الْيَتِيمِ وَلَا يَكْتَفِي بِقَوْلِهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ تِلْكَ الضَّرُورَةِ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْقَدْرِ الْمُحْتَمَلِ الَّذِي صَرَفَهُ فِي نَحْو الْعِمَارَةِ وَلِلْحَاكِمِ تَحْلِيفَهُ إنْ اتَّهَمَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (وَسُئِلَ) عَنْ مَوْضِعٍ فِي مَدْرَسَةٍ لِلْفُقَرَاءِ فَانْهَدَمَتْ وَتَعَطَّلَتْ وَخِيفَ عَلَى أَحْجَارِهَا وَأَخْشَابهَا مِمَّنْ يَأْخُذُهَا فَهَلْ لِرَجُلٍ أَنْ يَنْقُلَهَا إلَى مَوْضِعٍ قَرِيبٍ مِنْهَا وَيَبْنِيهَا مَدْرَسَةً حَيْثُ لَمْ تَكُنْ مَوْقُوفَةً أَمْ لَا يَحِلُّ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يَجُوزُ النَّقْلُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ وَظِيفَةِ تَدْرِيسٍ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَ اثْنَانِ فِيهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَقَلَ السُّبْكِيّ فِي طَبَقَاتِهِ عَنْ ابْنِ رَزِينٍ امْتِنَاعَ ذَلِكَ وَكَأَنَّ مَلْحَظَهُ أَنَّهُ خِلَافُ الْمَعْهُودِ أَوْ إنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الِاشْتِرَاكِ نَقْصُ انْتِفَاعِ الطَّلَبَةِ بِمُغَايَرَةِ مَا يُلْقَى إلَيْهِمْ مِنْ تَقْرِير كُلّ وَأُسْلُوبِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو عَنْ وَقْفَةٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ قِطْعَةَ أَرْضٍ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى وَلِيٍّ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يَعْلَمُ هَلْ مُرَادُهُ يَقْرَأُ عِنْد قَبْرِهِ أَوْ يَقْرَأُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ وَيَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُوصِلَ ثَوَابَ قِرَاءَتِهِ إلَيْهِ مَا الْحُكْمُ وَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الصُّورَةَ الثَّانِيَةَ مَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَيْثُ عُلِمَ أَنَّهُ قَالَ وَقَفْت هَذَا عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى فُلَانٍ لَمْ تَجِب الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ وَلَا يَبْحَثُ عَنْ مُرَادِ الْوَاقِفِ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ عَلَى خُصُوصِ الْأَرْضِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ الصُّورَةُ الَّتِي تَلَفَّظَ بِهَا الْوَاقِفُ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا تَتَعَيَّنُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ أَيْضًا لِأَنَّ الْأَصْلَ إجْزَاؤُهَا عَلَى الْقَبْرِ وَغَيْرِهِ حَتَّى يَعْلَمَ تَخْصِيصَ الْوَاقِفِ لَهَا بِمَحَلٍّ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يَعْلَم ذَلِكَ فَعَمِلْنَا بِالْأَصْلِ نَعَمْ إنْ أَطَّرَدَتْ عَادَةُ بَلَد الْوَاقِف حِين الْوَقْفِ بِأَنَّ مُرَادَهُمْ الْوَقْفُ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى الْقَبْرِ دُون غَيْرِهِ فَتَتَعَيَّنُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ وَحَيْثُ قُلْنَا لَا يَتَعَيَّنُ الْقَبْرُ فَالْأَحْوَطُ وَالْوَرَع أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مُبَرِّئَةٌ لِلذِّمَّةِ بِيَقِينٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ وَقَفَ مَحَلًّا عَلَى قُرَّاءٍ ثَلَاثَةٍ مِنْ طَائِفَةٍ مَعْلُومَةٍ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ كَهُمْ ثَلَاثَةٌ بَعْدَ ثَلَاثَةٍ إلَى مَا لَا يَنْتَهِي وَقْفًا صَحِيحًا شَرْعِيًّا ثُمَّ شَرَطَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ رَيْعِ وَقْفِهِ بَعْدَ الْمَصَارِيفِ الْبَاقِي لِلْقُرَّاءِ الْمَذْكُورِينَ وَشَرَطَ ذَلِكَ لَهُمْ فِي مُقَابَلَةِ قِرَاءَتِهِمْ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مَثَلًا مَا تَيَسَّرَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْعَزِيزِ وَأَنْ يُهْدُوا مِثْلَ ثَوَابِ ذَلِكَ فِي صَحَائِفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالصَّالِحِينَ ثُمَّ فِي صَحَائِفِ الْوَاقِفِ حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا وَفِي صَحَائِفِ وَالِدَيْهِ وَالْمُسْلِمِينَ فَهَلْ هَذَا الْوَقْفُ صَحِيحٌ بِشُرُوطِهِ الْمَذْكُورَةِ وَإِذَا قُلْتُمْ بِصِحَّتِهِ فَهَلْ مَا تَأْخُذهُ الْقُرَّاءُ مِنْ رَيْعِ الْوَقْفِ فِي مُقَابَلَةِ الْقِرَاءَةِ صَحِيحٌ وَيَكُونُ كَالْأُجْرَةِ إذَا أَتَوْا بِالْعَمَلِ الْمَشْرُوطِ عَلَى وَجْهِهِ وَإِذَا أَخَلَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِعُذْرٍ كَمَرَضٍ وَسَفَرٍ وَنَحْوِهِ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَلَمْ يَسْتَنِبْ عَنْهُ فِيهِمَا هَلْ يَسْقُط مِنْ حَقِّهِ بِقَدْرِ مَا أَخَلَّ بِهِ مِنْ الْأَيَّامِ مَثَلًا وَهَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيب إذَا لَمْ يَشْرِط لَهُ الْوَاقِفُ وَإِذَا قُلْتُمْ لَا لَا فَهَلْ يُقَرِّرُ النَّاظِرُ غَيْرَهُ وَيَسْقُطُ حَقَّهُ مِنْ الرِّيعِ فِي حَالَةِ الْعُذْرِ وَبَعْد زَوَالِهِ أَمْ يَسْتَنِيبَ عَنْهُ النَّاظِرُ إلَى أَنْ يَزُولَ الْعُذْرُ وَيُعْطَى لَهُ بِقَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الْعَمَلِ أَمْ تَسْتَمِرُّ الْقِرَاءَةُ شَاغِرَةً إلَى حِين زَوَالِ الْعُذْرِ وَيَعْمَلُ وَيَأْخُذُ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ حَالَةَ الْعُذْرِ وَهَذَا الْأَخِيرُ كَمَا لَا يَخْفَى عَنْ عِلْمِكُمْ الْكَرِيمِ مُسْتَحِيلٌ لِأَنَّ

الِاسْتِحْقَاقَ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ وَلَا عَمَل وَمَا قَدْرُ مَا يَلْزَمُ الْقَارِئُ مِنْ الْقِرَاءَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي قَوْلِ الْوَاقِفِ أَنْ يَقْرَأَ مَا تَيَسَّرَ هَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِثَلَاثِ آيَاتٍ وَهُوَ أَقَلُّ الْجَمْعِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ أَمْ يَتَّبِعُ عُرْفَ بَلَدِ الْوَاقِفِ وَهَلْ يَصِلُ ثَوَابُ الْقِرَاءَةِ إلَى الْوَاقِفِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ كَمَا شَرَطَ وَإِذَا قُلْتُمْ لَا فَإِذَا شَرَطَ أَنْ يُهْدَى لَهُ عَقِب الْقِرَاءَةِ فِي الدُّعَاءِ بَعْدَ مَمَاتِهِ وَلِوَالِدِيهِ وَأَطْلَقَ وَلَمْ يُعَيِّنْ قَبْرًا وَلَا غَيْرَهُ. هَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ وَيُهْدَى لَهُمْ حَيْثُمَا كَانُوا سَوَاءٌ أَعَرِف قُبُورَهُمْ أَمْ لَا وَإِذَا شَرَطَ الْقِرَاءَةَ عَلَى قَبْرِهِ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ قَبْرٌ هَلْ يَصِحّ ذَلِكَ أَمْ لَا وَيَبْطُلُ وَقْفُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ تَبَعًا لِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَإِذَا شَرَطَ أَنْ يُهْدَى مِثْل ثَوَاب ذَلِكَ إلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالْمُسْلِمِينَ حَيْثُمَا كَانُوا هَلْ يَصِحّ ذَلِكَ وَيَصِلُ إلَى جَمِيعِهِمْ وَمَا صِيغَةُ الْإِهْدَاءِ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ لِلْوَاقِفِ وَغَيْرِهِ وَهَلْ يَقُولُ ثَوَابُ الْقِرَاءَةِ أَوْ مِثْلهَا أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْوَقْفُ صَحِيحٌ بِشُرُوطِهِ وَمَعْنَى إهْدَائِهِ مِثْل ثَوَابِ ذَلِكَ فِي صَحَائِفِ الْوَاقِفِ الْحَيِّ الدُّعَاء لَهُ بِأَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ مِثْلَ ثَوَابِ قِرَاءَتِهِمْ لَهُ وَهَذَا غَرَضٌ صَحِيحٌ لِرَجَاءِ قَبُولِ مِثْلِ ذَلِكَ وَوُصُوله لَهُ إذْ هُوَ لِلْغَيْرِ مَقْبُولٌ حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا وَمِنْ ثَمَّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمَّا اسْتَأْذَنَهُ فِي الْعُمْرَةِ «لَا تَنْسَانَا مِنْ دُعَائِك» ثُمَّ رَأَيْت شَيْخنَا زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ تَعَالَى عَهْدَهُ يُفْتِي بِنَحْوِ مَا ذَكَرْته فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ إجَارَةِ مَنْ يَقْرَأُ لِحَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ بِنَحْوِ وَصِيَّةٍ أَوْ نَذْرِ خَتْمَةً هَلْ يَصِحّ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ زَمَنٍ وَمَكَانٍ وَهَلْ يَصِحّ الْإِجَارَةُ لِلْقِرَاءَةِ وَإِذَا فَرَغَ الْقَارِئُ مِنْ الْقِرَاءَةِ فَمَا صُورَةُ مَا يَدْعُو بِهِ وَهَلْ يُهْدِيه أَوَّلًا لِلْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ ثُمَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ لَهُ أَوْ يَعْكِس فَأَجَابَ بِمَا حَاصِلُهُ تَصِحّ لِقِرَاءَةِ خَتْمَةٍ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ بِزَمَنٍ وَلِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ بِتَقْدِيرِ ذَلِكَ سَوَاءٌ أَعَيَّنَ مَكَانًا أَوْ لَا وَقَدْ أَفْتَى الْقَاضِي بِصِحَّتِهَا بِالْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ مُدَّةً قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْوَجْهُ تَنْزِيلُهُ عَلَى مَا يَنْفَعُ الْمُسْتَأْجِرَ إمَّا بِالدُّعَاءِ لَهُ عَقِبَهَا إذْ هُوَ حِينَئِذٍ أَقْرَبُ إجَابَةً وَأَكْثَرُ بَرَكَةً وَإِمَّا بِجَعْلِ مَا حَصَلَ مِنْ الْأَجْرِ لَهُ وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ صِحَّتَهَا مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي لِأَنَّ مَحَلَّهَا مَحَلُّ بَرَكَةٍ وَتَنْزِيلُ الرَّحْمَةِ وَهَذَا مَقْصُودٌ يَنْفَعُ الْمُسْتَأْجِرَ لَهُ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْن الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ وَغَيْرِهِ وَلَهُ الدُّعَاءُ بِثَوَابِ ذَلِكَ وَمِثْلِهِ إذْ الْمَعْنَى عَلَيْهِ وَلَهُ أَنْ يَهْدِيَهُ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ ثُمَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ لَهُ بَلْ هُوَ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ التَّبَرُّكِ بِتَقْدِيمِ مَنْ يَطْلُبُ بَرَكَتَهُ وَهُوَ أَحَبُّ لِلْمُسْتَأْجِرِ غَالِبًا فَالْأُجْرَةُ الْمَأْخُوذَةُ فِي مُقَابِلِ ذَلِكَ حَلَال لِمَا قُلْنَا وَلِعُمُومِ خَبَرِ الْبُخَارِيِّ «إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» اهـ. عَلَى أَنَّ بُطْلَانَ جُمْلَة مِنْ كَلَامِ الْوَاقِفِ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ الْوَقْفِ كَنَظِيرِهِ فِيمَا لَوْ قَالَ وَقَفْت دَارِي هَذِهِ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا وَلِأَمِّي السُّكْنَى بِهَا فَفِي فَتَاوَى الْعِمَادِ بْنِ يُونُسَ احْتِمَالُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا صِحَّةُ الْوَقْفِ وَإِلْغَاءُ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ تَطْلُقُ، وَيَلْغُو الْإِلْزَامَ وَالثَّانِي بُطْلَانُهُ لِأَنَّهُ شَرَطَ اسْتِيفَاءَ مَنْفَعَةٍ مُدَّةً مَجْهُولَةً وَهِيَ حَيَاتُهَا اهـ وَالْأَوْجُه الْأَوَّلُ وَلَيْسَ هَذَا شَرْطًا فِيهِ نَصَّا بَلْ هُوَ مُحْتَمَلٌ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ الْوَقْفُ الْمُحَقَّقُ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الصَّلَاحِ صَرَّحَ بِمَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته فَإِنَّهُ قَالَ وَإِنْ تَرَدَّدْنَا فِي اشْتِرَاطِ شَيْءٍ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ كَمَا لَوْ قَالَ وَقَفْت لِتَفْعَلُوا كَذَا وَتَفْعَلُوا كَذَا فَإِنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْن كَوْنِهِ تَوْصِيَةً وَاشْتِرَاطًا وَالِاحْتِيَاطُ أَوْلَى وَمَا يَأْخُذُهُ الْقُرَّاءُ مِنْ رَيْعِ الْوَقْفِ فِي مُقَابَلَةِ الْقِرَاءَةِ سَائِغ بَلْ هُوَ مِنْ أَطْيَبِ وُجُوهِ الْكَسْبِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ خَبَرُ الْبُخَارِيِّ السَّابِقِ وَهُوَ كَالْأُجْرَةِ أَوْ الْجَعَالَةِ فَيَتَوَقَّفُ اسْتِحْقَاقُهُمْ عَلَى إتْيَانِهِمْ بِالْعَمَلِ الْمَشْرُوطِ عَلَى وَجْهِهِ وَمَنْ أَخَلَّ مِنْهُمْ بِهِ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي سَقَطَ مِنْ مَعْلُومِهِ مَا يُقَابِلُ ذَلِكَ وَإِنْ أَطَرَدَتْ الْعَادَةُ بِالتَّرْكِ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ الَّذِي أَخَلَّ بِهِ فَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ لَوْ وَقَفَ عَلَى مُقْرِئٍ يَقْرَأَ لِلنَّاسِ بِمَوْضِعِ كَذَا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَجَرَتْ عَادَةُ الْبَلَدِ بِتَرْكِ الْإِقْرَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَيْسَ لَهُ تَرْكُ الْإِقْرَاءِ فِيهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ يَوْمٍ صَرِيحٍ فِي الْعُمُومِ فَلَا يُتْرَكُ بِعُرْفٍ خَاصٍّ فَكَذَا قَوْلُهُ هُنَا كُلُّ لَيْلَةٍ صَرِيح فِي ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي بِعُرْفٍ خَاصٍّ وَفِي فَتَاوِيهِ أَيْضًا لَوْ شَرَطَ قِرَاءَةَ جُزْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ كُلَّ يَوْمٍ فَتَرَكَهُ أَيَّامًا ثُمَّ قَضَاهُ هَلْ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ وَهَلْ يَسْتَحِقُّونَ

فِي أَشْهُرِ الْبَطَالَةِ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ وَرَمَضَانَ أَجَابَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ نَلْحَظُ شُرُوطَ الْوَاقِفِ فَمَا كَانَ فِيهِ إخْلَالٌ بِمَا شَرَطَهُ مَنَعَ الِاسْتِحْقَاقِ وَمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إخْلَالٌ بِهِ لَمْ يَمْنَعهُ إلَّا أَنْ يَقْتَضِيَهُ الْعُرْفُ وَتَنْزِلُ الْعَادَةُ مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ وَالْمُعْتَبَرُ الْعُرْفُ الْمُقَارِنُ لِلْوَقْفِ إذَا كَانَ الْوَاقِفُ مِنْ أَهْلِهِ بِقَوْلِهِ وَأَمَّا مَنْ أَخَلَّ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ دُون بَعْضٍ فَيَنْظُرُ فِي كَيْفِيَّةِ اشْتِرَاطِهِ فَإِنْ اقْتَضَى اشْتِرَاطُ الزَّمَنِ الَّذِي تُرِك فِيهِ سَقَطَ اسْتِحْقَاقُهُ فِيهِ وَإِلَّا لَمْ يَسْقُطْ كَإِخْلَالِ الْمُتَفَقِّهَةِ بِالِاشْتِغَالِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ حَيْثُ لَا نَصَّ لِلْوَاقِفِ عَلَى وُجُودِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَكَذَلِكَ تَرْك الدُّرُوسِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَخْرُجهُ عَنْ الْمُعْتَادِ وَمِنْ الْقَبِيلِ الْأَوَّلِ اشْتِرَاطُ جُزْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ كُلَّ يَوْمٍ فَأَيُّ يَوْم تَرَكَهُ فِيهِ سَقَطَ اسْتِحْقَاقُهُ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا الْبَطَالَةُ فِي الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ فَالْوَاقِعُ مِنْهَا فِي رَمَضَانَ وَنِصْفِ شَعْبَانَ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِحْقَاقَ حَيْثُ لَا نَصَّ لِلْوَاقِفِ عَلَى الِاشْتِغَالِ فِيهِمَا وَالْوَاقِعُ قَبْلَهُمَا يُمْنَعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ عُرْفٌ مُسْتَمِرٌّ وَلَا وُجُودَ لَهُ فِي أَكْثَرِ التَّأْثِيرِ مَنْزِلَةَ الْعُرْفِ الْعَامِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَتْرُكُ وَلَا يَخْفَى وَجْهُ الِاحْتِيَاطِ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْإِخْلَالَ بِالشَّرْطِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ يَسْقُطُ اسْتِحْقَاقُ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَقَطْ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ خَالَفَهُ فِيهِ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْن عَبْدِ السَّلَامِ فِي أَمَالِيهِ حَيْثُ قَالَ لَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ أَوْ مَنْ يَشْتَغِلَ بِالْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ أَوْ يَقْرَأَ فِي كُلِّ يَوْمٍ كَذَا فِي هَذِهِ التُّرْبَةِ فَأَخَلَّ الْأَمَامُ وَالْمُشْتَغِلُ وَالْقَارِئُ بِهَذِهِ الْوَظَائِفِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ لَمْ يَسْتَحِقّ شَيْئًا مِنْ الْغَلَّةِ فِي مُقَابَلَةِ الْأَيَّامِ الَّتِي أَدَّى فِيهَا الْوَظِيفَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِخِيَاطَةِ خَمْسَةِ أَثْوَابٍ فَخَاطَ بَعْضَهَا فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ حِصَّتَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّا نَتَّبِعُ فِي الْأَعْوَاضِ وَالْعُقُودِ الْمَعَانِي وَفِي الشُّرُوطِ وَالْوَصَايَا الْأَلْفَاظ وَالْوَقْفُ مِنْ بَابِ الْأَرْصَادِ وَالْأَرْزَاقِ لَا الْمُعَاوَضَاتِ فَمَنْ أَخَلَّ بِشَيْءٍ مِنْ الشُّرُوطِ لَمْ يَسْتَحِقّ شَيْئًا لِانْتِفَاءِ شَرْطِ الِاسْتِحْقَاقِ اهـ. وَاعْتَرَضَهُ جَمْعٌ مِنْ مُحَقِّقِي الْمُتَأَخِّرِينَ بَلْ غَلَّطَهُ الزَّرْكَشِيُّ كَمَا يَأْتِي وَقَالَ السُّبْكِيّ مَا قَالَهُ فِي غَايَةِ التَّضْيِيق وَيُؤَدِّي إلَى مَحْذُورٍ فَإِنَّ أَحَدًا لَا يُمْكِنهُ أَنْ لَا يُخِلَّ بِيَوْمٍ وَلَا بِصَلَاةٍ إلَّا نَادِرًا وَلَا يَقْصِدُ الْوَاقِفُونَ ذَلِكَ اهـ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ قَائِلٌ بِمَنْعِ الِاسْتِنَابَةِ مُطْلَقًا كَمَا يَأْتِي وَبِهِ يَزِيدُ التَّضْيِيقِ وَيَقْوَى الْمَحْذُورُ الْمَذْكُورُ وَقَالَ شَيْخُنَا زَكَرِيَّا مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ اخْتِيَارٌ لَهُ يَلِيقُ بِالْمُتَوَرَّعِينَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ أَقَوْمُ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَمَا فَرَّقَ بِهِ بَيْن الْإِجَارَةِ وَالْوَقْفِ لَا يَنْهَضُ عِنْد التَّأَمُّلِ بَلْ الْوَقْفُ إذَا كَانَ أَرْصَادًا وَأَرْزَاقًا أَوْسَعُ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ لِأَنَّهُ يَتَسَامَحُ فِيمَا فِيهِ شَائِبَةُ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ مَا لَا يَتَسَامَحُ بِهِ فِيمَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى اسْتِقْصَاء الْمُتَعَاوَضِينَ لِغَرَضَيْهِمَا مِنْ غَيْرِ مُسَامَحَةِ صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ مِنْهُ مَا أَمْكَنَهُ فَإِذَا كَانَ الْإِخْلَالُ بِمَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ لَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَهُ أُجْرَةَ مَا عَمِلَهُ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَمْنَعَ ذَلِكَ فِي الْوَقْفِ ثُمَّ رَأَيْت السُّبْكِيّ صَرَّحَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْجَامِكِيَّةَ عَلَى الْإِمَامَةِ وَالطَّلَبِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ حَتَّى لَا يَسْتَحِقَّ شَيْئًا إذَا أَخَلَّ بِبَعْضِ الصَّلَوَاتِ أَوْ الْإِمَامَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْأَرْصَادِ وَالْأَرْزَاقِ الْمَبْنِيّ عَلَى الْإِحْسَانِ وَالْمُسَامَحَةِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَةِ وَلِهَذَا يَمْتَنِعُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْقَضَاءِ وَيَجُوزُ أَرْزَاقه مِنْ بَيْن الْمَالِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى هَذَا لِأَنَّهُ فِعْلُ الْعِبَادَةِ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ وَهُوَ يَمْنَع مِنْ مَشْرُوعِيَّتِهَا اهـ. فَتَأَمَّلْ فَرْقَهُ بَيْن الْأَرْصَادِ وَالْأَرْزَاقِ وَبَيْن مِمَّا يَحْتَاجُ لِتَأَمُّلِ فَإِنْ قُلْت يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي التِّبْيَانِ مَا حَاصِلُهُ يَنْبَغِي أَنْ يُحَافِظَ عَلَى الْبَسْمَلَةِ أَوَّلَ كُلِّ سُورَةٍ سِوَى بَرَاءَةٍ فَإِنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ قَالُوا إنَّهَا آيَةٌ مِنْ غَيْرِ بَرَاءَةٍ فَإِذَا قَرَأَهَا تَيَقَّنَ قِرَاءَةَ الْخَتْمَةِ أَوْ السُّورَةِ وَإِلَّا كَانَ تَارِكًا لِبَعْضِ الْقُرْآنِ عِنْد الْأَكْثَرِينَ فَإِنْ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ فِي وَظِيفَةٍ عَلَيْهَا جُعْل كَالْأَسْبَاعِ وَالْأَجْزَاءِ الَّتِي عَلَيْهَا أَوْقَافٌ وَأَرْزَاقٌ كَانَ الِاعْتِنَاءُ بِالْبَسْمَلَةِ أَشَدُّ لِيَسْتَحِقَّ مَا يَأْخُذُهُ يَقِينًا فَإِنَّهُ إذَا أَخَلَّ بِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا مِنْ الْوَقْفِ عِنْد مَنْ يَقُولُ الْبَسْمَلَةُ مِنْ أَوَائِلِ السُّورَةِ وَهَذِهِ دَقِيقَةٌ بِتَأَكُّدِ الِاعْتِنَاءِ بِهَا وَإِشَاعَتِهَا اهـ. قُلْت لَا يُؤَيِّدُهُ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا أَيْ لِمَا أَخَلَّ بِهِ إذْ

الْفَرْضُ أَنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهِ قَدْر مُعَيَّنٌ فَإِذَا أَخَلَّ مِنْهُ بِشَيْءٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَهُوَ اخْتِيَارٌ لَهُ أَيْضًا يَلِيق بِمَزِيدِ وَرَعِهِ وَزُهْدِهِ عَلَى أَنَّ الزَّرْكَشِيّ أَشَارَ إلَى تَغْلِيطِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ حَيْثُ قَالَ لَوْ وَرَدَتْ الْجَعَالَةُ عَلَى تَحْصِيلِ شَيْئَيْنِ يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَقَوْلِهِ مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَرَدَّ أَحَدَهُمَا اسْتَحَقَّ نِصْف الْجُعْلِ قَالَ وَعَلَى هَذَا يَتَخَرَّجُ غَيْبَةُ الطَّالِبِ عَنْ الدَّرْسِ بَعْضِ الْأَيَّامِ إذَا قَالَ الْوَاقِفُ مَنْ حَضَرَ شَهْرَ كَذَا فَلَهُ كَذَا فَإِنَّ الْأَيَّامَ مُتَفَاضِلَةٌ فَيَسْتَحِقُّ بِقِسْطِ مَا حَضَرَ تَفَطَّنْ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ مِمَّا يُغْلَطُ فِيهِ اهـ. وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذُكِرَ بَيْن أَنْ يَتْرُكَ الْمُبَاشَرَةَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَسْتَحِقَّ لِمَا بَاشَرَهُ مَا يُقَابِلُهُ وَيَسْقُطُ مَا يُقَابِلُ مَا لَمْ يُبَاشِرُهُ مُطْلَقًا وَأَفْتَى النَّوَوِيُّ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِمَنْعِ الِاسْتِنَابَةِ وَعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَّا النَّائِبُ فَلِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَنْصِبهُ وَأَمَّا الْمُسْتَنِيبُ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالشَّرْطِ وَخَالَفَ السُّبْكِيّ فَإِنَّهُ اسْتَنْبَطَ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْمَجْعُولِ لَهُ تَمَامَ الْجُعْلِ عِنْد قَصْد الْمُشَارِكِ إعَانَتَهُ جَوَاز الِاسْتِنَابَةِ فِي الْإِمَامَةِ وَالتَّدْرِيسِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْوَظَائِفِ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَنِيبَ مِثْله أَوْ خَيْرًا مِنْهُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِصِفَتِهِ لَمْ يَحْصُلُ الْغَرَض بِهِ وَشَبَّهَ الِاسْتِنَابَةِ فِي ذَلِكَ بِالتَّوْكِيلِ بِالْمُبَاحَاتِ قَالَ وَيَسْتَحِقُّ وَالْحَالَةُ هَذِهِ كُلَّ الْمَعْلُومِ اهـ. وَأَشَارَ الزَّرْكَشِيُّ لِلرَّدِّ عَلَيْهِ وَالِاعْتِمَادِ عَلَى مَا قَالَهُ الْأَوَّلَانِ بِقَوْلِهِ وَمَدْرَكُهُمَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الرِّيعَ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ وَلَا الْجَعَالَةِ لِأَنَّ شَرْطَهُمَا أَنْ يَقَعَ الْعَمَلُ فِيهِمَا لِلْمُسْتَأْجِرِ وَالْجَاعِلِ وَالْعَمَلُ لَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ لِلْجَاعِلِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْإِبَاحَةُ بِشَرْطِ الْحُضُورِ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَصْلُحُ إلْحَاق مَا قَالَاهُ بِمَسْأَلَةِ الْجَعَالَةِ قَالَ وَهَذَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَاقِفِ فَإِنْ أَذِنَ فَهُوَ كَمَا لَوْ فَوَّضَ إلَيْهِمَا الْقَضَاءَ وَالْوَكَالَةَ وَأَذِنَ لَهُ فَاسْتَنَابَ وَفِي كَوْنِ النَّائِبِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ يَتَوَلَّى عَنْ الْوَكِيلِ أَوْ الْمُوَكِّلِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي وَعَلَى هَذَا لَا يَتَمَكَّنُ الْمُسْتَنِيبُ مِنْ عَزْلِهِ وَلَا يَنْعَزِلُ بِانْعِزَالِهِ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْأَوَّلِ وَيَنْبَغِي طَرْدُهُ هُنَا اهـ. وَذَلِكَ رَدُّ مَا قَالَهُ أَوَّلًا فَإِنَّا لَمْ نَدَّعِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْإِجَارَةِ أَوْ الْجَعَالَةِ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ فِيهِ شَائِبَةً مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَقَوْلُهُ الْعَمَلُ لَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ لِلْجَاعِلِ لَا يَضُرُّنَا لِأَنَّهُ يَقَعُ لَهُ نَظِيرُهُ إذْ الْقَصْدُ بِهِ الثَّوَابُ وَالدَّالُّ عَلَى الْخَيْرِ فَضْلًا عَنْ الْمُسْتَنِيب فِيهِ لَهُ مِثْل أَجْرِ فَاعِلِهِ وَقَوْلُهُ: فَلَمْ يَبْقَ. . . إلَخْ مَمْنُوعٌ بَلْ حُضُورُ النَّائِبِ كَحُضُورِ الْمُسْتَنِيبِ فَلِمَ يَفُتْ الْحُضُورُ مِنْ أَصْلِهِ وَبِهَذَا اتَّضَحَ كَلَامُ السُّبْكِيّ وَيُؤْخَذُ مِنْ آخِرِ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي الِاسْتِنَابَةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَأَنَّهَا لِعُذْرٍ كَالْقَدْرِ الْعَاجِزِ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ سَائِغَةً بِلَا شَكٍّ وَبِهِ صَرَّحَ الدَّمِيرِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْد بَحْثِ السُّبْكِيّ السَّابِقِ وَهَذَا فِيمَا لَا يَعْجَزُ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِهِ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْفَخْرِ ابْنِ عَسَاكِرَ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ مَدَارِسُ بِدِمَشْقَ يُدَرِّسُ فِيهَا وَكَانَ مَعَهُ الصَّلَاحِيَّة بِالْقُدْسِ يُقِيمُ بِهَذِهِ أَشْهُرًا وَبِهَذِهِ أَشْهُرًا فِي السَّنَةِ مَعَ عِلْمِهِ وَوَرَعِهِ قَالَ وَقَدْ وَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّنْ وَلِيَ تَدْرِيسَ مَدْرَسَتَيْنِ فِي بَلَدَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ كَحَلَبِ وَدِمَشْقَ فَأَفْتَى جَمَاعَةٌ بِجَوَازِ ذَلِكَ وَيَسْتَنِيبُ مِنْهُمْ قَاضِي الْقُضَاةِ بَهَاءُ الدِّينِ السُّبْكِيّ وَالشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ الْبَعْلَبَكُّيُّ وَشَمْسُ الدِّينِ الْقَرَنِيُّ وَالشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ الْحُسْبَانِيُّ وَمِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ آخَرُونَ وَمَنَعَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ غَيْرُهُمْ وَهَذَا الْأَشْبَهُ لِأَنَّ غَيْبَتَهُ فِي أَحَدِهِمَا لِأَجْلِ الْحُضُور فِي الْأُخْرَى لَيْسَتْ بِعُذْرٍ اهـ وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الِاسْتِنَابَةِ آرَاءً أَحَدُهَا لَا تَجُوزُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالنَّوَوِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ إلَّا إنْ أَخَذْنَا بِقَضِيَّةِ كَلَامِهِ السَّابِقِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّهُ قَائِلٌ بِالْإِطْلَاقِ قَوْلُهُ مِنْ وَلِيَ وَظِيفَةً وَأُكْرِهَ عَلَى عَدَمِ مُبَاشَرَتِهَا لَا يَسْتَحِقّ مَعْلُومَهَا لِأَنَّهَا جَعَالَةٌ وَهُوَ لَمْ يُبَاشِرُ اهـ. لَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِ أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ فَاسْتَنَابَ اسْتَحَقَّ وَالثَّانِي الْجَوَازُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ ابْنُ عَسَاكِرَ وَالْبَهَاءُ السُّبْكِيّ كَأَبِيهِ إلَّا عَلَى احْتِمَالٍ مَرَّ عَنْ الْغَزِّيِّ وَالْبَعْلَبَكِّيِّ وَالْحُسْبَانِيِّ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُمْ وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ اسْتَحَقَّ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَيْهِ السُّبْكِيّ عَلَى احْتِمَالٍ مَرَّ عَنْ الزَّرْكَشِيّ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ آخِرُ كَلَامِهِ وَالدَّمِيرِيِّ وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَيُوَافِقُهُ إفْتَاءُ التَّاجِ الْفَزَارِيّ بِاسْتِحْقَاقِ الْمُكْرَهِ السَّابِقِ إذْ الْمُكْرَهُ

شَرْعًا كَالْمُكْرَهِ حِسًّا وَحَيْثُ مَنَعْنَاهُ مِنْ الِاسْتِبَانَةِ فَغَابَ غَيْبَةً تُشْعِرُ بِالْإِعْرَاضِ قَرَّرَ النَّاظِرُ غَيْرَهُ، وَحَيْثُ جَوَّزْنَاهَا لَهُ فَإِنْ اسْتَنَابَ فَوَاضِحٌ، وَإِلَّا قَرَّرَ غَيْرَهُ بِشَرْطِهِ الْمَذْكُورِ، وَإِذَا شُرِطَتْ قِرَاءَةُ مَا تَيَسَّرَ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ عُرْفٌ مُطَّرِدٌ حَالَ الشَّرْطِ عَلِمَهُ الْوَاقِفُ نَزَلَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا اكْتَفَى بِمَا يُسَمَّى قِرَاءَةً كَجُمْلَةٍ أَفَادَتْ مَعْنَى مُسْتَقِلًّا لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ. وَقَدْ قَالُوا: لَوْ قَالَ لِقِنِّهِ: إنْ قَرَأْت الْقُرْآنَ بَعْدَ مَوْتِي فَأَنْتَ حُرٌّ لَمْ يَعْتِقْ إلَّا بِقِرَاءَةِ جَمِيعِهِ أَوْ قُرْآنًا عَتَقَ بِقِرَاءَةِ بَعْضِهِ، وَالْفَرْقُ التَّعْرِيفُ وَالتَّنْكِيرُ وَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته؛ لِأَنَّ قُرْآنًا وَمَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ سَوَاءٌ فِي الْمَعْنَى لَكِنَّهُمْ أَطْلَقُوا الْبَعْضَ، وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ مَا قَدَّمْته وَيَصِلُ لِلْوَاقِفِ ثَوَابُ الدُّعَاءِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَإِيصَالِ الْبِرِّ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، لَا نَفْسُ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ لِلْقَارِئِ بِالنَّصِّ فَلَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ لِغَيْرِهِ، وَمَرَّ بَعْضُ ذَلِكَ فَإِنْ دَعَا بِوُصُولِ مِثْلِهِ لِلْوَاقِفِ حَصَلَ لَهُ مِثْلُهُ مِنْ حَيْثُ الدُّعَاءِ لَا مِنْ حَيْثُ الْقِرَاءَةِ، وَإِذَا شَرَطَ الْإِهْدَاءَ لَهُ وَلِآخَرِينَ عَيَّنَهُمْ وَجَبَ الْإِهْدَاءُ إلَيْهِمْ، وَإِنْ جُهِلَتْ قُبُورُهُمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَصِلُ إلَيْهِمْ مُطْلَقًا. وَالْوَقْفُ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعُ الْأَوَّلِ إذْ قَدْ لَا يُعْلَمُ قَبْرُهُ فَيَتَعَذَّرُ الْإِتْيَانُ بِمَا شَرَطَهُ فَإِنْ قَالَ: وَقَفْت بَعْدَ مَوْتِي عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَيَّ فَهُوَ وَصِيَّةٌ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْ ثُلُثِهِ صَحَّ الْوَقْفُ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ صَحَّتْ فِيهِ فَقَطْ، وَيَصِحُّ شَرْطُ إهْدَاءِ الثَّوَابِ أَوْ مِثْلِهِ فِي صَحَائِفَ مِنْ ذِكْرٍ وَصُورَةُ مَا يَدْعُو بِهِ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ ثَوَابَ ذَلِكَ أَوْ اللَّهُمَّ اجْعَلْ مِثْلَ ثَوَابِ ذَلِكَ، إذْ الْمَعْنَى عَلَى مِثْلِ ثَوَابِ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِنَصِيبِ ابْنِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى مَعْنَى مِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ اهـ (وَسُئِلَ) عَنْ مَسْأَلَةٍ وَقَعَ فِيهَا خِلَافٌ طَوِيلٌ بَيْن عُلَمَاءِ مِصْرَ وَنُقِلَتْ مَعَ أَجْوِبَةِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا إلَيْهِ نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ فِي عِدَّةِ أَعْوَامٍ لِطَلَبِ جَوَابِهِ فِيهَا وَهُوَ يَمْتَنِعُ مِنْ الْكِتَابَةِ فِيهَا؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي فِيهَا لِبَعْضِ مَشَايِخِهِ فَخَشِيَ مِنْ تَغَيُّرِ خَاطِرِهِ إنْ وَقَعَ مِنْهُ مُخَالَفَةٌ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ لَمَّا تَأَكَّدَ الطَّلَبُ لِجَوَابِهِ اسْتَخَارَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَاسْتَعَانَ بِهِ فِي أَنْ يُلْهِمَهُ مَوَانِحَ التَّوْفِيقِ وَيَقْطَعَ عَنْهُ مَوَانِعَ التَّحْقِيقِ إنَّهُ الْجَوَّادُ الْكَرِيمُ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ وَأَفْرَدَ ذَلِكَ بِهَذَا التَّأْلِيفِ، وَسَمَّاهُ التَّحْقِيقُ لِمَا يَشْمَلُهُ لَفْظُ الْعَتِيقِ) سَائِلًا مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَأَنْ يَحِلَّهُ، تَقَبَّلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ بِفَضْلِهِ أَعَالِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ آمِينَ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْهُ: أَمَّا السُّؤَالُ فَصُورَتُهُ مَا قَوْلُكُمْ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْكُمْ - وَنَفَعَ بِعُلُومِكُمْ الْمُسْلِمِينَ فِي مَكْتُوبِ وَقْفٍ عِبَارَتُهُ: جُعِلَ ذَلِكَ وَقْفًا عَلَى عُتَقَاءِ الْوَاقِفِ بِالسَّوِيَّةِ الذَّكَر وَالْأُنْثَى وَالطَّوَاشِيَّةِ فِي ذَلِكَ، سَوَاءٌ مُدَّةَ حَيَّاتِهِمْ وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ أَوْ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ، انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ انْتَقَلَ إلَى بَاقِي الْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ، وَيَسْتَمِرُّ الْحَالُ فِي ذَلِكَ كَذَلِكَ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ خَمْسُونَ نَفَرًا، فَإِذَا بَقِيَ مِنْهُمْ خَمْسُونَ نَفَرًا قُسِّمَ رَيْعُ الْمَوْقُوفِ الْمُخْتَصِّ بِالْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ شَطْرَيْنِ شَطْرٍ: يُصْرَفُ لِلْعُتَقَاءِ الْخَمْسِينَ الْبَاقِينَ عَلَى الْحُكْمِ الْمَشْرُوحِ وَالشَّطْرِ الثَّانِي: يُصْرَفُ لِلْخُدَّامِ بِالْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ عَلَى الْحَالِّ بِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَالْفَرَّاشِينَ وَالْوَقَّادِينَ بِالْحَرَمِ الشَّرِيفِ النَّبَوِيِّ، فَهَلْ قَوْلُهُ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ خَمْسُونَ نَفَرًا يَخْتَصُّ بِمَنْ بَاشَرَهُ الْعِتْقُ أَمْ لَا فَإِذَا قُلْتُمْ يَخْتَصُّ وَقَدْ انْقَرَضَ الَّذِينَ بَاشَرَهُمْ الْعِتْقُ بِأَسْرِهِمْ وَبَقِيَ الْآنَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ وَذُرِّيَّتِهِمْ عَدَدٌ يَزِيدُ عَلَى الْخَمْسِينَ، فَهَلْ يَكُون ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ قِسْمَةِ الرَّيْعِ شَطْرَيْنِ بَيْنهمْ وَبَيْن جِهَةِ الْحَرَمِ الشَّرِيفِ، وَيَسْتَحِقُّ أَوْلَادُ الْعُتَقَاءِ جَمِيعُ الرَّيْعِ؛ لِأَنَّ الْعَتِيقَ الزَّائِدَ عَلَى الْخَمْسِينَ كَأَنَّهُ مَوْجُودٌ بِوُجُودِ وَلَدِهِ الْمُسْتَحَقِّ لِنَصِيبِهِ أَمْ لَا؟ وَمَا حُكْمُ اللَّهِ فِي ذَلِكَ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ؟ هَذَا لَفْظُ السُّؤَالِ وَأَمَّا الْأَجْوِبَةُ عَنْهُ فَمِنْهَا: أَنَّهُ أَرَادَ الْوَاقِفُ بِقَوْلِهِ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ خَمْسُونَ نَفَرًا مَا يَشْمَلُ حَقِيقَتَهُ وَمَجَازَهُ؛ لِأَنَّ إزَالَةَ الرِّقِّ عَنْ الْأَصْلِ تَتَضَمَّنُ إزَالَةَ الرِّقِّ عَنْ الْفَرْعِ فَكَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ، فَلَا يَدْخُلُ لِجِهَةِ الْحَرَمِ رَيْعُ الْوَقْفِ مَا بَقِيَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْعُتَقَاءَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ نَفَرًا لِاسْتِحْقَاقِهِمْ حِينَئِذٍ

لِجَمِيعِ الرَّيْعِ، وَمِنْهَا قَوْلُ الْوَاقِفِ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ خَمْسُونَ نَفَرًا لَا يَخْتَصُّ بِمَنْ بَاشَرَهُ الْعِتْقُ، فَإِذَا انْقَرَضَ الْعُتَقَاءُ الَّذِينَ بَاشَرَهُمْ الْعِتْقُ بِأَسْرِهِمْ وَبَقِيَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ عَدَدٌ يَزِيد عَلَى الْخَمْسِينَ كَانَ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ قِسْمَةِ الرَّيْعِ شَطْرَيْنِ بَيْنهمْ وَبَيْنَ جِهَةِ الْحَرَمِ الشَّرِيفِ النَّبَوِيِّ، وَيَسْتَحِقُّ أَوْلَادُ الْعُتَقَاءِ جَمِيعَ الرَّيْعِ؛ لِأَنَّ الْعَتِيقَ الزَّائِدَ عَلَى الْخَمْسِينَ كَأَنَّهُ مَوْجُودٌ بِوُجُودِ وَلَدِهِ الْمُسْتَحِقِّ لِنَصِيبِهِ، فَالْمَوْجُودُ بِوُجُودِ أَوْلَادِهِ هُوَ الْعَتِيقُ الَّذِي بَاشَرَهُ الْعِتْقُ فَهُوَ لَمْ يَنْقَرِضْ، بَلْ هُوَ مَوْجُودٌ بِوُجُودِ نَصِيبِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَصَبَةَ كُلِّ عَتِيقٍ يَقُومُونَ مَقَامَ ذَلِكَ الْعَتِيقِ فَكَأَنَّ ذَلِكَ الْعَتِيقَ بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ وَإِذَا كَانَ مَوْجُودًا بِوُجُودِ عَصَبَتِهِ فَلَمْ يَنْقَرِضْ الْعُتَقَاءُ الْخَمْسُونَ، بَلْ مَنْ وُجِدَتْ ذُرِّيَّتُهُ وَأَوْلَادُهُ، فَهُوَ مَوْجُودٌ وَمِنْهَا حَيْثُ كَانَ الْأَوْلَادُ الَّذِينَ يَسْتَحِقُّونَ عَدَدُ جُمْلَتِهِمْ تَزِيدُ عَلَى الْخَمْسِينَ نَسَلُوا عَنْ الْعُتَقَاءِ يَزِيدُ عَدَدُ جُمْلَتِهِمْ عَلَى خَمْسِينَ، فَجَوَابِي كَهَذَا الْجَوَابِ مِنْ أَنَّ الْأَوْلَادَ الْمَذْكُورِينَ يَسْتَحِقُّونَ جَمِيعَ الرَّيْعِ دُونَ قِسْمَتِهِ بَيْنَهُمْ وَبَيْن خِدْمَةِ الْحَرَمِ الشَّرِيفِ عَلَى سَاكِنِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ لِأَنَّ الْوَاقِفَ جَعَلَ الْفَرْعَ قَائِمًا مَقَامَ أَصْلِهِ وَحَائِزًا لِنَصِيبِهِ فَيَكُونُ الْأَصْلُ الْعَتِيقُ مَوْجُودًا شَرْعًا بِوُجُودِ فَرْعِهِ حِسًّا. وَهَذِهِ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ أَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ قَائِمُونَ مَقَامَهُمْ وَخَالَفَ قَائِلِيهَا آخَرُونَ فَأَجَابُوا بِأَجْوِبَةٍ مُخَالِفَةٍ لَهَا وَارِدَةٍ عَلَيْهَا مِنْهَا لَا يَشُكُّ شَاكٍّ أَنَّ الْعُتَقَاءَ حَقِيقَةٌ، فِيمَنْ بَاشَرَهُ الْعِتْقُ وَلَا يَجُوز حَمْلَهُ عَلَى مَجَازِهِ، وَهُوَ مَنْ شَمِلَهُ نِعْمَةُ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ أَقْصَى مَا يَتَمَحَّلُ لِهَذَا الْمَجَازِ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ عَلَاقَةٌ مُصَحِّحَةٌ لِإِرَادَةِ الْمَجَازِ بَعْدَ اللَّتَيَّا وَاَلَّتِي، وَهَذَا الْمِقْدَارُ غَيْرُ كَافٍ فِي صَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ حَقِيقَتِهِ إلَى مَجَازِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَرِينَةٍ تَمْنَعُ إرَادَةُ الْحَقِيقَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ عُلَمَاءُ الْأُصُولِ، فَإِنْ قُلْت: إزَالَةُ الرِّقِّ عَنْ الْأَصْلِ تَتَضَمَّنُ الْإِزَالَةَ عَنْ فَرْعِهِ فَكَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ قُلْنَا: إنْ أَرَدْت أَنَّ إزَالَةَ الرِّقِّ عَنْ الْأَصْلِ إزَالَةٌ عَنْ فَرْعِهِ الْمَوْجُودِ فَهُوَ بَاطِلٌ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ ذَوِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، وَإِنْ أَرَدْت بِهِ الْفَرْعَ الَّذِي سَيُوجَدُ فَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمَسَّهُ رِقٌّ حَتَّى يَزُولَ عَنْهُ، عَلَى أَنَّ الْفَرْعَ إذَا وُجِدَ حُرًّا لَمْ تَكُنْ حُرِّيَّتَهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَتِيقَ الْمَذْكُورَ إذَا تَزَوَّجَ بِأَمَةِ الْغَيْرِ فَأَوْلَدَهَا كَانَ الْوَلَدُ رَقِيقًا لِلْغَيْرِ، فَأَيُّ رِقٍّ أَزَالَهُ عَنْ فَرْعِهِ بِإِزَالَتِهِ عَنْ أَصْلِهِ؟ وَأَمَّا قَوْلُهُ: انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ فَلَيْسَ مُطْلَقًا بَلْ مُغَيًّا إلَى غَايَةٍ مَخْصُوصَةٍ لَا يَجُوز إلْغَاؤُهَا وَهِيَ بُلُوغُ عَدَدِ الْعُتَقَاءِ خَمْسِينَ فَإِنْ قُلْت: إذَا بَقِيَ مِنْ أَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ عَدَدٌ يَزِيدُ عَلَى الْخَمْسِينَ كَانَ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ قِسْمَةِ الرَّيْعِ شَطْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَتِيقَ الزَّائِدَ عَلَى الْخَمْسِينَ إذَا مَاتَ عَنْ وَلَدٍ صَارَ كَأَنَّهُ مَوْجُودٌ بِوُجُودِ وَلَدِهِ الْمُسْتَحِقِّ لِنَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ عَصَبَةَ كُلِّ عَتِيقٍ يَقُومُونَ مَقَامَ ذَلِكَ الْعَتِيقِ، فَلَمْ يَنْقَرِضْ الْعُتَقَاءُ الْخَمْسُونَ. قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْوَلَدِ لِنَصِيبِ الْأَبِ يَجْعَلُ الْأَبَ فِي حُكْمِ الْمَوْجُودِ، وَعَصَبَةُ الْعَتِيقِ لَا تَقُومُ مَقَامُ الْعَتِيقِ فِي وُجُودِهِ بَلْ تَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ الَّذِي كَانَ لَهُ لَا غَيْرُ إلَى الْغَايَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا الْوَاقِفُ عَلَى أَنَّهُ إذَا قُلْتُمْ: إنَّ الْعَصَبَةَ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْعَتِيقِ يَلْزَمُ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْأَوْلَادِ الْمَوْجُودِينَ الْآنَ الزَّائِدِينَ عَلَى الْخَمْسِينَ، هَلْ هُمْ أَوْلَادُ خَمْسِينَ مِنْ الْعُتَقَاءِ فَمَا دُونَهُمْ؟ يَلْزَمُ أَنْ يَقُولُوا: بِقِسْمَةِ الرَّيْعِ شَطْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَصَبَةَ وَإِنْ تَعَدَّدُوا يَقُومُونَ مَقَامَ أَصْلِهِمْ الْوَاحِدِ فَتَحَقَّقَتْ الْغَايَةُ، فَكَيْفَ يَكُون الْعَدَدُ الزَّائِدُ عَلَى الْخَمْسِينَ مِنْ الْأَوْلَادِ مُطْلَقًا مَانِعًا مِنْ قِسْمَةِ الرَّيْعِ، فَإِنْ قُلْت الْوَاقِفُ جَعَلَ الْوَلَدَ قَائِمًا مَقَامَ أَصْلِهِ وَحَائِزًا لِنَصِيبِهِ فَيَكُونُ الْأَصْلُ الْعَتِيقُ مَوْجُودًا شَرْعًا بِوُجُودِ فَرْعِهِ حِسًّا قُلْنَا: الْوَاقِفُ لَمْ يَجْعَلُ الْفَرْعَ قَائِمًا مَقَامَ الْأَصْلِ فِي الْوُجُودِ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ مُسْتَحِقًّا لِنَصِيبِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا شَرْعًا، بَلْ الْمَوْجُودُ شَرْعًا وَحِسًّا إنَّمَا هُوَ فَرْعُهُ لِانْتِقَالِ نَصِيبِ وَالِدِهِ الَّذِي قَدْ مَاتَ إلَيْهِ لَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يُنْكِرَ ذَلِكَ مِنْ ذَوِي الْعُقُولِ سِيَّمَا مِنْ مَارْسَ الْمَنْقُولَ وَالْمَعْقُولَ. وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عَلِمْت أَنَّ الْحَقَّ الَّذِي لَا يُسْتَرَابُ وَالصَّوَابَ الَّذِي لَا يَشُكُّ فِيهِ أُولُو الْأَلْبَابِ أَنَّهُ إذَا انْقَرَضَ الْعُتَقَاءُ الَّذِينَ بَاشَرَهُمْ الْعِتْقُ، وَبَقِيَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ عَدَدٌ يَزِيدُ عَلَى الْخَمْسِينَ سَوَاءٌ نَشَئُوا عَنْ خَمْسِينَ فَمَا

دُونَهُمْ مِنْ الْأُصُولِ أَوْ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ مِنْهُمْ، قُسِّمَ رَيْعُ الْوَقْفِ شَطْرَيْنِ شَطْرٍ لِلْحَرَمِ الشَّرِيفِ النَّبَوِيِّ وَشَطْرٍ لِأَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ عَلَى حُكْمِ مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ عَمَلًا بِصَرِيحِ قَوْلِهِ بِظَاهِرِ عِبَارَتِهِ. وَلَا يَتَشَبَّثُ بِمَا تَوَهَّمَهُ الْمُخَالِفُونَ مِنْ ارْتِكَابِ التَّمَحُّلَاتِ الْبَعِيدَةِ وَالتَّكَلُّفَاتِ الشَّدِيدَةِ الْغَيْرِ سَدِيدَةٍ الَّتِي يَنْبُو عَنْهَا الطَّبْعُ السَّلِيمُ وَالذِّهْنُ الْمُسْتَقِيمُ، وَمِنْهَا الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ يَسْتَدْعِي تَمْهِيدَ مُقَدِّمَةٍ، وَهِيَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ فَإِذَا أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ حَقِيقَتِهِ إلَى الْمَجَازِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَاعٍ يَدْعُوهُ لِتَرْكِ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ، وَإِلَّا لَكَانَ عَبَثًا، ثَمَّ عَلَاقَةٌ تَرْبِطُ بَيْن الْمَعْدُولِ عَنْهُ وَالْمَعْدُولِ إلَيْهِ، وَالْأَصَحُّ إطْلَاقُ كُلِّ لَفْظٍ عَلَى كُلِّ مَعْنًى، ثُمَّ قَرِينَةٌ صَارِفَةٌ عَنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، وَإِلَّا تَبَادَرَ لِكَوْنِهِ الْأَصْلَ، وَهَذَا الْقَدْرُ مِمَّا لَا نِزَاعَ لِفَاضِلٍ فِيهِ لِإِطْبَاقِ كُتُبِ الْأُصُولِ، بَلْ وَكُتُبِ الْبَلَاغَةِ عَلَيْهِ غَالِبًا، وَلَوْ أَرَدْنَا الِاسْتِشْهَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ لَطَالَ الْحَالُ وَأَدَّى إلَى الْمَلَالِ. لَا يُقَالُ: إنَّ الدَّاعِيَ إلَى التَّجَوُّزِ وَالْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ عَنْ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ وَاحِدٌ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي أَنَّ كُلًّا يَصْرِفُ عَنْ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ لِأَنَّا نَقُولُ: افْتِرَاقُهُمَا فِي عَدِّ كُلٍّ شَرْطًا عَلَى حِيَالِهِ يَأْبَى ذَلِكَ وَأَيْضًا فَالدَّاعِي شَرْطٌ لِلْعُدُولِ، وَمَعْنَاهُ جَوَازُ تَرْكِ الْحَقِيقَةِ إلَى غَيْرِهَا، وَالْقَرِينَةُ شَرْطٌ لِمَنْعِ تَبَادُرِ الْحَقِيقَةِ لِأَصَالَتِهَا، وَاخْتِلَافُ الْأَثَرَيْنِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَافِ الْمُؤَثِّرَيْنِ، وَأَيْضًا فَاعْتِبَارُ الْقَرِينَةُ بَعْد اعْتِبَارِ الدَّاعِي بَلْ وَبَعْدَ اعْتِبَارِ الْعَلَاقَةِ لِمَا لَا يَخْفَى مِنْ أَنَّ طَلَبَ مَا يُصَحِّحُ الْإِطْلَاقَ الْمَجَازِيَّ لَا يَحْسُنُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ مَا يَجُوز الْمَصِيرُ إلَيْهِ، وَإِنْ طَلَبَ مَا يَمْنَعُ مُبَادَرَةِ الْأَصْلِ إنَّمَا يَتَأَتَّى بَعْدَ صِحَّةِ اسْتِعْمَالِ الْفَرْعِ، وَإِنَّمَا تَعَرَّضْنَا لِذَلِكَ لِادِّعَاءِ بَعْضِ الْأَعْيَانِ لَهُ عِنْد مُنَاصَرَتِهِ فِيمَا كَتَبَ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ غَيْرَ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى الْحَقِّ فِي ذَلِكَ لِمَا عَرَفَهُ، وَإِذَا تَمَهَّدَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَتَأَكَّدَتْ هَذِهِ الْفَائِدَةُ فَاعْلَمْ أَنَّ حَامِلَ الْعَتِيقِ فِي هَذَا السُّؤَالِ عَلَى مَا يَشْمَلُ وَلَدَهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَسْلُكَ الطَّرِيقَ الْجَادَّةَ، وَهِيَ أَنَّ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ مَجَازٌ أَيْضًا كَمَا هُوَ مُعْتَمَدُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَشَارِحِهِ الْعَضُدِ وَالتَّاجِ السُّبْكِيّ وَغَيْرِهِمْ بِدَلِيلِ سَوْقِهِمْ مَا عَدَا ذَلِكَ مَسَاقَ الْآرَاءِ الضَّعِيفَةِ وَالْمَذَاهِبِ الْمَرْجُوحَةِ لِتَصْدِيرِهِمْ الْأَوَّلِ وَتَرْجِيحِهِ وَتَأْخِيرِهِمْ الثَّانِيَ وَتَوْهِينِهِ، أَوْ يَسْلُكَ طَرِيقَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهِيَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ عَلَى التَّوْزِيعِ. وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ فَالْمُتَجَوِّزُ مُطَالَبٌ بِالدَّاعِي لِمَا سَبَقَ، فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ الِاخْتِصَارُ لَوْ عَبَّرَ عَنْ الْمَعْنَيَيْنِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، أَمَّا حَيْثُ عَبَّرَ عَنْ كُلِّ مَعْنَى بِلَفْظٍ فَأَنَّى يَدَّعِي لَهُ الِاخْتِيَارَ، وَكَيْفَ يَدَّعِي زِيَادَةَ الْبَيَانِ، وَالْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ إمَّا فَرْعُ الْعَتِيقِ أَوْ الْمُرَكَّبِ مِنْ الْعَتِيقِ مَعَ فَرْعِهِ، وَكَوْنُ لَفْظِ الْعَتِيقِ بِمُفْرَدِهِ أَوْضَحُ دَلَالَةً عَلَى الْفَرْعِ أَوْ عَلَيْهِ مَعَ أَصْلِهِ مِنْ لَفْظِ الْوَلَدِ أَوْ الْعَتِيقِ وَوَلَدِهِ مِمَّا لَا يُدَّعَى إلَّا سَهْوًا أَوْ عِنَادًا، لِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ الْحَقِيقَةَ مَا لَمْ تُهْجَرُ أَوْضَحُ دَلَالَةً عَلَى الْمَعْنَى مِنْ الْمَجَازِ، وَلَوْ احْتَفَّ بِقَرَائِنَ شَتَّى؛ لِأَنَّ قُصَارَى أَثَرِ الْقَرَائِنِ أَنْ تُلْحِقَ الْمَجَازَ فِي الْوُضُوحِ بِالْحَقِيقَةِ، وَأَنَّى لَهُ بِالْقَرَائِنِ بَلْ بِالْقَرِينَةِ الْوَاحِدَةِ، فَكَيْفَ بِالْمُسَاوَاةِ فَضْلًا عَنْ الزِّيَادَةِ؟ ، وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ زَعْمُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عِنْد تَعْدِيدِ أَقْسَامِ الدَّاعِي أَنَّ بَعْضَ الْمَجَازَاتِ أَوْضَحُ دَلَالَةً مِنْ الْحَقِيقَةِ لِقَوْلِ السَّعْدِ فِي التَّلْوِيحِ بَعْدَ مَا أَوْرَدَ ذَلِكَ إنْ أَرَادَ بِالْمَعْنَى مَا يُقْصَدُ مِنْ اللَّفْظِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا كَالْحُجَّةِ وَالْعِلْمِ مَثَلًا، فَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ دَلَالَةَ لَفْظِ الْمَوْضُوعِ لَهُ عَلَيْهِ أَوْضَحُ عِنْد الْعِلْمِ بِالْوَضْعِ مِنْ دَلَالَةِ لَفْظِ الشَّمْسِ وَالثَّوْرِ، وَلَوْ مَعَ أَلْفِ قَرِينَةٍ، فَإِنْ فَرَضْنَا الظَّفَرَ بِالدَّاعِي بَقِيَتْ الْمُطَالَبَةُ بِالْقَرِينَةِ الْمُصَحِّحَةِ، فَإِنْ قِيلَ: هِيَ كَوْنُ الْوَلَدِ قَائِمًا مَقَامَ أَبِيهِ وَحَائِزًا نَصِيبَهُ عِنْد عَدَمِهِ وَمُكْتَسِبَ الْحُرِّيَّةِ عَنْ حَرِيَّتِهِ، قُلْنَا: هَذِهِ الْعَلَاقَة مَعَ مَا فِيهَا قُصَارَى أَمْرِهَا أَنْ تُصَحِّحَ إطْلَاقَ الْعَتِيقِ مَجَازًا عَلَى وَلَدِهِ لَيْسَ غَيْرُ. وَلَيْسَ هَذَا الْمَجَازُ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا عَلَى كِلْتَا الطَّرِيقَتَيْنِ لِمَا لَا يَخْفَى، فَيَبْقَى الطَّلَبُ مُتَعَلِّقًا بِعَلَاقَةِ هَذَا الْمَجَازِ الْخَاصِّ الَّذِي هُوَ الْكُلُّ الْمَجْمُوعِيُّ، وَعَزَّ أَنْ يَظْفَرَ بِذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الْمَوْلَى سَعْدُ الدِّينِ فِي حَاشِيَةِ الْعَضُدِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْمَقَامِ إنْ أُرِيدَ الْمَجْمُوعُ لَا مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِالْمَجْمُوعِ مِنْ

حَيْثُ هُوَ، بَلْ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ كَانَ شَامِلًا لِلْمَعْنَيَيْنِ لَكِنَّ تَصْحِيحَ هَذَا الْمِثَالِ وَبَيَانَ الْعَلَاقَةِ فِيهِ مُشْكِلٌ، وَحَدِيثُ اسْتِعْمَالِ الْجُزْءِ فِي الْكُلِّ كَاذِبٌ لِمَا سَمِعْتَ يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى مَا أَسْلَفَهُ عِنْدَ ذِكْرِ الثَّالِثِ مِنْ أَحْوَالِ الْمُشْتَرَكِ، وَهُوَ إطْلَاقُهُ عَلَى مَجْمُوعِ الْمَعْنَيَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَنَاطًا لِلْحُكْمِ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ وَلَا نِزَاعَ فِي امْتِنَاعِ ذَلِكَ حَقِيقَةً وَجَوَازِهِ مَجَازًا إنْ قَامَتْ عَلَاقَةٌ مُصَحِّحَةٌ، فَإِنْ قِيلَ: عَلَاقَةُ الْجُزْءِ وَالْكُلِّ مُتَحَقِّقَةٌ قَطْعًا قُلْنَا: لَيْسَ كُلُّ مَا يُعْتَبَرُ جُزْءًا مِنْ مَجْمُوعٍ يَصِحُّ إطْلَاقُ اسْمِهِ عَلَيْهِ لِلْقَطْعِ بِامْتِنَاعِ إطْلَاقِ الْأَرْضِ عَلَى مَجْمُوعِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا جُزْؤُهُ، وَهَذَا مِنْهُ تَصْرِيحٌ أَوْ كَالتَّصْرِيحِ بِالْعَجْزِ عَنْ إثْبَاتِ الْعَلَاقَةِ لِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمَجَازِ وَأَنَّ أَبْلَغَ مَا يَتَبَادَرُ عَلَاقَةُ مَا أَبْدَاهُ وَدَفْعُهُ عَلَى تَقْدِيرِي: الْكُلُّ الْمَجْمُوعِيُّ وَالْكُلُّ الْإِفْرَادِيُّ. فَإِنْ قُلْتَ: الَّذِي اسْتَظْهَرْت بِهِ مِنْ بَابِ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ، وَمَسْأَلَتُنَا مِنْ بَابِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، قُلْتُ: هُمَا مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ حَتَّى قَالَ السَّعْدُ فِي الْحَاشِيَةِ الْمَذْكُورَةِ عِنْدَ ذِكْرَ الرَّابِعِ مِنْ أَحْوَالِ الْمُشْتَرَكِ: وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، بَلْ رُبَّمَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِذِكْرِ الْمُشْتَرَكِ نَظَرًا إلَى أَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِلْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِالشَّخْصِ وَالْمَجَازِيِّ بِالنَّوْعِ سَلَّمْنَا الِاقْتِدَارَ عَلَى إبْدَاءِ الْعَلَاقَةِ بَقِيَتْ الْمُطَالَبَةُ مُتَعَلِّقَةً بِالْقَرِينَةِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْقَرِينَةَ قِيَامُهُ مَقَامَ أَبِيهِ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ فِي الْعَلَاقَةِ قُلْنَا: دَعَوَا الْحِيرَةَ وَأَنْتُمْ بِالْخِيرَةِ بَيْنَ أَنْ تَجْعَلُوا مَا ذَكَرْتُمْ عَلَاقَةً كَمَا تَوَارَدْتُمْ عَلَيْهِ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذِهِ الْحَادِثَةِ، وَبَيْنَ أَنْ تَجْعَلُوهُ قَرِينَةً، فَإِنْ اخْتَرْتُمْ الْأَوَّلَ فَقَدْ أَسَلَفْنَا إبْطَالَهُ أَوْ الثَّانِيَ بَيَّنَّا إهْمَالَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ مَا يُصْرَفُ عَنْ الشَّيْءِ وَيُبْعَدُ عَنْ إرَادَتِهِ غَيْرُ مَا يَقْرَبُ مِنْهُ وَيَرْبِطُ بِهِ، وَإِذَا صَارَ هَذَا مِنْ الْوُضُوحِ بِهَذِهِ الْمَرْتَبَةِ فَأَيُّ مَجَازٍ لَا دَاعِيَةَ إلَيْهِ وَلَا قَرِينَةَ عَلَيْهِ، سُبْحَانَك هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْجَادَّةُ سَبِيلَ هَذَا الْمُتَجَوِّزِ، وَهُوَ مِمَّنْ رَأَى مَا رَأَى الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ، فَبَعْدَ مُطَالَبَتِهِ بِالدَّاعِي وَالْعَلَاقَةِ فِي الْمَجَازِ. وَاعْتِرَافُنَا بِأَنَّ مَا زَعَمَهُ ثَمَّ عَلَاقَةٌ يُمْكِنُ هُنَا لَنَا فِي تَضْعِيفِ مُعْتَمَدِهِ وَتَوْهِينِ مُسْتَنَدِهِ طُرُقٌ أَحَدُهَا: أَنَّ مَا نُسِبَ إلَى الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ ذَلِكَ مَسُوقٌ كَمَا مَرَّ مَسَاقَ الْأَقْوَالِ السَّقِيمَةِ وَالْآرَاءِ الضَّعِيفَةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَيُؤَيِّدُ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ قَوْلُ الْكَمَالِ بْنِ أَبِي شَرِيفٍ - فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ - عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ (وَعَنْ الشَّافِعِيِّ حَقِيقَةٌ وَفِي التَّعْبِيرِ بِعَنْ إشَارَةٌ) إلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ غَيْرُ مَجْزُومٍ بِهِ عِنْدَهُ بِأَنَّهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، لِمَا ذَكَرْنَا يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ أَوَّلَ الْقَوْلَةِ، أَمَّا الشَّافِعِيُّ فَحَكَاهُ عَنْهُ الْآمِدِيُّ وَقَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ: إنَّهُ اللَّائِقُ بِمَذْهَبِهِ لَكِنْ نَقْلَ النَّقْشَوَانِيُّ فِي التَّلْخِيصِ عَنْهُ أَنَّهُ مَجَازٌ كَمَا مَال إلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ الْحَاجِبِ تَبَعًا لِلْآمِدِيِّ اهـ. وَلَا يُنَافِي اخْتِيَارُ التَّاجِ السُّبْكِيّ لِذَلِكَ مَا نَقَلَهُ فِي شَرْحِهِ لِمِنْهَاجِ الْبَيْضَاوِيِّ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ، مِنْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي بَابِ الْوَصَايَا مِنْ مَطْلَبِهِ أَنَّهُ أَخْرَجَ نَصَّهُ مِنْ الْأُمِّ عَلَى ذَلِكَ لِقَوْلِهِ فِي خَاتِمَةِ بَحْثِ الْمُشْتَرَكِ عَنْ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الْأَشْبَهُ أَنَّ اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ لَا يُرَادُ بِهِ جَمِيعُ مَعَانِيهِ وَلَا يُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى جَمِيعِهَا، ثُمَّ قَالَ السُّبْكِيّ: فَسِيَاقُ كَلَامِهِ لَا يَقْتَضِي أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَأَى ذَلِكَ وَكَيْفَ وَقَدْ جَعَلَ الْأَشْبَهَ خِلَافَ ذَلِكَ اهـ. ثَانِي الطُّرُقِ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ كَمَا قَالَ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ فِي حَاشِيَةِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ لِلْمَحَلِّيِّ تَبَعًا لِلشَّارِحِ هُوَ مَا إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ مَعَ الْحَقِيقَةِ، فَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى قَصْدِ الْحَقِيقَةِ وَحْدَهَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا، أَوْ عَلَى قَصْدِ الْمَجَازِ وَحْدَهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ فَقَطْ، أَوْ لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى قَصْدِ الْمَجَازِ وَلَا انْتِفَائِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَقَطْ. كَذَا قَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ عَنْ وَالِدِهِ قَالَ: وَكُنْتُ أَسْمَعُهُ يَقُولُ: إذَا لَمْ يَظْهَرْ قَصْدٌ فَلَا مَدْخَلَ لِلْحَمْلِ عَلَى الْمَجَازِ فَإِنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى مَجَازِهِ بِقَرِينَةٍ اهـ. فَأَنْتَ تَرَى كَلَامَ الْكَمَالِ عَلَى هَذَا الْمَطْلَبِ كَمَالَ الْكَلَامِ، فَإِنْ رَجَعْتُمْ إلَى ادِّعَاءِ أَنَّ الْقَرِينَةَ قِيَامُ الْفَرْعِ مَقَامَ أَصْلِهِ فَجَوَابُكُمْ مَا أَسْلَفْنَاهُ عَلَى أَنَّا نَدَّعِي أَنَّ الْقَرِينَةَ عَلَى قَصْدِ الْحَقِيقَةِ كَنَارٍ عَلَى عَلَمٍ. وَذَلِكَ أَنَّ الْوَاقِفَ وَقَفَ عَلَى عُتَقَائِهِ، وَهُمْ بِالِاتِّفَاقِ حَقِيقَةٌ فِيمَنْ بَاشَرَهُ الْعِتْقُ

وَسَوَّى بَيْنَ ذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ وَضِدَّيْهِمَا ثَمَّ قَالَ: إنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌّ أَوْ وَلَدُّ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ، وَمَعْلُومٌ بِلَا مِرْيَةٍ وَمُقَرَّرٌ بِلَا شُبْهَةٍ أَنَّ الْوَلَدَ هُنَا حَقِيقَةٌ فِي فَرْعِ مَنْ بَاشَرَهُ الْعِتْقُ، أَلَيْسَ الدَّلَّالَةُ عَلَى الْفَرْعِ بِلَفْظِ حَقِيقَتِهِ مِمَّا يُعَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَتِيقِ حَقِيقَتُهُ فَقَطْ دُونَ مَجَازِهِ، فَكَيْفَ يَسُوغُ لِمُدَّعٍ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ لَفْظَ عَتِيقٍ مُسْتَعْمَلٌ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِيمَنْ بَاشَرَهُ الْعِتْقُ وَفِي فُرُوعِهِ، سَوَاءٌ أَقُلْنَا إنَّ ذَلِكَ مَجَازٌ أَوْ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ عَلَى التَّوْزِيعِ أَفَتَحْفَظُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْفُضَلَاءِ بَلْ مِنْ الْعُقَلَاءِ قَالَ: إذَا اجْتَمَعَ مِنْ لَافِظٍ وَاحِدٍ فِي تَعْبِيرٍ وَاحِدٍ حَقِيقَتَانِ أَلْغَيْنَا مَدْلُولَ أَحَدِهِمَا اعْتِبَاطًا وَجَعَلْنَاهُ مَدْلُولًا مَجَازِيًّا لِلْأُخْرَى، وَهَلْ ذَلِكَ إلَّا بِمَثَابَةِ رَأَيْتُ رَجُلًا شُجَاعًا إذَا غَابَ الْأَسَدُ خَلَفَهُ فِي شَجَاعَتِهِ، فَالْأَسَدُ بِمَثَابَةِ الْعَتِيقِ لِتَأَصُّلِ الْوَصْفِ فِيهِ، وَالْغَيْبَةُ بِمَثَابَةِ الْمَوْتِ، وَالرَّجُلُ الشُّجَاعُ بِمَثَابَةِ الْوَلَدِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الشَّجَاعَةِ بِمَثَابَةِ قِيَامِ وَلَدِ الْعَتِيقِ مَقَامَهُ فِي حَوْزِ نَصِيبِهِ، وَلَا يَلِيقُ بِلَبِيبٍ وَلَا يَنْبَغِي لِأَرِيبٍ أَنْ يُخَالِجَهُ شَكٌّ أَوْ يُزَاحِمَهُ وَهْمٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَسَدِ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ الْهَيْكَلُ السَّبُعِيُّ الْمَخْصُوصُ فَقَطْ، وَبِالرَّجُلِ الشُّجَاعِ الذَّكَرُ الْبَالِغُ مِنْ بَنِي آدَمَ وَإِلَّا لَزِمَ إهْمَالُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ مَعَ تَأَتِّيهِ وَإِعْمَالُ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ مَعَ عَدَم تَأَتِّيهِ. وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - شَاهِدُ صِدْقٍ عَلَى مَا ادَّعَيْنَاهُ وَهُوَ مَا حَكَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي هَلْ يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا لَا ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ يَقْتَرِنُ بِمَا يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِخُرُوجِهِمْ كَقَوْلِهِ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي، فَإِذَا انْقَرَضُوا فَعَلَى أَحْفَادِي فَهَلْ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ ثَمَّ حَقِيقَتَيْنِ أَعْمَلَ كُلَّ مِنْهُمَا فِي مَدْلُولِهِ، فَإِذَا لَمْ يَجِدْ لَهُ الْمَدْلُولُ الْمَجَازِيُّ مَكَانًا تَنَزَّلْنَا حَيْثُ لَا مُنَزَّلَ، وَكُلِّفْنَا الْقَوْلَ بِمُسَاوَاةِ التِّبْرِ لِلتُّرَابِ الْأَسْفَلِ، وَسَلَّمْنَا مَا ادَّعَيْتُمُوهُ قَرِينَةً أَفَلَا تَجْعَلُونَهُ مُسَاوِيًا لِقَرِينَتَا فَيَتَعَارَضَانِ فَيَتَسَاقَطَانِ وَنَرْجِعُ إلَى الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ لِمَا سَبَقَ مِنْ كَلَامِ الْكَمَالِ، فَإِنْ قُلْتَ إنَّ الْكَمَالَ عَقَّبَ مَا حَكَيْتَهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَكْثُرْ اسْتِعْمَالُ الْمَجَازِ كَثْرَةً يُوَازِي بِهَا الْحَقِيقَةَ بِحَيْثُ يَتَسَاوَيَانِ، فَهُمَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْقَوَاطِعِ لِابْنِ السَّمْعَانِيِّ قُلْنَا: {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 14] أَتَقَوَّلُ: إنَّ لَفْظَ عَتِيقٍ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى مَنْ بَاشَرَهُ الْعِتْقُ كَهُوَ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى وَلَدِهِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَهُ؟ وَأَنَّ الْمَعْنَيَيْنِ مُتَسَاوِيَانِ فَهْمًا وَبِدَارًا إلَى الذِّهْنِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا أَحْسَبُ أَنَّ أَحَدًا يَلْتَزِمُ ذَلِكَ اللَّهُمَّ مَنْ أَغْشَى التَّعَصُّبُ بَصَرَ بَصِيرَتِهِ وَحَلَّى ظَاهِرَهُ بِتَعْطِيلِ سَرِيرَتِهِ. وَإِذَا تَقَرَّرَ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ وَتَبَيَّنَ مَا نَهَيْنَا عَلَيْهِ فَالْحَقُّ الَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ، وَالصَّوَابُ الَّذِي لَا خَطَأَ يَعْتَرِيهِ، أَنْ يَسْتَحِقَّ أَهْلُ الْحَرَمِ الشَّرِيفِ النَّبَوِيِّ مُشَاطَرَةَ الْعُتَقَاءِ فِي الرَّيْعِ عِنْدَ بُلُوغِ الْعُتَقَاءِ بِالتَّنَاقُصِ خَمْسِينَ نَفَرًا كَمَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ، وَعَدَمُ قِيَامِ أَوْلَادِ الزَّائِدِينَ عَلَى خَمْسِينَ مَقَامَهُمْ فِي الْعَدِّ عَلَى أَهْلِ الْحَرَمِ لِحِرْمَانِهِمْ، وَاَللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يُهْدِي السَّبِيلَ، هَذَا بَعْضُ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْأَجْوِبَةِ عَلَى هَذَا السُّؤَالِ وَالثَّانِي مِنْهَا لِمَالِكِيٍّ وَالرَّابِعُ لِحَنَفِيٍّ وَالْبَقِيَّةُ لِلشَّافِعِيَّةِ، فَهَلْ تَعْتَمِدُونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَاذَا مِنْهَا فَإِنَّ الْخَطْبَ فِيهَا عَظِيمٌ بَيْنَ الْمُفْتِينَ، وَالتَّنَازُعُ الشَّدِيدُ فِي تَحْرِيرِهَا قَدْ تَفَاشَى بَيْنَ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَوُلَاةِ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ بِحَيْثُ إنَّ كَثِيرِينَ أَفْتَوْا ثَمَّ رَجَعُوا ثَمَّ أَفْتَوْا وَصَمَّمُوا، وَلَمْ تَزَلْ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى التَّنَاقُضِ وَالتَّخَالُفِ، فَلَعَلَّ بِجَوَابِكُمْ يَحْصُلُ التَّوَافُقُ وَالتَّآلُفُ، جَزَاكُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَيْرًا عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَمَتَّعَكُمْ بِقُرْبِهِ وَجُودِهِ وَكَرَمِهِ فِي بَلَدِهِ الْأَمِينِ آمِينَ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مَا ذُكِرَ فِي الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ، الْأَوَّلُ: مِنْ قِيَامِ الْوَلَدِ مَقَامَ أَبِيهِ لِلْقَرِينَةِ الَّتِي أَشَارُوا إلَيْهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ أَوْ مِنْ بَابِ الْمُشْتَرَكِ، وَذِكْرُ الْقَرِينَةِ لِمَزِيدِ التَّقْوِيَةِ وَدَفْعِ الْخِلَافِ لَا لِاشْتِرَاطٍ لِمَا يَأْتِي فِيهِ هُوَ اللَّائِقُ بِالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَالِاسْتِعْمَالَات الشَّرْعِيَّةِ أَوْ الْعُرْفِيَّةِ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ كُتُبِ الْأَوْقَافِ كَمَا سَتَرَاهُ مُصَرَّحًا بِهِ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ. وَمَا ذُكِرَ فِي الْجَوَابَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مِنْ عَدَمِ قِيَامِ الْوَلَدِ مَقَامَ أَبِيهِ لِعَدَمِ اتِّضَاحِ الدَّاعِي إلَى التَّجَوُّزِ، وَالْعَلَاقَةِ الْمُصَحِّحَةِ، وَالْقَرِينَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ: الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ هُوَ اللَّائِقُ

بِالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ لَكِنَّ الْمَدَارَ فِي الْفَتَاوَى إنَّمَا هُوَ عَلَى كَلَامِ الْفُقَهَاءِ وَتَصَرُّفَاتِهِمْ الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي كَلَامِ الْوَاقِفِينَ دُونَ تَدْقِيقَاتِ الْأُصُولِيِّينَ وَالنُّحَاةِ وَغَيْرِهِمَا وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا: لَيْسَ لِلْأُصُولِيِّ الْمَاهِرِ الْإِفْتَاءُ؛ لِأَنَّ الْمُفْتِي إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا فَعِلْمُ الْأُصُولِ وَحْدَهُ لَا يَنْفَعُهُ فِي اسْتِخْرَاجِ الْأَحْكَامِ فِي الْوَقَائِعِ الْجُزْئِيَّةِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ، وَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا فَهُوَ مُرْتَبِطُ بِكَلَامِ أَئِمَّةِ الْفُرُوعِ دُونَ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ فَاتَّضَحَ أَنَّ عِلْمَ الْأُصُولِ وَحْدَهُ مَثَلًا لَا يُدَارُ عَلَيْهِ الْإِفْتَاءُ فِي الْمَسَائِلِ الْجُزْئِيَّةِ، وَإِنَّمَا الْمَدَارُ عَلَى عِلْمِ الْفُرُوعِ وَتَصَرُّفَاتِ أَهْلِهِ حَتَّى لَا يَسُوغُ لِلْمُفْتِي الْخُرُوجُ عَنْ تَصَرُّفَاتِهِمْ وَقَوَاعِدِهِمْ وَحِينَئِذٍ قُلْنَا: هُنَا كَلَامَانِ (الْكَلَامُ الْأَوَّل) فِي بَيَانِ الْأَدِلَّةِ الْوَاضِحَةِ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ عَلَى شُمُولِ الْعُتَقَاءِ فِي عِبَارَةِ الْوَاقِفِ السَّابِقَةِ فِي السُّؤَالِ لِأَوْلَادِهِمْ، (الْكَلَامُ الثَّانِي فِي الْكَلَامِ) عَلَى تِلْكَ الْأَجْوِبَةِ وَاحِدًا فَوَاحِدًا وَبَيَانِ مَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْمَقْبُولِ وَغَيْرِهِ. وَالْكَلَامُ الْأَوَّلُ فِيمَا ذَكَرَ وَفِيهِ مَبْحَثَانِ (الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ) فِي تَحْقِيقِ خِلَافِ مَا أَطْبَقَتْ عَلَيْهِ الْأَجْوِبَةُ الْخَمْسَةُ مِنْ أَنَّ أَوْلَادَ الْعَتِيقِ لَا يَتَنَاوَلُهُمْ لَفْظُهُ إلَّا مَجَازًا، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الرُّويَانِيَّ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا وَنَاهِيكَ بِهِ يَقُولُ: لَوْ أُحْرِقَتْ كُتُبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَمْلَيْتُهَا مِنْ حِفْظِي قَالَ فِي بَحْرِهِ - الَّذِي هُوَ مِنْ أَجْلِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ - أَثَرُ الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَقْفَ عَلَى الْمَوَالِي: فَرْعٌ لَوْ قَالَ: عَلَى مَوَالِي مِنْ أَسْفَلَ وَلِوَلَدِهِ مَوَالٍ مِنْ أَسْفَلَ، لَمْ يَدْخُلْ فِي ذَلِكَ إلَّا مَوَالِيهِ وَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِ مَوَالِي وَلَدِهِ. ثَمَّ قَالَ فَرْعٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْبُوَيْطِيِّ: وَيَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ الْمَوَالِي وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَوَالِي الْمَوَالِي؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ مَوَالِيهمْ لَهُمْ دُونَهُ وَوِلَايَةَ أَوْلَادِهِمْ لَهُ دُونَهُمْ اهـ. فَتَأَمَّلْ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ هَذَا وَفَرْقَهُ بَيْنَ أَوْلَادِ الْمَوَالِي وَمَوَالِي الْمَوَالِي، بِأَنَّ الْأَوَّلِينَ وَلَاؤُهُمْ لَهُ وَالْآخَرِينَ وَلَاؤُهُمْ لِمَوَالِيهِ لَا لَهُ، تَجِدْهُ قَاضِيًا فِي مَسْأَلَتِنَا بِأَنَّ الْعُتَقَاءَ يَشْمَلُ أَوْلَادَ الْمُعْتَقِينَ بِالْمُبَاشَرَةِ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ، وَهَكَذَا فَيَصْدُقُ عَلَى الْكُلِّ صِدْقًا وَاحِدًا بِنَاءً عَلَى جَوَازِ بَلْ وُجُوبِ حَمْلِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ الْمُنْكَرِ أَمْ الْمُعَرَّفِ أَمْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ خِلَافًا لِمَنْ فَرَّقَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي تَلْخِيصِهِ لِتَقْرِيبِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ الْبَاقِلَّانِيِّ عَنْ مَذَاهِبِ الْمُحَقِّقِينَ وَجَمَاهِيرِ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ صَاحِبُ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ: إنَّهُ مَذْهَبُ أَكْثَرِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَحَكَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فِي الْعُيُونِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَحَمَلُوا مَنْ حَلِفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ الْإِنَاءِ عَلَى الْكَرْعِ وَالشُّرْبِ مِنْ الْإِنَاءِ، وَحَمَلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الْكَرْعِ وَنَسَبَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ لِمَذْهَبِهِمْ قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَعَلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ فِي جَمِيعِ مَعَانِيهِ اخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ أَوْ الْمَجَازِ؟ قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ: وَاللَّائِقُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْهُ إنَّهُ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ حَمْلَهُ عَلَى الْجَمِيعِ، وَنَقَلَهُ السَّيْفُ الْآمِدِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْقَاضِي كَسَائِرِ الْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ فِي صِيَغِ الْعُمُومِ، وَلِهَذَا حُمِلَتْ عِنْدَ التَّجَرُّدِ عَنْ الْقَرَائِنِ عَلَى الْجَمِيعِ وَقِيلَ: إنَّهُ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا وَمَالَ إلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ، وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الَأَوَّلُ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ مِنْ أَكَابِرِهِمْ: إنَّ وُجُوبَ حَمْلِهِ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ إذَا تَجَرَّدَ عَنْ قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَقَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ: إنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ دَالٌ عَلَى ذَلِكَ قَالَ جَمْعٌ: وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يَجِبْ فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا وَيَلْزَمَ التَّحَكُّمُ أَوْ تَعْطِيلُ النَّصِّ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالدَّلِيلِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ وَلَيْسَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ تَفْهِيمُ الْمُرَادِ بِاللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ، فَيَصِيرُ انْتِفَاءُ الْقَرِينَةِ الْمُخَصِّصَةِ قَرِينَةً أَيْ قَرِينَةً عَلَى التَّعْمِيمِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ عَلَى مَا يَأْتِي، وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِي التَّدْبِيرِ: الْأَشْبَهُ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ لَا يُرَادُ بِهِ جَمِيعُ مَعَانِيهِ وَلَا يُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى جَمِيعِهَا رَدُّوهُ بِأَنَّهُ بَحْثٌ مُخَالِفٌ لِمَنْقُولِ الْمَذْهَبِ، فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَيْسَ كَمَا قَالَ وَإِنَّمَا هَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا قَالَ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ فِي تَقْوِيمِ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّهُ أَعْنَى

الرَّافِعِيَّ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ فِي مَوَاضِعَ فَتَعَيَّنَ أَنَّ بَحْثَهُ لِذَلِكَ إنَّمَا هُوَ تَبَعٌ لِبَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ كَابْنِ الْقُشَيْرِيِّ. قَالَ: لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضُوعًا لِلْجَمِيعِ بَلْ لِآحَادِ مُسَمَّيَاتِهِ عَلَى الْبَدَلِ اهـ. وَمَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ تُعَيِّنُ أَحَدَ مَعَانِيهِ بِعَيْنِهِ، فَإِنْ وُجِدَتْ حُمِلَ عَلَيْهَا قَطْعًا. (تَنْبِيهٌ) مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ أَنَّهُ يُوجِبُ حَمْلَ الْمُشْتَرَكِ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ، هُوَ مَا اُشْتُهِرَ عَنْهُ فِي كُتُبِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَقَالَ: لَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ نَصٌّ صَرِيحٌ فِيهِ، وَإِنَّمَا اسْتَنْبَطُوا هَذَا مِنْ نَصِّهِ فِيمَا لَوْ أَوْصَى لِمَوَالِيهِ أَوْ وَقَفَ عَلَيْهِمْ وَلَهُ مَوَالٍ مِنْ أَعْلَى وَمِنْ أَسْفَلَ أَنَّهُ يُصْرَفُ لِلْجَمِيعِ، وَهَذَا اسْتِنْبَاطٌ لَا يَصِحُّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ يَرَى أَنَّ اسْمَ الْمَوْلَى مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُتَوَاطِئَةِ، وَأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَعِنْدَ هَذَا الِاحْتِمَالِ فَكَيْفَ يُحْكَى عَنْهُ ذَلِكَ قَاعِدَةً كُلِّيَّةً. اهـ. وَالْقَوْلُ بِالتَّوَاطُؤِ بِأَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لِمَعْنًى وَاحِدٍ عَلَى جِهَةِ التَّوَاطُؤِ، وَهُوَ الْمُوَالَاةُ وَالْمُنَاصَرَةُ نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ شَيْخِهِ عِمَادِ الدِّينِ فِي الْمَطْلَبِ ثَمَّ رَدَّهُ بِمَا فِيهِ خَفَاءٌ، وَتَوْضِيحُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ بَابِ التَّوَاطُؤِ لَمْ يَأْتِ الْخِلَافُ: هَلْ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ وَالْوَقْفُ أَوْ لَا؟ وَعَلَى الصِّحَّةِ هَلْ يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَى الْمَوْلَى مِنْ أَعْلَى أَوْ عَلَى الْمَوْلَى مِنْ أَسْفَلَ أَوْ يُوقَفُ؟ أَقْوَالٌ. فَاخْتِلَافُهُمْ فِيهِ كَذَلِكَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُشْتَرَكِ لَا مِنْ بَابِ التَّوَاطُؤِ فَانْدَفَعَ اعْتِرَاضُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ أَيْضًا، وَبَانَ أَنْ تَجْوِيزَهُ احْتِمَالَ التَّوَاطُؤِ فِي لَفْظِ الْمَوْلَى غَيْرُ صَحِيحٍ، وَأَنَّ اسْتِنْبَاطَ الْأَئِمَّةِ الْمَذْكُورَ صَحِيحٌ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ. وَلَقَدْ قَالَ السُّبْكِيّ عَنْ ابْنِ تَيْمِيَّةَ: وَهَذَا الرَّجُلِ كُنْتُ رَدَدْتُ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ فِي إنْكَارِهِ السَّفَرَ لِزِيَارَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي إنْكَارِهِ وُقُوعَ الطَّلَاقِ إذَا حُلِفَ بِهِ، ثَمَّ ظَهَرَ لِي مِنْ حَالِهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي نَقْلٍ تَفَرَّدَ بِهِ لِمُسَارَعَتِهِ إلَى النَّقْلِ بِفَهْمِهِ، وَلَا فِي بَحْثٍ يُنْشِئُهُ لِخَلْطِهِ الْمَقْصُودَ بِغَيْرِهِ وَخُرُوجِهِ عَنْ الْحَدِّ جِدًّا، وَهُوَ كَانَ مُكْثِرًا مِنْ الْحِفْظِ وَلَمْ يَتَهَذَّبْ بِشَيْخٍ وَلَمْ يَرْتَضِ فِي الْعُلُومِ، بَلْ يَأْخُذُهَا بِذِهْنِهِ مَعَ جَسَارَتِهِ وَاتِّسَاعِ خَيَالِهِ وَشَغَبٍ كَثِيرٍ، ثَمَّ بَلَغَنِي مَنْ حَالِهِ مَا يَقْتَضِي الْإِعْرَاضَ عَنْ النَّظَرِ فِي كَلَامِهِ جُمْلَةً، وَكَانَ النَّاسُ فِي حَيَاتِهِ اُبْتُلُوا بِالْكَلَامِ مَعَهُ لِلرَّدِّ عَلَيْهِ، وَحُبِسَ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لَنَا غَرَضٌ فِي ذِكْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ وَلَكِنْ لَهُ أَتْبَاعٌ يَنْعَقُونَ وَلَا يَعُونَ اهـ. وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ الْمُبَالَغَةَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ ثَمَّ عَقَّبْتُهُ بِكَلَامِ السُّبْكِيّ هَذَا؛ لِأَنِّي رَأَيْتُ مَنْ يَعْتَرِضُ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ فِي حَمْلِهِمْ الْمُشْتَرَكَ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ، وَيَحْتَجُّ بِكَلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ هَذَا، وَقَدْ دَلَّ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْأُمِّ وَغَيْرِهَا عَلَى حَمْلِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ كَمَا قَرَّرْتُ فِي مَحَلِّهَا، وَالِاعْتِرَاضُ بِأَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْ الشَّفَقَ عَلَى مَعْنَيَيْهِ الْأَحْمَرِ وَالْأَبْيَضِ غَفْلَةٌ عَنْ أَنَّ سَبَبَ تَخْصِيصِهِ لَهُ بِالْأَحْمَرِ وُرُودُ التَّقْيِيدِ بِهِ فِي حَدِيثٍ، وَكَذَا حَيْثُ خَصَّصَ مُشْتَرَكًا بِأَحَدِ مَعَانِيهِ فَإِنَّمَا هُوَ الدَّلِيلُ أَوْ قَرِينَةٌ كَمَا يُعْرَفُ بِتَأَمُّلِ مَوَاقِعِ كَلَامِهِ وَاسْتِنْبَاطَاته، ثَمَّ الْخِلَافُ فِي حَمْلِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ إنَّمَا هُوَ فِي الْكُلِّيِّ الْعَدَدِيِّ أَيْ فِي كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٌ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَجْعَلَهُ يَدُلّ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا عَلَى حِدَتِهِ بِالْمُطَابَقَةِ فِي الْحَالَةِ الَّتِي يَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى الْآخَرِ بِهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْكُلَّ الْمَجْمُوعِيَّ أَيْ: يَجْعَلُ مَجْمُوعَ الْمَعْنَيَيْنِ مَدْلُولًا مُطَابِقًا كَدَلَالَةِ الْخَمْسَةِ عَلَى آحَادِهَا وَلَا الْكُلِّيِّ الْبَدَلِيِّ أَيْ: يَجْعَلُ كُلَّ وَاحِدٍ مَدْلُولًا مُطَابِقًا عَلَى الْبَدَلِ، وَمِنْ هُنَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي شَرْحِ الْبَزْدَوِيِّ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا أُرِيدَ بِالْمُشْتَرَكِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَعْنَيَيْهِ، وَأَمَّا إرَادَةُ الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ فَلَا نِزَاعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُصَيِّرُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ جُزْءَ الْمَعْنَى، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يُصَيِّرُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُوَ الْمَعْنَى بِتَمَامِهِ. وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْكُلِّيِّ الْمَجْمُوعِيِّ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ عَنَدَ الشَّافِعِيِّ كَالْعَامِّ اهـ. وَهَذَا النَّقْلُ عَنْ الْأَكْثَرِ يُعْرَفُ بِتَحْرِيرِ أَنَّ حَمْلَ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعَانِيهِ هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْعُمُومِ أَوْ الِاحْتِيَاطِ؟ وَفِيهِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا: وَعَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَابْنُ الْقُشَيْرِيِّ وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّهُ كَالْعَامِّ وَأَنَّ نِسْبَةَ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ إلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ كَنِسْبَةِ الْعَامِّ إلَى جَمِيعِ أَفْرَادِهِ. وَالْعَامُّ إذَا تَجَرَّدَ عَنْ الْقَرَائِنِ

يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِهِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ، فَكَذَا الْمُشْتَرَكُ وَتَضْعِيفُ النَّقْشَوَانِيِّ لَهُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّفْظَ حِينَئِذٍ مُتَوَاطِئٌ لَا مُشْتَرَكٌ، وَبِأَنَّ الْأَئِمَّةَ لَمْ يُرِيدُوا الْعُمُومَ وَإِنَّمَا وَهْمُ النَّاقِلِ عَنْهُمْ ذَلِكَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ تَوْهِيمَهُمْ النَّاقِلَ عَنْ الْأَئِمَّةِ وَهْمٌ، وَمُرَادُهُمْ أَنَّ الْمُشْتَرَكُ كَالْعَامِّ فِي مَعْنَى اسْتِغْرَاقِهِ لِمَدْلُولَاتِهِ وَوُجُوبِ حَمْلِهِ عَلَى جَمِيعِهَا حَيْثُ لَا قَرِينَةَ، فَهُوَ كَالْعَامِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، لَا أَنَّ الْأَفْرَادَ الدَّاخِلَةَ تَحْتَ الْمُشْتَرَكِ كَالْأَفْرَادِ الدَّاخِلَةِ تَحْتَ الْعَامِّ حَتَّى يَلْزَمَ التَّوَاطُؤُ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، كَيْفَ وَأَفْرَادُهُ مَحْصُورَةٌ؟ بِخِلَافِ الْعَامِّ وَقَدْ حَمَلُوهُ عَلَى مَعَانِيهِ حَتَّى فِي النَّكِرَةِ الْمُفْرَدَةِ وَالْفِعْلِ مَعَ أَنَّهُ لَا عُمُومَ فِيهِمَا. ثَانِيهِمَا وَعَلَيْهِ الْفَخْرُ الرَّازِيّ: أَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ؛ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا: بِالتَّوَقُّفِ لَزِمَ تَعْطِيلُ النَّصُّ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الْحَاجَةِ، أَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى أَحَدِهَا لَزِمَ التَّحَكُّمُ فَلِمَ يَبْقَ إلَّا الْحَمْلُ عَلَى الْجَمِيعِ، وَهُوَ أَحْوَطُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى مَدْلُولَاتِ اللَّفْظِ بِأَسْرِهِمْ؛ وَلِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ مُمْتَنِعٌ، فَإِذَا جَاءَ وَقْتُ الْعَمَلِ بِالْخِطَابِ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ الْمَقْصُودَ أَحَدُهَا عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْكُلُّ. وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فَقَالَ: إنْ لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى تَعْيِينِ أَحَدِهَا حَمَلْنَاهُ عَلَى الْكُلِّ لَا لِأَنَّهُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ وَضْعًا، بَلْ لِأَنَّ اللَّفْظَ دَالٌّ عَلَى أَحَدِهَا وَلَمْ يَتَعَيَّنْ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ إلَّا بِالْجَمِيعِ، إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ ظَهَرَ وَاتَّضَحَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمَوْلَى مُشْتَرَكٌ وَإِنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ، وَأَنَّ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ تَنَاوُلِهِ لِأَوْلَادِ الْعَتِيقِ هُوَ الْحَقُّ الْوَاضِحُ الَّذِي لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَلَا نَقْضَ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ، وَإِذَا ثَبَتَ فِيهِ ذَلِكَ ثَبَتَ فِي الْعُتَقَاءِ فَإِنْ قُلْتَ: مَا الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَكُونَ مُشْتَرَكًا كَالْأَوَّلِ؟ قُلْتُ: الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمْ تُعْلَمْ حَقِيقَتُهُ وَمَدْلُولُهُ وَمُسَمَّاهُ إلَّا مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ حَيْثُ قَالَ فِي الْخَبَرِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ: «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» فَكَانَ مِنْ الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ وَهِيَ غَالِبًا مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ وَالْعُرْفِيَّةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْحَقَائِقِ الثَّلَاثِ يُعْرَفُ مِنْ قَوْلِهِمْ: الْوَضْعُ الْمُعْتَبَرُ إمَّا وَضْعُ اللُّغَةِ وَهِيَ اللُّغَوِيَّةُ كَالْأَسَدِ لِلْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ، وَإِمَّا وَضْعُ الشَّرْعِ وَهِيَ الشَّرْعِيَّةُ كَالصَّلَاةِ لِلْأَرْكَانِ، وَقَدْ كَانَتْ لُغَةً لِلدُّعَاءِ، وَإِمَّا وَضْعُ الْعُرْفِ وَهِيَ الْعُرْفِيَّةُ بِأَنْ يَنْقُلَ اللَّفْظَ أَهْلُ الْعُرْفِ عَنْ وَضْعِهِ الْأَصْلِيِّ إلَى مَا يَتَعَارَفُونَهُ بَيْنَهُمْ. وَالْأَصْلُ اللُّغَوِيَّةُ إذْ كُلٌّ مِنْ الشَّرْعِ وَالْعُرْفِ نَاقِلٌ لِلْمَوْضُوعِ اللُّغَوِيِّ إلَى غَيْرِهِ، فَالْوَضْعُ فِي اللُّغَوِيَّةِ غَيْرُهُ فِيهِمَا إذْ الْأَوَّلُ تَعْلِيقُ اللَّفْظِ بِإِزَاءِ مَعْنًى لَمْ يُعْرَفْ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْوَضْعِ الثَّانِي وَالثَّالِثُ: بِمَعْنَى غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ لُغَةً، إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الشَّارِعِ أَنَّهُ وَضَعَ لَفْظَ نَحْوِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ بِإِزَاءِ مَعَانِيهَا الشَّرْعِيَّةِ بَلْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ لِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ بِإِزَاءِ تِلْكَ الْمَعَانِي حَتَّى صَارَتْ الْحَقِيقَةُ اللُّغَوِيَّةُ مَهْجُورَةً، وَكَذَلِكَ الْعُرْفُ فَإِنَّ أَهْلَهُ لَمْ يَضَعُوا الْقَارُورَةَ مَثَلًا لِلظَّرْفِ مِنْ الزُّجَاجِ عَلَى جِهَةِ الِاصْطِلَاحِ، كَمَا أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَضَعْ لَفْظَ الزَّكَاةِ لِقَطْعِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَالِ لِنَحْوِ الْفُقَرَاءِ، بَلْ صَارَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ شَرْعِيَّةً وَعُرْفِيَّةً بِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ دُونَ أَنْ يَسْبِقَهُ تَعْرِيفٌ بِتَوَاضُعِ الِاسْمِ. وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ لِلشَّرْعِ وَضْعًا كَاللُّغَةِ، فَإِنَّ الْوَضْعَ تَعْلِيقُ لَفْظٍ بِإِزَاءِ مَعْنًى لَكِنْ يَخْتَلِفَانِ فِي سَبَبِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ فَهُوَ فِي اللُّغَةِ: إعْلَامُ الْغَيْرِ بِأَنَّهُ وُضِعَ لِذَلِكَ وَفِي الشَّرْعِ وَالْعُرْفِ: كَثْرَةُ الِاسْتِعْمَالِ وَفِي الْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِ الْمُرَادُ بِالشَّرِيعَةِ: اللَّفْظَةُ الَّتِي اُسْتُفِيدَ وَضْعُهَا لِلْمَعْنَى مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ غَيْرِهِ مَا كَانَ مَعْنَاهُ ثَابِتًا بِالشَّرْعِ فَالِاسْمُ مَوْضُوعٌ لَهُ فِيهِ، وَقَالَ ابْنُ بُرْهَانٍ: تَارَةً يُسْتَفَادُ الْمَعْنَى مِنْ الشَّرْعِ وَاللَّفْظُ مِنْ اللُّغَةِ وَتَارَةً عَكْسُهُ وَالْكُلُّ أَسَامٍ شَرْعِيَّةٌ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَلْ الْمُرَادُ بِالْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ كُلُّ مَا وَرَدَ عَلَى لِسَانِ حَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ مِمَّا هُوَ مُخَالِفٌ لِلْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ أَوْ وَإِنْ وَافَقَهُ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، فَإِطْلَاقُ حَمَلَةُ الشَّرْعِ لَفْظَ الصَّلَاةِ عَلَى الدُّعَاءِ فِي مَوَاضِعَ لَا ضَرُورَةَ بِنَا إلَى صَرْفِهِ عَنْ حَقِيقَتِهِ اللُّغَوِيَّةِ إلَى مَجَازِهِ الشَّرْعِيِّ، إذْ الْحَقِيقَةُ اللُّغَوِيَّةُ مَتَى أَمْكَنَتْ لَمْ يَكُنْ بِنَا حَاجَةٌ إلَى ادِّعَاءِ الْمَجَازِ الشَّرْعِيِّ. وَتَنْقَسِمُ الْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ إلَى أَرْبَعَة أَقْسَامٍ. الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى مَعْلُومَيْنِ لِأَهْلِ اللُّغَةِ لَكِنَّهُمْ لَمْ يَضَعُوا ذَلِكَ الِاسْمَ لِذَلِكَ الْمَعْنَى كَلَفْظَةِ الرَّحْمَنِ لِلَّهِ، الثَّانِي: أَنْ يَكُونَا غَيْرَ مَعْلُومَيْنِ

لَهُمْ كَأَوَائِلِ السُّوَرِ، الثَّالِثُ: أَنْ يَعْلَمُوا اللَّفْظَ دُونَ الْمَعْنَى كَلَفْظِ الصَّلَاةِ، الرَّابِعُ: عَكْسُهُ كَلَفْظِ الْأَبِّ لِمَا تَأْكُلهُ الْبَهَائِمُ وَلِهَذَا لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: 31] قَالَ عُمَرُ: مَا الْأَبُّ؟ وَنُوزِعَ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ بِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ نَقْلُ الشَّرْعِ لَفْظَةً لُغَوِيَّةً إلَى مَعْنًى مَجَازِيٍّ لُغَةً وَلَا يَعْرِفُهُمَا أَهْلُ اللُّغَةِ، وَنُوزِعَ أَيْضًا فِي وُقُوعِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وُقُوعُهَا، وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَّا أَبَا حَامِدٍ الْمَرْوَزِيَّ، فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ جَمِيعَ الْأَسَامِي بَاقِيَةٌ عَلَى وَضْعِهَا اللُّغَوِيِّ قَبْلَ الشَّرْعِ أَيْ: وَالشَّرْعُ إنَّمَا اعْتَبَرَ زِيَادَةَ أَرْكَانٍ وَشُرُوطٍ وَقُيُودٍ لِلِاعْتِدَادِ بِهَا، وَعَلَى هَذَا أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ، وَالْقَائِلُونَ بِالْوُقُوعِ اخْتَلَفُوا فَفِرْقَةٌ عَلَى إنَّهَا حَقَائِقُ وَضَعَهَا الشَّارِعُ مُبْتَكَرَةً لَمْ يُلَاحَظْ فِيهَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ أَصْلًا، وَلَيْسَ لِلْعَرَبِ فِيهَا تَصَرُّفٌ فَلَيْسَتْ مَجَازَاتٍ لُغَةً، فَإِنْ وُجِدَتْ عَلَاقَةٌ بَيْنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ، فَهُوَ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ غَيْرُ مَنْظُورٍ إلَيْهِ وَفِرْقَةٌ وَهُمْ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهَا: مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ تَجَوُّزًا بِأَنْ اُسْتُعِيرَ لَفْظُهَا لِلْمَدْلُولِ الشَّرْعِيِّ لِعَلَاقَةِ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ، وَنَصُّ الْأُمِّ صَرِيحٌ فِيهِ فَالْحَاصِلُ: أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَكَافَّةُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهَا أَسْمَاءٌ قَدْ كَانَ لَهَا فِي اللُّغَةِ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ، فَحَقِيقَتُهَا مَا نَقَلَهَا الشَّارِعُ عَنْهُ وَمَجَازُهَا مَا نَقَلَهَا إلَيْهِ لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُمَا، ثَمَّ الْمُثْبِتُونَ اتَّفَقُوا عَلَى الْوُقُوعِ فِي الْفَرْعِيَّةِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الدِّينِيَّةِ كَالْإِيمَانِ. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَمِنْهُمْ مَنْ عَكَسَ ذَلِكَ وَبَيَّنَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ: أَنَّ الشَّارِعَ قَدْ تَصَرَّفَ بِالزِّيَادَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَالصَّلَاةِ فَإِنَّهَا لُغَةً الدُّعَاءُ فَأَبْقَاهُ وَزَادَ عَلَيْهِ مُعْتَبَرَاتٍ أُخَرَ وَبِالنَّقْصِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَالْحَجِّ، فَإِنَّهُ لُغَةً الْقَصْدُ وَبِالزِّيَادَةِ مِنْ وَجْهٍ وَالنَّقْصِ مِنْ وَجْهٍ كَالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لُغَةً الْإِمْسَاكُ وَشَرْعًا إمْسَاكٌ مَخْصُوصٌ مَعَ النِّيَّةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّرْعِيَّةَ تُطْلَقُ عَلَى مَا فِي كَلَامِ الشَّارِعِ وَمَا فِي كَلَامِ جُمْلَةِ الشَّرْعِ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْفُقَهَاءِ، كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ قَالَ: لَكِنَّ الثَّانِيَةَ لَيْسَتْ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً، بَلْ عُرْفِيَّةً وَأَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ إذَا وُجِدَتْ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ مُجَرَّدَةً عَنْ الْقَرِينَةِ مُحْتَمِلَةً الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ وَالشَّرْعِيَّ فَعَلَى أَيِّهِمَا تُحْمَلُ؟ فَمَنْ أَثْبَتَ النَّقْلَ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ قَالَ: إنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى عُرْفِ الشَّارِعِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ كُلَّ مُتَكَلِّمٍ يُحْمَلُ لَفْظُهُ عَلَى عُرْفِهِ وَقِيلَ: يَجِبُ الْوَقْفُ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الَّتِي فِي كَلَامِ الشَّارِعِ، أَمَّا الَّتِي فِي كَلَامِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ فَتُحْمَلُ عَلَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ حَقَائِقُ عُرْفِيَّةٌ لَا حَاجَةَ لَهُمْ فِيهَا إلَى الْقَرِينَةِ كَمَا هُوَ حُكْمُ سَائِرِ الْحَقَائِقِ، وَإِذْ قَدْ اتَّضَحَ مَا قَرَّرْنَاهُ وَتَأَيَّدَ مَا بَيِّنَاهُ فِي الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْوَلَاءِ اتَّضَحَ مَا قُلْنَاهُ فِي الْعَتِيقِ: مِنْ أَنَّهُ كَالْمَوْلَى لِلْجَامِعِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَبَيَانُهُ: أَنَّ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ لِلْمُعْتِقِ عَلَى الْعَتِيقِ وَفُرُوعِهِ وَتَسْمِيَتَهُمْ مَوَالِيَ وَعُتَقَاءَ لَهُ إنَّمَا عُرْفٌ مِنْ الشَّارِعِ سِيَّمَا عِنْدَ تَوَهُّمِ أَقْوَامٍ فِي قَضِيَّةِ بَرِيرَةَ أَنَّ الْوَلَاءَ يَكُونُ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ، فَبَالَغَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ عَلَى مِنْبَرِهِ الشَّرِيفِ، وَبَيَّنَ أَنَّ الْوَلَاءَ خَاصٌّ بِمَنْ أَعْتَقَ فَأَفْهَمَ أَنَّ بَيْنَهُمَا تَلَازُمًا فِي الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ. وَحِينَئِذٍ كَمَا سَمَّيْتُ أَوْلَادَ الْعَتِيقِ مَوَالِيَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً كَمَا مَرَّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَظَهَرَ بِمَا تَقَرَّرَ مِنْ مَبَاحِثِ الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ، فَكَذَا يُسَمُّونَ عُتَقَاءَ شَرْعًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَعْنِي انْجِرَارَ آثَارِ الْعِتْقِ إلَيْهِمْ الْمُسْتَلْزِمِ لِتَسْمِيَتِهِمْ عُتَقَاءَ لَمْ يُعْرَفْ إلَّا مِنْ الشَّارِعِ، فَلْيَكُنْ إطْلَاقُ لَفْظِ الْعَتِيقِ عَلَيْهِمْ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ بَيَّنَ بِإِلْحَاقِ الْأَبْنَاءِ بِالْآبَاءِ فِي أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُمْ مَا لِآبَائِهِمْ أَنَّ الْكُلَّ يُسَمُّونَ عُتَقَاءَ شَرْعًا حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ إطْلَاقُ الْعَتِيقِ عَلَى الْأَوْلَادُ إنَّمَا هُوَ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ تَجَوُّزًا، وَقَدْ تَقَرَّرَ قَرِيبًا أَنَّ الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ الَّتِي لَمْ تُسْتَفَدْ إلَّا مِنْ كَلَامِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ تُحْمَلُ عَلَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ اُسْتُفِيدَتْ مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ تُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَوْلَى وَالْعَتِيقِ مِنْ شُمُولِهِمَا لِأَوْلَادِهِمَا مُسْتَفَادٌ مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ وَأَئِمَّةِ الشَّرْعِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ، فَتَأَمَّلَهُ حَقَّ التَّأَمُّلِ يَظْهَرُ لَكَ أَنَّهُ الْحَقُّ الْوَاضِحُ وَالصِّدْقُ النَّاجِحُ وَأَنَّ مَا سِوَاهُ لَا يَصِلُ شَفَاهُ، وَإِذَا بَانَ ذَلِكَ تَعَيَّنَ حَمْلُ

كَلَامِ الْوَاقِفِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِي ذَلِكَ وَلَا احْتِيَاجَ لِقَرِينَةٍ، وَحِينَئِذٍ اتَّضَحَ مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَلْيُعْمَلْ بِمَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّهُ مَتَى بَقِيَ مِنْ أَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِينَ لَا يُصْرَفُ شَيْءٌ إلَى جِهَةِ الْحَرَمِ النَّبَوِيِّ عَلَى مَشْرِفِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، وَتَأَمَّلْ تَصْرِيحَ الْأَصْحَابِ بِأَنَّ الْوَلَاءِ عَلَى قِسْمَيْنِ: وَلَاءُ الْمُبَاشَرَةِ وَوَلَاءُ الِاسْتِرْسَالِ وَالسِّرَايَةِ قَالُوا: وَهُوَ الَّذِي يَثْبُتُ عَلَى أَوْلَادِ الْعَتِيقِ وَأَحْفَادِهِ تَبَعًا لِثُبُوتِهِ عَلَى أَبِيهِمْ، فَصَرَّحُوا بِأَنَّ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ عَلَى فُرُوعِ الْعَتِيقِ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ، وَمَعَ ذَلِكَ صَرَّحُوا بِأَنَّ لَفْظَ الْمَوْلَى مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْعَتِيقِ وَفُرُوعِهِ، فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا أَيْ شَرْعًا كَمَا قَدَّمْتُهُ وَلَمْ يُبَالُوا بِأَنَّ ثُبُوتَهُ فِي أَحَدِهِمَا إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ التَّبَعِ لِمَا قَرَّرْتُهُ مِنْ أَنَّ أَئِمَّةَ الشَّرْعِ أَطْلَقُوهُ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ إطْلَاقًا وَاحِدًا، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ النِّعْمَةَ عَلَى الْأَصْلِ نِعْمَةٌ عَلَى الْفَرْعِ، وَهَذَا الْإِطْلَاقِ مِنْ عَلَامَاتِ الْحَقِيقَةِ فَلَمَّا كَانَ حَقِيقَةً فِيهِمَا كَانَ مُشْتَرَكًا. وَهَذَا جَمِيعُهُ جَارٍ بِعَيْنِهِ فِي إطْلَاقِ الْعَتِيقِ عَلَى مِنْ بَاشَرَهُ الْعِتْقُ وَمَنْ سَرَى إلَيْهِ مَنْ فُرُوعِهِ، فَكَانَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً فِيهِمَا أَيْضًا فَلْيُحْمَلْ عَلَيْهِمَا مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ كَمَا تَقَرَّرَ، فَإِنْ قُلْتَ يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ إطْلَاقُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْأَوْلَادِ لَا يَتَنَاوَلُ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ قُلْتُ: الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَلَفْظِ الْمَوْلَى وَالْعَتِيقِ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ وَبَيَانُهُ أَنَّ هَذَيْنِ لَمْ يُعْرَفْ مَدْلُولُهُمَا إلَّا مِنْ الشَّارِعِ وَأَئِمَّةِ الشَّرْعِ فَحَسْبُ، فَلِمَ يَكُنْ لِلُّغَةِ فِيهِمَا مَدْخَلٌ حَتَّى يُقْضَى بِهَا عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ الْأَوْلَادِ فَإِنَّ لَهُ مَدْلُولًا لُغَوِيًّا لَمْ يَنْقُلْهُ الشَّارِعُ عَنْهُ وَلَا صَرَفَهُ إلَى غَيْرِهِ، فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى مَدْلُولِهِ اللُّغَوِيِّ، إذْ لَا مُعَارِضَ لَهُ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ الْمُقَرَّرَةُ، وَمَدْلُولُهُ اللُّغَوِيِّ هُوَ الْأَوْلَادُ حَقِيقَةً وَأَوْلَادُ الْأَوْلَادِ مَجَازًا، وَإِذَا تَعَارَضَ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ حُمِلَ عَلَى الْحَقِيقَة وَلَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْمَجَاز مَعَهَا أَوْ وَحْدَهُ إلَّا بِقَرِينَةٍ، وَعَلَى هَذَا جَرَى أَصْحَابُنَا فِي بَاب الْوَقْف فَقَالُوا: لَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ إلَّا بِقَرِينَةٍ، وَأَمَّا إلْحَاقُهُمْ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ بِالْأَوْلَادِ فِي بَاب الْفَرَائِضِ وَغَيْرِهِ فَلِأَدِلَّةٍ وَمَدَارِكٍ تَخُصُّهَا فَظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ فِي سَائِرِ الْأَبْوَابِ لَا يُنَافِي مَا ذَكَرُوهُ فِي الْمَوْلَى، وَلَا مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْعَتِيقِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَاهُ كَمَا تَقَرَّرَ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مِمَّا يُسْتَفَادُ وَيُحْتَاجُ إلَيْهِ، إذْ بِهِ يَنْكَشِف إشْكَالٌ رُبَّمَا يُورَدُ عَلَى مَا قَالُوهُ فِي دُخُولِ الْأَوْلَادِ دُون أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ وَدُخُولِ الْمَوْلَى وَأَوْلَادِهِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْمَوْلَى، وَمِثْلُهُ الْعَتِيقُ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْ بَاشَرَهُ الْعِتْقُ وَأَوْلَادُهُ، فَإِنْ قُلْت: يُنَافِي مَا قَرَّرْته فِي هَذَا الْمَبْحَثِ قَوْلُ السُّبْكِيّ فِي أَثْنَاءِ إيرَادٍ أَوْرَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَنَحْنُ إنَّمَا نَرْجِعُ فِي الْأَوْقَافِ إلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُ وَاقِفِهَا سَوَاءٌ أَوَافَقَ ذَلِكَ عُرْفَ الْفُقَهَاءِ أَمْ لَا، قُلْت: لَا يُنَافِيهِ لِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ تَنْزِيلُ لَفْظِ الْوَاقِفِ عَلَى عُرْفِ الْفُقَهَاءِ، أَمَّا إذَا أَمْكَنَ تَنْزِيلُهُ عَلَيْهِ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ السُّبْكِيّ نَفْسُهُ فِي أَثْنَاءِ جَوَابِ هَذَا الْإِيرَادِ، فَإِنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ كَلَام الْوَاقِفِ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ لَمْ يُخَالِفْ الْفُقَهَاءَ، قَالَ: فَقْد ظَهَرَ إمْكَانُ حَمْلِ كَلَامِ الْوَاقِفِ عَلَى مَا لَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ وَكَلَامَ الْفُقَهَاءِ، وَإِذَا أَمْكَنَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِهِ اهـ. (الْمَبْحَث الثَّانِي) فِي بَيَانِ أَنَّا إذَا تَنَزَّلْنَا وَقُلْنَا: إنَّ لَفْظَ الْعَتِيقِ لَا يَشْمَلُ أَوْلَادَهُ إلَّا مَجَازًا، وَأَنَّ قَوْل الْوَاقِفِ السَّابِقَ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ فِيهِ جَمْعٌ بَيْن الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ اللُّغَوِيَّيْنِ، فَالْأَوْجَهُ مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ، الْأَوَّلُ لِأُمُورٍ بَعْضُهَا ذَكَرَهُ أَئِمَّتُنَا فِي الْأُصُولِ، وَبَعْضُهَا ذَكَرَهُ أَئِمَّتُنَا فِي بَابِ الْوَقْفِ، وَبَعْضُهَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْوَاقِفِ، الْأَوَّلُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي الْإِيمَانِ جَوَازُ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَكَأَنَّ الرَّافِعِيَّ لَمْ يَقِفْ عَلَى النَّقْلِ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِيهِمَا مُسْتَبْعَدٌ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ وَهُوَ عَلَى مِنْوَالِ مَا سَبَقَ عَنْهُ فِي الْمُشْتَرَكِ، وَمَرَّ رَدُّهُ، وَمَنْ نَقَلَ عَنْ الْقَاضِي الْبَاقِلَّانِيِّ الْمَنْعَ وَأَطْلَقَ، فَقْد وَهِمَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَنَعَ الْحَمْلَ لَا الِاسْتِعْمَالَ حَيْثُ قَالَ فِي تَقْرِيبِهِ، وَتَبِعَهُ الْإِمَامُ فِي تَلْخِيصِهِ: اعْلَمْ أَنْ إرَادَةَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ إنَّمَا تَصِحُّ مِمَّنْ لَا يَخْطِرُ لَهُ التَّعَرُّضُ لِلْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، لَكِنْ يُقْتَصَرُ عَلَى إرَادَةِ الْمُسَمَّيَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِكَوْنِ وَجْهَ الِاسْتِعْمَالِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَجَرَى عَلَى

مِنْوَالٍ وَاحِدٍ فَجَوَّزَ اسْتِعْمَالَهُ فِيهِمَا وَحَمَلَهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِمَا، وَأَخْرَجَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الْمَطْلَبِ نَصَّهُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْأُمِّ عِنْدَ الْكَلَامِ فِيمَا إذَا عَقَدَ الرَّجُلُ عَلَى امْرَأَتَيْنِ، وَلَمْ يُعْلَمْ السَّابِقُ مِنْهُمَا. وَقَالَ الْإِمَامُ وَابْنُ الْقُشَيْرِيِّ: إنَّهُ ظَاهِرُ اخْتِيَارِ الشَّافِعِيِّ أَيْ: بَلْ هُوَ صَرِيحُ كَلَامِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا تَمَسَّكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] قِيلَ لَهُ: أَرَادَ بِالْمُلَامَسَةِ الْجِمَاعَ؟ فَقَالَ: أَحْمِلُهُ عَلَى الْجَسِّ بِالْيَدِ حَقِيقَةً وَعَلَى الْوِقَاعِ مَجَازًا، وَكَذَلِكَ صَرَّحَ فِي قَوْله تَعَالَى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الصَّلَاةِ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ: {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] وَعَلَى مَحَلِّهَا، وَهُوَ الْمَسْجِدُ مَجَازًا بِدَلِيلِ: {إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43] وَأَمَّا نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِمَوَالِيهِ وَلَهُمْ عُتَقَاءُ لَمْ يَدْخُلُوا مَعَ أَنَّهُمْ مَوَالِيهِ مَجَازًا بِالسَّبَبِيَّةِ، وَقَوْلُهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ لَمْ يَدْخُلْ أَوْلَادُ أَوْلَادِهِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، بَلْ لِأَنَّ الْقَرِينَةَ هُنَا عَيَّنَتْ الْحَقِيقَةَ وَحْدَهَا أَمَّا فِي الْأَوَّلِ؛ فَلِأَنَّ وَلَاءَ مَوَالِيهِمْ لَهُمْ دُونَهُ كَمَا مَرَّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَقَالَ الْغَزَالِيُّ: التَّعْمِيمُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ أَقْرَبُ مِنْهُ بَيْنَ حَقِيقَتَيْنِ اهـ. وَفِيهِ خَفَاءٌ يَحْتَاجُ لِتَوْضِيحٍ وَتَوْضِيحُهُ أَنَّ الْأَوْلَادَ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ فِي الْبَطْنِ الْأَوَّلِ وَأَوْلَادَ الْأَوْلَادِ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ فِي الْبَطْنِ الثَّانِي، فَإِرَادَةُ هَذَيْنِ الْحَقِيقَتَيْنِ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ بَعِيدَةٌ، إذْ لَا تَقْرِيبَ لِلِاسْتِعْمَالِ حِينَئِذٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ سُمِّيَ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ أَوْلَادًا مَجَازًا مِنْ تَسْمِيَةِ الْمُسَبَّبِ بِاسْمِ السَّبَبِ، وَأُطْلِقَ عَلَيْهِمْ لَفْظُ الْأَوْلَادِ لِتِلْكَ الْعَلَاقَةِ مَعَ إرَادَةِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ، فَإِنَّهُ لَا بُعْدَ فِيهِ نَظَرًا لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْعَلَاقَةِ الْمُقَرِّبَةِ لِلِاسْتِعْمَالِ فَاتَّضَحَ أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ بِعَدَمِ دُخُولِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ فِي الْأَوْلَادِ لَا يُنَافِي قَوْلَهُ بِجَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ مَعَ مَا فِي الْأَوَّلِ مِنْ الْبُعْدِ بِخِلَافِ الثَّانِي، هَذَا وَالْأَوْلَى فِي الْفَرْقِ مَا أَشَرْتُ إلَيْهِ بِالْفَرْقِ الَّذِي قَدَّمْتُهُ قَبْلَ الْمَبْحَثِ الثَّانِي فَتَأَمَّلْهُ، فَإِنَّهُ أَوْضَحُ مِمَّا أَشَارَ إلَيْهِ الْغَزَالِيُّ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إرَادَةِ اللَّافِظِ أَوْ قِيَامِ قَرِينَةٍ عَلَى إرَادَتِهِ، وَالْكَلَامُ فِي وَاقِفٍ لَمْ تُعْلَمْ إرَادَتُهُ وَلَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَتِهِ لِأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ ثَمَّ رَأَيْتُ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ فِي الْمُسْتَصْفَى وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا مَرَّ عَنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَطَعَ بِمَنْعِ الْجَمْعِ بَيْنَ حَقِيقَتَيْنِ وَتَرَدَّدَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَقَالَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا: هُوَ عِنْدَنَا كَالْمُشْتَرَكِ وَإِنْ كَانَ التَّعْمِيمُ فِيهِ أَقْرَبَ قَلِيلًا اهـ. وَسَبَبُ الْأَقْرَبِيَّةِ مَا أَشَرْت إلَيْهِ قَرِيبًا فَتَأَمَّلْهُ وَأَمَّا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي الْبَاقِلَّانِيِّ مِنْ جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَتَيْنِ وَامْتِنَاعِهِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَهُوَ بَعِيدٌ، فَإِنْ قُلْت: يُؤَيِّدُهُ مَا تَقَرَّرَ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مِنْ حَمْلِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعَانِيهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ بِخِلَافِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، قُلْت: لَا تَأْيِيدَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي الْأَخِيرَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إنَّمَا هُوَ لِضَرُورَةِ وُجُودِ الْمَجَازِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرَكِ لَا مَجَازَ فِيهِ فَلَمْ يَحْتَجْ لِقَرِينَةٍ، فَالِاحْتِيَاجُ لَهَا وَعَدَمُهُ أَمْرٌ خَارِجٌ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ وَهُوَ أَنَّ الْجَمْعَ مَعَ وُجُودِهَا أَقْرَبُ مِنْهُ فِي الْجَمْعِ بِهِ فِي الْمُشْتَرَكِ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ، وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي مِنْ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ يَلْزَمُهُ مُحَاوَلَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ نَقِيضَيْنِ يُرَدُّ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَلْزَمُ حَيْثُ كَانَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثِيَّةٍ وَاحِدَةٍ وَمَعَ اعْتِبَارٍ وَاحِدٍ، أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ حَيْثِيَّتَيْنِ بِاعْتِبَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ مُحَاوَلَةُ جَمْعٍ بَيْنَ نَقِيضَيْنِ وَقَطْعًا فَتَأَمَّلْهُ، فَإِنِّي لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ الْأُصُولِيِّينَ تَعَقَّبَ الْقَاضِيَ فِي كَلَامِهِ هَذَا وَهُوَ جَدِيرٌ بِالتَّعَقُّبِ وَالرَّدِّ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْتُهُ. ثُمَّ رَأَيْت مَا ذَكَرْتُهُ عَنْ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا رَدَدْت بِهِ كَلَامَ الْقَاضِي، وَمَنَعَ الْحَنَفِيَّةُ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مُطْلَقًا وَنَقَضَ عَلَيْهِمْ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ بِقَوْلِهِمْ: لَوْ حَلَفَ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي الدَّارِ فَدَخَلَ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا حَنِثَ نَظَرًا لِلْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَقَوْلِهِمْ لَوْ قَالَ: الْيَوْمُ الَّذِي أَدْخُلُ فِيهِ الدَّارَ عَبْدِي حُرٌّ عَتَقَ بِدُخُولِهِ لَهَا وَلَوْ لَيْلًا، وَقَوْلِهِمْ لَوْ أَخَذَ الْأَمَانَ لِبَنِيهِ دَخَلَ بَنُوهُ وَبَنُو بَنِيهِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِنَا عَدَمُ الْحِنْثِ فِي الْأَوَّلِ إذَا دَخَلَ رَاكِبًا إذْ لَا قَرِينَةَ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ، وَفِي الثَّانِي مُوَافَقَتُهُمْ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ التَّتِمَّةِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ طَلُقَتْ حَالًا وَلَوْ لَيْلًا، وَيَلْغُو ذِكْرُ الْيَوْمِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْ وَإِنَّمَا سَمَّى الْوَقْتَ بِغَيْرِ اسْمِهِ كَذَا قِيلَ. وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ؛

لِأَنَّ قَوْلَهُ: الْيَوْمُ الَّذِي أَدْخُلُ فِيهِ الدَّارَ فِي مَعْنَى التَّعْلِيقِ بِدُخُولِهَا فِي الْيَوْمِ وَلَمْ يَحْصُلْ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ بِدُخُولِهَا لَيْلًا، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ التَّعْلِيقُ بِالْيَوْمِ بِوَجْهٍ فَأُلْغِيَ وَفِي الثَّالِثِ عُدِمَ الدُّخُولُ كَمَا فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ، وَحَيْثُ حَمَلْنَا اللَّفْظَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ فَشَرْطُهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ لَا يُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ إلَّا أَنْ يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ بِهِ، وَقِيَامُ الدَّلَالَةِ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ لَا تَنْفِي عَنْ اللَّفْظِ إرَادَةَ الْحَقِيقَةِ اهـ. قِيَامُ قَرِينَةٍ عَلَى الْمَجَازِ، فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَيْ: عَنْ الْقَرِينَةِ حَتَّى لَا يُنَافِيَ قَوْلَهُمْ السَّابِقَ. وَحَمَلَهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِطْلَاقِ ثَمَّ أَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ إرَادَةَ الْمُتَكَلِّمِ لِلْمَجَازِ، فَحِينَئِذٍ إنْ وُجِدَتْ قَرِينَةٌ عَلَيْهِ حُمِلَ اللَّفْظُ عَلَيْهَا، وَإِلَّا اخْتَصَّ بِالْحَقِيقَةِ وَلَوْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهَا قَرِينَةٌ خِلَافًا لِمَنْ اشْتَرَطَ الْقَرِينَةَ فِيهَا أَيْضًا فَقَالَ: لَا يُحْمَلُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا بِدَلِيلٍ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْحَمْلِ عَلَيْهِمَا مَا إذَا ظَهَرَ قَصْدُ الْمَجَازِ بِقَرِينَةٍ مَعَ السُّكُوتِ عَنْ الْحَقِيقَةِ أَوْ بِقَصْدِهِمَا مَعًا أَمَّا إذَا قَصَدَهَا فَقَطْ فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا قَطْعًا أَوْ قَصَدَهُ فَقَطْ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ قَطْعًا، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ قَصْدٌ لَمْ يُحْمَلُ عَلَيْهِ إذْ اللَّفْظُ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى مَجَازِهِ بِقَرِينَةٍ، وَلِهَذَا قَالُوا: لَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَا فِي نَظَائِرِهِ وَنَظِيرُهُ لَوْ أَوْصَى لِإِخْوَةِ فُلَانٍ، وَلَهُ إخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ قَالَ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ: مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَخْتَصُّ بِالْإِخْوَةِ دُونَ الْأَخَوَاتِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَدْخُلْنَ أَيْضًا وَكَلَامُ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ يَقْتَضِيهِ وَقَدْ أَفَادَ أَنَّهُمَا إذَا تَسَاوَيَا فِي الِاسْتِعْمَالِ بِأَنْ يَكْثُرَ الْمَجَازُ كَثْرَةً تُوَازِي الْحَقِيقَةَ تَسَاوَيَا فِيهِمَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَلَا يُحْتَاجُ حِينَئِذٍ إلَى قَرِينَةٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ أَرْبَعٌ إحْدَاهَا: أَنْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ مَعَ السُّكُوتِ عَنْ الْحَقِيقَةِ ثَانِيهَا: أَنْ تَدُلَّ عَلَى إرَادَتِهِمَا جَمِيعًا ثَالِثُهَا: أَنْ لَا يَكُونَ قَرِينَةٌ وَلَكِنْ لِلْمَجَازِ شُهْرَةٌ يُوَازِي بِهَا الْحَقِيقَةَ، وَالْخِلَافُ ثَابِتٌ فِي الْكُلِّ وَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ: الْحَمْلُ عَلَيْهِمَا رَابِعُهَا: حَالَةُ الْإِطْلَاقِ مَعَ عَدَمِ شُهْرَةِ الْمَجَازِ فَلَا يُحْمَلُ فِيهَا عَلَى الْمَجَازِ بِلَا خِلَافٍ، وَحَيْثُ حَمَلْنَا اللَّفْظَ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: هُوَ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ بِاعْتِبَارَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَمِنْ ثَمَّ أَشَارَ الزَّرْكَشِيُّ إلَى ضَعْفِ مُقَابِلِهِ فَقَالَ: وَزَعَمَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّهُ مَجَازٌ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ اسْتِعْمَالٌ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ اهـ. لَكِنْ وَافَقَ ابْنَ الْحَاجِبِ جَمْعٌ مُحَقِّقُونَ، إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الصَّحِيحَ الْمُعْتَمَدَ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - جَوَازُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِشَرْطِ أَنْ يَشْتَهِرَ الْمَجَازُ شُهْرَةً يُوَازِي بِهَا الْحَقِيقَةَ، أَوْ تَقُومَ قَرِينَةٌ قَوِيَّةٌ عَلَى إرَادَتِهِ وَمَا فِي السُّؤَالِ مِنْ عِبَارَةِ الْوَاقِفِ اشْتَمَلَتْ عَلَى قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الْأَوْلَادِ، بَلْ عَلَى قَرَائِنَ كَمَا سَيَأْتِي تَحْقِيقُ ذَلِكَ وَبَيَانُهُ. الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى أَنَّهُ إذَا وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ لَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ أَوْلَادِهِ وَتَبِعَهُ الْأَصْحَابُ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ نَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَوْصَى لِوَاحِدٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ وَلَدَيْهِ وَلَهُ بِنْتٌ وَبِنْتُ ابْنٍ وَعَصَبَةٌ أُعْطِيَ السُّدُسَ، قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: وَهَذَا مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَتَنَاوَلُ وَلَدَ الْوَلَدِ حَتَّى لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ دَخَلَ فِيهِ أَوْلَادُ أَوْلَادِهِ اهـ. وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ دَلِيلٌ عَلَى مَا ادَّعَاهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَحَدُ وَلَدَيْهِ وَلَا وَلَدَ لَهُ مِنْ الصُّلْبِ إلَّا وَاحِدٌ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْوَلَدِ عَلَى وَلَدِ الْوَلَدِ، فَاسْتُعْمِلَ فِيهِ لِأَجْلِ الْقَرِينَةِ وَأَمَّا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْوَقْفِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى شُمُولِ الْوَلَدِ لِوَلَدِ الْوَلَدِ، هَذَا حَاصِلُ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَمَنْ تَبِعَهُ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ التَّتِمَّةِ وَغَيْرِهَا: لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أَوْلَادٌ حُمِلَ اللَّفْظُ عَلَيْهِ أَيْ لِلْقَرِينَةِ الْحَالِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْوَلَدِ مَا يَشْمَلُ وَلَدَ الْوَلَدِ، وَإِذَا تَأَيَّدَ جَوَابُ ابْنِ الرِّفْعَةِ بِهَذَا فَهُوَ مُتَعَيِّنٌ لَا مَحِيدَ عَنْهُ حَتَّى يَجْتَمِعَ بِهِ أَطْرَافُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ، وَيَنْتَفِيَ عَنْهُ تَوَهُّمُ التَّنَاقُضِ الَّذِي ظَنَّهُ بَعْضُهُمْ، وَحِينَئِذٍ فَهُوَ شَاهِدُ صِدْقٍ عَلَى أَنَّهُ يُكْتَفَى

فِي شُمُولِ الْوَلَدِ لِوَلَدِ الْوَلَدِ بِأَدْنَى قَرِينَةٍ، فَكَذَا فِي الْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ فِي السُّؤَالِ يُكْتَفَى فِي شُمُولِهِمْ لِأَوْلَادِهِمْ بِأَدْنَى قَرِينَةٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَ الْوَاقِفِ عَلَيْهِمْ وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ أَوْ أَسْفَلُ مِنْ ذَلِكَ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ انْتَقَلَ إلَى بَاقِي الْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ إلَخْ مَا يَشْمَلُ الْعُتَقَاءَ حَقِيقَةً وَأَوْلَادَهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا مَجَازًا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّك إذًا لَا تَجِدُ بَيْنَ هَذِهِ وَالْقَرِينَةِ الَّتِي فِي كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَغَيْرِهِ فَرْقًا أَصْلًا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، بَلْ هَذِهِ الْقَرِينَةُ أَوْضَحُ وَأَقْوَى؛ لِأَنَّ هَذِهِ قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ مُتَّصِلَةٌ وَتِلْكَ قَرِينَةٌ حَالِيَّةٌ مُنْفَصِلَةٌ، وَالْقَرِينَةُ اللَّفْظِيَّةُ أَقْوَى؛ لِأَنَّ الْحَالِيَّةَ قَدْ يُغْفَلُ عَنْهَا عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْقَرِينَةَ لَا تَتِمُّ لِابْنِ الرِّفْعَةِ فِي سَائِرِ صُوَرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ الْمَذْكُورِ فِي الْوَصِيَّةِ: أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ وَلَدَيْهِ وَلَا وَلَدَ لَهُ ثُمَّ مَاتَ عَنْ بِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَعَصَبَةٍ كَانَ الْحُكْمُ كَمَا مَرَّ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِحَالَةِ الْمَوْتِ لَا الْوَصِيَّةِ مَعَ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَتَأَتَّى جَوَابُ ابْنِ الرِّفْعَةِ لِانْتِفَاءِ الْقَرِينَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا، فَلَا مُسَاغَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ جَوَابِ ابْنِ الرِّفْعَةِ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَأْخُذُ مِثْلَ نَصِيبِ الْبِنْتِ. وَلَا تَدْخُلُ بِنْتُ الِابْنِ لِعَدَمِ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى دُخُولِ وَلَدِ الْوَلَدِ فِي الْوَلَدِ أَوْ يُقَالُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَأْخُذَ مِثْلُ نَصِيبِ بِنْتِ الِابْنِ، وَالْقَرِينَةُ عَلَى شُمُولِ الْوَلَدِ لَهَا: أَنَّ الْمَدَارَ فِي الْإِعْطَاءِ بِالْوَصِيَّةِ عَلَى الْيَقِينِ، وَهُوَ السُّدُسُ الَّذِي هُوَ مِثْلُ نَصِيبِ بِنْتِ الِابْنِ لَا النِّصْفُ الَّذِي هُوَ مِثْلُ نَصِيبِ الْبِنْتِ، فَتَكُونُ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ الْمُقَرَّرَةُ قَرِينَةً عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ أَدْنَى أَنْصِبَاءِ أَهْلِ التَّرِكَةِ، وَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ وَلَدٌ وَوَلَدُ وَلَدٍ، وَكَانَ نَصِيبُ وَلَدِ الْوَلَدِ أَقَلَّ أُعْطِيَ الْمُوصَى لَهُ مِثْلَ نَصِيبِ وَلَدِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ الْأَقَلُّ، وَالْأَقْرَبُ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ فَإِنْ قُلْت: إنَّمَا تَتِمُّ الْقَرِينَةُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي حَكَاهَا الْقَاضِي عَنْ الشَّافِعِيِّ وَهِيَ مَا سَبَقَ فِي قَوْلِهِ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ وَلَدَيْهِ، لَا فِي الصُّورَةِ الَّتِي حَكَاهَا الْمُتَوَلِّي عَنْ الشَّافِعِيِّ حَيْثُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْوَصَايَا: لَوْ أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ أَوْلَادِهِ وَلَهُ بِنْتٌ وَبِنْتُ ابْنٍ أُعْطِيَ الْمُوصَى لَهُ مِثْلَ نَصِيبِ بِنْتِ الِابْنِ فَعَدَّهُ أَيْ وَلَدَ الْوَلَدِ وَلَدًا اهـ. فَذَكَرَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْأَوْلَادَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ مَعَ الْبِنْتِ وَبِنْتِ الِابْنِ عَصَبَةً فَأَيُّ قَرِينَةٍ عَلَى شُمُولِ الْأَوْلَادِ لِبِنْتِ الِابْنِ هُنَا؟ قُلْت: الْقَرِينَةُ مَوْجُودَةٌ هُنَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ أَوْلَادِهِ وَلَا مَوْجُودَ لَهُ إلَّا وَلَدٌ وَوَلَدُ وَلَدٍ دَلَّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِالْوَلَدِ فِي الْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ مَا يَشْمَلُ وَلَدَ الْوَلَدِ، وَعَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِالْجَمْعِ فِي الْحَالَةِ الْمُتَرَقَّبَة مَا يَشْمَلُ الزَّائِدَ عَلَى الْوَاحِدِ بِفَرْضِ أَنْ يَأْتِيَ لَهُ وَلَدٌ أَوْ أَكْثَرُ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَحِينَئِذٍ فَهَذِهِ الْقَرِينَةُ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ كَمَا تَرَى، وَقَدْ اكْتَفَى بِهَا الشَّافِعِيُّ فِي اسْتِعْمَالِ الْجَمْعِ فِي الِاثْنَيْنِ، وَفِي شُمُولِ الْوَلَدِ لِوَلَدِ الْوَلَدِ فَلْتَكْفِ الْقَرِينَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي صُورَةِ الْعُتَقَاءِ بِالْأَوْلَى، فَإِنْ قُلْت: مَا مَسَاغُ الْحِكَايَةِ لِلْخِلَافِ عَنْ الشَّافِعِيِّ؟ قُلْت: اخْتِلَافُ نُصُوصِهِ وَكُتُبِهِ فَيَكُونُ الْقَاضِي نَقَلَ نَصًّا وَتِلْمِيذُهُ الْمُتَوَلِّي نَقَلَ نَصًّا آخَرَ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ النَّقْلَيْنِ لِذَلِكَ كَمَا لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْمَنْقُولَيْنِ لِمَا قَدَّمْته فَإِنْ قُلْت: يُنَافِي مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ مِنْ اعْتِبَارِ الْقَرِينَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَلَهُ وَلَدٌ وَأَوْلَادُ وَلَدٍ اخْتَصَّ بِهِ الْوَلَدُ عَلَى الْأَصَحِّ، فَلَمْ يَعْتَبِرُوا هُنَا الْقَرِينَةَ الْحَالِيَّةَ فَكَيْفَ اعْتَبَرَهَا ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيمَا مَرَّ وَجَعَلَهَا مَحَطَّ جَوَابِهِ؟ قُلْت: عَدَمُ اعْتِبَارِ هَذِهِ الْقَرِينَةِ هُنَا غَيْرُ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ بَلْ اعْتَبَرَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ يَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ: أَوْلَادِي قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى إرَادَةِ وَلَدِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِصِيغَةِ جَمْعٍ مَعَ فَقْدِهِ فِي أَوْلَادِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ قَرِينَةً عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مَا يَشْمَلُ وَلَدَ الْوَلَدِ حَتَّى عَبَّرَ بِالْجَمْعِ. وَعَلَى الْأَصَحِّ يُفَرَّقُ بَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ وَصُورَةِ ابْنِ الرِّفْعَةِ بِمَا قَدَّمْت الْإِشَارَةَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَمَّا كَانَ لَهَا قَاعِدَةٌ مُقَرَّرَةٌ، وَهِيَ إعْطَاءُ مِثْلِ أَقَلِّ الْأَنْصِبَاءِ اخْتَلَفَ الْحَالُ فِيهَا بِوُجُودِ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ الْوَارِثِينَ، فَأَثَّرَتْ الْقَرِينَةُ الَّتِي هِيَ التَّعْبِيرُ بِالْجَمْعِ فِيهَا بِخِلَافِ الْوَقْفِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِثْلُ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ فَلَمْ يَكُنْ لِلَفْظِ الْجَمْعِ فِيهِ تَأْثِيرٌ فَأَعْمَلْنَا الْحَقِيقَةَ وَجَعَلْنَاهُ لِلْوَلَدِ، وَأَلْغَيْنَا

الْمَجَازَ فَلَمْ نُعْطِ وَلَدَ الْوَلَدِ مِنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَا قَرِينَةَ هُنَا عَلَى إرَادَةِ التَّجَوُّزِ، وَمُجَرَّدُ لَفْظِ الْجَمْعِ هُنَا لَا أَثَرَ لَهُ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوْلَادِ فِي هَذَا الْبَابِ الْجِهَةُ رَدًّا عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا وَلَدٌ وَاحِدٌ أَنَّهُ يَكُونُ مُنْقَطِعَ الْأَوَّلِ فَيَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ أَوَّلًا لَمْ يُوجَدْ وَوَجْهُ الرَّدِّ عَلَيْهِ: أَنَّ لَفْظَ الْأَوْلَادِ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي جِهَةِ الْفُرُوعِ الْمُنْتَسِبِينَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ قَلُّوا أَوْ كَثُرُوا، فَأَدَرْنَا الْأَمْرَ عَلَى الْمُتَعَارَفِ فِيهِ وَأَلْغَيْنَاهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ الْعُرْفِيَّةَ أَقْوَى مِنْ الدَّلَالَةِ اللُّغَوِيَّةِ غَالِبًا؛ لِأَنَّهَا كَالنَّاسِخَةِ لَهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ نَفِيسٌ وَبِهِ يَجْتَمِعُ أَطْرَافُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ وَأَطْرَافُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي رِعَايَةِ الْجَمْعِ تَارَةً وَعَدَمِ رِعَايَتِهِ أُخْرَى، وَخُذْ مِنْ ذَلِكَ اتِّضَاحَ مَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ مِنْ شُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِأَوْلَادِهِمْ لِلْقَرِينَةِ الْوَاضِحَةِ الَّتِي مَرَّ بَيَانُهَا. ، الْأَمْرُ الثَّالِثُ: أَنَّا سَبَرْنَا كَلَامَ الْأَئِمَّةِ فِي فَتَاوِيهِمْ وَمُصَنَّفَاتِهِمْ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَوْقَاتِ، فَلَمْ نَرَهُمْ قَطُّ بَحَثُوا عَنْ عَلَاقَةِ الْمَجَازِ وُجُودًا وَلَا عَدَمًا وَلَا عَوَّلُوا عَلَى ذَلِكَ بِوَجْهٍ، وَإِنَّمَا الَّذِي أَطْبَقُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ تَجَوُّزٌ بَحَثُوا عَنْ قَرِينَةٍ، فَإِنْ وَجَدُوا لَهُ قَرِينَةً دَلَّ عَلَيْهَا كَلَامُ الْوَاقِفِ أَوْ غَرَضُهُ أَوْ حَالُهُ عَوَّلُوا عَلَيْهَا وَعَمِلُوا بِالْمَجَازِ لِأَجْلِهَا، سَوَاءٌ أَوُجِدَتْ عَلَاقَةٌ لِذَلِكَ الْمَجَازِ أَمْ لَا، وَإِنْ لَمْ يَجِدُوا لَهُ قَرِينَةً أَعْرَضُوا عَنْ الْعَمَلِ بِهِ، هَذَا مَا عَلِمْنَاهُ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَأَنْتَ مِنْ وَرَاءِ النَّظَرِ فِيهِ وَالتَّأَمُّلِ لِمَدَارِكِهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ صَنِيعُهُمْ ظَاهِرُ الْمَعْنَى جَلِيُّ الْمَغْزَى، فَإِنَّ كَلَامَ الْوَاقِفِينَ غَالِبًا إنَّمَا يُنَزَّلُ عَلَى الْأُمُورِ الْمُتَعَارَفَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَالْعَلَاقَةُ لَا شُغْلَ لَهَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَحْثَ عَنْهَا إنَّمَا يَلِيقُ بِكَلَامِ أَهْلِ الْأُصُولِ وَالْبَلَاغَةِ، وَأَمَّا كَلَامُ الْوَاقِفِينَ فَلَا يَرْتَبِطُ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا الَّذِي يَرْتَبِطُ بِهِ هُوَ الْقَرِينَةُ الدَّالَّةُ عَلَى التَّجَوُّزِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ. وَقَدْ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ فِي فَتَاوِيهِ بِمَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرْته وَحَاصِلُ عِبَارَةِ فَتَاوِيهِ: رَجُلٌ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى ذُكُورِ أَوْلَادِهِمْ الذُّكُورِ، فَهَلْ يَسْتَحِقُّ ابْنُ الْبِنْتِ كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ الذُّكُورِ تَأْكِيدٌ لَفْظِيٌّ لِلْمُضَافِ فِي قَوْلِهِ ذُكُورِ أَوْلَادِهِمْ، أَمْ لَا يَسْتَحِقُّ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ الضَّمِيرِ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَوْلَادِ؟ وَلَا يُقَالُ: الْإِبْدَالُ مِنْ ضَمِيرِ الْغَيْبَةِ مُمْتَنِعٌ عَلَى الْمُخْتَارِ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ بَدَلِ الْبَعْضِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْهُ وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا أَنَّ بَدَلَ الْبَعْضِ يَحْتَاجُ إلَى ضَمِيرٍ يَعُودُ عَلَى الْمُبْدَلِ لِأَنَّهُ هُنَا مُقَدَّرٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ} [آل عمران: 97] أَيْ ذُكُورِ أَوْلَادِ الذُّكُورِ مِنْهُمْ، وَابْنُ الْبِنْتِ مِنْ ذُكُورِ الْأَوْلَادِ لَا مِنْ ذُكُورِ أَوْلَادِ الذُّكُورِ، وَحَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى التَّأْسِيسِ خَيْرٌ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى التَّأْكِيدِ فَمَنْ هُوَ الْمُصِيبُ مِنْ هَذَيْنِ فَأَجَابَ: لَا يَسْتَحِقُّ ابْنُ الْبِنْتِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَوْلَادِ الذُّكُورِ ثُمَّ قَالَ: وَلَا يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إلَى الْبَدَلِ مِنْ ضَمِيرِ الْغَائِبِ وَلَا إلَى بَدَلِ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ مِنْ الْمُقِرِّينَ وَالْمُنْشِئِينَ لِوَقْفٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ إعْتَاقٍ تُحْمَلُ عَلَى مَا يَفْهَمُهُ أَهْلُ الْعُرْفِ لَا عَلَى دَقَائِقِ الْعَرَبِيَّةِ، فَإِنَّ الْوَاقِفَ قَدْ لَا يَكُونُ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِشَيْءٍ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ وَلَا دَقَائِقِهَا وَلَا الْبَدَلِ وَلَا الْمُبْدَلِ، فَتَنْزِيلُ كَلَامِهِ عَلَى مَا لَا يَعْرِفُهُ لَا يَسْتَقِيمُ وَلَوْ لَحَنَ فِي الْإِعْتَاقِ بِتَذْكِيرٍ أَوْ تَأْنِيثٍ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْإِعْتَاقِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ، وَلَوْ كَانَ الْوَاقِفُ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ، فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَى لَفْظِهِ الَّذِي لَهُ مُحْتَمَلَاتٌ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ بِأَحَدِ الْمُحْتَمَلَاتِ، إلَّا أَنْ يَثْبُتَ بِبَيِّنَةٍ إرَادَةُ ذَلِكَ. قَالَ: وَمَسْأَلَةُ الْبَدَلِ لَنَا عَلَيْهَا عَمَلٌ، لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ بَسْطِهِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ الْفَتْوَى وَوَجْهُ تَأْيِيدِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ شُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِأَوْلَادِهِمْ دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَالْقَرِينَةُ الْمُتَعَدِّدَةُ كَمَا مَرَّ، وَيَأْتِي وَكَلَامُهُ أَوَّلًا إنَّمَا هُوَ فِي فَهْمِ شَيْءٍ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ بِقَرِينَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، فَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا يُعْتَمَدُ عَلَى فَهْمِهِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي قَضِيَّةِ أَوْسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يُنَافِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ كَانَ عِنْدَهُمْ طَلَاقًا فَهُوَ فَاهِمٌ لِلَفْظِهِ مُعْتَقِدٌ بِهِ مَدْلُولَهُ الَّذِي عِنْدَهُمْ، لَكِنْ خَفَّفَ الشَّارِعُ عَنْهُ بِإِلْغَاءِ الطَّلَاقِ الَّذِي كَانُوا يَتَعَارَفُونَهُ وَإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ، فَهُوَ لَمْ يُؤَاخَذْ بِغَيْرِ مَا يَفْهَمُهُ مِنْ اللَّفْظِ، بَلْ سُومِحَ فِي مُقْتَضَى اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ عَقِيدَتِهِ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ. وَلَكِنَّا نَنْظُرُ فِي ذَلِكَ إلَخْ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِيمَا قُلْنَاهُ مِنْ حَمْلِ الْعُتَقَاءِ عَلَى مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُهُ شَرْعًا سَوَاءٌ عَلِمْنَا أَنَّ

الْوَاقِفَ فَهِمَ ذَلِكَ وَقَصَدَهُ أَمْ لَا، وَهَذَا غَايَةٌ فِي الْحُجَّةِ لَنَا عَلَى مَا فَهِمْنَا مِنْ لَفْظِ الْعُتَقَاءِ وَعَمِلْنَا بِهِ لِوُجُودِ عَاضِدِهِ وَقَرِينَتِهِ بِاسْتِحْقَاقِ مَنْ ذُكِرَ أَوْ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ، ثُمَّ بَيَّنَّ خَارِجَ هَذَا الْجَوَابِ كَلَامَهُ الَّذِي دَلَّ عَلَى الْبَدَلِ: بِأَنَّ بَدَلَ الظَّاهِرِ مِنْ الضَّمِيرِ إنَّمَا يَمْتَنِعُ عِنْدَ مَنْ يَمْنَعُهُ مِنْ ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ الْمُخَاطَبِ، فَأَمَّا ضَمِيرُ الْغَائِبِ فَلَا يَمْتَنِعُ الْبَدَلُ مِنْهُ اتِّفَاقًا فَمَا أُورِدَ عَلَى ذَلِكَ أَيْ فِي السُّؤَالِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَيْضًا غَيْرُ صَحِيحٍ. وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْفَتْوَى مِنْ أَنَّهُ لَا يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ لِلْبَدَلِ لَمْ يُقَرِّرْ مُدَّعِيهِ عَلَى دَعْوَاهُ وَإِنَّمَا أَرَدْنَا أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي فِي الْعَرَبِيَّةِ لَا تُعْتَمَدُ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ اهـ. فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ مِنْ الْمُقِرِّينَ أَوْ الْمُنْشَئِينَ لِوَقْفٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ إعْتَاقٍ تُحْمَلُ عَلَى مَا يَفْهَمُهُ أَهْلُ الْعُرْفِ، لَا عَلَى دَقَائِقِ الْعَرَبِيَّةِ إلَخْ وَقَوْلُهُ: مِثْلُ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي فِي الْعَرَبِيَّةِ لَا تُعْتَمَدُ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ تَجِدْ ذَلِكَ صَرِيحًا أَيَّ صَرِيحٍ فِيمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ كَلَامَ الْوَاقِفِينَ إنَّمَا يُنَزَّلُ عَلَى مَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ، لَا عَلَى دَقَائِقِ الْبَلَاغَةِ وَنَحْوِهَا، وَأَنَّ الْبَحْثَ عَنْ الْعَلَاقَةِ وُجُودًا وَعَدَمًا لَا يَلِيقُ بِكَلَامِ الْوَاقِفِينَ وَتَأَمَّلْ وُضُوحَ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ: لِرَجُلٍ زَنَيْتِ بِكَسْرِ التَّاءِ أَوَلِامْرَأَةٍ زَنَيْتَ بِفَتْحِهَا كَانَ ذَلِكَ قَذْفًا وَكَذَا فِي الْعِتْقِ وَنَحْوِهِ، وَلَا أَثَرَ لِلَّحْنِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ النَّاسِ دُونَ الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ، فَإِذَا أَلْغَوْا النَّظَرَ إلَى اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ عَمَلًا بِالْمُتَعَارَفِ بَيْنَ النَّاسِ، فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَحِينَئِذٍ فَذِكْرُ الْوَاقِفِ أَوْلَادَ الْعُتَقَاءِ وَأَنَّ لَهُمْ نَصِيبَ آبَائِهِمْ لَا يَقْبَلُ النِّزَاعَ فِي أَنَّ ذَلِكَ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِوَقْفِهِ رِفْقَ أَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ، وَأَنَّ لَهُمْ اسْتِحْقَاقًا فِي وَقْفِهِ وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ اتَّضَحَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْعُتَقَاءِ مَا يَشْمَلُ أَوْلَادَهُمْ، سَوَاءٌ أَوُجِدَ لِهَذَا الْمَجَازِ عَلَاقَةٌ أَمْ لَا؟ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَعْمَلَهُ مِنْ غَيْرِ عَلَاقَةٍ فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ كَاللَّاحِنِ، وَقَدْ عَلِمْت مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ اللَّحْنَ وَنَحْوَهُ لَا يُؤَثِّرُ. وَأَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا فِيمَنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي وَظَائِفِ مَدْرَسَتِهِ عَجَمِيٌّ ثُمَّ نَزَلَ فِيهَا عَتِيقُهُ الرُّومِيُّ، فَهَلْ لِلنَّاظِرِ بَعْدَهُ عَزْلُهُ؟ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَزْلُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُطْلَقُ فِي الْعُرْفِ عَلَى الطَّائِفَةِ الْمَخْصُوصَةِ الْخَارِجَةِ عَنْ التُّرْكِ وَالرُّومِ الَّذِينَ لُغَتُهُمْ غَيْرُ لُغَةِ الْعَجَمِ، فَتَأَمَّلْ تَحْكِيمَهُ الْعُرْفَ وَإِعْرَاضَهُ عَنْ مَدْلُولِ الْعَجَمِ لُغَةً وَشَرْعًا، تَجِدْ ذَلِكَ صَرِيحًا أَيَّ صَرِيحٍ فِيمَا ذَكَرْته أَنَّ أَلْفَاظَ الْوَاقِفِينَ إنَّمَا تُحْمَلُ غَالِبًا عَلَى الْأُمُورِ الْمُتَعَارَفَةِ بَيْنَ النَّاسِ دُونَ غَيْرِهَا، وَذَلِكَ مِنْ الْوَاضِحِ الَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ وَلَا شُبْهَةَ تَعْتَرِيهِ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ وَيُصَرِّحُ بِهِ قَوْلَ الزَّرْكَشِيّ فِي قَوَاعِدِهِ، الْأَمْرُ الرَّابِعُ: أَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ فِي وَاقِفَةٍ جَعَلَتْ النَّظَرَ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ مِنْ أَوْلَادِهَا ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ، بِأَنَّ أَوْلَادَ أَوْلَادِهَا يَدْخُلُونَ فِي قَوْلِهَا مِنْ أَوْلَادِهَا، وَبِأَنَّ الْمُوَثِّقَ سَهَا فَأَسْقَطَ مَرْتَبَةً وَهِيَ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَرَائِنَ ثُمَّ قَالَ: وَمَعَ السَّهْوِ الَّذِي نَسِينَاهُ لِلْمُوَثِّقِ وَأَيَّدْنَاهُ بِمَا قَرَّرْنَاهُ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ أَوْلَادُ أَوْلَادِهَا فِي قَوْلِهَا ثُمَّ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدُ مِنْ أَوْلَادِهَا وَتَكُونُ الْقَرَائِنُ الْمَذْكُورَةُ قَاضِيَةً بِإِدْخَالِ وَلَدِ الْوَلَدِ فِي الْأَوْلَادِ اهـ. فَتَأَمَّلْ إفْتَاءَهُ بِإِدْخَالِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ فِي الْأَوْلَادِ لِلْقَرَائِنِ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِي دُخُولِ أَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ فِيهِمْ فِي مَسْأَلَتِنَا لِلْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَوْلَ الْبُلْقِينِيُّ لِلْقَرَائِنِ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي نَحْوِ ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ قَرِينَةٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ الْجَمْعَ؛ لِأَنَّهُ الْوَاقِعُ فِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ، لَا لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى الِاكْتِفَاءِ فِيهِ بِقَرِينَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَدْ اكْتَفَى هُوَ بِالْقَرِينَةِ الْوَاحِدَةِ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا أَنَّهُ قَالَ فِي جَوَابٍ لَهُ: وَقَوْلُ الْوَاقِفِ إلَى أَقْرَبِ أَهْلِهِ مِنْ الْعَصَبَاتِ الظَّاهِرُ فِيهِ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ عَصَبَاتُ أَهْلِ الْوَقْفِ لَا الْعَصَبَةُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ قَضِيَّةَ التَّخْصِيصِ بِالْأَوْلَادِ الْمَذْكُورِينَ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَدْخُلَ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ اهـ. فَتَأَمَّلْ جَعْلَهُ ذِكْرَ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ قَرِينَةً عَلَى تَخْصِيصِ الْعَامِّ وَقَصْرِهِ تَجِدْهُ صَرِيحًا أَيَّ صَرِيحٍ فِي أَنَّ ذِكْرَ أَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يَشْمَلُ أَوْلَادَهُمْ، وَالْجَامِعُ بَيْنَ هَذَا وَصُورَةِ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ قَصْرَ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ يَحْتَاجُ إلَى قَرِينَةٍ، بَلْ دَلِيلٍ بِخِلَافِ تَعْمِيمِ الْعُتَقَاءِ لِأَوْلَادِهِمْ، فَإِنَّهُ يُكْتَفَى فِيهِ بِالْقَرِينَةِ وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ

إلَى دَلِيلٍ فَإِذَا اكْتَفَى الْبُلْقِينِيُّ فِيمَا يَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ بِمُجَرَّدِ قَرِينَةِ ذِكْرِ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ عَلَى تَخْصِيصِ الْعَامِّ وَجَبَ أَنْ يُكْتَفَى بِمُجَرَّدِ قَرِينَةِ ذِكْرِ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ فِي مَسْأَلَتِنَا عَلَى شُمُولِ الْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ وَالْجَلَاءِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ مَنْعًا وَلَا تَشْكِيكًا، فَإِيَّاكَ ثُمَّ إيَّاكَ أَنْ تَغْفُلَ عَنْهُ فَإِنَّك إذَا تَأَمَّلْتَهُ اتَّضَحَ لَك مَا أَفْتَى بِهِ أَصْحَابُ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ دُخُولِ أَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ فِيهِمْ عَلَى أَنَّ لَنَا أَنْ نَقُولَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ: إنَّ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى دُخُولِ أَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ فِيهِمْ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ أَوْ أَسْفَلُ مِنْ ذَلِكَ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى دُخُولِ أَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ فِيهِمْ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا قَرِينَةٌ أَنَّ الْبُلْقِينِيُّ جَعَلَ نَظِيرَهُ مِنْ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى دُخُولِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ فِي الْأَوْلَادِ فَاتَّضَحَ أَنَّ هَذَا قَرِينَةٌ صَحِيحَةٌ عَلَى دُخُولِ فُرُوعِ الْعُتَقَاءِ فِيهِمْ. وَالْقَرِينَةُ الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ أَوَّلًا: إلَى بَاقِي الْعُتَقَاءِ، وَثَانِيًا: إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ فَعِنْدَ نَصِّهِ عَلَى عَدَمِ الْوَلَدِ عَبَّرَ بِبَاقِي الْعُتَقَاءِ، وَعِنْدَ عَدَمِ نَصِّهِ عَلَى ذَلِكَ عَبَّرَ بِالْعُتَقَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ بَاقِيَ وَلَا قَالَ: إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْهُمْ فَعُدُولُهُ عَنْ الضَّمِيرِ إلَى الظَّاهِرِ مَعَ تَعْبِيرِهِ أَوَّلًا بِبَاقِي وَثَانِيًا بِالْعُتَقَاءِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ وَبُرْهَانٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ الْفَرْقُ إلَّا إنْ قُلْنَا: إنَّهُ حَيْثُ لَا وَلَدَ مُرَادُهُ بِالْعُتَقَاءِ مَا يَشْمَلُ أَوْلَادَهُمْ فَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُعَبِّرْ هُنَا بِبَاقِي؛ لِأَنَّهُ إذَا جَعَلَ الْفُرُوعَ فِي مَنْزِلَةِ الْأُصُولِ لَمْ يَتَّضِحْ التَّعْبِيرُ بِالْبَاقِي، وَمِثْلُ هَذَا التَّغَايُرِ فِي التَّعْبِيرِ الَّذِي مُسْتَنَدُ إدْرَاكِ الْفَرْقِ فِيهِ إلَى مُجَرَّدِ الذَّوْقِ يَكْفِي فِي الْقَرِينَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْوُضُوحُ بِحَيْثُ لَا تَقْبَلُ الْمَنْعَ كَمَا يُعْلَمُ بِتَصَفُّحِ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ، بَلْ وَالْبُلَغَاءِ فِي الْقَرَائِنِ الَّتِي يُرَجِّحُونَ بِهَا إرَادَةَ الْمَجَازَاتِ. وَالْقَرِينَةُ الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ: وَيَسْتَمِرُّ الْحَالُ فِي ذَلِكَ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ خَمْسُونَ نَفَرًا وَوَجْهُ الْقَرِينَةِ فِي هَذَا: أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ الِاسْتِمْرَارِ أَنَّ كُلَّ مَرْتَبَةٍ مِنْ مَرَاتِبِ الْفُرُوعِ يَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِمْ كَمَا كَانَ فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى مِنْ أَنَّ كُلَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ، وَمَنْ مَاتَ لَا عَنْ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِأَهْلِ دَرَجَتِهِ، وَلَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ خَمْسُونَ نَفَرًا، وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ مَعْنَى ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ ظَاهِرًا فِي شُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِفُرُوعِهِمْ، إذْ لَا يَتَأَتَّى جَرَيَانُ ذَلِكَ الشَّرْطِ فِي انْتِقَالِ نَصِيبِ الْمَيِّتِ لِوَلَدِهِ، وَإِلَّا فَلِأَهْلِ طَبَقَتِهِ، إلَّا إذَا أُرِيدَ بِالْعُتَقَاءِ مَا يَشْمَلُ الْكُلَّ فِي سَائِرِ الطَّبَقَاتِ، وَأَمَّا إذَا أُرِيدَ بِهِمْ حَقِيقَتُهُمْ فَقَطْ فَلَيْسَ مَعَنَا إلَّا مَرْتَبَةٌ وَاحِدَةٌ اُسْتُفِيدَتْ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ إلَخْ، فَلَوْ قَصَرْنَا الْحُكْمَ عَلَى هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ لَزِمَ إمَّا إلْغَاءُ قَوْلِهِ وَيَسْتَمِرُّ الْحَالُ فِي ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ مَنْ لَهُ أَدْنَى مَسْكَةٍ مِنْ ذَوْقٍ، وَإِمَّا كَوْنُهُ تَأْكِيدًا لِمَا قَبْلَهُ وَهَذَا بَعِيدٌ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى كَمَا هُوَ جَلِيٌّ، عَلَى أَنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ فِي الْكَلَامِ عَلَى كُتُبِ الْأَوْقَافِ وَغَيْرِهَا إذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ التَّأْكِيدِ وَالتَّأْسِيسِ فَالتَّأْسِيسُ أَوْلَى، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا قُلْنَاهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ قَوْلَهُ: وَيَسْتَمِرُّ الْحَالُ فِي ذَلِكَ كَذَلِكَ تَأْسِيسٌ؛ لِأَنَّهُ أَفَادَ مَا لَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ أَوَّلًا: وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ إلَخْ بِخِلَافِ مَا إذَا قُصِرَ لَفْظُ الْعُتَقَاءِ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ قَوْلَهُ: وَيَسْتَمِرُّ الْحَالُ فِي ذَلِكَ كَذَلِكَ إمَّا لَغْوٌ أَوْ تَأْكِيدٌ وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ كَمَا تَقَرَّرَ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ حَقَّ التَّأَمُّلِ، فَإِنَّك حِينَئِذٍ تَجِدُهُ قَرِينَةً جَلِيَّةً وَاضِحَةً بَلْ صَرِيحًا لَائِحًا عَلَى دُخُولِ فُرُوعِ الْعُتَقَاءِ فِيهِمْ، وَأَنَّ مُرَادَ الْوَاقِفِ بِقَوْلِهِ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ خَمْسُونَ الْعُتَقَاءُ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْكُلِّ بِقَوْلِهِ وَمَنْ تُوُفِّيَ إلَخْ وَقَوْلُهُ: وَيَسْتَمِرُّ الْحَالُ إلَخْ فَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِتَعْبِيرِهِ بِبَاقِي الْعُتَقَاءِ أَوَّلًا وَبِالْعُتَقَاءِ ثَانِيًا وَثَالِثًا. وَالْقَرِينَةُ الْوَاحِدَةُ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ كَافِيَةٌ فَكَيْفَ وَقَدْ اجْتَمَعَتْ كُلُّهَا؟ بَلْ يَأْتِي قَرِيبًا قَرِينَةٌ رَابِعَةٌ أَيْضًا وَهَذَا أَعْدَلُ شَاهِدٍ وَأَوْضَحُ بُرْهَانٍ عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يُرِدْ بِالْعُتَقَاءِ الْحَقِيقَةَ فَحَسْبُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِمْ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ لِمَا بَيَّنَاهُ وَقَرَّرْنَاهُ وَأَيَّدْنَاهُ وَحَرَّرْنَاهُ، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِذَلِكَ، وَاتَّضَحَ بِهِ مَا قَالَهُ أَصْحَابُ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ الْأَوَّلُ: مِنْ دُخُولِ فُرُوعِ الْعُتَقَاءِ فِيهِمْ وَبِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى

التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ وَإِلَيْهِ الضَّرَاعَةُ فِي التَّأْيِيدِ وَالْحِفْظُ مِنْ الزَّلَلِ وَالْوَصْمَةِ إنَّهُ أَكْرَمُ كَرِيمٍ وَأَرْحَمُ رَحِيمٍ آمِينَ. الْأَمْرُ الْخَامِسُ: أَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا بِمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي دُخُولِ أَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ فِيهِمْ فِي مَسْأَلَتِنَا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ فِي أَثْنَاءِ جَوَابٍ طَوِيلٍ: وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَرَضَ الْوَاقِفَةِ إدْخَالُ جَمِيعِ ذُرِّيَّتِهَا عَلَى مَا رَتَّبَتْ قَوْلَهَا، وَتُوُفِّيَتْ الْوَاقِفَةُ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ قَضِيَّةَ هَذَا التَّعْمِيمِ فَتَأَمَّلْ جَعْلَهُ قَوْلَهَا: وَتُوُفِّيَتْ الْوَاقِفَةُ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ قَرِينَةً عَلَى دُخُولِ جَمِيعِ فُرُوعِهَا فِي وَقْفِهَا تَجِدْهُ صَرِيحًا عَلَى دُخُولِ فُرُوعِ الْعُتَقَاءِ فِيهِمْ فِي مَسْأَلَتِنَا بِالْأَوْلَى، وَوَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ الْوَاقِفَ فِي مَسْأَلَتِنَا ذَكَرَ انْتِقَالَ نَصِيبِ الْأَصْلِ لِلْفَرْعِ إنْ وُجِدَ، وَإِلَّا فَلِلْمُسَاوِي وَهَذَانِ قَرِينَتَانِ بِمُقْتَضَى قِيَاسِ هَذِهِ الَّتِي نَظَرَ إلَيْهَا الْبُلْقِينِيُّ وَمَا فِيهِ قَرِينَتَانِ أَوْلَى مِمَّا فِيهِ قَرِينَةٌ، بَلْ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَسْأَلَتِنَا إلَّا الْقَرِينَةُ الْأُولَى لَكَانَ أَوْلَى أَيْضًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ انْتِقَالِ نَصِيبِ الْأَصْلِ لِلْفَرْعِ عَلَى دُخُولِ الْفَرْعِ أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ جَعْلِ فَقْدِ الْفَرْعِ شَرْطًا لِانْتِقَالِهِ لِغَيْرِ الْفَرْعِ عَلَى دُخُولِ الْفَرْعِ إنْ وُجِدَ؛ لِأَنَّ هَذَا مَفْهُومٌ وَذَاكَ مَنْطُوقٌ قَوِيٌّ فَاتَّضَحَ أَنَّ فِيمَا قُلْنَاهُ قَرِينَتَيْنِ وَأَنَّ إحْدَاهُمَا بِانْفِرَادِهَا أَقْوَى مِنْ قَرِينَةِ الْبُلْقِينِيُّ، فَكَانَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ شُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِأَوْلَادِهِمْ وَسَائِرِ فُرُوعِهِمْ أَوْلَى بِالشُّمُولِ مِمَّا ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ، فَتَفَطَّنْ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ الصَّرَائِحِ فِي مَسْأَلَتِنَا. فَإِنْ قُلْت يُنَافِي هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ مَا يَأْتِي فِي الْأَمْرِ الْعَاشِرِ مِنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ مِنْ أَنَّ شَرْطَ انْقِرَاضِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ فِي الصَّرْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ لَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْقَاقِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ لِشَيْءٍ مِنْ الْوَقْفِ قُلْت: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْبُلْقِينِيُّ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ قَوْلِهَا ذَلِكَ اسْتِحْقَاقَ أَهْلِ مَرْتَبَةٍ شَيْئًا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْوَاقِفُ، وَإِنَّمَا الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَهَا وَلَا أَسْفَلُ مِنْ ذَلِكَ عَامٌّ فَأَخَذْنَا بِمَفْهُومِهِ مِنْ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ لَهُ أَسْفَلُ مِنْ ذَلِكَ صُرِفَ إلَيْهِ، وَهَذَا أَخْذٌ ظَاهِرٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَفْهُومُ كَلَامِ الْوَاقِفَةِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَأَمَّا صُورَةُ الْأَكْثَرِينَ فَإِنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِيهَا فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ مَا يُفْهِمُ عِنْدَهُمْ اسْتِحْقَاقَ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ؛ لِأَنَّهُ خَصَّ الْوَقْفَ بِالْأَوْلَادِ ثُمَّ جَعَلَ انْقِرَاضَ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ شَرْطًا فِي إعْطَاءِ الْفُقَرَاءِ، وَهَذَا لَا يُفْهَمُ مِنْهُ وَضْعًا أَنَّ لِأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ شَيْئًا، وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ مَزِيدٌ. الْأَمْرُ السَّادِسُ، وَلَمْ أَظْفَرْ بِهِ إلَّا بَعْدَ كِتَابَةِ جَمِيعِ مَا سَبَقَ أَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ فِي عَيْنِ مَسْأَلَتِنَا بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ شُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِفُرُوعِهِمْ لِلْقَرِينَةِ السَّابِقَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَتْ الْوَاقِفَةُ فِي أَمْرِ الْعُتَقَاءِ مَا نَصُّهُ: ثُمَّ مِنْ بَعْدِ مَنْ لَهُ وَلَدٌ مِنْهُمْ يُصْرَفُ مَا كَانَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ إلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ إلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَعَقِبِهِ وَنَسْلِهِ، ثُمَّ قَالَ وَقَدْ قَالَتْ الْوَاقِفَةُ بَعْدَ ذَلِكَ: فَإِنْ انْقَرَضَ الْعُتَقَاءُ الْمَذْكُورُونَ فِيهِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ أَوْ لَمْ يَبْقَ بِوَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ مِنْهُمْ حِينَ وَفَاةِ الْوَاقِفَةِ الْمَذْكُورَةِ صُرِفَ مَا هُوَ مُعَيَّنٌ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ إلَى أَوْلَادِ الْوَاقِفَةِ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ إلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهَا إلَخْ، فَهَذِهِ الصُّورَةُ هِيَ عَيْنُ صُورَةِ سُؤَالِ الْمُفْتِي الْمَذْكُورِ أَوَّلَ هَذَا الِاسْتِفْتَاءِ، وَمَعَ ذَلِكَ أَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ فِيهِ بِأَنَّهُ يَعُمُّ ذُرِّيَّةَ الْعُتَقَاءِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ الْعِبَارَةِ الْأُولَى: وَقَضِيَّةُ هَذَا تَعْمِيمُ ذُرِّيَّةِ الْعُتَقَاءِ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُ أَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ مَاتَ قَبْلَ صُدُورِ الْوَقْفِ، وَهَذَا مِنْهُ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ قَوْلَ الْوَاقِفَةِ آخَرُ فَإِذَا انْقَرَضَ الْعُتَقَاءُ الْمَذْكُورُونَ إلَخْ لَمْ تُرِدْ بِهِ حَقِيقَةَ الْعُتَقَاءِ وَإِنَّمَا أَرَادَتْ بِهِمْ مَا يَشْمَلُ أَوْلَادَهُمْ وَأَوْلَادَ أَوْلَادِهِمْ، وَإِنْ سَفَلُوا أَخْذًا بِقَوْلِهَا أَوَّلًا: ثُمَّ مِنْ بَعْدِ مَنْ لَهُ وَلَدٌ مِنْهُمْ يُصْرَفُ إلَخْ فَتَصْرِيحُهُ بِشُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِفُرُوعِهِمْ لِقَرِينَةِ ذِكْرِ أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ حَتَّى إنَّ أَوْلَادَ الْوَاقِفَةِ لَا يَسْتَحِقُّونَ مِنْ حِصَّةِ الْعُتَقَاءِ شَيْئًا مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ فُرُوعِهِمْ. وَلَا نَظَرَ لِتَعْبِيرِهَا آخِرًا بِالْعُتَقَاءِ لِشُمُولِهِمْ لِفُرُوعِهِمْ لِأَجْلِ تِلْكَ الْقَرِينَةِ تَصْرِيحٌ فِي مَسْأَلَتِنَا بِشُمُولِ الْعُتَقَاءِ فِيهَا لِفُرُوعِهِمْ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَعْنِي مَسْأَلَةَ الْبُلْقِينِيُّ وَمَسْأَلَتَنَا وَاحِدَةٌ، وَالْقَرِينَةَ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ فَإِذَا قَالَ فِي تِلْكَ: بِشُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِفُرُوعِهِمْ كَانَ قَائِلًا فِي هَذِهِ بِشُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِفُرُوعِهِمْ، بَلْ فِي الْحَقِيقَةِ الْبُلْقِينِيُّ مُفْتٍ فِي مَسْأَلَتِنَا بِعَيْنِهَا بِشُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِفُرُوعِهِمْ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهَا هِيَ عَيْنُ صُورَةِ مَسْأَلَتِنَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ

وَلَا نَقْصٍ، وَإِذَا كَانَ الْبُلْقِينِيُّ مُفْتِيًا فِي مَسْأَلَتِنَا بِذَلِكَ فَكَفَى بِهِ حُجَّةً وَمُسْتَنَدًا لِمَا قُلْنَاهُ وَحَرَّرْنَاهُ وَبَيَّنَّاهُ، وَلِمَ لَا؟ وَالْمُحَقِّقُ أَبُو زُرْعَةَ الَّذِي قِيلَ فِي تَرْجَمَتِهِ مَا رَأَى مِثْلَ نَفْسِهِ يَقُولُ فِي حَقِّ شَيْخِهِ السِّرَاجِ الْبُلْقِينِيُّ بَعْدَ أَنْ أَطْنَبَ فِي تَرْجَمَتِهِ: وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ كَمُلَتْ فِي شَيْخِنَا هَذَا شُرُوطُ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ. فَلِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَتَمُّ الْحَمْدِ وَأَكْمَلُهُ وَأَزْكَاهُ وَأَنْمَاهُ وَأَشْمَلُهُ وَأَفْضَلُهُ، إذْ وَافَقْتُ أَنَا وَأَصْحَابُ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ هَذَا الْحَبْرَ فِي الْقَوْلِ بِأَنَّ لَفْظَ الْعُتَقَاءِ يَشْمَلُ فُرُوعَهُمْ إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ كَافِيًا فِي الْحُجَّةِ، وَلِذَا لَوْ اطَّلَعْت عَلَيْهِ فِي الْأُوَلِ لَاكْتَفَيْتَ بِهِ وَلَمْ أُتْعِبْ نَفْسِي فِيمَا سَبَقَ وَلَا فِيمَا يَأْتِي، لَكِنَّ فِي ذَلِكَ فَرَائِدَ وَفَوَائِدَ وَقَوَاعِدَ لَا بَأْسَ بِاسْتِفَادَتِهَا، فَإِنَّهَا تَزِيدُ الْحَقَّ وُضُوحًا وَظُهُورًا وَتُبْلِجُ الصَّدْرَ سُرُورًا وَحُبُورًا وَتُعِينُ عَلَى إدْرَاكِ عَوِيصَاتِ الْوَقَائِعِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا بِخُصُوصِهَا مَنْقُولٌ وَلَا يُهْتَدَى لِدَرْكِ الْحُكْمِ فِيهَا بِمُجَرَّدِ الْمَعْقُولِ، يَسَّرَ اللَّهُ لَنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذَلِكَ وَجَعَلَنَا مِمَّنْ تَحَقَّقَ بِإِدْرَاكِ هَذِهِ الْمَسَالِكِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ. الْأَمْرُ السَّابِعُ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ مَا حَاصِلُهُ: أَنَّ الْأَئِمَّةَ اخْتَلَفُوا فِي قَوْلِ الْوَاقِفِ وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَنْتَقِلَ الْوَقْفُ إلَيْهِ كَانَ لِوَلَدِهِ إذَا انْتَقَلَ إلَيْهِ مَا كَانَ جَارِيًا عَلَى أَبِيهِ، فَكَانَ الْمَيِّتُ امْرَأَةً زَعَمَ الْقَاضِي بَهَاءُ الدِّينِ بْنُ الزَّكِيِّ أَنَّ نَصِيبَهَا لَا يَنْتَقِلُ إلَى وَلَدِهَا بِحُكْمِ هَذَا الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ بِلَفْظِ الْأَبِ، فَلَا يَتَنَاوَلُ الْأُمَّ، وَأَنَّ التَّاجَ الْفَزَارِيّ إمَامَ الشَّافِعِيَّةِ فِي زَمَنِهِ وَكَانَ مِنْ مُعَاصِرِي النَّوَوِيِّ لَكِنَّهُ كَانَ أَشْيَعَ وَأَشْهَرَ مِنْ النَّوَوِيِّ قَالَ: إنَّ لَفْظَ الْأَبِ جَاءَ لِلتَّغْلِيبِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَأَفْتَى بِذَلِكَ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَسَاعَدَهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ وَبَلَغَهُ أَنَّ السُّؤَالَ عُرِضَ عَلَى الشَّرَفِ الْمَقْدِسِيِّ وَالزِّيَنِ بْنِ عُمَرَ مَكِّيٌّ فَامْتَنَعَا مِنْ الْكِتَابَةِ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْقَاضِي بَهَاءِ الدِّينِ، فَحَوْقَلَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَاسْتَرْجَعَ لِذَلِكَ اهـ كَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ، وَهُوَ صَرِيحٌ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلتَّاجِ وَمُوَافِقِيهِ وَمُنْكِرٌ عَلَى الْبَهَاءِ الزَّكِيِّ وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ الْكِتَابَةِ لِأَجْلِهِ. وَإِذَا عَلِمْت أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةَ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّ الْأَبَ اُسْتُعْمِلَ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ وَلَمْ يُبَيِّنُوا لِذَلِكَ قَرِينَةً، فَكَيْفَ لَا يُسْتَعْمَلُ الْعُتَقَاءُ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ لِلْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي سَبَقَ تَقْرِيرُهَا، فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ سَاغَ لِهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ أَنْ يَعْلَمُوا اللَّفْظَ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ بِلَا قَرِينَةٍ سِيَّمَا مَعَ تَصْرِيحِ رَئِيسِهِمْ التَّاجِ الْفَزَارِيّ بِالتَّغْلِيبِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلتَّجَوُّزِ قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ اكْتَفَوْا بِوُضُوحِ الْقَرِينَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ لَفْظِ الْوَاقِفِ، فَإِنَّهُ صَرَّحَ أَوَّلًا بِأَوْلَادِهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَبِأَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ انْتَقَلَ لِوَلَدِهِ مَا كَانَ لَهُ كَمَا يُعْرَفُ بِمُرَاجَعَةِ كَلَامِ التَّوَسُّطِ وَجَامِعِ فَتَاوَى التَّاجِ الْفَزَارِيّ وَأَئِمَّةِ عَصْرِهِ لِبَعْضِ تَلَامِذَتِهِ، وَمِنْهُ نَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ فَتَأَمَّلْ هَذَا فَإِنَّك تَجِدُهُ نَصًّا فِي شُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِفُرُوعِهِمْ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةَ أَخَذُوا مِنْ قَوْلِ الْوَاقِفِ أَوَّلًا أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ يَكُونُ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْأَبِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يَشْمَلُ الْأُمَّ تَغْلِيبًا، فَاكْتَفَوْا بِهَذِهِ الْقَرِينَةِ الْوَاحِدَةِ فِي ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَقِيَاسُهُ أَنَّهُ يُكْتَفَى فِي شُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِفُرُوعِهِمْ بِمِثْلِ تِلْكَ الْقَرِينَةِ، وَقَدْ مَرَّ قَرِيبًا مِثْلُهَا مَعَ قَرَائِنَ أُخْرَى فَلْيَكُنْ الشُّمُولُ فِي مَسْأَلَتِنَا أَوْلَى، فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا الَّذِي أَفْتَى بِهِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ نَصٌّ قَاطِعٌ لِلنِّزَاعِ فِي مَسْأَلَتِنَا، فَلَا يَسُوغُ لِأَحَدٍ الْعُدُولُ عَنْهُ. الْأَمْرُ الثَّامِنُ: قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي أَثْنَاءِ جَوَابٍ طَوِيلٍ: ثُمَّ إنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ الْحُكْمُ بِاسْتِحْقَاقِ الْمَذْكُورِينَ عَلَى رُجْحَانِ هَذَا الْمَحْمَلِ عَلَى مَا يُعَارِضُهُ، بَلْ يَثْبُتُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلًا مُتَسَاوِيًا فَإِنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ عَلَى ذَلِكَ ذِكْرُهُ لَفْظَ النَّسْلِ وَالْعَقِبِ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ تَقْيِيدُهُ، وَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِمُحْتَمِلٍ لِذَلِكَ، انْتَهَى الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ السُّبْكِيّ فِي فَتَاوِيهِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي صُورَةٍ وُجُوهًا لِلِاسْتِحْقَاقِ وَوُجُوهًا لِعَدَمِهِ وَبَيَّنَهَا ثُمَّ قَالَ: الِاسْتِحْقَاقُ مُحَقَّقٌ وَالْحَجْبُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَيُتْرَكُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ وَيُعْمَلُ بِالْمُحَقَّقِ فَيُقْضَى لَهُنَّ بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: الْأَصْلُ قَبْلَ الْوَقْفِ عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يُحْكَمُ بِهِ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَرْجَحُ اهـ. وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ النَّقْلَيْنِ لِهَذَيْنِ الْإِمَامَيْنِ نَصٌّ فِي مَسْأَلَتِنَا أَيْضًا بِاسْتِحْقَاقِ أَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَهَكَذَا، وَبَيَانُهُ أَنَّا تَيَقَّنَّا اسْتِحْقَاقَ فُرُوعِ الْعُتَقَاءِ

بِنَصِّ الْوَاقِفِ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ: وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ إلَخْ ثُمَّ شَكَكْنَا فِي قَوْلِهِ: فَإِذَا بَقِيَ مِنْهُمْ خَمْسُونَ، هَلْ أَرَادَ مِنْ الْعُتَقَاءِ دُونَ فُرُوعِهِمْ أَوْ مِنْهُمْ وَمِنْ فُرُوعِهِمْ؟ وَعِنْدَ الشَّكِّ يَجِبُ الرُّجُوعُ لِلْمُتَيَقَّنِ وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ الْفُرُوعِ فَيُحْكَمُ لَهُمْ بِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ خُرُوجُهُمْ بِدَلِيلٍ غَيْرِ مُحْتَمِلٍ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ الصَّلَاحِ الْمَذْكُورِ، فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ تَقْيِيدُهُ وَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِمُحْتَمِلٍ لِذَلِكَ، وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ هُنَا يَقِينٌ وَمَشْكُوكٌ فِيهِ كَانَ قَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ: وَإِنْ مُحْتَمِلًا مُتَسَاوِيًا إلَخْ مُقْتَضِيًا لِاسْتِحْقَاقِ الْفُرُوعِ فِي مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ ابْنَ الصَّلَاحِ اسْتَدَلَّ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ بِتَقَدُّمِ ذِكْرِ النَّسْلِ وَالْعَقِبِ فَأُجْرِيَ عَلَى إطْلَاقِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ تَقْيِيدُهُ بِغَيْرِ مُحْتَمِلِ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ جَارٍ فِي صُورَتِنَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ وَأَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِذَا جَرَى فِيهَا ذَلِكَ جَرَى فِيهَا مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْفُرُوعِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا تَسَاوِيَ الِاحْتِمَالَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ عَلَى ذَلِكَ ذِكْرُ الْفُرُوعِ فَيَخْرُجُونَ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ مَا لَمْ يَظْهَرْ مُخْرِجٌ لَهُمْ مِنْهُ بِغَيْرِ مُحْتَمِلٍ، وَلَا يُمْكِنُ مُدَّعِيًا هُنَا أَنْ يَزْعُمَ إخْرَاجَهُمْ بِغَيْرِ مُحْتَمِلٍ؛ لِأَنَّ حَمْلَ الْعُتَقَاءِ عَلَى حَقِيقَتِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ لَا قَرِينَةَ لَهُ كَانَ مِنْ أَظْهَرْ قَرَائِنِهِ تَقَدُّمُ اسْتِحْقَاقِ الْفُرُوعِ وَالنَّظَرِ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ ثَابِتٍ دَوَامُهُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مَانِعًا لَهُ مِنْ ادِّعَاءِ انْصِرَافِهِ إلَى حَقِيقَتِهِ فَقَطْ، وَإِذَا مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ لَزِمَ الْعَمَلُ بِالْمُتَيَقَّنِ أَوَّلًا وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ الْفُرُوعِ بِنَصِّ الْوَاقِفِ، فَإِنْ قُلْت: هَلْ يَصْدُقُ عَلَى أَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ فِي مَسْأَلَتِنَا أَنَّهُمْ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِمْ فِي حَيَاةِ آبَائِهِمْ أَوْ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ آبَائِهِمْ؟ قُلْت: كُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ مُحْتَمَلٌ وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَقْرَبُ إلَى قَوَاعِدِ اللُّغَةِ وَالْفِقْهِ، كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيّ ثُمَّ اسْتَنْتَجَ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ دَاخِلُونَ فِي لَفْظِ الْوَاقِفِ وَمُرَادِهِ أَوَّلًا، وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَهُمْ وَبِثُمَّ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِكَوْنِ الْمُقْتَضَى إذَا وُجِدَ عَمَلٌ عَمِلَهُ وَلَهُ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ طَوِيلٌ فِي إفْتَاءٍ آخَرَ حَاصِلُهُ: أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَنَّهُ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ يُسَمَّى مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَإِنَّمَا بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ وَبَيْنَ ذَلِكَ. الْأَمْرُ التَّاسِعُ: قَالَ السُّبْكِيّ بَعْدَ ذِكْرِهِ أَمْرَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ لِبَعْضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَعَدَمِهِ: فَهَذَانِ الظَّاهِرَانِ تَعَارَضَا وَهُوَ تَعَارُضٌ قَوِيٌّ صَعْبٌ، وَلَيْسَ التَّرْجِيحُ فِيهِ بِالْهَيِّنِ، بَلْ هُوَ مَحَلُّ نَظَرِ الْفَقِيهِ وَخَطَرَ لِي فِيهِ طُرُقٌ مِنْهَا أَنَّ الشَّرْطَ الْمُقْتَضِيَ لِاسْتِحْقَاقِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ جَمِيعِهِمْ مُتَقَدِّمٌ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ، وَالشَّرْطَ الْمُقْتَضِيَ لِإِخْرَاجِهِمْ بِقَوْلِهِ: مَنْ مَاتَ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ مُتَأَخِّرٌ فَالْعَمَلُ بِالْمُقَدَّمِ أَوْلَى، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ النَّسْخِ حَتَّى يُقَالَ: الْعَمَلُ بِالْمُتَأَخِّرِ أَوْلَى اهـ. وَهَذَا نَصٌّ قَاطِعٌ فِي مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ غَايَةَ التَّنَزُّلِ فِيهَا أَنْ يُقَالَ: الشَّرْطُ الْمُقْتَضِي لِاسْتِحْقَاقِ الْعُتَقَاءِ مُتَقَدِّمٌ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ وَالشَّرْطُ الْمُقْتَضِي لِإِخْرَاجِهِمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعُتَقَاءَ فِي قَوْلِهِ: إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ إلَخْ الْمُرَادُ بِهِمْ الْعُتَقَاءُ حَقِيقَةً فَقَطْ مُتَأَخِّرٌ، وَالْعَمَلُ بِالْمُتَقَدِّمِ أَوْلَى بِنَصِّ هَذَا الْخَبْرِ، وَيُوَجَّهُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْعَمَلَ بِالْمُتَقَدِّمِ أَوْلَى بِمَا عُرِفَ مِمَّا سَبَقَ فِي كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ: مِنْ أَنَّ الْأَوَّلَ أَفَادَ بِيَقِينٍ إدْخَالَهُمْ وَشَكَكْنَا فِي الثَّانِي هَلْ أَخْرَجَهُمْ أَوْ لَا؟ فَأَبْقَيْنَا الْمُتَيَقَّنَ عَلَى حُكْمِهِ مِنْ دَوَامِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَلَمْ نَرْفَعْهُ بِالثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْوَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ مُعَارَضَتِهِ لِلْأَوَّلِ، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ يَزْدَدْ لَك بِهِ وُضُوحُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ دُخُولِ فُرُوعِ الْعُتَقَاءِ، وَاشْكُرْ اللَّهَ عَلَى وُضُوحِ الْحَقِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمُشْكِلَةِ وَالْوَاقِعَةِ الْعَوِيصَةِ الْمُعْضِلَةِ. الْأَمْرُ الْعَاشِرُ: قَالَ السُّبْكِيّ: قَالَ أَصْحَابُنَا: إذَا قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي وَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَادِي وَأَوْلَادُ أَوْلَادِي فَعَلَى الْفُقَرَاءِ صُرِفَ إلَى الْأَوْلَادِ فَإِذَا انْقَرَضُوا وَبَقِيَ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: وَكَلَامُ الْأَكْثَرِينَ مَائِلٌ لِتَرْجِيحِهِ يَكُونُ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ الثَّانِي أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونَ وَلَيْسَ لِأَجْلِ الْمَفْهُومِ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَ وُجُودِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ لَا يَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ، وَهُوَ مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ وَإِنَّمَا انْصَرَفَ لِأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ ذِكْرِهِمْ وَتَوْقِيفِ الصَّرْفِ إلَى الْفُقَرَاءِ

عَلَى انْقِرَاضِهِمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَهُمْ بِقَوْلِهِ: أَوْلَادِي وَأَنَّهُمْ دَاخِلُونَ فِيهِمْ وَتَجَوَّزَ بِإِطْلَاقِ الْأَوْلَادِ وَإِرَادَةِ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ، بَلْ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: إنَّ ذَلِكَ حَقِيقَةٌ، فَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْمَفْهُومِ فِي شَيْءٍ وَلَا يَلْزَمُ أَيْضًا جَرَيَانُهُ فِيمَا إذَا قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي، فَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَادِي وَانْقَرَضَ زَيْدٌ الْأَجْنَبِيُّ فَعَلَى الْفُقَرَاءِ، بَلْ الَّذِي يُتَّجَهُ هَهُنَا الْقَطْعُ بِكَوْنِهِ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ؛ لِأَنَّ زَيْدًا لَا يَدْخُلُ فِي اسْمِ الْأَوْلَادِ بِوَجْهٍ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا كَوْنُهُ مُعَلَّقًا عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلِاسْتِحْقَاقِ اهـ. كَلَامُ السُّبْكِيّ، فَتَأَمَّلْ مَا وَجَّهَ بِهِ الْوَجْهَ الْقَائِلَ بِاسْتِحْقَاقِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ مِنْ أَنَّ قَرِينَةَ ذِكْرِهِمْ وَتَوْقِيفِ الصَّرْفِ عَلَيْهِمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَهُمْ بِقَوْلِهِ: أَوْلَادِي وَأَنَّهُ تَجَوَّزَ فَأَطْلَقَ الْأَوْلَادَ عَلَى الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ، فَإِنَّك تَجِدُهُ صَرِيحًا فِي شُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِفُرُوعِهِمْ؛ لِأَنَّ السُّبْكِيّ إذَا اكْتَفَى فِي أَنَّ لَفْظَ الْأَوْلَادِ جَمَعَ فِيهِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِمُجَرَّدِ ذِكْرِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ وَتَوْقِيتِ الصَّرْفِ عَلَى انْقِرَاضِهِمْ، فَهُوَ يَكْتَفِي فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي مَسْأَلَتِنَا، فَهُوَ فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ فَلْيُكْتَفَ فِيهَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ قَطْعًا، فَيَكُونُ لَفْظُ الْعُتَقَاءِ شَامِلًا لِلْعُتَقَاءِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا فَيَشْمَلُ سَائِرَ فُرُوعِهِمْ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَك أَنَّ الْوَجْهَيْنِ الْجَارِيَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَا يَجْرِي نَظِيرُهُمَا فِي مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرِينَ إنَّمَا مَالَ كَلَامُهُمْ إلَى تَرْجِيحِ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ لِضَعْفِ تِلْكَ الْقَرِينَةِ كَمَا ظَهَرَ لَكَ مِمَّا قَرَّرْتُهُ وَأَمَّا مَسْأَلَتُنَا فَالْقَرِينَةُ فِيهَا قَوِيَّةٌ جِدًّا بَلْ وَمَعَهَا قَرَائِنُ أُخْرَى كَمَا مَرَّ بَيَانُهَا، فَلَا يَأْتِي نَظِيرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ فِي مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا يُعَلِّلُونَ بِهِ أَنَّ جَعْلَ انْقِرَاضِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ شَرْطًا فِي الصَّرْفِ لِلْفُقَرَاءِ لَا يَدُلُّ وَضْعًا لَا مَنْطُوقًا وَلَا مَفْهُومًا عَلَى الصَّرْفِ لَهُمْ. وَالْأَصْلُ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِهِمْ فَعَمِلُوا بِذَلِكَ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَقُولُوا بِنَظِيرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمَّا ذَكَرَ الْأَوْلَادَ وَنَصَّ عَلَى أَنَّ لِكُلٍّ مَا كَانَ لِأَبِيهِ دَلَّ ذَلِكَ صَرِيحًا عَلَى دُخُولِهِمْ فِي وَقْفِهِ وَلَفْظِهِ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِدَوَامِ اسْتِحْقَاقِهِمْ، إذْ لَا رَافِعَ لَهُ وَبِتَقْدِيرِ أَنَّ لَهُ رَافِعًا بَعْدَهُ لَا يُعْمَلُ بِهِ كَمَا مَرَّ عَنْ السُّبْكِيّ قَرِيبًا فِي الْأَمْرِ التَّاسِعِ. (الْكَلَامُ الثَّانِي) فِي بَيَانِ مَا فِي تِلْكَ الْأَجْوِبَةِ، أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَوَابِ الْأَوَّلِ فَقَوْلُهُ: أَرَادَ الْوَاقِفُ إلَخْ كَلَامٌ يَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ وُجِدَ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ مِنْ الْقَرَائِنِ الْمُتَعَدِّدَةِ كَمَا قَدَّمْت بَيَانَهَا وَإِيضَاحَهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ مَا يَشْمَلُ حَقِيقَتَهُ وَمَجَازَهُ يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ التَّنَزُّلِ لِمَا مَرَّ أَنَّ التَّحْقِيقَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعَانِيهِ، لَا مِنْ بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ إزَالَةَ الرِّقِّ إلَخْ بَيَانٌ لِعَلَاقَةِ ذَلِكَ الْمَجَازِ وَقَوْلُهُ: وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ بَيَانٌ لِلْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ مُرَادَ الْوَاقِفِ مِنْ لَفْظِ الْعُتَقَاءِ مَا يَشْمَلُ مَجَازَهُ أَيْضًا، وَقَدْ قَدَّمْت مِنْ الْقَرَائِنِ وَالْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ مَا يَنْشَرِحُ لَهُ الصَّدْرُ وَتَقَرُّ بِهِ الْعَيْنُ وَيَتَّضِحُ بِهِ الْحَقُّ وَيَزُولُ عَنْ إدْرَاكِ عَوْرَةِ كَثَائِفِ الرَّيْنِ وَالْغَيْنِ، وَقَوْلُهُ: فَلَا يَدْخُلُ إلَخْ هُوَ الْوَجْهُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْوَاقِفِ وَمَرَّ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ التَّصْرِيحُ بِنَظِيرِهِ وَعَنْهُ وَعَنْ أَئِمَّةٍ آخَرِينَ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ مُصَرِّحَةٌ بِهِ لَا تَقْبَلُ تَأْوِيلًا وَلَا تَحْتَاجُ دَلِيلًا، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَوَابِ الثَّانِي فَقَوْلُهُ: لَا يَخْتَصُّ إلَخْ لَا يُنَافِي الَّذِي قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ بِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ الْعُتَقَاءِ حَقِيقَةً إلَّا خَمْسُونَ وَلَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِ الْمَيِّتِينَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ الصَّرْفِ لِجِهَةِ الْحَرَمِ، وَأَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ الْعُتَقَاءُ وَأَوْلَادُهُمْ قُدِّمَ الْعُتَقَاءُ حَقِيقَةً إنْ زَادُوا عَلَى خَمْسِينَ لِنَصِّ الْوَاقِفِ عَلَى ذَلِكَ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ: وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ إلَخْ فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالِاخْتِصَاصِ الَّذِي ذَكَرَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فَإِذَا انْقَرَضَ إلَخْ نَعَمْ قَضِيَّةُ قَوْلِهِ فَإِذَا انْقَرَضَ إلَخْ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِينَ لَكِنَّ بَعْضَهُمْ عُتَقَاءُ حَقِيقَةً وَبَعْضَهُمْ مِنْ فُرُوعِ الْمَيِّتِينَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ قِسْمَةِ الرَّيْعِ شَطْرَيْنِ وَلَيْسَ هَذَا مُرَادًا؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ إذَا كَانُوا مِنْ مَحْضِ الْفُرُوعِ وَمُنِعُوا مِنْ ذَلِكَ بِنَصِّ هَذَا الْمُجِيبِ وَبَقِيَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ إلَخْ فَأَوْلَى أَنْ يُمْنَعَ الْأَكْثَرُ مِنْ خَمْسِينَ الَّذِينَ بَعْضُهُمْ مِنْ الْعُتَقَاءِ وَبَعْضُهُمْ مِنْ الْفُرُوعِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ مَعْلُومَةٌ مِنْ كَلَامِهِ فَلَا تُرَدُّ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَوْهَمَ ظَاهِرُهُ خِلَافَهَا

عِنْدَ عَدَمِ التَّأَمُّلِ وَأَنَّهُ مَتَى وُجِدَ مِنْ الْعُتَقَاءِ حَقِيقَةً وَبَعْضُهُمْ مِنْ الْفُرُوعِ، فَإِنَّ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ هُمَا مَحَلُّ الْخِلَافِ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْمُجِيبِينَ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْحَقَّ أَنَّ الْفُرُوعَ كَالْأُصُولِ فِي الْمَنْعِ، لَكِنَّ الْمُرَادَ بِالْفُرُوعِ فُرُوعُ مَنْ مَاتَ لَا مَنْ هُوَ مَوْجُودٌ؛ لِأَنَّ نَصَّ الْوَاقِفِ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ إلَخْ أَفَادَ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ أَبِيهِ فِي تَنَاوُلِ لَفْظِ الْعُتَقَاءِ لَهُ، إلَّا إنْ مَاتَ أَبُوهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْقَرِينَةَ الظَّاهِرَةَ عَلَى دُخُولِهِ قَوْلُهُ: وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ إلَخْ لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى إنْ قُلْنَا: إنَّ دُخُولَهُمْ فِي لَفْظِ الْعُتَقَاءِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ إلَخْ أَمَّا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ فَتَدْخُلُ الْفُرُوعُ، وَلَوْ مَعَ وُجُودِ آبَائِهِمْ، بَلْ قَضِيَّةُ مَا قَدَّمْته أَوَاخِرَ الْأَمْرِ الثَّامِنِ عَنْ السُّبْكِيّ دُخُولُهُمْ هُنَا مُطْلَقًا وَيُجَابُ: بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُجَرَّد اتِّصَافِهِمْ بِالدُّخُولِ وَأَنَّهُمْ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ يَحْجُبُونَ غَيْرَهُمْ؛ لِأَنَّ الْحَجْبَ حُكْمٌ مُغَايِرٌ لِمُجَرَّدِ الْإِطْلَاقِ وَالتَّسْمِيَةِ، فَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْوَجْهُ أَنَّ الْفُرُوعَ الْمَوْجُودَ آبَاؤُهُمْ لَا مَدْخَلَ لَهُمْ فِي حَجْبِ جِهَةِ الْحَرَمِ حَيْثُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْعُتَقَاءِ حَقِيقَةً وَمِنْ فُرُوعِ الْمَوْتَى إلَّا خَمْسُونَ فَتَفَطَّنْ لِذَلِكَ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَجْوِبَةَ ظَاهِرُهَا التَّنَافِي فِي ذَلِكَ، إذْ ظَاهِرُ هَذَا الْجَوَابِ هُنَا مَا قُلْنَاهُ. وَظَاهِرُ الْحَاصِلِ الَّذِي ذَكَرَهُ عِنْدَ تَأَمُّلِ آخِرِهِ وَظَاهِرُ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْفَرْعَ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ وَالِدِهِ مُطْلَقًا، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ لِمَا بَيَّنَّاهُ وَقَوْلُهُ الزَّائِدُ عَلَى الْخَمْسِينَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَصْوِيرٌ لَا تَقْيِيدٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: كَأَنَّهُ إلَخْ وَقَوْلُهُ: عَصَبَةُ كُلِّ عَتِيقٍ الْمُرَادُ مِنْهُمْ فُرُوعُهُ لَا مُطْلَقًا، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَوَابِ الثَّالِثِ فَقَوْلُهُ: كَانَ الْأَوْلَادُ إلَخْ الظَّاهِرُ: أَنَّهُ أَخَذَ هَذَا التَّقْيِيدَ مِمَّا قَرَّرَهُ أَنَّ كُلَّ أَصْلٍ مَوْجُودٌ شَرْعًا بِوُجُودِ فَرْعِهِ حِسًّا، وَإِذَا كَانَتْ الْأُصُولُ كَأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ بِوُجُودِ فُرُوعِهَا، فَلَا بُدَّ عِنْدَ تَمَحُّضِ الْفُرُوعِ الْأَكْثَرِ مِنْ خَمْسِينَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفُرُوعِ الْمَوْجُودِينَ نَشَأَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ الْعُتَقَاءِ حَتَّى تَكُونَ الْعُتَقَاءُ حَقِيقَةً كَأَنَّهُمْ مَوْجُودُونَ، لَكِنَّ هَذَا لَا يَتِمُّ لَهُ بِإِطْلَاقِهِ، لِأَنَّ قَوْلَ الْوَاقِفِ: انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ يَشْمَلُ الْفَرْعَ الْوَاحِدَ وَالْمُتَعَدِّدَ وَإِذَا شَمَلَ ذَلِكَ اقْتَضَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ الْعُتَقَاءِ الْأَكْثَرِ مِنْ خَمْسِينَ عَنْ أَكْثَرِ مِنْ خَمْسِينَ وَلَدًا ثُمَّ مَاتَ الْأَكْثَرُ مِنْ الْخَمْسِينَ مِنْ الْعُتَقَاءِ حَقِيقَةً، وَبَقِيَتْ الْفُرُوعُ الْأَكْثَرُ مِنْ خَمْسِينَ الَّذِينَ أَبُوهُمْ وَاحِدٌ، مَنَعَ هَؤُلَاءِ الصَّرْفَ لِجِهَةِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّا لَا نَنْظُرُ إلَى أَنَّ مَقْصُودَ الْوَاقِفِ بِمُقْتَضَى الْقَرَائِنِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا أَنَّ الْفُرُوعَ يُسَمَّوْنَ عُتَقَاءَ فَيَدْخُلُونَ فِي لَفْظِ الْعُتَقَاءِ فِي كَلَامِهِ. وَإِذَا دَخَلُوا فِيهِ وَصَارُوا بِمَنْزِلَةِ آبَائِهِمْ اُتُّجِهَ مَا قُلْنَاهُ لَا مَا قَالَهُ، فَالْوَجْهُ مَا أَفَادَهُ الْجَوَابَانِ الْأَوَّلَانِ مِمَّا يُوَافِقُ مَا قَرَّرْنَاهُ، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَوَابِ الرَّابِعِ فَمَا أَفَادَهُ فِيهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُصْرَفُ لِفُرُوعِ الْعُتَقَاءِ شَيْءٌ مُوَافِقٌ لِقَوَاعِدِ أَهْلِ مَذْهَبِهِ مِنْ مَنْعِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازه، وَاسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي جَمِيعِ مَعَانِيهِ لَكِنَّهُ أَشَارَ إلَى رَدِّ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ بِمَا يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ فَقَوْلُهُ: لِأَنَّ أَقْصَى إلَخْ جَوَابُهُ: أَنَّ هَذَا التَّدْقِيقَ لَا يُبْحَثُ عَنْهُ فِي عِبَارَةِ الْوَاقِفِينَ، كَمَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ فَتَاوَى أَئِمَّتِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي كُتُبِ الْأَوْقَافِ وَعِبَارَاتِ الْوَاقِفِينَ تَصْرِيحًا وَتَلْوِيحًا، وَقَدْ قَدَّمْت فِي تِلْكَ الْأُمُورِ الْعَشَرَةِ شَوَاهِدَ صِدْقٍ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ وَفَتَاوِيهِمْ، وَقَوْلُهُ: بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَرِينَةٍ تَمْنَعُ إرَادَةَ الْحَقِيقَةِ إلَخْ جَوَابُهُ: أَنَّ هَذَا لَمْ يَقَعْ التَّصْرِيحُ بِهِ إلَّا مِمَّنْ يَمْنَعُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَأَمَّا مَنْ يُجَوِّزُهُ بَلْ يُوجِبُهُ كَمَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ مَذْهَبِنَا كَمَا مَرَّ فَالْقَرِينَةُ عِنْدَهُ عَلَى قِسْمَيْنِ. قَرِينَةٌ: تَمْنَعُ إرَادَةَ الْحَقِيقَةِ وَقَرِينَةٌ: تَدُلُّ عَلَى انْضِمَامِ الْمَجَازِ إلَى الْحَقِيقَةِ حَتَّى يَشْمَلَهُمَا لَفْظٌ وَاحِدٌ. وَأَصْحَابُ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ بَنَوْا كَلَامَهُمْ عَلَى الثَّانِي فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمْ بِالْأَوَّلِ، إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَرِينَةِ مَنْعُ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ مُطْلَقًا إلَّا مِمَّنْ يَمْنَعُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَقَوْلُهُ: إنَّ إلَخْ فَهُوَ رَدٌّ لِمَا قَالَهُ الْمُجِيبُ الْأَوَّلُ وَيُجَابُ عَنْهُ: بِأَنَّ الْمُرَادَ الْإِزَالَةُ عَنْ الْمَوْجُودِ وَاَلَّذِي سَيُوجَدُ لَكِنْ لَا بِمَعْنَى أَنَّ مُعْتِقَ الْأَصْلِ بَاشَرَ عِتْقَ الْفَرْعِ وَلَا أَزَالَ عَنْهُ رِقًّا حَقِيقِيًّا؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ ذَلِكَ بَدِيهِيٌّ، فَلَا يُورَدُ مِثْلُهُ وَلَا يُرَادُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْمُجِيبُ الْأَوَّلُ بِذَلِكَ قَوْلَ أَصْحَابِنَا: إنْ مَسَّ الْمَيِّتَ رِقٌّ فَالْعَصَبَةُ الْوَارِثُ لَهُ بَعْدَ عَصَبَةِ

النَّسَبِ هُوَ مُعْتِقُهُ ثُمَّ عَصَبَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَمَسَّهُ رِقٌّ، وَإِنَّمَا مَسَّ أَحَدَ آبَائِهِ فَالْعَصَبَةُ الْوَارِثُ لَهُ هُوَ مُعْتِقُ ذَلِكَ الْأَصْلِ الَّذِي انْجَرَّ الْوَلَاءُ مِنْهُ إلَى ذَلِكَ الْفَرْعِ؛ لِأَنَّ النِّعْمَةَ عَلَى الْأَصْلِ نِعْمَةٌ عَلَى الْفَرْعِ فَمَنْ أُمُّهُ حُرَّةٌ أَصْلِيَّةٌ وَأَبُوهُ عَتِيقٌ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِمَوَالِي أَبِيهِ؛ لِأَنَّ الِانْتِسَابَ إلَى الْأَبِ وَهُوَ حُرٌّ مُسْتَقِلٌّ لِأَوْلَادٍ عَلَيْهِ فَلْيَكُنْ الْوَلَدُ مِثْلَهُ اهـ. فَهَذَا يُظْهِرُ مَعْنَى قَوْلِ الْمُجِيبِ الْأَوَّلِ: إنَّ إزَالَةَ الرِّقِّ عَنْ الْأَصْلِ إزَالَةٌ لَهُ عَنْ الْفَرْعِ فَأَرَادَ بِإِزَالَةِ الرِّقِّ إزَالَةَ آثَارِهِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْإِزَالَةَ تَسْتَلْزِمُ الْإِنْعَامَ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، أَمَّا الْأَصْلُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ النِّعْمَةَ بَاشَرَتْهُ حَقِيقَةً، وَأَمَّا الْفَرْعُ؛ فَلِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ بِذَلِكَ زَوَالُ الْعَارِ عَنْهُ بِرِقِّ أَصْلِهِ وَمُكَافَأَتِهِ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي تُسَاوِيهِ فِي حُرِّيَّةِ الْأُصُولِ، إذْ لَوْ بَقِيَ أَصْلُهُ رَقِيقًا لَمْ يَكُنْ كُفُؤًا لِمَنْ أَصْلُهَا عَتِيقٌ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَصْلَانِ عَتِيقَانِ لَمْ يَكُنْ كُفُؤًا لِمَنْ لَهَا ثَلَاثَةُ أُصُولٍ عُتَقَاءُ. وَكَذَا فِي تَحَمُّلِ الدِّيَةِ عَنْهُ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ؛ لِأَنَّ أَبَاهُ لَوْ اسْتَمَرَّ رَقِيقًا لَمْ يَتَحَمَّلْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ أَقْرِبَائِهِ عَنْهُ لَوْ جَنَى، فَلَمَّا عَتَقَ أَصْلُهُ صَارَ مُعْتِقَ أَصْلِهِ يَتَحَمَّلُ عَنْ ذَلِكَ الْفَرْعِ لَوْ جَنَى، وَلَا مُوجِبَ لِهَذَا التَّحَمُّلِ عَنْهُ إلَّا نِعْمَتُهُ الصَّادِرَةُ مِنْهُ عَلَى أَصْلِهِ السَّارِيَةُ مِنْ أَصْلِهِ إلَيْهِ الْمُقْتَضِيَةُ لِكَوْنِهِ صَارَ كَقَرِيبِهِ الَّذِي هُوَ مِنْ جَلْدَتِهِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» فَظَهَرَ أَنَّ الْفَرْعَ اكْتَسَبَ شَرَفًا وَفَوَائِدَ مِنْ جِهَاتٍ عَدِيدَةٍ بِسَبَبِ عِتْقِ أَصْلِهِ، فَكَأَنَّ ذَلِكَ الْعِتْقَ سَرَى إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ وُصُولِ آثَارِهِ إلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَتَسْمِيَةُ الْفَرْعِ عَتِيقًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ مَجَازٌ وَاضِحٌ لِلْعَلَاقَةِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي أَشَرْت إلَيْهَا، وَقَوْلُهُ عَلَى أَنَّ الْفَرْعَ إذَا وُجِدَ حُرًّا إلَخْ جَوَابُهُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ حُرًّا مِنْ غَيْرِ جِهَةِ أَبِيهِ حَصَلَ لَهُ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ مِنْ جِهَةِ حُرِّيَّةِ أَبِيهِ أَوْجَبَتْ لَهُ أَنْ تَكُونَ النِّعْمَةُ عَلَى أَبِيهِ نِعْمَةً عَلَيْهِ، فَتَفَطَّنْ لِذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: فَلَيْسَ مُطْلَقًا بَلْ مُغَيًّا إلَى غَايَةٍ مَخْصُوصَةٍ لَا يَجُوزُ إلْغَاؤُهَا، وَهِيَ بُلُوغُ عَدَدِ الْعُتَقَاءِ خَمْسِينَ، جَوَابُهُ: أَنَّ الْمُجِيبِينَ الْأَوَّلِينَ لَا يُخَالِفُونَ فِي هَذِهِ الْغَايَةِ وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ مِنْهُمْ: بِإِلْغَائِهَا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْمُرَادِ بِلَفْظِ الْعُتَقَاءِ فِيهَا فَهُمْ قَائِلُونَ بِأَنَّهُ يَشْمَلُ مَجَازَهُ كَحَقِيقَتِهِ لِلْقَرِينَةِ، بَلْ وَالْقَرَائِنِ الَّتِي قَدَّمْت إيضَاحَهَا، وَمُخَالِفُوهُمْ يَقُولُونَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ حَقِيقَتُهُ فَقَطْ إلْغَاءً لِتِلْكَ الْقَرِينَةِ أَوْ الْقَرَائِنِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَقْوَ عِنْدَهُمْ، وَهَذَا هُوَ مَنْشَأُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ مَعَ اتِّفَاقِ الْكُلِّ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْغَايَةَ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهَا، لَكِنْ الْأَوَّلُونَ يَعْتَبِرُونَ فِيهَا الْفُرُوعَ أَيْضًا، وَالْآخَرُونَ يَعْتَبِرُونَ فِيهَا الْأُصُولَ فَقَطْ. وَقَوْلُهُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْوَلَدِ لِنَصِيبِ الْأَبِ يَجْعَلُ الْأَبَ فِي حُكْمِ الْمَوْجُودِ إلَخْ جَوَابُهُ: أَنَّ قَائِلَ هَذَا الْجَعْلَ لَمْ يُرِدْ بِهِ إلَّا مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُجِيبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الَّذِي قَرَّرْته وَوَضَّحْته فِيمَا بَسَطْته سَابِقًا، وَذَلِكَ أَنَّ الْوَاقِفَ لَمَّا نَصَّ عَلَى أَنَّ الْفُرُوعَ يَسْتَحِقُّونَ مَا كَانَ لِأُصُولِهِمْ وَأَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي فِي سَائِرِ طَبَقَاتِ الْفُرُوعِ، كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ: أَوْ أَسْفَلُ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ قَوْلُهُ بَعْدَهُ: وَيَسْتَمِرُّ الْحَالُ فِي ذَلِكَ كَذَلِكَ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ خَمْسُونَ، كَانَ هَذَا النَّصُّ الَّذِي ذَكَرَهُ قَرِينَةً أَيَّ قَرِينَةٍ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْعُتَقَاءِ فِي الْغَايَةِ جَمِيعَ مَنْ نَصَّ عَلَيْهِمْ فِيمَا قَبْلَ الْغَايَةِ، وَهُمْ الْعُتَقَاءُ وَفُرُوعُهُمْ إعْمَالًا لِلَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ لِوُجُودِ الْعَلَاقَةِ، وَهِيَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ النِّعْمَةَ عَلَى الْأَصْلِ نِعْمَةٌ عَلَى الْفَرْعِ حَتَّى صَارَ كَأَنَّهُ وَلِوُجُودِ الْقَرِينَةِ وَهِيَ نَصُّهُ عَلَى قِيَامِ الْفُرُوعِ مَقَامَ أَبِيهِمْ فِي الِاسْتِحْقَاقِ الْمُوجِبِ لِكَوْنِهِ مُتَيَقَّنًا فِيهِمْ، وَشَكَكْنَا فِي ارْتِفَاعِهِ عَنْهُمْ بِإِرَادَةِ الْعُتَقَاءِ حَقِيقَةً فِي الْغَايَةِ فَلَزِمَنَا الْعَمَلُ بِالْيَقِينِ وَطَرْحُ الشَّكِّ، كَمَا مَرَّ التَّصْرِيحُ بِهِ عَنْ الْأَئِمَّةِ عَلَى أَنَّهُ مَرَّ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ فِي عَيْنِ مَسْأَلَتِنَا التَّصْرِيحُ بِشُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِفُرُوعِهِمْ، وَكَفَى بِذَلِكَ حُجَّةً فِي تَأْيِيدِ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ وَقَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ إذَا قُلْتُمْ إلَخْ جَوَابُهُ: أَنَّ الْمُجِيبَ الثَّالِثَ قَدْ نَظَرَ لِذَلِكَ بِخِلَافِ الْأَوَّلَيْنِ كَمَا قَدَّمْت الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ مَبْسُوطًا عِنْدَ بَيَانِ مَا فِي الْجَوَابِ الثَّالِثِ، وَأَنَّ الْحَقَّ مَا أَفَادَهُ الْجَوَابَانِ الْأَوَّلَانِ لَا مَا ذَكَرَهُ الثَّالِثُ، وَقَوْلُهُ: يَلْزَمُ أَنْ يَقُولُوا بِقَسْمِ الرَّيْعِ إلَخْ جَوَابُهُ: أَنِّي قَدَّمْت أَنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ الْخَمْسِينَ لَوْ كَانُوا أَوْلَادَ عَتِيقٍ وَاحِدٍ مَنَعُوا قِسْمَةَ الرَّيْعِ

شَطْرَيْنِ؛ لِأَنَّا لَا نَنْظُرُ إلَى وُجُودِ أُصُولِهِمْ لَا شَرْعًا وَلَا حِسًّا، خِلَافًا لِمَا نَظَرَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْجَوَابِ الثَّالِثِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يُنْظَرُ إلَيْهِ أَنَّ الْفُرُوعَ يُسَمَّوْنَ عُتَقَاءَ مَجَازًا وَأَنَّهُمْ دَاخِلُونَ بِمُقْتَضَى الْعَلَاقَةِ وَالْقَرِينَةِ السَّابِقَتَيْنِ فِي لَفْظِ الْعُتَقَاءِ فِي قَوْلِهِ، إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ خَمْسُونَ، وَإِذَا كَانَ الْفُرُوعُ دَاخِلِينَ فِي ذَلِكَ، وَأَوْلَدَ بَعْضُ الْعُتَقَاءِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ وَلَدًا ثُمَّ مَاتَ الْكُلُّ إلَّا فُرُوعَ ذَلِكَ الْعَتِيقِ مَنَعُوا مِنْ قِسْمَةِ الرَّيْعِ شَطْرَيْنِ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَمْ تُوجَدْ إذْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْعُتَقَاءِ مَجَازًا خَمْسُونَ فَقَطْ، بَلْ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِينَ، فَظَهَرَ أَنَّ النَّظَرَ لَيْسَ لِتَقْدِيرِ وُجُودِ الْأَصْلِ حَتَّى يَلْزَمَ عَلَيْهِ مَا مَرَّ، وَإِنَّمَا هُوَ لِتَسْمِيَةِ الْفُرُوعِ عُتَقَاءَ وَدُخُولِهِمْ فِي قَوْلِ الْوَاقِفِ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ خَمْسُونَ. وَقَوْلُهُ: قُلْنَا الْوَاقِفُ إلَخْ جَوَابُهُ: أَنَّ النَّظَرَ إلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ الْأَصْلِ مِنْ أَنَّهُ لَا مَعْقُولَ عَلَيْهِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى أَنَّ مُرَادَ قَائِلِهِ أَنَّ ذَلِكَ التَّقْدِيرَ مُرَجِّحٌ لِإِرَادَةِ الْوَاقِفِ بِلَفْظِ الْعُتَقَاءِ مَا يَشْمَلُ فُرُوعَهُمْ، لَكَانَ لَهُ بَعْضُ إيضَاحٍ وَآلَ إلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ النَّظَرَ إنَّمَا هُوَ لِتَسْمِيَةِ الْوَاقِفِ الْفُرُوعَ عُتَقَاءَ بِمُقْتَضَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ، وَقَوْلُهُ: إنَّ الْحَقَّ الَّذِي لَا يُسْتَرَابُ إلَخْ جَوَابُهُ: أَنَّ هَذَا صَحِيحٌ بِالنِّسْبَةِ لِقَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ فَتَغْلِيطُهُ عَلَى مَنْ خَالَطَهُ بِمَا ذَكَرَهُ إنَّمَا يَتَوَجَّهُ إلَى مَنْ خَالَفَهُ مِنْ أَهْلِ مَذْهَبِهِ لَا غَيْرُ لِأَنَّ أَهْلَ كُلِّ مَذْهَبٍ أَعْرَفُ بِقَوَاعِدِ مَذْهَبِهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَلَا يَسَعُ غَيْرَهُمْ أَنْ يُشَنِّعَ عَلَيْهِمْ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُطَالِعَ كُتُبَ فُرُوعِهِمْ وَفَتَاوَى أَئِمَّتِهِمْ، فَإِذَا أَحَاطَ بِذَلِكَ سَاغَ لَهُ أَنْ يُشَنِّعَ عَلَى مَنْ خَالَفَ قَوَاعِدَ مَذْهَبِهِ، كَمَا وَقَعَ لِلسُّبْكِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْحَنَابِلَةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ أَنَّهُ يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمْ بِكَلَامِ أَئِمَّتِهِمْ وَذِكْرِ نُصُوصِهِمْ مَعَ بَيَانِ أَنَّهُمْ خَالَفُوهَا، بَلْ وَقَعَ لَهُ مَعَ ابْنِ تَيْمِيَّةَ فِي مَسْأَلَةٍ فِي الْوَقْفِ نَقَلَ فِيهَا كَلَامَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ سَفَّهَ جَمِيعَ مَا قَالَهُ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَبَيَّنَ سَبَبَ وَهْمِهِ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ حَتَّى فَهِمَ مِنْهُ غَيْرَ الْمُرَادِ، وَنَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ وَسَاقَ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ الظَّاهِرِ مِنْهُ سَبَبُ الْوَهْمِ، وَأَنَّهُ مُخْطِئٌ فِي فَهْمِهِ، وَبَيَّنَّ أَيْضًا سَبَبَ وَهْمِهِ فِي كَلَامِ أَئِمَّةِ مَذْهَبِهِ ثُمَّ سَاقَ نُصُوصَهُمْ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ، وَكَذَا فَعَلَ مَعَ مَنْ بَقِيَ وَأَطَالَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ، فَمَنْ نَظَرَ فِي كَلَامِ الْمُخَالِفِينَ وَرَدَّ عَلَيْهِمْ بِكَلَامِ أَئِمَّتِهِمْ قُبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ لَا فَلَا، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَوَابِ الْخَامِسِ، فَمَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ قَائِلَهُ نَظَرَ إلَى كَلَامِ أَهْلِ الْأُصُولِ وَلَمْ يُمْعِنْ النَّظَرَ فِي كَلَامِ أَئِمَّةِ فُرُوعِ مَذْهَبِهِ، إذْ لَوْ أَمْعَنَ ذَلِكَ لَمْ يَفُتْهُ مَا قَدَّمْته عَنْهُمْ فِي الْأُمُورِ الْعَشَرَةِ الَّتِي بَسَطْت الْكَلَامَ فِيهَا. عَلَى أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ الْعُتَقَاءَ مُشْتَرَكًا كَمَا بَسَطْت بَيَانَهُ فِي الْمَبْحَثِ الْأَوَّلِ لَظَهَرَ لَهُ أَنَّ الْحَقَّ مَا مَرَّ مِنْ قِيَامِ الْفُرُوعِ مَقَامَ آبَائِهِمْ، وَلَمْ يُورِدْ شَيْئًا مِمَّا أَوْرَدَهُ عَلَى الْقَائِلِينَ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابُ عَمَّا أَوْرَدَهُ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ تَمْهِيدُ مُقَدِّمَةٍ إلَخْ جَوَابُهُ: أَنَّ تِلْكَ الْمُقَدِّمَةَ فِي غَايَةِ التَّحْقِيقِ لَكِنَّ مَا بَرْهَنْت عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ دَاعٍ لِلتَّجَوُّزِ لَا يُرَدُّ عَلَى مُخَالِفِيهِ، لِمَا مَرَّ عَنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّ تَدْقِيقَاتِ النُّحَاةِ وَغَيْرِهِمْ لَا تُدَارُ عَلَيْهَا كُتُبُ الْأَوْقَافِ، وَلِمَا أَطْبَقُوا عَلَيْهِ أَنَّهُمْ فِي الْمَجَازِ الْوَاقِعِ فِي كُتُبِ الْأَوْقَافِ لَا يَبْحَثُونَ عَنْ الدَّاعِي إلَيْهِ أَبَدًا وَإِنَّمَا يَبْحَثُونَ عَنْ وُجُودِ قَرِينَةٍ عَلَيْهِ، فَإِنْ وُجِدَتْ أَدَارُوا الْحُكْمَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا وَمَرَّ بَيَانُ سَبَبِ إعْرَاضِهِمْ عَنْ الْبَحْثِ عَنْ الدَّاعِي وَالِاكْتِفَاءِ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَرِينَةِ فَحَسْبُ فَرَاجِعْهُ، عَلَى أَنَّ هُنَا دَاعِيًا ظَاهِرًا وَبَيَانُهُ: أَنَّ الْوَاقِفَ قَصَدَ بِتَجَوُّزِهِ بِتَسْمِيَةِ الْفُرُوعِ عُتَقَاءَ أَنْ يُبَيِّنَ السَّبَبَ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى أَخْذِ الْفُرُوعِ حِصَصَ أُصُولِهِمْ، مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ تَشْمَلْهُمْ نِعْمَةُ عِتْقِهِ مُبَاشَرَةً فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ: مَا سَبَبُ إلْحَاقِك الْفُرُوعَ بِأُصُولِهِمْ مَعَ بُعْدِهِمْ عَنْك؟ فَقَالَ: سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ نِعْمَةَ عِتْقِي شَمِلَتْ الْجَمِيعَ، فَكَمَا أَوْجَبَ عَلَيَّ الشَّرْعُ تَحَمُّلَ الدِّيَةِ عَنْهُمْ وَأَوْجَبَ لِي أَنِّي أَرِثُهُمْ، نَدَبَنِي إلَى بِرِّهِمْ وَإِلْحَاقِهِمْ بِآبَائِهِمْ فِي وُصُولِ بِرِّي لِجَمِيعِهِمْ. وَذَلِكَ كُلُّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ تَسْمِيَتِهِ آبَاءَهُمْ عُتَقَاءَ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْعُتَقَاءِ مُرِيدًا بِهِمْ حَقِيقَتَهُمْ وَبِفُرُوعِهِمْ، لَمْ يُسْتَفَدْ مِنْهُ هَذِهِ الْفَائِدَةُ، فَلِذَا عَدَلَ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَحْدَهَا إلَى مَا يَشْمَلُ مَجَازَهَا بَيَانًا لِهَذِهِ الْفَائِدَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْعَائِدَةِ الْبَاهِرَةِ، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَتَّضِحُ بِهِ أَنَّ فِي

عُدُولِهِ عَنْ قَوْلِهِ: إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ وَفُرُوعِهِمْ إلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى لَفْظِ الْعُتَقَاءِ مُرِيدًا بِهِ مَا يَشْمَلُ الْفُرُوعَ دَاعِيًا أَيَّ دَاعٍ إلَى هَذَا التَّجَوُّزِ، وَإِنْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ رِعَايَةِ الِاخْتِصَارِ وَزِيَادَةِ الْبَيَانِ اللَّذَيْنِ اُدُّعِيَا ازْدَادَ وُضُوحًا لَكِنَّا لَا نُعَوِّلُ إلَّا عَلَى الْأَوَّلِ لِظُهُورِ مَغْزَاهُ وَإِيضَاحِ مَعْنَاهُ، وَاَللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ، وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَقَوْلُهُ قُلْنَا قَدْ كَانَ يَتَأَتَّى إلَخْ جَوَابُهُ: أَنَّا لَا نَشْتَرِطُ فِي الدَّاعِي الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُتَجَوِّزُ انْحِصَارَ الْأَمْرِ فِيهِ وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ غَيْرُهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَإِذَا كَانُوا فِي الضَّرُورَاتِ الشِّعْرِيَّةِ لَا يَشْتَرِطُونَ ذَلِكَ فَأَوْلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَاتِ لَا يُبِيحُهَا إلَّا الِاضْطِرَارُ إلَيْهَا وَمَعَ ذَلِكَ يَجْعَلُونَ مِنْهَا مَا يَقَعُ فِي نَحْوِ الشِّعْرِ، وَإِنْ سَهُلَ الْعُدُولُ عَنْهُ، وَأَمَّا الدَّاعِي فَهُوَ مَا يَصِحُّ أَنْ يُخْرِجَ ذِكْرَهُمْ الْمُتَجَوِّزَ عَنْ كَوْنِهِ عَابِثًا، وَحَيْثُ كَانَ لَهُ وَجْهٌ فِي الْعُدُولِ خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ سَوَاءٌ أَمْكَنَ وُجُودُ سَبَبٍ آخَرَ مِثْلَ الْأَوَّلِ أَوْ دُونَهُ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ، وَحِينَئِذٍ فَمَنْ قَالَ: إنَّ الدَّاعِيَ الِاخْتِصَارُ أَوْ زِيَادَةُ الْبَيَانِ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ بِمَا ذُكِرَ كَمَا لَا يَخْفَى مِمَّا قَرَّرْته فَتَأَمَّلْهُ، عَلَى أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا فَسَادَ الدَّاعِي لَمْ يَضُرَّنَا؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ اشْتِرَاطِهِمْ الدَّاعِيَ لِيَخْرُجَ بِهِ الْمُتَجَوِّزُ عَنْ الْعَبَثِ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي كَوْنِهِ دَاعِيًا صَحِيحًا بِاعْتِقَادِ الْمُتَجَوِّزِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ اعْتِقَادِهِ وُجُودَ الدَّاعِي خَارِجٌ عَنْ الْعَبَثِ فِي اعْتِقَادِهِ فَيَكْفِيهِ ذَلِكَ، وَإِنْ اعْتَقَدَ غَيْرُهُ فَسَادَ ذَلِكَ الدَّاعِي. وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَالْعَلَاقَةِ وَالْقَرِينَةِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِهَا لِلسَّامِعِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَيْضًا بِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْمُتَجَوِّزِ إفَادَةُ غَيْرِ الْحَقِيقَةِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ، وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ بَلْ وَلَا يُوجَدُ إلَّا إنْ كَانَ هُنَاكَ رَابِطٌ بَيْنَ الْمَعْدُولِ عَنْهُ وَالْمَعْدُولِ إلَيْهِ وَقَرِينَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ أَوْ دَالَّةٌ عَلَى انْضِمَامِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ إلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ جَمْعَهُمَا، فَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ يَتَعَلَّقُ بِالسَّامِعِ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِمَا ظَاهِرَيْنِ لَهُ بِحَيْثُ يَسْتَفِيدُ بِهِمَا ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ، وَأَمَّا الدَّاعِي إلَى التَّجَوُّزِ فَهُوَ لَا يَرْتَبِطُ بِالسَّامِعِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا يَرْتَبِطُ بِالْمُتَجَوَّزِ حَتَّى يَصُونَ قَوْلَهُ عَنْ الْعَبَثِ، فَاشْتُرِطَ فِيهِ صِحَّةُ ذَلِكَ الدَّاعِي عِنْدَ الْمُتَجَوِّزِ لَا عِنْدَ السَّامِعِ، إذْ لَا حَاجَةَ بِهِ إلَى الْبَحْثِ عَنْهُ فَافْهَمْ ذَلِكَ كُلَّهُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ مَعَ خَفَائِهِ وَنَفَاسَتِهِ. وَقَوْلُهُ: وَأَنَّى لَهُ بِالْقَرَائِنِ إلَخْ جَوَابُهُ: أَنَّهُ لَا اسْتِبْعَادَ فِي ذَلِكَ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ حُدُودِهَا مَبْسُوطًا وَقَوْلُهُ: فَإِنْ فَرَضْنَا الظَّفَرَ بِالدَّاعِي إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّهُ قَدْ بَانَ وُجُودُهُ وَاتَّضَحَ، فَلَا حَاجَةَ لِتَقْدِيرِ فَرْضِ وُجُودِهِ وَقَوْلُهُ: بَقِيَتْ الْمُطَالَبَةُ بِالْقَرِينَةِ الْمُصَحِّحَةِ ثُمَّ فَسَرَّهَا بِمَا حَكَمَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ الْعَلَاقَةُ، قَدْ يُقَالُ عَلَيْهِ: هَذَا مَا قَدَّمْته تَبَعًا لِلْأَئِمَّةِ مِنْ مُغَايَرَةِ الْعَلَاقَةِ لِلْقَرِينَةِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ تَجَوَّزَ بِإِطْلَاقِ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، إلَّا أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ مَعْنَى الْعَلَاقَةِ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ لِتَعْبِيرِهِ بِالْقَرِينَةِ الْمُصَحِّحَةِ وَبِقَوْلِهِ: أَنْ يُصَحِّحَ، وَالْمُصَحِّحُ لِلتَّجَوُّزِ إنَّمَا هُوَ حَقِيقَةُ الْعَلَاقَةِ لَا الْقَرِينَةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمَهُ أَيْضًا، وَإِذَا كَانَتْ الْعَلَاقَةُ هِيَ الْمُرَادَةُ هُنَا انْحَلَّ الِاعْتِرَاضُ إذْ لَا نِزَاعَ فِي أَنَّ بَيْنَ الْعَتِيقِ وَأَوْلَادِهِ اشْتِرَاكًا فِي شُمُولِ نِعْمَةِ الْمُعْتِقِ لَهُمَا، فَصَحَّ إطْلَاقُ لَفْظِ الْعَتِيقِ عَلَيْهِمَا مِنْ بَابِ إطْلَاقِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ، أَوْ مَا بِالْفِعْلِ عَلَى مَا بِالْقُوَّةِ، أَوْ الْأَصْلِ عَلَى الْفَرْعِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِمَا مَعْنَى الْقَرِينَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَحِينَئِذٍ انْحَلَّ الِاعْتِرَاضُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إذَا سَلِمَ وُجُودُ الْقَرِينَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا بِمَا لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ وُجُودَ الْعَلَاقَةِ اتَّضَحَ مُدَّعَانَا، وَلَمْ يَبْقَ مَسَاغٌ لِلِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ هَذَا الْمَجَازُ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ: لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تُرِيدَ الْبِنَاءَ عَلَى مَا قَدَّمْته عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ وَزَعَمْت أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ، أَوْ عَلَى مَا قَدَّمْته عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَزَعَمْت أَنَّهُ غَيْرُ الْمُعْتَمَدِ، فَإِنْ أَرَدْت الْأَوَّلَ اُحْتِيجَ إلَى قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى التَّجَوُّزِ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْعَتِيقِ مُبَاشَرَةً وَالْعَتِيقِ سِرَايَةً فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا قَرَائِنَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ مُرَادَ الْوَاقِفِ مِنْ لَفْظِ الْعُتَقَاءِ فِي كَلَامِهِ كُلٌّ مِنْ الْقِسْمَيْنِ أَعْنِي مَنْ بَاشَرَهُمْ الْعِتْقُ وَمَنْ سَرَى إلَيْهِمْ، وَإِنْ أَرَدْت الثَّانِيَ اُحْتِيجَ إلَى قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ عَلَى حَالِهِ مِنْ مُبَادَرَةِ الذِّهْنِ إلَيْهِ مِنْ اللَّفْظِ، وَعَلَى انْضِمَامِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ إلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ فِي فَهْمِهِ مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ أَيْضًا. وَكُلٌّ مِنْ الْقَرَائِنِ الَّتِي

قَدَّمْنَا بَسْطَهَا عَلَى ذَلِكَ فَرَاجِعْهَا، عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ لَمَّا ذَكَرْنَا أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى عُتَقَائِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِمْ، وَأَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي فِي سَائِرِ الْبُطُونِ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ خَمْسُونَ، عُلِمَ مِنْ صَنِيعِهِ هَذَا أَنَّهُ مُدْخِلٌ لِفُرُوعِ عُتَقَائِهِ فِي وَقْفِهِ، وَدَلَالَةُ كَلَامِهِ عَلَى هَذَا تَكَادُ أَنْ تَكُونَ ضَرُورِيَّةً، وَإِذَا دَخَلُوا فِي وَقْفِهِ كَذَلِكَ لَمْ يَخْرُجُوا مِنْهُ إلَّا بِيَقِينٍ كَمَا مَرَّ نَقْلُهُ عَنْ الْأَئِمَّةِ وَإِذَا لَمْ يَخْرُجُوا عَنْهُ بِمُحْتَمِلٍ كَالْعُتَقَاءِ الْمُحْتَمِلِ لَأَنْ يُرَادَ بِهِمْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ كَانُوا دَاخِلِينَ فِي الْعُتَقَاءِ اسْتِصْحَابًا لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ، حَتَّى يُتَيَقَّنَ وُجُودُ مَا يُخْرِجُهُمْ، وَهَذِهِ قَرِينَةٌ حَالِيَّةٌ غَيْرُ الْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا وَبِهَا يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ الْوَاقِفِ بِالْعُتَقَاءِ حَقِيقَتُهُ وَمَجَازُهُ، وَكَوْنُ الْمَجَازِ هُنَا مِنْ الْكُلِّ الْمَجْمُوعِيِّ الَّذِي يَعِزُّ وُجُودُ الْعَلَاقَةِ لَهُ أَوْ مِنْ الْكُلِّ الْإِفْرَادِيِّ الَّذِي يَسْهُلُ ذَلِكَ فِيهِ مِنْ الْأُمُورِ الْغَامِضَةِ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ، فَلَا يَجْرِي مِثْلُهُ فِي كُتُبِ الْأَوْقَافِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرِهِ، فَالْإِعْرَاضُ عَنْ هَذَا صَفْحًا أَحَقُّ وَالتَّنَاسِي لِلْكَلَامِ فِيهِ هُنَا أَلْيَقُ. وَقَوْلُهُ: قُلْنَا: دَعُوا الْحَيْرَةَ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّهُ قَدْ بَانَ بِمَا قَرَّرْته وُجُودُ الْعَلَاقَة وَالْقَرِينَةِ بَلْ الْقَرَائِنِ وَأَنَّ إحْدَاهُمَا لَا تَلْتَبِسُ بِالْأُخْرَى فَلَا حَيْرَةَ حِينَئِذٍ، وَإِذَا لَمْ يُصَرِّحْ أَحَدٌ مِنْ أَرْبَابِ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَلَاقَةٌ وَلَا قَرِينَةٌ، وَإِنَّمَا الَّذِي اقْتَضَاهُ صَنِيعُهُمْ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ قَرِينَةٌ لَا عَلَاقَةٌ؛ لِأَنَّ مَنْ عِنْدَهُ أَدْنَى مَسْكَةٍ مِنْ ذَوْقِ الْفِقْهِ يَفْهَمُ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الْعَتِيقِ مُبَاشَرَةً وَالْعَتِيقِ سِرَايَةً فَلَمْ يَحْتَاجُوا لِبَيَانِهَا، بِخِلَافِ الْقَرِينَةِ فَإِنَّهَا الَّتِي يَعْسُرُ إدْرَاكُهَا، فَاحْتَاجَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنْ يُشِيرَ إلَيْهَا فَهُمْ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ عَنْهَا بِبَادِي الرَّأْيِ لَكِنَّهَا لَمْ تَخْتَلِفْ فِي الْحَقِيقَةِ، كَمَا قَدَّمْت ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَيْهَا وَاضِحًا مَبْسُوطًا وَقَوْلُهُ: أَوْ الثَّانِي بَيَّنَّا إهْمَالَهُ إلَخْ جَوَابُهُ: أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْقَرِينَةَ هِيَ الَّتِي تَمْنَعُ مِنْ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ وَقَدْ بَيَّنْت فِيمَا مَضَى أَنَّهُ لَا يُفَسِّرُهَا بِذَلِكَ فَحَسْبُ إلَّا مَنْ يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ وَأَمَّا مَنْ يُجَوِّزُ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُفَسِّرَ الْقَرِينَةَ الدَّالَّةَ عَلَيْهِ بِأَنَّهَا الَّتِي تَدُلُّ عَلَى انْضِمَامِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ إلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ وَإِرَادَتِهِمَا مِنْهُ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي قَرَّرْته وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَمْ يَتَبَيَّنْ إهْمَالُ مَا قَالُوهُ، بَلْ بَانَ ظُهُورُهُ وَاتِّضَاحُهُ وَأَنَّهُ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ بِأَنَّ مَا يَصْرِفُ عَنْ الشَّيْءِ وَيُبْعِدُ عَنْ إرَادَتِهِ غَيْرُ مَا يُقَرِّبُ مِنْهُ وَيَرْبِطُ بِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الرَّدَّ مَبْنِيٌّ عَلَى انْحِصَارِ الْقَرِينَةِ فِي الْمَانِعَةِ عَنْ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يُفَسِّرُهَا بِذَلِكَ وَحْدَهُ إلَّا مَنْ يَمْنَعُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَنَحْنُ إنَّمَا بَنَيْنَا الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى جَوَازِهِ الَّذِي هُوَ الْحَقُّ عِنْدَنَا كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي. وَقَوْلُهُ مَسُوقٌ مَسَاقَ الْأَقْوَالِ السَّقِيمَةِ إلَخْ فِيهِ جَفَاءٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَمَا كُنْت أَوَدُّ لِهَذَا الْمُجِيبِ مَعَ أَنَّ عِنْدَهُ مِنْ تَعْظِيمِ الشَّافِعِيِّ مَا لَا أَصِفُهُ مِمَّا أَعْلَمُهُ مِنْهُ أَنْ يَكْتُبَ ذَلِكَ بِقَلَمِهِ وَلَا أَنْ يَتَفَوَّهَ بِهِ بِفَمِهِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ نُوزِعَ فِي نِسْبَتِهِ لِلشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ النِّزَاعَ فِي ذَلِكَ غَيْرُ مَقْبُولٍ كَيْفَ وَقَدْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَنَاهِيك بِذَلِكَ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ جَوَازُ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَشْتَرِطُوا قَرِينَةً فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمْ وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ: إنَّ ذَلِكَ مُسْتَبْعَدٌ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ رَدُّوهُ بِأَنَّهُ لَمْ يُقَفْ عَلَى هَذَا النَّقْلِ، وَقَدْ قَدَّمْت ذَلِكَ مَبْسُوطًا مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ نَفْسِهِ فِي أَوَّلِ الْمَبْحَثِ الثَّانِي فَرَاجِعْهُ. وَقَوْلُهُ عَنْ الرَّافِعِيِّ إنَّهُ قَالَ: الْأَشْبَهُ إلَخْ مَرَّ أَنَّهُمْ رَدُّوهُ بِأَنَّ هَذَا الْأَشْبَهَ إنَّمَا يَلِيقُ بِقَوَاعِدِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَأَمَّا مَنْقُولُ مَذْهَبِنَا، فَهُوَ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ يُرَادُ بِهِ جَمِيعُ مَعَانِيهِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا نَقَلَهُ الْكَمَالُ عَنْ السُّبْكِيّ مِنْ قَوْلِهِ: فَسِيَاقُ كَلَامِهِ إلَخْ وَقَوْلُهُ هُوَ مَا إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ مَعَ الْقَرِينَةِ، وَأَنَّ مَنْ ادَّعَى تَجَوُّزًا مُنْضَمًّا إلَى الْحَقِيقَةِ لَا يُكَلَّفُ بِغَيْرِ بَيَانِ الْقَرِينَةِ لِخَفَائِهَا. وَقَوْلُهُ: وَضِدَّيْهِمَا مَعَ قَوْلِهِ: قَبْلَهُ بَيْنَ ذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ سَهْوٌ، وَقَوْلُهُ: أَلَيْسَ الدَّلَالَةُ عَلَى الْوَلَدِ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ مُمْتَنِعٌ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِينَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ إرَادَتِهِ بِالْوَلَدِ حَقِيقَتَهُ فَقَطْ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْعُتَقَاءِ حَقِيقَتَهُمْ فَقَطْ، فَضْلًا عَنْ أَنَّ

كتاب الإتحاف ببيان أحكام إجارة الأوقاف

ذَلِكَ يُعَيِّنُ هَذَا، وَحِينَئِذٍ انْدَفَعَ مَا بَنَاهُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: فَكَيْفَ يَسُوغُ لِمُدَّعٍ إلَخْ وَقَوْلُهُ: أَفَتَحْفَظُ إلَخْ جَوَابُهُ: أَنَّا لَمْ نَقُلْ ذَلِكَ وَلَا ادَّعَيْنَا شَيْئًا مِنْهُ، وَإِنَّمَا ادَّعَيْنَا أَنَّ لَفْظَ عُتَقَاءَ الْأَوَّلَ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ فَقَطْ وَهَذَا لَا مِرْيَةَ فِيهِ، وَلَفْظُ الْوَلَدِ وَوَلَدِهِ وَأَسْفَلَ مِنْهُ كُلٌّ مِنْهَا مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ ثُمَّ لَمَّا مَهَّدَ ذَلِكَ كَذَلِكَ قَالَ: وَيَسْتَمِرُّ الْحَالُ فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ عَبَّرَ بِبَاقِي الْعُتَقَاءِ تَارَةً وَبِالْعُتَقَاءِ أُخْرَى: وَلَمْ يُعِدْ الضَّمِيرَ عَلَيْهِمْ مَعَ أَنَّ الْمَقَامَ يَقْتَضِيهِ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ خَمْسُونَ فَاحْتَمَلَ هَذَا أَنْ يُرِيدَ الْحَقِيقَةَ وَحْدَهَا وَأَنْ يُرِيدَ بِهِ الْمَجَازَ مَعَهَا، فَنَظَرْنَا فِي كَلَامِهِ فَرَأَيْنَا فِيهِ قَرَائِنَ دَالَّةً عَلَى الثَّانِي، وَتَرَجَّحَتْ بِأَنَّ دُخُولَ الْأَوْلَادِ فِي وَقْفِهِ وَاسْتِحْقَاقَهُمْ لِلْأَخْذِ مِنْهُ أَمْرٌ يَقِينِيٌّ، وَالْيَقِينِيُّ لَا يُرْفَعُ بِالْمُحْتَمَلِ، فَأَوْجَبَ لَنَا ذَلِكَ كُلُّهُ كَمَا بَسَطْنَاهُ وَحَرَّرْنَاهُ فِيمَا مَرَّ حَمْلَ الْعُتَقَاءِ عَلَى جَمِيعِ مَا مَرَّ مِنْ الْعُتَقَاءِ وَفُرُوعِهِمْ، فَتَأَمَّلْ بَعْدَ مَا أَحَطْت بِهَذَا التَّحْقِيقِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَتُلِيَ عَلَى سَمْعِك هَذَا التَّدْقِيقُ غَيْرَ كَرَّةٍ. وَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ حَقِيقَةَ الْغَيْثِ اعْتِبَاطًا أَوْ لِدَلِيلٍ؟ وَهَلْ هَذَا نَظِيرُ أَوْ قَرِيبُ رَأَيْت رَجُلًا شُجَاعًا إلَخْ؟ وَاحْكُمْ حِينَئِذٍ بِمَا هُوَ الْإِنْصَافُ لِتَتَخَلَّصَ مِنْ وَرْطَةِ التَّعَصُّبِ وَالِاعْتِسَافِ، وَقَوْلُهُ: وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ إلَخْ قَدْ مَرَّ مَبْسُوطًا أَنَّ كَلَامَهُ هَذَا مَعَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ أَعْدَلُ شَاهِدٍ وَأَصْدَقُ بُرْهَانٍ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ وَحَقِيقَةِ مَا حَرَّرْنَاهُ، لِإِطْبَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ خُرُوجِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ عَنْ الْأَوْلَادِ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ تَدُلُّ عَلَى إرَادَتِهِمْ، أَمَّا مَعَ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ قَطْعًا كَمَا أَنَّهُمْ مَعَ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى خُرُوجِهِمْ يَخْرُجُونَ قَطْعًا، فَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي دُخُولِهِمْ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ أَصْلًا، وَإِذَا دَخَلَ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ فِي الْأَوْلَادِ بِقَرِينَةٍ، فَكَيْفَ لَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْعُتَقَاءِ فِيهِمْ بِقَرِينَةٍ بَلْ بِقَرَائِنَ، بَلْ مَرَّ أَنَّ شُمُولَ الْعُتَقَاءِ لِأَوْلَادِهِمْ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الْمُشْتَرَكِ وَلَا كَذَلِكَ الْأَوْلَادُ لِأَوْلَادِهِمْ، وَمَرَّ الْفَرْقُ الْوَاضِحُ عَلَى ذَلِكَ فَإِذَا اكْتَفَوْا فِيمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ قَطْعًا بِالْقَرِينَةِ، فَكَيْفَ لَا يَكْتَفُونَ بِهَا فِيمَا هُوَ دَائِرٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ مِنْ بَابِ الِاشْتِرَاكِ. وَقَوْلُهُ: وَنَرْجِعُ إلَى الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ إلَخْ جَوَابُهُ مَا قَدَّمْته عَنْ السُّبْكِيّ كَابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ تَسَاوِيهِمَا وَتَسَاقُطُهُمَا، وَجَبَ إعْطَاءُ الْفُرُوعِ اسْتِصْحَابًا لِلْيَقِينِ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الْأَخْذِ وَطَرْحًا لِلشَّكِّ حَذَرًا مِنْ مَنْعِ الْمُتَيَقَّنِ اسْتِحْقَاقَهُمْ بِغَيْرِ دَلِيلٍ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِحَقِيرٍ وَلَا جَلِيلٍ فِي كَثِيرٍ وَلَا قَلِيلٍ، وَاَللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ، فَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت، وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَوَّلًا وَآخِرًا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ، يَا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِك وَعَظِيمِ سُلْطَانِك، سُبْحَانَك لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك، فَعِيَاذًا اللَّهُمَّ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك وَبِمُعَافَاتِك مِنْ عُقُوبَتِك وَبِك مِنْك، وَصَلَاةً وَسَلَامًا عَلَى خَيْرِ أَنْبِيَائِك وَمُبَلِّغِ أَنْبَائِك سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَبْدِك وَرَسُولِك وَنَبِيِّك النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَكَمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى عَدَدَ مَعْلُومَاتِك وَمِدَادَ كَلِمَاتِك، كُلَّمَا ذَكَرَك الذَّاكِرُونَ وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِك وَذِكْرِهِ الْغَافِلُونَ، سُبْحَانَ رَبِّك رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ آمِينَ [كِتَابُ الْإِتْحَافِ بِبَيَانِ أَحْكَامِ إجَارَةِ الْأَوْقَافِ] (هَذَا كِتَابُ الْإِتْحَافِ بِبَيَانِ أَحْكَامِ إجَارَةِ الْأَوْقَافِ تَقَبَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ، تَأْلِيفُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْعَالِمِ الْعَلَّامَةِ أَحْمَدَ بْنِ حَجَرٍ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَتْحَفَنَا بِاتِّبَاعِ الْحَقِّ حَيْثُمَا كَانَ، وَلَمْ نَرْقُبْ فِي ذَلِكَ مَنْ سِوَاهُ حَسْبَ الْإِمْكَانِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً أَتَبَوَّأُ بِهَا أَعْلَى فَرَادِيسِ الْجِنَانِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَخْصُوصُ بِأَشْرَفِ الْأَوْصَافِ وَالْأَدْيَانِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ مَا زَالُوا يُظْهِرُونَ الْحَقَّ، وَلَمْ يُبَالُوا بِخِلَافِ أَهْلِ الْعِنَادِ وَالْبُهْتَانِ (أَمَّا بَعْدُ) فَإِنَّهُ رُفِعَ سُؤَالٌ أَوَائِلَ

سَنَةِ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ فِي إجَارَةِ وَقْفٍ، فَكَتَبْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ بَلَغَنِي أَنِّي خُولِفْت فِيهِ، ثُمَّ رُفِعَ إلَيَّ سُؤَالٌ بِصُورَةٍ أُخْرَى، فَكَتَبْت عَلَيْهِ ثُمَّ سُؤَالٌ بِصُورَةٍ أُخْرَى فَكَتَبْت عَلَيْهِ حَتَّى أَضْجَرَتْنِي هَذِهِ الْوَاقِعَةُ، وَلَمْ أَكْتُبْ فِيهَا إلَّا بَعْدَ مَزِيدِ اسْتِخَارَةٍ وَتَثَبُّتٍ وَتَفَحُّصٍ، حَتَّى لَقَدْ اطَّلَعْتُ مِنْ تَصَانِيفِ أَئِمَّتِنَا الْمُعْتَبَرَةِ عَلَى مَا يَزِيدُ عَلَى سَبْعِينَ مُؤَلَّفًا، مِنْهَا مَا طَالَعْتُهُ كُلَّهُ كَكِتَابِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ، وَمِنْهَا مَا طَالَعْت أَكْثَرَهُ كَكُتُبِ الْفَتَاوَى، وَمِنْهَا مَا طَالَعْت مَوَاضِعَ عَدِيدَةً مِنْهُ، فَلَمَّا كَثُرَتْ مِنِّي الْكِتَابَاتُ فِي ذَلِكَ أَرَدْت أَنْ أَجْمَعَهَا مَعَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا فِي هَذَا التَّأْلِيفِ، وَسَمَّيْته (الْإِتْحَافُ بِبَيَانِ أَحْكَامِ إجَارَةِ الْأَوْقَافِ) أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَهُ وَسِيلَةً لِي يَوْمِ الدِّينِ، وَعُدَّةً أَدَّخِرُهَا عِنْدَهُ، إنَّهُ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَأَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت، وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. وَرَتَّبْتُهُ عَلَى مُقَدِّمَةٍ وَبَابَيْنِ وَخَاتِمَةِ الْمُقَدِّمَةِ فِي السُّؤَالِ الْأَوَّلِ وَهُوَ شَخْصٌ وَقَفَ دَارًا عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ وَهَكَذَا وَشَرَطَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ لِوَلَدِهِ الْمُعَيَّنِ ثُمَّ لِلْأَرْشَدِ وَحَكَمَ بِمُوجَبِ الْوَقْفِ وَبِصِحَّتِهِ وَلُزُومِهِ حَنَفِيٌّ وَشَرَطَ أَنْ يُبْدَأَ بِعِمَارَتِهِ مِنْ إجَارَتِهِ بِنَظَرِ وَلَدِهِ فَبَعْدَ وَفَاتِهِ أَجَّرَهُ وَلَدُهُ مِائَةَ سَنَةٍ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ لِعِمَارَتِهِ وَحَكَمَ بِصِحَّةِ الْإِيجَارِ شَافِعِيٌّ مَثَلًا فَهَلْ حُكْمُ الْحَنَفِيِّ يَتَنَاوَلُ الْحُكْمَ بِبُطْلَانِ هَذِهِ الْإِجَارَةِ؟ فَإِنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ إجَارَةُ الْوَقْفِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ. فَأَجَبْت: الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ مُتَضَمِّنٌ لِلْحُكْمِ بِجَمِيعِ الْآثَارِ الَّتِي يَرَاهَا الْحَاكِمُ، بِشَرْطِ أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ الْحُكْمِ بِهَا عَلَى الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ فِيهِ، مِثَالُهُ: أَنْ يَحْكُمَ حَنَفِيٌّ بِمُوجَبِ تَدْبِيرٍ. فَمِنْ مُوجَبِهِ عِنْدَهُ مَنْعُ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ، فَقَدْ حَكَمَ بِهِ فِي وَقْتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَنْعٌ لِلسَّيِّدِ مِنْهُ فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَذِنَ لَهُ شَافِعِيٌّ فِيهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَقْضًا لِلْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ أَيْضًا الْحُكْمُ بِصِحَّةِ بَيْعِهِ لَوْ وَقَعَ، فَإِنَّهُ وَقَعَ بَاطِلًا بِقَضِيَّةِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ بِمُوجَبِ هَذَا الْوَقْفِ مُتَضَمِّنٌ لِحُكْمِهِ بِامْتِنَاعِ إجَارَتِهِ مُدَّةً لَا يُجِيزُهَا الْحَنَفِيُّ؛ لِأَنَّ هَذَا أَثَرٌ مِنْ آثَارِ حُكْمِهِ، وَقَدْ دَخَلَ وَقْتُهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ وَجَّهَ حُكْمَهُ إلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ الْحُكْمُ بِمَا يُخَالِفُ ذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ نَقْضًا لِحُكْمِ الْحَنَفِيِّ وَعَلَى التَّنَزُّلِ، وَأَنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ لَا يَشْمَلُ ذَلِكَ فَإِجَارَةُ النَّاظِرِ الْوَقْفَ مِائَةَ سَنَةٍ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ لِذَلِكَ بَاطِلَةٌ، كَمَا حَرَّرَهُ الْوَلِيُّ أَبُو زُرْعَةَ فِي فَتَاوِيهِ حَيْثُ قَالَ: مَا يَفْعَلُهُ حُكَّامُ مَكَّةَ مِنْ إجَارَةِ دُورِ الْوَقْفِ الْخَرِبَةِ السَّاقِطَةِ مِائَةَ سَنَةٍ أَوْ نَحْوَهَا عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ لِأُجْرَةِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَجْلِ الْعِمَارَةِ حَسَنٌ يَسُوغُ اعْتِمَادُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَقْفِ حَاصِلٌ يُعْمَرُ بِهِ، وَلَا وُجِدَ مَنْ يُقْرِضُ الْقَدْرَ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ لِلْعِمَارَةِ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لِإِجَارَةِ مُدَّةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ بِأُجْرَةٍ حَالَّةٍ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ لِذَلِكَ اهـ. فَإِجَارَةُ النَّاظِرِ الْمَذْكُورَةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا، عَلَى أَنَّ الْأَذْرَعِيَّ قَالَ: لَا تَجُوزُ إجَارَةُ الْوَقْفِ مِائَةَ سَنَةٍ مَثَلًا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اسْتِهْلَاكِ الْوَقْفِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ إجَارَةَ النَّاظِرِ الْمَذْكُورَةَ بَاطِلَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيِّ وَالشَّافِعِيِّ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ اهـ. جَوَابِي، ثُمَّ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ نَازَعَ فِيهِ بِإِطْلَاقِ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ أَنَّ الْوَقْفَ كَالْمِلْكِ زَاعِمًا أَنَّ قَضِيَّتَهُ صِحَّةُ الْإِجَارَةِ مُطْلَقًا، وَرَوَّجَ بِهِ عَلَى الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ فَكَتَبْت إلَيْهِ أُبَيِّنُ بُطْلَانَ ذَلِكَ الِاعْتِرَاضِ، فَقُلْت: مَا أَفْتَيْت بِهِ مِنْ بُطْلَانِ الْإِجَارَةِ ذَكَرْت لَهُ سَبَبَيْنِ. أَوَّلَهُمَا: حُكْمُ الْحَنَفِيِّ بِالْمُوجَبِ وَإِفْسَادُ هَذِهِ الْإِجَارَةِ مِائَةَ سَنَةٍ ظَاهِرٌ مِمَّا قَرَّرْته فِيهِ تَبَعًا لِمَا صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا، فَلَا مَسَاغَ لِإِنْكَارِهِ، لَا يُقَالُ: لَيْسَ الْوَقْفُ كَالتَّدْبِيرِ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَى الْعِتْقِ؛ وَلِأَنَّ الْبِيَعَ يُنَافِي التَّدْبِيرَ، بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ لَا تُنَافِي الْوَقْفَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: الشَّارِعُ تَشَوَّفَ إلَى الْوَقْفِ أَيْضًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. وَزَعْمُ أَنَّ الْبِيَعَ يُنَافِي التَّدْبِيرَ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ لَا تُنَافِي الْوَقْفَ غَلَطٌ فَاحِشٌ، فَإِنَّ النَّظَرَ هُنَا إلَى مَذْهَبِ الْحَاكِمِ الْحَنَفِيِّ، وَالْإِجَارَةُ الطَّوِيلَةُ مُنَافِيَةٌ لِلْوَقْفِ عِنْدَهُ أَيْضًا، فَالْمَسْأَلَتَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ ثَانِيَهُمَا: مَا حَكَيْته عَنْ أَبِي زُرْعَةَ وَالْأَذْرَعِيِّ. فَأَمَّا مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَإِطْلَاقُهُ بَعِيدٌ عَنْ قَوَاعِدِنَا، فَلِذَا لَمْ أَذْكُرْهُ فِي الْجَوَابِ إلَّا لِتَقْوِيَةِ كَلَامِ أَبِي زُرْعَةَ، وَأَمَّا مَا قَالَهُ أَبُو زُرْعَةَ فَهُوَ حَسَنٌ وَقَوَاعِدُنَا لَا تُخَالِفُهُ، بَلْ تُؤَيِّدُهُ وَتُقَوِّيهِ كَمَا سَأَذْكُرُهُ. فَإِنْ قِيلَ:

يُنَافِيهِ قَوْلُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي بَابِ الْإِجَارَةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ الْأَرْضَ تُؤَجَّرُ مِائَةَ سَنَةٍ وَأَكْثَرَ، وَالْوَقْفُ كَالْمِلْكِ فَظَاهِرُ التَّشْبِيهِ: جَوَازُ إجَارَةِ الْوَقْفِ مِائَةَ سَنَةٍ، وَلَوْ كَانَ عَامِرًا بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَجُوزُ فِيهِ ذَلِكَ، وَقَدْ شُبِّهَ الْوَقْفُ بِهِ فَلْيُعْطَ حُكْمَهُ، قُلْت: لَا قَائِلَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ بِظَاهِرِ هَذَا التَّشْبِيهِ الْمَذْكُورِ، وَإِنَّمَا سَبَبُ تَوَهُّمِ هَذَا مِنْهُ الْغَفْلَةُ عَنْ كَلَامِهِمَا أَعْنِي الرَّوْضَةَ وَأَصْلَهَا فِي بَابِ الْوَقْفِ، إذْ بِتَأَمُّلِهِ يُعْلَمُ أَنَّ مُرَادَهُمَا بِقَوْلِهِمَا: الْوَقْفُ كَالْمِلْكِ أَيْ فِي أَنَّهُ لَا يُقَدَّرُ بِمُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، لَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ تَشْبِيهِ الْوَقْفِ بِالْمِلْكِ. وَأَمَّا حُكْمُ إجَارَةِ النَّاظِرِ مِنْ الصِّحَّةِ تَارَةً وَالْفَسَادِ أُخْرَى، فَقَدْ تَعَرَّضُوا لَهُ فِي بَابِ الْوَقْفِ، حَيْثُ أَشَارُوا فِيهِ إلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ النَّاظِرَ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِ الْوَقْفِ كَالْوَصِيِّ بِالْمَصْلَحَةِ بِالنِّسْبَةِ لِرِعَايَةِ مَقْصُودِهِ وَبَقَاءِ عَيْنِهِ، لَا بِالنِّسْبَةِ لِرِعَايَةِ مَصْلَحَةِ الْمُسْتَحِقِّ، وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّ النَّاظِرَ فِي مَالِ الْوَقْفِ كَالْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ، وَالْوَصِيُّ وَالْقَيِّمُ لَا يَجُوزُ لَهُمَا التَّصَرُّفُ إلَّا بِالْغِبْطَةِ وَالْمَصْلَحَةِ، وَلَا يُكْتَفَى فِيهِمَا بِقَوْلِهِمَا، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ إحْدَاهُمَا عِنْدَ الْقَاضِي، فَكَذَلِكَ النَّاظِرُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ الْوَقْفَ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ إلَّا لِحَاجَةٍ أَوْ مَصْلَحَةٍ تَعُودُ لِلْوَقْفِ لَا لِلْمُسْتَحِقِّ. وَقَدْ ثَبَتَتْ عِنْدَ الْقَاضِي وَمَتَى تَصَرَّفَ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فَتَصَرُّفُهُ بَاطِلٌ، هَذَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَئِمَّتِنَا فِي بَابِ الْوَقْفِ صَرِيحًا وَاقْتِضَاءً وَتَشْبِيهُ الشَّيْخَيْنِ الْوَقْفَ بِالْمِلْكِ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ لَا يُنَافِيهِ كَمَا تَقَرَّرَ لِمَا ذَكَرْته أَنَّ مَعْنَى التَّشْبِيهِ أَنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِمُدَّةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِهِ عَلَى وَفْقِ الْغِبْطَةِ أَوْ الْمَصْلَحَةِ أَوْ الْحَاجَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْوَقْفِ دُونَ مُسْتَحَقِّهِ، عَلَى أَنَّ الشَّيْخَيْنِ إنَّمَا قَصَدَا بِذَلِكَ التَّشْبِيهِ الرَّدَّ عَلَى بَعْضِ أَصْحَابِنَا فِي قَوْلِهِ: لَا تَجُوزُ إجَارَةُ الْوَقْفِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، فَمِنْ ثَمَّ قَالَا عَقِبَهُ: وَهُوَ غَرِيبٌ، لَكِنْ انْتَصَرَ لَهُ فِي الْخَادِمِ وَتَعَجَّبَ مِنْ اسْتِغْرَابِهِمَا لَهُ، وَبَيَّنَ وَجْهَ ذَلِكَ قَالَا أَعْنِي الشَّيْخَيْنِ نَقْلًا عَنْ الْمُتَوَلِّي: إنَّ الْحُكَّامَ اصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ لَا يُؤَجَّرَ الْوَقْفُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ، لِئَلَّا يَنْدَرِسَ ثُمَّ تَعَقَّبَاهُ بِقَوْلِهِمَا، وَهَذَا اصْطِلَاحٌ غَيْرُ مُطَّرِدٍ، وَبَيَّنَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ الْحُكَّامَ مِنْ أَئِمَّتِنَا مَالُوا فِي ذَلِكَ إلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ: إنَّ مَا فَعَلُوهُ مِنْ ذَلِكَ الِاصْطِلَاحِ هُوَ الِاحْتِيَاطُ، وَقَالَ السُّبْكِيّ مُنْتَصِرًا لِهَذَا الِاصْطِلَاحِ: لَعَلَّ سَبَبَهُ أَنَّ إجَارَةَ الْوَقْفِ تَحْتَاجُ إلَى أَنْ تَكُونَ بِالْقِيمَةِ، وَتَقْوِيمُ الْمُدَّةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ الْبَعِيدَةِ ضَعِيفٌ، قَالَ: وَفِيهِ أَيْضًا تَوَقُّعُ الِانْتِقَالِ إلَى الْبَطْنِ الثَّانِي، وَقَدْ تَتْلَفُ الْأُجْرَةُ فَتَضِيعُ عَلَيْهِمْ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ لِعِمَارَةٍ وَنَحْوِهَا، فَالْحَاكِمُ يَجْتَهِدُ فِي ذَلِكَ وَيَقْصِدُ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى اهـ كَلَامُ السُّبْكِيّ، وَهُوَ مُتَّجَهٌ، إذْ يَجِبُ عَلَى نَاظِرِ الْوَقْفِ رِعَايَةُ الْمَصْلَحَةِ فِي إيجَارِهِ فَلَا يُؤَجِّرُهُ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ تَتَعَلَّقُ بِبَقَاءِ عَيْنِهِ، وَقَدْ انْحَصَرَتْ فِي إيجَارِهِ تِلْكَ الْمُدَّة كَمَا بَيَّنَهُ أَبُو زُرْعَةَ فِي فَتَاوِيهِ، وَلَا يُؤَجِّرُهُ مُدَّةً طَوِيلَةً لِرِعَايَةِ مَصْلَحَةِ الْمُسْتَحِقِّ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ: يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ إجَارَةُ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ اهـ. وَلَا يُظَنُّ بِأَبِي زُرْعَةَ أَنَّهُ ذَكَرَ مَا مَرَّ عَنْهُ فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ مِنْ امْتِنَاعِهَا إلَّا بِشُرُوطِهَا الْمَذْكُورَةِ غَافِلًا عَنْ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ السَّابِقِ: إنَّ الْوَقْفَ كَالْمِلْكِ بَلْ قَرَّرَهُ أَوَّلًا، وَاعْتَمَدَهُ وَرَدَّ مَا يُخَالِفُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ حُكْمَ إجَارَةِ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ فَحِينَئِذٍ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِكَلَامِهِمَا؛ لِأَنَّهُ قَائِلٌ بِكَلَامِهِمَا وَمُبَيَّنٌ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ لَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَاهُ، وَسَبَبُهُ مَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّ كَلَامَهُمَا كَالْأَصْحَابِ فِي بَابِ الْوَقْفِ دَالٌّ عَلَى ذَلِكَ وَنَاطِقٌ بِهِ. وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِيهِ وَظِيفَةُ الْمُتَوَلِّي الْعِمَارَةُ وَالْإِجَارَةُ وَتَحْصِيلُ الرَّيْعِ وَقِسْمَتُهُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ وَحِفْظُ الْأُصُولِ وَالْغَلَّاتِ عَلَى الِاحْتِيَاطِ اهـ. فَقَوْلُهُ عَلَى الِاحْتِيَاطِ رَاجِعٌ إلَى كُلٍّ مِمَّا قَبْلَهُ وَمِنْهُ الْإِجَارَةُ فَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ إجَارَةَ النَّاظِرِ إنَّمَا تَنْفُذُ مِنْهُ إنْ كَانَتْ عَلَى جِهَةِ الِاحْتِيَاطِ وَأَنْ لَا تُؤَجَّرَ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ إلَّا إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهَا وَكَانَ فِيهَا مَصْلَحَةٌ لِعَيْنِ الْوَقْفِ، وَسَبَقَهُمَا الْجُرْجَانِيُّ إلَى ذَلِكَ، وَعِبَارَتُهُ: وَيَتَصَرَّفُ مَنْ إلَيْهِ النَّظَرُ عَلَى الِاحْتِيَاطِ وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي يَدِهِ عَلَى وَجْهِ الْأَمَانَةِ كَالْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ انْتَهَتْ. وَكَوْنُهُ كَالْوَصِيِّ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ أَيْضًا فَقَالَا: لَا بُدَّ مِنْ صَلَاحِيَةِ الْمُتَوَلِّي لِشَغْلِ التَّوْلِيَةِ

وَالصَّلَاحِيَّةِ فِي الْأَمَانَةِ وَالْكِفَايَةِ فِي التَّصَرُّفِ، وَاعْتِبَارُهُمَا كَاعْتِبَارِهِمَا فِي الْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ انْتَهَتْ وَقَالَا أَيْضًا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ: إنَّهُ لَا يُبَدَّلُ بَعْدَ مَوْتِ الْوَاقِفِ الْقَيِّمُ الَّذِي نَصَّبَهُ كَأَنَّهُ يُجْعَلُ بَعْدَ مَوْتِهِ كَالْوَصِيِّ اهـ. وَذَكَرَ الشَّيْخَانِ أَيْضًا أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي اسْتِقْرَاضِ النَّاظِرِ مِنْ إذْنِ الْإِمَامِ، وَاعْتَرَضَ السُّبْكِيّ عَلَيْهِمَا بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ إذْنِهِ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِمَا الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا وَغَيْرُهُ بِأَنَّ النَّاظِرَ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ، وَقَدْ صَرَّحُوا فِيهِ بِأَنَّهُ يَقْتَرِضُ بِدُونِ إذْنِ الْقَاضِي، وَجَوَابُ الْأَوَّلِ: أَنَّ لَهُ مَعْنًى ظَاهِرًا فَإِنَّهُ مَحَلُّ نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ وَهُوَ مِنْ وَظِيفَةِ الْحَاكِمِ دُونَ النَّاظِرِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إثْبَاتُ دَيْنٍ فِي رَقَبَةِ الْوَقْفِ مُتَعَلِّقٍ بِسَائِرِ الْبُطُونِ، فَلَا يَسْتَقِلُّ بِهِ النَّاظِرُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ النَّظَرُ إلَّا مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَيْ: وَإِنْ بَقِيَتْ آثَارُ تَصَرُّفِهِ الشَّرْعِيِّ بَعْدَ مَوْتِهِ فَاحْتِيجَ إلَى إذْنٍ لَهُ مِمَّنْ لَهُ النَّظَرُ الْعَامُّ عَلَى الْجَمِيعِ، وَهُوَ الْحَاكِمُ، ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْخَادِمِ وَغَيْرُهُ وَجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُضَيَّقُ فِي النَّاظِرِ مَا لَا يُضَيَّقُ فِي وَلِيِّ الْيَتِيمِ، وَمِنْ ثَمَّ جَرَى خِلَافٌ فِي الْفَسْخِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى مَا أَجَّرَ بِهِ أَثْنَاءَ الْمُدَّةِ، وَلَمْ يَجِرْ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي إيجَارِ وَلِيِّ الْيَتِيمِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّا حَيْثُ جَوَّزْنَا إجَارَةَ الْوَقْفِ نَحْوَ مِائَةِ سَنَةٍ بِشُرُوطِهَا لَا بُدَّ مِنْ إذْنِ الْحَاكِمِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ، إذْ الْإِجَارَةُ إثْبَاتُ حَقٍّ بِرَقَبَةِ الْوَقْفِ مُتَعَلِّقٍ بِسَائِرِ الْبُطُونِ، فَلَمْ يَسْتَقِلَّ بِهِ النَّاظِرُ. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ: إيجَارُ الْمَوْقُوفِ عَلَى مُعَيَّنٍ مُشَبَّهٌ بِإِيجَارِ مِلْكِ الْيَتِيمِ، وَهَذَا أَبْلَغُ تَصْرِيحٍ فِيمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي إيجَارِ الْمَوْقُوفِ مِنْ الْغِبْطَةِ أَوْ الْحَاجَةِ، وَبِهَذَا الَّذِي صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَأَبُو زُرْعَةَ وَغَيْرُهُمْ، بَلْ فِي أَدَبِ الْقَاضِي لِلْإِصْطَخْرِيِّ حِكَايَةُ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَا يُصَرِّحُ بِأَنَّ نَاظِرَ الْوَقْفِ كَالْوَصِيِّ، فَإِنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ لِلْوَاقِفِ تَوْلِيَةَ النَّظَرِ لِمَنْ شَاءَ مُطْلَقًا وَعَزْلَهُ، قَالَ: وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ أَنْ يُوصِيَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ الْوَصِيَّ، وَأَخَذَ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ تَشْبِيهِهِ بِالْوَصِيِّ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ لِنَفْسِهِ إذَا خَافَ ضَيَاعَ الْوَقْفِ بِسَبَبِ ذَلِكَ، كَمَا لَا يَنْعَزِلُ الْوَصِيُّ بِعَزْلِهِ لِنَفْسِهِ حِينَئِذٍ، وَعِبَارَةُ الْخُوَارِزْمِيِّ فِي كَافِيهِ: الدَّارُ الْمَوْقُوفَةُ إذَا انْهَدَمَتْ وَخَرِبَتْ وَتَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهَا وَلَا نَقْلُ شَيْءٍ مِنْهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ، وَلَكِنَّ الْقَاضِيَ يَتَحَرَّى فِيهِ الْمَصْلَحَةَ فَيَخْتَارُ مَا هُوَ الْأَقْرَبُ إلَى رِعَايَةِ شَرْطِ الْوَاقِفِ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ اهـ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِي فَتَاوَى الْإِمَامِ الْعَالِمِ الْعَلَّامَةِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ رَزِينٍ صَاحِبِ ابْنِ صَلَاحٍ أَنَّهُ سُئِلَ: عَنْ خَانٍ مَوْقُوفٍ دَائِرٍ وَبَقِيَتْ سَاحَتُهُ فِيهَا بَعْضُ مَخَازِنَ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُؤَجَّرَ ثَلَاثِينَ سَنَةً لِمَنْ يَبْنِيهِ دَارًا إذَا رَآهُ مَصْلَحَةً؟ فَأَجَابَ: إنْ حَصَلَ الْيَأْسُ مِنْ الْعَوْدِ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أَوْ إلَى مَا هُوَ أَقْرَبُ إلَى تِلْكَ الصِّفَةِ جَازَ إيجَارُهُ لِمَنْ يَعْمُرُهُ مُدَّةً لَا يُنْسَى فِي مِثْلِهَا الْوَقْفُ اهـ. فَلْيُتَأَمَّلْ قَوْلُهُ مُدَّةً لَا يُنْسَى فِيهَا، هَذَا مَعَ أَنَّهُ خَرَابٌ دَائِرٌ، فَكَيْفَ بِعَامِرٍ لَا يَحْتَاجُ لِشَيْءٍ أَصْلًا. وَذَكَرَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لَهُ الَّذِي نَخْتَارُهُ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ الْوَقْفُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ أَوْ ثَلَاثِ سِنِينَ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثَةِ إلَّا أَنْ يَقَعَ فِي ضَرَرٍ فَيَزِيدُ وَيَعْمَلُ مَا فِيهِ الصَّلَاحُ فِي الِاسْتِغْلَالِ، فَأَمَّا مَا يَدْخُلُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ بِهِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ، فَلَا يَجُوزُ فَإِنْ أَجَّرَهُ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِمْ وَجَبَ فَسْخُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالْمُوَلَّى عَلَيْهِمْ قَالَ فِي التَّوَسُّطِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِ التَّسْوِيَةُ فِيمَا ذَكَرَهُ بَيْنَ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالْمَحْجُورِينَ وَالْأَوْقَافِ وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ اهـ. وَأَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ فِيمَنْ اشْتَرَى أَرْضًا وَغَرَسَهَا وَبَنَاهَا وَوَقَفَ ذَلِكَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ مَصَالِحِ الْحَرَمَيْنِ ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّ الْأَرْضَ وَقْفٌ لِلْحَرَمَيْنِ، بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تُؤَجَّرَ هَذِهِ الْأَرْضُ لِغَيْرِ مُعَمِّرِهَا إنْ كَانَ فِي إبْقَاءِ مَا ذُكِرَ مَصْلَحَةٌ لِلْوَقْفِ بِأَخْذِ أُجْرَةٍ مُحَقَّقَةٍ مِنْهُ، وَإِنْ احْتَمَلَ أَنَّهَا لَوْ قُلِعَ مِنْهَا ذَلِكَ تُؤَجَّرُ ثُمَّ قَالَ: فَعَلَى النَّاظِرِ الْإِبْقَاءُ بِالْأُجْرَةِ. وَإِنْ كَانَ فِي بَابِ الْأَمْلَاكِ لِلْمَالِكِ الْقَلْعُ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ لِنَفْسِهِ الْأَصْلَحَ وَالنَّاظِرَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنْ قِيلَ: الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا كَالْغَاصِبِ فَلِلنَّاظِرِ الْقَلْعُ مَجَّانًا، قُلْنَا: هَذَا مُعَارَضٌ بِأَنَّ النَّاظِرَ يَنْظُرُ فِي الْمَصْلَحَةِ، وَالْمَصْلَحَةُ فِي الْإِبْقَاءِ، وَلَا يُتْرَكُ الْمُحَقَّقُ لِلْمَوْهُومِ، وَهَذَا يَتَقَيَّدُ بِهِ إطْلَاقُهُمْ وَهُوَ مِنْ النَّفَائِسِ اهـ. كَلَامُهُ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ تَصَرُّفَ النَّاظِرِ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ فَيَتَقَيَّدُ

بِهَا وَلَا يَتَعَدَّاهَا مُطْلَقًا. وَأَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا فِي نَاظِرٍ أَجَّرَ دَارًا ثَلَاثَ سِنِينَ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ قَبَضَ مِنْهَا أُجْرَةَ الْأُولَى، وَمَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ مُعْسِرًا، بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ فَسْخُهَا فِي الْمَنْفَعَةِ الْبَاقِيَةِ لِتَنْفَرِدَ جِهَةُ الْوَقْفِ بِهَا، قَالَ: وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ اخْتِيَارُ الْفَسْخِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ اخْتِيَارُ الْإِمْضَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَى جِهَةِ الْوَقْفِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى الْوَلِيُّ لِمَحْجُورِهِ ثَوْبًا فَظَهَرَ مَعِيبًا وَالْمَصْلَحَةُ فِي رَدِّهِ، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ وَفِي الْخَادِمِ: قَضِيَّةُ إلْحَاقِ الْوَقْفِ بِالْمِلْكِ مُطْلَقًا جَوَازُ إجَارَتِهِ مِائَةَ سَنَةٍ وَنَحْوِهَا وَهُوَ بَعِيدٌ، فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اسْتِهْلَاكِهِ. وَيَخْرُجُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ سُرَاقَةَ وَأَبِي الْفَرَجِ الْجَزْمُ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا فِي الْخَرَابِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا اقْتَضَتْهُ الْمَصْلَحَةُ لِيُحْتَكَرَ اهـ. فَاشْتُرِطَ لِإِجَارَةِ الْخَرَابِ الْمَصْلَحَةُ فَكَيْفَ بِالْعَامِرِ (فَائِدَةٌ) يَنْبَغِي التَّنَبُّهُ لَهَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ، وَهِيَ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُلَفَّقَ بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَصَوَّرُوا ذَلِكَ بِصُوَرٍ مِنْهَا إذَا حَكَمَ حَنْبَلِيٌّ بِأَنَّ الْخُلْعَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَسْخٌ، فَعِنْدَهُ تَجُوزُ إعَادَةُ الْمُخْتَلِعَةِ مِنْ غَيْرِ مُحَلِّلٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ إلَّا بِمُحَلِّلٍ، فَلَوْ أَرَادَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ مَا حَكَمَ الْحَنْبَلِيُّ بِأَنَّ ذَلِكَ فَسْخٌ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِلَا مُحَلِّلٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الزَّوَاجِ حِينَئِذٍ بَاطِلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، فَكَيْفَ يَتَعَاطَاهُ فَإِذَا تَعَاطَاهُ نُقِضَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَعَاطَاهُ حَنْبَلِيٌّ، وَمِنْهَا لَوْ حَكَمَ مَالِكِيٌّ بِثُبُوتِ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ بِالْخَطِّ وَحَكَمَ حَنَفِيٌّ بِصِحَّتِهِ، فَهَذَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ الْآنَ بِاتِّفَاقِ الْحَاكِمَيْنِ الْمَالِكِيِّ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ وَقْفًا عَلَى النَّفْسِ وَالْحَنَفِيِّ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِالْخَطِّ. وَهَذَا كُلُّهُ مَقِيسٌ عَلَى مَا لَوْ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ بَعْضَ رَأْسِهِ مُقَلِّدًا لِلشَّافِعِيِّ ثُمَّ صَلَّى وَبِهِ نَجَاسَةٌ كَلْبِيَّةٌ مُقَلِّدًا لِلْمَالِكِيِّ، فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا عَلَى مَذْهَبِ مُجْتَهِدٍ، بَلْ رَكَّبَ فِيهَا قَوْلَ مُجْتَهِدٍ مَعَ قَوْلِ آخَرَ، فَصَارَ كُلٌّ مِنْ الْإِمَامَيْنِ قَائِلًا بِبُطْلَانِهَا الشَّافِعِيِّ مِنْ النَّجَاسَةِ وَالْمَالِكِيِّ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ مَسْحِ كُلِّ الرَّأْسِ، قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ نَحْوَ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ الْقَاضِي مَتَى لَفَّقَ قَوْلَ مُجْتَهِدٍ مَعَ مُجْتَهِدٍ آخَرَ نُقِضَ حُكْمُهُ قَالَ: وَكَثِيرٌ مِنْ الْقُضَاةِ الْمَنْسُوبِينَ لِلشَّافِعِيَّةِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَمَثَلُ هَؤُلَاءِ الْقُضَاةِ يَجِبُ عَزْلُهُمْ وَلَا تَحِلُّ تَوْلِيَتُهُمْ اهـ. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَمَسْأَلَتُنَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ إذْ الْإِجَارَةُ فِيهَا وَإِنْ فُرِضَ أَنَّهَا مُسْتَوْفِيَةٌ لِشُرُوطِهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بَاطِلَةٌ بِاتِّفَاقِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ، الْأَوَّلُ: مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ وَقْفٌ عَلَى النَّفْسِ وَالثَّانِي: مِنْ جِهَةِ زِيَادَتِهَا عَلَى ثَلَاثِ سِنِينَ فَحُكْمُ الشَّافِعِيِّ بِهَا مُلَفَّقٌ مِنْ قَوْلِ مُجْتَهِدَيْنِ فَلْتَكُنْ بَاطِلَةً إجْمَاعًا لِمَا تَقَرَّرَ لَا يُقَالُ: الْحُكْمُ بِشَرْطِهِ يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَبَعْدَ حُكْمِ الْحَنَفِيِّ صَارَ الْوَقْفُ صَحِيحًا بَاطِنًا أَيْضًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ: مَعْنَى كَوْنِهِ صَحِيحًا بَاطِنًا أَنَّا نُنَفِّذُهُ وَنُلْزِمُ بِهِ وَنُدِيرُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامَ، لَكِنَّنَا نُرَاعِي مَعَ ذَلِكَ مَذْهَبَ الْحَاكِمِ الْأَوَّلِ، فَلَا نَأْتِي بِمَا يُخَالِفُهُ، وَإِلَّا لَزِمَ التَّلْفِيقُ الْمَحْذُورُ، وَقَدْ عَلِمْت بُطْلَانَهُ نَعَمْ يَأْتِي قَرِيبًا آخِرَ مَسْأَلَةِ حُكْمِ مِيَاهِ مَرِّ الظَّهْرَانِ مَا فِيهِ الْجَوَابُ عَنْ كَلَامِ ابْنِ الْعِمَادِ فَانْظُرْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ. (تَنْبِيهٌ) أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ وَكَانَ مِمَّنْ يَرَاهُ جَازَ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِبَيْعٍ وَوَقْفٍ وَغَيْرِهِمَا كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ فِي الْبَاطِنِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُغَيِّرُ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، قَالَ مَا مَعْنَاهُ: وَإِنَّمَا مَنَعَ مِنْهُ فِي الظَّاهِرِ سِيَاسَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَيَلْحَقُ بِهَذَا مَا فِي مَعْنَاهُ، وَأَقَرَّهُ الشَّرَفُ الْغَزِّيُّ وَشَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَا يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ ظَاهِرٍ، لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِشَرْطِهِ يَنْفُذُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَكَأَنَّهُ فَرَّعَ مَا قَالَهُ عَلَى الضَّعِيفِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُغَيِّرُ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إذْ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِمْ يَنْفُذُ بَاطِنًا إلَّا أَنَّهُ يُغَيِّرُ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَقَدْ يُجَابُ عَنْهُ عَلَى بُعْدٍ بِأَنَّ مَعْنَى نُفُوذِهِ بَاطِنًا فِي شُفْعَةِ الْجِوَارِ مَثَلًا إذَا حَكَمَ بِهَا حَنَفِيٌّ يَجُوزُ لِلْمَحْكُومِ لَهُ أَخْذُهَا وَلَا عِقَابَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ شَافِعِيًّا وَأَمَّا الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِهَا الشَّافِعِيُّ فَلَهُ فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ أَنْ لَا يَفْعَلَ بِقَضِيَّةِ الْحُكْمِ أَوْ يُقَالُ: مَحَلُّ نُفُوذِهِ بَاطِنًا وَتَغْيِيرُهُ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَيْثُ كَانَ هُنَاكَ خَصْمَانِ، كَمَا فِي شُفْعَةِ الْجِوَارِ مَثَلًا بِخِلَافِهِ فِي نَحْوِ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ خَصْمَانِ فَلَمْ يَلْزَمْ الْوَاقِفَ الْعَمَلُ بِقَضِيَّةِ هَذَا الْحُكْمِ لِفَقْدِ تَحَقُّقِ التَّغَايُر فِيهِ بَيْنَ الْمَحْكُومِ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَلِلنَّظَرِ فِي كُلِّ ذَلِكَ مَجَالٌ فَتَأَمَّلْهُ. ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيّ صَرَّحَ بِمَا

الباب الأول أجر ناظر على وقف بشرط الواقف المكان الموقوف بأجرة معينة

ذَكَرْته أَوَّلًا مِنْ أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّعِيفِ الْمَذْكُورِ، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا جَزَمَ بِبِنَائِهِ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يُدْرَى أَرَأَى كَلَامَ الزَّرْكَشِيّ هَذَا أَمْ وَافَقَهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ؟ وَحِينَئِذٍ يَزُولُ الْإِشْكَالُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ إجْرَاءُ أَحْكَامِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (فَائِدَةٌ) سُئِلْت عَنْ مَسْأَلَةٍ مُهِمَّةٍ فَأَحْبَبْت إثْبَاتَهَا هُنَا، وَهِيَ مَسْأَلَةُ أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ هِيَ وَمِيَاهُهَا شَرَطَ وَاقِفُهُمَا شُرُوطًا مِنْهَا أَنْ لَا تُؤَجَّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَلَا تُؤَجَّرَ السَّنَةَ الثَّانِيَةَ حَتَّى تَنْقَضِيَ السَّنَةُ الْأُولَى، وَحَكَمَ بِمُوجَبِ الْوَقْفِ حَنَفِيٌّ وَنَفَّذَهُ شَافِعِيٌّ وَغَيْرُهُ فَأَجَّرَ نَاظِرُهُ مِنْهُ أَرَاضِيَ وَمِيَاهَهَا مِائَةَ سَنَةٍ مَثَلًا فِي مِائَةِ عَقْدٍ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ لِمَحْجُورَيْهِ ابْنَيْ ابْنِهِ مَثَلًا وَحَكَمَ بِهَذِهِ الْإِجَارَةِ شَافِعِيٌّ وَذَكَرَ مُوَرِّقُهُ مَا يَعْتَادَهُ الْمُوَرِّقُونَ فِي كُلِّ مُسْتَنَدٍ وَحُكْمٍ مَثَلًا وَهُوَ حُكْمٌ صَحِيحٌ شَرْعِيٌّ مُسْتَوْفِي شَرَائِطِهِ الشَّرْعِيَّةِ مَثَلًا فَهَلْ يُعْمَلُ بِهَذِهِ الْإِجَارَةِ الْمُخَالِفَةِ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ لِقَوْلِ الْمُوَرِّقِ الْمَذْكُورِ أَوْ لَا يُعْمَلُ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا مُسَوِّغٌ لِمُخَالَفَتِهِ شَرْطَ الْوَاقِفِ وَالْمُوَرِّقُونَ؟ يَقُولُونَ ذَلِكَ وَلَا يَفْهَمُونَ مَعْنَاهُ وَلَا يَكُونُ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْيَانِ، وَالْمَسْئُولُ مِنْ تَفَضُّلَاتِ السَّادَةِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ هُمْ نُجُومُ الْهُدَى وَمَصَابِيحُ الِاقْتِدَاءِ وَعَلَيْهِمْ الْمُعَوَّلُ فِي النَّوَائِبِ وَإِلَيْهِمْ الْمَلْجَأُ فِي الْمَصَائِبِ بَيَانُ حُكْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ، الَّتِي أُكِلَ بِهَا مَالُ الْوَقْفِ بِالْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا مُسَوِّغٌ فِي مُسْتَنَدِ الْإِجَارَةِ وَلَا فِي الْخَارِجِ مَعَ مُخَالَفَتِهَا لِشَرْطِ الْوَاقِفِ نَصًّا، وَإِيضَاحُ حُكْمِ ذَلِكَ وَبَسْطُهُ كَمَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ لِيَصِلَ كُلُّ ذِي حَقٍّ إلَى حَقِّهِ وَيَرْجِعَ الْمُعْتَدِي عَنْ تَعَدِّيهِ وَعِنَادِهِ وَخَرَقِهِ (فَأَجَبْت) : هَذِهِ الْإِجَارَةُ بَاطِلَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: كَوْنُ النَّاظِرِ آجَرَ ابْنَيْ ابْنِهِ الْمَحْجُورَيْنِ لَهُ وَاسْتَأْجَرَ لَهُمَا وَهَذَا بَاطِلٌ وَلَوْ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَأَكْثَرُ كَمَا صَرَّحُوا بِنَظِيرِهِ فِي الْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ وَقَالُوا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا: إنَّ نَاظِرَ الْوَقْفِ كَالْوَصِيِّ وَالْقَيِّمِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ مَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمَا وَيَجُوزُ لَهُ مَا يَجُوزُ لَهُمَا، وَفِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْإِصْطَخْرِيِّ حِكَايَةُ الْإِجْمَاعِ عَلَى مَا يُصَرِّحُ بِأَنَّ نَاظِرَ الْوَقْفِ كَالْوَصِيِّ. وَهَذَا الْوَجْهُ أَظْهَرُ مِنْ الثَّانِي وَهُوَ مُخَالَفَةُ تِلْكَ الْإِجَارَةِ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ، وَذَلِكَ مُقْتَضٍ لِبُطْلَانِهَا، وَإِنْ قَالَ الْمُوَرِّقُ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَوَجْهُ كَوْنِ الْأَوَّلِ أَظْهَرَ أَنَّ إبْطَالَهُ لِلْإِجَارَةِ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ، وَإِنْ حَكَمَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ إنَّهُ اسْتَوْفَى الْمُسَوِّغَاتِ الشَّرْعِيَّةَ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا مُسَوِّغَ لَهُ فَأَبْطَلَ الْإِجَارَةَ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ يُمْكِنُ وُجُودُ مُسَوِّغٍ لَهُ بِأَنْ تَشْهَدَ الْآنَ بَيِّنَةٌ عَادِلَةٌ بِأَنَّ الْوَقْفَ كَانَ خَرِبًا وَلَمْ يَبْقَ مِنْ غَلَّتِهِ مَا يَعْمُرُ خَرَابَهُ، وَلَا يُمْكِنُ اقْتِرَاضُ مَا يَعْمُرُهُ وَلَمْ تُمْكِنْ عِمَارَتُهُ إلَّا بِأُجْرَةِ تِلْكَ الْمِائَةِ سَنَةٍ إذْ هَذَا مُجَوِّزٌ لِمُخَالِفَةِ شَرْطِ الْوَاقِفِ، وَمَعَ وُجُودِ هَذَا الْمُسَوِّغِ وَإِقَامَةِ هَذِهِ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِهِ لَا تُمْكِن صِحَّةُ هَذِهِ الْإِجَارَةِ لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْمُبْطِلِ الْأَوَّلِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَيْهِ اهـ [الْبَابُ الْأَوَّلُ أَجْرُ نَاظِرٍ عَلَى وَقْفٍ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ الْمَكَانَ الْمَوْقُوفَ بِأُجْرَةٍ مُعَيَّنَةٍ] الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي السُّؤَالِ الثَّانِي وَهُوَ أَجَرَ نَاظِرٌ عَلَى وَقْفٍ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ الْمَكَانَ الْمَوْقُوفَ بِأُجْرَةٍ مُعَيَّنَةٍ ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ أَنَّهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ فَحَكَمَ بِصِحَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ بِمُوجَبِهَا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى أَكْثَرُ مِنْ الْأُولَى أَوْ مُسَاوِيَةٌ لَهَا مَثَلًا بِأَنَّ تِلْكَ الْأُجْرَةَ دُونَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ مَثَلًا فَهَلْ يَتَبَيَّنُ انْفِسَاخُ الْإِجَارَةِ الْأُولَى عَمَلًا بِالْبَيِّنَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ لَا تَنْفَسِخُ عَمَلًا بِالْبَيِّنَةِ الْأُولَى لِتَفْوِيتِهَا بِالْحُكْمِ؟ وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَظَائِرِهَا مِنْ إفْتَاءِ ابْنِ الصَّلَاحِ وَمُخَالَفَةِ السُّبْكِيّ لَهُ وَافْتِرَاقِ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَى مُعْتَمَدِ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ، وَمُتَوَقَّفٌ فِيهِ فَمَا الْمُعْتَمَدُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ بَيِّنُوا ذَلِكَ وَأَوْضِحُوا الْحَقَّ فِيهِ بَيَانًا شَافِيًا فَإِنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ؟ الْجَوَابِ: قَدْ اُسْتُفْتِيت قَدِيمًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَكَانَ الرَّافِعُ لِلسُّؤَالِ شَخْصًا مِنْ فُقَهَاءِ مَكَّةَ وَأَفَاضِلِهَا أَلْزَمَ بِالِاسْتِفْتَاءِ وَالْبَحْثِ عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ بَيْنَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَكَابِرِ الدَّوْلَةِ فَأَفْتَيْتُ فِيهَا بِقَرِيبٍ مِمَّا سَأَذْكُرُهُ، فَرُفِعَتْ لِشَافِعِيٍّ لِيَحْكُمَ فِيهَا فَأَرَادَ الْحُكْمَ بِهَا حَتَّى يُخَلِّصَ الْمُسْتَأْجِرَ بِالْوَعْدِ بِإِرْضَاءِ وَرَثَةِ الْمُؤَجِّرِ بِمَالٍ لَهُ صُورَةٌ، ثُمَّ أَرْسَلَ الْمُسْتَأْجِرَ إلَى زَبِيدٍ وَغَيْرِهَا لِيَسْتَفْتِيَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ الْفَتَاوَى، فَأَظْهَرَ مَا يُوَافِقُهُ فَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ تَمَسُّكًا بِمَا أَفْتَيْت بِهِ ثُمَّ تُمِّمَتْ صُورَةُ ذَلِكَ الصُّلْحِ، وَإِنَّمَا حَكَيْت ذَلِكَ؛ لِأَنِّي سَمِعْت عَنْ بَعْضِ الْمُسَاعِدِينَ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ عَلَى

نَقْضِ الْحُكْمِ وَالْقِيَامِ التَّامِّ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَصِيَاحِهِ فِي الْمَلَإِ فِي مَوَاطِنَ عَدِيدَةٍ بِأَنَّ نَقْضَ الْحُكْمِ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ الْآنَ مُخَالِفٌ فِي ذَلِكَ وَمُشَدِّدٌ النَّكِيرَ عَلَى مَنْ يُعْتَمَدُ إفْتَاءَ ابْنِ الصَّلَاحِ، فَتَأَمَّلْ اخْتِلَافَ الْأَغْرَاضِ، كَيْفَ يُلْجِئُ غَيْرَ الْمُوَفَّقِ إلَى مَاذَا؟ وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْحَقَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمُوَافِقَ لِلْقَوَاعِدِ وَالْبَرِيءَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْهَوَى وَالتَّعَصُّبِ تَفْصِيلٌ يُوَافِقُ عَلَيْهِ كُلُّ مَنْ لَهُ أَدْنَى مِسْكَةٍ مِنْ فَهْمٍ، وَأَحَاطَهُ بِتَصَرُّفَاتِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَأَمَّا عُمُومُ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ فِي النَّقْضِ وَعُمُومُ كَلَامِ السُّبْكِيّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ بِعَدَمِهِ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ، فَلَا تُعَوِّلْ عَلَيْهِمَا لِمَا سَأُمْلِيهِ عَلَيْك مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ الْحَقَّ مَا ذَكَرْته مِنْ ذَلِكَ التَّفْصِيلِ فَأَقُولُ: قَدْ أَشْبَعْت الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ. وَحَاصِلُهُ مَعَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِبَيِّنَةٍ لَا يَقْتَضِي تَرْجِيحُهَا كَمَا ذَكَرُوهُ، بَلْ مَتَى كَانَ فِي إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ مَعْنًى يَقْتَضِي تَرْجِيحَهَا قُدِّمَتْ وَإِنْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالْأُخْرَى خِلَافًا لِمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ بَعْضِ الْعِبَارَاتِ، إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَقَدْ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ لَوْ اُحْتِيجَ لِبَيْعِ مَالِ يَتِيمٍ فَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِالْحَاجَةِ وَبِأَنَّ قِيمَتَهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ، فَبَاعَهُ الْقَيِّمُ بِذَلِكَ وَحَكَمَ حَاكِمٌ أَيْ شَافِعِيٌّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَنَّ غَيْرَهُ يَرْجِعُ فِي نَقْضِ حُكْمِهِ إلَى قَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ دُونَ مَذْهَبِ غَيْرِهِ بِصِحَّةِ الْبِيَعِ، ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى بِأَنَّهُ بِيعَ بِلَا حَاجَةٍ أَوْ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ نُقِضَ الْحُكْمُ وَحُكِمَ بِفَسَادِ الْبِيَعِ. قَالَ: لِأَنَّهُ إنَّمَا حَكَمَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْبَيِّنَةَ سَالِمَةٌ مِنْ الْمُعَارِضِ وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ أُزِيلَتْ يَدُ الدَّاخِلِ بِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ ثُمَّ أَقَامَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَةً فَإِنَّ الْحُكْمَ يُنْقَضُ لِذَلِكَ وَفِيهِ وَجْهٌ يَجِيءُ هُنَا اهـ. وَمَا ذُكِرَ فِي الْبِيَعِ بِلَا حَاجَةٍ يَأْتِي تَوْجِيهُهُ وَخَالَفَهُ السُّبْكِيّ وَصَنَّفَ فِيهِ مُصَنَّفًا فَقَالَ: الَّذِي أَرَاهُ إنَّهُ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِالشَّكِّ وَإِنَّمَا نُقِضَ فِيمَا قَاسَ عَلَيْهِ ابْنُ الصَّلَاحِ لِأَجْلِ الْيَدِ وَقَدْ قَالَ الْأَصْحَابُ: بِأَنَّهُ لَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِأَنَّهُ سَرَقَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ وَشَهِدَ آخَرَانِ بِأَنَّ قِيمَتَهُ عِشْرُونَ وَجَبَ أَقَلُّ الْقِيمَتَيْنِ لِأَنَّهُ الْمُحَقَّقُ اهـ. وَرَدَّهُ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ تَعَالَى ثَرَاهُ فِي عِمَادِ الرِّضَا فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ فَقَالَ عَقِبَهُ: وَيُجَابُ عَنْهُ أَيْ عَمَّا أَوْرَدَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ الصَّلَاحِ: بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ نَقْضٌ بِالشَّكِّ وَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ قَبْلَ الْحُكْمِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا، وَلِهَذَا لَوْ وَقَعَ التَّعَارُضُ فِيهَا قَبْلَ الْبَيْعِ وَالْحُكْمِ امْتَنَعَا كَمَا صَرَّحَ هُوَ أَيْ السُّبْكِيّ بِهِ اهـ. وَوَجْهُ عَدَمِ تَسْلِيمِهِ لِمَا قَالَهُ السُّبْكِيّ مَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ مُرَجِّحًا وَحِينَئِذٍ فَغَايَةُ مَا أَفَادَتْهُ الْبَيِّنَةُ الْأُولَى الظَّنُّ وَمُفَادُ الْبَيِّنَةِ الثَّانِيَةِ الظَّنُّ أَيْضًا فَقُدِّمَتْ لِمَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ مِنْ أَنَّ الْحَاكِمَ إنَّمَا حَكَمَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْبَيِّنَةَ سَالِمَةٌ مِنْ الْمُعَارِضِ، وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ فَإِنْ قُلْت: كَلَامُ الشَّيْخِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ رُبَّمَا يَقْتَضِي ضَعْفَ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرُوهُ فِي مَسْأَلَةِ التَّقْوِيمِ مِنْ تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْأَقَلِّ فِيهِ؛ لِأَنَّ مُدْرِكَهَا الِاجْتِهَادُ وَقَدْ تُطْلِعُ بَيِّنَةُ الْأَقَلِّ عَلَى عَيْبٍ فَمَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ قُلْت: كَلَامُهُ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَ ابْنِ الصَّلَاحِ يُخَالِفُ كَلَامَهُمْ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ وَعِنْدَ عَدَمِ التَّأَمُّلِ، وَأَمَّا عِنْدَ التَّحْقِيقِ فَلَا يُخَالِفُهُ. وَقَدْ أَشَارَ الشَّيْخُ إلَى ذَلِكَ حَيْثُ نَقَلَ عَنْ بَعْضِهِمْ وَهُوَ أَبُو زُرْعَةَ أَنَّهُ حَمَلَ كَلَامَهُ عَلَى حَالَةٍ وَكَلَامَهُمْ عَلَى حَالَةٍ أُخْرَى كَمَا سَأَذْكُرُهُ عَنْهُ وَأَقَرَّهُ الشَّيْخُ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَكِتَابُهُ أَدَبُ الْقَضَاءِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ شَرْحِ الرَّوْضِ وَالْقَاعِدَةُ: أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ أَقْوَالِ الْإِنْسَانِ بِالْمُتَأَخِّرِ مِنْهَا عَلَى أَنَّ أَدَبَ الْقَضَاءِ أَمَسُّ بِتَحْرِيرِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ، فَالِاعْتِنَاءُ يَكُونُ فِيهِ بِالْمَسَائِلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْقَضَاءِ أَكْثَرَ فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِ الْأَئِمَّةِ: إنَّ مَا صَحَّحَهُ الشَّافِعِيُّ أَوْ غَيْرُهُ فِي بَابِهِ أَوْلَى بِالِاعْتِمَادِ مِمَّا صَحَّحَاهُ فِي غَيْرِ بَابِهِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِنَاءَ بِتَحْرِيرِ الْمَسَائِلِ فِي أَبْوَابِهَا أَكْثَرُ مِنْهُ فِي غَيْرِهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَجْرِي فِي نَظَائِرِهَا أَيْ كَصُورَةِ السُّؤَالِ وَغَيْرِهَا هَذَا وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ فِي ذَلِكَ التَّفْصِيلِ الَّذِي أَشَرْت إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ وَهُوَ أَنَّ الْعَيْنَ إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً قَائِمَةً عَلَى صِفَاتِهَا وَقْتَ نَحْوِ الْبِيَعِ أَوْ الْإِجَارَةِ وَقُطِعَ بِكَذِبِ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِالزِّيَادَةِ، لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهَا. وَحُكْمُ الْحَاكِمِ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ حَتَّى عِنْدَ ابْنِ الصَّلَاحِ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ، وَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ وَقُطِعَ بِكَذِبِ الْبَيِّنَةِ الْأُولَى

الشَّاهِدَةِ بِالنَّقْضِ عَمَلًا بِالثَّانِيَةِ، وَنُقِضَ الْحُكْمُ حَتَّى عِنْدَ السُّبْكِيّ فَإِنَّهُ لَا يُخَالِفُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَإِنَّ الْحُكْمَ يُنْقَضُ فِيهَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا قَوْلُهُ: شَرْطُ الْعَمَلِ بِالْبَيِّنَةِ أَنْ لَا يُكَذِّبَهَا الْحِسُّ وَإِلَّا لَمْ تُسْمَعْ وَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَيْنَ إذَا كَانَتْ كَمَا ذَكَرْنَاهُ يَكُونُ الْحِسُّ مُكَذِّبًا لِلْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِالنَّقْضِ، فَتَكُونُ شَهَادَتُهَا مُلْغَاةً وَالْحُكْمُ الْمُسْتَنِدُ إلَيْهَا لَغْوٌ وَمِنْهَا قَوْلُهُ فِي فَتَاوِيهِ فِي مُنَازَعَتِهِ لِابْنِ الصَّلَاحِ وَأَيْضًا بَيِّنَةُ الْقِيمَةِ تَعْتَمِدُ التَّقْوِيمَ، وَالتَّقْوِيمُ حَدْسٌ وَتَخْمِينٌ وَيُفْرَضُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ. أَحَدُهَا: أَنْ تَشْهَدَ الْآنَ أَنَّ قِيمَتَهُ الْآنَ كَذَا فَهَذِهِ لَا تُعَارِضُ الْبَيِّنَةَ السَّابِقَةَ يَوْمَ الْبِيَعِ بِلَا إشْكَالٍ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَشْهَدَ الْآنَ أَنَّ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْبِيَعِ كَذَا فَهَذِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُسْمَعْ وَعَلَّلَهُ وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِمَا فِيهِ نَظَرٌ الثَّالِثَةُ: أَنْ لَا تُقَوَّمَ الْآنَ لَكِنْ تَشْهَدُ أَنَّ قِيمَتَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عِنْدَ النَّاسِ كَذَا فَإِنَّ الْأَسْعَارَ الْمَعْرُوفَةَ عِنْدَ عُمُومِ النَّاسِ تَنْضَبِطُ فِي أَوْقَاتِهَا، لَكِنَّ هَذَا لَيْسَ تَقْوِيمًا بَلْ شَهَادَةً بِأَمْرٍ خَارِجٍ فَهَذِهِ تُسْمَعُ وَلَيْسَ شَهَادَةَ قِيمَةٍ، وَالْغَالِبُ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمِثْلِيَّاتِ وَأَمَّا الْأَمْلَاكُ فَلَا يَحْصُلُ فِيهَا هَذَا، إذَا عَرَفْت هَذَا فَإِنْ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ الثَّانِيَةُ شَهِدَتْ بِالْحَالَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ فَلَا أَثَرَ لَهَا وَشَهَادَتُهَا بِالْحَالَةِ الثَّالِثَةِ فِي الْمِلْك إمَّا مُمْتَنِعٌ أَوْ بَعِيدٌ اهـ. الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ مُوَافِقٌ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْعَيْنَ إذَا كَانَتْ قَائِمَةً بَاقِيَةً عَلَى صِفَاتِهَا لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْهَا شَيْءٌ، وَقَطَعَ أَهْلُ الْعَادَةِ بِأَنَّ مَا بِيعَتْ أَوْ أُجِّرَتْ بِهِ لَيْسَ ثَمَنَ أَوْ أُجْرَةَ مِثْلِهَا عَادَةً سُمِعَتْ شَهَادَتُهُمْ وَنُقِضَ الْحُكْمُ الْمُسْتَنِدُ لِلْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِالنَّقْضِ، لِلْقَطْعِ بِكَذِبِهَا حِينَئِذٍ، وَوَجْهُ أَخْذِ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ أَنَّهُ إذَا قَالَ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ فِي الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ وَإِنْ اسْتَبْعَدَ تَصَوُّرَهَا فَأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِهِ فِي صُورَتِنَا. وَوَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ صُورَتَهُ لَيْسَ فِيهَا الْقَطْعُ بِكَذِبِ الْبَيِّنَةِ الْأُولَى كَمَا هُوَ فِي صُورَتِنَا فَنَتَجَ أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ فِي صُورَتِنَا وَأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِابْنِ الصَّلَاحِ عَلَى النَّقْضِ فِيهَا، فَإِنْ قُلْت: لَا يَلْزَمُ مِنْ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ فِي الْحَالَةِ الثَّالِثَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا نَقْضُ الْحُكْمِ قُلْت: مَمْنُوعٌ إذْ لَا فَائِدَةَ لِسَمَاعِهَا إلَّا نَقْضُهُ أَيْ لِتُبَيِّنَ أَنَّ لَهُ مُعَارِضًا يَقْضِي عَلَيْهِ بِأَنَّهُ وَقَعَ لَغْوًا، وَمِنْهَا قَوْلُهُ بَعْدَ مَا مَرَّ عَنْهُ فَإِنْ قُلْت: لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْمُعَارَضَةُ قَبْلَ الْحُكْمِ لَمْ يَحْكُمْ قُلْنَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ مَعَ الشَّكِّ وَكَذَلِكَ لَا يُنْقَضُ مَعَ الشَّكِّ، وَصَرَّحَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مِنْ فَتَاوِيهِ بِنَحْوِ هَذَا مِنْ أَنَّ سَبَبَ مُخَالَفَتِهِ لِابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ الثَّانِيَةَ غَايَتُهَا أَنَّهَا أَوْرَثَتْ شَكًّا فِيمَا شَهِدَتْ بِهِ الْأُولَى فَكَيْفَ يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِالشَّكِّ؟ فَتَأَمَّلْ تَعْلِيلَهُ هَذَا وَأَنَّهُ إنَّمَا خَالَفَ ابْنَ الصَّلَاحِ، لِذَلِكَ تَعْلَمُ بِلَا مِرْيَةٍ أَنَّهُ قَائِلٌ: بِأَنَّ الْبَيِّنَةَ الثَّانِيَةَ إذَا أَفَادَتْ الْقَطْعَ بِكَذِبِ الْأُولَى كَمَا فِي الصُّورَةِ الَّتِي قَدَّمْتهَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِهَا عِنْدَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ حِينَئِذٍ لَمْ يُنْقَضْ بِشَكٍّ بَلْ بِيَقِينٍ عَلَى أَنَّ الْأَئِمَّةَ ذَكَرُوا النَّقْضَ بِالظَّنِّ وَبِهِ يَقْوَى مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَيَضْعُفُ مَا عَلَّلَ بِهِ السُّبْكِيّ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَوْ حَكَمَ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ ثُمَّ بَانَا فَاسِقَيْنِ عِنْد الْحُكْمِ نُقِضَ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ: لَا يُنْقَضُ؛ لِأَنَّ عَدَالَةَ الْبَيِّنَةِ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهَا فَيَكُونُ الْفِسْقُ الثَّابِتُ بِهَا مَظْنُونًا وَالْفِسْقُ الْمَظْنُونُ لَا نَقْضَ بِهِ انْتَهَى. فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ تَجِدْ أَنَّ مَا عُلِّلَ بِهِ الْقَوْلُ الضَّعِيفُ هُوَ عَيْنُ مَا اسْتَنَدَ إلَيْهِ السُّبْكِيّ فِي مُخَالَفَةِ ابْنِ الصَّلَاحِ وَتَجِدْ أَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ مِنْ النَّقْضِ هُوَ الْمُوَافِقُ لِلْأَصَحِّ هُنَا الْقَائِلُ بِالنَّقْضِ، وَلَمْ يُلْتَفَتْ لِمَا عُلِّلَ بِهِ الضَّعِيفُ؛ لِأَنَّ الْفِسْقَ وَإِنْ لَمْ يُقْطَعْ بِهِ إلَّا أَنَّهُ بَانَ بِهِ أَنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَسْلَمْ مِنْ مُعَارِضٍ فَأُلْغِيَ، وَفِي هَذَا الَّذِي ذَكَرْته تَأْيِيدٌ لِإِطْلَاقِ ابْنِ الصَّلَاحِ النَّقْضَ أَيْ إلَّا فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ أَوَّلًا أَعْنِي الَّتِي قُطِعَ فِيهَا بِكَذِبِ الْبَيِّنَةِ الثَّانِيَةِ، وَذَلِكَ الْإِطْلَاقُ هُوَ مَا ارْتَضَيْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ مَعَ أَنَّ كَلَامَ ابْنِ الصَّلَاحِ دَالٌّ عَلَيْهِ أَيْضًا. وَقَدْ رَأَيْت فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِيهِ، فَإِنَّهُ. سُئِلَ عَمَّا لَوْ اُدُّعِيَ عَلَى إنْسَانٍ بِمَالٍ فَأَنْكَرَ وَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً وَقَضَى لَهُ الْقَاضِي بِالْمَالِ ثُمَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقَامَ بَيِّنَةً بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَرَّ بِوُصُولِ هَذَا الْمَالِ إلَيْهِ قَالَ: تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ وَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ لِأَنَّ بَيِّنَةَ مُدَّعِي الْبَرَاءَةِ لَمَّا كَانَتْ مُقَدَّمَةً عَلَى بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي قَبْلَ الْقَضَاءِ فَالْقَضَاءُ

لَا يَمْنَعُ إقَامَةَ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَدَلَّ الْبَغَوِيّ لِذَلِكَ وَأَطَالَ وَأَفْتَى الْبَغَوِيّ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: بَاعَنِي هَذِهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً وَحَكَمَ لَهُ بِهَا الْقَاضِي ثُمَّ ادَّعَى آخَرُ أَنَّهَا رَهْنٌ مِنْهُ مَقْبُوضٌ لَهُ قَبْلَ الْبِيَعِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِذَلِكَ حُكِمَ بِالرَّهْنِ وَبَطَلَ الْبَيْعُ اهـ. فَتَأَمَّلْ مَا قَالَهُ سِيَّمَا تَعْلِيلُهُ لِلْمَسْأَلَةِ الْأُولَى تَجِدْهُ مُوَافِقًا لِمَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ، بَلْ نَصٌّ فِيهِ، وَلَوْ اسْتَحْضَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ لَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى مَا قَالَهُ، فَإِنَّ عِلَّةَ الْبَغَوِيِّ هِيَ بِعَيْنِهَا عِلَّةُ ابْنِ الصَّلَاحِ أَوْ قَرِيبَةٌ مِنْهَا، إذْ حَاصِلُهَا أَنَّ الْبَيِّنَةَ إذَا كَانَتْ مُقَدَّمَةً عَلَى أُخْرَى قَبْلَ الْحُكْمِ. تَكُونُ مُقَدَّمَةً عَلَيْهَا بَعْدَهُ، وَمَرَّ أَنَّ ابْنَ الصَّلَاحِ إنَّمَا قَدَّمَ الْبَيِّنَةَ الشَّاهِدَةَ بِالزِّيَادَةِ لِأَنَّهُمَا لَوْ تَعَارَضَتَا قَبْلَ الْحُكْمِ امْتَنَعَ الْحُكْمُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ السُّبْكِيّ وَكَلَامُ الْبَغَوِيِّ الَّذِي ذَكَرْته صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ، وَبِهَذَا الَّذِي عَلِمْت أَنَّهُ مَنْقُولُ الْبَغَوِيِّ يَتَّضِحُ لَك رَدُّ مَا أَطَالَ بِهِ السُّبْكِيّ فِي فَتَاوِيهِ وَغَيْرِهَا رَدًّا عَلَى ابْنِ الصَّلَاحِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَسَائِرُ النَّاقِلِينَ لِكَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ لَمْ يُؤَيِّدُوهُ بِشَيْءٍ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ غَيْرِ مَا أَيَّدَ هُوَ بِهِ مِمَّا مَرَّ وَبِحَمْدِ اللَّهِ قَدْ تَأَيَّدَ بِمَسَائِلَ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا لَمْ أَمْشِ هُنَا عَلَى إطْلَاقِهِ النَّقْضَ بَلْ خَصَّصْته بِصُورَةٍ وَاحِدَةٍ. وَهِيَ مَا إذَا قُطِعَ بِكَذِبِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ الْأَحْوَطُ اللَّائِقُ بِالْفَتَاوَى سِيَّمَا مَعَ مَا غَلَبَ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ مِنْ شَهَادَاتِ الزُّورِ وَالْأَحْكَامِ الْبَاطِلَةِ مِنْ الْقُضَاةِ، فَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. وَمِنْهَا قَوْلُهُ أَعْنِي السُّبْكِيّ فِي فَتَاوِيهِ أَيْضًا أَنَّ قَاضِيَ الْمَقْدِسِ أَذِنَ لِمَنْ عَوَّضَ امْرَأَةً مُرْتَهِنَةً مَا رَهَنَهُ الدَّائِنُ عِنْدَهَا. لِغَيْبَتِهِ بَعْدَ أَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ أَنَّ قِيمَتَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّ قِيمَتَهُ يَوْمَ التَّعْوِيضِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَأَنَّ نَائِبَ الْحَكَمِ بِالْقُدْسِ أَرْسَلَ إلَى دِمَشْقَ فَتَاوَى فِي ذَلِكَ فَكَتَبَ لَهُ عُلَمَاؤُهَا: إذَا ثَبَتَ أَنَّ قِيمَةَ الرَّهْنِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ قُدِّمَتْ الْبَيِّنَةُ الَّتِي شَهِدَتْ بِالزِّيَادَةِ لَمْ يُنَازِعْهُمْ السُّبْكِيّ فِي هَذَا الْإِفْتَاءِ. وَلَمْ يَعْتَرِضْهُ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمِ وَإِنَّمَا نَازَعَ النَّائِبَ الْمَذْكُورَ بِأَنَّ مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْفَتَاوَى كَلَامٌ مُخْلِصٌ، لَكِنَّهُ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ النَّائِبَ وَبَيَّنَ ذَلِكَ وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ عُلَمَاءَ دِمَشْقَ الَّذِينَ فِي زَمَنِ السُّبْكِيّ كَانُوا مُوَافِقِينَ لِابْنِ الصَّلَاحِ، فَإِنْ قُلْت: مَسْأَلَتُنَا هَذِهِ لَا حُكْمَ فِيهَا فَلَا تُشْبِهُ صُورَةَ ابْنِ الصَّلَاحِ قُلْت: بَلْ فِيهَا حُكْمٌ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْحَاكِمِ فِي قَضِيَّةٍ رُفِعَتْ إلَيْهِ وَطُلِبَ مِنْهُ فَصْلُهَا حُكْمٌ وَهَذِهِ الصُّورَةُ كَذَلِكَ، وَإِذَا تَقَرَّرَ لَك عَنْ السُّبْكِيّ مَا ذَكَرْته اتَّضَحَ أَنَّهُ هُوَ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُمَا مُتَّفِقُونَ فِي الصُّورَةِ الَّتِي قَدَّمْتهَا عَلَى نَقْضِ الْحُكْمِ فِيهَا، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ وَيُوَافِقُ مَا ذَكَرْته فِيهَا قَوْلُ أَبِي زُرْعَةَ فِي فَتَاوِيهِ. مَا حَاصِلُهُ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ نَاظِرٍ شَرْعِيٍّ أَجَرَ بِأُجْرَةٍ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَحُكِمَ بِهَا فَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى بِأَنَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ أَزْيَدُ مِنْ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ وَبَانَ بِهَا أَنَّ الْأُولَى لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِأُجْرَةِ الْأَرَاضِيِ، فَهَلْ يُنْقَضُ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِمُوجَبِ الْأُولَى؟ فَأَجَابَ: بِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى نَقْضِ الْحُكْمِ بَعْدَ وُقُوعِهِ إلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ. أَوَّلُهُمَا: إذَا بَانَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ الْأُولَى لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِمَا شَهِدَتْ بِهِ، وَاسْتَشْكَلَهُ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَتَبَيَّنُ بِالْبَيِّنَةِ وَهِيَ شَهَادَةُ نَفْيٍ أَوْ بِاعْتِرَافِهِمَا وَهُوَ لَا يُفِيدُ بَعْدَ الْحُكْمِ؟ وَيُجَابُ بِالْتِزَامِ تَبَيُّنِهِ بِالْبَيِّنَةِ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهَا شَهَادَةَ نَفْيٍ مَحْصُورٍ وَالشَّهَادَةُ بِهِ مَسْمُوعَةٌ. وَيَدُلُّ لَهُ مَا قَدَّمْته عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَنَّ شَهَادَةَ الْبَيِّنَةِ بِأَنَّهُ بَيْعٌ بِلَا حَاجَةٍ مَقْبُولَةٍ، وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى أَنَّ هَذَا نَفْيٌ لِمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّهُ نَفْيٌ مَحْصُورٌ ثَانِيهمَا أَنْ تُفِيدَ الْبَيِّنَةُ. الثَّانِيَةُ: تَعَيُّنُ كَذِبِ الْأُولَى بِأَنْ تَبْلُغَ حَدَّ التَّوَاتُرِ إذْ لَا يَنْتَهِي الْحَالُ فِي الْبَيِّنَتَيْنِ عِنْدَ التَّعَارُضِ إلَى الْقَطْعِ بِكَذِبِ إحْدَاهُمَا إلَّا إنْ وَصَلَتْ الْأُخْرَى إلَى حَدِّ التَّوَاتُرِ، فَإِنَّ التَّوَاتُرَ مَتَى خَالَفَ الْآحَادَ عُلِمَ كَذِبُ الْآحَادِ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ قَدْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ قُوَّةِ مَالِكِ الْأَرْضِ وَضَعْفِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ثُمَّ قَالَ: قَدْ يُخَالِفُ مَا أَفْتَيْت بِهِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَذَكَرَ مَا مَرَّ عَنْهُ ثُمَّ اعْتَرَضَهُ بِالْفَرْقِ بَيْنَ صُورَتِهِ وَمَا اسْتَشْهَدَ بِهِ، بِأَنَّ الْبَيِّنَةَ الَّتِي أَقَامَهَا الدَّاخِلُ لَوْ كَانَ أَقَامَهَا قَبْلُ، امْتَنَعَ الْحُكْمُ لِغَرِيمِهِ، وَوَجَبَ الْحُكْمُ لَهُ بِخِلَافِ صُورَةِ الْإِجَارَةِ، فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ الْمُعَارِضَةَ لَوْ أُقِيمَتْ مِنْ الْأَوَّلِ مَنَعَتْ الْحُكْمَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، لِتَعَارُضِهِمَا وَتَسَاقُطِهِمَا.

الباب الثاني في بيت وقف بمكة المشرفة عامر أجره ناظره بشرط الواقف

فَلَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْأُخْرَى، بَلْ قَدْ تَرَجَّحَتْ الْمَحْكُومُ بِهَا بِالْحُكْمِ، وَالْحُكْمُ لَا يُنْقَضُ بِالِاحْتِمَالِ وَلَك رَدُّ اعْتِرَاضِهِ هَذَا بِأَنَّهُ فَرْقٌ صُورِيٌّ، وَهُوَ غَيْرُ مَقْبُولٍ وَقَوْلُهُ: بَلْ قَدْ تَرَجَّحَتْ إلَى آخِرِهِ مَرَّ مَا يَرُدُّهُ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يُعَدُّ مُرَجِّحًا، ثُمَّ اعْتَرَضَهُ أَيْضًا بِنَحْوِ مَا مَرَّ عَنْ السُّبْكِيّ وَقَدْ مَرَّ رَدُّهُ عَلَى السُّبْكِيّ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَاَلَّذِي يَتَحَرَّرُ لِي فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قُطِعَ بِكَذِبِ الْبَيِّنَةِ الْأُولَى كَأَنْ تُقَوَّمَ الْحِجَارَةُ الَّتِي هِيَ عَلَى شَاطِئِ النِّيلِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَثَلًا، نُقِضَ الْحُكْمُ بِهَا لِلْقَطْعِ بِكَذِبِهَا فَصَارَتْ الْبَيِّنَةُ الْأُخْرَى لَا مُعَارِضَ لَهَا، وَأَمَّا مَعَ الِاحْتِمَالِ فَلَا نَقْضَ لِلْحُكْمِ وَبِدُونِ الْحُكْمِ مَعَ الِاحْتِمَالِ إمَّا أَنْ تُرَجَّحَ النَّاقِضَةُ. وَإِمَّا أَنْ يَتَعَارَضَا وَيَتَسَاقَطَا انْتَهَى كَلَامُ أَبِي زُرْعَةَ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الصُّورَةِ الَّتِي قَدَّمْتهَا مِنْ أَنَّ الْقَطْعَ بِكَذِبِ الْأُولَى مُبْطِلٌ لِلْحُكْمِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَا نِزَاعَ فِيهِ وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِهِ أَيْضًا إجْمَاعُ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّعَارُضُ بَيْنَ قَطْعِيٍّ وَمَظْنُونٍ، فَعُلِمَ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ ابْنِ الصَّلَاحِ وَالسُّبْكِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَأَنَّهُ لَا مَجَالَ لِلْخِلَافِ فِيهَا. وَاسْتُفِيدَ مِنْ تَمْثِيلِ أَبِي زُرْعَةَ بِمَا ذُكِرَ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا عَلِمَ اسْتِحَالَةَ أَمْرٍ اسْتَنَدَتْ إلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ حُكْمٌ أَلْغَاهُ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ التَّاجُ السُّبْكِيّ لِأَبِيهِ بِمَسْأَلَةٍ فِي الرَّافِعِيِّ لَكِنَّنِي بَيَّنْتُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ أَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَنْ الرَّافِعِيِّ لَا يَدُلُّ لِمَا مَرَّ عَنْ أَبِيهِ: مِنْ إطْلَاقِ عَدَمِ النَّقْضِ، نَعَمْ قَدْ يُشْكَلُ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ قَوْلُ الْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ: لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَأُخْرَى بِفَسَادِهِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ، وَأَخَذَ مِنْهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ بَاعَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَأُخْرَى أَنَّهُ بَاعَ بِدُونِهِ رُجِّحَتْ الْأُولَى. قَالَ الْأَزْرَقِيُّ: وَبِهِ أَفْتَى أَهْلُ زُبَيْدٍ لَكِنْ أَفْتَى الْعُمْرَانِيُّ بِأَنَّهُمَا يَتَعَارَضَانِ. وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِكَلَامِ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ وَيُجَابُ بِأَنَّ السُّبْكِيّ الْمُخَالِفَ لِابْنِ الصَّلَاحِ لَا يَقُولُ بِتَقْدِيمِ الشَّهَادَةِ بِالْبَيْعِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، بَلْ يَقُولُ: بِمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ مِنْ التَّعَارُضِ فَكَانَ مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَمَا أَخَذَهُ مِنْهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَارِدًا عَلَى ابْنِ الصَّلَاحِ وَالسُّبْكِيِّ مَعًا، وَيُوَجَّهُ خُرُوجَ هَذِهِ عَنْ قَاعِدَةِ تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الصِّحَّةِ، بِأَنَّ الْقِيمَةَ أَمْرُ تَخْمِينٍ. وَالشَّاهِدُ بِهَا إنَّمَا هُوَ مُعْتَمِدٌ عَلَى مُجَرَّدِ ظَنٍّ فَلَمْ يُعَوَّلْ عَلَى ظَنِّهِ إلَّا حَيْثُ لَمْ يُعَارِضْهُ ظَنٌّ آخَرُ، فَإِذَا عَارَضَهُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْحُكْمِ تَسَاقَطَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ بَانَ أَنَّ الْحُكْمَ بُنِيَ عَلَى ظَنٍّ وَتَخْمِينٍ لَمْ يَسْلَمْ عَنْ مُعَارِضٍ، فَفَاتَ شَرْطُهُ مِنْ أَنَّ مَحَلَّ الِاعْتِمَادِ عَلَى الظَّنِّ وَالتَّخْمِينِ حَيْثُ لَمْ يُعَارِضْهُ ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ وَلَوْ مِثْلَهُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ. وَبِهِ يَظْهَرُ لَك أَنَّ التَّحْقِيقَ مَعَ ابْنِ الصَّلَاحِ وَأَنَّ جَمِيعَ مَا اعْتَرَضَ بِهِ السُّبْكِيّ يَرُدُّهُ مَا قَرَّرْتُهُ فَاحْفَظْ ذَلِكَ، وَلَا تَغْفُلْ عَنْهُ، فَإِنَّهُ مُهِمٌّ نَفِيسٌ، ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ عَلَى جِهَةِ بَيَانِ الْمَدَارِكِ وَالْمَآخِذِ، وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَتَحَرَّرُ الْإِفْتَاءُ بِهِ مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا شُبْهَةَ بِوَجْهٍ أَنَّهُ مَتَى عُلِمَ كَذِبُ الْبَيِّنَةِ الْأُولَى بِالطَّرِيقَةِ الَّتِي قَدَّمْتهَا بَانَ بُطْلَانُ شَهَادَتِهَا وَالْحُكْمُ الْمُسْتَنِدُ إلَيْهَا فَيُنْقَضُ بِمَعْنَى أَنَّ الْقَاضِيَ يُظْهِرُ بُطْلَانَهُ وَيَمْنَعُ مِنْ الْعَمَلِ بِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إذَا سُئِلَ فِيهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ [الْبَابُ الثَّانِي فِي بَيْتٍ وُقِفَ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ عَامِرٍ أَجَّرَهُ نَاظِرُهُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ] الْبَابُ الثَّانِي فِي السُّؤَالِ الثَّالِثِ وَهُوَ بَيْتٌ وُقِفَ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ عَامِرٌ لَا يَحْتَاجُ لِعِمَارَةٍ وَلَا يُخْشَى انْهِدَامُهُ لِمُكْنَةِ بِنَائِهِ وَأَحْكَامِهِ وَمَعَ ذَلِكَ أَجَّرَهُ نَاظِرُهُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ مِائَةَ سَنَةٍ. وَحَكَمَ شَافِعِيٌّ بِمُوجَبِ الْإِجَارَةِ وَعَدَمِ انْفِسَاخِهَا بِمَوْتِ الْمُتَآجِرَيْنِ وَذَكَرَ فِي مَكْتُوبِ الْإِجَارَةِ أَنَّ الْأُجْرَةَ الْمُعَيَّنَةَ فِيهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ بِشَهَادَةِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَأَنَّ الْحَظَّ وَالْمَصْلَحَةَ وَالْغِبْطَةَ لِجِهَةِ الْوَقْفِ وَلِلْمَوْقُوفِ فِي إيجَارِهِ بِالْأُجْرَةِ الْمُعَيَّنَةِ فِيهِ بِمُقْتَضَى أَنَّ الْأُجْرَةَ الْمَذْكُورَةَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَزِيَادَةٌ مَثَلًا فَهَلْ إجَارَةُ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ صَحِيحَةٌ أَوْ لَا؟ وَهَلْ الْحَظُّ وَالْمَصْلَحَةُ وَالْغِبْطَةُ تَتَقَيَّدُ بِقَوْلِهِ بِمُقْتَضَى أَنَّ الْأُجْرَةَ إلَى آخِرِهِ أَوْ لَا؟ وَإِذَا تَقَيَّدَتْ فَهَلْ يَكْفِي فِي الْمَصْلَحَةِ كَوْنُ الْأُجْرَةِ زَائِدَةً عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ أَخْذًا مِنْ أَنَّ ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ فِي بَيْعِ عَقَارِ الْيَتِيمِ، أَوْ لَا بُدَّ مِنْ مَصْلَحَةٍ غَيْرِ ذَلِكَ؟ وَإِذَا قُلْتُمْ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَصْلَحَةٍ غَيْرِ ذَلِكَ، فَمَا تِلْكَ الْمَصْلَحَةُ، وَهَلْ يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ الْوَاقِفُ لِلنَّاظِرِ: أَنْ يُؤَجِّرَ مَا رَآهُ وَأَنْ لَا يَقُولَ ذَلِكَ أَوْ لَا؟ وَهَلْ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ مُطْلَقًا كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ.

مُسْتَدِلًّا بِمَا فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَوْ لَا؟ وَهَلْ إذَا تَعَرَّضَ الْحَاكِمُ الشَّافِعِيُّ لِعَدَمِ انْفِسَاخِ الْإِجَارَةِ بِمَوْتِ الْمُتَآجِرَيْنِ يَكُونُ لِلْحَنَفِيِّ الْحُكْمُ بِانْفِسَاخِهَا بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَهَلْ الْعَادَةُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَاتِ مُعْتَبَرَةٌ أَوْ لَا؟ وَمَا مَعْنَى الْبَاءِ فِي قَوْلِهِ فِي الْمَكْتُوبِ بِمُقْتَضَى إلَى آخِرِهِ وَمَا حُكْمُ اللَّهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ، وَابْسُطُوا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ لِذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْمُفْتِينَ بِمَكَّةَ فِيهِ وَتَبَايُنِ آرَائِهِمْ وَأَفْهَامِهِمْ. الْجَوَابُ: أَمَّا عَنْ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ كَالْأَصْحَابِ أَنَّ مِنْ وَظِيفَةِ نَاظِرِ الْوَقْفِ حِفْظَ الْأُصُولِ وَالْغَلَّاتِ عَلَى الِاحْتِيَاطِ، وَمِنْ وَظِيفَتِهِ أَيْضًا إجَارَتُهُ عَلَى الِاحْتِيَاطِ فَأَوْجَبُوا عَلَيْهِ الِاحْتِيَاطَ فِي كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ كَغَيْرِهِمَا. وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّيْخُ فِي التَّنْبِيهِ: وَلَا يَتَصَرَّفُ النَّاظِرُ إلَّا عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ وَالِاحْتِيَاطِ، وَصَرَّحَ التَّاجُ السُّبْكِيّ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُتَصَرِّفٍ عَنْ الْغَيْرِ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِالْمَصْلَحَةِ، فَإِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ مَصْلَحَةٌ وَمَفْسَدَةٌ وَاسْتَوَيَا لَمْ يَتَصَرَّفْ، وَيَشْهَدُ لَهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَكَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَغَيْرِهِ فِي وُجُوبِ أَخْذِ الْوَلِيِّ بِالشُّفْعَةِ لِمَحْجُورِهِ، إنْ كَانَ فِي الْأَخْذِ مَصْلَحَةٌ، وَتَرْكِهِ إذَا عُدِمَتْ فِي الْأَخْذِ وَالتَّرْكِ مَعًا، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] وَعِنْدَ اسْتِوَاءِ الْمَصْلَحَةِ وَالْمَفْسَدَةِ لَمْ تُوجَدْ الْأَحْسَنِيَّةُ فَامْتَنَعَ الْقُرْبَانُ وَنَاظِرُ الْوَقْفِ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَئِمَّتُنَا، فَكَانَ مِثْلَهُ فِي ذَلِكَ، وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى نَاظِرِ الْوَقْفِ فِعْلُ الْأَصْلَحِ، وَكَلَامُ الْأَئِمَّةِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الِاحْتِيَاطُ فِي بَقَاءِ عَيْنِ الْوَقْفِ وَفِي إيجَارِهِ وَأَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِعْلُ الْأَصْلَحِ مِنْ إيجَارِهِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ وَالْقَصِيرَةَ إذَا كَانَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَصْلَحَةٌ وَأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي أَحَدِهِمَا مَصْلَحَةٌ، وَفِي الْأُخْرَى مَفْسَدَةٌ، وَاسْتَوَيَا امْتَنَعَ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ عُلِمَ وَظَهَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُؤَجِّرَهُ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ إلَّا إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ أَصْلَحَ مِنْ بَقَاءِ عَيْنِ الْوَقْفِ بِلَا إجَارَةٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ مَفْسَدَةٌ، وَفِي بَقَاءِ عَيْنِ الْوَقْفِ بِدُونِ تِلْكَ الْإِجَارَةِ مَصْلَحَةٌ أَوْ بِالْعَكْسِ، وَاسْتَوَتْ تِلْكَ الْمَصْلَحَةُ وَالْمَفْسَدَةُ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِيجَارُ، إذْ لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا اسْتَوَتَا تَعَارَضَتَا فَتَسَاقَطَتَا. وَبَعْدَ أَنْ اتَّضَحَ لَك أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ مِنْ تَحَقُّقِ كَوْنِهَا أَصْلَحَ مِنْ بَقَاءِ الْعَيْنِ بِلَا إيجَارٍ، فَلَا بُدَّ فِي صِحَّةِ الْإِجَارَةِ مِنْ ثُبُوتِ ذَلِكَ كُلِّهِ عِنْدَ الْقَاضِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ حَيْثُ جَعَلُوا نَاظِرَ الْوَقْفِ كَالْوَصِيِّ وَصَرَّحُوا فِي الْوَصِيِّ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُسَجِّلَ بَيْعَهُ إلَّا إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّ لِلْمَحْجُورِ فِيهِ الْمَصْلَحَةَ وَالْغِبْطَةَ بِخِلَافِ الْأَبِ وَالْجَدِّ لِوُفُورِ شَفَقَتِهِمَا، ثُمَّ لَا بُدَّ فِي شَهَادَةِ الشُّهُودِ عِنْدَ الْقَاضِي مِنْ بَيَانِ الْمَصْلَحَةِ، وَلَا يَكْفِي قَوْلُهُمَا: نَشْهَدُ أَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً وَغِبْطَةً كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ ابْنِ أَبِي الدَّمِ وَأَقَرَّهُ، وَهُوَ الْأَشْهَرُ مِنْ وَجْهَيْنِ فِي نَظِيرِ مَسْأَلَتِنَا الْآتِيَةِ. قَالَ: فَلَا نَسْمَعُ شَهَادَتَهُ الْمُطْلَقَةَ وَإِنْ وَافَقَ الْحَاكِمَ فِي مَذْهَبِهِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يَظُنُّ مَا لَيْسَ بِسَبَبٍ سَبَبًا؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرَتِّبَ الْأَحْكَامَ عَلَى أَسْبَابِهَا، بَلْ وَظِيفَتُهُ نَقْلُ مَا سَمِعَهُ مِنْ إقْرَارٍ أَوْ عَقْدٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ مَا شَاهَدَهُ مِنْ الْأَفْعَالِ، ثُمَّ الْحَاكِمُ يَنْظُرُ فِيهِ فَإِنْ رَآهُ سَبَبًا رَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الصَّبَّاغِ كَغَيْرِهِ لَوْ عَلِمَ الشَّاهِدُ اسْتِحْقَاقَ زَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو دِرْهَمًا مَثَلًا، بِأَنْ عَرَفَ سَبَبَهُ كَأَنْ أَقَرَّ لَهُ بِهِ جَازَ أَنْ يَشْهَدَ بِاسْتِحْقَاقِهِ عَلَيْهِ دِرْهَمًا وَتُسْمَعُ شَهَادَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ عَلَى شَاهِدٍ فَقِيهٍ مُوَافِقٍ لِلْحَاكِمِ فِي مَذْهَبِهِ بِحَيْثُ يُوثَقُ بِعِلْمِهِ وَإِحَاطَتِهِ بِتَفَاصِيلِ الْأَسْبَابِ وَمَعْرِفَةِ أَحْكَامِهَا، بِخِلَافِ مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا مَسَاغَ لِلْحَاكِمِ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ الْمُطْلَقَةِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ هَؤُلَاءِ، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ بِهِ فِي مِثَالِهِمْ لِظُهُورِ حُكْمِهِ حَتَّى لِلْعَوَامِّ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا، فَإِنَّ الْمَصْلَحَةَ الْمُسَوِّغَةَ لِلْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ فِي غَايَةِ الْخَفَاءِ حَتَّى أَخْطَأَ فِيهَا بَعْضُ الْمُفْتِينَ كَمَا يَأْتِي، فَكَيْفَ مَعَ ذَلِكَ يَجُوزُ لِقَاضٍ شَهِدَ عَامِّيٌّ عِنْدَهُ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي إجَارَةِ كَذَا مِائَةَ سَنَةٍ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ قَبُولُ هَذِهِ الشَّهَادَةِ؟ ، هَذَا مِمَّا لَا يَسَعُ شَافِعِيًّا أَنْ يَقُولَ بِعُمُومِهِ. وَأَمَّا

عَنْ الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، فَعِبَارَةُ الْمَكْتُوبِ الْمَذْكُورِ صَرِيحَةٌ فِي تَقْيِيدِ الْحَظِّ وَالْمَصْلَحَةِ وَالْغِبْطَةِ بِكَوْنِ الْأُجْرَةِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ وَزِيَادَةً، هَذَا مِمَّا لَا مِرْيَةَ فِيهِ عَلَى جَمِيعِ احْتِمَالَاتِهِ وَحِينَئِذٍ فَاَلَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ لَمْ يَشْهَدَا عِنْدَ الْحَاكِمِ إلَّا بِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي إيجَارِهِ مِائَةَ سَنَةٍ بِكَذَا، بِمُقْتَضَى أَنَّ هَذِهِ الْأُجْرَةَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَزِيَادَةٌ فَحَصَرَ الْمَصْلَحَةَ الَّتِي شَهِدَا بِهَا فِي هَذَا الْفَرْدِ الْخَاصِّ وَصَارَا كَالْمُصَرِّحَيْنِ بِأَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ فِي الْإِيجَارِ غَيْرُ ذَلِكَ، وَإِذَا ظَهَرَ مِنْ عِبَارَةِ مَكْتُوبِ الْإِجَارَةِ الْمَذْكُورِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَاتَّضَحَ مِنْهُ مَا قَرَّرْنَاهُ، فَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذُكِرَ عَنْ ذَلِكَ الْمُفْتِي مِنْ أَنَّ مُجَرَّدَ زِيَادَةِ الْأُجْرَةِ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ تَكُونُ مَصْلَحَةً مُسَوِّغَةً لِإِجَارَةِ مِائَةِ سَنَةٍ مَثَلًا عَجِيبٌ غَرِيبٌ، وَقِيَاسُهُ عَلَى بَيْعِ عَقَارِ الْيَتِيمِ أَعْجَبُ وَأَغْرَبُ وَمِمَّا يُبْطِلُ قِيَاسَهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَكْتَفُوا فِي بَيْعِ عَقَارِ الْيَتِيمِ لِغِبْطَةٍ بِمُجَرَّدِ زِيَادَةِ الثَّمَنِ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ، وَإِنَّمَا شَرَطُوا ثَمَّ فِي الْغِبْطَةِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، بَلْ نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَبِهِ يُرَدُّ عَلَى مَنْ نَازَعَ فِيهِ تِلْكَ الزِّيَادَةَ مَعَ كَوْنِهِ يَجِدُ مِثْلَ ذَلِكَ الْعَقَارَ بِبَعْضِ ذَلِكَ الثَّمَنِ، قَالَ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ أَوْ الْأَكْثَرُونَ: أَوْ يَجِدُ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ الْعَقَارِ بِكُلِّ ذَلِكَ الثَّمَنِ فَحِينَئِذٍ تَتَحَقَّقُ الْغِبْطَةُ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ مِثْلُ عَقَارِهِ مَعَ بَقَاءِ فَضْلَةٍ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَغْرَمَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا آخَرَ زَائِدًا عَلَى ذَلِكَ الْعَقَارِ الْأَدْوَنِ. وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ غِبْطَةٌ ظَاهِرَةٌ فَجَازَ بَيْعُ الْعَقَارِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مُجَرَّدِ زِيَادَةِ الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا اكْتَفَوْا فِي بَيْعِ غَيْرِ نَحْوِ الْعَقَارِ بِمُجَرَّدِ رِبْحٍ قَلِيلٍ بَلْ قَالَ التَّاجُ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ: بِلَا رِبْحٍ بِخِلَافِ الْعَقَارِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ يُؤْمَنُ عَلَيْهِ مِنْ النَّهْبِ وَالسَّرِقَةِ وَالضَّيَاعِ مَعَ أَنَّ لَهُ غَلَّةً وَفَوَائِدَ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَاحْتِمَالُ خَرَابِهِ لَيْسَ كَاحْتِمَالِ ضَيَاعِ غَيْرِهِ لِقُرْبِ هَذَا وَبُعْدِ ذَاكَ، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي بَيْعِ عَقَارِ الْيَتِيمِ مِمَّا ذُكِرَ، فَكَيْفَ يَسُوغُ لِمَنْ لَهُ أَدْنَى تَأَمُّلٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُكْتَفَى فِي إجَارَةِ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ بِمُجَرَّدِ الزِّيَادَةِ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَلَيْتَهُ إذَا أَخَذَ ذَلِكَ قَيَّدَهُ بِزِيَادَةٍ لَهَا وَقْعٌ، وَإِلَّا فَالِاكْتِفَاءُ بِمُطْلَقِ الزِّيَادَةِ لَا يَكْفِي فِي الْبَيْعِ عَلَى الْيَتِيمِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْقَفَّالُ: لَا يَبِيعُ الْعَقَارَ إلَّا بِغِبْطَةٍ ظَاهِرَةٍ، وَهِيَ مِمَّا لَا يَسْتَهِينُ بِهِ أَرْبَابُ الْعُقُولِ بِالنِّسْبَةِ إلَى شَرَفِ الْعَقَارِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ تَحْصِيلِ عَقَارٍ لِلطِّفْلِ وَنَحْوِهِ أَكْثَرَ قِيمَةً وَرَيْعًا مِمَّا يَبِيعُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا خَيْرَ فِي بَيْعِ الْعَقَارِ اهـ. فَتَأَمَّلْ ضَبْطَهُ لِلْغِبْطَةِ بِمَا ذُكِرَ لِتَعْلَمَ مَا فِي كَلَامِ ذَلِكَ الْمُفْتِي مِنْ التَّسَاهُلِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُمْ اكْتَفَوْا فِي بَيْعِ عَقَارِ الْمَحْجُورِ بِمُجَرَّدِ الزِّيَادَةِ، لَمْ يُقَسْ بِهِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ مِنْ مَقَاصِدِ الْوِلَايَةِ عَلَى الْمَحْجُورِينَ التِّجَارَةَ لَهُمْ، وَمَوْضُوعُهَا إدْخَالُ الْأَعْيَانِ وَإِخْرَاجُهَا لِتَحْصِيلِ الرِّبْحِ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْوِلَايَةِ هُنَا حِفْظُ الْأُصُولِ وَتَحْصِيلُ غَلَّتِهَا عَلَى الِاحْتِيَاطِ فِيهِمَا. وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ الْمَقْصُودَيْنِ، فَإِنَّ مُجَرَّدَ الزِّيَادَةِ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ ثَمَّ لَا يُنَافَى التِّجَارَةَ الْمَقْصُودَةَ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ الزِّيَادَةِ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ هُنَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَصْلَحَةٌ أُخْرَى فَإِنَّهُ يُنَافَى الْمَقْصُودَ هُنَا مِنْ بَقَاءِ الْعَيْنِ سَلِيمَةً عَمَّا يُؤَدِّي إلَى تَمَلُّكِهَا وَانْقِطَاعِ حَقِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ مِنْ عَيْنِهَا، فَاتَّضَحَ فُرْقَانُ مَا بَيْنَ الْبَابَيْنِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، فَلَا عُذْرَ لِذَلِكَ الْمُفْتِي فِي ذَلِكَ الْقِيَاسِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، وَلَا اعْتِبَارَ مِنْ الِاعْتِبَارَاتِ. وَمِمَّا يُبْطِلُ مَا قَالَهُ أَيْضًا مَا فِي فَتَاوَى الْإِمَامِ الْكَمَالِ الرَّدَّادِ شَارِحِ الْإِرْشَادِ، فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ مُتَعَدٍّ عَلَى وَقْفٍ لَهُ نَاظِرٌ فَطَلَبَ نَاظِرُهُ مِنْ الْحَاكِمِ رَفْعَ يَدِ الْمُتَعَدَّيْ هَلْ يَلْزَمُ الْحَاكِمَ إجَابَتُهُ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يَجِبُ. عَلَى الْحَاكِمِ رَفْعُ يَدِ الْمُتَعَدَّيْ عَنْهَا وَيُؤَجِّرُهَا النَّاظِرُ عَلَى مَنْ تَرَجَّحَ لَهُ أَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَأَكْثَرَ. اهـ. فَاشْتَرَطَ مَعَ الْمَصْلَحَةِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ أَوْ أَكْثَرَ فَأَفْهَمْ أَنَّ الْإِيجَارَ بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَحْدَهُ لَا يَكْفِي، فَبَطَلَ مَا زَعَمَهُ ذَلِكَ الْمُفْتِي مِنْ أَنَّهُ يَكْفِي، وَقَالَ الْكَمَالُ الْمَذْكُورُ أَيْضًا: وَأَمَّا تَأْجِيرُ النَّاظِرِ ثَلَاثِينَ سَنَةً. فَالْمَنْقُولُ الصِّحَّةُ مَعَ مُرَاعَاةِ الْغِبْطَةِ وَكَوْنِهَا أُجْرَةَ الْمِثْلِ فَأَكْثَرَ، فَانْظُرْ إلَى هَذَا التَّصْرِيحِ أَيْضًا مِنْ هَذَا الْإِمَامِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِ الْغِبْطَةِ وَكَوْنِهَا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَأَكْثَرَ. وَقَالَ أَيْضًا: عَلَى النَّاظِرِ الْعَمَلُ فِي الْوَقْفِ بِمَا يَتَوَجَّهُ شَرْعًا مِنْ الْبَدَاءَةِ بِعِمَارَتِهِ وَتَأْجِيرِهِ.

بِالْمَصْلَحَةِ وَالْغِبْطَةِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَأَكْثَرَ عَلَى ثِقَةِ مَلِيءٍ أَمِينٍ. اهـ وَبِذَلِكَ كُلِّهِ عُلِمَ أَنَّ زَعْمَ الِاكْتِفَاءِ بِالزِّيَادَةِ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَحْدَهَا بَاطِلٌ صَرِيحٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَصْلَحَةٍ غَيْرِ زِيَادَةِ الْأُجْرَةِ ظَهَرَ أَنَّ مُسْتَنَدَ الْإِجَارَةِ الْمَذْكُورَةِ لَا يُفِيدُ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الَّذِي اسْتَنَدَ إلَيْهِ الْحَاكِمُ إلَى الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ فِيهِ هُوَ شَهَادَةُ الشَّاهِدَيْنِ بِالْمَصْلَحَةِ الَّتِي هِيَ زِيَادَةُ الْأُجْرَةِ، وَهَذِهِ الشَّهَادَةُ لَا تُفِيدُ صِحَّةَ الْإِجَارَةِ فَإِذَا اسْتَنَدَ الْحُكْمُ إلَيْهَا دُونَ غَيْرِهَا كَانَ مُسْتَنِدًا إلَى مَا لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهِ وَلَا الِاسْتِنَادُ إلَيْهِ وَحْدَهُ، فَبَانَ أَنَّهُ غَيْرُ وَاقِعٍ مَوْقِعَهُ وَأَنَّهُ غَيْرُ مُصَادِفٍ لِمَا يُصَحِّحُهُ فَكَانَ لَغْوًا مِنْ أَصْلِهِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ. وَأَمَّا عَنْ الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ فَالْمُرَادُ بِالْمَصْلَحَةِ الْمُجَوِّزَةِ لِإِجَارَةِ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ هِيَ الْمَصْلَحَةُ الَّتِي تَرْجِعُ إلَى بَقَاءِ عَيْنِ الْوَقْفِ، وَقَدْ انْحَصَرَتْ فِي إيجَارِهِ تِلْكَ الْمُدَّةَ لَا إلَى مُجَرَّدِ مَصْلَحَةِ الْمُسْتَحِقِّ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا يَأْتِي عَنْ أَبِي زُرْعَةَ وَغَيْرِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا قَرَّرْته مِنْ كَلَامِ صَاحِبِ الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ مُجَرَّدَ زِيَادَةِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لَا تُجَوِّزُ إجَارَةَ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ السُّبْكِيّ حَيْثُ قَالَ: لِعِمَارَةٍ وَنَحْوِهَا كَمَا يَأْتِي عَنْهُ فَخَصَّ الْجَوَازَ بِالْعِمَارَةِ وَنَحْوِهَا وَعَلَى مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنَّ الْإِجَارَةَ لِمُجَرَّدِ زِيَادَةِ الْأُجْرَةِ لَا تَجُوزُ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ إطْلَاقُ الْأَذْرَعِيِّ امْتِنَاعَ الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدِّي إلَى تَمَلُّكِ الْوَقْفِ وَمَفَاسِدَ أُخْرَى تُعْلَمُ مِمَّا سَأَذْكُرُهُ فَمَحَلُّ امْتِنَاعِهَا إذَا كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ عَائِدَةً لِلْمُسْتَحِقِّينَ فَقَطْ، وَأَمَّا إطْلَاقُهُ امْتِنَاعَهَا وَإِنْ عَادَتْ إلَى عَيْنِ الْوَقْفِ فَلَا يُتَّجَهُ كَمَا بَيَّنَهُ أَبُو زُرْعَةَ فِي فَتَاوِيهِ وَسَيَأْتِي فَتَعَيَّنَ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَا ذَكَرَ، وَكَذَلِكَ يُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ تِلْمِيذِهِ الزَّرْكَشِيّ: جَوَازُ إجَارَةِ الْوَقْفِ مِائَةَ سَنَةٍ وَنَحْوِهَا بَعِيدٌ، فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اسْتِهْلَاكِهِ وَيَدُلُّ عَلَى حَمْلِ كَلَامِهِ أَعَنَى الزَّرْكَشِيّ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ قَوْلُهُ أَيْضًا. وَيَخْرُجُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ سُرَاقَةَ وَأَبِي الْفَرَجِ الْجَزْمُ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا فِي الْخَرَابِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذَا اقْتَضَتْهُ الْمَصْلَحَةُ لِيُحْتَكَرَ اهـ. فَافْهَمْ أَنَّ اسْتِبْعَادَهُ الْأَوَّلَ إنَّمَا هُوَ فِي غَيْرِ الْخَرَابِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي غَيْرِ الْخَرَابِ إنَّمَا تَعُودُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ، فَلَمْ تَكُنْ مُسَوِّغَةً لِلْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى مَفَاسِدَ فَلَا تُفْعَلُ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ تَرْجِعُ إلَى عَيْنِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ رِعَايَةَ حِفْظِهِ بِالْعِمَارَةِ أَوْلَى مِنْ رِعَايَةِ تَوَهُّمِ تَمَلُّكِهِ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ اشْتِمَالَهَا عَلَى مَفَاسِدَ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ: إنَّ الْحُكَّامَ مِنْ أَئِمَّتِنَا الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يُؤَجَّرُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ لِئَلَّا يَنْدَرِسَ مَالُوا إلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ، وَقَوْلُ أَبِي زُرْعَةَ وَصَاحِبِ الْأَنْوَارِ: مَا فَعَلُوهُ مِنْ ذَلِكَ الِاصْطِلَاحِ هُوَ الِاحْتِيَاطُ. وَقَوْلُ السُّبْكِيّ مُنْتَصِرًا لِهَذَا الِاصْطِلَاحِ لَعَلَّ سَبَبَهُ أَنَّ إجَارَةَ الْوَقْفِ تَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَكُونَ بِالْقِيمَةِ، وَتَقْوِيمُ الْمُدَّةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ الْبَعِيدَةِ صَعْبٌ قَالَ: وَفِيهِ أَيْضًا تَوَقُّعُ الِانْتِقَالِ إلَى الْبَطْنِ الثَّانِي، وَقَدْ تَتْلَفُ الْأُجْرَةُ فَتَضِيعُ عَلَيْهِمْ، وَمَعَ ذَلِكَ قَدْ تَدْعُوَ الْحَاجَةُ إلَى الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ لِعِمَارَةٍ وَنَحْوِهَا، فَالْحَاكِمُ يَجْتَهِدُ فِي ذَلِكَ وَيَقْصِدُ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى اهـ. قَالَ الْكَمَالُ الرَّدَّادُ شَارِحُ الْإِرْشَادِ وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ لَا سِيَّمَا فِي هَذَا الْوَقْتِ، وَقَدْ شَاهَدْنَا كَثِيرًا إجَارَةَ بَعْضِ الْحُكَّامِ الْوَقْفَ مُدَّةً طَوِيلَةً أَدَّتْ إلَى تَمَلُّكِهِ وَإِبْطَالِ وَقْفِيَّتِهِ وَانْدِرَاسِهِ، وَالِاحْتِيَاطُ مُتَعَيِّنٌ فِي هَذَا الزَّمَانِ بِلَا شَكٍّ. اهـ. وَقَالَ أَيْضًا فِي امْرَأَةٍ أَرَادَتْ أَنْ تُؤَجِّرَ وَقْفًا خَمْسِينَ سَنَةً بِإِذْنِ الْحَاكِمِ فِرَارًا مِنْ الْبَطْنِ الَّذِي بَعْدَهَا لَا يَجُوز لَهَا ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ الْإِذْنُ لَهَا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ لِأُجْرَةِ الْمِثْلِ الْمُدَّةَ الْبَعِيدَةَ صَعْبٌ؛ وَلِأَنَّهُ يُخْشَى عَلَى الْوَقْفِ إذَا أُجِّرَ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ انْدِرَاسُهُ كَمَا رَأَيْنَا ذَلِكَ وَشَاهَدْنَاهُ، عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ وَتِلْمِيذَهُ الْبَغَوِيَّ وَالْمُتَوَلِّي ذَكَرُوا أَنَّ الْحُكَّامَ اصْطَلَحُوا عَلَى مَنْعِ إجَارَةِ الْوَقْفِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ هَذَا فِي زَمَانِهِمْ فَكَيْفَ فِي زَمَانِنَا الَّذِي لَا يُوجَدُ فِيهِ قَاضٍ أَمِينٌ أَهْلٌ لِلْوِلَايَةِ؟ بَلْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: قُضَاةُ الْعَصْرِ كَقَرِيبِي الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ، وَهَذَا فِي زَمَانِهِ فَكَيْفَ فِي زَمَانِنَا؟ اهـ. وَقَالَ أَيْضًا: وَقَدْ كَثُرَتْ الْمَفَاسِدُ مِنْ نُظَّارِ الْوَقْفِ فِي تَأْجِيرِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ حَتَّى صَارَ كَثِيرٌ مِنْ أَمَاكِنِ الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ مُنْدَرِسَ الْوَقْفِ وَيُتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمِلْكِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ

ذَلِكَ قَادِحٌ فِي نَظَرِهِمْ فَعَلَى الْإِمَامِ وَنُوَّابِهِ أَصْلَحَهُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إزَالَةُ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ اهـ. فَظَهَرَ مِنْ كَلَامِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ فِي الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ مَفَاسِدَ فَلِذَا وَجَبَ الِاحْتِيَاطُ فِيهَا أَكْثَرَ وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ الِاحْتِيَاطُ إلَّا إنْ انْحَصَرَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي الْعِمَارَةِ وَنَحْوِهَا، مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ الْوَقْفِ وَبَقَائِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ أَبُو زُرْعَةَ مُحَقِّقُ عَصْرِهِ بِاتِّفَاقِ مَنْ بَعْدَهُ. وَمِنْ ثَمَّ تَرْجُمُوهُ بِأَنَّهُ مَا رَأَى مِثْلَ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ جَمَعَ فِقْهَ شَيْخَيْهِ الْإِسْنَوِيِّ وَالْبُلْقِينِيِّ وَحَدِيثَ وَالِدِهِ حَافِظِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَحَاصِلُ عِبَارَتِهِ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّا يَفْعَلُهُ حُكَّامُ مَكَّةَ مِنْ إجَارَةِ دُورِ مَكَّةَ الْخَرِبَةِ السَّاقِطَةِ مِائَةَ سَنَةٍ أَوْ نَحْوَهَا مِمَّنْ يَقُومُ بِعِمَارَتِهَا وَيُقَدِّرُونَ ذَلِكَ أُجْرَتَهَا فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَيَأْذَنُونَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي صَرْفِهِ فِي الْعِمَارَةِ وَيُقِرُّونَ الدَّارَ مَعَهُ بَعْد عِمَارَتِهَا. عَلَى حُكْمِ الْإِجَارَةِ السَّابِقَةِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فِي الْأُجْرَةِ، هَلْ هَذَا التَّصَرُّفُ حَسَنٌ يَسُوغُ اعْتِمَادُهُ وَتَكْرَارُهُ أَمْ لَا؟ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ تُؤَدِّي إلَى تَمَلُّكِ الْوَقْفِ غَالِبًا، وَذَلِكَ أَعْظَمُ ضَرَرًا مِنْ الْخَرَابِ وَأَطَالُوا فِي السُّؤَالِ فَأَجَابَ وَأَطَالَ وَمُلَخَّصُهُ: أَنَّ مَنَافِعَ الْوَقْفِ كَمَنَافِعِ الطَّلْقِ يَتَصَرَّفُ النَّاظِرُ فِيهَا بِالْمَصْلَحَةِ، وَقَدْ تَقْتَضِي الْمَصْلَحَةُ تَكْثِيرَ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَتَقْلِيلِهَا وَحِينَئِذٍ فَيَجُوزُ إجَارَةُ الدَّارِ الْمَوْقُوفَةِ مُدَّةً تَبْقَى إلَيْهَا غَالِبًا، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الدُّورِ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ فِي أَحْكَامِ مَا يَبْنُونَ بِهِ وَإِتْقَانِهِ وَمُدَّةِ بَقَائِهِ غَالِبًا، فَمَا يَفْعَلُهُ حُكَّامُ مَكَّةَ مِنْ إجَارَةِ دُورِ الْوَقْفِ الْخَرِبَةِ السَّاقِطَةِ مِائَةَ سَنَةٍ أَوْ نَحْوَهَا عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ لِأُجْرَةِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَجْلِ الْعِمَارَةِ حَسَنٌ يَسُوغُ اعْتِمَادُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَقْفِ حَاصِلٌ يُعَمَّرُ بِهِ، وَلَا وُجِدَ مَنْ يُقْرِضُ الْقَدْرَ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ لِلْعِمَارَةِ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لِإِجَارَةِ مُدَّةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ بِأُجْرَةٍ حَالَّةٍ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنَّاهُ وَسَوَّغْنَاهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ بَقَاءَ عَيْنِ الْوَقْفِ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى سَائِرِ الْمَقَاصِدِ، وَقَدْ تَعَيَّنَتْ الْإِجَارَةُ الْمَذْكُورَةُ طَرِيقًا لِذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: وَلَا نَظَرَ لِخَشْيَةِ تَمَلُّكِ الْوَقْفِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ الْأُمُورَ إذَا ظُنَّتْ مَصْلَحَتُهُمَا فِي الْحَالِ لَا نَظَرَ فِي إبْطَالِهَا إلَى احْتِمَالِ مَفْسَدَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ. وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّ الْعِمَارَةَ إنَّمَا يَحْصُلُ النَّفْعُ بِهَا لِلْمُسْتَأْجِرِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ مُدَّتَهُ لَا تَفْرُغُ إلَّا وَقَدْ عَادَتْ الدَّارُ خَرِبَةً كَمَا كَانَتْ لِحُصُولِ غَرَضِ الْوَاقِفِ مَعَ ذَلِكَ بِعِمَارَتِهِ لَهَا، وَذَلِكَ الْغَرَضُ هُوَ بَقَاءُ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ مُنْفَكَّةً عَنْ مِلْكِ الْآدَمِيِّينَ لِرَقَبَتِهَا مَمْلُوكَةً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَيَبْقَى ثَوَابُهُ مُسْتَمِرًّا حَتَّى يُجْرَى عَلَيْهِ، وَلَوْ لَمْ يَنْتَفِعْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ بِرَيْعِهَا، وَالصُّورَةُ الَّتِي تَكَلَّمْنَا عَلَيْهَا أَنَّ الْإِجَارَةَ الْمَذْكُورَةَ تَعَيَّنَتْ طَرِيقًا لِبَقَاءِ عَيْنِ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ تَدَاعَى لِلسُّقُوطِ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُعْمَرُ بِهِ مِنْ رَيْعٍ حَاصِلٍ وَالْقَرْضِ، وَالْأَوْلَى إذَا خَرِبَ الْوَقْفُ وَلَمْ يَنْهَضْ بِعِمَارَتِهِ إلَّا أُجْرَةُ مِائَةِ سَنَةٍ أَنْ يُؤَجَّرَ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ، لِيُعْمَرَ جَمِيعُهُ بِالْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ عَيْنِ الْوَقْفِ مَقْصُودٌ شَرْعًا فِي غَرَضِ الْوَاقِفِ، وَلَا نَظَرَ إلَى خَشْيَةِ الْإِفْضَاءِ إلَى تَمَلُّكِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُحَقِّقٍ وَبِالْجُمْلَةِ فَمَتَى أَمْكَنَتْ الْمُبَادَرَةُ إلَى عِمَارَةِ الْوَقْفِ وَبَقَاءِ عَيْنِهِ كَمَا كَانَتْ، فَهُوَ حَسَنٌ فَلْيُفْعَلْ ذَلِكَ بِكُلِّ طَرِيقٍ مُمْكِنٍ شَرْعِيٍّ. وَيُحْتَرَزُ عَمَّا يُتَوَقَّعُ مِنْ الْمُفْسِدَاتِ بِمَا أَمْكَنَ الِاحْتِرَازُ بِهِ، وَلَا تُتْرَكُ الْمَصَالِحُ الْمَظْنُونَةُ لِلْمَفَاسِدِ الْمَوْهُومَةِ اهـ. حَاصِلُ كَلَامِ الْوَلِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ صَرِيحٌ لِمَنْ عِنْدَهُ أَدْنَى تَأَمُّلٍ، لِمَا ذَكَرْته أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْحَاجَةِ الْمُسَوِّغَةِ لِلْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ مِنْ عَوْدِهَا إلَى عَيْنِ الْوَقْفِ لِتَوَقُّعِ بَقَائِهَا عَلَى ذَلِكَ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ لِأُجْرَةِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَجْلِ الْعِمَارَةِ حَسَنٌ يَسُوغُ اعْتِمَادُهُ، إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَقْفِ حَاصِلٌ يُعْمَرُ بِهِ، وَلَا وُجِدَ مَنْ يُقْرِضُ الْقَرْضَ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ لِلْعِمَارَةِ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لِإِجَارَةِ مُدَّةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ بِأُجْرَةٍ حَالَّةٍ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٌ لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنَّاهُ إلَخْ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ لِأَجْلِ الْعِمَارَةِ وَقَوْلَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَقْفِ إلَخْ وَقَوْلَهُ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ، لِذَلِكَ تَجِدُ ذَلِكَ كُلَّهُ كَبَقِيَّةِ كَلَامِهِ صَرِيحًا فِيمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إجَارَةُ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ إلَّا عِنْدَ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ الرَّاجِعَةِ إلَى الْعِمَارَةِ وَنَحْوِهَا، وَهَذَا أَمْرٌ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِهِ لَا يُنْكِرُهُ إلَّا مُعَانِدٌ مُكَابِرٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ. وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ السُّبْكِيّ السَّابِقُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ لِعِمَارَةٍ وَنَحْوِهَا، فَإِنْ قُلْت: الْحَاجَةُ أَخَصُّ مِنْ.

الْمَصْلَحَةِ وَهُمْ لَمْ يَشْتَرِطُوا فِي إجَارَةِ النَّاظِرِ إلَّا الْمَصْلَحَةَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اشْتِرَاطِ الْأَعَمِّ اشْتِرَاطُ الْأَخَصِّ، وَإِذَا أَجَّرَهُ بِزِيَادَةٍ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ كَانَ ذَلِكَ مَصْلَحَةً، فَلِمَ لَا يُسَوَّغُ أَنَّ زِيَادَةَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ هُنَا بِمُجَرَّدِهَا تَكُونُ مَصْلَحَةً مُسَوِّغَةً لِلْإِجَارَةِ، وَإِنْ طَالَتْ مُدَّتُهَا، وَكَلَامُ السُّبْكِيّ إنَّمَا هُوَ فِي الْحَاجَةِ وَهِيَ مُنْحَصِرَةٌ فِي نَحْوِ الْعِمَارَةِ، فَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرْنَاهُ: مِنْ جَوَازِ الْإِجَارَةِ لِلْمَصْلَحَةِ الَّتِي ذُكِرَتْ قُلْتُ: أَمَّا كَوْنُ الْحَاجَةِ أَخَصَّ مِنْ الْمَصْلَحَةِ فَوَاضِحٌ وَأَمَّا اشْتِرَاطُهُمْ فِي النَّاظِرِ مَا ذُكِرَ، فَإِنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ شَرْطًا فِي كُلِّ إجَارَةٍ ثُمَّ بَعْضُ الْإِجَارَاتِ كَاَلَّذِي نَحْنُ فِيهِ يُشْتَرَطُ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ الْحَاجَةُ، وَبَعْضُهَا كَإِجَارَةِ الْمُدَّةِ الْقَلِيلَةِ يَكْفِي فِيهِ مُطْلَقُ الْمَصْلَحَةِ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُحْتَاجُ إلَى الزِّيَادَةِ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ، بَلْ حَيْثُ كَانَ فِي الْإِجَارَةِ مَصْلَحَةٌ اُكْتُفِيَ فِيهَا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَمْ يُكْتَفَ فِيهَا إلَّا بِالزِّيَادَةِ، كَمَا مَرَّ عَنْ الْكَمَالِ شَارِحِ الْإِرْشَادِ، فَعَلِمْنَا أَنَّ الزِّيَادَةَ بِمُجَرَّدِهَا لَيْسَتْ مَصْلَحَةً كَافِيَةً عَنْ غَيْرِهَا لَا فِي الْإِجَارَةِ الْقَصِيرَةِ، وَلَا فِي الطَّوِيلَةِ، فَبَطَلَ اعْتِبَارُ تِلْكَ الزِّيَادَةِ، وَلَمْ يَجُزْ النَّظَرُ إلَيْهَا وَبِهَذَا عُلِمَ الْجَوَابُ عَنْهُ. فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ اشْتَرَطْتُمْ فِي الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ الْحَاجَةَ وَاكْتَفَيْتُمْ فِي الْقَصِيرَةِ بِمُجَرَّدِ الْمَصْلَحَةِ، قُلْتُ: لِأَنَّ الطَّوِيلَةَ فِيهَا مَفَاسِدُ شَتَّى كَمَا مَرَّ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُطْلِقِينَ لِلْمَنْعِ وَالْمُجَوِّزِينَ لَهَا بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ، وَإِذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى مَفَاسِدَ مُنَافِيَةٍ لِغَرَضِ الْوَاقِفِ وَالشَّارِعِ مِنْ بَقَاءِ عَيْنِ الْوَقْفِ، فَكَانَ الْأَصْلُ امْتِنَاعَهَا، وَمَا كَانَ الْأَصْلُ امْتِنَاعَهُ لَا يَجُوزُ إلَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ حَاجَةٍ حَاقَّةٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعِمَارَةَ إذَا تَوَقَّفَتْ عَلَى الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ كَانَ ذَلِكَ إمَّا ضَرُورَةً أَوْ حَاجَةً، فَمِنْ ثَمَّ جَوَّزُوهَا حِينَئِذٍ. وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ ضَرُورَةً وَلَا حَاجَةً بِأَنْ كَانَ الْمَكَانُ عَامِرًا لَا يُخْشَى عَلَيْهِ انْهِدَامٌ، وَلَا يَحْتَاجُ لِتَرْمِيمٍ وَنَحْوِهِ مِنْ الْعِمَارَاتِ، فَالْمَنْعُ بَاقٍ بِحَالِهِ خَشْيَةً مِنْ تِلْكَ الْمَفَاسِدِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَلِيَّ قَالَ فِي رَدِّهِ: مَنْعُ الْأَذْرَعِيِّ الطَّوِيلَةَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اسْتِهْلَاكِهِ لَمْ أَرَ مَنْ قَالَهُ هَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَلَا نَظِيرَ يَشْهَدُ لَهُ، وَمَنْعُ الْإِجَارَةِ بِأَمْرٍ مُتَوَهَّمٍ، وَهُوَ إفْضَاءُ الْأَمْرِ إلَى اسْتِهْلَاكِهِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَلَا تَقْتَضِيهِ قَوَاعِدُنَا، وَكَيْفَ نُثْبِتُ أَمْرًا بِالشَّكِّ، وَلَيْسَ مِنْ مَذْهَبِنَا سَدُّ الذَّرَائِعِ اهـ. فَرَدُّهُ لِهَذَا مَعَ تَقْيِيدِهِ الْجَوَازَ بِمَا مَرَّ عَنْهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ بِذَلِكَ رَدَّ إطْلَاقِ الْمَنْعِ لَا أَصْلِ الْمَنْعِ، وَإِلَّا لَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْجَوَازِ مَا قَدَّمْتُهُ عَنْهُ، وَنَتَجَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّ الطَّوِيلَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا لِحَاجَةٍ، وَلَيْسَ عِلَّتُهُ إلَّا مَا قَرَّرْته فَافْهَمْهُ، فَإِنْ قُلْتَ: يُنَافِي مَا ذَكَرْتَهُ كَلَامُ الْكَمَالِ شَارِحِ الْإِرْشَادِ فِي فَتَاوِيهِ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ وَقَفَ بَيْتًا يَمْلِكُهُ عَلَى وَلَدَيْ ابْنٍ لَهُ لِيَسْكُنَاهُ وَيُؤَجِّرَاهُ وَيَنْتَفِعَا بِهِ وَجَعَلَ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ إلَيْهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ ثُمَّ بَعْدَهُ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمَا. ثُمَّ مَاتَ الْوَاقِفُ وَأَحَدُ الْوَلَدَيْنِ صَغِيرٌ لَمْ يَبْلُغْ فَاحْتَاجَ إلَى الْكِسْوَةِ وَالنَّفَقَةِ فَنَصَبَ الْحَاكِمُ الِابْنَ الْبَالِغَ عَلَى أَخِيهِ الْيَتِيمِ فَأَجَّرَ الْمَنْصُوبُ حِصَّةَ أَخِيهِ الْيَتِيمِ بِالْمَصْلَحَةِ لِحَاجَتِهِ وَضَرُورَتِهِ إلَى النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ عَلَى أَخِيهِ بِأُجْرَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي الْوَقْفِ مُدَّةَ مِائَةِ سَنَةٍ وَقَبَضَ لَهُ الْأُجْرَةَ فَهَلْ تَصِحُّ هَذِهِ الْإِجَارَةُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) : نَعَمْ تَصِحُّ الْإِجَارَةُ الْمَذْكُورَةُ اهـ. قُلْت: لَا يُنَافَى مَا ذَكَرْته، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ أَطْلَقَ هُنَا الصِّحَّةَ وَقَدْ قَدَّمْتُ عَنْهُ عِدَّةَ أَمَاكِنَ مِنْ فَتَاوِيهِ مُصَرِّحَةً بِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ مِنْ مَصْلَحَةٍ غَيْرَ زِيَادَةِ الْأُجْرَةِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ جَوَابَهُ مُنَزَّلٌ عَلَى مَا قَالَهُ السَّائِلُ وَهُوَ أَنَّهُ أَجَّرَ الْحِصَّةَ بِالْمَصْلَحَةِ وَلِحَاجَةِ الْيَتِيمِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَأَكْثَرَ، فَذَكَرَ هُنَا ثَلَاثَةَ أَسْبَابٍ الْمَصْلَحَةَ وَحَاجَةَ الْيَتِيمِ وَزِيَادَةَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ. فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ رَاجِعَةٌ لِعَيْنِ الْوَقْفِ، وَلَيْتَ مُسْتَنَدَ الْإِجَارَةِ فِي السُّؤَالِ ذُكِرَ فِيهِ مِثْلُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إذْ لَوْ ذُكِرَ فِيهِ ذَلِكَ الْمَذْكُورُ لَكَانَ أَمْرُهُ وَاضِحًا جَلِيًّا، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ إلَّا أَنَّ الْمَصْلَحَةَ الَّتِي لِلْوَقْفِ وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مُقَيَّدَةٌ بِزِيَادَةِ الْأُجْرَةِ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا قَرَّرْتُهُ وَوَضَّحْتُهُ أَنَّ مُجَرَّدَ هَذِهِ غَيْرُ كَافٍ فِي الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ فَاعْلَمْ ذَلِكَ، وَتَنَبَّهْ لَهُ، فَإِنَّ بَعْضَ الْمُعَانِدِينَ رُبَّمَا اطَّلَعَ عَلَى كَلَامِ الْكَمَالِ هَذَا فَجَعَلَهُ مُسْتَنَدًا لَهُ عَلَى صِحَّةِ مَكْتُوبِ الْإِجَارَةِ الَّذِي فِي السُّؤَالِ، وَلَيْسَ فِيهِ مُسْتَنَدٌ لِذَلِكَ بِوَجْهٍ لِمَا عَلِمْت مِنْ إيضَاحِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ فَرَاغِي مِنْ جَوَابِ الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ وَالْآتِيَةِ الرَّافِعِيَّ صَرَّحَ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَلْفَاظِ الْوَجِيزِ بِمَا هُوَ صَرِيحٌ فِيمَا.

قَدَّمْتُهُ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ وَغَيْرِهِ، مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَصْلَحَةٍ تَعُودُ لِلْوَقْفِ دُونَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ الْوَجِيزِ: وَتَأْثِيرُهُ أَيْ: لُزُومِ الْوَقْفِ إزَالَةُ الْمِلْكِ وَحَبْسُ التَّصَرُّفِ عَلَى الْمَوْقُوفِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُغَيَّرَ قَوْلُهُ وَحَبْسُ التَّصَرُّفِ عَلَى الْمَوْقُوفِ بِقَصْرِ التَّصَرُّفِ عَلَى مَا يُلَائِمُ غَرَضَ الْوَاقِفِ وَيَمْنَعُ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ اهـ. كَلَامُ الرَّافِعِيِّ، فَتَأَمَّلْ تَفْسِيرَهُ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ بِقَصْرِ التَّصَرُّفِ الَّذِي لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ النَّاظِرِ عَلَى مَا يُلَائِمُ غَرَضَ الْوَاقِفِ وَيَمْنَعُ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ تَجِدْهُ قَاضِيًا بِمَا قُلْنَاهُ: مِنْ أَنَّ مَصْلَحَةَ التَّصَرُّفِ لَا بُدَّ وَأَنْ تَرْجِعَ إلَى غَرَضِ بَقَاءِ الْوَقْفِ، وَأَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ هَذَا مَعَ غَرَضِ الْمُسْتَحِقِّ قُدِّمَ الْأَوَّلُ وَمُنِعَ الْمُسْتَحِقُّ مِنْ غَرَضِهِ الْمُنَافِي لَهُ، فَإِنْ قُلْتَ: لَا شَاهِدَ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ لِأَنَّ مِنْ غَرَضِ الْوَاقِفِ نَفْعَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ قُلْتُ: نَعَمْ هُوَ مِنْهُ، لَكِنْ إنَّمَا يُرَاعَى حَيْثُ لَمْ يُعَارِضْ غَرَضَ الْوَقْفِ، أَمَّا عِنْدَ الْمُعَارَضَةِ فَيُقَدَّمُ غَرَضُ الْوَقْفِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَوْ جَعَلْنَا مُجَرَّدَ زِيَادَةِ الْأُجْرَةِ مُسَوِّغًا لِلْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى اسْتِهْلَاكِ الْوَقْفِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةِ الْوَقْفِ إلَى ذَلِكَ لَكِنَّا قَدَّمْنَا غَرَضَ الْمُسْتَحِقِّ عَلَى غَرَضِ الْوَاقِفِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ كَمَا عَلِمْتَ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ هَذَا، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ أَسْكُنُ الدَّارَ. وَقَالَ النَّاظِرُ أُؤَجِّرُهَا لِأُرَمِّمَهَا بِأُجْرَتِهَا أُجِيبَ النَّاظِرُ، فَهَذَا فِيهِ التَّصْرِيحُ مِنْهُمْ بِتَقْدِيمِ مَصْلَحَةِ الْوَقْفِ عَلَى مَصْلَحَةِ الْمُسْتَحِقِّ وَقَوْلُهُمْ فِي مَوْقُوفٍ لَهُ مَنَافِعُ يَجْتَهِدُ الْحَاكِمُ وَيَسْتَعْمِلُهُ فِيمَا هُوَ أَقْرَبُ إلَى مَقْصُودِ الْوَاقِفِ، وَأَجْرَى الرَّافِعِيُّ ذَلِكَ فِي الدَّارِ الْمُشْرِفَةِ عَلَى انْهِدَامٍ، فَفِيهِ تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ إذَا تَقَابَلَ غَرَضُ الْوَاقِفِ وَغَرَضُ الْمُسْتَحِقِّ قُدِّمَ غَرَضُ الْوَاقِفِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ تَقَابَلَ غَرَضَاهُمَا، فَلْيُقَدَّمْ غَرَضُ الْوَاقِفِ مِنْ عَدَمِ الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ عَلَى غَرَضِ الْمُسْتَحِقِّ، وَقَوْلُهُمْ يُرَاعَى غَرَضُ الْوَاقِفِ مَا أَمْكَنَ فَانْظُرْ قَوْلَهُمْ مَا أَمْكَنَ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِيمَا قُلْنَاهُ، وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُمْ فِي بَابِ التَّفْلِيسِ. وَالْعِبَارَةُ لِلشَّيْخَيْنِ: يُؤَجَّرُ الْمَوْقُوفُ عَلَى الْمُفْلِسِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةَ إلَى أَنْ يَفِيَ الدَّيْنَ، وَتَبِعَهُمَا الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى ذَلِكَ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُمْ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْأُخْرَى. وَلَمْ يَقُولُوا يُؤَجَّرُ مُدَّةً طَوِيلَةً تَرَاهُ شَاهِدًا لِمَا قَرَّرْتُهُ مِنْ رِعَايَةِ غَرَضِ الْوَاقِفِ دُونَ الْمُسْتَحِقِّ، وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ إلَى تَكَرُّرِ الْإِجَارَةِ، وَأُجِّرَ مُدَّةً طَوِيلَةً رِعَايَةً لِغَرَضِهِ مَعَ قُوَّتِهِ بِأَنَّ الْحَجْرَ يَدُومُ عَلَيْهِ حَتَّى يَنْفِيَ الدَّيْنَ عَلَى مَا فِيهِ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ تَلْتَفِتْ الْأَئِمَّةُ إلَى هَذَا الْغَرَضِ، وَيُجَوِّزُونَ الْإِجَارَةَ لِأَجْلِ ارْتِفَاعِ الْحَجْرِ مُدَّةً طَوِيلَةً تَفِي بِالدَّيْنِ، بَلْ أَوْجَبُوا أَنْ يُؤَجَّرَ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ، وَإِنْ أَدَّى إلَى دَوَامِ الْحَجْرِ فَإِنْ قُلْتَ: قَدْ خَالَفَ السُّبْكِيّ كَلَامَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فَقَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: الْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ: إذَا كَانَ أَيْ: الْعَيْنُ الْمَوْقُوفَةُ مِمَّا تُؤَجَّرُ غَالِبًا لِمُدَّةٍ قَرِيبَةٍ يَغْلِبُ الْبَقَاءُ فِيهَا أُلْزِمَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ جُمْلَةَ تِلْكَ الْمُدَّةِ كَالْمَالِ الْحَاضِرِ عُرْفًا، وَتُضَافُ تِلْكَ الْأُجْرَةُ إلَى بَقِيَّةِ أَمْوَالِهِ وَيُقَسَّمُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَيُفَكُّ الْحَجْرُ عَنْهُ. وَقَالَ فِي غَيْرِهِ: الْأَقْرَبُ أَنَّهُ يُؤَجَّرُ دَفْعَةً وَاحِدَةً بِأُجْرَةٍ مُعَجَّلَةٍ لَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، خِلَافًا لِلشَّيْخَيْنِ قُلْتُ: لَا نَظَرَ لِمُخَالَفَتِهِ هَذِهِ فَإِنَّهُ نَفْسَهُ صَرَّحَ بِأَنَّ هَذَا رَأْيٌ لَهُ وَلَمْ يَرَهُ مَنْقُولًا، وَإِذَا تَعَارَضَ رَأْيُهُ وَمَنْقُولُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، قُدِّمَ الْمَنْقُولُ وَلَمْ يَجُزْ الْعَمَلُ بِذَلِكَ الرَّأْيِ كَمَا هُوَ بَدِيهِيٌّ لِمَنْ عِنْدَهُ أَدْنَى إلْمَامٍ بِأُصُولِ الْمَذْهَبِ وَمَأْخَذِهِ، فَتَأَمَّلْ جَمِيعَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَفِيهِ دَلَالَاتٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ صَرِيحَةٌ لِمَا قَرَّرْتُهُ. فَإِنْ قُلْتَ: مَا وَجْهُ دَلَالَةِ عِبَارَتِهِمْ عَلَى امْتِنَاعِ إيجَارِ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ هُنَا؟ قُلْتُ: صَرَاحَةُ عِبَارَتِهِمْ عَلَى ذَلِكَ لَا تَحْتَاجُ إلَى بُرْهَانٍ، وَكَفَاك شَاهِدًا عَلَى ذَلِكَ مُخَالَفَةُ السُّبْكِيّ الْمَذْكُورَةُ إذْ لَوْلَا أَنَّ تِلْكَ الْعِبَارَةَ لِلِاشْتِرَاطِ لَمَا قَالَ خِلَافًا لِلشَّيْخَيْنِ، وَلَمَا قَالَ عَمَّا قَالَهُ هَذَا مَا رَأَيْتُهُ وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا. وَأَمَّا عَنْ الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ فَهُوَ أَنَّ كَلَامَهُمْ مُصَرِّحٌ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الشُّرُوطِ الَّتِي اشْتَرَطُوهَا فِي النَّاظِرِ بَيْنَ أَنْ يَشْرُطَ لَهُ الْوَاقِفُ الْعَمَلَ بِمَا يَرَاهُ وَأَنْ لَا، وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّ اشْتِرَاطَ تِلْكَ الشُّرُوطِ فِيهِ لَيْسَ لِحَظِّ الْوَاقِفِ فَحَسْبُ؛ لِأَنَّ الْمِلْك انْقَطَعَ عَنْهُ وَإِنَّمَا هُوَ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي رَقَبَةِ الْمَوْقُوفِ صَارَ مِلْكًا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، بِمَعْنَى أَنَّهُ انْقَطَعَ عَنْ رَقَبَتِهِ اخْتِصَاصُ الْآدَمِيِّينَ، وَإِلَّا فَجَمِيعُ الْأَشْيَاءِ مِلْكُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى الْحَقِيقَةِ بِكُلِّ تَقْدِيرٍ، وَإِذَا صَارَ الْمِلْكُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى

فَلِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ تَعَلُّقٌ بِمَنَافِعِهِ؛ لِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَهَا وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ النَّاظِرُ مُتَكَلِّمًا عَلَى الْغَيْرِ بِطَرِيقِ الْوِلَايَةِ يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ، فَلَا أَثَرَ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ الْمَذْكُورِ، فَإِنْ قُلْتَ: شَرْطُ الْوَاقِفِ مُرَاعًى كَنَصِّ الشَّارِعِ قُلْتُ: مَحَلُّ مُرَاعَاتِهِ حَيْثُ لَمْ يُخَالِفْ غَرَضَ الشَّارِعِ عَلَى أَنَّ شَرْطَهُ عَلَى النَّاظِرِ الْعَمَلُ بِمَا يَرَاهُ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُؤَجَّرُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَلَا مُدَّةً طَوِيلَةً، بِلَا مَصْلَحَةٍ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَهُ هَذَا يَجِبُ تَنْزِيلُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا يَرَاهُ مِمَّا يُوَافِقُ غَرَضَ الشَّارِعِ، فَإِنْ صَرَّحَ بِعَمَلِهِ بِمَا يَرَاهُ، وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ ذَلِكَ كَانَ لَغْوًا يَجِبُ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ. وَأَمَّا عَنْ الْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ: فَهُوَ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجِبِ أَعَمُّ مِنْ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ، فَلَا يَسْتَلْزِمُهُ إذْ الْأَعَمُّ كَالْحَيَوَانِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ كَالْإِنْسَانِ، وَبِمَا ذَكَرْته أَفْتَى شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ خَاتِمَةُ الْمُتَأَخِّرِينَ سَقَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ثَرَاهُ، فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ شَافِعِيٍّ حَكَمَ بِمُوجَبِ الْبَيْعِ فِي أَمَاكِنَ مَلَكَهَا الْبَائِعُ مِنْ وَالِدَتِهِ، وَثَبَتَ عِنْدَهُ التَّمْلِيكُ وَحَكَمَ بِمُوجَبِهِ أَيْضًا، فَهَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ حُكْمِهِ؟ (فَأَجَابَ) : بِأَنَّ ثُبُوتَ الشَّيْءِ عِنْدَ الْحَاكِمِ لَا يَقْتَضِي صِحَّتَهُ فَقَدْ يَثْبُتُ الشَّيْءُ عِنْدَهُ ثُمَّ يُنْظَرُ فِي كَوْنِهِ صَحِيحًا أَوْ لَا، وَالْحُكْمُ بِمُوجَبِ الشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِصِحَّتِهِ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى مِلْكِ ذَلِكَ الشَّيْءِ لِلْعَاقِدِ، فَيَجُوزُ لِلْحَاكِمِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ حُكْمِهِ بِالْمُوجِبِ إنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ مَا يَقْتَضِي رُجُوعَهُ عَنْهُ كَعَدَمِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْعَاقِدِ اهـ. وَكَلَامُهُ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ يُوَافِقُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ جَعَلَ كَأَصْلِهِ وَغَيْرِهِ لِلْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ ثَلَاثَةَ شُرُوطٍ أَهْلِيَّةَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَثُبُوتَ الْمِلْكِ وَالْيَدِ فِي غَيْرِ الْإِقْرَارِ حَالَةَ الْعَقْدِ، وَوُجُودَ الصِّيغَةِ الْمُعْتَبَرَةِ، وَلِلْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ ثُبُوتُ الْأَهْلِيَّةِ، وَوُجُودُ الصِّيغَةِ، قَالَ: فَالْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ أَخَصُّ مِنْ الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ ثُمَّ قَالَ: فَقَوْلُ السُّبْكِيّ: إنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجِبِ حُكْمٌ بِالصِّحَّةِ إلَّا أَنَّهُ دُونَهُ فِي الْمَرْتَبَةِ فِيهِ نَظَرٌ، بَلْ الْحُكْمُ بِهِ حُكْمٌ بِمَا تَقْتَضِيهِ الْبَيِّنَةُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَصَحِيحٌ أَوْ فَاسِدًا فَفَاسِدٌ اهـ. وَقَدْ بَيَّنْت فِي كِتَابِي فِي بَيْعِ الْمَاءِ وَالْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ حَاصِلَ مَا قَالَهُ السُّبْكِيّ وَالْبُلْقِينِيُّ وَأَبُو زُرْعَةَ وَغَيْرُهُمْ فِي الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ، وَمَا يَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ مِمَّا لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ مَجْمُوعًا فِي كِتَابٍ، وَبَيَّنْتُ فِيهِ أَنَّ السُّبْكِيّ لَمْ يُطْلِقْ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجِبِ حُكْمٌ بِالصِّحَّةِ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ حُكْمًا بِهَا فِي شَيْءٍ خَاصٍّ، وَهُوَ أَنَّ الْحُكْمَ بِمُوجَبِ الْإِقْرَارِ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَصِحَّةِ الْمُقَرِّ بِهِ لَكِنْ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ وَوَارِثِهِ وَمَنْ صَدَّقَهُ دُونَ غَيْرِهِمْ، فَالْحُكْمَانِ إنَّمَا يَفْتَرِقَانِ فِيمَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِ بِالصِّحَّةِ مُطْلَقًا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، فَفِي هَذَا الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ وَقَدْ أَوْضَحَ ذَلِكَ السُّبْكِيّ بِزِيَادَةٍ تُبَيِّنُ أَنَّهُ قَائِلٌ: بِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ أَعَمُّ فِي كِتَابِهِ الْمُوعَبُ فِي الْقَضَاءِ بِالْمُوجَبِ فَقَالَ: مَا حَاصِلُهُ فَإِنْ قُلْتَ: أَمَّا السُّؤَالُ الْأَوَّلُ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُوجَبَ هُوَ الْأَثَرُ الَّذِي يُوجِبُهُ ذَلِكَ اللَّفْظُ وَالصِّحَّةُ بِكَوْنِ اللَّفْظِ بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْأَثَرُ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ، وَالْأَوَّلُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَالثَّانِي شَرْعِيٌّ، وَقِيلَ: عَقْلِيٌّ وَإِنَّمَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِهِ لِاسْتِلْزَامِهِ لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ، وَالْحَاكِمُ لَا يَحْكُمُ إلَّا بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ الْإِيجَابُ أَوْ التَّحْرِيمُ أَوْ الصِّحَّةُ أَوْ الْفَسَادُ أَوْ السَّبَبِيَّةُ أَوْ الشَّرْطِيَّةُ أَوْ الْمَانِعِيَّةُ، بِخِلَافِ الْكَرَاهَةِ أَوْ النَّدْبِ إذْ لَا الْتِزَامَ فِيهِمَا وَلَا اسْتِلْزَامَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مُوجَبِ الْإِقْرَارِ وَصِحَّةِ الْإِقْرَارِ أَنَّ الْأَوَّلَ ثُبُوتُ الْمُقَرِّ بِهِ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ وَمُؤَاخَذَتُهُ بِهِ، وَالثَّانِي كَوْنُهُ بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَشَرْطُ الصِّحَّةِ اخْتِيَارُهُ وَصِحَّةُ عِبَارَتِهِ وَأَنْ لَا يُكَذِّبُهُ حِسٌّ وَلَا عَقْلٌ وَلَا شَرْعٌ وَصِحَّةُ صِيغَتِهِ فَالْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ يَقْتَضِي حُصُولَ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَلَا يَحْكُمُ بِهَا إلَّا بَعْدَ عِلْمِهِ بِحُصُولِ هَذِهِ الشُّرُوطِ كُلِّهَا وَلَا يَضُرُّ احْتِمَالُ كَذِبِ الْمُقِرِّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَمَتَى لَمْ يَكُنْ الْمُقَرُّ بِهِ فِي يَدِ الْمُقِرِّ فَالْإِقْرَارُ فَاسِدٌ ظَاهِرًا، فَإِذَا صَارَ فِي يَدِهِ صَحَّ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ إقْرَارِهِ السَّابِقِ، وَمَتَى عَلِمَ الْقَاضِي فَوَاتَ شَرْطِ الصِّحَّةِ أَوْ عَلِمَ حَجْرًا وَشَكَّ فِي زَوَالِهِ لَمْ يَحْكُمْ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَلَا بِمُوجَبِهِ بَلْ بِفَسَادِهِ فِي غَيْرِ مَسْأَلَةِ الشَّكِّ. أَمَّا فِيهَا فَلَا يَحْكُمُ بِصِحَّةِ إقْرَارِهِ وَلَا بِمُوجَبِهِ حَتَّى يَثْبُتَ زَوَالُهُ. وَقَوْلُ الْقَاضِي: لَوْ شَهِدُوا عَلَى إقْرَارٍ مُطْلَقٍ حُمِلَ عَلَى الصِّحَّةِ، وَإِنْ احْتَمَلَ عَوَارِضَ يَمْنَعُهَا مَحَلُّهُ حَيْثُ لَا مُعَارِضَ حَصَلَ بِسَبَبِهِ شَكٌّ لَمْ يَثْبُتْ.

فَحِينَئِذٍ يُقْتَصَرُ عَلَى الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ تَبَيَّنَ عِنْدَهُ حَالُهَا، وَالْحُكْمُ بِالْمُوجِبِ لَا يَقْتَضِي إلَّا أَنَّهُ سَبَبٌ لِلْمُؤَاخَذَةِ وَإِنْ تَوَقَّفَ عَلَى شَرْطٍ أَوْ انْتِفَاءِ مَانِعٍ فَالْحُكْمُ بِمُوجَبِ الْإِقْرَارِ حُكْمٌ بِسَبَبِيَّةِ الْمُؤَاخَذَةِ، ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَانِعٌ أَعْمَلْنَا السَّبَبَ وَأَثْبَتْنَا الْمُؤَاخَذَةَ بِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ يُحْكَمُ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ اعْتِمَادًا عَلَى الْأَصْلِ وَعَلَيْهِ يَتَلَازَمُ الْحُكْمَانِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ أَخَصُّ وَبِهِ ظَهَرَ عُذْرُ الْحُكَّامِ فِي تَوَقُّفِهِمْ فِي الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ دُونَ الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ، وَشُرُوطُ الْإِقْرَارِ الَّتِي لَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمَهَا الْحَاكِمُ بِالْبَيِّنَةِ عِنْدَ التَّرَدُّدِ، وَإِلَّا اُكْتُفِيَ بِعِلْمِهِ بِظَاهِرِ الْحَالِ فِيهَا ثَلَاثَةٌ: صِحَّةُ الصِّيغَةِ وَإِمْكَانُ الْمُقَرِّ بِهِ وَرُشْدُ الْمُقِرِّ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مَانِعٌ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ مُوجَبِ الْإِنْشَاءِ وَصِحَّةِ الْإِنْشَاءِ. أَنَّ مُوجَبَهُ أَثَرُهُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ شَرْعًا، وَصِحَّتَهُ كَوْنُهُ بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ الشَّرْعِيُّ وَلِلصِّحَّةِ شُرُوطٌ تَرْجِعُ إلَى الْمُتَصَرِّفِ وَالْمُتَصَرَّفِ فِيهِ وَكَيْفِيَّةِ التَّصَرُّفِ، فَإِنْ ثَبَتَتْ حُكِمَ بِصِحَّةِ التَّصَرُّفِ وَإِنْ ثَبَتَ فَقْدُ بَعْضِهَا حُكِمَ بِفَسَادِهِ، وَإِنْ تَرَدَّدَ فَمَا رَجَعَ لِلصِّيغَةِ أَوْ لِحَالِ الْمُتَصَرِّفِ ظَاهِرٌ مِمَّا سَبَقَ فِي الْإِقْرَارِ أَوْ لِحَالِ الْمُتَصَرِّفِ فِيهِ فَمَا كَانَ مِنْ الشُّرُوطِ الْوُجُودِيَّةِ كَالْمِلْكِ. وَنَحْوِهِ اُشْتُرِطَ ثُبُوتُهُ لِلْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ أَوْ الْعَدَمِيَّةِ كَكَوْنِهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ وَنَحْوِهِ لَمْ يُشْتَرَطْ ثُبُوتُهُ، فَحَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ وَلَا عَدَمُهُ وَثَبَتَ مَا سِوَاهُ مِنْ الْأُمُورِ الْمُعْتَبَرَةِ لَمْ يُحْكَمْ بِالصِّحَّةِ، وَلَكِنَّ التَّصَرُّفَ صَالِحٌ وَسَبَبٌ لِتَرَتُّبِ أَثَرِهِ عَلَيْهِ فِي الْمَمْلُوكِ فَيُحْكَمُ بِمُوجَبِهِ، وَلَهُ فَوَائِدُ: كَوْنُ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ سَبَبًا يُفِيدُ الْمِلْكَ بِشَرْطِهِ حَتَّى إذَا كَانَ مُخْتَلَفًا فِي إفَادَتِهِ كَالْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ، وَالْحَاكِمُ مِمَّنْ يَرَاهُ ارْتَفَعَ الْخِلَافُ وَمُؤَاخَذَةُ الْوَاقِفِ بِذَلِكَ. وَكَذَا وَارِثُهُ وَكُلُّ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ إذَا أَقَرَّ لِلْوَاقِفِ بِالْمِلْكِ وَصُرِفَ الرَّيْعُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ بِاعْتِرَافِ ذِي الْيَدِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بَلْ وَقْفُ الْوَاقِفِ لِمَا فِي يَدِهِ أَوْ اعْتِرَافُ ذِي الْيَدِ لَهُ كَافٍ فِيهِ كَمَا فِي الْإِقْرَارِ، فَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ فِي الْحَقِيقَةِ حُكْمٌ بِالسَّبَبِيَّةِ وَبِثُبُوتِ أَثَرِهَا فِي حَقِّ مَنْ أَقَرَّ بِالْمِلْكِ كَالْوَاقِفِ وَمَنْ تَلَقَّى عَنْهُ، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِمْ بِشَرْطِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ فَإِنَّ حُكْمَ الْبَيِّنَةِ لَازِمٌ لِكُلِّ أَحَدٍ وَحُكْمَ الْإِقْرَارِ قَاصِرٌ عَلَى الْمُقِرِّ وَمَنْ تَلَقَّى عَنْهُ، فَإِذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ بِالْبَيِّنَةِ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ لَازِمًا لِكُلِّ أَحَدٍ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ كَانَ لَازِمًا لِذِي الْيَدِ وَمَنْ اعْتَرَفَ لَهُ وَلَا نَقُولُ: إنَّ الْحُكْمَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ، بَلْ الْحُكْمُ مُسْتَمِرٌّ عَلَى وَجْهٍ كُلِّيٍّ يَنْدَرِجُ فِيهِ مَنْ ثَبَتَ الْمِلْكُ عَلَيْهِ إمَّا بِإِقْرَارٍ وَإِمَّا بِبَيِّنَةٍ وَالْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ بِشَيْئَيْنِ: الْحُكْمُ بِالشَّرْطِ وَانْتِفَاءُ الْمَانِعِ وَصِحَّةُ التَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ مُطْلَقًا، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِثُبُوتِ أَثَرِهِ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ، فَالْحُكْمُ بِالْمُوجِبِ حُكْمٌ بِثُبُوتِ الْأَثَرِ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ ثَبَتَ الْمِلْكُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ، وَلَوْ مُتَجَدِّدَيْنِ بَعْدَهُ وَيَلْزَمُ مِنْهُ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ فِي حَقِّهِمْ لَا مُطْلَقًا، وَالْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ حُكْمٌ بِالْمُؤَثِّرِيَّةِ التَّامَّةِ مُطْلَقًا، وَيَلْزَمُ مِنْهَا ثُبُوتُ الْأَثَرِ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ، ثُمَّ الْقِسْمَانِ يَشْتَرِكَانِ فِي الْحُجَّةِ مَا لَمْ يَأْتِ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِدَافِعٍ، وَقَوْلُ الْحَاكِمِ فِي إسْجَالِهِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الشَّرَائِطِ الْمُعْتَبَرَةِ يَسْتَدْعِي ثُبُوتَ الْمِلْكِ عِنْد الْحَاكِمِ إلَّا عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِهِ، وَإِلَّا كَانَ حُكْمُهُ بَاطِلًا، وَأَمَّا عِنْدَنَا فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلْحُكْمِ مُطْلَقًا بَلْ فِي الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ، فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إنْ اسْتَوْفَى الشَّرَائِطَ الْمُعْتَبَرَةَ اسْتَلْزَمَ ذَلِكَ حُكْمَهُ بِالْمُلْكِ، وَإِلَّا لَزِمَ الْقَدْحُ فِيهِ عَلَى أَنَّ بَعْدَ إلَخْ تَأْكِيدٌ، فَإِنَّ الْحَاكِمَ الْأَمِينَ الدَّيِّنَ إنَّمَا يَحْكُمُ بِالصِّحَّةِ بَعْدَ اسْتِيفَاءِ ذَلِكَ. نَعَمْ تَرَدَّدَ الْأَصْحَابُ فِي شَاةٍ فِي يَدِ رَجُلٍ حَكَمَ لَهُ بِهَا حَاكِمٌ وَسَلَّمَهَا إلَيْهِ وَلَمْ يُعْلَمْ سَبَبُ حُكْمِهِ، وَقَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهَا لِغَيْرِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ أَبِي عَصْرُونَ وَقَالَ: أَقْيَسُهُمَا لَا يُنْقَضُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدَّمَ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَبَتَ عِنْدَهُ عَدَالَةُ الْبَيِّنَةِ الْأُخْرَى، فَلَا يُنْقَضُ بِالشَّكِّ. اهـ الْمَقْصُودُ مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فَوَائِدَ بِتَأَمُّلِهَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ غَيْرَهُ فِي أَنَّ شَرْطَ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ، وَأَنَّ شَرْطَ الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ أَمْرَانِ، وَأَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ أَخَصُّ مِنْ الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ، وَأَنَّ الْقَوْلَ بِتَلَازُمِهِمَا إنَّمَا هُوَ احْتِمَالٌ لَهُ، وَأَنَّ الْحُكْم بِالصِّحَّةِ.

يَزِيدُ عَلَى الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ بِشَيْئَيْنِ الْحُكْمُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَانْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ بِصِحَّةِ التَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ مُطْلَقًا، وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ حُكْمَ الشَّافِعِيِّ بِالْمُوجِبِ فِي مُسْتَنَدِ الْإِجَارَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ حُكْمَهُ بِوُجُودِ شُرُوطِ الْإِجَارَةِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهَا، وَإِذَا لَمْ يَسْتَلْزِمْ حُكْمَهُ ذَلِكَ وَثَبَتَ انْتِفَاءُ بَعْضِ الشُّرُوطِ بَانَ بُطْلَانُ الْحُكْمِ بِالْمُوجِبِ، وَفِي صُورَةِ السُّؤَالِ بَانَ فَوَاتُ بَعْضِ الشُّرُوطِ، وَهُوَ وُجُودُ الْمَصْلَحَةِ الْمُسَوِّغَةِ لِلْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ، فَكَانَ الْحُكْمُ فِيهَا بِالْمُوجِبِ بَاطِلًا كَمَا عَلِمْتَ مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ فَإِنْ قُلْتَ: صَرَّحَ ابْنُ دَقِيقٍ الْعِيدِ بِأَنَّ الْحَاكِمَ إذَا حَكَمَ فِي وَاقِعَةٍ وَثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ اسْتَوْفَى الْأَوْضَاعَ الشَّرْعِيَّةَ فِي حُكْمِهِ عُمِلَ بِحُكْمِهِ إذَا كَانَ حَاكِمًا شَرْعِيًّا، وَلَا يَتَوَقَّفُ إلَى أَنَّ حُكْمَهُ وَافَقَ الشَّرَائِطَ الشَّرْعِيَّةَ اهـ. كَلَامُهُ. وَهَذَا مُنَافٍ لِمَا قَدَّمْته وَمُؤَيِّدٌ لِلْعَمَلِ بِمَكْتُوبِ الْإِجَارَةِ السَّابِقِ فِي السُّؤَالِ قُلْتَ: لَا يُنَافِيهِ بَلْ يُوَافِقُهُ وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ الَّذِي مَرَّ آنِفًا عَنْ ابْنِ أَبِي عَصْرُونَ أَنَّهُ الْأَقْيَسُ، وَوَجْهُ عَدَمِ مُنَافَاتِهِ تُعْرَفُ بِطَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْحَاكِمَ فِي كَلَامِهِ لَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهُ حَكَمَ بِصِحَّةٍ وَلَا بِمُوجِبٍ وَإِنَّمَا الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ دَقِيقٍ الْعِيدِ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ الْحُكْمُ، وَلَمْ يُعْلَمْ هَلْ حَكَمَ بِصِحَّةٍ أَوْ بِمُوجِبٍ؟ فَحَمَلْنَا حُكْمَهُ عَلَى السَّدَادِ وَلَمْ نَتَعَرَّضْ لَهُ بِالشَّكِّ. وَلَا كَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ الْحَاكِمَ فِيهَا صَرَّحَ بِأَنَّهُ حَكَمَ بِالْمُوجِبِ، فَحَكَمْنَا عَلَيْهِ بِمَا يَقْتَضِيهِ الْحُكْمُ بِالْمُوجِبِ ثَانِيهِمَا وَهُوَ الْأَحْسَنُ: أَنَّ كَلَامَ ابْنِ دَقِيقٍ الْعِيدِ كَمَا تَرَى فِي حُكْمٍ مُطْلَقٍ لَمْ يُقَيَّدْ بِشَيْءٍ وَكَلَامُنَا إنَّمَا هُوَ فِي حُكْمٍ قُيِّدَ بِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِيهِ هِيَ زِيَادَةُ الْأُجْرَةِ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَالْحُكْمُ إذَا أُسْنِدَ لِسَبَبٍ وَكَانَ ذَلِكَ السَّبَبُ بَاطِلًا يَكُونُ الْحُكْمُ بَاطِلًا. وَاَلَّذِي فِي مَسْأَلَتِنَا كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهَا أُسْنِدَ لِذَلِكَ السَّبَبِ الْبَاطِلِ فَكَانَ بَاطِلًا، فَبَانَ بَوْنُ مَا نَحْنُ فِيهِ لِمَا فِي كَلَامِ ابْنِ دَقِيقٍ الْعِيدِ، فَلْيَكُنْ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْك عَلَى ذِكْرٍ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ، وَهُوَ مِمَّا يَلْتَبِسُ وَيَخْفَى عَلَى مَنْ أَرَادَ التَّسَوُّرَ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَأَهَّلْ لِلرُّقِيِّ إلَيْهِ وَالتَّشَبُّعِ بِمَا لَمْ يُعْطَ، فَكَانَ إفْتَاؤُهُ مُنَادِيًا بِالْخَسَارَةِ وَالْبَوَارِ عَلَيْهِ، أَعَاذَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ نِقَمِهِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ. وَأَمَّا عَنْ الْمَسْأَلَةِ السَّادِسَةِ: فَهُوَ أَنَّ الْبُلْقِينِيُّ قَالَ: إذَا حَكَمَ شَافِعِيٌّ بِمُوجَبِ إجَارَةٍ امْتَنَعَ عَلَى الْحَنَفِيِّ الْحُكْمُ بِإِبْطَالِهَا بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّ مِنْ مُوجَبِهَا الدَّوَامَ وَالِاسْتِمْرَارَ لِلْوَرَثَةِ، بِخِلَافِ حُكْمِهِ بِالصِّحَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ وَاعْتَرَضَهُ تِلْمِيذُهُ الْوَلِيُّ أَبُو زُرْعَةَ فَقَالَ: مَا ذَكَرَهُ مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الْحُكْمَ بِمُوجَبِ الْإِجَارَةِ وَقَعَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُسْتَأْجِرِ، فَلَا يُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ إلَى عَدَمِ الِانْفِسَاخِ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِئْ وَقْتُهُ وَلَمْ يُوجَدْ سَبَبُهُ، وَلَوْ وَجَّهَ حُكْمَهُ إلَيْهِ فَقَالَ: حَكَمْتُ بِعَدَمِ انْفِسَاخِهَا إذَا مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ كَانَ لَغْوًا نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي الْحُكْمِ بِتَعْلِيقِ طَلَاقِ أَجْنَبِيَّةٍ إذْ هُمَا مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ اهـ. لَكِنْ فَرَقْتُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ فِي كِتَابِي الْمَذْكُورِ فَرَاجِعْهُ، فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَقَدْ أَفْتَى الْوَلِيُّ بِمَا قَالَهُ هُنَا فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ اسْتَأْجَرَ عَيْنًا مَوْقُوفَةً مِنْ نَاظِرٍ شَرْعِيٍّ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُخَالِفُ شَرْطَ الْوَاقِفِ بَلْ يُوَافِقُهُ وَثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَاسْتَوْفَى شُرُوطَهُ وَحَكَمَ بِمُوجَبِ الْإِجَارَةِ وَبِعَدَمِ انْفِسَاخِهَا بِمَوْتِ الْمُتَآجِرَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَبِعَدَمِ انْفِسَاخِهَا بِزِيَادَةِ الْأُجْرَةِ أَثْنَاءَ الْمُدَّةِ فَهَلْ هَذَا الْحُكْمُ صَحِيحٌ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) : بِأَنَّ حُكْمَهُ بِالْمُوجَبِ صَحِيحٌ، وَمَذْهَبُنَا أَنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ النَّاظِرِ عَلَى سَائِرِ الْبُطُونِ وَلَا بِمَوْتِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى زِيَادَةِ الْأُجْرَةِ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ. وَلَكِنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِهَذَا قَبْلَ وُقُوعِهِ لَا مَعْنَى لَهُ، وَلَيْسَ هَذَا حُكْمًا، وَإِنَّمَا هُوَ فَتْوَى، وَكَيْفَ يُحْكَمُ عَلَى شَيْءٍ قَدْ يَقَعُ وَقَدْ لَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَزِيدُ الْأُجْرَةُ وَقَدْ لَا وَقَدْ يَمُوتُ أَحَدُ الْمُتَآجِرَيْنِ وَقَدْ لَا، فَإِذَا وُجِدَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَمَنْ رُفِعَتْ لَهُ الْقَضِيَّةُ مِنْ الْحُكَّامِ فَحَكَمَ بِمَا يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُهُ نَفَذَ، سَوَاءٌ حَكَمَ بِاسْتِمْرَارِ الْإِجَارَةِ أَمْ بِانْفِسَاخِهَا، وَلَوْ صَدَرَ مِنْ شَافِعِيٍّ الْحُكْمُ حِينَ صُدُورِ الْإِجَارَةِ بِعَدَمِ انْفِسَاخِهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ حُكْمًا كَمَا قَدَّمْته وَإِنَّمَا هُوَ فَتْوَى وَبِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ حُكْمًا فَلَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا، فَإِنَّهُ حُكْمٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحُكْمِ وَتَعْجِيلٌ لِلشَّيْءِ قَبْلَ وَقْتِهِ انْتَهَى. وَأَمَّا عَنْ الْمَسْأَلَةِ السَّابِعَةِ: فَهُوَ أَنَّ الْبُلْقِينِيُّ صَرَّحَ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّهُ إذَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِمُدَّةٍ فِي وَقْفٍ لَمْ تُجِزْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا، فَإِنْ زِيدَ عَلَيْهَا بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ مِنْ أَصْلِهَا وَلَمْ تَتَفَرَّقْ الصَّفْقَةُ؛ لِأَنَّ الْقَدْرَ الْجَائِزَ بِمُقْتَضَى الْعَادَةِ قَدْ يَزِيدُ

قَلِيلًا وَقَدْ يَنْقُصُ قَلِيلًا، فَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْقَدْرُ الَّذِي يَخْتَصُّ بِالْإِبْطَالِ انْتَهَى. وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ أَئِمَّتُنَا أَنَّ الْعَادَةَ الْمُطَّرِدَةَ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ إذَا عَرَفَهَا تَكُونُ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِهِ فَإِنْ قُلْتَ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ إنَّمَا يَظْهَرُ إذَا كَانَتْ الْعَادَةُ حِينَ الْوَقْفِ قَدْ اطَّرَدَتْ فِي الْأَشْيَاءِ الْمُمَاثَلَةِ لِلْمَوْقُوفِ أَنَّهَا لَا تُؤَجَّرُ إلَّا مُدَّةً مُعَيَّنَةً فَحِينَئِذٍ يَنْزِلُ ذَلِكَ الْوَقْفُ عَلَيْهَا، وَيَمْتَنِعُ إيجَارُهُ مُدَّةً أَكْثَرَ مِنْ تِلْكَ الْمُدَّةِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْعَادَةَ الْمَذْكُورَةَ كَشَرْطِ الْوَاقِفِ قُلْتُ: هُوَ كَذَلِكَ وَقَدْ يُقَالُ: يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى مَا لَوْ اطَّرَدَتْ عَادَةُ نُظَّارِ وَقْفٍ عَلَى إجَارَتِهِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً، وَقَدْ جُهِلَ شَرْطُ الْوَاقِفِ، فَهُنَا يَلْزَمُ النَّاظِرَ الْجَائِيَ بَعْدَ أُولَئِكَ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى مِنْوَالِهِمْ، فَلَا تَجُوزُ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا دَرَجُوا عَلَيْهِ كَمَا صَرَّحَ بِنَظِيرِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا مِنْ أَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ إذَا جُهِلَ فِي شَيْءٍ وَاطَّرَدَتْ عَادَةُ نُظَّارِ الْوَقْفِ بِشَيْءٍ وَجَبَ اتِّبَاعُهُمْ وَامْتَنَعَتْ مُخَالَفَتُهُمْ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِمْ أَنَّهُمْ إنَّمَا اسْتَنَدُوا فِي ذَلِكَ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ أَوْ الْعَادَةِ الْمُطَّرِدَةِ فِي زَمَنِهِ الْمُنَزَّلَةِ مَنْزِلَةَ شَرْطِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، وَأَمَّا عَنْ الْمَسْأَلَةِ الثَّامِنَةِ فَهُوَ أَنَّ مِنْ الْوَاضِحِ أَنَّ الْبَاءَ فِي قَوْلِهِ بِمُقْتَضَى أَنَّ الْأُجْرَةَ إلَخْ لِلسَّبَبِيَّةِ أَوْ لِلْعِلَّةِ، فَهُمَا هُنَا سَوَاءٌ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ بَلْ فُرُوقٌ لَا بَأْسَ بِبَيَانِهَا لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ لِخَفَائِهِ وَنُدْرَةِ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ، فَنَقُولُ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَاللُّغَةِ وَالنَّحْوِ، فَأَمَّا فِي اللُّغَةِ فَالسَّبَبُ قَلَّمَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى غَيْرِهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ} [الحج: 15] أَيْ: حَبْلٍ إلَى سَقْفِ بَيْتِهِ، وَالْعِلَّةُ: الْمَرَضُ وَكَلِمَاتٌ يَدُورُ مَعْنَاهَا عَلَى أَمْرٍ يَكُونُ عَنْهُ مَعْنًى آخَرَ، أَوْ يُؤَثِّرُ فِي مَعْنًى آخَرَ. وَمُرَادُهُمْ بِالتَّأْثِيرِ مَا لَا يَتَخَلَّفُ عَادَةً لَا الِاخْتِرَاعُ، وَيُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ قَالَ التَّاجُ السُّبْكِيّ: وَذَكَرَ النُّحَاةُ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا، حَيْثُ ذَكَرُوا أَنَّ اللَّامَ لِلتَّعْلِيلِ وَلَمْ يَقُولُوا لِلسَّبَبِيَّةِ، وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ: الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَلَمْ يَقُولُوا لِلتَّعْلِيلِ وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ: الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَالتَّعْلِيلِ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُمَا غَيْرَانِ، وَمَثَّلَ لِلسَّبَبِيَّةِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} [البقرة: 22] ، وَالْعِلَّةُ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ} [النساء: 160] وَذَكَرُوا أَيْضًا: أَنَّ بَاءَ الِاسْتِعَانَةِ غَيْرُ مَعْنَى السَّبَبِ وَالْعِلَّةِ، وَحِينَئِذٍ فَالْبَاءُ الدَّاخِلَةُ عَلَى الِاسْمِ الَّذِي لَهُ قُدْرَةُ أَثَرٍ فِي وُجُودِ مُتَعَلَّقِهَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ بَاءُ الِاسْتِعَانَةِ وَبَاءُ السَّبَبِ وَبَاءُ الْعِلَّةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهَا إنْ صَحَّ نِسْبَةُ الْقَائِلِ إلَى مَصْحُوبِهَا مَجَازًا، فَهِيَ بَاءُ الِاسْتِعَانَةِ نَحْوَ كَتَبْتُ بِالْقَلَمِ، وَتُعَرَّفُ أَيْضًا بِأَنَّهَا الدَّاخِلَةُ عَلَى أَسْمَاءِ الْآلَاتِ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ إنَّمَا وُجِدَ لِأَجْلِ وُجُودِ مَجْرُورِهَا، فَهِيَ بَاءُ الْعِلَّةِ نَحْوَ {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ} [النساء: 160] ، فَوُجُودُ التَّحْرِيمِ لَيْسَ إلَّا لِوُجُودِ الظُّلْمِ، وَتُعَرَّفُ بِأَنَّهَا الصَّالِحَةُ غَالِبًا لِحُلُولِ اللَّامِ مَحَلَّهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ كَذَلِكَ، فَهِيَ بَاءُ السَّبَبِيَّةِ، نَحْوَ {فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} [البقرة: 22] فَإِخْرَاجُ الثَّمَرَاتِ مُسَبَّبٌ عَنْ وُجُودِ الْمَاءِ وَلَمْ يَكُنْ لِأَجْلِ الْمَاءِ، بَلْ لِأَجْلِ مَصْلَحَةِ الْعِبَادِ فَعُلِمَ أَنَّ بَاءَ الِاسْتِعَانَةِ لَا تَصِحُّ فِي الْأَفْعَالِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، هَذَا مُنْتَهَى قَوْلِ النَّاقِلِينَ عَنْ الْعَرَبِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّرْعِ فَالسَّبَبُ وَالْعِلَّةُ يَشْتَرِكَانِ عِنْدَهُمْ فِي تَرَتُّبِ الْمُسَبَّبِ وَالْمَعْلُولِ عَلَيْهِمَا، وَيَفْتَرِقَانِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ السَّبَبَ مَا يَحْصُلُ الشَّيْءُ عِنْدَهُ لَا بِهِ وَالْعِلَّةَ مَا يَحْصُلُ بِهِ، وَأَنْشَدَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ فِي كِتَابِهِ الْقَوَاطِعِ أَلَمْ تَرَ أَنَّ الشَّيْءَ لِلشَّيْءِ عِلَّةٌ ... يَكُونُ بِهِ كَالنَّارِ يُقْدَحُ بِالزَّنْدِ وَلَكِنَّهُ اخْتَارَ فِي تَعْرِيفِ السَّبَبِ بِأَنَّهُ مَا يُوَصِّلُ إلَى الْمُسَبَّبِ مَعَ جَوَازِ الْمُفَارَقَةِ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: تَقَدُّمٌ يُعْقِبُهُ مَقْصُودٌ لَا يُوجَدُ إلَّا بِتَقَدُّمِهِ، وَلَا أَثَرَ لَهُ فِيهِ، وَذَلِكَ كَالْحَبْلِ سَبَبٌ لِلْوُصُولِ لِلْمَاءِ، ثُمَّ الْوُصُولُ بِقُوَّةِ النَّازِحِ لَا بِالْحَبْلِ، وَالطَّرِيقُ سَبَبُ الْوُصُولِ لِلْمَقْصِدِ وَوُصُولُهُ بِقُوَّةِ الْمَاشِي لَا بِالطَّرِيقِ وَحَلُّ الْقَيْدِ سَبَبٌ لِفِرَارِ الْمُقَيَّدِ وَفِرَارُهُ بِقُوَّتِهِ لَا بِالْحَلِّ، وَمِنْهُ: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى} [البقرة: 73] فَضَرْبُهُ بِبَعْضِهَا سَبَبُ الْحَيَاةِ، وَلَا أَثَرَ لَهُ فِيهَا، وَكَذَا ضَرْبُ مُوسَى صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ الْبَحْرَ بِعَصَاهُ، قَالَ: فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمُوَصِّلُ مَعَ جَوَازِ الْمُفَارَقَةِ، وَأَطَالَ فِي تَعْرِيفِ السَّبَبِ وَالْعِلَّةِ وَالشَّرْطِ، وَعَقَدَ لِذَلِكَ بَابًا مُسْتَقِلًّا. ثَانِيهِمَا أَنَّ الْمَعْلُولَ يَتَأَثَّرُ عَنْ عِلَّتِهِ

بِلَا وَاسِطَةٍ بَيْنَهُمَا وَلَا شَرْطٍ يَتَوَقَّفُ الْحُكْمُ عَلَى وُجُودِهِ، وَالسَّبَبُ إنَّمَا يُفْضِي إلَى الْحُكْمِ بِوَاسِطَةٍ أَوْ وَسَائِطَ، وَلِذَلِكَ يَتَرَاخَى الْحُكْمُ عَنْهُ حَتَّى تُوجَدَ الشَّرَائِطُ وَتَنْتِفِي الْمَوَانِعُ، وَأَمَّا الْعِلَّةُ، فَلَا يَتَرَاخَى الْحُكْمُ عَنْهَا إذْ لَا شَرْطَ لَهَا، بَلْ مَتَى وُجِدَتْ أَوْجَبَتْ مَعْلُولَهَا اتِّفَاقًا، كَمَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْآمِدِيَّ وَغَيْرُهُمَا، وَوَجَّهُوهُ بِدَلَائِلَ كَثِيرَةٍ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِي الْعِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ إلَّا أَنَّ الْعِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ تُحَاكِيهَا أَبَدًا لَا يَفْتَرِقَانِ إلَّا فِي أَنَّ تِلْكَ مُوجِبَةٌ بِنَفْسِهَا بِخِلَافِ هَذِهِ قَالَ الْإِمَامُ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِكَوْنِهَا تُوجِبُ الْمَعْلُولَ أَنَّهَا تُثْبِتُهُ كَمَا تَقْتَضِي الْقُدْرَةُ حُدُوثَ الْمَقْدُورِ، لَكِنَّا أَرَدْنَا بِالْإِيجَابِ تَلَازُمَ الْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ وَاسْتِحَالَةَ ثُبُوتِ أَحَدِهِمَا دُونَ الثَّانِي اهـ. وَهَذَا فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْفَرْقُ الْأَوَّلُ السَّابِقُ بَيْنَ الْعِلَّةِ وَالسَّبَبِ، فَإِنَّهُ لَا يُلَازِمُ الْمُسَبَّبَ لِجَوَازِ تَخَلُّفِهِ لِمَانِعٍ أَوْ فَقْدِ شَرْطٍ وَالْعِلَّةُ سَالِمَةٌ مِنْ ذَلِكَ، فَالْمُلَازَمَةُ فِيهَا مَوْجُودَةٌ أَبَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ مِنْ نَافِذٍ طَلَاقُهُ عِلَّةٌ، لِأَنَّهُ يَسْتَعْقِبُ الْوُقُوعَ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى شَيْءٍ، وَإِنْ دَخَلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ سَبَبٌ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى الدُّخُولِ، فَالسَّبَبُ مَوْجُودٌ وَالْمُسَبَّبُ مَفْقُودٌ، وَلَا كَذَلِكَ الْعِلَّةُ، وَالْأُصُولِيُّونَ لَمْ يَعْتَنُوا بِتَحْقِيقِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، بَلْ رُبَّمَا وَقَعَ فِي كَلَامِهِمْ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ مَقْصَدَهُمْ الْوَصْفُ الَّذِي تَرَتَّبَ بَعْدَهُ الْحُكْمُ وَلَهُ مَدْخَلٌ فِيهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ إنْكَارًا مِنْهُمْ لِلْفَرْقِ، بَلْ لَمَّا لَمْ يَحْتَاجُوا إلَيْهِ لَمْ يَذْكُرُوهُ وَهُوَ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ وَاسْتَعْمَلَهُ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الْفِقْهِيَّاتِ عَلَى نَحْوِ مَا أَبْدَيْنَاهُ فَقَالَ فِي الْجِرَاحِ: مَا لَهُ دَخْلٌ فِي الزُّهُوقِ فَإِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ وَلَا فِيمَا يُؤَثِّرُ فِيهِ فَالشَّرْطُ كَالْحَفْرِ، وَإِنْ أَثَّرَ فِيهِ وَحَصَّلَهُ فَالْعِلَّةُ كَالْقَدِّ، وَإِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ بَلْ فِي حُصُولِهِ فَالسَّبَبُ كَالْإِكْرَاهِ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ سَمَّى الْحَفْرَ سَبَبًا فِي الْغَصْبِ، وَأَجَابَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ ضَمَانَ الْغَصْبِ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْحَفْرِ. وَإِنْ انْعَدَمَتْ التَّرْدِيَةُ وَفِي الْجِرَاحِ لَا قِصَاصَ بِهِ إذَا انْعَدَمَتْ، وَمِنْ ثَمَّ جُعِلَ الْحَفْرُ سَبَبًا لِلدِّيَةِ لِتَرَتُّبِهَا عَلَيْهِ وَإِنْ انْعَدَمَتْ التَّرْدِيَةُ، فَالْحَفْرُ صَالِحٌ لِلسَّبَبِيَّةِ وَالشَّرْطِيَّةِ، فَإِذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْمُسَبَّبُ كَانَ سَبَبًا، وَحِينَئِذٍ فَالرَّوَابِطُ بَيْنَ الْأَحْكَامِ وَالْأَسْبَابِ إمَّا مُسْتَقِلَّةٌ يُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهَا وَلَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا وَهِيَ الْعِلَلُ، وَإِمَّا غَيْرُ مُسْتَقِلَّةٍ، فَمَا لَهُ دَخْلٌ فِي التَّأْثِيرِ وَمُنَاسَبَةٌ أَيًّا كَانَ فِي قِيَاسِ الْمُنَاسَبَاتِ فَهُوَ السَّبَبُ، وَمَا لَا مَدْخَلَ لَهُ وَلَكِنَّهُ إذَا انْعَدَمَ يَنْعَدِمُ الْحُكْمُ فَهُوَ الشَّرْطُ، فَالْعِلَّةُ أَعْلَى رُتْبَةً مِنْهُمَا، وَمِنْ ثَمَّ وَجَبَ الْقِصَاصُ بِالْمُبَاشَرَةِ، وَهِيَ الْعِلَّةُ دُونَ الشَّرْطِ مُطْلَقًا وَدُونَ السَّبَبِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ، فَهُوَ رُتْبَةٌ وُسْطَى بَيْنَ الْعِلَّةِ وَالشَّرْطِ، نَعَمْ الشَّرْطُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ وَهُوَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ أَقْوَى مِنْ السَّبَبِ إذْ هُوَ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسَبَّبِ انْتِفَاءً وَثُبُوتًا، بِخِلَافِ الشَّرْطِ وَمِنْ ثَمَّ فَرَّقَ الْقَفَّالُ الْكَبِيرُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ بِأَنَّ مَا جَرَى مُقَارِنًا لِلشَّيْءِ أَوْ غَيْرَ مُقَارِنٍ وَلَا تَأْثِيرَ، فَالسَّبَبُ وَمَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ بِوُجُودِهِ فَالشَّرْطُ فَهُوَ مُقَارِنٌ غَيْرُ مُقَارَنٍ كَالْعِلَّةِ سَوَاءٌ إلَّا أَنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى الْحُكْمِ وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ أَصْلًا بِخِلَافِ الْعِلَّةِ وَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: الشَّرْطُ مَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ بِوُجُودِهِ أَيْ لِكَوْنِهِ عَلَامَةً عَلَيْهِ، وَالسَّبَبُ لَا يُوجِبُ تَغَيُّرَهُ، بَلْ يُوجِبُ مُصَادَفَتَهُ وَمُوَافَقَتَهُ، وَيَتَخَرَّجُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ قَوْلُ الْوَسِيطِ: أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ سَبَبٌ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ إنَّهُ مُفِيدٌ لِلْمِلْكِ احْتِرَازًا عَنْ زَمَنِ الْخِيَارِ، فَإِنَّهُ مَانِعٌ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ عَلَى تَفْصِيلٍ فَلَمْ يَكُنْ الْبَيْعُ مُفِيدًا لِلْمِلْكِ دَائِمًا، بَلْ سَبَبٌ لِإِفَادَتِهِ إنْ وُجِدَتْ شُرُوطُهُ وَانْتَفَتْ مَوَانِعُهُ كَالْخِيَارِ، فَسَبَبِيَّةُ الْبَيْعِ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا ثُمَّ عِنْدَنَا السَّبَبُ مُتَّصِلٌ بِالْمُسَبَّبِ حَتَّى فِي زَمَنِ الْخِيَارِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا وَمِنْ فَرْقِ الْفُقَهَاءِ بَيْنَ الْعِلَّةِ وَالسَّبَبِ قَوْلُهُمْ: لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ بِرِضَا فُلَانٍ؛ لَمْ يَقَعْ إلَّا إنْ رَضِيَ بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ لِرِضَا فُلَانٍ فَإِنَّهُ يَقَعُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا لَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، بَلْ يُوَافِقُهُ، فَإِنَّ جَعْلَهُ الرِّضَا سَبَبًا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِوُقُوعِهِ، فَعَلَّقْنَا الْوُقُوعَ بِتَحَقُّقِ الرِّضَا، بِخِلَافِ جَعْلِهِ عِلَّةً فَإِنَّهُ جَزْمٌ بِوُقُوعِهِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْوُقُوعِ، فَأَخَذْنَاهُ بِمُقْتَضَاهُ لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنَّ ذَلِكَ لَوْ صَدَرَ مِنْ عَامِّيٍّ أَوْ نَحْوِيٍّ قَالَ: أَرَدْت بِالْعِلَّةِ مَعْنَى السَّبَبِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ إلَّا إنْ وُجِدَ الرِّضَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ قِيَاسًا عَلَى مَا قَالُوهُ فِي أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ دَخَلْتِ الدَّارَ بِفَتْحِ أَنْ إذَا تَقَرَّرَ

ذَلِكَ فَلْنَرْجِعْ إلَى الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ بِمُقْتَضَى أَنَّ الْأُجْرَةَ إلَى آخِرِهِ، فَنَقُولُ: اخْتَلَفُوا فِي الْمُقْتَضَى الْوَاقِعِ فِي لَفْظِ الْحَاكِمِ وَمِثْلُهُ الشَّاهِدُ. فَنَقَلَ الْوَلِيُّ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمُقْتَضَى لَا انْفِكَاكَ لَهُ ثُمَّ رَدَّهُ فَإِنَّهُ مَفْعُولٌ اُقْتُضِيَ أَيْ طُلِبَ، وَالطَّلَبُ قَدْ يَكُونُ مَعَ إلْزَامٍ وَمَعَ عَدَمِهِ، ثُمَّ الْمُقْتَضَى هُنَا هُوَ كَوْنُ الْأُجْرَةِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ وَزِيَادَةً إذْ إضَافَةُ مُقْتَضَى إلَى مَا بَعْدَهُ إضَافَةٌ بَيَانِيَّةٌ أَوْ إضَافَةُ أَعَمَّ إلَى أَخَصَّ، وَعَلَى كُلٍّ تَكُونُ الْأُجْرَةُ كَذَلِكَ مُقْتَضَى أَيْ مَطْلُوبًا، وَحِينَئِذٍ فَالتَّقْدِيرُ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي إيجَارِ الْمَكَانِ الْمَذْكُورِ بِالْأُجْرَةِ الْمُعَيَّنَةِ ثَبَتَتْ بِمَطْلُوبٍ هُوَ أَنَّ تِلْكَ الْأُجْرَةَ زَائِدَةٌ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ أَيْ بِسَبَبِهِ أَوْ مِنْ أَجْلِهِ، وَكُلٌّ مِنْ السَّبَبِ وَالْعِلَّةِ يَقْتَضِي تَوَقُّفَ الْمُسَبَّبِ أَوْ الْمُعَلَّلِ عَلَى وُجُودِهِ سَوَاءٌ قُلْنَا: إنَّ الْمُقْتَضَى يَتَخَلَّفُ أَوْ لَا يَتَخَلَّفُ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي أَنَّ الْوُجُودَ عِنْدَ السَّبَبِ لَا بِهِ وَبِالْعِلَّةِ لَا عِنْدَهَا، أَوْ فِي أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى وَاسِطَةٍ بِخِلَافِهَا، وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ الْفَرْقَيْنِ لَا يَخْتَلِفُ بِهِ حُكْمٌ هُنَا، وَلَيْسَ مَا هُنَا نَظِيرَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَسْأَلَتَيْ الطَّلَاقِ لِمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا فِيهِمَا، وَإِذَا اقْتَضَى كُلٌّ مِنْ ذَيْنَك أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي الْإِيجَارِ الْمَذْكُورِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى وُجُودِ الْمُقْتَضَى الْمَذْكُورِ، اقْتَضَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مُتَرَتِّبَةً إلَّا عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا عِلَّةَ وَلَا سَبَبَ لِوُجُودِهَا غَيْرَ هَذَا الْمُقْتَضَى. أَلَا تَرَى إلَى مَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} [البقرة: 22] وَقَوْلِهِ: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا} [النساء: 160] مِنْ أَنَّ الْإِخْرَاجَ وَالتَّحْرِيمَ إنَّمَا تَرَتَّبَا عَلَى الْمَاءِ وَالظُّلْمِ دُونَ غَيْرِهِمَا، وَإِذَا انْحَصَرَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي الْمُقْتَضَى الْمَذْكُورِ دَلَّ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ فِي تِلْكَ الْإِجَارَةِ إلَّا الزِّيَادَةُ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَقَدْ بَسَطْنَا لَك الْقَوْلَ فِيمَا مَرَّ أَنَّ هَذَا وَحْدَهُ كَافٍ وَغَيْرُ مُسَوِّغٍ فِي الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (الْخَاتِمَةُ) فِي السُّؤَالِ الرَّابِعِ، وَهُوَ مَا قَوْلُكُمْ فِي مُسْتَنَدِ إيجَارِ مَكَان وُقِفَ مُدَّةَ مِائَةِ سَنَةٍ صَدَرَ مِنْ نَاظِرٍ شَرْعِيٍّ: حَكَمَ شَافِعِيٌّ فِيهِ بِالْمُوجَبِ بَعْدَ أَنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ مَعْرِفَةُ الْمَكَانِ الْمَذْكُورِ وَأَنَّ الْأُجْرَةَ الَّتِي قَدَّرَهَا كَذَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ يَوْمَئِذٍ لِلْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ فِيهِ وَأَنَّ الْحَظَّ وَالْمَصْلَحَةَ وَالْغِبْطَةَ الْوَافِرَةَ كَمَا شُرِحَ بِمُقَدِّمَةِ الْمُسْتَنَدِ الْمَذْكُورِ فِي إيجَارِ تِلْكَ الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ أَعْلَاهُ بِالْأُجْرَةِ الْمُعَيَّنَةِ فِيهِ بِمُقْتَضَى أَنَّ الْأُجْرَةَ الْمُعَيَّنَةَ أَعْلَاهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَزِيَادَةٌ فَهَلْ قَوْلُهُ بِمُقْتَضَى أَنَّ الْأُجْرَةَ إلَى آخِرِهِ يَتَعَلَّقُ بِالْحَظِّ وَالْمَصْلَحَةِ وَالْغِبْطَةِ الْوَافِرَةِ فَيَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ أَوْ يَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ آخَرَ مَعَ أَنَّ الْمُوَثِّقَ لِلْمُسْتَنَدِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِذِكْرِ ثُبُوتِ خَرَابِ الْمَكَانِ الْمَذْكُورِ وَلَا لِإِشْرَافِهِ عَلَى الْخَرَابِ حَتَّى يَكُونَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُسَوِّغَاتِ الْمُقْتَضِيَةِ لِإِيجَارِ الْمَكَانِ الْمَذْكُورِ الْمُدَّةَ الْمُعَيَّنَةَ مَثَلًا وَهَلْ يَحْتَاجُ فِي إيجَارِ الْأَوْقَافِ الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ إلَى ثُبُوتِ الْمَصْلَحَةِ لِلْوَقْفِ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا لَا وَإِذَا قُلْتُمْ بِالِاحْتِيَاجِ فَهَلْ الزِّيَادَةُ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ تُعَدُّ مَنْفَعَةً أَوْ لَا؟ وَهَلْ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ مِنْ الْحَاكِمِ الشَّافِعِيِّ الْمَذْكُورِ أَعْلَاهُ حُكْمٌ بِالصِّحَّةِ أَوْ لَا؟ وَهَلْ الْإِيجَارُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ عَلَى النَّصِّ الْمَذْكُورِ الْمَشْرُوحِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَبْتُ) : الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْمُسْتَنَدُ الْمَذْكُورُ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ إنَّمَا اسْتَنَدَ فِيهِ إلَى شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَأَنَّ حَاصِلَ صِيغَةِ تِلْكَ الشَّهَادَةِ أَشْهَدُ أَنَّ الْمَكَانَ الْمَوْصُوفَ بِكَذَا أُجْرَةُ مِثْلِهِ كَذَا لِمُدَّةِ مِائَةِ سَنَةٍ، وَأَنَّ الْحَظَّ وَالْمَصْلَحَةَ وَالْغِبْطَةَ الْوَافِرَةَ لِجِهَتَيْ الْوَقْفِ وَالْمُسْتَحَقِّينَ فِي إيجَارِهِ تِلْكَ الْمُدَّةَ بِتِلْكَ الْأُجْرَةِ، بِمُقْتَضَى أَنَّ الْأُجْرَةَ الْمَذْكُورَةَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَزِيَادَةٌ. وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ هَذَا هُوَ حَاصِلُ لَفْظِ الشَّاهِدِ الَّذِي اسْتَنَدَ الْحُكْمُ إلَيْهِ فَقَطْ، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مُؤَدَّى هَذَا اللَّفْظِ ثُمَّ حُكْمِهِ، فَمُؤَدَّاهُ أَنَّ الْحَظَّ وَمَا بَعْدَهُ لِتَيْنَك الْجِهَتَيْنِ فِي ذَلِكَ الْإِيجَارِ مُسَبَّبٌ أَوْ مَعْلُولٌ عَنْ كَوْنِ تِلْكَ الْأُجْرَةِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ وَزِيَادَةً، إذْ الْبَاءُ إمَّا لِلسَّبَبِيَّةِ أَوْ الْعِلَّةِ، وَالْمُقْتَضَى الْمَطْلُوبُ وَإِضَافَتُهُ لِمَا بَعْدَهُ بَيَانِيَّةٌ أَوْ مِنْ إضَافَةِ الْأَعَمِّ إلَى الْأَخَصِّ، وَالْبَاءُ بِقِسْمَيْهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِمُتَعَلِّقِ خَبَرِ أَنَّ الْمُحَدَّثِ عَنْهُ أَوْ بِخَبَرِ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا فَمَدْلُولُ اللَّفْظِ مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ حَصْرِ الْحَظِّ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ مِنْ زِيَادَةِ الْأُجْرَةِ، إذْ الْحُكْمُ إذَا عُلِّقَ بِسَبَبٍ وَهُوَ مَا يُوجَدُ عِنْدَهُ الْحُكْمُ بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِعِلَّةٍ وَهِيَ

مَا يُوجَدُ بِهَا مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ، دَلَّ ذَلِكَ التَّعَلُّقُ عَلَى أَنَّهُ لَا سَبَبَ لَهُ أَوْ لَا عِلَّةَ لَهُ إلَّا ذَلِكَ الْمَذْكُورَ فَقَطْ إذْ لَوْ كَانَ لَهُ سَبَبٌ آخَرُ أَوْ عِلَّةٌ أُخْرَى، لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَذْكُورُ سَبَبًا وَلَا عِلَّةً، وَإِنَّمَا السَّبَبُ أَوْ الْعِلَّةُ مَجْمُوعُ الْمَذْكُورِ وَالْمَحْذُوفِ أَوْ الْمَحْذُوفُ فَقَطْ وَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَدْلُولِ اللَّفْظِ فَوَجَبَ أَنْ لَا سَبَبَ أَوْ لَا عِلَّةَ إلَّا الْمَذْكُورَ وَحِينَئِذٍ ظَهَرَ حَصْرُ الْحَظِّ وَمَا بَعْدَهُ فِي ذَلِكَ الْمُقْتَضِي وَأَنَّهُ لَا حَظَّ فِي تِلْكَ الْإِجَارَةِ غَيْرُهُ وَإِذَا ظَهَرَ أَنَّ هَذَا هُوَ مُؤَدَّى لَفْظِ الشَّاهِدِ الْمَذْكُورِ فَلْنُبَيِّنْ حُكْمَهُ مَعَ الْإِشَارَةِ إلَى عِبَارَاتِ الْأَئِمَّةِ بِأَوْجَزِ عِبَارَةٍ تَعْوِيلًا عَلَى مَا بَسَطَتْهُ فِي تَقْرِيرِهَا فِي غَيْرِ هَذَا فَنَقُولُ: قَدْ تَبَايَنَتْ آرَاءُ الْأَئِمَّةِ فِي الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ فَمَنَعَهَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْأَذْرَعِيُّ وَتَبِعَهُ تِلْمِيذُهُ الزَّرْكَشِيُّ، فَاسْتَبْعَدَ جَوَازَهَا، وَجَوَّزَهَا آخَرُونَ بِشَرْطٍ مِنْهُمْ السُّبْكِيّ وَأَبُو زُرْعَةَ وَغَيْرُهُمَا، وَجَرَى عَلَيْهِ الْكَمَالُ الرَّدَّادُ شَارِحُ الْإِرْشَادِ وَهُوَ الْحَقُّ، وَاتَّفَقَ الْكُلُّ عَلَى أَنَّ فِيهَا مَفَاسِدَ، فَالْمَانِعُونَ نَظَرُوا إلَيْهَا فَأَطْلَقُوا مَنْعَهَا نَظَرًا لِلْعَادَةِ الْمُحَقَّقَةِ لَهَا غَالِبًا، وَالْمُجَوِّزُونَ لَهَا نَظَرُوا إلَى أَنَّهَا مَوْهُومَةٌ مَعَ أَنَّ الْحَاجَةَ إذَا حَقَّتْ مَنَعَتْ النَّظَرَ إلَيْهَا، وَقَدْ صَرَّحَ الْأَئِمَّةُ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ الِاحْتِيَاطُ فِي الْإِجَارَةِ وَفِي حِفْظِ الْأُصُولِ، وَلَا يَتِمُّ الِاحْتِيَاطُ فِي هَذَيْنِ فِي الْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ إلَّا إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهَا كَمَا ذُكِرَ، وَصَرَّحُوا أَيْضًا فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُتَصَرِّفِ عَلَى الْغَيْرِ أَنْ يُرَاعِيَ فِي تَصَرُّفِهِ الْأَغْبَطَ وَالْأَصْلَحَ، فَفِي مُدَدِ الْإِجَارَاتِ يَلْزَمُهُ رِعَايَةُ الْأَصْلَحِ مِنْهَا، وَلَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُ الصَّالِحِ مَعَ وُجُودِ الْأَصْلَحِ، فَلَا يَفْعَلُ الْإِجَارَةَ الطَّوِيلَةَ إلَّا إذَا تَحَقَّقَ كَوْنُهَا أَصْلَحَ. وَذَكَرُوا أَيْضًا أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُسَجِّلُ نَحْوَ إجَارَتِهِ إلَّا إنْ ثَبَتَ مُسَوِّغُهَا عِنْدَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ مُؤَيِّدٌ لِلْمُجَوِّزِينَ لِلْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ، بِشَرْطِ الْحَاجَةِ لِتَوَقُّفِ بَقَاءِ عَيْنِ الْوَقْفِ بِعِمَارَتِهِ أَوْ نَحْوِهَا عَلَيْهَا، فَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ زِيَادَةِ الْأُجْرَةِ، وَإِنْ كَثُرَتْ الزِّيَادَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ كَلَامُ الْوَلِيِّ أَبِي زُرْعَةَ فِي فَتَاوِيهِ وَسَبَقَهُ إلَى نَحْوِهِ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي كَافِيهِ وَابْنُ رَزِينٍ صَاحِبُ ابْنِ الصَّلَاحِ، وَفَرْضُ كَلَامِهِ فِي إجَارَةِ ثَلَاثِينَ سَنَةً، فَمَا الظَّنُّ بِمِائَةٍ؟ وَنَحَا إلَى ذَلِكَ السُّبْكِيّ وَالْبُلْقِينِيُّ، بَلْ الرَّافِعِيُّ فِي الْعَزِيزِ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَلْفَاظِ الْوَجِيزِ، وَجَزَمَ بِهِ شَارِحُ الْإِرْشَادِ الرَّدَّادُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ فَتَاوِيهِ، وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ مَا ذَكَرُوهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْمَحْجُورِ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ بِإِجَارَةٍ، كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ إجَارَةِ الْوَقْفِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِصْطَخْرِيُّ مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِنَا وَاعْتَمَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: إيجَارُ الْمَوْقُوفِ عَلَى مُعَيَّنٍ مُشَبَّهٌ بِإِيجَارِ مِلْكِ الْيَتِيمِ أَوْ بَيْعِهِ فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ فَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ أَوْ فِي الْعَقَارِ فَلَا بُدَّ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنْ يَجِدَ مِثْلَهُ بِبَعْضِ الثَّمَنِ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ، وَهَذَا لَا يُمْكِنُ جَرَيَانُ نَظِيرِهِ هُنَا؛ لِأَنَّ مَدَارَ ذَلِكَ عَلَى التِّجَارَةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِإِخْرَاجِ مَا فِي الْيَدِ لِأَصْلَحَ مِنْهُ، وَلَا يَكُونُ فِي الْعَقَارِ إلَّا بِمَا ذُكِرَ وَهُنَا عَلَى حِفْظِ عَيْنِ الْوَقْفِ وَعَدَمِ تَطَرُّقِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ مَا أَمْكَنَ فَاتَّضَحَ فُرْقَانُ مَا بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَأَنَّهُ لَا جَامِعَ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ، فَالزِّيَادَةُ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ لَا أَثَرَ لَهَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ مَتَى وُجِدَتْ مَصْلَحَةٌ أَوْ حَاجَةٌ جَازَتْ الْإِجَارَةُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، وَمَتَى انْتَفَى كُلٌّ مِنْ الْمَصْلَحَةِ وَالْحَاجَةِ امْتَنَعَتْ الْإِجَارَةُ، وَإِنْ زَادَتْ الْأُجْرَةُ، وَإِنَّمَا اكْتَفَيْنَا فِي الْقَصِيرَةِ بِمُجَرَّدِ الْمَصْلَحَةِ، وَاشْتَرَطْنَا فِي الطَّوِيلَةِ الْحَاجَةَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ فِي الطَّوِيلَةِ مَفَاسِدَ فَلَمْ تَجُزْ، إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّ مَا جَازَ لِحَاجَةٍ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا. وَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ أَعَمُّ مِنْ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ فَلَا يَسْتَلْزِمُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ مِنْهُمْ السُّبْكِيّ فِي كِتَابِهِ الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ، وَصَرَّحَ أَيْضًا بِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ فِي عَقْدٍ لَيْسَ حُكْمًا بِوُجُودِ شُرُوطِهِ وَانْتِفَاءِ مَوَانِعِهِ، بِخِلَافِ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ الْحُكْمَيْنِ مُتَرَادِفَانِ، فَلَا يَنْفَعُ ذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَمْ يَحْكُمْ بِالْمُوجَبِ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ إلَى شَيْءٍ، وَإِلَّا نَزَلَ حُكْمُهُ عَلَى السَّدَادِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ دَقِيقٍ الْعِيدِ، وَإِنَّمَا حَكَمَ مُسْتَنِدًا إلَى شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمُسْتَنَدِ، وَشَهَادَتُهُمَا إنَّمَا هِيَ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ الْمُسَوِّغَةَ لِلْإِجَارَةِ كَوْنُ الْأُجْرَةِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ وَزِيَادَةً، وَقَدْ سَبَقَ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ هَذِهِ وَحْدَهَا لَا تَكُونُ مَصْلَحَةً مُسَوِّغَةً لِلْإِجَارَةِ الطَّوِيلَةِ وَإِذَا اسْتَنَدَ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ إلَيْهَا وَحْدَهَا بَانَ أَنَّهُ غَيْرُ وَاقِعٍ مَوْقِعَهُ، فَإِذَا

ثَبَتَ عِنْدَ حَاكِمٍ آخَرَ أَنْ لَا مَصْلَحَةَ فِي تِلْكَ الْإِجَارَةِ أَبْطَلَهَا وَلَا نَقْضَ فِي ذَلِكَ لِحُكْمِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ اسْتِنَادَهُ لِمَا لَا يُسَوِّغُهُ صَيَّرَهُ لَغْوًا فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ، بَلْ لَوْ فُرِضَ أَنَّ الشَّاهِدَ أَطْلَقَ الْمَصْلَحَةَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي إيجَارِ كَذَا لَمْ يَجُزْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقْبَلَ هَذَا مِنْهُ، بَلْ يَلْزَمُهُ اسْتِفْسَارُهُ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْأَئِمَّةِ بَلْ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ؛ لِأَنَّ الْمَصَالِحَ مُخْتَلِفَةٌ وَتَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ، وَلَا يَأْتِي هُنَا الْخِلَافُ فِي إطْلَاقِ الشَّاهِدِ اسْتِحْقَاقَ زَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو مِائَةً عُرِفَ سَبَبُهَا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ ثَمَّ عَلَى آدَمِيٍّ بَرْهَنَ هُوَ أَوْ وَارِثُهُ عَلَى رَدِّهَا. وَسَبَبُهَا كَالْإِقْرَارِ لَا يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ وَاجْتِهَادٍ، بِخِلَافِهَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْمَلِكَ فِي الْمَوْقُوفِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأَسْبَابُ الْمَصَالِحِ مُخْتَلِفَةٌ فَوَجَبَ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ لَا يَقْبَلَ الشَّهَادَةَ بِمُطْلَقِ الْمَصْلَحَةِ احْتِيَاطًا لِحَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَقَدْ صَرَّحُوا بِوُجُوبِ الِاسْتِفْسَارِ عَلَيْهِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ، وَمَسْأَلَتُنَا هَذِهِ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ أَكْثَرِهَا كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مُتَأَمِّلٍ، وَفَرْقٌ بَيْنَ الْمَصْلَحَةِ الْوَاقِعَةِ فِي لَفْظِ الشَّاهِدِ وَالْوَاقِعَةِ فِي لَفْظِ الْحَاكِمِ فَلَوْ قَالَ الْحَاكِمُ: حَكَمْتُ بِصِحَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ بِمُوجَبِهَا لِثُبُوتِ الْمَصْلَحَةِ عِنْدِي لَمْ يَقْدَحْ فِي حُكْمِهِ عَدَمُ بَيَانِهَا، بَلْ لَوْ حَذَفَهَا بِالْكُلِّيَّةِ لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ أَيْضًا كَمَا مَرَّ عَنْ ابْنِ دَقِيقٍ الْعِيدِ، وَسَبَقَهُ إلَيْهِ ابْنُ أَبِي عَصْرُونَ حَمْلًا لِحُكْمِ الْحَاكِمِ عَلَى السَّدَادِ مَا أَمْكَنَ. وَأَمَّا إذَا أَسْنَدَ الْحَاكِمُ حُكْمَهُ إلَى شَهَادَةٍ بِمُطْلَقِ مَصْلَحَةٍ أَوْ بِمَصْلَحَةٍ، لَا تُعَدُّ فِي مَذْهَبِهِ مَصْلَحَةً، فَيَكُونُ حُكْمُهُ لَغْوًا وَجَهْلًا مِنْهُ، فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. وَأَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ لِمَا يُرْضِيهِ عَنِّي وَأَنْ يُجِيرَنِي مِنْ كُلِّ فِتْنَةٍ وَمِحْنَةٍ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ إنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَدِيرٌ وَبِالْإِجَابَةِ جَدِيرٌ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَإِلَيْهِ أَفْزَعُ فِي الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَ {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43] وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَوَّلًا وَآخِرًا حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ، يَا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِك وَعَظِيمِ سُلْطَانِك حَمْدًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ عَدَدَ خَلْقِك وَرِضَاءَ نَفْسِكَ وَزِنَةَ عَرْشِك وَمِدَادَ كَلِمَاتِك، وَسُبْحَانَ اللَّهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ عَدَدَ مَعْلُومَاتِك وَمِدَادَ كَلِمَاتِك، كُلَّمَا ذَكَرَك وَذَكَرَهُ الذَّاكِرُونَ وَغَفَلَ عَنْ ذِكْرِك وَذِكْرِهِ الْغَافِلُونَ، {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الصافات: 180] {وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 181] {وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 182] (مَسْأَلَةٌ: سُئِلْتُ) عَنْ كِتَابِ وَقْفٍ عَلَى النَّفْسِ لِمِيَاهٍ وَأَرَاضٍ فِي مَرِّ الظَّهْرَانِ حَكَمَ بِمُوجَبِهِ حَنَفِيٌّ ثُمَّ مَاتَ قَاضِيهِ وَشُهُودُهُ فَأَثْبَتَهُ الْحَاكِمُ الْمَالِكِيُّ بِطَرِيقِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ فَوَضَعَ إنْسَانٌ يَدَهُ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا فِيهِ مِنْ الْمَاءِ مُدَّةً مَدِيدَةً بِطَرِيقِ الشِّرَاءِ وَحَكَمَ بِمُوجَبِهِ شَافِعِيٌّ ثُمَّ ثَبَتَ الْوَقْفُ الْمَذْكُورُ فَانْتَزَعَ ذَلِكَ الْمَاءَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي وَأَرَادَ نَاظِرُ الْوَقْفِ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِغَلَّةِ ذَلِكَ الْمَاءِ لَدَى شَافِعِيٍّ فَهَلْ لَهُ سَمَاعُ هَذِهِ الدَّعْوَى عَمَلًا بِمَذْهَبِهِ أَنَّ مَاءَ عُيُونِ مَرِّ الظَّهْرَانِ مَمْلُوكٌ لِوَاضِعِي الْأَيْدِي عَلَيْهِ فَيُضْمَنُ بِمِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ عَلَى مَا حَرَّرُوهُ فِي الْغَصْبِ أَمْ لَا؟ نَظَرًا لِحُكْمِ الشَّافِعِيِّ بِالشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ بَانَ فَسَادُهُ وَبِتَبَيُّنِ فَسَادِهِ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ مِنْ أَصْلِهِ، أَوْ لَيْسَ لَهُ سَمَاعُهَا نَظَرًا لِحُكْمِ الْحَاكِمِ الْحَنَفِيِّ بِالْمُوجَبِ بِنَاءً عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ مُفْتِيِي مَذْهَبِهِ أَنَّ الْمَاءَ الْمَوْقُوفَ مَضْمُونٌ، بِخِلَافِ الْمَمْلُوكِ، لَكِنْ خَالَفَهُ مُفْتٍ آخَرُ مِنْهُمْ فَقَالَ: الْمَاءُ الْمَحْضُ لَا يُضْمَنُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ الْمَوْقُوفُ وَغَيْرُهُ، أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ مَعَ الْبَسْطِ التَّامِّ، فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ مُشْكِلَةٌ جِدًّا (فَأَجَبْتُ) : بِأَنَّ الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَسْتَدْعِي بَسْطًا، فَلَا تَضْجَرْ مِنْهُ، فَإِنَّ فِيهِ فَوَائِدَ نَفِيسَةً لَا تَظْفَرُ بِهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ، وَلْنَجْعَلْهُ فِي أُمُورٍ، لَكِنَّ بَعْضَهَا مُقَدِّمَاتٌ وَبَعْضُهَا مَقَاصِدُ أَحَدُهَا تَحْرِيرُ مَاءِ عُيُونِ مَرِّ الظَّهْرَان وَغَيْرِهِ مِنْ أَوْدِيَةِ الْحِجَازِ هَلْ هُوَ مِلْكٌ لِأَهْلِهَا أَوْ مُسْتَحَقٌّ فَقَطْ فَلَا يُضْمَنُ؟ وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَئِمَّتِنَا الثَّانِي وَعِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ وَشَرْحِي عَلَيْهِ وَالْمِيَاهُ الْمُبَاحَةُ بِأَنْ لَمْ تُمَلَّكْ مِنْ الْأَوْدِيَةِ كَالسَّيْلِ وَالْعُيُونِ فِي الْجِبَالِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْمَوَاتِ وَسُيُولِ الْأَمْطَارِ يَسْتَوِي النَّاسُ فِيهَا لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد: «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ» وَصَحَّ خَبَرِ «ثَلَاثَةٌ لَا يُمْنَعْنَ الْمَاءُ وَالْكَلَأَ وَالنَّارُ» فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ

تَحَجُّرُهَا وَلَا لِلْإِمَامِ إقْطَاعُهَا إجْمَاعًا، ثُمَّ قُلْتُ: وَلَيْسَ مِنْ الْمُبَاحَةِ مَا جُهِلَ أَصْلُهُ وَهُوَ تَحْتَ يَدِ وَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ؛ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمَحَلُّهُ إذَا كَانَ مَنْبَعُهُ مِنْ مَمْلُوكٍ لَهُمْ، بِخِلَافِ مَا مَنْبَعُهُ بِمَوَاتٍ أَوْ يَخْرُجُ مِنْ نَهْرٍ عَامٍّ كَدِجْلَةَ، فَإِنَّهُ بَاقٍ عَلَى إبَاحَتِهِ اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ مَاءَ عُيُونِ مَرِّ الظَّهْرَانِ وَنَحْوِهِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْعُيُونَ مَنَابِعُهَا غَائِصَةٌ فِي جِبَالٍ مُبَاحَةٍ لَا يُعْلَمُ مُنْتَهَى تِلْكَ الْمَنَابِعِ وَلَا أَصْلُهَا، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِيَاهٌ مِنْ أَسْفَلَ تِلْكَ الْجِبَالِ، وَقَدْ جِيءَ إلَى ذَلِكَ الْأَسْفَلِ، وَبُنِيَ عَلَيْهِ جُدْرَانٌ بَيْنَهُمَا قَنَاةٌ، فَإِذَا خَرَجَ الْمَاءُ مِنْ ذَلِكَ السُّفْلِ جَرَى بَيْنَ هَذَيْنِ الْجِدَارَيْنِ إلَى أَنْ يُسَلَّطَ عَلَى أَرَاضٍ يَسْقِيهَا. وَإِذَا كَانَتْ تِلْكَ الْمَنَابِعُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ تَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِأَنَّهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ، كَمَا شَمِلَهُ قَوْلُ الْمِنْهَاجِ " وَالْعُيُونُ فِي الْجِبَالِ " وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ: وَمَحَلُّهُ إنْ كَانَ مَنْبَعُهُ فِي غَيْرِ مَمْلُوكٍ لَهُمْ إلَى آخِرِهِ، وَتَأَمَّلْ حِكَايَتَهُمْ الْإِجْمَاعَ، عَلَى أَنَّ مَاءَ الْعُيُونِ فِي الْجِبَالِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ تَحَجُّرُهَا الصَّرِيحُ فِي بَقَائِهَا عَلَى إبَاحَتِهَا، وَإِنْ بَنَى عَلَيْهَا وَحَجَّرَ، عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْبِنَاءَ عَلَى تِلْكَ الْعُيُونِ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ إسْلَامِيٌّ، بَلْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ جَاهِلِيٌّ، فَلَا يُسْتَدَلُّ بِوُجُودِهِ لِلْمِلْكِ وَلَا لِعَدَمِهِ، وَمِمَّا يَدُلُّ لِمَا ذَكَرْته أَوَّلًا تَصْرِيحُهُمْ: بِأَنَّ الْمَاءَ النَّابِعَ فِي الْمُبَاحِ كَالْمَعْدِنِ الظَّاهِرِ، فَلَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ، وَلَا يَثْبُتُ فِيهِ الِاخْتِصَاصُ بِالتَّحَجُّرِ. وَلَا شَكَّ أَنَّ تِلْكَ الْمَنَابِعَ فِي جِبَالٍ مُبَاحَة، فَلَا تُمْلَكُ بِإِحْيَاءٍ وَلَا يَخْتَصُّ بِهَا بِتَحَجُّرٍ، وَبِهَذَا صَحَّ الْحَدِيثُ وَقَامَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ أَمَّا الْحَدِيثُ: فَهُوَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْطَعَ رَجُلًا مِلْحَ مَأْرَبِ أَيْ مَدِينَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ صَنْعَاءَ كَانَتْ بِهَا بِلْقِيسُ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ كَالْمَاءِ الْعِدِّ أَيْ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ لَا انْقِطَاعَ لِمَنْبَعِهِ فَقَالَ: فَلَا إذْنَ» فَعُلِمَ أَنَّ الْمَاءَ الْعِدَّ وَهُوَ الَّذِي لَا انْقِطَاعَ لِمَنْبَعِهِ لَا يُمْلَكُ، وَتِلْكَ الْمَنَابِعُ مِنْ أَفْرَادِ هَذَا الْمَاءِ، فَلَا يُمْلَكُ، وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَهُوَ قَوْلُهُمْ: أَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِ إقْطَاعِ مَشَارِعِ الْمَاءِ أَيْ الَّتِي مِنْهَا مَنَابِعُهُ، وَعَبَّرُوا أَيْضًا بِقَوْلِهِمْ: الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى مَنْعِ إقْطَاعِ مَشَارِعِ الْمَاءِ، فَكَذَا الْمَعْدِنُ الظَّاهِرُ بِجَامِعِ الْحَاجَةِ الْعَامَّةِ اهـ. وَبَعْدَ هَذَا الْبَيَانِ لَمْ يَبْقَ لِمُنَازِعٍ فِيمَا ذَكَرْته حُجَّةٌ يَتَمَسَّكُ بِهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ كُلَّهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ أَيُّ مُهِمٍّ. ثُمَّ رَأَيْتُ الْبُلْقِينِيُّ صَرَّحَ بِمَا ذَكَرْتُهُ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ عُيُونِ مَرِّ الظَّهْرَانِ، وَأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ لَهَا مَنْبَعٌ غَالِبًا فَأَجَابَ فِيهَا بِجَوَابٍ طَوِيلٍ مُسَطَّرٍ فِي فَتَاوِيهِ، وَمِنْ جُمْلَتِهِ وَمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ الْأَصْلُ الَّذِي يَنْبُعُ مِنْهُ غَالِبًا جَوَابُهُ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَاءِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ اهـ. فَفِيهِ أَوْضَحُ تَصْرِيحٍ بِمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ مَاءَ الْعُيُونِ الَّتِي لَا يُعْرَفُ مَنْبَعُهَا يَكُونُ بَاقِيًا عَلَى إبَاحَتِهِ وَإِنْ وَصَلَ إلَى تِلْكَ الْقَنَاةِ. وَخَرَجَ مِنْهَا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ أَنْ لَا يَكُونَ مَحَلُّ النَّبْعِ مَمْلُوكًا لِأَحَدٍ، وَإِنَّمَا الْمَمْلُوكُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَصِلُ الْمَاءُ إلَيْهِ فَإِذَا صَدَرَ بَيْعٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى الْمَاءِ الْكَائِنِ فِي الْأَرْضِ، فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ. وَلِهَذَا إذَا خَرَجَ مِنْ أَرْضِهِ كَانَ عَلَى إبَاحَتِهِ، وَإِذَا بَاعَ الْقَرَارَ لَمْ يَدْخُلْ الْمَاءُ الَّذِي هُوَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ اسْتِحْقَاقُ الْأَرْضِ فِيهِ الْمُسَمَّى بِالشِّرْبِ اهـ. الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَرَأَيْتُ السُّبْكِيّ قَالَ فِي فَتَاوِيهِ مَا حَاصِلُهُ: لَا أَشُكُّ فِي نَهْرِ دِمَشْقَ الْمُسَمَّى بِبَرَدَا أَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِأَنَّهُ قَدِيمٌ بِأَرْضِهِ، وَالْعَيْنُ الَّتِي يَجْرِي الْمَاءُ فِيهَا إمَّا مُبَاحَةٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَإِمَّا كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِكُفَّارٍ وَانْتَقَلَتْ عَنْهُمْ إلَى مُسْلِمِينَ، وَأَيَّا مَا كَانَ فَلَيْسَ مِلْكًا لِأَحَدٍ، وَبَقِيَّةُ أَنْهَارِهَا الظَّاهِرُ أَنَّهَا أَيْضًا كَذَلِكَ وَأَنَّهَا مُتَقَدِّمَةٌ، وَيُحْتَمَلُ حُدُوثُهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَا كَانَ بِانْخِرَاقٍ فِي مَوَاتٍ فَلَيْسَ بِمَمْلُوكٍ وَمَا كَانَ بِحَفْرٍ، بِأَنْ قَصَدَ بِهِ حَافِرُهُ الْإِبَاحَةَ فَكَذَلِكَ أَوْ نَفْسَهُ فَمِلْكٌ لَهُ، لَكِنَّا الْآنَ لَا نَعْلَمُهُ هُوَ وَلَا وَارِثُهُ فَهُوَ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ. وَعَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ: لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ تَخْصِيصُ طَائِفَةٍ بِجَمِيعِهِ وَلَا بَيْعُهُ، بِخِلَافِ الْأَمْلَاكِ الْمُنْتَقِلَةِ إلَى بَيْتِ الْمَالِ الَّتِي يَبِيعُ فِيهَا وَيُعْطِي مِنْهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَنْهَارَ نَفْعُهَا عَامٌّ دَائِمٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَلَمْ يَجُزْ تَفْوِيتُهَا عَلَيْهِمْ بِالتَّخْصِيصِ أَوْ الْبِيَعِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا. وَمَتَى جُهِلَ الْحَالُ هَلْ هُوَ بِانْخِرَاقٍ أَوْ حَفْرٍ فَهُوَ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ أَيْضًا. وَقَوْلُهُمْ: لَوْ رَأَيْنَا نَهْرًا يُسْقَى بِهِ أَرَضُونَ، وَلَمْ

يُدْرَ أَنَّهُ حُفِرَ أَوْ انْخَرَقَ، حَكَمْنَا بِأَنَّهُ مِلْكُهُمْ مَحَلُّهُ إذَا كَانَتْ أَيْدِيهِمْ الْخَاصَّةُ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْأَمْلَاكِ أَيْ: بِأَنْ كَانُوا مُسْتَوْلِينَ عَلَى مَنْبَعِهَا وَمَا بَعْدَهُ نَظِيرُ مَا مَرَّ عَنْ الْأَذْرَعِيِّ. اهـ الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا قَدَّمْتُهُ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ قَالَ: وَالْمَاءُ الَّذِي يَمُرُّ فِي تِلْكَ الْأَنْهَارِ مُبَاحٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ أَيْ: لِأَنَّ مَنْبَعَهَا غَيْرُ مَمْلُوكٍ بَلْ وَلَا مَعْرُوفٍ ثَانِيهِمَا: تَحْرِيرُ حُكْمِ مَا إذَا اجْتَمَعَ فِي قَضِيَّةٍ أَحْكَامٌ مُتَنَاقِضَةٌ كَمَا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ، فَإِنَّهَا مِنْ الْعَوِيصَاتِ الَّتِي تَحْتَاجُ إلَى مَزِيدِ تَتَبُّعٍ لِكَلَامِ الْأَئِمَّةِ وَاطِّلَاعٍ عَلَى فَتَاوِيهِمْ وَمُؤَلَّفَاتِهِمْ فِي الْأَقْضِيَةِ وَأَحْكَامِ الْقُضَاةِ الْمُتَعَارِضَةِ بِالْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ أَوْ بِغَيْرِهِ، وَسَبَبُ إشْكَالِهَا أَنَّ الْحُكْمَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ لَا يَقُولُ بِهِ الْحَنَفِيُّ الْحَاكِمُ بِالْوَقْفِ الَّذِي أَثْبَتَ حُكْمَهُ بِطَرِيقِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ. وَالْحَاكِمُ إذَا أَثْبَتَ حُكْمَهُ بِطَرِيقٍ لَا يَقُولُ بِهَا، كَيْفَ يُعْتَدُّ بِذَلِكَ الْإِثْبَاتِ الْمُنَاقِضِ لِمَذْهَبِ الْمُثْبَتِ حُكْمَهُ، وَأَيْضًا الشَّافِعِيُّ الْمُتَدَاعَى عِنْدَهُ بِضَمَانِ الْمَاءِ لَا يَرَى مَا يَثْبُتُ بِهِ الْوَقْفُ وَلَا الْوَقْفُ عَلَى النَّفْسِ وَلَا وَقْفُ الْمَاءِ وَحْدَهُ، وَإِنْ حَكَمَ بِمِلْكِهِ. وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ الْمُتَدَاعَى فِيهَا إنَّمَا هِيَ مَاءٌ مُجَرَّدٌ ثَبَتَ وَقْفُهُ، وَحِينَئِذٍ فَالشَّافِعِيُّ هُنَا لَا يُمْكِنُهُ الْحُكْمُ بِمَذْهَبِ إمَامِهِ وَلَا بِمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ، لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الْحَنَفِيِّ فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنَّ الْحُكْم بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ لَا يُعْمَلُ بِهِ إلَّا إنْ كَانَ الْحَاكِمُ بِالْوَقْفِ مَالِكِيًّا؛ لِأَنَّهُ يَرَى ثُبُوتَ حُكْمِهِ هَذَا بِتِلْكَ الطَّرِيقِ وَإِلْزَامَ الْعَمَلَ بِهِ، فَتَنْتِفِي وَصْمَةُ التَّلْفِيقِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ أُثْبِتَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ حُكْمُ حَنَفِيٍّ أَوْ شَافِعِيٍّ، فَإِنَّ الْعَمَلَ بِآثَارِ هَذَا الْحُكْمِ الْمُثْبَتِ عَمَلٌ بِحُكْمَيْنِ مُلَفَّقَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ لَا يَقُولُ بِهِمَا إمَامٌ وَاحِدٌ الْحُكْمِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ وَالْحُكْمِ بِالْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ وَوَقْفِ الْمَاءِ الْمُسْتَقِلِّ. وَكَذَلِكَ حُكْمُ الشَّافِعِيِّ بِضَمَانِ الْمَاءِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ مُلَفَّقٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ مُتَنَاقِضَةٍ، بَلْ أَرْبَعَةٍ الْحُكْمِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ وَلَا يَقُولُ بِهِ الْحَنَفِيُّ وَلَا الشَّافِعِيُّ، وَالْحُكْمِ بِالْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ وَلَا يَقُولُ بِهِ الْمَالِكِيُّ وَلَا الشَّافِعِيُّ، وَالْحُكْمِ بِوَقْفِ الْمَاءِ الْمُسْتَقِلِّ وَلَا يَقُولُ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَلَا الْحَنَفِيُّ، وَالْحُكْمِ بِضَمَانِ الْمَاءِ لَا يَقُولُ بِهِ الْمَالِكِيُّ وَلَا الْحَنَفِيُّ، ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الْعِمَادِ ذَكَرَ مَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْتُهُ بَلْ مَا يُصَرِّحُ بِهِ فَإِنَّهُ قَالَ كَمَا حَكَيْته عَنْهُ فِي كِتَابِي فِي إجَارَة الْأَوْقَافِ هُنَا (فَائِدَةٌ) يَنْبَغِي التَّنَبُّهُ لَهَا وَهِيَ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُلَفَّقَ بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَصَوَّرُوا ذَلِكَ بِصُوَرٍ مِنْهَا أَنْ يَحْكُمَ حَنْبَلِيٌّ بِأَنَّ الْخُلْعَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَسْخٌ فَعِنْدَهُ يَجُوزُ إعَادَةُ الْمُخْتَلِعَةِ مِنْ غَيْرِ مُحَلِّلٍ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ إلَّا بِمُحَلِّلٍ فَلَوْ أَرَادَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ حُكْمِ الْحَنْبَلِيِّ بِأَنَّ ذَلِكَ فَسْخٌ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِلَا مُحَلِّلٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الزَّوَاجِ حِينَئِذٍ بَاطِلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَكَيْفَ يَتَعَاطَاهُ؟ فَإِذَا تَعَاطَاهُ نُقِضَ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَعَاطَاهُ حَنْبَلِيٌّ وَمِنْهَا لَوْ حَكَمَ مَالِكِيٌّ بِثُبُوتِ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ بِالْخَطِّ، وَحَكَمَ حَنَفِيٌّ بِصِحَّتِهِ فَهَذَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ الْآنَ بِاتِّفَاقِ الْحَاكِمَيْنِ الْمَالِكِيِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَقْفٌ عَلَى النَّفْسِ وَالْحَنْبَلِيِّ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِالْخَطِّ، وَهَذَا كُلُّهُ مَقِيسٌ عَلَى مَا لَوْ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ بَعْضَ رَأْسِهِ مُقَلِّدًا لِلشَّافِعِيِّ ثُمَّ صَلَّى وَبِهِ نَجَاسَةٌ كَلْبِيَّةٌ مُقَلِّدًا لِمَالِكٍ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا عَلَى مَذْهَبِ مُجْتَهِدٍ وَاحِدٍ، بَلْ رَكَّبَ فِيهَا قَوْلَ مُجْتَهِدٍ مَعَ قَوْلِ آخَرَ، فَصَارَ كُلٌّ مِنْ الْإِمَامَيْنِ قَائِلًا بِبُطْلَانِهَا الشَّافِعِيِّ مِنْ جِهَةِ النَّجَاسَةِ وَمَالِكٍ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ مَسْحِ الرَّأْسِ. قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ فَكَذَلِكَ الْقَاضِي لَمَّا لَفَّقَ قَوْلَ مُجْتَهِدٍ مَعَ مُجْتَهِدٍ آخَرَ نُقِضَ حُكْمُهُ، قَالَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْقُضَاةِ يَجِبُ عَزْلُهُمْ وَلَا تَحِلُّ تَوْلِيَتُهُمْ اهـ. كَلَامُهُ وَذَكَرَهُ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ بِمَا لَفْظُهُ مِمَّا يَنْبَغِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ الْمُلَفَّقُ وَهُوَ بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَصُورَتُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ الْمَالِكِيَّ يَرَى الْحُكْمَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ، فَإِذَا أَثْبَتَ الْخَطَّ وَحَكَمَ بِهِ وَاتَّصَلَ بِشَافِعِيٍّ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَنْقُضُهُ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مِثْلِ هَذَا فَاشْهَدْ أَيْ عَلَى مِثْلِ الشَّمْسِ وَالْخَطُّ يَحْتَمِلُ التَّزْوِيرَ وَتَجْرِبَةَ الْقَلَمِ فَلَا يَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ وَلَا الْحُكْمُ بِهِ، فَلَوْ أَثْبَتَ الْخَطَّ قَاضٍ مَالِكِيٌّ وَلَمْ يَحْكُمْ وَأَنْهَاهُ إلَى قَاضٍ شَافِعِيٍّ، فَحَكَمَ بِالْخَطِّ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ وَإِنْ حَكَمَ نُقِضَ حُكْمُهُ؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يَعْتَقِدُ جَوَازَ ذَلِكَ

وَكَثِيرٌ مِنْ جَهَلَةِ الْقُضَاةِ الْمَنْسُوبِينَ إلَى الشَّافِعِيَّةِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، وَمِثْلُ هَؤُلَاءِ الْقُضَاةِ يَجِبُ عَزْلُهُمْ وَلَا تَحِلُّ تَوْلِيَتُهُمْ وَكَذَلِكَ الْحَنْبَلِيُّ إذَا حَكَمَ بِكَوْنِ الْخُلْعِ فَسْخًا لَيْسَ لِلْقَاضِي الشَّافِعِيِّ أَنْ يُزَوِّجَ مِنْ غَيْرِ مُحَلِّلٍ لِأَنَّهُ قَضَاءٌ مُلَفَّقٌ، بَلْ الطَّرِيقُ أَنْ يُزَوِّجَ الْقَاضِي الْحَنْبَلِيُّ، وَكَذَلِكَ إذَا وَقَفَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَثْبَتَ الْمَالِكِيُّ الْخَطَّ بِمَكْتُوبِ وَقْفٍ قَدْ مَاتَ شُهُودُهُ وَاتَّصَلَ بِقَاضٍ مُحَلِّلٍ شَافِعِيٍّ فَنَفَّذَهُ وَحَكَمَ بِصِحَّةِ الْخَطِّ لِيُمَيِّزَ ذَلِكَ لِلْقَاضِي الْحَنَفِيِّ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ لِلشَّافِعِيِّ تَعَاطِيهِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ وَقَضَاءٌ مُلَفَّقٌ، وَهُوَ شَبِيهٌ بِمَا إذَا تَوَضَّأَ وَذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ السَّابِقَةَ ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ الْقَاضِي الْمُحَلِّلُ لَوْ لَفَّقَ قَوْلَ مُجْتَهِدٍ مَعَ قَوْلِ آخَرَ وَجَبَ نَقْضُ حُكْمِهِ اهـ. فَعَلَى مَا قَرَّرَهُ لَا مِرْيَةَ فِي أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَحْكُمُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ بِضَمَانِ الْمَاءِ وَلَا يَسْمَعُ الدَّعْوَى بِهِ، لَكِنْ رَأَيْت فِي فَتَاوَى السَّيِّدِ السَّمْهُودِيّ مَا يُعَكِّرُ عَلَى ابْنِ الْعِمَادِ وَيُصَرِّحُ بِأَنَّ عُلَمَاءَ مِصْرَ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَهُ وَأَنَّهُمْ لَا يَنْظُرُونَ لِهَذَا التَّلْفِيقِ، وَكَانَ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ إذَا طَابَقَ بَاطِنُ الْأَمْرِ فِيهِ ظَاهِرَهُ يَنْفُذُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَيَصِيرُ كَالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا: لَوْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ مَثَلًا لِشَافِعِيٍّ بِمَا لَا يَرَاهُ الشَّافِعِيُّ كَشُفْعَةِ الْجِوَارِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ نَقْضِ حُكْمِهِ بِهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ جَازَ لِلشَّافِعِيِّ الْأَخْذُ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يُقَلِّدْ أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِأَنَّهَا صَارَتْ كَالْمُجْمَعِ عَلَيْهَا، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ فِي حَنَفِيٍّ حَكَمَ بِصِحَّةِ وَقْفٍ عَلَى النَّفْسِ يَجُوزُ لِلشَّافِعِيِّ بَيْعُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُغَيِّرُ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَهُوَ مَبْنِيٌّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى الضَّعِيفِ، بِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يَنْفُذُ بَاطِنًا كَمَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ تَعْلِيلُهُ وَزَعْمُهُ أَعْنِي ابْنَ الْعِمَادِ أَنَّ حُكْمَ الْمَالِكِيِّ بِالْخَطِّ يُنْقَضُ لِمُخَالَفَتِهِ لِلسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّعِيفِ إذْ الْمُعْتَمَدُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ كَالْحُكْمِ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ وَالنِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ وَالْبُطْلَانِ فِي الْعَرَايَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا صَحَّتْ الْأَحَادِيثُ بِخِلَافِهِ عَدَمُ النَّقْضِ، وَإِنْ أَطَالَ جَمْعٌ فِي خِلَافِهِ لِأَنَّ تَأْوِيلَ الْمُخَالِفِ فِيهَا لَهُ وَجْهٌ وَمَنْ كَانَ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ لَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ «عَلَى مِثْلِ هَذَا فَاشْهَدْ» لَا يَرِدُ عَلَى الْمُخَالِفِ أَصْلًا؛ لِأَنَّا اتَّفَقْنَا نَحْنُ وَهُوَ عَلَى أَنَّهُ تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، وَعِنْدَهُمْ أَنَّ الْخَطَّ الْمَعْرُوفَ يُفِيدُ ذَلِكَ فَأُرِيدَ بِمِثْلِيَّةِ الشَّمْسِ مَا يُفِيدُ الظَّنَّ الْمُؤَكَّدَ أَوْ الْعِلْمَ، فَلَا يُخَالِفُ مَذْهَبَ الْمُخَالِفِ الْحَدِيثُ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ السُّبْكِيّ آخِرَ الْكِتَابِ مَا يُبَيِّنُ لَك عَدَمَ النَّقْضِ فِيمَا حَكَمَ بِهِ الْمَالِكِيُّ مِنْ الشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ وَغَيْرِهِ فَرَاجِعْهُ، بَلْ فِي فَتَاوَى السُّبْكِيّ أَبْلَغُ صَرِيحٌ فِي الرَّدِّ عَلَى ابْنِ الْعِمَادِ. وَذَلِكَ أَنَّهُ بَيَّنَ أَنَّ قَاضِيَ الْقُضَاةِ الشَّافِعِيَّ يَخْتَصُّ بِأُمُورٍ فِي زَمَنِهِ وَمَا قَبْلَهُ كَالنَّظَرِ فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ وَفِي الْأَوْقَافِ وَالْأَيْتَامِ وَبَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ قَالَ: لَوْ اعْتَقَدَ حَقِّيَّةَ وَصِيَّةٍ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا فِي مَذْهَبِهِ كَأَنْ قَامَتْ قَرَائِنُ بِصِحَّةِ مَسْطُورٍ عَلَى مَيِّتٍ، فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْذَنَ لِقَاضٍ مَالِكِيٍّ لِيُثْبِتَهُ بِالْخَطِّ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَكَذَا فِي الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ يَأْذَنُ لِحَنَفِيٍّ أَوْ حَنْبَلِيٍّ فِي إثْبَاتِهِ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ يَنْبَغِي لِلشَّافِعِيِّ الْإِذْنُ فِي ذَلِكَ تَجِدْهُ أَبْلَغَ رَادٍّ عَلَى ابْنِ الْعِمَادِ، وَقَدْ ذَكَرَ السُّبْكِيّ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ نَفَّذَ كِتَابَ وَقْفِ صَلَاحِ الدِّينِ بْنِ أَيُّوبَ لِلصَّلَاحِيَّةِ الَّتِي بِالْقُدْسِ، وَذَلِكَ الْكِتَابُ لَمْ يَتَّصِلْ لِلسُّبْكِيِّ إلَّا بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِهِ مِمَّنْ يَرَاهُ تَارِيخُ وَقْفِهِ ثَالِثَ عَشَرَ رَجَبٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَتَارِيخُ تَنْفِيذِ السُّبْكِيّ شَهْرُ مُحَرَّمٍ سَنَةُ أَرْبَعِينَ وَسَبْعمِائَةٍ، فَبَيْنَهُمَا فَوْقَ مِائَةِ سَنَةٍ وَاثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَةً، وَقَبْلَ السُّبْكِيّ تَلَامِيذُ جَمَاعَةٍ أَجِلَّاءٍ غَالِبُهُمْ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ إلَّا بِمَا وَصَلَ بِهِ لِلسُّبْكِيِّ، فَهَذَا إطْبَاقٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ بِتَقْرِيرِ الْحُكْمِ بِالشَّهَادَةِ بِالْخَطِّ وَتَنْفِيذِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ، وَاحْتِمَالُ أَنَّ كُلًّا إنَّمَا نَفَّذَ بِتَنْفِيذِ مَنْ قَبْلَهُ الثَّابِتِ بِالشَّهَادَةِ عَلَيْهِ، وَهَكَذَا إلَى الْوَاقِفِ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَإِنْ كَانَ فِي عِبَارَةِ السُّبْكِيّ مَا قَدْ يُتَلَمَّحُ مِنْهُ ذَلِكَ وَفِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا وَجَزَمَ بِهِ مُخْتَصِرُوهَا وَغَيْرُهُمْ بَلْ أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْمُتَأَخِّرُونَ أَنَّهُ لَوْ قَضَى حَنَفِيٌّ لِشَافِعِيٍّ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ حَلَّ لَهُ الْأَخْذُ بِهِ أَيْ: وَإِنْ لَمْ يُقَلِّدْ أَبَا حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُصَيِّرُ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ كَالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَتَوَقَّفْ الْحِلُّ عَلَى تَقْلِيدٍ إذْ لَوْ تَوَقَّفَ عَلَيْهِ لَقَالُوا: حَلَّ لَهُ الْأَخْذُ بِهِ إنْ قَلَّدَ إمَامَ ذَلِكَ الْقَاضِي، وَأَيْضًا فَالتَّقْلِيدُ نَفْسُهُ كَافٍ فِي الْحِلِّ فَلَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَى حُكْمٍ فَنَتَجَ أَنَّ

التَّقْلِيدَ يُبِيحُ وَحْدَهُ وَحُكْمَ الْحَاكِمِ الْمُخَالِفِ يُبِيحُ وَحْدَهُ وَإِذَا كَانَ هَذَا فِي شُفْعَةِ الْجِوَارِ مَعَ صِحَّةِ الْأَحَادِيثِ فِيهَا الَّتِي يَعْسُرُ تَأْوِيلُهَا وَلِذَا قَالَ كَثِيرُونَ: بِنَقْضِهِ فَالْحُكْمُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ أَوْلَى بِعَدَمِ النَّقْضِ إنْ لَمْ يَكُنْ مُسَاوِيًا وَمِمَّا يَدُلُّ لِمَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ الْحِلِّ بِالْحُكْمِ، وَإِنْ لَمْ يُقَلِّدْ أَنَّهُمْ أَطْلَقُوا الْحِلَّ هُنَا وَلَا تَكَلَّمُوا عَلَى حِلِّ الشَّهَادَةِ بِهَا عِنْدَ الْحَنَفِيِّ، وَفَصَلَ الْإِسْنَوِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ بَيْنَ أَنْ يَشْهَدَ بِالْجِوَارِ فَيَحِلَّ أَوْ بِاسْتِحْقَاقِهَا فَلَا يَحِلُّ ذَلِكَ لِلشَّاهِدِ إلَّا إنْ قَلَّدَ أَبَا حَنِيفَةَ، هَذَا عَنْ الْحُكْمِ اُحْتِيجَ فِيهِ إلَى التَّقْلِيدِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ اثْنَانِ لِقَاضٍ: قَدْ حَكَمَ بَيْنَنَا فُلَانٌ الْقَاضِي فِي كَذَا بِكَذَا وَنُرِيدُ أَنْ تَحْكُمَ بَيْنَنَا بِمَذْهَبِك وَنَرْضَ بِحُكْمِكَ لَمْ يَجُزْ لَهُ إجَابَتُهُمَا، بَلْ يُمْضِي حُكْمَ ذَلِكَ الْقَاضِي حَيْثُ كَانَ مِمَّا لَا يُنْقَضُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ نَقْضُهُ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ فَانْظُرْ إيجَابَهُمْ عَلَيْهِ أَنْ يُمْضِيَ حُكْمَ غَيْرِهِ الْمُخَالِفَ لِمَذْهَبِهِ وَأَنْ يُلْزِمَ بِهِ يَظْهَرْ لَك رَدُّ مَا قَالَهُ ابْنُ الْعِمَادِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمُخْتَلَفِ فِيهِ يُصَيِّرُهُ كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَحْكُومَ بِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ يَصِيرُ كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فَحُكْمُ الْمَالِكِيِّ بِثُبُوتِ حُكْمِ الْحَنَفِيِّ أَوْ الشَّافِعِيِّ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ يُصَيِّرُ الْخَطَّ حِينَئِذٍ كَبَيِّنَةٍ شَهِدَتْ بِذَلِكَ الْحُكْمِ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ، لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْحُكْمَ بِالشَّيْءِ يُصَيِّرُهُ كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فَلَا نَظَرَ حِينَئِذٍ إلَى كَوْنِ الْمَالِكِيِّ يَقُولُ بِالْحُكْمِ الَّذِي أَثْبَتَهُ، وَلَا إلَى أَنَّ الْمُخَالِفَ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمٌ لَا يَقُولُ بِهِ، كَيْفَ يُنَفِّذُهُ وَيَحْكُمُ بِهِ بِمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ؟ وَلَا تَلْفِيقَ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَرِّعْ حُكْمَهُ عَلَى حُكْمٍ مُخَالِفٍ بَلْ عَلَى حُكْمٍ أُعْطِيَ حُكْمَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ. وَبِهَذَا الَّذِي قَرَّرْتُهُ انْدَفَعَ قِيَاسُ ابْنِ الْعِمَادِ لِمَا نَحْنُ فِيهِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَسْأَلَةَ مَسْحِ الرَّأْسِ الَّتِي ذَكَرَهَا لَيْسَ فِيهَا حُكْمٌ بِأَحَدِ الْحُكْمَيْنِ يُصَيِّرُهُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ فَفِيهَا التَّلْفِيقُ الْمُجْمَعُ عَلَى بُطْلَانِهِ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَالْحُكْمُ الْأَوَّلُ صَارَ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ بِهِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ، وَالْحُكْمُ الثَّانِي صَارَ كَذَلِكَ فَانْتَفَى التَّلْفِيقُ فَإِنْ قُلْت: مَا ذَلِكَ الَّذِي أَشَرْتَ إلَيْهِ أَوَّلًا أَنَّهُ يُعَكِّرُ عَلَى ابْنِ الْعِمَادِ وَيُصَرِّحُ بِأَنَّ عُلَمَاءَ مِصْرَ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَهُ قُلْت: قَوْلُهُ أَعْنِي السَّيِّدَ مَسْأَلَةٌ وَقَعَتْ بِمِصْرَ فِيمَنْ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى نَفْسِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَشَرَطَ فِيهِ أَنَّ لَهُ إدْخَالَ مَنْ شَاءَ وَإِخْرَاجَ مَنْ شَاءَ مَثَلًا وَحَكَمَ بِهِ حَنَفِيٌّ ثُمَّ أَدْخَلَ الْوَاقِفُ زَوْجَتَهُ ثُمَّ تُوُفِّيَ فَاسْتَحْكَمَتْ بِنْتُهُ مَالِكِيًّا مَثَلًا فَحَكَمَ بِانْحِصَارِ الْوَقْفِ فِيهَا وَمَنَعَ مَنْ يُعَارِضُهَا مَثَلًا فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ عُلَمَاءُ مِصْرَ فَأَفْتَى غَالِبُهُمْ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ: بِصِحَّةِ إدْخَالِ الزَّوْجَةِ نَظَرًا لِسَبْقِ حُكْمِ الْحَنَفِيِّ، وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ لَمْ يَتَنَاوَلْ إدْخَالَ الزَّوْجَةِ لِتَجَدُّدِهِ بَعْدَهُ، بَلْ هُوَ مُفْتَقِرٌ إلَى حُكْمٍ، فَمَا الْمُعْتَمَدُ مِنْ هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ؟ الْجَوَابُ: أَنَّ الْجَوَابَ الْأَوَّلَ هُوَ الْمُتَبَادَرُ إلَى الذِّهْنِ لِتَضَمُّنِ حُكْمِ الْحَنَفِيِّ صِحَّةَ اشْتِرَاطِ مَا ذُكِرَ وَإِذْنَهُ لِلْوَاقِفِ فِيمَا صَدَرَ عَنْهُ مِنْ الْإِدْخَالِ، لَكِنَّ التَّحْقِيقَ هُوَ الْجَوَابُ الثَّانِي، وَاسْتُدِلَّ لَهُ بِمَا قَالَهُ أَبُو زُرْعَةَ إنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ لَا يَتَنَاوَلُ مِنْ الْآثَارِ إلَّا مَا دَخَلَ وَقْتُهُ، وَإِدْخَالُ الزَّوْجَةِ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهُ عِنْدَ الْحُكْمِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ تَجَدَّدَ بَعْدَ حُكْمِ الْحَنَفِيِّ. وَنُقِلَ كَلَامُ أَبِي زُرْعَةَ فِي ذَلِكَ بِرُمَّتِهِ وَمَتْنِهِ، وَلْنَذْكُرْ مِثَالًا فِيهِ، وَهُوَ أَنَّ وَاقِفًا جَعَلَ لِنَفْسِهِ التَّغْيِيرَ وَالزِّيَادَةَ وَالنَّقْصَ وَحَكَمَ حَنَفِيٌّ بِمُوجَبِهِ، ثُمَّ وَقَعَ مِنْ الْوَاقِفِ التَّغْيِيرُ، هَلْ لِلشَّافِعِيِّ الْمُبَادَرَةُ بَعْدَ التَّغْيِيرِ إلَى الْحُكْمِ بِإِبْطَالِهِ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَالْمِثَالِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مَا دَخَلَ وَقْتُهُ فَيَمْتَنِعُ عَلَى الشَّافِعِيِّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ بِالْمُوجَبِ يَتَضَمَّنُ الْإِذْنَ لِلْوَاقِفِ فِي التَّغْيِيرِ فَقَدْ فَعَلَ مَا هُوَ مَأْذُونٌ لَهُ فِيهِ مِنْ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ، فَلَيْسَ لِحَاكِمٍ آخَرَ مَنْعُهُ وَلَا الْحُكْمُ بِإِبْطَالِهِ لَوْ وَقَعَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَالْمِثَالِ الثَّانِي، وَهُوَ مَا لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهُ؛ لِأَنَّ التَّغْيِيرَ إلَى الْآنَ لَمْ يَقَعْ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إذْنِ الْحَنَفِيِّ لَهُ فِي التَّغْيِيرِ وُقُوعُهُ فَقَدْ يُغَيِّرُ وَقَدْ لَا، فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ. اهـ قَالَ السَّيِّدُ: فَجَعَلَ أَيْ أَبُو زُرْعَةَ تَخْرِيجَ ذَلِكَ عَلَى الْمِثَالِ الثَّانِي مُجَرَّدَ احْتِمَالٍ، وَكَذَا عَلَى الْأَوَّلِ وَالْأَرْجَحُ عِنْدِي التَّخْرِيجُ عَلَى الثَّانِي اهـ. كَلَامُ السَّمْهُودِيِّ. وَوَجْهُ رَدِّ مَا حَكَاهُ لِمَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الْعِمَادِ: أَنَّ الْحَنَفِيَّ حَكَمَ بِمُوجَبِ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ وَشَرْطِ التَّغْيِيرِ، وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ لَا يَقُولُ بِهِ الْمَالِكِيُّ وَلَا الشَّافِعِيُّ وَمَعَ ذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الْمَالِكِيِّ

هَلْ صَادَفَ مَحَلًّا أَوْ لَا؟ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِمَذْهَبِ الْحَاكِمِ الْحَنَفِيِّ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ صَارَ كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْحُكْمِ الَّذِي بَعْدَهُ هَلْ يَسُوغُ وَإِنْ خَالَفَ مَذْهَبَ الْحَنَفِيِّ؟ فَقَالَ الَّذِينَ يَرَوْنَ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ يَعُمُّ الْآثَارَ الَّتِي دَخَلَ وَقْتُهَا وَاَلَّتِي لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا: هُوَ سَائِغٌ، وَقَالَ الَّذِينَ يَرَوْنَ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ مُخْتَصٌّ بِمَا دَخَلَ وَقْتُهُ: لَا يَسُوغُ، فَإِعْرَاضُهُمْ عَنْ كَوْنِ حُكْمِهِ لَا يَرَى بِهِ الْمَالِكِيُّ، وَاخْتِلَافُهُمْ فِي أَنَّ الْحُكْمَ الثَّانِيَ يُعَارِضُ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ لِكَوْنِ الْأَوَّلِ شَمِلَ مَا حَكَمَ بِهِ أَوْ لَا يُعَارِضُهُ لِكَوْنِهِ لَمْ يَشْمَلْهُ صَرِيحٌ أَيْ: صَرِيحٌ فِي رَدِّ كَلَامِ ابْنِ الْعِمَادِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَالِاحْتِيَاجُ إلَيْهِ عَامٌّ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ وَإِطْبَاقِ قُضَاةِ هَذَا الْعَصْرِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ عَلَيْهِ، وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا قَرَّرْتُهُ أَنَّهُ لَا تَلْفِيقَ هُنَا وَأَنَّ ابْنَ الْعِمَادِ اسْتَرْوَحَ فِي قِيَاسِ هَذَا عَلَى مَسْأَلَةِ مَسْحِ الرَّأْسِ. وَسَيَأْتِي عَنْ السُّبْكِيّ آخِرَ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ تَنْفِيذَ الْحَاكِمِ لِحُكْمِ حَاكِمٍ آخَرَ تَصْحِيحٌ لَهُ وَقَطْعٌ لِلنِّزَاعِ فِيهِ وَقَالَ فِي فَتَاوِيهِ: التَّنْفِيذُ لَيْسَ حُكْمًا مُبْتَدَأً وَإِنَّمَا هُوَ بِنَاءٌ عَلَى الْحُكْمِ الْأَوَّلِ، فَحُكْمُهُ حُكْمُهُ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُخَالِفَ إذَا نَفَّذَ حُكْمَ مُخَالِفِهِ صَارَ صَحِيحًا عِنْدَهُ مَقْطُوعَ النِّزَاعِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يَلْزَمُ بِالْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ فِيهِ، فَلَمْ يَنْظُرْ السُّبْكِيّ هُنَا لِتَلْفِيقٍ لِمَا قَرَّرْتُهُ أَنَّهُ لَا تَلْفِيقَ مَعَ النَّظَرِ لِلْحُكْمِ الْمُصَيَّرِ لِلْمَحْكُومِ بِهِ، كَأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمِمَّا يُرَدُّ أَيْضًا عَلَى ابْنِ الْعِمَادِ قَوْلُ أَبِي زُرْعَةَ فِي فَتَاوِيهِ: سُئِلْت عَنْ قَاضٍ مَالِكِيٍّ عَمِيَ، وَمَذْهَبُهُ بَقَاءُ وِلَايَةِ الْأَعْمَى، فَهَلْ تَنْفُذُ أَحْكَامُهُ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِأَحَدٍ نَقْضُهَا، بَلْ يَجِبُ تَنْفِيذُهَا، كَمَا لَوْ قَضَى الْبَصِيرُ بِقَضَاءٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَضَى عَلَى وَفْقِ مَذْهَبِهِ فَأَجَبْتُ: بِأَنَّهُ إذَا كَانَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَنْعَزِلُ بِالْعَمَى، فَعَرَضَ لِبَعْضِ قُضَاتِهِمْ عَمًى فَإِنْ عَزَلَهُ السُّلْطَانُ انْعَزَلَ وَإِلَّا فَهُوَ بَاقٍ عَلَى وِلَايَتِهِ عَلَى مُقْتَضَى عَقِيدَتِهِ، فَإِنْ كَانَ السُّلْطَانُ أَيْضًا عَقِيدَتُهُ ذَلِكَ فَلَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْأَحْكَامِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ نَقْضُهَا وَلَا الِامْتِنَاعُ مِنْ تَنْفِيذِهَا كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا الَّتِي لَا تُخَالِفُ نَصًّا وَلَا إجْمَاعًا وَلَا قِيَاسًا جَلِيًّا، وَهَذِهِ كَذَلِكَ فَلَا يَسُوغ لِمَنْ يَرَى انْعِزَالَ الْقَاضِي بِالْعَمَى الِامْتِنَاعُ مِنْ تَنْفِيذِهَا وَلَا نَقْضُهَا وَلَا يُقَالُ: هَذَا غَيْرُ قَاضٍ عَلَى عَقِيدَةِ مَنْ رَفَعَ إلَيْهِ حُكْمَهُ فَكَيْفَ يُنَفِّذُهُ؟ وَإِنَّمَا يُنَفِّذُ أَحْكَامَ الْقُضَاةِ لِأَنَّا نَقُولُ: وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ الْمُخَالِفُ فِي وَضْعِ الْخِلَافِ، لَيْسَ حُكْمَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عِنْدَ مَنْ رُفِعَ إلَيْهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَنْقُضُهُ إذْ لَا قَاطِعَ عَلَى إبْطَالِهِ، وَكَذَلِكَ هَذَا لَا قَاطِعَ عَلَى انْعِزَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ السُّلْطَانُ عَلَى عَقِيدَةِ ذَلِكَ الْقَاضِي فَإِنْ عَلِمَ بِعَمَاهُ وَلَمْ يَعْزِلْهُ نَفَذَ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ فَالظَّاهِرُ اسْتِمْرَارُ وِلَايَتِهِ أَيْضًا إلَى أَنْ يَعْزِلَهُ. اهـ. وَفِيهِ فَوَائِدُ وَأَبْلَغُ رَدٍّ لِكَلَامِ ابْنِ الْعِمَادِ فَإِنْ قُلْتَ فِي فَتَاوَى السُّبْكِيّ: نَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ حُكْمٌ لَا يَرَاهُ أَنَّهُ يُعْرِضُ عَنْهُ وَلَا يُنَفِّذُهُ، وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ يُنَفِّذُهُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ، فَمَا مَحْمَلُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ؟ قُلْت: يُحْمَلُ عَلَى حُكْمٍ يَنْتَقِضُ فَهَذَا إذَا رُفِعَ لِحَاكِمٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ نَقْضُهُ، وَإِلَّا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ إبْطَالُهُ وَنَقْضُهُ، وَاخْتَارَ السُّبْكِيّ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلًا، حَاصِلُ الْمَقْصُودِ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ إنْ كَانَ مِمَّا اسْتَقَرَّ فِي مَذْهَبٍ مُعْتَبَرٍ وَلَمْ يَكُنْ مِمَّا يُنْقَضُ نَفَّذَهُ لِضَرُورَةِ الْمَحْكُومِ لَهُ لِئَلَّا يَبْطُلَ حَقُّهُ، وَإِنْ اعْتَقَدَ خَطَأَهُ لِاجْتِهَادٍ أَوْ لِشَيْءٍ فِي خُصُوصِ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ اطَّلَعَ عَلَيْهِ أَعْرَضَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ تَنْفِيذَهُ لَهُ حِينَئِذٍ حُكْمٌ بِمَا لَا يَعْتَقِدُهُ وَهُوَ لَا يَجُوزُ. قَالَ: وَقَوْلِي أَوَّلًا نَفَّذَهُ أَيْ جَوَازًا لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ، فَأَقَلُّ دَرَجَاتِهِ الْجَوَازُ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُهُ وَإِنَّمَا جَوَّزْنَاهُ لِتَقَارُبِ الْمَأْخَذِ عِنْدَهُ وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ بَعْدَ الْحُكْمِ صَارَ كَالْمُجْمَعِ عَلَيْهِ مَعْنَاهُ عَدَمُ نَقْضِهِ لَا اعْتِقَادِهِ اهـ. وَتَفْصِيلُهُ مُتَّجِهٌ إلَى قَوْلِهِ بِجَوَازِهِ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى، فَإِنَّهُ بَعِيدٌ لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ نَفْسِهِ إنَّ تَنْفِيذَهُ لِلضَّرُورَةِ لِئَلَّا يَضِيعَ حَقُّ الْمَحْكُومِ لَهُ فَإِنَّ هَذَا صَرِيحٌ فِي وُجُوبِهِ. وَمَا عَلَّلَ بِهِ الْجَوَازَ لَا يُفِيدُهُ، أَمَّا النَّصُّ فَلِمَا عَلِمْتَ مِنْ مَحْمَلِهِ الَّذِي قَدَّمْتُهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُهُ إلَخْ فَيُرَدُّ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمَ مِنْ وُجُوبِ تَنْفِيذِهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ حَقِيقَتَهُ، بَلْ أَنَّهُ لَا يَعْتَقِدُ بُطْلَانَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّا لَا نَعْتَقِدُ بُطْلَانَ أَحْكَامِ

الْمُخَالِفِينَ وَإِنَّمَا نَقُولُ: بُطْلَانُهَا عِنْدَ مُقَلِّدِنَا أَرْجَحُ مِنْ صِحَّتِهَا، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ لِضَرُورَةِ بَقَاءِ حَقِّ الْمَحْكُومِ لَهُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مُهِمٌّ، ثَالِثُهَا: تَحْرِيرُ الْمُعْتَمَدِ فِيمَا قَالَهُ الْوَلِيُّ أَبُو زُرْعَةَ مِمَّا مَرَّ، نَقْلُهُ عَنْهُ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ لَا يَتَنَاوَلُ مِنْ الْآثَارِ إلَّا مَا دَخَلَ وَقْتُهُ، اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ هَذَا قَضِيَّةُ كَلَامِ السُّبْكِيّ وَصَرِيحُ كَلَامِ شَيْخِهِ الْبُلْقِينِيُّ خِلَافُهُ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ السُّبْكِيّ قَالَ: وَإِذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِمُوجَبِ الْقَرْضِ وَعَقِيدَتُهُ أَنَّ الْمُقْتَرِضَ يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ مِلْكًا تَامًّا يَمْنَعُ رُجُوعَ الْمُقْتَرِضِ فِي عَيْنِهِ، امْتَنَعَ عَلَى الشَّافِعِيِّ الْحُكْمُ بِالرُّجُوعِ فِي عَيْنِهِ بَعْدَ قَبْضِهَا، وَإِنْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَى الشَّافِعِيِّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهُ لَا تُنَافِي الرُّجُوعَ فِيهِ، وَإِنْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِمُوجَبِ الرَّهْنِ أَوْ الْإِلْزَامِ بِمُقْتَضَاهُ امْتَنَعَ عَلَى الْمُخَالِفِ الْحُكْمُ بِشَيْءٍ مِنْ الْآثَارِ الَّتِي لَا يَقُولُ بِهَا ذَلِكَ الْحَاكِمُ، أَوْ بِصِحَّتِهِ لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَى الْمُخَالِفِ ذَلِكَ. اهـ. فَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ الْآثَارَ فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا دَخَلَ وَقْتُهُ وَمَا لَمْ يَدْخُلْ، وَأَنَّ الْبُلْقِينِيُّ قَالَ: لَوْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ بِمُوجَبِ تَدْبِيرٍ امْتَنَعَ عَلَى الشَّافِعِيِّ الْحُكْمُ بِالْبَيْعِ، أَوْ حَكَمَ شَافِعِيٌّ بِمُوجَبِ شِرَاءِ دَارٍ لَهَا جَارٌ امْتَنَعَ عَلَى الْحَنَفِيِّ الْحُكْمُ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ مَثَلًا أَوْ بِمُوجَبِ إجَارَةٍ امْتَنَعَ عَلَى الْحَنَفِيِّ الْحُكْمُ بِإِبْطَالِهَا بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ؛ لِأَنَّ مِنْ مُوجَبِهَا الدَّوَامَ وَالِاسْتِمْرَارَ لِلْوَرَثَةِ. اهـ. وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ آخِرًا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا حَضَرَ وَقْتُهُ وَبَيْنَ مَا لَمْ يَحْضُرْ، لَكِنْ اعْتَرَضَهُ تِلْمِيذُهُ الْوَلِيُّ أَبُو زُرْعَةَ فَقَالَ: مَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ مَمْنُوعٌ وَفَارَقَتْ الصُّورَتَيْنِ قَبْلَهَا بِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهِمَا بِالْمُوجَبِ وَقَعَ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْبِيَعِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَنَفَذَ؛ لِأَنَّهُ مَنَعَ مِنْ الْبِيَعِ وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، فَامْتَنَعَ الْحُكْمُ بِخِلَافِهِمَا كَمَا لَوْ وَجَّهَ حُكْمَهُ إلَيْهِمَا صَرِيحًا، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ، وَأَمَّا الْحُكْمُ بِمُوجَبِ الْإِجَارَةِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُسْتَأْجِرِ فَلَا يُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ إلَى عَدَمِ الِانْفِسَاخِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِئْ وَقْتُهُ وَلَمْ يُوجَدْ سَبَبُهُ وَلَوْ وَجَّهَ حُكْمَهُ إلَيْهِ فَقَالَ: حَكَمْتُ بِعَدَمِ انْفِسَاخِهَا إذَا مَاتَ الْمُسْتَأْجِرُ كَانَ لَغْوًا نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي الْحُكْمِ بِتَعْلِيقِ طَلَاقِ أَجْنَبِيَّةٍ إذْ هُمَا مِنْ وَادٍ وَاحِد اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ الصُّورَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا السُّبْكِيّ كَمَا ذَكَرَهُمَا الْبُلْقِينِيُّ، وَالثَّالِثَةُ الَّتِي زَادَهَا الْبُلْقِينِيُّ هِيَ الَّتِي تَوَجَّهَ عَلَيْهَا اعْتِرَاضُ تِلْمِيذِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُوَجَّهَ مَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ فِيهَا: بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا تَوَجَّهَ إلَى عَدَمِ الِانْفِسَاخِ بِالذَّاتِ، وَإِنَّمَا الَّذِي تَوَجَّهَ إلَيْهِ بِالذَّاتِ هُوَ بَقَاءُ الْعَقْدِ وَاسْتِمْرَارُهُ إلَى مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، وُجِدَ مَوْتٌ أَمْ لَا، وَهَذَا قَدْ دَخَلَ وَقْتُهُ فَتَنَاوَلَهُ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ، وَبِهِ فَارَقَتْ مَسْأَلَةَ تَعْلِيقِ طَلَاقِ أَجْنَبِيَّةٍ، فَإِنَّهُ حَالَ حُكْمِهِ ثَمَّ بِالْمُوجَبِ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَيْءٌ حَتَّى يَنْصَبَّ الْحُكْمُ عَلَيْهِ، فَيَسْتَتْبِعَ مَنْعَ التَّزْوِيجِ، وَهُنَا الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ تَوَجَّهَ إلَى مَوْجُودٍ حَالَ الْحُكْمِ، وَهُوَ الْبَقَاءُ وَالِاسْتِمْرَارُ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، فَصَحَّ الْحُكْمُ فِيهِ وَمَنْ لَازَمَهُ امْتِنَاعُ الْحَنَفِيِّ مِنْ الْحُكْمِ بِالْفَسْخِ بِالْمَوْتِ لِأَنَّهُ يُنَافِي حُكْمَ الشَّافِعِيِّ بِالْبَقَاءِ وَالِاسْتِمْرَارِ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ، وَبِهَذَا يَزُولُ مَا اعْتَرَضَ بِهِ الْوَلِيُّ عَلَى شَيْخِهِ. وَمِمَّا يُقَوِّي مَا قَالَهُ شَيْخُهُ وَيَدْفَعُ مَا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَيْهِ أَنَّ الْقُضَاةَ مِنْ بَعْدِ الْوَلِيِّ، وَإِلَى الْآنَ كَادُوا يُجْمِعُونَ عَلَى مَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الْحُكْمِ بِمُوجَبِ الْإِجَارَةِ تَارَةً وَبِصِحَّتِهَا أُخْرَى، وَمِنْهُ عَدَمُ انْفِسَاخِهَا بِالْمَوْتِ فَإِنَّك لَا تَرَى مُسْتَنَدَ إجَارَةٍ عَنْ شَافِعِيٍّ قَدِيمٍ أَوْ جَدِيدٍ إلَّا وَفِيهِ التَّعَرُّضُ لِلْحُكْمِ بِأَحَدِ الْكَيْفِيَّاتِ الثَّلَاثَةِ، وَلَمْ نَعْرِفْ عَنْ مُخَالِفٍ قَطُّ أَنَّهُ أَبْطَلَ هَذَا الْحُكْمَ، وَإِنَّمَا هُوَ حُكْمٌ مُحْتَرَمٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ يَعْمَلُونَ بِهِ وَيُعَوِّلُونَ عَلَيْهِ عِنْدَ مَوْتِ الْمُتَآجِرَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقُضَاةَ وَالْعُلَمَاءَ مُعْتَمِدُونَ لِكَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ غَيْرُ نَاظِرِينَ لِاعْتِرَاضِ تِلْمِيذِهِ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَمِمَّا يَدُلُّ أَيْضًا لِذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ السَّيِّدِ السَّمْهُودِيِّ أَنَّ غَالِبَ عُلَمَاءِ مِصْرَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى أَنَّ الْحَنَفِيَّ إذَا حَكَمَ بِمُوجَبِ وَقْفٍ عَلَى النَّفْسِ شَرَطَ فِيهِ الْإِدْخَالَ وَالْإِخْرَاجَ، فَأَدْخَلَ الْوَاقِفُ زَوْجَتَهُ تَنَاوَلَ هَذَا الْإِدْخَالَ حُكْمُ الْحَنَفِيِّ وَلَمْ يَكُنْ لِمُخَالِفٍ إبْطَالُهُ، فَتَأَمَّلْ جَعْلَهُمْ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ شَامِلًا لِلْإِدْخَالِ مَعَ كَوْنِهِ حَادِثًا مُتَجَدِّدًا بَعْدَ الْحُكْمِ تَجِدْ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي أَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِتَنَاوُلِ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ لِلْآثَارِ الَّتِي دَخَلَ وَقْتُهَا حَالَ الْحُكْمِ، وَاَلَّتِي لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا حِينَئِذٍ. وَتَأَمَّلْ

أَيْضًا أَنَّ السَّيِّدَ السَّمْهُودِيَّ لَمَّا كَانَ يَعْتَمِدُ تَفْصِيلَ أَبِي زُرْعَةَ خَالَفَ عُلَمَاءَ مِصْرَ، وَرَجَّحَ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ: إنَّ لِلْمُخَالِفِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِذَلِكَ الْإِدْخَالِ وَيُبْطِلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهُ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ حُكْمُ الْحَنَفِيِّ فَنَتَجَ أَنَّ غَالِبَ عُلَمَاءِ مِصْرَ الَّذِينَ فِي زَمَنِ السَّيِّدِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ تَلَامِذَةُ أَبِي زُرْعَةَ أَوْ تَلَامِذَةُ تَلَامِذَتِهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَقُولُوا بِمَا قَالَهُ مِنْ التَّفْصِيلِ، وَإِنَّمَا قَالُوا: بِأَنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ يَتَنَاوَلُ ذَلِكَ الْأَمْرَ الْحَادِثَ الْمُتَجَدِّدَ وَحَتَّى لَا يَتَعَرَّضَ لَهُ مُخَالِفٌ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي يُتَّجَهُ اعْتِمَادُهُ وَبِهِ يَلْتَئِمُ أَطْرَافُ مَا حَكَيْنَاهُ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرِهِ: أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ يَتَنَاوَلُ مَا دَخَلَ وَقْتُهُ وَمَا لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهُ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ سَبَبِهِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْإِدْخَالِ، فَإِنَّ الْحَنَفِيَّ الْحَاكِمَ بِالْمُوجَبِ تَضَمَّنَ حُكْمُهُ الْإِذْنَ لِلْوَاقِفِ فِي الْإِدْخَالِ، فَكَانَ ذَلِكَ الْإِدْخَالُ كَأَنَّهُ وُجِدَ لِوُجُودِ سَبَبِهِ مِنْ إذْنِ الْحَاكِمِ لَهُ فِيهِ أَوْ وَقْتِ مَا يَشْمَلُهُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ فِيهَا تَوَجَّهَ إلَى الدَّوَامِ الشَّامِلِ لِمَنْعِ الِانْفِسَاخِ بِالْمَوْتِ، فَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا يَتَنَاوَلُهَا الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ كَمَا يَتَنَاوَلُ مَا دَخَلَ وَقْتُهُ، بَلْ بَالَغَ بَعْضُ مُحَقِّقِي مَشَايِخِنَا وَقَالَ: الْمُوجَبُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ وَهُوَ لِلْعُمُومِ فَيَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْآثَارِ الَّتِي دَخَلَ وَقْتُهَا وَاَلَّتِي لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا. وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ السُّبْكِيّ التَّصْرِيحُ بِهِ وَمَعَ ذَلِكَ فِي هَذَا الْعُمُومِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ أَبُو زُرْعَةَ فِي مَسْأَلَةِ تَعْلِيقِ طَلَاقِ الْأَجْنَبِيَّةِ لَهُ وَجْهٌ وَحَاصِلُ كَلَامِهِ فِيهَا: أَنَّ مَنْ عَلَّقَ طَلَاقَ أَجْنَبِيَّةٍ عَلَى تَزْوِيجِهِ بِهَا فَحَكَمَ مَالِكِيٌّ أَوْ حَنَفِيٌّ بِمُوجَبِ ذَلِكَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، فَبَادَرَ شَافِعِيٌّ وَحَكَمَ بِاسْتِمْرَارِ الْعِصْمَةِ وَعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، نَفَذَ حُكْمُهُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَقْضًا لِلْحُكْمِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْ وُقُوعَ الطَّلَاقِ لَوْ تَزَوَّجَهَا فَإِنَّهُ أَمْرٌ لَمْ يَقَعْ إلَى الْآنَ، فَكَيْفَ يُحْكَمُ عَلَى مَا لَمْ يَقَعْ؟ وَالْحُكْمُ إنَّمَا يَكُونُ فِي مُتَحَقِّقٍ فَمَا هَذَا مِنْهُ إلَّا فَتْوَى، وَتَسْمِيَتُهُ حُكْمًا جَهْلٌ أَوْ تَجَوُّزٌ يَعْنِي بِهِ أَنَّ هَذَا حُكْمُ الشَّرْعِ عِنْدَهُ لَا أَنَّهُ بَتَّهُ وَأَلْزَمَ بِهِ، وَكَيْفَ يُلْزِمُ بِمَا لَمْ يَقَعْ؟ وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْتِ بِصِيغَةِ عُمُومٍ وَهُوَ الْمُوجَبُ بَلْ حَكَمَ بِهَذِهِ الْجُزْئِيَّةِ الْخَاصَّةِ فَقَالَ: حَكَمْتُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ إنْ تَزَوَّجَهَا لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا وَعُدَّ سَفَهًا وَجَهْلًا، وَكَيْفَ يَحْكُمُ الْإِنْسَانُ بِالشَّيْءِ قَبْلَ وُقُوعِهِ؟ فَيَقُولُ: حَكَمْتُ بِصِحَّةِ بَيْعِ هَذَا الْعَبْدِ لَوْ وَقَعَ بِشُرُوطِهِ وَبِصِحَّةِ نِكَاحِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ لَوْ وَقَعَ بِشُرُوطِهِ، بِخِلَافِ قَوْلِ الْحَنَفِيِّ فِي الْمُدَبَّرِ بَعْدَ تَدْبِيرِهِ: حَكَمْتُ بِمَنْعِ بَيْعِهِ، فَإِنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى مَذْهَبِهِ وَقَعَ فِي مَحَلِّهِ وَوَقْتِهِ فَنَفَذَ فَافْهَمْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مُهِمٌّ حَسَنٌ وَوَقَعَ بِسَبَبِ عَدَمِ تَدَبُّرِهِ خَبْطٌ فِي الْأَحْكَامِ. وَتَوْجِيهُ الْحَنَفِيِّ أَوْ الْمَالِكِيِّ حُكْمَهُ إلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَى الَّتِي يَتَزَوَّجُ بِهَا، وَحُكْمُهُ بِمَنْعِ التَّزْوِيجِ بِهَا أَفْسَدُ مِنْهُ، فَإِنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ بِلَا تَوَقُّفٍ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ بَعْدَ صُدُورِ النِّكَاحِ، وَلَا يَدْرِي، هَلْ يَقَعُ بَيْنَهُمَا نِكَاحٌ أَمْ لَا؟ فَلَا يُمْكِنُ تَوْجِيهُ الْحُكْمِ إلَى مَنْعِ النِّكَاحِ كَمَا وَجَّهَ الْحَنَفِيُّ حُكْمَهُ إلَى مَنْعِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ، وَلَا إلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي عِصْمَةٍ لَا يَدْرِي، هَلْ تَقَعُ فِي نَفْسِ الْوُجُودِ أَمْ لَا؟ فَإِنَّ نَفْسَ الطَّلَاقِ لَمْ يَقَعْ قَبْلَ النِّكَاحِ وَإِنَّمَا وَقَعَ تَعْلِيقُهُ، وَالتَّعْلِيقُ غَيْرُ مُوقِعٍ فِي الْحَالِ، فَكَيْفَ يُحْكَمُ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يُوجَدْ بِشَيْءٍ لَمْ يَقَعْ، هَذَا وَاضِحٌ لِصَاحِبِ الْأَلْمَعِيَّةِ الْخَالِي عَنْ الْعَصَبِيَّةِ اهـ. وَلِمَا ذَكَرَهُ فِي خُصُوصِ هَذَا الْمِثَالِ وَجْهٌ كَمَا مَرَّ وَمَعَ ذَلِكَ فَإِطْلَاقُهُ إلْغَاءَ هَذَا الْحُكْمِ غَيْرُ صَحِيحٍ، بَلْ يَتَعَيَّنُ فِي هَذَا الْمِثَالِ وَأَشْبَاهِهِ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَعْنَى الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِهِ، فَإِنْ كَانَ يَقُولُ فِي الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ: لَا بُدَّ مِنْ دُخُولِ وَقْتِ الْمَحْكُومِ بِهِ فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ الْوَلِيُّ، وَإِنْ كَانَ مَذْهَبُهُ فِي الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ مَا قَالَهُ الْوَلِيُّ مِنْ بُطْلَانِ حُكْمِ الْمُخَالِفِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَالْحَقُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَأَشْبَاهِهَا إنَاطَةُ الْحُكْمِ فِيهَا بِمَذْهَبِ الْحَاكِمِ فَحَيْثُ كَانَ الْحُكْمُ بِمُوجَبِ التَّعْلِيقِ قَبْلَ الْمِلْكِ صَحِيحًا فِي مَذْهَبِهِ، لَزِمَ كُلَّ أَحَدٍ تَنْفِيذُ حُكْمِهِ، وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْ مُخَالِفٍ أَنْ يَقُولَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ رَأْيِهِ، بَلْ وَلَا مِنْ قِبَلِ رَأْيِ مُقَلَّدِهِ بِأَنَّهُ فَاسِدٌ وَلَا أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْإِفْتَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ اجْتِهَادِهِ أَوْ اجْتِهَادِ مُقَلَّدِهِ، وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الْمُخَالِفِ. وَقَدْ صَرَّحَ الْأَئِمَّةُ مِنْ سَائِرِ الْمَذَاهِبِ بِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ حَيْثُ وَقَعَ صَحِيحًا عَلَى مَذْهَبِهِ وَلَمْ يُخَالِفْ نَصًّا صَرِيحًا وَلَا إجْمَاعًا وَلَا قِيَاسًا

جَلِيًّا وَلَا الْقَوَاعِدَ الْكُلِّيَّةَ وَلَا مُعْتَمَدَ مَذْهَبِهِ، حَيْثُ كَانَ مُقَلِّدًا اُعْتُدَّ بِذَلِكَ الْحُكْمِ، وَلَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ وَلَا الطَّعْنُ فِيهِ، وَبِهَذَا يَزْدَادُ تَعَجُّبُكَ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ الْوَلِيُّ إنْ كَانَ الْحَاكِمُ يَعْتَقِدُ صِحَّةَ ذَلِكَ الْحُكْمِ وَأَنَّهُ حُكْمٌ حَقِيقَةً لَا إفْتَاءٌ، وَكَانَ أَقَلُّ مَا عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَبْحَثَ عَنْ هَذَا الْحُكْمِ مِنْ أَهْلِ مَذْهَبِ الْحَاكِمِ بِهِ، فَإِنْ قَالُوا: إنَّهُ حُكْمٌ صَحِيحٌ حَقِيقِيٌّ أَرَاحَ نَفْسَهُ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ، وَإِنْ قَالُوا: إنَّهُ مُجَرَّدُ إفْتَاءٍ نَقَلَ عَنْهُمْ ذَلِكَ وَلَمْ يُشَنِّعْ بِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي كَانَ مِنْ حَقِّهَا أَنْ لَا تُذْكَرَ، وَإِذَا اقْتَضَى اجْتِهَادُ مُقَلَّدِهِمْ صِحَّةَ ذَلِكَ التَّعْلِيقِ وَأَنَّهُ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ بَعْدَ التَّزَوُّجِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَلَا طَلَاقَ إلَّا فِيمَا تَمْلِكُ، فَكَيْفَ يَسْلَمُ لَهُمْ هَذَا وَيُعْتَرَضُ حُكْمَهُمْ بِهِ، بَلْ كَمَا يَسْلَمُ لَهُمْ الْأَصْلُ يَسْلَمُ لَهُمْ الْحُكْمُ بِهِ، وَمِنْ الْوَاضِحِ الْمَعْلُومِ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ مَحْمُولٌ عَلَى قَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ دُونَ مَذْهَبِ غَيْرِهِ، وَإِنْ ظَهَرَ دَلِيلُهُ، وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَقَعَتْ بِمِصْرَ مِنْ قَرِيبٍ وَأَنَّ الْمَالِكِيَّةَ احْتَجُّوا بِمَا ذَكَرْتُهُ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ صَحِيحٌ عَلَى قَوَاعِدِنَا، فَكَيْفَ يَسُوغُ أَنْ تَطْعَنُوا فِيهِ؟ وَأَنَّ مُحَقِّقِي الشَّافِعِيَّةِ وَافَقُوهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ التَّعَرُّضُ لِحُكْمِ الْمَالِكِيِّ الْمُوَافِقِ لِقَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَغَيْرِهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ حُكْمَ الْمُخَالِفِ حَيْثُ وَقَعَ عِنْدَهُ صَحِيحًا شَامِلًا لِمَا دَخَلَ وَقْتُهُ وَمَا لَمْ يَدْخُلْ مِنْ الْآثَارِ لَمْ يَجُزْ لِمُخَالِفٍ التَّعَرُّضُ لِشَيْءِ مِنْ آثَارِهِ مُطْلَقًا بِنَقْضِهِ وَلَا بِالْحُكْمِ بِخِلَافِهِ، هَذَا إنْ عُلِمَ مَذْهَبُ الْحَاكِمِ فِي ذَلِكَ وَإِلَّا فَمَا دَخَلَ وَقْتُهُ أَوْ سَبَبُهُ أَوْ مَا يَشْمَلُهُ كَانَ حُكْمُهُ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ فِي أَنَّهُ لَا يُتَعَرَّضُ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ جَازَ التَّعَرُّضُ لَهُ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فَتَأَمَّلْ هَذَا التَّفْصِيلَ وَاحْفَظْهُ، فَإِنَّهُ الْمُتَعَيِّنُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الشَّاهِدَةُ بِهِ الْمَدَارِكُ وَالدَّلَائِلُ، وَلَا تَرْكَنْ إلَى مَا يُخَالِفُهُ مِمَّا مَرَّ إذْ كَيْفَ يَغْفُلُ عَنْ النَّظَرِ لِمَذْهَبِ الْحَاكِمِ الْأَوَّلِ إنْ عَرَفَ؟ وَعَمَّا ذَكَرْته مِنْ التَّفْصِيلِ إنْ لَمْ يَعْرِفْ؟ فَالْغَفْلَةُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ اسْتِرْوَاحٌ عَجِيبٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. الْمَرْجُوُّ أَنْ يَقْسِمَ لَنَا مِنْ تَوْفِيقِهِ أَوْفَرَ نَصِيبٍ فَإِنْ قُلْت: قَدْ اُسْتُفْتِيَ أَبُو زُرْعَةَ فِي وَقْفٍ عَلَى النَّفْسِ حَكَمَ بِهِ حَنَفِيٌّ أَسْئِلَةً مُتَعَدِّدَةً، فَأَفْتَى فِي كُلٍّ بِمَا يَظْهَرُ لَهُ عَلَى قَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ كَمَا هُوَ مَسْطُورٌ عَلَى طُولِهِ فِي فَتَاوِيهِ، وَلَمْ يُحِلْ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ الْحَاكِمِ فِي ذَلِكَ الْوَقْفِ. وَكَذَلِكَ فَعَلَ شَيْخُهُ الْبُلْقِينِيُّ وَكَذَلِكَ فَعَلَ السُّبْكِيّ فَأَطْبَقُوا عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يُحِيلُوا عَلَى مَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ الْحَاكِمِ فِي ذَلِكَ الْوَقْفِ بِالْمُوجَبِ، قُلْت: إنَّ مَا أَفْتَى بِهِ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ مِنْ مُوجَبَاتِ الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَا تَخْتَلِفُ فِيهَا الْمَذَاهِبُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي جَوَابٍ آخَرَ، فَلَيْسَ هَذَا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، وَهُوَ مِمَّا تَخْتَلِفُ فِيهِ الْمَذَاهِبُ، فَهَذَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ مَا ذَكَرْته مِنْ الرُّجُوعِ لِمَذْهَبِ الْحَاكِمِ بَعْدُ، فَتَأَمَّلْهُ فِي تَفْرِيعِهِ أَعْنِي أَبَا زُرْعَةَ عَلَى مَا هُوَ صَحِيحٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَقَطْ، فَقَدْ جَرَى عَلَى مَا هُوَ الْمُقَرَّرُ فِي الْمَذَاهِب أَنَّ الْحُكْمَ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ بَعْدَ الْحُكْمِ يَكُونُ كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ. ثُمَّ رَأَيْت فِي كَلَامِ السُّبْكِيّ فِي الْقَوْلِ الْمُوعَبِ فِي الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ مَا يُؤَيِّدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُوجَبِ كُلُّ حُكْمٍ تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهُ، وَمُلَخَّصُ عِبَارَتِهِ لَا إبْهَامَ فِي الْمُوجَبِ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ، وَهُوَ أَمْرٌ مَعْلُومٌ وَاعْلَمْ أَنَّ مُقْتَضَى اللَّفْظِ وَمَدْلُولَهُ وَمُوجَبَهُ أَلْفَاظٌ مُتَقَارِبَةٌ، فَمَدْلُولُهُ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ، وَمُقْتَضَاهُ وَمُوجَبُهُ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُفْهَمُ مِنْهُ كَالْبَيْعِ مَدْلُولُهُ: نَقْلُ الْمِلْكِ بِعِوَضٍ وَمُقْتَضَاهُ: ذَلِكَ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ انْتِقَالِ الْمِلْكِ وَثُبُوتِ الْخِيَارِ وَحِلِّ الِانْتِفَاعِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَحْكَامِ الَّتِي اقْتَضَاهَا الْبِيَعُ. وَكَذَلِكَ الْوَقْفُ مَدْلُولُهُ إنْشَاءُ الْوَاقِفِ الْوَقْفَ وَمُقْتَضَاهُ وَمُوجَبُهُ صَيْرُورَةُ ذَلِكَ وَقْفًا وَاسْتِحْقَاقُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مَنَافِعَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الثَّابِتَةِ لَهُ، وَقَوْلِ الزَّوْجِ: أَنْتِ طَالِقٌ مَدْلُولُهُ: إيقَاعُ الْفُرْقَةِ وَمُقْتَضَاهُ وَمُوجَبُهُ وُقُوعُهَا وَحُرْمَةُ الِاسْتِمَاعِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ، ثُمَّ قَالَ: وَمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ مِنْ أَنَّ الْمُوجَبَ فِيهِ إبْهَامٌ مُنْدَفِعٌ بِأَنَّ مَدْلُولَ الْمُوجَبِ مَعْلُومٌ وَبِإِضَافَتِهِ إلَى ذَلِكَ الْعَقْدِ الْخَاصِّ تَعَيَّنَ، وَهُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ مَنْ يَرَى صِحَّتَهُ، وَيَشْمَلُ جَمِيعَ مَا يُسَمَّى مُوجَبًا لَهُ لِلْعُمُومِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ إضَافَةِ الْمُوجَبِ إلَى الْحُكْمِ، وَيَصِحُّ الْحُكْمُ بِالْأَمْرِ الْعَامِّ سَوَاءٌ اسْتَحْضَرَ الْحَاكِمُ

أَفَرَادَهُ أَمْ لَا، فَلَيْسَ هُنَا إبْهَامٌ فَادِحٌ. وَنَظِيرُهُ أَنْ يَقُولَ: حَكَمْتُ بِكُلِّ مَا يُوجِبُهُ هَذَا اللَّفْظُ، وَهُوَ عَالِمٌ بِهَذِهِ الْكُلِّيَّةِ إذْ الشَّرْطُ عِلْمُ الْحَاكِمِ بِمُقْتَضَاهَا، وَإِنْ لَمْ يَسْتَحْضِرْ ذَلِكَ الْوَقْتَ جُزْئِيَّاتِهَا وَلَوْ قَالَ: مَهْمَا كَانَ مُقْتَضَى هَذَا اللَّفْظِ حَكَمْتُ بِهِ وَهُوَ عَالِمٌ بِمُقْتَضَاهُ صَحَّ وَكَانَ حُكْمًا بِذَلِكَ اللَّفْظِ وَتَرَتَّبَ أَثَرُهُ عَلَيْهِ اهـ الْمَقْصُودُ مِنْهُ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ آثَارِ ذَلِكَ الْمَحْكُومِ بِهِ عَلَى الْعُمُومِ الشَّامِلِ صَرِيحًا لِمَا دَخَلَ وَقْتُهُ، وَمَا لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهُ وَحِينَئِذٍ فَالْحَقُّ مَعَ الْبُلْقِينِيُّ لِمُوَافَقَتِهِ لِكَلَامِ السُّبْكِيّ، هَذَا لَا مَعَ أَبِي زُرْعَةَ لِمُخَالَفَةِ كَلَامِهِ لِكَلَامِ هَذَيْنِ الْحَبْرَيْنِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَعْلَمُ بِالْمُصْطَلَحَاتِ وَمُقْتَضَى الْأَلْفَاظِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا، فَاعْلَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ أَيُّ مُهِمٍّ، رَابِعُهَا: تَحْرِيرُ مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ، وَهِيَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ هَلْ يَسْمَعُ الدَّعْوَى بِضَمَانِ الْمَاءِ وَيَحْكُمُ بِهِ بَعْدَ حُكْمِ الْحَنَفِيِّ بِمُوجَبِ وَقْفِهِ أَمْ لَا؟ فَنَقُولُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ هَلْ هِيَ مِمَّا دَخَلَ وَقْتُهُ أَمْ لَا؟ وَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ سُؤَالُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ الْحُكْمِ بِمُوجَبِ وَقْفِ الْمَاءِ إذًا هَلْ يَتَنَاوَلُ عَدَمَ ضَمَانِهِ؟ فَإِنْ قَالُوا: يَتَنَاوَلُهُ لَمْ يَجُزْ لِلشَّافِعِيِّ سَمَاعُ الدَّعْوَى بِهِ لِيَحْكُمَ بِضَمَانِهِ لِمَا تَقَرَّرَ: أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ الصَّحِيحِ عَلَى مَذْهَبِهِ لَا يَجُوزُ لِمُخَالِفِهِ نَقْضُهُ وَلَا التَّعَرُّضُ لِمَا يُخَالِفُهُ. وَإِنْ قَالُوا: لَا يَتَنَاوَلُهُ أَوْ ذَكَرُوا: أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ مَنْقُولَةً عِنْدَهُمْ رَجَعْنَا إلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ وَحِينَئِذٍ فَنَقُولُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا مِمَّا دَخَلَ وَقْتُهُ عِنْدَ حُكْمِ الْحَنَفِيِّ بِالْمُوجَبِ، فَتَكُونَ مِنْ حَيِّزِ الْقِسْمِ الْمُتَّفِقِ عَلَى شُمُولِ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ لَهُ، وَبَيَانُ ذَلِكَ: أَنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ بِمُوجَبِ الْوَقْفِ مُتَضَمِّنٌ لِلْحُكْمِ بِاسْتِحْقَاقِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِغَلَّةِ الْوَقْفِ، وَعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ لِمَا لَيْسَ مِنْ غَلَّتِهِ. وَحِينَئِذٍ فَحُكْمُهُ بِمُوجَبِ وَقْفِ الْمَاءِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْم بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِضَمَانِ الْمَاءِ عَلَى مَنْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ وَلَوْ تَعَدِّيًا؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ أَحْكَامِ الْمَاءِ الَّذِي حُكِمَ بِمُوجَبِ وَقْفِهِ، فَهُوَ مِنْ آثَارِهِ الْحَاضِرَةِ وَقْتَ الْحُكْمِ، فَعَلَيْهِ لَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ الْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِضَمَانِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُنَاقِضُ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ الْمُتَضَمِّنَ لِعَدَمِ ضَمَانِهِ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ السُّبْكِيّ مَا يُرَجِّحُ هَذَا الِاحْتِمَالَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَمُوجَبُ الْوَقْفِ صَيْرُورَةُ ذَلِكَ وَقْفًا وَاسْتِحْقَاقُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مَنَافِعَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الثَّابِتَةِ لَهُ اهـ. وَبَيَانُهُ أَنَّ مِنْ الْأَحْكَامِ الثَّابِتَةِ لَهُ اسْتِحْقَاقَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بَدَلَ الْمَاءِ الْمَوْقُوفِ تَارَةً، وَعَدَمَ بَدَلِهِ أُخْرَى، فَالْحُكْمُ بِمُوجَبِهِ حُكْمٌ بِتِلْكَ الْأَحْكَامِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا اسْتِحْقَاقُ بَدَلِ الْمَاءِ وَعَدَمِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْمَبْحَثِ أَصْلًا؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ بِمُوجَبِ الْوَقْفِ لَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِضَمَانِ الْمَاءِ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ تَفَارِيعِ الْوَقْفِ حَتَّى يَشْمَلَهُ الْحُكْمُ بِمُوجَبِ الْوَقْفِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ تَفَارِيعِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ، وَحِينَئِذٍ فَحُكْمُ الشَّافِعِيِّ بِضَمَانِ الْمَاءِ لَا يُنَاقِضُ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ بِمُوجَبِ الْوَقْفِ، وَقَدْ أَفْتَيْتُ سَابِقًا فِيمَنْ وَقَفَ دَارًا عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِ وَهَكَذَا، وَحَكَمَ بِمُوجَبِ الْوَقْفِ وَصِحَّتِهِ وَلُزُومِهِ حَنَفِيٌّ، فَأَجَّرَهُ وَلَدُهُ مِائَةَ سَنَةٍ، وَحَكَمَ لَهُ بِذَلِكَ شَافِعِيٌّ، فَهَلْ يَنْفُذُ حُكْمُ الشَّافِعِيِّ أَمْ لَا؟ لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا يَرَاهُ الْحَنَفِيُّ أَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ مُتَضَمِّنٌ لِلْحُكْمِ بِجَمِيعِ الْآثَارِ الَّتِي يَرَاهَا الْحَاكِمُ، قَالَ أَبُو زُرْعَةَ مُخَالِفًا لِشَيْخِهِ الْإِمَامِ الْبُلْقِينِيُّ: بِشَرْطِ أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ الْحُكْمِ بِهَا، إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ بِمُوجَبِ الْوَقْفِ مُتَضَمِّنٌ لِحُكْمِهِ بِامْتِنَاعِ إجَارَتِهِ مُدَّةً لَا يُجِيزُهَا الْحَنَفِيُّ؛ لِأَنَّ هَذَا أَثَرٌ مِنْ آثَارِ حُكْمِهِ وَقَدْ دَخَلَ وَقْتُهُ أَيْ: فَهُوَ كَمَنْعِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ السَّابِقِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ وَجَّهَ حُكْمَهُ إلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ الْحُكْمُ بِمَا يُخَالِفُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَقْضًا لِحُكْمِ الْحَنَفِيِّ انْتَهَى الْمَقْصُودُ مِنْهُ، وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا ذَكَرْتُهُ هُنَا مِنْ الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ بِمُوجَبِ وَقْفِ الْمَاءِ مُتَضَمِّنٌ لِلْحُكْمِ بِعَدَمِ ضَمَانِهِ. وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا جَعْلُ السَّيِّدِ السَّمْهُودِيِّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ إذَا حَكَمَ بِمُوجَبِ إجَارَةٍ كَانَ مِنْ آثَارِهِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ وَقْتَهَا الْحُكْمُ بِبُطْلَانِ وَقْفِ الْمَنَافِعِ، فَتَأَمَّلْ جَعْلَهُ هَذَا مِنْ آثَارِ الْحُكْمِ بِمُوجَبِ تِلْكَ الْإِجَارَةِ، فَعُلِمَ أَنَّ عَدَمَ ضَمَانِ الْمَاءِ مِنْ آثَارِ الْحُكْمِ بِوَقْفِ الْمَاءِ، إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ وَقْفَ الْمَنَافِعِ وَقَعَ عَلَى الْمَنَافِعِ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا الْحُكْمُ بِالْإِجَارَةِ، فَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ، بِخِلَافِهِ

فِي مَسْأَلَتِنَا. وَلِلسُّبْكِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَلَامٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ، بَعْضُهُ يَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ وَبَعْضُهُ يَشْهَدُ لِلثَّانِي، وَحَاصِلُ عِبَارَتِهِ: أَنَّ لِلْأَوَّلِ شُرُوطًا تَرْجِعُ لِلْمُتَصَرِّفِ وَالْمُتَصَرَّفِ فِيهِ وَكَيْفِيَّةِ التَّصَرُّفِ، فَإِذَا ثَبَتَ حُكْمٌ بِصِحَّةِ التَّصَرُّفِ وَبِالْمُوجَبِ الَّذِي هُوَ نَتِيجَةُ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ، فَإِنْ فُقِدَ بَعْضُ تِلْكَ الشُّرُوطِ حَكَمْنَا بِفَسَادِهِ، وَإِنْ تَرَدَّدَ فِيهَا فَمَا رَجَعَ لِلصِّيغَةِ أَوْ حَالِ التَّصَرُّفِ فَوَاضِحٌ، وَمَا رَجَعَ لِلْمُتَصَرِّفِ فَمَا كَانَ مِنْ الشُّرُوطِ الْوُجُودِيَّةِ كَالْمِلْكِ اُشْتُرِطَ ثُبُوتُهُ لِلْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ، بِخِلَافِ الشُّرُوطِ الْعَدَمِيَّةِ كَكَوْنِهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ لَمْ يُشْتَرَطْ ثُبُوتُهُ، وَاشْتُرِطَ ثُبُوتُ نَحْوِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ وَلَا ظَاهِرَ يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ مِلْكٌ وَلَا عَدَمُهُ وَثَبَتَ مَا سِوَاهُ لَمْ يُحْكَمْ فِيهِ بِالصِّحَّةِ، وَلَكِنَّ التَّصَرُّفَ صَالِحٌ وَسَبَبٌ لِتَرَتُّبِ أَثَرِهِ عَلَيْهِ فِي الْمَمْلُوكِ، وَيَكُونُ عَلَى وَجْهٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ، وَقَدْ يَكُونُ مُخْتَلَفًا فِيهِ فَيَحْكُمُ الْقَاضِي بِمُوجَبِ ذَلِكَ. وَلَهُ فَوَائِدُ مِنْهَا أَنَّ التَّصَرُّفَ سَبَبٌ مُفِيدٌ لِلْمِلْكِ بِشَرْطِهِ حَتَّى إذَا كَانَ مُخْتَلَفًا فِي إفَادَتِهِ الْمِلْكَ كَالْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ فَحَكَمَ بِمُوجَبِهِ مَنْ يَرَى صِحَّتَهُ، ارْتَفَعَ الْخِلَافُ وَأَنَّ الْوَاقِفَ يُؤَاخَذُ بِذَلِكَ حَتَّى لَوْ أَرَادَ بَيْعَهُ بَعْدُ، لَمْ يُمَكَّنْ وَأَنْ يُؤْخَذَ كُلُّ مَا هُوَ فِي يَدِهِ إذَا أَقَرَّ لِلْوَاقِفِ بِالْمِلْكِ، فَإِنَّهُ يُؤَاخَذُ بِذَلِكَ كَمَا يُؤَاخَذُ الْوَاقِفُ وَذُرِّيَّتُهُ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْ يُصْرَفَ الرَّيْعُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِاعْتِرَافِ ذِي الْيَدِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، بَلْ وَقْفُ الْوَاقِفِ لِمَا فِي يَدِهِ أَوْ اعْتِرَافُ ذِي الْيَدِ لَهُ كَافٍ فِيهِ، فَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ فِي الْحَقِيقَةِ حُكْمٌ بِالْبَيِّنَةِ. وَثُبُوتُ أَثَرِهَا فِي حَقِّ مَنْ أَقَرَّ لَهُ بِالْمِلْكِ كَالْوَاقِفِ وَمَنْ تَلَقَّى عَنْهُ بِلَا شَرْطٍ، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِمْ يُشْتَرَطُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ، فَإِنَّ حُكْمَ الْبَيِّنَةِ لَازِمٌ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَحُكْمَ الْإِقْرَارِ قَاصِرٌ عَلَى الْمُقِرِّ وَمَنْ تَلَقَّى عَنْهُ، فَإِذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ بَعْدَ ذَلِكَ الْمِلْكُ كَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ الْأَوَّلُ لَازِمًا لِكُلِّ أَحَدٍ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ كَانَ لَازِمًا لِذِي الْيَدِ وَمَنْ اعْتَرَفَ لَهُ. وَلَا نَقُولُ: إنَّ الْحُكْمَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ، بَلْ الْحُكْمُ مُنْجَرٌّ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ كُلِّيٍّ يَنْدَرِجُ فِيهِ فَأَجَابَ: يَثْبُتُ الْمَلِكُ عَلَيْهِ إمَّا بِإِقْرَارٍ وَإِمَّا بِبَيِّنَةٍ، وَيَزِيدُ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ حُكْمٌ بِوُجُودِ الشَّرْطِ وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ وَبِصِحَّةِ التَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ مُطْلَقًا، وَيَلْزَمُ مِنْهُ الْحُكْمُ بِثُبُوتِ أَثَرِهِ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ، فَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ مَعْنَاهُ الْحُكْمُ بِثُبُوتِ الْأَثَرِ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ ثَبَتَ الْمَلِكُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ، سَوَاءٌ كَانَ الْإِقْرَارُ وَالْبَيِّنَةُ مَوْجُودَيْنِ أَمْ مُتَجَدِّدَيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَيَلْزَمُ مِنْهُ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ فِي حَقِّهِمْ لَا مُطْلَقًا وَالْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ مَعْنَاهُ: الْحُكْمُ بِالْمُؤَثِّرِيَّةِ التَّامَّةِ مُطْلَقًا، وَيَلْزَمُ مِنْهَا ثُبُوتُ الْأَثَرِ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ أَنْ لَا يَأْتِيَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ بِدَافِعٍ، وَاحْتِمَالُ الدَّافِعِ لَا يُنَافِي الْجَزْمَ بِالْحُكْمِ، وَإِنَّمَا جَازَ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّ مَنْ بِيَدِهِ مِلْكٌ لَوْ وَقَفَهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ مَثَلًا وَثَبَتَ مُكِّنَ مِنْ بَيْعِهِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْقَاعِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ: أَنَّ الْمُقِرَّ وَالْمُتَصَرِّفَ يُؤَاخَذُ بِمُقْتَضَى إقْرَارِهِ وَتَصَرُّفِهِ، فَتَعَيَّنَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِمُوجَبِ إقْرَارِهِ لِذَلِكَ وَلِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ فَقَدْ خَرَجَتْ عَنْهُ بِالْوَقْفِ وَإِلَّا فَلَا يُقَرُّ عَلَى بَيْعِهِ، فَهُوَ مِنْهُ بَاطِلٌ قَطْعًا، وَإِنَّمَا جَازَ الْحُكْمُ فِي الْمُخْتَلَفِ فِيهِ بِصِحَّةِ كَوْنِهِ سَبَبًا حَتَّى يَرْتَفِعَ الْخِلَافُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُقِرُّ بِالْوَقْفِ عَلَى نَفْسِهِ مَثَلًا وَيُرِيدُ الرُّجُوعَ عَنْهُ لِكَوْنِهِ يَرَاهُ وَالْحَاكِمُ لَا يَرَاهُ، فَيَحْكُمُ فِيهِ الْحَاكِمُ بِرَأْيِهِ مِنْ صِحَّةِ السَّبَبِيَّةِ وَخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ، فَإِنْ قُلْت: الْمُوجَبُ مَجْهُولٌ وَالْحُكْمُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَعْيِينِ الْمَحْكُومِ بِهِ كُلِّهِ قُلْت: الْمُوجَبُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ وَهُوَ أَمْرٌ مَعْلُومٌ. وَمُقْتَضَى اللَّفْظِ وَمُوجَبُهُ وَمَدْلُولُهُ أَلْفَاظٌ مُتَقَارِبَةٌ فَمَدْلُولُهُ: مَا يُفْهَمُ مِنْهُ وَمُقْتَضَاهُ: وَمُوجَبُهُ: مَا يُفْهَمُ مِنْهُ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ كَحِلِّ الِانْتِفَاعِ وَثُبُوتِ الْخِيَارِ عَلَى الْبَائِعِ، وَكَذَلِكَ الْوَقْفُ مَدْلُولُهُ إنْشَاءُ الْوَاقِفِ الْوَقْفَ وَمُقْتَضَاهُ وَمُوجَبُهُ صَيْرُورَتُهُ ذَلِكَ وَقْفًا وَاسْتِحْقَاقُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مَنَافِعَهُ وَسَائِرَ الْأَحْكَامِ الثَّابِتَةِ لَهُ اهـ. الْمَقْصُودُ مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ فَتَأَمَّلْهُ، فَإِنَّ فِيهِ فَوَائِدَ تَنْفَعُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، لَا سِيَّمَا جَعْلُهُ مِنْ مُوجَبِ الْوَقْفِ اسْتِحْقَاقَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مَنَافِعَهُ وَسَائِرَ الْأَحْكَامِ الثَّابِتَةِ لَهُ، فَإِنَّ هَذَا ظَاهِرٌ قَوِيٌّ فِي تَرْجِيحِ الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ أَنَّ مِنْ مُوجَبِ الْوَقْفِ مِلْكَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِبَدَلِ

الْمَاءِ فِي مَسْأَلَتِنَا تَارَةً وَعَدَمَهُ أُخْرَى، فَاسْتَحْضِرْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ. خَامِسُهَا: يَتَعَيَّنُ عَلَى الشَّافِعِيِّ إذَا أُرِيدَ الدَّعْوَى عِنْدَهُ بِذَلِكَ الْمَاءِ الَّذِي هُوَ مِنْ بَعْضِ عُيُونِ مَرِّ الظَّهْرَانِ أَنْ يُكَلِّفَهُمْ الْبَيِّنَةَ بِمِلْكِ مَنْبَعِهِ حَتَّى يَكُونَ الْمَاءُ مَمْلُوكًا، وَلَا يَكْفِي حُكْمُ الْحَنَفِيِّ بِمُوجَبِ وَقْفِهِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِمِلْكِ الْمَحْكُومِ لَهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، فَإِذَا اسْتَوَى ذَلِكَ سَأَلَ الْحَنَفِيَّةَ، فَإِنْ قَالُوا: إنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ بِمُوجَبِ الْوَقْفِ يَمْنَعُ ضَمَانَ الْمَاءِ لَمْ تُسْمَعْ الدَّعْوَى لِئَلَّا يَكُونَ مُنَاقِضًا لِحُكْمِ الْحَنَفِيِّ، وَإِنْ قَالُوا: لَا يَمْنَعُهُ تُسْمَعُ الدَّعْوَى. وَحَكَمَ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مَذْهَبَهُمْ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ قُلْنَا: إنَّ هَذَا مِنْ آثَارِ حُكْمِ الْحَنَفِيِّ لَمْ تُسْمَعْ الدَّعْوَى أَيْضًا، وَإِلَّا سَمِعَهَا، هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ، وَكَتَبَهُ أَحْمَدُ بْن حَجَرٍ الشَّافِعِيُّ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْ مَشَايِخِهِ وَوَالِدَيْهِ وَالْمُسْلِمِينَ حَامِدًا مُصَلِّيًا مُسَلِّمًا مُحْتَسِبًا مُحَوْقِلًا، ثُمَّ رَأَيْت الْإِمَامَ السُّبْكِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأَعْلَى دَرَجَتَهُ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ الْقَوْلِ الْمُوعِبِ مَا يُؤَيِّدُ مَا قَدَّمْته: أَنَّ الْحُكْمَ الْأَوَّلَ لَا يُنْقَضُ بِشَيْءٍ مِنْ آثَارِهِ وَلَا مِمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ بِالْمُطَابَقَةِ أَوْ التَّضَمُّنِ أَوْ الِاسْتِلْزَامِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ امْرَأَةً أَقَرَّتْ أَنَّهَا وَقَفَتْ دَارَهَا الثَّابِتَ مِلْكُهَا وَحِيَازَتُهَا لَهَا عَلَى كَذَا، وَشَرَطَتْ النَّظَرَ لِنَفْسِهَا، وَأَشْهَدَ حَاكِمٌ شَافِعِيٌّ عَلَى نَفْسِهِ بِمُوجَبِ الْإِقْرَارِ وَثُبُوتِ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَبِالْحُكْمِ بِهِ، فَأَرَادَ مَالِكِيٌّ إبْطَالَهُ لِشَرْطِهَا النَّظَرَ لِنَفْسِهَا وَاسْتِمْرَارِ يَدِهَا، وَلِكَوْنِ الشَّافِعِيِّ لَمْ يَحْكُمْ بِالصِّحَّةِ وَأَنَّ حُكْمَهُ بِالْمُوجَبِ لَا يَمْنَعُ النَّقْضَ. وَأَفْتَاهُ بِذَلِكَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَخْذًا مِنْ تَصْوِيبِ الرَّافِعِيِّ أَنَّ قَوْلَ الْحَاكِمِ: صَحَّ وُرُودُ هَذَا الْكِتَابِ عَلَيَّ فَقَبِلْته قَبُولَ مِثْلِهِ وَأَلْزَمْت الْعَمَلَ بِمُوجَبِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ، وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْحُكْمِ بِمُوجَبِ الْإِقْرَارِ جَازَ نَقْضُهُ وَلَكِنْ هُنَا زِيَادَةٌ تَمْنَعُ النَّقْضَ وَهِيَ قَوْلُهُ: وَبِالْحُكْمِ بِهِ أَيْ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ، وَوَافَقَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ أَوْ قَارَبَ ثُمَّ صَوَّبَ السُّبْكِيّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ، اقْتَصَرَ عَلَى الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ أَمْ لَا، وَرَدَّ جَعْلَ الضَّمِيرِ فِي بِهِ لِلْوَاقِفِ بِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَحْتَمِلُهُ أَنَّهُ عَائِدٌ عَلَى الْإِقْرَارِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، أَوْ عَلَى مُوجَبِ الْإِقْرَارِ فَهُوَ تَأْكِيدٌ، وَالْحُكْمُ بِمُوجَبِ الْإِقْرَارِ فَقَطْ أَوْ عَلَى الثُّبُوتِ، فَالْمَحْكُومُ بِهِ مُوجَبُ الْإِقْرَارِ أَوْ ثُبُوتُ الْإِقْرَارِ. وَنِسْبَةُ الْحُكْمِ إلَى الثُّبُوتِ صَحِيحَةٌ بِنَاءً عَلَى مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ: أَنَّ سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ وَإِنْهَاءَ الْحَالِ إلَى الْقَاضِي نَقْلُ شَهَادَةٍ لَا حُكْمٌ بِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ، فَيَحْتَاجُ إلَى الْحُكْمِ بِهَا وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ لَفْظَةَ الْحُكْمِ قَدْ لَا يُرَادُ بِهَا الْإِلْزَامُ بِالْمُدَّعَى بِهِ، وَتُسْتَعْمَلُ فِي تَثْبِيتِ الدَّعْوَى ثُمَّ صَوَّبَ السُّبْكِيّ أَنَّ الْحُكْمَ بِأَحَدِ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ بِحَالٍ إذَا لَمْ يُخَالِفْ نَصًّا وَلَا إجْمَاعًا وَلَا قِيَاسًا وَلَا قَاعِدَةً كُلِّيَّةً. وَأَطَالَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ وَمِنْهُ حِكَايَةُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَئِمَّةِ مَذْهَبِنَا وَغَيْرِهِمْ الْإِجْمَاعَ، عَلَى أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ، نَعَمْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِلْحَاكِمِ نَقْضُ حُكْمِ نَفْسِهِ إذَا بَانَ خَطَؤُهُ بِالِاجْتِهَادِ، وَخَالَفَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَنَا، وَرَدَّ السُّبْكِيّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ لَا يُنْقَضُ بِخِلَافِ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ، بَلْ لَا يُنْقَضُ كُلٌّ مِنْهُمَا وَبَيَّنَ أَنَّ شَرْطَ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ الْمُطْلَقَةِ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ الْحُكْمِ وُجُودُ جَمِيعِ شُرُوطِهَا، وَكَذَا عَبَّرَ الْقُضَاةُ فِيهَا. وَأَمَّا هِيَ بِالنِّسْبَةِ لِمُعَيَّنٍ فَيَكْفِي إقْرَارُهُ فِي الْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ لِيُؤَاخَذَ بِهِ، فَالْحُكْمُ بِمُوجَبِ الْإِقْرَارِ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ بِصِحَّتِهِ وَصِحَّةَ الْمُقَرِّ بِهِ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ، فَهُنَا ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ. حُكْمٌ بِالْمُطَابَقَةِ: وَهُوَ مُوجَبُهُ، وَحُكْمَانِ بِالِاسْتِلْزَامِ: وَهُمَا الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَصِحَّةِ الْمُقَرِّ بِهِ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ، وَقَوْلُ الْهَرَوِيِّ: إنَّ مَا يُحْكَمُ فِيهِ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ لَا يَتَضَمَّنُ أَنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِلْإِقْرَارِ الثَّابِتِ عِنْدَهُ لَا الْمَوْتِ وَلَا الْوَقْفِ، وَإِذَا صَحَّ أَنَّ الْإِشَارَةَ لِلْإِقْرَارِ تَعَيَّنَ أَنَّ الضَّمِيرَ لَهُ فَيَكُونُ الْحُكْمُ بِأَمْرَيْنِ بِالْإِقْرَارِ وَمُوجَبِهِ، فَلَوْ صَحَّ حُكْمُ الْمَالِكِيِّ السَّابِقِ، لَكَانَ الصَّادِرُ مِنْهُ بِالْمُطَابَقَةِ الْحُكْمُ بِبُطْلَانِ الْوَقْفِ مُطْلَقًا فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ، وَبِالتَّضَمُّنِ الْحُكْمُ بِبُطْلَانِهِ فِي حَقِّ الْمُقِرِّ وَبِالِاسْتِلْزَامِ الْحُكْمُ بِبُطْلَانِ الْإِقْرَارِ بِهِ، فَيَكُونُ فِي الثَّانِي وَالثَّالِثُ رَافِعًا لِحُكْمِ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي وَالثَّالِثِ لِتَوَارُدِهِمَا عَلَيْهِمَا. وَإِنْ كَانَ مَا حَكَمَ بِهِ الثَّانِي بِالْمُطَابَقَةِ غَيْرَ مَا حَكَمَ بِهِ الْأَوَّلُ بِالْمُطَابَقَةِ وَامْتِنَاعِ

باب الهبة

النَّقْضِ فِي الْمَحْكُومِ بِهِ، لَمْ يَفْصِلُوا فِيهِ بَيْنَ الْمُطَابَقَةِ وَالِاسْتِلْزَامِ وَالْجَوَازِ، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَتَطَرَّقَ الِاسْتِلْزَامِيُّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَطَرَّقَ التَّضَمُّنِيَّ بِعَدَمِ اللُّزُومِ فِي حَقِّهِ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ يَكُونُ بِالِاسْتِلْزَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ مِنَّا وَالْقَرَافِيُّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ، هَذَا فِي الْحُكْمِ بِمُوجَبِ الْإِقْرَارِ، أَمَّا الْحُكْمُ بِالْإِقْرَارِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَذَلِكَ إذْ لَا مَعْنَى لِلْحُكْمِ بِالْإِقْرَارِ إلَّا الْحُكْمُ بِمُوجَبِهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ تَصَرُّفٍ ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي مِنْ نَحْوِ بَيْعٍ أَوْ وَقْفٍ إذَا قَالَ: حَكَمْت بِهِ مَعْنَاهُ: حَكَمْت بِمُوجَبِهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ حُكْمٌ بِثُبُوتِهِ، لَكِنَّ هَذَا لَا يَتَأَتَّى هُنَا لِأَنَّهُ جَمْعٌ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَالْحُكْمِ، فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ؛ لِأَنَّهُ الْمُحَقَّقُ دُونَ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ لِأَنَّهَا أَخَصُّ، وَمَرَّ أَنَّ التَّخَالُفَ بَيْنَهُمَا إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ الْإِطْلَاقُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ لَا هُنَا، فَإِنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُقِرِّ، ثُمَّ بَيَّنَ السُّبْكِيّ بُطْلَانَ مَا مَرَّ مِنْ التَّعْلِيقِ بِكَلَامِ الرَّافِعِيِّ: بِأَنَّ ضَمِيرَ مُوجَبِهِ الْوَاقِعَ فِي كَلَامِهِ يَعُودُ عَلَى الْكِتَابِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ، وَمُوجَبُهُ صُدُورُ مَا تَضَمَّنَهُ مِنْ إقْرَارٍ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا أَوْ تَصَرُّفٍ، وَقَوْلُهُ وَإِلْزَامُ الْعَمَلِ بِهِ هُوَ أَنَّهُ لَيْسَ بِزُورٍ، فَمُفَادُ كَلَامِهِ يُثْبِتُ الْحُجَّةَ وَقَبُولَهَا لَا الْحُكْمَ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى أُمُورٍ أُخَرَ، فَلِذَا صَوَّبَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَيْسَ يُحْكَمُ فِي مَسْأَلَتِهِ، وَمَسْأَلَتُنَا لَيْسَتْ مِثْلَهَا لِلتَّصْرِيحِ فِيهَا بِالْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ.، وَلَيْسَ فِي عِبَارَةِ الرَّافِعِيِّ لَفْظَةُ الْحُكْمِ بَلْ الْإِلْزَامِ، وَهُوَ وَإِنْ عَدُّوهُ مِنْ أَلْفَاظِ الْحُكْمِ، لَكِنَّ مَحَلَّهُ فِي الْإِلْزَامِ بِالْمُدَّعَى بِهِ. أَمَّا إلْزَامُ الْعَمَلِ بِالْمُوجَبِ فَلَمْ يَقَعْ فِي كَلَامِهِمْ إلَّا هُنَا، وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِي مُرَادَفَتِهِ لِلْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ وَالْإِلْزَامِ بِالْمُوجَبِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا صَرَّحَ الْحَاكِمُ بِلَفْظِ الْحُكْمِ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ مَا حَكَمَ فَإِنْ ادَّعَى أَنَّ الْحَاكِمَ اسْتَعْمَلَ لَفْظَ الْحُكْمِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ كَانَ قَدْحًا فِيهِ، وَهُوَ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ الْفَرْضَ فِي قَاضٍ مُتَبَصِّرٍ بِالْحَقَائِقِ عَالِمٍ صَالِحٍ لِلْقَضَاءِ، وَقَدْ اطَّرَدَ عُرْفُ بِلَادِنَا بِأَنَّ الْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ حُكْمٌ صَحِيحٌ كَافٍ عَلَى أَنْ يُنَفِّذَ هَذَا الْحُكْمَ حَاكِمٌ جَيِّدٌ كَالْحَاكِمِ الْأَوَّلِ، وَالتَّنْفِيذُ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْحُكْمِ لَا الثُّبُوتِ، فَحَمْلُهُ عَلَى الثُّبُوتِ فِيهِ قَدْحٌ لِلْمُنَفِّذِ أَيْضًا، إذْ لَا يَجُوزُ لِلثَّانِي أَنْ يَسْمَعَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَهُوَ مَعَهُ فِي الْبَلَدِ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ فَسَمَاعُهُ لِلْبَيِّنَةِ. وَحُكْمُهُ بِهَا تَصْحِيحٌ لِلْحُكْمِ وَقَطْعٌ لِلنِّزَاعِ فِيهِ، عَلَى أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا حَمْلَ ذَلِكَ الْحُكْمِ عَلَى مُجَرَّدِ الثُّبُوتِ وَصِحَّةِ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ، فَتَنْفِيذُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حُكْمًا؛ لِأَنَّ التَّنْفِيذَ مِنْ أَلْفَاظِ الْحُكْمِ وَالثُّبُوتِ، الْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ فَإِذَا نَفَّذَهُ حَاكِمٌ آخَرُ كَانَ تَنْفِيذُهُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ فَلَا يَجُوزُ نَقْضُهُ وَيَصِيرُ تَنْفِيذُ الثَّانِي لَازِمًا، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الثُّبُوتَ حُكْمٌ كَمَا قَالَهُ الْقَرَافِيُّ، وَكَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْحَاكِمِ الْأَوَّلِ أَمَّا الْحَاكِمُ الثَّانِي إذَا قَالَ: إنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ مَا صَدَرَ مِنْ الْأَوَّلِ وَأَلْزَمَ بِمُقْتَضَاهُ كَانَ ذَلِكَ حُكْمًا مِنْهُ بِلُزُومِ مَا ثَبَتَ عِنْدَ الْأَوَّلِ، فَهُوَ حُكْمٌ لَا يُتَّجَهُ فِيهِ خِلَافُ ثَمَّ قَالَ: الْمُوجِبُ: الْأَثَرُ الَّذِي يُوجِبُهُ ذَلِكَ الْأَثَرُ فَهُمَا شَرْعِيَّانِ. وَقِيلَ: الثَّانِي عَقْلِيٌّ لَكِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ، فَمُوجَبُ الْإِقْرَارِ: ثُبُوتُ الْمُقَرِّ بِهِ لِلْمُقَرِّ لَهُ لِيُؤَاخَذَ بِهِ، وَصِحَّتُهُ كَوْنُهُ بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ شُرُوطِهِ عِنْدَهُ بِخِلَافِ الْمُوجَبِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْمُؤَاخَذَةِ، فَالْحُكْمُ بِالسَّبَبِيَّةِ فَقَطْ وَتَوَقُّفُهَا عَلَى وُجُودِ الشُّرُوطِ وَانْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إعْمَالِ السَّبَبِ وَإِثْبَاتُ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ، فَعُلِمَ أَنَّ مُوجَبَ الْإِنْشَاءِ أَثَرُهُ الْمُسَبَّبُ عَنْهُ، وَصِحَّتَهُ كَوْنُهُ بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَهَا شُرُوطٌ فِي التَّصَرُّفِ وَالْمُتَصَرَّفِ فِيهِ وَكَيْفِيَّةِ التَّصَرُّفِ اهـ. مُلَخَّصًا وَفِيهِ فَوَائِدُ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ وَأَمْعَنَ النَّظَرَ فِيهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا وَقَعَ لِلسُّبْكِيِّ مِمَّا مَرَّ فِي الْكَلَامِ عَلَى عِبَارَةِ الرَّافِعِيِّ سَبَبُهُ أَنَّ نُسْخَتَهُ أَلْزَمْت الْعَمَلَ بِهِ، وَهِيَ نُسَخٌ أُخْرَى غَيْرُ مُعْتَمَدَةٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ سِيَاقِ عِبَارَتِهِ، وَحَاصِلُهَا: أَنَّهُ لَوْ كَتَبَ عَلَى ظَهْرِ الْكِتَابِ الْحُكْمِيِّ صَحَّ وُرُودُ هَذَا الْكِتَابِ عَلَيَّ فَقَبِلْته قَبُولَ مِثْلِهِ وَالْتَزَمْت الْعَمَلَ بِمُوجَبِهِ لَمْ يَكُنْ حُكْمًا، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ تَصْحِيحَ الْكِتَابِ وَهُوَ إثْبَاتُ الْحُجَّةِ انْتَهَتْ. وَتَبِعَهُ فِي الرَّوْضَةِ فَتَعْلِيلُهُمَا الْمَذْكُورُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ عِبَارَتَهُمَا اُلْتُزِمَتْ لَا أَلْزَمْت وَحِينَئِذٍ زَالَ التَّعْلِيقُ بِكَلَامِ الرَّافِعِيِّ السَّابِقِ فِي أَوَّلِ كَلَامِ السُّبْكِيّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْهِبَةِ]

وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ شَخْصٍ لَهُ دَارٌ مَلَّكَهَا لِوَلَدِهِ الْقَاصِرِ أَوْ الْبَالِغِ السَّفِيهِ الْمَشْمُولِ بِحَجْرِهِ مَثَلًا وَقَبِلَ لَهُ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ وَأَذِنَ لَهُ فِي تَسَلُّمِهَا مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ مَثَلًا فَتَسَلَّمَهَا لَهُ وَحَازَهَا لَهُ وَهُوَ سَاكِنٌ هُوَ وَإِيَّاهُ فِيهَا إلَى حِينِ وَفَاةِ الْوَالِدِ مَثَلًا فَهَلْ يَمْلِكُهَا الْوَلَدُ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ وَيَرْجِعُ الْوَلَدُ عَلَى تَرِكَةِ وَالِدِهِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ مُدَّةَ سُكْنَاهُ فِيهَا إلَى حِينِ وَفَاتِهِ؟ وَهَلْ يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ إذَا مَلَّكَهَا لِأَجْنَبِيٍّ وَقَبِلَ مِنْهُ وَأَذِنَ لَهُ فِي تَسَلُّمِهَا وَحَوْزِهَا ثُمَّ حَازَهَا وَتَسَلَّمَهَا، لَكِنْ هُوَ وَإِيَّاهُ سَاكِنَانِ إلَى حِينِ وَفَاةِ الْمُتَمَلِّكِ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إذَا وَهَبَ دَارِهِ لِوَلَدِهِ الْمَشْمُولِ بِحَجْرِهِ وَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْقَبْضُ وَقَصَدَ الْقَبْضَ عَنْهُ أَوْ أَقَبَضَ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، مَلَكَ الْوَلَدُ الدَّارَ وَلَهُ عَلَى الْأَبِ أُجْرَةُ سُكْنَاهُ لَهَا بَعْدَ الْقَبْضِ عَنْهُ، وَلَا يُعْتَدُّ بِقَبْضِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ وَالِدُهُ فِيهِ، وَلَا بُدَّ فِي الْقَبْضِ مِنْ خُلُوِّهَا مِنْ أَمْتِعَةِ غَيْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، فَمَتَى كَانَتْ مَشْغُولَةً بِأَمْتِعَةِ غَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ مِنْ الْأَبِ قَبْضٌ وَلَا إقْبَاضٌ لَهَا. وَكَذَا الْمَوْهُوبَةُ لِأَجْنَبِيٍّ لَا يَصِحُّ مِنْهُ قَبْضُهَا وَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ الْوَاهِبُ حَيْثُ كَانَتْ مَشْغُولَةً بِأَمْتِعَةِ الْوَاهِبِ أَوْ بِأَمْتِعَةِ أَجْنَبِيٍّ آخَرَ غَيْرِ الْمَوْهُوبِ لَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ قَوْلِ الْقَفَّالِ فِي فَتَاوِيهِ: لَوْ جَهَّزَ ابْنَتَهُ بِأَمْتِعَةٍ لَمْ تَمْلِكْهَا إلَّا بِلَفْظٍ مَعَ الْقَبْضِ وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهَا لَهَا إلَّا ادَّعَتْهُ اهـ. فَإِذَا مَاتَتْ الْبِنْتُ وَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّ لَهُ فِي الْأَمْتِعَةِ الْمِيرَاثَ وَقَالَ الْأَبُ: بَلْ هِيَ لِي لِأَنِّي لَمْ أَهَبْ وَلَمْ أُعْطِ بِنْتِي الْأَمْتِعَةَ إلَّا تَجْهِيزًا فَمَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟ وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ: أَنَّهُ لَوْ نَقَلَ ابْنَتَهُ وَجَهَّزَهَا إلَى دَارِ الزَّوْجِ فَإِنْ قَالَ: هَذَا جِهَازُ ابْنَتِي فَهُوَ مِلْكٌ لَهَا، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ فَهُوَ إعَارَةٌ وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ اهـ. فَهَلْ يُصَدَّقُ أَيْضًا بِيَمِينِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْبِنْتِ إذَا طَلَبَ الزَّوْجُ الْمِيرَاثَ؟ أَمْ لَا يُصَدَّقُ عَلَى ذَلِكَ؟ اهـ. وَقَوْلُ الْخُوَارِزْمِيِّ فِي الْكَافِي: أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى حُلِيًّا أَوْ دِيبَاجًا وَزَيَّنَ بِهِ وَلَدَهُ الصَّغِيرَ، يَكُونُ مِلْكًا لَهُ وَحَكَاهُ الْقَمُولِيُّ عَنْ الْقَفَّالِ وَقَرَّرَهُ اهـ. فَهَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَكُونُ مِلْكًا لِلْأَبِ أَمْ يَكُونُ لِلْوَلَدِ؟ اُبْسُطُوا لَنَا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ صَحِيحٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْقَبْضِ بِالْإِقْبَاضِ أَوْ الْإِذْنِ فِيهِ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْهِبَةُ مِنْ الْأَبِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الْأَصَحِّ لَكِنَّ الْأَبَ وَالْجَدَّ يَتَوَلَّيَانِ طَرَفَيْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْقَبْضِ وَالْإِقْبَاضِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا فَإِذَا وَهَبَ لِلصَّغِيرِ أَوْ نَحْوِهِ وَلِيُّ غَيْرِهِمَا قَبِلَ لَهُ الْحَاكِمُ، وَإِنَّمَا صُدِّقَ الْأَبُ بِيَمِينِهِ فِي أَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهُ لَهَا إذَا ادَّعَتْهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْجِهَازِ عَلَى مِلْكِهِ حَتَّى يُعْلَمَ نَاقِلٌ لَهُ عَنْ مِلْكِهِ إلَى مِلْكِهَا، فَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ حُكِمَ بِبَقَاءِ مِلْكِهِ وَصُدِّقَ فِي ذَلِكَ دُونَهَا، وَإِذَا صُدِّقَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا لَزِمَ تَصْدِيقُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى زَوْجِهَا بِالْأَوْلَى، فَإِذَا مَاتَتْ وَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّ لَهُ فِي تِلْكَ الْأَمْتِعَةِ الرُّبُعَ أَوْ النِّصْفَ وَأَنْكَرَ الْأَبُ كَوْنَهَا مِلْكًا لَهَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ لِلزَّوْجِ حَقٌّ فِي تِلْكَ الْأَمْتِعَةِ إنْ وَافَقَ الْأَبُ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ لَهُ وَادَّعَى أَنَّهُ وَهَبَهَا لِبِنْتِهِ، وَكَذَا إذَا أَقَامَ الْأَبُ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهَا لَهُ قَبْلَ أَنْ يُجَهِّزَ بِهَا بِنْتَه، أَمَّا إذَا أَنْكَرَ الزَّوْجُ كَوْنَهَا مِلْكًا لِلْأَبِ قَبْلَ التَّجْهِيزِ وَلَا بَيِّنَةَ لِلْأَبِ صُدِّقَ الزَّوْجُ بِيَمِينِهِ، فَإِذَا حَلَفَ كَانَتْ تَرِكَةً عَنْهَا وَوَرِثَهَا عَنْهَا الزَّوْجُ وَغَيْرُهُ، ثُمَّ مَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ لَا يُنَافِيه مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ عَنْ الْقَاضِي، بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لَهُ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمْ يَجْعَلْ نَقْلَهُ الْجِهَازَ مَعَهَا إلَى دَارِ الزَّوْجِ مُقْتَضِيًا لِمِلْكِهَا، وَإِنَّمَا جُعِلَ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ إقْرَارَهُ بِقَوْلِهِ: هَذَا جِهَازُ بِنْتِي فَتَمْلِكُهُ حِينَئِذٍ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ لَهَا بِالْمِلْكِ. وَأَمَّا مُجَرَّدُ نَقْلِهِ الْأَمْتِعَةَ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ، بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ، فَإِذَا ادَّعَتْهُ هِيَ أَوْ زَوْجُهَا بَعْدَ مَوْتِهَا وَادَّعَى الْأَبُ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ، وَلَمْ يَثْبُتْ قَوْلُهُ: هَذَا جِهَازُهَا أَوْ مِلْكُهَا أَوْ لَهَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ كَمَا فِي كَلَامِ الْقَفَّالِ، فَمَا قَالَهُ الْقَاضِي مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ، أَمَّا مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ عَنْ الْكَافِي فَصَاحِبُ الْكَافِي لَمْ يَقُلْهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا نَقَلَهُ عَنْ الْقَفَّالِ وَعِبَارَتُهُ عَنْهُ: لَوْ اشْتَرَى حُلِيًّا أَوْ دِيبَاجًا لِزَوْجَتِهِ وَزَيَّنَهَا بِهِ، لَا يَصِيرُ مِلْكًا لَهَا، وَفِي الْوَلَدِ الصَّغِيرِ يَكُونُ تَمْلِيكًا لَهُ انْتَهَتْ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عَنْ الْقَفَّالِ

يُعْلَمُ رَدُّ نَقْلِ هَذَا عَنْهُ، فَإِنْ صَحَّ عَنْهُ فَهُوَ إمَّا اخْتِيَارٌ لَهُ خَارِجٌ عَنْ الْمَذْهَبِ وَإِمَّا مَرْجُوعٌ عَنْهُ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الَّذِي صَحَّ عَنْهُ مَا سَبَقَ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِالْفِعْلِ، بَلْ مِنْ اللَّفْظ فِي هِبَةِ الْوَالِدِ وَغَيْرِهِ، وَمِمَّا يُضَعِّفُهُ قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا: لَوْ غَرَسَ شَجَرًا وَقَالَ عِنْدَ غَرْسِهِ: أَغْرِسُهُ لِطِفْلِي لَمْ يَمْلِكْهُ الطِّفْلُ بِذَلِكَ فَإِنْ قَالَ: جَعَلْته لَهُ وَاكْتَفَيْنَا بِأَحَدِ الشِّقَّيْنِ مِنْ الْوَلَدِ أَيْ وَهُوَ الْقَوْلُ الضَّعِيفُ مَلَكَهُ؛ لِأَنَّ هِبَتَهُ لَهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا تَقْتَضِي قَبُولًا، وَإِنْ لَمْ يَكْتَفِ بِأَحَدِ الشِّقَّيْنِ مِنْ الْوَلَدِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لَمْ يَصِرْ مِلْكَهُ بِذَلِكَ. هَذَا حَاصِلُ عِبَارَتِهِمَا وَهُوَ صَرِيحٌ فِي رَدِّ كَلَامِ الْقَفَّالِ هَذَا الْأَخِيرَ، وَأَنَّ مُجَرَّدَ تَزْيِينِ الْأَبِ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ لَا يَقْتَضِي تَمْلِيكَهُ بِاتِّفَاقِ الْأَصَحِّ وَمُقَابِلِهِ الْمَذْكُورَيْنِ وَمِنْ ثَمَّ ضَعَّفَ كَلَامَ الْقَفَّالِ هَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ السُّبْكِيّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَالْأَزْرَقِيُّ الْيَمَنِيُّ وَغَيْرُهُمْ، وَسُكُوتُ آخَرِينَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ لِلْعِلْمِ بِضَعْفِهِ مِمَّا قَدَّمُوهُ قَبْلَهُ، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ السَّائِلِ، وَمِمَّا تَقَرَّرَ مِنْ عِبَارَةِ الْقَفَّالِ الَّتِي نَقَلَهَا عَنْهُ فِي الْكَافِي يُعْلَم رَدُّ قَوْلِ السَّائِلِ، فَهَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَكُونُ مِلْكًا لِلْأَبِ أَوْ يَكُونُ لِلْوَلَدِ؟ وَوَجْهُ رَدِّهِ أَنَّ عِبَارَةَ الْكَافِي الْمَذْكُورَةَ صَرِيحَةٌ وَاضِحَةٌ فِي أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ يَصِيرُ مِلْكًا لِلْوَلَدِ، لَكِنْ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ بَلْ شَاذٌّ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَهَبَ بَعْضَ أَوْلَادِهِ عَيْنًا دُونَ الْآخَرِينَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يُكْرَهُ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ وَإِنْ عَلَا كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ خِلَافًا لِابْنِ حِبَّانَ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَإِنْ أَطَالَ فِي الِاسْتِدْلَالِ لَهُ فِي صَحِيحِهِ أَنْ يَهَبَ لِأَحَدٍ مِنْ أَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلُوا أَكْثَرَ مِمَّا يَهَبُ لِغَيْرِهِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ كَالِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ أَوْ ابْنِ الْبِنْتِ، كَمَا شَمِلَهُ إطْلَاقُهُمْ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا وَالْمُتَبَادَرُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ اهـ، وَذَلِكَ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ وَلِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْعُقُوقِ. وَبَحَثَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَنَّ مَحَلَّ كَرَاهَةِ ذَلِكَ إنْ اسْتَوَتْ حَاجَاتُهُمْ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَتْ لِانْتِفَاءِ الْمَحْذُورِ السَّابِقِ حِينَئِذٍ قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ، وَإِذَا ارْتَكَبَ التَّفْضِيلَ الْمَكْرُوهَ فَالْأَوْلَى أَنْ يُعْطِيَ الْآخَرَيْنِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْعَدْلُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ سُنَّ لَهُ عَلَى مَا حَكَاهُ فِي الْبَحْرِ أَنْ يَرْجِعَ أَيْ فِي الْكُلِّ عِنْدَ التَّخْصِيصِ وَفِي الزَّائِدِ فَقَطْ عِنْدَ التَّفْضِيلِ، قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَلَا كَرَاهَةَ فِي التَّخْصِيصِ وَلَا يُسْتَحَبُّ الرُّجُوعُ حَيْثُ رَضِيَ الْمَحْرُومُ بِذَلِكَ لِدِينِهِ أَوْ لِغِنَاهُ، أَوْ عُلِمَ مِنْهُ ذَلِكَ بِصَرِيحِ قَوْلِهِ وَثِقَتِهِ بِهِ، أَوْ أَذِنَ ابْتِدَاءً فِي الْهِبَةِ لِأَخِيهِ دُونَهُ، أَوْ الْتَمَسَ هُوَ لَهُ ذَلِكَ. أَمَّا الرُّجُوعُ عِنْدَ الْعَدْلِ بَيْنَهُمْ فِي هِبَةِ الْجَمِيعِ أَوْ فِي هِبَةِ بَعْضِهِمْ فَمَكْرُوهٌ إلَّا إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ لِدَيْنٍ أَوْ نَفَقَةِ عِيَالٍ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَإِلَّا لِمَصْلَحَةٍ كَأَنْ يَكُونُوا عَقَقَةً أَوْ يَسْتَعِينُوا بِمَا أَعْطَاهُ لَهُمْ فِي مَعْصِيَةٍ وَأَصَرُّوا عَلَيْهَا بَعْدَ إنْذَارِهِ لَهُمْ بِالرُّجُوعِ، فَلَا يُكْرَهُ كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ: بَلْ الْقِيَاسُ اسْتِحْبَابُ الرُّجُوعِ فِي الثَّانِيَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا وَبَحَثَ فِي الْعَاقِّ أَنَّ الرُّجُوعَ إنْ زَادَهُ عُقُوقًا كُرِهَ أَوْ أَزَالَ عُقُوقَهُ اُسْتُحِبَّ، وَإِنْ لَمْ يُفِدْ شَيْئًا فِيهِمَا أُبِيحَ، قَالَ: وَيُحْتَمَلُ اسْتِحْبَابُ عَدَمِهِ وَقَوْلُهُ: إنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا وَافَقَهُ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ فَقَالَ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ يَسْتَعِينُ بِهِ فِي مَعْصِيَةٍ، وَتَعَيَّنَ الرُّجُوعُ طَرِيقًا فِي كَفِّهِ أَوْ انْكِفَافِهِ عَنْهَا أَنَّهُ يَجِبُ الرُّجُوعُ حِينَئِذٍ فَتَأَمَّلْهُ. تَجِدْهُ حَقًّا إنْ شَاءَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اهـ. وَبَحَثَ أَيْضًا تَحْرِيمَ الْهِبَةِ لِمَنْ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَصْرِفُ ذَلِكَ فِي الْمَعَاصِي لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِعَانَةِ عَلَيْهَا، وَيُسَنُّ لِلْوَلَدِ الْعَدْلُ فِي هِبَتِهِ لِوَالِدَيْهِ فَإِنْ أَرَادَ تَفْضِيلَ أَحَدِهِمَا فَالْأُمُّ أَوْلَى قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ: أَنَّ نَحْوَ الْإِخْوَةِ لَا يَجْرِي فِيهِمْ هَذَا الْحُكْمُ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيُحْتَمَلُ طَرْدُهُ لِلْإِيحَاشِ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمَحْذُورَ فِي الْأَوْلَادِ عَدَمُ الْبِرِّ وَهُوَ وَاجِبٌ قَالَ: وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمْ مَطْلُوبَةٌ لَكِنْ دُونَ طَلَبِهَا فِي الْأَوْلَادِ، وَاَللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَم. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ الْغَزَالِيِّ فِي الْإِحْيَاءِ: لَوْ طَلَبَ مِنْ إنْسَانٍ أَنْ يَهَبَهُ مَالًا فِي مَلَأٍ مِنْ النَّاسِ مَثَلًا فَاسْتَحَى مِنْهُمْ أَنْ لَا يُعْطِيَهُ وَكَانَ يَوَدُّ أَنْ يَكُونَ فِي خَلْوَةٍ فَلَا يُعْطِيهِ، فَوَهَبَ لَهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ ذَلِكَ كَالْمُصَادِرِ، وَكَذَا كُلُّ مَنْ وَهَبَ لَهُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ أَوْ شَرِّ

سِعَايَتِهِ اهـ. وَإِذَا كَانَ شَخْصٌ فِي بِلَادِنَا بِبَجِيلَةٍ حَضَرَ بَعْضَ أَسْوَاقِهِمْ وَجَلَسَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ السُّوقِ وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَقَالَ لَهُمْ: أَطْلُبُ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ثُمَّ مِنْ كُلِّ رَجُلٍ مِنْكُمْ يُعْطِنِي مُحَلِّقًا مَثَلًا ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: وَالْفَقِيرُ مِنْكُمْ وَالْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لَا أَطْلُبُ مِنْهُ شَيْئًا فَأَجَابُوهُ وَسَلَّمُوا إلَيْهِ ذَلِكَ بِانْشِرَاحِ صَدْرٍ وَبَشَاشَةِ وَجْهٍ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ غَيْرِ إلْحَاحٍ مِنْ السَّائِلِ وَلَا تَذَلُّلٍ وَلَا إظْهَارِ فَاقَةٍ وَلَا إيذَاءٍ لِمَسْئُولٍ، فَهَلْ يَكُونُ كَمَسْأَلَةِ الْغَزَالِيِّ الْمَذْكُورَةِ أَمْ لَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ قَرِيبًا، وَلِكَوْنِهِ لَمْ يَقْصِدْ وَاحِدًا مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ، وَلِكَوْنِ السَّائِلِ يَتَحَقَّقُ وَيَتَيَقَّنُ أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي خَلْوَةٍ لَأَعْطَاهُ ذَلِكَ الْقَدْرِ وَأَكْثَرَ مِنْهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَدَارَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْقَرَائِنِ الْمُحْتَفَّةِ بِالْأَخْذِ أَوْ بِالسُّؤَالِ أَوْ بِالْإِعْطَاءِ، وَالْمُوَفَّقُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ تِلْكَ الْمَخَايِلُ وَالْقَرَائِنُ، فَمَتَى ظَهَرَ لَهُ مِنْ حَالِ الْمُعْطِي قَرَائِنُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى إعْطَائِهِ لَهُ مَا سَأَلَهُ فِيهِ، بَلْ وَمَا لَمْ يَسْأَلْهُ مُجَرَّدُ الْحَيَاءِ امْتَنَعَ عَلَيْهِ أَخْذُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ نَفْسَ مَالِكِهِ لَمْ تَسْمَحْ بِهِ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ وَانْشِرَاحٍ. وَإِنَّمَا الْحَامِلُ لَهُ عَلَيْهِ خَوْفُهُ مِنْ أَلْسِنَةِ النَّاسِ وَمِنْ ثَمَّ أَلْحَقَ الْغَزَالِيُّ بِذَلِكَ هَدِيَّةَ الْقَادِمِ إذَا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ مِنْ حَالِهِ أَنَّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى تَفْرِقَتِهَا عَلَى أَصْدِقَائِهِ وَجِيرَانِهِ خَوْفُ أَلْسِنَتِهِمْ وَمَذَمَّتُهُمْ فَهَذَا مَمْنُوعٌ مِنْ قَبُولِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَالِكَهُ لَمْ يَسْمَحْ بِهِ كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا إذَا دَلَّتْ الْقَرَائِنُ عَلَى طِيبِ نَفْسِهِ بِذَلِكَ بِأَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ أَمَارَةُ الرِّضَا بِذَلِكَ وَظَنَّ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِمَحَلِّ خَلْوَةٍ وَسُئِلَ أَعْطَى جَازَ قَبُولُ مَا أَعْطَاهُ، وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَاضٍ بِهَذَا التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْته، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ شَخْصٍ مَلَّكَ شَخْصًا عَقَارًا نَحْوَ أَرْضٍ وَقَبِلَ مِنْهُ فِي الْمَجْلِسِ وَأَذِنَ الْمَالِكُ فِي تَسْلِيمِهِ بِالْكُلِّيَّةِ وَاعْتَرَفَ الْمُمَلِّكُ لَهُ بِالتَّسْلِيمِ وَالْجَوَازِ قَبْلَ التَّمْلِيكِ مَثَلًا فَهَلْ يَكْفِي اعْتِرَافُهُ بِذَلِكَ وَالْحَالُ أَنَّ الْمَالَ فِي بَلْدَةٍ غَيْرِ بَلْدَةِ التَّمْلِيكِ، وَهَلْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالْحَوْزِ بَعْدَ التَّمْلِيكِ وَالْإِذْنِ وَبَعْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ يَصِلُ إلَيْهِ؟ وَهَلْ يُشْتَرَطُ وُصُولُهُ إلَيْهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ أَوْ يَكْفِي مُضِيُّ زَمَنٍ يَصِلُ إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ؟ وَهَلْ يَكُونُ حُكْمُ الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ فِي التَّسْلِيمِ كَذَلِكَ كَمَا ذُكِرَ؟ وَإِذَا رَجَعَ الْمُمَلِّكُ قَبْلَ مُضِيِّ الزَّمَنِ الَّذِي يَصِلُ إلَيْهِ وَقَبْلَ الْحَوْزِ هَلْ يَصِحُّ رُجُوعُهُ وَيَمْلِكُهُ مَالِكُهُ الْأَوَّلُ وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ، وَلَا اعْتِبَارَ بِمَا وَقَعَ بَيْنَهُمَا مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ؟ أَمْ لَا؟ وَمَا صُورَةُ الْحَوْزِ؟ إذَا كَانَ أَرْضًا بَيْضَاءَ أَوْ دَارًا أَوْ نَخْلًا مَثَلًا هَلْ يَكْفِي الْوُقُوفُ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ؟ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْأَرْضِ بِالْحَرْثِ وَالزَّرْعِ؟ وَالدَّارِ بِالسُّكْنَى وَالْإِسْكَانِ؟ وَالنَّخْلِ بِالتَّصَرُّفِ؟ وَمَا قَوْلُكُمْ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْكُمْ - أَيْضًا إذَا مَلَكَهُ وَأُخْلِيَ لَهُ ذَلِكَ ثُمَّ إنَّ الْمُمَلِّكَ أَبَاحَهُ لِلْمَالِكِ الْأَوَّلِ مِدَّةً قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَالْحَوْزِ، فَهَلْ تَصِحُّ هَذِهِ الْإِبَاحَةُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ التَّسْلِيمِ وَالْحَوْزِ ثُمَّ الْإِبَاحَةُ؟ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إذَا وَهَبَ الْإِنْسَانُ أَوْ رَهَنَ أَوْ بِيَعِ لَهُ مَا تَحْتَ يَدِهِ لَمْ يَحْصُلْ الْقَبْضُ إلَّا بِإِذْنِ نَحْوَ الْوَاهِبِ وَمُضِيِّ زَمَنٍ بَعْدَ الْإِذْنِ يُمْكِنُ فِيهِ السَّيْرُ إلَى ذَلِكَ وَالتَّخْلِيَةُ مِنْ مَتَاعِ غَيْرِهِ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ، وَالنَّقْلُ فِي الْمَنْقُولِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُتَّهَبِ التَّصَرُّفُ فِي الْمَوْهُوبِ لَهُ الْغَائِبِ عَنْ بَلَدِهِ إلَّا بَعْدَ الْإِذْنِ وَمُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَمُجَرَّدُ اعْتِرَافِهِ الْمَذْكُورِ فِي السُّؤَالِ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ قَبْلَ الْإِذْنِ، وَكَذَا بَعْدَهُ وَقَبْلَ مُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُصُولُ الْمُتَّهَبِ إلَيْهِ بِنَفْسِهِ وَلَا بِوَكِيلِهِ، وَأَنَّ الْقَبْضَ فِي نَحْوِ الْأَرْضِ وَالدَّارِ وَالنَّخْلِ بِالتَّخْلِيَةِ وَالتَّفْرِيغِ مِنْ أَمْتِعَةِ غَيْرِ الْمُتَّهَبِ، وَإِنْ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ، وَأَنَّهُ لَا تَصِحُّ إبَاحَةُ الْمُتَّهَبِ مَا وُهِبَ لَهُ لِلْوَاهِبِ قَبْلَ قَبْضِهِ حِسًّا فِي الْحَاضِرِ وَتَقْدِيرًا فِي الْغَائِبِ كَمَا ذُكِرَ. وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُمْ لَوْ مَلَكَ شَيْئًا وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَأَبَاحَهُ صَحَّ؛ لِأَنَّ هَذَا فِيمَا مَلَكَ بِنَحْوِ بَيْعٍ فَكَانَتْ الْإِبَاحَةُ فِيهِ مُتَضَمَّنَةً لِلْقَبْضِ، وَأَمَّا الْهِبَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهَا لَا تَقْتَضِي الْمِلْكَ أَصْلًا، فَلَمْ يُمْكِنْ الْقَوْلُ بِصِحَّةِ الْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ فِي مَمْلُوكٍ وَنَحْوِهِ وَلَا مِلْكَ هُنَا وَلَا اسْتِحْقَاقَ قَبْلَ الْقَبْضِ بِوَجْهٍ، وَقَبْضُ الْحِصَّةِ الشَّائِعَةِ فِي نَحْوِ الْهِبَةِ بِقَبْضِ الْجَمِيعِ، وَلَا يُشْتَرَطُ إذْنُ الشَّرِيكِ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ مَلَّكَ شَخْصًا حِصَّةً مُشَاعَةً مِنْ دُورٍ مُشْتَرَكَةٍ مُسْتَأْجَرَةٍ مُدَّةً طَوِيلَةً وَهِيَ مَشْغُولَةٌ بِأَمْتِعَةِ الْمُسْتَأْجِرِينَ وَأَذِنَ لَهَا فِي تَسَلُّمِهَا مَثَلًا فَهَلْ تَصِحُّ الْهِبَةُ وَيَتَوَقَّفُ الْقَبْضُ عَلَى إذْنِ الشَّرِيكِ فَإِنْ امْتَنَعَ أَجْبَرَهُ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: التَّمْلِيكُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ وَيَصِحُّ قَبْضُهُ إذَا خَلِيَتْ الدُّورُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ أَمْتِعَةِ غَيْرِ الْمُتَّهَبِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى إذْنِ الشَّرِيكِ نَعَمْ إنْ امْتَنَعَ ذَوُو الْأَمْتِعَةِ مِنْ نَقْلِهَا أَمَرَ الْقَاضِي مَنْ يَنْقُلُهَا حَتَّى يَصِحَّ، وَأُجْرَةُ ذَلِكَ عَلَى الْمُتَّهَبِ هَذَا هُوَ قِيَاسُ كَلَامِهِمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ عَمَّنْ سَلَّمَ لِزَوْجَتِهِ حُلِيًّا قَبْلَ وَطِئَهَا ثُمَّ اخْتَلَفَا فَادَّعَتْ مِلْكَهُ وَادَّعَى بَقَاءَهُ عَلَى مِلْكِهِ، وَمَا يُرْسِلُ بِهِ أَبُو الزَّوْجَةِ يَوْمَ ثَامِنِ التَّزْوِيجِ إلَى بَيْتِ بِنْتِهِ مِنْ مَطْعُومٍ وَمَلْبُوسٍ وَحَيَوَانٍ يَبْقَى وَيُتَوَلَّدُ، هَلْ تَمْلِكُهُ الْبِنْتُ أَوْ زَوْجُهَا وَمَا حُكْمُ النُّقُوطِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْعِبْرَةُ فِي ذَلِكَ بِنِيَّةِ الدَّافِعِ فَإِنْ نَوَى فِي الْأَوَّلِ أَنَّهُ دَفَعَهُ لَهَا عَمَّا لَهَا عَلَيْهِ سَقَطَ مِمَّا لَهَا عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِهِ بِقَدَرِهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ رَجَعَ عَلَيْهَا بِهِ وَطَالَبَتْهُ بِمَا لَهَا عَلَيْهِ، إذْ لَا بُدَّ حِينَئِذٍ مِنْ شُرُوطِ الِاسْتِبْدَالِ، وَلَمْ تُوجَدْ فَإِنْ نَوَى الْقَرْضَ مَلَكَتْهُ مِلْكَ قَرْضٍ وَرَجَعَ عَلَيْهَا بِبَدَلِهِ أَوْ الْهَدِيَّةِ أَوْ الْهِبَةِ مَلَكَتْهُ بِشَرْطِ الْإِقْبَاضِ أَوْ الْإِذْنِ فِيهِ، وَكَذَا حُكْمُ مَا يُرْسِلُ بِهِ أَبُوهَا لِبَيْتِهَا، فَإِنْ نَوَاهَا أَوْ الزَّوْجَ عُمِلَ بِهِ، وَإِلَّا رَجَعَ إلَيْهِ. وَالنُّقُوطُ أَفْتَى الْأَزْرَقِيُّ وَالنَّجْمُ الْبَالِسِيُّ بِأَنَّهُ قَرْضٌ فَيَرْجِعُ بِهِ دَافِعُهُ، وَخَالَفَهُمَا الْبُلْقِينِيُّ وَالْعَادَةُ الْغَالِبَةُ قَاضِيَةٌ بِأَنَّ أَحَدًا لَا يُعْطِي شَيْئًا مِنْهُ إلَّا بِقَصْدِ أَنْ يُدْفَعَ إلَيْهِ مِثْلُهُ إذَا عَمِلَ نَظِيرَ ذَلِكَ الْفَرَحِ، وَقَاعِدَةُ أَنَّ الْعَادَةَ مُحْكَمَةٌ تُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا إذَا أَرْسَلَ إنْسَانٌ إلَى بَلَدٍ مُعَيَّنَةٍ مَالًا لِيَتَصَدَّقَ بِهِ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ وَعَيَّنَ مِنْ ذَلِكَ لِقَاضِيهَا مِقْدَارًا مُعَيَّنًا مَثَلًا وَكَانَ مُتَوَلِّي قَضَاهَا فِي زَمَنِ الْإِرْسَالِ وَالتَّعْيِينِ شَخْصًا مَعْلُومًا وَلَمْ يَزَلْ مُتَوَلِّيًا بِهَا إلَى أَنْ وَصَلَ الْمَالُ الْمَذْكُورُ مَثَلًا وَوُضِعَ فِي حَاصِلٍ مَخْتُومٍ عَلَيْهِ بِخَتْمِ الْقَاضِي الْمَذْكُورِ مَثَلًا وَاسْتَمَرَّ مُدَّةً عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ وَرَدَ إلَى تِلْكَ الْبَلْدَةِ عَزْلُ الْقَاضِي الْمَذْكُورِ وَوِلَايَةُ غَيْرِهِ قَبْلَ قَبْضِ الْقَاضِي الْأَوَّلِ لِلْقَدْرِ الْمَذْكُورِ مِنْ الْمَالِ الْمَذْكُورِ، مَعَ إمْكَانِ ذَلِكَ قَبْلَ وُرُودِ الْعَزْلِ الْمَذْكُورِ، وَمَعَ اطِّرَادِ الْعَادَةِ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ بِأَنَّهُ مَهْمَا عُيِّنَ لِذَوِي الْوِلَايَاتِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ الصَّدَقَاتِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مُسْتَمِرَّةٍ وَمَرْتَبَةِ الْوَارِدَةِ إلَى تِلْكَ الْبَلْدَةِ يُصْرَفُ ذَلِكَ لِمَنْ كَانَ مُتَوَلِّيًا يُبَاشِرُ تِلْكَ الْوَظِيفَةِ فِي زَمَنِ وُصُولِ تِلْكَ الصَّدَقَةِ. وَأَمَّا الْمُرَتَّبَاتُ فَكُلُّ إنْسَانٍ يَأْخُذُ مِنْهَا بِقَدْرِ زَمَنِ مُبَاشَرَتِهِ لِتِلْكَ الْوَظِيفَةِ سَوَاءٌ وَصَلَتْ فِي زَمَنِ وِلَايَتِهِ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَهَلْ الْمُسْتَحِقُّ الْآنَ لِقَبْضِ الْقَدْرِ الْمُعَيَّنِ الْمَذْكُورِ الْقَاضِي الْأَوَّلُ أَمْ الْقَاضِي الثَّانِي؟ أَوْ لَا هَذَا وَلَا هَذَا؟ وَإِذَا كَانَ الْقَاضِي الثَّانِي قَدْ وَلَّاهُ الْقَضَاءَ وَلِيُّ الْأَمْرِ مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْبَلْدَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي زَمَنٍ هُوَ قَبْلَ زَمَنِ وُصُولِ مَالِ الصَّدَقَةِ إلَى الْبَلْدَةِ الْمَذْكُورَةِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَصِلْ خَبَرُ وِلَايَتِهِ إلَيْهَا وَلَمْ يَبْلُغْ الْقَاضِيَ الْأَوَّلَ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ وُصُولِ الْمَالِ الْمَذْكُورِ بِمُدَّةٍ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ فَهَلْ وُقُوعُ ذَلِكَ، وَالْحَالَةُ هَذِهِ مَانِعٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْقَاضِي الْأَوَّلِ لِلْقَدْرِ الْمُعَيَّنِ الْمَذْكُورِ اعْتِبَارًا بِتَقْدِيمِ زَمَنِ وِلَايَةِ الْقَاضِي الثَّانِي فِي الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ؟ أَوْ وُقُوعِ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَانِعٍ لِاسْتِحْقَاقِ الْقَاضِي الْأَوَّلِ لِذَلِكَ اعْتِبَارًا بِمُبَاشَرَتِهِ وَنُفُوذِ قَضَائِهِ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ لِعَدَمِ بُلُوغِهِ خَبَرَ الْعَزْلِ الْمَذْكُورِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: بِاسْتِحْقَاقِ الْمَعْزُولِ لِأُمُورٍ مِنْهَا فِي الْمَطْلَبِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ جَعَلَ الْوَاقِفُ التَّوْلِيَةَ لِلْأَفْضَلِ أَوْ الْأَرْشَدِ مِنْ ابْنَيْهِ وَاسْتَقَرَّتْ عَلَى وَاحِدٍ ثُمَّ حَدَثَ فِيهِمْ أَفْضَلُ مِنْهُ، لَمْ تَنْتَقِلْ إلَيْهِ وَهَذَا يَشْهَدُ لِاسْتِحْقَاقِ الْمَعْزُولِ؛ لِأَنَّهُمْ كَمَا نَظَرُوا لِلْمُتَّصِفِ بِالْأَفْضَلِيَّةِ حَالَ جَعْلِ الْوَاقِفِ وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى صَيْرُورَتِهِ مَفْضُولًا، كَذَلِكَ يُنْظَرُ حَالَ قَوْلِ الْمُتَصَدِّقِ لِلْمُتَّصِفِ بِالْقَضَاءِ. وَإِنْ صَارَ بَعْدَ ذَلِكَ غَيْرَ مُتَّصِفٍ بِهِ، وَمِمَّا يَدُلُّ لَهُ أَيْضًا قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا: لَوْ أَوْصَى لِمَوَالِيهِ أَوْ وَقَفَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَدْخُلْ مَنْ يَعْتِقُ بِمَوْتِهِ كَالْمُسْتَوْلَدَةِ وَالْمُدَبَّرِ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الْمَوَالِي حَالَ الْوَصِيَّةِ، فَكَذَا يُعَلَّلُ بِنَظِيرِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَيُقَالُ: الثَّانِي لَيْسَ بِقَاضٍ حَالَ قَوْلِ الْمُتَصَدِّقِ فَإِنْ

قُلْت: صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ دَخَلَ فِيهِمْ مَنْ يَحْدُثُ لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ قُلْت: الْفَرْقُ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْأَوْلَادِ وَالْإِخْوَةِ وَنَحْوِهِمْ وَقْفٌ عَلَى جِهَةٍ فَلَمْ يَنْظُرُوا فِيهَا لِلْأَفْرَادِ، فَدَخَلَ غَيْرُ الْمَوْجُودِ تَبَعًا لَهُ وَهُنَا النَّظَرُ إلَى صِدْقِ هَذَا اللَّفْظِ حَالَ الْوَقْفِيَّةِ، فَمَنْ صَدَقَ عَلَيْهِ اسْتَحَقَّ وَمَنْ لَا فَلَا. وَسَيَأْتِي مَا يُوَضِّحُ ذَلِكَ مِنْ أَنَّ لَفْظَ الْمَوْلَى مِنْ بَابِ الْمُشْتَرَكِ وَلَفْظَ الْأَوْلَادِ مِنْ بَابِ الْمُتَوَاطِئِ وَمَسْأَلَتُنَا كَذَلِكَ مِنْ بَابِ الْمُشْتَرَكِ لَا الْمُتَوَاطِئِ، وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ أَنَّ كُلًّا لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِالْقَبُولِ، أَمَّا الْوَصِيَّةُ وَالصَّدَقَةُ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا الْوَقْفُ فَعَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ اضْطِرَابٍ طَوِيلٍ إنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا لَا جِهَةً، وَكَمَا أَنَّ الصَّدَقَةَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْقَبْضِ كَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ مُتَوَقِّفَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ عَلَى الْقَبُولِ وَلَمْ يَنْظُرُوا لِوُجُودِهِ حَالَ الْمَوْتِ، بَلْ نَظَرُوا لِوُجُودِهِ حَالَ الْوَصِيَّةِ فَكَذَا يُنْظَرُ هُنَا لِلْوَصْفِ حَالَ قَوْلِهِ أَعْطُوا. فَإِنْ قُلْت: إنَّمَا يَتِمُّ ذَلِكَ إنْ لَوْ كَانَ الْمَوْلَى حَالَ الْوَصِيَّةِ يَدْخُلُ وَإِنْ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مَوْلًى حَالَ الْمَوْتِ كَانَ كَافِرًا فَحَارَبَ وَاسْتُرِقَّ قُلْت: ذَاكَ مُتَعَدٍّ فَلَا يُنَاسِبُهُ الْإِعْطَاءُ؛ لِأَنَّهُ أَزَالَ الْوَصْفَ الْمُقْتَضِيَ لِاسْتِحْقَاقِهِ بِاخْتِيَارِهِ وَلَا كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا، ثُمَّ رَأَيْت الْمُحَقِّقَ أَبَا زُرْعَةَ قَالَ فِي بَابِ الْهِبَةِ مَعَ بَابِ الْوَصِيَّةِ مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ: وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ تَمْلِيكًا مُنَجَّزًا وَالْآخَرُ مُعَلَّقًا عَلَى الْمَوْتِ، لَكِنْ جَمَعَهُمَا الْمَوْتُ وَالشَّيْخَ الْإِمَامَ أَبَا حَسَنٍ السُّبْكِيّ أَشَارَ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْأَذْرَعِيُّ. وَأَقَرَّهُ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي قَبُولِ الْوَقْفِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي قَبُولِ الصَّدَقَةِ النَّاجِزَةِ، فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ بَابَ الْوَصِيَّة وَالْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ الْمُدَّعَى وَمِمَّا قَدْ يَدُلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ الْبَغَوِيِّ لَوْ أَوْصَى لِطَلَبَةِ الْعِلْمِ صُرِفَ إلَى مَنْ دَخَلَ فِي طَلَبِهِ يَوْمئِذٍ اهـ. فَاعْتُبِرَ يَوْمُ الْوَصِيَّةِ مَعَ أَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْمَوْتِ بِشَرْطِ الْقَبُولِ، وَمِمَّا يَدُلُّ لَهُ دَلَالَةً قَوِيَّة قَوْلُهُمْ لَوْ مَاتَ الْمُجَاهِدُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَقَبْلَ حِيَازَة الْمَالِ أُسْهِمَ لَهُ، وَثَبَتَ لِلْوَرَثَةِ حَقُّ الْمِلْك أَوْ التَّمْلِيكِ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ نِزَاعٍ مَعَ أَنَّ الْغَنِيمَةَ إنَّمَا تُمَلَّكُ بِالْحِيَازَةِ أَوْ اخْتِيَارِ التَّمْلِيكَ، فَنَظَرُوا لِجَرَيَانِ سَبَبِ الْمِلْك فِي حَيَاتِهِ، وَإِنْ لَمْ يُوجِدْ الْمِلْكُ نَفْسُهُ فِيهَا، وَلَمْ يَنْظُرُوا لِمَوْتِهِ قَبْلَ حُصُولِ الْمِلْكِ الْمُقْتَضِي لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ، فَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا جَرَى سَبَبُ الْمِلْكِ فِي حَالِ وِلَايَتِهِ فَلْيَسْتَحِقَّ إذْ طُرُوُّ عَزْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَطُرُوِّ مَوْتِ الْمُجَاهِدِ. فَإِنْ قُلْت: أَيُّ جَامِعٍ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ؟ قُلْت: الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ وَهُوَ أَنَّ الِاتِّصَافِ بِكُلٍّ مِنْ الصِّفَتَيْنِ أَعْنِي الْقَضَاءَ وَحُضُورَ الْوَقْعَةِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ مُقْتَضٍ لِلِاسْتِحْقَاقِ، وَقَدْ أَعْطَوْا الْمُتَّصِفَ بِحُضُورِ الْوَقْعَةِ مَعَ زَوَالِ أَهْلِيَّتِهِ قَبْلَ حُصُولِ الْمِلْكِ فَكَذَلِكَ يُعْطَى هُنَا الْمُتَّصِفُ بِالْقَضَاءِ مَعَ زَوَالِ صِفَتِهِ وَبَقَاءِ أَهْلِيَّتِهِ بِالْمُسَاوَاةِ، بَلْ بِالْأَوْلَى وَمِمَّا يَشْهَدُ لِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُمْ: لَوْ أَوْصَى لِحُرٍّ فَرُقَّ لَمْ تَكُنْ الْوَصِيَّةُ لِسَيِّدِهِ بِحَالٍ، بَلْ مَتَى عَتَقَ فَهِيَ لَهُ فَإِنْ مَاتَ رَقِيقًا بَعْدَ مَوْتِ الْوَصِيِّ كَانَ الْمُوصَى بِهِ فِي أَعْلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرُوهُ فِي مَالِ مَنْ اُسْتُرِقَّ بَعْدَ نَقْضِ أَمَانِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ نَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُبْطِلُوا الْوَصِيَّةَ لَهُ بِطُرُقِ رِقِّهِ، بَلْ نَظَرُوا لِاتِّصَافِهِ بِالْحُرِّيَّةِ الْمُقْتَضِي لِاسْتِحْقَاقِهِ حَالَ الْوَصِيَّةِ، وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى أَنَّ طُرُوَّ الْوَصْفِ الْمُقْتَضِي لِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ وَهُوَ الرِّقُّ، بَلْ أَوْقَفُوا الْأَمْرَ إلَى تَأَهُّلِهِ لِلْإِعْطَاءِ، فَإِنْ تَأَهَّلَ لَهُ بِأَنْ عَتَقَ أُعْطِيَ وَإِلَّا كَانَ فَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ إعْطَاؤُهُ لِمُسْتَحِقِّهِ لِاتِّصَافِهِ بِالرِّقِّ الْمَانِع مِنْ ذَلِكَ إلَى الْمَوْتِ. وَفِي مَسْأَلَتِنَا الْوَصْفُ وَإِنْ زَالَ الْمَوْصُوفُ بِهِ مُتَأَهِّلٌ لِلْإِعْطَاءِ فَلْيُعْطَ عَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرُوهُ؛ لِأَنَّهُ كَمَا لَمْ تَبْطُلْ الْوَصِيَّةُ بِطُرُوِّ الرِّقِّ كَذَلِكَ لَا يَبْطُلُ هُنَا الِاسْتِحْقَاقُ بِطُرُوِّ الْعَزْلِ وَعَدَمِ إعْطَاءِ الْمُوصَى لَهُ لِمَانِعٍ قَامَ بِهِ خَلَّى عَنْهُ الْقَاضِي فِي مَسْأَلَتِنَا، وَلِبَاحِثٍ أَنْ يَبْحَثَ وَيَأْخُذَ مِنْ هَذَا الْفَرْعِ أَنَّ الْمَالَ الْمُعَيَّنَ هُنَا لِلْقَاضِي يُوقَفُ فَإِنْ اتَّصَفَ الْمَعْزُولُ بِالصِّفَةِ بِأَنْ وُلِّيَ أَخَذَهُ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ اتِّصَافِهِ بِهَا كَانَ فَيْئًا وَيُجَابُ: بِأَنَّ سَبَبَ الْوَقْفِ ثَمَّ قِيَامُ مَانِعٍ بِالْمُوصَى إلَيْهِ لَا يُمْكِنُ الْإِعْطَاءُ مَعَهُ. وَهُنَا لَا مَانِعَ فَيُمْكِنُ الْإِعْطَاءُ وَإِنَّمَا كَانَ فَيْئًا ثَمَّ لِأَنَّهُ ذِمِّيٌّ مَاتَ لَا عَنْ وَارِثٍ وَلَهُ مَالٌ اسْتَحَقَّهُ قَبْلَ الرِّقِّ، وَمِمَّا يَشْهَدُ لِذَلِكَ أَيْضًا إفْتَاءُ ابْنِ الصَّلَاحِ وَنَقَلُوهُ عَنْهُ وَأَقَرُّوهُ فِي مَوْقُوفٍ عَلَى الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ وَالْمُقِيمِينَ بِدِمَشْقَ مِنْ أَهْلِهَا وَالْوَارِدِينَ مِنْ الشَّامِ إلَيْهَا دُونَ غَيْرِهِمْ، فَتَأَخُّرٌ مِنْهُ حَاصِلٌ وَتَأَخَّرَتْ قِسْمَتُهُ

حَتَّى وَرَدَ وَارِدٌ مِنْ الْمَوْصُوفِينَ، فَهَلْ يُقَاسِمُهُمْ؟ (فَأَجَابَ) : لَا يُسَاهِمُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا الرَّيْعَ قَبْلَ وُرُودِهِ، فَهَذِهِ نَظِيرُ مَسْأَلَتنَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْوَصْفُ الْحَادِثُ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِ الْقِسْمَةِ وَكَذَلِكَ الْوَصْفُ فِي مَسْأَلَتِنَا حَادِثٌ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِ الْقِسْمَةِ فَإِنْ قُلْت: يُنَاقِضُ ذَلِكَ مَا أَفْتَى بِهِ أَيْضًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ بِحُقُوقِهِ دَخَلَ فِيهِ مَا يَتَجَدَّدُ قُلْت: ذَاكَ إنَّمَا دَخَلَ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا، فَلَا تَنَاقُضَ لِاغْتِفَارِهِمْ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ دُخُولَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ تَبَعًا كَمَا يُعْرَفُ بِتَصَفُّحِ كَلَامِهِمْ فِيهَا وَمِمَّا يَشْهَدُ لِذَلِكَ أَيْضًا مَا صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ مِنْ أَنَّ لَفْظَ التَّصَدُّقِ صَرِيحٌ فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْ الرَّقَبَةِ فِي الْحَالِ إلَى الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ، فَيُؤْخَذُ مِنْهُ اعْتِبَارُ الصِّفَةِ حَالَ اللَّفْظِ بِالتَّصْدِيقِ وَعَدَمُ النَّظَرِ إلَى حَالِ الصِّفَةِ الْمُتَجَدِّدَةِ. بَعْدُ وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ: الصَّحِيحُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ مَدَارُ الْمَذْهَبِ وَنَقَلَهُ الْأَثْبَاتُ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ. وَاعْتَمَدَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ إيجَابٌ وَلَا قَبُولٌ، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْأَطْعِمَةِ وَغَيْرِهَا، ثُمَّ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ أَنَّ الْقَبْضَ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِلُّزُومِ أَيْ لَا لِلْمِلْكِ أَوْ شُبْهَةِ الْمِلْكِ، وَفَرَّعَا عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْوَاهِبُ أَوْ الْمَوْهُوبُ لَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَنْفَسِخُ بِهِ قَالَا: لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى اللُّزُومِ كَالْبَيْعِ الْجَائِزِ أَيْ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ فَأَفْهَمَ صَرِيحُ هَذَا أَنَّ الْمِلْكَ النَّاقِصَ أَوْ شُبْهَةَ الْمِلْكِ تَحْصُلُ قَبْلَ الْقَبْضِ. وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي الْمِنْهَاجِ وَأَصْلِهِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مِنْ حُصُولِ الْمِلْكِ بِالْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ قُلْت: صَرَّحَ ابْنُ سُرَيْجٍ بِأَنَّهُ لَوْ أَرْسَلَ صَدَقَةً مَعَ رَسُولِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَاسْتَرَدَّهَا مِنْ الطَّرِيقِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَإِذَا مَاتَ قَبْلَ وُصُولِهَا كَانَتْ تَرِكَةً، وَهَذَا يَقْتَضِي خِلَافَ مَا مَرَّ عَنْ الشَّيْخَيْنِ غَيْرِهِمَا قُلْت: لَا يُنَاقِضُهُ وَلَا يُخَالِفُهُ لِأَنَّا إنَّمَا أَثْبَتْنَا لَهُ شُبْهَةَ مِلْكٍ أَوْ مِلْكًا غَيْرَ تَامٍّ، وَإِنَّمَا يَرُدُّ ذَلِكَ أَنْ لَوْ أَثْبَتِنَا لَهُ مِلْكًا تَامًّا، وَكَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ رَسُولَ الْمُهْدِي لَوْ أَوْجَبَ فَقَبِلَ الْمَهْدِيُّ إلَيْهِ مَلَكَ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ. وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ: وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَمْلِكَ الْهَدِيَّةَ وَكَّلَ الرَّسُولَ الْحَامِلَ لَهَا حَتَّى يُوجِبَ وَيَقْبَلَ الْمُهْدَى إلَيْهِ فَيَمْلِكَ بِذَلِكَ. اهـ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَمْلِكُ بِالْقَبُولِ وَلَوْ بِغَيْرِ قَبْضٍ مِلْكًا تَامًّا، وَمُنَازَعَةُ ابْنِ الصَّبَّاغِ لِلشَّيْخِ إنَّمَا هِيَ مِنْ حَيْثِيَّةٍ أُخْرَى كَمَا يُعْلَمُ بِتَأَمُّلِ كَلَامِهِ وَكَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: يُعْمَلُ بِالْعُرْفِ فِي ذَلِكَ، وَمِمَّا يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الْإِمَامِ فِي النِّهَايَةِ وَالْغَزَالِيِّ فِي الْبَسِيطِ وَالْقُشَيْرِيِّ فِي الْمُوَضِّحِ الْعَادَةُ تُفَسِّرُ اللَّفْظَ الْمُجْمَلَ فِي الْعُقُودِ اتِّفَاقًا، فَانْظُرْ لِحِكَايَةِ الِاتِّفَاقِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ وَالصَّدَقَةُ مِنْ الْعُقُودِ جَزْمًا، وَقَوْلُهُ أَعْطَوْا الْقَاضِي الشَّافِعِيَّ كَذَا مُجْمَلٌ أَيُّ مُجْمَلٍ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْمُجْمَلَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ جَلِيٌّ، وَمِمَّا يَشْهَدُ لِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِي بَابِ النَّذْرِ: لَوْ نُذِرَ لِلْقَبْرِ الَّذِي بِجُرْجَانَ تَعَيَّنَ صَرْفُ ذَلِكَ إلَى الْجَمَاعَةِ الَّتِي جَرَتْ الْعَادَةُ أَنَّ مَا يَجْتَمِعُ يُقْسَمُ عَلَيْهِمْ عَمَلًا بِالْعُرْفِ، فَكَمَا تَعَيَّنَ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ مَعَ أَنَّ النَّاذِرَ لَمْ يَذْكُرْهُمْ، فَأَوْلَى فِي مَسْأَلَتِنَا، وَمِمَّا يَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَنَّ الْعُرْفَ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ يَنْزِلُ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ الْوَاقِفِ لَهُ فِي وَقْفِهِ صَرِيحًا حِينَئِذٍ، وَمِمَّا يَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا قَوْلُ الْقَمُولِيِّ: الْعُرْفُ الْخَاصُّ يُؤَثِّرُ كَالْعُرْفِ الْعَامِّ. وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ: مَتَى وُجِدَ اصْطِلَاحٌ سَابِقٌ وَجَبَ الْعَمَلُ بِقَضِيَّتِهِ، وَقَاعِدَةُ الْأَصْحَابِ فِي الْوَكَالَةِ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ: أَنَّ الْقَرِينَةَ قَدْ تَقْوَى فَيُتْرَكُ لَهَا إطْلَاقُ اللَّفْظِ، وَقَدْ يَتَعَادَلُ اللَّفْظُ وَالْقَرِينَةُ فَتَارَةً يَغْلِبُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ وَتَارَةً يَغْلِبُ مُقْتَضَى الْقَرِينَةِ، وَقَدْ أَوْضَحُوهُ بِصُوَرٍ فِي الْوَكَالَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمَعْزُولِ وَالْمُتَوَلِّي لِقَوْلِهِمْ: لَوْ انْدَرَسَ شَرْطُ الْوَاقِفِ وَلَمْ تُعْرَفْ مَقَادِيرُ الِاسْتِحْقَاقِ أَوْ كَيْفِيَّةُ التَّرْتِيبِ قُسِمَتْ الْغَلَّةُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ. وَيُجَابُ: بِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ كَمَا قَيَّدَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ عَنْ النَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِ بِأَنْ لَا تَكُونَ الْعَادَةُ قَاضِيَةً فِيهِ بِالتَّفْصِيلِ وَإِلَّا وَجَبَ عَمَلًا بِالْعَادَةِ وَبِأَنْ لَا يُوجَدَ اصْطِلَاحٌ سَابِقٌ، فَمَتَى وُجِدَ وَجَبَ الْعَمَلُ بِقَضِيَّتِهِ، وَمِمَّا يَشْهَدُ بِالِاشْتِرَاكِ بَيْنَهُمَا أَيْضًا قَوْلُ ابْنِ النَّقِيبِ: لَوْ وَقَفَ عَلَى مَوَالِيهِ وَأَطْلَقَ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إلَّا وَاحِدٌ وَحَمَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ وُجِدَ الْآخَرُ دَخَلَ، كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى الْإِخْوَةِ

فَحَدَثَ أَخٌ وَيُرَدُّ بِأَنَّ كَلَامَ ابْنِ النَّقِيبِ ضَعِيفٌ وَلَا شَاهِدَ لَهُ فِي الْقِيَاسِ عَلَى الْإِخْوَةِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَسْأَلَتِهِمْ وَمَسْأَلَةِ الْمَوَالِي؛ وَهُوَ أَنَّ إطْلَاقَ الْمَوَالِي عَلَى الْفَرِيقَيْنِ مِنْ الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ، وَقَدْ دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَى إرَادَةِ أَحَدَ مَعْنَيَيْهِ وَهِيَ الِانْحِصَارُ فِي الْوُجُودِ فَصَارَ الْمَعْنَى الْآخَرُ غَيْرَ مُرَادٍ. وَأَمَّا عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِمَا احْتِيَاطًا أَوْ عُمُومًا عَلَى خِلَافٍ فِي ذَلِكَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ، بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى الْإِخْوَةِ، فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ وَاحِدَةٌ، وَإِطْلَاقُ الِاسْمِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ الْمُتَوَاطِئِ فَمَنْ صَدَقَ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ اسْتَحَقَّ مِنْ الْوَقْفِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ عِنْدَ الْوَقْفِ إلَّا أَنْ يُقَيَّدَ بِالْمَوْجُودِينَ حَالَّةَ الْوَقْفِ فَيُتْبَعَ تَقْيِيدُهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: يُوقَفُ إلَى مُرَاجَعَةِ الْمُتَصَدِّقِ وَمِمَّا يَشْهَدُ لَهُ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ غَنِيَّةٌ عَنْ الْبَيَانِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: بِاسْتِحْقَاقِ الْمُتَوَلِّي وَمِمَّا يَشْهَدُ لَهُ؛ قَوْلُهُمْ: لَوْ أَوْصَى لَعَبْدٍ وَهُوَ مِلْكُ زَيْدٍ فَبَاعَهُ ثُمَّ مَاتَ الْمُوصِي وَقَبِلَ الْعَبْدُ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْمُشْتَرِي دُونَ الْبَائِعِ، حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الْقَسَامَةِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَبَنَاهُ هُنَا أَعْنِي فِي الْوَصِيَّةِ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تُمَلِّكْ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَوْتَ فِي الْوَصِيَّةِ كَقَوْلِ الْمُتَصَدِّقِ: أَعْطُوا فُلَانًا كَذَا بِجَامِعِ أَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ فِي الْوَصِيَّةِ هُوَ الْمَوْتُ بِشَرْطِ الْقَبُولِ، وَسَبَبَهُ هُنَا قَوْلُ الْمُتَصَدِّقِ: أَعْطُوا بِشَرْطِ الْقَبْضِ، وَالْمَوْتُ هُنَا هُوَ السَّبَبُ الْأَوَّلُ إنَّمَا وَقَعَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، فَكَانَ هُوَ الْمُسْتَحَقَّ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا، فَإِنَّ السَّبَبَ الْأَوَّلَ هُوَ قَوْلُ الْمُتَصَدِّقِ وَقَعَ فِي زَمَنِ وِلَايَةِ الْمَعْزُولِ. وَمِمَّا يَشْهَدُ لِاسْتِحْقَاقِ الْمُتَوَلِّي أَيْضًا مَا رَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِيمَا لَوْ شُرِطَ النَّظَرُ لِحَاكِمِ الْمُسْلِمِينَ بِبَلَدِ كَذَا فَنَصَّبَ الْقَاضِي وَاحِدًا ثُمَّ مَاتَ أَوْ انْعَزَلَ، مِنْ أَنَّ الْمَنْصُوبَ يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْقَاضِي الَّذِي نَصَّبَهُ وَانْعِزَالِهِ وَيَعُودُ النَّظَرُ فِيهِ إلَى الْقَاضِي الْجَدِيدِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ آلَ إلَيْهِ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ النَّائِبَ إنَّمَا انْعَزَلَ هُنَا لِانْعِزَالِ مَنْ نَابَ عَنْهُ فَهُوَ فَرْعٌ، وَالْفَرْعُ لَا يُمْكِنُ بَقَاؤُهُ بَعْد زَوَال الْأَصْل وَلَا كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتنَا. وَمِمَّا يَشْهَد لِاسْتِحْقَاقِهِ أَيْضًا قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرهمَا: لَوْ قَالَ لَا أَرَى مُنْكَرًا إلَّا رَفَعَتْهُ إلَى الْقَاضِي وَلَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا بِلَفْظِهِ وَلَا نِيَّتِهِ اخْتَصَّ بِقَاضِي الْبَلَد حَمْلًا لَهُ عَلَى الْمَعْهُود، وَهَلْ يَتَعَيَّن قَاضِي الْبَلَد فِي الْحَال لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ؟ أَمْ يَقُومُ مَقَامَهُ مَنْ يُنَصَّبُ بَعْدَهُ وَجْهَانِ أَوْ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا فِي الرَّوْضَة وَالثَّانِي قَالَ الرَّافِعِيُّ: حَمْلًا لِلْأَلِفِ وَاللَّام عَلَى تَعْرِيفِ الْجِنْس أَيْ: جِنْسِ قَاضِي الْبَلَد، فَلَوْ عَزَلَ الْأَوَّلَ وَوَلَّى غَيْرَهُ بَرَّ بِالرَّفْعِ إلَى الْمُتَوَلِّي دُونَ الْمَعْزُولِ، وَهَذَا فِيهِ دَلَالَةٌ قَوِيَّةٌ، بَلْ صَرِيحَةٌ عَلَى اسْتِحْقَاق الْمُتَوَلِّي فِي مَسْأَلَتنَا دُونَ الْمَعْزُول، وَقَدْ يُمْكِن تَمَحُّلُ فَرْقٍ لَا يَسْلَم مِنْ نِزَاعٍ، فَيَنْبَغِي إمْعَانُ النَّظَر فِي كُلِّ ذَلِكَ سِيَّمَا هَذَا الْآخَرُ، فَإِنَّهُ قَدْ يُدَّعَى أَنَّهُ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَاطِعٌ لِلنِّزَاعِ، فَحِينَئِذٍ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَال: إنْ اطَّرَدَتْ عَادَةٌ وَكَانَ الْمُتَصَدِّق مِنْ أَهْلِهَا وَلَمْ يُمْكِنْ مُرَاجَعَةُ الْمُتَصَدِّقِ، أَوْ رُوجِعَ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ عَمِلَ بِهَا، وَإِلَّا اسْتَحَقَّهُ الْمُتَوَلِّي عَمَلًا بِهَذَا الْفَرْع الْأَخِيرِ لِقُوَّةِ دَلَالَتِهِ بَلْ صَرَاحَتِهَا فِي ذَلِكَ. (سُئِلَ) عَمَّنْ وَهَبَ لِوَلَدِهِ عَيْنًا فَمَرِضَ الْوَلَدُ فَهَلْ لِلْأَبِ الرُّجُوعُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ لَهُ الرُّجُوعُ خِلَافًا لِمَنْ أَفْتَى بِعَدَمِهِ لِثُبُوتِهِ لَهُ مَا بَقِيَ الْمَوْهُوبُ فِي وِلَايَةِ الْمُتَّهَبِ، وَلَا نَظَرَ لِمَا يُتَخَيَّلُ مِنْ تَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِهِ بِالْمَرَضِ، وَفَارَقَ تَعَلُّقَ الْغُرَمَاءِ بِهِ عِنْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ بِالْفَلَسِ بِعَدَمِ مُزَاحَمَةِ أَحَدٍ لِلْأَبِ الْآنَ؛ إذْ الْوَرَثَةُ لَا حَقَّ لَهُمْ إلَّا بِالْمَوْتِ، بِخِلَافِ الْغُرَمَاءِ فَإِنَّ حَقَّهُمْ تَعَلَّقَ بِهِ بِمُجَرَّدِ الْحَجْرِ. (وَسُئِلَ) بِمَا صُورَتُهُ اخْتَلَفَ مَنْ بِيَدِهِ عَيْنٌ هُوَ وَوَاهِبُهَا لَهُ أَوْ وَارِثُهُ فِي الْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ أَوْ اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَادَّعَى أَحَدُهُمَا الرُّجُوعَ فَمَنْ الْمُصَدَّقُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يُصَدَّقُ الْوَاهِبُ أَوْ وَارِثُهُ فِي عَدَمِ الْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ، وَكَذَا إنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا الرُّجُوعَ عَنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ بِيَدِ الْمُتَّهَبِ فَإِنَّهُ الْمُصَدَّقُ حِينَئِذٍ، فَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَبَضَ عَنْ جِهَةٍ أُخْرَى كَوَدِيعَةٍ، أَوْ عَارِيَّةٍ صُدِّقَ الْمُتَّهَبُ أَيْضًا، كَمَا فِي اخْتِلَافِ الْمُرْتَهِنِ وَالرَّاهِنِ، لَكِنَّ لَهُمَا تَحْلِيفَهُ. (سُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ دَفَعَ لِزَوْجَتِهِ مَبْلَغًا وَقَالَ: اشْتَرِ بِهِ جَارِيَةً لِلْخِدْمَةِ، فَزَادَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الْمَبْلَغِ مِنْ عِنْدِهَا وَاشْتَرَتْ الْجَارِيَةَ لِنَفْسِهَا، ثُمَّ أَنَّ الزَّوْجَ وَطِئَ الْجَارِيَةَ فَحَمَلَتْ، فَأَتَى وَمَعَهُ رَجُلٌ آخَرُ إلَى شَخْصٍ يَسْأَلُهُ عَنْ الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ، وَاعْتَرَفَ فِي سُؤَالِهِ: بِأَنَّ الْجَارِيَةَ مِلْكٌ لِزَوْجَتِهِ

اشْتَرَتْهَا لِنَفْسِهَا، وَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ بِمُقْتَضَى الْمَبْلَغِ الَّذِي أَعْطَاهُ لِزَوْجَتِهِ وَدَفَعَتْهُ فِي قِيمَةِ الْجَارِيَةِ، فَهَلْ هَذِهِ شُبْهَةٌ تَدْرَأُ عَنْهُ الْحَدَّ وَتُثْبِتُ النَّسَبَ وَالْحُرِّيَّةَ، كَمَا لَوْ وَطِئَ أَمَةً لِغَيْرِهِ عَلَى فِرَاشِهِ ظَنَّهَا أَمَتَهُ؟ أَوْ تَكُونُ شُبْهَةً تُثْبِتُ مَا عَدَا الْحُرِّيَّةِ كَمَا لَوْ وَطِئَ جَارِيَةً لِشَخْصٍ وَادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ فَأَنْكَرَ الْمَالِكُ وَحَلَفَ؟ أَوْ لَا تَكُونُ شُبْهَةً كَمَا لَوْ وَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمَرْهُونَةَ بِغَيْرِ إذْنِ الرَّاهِنِ وَظَنَّ أَنَّهَا تَحِلُّ لَهُ بِسَبَبِ الرَّهْنِ وَكَانَ نَاشِئًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ هَذِهِ الْوَاقِعَةُ الْمَسْئُولُ عَنْهَا، وَعَنْ قَوْلِهِمْ: ادِّعَاءُ الْمِلْكِ شُبْهَةً. وَكَذَا ظَنُّهُ هَلْ ذَلِكَ عَلَى إطْلَاقِهِ؟ حَتَّى إذَا بَيَّنَ سَبَبًا لَا يَقْتَضِي الْمِلْكَ يُقْبَلُ مِنْهُ كَأَنْ ادَّعَى أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ ارْتِهَانُهُ لَهَا، أَوْ إبَاحَةُ مَالِكِهَا لَهُ، أَوْ قَرْضُهُ أَوْ هِبَتُهُ لِمَالِكِهَا ثَمَنَهَا حِينَ اشْتَرَاهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَطْلَقَ أَوْ بَيَّنَ سَبَبًا يَقْتَضِي الْمِلْكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَمَّا قَوْلُهُ لَهَا مَا ذُكِرَ فَمُحْتَمَلٌ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُرِيدَ اشْتَرِ جَارِيَةً لِخِدْمَتِك اللَّازِمَةِ لِي فَتَكُونُ حِينَئِذٍ وَكِيلَةً عَنْهُ فِي شِرَائِهِ وَمَا زَادَتْهُ قَرْضٌ تَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ، وَإِمَّا أَنْ يُرِيدَ اشْتَرِ بِهِ جَارِيَةً لِخِدْمَتِك لِأَنِّي وَهَبْتُهُ لَك وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ مِلْكًا لَهَا وَلَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهَا، وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ: الْجَارِيَةُ مِلْكٌ لَهَا اشْتَرَتْهَا لِنَفْسِهَا مُؤَيِّدٌ لِلِاحْتِمَالِ الثَّانِي لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ إلَّا بَعْدَ وُقُوعِ الْوَطْءِ، وَلَا تَصْرِيحَ فِي كَلَامِهِ بِأَنَّهُ كَانَ مُعْتَقِدًا ذَلِكَ حِينَ الْوَطْءِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَرَادَ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّل أَوْ أَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّهَا اشْتَرَتْهَا لَهُ وَلَهَا فَوَطِئَهَا بِظَنِّ ذَلِكَ، ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهَا إنَّمَا اشْتَرَتْهَا كُلَّهَا لِنَفْسِهَا فَاعْتَرَفَ بِأَنَّهَا مِلْكٌ لَهَا فَيَجِبُ اسْتِفْسَارُهُ، فَإِنْ أَرَادَ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ، أَوْ ظَنَّ أَنَّهَا اشْتَرَتْهَا لَهُ وَلَهَا فَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، لِاحْتِمَالِ مَا ذَكَرَهُ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يُنَافِيه إلَّا لَوْ كَانَ أَقَرَّ بِمَا ذُكِرَ قَبْلَ الْوَطْءِ، وَإِنْ أَرَادَ الِاحْتِمَالَ الثَّانِي حُدَّ وَكَانَ الْوَلَدُ رَقِيقًا، وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ أَنَّهُ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى نَظِيرُ مَنْ وَطِئَ أَمَةَ غَيْرِهِ يَظُنُّ أَنَّهَا مِلْكُهُ، وَفِي الثَّانِيَةِ لَيْسَ نَظِيرَ مَنْ وَطِئَ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا فَأَنْكَرَ الْمَالِكُ وَحَلَفَ، لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَزْعُمُ الْمِلْكَ، فَأَسْقَطْنَا عَنْهُ الْحَدَّ لِاحْتِمَالِ مَا ادَّعَاهُ، وَلَمْ نُثْبِتْ حُرِّيَّةَ الْوَلَدِ لِثُبُوتِ مِلْكِهَا لِلْحَالِفِ وَالْوَلَدُ جُزْءٌ مِنْهَا، فَلَا يَفُوتُ عَلَيْهِ رِقُّهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْغَيْر. وَلَا يَلْزَمُ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهَا بِالنِّسْبَةِ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ الْمَبْنِيِّ عَلَى الدَّرْءِ مَا أَمْكَنَ النَّظَرُ بِالنِّسْبَةِ لِفَوَاتِ الْمَالِ الْمَبْنِيِّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ مَا أَمْكَنَ، وَأَمَّا فِي تِلْكَ فَهُوَ يَزْعُمُ الْمِلْكَ لَهَا فَلَمْ يُفِدْهُ ظَنُّهُ الْمَذْكُورُ فِي السُّؤَالِ شَيْئًا، وَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ فِي هَذِهِ قَوْلُهُمْ: ادِّعَاءُ الْمِلْكِ شُبْهَةً لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ شُبْهَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِإِسْقَاطِ الْحَدِّ فَقَطْ، لَا لِإِثْبَاتِ الْحُرِّيَّةِ أَيْضًا لِوُجُودِ مُعَارِضِهَا مِنْ حَلِفِ الْمَالِكِ، بِخِلَافِ ظَنِّ الْمِلْكِ، فَإِنَّهُ شُبْهَةٌ فِي الْأَمْرَيْنِ، أَمَّا الْحَدُّ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا ثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مُعَارِضٌ لِظَنِّهِ مَعَ عُذْرِهِ فِيهِ، ثُمَّ الَّذِي يَقْتَضِيه إطْلَاقُهُمْ أَنَّهُ مَتَى ادَّعَى الْمِلْكَ أَوْ ظَنَّهُ لَمْ يَسْتَفْسِرْ لَكِنَّهُ إذَا تَبَرَّعَ بِتَفْسِيرٍ نُظِرَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ رُبَّمَا يَتَوَهَّمُ الْعَامَّةُ مِنْهُ إبَاحَةَ الْوَطْءِ كَانَ شُبْهَةً وَإِلَّا فَلَا. (سُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ -: عَمَّا لَوْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالتَّسَامُحِ بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ الْبُقُولَاتِ أَوَّلَ وَقْتِ النَّبَاتِ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ يُؤْكَلُ مَثَلًا هَلْ هُوَ حَلَالٌ طَيِّبٌ أَمْ لَا؟ وَقَدْ يَأْخُذُ ذَلِكَ الصَّبِيُّ وَيَأْتِي بِهِ إلَى أَهْلِ الثَّرْوَةِ، وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِإِعْطَائِهِ شَيْئًا فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ لَهُمْ وَيَأْكُلُ ذَلِكَ الْوَرِعُ وَغَيْرُهُ وَفِي نَفْسِ الْفَقِيهِ مِنْهُ شَيْءٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: حَيْثُ اطَّرَدَتْ عَادَةُ أَهْلِ نَاحِيَةٍ بِالْمُسَامَحَةِ فِي الْبُقُولَاتِ بِحَيْثُ يَجْزِمُ الْآخِذُ بِأَنَّ مَالِكَ الْمَأْخُوذِ لَا يَتَأَثَّرُ فِيهِ أَوْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ جَازَ الْأَخْذُ، نَظِيرَ مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي أَخْذِ الثِّمَارِ السَّاقِطَةِ، وَمَنْ جَازَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ تَصَرَّفَ فِيهِ بِالْأَكْلِ لَا بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ إلَّا إنْ اطَّرَدَتْ الْعَادَةُ بِرِضَا الْمُلَّاكِ بِتَصَرُّفِهِ فِيهِ بِمَا شَاءَ، فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُهْدِيَهُ لِغَيْرِهِ، وَلِذَلِكَ الْغَيْرِ الْأَكْلُ مِنْهُ، نَعَمْ إنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ إنَّمَا سَمَحَ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ يُعْطِيه لَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ، حَتَّى يُعْطِيَهُ الْمُقَابِلَ أَوْ يَعْزِمَ عَلَى ذَلِكَ، وَحَيْثُ جَزَمَ بِالرِّضَا وَبِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ تَرْكُ الْأَكْلِ وَرَعًا وَإِلَّا كَانَ تَرْكُهُ مِنْ الْوَرَعِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قَوْلِ الْإِرْشَادِ فِي بَابِ الْهِبَةِ إلَّا إنْ تَفَرَّخَ، وَقَدْ مَرَّ فِي الْفَلَسِ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ بَيْضًا فَتَفَرَّخَ لَا يَمْنَعُ رُجُوعَ الْبَائِعِ فَيَحْتَاجُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا (فَأَجَابَ)

بِقَوْلِهِ: أَمَّا هَذَا السُّؤَالُ فَجَوَابُهُ: أَنِّي فَرَّقْت بَيْنَهُمَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ حَيْثُ قُلْت فِي بَابِ الْهِبَةِ: إلَّا إنْ اُسْتُهْلِكَ كَأَنْ تَفَرَّخَ الْبَيْضُ أَوْ نَبَتَ الْحَبُّ؛ لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ صَارَ مُسْتَهْلَكًا، قَالَ الشَّيْخَانِ عَنْ الْبَغَوِيِّ: هَذَا إذَا ضَمِنَّا الْغَاصِبَ بِذَلِكَ وَإِلَّا فَقَدْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ فَيَرْجِعُ، وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ، الرُّجُوعِ وَبِهِ جَزَمَ الْبُلْقِينِيُّ وَاخْتَارَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ قِيَاسُ مَا قَالُوهُ فِي الْمُفْلِسِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يُفَرَّقُ: بِأَنَّ تَعَلُّقَ حَقِّ الْبَائِعِ ثَمَّ آكَدُ مِنْ تَعَلُّقِ حَقِّ الْأَصْلِ هُنَا، كَمَا يُعْلَمُ مِنْ فُرُوعِ الْبَابَيْنِ وَفَارَقَ مَا هُنَا مَا ذَكَرُوهُ فِي الْغَاصِب بِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ لَا مِلْكَ لَهُ فَلَا يُفِيدُهُ هَذَا التَّغَيُّرُ حُدُوثَ مِلْكٍ، بِخِلَافِ الْفَرْعِ فَإِنَّ مِلْكَهُ صَحِيحٌ، وَمَا حَصَلَ مِنْ التَّغَيُّرِ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ الْمَوْهُوبِ عَلَى حَالِهِ، فَامْتَنَعَ بِسَبَبِ ذَلِكَ رُجُوعُ الْأَصْلِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَرْسَلَ شَيْئًا لِفَقِيرٍ فَهَلْ لِآخَرَ مِثْلِهِ فِي الْفَقْرِ أَخْذُهُ مِنْ الرَّسُولِ قَهْرًا أَمْ لَا؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: لَا فَمَا الْمُرَادُ مِمَّا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ: أَنَّ أَبَاهُ أَخْرَجَ دَنَانِيرَ صَدَقَةً فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ الْحَدِيثَ وَهَلْ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ تَخَاصَمَا: لَك مَا نَوَيْت وَلَك مَا أَخَذْت مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَالْفَرْضِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَيْسَ لِآخَرَ وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ فِي الْفَقْرِ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ أَخْذُ ذَلِكَ مِنْ الرَّسُولِ قَهْرًا وَلَا اخْتِيَارًا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ صَدَقَةُ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، لِمَا قَرَّرَهُ الْأَئِمَّةُ أَنَّ الْمُرْسَلَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ مُرْسِلِهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُرْسَلُ إلَيْهِ، وَمَا دَامَ لَمْ يَقْبِضْهُ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ مُرْسِلِهِ، وَقَدْ عَيَّنَهُ لِإِنْسَانٍ، فَلَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ أَخْذُهُ مُطْلَقًا. وَأَمَّا حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ الْمَذْكُورُ فَيُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ تَرْجَمَتِهِ وَسِيَاقِهِ وَهُمَا بَابُ إذَا تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا إسْرَائِيلُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْجُوَيْرِيَّةِ: إنَّ مَعْنَ بْنَ يَزِيدَ حَدَّثَهُ قَالَ: «بَايَعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَا وَأَبِي وَجَدِّي وَخَطَبَ أَيْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيَّ أَيْ: خَطَبَ لِي امْرَأَةً مِنْ وَلِيِّهَا فَأَنْكَحَنِي وَخَاصَمْت إلَيْهِ، وَكَانَ أَبِي يَزِيدُ أَخْرَجَ دَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِهَا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ فَجِئْت فَأَخَذْتهَا فَأَتَيْته بِهَا فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا إيَّاكَ أَرَدْت فَخَاصَمْته إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَك مَا نَوَيْت يَا يَزِيدُ وَلَكَ مَا أَخَذْت يَا مَعْنُ» اهـ. فَتَأَمَّلْ التَّرْجَمَةَ تَعْلَمْ مَا صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ مِنْ أَنَّ فِي الْحَدِيثِ حَذْفًا لَا بُدَّ مِنْهُ تَقْدِيرُهُ فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ، وَأَذِنَ لَهُ فِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى مُحْتَاجٍ إلَيْهَا إذْنًا مُطْلَقًا وَقَوْلُهُ فَجِئْتُ فَأَخَذْتُهَا مِنْ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التَّصَدُّقِ بِهَا بِإِذْنِهِ، لَا بِطَرِيقِ الِاعْتِدَاءِ، كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْبَيْهَقِيّ عَنْ أَبِي جُوَيْرِيَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قُلْت: وَمَا كَانَتْ خُصُومَتك؟ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يَغْشَى الْمَسْجِدَ فَيَتَصَدَّقَ عَلَى رِجَالٍ يَعْرِفُهُمْ فَظَنَّ أَنِّي بَعْضُ مَنْ يَعْرِفُ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَضَمِيرُ أَتَيْته لِأَبِيهِ، وَقَوْلُهُ لَهُ مَا إيَّاكَ أَرَدْت مَعْنَاهُ لَوْ أَرَدْت أَنَّك تَأْخُذَهَا لَنَاوَلْتُهَا لَك وَلَمْ أُوَكِّلْ فِيهَا، وَكَأَنَّهُ كَانَ يَظُنُّ أَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْوَلَدِ لَا تُجْزِي، أَوْ أَنَّهَا عَلَى الْأَجْنَبِيِّ أَفْضَلُ مِنْهَا عَلَى الْوَلَدِ، وَمَعْنَى لَك مَا نَوَيْت أَنَّك نَوَيْت أَنْ تَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى مَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهَا، وَابْنُك مُحْتَاجٌ إلَيْهَا فَوَقَعَتْ الْمَوْقِعَ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِك أَنَّهُ يَأْخُذُهَا أَوْ أَنَّ أَخْذَهُ لَهَا لَا يَقَعُ الْمَوْقِعَ. وَمَعْنَى: وَلَك مَا أَخَذْت يَا مَعْنُ أَيْ لِأَنَّك مُحْتَاجٌ إلَيْهَا فَوَقَعَ أَخْذُك لَهَا الْمَوْقِعَ، وَإِنْ خَالَفَ ظَنَّ أَبِيك، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الظَّاهِرُ أَنَّ أَبَاهُ لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ لَهُ مَا إيَّاكَ أَرَدْتُ أَنِّي أَخْرَجْتُك بِنِيَّتِي، وَإِنَّمَا أَطْلَقْتُ لِوَكِيلِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى مَنْ تُجْزِي مِنِّي الصَّدَقَةُ عَلَيْهِ، وَلَمْ تَخْطِرْ أَنْتَ يَا مَعْنُ بِبَالِي، فَأَمْضَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِطْلَاقَ لِأَنَّهُ فَوَّضَ لِلْوَكِيلِ بِلَفْظٍ مُطْلَقٍ فَنَفَّذَ فِعْلَهُ، وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُعْمَلُ بِالْمُطْلَقَاتِ عَلَى إطْلَاقِهَا، وَإِنْ اُحْتُمِلَ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ الْمُطْلِقَ لَوْ خَطَرَ بِبَالِهِ فَرْدٌ مِنْ الْأَفْرَادِ لَقَيَّدَ اللَّفْظَ بِهِ. وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِالْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ دَفْعِ الصَّدَقَةِ إلَى كُلِّ أَصْلٍ وَفَرْعٍ وَإِنْ لَزِمَتْهُ، نَفَقَتُهُ قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي: وَلَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا وَاقِعَةُ حَالٍ، فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ مَعْنٌ كَانَ مُسْتَقِلًّا لَا يَلْزَمُ أَبَاهُ يَزِيدَ نَفَقَتُهُ اهـ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ وَاقِعَةَ الْحَالِ الْقَوْلِيَّةَ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ أَفَادَهَا الْعُمُومُ بِخِلَافِ وَاقِعَةِ الْحَالِ الْفِعْلِيَّةِ، فَإِنْ تَطَرَّقَ الِاحْتِمَالُ إلَيْهَا يُسْقِطُهَا، وَهَذَا هُوَ

مَحْمَلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرَّةً: وَقَائِعُ الْأَحْوَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ أَكْسَبَهَا الْعُمُومَ فِي الْمَقَالِ، فَهَذَا فِي الْوَاقِعَةِ الْقَوْلِيَّةِ كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ فِي الْمَقَالِ، وَقَوْلِهِ مَرَّةً أُخْرَى: وَقَائِعُ الْأَحْوَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ كَسَاهَا ثَوْبَ الْإِجْمَالِ، وَأُسْقِطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال، فَهَذَا فِي الْوَاقِعَةِ الْفِعْلِيَّةِ، كَوَضْعِ يَدِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَلَى قَدَمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَمَّا اُحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ لِلْحَنَفِيَّةِ عَلَى أَنَّ مَسَّ الْمَرْأَةِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُجَابَ بِأَنَّا لَا نَمْنَعُ دَفْعَ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ إلَى الْأَصْلِ أَوْ الْفَرْعِ إلَّا إنْ كَانَ مَكْفِيًّا بِنَفَقَةِ قَرِيبِهِ الدَّافِعِ، لِأَنَّ دَفْعَهَا لَهُ حِينَئِذٍ يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ الْإِنْفَاقِ عَلَى الدَّافِعِ عَلَى أَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ غَنِيٌّ بِإِنْفَاقِ قَرِيبِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَكْفِيًّا بِنَفَقَةِ الدَّافِعِ كَأَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَهُ حِينَئِذٍ الدَّفْعُ إلَيْهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ اسْتَنْبَطَ مِنْ الْعُمُومِ الدَّالِ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ مَعْنًى خَصَّصَهُ بِغَيْرِ مَكْفِيٍّ بِنَفَقَةِ قَرِيبِهِ. قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي أَيْضًا: وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْأَبَ لَا رُجُوعَ لَهُ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى وَلَدِهِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ، وَهُوَ عَجِيبٌ فَإِنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ فِيهِمَا، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يُنَافِي ذَلِكَ بِوَجْهٍ، وَإِنَّمَا كَانَ يَتِمُّ لَهُ ذَلِكَ لَوْ قَالَ يَزِيدُ أَبُو مَعْنٍ رَجَعْت، أَوْ أَرَادَ الرُّجُوعَ وَلَمْ يُمَكِّنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا الَّذِي وَقَعَ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْحَدِيثِ أَنَّ مَعْنًا ظَنَّ أَنَّ أَخْذَ وَلَدِهِ لَا يُجْزِيهِ فَبَيَّنَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَنَّهُ يُجْزِيهِ، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ، أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُلْهِمَنَا الْحَقَّ وَيُيَسِّرَ لَنَا اتِّبَاعَهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ عَمَّا يَأْخُذُهُ الْمَالِكُ مِنْ مُسْتَأْجِرِ الْأَرْضِ وَقْتَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ مِنْ غَيْرِ الْأُجْرَةِ هَلْ هُوَ حَرَامٌ أَوْ لَا؟ وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ كَوْنِ الْمُسْتَأْجِرِ حَرْبِيًّا أَوْ لَا، وَذَلِكَ عِنْدَ الْكَفَرَةِ قَاعِدَةٌ مُطَّرِدَةٌ احْتِرَامًا لِصَاحِبِ الْأَرْضِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنْ اُعْتِيدَ الْإِهْدَاءُ إلَى الْمُؤَجِّرِ فَأَهْدَى الْمُسْتَأْجِرُ إلَيْهِ شَيْئًا بِطِيبِ نَفْسٍ لَا لِحَيَاءِ وَلَا لِظَنِّ كَوْنِهِ وَاجِبًا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِمَحْضِ التَّبَرُّعِ وَإِيثَارِ فِعْلِ الْجَمِيلِ، جَازَ لَلْمُؤَجِّرِ الْقَبُولُ حِينَئِذٍ، وَمَتَى فُقِدَ شَرْطٌ مِمَّا ذَكَرْته لَمْ يَحِلَّ الْقَبُولُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ عَطَايَا الْمُلُوكِ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ ظُلْمًا وَالْغَالِبُ عَلَى مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ الْحَرَامُ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونُوا اقْتَرَضُوهَا، أَوْ اشْتَرَوْا شَيْئًا فِي الذِّمَّةِ وَاسْتَأْذَنُوا بِقَبْضِهِ، فَإِذَا أَعْطَوْا أَحَدًا مِنْهَا شَيْئًا وَجُهِلَ الْحَالُ، فَهَلْ يَجُوزُ قَبُولُهُ وَلَا يُطَالَبُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ إذَا كَانَ فِي الْبَاطِنِ حَرَامًا؟ أَمْ يَحْرُمُ قَبُولُهُ؟ وَإِذَا قَبِلَهُ فَمَا حُكْمُ الصَّلَاةِ فِيهِ، وَالصَّدَقَةِ مِنْهُ هَلْ يُثَابُ عَلَيْهَا كَمَا يُثَابُ فِي فِعْلِهِ مِنْ غَيْرِهَا أَمْ دُونَهُ أَمْ لَا يُثَابُ بَلْ يَأْثَمُ؟ وَقَوْلُهُ فِي جَوَاهِرِ الْقَمُولِيِّ (فَرْعٌ) لَوْ أَخَذَ مِنْ يَدِ غَيْرِهِ بِتَمْلِيكٍ أَوْ إبَاحَةٍ ظَانًّا أَنَّهُ مِلْكُهُ اعْتِمَادًا عَلَى الظَّاهِرِ، وَكَانَ فِي الْبَاطِنِ حَرَامًا هَلْ يُطَالَبُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ أَمْ لَا؟ قَالَ الْبَغَوِيّ: إنْ كَانَ ظَاهِرُ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ الْخَيْرَ فَأَرْجُو أَنْ لَا يُطَالَبَ وَإِلَّا طُولِبَ اهـ كَلَامُهُ، هَلْ هُوَ مُقِرٌّ عَلَى كَلَامِهِ هَذَا أَمْ لَا؟ وَلَا يَخْفَى عَلَى مَوْلَانَا فَسَّحَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي مُدَّتِهِ اخْتِلَاطُ الْحَرَامِ فِي هَذَا الزَّمَانِ، فَقَدْ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ لِأُمُورٍ؛ أَحَدُهَا: أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ مَا يَضْرِبُهَا إلَّا السَّلَاطِينُ، وَلَا يُمَكَّنُ غَيْرُهُمْ أَنْ يَضْرِبَهَا لِمَا يَخْشَاهُ مِنْهُمْ وَلَوْ قَدَّرْنَا الْحِلَّ فَمُسْتَفِيضٌ أَنَّ الَّذِي يَضْرِبُهَا يَشْتَرِي فِضَّتَهَا بِعَقْدٍ لَا يَسْلَمُ فِيهِ مِنْ الرِّبَا، إذَا كَانَ الْإِنْسَانُ يُؤَاخَذُ بِغَلَبَةِ الْحَرَامِ. وَإِذَا قُلْتُمْ لَا مُؤَاخَذَةَ فِي ذَلِكَ، فَهَلْ يَحْصُل عَلَى مَنْ أَخَذَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إثْمٌ مِثْلَ تَوْسِيخِ قَلْبِهِ عَنْ الْعِبَادَةِ؟ أَمْ لِأَنَّهُ وَافَقَ الظَّاهِرَ؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: أَمَّا عَطَايَا الْمُلُوكِ فَاخْتَلَفَ السَّلَفُ الصَّالِحُ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ الْخَلَفِ فِي قَبُولِهَا، فَقَبِلَهَا قَوْمٌ اعْتِمَادًا عَلَى أُمُورٍ يَطُولُ بَسْطُهَا، وَامْتَنَعَ مِنْ قَبُولِهَا آخَرُونَ وَرَعًا وَزُهْدًا، وَهَذَا الْأَحْوَطُ لِلدِّينِ وَالْعِرْضِ وَلَقَدْ وَقَعَ لِمِثْلِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُمْ أَحَسُّوا بِظُلْمَةِ قُلُوبِهِمْ لِتَنَاوُلِ شَيْءٍ مِنْ بَعْضِ أَتْبَاعِ السَّلَاطِينِ، فَالْحَرَامُ بَاطِنًا يُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ، وَلَقَدْ تَعَفَّفَ حَتَّى عَنْ الْحَلَالِ خَوْفًا أَنْ يَقَعَ فِي

حَرَامٍ. وَمِنْ الْمُشَاهَدَةِ أَنَّ بَعْضَ النَّوَاحِي يَكْثُرُ فِيهَا الصَّالِحُونَ وَالْمُتَّقُونَ، وَبَعْضَهَا يَقِلُّونَ فِيهِ، وَلَقَدْ اسْتَقْرَيْنَا سَبَبَ ذَلِكَ فَلَمْ نَجِدْهُ غَيْرَ أَكْلِ الْحَلَالِ أَوْ قِلَّةِ تَعَاطِي الشُّبُهَاتِ، فَكُلُّ نَاحِيَةٍ كَثُرَ الْحِلُّ فِي قُوتِ أَهْلِهَا كَثُرَ الصَّالِحُونَ فِيهَا وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ، إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَمُعْتَمَدُ مَذْهَبِنَا أَنَّ مُعَامَلَةَ مَنْ أَكْثَرُ أَمْوَالِهِ حَرَامٌ مَكْرُوهَةٌ لَا مُحَرَّمَةٌ، وَقَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْإِحْيَاءِ: إنَّهَا مُحَرَّمَةٌ خِلَافُ الْمَذْهَبِ، كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، فَعَلَيْهِ يَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْ مَالِ السُّلْطَانِ مُطْلَقًا مَا لَمْ يُعْلَمُ فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِنْهُ أَنَّهُ حَرَامٌ فَلَا يَجُوزُ قَبُولُهُ، وَمَعَ الْجَوَازِ يَكُونُ الْآخِذُ تَحْتَ خَطَرِ احْتِمَالِ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ فَيَتَأَثَّرُ قَلْبُهُ بِهِ، بَلْ وَيُطَالَبُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ إنْ كَانَ الْمُعْطِي غَيْرَ مُسْتَقِيمِ الْحَالِ، كَمَا ذَكَرُوهُ عَنْ الْبَغَوِيِّ، وَأَقَرُّوهُ عَلَيْهِ، وَهُوَ وَاضِحٌ مِنْ حَيْثُ الْمُؤَاخَذَةِ وَعَدَمِهَا، لِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِهِ إنْ كَانَ مُسْتَقِيمًا كَانَ مُعَامِلُهُ مَعْذُورًا وَإِلَّا فَلَا. أَمَّا مِنْ حَيْثُ أَخْذِ حَسَنَاتِ آكِلِ الْحَرَامِ وَإِنْ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ وَلَوْ مِمَّنْ ظَاهِرُهُ الِاسْتِقَامَةُ فِي مُقَابَلَةِ مَا أَكَلَهُ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ، فَالْبَغَوِيُّ لَا يُجْرِي تَفْصِيلَهُ فِي هَذَا، لِأَنَّ أَخْذَ الْحَسَنَاتِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُتَعَدِّي بِأَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ وَعَدَمِهِ، كَمَا أَشَرْت إلَى ذَلِكَ فِيمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَعْصِ بِأَدَائِهِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَالْحَاصِلُ: أَنَّ أَخْذَ الْحَسَنَاتِ فِي مُقَابَلَةِ الْمَأْخُوذِ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ لَا يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الْمُتَعَدِّي وَغَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْمُعَاتَبَةِ وَالْمُؤَاخَذَةِ فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ فِيهَا بَيْنَ الْمُتَعَدِّي وَغَيْرِهِ، كَمَنْ عَامَلَ مَنْ ظَاهِرُهُ الظُّلْمُ أَوْ أَخْذُ أَمْوَالِ النَّاسِ، وَغَيْرُ الْمُتَعَدِّي كَمَنْ عَامَلَ مَنْ ظَاهِرُهُ الْخَيْرُ. وَالصَّلَاةُ فِي الْحَرَامِ الصِّرْفِ صَحِيحَةٌ وَلَا ثَوَابَ فِيهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، خِلَافًا لِجَمْعٍ مُحَقِّقِينَ وَفِي الْمَشْكُوكِ فِي حُرْمَتِهِ فِيهَا الثَّوَابُ لِعَدَمِ التَّعَدِّي، وَدَعْوَى عَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْ الْحَرَامِ مَمْنُوعَةٌ، لَكِنَّ الْحَقَّ أَنَّهَا مُتَعَسِّرَةٌ. وَلَقَدْ اُعْتُرِضَ قَوْلُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ يُسَنُّ لِلصَّائِمِ أَنْ يُفْطِرَ عَلَى مَا لَا شُبْهَةَ فِيهِ كَأَنْ يَغْتَرِفَ بِيَدِهِ مِنْ الدِّجْلَةِ، فَإِنَّ صَوَابَهُ أَنْ يَقُولَ: مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ النَّازِلِ مِنْهَا إلَى يَدِهِ، لِأَنَّ الدِّجْلَةَ أُمُّ الْفُرَاتِ يَخْرُجُ مِنْهَا فِي بِلَادِ التُّرْكِ بِرْكَةٌ يُحَوَّطُ عَلَيْهَا لِصَيْدِ السَّمَكِ فَيُمْلَكُ مَاؤُهَا، ثُمَّ يَنْفَتِحُ مَا يَسُدُّهَا فَيَنْزِلَ وَيَخْتَلِطَ بِالْفُرَاتِ أَوْ الدِّجْلَةِ، فَلَمْ يَخْلُ عَنْ الشُّبْهَةِ فَإِذَا رُوعِيَتْ هَذِهِ الشُّبْهَةُ مَعَ نُدْرَتِهَا فَمَا ظَنُّك بِغَيْرِهَا. وَهَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي قَوْلِ بَعْضِ الْأَكَابِرِ مَعَ تَقَدُّمِهِ بِقُرُونٍ عَدِيدَةٍ الْآنَ أَيِسْنَا مِنْ الْحَلَالِ الْمَحْض، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الشُّبْهَةَ كَثِيرَةٌ إذًا، وَأَنَّ التَّنَقِّيَ عَنْهَا مُتَعَسِّرٌ، وَأَنَّ غَايَةَ مَا يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِيهِ وَتَتَفَاوَتُ مَرَاتِبُهُمْ بِسَبَبِهِ الْإِكْثَارُ مِنْ تَعَاطِي الشُّبْهَةِ وَالتَّقْلِيلُ مِنْهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُوَفِّقُنَا لِمَرْضَاتِهِ وَيُخَفِّفُ عَنَّا مَا تَحَمَّلْنَاهُ مِنْ عَظِيمِ مُخَالَفَاتِهِ وَبِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ وَلَدِ وَلَدٍ قَالَ لِجَدَّتِهِ وَإِخْوَانُهُ حُضُورٌ: سُدُسُكِ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِنَا رَدَدْته عَلَيْنَا، قَالَتْ نَعَمْ رَدَدْته عَلَيْكُمْ ثُمَّ قَالَ لَهَا: وَالْحِصَّةُ الَّتِي قَدْرُهَا النِّصْفُ الْآيِلَةُ إلَيْك بِالْإِرْثِ مِنْ وَالِدِك لَنَا، قَالَتْ: نَعَمْ، فَهَلْ يَسْتَحِقُّونَ بِذَلِكَ سُدُسَهَا وَحِصَّتَهَا الْمَذْكُورَةَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: قَوْلُهَا: رَدَدْته عَلَيْكُمْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ كِنَايَةُ هِبَةٍ، فَإِذَا وُجِدَتْ شُرُوطُهَا وَقَبَضُوا الْمَوْهُوبَ بِإِذْنِهَا مَلَكُوهُ وَإِلَّا فَلَا، وَقَوْلُهَا: نَعَمْ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إقْرَارًا مَعَ قَوْلِهِ لَهَا الْآيِلَةُ إلَيْك بِالْإِرْثِ مِنْ وَالِدِك؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ، وَقَوْلُهُ: مَا ذُكِرَ فِيهِ الِاعْتِرَافُ لَهَا بِأَنَّهَا مَالِكَةٌ لِذَلِكَ حَالًا، وَالْمَمْلُوكُ حَالًا يَسْتَحِيلُ الْإِقْرَارِ بِهِ وَلَا بَيْعًا، لِعَدَمِ ذِكْرِ ثَمَنٍ، وَلَا هِبَةً لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ بَعْدَ نَعَمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا يُكْتَفَى بِهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ قَبُولٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) هَلْ تَصِحُّ هِبَةُ الْمَنَافِعِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ: لِلْأَصْحَابِ فِيهَا وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا عَارِيَّةٌ لِلدَّارِ لَا تُمْلَكُ مَنَافِعُهَا بَلْ تَكُونُ إبَاحَةً، وَالثَّانِي: أَنَّهَا هِبَةٌ فَتَكُونُ أَمَانَةً فَلَا يَضْمَنُ الدَّارَ إنْ تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِهِ، وَرَجَّحَ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ الْأَوَّلَ، وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ كَالسُّبْكِيِّ الثَّانِيَ، قَالَ: وَيَكُونُ قَبْضُ الْمَنَافِعِ بِاسْتِيفَائِهَا، وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ فِي الْحَوَاشِي وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمَا ذَكَرُهُ فِي غَيْرِ الْحَوَاشِي مِنْ أَنَّ الْهِبَةَ تَلْزَمُ بِقَبْضِ الدَّارِ، رَدَّهُ عَلَيْهِ تِلْمِيذُهُ أَبُو زُرْعَةَ، وَقَالَ: لَا تَلْزَمُ إلَّا بِإِتْلَافِهَا، وَأَخَذَهُ مِنْ فَرْقِ السُّبْكِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيْنَ كَوْنِ الْمَنَافِعِ فِي الْإِجَارَةِ مَقْبُوضَةً بِقَبْضِ الدَّارِ، وَإِنْ لَمْ يُتْلِفْ الْمُسْتَأْجِرُ الْمَنَافِعَ بِخِلَافِهِ فِي هِبَةِ الْمَنَافِعِ بِأَنَّ الْإِجَارَةَ فِيهَا مُعَاوَضَةٌ فَكَانَتْ

باب اللقطة

كَمِلْكِ الْأُجْرَةِ بِالْقَبْضِ، وَلَا مُعَاوَضَةَ فِي الْهِبَةِ فَلَمْ تَلْزَمْ إلَّا بِالْإِتْلَافِ فَلِلْوَاهِبِ الرُّجُوعُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمَنَافِعِ، وَلَوْ بَعْدَ قَبْضِ الْعَيْنِ، لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنَافِعُ بَاقٍ يُؤْخَذُ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَلَمْ يَكُنْ قَبْضُ الدَّارِ قَبْضًا لَهَا؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُوجَدُ بِوُجُوبِ الزَّمَانِ بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ فَإِنَّ الِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهَا بِكَمَالِهَا، ثَمَّ بِالْقَبْضِ وَلَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ عُلْقَةٌ فَاتَّضَحَ فُرْقَانُ مَا بَيْنَهُمَا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ تَصِحُّ هَدِيَّةُ الْعَقَارِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَخَذَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ حَدِّهِمْ الْهَدِيَّةَ بِمَا يُنْقَلُ إكْرَامًا أَنَّهَا لَا تَصِحُّ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، بَلْ الْوَجْهُ الصِّحَّةُ كَمَا أَفَادَهُ الْبُلْقِينِيُّ نَقْلًا، فَالتَّعْبِيرُ بِالنَّقْلِ إمَّا لِلْأَغْلَبِ أَوْ لِبَيَانِ أَنَّ الْعَقَارَ وَإِنْ صَحَّ إهْدَاؤُهُ شَرْعًا لَا يُسَمَّى هَدِيَّةٌ وَضْعًا. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ عَمَّا اُعْتِيدَ مِنْ إهْدَاءِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لِلثَّوَابِ بِأَنْ يُمْلَأَ ظَرْفَ الْهَدِيَّة وَيُرَدَّ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَقَعَ الْعَتَبُ وَالذَّمُّ هَلْ يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مَذْهَبُنَا أَنَّ الْهِبَةَ بِقَصْدِ الثَّوَابِ يُوجِبُهُ، وَكَذَلِكَ هِبَةُ الْأَدْنَى لِلْأَعْلَى، وَإِنْ اُعْتِيدَ أَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا لِطَلَبِ الْمُقَابَلَةِ وَالْهَدِيَّةِ كَالْهِبَةِ فِي ذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَلَا عَمَلَ بِتِلْكَ الْعَادَةِ. هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ عَلِمَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ مِنْ الْمُهْدِي أَوْ الْوَاهِبِ بِقَرَائِنِ أَحْوَالِهِ أَنَّهُ لَمْ يُهْدِ أَوْ يَهَبْ إلَّا لِطَلَبِ مُقَابِلٍ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ هَدِيَّتِهِ أَوْ هِبَتِهِ، إلَّا إنْ قَابَلَهُ بِمَا يَعْلَمُ، أَوْ يَظُنُّ أَنَّهُ رَضِيَ بِهِ فِي مُقَابَلَةِ مَا أَعْطَاهُ، وَقَدْ صَرَّحَ الْأَئِمَّةُ فِي الْمُهْدِي حَيَاءً، وَلَوْلَا الْحَيَاءُ لَمَا أَهْدَى أَوْ خَوْفَ الْمَذَمَّةِ وَلَوْلَا خَوْفُهَا لَمَا أَهْدَى، بِأَنَّهُ يَحْرُمُ أَكْلُ هَدِيَّتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَح بِهَا فِي الْحَقِيقَةِ، وَكُلُّ مَا قَامَتْ الْقَرِينَةُ الظَّاهِرَةُ عَلَى أَنَّ مَالِكَهُ لَا يَسْمَحُ بِهِ لَا يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ وَقَدْ ذَكَرُوا فِي بَابِ الضِّيَافَةِ مِنْ ذَلِكَ فُرُوعًا لَا تَخْفَى. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا يُفْعَلُ لِلزَّوْجَةِ يَوْمَ ثَامِنِ زَوَاجِهَا مِنْ أَقَارِبِهَا، أَوْ مِنْ زَوْجِهَا مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ هَلْ يَمْلِكُهُ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ مِنْ غَيْر تَمْلِيكٍ، وَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ هَلْ قُصِدَ بِذَلِكَ الزَّوْجَةُ أَوْ غَيْرُهَا مَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَمْلِكُهُ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَمْلِيكٍ؛ لِأَنَّهُ هَدِيَّةٌ لِصِدْقِ حَدِّهَا عَلَيْهِ، وَهِيَ مَا يُنْقَلُ أَيْ غَالِبًا لِدَارِ الْغَيْرِ إكْرَامًا لَهُ، أَيْ غَالِبًا أَيْضًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا كَذَلِكَ، نَعَمْ إنْ كَانَ ثَمَّ أَحَدٌ لَهُ عَلَى النَّاقِلِ دَيْنٌ وَادَّعَى النَّاقِلُ أَنَّهُ إنَّمَا نَقْلَهُ لِدَائِنِهِ عَنْ دَيْنِهِ، صُدِّقَ النَّاقِلُ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ قَصَدَ الزَّوْجَةَ أَوْ غَيْرَهَا، فَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ وَاضِحَةٌ بِشَيْءٍ عَمِلَ بِهِ وَإِلَّا فَهِيَ مِلْكٌ لِمَنْ أُرْسِلَتْ لِدَارِهِ، لِمَا عَلِمْت أَنَّ هَذَا هُوَ مَوْضُوعُ الْهَدِيَّةِ، هَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يُعْرَفْ قَصْدُ الْمَالِكِ لِنَحْوِ مَوْتِهِ أَوْ جُنُونِهِ، وَإِلَّا صُدِّقَ فِي تَعْيِينِ مَنْ أَرْسَلَهَا لَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ وَاضِحٌ، وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ. [بَابُ اللُّقَطَةِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ يَقَعُ فِي رَكْبِ الْحَجِيجِ أَنَّهُمْ قَدْ يَطْرَحُونَ طَعَامَهُمْ لِعَجْزِ جِمَالِهِمْ عَنْ حَمْلِهِ، وَقَدْ يَتْرُكُونَ مَا عَجَزَ مِنْ جِمَالِهِمْ فِي الْبَرِيَّةِ فَيَأْتِي إنْسَانٌ وَيَأْخُذُ ذَلِكَ، أَوْ يُطْعِمُ الدَّوَابَّ حَتَّى تَقْوَى، ثُمَّ يَأْخُذُهَا فَهَلْ يُبَاحُ ذَلِكَ وَيَمْلِكُ مَا يَأْخُذُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ فِي الْحَاوِي: إذَا تَرَكَ دَابَّةً، أَوْ بَعِيرًا كَبِيرًا فِي الصَّحْرَاءِ لِعَجْزِهِ عَنْ السَّيْرِ وَعَجَزَ الْمَالِكُ عَنْ حَمْلِهِ، أَوْ الْقِيَامِ بِهِ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَأَحْيَاهُ بِالْقِيَامِ عَلَيْهِ وَمَرَاعَاتِهِ حَتَّى عَادَ إلَى حَالِهِ فِي السَّيْرِ وَالْعَمَلِ. حُكِيَ عَنْ اللَّيْثِ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ يَكُونَ لِمُحْيِيهِ دُونَ تَارِكِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّارِكُ تَرَكَهُ لِيَعُودَ إلَيْهِ فَيَكُونَ أَحَقَّ بِهِ، وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ الْمُحْيِي أَحَقُّ بِهِ بِكُلِّ حَالٍ، وَقَالَ: هُوَ عَلَى مِلْكِ تَارِكِهِ وَلَكِنْ لِآخِذِهِ الرُّجُوعُ بِمَا أَنْفَقَ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ عَلَى مِلْكِ تَارِكِهِ وَلَا رُجُوعَ لِلْمُنْفِقِ كَمَا لَوْ عَالَجَ عَبْدًا أَشْفَى عَلَى الْهَلَاكِ حَتَّى بَرَأَ أَوْ أَخْرَجَ مَتَاعًا غَرِقَ فِي الْبَحْرِ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ مَنْ أَخْرَجَ مَتَاعًا قَدْ غَرِقَ فِي الْبَحْرِ مَلَكَهُ عَلَى صَاحِبِهِ، وَهَذَا شَاذٌّ مَدْفُوعٌ بِالْخَبَرِ وَالْإِجْمَاعِ، وَلَكِنْ لَوْ وَجَدَ فِي الْبَحْرِ قِطْعَةَ عَنْبَرٍ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ فِيهِ كَانَتْ مِلْكًا لِوَاجِدِهَا، وَهَذَا كَمَا لَوْ صِيدَتْ سَمَكَةٌ مِنْ الْبَحْرِ فَوُجِدَ فِي جَوْفِهَا قِطْعَةُ عَنْبَرٍ كَانَتْ مِلْكًا لِلصَّائِدِ إذَا كَانَ بَحْرًا يَجُوزُ أَنْ يُوجَدَ فِيهِ الْعَنْبَرُ، أَمَّا الْأَنْهَارُ وَمَا لَا

باب الجعالة

يَكُونُ مَعْدِنًا لِلْعَنْبَرِ مِنْ الْبِحَارِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ لُقَطَةً. وَأَمَّا اللُّؤْلُؤُ فَلَا يَكُونُ فِي الْبَحْرِ إلَّا فِي صَدَفِهِ، فَإِنْ وُجِدَ فِيهِ كَانَ مِلْكًا لِوَاجِدِهِ وَإِنْ وُجِدَ خَارِجَ صَدَفِهِ كَانَ لُقَطَةً، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ وَجَدَ زَمَنَ الْأَمْنِ أَمَةً مُمَيِّزَةً آبِقَةً فَأَخَذَهَا لِيَرُدَّهَا لِمَالِكِهَا فَهَرَبَتْ مِنْ عِنْدِهِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ فَهَلْ يَضْمَنُ، وَهَلْ الْعَبْدُ مِثْلُهَا؟ وَفِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْغَزِّيِّ مَا يَقْتَضِي تَقْيِيدُهُ ذَلِكَ بِمَنْ عَرَفَ الْمَالِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَفْتَى الْقَاضِي وَابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِوَاجِدِ الْعَبْدِ الْآبِقِ أَخْذُهُ لِيَرُدَّهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ سَلَّمَهُ لِلْحَاكِمِ، فَإِنْ هَرَبَ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَضْمَنْهُ وَإِلَّا ضَمِنَهُ، وَمَا اقْتَضَتْهُ عِبَارَةُ الْغَزِّيِّ مِنْ أَنَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْمَالِكَ يَضْمَنُ مُطْلَقًا، قَدْ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي: أَخْذَهُ لِيَرُدَّهُ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الْأَخْذُ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَعْرِفَةَ الْحَاكِمِ الْأَمِينِ كَمَعْرِفَةِ الْمَالِكِ حَتَّى يَجُوزُ لِلْآخِذِ الدَّفْعُ إلَيْهِ وَلَا ضَمَانَ بِالْهُرُوبِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُمْ: الْعَبْدُ عُرْضَةٌ لِلضَّيَاعِ، مَعَ قَوْلِهِمْ: إنَّ وِلَايَةَ حِفْظِ مَالِ الْغَائِبِينَ لِلْحَاكِمِ، وَالْأَمَةُ الَّتِي لَا تَحِلُّ وَغَيْرُهَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ كَمَا اقْتَضَتْهُ عِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ، ثُمَّ إذَا أَخَذَهَا الْحَاكِمُ فَعَلَ الْأَصْلَحَ مِنْ حِفْظِهَا وَبَيْعِهَا، فَإِنْ هَرَبَتْ مِنْهُ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ فِعْلِ الْأَصْلَحِ لَمْ يَضْمَنْ وَإِلَا ضَمِنَ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِمَا لَفْظُهُ: إذَا جَوَّزْتُمْ الْتِقَاطَ الْعَبْدِ الْمُمَيِّزِ فِي زَمَنِ النَّهْبِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَعْرِفَ مُلْتَقِطُهُ أَنَّهُ عَبْدٌ حَتَّى يَلْتَقِطَهُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِعَلَامَاتِ الْأَرِقَّاءِ كَكَوْنِهِ حَبَشِيًّا أَوْ زِنْجِيًّا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّاسِ الْحُرِّيَّةُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: صَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِأَنْ يُقِرَّ مَجْهُولٌ بَالِغٌ أَنَّهُ قِنٌّ مَمْلُوكٌ وَلَا يُعَيِّنُ الْمَالِكُ، فَلَهُ الْتِقَاطُهُ حِينَئِذٍ زَمَنَ النَّهْب لِلتَّمَلُّكِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى اهـ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّ هَذَا التَّصْوِيرَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ بِدَلِيلِ تَعْبِيرِهِمْ بِالْمُمَيِّزِ دُونَ الْبَالِغِ، وَحِينَئِذٍ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ فِي وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ بِالْعَلَامَاتِ وَالْقَرَائِنِ الَّتِي يَظُنُّ بِهَا رِقَّهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْجِعَالَةِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيمَنْ قَالَ لِمُعَلِّمٍ عَلِّمْ ابْنِي الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ وَأَنَا آجِرٌ لَك مِثْلَ مَا يُؤْجِرُ أَصْحَابِي لَك أَوْ آجِرٌ لَهُ أَجْرًا مَعْلُومًا، وَهُوَ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَعَلَّمَهُ إلَى آخِرِ سُورَةِ الْمُلْكِ فَمَاتَ الِابْنُ أَوْ الْمُعَلِّمُ، أَوْ تَرَكَ الْمُعَلِّمُ التَّعْلِيمَ، أَوْ امْتَنَعَ الْوَلِيُّ عَنْ تَسْلِيمِهِ إلَيْهِ كَمْ يَسْتَحِقُّ الْمُعَلِّمُ أَوْ وَارِثُهُ مِنْ الْأَجْرِ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ أَثَابَكُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْجَنَّةَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إذَا جَاعَلَ إنْسَانًا عَلَى تَعْلِيمِ ابْنِهِ الْقُرْآنَ كُلَّهُ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ أَوْ مَجْهُولَةٍ صَحَّ، وَلَهُ فِي الْمَجْهُولَةِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، ثُمَّ إذَا عَلَّمَهُ الْبَعْضَ فَقَطْ دُونَ الْبَاقِي، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِمَوْتِ الْمُعَلِّمِ أَوْ الْمُتَعَلِّمِ وَجَبَ لِلْمُعَلِّمِ فِي الثَّانِيَةِ وَلِوَرَثَتِهِ فِي الْأَوْلَى الْقِسْطُ مِنْ الْمُسَمَّى الْمَعْلُومِ، وَمِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ إذَا كَانَ مَجْهُولًا لِوُقُوعِ الْعَمَلِ مُسَلَّمًا بِالتَّعْلِيمِ مَعَ ظُهُورِ أَثَرِ الْعَمَلِ عَلَى الْمَحَلِّ، بِخِلَافِ نَحْوِ رَدِّ الْآبِقِ، وَإِنْ كَانَ لِامْتِنَاعِ الْأَبِ مِنْ التَّعْلِيمِ وَجَبَ لِلْفَقِيهِ أُجْرَةُ مِثْلِ مَا عَمِلَ، لِأَنَّ الْمَنْعَ فَسْخٌ أَوْ كَالْفَسْخِ، وَحُكْمُ الْفَسْخِ مِنْ الْمَالِكِ فِي أَثْنَاءِ الْعَمَلِ يَقْتَضِي وُجُوبَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لِلْعَامِلِ فِيمَا عَمِلَ، وَإِنْ كَانَ لِامْتِنَاعِ الْمُعَلِّمِ لَهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا، لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الْجِعَالَةِ مَتَى فَسَخَ أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْعَمَلِ أَوْ إتْمَامِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ بِاخْتِيَارِهِ وَلَمْ يَحْصُلْ غَرَضُ الْمَالِكِ سَوَاءٌ أَوَقَعَ مَا عَمِلَهُ مُسَلَّمًا أَمْ لَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رَجُلٍ وَجَدَ عَبْدًا لِرَجُلٍ فَرَاحَ إلَيْهِ يَطْلُبُ مِنْهُ شَيْئًا يُسَمُّونَهُ أَهْلُ الْبَلَدِ بِشَارَةً حَتَّى أَنَّهُ وَصَلَ سَيِّدَ الْعَبْدِ فَقَالَ أَطْلُبُ مِنْك مَا حُدَّ، وَحَدَّ بِشَارَةٍ فَقَالَ سَيِّدُ الْعَبْدِ أُعْطِيكَ مَا فَادَيْنَا عَلَيْهِ مِنْ الْجُعْلِ وَهُوَ دُونَ مَا أَرَادَ فَمَسَكَ الْعَبْدَ، فَقَالَ مُمْسِكُ الْعَبْدِ بَلَغَنِي نِدَاؤُك بِذَلِكَ هَاتِ ذَلِكَ فَقَالَ سَيِّدُ الْعَبْدِ هَاتِ عَبْدِي وَأُسَلِّمُ لَك ذَلِكَ فَرَاحَ وَاجِدُ الْعَبْدِ يُرِيدُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْعَبْدِ فَوَجَدَهُ قَدْ أَبَقَ فَهَلْ عَلَى وَاجِدِ الْعَبْدِ ضَمَانُهُ لِكَوْنِهِ حَبَسَهُ لِأَجْلِ الْجُعْلِ أَمْ لَا؟ أَجَابَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ: بِأَنَّ عَلَيْهِ ضَمَانَهُ؛ لِأَنَّ الْأَئِمَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - قَالُوا: لَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ لِأَجْلِ الْجُعْلِ وَأَجَابَ مُفْتٍ آخَرَ: بِأَنَّ يَدَهُ يَدُ أَمَانَةٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَمَا الصَّحِيحُ عِنْدَكُمْ مِنْ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنَّ وَاجِدَ

الْعَبْدِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فِي مُقَابَلَةِ رَدِّهِ لَهُ إلَّا إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَالِكَ قَالَ مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا، فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَسَمِعَهُ وَاجِدُ الْعَبْدِ قَبْلَ أَنْ يَجِدَ الْعَبْدَ ثُمَّ وَجَدَهُ وَأَمْسَكَهُ اسْتَحَقَّ حِينَئِذٍ الْجُعْلَ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمَالِكُ لِمَنْ رَدّ عَبْدَهُ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْوَاجِدُ: شَرَطْت جُعْلًا وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ، أَوْ قَالَ: شَرَطْته عَلَى عَبْدٍ آخَرَ، أَوْ قَالَ شَخْصٌ: أَنَا رَدَدْته وَقَالَ الْمَالِكُ: بَلْ جَاءَ بِنَفْسِهِ أَوْ رَدَّهُ غَيْرُك صُدِّقَ الْمَالِكُ بِيَمِينِهِ وَعَلَى الْآخَرِ الْبَيِّنَةُ، نَعَمْ لَوْ اخْتَلَفَا فِي بُلُوغِهِ النِّدَاءِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّادِّ بِيَمِينِهِ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي سَمَاعِ نِدَائِهِ وَإِذَا رَدَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ إلَّا إنْ سَلَّمَهُ لِلْمَالِكِ، فَلَوْ رَدَّهُ إلَى دَارِ الْمَالِكِ فَمَاتَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، أَوْ هَرَبَ مِنْهُ، أَوْ غَصَبَهُ ظَالِمٌ مِنْهُ، أَوْ تَرَكَهُ الْعَامِلُ، أَوْ تَرَكَ هُوَ الْعَامِلَ وَرَجَعَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعَامِلُ شَيْئًا. نَعَمْ لَوْ لَمْ يَجِدْ الْمَالِكَ وَسَلَّمَهُ لِلْحَاكِمِ فَهَرَبَ اسْتَحَقَّ كَمَا فِي فُرُوعِ ابْنِ الْقَطَّانِ، وَكَذَا لَوْ هَرَبَ الْمَالِكُ وَسَلَّمَهُ لِلْحَاكِمِ فَيَسْتَحِقُّ اتِّفَاقًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ أَشْهَدَ وَاسْتَحَقَّ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ مَنْ رَدَّ آبِقًا أَوْ مَالًا بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ أَوْ بِإِذْنِهِ، وَلَمْ يَلْتَزِمْ لَهُ شَيْئًا فِي مُقَابَلَةِ الرَّدِّ فَلَا شَيْءَ لَهُ سَوَاءٌ أَكَانَ مَعْرُوفًا بِالرَّدِّ أَمْ لَا، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ: وَفِي ضَمَانِهِ لِمَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ الْخِلَافُ فِي انْتِزَاعِ الْمَغْصُوبِ لِرَدِّهِ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ فِيمَنْ انْتَزَعَ مَغْصُوبًا لِيَرُدَّهُ عَلَى مَالِكِهِ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ إلَّا إنْ انْتَزَعَهُ مِنْ حَرْبِيٍّ أَوْ مِنْ عَبْدِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ وَاجِدَ الْعَبْدِ يَضْمَنُهُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ حَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الْمَالِكَ نَادَى عَلَيْهِ بِجُعْلٍ أَوْ أَمَرَ مَنْ يُنَادِي عَلَيْهِ بِذَلِكَ، أَمَّا إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَهَرَبَ مِنْهُ وَهُوَ جَاءٍ بِهِ فِي الطَّرِيقِ فَإِنْ كَانَ هَرَبُهُ بِتَفْرِيطٍ مِنْ وَاجِدِهِ، كَأَنْ خَلَّاهُ بِمَضْيَعَةٍ أَوْ لَمْ يَحْتَفِظْ عَلَيْهِ حَقَّ الْحِفْظِ ضَمِنَهُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْهُ كَأَنْ خَلَّاهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ لَمْ يَضْمَنْهُ، هَذَا كُلُّهُ حَيْثُ هَرَبَ مِنْهُ وَهُوَ آتٍ بِهِ إلَى الْمَالِكِ، أَمَّا لَوْ وَجَدَهُ ثُمَّ جَاءَ بِهِ إلَى دَارِه وَحَبَسَهُ عِنْدَهُ لِأَجْلِ اسْتِيفَاءِ الْجُعْلِ الْمَشْرُوطِ لَهُ، فَهَرَبَ مِنْهُ فِي مُدَّةِ الْحَبْسِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ بِحَبْسِهِ، سَوَاءٌ هَرَبَ بِتَفْرِيطٍ مِنْهُ فِي حِفْظِهِ حَتَّى هَرَبَ أَمْ لَا، لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ حَبْسَهُ نَفْسَهُ تَفْرِيطٌ، وَقَدْ أَشَارَ الْغَزِّيُّ وَغَيْرُهُ إلَى مَا ذَكَرْته مِنْ التَّفْصِيلِ بِقَوْلِهِمْ: أَبَقَ عَبْدٌ فَظَفِرَ بِهِ مَنْ يَعْرِفُ مَالِكَهُ فَأَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ فَهَرَبَ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ رَدِّهِ وَرَفْعِ أَمْرِهِ إلَى الْحَاكِمِ بِلَا تَقْصِيرٍ لَمْ يَضْمَنْهُ، بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ مَالِكَهُ أَوْ لَمْ يُرِدْ رَدَّهُ أَوْ قَصَّرَ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِف مَالِكَهُ يَضْمَنَهُ وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ وَكَذَلِكَ مَنْ لَمْ يُرِدْ رَدَّهُ يَضْمَنْهُ وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ لِتَقْصِيرِهِ فِيهِمَا وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ خَطَأُ كُلٍّ مِنْ الْمُفْتِيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي السُّؤَالِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْجَوَابِ فِي مَحَلِّ التَّفْصِيلِ خَطَأٌ، لَكِنَّ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّ كَثِيرِينَ الْآنَ صَارُوا يَتَسَوَّرُونَ ذُرَى مَنْصِبِ الْإِفْتَاءِ قَبْلَ التَّأَهُّلِ لَهُ فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَهْدِينَا وَإِيَّاهُمْ لِسَوَاءِ السَّبِيلِ إنَّهُ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (سُئِلَ) عَمَّا إذَا رَدَّ الصَّبِيُّ الْعَيْنَ الْمَجْعُولَ عَلَيْهَا جُعْلٌ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يَسْتَحِقُّهُ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ وَأَفْتَى بِهِ الْبَارِزِيُّ، وَقَاسَهُ عَلَى مَا لَوْ قَالَ لَهُ خُطَّ هَذَا الثَّوْبَ وَلَكَ أُجْرَةٌ، وَلَهُ احْتِمَالُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ عَقَدَ الْإِجَارَةَ مَعَ الصَّبِيِّ عَلَى عَمَلٍ وَيُجَابُ: بِأَنَّ الْإِجَارَةَ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقَبُولُ وَهُوَ لَا يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ فَكَانَتْ فَاسِدَةً، بِخِلَافِ الْجِعَالَةِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا إلَّا الْعَمَلُ وَهُوَ يَصِحُّ مِنْ الصَّبِيِّ، فَلَمْ تَكُنْ فَاسِدَةً وَإِذَا لَمْ تَفْسُدْ وَجَبَ الْمُسَمَّى. (وَسُئِلَ) بِمَا صُورَتُهُ لَوْ جُوعِلَ شَخْصٌ عَلَى زِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ عِنْدَ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ فَعَجَزَ عَنْ الزِّيَارَةِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُجَاعِلَ غَيْرَهُ أَوْ لَا؟ أَجَابَ أَبُو قِضَامٍ: نَعَمْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُجَاعِلَ عَلَيْهَا غَيْرَهُ أَوْ يَسْتَنِيبَ فِيهَا تَبَرُّعًا قَالَهُ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَعَلَى هَذَا فَيَجِب لَهُ الْمُسَمَّى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَأَجَابَ الْفَقِيهُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مِلْحَاحٍ: فَضْلُ الْمُجَاعِلِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُجَاعِلَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الصِّيغَةِ عُمُومٌ كَمَتَى حَصَلَتْ حُجَّةٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي بَابِ الْجِعَالَةِ يَدُلُّ لِصِحَّةِ فَتْوَى أَبِي قِضَامٍ حَيْثُ قَالُوا: إنَّ الْجَعِيلَ الْمُعَيَّنَ كَالْوَكِيلِ الْمُعَيَّنِ، لَكِنْ يُشْكِلُ

عَلَى فَتْوَاهُ مَا قَالُوهُ، وَلَوْ وَكَّلَهُ فِيمَا يُمْكِنْهُ عَادَةً وَلَكِنَّهُ عَاجِزٌ عَنْهُ لِسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ، فَإِنْ كَانَ التَّوْكِيلُ فِي حَالِ عِلْمِهِ بِسَفَرِهِ أَوْ مَرَضِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يُوَكِّلَ، وَإِنْ طَرَأَ الْعَجْزُ فَلَا، وَقَضِيَّةُ تَقْيِيدِهِمْ بِذَلِكَ فِي الْوَكِيلِ: أَنْ يَجْرِيَ مِثْلُهُ فِي الْجَعِيلِ فَيَقْتَضِيَ أَنَّهُ لَوْ وَقَّعَ عَقَدَ الْجِعَالَةِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ بِالْيَمَنِ مَثَلًا ثُمَّ طَرَأَ الْعَجْزُ بِمَكَّةَ مَثَلًا، أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْجَعِيلِ أَنْ يُجَاعِلَ، فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ حَتَّى لَا يَصِحُّ مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْيَمَنِيَّةِ وَالْحَضَارِمَةِ؟ أَوْ تَصِحُّ جِعَالَةُ الْجَعِيلِ إذَا طَرَأَ لَهُ الْعَجْزُ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْعَجْزُ طَارِئًا أَوْ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ الْعَقْدِ، وَسَوَاءٌ عَلِمَ الْمُجَاعِلُ بِطُرُوِّ الْعَجْزِ أَمْ لَا، وَهَلْ الْمُعْتَمَدُ مَا أَفْتَى بِهِ أَبُو قُضَامٍ أَوْ مَا أَفْتَى بِهِ أَبُو فَضْلٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلَافٌ بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَلَمْ يَرَهُ الشَّيْخَانِ فَأَبْدَيَا فِيهَا بَحْثًا، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّافِعِيَّ قَالَ: وَقَدْ خَطَرَ بِالْبَالِ هُنَا أَنَّ الْعَامِلَ الْمُعَيَّنَ هَلْ يُوَكِّلُ الْغَيْرَ لِيَنْفَرِدَ بِالرَّدِّ كَمَا يَسْتَعِينُ بِهِ؟ وَأَنَّهُ إذَا كَانَ النِّدَاءُ عَامًّا فَوَكَّلَ رَجُلًا غَيْرَهُ لِيَرُدَّهُ هَلْ يَجُوزُ؟ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ كَتَوْكِيلِ الْوَكِيلِ وَالثَّانِي كَالتَّوْكِيلِ بِالِاحْتِطَابِ اهـ. وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ: فَإِنْ قِيلَ: هَلْ لِلْعَامِلِ الْمُعَيَّنِ أَنْ يُوَكِّلَ بِالرَّدِّ غَيْرَهُ كَمَا يَسْتَعِينُ بِهِ وَهَلْ إذَا كَانَ النِّدَاءُ عَامًّا يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ سَمِعَهُ غَيْرُهُ فِي الرَّدِّ؟ قُلْت: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ كَتَوْكِيلِ الْوَكِيلِ وَالثَّانِي كَالتَّوْكِيلِ بِالِاحْتِطَابِ وَالِاسْتِقَاءِ انْتَهَتْ. فَظَاهِرُ بَحْثِهِمَا، بَلْ صَرِيحُهُ فِي الْأُولَى أَنَّهُ يَتَأَتَّى هُنَا مَا قَالُوهُ فِي تَوْكِيلِ الْوَكِيلِ مِنْ اشْتِرَاطِ عُذْرٍ أَوْ عَدَمِ لِيَاقَةٍ، وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ عَلَى هَذَا الْبَحْثِ خِلَافًا لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَفِي الثَّانِيَةِ، وَالصُّورَةُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ سَمِعَ النِّدَاءَ قَبْلَ تَوْكِيلِهِ الْجَوَازَ مُطْلَقًا، وَجَزَمَ بِمَا بَحَثَاهُ فِي الصُّورَتَيْنِ مُخْتَصِرُو الرَّوْضَةِ وَغَيْرُهُمْ، فَإِنْ قُلْت: يُنَافِي بَحْثُهُمَا هَذَا قَوْلَهُمَا كَالْأَصْحَابِ لَوْ قَالَ لِزَيْدٍ: رُدَّهُ وَلَك كَذَا فَأَعَانَهُ آخَرُ فِي رَدِّهِ بِعِوَضٍ أَوْ مَجَّانًا، فَالْكُلُّ لِزَيْدٍ فَإِنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ لِلْمُعَاوَنَةِ، وَغَرَضُ الْمُلْتَزِمِ الْعَمَلُ بِأَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى قَصْرِ الْعَمَلِ عَلَى الْمُخَاطَبِ، وَلَا شَيْءَ لِلْمُعَاوِنِ إلَّا إنْ الْتَزَمَ لَهُ زَيْدٌ أُجْرَةً فَيَسْتَحِقُّهَا حِينَئِذٍ. قُلْتُ: فَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْنَ التَّوْكِيلِ وَالْإِعَانَةِ فَإِنَّ التَّوْكِيلَ فِيهِ رَفْعُ يَدِهِ وَاسْتِقْلَالُ يَدِ وَكِيلِهِ، وَلَيْسَ يَدُ وَكِيلِهِ كَيَدِهِ بِخِلَافِ يَدِ قِنِّهِ غَيْرِ مُكَاتَبِهِ، فَاغْتُفِرَ فِي الْإِعَانَةِ مَا لَمْ يُغْتَفَرْ فِي التَّوْكِيلِ، فَلِذَا جَازَتْ الْإِعَانَةُ مُطْلَقًا، وَفُصِّلَ فِي التَّوْكِيلِ بَيْنَ الْمُعَيَّنِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَوْكِيلُ غَيْرِهِ إلَّا بِعُذْرٍ؛ لِأَنَّ الْجَاعِلَ قَدْ يَكُونُ مَقْصُودُهُ مُبَاشَرَةَ الْعَامِل بِنَفْسِهِ فَامْتَنَعَ تَوْكِيلُهُ حَيْثُ لَا عُذْرَ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ قَالَ لَهُ: لِتَعْمَلْ بِنَفْسِك لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّوْكِيلُ مُطْلَقًا، وَبَيَّنَ الْمُبْهَمَ فَجَازَ لَهُ التَّوْكِيلُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ الْجَاعِلَ لَمْ يَقْصِدْ عَيْنَ أَحَدٍ، فَإِنْ قُلْتَ: يُنَافِي مَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي التَّوْكِيلِ عِنْدَ التَّعْيِين قَوْلَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ الَّذِي اسْتَنَدَ إلَيْهِ أَبُو قِضَامٍ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: لِمُعَيَّنٍ إنْ رَدَدْت عَبْدِي فَلَكَ كَذَا يَقْتَضِي اسْتِدْعَاءَ الْعَمَلِ مِنْ الْمُخَاطَبِ نَفْسِهِ وَلَا مَعْنَى لِحَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى قَصْرِ الْعَمَلِ فِي الْمُخَاطَبِ، بَلْ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ وَالسَّعْيِ فِيهِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ، حَتَّى لَوْ اسْتَعَانَ الْعَامِلُ بِمَنْ أَرَادَ بِأُجْرَةٍ يَبْذُلُهَا أَوْ أَعَانَهُ مُتَبَرِّعًا، فَإِذَا حَصَلَ الْمَقْصُودُ فَلَا نَظَرَ إلَى جِهَاتِ الْعَمَلِ بِنَاءً عَلَى مَقْصُودِ الْبَابِ اهـ. وَجَرَى عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ فِي بَسِيطِهِ فَقَالَ: إذَا عَيَّنَ مُخَاطَبًا وَقَالَ إلَّا رَدَدْت عَبْدِي الْآبِقَ فَلَكَ كَذَا، فَلَيْسَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ السَّعْيُ بِنَفْسِهِ، بَلْ لَهُ الِاسْتِعَانَةُ بِغَيْرِهِ، فَإِذَا حَصَلَ الْعَمَلُ اسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ. اهـ. قُلْت: لَا يُنَافِيهِ بَلْ هُوَ عَيْنُهُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ وَالْغَزَالِيَّ إنَّمَا فَرَضَا ذَلِكَ فِي الْإِعَانَةِ لَا فِي التَّوْكِيلِ، كَمَا فَهِمَهُ السُّبْكِيّ وَهُوَ وَاضِحٌ، وَعِبَارَةُ الْأَذْرَعِيِّ فِي تَوَسُّطِهِ عَقِبَ كَلَامِهِمَا، قَالَ قَائِلٌ: وَأَحْسَبُهُ السُّبْكِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَالْأَجْنَبِيِّ، وَهُوَ صَحِيحٌ يَشْهَدُ لَهُ مَسْأَلَةُ مُعَاوَنَةِ الْغَيْرِ لَهُ، وَهِيَ مَنْصُوصَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا اهـ. وَجَرَى عَلَيْهِ الْخَادِمُ فَقَالَ: وَقَدْ يَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ اتِّفَاقُ الْأَصْحَابِ فِيمَا إذَا قَالَ: إنْ رَدَدْتَهُ فَلَكَ كَذَا فَشَارَكَهُ غَيْرُهُ فِي الرَّدِّ وَقَصَدَ مُعَاوَنَتِهِ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ زَيْدٌ الْجُعْلَ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ أَنْ يَقَعَ عَمَلُ الْأَجْنَبِيِّ لَهُ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ فَبِإِذْنِهِ أَوْلَى. فَإِنْ قُلْت: سَلَّمْنَا أَنَّ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ وَإِمَامِهِ فِي الْمُعَاوَنَةِ لَا التَّوْكِيلِ فَكَلَامُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَتِلْمِيذِهِ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَوَلِّي صَرِيحَانِ فِي مَنْعِ التَّوْكِيل، وَعِبَارَةُ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقَتِهِ غَيْرِ الْمَشْهُورَةِ: وَلَوْ رَدَّهُ عَبْدَهُ اسْتَحَقَّ؛ لِأَنَّ يَدَ الْعَبْدِ يَدُهُ،

كتاب الفرائض

وَلَوْ رَدَّ وَكِيلُهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْتَرَطْ لَهُ شَيْءٌ؛ وَلِأَنَّ يَدَ الْوَكِيلِ غَيْرُ يَدِهِ انْتَهَتْ. وَعِبَارَةُ الْمُتَوَلِّي: إذَا رَدَّهُ وَكِيلُهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا قُلْتُ: غَايَةُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَيْنِ الْإِمَامَيْنِ أَطْلَقَا مَنْعَ التَّوْكِيلِ. وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا اعْتَمَدُوا التَّفْصِيلَ السَّابِقَ فِيهِ فَتَعَيَّنَ حَمْلُ إطْلَاقِ هَذَيْنِ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْ تَفْصِيلِ أُولَئِكَ وَبِمَا فَرَّقْت بِهِ بَيْنَ التَّوْكِيلِ وَالْإِعَانَةِ صَرَّحَ الْأَذْرَعِيُّ فَقَالَ: وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْمُعَاوَنَةِ وَالتَّوْكِيلِ بِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ كُلِّيٌّ أَيْ: وَلَا كَذَلِكَ الِاسْتِعَانَةُ، وَهَذَا هُوَ عَيْنُ مَا قَدَّمْته مِنْ الْفَرْقِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ إطْلَاقَ كُلٍّ مِنْ أَبِي قِضَامٍ وَأَبِي فَضْلٍ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، أَمَّا أَبُو قِضَامٍ فَإِنَّهُ اعْتَمَدَ كَلَامَ الْإِمَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِعَانَةِ لَا فِي التَّوْكِيلِ، وَاَلَّذِي فِي السُّؤَالِ إنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ التَّوْكِيلِ فِي مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْجَاعِلَ قَالَ لِآخَرَ: جَاعَلْتُكَ عَلَى الزِّيَارَةِ وَالدُّعَاءِ فَجَاعَلَ غَيْرَهُ لِيَزُورَ وَيَدْعُوَ، وَتَخَلَّفَ هُوَ فَهَذَا تَوْكِيلٌ لِانْفِرَادِ الْوَكِيلِ لَا إعَانَةٌ، وَكَلَامُ الْإِمَامِ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِعَانَةِ لَا التَّوْكِيلِ فَاتَّضَحَ أَنَّ إطْلَاقَ أَبِي قِضَامٍ الْجَوَازَ هُنَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنْ اسْتَدَلَّا لَهُ بِكَلَامِ الْإِمَامِ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا، وَأَمَّا أَبُو فَضْلٍ فَإِنَّهُ اعْتَمَدَ إطْلَاقَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي امْتِنَاعَ التَّوْكِيلِ فِي الْمُعَيَّنِ، وَأَخَذَ بِمَفْهُومِ ذَلِكَ مِنْ جَوَازِهِ حَيْثُ لَا يَتَعَيَّنُ، وَهُوَ إطْلَاقًا وَأَخْذًا غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا لِمَا عَلِمْت أَنَّ الْمُعْتَمَد حَمْلُ كَلَامِ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي عَلَى غَيْرِ الْمَعْذُورِ فَيَمْتَنِعُ التَّوْكِيلُ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ الْمَعْذُورُونَ. الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فِي عَدَمِ التَّعْيِين جَوَازُ التَّوْكِيلِ مُطْلَقًا وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ هَذَيْنِ الْإِمَامَيْنِ، كَيْفَ غَفَلَا عَنْ كَوْنِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَمُخْتَصِرِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَاعْتَمَدَ الْأَوَّلُ كَلَامَ الْإِمَامِ وَهُوَ لَيْسَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَالثَّانِي كَلَامَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَهُوَ لَيْسَ مُوفِيًا لِتَفْصِيلِهِ الَّذِي فَصَّلَهُ مِنْ الِامْتِنَاعِ عِنْدَ التَّعْيِينِ مُطْلَقًا وَالْجَوَازِ عِنْدَ الْإِبْهَامِ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَرَّرَ وَاتَّضَحَ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْجَاعِلَ مَتَى قَالَ: جَاعَلْتُكَ لِتَدْعُوَ مَثَلًا، فَإِنْ عُذِرَ جَازَ لَهُ التَّوْكِيلُ بِأُجْرَةٍ وَغَيْرِهَا وَإِلَّا فَلَا، وَتَجُوزُ لَهُ الْإِعَانَةُ بِمَنْ يُشَارِكُهُ فِي الْإِتْيَانِ بِالْعَمَلِ الْمُلْتَزَمِ مُطْلَقًا، هَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يَقُلْ بِنَفْسِك، وَإِلَّا امْتَنَعَتْ الِاسْتِعَانَةُ وَالتَّوْكِيلُ مُطْلَقًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ نَقْلًا عَنْ غَيْرِهِ، وَمَتَى قَالَ مَنْ دَعَا لِمَيِّتِي بِمَحَلِّ كَذَا، فَلَهُ كَذَا جَازَ التَّوْكِيلُ مُطْلَقًا فَضْلًا عَنْ الِاسْتِعَانَةِ، وَيَسْتَحِقُّ الْمُوَكِّلُ وَالْمُسْتَعِينُ الْمُسَمَّى فَاحْفَظْ ذَلِكَ وَافْهَمْهُ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا وَقَعَ لِكُلٍّ مِنْ ذَيْنَك الْإِمَامَيْنِ لِمَا عَلِمْته، ثُمَّ رَأَيْت الْقَمُولِيَّ أَوَّلَ كَلَامَ الْمُتَوَلِّي فَقَالَ عَقِبَهُ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ إذَا لَمْ يَسْتَعِنْ بِهِ الْمُوَكِّلُ فِي رَدِّهِ أَيْ: بِأَنْ فَوَّضَ إلَيْهِ الرَّدَّ مِنْ أَصْلِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَعَانَ بِهِ بِأَنْ شَارَكَهُ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ مُطْلَقًا. وَهَذَا صَرِيحٌ مِنْ الْقَمُولِيِّ أَيْضًا فِيمَا قَدَّمْته مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِعَانَةِ وَالتَّوْكِيلِ فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَا هَاهُنَا مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ لِآخَرَ إلَّا فَعَلْتَ كَذَا فَلَكَ كَذَا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ، بِخِلَافِ اسْتَأْجَرْتُك لِتَحُجَّ أَوْ لِتَدْعُوَ أَوْ تَزُورَ وَقُلْنَا: بِصِحَّتِهِ، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْمُبَاشَرَةُ بِنَفْسِهِ مُطْلَقًا قُلْتُ: الْإِجَارَةُ لَيْسَ فِيهَا شَائِبَةُ تَوْكِيلٍ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَى قَوْلِهِ لِمُعَيَّنٍ: لِتَفْعَلْ كَذَا مِنْ قَصْرِهِ عَلَى فِعْلِهِ، وَالْجِعَالَةُ فِيهَا شَائِبَةُ تَوْكِيلٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَصَرَّحُوا بِهِ فَنَظَرُوا إلَى أَنَّ الْغَرَضَ تَحْصِيلُ الْمَقْصُودِ لَا عَيْنُ مُحَصِّلِهِ عَلَى مَا مَرَّ فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ جُوعِلَ عَلَى تَحْصِيلِ حَجَّةٍ وَزِيَارَةٍ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ بِأَرْبَعِينَ أَشْرَفِيًّا مَثَلًا فَلَمَّا حَجَّ ذَلِكَ الْمُجَاعَلُ عَمَّنْ جُوعِلَ لَهُ شَرَعَ فِي السَّيْرِ إلَى الْمَدِينَةِ لِيَزُورَ عَنْهُ فَلَمَّا بَلَغَ إلَى مقرح تُوُفِّيَ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الزِّيَارَةِ بِكَمَالِهَا أَوْ يَسْتَحِقُّ الْقِسْطَ مِنْهَا أَوْ لَا يَسْتَحِقّ شَيْئًا أَصْلًا؟ فَإِنْ قُلْتُمْ يَسْتَحِقُّ أَوْ لَا يَسْتَحِقُّ مَثَلًا فَهَلْ بَيْنَ الْجِعَالَةِ وَالْإِجَارَةِ فَرْقٌ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْجَعِيلُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا كَالْأَجِيرِ الَّذِي مَاتَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مِمَّا أُمِرَ بِهِ، فَهُمَا سَوَاءٌ فِي هَذَا وَإِنَّمَا يَتَخَالَفَانِ فِي أَنَّ الْجَاعِلَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا، وَإِنْ أَتَى بِبَعْضِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَالْأَجِيرُ يَسْتَحِقُّ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَازِمَةٌ تَجِبُ الْأُجْرَةُ فِيهَا بِالْعَقْدِ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَالْجِعَالَةُ جَائِزَةٌ لَا يَثْبُتُ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا بِفِعْلِ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. [كِتَابُ الْفَرَائِضِ]

كِتَابُ الْفَرَائِضِ (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ رَجُلٍ هَلَكَ مَثَلًا وَخَلَّفَ جَدَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا أُمُّ أُمِّهِ مَثَلًا وَالثَّانِيَةُ أُمُّ أَبِيهِ مَثَلًا وَجَدًّا مَثَلًا وَامْرَأَةً حَامِلًا، وَعَنْ رَجُلٍ هَلَكَ مَثَلًا وَخَلَّفَ جَدًّا مَثَلًا وَجَدَّةً؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مِنْ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ، وَتَعُولُ لِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ لِلْجَدَّتَيْنِ السُّدُسُ عَائِلًا يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، وَلِلزَّوْجَةِ الثُّمُنُ عَائِلًا، وَيُوقَفُ لِلْعَمَلِ ثُلُثَانِ عَائِلَانِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ أُنْثَيَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَلِلْجَدِّ مَا بَقِيَ ثُمَّ إنْ بَانَ الْحَمْلُ مُحَابَاةً فَأَكْثَرَ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ بَانَ أُنْثَى أَخَذَتْ الْجَدَّتَانِ السُّدُسَ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَالزَّوْجَةُ الثُّمُنَ مِنْهَا، وَالْبِنْتُ نِصْفَهَا، وَالْبَاقِي لِلْجَدِّ، وَإِنْ بَانَ ذَكَرًا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ ذَكَرًا، وَأُنْثَى أَخَذَتْ الْجَدَّتَانِ السُّدُسَ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَالزَّوْجَةُ الثُّمُنَ مِنْهَا، وَالْبَاقِي لِلذَّكَرِ أَوْ الذُّكُورِ، وَالْإِنَاثِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ سِتَّةٍ لِلْجَدَّةِ السُّدُسُ، وَلِلْجَدِّ مَا بَقِيَ، وَشَرْطُ إرْثِ الْجَدَّةِ مَعَ الْجَدِّ أَنْ لَا تُدْلِيَ بِهِ، وَإِلَّا حَجَبَهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا صُورَتُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنَارَ الْكَوْنَ بِالْعُلَمَاءِ، وَجَعَلَهُمْ سَبَبًا لِكَشْفِ الْغُمَّةِ، وَالْعَمَاءِ، وَأَنَارَ الْحِكْمَةَ فِي قُلُوبِهِمْ فَاسْتَنَارَتْ حَتَّى بَلَغَتْ عَنَانَ السَّمَاءِ تَفَضَّلُوا يَا شَيْخَ الْإِسْلَامِ بِكَشْفِ هَذَا الرَّيْنِ الَّذِي عَمَّ عَلَى قُلُوبِ أَهْلِ زَمَانِنَا حَتَّى إنَّ أَحَدَهُمْ يَمُوتُ، وَلَا يُوصِي تَكُونُ لَهُ الضِّيَاعُ فَيَقْسِمُ مَا بِيَدِهِ لِلْأَوْلَادِ، وَيُخْرِجُهُ عَنْ مِلْكِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ، وَيَجْعَلُ الذَّكَرَ، وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءً فَإِذَا مَاتَ الشَّخْصُ الْمَذْكُورُ، وَجَاءَتْ الْأُنْثَى تَطْلُبُ حَقَّهَا قَالَ لَهَا أَخُوهَا: لَا أَقْسِمُ مَا أَعْطَانِي أَبِي، وَإِنَّمَا جَعَلَ لَك مَعِي فِي حَيَاتِهِ تَأْكُلِينَ إذَا احْتَجْتِ، وَامْتَنَعَ فَهَلْ يَا شَيْخَ الْإِسْلَامِ إذَا دَفَعَ رَبُّ الْمَالِ الْأَرْضَ إلَى أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ يَجُوزُ هَذَا مَعَ الْخَطَرِ الْعَظِيمِ فَإِنْ قُلْتُمْ: نَعَمْ فَكَيْفَ لِهَذَا الْمُعْطِي إذَا دَفَعَ لِبَعْضِ أَوْلَادِهِ شِقْصًا مِنْ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ مَثَلًا وَمَاتَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ مَثَلًا وَقَدْ زَرَعَ الشِّقْصَ الْمَذْكُورَ زَمَنًا مَثَلًا وَهُوَ أَيْ: الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ قَدْ خَلَّفَ زَوْجَةً مَثَلًا وَبِنْتًا هَلْ يُعْطَيَانِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ الَّتِي فِيهَا حَقُّ الْإِنَاثِ الْمَذْكُورَاتِ أَوْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ: لَا فَكَيْفَ الصَّوَابُ الَّذِي

تَرْكَنُ إلَيْهِ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ إذَا قَسَمَ مَا بِيَدِهِ بَيْنَ أَوْلَادِهِ فَإِنْ كَانَ بِطَرِيقِ أَنَّهُ مَلَّكَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَيْئًا عَلَى جِهَةِ الْهِبَةِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُسْتَوْفِيَةِ لِشَرَائِطِهَا مِنْ الْإِيجَابِ، وَالْقَبُولِ، وَالْإِقْبَاضِ أَوْ الْإِذْنِ فِي الْقَبْضِ، وَقَبَضَ كُلٌّ مِنْ الْأَوْلَادِ الْمَوْهُوبِ لَهُمْ ذَلِكَ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي حَالِ صِحَّةِ الْوَاهِبِ جَازَ ذَلِكَ، وَمَلَكَ كُلٌّ مِنْهُمْ مَا بِيَدِهِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ إخْوَتِهِ، وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ أُعْطِيَ مَا كَانَ بِيَدِهِ مِنْ أَرْضٍ، وَمُغَلٍّ لِوَرَثَتِهِ كَالزَّوْجَةِ، وَالْبِنْتِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي السُّؤَالِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ أَنَّهُ قَسَمَ بَيْنَهُمْ مِنْ غَيْرِ تَمْلِيكٍ شَرْعِيٍّ فَتِلْكَ الْقِسْمَةُ بَاطِلَةٌ. فَإِذَا مَاتَ كَانَ جَمِيعُ مَا يَمْلِكُهُ إرْثًا لِأَوْلَادِهِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَمَنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ أَوْ اعْتَقَدَ خِلَافَهُ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَرَقَ مِنْ الدِّينِ فَتُضْرَبُ عُنُقُهُ إنْ لَمْ يَتُبْ، وَيُجَدِّدُ إسْلَامَهُ، وَقَدْ عَمَّتْ هَذِهِ الْمُصِيبَةُ، وَطَمَّتْ بَيْنَ نَوَاحِي أَهْلِ بَجِيلَةَ، وَمَنْ ضَاهَاهُمْ، فَيَجِبُ إذَاعَةُ ذَلِكَ فِيهِمْ، وَإِعْلَامُهُمْ بِأَنَّ اعْتِقَادَ أَنَّ الْأُنْثَى لَا تَرِثُ كُفْرٌ يُخْرِجُ مُعْتَقِدَهُ عَنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ، وَإِمَّا بِطَرِيقِ أَنْ يَقِفَ مَا بِيَدِهِ عَلَى أَوْلَادِهِ فِي حَالَ صِحَّتِهِ مَثَلًا وَيَشْتَرِطُ أَنَّ الْأُنْثَى لَا حَقَّ لَهَا فِيهِ مَا دَامَتْ مُتَزَوِّجَةً مَثَلًا وَأَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ شَيْئًا فِيهِ إلَّا إذَا احْتَاجَتْ فَهَذَا وَقْفٌ صَحِيحٌ يَجِبُ الْعَمَلُ بِقَضِيَّتِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) فِي شَخْصٍ مَاتَ عَنْ زَوْجَةٍ مَثَلًا وَأَخٍ لِأَبٍ فَقَالَتْ الزَّوْجَةُ إنَّهَا حَامِلٌ فَهَلْ تُصَدَّقُ أَمْ لَا فَإِنْ طَلَبَتْ الزَّوْجَةُ الْقِسْمَةَ قَبْلَ الْوَضْعِ فَهَلْ تُجَابُ أَوْ لَا فَإِنْ أَجَابَهَا الْأَخُ لِلْقِسْمَةِ، وَلَمْ يَكُنْ وَصِيًّا، وَلَا وَكِيلًا مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ فَهَلْ تَصِحُّ الْقِسْمَةُ أَوْ لَا؟ ثُمَّ مَاتَ الْأَخُ الْمَذْكُورُ عَنْ ثَلَاثَةِ بَنِينَ أَحَدُهُمْ غَائِبٌ ثُمَّ رَجَعَتْ الزَّوْجَةُ الْمَذْكُورَةُ عَنْ الْحَمْلِ فَهَلْ تُصَدَّقُ أَمْ لَا؟ فَإِنْ صُدِّقَتْ فَذَاكَ، وَإِنْ لَمْ فَهَلْ تَتَرَبَّصُ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: تَتَرَبَّصُ فَإِلَى مَتَى ثُمَّ بَعْدَ أَنْ رَجَعَتْ طَلَبَتْ الْقِسْمَةَ ثَانِيًا فَهَلْ تُجَابُ أَوْ لَا؟ فَلَوْ أَجَابَهَا الْحَاضِرُونَ لِلْقِسْمَةِ فِي غَيْبَةِ أَخِيهِمْ فَهَلْ تَصِحُّ الْقِسْمَةُ أَوْ لَا؟ فَإِذَا حَضَرَ الْغَائِبُ أَوْ وَكِيلُهُ فَهَلْ لَهُ إبْطَالُ الْقِسْمَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ تُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الْحَمْلِ إنْ ظَهَرَتْ مَخَايِلُهُ أَوْ وَصَفَتْهُ بِعَلَامَةٍ خَفِيَّةٍ وَكَذَا إنْ لَمْ تَدَّعِهِ، وَأَمْكَنَ لِقُرْبِ الْوَطْءِ، وَلَهَا طَلَبُ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ الثُّمُنَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ نَعَمْ لَيْسَ لَهَا طَلَبُ الْقِسْمَةِ مِنْ الْأَخِ، وَلَا مِنْ وَرَثَتِهِ لِعَدَمِ صِحَّتِهَا مِنْهُمْ مَا دَامَ الْحَمْلُ مَوْجُودًا، وَإِنَّمَا يَقْسِمُ لَهَا الْقَاضِي، وَإِنْ رَجَعَتْ إذْ لَا أَثَرَ لِرُجُوعِهَا مَعَ رَجَائِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) هَلَكَ مَثَلًا وَتَرَكَ ابْنَ أَخٍ مَثَلًا وَشَقِيقَتَهُ فَهَلْ يُعَصِّبُهَا مَثَلًا وَيَأْخُذُ حِصَّتَهَا مَثَلًا وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مَثَلًا وَبَيْنَ بِنْتِ الِابْنِ الَّتِي يُعَصِّبُهَا أَخُوهَا مَثَلًا وَتَرِثُ مَعَهُ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ الْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَيْنِ مَثَلًا وَوَلَدُ بِنْتِ الِابْنِ هَلْ يَرِثُ أُمَّ أُمِّهِ مَثَلًا وَأُمَّ أَبِي أُمِّهِ مَثَلًا وَهَلْ يَرِثَانِهِ أَوْ لَا (الْجَوَابُ) بِنْتُ الْأَخِ لَيْسَتْ وَارِثَةً فِي حَالٍ مِنْ الْحَالَاتِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْحَامِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنَّ أَخَاهَا يُعَصِّبُهَا بِخِلَافِ بِنْتِ الِابْنِ فَإِنَّهَا وَارِثَةٌ فَعَصَّبَهَا أَخُوهَا، وَغَيْرُهُ، وَلَا يَرِثُ وَلَدُ بِنْتِ الِابْنِ أُمَّ أُمِّهِ وَلَا أُمَّ أَبِي أُمِّهِ، وَتَرِثُ مِنْهُ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلْت) عَنْ طَائِفَتَيْنِ اقْتَتَلَتَا مَثَلًا وَفُقِدَ مِنْهُمْ جَمْعٌ الْغَالِبُ عَلَى الظَّنِّ مَوْتُهُمْ فِي جُمْلَةِ مَنْ قُتِلَ فَهَلْ يُقَسَّمُ إرْثُهُمْ مَثَلًا وَتَتَزَوَّجُ نِسَاؤُهُمْ (فَأَجَبْت) لَا تَحِلُّ الْقِسْمَةُ وَلَا التَّزْوِيجُ إلَّا إنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ مَوْتُهُ أَوْ مَضَتْ مُدَّةٌ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ إلَيْهَا وَلَوْ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ فَلَا يُشْتَرَطُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْهَا فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ الْمَذْكُورَةُ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِمَوْتِهِ وَقَسَمَ مَالَهُ عَلَى مَنْ كَانَ وَارِثًا لَهُ عِنْدَ الْحُكْمِ ثُمَّ بَعْدَ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ تَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا تَزَوَّجَتْ، وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهَا مَوْتُهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ حَيَاتِهِ حَتَّى يَثْبُتَ مَوْتُهُ نَعَمْ لِمَنْ أَخْبَرَهَا عَدْلٌ، وَلَوْ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً بِوَفَاةِ زَوْجِهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ سِرًّا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خَبَرٌ لَا شَهَادَةٌ وَلَا تُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ ظَاهِرًا، وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِهِمْ قَدْ يُقَالُ: إذَا سَاغَ لَهَا اعْتِمَادُهُ، وَعَلِمْنَا ذَلِكَ اتَّجَهَ جَوَازُ اعْتِمَادِهِ ظَاهِرًا أَيْضًا فَفِيهِ وَقْفَةٌ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَيْ:؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا جَازَ لَهَا سِرًّا لِلضَّرُورَةِ فَلَوْ جَوَّزْنَاهُ لَهَا ظَاهِرًا لَكِنَّا مُبْطِلِينَ لِعِصْمَةٍ مُحَقَّقَةِ الثُّبُوتِ بِمُجَرَّدِ ظَنٍّ لَمْ يَعْتَضِدْ بِمَا يُقَوِّيهِ مِنْ حُكْمٍ أَوْ تَمَامِ نِصَابٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، وَبِهَذَا يَتَّضِحُ رَدُّ تِلْكَ الْمَقَالَةِ، وَأَنَّ الْمُعْتَمَدَ

باب الوصية

خِلَافُهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ، وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. [بَابُ الْوَصِيَّةِ] (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَبْدِي حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ عَتِيقٌ كَذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مَثَلًا وَثَمَرُ أَرْضِي الْفُلَانِيُّ أَوْ اسْتِغْلَالُ أَرْضِي الْفُلَانِيُّ وَصِيَّةٌ لَهُ مَثَلًا وَإِنْ سَرَقَ أَوْ سَافَرَ مِنْ بَلَدِنَا أَوْ نَاكَرَ أَهْلَهُ مَا هِيَ لَهُ مَا حُكْمُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ قَوْلَهُ لِقِنِّهِ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ لَهُ فَيُعْتَقُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَيَسْتَحِقُّ الثَّمَرَ أَوْ الْغَلَّةَ، وَيَكُونُ كُلٌّ مِنْ عِتْقِهِ، وَمَا وَصَّى لَهُ بِهِ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ وَفَّى بِهِمَا فَذَاكَ أَوْ بِأَحَدِهِمَا فَقَطْ قُدِّمَ عِتْقُهُ، وَبَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِكُلٍّ عَتَقَ مِنْهُ قَدْرُ الثُّلُثِ وَصَارَتْ الْوَصِيَّةُ لِمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ، وَبَعْضُهُ لِلْوَارِثِ، وَأَمَّا اشْتِرَاطُهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَتَى سَرَقَ أَوْ سَافَرَ أَوْ نَاكَرَ أَهْلَهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْوَصِيَّةِ فَهُوَ صَحِيحٌ نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ قَالَ أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِكَذَا إلَّا أَعْطَى وَلَدِي كَذَا فَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ اسْتَحَقَّ الْوَصِيَّةَ، وَإِلَّا فَلَا. ثُمَّ رَأَيْت جَمْعًا مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ صَرَّحُوا بِصِحَّةِ تَعْلِيقِ الْوَصِيَّةِ بِالشُّرُوطِ مِنْهُمْ الصَّيْمَرِيُّ فِي شَرْحِ الْكِفَايَةِ وَصَاحِبُ التَّنْبِيهِ، وَالْمَاوَرْدِيُّ، وَابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ، وَتَبِعَهُمْ الْقَمُولِيُّ فَقَالَ: تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ كَأَوْصَيْتُ لَهُ بِكَذَا إنْ تَزَوَّجَ بِنْتِي أَوْ إنْ رَجَعَ مِنْ سَفَرِهِ وَتَعْلِيقُهَا بِمَرَضِهِ كَإِنْ مِتُّ فِي مَرَضِي هَذَا فَأَعْطُوا فُلَانًا كَذَا أَوْ فَسَالِمٌ حُرٌّ فَإِنْ بَرِئَ، وَمَاتَ بِغَيْرِهِ بَطَلَتْ، وَعِبَارَةُ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ أَوْصَى بِعِتْقِهَا عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ عَتَقَتْ عَلَى الشَّرْطِ فَإِنْ تَزَوَّجَتْ لَمْ يَبْطُلْ الْعِتْقُ، وَالنِّكَاحُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الشَّرْطِ يَمْنَعُ مِنْ إمْضَاءِ الْوَصِيَّةِ، وَنُفُوذَ الْعِتْقِ يَمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ فِيهِ لَكِنْ يُرْجَعُ عَلَيْهَا بِقِيمَتِهَا، وَيَكُونُ مِيرَاثًا، وَلَوْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ لَمْ تَسْتَحِقَّ اسْتِرْجَاعَ الْقِيمَةِ، وَلَوْ أَوْصَى لِأُمِّ وَلَدِهِ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ أُعْطِيت الْأَلْفَ فَإِنْ تَزَوَّجَتْ اُسْتُرْجِعَ مِنْهَا بِخِلَافِ الْعِتْقِ انْتَهَتْ. وَفِيهَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ، وَالشَّرْطَ، وَبِهِ يُرَدُّ قَوْلُ التَّدْرِيبِ أَنَّهَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ دُونَ الشَّرْطِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى شَرْطٍ يُنَافِي مُقْتَضَاهَا، وَبِهِ يُرَدُّ أَيْضًا مَا فِي الرَّافِعِيِّ فِي الْوَقْفِ عَنْ الْقَفَّالِ مِمَّا يَقْتَضِي أَنَّهَا لَا تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ أَيْضًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّعْلِيقَ مَا دَخَلَ عَلَى أَصْلِ الْفِعْلِ بِأَدَاتِهِ كَانَ، وَإِذَا، وَالشَّرْطُ مَا جُزِمَ فِيهِ بِالْأَصْلِ، وَشُرِطَ فِيهِ أَمْرًا آخَرَ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ اتَّضَحَ مَا ذَكَرْته فِي الْجَوَابِ عَنْ صُورَةِ السُّؤَالِ، وَعُلِمَ أَنَّهُ الْمَنْقُولُ الْمُعْتَمَدُ، وَوَقَعَ لِبَعْضِهِمْ إفْتَاءٌ مُسْتَنِدٌ إلَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ فِي الْهِبَةِ يُخَالِفُ ظَاهِرُهُ مَا تَقَرَّرَ، وَسَيُعْلَمُ رَدُّهُ مِمَّا سَأَذْكُرُهُ، وَعِنْدَ وُجُودِ السَّرِقَةِ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا شُرِطَ عَدَمُهُ يُسْتَرْجَعُ الْمُوصَى بِهِ لَهُ مِنْهُ إنْ بَقِيَ بِيَدِهِ أَوْ بِيَدِ مَنْ بَاعَهُ مَثَلًا فَإِنْ تَلِفَ رَجَعَ الْوَرَثَةُ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ فِي الْمِثْلِيِّ وَقِيمَتِهِ فِي الْمُتَقَوِّمِ. وَلَوْ أَوْصَى لِآخَرَ بِعَيْنٍ وَقَالَ إلَّا مَاتَ قَبْلَ الْبُلُوغِ عَادَتْ لِوَارِثِي فَقَدْ ذُكِرَ فِي بَابِ الْهِبَةِ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ حُكْمُ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّهُ يَصِحُّ عَقْدُ الْعُمْرَى لَا شَرْطُهَا فَفِي أَعْمَرْتُكَ هَذَا أَوْ وَهَبْتُهُ لَك أَوْ جَعَلْته لَك عُمُرَكَ فَإِذَا مِتَّ عَادَ إلَيَّ أَوْ إلَى وَارِثِي صَحَّ الْعَقْدُ لَا الشَّرْطُ فَإِذَا قَبِلَ الْمُعَمَّرُ وَقَبَضَ مِلْكَهُ، فَيَتَصَرَّفُ فِيهِ كَيْفَ شَاءَ فَإِذَا مَاتَ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ ثُمَّ لِبَيْتِ الْمَالِ وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْعُمْرَى إلَّا بِمَوْتِ الْمُعَمِّرِ كَإِذَا مِتُّ فَهُوَ لَك عُمْرَك، فَيَكُونُ وَصِيَّةً فَإِنْ زَادَ، وَإِنْ مِتُّ عَادَ إلَيَّ أَوَ إلَى وَرَثَتِي أَوْ إلَى فُلَانٍ فَهُوَ وَصِيَّةٌ بِالْعُمْرَى عَلَى صُورَةِ الْحَاكِمِ السَّابِقَةِ اهـ. فَافْهَمْ قَوْلَهُمْ، فَيَكُونُ وَصِيَّةً وَقَوْلُهُمْ فَهِيَ وَصِيَّةٌ إلَخْ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، وَمَوْتُهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي قَبْلَ الْبُلُوغِ لَا يُوجِبُ عَوْدَهَا لِوَرَثَةِ الْمُوصِي كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْعُمْرَى مِنْ فَسَادِ الشَّرْطِ فِيهَا مَعَ صِحَّةِ الْعَقْدِ. وَلَوْ قَالَ أَوْصَيْت لَهُ بِهَذِهِ إلَّا بَلَغَ مَثَلًا وَبِمَنْفَعَتِهَا قَبْلَ الْبُلُوغِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ فَهِيَ لِوَارِثِي فَيُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ تَقْيِيدُ الْوَصِيَّةِ بِالْعَيْنِ بِمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ فَإِذَا بَلَغَ مَلَكَهَا وَقَبْلَ الْبُلُوغِ إنَّمَا يَمْلِكُ مَنْفَعَتَهَا فَقَطْ وَقَوْلُهُ: فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ لِوَارِثِي بَاطِلٌ لِمَا مَرَّ نَعَمْ يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ: مَتَى دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ اشْتَرَطَ حُصُولَ الدُّخُولِ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ كَسَائِرِ الصِّفَاتِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَلَا تَدْبِيرَ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَلَا يُنَافِي هَذَا مَا مَرَّ مِنْ صِحَّةِ تَعْلِيقِ الْوَصِيَّةِ بِالشَّرْطِ، وَلُزُومِهِ؛ لِأَنَّ

الشُّرُوطَ ثَمَّ لَا تُنَافِي مَوْضُوعَ الْوَصِيَّةِ، وَهُنَا تُنَافِيهَا إذْ مَوْضُوعُهَا مِلْكُ الْعَيْنِ، وَالتَّصْرِيفُ، وَأَنَّهَا لَا تَعُودُ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي بِشَرْطِ عَوْدِهَا لَهُمْ لَا لِمُوجِبٍ مِنْ الْمُوصَى لَهُ فَكَانَ الشَّرْطُ بَاطِلًا مَعَ الْقَوْلِ بِصِحَّتِهَا نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي الْعُمْرَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) فِيمَا لَوْ قَالَ أَوْصَيْت بِكَذَا وَكَذَا وَاجِبٌ كَفَّارَةً وَلَمْ يُعَيِّنْ فِي وَصِيَّتِهِ أَنَّهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَلَا غَيْرُهَا مَثَلًا وَذَلِكَ الْقَدْرُ لَا يَبْلُغُ كَفَّارَةَ يَمِينٍ أَوْ يَزِيدُ عَلَيْهَا وَلَا يَبْلُغُ تَمَامَ ثَانِيَةٍ كَيْفَ صَرَفَهَا مَثَلًا وَالْحَالُ أَنَّ فِي عُرْفِ الْمُوصِي أَنَّ ذَلِكَ يُصْرَفُ عَلَى غَيْرِ الْقَانُونِ الشَّرْعِيِّ بَيِّنُوا ذَلِكَ فَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْوَاجِبِ، وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يُحْسَبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إنْ لَمْ يَقُلْ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ، وَإِلَّا فَمِنْ الثُّلُثِ فَلَوْ عَرَفَ بِالْقَرَائِنِ مِنْ الْمُوصِي إرَادَةَ الِاحْتِيَاطِ مَا حُكْمُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَجِبُ إخْرَاجُ تِلْكَ الْكَفَّارَةِ الَّتِي أَوْصَى بِهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهَا لِلِاحْتِيَاطِ وَلَا أَثَرَ لِلْقَرَائِنِ وَلَا لِلْعُرْفِ فِي ذَلِكَ وَلَا لِكَوْنِ الْكَفَّارَةِ الْمُوصَى بِهَا تَبْلُغُ كَفَّارَةَ يَمِينٍ أَوْ تَزِيدُ عَلَيْهَا أَوْ تَنْقُصُ عَنْهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَاتٌ، وَأَخْرَجَ بَعْضَهَا، وَبَقِيَ بَعْضُهَا، وَيَلْزَمُهُ صَرْفُهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَالْمَسَاكِينِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْأَغْلَبُ فِي الْكَفَّارَاتِ فَلْيُحْمَلْ لَفْظُهُ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا صَرَّحَ بِأَنَّ أَمْرَهُ بِإِخْرَاجِ تِلْكَ الْكَفَّارَاتِ إنَّمَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ فَإِنْ كَانَ الِاحْتِيَاطُ وَاجِبًا كَانَتْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ احْتِيَاطًا مَنْدُوبًا كَانَتْ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ شَكَّ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ انْصِرَافُهُ إلَى الْمَنْدُوبِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِ الِاحْتِيَاطِ، وَيُحْتَمَلُ انْصِرَافُهُ لِلْوَاجِبِ احْتِيَاطًا لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى وَصِيَّةً، وَضَمَّنَ مَكْتُوبَ الْوَصِيَّةِ بِإِشْهَادٍ شَرْعِيٍّ أَنَّهُ فِي عَامِ كَذَا أَوْقَفَ جَمِيعَ مَا بِيَدِهِ إذْ ذَاكَ مِنْ الْعَقَارِ بِمَكَّةَ، وَحَدَّهُ عَلَى أَوْلَادِهِ لِصُلْبِهِ الثَّلَاثَةِ، وَهُمْ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ بِالسَّوِيَّةِ عَلَيْهِمْ ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى أَوْلَادِهِمْ، وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ، وَذُرِّيَّتِهِمْ، وَنَسْلِهِمْ، وَعُوِّلَ عَلَى مَكْتُوبِ وَقْفٍ سَابِقٍ مُؤَرَّخٍ فِي الْعَامِ الْمَذْكُورِ أَعْلَاهُ ثُمَّ إنَّ الرَّجُلَ الْمُوصِيَ انْتَقَلَ بِالْوَفَاةِ إلَى رَحْمَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَمْ يُوجَدْ مَكْتُوبُ الْوَقْفِ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي تَرِكَتِهِ، وَحَصَلَ نِزَاعٌ بَيْنَ الْوَرَثَةِ فِي الْوَقْفِ الْمُتَضَمَّنِ بِكِتَابِ الْوَصِيَّةِ فَهَلْ هَذَا الْإِشْهَادُ الصَّادِرُ مِنْهُ فِي حَالِ مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ صَحِيحٌ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يَخْرُجُ الْوَقْفُ مِنْ الثُّلُثِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ إذَا عُوِّلَ عَلَى مَكْتُوبِ الْوَقْفِ كَمَا ذُكِرَ أَعْلَاهُ، وَفُقِدَ عُمِلَ بِإِشْهَادِهِ الثَّانِي بِالْوَقْفِيَّةِ كَمَا ذَكَرَ بِكِتَابِ وَصِيَّتِهِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ إذَا أَقَرَّ فِي حَالِ مَرَضِهِ بِوَقْفٍ سَابِقٍ عَلَى الْمَرَضِ صَحَّ إقْرَارُهُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَيْسَ تَبَرُّعًا حَتَّى يُعْتَبَرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ لِوَارِثٍ أَمْ أَجْنَبِيٍّ فَلَا تَدْخُلُ الْأَعْيَانُ الَّتِي أَقَرَّ بِوَقْفِيَّتِهَا فِي التَّرِكَةِ بَلْ تَكُونُ مُسْتَحَقَّةً لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ أَوْصَى بِنَخْلَةٍ عَلَى مَسْجِدٍ مَثَلًا وَأُخْرَى عَلَى مَكَان آخَرَ بِمَسْجِدٍ آخَرَ سَاقِيَّةٍ مَمْلُوكَةٍ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّتِهِ ثُمَّ نَسِيَ الشُّهُودُ أَوْ بَعْضُهُمْ دُونَ النِّصَابِ مُعَيَّنَ كُلٍّ فَهَلْ يَأْتِي هُنَا مَا ذَكَرُوهُ فِيمَا لَوْ انْدَرَسَ شَرْطُ الْوَاقِفِ، وَمَا لَوْ أَشْكَلَ التَّقْسِيطُ عَلَى النُّشُوِّ لِجَهْلِ مِقْدَارِ السَّقْيِ، وَلَوْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِغَيْرِ جِهَةٍ كَمُعَيِّنِينَ الْوَقْفَ عَلَى إصْلَاحِهَا، وَالْحَالُ مَا ذَكَرَ أَوْ مَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ مَا قَالُوهُ فِي الْوَقْفِ لِيَتَعَرَّفَ هَلْ يَصِحُّ تَخْرِيجُ هَذِهِ عَلَيْهِ أَوْ لَا؟ ، وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ، وَغَيْرِهَا فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ انْدَرَسَ شَرْطُ الْوَاقِفِ مَثَلًا وَجَهِلَ التَّرْتِيبَ بَيْنَ أَرْبَابِ الْوَقْفِ أَوْ الْمَقَادِيرَ بِأَنْ لَمْ يَعْلَمْ هَلْ سَوَّى الْوَاقِفُ بَيْنَهُمْ أَوْ فَاضَلَ قُسِمَتْ الْغَلَّةُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ إذْ لَا مُرَجِّحَ. فَإِنْ تَنَازَعُوا فِي شَرْطِهِ وَلَا بَيِّنَةَ صُدِّقَ ذُو الْيَدِ بِيَمِينِهِ لِاعْتِضَادِ دَعْوَاهُ بِالْيَدِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الْوُقُوفِ يَدٌ أَوْ كَانَ فِي أَيْدِيهمْ سَوَّى بَيْنَهُمْ فَإِنْ جَهِلَ مُسْتَحِقُّ الْوَقْفِ صُرِفَ لِأَقْرِبَاءِ الْوَاقِفِ ثُمَّ لِلْمَصَالِحِ هَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْوَاقِفُ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ حَيًّا كَمَا بَيَّنَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَالرُّويَانِيُّ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْوَاقِفَ إنْ كَانَ حَيًّا عُمِلَ بِقَوْلِهِ بِلَا يَمِينٍ فَإِنْ مَاتَ رَجَعَ لِوَارِثِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ وَلَهُ نَاظِرٌ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ رَجَعَ إلَيْهِ لَا إلَى الْمَنْصُوبِ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ فَإِنْ وُجِدَ، وَاخْتَلَفَا فَهَلْ يَرْجِعُ إلَى الْوَارِثِ أَوْ إلَى النَّاظِرِ، وَجْهَانِ رَجَّحَ الْأَذْرَعِيُّ مِنْهُمَا الثَّانِيَ، وَفِي فَتَاوَى

النَّوَوِيِّ، وَإِذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ أَنَّ الْوَقْفَ يَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ لَا يَثْبُتُ بِهَا شُرُوطُهُ، وَتَفَاصِيلُهُ بَلْ إنْ كَانَ وَقْفًا عَلَى جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ أَوْ جِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ قُسِمَتْ الْغَلَّةُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ أَوْ عَلَى مَدْرَسَةٍ مَثَلًا أَوْ تَعَذَّرَتْ مَعْرِفَةُ الشُّرُوطِ صَرَفَ النَّاظِرُ الْغَلَّةَ فِيمَا يَرَاهُ مِنْ مَصَالِحِهَا اهـ. وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ ابْنُ سُرَاقَةَ، وَغَيْرُهُ لَكِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: هَذَا الْإِطْلَاقُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ بَلْ الْأَرْجَحُ فِيهِ مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ فَإِنَّهُ قَالَ: يَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ أَنَّ هَذَا وَقْفٌ لَا أَنَّ فُلَانًا وَقَفَهُ قَالَ: وَأَمَّا الشُّرُوطُ فَإِنْ شَهِدَ بِهَا مُنْفَرِدَةً لَمْ يَثْبُتْ، وَإِنْ ذَكَرَهَا فِي شَهَادَتِهِ بِأَصْلِ الْوَقْفِ سُمِعَتْ؛ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ حَاصِلُهُ إلَى بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْوَقْفِ اهـ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّوَوِيَّ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ اهـ. وَتَبِعَ الْإِسْنَوِيَّ عَلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فَقَالَ الْأَوْجَهُ حَمْلُ مَا أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ اهـ. وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْفُقَهَاءَ سَوَّوْا بَيْنَ بَابَيْ الْوَقْفِ، وَالْوَصِيَّةِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ تُقَاسَ مَسْأَلَةُ الْوَصِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى مَا قُلْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ الْوَقْفِ فَيُقَالُ: إنْ كَانَ لِلْمُوصِي وَارِثٌ رَجَعَ إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ رَجَعَ إلَى وَصِيِّهِ إنْ كَانَ لَهُ وَصِيٌّ فَإِنْ وُجِدَا، وَاخْتَلَفَا فَهَلْ يُرْجَعُ إلَى الْوَارِثِ أَوْ إلَى الْوَصِيِّ احْتِمَالَانِ أَرْجَحُهُمَا الثَّانِي عَلَى قِيَاسِ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَقْفِ، وَالرَّاجِحُ مِنْهُمَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ، وَلَا وَصِيٌّ قُسِمَتْ غَلَّةُ النَّخْلَتَيْنِ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ أَوْ الْمَسْجِدِ، وَالضَّمِيرُ الْمَذْكُورُ، وَهُوَ جِسْرٌ فِي وَسَطِ النَّهْرِ يُجْعَلَ لِسَدِّهِ حَتَّى يُسْقَى مَا عَلَيْهِ مِنْ الْأَرَاضِي، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ النَّوَوِيُّ فِي فَتَاوِيهِ السَّابِقُ أَوْ جِهَاتٌ مُتَعَدِّدَةٌ قُسِمَتْ الْغَلَّةُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ بَلْ مَسْأَلَتُنَا أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّوَوِيِّ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْجِهَاتِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِحْقَاقُهُ مُتَأَخِّرًا عَنْ بَعْضٍ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَنْظُرُوا إلَيْهِ بَلْ سَوَّوْا بَيْنَهَا حَذَرًا مِنْ التَّرْجِيحِ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَمَسْأَلَتُنَا نَتَحَقَّقُ أَنَّ وَاحِدَةً مِنْ النَّخْلَتَيْنِ مُسْتَحِقٌّ لِهَذِهِ، وَوَاحِدَةً مُسْتَحِقَّةٌ لِهَذَا فَاسْتِحْقَاقُهَا مُتَيَقَّنٌ، وَإِنَّمَا شَكَكْنَا فِي الْمُعَيَّنِ فَكَانَ حَمْلُهَا عَلَى التَّسَاوِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إلَّا فَوْزُ إحْدَاهُمَا بِزِيَادَةٍ عَلَى حِصَّتِهَا مِنْ حِصَّةِ الْأُخْرَى أَوْلَى مِنْ مَسْأَلَةِ الْوَقْفِ الَّتِي فِيهَا احْتِمَالُ ذَلِكَ وَاحْتِمَالُ أَنَّ إحْدَى الْجِهَاتِ فَازَ بِمَا لَا يَسْتَحِقُّ فِيهِ شَيْئًا بِالْكُلِّيَّةِ. فَإِنْ قُلْت: يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْوَقْفِ تَحَقَّقَ فِيهَا أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُعَيَّنِينَ أَوْ الْجِهَاتِ حَقًّا فِي هَذَا الْوَقْفِ الْمَشْكُوكِ فِي شُرُوطِهِ، وَإِنَّمَا الشَّكُّ فِي تَعْجِيلِ اسْتِحْقَاقِهِ، وَتَأَخُّرِهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّا نَتَحَقَّقُ أَنَّهُ لَيْسَ لِكُلٍّ مِنْ الْجِهَتَيْنِ حَقٌّ فِي كُلٍّ مِنْ النَّخْلَتَيْنِ الْمَشْكُوكِ فِيهِمَا فَيَلْزَمُ عَلَى التَّسَاوِي هُنَا إعْطَاءُ وَاحِدَةٍ مِنْ الْجِهَتَيْنِ شَيْئًا لَا اسْتِحْقَاقَ لَهَا فِيهِ بِوَجْهٍ لَا مُتَقَدِّمًا وَلَا مُتَأَخِّرًا بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَقْفِ فَإِنَّ غَايَةَ مَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَعْجِيلُ حَقِّ الْمُتَأَخِّرِ وَهَذَا الْحَقُّ كَمَا لَا يَخْفَى قُلْت: مُحْتَمَلٌ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ بَعْضَ الْجِهَاتِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَقْفِ قَدْ يُتَصَوَّرُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فِي هَذَا الْوَقْفِ بِأَنْ يَكُونَ اسْتِحْقَاقُهُ مَشْرُوطًا بِانْقِرَاضِ غَيْرِهِ إلَى ذَهَابِ عَيْنِ الْوَقْفِ، وَالْقِسْمَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ فَاسْتَوَتْ الْمَسْأَلَتَانِ، وَيَكْفِي فِي الْجَامِعِ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلًّا يُحْتَمَلُ فِيهِ إعْطَاءُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ، وَتَنْقِيصُ حَقِّ مَنْ يَسْتَحِقُّ وَهَذَا جَامِعٌ صَحِيحٌ يَكْفِي مِثْلُهُ فِي صِحَّةِ الْقِيَاسِ. وَأَمَّا تَخْرِيجُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمُشَارِ إلَيْهِ فِي السُّؤَالِ عَلَى مَا قَالُوهُ فِي الزَّكَاةِ مِنْ أَنَّ مَا يُسْقَى بِنَحْوِ الْمَطَرِ، وَالدُّولَابِ سَوَاءٌ وَاجِبُهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ فَإِنْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا قُسِّطَ بِاعْتِبَارِ عَيْشِ الزَّرْعِ أَوْ الثَّمَرِ، وَنَمَائِهِ لَا بِعَدَدِ السَّقْيَاتِ فَلَوْ كَانَتْ مُدَّتُهُ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ، وَسَقَى فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الشِّتَاءِ، وَالرَّبِيعِ مَرَّتَيْنِ بِالْمَطَرِ، وَفِي شَهْرَيْنِ مِنْ الصَّيْفِ ثَلَاثَةً بِالنَّضْحِ، وَجَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ، وَرُبْعُ نِصْفِهِ فَإِنْ جَهِلَ الْمِقْدَارَ أَوْ الْغَالِبَ فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ فَغَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ عِنْدَ الْجَهْلِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ تَقْدِيرِ التَّسَاوِي؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ زِيَادَةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَلَا حَدَّ لِلنَّقْصِ عَنْ التَّسَاوِي يُرْجَعُ إلَيْهِ فَقَدَّرْنَا التَّسَاوِيَ احْتِيَاطًا وَقِيلَ: الْوَاجِبُ نِصْفُ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الزَّائِدِ، وَيُرَدُّ بِمَا ذَكَرْته، وَبِهِ يَتَّضِحُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ مَسْأَلَتَنَا لَا يَصِحُّ تَخْرِيجُهَا عَلَى هَذِهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي فِي هَذِهِ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُسْتَحَقِّينَ لَكِنْ شَكَكْنَا فِي قَدْرِ حَقِّهِمْ فَقَدَّرْنَا التَّسَاوِيَ احْتِيَاطًا

لَهُمْ؛ لِأَنَّ الْغَارِمَ مُتَّحِدٌ، وَالْمَغْرُومُ عَنْهُ كَذَلِكَ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ فِيهَا جِهَتَانِ مُتَمَايِزَتَانِ، وَالْمُسْتَحَقَّ عَيْنَانِ كَذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى التَّسَاوِي فِي مَسْأَلَةِ الزَّكَاةِ لِلِاحْتِيَاطِ الْحَمْلُ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سَلِمَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ كَانَ مُوَافِقًا لِمَا قَرَّرْته فِي قِيَاسِهَا عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَقْفِ، وَعَلَى مَسْأَلَةِ الزَّكَاةِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا يَقْتَضِي مَا يَقْتَضِيه الْآخَرُ لَا أَنَّهُ يَقْتَضِي خِلَافَهُ، وَعُلِمَ مِمَّا قَدَّمْته أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ لِجِهَتَيْنِ أَوْ لِمُعَيَّنَيْنِ أَوْ لِجِهَاتٍ أَوْ لِمُعَيَّنِينَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ الْوَصِيِّ بِتَفْرِقَةِ الْكَفَّارَةِ هَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ لِنَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ مَثَلًا وَيَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِمَّا أَوْصَى لَهُ بِتَفْرِقَتِهِ سَوَاءٌ الْكَفَّارَةُ، وَغَيْرُهَا فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْأُمِّ إذَا قَالَ الرَّجُلُ: ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ يَضَعُهُ حَيْثُ يَرَاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا كَمَا لَا يَكُونُ لَهُ لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَ شَيْئًا أَنْ يَبِيعَهُ مِنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى بَيْعِهِ يَكُونُ مُبَايِعًا، وَهُوَ لَا يَكُونُ مُبَايِعًا إلَّا لِغَيْرِهِ وَكَذَا مَعْنَى يَضَعُهُ يُعْطِيه لِغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ وَارِثًا لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ مَا كَانَ يَجُوزُ لِلْمَيِّتِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ أَنْ يُعْطِيَهُ لَمْ يَجُزْ لِمَنْ صَيَّرَهُ إلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ مِنْهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضَعَهُ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ لِلْمَيِّتِ نَظَرٌ وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهُ عِنْدَ نَفْسِهِ وَلَا يُودِعُهُ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا أَجْرَ لِلْمَيِّتِ فِي هَذَا، وَإِنَّمَا الْأَجْرُ لِلْمَيِّتِ أَنْ يَسْلُكَ فِي سُبُلِ الْخَيْرِ الَّتِي يُرْجَى أَنْ تُقَرِّبَهُ إلَى اللَّهِ عَزَّ، وَجَلَّ قَالَ: - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَاخْتَارَ لِلْمُوصَى إلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ أَهْلَ الْحَاجَةِ مِنْ قَرَابَةِ الْمَيِّتِ حَتَّى يُعْطِيَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ فَإِنَّ إعْطَاءَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ إعْطَاءِ غَيْرِهِمْ لِمَا يَنْفَرِدُونَ بِهِ مِنْ صِلَةِ الْمَيِّتِ قَرَابَتَهُمْ، وَيَشْتَرِكُونَ بِهِ أَهْل الْحَاجَاتِ فِي حَاجَاتِهِمْ وَقَرَابَته مَا وَصَفْت مِنْ الْقَرَابَةِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ، وَالْأُمِّ مَعًا وَلَيْسَ الرَّضَاعُ قَرَابَةً، وَأُحِبُّ لَهُ إنْ كَانَ لَهُ رُضَعَاءُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ دُونَ جِيرَانِهِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الرَّضَاعِ تُقَابِلُ حُرْمَةَ النَّسَبِ. ثُمَّ أُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَ قَرَابَتَهُ الْأَقْرَبَ مِنْهُمْ فَالْأَقْرَبَ، وَأَقْصَى الْجِوَارِ فِيهَا أَرْبَعُونَ دَارًا مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ ثُمَّ أُحِبُّ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ لِفَقِيرٍ مِمَّنْ يَجِدُ، وَأَشَدُّهُ تَعَفُّفًا، وَانْكِسَارًا وَلَا يُبْقِي فِي يَدِهِ مِنْهُ شَيْئًا يُمْكِنُهُ أَنْ يُخْرِجَهُ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ اهـ. كَلَامُ الْأُمِّ، وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فَوَائِدَ نَفِيسَةٍ فَلِذَا أَحْبَبْت ذِكْرَهُ بِرُمَّتِهِ لِيُسْتَفَادَ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ، وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ لَوْ قَالَ: ضَعْ ثُلُثَ مَالِي حَيْثُ رَأَيْت أَوْ فِيمَا أَرَاك اللَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَضْعُهُ فِي نَفْسِهِ اهـ. وَبِكَلَامِ الْأُمِّ، وَالرَّوْضَةِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ فَرِّقْ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ لِلْفُقَرَاءِ مَثَلًا وَهُوَ فَقِيرٌ أَوْ لِلْمَسَاكِينِ مَثَلًا وَهُوَ مِسْكِينٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْأَخْذُ مِنْهَا، وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَغَيْرُهُ بِلَا تَرْجِيحٍ. فَإِنْ قُلْت: فَهَلْ لِلْمُوصِي طَرِيقٌ فِي الْأَخْذِ قُلْت: نَعَمْ بِأَنْ يَعْزِلَ نَفْسَهُ، فَيَأْخُذَهُ النَّاظِرُ الْعَامُّ، وَهُوَ الْقَاضِي أَوْ نَائِبُهُ، فَيَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ كَانَ وَصِيًّا فَإِنْ قُلْت: لَا يُحْتَاجُ لِعَزْلِهِ نَفْسَهُ بَلْ حَيْثُ فَرَّقَ الْقَاضِي أَوْ نَائِبُهُ جَازَ لَهُ إعْطَاؤُهُ قُلْت: مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْقَاضِي مَعَ وُجُودِ الْوَصِيِّ فَعُلِمَ أَنَّ بَقَاءَهُ عَلَى وَصِيَّتِهِ مِنْ غَيْرِ قَادِحٍ فِيهِ مَانِعٌ لِلْقَاضِي مِنْ التَّصَرُّفِ وَلَهُ مِنْ الْأَخْذِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا تَوَاطَأَ شَخْصٌ مَثَلًا وَآخَرُ عَلَى أَنْ يُوصِيَ لِلْآخَرِ بِشَيْءٍ مَثَلًا وَيَرُدَّهُ عَلَى أَحَدِ وَرَثَتِهِ ثُمَّ أَوْصَى فَمَاتَ ثُمَّ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ الرَّدِّ فَهَلْ الْمُوصَى بِهِ لِوَرَثَةِ الْمُوصَى لَهُ أَوْ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي مَثَلًا وَلَوْ أَرَادَ الْمُوصَى لَهُ أَنْ يَرُدَّ لَكِنْ قَدْ مَاتَ الْمُتَوَاطِئُ عَلَى الرَّدِّ عَلَيْهِ مَثَلًا وَخَلَّفَ وَرَثَةً وَقُلْنَا أَنَّ لِلْمُوصَى لَهُ الرَّدَّ عَلَى الْمُوَرِّثِ لَا الْوَارِثِ مَا حُكْمُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ حَيْثُ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لِلْمُوصَى لَهُ بِأَنْ وُجِدَتْ فِيهَا شُرُوطُهَا الْمَعْرُوفَةُ، وَمِنْهَا أَنْ يَقْبَلَهَا الْمُوصَى لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَإِذَا قَبِلَهَا حِينَئِذٍ مَلَكَهَا مِلْكًا تَامًّا وَلَا عِبْرَةَ بِمُوَاطَأَتِهِ مَعَ الْمُوصِي عَلَى أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى أَحَدِ وَرَثَتِهِ فَإِذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ كَانَ الْمُوصَى بِهِ لِوَرَثَتِهِ لَا لِوَرَثَةِ الْمُوصِي، وَلَوْ أَرَادَ الْمُوصَى لَهُ أَنْ يَفِيَ بِمَا وَاطَأَ عَلَيْهِ الْمُوصِي جَازَ لَهُ الرَّدُّ إلَى أَحَدِ وَرَثَةِ الْمُوصِي، وَإِلَى وَارِثِ ذَلِكَ الْأَحَدِ لَكِنْ لَا يَكْفِي قَوْلُهُ رَدَدْت ذَلِكَ

عَلَيْك بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إيجَابٍ وَقَبُولٍ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ جَدِيدٌ لِمَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ مَلَكَ الْمُوصَى بِهِ مِلْكًا تَامًّا فَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِصِيغَةٍ تُفِيدُ التَّمْلِيكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ وَصِيٍّ شَاهِدٍ عَلَى طِفْلٍ بِمُوصًى بِهِ لِآخَرَ فِي مُخَلَّفٍ إلَى هَذَا الطِّفْلِ لَا شَاهِدَ بِهِ غَيْرُهُ هَلْ لَهُ تَنْفِيذُ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْوَصِيَّ حَيْثُ عَلِمَ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى بِشَيْءٍ لِإِنْسَانٍ وَصِيَّةً صَحِيحَةً وَكَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ جَازَ لَهُ بَلْ وَجَبَ عَلَيْهِ دَفْعُهُ لَهُ لَكِنْ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ بَاطِنًا حَيْثُ لَمْ يَخْشَ مِنْ ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ دَفْعُهَا إلَى الْمُوصَى لَهُ لَزِمَهُ إمْسَاكُهَا وَعَدَمُ التَّصَرُّفِ فِيهَا حَتَّى يَكْمُلَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ ثُمَّ يُعْلِمَهُ بِالْحَالِ لِيَبْرَأَ مِنْ عُهْدَتِهَا هَذَا مَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا الْوَصِيَّ فِي مَالِ الْمُوصَى عَلَيْهِ مُتَصَرِّفًا لَهُ بِالْمَصْلَحَةِ وَهَذَا مِنْ الْمَصْلَحَةِ كَمَا أَنَّهُ لَوْ خَافَ عَلَى الْمَالِ مِنْ اسْتِيلَاءِ ظَالِمٍ جَازَ لَهُ تَخْلِيصُهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَمِنْ هَذَا مَا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَبْذُلْ شَيْئًا لِقَاضِي سُوءٍ لَانْتَزَعَ مِنْهُ الْمَالَ، وَسَلَّمَهُ لِبَعْضِ خَوَنَتِهِ، وَأَدَّى ذَلِكَ إلَى اسْتِئْصَالِهِ، وَيَجِبُ أَنْ يَتَحَرَّى فِي أَقَلِّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَرْضَى بِهِ الظَّالِمُ، وَالظَّاهِرُ تَصْدِيقُهُ إذَا نَازَعَهُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بَعْدَ رُشْدِهِ فِي بَذْلِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تَدُلَّ عَلَيْهِ الْقَرَائِنُ قَالَ، وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا قَوْلُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَجُوزُ تَغْيِيبُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالسَّفِيهِ، وَالْمَجْنُونِ لِحِفْظِهِ إذَا خِيفَ عَلَيْهِ الْغَصْبُ كَمَا فِي قِصَّةِ الْخَضِرِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ هُنَا أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي فِعْلِهِ ذَلِكَ لِهَذَا الْغَرَضِ إلَّا إنْ دَلَّتْ الْحَالُ عَلَى صِدْقِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا، وَتَصْدِيقِهِ فِيمَا مَرَّ ذَكَرْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَوْصَى بِقِرَاءَةِ خَتْمَةٍ أَوْ أَكْثَرَ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَارِئُ فِي الْخَتَمَاتِ وَاحِدًا أَوْ لَا بُدَّ مِنْ جَمَاعَةٍ وَهَلْ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى خَتْمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ لَا وَهَلْ يَكُونُ الْقَارِئُ الْمُوصَى بِهِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي يُتَّجَهُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ سِيَّمَا كَلَامُ ابْنِ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ الَّذِي ذَكَرْته فِي أَوَائِلِ الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي زَمَنِ الْمُوصِي عَادَةٌ مُطَّرِدَةٌ فِي قِرَاءَةِ تِلْكَ الْخَتْمَةِ أَوْ الْخَتْمَاتِ وَجَبَ عَلَى الْوَصِيِّ أَنْ يَعْمَلَ بِمَا اطَّرَدَتْ بِهِ الْعَادَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ عَادَةٌ كَذَلِكَ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْقَارِئُ وَاحِدًا سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُوصَى بِهِ خَتْمَةً أَمْ أَكْثَرَ ثُمَّ إنْ كَانَ لَفْظُ الْمُوصِي أَوْصَيْت بِقِرَاءَةِ خَتْمَةٍ كَانَ الْوَاجِبُ قِرَاءَةَ خَتْمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ أَوْصَيْت بِقِرَاءَةِ خَتَمَاتٍ كَانَ الْوَاجِبُ ثَلَاثَ خَتَمَاتٍ، وَإِذَا عَيَّنَ الْوَصِيُّ وَاحِدًا أَوْ أَكْثَرَ لِلْقِرَاءَةِ فَقَبِلَ وَقَرَأَ مَلَكَ الْمُوصَى بِهِ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا أَوْصَى لِمَنْ بَاتَ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ هَلْ لَهُ النَّوْمُ إذَا غَلَبَهُ فَإِنْ قُلْتُمْ: نَعَمْ فَهَلْ يَقْضِي مَا فَاتَهُ مَثَلًا وَإِذَا تَرَكَ لَيْلَةً بَاتَ الْمُوصِي فِي الْقَبْرِ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا هَلْ يَقْضِي أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي يُتَّجَهُ كَمَا يَشْهَدُ لَهُ قِيَاسُ نَظَائِرِهِ أَنَّ مَنْ أَوْصَى لِمَنْ بَاتَ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ اسْتِيعَابُ اللَّيْلِ بِالْقِرَاءَةِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَلْزَمُهُ إحْيَاءُ أَكْثَرِهِ بِالْقِرَاءَةِ، وَحِينَئِذٍ فَإِنْ أَحْيَا الْأَكْثَرَ جَازَ لَهُ نَوْمُ الْبَاقِي سَوَاءٌ أَغَلَبَهُ النَّوْمُ قَبْلَ أَنْ يُحْيِيَ الْأَكْثَرَ أَمْ لَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ النَّوْمُ لَكِنْ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مِثْلِ ذَلِكَ الزَّمَنِ الَّذِي فَوَّتَهُ وَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لَوْ تَرَكَ الْمَبِيتَ لَيْلَةً كَامِلَةً سَوَاءٌ أَكَانَ عَامِدًا أَمْ سَاهِيًا فَإِنْ لَمْ يُتَصَوَّرْ الْقَضَاءُ بِأَنْ اسْتَغْرَقَتْ الْوَصِيَّةُ جَمِيعَ اللَّيَالِي حُسِبَ عَلَيْهِ مَا فَوَّتَهُ مِنْ جَامِكِيَّتِهِ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ النَّوَوِيِّ فِي فَتَاوِيهِ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الصَّلَاحِ مِنْ أَنَّ الْمُدَرِّسَ أَوْ نَحْوَهُ لَوْ عَطَّلَ التَّدْرِيسَ أَيَّامًا فِي الشَّهْرِ حُسِبَ عَلَيْهِ مِنْ جَامِكِيَّتِهِ، وَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ ضَعِيفٌ. فَإِنْ قُلْت: أَفْتَى الْبُرْهَانُ الْمَرَاغِيُّ بِأَنَّ مَنْ حُبِسَ ظُلْمًا عَنْ مُبَاشَرَةِ مَثَلًا وَظَائِفِهِ اسْتَحَقَّ جَامَكِيَّةً مُدَّةَ حَبْسِهِ قُلْت: مَا أَفْتَى بِهِ ضَعِيفٌ، وَالْقِيَاسُ خِلَافُهُ، وَمِنْ ثَمَّ عَرَضَ مَا أَتَى بِهِ عَلَى التَّاجِ الْفَزَارِيّ فَامْتَنَعَ مِنْ مُوَافَقَتِهِ كَمَا ذَكَرَهُ جَامِعُ فَتَاوَى التَّاجِ الْمَذْكُورِ، وَغَيْرُهُ ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيّ نَقَلَ عَنْ التَّاجِ أَنَّهُ أَفْتَى بِأَنَّ مَنْ تَوَلَّى وَظِيفَةً، وَأُكْرِهَ عَلَى عَدَمِ مُبَاشَرَتِهَا اسْتَحَقَّ الْمَعْلُومَ ثُمَّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهَا جِعَالَةٌ، وَهُوَ لَمْ يُبَاشِرْ اهـ. وَيُجْمَعُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ بِأَنْ يَكُونَ التَّاجُ مِمَّنْ لَمْ يُوَافِقْ الْبُرْهَانَ أَوْ لَا ثُمَّ وَافَقَهُ، وَمَعَ ذَلِكَ فَمَا

قَالَاهُ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ كَمَا تَقَرَّرَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَا حُكْمُ الْفِرَارِ، وَالْمَجِيءِ مِنْ مَكَانِ الطَّاعُونِ، وَإِلَيْهِ وَهَلْ حُكْمُ مَكَانِهِ فِي بُيُوتِ الْجِيرَانِ كَحُكْمِ مَكَانِهِ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى وَهَلْ صَحَّ أَنَّهُ وَخْزٌ مِنْ الْجِنِّ، وَإِذَا خَصَّ فِي قَرْيَةٍ فِي الصِّغَارِ، وَنَادِرًا فِي الْكِبَارِ هَلْ يَكُونُ التَّبَرُّعُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُصِبْهُ مِنْ الثُّلُثِ إذَا مَاتَ وَقْتَ الطَّاعُونِ بِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْأَصْلُ فِي امْتِنَاعِ الْفِرَارِ مِنْ الطَّاعُونِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ} [البقرة: 243] الْآيَةَ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي سَبَبِ فِرَارِهِمْ، وَأَحْسَنُ الطُّرُقِ، وَأَقْوَاهَا أَنَّ فِرَارَهُمْ كَانَ بِسَبَبِ الطَّاعُونِ، وَفِي مُدَّةِ مَوْتِهِمْ فَقِيلَ: سَبْعَةُ أَيَّامٍ وَقِيلَ: ثَمَانِيَةٌ وَقِيلَ: شَهْرٌ، وَقِيلَ: أَكْثَرُ مِنْهُ بِحَيْثُ بَلِيَتْ أَجْسَادُهُمْ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الطَّبَرَانِيِّ أَنَّهُمْ رَجَعُوا وَقَدْ تَوَالَدَتْ ذُرِّيَّتُهُمْ، وَفِي عَدَدِهِمْ، وَمُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُمْ كَانُوا أَرْبَعَةَ آلَافٍ وَصَوَّبَ الطَّبَرِيُّ أَنَّهُمْ كَانُوا أَزْيَدَ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ؛ لِأَنَّ الْأُلُوفَ جَمْعُ كَثْرَةٍ، وَتَبِعَهُ جَمْعٌ. وَأَكْثَرُ مَا قِيلَ: أَنَّهُمْ سِتُّ مِائَةِ أَلْفٍ، وَمِنْ غَرَائِبِ التَّفْسِيرِ أَنَّ أُلُوفٌ جَمْعُ آلِفٍ كَجُلُوسٍ جَمْعُ جَالِسٍ فَلَيْسَ فِيهِ نَصٌّ عَلَى الْعَدَدِ بَلْ عَلَى تَأَلُّفِ قُلُوبِهِمْ، وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ كَمَا قَالَهُ الرَّازِيّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَرِهَ فِرَارَهُمْ مِنْ الطَّاعُونِ، وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ} [الأحزاب: 16] وقَوْله تَعَالَى {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء: 78] وقَوْله تَعَالَى {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} [الجمعة: 8] ، وَفِي امْتِنَاعِ الدُّخُولِ إلَى مَكَانِهِ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ الطَّاعُونَ رِجْزٌ أُرْسِلَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ، وَعَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ، وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» . ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا «أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - خَرَجَ إلَى الشَّامِ فَلَمَّا قَرُبَ مِنْهَا أُخْبِرَ أَنَّ بِهَا طَاعُونًا فَاسْتَشَارَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ فَرَأَى بَعْضُهُمْ الدُّخُولَ لِيَتِمَّ مَا خَرَجُوا إلَيْهِ، وَبَعْضُهُمْ عَدَمَهُ خَوْفًا عَلَى مَنْ مَعَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي ثُمَّ دَعَا الْأَنْصَارَ فَاخْتَلَفُوا كَذَلِكَ فَقَالَ: ارْتَفِعُوا عَنِّي ثُمَّ دَعَا مَشْيَخَةَ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ، وَهُمْ الَّذِينَ أَسْلَمُوا قَبْلَ الْفَتْحِ فَحَصَلَ لَهُمْ فَضْلٌ بِالْهِجْرَةِ قَبْلَهُ إذْ لَا هِجْرَةَ بَعْدَهُ فَأَجْمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى الرُّجُوعِ مِنْ غَيْرِ اخْتِلَافٍ فَنَادَى عُمَرُ بِذَلِكَ فِي النَّاسِ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ: أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ فَقَالَ عُمَرُ: أَوَغَيْرُك قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إلَى قَدَرِ اللَّهِ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ لَك إبِلٌ هَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ إحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ، وَالْأُخْرَى جَدْبَةٌ أَلَيْسَ إنْ رَعَيْت الْخَصْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ، وَإِنْ رَعَيْت الْجَدْبَةَ رَعَيْتهَا بِقَدَرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَن بْنُ عَوْفٍ وَكَانَ مُتَغَيِّبًا فِي بَعْضِ حَوَائِجِهِ فَقَالَ: إنَّ عِنْدِي فِي هَذَا عِلْمًا سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ، وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ فَحَمِدَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ثُمَّ انْصَرَفَ» . ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْبَلَدِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الطَّاعُونُ مَثَلًا وَالْقُدُومِ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ، وَالْقَاضِي عِيَاضٍ الْمَالِكِيَّيْنِ أَنَّ النَّهْيَ فِي ذَلِكَ لِلتَّحْرِيمِ ثُمَّ زَادَ الثَّانِي أَنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ عَلَى ذَلِكَ، وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ: هُوَ كَالْفِرَارِ مِنْ الزَّحْفِ، وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى إمَامُ الْأَئِمَّةِ مِنْ أَصْحَابِنَا ابْنُ خُزَيْمَةَ فَإِنَّهُ تَرْجَمَ فِي صَحِيحِهِ بَابُ الْفِرَارِ مِنْ الطَّاعُونِ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُعَاقِبُ مَنْ وَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَعْفُ عَنْهُ، وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ يَعْنِي قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْفِرَارُ مِنْ الطَّاعُونِ كَالْفِرَارِ مِنْ الزَّحْفِ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَابْنُ عَدِيٍّ، وَغَيْرُهُمْ. ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ التَّاجُ السُّبْكِيّ، وَتَبِعَهُ الْمُحَقِّقُونَ: مَذْهَبُنَا، وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْفِرَارِ مِنْهُ لِلتَّحْرِيمِ وَكَلَامُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ صَرِيحٌ فِي تَحْرِيمِ الْقُدُومِ عَلَى بَلَدِ الطَّاعُونِ كَالْفِرَارِ مِنْهُ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ، وَفِي الْأَحَادِيثِ

مَنْعُ الْقُدُومِ عَلَى بَلَدِ الطَّاعُونِ، وَمَنْعُ الْخُرُوجُ مِنْهُ فِرَارًا مِنْ ذَلِكَ أَمَّا الْخُرُوجُ لِعَارِضٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا هُوَ مَذْهَبُنَا، وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ حَتَّى قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - الْفِرَارُ مِنْهُ كَالْفِرَارِ مِنْ الزَّحْفِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ الْقُدُومَ عَلَيْهِ، وَالْخُرُوجَ عَنْهُ فِرَارًا أَيْ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ ثُمَّ قَالَ: وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْقُدُومِ عَلَيْهِ، وَالْفِرَارِ مِنْهُ اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: أَمَّا الْخُرُوجُ عَنْهُ لِعَارِضٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ أَنَّ الْخُرُوجَ بِقَصْدِ التَّدَاوِي جَائِزٌ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَمِنْ قَوْلِهِ: وَالْخُرُوجُ عَنْهُ فِرَارًا أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي الْخُرُوجِ عَنْهُ لِأَجْلِ الْفِرَارِ فَمَذْهَبُنَا، وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ الْحُرْمَةُ، وَمَذْهَبُ مَالِكٍ الْكَرَاهَةُ، وَبِذَلِكَ يُرَدُّ قَوْلُ التَّاجِ السُّبْكِيّ: لَيْسَ مَحَلُّ النِّزَاعِ فِيمَنْ خَرَجَ فَارًّا مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَذَلِكَ شَيْءٌ لَا سَبِيلَ إلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُحَرَّمٍ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ فِيمَا إذَا خَرَجَ لِلتَّدَاوِي اهـ. وَوَجْهُ رَدِّهِ مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ خُرُوجَهُ لِلتَّدَاوِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَائِزًا بِلَا خِلَافٍ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَمِنْ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِيمَنْ خَرَجَ لِلْفِرَارِ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ شَرْحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا نَعَمْ إنْ اقْتَرَنَ بِقَصْدِ الْفِرَارِ قَصْدُ أَنَّ لَهُ قُدْرَةً عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ، وَأَنَّ فِعْلَهُ هُوَ الْمُنَجِّي لَهُ فَوَاضِحٌ أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ بَلْ كُفْرٌ اتِّفَاقًا بِخِلَافِ قَصْدِ الْفِرَارِ فَقَطْ فَإِنَّهُ مَحَلُّ الْخِلَافِ وَقَدْ مَرَّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إلَى قَدَرِ اللَّهِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ تَأْيِيدٌ لِلْمَالِكِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفِرَّ مِنْ مَحَلِّ الطَّاعُونِ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ اعْتَرَضَ مَا مَرَّ عَنْ التَّاجِ السُّبْكِيّ فَقَالَ عَقِبَ مَا مَرَّ عَنْهُ هَذَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْخُرُوجَ لِلتَّدَاوِي لَيْسَ حَرَامًا فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَجَمَاعَةٍ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الْخُرُوجَ حَرَامٌ فَكَيْفَ مَحَلُّهُ مَا إذَا خَرَجَ لِلتَّدَاوِي، وَالْخُرُوجُ لِلتَّدَاوِي لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ بَلْ الْعِبَارَةُ الصَّحِيحَةُ أَنْ يَقُولَ: مَحَلُّ النِّزَاعِ فِيمَا إذَا خَرَجَ فَارًّا مِنْ الْمَرَضِ الْوَاقِعِ مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ لَوْ قَدَّرَهُ عَلَيْهِ لَأَصَابَهُ، وَأَنَّ فِرَارَهُ لَا يُنْجِيه لَكِنْ يَخْرُجُ مُؤَمِّلًا أَنْ يَنْجُوَ هَذَا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلَّ النِّزَاعِ فَمَنْ مَنَعَ احْتَجَّ بِالنَّهْيِ، وَمَنْ أَجَازَ حَمْلَ النَّهْيِ عَلَى التَّنْزِيهِ اهـ. وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ خَرَجَ لِشُغْلٍ عَرَضَ لَهُ أَوْ لِلتَّدَاوِي مِنْ عِلَّةٍ بِهِ طَعْنٌ أَوْ غَيْرُهُ فَلَا يُخْتَلَفُ فِي جَوَازِ الْخُرُوجِ لَهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ، وَلَوْ عَرَضَتْ لَهُ حَاجَةٌ لِلْخُرُوجِ، وَانْضَمَّ لِذَلِكَ قَصْدُ الْفِرَارِ فَاَلَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَئِمَّتِنَا فِي فُرُوعٍ مُتَعَدِّدَةٍ الْحُرْمَةَ؛ لِأَنَّ قَصْدَ الْمُحَرَّمِ وُجِدَ، وَانْضِمَامُ الْقَصْدِ الْجَائِزِ لَهُ لَا يَمْنَعُ إثْمَهُ فَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَرَأَ الْجُنُبُ بِقَصْدِ الْقُرْآنِ، وَالذِّكْرِ، وَمَا لَوْ قَالَ فِي الصَّلَاةِ {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ} [مريم: 12] أَوْ {سُبْحَانَ اللَّهِ} [المؤمنون: 91] بِقَصْدِ الْقُرْآنِ، وَتَنْبِيهِ الْغَيْرِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ نَظَرًا لِقَصْدِ التَّنْبِيهِ، وَإِنْ انْضَمَّ إلَيْهِ قَصْدُ الْقُرْآنِ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَك أَنَّهُ لَا فَرْقَ هُنَا بَيْنَ أَنْ يَغْلِبَ قَصْدُ الْفِرَارِ أَوْ الْحَاجَةُ أَوْ يَتَسَاوَيَا فَالْحُرْمَةُ مَوْجُودَةٌ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ، وَمَحَلُّ النَّظَرِ إلَى قُوَّةِ الْبَاعِثِ، وَضَعْفِهِ فِيمَا إذَا جَازَ الْقَصْدَانِ لَكِنَّ أَحَدَهُمَا يَقْتَضِي الثَّوَابَ، وَالْآخَرَ يَقْتَضِي عَدَمَهُ كَقَصْدِ الْوُضُوءِ، وَالتَّنْظِيفِ أَوْ التَّبَرُّدِ عَلَى أَنَّ النَّظَرَ هُنَا لِقُوَّةِ الْبَاعِثِ إنَّمَا هُوَ رَأْيُ الْغَزَالِيِّ. وَأَمَّا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَإِنَّهُ يُغَلِّبُ قَصْدَ نَحْوِ التَّبَرُّدِ هُنَا، وَإِنْ ضَعُفَ فَلَا ثَوَابَ عِنْدَهُ مُطْلَقًا، وَاعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ ذَهَبَ إلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْخُرُوجِ تَعَبُّدِيٌّ؛ لِأَنَّ الْفِرَارَ مِنْ الْمَهَالِكِ مَأْمُورٌ بِهِ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَهُوَ لِسِرٍّ لَا نَعْلَمُهُ، وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهُ مُعَلَّلٌ إمَّا بِالطَّاعُونِ إذَا وَقَعَ فِي الْبَلَدِ عَمَّ جَمِيعَ مَنْ فِيهِ بِمُدَاخَلَةِ سَبَبِهِ فَلَا يُفِيدُهُ الْفِرَارُ مِنْهُ بَلْ إنْ كَانَ أَجَلُهُ قَدْ حَضَرَ فَهُوَ مَيِّتٌ، وَإِنْ رَحَلَ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ أَقَامَ فَتَعَيَّنَتْ الْإِقَامَةُ لِمَا فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْعَبَثِ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِالْعُقَلَاءِ، وَإِمَّا بِأَنَّ النَّاسَ لَوْ تَوَارَدُوا عَلَى الْخُرُوجِ لَبَقِيَ مَنْ وَقَعَ بِهِ الطَّاعُونُ عَاجِزًا عَنْ الْخُرُوجِ فَضَاعَتْ الْمَرْضَى لِفَقْدِ مَنْ يَتَعَهَّدُهُمْ، وَالْمَوْتَى لِفَقْدِ مَنْ يُجَهِّزُهُمْ. وَإِمَّا بِأَنَّ خُرُوجَ الْأَقْوِيَاءِ فِيهِ كَسْرٌ لِقُلُوبِ مَنْ لَا قُوَّةَ لَهُ عَلَى الْخُرُوجِ، وَإِمَّا بِأَنَّ الْخَارِجَ يَقُولُ: لَوْ لَمْ أَخْرُجْ لَمُتُّ، وَيَقُولُ الْمُقِيمُ: لَوْ خَرَجْت لَسَلِمْت، فَيَقَعُونَ فِي اللَّوْ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَعَ مَا فِي الْخُرُوجِ مِنْ الْفِرَارِ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ، وَعَدَمِ الصَّبْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَالْإِعْرَاضِ عَمَّا فِي الْإِقَامَةِ مِنْ الْأَجْرِ

الْكَبِيرِ إذْ لِلْمَيِّتِ بِهِ أَجْرُ شَهِيدٍ وَكَذَا لِلْمُقِيمِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، وَإِنْ لَمْ يَمُتْ بِهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ النَّهْيُ عَنْ الْخُرُوجِ لِلْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ، وَعَنْ الْقُدُومِ لِرَفْعِ مَلَامَةِ النَّفْسِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ حِكْمَةُ مَنْعِ الْقُدُومِ أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ أَحَدٌ لِلْحَتْفِ، وَإِنْ كَانَ لَا نَجَاةَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ مَعَ الصِّيَانَةِ عَنْ الشِّرْكِ لِئَلَّا يَقُولَ الدَّاخِلُ: لَوْ لَمْ أَدْخُلْ لَمْ أَمْرَضْ، وَغَيْرُهُ لَوْ لَمْ يَدْخُلْ فُلَانٌ لَمْ يَمُتْ. وَقَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ الَّذِي يَتَرَجَّحُ عِنْدِي فِي الْجَمْعِ بَيْنَ النَّهْيِ عَنْ الْفِرَارِ، وَالنَّهْيِ عَنْ الْقُدُومِ أَنَّ الْقُدُومَ عَلَيْهِ تَعَرُّضٌ لِلْبَلَاءِ وَلَعَلَّهُ لَا يَصْبِرُ عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا كَانَ فِيهِ ضَرْبٌ مِنْ الدَّعْوَى لِمَقَامِ الصَّبْرِ، وَالتَّوَكُّلِ فَمُنِعَ ذَلِكَ لِاغْتِرَارِ النَّفْسِ، وَدَعْوَاهَا مَا لَا تَثْبُت عَلَيْهِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ، وَأَمَّا الْفِرَارُ فَقَدْ يَكُونُ دَاخِلًا فِي بَابِ التَّوَغُّلِ فِي الْأَسْبَابِ مُتَصَوَّرًا بِصُورَةِ مَنْ يُحَاوِلُ النَّجَاةَ مِمَّا قُدِّرَ عَلَيْهِ، وَيُشِيرُ إلَى مَا قَرَّرْته قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَإِذَا لَقِيتُمُوهُ فَاصْبِرُوا» فَأَمَرَهُمْ بِتَرْكِ التَّمَنِّي لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلْبَلَاءِ، وَخَوْفِ الْإِضْرَارِ بِالنَّفْسِ، وَأَمَرَهُمْ بِالصَّبْرِ عِنْدَ الْوُقُوعِ تَسْلِيمًا لِأَمْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. اهـ. وَخَرَجَ بِالْفِرَارِ مِنْ مَحَلِّ الطَّاعُونِ الْفِرَارُ مِنْ أَرْضِ الْوَبَاءِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا قَالَهُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ، وَعِبَارَتُهُ الْوَبَاءُ غَيْرُ الطَّاعُونِ، وَالطَّاعُونُ أَخَصُّ مِنْ الْوَبَاءِ وَقَدْ اُخْتُصَّ أَيْ: الطَّاعُونُ بِكَوْنِهِ شَهَادَةً، وَرَحْمَةً، وَبِتَحْرِيمِ الْفِرَارِ مِنْهُ، وَهُوَ مِنْ الْوَبَاءِ بِغَيْرِهِ كَالْحُمَّى، وَمِنْ سَائِرِ أَسْبَابِ الْهَلَاكِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَبَاءِ، وَالطَّاعُونِ هُوَ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ حَيْثُ زَعَمَ أَنَّهُ هُوَ. وَسَيَأْتِي إيضَاحُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَتَرَدَّدَ بَعْضُهُمْ فِيمَا لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ الَّتِي وَقَعَ بِهَا الطَّاعُونُ وَخِمَةً، وَالْأَرْضُ الَّتِي يُرِيدُ التَّوَجُّهَ إلَيْهَا صَحِيحَةً فَتَوَجَّهَ إلَيْهَا بِهَذَا الْقَصْدِ، وَنَقَلَ غَيْرُهُ أَنَّ مِنْ السَّلَفِ مَنْ مَنَعَ نَظَرًا إلَى صُورَةِ الْفِرَارِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ عُمُومِ الْخُرُوجِ فِرَارًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَخَّضْ الْفِرَارُ اهـ. وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ تَرْجِيحُهُ عَلَى قَوَاعِدِنَا أَنَّهُ إنْ خَرَجَ بِقَصْدِ التَّدَاوِي أَوْ حَاجَةٍ أُخْرَى جَازَ أَوْ بِقَصْدِ الْفِرَارِ، وَلَوْ مَعَ قَصْدِ التَّدَاوِي أَوْ غَيْرِهِ حَرُمَ كَمَا مَرَّ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ عَمَّ إقْلِيمًا لَمْ يَحْرُمْ الْخُرُوجُ مِنْ بَعْضِ قُرَاهُ إلَى بَعْضٍ؛ لِأَنَّهُ لَا فِرَارَ حِينَئِذٍ أَلْبَتَّةَ، وَأَنَّهُ لَوْ خَصَّ مَحَلَّةً مِنْ بَلْدَةٍ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ شَيْءٌ فِي بَقِيَّةِ مَحَلَّاتِ تِلْكَ الْبَلَدِ كَانَ حُكْمُ الْمَحَلَّةِ حِينَئِذٍ كَحُكْمِ الْبَلَدِ الْمُسْتَقِلِّ، فَيَحْرُمُ الْخُرُوجُ مِنْهَا فِرَارًا، وَالدُّخُولُ إلَيْهَا أَيْ: لِغَيْرِ حَاجَةٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ هُنَا، وَفِيمَا مَرَّ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ الْخُرُوجُ لِحَاجَةٍ جَازَ الدُّخُولُ قِيَاسًا إذْ لَا يَظْهَرُ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ فِي ذَلِكَ فَإِنْ قُلْت: يُنَافِي هَذَا مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي الْبَلَدِ عَمَّ جَمِيعَ مَنْ فِيهِ بِمُدَاخَلَةِ سَبَبِهِ. قُلْت: لَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمَحَلَّةَ لَيْسَتْ كَالْبَلَدِ فِيمَا إذَا تَحَقَّقْنَا اخْتِصَاصَهُ بِهَا، وَتَحَقَّقْنَا أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ أَسْبَابِهِ فِي بَقِيَّةِ الْبَلَدِ فَحِينَئِذٍ يَحْرُمُ لِغَيْرِ أَهْلِ تِلْكَ الْمَحَلَّةِ دُخُولُهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ، وَالْخُرُوجُ مِنْهَا بِقَصْدِ الْفِرَارِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ نَتَحَقَّقْ ذَلِكَ فَحُكْمُ بَقِيَّةِ الْبَلَدِ حُكْمُ تِلْكَ الْمَحَلَّةِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي بَلَدٍ عَمَّ جَمِيعَ مَنْ فِيهِ بِمُدَاخَلَةِ سَبَبِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى تَحَقَّقَ اخْتِصَاصُهُ بِمَحَلٍّ مِنْ بَلَدٍ، وَتَحَقَّقَ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ أَسْبَابِهِ فِي بَقِيَّةِ تِلْكَ الْبَلَدِ كَانَ ذَلِكَ الْمَحَلُّ كَبَلَدٍ مُسْتَقِلَّةٍ، فَيَحْرُمُ الدُّخُولُ، وَالْخُرُوجُ إلَيْهِ بِقَيْدِهِمَا السَّابِقِ، وَأَنَّهُ مَتَى لَمْ نَتَحَقَّقْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ حُكْمٌ مُغَايِرٌ لِذَلِكَ الْبَلَدِ. وَسَيَأْتِي بَحْثُ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ السَّاكِنَ قَرِيبًا مِنْ بَلَدِ الطَّاعُونِ لَا يُعْطَى حُكْمَهَا، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ لِمَنْ قَرُبَ مِنْ بَلَدِهِ وَلَمْ يَدْخُلْهَا الرُّجُوعَ، وَلَوْ بِقَصْدِ الْفِرَارِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا أَفْهَمَتْهُ التَّعَالِيلُ السَّابِقَةُ فِي حِكْمَةِ مَنْعِ الدُّخُولِ، وَالْخُرُوجِ، وَمَرَّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُهُ: نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إلَى قَدَرِ اللَّهِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ. وَصَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فَنَاءُ أُمَّتِي بِالطَّعْنِ، وَالطَّاعُونِ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الطَّعْنُ قَدْ عَرَفْنَاهُ فَمَا الطَّاعُونُ قَالَ: وَخْزُ أَعْدَائِكُمْ مِنْ الْجِنِّ، وَفِي كُلٍّ شَهَادَةٌ» . ، وَرَوَى أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الطَّاعُونِ فَقَالَ «غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْإِبِلِ الْمُقِيمُ فِيهَا كَالشَّهِيدِ، وَالْفَارُّ مِنْهَا كَالْفَارِّ مِنْ الزَّحْفِ» ، وَسَنَدُهَا حَسَنٌ

فِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ عَنْهَا «الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِأُمَّتِي، وَوَخْزُ أَعْدَائِكُمْ مِنْ الْجِنِّ يَخْرُجُ فِي الْآبَاطِ، وَالْمَرَاقِّ، وَالْفَارُّ مِنْهُ كَالْفَارِّ مِنْ الزَّحْفِ، وَالصَّابِرُ فِيهِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» وَقَوْلُهُ: يَخْرُجُ فِي الْمَرَاقِّ، وَالْآبَاطِ هُوَ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ كَمَا قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَدْ يَخْرُجُ فِي الْأَيْدِي، وَالْأَصَابِعِ، وَحَيْثُ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الْبَدَنِ قَالَ الْخَلِيلُ، وَغَيْرُهُ، وَهُوَ الْوَبَاءُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ غَيْرُهُ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: أَصْلُ الطَّاعُونِ الْقُرُوحُ الْخَارِجَةُ فِي الْجَسَدِ، وَالْوَبَاءُ عُمُومُ الْأَمْرَاضِ فَسُمِّيَتْ طَاعُونًا لِشَبَهِهَا بِذَلِكَ، وَإِلَّا فَكُلُّ طَاعُونٍ وَبَاءٌ وَلَيْسَ كُلُّ وَبَاءٍ طَاعُونًا، وَجَرَى عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَيْضًا ابْنُ سِينَا، وَغَيْرُهُ مِنْ حُذَّاقِ الْأَطِبَّاءِ فَفَسَّرُوا الطَّاعُونَ بِأَنَّهُ مَادَّةٌ سُمِّيَّةٌ تُحْدِثُ وَرَمًا قَتَّالًا تَحْصُلُ فِي مَغَابِنِ الْبَدَنِ، وَالرِّخْوِ مِنْهُ، وَسَبَبُهُ دَمٌ رَدِيءٌ مَائِلٌ إلَى الْعُفُونَةِ، وَالْفَسَادِ يَسْتَحِيلُ إلَى جَوْهَرٍ سُمَيٍّ يُفْسِدُ الْعُضْوَ، وَيُؤَدِّي إلَى الْقَلْبِ كَيْفِيَّةً فَيُحْدِثُ الْقَيْءَ، وَالْغَثَيَانَ، وَالْغَشْيَ، وَالْخَفَقَانَ، وَهُوَ لِرَدَاءَتِهِ لَا يَقْبَلُ مِنْ الْأَعْضَاءِ إلَّا مَا كَانَ أَضْعَفَ بِالطَّبْعِ، وَأَرْدَأُ مَا يَقَعُ فِي الْأَعْضَاءِ الرَّعْشَةُ. قَالَ أَعْنِي: ابْنَ سِينَا، وَالطَّوَاعِينُ تَكْثُرُ عِنْدَ الْوَبَاءِ، وَفِي الْبِلَادِ الْوَبِيَّةِ، وَمِنْ ثَمَّ أُطْلِقَ عَلَى الطَّاعُونِ أَنَّهُ وَبَاءٌ بِالْعَكْسِ قَالَ، وَأَمَّا الْوَبَاءُ فَهُوَ فَسَادُ جَوْهَرِ الْهَوَاءِ الَّذِي هُوَ مَادَّةُ الرُّوحِ، وَمَدَدُهُ اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ الطَّاعُونَ أَخَصُّ مِنْ الْوَبَاءِ، وَيَدُلُّ لَهُ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ «عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ» مَعَ حَدِيثِهِمَا «عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ، وَهِيَ أَوْبَى أَرْضِ اللَّهِ» فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْوَبَاءَ يَدْخُلُهَا دُونَ الطَّاعُونِ فَكَانَ غَيْرَهُ، وَمِمَّا يُفَارِقُهُ فِيهِ خُصُوصُ سَبَبِهِ الَّذِي لَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَوْبَاءِ نَظِيرُهُ، وَهُوَ كَوْنُهُ مِنْ طَعْنِ الْجِنِّ وَكَوْنُهُ مِنْ طَعْنِهِمْ لَا يُخَالِفُ مَا مَرَّ عَنْ الْأَطِبَّاءِ أَنَّهُ يَنْشَأُ عَنْ مَادَّةٍ سُمِّيَّةٍ أَوْ هَيَجَانِ الدَّمِ أَوْ انْصِبَابِهِ إلَى عُضْوٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ أَنْ يَحْدُثَ عَنْ الطَّعْنَةِ الْبَاطِنَةِ، فَيَحْدُثَ مِنْهَا الْمَادَّةُ السُّمَيَّةُ أَوْ يَهِيجُ بِسَبَبِهَا الدَّمُ أَوْ يَنْصَبُّ، وَعُذْرُ الْأَطِبَّاءِ فِي عَدَمِ تَعَرُّضِهِمْ لِكَوْنِهِ مِنْ طَعْنِ الْجِنِّ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ لَا يُدْرِكُهُ الْعَقْلُ، وَإِنَّمَا يُتَلَقَّى مِنْ الشَّارِعِ فَتَكَلَّمُوا عَلَى مَا يَنْشَأُ عَنْ ذَلِكَ الطَّعْنِ بِقَدْرِ مَا اقْتَضَتْهُ قَوَاعِدُ عِلْمِهِمْ. عَلَى أَنَّ ابْنَ الْقَيِّمِ أَبْطَلَ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ يَنْشَأُ مِنْ فَسَادِ الْهَوَاءِ بِأُمُورٍ مِنْهَا أَنَّهُ يَقَعُ فِي أَعْدِلْ الْفُصُولِ، وَفِي أَصَحِّ الْبِلَادِ هَوَاءً، وَأَطْيَبِهَا مَاءً، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ الْهَوَاءِ لَعَمَّ النَّاسَ، وَالْحَيَوَانَاتِ، وَرُبَّمَا كَثُرَ عِنْدَ اعْتِدَالِهِ وَقَلَّ عِنْدَ فَسَادِهِ وَلَدَامَ فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ الْهَوَاءَ يَصِحُّ تَارَةً، وَيَفْسُدُ تَارَةً، وَالطَّاعُونُ يَأْتِي عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَلَا تَجْرِبَةٍ وَلَا انْتِظَامٍ فَرُبَّمَا جَاءَ سَنَةً عَلَى سَنَةٍ، وَرُبَّمَا أَبْطَأَ عِدَّةَ سِنِينَ، وَمِنْهَا أَنَّ كُلَّ دَاءٍ تَسَبَّبَ مِنْ الْأَسْبَابِ الطَّبِيعِيَّةِ لَهُ دَوَاءٌ مِنْ الْأَدْوِيَةِ الطَّبِيعِيَّةِ عَلَى مَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ وَهَذَا الطَّاعُونُ قَدْ أَعْيَا الْأَطِبَّاءَ دَوَاؤُهُ حَتَّى سَلَّمَ حُذَّاقُهُمْ أَنَّهُ لَا دَوَاءَ لَهُ إلَّا الَّذِي خَلَقَهُ وَقَدَّرَهُ اهـ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي فَتْحِ الْبَارِي: يَقَعُ فِي الْأَلْسِنَةِ، وَهُوَ فِي نِهَايَةِ ابْنِ الْأَثِيرِ تَبَعًا لِغَرِيبَيْ الْهَرَوِيِّ بِلَفْظِ «وَخْزُ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ» وَلَمْ أَرَهُ بِلَفْظِ إخْوَانِكُمْ بَعْدَ التَّتَبُّعِ الطَّوِيلِ الْبَالِغِ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ الْمُسْنَدَةِ لَا فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ وَلَا الْأَجْزَاءِ الْمَنْثُورَةِ وَقَدْ عَزَاهُ بَعْضُهُمْ لِمُسْنَدِ أَحْمَدَ، وَالطَّبَرَانِيِّ أَوْ كِتَابِ الطَّوَاعِينِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا وَلَا وُجُودَ لِذَلِكَ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا فِي كِتَابِ بَذْلِ الْمَاعُونِ فَقَالَ: مَا حَاصِلُهُ جَمِيعُ مَا وَقَفْت عَلَيْهِ مِنْ الرِّوَايَاتِ بِلَفْظِ «وَخْزُ أَعْدَائِكُمْ» أَوْ بِلَفْظِ «طَعْنُ أَعْدَائِكُمْ» وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ، وَفِي لَفْظِ أَحْمَدَ " إخْوَانكُمْ " غَلَطٌ فِي الْمَتْنِ، وَالسَّنَدِ ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَاتِ الْمُسْنَدِ، وَمُعْجَمَ الطَّبَرَانِيِّ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا. ثُمَّ هُوَ صَاحِبُ آكَامِ الْمَرْجَانِ فِي أَحْكَامِ الْجَانِّ، وَهُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشِّبْلِيُّ الدِّمَشْقِيُّ الْحَنَفِيُّ مِنْ تَلَامِذَةِ الْمِزِّيِّ، وَالذَّهَبِيِّ فِي الْحَدِيثِ فِي ذِكْرِهِ ذَلِكَ عَنْ مُسْنِدِ أَحْمَدَ وَكِتَابِ الطَّوَاعِينِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا. ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يَرَ بِلَفْظِ إخْوَانِكُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَلَا مِنْ كُتُبِ الْغَرِيبِ إلَّا فِي كِتَابِ الْغَرِيبَيْنِ لِلْهَرَوِيِّ، وَالنِّهَايَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ ثُمَّ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ لَفْظِ " إخْوَانِكُمْ " فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، وَبَيْنَ " أَعْدَائِكُمْ " أُمُورٌ الْأَوَّلُ أَنَّ الْأُخُوَّةَ فِي الدِّينِ لَا تُنَافِي الْعَدَاوَةَ؛ لِأَنَّ عَدَاوَةَ الْجِنِّ لِلْإِنْسِ بِالطَّبْعِ، وَإِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ.

الثَّانِي أَنَّ رِوَايَةَ " أَعْدَائِكُمْ " فِي طَعْنِ الْكَافِرِينَ مِنْهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ مِنَّا، وَرِوَايَةَ " إخْوَانِكُمْ " فِي طَعْنِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ لِلْكَافِرِينَ مِنْ الْإِنْسِ الثَّالِثُ أَنَّ كُلًّا مِنْ اللَّفْظَيْنِ يُفِيدُ مَا يُفِيدُهُ الْآخَرُ فَحَيْثُ جَاءَ بِلَفْظِ أَعْدَائِكُمْ فَهُوَ عَلَى عُمُومِهِ إذْ لَا يَقَعُ الطَّعْنُ إلَّا مِنْ عَدُوٍّ فِي عَدُوِّهِ، وَيَكُونُ الْخِطَابُ لِجَمِيعِ الْإِنْسِ فَإِنَّ الطَّعْنَ يَكُونُ مِنْ كَافِرِي الْجِنِّ فِي مُؤْمِنِي الْإِنْسِ أَوْ مِنْ مُؤْمِنِي الْجِنِّ فِي كَافِرِي الْإِنْسِ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ «أَنَّهُ شَهَادَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، وَرِجْزٌ عَلَى الْكَافِرِينَ» ، وَحَيْثُ جَاءَ بِلَفْظِ إخْوَانِكُمْ فَهُوَ عَلَى عُمُومِهِ أَيْضًا لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ أُخُوَّةُ التَّقَابُلِ كَمَا يُقَالُ: اللَّيْلُ، وَالنَّهَارُ أَخَوَانِ أَوْ أُخُوَّةُ التَّكْلِيفِ فَإِنَّ الْجِنَّ، وَالْإِنْسَ هُمَا الثَّقَلَانِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّكْلِيفِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِزَادِ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ فَإِنَّهُ زَادٌ لِلْمُؤْمِنِ، وَالْكَافِرِ جَمِيعًا ثُمَّ فِي تَسْلِيطِ الْجِنِّ عَلَى الْإِنْسِ بِالطَّعْنِ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَإِنَّ أَعْدَاءَنَا مِنْهُمْ شَيَاطِينُهُمْ. وَأَمَّا الْمُطِيعُونَ مِنْهُمْ فَهُمْ إخْوَانُنَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَمَرَنَا بِمُعَادَاةِ أَعْدَائِهِ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إلَّا مُسَالَمَتَهُمْ فَسَلَّطَهُمْ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عُقُوبَةً لَهُمْ حَيْثُ أَطَاعُوهُمْ فِيمَا أَمَرُوهُمْ بِهِ مِنْ مَعَاصِيهِ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُطِعْهُمْ فَهُوَ شَهَادَةٌ لَهُمْ، وَرَحْمَةٌ وَهَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الْعُقُوبَاتِ تَقَعُ عَامَّةً فَتَكُونُ طُهْرًا لِلْمُؤْمِنِينَ، وَانْتِقَامًا مِنْ الْفَاجِرِينَ، وَإِنَّمَا مُكِّنَ الْجِنِّيُّ مِنْ طَعْنِ الْمُؤْمِنِ مَعَ أَنَّهُ مَحْرُوسٌ بِالْمُعَقِّبَاتِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَمِنْ خَلْفِهِ إرَادَةً لِلْخَيْرِ بِهِ، وَنَيْلًا لِدَرَجَةِ الشَّهَادَةِ كَمَا مَكَّنَ عَدُوَّهُ الظَّاهِرِ مِنْهُ لِذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ فِي أَكْثَرِ أَوْقَاتِهِ مَمْنُوعٌ مِنْهُ بِالرُّعْبِ تَارَةً، وَبِالْقُوَّةِ، وَالنَّصْرِ أُخْرَى وَلَا يُنَافِي كَوْنُهُ وَخْزُ الْجِنِّ وُقُوعَهُ فِي رَمَضَانَ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ بَلْ رُبَّمَا كَانَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الشَّيَاطِينَ، وَإِنْ كَانَتْ تُصَفَّدُ، وَتُغَلْغَلُ كَمَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ أَعْمَالَهَا تَبْطُلُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يَحْصُلُ لَهَا بِذَلِكَ الْمَنْعُ مِنْ مُعْظَمِ الْعَمَلِ. وَالْجَوَابُ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ طُعِنُوا قَبْلَ دُخُولِهِ وَلَمْ يَظْهَرْ إلَّا بَعْدَ دُخُولِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ تَصْفِيدَهُمْ إنَّمَا هُوَ عَمَّا يَأْثَمُ بِهِ الْآدَمِيُّ مِنْ تَحْسِينِ الْفُجُورِ لِيَقَعَ فِيهِ، وَأَمَّا هَذَا فَالْمُرَتَّبُ عَلَيْهِ ثَوَابٌ فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْهُ كَمَا لَا يُمْنَعُونَ مِنْ الِاحْتِلَامِ عَلَى أَنَّ تَصْفِيدَهُمْ فِيهِ اُسْتُشْكِلَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَهِيَ وُجُودُ الْمَعَاصِي الْكَبَائِرِ، وَغَيْرِهَا فِيهِ، وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُصَفَّدُونَ مِنْهُمْ مُسْتَرِقِي السَّمْعِ فَقَطْ، وَأَنَّ تَسَلْسُلَهُمْ يَقَعُ فِي لَيَالِيه فَقَطْ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ لَا يَخْلُصُونَ فِيهِ إلَى إفْسَادِ الْمُسْلِمِينَ مِثْل مَا يَخْلُصُونَ فِي غَيْرِهِ لِاشْتِغَالِ الْمُسْلِمِينَ بِالصَّوْمِ الْقَامِعِ لِلشَّهَوَاتِ، وَبِالْقِرَاءَةِ، وَالذِّكْرِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُصَفَّدَ بَعْضُهُمْ لَا كُلُّهُمْ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «إذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ مَرَدَةُ الْجِنِّ» . عَلَى أَنَّ مَرَدَةَ نَعْتٌ مُخَصِّصٌ أَوْ بَدَلٌ مُخَصِّصٌ أَوْ بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ بَقِيَّةِ أَحَادِيثِ تَصْفِيدِ الشَّيَاطِينِ فَعَلَيْهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بِأَنَّ الْوَخْزَ يَقَعُ فِي رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ الْمَرَدَةِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَنَاءُ أُمَّتِي فِي الطَّعْنِ وَالطَّاعُونِ» إمَّا الطَّلَبُ لِرِوَايَةِ أَحْمَدَ «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فَنَاءَ أُمَّتِي فِي الطَّاعُونِ» ، وَفِي أُخْرَى عِنْدَ أَحْمَدَ، وَغَيْرِهِ «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فَنَاءَ أُمَّتِي قَتْلًا فِي سَبِيلِك بِالطَّعْنِ، وَالطَّاعُونِ» أَوْ الْخَبَرُ لِقَوْلِ ابْنِ الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ أَرَادَ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى فَنَاءِ الْأُمَّةِ الْفِتَنُ الَّتِي تُسْفَكُ فِيهَا الدِّمَاءُ، وَالْوَبَاءُ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ اسْتِشْكَالُ الْحَدِيثِ بِأَنَّ أَكْثَرَ الْأُمَّةِ يَمُوتُونَ بِغَيْرِ الطَّعْنِ، وَالطَّاعُونِ. وَيَنْدَفِعُ أَيْضًا الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُمَّةِ الصَّحَابَةُ أَوْ الْخِيَارُ قَالَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ: وَمَا قَالَهُ ابْنُ الْأَثِيرِ صَحِيحٌ بِلَا شَكٍّ فَإِنَّهُ إذَا اُسْتُقْرِئَ الْأَمْرُ وُجِدَ مَنْ يَمُوتُ بِالطَّاعُونِ أَكْثَرَ مِمَّنْ مَاتَ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الطَّاعُونِ الَّذِي قَبْلَهُ فَكَيْفَ إذَا انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ الْقَتْلُ فِي الْجِهَادِ، وَفِي الْفِتَنِ وَلَمْ يَقْصِدْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لِلدُّعَاءِ الدُّعَاءَ عَلَى أُمَّتِهِ بِالْهَلَاكِ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مِنْهُ حُصُولُ الشَّهَادَةِ لَهُمْ بِكُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، وَالْمَوْتُ حَتْمٌ لَا بُدَّ مِنْهُ فَكَانَ الْقَصْدُ جَعْلَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْمَوْتِ الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَوْ دَعَا بِذَلِكَ لِيَكُونَ كَفَّارَةً لِمَا يَقَعُ بَيْنَ الْأُمَّةِ مِنْ الْعَدَاوَةِ كَمَا وَرَدَ أَنَّ الْقَتْلَ لَا يَمُرُّ بِذَنْبٍ إلَّا مَحَاهُ لَا مَحَالَةَ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ الْجَوَابُ عَنْ اسْتِشْكَالِ الدُّعَاءِ بِالشَّهَادَةِ مَعَ اسْتِلْزَامِهِ تَمَكُّنَ الْكَافِرِ مِنْ الْمُسْلِمِ، وَهُوَ مَعْصِيَةٌ، وَتَمَنِّي الْمَعْصِيَةِ حَرَامٌ، وَوَجْهُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمَطْلُوبَ قَصْدًا إنَّمَا هُوَ نَيْلُ الدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ الْمُرَتَّبَةِ

عَلَى الشَّهَادَةِ الَّتِي هِيَ سَبَبٌ لِدَفْعِ الْكُفَّارِ، وَإِذْلَالِهِمْ، وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ. ، وَأَمَّا فِعْلُ الْكَافِرِ فَهُوَ مِنْ ضَرُورَةِ الْوُجُودِ فَلَيْسَ مَنْظُورًا إلَيْهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ شَهِيدَ الطَّاعُونِ مُلْحَقٌ بِشَهِيدِ الْمُعْتَرَكِ فَفِي حَدِيثٍ سَنَدُهُ حَسَنٌ «يَأْتِي الشُّهَدَاءُ، وَالْمُتَوَفَّوْنَ بِالطَّاعُونِ، فَيَقُولُ أَصْحَابُ الطَّاعُونِ: نَحْنُ شُهَدَاءُ فَيُقَالُ: اُنْظُرُوا فَإِنْ كَانَتْ جِرَاحَاتُهُمْ كَجِرَاحِ الشَّهِيدِ أَيْ: تَسِيلُ دِمَاؤُهُمْ، وَرِيحُهُمْ كَرِيحِ الْمِسْكِ فَهُمْ شُهَدَاءُ، فَيَجِدُونَهُمْ كَذَلِكَ» ، وَفِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ «تَخْتَصِمُ الْمَوْتَى، وَالْمُتَوَفَّوْنَ عَلَى فُرُشِهِمْ إلَى رَبِّنَا جَلَّ جَلَالُهُ فِي الَّذِينَ يَمُوتُونَ بِالطَّاعُونِ، فَيَقُولُ الشُّهَدَاءُ: إخْوَانُنَا قُتِلُوا كَمَا قُتِلْنَا، وَيَقُولُ الْمُتَوَفَّوْنَ عَلَى فُرُشِهِمْ: إخْوَانُنَا مَاتُوا عَلَى فُرُشِهِمْ كَمَا مُتْنَا، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: اُنْظُرُوا إلَى جِرَاحَاتِهِمْ فَإِنْ أَشْبَهَتْ جِرَاحَاتِ الْمَقْتُولِينَ فَإِنَّهُمْ مِنْهُمْ فَإِذَا جِرَاحُهُمْ أَشْبَهَتْ جِرَاحَهُمْ» . وَقَضِيَّةُ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الطِّبِّ، وَالْقَدَرِ أَنَّ أَجْرَ الشَّهِيدِ إنَّمَا يُكْتَبُ لِمَنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ بَلَدِ الطَّاعُونِ، وَأَقَامَ قَاصِدًا ثَوَابَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رَاجِيًا صِدْقَ وَعْدِهِ عَارِفًا أَنَّهُ إنْ وَقَعَ لَهُ أَوْ صَرَفَهُ عَنْهُ فَهُوَ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ غَيْرَ مُتَضَجِّرٍ بِهِ إنْ وَقَعَ بِهِ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَيْضًا أَنَّ مَنْ وُجِدَتْ فِيهِ تِلْكَ الصِّفَاتِ يَحْصُلُ لَهُ أَجْرُ الشَّهِيدِ، وَإِنْ مَاتَ بِغَيْرِ الطَّاعُونِ، وَاسْتُشْكِلَ كَوْنُهُ شَهَادَةً، وَرَحْمَةً بِأَنَّهُ صَحَّ أَنَّهُ قُرِنَ بِالدَّجَّالِ وَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ مَكَّةَ وَلَا الْمَدِينَةَ، وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ طَعْنِ الْجِنِّ لَمْ يَدْخُلْهُمَا إشَارَةً إلَى أَنَّ كُفَّارَ الْجِنِّ، وَشَيَاطِينَهُمْ مَمْنُوعُونَ مِنْ دُخُولِهِمَا أَوْ مِنْ التَّسْلِيطِ عَلَى أَهْلِهِمَا صِيَانَةً مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَهُمْ حَتَّى مِنْ مُؤْمِنِي الْجِنِّ بِنَاءً عَلَى وُقُوعِ الطَّعْنِ مِنْهُمْ أَيْضًا وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ قَطُّ أَنَّهُ وَقَعَ بِالْمَدِينَةِ طَاعُونٌ أَصْلًا خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْقُرْطُبِيِّ وَكَذَا مَكَّةُ، وَمَنْ حَكَى أَنَّهُ دَخَلَهَا فَقَدْ تَجَوَّزَ، وَأَطْلَقَ الطَّاعُونَ عَلَى الْوَبَاءِ، وَإِذَا وَقَعَ الطَّاعُونُ فِي بَلَدٍ كَانَ حُكْمُ أَهْلِهَا فِي التَّصَرُّفِ كَحُكْمِ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ سَوَاءٌ مَنْ أَصَابَهُ، وَمَنْ لَمْ يُصِبْهُ كَمَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ كَالْبَغَوِيِّ، وَإِنْ نَازَعَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ فِي ذَلِكَ، وَأَطَالَ نَعَمْ إنَّمَا يَكُونُ مَخُوفًا فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُصِبْهُ إنْ وَقَعَ فِي أَمْثَالِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْكَافِي حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا وَقَعَ فِي الْبَلَدِ فِي أَمْثَالِهِ فَهُوَ مَخُوفٌ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَقَوْلُهُ فِي أَمْثَالِهِ قَيْدٌ مُتَعَيِّنٌ كَمَا شُوهِدَ فِي الطَّوَاعِينِ السَّابِقَةِ، وَاللَّاحِقَةِ مِنْ طَوَاعِينِ السَّلَفِ طَاعُونُ الْأَشْرَافِ، وَطَاعُونُ الْفِتْيَانِ، وَشُوهِدَ فِي عَصْرِنَا فِي وَقْتٍ فِي الْأَطْفَالِ، وَتَارَةً فِي النِّسَاءِ، وَتَارَةً فِي الشَّبَابِ دُونَ الشُّيُوخِ. اهـ. ، وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ كَوْنِهِ مَخُوفًا فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُصِبْهُ مَا إذَا وَقَعَ الطَّاعُونُ فِي أَمْثَالِهِ فَإِنْ وَقَعَ فِي الْأَطْفَالِ مَثَلًا فَيُشْبِهُ أَنْ لَا يَكُونَ مَخُوفًا فِي حَقِّ الْبَالِغِينَ، وَإِلَى ذَلِكَ يُشِيرُ كَلَامُ صَاحِبِ الْكَافِي فَإِنَّهُ قَالَ: إنْ أَصَابَهُ مَخُوفٌ، وَإِنْ وَقَعَ فِي أَمْثَالِهِ فَهُوَ مَخُوفٌ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فَقَوْلُهُ فِي أَمْثَالِهِ قَيْدٌ حَسَنٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَقَدْ تَخْتَلِفُ الطَّوَاعِينُ الْوَاقِعَةُ فِي كُلِّ عَصْرٍ فَيُعْتَبَرُ فِي كُلِّ وَقْتٍ بِحَسَبِهِ اهـ. قَالَ أَعْنِي: الزَّرْكَشِيّ، وَسَكَتُوا عَنْ فُرُوعٍ: أَحَدُهَا السَّاكِنُ قَرِيبًا مِنْ بَلَدِ الطَّاعُونِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ هَلْ يُعْطَى حُكْمُ بَلَدِ الطَّاعُونِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ الْأَصِحَّاءِ فِي تَبَرُّعَاتِهِمْ. الثَّانِي الْوَارِدُونَ مِنْ بَلَدِ الطَّاعُونِ إلَى بَلَدٍ لَيْسَ بِهَا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ حُكْمَهُمْ حُكْمُ الْبَلَدِ الَّذِي انْتَقَلُوا عَنْهُ؛ لِأَنَّهُمْ بِصَدَدِ أَنْ يَقَعَ بِهِمْ ذَلِكَ لِمَا قَدْ عَلِقَ بِأَجْسَادِهِمْ مِنْهُ كَمَا شَاهَدْنَا ذَلِكَ كَثِيرًا فَيُحْسَبُ تَبَرُّعُهُمْ مِنْ الثُّلُثِ إذَا حَصَلَ الْمَوْتُ بِذَلِكَ الدَّاءِ بَعْدَ التَّبَرُّعَ اهـ. ، وَذَكَرَ فَرْعًا ثَالِثًا مَبْنِيًّا عَلَى ضَعِيفٍ لَا حَاجَةَ لَنَا بِذِكْرِهِ، وَطَاعُونُ الْأَشْرَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ كَانَ فِي زَمَنِ الْحَجَّاجِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ مَنْ مَاتَ فِيهِ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ، وَطَاعُونُ الْفِتْيَانِ كَانَ بِالْبَصْرَةِ سَنَةَ سَبْعٍ، وَثَمَانِينَ مِنْ الْهِجْرَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ مَنْ مَاتَ فِيهِ مِنْ النِّسَاءِ الشَّوَابِّ، وَالْعَذَارَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي شَخْصٍ قَالَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ يَفْعَلُونَ لِي كَذَا وَكَذَا بِمُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتٍ وَلَمْ يَعْلَمْ إلَى مَنْ يُشِيرُ مَنْ يَكُونُ الْوَصِيُّ مَثَلًا وَإِذَا زَادَ مَثَلًا وَيَكُونُ النَّظَرُ لِفُلَانٍ هَلْ يَكُونُ هُوَ الْوَصِيَّ؟ (فَأَجَابَ) إذَا قَالَ: يَفْعَلُونَ لِي كَذَا وَلَمْ يَعْلَمْ إلَى مَنْ يُشِيرُ فَلَا وَصِيَّ لَهُ فَإِنْ قَالَ: وَيَكُونُ النَّظَرُ لِفُلَانٍ لَمْ يَثْبُتْ لِفُلَانٍ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا

يُتَصَوَّرُ حَيْثُ عُرِفَ الْوَصِيُّ، وَهُوَ هُنَا مَجْهُولٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَسْأَلَةٌ) شَخْصٌ مَرِضَ بِالِاسْتِسْقَاءِ الْمَخُوفِ فَأَعْتَقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَمَةً ثُمَّ عَقَدَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا ثُمَّ مَلَّكَهَا حُلِيًّا ذَهَبًا مَثَلًا وَفِضَّةً مَجْهُولَ الْقَدْرِ مَثَلًا وَالثَّمَنِ ثُمَّ مَاتَ فَهَلْ الْعِتْقُ مَثَلًا وَالتَّزْوِيجُ صَحِيحٌ أَمْ لَا؟ وَهَلْ تَرِثُ الْمَعْتُوقَةُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ مُعْتِقِهَا؟ ثُمَّ دَبَّرَ عَبِيدًا لَهُ مَثَلًا وَجَوَارِيَ مَثَلًا وَمَلَّكَ أَحَدَهُمْ حِمْلَيْنِ فَهَلْ التَّمْلِيكُ مَثَلًا وَالتَّدْبِيرُ صَحِيحٌ أَمْ لَا مَثَلًا وَإِذَا لَمْ يَحْتَمِلُ الثُّلُثُ ذَلِكَ تَنْفُذُ أَمْ لَا. (الْجَوَابُ) إنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ بَانَ صِحَّةُ نِكَاحِهَا، وَعِتْقِهَا، وَإِذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَا مَهْرَ لَهَا إنْ أَدَّى وُجُوبُهُ إلَى ثُبُوتِ دَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ كَأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا مُسَاوِيَةً لِثُلُثِهِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ حِينَئِذٍ يُؤَدِّي إلَى رِقِّ بَعْضِهَا لِعَدَمِ خُرُوجِهَا مِنْ الثُّلُثِ فَبَطَلَ النِّكَاحُ، وَالْمَهْرُ فَكَانَ إثْبَاتُ الْمَهْرِ مُؤَدِّيًا إلَى عَدَمِ إثْبَاتِهِ فَسَقَطَ أَمَّا إذَا خَرَجَتْ مِنْ ثُلُثِهِ مَعَ وُجُوبِ الْمَهْرِ فَإِنَّهُ يَجِبُ لَهَا إذْ لَا مَانِعَ مِنْ وُجُوبِهِ حِينَئِذٍ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَلَا تَرِثُ مِنْهُ بِالزَّوْجِيَّةِ شَيْئًا سَوَاءٌ أَدَخَلَ بِهَا أَمْ لَا؟ وَمَا مَلَّكَهُ لَهَا إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ أَيْضًا فَازَتْ بِهِ. وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ فَازَتْ بِذَلِكَ الْبَعْضِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ تَوَقَّفَ نُفُوذُ الْوَصِيَّةِ بِهِ كَالْبَعْضِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ بِشُرُوطِهَا وَلَا يَضُرُّ جَهْلُ قَدْرِهِ، وَثَمَنِهِ فَتُطَالَبُ بِإِحْضَارِهِ، وَيُنْظَرُ إلَى قَدْرِهِ وَقِيمَتِهِ وَقْتَ الْمَوْتِ ثُمَّ مَا فَضَلَ مِنْ ثُلُثِهِ عَنْ قِيمَتِهَا وَقِيمَةِ الْحُلِيِّ الَّذِي مَلَّكَهُ لَهَا يُنْظَرُ فِيهِ فَإِنْ وَفَّى بِقِيمَةِ الْمُدَبَّرِينَ كُلِّهِمْ عَتَقُوا بِمَوْتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُمْ شَيْءٌ، وَإِنْ فَضَلَ مَا لَا يَفِي بِجَمِيعِهِمْ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فَمَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ عَتَقَ مِنْهُ مَا يَفِي بِالثُّلُثِ سَوَاءٌ أَكَانَ شِقْصًا مِنْ وَاحِدٍ أَمْ أَكْثَرَ هَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ، وَإِلَّا عَتَقَ مَنْ أَجَازُوا لَهُ مِمَّنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ فَعُلِمَ أَنَّ لَهُمْ إجَازَةَ بَعْضِ مَنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ دُونَ بَعْضٍ، وَتَمْلِيكِ أَحَدِهِمْ الْحِمْلَيْنِ إنْ نَزَلَ مَنْزِلَةَ الْوَصِيَّةِ بِأَنْ قَالَ: مَلَّكْته إيَّاهُمَا بَعْدَ مَوْتِي صَحَّ، وَإِلَّا بِأَنْ قَالَ: مَلَّكْته إيَّاهُمَا وَلَمْ يَقُلْ بَعْدَ مَوْتِي لَغَا فِيمَا يَظْهَرُ أَخْذًا مِنْ إطْلَاقِهِمْ بُطْلَانَ تَمْلِيكِ السَّيِّدِ عَبْدَهُ، وَلَوْ مُدَبَّرًا وَقَوْلُهُمْ: التَّبَرُّعَاتُ الْمُنَجَّزَةُ فِي الْمَرَضِ كَالْهِبَةِ مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ الْوَصِيَّةِ، مَحَلُّهُ إذَا كَانَتْ مَعَ مَنْ يَصِحُّ مِنْهُ قَبُولُهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ قَبُولُهَا قَبْلَ الْمَوْتِ لِبَقَاءِ رِقِّهِ فَكَانَتْ مُلْغَاةً. وَفِيمَا إذَا صَحَّتْ بِأَنْ قَالَ بَعْدَ مَوْتِي لِكَوْنِ الْوَصِيَّةِ بِذَيْنِك الْحِمْلَيْنِ مُتَأَخِّرَةً فِي الِاسْتِحْقَاقِ عَنْ رُتْبَةِ الْمُوصَى لَهُ بِهِمَا فَلَا يَسْتَحِقُّ مِنْهُمَا شَيْئًا حَتَّى يَعْتِقَ جَمِيعُهُ ثُمَّ بَعْدَ عِتْقِ جَمِيعِهِ يُوَزَّعُ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ عَلَى الْحِمْلَيْنِ، وَعَلَى بَقِيَّةِ الْمُدَبَّرِينَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) ادَّعَى وَارِثٌ وَصِيٌّ صَرْفَ مُوَرِّثِهِ مَا تَحْتَ يَدِهِ عَلَى مَحْجُورِهِ فَهَلْ يُصَدَّقُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّ مُوَرِّثَهُ لَوْ ادَّعَى الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ الْمُحْتَمَلَ صُدِّقَ فَكَذَلِكَ هُوَ؛ لِأَنَّهُ خَلِيفَتُهُ، وَيَشْهَدُ لَهُ تَصْدِيقُ وَارِثِ الْوَدِيعِ فِي الرَّدِّ لِمُوَرِّثِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي شَخْصٍ أَسْنَدَ وَصِيَّتَهُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ مَثَلًا وَسَلَامَتِهِ لِرَجُلٍ جَعَلَهُ وَصِيًّا عَلَى بَيْعِ تَرِكَتِهِ مَثَلًا وَوَفَاءِ دُيُونِهِ ثُمَّ قَالَ: وَصَّيْته وَلَمْ أَعْلَمْ أَنَّ عِنْدِي دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إلَّا مَا فِي الْبَيْتِ مِنْ الْأَثَاثِ، وَالْكُتُبِ فَاسْأَلْ وَصِيِّي إنْ لَمْ يُخَلِّصْنِي جَمِيعَ ذَلِكَ أَنْ يُخَلِّصَنِي مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ أَبْقَى الْكُتُبَ لِمَا أَعْلَمُ مِنْ غَيْرَتِهِ عَلَيْهَا فَالْوَصِيَّةُ بِهَا لِعَقِبِي أَوْ لِعَقِبِهِ فَإِنْ انْقَرَضُوا فَالْمَرْجِعُ خِزَانَةُ الْمَغَارِبَةِ بِرِبَاطِ سَيِّدِنَا عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ثُمَّ تُوُفِّيَ إلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ مُدَّةٍ عَنْ الْأَثَاثِ، وَالْكُتُبِ، وَعَنْ بَيْتٍ تَجَدَّدَ لَهُ مِلْكُهُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ فَبَاعَ الْوَصِيُّ الْأَثَاثَ، وَسَدَّ بِهِ بَعْضَ الدَّيْنِ، وَبَقِيَ بَعْضُ الدَّيْنِ فَهَلْ قَوْلُ الْمُوصِي فَإِنْ أَبْقَى الْكُتُبَ إلَخْ وَصِيَّةً بِوَقْفِهَا عَلَى تَقْدِيرِ وَفَاءِ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِهَا وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي الْبَيْتِ وَفَاءً، وَزِيَادَةً، وَحِينَئِذٍ، فَيَضُمُّ مَا بَقِيَ مِنْ ثَمَنِ الْبَيْتِ بَعْدَ، وَفَاءِ بَقِيَّةِ الدَّيْنِ إلَى قِيمَةِ الْكُتُبِ فَإِنْ حَصَلَ مَا يُحْتَمَلُ ثُلُثُهُ الْكُتُبَ خَرَجَتْ وَقْفًا أَوْ الْحُكْمُ غَيْرُ ذَلِكَ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَيْسَ قَوْلُ الْمُوصِي مَا ذَكَرَ وَصِيَّةً بِوَقْفِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ لَا صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً بَلْ قَوْلُهُ: الْوَصِيَّةُ بِهَا لِعَقِبِي إلَخْ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ إرَادَةِ وَقْفِهَا، وَدَالٌّ عَلَى إرَادَةِ الْوَصِيَّةِ بِمَنَافِعِهَا لِعَقِبِهِ أَوْ عَقِبِ الْوَصِيِّ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمَا لِمَنْ يُرِيدُ الِانْتِفَاعَ بِهَا فِي خِزَانَةِ الْمَغَارِبَةِ الْمَذْكُورَةِ

وَلَوْلَا إتْيَانُهُ بِأَوْ فِي قَوْلِهِ: " لِعَقِبِي أَوْ عَقِبِهِ " لَقُلْنَا: إنَّ ذَلِكَ وَصِيَّةٌ بِمَنَافِعِهَا إنْ خَرَجَتْ مِنْ ثُلُثِهِ لِمَنْ ذَكَرَ كَذَلِكَ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ لَكِنَّهُ لَمَّا أَتَى بِأَوْ صَارَ كَلَامُهُ لَغْوًا أَمَّا قَوْلُهُ: " فَالْوَصِيَّةُ بِهَا لِعَقِبِي أَوْ عَقِبِهِ " فَأَخْذًا مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُوصَى لَهُ أَنْ يَكُونَ مُعَيَّنًا كَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ حَتَّى يُمْكِنَ تَمْلِيكُهُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ لِلْعَيْنِ، وَالْمَنْفَعَةِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا، وَالْوَقْفُ تَمْلِيكٌ لِلْمَنْفَعَةِ فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ أَوْ لِفُلَانٍ مَثَلًا وَهُنَاكَ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي الِاسْمِ لِإِبْهَامِ الْمُوصَى لَهُ، وَالْمُبْهَمُ لَا يُمْكِنُ تَمْلِيكُهُ وَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ أَوْ عَلَى فُلَانٍ، وَهُنَاكَ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي الِاسْمِ لِمَا ذُكِرَ، وَفِي قَوْلٍ ضَعِيفٍ يَصِحُّ الْوَقْفُ، وَعَلَيْهِ فَبَحَثَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى تَعْيِينِ الْوَاقِفِ فَوَارِثِهِ وَقِيَاسُ ذَلِكَ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ أَيْضًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَعَلَيْهِ، فَيَرْجِعُ إلَى تَعْيِينِ الْمُوصِي ثُمَّ وَارِثِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْوَصِيَّةَ أَوْ الْوَقْفَ لِزَيْدٍ أَوْ عَمْرٍو كَالْوَصِيَّةِ أَوْ الْوَقْفِ لِأَحَدِ هَذَيْنِ بِجَامِعِ إبْهَامِ الْمُوصَى لَهُ، وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَكَمَا صَرَّحُوا بِالْبُطْلَانِ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ فَكَذَلِكَ نَقُولُ بِالْبُطْلَانِ فِي هَذَا أَوْ هَذَا لِوُجُودِ الْجَامِعِ الْمَذْكُورِ، وَعَدَمِ ظُهُورِ فَارِقٍ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ فَإِنْ قُلْت: هَذَا ظَاهِرٌ إنْ جُعِلَتْ " أَوْ " هُنَا لِلشَّكِّ مِنْ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ لِلْإِبْهَامِ عَلَى السَّامِعِ أَوْ لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْمَعْطُوفَيْنِ سَوَاءٌ امْتَنَعَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَمْ جَازَ وَقَصَرَ ابْنُ مَالِكٍ، وَغَيْرُهُ التَّخْيِيرَ عَلَى الْأَوَّلِ وَسَمَّوْا الثَّانِيَ بِالْإِبَاحَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْإِبَاحَةَ الشَّرْعِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مَعْنَى أَوْ بِحَسَبِ اللُّغَةِ بَلْ الْإِبَاحَةُ بِحَسَبِ الْعَقْلِ أَوْ الْعُرْفِ أَمَّا إذَا جُعِلَتْ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ كَالْوَاوِ فِي قَوْلِهِ: وَقَدْ زَعَمَتْ لَيْلَى بِأَنِّي فَاجِرٌ ... لِنَفْسِي تُقَاهَا أَوْ عَلَيْهَا فُجُورُهَا أَيْ: وَعَلَيْهَا فُجُورُهَا أَوْ لِتَقْسِيمِ الْكُلِّيِّ إلَى جُزْئِيَّاتِهِ نَحْوُ " الْكَلِمَةُ اسْمٌ أَوْ فِعْلٌ أَوْ حَرْفٌ " أَيْ: مُنْقَسِمَةٌ إلَى الثَّلَاثَةِ تَقْسِيمَ الْكُلِّيِّ إلَى جُزْئِيَّاتِهِ، فَيَصْدُقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا أَوْ الْكُلَّ إلَى أَجْزَائِهِ نَحْوُ ثِنْتَانِ صُدُورُ رِمَاحٍ أُشْرِعَتْ أَوْ سَلَاسِلُ فِي قَوْلِ الْحَمَاسِيِّ: وَقَالُوا لَنَا ثِنْتَانِ لَا بُدَّ مِنْهُمَا ... صُدُورُ رِمَاحٍ أُشْرِعَتْ أَوْ سَلَاسِلُ " أَوْ " لِلْإِضَافَةِ كَبَلْ نَحْوُ {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: 147] أَيْ: بَلْ يَزِيدُونَ وَقِيلَ: هِيَ هُنَا بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَوَجْهُ جَوَازِ الْإِضْرَابِ فِي كَلَامِهِ تَعَالَى أَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ مِائَةُ أَلْفٍ بِنَاءً عَلَى حَزْرِ النَّاسِ مَعَ كَوْنِهِ تَعَالَى عَالِمًا بِأَنَّهُمْ يَزِيدُونَ ثُمَّ ذَكَرَ التَّحْقِيقَ مُضْرِبًا عَمَّا يَغْلَطُ فِيهِ النَّاسُ بِنَاءً مِنْهُمْ عَلَى ظَاهِرِ الْحَزْرِ أَيْ: أَرْسَلْنَاهُ إلَى جَمَاعَةٍ يَحْزِرُهُمُ النَّاسُ مِائَةَ أَلْفٍ، وَهُمْ كَانُوا يَزِيدُونَ عَلَى ذَلِكَ وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} [النحل: 77] فَلَا يَتَّجِهُ حِينَئِذٍ الْقِيَاسُ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ؛ لِأَنَّهُ نَصٌّ فِي الْإِبْهَامِ وَهَذَا أَعْنِي: أَوْصَيْت لِهَذَا أَوْ هَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ " أَوْ " عَلَى كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ تُفِيدُ جَوَازَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَوْ تَعَيُّنَ الثَّانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لِلْإِضَافَةِ قُلْت: لَنَا فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ مَسْلَكَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّا لَوْ تَنَزَّلْنَا، وَسَلَّمْنَا أَنَّ " أَوْ " مَوْضُوعَةٌ لِكُلٍّ مِنْ تِلْكَ الْمَعَانِي السَّابِقَةِ فَهَذَا أَعْنِي: الْحَمْلَ عَلَى أَنَّهَا لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ أَوْ مَا بَعْدَهُ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ حَيْثُ عُلِمَ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ إمَّا بِتَصْرِيحٍ مِنْهُ بِذَلِكَ أَوْ قَرِينَةٍ تُبَيِّنُ أَنَّ مُرَادَهُ ذَلِكَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ مَعَانِيهَا أَمَّا إذَا جُهِلَ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ كَمَا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ فَإِنَّ الْمُوصِيَ مَاتَ وَلَمْ يُعْلَمْ مُرَادُهُ " بِأَوْ " وَلَا قَامَتْ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا مُطْلَقَ الْجَمْعِ أَوْ نَحْوَهُ فَلَا يَجُوزُ حَمْلُهَا عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ فَإِنْ قُلْت: يُرَجِّحُهُ أَنَّ كَلَامَ الْمُكَلَّفِ يَنْبَغِي صَوْنُهُ عَنْ الْإِبْطَالِ، وَالْإِفْسَادِ مَا أَمْكَنَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ، وَغَيْرِهِ قُلْت: مَحَلُّ هَذَا الصَّوْتِ مَا لَمْ يَكُنْ الْكَلَامُ ظَاهِرًا فِي الْوَجْهِ الْمُقْتَضِي لِفَسَادِهِ، وَإِلَّا وَجَبَ الْأَخْذُ بِظَاهِرِهِ، وَالْإِعْرَاضُ عَنْ التَّكَلُّفَاتِ الْبَعِيدَةِ الَّتِي لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ؛ لِأَنَّ " أَوْ " فِيهِ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّهَا لِتَخْيِيرِ الْمُوصِي الْوَصِيَّ فِي الصَّرْفِ لِعَقِبِهِ أَوْ عَقِبِ الْوَصِيِّ، وَلَوْ كَانَ التَّكَلُّفُ لِصَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ سَائِغًا لَتَكَلَّفُوا وَقَالَ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ إنَّهُ خَيَّرَ الْوَصِيَّ فِي الصَّرْفِ لِمَنْ شَاءَ مِنْهُمَا فَلَمَّا أَعْرَضُوا عَنْ ذَلِكَ، وَأَخَذُوا بِظَاهِرِ اللَّفْظِ، وَمَدْلُولِهِ مِنْ

الْإِبْهَامِ الْمُتَعَذَّرِ مَعَهُ التَّمْلِيكُ كَمَا مَرَّ كَانَ قِيَاسُهُ الْإِعْرَاضَ عَنْ التَّكَلُّفِ فِي صَرْفِ " أَوْ " عَنْ ظَاهِرِهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ التَّخْيِيرِ أَوْ نَحْوِهِ كَمَا سَيَتَّضِحُ، وَالْأَخْذُ بِظَاهِرِهَا الْمُقْتَضِي لِلْإِبْهَامِ الْمُتَعَذَّرِ مَعَهُ التَّمْلِيكُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ تَجْوِيزَ الْإِضْرَابِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ إذْ الْعَادَةُ قَاضِيَةٌ بِإِحَالَةِ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَقْصِدُ الْإِضْرَابَ عَنْ إعْطَاءِ عَقِبِهِ، وَالْحُكْمَ بِإِعْطَاءِ عَقِبِ غَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ مُمْتَنِعٌ صِنَاعَةً؛ لِأَنَّهَا إذَا أَتَتْ لِلْإِضْرَابِ لَا يَكُونُ بَعْدَهَا إلَّا الْجُمَلُ وَلَا تَكُونُ حِينَئِذٍ حَرْفَ عَطْفٍ بَلْ حَرْفَ اسْتِئْنَافٍ قَالَهُ الرَّضِيُّ وَكَذَلِكَ التَّقْسِيمُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَدْعِي سَبْقَ مُقَسَّمٍ سَابِقٍ حَتَّى تَكُونَ أَوْ مُقَسِّمَةً لَهُ إلَى جُزْئِيَّاتِهِ أَوْ أَجْزَائِهِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا احْتِمَالُ كَوْنِهَا لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ كَالْوَاوِ وَقَدْ مَرَّ امْتِنَاعُ الْحَمْلِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ مَعَانِيهَا وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ قَوِيَّةٌ حَتَّى تَكُونَ مُقَوِّيَةً لِلْحَمْلِ عَلَيْهِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي يُحْتَاجُ عَنْهُ بِخِلَافِ التَّقْسِيمِ، وَالْإِضْرَابِ لِمَا تَبَيَّنَ مِنْ اسْتِحَالَتِهِمَا، وَبِخِلَافِ نَحْوِ التَّخْيِيرِ، وَالشَّكِّ فَإِنَّ هَذِهِ تَقْتَضِي مَا قُلْنَاهُ مِنْ الْبُطْلَانِ فَلَمْ يَبْقَ مِنْ مَعَانِيهَا مَا يُحْوِجُ لِلْجَوَابِ عَنْهُ غَيْرُ احْتِمَالِ كَوْنِهَا لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا تَقَرَّرَ الْجَوَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ مَعَانِيهَا لِنُدْرَتِهِ، وَعَدَمِ تَبَادُرِهِ مِنْهَا وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ قَوِيَّةٌ حَتَّى تَكُونَ مُرَجِّحَةً لِلْحَمْلِ عَلَيْهِ وَيَأْتِي عَنْهُ جَوَابٌ آخَرُ ثَانِيهَا أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ " أَوْ " مَوْضُوعَةٌ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَالْحَقِيقَةِ الْمُتَبَادِرَةِ لِكُلٍّ مِمَّا ذُكِرَ مِنْ الْمَعَانِي السَّابِقَةِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا كَوْنُهَا لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ فَفِي الْكَشَّافِ أَوَائِلَ الْبَقَرَةِ أَوْ فِي أَصْلِهَا مَوْضُوعَةٌ لِتَسَاوِي شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا فِي الشَّكِّ ثُمَّ اتُّسِعَ فِيهَا فَاسْتُعِيرَتْ لِلتَّسَاوِي فِي غَيْرِ الشَّكِّ ثُمَّ أَوْضَحَهُ بِالتَّمْثِيلِ لَهُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَعْنَاهَا الْحَقِيقِيَّ الشَّكُّ، وَأَنَّ كُلًّا مِنْ التَّخْيِيرِ، وَالْإِبَاحَةِ مَعْنًى مَجَازِيٌّ لَهَا، وَأَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ الْخَبَرِ بِالْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ فَقَطْ، وَفِي الْخَيْرِيَّةِ، وَبِالْحَقِيقِيِّ أَيْضًا، وَفِي الْمُفَصَّلِ أَنَّ كَلِمَةَ أَوْ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مُطْلَقًا، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَعْنَاهَا هَذَا يَعُمُّ جَمِيعَ مَوَارِدِهَا فِي الْإِنْشَاءِ، وَالْإِخْبَارِ، وَفِي أَنَّ " أَوْ " لِلتَّشْكِيكِ، وَالْإِبْهَامِ، وَالتَّخْيِيرِ، وَالْإِبَاحَةِ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا دَاخِلًا فِي مَفْهُومِهَا بَلْ يُسْتَفَادُ مِنْ مَوَاقِعِهَا فِي الْكَلَامِ بِاعْتِبَارِ السِّيَاقِ وَقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ، وَمَا اخْتَارَهُ فِي الْكَشَّافِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَبَادُرِ الشَّكِّ مِنْهَا فِي الْخَبَرِ، وَيُوَافِقُ مَا تَقَرَّرَ فِي مَعْنَى كَلَامِ الْمُفَصَّلِ قَوْلَ السَّعْدِ التَّفْتَازَانِيِّ فِي التَّلْوِيحِ فِي نَحْوِ جَالِسْ الْحَسَنَ أَوْ ابْنَ سِيرِينَ الْإِبَاحَةُ، وَالتَّخْيِيرُ قَدْ يُضَافَانِ إلَى صِيغَةِ الْأَمْرِ أَيْ: لِأَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ قَدْ تَأْتِي لِلْإِبَاحَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] وَقَدْ يُضَافَانِ إلَى كَلِمَةٍ " أَوْ " وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ كَلِمَةَ " أَوْ " لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ أَوْ الْأُمُورِ، وَأَنَّ جَوَازَ الْجَمِيعِ، وَامْتِنَاعَهُ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ مَحَلِّ الْكَلَامِ، وَدَلَالَةِ الْقَرَائِنِ اهـ. وَقَدْ حَرَّرَ ذَلِكَ الرَّضِيُّ أَتَمَّ تَحْرِيرٍ فَقَالَ: وَقَالُوا: إنَّ لِأَوْ إذَا كَانَ فِي الْخَبَرِ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ الشَّكُّ، وَالْإِبْهَامُ، وَالتَّفْصِيلُ، وَإِذَا كَانَ فِي الْأَمْرِ فَلَهُ مَعْنَيَانِ التَّخْيِيرُ، وَالْإِبَاحَةُ، الشَّكُّ إذَا أَخْبَرْت عَنْ أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ وَلَا تَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ، وَالْإِبْهَامُ إذَا عَرَفْته بِعَيْنِهِ وَتَقْصِدُ أَنْ تُبْهِمَ الْأَمْرَ عَلَى الْمُخَاطَبِ ثُمَّ قَالَ: وَالتَّفْصِيلُ إذَا لَمْ تَشُكَّ وَلَمْ تَقْصِدْ الْإِبْهَامَ إذَا عَرَفْته بِعَيْنِهِ، وَتَقْصِدُ أَنْ تُبْهِمَ الْأَمْرَ عَلَى الْمُخَاطَبِ ثُمَّ قَالَ: وَالتَّفْصِيلُ إذَا لَمْ تَشُكَّ وَلَمْ تَقْصِدْ الْإِبْهَامَ عَلَى السَّامِعِ كَقَوْلِك: هَذَا إمَّا أَنْ يَكُونَ جَوْهَرًا أَوْ عَرَضًا إذَا قَصَدْت الِاسْتِدْلَالَ عَلَى أَنَّهُ جَوْهَرٌ لَا غَيْرُ أَوْ عَلَى أَنَّهُ عَرَضٌ لَا غَيْرُ أَوْ عَلَى أَنَّهُ لَا هَذَا وَلَا ذَاكَ. ، وَأَمَّا فِي الْأَمْرِ فَإِنْ حَصَلَ لِلْمَأْمُورِ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ فَضِيلَةٌ، وَشَرَفٌ فِي الْغَالِبِ فَهِيَ لِلْإِبَاحَةِ نَحْوُ تَعَلَّمْ الْفِقْهَ أَوْ النَّحْوَ، وَإِلَّا فَهِيَ لِلتَّخْيِيرِ نَحْوُ اضْرِبْ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْإِبَاحَةَ يَجُوزُ فِيهَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ، وَالِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَفِي التَّخْيِيرِ يَتَحَتَّمُ أَحَدُهُمَا وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ هَذَا مَا قِيلَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ جَوَازَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فِي نَحْوِ تَعَلَّمْ الْعِلْمَ إمَّا النَّحْوَ أَوْ الْفِقْهَ لَمْ يُفْهَمْ مِنْ إمَّا، وَأَوْ بَلْ لَيْسَتَا إلَّا لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، وَإِنَّمَا اُسْتُفِيدَتْ الْإِبَاحَةُ مِمَّا قَبْلَ الْعَاطِفَةِ، وَمَا بَعْدَهَا مَعًا؛ لِأَنَّ تَعَلُّمَ الْعِلْمِ خَيْرٌ، وَزِيَادَةُ الْخَيْرِ خَيْرٌ بِدَلَالَةِ " أَوْ " وَأَمَّا فِي الْإِبَاحَةِ، وَالتَّخْيِيرِ، وَالشَّكِّ، وَالْإِبْهَامِ، وَالتَّفْصِيلِ عَلَى مَعْنَى أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ أَوْ الْأَشْيَاءِ عَلَى السَّوَاءِ وَهَذِهِ الْمَعَانِي تَعْرِضُ فِي الْكَلَامِ لَا مِنْ قِبَلِ " أَوْ " وَإِمَّا " بَلْ " مِنْ قِبَلِ أَشْيَاءَ أُخَرَ فَالشَّكُّ مِنْ قِبَلِ جَهْلِ الْمُتَكَلِّمِ، وَعَدَمِ قَصْدِهِ إلَى التَّفْصِيلِ، وَالْإِبْهَامِ، وَالتَّفْصِيلُ مِنْ حَيْثُ قَصْدُهُ إلَى ذَلِكَ، وَالْإِبَاحَةُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُ الْجَمْعِ تَحْصُلُ بِهِ فَضِيلَةٌ، وَالتَّخْيِيرُ

مِنْ حَيْثُ لَا يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّهَا فِي الِاسْتِفْهَامِ لَا تَحْتَمِلُ شَيْئًا مِنْ الْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ، وَفِي التَّمَنِّي يَجُوزُ فِيهِ الْجَمْعُ، وَفِي التَّحْضِيضِ، وَالْعَرْضِ كَالْأَمْرِ فِي الْإِبَاحَةِ، وَالتَّخْيِيرِ بِحَسَبِ الْقَرِينَةِ قَالَ وَلَمَّا كَثُرَ اسْتِعْمَالُ " أَوْ " فِي الْإِبَاحَةِ الَّتِي مَعْنَاهَا جَوَازُ الْجَمْعِ جَازَ اسْتِعْمَالُهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَمْثِلَةٍ ذَكَرَهَا: فَلَفْظَةُ " أَوْ " فِي جَمِيعِ الْأَمْثِلَةِ مُوجِبَةً كَانَتْ أَوْ لَا؟ مُفِيدَةٌ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ أَوْ الْأَشْيَاءِ ثُمَّ قَالَ: فَلَمْ تَخْرُجْ " أَوْ " عَنْ مَعْنَى الْوَحْدَةِ الَّتِي هِيَ مَوْضُوعَةٌ لَهُ اهـ. وَإِذَا تَأَمَّلْت كَلَامَهُ هَذَا الْمُوَافِقَ لِمَا مَرَّ عَنْ التَّلْوِيحِ، وَالْمُفَصَّلِ مِنْ أَنَّ " أَوْ " إنَّمَا هِيَ مَوْضُوعَةٌ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ مَوَاضِعِهَا بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ لِمَعْنَى الْوَحْدَةِ فَهِيَ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ أَوْ الْأُمُورِ، وَجَوَازُ الْجَمْعِ، وَامْتِنَاعُهُ إنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ مَحَلِّ الْكَلَامِ، وَدَلَالَةِ الْقَرَائِنِ كَمَا بَيَّنَهُ الرَّضِيُّ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فِي التَّحْقِيقِ كَمَا يَظْهَرُ بِتَأَمُّلِهِ عَلِمْت اتِّجَاهَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ أَوْصَيْت بِهَذَا لِزَيْدٍ أَوْ عَمْرٍو بَاطِلٌ كَقَوْلِهِ: لِأَحَدِ هَذَيْنِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ مَعْنَى " أَوْ " وَمَعْنَى أَحَدٍ مُتَقَارِبَانِ بَلْ مُتَّحِدَانِ بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ فِي أَوْ، وَإِذَا بَانَ أَنَّ قَوْلَهُ: " فَالْوَصِيَّةُ بِهَا لِعَقِبِي أَوْ عَقِبِهِ " لَغْوٌ بَاطِلٌ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ قَوْلَهُ " فَإِنْ انْقَرَضُوا فَالْمُرَجَّحُ خِزَانَةُ الْمَغَارِبَةِ " بَاطِلٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُفَرَّعَ عَلَى الْبَاطِلِ بَاطِلٌ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْوَقْفِ قَبُولُ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ فَإِنْ رُدَّ الْبَطْنُ الْأَوَّلُ بَطَلَ الْوَقْفُ قَطْعًا كَالْوَصِيَّةِ، وَالْوَكَالَةِ اهـ. وَأَيْضًا فَالْمَعْطُوفُ عَلَى الْبَاطِلِ بَاطِلٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ قَالَ: نِسَاءُ الْعَالَمِينَ طَوَالِقُ، وَأَنْتَ يَا زَوْجَتِي طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: فَإِنْ انْقَرَضُوا إلَخْ إمَّا مُفَرَّعٌ أَوْ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ، وَهُوَ بَاطِلٌ، فَيَكُونُ هُوَ بَاطِلًا أَيْضًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا كَانَ لِأَيْتَامٍ قَاصِرِينَ مَالٌ صَارَ إلَيْهِمْ مِنْ وَالِدِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَاجِزٌ شَرْعِيٌّ بِوِصَايَةٍ مِنْ وَالِدِهِمْ وَلَا بِإِقَامَةٍ مِنْ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ فَبَاعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ أَخُوهُمْ الْأَكْبَرُ الْمُتَوَلِّي لِأَمْرِهِمْ الذَّابُّ عَنْهُمْ بِطَرِيقِ الْحِمَايَةِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْخِلَالَةِ، وَالْحُنُوِّ، وَالشَّفَقَةِ، وَاشْتَرَى ذَلِكَ مِنْهُ إنْسَانٌ آخَرُ بِثَمَنٍ اتَّفَقَا عَلَيْهِ، وَاعْتَرَفَ الْبَائِعُ الْمُشَارُ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّهُ قَبَضَ الثَّمَنَ مِنْ الْمُشْتَرِي بِتَمَامِهِ وَكَمَالِهِ مِنْ غَيْرِ حِيلَةٍ فِي ذَلِكَ قَبْضًا صَحِيحًا شَرْعِيًّا مُبَرِّئًا لِذِمَّةِ الْمُشْتَرِي مِنْ جَمِيعِ الثَّمَنِ، وَمِنْ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ بَرَاءَةً صَحِيحَةً شَرْعِيَّةً بَرَاءَةَ قَبْضٍ بِطَرِيقِ الْوِصَايَةِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى إخْوَتِهِ الْمَذْكُورِينَ مِنْ وَالِدِهِمْ، وَبِأَنَّ الثَّمَنَ الْمَعْقُودَ بِهِ ثَمَنُ الْمِثْلِ لِذَلِكَ، وَبِأَنَّ لِلْأَيْتَامِ الْمَذْكُورِينَ الْحَظَّ، وَالْمَصْلَحَةَ، وَالْغِبْطَةَ فِي بَيْعِ ذَلِكَ بِالثَّمَنِ الْمَذْكُورِ حَسْبَمَا اعْتَرَفَ الْبَائِعُ الْمَذْكُورُ بِذَلِكَ رِعَايَةً لِمَا يَظْهَرُ بِهِ صِحَّةُ الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ كَمَا جَرَتْ عَادَةُ الْمُوَثِّقِينَ بِاسْتِرْعَاءِ مِثْلِ ذَلِكَ، وَتَسْطِيرِهِ فِي الْوَثَائِقِ رِعَايَةً لِمَا سَبَقَ ذِكْرُهُ، وَثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ شَافِعِيٍّ، وَحَكَمَ بِمُوجِبِهِ ثُمَّ تُوُفِّيَ الْمُشْتَرِي عَنْ وَرَثَةٍ مُسْتَوْعِبِينَ لِمِيرَاثِهِ شَرْعًا ثُمَّ ادَّعَى الْأَيْتَامُ الْمَبْيُوعُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ بُلُوغِهِمْ، وَرُشْدِهِمْ أَنَّ الْبَيْعَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَطَالَبُوا وَرَثَةَ الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ الْمَذْكُورِ لِكَوْنِ الْبَيْعِ وَقَعَ مِنْ غَيْرِ ثُبُوتِ مُسَوِّغَاتِهِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي مِنْهَا كَوْنُ الْبَائِعِ وَصِيًّا أَوْ قَيِّمًا، وَمِنْهَا وُجُودُ الْحَظِّ، وَالْمَصْلَحَةِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَمِنْهَا أَنَّ الثَّمَنَ ثَمَنُ الْمِثْلِ لِذَلِكَ، وَإِنَّمَا عُوِّلَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى اعْتِرَافِ الْبَائِعِ بِهِ عَلَى الصُّورَةِ الْمَشْرُوحَةِ أَعْلَاهُ وَلَمْ يُصْدَرْ إذْنٌ مِنْ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ فِي بَيْعِ ذَلِكَ فَهَلْ دَعْوَى الْأَيْتَامِ، وَمُطَالَبَتُهُمْ بِمَا ذُكِرَ مَسْمُوعَةٌ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يَكْفِي لِصِحَّةِ الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ اعْتِرَافُ الْبَائِعِ بِالْمُسَوِّغَاتِ الْمَذْكُورَةِ أَمْ لَا وَإِذَا لَمْ تَجِدْ وَرَثَةُ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً شَرْعِيَّةً تَشْهَدُ بِأَنَّ الْبَائِعَ كَانَ حِينَ الْبَيْعِ وَصِيًّا أَوْ قَيِّمًا مَثَلًا وَبِوُجُودِ بَقِيَّةِ الْمُسَوِّغَاتِ الشَّرْعِيَّةِ إذْ ذَاكَ فَهَلْ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْبَيْعِ، وَبَقَاءُ الْمَبِيعِ فِي مِلْكِ الْأَيْتَامِ، وَاسْتِحْقَاقُهُمْ لِانْتِزَاعِ ذَلِكَ مِنْ وَرَثَةِ الْمُشْتَرِي أَمْ لَا؟ ، وَإِذَا تَبَيَّنَ ذَلِكَ، وَانْتَزَعَ الْأَيْتَامُ الْمَبِيعَ الْمَذْكُورَ بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ بِمَسْطُورٍ، وَأَرَادَ وَرَثَةُ الْمُشْتَرِي الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ صَدَّقَ الْأَيْتَامُ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ، وَطَالَبُوا بِالثَّمَنِ فَادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّ اعْتِرَافَهُ بِقَبْضِ الثَّمَنِ لَمْ يَكُنْ عَنْ قَبْضٍ حَقِيقَةً، وَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَدْفَعْ لَهُ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ، وَأَنَّ الثَّمَنَ

بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي إلَى الْآنَ فَهَلْ دَعْوَاهُ بِذَلِكَ مَسْمُوعَةٌ لِتَحْلِيفِ وَرَثَةِ الْمُشْتَرِي أَمْ لَا؟ وَإِذَا قُلْتُمْ: نَعَمْ فَهَلْ يُقْبَلُ جَوَابُ وَرَثَةِ الْمُشْتَرِي عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْأَيْتَامَ لَا يَسْتَحِقُّونَ عَلَيْنَا شَيْئًا مِنْ هَذَا الثَّمَنِ أَوْ لَا نَعْلَمُ اسْتِحْقَاقَهُمْ عَلَيْنَا بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الثَّمَنِ أَوْ أَنَّ مُوَرِّثَنَا تُوُفِّيَ وَلَمْ يَبْقَ فِي ذِمَّتِهِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الثَّمَنِ، وَالْحَالُ أَنَّهُمْ يُصَدَّقُونَ عَلَى شِرَاءِ مُوَرِّثِهِمْ لِلْمَبِيعِ الْمَذْكُورِ مِنْ الْبَائِعِ الْمَذْكُورِ بِالثَّمَنِ الْمَذْكُورِ، وَإِذَا قُلْتُمْ: لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَمَاذَا يَكُونُ كَيْفِيَّةُ يَمِينِ وَرَثَةِ الْمُشْتَرِي الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الدَّعْوَى الْمَذْكُورَةِ وَهَلْ هِيَ عَلَى الْبَتِّ بِأَنَّ اعْتِرَافَ الْبَائِعِ بِالْقَبْضِ كَانَ بَعْدَ وُجُودِ حَقِيقَةِ قَبْضِهِ لِلثَّمَنِ أَوْ بِأَنَّ مُوَرِّثَهُمْ دَفَعَ الثَّمَنَ كُلَّهُ لِلْبَائِعِ أَوْ هِيَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ أَيْ: بِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ الِاعْتِرَافَ عَنْ غَيْرِ حَقِيقَةِ الْقَبْضِ أَوْ لَا يَعْلَمُونَ بَقَاءَ الثَّمَنِ فِي ذِمَّةِ مُوَرِّثِهِمْ، وَمَا حُكْمُ اللَّهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى مَذْهَبِ الْحَاكِمِ الشَّافِعِيِّ الْمُثْبِتِ لِمَضْمُونِ الْمَكْتُوبِ الْمَذْكُورِ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ، وَابْسُطُوا لَنَا الْجَوَابَ، وَأَوْضِحُوهُ أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ آمِينَ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَمَّا دَعْوَى الْأَيْتَامِ الْمَذْكُورِينَ، وَمُطَالَبَتُهُمْ بِمَا ذُكِرَ فَمَمْنُوعَةٌ وَلَا يَكْفِي لِصِحَّةِ الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ اعْتِرَافُ الْبَائِعِ بِالْمُسَوِّغَاتِ الْمَذْكُورَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهَا بِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِجَمِيعِهَا مُفَصَّلَةً مِنْ أَنَّ الْبَائِعَ وَصِيٌّ أَوْ قَيِّمٌ مِنْ جِهَةِ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ، وَأَنَّ الْبَيْعَ بِثَمَنِ الْمِثْلِ، وَأَنَّ فِيهِ مَصْلَحَةً لِلْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الشَّاهِدِ لِوَجْهِ الْمَصْلَحَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا مُوَافِقًا لِلْقَاضِي عَلَى الْأَوْجَهِ أَوْ بِاعْتِرَافِ الْمُدَّعِينَ بَعْدَ بُلُوغِهِمْ، وَرُشْدِهِمْ بِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ فَإِنْ وُجِدَتْ بَيِّنَةٌ أَوْ اعْتِرَافٌ كَمَا ذُكِرَ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ، وَإِلَّا فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَا نَظَرَ لِحُكْمِ الْقَاضِي الْمَذْكُورِ فِي السُّؤَالِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا حَكَمَ بِمُوجِبِ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ إقْرَارِ الْبَائِعِ، وَمُوجِبُهُ الصِّحَّةُ إنْ ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَإِلَّا فَالْبُطْلَانُ، وَإِذَا بَانَ بُطْلَانُ الْبَيْعِ فَالْمَبِيعُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْأَيْتَامِ، فَيَنْزِعُونَهُ مِنْ وَرَثَةِ الْمُشْتَرِي، وَيَرْجِعُونَ عَلَيْهِمْ بِأَرْشِ عَيْبٍ حَدَثَ فِي الْمَبِيعِ بَعْدَ قَبْضِ مُوَرِّثِهِمْ إلَى حِينِ انْتِزَاعِهِ مِنْهُمْ، وَبِأُجْرَةِ الْمَبِيعِ تِلْكَ الْمُدَّةَ إنْ صَلَحَ أَنْ يُؤَجَّرَ، وَإِنْ لَمْ يُسْتَعْمَلْ وَلَا كَانَ مُعَدًّا لِلِاسْتِعْمَالِ، وَبِأَقْصَى مَا تَلِفَ مِنْهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ بِزَوَائِدِهِ الْمُنْفَصِلَةِ كَالْوَلَدِ، وَاللَّبَنِ، وَغَيْرِهِمَا وَلَا رُجُوعَ لِلْوَرَثَةِ عَلَى الْأَيْتَامِ بِمَا أَنْفَقُوا عَلَى الْمَبِيعِ نَعَمْ يَرْجِعُونَ عَلَى الْبَائِعِ بِمَا غَرِمُوهُ لِلْأَيْتَامِ مِنْ أُجْرَةِ مَنَافِعَ، وَفَوَائِدَ لَمْ يَسْتَوْفُوهَا هُمْ وَلَا مُوَرِّثُهُمْ بِخِلَافِ مَا غَرِمُوهُ مِنْ بَدَلِ مَا اسْتَوْفَوْهُ مِنْهَا فَلَا رُجُوعَ لَهُمْ بِهِ عَلَى أَحَدٍ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ عَادَتْ إلَيْهِمْ؛ وَلِأَنَّهُمْ الْمُبَاشِرُونَ لَا لِلْإِضَافَةِ ثُمَّ بَعْدَ انْتِزَاعِ الْمَبِيعِ مِنْ وَرَثَةِ الْمُشْتَرِي بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي تَقَرَّرَ لِلْوَرَثَةِ الرُّجُوعُ عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ الَّذِي اعْتَرَفَ بِقَبْضِهِ مِنْ مُوَرِّثِهِمْ، وَأَمَّا إذَا صَدَّقَ الْأَيْتَامُ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ، وَأَنَّ الْبَائِعَ وَلِيُّهُمْ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِمْ بِقَبْضِ الثَّمَنِ، فَيَرْجِعُونَ بِهِ عَلَيْهِ لَا عَلَى وَرَثَةِ الْمُشْتَرِي وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ لَمْ يَكُنْ إقْرَارِي عَنْ حَقِيقَةٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَفِي الصُّورَتَيْنِ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ عَلَى وَرَثَةِ الْمُشْتَرِي بِمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ لِتَحْلِيفِهِمْ. نَعَمْ إنْ كَانَتْ صِفَةُ إقْرَارِهِ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ مِنْ أَنَّهُ أَقَرَّ بِقَبْضِ الثَّمَنِ بِكَمَالِهِ مِنْ غَيْرِ حِيلَةٍ فِي ذَلِكَ قَبْضًا صَحِيحًا شَرْعِيًّا مُبَرِّئًا لِذِمَّةِ الْمُشْتَرِي مِنْ جَمِيعِ الثَّمَنِ، وَمِنْ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ، وَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ تَلَفَّظَ بِجَمِيعِ مَا ذَكَرَ أَوْ بِبَعْضِهِ الْمُؤَدِّي مَعْنَاهُ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّا إنَّمَا قَبِلْنَا دَعْوَاهُ لِعَدَمِ الْقَبْضِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ أَقَرَّ بِهِ كَمَلًا وَلِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّ الْوَثَائِقَ يُشْهَدُ عَلَيْهَا قَبْلَ تَحْقِيقِ مَا فِيهَا وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى مَعَ قَوْلِهِ: مِنْ غَيْرِ حِيلَةٍ فِي ذَلِكَ إلَخْ لِتَحْلِيفِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَادُ فِي الْإِقْرَارِ عَنْ غَيْرِ حَقِيقَةٍ أَنْ يُذْكَرَ فِيهِ ذَلِكَ فَلَا نَظَرَ لِهَذِهِ الدَّعْوَى، وَإِنْ كَانَتْ مُمْكِنَةً لِمُخَالَفَتِهَا لِلْعَادَةِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُ: لَوْ أَقَرَّ بِإِتْلَافِ مَالٍ ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدْت عَازِمًا عَلَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْتَادُ أَيْ: وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا، وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَا ذُكِرَ لَا يُنَافِي تَرْجِيحَ الْأَذْرَعِيِّ، وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِقَبْضٍ مُمْكِنٍ ثُمَّ قَالَ: أَقْرَرْت بَاطِلًا قُبِلَتْ دَعْوَاهُ لِتَحْلِيفِ الْمُقَرِّ لَهُ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لِإِقْرَارِهِ تَأْوِيلًا، وَلَوْ كَانَ الْإِقْرَارُ بِذَلِكَ بَعْدَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي خِلَافًا لِلْقَفَّالِ، وَإِنْ قَالَ: إنَّهُ لَا يَكَادُ يُقِرُّ عِنْدَ الْقَاضِي إلَّا عَنْ تَحْقِيقٍ لِشُمُولِ

الْإِمْكَانِ لِذَلِكَ هَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَتْ الْعَادَةُ مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ لَا يَقَعُ مَعَ عَدَمِ مُطَابَقَتِهِ لِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ مُعْتَادٌ قُبِلَتْ دَعْوَاهُ لِلتَّحْلِيفِ، وَلَوْ مَعَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَمَّا إذَا لَمْ يَشْهَدْ الشُّهُودُ عَلَى الْمُقِرِّ بِأَنَّهُ تَلَفَّظَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ فَلَا عِبْرَةَ بِوُقُوعِهَا فِي خَطِّهِمْ، وَتُقْبَلُ دَعْوَى الْمُقَرِّ لَهُ لِتَحْلِيفِ الْوَرَثَةِ مُطْلَقًا ثُمَّ لَا بُدَّ فِي جَوَابِهِمْ، وَحَلِفِهِمْ مِنْ مُطَابَقَتِهِمَا لِلدَّعْوَى فَإِنْ كَانَتْ بِصِيغَةِ إنَّ إقْرَارِي بِالْقَبْضِ بَاطِلٌ كَانَ الْحَلِفُ بِصِيغَةِ إنَّ إقْرَارَهُ بِالْقَبْضِ صَحِيحٌ أَوْ بِصِيغَةِ إنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَدْفَعْ لِي شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ كَانَتْ الْيَمِينُ بِصِيغَةِ أَنَّ مُوَرِّثِي دَفَعَ لَك الثَّمَنَ جَمِيعَهُ أَوْ بِصِيغَةِ إنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ إقْرَارِي لَمْ يَكُنْ عَنْ حَقِيقَةٍ كَانَتْ الْيَمِينُ بِصِيغَةِ لَا نَعْلَمُ أَنَّ إقْرَارَك عَنْ غَيْرِ حَقِيقَةٍ، وَيُقَاسُ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الصُّوَرِ مَا فِي مَعْنَاهَا وَأَصْلُ ذَلِكَ قَوْلُ الْأَصْحَابِ: لَا بُدَّ فِي الْيَمِينِ، وَالْجَوَابِ مِنْ مُطَابَقَتِهِمَا لِلدَّعْوَى وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْيَمِينَ فِي كُلِّ إثْبَاتٍ، وَفِي كُلِّ نَفْيٍ فُعِلَ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مَمْلُوكِهِ الَّذِي فِي يَدِهِ يَكُونُ عَلَى الْبَتِّ، وَفِي نَفْيِ فِعْلِ غَيْرِهِ يَكُونُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ اهـ. وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلْتُ) عَمَّنْ قَرَأَ وَهَلَّلَ مَثَلًا وَأَذِنَ لِآخَرَ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ أَنْ يُوصِلَ ثَوَابَ ذَلِكَ إلَى فُلَانٍ مَا الْحُكْمُ حِينَئِذٍ أَوْ قَرَأَ مَثَلًا وَدَعَا بِإِيصَالِ ثَوَابِ ذَلِكَ لِحَيٍّ مَا حُكْمُهُ، وَمَا حَقِيقَةُ الثَّوَابِ الْوَاصِلِ لِلْمَيِّتِ. (فَأَجَبْت) بِقَوْلِي الدُّعَاءُ لِلْغَيْرِ الْحَيِّ أَوْ الْمَيِّتِ بِثَوَابِ الدَّاعِي أَوْ غَيْرِهِ الْآذِنِ لَهُ لَا يَنْبَغِي فَإِنَّ ثَوَابَ الْإِنْسَانِ لَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ بِالدُّعَاءِ، فَيَكُونُ الدُّعَاءُ بِذَلِكَ مُخَالِفًا لِلْوَاقِعِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ أَمَّا الدُّعَاءُ بِحُصُولِ مِثْلِ ذَلِكَ الثَّوَابِ لِلْغَيْرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الدُّعَاءِ لِلْأَخِ الْمُسْلِمِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، وَالْأَحَادِيثُ دَالَّةٌ عَلَى قَبُولِهِ بِهَذَا، وَغَيْرِهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَحْذُورٌ فَلَمْ يَكُنْ لِامْتِنَاعِهِ وَجْهٌ بَلْ لَوْ ذَكَرَ الدَّاعِي الثَّوَابَ، وَمُرَادُهُ مِثْلُهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ امْتِنَاعٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ إضْمَارَ مِثْلِ فِي نَحْوِ ذَلِكَ سَائِغٌ شَائِعٌ ذَائِعٌ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ قَالَ: أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِنَصِيبِ ابْنِي صَحَّ، وَأُعْطِيَ مِثْلَ نَصِيبِ ابْنِهِ بِشَرْطِ رِعَايَتِهِ لِمَعْنَى الْمِثْلِيَّةِ الْمُتَبَادَرِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ،، وَحَقِيقَةُ الثَّوَابِ الْوَاصِلِ لِلْمَيِّتِ: هِيَ كُلُّ مُلَائِمٍ وَاصِلٍ لِلرُّوحِ مِنْ نَعِيمِهَا بِالْمَعَارِفِ الْإِلَهِيَّةِ، وَالْمَوَاهِبِ الِاخْتِصَاصِيَّةِ، وَالتَّمَكُّنِ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ، وَالتَّمَلِّي بِمَا شَاهَدَتْهُ مِنْهَا، وَمَجِيءِ رِزْقِهَا إلَيْهَا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ أَوْ فِيهَا، وَهِيَ بِقِبَابٍ نَحْوِ اللُّؤْلُؤِ أَوْ بِخِيَامِهِ أَوْ بِأَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ الْمَقَامَاتِ، وَالْعِنَايَاتِ ثُمَّ الْمُتَنَعِّمُ بِهَذَا النَّعِيمِ الْأَرْفَعِ الْأَوْسَعِ الْأَكْمَلِ الْأَفْضَلِ هُوَ الرُّوحُ بِطَرِيقِ الذَّاتِ، وَأَمَّا الْجَسَدُ فَهُوَ، وَإِنْ كَانَ بِالْبَرْزَخِ يَحْصُلُ لَهُ بَعْضُ آثَارِهِ؛ لِأَنَّهُ فِيهِ يُحِسُّ بِالنَّعِيمِ، وَضِدِّهِ فَلِلرُّوحِ مِنْ الثَّوَابِ أَعْلَاهُ وَلِلْجَسَدِ مِنْهُ أَدْنَاهُ، وَسِرُّهُ أَنَّ حَقِيقَةَ الْمَعْرِفَةِ، وَالتَّوْحِيدِ، وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ الْبَاطِنَةِ - وَالْمَدَارُ لَيْسَ إلَّا عَلَيْهَا - إنَّمَا يَنْشَأُ عَنْ الرُّوحِ فَاسْتَحَقَّتْ أَكْمَلَ الثَّوَابِ، وَأَفْضَلَهُ، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الطَّاعَاتِ الظَّاهِرَةِ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا كَالتَّبَعِ، وَالْقَائِمُ بِهِ الْبَدَنُ فَاسْتَحَقَّ مِنْ الثَّوَابِ أَدْنَاهُ وَلَا يُسْتَبْعَدُ إدْرَاكُهُ لَهُ مَعَ كَوْنِهِ جَمَادًا لَا رُوحَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَالْجَمَادِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ لَهُ نَوْعُ إدْرَاكٍ؛ لِأَنَّ الرُّوحَ، وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً عَنْهُ - إذْ أَرْوَاحُ الْمُؤْمِنِينَ فِي عِلِّيِّينَ، وَأَرْوَاحُ الْكُفَّارِ فِي سِجِّينٍ - لَكِنْ لَهَا اتِّصَالٌ بِالْبَدَنِ كَمَا أَنَّ الشَّمْسَ بِالسَّمَاءِ الرَّابِعَةِ وَلَهَا اتِّصَالٌ، وَشُعَاعٌ، وَإِنَارَةٌ، وَنَفْعٌ عَامٌّ بِالْأَرْضِ فَبِذَلِكَ الِاتِّصَالِ الْوَاصِلِ إلَى الْبَدَنِ مِنْ الرُّوحِ صَارَ لِلْبَدَنِ نَوْعُ إحْسَاسٍ، وَإِدْرَاكٍ فَأَحَسَّ بِالنَّعِيمِ، وَنَضْرَتِهِ، وَابْتَهَجَ بِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ شُهُودِهِ، وَمَسَرَّتِهِ (وَسُئِلَ) سُؤَالًا صُورَتُهُ قَدْ وَقَعَ الطَّاعُونُ عِنْدَنَا بِأَرْضِ الْيَمَنِ وَأَهْلُ الْيَمَنِ يَفِرُّونَ مِنْهُ، وَيَقُولُونَ إنَّهُ عَدْوَى فَهَلْ هُوَ عَدْوَى أَوْ لَا؟ ، وَأَنَّا رَأَيْنَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ كَلَامًا فِي الطَّاعُونِ، وَفِي إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ، وَنَحْنُ نُرِيدُ الزِّيَادَةَ مِنْكُمْ فَالْمَسْئُولُ مِنْكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا لَنَا مَا يَحْضُرُكُمْ مِنْ ذَلِكَ فِي بَيَانِ الطَّاعُونِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَتَّى نَعِظَ بِهِ أَهْلَ الْبَلَدِ، وَالْمَسْئُولُ مِنْكُمْ بَسْطُ ذَلِكَ جَزَاكُمْ اللَّهُ خَيْرًا. (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْكَلَامَ عَلَى الطَّاعُونِ مَثَلًا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَثِيرٌ، وَمِنْ ثَمَّ أُفْرِدَ بِتَآلِيفَ فَلْنُشِرْ هُنَا إلَى مُلَخَّصِهَا، وَهِيَ تَنْحَصِرُ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا الْكَلَامُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَقَدْ صَحَّ عَنْ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «فَنَاءُ أُمَّتِي بِالطَّعْنِ

وَالطَّاعُونِ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الطَّعْنُ قَدْ عَرَفْنَاهُ فَمَا الطَّاعُونُ قَالَ: وَخْزُ أَعْدَائِكُمْ مِنْ الْجِنِّ، وَفِي كُلٍّ شَهَادَةٌ» ، وَفِي رِوَايَةٍ «وَهُوَ شَهَادَةٌ لِلْمُسْلِمِ. » وَوَرَدَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - بِسَنَدٍ حَسَنٍ «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الطَّاعُونِ فَقَالَ: غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْإِبِلِ، الْمُقِيمُ فِيهِ كَالشَّهِيدِ، وَالْفَارُّ مِنْهُ كَالْفَارِّ مِنْ الزَّحْفِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ «شِبْهُ الدُّمَّلِ يَخْرُجُ فِي الْآبَاطِ، وَالْمَرَاقِّ، وَفِيهِ تَزْكِيَةُ أَعْمَالِكُمْ، وَهُوَ لِكُلِّ مُسْلِمٍ شَهَادَةٌ» ، وَفِي أُخْرَى «الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِأُمَّتِي، وَوَخْزُ أَعْدَائِكُمْ مِنْ الْجِنِّ يَخْرُجُ فِي الْآبَاطِ، وَالْمَرَاقِّ، الْفَارُّ مِنْهُ كَالْفَارِّ مِنْ الزَّحْفِ، وَالصَّابِرُ فِيهِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» وَكَوْنُهُ يَخْرُجُ فِي الْآبَاطِ، وَالْمَرَاقِّ هُوَ الْغَالِبُ فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهِمَا وَقَدْ يَخْرُجُ فِي الْأَيْدِي، وَالْأَصَابِعِ كَمَا وَقَعَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ لَمَّا رَوَى حَدِيثَ الطَّاعُونِ دَعَا لِنَفْسِهِ وَلِأَهْلِ بَيْتِهِ بِالْحَظِّ الْأَوْفَرِ مِنْهُ فَطُعِنُوا، وَمَاتُوا، وَطُعِنَ هُوَ فِي أُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ فَكَانَ يَقُولُ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهَا حُمُرَ النَّعَمِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ: النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ الطَّاعُونُ مَرَضٌ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ بَثْرٌ، وَوَرَمٌ مُؤْلِمٌ جِدًّا يَخْرُجُ مِنْهُ لَهِيبٌ، وَيَسْوَدُّ مَا حَوَالَيْهِ أَوْ يَخْضَرُّ أَوْ يَحْمَرُّ حُمْرَةً بَنَفْسَجِيَّةً كَدِرَةً، وَيَحْصُلُ مَعَهُ خَفَقَانُ الْقَلْبِ، وَالْقَيْءُ، وَيَخْرُجُ فِي الْمَرَاقِّ، وَالْآبَاطِ غَالِبًا اهـ. وَقَالَ: مُحَقِّقُو الْأَطِبَّاءِ: الطَّاعُونُ مَادَّةٌ سُمِّيَّةٌ تُحْدِثُ وَرَمًا قَتَّالًا يَحْدُثُ فِي الْمَوَاضِعِ الرِّخْوَةِ، وَالْمَغَابِنِ مِنْ الْبَدَنِ، وَأَغْلَبُ مَا يَكُونُ تَحْتَ الْإِبْطِ، وَخَلْفَ الْأُذُنِ أَوْ عِنْدَ الْأَرْنَبَةِ، وَسَبَبُهُ دَمٌ رَدِيءٌ مَائِلٌ إلَى الْعُفُونَةِ، وَالْفَسَادِ، فَيَسْتَحِيلُ إلَى جَوْهَرٍ سُمَيٍّ يُفْسِدُ الْعُضْوَ، وَيُغَيِّرُ مَا يَلِيه، وَيُؤَدِّي إلَى الْقَلْبِ كَيْفِيَّةً رَدِيئَةً فَيُحْدِثُ الْقَيْءَ، وَالْغَثَيَانَ، وَالْغَشْيَ، وَالْخَفَقَانَ، وَهُوَ لِرَدَاءَتِهِ لَا يَقْبَلُ مِنْ الْأَعْضَاءِ إلَّا مَا كَانَ أَضْعَفَ بِالطَّبْعِ، وَأَرْدَؤُهُ مَا يَقَعُ فِي الْأَعْضَاءِ الرَّئِيسِيَّةِ، وَالْأَسْوَدُ مِنْهُ قَلَّ مَنْ يَسْلَمُ مِنْهُ، وَأَسْلَمُهُ الْأَحْمَرُ ثُمَّ الْأَصْفَرُ، وَتَكْثُرُ الطَّوَاعِينُ عِنْدَ الْوَبَاءِ، وَفِي الْبِلَادِ الْوَبِيَّةِ، وَمِنْ ثَمَّ أُطْلِقَ عَلَى الطَّاعُونِ وَبَاءٌ، وَعَكْسُهُ، وَأَمَّا الْوَبَاءُ فَهُوَ فَسَادُ جَوْهَرِ الْهَوَاءِ الَّذِي هُوَ مَادَّةُ الرُّوحِ، وَمَدَدُهُ اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الطَّاعُونَ أَخَصُّ مِنْ الْوَبَاءِ مُطْلَقًا فَكُلُّ طَاعُونٍ وَبَاءٌ وَلَا عَكْسَ، وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي عِيَاضٌ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ وَجَزَمَ بِهِ آخَرُونَ، وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ صَحَّ أَنَّ الْمَدِينَةَ لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَصَحَّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا أَوْبَى أَرْضِ اللَّهِ، وَعَنْ بِلَالٍ أَنَّهَا أَرْضُ الْوَبَاءِ، فَيَلْزَمُ أَنَّ الطَّاعُونَ غَيْرُ الْوَبَاءِ، وَإِلَّا تَعَارَضَ الْحَدِيثَانِ فَقَوْلُ ابْنِ الرَّتِّيِّ أَنَّهُ هُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَإِنَّمَا تُجُوِّزَ عَنْهُ بِهِ لِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا يَنْشَأُ عَنْهُ كَثْرَةُ الْمَوْتِ، وَيُفَارِقُهُ بِخُصُوصِ سَبَبِهِ، وَهُوَ كَوْنُهُ مِنْ طَعْنِ الْجِنِّ، وَالْوَبَاءُ إنَّمَا هُوَ لِفَسَادِ الْهَوَاءِ الَّذِي يَنْشَأُ عَنْهُ عُمُومُ الْأَمْرَاضِ وَلَا يُنَافِي كَوْنُ سَبَبِ الطَّاعُونِ طَعْنُ الْجِنِّ مَا مَرَّ عَنْ الْأَطِبَّاءِ مِنْ أَنَّهُ يَنْشَأُ عَنْ مَادَّةٍ سُمِّيَّةٍ أَوْ هَيَجَانِ الدَّمِ، وَانْصِبَابِهِ إلَى عُضْوٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لِجَوَازِ أَنَّ ذَلِكَ يَحْدُثُ عِنْدَ الطَّعْنَةِ الْبَاطِنَةِ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا الصَّادِقُ فَتَكَلَّمُوا عَلَى مَا ظَهَرَ بِحَسَبِ قَوَاعِدِهِمْ دُونَ مَا بَطَنَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ قِيلَ: وَقَدْ يَنْشَأُ الطَّاعُونُ عَنْ فَسَادِ الْهَوَاءِ وَهَذَا قَوْلٌ مُزَيَّفٌ كَمَا بَيَّنَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي هَدْيِهِ بِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا أَنَّهُ يَقَعُ فِي أَعْدَلِ الْفُصُولِ، وَفِي أَصَحِّ الْبِلَادِ هَوَاءً، وَأَطْيَبِهَا مَاءً وَبَاءٌ لَا يَعُمُّ النَّاسَ، وَلَوْ كَانَ مِنْ الْهَوَاءِ لَعَمَّ بَلْ قَدْ يُفْنِي أَهْلَ بَيْتٍ وَلَا يَدْخُلُ بَيْتًا يُجَاوِرُهُمْ، وَبِأَنَّهُ قَدْ يَقِلُّ عِنْدَ فَسَادِ الْهَوَاءِ، وَيَكْثُرُ عِنْدَ اعْتِدَالِهِ، وَبِأَنَّ كُلَّ دَاءٍ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ الطَّبِيعِيَّةِ لَهُ دَوَاءٌ مِنْ الْأَدْوِيَةِ الطَّبِيعِيَّةِ عَلَى مَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ «مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ» وَالطَّاعُونُ بِاعْتِرَافِ حُذَّاقِ الْأَطِبَّاءِ لَا دَوَاءَ لَهُ وَلَا دَافِعَ لَهُ إلَّا الَّذِي خَلَقَهُ وَقَدَّرَهُ ثُمَّ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَنَاءُ أُمَّتِي بِالطَّعْنِ، وَالطَّاعُونِ» مَعْنَاهُ الطَّلَبُ لِمَا فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فَنَاءَ أُمَّتِي بِالطَّاعُونِ» ، وَفِي رِوَايَةٍ «اللَّهُمَّ اجْعَلْ فَنَاءَ أُمَّتِي قَتْلًا فِي سَبِيلِك بِالطَّعْنِ، وَالطَّاعُونِ» وَقِيلَ: إنَّهُ عَلَى الْخَبَرِ لَا الدُّعَاءِ أَيْ: الْغَالِب عَلَى فَنَاءِ الْأُمَّةِ الْفِتَنُ الَّتِي تُسْفَكُ فِيهَا الدِّمَاءُ، وَالْوَبَاءُ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ أَكْثَرَ الْأُمَّةِ يَمُوتُونَ بِغَيْرِ هَذَيْنِ فَقَدْ أَخْطَأَ بَلْ أَكْثَرُهُمْ يَمُوتُونَ بِهِمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الْأَثِيرِ

وَاسْتَدَلَّ غَيْرُهُ بِالِاسْتِقْرَاءِ عَلَى أَنَّ مَنْ يَمُوتُ بِالطَّاعُونِ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَمُوتُ فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الطَّاعُونِ الْآخَرِ فَكَيْفَ إذَا انْضَمَّ لِذَلِكَ الْقَتْلُ الْحَاصِلُ فِي الْجِهَادِ، وَفِي الْفِتَنِ الَّتِي لَا تَنْقَطِعُ وَلَا تُحْصَى كَثْرَةً، وَعُمُومًا فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ، وَعَلَى أَنَّ ذَلِكَ لِلدُّعَاءِ فَلَيْسَ الْقَصْدُ بِهِ الدُّعَاءُ عَلَى الْأُمَّةِ بِالْهَلَاكِ بَلْ الْمُرَادُ الدُّعَاءُ لَهُمْ بِلَازِمِ ذَلِكَ، وَهُوَ حُصُولُ الشَّهَادَةِ لَهُمْ بِكُلٍّ مِنْ ذَيْنِك فَالْقَصْدُ الدُّعَاءُ بِجَعْلِهِمَا سَبَبًا لِلْمَوْتِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ لَا الدُّعَاءُ بِمُطْلَقِ الْهَلَاكِ، وَمِنْ لَازِمِ حُصُولِ الشَّهَادَةِ أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ كَفَّارَةً لِمَا يَقَعُ مِنْ الْأُمَّةِ لِمَا وَرَدَ أَنَّ الْقَتْلَ لَا يَمُرُّ بِذَنْبٍ إلَّا مَحَاهُ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ كَثِيرِينَ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ، وَغَيْرِهِمْ تَمَنَّى الشَّهَادَةَ، وَالْمَوْتَ بِالطَّاعُونِ وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى أَنَّهَا تَسْتَلْزِمُ تَمْكِينَ الْكَافِرِ مِنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِ، وَهُوَ مَعْصِيَةٌ، وَتَمَنِّي الْمَعْصِيَةِ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُمْ بِتَمَنِّيهَا لَيْسَ ذَلِكَ بَلْ نَيْلُ دَرَجَتِهَا الرَّفِيعَةِ وَلَا نَظَرَ لِفِعْلِ الْكَافِرِ لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَةِ الْوُجُودِ ثُمَّ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ وَخْزُ أَعْدَائِنَا مِنْ الْجِنِّ هُوَ الثَّابِتُ، وَمَا وَقَعَ لِابْنِ الْأَثِيرِ تَبَعًا لِغَرِيبَيْ الْهَرَوِيِّ مِنْ أَنَّهُ " وَخْزُ إخْوَانِكُمْ " فَمَرْدُودٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ بَعْدَ التَّتَبُّعِ الطَّوِيلِ الْبَالِغِ، وَنِسْبَةُ الزَّرْكَشِيّ كَغَيْرِهِ ذَلِكَ إلَى رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَهْمٌ وَكَذَا نِسْبَتُهُ لِمُسْنَدِ الطَّبَرَانِيِّ أَوْ كِتَابِ الطَّوَاعِينِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا، وَعَلَى تَسْلِيمِ وُرُودِهِ فَلَا تَنَافِيَ؛ لِأَنَّ أُخُوَّتَهُمْ فِي الدِّينِ لَا تُنَافِي عَدَاوَتَهُمْ؛ لِأَنَّهَا بِالطَّبْعِ، وَإِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ أَوْ أَنَّ الْأُولَى فِي طَعْنِ كَافِرِهِمْ لِمُسْلِمِنَا، وَالثَّانِيَةُ فِي طَعْنِ مُسْلِمِهِمْ لِكَافِرِنَا أَوْ أَنَّ كُلًّا يُفِيدُ مَا يُفِيدُهُ الْآخَرُ إذْ لَفْظُ " أَعْدَائِكُمْ " عَلَى عُمُومِهِ؛ لِأَنَّ الطَّعْنَ لَا يَقَعُ إلَّا مِنْ عَدُوٍّ فِي عَدُوِّهِ، وَيَكُونُ الْخِطَابُ لِجَمِيعِ الْإِنْسِ فَإِنَّ الطَّعْنَ يَكُونُ مِنْ كَافِرِهِمْ فِي مُؤْمِنِنَا أَوْ مِنْ مُؤْمِنِهِمْ فِي كَافِرِنَا، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَنَّهُ «شَهَادَةٌ لِلْمُسْلِمِ، وَرِجْزٌ عَلَى الْكَافِرِ» وَلَفْظُ " إخْوَانِكُمْ " عَلَى عُمُومِهِ أَيْضًا لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ أُخُوَّةُ التَّقَابُلِ كَمَا فِي - اللَّيْلُ، وَالنَّهَارُ، وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ أَخَوَانِ - أَوْ أُخُوَّةُ التَّكْلِيفِ فَإِنَّهُ يَعُمُّهُمْ أَيْضًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِهِ فِي حَدِيثِ «زَادُ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ» فَإِنَّهُ زَادٌ لِلْكَافِرِ أَيْضًا، وَحِكْمَةُ تَسْلِيطِهِمْ عَلَى الْإِنْسِ بِالطَّعْنِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمَرَنَا بِمُعَادَاةِ أَعْدَائِنَا مِنْهُمْ أَيْضًا وَهُمْ شَيَاطِينُهُمْ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إلَّا مُسَالَمَتَهُمْ بَلْ، وَمُطَاوَعَتَهُمْ عَلَى مَا يَطْلُبُونَهُ مِنْهُمْ مِنْ الْمَعَاصِي، وَالضَّلَالِ فَسُلِّطُوا عَلَيْهِمْ عُقُوبَةً لَهُمْ كَمَا سُلِّطَ عَلَيْهِمْ أَعْدَاؤُهُمْ مِنْ الْإِنْسِ حَيْثُ أَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ، وَنَبَذُوا كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ عُقُوبَةً لِمُسْتَحِقِّهَا، وَشَهَادَةَ رَحْمَةٍ لِأَهْلِهَا وَهَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الْعُقُوبَاتِ تَقَعُ عَامَّةً فَتَكُونُ طُهْرًا لِلْمُؤْمِنِينَ، وَانْتِقَامًا لِلْكَافِرِينَ. وَقِيلَ: الْحِكْمَةُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اخْتَصَّ الْمُؤْمِنَ لِنَفْسِهِ، وَأَرَادَ بِهِ الْخَيْرَ فِي كُلِّ مَا أَصَابَهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ أَوْ أَلَمٍ أَوْ لَذَّةٍ وَقَيَّضَ لَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُ لَهُ أَوْ يَشْفَعُ لَهُ أَوْ يُعَاوِنُهُ مِنْ مَلَكٍ، وَنَبِيٍّ، وَمُؤْمِنٍ، وَمَنْ يُعَادِيه مِنْ شَيْطَانٍ يُزِلُّهُ، وَعَدُوٍّ يُقَاتِلُهُ وَجِنِّيٍّ يَخِزُهُ وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَهُ حَافِظٌ وَلِعَدُوِّهِ قَاهِرٌ مَعَ أَنَّهُ إنْ أَصَابَهُ شَرٌّ فَشَكَرَ أَوْ خَيْرٌ فَصَبَرَ كَانَ خَيْرًا لَهُ، وَسَلَّطَ الْجِنَّ عَلَيْهِ مَعَ كَوْنِهِ مَحْفُوظًا فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ كَمَا جَازَ أَنَّهُ يَطْعَنُهُ عَدُوُّهُ الظَّاهِرُ فِي وَقْتٍ مَعَ حِفْظِهِ بِالرُّعْبِ أَوْ النَّصْرِ فِي أَكْثَرِ أَحْوَالِهِ لِإِرَادَةِ الْخَيْرِ بِهِ، وَنَيْلِهِ دَرَجَةَ الشَّهَادَةِ بِقَتْلِ الْعَدُوِّ لَهُ، وقَوْله تَعَالَى {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] أَيْ: مِنْ حَيْثُ الْعُمُومُ فَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنَّهُ يَطْعَنَهُ عَدُوُّهُ الْجِنِّيُّ مَعَ كَوْنِهِ مَمْنُوعًا مِنْهُ بِالْمُعَقِّبَاتِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فِي أَكْثَرِ أَحْوَالِهِ لِإِرَادَةِ الْخَيْرِ بِهِ، وَنَيْلِهِ دَرَجَةَ الشَّهَادَةِ مِنْ وَخْزِهِ مَعَ ضَعْفِ كَيَدِهِ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ طَعْنُهُ غَيْرَ نَافِذٍ بِخِلَافِ طَعْنِ الْإِنْسِ إذْ ذَاكَ أَصْلُ الْوَخْزِ بِفَتْحِ الْوَاوِ، وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا زَايٌ،، وَسَبَبُ عَدَمِ نُفُوذِهِ أَنَّهُ يَقَعُ مِنْ الْبَاطِنِ إلَى الظَّاهِرِ فَيُؤَثِّرُ فِي الْبَاطِنِ أَوَّلًا ثُمَّ قَدْ يَنْفُذُ إلَى الظَّاهِرِ، وَطَعْنُ الْإِنْسِ يُؤَثِّرُ أَوَّلًا فِي الظَّاهِرِ وَلَا يُقَالُ: يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ مِنْ وَخْزِ الْجِنِّ عَدَمُ وُقُوعِهِ فِي رَمَضَانَ لِمَا صَحَّ أَنَّ الشَّيَاطِينَ تُفَلُّ فِيهِ، وَتُصَفَّدُ. وَقَدْ وَقَعَ فِيهِ بَلْ كَانَ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ تَصْفِيدَهُمْ إنَّمَا هُوَ عَمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إثْمٌ مِنْ تَزْيِينِ الْمَعْصِيَةِ لِابْنِ آدَمَ حَتَّى يَقَعَ فِيهَا، بِخِلَافِ مَا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ بَلْ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ كَالطَّاعُونِ فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْهُ كَمَا لَا يُمْنَعُونَ مِمَّا لَا إثْمَ فِيهِ وَلَا ثَوَابَ كَالِاحْتِلَامِ

وَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ، وَإِلَّا فَقَدْ يُزَيِّنُونَ لِابْنِ آدَمَ كَثِيرًا مِنْ الْمَعَاصِي فِيهِ، ثُمَّ رَأَيْت الْحَلِيمِيَّ أَجَابَ بِذَلِكَ، وَابْنُ خُزَيْمَةَ قَالَ: الْمُرَادُ بَعْضُهُمْ لَا كُلُّهُمْ لِحَدِيثِ " صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ " مَرَدَةُ الْجِنِّ فَمَرَدَةُ نَعْتٌ مُخَصِّصٌ أَوْ بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ، وَرِوَايَةُ مَرَدَةُ بِمَعْنَى رِوَايَةِ وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ الْمُطْلَقَةُ، وَعَلَى هَذَا فَالْوَخْزُ يَقَعُ فِي رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ الْمَرَدَةِ، وَقَالَ عِيَاضٌ: يُحْتَمَلُ الْمُرَادُ كُلُّهُمْ إشَارَةً إلَى كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَقِلَّةِ إغْوَائِهِمْ فَهُمْ كَالْمُصَفَّدِينَ. وَرَجَّحَ الْقُرْطُبِيُّ حَمْلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ صَامَ الصَّوْمَ الْمُعْتَبَرَ بِشُرُوطِهِ، وَآدَابِهِ، وَرَجَّحَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مَا قَالَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ، وَمِنْهَا الْكَلَامُ عَلَى كَوْنِهِ شَهَادَةً وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَأَيْضًا، وَفِي حَدِيثٍ حَسَن «أَتَانِي جِبْرِيلُ بِالْحُمَّى، وَالطَّاعُونِ فَأَمْسَكْتُ الْحُمَّى بِالْمَدِينَةِ، وَأَرْسَلْت الطَّاعُونَ إلَى الشَّامِ فَالطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِأُمَّتِي، وَرَحْمَةٌ لَهُمْ، وَرِجْسٌ عَلَى الْكَافِرِ» وَلَا يُنَافِي هَذَا أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ عُقُوبَةً. فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا ظَهَرَتْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ إلَّا سَلَّطَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ الْمَوْتَ» ، وَفِي رِوَايَةٍ «لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ، وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا» ، وَفِي رِوَايَةٍ «مَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ فِيهِمْ الزِّنَا إلَّا أُخِذُوا بِالْفَنَاءِ، وَمَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ فِيهِمْ الرِّبَا إلَّا أُخِذُوا بِالسَّنَةِ، وَمَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ فِيهِمْ الرِّشَا إلَّا أُخِذُوا بِالرُّعْبِ» ، وَوَجْهُ عَدَمِ الْمُنَافَاةِ أَنَّ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِهَذِهِ الْأُمَّةِ أَنْ عَجَّلَ لَهُمْ عُقُوبَاتِهِمْ فِي الدُّنْيَا كَمَا فِي الْحَدِيثِ «أُمَّتِي أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُهَا فِي الدُّنْيَا الْفِتَنُ، وَالزَّلَازِلُ، وَالْقَتْلُ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مُعْظَمِ الْأُمَّةِ لِثُبُوتِ أَحَادِيثِ الشَّفَاعَةِ فِي قَوْمٍ يُعَذَّبُونَ ثُمَّ يُخْرَجُونَ مِنْ النَّارِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَوْنَهُ عُقُوبَةً بِسَبَبِ الْمَعْصِيَةِ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ شَهَادَةً لِجَمِيعِ مَنْ طُعِنَ لَا سِيَّمَا مَنْ لَمْ يُبَاشِرْ الْمَعْصِيَةَ الْمَذْكُورَةَ وَلَعَلَّ سَبَبَ الْعُمُومِ تَقَاعُدُهُمْ عَنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ زِيَادَةُ حَسَنَاتِ مَنْ لَمْ يُبَاشِرْ الْفَاحِشَةَ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «إنَّ الرَّجُلَ لَتَكُونُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ الْمَنْزِلَةُ مَا يَبْلُغُهَا بِعَمَلِهِ فَمَا يَزَالُ يَبْتَلِيه بِمَا يَكْرَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ إيَّاهَا» وَلَا كَوْنَهُ شَهَادَةً فِي حَقِّ الْعَاصِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ الرَّحْمَةِ فِي حَقِّهِ أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةُ فِي الدُّنْيَا لِتُكَفِّرَ خَطَايَاهُ، وَإِنَّمَا كَانَ سَبَبُهُ ظُهُورَ الزِّنَا؛ لِأَنَّهُ غَالِبًا يَقَعُ سِرًّا، وَحَدُّهُ: إزْهَاقُ رُوحِ الْمُحْصَنِينَ فَإِذَا لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِمْ الْحَدُّ سَلَّطَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ عَدُوًّا يَقْتُلُهُمْ سِرًّا مِنْ حَيْثُ لَا يَرَوْنَهُ. وَقَاعِدَةُ الْعَذَابِ أَنَّهُ إذَا نَزَلَ يَعُمُّ الْمُسْتَحِقَّ لَهُ، وَغَيْرَهُ ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ، ثُمَّ الشَّهِيدُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ؛ لِأَنَّهُ حَيٌّ فَرُوحُهُ شَهِدَتْ دَارَ السَّلَامَ، وَرُوحُ غَيْرِهِ إنَّمَا تَشْهَدُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ؛ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ عِنْدَ الْمَوْتِ مَا لَهُ مِنْ الْكَرَامَةِ، أَوْ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَشْهَدُ يَوْمَ الْقِيَامَةَ بِإِبْلَاغِ الرُّسُلِ، أَوْ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ؛ لِأَنَّهُ مَشْهُودٌ لَهُ بِالْجَنَّةِ أَوْ بِالْأَمَانِ مِنْ النَّارِ أَوْ بِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ مِنْ اللَّهِ أَوْ مِنْ مَلَائِكَتِهِ،، وَالشَّهَادَةُ اصْطِلَاحًا تَخْصِيصُ مَنْ حَصَلَ لَهُ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِهَا بِثَوَابٍ مَخْصُوصٍ، وَكَرَامَةٍ زَائِدَةٍ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِقَتِيلِ الْمَعْرَكَةِ فَفِي حَدِيثِ الْمُوَطَّإِ الشُّهَدَاءُ سَبْعَةٌ سِوَى قَتِيلِ الْمَعْرَكَةِ، وَعَدَّدَهَا الْمَطْعُونُ، وَالْغَرِيقُ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ أَيْ: وَهُوَ الْمَيِّتُ بِقُرْحَةِ ذَاتِ الْجَنْبِ، وَالْمَبْطُونُ أَيْ: الَّذِي يَمُوتُ بِمَرَضِ بَطْنِهِ كَالِاسْتِسْقَاءِ، وَقِيلَ: صَاحِبُ الْإِسْهَالِ، وَقِيلَ: الْمَجْنُونُ.، وَقِيلَ: صَاحِبُ الْقُولَنْجِ، وَالْحَرِيقِ، وَالْمَيِّتُ تَحْتَ الْهَدْمِ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجَمْعٍ أَيْ: بِتَثْلِيثِ الْجِيمِ قِيلَ: هِيَ الَّتِي تَمُوتُ بِالْوِلَادَةِ أَلْقَتْ وَلَدَهَا أَوْ لَا، وَقِيلَ: إنْ لَمْ تُلْقِهِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَقِيلَ: هِيَ الْبِكْرُ، وَفِي رِوَايَةٍ «الْمَرْأَةُ يَجُرُّهَا وَلَدُهَا بِسُرُرِهَا إلَى الْجَنَّةِ» وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي تَمُوتُ بِمُزْدَلِفَةَ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ خَطَأٌ ظَاهِرٌ مَثَلًا وَمِنْ الشُّهَدَاءِ صَاحِبُ السِّلِّ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرَانِيُّ "، وَالْغَرِيبُ " رَوَاهُ جَمَاعَةٌ، وَفِيهِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ " وَصَاحِبُ الْحُمَّى " رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ «وَمَنْ لَدَغَتْهُ هَامَّةٌ أَوْ افْتَرَسَهُ سَبُعٌ، وَالشَّرِيقُ، وَالْخَارُّ عَنْ دَابَّتِهِ، وَالْمُتَرَدِّي مِنْ رَأْسِ جَبَلٍ» . رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَغَيْرُهُ «وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ أَوْ دَمِهِ أَوْ دِينِهِ أَوْ أَهْلِهِ» رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ «وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَظْلِمَةٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ «وَالْمَيِّتُ فِي حَبْسٍ حُبِسَ فِيهِ ظُلْمًا» رَوَاهُ ابْنُ مَنْدَهْ «وَمَنْ عَشِقَ فَكَتَمَ فَعَفَّ» رَوَاهُ الْخَطِيبُ وَالدَّيْلَمِيُّ «وَالْمَيِّتُ وَهُوَ طَالِبٌ لِلْعِلْمِ» رَوَاهُ الْبَزَّارُ «وَالْمَائِدُ فِي الْبَحْرِ الَّذِي يُصِيبُهُ

الْقَيْءُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد «وَمَنْ مَاتَ مُرَابِطًا» . رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ «وَمَنْ صَبَرَ فِي الطَّاعُونِ، وَإِنْ لَمْ يَمُتْ بِهِ» عَلَى مَا يَأْتِي «وَأُمَنَاءُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى خَلْقِهِ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا» رَوَاهُ أَحْمَدُ «، وَمَنْ قَرَأَ حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَقَرَأَ الثَّلَاثَ آيَاتٍ آخِرَ سُورَةِ الْحَشْرِ، وَمَاتَ فِي يَوْمِهِ أَوْ حِينَ يُمْسِي، وَمَاتَ فِي لَيْلَتِهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: غَرِيبٌ «وَمَنْ مَاتَ عَلَى وَصِيَّةٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ «وَمَنْ مَاتَ عَلَى وُضُوءٍ» رَوَاهُ الْآجُرِّيُّ «وَمَنْ صَلَّى الضُّحَى وَصَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَلَمْ يَتْرُكْ الْوِتْرَ فِي حَضَرٍ وَلَا سَفَرٍ» رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ «. وَمَنْ قَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أُشْهِدُكَ بِأَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ وَحْدَك لَا شَرِيكَ لَك، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُك، وَرَسُولُك أَبُوءُ بِنِعْمَتِك عَلَيَّ، وَأَبُوءُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي إنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرُك حِينَ يُصْبِحُ، وَمَاتَ فِي يَوْمِهِ أَوْ يُمْسِي، وَمَاتَ مِنْ لَيْلَتِهِ» رَوَاهُ الْأَصْبَهَانِيُّ، وَغَيْرُهُ «وَمَنْ مَاتَ مِنْ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ أَوْ يَوْمِهَا» أَخْرَجَهُ جَمَاعَةٌ، وَفِي حَدِيثِهِ «أَنَّهُ يُوقَى فِتْنَةَ الْقَبْرِ» «، وَمَنْ دَعَا فِي مَرَضِهِ بِأَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَك إنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ أَرْبَعِينَ مَرَّةً، وَمَاتَ فِي مَرَضِهِ ذَلِكَ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَفِي حَدِيثِهِ «وَإِنْ بَرِئَ بَرِئَ وَقَدْ غُفِرَتْ لَهُ جَمِيعُ ذُنُوبِهِ» وَمَنْ مَاتَ عَقِبَ رَمَضَانَ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ. نَقَلَهُ جَمْعٌ عَنْ الْحَسَنِ «وَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ «مَنْ طَلَبَ الشَّهَادَةَ صَادِقًا أُعْطِيهَا، وَلَوْ لَمْ تُصِبْهُ» ، وَفِي رِوَايَةٍ «مَنْ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ» قَالَ: النَّوَوِيُّ الثَّانِيَةُ مُفَسِّرَةٌ لِلْأُولَى، وَمَعْنَاهُمَا أَنَّهُ يُعْطَى مِنْ ثَوَابِ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ، وَوَرَدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ «كُلُّ مَوْتَةٍ يَمُوتُ بِهَا الْمُسْلِمُ فَهُوَ شَهِيدٌ» أَيْ: لَكِنَّ الشَّهَادَةَ تَتَفَاضَلُ «وَمَنْ مَاتَ مَرِيضًا» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَفِي حَدِيثِهِ «وَوُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ، وَغُدِيَ عَلَيْهِ، وَرِيحَ بِرِزْقِهِ مِنْ الْجَنَّةِ» ، وَظَاهِرُهُ شُمُولُ جَمِيعِ الْأَمْرَاضِ وَهُوَ كَذَلِكَ وَقَوْلُ الْقُرْطُبِيِّ يُقَيَّدُ بِقَوْلِهِ «مَنْ يَقْتُلُهُ بَطْنُهُ» أَيْ: صَاحِبُ الْإِسْهَالِ أَوْ الِاسْتِسْقَاءِ مَرْدُودٌ وَهَذِهِ الْخِصَالُ الزَّائِدَةُ عَلَى الْأَرْبَعِينَ وَرَدَ فِي كُلٍّ مِنْهَا أَنَّ صَاحِبَهَا شَهِيدٌ أَيْ: يُعْطَى أَجْرَ الشُّهَدَاءِ، وَمَرَاتِبُهَا فِي ذَلِكَ مُتَفَاوِتَةٌ حَتَّى فِي الْأَشْخَاصِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي شُهَدَاءِ الْمَعْرَكَةِ وَلِلشُّهَدَاءِ خُصُوصِيَّاتٌ مِنْهَا أَنَّهُ يُغْفَرُ لَهُ أَوَّلَ دَفْعَةٍ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَيَأْمَنُ مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، وَيُزَوَّجُ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ " رَوَاهَا التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ غَرِيبٍ ". وَمِنْهَا أَنَّهُمْ {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] كَمَا فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ «وَأَنَّ أَرْوَاحَهُمْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ ثُمَّ تَأْوِي إلَى قَنَادِيلَ تَحْتَ الْعَرْشِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَبَعْضُ هَذِهِ الْخِصَالِ يَكُونُ لِسَائِرِ الشُّهَدَاءِ كَالْأَخِيرَةِ كَمَا نَقَلَهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ الْعُلَمَاءِ وَكَوِقَايَةِ فِتْنَةِ الْقَبْرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ، وَنَقَلَهُ عَنْ الْقُرْطُبِيِّ وَرَدَّ عَلَى مَنْ تَوَقَّفَ مِنْ مُعَاصِرِيهِ فِي كَوْنِ الْمَطْعُونِ يَأْمَنُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ قَالَ: وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ مَنْ ظَنَّ أَنَّ شَهِيدَ الْمَعْرَكَةِ يُفْتَنُ فِي قَبْرِهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ اهـ. وَقَدْ صَحَّ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمَطْعُونَ كَشَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ. وَلَفْظُ حَدِيثِهِمْ «يَخْتَصِمُ الشُّهَدَاءُ، وَالْمُتَوَفَّوْنَ عَلَى فُرُشِهِمْ إلَى رَبِّنَا جَلَّ جَلَالُهُ فِي الْمَوْتَى يُتَوَفَّوْنَ فِي الطَّاعُونِ، فَيَقُولُ الشُّهَدَاءُ: قُتِلُوا كَمَا قُتِلْنَا، وَيَقُولُ الْمُتَوَفَّوْنَ عَلَى فُرُشِهِمْ: إخْوَانُنَا مَاتُوا عَلَى فُرُشِهِمْ كَمَا مُتْنَا، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: اُنْظُرُوا إلَى جِرَاحِهِمْ فَإِنْ أَشْبَهَتْ جِرَاحَ الْمَقْتُولِينَ فَإِنَّهُمْ مِنْهُمْ فَإِذَا جِرَاحُهُمْ أَشْبَهَتْ جِرَاحَهُمْ» ، وَفِي رِوَايَةٍ سَنَدُهَا حَسَنٌ «يَأْتِي الشُّهَدَاءُ، وَالْمُتَوَفَّوْنَ بِالطَّاعُونِ، فَيَقُولُ أَصْحَابُ الطَّاعُونِ: نَحْنُ شُهَدَاءُ فَيُقَال: اُنْظُرُوا فَإِنْ كَانَتْ جِرَاحَاتُهُمْ كَجِرَاحِ الشُّهَدَاءِ تَسِيلُ دَمًا، وَرِيحُهُمْ كَرِيحِ الْمِسْكِ فَهُمْ شُهَدَاءُ، فَيَجِدُونَهُمْ كَذَلِكَ» نَعَمْ يُشْتَرَطُ لِتَحْصِيلِ الشَّهَادَةِ بِالطَّاعُونِ أُمُورٌ. مِنْهَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ أَنْ " يَمْكُثَ فِي بَلَدِهِ الْوَاقِعِ بِهِ الطَّاعُونُ صَابِرًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَنْ يُصِيبَهُ إلَّا مَا كَتَبَهُ اللَّهُ لَهُ مُحْتَسِبًا " فَعُلِمَ أَنَّ أَجْرَ الشُّهَدَاءِ إنَّمَا يُكْتَبُ لِمَنْ لَمْ يَخْرُجْ بَلْ أَقَامَ قَاصِدًا بِذَلِكَ ثَوَابَ اللَّهِ تَعَالَى رَاجِيًا بِهِ صِدْقَ مَوْعُودِهِ عَارِفًا أَنَّهُ إنْ سَلِمَ أَوْ مَاتَ بِهِ فَهُوَ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى غَيْرُ مُتَضَجِّرٍ بِهِ لَوْ وَقَعَ، مُعْتَمِدًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ فَمَنْ اتَّصَفَ بِذَلِكَ كُتِبَ لَهُ أَجْرُ

شَهِيدٍ، وَإِنْ سَلِمَ مِنْ الطَّاعُونِ كَمَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ كَمَنْ خَرَجَ لِلْجِهَادِ فَمَاتَ قَبْلَهُ بِسَبَبٍ آخَرَ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ «وَمَنْ مَاتَ فِي الطَّاعُونِ فَهُوَ شَهِيدٌ» وَلَمْ يَقُلْ بِالطَّاعُونِ وَاحْتِمَالُ كَوْنِهَا لِلسَّبَبِيَّةِ، وَإِنْ أَيَّدَهُ مَا فِي الْحَدِيثِ «وَمَنْ مَاتَ فِي الْبَطْنِ» أَيْ: بِهَا لَا يَمْنَعُ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ مَا مَرَّ بَلْ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ، وَإِنْ لَمْ يَمُتْ فِي زَمَنِ الطَّاعُونِ، وَفَضْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَاسِعٌ، وَنِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ وَرَوَى أَحْمَدُ «إنَّ أَكْثَرَ شُهَدَاءِ أُمَّتِي لِأَصْحَابِ الْفُرُشِ» وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ اتَّصَفَ بِمَا مَرَّ، وَمَاتَ بِالطَّعْنِ يُكْتَبُ لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ لِمَا مَرَّ أَنَّ دَرَجَاتِ الشُّهَدَاءِ مُتَفَاوِتَةٌ فَأَرْفَعُهَا مَنْ اتَّصَفَ بِمَا مَرَّ، وَمَاتَ مَطْعُونًا ثُمَّ مَنْ اتَّصَفَ، وَطُعِنَ وَلَمْ يَمُتْ ثُمَّ مَنْ اتَّصَفَ وَلَمْ يُطْعَنْ، وَمَاتَ زَمَنَ الطَّاعُونِ بِغَيْرِهِ ثُمَّ مَنْ اتَّصَفَ وَلَمْ يُطْعَنْ وَلَا مَاتَ زَمَنَهُ عَلَى أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ تَعَدُّدِ أَجْرِ الشَّهَادَةِ لِمَنْ اجْتَمَعَ فِيهِ سَبَبَانِ فَأَكْثَرُ مِنْ أَسْبَابِهَا كَغَرِيبٍ مَطْعُونٍ كَمَا يَتَعَدَّدُ الْقِيرَاطُ لِمَنْ صَلَّى عَلَى جَنَائِزَ وَكَمَا أَنَّ مَنْ اقْتَنَى كِلَابًا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ قَرَارِيطُ بِعَدَدِهِمْ، وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَطْعُونَ شَهِيدٌ مَثَلًا وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا. بَلْ هُوَ صَرِيحُ حَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ «الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» وَلَا يَلْزَمُ مُسَاوَاتُهُ لِلْعَدْلِ لِتَفَاوُتِ دَرَجَاتِ الشُّهَدَاءِ كَمَا مَرَّ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ شَهِيدَ الْمَعْرَكَةِ لَا يَقْدَحُ فِسْقُهُ فِي شَهَادَتِهِ فَوُجُودُ التَّبِعَاتِ لَا يَقْدَحُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا ثَوَابٌ وَكَرَامَةٌ زَائِدَةٌ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِيه فِسْقٌ وَلَا غَيْرُهُ نَعَمْ صَحَّ أَنَّ الشَّهِيدَ يُغْفَرُ لَهُ كُلُّ ذَنْبٍ إلَّا الدَّيْنَ، وَفِي مَعْنَاهُ سَائِرُ تَبِعَاتِ الْعِبَادِ، وَحَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ «يُغْفَرُ لِشَهِيدِ الْبَرِّ الذُّنُوبُ كُلُّهَا إلَّا الدَّيْنَ وَلِشَهِيدِ الْبَحْرِ الذُّنُوبُ، وَالدَّيْنُ» ضَعِيفٌ فَإِنْ ثَبَتَ حُمِلَ عَلَى مَنْ خَرَجَ مُجَاهِدًا فِي الْبَحْرِ فَغَرِقَ قِيلَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: أَفَادَ اسْتِثْنَاءُ الدَّيْنِ أَنَّ حَقَّ الْعِبَادِ لَا يَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ الشَّهَادَةِ، وَأَفَادَ إثْبَاتُهُ أَنَّهُ قَدْ يُوهَبُ مِنْ مَزِيدِ الثَّوَابِ مَا يُوَفِّي مِنْهُ الْمَظَالِمَ الَّتِي فِي قِبَلِهِ، وَيَتَوَفَّرُ لَهُ ثَوَابُ الشَّهَادَةِ كَامِلًا، وَبِمَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ مِنْ أَنَّ مَنْ مَاتَ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الشَّهَادَةِ فَهُوَ شَهِيدٌ. وَإِنْ مَاتَ فِي مَعْصِيَةٍ جَزَمَ الْإِمَامُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَمَثَّلَ ذَلِكَ بِمَنْ غَرِقَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ قَالَ: وَكُلُّ مَنْ مَاتَ بِسَبَبِ مَعْصِيَةٍ فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ، وَإِنْ مَاتَ فِي مَعْصِيَةٍ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الشَّهَادَةِ فَلَهُ أَجْرُ شَهَادَتِهِ، وَعَلَيْهِ إثْمُ مَعْصِيَتِهِ، وَحِكْمَةُ كَوْنِ الطَّاعُونِ لَا يَدْخُلُ مَكَّةَ مَثَلًا وَالْمَدِينَةَ كَمَا يَأْتِي مَعَ أَنَّهُ شَهَادَةٌ، وَرَحْمَةٌ أَنَّهُ لَيْسَ نَفْسَ الشَّهَادَةِ بَلْ سَبَبُهَا وَلَمَّا كَانَ مِنْ الْجِنِّ مُدِحَتْ الْبَلَدَانِ بِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُمَا إشَارَةً إلَى أَنَّ كُفَّارَ الْجِنِّ مَمْنُوعُونَ مِنْ دُخُولِهِمَا لِلْعَبَثِ، وَالْفَسَادِ بِأَهْلِهِمَا حِمَايَةً لَهُمْ بِبَرَكَةِ جِوَارِهِ وَجِوَارِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ، وَإِنْ سَلِمَ وُقُوعُهُ مِنْ مُؤْمِنِي الْجِنِّ أَيْضًا فَمُؤْمِنُوهُمْ يُجِلُّونَهُمَا مِنْ إيقَاعِ ذَلِكَ فِيهِمَا عِلْمًا مِنْهُمْ بِجَلَالَتِهِمَا وَتَعْظِيمًا لِحَقِّهِمَا فَلِذَلِكَ لَمْ يَدْخُلْ إلَيْهِمَا طَاعِنٌ أَصْلًا، وَأُجِيبُ أَيْضًا بِأَنَّ سَبَبَ الرَّحْمَةِ لَا يَنْحَصِرُ فِي الطَّاعُونِ. فَقَدْ قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلَكِنَّ عَافِيَتَك أَوْسَعُ لِي» فَكَانَ عَدَمُ دُخُولِهِمَا مِنْ خَصَائِصِهِمَا وَلَوَازِمِ دُعَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُمَا بِالصِّحَّةِ، وَخَصَّهُمَا بِذَلِكَ لِاخْتِصَاصِهِمَا بِهِ دُونَ غَيْرِهِمَا، وَفِي ذَلِكَ مُعْجِزَةٌ كُبْرَى وَهِيَ عَجْزُ الْأَطِبَّاءِ قَاطِبَةً عَنْ حِمَايَةِ شَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْ الطَّاعُونِ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ حَمَى هَذَيْنِ مَعَ كَثْرَةِ مَنْ فِيهِمَا مِنْهُ عَلَى مَمَرِّ الْأَعْصَارِ، وَتَوَالِي الْأَزْمَانِ وَقَدْ عَوَّضَنَا عَنْهُ بِالْأَمْنِ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ «مَنْ مَاتَ بِأَحَدِ الْحَرَمَيْنِ بُعِثَ مِنْ الْآمِنِينَ» ، وَبِالشَّفَاعَةِ لِحَدِيثٍ. ذَكَرَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي مُسْنَدِهِ «مَنْ مَاتَ فِي أَحَدِ الْحَرَمَيْنِ اسْتَوْجَبَ شَفَاعَتِي وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْآمِنِينَ» ، وَرُوِيَ أَيْضًا «مَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ أَوْ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ بُعِثَ مِنْ الْآمِنِينَ» قَالَ: الْحَافِظُ السَّخَاوِيُّ، وَيُرْوَى «الْأَمْنُ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ لِمَنْ مَاتَ فِي أَحَدِ الْحَرَمَيْنِ أَوْ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ أَوْ مُرَابِطًا وَلِمَنْ يَقْرَأُ سُورَةَ الْمُلْكِ عِنْدَ مَنَامِهِ» وَلِكَوْنِهِ شَهَادَةً جَاءَ عِنْدَ الدَّيْلَمِيِّ «أَنَّ الطَّاعُونَ أَوَّلُ رَحْمَةٍ تُرْفَعُ مِنْ الْأَرْضِ» ، وَعِنْدَ ابْنِ السُّنِّيِّ، وَغَيْرِهِ «أَوْشَكَ الْفَالِجُ أَنْ يَفْشُوَ فِي النَّاسِ حَتَّى يَتَمَنَّوْا الطَّاعُونَ مَكَانَهُ» . وَمِنْهَا الْكَلَامُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ مَحَلِّهِ، وَالدُّخُولِ إلَيْهِ قَالَ: تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ} [البقرة: 243] الْآيَةَ، وَأَقْوَى الطُّرُقِ، وَأَحْسَنُهَا أَنَّ فِرَارَهُمْ كَانَ مِنْ الطَّاعُونِ فَعُوقِبُوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ أَمَاتَهُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَبْلَ آجَالِهِمْ

ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ أَحْيَاهُمْ اللَّهُ، وَبَقِيَتْ عَلَيْهِمْ آثَارُ الْمَوْتِ فَلَا يَلْبَسُونَ ثَوْبًا إلَّا صَارَ عَلَيْهِمْ كَفَنًا لِيَعْرِفَهُمْ أَهْلُ ذَلِكَ الزَّمَانِ، فَيَعْتَبِرُوا بِهِمْ. قَالَ: الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ دَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِهَ فِرَارَهُمْ مِنْ الطَّاعُونِ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ} [الأحزاب: 16] وقَوْله تَعَالَى {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء: 78] وَقَوْلِهِ: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} [الجمعة: 8] ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «الطَّاعُونُ رِجْسٌ أُرْسِلَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ، وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» ، وَفِيهِمَا «أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ لِلشَّامِ فَأُخْبِرَ أَنَّ بِهَا وَبَاءً فَاسْتَشَارَ الْمُهَاجِرِينَ فَاخْتَلَفُوا، وَالْأَنْصَارَ فَاخْتَلَفُوا فَدَعَا مَنْ كَانَ هُنَاكَ مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ فَاتَّفَقَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلَا يُقْدِمَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْوَبَاءِ فَهَمَّ بِالرُّجُوعِ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ: أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ غَيْرَك قَالَهَا نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إلَى قَدَرِ اللَّهِ وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَن بْنُ عَوْفٍ غَائِبًا فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: إنَّ عِنْدِي فِي هَذَا عِلْمًا سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ، وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ» . وَقَدْ وَرَدَ بِمَعْنَى ذَلِكَ عِدَّةُ أَحَادِيثَ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي دُخُولِ بَلَدِ الطَّاعُونِ مَثَلًا وَالْخُرُوجِ مِنْهُ فَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْأَخْذِ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ: التَّاجُ السُّبْكِيّ مَذْهَبُنَا وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْفِرَارِ مِنْهُ لِلتَّحْرِيمِ بَلْ قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ: إنَّ الْفِرَارَ مِنْهُ كَبِيرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعَاتِبُ الْفَارَّ مِنْهُ مَا لَمْ يَعْفُ عَنْهُ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ أَحْمَدَ، وَالطَّبَرَانِيِّ، وَابْنِ عَدِيٍّ، وَغَيْرِهِمْ «الْفَارُّ مِنْ الطَّاعُونِ كَالْفَارِّ مِنْ الزَّحْفِ» ، وَبِهِ يُعْلَمُ وَهْمُ ابْنِ رُشْدٍ الْمَالِكِيِّ فِي دَعْوَاهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ التَّحْرِيمِ، وَضَعْفِ قَوْلِ كَثِيرِينَ أَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ قِيلَ: وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ، وَتَزْيِيفِ الْقَوْلِ بِاسْتِحْبَابِ الْخُرُوجِ عَنْهُ قَالَ التَّاجُ السُّبْكِيّ: وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الْخُرُوجِ لِشُغْلٍ عَرَضَ غَيْرِ الْفِرَارِ، قَالَ: وَلَيْسَ مَحَلُّ النِّزَاعِ فِيمَنْ خَرَجَ فَارًّا مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَذَلِكَ لَا سَبِيلَ إلَى الْقَوْلِ بِحِلِّهِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ فِيمَا إذَا خَرَجَ لِلتَّدَاوِي اهـ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْخُرُوجَ لِلتَّدَاوِي غَيْرُ مُحَرَّمٍ فِي مَذْهَبِنَا فَالْعِبَارَةُ الصَّحِيحَةُ أَنْ يُقَالَ: مَحَلُّ النِّزَاعِ إذَا خَرَجَ فَارًّا مِنْ الْمَرَضِ الْوَاقِعِ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّهُ لَوْ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ لَأَصَابَهُ، وَأَنَّ فِرَارَهُ لَا يُنْجِيه لَكِنْ يُؤَمِّلُ النَّجَاةَ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مَعَ اعْتِقَادِ إلَخْ مَنْ خَرَجَ فَارًّا مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى مُعْتَقِدًا أَنَّ ذَلِكَ يُنْجِيه فَلَا تَوَقُّفَ فِي تَحْرِيمِهِ بَلْ رُبَّمَا يَكْفُرُ بِهِ، وَلَوْ قَصَدَ الْخُرُوجَ لِحَاجَةٍ، وَالْفِرَارَ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِقَدْرِ قَصْدِهِ؛ لِأَنَّ الْفِرَارَ مُحَرَّمٌ وَقَصْدُ الْمُحَرَّمِ حَرَامٌ سَوَاءٌ انْفَرَدَ أَوْ شَارَكَهُ قَصْدُ شَيْءٍ آخَرَ جَائِزٍ، وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْأَرْضَ الَّتِي وَقَعَ بِهَا الطَّاعُونُ لَوْ كَانَتْ وَخِمَةً، وَاَلَّتِي يُرِيدُ التَّوَجُّهَ إلَيْهَا صَحِيحَةً فَتَوَجَّهَ إلَيْهَا بِهَذَا الْقَصْدِ حَرُمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ صُوَرِ الْفِرَارِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ أَصْحَابِنَا، ثُمَّ مَا الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ فِي أَرْضِ الطَّاعُونِ حَتَّى يَحْرُمَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْهَا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ بِإِقْلِيمٍ حَرُمَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْ ذَلِكَ الْإِقْلِيمِ لَا مِنْ بَعْضِ قُرَاهُ إلَى بَعْضٍ؛ لِأَنَّهَا كُلَّهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى عُمُومِ الطَّاعُونِ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْضِعِ الْوَاحِدِ، وَإِنْ اخْتَصَّ بِبَلَدٍ أَوْ بِلَادٍ مِنْ إقْلِيمٍ حَرُمَ الْخُرُوجُ مِمَّا اُخْتُصَّ بِهِ إلَى غَيْرِهِ لَا مِنْ بَعْضِ مَا اُخْتُصَّ بِهِ إلَى بَعْضِهِ، وَإِذَا كَانَ فِي بَلَدٍ مَثَلًا فَهَلْ الْفِرَارُ مِنْهَا بِالْخُرُوجِ إلَى خَارِجِ عُمْرَانِهَا أَوْ سُورِهَا أَوْ إلَى خَارِجِ مَزَارِعِهَا لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ شَيْئًا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يُتَّبَعُ فِي ذَلِكَ عُرْفُ أَهْلِهَا فَكُلُّ مَحَلٍّ عَدُّوا الْخُرُوجَ إلَيْهِ فِرَارًا حَرُمَ الْخُرُوجُ إلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَحُكْمُ دُخُولِ مَحَلِّ الطَّاعُونِ كَالْخُرُوجِ مِنْهُ فِيمَا تَقَرَّرَ مِنْ التَّحْرِيمِ، وَغَيْرِهِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَقَالَ: وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَنْعُ الْقُدُومِ عَلَى بَلَدِ الطَّاعُونِ، وَمَنْعُ الْخُرُوجِ مِنْهُ فِرَارًا مِنْ ذَلِكَ أَمَّا الْخُرُوجُ لِعَارِضٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ هَذَا مَذْهَبُنَا، وَمَذْهَبُ عَامَّةِ الْجُمْهُورِ مِنْ الْعُلَمَاءِ قَالَ الْقَاضِي: وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ، وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْقُدُومِ عَلَيْهِ، وَالْفِرَارِ مِنْهُ اهـ. قِيلَ: وَالنَّهْيُ عَنْ

الْخُرُوجِ تَعَبُّدِيٌّ؛ لِأَنَّ الْفِرَارَ عَنْ الْمَهَالِكِ مَأْمُورٌ بِهِ، وَعَلَّلَهُ آخَرُونَ بِأَنَّهُ إذَا وَقَعَ بِمَحَلٍّ عَمَّ جَمِيعَ مَنْ فِيهِ فَلَا يُفِيدُهُ الْخُرُوجُ شَيْئًا فَكَانَ عَبَثًا، وَبِأَنَّهُ لَوْ مُكِّنَ النَّاسُ مِنْهُ بَقِيَ مَنْ وَقَعَ بِهِ عَاجِزًا عَنْ الْخُرُوجِ فَلَا يَبْقَى لِلْمَرْضَى مُتَعَهِّدٌ وَلَا لِلْمَوْتَى مُجَهِّزٌ، وَأَيْضًا فَفِي خُرُوجِ الْأَقْوِيَاءِ كَسْرٌ لِقُلُوبِ الضُّعَفَاءِ وَقَالَ: ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ النَّهْيُ عَنْ الْخُرُوجِ لِلْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ، وَعَنْ الْقُدُومِ لِدَفْعِ مَلَامَةِ النَّفْسِ قَالَ: غَيْرُهُ: وَلِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمَرَ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ أَحَدٌ لِلْحَتْفِ، وَإِنْ كَانَ لَا نَجَاةَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ، وَفِيهِ الصِّيَانَةُ عَنْ الشِّرْكِ لِئَلَّا يَقُولَ الْقَائِلُ: لَوْ لَمْ أَدْخُلْهُ لَمْ أَمْرَضْ، وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ فُلَانٌ لَمْ يَمُتْ. وَقَالَ: ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: الَّذِي يَتَرَجَّحُ عِنْدِي فِي الْجَمْعِ بَيْنَ النَّهْيِ عَنْ الْفِرَارِ، وَالنَّهْيِ عَنْ الْقُدُومِ أَنَّ عِلَّةَ الْقُدُومِ التَّعَرُّضُ لِلْبَلَاءِ وَلَعَلَّهُ لَا يَصْبِرُ عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا كَانَ فِيهِ نَوْعُ دَعْوَى لِمَقَامِ الصَّبْرِ، وَالتَّوَكُّلِ فَمُنِعَ لِاغْتِرَارِ النَّفْسِ، وَدَعْوَاهَا مَا لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّحْقِيقِ، وَأَمَّا الْفِرَارُ فَقَدْ يَكُونُ دَاخِلًا فِي بَابِ التَّوَغُّلِ فِي الْأَسْبَابِ مُتَصَوِّرًا بِصُورَةِ مَنْ يُحَاوِلُ النَّجَاةَ مِمَّا قُدِّرَ عَلَيْهِ، وَيُشِيرُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا» فَأَمَرَهُمْ بِتَرْكِ التَّمَنِّي لِمَا فِيهِ مِنْ التَّعَرُّضِ لِلْبَلَاءِ وَخَوْفِ الْإِضْرَارِ بِالنَّفْسِ ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالصَّبْرِ عِنْدَ الْوُقُوعِ تَسْلِيمًا لِأَمْرِ اللَّهِ مَثَلًا وَإِذَا خَرَجَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ خُرُوجًا مِنْ الْمَعْصِيَةِ أَوْ لَا لِانْتِهَائِهَا بِالْخُرُوجِ لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا، وَالْقِيَاسُ أَنَّنَا مَتَى قُلْنَا بِأَنَّ النَّهْيَ تَعَبُّدِيٌّ وَجَبَ الْعَوْدُ، وَإِلَّا بُنِيَ ذَلِكَ عَلَى عِلَّةِ التَّحْرِيمِ فَعَلَى الْعِلَّةِ الْأُولَى لَا يَجِبُ الْعَوْدُ، وَعَلَى الثَّانِيَةِ وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ مُكِّنَ النَّاسُ مِنْ الْخُرُوجِ لَضَاعَ الْبَاقُونَ يَجِبُ الْعَوْدُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْغَيْرِ فَلَوْ مَكَّنَّاهُ مِنْ التَّمَادِي لَضَاعَ حَقُّ الْغَيْرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَلْزَمْنَاهُ بِالْعَوْدِ فَإِنْ قُلْت: فِي عَوْدِهِ دُخُولٌ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ مُحَرَّمٌ فَتَعَارَضَ فِي حَقِّهِ وَاجِبٌ وَهُوَ الْعَوْدُ، وَمُحَرَّمٌ وَهُوَ الدُّخُولُ فَلِمَ غُلِّبَ الْأَوَّلُ قُلْت: هَذَا التَّعَارُضُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الْآنَ لَا يُسَمَّى ابْتِدَاءً دُخُولٌ، وَالْمُحَرَّمُ إنَّمَا هُوَ ابْتِدَاءُ الدُّخُولِ لَا الدُّخُولُ مِنْ حَيْثُ هُوَ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ خَرَجَ لَا لِلْفِرَارِ ثُمَّ أَرَادَ الْعَوْدَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ مَعَ أَنَّ فِيهِ دُخُولًا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُحَرَّمَ هُوَ ابْتِدَاءُ الدُّخُولِ فَقَطْ، وَحِينَئِذٍ فَلَمْ يَتَعَارَضْ مَا مَرَّ، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ فَاتَّجَهَ الْبِنَاءُ الَّذِي ذَكَرْته، وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ قِيلَ: بِعَدَمِ وُجُوبِ الْعَوْدِ مُطْلَقًا لَمْ يَبْعُدْ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْوَجْهَ. وَمِنْهَا أَنَّهُ هَلْ يَدْخُلُ مَكَّةَ، وَالْمَدِينَةَ وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمَدِينَةُ، وَمَكَّةُ مَحْفُوفَتَانِ بِالْمَلَائِكَةِ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا أَيْ: طَرِيقٍ أَوْ بَابٍ أَوْ مَدْخَلٍ مَلَكٌ لَا يَدْخُلُهَا الدَّجَّالُ وَلَا الطَّاعُونُ» ، وَضَمِيرُ مِنْهَا عَائِدٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبَلَدَيْنِ قَالَ: ابْنُ قُتَيْبَةَ وَلَمْ يَقَعْ بِهِمَا طَاعُونٌ قَطُّ، وَأَقَرَّهُ الْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ مِنْهُمْ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَذْكَارِهِ وَغَيْرُهُ، وَمَا قِيلَ: إنَّهُ دَخَلَهَا فِي عَامِ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ، وَسَبْعِ مِائَةٍ فَهُوَ، وَإِنْ نَقَلَهُ جَمَاعَةٌ فَهُوَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَمَا ظَنُّوا أَيْ: بَلْ كَانَ ذَلِكَ وَبَاءً لَا طَاعُونًا كَمَا يَدُلُّ لَهُ كَلَامُ الْفَاسِيِّ فِي مَوْضِعٍ، وَإِنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِالطَّاعُونِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْوَبَاءَ قَدْ يُسَمَّى طَاعُونًا مَجَازًا كَعَكْسِهِ بِجَامِعِ كَثْرَةِ الْمَوْتِ فِيهِمَا كَمَا مَرَّ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ طَاعُونٌ قَطُّ وَلَا يَدْخُلُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ كَمَا مَرَّ وَقَوْلُ الدَّمَامِينِيِّ إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَهْمٌ، وَفِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فَلَا يَدْخُلُهَا يَعْنِي: الْمَدِينَةَ الدَّجَّالُ وَلَا الطَّاعُونُ إنْ شَاءَ اللَّهُ قِيلَ: هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ، وَيَحْتَمِلُ التَّبَرُّكَ وَهُوَ أَوْلَى وَقِيلَ: إنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالطَّاعُونِ، وَعَدَمُ دُخُولِ الطَّاعُونِ لِلْمَدِينَةِ أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إلَّا مَا شَذَّ بِهِ الْقُرْطُبِيُّ مِنْ قَوْلِهِ: الْمُرَادُ لَا يَدْخُلُهَا طَاعُونٌ عَظِيمٌ مِثْلُ طَاعُونِ عَمَوَاسَ، وَطَاعُونِ الْجَارِفِ إذْ قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ يَدْخُلُهَا طَاعُونٌ غَيْرُ عَظِيمٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْعُلَمَاءُ. وَمِنْهَا أَنَّهُ هَلْ يُشْرَعُ الدُّعَاءُ بِرَفْعِهِ أَمَّا الدُّعَاءُ بِرَفْعِهِ، وَالْخُرُوجُ إلَى الصَّحْرَاءِ فَبِدْعَةٌ قِيلَ: بَلْ لَوْ قِيلَ: بِتَحْرِيمِهِ لَكَانَ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُ إحْدَاثُ كَيْفِيَّةٍ يَظُنُّ الْجُهَّالُ أَنَّهَا سُنَّةٌ، وَأَمَّا الْقُنُوتُ لَهُ فِي الصَّلَاةِ. فَلَيْسَ بِمَشْرُوعٍ عِنْدَ غَيْرِ الشَّافِعِيَّةِ، وَاخْتَلَفَ الشَّافِعِيَّةُ فَبَعْضُهُمْ أَفْتَى بِهِ، وَبَعْضُهُمْ أَفْتَى بِامْتِنَاعِهِ، وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ كَمَا بَيَّنْته فِي حَاشِيَةِ الْعُبَابِ، وَغَيْرِهَا مَعَ الرَّدِّ عَلَى مَنْ أَطَالَ فِي خِلَافِهِ وَلَا

كَرَاهَةَ فِي الدُّعَاءِ بِرَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ اجْتِمَاعٍ لِذَلِكَ وَكَرِهَهُ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ، وَمَالَ إلَيْهِ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ، وَيَدُلُّ لِمَا مَرَّ مِنْ الْقُنُوتِ لَهُ قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ يُشْرَعُ الْقُنُوتُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ لِنَازِلَةٍ كَالْوَبَاءِ فَقَوْلُهُمَا كَالْوَبَاءِ يَشْمَلُ الطَّاعُونَ إمَّا بِقِيَاسِ الْمُسَاوَاةِ، وَإِمَّا لِكَوْنِهِ يُطْلَقُ عَلَيْهِ مَجَازًا كَمَا مَرَّ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُهُ شَهَادَةً وَرَحْمَةً؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ يَنْشَأُ عَنْهُ مَوْتُ الْعُلَمَاءِ، وَأَكَابِرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَيَحْصُلُ لِلْإِسْلَامِ بِذَلِكَ ضَعْفٌ، وَوَهْنٌ فَطُلِبَ رَفْعُهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ مَعَ كَوْنِهِ شَهَادَةً، وَبِمَا قَرَّرْته يَنْدَفِعُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: لَا يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِكَلَامِ الشَّيْخَيْنِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ أَخَصُّ مِنْ الْوَبَاءِ وَقَدْ اُخْتُصَّ بِكَوْنِهِ شَهَادَةً، وَرَحْمَةً وَدَعْوَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخِلَافِ الْوَبَاءِ فَلِهَذَا يُشْرَعُ الدُّعَاءُ بِرَفْعِ الْوَبَاءِ دُونَهُ قَالَ: وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ اخْتِصَاصُهُ بِتَحْرِيمِ الْفِرَارِ مِنْهُ وَهُوَ مِنْ الْوَبَاءِ بِغَيْرِهِ كَالْحُمَّى، وَسَائِرِ أَسْبَابِ الْهَلَاكِ جَائِزٌ بِإِجْمَاعٍ اهـ. وَلَا مُتَمَسَّكَ لَهُ فِيمَا اسْتَدَلَّ بِهِ آخِرًا لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْفِرَارِ تَعَبُّدِيٌّ عِنْدَ قَوْمٍ. (تَتِمَّاتٌ) يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِطُولِ الْعُمُرِ كَمَا دَعَا بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَسٍ وَقَيَّدَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ بِمَنْ فِي بَقَائِهِ نَفْعٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَيُنْدَبُ لَهُ الدُّعَاءُ حِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَ نَفْعُهُ قَاصِرًا فَهُوَ دُونَ الْأَوَّلِ قَالَ: وَمَنْ عَدَاهُمَا قَدْ يَصِلُ لِلْكَرَاهَةِ، وَالتَّحْرِيمِ إنْ اتَّصَفَ بِضِدِّهِمَا، وَإِنْ لَمْ يَتَّصِفْ فَقَدْ قَالَ: بَعْضُهُمْ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُحِبَّ مَا يُحِبُّهُ إبْلِيسُ فَإِنَّهُ يُحِبُّ طُولَ الْبَقَاءِ، وَالْحَقُّ أَنَّ الضَّابِطَ الرُّجُوعُ إلَى الْمُتَعَلِّقِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الْأَجَلُ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ، وَفَائِدَةُ الدُّعَاءِ تَظْهَرُ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّرَ أَنَّ زَيْدًا عُمْرُهُ ثَلَاثُونَ فَإِنْ دَعَا فَأَرْبَعُونَ، وَعَلَى هَذَا يُنَزَّلُ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الدُّعَاءِ اهـ. وَالطَّاعُونُ مِنْ الْأَمْرَاضِ الْمَخُوفَةِ عِنْدَنَا بَلْ أَهْلُ مَحَلَّتِهِ كُلُّهُمْ فِي حُكْمِ الْمَرِيضِ مَرَضًا مَخُوفًا فَلَا يَنْفُذُ تَبَرُّعُهُمْ فِي زَمَنِهِ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ، وَلَوْ مِمَّنْ لَمْ يُصِبْهُ. وَمِنْهَا يَنْبَغِي أَخْذًا مِمَّا مَرَّ مِنْ مَنْعِ التَّعَرُّضِ لِلْبَلَاءِ، وَمِنْ مَشْرُوعِيَّةِ الدَّوَاءِ التَّحَرُّزُ أَيَّامَ الْوَبَاءِ مِنْ أُمُورٍ أَوْصَى بِهَا بَعْضُ حُذَّاقِ الْأَطِبَّاءِ وَالِاعْتِنَاءُ بِأُمُورٍ أُخْرَى مِثْلِ إخْرَاجِ الرُّطُوبَاتِ الْفَضْلِيَّةِ، وَتَقْلِيلِ الْغِذَاءِ، وَتَرْكِ الرِّيَاضَةِ، وَالْمُكْثِ فِي الْحَمَّامِ، وَمُلَازَمَةِ السُّكُونِ، وَالدَّعَةِ، وَأَنْ لَا يُكْثِرَ مِنْ اسْتِنْشَاقِ الْهَوَاءِ الْغَضِّ، وَأَوَّلُ مَا يُبْدَأُ بِهِ فِي عِلَاجِ الطَّاعُونِ شَرْطُهُ إنْ أَمْكَنَ لِيَسِيلَ مَا فِيهِ لِئَلَّا تَزْدَادَ سُمِّيَّتُهُ فَإِنْ اُحْتِيجَ لِمَصِّهِ بِالْمِحْجَمَةِ فُعِلَ بِلُطْفٍ، وَيُعَالَجُ أَيْضًا بِمَا يُبَرِّدُ، وَبِإِسْفَنْجَةٍ مَغْمُوسَةٍ فِي خَلٍّ، وَمَاءٍ أَوْ دُهْنِ وَرْدٍ أَوْ دُهْنِ تُفَّاحٍ أَوْ دُهْنِ آسٍ وَبِالِاسْتِفْرَاغِ بِالْفَصْدِ بِمَا يَحْتَمِلُهُ الْوَقْتُ أَوْ يُوجَرُ بِمَا يُخْرِجُ الْخَلْطَ ثُمَّ يُقْبِلُ عَلَى الْقَلْبِ بِالْحِفْظِ، وَالتَّقْوِيَةِ بِالْمُبَرِّدَاتِ قَالَهُ ابْنُ سِينَا، وَبِهِ رَدَّ عَلَى أَطِبَّاءِ الْوَقْتِ فِي تَرْكِهِمْ مُعَالَجَةَ الْمَطْعُونِ رَأْسًا لَكِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا فَائِدَةَ فِي هَذَا التَّدْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ سَبَبَ الطَّاعُونِ فَسَادُ الْهَوَاءِ الَّذِي مَالَ إلَيْهِ الْأَطِبَّاءُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ سَبَبُهُ وَخْزُ الْجِنِّ كَمَا مَرَّ فَالْأَوْلَى طَرْحُ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَالتَّوَكُّلُ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَكَذَلِكَ يُطْرَحُ مَا فِي مُفْرَدَاتِ ابْنِ الْبَيْطَارِ، وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّ مَنْ تَخَتَّمَ بِالْيَاقُوتِ أَوْ عَلَّقَهُ عَلَيْهِ أَمِنَ مِنْ الطَّاعُونِ قَالَ جَمْعٌ مِنْ الْأَطِبَّاءِ: وَيَحْذَرُ الصَّحِيحُ زَمَنَ الطَّاعُونِ مُخَالَطَةَ مَنْ أَصَابَهُ قَالَ التَّاجُ السُّبْكِيّ: وَمَحَلُّهُ أَنْ يَشْهَدَ عَدْلَا طِبٍّ بِأَنَّ الْمُخَالَطَةَ سَبَبٌ لِأَذَى الْمُخَالِطِ، وَرُدَّ مَا قَالَهُ بِأَنَّهُ يُخَالِفُ شَهَادَةَ الْحِسِّ الْمُشَاهَدِ الْمُتَكَرِّرِ فَإِنَّ كَثِيرِينَ مِنْ الْمُخَالِطِينَ الْمُخَالَطَةَ الْكُلِّيَّةَ لَا يُصِيبُهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ وَقَدْ ثَبَتَ بُطْلَانُ الْعَدْوَى بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْمَرَضَ يُعْدِي بِمَحْضِ طَبْعِهِ كُفْرٌ، وَبِأَنَّهُ يُعْدِي بِأَمْرٍ خُلِقَ فِيهِ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ إلَّا مُعْجِزَةً أَوْ كَرَامَةً مَذْهَبٌ إسْلَامِيٌّ لَكِنَّهُ مَرْجُوحٌ وَبِأَنَّهُ لَا يُعْدِي بِطَبْعِهِ بَلْ بِعَادَةٍ إلَهِيَّةٍ وَقَدْ تَتَخَلَّفُ نَادِرًا كَذَلِكَ، وَبِأَنَّهُ لَا يُعْدِي أَصْلًا بَلْ مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ الْمَرَضُ فَهُوَ بِخَلْقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِيهِ ابْتِدَاءً وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُعْدِي شَيْءٌ شَيْئًا» وَقَوْلِهِ: «فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ» قِيلَ: وَاسْتُقْرِئَ أَنَّ مَنْ طُعِنَ، وَسَلِمَ لَا يَمُوتُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالطَّعْنِ، وَنُوزِعَ فِيهِ بِأَنَّ جَمْعًا وَقَعَ لَهُمْ خِلَافُ ذَلِكَ، وَعَلَى تَسْلِيمِ الِاسْتِقْرَاءِ فَحِكْمَتُهُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إنَّمَا يُسَلِّطُ الْجِنِّيَّ عَلَى الْإِنْسِيِّ مَرَّةً وَاحِدَةً. وَمِنْ الْآدَابِ الَّتِي يَنْبَغِي فِعْلُهَا عِنْدَ وُقُوعِ الطَّاعُونِ الْمُبَادَرَةُ

إلَى التَّوْبَةِ، وَالتَّنَقِّي مِنْ جَمِيعِ الْمَظَالِمِ، وَالتَّبِعَاتِ وَاسْتِعْمَالُ الْأَذْكَارِ الَّتِي تَحْرُسُ مِنْ الْجِنِّ كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ؛ لِأَنَّهَا شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ كَمَا فِي حَدِيثِ الدَّارِمِيِّ، وَسُورَةِ الْإِخْلَاصِ؛ لِأَنَّ مَنْ قَرَأَهَا حِينَ يَضَعُ جَنْبَهُ عَلَى فِرَاشِهِ يَأْمَنُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إلَّا الْمَوْتَ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ. وَسُورَةِ الْبَقَرَةِ لِمَا صَحَّ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَفِرُّ مِنْ بَيْتٍ قُرِئَتْ فِيهِ، وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ لِمَا صَحَّ أَنَّ مَنْ قَرَأَهَا عِنْدَ النَّوْمِ لَا يَزَالُ عَلَيْهِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى حَافِظٌ وَلَا يَعْتَرِيهِ شَيْطَانٌ حَتَّى يُصْبِحَ وَصَحَّ مَنْ قَرَأَهَا فِي بَيْتِهِ لَيْلًا لَمْ يَدْخُلْ الشَّيْطَانُ بَيْتَهُ ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَمَنْ قَرَأَهَا نَهَارًا لَمْ يَدْخُلْ الشَّيْطَانُ بَيْتَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَالْآيَتَيْنِ آخِرَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لِمَا صَحَّ أَنَّهُمَا لَا يُقْرَآنِ فِي دَارٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ، فَيَقْرَبُهَا شَيْطَانٌ، وَالْإِخْلَاصِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا عِنْدَ الْبَزَّارِ «أَمَرَ بِالتَّعَوُّذِ بِهِنَّ وَقَالَ: مَا تَعَوَّذَ الْعِبَادُ بِمِثْلِهِنَّ قَطُّ» وَكَقَوْلِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ إلَخْ لِمَا صَحَّ أَنَّهَا حِرْزٌ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إلَى الْمِسَاءِ. وَصَحَّ ذَلِكَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فِيمَنْ قَالَهَا عَشْرَ مَرَّاتٍ دُبُرَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَهُوَ ثَانِي رَجْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ، قِيلَ: وَأَعْظَمُ الْأَسْبَابِ النَّافِعَةِ مِنْهُ كَثْرَةُ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ كَذَلِكَ، وَشَرْطُ حُصُولِ النَّفْعِ بِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ صَفَاءُ الْقَلْبِ مِنْ الْكَذِبِ، وَالْإِخْلَاصُ فِي التَّوْبَةِ، وَالنَّدَمُ عَلَى مَا فَرَّطَ مِنْهُ، وَإِلَّا فَغَلَبَةُ أَسْبَابِ الدَّاءِ تُبْطِلُ نَفْعَ الدَّوَاءِ كَأَنْ يَغْفُلَ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى تَهْجُمَ عَلَيْهِ الْآفَةُ ثُمَّ يَطْلُب الْإِقَالَةَ بِذَلِكَ فَلَا يَجِدُ إلَيْهَا سَبِيلًا، وَعَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَحْسَنُ مَا يُدَاوَى بِهِ الطَّاعُونُ التَّسْبِيحُ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ يَدْفَعُ الْعَذَابَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} [الصافات: 143] الْآيَةَ، وَالْمَحْفُوظُ عَنْهُ لَمْ أَرَ لِلْوَبَاءِ أَنْفَعَ مِنْ الْبَنَفْسَجِ يُدْهَنُ بِهِ، وَيُشْرَبُ،، وَيَتَأَكَّدُ لِمَنْ أَصَابَهُ طَاعُونٌ أَوْ مَرَضٌ غَيْرُهُ أَنْ يُدِيمَ سُؤَالَ الْعَافِيَةِ وَقَدْ صَحَّ أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْعَبَّاسِ بِالْإِكْثَارِ مِنْ الدُّعَاءِ بِهَا، وَوَرَدَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ خِلَافًا لِلْحَاكِمِ «مَا سُئِلَ اللَّهُ شَيْئًا أَحَبَّ إلَيْهِ مِنْ الْعَافِيَةِ» . ، وَوَرَدَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ «أَنَّ الدُّعَاءَ بِهَا أَفْضَلُ الدُّعَاءِ» وَصَحَّ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ «لَمْ يُعْطَ النَّاسُ بَعْدَ الْيَقِينِ خَيْرًا مِنْ الْعَافِيَةِ» وَصَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمَنْ اشْتَكَى إلَيْهِ وَجَعًا فِي جَسَدِهِ «امْسَحْ بِيَمِينِكَ عَلَى الَّذِي تَأَلَّمَ مِنْ جَسَدِك وَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ ثَلَاثًا وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ، وَأُحَاذِرُ، وَأَنْ يَصْبِرَ عَلَى قَضَاءِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَقَدَرِهِ فَإِنَّ أُمُورَ الْمُؤْمِنِ كُلَّهَا خَيْرٌ إنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ شَكَرَ، وَإِنْ أَصَابَهُ شَرٌّ صَبَرَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ «إنَّ الرَّجُلَ لَتَكُونُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْمَنْزِلَةَ فَمَا يَبْلُغُهَا بِعَمَلٍ فَمَا يَزَالُ يَبْتَلِيه بِمَا يَكْرَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ إيَّاهَا» وَصَحَّ «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ، وَلَا حَزَنٍ، وَلَا أَذًى، وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا خَطَايَاهُ» ، وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ «مَنْ أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ فِي مَالِهِ أَوْ فِي نَفْسِهِ فَكَتَمَهَا وَلَمْ يَشْكُهَا إلَى النَّاسِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَغْفِرَ لَهُ» وَصَحَّ «إذَا اشْتَكَى الْمُؤْمِنُ خَلَّصَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الذُّنُوبِ كَمَا يُخَلِّصُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ» ، وَأَنْ يُحْسِنَ ظَنَّهُ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِهِ بِهِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ، وَغَيْرِهِ «إنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ» . وَصَحَّ فِي سَيِّدِ الِاسْتِغْفَارِ أَنَّ مَنْ قَالَهُ صَبَاحًا فَمَاتَ يَوْمَهُ أَوْ لَيْلَتَهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى ذَلِكَ، وَأَنْ يَخْتِمَ لَنَا بِالْحُسْنَى، وَيُبَلِّغَنَا مِنْ فَضْلِهِ الْمَقَامَ الْأَسْنَى آمِينَ هَذَا خُلَاصَةُ مَا تَيَسَّرَ جَمْعُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) سُؤَالًا صُورَتُهُ إذَا كَانَ بَعْضُ أَهْلِ بِلَادِنَا بِأَرْضِ بَجِيلَةَ الشَّخْصُ مِنْهُمْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ بِعَيْنٍ مِنْ تَرِكَتِهِ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ، فَيَقُولُ مَثَلًا هَذَا لِفُلَانٍ وَهَذَا لِفُلَانَةَ عَلَى قَصْدِ الْوَصِيَّةِ لَا قَصْدِ الْإِقْرَارِ، وَاطَّرَدَ عُرْفُهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ وَصِيَّةً فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ وَصِيَّةً لِاطِّرَادِ عُرْفِهِمْ بِذَلِكَ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْوَصِيَّةِ مِنْ جَوَازِ الرُّجُوعِ فِيهِ وَكَوْنِ الْمُقَرِّ لَهُ وَارِثًا فَلَا تَصِحُّ بِغَيْرِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ الثُّلُثِ فَمَا دُونَهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الْوَصِيَّةِ أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ اللَّفْظُ إقْرَارًا لِقَوْلِ الْأَئِمَّةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - صِيغَةُ الْإِقْرَارِ هَذَا لِفُلَانٍ وَقَدْ أَتَى الْمُقِرُّ بِصِيغَةِ الْإِقْرَارِ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ

الْإِقْرَارِ مِنْ جَوَازِ إقْرَارِ الْمَرِيضِ لِلْوَارِثِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الْإِقْرَارِ أَوْضِحُوا لَنَا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ فِيمَا إذَا كَانَ الْحَالُ مَا ذَكَرْنَا فِي السُّؤَالِ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْجَوَابُ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ أَئِمَّتُنَا مِنْ أَنَّهُ إنْ قَالَ هُوَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِي كَانَ صَرِيحًا فِي الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ قَالَ هُوَ لَهُ وَلَمْ يَقُلْ بَعْدَ مَوْتِي كَانَ صَرِيحًا فِي الْإِقْرَارِ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الْوَصِيَّةِ، وَإِنْ نَوَاهَا نَعَمْ إنْ قَالَ: هُوَ لَهُ مِنْ مَالِي كَانَ كِنَايَةً فِي الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلْإِقْرَارِ حِينَئِذٍ، وَمِثْلُهُ عَبْدِي هَذَا لَهُ، فَيَكُونُ كِنَايَةَ وَصِيَّةٍ أَيْضًا وَكَذَا لَوْ قَالَ: عَيَّنْته لَهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: وَهَبْته لَهُ بِدُونِ بَعْدَ مَوْتِي فَإِنَّهُ يَكُونُ صَرِيحًا فِي الْهِبَةِ، وَإِنْ نَوَى بِهِ الْوَصِيَّةَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ أَسْنَدَ وَصِيَّتَهُ إلَى وَلَدٍ لَهُ وَجَعَلَ أَخَاهُ نَاظِرًا عَلَى وَلَدِهِ الْوَصِيِّ، وَأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ فَلَمَّا بَلَغَ الصِّغَارُ رُشْدَهُمْ عَمَرَ أَخُوهُمْ الْوَصِيُّ بِئْرًا لَهُ وَلَهُمْ، وَأَذِنَ لَهُ النَّاظِرُ فِي الْعِمَارَةِ وَقَالَ لَهُ: كُلُّ مَا تَخْسَرهُ فِي الْمَحَلِّ خُذْ حِسَابَهُ مِنِّي فَعَمَرَ الْبِئْرَ الْمَذْكُورَةَ وَخَسِرَ فِيهَا نَحْوَ أَرْبَعِينَ أَشْرَفِيًّا فَأَعْطَاهُ الْإِخْوَةُ مِمَّا يَخُصُّهُمْ مِنْ الْخَسَارَةِ فِي الْبِئْرِ الْمَذْكُورَةِ أَشْرَفِيَّيْنِ ثُمَّ امْتَنَعُوا مِنْ إعْطَاءِ بَقِيَّةِ مَا يَخُصُّهُمْ فَهَلْ يَلْزَمُ النَّاظِرَ الْخُرُوجُ مِنْ بَقِيَّةِ الْحِسَابِ أَمْ عَلَى الصِّغَارِ وَهَلْ يُطَالَبُ الْمُعَمِّرُ إخْوَتَهُ أَمْ الْعَمَّ النَّاظِرَ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: حَيْثُ بَلَغَ الْمُوصَى عَلَيْهِ رُشْدَهُ بِأَنْ بَلَغَ مُصْلِحًا لِدِينِهِ، وَمَالِهِ اُشْتُرِطَ إذْنُهُ فِي الْعِمَارَةِ، وَمَتَى لَمْ يَأْذَنْ فَصَاحِبُ الْعِمَارَةِ مُتَبَرِّعٌ بِهَا فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ بَلْ لَهُ الرُّجُوعُ بِمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ إنْ ظَنَّ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغ كَذَلِكَ فَإِنْ أَذِنَ الْقَاضِي لِلْمُعَمِّرِ رَجَعَ فِي مَالِ الْمُوصَى عَلَيْهِ، وَإِلَّا لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ بِشَيْءٍ، وَأَمَّا إذْنُ الْعَمِّ النَّاظِرِ عَلَى الْوَصِيِّ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِالتَّصَرُّفِ فَإِنْ جَعَلَ لَهُ الْمَيِّتُ الِاسْتِقْلَالَ بِهِ كَفَى إذْنُهُ فِي رُجُوعِ الْمُعَمِّرِ عَلَى الْمَحَاجِيرِ بِمَا خَصَّهُمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُدَّتِهِ عَمَّنْ تَرَكَ زَوْجَةً، وَابْنَ ابْنِ عَمٍّ شَقِيقٍ، وَابْنَ ابْنِ عَمٍّ لِأَبٍ، وَعَبْدًا بِسَبْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ وَجَمَلًا بِثَلَاثِينَ، وَأَرْبَعَ شِيَاهٍ، وَأَعْتَقَ الْعَبْدَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَأَوْصَى لَهُ بِالْغَنَمِ، وَأَوْصَى بِثُلُثِ الْجَمَلِ لِزَوْجَتِهِ، وَثُلُثَيْهِ لِلَّذِي لِلْأَبِ فَهَلْ تَصِحُّ الْوَصَايَا وَهَلْ يَرِثُ ابْنُ ابْنِ الْعَمِّ لِأَبٍ مَعَ الشَّقِيقِ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْوَارِثُ هُوَ زَوْجَتُهُ، وَابْنُ ابْنِ عَمِّهِ الشَّقِيقُ دُونَ ابْنِ ابْنِ الْعَمِّ لِأَبٍ فَإِنْ أَجَازَ الْوَارِثَانِ الْوَصَايَا كُلَّهَا فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ رَدَّاهَا قُدِّمَ الْمُعْتَقُ فَيُعْتِقُ مِنْ الْعَبْدِ بِقَدْرِ ثُلُثِ الْمَالِ فَإِذَا فَرَضْنَا أَنَّ جَمِيعَ التَّرِكَةِ الْعَبْدُ، وَالْجَمَلُ، وَالشِّيَاهُ تُسَاوِي مِائَةً وَعِشْرِينَ فَثُلُثُ مَالِهِ أَرْبَعُونَ فَيُعْتَقُ مِنْ الْعَبْدِ بِقَدْرِهَا فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ ثَمَانِينَ عَتَقَ نِصْفُهُ وَلَا شَيْءَ لِابْنِ ابْنِ الْعَمِّ لِأَبٍ، وَالثَّمَانُونَ الْبَاقِيَةُ لِلزَّوْجَةِ رُبْعُهَا عِشْرُونَ وَلِابْنِ ابْنِ الْعَمِّ الشَّقِيقِ الْبَاقِي وَهُوَ سِتُّونَ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ دَبَّرَ مَمْلُوكًا لَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَأَوْصَى لَهُ بِعِشْرِينَ دِينَارًا ذَهَبًا ثُمَّ مَاتَ فِي مَرَضِهِ ذَلِكَ، وَتَرَكَ طِفْلًا صَغِيرًا، وَعَقَارًا لَا تَزِيدُ غَلَّتُهُ عَنْ كِفَايَةِ الْوَلَدِ الْمَذْكُورِ، وَمَنْ يَخْدُمُهُ، وَطَالَبَ الْمُدَبَّرُ الْمَذْكُورُ بِمَا أَوْصَى لَهُ بِهِ الْمَيِّتُ فَهَلْ لِلْوَصِيِّ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الْعَقَارِ الْمَذْكُورِ لِإِيفَاءِ الدَّيْنِ الْمَذْكُورِ، وَتَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ أَمْ لَا؟ وَإِذَا قُلْتُمْ: بِالْمَنْعِ، وَفَضَلَ شَيْءٌ مِنْ الْغَلَّةِ عَنْ كِفَايَةِ السَّنَةِ فَهَلْ يُصْرَفُ الْفَاضِلُ لِلْمُدَبَّرِ الْمُوصَى لَهُ بِالْعِشْرِينِ الْمَذْكُورَةِ أَمْ لَا. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنَّمَا يُعْتَقُ الْمُدَبَّرُ إنْ وَفَّى بِهِ الثُّلُثُ ثُمَّ إنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ بِالْوَصِيَّةِ، وَإِنْ بَقِيَ مَا يَفِي بِالْوَصِيَّةِ وَهِيَ الْعِشْرُونَ الْمَذْكُورَةُ أُعْطِيهَا أَوْ مَا يَفِي بِبَعْضِهَا أُعْطِيه فَقَطْ، وَإِنْ لَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِالْمُدَبَّرِ عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ وَصَارَتْ الْوَصِيَّةُ لِمَنْ بَعْضُهُ لِلْوَارِثِ، وَبَعْضُهُ حُرٌّ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ الْحِيلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ، وَغَيْرِهِ هَلْ هِيَ مِثَالٌ حَتَّى لَوْ عَكَسَ الْمُوصِي لَمْ يَخْتَلِفْ الْحُكْمُ، وَعَمَّا لَوْ أَوْصَى بِشَيْءٍ عَلَى رِشَا بِئْرٍ، وَعُمِّقَتْ هَلْ يُزَادُ مِنْ الْمُوصَى بِهِ طُولًا فِي الرِّشَاءِ عَلَى الْمَعْهُودِ مِنْ الْبِئْرِ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ، وَعَمَّنْ قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ: وَيَحُجُّ، وَيُزَارِعُنِي بِكَذَا أَوْ مَنْ حَجَّ عَنِّي فَلَهُ كَذَا وَقَالَ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ أَوْ بَعْدَهَا أَوْ فِي أَثْنَائِهَا، وَالْوَصِيُّ فِي تَنْفِيذِ وَصَايَايَ فُلَانٌ فَحَجَّ مَنْ عَلِمَ بِالْوَصِيَّةِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ مِنْ الْمُوصِي، وَحَجَّ

آخَرُ بِإِذْنِ الْوَصِيِّ فَلِمَنْ يَكُونُ الْمُوصَى بِهِ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ صُورَةِ الْحِيلَةِ مِثَالٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَفِي عَكْسِ تِلْكَ الصُّورَةِ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ أَيْضًا فَلَا يَسْتَحِقُّهَا الْمُوصَى إلَيْهِ إلَّا إنْ أَعْطَى الْوَارِثُ مَا ذَكَرَهُ الْمُوصِي حَتَّى لَوْ أَوْصَى لَهُ بِدِرْهَمٍ إنْ أَعْطَى وَلَدَهُ الْعَالِمَ يَسْتَحِقُّ الدِّرْهَمَ إلَّا إنْ أَعْطَى الْوَلَدَ الْأَلْفَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا مُقَابَلَةَ فِيهِ بِعَقْدٍ وَلَا بِغَيْرِهِ حَتَّى يُتَوَهَّمَ امْتِنَاعُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ مُقَابَلَةِ الْقَلِيلِ بِالْكَثِيرِ، وَإِنَّمَا هُوَ تَعْلِيقٌ لِلِاسْتِحْقَاقِ بِشَرْطٍ فَإِنَّ الْمُوصِيَ شَرَطَ لِاسْتِحْقَاقِ الْمُوصَى إلَيْهِ الْوَصِيَّةَ أَنْ يُعْطِيَ وَلَدَهُ كَذَا فَإِعْطَاءُ الْوَلَدِ شَرْطٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ لَا مُقَابِلَ لِلْمُوصَى بِهِ فَاتَّضَحَ أَنَّ صُورَةَ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْحِيلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ مِثَالٌ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ، وَأَنَّ الضَّابِطَ مَا أَشَرْت إلَيْهِ مِنْ أَنْ يُوصَى لِإِنْسَانٍ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ إلَّا أَعْطَى وَلَدَهُ شَيْئًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهُ يُزَادُ فِي الرِّشَاءِ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَابِطَ لَهُ مُعَيَّنٌ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ كَثْرَةِ زِيَادَةِ مَاءِ الْبِئْرِ، وَنَقْصِهِ فَلَمْ يُقْصَدْ بِالْوَصِيَّةِ تَقْيِيدُهَا بِالْقَدْرِ الْمَعْهُودِ عِنْدَهَا، وَإِنَّمَا الْقَصْدُ حُصُولُ مَا يَطْلُعُ الْمَاءُ بِسَبَبِهِ سَوَاءٌ أَزَادَ عَلَى الْمَعْهُودِ حَالَ الْوَصِيَّةِ أَمْ نَقَصَ عَنْهُ، وَأَيْضًا فَالْمَدَارُ فِي الْوَصِيَّةِ، وَنَحْوِهَا عَلَى اللَّفْظِ غَالِبًا حَيْثُ لَا عُرْفَ مُطَّرِدٌ بِخِلَافِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ أَوْصَيْت بِكَذَا عَلَى رِشَاءِ الْبِئْرِ الْفُلَانِيَّةِ يَتَنَاوَلُ الرِّشَاءَ الطَّوِيلَ، وَالْقَصِيرَ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْحَمْلِ عَلَيْهِ عِنْدَ تَعْمِيقِ الْبِئْرِ أَوْ قِلَّةِ مَائِهَا عَنْ الْمَعْهُودِ حَالَ الْوَصِيَّةِ مُخَالِفَةٌ لِلَفْظِ الْمُوصِي بِوَجْهٍ بَلْ مُوَافِقَةٌ لَهُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ لَفْظَهُ يَشْمَلُ كُلَّ مَا يُسَمَّى رِشَاءً لِذَلِكَ الْبِئْرِ، وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ فِي يَحُجُّ عَنِّي، وَنَحْوِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِ الْوَصِيِّ، وَإِلَّا لَمْ يَسْتَحِقَّ الْحَاجُّ بِدُونِ إذْنِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِخِلَافِهِ فِيمَنْ حَجَّ عَنِّي فَلَهُ كَذَا فَإِنَّ مَنْ سَبَقَ بِالْحَجِّ عَنْهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِمَا عُيِّنَ فِي الْوَصِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْوَصِيُّ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ هُنَا لَمْ يُفَوِّضْ الْأَمْرَ لِأَحَدٍ بَلْ جَعَلَ الِاسْتِحْقَاقَ مَنُوطًا بِشَرْطٍ عَامٍّ، وَهُوَ مَنْ حَجَّ، وَعِنْدَ تَعَلُّقِهِ بِشَرْطٍ عَامٍّ كَذَلِكَ لَا يَتَوَقَّفُ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى إذْنِ الْوَصِيِّ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ قَطَعَ تَوَقَّفَهُ عَلَيْهِ بِالتَّعْلِيقِ عَلَى الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ بِخِلَافِهِ فِي يَحُجُّ عَنِّي فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يُعَمِّمْ وَلَا عَيَّنَ كَانَ مُفَوِّضًا التَّعْيِينَ لِلْوَصِيِّ فَمَنْ أُذِنَ لَهُ اسْتَحَقَّ، وَمَنْ لَا فَلَا. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ مَاتَ عَنْ بِنْتٍ، وَأَخٍ، وَابْنِ أَخٍ، وَأَوْصَى أَنَّ لِبِنْتِهِ النِّصْفَ، وَالنِّصْفَ الْآخَرَ بَيْنَ أَخِيهِ، وَابْنِ أَخِيهِ فَمَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِلْمُوصَى لَهُ السُّدُسُ وَلِلْأَخِ الثُّلُثُ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الْوَصِيَّةَ فِي نَصِيبِ الْأَخِ دَلَّ عَلَى أَنَّ قَصْدَهُ تَوْفِيرُ النِّصْفِ عَلَى الْبِنْتِ فَاتَّبَعَ شَرْطَهُ ثُمَّ لَا يَمْلِكُ الْوَصِيَّةَ فِي نَصِيبِ الْأَخِ إلَّا فِي ثُلُثِهِ فَصَحَّتْ فِي ثُلُثِهِ، وَبَقِيَ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْأَخِ هَذَا مَا أَفْتَى بِنَظِيرِهِ الْقَاضِي وَكَلَامُ الرَّوْضَةِ، وَأَصْلُهَا فِي دَوْرِيَّاتِ الْوَصَايَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَفْتَى أَبُو مَنْصُورِ بْنُ الصَّبَّاغِ بِمَا يُنَازَعُ فِيهِ، وَتَبِعَهُ بَعْضُ الْفَرْضِيِّينَ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَوْصَى بِمَا فِي دَارِهِ مِنْ طَعَامٍ هَلْ يَتَنَاوَلُ الْجُلْجُلَانَ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الطَّعَامُ لُغَةً يَتَنَاوَلُ حَتَّى الْمَاءَ كَمَا فِي التَّهْذِيبِ لِلنَّوَوِيِّ، وَشَرْعًا كَذَلِكَ فِي الرِّبَا، وَفِي الْأَيْمَانِ يُسْتَثْنَى الدَّوَاءُ لِلْعُرْفِ، وَفِي الْوَكَالَةِ لَوْ وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ طَعَامٍ لَا يَخْتَصُّ بِالْحِنْطَةِ، وَفِي الْمُهَذَّبِ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ فِي الطَّعَامِ لَمْ يَتَّجِرْ إلَّا فِي الْحِنْطَةِ، وَحَمَلَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْوَسِيطِ عَلَى بَلَدٍ عُرْفُهُمْ ذَلِكَ فَإِنْ أُطْلِقَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ عَلَى نَحْوِ الشَّعِيرِ أَوْ غَيْرِهِ اُخْتُصَّ بِهِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ اسْمُ الطَّعَامِ يُطْلَقُ فِي الْعُرْفِ بِالْعِرَاقِ عَلَى الْحِنْطَةِ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَالْمُتَّجَهُ حَمْلُ الطَّعَامِ فِي لَفْظِ الْمُوصِي عَلَى عُرْفِ بَلَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ عُرْفٌ مُطَّرِدٌ تَخَيَّرَ الْوَارِثُ فِي أَيِّ أَنْوَاعِ الطَّعَامِ يُعْطِيه مِنْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَوْصَى بِثَمَرَةِ شَجَرَةٍ هَلْ تَدْخُلُ ثَمَرَتُهَا الْمُؤَبَّرَةُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا تَدْخُلُ الْمُؤَبَّرَةُ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَإِنْ حَدَثَ الثَّمَرُ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَوْصَى بِوَقْفِ شَيْءٍ، وَتَأَخَّرَ وَقْفُهُ عَنْ مَوْتِهِ حَتَّى حَصَلَ مِنْهُ رَيْعٌ فَلِمَنْ يَكُونُ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يَكُونُ لِمُسْتَحِقِّ الْوَقْفِ، وَإِلَيْهِ يَمِيلُ كَلَامُ الْجَوَاهِرِ، وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يَكُونُ لِلْوَارِثِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ قِيَاسًا عَلَى كَسْبِ الْعَبْدِ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ، وَفِيهِ خِلَافٌ فَاَلَّذِي رَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ قَبْلَ الْعِتْقِ لِلْوَارِثِ، وَحَكَى الْبَنْدَنِيجِيُّ الْقَطْعَ بِأَنَّهُ لِلْعَبْدِ ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ رَجَّحَ ذَلِكَ أَيْضًا وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ لَكِنَّهُ قَاسَهُ عَلَى مَنْ مَاتَ وَلَهُ عَقَارٌ لَهُ أُجْرَةٌ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَاسْتَغَلَّ الْوَارِثُ

ذَلِكَ الرِّيعَ مُدَّةً ثُمَّ أَثْبَتَ الدَّيْنَ، وَأَخَذَ أَصْحَابُهُ ذَلِكَ الْعَقَارَ، وَبَقِيَ لَهُمْ شَيْءٌ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ أَنَّهُ لَا رُجُوعَ لَهُمْ عَلَى الْوَارِثِ بِمَا أَخَذَهُ اهـ. وَفِي الْقِيَاسِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَوْصَى لِعَبْدِ زَيْدٍ الصَّغِيرِ فَهَلْ يَقْبَلُ لَهُ سَيِّدُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يَقْبَلُ لَهُ عَلَى الْأَوْجَهِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَوْصَى أَوْ وَقَفَ عَلَى الْمُحْتَاجِينَ فَمَا الْمُرَادُ بِهِمْ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: حَكَى الْأَذْرَعِيُّ عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُحْتَاجِ مَنْ تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ، وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ مُرَاجَعَةَ الْوَاقِفِ إنْ كَانَ حَيًّا وَهُوَ مُتَّجَهٌ إنْ تَيَسَّرَ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ الْفُقَرَاءُ، وَالْمَسَاكِينُ، وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ مِمَّنْ شَرْطُ إعْطَائِهِ الْحَاجَةُ دُونَ الْبَقِيَّةِ لِقَرِينَةِ لَفْظِ الْحَاجَةِ. (وَسُئِلَ) بِمَا صُورَتُهُ مَاتَ الْمُوصَى، وَالْوَصِيُّ غَائِبٌ فَهَلْ يَنُوبُ عَنْهُ الْقَاضِي فِي نَحْوِ تَنْفِيذِ الْوَصَايَا كَغَيْبَةِ الْوَلِيِّ فِي النِّكَاحِ، وَمَا مَعْنَى قَوْلُهُمْ تَنْفِيذُ الْوَصَايَا لِلْحَاكِمِ وَقَضَاءُ الدُّيُونِ لِلْأَبِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ يَنُوبُ الْحَاكِمُ بَدَلًا عَنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ فِيمَا لَوْ أَوْصَى لِاثْنَيْنِ فَغَابَ أَحَدُهُمَا، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ تَنْفِيذَ الْوَصَايَا حَيْثُ لَا وَصِيَّ لِلْقَاضِي، وَأَنَّ قَضَاءَ الدُّيُونِ لِلْأَبِ مَفْرُوضٌ فِي وَرَثَةِ أَطْفَالٍ وَقَوْلُهُمْ لِلْوَارِثِ قَضَاءُ الدُّيُونِ الْمُرَادُ إذَا كَانَ كَامِلًا. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَوْصَى بِنَحْوِ كَفَّارَةٍ فَهَلْ يَجُوزُ إعْطَاءُ شَيْءٍ مِنْهَا لِوَارِثٍ لَهُ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فِي حَيَاتِهِ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يَجُوزُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ بَلْ صَرَّحُوا أَنَّ مَنْ أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ لَمْ يُعْطَ وَارِثُهُ الشَّامِلُ لِمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَغَيْرُهُ هَذَا فِي غَيْرِ الْكَفَّارَةِ، وَأَمَّا الْإِطْعَامُ فِيهَا فَحُكْمُهُ فِي الصَّرْفِ إلَى فُقَرَاءِ الْوَرَثَةِ حُكْمُ الزَّكَاةِ فِي صَرْفِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ صَرْفُهَا إلَى ابْنِ الْمَيِّتِ الْفَقِيرِ قَالَ فِي الْبَحْرِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجُوزَ لِزَوَالِ شُبْهَةِ اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ وَكَذَا قَالَ الْعِجْلِيّ وَاسْتَبْعَدَ مَا قَالَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ الزَّكَاةُ، وَتُصْرَفَ إلَيْهِ وَلَيْسَ هَذَا بِأَعْظَمَ مِنْهُ وَقَالَ الْقَفَّالُ: يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَى زَوْجَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَالْأَوْجَهُ عِنْدِي مَا قَالَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ نَائِبٌ فِي الْحَقِيقَةِ عَنْ الْمَيِّتِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ لَهُ إعْطَاءُ ابْنِهِ مِنْ زَكَاتِهِ فَكَذَا مَنْ قَامَ مَقَامَهُ، وَبِهَذَا تَعْلَمُ رَدَّ مَا اعْتَمَدَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ الْجَوَازِ إذَا دُفِعَتْ إلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ ثُمَّ دَفَعَهَا إلَى الْمُسْتَحِقِّ مِنْ الْوَرَثَةِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ دَفَعَهَا عَنْ الْمَيِّتِ أَجْنَبِيٌّ مِنْ مَالِهِ إذْ الْأَجْنَبِيُّ لَيْسَ نَائِبًا عَنْ الْمَيِّتِ بِخِلَافِ الْحَاكِمِ فَلَا يُقَاسُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَوْصَى بِأَنَّ مَا فَضَلَ مِنْ ثُلُثِهِ يَجْعَلُهُ الْوَصِيُّ تَحْتَ يَدِهِ، وَيَصْرِفُهُ لِفُلَانٍ، وَفُلَانٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصَى فَهَلْ يَنْتَقِلُ لِمَنْ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يَسْتَحِقُّهُ وَرَثَةُ الْمُوصِي لَا الْمُوصَى لَهُ قَبْلُ وَلَا يَأْتِي فِيهِ خِلَافُ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ فِيمَا لَوْ أَوْصَى لِشَخْصٍ بِدِينَارٍ كُلَّ سَنَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا غَايَةَ هُنَاكَ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ عَتَقَ عَبْدُهُ ثُمَّ أَوْصَى لَهُ بِأَرْضٍ، وَشَرَطَ أَنْ لَا يَبِيعَهَا، وَأَنَّهُ إلَّا مَاتَ مِنْ غَيْرِ وَلَدٍ رَجَعَتْ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي فَهَلْ يُعْمَلُ بِشَرْطٍ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يَمْلِكُهَا، وَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَلَا تَعُودُ لِمِلْكِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ فَاسِدٌ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي الْهِبَةِ، وَأَفْتَى غَيْرُهُ بِأَنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْمُوصِي عَدَمَ الْبَيْعِ، وَإِلَّا كَانَتْ وَصِيَّةً بِالْمَنْفَعَةِ فَقَطْ كَمَا فِي الْمُهِمَّاتِ، وَغَيْرِهَا، وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ صِحَّةَ الشَّرْطِ فِي قَوْلِ الْجَوَاهِرِ يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِالشَّرْطِ كَأَوْصَيْتُ لَهُ بِكَذَا إنْ تَزَوَّجَ أَوْ إنْ رَجَعَ مِنْ سَفَرِهِ، وَفِي قَوْلِ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ أَوْصَى لِأُمِّ وَلَدِهِ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ أُعْطِيت الْأَلْفَ فَإِنْ تَزَوَّجَتْ اُسْتُرْجِعَ مِنْهَا، وَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِهَا عَلَى أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ عَتَقَتْ عَلَى الشَّرْطِ فَإِنْ تَزَوَّجَتْ لَمْ يَبْطُلْ الْعِتْقُ، وَالنِّكَاحُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الشَّرْطِ يَمْنَعُ مِنْ إمْضَاءِ الْوَصِيَّةِ، وَنُفُوذُ الْعِتْقِ يَمْنَعُ مِنْ الرُّجُوعِ فِيهِ لَكِنْ يُرْجَعُ عَلَيْهَا بِقِيمَتِهَا، وَتَكُونُ مِيرَاثًا، وَلَوْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ لَمْ تَسْتَحِقَّ اسْتِرْجَاعَ الْقِيمَةِ اهـ. ، وَوَجْهُ عَدَمِ الْمُنَافَاةِ أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ خَارِجَةٌ عَنْ الْعَيْنِ الْمُوصَى بِهَا فَلَا يُنَافِي مِلْكَهَا بِخِلَافِ شَرْطِ أَنَّهُ لَا يَبِيعُ أَوْ أَنَّهَا تَرْجِعُ لِوَرَثَتِهِ فَقَوْلُ جَمْعٍ مُتَقَدِّمِينَ، وَمُتَأَخِّرِينَ يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْوَصِيَّةِ بِالشَّرْطِ يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ نَحْوُ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ مِنْ الشُّرُوطِ الْمُنَافِيَةِ لِمَوْضُوعِ الْوَصِيَّةِ إذْ مَوْضُوعُهَا مِلْكُ الْعَيْنِ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا بِالْبَيْعِ، وَغَيْرِهِ

فَاشْتِرَاطُ عَدَمِ الْبَيْعِ مُنَافٍ لِمَوْضُوعِهَا فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنَّهُ يُفْسِدُهَا فَإِنْ قُلْت: وَبَقِيَّةُ الشُّرُوطِ مُنَافِيَةٌ لِمَوْضُوعِهَا قُلْت: مَمْنُوعٌ، وَإِنَّمَا غَايَةُ مَا فِيهَا تَعْلِيقُ اسْتِحْقَاقِهَا عَلَى صِفَةٍ فَحَيْثُ وُجِدَتْ وُجِدَ الِاسْتِحْقَاقُ، وَإِلَّا فَلَا. (وَسُئِلَ) بِمَا صُورَتُهُ قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ أُرِيدُ لِفُلَانٍ كَذَا مِنْ مَالِي فَهَلْ هُوَ بِمَعْنَى أَعْطُوهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَفْتَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيمَنْ قِيلَ: لَهُ أَتُرِيدُ أَنْ أُطَلِّقَ زَوْجَتَك فَقَالَ: نَعَمْ إنَّهُ تَوْكِيلٌ فِي طَلَاقِهَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْإِرَادَةَ مَيْلُ الْقَلْبِ، وَتَجِدُ النَّاسَ كَثِيرًا يُرِيدُونَ الشَّيْءَ وَلَا يُظْهِرُونَهُ، وَيُرَدُّ بِأَنَّ قَوْلَهُ: فِي الْجَوَابِ نَعَمْ أَيْ: أُرِيدُ ذَلِكَ مِنْك بِمَعْنَى وَكَّلْتُك فِيهِ أَوْ أَمَرْتُك بِهِ، وَحِينَئِذٍ فَالْقِيَاسُ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ بِمَعْنَى أَعْطُوهُ كَذَا مِنْ مَالِي. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَوْصَى بِقِرَاءَةِ خَتْمَةٍ، وَذَكَرَ لِلْقُرَّاءِ شَيْئًا مَعْرُوفًا مِنْ الْحَبِّ، وَاللَّحْمِ فَهَلْ يُعْطَوْنَهُ أَوْ يَطْبُخُهُ لَهُمْ الْوَصِيُّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْمُتَّبَعُ فِي ذَلِكَ حَيْثُ احْتَمَلَ لَفْظُ الْمُوصِي لِمَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ مَا اطَّرَدَ بِهِ عُرْفُهُ حَالَ الْوَصِيَّةِ، فَيَجِبُ عَلَى الْوَصِيِّ أَنْ يَتَّبِعَ جَمِيعَ مَا اطَّرَدَتْ بِهِ الْعَادَةُ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ تَخَيَّرَ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ رِعَايَةُ الْأَصْلَحِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فِي نَاظِرِ الْوَقْفِ، وَلَوْ اُعْتِيدَ أَنَّ الْوَصِيَّ يَأْخُذُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَهَلْ لَهُ الْعَمَلُ بِالْعَادَةِ فِي ذَلِكَ وَكَأَنَّ الْمُوصِيَ نَصَّ لَهُ عَلَيْهِ أَوْ لَا؟ مَحَلُّ نَظَرٍ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِثُلُثِ مَا وَرَائِي فَهَلْ هُوَ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قِيَاسُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَإِنْ اشْتَهَرَ عِنْدَ النَّاسِ أَنَّ ذَلِكَ مُرَادٌ بِهِ الْمَوْتُ إذْ مَأْخَذُ الصَّرَاحَةِ لَيْسَ هَذَا الِاشْتِهَارُ كَمَا قَالُوهُ فِي الطَّلَاقِ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ أَفْتَى بِأَنَّهُ صَرِيحٌ، وَكَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ مَأْخَذَ الصَّرَاحَةِ الِاشْتِهَارُ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَوْصَى لِمَنْ عَامَلَهُ بِكَذَا فَهَلْ يَصِحُّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنْ كَانُوا مَحْصُورِينَ مَعْرُوفِينَ صَحَّ، وَإِلَّا احْتَمَلَ الصِّحَّةَ أَيْضًا كَالْفُقَرَاءِ وَاحْتَمَلَ الْفَرْقَ، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ فَعَلَيْهِ يَجِبُ إعْطَاءُ ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ أَوْصَى لِأُمِّ الْأَطْفَالِ عَلَيْهِمْ أَوْ نَصَّبَهَا الْحَاكِمُ هَلْ يَبْطُلُ حَقُّهَا بِتَزَوُّجِهَا كَالْحَضَانَةِ أَوْ يُفَرَّقُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْحَضَانَةِ بِأَنَّ حِفْظَ الصَّغِيرِ، وَتَرْبِيَتَهُ يَحْتَاجُ إلَى مُبَاشَرَةِ أَعْمَالٍ تُفَوِّتُ عَلَى الزَّوْجِ بَعْضَ حُقُوقِهِ بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا التَّوْكِيلُ فِيمَا لَا يَتَيَسَّرُ لَهَا مُبَاشَرَتُهُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ: الشَّيْءُ الْفُلَانِيُّ صَدَقَةٌ بَعْدَ مَوْتِي لِمَسْجِدِ كَذَا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْصَى بِوَصَايَا فَمَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ قَوْلَهُ: صَدَقَةٌ بَعْدَ مَوْتِي وَصِيَّةٌ فَحُكْمُهُ كَالْوَصَايَا الَّتِي بَعْدَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ لَمْ يَقُلْ بَعْدَ مَوْتِي فَإِنَّهُ يَكُونُ إقْرَارًا أَوْ إنْشَاءً، وَعَلَى كُلٍّ فَيُقَدَّمُ عَلَى بَقِيَّةِ الْوَصَايَا. (وَسُئِلَ) هَلْ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْمَرْهُونِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ تَصِحُّ مُطْلَقًا وَلَا تَبْطُلُ إلَّا بِبَيْعِهِ فِي الدَّيْنِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْوَرَثَةِ تَسَلُّمُهُ مِنْ التَّرِكَةِ لِتَبْقَى الْوَصِيَّةُ نَعَمْ لَوْ تَبَرَّعَ الْمُوصَى لَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ لِتُسَلَّمَ لَهُ الْعَيْنُ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الدَّائِنِ قَبُولُهُ كَالْوَارِثِ؛ لِأَنَّ لَهُ عُلَقَةً بِهِ أَوْ لَا؟ يَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْغَرِيمِ قَبُولُ قَضَاءِ مُتَبَرِّعٍ غَيْرِ الْوَارِثِ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْوَارِثِ بِأَنَّ الْوَارِثَ مَالِكٌ بِخِلَافِ الْمُوصَى لَهُ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ إلَى الْآنَ. (وَسُئِلَ) هَلْ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْمُدَبَّرِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: صَرَّحَ الشَّيْخَانِ فِي بَابِهِ بِصِحَّتِهَا، وَنُظِرَ فِيهِ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ رُجُوعٌ بِالْقَوْلِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَبِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِهِ ثُمَّ دَبَّرَهُ كَانَ رُجُوعًا؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ أَقْوَى إذْ لَا يَفْتَقِرُ لِقَبُولٍ وَلَا يَبْطُلُ بِالرَّدِّ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْأَقْوَى يَرْفَعُ الْأَضْعَفَ وَلَا عَكْسَ، وَيُجَابُ بِأَنَّ قَوْلَهُمْ الرُّجُوعُ بِالْقَوْلِ مُمْتَنِعٌ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ التَّدْبِيرِ بِقَرِينَةِ كَلَامِهِمْ فِيهِ وَكَأَنَّ وَجْهَهُ أَنَّ التَّدْبِيرَ نَفْسَهُ قِيلَ: إنَّهُ وَصِيَّةٌ بَلْ ذَكَرُوا فُرُوعًا تَقْتَضِيه فَلَمَّا كَانَ مِنْ جِنْسِهَا أَثَّرَتْ فِيهِ، وَبِهَذَا يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ الْإِشْكَال الثَّانِي. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ أَوْ عَكْسُهُ فَمَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنْ ذَكَرَ الثَّانِيَةَ فِي الْأُولَى كَأَوْصَيْتُ لَهُ بِاَلَّذِي أَوْصَيْت بِعِتْقِهِ كَانَ رُجُوعًا، وَإِلَّا شُرِّكَ بَيْنَهُمَا فَيُعْتَقُ نِصْفُهُ وَلِلْمُوصَى لَهُ نِصْفُهُ إنْ قَبِلَ، وَإِلَّا عَتَقَ الْجَمِيعُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَوْصَى لِآخَرَ بِثُلُثِهِ ثُمَّ لِآخَرَ إلَّا فَعَلَ كَذَا بِأَرْضِهِ الْفُلَانِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَانَتْ لِوَرَثَتِهِ فَهَلْ قَوْلُهُ: كَانَتْ لِوَرَثَتِهِ رُجُوعٌ عَنْ

الْوَصِيَّةِ الْأُولَى؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى وَفْقِ الشَّرْطِ كَانَتْ الْأَرْضُ بَيْنُهُ، وَبَيْنَ الْمُوصَى لَهُ أَوَّلًا، وَإِلَّا كَانَ قَوْلُهُ: الْمَذْكُورُ رُجُوعًا فَقَدْ قَالُوا لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ لِلِابْنِ إلَّا مُنَجَّزًا، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا بِخِلَافِ الْهِبَةِ، وَتَبْقَى الْوَصِيَّةُ فِي ثُلُثِ الْبَاقِي مِنْ مُخَلَّفِهِ غَيْرَ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَوْصَى لِأَوْلَادِ زَيْدٍ وَلَهُ حَمْلٌ مُجْتَنٌّ حَالَ الْوَصِيَّةِ فَهَلْ يَدْخُلُ فِي أَوْلَادِهِ كَالْوَقْفِ، وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يَشْهَدُ لِلْفَرْقِ قَوْلُهُمْ الْوَصِيَّةُ لِلْمَعْدُومِ بَاطِلَةٌ، وَالْبَاطِلُ لَا يَنْقَلِبُ صَحِيحًا، وَالْحَمْلُ مَعْدُومٌ، وَإِنْ نَزَّلَهُ الْفُقَهَاءُ فِي الْبَيْعِ، وَنَحْوِهِ مَنْزِلَةَ الْمَعْلُومِ لِلتَّبَعِيَّةِ ثُمَّ لِمَا هُوَ كَالْجُزْءِ مِنْهُ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَالْفَرْقُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْمُعَيَّنِ لَا تَصِحُّ إلَّا إذَا كَانَ الْمُوصَى لَهُ مَوْجُودًا كَمَا تَقَرَّرَ بِخِلَافِ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الْمَعْدُومِ بِالتَّبَعِيَّةِ فَدَخَلَ فِيهِ الْحَمْلُ تَبَعًا لِلْمَوْجُودِينَ لَكِنَّهُ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا عِنْدَ الِانْفِصَالِ إذْ لَا يُسَمَّى وَلَدًا إلَّا حِينَئِذٍ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ قَالَ حُجُّوا عَنِّي مِنْ أَرْضِي أَوْ بِأَرْضِي فَهَلْ تَتَعَيَّنُ تِلْكَ الْأَرْضُ وَهَلْ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ فَرْقٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ تَتَعَيَّنُ، وَبَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ فَرْقٌ إذْ الْأُولَى تَقْتَضِي أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ مِنْ أُجْرَةِ أَرْضِهِ، وَالثَّانِي يَقْتَضِي أَنَّ الْمُوصِيَ أَوْ الْحَاكِمَ يَبِيعُهَا، وَيَحُجُّ عَنْهُ بِثَمَنِهَا أَوْ يُعْطِيهَا أُجْرَةً لِمَنْ يَحُجُّ إنْ رَضِيَ. (وَسُئِلَ) عَنْ امْرَأَةٍ تَشَاجَرَتْ هِيَ، وَزَوْجُهَا فَقَالَتْ: حَقِّي بَعْدَ عَيْنِي صَدَقَةٌ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا فَهَلْ هُوَ وَقْفٌ أَوْ وَصِيَّةٌ أَوْ نَذْرٌ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي ذَكَرُوهُ أَيْ: فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ وَلَمْ تَقُلْ بَعْد مَوْتِي، وَالْمَسْجِدُ الْمَذْكُورُ مُعَيَّنٌ فَإِذَا أَرَادَتْ بِقَوْلِهَا بَعْدَ عَيْنِي بَعْدَ مَوْتِي كَانَ وَصِيَّةً، وَإِنْ لَمْ تُعْلَمْ إرَادَتُهَا فَالظَّاهِرُ الْعَمَلُ بِعُرْفِ أَهْلِ بَلَدِهَا الْمُطَّرِدِ فِي الْمُرَادِ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ، وَيُحْتَمَلُ إلْغَاؤُهُ مُطْلَقًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَأْخَذَ الصَّرَاحَةِ لَيْسَ هُوَ الِاشْتِهَارُ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا صُورَتُهُ أَفْتَى الْقَفَّالُ بِأَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِلْفُقَرَاءِ فَقَاسَمَ الْوَصِيُّ الْوَرَثَةَ، وَأَفْرَزَ الثُّلُثَ فَتَلِفَ فِي يَدِهِ قَبْلَ قِسْمَتِهِ فَكَتَلَفِهِ فِي يَدِ الْمُسْتَحَقِّينَ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِهِمْ وَكَذَا الْقَيِّمُ فِي الْحَجِّ إذَا أَخَذَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَتَلِفَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ بِهِ مَنْ يَحُجَّ، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ الْمُوصِيَ لَوْ أَخْرَجَ مِنْ التَّرِكَةِ الثُّلُثَ لِلْفُقَرَاءِ، وَأُفْرِزَ ذَلِكَ فَقَبْلَ أَنْ يُفَرِّقَهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ تَلِفَ فِي يَدِهِ رَجَعَ فِي بَاقِي التَّرِكَةِ بِالثُّلُثِ؛ لِأَنَّ تَلَفَهُ فِي يَدِ الْوَصِيِّ لَا يُجْعَلُ كَوُصُولِهِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ اهـ فَمَا الرَّاجِحُ مِنْ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا خَفَاءَ أَنَّ الْوَصِيَّ نَائِبٌ عَنْ الْمَيِّتِ فِي الْإِقْبَاضِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهُ نَائِبًا عَنْ الْمُسْتَحَقِّينَ فِي الْقَبْضِ لِئَلَّا يَلْزَمَ مِنْهُ اتِّحَادُ الْقَابِضِ، وَالْمُقْبَضِ بِلَا ضَرُورَةٍ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْأَوْجَهُ مَا ذَكَرَهُ آخِرًا مِنْ أَنَّ تَلَفَهُ فِي يَدِهِ لَا يُجْعَلُ كَوُصُولِهِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ وَكِيلًا عَنْهُمْ بَلْ عَنْ الْمَيِّتِ، وَمَنْ وَكَّلَ آخَرَ فِي قَضَاءِ دَيْنِهِ بِكَذَا فَتَلِفَ بِيَدِ وَكِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْهُ الدَّائِنُ تَلِفَ عَلَى الْمُوَكِّلِ، وَبَقِيَ حَقُّ الدَّائِنِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ لَا يُقَالُ: بِالْإِفْرَازِ يَتَبَيَّنُ مِلْكَ الْوَرَثَةِ لِمَا أُفْرِزَ لَهُمْ فَتَلَفُهُ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهِمْ كَهُوَ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ هُنَا مَمْنُوعٌ بَلْ بِتَلَفِهِ قَبْلَ الْوُصُولِ لَهُمْ يَتَبَيَّنُ أَنَّ مَا أُفْرِزَ لِلْوَرَثَةِ صَارَ كَأَنَّهُ كُلُّ التَّرِكَةِ فَيُؤْخَذُ ثُلُثُهُ (وَسُئِلَ) عَمَّنْ لَهُ زَوْجَةٌ، وَوَلَدٌ، وَوَلَدُ ابْنٍ فَأَوْصَى لِوَلَدِ الِابْنِ بِوَصِيَّةٍ فِي نَصِيبِ الِابْنِ خَاصَّةً فَهَلْ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ، وَيَدْخُلُ النَّقْصُ عَلَى الِابْنِ دُونَ الزَّوْجَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ، وَأَفْتَى بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَكَذَا ابْنُ السُّنِّيِّ لَكِنْ قَالَ: إنَّهَا فِي ثُلُثِ نَصِيبِ مَنْ جُعِلَتْ فِي نَصِيبِهِ، وَوَافَقَهُمَا ابْنُ مَنْصُورٍ عَلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لَكِنْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْوَرَثَةِ، وَفِي فَتَاوَى الشَّرَفِ الْجَيَّانِيِّ بَعْدَ نَقْلِ مَا ذُكِرَ الصَّوَابُ إبْطَالُ الْوَصِيَّةِ إذَا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ فِي نَصِيبِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَغْيِيرًا لِحُكْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَإِنَّ حُكْمَهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَإِذَا خَصَّصَهَا بِنَصِيبِ أَحَدِهِمْ فَقَدْ وَفَّرَ نَصِيبَ الْآخَرِ بَعْدَ مَا كَانَتْ تُؤْخَذُ مِنْهُ لَوْ كَانَتْ شَائِعَةً وَهَذَا وَصِيَّةٌ لَهُ فَتَحْتَاجُ إلَى إجَازَةٍ إذْ لَا تَصِحُّ إلَّا بِهَا. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي الرَّوْضَةِ، وَأَصْلِهَا وَلَمْ يَحْكِيَا فِيهِ خِلَافًا صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَاخْتِصَاصُ الْوَصِيَّةِ بِحِصَّةِ مَنْ خَصَّصَهَا الْمُوصَى بِهِ، وَعِبَارَتُهُمَا فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ

بِنَصِيبٍ، وَبِجُزْءٍ شَائِعٍ عَلَى شَرْطِ أَنْ لَا يُضَامَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ أَيْ: لَا يَدْخُلُ النَّقْصُ عَلَيْهِ مِثَالُهُ ابْنَانِ، وَأَوْصَى لِزَيْدٍ بِرُبْعِ الْمَالِ وَلِعَمْرٍو بِنَصِيبِ أَحَدِ الِابْنَيْنِ عَلَى أَنْ لَا يُضَامَ الثَّانِي بِالْوَصِيَّتَيْنِ هِيَ مِنْ أَرْبَعَةٍ لِذِكْرِهِ الرُّبْعَ لِزَيْدٍ سَهْمٌ وَلِلِابْنِ الَّذِي شُرِطَ لَهُ أَنْ لَا يُضَامَ سَهْمَانِ يَبْقَى سَهْمٌ لِعَمْرٍو وَلِلِابْنِ الْآخَرِ لَا يَصِحُّ عَلَيْهِمَا فَتَضْرِبُ اثْنَيْنِ فِي أَرْبَعَةٍ أَيْ: فَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ لِمَنْ لَمْ يُضَمْ أَرْبَعَةً وَلِمَنْ أُضِيمَ أَيْ:، وَأَجَازَ إذْ الْوَصِيَّةُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَاحِدٌ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالرُّبْعِ اثْنَانِ وَلِعَمْرٍو الْمُوصَى لَهُ بِنَصِيبِ أَحَدِ الِابْنَيْنِ وَاحِدٌ، وَحِينَئِذٍ اُخْتُصَّ النَّقْصُ بِنَصِيبِ مَنْ شُرِطَ إضَافَتُهُ، وَمَنْ شُرِطَ عَدَمُ إضَافَتِهِ أَخَذَ حَقَّهُ كَامِلًا بِتَقْدِيرِ عَدَمِ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخَانِ أَيْضًا مَسْأَلَةٌ ثَلَاثُ بَنِينَ أَحَدُهُمْ بَكْرٌ، وَأَوْصَى مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ لِزَيْدٍ بِنَصِيبِ أَحَدِهِمْ وَلِعَمْرٍو بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ، وَشَرَطَ أَنْ لَا يُضَامَ بَكْرٌ، وَبَيَّنَّا طَرِيقَةَ اسْتِخْرَاجِ ذَلِكَ، وَأَنَّهَا تَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِبَكْرٍ الَّذِي شَرَطَ أَنْ لَا يُضَامَ الثُّلُثُ كَامِلًا وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَلِكُلٍّ مِنْ الِاثْنَيْنِ اللَّذَيْنِ شُرِطَ إضَافَتُهُمَا خَمْسَةٌ وَلِزَيْدٍ الْمُوصَى لَهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ بِنَصِيبِ أَحَدِهِمْ خَمْسَةٌ وَلِعَمْرٍو الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ أَيْ: بَعْدَ إخْرَاجِ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ الثُّلُثِ بَعْدَ خَمْسَةِ زَيْدٍ ثَلَاثَةٌ ثُلُثُهَا وَاحِدٌ، وَبِذَلِكَ صَحَّ مَا قَالَهُ الْمُوصِي، فَإِنَّ بَكْرًا أَخَذَ الثُّلُثَ كَامِلًا بِاعْتِبَارِ رُءُوسِ الْبَنِينَ الثَّلَاثَةِ وَصُدِّقَ أَنَّهُ لَمْ يُضَمْ؛ لِأَنَّ مَا أَخَذَهُ هُوَ حِصَّتُهُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْوَصِيَّةِ، وَمَا أَخَذَهُ كُلٌّ مِنْ الِابْنَيْنِ الْآخَرَيْنِ هُوَ دُونَ حِصَّتِهِ الْأَصْلِيَّةِ بِثَلَاثَةٍ فَأَخَذْنَا ثَلَاثَةً مِنْ سَهْمِ كُلٍّ مِنْهُمَا الْأَصْلِيِّ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَقَسَمْنَا هَذِهِ السِّتَّةَ الْمَأْخُوذَةَ بَيْنَ الْوَصِيَّتَيْنِ فَأَعْطَيْنَا زَيْدًا مِنْهَا خَمْسَةً مِثْلَ نَصِيبِ أَحَدِ الْمَضَامِينَ، وَعَمْرًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ ثُلُثُ الْبَاقِي مِنْ الثُّلُثِ، وَحِينَئِذٍ فَالْوَصِيَّةُ هُنَا بِالرُّبْعِ لِمَا عَلِمْت أَنَّ مَجْمُوعَ الْوَصِيَّتَيْنِ سِتَّةٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ وَقَدْ اُخْتُصَّتْ كَمَا تَرَى بِنَصِيبَيْ الْمَضَامِينَ، وَبَقِيَ نَصِيبُ مَنْ شَرَطَ عَدَمَ إضَافَتِهِ كَامِلًا فَأَثَّرَتْ الْوَصِيَّةُ فِي تَخْصِيصِ بَعْضِ الْأَنْصِبَاءِ بِالنَّقْصِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ إجَازَةُ الْمَضَامِينَ كَمَا يَأْتِي فَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْ الشَّيْخَيْنِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ بِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ، وَبِدُخُولِ النَّقْصِ عَلَى الِابْنِ دُونَ الزَّوْجَةِ إنْ أَجَازَ وَقَوْلُ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ كَمَا يَدُلُّ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَقَوْلُهُ: لَكِنْ قَالَ: إنَّهَا فِي ثُلُثِ نَصِيبِ مَنْ جُعِلَتْ فِي نَصِيبِهِ يُوهِمُ أَنَّ عِبَارَةَ الرَّوْضَةِ، وَأَصْلُهَا لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي ذَلِكَ وَلَا فِي تَخْصِيصٍ بِمَنْ شَرَطَ إضَافَتَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِيهِمَا لِمَا عَلِمْت مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ عِبَارَةَ الشَّيْخَيْنِ صَرِيحَةٌ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ، وَفِي تَخْصِيصِ النَّقْصِ بِمَنْ شَرَطَ إضَافَتَهُ، وَأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَعَلَى فَرْضِ خِلَافٍ فِيهِ فَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ شَاذٌّ، وَمَا عُلِّلَ بِهِ يُنَافِيه لِاقْتِضَائِهِ صِحَّتَهَا، وَإِنَّمَا شَرْطُ تَنْفِيذِهَا الْإِجَازَةُ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ فَقَدْ قَالُوا: عَقِبَ مَا مَرَّ عَنْ الرَّوْضَةِ إنَّمَا تَسْتَقِيمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ، وَنَظَائِرُهَا إذَا أَجَازَ الْمُضَامُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فَإِنْ لَمْ يَجُزْ خَرَجَتْ الْوَصِيَّةُ مِنْ كُلِّ التَّرِكَةِ مَا لَمْ تَزِدْ عَلَى الثُّلُثِ، وَيُقَسَّمُ الْبَاقِي عَلَى كُلِّ الْوَرَثَةِ، وَعِلَّتُهُ أَنَّهَا تَتَضَمَّنُ وَصِيَّةً لِوَارِثٍ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ خَاتِمَةُ الْمُحَقِّقِينَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْفَرْضَيْنِ الشِّهَابُ ابْنُ الْهَائِمِ فِي شَرْحِ كِفَايَتِهِ، وَغَيْرِهِ، وَأَقَرَّهُ شُرَّاحُ كَلَامِهِ كَشَيْخِنَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا وَكَالشَّيْخِ الْإِمَامِ الْبَدْرِ سِبْطِ الْمَارْدِينِيِّ لَوْ خَلَّفَ جَدًّا، وَبِنْتًا، وَأَوْصَى لِأَجْنَبِيٍّ بِثُلُثِ الْبَاقِي بَعْدَ الْفَرْضِ فَإِنْ قُلْنَا بِالضَّعِيفِ إنَّهُ لَا يُفْرَضُ لِلْجَدِّ فِيهَا فَالْوَصِيَّةُ بِالسُّدُسِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهُ يُفْرَضُ لَهُ فِيهَا كَالْأَبِ مَعَهَا فَالْوَصِيَّةُ بِالتُّسْعِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ تَضَمَّنَتْ وَصِيَّةً أُخْرَى لِوَارِثٍ وَهُوَ الْبِنْتُ لِإِدْخَالِهِ الضَّيْمَ عَلَى الْجَدِّ دُونَهَا كَمَا لَوْ أَوْصَى بِإِدْخَالِ الضَّيْمِ عَلَيْهِ دُونَهَا فَلِمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ الضَّيْمُ أَنْ لَا يُجِيزَ مَا حَصَلَ بِهِ الضَّيْمُ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الْوَصِيَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْوَرَثَةِ، وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَدْ اُخْتُصَّ الضَّيْمُ بِالْجَدِّ فَإِنْ أَجَازَ لِلْبِنْتِ فَعَلَى الضَّعِيفِ تَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ لِلْبِنْتِ ثَلَاثَةٌ وَلِلْمُوصَى لَهُ سَهْمٌ وَلِلْجَدِّ سَهْمَانِ، وَعَلَى الْأَصَحِّ تَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لِلْبِنْتِ تِسْعَةٌ وَلِلْجَدِّ ثَلَاثَةٌ بِالْفَرْضِ، وَثُلُثُ الْبَاقِي سَهْمَانِ لِلْمُوصَى لَهُ، وَيَبْقَى أَرْبَعَةٌ لِلْجَدِّ بِالْعُصُوبَةِ يَجْتَمِعُ لَهُ سَبْعَةٌ، وَإِنْ رَدَّ لِلْبِنْتِ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهَا وَلَمْ تَفْتَقِرْ وَصِيَّةُ الْأَجْنَبِيِّ إلَى إجَازَةٍ؛ لِأَنَّهَا دُونَ الثُّلُثِ فَهِيَ عَلَى الضَّعِيفِ

وَصِيَّةٌ بِالسُّدُسِ أَيْضًا لِيَخْرُجَ مِنْ مَخْرَجِهِ، وَيُقَسَّمُ الْبَاقِي عَلَى اثْنَيْنِ فَتَصِحُّ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ لِلْمُوصَى لَهُ سَهْمَانِ وَلِكُلٍّ مِنْ الْبِنْتِ، وَالْجَدِّ خَمْسَةٌ، وَعَلَى الْأَصَحِّ وَصِيَّةٌ بِالتِّسْعِ أَيْضًا، فَيَخْرُجُ مِنْ مَخْرَجِهِ، وَيُقَسَّمُ الْبَاقِي عَلَى سِتَّةٍ فَتَصِحُّ مِنْ تِسْعَةٍ بِالِاخْتِصَارِ لِلْمُوصَى لَهُ سَهْمٌ وَلِكُلٍّ مِنْ الْبِنْتِ، وَالْجَدِّ أَرْبَعَةٌ قَالَ: وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ صِدْقِ قَوْلِ الْمُوصِي إذْ رِعَايَةُ صِدْقِهِ إنَّمَا تَجِبُ حَالَ الْإِجَازَةِ قَالَ شَيْخُنَا، وَأَقُولُ: الْعِبْرَةُ بِالْفَرْضِ الْمُعَلَّقِ بِهِ وَصَيِّتَةُ لَا بِمَا يَأْخُذُهُ الْوَرَثَةُ فَصَدَقَ قَوْلُهُ: حَالَ الرَّدِّ أَيْضًا وَقَالَ الْبَدْرُ الدَّمَامِينِيُّ فِي شَرْحِ الْفُصُولِ هُوَ، وَالْمَتْنُ مَا حَاصِلُهُ وَلَيْسَ الْخِلَافُ فِي كَوْنِ الْجَدِّ مَعَ الْبِنْتِ يَأْخُذُ بِالْفَرْضِ أَوْ التَّعْصِيبِ لَفْظِيًّا كَمَا زَعَمَ جَمْعُ أَئِمَّةٍ مِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ، وَالنَّوَوِيُّ بَلْ مَعْنَوِيٌّ إذْ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِيمَا لَوْ أَوْصَى وَقَدْ تَرَكَ بِنْتًا وَجَدًّا لِزَيْدٍ بِنِصْفِ مَا يَبْقَى بَعْدَ نَصِيبِ ذَوِي الْفُرُوضِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ كَالْوَصِيَّةِ بِإِدْخَالِ الضَّيْمِ عَلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ دُونَ بَعْضٍ فِيمَا لَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ لَا يُضَامَ ذُو الْفَرْضِ، وَيَخْتَصُّ الضَّيْمُ بِالْعَاصِبِ فَتَفْتَقِرُ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ إلَى إجَازَةِ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ الضَّيْمُ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ بِإِدْخَالِ الضَّيْمِ عَلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ دُونَ بَعْضٍ وَهِيَ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ فَلِمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِ الضَّيْمُ أَنْ لَا يُجِيزَ الْقَدْرَ الَّذِي حَصَلَ بِهِ الضَّيْمُ فَإِنْ أَجَازَ الْجَدُّ الْوَصِيَّةَ لِلْبِنْتِ فَعَلَى الضَّعِيفِ وَهُوَ أَنَّ الْجَدَّ يَأْخُذُ عُصُوبَةً فَقَطْ يَكُونُ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِلْجَدِّ نِصْفُ الْبَاقِي وَلِزَيْدٍ النِّصْفُ الْآخَرُ، وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَعَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهُ يَأْخُذُ بِهِمَا يَكُونُ لَهَا النِّصْفُ وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ فَرْضًا وَلَهُ نِصْفُ الْبَاقِي عُصُوبَةً، وَنِصْفُهُ الْآخَرُ لِزَيْدٍ فَلِزَيْدٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ رُبْعُ الْمَالِ عَلَى الضَّعِيفِ، وَسُدُسُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَأَنَّ رَدَّ وَصِيَّتَهَا فَلِزَيْدٍ الرُّبُعُ أَيْضًا عَلَى الضَّعِيفِ، وَالسُّدُسُ عَلَى الصَّحِيحِ لَكِنْ لَا يَدْخُلُ الضَّيْمُ عَلَى الْجَدِّ وَحْدَهُ فَعَلَى الضَّعِيفِ الْبَاقِي بَعْدَ رُبُعِ الْوَصِيَّةِ بَيْنَ الْبِنْتِ، وَالْجَدِّ، وَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةٍ لِلْبِنْتِ ثَلَاثَةٌ فَرْضًا وَلِلْجَدِّ ثَلَاثَةٌ عُصُوبَةً وَلِزَيْدٍ اثْنَانِ، وَعَلَى الصَّحِيحِ يَخْرُجُ لِزَيْدٍ السُّدُسُ وَصِيَّةً، وَالْبَاقِي لِلْبِنْتِ نِصْفُهُ وَلِلْجَدِّ سُدُسُهُ فَرْضًا وَبَاقِيه عُصُوبَةً فَتَصِحُّ مِنْ سِتَّةٍ، وَثَلَاثِينَ، وَبِالِاخْتِصَارِ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ اهـ. وَعِبَارَةُ الْفُصُولِ صَرِيحَةٌ فِي التَّسْوِيَةِ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ مَا إذَا صَرَّحَ الْمُوصِي بِقَوْلِهِ عَلَى أَنْ لَا يُضَامَ ذُو الْفَرْضِ، وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ بِأَنَّ اقْتَصَرَ عَلَى أَوْصَيْت لِزَيْدٍ بِنِصْفِ مَا يَبْقَى بَعْدَ إخْرَاجِ الْفَرْضِ أَوْ بَعْدَ نَصِيبِ ذِي الْفَرْضِ وَصَرَّحَ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ فِي شَرْحِ كِفَايَتِهِ أَيْ: كَمَا مَرَّ عَنْهُ، وَأَخَذَ مَا فِيهَا، وَفِي الْفُصُولِ مِنْ تَدْرِيبِ شَيْخِهِ السِّرَاجِ الْبُلْقِينِيُّ، وَفِي مَجْمُوعِ الْكَلَّائِيِّ وَعُمْدَةِ ابْنِ الْمُلَقِّنِ عَنْ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ الْأَبُ يَرِثُ بِالْفَرْضِ إذَا كَانَ مَعَهُ ابْنٌ إلَخْ. مَا يُوَافِقُ التَّدْرِيبَ وَلَمْ نَجِدْ هَذِهِ الصُّورَةَ أَعْنِي: الْوَصِيَّةَ بِجُزْءٍ مِمَّا يَبْقَى بَعْدَ إخْرَاجِ الْفَرْضِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ اشْتِرَاطِ إدْخَالِ الضَّيْمِ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ دُونَ الْعَاصِبِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْأَصْحَابِ الْقَدِيمَةِ وَلَا الْمُتَأَخِّرَةِ بَعْدَ الْبَحْثِ الطَّوِيلِ السِّنِينَ الْعَدِيدَةَ، وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الْمُصَنِّفُ، وَالْكَلَّائِيُّ، وَابْنُ الْمُلَقِّنِ فَكُلُّهُمْ أَصْحَابُ الْبُلْقِينِيُّ وَلَمْ يَعْزُهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ إلَى غَيْرِهِ وَلَا زَالَ مَشَايِخُنَا، وَغَيْرُهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِيهَا مِنْهُمْ ابْنُ الْمَجْدِيِّ فَقَالَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: بَعْدَ إخْرَاجِ الْفَرْضِ إنَّمَا هُوَ لِتَمَيُّزِ الْبَاقِي لِيَعْلَمَ قَدْرَ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ لَا أَنَّهُ يُعْطِي لِذِي الْفَرْضِ فَرْضَهُ، وَتُعْطَى الْوَصِيَّةُ مِنْ الْبَاقِي فَهِيَ مِنْ الدَّوْرِيَّاتِ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ بَعْضِ وَرَثَتِهِ، وَأَوْصَى لِعَمْرٍو بِجُزْءِ مَا يَبْقَى بَعْدَ إخْرَاجِ النَّصِيبِ وَجَعَلَ مَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ الْفُصُولِ، وَغَيْرِهِ سَهْوًا، وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ الْعَلَائِيُّ الْقَلْقَشَنْدِيُّ لَكِنْ غَلَّطَهُ جَمْعٌ مِنْهُمْ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ فَأَجَابَ بِعِبَارَةِ الْفُصُولِ مُعْتَمِدًا عَلَى مَا فِي التَّدْرِيبِ، وَتَوَقَّفَ عَنْ الْجَوَابِ شَيْخَا الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ، وَالْقَايَاتِيُّ، وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْمَجْدِيِّ اهـ. كَلَامُ الْبَدْرِ الْمَارْدِينِيِّ، وَبِذَلِكَ كُلِّهِ عُلِمَ أَنَّ الْحَقَّ فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ، وَنَحْوِهَا صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ لَكِنَّهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ مَنْ دَخَلَ الضَّيْمُ عَلَيْهِ، وَيُجْمَعُ بَيْنَ مَا نُقِلَ فِي السُّؤَالِ مِنْ الْمَقَالَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ بِأَنَّ مَا فِي الرَّوْضَةِ، وَنُقِلَ عَنْ الْقَاضِي مَحَلُّهُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ وَكَلَامُ ابْنِ مَنْصُورٍ مَحَلُّهُ عِنْدَ الرَّدِّ وَكَذَلِكَ تَصْوِيبُ الْجَيَّانِيُّ، وَإِنْ أَوْهَمَ تَعْبِيرُهُ بِالْبُطْلَانِ خِلَافَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَعْلِيلَهُ الْمَذْكُورَ فِي السُّؤَالِ صَرِيحٌ فِي الصِّحَّةِ عِنْدِ الْإِجَازَةِ فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ: بِالْبُطْلَانِ عَلَى مَا يَحْتَاجُ

لِلْإِجَازَةِ وَلَمْ يُجِزْهُ الْوَارِثُ، وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ الْمَذْكُورِينَ فِي السُّؤَالِ فَإِنْ قُلْت: مَسْأَلَةُ الْخِلَافِ الْمَذْكُورَةِ آخِرًا تُشْبِهُ مَسْأَلَةَ السُّؤَالِ فَيُجْزِي فِيهَا خِلَافُ أُولَئِكَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَيْضًا قُلْت: مَمْنُوعٌ بَلْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَاضِحٌ فَإِنَّ صُورَةَ السُّؤَالِ لَمَّا قَالَ فِيهَا فِي نَصِيبِ الِابْنِ خَاصَّةً كَانَ مُصَرِّحًا بِإِدْخَالِ الضَّيْمِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ وَصُورَةُ الْخِلَافِ إنَّمَا هِيَ فِيمَا إذَا سَكَتَ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ كَمَا مَرَّ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِجَمِيعِ أَطْرَافِهَا فَإِنَّهَا مُهِمَّةٌ، وَيَقَعُ الْغَلَطُ فِيهَا كَثِيرًا وَقَدْ اتَّضَحَ حُكْمُهَا. وَلِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْحَمْدُ (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ قَالَ فِي وَصِيَّتِهِ:، وَمَنْ حَجَّ عَنِّي فَلَهُ كَذَا، وَالْوَصِيُّ فِي ذَلِكَ أَوْ فِي تَنْفِيذِ وَصَايَايَ فُلَانٌ فَأَخْرَجَ الْوَصِيُّ حَاجًّا فَأَحْرَمَ قَبْلَ مَخْرَجِ الْوَصِيِّ آخَرَ عَلِمَ بِالْوَصِيَّةِ مَا حُكْمُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يَقَعُ إحْرَامُ الْمُتَقَدِّمِ لِلْمَيِّتِ، وَيَسْتَحِقَّ الْمُوصَى بِهِ وَقَدْ أَفْتَيْت بِذَلِكَ قَدِيمًا فِيمَا أَظُنُّ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُوصِيَ لَمَّا قَالَ: مَنْ حَجَّ عَنِّي فَلَهُ كَذَا لَمْ يَجْعَلْ لِلْوَصِيِّ نَظَرًا فِي تَعْيِينِ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ بَلْ قَطَعَ تَعْيِينَهُ بِتَعْبِيرِهِ بِمَنْ حَجَّ عَنِّي، وَالسَّابِقُ بِالْإِحْرَامِ صَدَقَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْعِبَارَةُ فَاسْتَحَقَّ بِنَصِّ الْمُوصِي بِخِلَافِ مُعَيَّنِ الْوَصِيِّ فَإِنَّهُ خَارِجٌ عَنْ عِبَارَةِ الْمُوصِي بِسَبْقِ الْأَوَّلِ لَهُ، وَالْوَصِيُّ لَيْسَتْ لَهُ وِلَايَةٌ إلَّا فِي إقْبَاضِ الْمُوصَى بِهِ لَا فِي تَعْيِينٍ يُخَالِفُ قَضِيَّةَ لَفْظِ الْمُوصِي فَلَا تَغْرِيرَ مِنْهُ يَقْتَضِي غُرْمَهُ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ أَوْصَى بِحَجَّةٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ مَثَلًا فَجَاعَلَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ وَصِيٌّ شَخْصًا لِلْحَجِّ عَنْ الْمَيِّتِ الْمَذْكُورِ بِأَقَلَّ مِمَّا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ الْمَذْكُورُ جَهْلًا مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ أَوْ عَمْدًا فَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْحَاجُّ جَمِيعَ مَا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ لَهُ فِي عَقْدِ الْجِعَالَةِ أَوْ لَا؟ يَسْتَحِقُّ إلَّا مَا سُمِّيَ لَهُ، وَيُصْرَفُ الزَّائِدُ لِلْوَرَثَةِ أَوْ يَنْظُرُ فِي لَفْظِ الْمُوصِي فَإِنْ قَالَ: أَوْصَيْت لِمَنْ يَحُجُّ عَنِّي اسْتَحَقَّ جَمِيعَهُ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ لَهُ فِي عَقْدِ الْجِعَالَةِ أَوْ أَوْصَيْت بِأَنْ يَحُجَّ عَنِّي أَوْ أَوْصَيْت بِحَجَّةٍ مَثَلًا فَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا مَا سَمَّى لَهُ فِي عَقْدِ الْجِعَالَةِ، وَيُصْرَفُ الزَّائِدُ لِلْوَرَثَةِ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَوْ قَالَ أَحِجُّوا عَنِّي زَيْدًا بِخَمْسِينَ دِينَارًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْقُصَ مِنْهَا شَيْءٌ مَعَ خُرُوجِهَا مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ وَجَدَ مَنْ يَحُجَّ بِدُونِهَا، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا فَوَجَدَ مَنْ يَحُجُّ بِأَقَلَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْفَتَاوَى صُرِفَ إلَيْهِ ذَلِكَ الْقَدْرُ إذَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ وَكَانَ الْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ وَقِيلَ: يَجِبُ صَرْفُ الْجَمِيعِ قُلْت: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَالْقِيَاسُ الظَّاهِرُ اهـ. وَفِي الْجَوَاهِرِ قَالَ أَحِجُّوا عَنِّي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَإِنْ عَيَّنَ مَنْ يَحُجَّ عَنْهُ وَكَانَ الْأَلْفُ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ صُرِفَ إلَيْهِ إنْ احْتَمَلَ الثُّلُثُ الزِّيَادَةَ وَكَانَ الْمُعَيَّنُ أَجْنَبِيًّا فَإِنْ كَانَ وَارِثًا فَالزِّيَادَةُ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ الْأَلْفُ زَائِدًا عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَحُجُّ عَنْهُ إلَّا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَالثَّانِي يَحُجُّ عَنْهُ بِهِ إنْ وَفَّى الثُّلُثُ بِهِ، وَبِهِ يُشْعِرُ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ، وَبِهِ أَجَابَ الْمَاوَرْدِيُّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ اهـ. وَنَقَلَ الْغَزِّيُّ الثَّانِي عَنْ الرَّافِعِيِّ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ، وَتَبِعَهُ شَيْخُنَا زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ: حُجُّوا عَنْ فُلَانٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَأُجْرَةُ مِثْلِهِ خَمْسُمِائَةٍ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يُصْرَفُ لِمَنْ يَحُجُّ إلَّا أُجْرَةُ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ وَصِيَّةٌ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْمُوصَى لَهُ، وَالثَّانِي هُوَ وَصِيَّةٌ لِشَخْصٍ مَوْصُوفٍ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ، فَيَدْفَعُ عَنْهُ إلَيْهِ الْأَلْفَ إنْ خَرَجَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الْأَلْفِ مِنْ الثُّلُثِ، وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ اهـ. وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ أَوْصَى بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ حِنْطَةً جَيِّدَةً بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَيَتَصَدَّقَ بِهَا فَكَانَ ثَمَنُهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا تُرَدُّ الْمِائَةُ أَيْ: لِلْوَرَثَةِ، وَالثَّانِي أَنَّهَا وَصِيَّةٌ، وَالثَّالِثُ يَشْتَرِي بِهَا حِنْطَةً بِهَذَا السِّعْرِ، وَيَتَصَدَّقُ بِهَا اهـ. قَالَ شَيْخُنَا زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ تَعَالَى عَهْدَهُ، وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَعَلَى مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَا يَسْتَحِقُّ الْحَاجُّ إلَّا الْمُسَمَّى لَهُ، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ سَوَاءٌ أَقَالَ الْمُوصِي لِمَنْ يَحُجُّ عَنِّي أَوْ أَنْ يَحُجَّ عَنِّي أَوْ بِحَجَّةٍ مَثَلًا؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مُوَافِقٌ لِأَوَّلِ وَجْهَيْ الْجَوَاهِرِ، وَأَوَّلِ أَوْجُهِ الْبَحْرِ، وَأَوَّلِ وَجْهَيْ أَدَبِ الْقَضَاءِ وَقَدْ عَلَّلَهُ قَائِلُهُ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ وَصِيَّةٌ وَلَمْ يُعَيَّنْ الْمُوصَى لَهُ أَيْ: فَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ بِالزَّائِدِ لِعَدَمِ تَعْيِينِ الْمُوصَى لَهُ بِهِ، وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ مَلْحَظُ الْبُطْلَانِ فَلَا

فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ لِمَنْ يَحُجُّ عَنِّي أَوْ بِحَجَّةٍ مَثَلًا لِاسْتِوَاءِ الْكُلِّ فِي الْمَعْنَى الْمُعَلَّلِ بِهِ وَهُوَ أَنَّ الزَّائِدَ وَصِيَّةٌ لِمَنْ لَمْ يُعَيَّنْ فَتَبْطُلُ، وَعَلَى مَا رَجَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ إذْ هُوَ الْمُوَافِقُ لِثَانِي وَجْهَيْ الْجَوَاهِرِ الْمَنْقُولِ عَنْ قَضِيَّةِ نَصِّ الْأُمِّ، وَتَصْرِيحِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَاخْتِيَارِ ابْنِ الصَّلَاحِ وَلِثَانِي أَوْجُهِ الْبَحْرِ وَلِثَانِي وَجْهَيْ أَدَبِ الْقَضَاءِ الْمَنْقُولِ عَنْ تَصْرِيحِ الرَّافِعِيِّ يَسْتَحِقُّ الْحَاجُّ بَقِيَّةَ الْأَلْفِ إذَا وَفَّى بِهَا الثُّلُثُ؛ لِأَنَّ ثَانِيَ وَجْهَيْ أَدَبِ الْقَضَاءِ عَلَّلَ الِاسْتِحْقَاقَ بِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ لِشَخْصٍ مَوْصُوفٍ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَأَفْهَمَ هَذَا تَقْيِيدَ اسْتِحْقَاقِهِ لِلزِّيَادَةِ بِاتِّصَافِهِ بِالْحَجِّ عَنْهُ، وَالْحَاجُّ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ مُتَّصِفٌ بِذَلِكَ فَلْيَسْتَحِقَّ الزِّيَادَةَ عَمَلًا بِقَضِيَّةِ هَذِهِ الْعِلَّةِ الَّتِي صَرَّحَ بِهَا الرَّافِعِيُّ وَإِذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ اتِّصَافُهُ بِمَا ذَكَرَ وَهَذَا الِاتِّصَافُ مَوْجُودٌ فِي كُلٍّ مِنْ تِلْكَ الصُّوَرِ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ أَنَّ الْحَاجَّ يَسْتَحِقُّ الزِّيَادَةَ مُطْلَقًا لِمَا عَلِمْت أَنَّهَا وَصِيَّةٌ لَهُ بِشَرْطِ اتِّصَافِهِ بِالْحَجِّ عَنْهُ وَقَدْ وُجِدَ فِيهِ هَذَا الْوَصْفُ فَإِنْ قُلْت: الصُّورَةُ الَّتِي ذَكَرُوا فِيهَا جَمِيعَ مَا مَرَّ إنَّمَا هِيَ حُجُّوا وَصُورَةُ السُّؤَالِ أَوْصَى بِحَجَّةٍ فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ قُلْت: نَعَمْ يُتَوَهَّمُ ذَلِكَ لَوْلَا مَا قَرَّرْته مِنْ أَنَّ عِلَّةَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ السَّابِقِ تَقْتَضِي عَدَمَ الِاسْتِحْقَاقِ مُطْلَقًا، وَعِلَّةُ الْوَجْهِ الثَّانِي السَّابِقِ تَقْتَضِي الِاسْتِحْقَاقَ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ ذَلِكَ مَبْسُوطًا فَأَخَذْنَا بِمُقْتَضَى الْعِلَّةِ، وَأَعْرَضْنَا عَنْ خُصُوصِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى مُقْتَضَى الْعِلَّةِ، وَالْإِعْرَاضِ عَنْ خُصُوصِ الصُّورَةِ هُوَ دَأْبُ الْأَئِمَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ تَدَبَّرَ كُتُبَهُمْ فَإِنْ قُلْت: لِمَ جَرَى فِي صُورَةِ الْبَحْرِ وَجْهٌ ثَالِثٌ وَلَمْ يَجُزْ فِيهَا قَبْلَهَا إلَّا وَجْهَانِ قُلْت: يُوَجَّهُ ذَلِكَ بِأَنَّ تَعْيِينَ ثَمَنِ الْأَقْفِزَةِ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ قَصْدُهُ إلَّا التَّصَدُّقُ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ أَوْ نَقَصَ عَنْهَا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الصَّدَقَةِ مَطْلُوبَةٌ أَصَالَةً فَجَرَى ذَلِكَ الْوَجْهُ بِالتَّصَدُّقِ بِالزَّائِدِ بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ فِيهِ عَلَى حَجَّةِ الْفَرْضِ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الِامْتِنَاعُ عَنْ الْغَيْرِ كَمَا هُوَ شَأْنُ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ لَوْلَا مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ فَلَمْ يَجُزْ فِيهِ وَجْهٌ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ حَجَّةً أُخْرَى بِالزَّائِدِ فَتَأَمَّلْهُ تَعْلَمْ بِهِ الرَّدَّ عَلَى مَنْ حَاوَلَ تَخْرِيجَ وَجْهٍ مِنْ مَسْأَلَةِ الصَّدَقَةِ إلَى الْحَجِّ ثُمَّ رَأَيْتنِي ذَكَرْت جَوَابَ مَا فِي السُّؤَالِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ بِمَا يُوَافِقُ مَا قَدَّمْته لَكِنْ مُقَيَّدًا، وَعِبَارَتِي فِيهِ فَرَّعَ عَيْنُ الْمُوصِي مِقْدَارًا لِلْحَجِّ وَلَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا فَاسْتَأْجَرَ الْوَصِيُّ لِلْحَجِّ بِدُونِهِ فَاَلَّذِي يَحُثُّهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَصَاحِبُ الْوَافِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُوصِي إنْ كَانَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ كَانَ الْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ فَهُوَ لِلْأَجِيرِ، وَيَكُونُ وَصِيَّةً لَهُ، وَيُوَافِقُهُ مَا صَحَّحَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَالسُّبْكِيُّ مِنْ أَنَّهُ فِي هَذَا، وَفِيمَا لَوْ قَالَ: أَحِجُّوا عَنِّي رَجُلًا بِأَلْفٍ، فَيَحُجُّ عَنْهُ بِالْأَلْفِ، وَيَكُونُ الزَّائِدُ وَصِيَّةً فَإِنْ عَيَّنَ مِقْدَارًا أَوْ شَخْصًا وَهُوَ زَائِدٌ عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ صُرِفَ إلَيْهِ إنْ احْتَمَلَ الثُّلُثُ الزِّيَادَةَ وَلَمْ يَكُنْ وَارِثًا، وَإِلَّا لَمْ يَصْرِفْ إلَيْهِ الزَّائِدَ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ وَهِيَ لَهُ مُمْتَنِعَةٌ، فَيَحُجُّ عَنْهُ الْمُعَيَّنُ إنْ رَضِيَ، وَإِلَّا فَغَيْرُهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَانَ قَدْرُ أُجْرَةِ مِثْلِهِ، وَرَضِيَ غَيْرُهُ بِدُونِهِ وَلَمْ يَرْضَ هُوَ أُجِيبَ غَيْرُهُ قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ قَالَ الْقَاضِي: وَكَذَلِكَ لَوْ تَبَرَّعَ وَاحِدٌ بِالْحَجِّ، وَنَظَرَ فِيهِ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَصَدَ تَخْصِيصَ الْمَذْكُورِ بِالْمَالِ وَلِهَذَا جَعَلَ الزَّائِدَ وَصِيَّةً لَهُ ثُمَّ قَالَ: وَإِنَّمَا يَتَّجِهُ هَذَا أَيْ: كَلَامُ الْقَاضِي إذَا عُيِّنَ الْمَالُ فَقَطْ اهـ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ الْغَرَضُ فِي التَّخْصِيصِ إلَّا عِنْدَ الزِّيَادَةِ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَأَمَّا عِنْدَ الِاقْتِصَارِ عَلَيْهَا فَلَيْسَ هُنَاكَ كَبِيرُ غَرَضٍ حَتَّى يَنْظُرَ إلَيْهِ فَقُدِّمَ حَقُّ الْوَرَثَةِ الْمُحَقَّقُ عَلَى حَقِّ الْمُعَيَّنِ الْمُحْتَمَلِ لَأَنْ يَكُونَ عَيْنُهُ لِقَصْدِ إيثَارِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَلَأَنْ يَكُونَ مُوَافَقَةً انْتَهَتْ، وَفِيهَا فَوَائِدُ، وَأَوَّلُهَا مُوَافِقٌ لِمَا أَفْتَيْت بِهِ فِيمَا مَرَّ لَكِنْ فِيهَا زِيَادَةُ قَيْدٍ وَهُوَ أَنَّ شَرْطَ كَوْنِهِ وَصِيَّةً يَسْتَحِقُّهَا، وَإِنْ أُوجِرَ بِدُونِهَا أَنْ يَزِيدَ ذَلِكَ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا مَرَّ عَنْ الْأَذْرَعِيِّ، وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ قَبْلَ الِاسْتِئْجَارِ، فَيَسْتَأْجِرُ عَنْهُ بِمَا عَيَّنَهُ الْمَيِّتُ مُطْلَقًا وَهَذَا الَّذِي فِي كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِصُورَةِ السُّؤَالِ فِيمَا إذَا وَقَعَ الِاسْتِئْجَارُ بِأَقَلَّ مِمَّا عَيَّنَهُ الْمَيِّتُ فَفِيهِ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُعَيَّنُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ فَلَا غَرَضَ فِي تَعْيِينِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَزِيدَ فَلَهُ غَرَضٌ فِي التَّعْيِينِ، فَيَكُونُ الزَّائِدُ

وَصِيَّةً، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ، وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْمُعَيَّنَ إذَا اُسْتُؤْجِرَ بِدُونِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُعَيَّنُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ وَهُوَ قَضِيَّةُ مَا مَرَّ عَنْ الْأَذْرَعِيِّ، وَغَيْرِهِ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِيمَا مَرَّ (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِنِصْفِهِ وَلِآخَرَ بِثُلُثِهِ وَلِآخَرَ بِرُبُعِهِ وَلِآخَرَ بِخُمُسِهِ وَلِآخَرَ بِسُدُسِهِ وَلِآخَرَ بِسُبُعِهِ وَلِآخَرَ بِثُمُنِهِ وَلِآخَرَ بِتُسْعِهِ وَلِآخَرَ بِعُشْرِهِ، وَأَجَازَ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ فَمِنْ كَمْ تَصِحُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَالَ فِي الرَّوْضَةِ، وَإِنْ زَادَتْ الْوَصَايَا عَلَى الْمَالِ بِأَنْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِمَالِهِ كُلِّهِ وَلِعَمْرٍو بِثُلُثِهِ فَإِنْ أَجَازُوا فَقَدْ عَالَتْ الْمَسْأَلَةُ إلَى أَرْبَعَةٍ لِزَيْدٍ ثَلَاثَةٌ وَلِعَمْرٍو سَهْمٌ، وَإِنْ رَدُّوا قَسْمَ الثُّلُثِ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةٍ، وَتَكُونُ قِسْمَةُ الْوَصِيَّةِ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، وَلَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِنِصْفِ مَالِهِ وَلِعَمْرٍو بِثُلُثِهِ وَلِبَكْرٍ بِرُبُعِهِ قُسِمَ الْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ سَهْمًا إنْ أَجَازُوا، وَإِلَّا قُسِمَ ثُلُثُهُ عَلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّك تَفْرِضُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِزَيْدٍ مَا تَصِحُّ مِنْهُ تِلْكَ الْكُسُورُ وَهُوَ أَلْفَانِ وَخَمْسُ مِائَةٍ وَعِشْرُونَ ثُمَّ تَزِيدُ عَلَيْهَا تِلْكَ الْكُسُورُ فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ مِنْ سَبْعَةِ آلَافٍ، وَثَلَاثِ مِائَةٍ، وَأَحَدٍ وَثَمَانِينَ لِزَيْدٍ أَلْفَانِ وَخَمْسِ مِائَةٍ وَعِشْرُونَ وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالنِّصْفِ أَلْفٌ، وَمِائَتَانِ وَسِتُّونَ، وَبِالثُّلُثِ ثَمَانِ مِائَةٍ، وَأَرْبَعُونَ، وَبِالرُّبْعِ سِتُّ مِائَةٍ وَثَلَاثُونَ، وَبِالْخُمُسِ خَمْسُ مِائَةٍ وَأَرْبَعُونَ، وَبِالسُّدُسِ أَرْبَعُ مِائَةٍ وَعِشْرُونَ، وَبِالسُّبْعِ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَسِتُّونَ، وَبِالثُّمُنِ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ، وَبِالتُّسْعِ مِائَتَانِ وَثَمَانُونَ، وَبِالْعُشْرِ مِائَتَانِ، وَاثْنَانِ وَخَمْسُونَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ أَوْصَى لِجِيرَانِهِ وَكَانَ فِي جِيرَانِهِ مَسْجِدٌ هَلْ يَكُونُ كَدَارٍ، فَيَسْتَحِقُّ نَصِيبَهَا مَنْ يَسْكُنُهَا أَوْ يَكُونُ نَصِيبُهَا لَهَا، وَيَعْمَلُ النَّاظِرُ فِيهِ بِالْأَهَمِّ مِنْ عِمَارَتِهَا كَمَا لَوْ أَوْصَى لَهَا فَإِنْ قُلْتُمْ: إنَّهُ كَدَارٍ، وَيَكُونُ نَصِيبُهَا لِمَنْ يَسْكُنُهَا وَلَمْ يَسْكُنْ فِيهَا أَحَدٌ فَمَا الْحُكْمُ فِيهِ أَوْ لَا يَكُونُ كَدَارٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ يُحْسَبُ مِنْ جُمْلَةِ الدُّورِ الَّتِي هِيَ مِائَةٌ وَسِتُّونَ مَجْمُوعُ أَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَأَنَّ مَا يَخُصُّهُ يُصْرَفُ لِمَصَالِحِهِ لَا لِسُكَّانِهِ لِقَوْلِهِمْ إنَّهُ حُرٌّ يَمْلِكُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَوْصَى لِوَارِثِهِ ثُمَّ قَبْلَ الْإِجَازَةِ وَقَفَ الْمُوصَى لَهُ الْمُوصَى بِهِ عَلَى بَعْضِ الْوَرَثَةِ الْمُحْتَاجِ إلَى إجَازَتِهِمْ يَصِحُّ فِي حِصَّةِ الْوَارِثِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِمَا يَخْتَصُّ بِإِجَازَتِهِ قِيَاسًا عَلَى بَيْعِ الرَّهْنِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَحْتَاجُ لِمُقَدَّمَةٍ هِيَ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْإِجَازَةَ مِنْ الْوَارِثِ تَنْفِيذٌ لِإِعْطَاءِ الْمَيِّتِ لَا عَطِيَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ مِنْ الْوَارِثِ فَلَا يَحْتَاجُ بَعْدَ قَبُولِ الْوَصِيَّةِ إلَى قَبُولٍ ثَانٍ وَلَيْسَ لِلْمُجِيزِ الرُّجُوعُ عَنْ إجَازَتِهِ، وَلَوْ لِوَلَدِهِ، وَبِالْإِجَازَةِ وَقَبُولِهِ الْوَصِيَّةَ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ مَلَكَ الْوَصِيَّةَ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا فَتَكُونُ لَهُ فَوَائِدُهَا مِنْ حِينَئِذٍ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ وَقْفَ الْوَارِثِ لِمَا أَوْصَى لَهُ بِهِ مُوَرِّثُهُ بَعْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ وَقَبُولُهُ الْوَصِيَّةَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فَإِنْ أَجَازُوا كُلُّهُمْ بَانَ أَنَّهُ مَلَكَ الْمُوصَى بِهِ كُلِّهِ بِالْمَوْتِ، وَأَنَّ وَقْفَهُ صَحِيحٌ كَمَا لَوْ وَقَفَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ أَنَّهُ عِنْدَ الْوَقْفِ كَانَ مَيِّتًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ صِحَّةَ وَقْفِهِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْإِجَازَةِ عُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقِفَ عَلَى وَارِثٍ تُعْتَبَرُ إجَازَتُهُ أَمْ لَا؟ فَإِذَا وَقَفَ عَلَى وَارِثٍ تُعْتَبَرُ إجَازَتُهُ، اُشْتُرِطَ لِتَبَيُّنِ صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ وُقُوعُ الْإِجَازَةِ مِنْهُ، وَمِنْ غَيْرِهِ إنْ وُجِدَ بِاللَّفْظِ كَأَجَزْتُ أَوْ أَمْضَيْت لَا بِالْفِعْلِ وَلَا بِمُجَرَّدِ الرِّضَا مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ فَإِذَا أَجَازَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ، وَغَيْرَهُ بَانَتْ صِحَّةُ الْوَقْفِ الْمُوصَى بِهِ كُلِّهِ عَلَيْهِ، وَإِنْ رَدَّ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ أَوْ هُوَ مَعَ غَيْرِهِ صَحَّ الْوَقْفُ فِيمَا يَمْلِكُهُ الْوَاقِفُ بِالْإِرْثِ، وَفِي حِصَّةِ الْمُجِيزِ دُونَ حِصَّةِ الرَّادِّ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَا قَرَّرْته، وَمَا أَشَارَ السَّائِلُ نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ إلَى الْقِيَاسِ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ بَيْعَ الرَّاهِنِ الرَّهْنَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ صَحِيحٌ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى لَفْظِ فَكِّ الرَّهْنِ مِنْهُ بِأَنْ مِلْكَ الرَّاهِنِ هُنَاكَ تَامٌّ، وَإِنَّمَا تَعَلَّقَ لِلْمُرْتَهِنِ بِهِ حَقُّ الْوَثِيقَةِ فَقَطْ فَكَانَ قَبُولُهُ لِبَيْعِهِ مُتَضَمِّنًا لِفَكِّ تِلْكَ الْوَثِيقَةِ، وَانْحِلَالِهَا فَلَا يَحْتَجْ مَعَهُ إلَى غَيْرِ قَبُولِ الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْوَارِثِ هُنَا فَإِنَّ حَقَّهُ فِي مِلْكِ عَيْنِ الْمُوصَى بِهِ لِغَيْرِهِ فَكَانَ حَقُّهُ أَقْوَى فَتَوَقَّفَتْ صِحَّةُ الْوَصِيَّةِ عَلَى تَصْرِيحِهِ بِالْإِجَازَةِ وَلَمْ

يَكْتَفِ بِمُجَرَّدِ رِضَاهُ أَوْ فِعْلِهِ لِمَا عَلِمْت أَنَّ قُوَّةَ تَعَلُّقِهِ بِمِلْكِ رَقَبَةِ الْمَوْقُوفِ اقْتَضَى أَنْ لَا بُدَّ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ مَا يُزِيلُ ذَلِكَ التَّعَلُّقَ الْأَقْوَى وَلَا يُزِيلُهُ إلَّا بِمَا يُمَاثِلُهُ فِي الْقُوَّةِ وَهُوَ اللَّفْظُ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ التَّأْوِيلَ بِخِلَافِ مُجَرَّدِ الْفِعْلِ أَوْ الرِّضَا، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ بَاعَ الْوَارِثُ الْمُوصَى لَهُ الْمُوصَى بِهِ مِنْ أَحَدِ الْوَرَثَةِ أَيْضًا وَقَبِلَهُ لَمْ يَكْتَفِ بِقَبُولِهِ عَنْ التَّصْرِيحِ بِالْإِجَازَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ لَفْظِهَا أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ، وَلَوْ بَعْدَ قَبُولِ الْبَيْعِ فَإِذَا وُجِدَ بَانَتْ صِحَّةُ الْبَيْعِ وَصِحَّةُ قَبُولِهِ فَاتَّضَحَ فُرْقَانُ مَا بَيْنَ هَذَا، وَالرَّهْنُ، وَإِنْ لَمْ أَرَ أَحَدًا أَشَارَ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَكِنَّهُ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَهُمْ وَأَحَاطَ بِمُدَارِكِهِمْ عَلَى وَجْهِهَا فَإِنْ قُلْت: قَدْ اكْتَفَوْا فِي إجَازَةِ خِيَارِ الْبَيْعِ بِمُجَرَّدِ قَبُولِ الشِّرَاءِ أَوْ إيجَابِهِ فَلِمَ لَا يَكُونُ مَا هُنَا كَذَلِكَ قُلْت: الْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا، وَذَاكَ وَاضِحٌ فَإِنَّ الْإِجَازَةَ ثَمَّ بِالْفِعْلِ كَافِيَةٌ وَهُنَا لَا يُكْتَفَى إلَّا بِاللَّفْظِ، وَأَيْضًا فَالشَّرْطُ هُنَا وُقُوعُ حَقِيقَةِ الْإِجَازَةِ، وَأَمَّا ثَمَّ فَالشَّرْطُ لِلُزُومِ عَدَمِ الْفَسْخِ إذْ لَوْ مَضَى زَمَنُ الْخِيَارِ وَلَمْ يُفْسَخْ وَلَمْ يُجَزْ لَزِمَ الْعَقْدُ فَعُلِمَ أَنَّ مَلْحَظَ الْإِجَازَةِ ثَمَّ غَيْرُ مَلْحَظِهَا هُنَا فَلَا يُقَاسُ مَا هُنَا بِمَا هُنَاكَ، وَنَحْوِهِ ثُمَّ رَأَيْت الْقَمُولِيَّ نَقَلَ فِي جَوَاهِرِهِ فِي آخِرِ بَابِ الصَّدَاقِ عَنْ الْأَصْحَابِ مَا قَدْ يُشِيرُ إلَى أَنَّ قَبُولَ الْوَارِثِ الْوَقْفَ أَوْ الْبَيْعَ أَوْ نَحْوَهَا لَا يَكُونُ إجَازَةً، وَعِبَارَتُهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ وَهَبَ مَرِيضٌ مَالًا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ، وَسَلَّمَهُ لَهُ ثُمَّ وَهَبَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ مِنْ الْوَارِثِ، وَسَلَّمَهُ ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ أَيْ: وَرَدَّ الْوَارِثُ فَهَلْ يَغْرَمُ الْمُوصَى لَهُ قِيمَتَهُ لِلْوَارِثِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ أَطْلَقَ وَجْهَيْنِ كَهِبَةٍ مِنْ الزَّوْجِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بِأَنَّ حَقَّ الْوَارِثِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَقْتَ الْهِبَةِ وَلِهَذَا لَوْ تَصَرَّفَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي الْمَالِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَلَهُ أَيْ: الْوَارِثُ نَقْضُ تَصَرُّفِهِ فَإِذَا عَادَ إلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ جُعِلَ كَأَنَّ الْهِبَةَ لَمْ تَكُنْ، وَحَقُّ الزَّوْجِ لَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّدَاقِ عِنْدَ الْهِبَةِ فَنَفَذَ التَّصَرُّفُ وَلِهَذَا لَوْ بَاعَتْ لَمْ يَجُزْ لِلزَّوْجِ نَقْضُهُ، وَالْعَوْدُ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الصَّدَاقِ انْتَهَتْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَيَنْبَغِي تَرْجِيحُ الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ اهـ. فَتَأَمَّلْ تَحْوِيرَهُمْ الرَّدَّ لِلْوَارِثِ بَعْدَ قَبُولِ الْهِبَةِ وَقَبْضِهِ مِنْ الْمُوصَى لَهُ تَجِدْهُ صَرِيحًا لَوْلَا فَرْضُهُ ذَلِكَ قَبْلَ الْمَوْتِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ تَصْوِيرٌ لِمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَنَّ تَيْنِك الطَّرِيقَتَيْنِ يَجْرِيَانِ فِيمَا لَوْ وَقَعَ ذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي أَنَّ هَذَا الْقَبُولَ، وَالْقَبْضَ لَيْسَا إجَازَةً، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ كَمَا مَرَّ وَهَذَا عَيْنُ مَا قَدَّمْته أَنَّ قَبُولَ الْوَارِثِ لِلْوَقْفِ أَوْ الْبَيْعِ أَوْ نَحْوِهِمَا مِنْ الْمُوصَى لَهُ بِمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَارِثِ لَا يَكُونُ مُتَضَمِّنًا لِإِجَازَتِهِ بَلْ لَهُ الرَّدُّ بَعْدَهُ، وَمَا رَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ هُوَ الْوَجْهُ الظَّاهِرُ الَّذِي لَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا هُنَا، وَالصَّدَاقُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الزَّوْجَةَ قَبْلَ الطَّلَاقِ تَمْلِكُ الصَّدَاقَ مِلْكًا تَامًّا حَقِيقِيًّا فَصَحَّ تَصَرُّفُهَا فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ بَعْدَ الْفِرَاقِ فَإِذَا وَهَبَتْهُ لَهُ ثُمَّ فَارَقَهَا كَانَتْ مُتْلِفَةً لَهُ قَبْلَ الْفِرَاقِ فَرَجَعَ عَلَيْهَا بِبَدَلِهِ، وَأَمَّا الْمُوصَى لَهُ فِي مَسْأَلَتِنَا فَهُوَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ مِنْ الْوَارِثِ لَا مِلْكَ لَهُ تَامٌّ بِدَلِيلِ أَنَّ لِلْوَارِثِ نَقْضَ تَصَرُّفِهِ فَإِذَا تَصَرَّفَ، وَلَوْ مَعَ الْوَارِثِ بِالْهِبَةِ لَهُ أَوْ الْوَقْفِ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَارِثِ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ رَدَّ الْوَصِيَّةَ مَلَكَ الْمُوصَى بِهِ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ، وَإِنْ أَجَازَ بِأَنْ مَلَكَ الْمُوصَى بِهِ وَصِحَّةُ الْوَصِيَّةِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ أَيْضًا، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته قَوْلُ الْقَفَّالِ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَيْ: إنَّ إجَازَةَ الْوَارِثِ تَنْفِيذٌ أَوْ ابْتِدَاءُ عَطِيَّةٍ تَجُوزُ بِلَفْظِ الْإِجَازَةِ، وَالتَّنْفِيذ وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَبُولِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِهِبَةٍ مَحْضَةٍ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْحَاوِي اهـ. فَعَلِمْنَا مِنْ كَلَامِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعْتَمَدٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَوْلِ الثَّانِي الَّذِي هُوَ الضَّعِيفُ أَنَّ الْإِجَازَةَ عَلَى الْأَصَحِّ فِيهَا هِبَةٌ لَكِنَّهَا غَيْرُ مَحْضَةٍ، وَإِذَا كَانَ فِيهَا ذَلِكَ اتَّضَحَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ اللَّفْظِ، وَأَنَّهُ لَا يَكْفِي الْفِعْلُ نَظَرًا إلَى شَائِبَةِ الْهِبَةِ فَإِنَّ لِلْوَارِثِ حَقًّا فِيمَا نَفَّذَهُ فَكَأَنَّهُ بِإِجَازَتِهِ وَهَبَهُ ذَلِكَ الْحَقَّ فَكَانَتْ إجَازَتُهُ مُتَضَمِّنَةً لِلْهِبَةِ فَاتَّضَحَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِيهَا الْفِعْلُ كَالْهِبَةِ وَصَرَّحَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّ الْإِجَازَةَ عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّهَا تَنْفِيذٌ تَنَزَّلَ مَنْزِلَةَ الْإِبْرَاءِ اهـ. وَهُوَ كَالصَّرِيحِ فِيمَا ذَكَرْته؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ اللَّفْظِ وَلَا يَكْفِي الْفِعْلُ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهَا مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ الْإِبْرَاءِ حَيْثُ قَالَ إنَّهَا إسْقَاطٌ لِحَقِّ الْوَارِثِ عَنْ مَالِ الْمَيِّتِ

فَلَا تَصِحُّ مَعَ الْجَهْلِ بِهِ كَالْإِبْرَاءِ وَقَدْ جَرَى الْأَصْحَابُ عَلَى ذَلِكَ فَقَالُوا: لَا تَصِحُّ الْإِجَازَةُ مَعَ الْجَهْلِ بِمِقْدَارِ مَا أَجَازَهُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَوْصَى بِثَمَرَةِ بُسْتَانٍ لِأُنَاسٍ مُعَيَّنِينَ عَشْرَ سِنِينَ لِيَكُونَ بَعْدَ الْعَشْرِ الْأَصْلُ، وَالشَّجَرُ مِلْكًا لِإِنْسَانٍ هَلْ يَصِحُّ أَوْ لَا؟ ، وَبَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي يَكْفِي قَبُولُ الْمُوصَى لَهُمْ بِالرَّقَبَةِ قَبْلَ مَوْتِ مَنْ لَهُمْ ثَمَرَةُ الْبُسْتَانِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إذَا قَالَ: أَوْصَيْت بِثَمَرَةِ بُسْتَانِي لِفُلَانٍ أَوْ لِبَنِي فُلَانٍ عَشْرَ سِنِينَ ثُمَّ بَعْدَ مُضِيِّهَا يَكُونُ الْأَصْلُ، وَالثَّمَرَةُ لِفُلَانٍ صَحَّتْ الْوَصِيَّتَانِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا قَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ اسْتَخْدِمُوا عَبْدِي سَالِمًا بَعْدَ مَوْتِي سَنَةً ثُمَّ أَعْطُوهُ فُلَانًا أَوْ ثُمَّ أَعْتِقُوهُ صَحَّ وَلَا تُقَوَّمُ عَلَيْهِمْ خِدْمَةُ السَّنَةِ لِاسْتِعْمَالِهِمْ مِلْكَهُمْ، وَتُقَوَّمُ بَعْدَهَا وَقَوْلُهُمْ: لَوْ قَالَ: إلَّا وَلَدَتْ دَابَّتِي ذَكَرًا فَهُوَ لِزَيْدٍ أَوْ أُنْثَى فَهِيَ لِعَمْرٍو صَحَّ، وَاتُّبِعَ مَا قَالَهُ فَإِنْ وَلَدَتْهُمَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبَيْنِ أُعْطِيَ الذَّكَرُ لِزَيْدٍ، وَالْأُنْثَى لِعَمْرٍو وَقَوْلُهُمْ: لَوْ أَوْصَى لِصَبِيٍّ بِشَيْءٍ وَقَالَ: لَا تُعْطُوهُ لَهُ حَتَّى يَبْلُغَ لَمْ يُعْطَ حَتَّى يَبْلُغَ كَمَا لَوْ قَالَ: أَعْتِقُوهُ بَعْدَ مَوْتِي بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَقَوْلُهُمْ: لَوْ أَوْصَى بِمَنْفَعَةِ عَبْدِهِ لِزَيْدٍ، وَبِرَقَبَتِهِ لِعَمْرٍو جَازَ فَإِنْ رَدَّ عَمْرٌو فَهَلْ تَعُودُ الْمَنْفَعَةُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ أَوْ لِلْوَارِثِ وَجْهَانِ الْأَصَحُّ الثَّانِي وَقَوْلُهُمْ لَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ مِنْ أُجْرَةِ دَارِهِ مَثَلًا كُلَّ سَنَةٍ بِدِينَارٍ ثُمَّ جَعَلَهُ بَعْدَهُ لِوَارِثِ زَيْدٍ أَوْ لِلْفُقَرَاءِ جَازَ وَقَوْلُهُمْ: لَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ رَقِيقِهِ بَعْدَ خِدْمَةِ زَيْدٍ سَنَةٍ جَازَ وَلَا يُعْتَقُ قَبْلَ السَّنَةِ سَوَاءٌ أَرَدَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ الْوَصِيَّةَ أَمْ قَبِلَهَا، وَوَجْهُ دَلَالَةِ هَذِهِ النُّقُولُ عَلَى مَا ذَكَرْته أَنَّ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ الْأُولَى لَا نِزَاعَ وَلَا تَوَقُّفَ فِيهَا لِإِطْبَاقِ الْأَئِمَّةِ عَلَى صِحَّتِهَا، وَإِنَّمَا التَّوَقُّفُ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهَا مُعَلَّقَةٌ بِمُضِيِّ الْأُولَى وَقَدْ عَلِمْتَ مِنْ كَلَامِهِمْ الْمَذْكُورِ، وَمِنْ غَيْرِهِ أَنَّ التَّعْلِيقَ، وَالْجَهْلَ، وَالْإِبْهَامَ لَا يَضُرُّ فِي الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْجَهَالَاتِ، وَالْأَخْطَارِ تَوْسِعَةً لِلْإِنْسَانِ فِي آخِرِ عُمُرِهِ أَنْ يَسْتَبْقِيَ لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا يَفُوزُ بِثَوَابِهِ فِي الْآخِرَةِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ، وَإِذَا لَمْ يَضُرَّ فِيهَا التَّعْلِيقُ، وَالْجَهْلُ، وَالْإِبْهَامُ، وَالْإِخْطَارُ فَالْوَصِيَّةُ الثَّانِيَةُ فِي صُورَتِنَا صَحِيحَةٌ وَإِنْ كَانَتْ مُعَلَّقَةً بِمُضِيِّ الْأُولَى لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ التَّعْلِيقَ مُغْتَفَرٌ فِي الْوَصِيَّةِ، وَإِذَا قُلْنَا بِصِحَّتِهَا فَالرَّقَبَةُ مُدَّةَ السِّنِينَ الْعَشْرِ الَّتِي هِيَ الْوَصِيَّةُ الْأُولَى مِلْكٌ لِلْوَارِثِ وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهَا كَمَا صَرَّحُوا بِنَظِيرِهِ لِتَعَلُّقِ الْوَصِيَّةِ الثَّانِيَةِ بِهَا، وَيُعْتَبَرُ خُرُوجُ الْبُسْتَانِ الْمَذْكُورِ جَمِيعِهِ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ حَكَمْنَا بِمِلْكِ الْوَارِثِ لِلرَّقَبَةِ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ خَالِيَةً عَنْ الْمَنْفَعَةِ كَلَا مِلْكَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ ثُمَّ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَيْضًا أَنَّهُ يَصِحُّ قَبُولُ الْمُوصَى لَهُمْ بِالرَّقَبَةِ، وَالثَّمَرَةِ عَقِبَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَإِنْ كَانَ اسْتِحْقَاقُهُمْ مُنْتَظَرًا أَخْذًا بِعُمُومِ قَوْلِهِمْ: إنَّ الْقَبُولَ يَدْخُلُ وَقْتُهُ بِالْمَوْتِ فَإِنْ قُلْت: كَلَامُهُمْ مُصَرِّحٌ بِأَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لَهُ بِمَا سَتَحْمِلُهُ هَذِهِ الْأَمَةُ لَمْ يَصِحَّ قَبُولُهُ لِلْوَصِيَّةِ قَبْلَ الْحَمْلِ، وَبَعْدَهُ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَعْلَمُ، فَيَصِحُّ قُلْت: فَرْقٌ ظَاهِرٌ بَيْنَ هَذِهِ، وَمَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ الْمُوصَى بِهِ مَوْجُودٌ فِيهَا بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْحَمْلِ، وَالْمَعْدُومُ لَا يَصِحُّ قَبُولُهُ بِخِلَافِ الْمَوْجُودِ وَتَعَلُّقُ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ لَا يُصَيِّرُهُ كَالْمَعْدُومِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ: حُجُّوا عَنِّي بِخَمْسِينَ وَلَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا فَاسْتَأْجَرَ الْوَارِثُ بِدُونِ الْخُمُسَيْنِ فَالْفَاضِلُ لِمَنْ هُوَ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِح. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: هُوَ لِلْوَرَثَةِ كَمَا لَوْ تَبَرَّعَ عَنْهُ وَارِثٌ أَوْ أَجْنَبِيٌّ بِالْحَجِّ فَإِنَّ الْمُعَيَّنَ كُلَّهُ يَكُونُ لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَهُمْ بِطَرِيقِ الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا أُخْرِجَ عَنْهُمْ لِجِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَإِذَا تَعَذَّرَ صَرْفُهُ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ رَجَعَ إلَيْهِمْ عَلَى الْأَصْلِ وَقَدْ ذَكَرَ الْأَئِمَّةُ لِذَلِكَ نَظَائِرَ مِنْهَا مَا فِي الْبَحْرِ لِلرُّويَانِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ حِنْطَةً جَيِّدَةً بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ يُتَصَدَّقُ بِهَا فَكَانَ ثَمَنُهَا مِائَةَ دِرْهَمٍ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهُمَا يَرُدُّ الْمِائَةَ لِلْوَرَثَةِ، وَالثَّانِي أَنَّهَا وَصِيَّةٌ، وَالثَّالِثُ يَشْتَرِي بِهَا حِنْطَةً بِهَذَا السِّعْرِ، وَيَتَصَدَّقُ بِهَا قَالَ شَيْخُنَا زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ تَعَالَى ثَرَاهُ:، وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ، وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ أَعْتِقُوا عَنِّي بِثُلُثِي رِقَابًا فَفَضَلَ مِنْ ثُلُثِهِ عَنْ أَنْفَسِ رَقَبَتَيْنِ شَيْءٌ أُعْطِيَ هَذَا الْفَاضِلُ لِلْوَرَثَةِ لِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ فِيهِ وَقَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ: حُجُّوا عَنِّي بِثُلُثِي صُرِفَ ثُلُثُهُ إلَى مَا يُمْكِنُ مِنْ حَجَّةٍ أَوْ حَجَّتَيْنِ فَصَاعِدًا فَإِنْ فَضَلَ مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُحَجَّ بِهِ فَهُوَ لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ لَمْ يُوفِ ثُلُثُهُ بِحَجَّةٍ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَكَذَا لَوْ قَالَ حُجُّوا مِنْ ثُلُثِي بِمِائَةٍ

فَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَحُجُّ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ، وَيَعُودُ إرْثًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَلَا يَعُودُ إلَى الثُّلُثِ وَقِيلَ: لَا تَبْطُلُ، وَيُتَصَدَّقُ بِهَا عَنْهُ، وَلَوْ قَالَ: حُجُّوا عَنِّي بِثُلُثِي حَجَّةً صُرِفَ إلَى حَجَّةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ فِي الْحَاوِي: سَوَاءٌ سَمَّى مَنْ يَحُجُّ أَمْ لَا؟ ثُمَّ إنْ كَانَ الثُّلُثُ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَأْجِرَ لِلْحَجِّ عَنْهُ الْوَارِثَ فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا فَوَجْهَانِ فِي الْإِبَانَةِ أَحَدُهُمَا لَا يُحَجُّ عَنْهُ إلَّا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ، وَالثَّانِي يُصْرَفُ الْجَمِيعُ لِلْحَجَّةِ، وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ زَيْدٌ بِأَلْفٍ فَإِنْ كَانَ قَدْرَ الْأُجْرَةِ أَوْ أَقَلَّ أَعْطَى لَهُ وَارِثًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْأُجْرَةِ أَعْطَى لَهُ إنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا فَإِنْ كَانَ وَارِثًا، وَرَضِيَ بِقَدْرِ الْأُجْرَةِ أُعْطِيه، وَرُدَّ الْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ اُسْتُؤْجِرَ غَيْرُهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَالْبَاقِي يَعُودُ إرْثًا، فَيَكُونُ لِلْوَرَثَةِ وَكَذَا لَوْ تَطَوَّعَ شَخْصٌ جَازَ، وَرُدَّ الْكُلُّ لِلْوَرَثَةِ وَلَمْ يَجُزْ اسْتِئْجَارُ الْمُعَيَّنِ هَذَا فِي الْفَرْضِ أَمَّا النَّفَلُ فَإِنْ امْتَنَعَ الْمُعَيَّنُ فَفِي جَوَازِ حَجِّ غَيْرِهِ عَنْهُ وَجْهَانِ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ الْوَصِيُّ زَيْدًا الْمُعَيَّنَ بِخَمْسِ مِائَةٍ وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُسْتَأْجَرُ بِالْوَصِيَّةِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَقْلًا، وَفِي الْحَاوِي مَا يُمْكِنُ تَخْرِيجُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ إذَا أَوْصَى بِشِرَاءِ عَبْدِ زَيْدٍ بِأَلْفٍ، وَبِعِتْقِهِ عَنْهُ فَاشْتَرَاهُ بِخَمْسِ مِائَةٍ وَأَعْتَقَهُ، وَالْبَائِعُ لَمْ يَعْلَمْ بِالْوَصِيَّةِ فَإِنْ كَانَ يُسَاوِي أَلْفًا فَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ أَيْ:؛ لِأَنَّهُ لَا مُحَابَاةَ فَلَا وَصِيَّةَ فَإِذَا رَضِيَ الْبَائِعُ بِدُونِ الثَّمَنِ صَحَّ الْبَيْعُ وَتَعَيَّنَ الْفَاضِلُ لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَ يُسَاوِي خَمْسَ مِائَةٍ فَالْبَاقِي لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ لَهُ، وَإِنْ سَاوَى سَبْعَ مِائَةٍ فَلِلْوَارِثِ مِائَتَانِ إذْ لَا وَصِيَّةَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا وَلِلْبَائِعِ ثَلَاثُ مِائَةٍ؛ لِأَنَّهَا الْقَدْرُ الْمُوصَى بِهِ إذْ هُوَ الزَّائِدُ عَلَى ثَمَنِهِ وَهُوَ السَّبْعُ مِائَةِ اهـ. ، وَمَا بَحَثَهُ فِي الْكِفَايَةِ فِي الْمُعَيَّنِ وَخَرَّجَهُ عَلَى كَلَامِ الْحَاوِي الْمَذْكُورِ ذَكَرَهُ فِي الْمَطْلَبِ أَيْضًا وَخَرَّجَهُ عَلَى كَلَامِ الْحَاوِي الْمَذْكُورِ لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْكِفَايَةِ فَإِنَّ الَّذِي فِيهَا فِيمَا إذَا عَيَّنَ الْمُوصَى لَهُ، وَاَلَّذِي فِيهِ فِيمَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: وَقَعَ فِي الْفَتَاوَى فِي زَمَانِنَا أَنَّ شَخْصًا أَوْصَى بِأَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِأَرْبَعِ مِائَةٍ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا فَاسْتَأْجَرَ أَمِينُ الْحَاكِمِ شَخْصًا لِلْحَجِّ عَنْهُ بِثَلَاثِ مِائَةٍ، وَأَفْهَمَهُ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُوصَى بِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُسْتَأْجِرُ صُورَةَ الْحَالِ فَحَجَّ عَنْهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ بَعْدَ ذَلِكَ الْحَالُ فَطَلَبَ الْمِائَةَ الزَّائِدَةَ فَاقْتَضَى النَّظَرُ بَعْد إمْعَانِ الْفِكْرِ أَنَّ الْقَدْرَ الْمُوصَى بِهِ إنْ كَانَ قَدْرَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَذِكْرُهُ لَيْسَ لِغَرَضٍ فِيهِ بَلْ لِأَجْلِ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ فَتَصِحُّ الْإِجَازَةُ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجِيرُ الْمِائَةَ الْفَاضِلَةَ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ كَأَنْ كَانَتْ أُجْرَةُ الْمِثْلِ ثَلَاثَ مِائَةٍ اسْتَحَقَّ الْأَجِيرُ الْمِائَةَ الزَّائِدَةَ ثُمَّ أَيَّدَ ذَلِكَ بِمَسْأَلَةِ الْمَاوَرْدِيُّ كَمَا مَرَّ نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْكِفَايَةِ ثُمَّ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ عَقِبَ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا مَا وَقَعَ فِي نَفْسِي صِحَّتُهُ لَا لِأَجْلِ مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ مِنْ التَّعْلِيلِ بِأَنَّ ذَلِكَ وَصِيَّةٌ لَهُ فَإِنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ غَيْرُ وَاضِحٍ؛ لِأَنَّ الْقَدْرَ الزَّائِدَ، وَإِنْ كَانَ تَبَرُّعًا عَلَيْهِ لَكِنَّهُ إنَّمَا جَعَلَهُ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ، وَالتَّبَرُّعُ فِي ضِمْنِ الْعَقْدِ لَا يُفْرَدُ عَنْ الْعَقْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِمُحَابَاةٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَاتَّفَقَ رَدُّ الْوَرَثَةِ الثَّمَنَ بِعَيْبٍ لَا يَبْقَى قَدْرَ الْمُحَابَاةِ مِنْ الْمَبِيعِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ قَدْ انْفَسَخَ فَلَا يُفْرَدُ بِالْحُكْمِ فَكَذَا نَقُولُ إذَا وَقَعَ الثَّمَنُ بِخَمْسِ مِائَةٍ وَصَحَّ بَطَلَ الْقَدْرُ الزَّائِدُ مِنْ الْمُحَابَاةِ عَلَى الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ وَلَكِنَّهُ أَيْ: الْمَاوَرْدِيُّ قَدْ قَالَ: إنَّ ذَلِكَ مَذْهَبُنَا بَعْدَ أَنْ حَكَى عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ جَمِيعَ الْخَمْسِ مِائَةِ الْفَاضِلَةِ لِلْبَائِعِ كَيْفَ كَانَ الْحَالُ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنْ يَكُونَ مَأْخَذًا لِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِي عَلَى مَا عَلَيْهِ نُفَرِّعُ أَنَّ الْإِذْنَ فِي الِاسْتِئْجَارِ مُقَيَّدٌ بِذَلِكَ الْقَدْرِ الْمُعَيَّنِ لِأَجْلِ غَرَضِ تَحْسِينِ الْأَجِيرِ الْحَجَّ، وَفِي الِاسْتِئْجَارِ بِدُونِهِ مُخَالَفَةٌ لِلْإِذْنِ، وَتَفْوِيتٌ لِغَرَضِ الْمُوصِي فَلَا يَصِحُّ لَكِنَّ الْحَجَّ وَقَعَ عَنْ الْمَيِّتِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَاسْتَحَقَّ الْأَجِيرُ الْقَدْرَ الْمُوصَى لَهُ بِهِ مَعَ زِيَادَتِهِ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ جَعَلَ لِمَنْ يَحُجُّ عَنْهُ ذَلِكَ الْقَدْرَ فَاسْتَحَقَّ بِمُقْتَضَى الْوَصِيَّةِ اهـ. كَلَامُ الْمَطْلَبِ، وَمَا ذَكَرَهُ فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ مُتَّجَهٌ، وَمِنْ الْقِيَاسِ عَلَى كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ كَلَامَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي مُوصًى لَهُ مُعَيَّنٍ وَكَلَامُ الْمَطْلَبِ مِنْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، وَشَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا لَكِنْ آلَ كَلَامُ الْمَطْلَبِ إلَى

أَنَّهُ لَا يُرْتَضَى الْقِيَاسُ عَلَى كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ، وَإِنَّمَا يُلْحَظُ اسْتِحْقَاقُ الْحَاجِّ لِلْمُعَيَّنِ كُلِّهِ حَيْثُ زَادَ عَلَى أُجْرَةِ الْمِثْلِ مَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِ كَلَامِهِ فَعَلَيْهِ إنْ كَانَتْ الْخَمْسُونَ الْمَذْكُورَةُ فِي السُّؤَالِ أُجْرَةَ مِثْلِ الْحَجِّ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمَيِّتُ، وَإِلَّا فَمِنْ الْمِيقَاتِ فَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَالْبَاقِي لِلْمُوصَى لَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ قَوْلِهِمْ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ دَخَلَ الْقَرِيبُ الْوَارِثُ، وَتَبْطُلُ فِي قِسْطِهِ هَلْ تَبْطُلُ فِي قِسْطِ الْوَرَثَةِ كُلِّهِمْ أَوْ كُلِّ وَارِثٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِهِ، وَمَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ بِالْبُطْلَانِ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إجَازَةُ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ فَيُعَارَضُ بِالْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ، وَأَنَّهَا تَصِحُّ بِالْإِجَازَةِ فَلَزِمَ إجَازَتُهُ لِنَفْسِهِ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مَا أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ مِنْ الْإِشْكَالِ أَبْدَيْتُ قَرِيبًا مِنْهُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ، وَعِبَارَتُهُ بَعْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ حَتَّى وَارِثُهُ عَلَى الْمُرَجَّحِ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالْمُهِمَّاتِ لِوُقُوعِ الِاسْمِ عَلَيْهِمْ ثُمَّ تَبْطُلُ فِي نَصِيبِهِمْ لِتَعَذُّرِ إجَازَتِهِمْ لِنَفْسِهِمْ، وَيَصِحُّ الْبَاقِي لِغَيْرِهِمْ وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّدَ الْوَارِثُ عَلَى هَذَا لَمْ يَبْطُلْ جَمِيعُ نَصِيبِهِ، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ مِنْهُ مَا يَحْتَاجُ إلَى إجَازَةِ نَفْسِهِ خَاصَّةً، وَحِينَئِذٍ يَنْتُجُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ الْإِجَازَةَ لِنَفْسِهِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَدْخُلَ، وَيُعْطَى نَصِيبَهُ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِأَهْلِهِ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الرَّوْضَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ بِمَا هُنَا فِي تِلْكَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ أَوْ يَدْخُلُ، وَيَبْطُلُ نَصِيبُهُ وَقِيلَ: لَا يَدْخُلُ الْوَارِثُ بِقَرِينَةِ الشَّرْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوصَى لَهُ عَادَةً وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ، وَمَشَى عَلَيْهِ الْحَاوِي، وَالْمُصَنِّفُ فِي رَوْضِهِ قَبْلُ، وَأَشْعَرَ بِهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ، وَأَصْلُهَا انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَلَك أَنْ تَمْنَعَ تِلْكَ الْمُعَارَضَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا السَّائِلُ، وَتُفَرِّقَ بَيْنَ مَا هُنَا، وَالْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ بِأَنَّ الْمُوصِيَ هُنَا عَلَّقَهَا بِاسْمِ قَرِيبِهِ الشَّامِلِ لِوَرَثَتِهِ لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَنُصَّ الْمُوصِي عَلَى خُصُوصِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ اخْتَلَفَ نَظَرُ الْأَئِمَّةِ حِينَئِذٍ فِي أَنَّ ذَلِكَ الشُّمُولَ مَنْظُورٌ إلَيْهِ أَوْ لَا؟ فَمَنْ قَالَ: إنَّهُ مَنْظُورٌ إلَيْهِ وَهُمْ الْقَوْمُ الْمُصَحِّحُونَ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ لَمْ يَقُلْهُ إلَّا مِنْ حَيْثُ النَّظَرِ إلَى عُمُومِ الْقَرَابَةِ فَقَالَ بِدُخُولِهِ ثُمَّ لَمَّا حَقَّقَ النَّظَرَ قَالَ بِعَدَمِ إعْطَائِهِ لِتَعَذُّرِ إجَازَتِهِ لِنَفْسِهِ أَيْ: فِي هَذَا الْغَرَضِ بِخُصُوصِهِ مِنْ حَيْثُ النَّظَرِ إلَى مُرَادِ الْمُوصِي الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ وَهُوَ بِرُّهُ لِمَنْ لَا حَقَّ لَهُ فِي إرْثِهِ، وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ مُرَادُهُ، فَيَتَعَذَّرُ إعْطَاءُ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ لَتَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهِ لِنَفْسِهِ، وَلَوْ أَجَازَ لِنَفْسِهِ لَأَخَذَ مِنْ حَيْثُ إجَازَتِهِ؛ لِأَنَّهَا السَّبَبُ الْقَرِيبُ لَا مِنْ حَيْثُ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا سَبَبٌ بَعِيدٌ فَكَانَ فِي أَخْذِهِ مُنَافَاةٌ لِغَرَضِ الْمُوصِي، وَأَمَّا الْمُوصَى لِلْوَارِثِ بِخُصُوصِهِ فَلَمْ يُعَلَّقْ بِمُطْلَقِ الْقَرَابَةِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ أَنَّهُ مَعَ قِيَامِ وَصْفِ الْإِرْثِ بِهِ يَأْخُذُ فَكَانَ ذَلِكَ مُتَضَمِّنًا أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي أَنْ يُجِيزَ، وَيَأْخُذَ فَلَمْ يَكُنْ فِي أَخْذِهِ بَعْدَ إجَازَتِهِ مُنَافَاةً لِغَرَضِ الْمُوصِي عَلَى أَنَّ هَذَا كُلَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَإِنَّا لَا نَعْتَبِرُ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ الْإِجَازَةَ إلَّا إذَا كَانَ مَعَهُ وَرَثَةٌ غَيْرَهُ فَإِذَا أَجَازُوا الْوَصِيَّةَ لَهُ صَحَّتْ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْ هُوَ، وَإِذَا رَدُّوهَا بَطَلَتْ، وَإِنْ أَجَازَ هُوَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَارِثٌ غَيْرُهُ فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهُ لِتَعَذُّرِ إجَازَتُهُ لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا مَا هُنَا فَاَلَّذِي مَعَهُ غَيْرُ وَرَثَةٍ وَهُمْ لَا تُعْتَبَرُ إجَازَتُهُمْ فَلَوْ أَعْطَيْنَاهُ لَصَحَّحْنَا الْوَصِيَّةَ لَهُ مَعَ انْفِرَادِهِ، وَوَقَفْنَاهَا عَلَى إجَازَتِهِ لِنَفْسِهِ وَهُوَ مُحَالٌ فَالْمَوْضِعَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ وَهُوَ أَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْوَارِثِ الْمُوصَى لَهُ غَيْرُهُ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ لَهُ لِتَعَذُّرِ إجَازَتِهِ لِنَفْسِهِ، وَحَيْثُ كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ صَحَّتْ إنْ أَجَازَهَا ذَلِكَ الْغَيْرُ، وَمَا قَالُوهُ هُنَا مِنْ صُوَرِ مَا إذَا كَانَ الْوَارِثُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَخْذُهُ بِالْوَصِيَّةِ حِينَئِذٍ إذْ لَوْ أَخَذَ لَتَوَقَّفَ عَلَى إجَازَته لِنَفْسِهِ وَحْدَهُ، وَإِجَازَته لِنَفْسِهِ مُتَعَذِّرَة فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ يَتَّضِحُ لَك أَنَّهُ لَا إشْكَالَ بَيْنَ مَا قَالُوهُ هُنَا مِنْ دُخُولِهِ نَظَرًا لِشُمُولِ اسْمِ الْقَرِيبِ لَهُ أَيْ: حَتَّى يُزَاحِمَ بَقِيَّةَ الْأَقَارِبِ، وَعَدَم إعْطَائِهِ لِتَعَذُّرِ إجَازَته لِنَفْسِهِ إذْ لَا وَارِثَ غَيْرُهُ وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَعَ الْوَارِثِ الْمُوصَى لَهُ وَارِثٌ آخَرُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لَهُ، وَمَا قَالُوهُ ثَمَّ مِنْ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ الَّذِي مَعَهُ وَرَثَةٌ غَيْرُهُ، وَتَوَقُّفِهَا عَلَى إجَازَتِهِمْ (وَسُئِلَ) عَنْ تَزْوِيجِ الْأُمِّ الْمُوَلَّاةِ عَلَى أَوْلَادِهَا مِنْ قِبَلِ الْحَاكِمِ هَلْ تَبْطُلُ وِصَايَتُهَا بِتَزْوِيجِهَا كَحَضَانَتِهَا. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَالَ بَعْضُهُمْ رَأَيْت مُعَلَّقًا

أَنَّهَا تَبْطُلُ وَلَمْ يُسْنِدْهُ الْمُعَلَّقُ إلَى أَحَدٍ وَهُوَ مُنْقَاسٌ غَيْرُ بَعِيدٍ فَإِنْ قِيلَ: لِلْوَصِيِّ التَّوْكِيلُ فِي الْبَيْعِ فَكَذَا قَيِّمُ الْحَاكِمِ قُلْنَا: وَإِنْ جَوَّزْنَا لَهَا التَّوْكِيلَ هِيَ مَشْغُولَةٌ بِحَقِّ الزَّوْجِ كَمَا أَنَّ الْحَاضِنَةَ تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا بِالتَّزْوِيجِ مَعَ إمْكَانِ أَنْ تَسْتَنِيبَ مَنْ يَتَوَلَّى الْحَضَانَةَ عَنْهَا اهـ. ، وَعِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ، وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ إطْلَاقُهُمْ بَقَاءُ وِلَايَتِهَا مَعَ التَّزَوُّجِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ وَصِيَّةً أَوْ قَيِّمَةً مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَبَيْنَ الْحَاضِنَةِ بِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْحَاضِنَةِ تَعَهُّدَ الْمَحْضُونِ، وَأَنْ يَكُونَ عِنْدَهَا، وَفِي مَحَلِّهَا، وَالتَّزَوُّجُ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُشْغِلَ عَنْ هَذَا، وَإِنْ رَضِيَ الزَّوْجُ بِإِقَامَةِ الْوَلَدِ بِمَحَلِّهِ فَذَلِكَ لَا يُوثَقُ بِهِ مِنْهُ غَالِبًا فَكَانَ التَّزَوُّجُ مُنَافِيًا لِمَقْصُودِ الْحَضَانَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَبَطَلَ بِهَا بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّهُ غَيْرُ مُنَافٍ لِمَقْصُودِ التَّصَرُّفِ عَنْ الْغَيْرِ بِنَحْوِ الْبَيْعِ لِسُهُولَةِ تَعَاطِيهَا لِذَلِكَ بِنَفْسِهَا وَهِيَ فِي بَيْتِهَا، وَتَوْكِيلِهَا مَعَ قِيَامِهَا بِجَمِيعِ حُقُوقِ الزَّوْجِ فَلَا مُزَاحَمَةَ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ حَتَّى يُتَوَهَّمَ أَنَّهَا تَشْتَغِلُ بِحُقُوقِهِ عَنْ التَّصَرُّفِ لِلْأَوْلَادِ بِخِلَافِ الْحَضَانَةِ كَمَا تَقَرَّرَ فَافْهَمْ ذَلِكَ وَاحْفَظْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَكَثِيرُ الْوُقُوعِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا صُورَتُهُ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ وَقَعَ فِيهَا خِلَافٌ طَوِيلٌ بَيْنَ فُقَهَاءِ حَضْرَمَوْتَ وَلَمْ يَتَحَرَّرُوا مِنْهَا عَلَى شَيْءٍ بَلْ كُلٌّ مِنْهُمْ يُخَطِّئُ صَاحِبَهُ فَالْمَسْئُولُ مَزِيدُ تَحْرِيرِهَا، وَتَوْضِيحِهَا صُورَتُهَا شَخْصٌ لَهُ وَلَدٌ ذَكَرٌ، وَبِنْتٌ، وَأَوْلَادُ ابْنٍ مَيِّتٍ أَوْصَى لَهُمْ بِمِيرَاثِ أَبِيهِمْ لَوْ كَانَ حَيًّا أَوْ بِمِثْلِ مِيرَاثِ أَبِيهِمْ لَوْ كَانَ حَيًّا أَوْ قَالَ: هُمْ عَلَى مِيرَاثِ أَبِيهِمْ لَوْ كَانَ حَيًّا فَكَيْفَ الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمْ فَهَلْ لِأَوْلَادِ الِابْنِ خُمُسَانِ؛ لِأَنَّهُ مِيرَاثُ أَبِيهِمْ أَوْ لَهُمْ سُبُعَانِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الرَّوْضَةِ، وَغَيْرِهَا، وَعُرْفُ الْبَلَدِ أَنَّهُمْ يُنْزِلُونَهُمْ مَنْزِلَةَ أَبِيهِمْ مِنْ غَيْرِ فَرْضِ زِيَادَةٍ، وَمِنْ ثَمَّ أَفْتَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ كَانُوا مُفْتِينَ بِحَضْرَمَوْتَ بِالْأَوَّلِ، وَأَطْبَقَ النَّاسُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ أَجَابَ بَعْضُهُمْ بِمَا حَاصِلُهُ إذَا كَانَتْ الصُّورَةُ كَمَا ذَكَرَ فَلَهُمْ سُبُعَا تَرِكَةِ الْمُوصِي عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مِثْلِ صُورَةِ السُّؤَالِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي الرَّوْضِ تَبَعًا لِلرَّوْضَةِ، وَغَيْرِهَا، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ مَاتَ لَهُ ابْنَانِ، وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِهِمَا نَعَمْ إنْ قَالَ الْمُوصِي: أَوْلَادُ ابْنِي عَلَى مِيرَاثِ أَبِيهِمْ لَوْ كَانَ حَيًّا أَوْ جَعَلْتهمْ عَلَى مِيرَاثِ أَبِيهِمْ لَوْ كَانَ حَيًّا فَالْوَصِيَّةُ بِالْخُمُسَيْنِ اهـ. وَأَجَابَ آخَرُ بِمَا حَاصِلُهُ الْكَلَامُ فِي وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ مِنْ حَيْثُ الصِّيغَةِ فَإِذَا قَالَ: أَوْصَيْتُ لِفُلَانٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِي وَلَهُ ابْنٌ وَارِثٌ صَحَّتْ أَوْ بِنَصِيبِ ابْنِي صَحَّتْ أَيْضًا كَمَا فِي الرَّوْضِ، وَالْحَاوِي، وَالْإِرْشَادِ تَبَعًا لِلشَّرْحِ الصَّغِيرِ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ وَلِلرَّوْضَةِ، وَأَصْلُهَا فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ تَقْدِيرُ الْمِثْلِ لِكَثْرَتِهِ فِي الِاسْتِعْمَالِ؛ وَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ وَارِدَةٌ عَلَى مَالِ الْمُوصِي وَلَا نَصِيبَ لِلِابْنِ قَبْلَ مَوْتِهِ فَكَانَ الْغَرَضُ التَّقْدِيرَ لِمَا يَسْتَحِقُّهُ بَعْدَهُ وَلِذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ أَصْلًا وَكَانَ صِيغَتُهُ أَوْصَيْتُ لِفُلَانٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِي صَحَّ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ فِي تَهْذِيبِهِ، وَالْخُوَارِزْمِيّ فِي كَافِيه قَالَ: وَالتَّقْدِيرُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِي لَوْ كَانَ الثَّانِي مِنْ حَيْثُ الْحِصَّةِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يُلْحَقُ بِمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ، وَالْخُوَارِزْمِيّ مَا لَوْ قَالَ: لِابْنِ ابْنِهِ الَّذِي قَدْ مَاتَ أَبُوهُ أَوْصَيْتُ لِفُلَانٍ بِنَصِيبِ أَبِيهِ، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَبِيهِ لَوْ كَانَ حَيًّا فَالْمُوصَى بِهِ خُمُسَا التَّرِكَةِ وَهُوَ مُقْتَضَى الضَّابِطِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ وَهُوَ تَصْحِيحٌ لِلْفَرِيضَةِ بِدُونِ الْوَصِيَّةِ، وَيُزَادُ فِيهَا مِثْلُ مَا لِلْمَذْكُورِ فَمَسْأَلَةُ السُّؤَالِ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِلِابْنِ سَهْمَانِ وَلِلْبِنْتِ سَهْمٌ فَيُزَادُ عَلَيْهَا مِثْلُ نَصِيبِ الْمُوصَى بِمِثْلِ نَصِيبِهِ وَهُوَ سَهْمَانِ فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ خَمْسَةً وَلَيْسَ لِلِابْنِ الْمُوصِي بِمِثْلِ نَصِيبِهِ سَهْمٌ، وَمَنْ جَعَلَ لَهُ سَهْمًا حَتَّى صَارَتْ الْقِسْمَةُ أَسْبَاعًا فَقَدْ خَالَفَ الْفُقَهَاءَ الَّذِينَ أَفْتَوْا بِالْخُمُسَيْنِ، وَالْحَادِثَةُ مَفْرُوضَةٌ فِيمَنْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ مَيِّتٍ وَصُورَةُ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الْأَصْحَابِ مَفْرُوضَةٌ فِي بَنِينَ أَحْيَاءٌ كُلُّهُمْ، وَمِنْ الْمُحَالِ جَهْلُ الْفُقَهَاءِ الْمَذْكُورِينَ بِمَسْأَلَةِ الرَّوْضَةِ وَكُتُبِ الْأَصْحَابِ وَلَكِنَّهُمْ عَرَفُوا أَنَّ الصُّورَةَ غَيْرُ الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَادِثَةِ فَأَضْرَبُوا عَنْ قِيَاسِهَا عَلَى مَسْأَلَةِ الرَّوْضَةِ، وَوَهِمَ مَنْ قَاسَهَا عَلَيْهَا مَعَ وُضُوحِ الْفَرْقِ فَإِنَّ الْمُوصِي فِي الْحَادِثَةِ جَعَلَ الْمُوصَى لَهُ بِمَنْزِلَةِ وَالِدِهِ الْمَيِّتِ فَلَا يُحْسَبُ لِلْمَيِّتِ سَهْمٌ بَلْ لِلْمُوصَى لَهُ فَقَطْ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُوصِيَ خُصُوصًا الْعَامِّيَّ إنَّمَا يَقْصِدُ بِذَلِكَ أَنَّ الْحَافِدَ بِمَنْزِلَةِ

أَبِيهِ، وَأَنَّ مِيرَاثَ أَبِيهِ لَوْ كَانَ حَيًّا يَكُونُ لَهُ وَلَا يَنْبَغِي لِمُفْتٍ أَنْ يُفْتِيَ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَالْمَعْرُوفُ الْمَعْهُودُ، وَالْمَعْلُومُ عِنْدَ الْقَائِلِ، وَالسَّامِعِ هُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ النَّاشِرِيُّ:، وَالْعُرْفُ قَدْ يَضْعُفُ فَيُطْرَحُ وَقَدْ يَقْوَى فَيُؤْخَذُ بِهِ قَطْعًا وَقَدْ يَبْلُغُ رُتْبَةً يَتَرَدَّدُ فِي قُوَّتِهِ، وَضَعْفِهِ، فَيَثُورُ الْخِلَافُ اهـ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا قَوِيَ فِيهَا الْعُرْفُ فَإِنَّ أَهْلَ جِهَتِنَا إنَّمَا يَقْصِدُونَ مَا ذَكَرْته لَا غَيْرُ وَقَدْ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ فِي الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ بِالدِّينَارِ فِي بَلَدٍ يَعْتَقِدُونَ الدِّينَارَ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ وَهُوَ فِي الشَّرْعِ الْمِثْقَالُ، وَالْعَوَامُّ لَا يَعْرِفُونَهُ إلَّا أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلتَّنْبِيهِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْخِلَافَ، وَبَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ مَا حَاصِلُهُ: يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَالشِّرَاءُ، وَيَحْصُلُ عَلَى الدِّينَارِ الْمُتَعَارَفِ بَيْنَهُمْ، وَاخْتَارَهُ الْجَيَّانِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَقَالَ: لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِغَيْرِهِ نَظَرًا لِلْعُرْفِ اهـ. فَكَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْعَامِّيِّ أَنَّ لِلْحَافِدِ سَهْمًا وَلِوَالِدِهِ سَهْمًا وَهَذَا مِمَّا لَا يَشُكُّ فِيهِ ذُو لُبٍّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَافِدَ يَحْتَاجُ إلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَأَجَابَ بِمَا حَاصِلُهُ مَنْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا فُرِضَتْ حَيَاتُهُ، وَأَنَّهُ وَرِثَ، وَيُجْعَلُ لِابْنِهِ مِثْلُ مَا يَقَعُ لَهُ زَائِدًا عَلَى الْمَفْرُوضِ، فَيَكُونُ فِيمَنْ لَهُ ابْنٌ، وَبِنْتٌ، وَابْنٌ مَاتَ وَلَهُ ابْنٌ أَوْصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا، فَيَقَعُ لِلِابْنِ سُبُعَا التَّرِكَةِ، وَلَوْ تَرَكَ لَفْظَةَ مِثْلِ فَلَهُ ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ الَّذِي رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ كَالْأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُورٍ، فَيَكُونُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي ذِكْرِ مِثْلِ وَلَكِنْ حَكَى أَبُو إِسْحَاقَ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ أَنَّ الْأَصْحَابَ جَعَلُوا لِلْمُوصَى لَهُ فِي حَذْفِهَا مِثْلَ نَصِيبِ الْحَيِّ، وَيَكُونُ مَوْضِعُ أَبِيهِ حَيًّا فَفِي مَسْأَلَتِنَا يَكُونُ لَهُ الْخُمُسَانِ، وَمَا قِيلَ: أَنَّ الْقَاضِيَ ابْنَ عَبْسِينَ اعْتَمَدَ هَذَا هُوَ خِلَافُ مَا كَتَبْنَاهُ عَنْهُ أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَهُ هُوَ مَا رَجَّحَهُ غَيْرُهُ مِنْ أَنَّ لَهُ السُّبُعَيْنِ نَعَمْ فِي السُّؤَالِ صُورَةُ مَا لَوْ أَوْصَى بِكَوْنِ أَوْلَادِ ابْنِهِ عَلَى مِيرَاثِ أَبِيهِمْ، وَاَلَّذِي نَعْتَقِدُهُ فِيهَا أَنَّهُمْ يَكُونُونَ مَوْضِعَهُ لَوْ كَانَ وَلَا يُفْرَضُونَ زَائِدِينَ، فَيَكُونُ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْخُمُسَانِ وَهُوَ مَا نَقَلُوهُ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ فِي قَوْلِهِ: أَوْصَيْتُ لِابْنِ ابْنِي بِمَا كَانَ نَصِيبَ أَبِيهِ أَنَّهُ يُجْعَلُ مَوْضِعَهُ بِلَا فَرْضٍ، وَزِيَادَةٍ، وَبِمِثْلِ ذَلِكَ نَقُولُ فِيمَا إذَا قَالَ: جَعَلْته مَوْضِعَ أَبِيهِ أَوْ أَقَمْته فِي مَحَلِّهِ فِي إرْثِي فَلَوْ لَمْ يَقُلْ فِي الْكُلِّ إنْ لَمْ يَكُنْ حَيًّا فَاَلَّذِي رَآهُ الْفَقِيهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْسِينَ أَنَّهُ كَمَا لَوْ ذَكَرَهُ، وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ قَالَ: وَهُوَ الَّذِي أَطْبَقَ النَّاسُ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ وَيُقَدَّرُ أَنَّهُ تَلَفَّظَ بِهِ كَمَا هُوَ الْمَفْهُومُ فِي الْعُمُومِ وَكَمَا يَكْثُرُ التَّقْدِيرُ فِي الْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَلُغَةِ الْعَرَبِ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَدَعْ الْمُوصَى لَهُ إرَادَةَ الْمُوصِي لِكَوْنِهِ كَالْحَيِّ بِالْأَصْلِ فَإِنْ ادَّعَى ذَلِكَ أَوْ عَلِمَ الْوَارِثُ بِهِ حَلَفَ الْوَارِثُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ إرَادَتَهُ ذَلِكَ فَإِنْ رَدَّهَا حَلَفَ الْمُوصَى لَهُ عَلَى مَا ادَّعَى بِهِ وَاسْتَحَقَّهُ فَإِنْ حَلَفَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ وَرَدَّ بَعْضٌ فَحَلَفَ هُوَ شَارَكَ مَنْ رَدَّ بِقِسْطِهِ فِيمَا زَادَ وَكَذَلِكَ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ حَيْثُ يُفْرَضُ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ وَلَيْسَ عِنْدِي مِنْ الْبَحْثِ غَيْرُ مَا ذُكِرَ، وَأَجَابَ آخَرُ بِمَا حَاصِلُهُ صُورَةُ السُّؤَالِ بِعَيْنِهَا مَذْكُورَةٌ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ، وَلْنُقَدِّمْ مُقَدَّمَةً يَتَّضِحُ بِهَا وَجْهُ الصَّوَابِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: إذَا أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ وَلَهُ ابْنٌ وَاحِدٌ لَا يَرِثُهُ غَيْرُهُ فَالْوَصِيَّةُ بِالنِّصْفِ إنْ أُجِيزَتْ، وَإِلَّا فَبِالثُّلُثِ وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ أَبْنَاءُ فَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِهِمْ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا لِرِقٍّ أَوْ غَيْرِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ لَهُ بِنَصِيبِ ابْنِي فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ، وَالْبَغَوِيِّ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ، وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَالرُّويَانِيِّ، وَبِهِ قَطَعَ أَبُو مَنْصُورٍ صِحَّتَهَا، وَالْمَعْنَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِي فَإِنْ صَحَّحْنَاهَا فَالْوَصِيَّةُ بِالنِّصْفِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ: بِالْكُلِّ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ، وَلَوْ كَانَ لَهُ ابْنَانِ فَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا أَوْ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ فَالْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَبِالرُّبُعِ أَوْ أَرْبَعَةً فَبِالْخُمُسِ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ، وَيُجْعَلُ الْمُوصَى لَهُ كَابْنٍ آخَرَ مَعَهُمْ، وَضَابِطُهُ أَنْ تُصَحَّحَ فَرِيضَةُ الْمِيرَاثِ، وَيُزَادَ عَلَيْهَا مِثْلُ نَصِيبِ الْمُوصِي بِمِثْلِ نَصِيبِهِ اهـ. الْمَقْصُودُ مِنْ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَالْأَصَحُّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا أَوْصَى بِنَصِيبِ ابْنِهِ الصِّحَّةُ كَمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ هُنَا، وَالرَّوْضَةِ، وَأَصْلُهَا فِي الْمُرَابَحَةِ، وَتَبِعَهُمَا ابْنُ الْمُقْرِي

وَغَيْرُهُ حَمْلًا عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى بِمِثْلِ نَصِيبِهِ وَجَرَى عَلَيْهِ فِي الْوَسِيطِ حَيْثُ قَالَ: إذَا أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ وَلَهُ ابْنٌ وَاحِدٌ فَلَهُ النِّصْفُ حَتَّى يَتَمَاثَلَا فَإِنْ كَانَ لَهُ ابْنَانِ فَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا فَلَهُ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَبِالرُّبُعِ، وَبِالْجُمْلَةِ تُرَاعَى الْمُمَاثَلَةُ عِنْدَنَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَقَالَ مَالِكٌ: هُوَ وَصِيَّةٌ بِحِصَّةٍ لِابْنٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَإِنْ كَانُوا ابْنَيْنِ فَبِالنِّصْفِ أَوْ ثَلَاثَةً فَبِالثُّلُثِ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مُحْتَمَلٌ وَهُوَ الْأَقَلُّ فَيُؤْخَذُ بِهِ، وَلَوْ أَوْصَى بِنَصِيبِ وَلَدِهِ كَانَ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ وَلَدِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِالْمُسْتَحَقِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ: بِعْتُ بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ صَحَّ وَكَانَ مَعْنَاهُ بِمِثْلِهِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الْوَسِيطِ إذَا عَرَفْتَ هَذَا، وَاتَّضَحَ لَك مَعْنَاهُ عَلِمْتَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ عَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ إنَّمَا هِيَ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْمَيِّتِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ لَوْ كَانَ حَيًّا أَمَّا فِي الصِّيغَةِ الثَّانِيَةِ فِي السُّؤَالِ فَوَاضِحٌ، وَوَجْهُهُ يُؤْخَذُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْغَزَالِيِّ فِي احْتِجَاجِهِ عَلَى مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَأَمَّا فِي الصِّيغَةِ الْأُولَى وَهِيَ مَا إذَا أَوْصَى لَهُمْ بِمِيرَاثٍ لَوْ كَانَ حَيًّا فَكَذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مِنْ لَازِمِ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ فِيهَا التَّقْدِيرُ بِالْمِثْلِيَّةِ كَمَا عَرَفْتَهُ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ فِيمَا إذَا أَوْصَى بِنَصِيبِ ابْنِهِ الْحَيِّ فَصَارَتْ كَالصِّيغَةِ الثَّانِيَةِ فِي السُّؤَالِ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا عُلِمَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ إنَّمَا هِيَ بِسُبُعَيْ التَّرِكَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مِثْلُ نَصِيبِ الْمَيِّتِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَهُوَ لَوْ كَانَ حَيًّا كَانَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ خَمْسَةٍ لِكُلِّ ابْنٍ سَهْمَانِ وَلِلْبِنْتِ سَهْمٌ فَزِدْنَا عَلَيْهِ مِثْلَ نَصِيبِ أَبِيهِمْ وَهُوَ سَهْمَانِ، وَذَلِكَ سُبُعَا التَّرِكَةِ وَهَذَا كَافٍ فِي الْجَوَابِ عَلَى صُورَةِ السُّؤَالِ لِمَنْ فَهِمَ كَلَامَ الْأَصْحَابِ بَلْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَئِمَّةُ كَالشَّيْخَيْنِ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ لَوْ أَوْصَى وَلَهُ ابْنٌ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ ثَانٍ لَوْ كَانَ فَالْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ أَوْ وَلَهُ ابْنَانِ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ ثَالِثٍ لَوْ كَانَ فَالْوَصِيَّةُ بِالرُّبُعِ وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْأُولَى بِالنِّصْفِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِالثُّلُثِ وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ قَوْلِهِ: بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ ثَانٍ أَوْ ثَالِثٍ لَوْ كَانَ، وَبَيْنَ أَنْ يَحْذِفَ لَفْظَةَ مِثْلُ، فَيَقُولُ: بِنَصِيبِ ابْنٍ الْقِيَاسُ أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا أَضَافَ إلَى الْوَارِثِ الْمَوْجُودِ، وَحَكَى الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ فَرَّقُوا فَقَالُوا: إذَا أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِهِ دُفِعَ إلَيْهِ نَصِيبُهُ لَوْ كَانَ زَائِدًا عَلَى أَصْلِ الْفَرِيضَةِ، وَإِذَا أَوْصَى بِنَصِيبِهِ دُفِعَ إلَيْهِ لَوْ كَانَ مِنْ أَصْلِ الْفَرِيضَةِ فَعَلَى هَذَا إذَا أَوْصَى بِنَصِيبٍ ثَالِثٍ لَوْ كَانَ فَالْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ، وَلَوْ قَالَ: بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ ثَالِثٍ لَوْ كَانَ فَبِالرُّبُعِ كَمَا سَبَقَ وَلَوْ أَوْصَى وَلَهُ ثَلَاثَةُ بَنِينَ بِمِثْلِ نَصِيبِ بِنْتٍ لَوْ كَانَتْ فَالْوَصِيَّةُ بِالثُّمُنِ وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ: بِالرُّبُعِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ فَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَ الشَّيْخَانِ أَنَّهُ الْقِيَاسُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ بِلَفْظَةِ مِثْل أَوْ يَحْذِفَهَا لَا مَا حَكَاهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ مِنْ الْفَرْقِ وَقَدْ جَرَى عَلَى مَا ذَكَرَاهُ فِي الرَّوْضِ، وَأَقَرَّهُ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِهِ، وَوَجْهُ مَا قَالَ أَنَّهُ الْقِيَاسُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُوصِيَ أَرَادَ الْمُمَاثَلَةَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ بَعْدَهَا وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي هُوَ الْمُتَيَقَّنُ فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِهِ، وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّ كَوْنَ الْوَصِيَّةِ بِسُبُعَيْ التَّرِكَةِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ صَحِيحًا لَا إشْكَالَ فِيهِ، وَأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَذْكُورَةٌ فِي كَلَامِهِمْ، وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا حُجَّةُ الْإِسْلَامِ فِي وَسِيطِهِ فَقَالَ: بَعْدَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ وَلَوْ كَانَ لَهُ ابْنَانِ فَقَالَ: أَوْصَيْتُ لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ ثَالِثٍ لَوْ كَانَ لَا يُعْطَى إلَّا الرُّبُعَ وَكَانَ ذَلِكَ الِابْنُ الْمُقَدَّرُ كَابْنٍ، وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُعْطَى الثُّلُثَ وَكَأَنَّهُ قَرَّرَهُ مَكَانَهُ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الْوَسِيطِ وَهِيَ قَاطِعَةٌ لِكُلِّ رَيْبٍ بِحَمْدِ اللَّهِ وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى الضَّابِطِ السَّابِقِ فَبَانَ أَنَّ الْأَصْحَابَ مُتَّفِقُونَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الصِّيغَةُ أَوْصَيْتُ لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَبِيهِ لَوْ كَانَ حَيًّا إلَّا مَا شَذَّ بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ، وَأَنَّ الشَّيْخَيْنِ أَلْحَقَا بِهَا مَا إذَا حُذِفَ لَفْظُ مِثْل، وَوَافَقَهُمَا الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَقَوْلُ السَّائِلِ، وَعُرْفُ الْبَلَدِ إلَخْ. جَوَابُهُ أَنَّ التَّحْقِيقَ فِي ذَلِكَ أَخْذًا مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ إرَادَةَ الْمُوصِي ذَلِكَ عَمِلَ بِهَا؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ مُحْتَمِلٌ لَهُ، وَإِلَّا حُمِلَ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ كَمَا مَرَّ وَغَايَةُ مَا فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ كِنَايَةٌ فِي إرَادَة الْمُمَاثَلَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَالْكِنَايَةُ يُرْجَعُ فِيهَا إلَى النِّيَّةِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَمَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ الْأَصْحَابِ عَلِمَ أَنَّهُ

لَا مَدْخَلَ لِلْعُرْفِ هُنَا ذَكَرُوا أَنَّ الصَّرَاحَةَ فِي الْأَلْفَاظِ لَا تُؤْخَذُ مِنْ الشُّيُوعِ، وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَأَنَّ الْقَرَائِنَ لَا تُصَيِّرُ الْكِنَايَةَ صَرِيحًا، وَأَيْضًا فَالصِّيغَةُ تَحْتَمِلُ الْمُمَاثَلَةَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَبَعْدَهَا، وَالثَّانِي هُوَ الْمُتَيَقَّنُ فَيُؤْخَذُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ تَنْزِيلُ الْوَصِيَّةِ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ، وَنَظِيرُهُ الْإِقْرَارُ بِشَيْءٍ يَحْتَمِلُ مَعَانٍ مُتَعَدِّدَةً وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَتَبِعَهُ الْأَصْحَابُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْعُرْفِ فِيهِ حَيْثُ قَالَ: أَصْلُ مَا أَبْنِي عَلَيْهِ مَسَائِلَ الْإِقْرَارِ أَنْ أَطْرَحَ الشَّكَّ، وَأَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ وَلَا أَسْتَعْمِلُ الْغَلَبَةَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: أَرَادَ لَا أَسْتَعْمِلُ الْعَادَةَ وَلَا مَا غَلَبَ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ رَأَيْت عَنْ قَوَاعِدِ الزَّرْكَشِيّ أَنَّهُ نُقِلَ عَنْ الرَّافِعِيِّ أَنَّ الْعُرْفَ إنَّمَا يُعْمَلُ بِهِ فِي إزَالَةِ الْإِبْهَامِ لَا فِي تَغْيِيرِ مُقْتَضَى الصَّرَائِحِ هَذَا إذَا عُلِمَ أَنَّ اللَّافِظَ أَرَادَ غَيْرَ مُقْتَضَى لَفْظِهِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْجَهْلِ فَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَى لَفْظِهِ اهـ. وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ لَكِنَّ الَّذِي رَأَيْته فِي نُسْخَةٍ مِنْ الْقَوَاعِدِ أَنَّ الْقَائِلَ بِذَلِكَ هُوَ الْإِمَامُ لَا الرَّافِعِيُّ فَلْيُحَرَّرْ ذَلِكَ فَإِنَّ تِلْكَ النُّسْخَةَ ضَعِيفَةٌ وَقْد صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ مُقْتَضَى لَفْظِ الْمُوصِي كَمَا يُعْلَم ذَلِكَ بِمُرَاجَعَةِ شَرْحِ الرَّوْضِ، وَغَيْرِهِ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُوصَى لَهُ لَوْ ادَّعَى أَنَّ الْمُوصِيَ أَرَادَ الْمُمَاثَلَةَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَهُوَ الْخُمُسَانِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ، وَبِهِ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ، وَيُحَلَّفُ الْوَارِثُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِإِرَادَةِ ذَلِكَ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ هُوَ عَلَى الْبَتِّ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ وَهُوَ وَاضِحٌ، وَلْتَرْجِعْ الْآنَ إلَى مَا فِي كَلَامِ الْمُجِيبِ بِأَنَّ لَهُ الْخُمُسَيْنِ فَنَقُولُ: أَمَّا كَلَامُهُ فِي أَوَّلِ جَوَابِهِ مِنْ حَيْثُ صِحَّةِ الصِّيغَةِ فَوَاضِحٌ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ إنَّمَا هِيَ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَبِيهِمْ لَوْ كَانَ حَيًّا لَكِنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ هَلْ الْمُرَادُ الْمِثْلِيَّةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ بَعْدَهَا وَكَلَامُهُ فِي آخِرِ جَوَابِهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لِأَنَّهُ، جَعَلَ لِلْمُوصَى لَهُ الْخُمُسَيْنِ وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِنَا، وَإِنَّمَا يَأْتِي عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ أَوْ عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ أَوْ عَلَى مَا فَرَّقَ بِهِ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ فِي الصِّيغَةِ الْأُولَى، وَكُلُّ ذَلِكَ ضَعِيفٌ كَمَا قَرَرْنَاهُ، وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ عَنْ الْبَغَوِيِّ، وَالْخُوَارِزْمِيّ فَهُوَ صَحِيحٌ لَكِنَّ قَوْلَهُ: وَيَظْهَرُ أَنْ يُلْحَقَ بِذَلِكَ إلَخْ. كَلَامُ مَنْ لَمْ يَقِفْ عَلَى نَقْلٍ فِي الْمَسْأَلَةِ وَقَدَّمْنَا فِي الْمُقَدِّمَةِ عَنْ الرَّوْضَةِ مَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ الَّتِي بَحَثَ صِحَّتَهَا. وَإِذَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ فِيمَا لَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ وَلَا ابْنَ لَهُ وَارِثٌ إذْ لَا نَصِيبَ لِلِابْنِ مَعَ التَّصْرِيحِ هُنَا بِالْمِثْلِيَّةِ فَمَا ظَنُّك بِالصُّورَةِ الَّتِي بَحَثَهَا الْفَقِيهُ الْمَذْكُورُ الْفَرْقُ بَيْنَهَا، وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْبَغَوِيِّ، وَالْخُوَارِزْمِيّ ظَاهِرٌ فَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُهَا بِهَا نَعَمْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: يَنْبَغِي حَمْلُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُرِدْ الْوَصِيَّةَ بِمِثْلِ نَصِيبِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُرَاجَعُ فِي ذَلِكَ لَا أَنَّ كَلَامَهُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْبَغَوِيِّ، وَالْخُوَارِزْمِيّ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ لِلْمُوصَى لَهُ الْخُمُسَيْنِ إلَخْ. فَهَذَا بَنَاهُ عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُمَاثَلَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَكَذَا قَوْلُهُ: إنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى الضَّابِطِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى فَهْمِهِ الْمَذْكُورِ، وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ أَتَى بِكَلَامِ الْأَصْحَابِ وَلَمْ يَفْهَمْ مَعْنَاهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الْإِفْتَاءَ بِاسْتِحْقَاقِ السُّبُعَيْنِ مُخَالِفٌ لِإِفْتَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ الْمُفْتِينَ بِحَضْرَمَوْتَ كَابْنِ مَزْرُوعٍ، وَابْنِ عَبْسِينَ، وَابْنِ الْحَاجِّ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْخُمُسَيْنِ فَجَوَابُهُ أَنِّي رَاجَعْت فَتَاوَى الْعَلَّامَةِ ابْنِ مَزْرُوعٍ مِنْ أَكَابِرِهِمْ فَرَأَيْتُ كَلَامَهُ مُوَافِقًا لِمَا قَرَرْنَاهُ لَا مُخَالِفًا لَهُ لَكِنَّ هَذَا الْفَقِيهَ لَمْ يَفْهَمْهُ كَمَا لَمْ يَفْهَمْ كَلَامَ الْأَصْحَابِ فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ مَنْصُوصَةً بِعَيْنِهَا فِي كَلَامِ ابْنِ مَزْرُوعٍ، وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهَا مَا إذَا أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ وَارِثِ حَيٍّ لَكِنَّ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَرْنَاهُ، وَأَمَّا الْعَلَّامَةُ ابْنُ عَبْسِينَ فَهُوَ مُصَرِّحٌ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي الرَّوْضَةِ لَكِنَّهُ مَالَ إلَى الْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو مَنْصُورٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ هُمَا الْعُمْدَةُ لَا سِيَّمَا وَقَدْ، وَافَقَهُمَا فُحُولُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَأَمَّا ابْنُ الْحَاجِّ فَلَمْ أَقِفْ لَهُ عَلَى كَلَامٍ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنْ مَسْأَلَةَ الرَّوْضَةِ مَفْرُوضَةٌ فِي بَنِينَ أَحْيَاءٍ إلَخْ. فَهُوَ كَلَامُ مَنْ لَمْ يَقِفْ عَلَى الْفَرْعِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَنْ الرَّوْضَةِ أَوْ لَمْ يَفْهَمْهُ إذْ مَسْأَلَةُ الرَّوْضَةِ هِيَ

مَسْأَلَةُ السُّؤَالِ بِعَيْنِهَا فَإِنَّ قَوْلَ الْمُوصِي أَوْصَيْتُ لَهُمْ بِمِثْلِ مِيرَاثِ أَبِيهِمْ لَوْ كَانَ حَيًّا كَقَوْلِهِ أَوْصَيْتُ لَكَ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ ثَانٍ لَوْ كَانَ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الرَّوْضَةِ وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ، وَمِنْ ثَمَّ نَسَبَ ابْنُ عَبْسِينَ مَسْأَلَةَ السُّؤَالِ لِلرَّوْضَةِ، وَإِنْ مَالَ إلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَنَّ الْمُوصِيَ جَعَلَ الْمُوصَى لَهُ بِمَنْزِلَةِ وَالِدِهِ إلَخْ. فَهَذَا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى فَهْمِهِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُمَاثَلَةُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي الْمَذْهَبِ، وَأَمَّا بَقِيَّةُ كَلَامِهِ فَرَدُّهُ ظَاهِرٌ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ، وَأَجَابَ آخَرُ لَكِنْ فِي سُؤَاله زِيَادَةٌ هِيَ. وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِعَيْنِهَا وَلِلْمُوصِي ثَلَاثَةُ بَنِينَ، وَبِنْتٌ فَأَوْصَى لِأَوْلَادِ ابْنِهِ بِمِثْلِ نَصِيبِ وَاحِدٍ مِنْ أَعْمَامِهِمْ فَمَاتَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي اثْنَانِ، وَبَقِيَ وَاحِدٌ فَهَلْ لَهُمْ مِثْلُ نَصِيبِهِ تَامًّا أَوْ يَنْقُصُ عَلَيْهِمْ، وَتُحْسَبُ الْأَمْوَاتُ أَحْيَاءً أَمْ لَا؟ يَنْقُصُ وَلَهُمْ مِثْلُ مِيرَاثِ الْحَيِّ فَقَالَ: مَا حَاصِلُهُ الصَّوَابُ أَنَّ لِلْمُوصَى لَهُمْ سُبْعَا الْمَالِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَمِنْهُمْ الشَّيْخَانِ فِي الْعَزِيزِ، وَالرَّوْضَةِ، وَغَيْرِهِمَا فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ ابْنٌ، وَبِنْتٌ، وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ ثَانٍ لَوْ كَانَ حَيًّا وَلَمْ يَحْكُوا فِيهِ إلَّا وَجْهًا ضَعِيفًا وَهَذَا الْمِثَالُ الَّذِي ذَكَرُوهُ نَظِيرُ صُورَةِ السُّؤَالِ، وَأَمَّا الْقَوْلُ بِالْخُمُسَيْنِ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ مِمَّنْ لَهُ ابْنٌ، وَبِنْت فَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِيمَا إذَا كَانَتْ صِيغَةُ الْوَصِيَّةِ أَوْصَيْتُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِي أَيْ: الْمَوْجُودِ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ تَكُونُ الْوَصِيَّةُ بِالْخُمُسَيْنِ كَمَا ذَكَرُوهُ، وَنَحْنُ نُوَضِّحُ النَّقْلَ فِي الصُّورَتَيْنِ جَمِيعًا لِيَظْهَرَ الْحَقُّ فَيُتَّبَعُ، وَنُقَدِّمُ الصُّورَةَ الثَّانِيَةَ؛ لِأَنَّهَا كَالْأَصْلِ لِلْأُولَى فَنَقُولُ إذَا أَوْصَى مَنْ لَهُ ابْنٌ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِنِصْفِ الْمَالِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، وَعَلَّلُوا بِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نَصِيبٌ، وَأَنْ يَكُونَ النَّصِيبَانِ مِثْلَيْنِ فَلَزِمَ التَّسْوِيَةُ. وَإِنْ كَانَ لَهُ ابْنَانِ، وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسُ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - كَمَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا، وَحَكَوْا عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهَا فِي صُورَةِ الِابْنِ بِكُلِّ الْمَالِ وَالِابْنَيْنِ بِنِصْفِ الْمَالِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَتَبَادَرُ إلَيْهِ فَهْمُ الْعَوَامّ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ مَالِكًا يَعْتَبِرُ النَّصِيبَ بِنَصِيبِ الِابْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ وَهُوَ إذْ ذَاكَ جَمِيعُ الْمَالِ، وَالشَّافِعِيُّ يَعْتَبِرُهُ مَعَ مُزَاحَمَةِ الْوَصِيَّةِ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ الْمُسَاوَاة اهـ. ، وَفِي أَوْصَيْتُ بِنَصِيبِ ابْنِي وَجْهَانِ عِنْدَنَا أَحَدُهُمَا الْبُطْلَانُ، وَعَلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ، وَالْبَغَوِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ لِوُرُودِهِ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ، وَالثَّانِي، وَبِهِ قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ، وَالْإِمَامُ، وَالرُّويَانِيُّ، وَغَيْرُهُمْ وَجَرَى عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْعَزِيزِ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ الصِّحَّة؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى بِمِثْلِ نَصِيبِهِ قَالُوا: وَمِثْلُهُ فِي الِاسْتِعْمَالِ كَثِيرٌ، وَالْغَرَضُ التَّقْيِيدُ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ الِابْنُ لَا نَفْسَ نَصِيبِهِ، وَمِثْلُهُ مَا إذَا بَاعَ بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ. وَلَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ الْمَيِّتِ فَمُقْتَضَى قَوْلِ الرَّوْضَةِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا لِرِقٍّ أَوْ غَيْرِهِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ الْبُطْلَانَ، وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا لَوْ لَمْ يُرِدْ الْوَصِيَّةَ بِمِثْلِ نَصِيبِهِ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا أَوْ وَارِثًا فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ صَحَّتْ وَصِيَّتُهُ بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا مُسْتَعْمَلٌ فِي الْكَلَامِ الْفَصِيحِ كَثِيرًا، وَنَظَائِرُهُ فِي الْفِقْهِ كَثِيرَةٌ، وَمِنْ شَوَاهِدِهِ مَا لَوْ أَوْصَى بِنَصِيبِ ابْنِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمِثْلَ بَلْ أَفْتَى الْجَمَالُ بْنُ كَبَّنَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِحَمْلِ الْبُطْلَانِ فِي كَلَامِ الرَّوْضَةِ، وَغَيْرِهَا عَلَى مَا إذَا صَدَرَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ نَاحِيَةٍ لَا يَعْتَادُونَ ذَلِكَ قَالَ فَإِنْ اعْتَادُوهُ كَانَ وَصِيَّةً عَمَلًا بِعُرْفِهِمْ اهـ. وَهُوَ حَسَنٌ. وَلَوْ قَالَ: مَنْ لَهُ ابْنٌ وَاحِدٌ أَوْصَيْتُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ ثَانٍ لَوْ كَانَ قَالَ الْأَصْحَابُ كَمَا حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ لَهُ ابْنَانِ، وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا فَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ فَإِنْ كَانَ لَهُ ابْنَانِ، وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ ثَالِثٍ لَوْ كَانَ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِالرُّبُعِ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ، وَفِي وَجْهٍ لِأَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهَا فِي الْأَوَّلِ بِالنِّصْفِ، وَفِي الثَّانِي بِالثُّلُثِ وَكَأَنَّهُ أَقَامَ الْمُوصَى لَهُ مَقَامَ ابْنٍ ثَانٍ أَوْ ثَالِثٍ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ أَوْصَيْتُ لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِي بِأَنَّ ذَلِكَ يَتَضَمَّنُ تَشْرِيكًا، وَمُزَاحَمَةً فَلِهَذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ فِيهِ بِالنِّصْفِ كَمَا سَبَقَ إذَا عَرَفْتَ هَذَا كُلَّهُ عَلِمْتَ أَنَّ قَوْلَ الْمُوصِي أَوْصَيْتُ لِأَوْلَادِ ابْنِي بِمِثْلِ مِيرَاثِ أَبِيهِمْ يَتَخَرَّجُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِيمَا إذَا أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ الْمَيِّتِ فَإِنْ قِيلَ: بِالْبُطْلَانِ هُنَاكَ كَانَ هَذَا بَاطِلًا

؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا مِيرَاثَ لَهُ، وَإِنْ قِيلَ: هُنَاكَ بِالصِّحَّةِ فَكَذَا يُقَالُ: هُنَا، وَإِذَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ كَانَتْ بِالسُّبُعَيْنِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّ الِابْنَ الْمَيِّتَ كَالِابْنِ الزَّائِدِ الْمُقَدَّرِ وُجُودُهُ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَيْسَ لَهُ إرْثٌ وَلَا مُزَاحَمَةَ فِي الْمِيرَاثِ، وَإِنَّمَا قَدْرَ كَوْنِهِ وَارِثًا، وَأَمَّا قَوْلُهُ: أَوْلَادُ ابْنِي عَلَى مِيرَاثِ أَبِيهِمْ، فَيَتَخَرَّجُ أَيْضًا عَلَى هَذَا، وَفِيهِ مَعَ ذَلِكَ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ كِنَايَةٌ فِي الْوَصِيَّةِ فَإِنْ أَرَادَهَا صَحَّتْ، وَإِلَّا فَلَا نَعَمْ يَظْهَرُ أَنَّ مَحَلَّ مَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ فِي هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ هُوَ مَا إذَا أَرَادَ الْمُوصِي الْمَعْنَى الَّذِي اعْتَبَرَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَوْ أَطْلَقَ فَلَمْ يُرِدْ شَيْئًا، وَأَمَّا إذَا قَصَدَ الْمَعْنَى الَّذِي اعْتَبَرَهُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، فَيَظْهَرُ أَنَّ الْحُكْمَ كَمَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ، وَعَلَيْهِ فَتَكُونُ الْوَصِيَّةُ بِالْخُمُسَيْنِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ بِتَجَوُّزٍ شَائِعٍ فِي الْكَلَامِ فَإِذَا قَصَدَهُ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِهَذَا الْمَعْنَى فِي نَفْسِ الْوَصِيَّةِ وَجَبَ اعْتِبَارُهُ بِلَا تَرَدُّدٍ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْكِفَايَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ. لَوْ قَالَ أَوْصَيْتُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِي لَوْ لَمْ أُوصِ لِأَحَدٍ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِكُلِّ الْمَالِ، وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ نَحْوُهُ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ لَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ مَا كَانَ نَصِيبًا لِابْنِهِ أَيْ: قَبْلَ الْوَصِيَّةِ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِجَمِيعِ الْمَالِ إجْمَاعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ اهـ. ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ هُوَ عَيْنُ مَا اعْتَبَرَهُ مَالِكٌ لَكِنْ نَقُولُ بِهِ فِي صُورَةِ الْإِطْلَاقِ وَهُمَا إنَّمَا يَقُولَانِ بِهِ فِي صُورَةِ التَّصْرِيحِ بِهِ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَا وَجَبَ اعْتِبَارُهُ عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِهِ بِالنِّسْبَةِ لِحَمْلِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ لِكَوْنِ اللَّفْظِ مُحْتَمِلًا لَهُ مَعَ عَدَمِ مُنَافَاتِهِ لَهُ أَنَّهُ يَجِبُ اعْتِبَارُهُ عِنْدَ قَصْدِهِ، وَأَمْثِلَتُهُ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ لَا تَخْفَى. وَقَدْ رَأَيْتُ لِبَعْضِ فُضَلَاءِ الْيَمَنِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِيمَنْ أَوْصَى لِجِيرَانِهِ وَقَصَدَ الْجَارَ الْقَرِيبَ مِنْ دَارِهِ دُونَ غَيْرِهِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ قَصْدُهُ، وَتَنْفُذُ بِهِ وَصِيَّتُهُ قَالَ: وَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ اعْتِبَارِ أَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ مَحَلّه عِنْدَ قَصْدِهِ ذَلِكَ أَوْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ اهـ. ، وَمَا ذَكَرَهُ صَحِيحٌ جَارٍ عَلَى مُقْتَضَى قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ يُحْمَلُ اللَّفْظُ عِنْدَ الْإِطْلَاق عَلَى مَعْنًى يَقْتَضِي حُكْمًا، وَإِذَا قَصَدَ الْمُتَلَفِّظُ غَيْرَ ذَلِكَ الْمَعْنَى يَتَغَيَّرُ ذَلِكَ الْحُكْمُ وَهَلْ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ مَا يَشْهَدُ لِهَذَا قُلْت: قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا لَيْسَ عَلَى إطْلَاقه، وَإِنَّمَا هُوَ حَيْثُ كَانَ اللَّفْظُ مُحْتَمِلًا لِلْمَعْنَى الَّذِي قَصَدَهُ اللَّافِظُ. وَلَوْ عَلَى تَجَوُّزٍ، وَشَوَاهِدُهُ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ لَا تُحْصَى مِنْهَا لَوْ أَوْصَى لِإِسْرَاجِ الْكَنِيسَةِ لَمْ يَصِحَّ مَا لَمْ يَقْصِدْ انْتِفَاعَ الْمُقِيمِ بِهَا أَوْ الْمُجْتَازِ أَوْ لِعَبْدِ غَيْرِهِ صَحَّتْ مَا لَمْ يُقْصَدْ تَمْلِيكُهُ عَلَى نِزَاعٍ فِيهِ أَوْ لِدَابَّةِ الْغَيْرِ لَمْ يَصِحَّ مَا لَمْ يُفَسَّرْ بِعَلَفِهَا أَيْ: يَقْصِدُهُ. وَلَوْ قَالَ: الدَّارُ الَّتِي اشْتَرَيْتهَا لِنَفْسِي أَوْ وَرِثْتهَا مِنْ أَبِي مِلْكُ زَيْدٍ لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ إلَّا إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ كَمَا فِي دَارِي لِفُلَانٍ، وَلَوْ قَالَ: هَذَا الْمَالُ لِوَرَثَةِ زَيْدٍ حُمِلَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ، وَإِنْ تَفَاوَتَ إرْثُهُمْ فَإِنْ قَالَ الْمُقِرُّ: أَرَدْت الْإِرْثَ قَبْلُ، وَإِنْ نَازَعَهُ أَقَلُّهُمْ حِصَّةً كَمَا فِي الْكِفَايَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ، وَأَقَرَّهُ، وَالدَّرَاهِمُ فِي الْخُلْعِ الْمُعَلَّقِ، وَالْإِقْرَارُ تُحْمَلُ عَلَى الْإِسْلَامِيَّةِ لَا عَلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ وَلَا عَلَى الزَّائِدَةِ أَوْ النَّاقِصَةِ إلَّا إنْ قَالَ أَرَدْتُهَا، وَاعْتِيدَتْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَلَا يَجِبُ اسْتِفْسَارُهُ لِيُخْبِرَ عَنْ مُرَادِهِ بَلْ نَأْخُذُ بِالظَّاهِرِ مِنْ الْحَمْلِ عَلَى الْإِسْلَامِيَّةِ إلَّا أَنْ يُخْبِرَ عَنْ مُرَادِهِ. وَلَوْ قَالَ: الْمَنْفِيُّ بِاللِّعَانِ بَعْدَ اسْتِلْحَاقِهِ لَسْت ابْنَ فُلَانٍ كَانَ قَذْفًا عِنْدَ الْإِطْلَاق فَنُحِدُّهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَسْأَلَهُ عَنْ إرَادَتِهِ مَا لَمْ يَدَعْ مُحْتَمَلًا كَلَمْ يَكُنْ ابْنَهُ حِينَ نَفَاهُ فَإِنْ ادَّعَاهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَتَتَبُّعُ الشَّوَاهِدِ لِذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ وَلَيْسَ مُرَادُنَا أَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا نَظَائِرُ لِصُورَةِ السُّؤَالِ فِي اللَّفْظِ، وَالْمَعْنَى، وَإِنَّمَا هِيَ شَوَاهِدُ لِمَا قَرَرْنَاهُ أَنَّ اللَّفْظَ حَالَةَ الْإِطْلَاقِ يُحْمَلُ عَلَى مَعْنًى ثُمَّ إذَا قَصَدَ اللَّافِظُ غَيْرَهُ اُعْتُبِرَ قَصْدُهُ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ، وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَادَّعَى الْمُوصَى لَهُمْ أَوْ نَائِبُهُمْ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ أَنَّ الْمُوصِيَ قَصَدَ الْإِيصَاءَ لَهُمْ بِالْخُمُسَيْنِ سُمِعَتْ الدَّعْوَى ثُمَّ إنْ اعْتَرَفَ الْوَارِثُ بِذَلِكَ فَذَاكَ، وَإِنْ أَنْكَرَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ: بِيَمِينِهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِقَصْدِ مُوَرِّثِهِ لِذَلِكَ لَكِنْ حَلِفُ الْوَارِثِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَكَادُ يَنْفَكُّ عَنْ الْحَرَجِ؛ لِأَنَّ الْعَوَامَّ، وَغَيْرَهُمْ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ فِي الْجِهَةِ إنَّمَا يَقْصِدُونَ ذَلِكَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ غَالِبًا ثُمَّ إنْ حَلَفَ الْوَارِثُ انْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ وَاسْتَقَرَّتْ الْوَصِيَّةُ عَلَى السُّبْعَيْنِ، وَإِنْ نَكَلَ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمُوصَى

لَهُمْ فَمَنْ كَانَ كَامِلًا حَلَفَ وَاسْتَحَقَّ نَصِيبَهُ مِنْ الْخُمُسَيْنِ إنْ أَجَازَ الْوَارِثُ الزَّائِدَ عَلَى الثُّلُثِ، وَإِلَّا فَمِنْ الثُّلُثِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَامِلًا وَقَفَتْ يَمِينُهُ إلَى الْكَمَالِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَالِفَ مِنْهُمْ تَكُونُ يَمِينُهُ عَلَى الْبَتِّ، وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ قَوْلِ الْمُوصِي أَوْصَيْتُ لَهُمْ بِمِيرَاثٍ يَسْتَلْزِمُ تَقْدِيرَ الْمِثْلِ كَمَا فِي أَوْصَيْتُ بِنَصِيبِ ابْنِي، وَأَنَّ قَوْلَهُ: هُمْ عَلَى مِيرَاثِ أَبِيهِمْ لَا يَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ وَهَذَا تَخَيُّلٌ بَاطِلٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ فِي تَقْدِيرِ الْمِثْلِ، وَعَدَمِهِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُوصِيَ لَمَّا نَسَبَ الْمِيرَاثَ إلَى أَبِيهِمْ فِي اللَّفْظَيْنِ مَعَ كَوْنِهِ إذْ ذَاكَ مَيِّتًا لَا مِيرَاثَ لَهُ احْتَجْنَا فِي تَصْحِيحِهِ إلَى تَقْدِيرٍ يَصِحُّ بِهِ الْكَلَامُ فَقُلْنَا: إنَّ الْمَعْنَى هُمْ عَلَى مِيرَاثِ أَبِيهِمْ لَوْ كَانَ حَيًّا أَوْ أَوْصَيْتُ لَهُمْ بِمِيرَاثِ أَبِيهِمْ لَوْ كَانَ حَيًّا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ الَّذِي هُوَ سَبَبُ تَصْحِيحِ الْوَصِيَّةِ يَسْتَلْزِمُ تَقْدِيرَ لَفْظِ الْمِثْلِ فِي الْمِثَالَيْنِ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ إذَا قَدَّرَ حَيَاته لِيَكُونَ وَارِثًا كَانَ الْمُوصَى بِهِ نَظِيرَ نَصِيبِهِ لَا عَيْنَ نَصِيبِهِ كَمَا فِيمَا لَوْ قَالَ: مَنْ لَهُ ابْنٌ وَاحِدٌ أَوْصَيْتُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ ثَانٍ لَوْ كَانَ لِي، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قُدِّرَتْ حَيَاتُهُ وَهُوَ مَيِّتٌ، وَالثَّانِي قُدِّرَ وُجُودُهُ وَهُوَ مَعْدُومٌ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الْأَصْحَابَ أَطْبَقُوا عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ فِيهِ أَعْنِي: فِي صُورَةِ الْمُقَدَّرِ وُجُودُهُ وَهُوَ مَعْدُومٌ تَكُونُ بِالثُّلُثِ فَكَذَلِكَ فِي صُورَةِ الْمَيِّتِ الْمُقَدَّرِ حَيَاتُهُ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ قُلْتَ فَمَا اللَّفْظُ الَّذِي إذَا تَلَفَّظَ بِهِ الْمُوصِي فِي صُورَةِ السُّؤَالِ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُمْ الْخُمُسَانِ عَلَى مَذْهَبِنَا مِنْ غَيْرِ مُنَازَعَةٍ مِنْ الْوَارِثِ قُلْتُ: هُوَ أَنْ يَقُولَ: أَوْصَيْتُ لَهُمْ بِخُمُسَيْ التَّرِكَةِ مَثَلًا أَوْ بِمِثْلِ نَصِيبِ عَمِّهِمْ أَوْ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِي الْمَوْجُودِ أَوْ ابْنِي مِنْ غَيْرِ وَصْفٍ بِالْمَوْجُودِ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاق مَحْمُولٌ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: بِنَصِيبِهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْمِثْلِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَبَقَ، وَمَا حُكِيَ عَنْ فَتَاوَى ابْنِ عَبْسِينَ، وَابْنِ مَزْرُوعٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَكُونُ بِخُمُسَيْ التَّرِكَةِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ فَرْضُ مَا سَأَلَا عَنْهُ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ ابْنٌ، وَبِنْتٌ، وَلَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ الِابْنِ الْمَوْجُودِ فَجَوَابُهُمَا بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي ذَلِكَ تَكُونُ بِالْخُمُسَيْنِ صَحِيحٌ لِمُوَافَقَتِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَإِنْ كَانَ فَرْضُ مَا سُئِلَ عَنْهُ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ ابْنٌ، وَبِنْتٌ وَلَهُ ابْنٌ ثَانٍ مَيِّتٌ، وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ الِابْنِ الْمَيِّتِ أَوْ بِمِثْلِ مِيرَاثِهِ فَمَا أَجَابَا بِهِ فِيهَا مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْخُمُسَيْنِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمُخَالَفَتِهِ لِلْمَنْقُولِ كَمَا عَرَفْتَ لَكِنَّ اعْتِقَادَنَا أَنَّ جَوَابَهُمَا إنَّمَا هُوَ فِي الْفَرْضِ الْأَوَّلِ، وَيَكُونُ التَّخْلِيطُ مِنْ الْمُسْتَشْهَدِ بِكَلَامِهِمَا وَقَوْلُ الْمُفْتِي الْأَوَّلِ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ ابْنَانِ، وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِهِمَا إمَّا سَبْقُ قَلَمٍ أَوْ فِيهِ إخْلَالٌ مِنْ النَّاقِلِ لِأَنَّ هَذَا لَا مُشَابَهَةَ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ صُورَةِ السُّؤَالِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّ لَهُ ابْنَيْنِ فَقَطْ، وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِهِمَا فَظَاهِرٌ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِنِصْفِ الْمَالِ، وَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ لِلْمُوصَى لَهُ سَهْمَانِ وَلِكُلِّ ابْنٍ سَهْمٌ، وَإِنْ أَرَادَ تَقْدِيرَ زِيَادَةِ ابْنٍ ثَانٍ مَعَ الِابْنِ، وَالْبِنْتِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي السُّؤَالِ فَالْوَصِيَّةُ بِمِثْلِ نَصِيبِ الِابْنَيْنِ فِي هَذَا الْمِثَالِ وَصِيَّةٌ بِأَرْبَعَةِ أَتْسَاعِ الْمَالِ بِتَقْدِيمِ التَّاءِ عَلَى السِّينِ، وَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ تِسْعَةِ أَسْهُمٍ لِلْمُوصَى لَهُ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَلِكُلِّ ابْنٍ سَهْمَانِ وَلِلْبِنْتِ سَهْمٌ وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْ هَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ نَظِيرًا لِصُورَةِ السُّؤَالِ، وَأَمَّا السُّؤَالُ عَمَّنْ لَهُ ثَلَاثَةُ بَنِينَ، وَبِنْتٍ، وَأَوْصَى لِأَوْلَادِ ابْنِهِ بِمِثْلِ نَصِيبِ وَاحِدٍ مِنْ أَعْمَامِهِمْ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ فَجَوَابُهُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي ذَلِكَ بِحَالَةِ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي يُعْلَمُ فِيهَا النَّصِيبُ، وَيَتَقَرَّرُ فِيهَا مِقْدَارُهُ، وَعَلَيْهِ، فَيَسْتَحِقُّ الْمُوصَى لَهُمْ فِي الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا السَّائِلُ رُبُعَ التَّرِكَةِ فَهَذِهِ أَجْوِبَةُ الْمُفْتِينَ بِحَضْرَمَوْتَ فَتَفَضَّلُوا بِإِمْعَانِ النَّظَرِ فِيهَا، وَبَيَانِ مَا فِيهَا مِنْ الْمَقْبُولِ، وَالْمَرْدُودِ لِيَظْهَرَ الْحَقُّ الَّذِي يَجِبُ اتِّبَاعُهُ، وَالْعَمَلُ بِهِ، وَيُدْحِضَ الْبَاطِلَ الَّذِي يَجِبُ الِاعْتِرَاضُ عَنْ التَّمَسُّكِ بِشَيْءٍ مِنْ سَبَبِهِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يُقِمْ خُلَفَاءَ الرُّسُلِ إلَّا لِهِدَايَةِ الْأُمَمِ، وَإِطْفَاءِ نَارِ الْمِحَنِ، وَإِنَارَةِ الظُّلَمِ أَخْذًا عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَكْتُمُوا شَيْئًا مِمَّا نَزَلَ إلَيْهِمْ، وَأَنْ لَا يُحَابُوا أَحَدًا، وَإِنْ عَزَّ عَلَيْهِمْ، وَأَنْ لَا يَخَافُوا فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ وَلَا سَطْوَةَ لِسَانٍ أَوْ صَارِمٍ فَعَلَيْهِمْ مِنْ اللَّهِ شَآبِيبُ الرَّحْمَةِ وَهَوَامِعُ الْإِنْعَامِ، وَالْغُفْرَانِ إنَّهُ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ. (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي تَأْلِيفٍ حَافِلٍ مُلَقِّبًا لَهُ. (بِالْحَقِّ الْوَاضِحِ الْمُقَرَّرِ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ بِالنَّصِيبِ الْمُقَدَّرِ) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ

وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ هِدَايَةً لِلْحَقِّ وَتَوْفِيقًا لِلصَّوَابِ الْمَنْقُولِ الْمُعْتَمَدِ الظَّاهِرِ الْجَلِيِّ حَتَّى عِنْدَ صِغَارِ الطَّلَبَةِ الَّذِي لَا يَجُوزُ لِشَافِعِيٍّ الْعُدُولُ عَنْهُ أَنَّ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الْمُوصَى لَهُمْ فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ السَّابِقَةِ بِأَقْسَامِهَا الْأَرْبَعَةِ هُوَ السُّبُعَانِ لَا الْخُمُسَانِ وَأَمَّا إفْتَاءُ الْمُفْتِي الثَّانِي بِالْخُمُسَيْنِ فَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُ كَمَا سَيَجِيءُ فِي الْكَلَامِ عَلَى جَوَابِهِ وَمَا نُقِلَ عَنْ مِثْلِ ابْنِ عَبْسِينَ وَابْنِ مَزْرُوعٍ مِنْ إفْتَائِهِمَا بِذَلِكَ فَهُوَ بِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ عَنْهُمَا لَا يُنْظَرُ إلَيْهِ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ لِأَنَّا إذَا كُنَّا لَا نَنْظُرُ لِمِثْلِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَمَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ كَالسُّبْكِيِّ وَالْإِسْنَوِيِّ وَالْأَذْرَعِيِّ وَالْبُلْقِينِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ إذَا خَالَفُوا الشَّيْخَيْنِ وَإِنْ تَمَسَّكُوا بِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ كَمَا بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَالْفَتَاوَى فَمَا بَالُك بِمِثْلِ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا غُبَارَ هَؤُلَاءِ لَا سِيَّمَا وَمَا اسْتَنَدُوا إلَيْهِ هُنَا فِي الْمُخَالَفَةِ مِمَّا اتَّفَقَ أَهْلُ الْمَذْهَبِ عَلَى ضَعْفِهِ كَمَا سَيَجِيءُ تَحْقِيقُهُ وَلَقَدْ أُنْهِيَ إلَيْنَا مِنْ فَتَاوَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْحَضَارِمَةِ مَا عَلِمْنَا مِنْهُ أَنَّهُمْ كَثِيرًا يَمِيلُونَ فِيهَا عَنْ الْمُعْتَمَدِ فِي الْمَذْهَبِ إلَى الضَّعِيفِ بَلْ رُبَّمَا وَقَعَ لِبَعْضِهِمْ التَّمَسُّكُ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ مَثَلًا وَالْإِفْتَاءُ بِهِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ أَئِمَّتُنَا مُصَرِّحِينَ بِغَايَةِ قُبْحِهِ إلَّا أَنَّنَا نُحْسِنُ الظَّنَّ بِأُولَئِكَ لِصَلَاحِهِمْ وَلَكِنَّ الْحَقَّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ وَبَيَانُ مِثْلِ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْنَا لَا رُخْصَةَ لَنَا فِي تَرْكِهِ ثُمَّ رَأَيْت شَيْخَ الْإِسْلَامِ السِّرَاجَ الْبُلْقِينِيُّ ذَكَرَ فِي فَتَاوِيهِ نَظِيرَ مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ بَلْ عَيَّنَهَا وَلَا يُؤَثِّرُ مَا فِيهَا مِنْ الزِّيَادَةِ وَأَنَّ بَعْضَ أَهْلِ عَصْرِهِ مِمَّنْ هُوَ مُعِدٌّ نَفْسَهُ لِلتَّصْنِيفِ وَالْإِفْتَاءِ أَفْتَى فِيهَا بِمَا لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ نَظِيرُ الْإِفْتَاءِ فِي مَسْأَلَتِنَا بِالْخُمُسَيْنِ حَرْفًا بِحَرْفٍ. وَتِلْكَ الْمَسْأَلَةُ هِيَ رَجُلٌ تُوُفِّيَ لَهُ وَلَدٌ يُسَمَّى أَحْمَدُ فَوَصَّى لِأَوْلَادِهِ بِتُسُعَيْ مَا يُخَلِّفُهُ، وَيَتْرُكُهُ ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ تُوُفِّيَ لَهُ وَلَدٌ آخَرُ يُسَمَّى مُحَمَّدًا فَوَصَّى لِأَوْلَادِهِ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَبِيهِمْ أَنْ لَوْ كَانَ أَبُوهُمْ حَيًّا حِينَ وَفَاتِهِ أَيْ: الْمُوصَى ثُمَّ تُوُفِّيَ الْمُوصَى الْمَذْكُورُ وَانْحَصَرَتْ وِرَاثَتُهُ فِي ثَلَاثَةِ أَوْلَادٍ لِصُلْبِهِ ذَكَرٍ وَأُنْثَيَيْنِ فَمَا لِأَوْلَادِ وَلَدِهِ أَحْمَدَ مِنْ تَرِكَتِهِ بِحَقِّ الْوَصِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَمَا لِأَوْلَادِ وَلَدِهِ مُحَمَّدٍ مِنْ ذَلِكَ بِحَقِّ الْوَصِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَأَجَابَ فِيهَا بَعْضُ الْمُفْتِينَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ بِالْقَاهِرَةِ بِمَا نَصُّهُ: " يَكُونُ لِأَوْلَادِ أَحْمَدَ خُمُسَا الثُّلُثِ وَلِأَوْلَادِ مُحَمَّدٍ الْبَاقِي مِنْ الثُّلُثِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ " قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: فَلَمَّا وَقَفْت عَلَى هَذِهِ الْفَتْوَى تَعَجَّبْت مِنْ هَذَا الْمُجِيبِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ أَخَفُّهُمَا أَنَّهُ أَطْلَقَ الْجَوَابَ وَلَمْ يُفَصِّلْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حَصَلَ رَدٌّ أَمْ لَا لِأَنَّ الثُّلُثَ إنَّمَا يُقَسَّمُ عَلَى الْوَصَايَا الزَّائِدَةِ إذَا حَصَلَ رَدُّ جَمِيعِ الْوَصَايَا مِنْ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ فَلَعَلَّهُ فَهِمَ أَنَّ الْمَسْئُولَ عَنْهُ حَالَةَ الرَّدِّ لَكِنْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُقَيَّدًا إمَّا فِي نَفْسِ السُّؤَالِ وَإِمَّا فِي الْجَوَابِ الثَّانِي وَهُوَ أَعْضَلُهَا لِأَنَّهُ أَثْبَتَ فِي الْمَسْأَلَةِ حُكْمًا لَا يُوَافِقهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَقَبْلَ الشُّرُوعِ فِي بَيَانِ خِطَابِهِ أُبَيِّنُ الشُّبْهَةَ الَّتِي خَطَرَ لِي أَنَّهَا قَامَتْ عِنْدَهُ حَتَّى كُتِبَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فَأَقُولُ اعْتَقَدَ هَذَا الرَّجُلُ أَنَّ الْمُوصَى لَهُمْ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَبِيهِمْ أَنْ لَوْ كَانَ حَيًّا كَأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُمْ صَدَرَتْ بِثُلُثِ الْمَالِ لِأَنَّ أَبَاهُمْ لَوْ كَانَ حَيًّا لَكَانَ لَهُ الثُّلُثُ بِسَبَبِ أَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يُخَلِّفْ مِنْ الْوَرَثَةِ غَيْرَ ابْنٍ وَبِنْتَيْنِ وَإِذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ صَدَرَتْ بِثُلُثِ الْمَالِ فَكَانَ هَذَا الْمُوصَى أَوْصَى لِأَوْلَادِ أَحْمَدَ بِتُسْعَيْ مَالِهِ وَلِأَوْلَادِ مُحَمَّدٍ بِثُلُثِ مَالِهِ فَمَعَنَا تُسُعَانِ وَثُلُثٌ مَخْرَجُ التُّسْعَيْنِ مِنْ تِسْعَةٍ وَالثُّلُثِ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَالثَّلَاثَةُ دَاخِلَةٌ فِي التِّسْعَةِ فَمَسْأَلَةُ الْوَصِيَّتَيْنِ مِنْ تِسْعَةٍ لِلْمُوصَى لَهُمْ بِالثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ وَلِلْمُوصَى لَهُمْ بِالتُّسُعَيْنِ سَهْمَانِ صَارَ مَجْمُوعُ ذَلِكَ خَمْسَةً وَالرَّدُّ حَاصِلٌ فَيُقَسَّمُ الثُّلُثُ عَلَى هَذِهِ الْخَمْسَةِ فَيَكُونُ لِأَوْلَادِ أَحْمَدَ خُمُسَا الثُّلُثِ وَلِأَوْلَادِ مُحَمَّدٍ الْبَاقِي مِنْ الثُّلُثِ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ اهـ. مَا خَطَرَ لِي مِنْ الشُّبْهَةِ الَّتِي قَامَتْ عِنْدَ هَذَا الرَّجُلِ وَلَا شُبْهَةَ وَكَيْفَ يَحْسُنُ أَنْ تَقُومَ هَذِهِ الشُّبْهَةُ عِنْدَ مَنْ تَصَدَّى لِلْفَتْوَى وَالتَّصْنِيفِ وَالِاشْتِغَالِ وَآفَةُ ذَلِكَ عَدَمُ التَّثَبُّتِ وَالْإِهْمَالِ وَعَدَمُ التَّرَوِّي وَالْحَامِلُ لِهَذَا الرَّجُلِ عَلَى هَذِهِ الْكِتَابَةِ أَنَّهُ ضَنِينٌ بِنَفْسِهِ، وَيَعْتَقِد أَنَّهُ إذَا فَهِمَ شَيْئًا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ إلَّا مَا فَهِمَهُ، وَيَضِنُّ الشَّخْصُ بِنَفْسِهِ حَتَّى يَقَعَ فِي الْمَهَالِكِ وَالْمَرْجُوُّ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى السَّلَامَةُ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ حَقِّ هَذَا الرَّجُلِ أَنْ لَا يَكْتُبَ فِي شَيْءٍ

الْجَوَابَ حَتَّى يُرَاجِعَ كُتُبَ الْأَصْحَابِ اهـ كَلَامُ الْبُلْقِينِيُّ إذَا تَأَمَّلْته مَعَ الْإِفْتَاءِ السَّابِقِ بِالْخُمُسَيْنِ وَجَدَتْ الشُّبْهَةَ الَّتِي رَاجَتْ عَلَى هَذَا الرَّجُلِ الْمَعَاصِرِ لِلْبُلْقِينِيِّ هِيَ بِعَيْنِهَا الَّتِي رَاجَتْ عَلَى ذَلِكَ الْمُفْتِي بِالْخُمُسَيْنِ فَالْآفَةُ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ وَهِيَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِهْمَالِ وَعَدَمِ التَّثَبُّتِ وَالتَّرَوِّي وَالْحَامِلُ عَلَيْهِمَا وَاحِدٌ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ أَيْضًا مِنْ رُؤْيَةِ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ وَأَنَّهُ لَا أَعْلَمَ مِنْهُ وَأَنَّهُ إذَا فَهِمَ شَيْئًا لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ خَطَأٌ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ أَقْبَحِ الْأَخْلَاقِ الَّتِي يَجِبُ اجْتِنَابُهَا وَأَشْنَعِ الْأَوْصَافِ الَّتِي لَا يَرْضَى بِهَا إلَّا مَنْ شَدَّتْ عَلَيْهِ الشَّقَاوَةُ أَطْنَابَهَا ثُمَّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَا حَاصِلُهُ وَقَدْ آنَ كَشْفُ قِنَاعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَيَانُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُشْكِلَةً وَذَلِكَ مُنْحَصِرٌ فِي أَرْبَعَةِ أَبْحَاثٍ الْأَوَّلُ أَنَّ أَوْلَادَ مُحَمَّدٍ هَلْ يُجْعَلُونَ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهِمْ، وَيَكُونُ لَهُمْ مَا يَسْتَحِقُّهُ أَبُوهُمْ لَوْ كَانَ حَيًّا فَهُوَ الْمُوصَى بِهِ لَهُمْ أَوْ يُقَدَّرُ كَأَنَّ أَبَاهُمْ حَيٌّ وَكَأَنَّ الْمُوصِي مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ وَبِنْتَيْنِ وَأَوْصَى لِأَوْلَادِ مُحَمَّدٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَبِيهِمْ وَحُكْمُ ذَلِكَ يُعْرَفُ مِنْ مَسْأَلَةٍ قَرَّرَهَا الْأَصْحَابُ وَهِيَ مَا إذَا كَانَ لِلشَّخْصِ ابْنٌ وَأَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ ثَانٍ أَوْ ابْنَانِ وَأَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ ثَالِثٍ لَوْ كَانَ فَالْمَعْرُوفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ لِزَيْدٍ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى الثُّلُثَ وَفِي الثَّانِيَةِ الرُّبُعَ فَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَوَجْهُهُ أَنَّا نُقَدِّرُ ابْنًا آخَرَ مَوْجُودًا وَكَأَنَّهُ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ ابْنَيْهِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى، أَوْ أَحَدِ بَنِيهِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَمْ يُقَسَّمْ بِالِاتِّفَاقِ إلَّا مَا قَرَرْنَاهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ التَّقْدِيرِ وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ لِزَيْدٍ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى النِّصْفُ وَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ الثُّلُثُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ الصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّ هَذِهِ الْحِكَايَةَ عَنْ الْأُسْتَاذِ حَكَاهَا الشَّيْخُ الْإِمَامُ عَنْهُ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ عَنْ الْأُسْتَاذِ مُتَّجِهٌ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى مُخْتَلٌّ جِدًّا مِنْ صِيغَةِ اللَّفْظِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مَعْدُودًا مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْأُسْتَاذُ مَسْبُوقٌ فِيهِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ عَلَى مُخَالَفَتِهِ فَإِنْ صَارَ إلَى مَذْهَبِ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَيْ: كَمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فَهُوَ مَذْهَبٌ مِنْ الْمَذَاهِبِ وَلَيْسَ مَعْدُودًا مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ مَا نَقَلَ عَنْهُ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ فَلَا يُظَنُّ بِهِ عَلَى عُلُوِّ قَدْرِهِ مُخَالَفَةُ الْإِجْمَاعِ وَلَعَلَّهُ ذَكَرَ مَا ذَكَرَهُ إظْهَارُ الْوَجْهِ مِنْ الِاحْتِمَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْتَقِدَهُ مَذْهَبًا اهـ فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ عَلِمْت أَنَّ الْمُوصَى بِهِ لِأَوْلَادِ مُحَمَّدٍ إنَّمَا هُوَ الرُّبُعُ وَكَأَنَّ الْمَيِّتَ خَلَّفَ ابْنَيْنِ وَابْنَتَيْنِ وَأَوْصَى لِأَوْلَادِ مُحَمَّدٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَبِيهِمْ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ إلَّا الرُّبُعُ بِالِاتِّفَاقِ وَعَلَى وَجْهِ أَبِي إِسْحَاقَ لِلْمُوصَى لَهُمْ بِهِ الثُّلُثُ لَا بِالْمَعْنَى الَّذِي فَهِمَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ بَلْ لِمَا يَأْتِي فِي الْبَحْثِ الثَّانِي وَبِذَلِكَ يَتَبَيَّنُ لَك مُخَالَفَةُ مَا أَفْتَى بِهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ لِلْأَصْحَابِ كُلِّهِمْ وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي فِي السُّؤَالِ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَبِيهِمْ وَلَيْسَ ذِكْرُ الْمِثْلِ بِشَرْطٍ بَلْ لَوْ حَذَفَهُ لَكَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ نَظِيرَ مَا إذَا كَانَ لَهُ ابْنَانِ وَأَوْصَى لِزَيْدٍ بِنَصِيبِ ابْنٍ ثَالِثٍ لَوْ كَانَ فَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ: الْقِيَاسُ أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا أَضَافَ إلَى الْوَارِثِ الْمَوْجُودِ وَمُرَادُهُ بِذَلِكَ أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ ابْنٌ وَارِثٌ فَأَوْصَى لِزَيْدٍ بِنَصِيبِ ابْنِهِ وَهُوَ قَدْ قَدَّمَ فِيهَا وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْبَغَوِيِّ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَالرُّويَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَبِهِ قَطَعَ أَبُو مَنْصُورٍ صِحَّتَهَا أَيْ: وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ الَّذِي صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ فِي الْمُرَابَحَةِ وَإِذَا صَحَّحَ مَعْنَاهَا فَهِيَ وَصِيَّةٌ بِالنِّصْفِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ بِالْكُلِّ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ إذَا عَرَفْت ذَلِكَ فَنَقُولُ لَوْ أَوْصَى لِأَوْلَادِ مُحَمَّدٍ بِنَصِيبِ أَبِيهِمْ لَوْ كَانَ حَيًّا فَعَلَى مَا قَالَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ الْقِيَاسُ وَفَرَّعْنَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ أَيْ: وَهُوَ الضَّعِيفُ تَكُونُ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةً وَعَلَى الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى تَكُونُ الْوَصِيَّةُ صَحِيحَةً وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ: الْقِيَاسُ أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ إلَخْ إمَّا أَنْ يُرِيدَ الْوَجْهَيْنِ فِي الصِّحَّةِ وَالْبُطْلَانِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَأَمَّا أَنْ يُرِيدَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُقَدَّرِ وَقَدْ قَرَّرَ فِي الْمُقَدَّرِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهَا وَصِيَّةٌ بِالنِّصْفِ عَلَى الصَّحِيحِ وَالْمَعْنَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِي وَعَلَى هَذَا فَلَا فَرْقَ فِي مَسْأَلَةِ نَصِيب ابْنٍ ثَالِثٍ بَيْنَ إثْبَاتِ لَفْظَةِ مِثْل وَحَذْفِهَا لَكِنْ حَكَى الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ فَرَّقُوا فَقَالُوا إذَا أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِهِ دُفِعَ إلَيْهِ نَصِيبُهُ لَوْ

كَانَ زَائِدًا عَلَى أَصْلِ الْفَرِيضَةِ وَإِذَا أَوْصَى بِنَصِيبِهِ دُفِعَ إلَيْهِ لَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَرِيضَةِ فَعَلَى هَذَا إذَا أَوْصَى بِنَصِيبٍ ثَالِثٍ لَوْ كَانَ وَلَهُ ابْنَانِ فَالْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ وَلَوْ أَثْبَتَ لَفْظَ مِثْل فَالْوَصِيَّةُ بِالرُّبُعِ وَبِذَلِكَ نَقُولُ فِي مَسْأَلَتِنَا إذَا سَقَطَ لَفْظُ مِثْل وَفَرَّعْنَا عَلَى مَا حَكَاهُ أَبُو مَنْصُورٍ عَنْ الْأَصْحَابِ أَيْ: وَهُوَ ضَعِيفٌ فَإِنَّ أَوْلَادَ مُحَمَّدٍ يَكُونُ الْمُوصَى لَهُمْ بِهِ الثُّلُثَ بِالْمَعْنَى الْآتِي وَعَنْ ذَلِكَ يَنْشَأُ سُؤَالٌ قَوِيٌّ وَهُوَ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَوْصَى لِشَخْصٍ بِنَصِيبِ ابْنِهِ وَلَهُ ابْنٌ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالنِّصْفِ وَالْمَعْنَى بِمِثْلِ نَصِيب ابْنِهِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ حَذْفِ لَفْظَةِ مِثْلَ وَإِثْبَاتِهَا إلَّا فِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ جِدًّا حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَهَهُنَا الْمَحْكِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ كَمَا قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ ابْنٍ ثَانٍ، أَوْ ثَالِثٍ فَمَا السَّبَبَ فِي ذَلِكَ وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَالصَّحِيحُ فِي الصُّورَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا أَنَّ أَوْلَادَ مُحَمَّدٍ إنَّمَا أَوْصَى لَهُمْ بِالرُّبُعِ بِالْمَعْنَى الْآتِي اهـ. كَلَامُ الْبُلْقِينِيُّ فِي هَذَا الْمَبْحَثِ وَهُوَ صَرِيحٌ أَيْ: صَرِيحٌ فِي أَنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ مُصَرِّحٌ بِبُطْلَانِ الْإِفْتَاءِ فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ بِالْخُمُسَيْنِ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ أَخِيرًا مِنْ الْإِشْكَالِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَسْلِيمِ حِكَايَةِ أَبِي مَنْصُورٍ الْفَرْقَ الْمَذْكُورَ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَأَنَّ تِلْكَ الْحِكَايَةَ مَمْنُوعَةٌ فَلَا إشْكَالَ وَسَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى الْجَوَابِ الثَّالِثِ مَا يَتَّضِحُ بِهِ رَدُّ كَلَامِ أَبِي مَنْصُورٍ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَيْضًا فَرَاجِعْهُ. (الْمَبْحَثُ الثَّانِي) أَنَّا إذَا جَعَلْنَا لِأَوْلَادِ مُحَمَّدٍ الرُّبُعَ عَلَى الصَّحِيحِ أَوْ الثُّلُثَ عَلَى الضَّعِيفِ وَهُوَ رَأْيُ أَبِي إِسْحَاقَ أَوْ عِنْدَ حَذْفِ لَفْظَةِ مِثْل عَلَى مَا حَكَاهُ أَبُو مَنْصُور فَهَلْ مَعْنَاه مِنْ أَصْلِ الْمَالِ أَوْ هُوَ مِنْ الْبَاقِي بَعْدَ التُّسْعَيْنِ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يَسُوغُ لِأَحَدٍ مُخَالَفَتُهُ أَنَّ الْمَعْنَى إنَّمَا هُوَ الثَّانِي وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ أَبَاهُمْ لَوْ كَانَ حَيًّا إنَّمَا يَأْخُذُ نَصِيبَهُ بَعْدَ التُّسْعَيْنِ فَالْمُشَبَّهُونَ بِهِ كَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَكَانَ هَذَا الشَّخْصُ لَهُ ثَلَاثَةُ بَنِينَ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِتُسْعَيْ مَالِهِ وَلِعَمْرٍو بِنَصِيبِ أَحَدِ بَنِيهِ وَمَنْ تَخَيَّلَ خِلَافَ ذَلِكَ فَقَدْ حَادَ عَنْ طَرِيقِ الصَّوَابِ وَكُتُبُ الْأَصْحَابِ مَمْلُوءَةٌ مِنْ الْفُرُوعِ الشَّاهِدَةِ لِمَا قَرَّرْته فَلَمْ أَحْتَجْ إلَى نَقْلِ ذَلِكَ لِكَثْرَتِهِ. (الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ) أَنَّا إذَا جَعَلْنَاهُ مِنْ الْبَاقِي بَعْدَ التُّسْعَيْنِ فَهَلْ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ عِنْدَ الرَّدِّ عَلَى النِّسْبَةِ أَوْ يُدْفَعُ لِأَوْلَادِ أَحْمَدَ تُسْعَا الْمَالِ وَالْبَاقِي مِنْ الثُّلُثِ وَهُوَ التُّسْعُ لِأَوْلَادِ مُحَمَّدٍ الْحَقُّ الَّذِي لَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ أَنَّا نُقَسِّمُ الثُّلُثَ عِنْدَ الرَّدِّ عَلَى النِّسْبَةِ وَلَا يَجُوزُ هَذَا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي إذْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِعَمْرٍو وَبِنِصْفِ أَحَدِ بَنِيهِ الثَّلَاثَةِ وَحَصَلَ رَدٌّ أَنْ لَا يُدْفَعَ لِعَمْرٍو شَيْءٌ وَكَذَلِكَ يَلْزَمُ أَنَّ هَذَا الشَّخْصَ لَوْ كَانَ أَوْصَى لِأَوْلَادِ أَحْمَدَ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِأَوْلَادِ مُحَمَّدٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَبِيهِمْ أَنْ لَوْ كَانَ حَيًّا لَا يُدْفَعُ إلَيْهِمْ شَيْءٌ عِنْدَ الرَّدِّ وَهَذَا بَاطِلٌ وَلِوُضُوحِ بُطْلَانِهِ لَمْ أَحْتَجْ إلَى نَقْلِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الدَّالِّ عَلَى مَا قَرَّرْت أَنَّهُ الْحَقُّ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْفَى. (الْمَبْحَثُ الرَّابِعُ) أَنَّا هَلْ نَعْتَبِرُ عَدَدَ أَوْلَادِ الْمُوصِي حَالَةَ الْوَصِيَّةِ أَوْ حَالَةَ الْمَوْتِ هَذَا مِمَّا لَمْ أَقِفْ فِيهِ عَلَى نَقْلٍ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ إنْ صَدَرَتْ مِنْهُ بِنَصِيبِ أَحَدِ أَبْنَائِهِ الثَّلَاثَةِ مَثَلًا اُعْتُبِرَ الْعَدَدُ حَالَةَ الْوَصِيَّةِ وَأَمَّا لَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيب زَيْدٍ وَهُوَ مِنْ أَوْلَادِهِ مَثَلًا فَالْمُعْتَبَرُ حَالَةُ الْمَوْتِ لَا مَحَالَةَ وَعَلَى هَذَا تَتَخَرَّجُ مَسْأَلَتُنَا فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ صَدَرَتْ لَهُمْ بِمِثْلِ نَصِيب أَبِيهِمْ أَنْ لَوْ كَانَ أَبُوهُمْ حَيًّا وَذَلِكَ مَجْهُولٌ حَالَ الْوَصِيَّةِ وَالْعَاقِبَةُ أَسْفَرَتْ عَنْ الْعِلْمِ بِهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ يَكُونُ غَرَضُ الْمُوصِي النَّصِيبَ بِتَقْدِيرِ الْعَدَدِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ فَالْجَوَابُ أَنَّا لَا اطِّلَاعَ لَنَا عَلَى مَقْصُودِهِ وَإِنَّمَا الْحُكْمُ دَائِرٌ مَعَ مُقْتَضَى الْأَلْفَاظِ اهـ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي الْوَصِيَّةِ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْعَدَدِ الْمَوْجُودِ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا الْوَصِيَّةِ مُطْلَقًا وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُمْ الْعِبْرَةُ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ بِكَوْنِهِ وَارِثًا عِنْدَ الْمَوْتِ وَإِنْ كَانَ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ غَيْرُ وَارِثٍ لَا الْوَصِيَّة وَإِنْ كَانَ عِنْدَهَا وَارِثًا فَلَوْ أَوْصَى لِأَخٍ لَا يَرِثُهُ غَيْرُهُ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ حَدَثَ لَهُ ابْنٌ كَانَتْ وَصِيَّةً لِغَيْرِ وَارِثٍ أَوْ عَكْسَهُ كَانَتْ وَصِيَّةً لِوَارِثٍ فَلَمْ يَعْتَبِرُوا عِلْمَ الْمَيِّتِ وَلَا أَدَارُوا عَلَيْهِ حُكْمًا هُنَا فَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْبُلْقِينِيُّ لِأَنَّهُ هُنَا إذَا تَعَمَّدَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ عَنْ بَعْضٍ وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَيْهِ وَإِنَّمَا نَظَرُوا لِلْوَارِثِ حَالَةَ الْمَوْتِ دُونَ الْوَصِيَّةِ

فَأَوْلَى أَنْ لَا يُنْظَرَ لِجَهْلِهِ بِعَدَدِ الْأَوْلَادِ وَلَا لِعِلْمِهِ بِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْبُلْقِينِيُّ وَإِنَّمَا النَّظَرُ لَهُمْ عِنْدَ الْمَوْتِ سَوَاءٌ وَافَقَ عَدَدُهُمْ عِنْدَهُ ظَنَّهُ أَمْ خَالَفَهُ فَإِنْ قُلْت قَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ اعْتِبَارُ الْوَصِيَّةِ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ لَمَّا نُقِلَ قَوْلُهُمْ لَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيب ابْنِهِ وَلَا ابْنَ لَهُ وَارِثٌ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ قَالَ لَوْ كَانَ لَهُ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ ابْنٌ وَارِثٌ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَهُ يُنْظَرُ إلَى حَالَةِ الْإِيصَاءِ أَوْ الْمَوْتِ وَالْقَلْبُ إلَى الْأَوَّلِ أَمْيَلُ اهـ. قُلْت الْأَوْجَهُ هُنَا أَيْضًا الِاعْتِبَارُ بِوَقْتِ الْمَوْتِ وَبِهِ يُصَرِّحُ قَوْلُ الدَّارِمِيِّ وَإِنْ اسْتَشْكَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَقَالَ إنَّهُ لَمْ يَرَهُ لِغَيْرِهِ لَوْ قَالَ بِمِثْلِ نَصِيب أَحَدِ وَلَدِي وَلَهُ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ وَكَافِرٌ وَعَبْدٌ وَقَاتِلٌ فَلَا شَيْءَ فَإِنْ عَتَقَ الْعَبْدُ وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ قَبْلَ الْمَوْتِ فَلَهُ مِثْلُ نَصِيب الْأَقَلِّ اهـ. فَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي أَنَّ لَهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ بِحَالَةِ الْمَوْتِ لَا الْوَصِيَّةِ فَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته وَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ الْمَنْقُولُ فَاعْتَمِدْهُ إذَا عَرَفْت جَمِيعَ مَا قَرَّرَهُ الْبُلْقِينِيُّ فِي أَوْلَادِ مُحَمَّدٍ الْمُوصَى لَهُمْ بِمِثْلِ نَصِيب أَبِيهِمْ لَوْ كَانَ حَيًّا عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُمْ إنَّمَا هِيَ بِالرُّبُعِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ نَظَرًا إلَى تَقْدِيرِ ابْنٍ ثَانٍ وَكَأَنَّ الْمَيِّتَ خَلَّفَ ابْنَيْنِ وَبِنْتَيْنِ وَأَوْصَى لِأَوْلَادِ مُحَمَّدٍ بِمِثْلِ نَصِيب أَبِيهِمْ وَالثُّلُثُ عَلَى الضَّعِيفِ نَظِيرًا إلَى عَدَمِ ذَلِكَ التَّقْدِيرِ اتَّضَحَ لَك مَا قُرِّرَ فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ الَّتِي هِيَ عَيْنُ مَسْأَلَةِ الْبُلْقِينِيُّ هَذِهِ مِنْ أَنَّ الْمُوصَى بِهِ لِأَوْلَادِ الْوَلَدِ إنَّمَا هُوَ السُّبُعَانِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ نَظَرًا إلَى تَقْدِيرِ ابْنٍ ثَانٍ وَكَأَنَّ الْمَيِّتَ خَلَّفَ ابْنَيْنِ وَبِنْتًا وَأَوْصَى لِأَوْلَادِ وَلَدِهِ بِمِثْلِ نَصِيب أَبِيهِمْ لَوْ كَانَ حَيًّا إذْ بِهَذَا الْفَرْضِ يَكُونُ الْمُوصَى بِهِ السُّبُعَيْنِ بِلَا شَكٍّ وَالْخُمُسَيْنِ عَلَى الضَّعِيفِ نَظَرًا إلَى عَدَمِ ذَلِكَ التَّقْدِيرِ وَحِينَئِذٍ فَالْمُفْتِي بِالْخُمُسَيْنِ مَعَ وُجُودِ مِثْلِ مُفْتٍ بِوَجْهٍ ضَعِيفٍ مَعْدُومٌ مِنْ الْمَذْهَبِ بَلْ مَحْكِيٌّ عَنْ الْأَصْحَابِ لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَهُمْ خِلَافُهُ فَلْيَكُنْ ذَلِكَ الْإِفْتَاءُ فِي حَيِّزِ النَّبْذِ وَالطَّرْحِ عُقُوبَةً لِمُسْتَحِلِّهِ حَتَّى لَا يَعُودَ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَتَمَسُّكُهُ بِالْعُرْفِ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ سَيَأْتِي رَدُّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى جَوَابِهِ وَسَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَجْوِبَةِ مَا يَزِيدُ ذَلِكَ وُضُوحًا وَبَيَانًا. (الْكَلَامُ عَلَى الْجَوَابِ الْأَوَّلِ) قَوْلُهُ فَلَهُمْ سُبُعَا تَرِكَةِ الْمُوصِي إلَخْ هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ كَمَا مَرَّ وَقَوْلُهُ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ ابْنَانِ وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِهِمَا سَبْقُ قَلَمٍ أَوْ أَنَّ نُسْخَتَهُ مِنْ شَرْحِ الرَّوْضِ مُحَرَّفَةٌ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا إلَى نَصِيبِهِمَا وَلَمْ يُدْرِكْ تَحْرِيفَهَا فَبَادَرَ إلَى كِنَايَةِ مَا فِيهَا مِنْ غَيْرٍ تَأَمُّلٍ وَالصَّوَابُ مَا فِيهِ وَهُوَ لَوْ أَوْصَى وَلَهُ ابْنٌ بِمِثْلِ نَصِيب ابْنٍ ثَانٍ لَوْ كَانَ فَهِيَ بِالثُّلُثِ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ ابْنَانِ وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيب أَحَدِهِمَا فَإِنَّ هَذِهِ هِيَ الَّتِي نَظِير الْمَسْأَلَةِ وَبَيَانُهُ أَنَّهُ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ هُنَا أَنَّهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ يُقَدَّرُ وُجُودُ الْمُشَبَّهِ بِهِ ثُمَّ يُزَادُ مِثْلُ نَصِيبِهِ لِلْمُوصَى لَهُ فَمِنْ ثَمَّ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ بِالثُّلُثِ وَإِذَا كَانَتْ فِيهِ بِالثُّلُثِ لَزِمَ كَوْنُهَا فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ بِالسُّبْعَيْنِ لِأَنَّك تُقَدِّرُ وُجُودَ أَبِيهِمْ ثُمَّ تَزِيدُ مِثْلَ نَصِيبِهِ وَإِذَا قَدَّرْت وُجُودَهُ كَانَ لَهُ الْخُمُسَانِ مِنْ خَمْسَةٍ فَتَزِيدُ عَلَيْهَا اثْنَيْنِ لِلْمُوصَى لَهُمْ فَيَكُونُ لَهُمْ اثْنَانِ مِنْ سَبْعَةٍ فَاتَّضَحَ أَنَّ مَا ذَكَرْته هُوَ النَّظِيرُ لَا مَا ذَكَرَهُ ذَلِكَ الْمُفْتِي إذْ لَا مُشَابَهَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ بِوَجْهٍ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ جَلِيٌّ قَوْله نَعَمْ إنْ قَالَ الْمُوصِي أَوْلَادُ ابْنِي عَلَى مِيرَاثِ أَبِيهِمْ إلَخْ عَجِيبٌ مِنْهُ مَعَ إفْتَائِهِ بِالسُّبْعَيْنِ فِي أَوْصَيْت لَهُمْ بِمِيرَاثِ أَبِيهِمْ. وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّهُ إنْ جَرَى عَلَى الْمُعْتَمَدِ الَّذِي رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِتْيَانِ بِمِثْلِ وَحَذْفِهَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ أَوْ عَلَى خِلَافِهِ الَّذِي حَكَاهُ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ عَنْ الْأَصْحَابِ فَكَذَلِكَ فَمَا الْمَعْنَى الَّذِي أَوْجَبَ التَّفْرِقَةَ الْمَذْكُورَةَ وَكَأَنَّهُ تَخَيَّلَ أَنَّهُ إذَا أَتَى بِنَحْوِ أَوْصَيْت كَانَ ذَلِكَ قَرِينَةً عَلَى تَقْدِيرِ الْمِثْلِ وَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دَاعٍ لِتَقْدِيرِهَا وَهَذِهِ غَفْلَةٌ ظَاهِرَةٌ عَنْ مَأْخَذِهِمْ فِي تَقْدِيرِ الْمِثْلِ وَهُوَ وُرُودُ الْوَصِيَّةِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ بِلَفْظِهَا أَمْ بِمَا يَتَضَمَّنُهُ أَوْ يَسْتَلْزِمُهُ عَلَى مَالِ الْمُوصِي لَا عَلَى مَالِ أَبِيهِمْ الْمَيِّتِ الْمَجْعُولِ لَهُمْ نَصِيبُهُ إذْ لَا مَالَ لَهُ فِي تَرِكَةِ أَبِيهِ لِمَوْتِهِ قَبْلَهُ فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ الْغَرَضُ إلَّا التَّقْدِيرُ لِمَا يَأْخُذُهُ أَوْلَادُهُ مِنْ تَرِكَةِ جَدِّهِمْ بِمَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ أَبُوهُمْ لَوْ فُرِضَتْ حَيَاتُهُ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ مَلْحَظُ الْأَصْحَابِ فِي تَقْدِيرِ الْمِثْلِ فَلَا فَرْقَ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ

بَيْنَ أَنْ يَقُولَ أَوْصَيْت بِمِيرَاثِ أَبِيهِمْ أَوْ هُمْ عَلَى مِيرَاثِ أَبِيهِمْ أَوْ جَعَلْتهمْ عَلَى مِيرَاثِهِ لِأَنَّ الدَّاعِي الَّذِي ذَكَرْته أَخْذًا مِمَّا ذَكَرُوهُ مَوْجُودٌ فِي كُلٍّ مِنْ الصِّيَغِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لِمُجَرَّدِ ذَلِكَ الْأَمْرِ الْمُتَخَيَّلِ خَطَأٌ صُرَاحٌ لَا وَجْهَ لَهُ فَالصَّوَابُ أَنَّ لِأَوْلَادِ الِابْنِ السُّبْعَيْنِ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ نَعَمْ فِي صَرَاحَةٍ هُمْ عَلَى مِيرَاثِ أَبِيهِمْ أَوْ جَعَلْتهمْ عَلَى مِيرَاثِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا نُظِرَ وَإِنَّمَا تَتَّضِحُ صَرَاحَتُهُمَا أَنْ ضُمَّ إلَى ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِي. وَأَمَّا بِدُونِهِ فَلَا بَلْ لَا يَبْعُدُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ لِاحْتِمَالِهِ فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ هَذَا لِفُلَانٍ مِنْ مَالِي الْمُصَرَّحِ فِيهِ بِأَنَّهُ كِنَايَةٌ لِاحْتِمَالِهِ الْهِبَةَ النَّاجِزَةَ وَالْوَصِيَّةَ فَإِنْ قُلْت التَّعْبِيرُ بِالْمِيرَاثِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ بَعْدَ مَوْتِي فَلْيَكُنْ ذَلِكَ صَرِيحًا لِذَلِكَ قُلْت كَوْنُهُ بِمَنْزِلَتِهِ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ إنَّمَا يُفْهِمُ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الِاسْتِلْزَامِ لَا الصَّرَاحَةِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ لَا سِيَّمَا وَتَقْدِيرُ مِثْل الَّذِي سَبَقَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ يُبْعِد ذَلِكَ الِاسْتِلْزَامَ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ لَا تَقْتَضِي التَّسَاوِي فِي سَائِرِ الِاعْتِبَارَاتِ فَاتَّضَحَ أَنَّ التَّعْبِيرَ بِالْمِيرَاثِ لَا يُسَاوِي التَّعْبِيرَ بِبَعْدِ مَوْتِي فَلَمْ يَتَّجِهْ إلْحَاقُهُ بِهِ فِي الصَّرَاحَةِ. (الْكَلَامُ عَلَى الْجَوَابِ الثَّانِي) قَوْلُهُ وَلَهُ ابْنٌ وَارِثٌ فِيهِ إيهَامُ أَنَّ هَذَا قَيْدٌ فِي ذِكْرِ الْمِثْلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ جَارٍ عِنْدَ حَذْفِهِ أَيْضًا قَوْلُهُ بِمِثْلِ نَصِيب ابْنِي صَحَّ كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ إلَخْ فِيهِ تَحْرِيفٌ قَبِيحٌ وَصَوَابُهُ بِمِثْلِ نَصِيب ابْنٍ بِالتَّنْوِينِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الصِّحَّةِ فِي هَذِهِ وَالْبُطْلَانِ فِي بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِي وَلَا ابْنَ لَهُ وَارِثٌ بِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَيْهِ تَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا رَبَطَ الْوَصِيَّةَ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ لَهُ مَوْجُودٌ لَهُ نَصِيبٌ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ كَذَلِكَ لَغَتْ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُوصِي وَأَمَّا إذَا لَمْ يُضِفْهُ إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ ذَلِكَ وَإِذَا لَمْ يَعْتَبِرْهُ فَتَصْحِيحُ اللَّفْظِ مَا أَمْكَنَ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِهِ وَهُوَ هُنَا مُمْكِنٌ بِتَقْدِيرِ نَصِيب ابْنٍ لِي لَوْ كَانَ فَاتَّضَحَتْ الصِّحَّةُ هُنَا وَالْبُطْلَانُ فِيمَا مَرَّ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ لَوْ قَالَ أَعْطُوا فُلَانًا شَاةً فَمَاتَ وَلَا غَنَمَ لَهُ اشْتَرَيْت لَهُ شَاةً وَإِنْ قَالَ شَاةً مِنْ غَنَمِي فَمَاتَ وَلَا غَنَمَ لَهُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ هُنَا اعْتَبَرَ وُجُودَ غَنَمٍ لَهُ يُعْطِي مِنْهَا فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِعَدَمِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَثَمَّ لَمْ يُعْتَبَرْ ذَلِكَ فَاشْتَرَيْت لَهُ تَصْحِيحًا لِلَّفْظِ مَا أَمْكَنَ قَوْلُهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ إلَخْ كَلَامٌ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ مِنْ وُجُوهٍ عَدِيدَةٍ لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى اشْتِغَالٍ وَآفَةُ الْمُبَادَرَةِ إلَى مِثْلِ هَذَا السَّفْسَافِ مَا مَرَّ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْبُلْقِينِيُّ وَأَيُّ جَامِعٍ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْبَغَوِيِّ وَصُورَةِ السُّؤَالِ سِوَى مُجَرَّدِ الصِّحَّةِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهَا بَلْ فِي قَدْرِ حِصَّةِ مَا لِلْمُوصَى لَهُمْ وَلَيْسَ فِي مَسْأَلَةِ الْبَغَوِيِّ تَعَرُّضٌ لِمُقَدَّرٍ أَصْلًا بَلْ لِمُجَرَّدِ الصِّحَّةِ كَمَا صَرَّحَ هَذَا الْمُفْتِي بِهِ وَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا تَعَرُّضٌ لِغَيْرِ الصِّحَّةِ فَكَيْفَ يَقِيسُهَا عَلَيْهَا وَيُسْتَنْتَجُ مِنْ الْقِيَاسِ أَنَّ لِلْمُوصَى لَهُمْ خُمُسُ التَّرِكَةِ هَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي صُدُورُهُ مِنْ عَاقِلٍ فَضْلًا عَنْ فَاضِلٍ وَقَوْله لَوْ كَانَ حَيًّا عَجِيبٌ أَيْضًا فَإِنَّ هَذَا مُصَرَّحٌ بِهِ فِي لَفْظِ الْمُوصِي كَمَا فِي السُّؤَالِ وَقَوْلُهُ فَالْمُوصَى بِهِ خُمُسَا التَّرِكَةِ مُفَرَّعٌ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ إذْ الَّذِي قَبْلَهُ لَا يَقْتَضِيه بِوَجْهٍ وَقَوْلُهُ وَهُوَ مُقْتَضَى الضَّابِطِ إلَخْ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ هُوَ نَاشِئٌ عَنْ عَدَمِ فَهْمِ ذَلِكَ الضَّابِطِ وَإِلَّا فَهُوَ صَرِيحٌ فِي السُّبْعَيْنِ لَا الْخُمُسَيْنِ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْأَصْحَابِ لَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيب أَحَدِ أَبْنَائِهِ فُرِضَ كَابْنٍ آخَرَ مَعَهُمْ فَلَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَالْوَصِيَّةُ بِالرُّبُعِ أَوْ أَرْبَعَة فَبِالْخُمُسِ وَهَكَذَا وَضَابِطُهُ أَنْ تُصَحَّحَ الْفَرِيضَةُ إلَخْ فَهَذَا فِي ابْنٍ مَوْجُودٍ فَفِي مَعْدُومِ قَدْرِ وُجُودِهِ يُفْرَضُ وُجُودُهُ ثُمَّ يُزَادُ مِثْلُ نَصِيبِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ أَيْضًا لَوْ كَانَ لَهُ ابْنٌ وَأَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِثْلِ نَصِيب ابْنٍ ثَانٍ لَوْ كَانَ أَوْ ابْنَانِ وَأَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِثْلِ نَصِيب ابْنٍ ثَالِثٍ لَوْ كَانَ لِزَيْدٍ فِي الْأُولَى الثُّلُثُ وَفِي الثَّانِيَةِ الرُّبْعُ وَكَأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيب أَحَدِ ابْنَيْهِ فِي الْأُولَى أَوْ أَحَدِ بَنِيهِ فِي الثَّانِيَةِ وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَمْ يُقَسَّمْ بِالِاتِّفَاقِ إلَّا مَا قَرَّرْنَاهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ التَّقْدِيرِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ لَهُ فِي الْأُولَى النِّصْفُ وَفِي الثَّانِيَةِ الثُّلُثُ وَمَرَّ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ مَقَالَتَهُ هَذِهِ لَيْسَتْ مَعْدُودَةً مِنْ الْمَذْهَبِ اتِّفَاقًا فَعَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ الشَّاذَّةِ الَّتِي اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمَذْهَبِ يَصِحُّ مَا قَالَهُ هَذَا الْمُفْتِي لِأَنَّ مَلْحَظَ الْخِلَافِ أَنَّ الْمُوصِي بِنَصِيبِهِ هَلْ يُجْعَلُ مِنْ الْوَرَثَةِ اعْتِبَارًا لِلْمُمَاثَلَةِ بِمَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَعِبَارَةُ الْإِمَامِ بِمَا قَبْلَ الْوَصِيَّةِ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ أَوْ يُقَدَّرُ

زَائِدًا اعْتِبَارًا لَهَا بِمَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ مَعَ مُزَاحَمَةِ الْوَصِيَّةِ وَعِبَارَةُ الْجَوَاهِرِ وَالْمُمَاثَلَةُ مَرْعِيَّةٌ بَعْدَ الْقِسْمَةِ لَا قَبْلَهَا فَأَبُو إِسْحَاقَ كَمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - يَقُولُ بِالْأَوَّلِ وَالْأَصْحَابُ كُلُّهُمْ عَلَى الثَّانِي وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ الْأَمْرَ مُحْتَمَلٌ وَعِنْدَ الِاحْتِمَالِ يَجِبُ التَّنْزِيلُ عَلَى الْأَقَلِّ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِ الْوَرَثَةِ الْمُسْتَحَقِّ لَهُمْ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ الْمُفِيدَةِ لِلْيَقِينِ أَوْ الظَّنِّ الْقَوِيِّ بِمُجَرَّدِ الشَّكِّ وَبِهَذَا يُعْلَمُ رَدُّ قَوْلِ الْإِمَامِ السَّابِقِ أَنَّ مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ مُتَّجِهٌ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى فَأَيُّ اتِّجَاهٍ لَهُ مَعَ مَا ذَكَرْته فَتَأَمَّلْهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ يُجْعَلُ أَوْلَادُ الِابْنِ هُنَا بِمَنْزِلَةِ أَبِيهِمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَيَكُونُ مَا يَسْتَحِقُّهُ أَبُوهُمْ لَوْ كَانَ حَيًّا هُوَ الْمُوصَى بِهِ لَهُمْ وَاَلَّذِي كَانَ يَسْتَحِقُّهُ الْخُمُسَانِ لِأَنَّ مَعَهُ ذَكَرًا آخَرَ وَبِنْتًا فَيَكُونَانِ أَعْنِي الْخُمُسَيْنِ اللَّذَيْنِ يَسْتَحِقُّهُمَا الْأَبُ بِتَقْدِيرِ حَيَاتِهِ لِبَنِيهِ الْمُوصَى لَهُمْ بِمِثْلِ نَصِيبِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَعَلَى الثَّانِي الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ كَافَّةً كَمَا عَلِمْت يُقَدَّرُ كَأَنَّ أَبَاهُمْ حَيٌّ وَكَأَنَّ الْمُوصِي مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ وَبِنْتٍ ثُمَّ يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ مِثْلُ نَصِيبِ الِابْنِ الْمُقَدَّرِ وُجُودُهُ وَهُوَ اثْنَانِ مِنْ خَمْسَةٍ ثُمَّ يُعْطَى ذَلِكَ وَهُوَ السُّبْعَانِ لِلْمُوصَى لَهُمْ فَاتَّضَحَ أَنَّ اسْتِحْقَاقَهُمْ لِلسُّبْعَيْنِ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ كَافَّةً وَلِلْخُمُسَيْنِ هُوَ الَّذِي يَقُولُ بِهِ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ لَكِنَّهُ شَاذٌّ خَارِجٌ عَنْ الْمَذْهَبِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُعَوِّلَ عَلَيْهِ وَلَا أَنْ يَلْتَفِتَ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ فَمَسْأَلَةُ السُّؤَالِ مِنْ ثَلَاثَةٍ إلَخْ هَذَا هُوَ سَبَبُ غَلَطِهِ كَمَا مَرَّ عِنْدَ سَوْقِ كَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ الضَّابِطَ جَارٍ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُوصَى بِمِثْلِ نَصِيبِهِ مَوْجُودًا أَوْ مُقَدَّرًا وُجُودُهُ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بِالِاعْتِبَارِ الَّذِي فَهِمَهُ وَإِنَّمَا جَازَ فِيهِمَا بِالِاعْتِبَارِ الَّذِي قَرَّرْته وَهُوَ أَنَّهُ عِنْدَ الْوُجُودِ يُزَادُ مِثْلُ مَا لِلْمُوصَى بِمِثْلِ نَصِيبِهِ وَعِنْدَ التَّقْدِيرِ يُزَادُ ذَلِكَ الْمُقَدَّرُ وُجُودُهُ ثُمَّ يُزَادُ مِثْلُ مَالِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ كَافَّةً فِيمَا مَرَّ آنِفًا وَقَوْلُهُ وَمَنْ جَعَلَ لَهُ سَهْمًا حَتَّى صَارَتْ الْقِسْمَةُ أَسْبَاعًا فَقَدْ خَالَفَ الْفُقَهَاءَ الَّذِينَ أَفْتَوْا بِالْخُمُسَيْنِ يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا مِمَّا يُنَادَى عَلَى صَاحِبِهِ بِالْجَهْلِ الْمُفْرِطِ لِأَنَّ أُولَئِكَ الْفُقَهَاءَ الْمُرَادُ بِهِمْ مِثْلُ الْفَقِيهِ الصَّالِحِ ابْنِ عَبْسِينَ وَابْنِ مَزْرُوعٍ كَمَا مَرَّ إنْ وَافَقَ كَلَامُهُمْ كَلَامَ الْأَصْحَابِ فَالْحُجَّةُ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَإِنْ خَالَفَ كَلَامُهُمْ كَلَامَ الْأَصْحَابِ فَلَا يُلْتَفَت إلَيْهِمْ كَمَا مَرَّ مَبْسُوطًا أَوَّلَ الْجَوَابِ فَإِنْ قَالَ هَذَا الْمُحْتَجُّ بِكَلَامِ أُولَئِكَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ هَؤُلَاءِ يَفْهَمُونَ كَلَامَ الْأَصْحَابِ وَلَا يُخَالِفُونَهُ فَأَنَا أُقَلَّدُهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَظِيرٍ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ قُلْنَا هَذَا أَوَّلُ دَلِيلٍ عَلَى الْجَهْلِ لِأَنَّ الْمُفْتِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نَقْدٌ يُمَيِّزُ بِهِ بَيْنَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَمُخَالِفِهِ وَلَا بَيْنَ الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ وَلَا بَيْنَ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَمَا خَالَفَهُ فَالْإِفْتَاءُ عَلَيْهِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْأَصْحَابَ كَافَّةً عَلَى السُّبْعَيْنِ لَا الْخُمُسَيْنِ فَإِنْ صَحَّ مَا ذُكِرَ عَنْ أُولَئِكَ الْفُقَهَاءِ مَعَ ذِكْرِ مِثْل فَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَقَدْ مَرَّ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ مَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ لَيْسَ مَعْدُودًا مِنْ الْمَذْهَبِ فَهُوَ شَاذٌّ خَارِجٌ عَنْ الْمَذْهَبِ وَقَوَاعِدِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مُوَافِقٌ لِمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَوْ مَعَ حَذْفِهَا فَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا حَكَاهُ أَبُو مَنْصُورٍ عَنْ الْأَصْحَابِ لَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ ضَعِيفٌ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَالْمُتَأَخِّرُونَ فَلَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُمْ. وَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُ كَذَلِكَ فَكَيْفَ يَسُوغُ لِمُفْتٍ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنْ يَتْرُكَ مَا عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَيُفْتِي بِشَاذٍّ خَارِجٍ عَنْ الْمَذْهَبِ مَا ذَاكَ إلَّا لِتَعَصُّبٍ أَوْ جَهْلٍ قَبِيحٍ وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِلْمَقْتِ وَالْغَضَبِ نَعُوذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ مَقْتِهِ وَغَضَبِهِ وَقَوْلُهُ وَصُورَةُ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الْأَصْحَابِ مَفْرُوضَةٌ فِي بَنِينَ أَحْيَاءٌ كُلُّهُمْ يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا مِنْ الْكَذِبِ أَوْ الْجَهْلِ لِأَنَّهُ نَفْسُهُ نَقَلَ فِيمَا مَرَّ صُورَةَ الْبَغَوِيِّ وَالْخُوَارِزْمِيّ الْمَفْرُوضَةُ فِي ابْنٍ مَيِّتٍ أَوْ مَعْدُومٍ بِالْكُلِّيَّةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَالتَّقْدِيرُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ لِي لَوْ كَانَ فَكَيْفَ مَعَ نَقْلِهِ لِهَذَا يَزْعُمُ أَنَّ صُورَةَ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الْأَصْحَابِ مَفْرُوضَةٌ فِي بَنِينَ أَحْيَاءٌ كُلُّهُمْ وَكَيْفَ رَاجَ عَلَيْهِ ذَلِكَ مَعَ ذِكْرِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلهَا كَالْأَصْحَابِ لِمَسَائِلِ الْمُوصِي بِمِثْلِ نَصِيبِهِ الْمَوْجُودِ وَالْمُقَدَّرِ الْوُجُودِ وَذِكْرُهُمْ الْخِلَافَ فِي كُلٍّ مِنْ الْقِسْمَيْنِ وَالتَّفْرِيعُ الطَّوِيلُ عَلَى مَا يُتَعَجَّبُ مِنْ أَجْلِهِ مِنْ رَأْي قَوْلِ هَذَا الْمُفْتِي وَصُورَةُ الرَّوْضَةِ

وَغَيْرِهَا إلَخْ وَقَوْلُهُ وَمِنْ الْمُحَالِ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا مِنْ السَّفْسَافِ الَّذِي لَا يَصْدُرُ مِثْلُهُ مِمَّنْ لَهُ أَدْنَى مُسْكَةٍ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ مُشْتَمِلٌ عَلَى الصُّورَتَيْنِ وَأَنَّهُمْ فِي الْمَوْجُودِ يَجْعَلُونَ مِثْلَ مَا لِلْمُوصَى بِنَصِيبِهِ زَائِدًا عَلَى سِهَامِ الْمَسْأَلَةِ وَفِي الْمُقَدَّرِ وُجُودُهُ يُقَدِّرُونَ وُجُودَهُ وَسَهْمَهُ ثُمَّ يَزِيدُونَ مِثْلَ سَهْمِهِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ هَذَا مِمَّا لَا مِرْيَةَ فِيهِ. فَإِنْ فُرِضَ صِدْقُهُ فِي أَنَّ الْفُقَهَاءَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ أَفْتَوْا بِالْخُمُسَيْنِ فِي عَيْنِ صُورَةِ السُّؤَالِ فَهُمْ قَدْ جَهِلُوا مَسْأَلَةَ الرَّوْضَةِ وَكُتُبَ الْأَصْحَابِ وَلَكِنَّا لَا نَعْتَقِدُ ذَلِكَ فِيهِمْ وَإِنَّمَا نَحْمِلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ تَحْرِيفٌ مِنْ النَّاقِلِ عَنْهُمْ وَقَوْلُهُ وَوَهِمَ مَنْ قَاسَهَا عَلَيْهَا مَعَ وُضُوحِ الْفَرْقِ يُقَالُ عَلَيْهِ الْوَهْمُ وَالْخَطَأُ إنَّمَا هُوَ مِمَّنْ يُخَالِفُ كَلَامَ الْأَصْحَابِ الصَّرِيحَ الَّذِي لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ مِنْ غَيْرِ مُسْتَنَدٍ ثُمَّ يَتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُتَمَسِّكِينَ بِكَلَامِ الْأَصْحَابِ قَاسُوا مَعَ وُضُوحِ الْفَرْقِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا تَوَهَّمَ بَلْ لَا قِيَاسَ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْحُكْمُ الَّذِي هُوَ اسْتِحْقَاقُ السُّبُعَيْنِ مَنْصُوصٌ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي كَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ وَفِيمَا قَرَّرْته الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى جَوَابِ هَذَا الزَّاعِمِ لَمَّا كَانَ الْأَحْرَى بِهِ الْإِمْسَاكَ عَنْهُ وَعَدَمَ الدُّخُولِ فِي وَرْطَتِهِ وَأَيُّ وَرْطَةٍ أَقْبَحُ مِنْ وَرْطَةِ التَّقَوُّلِ فِي الدِّينِ بِالرَّأْيِ مِنْ غَيْرِ مُسْتَنَدٍ يُعْتَدُّ بِهِ أَوْ يُعْذَرُ صَاحِبُهُ فِي التَّمَسُّكِ بِهِ وَقَوْلُهُ فَإِنَّ الْمُوصِي فِي الْحَادِثَةِ إلَخْ كَلَامٌ لَا يُجْدِيه شَيْئًا وَمِنْ أَيْنَ لَهُ ذَلِكَ وَالْمُرَاعَى فِي الْوَصَايَا وَنَحْوِهَا إنَّمَا هُوَ دِلَالَاتُ الْأَلْفَاظِ لَا الْمَقْصُود إلَّا إذَا عُلِمَتْ وَاحْتَمَلَهَا اللَّفْظُ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْمُوصِي فِي الْحَادِثَةِ هُوَ مَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ وَقَدْ مَرَّ لَك أَنَّ الْإِمَامَ قَالَ عَنْ مَقَالَةِ أَبِي إِسْحَاقَ الْمُوَافِقَة لِمَا انْتَحَلَهُ هَذَا الْمُفْتِي أَنَّهَا مُخْتَلَّةٌ جِدًّا مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَقَوْلُهُ وَلَا شَكَّ إلَخْ هُوَ مِنْ تَهَوُّرِهِ أَيْضًا وَلَوْ أَرَادَ السَّلَامَةَ مِنْ ذَلِكَ لَقَالَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُوصِي إنْ قَصَدَ ذَلِكَ وَعَلِمَ كَانَ الْمُوصَى لَهُ مُنَزَّلًا مَنْزِلَةَ أَبِيهِ عَلَى أَنَّ الْجَزْمَ بِذَلِكَ عِنْدَ الْقَصْدِ نَظَرًا لِأَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ إطْلَاقُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرُوهُ فِي الصُّورَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ هُوَ مُقْتَضَى لَفْظِ الْمُوصِي الصَّرِيحِ فِيهِ وَالصَّرِيحُ لَا يَقْبَلُ الصَّرْفَ عَنْ مَعْنَاهُ بِالْقَصْدِ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَصْحَابَ لَمْ يُعَوِّلُوا عَلَى الْقَصْدِ هُنَا أَصْلًا وَإِنَّمَا رَتَّبُوا عَلَى كُلِّ صُورَةٍ مُقْتَضَاهَا الدَّالَّ عَلَيْهِ لَفْظُهَا عِنْدَهُمْ فَإِنْ قُلْت قَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي مُحَالٍ أَنَّ الْقَصْدَ حَيْثُ احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ يُرْجَعُ إلَيْهِ وَسَيَأْتِي فِي الْجَوَابِ الْأَخِيرِ مِنْ ذَلِكَ عِدَّةُ مَسَائِلَ قُلْت تِلْكَ الْمَسَائِلُ الَّتِي عَوَّلُوا فِيهَا عَلَى الْقَصْدِ لَيْسَ فِيهَا صَرِيحٌ صَرَفَهُ الْقَصْدُ عَنْ مَدْلُولِهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى مَا هُنَا كَمَا سَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَإِنْ قُلْت قَدْ ذَكَرَ الْأَئِمَّةُ الرُّجُوعَ إلَى إرَادَةِ الْمُوصِي وَالدَّعْوَى بِهَا عَلَى الْوَارِثِ وَأَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِهَا قُلْت هَذَا مِنْ أَعْدَلِ شَاهِدٍ لَنَا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ إلَّا فِي الْإِيصَاءِ بِنَحْوِ الْجُزْءِ أَوْ الْحَظِّ أَوْ السَّهْمِ أَوْ النَّصِيبِ وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ مُحْتَمِلٌ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَأَثَّرَتْ فِيهِ الْإِرَادَةُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى إرَادَة مُخَالَفَة لِذَلِكَ الصَّرِيحِ فَإِنْ قُلْت ذَكَرُوا ذَلِكَ أَيْضًا فِيمَا إذَا أَوْصَى مَنْ لَهُ ابْنٌ وَبِنْتٌ لِزَيْدٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ الِابْنِ وَلِعَمْرٍو بِمِثْلِ نَصِيبِ الْبِنْتِ فَقَالُوا تَارَةً يُرِيدُ بِمِثْلِ نَصِيبِهَا قَبْلَ دُخُولِ الْوَصِيَّةِ عَلَيْهَا فَيَكُونُ لِلْأَوَّلِ الْخُمُسَانِ وَلِلثَّانِي الرُّبُعُ أَوْ بَعْدَ دُخُولِ الْوَصِيَّةِ عَلَيْهَا فَيَكُونُ لِلْأَوَّلِ الْخُمُسَانِ وَلِلثَّانِي السُّدُسُ قُلْت هَذَا مِنْ أَعْدِلْ شَاهِدٍ لَنَا أَيْضًا لِأَنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْا أَنَّ اللَّفْظَ هُنَا مُحْتَمِلٌ فَرَّقُوا بَيْنَ الْإِرَادَةِ وَعَدَمِهَا وَلَمَّا رَأَوْهُ فِي مَسْأَلَتِنَا غَيْرَ مُحْتَمِلٍ لَمْ يُفَرِّقُوا بَلْ أَطْلَقُوا مَا مَرَّ وَلَمْ يَجْعَلُوا لِلْإِرَادَةِ مَدْخَلًا فِي ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ وَلَا يَنْبَغِي لِمُفْتٍ أَنْ يُفْتِيَ بِغَيْرِ ذَلِكَ إلَخْ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ تَهَوُّرِهِ وَجَسَارَتِهِ وَكَأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ غَيْرَهُ مِثْلُهُ فِي عَدَمِ فَهْمِهِ لِكَلَامِ الْأَصْحَابِ بِالْكُلِّيَّةِ حَتَّى وَقَعَ فِيمَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ الْخَطَإِ وَالْخَطَلِ وَالْوَهْمِ وَالزَّلَلِ وَقَوْلُهُ فَالْمَعْرُوفُ الْمَعْهُودُ إلَخْ هَذَا مِمَّا يُسَجَّلُ عَلَيْهِ بِالِاخْتِلَالِ فِي الْفَهْمِ وَالتَّأَمُّلِ كَمَا لَا يَخْفَى وَإِنَّمَا الَّذِي كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُذْكَرَ مَسْأَلَةُ الْقَصْدِ أَوَّلًا وَيَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا غَيْرُ مَسْأَلَةِ الْعُرْفِ وَإِنَّ أَهْلَ جِهَتِهِمْ قَدْ اطَّرَدَ عُرْفُهُمْ بِأَنَّهُمْ إنَّمَا يُرِيدُونَ أَنَّ الْحَافِدَ يَأْخُذُ نَصِيبَ أَبِيهِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَبِفَرْضِ وُجُودِ هَذَا

الْعُرْفِ وَاطِّرَادِهِ فِي جِهَتِهِمْ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ بِنَاء عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ الْعُرْفَ الْخَاصَّ لَا يَرْفَعُ اللُّغَةَ وَلَا الْعُرْف الْعَامّ وَلَا يُعَارِضُهُ وَمِنْ ثَمَّ ضَعَّفَ الْجُمْهُورُ قَوْلَ الْقَفَّالِ أَنَّ الْعَادَةَ الْمُطَّرِدَةَ فِي نَاحِيَةٍ تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ قَالَ فَلَوْ عَمَّ النَّاسَ اعْتِيَادُ إبَاحَةِ مَنَافِعِ الرَّهْنِ لِلْمُرْتَهِنِ كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ فَيَفْسُدُ الرَّهْنُ فَجُعِلَ الِاصْطِلَاحُ الْخَاصُّ بِمَثَابَةِ الْعَادَةِ الْعَامَّةِ وَاتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى ضَعْفِ قَوْلِهِ حَتَّى تِلْمِيذُهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَإِنَّهُ قَالَ وَيُحْكَى عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُمْ قَالُوا إنْ كَانَ الْمُوصِي بِالدَّابَّةِ مِصْرِيًّا فَإِطْلَاقُ هَذَا اللَّفْظِ مِنْهُ يُحْمَلُ عَلَى الْحِمَارِ لِأَنَّ عَادَتَهُمْ جَارِيَةٌ بِرُكُوبِ الْحُمُرِ فَلَا يَنْصَرِفُ إلَى غَيْرِهَا وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّهُ عَادَةُ بَلَدٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ لَا تُعْتَبَرُ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الْأَغْلَبُ مِنْ عَادَاتِ الْبِلَادِ اهـ. فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ عَادَةُ بَلَدٍ وَاحِدَةٍ أَيْ إقْلِيمٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ خُصُوصُ مِصْرَ بَلْ جَمِيعُ إقْلِيمِهَا فَإِذَا لَمْ يُعْتَبَرْ تَخْصِيصُهُمْ الدَّابَّةَ بِالْحِمَارِ إنْ فُرِضَ صِدْقُ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَإِلَّا فَاَلَّذِي نَقَلَهُ الْأَئِمَّةُ أَنَّ عُرْفَهُمْ إطْلَاق الدَّابَّةِ عَلَى الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ أَيْضًا فَكَذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ هُنَا الْعُرْفُ الَّذِي ذَكَرَهُ هَذَا الْمُفْتِي لِأَنَّهُ إنْ سَلِمَ لَهُ وُجُودُ هَذَا الْعُرْفِ يَكُونُ خَاصًّا وَالْعُرْفُ الْخَاصُّ لَا يَرْفَعُ مُقْتَضَى اللُّغَةِ وَلَا الْعُرْفُ الْعَامُّ إلَّا لِعَارِضٍ كَمَا يَعْلَمُ مَنْ تَتَبَّعَ كَلَامَ الْأَئِمَّةِ فَمِنْ ذَلِكَ بَحْثُ الْأَذْرَعِيِّ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْعُودِ مِنْ الْبَدْوِيِّ الَّذِي لَا يَعْرِفُ إطْلَاقَ الْعُودِ عَلَى غَيْرِ الرُّمْحِ يُحْمَلُ عَلَى الرُّمْحِ وَيُفَرَّقُ بَيْن هَذِهِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ بِأَنَّ الْعُودَ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ وَالْعُرْفُ لَهُ دَخْلٌ فِي تَعَيُّنِ بَعْضِ مَحَامِلِهِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَفْظٌ صَرِيحٌ فِي مُقْتَضَاهُ الَّذِي مَرَّ تَقْرِيرُهُ وَتَفْصِيلُهُ وَالْعُرْفُ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الصَّرَائِحِ فَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ الْأَوَّلِ وَمَا ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالنَّصِيبِ مِنْ الثَّانِي بَلْ إذَا تَأَمَّلْت قَوْلَهُمْ الْمَذْكُورَ وَجَدْتهمْ مُصَرِّحِينَ بِأَنَّ الصَّرِيحَ لَا يُغَيَّرُ عَنْ مُقْتَضَاهُ وَإِنْ اطَّرَدَ الْعُرْفُ الْعَامُّ بِخِلَافِهِ وَبِذَلِكَ صَرَّحُوا فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا قَوْلُهُمْ لَيْسَتْ الْمُعَاطَاةُ بَيْعًا حَتَّى فِي الْمُحَقَّرَاتِ وَإِنْ أَطْبَقَ النَّاسُ عَلَى عَدِّهَا بَيْعًا فِي ذَلِكَ وَقَوْلُهُ عَنْ النَّاشِرِيّ وَالْعُرْفُ قَدْ يَضْعُفُ فَيُطْرَحُ إلَخْ قَدْ يُقَال عَلَيْهِ مَا زَعَمْته مِنْ الْعُرْفِ هُنَا ضَعِيفٌ فَهُوَ مَطْرُوحٌ وَزَعْمُك قُوَّتَهُ لَا يُفِيدُك شَيْئًا وَإِنْ سَلِمَ لَك لِمَا عَلِمْت أَنَّ الْعُرْفَ الْخَاصَّ لَا يَرْفَعُ اللُّغَةَ وَلَا الْعُرْفَ الْعَامَّ، وَأَنْ الْعُرْفَ وَإِنْ عَمَّ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِي إزَالَةِ الْإِبْهَامِ لَا فِي تَغْيِيرِ مُقْتَضَى الصَّرَائِحِ وَأَنَّهُ مُطْلَقًا لَا يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ وَقَوْلُهُ وَقَدْ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِالدِّينَارِ إلَخْ هَذَا مِنْ الْخَلْطِ النَّاشِئِ عَنْ عَدَمِ الْفَهْمِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ الرَّافِعِيِّ الْعَادَةُ الْغَالِبَةُ إنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي الْمُعَامَلَاتِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا وَرَغْبَةِ النَّاسِ فِيمَا يُرَوَّجُ فِيهَا غَالِبًا وَلَا تُؤَثِّرُ فِي التَّعْلِيقِ وَالْإِقْرَارِ بَلْ يَبْقَى اللَّفْظُ عَلَى عُمُومِهِ فِيهِمَا أَمَّا فِي التَّعْلِيقِ فَلِقِلَّةِ وُقُوعِهِ وَأَمَّا فِي الْإِقْرَارِ فَلِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ وُجُوبٍ سَابِقٍ وَرُبَّمَا تَقَدَّمَ الْوُجُوبُ عَلَى الْعُرْفِ الْغَالِبِ إلَى آخِرِ كَلَامِهِ وَإِلَى قَوْلِ غَيْرِهِ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى مِنْهُ مَتَاعًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فِي بَلَدٍ دَرَاهِمُهُ نَاقِصَةٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ النَّاقِصَةُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيْعَ مُعَامَلَةٌ وَالْغَالِبُ أَنَّ الْمُعَامَلَةَ تَقَعُ فِيمَا يَرُوجُ فِيهَا بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ إذَا عَلِمْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك الْفَرْقُ بَيْن نَحْوِ الْبَيْعِ وَالْوَصِيَّةِ بِأَنَّ الْقَصْدَ فِي الْبَيْعِ مَا يَرُوجُ فَمِنْ ثَمَّ حُكِّمَتْ الْعَادَةُ فِيهِ وَنَزَلَ الْمُطْلَقُ فِيهِ عَلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ إنْ كَانَ فِيهِ غَالِبٌ وَإِلَّا وَجَبَ بَيَانُهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ مَقْصُودًا فِي الْوَصِيَّةِ إذْ لَا مُعَاوَضَةَ فِيهَا فَلَا يُقْصَدُ فِيهَا رَوَاجٌ وَلَا عَدَمُهُ وَأَيْضًا فَوَقْتُ الْمِلْكِ فِيهَا إنَّمَا يَدْخُلُ بِالْمَوْتِ وَقَدْ يَكُونُ الزَّمَنُ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ طَوِيلًا فَلَمْ يُمْكِنْ اعْتِبَارُ الْغَالِبِ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ فِيهِ وَلَا وَقْت الْمَوْتِ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ فَتَعَيَّنَ النَّظَرُ فِيهِ لِمَدْلُولِ اللَّفْظِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْعُرْفِ دَخْلٌ فِيهِ أَصْلًا كَمَا اتَّضَحَ بِمَا قَرَّرْته وَحَرَّرْته فَاعْلَمْهُ وَقَوْلُهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْعَامِّيِّ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا إلَى الْمُجَازَفَةِ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى الْإِفْتَاءِ وَمَا الَّذِي سَلَبَ الْإِمْكَانَ الْأَعَمَّ أَوْ الْأَخَصَّ وَإِنَّمَا غَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يُقَالَ يَبْعُدُ مِنْ الْعَامِّيِّ أَنْ يُرِيدَ أَنَّ لِلْحَافِدِ سَهْمًا وَلِوَالِدِهِ سَهْمًا وَمَعَ ذَلِكَ فَهَذَا لَا يُؤَثِّرُ لِأَنَّا نُدِيرُ الْأَمْرَ فِي الْوَصِيَّةِ وَنَحْوِهَا عَلَى مَدْلُولِ اللَّفْظِ سَوَاءٌ أَقَصَدَهُ اللَّافِظُ أَمْ لَا وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَأَقَرُّوهُ وَهَهُنَا مُقَدِّمَةٌ

يَنْبَنِي عَلَيْهَا أَكْثَرُ مَسَائِلِ الْوَصِيَّةِ وَهِيَ أَنَّ لَفْظَ الْمُوصِي إذَا احْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ حُمِلَ عَلَى أَظْهَرِهِمَا وَإِذَا احْتَمَلَ قَدْرَيْنِ حُمِلَ عَلَى أَقَلِّهِمَا اهـ. وَلَوْ تَأَمَّلَ هَذَا الْمُفْتِي مِثْلَ ذَلِكَ لَظَهَرَ لَهُ الْحَقُّ وَزَالَ عَنْهُ عَمَى الْعَصَبِيَّةِ وَسَلِمَ مِنْ دَاءِ الْحَمِيَّةِ وَقَوْلُهُ وَهَذَا مِمَّا لَا يَشُكُّ فِيهِ ذُو لُبٍّ يُقَالُ عَلَيْهِ التَّنْوِينُ فِيهِ لِلْعَهْدِ أَيْ ذُو لُبٍّ سَقِيمٍ وَقَلْبٍ لَمْ يُلْقِ السَّمْعَ قَالَهُ الْأَئِمَّةُ وَهُوَ شَهِيدٌ وَإِنَّمَا وَلِعَ بِهَوَاهُ وَدَنْدَنَ عَلَى مَا أَغْوَاهُ وَفِي سَحِيقِ الْآرَاءِ وَسَخِيفِ الْإِذْرَاءِ أَرْوَاهُ وَأَهْوَاهُ أَعَاذَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَإِيَّاهُ مِنْ هَوًى مُتَّبَعٍ وَأَيْقَظَنَا وَإِيَّاهُ لِاجْتِنَابِ الْآرَاءِ الَّتِي تُوقِعُ فِي هُوَّةِ الشُّذُوذِ وَالْغَرَابَةِ وَالْبِدَعِ وَأَقْبَلَ بِقُلُوبِنَا عَلَى مَا يُرْضِيه عَنَّا عَلَى الدَّوَامِ وَأَخَذَ بِأَزِمَّةِ نَوَاصِينَا إلَى الدَّأَبِ فِيمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَيُخَلِّصُهُمْ مِنْ وَرْطَةِ الْعِقَابِ وَالْآثَامِ أَنَّهُ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ وَبِشَهَادَةِ اللَّهِ لَمْ أَقْصِدْ تَنْقِيصَ ذَاتِ هَذَا الْمُفْتِي بِكَلَامِهِ مِمَّا سَبَقَ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَعْذُورًا فِيمَا بَرَزَ عَنْهُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ أَحْوَالِ مَنْ تَصَدَّى لِإِفْتَاءِ النَّاسِ وَنَفْعِهِمْ وَإِنَّمَا قَصَدْت بِذَلِكَ التَّنْفِيرَ عَنْ مَقَالَتِهِ فَإِنِّي بَالَغْت فِي تَقَصِّي كُتُبِ الْأَئِمَّةِ فَلَمْ أَرَ لَهَا وَجْهًا يُوَافِقُ الصَّوَابَ وَلَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُؤَهَّلَ لِلْخِطَابِ فَبَالَغْت فِيمَا سَبَقَ مِنِّي تَنْفِيرًا لِمَنْ لَا أَهْلِيَّةَ لَهُ عَنْ اعْتِمَادِهَا وَمُسَاعِدَةً لِذَلِكَ الْمُفْتِي لِئَلَّا يَعْمَلَ بِفَتْوَاهُ فِي ذَلِكَ فَيَكُونُ عَلَيْهِ مِنْ الْعُقُوبَةِ غَايَةَ ازْدِيَادِهَا خَتَمَ اللَّهُ لَنَا أَجْمَعِينَ بِالْحُسْنَى مِنْ غَيْرِ سَابِقَةِ مِحْنَةٍ وَلَا فِتْنَةٍ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ. (الْكَلَامُ عَلَى الْجَوَابِ الثَّالِثِ) قَوْلُهُ وَلَكِنْ حَكَى أَبُو إِسْحَاقَ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ جَعَلُوا لِلْمُوصَى لَهُ حَذْفَهَا مِثْلَ نَصِيبِ الْحَيِّ وَيَكُونُ مَوْضِعَ أَبِيهِ حَيًّا فَفِي مَسْأَلَتِنَا يَكُونُ لَهُ الْخُمُسَانِ اهـ. وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَبْقُ قَلَمٍ مِنْهُ وَإِنَّمَا هَذَا عَنْ أَبِي مَنْصُورٍ كَمَا مَرَّ وَإِيضَاحُهُ يُعْلَمُ مِنْ سَوْقِ كَلَامَيْ الْأُسْتَاذَيْنِ وَمُقَابِلِيهِمَا قَالَ الْأَصْحَابُ وَلَوْ كَانَ لَهُ ابْنٌ أَوْ ابْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ فَأَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ ثَانٍ أَوْ ثَالِثٍ أَوْ رَابِعٍ لَوْ كَانَ فَالْوَصِيَّةُ فِي الْأُولَى بِالثُّلُثِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِالرُّبُعِ وَفِي الثَّالِثَةِ بِالْخُمُسِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ إنَّمَا تَتَضَمَّنُ إقَامَة الْمُوصَى لَهُ مَقَامَ الِابْنِ الْمُقَدَّرِ فَالْوَصِيَّةُ فِي الْأُولَى بِالنِّصْفِ وَالثَّانِيَةِ بِالثُّلُثِ وَهَكَذَا وَلَوْ قَالَ أَوْصَيْت لَهُ بِنَصِيبِ ابْنٍ ثَانٍ أَوْ ثَالِثٍ لَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ مِثْل فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ ثَانٍ لَوْ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا أَضَافَ إلَى الْوَارِثِ الْمَوْجُودِ وَحُكِيَ عَنْ الْأُسْتَاذ أَبِي مَنْصُورٍ أَنَّ الْأَصْحَابَ فَرَّقُوا بَيْنَ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ فِيمَا إذَا أَضَافَ إلَى الْوَارِثِ الْمُقَدَّرِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا إذَا أَضَافَ إلَى الْوَارِثِ الْمَوْجُودِ وَقَالُوا إذَا أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ لَوْ كَانَ أُعْطِيَ نَصِيبَهُ زَائِدًا عَلَى سِهَامِ الْوَرَثَةِ وَإِنْ أَوْصَى بِنَصِيبِهِ دُفِعَ إلَيْهِ نَصِيبُهُ مِنْ أَصْلِ سِهَامِ الْوَرَثَةِ أَوْ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ الْمَوْجُودِ أَوْ بِنَصِيبِهِ دُفِعَ إلَيْهِ نَصِيبُهُ زَائِدًا عَلَى سِهَامِ الْفَرِيضَةِ اهـ. فَتَأَمَّلْ كَلَامَهُمْ هَذَا تَعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ أَبِي إِسْحَاقَ مُخَالِفٌ لِمَا حَكَاهُ أَبُو مَنْصُورٍ عَنْ الْأَصْحَابِ لِأَنَّ كَلَامَ أَبِي إِسْحَاقَ إنَّمَا هُوَ فِي أَنَّ الْوَارِثَ الْمُقَدَّرَ وُجُودُهُ لَا يُحْسَبُ زَائِدًا عَلَى أَصْلِ الْفَرِيضَةِ وَإِنَّمَا يُقَدَّرُ قِيَامُهُ مَقَامَ الْمُقَدَّرِ وُجُودُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِالنَّصِيبِ أَوْ بِمِثْلِ النَّصِيبِ وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا مَرَّ أَنَّ كَلَامَ أَبِي إِسْحَاقَ هَذَا شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِأَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ كَافَّةً مُخْتَلٌّ جِدًّا مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ بَلْ وَالْمَعْنَى كَمَا سَبَقَ وَمَا حَكَاهُ أَبُو مَنْصُورٍ وَإِنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا أَضَافَ إلَى الْوَارِثِ الْمَوْجُودِ وَلَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ بَيْن الْإِتْيَانِ بِمِثْلِ وَحَذْفِهَا أَوْ إلَى الْمُقَدَّرِ الْمَوْجُودِ افْتَرَقَ الْحَالُ بَيْن أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ فَيُقَدَّرُ زَائِدًا أَوْ بِحَذْفِهَا فَيُقَدَّرُ غَيْرَ زَائِدٍ وَهَذَا الشِّقُّ الْأَخِيرُ هُوَ الَّذِي يُنَاسِبُ مَا مَرَّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ فَهُوَ ضَعِيفٌ مِثْلُهُ وَيُفَرَّقُ عَلَى طَرِيقَةِ أَبِي مَنْصُورٍ بِأَنَّهُ فِي حَالَةِ التَّقْدِيرِ إذَا أُتِيَ بِمِثْلِ كَانَ صَرِيحًا فِي الزِّيَادَةِ وَإِذَا حَذَفَهَا كَانَ صَرِيحًا فِي عَدَمِ الزِّيَادَةِ وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ إنْ قَدَّرَ مِثْل لَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ وَإِلَّا فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ مِنْ أَصْلِهَا لِأَنَّ الْقَائِلِينَ بِالصِّحَّةِ عِنْدَ حَذْفِهَا إنَّمَا يَعْتَبِرُونَ تَقْدِيرَهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَحَيْثُ لَا تَقْدِيرَ تَعَيَّنَ الْوَجْهُ الْقَائِلُ بِبُطْلَانِهَا مُطْلَقًا كَمَا هُوَ وَاضِحٌ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الرِّفْعَةِ فَرَّقَ عَلَى طَرِيقَةِ أَبِي مَنْصُورٍ بِأَنَّ صَرِيحَ اللَّفْظِ فِي حَالَةِ وُجُودِ الْوَلَدِ يَتَضَمَّنُ حِرْمَانَهُ وَهُوَ لَيْسَ لِلْمُوصِي أَيْ فَلَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ بَيْن الْإِتْيَانِ

بِمِثْلِ وَحَذْفِهَا بِخِلَافِهِ مَعَ تَقْدِيرِ وُجُودِهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ فَاعْتَبَرْنَا مِثْل عِنْدَ وُجُودِهَا وَحَذْفِهَا اهـ. مُوَضَّحًا وَهُوَ يَرْجِعُ لِمَا فَرَّقْت بِهِ وَقَدْ عَلِمْت رَدَّهُ فَتَأَمَّلْهُ فَمِنْ ثَمَّ اتَّضَحَ مَا عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْن ذِكْرِ مِثْل وَحَذْفِهَا وَلَا بَيْن الْوَارِثِ الْمَوْجُودِ وَالْمُقَدَّرِ الْوُجُودِ قَوْلُهُ مَا لَوْ أَوْصَى بِكَوْنِ أَوْلَادِ ابْنِهِ عَلَى مِيرَاثِ أَبِيهِمْ لَيْسَ فِي السُّؤَالِ التَّصْرِيحُ بِلَفْظِ الْوَصِيَّةِ وَلَا بِمَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَقَوْلِهِ بَعْدَ مَوْتِي وَمِنْ ثَمَّ قُدِّمَتْ أَنَّ فِي صَرَاحَةٍ نَحْوَ قَوْلِهِ هُمْ عَلَى مِيرَاثِ أَبِيهِمْ نَظَرًا وَأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةَ قَوْلِهِ وَاَلَّذِي نَعْتَقِدُهُ فِيهَا إلَخْ هُوَ اعْتِقَادٌ صَحِيحٌ إذْ لَا مَأْخَذَ لَهُ مِنْ كَلَامِهِمْ فَالْحَقُّ أَنَّا حَيْثُ صَحَّحْنَا كَوْنَهُ وَصِيَّةً يَكُونُ كَأَوْصَيْتُ بِمِيرَاثِ أَبِيهِمْ وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْجَوَابِ الْأَوَّلِ مَبْسُوطًا فَرَاجِعْهُ وَقَوْلُهُ وَهُوَ مَا نَقَلُوهُ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ فِي قَوْلِهِ أَوْصَيْت لِابْنِ ابْنِي بِمَا كَانَ نَصِيب أَبِيهِ أَنَّهُ يَجْعَلُهُ مَوْضِعَهُ بِلَا فَرْضِ زِيَادَةٍ إجْمَاعًا وَبِمِثْلِ ذَلِكَ نَقُولُ فِيمَا إذَا قَالَ جَعَلْته مَوْضِعَ أَبِيهِ أَوْ أَقَمْته فِي مَحَلِّهِ فِي إرْثِي اهـ. يُقَالُ عَلَيْهِ إنْ أَرَدْت بِقَوْلِك وَهُوَ مَا نَقَلُوهُ أَنَّ هَذَا السَّابِقَ بِعَيْنِهِ مَنْقُولٌ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ فَغَيْرُ صَحِيحٍ أَوْ لَا بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ فَكَانَ يَتَعَيَّنُ غَيْرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ الْمَاوَرْدِيُّ الَّذِي نَقَلُوهُ عَنْهُ لَيْسَ فِي أَوْصَيْت لِابْنِ ابْنِي إلَخْ فَقَوْلُ هَذَا الْمُجِيبِ أَنَّهُمْ نَقَلُوا كَلَامَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا وَلَعَلَّهُ تَبِعَ مَنْ لَا يُحَرِّرُ النَّقْلَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ صُورَةَ الْمَاوَرْدِيُّ هِيَ هَذِهِ الصُّورَةُ فَجَعَلَهَا هِيَ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا ظَنَّ مَعَ أَنَّ النَّقْلَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ فِي مَشَاهِيرِ الْكُتُبِ كَشَرْحِ الرَّوْضِ لِشَيْخِنَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ لَيْسَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلَا قَرِيبًا مِنْهُ وَعِبَارَتُهُ مَعَ الْمَتْنِ وَلَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ الِابْنِ الْحَائِزِ وَأَجَازَ الْوَصِيَّةَ أُعْطِيَ النِّصْفَ لِاقْتِضَائِهَا أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نَصِيبٌ وَأَنْ يَكُونَ النَّصِيبَانِ مِثْلَيْنِ فَيَلْزَمُ التَّسْوِيَةُ وَإِنْ رَدَّ الْوَصِيَّةَ رُدَّتْ إلَى الثُّلُثِ وَلَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ مَا كَانَ نَصِيبًا لَهُ كَانَتْ وَصِيَّتُهُ بِجَمِيعِ الْمَالِ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لِابْنِهِ نَصِيبًا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ انْتَهَتْ فَهَذِهِ الصُّورَةُ الْمَنْقُولَةُ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ غَيْرَ تِلْكَ الصُّورَةِ كَمَا رَأَيْت وَعِنْدَ التَّأَمُّلِ هَذِهِ لَا تُفْهِمُ حُكْمَ تِلْكَ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِيصَاءَ بِالنَّصِيبِ أَوْ مِثْلِهِ يُشْعِرُ بِالِاشْتِرَاكِ وَالتَّمَاثُلِ فَلَزِمَتْ التَّسْوِيَةُ بَيْن الْوَارِثِ وَالْمُوصَى لَهُ وَبِمَا كَانَ نَصِيبًا لَهُ أَيْ لَوْلَا الْوَصِيَّةُ يُشْعِرُ بِاسْتِقْلَالِ الْمُوصَى لَهُ بِكُلِّ الْمَالِ فَكَانَتْ وَصِيَّةً بِكُلِّهِ وَيُوَجَّهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِوَصْفِ النَّصِيبِ بِشَيْءٍ دَلَّ النَّصِيبُ فِي كَلَامِهِ عَلَى أَنَّهُ يُرِيدُ مُزَاحِمَتَهُ لِابْنِهِ وَيَلْزَمُ مِنْ مُزَاحِمَتِهِ لَهُ الِاشْتِرَاكُ وَأَنَّ لَهُ النِّصْفَ فَحَمَلْنَا لَفْظَهُ عَلَى ذَلِكَ وَأَمَّا إذَا تَعَرَّضَ لِوَصْفِهِ بِأَنَّهُ النَّصِيبُ الَّذِي كَانَ يَأْخُذُهُ لَوْلَا الْوَصِيَّةُ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُصَرِّحًا بِعَدَمِ الْمُزَاحِمَةِ وَأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِكُلِّ الْمَالِ وَإِنْ عَبَّرَ بِمِثْلِ مَا كَانَ وَلَمْ يَقُلْ بِمَا كَانَ وَلَمَّا كَانَ الْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْأَخِيرَةِ وَاضِحًا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَفِي الْأُولَى مُحْتَمَلًا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَأَنْتَ إذَا تَأَمَّلْت مُدْرَك كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا وَجَدْته غَيْرَ جَارٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الَّتِي قَالَ ذَلِكَ الْمُفْتِي أَنَّهُمْ نَقَلُوهُ عَنْهُ فِيهَا وَهِيَ قَوْلُهُ أَوْصَيْت لِابْنِ ابْنِي بِمَا كَانَ نَصِيبَ أَبِيهِ وَوَجْهُ عَدَمِ جَرَيَانِهِ فِيهَا أَنَّ أَبَاهُ لَا نَصِيبَ لَهُ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ وَلَا بَعْدَهَا فَسَاوَى ذَلِكَ قَوْلُهُ أَوْصَيْت لَهُ بِنَصِيبِ أَبِيهِ لَوْ كَانَ وَقَدْ صَرَّحَ هُوَ فِي هَذِهِ أَنَّ أَبَاهُ يُقَدِّرُ وَارِثًا وَيُزَادُ عَلَى التَّرِكَةِ مِثْلُ نَصِيبِهِ فَإِنْ قُلْت مَا وَجْهُ الْمُسَاوَاةِ الَّتِي ادَّعَيْتهَا بَيْنَ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ قُلْت هِيَ وَاضِحَةٌ وَمَعَ ذَلِكَ فَوَجْهُهَا أَنَّ الْأَبَ الْمُوصِي بِمِثْلِ نَصِيبِهِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فَوَجَبَ التَّقْدِيرُ فِيهِ حَتَّى تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ وَإِذَا وَجَبَ تَقْدِيرُ وُجُودِهِ لِذَلِكَ فَيُقَدَّرُ وُجُودُهُ كَمَا حَصَلَ بِأَوْصَيْتُ لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَبِيهِ لَوْ كَانَ حَيًّا كَذَلِكَ يَحْصُلُ بِأَوْصَيْتُ لَهُ بِمَا كَانَ نَصِيبَ أَبِيهِ أَيْ لَوْ كَانَ حَيًّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ بِوَجْهٍ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ صُورَةِ الْإِجْمَاعِ السَّابِقَةِ بِأَنَّ الْمُشَبَّهَ بِهِ فِيهَا لَمَّا كَانَ الْمَالُ كُلُّهُ لَهُ حَقِيقَةً لَوْلَا الْوَصِيَّةُ كَانَ الشَّبِيهُ بِهِ مُشْعِرًا بِمُزَاحِمَتِهِ مَا لَمْ يَأْتِ الْمُوصِي بِلَفْظٍ صَرِيحٍ فِي خِلَافِ ذَلِكَ وَهُوَ أَوْصَيْت لِزَيْدٍ بِمِثْلِ مَا كَانَ نَصِيبًا لِابْنِي وَاَلَّذِي كَانَ نَصِيبًا لَهُ لَوْلَا الْوَصِيَّةُ الْكُلُّ فَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْكُلِّ فَعُلِمَ بِهَذَا اتِّضَاحُ مَا بَيْنَ الْمَوْجُودِ وَالْمُقَدَّرِ الْوُجُودِ وَإِنْ كُنَّا لَا نُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فِيمَا مَرَّ

لِأَنَّ ذَاكَ لِمُدْرَكِ سَبَقَ غَيْرِ هَذَا فَالْحَقُّ الْوَاضِحُ مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ هُمْ عَلَى مِيرَاثِ أَبِيهِمْ أَوْ جَعَلْتهمْ مَوْضِعَهُ أَوْ أَقَمْتُمْ مَقَامَهُ فِي إرْثِي أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَأَنَّ كَلَامَ الْمَاوَرْدِيُّ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ بِوَجْهٍ ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيّ فِي الْخَادِمِ نَقَلَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ الْفَرْقَ بِمَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته وَعِبَارَةُ الْخَادِمِ بَعْدَ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ إذَا أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيب ابْنِهِ وَلَهُ ابْنٌ وَاحِدٌ لَا يَرِثُهُ سِوَاهُ فَالْوَصِيَّةُ بِالنِّصْفِ اهـ. أَطْلَقَ ذَلِكَ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا لَمْ يَقُلْ مَعَ ذَلِكَ بِمَا كَانَ نَصِيبُهُ فَأَمَّا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِمِثْلِ مَا كَانَ نَصِيب ابْنِهِ كَانَتْ وَصِيَّةً بِجَمِيعِ الْمَالِ إجْمَاعًا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَاوَرْدِيُّ وَفَرَّقَ بِأَنَّهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى جَعَلَ لِابْنِهِ مَعَ الْوَصِيَّةِ نَصِيبًا فَلِذَلِكَ كَانَتْ بِالنِّصْفِ وَفِي الثَّانِيَةِ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ نَصِيبًا فَلِذَلِكَ كَانَتْ بِالْكُلِّ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الزَّرْكَشِيّ فَتَأَمَّلْ مَا فَرَّقَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ تَجِدْهُ عَيْنَ مَا فَرَّقْت بِهِ وَلَكِنْ مَا فَرَّقْت بِهِ شَرْحٌ لَهُ لِأَنَّهُ أَبْسَطُ مِنْهُ وَأَوْضَحُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ حَقَّ التَّأَمُّلِ فَإِنَّهُ مِمَّا يَلْتَبِسُ إلَّا بَعْدَ مَزِيدِ تَقَصٍّ وَتَأَمُّلٍ وَتَحَرٍّ قَوْلُهُ فَلَوْ لَمْ يَقُلْ فِي الْكُلِّ لَوْ لَمْ يَكُنْ حَيًّا سَبْقُ قَلَمٍ وَصَوَابُهُ لَوْ كَانَ حَيًّا قَوْلُهُ فَاَلَّذِي رَآهُ الْفَقِيهُ إلَخْ مَا رَآهُ الْفَقِيهُ الْمَذْكُورُ مُتَّجِهٌ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ الْبَغَوِيِّ وَتِلْمِيذه الْخُوَارِزْمِيَّ السَّابِق أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَوْصَيْت لَهُ بِمِثْلِ نَصِيب ابْنٍ وَلَا ابْنَ لَهُ صَحَّ وَكَانَ التَّقْدِيرُ بِمِثْلِ نَصِيب ابْنٍ لِي لَوْ كَانَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ بِمِثْلِ نَصِيب ابْنِي وَلَا ابْنَ لَهُ وَارِثٌ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ كَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَقَدَّمْت الْفَرْقَ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَحَلَّ مَا رَآهُ الْفَقِيهُ الْمَذْكُورُ مَا إذَا قَالَ أَوْصَيْت لَهُمْ بِمِثْلِ مِيرَاثِ أَبِيهِمْ فَقَطْ أَمَّا لَوْ ضَمَّ إلَيْهِ بِمِثْلِ مِيرَاثِ أَبِيهِمْ ابْنِي فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِقَوْلِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا. (الْكَلَامُ عَلَى الْجَوَابِ الرَّابِعِ) قَوْلُهُ بِعَيْنِهَا مَمْنُوعٌ وَلَعَلَّهُ تَبِعَ فِي ذَلِكَ مَا يَأْتِي فِي الْجَوَابِ الْخَامِسِ مَعَ رَدِّهِ وَتَزْيِيفِهِ قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ أَبْنَاءٌ فَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِهِمْ هَذَا اخْتِصَارٌ لِعِبَارَةِ الرَّوْضَةِ وَفِيهِ إجْحَافٌ وَإِيهَامٌ وَعِبَارَتُهَا وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ ابْنَانِ أَوْ بَنُونَ فَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِهِمَا أَوْ نَصِيبِهِمْ فَهُوَ كَابْنٍ قَوْلُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَالرُّويَانِيِّ حُذِفَ مِنْ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا وَلَا وَجْهَ لِحَذْفِهِ قَوْلُهُ فَإِنْ صَحَّحْنَاهَا حُذِفَ قَبْلَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ مَسْأَلَةٌ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَا نَحْنُ فِيهِ قَوْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَاضِحٌ وَوَقَعَ لِهَذَا الْمُفْتِي فِيمَا يَأْتِي أَنَّهُ قَالَ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَسَاقَ مَا لَيْسَ فِي عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ كَمَا يُعْلَمُ بِتَأَمُّلِ عِبَارَتِهَا وَكَأَنَّهُ لَمْ يُحِطْ بِأَنَّ النَّاقِلَ مَتَى قَالَ وَعِبَارَةُ كَذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ سَوْقُ الْعِبَارَةِ الْمَنْقُولَةِ بِلَفْظِهَا وَلَمْ يَجُزْ لَهُ تَغْيِيرُ شَيْءٍ مِنْهَا وَإِلَّا كَانَ كَاذِبًا إذْ الْعِبَارَةُ اسْمٌ لِلْأَلْفَاظِ الْمُعَبَّرِ بِهَا عَمَّا فِي الضَّمِيرِ فَالْقَصْدُ بِسَوْقِهَا حِكَايَة تِلْكَ الْأَلْفَاظِ بِعَيْنِهَا وَمَتَى قَالَ قَالَ فُلَانٌ كَانَ بِالْخِيَارِ بَيْن أَنْ يَسُوقَ عِبَارَتَهُ بِلَفْظِهَا أَوْ بِمَعْنَاهَا مِنْ غَيْرِ لَفْظِهَا لَكِنْ لَا يَجُوزُ لَهُ تَغْيِيرُ شَيْءٍ مِنْ مَعَانِي أَلْفَاظِهِ وَإِلَّا كَانَ كَاذِبًا وَهَذَا الْمُفْتِي عَبَّرَ بِقَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيَّرَ بَعْضَ الْمَعْنَى وَفِيمَا يَأْتِي بِقَوْلِهِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَغَيَّرَ بَعْضَ الْأَلْفَاظِ فَوَقَعَ فِي كُلٍّ مِنْ تَيْنِك الْوَرْطَتَيْنِ فَعَلَيْهِ بَعْدَ الْيَوْمِ التَّحَرِّي فِيمَا يَنْقُلُهُ وَمَعْرِفَةُ الْفَرْقِ بَيْن قَوْلِهِ قَالَ فُلَانٌ كَذَا وَقَوْلِهِ وَعِبَارَةُ فُلَانٍ كَذَا قَوْلُهُ بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ صَحَّ مَحَلُّهُ إنْ عَلِمَا قَدْرَ مَا بَاعَ بِهِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ لَكِنَّ الَّذِي رَأَيْته فِي نُسْخَةٍ مِنْ الْقَوَاعِدِ إلَخْ الَّذِي فِي الْقَوَاعِدِ إنَّمَا هُوَ عَنْ الْإِمَامِ وَمَنْ نَقَلَهُ عَنْ الرَّافِعِيِّ فَقَدْ وَهِمَ وَإِنَّمَا الرَّافِعِيُّ حَكَى بَعْضَ فُرُوعِ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَعِبَارَةُ الزَّرْكَشِيّ عَنْ الْإِمَامِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَوْ عَمّ فِي نَاحِيَةِ اسْتِعْمَالِ الطَّلَاقِ فِي إرَادَة الْخَلَاصِ وَالِانْطِلَاقِ ثُمَّ أَرَادَ الزَّوْجُ حَمْلَ الطَّلَاقِ فِي مُخَاطَبَةِ زَوْجَتِهِ عَلَى مَعْنَى التَّخَلُّصِ وَحَلِّ الْوِثَاقِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ وَالْعُرْفُ إنَّمَا يَعْمَلُ فِي إزَالَةِ الْإِبْهَامِ لَا فِي تَغْيِيرِ مُقْتَضَى الصَّرَائِحِ انْتَهَتْ كَمَا فِي النُّسْخَةِ الَّتِي رَأَيْتهَا الْآنَ وَلَيْسَ فِيهَا مَا ذَكَرَ عَنْهَا فِي كَلَامِ هَذَا الْمُجِيبِ وَهُوَ قَوْلُهُ هَذَا إذَا عُلِمَ أَنَّ اللَّافِظَ أَرَادَ غَيْرَ مُقْتَضَى لَفْظِهِ وَأَمَّا عِنْدَ الْجَهْلِ فَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَى لَفْظِهِ عَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ مُلَائِمًا لِكَلَامِ الْإِمَامِ وَلَا مُنَاسِبًا لَهُ بَلْ فِيهِ مُنَاقَضَةٌ لَهُ لِأَنَّ فَرْضَ كَلَامِ الْإِمَامِ كَمَا رَأَيْت فِي إرَادَتِهِ بِالطَّلَاقِ التَّخَلُّصَ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ فَأَوْلَى إذَا جُهِلَتْ إرَادَته وَتِلْكَ الزِّيَادَةُ قَضِيَّتُهَا أَنَّ حَالَةَ عِلْمِ الْإِرَادَةِ يُخَالِفُ حَالَةَ الْجَهْلِ

وَأَنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا يُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ عِنْدَ الْجَهْلِ وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا كَلَامٌ صَادِرٌ عَنْ عَدَمِ التَّأَمُّلِ بِالْكُلِّيَّةِ فَلْنَضْرِبْ عَنْهُ صَفْحًا قَوْلُهُ ثُمَّ لَا يَخْفَى إلَخْ إنَّمَا يَأْتِي ذَلِكَ إنْ قُلْنَا بِقَبُولِ إرَادَة ذَلِكَ وَقَدْ قَدَّمْت مَا فِيهِ فَرَاجِعْهُ قَوْلُهُ مِنْ حَيْثُ الصِّيغَةِ فَوَاضِحٌ يُقَالُ عَلَيْهِ أَيُّ وُضُوحٍ فِيهِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْإِيهَام وَالتَّحْرِيفِ الْفَاحِشِ كَمَا قَدَّمْته مَبْسُوطًا فِي الْكَلَامِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ هُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ إلَخْ هَذَا عَجِيبٌ كَيْفَ وَلَا إيمَاءَ لِذَلِكَ فِيهِ فَضْلًا عَنْ الصَّرَاحَةِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ لَفْظُ السُّؤَالِ فَأَيُّ حَاجَةٍ إلَى ادِّعَاءِ أَنَّ كَلَامَ ذَلِكَ الْمُفْتِي صَرِيحٌ فِيهِ أَوْ لَا وَقَوْلُهُ أَوْ عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي عَطْفِهِ هَذَا إيهَامٌ أَنَّ مَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ غَيْرُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ قَوْلُهُ فِي الصِّيغَةِ الْأُولَى أَيْ فِي السُّؤَالِ قَوْلُهُ فَهُوَ صَحِيحٌ يُقَالُ عَلَيْهِ لَيْسَ كَمَا زَعَمْت بَلْ هُوَ تَحْرِيفٌ عَنْهُمَا أَيُّ تَحْرِيفٍ فَمَا رَاجَ عَلَيْهِ مِنْ التَّحْرِيفِ رَاجَ عَلَيْهِ وَسَبَبُ ذَلِكَ عَدَمُ التَّأَمُّلِ وَالتَّحَرِّي قَوْلُهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْمُقَدَّمَةِ عَنْ الرَّوْضَةِ مَا يَقْتَضِي بُطْلَان هَذِهِ الْوَصِيَّةِ إلَخْ يُقَال عَلَيْهِ هَذَا كَلَامُ مَنْ لَمْ يُحِطْ بِمُدْرَكِ الْبُطْلَان فِي كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَمُدْرَك الصِّحَّةِ فِي كَلَامِ الْبَغَوِيِّ وَالْخُوَارِزْمِيّ وَمَنْ تَبِعُوهُمَا وَقَدْ قَدَّمْت أَوَائِلَ الْكَلَامِ عَلَى الْجَوَابِ الثَّانِي الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مَبْسُوطًا فَرَاجِعْهُ لِتَعْلَمَ مِنْهُ أَنَّ الصَّوَابَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمَا أَعْنِي الْبَغَوِيَّ وَالْخُوَارِزْمِيّ الصِّحَّةُ فِي أَوْصَيْت لَهُمْ بِمِثْلِ مِيرَاثِ أَبِيهِمْ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَوْ كَانَ حَيًّا لِأَنَّهُ مِثْلُ قَوْلِهِ وَلَا ابْنَ لَهُ أَوْصَيْت لِزَيْدٍ بِمِثْلِ نَصِيب ابْنٍ قَالُوا وَالتَّقْدِيرُ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ لِي لَوْ كَانَ حَيًّا وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْخَادِمِ قَوْلُهُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْن أَوْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا لِرِقٍّ أَوْ غَيْرِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ اهـ. هَذَا إذَا كَانَتْ الصِّيغَةُ بِالْإِضَافَةِ فَأَمَّا لَوْ قَالَ أَوْصَيْت لَهُ بِمِثْلِ نَصِيب ابْنٍ بِالتَّنْوِينِ وَلَا ابْنَ لَهُ فَفِي التَّهْذِيبِ وَالْكَافِي أَنَّهُ يَصِحُّ وَكَأَنَّهُ قَالَ يُمَثِّلُ نَصِيب ابْنٍ لِي لَوْ كَانَ وَفِي نَصِيب ابْنِي لَا يَصِحُّ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ. قَوْلُهُ وَإِذَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ فِيمَا لَوْ أَوْصَى إلَخْ رُبَّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَلْحَظَ الْبُطْلَان عِنْدَ حَذْف مِثْل لَكِنَّهُ قَدَّمَ خِلَافَهُ وَبِهِ يَبْطُلُ كَلَامُهُ هَذَا كَمَا هُوَ جَلِيّ قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ بَيْنهَا وَبَيْن مَسْأَلَةِ الْبَغَوِيّ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ زَعْمُ ظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنهمَا نَاشِئٌ عَنْ عَدَمِ فَهْمِ كَلَامِ الْبَغَوِيّ وَكَلَامِ الرَّوْضَةِ وَعَدَم فَهْمِ الْفَرْقِ بَيْنهمَا الَّذِي قَدَّمْته وَبَيْن فَهْمِ الصِّحَّةِ فِي قَوْلِهِ وَلَا ابْنَ لَهُ أَوْصَيْت بِنَصِيبِ ابْنٍ وَالتَّقْدِيرُ بِنَصِيبِ ابْنٍ لِي لَوْ كَانَ كَيْفَ يَخْفَى عَلَيْهِ الصِّحَّةُ فِي قَوْلِ مَنْ مَاتَ لَهُ وَلَدٌ وَلِوَلَدِهِ وَلَدٌ أَوْصَيْت لِهَذَا بِمِيرَاثِ أَبِيهِ مَعَ أَنَّ الْمَلْحَظَ فِيهِمَا وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يُضِفْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا الِابْنَ الْمَعْدُومَ الْمُوصَى بِنَصِيبِهِ إلَيْهِ وَمِنْ ثَمَّ اتَّجَهَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِنَصِيبِ ابْنِي أَبِيهِمْ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مِثْلُ قَوْلِ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ أَوْصَيْت لَهُ بِنَصِيبِ ابْنِي لِامْتِنَاعِ التَّقْدِيرِ بِلَوْ كَانَ مَعَ الْإِضَافَةِ بِخِلَافِهِ مَعَ عَدَمِهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِيمَا مَرَّ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا حَكَاهُ هَذَا الْمُجِيبُ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ بِقَوْلِهِ نَعَمْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَخْ وَوَجْهُ انْدِفَاعِهِ أَنَّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ مَفْرُوضٌ كَمَا عَلِمْت فِي أَوْصَيْت لَهُ بِمِثْلِ مِيرَاثِ ابْنِي وَمَعَ هَذَا الْفَرْضِ لَا يُتَصَوَّرُ التَّقْدِير بِلَوْ كَانَ لِي ابْنٌ كَمَا تَقَرَّرَ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ تَقْتَضِي الْوُجُودَ وَالتَّقْدِيرُ بِلَوْ كَانَ لِي ابْنٌ يَقْتَضِي الْعَدَمَ فَبَيْنَهُمَا تَنَاقُضٌ بِخِلَافِهِ فِي مِثْلِ مِيرَاثِ ابْنٍ فَإِنَّهُ لَا يَقْتَضِي وُجُودًا فَلَا يُنَافِيه التَّقْدِيرُ بِلَوْ كَانَ لِي ابْنٌ فَمِنْ ثَمَّ قَالُوا بِالصِّحَّةِ هُنَا نَظَرًا لِهَذَا التَّقْدِيرِ وَبِالْبُطْلَانِ ثَمَّ لِتَعَذُّرِهِ فَكَيْفَ مَعَ ذَلِكَ يَأْتِي ذَلِكَ الْبَحْثُ فَهُوَ بَحْثٌ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَعَلَّهُ مِنْ أَبْحَاثِ فُقَهَاءِ جِهَتهمْ فَإِنَّنَا لَمْ نَرَ ذَلِكَ فِي الْكُتُب الَّتِي عِنْدنَا بَلْ كَلَامهمْ الَّذِي قَرَّرْته صَرِيح فِي رَدِّهِ كَمَا عَلِمْت فَاحْفَظْ ذَلِكَ وَلَا تَغْتَرَّ بِغَيْرِهِ قَوْله وَظَاهِرُهُ إلَخْ هَذَا الْبَحْثُ مَعَ كَوْنِهِ مَرْدُودًا لَيْسَ ظَاهِرُهُ ذَلِكَ كَمَا هُوَ جَلِيّ لِأَنَّ كَلَامَ الرَّوْضَةِ إذَا حُمِلَ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَرِدْ ذَلِكَ كَانَ مُفِيدًا لِلْبُطْلَانِ فِيمَا إذَا أُطْلِقَ أَوْ أَرَادَ مِثْلَ نَصِيبِهِ مَعَ كَوْنِهِ مَعْدُومًا وَلِلصِّحَّةِ فِيمَا إذَا أَرَادَ مِثْلَ نَصِيبه لَوْ كَانَ حَيًّا هَذَا مَعْنَى هَذَا الْبَحْثِ الْمَرْدُودِ فَكَيْفَ مَعَ ذَلِكَ يُقَالُ وَظَاهِرُهُ إلَخْ وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْبَغَوِيّ وَالْخُوَارِزْمِيّ لَا مَعْنَى لَهُ هُنَا بَلْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى وَهْمِهِ السَّابِقِ كَغَيْرِهِ فِي فَهْمِ كَلَامِهِمْ وَنَقَلَهُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ كَمَا مَرَّ بَسْطُهُ قَوْلُهُ عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ

إلَخْ حَقُّ الْعِبَارَةِ الْمُنَاسَبَةِ لِلْمَقَامِ عَلَى مَا وَهِمَ فِيهِ وَإِلَّا فَكَلَامُ الْأَصْحَابِ صَرِيحٌ فِي اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْمُقَدَّرِ وُجُودُهُ بِمَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ لَا يَقْبَلُ تَأْوِيلًا. (الْكَلَامُ عَلَى الْجَوَابِ الْخَامِسِ) قَوْلُهُ وَمِنْهُمْ الشَّيْخَانِ لَيْسَ عَلَى وَفْقِ الِاصْطِلَاحِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَصْحَابِ الْمُتَقَدِّمُونَ وَهُمْ أَصْحَابُ الْأَوْجُهِ غَالِبًا وَضُبِطُوا بِالزَّمَنِ وَهُمْ مِنْ قَبْلِ الْأَرْبَعِ مِائَةِ وَمَنْ عَدَاهُمْ يُسَمَّوْنَ بِالْمُتَأَخِّرِينَ وَلَا يُسَمَّوْنَ بِالْمُتَقَدِّمِينَ وَمِنْ ثَمَّ اعْتَرَضُوا قَوْلَ الْمِنْهَاجِ وَأَفْتَى الْمُتَأَخِّرُونَ بِأَنَّ مِنْهُمْ ابْنَ سُرَاقَةَ وَهُوَ قَبْلَ الْأَرْبَعِ مِائَةِ لَا سِيَّمَا وَهُوَ قَدْ نَقَلَهُ عَنْ مَشَايِخِهِ وَيُوَجَّهُ هَذَا الِاصْطِلَاح بِأَنَّ بَقِيَّةَ أَهْلِ الْقَرْنِ الثَّالِثِ مِنْ جُمْلَتِهِمْ السَّلَفُ الْمَشْهُودُ لَهُمْ عَلَى لِسَانِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ فَلَمَّا عُدُّوا مِنْ السَّلَفِ وَقَرُبُوا مِنْ عَصْرِ الْمُجْتَهِدِينَ وَكَانَتْ مَلَكَةُ الِاجْتِهَادِ فِيهِمْ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهِمْ خُصُّوا تَمْيِيزًا لَهُمْ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ بِاسْمِ الْمُتَقَدِّمِينَ فَاحْفَظْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ قَوْلُهُ وَهَذَا الْمِثَالُ الَّذِي ذَكَرُوهُ نَظِير صُورَةِ السُّؤَالِ يُقَالُ عَلَيْهِ قَدْ ذَكَرْت أَنَّهُ الَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَأَنَّهُ فِي الرَّوْضَةِ وَالْعَزِيزِ فَأَمَّا الرَّوْضَةُ وَالْعَزِيزُ وَفُرُوعُهُمَا فَلَمْ نَرَ هَذَا الْمِثَالَ بِخُصُوصِهِ مَعَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالسُّبْعَيْنِ وَأَنَّ فِيهِ وَجْهًا أَنَّهَا بِالْخُمُسَيْنِ فِيهِمَا بَلْ وَلَا فِي الْجَوَاهِرِ مَعَ بَسْطِ فُرُوعِهَا وَاسْتِيعَابِهَا لِمَا فِي أَكْثَرِ كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَلَا فِي التَّوَسُّطِ وَالْخَادِم وَغَيْرهمَا مِنْ كُتُبِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمَبْسُوطَةِ الْمُسْتَوْعِبَةِ. وَأَمَّا كُتُبُ الْأَصْحَابِ الْمَبْسُوطَةُ كَالْحَاوِي وَالنِّهَايَةِ وَالْبَحْرِ وَالتَّعَالِيقِ الَّتِي عَلَى الْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهَا فَلَمْ يَتَيَسَّرْ لَنَا الْآن الْوُقُوفَ عَلَيْهَا بَلْ كَثِيرٌ مِنْ مَبْسُوطَاتِهِمْ لَمْ نَرَهَا وَإِنَّمَا نَنْقُلُ عَنْهَا بِالْوَسَائِطِ فَبِفَرْضِ كَوْنِ هَذَا الْمِثَالِ بِخُصُوصِهِ فِي بَعْضِهَا الَّذِي لَمْ نَرَهُ الِاعْتِرَاضُ مُتَوَجِّهٌ عَلَى ذَلِكَ الْمُفْتِي لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا وَأَنَّهُمْ أَطْبَقُوا عَلَيْهِ وَالْحَالُ أَنَّا لَمْ نَرَهُ فِي كِتَابٍ مَعَ الْفَحْصِ وَالتَّقَصِّي عَنْهُ وَظُهُورُ الْحَقِّ فِي الْمَسْأَلَةِ غَنِيٌّ عَنْ هَذَا الْمِثَالِ وَذِكْرُهُ فِي كَلَامِهِمْ لِأَنَّ حُكْمَهُ كَحُكْمِ صُورَةِ السُّؤَالِ مَعْلُومٌ مِنْ كَلَامِهِمْ عِلْمًا لَا يَقْبَلُ التَّشْكِيكَ فَأَيُّ حَاجَةٍ إلَى ادِّعَاءِ خِلَافَ الْوَاقِعِ وَهُوَ الْإِطْبَاقُ الَّذِي اخْتَلَّ بِمَا ذُكِرَ قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ هُوَ مَا نَسَبَهُ الْقَاضِي إلَيْهِمْ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ مِنْهُمْ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ وَصَاحِب الْبَيَانِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَالرُّويَانِيِّ فِي الْبَحْرِ عَنْ أَصْحَابِنَا مُطْلَقًا وَقَالَ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَلَمْ يَنْظُرْ النَّوَوِيُّ إلَى هَذَا كُلِّهِ فَلَمْ يَكْتَفِ بِتَرْجِيحِهِ الصِّحَّةَ كَالرَّافِعِيِّ بَلْ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِالْبُطْلَانِ وَجْهٌ غَرِيبٌ كَمَا أَفْهَمهُ لَفْظُ الرَّوْضَةِ وَهُوَ وَذَكَرُوا فِيمَا إذَا قَالَ أَوْصَيْت لَهُ بِنَصِيبِ ابْنِي وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَإِنَّمَا يَصِحُّ إذَا قَالَ بِمِثْلِ نَصِيب ابْنٍ اهـ. وَقَوْلُهُ لِوُرُودِهِ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ عِلَّةٌ ضَعِيفَةٌ جِدًّا وَمِنْ ثَمَّ لَمَّا نَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَرْقَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِأَنَّهُ فِي مِثْلِ نَصِيب ابْنِي جَعَلَ لَهُ مِثْلَ مَا لِلِابْنِ وَمَعْنَاهُ مِثْلُ مَا يَأْخُذُهُ ابْنِي وَفِي نَصِيب ابْنِي جُعِلَ لَهُ مَا جَعَلَهُ الشَّرْعُ لِلِابْنِ فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِمِلْكِ الِابْنِ. قَالَ فِي رَدِّهِ لَنَا أَنَّ الِابْنَ يَسْتَحِقُّ كُلَّ الْمَالِ فَقَوْلُهُ نَصِيب ابْنِي وَصِيَّةٌ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ بِكُلِّ الْمَالِ وَالشَّيْءُ الْوَاحِدُ لَا يَكُونُ لَهُمَا فَتَزَاحَمَا فَقُسِمَ بَيْنهمَا نِصْفَيْنِ وَلَيْسَ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِمِلْكِ الْغَيْرِ لِأَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ فِي الْحَالِ وَمَا أَوْصَى بِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا مَمْلُوكٌ لَهُ فِي الْحَالِ وَالِابْنُ يَتَلَقَّاهُ مِنْ جِهَتِهِ فَاتُّبِعَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ قَوْلُهُ وَغَيْرُهُمْ أَيْ كَالْفُورَانِيِّ بَلْ جَزَمَ بِهِ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ وَجَزَمَ بِهِ الْغَزَالِيُّ أَيْضًا وَصَحَّحَهُ الْقَفَّالُ وَالْقَاضِي وَنَسَبَهُ الْإِمَامُ إلَى الْمُعْتَبَرِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ وَالْفَرْضِيِّينَ قَوْلُهُ بِمَا بَاعَ بِهِ فُلَانٌ فَرَسَهُ أَيْ فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَيْ إنْ عَلِمَا قَدْرَهُ كَمَا فِي عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ هُنَا مَعَ عِلْمِهِ مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي الْبَيْعِ قَوْلُهُ وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ إلَخْ إنْ أَرَادَ رُجُوعَ الضَّمِيرِ إلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ فَفِي التَّعْبِيرِ بِالتَّعَيُّنِ نَظَرٌ بَلْ لَوْ تَمَسَّكَ مُتَمَسِّكٌ بِإِطْلَاقِهِمْ الْبُطْلَانَ وَإِنْ أَرَادَ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ لِمَا قَدَّمْته عَنْ الْخَادِمِ وَغَيْرِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْجَوَابِ الرَّابِعِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ حَيْثُ أَضَافَ الِابْنَ إلَيْهِ وَلَا ابْنَ لَهُ مَوْجُودٌ لَمْ يَكُنْ فِيهِ التَّقْدِيرُ لِمُنَاقَضَتِهِ لِلْإِضَافَةِ كَمَا مَرَّ مَبْسُوطًا وَحَيْثُ لَمْ يُضِفْهُ إلَيْهِ كَأَوْصَيْتُ بِنَصِيبِ ابْنٍ صَحَّتْ لِقَبُولِ التَّقْدِيرِ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا أَوْ وَارِثًا فَإِنَّ هَذَا التَّفْرِيعَ إنَّمَا يُنَاسِبُ قَوْلَ الرَّوْضَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ

الَّذِي اُسْتُفِيدَ مِنْ مَجْمُوعِ عِبَارَةِ الشَّيْخَيْنِ وَالْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ مَتَى قَالَ بِمِثْلِ نَصِيب أَوْ بِنَصِيبِ ابْنِي وَلَا ابْنَ لَهُ وَارِثٌ بَطَلَ مُطْلَقًا أَوْ ابْنٍ بِالتَّنْوِينِ صَحَّ مُطْلَقًا. وَقَدْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي التَّوَسُّطِ بَعْدَ قَوْلِ الرَّوْضَةِ وَلَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيب ابْنِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا لِرِقٍّ أَوْ غَيْرِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ قُلْت وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا وَفِي النَّفْسِ مِنْ إطْلَاق الْبُطْلَان شَيْءٌ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ مُوصٍ بِمِثْلِ نَصِيب ابْنٍ لَوْ كَانَ أَوْ كَانَ مَنْ بِهِ مَانِعٌ وَارِثًا وَقَدْ يَجْهَلُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ حِرْمَانَ الرَّقِيقِ أَوْ الْقَاتِلِ فَيُوصِي بِمِثْلِ نَصِيبه ظَانًّا وِرَاثَتَهُ اهـ. فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ وَفِي النَّفْسِ إلَخْ وَقَوْلُهُ وَقَدْ يُقَالُ إلَخْ تَعْلَمُ بِهِمَا أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ إطْلَاق الْأَصْحَابِ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُقَال مَا أَبْدَاهُ الْأَذْرَعِيُّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ قَوْلُهُ فَلَا شَكَّ فِيهِ مَا فِي قَوْلِهِ وَيَتَعَيَّنُ بَلْ فِيهِ ظَنٌّ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ تَمَسُّكًا بِكَلَامِهِمْ فَضْلًا عَنْ شَكٍّ وَالْإِرَادَةُ إنَّمَا يُعْمَلُ بِهَا كَمَا مَرَّ مَبْسُوطًا فِي الْكَلَامِ عَلَى الْجَوَابِ الثَّالِثِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي اللَّفْظِ مَا يُنَافِيهَا وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا مَرَّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْجَوَابِ الرَّابِعِ أَنَّهُ حَيْثُ أَضَافَ الِابْنَ إلَيْهِ نَافَاهُ ذَلِكَ التَّقْدِيرُ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ الْخَادِمِ بَعْدَ كَلَامِ الرَّوْضَةِ الْمَذْكُورَةِ هَذَا إذَا كَانَتْ الصِّيغَةُ بِالْإِضَافَةِ فَأَمَّا لَوْ قَالَ أَوْصَيْت لَهُ بِمِثْلِ نَصِيب ابْنٍ بِالتَّنْوِينِ وَلَا ابْنَ لَهُ فَفِي التَّهْذِيبِ وَالْكَافِي أَنَّهُ يَصِحُّ وَكَأَنَّهُ قَالَ بِمِثْلِ نَصِيب ابْنٍ لِي لَوْ كَانَ وَفِي نَصِيب ابْنِي لَا يَصِحُّ هَذَا التَّقْدِيرُ عَلَى الْأَصَحِّ اهـ. فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ إنَّمَا يَتَأَتَّى مَعَ عَدَمِ الْإِضَافَةِ لَا مَعَ وُجُودِهَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَكَلَامِهِمْ اهـ. لَا فَرْقَ فِي الْبُطْلَان بَيْن قَوْلِهِ بِنَصِيبِ ابْنِي فَقَطْ أَوْ ابْنِي الْمَيِّتِ وَفِي الصِّحَّةِ بَيْن ابْنٍ أَوْ ابْنٍ مَيِّتٍ وَفِي الْفَرْقِ بَيْن ابْنِي الْمَيِّتِ وَابْنٍ مَيِّتٍ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَيْهِ إنَّمَا تُنَافِي تَقْدِيرَ الْوُجُودِ مِنْ أَصْلِهِ لَا تَقْدِيرَ الْحَيَاةِ لِأَنَّ اللُّغَةَ وَالْعُرْفَ يَقْتَضِيَانِ صِحَّةَ إضَافَةِ ابْنِهِ الْمَيِّتِ إلَيْهِ فَلَيْسَ فِيهَا مُنَافَاةٌ لِتَقْدِيرِ لَوْ كَانَ حَيًّا فَتَأَمَّلْهُ قَوْلُهُ وَمِنْ شَوَاهِدِهِ مَا لَوْ أَوْصَى بِنَصِيبِ ابْنِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمِثْلَ فِي كَوْنِهِ هَذَا مِنْ شَوَاهِدِ التَّعَيُّنِ الَّذِي ذَكَرَهُ نَظَر أَيُّ نَظَر لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى إحَالَةِ ذَلِكَ التَّقْدِيرِ بَلْ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَعَيُّنِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي الِاحْتِجَاجِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَأَمَّا فِي أَوْصَيْت بِمِثْلِ نَصِيب ابْنِي وَلَا ابْنَ لَهُ فَفِيهِ مَا يُحِيلُ تَقْدِيرَ لَوْ كَانَ مَوْجُودًا وَهُوَ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ كَمَا مَرَّ تَصْرِيحُهُمْ بِهِ قَوْلُهُ وَهُوَ حَسَنٌ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا فِي الْكَلَامِ عَلَى الْجَوَابِ الثَّانِي أَنَّ الْعُرْفَ الْخَاصَّ لَا يُعْمَلُ بِهِ فِي تَخْصِيصِ اللُّغَةِ وَلَا الْعُرْفَ الْعَامَّ وَكِلَاهُمَا هُنَا يَقْتَضِي أَنَّ الْإِضَافَةَ إلَيْهِ تُحِيلُ التَّقْدِيرَ بِلَوْ كَانَ مَوْجُودًا فَلَمْ يَعْمَلْ بِالْعُرْفِ الْخَاصِّ فِيهِ سِيَّمَا مَعَ قَوْل الْإِمَامِ السَّابِقِ أَنَّ الْعَامَّ إنَّمَا يُعْمَلُ بِهِ فِي إزَالَةِ الْإِبْهَامِ لَا فِي تَغْيِيرِ مُقْتَضَى الصَّرَائِحِ وَكَلَامُ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا يُفِيدُ أَنَّ أَوْصَيْت بِنَصِيبِ ابْنِي وَلَا ابْنَ لَهُ صَرِيحٌ فِي الْبُطْلَان بِمُقْتَضَى الْوَضْعِ لَا الْعُرْفِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْعُرْفُ نَعَمْ إنْ أَرَادَ ابْنًا كَابْنِي نَحْوَ مَا قَدَّمْته فِي ابْنِي الْمَيِّتِ كَانَ قَرِيبًا لِأَنَّ اللُّغَةَ وَالْعُرْفَ لَا يُنَافِيَانِهِ وَمَعَ ذَلِكَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُتَأَخِّرِينَ كَافَّةً أَنَّ الْمُعْتَمَدَ إطْلَاق الْأَصْحَابِ الْبُطْلَان. وَكَمْ مِنْ مَسْأَلَةٍ الْمُعْتَمَدُ فِيهَا إطْلَاقهمْ وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ جُزْئِيَّاتِهَا نَظَرٌ بَلْ أَنْظَارٌ وَاضِحَةٌ فَلَيْسَ اعْتِمَادُ ذَلِكَ بِبِدْعٍ فِي الْمَذْهَبِ قَوْلُهُ يَتَخَرَّجُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ إلَخْ لَيْسَ هَذَا التَّخْرِيجُ بِصَحِيحٍ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْن مَسْأَلَةِ الرَّوْضَةِ وَمَسْأَلَةِ السُّؤَالِ لِأَنَّ صُورَتَهَا الَّتِي ذَكَرَهَا أَوْصَيْت لِأَوْلَادِ ابْنِي بِمِثْلِ مِيرَاثِ أَبِيهِمْ وَصُورَةُ الرَّوْضَةِ أَوْصَيْت لَهُ بِمِثْلِ مِيرَاثِ ابْنِي الْمَيِّتِ وَشَتَّانَ مَا بَيْنهمَا إنْ أَحَطْت بِمَا مَرَّ أَنَّ سَبَبَ الْبُطْلَان فِي كَلَامِ الرَّوْضَةِ الْإِضَافَةُ إلَيْهِ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ الْمُحِيلَةُ لِتَقْدِيرِ وُجُودِهِ أَوْ حَيَاتِهِ كَمَا مَرَّ مَبْسُوطًا وَهَذَا لَيْسَ مَوْجُودًا هُنَا لِأَنَّ أَبَاهُمْ الْمُشَبَّهَ بِهِ لَمْ يُضِفْهُ إلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ هُنَا مُوجِبٌ لِلْبُطْلَانِ بِوَجْهٍ وَقَدْ مَرَّ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ أَنَّهُ قَالَ بِمِثْلِ مِيرَاثِ أَبِيهِمْ لَوْ كَانَ حَيًّا وَهَذِهِ لَا نِزَاعَ فِيهَا فَإِنْ قُلْت الْإِضَافَةُ إلَيْهِ فِي أَوْلَادِ ابْنِي مِثْلُهَا فِي نَصِيب ابْنِي قُلْت مَمْنُوعٌ وَكَانَ هَذَا هُوَ سَبَبُ الِالْتِبَاسِ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْصَيْت لِأَوْلَادِ ابْنِي صَحِيحُ الظَّاهِرِ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرٍ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ فِي مِثْلِ مِيرَاثِ ابْنِي مَعَ فَقْدِهِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي لَيْسَ بِصَحِيحِ الظَّاهِرِ وَالتَّقْدِيرُ لِمَا مَرَّ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ تَعْلَمْ أَنَّ الْوَجْهَ

صِحَّةُ أَوْصَيْت لِأَوْلَادِ ابْنِي بِمِثْلِ مِيرَاثِ أَبِيهِمْ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَوْ كَانَ حَيًّا نَظِير مَا مَرَّ عَنْ الْبَغَوِيّ وَغَيْرِهِ نَعَمْ إنْ قَالَ بِمِثْلِ مِيرَاثِ أَبِيهِمْ ابْنِي الْمَيِّتِ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ فِيهِ بِالْبُطْلَانِ وَإِنْ أَمْكَنَ الْفَرْقُ بَيْنه وَبَيْن ابْنِي الْمَيِّتِ قَوْلُهُ فَيَتَخَرَّجُ أَيْضًا عَلَى هَذَا قَدْ عَلِمْت مِمَّا تَقَرَّرَ مَنْعَ التَّخْرِيجِ فِي هَذَا أَيْضًا قَوْلُهُ وَهُوَ أَنَّهُ كِنَايَةٌ فِي الْوَصِيَّةِ هُوَ كَذَلِكَ كَمَا بَسَطْت الْكَلَامَ فِيهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْجَوَابِ الثَّالِثِ قَوْلُهُ فَيَظْهَرُ أَنَّ الْحُكْمَ كَمَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِيهِ نَظَرٌ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ مَبْسُوطًا بِشَوَاهِدِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْجَوَابِ الثَّانِي. وَقَدْ مَرَّ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمُوَافِقُ لِمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مُخْتَلٌّ جِدًّا مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ فَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَحْتَمِلُهُ إلَّا بِتَجَوُّزٍ بَعِيدٍ وَذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَهُمْ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَقُولُونَ عَلَى الْقَصْدَ إنْ احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ احْتِمَالًا قَرِيبًا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ سَيْرِ كَلَامِهِمْ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا تَصْرِيحُهُمْ بِهِ فَانْدَفَعَ قَوْلُ هَذَا الْمُجِيبِ وَوَجْهُ ذَلِكَ إلَخْ وَوَجْهُ انْدِفَاعِهِ أَنَّهُ يَكْفِي ادِّعَاءُ كَوْنِ التَّجَوُّزِ سَائِغًا فَحَسْبُ بَلْ لَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ كَوْنِهِ قَرِيبًا فَهْمُهُ مِنْ اللَّفْظِ وَمَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ لَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا عَلِمْته مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ أَلَا تَرَى فِي الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ نَظَرٌ بَلْ لَا يَصِحُّ أَنَّهُ إذَا تَلَفَّظَ بِذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ انْتَقَلَ مِنْ لَفْظٍ صَرِيحٍ فِي مَدْلُولِهِ إلَى لَفْظٍ صَرِيحٍ فِي مَدْلُولٍ آخَرَ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمَدَارَ فِي الْوَصَايَا وَنَحْوِهَا إنَّمَا هُوَ عَلَى الْأَلْفَاظِ وَمُؤَدَّيَاتهَا وَأَمَّا حَيْثُ أَتَى بِاللَّفْظِ الصَّرِيحِ فِي شَيْءٍ وَقَصَدَ بِهِ خِلَافَ ذَلِكَ الصَّرِيحِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَدَارَ هُنَا عَلَى الْأَلْفَاظِ وَمَدْلُولَاتِهَا الْمَوْضُوعَةِ هِيَ لَهَا مَا أَمْكَنَ فَاتَّضَحَ أَنَّهُ لَا جَامِعَ بَيْن التَّلَفُّظِ بِمَا قَالَهُ مَالِكٌ وَقَصَدَهُ مِنْ اللَّفْظِ الدَّالِّ وَضْعًا عِنْدَ أَئِمَّتِنَا عَلَى خِلَافِهِ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ وَيُؤَيِّدُهُ إلَخْ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ إنَّمَا يُؤَيِّدُ مَا بَعْدَ قَوْلِهِ أَلَا تَرَى مِنْ التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ الْمَعْنَى وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ إذَا ذُكِرَ ذَلِكَ لَا نِزَاعَ فِي اعْتِبَارِهِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مُؤَيِّدٍ بِمَا ذَكَرَهُ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ اعْتِبَارِ مُجَرَّدِ الْقَصْدِ الَّتِي هِيَ مَحِلُّ النِّزَاعِ فَلَمْ يَذْكُرْ لَهَا مُؤَيِّدًا وَقَوْلُهُ. وَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ هُوَ مَا اعْتَبَرَهُ مَالِكٌ هَذَا عَجِيبٌ مِنْك لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ حَكَى فِيهِ الْإِجْمَاعَ فَكَيْفَ يُخَصُّ بِمَالِكٍ وَيُقَالُ إنَّهُ الَّذِي اعْتَبَرَهُ مَالِكٌ وَأَيْضًا فَمَحَلُّ كَلَامِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ فِيمَا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ فِي نَفْسِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَعْنَى السَّابِقِ فَمَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَرَى أَنَّ لَفْظَهُ مَوْضُوعٌ لِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ الْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ مُطْلَقًا وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَرَى أَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَتَهُ مَعَ اعْتِبَارِ الزِّيَادَةِ كَمَا مَرَّ فَمَحَلُّ اخْتِلَافِهِمَا إنَّمَا هُوَ عِنْدَ عَدَمِ التَّصْرِيحِ مِنْ الْمُوصِي بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَكَيْفَ يُدَّعَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ الْمُصَرِّحُ فِيهِ الْمُوصِي بِمَا هُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرَاهُ هُوَ مَا اعْتَبَرَهُ مَالِكٌ مَا هَذَا مِنْ هَذَا الْمُجِيبِ إلَّا تَسَاهُلٌ غَيْرُ مَرْضِيّ وَقَوْلُهُ عَقِبَهُ لَكِنَّهُ إلَخْ لَا يَنْفَعُهُ فِي رَدِّ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ لِأَنَّ بِهِ يَبْطُلُ قَوْلُهُ إنَّ مَا ذَكَرَاهُ هُوَ عَيْنُ مَا اعْتَبَرَهُ مَالِكٌ لِأَنَّهُمَا إذَا كَانَا لَا يَعْتَبِرَانِهِ إلَّا عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِهِ وَهُوَ يَعْتَبِرُهُ عِنْدَ عَدَمِ التَّصْرِيحِ بِهِ فَأَيُّ اتِّحَادٍ بَيْن الْمَقَالَتَيْنِ حَتَّى يُقَالَ إنَّ إحْدَاهُمَا عَيْنُ الْأُخْرَى قَوْلُهُ بِالنِّسْبَةِ لِحَمْلِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ إلَخْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ لَا تُلَائِمُ مَا قَبْلَهَا لِأَنَّ مَا وَجَبَ اعْتِبَارُهُ عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِهِ هُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُعْتَبَرِ وَأَيُّ لَفْظٍ آخَرَ يَبْقَى حَتَّى يُقَالَ بِالنِّسْبَةِ لِحَمْلِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ فَإِنْ جَعَلْت مَا لِلْمَعْنَى الْمُعْتَبَرِ وَالتَّقْدِيرُ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يَجِبُ اعْتِبَارُهُ عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِهِ لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ بِالنِّسْبَةِ لِحَمْلِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ لِكَوْنِ اللَّفْظِ مُحْتَمِلًا لَهُ لِأَنَّهُ إذَا فُرِضَ أَوَّلًا التَّصْرِيحَ بِهِ كَيْفَ يُفْرَضُ ثَانِيًا أَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمِلٌ لَهُ. فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَخْ غَيْرُ صَحِيحٍ عَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ ثُمَّ ادِّعَاؤُهُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ وَهِيَ أَنَّ كُلَّ مَا وَجَبَ اعْتِبَارُهُ عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِهِ يَجِبُ اعْتِبَارُهُ عِنْدَ قَصْدِهِ سَبَبُهُ الْغَفْلَةُ عَنْ قَوْلِهِمْ كُلُّ مَا لَوْ ظَهَرَ فِي عَقْدٍ أَبْطَلَهُ يُكْرَهُ قَصْدُهُ عِنْدَ ذَلِكَ الْعَقْدِ كَالنِّكَاحِ بِقَصْدِ أَنْ يُطْلِقَ وَالْبَيْعِ بِقَصْدِ الْحِيلَةِ وَمِمَّا يُبْطِلُ بَحْثَهُ السَّابِقَ وَقَاعِدَتَهُ هَذِهِ قَوْلُ الْبَغَوِيّ فِي تَهْذِيبِهِ كُلُّ لَفْظٍ إذَا وُصِلَ بِهِ لَفْظٌ آخَرُ وَقُبِلَ فِي الظَّاهِرِ إذَا نَوَاهُ لَا يُقْبَلُ فِي الظَّاهِرِ وَمِنْ مِثْلِ ذَلِكَ أَنْ تَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ قَاصِدًا إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَا يُفِيدُهُ ظَاهِرًا مَعَ أَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ أَوْ مُتَلَفِّظًا بِهِ قَبْلُ وَأَجْرَى الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ مَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي كُلِّ مَا أَحْوَجَ إلَى تَقْيِيدِهِ الْمَلْفُوظ بِهِ بِقَيْدٍ

زَائِدٍ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الْوَسِيطِ لَوْ ذَكَرَ لَفْظًا وَنَوَى مَعَهُ أَمْرًا لَوْ صَرَّحَ بِهِ لَا يَنْتَظِمُ مَعَ الْمَذْكُورِ فَفِي تَأْثِيرِهِ وَجْهَانِ الْأَقْيَسُ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ اهـ. فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ تَعْلَمْ بِهِ رَدَّ ذَلِكَ الْبَحْثِ وَبُطْلَان تِلْكَ الْقَاعِدَةِ وَقَوْلُهُ وَأَمْثِلَتُهُ فِي كَلَامِ الْأَصْحَابِ لَا تَخْفَى وَمِمَّا يُبْطِلُهَا أَيْضًا قَوْلُهُمْ اللَّفْظُ الصَّادِرُ مِنْ الْمُكَلَّفِ إذَا عُرِفَ مَدْلُولُهُ فِي اللُّغَةِ أَوْ الْعُرْفِ لَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ عَنْهُ إلَّا بِأُمُورٍ مِنْهَا أَنْ يَنْوِيَ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ غَيْرَ مَدْلُولِهِ وَيَكُونُ اللَّفْظُ مُحْتَمِلًا لِمَا نَوَاهُ فَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ قَدْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَفِي بَعْضِهَا قَدْ لَا يُقْبَلُ بِحَسَبِ قُرْبِهِ مِنْ اللَّفْظِ وَبُعْدِهِ وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ثُمَّ قَالَ أَرَدْت وَاحِدَةً مُعَيَّنَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ لَمْ يُقْبَلْ لِوُجُودِ لَفْظِ الْجَمْعِ. وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا يُقْبَلُ فِيهَا قَصْدُ مَا مَرَّ عَنْ مَالِكٍ لِبُعْدِهِ مِنْ اللَّفْظِ كَمَا مَرَّ التَّصْرِيحُ بِهِ عَنْ الْإِمَامِ وَمِنْ كَلَامِهِمْ الشَّاهِدِ لِمَا نَحْنُ فِيهِ الصَّرِيحُ يَعْمَلُ بِنَفْسِهِ وَلَا تُقْبَلُ إرَادَة غَيْرِهِ بِهِ وَالْمُحْتَمِلُ يُرْجَعُ فِيهِ إلَى إرَادَة اللَّافِظِ وَمُرَادُهُمْ بِالْمُحْتَمِلِ الْمَذْكُورِ الْمُحْتَمِلُ لِمَعَانٍ عَلَى السَّوَاءِ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْإِمَامِ الْأَلْفَاظُ ثَلَاثَةٌ نَصٌّ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ وَظَاهِرٌ يَقْبَلُهُ وَمُحْتَمِلٌ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ مَعَانٍ لَا يَظْهَرُ اخْتِصَاصُهُ بِوَاحِدٍ مِنْهَا فَالنَّصُّ لَا مَحِيصَ عَنْهُ وَالظَّاهِرُ يُعْمَلُ بِهِ عَلَى حُكْمِ ظُهُورِهِ فَإِنْ ادَّعَى اللَّافِظُ تَأْوِيلًا فَفِيهِ تَفْصِيلٌ يَطُولُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْمُحْتَمِلُ لَا بُدَّ مِنْ مُرَاجَعَةِ صَاحِبِ اللَّفْظ اهـ. مُلَخَّصًا وَمِنْ الظَّاهِر الَّذِي لَا يَقْبَل تَأْوِيله قَوْله هَذَا أَخِي ثُمَّ قَالَ أَرَدْت أُخُوَّة الرَّضَاع لَا يُقْبَل عَلَى الْأَصَحّ أَوْ أُخُوَّة الْإِسْلَام لَا يُقْبَل قَطْعًا وَلَوْ قَالَ غُصِبَتْ دَاره وَقَالَ أَرَدْت دَارَةَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لَمْ يُقْبَل عَلَى الصَّحِيح فِي زَوَائِد الرَّوْضَة عَنْ الشَّاشِيّ فَإِذَا لَمْ تَقْبَل الْإِرَادَة فِي هَذِهِ الْمَسَائِل فَفِي مَسْأَلَتِنَا بِالْمُسَاوَاةِ بَلْ بِالْأُولَى قَوْله وَقَدْ رَأَيْت لِبَعْضِ فُضَلَاء الْيَمَن إلَخْ هَذَا الْبَحْث بِتَقْدِيرِ تَسْلِيمه لَا يَشْهَد لَهُ لِوُضُوحِ الْفَرْق بَيْنه وَبَيْن مَسْأَلَته لِأَنَّ لَفْظَ الْجِيرَانِ مَقُولٌ عَلَى الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ بِالتَّوَاطُؤِ أَوْ التَّشْكِيكِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا تُؤَثِّرُ فِيهِ النِّيَّةُ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْمُشْتَرَكُ يُحْمَلُ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيه مَا لَمْ يَخُصَّهُ الْمُتَكَلِّمُ بِأَحَدِهَا وَأَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَهُوَ مِنْ اللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لِجُزْئِيٍّ مَخْصُوصٍ فَلَا تُقْبَلُ إرَادَة صَرْفِهِ عَنْهُ وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْإِمَامِ الصَّرِيحِ مَا يَتَكَرَّرُ عَلَى الشُّيُوعِ أَمَّا فِي عُرْفِ الشَّرْعِ أَوْ فِي عُرْفِ اللِّسَانِ وَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ لَزِمَ إجْرَاءُ اللَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَا يُقْبَلُ الْعُدُولُ عَنْ مُوجِبِ الظَّاهِرِ فِي الظَّاهِرِ اهـ. فَإِنْ قُلْت لِمَ أَثَّرَتْ النِّيَّةُ فِي تَخْصِيصِ الْعَامِّ فِي مَسْأَلَةِ الْجِيرَانِ وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي لَفْظِ النِّسَاءِ فِيمَا مَرَّ آنِفًا عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ قُلْت لِأَنَّ تَخْصِيصَ الْعَامِّ لَا يُبْطِلُهُ إذْ الْأَصَحُّ أَنَّ الْعَامَّ الْمَخْصُوصَ حُجَّةٌ فِيمَا عَدَا مَا خَرَجَ مِنْهُ وَلَوْ عَمِلْنَا بِالنِّيَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الْقَاضِي لَأَبْطَلْنَا الْجَمْعِيَّةَ مِنْ أَصْلِهَا فَتَأَمَّلْهُ فَإِنْ قُلْت اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الضِّعْفَ هُوَ الشَّيْءُ وَمِثْلُهُ فَإِذَا أَوْصَى لَهُ بِضِعْفِ نَصِيب ابْنِهِ كَانَتْ وَصِيَّةً بِالثُّلُثَيْنِ وَقَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ هُوَ الْمِثْلُ وَذَكَرَ الْأَذْرَعِيُّ كَلَامًا ثُمَّ قَالَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُوصِي مِمَّنْ يَرَى أَنَّ الضِّعْفَ الْمِثْلُ فَقَطْ أُعْطِيَ مِثْلَ نَصِيب الِابْنِ فَقَطْ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ وَلَا يَكَادُ يُعْدَمُ لَهُ شَاهِدٌ أَوْ شَوَاهِدُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُرَجَّعَ فِي الْوَصِيَّةِ إلَى الْعُرْفِ فَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ هَذَا الْمُفْتِي وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُفْتِينَ السَّابِقِينَ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِإِرَادَةِ الْمُوصِي فِيمَا مَرَّ وَمَا قَالَهُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قُلْت لَا تَأْيِيدَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الضِّعْفَ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ فِي اللُّغَةِ بَيْن الشَّيْءِ وَمِثْلِهِ وَبَيْن الْمِثْلِ كَمَا نَقَلَهُ أَبُو إِسْحَاقَ النَّحْوِيُّ ثُمَّ نَقَلَ أَنَّ الْعُرْفَ الْعَامَّ خَصَّصَهُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ بِذَلِكَ صَرَّحَ الْأَزْهَرِيُّ أَيْضًا فِي كَلَامِهِ عَلَى الْمُخْتَصَرِ فَقَالَ إنَّهُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ هُوَ الْمَعْرُوفُ بَيْن النَّاسِ وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ فَهُوَ الْمِثْلُ فَمَا فَوْقَهُ إلَى عَشَرَةِ أَمْثَالِهِ وَأَكْثَرَ وَأَدْنَاهُ الْمِثْلُ اهـ. وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ اتَّضَحَ أَنَّهُ لَيْسَ نَظِيرَ مَسْأَلَتِنَا لِأَنَّهُ لِاشْتِرَاكِهِ لُغَةً أَثَّرَ فِيهِ الْقَصْدُ وَلِتَخْصِيصِ الْعُرْفِ الْعَامِّ لَهُ بِالْأَوَّلِ حُمِلَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاق وَإِنْ خَالَفَ قَاعِدَةَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ الْأَخْذِ بِالْأَقَلِّ فَالْحَاصِلُ أَنَّ فِيهِ اعْتِبَارَيْنِ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ الْعَامِّ فَلَا يُقَاسُ بِهِ مَا فِيهِ اعْتِبَارٌ وَاحِدٌ وَهُوَ مَا مَرَّ عَنْ أُولَئِكَ الْمُفْتِينَ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَاحْفَظْهُ قَوْلُهُ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يُحْمَلُ اللَّفْظُ عِنْدَ الْإِطْلَاق إلَخْ لَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا السُّؤَالِ

وَالْجَوَابُ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِهِ عَلَى وَجْهٍ أَوْضَحَ وَأَتَمَّ مِنْ هَذَا حَيْثُ قَالُوا اللَّفْظُ الصَّادِرُ مِنْ الْمُكَلَّفِ إذَا عُرِفَ مَدْلُولُهُ فِي اللُّغَةِ أَوْ الْعُرْفِ إلَى آخِرِ مَا قَدَّمْته قَرِيبًا فَرَاجِعْهُ تَعْلَمْ بِهِ مَا فِي كَلَامِ هَذَا الْمُفْتِي وَقَوْلُهُ وَلَوْ عَلَى تَجَوُّزٍ مَرَّ رَدُّهُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قُرْبِ ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ حَتَّى تُقْبَلَ إرَادَتُهُ قَوْلُهُ مَا لَمْ يَقْصِدْ انْتِفَاعَ الْمُقِيمِ أَوْ الْمُجْتَازِ إنَّمَا قُبِلَ قَصْرُهُ لِأَنَّ إسْرَاجَ الْكَنِيسَةِ مُحْتَمِلٌ لِذَلِكَ وَلِمُقَابِلِهِ عَلَى السَّوَاءِ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ فِي الْأَحْوَالِ فَأَثَّرَ فِيهِ الْقَصْدُ لِذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ هَذَا مُشَابِهًا لِصُورَةِ السُّؤَالِ بِوَجْهٍ وَلَا مُؤَيِّدًا لِقَوْلِهِ قَبْلَهُ وَلَوْ عَلَى تَجَوُّزٍ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِكُلٍّ مِنْ تِلْكَ الْأَحْوَالِ عَلَى السُّؤَالِ قَوْلُهُ مَا لَمْ يُقْصَدْ تَمْلِيكَهُ هَذَا وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الْمُطْلَقِ فِي الْأَحْوَالِ أَيْضًا فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ فِي الْإِسْرَاجِ قَوْلُهُ إلَّا إنْ أَرَادَهُ إنَّمَا قُبِلَ هُنَا لِأَنَّ فِيهِ تَغْلِيظًا عَلَى نَفْسِهِ وَمَا هُوَ كَذَلِكَ يُقْبَلُ فِيهِ وَإِنْ بَعُدَ احْتِمَالُهُ مِنْ اللَّفْظِ كَمَا عُلِمَ مِنْ قَوْلِ الصَّيْدَلَانِيِّ مَنْ فَسَّرَ اللَّفْظَ بِغَيْرِ مَا يَقْتَضِيه ظَاهِرُهُ يُنْظَرُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ قُبِلَ لِأَنَّهُ غَلَّظَ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ لَا عَلَيْهِ قُبِلَ بَاطِنًا لَا ظَاهِرًا إنْ اتَّصَلَ بِحَقِّ آدَمِيٍّ اهـ. مُلَخِّصًا قَوْلَهُ وَلَوْ قَالَ هَذَا الْمَالُ إلَخْ إنَّمَا قُبِلَتْ إرَادَته مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِنَحْوِ مَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ مَا أَرَادَهُ فِيهَا احْتِمَالًا قَرِيبًا فَلَا شَاهِدَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لِمَا أَطْلَقَهُ مِنْ الْقَبُولِ مَعَ بُعْدِ الِاحْتِمَالِ قَوْلُهُ سَمِعْت الدَّعْوَى مَبْنِيٌّ هُوَ وَمَا بَعْدَهُ عَلَى تَأْثِيرِ ذَلِكَ الْقَصْدِ وَقَبُولِهِ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ هُوَ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ فِي صُورَةِ مَا لَوْ أَوْصَى بِجُزْءٍ مَثَلًا عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَلَمْ يُفَصِّلَا بَيْن أَنْ يَدَّعِي عِلْمَ الْوَارِثِ بِإِرَادَةِ الْأَكْثَرِ وَأَنْ لَا لَكِنْ صَرَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ شَرْطَ سَمَاعِ دَعْوَاهُ ادِّعَاؤُهُ ذَلِكَ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ فَقُلْنَا إنَّ الْمَعْنَى هُمْ عَلَى مِيرَاثِ أَبِيهِمْ لَوْ كَانَ حَيًّا فِي هَذَا نَظَرٌ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ تَقْدِيرٌ لِمَا فِي السُّؤَالِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا هُوَ عَيْنُ لَفْظِ السُّؤَالِ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّهُ تَقْدِيرٌ لَهُ وَإِنْ هَذَا التَّقْدِيرَ هُوَ السَّبَبُ لِتَصْحِيحِ الْوَصِيَّةِ قَوْلُهُ فَظَاهِرٌ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِنِصْفِ الْمَالِ هَذِهِ الْعِبَارَةُ إنَّمَا تُقَالُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ مَارَسَ عِبَارَتَهُمْ فِي بَحْثٍ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فَهْمًا وَاضِحًا لَا فِيمَا هُوَ مَنْصُوصٌ لَهُمْ وَقَدْ صَرَّحُوا بِذَلِكَ فَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ هَذِهِ الْعِبَارَةُ الْمُوهِمَةُ أَنَّ ذَلِكَ بَحْثٌ مِنْ هَذَا الْمُفْتِي قَوْلُهُ فَجَوَابُهُ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي ذَلِكَ بِحَالَةِ الْمَوْتِ هُوَ كَمَا ذَكَرَهُ كَمَا بَسَطْت الْكَلَامَ فِيهِ فِي أَوَائِلِ جَوَابِي مَعَ الْبُلْقِينِيُّ الْمُعْتَبَرِ فِي مِثْلِ هَذَا حَالَةَ الْوَصِيَّةِ فَرَاجِعْهُ حَتَّى تَعْلَمَ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ فَيَسْتَحِقُّ الْمُوصَى لَهُمْ فِي الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا السَّائِلُ رُبُعَ التَّرِكَةِ هَذَا مِنْهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَاحِدٌ مِنْ أَعْمَامِهِمْ أَحَدَ الذُّكُورِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ اللَّفْظِ تَنَاقَضَ لِأَنَّهُ إذَا اُعْتُبِرَ عَدَدُهُمْ عِنْدَ الْمَوْتِ صَارَتْ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ هِيَ قَوْلُهُ السَّابِقُ. فَإِنْ قُلْت فَمَا اللَّفْظُ الَّذِي إذَا تَلَفَّظَ بِهِ الْمُوصِي إلَخْ فَبَيَّنَ ثَمَّ أَنَّهُ فِي ابْنٍ وَبِنْتٍ وَأَوْلَادِ ابْنٍ أَوْصَى لَهُمْ بِمِثْلِ نَصِيب عَمِّهِمْ أَنَّ لَهُمْ الْخُمُسَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ هُنَا عَلَى الْأَثَرِ فِي هَذِهِ بِعَيْنِهَا أَنَّ لَهُمْ الرُّبْعَ وَوَجْهُ كَوْنِ هَذِهِ الصُّورَةِ هِيَ تِلْكَ بِعَيْنِهَا أَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ فِي ثَلَاثَةِ بَنِينَ وَبِنْتٍ وَأَوْلَادِ ابْنٍ مَيِّتٍ أَوْصَى لَهُمْ بِمِثْلِ نَصِيب أَحَدِ أَعْمَامِهِمْ ثُمَّ مَاتَ ابْنَانِ فِي حَيَاةِ أَبِيهِمْ الْمُوصِي فَإِذَا اعْتَبَرْنَا حَالَةَ الْمَوْتِ فَهُوَ لَمْ يَمُتْ إلَّا عَنْ ابْنٍ وَبِنْتٍ وَأَوْلَادِ ابْنٍ أَوْصَى لَهُمْ بِمِثْلِ نَصِيب عَمِّهِمْ الْمَوْجُودِ وَهَذِهِ الصُّورَةُ هِيَ عَيْنُ تِلْكَ الَّتِي قَدَّمَ فِيهَا فِي عَيْنِ هَذَا التَّصْوِيرِ أَنَّ لَهُمْ خُمُسَ التَّرِكَةِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ فَقَوْلُهُ هُنَا أَنَّ لَهُمْ رُبُعَ التَّرِكَةِ غَلَطٌ فَإِنْ قُلْت فَإِنْ اعْتَبَرْنَا هُنَا حَالَةَ الْوَصِيَّةِ مَا الَّذِي يَكُونُ لِأَوْلَادِ الِابْنِ الْمُوصَى لَهُمْ بِمِثْلِ نَصِيب أَحَدِ أَعْمَامِهِمْ قُلْت يَكُونُ لَهُمْ التُّسْعَانِ لِأَنَّ مَسْأَلَتَهُمْ مِنْ سَبْعَةٍ يُزَادُ عَلَيْهَا مِثْلُ نَصِيب أَحَدِهِمْ وَهُوَ سَهْمَانِ وَإِنْ أَرَادَ بِأَحَدِ أَعْمَامِهِمْ مَا يَشْمَلُ عَمَّتَهُمْ صَحَّ مَا قَالَهُ لَكِنْ مِنْ أَيِّ قَاعِدَةٍ أُخِذَ حَمْلُ قَوْلِ الْمُوصِي وَاحِدٌ مِنْ أَعْمَامِهِمْ عَلَى مَا يَشْمَلُ الْأُنْثَى فَإِنْ احْتَجَّ بِالتَّغْلِيبِ فَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْمَجَازِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاق الْعَارِي عَنْ الْقَرِينَةِ بَلْ وَإِنْ احْتَفَّ بِهَا هُنَا كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي تَقْرِيرٍ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ هُنَا قَصْدٌ وَلَا عُرْفٌ خَاصٌّ. فَإِنْ قُلْت الْحَامِلُ لَهُ

عَلَى ذَلِكَ الْحَمْلِ قَوْلُ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا لَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِمِثْلِ نَصِيب أَحَدِ وَرَثَتِهِ أُعْطِيَ مِثْلَ أَقَلِّهِمْ نَصِيبًا ثُمَّ قَالَ فَإِذَا كَانَ لَهُ ابْنٌ وَبِنْتٌ فَالْوَصِيَّةُ بِالرُّبُعِ قُلْت إنْ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فَهُوَ غَفْلَةٌ عَنْ التَّصْوِيرَيْنِ لِأَنَّهُ هُنَا عَبَّرَ بِأَقَلِّهِمْ فَتَنَاوَلَ الْبِنْتَ دُونَ الِابْنِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا عَبَّرَ بِالْأَعْمَامِ وَهُوَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الذُّكُورَ دُونَ الْإِنَاثِ فَإِنْ قُلْت قَدْ يُسْتَدَلُّ لِمَا قَالَهُ بِقَوْلِهِمْ لَوْ أَوْصَى مَنْ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ وَلَمْ يَأْتِ بِلَفْظِ أُخُوَّةٍ وَلَا بُنُوَّةٍ كَانَ لَفْظُهُ صَادِقًا عَلَى كُلٍّ فَنَزَّلُوهُ عَلَى الْأَقَلِّ وَهُوَ نَصِيب بِنْتٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ لِصَدْقِ لَفْظِهِ عَلَيْهَا وَعَوْدُ ضَمِيرِهِمْ عَلَى الْجَمْعِ الشَّامِلِ لِذُكُورِ وَإِنَاثٍ شَائِعٌ لَا يَحْتَاجُ لِقَرِينَةٍ وَأَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ عَمَّةٌ وَأَعْمَامٌ فَخَصَّ الْأَعْمَامَ بِقَوْلِهِ بِمِثْلِ نَصِيب وَاحِدٍ مِنْ أَعْمَامِهِ فَالْقَوْلُ بِحَمْلِهِ عَلَى الْعَمَّةِ بَعِيدٌ جِدًّا مَعَ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَلْ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ وَهُوَ أَنَّ الْوَصْفَ بِكَوْنِهِ وَاحِدًا مِنْ الْأَعْمَامِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ الذُّكُورُ لَا مَا يَعُمُّهُمْ وَالْأُنْثَى فَإِنْ قُلْت قَدْ يَدُلُّ لَهُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ لَوْ كَانَ لَهُ ابْنٌ وَبِنْتُ ابْنٍ وَأَخٌ وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيب أَحَدِ وَلَدَيْهِ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِالسُّبُعِ قُلْت لَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ يُسَمَّى وَلَدًا حَقِيقَةً وَعَلَى مُقَابِلِهِ وَأَنَّهُ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاق فَهُنَا قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ وَهِيَ التَّثْنِيَةُ وَمِنْ ثَمَّ لَمَّا ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ مَا مَرَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ فِي وُقُوعِ اسْمِ الْوَلَدِ عَلَى وَلَدِ الْوَلَدِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي الْوَقْفِ فَإِنْ وَقَعَ عَلَيْهِمَا فَالتَّصْوِيرُ ظَاهِرٌ وَإِلَّا فَالْمَنْعُ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ الْإِطْلَاق فَأَمَّا هُنَا فَالتَّثْنِيَةُ فِي قَوْلِهِ أَحَدُ وَلَدَيَّ قَرِينَةٌ تُبَيِّنُ إرَادَتَهُمَا جَمِيعًا اهـ. وَهَذَا مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُؤَيِّدٌ لِمَا ذَكَرْته أَنَّ الْأَعْمَامَ لَا يَشْمَلُونَ الْعَمَّةَ فِي هَذَا الْبَابِ إلَّا بِقَرِينَةٍ ظَاهِرَةٍ تَدُلُّ عَلَيْهِ لِأَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ إذَا احْتَاجَ شُمُولَ الْوَلَدِ لَهُ هُنَا إلَى قَرِينَةٍ مَعَ أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ كَثِيرًا بَلْ حَقِيقَةً عَلَى الْأَصَحِّ فِي بَعْضِ الْأَبْوَابِ كَالْحَجْبِ وَغَيْرِهِ فَمَا بَالُك بِالْعَمِّ فَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْعَمَّةَ إلَّا بِقَرِينَةٍ وَاضِحَةٍ تَدُلُّ عَلَى شُمُولِهَا وَلَا قَرِينَةَ هُنَا كَذَلِكَ فَكَانَ الْحَقُّ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ أَنَّ لِأَوْلَادِ الِابْنِ الْخُمُسَيْنِ لَا الرُّبُعَ وَفَّقْنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَجْمَعِينَ لِإِيضَاحِ الْحَقِّ وَاتِّبَاعِهِ وَخَلَّصَنَا مِنْ دَسَائِسِ نُفُوسِنَا الْحَامِلَةِ عَلَى التَّوَرُّطِ فِي هُوَّةِ الْبَاطِلِ وَابْتِدَاعِهِ وَيَسَّرَ لَنَا مِنْ غَيْرِ عَائِقٍ وَلَا مَانِعٍ الدَّأَبَ فِي تَحْقِيقِ الْعُلُومِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ وَأَخَذَ بِنَوَاصِينَا إلَى أَنْ نَنْتَظِمَ فِي سِلْكِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ وَأَبْقَى مِنْ حَمَلَةِ الْعِلْمِ فِي كُلِّ إقْلِيمٍ جَمْعًا جَمًّا وَأَتْحَفَهُمْ مِنْ قُرْبِهِ وَهَيْبَتِهِ وَقِيَامِهِمْ بِحُقُوقِ رُبُوبِيَّتِهِ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ عَلَى أَيْدِيهمْ الْهِدَايَةُ لِمُتَّبِعِيهِمْ عَرَبًا كَانُوا أَوْ عَجَمًا وَأَقْبَلَ بِقُلُوبِ خَلْقِهِ إلَيْهِمْ حَتَّى يُعَوِّلُوا فِي كَشْفِ الْمُعْضِلَاتِ وَالنَّوَائِبِ عَلَيْهِمْ وَأَخْرَجَ مِنْ نُفُوسِهِمْ الضَّغَائِنَ الَّتِي تَقْطَعُ عَنْ الْوُصُولِ إلَى خِلَافَةِ الرُّسُلِ الْكِرَامِ الَّتِي هِيَ أَعْلَى الْمَقَامَاتِ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَدَارِ السَّلَامِ وَأَلْحَقَنَا بِهِمْ فِي ذَلِكَ إنَّهُ الْكَفِيلُ بِكُلِّ خَيْرٍ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ وَالْمَسَالِكِ لَا إلَهَ غَيْرُهُ وَلَا مَأْمُولَ إلَّا بِرُّهُ وَخَيْرُهُ فَضَرَاعَةً إلَيْهِ بِأَكْمَلِ أَنْبِيَائِهِ وَوَاسِطَةِ عِقْدِ أَصْفِيَائِهِ أَنْ يَعْصِمَنِي مِنْ الْخَطَإِ وَالْخَطَلِ وَمِنْ الزَّيْغِ وَالزَّلَلِ وَأَنْ يَعْفُوَ عَمَّا اقْتَرَفْتُ مِنْ الذُّنُوبِ وَمَا حَوَيْتُ مِنْ الْعُيُوبِ إنَّهُ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ هَلْ يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ فِي تَفْرِيقِ نَحْوِ الْكَفَّارَةِ صَرْفُهَا لِأَهْلِ الْمُكَفِّرِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِأَنَّ تُهْمَةَ دَفْعِ النَّفَقَةِ عَنْ نَفْسِهِ قَدْ زَالَتْ بِالْمَوْتِ أَوْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَجُوزُ لَهُ الدَّفْعُ إلَّا لِمَنْ يَتَمَكَّنُ الْمُوصِي مِنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ وَهُوَ الْآنَ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ صَرْفُ كَفَّارَةِ الْمَيِّتِ لِمُمَوِّنِهِ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْمَيِّتِ فَأُعْطِيَ حُكْمَهُ وَأَيْضًا فَمَا يُصْرَفُ مِنْهُ تَرِكَةً وَهِيَ مِلْكٌ لِلْوَرَثَةِ وَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ عَيَّنَهُ لِلصَّرْفِ مِنْهُ إذْ لَا يَخْرُجُ عَنْ مَالِكِ الْوَرَثَةِ إلَّا بِصَرْفِهِ لَا قَبْلَهُ فَكَيْفَ يُصْرَفُ لَهُ مِنْ مِلْكِهِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَوْتِ بَلْ سَائِرُ الْوَرَثَةِ كَذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَرِثْ الْمُمَوَّنُ لِكَوْنِهِ قَاتِلًا فَهَلْ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى الثَّانِي أَوْ لَا نَظَرًا لِلْمَعْنَى الْأَوَّلِ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَالثَّانِي أَقْرَبُ إلَى إطْلَاقهمْ فَهُوَ الْأَوْجَهُ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْوَصِيَّ نَائِبُ الْمَيِّتِ فَإِنْ قُلْت الْعِلَّةُ فِي مَنْعِ صَرْفِ الْمَيِّتِ فِي حَيَاتِهِ لِمُمَوِّنِهِ دَفْعُ الْمُؤْنَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَهُوَ

مُنْتَفٍ فِي صَرْفِ الْوَصِيِّ إذْ لَا مُؤْنَةَ عَلَى الْمَيِّتِ تُدْفَعُ عَنْهُ حِينَئِذٍ فَكَانَ يَنْبَغِي جَوَازُ صَرْفِهِ لِمُمَوِّنٍ غَيْرِ وَارِثٍ لِنَحْوِ حَجْبِهِ بِأَقْرَبَ مِنْهُ كَجَدٍّ عَالٍ وَفَرْعٍ سَافِلٍ قُلْت تَنْزِيلُهُمْ الْوَصِيُّ مَنْزِلَةَ الْمَيِّتِ فِي جَوَازِ الصَّرْفِ لِمَا لَزِمَ الْمَيِّتَ يَقْتَضِي تَقْيِيدَهُ بِمَا كَانَ يَتَقَيَّدُ بِهِ الْمَيِّتُ فِي الصَّرْفِ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ سَوَاءٌ أَوُجِدَ الْمَعْنَى الَّذِي مُنِعَ الْمَيِّت لِأَجْلِهِ أَمْ لَا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَلْحَظَ فِي الْجَوَازِ النِّيَابَةُ عَنْ الْمَيِّتِ وَالنَّائِبُ الْمُتَقَيِّدُ تَصَرُّفُهُ بِكَوْنِهِ عَلَى جِهَةِ النِّيَابَةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الْمَعْنَى الْمَوْجُودِ فِي الْمُسْتَنَابِ عَنْهُ فَتَأَمَّلْهُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ رَوَى خَبَرَ «مَنْ لَمْ يُوصِ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الْكَلَامِ مَعَ الْمَوْتَى قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ تَتَكَلَّمُ الْمَوْتَى قَالَ نَعَمْ وَيَتَزَاوَرُونَ» ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَخْرَجَهُ الشَّيْخُ ابْنُ حِبَّانَ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَوْصَى لِغَيْرِهِ بِمَنَافِعِ نَخْلَةٍ مَثَلًا فَمَا هِيَ مَنْفَعَةُ النَّخْلَةِ هَلْ هُوَ كَرْمُهَا وَلِيفُهَا وَالِاسْتِظْلَالُ بِظِلِّهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ أَوْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الثَّمَرَةُ وَاللِّيفُ كَكَسْبِ الْعَبْدِ أَوْ لَا يَدْخُلُ ذَلِكَ فَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِمَا حَاصِلُهُ عَدَمُ دُخُولِ نَحْوِ الثَّمَرِ بِمُجَرَّدِ مَا ذُكِرَ وَأَنَّ النَّخْلَةَ لَا مَنْفَعَةَ لَهَا إلَّا نَحْوُ الِاسْتِظْلَالِ وَالتَّجْفِيفِ وَرَبْطِ الدَّوَابِّ بِهَا وَعَلَى ذَلِكَ تُحْمَلُ الْمَنْفَعَةُ الْمُوصَى بِهَا وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ آخَرُ وَأَجَابَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ إطْلَاق الْمَنْفَعَةِ يَشْمَلُ جَمِيعَ الْفَوَائِدِ كَالثَّمَرَةِ وَالْكَرْمِ وَاللِّيفِ وَنَحْوِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى النَّخْلَةِ وَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ وَنَحْوِهِمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَاشِيَةِ مُسْتَشْهِدًا بِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَةِ الْعَبْدِ يَمْلِكُ أُجْرَةَ حِرْفَتِهِ لِأَنَّهَا أَبْدَالُ مَنْفَعَتِهِ وَيَمْلِكُ أَيْضًا مَهْرَ الْجَارِيَةِ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ وَأَطَالَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْأَوَّلِ ثُمَّ أَجَابَ الْأَوَّلُ ثَانِيًا بِمَا حَاصِلُهُ تَقْرِيرُ جَوَابِهِ الْأَوَّلِ وَالرَّدُّ عَلَى الْمُعْتَرِضِ الْمُجِيبِ الثَّانِي مُسْتَشْهِدًا بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَنْفَعَةِ إنَّمَا تُطْلَقُ عَلَى مَا يَرِدُ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ وَهُوَ نَحْوُ الِاسْتِظْلَالِ بِظِلِّهَا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ تَصْرِيحًا وَتَلْوِيحًا وَأَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ اقْتِصَارُهُمْ عَلَى دُخُولِ الْكَسْبِ وَالْمَهْرِ لَا غَيْرِهِمَا مِنْ الثَّمَرِ وَاللَّبَنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْفَى وَإِنَّمَا قَالُوا بِدُخُولِ نَحْوِ الْكَسْبِ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِ وَلَوْ كَانَ غَيْرُهُمَا دَاخِلًا كَالثَّمَرِ وَاللَّبَنِ لَوَجَبَ عَلَى الْمُتَعَقِّبِ أَنْ يَنُصَّ عَلَيْهِ وَأَطَالَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُعْتَرِضِ الْمُجِيبِ الثَّانِي فَتَفَضُّلًا سَيِّدِي بِالْجَوَابِ الشَّافِي فَإِنْ قُلْتُمْ بِمَا قَالَهُ الْأَوَّلُ فَتَفَضَّلُوا بِبَيَانِ دَلِيلِهِ وَالرَّدِّ لِمَا اسْتَشْهَدَ بِهِ الْأَوَّلُ أَثَابَكُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْجَنَّةَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ أَنَّ نَحْوَ الثَّمَرَةِ وَاللَّبَنِ لَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَنْفَعَةِ وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ أُمُورٌ مِنْهَا مَا فِي تَدْرِيبِ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ نَحْوَ الثَّمَرَةِ لَا يَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الْوَصِيَّةِ بِعَيْنِ نَحْوِ الشَّجَرَةِ بِكُلِّ حَالٍ فَإِذَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِالْأَصْلِ نَفْسِهِ لَا يَدْخُلُ فِيهَا نَحْوُ الثَّمَرَةِ فَمَا بَالُك بِالْوَصِيَّةِ بِالْمَنْفَعَةِ فَإِنْ قُلْت مَا فِي التَّدْرِيبِ مَرْجُوحٌ قُلْت هُوَ مَعَ كَوْنِهِ مَرْجُوحًا يَدُلُّ لِمَا قُلْنَاهُ إذْ لَا وَجْهَ لَهُ إلَّا النَّظَرُ إلَى لَفْظِ نَحْوِ الشَّجَرَةِ لَا يَتَنَاوَلُ نَحْوَ ثَمَرَتِهَا لِأَنَّ نَحْوَ الثَّمَرَةِ عَيْنٌ أُخْرَى لَا يَشْمَلُهَا لَفْظُ الشَّجَرَةِ. وَلَا تُقَاسُ الْوَصِيَّةُ بِنَحْوِ الْبَيْعِ لِضَعْفِهَا عَنْ الِاسْتِتْبَاعِ بِخِلَافِهِ وَإِذَا جَرَى هَذَا مِنْ الْبُلْقِينِيُّ فِي هَذِهِ الصُّورَة فَقَالَ بِعَدَمِ دُخُولِ نَحْوِ الثَّمَرَةِ لِمَا ذَكَرْته لَزِمَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ قَائِلٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَنْفَعَةِ أَنَّهَا لَا تَشْمَلُ نَحْوَ الثَّمَرَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ضَعْفِ كَلَامِهِ فِي الْأَوَّلِ ضَعْفُهُ هُنَا لِوُضُوحِ فُرْقَانِ مَا بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْعَيْنِ أَقْوَى مِنْ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنْفَعَةِ وَمِنْهَا قَوْلُ الْجَوَاهِرِ فِي الْوَصِيَّةِ بِمَا سَتَحْمِلُهُ هَذِهِ الْجَارِيَةُ أَوْ الْبَهِيمَةُ فِي هَذَا الْعَامِ أَوْ أَبَدًا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهَا تَصِحُّ كَمَا تَصِحُّ بِالْمَنَافِعِ ثُمَّ قَالُوا وَفِي الْوَصِيَّةِ بِمَا سَيَحْدُثُ مِنْ الثِّمَارِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا الْقَطْعُ بِالصِّحَّةِ وَأَصَحُّهُمَا أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْحَمْلِ سَوَاءٌ أَوْصَى بِثَمَرَتِهَا هَذَا الْعَامَ أَوْ كُلَّ عَامٍ اهـ. فَفِي قَوْلِهِ كَمَا تَصِحُّ بِالْمَنَافِعِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ نَحْوَ الْحَمْلِ وَالثَّمَرِ لَيْسَ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ دَاخِلًا فِي الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ لَزِمَ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ وَهُوَ فَاسِدٌ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَنَافِعِ لَا تَشْمَلُ عَيْنًا كَثَمَرَةٍ وَلِيفٍ وَصُوفٍ وَلَبَنٍ وَمِنْهَا قَوْلُ الرَّافِعِيِّ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ الْوَصِيَّةُ بِالْغَلَّةِ وَالْكَسْبِ لَا تُفِيدُ اسْتِحْقَاقَ السُّكْنَى وَالرُّكُوبَ وَالِاسْتِخْدَامَ وَبِوَاحِدٍ مِنْهَا لَا يُفِيدُ اسْتِحْقَاقَ الْغَلَّةِ وَالْكَسْبَ فَإِنَّ الْغَلَّةَ فَائِدَةٌ عَيْنِيَّةٌ وَالْمَنْفَعَةُ تُطْلَقُ فِي مُقَابَلَةِ الْعَيْنِ فَيُقَالُ الْأَمْوَالُ تَنْقَسِمُ إلَى الْأَعْيَانِ وَالْمَنَافِعِ اهـ. فَتَأَمَّلْ جَعْلَهُ الْمَنْفَعَةَ مُقَابِلَةً لِلْعَيْنِ تَجِدْهُ صَرِيحًا وَاضِحًا فِي أَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَشْمَلُ عَيْنًا أَصْلًا وَإِنَّمَا تَشْمَلُ الْآثَارَ الَّتِي

تَصِحُّ الْإِجَارَةُ لَهَا لَا غَيْرُ وَتَعَرَّضَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ كَمَا فِي مَيْدَانِ الْفُرْسَانِ لِرَدِّ بَحْثِهِ هَذَا لَا يَمْنَعُ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ لِأَنَّ رَدَّهُ مِنْ حَيْثِيَّةٍ أُخْرَى كَمَا يُعْلَمُ بِتَأَمُّلِ كَلَامِهِمْ فِي ذَلِكَ وَيُوَافِقُ ذَلِكَ تَعْلِيلَ الْأَصْحَابِ لِلْوَجْهِ الْقَائِلِ بِأَنَّ وَلَدَ الْمُوصَى بِمَنَافِعِهَا لِلْوَرَثَةِ بِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمَنْفَعَةِ لَا يَشْمَلُهُ كَالْإِجَارَةِ فَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُمْ بِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تَشْمَلُ الْأَعْيَانَ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ نَظَرَ الْأَصَحُّ إلَى هَذَا فَقَالَ إنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ لَا يَمْلِكُ الْوَلَدَ بَلْ مَنَافِعَهُ فَقَطْ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْأُمِّ فَأَجْرَى عَلَيْهِ حُكْمَهَا عَمَلًا بِقَاعِدَةِ أَنَّ الْوَلَدَ تَابِعٌ لِأُمِّهِ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ الْقَوْلُ بِهِ فِي نَحْوِ الثَّمَرَةِ وَاللَّبَنِ فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ لِلْوَارِثِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَنَافِعَ الْمُوصَى بِهَا لَا تَشْمَلُ الْأَعْيَانَ بِوَجْهٍ وَمِنْهَا مَا فِي الْجَوَاهِرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَنَافِعِ الْمُوصَى بِهَا مَا تُمَلَّكُ بِالْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ وَهَذَا نَصٌّ قَاطِعٌ لِلنِّزَاعِ كَكَلَامِ الرَّافِعِيِّ السَّابِقِ فِي أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَنَافِعِ لَا تَشْمَلُ عَيْنًا أَصْلًا لِأَنَّ الْعَيْنَ لَا تُمْلَكُ بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ قَصْدًا مُطْلَقًا بَلْ تَبَعًا لِضَرُورَةٍ أَوْ حَاجَةٍ وَفِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلزَّرْكَشِيِّ إنَّمَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنَافِعِ لِأَنَّهَا أَمْوَالٌ تُقَابَلُ بِالْأَعْوَاضِ فَكَانَتْ كَالْأَعْيَانِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا مَرَّ عَنْ الرَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَنَافِعِ هُنَا مَا يُقَابِلُ الْأَعْيَانَ وَفِيهِ أَيْضًا وَضَبَطَ الْإِمَامُ الْمَنَافِعَ بِمَا تُمْلَكُ بِالْإِجَارَةِ وَهَذَا كَمَا مَرَّ عَنْ الْقَمُولِيِّ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَنَافِعِ عَيْنٌ أَصْلًا وَفِيهِ أَيْضًا وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالثَّمَرَةِ الَّتِي سَتَحْدُثُ دُونَ الْحَمْلِ لِأَنَّهَا تَحْدُثُ مِنْ غَيْرِ إحْدَاث أَمْرٍ فِي أَصْلِهَا كَالْمَنَافِعِ بِخِلَافِ الْوَلَدِ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الثَّمَرَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْمَنَافِعِ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ قِيَاسُهَا عَلَيْهَا بَلْ مَتْنُ الْمِنْهَاجِ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ وَهُوَ وَتَصِحُّ بِالْمَنَافِعِ وَكَذَا بِثَمَرَةٍ أَوْ حَمْلٍ سَيَحْدُثَانِ فِي الْأَصَحِّ فَجَزَمَ بِصِحَّتِهَا بِالْمَنَافِعِ وَحَكَى الْخِلَافَ فِي صِحَّتِهَا بِثَمَرَةٍ سَتَحْدُثُ فَلَوْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ الَّتِي سَتَحْدُثُ مِنْ الْمَنَافِعِ لَمْ يَتَأَتَّ الْخِلَافُ كَيْفَ وَقَدْ أَجْمَعُوا إلَّا مَنْ شَذَّ عَلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ وَالِاسْتِدْلَالُ بِمِلْكِ أُجْرَةِ الْحِرْفَةِ وَالْمَهْرِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ أُجْرَةَ الْحِرْفَةِ بَدَلَ مَنْفَعَةٍ يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ لَهَا وَلَيْسَ بَدَلَ عَيْنٍ حَتَّى يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى مَا زَعَمَهُ مِنْ تَنَاوُلِ الْمَنْفَعَةِ لِلْأَعْيَانِ الَّتِي ذَكَرهَا وَلِأَنَّ الْمَهْرَ بَدَلُ مَنْفَعَةٍ أَيْضًا هِيَ الْوَطْءُ الَّذِي هُوَ الِانْتِفَاعُ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِئْجَارُ لَهُ فَلَيْسَ بَدَلَ عَيْنٍ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الرَّاجِحَ عَدَمُ دُخُولِهِ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَمَّا لَا يُسْتَأْجَرُ لَهُ فَلَمْ تَشْمَلْهُ الْمَنْفَعَةُ وَبِهِ يَتَّجِهُ مَا قَالَهُ الْأَوَّلُ وَأَمَّا اسْتِشْهَادُ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْمَنْفَعَةِ إنَّمَا تُطْلَقُ عَلَى مَا يَرِدُ عَلَيْهِ عَقْدُ الْإِجَارَةِ فَهُوَ الْمَنْقُولُ كَمَا قَدَّمْته لَكِنَّ قَوْلَهُ وَهُوَ نَحْوُ الِاسْتِظْلَالِ بِظِلِّهَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ لِلْغَيْرِ لَمْ يَجُزْ الِاسْتِظْلَالُ بِظِلِّهَا أَوْ مُبَاحَةٍ جَازَ الِاسْتِظْلَالُ بِظِلِّهَا وَإِنْ مَنَعَ مِنْهُ الْمَالِكُ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِهِ لَا يُقْصَدُ وَلَا يُقَابَلُ بِمَالٍ وَإِنَّمَا مَنْفَعَتُهَا رَبْطُ الدَّوَابِّ وَالْأَمْتِعَةِ بِهَا وَتَجْفِيفُ الثِّيَابِ عَلَيْهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ فَهَذَا هُوَ الْقَصْدُ بِالْوَصِيَّةِ بِمَنَافِعِهَا نَعَمْ الْحَقُّ الَّذِي دَلَّ كَلَامُهُمْ فِي مَوَاضِعَ أَنَّهُ لَوْ قَامَتْ الْقَرَائِنُ الظَّاهِرَةُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْقَصْدُ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِمَنَافِعِهَا إلَّا نَحْوَ ثَمَرَتِهَا كَأَنْ لَمْ يُتَعَارَفْ عِنْدَهُمْ مَنْفَعَةٌ لِلنَّخْلَةِ إلَّا ثَمَرَتُهَا وَنَحْوُهَا وَإِلَّا نَحْوُ لَبَنِ الْغَنَمِ وَصُوفِهَا دَخَلَتْ الْعَيْنُ حِينَئِذٍ لِأَنَّ ذَلِكَ الْعُرْفَ يُخْرِجُ الْمَنْفَعَةَ عَنْ حَقِيقَتِهَا وَيَصْرِفُهَا إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا مُطْلَقُ الْفَوَائِدِ الشَّامِلَةِ لِلْأَعْيَانِ وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْن هَذَيْنِ الْإِفْتَاءَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي السُّؤَالِ فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا إذَا كَانَ ثَمَّ مَنَافِعُ حَقِيقَةٌ وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَنْفَعَةٌ إلَّا نَحْوُ الثَّمَرِ وَاطَّرَدَ الْعُرْفُ بِأَنَّهُ الْمُرَادُ بِالْوَصِيَّةِ أَوْ قَامَتْ الْقَرَائِنُ الظَّاهِرَةُ عَلَى ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ ثُمَّ رَأَيْتنِي أَوْضَحْت الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَوْصَى بِوَصَايَا وَجَعَلَ الْوَصَايَا فِي عَيْنٍ مِنْ مَالِهِ فَهَلْ يَمْتَنِعُ عَلَى الْوَرَثَةِ التَّصَرُّفُ فِي التَّرِكَةِ حَتَّى تُنَفَّذَ الْوَصَايَا أَمْ فِي الْعَيْنِ وَحْدَهَا الْمُوصَى فِيهَا بِالْوَصِيَّةِ أَوْ يُقَالُ إنْ قَالَ الْمُوصِي أَوْصَيْت لِفُلَانٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ فِي الْعَيْنِ الْفُلَانِيَّةِ اُخْتُصَّ التَّعَلُّقُ بِهَا وَلَا يَعُمُّ جَمِيعَ التَّرِكَةِ كَمَا لَوْ قَالَ الْمِيرَاثُ فِي الْعَبْدِ لِزَيْدٍ وَفَسَّرَهُ بِوَصِيَّةٍ أَوْ الْحُكْمُ غَيْرُ ذَلِكَ بَيِّنُوهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ إذَا قَيَّدَ الْوَصِيَّةَ بِعَيْنٍ مِنْ مَالِهِ كَأَعْطَوْا فُلَانًا مِائَةً مِنْ أُجْرَةِ دَارِي أَوْ ثَمَنِهَا تَقَيَّدَتْ الْوَصِيَّةُ بِتِلْكَ الْعَيْنِ حَتَّى لَوْ تَلِفَتْ قَبْلَ إخْرَاجِ الْوَصِيَّةِ مِنْهَا بَطَلَتْ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُوصَى لَهُ حَقٌّ فِي بَاقِي التَّرِكَةِ وَبَعْدَ أَنْ تَعْلَمَ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مِنْ الْوَاضِحِ

باب الوديعة

فِي صُورَةِ السُّؤَالِ أَنَّ الْوَرَثَةَ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ التَّصَرُّفُ قَبْلَ إخْرَاجِ تِلْكَ الْوَصَايَا إلَّا فِي الْعَيْنِ الْمُتَعَلِّقَةِ تِلْكَ الْوَصَايَا بِهَا دُونَ بَقِيَّةِ التَّرِكَةِ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ لَا يُتَصَوَّرُ تَعَلُّقُهُ بِغَيْرِ تِلْكَ الْعَيْنِ فَكَيْفَ يُحْجَرُ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي غَيْرِهَا. وَإِنَّمَا يَنْحَصِرُ ذَلِكَ التَّعَلُّقُ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ لَا غَيْرُ فَحُجِرَ عَلَيْهِ فِيهَا فَقَطْ وَهَذَا وَاضِحٌ جَلِيّ وَعَجِيبٌ مِنْ تَرْدِيدِ السَّائِلِ الْمَذْكُورِ فِيهِ مَعَ إحَاطَتِهِ بِكَلَامِ الْأَصْحَابِ الصَّرِيحِ فِيمَا ذَكَرْته إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْمَسْأَلَةِ بَاطِنٌ غَيْرَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُ السُّؤَالِ فَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي شَرْحُ الصُّورَةِ كَمَا هِيَ لِيَقَعَ الْكَلَامُ فِيهَا وَلَيْسَ هَذَا نَظِيرَ مَا لَوْ أَوْصَى بِعَيْنٍ حَاضِرَةٍ هِيَ ثُلُثُ مَالِهِ وَبَاقِيه دَيْنٌ أَوْ غَائِبٌ وَلَيْسَ تَحْتَ يَدِ الْوَارِثِ يُحْجَرُ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي ثُلُثِهَا وَعَلَى الْمُوصَى لَهُ حَتَّى فِي ثُلُثِهَا وَإِنْ مَلَكَهُ بِكُلِّ تَقْدِيرٍ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ بَقَاءُ غَيْرِهَا فَتَكُونُ كُلُّهَا لَهُ وَتَلِفَ غَيْرهَا فَيَكُونُ لَهُ ثُلُثُهَا وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَصَرُّفِهِمْ فِي مِثْلِهِ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ لِمَا تَقَرَّرَ وَفِي صُورَةِ السُّؤَالِ لَا يَحْتَمِلُ تَعْلِيقَ الْمُوصَى لَهُ بِغَيْرِ تِلْكَ الْعَيْنِ الْمُتَعَلِّقِ بِهَا الْوَصَايَا أَصْلًا فَلَمْ يَكُنْ لِمَنْعِ الْوَرَثَةِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي غَيْرِهَا وَجْهٌ كَمَا مَرَّ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا قَالَ شَخْصٌ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَلَمْ يَقُلْ بَعْدَ مَوْتِي هَلْ يَكُونُ وَصِيَّةً لِلْعِلْمِ مُرَاده بَعْدَ الْمَوْتِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هَذَا كِنَايَةٌ فَإِنْ نَوَى بِهِ الْوَصِيَّةَ فَوَصِيَّةٌ أَوْ الْهِبَةَ النَّاجِزَةَ فَهِبَةٌ وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ قَوْلِ الْقَاضِي لَيْسَ وَصِيَّةً أَيْ صَرِيحًا وَقَوْلُ الزَّجَّاجِيِّ وَصِيَّة أَيْ إنْ أَرَادَهَا وَلَا عِبْرَةَ بِالْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ مَا ذُكِرَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْوَدِيعَةِ] (وَسُئِلَ) فِي مُسْتَوْدَعٍ مَأْذُونٍ لَهُ مِنْ الْمُودِعِ فِي دَفْعِ الْوَدِيعَةِ إلَى شَخْصَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ لِيُسَافِرَا بِهَا إلَى مَكَان مُعَيَّنٍ فَطَلَبَ الشَّخْصَانِ الْوَدِيعَةَ مِنْ الْمُسْتَوْدَعِ فِي غَيْبَةِ الْمُودِعِ فَسَافَرَا بِهَا إلَى غَيْرِ تِلْكَ الْجِهَةِ الْمُعَيَّنَة فَصَدَّقَهُمَا الْمُسْتَوْدَعُ عَلَى الْإِذْنِ الْمَذْكُورِ لَكِنْ الْتَمَسَ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ بِالْإِذْنِ فَشَهِدَ لَهُمَا وَلَدُ الْمُسْتَوْدَعِ وَأَجْنَبِيٌّ وَقَبِلَهُمَا الْحَاكِمُ وَسَلَّمَ إلَيْهِمَا الْوَدِيعَةَ ثُمَّ حَضَرَ الْمُودِعُ وَأَنْكَرَ الْإِذْنَ فِي الدَّفْعِ فَأَقَامَ الْمُسْتَوْدَعُ الْبَيِّنَةَ الْمَحْكُومَ بِهَا فَهَلْ الدَّفْعُ الْمَذْكُورُ لِلسَّفَرِ إلَى غَيْرِ الْجِهَةِ الْمُعَيَّنَةِ جَائِزٌ أَمْ لَا وَهَلْ شَهَادَةُ الْوَلَدِ عَلَى وَالِدِهِ بِالْإِذْنِ مَقْبُولَةٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ إذْنُ الْمُودِعِ لِلْوَدِيعِ فِي الدَّفْعِ إلَى الْمَذْكُورَيْنِ فَأَلْزَمَ الْحَاكِمُ الْوَدِيعَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِمَا بَرِيءَ وَلَا مُطَالَبَةَ لِلْمُودَعِ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ إذْنُ الْمُودِعِ كَذَلِكَ أَثِمَ الْوَدِيعُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِمَا وَصَارَ بِهِ ضَامِنًا وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ وَلَدِهِ عَلَيْهِ بِالْإِذْنِ لَهُ إذَا طَالَبَاهُ بِتَسْلِيمِ الْوَدِيعَةِ إلَيْهِمَا عَلَى وَفْقِ إذْنِ الْمُودِعِ فَامْتَنَعَ وَأَمَّا بَعْدَ أَنْ سَلَّمَهَا لَهُمَا وَطَلَبَ الْمَالِكُ تَضْمِينَهُ لِإِنْكَارِهِ الْإِذْنَ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَلَدِهِ لَهُ حِينَئِذٍ بِالْإِذْنِ لَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ قَوْلِهِمْ لَوْ وَضَعَ ثِيَابَهُ فِي الْحَمَّامِ وَلَمْ يَسْتَحْفِظْ الْحَمَّامِيَّ فَسُرِقَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا هَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الضَّيْفَ إذَا دَخَلَ بَيْتَ الْمُضِيفِ وَوَضَعَ ثِيَابَهُ وَنَحْوَهَا فِي الْبَيْتِ الْمَذْكُورِ وَلَمْ يَسْتَحْفِظْ رَبَّ الْبَيْتِ فَسُرِقَتْ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا أَوْ لَا يُؤْخَذُ فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ فَذَاكَ وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَضْمَنُ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ ثِيَابَ الضَّيْفِ الْمَذْكُورِ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا اسْتَوْدَعَ رَجُلٌ آخَرَ عَيْنًا وَطَلَبَ صَاحِبُ الْعَيْنِ وَدِيعَتَهُ فِي مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى يَدَّعِي أَنَّهُ أَوْدَعَهَا فِيهَا فَقَالَ الْمُودِعُ مَا أَوْدَعْتنِي إلَّا فِي زُبَيْدٍ مَثَلًا فَلَا يَلْزَمُنِي نَقْلُهَا إلَيْك فَمَنْ الْمُصَدَّقُ مِنْهُمَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْوَاجِبُ عَلَى الْوَدِيعِ هُوَ التَّخْلِيَةُ بَيْن الْوَدِيعَةِ وَمَالِكِهَا وَلَا يَلْزَمُهُ نَقْلُهَا إلَيْهِ فَإِنْ ادَّعَى الْمَالِكُ أَنَّهُ أَوْدَعَهُ بِمَكَّةَ فَنَقَلَهَا إلَى غَيْرِهَا وَادَّعَى الْوَدِيعُ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ بِنَقْلِ الْوَدِيعَةِ مِنْ الْبَلَدِ الَّتِي أَوْدَعَهُ فِيهَا كَانَ الْمَالِكُ مُدَّعِيًا عَلَيْهِ خِيَانَةً وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا فَيُصَدَّقُ الْوَدِيعُ بِيَمِينِهِ فِي عَدَمِهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا قَالَ الْأَمِينُ أَوْصَلْت الْأَمَانَةَ لِمَالِكِهَا أَوْ لِوَكِيلِهِ أَوْ لِحَاكِمٍ شَرْعِيٍّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ أَوْ لِأَمِينٍ آخَرَ عِنْدَ فَقْدِ أُولَئِكَ هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهِ وَالْحَالُ أَنَّ كُلًّا مِمَّنْ ذُكِرَ غَائِبٌ غَيْبَةً طَوِيلَةً فِي بِلَادٍ بَعِيدَةٍ وَالْأَمِينُ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى بَيْنَهُمَا نَحْو سَنَةٍ مَثَلًا وَلَمْ يَبْرَحْ الْأَمِينُ

وَلَمْ يُسَافِرْ أَصْلًا وَإِذَا أَقَامَ شَخْصٌ وَكِيلًا وَجَعَلَ عَلَيْهِ نَاظِرًا وَجَعَلَ تَحْتَ يَدِ وَكِيلِهِ أَعْيَانًا عَلَى سَبِيلِ الْوَدِيعَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَإِذَا رَأَى النَّاظِرُ خَلَلًا فِي تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ كَبَيْعِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْ تَلَفًا فِي الْمَالِ فَاقْتَضَى رَأْيُهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا تَحْتَ يَدِهِ مِنْ الْوَدِيعَةِ وَغَيْرِهَا خَشْيَةً عَلَى بَقِيَّةِ ذَلِكَ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا وَإِذَا عَزَلَ الْوَكِيلُ نَفْسَهُ أَوْ مَاتَ هَلْ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَى مَا تَحْتَ يَدِهِ مِنْ الْأَعْيَانِ أَوْ يَتَوَلَّى أَمْرَ ذَلِكَ الْحَاكِمُ الشَّرْعِيُّ وَيَكُونُ نَظَرُهُ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ وَلَا يَتَصَرَّفُ الْحَاكِمُ فِي شَيْءٍ إلَّا بِإِذْنِهِ وَإِذَا قُلْتُمْ لَهُ قَبْضُ ذَلِكَ دُونَ الْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ وَامْتَنَعَ هَلْ يَضْمَنُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يُقْبَلُ مِنْ الْأَمِينِ دَعْوَى الرَّدِّ إلَّا إنْ كَانَ عَلَى مُؤْتَمِنِهِ وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى مَعَ وَارِثِهِ وَأَمَّا عَلَى غَيْرِ الْمَؤْتَمِنِ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ الرَّدَّ عَلَيْهِ وَقِيَاسُ مَا قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ فِي الْوَصِيِّ وَالْمُشْرِفِ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُوَكِّلَ إنْ قَالَ لِوَكِيلِهِ لَا تَعْمَلْ إلَّا بِإِذْنِ فُلَانٍ أَوْ نَحْو ذَلِكَ لَمْ يَعْمَلْ إلَّا بِإِذْنِهِ فَإِنْ قَصَّرَ بِمَا يَقْتَضِي عَزْلَهُ لَمْ يَجُزْ لِلنَّاظِرِ التَّصَرُّفُ بَلْ يُرْفَعُ الْأَمْرُ لِلْقَاضِي لِيُنَصِّبَ قَيِّمًا لِيَكُونَ الْمَالُ تَحْتَ يَدِهِ وَيَدِ النَّاظِرِ وَلَا يَتَصَرَّفَانِ فِيهِ إلَى حُضُورِ الْمُوَكِّلِ وَالْفَرْقُ بَيْن هَذَا وَنَظِيرِهِ فِي الْوَصِيَّتَيْنِ وَاضِحٌ. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ عِنْدَهُ رَهْنٌ أَوْ وَدِيعَةٌ فِي حِرْزٍ هُوَ دَارٌ يَسْكُنُهَا فَأَرَادَ الِانْتِقَالَ مِنْهَا إلَى أُخْرَى مِنْ تِلْكَ الْمَحَلَّةِ تَصْلُحُ حِرْزًا لِمَا عِنْدَهُ لَكِنَّهَا دُونَ الْأُولَى فِي الْإِحْرَازِ أَيَّامَ سُكْنَاهُ لَهَا وَبَعْدَ الِانْتِقَالِ لَا تَكُونُ حِرْزًا فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَقَاءُ فِي الْأُولَى لِأَجْلِ مَا عِنْدَهُ أَوْ لَا اسْتِصْحَابًا لِأَصْلِ حِرْزِيَّتِهَا وَلَا يَضْمَنُ إنْ ضَاعَتْ أَوْ يَدْفَعُهُ لِقَاضٍ أَوْ أَمِينٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ نُقْلَتُهُ سَفَرًا أَوْ لِمَالِكِهِ إنْ حَضَرَ وَإِنْ كَانَ رَهْنًا وَتَفُوتُ وَثِيقَتُهُ أَوْ يَلْزَمُهُ نَقْلُهُ مَعَهُ فِي سَكَنِهِ لِأَنَّهُ أَحْرَزُ مِنْ الْأَوَّلِ حِينَئِذٍ بَلْ الْأَوَّلُ الْآنَ غَيْرُ حِرْزٍ وَيَكُونُ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ يَضْمَنُ بِنَقْلِهَا إلَى حِرْزٍ دُونَهَا مِنْ دَارٍ أُخْرَى مُرَادًا بِهِ حَالَ بَقَاءِ ذَلِكَ فِيهَا وَقَدْ ذَكَرُوا جَوَازَ النَّقْلِ لِخَوْفٍ أَوْ نَحْوِهِ وَكَيْفَ يُقَالُ نَنْظُرُ الْبَقَاءَ فِي الْأُولَى وَهُوَ مُحْسِنٌ أَوْ نَائِبٌ عَنْ يَدِ الْمَالِكِ بِلَا الْتِزَامٍ أَوْ بِجَوَازِ تَرْكِهِ فِيهَا فَضْلًا عَنْ مَنْعِهِ مِنْ النَّقْلِ وَهِيَ بَعْدَ الِانْتِقَالِ غَيْرُ حِرْزٍ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمَالِكُ حِرْزًا لِلْوَدِيعَةِ أَوْ نَحْوِهَا فَالنَّقْلُ لِغَيْرِ دَارِهَا تَارَةً يَكُونُ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَتَارَةً يَكُونُ لِعُذْرٍ فَإِذَا كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ حَامِلٍ عَلَيْهِ كَانَ سَبَبًا لِلضَّمَانِ إنْ كَانَ الْمَنْقُولُ إلَيْهِ دُونَ الْأَوَّلِ فِي الْإِحْرَازِ سَوَاءٌ أَكَانَ الثَّانِي حِرْزًا لِمِثْلِهَا أَمْ لَا وَوَجْهُ تَضْمِينِهِ بِذَلِكَ أَنَّهُ عَرَّضَهَا لِلتَّلَفِ بِمَا تَعَاطَاهُ مِنْ النَّقْلِ الْمَذْكُورِ فَأُدِيرَ الْهَلَاكُ الْوَاقِعُ بِهَا عَلَى أَقْرَبِ أَسْبَابِهِ وَأَخَصِّهَا وَهُوَ النَّقْلُ بَلْ لَا سَبَبَ ظَاهِرٌ لِلْهَلَاكِ حِينَئِذٍ غَيْرُ النَّقْل الَّذِي هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ نَوْعُ تَعَدٍّ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَأَنَّهُ أَدْوَنُ مِنْ الْأَوَّلِ إحْرَازًا فَكَانَ النَّقْلُ إلَيْهِ سَبَبًا لِلْهَلَاكِ كَمَا تَقَرَّرَ إذْ لَوْ بَقِيَتْ بِالْأَوَّلِ الْأَحْرَزِ لَمْ تَتْلَفْ بِخِلَافِ مَا إذَا نَقَلَهَا إلَى حِرْزٍ مِثْلِ الْحِرْزِ الْأَوَّلِ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ إحْرَازًا فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ بِالنَّقْلِ وَإِنْ حَصَلَ الْهَلَاكُ بِهِ وَلَوْ إلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى لَا سَفَرَ بَيْنَهُمَا وَلَا خَوْفَ وَلَا نَهْيَ مِنْ الْمَالِكِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ بِهِ عُرْفًا وَلَا شَرْعًا إذَا لَوْ بَقِيَتْ بِالْأَوَّلِ لَتَلِفَتْ أَيْضًا لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّ الثَّانِيَ مِثْلُهُ أَوْ أَعْلَى وَلِأَنَّ الْغَرَضَ لَا يَتَفَاوَتُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ كَانَ نَقْلُهَا لِظَنِّ أَنَّهَا مِلْكُهُ أَوْ لِأَجْلِ سَفَرٍ أَوْ خَوْفٍ عَلَيْهَا مِنْ نَحْوِ لُصُوصٍ أَوْ نَهْبٍ أَوْ حَرِيقٍ أَوْ هَدْمٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَإِنْ نَقَلَهَا إلَى حِرْزٍ مِثْلِهَا الْأَدْوَنِ مِنْ الْأَوَّلِ إحْرَازًا لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يُنْسَبُ لِلتَّعَدِّي بِوَجْهٍ فَلَمْ يَقْتَضِ فِعْلُهُ الضَّمَانَ لِجَوَازِ نَقْلِهَا حِينَئِذٍ بَلْ وُجُوبُهُ إلَى حِرْزِ مِثْلِهَا وَيَتَعَيَّنُ مِثْلُ الْحِرْزِ الْأَوَّلِ إنْ وَجَدَهُ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ بَعْضِهِمْ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ كُلّه الَّذِي صَرَّحُوا بِهِ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ أَوْدَعَ أَوْ رَهَنَ شَيْئًا فَجَعَلَهُ فِي مَسْكَنِهِ الَّذِي هُوَ حِرْزٌ لَهُ لِذَاتِهِ أَوْ بِوَاسِطَةِ سُكْنَاهُ فِيهِ ثُمَّ أَرَادَ الِانْتِقَالَ مِنْهُ إلَى سَكَنٍ آخَرَ كَذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهِ لَوْ تَرَكَهُ فِي الْمَسْكَنِ الْأَوَّلِ لِكَوْنِهِ حِرْزًا لِمِثْلِهِ بَعْدَ ذَهَابِهِ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ نَقْلُهُ إلَّا إلَى مِثْلِهِ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ لَا إلَى دُونِهِ وَإِنْ خَافَ عَلَيْهِ لَوْ تَرَكَهُ فِي الْأَوَّلِ وَجَبَ عَلَيْهِ نَقْلُهُ إلَى مِثْلِ الْحِرْزِ الْأَوَّلِ إنْ وَجَدَهُ وَإِلَّا فَإِلَى حِرْزٍ مِثْلِهِ وَكَلَامُ الْأَئِمَّةِ لَا يُخَالِفُ شَيْئًا مِمَّا قُرِّرَ بَلْ مَا قَرَّرْته هُوَ عَيْنُ كَلَامِهِمْ كَمَا عَلِمْت مِنْ تَلْخِيصِهِ الَّذِي ذَكَرْته وَبِهِ

باب قسم الفيء والغنيمة

تَنْدَفِعُ تَرْدِيدَاتُ السَّائِلِ الَّتِي أَبْدَاهَا بَلْ قَوْلُهُ وَيَكُونُ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ يَضْمَنُ بِنَقْلِهَا إلَى حِرْزٍ دُونهَا إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ عَدَمُ فَهْمِ كَلَامِهِمْ عَلَى وَجْهِهِ إذْ قَوْلُهُ إلَى حِرْزٍ دُونَهَا صَوَابُهُ إلَى حِرْزٍ دُونَهُ أَيْ دُونَ حِرْزِهَا الَّذِي هِيَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دُونَهَا كَمَا قَدَّمْته مَعَ مَا يَخْرُجُ بِهِ وَبِتَأَمُّلِ هَذَا مَعَ مَا قَرَّرْته قَبْلَهُ يُعْلَمُ أَيْضًا بَقَاءُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ عَلَى ظَاهِرِهِ الَّذِي ذَكَرْته وَأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ وَقَوْلُهُ وَكَيْفَ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُحْسِنًا لَكِنَّهُ وَرَّطَ نَفْسَهُ بِالْتِزَامِهِ الْحِفْظَ وَوَضْعِهِ نَحْو الْوَدِيعَةِ فِيمَا نَقَلَهَا مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ فَفَصَّلْنَا فِيهِ بَيْن أَنْ يَنْقُلَ لِأَدْوَنَ أَوْ لِغَيْرِهِ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ كَمَا قَدَّمْت ذَلِكَ كُلَّهُ وَإِحْسَانُهُ لَا يَدْفَعُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ فِي النَّقْلِ إذَا أَلْزَمْنَاهُ بِهِ ضَرَرٌ لِأَنَّ أُجْرَتَهُ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهَا عَلَى الْمَالِكِ لَا عَلَى نَحْوِ الْوَدِيعِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِأَمَانَةٍ فَأَنْكَرَهَا ثُمَّ إنَّهُ أَقَرَّ بِهَا وَادَّعَى دَفْعَهَا فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَعْدَ إنْكَارِهِ وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا أَنْكَرَ الْوَدِيعُ الْإِيدَاعَ ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ أَوْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ بِهِ بَيِّنَةٌ ثُمَّ ادَّعَى التَّلَفَ أَوْ الرَّدَّ قَبْلَ الْإِنْكَارِ فَإِنْ كَانَتْ صِيغَةُ إنْكَارِهِ لَا شَيْءَ لَك عِنْدِي أَوْ لَا وَدِيعَةَ لَك عِنْدِي أَوْ لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُ شَيْءٍ إلَيْك أَيْ التَّخْلِيَةُ بَيْنك وَبَيْنهَا صُدِّقَ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ بِيَمِينِهِ وَإِنْ كَانَتْ صِيغَةُ إنْكَارِهِ لَمْ تَرُدَّ عَيْنِي لَمْ يُصَدِّقْ إنْ ادَّعَى الرَّدَّ فَإِنْ ادَّعَى التَّلَفَ صُدِّقَ فِي حُصُولِهِ لَكِنْ يَلْزَمُهُ لِلْمَالِكِ مِثْلُهَا إنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً وَقِيمَتُهَا إنْ كَانَتْ مُتَقَوَّمَة وَلِلْوَدِيعِ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ تَلَفٍ أَوْ رَدٍّ ثُمَّ إنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِحُصُولِهِمَا قَبْلَ إنْكَارِهِ الْإِيدَاعَ فَلَا مُطَالَبَةَ لِلْمَالِكِ عَلَيْهِ وَإِنْ شَهِدْت بِالتَّلَفِ بَعْدَ الْإِنْكَارِ ضَمِنَهَا لِتَعَدِّيهِ بِالْإِنْكَارِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (وَسُئِلَ) عَمَّنْ لَهُ الْإِيدَاعُ مِنْ وَلِيٍّ وَوَصِيٍّ وَقَيِّمٍ وَحَاكِمٍ حَيْثُ ادَّعَى الْوَدِيعُ عَلَيْهِ رَدَّ الْوَدِيعَةِ وَأَنْكَرَهُ وَحَلَفَ الْوَدِيعُ فَالْمُوَلَّى عَلَيْهِ إذَا انْفَكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ يُطَالِبُ مَنْ مِنْهُمَا بِمَالِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا أَوْدَعَ مَنْ ذَكَرَ وَجَوَّزْنَا لَهُ الْإِيدَاعَ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْوَدِيعَ ثِقَةٌ فَلَا مُطَالَبَةَ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ لَا عَلَى وَلِيِّهِ وَالْوَدِيعُ قَدْ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ مِنْ الْوَدِيعَةِ بِيَمِينِهِ وَالْوَلِيُّ لَمْ يُوجَدْ مُبَرِّئٌ لَهُ فَهُوَ مُطَالَبٌ بِهَا حَتَّى يَدَعَ وَجْهًا مُبَرِّئًا لَهُ مِنْهَا وَإِلَّا ضَمِنَهَا وَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَهُ مُطَالَبَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا لِفَسَادِ الْإِيدَاعِ فَتَكُونُ يَدُ كُلٍّ مِنْهُمَا يَدَ ضَمَانٍ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي مِنْ مُتَفَرِّقَاتِ كَلَامِهِمْ وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا مَحِيدَ عَنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. [بَابُ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ الْغَنَائِمِ الَّتِي لَا تُقَسَّمُ عَلَى وَفْقِ الشَّرْعِ كَغَنَائِمِ هَذَا الزَّمَانِ هَلْ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهَا لِلْغَانِمِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ أَمْ لَا وَإِنْ قُلْتُمْ لَا فَمَا حُكْمُ اللَّهِ فِيهَا فِي هَذَا الْعَصْرِ الْمَأْيُوس مِنْ الْإِمَامِ الْعَادِلِ أَوْ مِنْ الْإِنْصَافِ وَمَا الْمَصْلَحَةُ فِي التَّصَرُّفِ فِيهَا وَهَلْ فِي الْأَئِمَّةِ مَنْ جَوَّزَهُ بِغَيْرِ تَخْمِيسٍ وَلَا قِسْمَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَمَا الْحُكْمُ فِيمَا يَأْخُذُهُ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ وَالرَّعَايَا الْمُسْلِمِينَ فِي مَرَاكِبَ يَصْرِفُونَ لَهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ بِاسْتِئْجَارِ الْعَسَاكِرِ وَتَهْيِئَةِ الْعَدَدِ كَمَا هُوَ الْوَاقِعُ الْآنَ فِي أَرْضِ مَلِيبَارَ هَلْ يَكُونُ غَنِيمَةً كَسَائِرِ الْغَنَائِمِ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ فَهَلْ لِصَارِفِ الْمَالِ فِيهِ حَقٌّ أَوْ لَا وَإِنْ قُلْتُمْ لَا فَمَا الْحُكْمُ فِيهِ فَهَلْ يَمْلِكُهُ الْآخِذُ أَوْ الصَّارِفُ لِلْمَالِ أَوْ غَيْرُهُمَا وَإِنْ وُجِدَ فِيهِ امْرَأَةٌ فَمَنْ الَّذِي يُزَوِّجُهَا الْقَاضِي أَوْ أَحَدُ الْآخِذِينَ أَوْ لَا وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ وَتَخْمِيسِهَا الْإِمَام أَوْ نَائِبُهُ أَوْ الْقَاضِي أَوْ يَكْفِي الْغَانِمُونَ وَحْدَهُمْ أَوْ عَدْلٌ آخَرُ فَصِّلُوا لَنَا تَفْصِيلًا تَامًّا وَاشْرَحُوا مُزِيلًا لِلْإِشْكَالِ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ قَدْ عَمَّتْ بِهَا الْبَلْوَى فِي قُطْرِ مَلِيبَارَ فِي هَذَا الزَّمَنِ جَزَاكُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَيْرًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْغَنِيمَةُ مَالٌ أَوْ اخْتِصَاصٌ أُخِذَ مِنْ حَرْبِيِّينَ بِقِتَالٍ أَوْ إيجَافِ خَيْلٍ أَوْ رِكَابٍ أَوْ نَحْوهمَا كَالسُّفُنِ سَوَاءٌ أُخِذَ حَالَ الْقِتَالِ أَوْ بَعْدَ انْهِزَامِهِمْ عَنْهُ وَلَوْ قَبْلَ شَهْرِ السِّلَاحِ حِينَ الْتَقَى الصَّفَّانِ وَمِنْهَا مَا صَالَحُونَا عَلَيْهِ عِنْدَ الْقِتَالِ وَمَا أُخِذَ بِنَحْوِ سَرِقَةٍ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ وَاحِدٌ أَوْ جَمَاعَةٌ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ دَارَ الْحَرْبِ فَسَرَقَ أَوْ اخْتَلَسَ أَوْ الْتَقَطَ مِنْ مَالِهِمْ فَهُوَ غَنِيمَةٌ مُخَمَّسَةٌ لَا يَخْتَصُّ

بِهِ الْآخِذُ تَنْزِيلًا لِدُخُولِهِ دَارِهِمْ وَتَغْرِيرِهِ بِنَفْسِهِ مَنْزِلَةَ الْقِتَالِ وَإِنْ أَخَذَهُ عَلَى وَجْهِ السَّوْمِ ثُمَّ جَحَدَ أَوْ هَرَبَ اُخْتُصَّ بِهِ وَلَمْ يُخَمَّسْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَقَوْلُهُمْ دَخَلَ دَارَهُمْ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَلَوْ أَخَذَ مِنْ مَالِهِمْ فِي دَارِنَا وَلَا أَمَانَ لَهُمْ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخَانِ وَمَنْ قَهَرَ مِنَّا حَرْبِيًّا وَأَخَذَ مَالَهُ كَانَ غَنِيمَةً مُخَمَّسَةً فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ الْآخِذُ وَلَوْ قَدَّمَ كَافِرٌ هَدِيَّةً إلَى الْإِمَام أَوْ غَيْرِهِ وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ كَانَ غَنِيمَةً مُخَمَّسَةً لِأَنَّهُ فَعَلَهُ خَوْفًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَدَّمَهَا إلَيْهِ وَالْحَرْبُ غَيْرُ قَائِمَةٍ فَإِنَّهَا تَكُونُ لَهُ اهـ. وَفِي الْمَأْخُوذِ عَلَى صُورَةِ السَّرِقَةِ وَالِاخْتِلَاسِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِهِ الْآخِذُ قَالَ الشَّيْخَانِ وَلْيَكُنْ هَذَا الْوَجْهُ مَخْصُوصًا بِمَا إذَا دَخَلَ وَاحِدٌ أَوْ نَفَرٌ يَسِيرٌ دَارَ الْحَرْبِ وَأَخَذُوا فَأَمَّا إذَا أَخَذَ بَعْضُ الْجَيْشِ بِسَرِقَةٍ وَاخْتِلَاسٍ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ غُلُولًا ثُمَّ حُكْمُ الْغَنِيمَةِ أَنَّهَا تُخَمَّسُ فَخُمُسُهَا لِخَمْسَةٍ أَحَدُهَا الْمَصَالِحُ الْعَامَّةُ كَسَدِّ الثُّغُورِ وَعِمَارَةِ الْحُصُونِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْمَسَاجِدِ وَأَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْأَئِمَّةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ كُلِّ ذِي نَفْعٍ عَامٍّ يَعُودُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَيَجِبُ تَقْدِيمُ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ وَالْأَهَمُّ مُطْلَقًا هُوَ سَدُّ الثُّغُورِ وَالثَّانِي بَنُو هَاشِمٍ وَالْمُطَّلَبِ غَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ كَالْإِرْثِ وَيَعُمُّهُمْ وُجُوبًا إلَّا إنْ قَلَّ بِحَيْثُ لَا يَسُدُّ مَسَدًّا بِالتَّوْزِيعِ فَيُقَدِّمَ الْأَحْوَجَ فَالْأَحْوَجِ وَيَخُصُّ أَهْلَ كُلِّ نَاحِيَةٍ بِمَا فِيهَا. نَعَمْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْقُلَ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمَنْقُولِ إلَيْهِمْ وَغَيْرِهِمْ الثَّالِثُ الْيَتَامَى وَهُمْ كُلُّ صَغِيرٍ لَا أَبَ لَهُ وَيَجِبُ تَعْمِيمُهُمْ لَا التَّسْوِيَةُ بَيْنهمْ وَيُشْتَرَطُ فَقْرُهُمْ وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ الْمَسَاكِينُ وَابْنُ السَّبِيلِ فَهَؤُلَاءِ الْخَمْسَةُ يَسْتَحِقُّونَ الْخُمُسَ أَخْمَاسًا وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسُ الْبَاقِيَةُ مِنْ الْغَنِيمَةِ فَهِيَ لِلْغَانِمِينَ لِلْآيَةِ وَلِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِذَلِكَ فِي أَرْضِ خَيْبَرٍ وَلِمَا صَحَّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ لِلَّهِ خُمُسُهَا وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِلْجَيْشِ فَمَا أَحَدٌ أَوْلَى بِهِ مِنْ أَحَدٍ. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْغَانِمِينَ التَّصَرُّفُ فِي الْغَنِيمَةِ قَبْلَ قِسْمَتِهَا لِأَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْن أَهْلِ الْخُمُسِ الْمَذْكُورِينَ وَالشَّرِيكُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي الْمُشْتَرَكِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ وَإِذْنُ هَؤُلَاءِ مُتَعَذِّرٌ لِعَدَمِ إمْكَانِهِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي تَوَقُّفِ تَصَرُّفِ الْغَانِمِينَ عَلَى الْقِسْمَةِ بَيْن أَنْ يَكُونَ الْإِمَام عَادِلًا أَوْ جَائِرًا فَيَجِبُ رَفْعُ الْأَمْرِ فِي الْغَنَائِمِ إلَيْهِ أَوْ إلَى أَحَدٍ مِنْ نُوَّابِهِ الَّذِينَ لَهُمْ وِلَايَةٌ عَلَى ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ أَوْ الْخُصُوصِ لِيَتَوَلَّى قِسْمَتَهَا بَيْن الْغَانِمِينَ وَأَهْلِ الْخُمُسِ إذْ لَا يَجُوزُ لِلْغَانِمِينَ الِاسْتِبْدَادُ بِالْغَنِيمَةِ لِأَنَّ الشَّرِيكَ لَا يَسْتَبِدُّ بِقِسْمَةِ الْمُشْتَرَكِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُقَاسِمَهُ شَرِيكُهُ إنْ تَأَهَّلَ وَإِلَّا قَامَ وَلِيُّهُ مَقَامَهُ فِي الْقِسْمَةِ وَالشُّرَكَاءُ هُنَا لَا يُمْكِنُ مُقَاسَمَتُهُمْ لِمَا مَرَّ فَيَنُوبُ الْإِمَام عَنْهُمْ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّفْرِقَةِ عَلَيْهِمْ لَهُ أَوْ لِنَائِبِهِ الَّذِي فَوَّضَ إلَيْهِ ذَلِكَ نَعَمْ لِمَنْ ظَفِرَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِالْخُمُسِ الَّذِي لِلْخَمْسَةِ السَّابِقِينَ وَخَشِيَ اسْتِيلَاءَ الْإِمَام أَوْ أَحَدٍ مِنْ الظَّلَمَةِ عَلَيْهِ وَأَنْ لَا يُوصِلَهُ لِمُسْتَحِقِّيهِ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ إنْ كَانَ يُحْسِنُ قِسْمَتَهُ عَلَى مُسْتَحَقِّيهِ شَرْعًا جَازَ لَهُ أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَلَهُ إذَا كَانَ مُسْتَحِقًّا أَنْ يَأْخُذَ مَا يَحْتَاجُهُ وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ قِسْمَتَهُ دَفَعَهُ إلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالصَّلَاحِ لِيَتَوَلَّى قِسْمَتَهُ عَلَى مُسْتَحَقِّيهِ وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَيْضًا أَنَّ اسْتِحْقَاقَ أَهْلِ الْخُمُسِ لَهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَسَعُ أَحَدًا مُخَالَفَةُ ذَلِكَ. وَأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ فِي الْمَرَاكِبِ الْمَذْكُورَةِ غَنِيمَةٌ مُخَمَّسَةٌ لَا يَخْتَصُّ بِهِ الْآخِذُونَ بَلْ يَكُونُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ لَهُمْ وَخُمُسُهُ لِلْخَمْسَةِ السَّابِقِينَ وَأَنَّ الْمَرْأَةَ الْمَوْجُودَةَ فِيهِ تَكُونُ رَقِيقَةً فَيَكُونُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهَا لِلْغَانِمِينَ وَخُمُسُهَا لِلْخَمْسَةِ الْمَذْكُورِينَ وَلَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا مَا دَامَتْ كَذَلِكَ لِأَنَّ مِنْ مُلَّاكِهَا مَنْ لَا يُمْكِنُ إذْنُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ انْتَقَلَتْ إلَى مِلْكِ أَحَدٍ مِنْ الْغَانِمِينَ فَإِنَّهُ هُوَ أَوْ وَلِيُّهُ يُزَوِّجُهَا أَوْ إلَى بَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُزَوِّجُهَا وَأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ السَّابِقِ وَمِنْهُ الْقَاضِي إنْ شَمِلَتْ تَوْلِيَتُهُ ذَلِكَ نَصًّا أَوْ عُرْفًا كَأَنْ يُقَالُ لَهُ عَلَى عَادَةِ مَنْ تَقَدَّمَهُ وَتَكُونُ عَادَةُ مَنْ تَقَدَّمَهُ النَّظَرَ فِي أَمْرِ الْغَنَائِمِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَاعْلَمْ أَنَّ التَّعْبِيرَ بِالْإِيجَافِ فِيمَا مَرَّ إنَّمَا سَلَكُوهُ تَبَرُّكًا بِلَفْظِ الْآيَةِ وَإِلَّا فَمَفْهُومُهُ وَمَنْطُوقُهُ غَيْرُ مُرَادٍ إذْ لَوْ جَلَوْا

باب قسم الصدقات

عَنْ مَالٍ خَوْفًا بِسَبَبِ حُصُولِ خَيْلِنَا وَرِكَابِنَا وَضَرْبِ مُعَسْكَرِنَا بِدَارِهِمْ كَانَ فَيْئًا لَا غَنِيمَةً مَعَ وُجُودِ الْإِيجَافِ وَلَا فَرْقَ فِيمَا مَرَّ بَيْنَ مَنْ عَلَيْهِ جِهَادٌ وَغَيْرُهُ فَلَوْ غَزَا نَحْوُ صِبْيَانٍ أَوْ عَبِيدٍ كَانَ لَهُمْ مِمَّا غَنِمُوهُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ بِحَسَبِ نَفْعِهِمْ وَيَتْبَعُهُمْ صِغَارُ السَّبْيِ فِي الْإِسْلَامِ هَذَا إنْ لَمْ يَحْضُرْ مَعَهُمْ كَامِلٌ وَإِلَّا كَانَتْ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ لَهُ وَرُضِخَ لَهُمْ وَمَا حَصَّلَهُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ بِقِتَالٍ أَوْ نَحْوِ سَرِقَةٍ اخْتَصُّوا بِهِ فَلَا يُخَمَّسُ عَلَيْهِمْ بَلْ يَفُوزُونَ بِجَمِيعِهِ وَبِهَذَا يَتَّضِحُ مَا اعْتَمَدَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حِلِّ وَطْء السَّرَارِي اللَّاتِي يُجْلَبْنَ الْيَوْمَ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّ جَالِبَهُنَّ مِنْ بَلَدِ الْحَرْبِ مُسْلِمٌ حَتَّى يَكُونَ خُمُسُهَا لِأَهْلِ الْخُمُسِ فَلَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا بَلْ يُحْتَمَلُ ذَلِكَ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّ جَالِبَهَا ذِمِّيٌّ فَلَا تُخَمَّسُ عَلَيْهِ بَلْ يَمْلِكُهَا جَمِيعًا وَيَحِلُّ لَهُ وَلِمَنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ وَطْؤُهَا وَإِذَا اُحْتُمِلَ وَاحْتُمِلَ فَالْأَصْلُ الْحِلُّ وَأَيْضًا فَجَلْبُ الْمُسْلِمِ مَانِعٌ مِنْ حِلِّ الْوَطْءِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْمَانِعِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ ثُبُوتُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ جَالِبِهَا مُسْلِمًا حُرْمَتُهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَخَذَهَا بِسَوْمٍ وَهَرَبَ وَمَنْ كَانَتْ كَذَلِكَ يَحِلُّ وَطْؤُهَا لِمَا مَرَّ أَنَّ الْأَخْذَ كَذَلِكَ لَا تَخْمِيسَ عَلَى فَاعِلِهِ هَذَا مَا تَلَخَّصَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ الِاشْتِغَالِ وَشُغْلِ الْبَالِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَتْ تَحْتَمِلُ مِنْ الْبَسْطِ أَزْيَدَ مِنْ هَذَا بِكَثِيرٍ لَكِنْ لَعَلَّ فِيهِ وَفَاءً بِمَقْصُودِ السَّائِلِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَإِلَّا فَبَابُ تَجْدِيدِ السُّؤَالِ مَفْتُوحٌ وَإِنْ شَطَّ الْمَزَارُ وَبَعُدَتْ الدِّيَارُ فَإِنَّ مَنْ اعْتَنَى بِمَا يَعُودُ عَلَيْهِ مِنْهُ نَفْعٌ بَذَلَ جُهْدَهُ فِي تَحْصِيلِهِ حَتَّى يُسَهِّلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ حُصُولَهُ أَوْ حُصُولَ شَيْءٍ مِنْهُ بِحَسَبِ بَذْلِ هِمَّتِهِ وَصَفَاءِ طَوِيَّتِهِ وَكَمَالِ قَابِلِيَّتِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ ذِمِّيٍّ خَلَّفَ وَرَثَةً لَا يَسْتَغْرِقُونَ تَرِكَتَهُ فَهَلْ الْبَاقِي لِبَيْتِ الْمَالِ مُطْلَقًا أَوْ إنْ تَرَافَعُوا إلَيْنَا وَقَدْ أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّ لِنَائِبِ بَيْتِ الْمَالِ أَخْذَهُ مِنْ غَيْرِ تَرَافُعٍ وَنَقَلَهُ عَنْ السُّبْكِيّ فِي كِتَابِهِ كَشْفُ الْغُمَّةِ فِي تَوْرِيثِ أَهْلِ الذِّمَّةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا نُقِلَ عَنْ السُّبْكِيّ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لِي الْآن الْوُقُوفُ عَلَيْهِ لِلِاشْتِغَالِ بِالْمَوْسِمِ وَعَوَارِضِهِ وَكَلَامُ الْأَئِمَّةِ فِي بَابِ الْفَيْءِ مُصَرَّحٌ بِهِ فَإِنَّهُمْ عَدُّوا مِنْ جُمْلَةِ الْفَيْءِ مَالَ الذِّمِّيِّ الْمَذْكُورِ وَلَوْ تَوَقَّفَ عَلَى مُرَافَعَةٍ لَمْ يَتِمَّ لَهُمْ عَدُّهُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِشَرْطِهَا فَإِطْلَاقُهُمْ عَدّه مِنْهُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِمُرَافَعَةٍ صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ عَلَى أَنَّ اشْتِرَاطَهَا هُنَا لَا مَعْنَى لَهُ وَقَدْ أَشَارَ الزَّرْكَشِيُّ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ يُجْرَى فِي إرْثِ الذِّمِّيِّ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ أَيْ إلَّا أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنهمَا أَنَّ الْمُسْلِمَ الَّذِي لَا وَارِثَ لَهُ يَنْتَقِلُ مَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ إرْثًا وَالذِّمِّيُّ الَّذِي لَا وَارِثَ لَهُ يَنْتَقِلُ مَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ فَيْئًا وَالتَّغَايُرُ بَيْنهمَا ظَاهِرٌ مَعْلُومٌ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ] (وَسُئِلَ) إذَا أَرَادَ الْفَرْعُ أَنْ يُعْطِيَ أَصْلَهُ مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاكِينِ شَيْئًا مِنْ فِطْرَتِهِ أَوْ عَكْسُهُ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي نَفَقَتِهِ ذَلِكَ الْوَقْتُ لِكَوْنِهِ مُسْتَغْنِيًا بِمَا لَا يَمْتَنِعُ مَعَهُ إطْلَاق اسْمُ الْفَقْرِ أَوْ الْمَسْكَنَةِ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يَجُوزُ إعْطَاءُ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ بِاسْمِ الْفَقْرِ أَوْ الْمَسْكَنَةِ إذَا لَمْ يَلْزَمْهُ نَفَقَتُهُ وَقْتَ الْإِعْطَاءِ لِأَنَّهُ إنَّمَا امْتَنَعَ عَلَيْهِ إعْطَاؤُهُ عِنْدَ لُزُومِ مُؤْنَتِهِ لَهُ لِأَنَّ فِي الْإِعْطَاءِ حِينَئِذٍ إسْقَاطُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ صَرَفَ مَالَ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ وَأَمَّا حَيْثُ لَمْ تَلْزَمْهُ نَفَقَتُهُ فَلَا مَحْذُورَ فِي إعْطَائِهِ مِنْ زَكَاتِهِ فَجَازَ لَهُ ذَلِكَ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إعْطَاؤُهُ أَفْضَلَ مِنْ إعْطَاءِ غَيْرِهِ كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُهُمْ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ. (وَسُئِلَ) هَلْ يَجُوزُ لِلْمَالِكِ أَنْ يَصْرِفَ مِنْ زَكَاتِهِ إلَى الْأَيْتَامِ الْفُقَرَاءِ الْحَاضِرِينَ عِنْدَ الْقَسْمِ لِتَعَسُّرِ مُرَاجَعَةِ الْقَاضِي وَنَصْبِ مَنْ يَقْبِضُ لَهُمْ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَّا إلَى وَلِيِّ نَحْوِ الصَّبِيِّ وَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ لِغَيْرِ الْوَلِيِّ مُطْلَقًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ أَنَّهُ قَالَ ثَلَاثُ مَسَائِلَ لَا يُفْتَى بِهَا عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ بَلْ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُنَّ نَقْلُ الزَّكَاةِ وَدَفْعُ زَكَاةِ شَخْصٍ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ وَإِلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ وَقَالَ الْأَصْبَحِيُّ فِي فَتَاوِيهِ فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ اعْلَمْ

أَنَّ مَا حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ قَدْ حُكِيَ مِثْلُهُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَكَابِرِ الْأَئِمَّةِ كَالشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ وَالشَّيْخِ يَحْيَى بْنِ أَبِي الْخَيْرِ وَالْفَقِيهِ الْأَحْنَفِ وَغَيْرِهِمْ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَإِنَّمَا دَعَاهُمْ إلَى ذَلِكَ عُسْرُ الْأَمْرِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] اهـ. فَمَا نُقِلَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ صَحِيحٌ هَذَا النَّقْلُ فَمَا تَحْقِيقُ ذَلِكَ وَهَلْ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُمْ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) مَا نُقِلَ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْمَذْكُورِينَ لَا بَأْسَ بِهِ فِي التَّقْلِيدِ فِيهِ لِعُسْرِ الْأَمْرِ فِيهِ سِيَّمَا الْأَخِيرَتَانِ وَمَعْنَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لَا يُفْتَى فِيهَا عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَام الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ لِمَنْ اسْتَفْتَى فِي ذَلِكَ أَنْ يُرْشِدَهُ مُسْتَفْتِيه إلَى السُّهُولَةِ وَالتَّيَسُّرِ وَيُبَيِّنُ لَهُ وَجْهَ ذَلِكَ بِذِكْرِ الشُّرُوطِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَإِنْ وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى تَحَمُّلِ تِلْكَ الْمَشَاقِّ وَرِعَايَةِ مَذْهَبِهِ فَهُوَ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى لِكَثْرَةِ الْخِلَافِ فِي جَوَازِ التَّقْلِيدِ وَعُسْرِ اسْتِيفَاءِ شُرُوطِهِ إذْ يَلْزَمُ مَنْ قَلَّدَ إمَامًا فِي مَسْأَلَةٍ أَنْ يَعْرِفَ جَمِيعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فِي مَذْهَبِ ذَلِكَ الْإِمَام وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّلْفِيقُ مِثَالُ ذَلِكَ مَنْ قَلَّدَ مَالِكًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي طَهَارَةِ الْكَلْبِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي مُرَاعَاةِ سَائِرِ مَا يَقُولُ بِهِ مِنْ النَّجَاسَاتِ كَالْمَنِيِّ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُرَاعِيَ مَذْهَبَهُ فِي الطَّهَارَةِ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَيَمْسَحُ رَأْسَهُ كُلَّهَا فِي وُضُوئِهِ وَيُوَالِي فِي وُضُوئِهِ وَغُسْلِهِ وَيَدْلُكُ أَعْضَاءَهُ فِيهِمَا وَكَذَلِكَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُرَاعِيَ مَذْهَبَهُ فِي الصَّلَاةِ فَيَأْتِي بِجَمِيعِ مَا يُوجِبُهُ فِيهَا وَمَتَى لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ كَأَنْ مَسَّهُ كَلْبٌ فَلَمْ يُسَبِّعْ ثُمَّ مَسَحَ بَعْضَ رَأْسِهِ فِي وُضُوئِهِ وَصَلَّى كَانَتْ صَلَاتُهُ بَاطِلَةً بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَمْ يَجُزْ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَحْدَهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلَا عَلَى مَا قَالَهُ مَالِكٌ وَحْدَهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. وَإِنَّمَا لَفَّقَ بَيْن الْمَذْهَبَيْنِ فَكَانَتْ طَهَارَتُهُ مِنْ النَّجَاسَةِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ وَوُضُوءُهُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَكُلٌّ مِنْ الطَّهَارَتَيْنِ مُشْتَرَطٌ لِلصَّلَاةِ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الْمَذْهَبَيْنِ لِأَنَّهُ مَتَى حَصَلَ تَلْفِيقٌ فِي التَّقْلِيدِ كَانَ التَّقْلِيدُ بَاطِلًا وَكَذَا الْمَأْتِيُّ بِهِ مُلَفَّقًا بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا مَرَّ فَلْيُتَفَطَّنْ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ فَإِنَّ كَثِيرِينَ يُقَلِّدُونَ الْأَئِمَّةَ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ وَلَا يُرَاعُونَ ذَلِكَ فَيَقَعُونَ فِي وَرْطَةِ التَّلْفِيقِ فَتَبْطُلُ أَفْعَالُهُمْ بِالْإِجْمَاعِ وَحَيْثُ اتَّفَقَ مَالِكٌ مَثَلًا وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى حُكْمٍ مُخَالِفٍ لِلْمَذْهَبِ وَأَرَادَ الْإِنْسَان التَّقْلِيدَ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ فَالْأَوْلَى تَقْلِيدُ مَالِكٍ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ مُطْلَقٌ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا بَعْضُ الْأَصْحَابِ فَلَيْسَ مُجْتَهِدًا كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) هَلْ يَحِلُّ أَخْذُ الزَّكَاةِ لِمَنْ اشْتَغَلَ بِعِلْمٍ شَرْعِيٍّ يَشْتَرِي بِهَا كُتُبًا وَكُلَّ مَا يُعِينهُ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّ مَنْ اشْتَغَلَ عَنْ كَسْبِهِ الْحَلَالِ اللَّائِقِ بِهِ الَّذِي يَكْفِيه وَيَكْفِي مُمَوِّنَهُ بِتَعَلُّمٍ شَرْعِيٍّ أَوْ آلَةٍ لَهُ وَكَانَ يَتَأَتَّى مِنْهُ أَوْ بِتَعَلُّمِ الْقُرْآنِ دُونَ نَوَافِلِ الْعِبَادَاتِ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الزَّكَاةِ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ مُمَوِّنِهِ اللَّائِقَةِ بِهِمْ الْعُمْرَ الْغَالِبَ ثُمَّ مَا أَخَذَهُ يَصِيرُ مِلْكَهُ فَلَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ فِي شِرَاءِ كُتُبِ عُلُومِ الشَّرْعِ وَآلَاتِهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلْت) عَنْ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ وَالْمِسْكِينُ مَنْ قَدَرَ عَلَى مَالٍ أَوْ كَسْبٍ إلَخْ هَلْ الْمُرَادُ كِفَايَتُهُ سَنَةً أَوْ الْعُمْرَ الْغَالِبَ وَكَمْ مِقْدَارُ الْكِفَايَةِ (فَأَجَبْت) بِقَوْلِي الْمُرَادُ كِفَايَتُهُ الْعُمْرَ الْغَالِبَ عَلَى الْأَصَحِّ وَالْمُرَادُ بِالْكِفَايَةِ كِفَايَةُ نَفْسِهِ وَمُمَوِّنِهِ حَالَ إعْطَائِهِ الزَّكَاةَ الْكِفَايَةَ اللَّائِقَةَ بِهِ وَبِهِمْ عُرْفًا مَأْكَلًا وَمَشْرَبًا وَمَلْبَسًا وَمَسْكَنًا وَغَيْرَهَا مِنْ سَائِرِ وُجُوهِ الْكِفَايَاتِ نَعَمْ يَبْقَى النَّظَرُ فِيمَا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ صِغَارٌ وَمَمَالِيكُ وَحَيَوَانَاتٌ فَهَلْ نَعْتَبِرُهُمْ فِي الْعُمْرِ الْغَالِبِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُمْ وَبَقَاءُ نَفَقَتِهِمْ عَلَيْهِ أَوْ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَطْفَالِ بِبُلُوغِهِمْ وَإِلَى الْأَرِقَّاءِ بِمَا بَقِيَ مِنْ أَعْمَارِهِمْ الْغَالِبَةِ وَكَذَلِكَ الْحَيَوَانَاتُ لِلنَّظَرِ فِي ذَلِكَ مَجَالٌ وَكَلَامُهُمْ يُومِئُ إلَى الْأَوَّلِ لَكِنَّ الثَّانِي أَقْوَى مُدْرَكًا فَإِنْ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهِ تَعَيَّنَ الْأَوَّلُ. (وَسُئِلْت) رَجُلٌ عَلَيْهِ زَكَاةٌ أَفْرَزَهَا وَنَوَى فَسَرَقَهَا أَوْ غَصَبَهَا مُسْتَحِقٌّ فَهَلْ يَقَعُ الْمَوْقِعَ أَوْ لَا فَمَا فَائِدَةُ أَخْذِهَا مِنْهُ وَرَدِّهَا إلَيْهِ (فَأَجَبْت) لَا يَقَعُ الْمَسْرُوقُ وَلَا الْمَغْصُوبُ الْمَوْقِعَ وَلَوْ بَعْدَ النِّيَّةِ وَالْإِفْرَازِ لِأَنَّهُ بِهِمَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ الْمَالِكِ إذْ لَهُ الْإِخْرَاجُ مِنْ غَيْرِهِ فَإِذَا أَخَذَهُ مُسْتَحِقٌّ لَمْ يَمْلِكْهُ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ

الْمَالِكِ وَلَمْ يَرْضَ بِأَخْذِهِ إيَّاهُ فَيَلْزَمهُ أَنْ يَرُدَّهُ أَوْ بَدَلَهُ إلَيْهِ ثُمَّ الْمَالِكُ مُخَيَّرٌ بَيْن الدَّفْعِ لَهُ وَالدَّفْعِ لِغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ إذَا أَرَادَ أَنْ يَدْفَعَ زَكَاةَ مَالِهِ أَخَذَ مَنْ يَدْفَعُ إلَيْهِ الزَّكَاةَ مِنْ أَوْلَادِهِ أَوْ بَعْضِ أَقَارِبِهِ أَوْ صَدِيقِهِ ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِمْ تِلْكَ الزَّكَاةَ ثُمَّ بَعْدَ الدَّفْعِ أَعْطَاهُمْ مِنْ الزَّكَاةِ شَيْئًا قَلِيلًا أَوْ لَمْ يُعْطِهِمْ شَيْئًا ثُمَّ إنَّهُمْ رَدُّوا بَاقِيَ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى بَعْضِ عِيَالِهِ وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا فَهَلْ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ أَوْ لَا لِكَوْنِ الَّذِينَ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ مُحْتَاجِينَ لِذَلِكَ وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَغْنُوهُمْ عَنْ الطَّلَبِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ» وَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ ذَلِكَ وَلِكَوْنِهِ لَمْ يَأْخُذْ بَعْضَ أَوْلَادِهِ أَوْ صَدِيقِهِ إلَّا لِكَوْنِهِ يَعْلَمُ أَنَّهُ إذَا دَفَعَ إلَيْهِمْ الزَّكَاةَ أَنَّهُمْ يَرُدُّونَهَا لِبَعْضِ عِيَالِهِ مِلْكًا وَإِلَّا لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِمْ فَهَلْ هَذِهِ الْحِيلَةُ صَحِيحَةٌ أَوْ لَا اهـ. وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ كَانَ يَهَبُ مَالَهُ لِزَوْجَتِهِ فِي آخِرِ الْحَوْلِ وَيَسْتَوْهِبُ مَالَهَا لِإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ فَحُكِيَ ذَلِكَ لِأَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ ذَلِكَ مِنْ فِقْهِهِ وَصَدَقَ فَإِنَّ ذَلِكَ فِقْهُ الدُّنْيَا وَلَكِنْ مُضِرٌّ بِهِ فِي الْآخِرَةِ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ جِنَايَةٍ وَمِثْلُ هَذَا الْعِلْمِ هُوَ الضَّارُّ اهـ. فَإِذَا كَانَ رَجُلٌ عِنْدَنَا غَنِيٌّ عَنْ الزَّكَاةِ فَوَهَبَ مَالَهُ لِزَوْجَتِهِ حَتَّى يَصِيرَ فَقِيرًا أَوْ مِسْكِينًا فَهَلْ يَكُونُ كَمَا ذُكِرَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَوْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ فَذَاكَ وَإِنْ قُلْتُمْ لَا فَمَا الْفَرْقُ اهـ. وَإِذَا كَانَ أَهْلُ بِلَادِنَا يَشْتَرِطُونَ عَلَى الْفَقِيهِ أَنَّا مَا نُعْطِيك الزَّكَاةَ إلَّا أَنْ تَصِيفَ مَعَنَا أَوْ يُعْطِيهِمْ دَرَاهِمَ وَلَوْ لَمْ يُعْطِهِمْ دَرَاهِمَ لَمْ يُعْطُوهُ الزَّكَاةَ فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ فَالْمَسْئُولُ مِنْكُمْ زَجْرُهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَبَسْطُ الْجَوَابِ وَالْمَسْئُولُ مِنْكُمْ أَخْبِرُونَا كَمْ صَاعُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمِكْيَالِ مَكَّةَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّا نُرِيد كَلَامًا فِي ذَلِكَ وَإِنَّا نُرِيدُ الْبَيَانَ مِنْكُمْ. (فَأَجَابَ) إنَّ مَنْ يُعْطِي زَكَاتَهُ لِمَنْ يَرُدُّ بَعْضَهَا إلَيْهِ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ يَرُدُّوا عَلَيْهِ أَوْ عَلَى بَعْضِ عِيَالِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ ذَلِكَ حَالَةَ الْإِعْطَاءِ فَالْإِعْطَاءُ بَاطِلٌ وَالزَّكَاةُ مُسْتَقِرَّةٌ فِي ذِمَّتِهِ لَا يَبْرَأُ مِنْهَا عَنْ شَيْءٍ بَلْ إنْ مَاتَ وَلَمْ يُؤَدِّهَا أَدَاءً صَحِيحًا عُوقِبَ عَلَيْهَا الْعِقَابَ الشَّدِيدَ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ الْكَثِيرَةُ الشَّهِيرَةُ مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ} [التوبة: 35] الْآيَةَ وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ} [التوبة: 75] {فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [التوبة: 76] {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة: 77] {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلامُ الْغُيُوبِ} [التوبة: 78] وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا زَكَاتَهَا إلَّا إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَبِينُهُ وَجَنْبُهُ وَظَهْرُهُ كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إمَّا إلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إلَى النَّارِ» وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الرَّدُّ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَإِنَّمَا هُوَ تَبَرُّعٌ مِنْ الْآخِذِينَ كَانَ قَبُولُ الْمَالِكِ لَهُ مَكْرُوهًا كَرَاهَةً شَدِيدَةً. لِأَنَّ الْمُتَصَدِّقَ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَ صَدَقَتَهُ مِمَّنْ دَفَعَهَا إلَيْهِ كَرَاهَةً شَدِيدَةً وَقَدْ شَبَّهَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْكَلْبِ يَرْجِعُ فِي قَيْئِهِ ثُمَّ الْحِيلَةُ فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ أَنَّ مَنْ احْتَالَ عَلَى إسْقَاطِ الزَّكَاةِ عَنْهُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الزَّكَاةُ بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ فِي ذِمَّتِهِ يُعَاقَبُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ الْعِقَابَ الشَّدِيدَ وَمَتَى اطَّلَعْنَا عَلَى إنْسَانٍ أَنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ عَاقَبْنَاهُ عَلَيْهِ وَعَزَّرْنَاهُ التَّعْزِيرَ الشَّدِيدَ الزَّاجِرَ لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ وَأَخَذْنَا الزَّكَاةَ مِنْهُ قَهْرًا عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهَا بِقَصْدِ الْفِرَارِ مِنْ الزَّكَاةِ مَكْرُوهَةٌ لَكِنْ خَالَفَ الشَّافِعِيُّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِهِ كَالدَّارِمِيِّ وَصَاحِبِ الْإِبَانَةِ وَالْمَسْعُودِيِّ فَشَذُّوا وَقَالُوا إنَّهَا حَرَامٌ كَمَا قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَحَكَاهُ الْإِمَامُ عَنْ بَعْضِهِمْ وَتَبِعَ هَؤُلَاءِ الْغَزَالِيُّ فِي وَسِيطِهِ وَوَجِيزِهِ فَقَالَ إنَّهَا حَرَامٌ وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ يَكُونُ آثِمًا بِقَصْدِهِ لَا بِفِعْلِهِ وَأَبْدَاهُ الْأَذْرَعِيُّ بَحْثًا وَقَالَ فِي الْخَادِمِ إنَّهُ مُسِيءٌ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ لَا تَبْرَأُ الذِّمَّةُ مِنْهَا بَاطِنًا وَحُكِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ كَانَ

يَفْعَلُ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ الْعِلْمُ قِسْمَانِ ضَارٌّ وَنَافِعٌ وَهَذَا مِنْ الْفِقْهِ الضَّارِّ وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ فَقَالَ وَمِنْ الْحُكْمِ مَا يُؤْخَذُ بِهِ فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ كَمَا إذَا بَاعَ الْمَالَ الزَّكَوِيَّ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ تَسْقُطُ فِي الظَّاهِرِ وَهُوَ مُطَالَبٌ بِالزَّكَاةِ فِيمَا بَيْنه وَبَيْن اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَكَذَلِكَ إذَا طَلَّقَ الْمَرِيضُ زَوْجَتَهُ فِرَارًا مِنْ الْإِرْثِ وَكَذَا إذَا أَقَرَّ لِبَعْضِ وَرَثَتِهِ بِقَصْدِ حِرْمَانِ الْبَاقِينَ قَالَ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ وَمَا فِي الْإِحْيَاءِ هُوَ الْمُتَّجِهُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ مُسِيءٌ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِمَنْ عِنْدَهُ أَدْنَى عَقْلٍ وَمُرُوءَةٍ وَدِينٍ أَنْ يَرْتَكِبَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْحِيَلِ الَّتِي قَدْ تَكُونُ سَبَبًا لِلْخِزْيِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرُبَّمَا قَصَدَ الْغَافِلُ الْمَغْرُورُ بِهَا تَوْفِيرَ مَالِهِ وَتَنْمِيَتِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِمَحْقِهِ وَزَوَالِهِ عَنْ قُرْبٍ أَوْ عَدَمِ الْبَرَكَةِ فِيهِ فَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ هُوَ وَلَا ذُرِّيَّتُهُ وَرُبَّمَا عُومِلَ فِيهِ وَفِي ذُرِّيَّتِهِ بِمَا يُسِيئُهُ وَيُغِيظُهُ فَيُسَلِّطُ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ أَعْوَانَهُ حَتَّى يُنْفِقُونَهُ فِي الْمَحَارِمِ وَاللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ الْقَبِيحَةِ الْمُحَرَّمَةِ كَمَا لَا يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى مَنْ جَرَّبَ أَحْوَالَ النَّاسِ سِيَّمَا أَبْنَاءُ التُّجَّارِ وَنَحْوُهُمْ مِنْ ذَوِي الْأَمْوَالِ الَّذِينَ لَمْ يُؤَدُّوا مِنْهَا حَقَّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَمْ يَجْرُوا فِيهَا عَلَى سَنَنِ الِاسْتِقَامَةِ وَيَأْتِي جَمِيعُ مَا تَقَرَّرَ فِي الْغَنِيِّ إذَا احْتَالَ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ فَقِيرًا أَوْ مِسْكِينًا حَتَّى يَحِلَّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوْ يُكْرَهُ لَهُ عَلَى مَا مَرَّ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ مَا أَخَذَهُ مِنْ الزَّكَاةِ بَلْ تَبْقَى ذِمَّتُهُ مُعَلَّقَةً بِهِ فِي الْآخِرَةِ وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ بِلَادِكُمْ مِنْ اشْتِرَاطِهِمْ عَلَى الْفَقِيهِ أَنَّهُمْ لَا يُعْطُونَهُ الزَّكَاةَ مَعَ كَوْنِهِ مُسْتَحِقًّا لَهَا إلَّا إلَّا أَضَافَ مَعَهُمْ أَوْ أَعْطَاهُمْ دَارَهُمْ فَهَذَا حَرَامٌ عَلَيْهِمْ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ فَيُعَاقَبُونَ عَلَيْهِ الْعِقَابَ الشَّدِيدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَيْتَ شِعْرِي مَا لِهَؤُلَاءِ الْفَاعِلِينَ لِهَذِهِ الْخَصْلَةِ الذَّمِيمَةِ الْقَبِيحَةِ الشَّنِيعَةِ خَلَاقٌ وَلَا مُرُوءَةٌ وَلَا دِينٌ وَكَيْفَ يَلِيقُ هَذَا مِمَّنْ يُظْهِرُ أَنَّهُ يُخْرِجُ الزَّكَاةَ وَلَوْ لَمْ يُظْهِرْ ذَلِكَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُ فَإِنَّهُ لَا اعْتِدَادَ بِإِخْرَاجِهِ وَلَا يَنْفَعُهُ مِنْهُ شَيْءٌ بَلْ الزَّكَاةُ بَاقِيَةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فِي ذِمَّتِهِ يُحَاسِبُهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهَا إنْ شَاءَ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ وَيُنَاسِبُهُ مِنْ تَجَرُّئِهِ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَعَلَى دِينِهِ عَافَانَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهَا مِنْ هَؤُلَاءِ وَأَفْعَالِهِمْ الْقَبِيحَةِ الشَّنِيعَةِ الدَّالَّةِ عَلَى سَوَادِ قُلُوبِهِمْ وَفَسَادِ أَعْمَالِهِمْ وَنِيَّاتِهِمْ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ تَحْرِيرًا جَيِّدًا لِلصَّاعِ بِالْعَدَسِ فَكُلُّ شَيْءٍ وَسِعَ مِنْ الْعَدَسِ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثٍ فَهُوَ صَاعٌ لِأَنَّ الْمَنْصُورَ عَايَرَ الصَّاعَ النَّبَوِيَّ بِالْعَدَسِ فَجَاءَ كَذَلِكَ وَتَفَاوُتُ أَنْوَاعِ الْعَدَسِ يَسِيرٌ لَا يُحْتَفَلُ بِمِثْلِهِ فَكُلُّ صَاعٍ وَسِعَ مِنْ الْعَدَسِ ذَلِكَ اُعْتُبِرَ الْإِخْرَاجُ بِهِ فِي الْفِطْرَةِ وَغَيْرِهَا وَلَا مُبَالَاةَ بِتَفَاوُتِ الْحُبُوبِ فِي الْمِيزَانِ اهـ. وَالرِّطْلُ الَّذِي وَزْنُهُ الْمُرَادُ بِهِ الْبَغْدَادِيُّ وَهُوَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ وَقَالَ السُّبْكِيّ اعْتَبَرْت الْقَدَحَ الْمِصْرِيَّ بِالْمُدِّ الَّذِي حَرَّرْته فَوَسِعَ مُدَّيْنِ وَسُبْعًا تَقْرِيبًا فَالصَّاعُ قَدْ حَانَ بِالصَّاعِ الْمِصْرِيِّ إلَّا سُبُعَيْ مُدٍّ اهـ وَالصَّاعُ الْمِصْرِيُّ مُقَارِبٌ لِلْكِيلَةِ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَلَامٌ طَوِيلٌ لَا يَحْتَمِلُهُ هَذَا الْمَحَلُّ وَمَا ذَكَرْته لَكُمْ مُلَخَّصٌ شَيْءٌ مِنْهُ وَمَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيّ أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِ جَمْعٍ أَنَّ الصَّاعَ قَدْ حَانَ بِالْمِصْرِيِّ لَكِنَّ مَا قَالُوهُ هُوَ الْأَحْوَطُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) أَدَامَ اللَّهُ تَعَالَى النَّفْعَ بِكُمْ آمِينَ كَمْ حَدُّ الْمَسَافَةِ الَّتِي يَحْرُمُ نَقْلُ الزَّكَاةِ إلَيْهَا وَمَا دُونَهَا لَا يَحْرُمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ حَدُّ الْأُولَى بِمَا يَجُوزُ الْقَصْرُ فِيهِ وَالثَّانِيَة بِمَا لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ فِيهِ بِجَامِعِ أَنَّ الْمَلْحَظَ فِي الْقَصْرِ أَنْ يَكُونَ بِمَحَلٍّ مُنْقَطِعٍ عَنْ دَارِ الْإِقَامَةِ غَيْرَ مَنْسُوبٍ إلَيْهَا وَهَذَا الْمَلْحَظُ فِي النَّقْلِ فَاسْتَوَيَا فِيمَا ذُكِرَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ لَمْ يَفْضُل عَنْ كِفَايَةِ عِيَالِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ هَلْ الْمُرَادُ كِفَايَتُهُمْ عَلَى الدَّوَامِ أَوْ غَيْره فَمَا هُوَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُرَادُ كِفَايَة يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ فَمَتَى فَضَلَ عَنْ كِفَايَةِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ شَيْءٌ جَازَ التَّصَدُّقُ مِنْهُ وَمَتَى لَمْ يَفْضُلْ عَنْ كِفَايَتِهِ ذَلِكَ شَيْءٌ حَرُمَ التَّصَدُّقُ مِنْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) أَدَامَ اللَّهُ تَعَالَى النَّفْعَ بِعُلُومِهِ عَنْ قَوْلِهِمْ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ يَحْرُمُ عَلَى الْغَنِيِّ أَخْذُهَا إلَّا أَظْهَرَ الْفَاقَةَ أَوْ سَأَلَ فَلَوْ أَظْهَرَهَا لِخَوْفِ

الظَّلَمَةِ عَلَى مَالِهِ فَهَلْ لَهُ قَبُولُ مَا يُعْطَى مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ وَهَلْ طَلَبُ الْعَارِيَّةِ كَالسُّؤَالِ وَإِذَا سَأَلَ التَّافِهَ كَسُؤَالِ قَلَمٍ أَوْ شَرْبَةِ مَاءٍ هَلْ حُكْمُهُ كَذَلِكَ أَمْ لَا وَهَلْ الْمُرَادُ الْغَنِيّ بِكِفَايَةِ سَنَةٍ أَوْ أَقَلَّ وَإِذَا كَانَ يَتَيَسَّرُ الْإِعْطَاءُ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ فَهَلْ لَهُ السُّؤَالُ فِي وَقْتِ تَيَسُّرِهِ لِمَا يَحْتَاجُهُ مُسْتَقْبَلًا وَهَلْ سُؤَالُ السُّلْطَانِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ كَغَيْرِهِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَجُوزُ لَهُ إذَا خَافَ الظَّلَمَةَ عَلَى مَالِهِ أَنْ يُظْهِرَ الْفَاقَةَ وَأَنْ يَسْأَلَ لَكِنْ مَا يُعْطَاهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ لِمَالِكِهِ وَلَيْسَ طَلَبُ الْعَارِيَّةِ كَالسُّؤَالِ فِيمَا يَظْهَرُ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِأَنَّ الْغَنِيَّ وَغَيْرَهُ يَسْأَلَانِهَا فَلَيْسَ فِي طَلَبِهَا إذْلَالٌ لِلنَّفْسِ وَلَا تَغْرِيرٌ لِلْغَيْرِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ حُرْمَةُ السُّؤَالِ عَلَى الْغَنِيِّ وَإِنْ سَأَلَ تَافِهًا وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَيْسَ بَيْنه وَبَيْن الْمَسْئُولِ مُبَاسَطَةُ الْأَصْدِقَاءِ الْمُسْتَلْزِمَةُ لِلْعِلْمِ بِمُسَامَحَتِهِمْ لِمَا سَأَلَ فِيهِ أَصْدِقَاؤُهُمْ وَلَوْ أَغْنِيَاءَ أَمَّا مَنْ بَيْنه وَبَيْن الْمَسْئُولِ تِلْكَ الْمُبَاسَطَةُ الْمُسْتَلْزِمَةُ لِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ حَيَاءٍ قَطْعًا فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ حِينَئِذٍ وَقَوْلُ السَّائِلِ وَهَلْ الْمُرَادُ الْغَنِيّ إلَخْ جَوَابُهُ ذَكَرْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَعِبَارَتُهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ ضَبْطُ الْغَنِيِّ هُنَا بِمَنْ مَعَهُ كِفَايَةَ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ أَخْذًا مِمَّا يَأْتِي وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْإِحْيَاءِ ضَبْطَهُ بِمَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرْته فَقَالَ بِأَنْ يَجِدَ مَا يَأْكُلُ هُوَ وَمَنْ فِي كَفَالَتِهِ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ وَسِتْرَهُمْ عَنْ النَّاسِ وَمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ بَعْدَ يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ السُّؤَالُ مُتَيَسِّرًا عِنْدَ نَفَاذِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِسَنَةٍ اهـ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَنْبَغِي جَوَازُ طَلَبِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إلَى وَقْتٍ يُعْلَمُ بِالْعَادَةِ تَيَسُّر السُّؤَالِ وَالِاسْتِغْنَاء بِهِ وَلَا يَتَجَاوَزُ وَالدَّفْعُ لِمُظْهِرِ الْفَاقَةِ وَإِنْ لَمْ يَسْأَلْ إمَّا مَكْرُوهٌ أَوْ حَرَامٌ اهـ وَقِيلَ يَحِلُّ السُّؤَالُ لِلْغَنِيِّ مَعَ الْكَرَاهَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَشَرْطُ حِلِّهِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الضَّعِيفِ أَنْ لَا يُذِلَّ نَفْسَهُ وَأَنْ لَا يُلِحَّ وَأَنْ لَا يُؤْذِيَ الْمَسْئُولَ وَإِلَّا حَرُمَ اتِّفَاقًا وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِحُرْمَتِهِ مَعَ ذَلِكَ وَإِنْ احْتَاجَ وَقَالَ الْإِمَامُ هُوَ مَعَ الْإِيذَاءِ حَرَامٌ مُطْلَقًا وَمَعَ الْحَاجَةِ جَائِزٌ وَالتَّعَفُّفُ عَنْهُ أَوْلَى وَلِغَيْرِ حَاجَةٍ مَكْرُوهٌ وَوَاجِبٌ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَفِي الْإِحْيَاءِ أَنَّ الْأَخْذَ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ بَاعِثَهُ الْحَيَاءُ مِنْهُ أَوْ مِنْ حَاضِرٍ وَلَوْلَاهُ مَا أُعْطِيَ حَرَامٌ إجْمَاعًا وَلَا يَمْلِكُهُ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورَةُ وَمَنْ لَهُ بِبَيْتِ الْمَالِ حَقٌّ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ السُّلْطَانَ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا وَمَنْ لَا حَقَّ لَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْأَلَ شَيْئًا مِنْهُ لِأَنَّ نَاظِرَ بَيْتِ الْمَالِ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّبَرُّعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) هَلْ يَجُوزُ لِلْمَالِكِ أَنْ يَصْرِفَ مِنْ زَكَاتِهِ إلَى الْأَيْتَامِ الْفُقَرَاءِ الْحَاضِرِينَ عِنْدَ الْقِسْمَةِ لِتَعَسُّرِ أَوْ تَعَذُّرِ مُرَاجَعَةِ الْقَاضِي فِي نَصِيبِ مَنْ يَقْبِضُ لَهُمْ وَلَوْ رُوجِعَ لَقَسَمَهَا الْمَالِكُ قَبْلَ عَوْدِ جَوَابِهِ وَقَدْ يَتَعَذَّرُ وُجُودُ الْمَنْصُوبِ وَبَقَاؤُهُ فِي الْجَرِينِ عِنْدَ قِسْمَةِ كُلِّ مَالِكٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ لِلْمَالِكِ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْ زَكَاتِهِ إلَى صَغِيرٍ وَلَا إلَى سَفِيهٍ وَإِنَّمَا يُدْفَعُ لِوَلِيِّهِ فَإِنْ فُرِضَ تَعَذُّرُ وَلِيٍّ يَقْبِضُ لَهُ أَوْ قَاضٍ يَنْصِبُ لَهُ وَلِيًّا لِذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا نَادِرًا فَلَا يَقُولُ عَلَيْهِ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِ وَاخْتِيَارُ بَعْضِهِمْ جَوَاز الدَّفْعِ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ فِيهِ وَلَا الْعَمَلُ بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ شَيْءٌ شَاذٌّ خَارِجٌ عَنْ الْمَذْهَبِ وَقَائِلُهُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ مُجْتَهِدًا فَيَتَعَيَّنُ إلْغَاؤُهُ وَالْإِعْرَاضُ عَنْهُ رَأْسًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا ذَكَرُوهُ فِي حَدِّ الْمِسْكِينِ مِنْ أَنَّهُ مَنْ قَدَرَ عَلَى مَالٍ أَوْ كَسْبٍ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ وَلَا يَكْفِيه هَلْ الْمُرَادُ عَدَمُ الْكِفَايَةِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ كُلَّ السَّنَةِ أَوْ الْعُمْرَ الْغَالِبَ فَإِنْ قُلْتُمْ بِالْأَخِيرِ كَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَمَا حَدّه وَمَا حَدُّ الْغَنِيِّ الَّذِي لَا يَجُوزُ مَعَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ فَإِذَا كَانَ رَجُلٌ عُمْرُهُ عِشْرُونَ سَنَةً مَثَلًا وَلَمْ يَكُنْ كَاسِبًا وَعِنْدَهُ عَشَرَةُ آلَافٍ مَثَلًا وَمُؤْنَتُهُ كُلَّ سَنَةٍ أَلْفٌ مَثَلًا فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةُ أَوْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ يَجُوزُ فَمَا الْحَدُّ الَّذِي يَجُوزُ أَخْذُهُ وَكَمْ يُعْطِي الدَّافِعُ لَهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَنْ تَحَقَّقَ بِالْفَقْرِ أَوْ الْمَسْكَنَةِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ يُحْسِنُ حِرْفَةً أَوْ تِجَارَةً أَوْ لَا يُحْسِنُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَمَنْ لَا يُحْسِنُ شَيْئًا إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ شَيْءٌ أَوْ لَا فَأَمَّا مَنْ لَهُ حِرْفَةٌ فَإِنَّهُ يُعْطَى ثَمَنَ آلَاتِ حِرْفَتِهِ الَّتِي يَقُومُ دَخْلُهَا بِخَرْجِهِ عَلَى الدَّوَامِ فَإِنْ لَمْ يَفِ دَخْلُهَا بِخَرْجِهِ كَمَّلْنَا لَهُ الزَّائِد بِأَنْ نَضُمَّ إلَى ثَمَنِ تِلْكَ الْآلَاتِ شِرَاءَ مَحَلٍّ

نُعْطِيه لَهُ يَقُومُ دَخْلُهُ مَعَ دَخْلِ الْحِرْفَةِ بِكِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ مُمَوَّنِهِ بِحَسَبِ اللَّائِق بِهِ وَبِهِمْ عَلَى الدَّوَامِ أَيْضًا وَأَمَّا مَنْ يُحْسِنُ التِّجَارَةَ فَإِنَّهُ يُعْطَى رَأْسَ مَالٍ يَكْفِيه رِبْحُهُ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الرِّبْحُ الْحَاصِلُ مِنْهُ بِحَسَبِ الْعَادَةِ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُهُ هُوَ وَمُمَوَّنُهُ كَمَا ذُكِرَ وَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِحَدٍّ وَذِكْرُهُمْ إعْطَاءِ الْبَقَّالِ وَالْجَوْهَرِيِّ وَالصَّيْرَفِيِّ وَغَيْرِهِمْ أَشْيَاءَ مَخْصُوصَةً ذَكَرُوهَا وَحَدَّدُوهَا إنَّمَا هُوَ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مُنَاسِبًا لِعُرْفِ زَمَنِهِمْ كَمَا أَشَارُوا إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ عَقِبَ تِلْكَ الْمَقَادِيرِ تَقْرِيبًا وَأَمَّا مَنْ مَعَهُ مَالٌ وَهُوَ لَا يَكْفِيه الْعُمْرَ الْغَالِبَ بِأَنْ يَكُونَ لَوْ وَزَّعَهُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِهِ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ الَّذِي يَعِيشُ إلَيْهِ أَكْثَرُ النَّاسِ وَهُوَ مَا بَيْن السِّتِّينَ وَالسَّبْعِينَ لَا يَكْفِيه بَلْ يَنْقُصُ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ وَلَا يُحْسِنُ كُلٌّ مِنْهُمَا حِرْفَةً وَلَا تِجَارَةً فَإِنَّهُ يُعْطَى كِفَايَةَ الْعُمْرِ الْغَالِبِ بِأَنْ يُشْتَرَى لَهُ أَرْضٌ أَوْ عَقَارٌ يَكْفِيه كَمَا مَرَّ غَلَّتهَا عَلَى الدَّوَامِ فَفِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ فِي السُّؤَالِ يُضَمُّ إلَى الْعَشَرَةِ الْآلَافِ الَّتِي مَعَهُ قَدْرٌ بِحَيْثُ لَوْ اشْتَرَى بِهِمَا مَحَلٌّ كَفَاهُ دَخْلُهُ عَلَى الدَّوَامِ. وَمَحَلُّهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ مَا إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْعَشَرَةُ الْآلَافُ يَفِي رِبْحُهَا بِخَرْجِهِ إنْ كَانَ يُحْسِنُ تِجَارَةً أَوْ لَا يَشْتَرِي بِهَا مَا يَكْفِيه غَلَّته إنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا فَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ يُضَمُّ إلَيْهَا مَا يَشْتَرِي بِهِ مَا تَكْفِيه غَلَّته أَمَّا إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْعَشَرَةُ الْآلَافُ يُمْكِنُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا مَا تَكْفِيه غَلَّته أَوْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَّجِرَ فِيهَا بِمَا يَفِي رِبْحُهُ بِخَرْجِهِ فَلَا يُعْطَى شَيْئًا مِنْ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ الْآنَ غَنِيٌّ وَالْحَاصِلُ أَنَّا نَعْتَبِرُ إنْفَاقَ عَيْنِ الْمَالِ الَّذِي بِالْيَدِ إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَالٌ وَلَا يُحْسِنُ فِيهِ تِجَارَةً وَلَا كَسْبًا وَلَوْ أَنْفَقَهُ بَقِيَّةَ عُمْرِهِ لَمْ يَكْفِهِ الْكِفَايَةَ السَّابِقَةَ فَهَذَا مِسْكِينٌ فَيُعْطَى شَيْئًا يُضَمُّ إلَى ذَلِكَ الْمَالِ وَيُشْتَرَى لَهُ بِهِ مَا تَكْفِيه غَلَّته وَأَمَّا مَا عَدَا هَذِهِ الصُّورَةَ فَمَنْ لَهُ حِرْفَةٌ أَوْ تِجَارَةٌ وَلَا يَكْفِيه دَخْلُهَا فَإِنَّهُ يُكَمَّلُ لَهُ بِأَنْ يُشْتَرَى لَهُ مَا يَضُمُّ رِبْحهُ إلَى رِبْحِ حِرْفَتِهِ أَوْ تِجَارَتِهِ بِحَيْثُ يَكْفِيه هَذَا حَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ الَّذِي يَتَعَيَّنُ الِاعْتِنَاءُ بِفَهْمِهِ وَتَحْرِيرِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ قَدْ كَثُرَ فِيهَا اخْتِلَافُ أَنْظَارِ الْأَئِمَّةِ فِيهَا وَتَغْلِيظُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِي بَعْضِ تَفَاصِيلِهَا. وَمِنْ ثَمَّ شَنَّعَ بَعْضُ مَنْ لَمْ يُمْعِنْ النَّظَرَ عَلَى الْأَئِمَّةِ فِيهَا وَقَالَ إنَّ الْمُلُوكَ يَأْخُذُونَ الزَّكَاةَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُمْ مَا يَكْفِيهِمْ الْعُمْرَ الْغَالِبَ وَمَا دَرَى أَنَّهُ هُوَ الْأَحَقُّ بِالتَّشْنِيعِ لِأَنَّهُ لَوْ تَأَمَّلَ مَا قَرَّرْنَاهُ لَعَلِمَ أَنَّ الْمُلُوكَ وَنَحْوَهُمْ لَا يَأْخُذُونَ شَيْئًا فَإِنَّ لَهُمْ مِنْ الْفَيْءِ وَالْمَتَاجِرِ وَغَيْرِهِمَا مَا يَفِي دَخْلُهُ بِخَرْجِهِمْ وَكُلُّ مَنْ لَهُ ذَلِكَ فَهُوَ غَنِيٌّ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إمَّا فَقِيرٌ أَوْ مِسْكِينٌ وَكَذَلِكَ يَنْدَفِعُ بِمَا تَقَرَّرَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ مِنْ أَنَّ إعْطَاءَ الْعُمْرِ الْغَالِبِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ حِرْمَانُ أَكْثَرِ الْمُسْتَحَقِّينَ إذْ الْغَالِبُ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ مِنْ الزَّكَاةِ مَا يَكْفِي مُسْتَحَقِّيهَا الْعُمْرَ الْغَالِبَ وَوَجْهُ انْدِفَاعِ هَذَا مَا عَلِمْت أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لَا يُعْطَى حَيْثُ اتَّسَعَ الْمَالُ نَقْدًا وَإِنَّمَا يُشْتَرَى لَهُ بِهِ مَا يَفِي دَخْلُهُ بِخَرْجِهِ فَإِنْ قَلَّ الْمَالُ أُعْطِيَ كُلَّ مَا تَيَسَّرَ لَهُ. (وَسُئِلَ) هَلْ يُشَارِكُ الْقَادِمُ بَعْدَ الْحَوْلِ الْمَوْجُودِينَ عِنْدَهُ وَهَلْ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي قَبْضِ الزَّكَاةِ ومَنْ يَكْتَسِبُ بَعْضَ السَّنَةِ فَقَطْ هَلْ يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ كَانُوا غَيْرَ مَحْصُورِينَ شَارَكَهُمْ الْقَادِمُ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَسْتَحِقُّونَهَا بِالْقِسْمَةِ وَإِنْ انْحَصَرُوا فِي ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ لَمْ يُشَارِكْهُمْ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا يَوْمَ الْوُجُوبِ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ طَرَأَ غِنَاهُمْ بَعْدَهُ لَمْ يُؤَثِّرْ وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بَعْدَهُ أُعْطِيَ نَصِيبُهُ لِوَارِثِهِ وَلَوْ غَنِيًّا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُهَا بِطَرِيقِ التَّلَقِّي عَنْ الْمُسْتَحِقِّ لَهَا وَقْتَ الْوُجُوبِ لِوُجُودِ وَصْفِ الِاسْتِحْقَاقِ فِيهِ وَمِنْ ثَمَّ جَوَّزَ السُّبْكِيّ الِاعْتِيَاضَ عَنْهَا حِينَئِذٍ لِأَنَّهَا بِدُخُولِ وَقْتِ وُجُوبِهَا بَلَغَتْ مَحَلَّهَا وَمَلَكهَا مُسْتَحَقُّهَا فَاعْتِيَاضُهُ عَنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ اعْتِيَاضٌ عَنْ مَمْلُوكٍ لَا عَنْ زَكَاةٍ يَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُزَكِّي لَوْ كَانَ وَارِثَ الْكُلِّ أَوْ بَعْضِهِمْ سَقَطَ بِمَوْتِ الْمُسْتَحِقِّ بَعْدَ الْوُجُوبِ قَدْرَ الزَّكَاةِ عَنْ الْمُزَكِّي لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَيْهِ بِالْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ لِتَقْدِيرِ قَبْضٍ لِئَلَّا يَلْزَمَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَابِضٌ مُقْبِضٌ لِنَفْسِهِ وَهُوَ مُتَعَذَّرٌ شَرْعًا وَمَنْ غَابَ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَوَكَّلَ مَنْ يَقْبِضُ لَهُ وَقْتَ الْقِسْمَةِ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ وَالْأَوْجَهُ وِفَاقًا لِابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لِلْمُوَكَّلِ وَهُوَ غَائِبٌ فَلَوْ وَقَعَ الدَّفْعُ مَعَ غَيْبَتِهِ كَانَ فِيهِ نَقْلُ الزَّكَاةِ فَإِنْ

باب خصائصه صلى الله عليه وسلم

كَانَ حَاضِرًا وَقْتَ الْوُجُوبِ وَهُوَ مِنْ مَحْصُورِينَ صَحَّ تَوْكِيلُهُ لِأَنَّهُ مِلْكٌ كَمَا مَرَّ أَوْ مِنْ غَيْرِ مَحْصُورِينَ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِيَوْمِ الْقِسْمَةِ وَهُوَ لَيْسَ حَاضِر عِنْدَهَا فَيَلْزَمُ عَلَى أَخْذِ الْوَكِيلِ لَهُ نَقْلُ الزَّكَاةِ نَظِير مَا مَرَّ وَمَنْ يَكْتَسِبُ وَقْتَ تَصْفِيَةِ الْحُبُوبِ دُونَ مَا بَعْدَهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ صَنْعَةٌ أُخْرَى تَكْفِيه يَأْخُذْ مَا يَحْتَاجُهُ لِلْعُمْرِ الْغَالِبِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ لَهُ صَنْعَةٌ أُخْرَى تَكْفِيه فَإِنَّهُ لَا يُعْطَى شَيْئًا بِاسْمِ الْفَقْرِ أَوْ الْمَسْكَنَةِ بَلْ بِنَحْوِ الْغُرْمِ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى وَفَاءِ دَيْنِهِ غَالِبًا بِالْكَسْبِ إلَّا بِالتَّدْرِيجِ فَلَمْ يُكَلَّفْ لَهُ. (وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ كَمْ حَدُّ الْغَنِيِّ الَّذِي يَحْرُمُ مَعَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَالْغِنَى وَالتَّوَسُّطُ الْمُعْتَبَرَيْنِ فِيمَنْ يَعْقِلُ وَالْيَسَارُ وَالتَّوَسُّطُ الْمُعْتَبَرَيْنِ فِي النَّفَقَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَدُّ الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَالٌ يَكْفِيه وَيَكْفِي مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ الْعُمْرَ الْغَالِبَ بِاعْتِبَارِ الْمُؤَنِ اللَّازِمَةِ اللَّائِقَةِ بِهِ وَبِهِمْ عُرْفًا فِيمَا يَظْهَرُ فَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَكْفِيه رِبْحُهُ يَوْمًا بِيَوْمٍ أَوْ صَنْعَةٌ جَائِزَةٌ يَكْفِيه دَخْلُهَا كَذَلِكَ أَوْ غَلَّةُ مَوَاضِعَ كَذَلِكَ فَهُوَ غَنِيٌّ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ الزَّكَاةِ بِنَحْوِ الْفَقْرِ أَوْ الْمَسْكَنَةِ وَالْغَنِيُّ فِي الثَّانِي هُوَ مَنْ يَمْلِكُ فَاضِلًا عَمَّا يُتْرَكُ لَهُ فِي الْكَفَّارَةِ نِصَابًا وَهُوَ عِشْرُونَ دِينَارًا وَالْمُتَوَسِّطُ مَنْ يَمْلِكُ دُونَ الْعِشْرِينَ وَفَوْقَ رُبْعِ دِينَارٍ وَالْمُعْسِرُ فِي الثَّالِثِ مَنْ لَا يَمْلِكُ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْمَسْكَنَةِ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى كَسْبٍ وَاسِعٍ فَالْقُدْرَةُ عَلَيْهِ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ الْإِعْسَارِ فِي النَّفَقَةِ وَإِنْ أَخْرَجَتْهُ عَنْ اسْتِحْقَاقِ سَهْمِ الْمَسَاكِينِ فِي الزَّكَاةِ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ فِي ذَلِكَ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِيهِمَا إذْ الْأَصْلُ ثَمَّ حُرْمَةُ أَخْذِ الزَّكَاةِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ مُسَوِّغٌ وَمَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ لَا مُسَوِّغَ وَالْأَصْلُ هُنَا عَدَمُ وُجُوبِ الزَّائِدِ عَلَى الْمَدِّ حَتَّى يَتَحَقَّقَ مُوجِبٌ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْكَسْبِ وَالْمُتَوَسِّطُ مَنْ يَمْلِكُ مَا يُخْرِجُهُ عَنْ الْمَسْكَنَةِ لَكِنَّهُ مَتَى كُلِّفَ بِالدَّيْنِ صَارَ مِسْكِينًا وَالْمُوسِرُ مَنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ وَلَوْ كُلِّفَهُمَا لَمْ يَصِرْ مِسْكِينًا. (وَسُئِلَ) هَلْ يَفْضُلُ الذِّكْرُ الصَّدَقَةَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ فِي الْأَحَادِيثِ مَا يُصَرِّحُ بِتَفْضِيلِهِ عَلَيْهَا أَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَالتِّرْمِذِيُّ «أَلَا أُنْبِئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَأَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ قَالُوا وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ذِكْرُ اللَّهِ» وَالتِّرْمِذِيُّ «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ الْعِبَادِ أَفْضَلُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمِنْ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ لَوْ ضَرَبَ بِسَيْفِهِ فِي الْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ حَتَّى يَنْكَسِرَ وَيَخْتَضِبَ دَمًا لَكَانَ الذَّاكِرُونَ اللَّهَ أَفْضَلَ مِنْهُ دَرَجَةً» وَالْبَيْهَقِيُّ «لَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُنْذُ صَلَاةِ الْغَدَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتِقَ أَرْبَعَةً مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ» . [بَابُ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هَلْ تَحْرِيمُ الشِّعْرِ خَاصٌّ بِنَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ زَعَمَ بَعْضُهُمْ عَدَمَ الْخُصُوصِيَّةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ بَحْثًا بِدَلِيلِ تَعْلِيلِهِ لِمَا قَالَهُ بِقَوْلِهِ إذْ الْمَعْنَى الَّذِي حُرِّمَ لِأَجْلِهِ الشِّعْرُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوْجُودٌ فِي بَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاء فَلَا فَارِقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ اهـ. وَمَا ادَّعَاهُ مَمْنُوعٌ بَلْ ادِّعَاؤُهُ لِذَلِكَ عَجِيبٌ فَإِنَّ الْمَعْنَى الَّذِي حَرُمَ عَلَى نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَجْلِهِ التَّوَصُّلُ إلَى تَعَلُّمِ الشِّعْرِ وَرِوَايَتِهِ هُوَ أَنَّ أَهْلَ زَمَنِ بَعْثَتِهِ كَانُوا فُصَحَاءَ الْعَرَبِ وَفُرْسَانَ مَيَادِينِ بَلَاغَتِهَا وَكَانَ الشِّعْرُ مِنْ أَعْلَى فَخْرِهِمْ إذْ يَتَوَصَّلُ بِهِ صَاحِبُهُ إلَى كُلِّ كَمَالٍ عِنْدَهُمْ وَكَانُوا لَا يَعُدُّونَ فَصِيحًا وَبَلِيغًا غَيْرَ مُجِيدِهِ فَاقْتَضَتْ الْحِكْمَة الْإِلَهِيَّةُ تَحْرِيمَ هَذَا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْ يَكُونَ أُمِّيًّا مَحْضًا لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ حَتَّى تَنْقَطِعَ قَالَةُ النَّاس أَيْ الْعُقَلَاءُ الَّذِينَ لَمْ يُسْلَبُوا مَشَاعِرَ الْهِدَايَةِ فِيهِ وَفِيمَا أَتَى بِهِ مِنْ الْقُرْآنِ وَتَتَمَحَّضُ مُعْجِزَتُهُ وَفَصَاحَتُهُ الَّتِي قَهَرَتْ سَائِرَ الْفُصَحَاءِ وَجَمِيعَ الْبُلَغَاءِ وَالشُّعَرَاءِ وَلَوْ جَازَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشِّعْرُ مَا تَمَّتْ تِلْكَ الْكَلِمَاتُ الْبَاهِرَاتُ وَهَذَا كُلُّهُ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ يَلْحَقُونَ بِهِ فِي ذَلِكَ فَتَأَمَّلْهُ.

كتاب النكاح

[كِتَابُ النِّكَاحِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي رَجُلٍ أَلَّفَ كِتَابًا وَسَمَّاهُ بِالنُّكَتِ الظِّرَافِ فِيمَنْ اُبْتُلِيَ بِالْعَاهَاتِ مِنْ الْأَشْرَافِ وَذَكَرَ فِيهِ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ بِأَنْ قَالَ فُلَانٌ أَقْرَعُ وَفُلَانٌ أَصْلَعُ وَفُلَانٌ أَعْرَجُ وَفُلَانٌ أَبْرَصُ وَفُلَانٌ أَعْمَى وَأَفْرَدَ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ ذَلِكَ بَابًا وَاسْتَطْرَدَ إلَى أَنْ ذَكَرَ جَمْعًا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ بِنَحْوِ الصَّلَعِ وَعَزَاهُ لِنَاقِلِهِ زَاعِمًا أَنَّ هَذَا الْمُؤَلَّفَ مَوْعِظَةٌ هَذَا مَضْمُونُ مُؤَلَّفِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ فَهَلْ ذَلِكَ مِنْ الْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ إذْ لَيْسَ ثَمَّ ضَرُورَةٌ شَرْعِيَّةٌ تُبِيحُ ذِكْرَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَوْ لَا وَمَاذَا يَلْزَمُ مُؤَلِّفَهُ بِتَعَرُّضِهِ لِمِثْلِ ذَلِكَ وَهَلْ يَتَعَيَّنُ تَقْطِيعُ الْمُؤَلَّفِ الْمَذْكُورِ لِحُصُولِ التَّأَذِّي بِبَقَائِهِ وَانْتِشَارِهِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ نَعَمْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ إذْ الَّذِي أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ وَنَصَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا ذِكْرُك غَيْرَك بِمَا يَكْرَهُهُ لَوْ بَلَغَهُ سَوَاءٌ أَكَانَ فِي بَدَنِهِ كَطَوِيلٍ أَعْمَشَ أَعْوَرَ أَقْرَعَ أَسْوَدَ أَصْفَرَ أَوْ نَسَبِهِ أَوْ خَلْقِهِ أَوْ فِعْلِهِ كَكَثِيرِ الْأَكْلِ أَوْ مَلْبَسِهِ كَوَاسِعِ الْكُمِّ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ مَمْلُوكِهِ أَوْ دَابَّتِهِ أَوْ دَارِهِ كَضَيِّقَةٍ سَوَاءٌ ذِكْرُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِاللِّسَانِ أَمْ بِغَيْرِهِ كَالْكِتَابَةِ فَإِنَّ الْقَلَمَ أَحَدُ اللِّسَانَيْنِ وَكَالْإِيمَاءِ قَالَ النَّوَوِيّ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَكَذَا بِالْقَلْبِ قَالَا كَغَيْرِهِمَا وَيُسْتَثْنَى مِمَّا ذُكِرَ مَسَاءَةُ الْغَيْرِ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ فِي الشَّرْعِ لَا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ إلَيْهِ إلَّا بِهِ وَهُوَ سِتَّةُ أُمُورٍ التَّظَلُّمُ وَالِاسْتِعَانَةُ عَلَى تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ وَالِاسْتِفْتَاءُ وَالتَّحْذِيرُ مِنْ الشَّرِّ كَجَرْحِ الرُّوَاةِ وَالتَّجَاهُرِ بِالْفِسْقِ وَالسَّادِسُ أَنْ يُعْرَفَ إنْسَانٌ بِلَقَبٍ يُعْرَفُ عَنْ عَيْنِهِ كَالْأَعْرَجِ وَالْأَعْمَشِ فَقَدْ فَعَلَ الْعُلَمَاءُ ذَلِكَ لِضَرُورَةِ التَّعْرِيفِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ صَارَ بِحَيْثُ لَا يَكْرَهُهُ صَاحِبُهُ لَوْ عَلِمَهُ بَعْد أَنْ صَارَ مَشْهُورًا بِهِ وَمِنْ ثَمَّ جَازَ ذِكْرُهُ بِهِ لَا بِقَصْدِ التَّنْقِيصِ وَإِنْ أَمْكَنَ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ الْغِيبَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ السِّتَّةِ دُونَ غَيْرِهَا وَمِنْ ثَمَّ اعْتَرَضَ عَلَى الْأَنْوَارِ فِي زِيَادَتِهِ عَلَيْهَا. سَابِعًا وَهُوَ النَّصِيحَةُ الْعَامَّةُ كَجَرْحِ الرُّوَاةِ بِأَنَّ هَذَا دَاخِلٌ فِي التَّحْذِيرِ وَأَنَّ مَا فَعَلَهُ هَذَا الْمُؤَلِّفُ مِنْ الْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ لِأَنَّهُ ذَكَرَ مَسَاءَة الْغَيْرِ لِغَيْرِ غَرَضٍ صَحِيحٍ فِي الشَّرْع إذْ لَيْسَ هُوَ مِنْ أَحَدِ الْأَنْوَاعِ السِّتَّةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ الْأَخِيرِ مَا مَرَّ فِيهِ وَذَلِكَ الشَّرْطُ مَفْقُودٌ هُنَا لِأَنَّ هَذَا الْمُؤَلِّفَ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى عُيُوبٍ اشْتَهَرَ بِهَا أَصْحَابُهَا بَلْ ذَكَرَ مَا لَمْ يُعْرَف إلَّا مِنْ جِهَةِ مُؤَلِّفِهِ فَكَانَ حَرَامًا إجْمَاعًا وَزَعْمُهُ أَنَّهُ قَصَدَ بِذَكَرِ تِلْكَ الْعَاهَاتِ الْمَوْعِظَةَ زَعْمٌ بَاطِلٌ إذْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِيمَا عَلِمْت أَنَّ مِنْ مُسَوِّغَاتِ الْغِيبَةِ ذِكْرُ مَسَاوِئِ النَّاسِ لِيَتَّعِظَ بِذِكْرِهَا غَيْرُهُمْ فَإِنْ ذَكَرَ أَنَّ هَذَا مِنْ الْأَسْبَابِ الْمُبِيحَةِ لَهَا عُرِّفَ الصَّوَابَ فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ وَإِلَّا عُزِّرَ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ الْبَلِيغُ بَلْ رُبَّمَا يَجُرُّهُ اعْتِقَادُ حِلِّهَا لِذَلِكَ إلَى أَمْرٍ صَعْبٍ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا وَعْظَ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ تَسْوِيلِ الشَّيْطَانِ وَتَزْيِينِهِ الْقَبِيحَ حَتَّى يَظُنُّهُ الْجَاهِلُ الْأَحْمَقُ حَسَنًا فَيَدْخُلُ فِي حَيِّزِ الذَّمِّ الْأَعْظَمِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} [فاطر: 8] وَلَوْ تَأَمَّلَ قَوْله تَعَالَى {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83] لَرَدَّ هَذَا الْأَمْرَ قَبْلَ التَّأْلِيفِ فِيهِ إلَى أَئِمَّةِ الشَّرْعِ وَفَعَلَ بِقَضِيَّةِ مَا يَأْمُرُونَهُ بِهِ لَكِنَّ الِاسْتِبْدَادَ بِالْأُمُورِ الصَّعْبَةِ رُبَّمَا أَنْبَأَ عَنْ فَسَادِ الطَّوِيَّةِ وَغَلَبَةِ التَّعَصُّبِ لِلْبَاطِلِ فَعَلَى هَذَا الْمُؤَلِّفِ الرُّجُوعُ عَنْ هَذَا الْأُسْلُوبِ الْقَبِيحِ مِنْ التَّعَرُّضِ لَأَعْرَاض الْمُسْلِمِينَ بِالثَّلْبِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْتَجَّ وَيَقُولَ سَبَقْت بِذَكَرِ ذَلِكَ. وَلَوْلَا أَنَّ الْمُؤَرِّخِينَ نَقَلُوهُ إلَيْنَا لَمَا عَرَفْنَاهُ فَلَنَا بِهِمْ أُسْوَةٌ فِي ذَلِكَ لِأَنَّا نَقُولُ لَهُ هَلْ سُبِقَتْ بِهَذَا الِاخْتِرَاعِ الْقَبِيحِ وَمَنْ الَّذِي سَبَقَك لِذَلِكَ هَلْ هُوَ مِمَّنْ يُقْتَدَى بِقَوْلِهِ وَفِعْله كَأَحْمَدَ وَابْنِ مَعِينٍ وَأَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيَّ وَأَضْرَابِهِمْ وَمَنْ سَبَقَهُمْ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُمْ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَوْ مَنْ لَا يُعْبَأُ بِهِ وَلَا يُلْتَفَتُ لِأَقْوَالِهِ وَلَا لِأَفْعَالِهِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَعَلَيْك بَيَانُهُ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا يُبَالِي اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِكُمَا فِي أَيِّ وَادٍ هَلَكْتُمَا وَلَقَدْ وَقَعَ فِي عَصْرِ مَشَايِخِ مَشَايِخِنَا اسْتِفْتَاءٌ طَوِيلٌ فِي الْمُؤَرِّخِينَ وَاَلَّذِي آلَ إلَيْهِ أَجْوِبَةُ مُحَقِّقِيهِمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُؤَرِّخِ أَنْ يَذْكُرَ مِنْ الْمَسَاوِئِ إلَّا مَا يَقْدَحُ فِي

الْعَدَالَةِ لِبَيَانِ الْجَرْحِ وَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْمَسَاوِئِ الَّتِي لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْجَرْحِ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا فَائِدَةٌ دِينِيَّةٌ فَذِكْرُهَا غِيبَةٌ شَدِيدَةُ التَّحْرِيمِ مُفَسَّقٌ إنْ كَانَ فِي أَهْلِ الْعِلْمِ وَقُرَّاءِ الْقُرْآنِ بَلْ وَكَذَا فِي كُلِّ أَحَدٍ لِغَيْرِ مُسَوِّغٍ عَلَى مَا قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَنُقِلَ فِيهِ الْإِجْمَاعُ. وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مَنْ آذَى فَقِيهًا فَقَدْ آذَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ آذَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ آذَى اللَّهَ تَعَالَى فَيَنْبَغِي لِهَذَا الْمُؤَلِّفِ أَنْ يَتَأَمَّلَ ذَلِكَ وَيَرْجِعَ عَنْ هَذَا التَّأْلِيفِ بِمَحْوِهِ وَيَتُوبَ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمًّا فَرَّطَ مِنْهُ مِنْ إيذَاءِ الْأَمْوَاتِ وَالْأَحْيَاءِ سِيَّمَا أَكَابِرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلِيَتَأَمَّلْ إنْ وُفِّقَ عَظِيمَ أَدَبِ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَعَ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - حَيْثُ كَنَّى عَنْ اسْمِهَا وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ مُبَالَغَةً فِي التَّأَدُّبِ مَعَهَا وَنَصُّهُ كَمَا فِي التَّوْشِيحِ عَنْهُ «وَقَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - امْرَأَةً لَهَا شَرَفٌ فَتَكَلَّمَ فِيهَا فَقَالَ لَوْ سَرَقَتْ فُلَانَةُ لِامْرَأَةٍ شَرِيفَةٍ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» إلَى تَعْبِيرِهِ بِفُلَانَةَ دُونَ فَاطِمَةَ تَأَدُّبًا مَعَهَا أَنْ يَذْكُرَهَا فِي هَذَا الْمَعْرَضِ وَإِنْ كَانَ أَبُوهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ ذَكَرَهَا بِاسْمِهَا وَلَوْ تَأَمَّلَ هَذَا الْمُؤَلِّفُ عَظِيمَ الْمُبَالَغَةِ مِنْ أَدَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي هَذَا الْمَقَامِ لَعَلِمَ أَنَّ مَا سَلَكَهُ أَمْرٌ لَا يَخْلُصُ مِنْ وَرْطَةِ قُبْحِهِ وَشَنَاعَةِ مَوْقِعِهِ فِي حَقِّ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَحَمْلِهِ النَّاسَ عَلَى ذِكْرِهِمْ بِذَلِكَ الْأَمْرِ الشَّنِيعِ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ لِأَصْحَابِ نَبِيِّهِمْ إلَّا بِأَنْ يُخْلِصَ التَّوْبَةَ وَيَرْجِعَ عَنْ هَذَا الْمُؤَلَّفِ رَجَاءً لِعَفْوِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُ وَلْيَحْذَرْ مِنْ أَنْ يُصِرَّ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّ فِي ذَلِكَ مَوْعِظَةً فَإِنَّهُ لَا مَوْعِظَةَ فِيهِ أَلْبَتَّةَ وَأَيُّ مَوْعِظَةٍ فِي:. فُلَانٌ الْمَيِّتُ أَعْوَرُ وَفُلَانٌ الْمَوْجُودُ أَبْرَصُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ ذِكْرِ مَا يُؤْذِي الْأَحْيَاءَ وَالْأَمْوَاتَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ تُنُزِّلَ مَعَهُ وَقِيلَ فَرَضْنَا صِحَّةَ اعْتِقَادِك الْفَاسِدِ أَنَّ فِيهِ مَوْعِظَةً لَكِنَّ فِيهِ مَفَاسِدَ لَا تُحْصَى وَمَنْ الَّذِي جَوَّزَ النَّظَرَ إلَى مَصْلَحَةٍ مَوْهُومَةٍ مُنَازَعٍ فِي وُجُودِهَا بَلْ الْحَقُّ عَدَمُهَا وَالْإِعْرَاضُ عَنْ النَّظَرِ إلَى مَفَاسِدَ مُحَقَّقَةٍ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ إلَّا جَاهِلٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ فَإِنْ قَالَ لَا يُشَنَّعُ عَلَيَّ بِمَا ذَكَرْته فِي الصَّحَابِيِّ لِأَنِّي نَاقِلُهُ وَلِأَنَّهُمْ لَا يَكْرَهُونَهُ لِزَوَالِ رَعُونَاتِ نُفُوسِهِمْ الْمُسَبَّبِ عَنْهَا كَرَاهَةُ ذَلِكَ قُلْنَا لَهُ الشَّنَاعَةُ لَازِمَةٌ لَك عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لِأَنَّك اقْتَدَيْت فِي نَقْلِ ذَلِكَ بِمَنْ لَا يُقْتَدَى بِهِ وَلِأَنَّ مَنْ نَقَلَهُ لَمْ يَسُقْهُ مَسَاقَك بَلْ سَاقَهُ مَسَاقًا آخَرَ أَخْرَجَهُ عَنْ أَنْ يَلْحَقَ مَنْ ذَكَرَهُ عَنْهُ عَارٌ بِسَبَبِهِ وَأَمَّا أَنْتَ فَقَدْ سُقْته مَسَاقًا حَامِلًا لِلْعَامَّةِ عَلَى التَّعْيِيرِ بِهِ فَكُنْت مُنْتَقِصًا لِلصَّحَابَةِ وَمُتَسَبِّبًا لِانْتِقَاصِهِمْ فَعَلَيْك وِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِذَلِكَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَمَّا زَعْمُك أَنَّهُمْ لَا يَكْرَهُونَ ذَلِكَ فَزَعْمٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ كَرَاهَتَهُ مِنْ الْأُمُورِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالطَّبْعِ الَّتِي لَا مَدْخَلَ لِلرُّعُونَةِ فِيهَا نَفْيًا وَلَا إثْبَاتًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا الْمُؤَلِّفَ إنْ تَابَ وَأَعْدَمَ ذَلِكَ الْمُصَنَّفَ فَلَا كَلَامَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ بَعْدَ الْآن وَقَبْلَهُ الْأَمْرُ فِي تَعْزِيرِهِ لِلْحَاكِمِ وَإِنْ أَبْرَمَ وَصَمَّمَ وَعَانَدَ وَلَمْ يَمْتَثِلْ لِأَئِمَّةِ الشَّرْعِ وَحُكَّامِهِ فَعَلَيْهِمْ وَعَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَيَّدَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ الدِّينَ وَقَصَمَ بِسَيْفِ عَدْلِهِ الطُّغَاةَ وَالْمُتَمَرِّدِينَ زَجْرُهُ عَنْ ذَلِكَ بِمَا يَرَوْنَهُ مِمَّا يَلِيقُ إلَى أَنْ يُظْهِرَ لَهُمْ تَوْبَتَهُ وَعَلَيْهِمْ أَيْضًا إفْسَادُ تِلْكَ الْقَبَائِحِ الَّتِي اشْتَمَلَ عَلَيْهَا ذَلِكَ الْمُؤَلَّفُ بِمَحْوِهَا مِنْهُ بَلْ وَلَهُمْ تَقْطِيعُهُ أَخْذًا مِمَّا أَفْتَى بِهِ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ مِنْ أَنَّ مَنْ بَنَى دَارًا بِرَسْمِ الْفَسَادِ هُدِمَتْ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَذَاهِبِ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ أَطْلَقَتْ التَّعْزِيرَ وَنُصُوصُ الشَّارِعِ وَأَئِمَّةُ الْمَذَاهِبِ قَاضِيَةٌ بِإِقَالَةِ ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ قُلْت مَحَلُّ ذَلِكَ فِي الصَّغِيرَةِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَالْمُؤَلَّفُ الْمَذْكُورُ اشْتَمَلَ عَلَى كَبِيرَةٍ بَلْ كَبَائِرَ تَابَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيَّ وَعَلَى مُؤَلِّفِهِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَم. (وَسُئِلَ) فِي حُرَّةٍ مَلَكَتْ مِنْ عَبْدٍ بَعْضَهُ هَلْ لَهُ الْخَلْوَةُ بِهَا وَالرُّؤْيَةُ وَالْمُسَافَرَةُ كَمَا لَوْ مَلَكَتْهُ كُلَّهُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا بُدَّ فِي حِلِّ النَّظَرِ مِنْ الْقِنِّ لِسَيِّدَتِهِ وَعَكْسُهُ مَنْ مَلَكَهَا لِجَمِيعِهِ وَإِلَّا امْتَنَعَ كَالْخَلْوَةِ وَغَيْرِهَا. (وَسُئِلَ) عَنْ امْرَأَةٍ هَلَكَتْ وَخَلَفَتْ ابْنًا وَابْنَ ابْنٍ وَأَخًا وَأَبًا وَعَتِيقَةً هَلْ يَنْتَقِلُ الْوَلَاءُ بَعْد الِابْنِ وَابْنِهِ لِلْأَخِ وَالْأَبِ

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَنْتَقِلُ الْوَلَاءُ بَعْدَ الِابْنِ ثُمَّ ابْنِهِ لِلْأَبِ لَا لِلْأَخِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ حَيْثُ قَالُوا وَيُزَوِّجُ عَتِيقَةَ الْمَرْأَةِ فِي حَيَاتِهَا بِإِذْنِ الْعَتِيقَةِ مَنْ يُزَوِّجَ الْمُعْتِقَةَ وَإِنْ لَمْ تَرْضَ فَلَا يُزَوِّجُهَا ابْنُ الْمُعْتِقَةِ نَعَمْ لَوْ كَانَتْ كَافِرَةً وَالْمُعْتِقَةُ مُسْلِمَةٌ وَوَلِيُّهَا كَافِرٌ زَوَّجَ الْعَتِيقَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى الْمُعْتِقَةِ وَلَوْ كَانَتْ مُسْلِمَةً وَالْمُعْتِقَةُ كَافِرَةٌ وَوَلِيُّهَا كَافِرٌ لَمْ يُزَوِّجْ الْعَتِيقَةَ وَإِنْ كَانَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَى الْمُعْتِقَةِ وَيُزَوِّجُ عَتِيقَتَهَا بَعْدَ مَوْتِهَا ابْنُهَا ثُمَّ ابْنُهُ ثُمَّ أَبُوهَا عَلَى تَرْتِيبِ عَصَبَةِ الْوَلَاءِ وَتَبَعِيَّةُ الْوِلَايَةِ عَلَى مُعْتِقهَا انْقَطَعَتْ بِالْمَوْتِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ عَتِيقَةِ أَبِي الِابْنِ الصَّغِيرِ هَلْ يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ أَوْ أَقْرَبُ عَصَبَةِ أَبِي الِابْنِ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي يَقْتَضِيه كَلَامُ كَثِيرِينَ أَنَّ الصِّبَا يَنْقُلُ الْوِلَايَةَ فِي بَاب الْوَلَاءِ إلَى الْأَبْعَدِ أَيْضًا وَمِنْ ثَمَّ قُلْت فِي شَرْحٍ الْإِرْشَادِ بَلْ تَكُونُ الْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ وَلَوْ فِي بَابِ الْوَلَاءِ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ شَخْصٌ أَمَةً وَمَاتَ عَنْ ابْنٍ صَغِيرٍ أَوْ فَاسِقٍ مَثَلًا كَانَتْ الْوِلَايَةُ لِلْأَخِ لَا لِلْقَاضِي كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الْعُمْرَانِيُّ تَفَقُّهًا أَيْ حَيْثُ قَالَ لَا أَعْلَمُ فِي هَذِهِ نَصًّا وَاَلَّذِي يَقْتَضِيه الْمَذْهَبُ أَنَّ الْوِلَايَةَ لِلْأَخِ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْوَلَاءِ فَرْعُ وِلَايَةِ النَّسَبِ اهـ وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَالسُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَنَقَلَهُ الْقَمُولِيُّ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ قَوْلُ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْقُوتِ عَنْ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ أَنَّهَا لِلْقَاضِي مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ وَإِنْ نُصَّ عَلَيْهِ فِيمَا لَوْ مَاتَ الْمُعْتِقُ عَنْ ابْنٍ صَغِيرٍ وَأَبٍ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلْأَبِ فَلَا يُزَوِّجُ وَإِنَّمَا يُزَوِّجُ الْحَاكِمُ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا النَّصُّ ضَعِيفًا لِقَوْلِ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ لَنَا نُصُوصًا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوِلَايَةَ لِلْأَبْعَدِ وَهُوَ الصَّوَابُ اهـ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ أَنَّ الْوِلَايَةَ تَنْتَقِلُ إلَى أَقْرَبِ عَصَبَةٍ إلَى الِابْنِ لَا إلَى الْحَاكِمِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ كَانَ الْوَلِيُّ فِي نِكَاح امْرَأَةٍ هُوَ الزَّوْجُ وَانْفَرَدَ فَهَلْ تَنْتَقِلُ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ لِمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْعَصَبَاتِ أَوْ يُزَوِّجُ الْقَاضِي؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي يُزَوِّجُهُ إنَّمَا هُوَ الْقَاضِي دُونَ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْعَصَبَاتِ لِبَقَاءِ وِلَايَتِهِ وَإِنَّمَا قَامَ بِهِ مَانِعٌ هُوَ عَدَمُ إمْكَانِ تَوَلِّيهِ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ وَحَيْثُ كَانَتْ الْوِلَايَةُ ثَابِتَةٌ لِلْقَرِيبِ وَإِنَّمَا قَامَ بِهِ مَانِعٌ مِنْهَا كَانَتْ لِلْقَاضِي بِخِلَافِ مَا إذَا قَامَ بِهِ مَانِعٌ فَإِنَّهَا تَنْتَقِلُ لِمَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْعَصَبَاتِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ قَالَتْ زَوِّجْنِي فَإِنَّهُ كُفْءٌ لِي هَلْ لِلْقَاضِي تَزْوِيجُهَا بِقَوْلِهَا أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَحْثُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ إلَّا مِنْهَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُجِيبُهَا إلَى ذَلِكَ إلَّا إنْ أَثْبَتَ أَنَّهُ كُفْءٌ لَهَا أَخْذًا مِنْ قَوْل الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا لَوْ جَاءَ جَمَاعَةٌ فِي أَيْدِيهِمْ دَارٌ مُشْتَرَكَةٌ وَلَا مُنَازِعَ لَهُمْ وَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهَا بَيْنَهُمْ لَهُمْ وَطَلَبُوا مِنْهُ قِسْمَتَهَا لَمْ يُجَابُوا حَتَّى يُقِيمُوا عِنْده بَيِّنَةً بِأَنَّهَا مِلْكُهُمْ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ فِي أَيْدِيهِمْ بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ فَإِذَا قَسَّمَهَا بَيْنَهُمْ فَقَدْ يَدَّعُونَ الْمِلْكَ مُحْتَجِّينَ بِقِسْمَةِ الْقَاضِي وَاعْتَرَضَ ابْنُ سُرَيْجٍ عَلَى إجَابَتِهِ لَهُمْ إذَا أَثْبَتُوا عِنْده الْمِلْكَ بِأَنَّ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا تُقَامُ وَتُسْمَعُ عَلَى خَصْمٍ وَلَا خَصْمَ وَأَجَابَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ تَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ لَهُمْ بِالْمِلْكِ وَقَدْ يَكُونُ لَهُمْ خَصْمٌ غَائِبٌ فَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ لِيَحْكُمَ لَهُمْ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَفِي الْجَوَابِ نَظَرٌ اهـ وَإِنَّمَا الْقَصْدُ بِهِ تَقْوِيَةُ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْيَدُ مِنْ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُمْ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ تَصَرُّفَ الْقَاضِي بَعْد الْمُرَافَعَةِ إلَيْهِ حُكْمٌ فَاحْتِيجَ إلَى اسْتِنَادِهِ إلَى أَمْرٍ أَقْوَى مِنْ مُجَرَّدِ الْيَدِ فَلَزِمَهُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُمْ ذَلِكَ وَهُوَ الْبَيِّنَةُ الَّتِي تَشْهَدُ لَهُمْ بِالْمِلْكِ لِيَكُونَ حُكْمُهُ مُسْتَنِدًا إلَيْهَا وَكَوْنُ الْبَيِّنَةِ إنَّمَا تُقَامُ وَتُسْمَعُ عَلَى خَصْمٍ إنَّمَا هُوَ الْغَالِبُ فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَكَذَا يُقَالُ بِنَظِيرِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّهَا إذَا طَلَبَتْ مِنْهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ كَانَ تَزْوِيجُهُ حُكْمًا بِصِحَّةِ النِّكَاحِ وَالْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الْكَفَاءَةِ وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهَا فَاحْتِيجَ إلَى إقَامَتِهَا الْبَيِّنَةَ عِنْدَهُ أَنَّهُ كُفْءٌ لَهَا حَتَّى يَكُونَ حُكْمُهُ مُسْتَنِدًا إلَى ذَلِكَ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا وَيَأْتِي هُنَا مَا مَرَّ مِنْ الْأَشْكَالِ وَالْجَوَابِ وَقَوْلُ السَّائِلِ أَنَّ ذَلِكَ أَيْ كَفَاءَةَ الزَّوْجِ وَعَدَمَهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا فَمَمْنُوعٌ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ بَلْ عِلْم ذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ إسْنَادُهُ إلَى قَوْلِهَا بَلْ إلَى قَوْلِ غَيْرِهَا بِشَرْطِهِ وَمِثْلُ مَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا دَعْوَاهَا وَهِيَ بَالِغَةٌ الْبَكَارَةَ فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا بِلَا يَمِينٍ وَلَا يُكْشَفُ عَنْ حَالِهَا قَالُوا وَلَا يُكْشَفُ عَنْ حَالِهَا لِأَنَّهَا أَعْلَمُ بِهِ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا أَرَادَ شَخْصٌ تَزْوِيجَ

مَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّزْوِيجِ عَلَيْهَا وَالشُّهُودُ لَمْ يَعْرِفُوهَا أَوْ عَرَفُوهَا بِإِعْلَامِ النَّاس لَا بِالنَّظَرِ إلَيْهَا فَمَا حُكْمُ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْإِشْهَاد عَلَى رِضَا الْمَرْأَة حَيْثُ يُعْتَبَرُ رِضَاهَا لَا يُشْتَرَطُ وَإِنَّمَا هُوَ مَنْدُوبٌ فَقَطْ وَإِنْ كَانَ الْعَاقِدُ الْحَاكِمَ كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُهُمْ وَبِهِ أَفْتَى الْقَاضِي وَالْبَغَوِيُّ وَقَوْلُ الْبُلْقِينِيُّ كَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَا يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ إذْنُهَا لِأَنَّهُ يَلِي ذَلِكَ بِجِهَةِ الْحُكْمِ فَيَجِبُ ظُهُورُ مُسْتَنَدِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ تَصَرُّفَ الْحَاكِمِ حُكْمٌ وَقَدْ اضْطَرَبَ فِيهِ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَصَحَّحَ السُّبْكِيّ وِفَاقًا لِلْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ اهـ وَمَحَلُّهُ فِي تَصَرُّفٍ مُبْتَدَأٍ أَمَّا تَصَرُّفُهُ بَعْدَ الرَّفْعِ إلَيْهِ فِي شَيْءٍ فَهُوَ حُكْمٌ إذَا عَرَفْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ الْإِشْهَادَ لَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّةِ النِّكَاحِ وَأَنَّهُ يَصِحُّ بِدُونِهِ فَحِينَئِذٍ لَا فَرْقَ بَيْنَ رُؤْيَةِ الشُّهُودِ وَعَدَمِ رُؤْيَتِهِمْ لَهَا نَعَمْ إنْ قِيلَ بِأَنَّ الْإِشْهَادَ شَرْطٌ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ رُؤْيَةِ الْعَدْلَيْنِ لَهَا لَكِنَّ الْعَمَلَ عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي تَعْرِيفُ عَدْلَيْنِ أَوْ عَدْلٍ لَهَا بِاسْمِهَا وَنَسَبِهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَم. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا وُكِّلَ الْمُجْبَرُ بِتَزْوِيجِ بِنْتِهِ أَوْ بِنْتِ ابْنِهِ ثُمَّ غَابَ غَيْبَةً بَعِيدَةً قَبْلَ الْعَقْدِ فَهَلْ يُزَوِّجُ الْوَكِيلُ أَوْ الْقَاضِي؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي يُزَوِّجُ هُوَ الْوَكِيل دُونَ الْقَاضِي وَمَا وَقَعَ فِي تَحْرِيرِ أَبِي زُرْعَةَ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّعِيفِ وَهُوَ أَنَّ الْقَاضِيَ يُزَوِّجُ بِالْوِلَايَةِ لَا بِالنِّيَابَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُزَوِّجُ بِنِيَابَةٍ اقْتَضَتْهَا الْوِلَايَةُ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ حَيْثُ قُلْت هَلْ يُزَوِّجُ السُّلْطَانُ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ أَوْ بِالنِّيَابَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَجْهَانِ وَبَعْضُ الْفُرُوعِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الْأَوَّلِ وَبَعْضُهَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الثَّانِي لَكِنَّ فُرُوعَ الْأَوَّلِ أَكْثَرُ وَمِنْ ثَمَّ رَجَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَكَلَامُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ يَقْتَضِيه فِيمَا إذَا زَوَّجَ فِي غَيْبَةِ الْوَلِيِّ فَمِنْ ذَلِكَ تَزْوِيجُهُ مُوَلِّيَةَ الرَّجُلِ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ نِكَاحَ مَنْ غَابَ وَلِيُّهَا زَوَّجَهَا أَحَدُ نُوَّابِهِ أَوْ قَاضٍ آخَر وَلَوْ كَانَ بِالنِّيَابَةِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ وَمِنْ فُرُوعِ الثَّانِي عَدَمُ صِحَّةِ تَزْوِيجِهِ بِغَيْرِ الْكُفْءِ وَإِنْ رَضِيَتْ وَتَقْدِيمُ الْحَاضِرِ فِيمَا لَوْ كَانَ لَهَا وَلِيَّانِ وَالْأَقْرَبُ غَائِبٌ وَلَوْ كَانَ بِالْوِلَايَةِ لَصَحَّ النِّكَاحُ فِي الْأُولَى وَقُدِّمَ عَلَيْهِ الْحَاضِرُ فِي الثَّانِيَةِ وَلَوْ قِيلَ أَنَّهُ فِي الْغَيْبَةِ وَنَحْوِهَا يُزَوِّجُ بِنِيَابَةٍ اقْتَضَتْهَا الْوِلَايَةُ وَعِنْدَ عَدَمِ الْوَلِيِّ يُزَوِّجُ بِالْوِلَايَةِ لَكَانَ مُتَّجَهًا ثُمَّ رَأَيْت الْإِمَامَ ذَكَرَ بَعْضَ ذَلِكَ حَيْثُ صَحَّحَ فِيمَا إذَا زَوَّجَ لِلْغَيْبَةِ أَنَّهُ بِنِيَابَةٍ اقْتَضَتْهَا الْوِلَايَةُ وَكَلَامُهُ مُحْتَمَلٌ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلِيِّ وَالْأَوْجَهُ فِيهِ مَا ذَكَرْته انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) هَلْ يَجُوزُ تَزْوِيجُ أَمَةَ الْيَتِيمِ بِعَبْدِهِ؟ (فَأَجَابَ) لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ عَبْدَ الْمَحْجُورِ لَا بِأَمَتِهِ وَلَا بِغَيْرِهَا وَأَمَّا أَمَتُهُ فَيُزَوِّجُهَا أَبُوهُ وَجَدُّهُ بِالْمَصْلَحَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ ثَانِيَةً فَهَلْ يُسْتَحَبُّ لِلْعَاقِدِ وَعْظُهُ بِأَنْ لَا يَظْلِمَ إحْدَاهُمَا وَمَا هُوَ مِنْ الْوَعْظِ أَوْجَزُ وَأَنْفَعُ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يُسْتَحَبُّ لِلْعَاقِدِ ذَلِكَ كَمَا شَمِلَهُ اسْتِحْبَابُهُمْ تَقْدِيمَ الْخُطْبَةِ عَلَى الْخِطْبَةِ وَعَلَى الْعَقْدِ قَالُوا وَمِنْ جُمْلَةِ تِلْكَ الْخُطْبَةِ الْوَصِيَّةُ بِالتَّقْوَى وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُمْ يُسَنُّ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُقَدِّمَ عَلَى الْعَقْدِ أُزَوِّجُكَ هَذِهِ أَوْ زَوَّجْتُكهَا عَلَى أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ مِنْ إمْسَاكٍ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٍ بِإِحْسَانٍ وَمِنْ جُمْلَةِ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ أَنْ لَا يَظْلِمَ إحْدَاهُمَا إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ يَكْفِي فِي هَذِهِ السُّنَّةِ قَوْلُهُ أُزَوِّجُكهَا عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ إلَخْ وَأَنَّ هَذَا أَوْجَزُ وَأَنْفَعُ فِي الْوَعْظِ لِأَنَّ فِيهِ تَنْبِيهًا عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِذَلِكَ وَعَلَى أَنَّهُ مَعْرُوفٌ وَالْمَعْرُوفُ لَا يَنْبَغِي لِذِي مُرُوءَةٍ أَوْ دِينٍ أَنْ يَعْدِلَ عَنْهُ وَعَلَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سَهَّلَ ذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ حَيْثُ لَمْ يُوجِبْهُ عَلَيْهِمْ عَيْنًا بَلْ خَيَّرَهُمْ بَيْنَ هَذَا الْمَعْرُوفِ وَتَرْكِهِ بِقَوْلِهِ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَعَلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَحَرَّى الْخَيْرَ فِي كُلٍّ مِنْ أَحْوَالِهِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ التَّسْرِيحِ بِالْإِحْسَانِ وَكُلٌّ مِنْ الْمَعْرُوفِ وَالْإِحْسَانِ خَيْرٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) فِي امْرَأَةٍ أَذِنَتْ لِقَاضٍ وَهِيَ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ بِتَزْوِيجِهَا فَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ لَمْ يَعْرِفْ اسْمَهَا وَنَسَبَهَا إلَّا مِنْهَا أَنْ يُخْبِرَ الْقَاضِيَ بِذَلِكَ وَهَلْ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يُزَوِّجَهَا بِهَذَا الْخَبَرِ وَالْحَالُ أَنَّهَا غَائِبَةُ عَنْ مَجْلِسِهِ أَوْ لَا فَكَيْف الطَّرِيقُ فِي تَزْوِيجِهَا إذَا تَعَذَّرَ حُضُورُهَا عِنْدَهُ لِيُشِيرَ إلَيْهَا

وَهَلْ تَكْفِي الْإِشَارَةُ إلَيْهَا فِي تَزْوِيجَهَا إذَا حَضَرَتْ وَهِيَ مُنْتَقِبَةٌ أَوْ كَانَتْ فِي قِطْعَةٍ مِنْ بَيْتٍ وَحْدَهَا وَقَالَ زَوَّجْتُك الْمَرْأَةَ الَّتِي فِي هَذَا الْبَيْتِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَعْتَمِدَ فِي الِاسْمِ وَالنَّسَبِ عَلَى ذِكْرِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَلَا يُشْهَدُ عَلَى امْرَأَةٍ فِي غَيْبَتِهَا بِهِمَا وَلَا يُخْبَرُ الْقَاضِي بِذَلِكَ أَوَّلًا لِيُزَوِّجَهَا فِي غَيْبَتِهَا مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهَا فِي مَجْلِسِهِ حَتَّى يُشِيرَ إلَيْهَا فَإِنْ تَعَذَّرَ أَوْ تَعَسَّرَ حُضُورُهَا مَجْلِسَهُ أَرْسَلَ إلَيْهَا نَائِبَهُ لِيُزَوِّجَهَا مُشِيرًا إلَيْهَا وَتَكْفِي الْإِشَارَةُ إلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ مُنْتَقِبَةً أَوْ فِي بَيْتٍ وَحْدَهَا كَأَنْ يَقُولَ زَوَّجْتُك هَذِهِ الَّتِي فِي هَذَا الْبَيْتِ وَمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّهُ تَكْفِي الْإِشَارَةُ إلَى الْمُنْتَقِبَةِ هُوَ مَا عَلَيْهِ الْعِرَاقِيُّونَ بَلْ الْأَصْحَابُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَإِنَّهُمْ أَطْلَقُوا الصِّحَّةَ فِيمَا إذَا قَالَ زَوَّجْتُك هَذِهِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْمُنْتَقِبَةِ وَغَيْرِهَا وَقَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ هَذَا أَيْضًا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ الشُّهُودِ حِينَئِذٍ بِكَوْنِ الْمَنْكُوحَةِ بِنْتًا لِلْوَلِيِّ أَوْ أُخْتَهُ أَوْ أَمَتَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَوَجَّهَ ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ وَابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّ النِّكَاحَ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الرُّؤْيَةُ كَذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْوَصْفُ وَالنِّسْبَةُ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْمُتَوَلِّي فَقَالَ وَطَرِيقُ الْعِلْمِ إمَّا بِالنَّسَبِ وَالِاسْمِ أَوْ بِالْمُعَايَنَةِ فَلَوْ قَالَ زَوَّجْتُك هَذِهِ مُنْتَقِبَةً أَوْ وَهِيَ وَرَاءُ سِتْرٍ وَالزَّوْجُ لَا يَعْرِفُهَا بِوَجْهِهَا وَلَا ذَكَرَ اسْمِهَا لَمْ يَصِحْ لِأَنَّهَا مَجْهُولَةٌ وَعَلَامَتُهُ أَنَّهُ لَوْ رَآهَا مَعَ غَيْرِهَا لَمْ يُمْكِنْهُ التَّمْيِيزُ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا إلَّا بَعْدَ أَنْ يَعْرِفَهَا بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ أَوْ بِالْمُشَاهَدَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِأَحَدِ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ اهـ. وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيّ لَوْ جَاءَا لِقَاضٍ فَقَالَا إنَّ فُلَانَة بِنْتَ فُلَانٍ أَذِنَتْ لَك فِي تَزْوِيجِهَا مِنْ فُلَانٍ بْن فُلَانٍ وَالْقَاضِي لَا يَعْرِفُهَا وَيَعْرِفُهَا الْخَاطِبُ وَالشُّهُودُ فَزَوَّجَ صَحَّ بَعْدَ ذِكْرِ نَسَبِهَا فَلَوْ جَاءَ فَقِيهٌ لِقَاضٍ فَقَالَ لَهُ ائْذَنْ لِي فِي تَزْوِيجِ امْرَأَةٍ فِي مَحَلَّتِي وَالْقَاضِي لَا يَعْرِفُهَا فَإِنْ ذَكَرَ الْفَقِيهُ اسْمَهَا وَنَسَبَهَا فَأَذِنَ لَهُ جَازَ اهـ وَيُؤَيِّد مَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي قَوْلُ الرَّافِعِيّ فِي الشَّهَادَاتِ وَرَدَّ عَلَى الْقَفَّالِ مِنْ الْقَاضِي لِيُزَوِّجَ فُلَانَةَ مِنْ خَاطِبِهَا أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَكَانَ الْخَاطِبُ جَارَهُ فَقَالَ لَهُ إنَّمَا أَعْرِفك بِأَحْمَدَ بْنِ هِبَةِ اللَّهِ لَا بِأَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَلَمْ يُزَوِّجْهَا مِنْهُ وَوَجْهُ امْتِنَاعِهِ أَنَّ تَعْيِينَ الزَّوْجِ شَرْطٌ فَلَا بُدُّ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ الْعَاقِدِ أَنَّ هَذَا الْخَاطِبَ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي أَذِنَ الْقَاضِي فِي تَزْوِيجِهِ وَجَمَعَ الْأَذْرَعِيُّ بَيْن مَا أَطْلَقُوهُ مِنْ الصِّحَّةِ وَبَيْنَ مَا فَصَّلَهُ الْمُتَوَلِّي مِنْ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مُسَافِرَةً صَحَّ وَإِلَّا فَلَا بِأَنَّ مَا أَطْلَقُوهُ مَحَلُّهُ إذَا كَانَ الْمُزَوِّجُ الْأَبَ أَوْ نَحْوَهُ مِمَّنْ يُعْلَمُ نَسَبُهُ مِنْهَا فَتَصِيرُ مَعْلُومَةَ النَّسَبِ عِنْدَ الزَّوْجِ وَمَا قَيَّدَهُ مَحَلُّهُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُزَوِّجُ لَا يُعْلَمُ نَسَبُهُ مِنْهَا كَالْقَاضِي. وَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْ أَشْعَارِ كَلَامِ كَثِيرِينَ وَلَمْ يَرْتَضِ ابْنُ الْعِمَادِ تَفْصِيلَ الْمُتَوَلِّي فَإِنَّهُ عَقَّبَهُ بِإِطْلَاقِ جَمْعِ الصِّحَّةِ ثُمَّ قَالَ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ الزَّوْجِ بِكَوْنِ الْمَنْكُوحَةِ بِنْتًا لِلْوَلِيِّ مَثَلًا وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ زَوَّجْتُك ابْنَتِي هَذِهِ صَحَّ قَطْعًا قَالَ وَمَنْ أَطْلَقَ الصِّحَّةَ نَظَرَ إلَى أَنَّ النِّكَاحَ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الرُّؤْيَةُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْوَصْفُ وَالنَّسَبُ ثُمَّ جَعَلَ كَلَامَ الْمُتَوَلِّي أَحْوَطَ ثُمَّ أَفْسَدَهُ بِصِحَّةِ تَزْوِيجِ الْأَعْمَى مَعَ كَوْنِهِ لَا يُمْكِنُهُ الرُّؤْيَةُ قَالَ لَكِنْ لَهُ أَيْ الْمُتَوَلِّي أَنْ يَلْتَزِمَ عَدَمَ الصِّحَّةِ فِيمَا إذَا قَالَ لِلْأَعْمَى زَوَّجْتُك هَذِهِ الْحَاضِرَةَ أَوْ الَّتِي فِي الدَّارِ إذَا لَمْ يَنْسُبْهَا وَجَرَى فِي الْخَادِمِ عَلَى الْجَمْع السَّابِقِ عَنْ شَيْخِهِ الْأَذْرَعِيُّ بَيْنَ إطْلَاقِهِمْ وَتَفْصِيلِ الْمُتَوَلِّي ثُمَّ وُجِّهَ إطْلَاقُهُمْ بِمَا مَرَّ عَنْهُ أَيْضًا ثُمَّ جَرَى عَلَى مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الْعِمَادِ مِنْ أَنَّ مَقَالَةَ الْمُتَوَلِّي أَحْوَطُ وَأَنَّهَا مَنْقُوضَةٌ بِالْأَعْمَى وَأَنَّ لَهُ أَنْ يَلْتَزِمَ مَا مَرَّ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ الْجُرْجَانِيِّ الصَّرِيحَ فِي الصِّحَّةِ مُطْلَقًا وَهُوَ لَا بُدَّ أَنْ يُمَيِّزَهَا بِالْإِشَارَةِ مَعَ حُضُورِهَا فَإِنْ ذَكَرَ مَعَ ذَلِكَ اسْمَهَا وَصِفَتَهَا كَانَ تَأْكِيدًا لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى عَيْنِ الْمَعْقُود تُغْنِي عَنْ اسْمِهِ وَصِفَتِهِ كَبَيْعِ الْحَاضِرِ قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَابْنُ الْعِمَادِ وَمَحَلُّ الِاكْتِفَاءِ بِالْإِشَارَةِ أَوْ نَحْوِ الِاسْمِ فِي الْمُجْبَرِ فَفِي غَيْرِهِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ صِفَتِهَا وَرَفْعِ نَسَبِهَا إلَى أَنْ يَنْتَفِيَ الِاشْتِرَاكُ فَإِنْ ذُكِرَ اسْمَ أَبِيهَا وَحْدَهُ وَلَا مُشَارِكَ لَهُ فِي الْبَلَدِ صَحَّ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ لِعَدَمِ التَّمْيِيزِ زَادَ ابْنُ الْعِمَادِ وَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الشُّهُودِ لِلْمَرْأَةِ وَلَا أَنَّهَا بِنْتُ الْمُزَوِّجِ مَثَلًا لَكِنْ لَا يَشْهَدُونَ بِأَنَّهَا بِنْتُهُ بَلْ بِصُورَةِ الْعَقْدِ كَمَا فِي

فَتَاوَى الْقَاضِي وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَصْحَابَ أَطْلَقُوا فِي مَسْأَلَتِنَا الصِّحَّةَ وَأَنَّ تَفْصِيل الْمُتَوَلِّي إمَّا ضَعِيفٌ وَهُوَ الْأَقْرَبُ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْأَذْرَعِيُّ وَالزَّرْكَشِيّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذَا كَانَ فِسْقُ الْوَلِيِّ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ مُوَلِّيَتَهُ أَمْ لَا وَإِذَا كَانَ فِسْقُ الْقَاضِي بِغَيْرِ فِسْقِ الْوَلِيِّ فَمَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ مِنْهُمَا وَإِذَا كَثُرَ الْفِسْقُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ فَهَلْ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَوِّجَ تَارِكُ الصَّلَاةِ مُوَلِّيَتَهُ لِفِسْقِهِ فَتَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ ثُمَّ لِلْقَاضِي مُطْلَقًا لَكِنْ اخْتَارَ النَّوَوِيُّ كَابْنِ الصَّلَاحِ مَا أَفْتَى بِهِ الْغَزَالِيُّ مِنْ بَقَائِهَا لِلْوَلِيِّ إذَا كَانَتْ تَنْتَقِلُ إلَى حَاكِمٍ فَاسِقٍ بِمَا لَا يَنْعَزِلُ بِهِ وَلَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِحَضْرَةِ فَاسِقٍ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْفِسْقِ وَإِنَّمَا غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ وَتَعَسُّرِ وُجُودِ الْعَدَالَةِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ فِي شُهُودِهِ اُكْتُفِيَ فِيهِ بِالْمَسْتُورِينَ وَالْمَسْتُورُ هُوَ مَنْ عُرِفَ ظَاهِرُهُ بِالْخَيْرِ وَالتَّصَوُّنِ وَلَمْ يُعْرَفْ بَاطِنُهُ بِالتَّزْكِيَةِ عِنْد الْقَاضِي، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَسُئِلَ زَوَّجَ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ مُوَلِّيَتَهُ وَهِيَ بِكْرٌ بَالِغٌ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ بِمَهْرِ مِثْلٍ مُؤَجَّلٍ عَلَى مُعْسِرٍ غَيْرِ كُفْءٍ لَهَا هَلْ هَذَا الْعَقْدُ صَحِيحٌ أَوْ لَا وَمَا الْحُكْمُ إذَا عَقَدَ الْحَاكِم الشَّرْعِيُّ عِنْدَ غَيْبَةِ الْوَلِيِّ بِالْبِنْتِ الْبِكْرِ الْبَالِغِ عَلَى شَخْصٍ بِالْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ هَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَوْ لَا وَإِذَا عَقَدَ الْوَلِيُّ أَوْ الْحَاكِمُ لَامْرَأَةٍ بَالِغَةٍ ثَيِّبَةٍ رَشِيدَةٍ عَلَى شَخْصٍ غَيْرِ كُفْءٍ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ بِهِ عَلَى مُعْسِرٍ بِإِذْنِهَا وَرِضَاهَا هَلْ هَذَا صَحِيحٌ أَمْ لَا وَإِذَا كَانَ لَهَا أَوْلِيَاءٌ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَعْقِدَ بِهَا عَلَى نَفْسِهِ مَنْ يَعْقِدُ بِهَا الْحَاكِمُ الشَّرْعِيُّ أَوْ بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ بِرِضَاهُمْ وَرِضَاهَا سَوَاءٌ أَكَانَتْ بِكْرًا بَالِغًا أَوْ ثَيِّبًا أَمْ لَا وَهَلْ يَكُونُ حُكْمُ الْمَرْأَةِ الثَّيِّبِ السَّفِيهَةِ كَالْبِكْرِ إذَا عَقَدَ بِهَا عَلَى الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ تَزْوِيجُ الْمُجْبَرِ أَوْ غَيْرِهِ مُعْسِرًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ غَيْرَ كُفْءٍ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْمَرْأَةِ أَوْ مَعَ صِغَرِهَا بَاطِلٌ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا لَزِمَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَعَقْدُ الْحَاكِمِ بِغَيْرِ كُفْءٍ بَاطِلٌ وَكَذَا بِمُعْسِرٍ إلَّا إنْ رَضِيَتْ بِهِ مَنْ يُعْتَبَرُ رِضَاهَا وَيُزَوِّجُ الْوَلِيُّ كَابْنِ الْعَمِّ مُسَاوِيَةً فِي دَرَجَتِهِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَالْحَاكِمُ هَذَا كُلُّهُ فِي بَالِغَةٍ بِكْرٍ أَوْ ثَيِّبٍ رَشِيدَةٍ أَوْ سَفِيهَةٍ أَذِنَتْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) أَفْتَى جَمْعٌ بِامْتِنَاعِ تَزْوِيجِ الْمُجْبَرِ بِنْتَه الصَّغِيرَةَ مِنْ تَارِكِ الصَّلَاةِ فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ هُوَ كَذَلِكَ حَيْثُ فَسَقَ بِالتَّرْكِ وَلَوْ بِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ كُفْءٍ لَهَا لِفِسْقِهِ وَعِفَّتِهَا إذْ الْقَلَمُ مَرْفُوعٌ عَنْهَا نَعَمْ لَوْ تَابَ الزَّوْجُ الْفَاسِقُ تَوْبَةً صَحِيحَةً فَالْوَجْهُ خِلَافًا لِمَا فِي الْخَادِمِ أَنَّهُ يَأْتِي فِيهِ مَا لَوْ تَابَ الْوَلِيُّ الْفَاسِقُ هَلْ يُزَوِّجُ فِي الْحَالِ أَوْ لَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُزَوِّجُ فِي الْحَالِ وَالْكَلَامُ فِي فِسْقٍ بِغَيْرِ تَرْكِ الصَّلَاةِ وَإِلَّا فَشَرْطُ صِحَّةِ التَّوْبَةِ مِنْهُ قَضَاءُ مَا عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) فِي رَجُلٍ جَامَعَ زَوْجَتَهُ مُتَفَكِّرًا فِي مَحَاسِنِ أَجْنَبِيَّةٍ فَهَلْ يُحَرَّمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي أَفْتَى بِهِ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْبَزْرِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ وَقَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي تَرْجَمَتِهِ ابْنُ السُّبْكِيّ فِي طَبَقَاتِهِ وَرَجَّحَ عَدَمَ التَّأْثِيمِ لِحَدِيثِ «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ» أَيْ بِالْعَمَلِ الَّذِي عَزَمَ عَلَيْهِ وَهَذَا لَمْ يَعْمَلْ بِمَا عَزَمَ عَلَيْهِ اهـ وَيُؤَيِّدُ التَّحْرِيمَ قَوْلُ الْقَاضِي فِي الصَّوْمِ مِنْ تَعْلِيقِهِ كَمَا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ لِمَا لَا يَحِلُّ لَهُ يُحَرَّمُ التَّفَكُّرُ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ} [البقرة: 267] فَمَنَعَ مِنْ التَّيَمُّمِ مِمَّا لَا يَحِلُّ كَمَا مَنَعَ مِنْ النَّظَرِ إلَى مَا لَا يَحِلُّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) دَلَّتْ الْقَرَائِنُ فِي إذْنِ امْرَأَةٍ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا عَلَى شِدَّةِ شَبَقِهَا فَزَوَّجَهَا بِطِفْلٍ كُفْءٍ لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهُ فَهَلْ يَصِحُّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ صَرِيحُ مَا فِي الْخَادِمِ عَنْ النَّصِّ فِي مَبْحَثِ مَا لَوْ زَوَّجَ الْمُجْبِرُ الصَّغِيرَ أَوْ الصَّغِيرَةَ بِنَحْوِ أَعْمًى عَدَمُ الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَتنَا وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ لِأَنَّ الْوَلِيَّ عِنْد الْإِذْنِ الْمُطْلَقِ يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ الْمَصْلَحَةِ وَلَا مَصْلَحَةَ لَهَا عِنْدَ التَّوَقَانِ فِي تَزْوِيجِ الطِّفْلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ مُدْرَكًا لَا نَقْلًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) اعْتَرَفَ الْوَلِيُّ بِأَنَّ بَيْنَ الْخَاطِبِ وَالْمَخْطُوبَةِ رَضَاعًا مُحَرَّمًا فَهَلْ يُزَوِّجُهَا الْقَاضِي أَوْ الْأَبْعَدُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْقِيَاسُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّ الَّذِي يُزَوِّجُهَا هُوَ الْقَاضِي لِبَقَاءِ وِلَايَةِ الْوَلِيِّ فَهُوَ كَالْعَاضِلِ. (وَسُئِلَ) عَنْ

امْرَأَةٍ أَذِنَتْ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا وَلَمْ تُعَيِّنْ أَحَدًا فَزَوَّجَهَا مِنْ طِفْلٍ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَهِيَ تَظُنُّ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُهَا إلَّا مِنْ بَالِغٍ لِشِدَّةِ تَوَقَانِهَا إلَى الْوَطْءِ مَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَصِحُّ تَزْوِيجُهُ الْمَرْأَةَ مِنْ الطِّفْلِ الْمَذْكُورِ إنْ كَانَ كُفُؤًا لَهَا فِي الصِّفَاتِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْكَفَاءَةِ وَلَا نَظَرَ لِشِدَّةِ تَوَقَانهَا إلَى الْوَطْءِ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهَا فِيهِ وَلَا مُطَالَبَةَ إلَّا عِنْدَ الْيَأْسِ مِنْهُ بِنَحْوِ الْعُنَّةِ أَوْ الِامْتِنَاعِ مِنْهُ بِالْحَلِفِ فِي الْإِيلَاءِ وَأَمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ كَمَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَا حَقَّ لَهَا فِيهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ مَسْأَلَةٍ وَقَعَ فِيهَا جَوَابَانِ صُورَتُهَا امْرَأَةُ لَا وَلِيَّ لَهَا وَلَّتْ أَمَرَهَا رَجُلًا فَزَوَّجَهَا فَهَلْ يَصِحُّ نِكَاحُهَا أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ الْأَوَّلُ) فَقَالَ يَصِحُّ نِكَاحُهَا إذَا وَلَّتْ أَمَرَهَا رَجُلًا لِأَنَّ يُونُسَ بْنَ عَبْدِ الْأَعْلَى رَوَى عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ فِي الرُّفْقَةِ امْرَأَةٌ لَا وَلِيَّ لَهَا فَوَلَّتْ أَمَرَهَا رَجُلًا فَزَوَّجَهَا جَازَ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ ابْنُ مَأْمُونٍ وَكَانَ مَشْهُورًا مِنْ جُمْلَةِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سَمِعْت الْمُزَنِيَّ يَقُولُ سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي جِوَارِ قَوْمٍ لَيْسَ لَهَا زَوْجٌ وَلَا هِيَ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ وَلَا لَهَا وَلِيٌّ حَاضِرٌ فَوَلَّتْ أَمَرَهَا رَجُلًا مِنْ صَالِحِي جِيرَانِهَا فَزَوَّجَهَا تَزْوِيجًا صَحِيحًا فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ قَالَ الْمُزَنِيّ فَقُلْت لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّا نَحْفَظُ عَنْك فِي كُتُبِك أَنَّ النِّكَاحَ بَاطِلٌ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّ الْأَمْرَ إذَا ضَاقَ اتَّسَعَ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ أَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا حَاضِرٌ وَلَا لَهَا زَوْجٌ وَلَا هِيَ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجٍ قَالَ الْإِمَامُ الْأَزْرَقُ وَحُكْمُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي لَا حَاكِمَ فِيهَا وَلَا يَمْتَدُّ إلَيْهَا أَمْرُ الْحُكَّامِ مِنْ الرُّفْقَةِ فِيمَا يَظْهَرُ فِي جَوَازِ تَوَلِّي أَمْرِهَا إلَى عَدْلٍ. وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ فِي أَدَبِ الْقُضَاةِ أَنَّا إذَا جَوَّزْنَا التَّحْكِيمَ فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ فَخَطَبَ امْرَأَةً وَحَكَّمَا فِي التَّزْوِيجِ رَجُلًا كَانَ لَهُ أَنْ يُزَوِّج قَالَ الرُّويَانِيّ فِي الْحِلْيَةِ يَجُوزُ التَّحْكِيمُ وَالتَّزْوِيجُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي طَاهِرٍ الزِّيَادِيِّ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيِّ وَمَشَايِخِ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَالْفَتْوَى عَلَى هَذَا خَاصَّةً فِي هَذَا الزَّمَانِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَلِيَ حَاضِرٌ مِنْ نَسَبٍ أَوْ مُعْتِقٌ كَذَا قَالَ الْإِمَامُ الْأَذْرَعِيُّ فِي الدَّعَاوَى فِي شَرْح الْمِنْهَاجِ لَهُ قَالَ فِي النِّكَاحِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالْمُخْتَارُ دَلِيلًا الْمُوَافِقُ لِلنَّصَّيْنِ جَوَازُ تَفْوِيضِ أَمْرِهَا إلَى عَدْلٍ عِنْدَ فَقْدِ الْحَاكِمِ وَمَنْ فَوْقَهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ فِي الْبَلَدِ وَمَا يُقَرِّبُ مِنْهُ إذَا دَعَتْ حَاجَتُهَا إلَى النِّكَاحِ قَالَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ هَذَا مُخَالِفًا لِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَيَكُونُ مَوْضِعُ الْمَنْعِ عَلَى الْمَذْهَبِ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ نُصُوصِهِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْأَذْرَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اهـ (وَأَجَابَ الثَّانِي) فَقَالَ هَذَا الْجَوَابُ الْأَوَّلُ لَيْسَ بِمُتَّجَهٍ لِأُمُورٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْعَبَّادِيَّ قَالَ فِي الطَّبَقَاتِ إنَّ هَذَا النَّصَّ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ أَئِمَّةِ الشَّافِعِيَّةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَبِلَهُ وَقَالَ إنَّهُ تَحْكِيمٌ وَالْمُحَكِّمُ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَاكِمِ وَقَدْ صَحَّحَ تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ السُّبْكِيّ إنْكَارَ رِوَايَةِ يُونُسَ وَأَنَّهَا لَا تَتَزَوَّج عِنْدَ فَقْدِ الْحَاكِمِ اهـ وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ الْآتِي ذِكْرُهُ فِي الْأَمْرِ الثَّانِي ثُمَّ قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ وَمَرَادُهُ مَا إذَا كَانَ الْمُحَكَّمُ صَالِحًا لِلْقَضَاءِ وَبِهِ أَفْتَى صَاحِبُ الْمُهَذَّب وَنَقَلَهُ الْعَبَّادِيُّ عَنْ غَيْرِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيّ فِي الْخَادِمِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ تَفَرُّدُ يُونُسَ بِهَذَا النَّقْلِ وَالتَّوَقُّفُ فِيهِ وَقَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّ النَّصّ الَّذِي رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى مُتَوَقِّفٌ فِي ثُبُوتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْهُ أَهْلُ التَّحْقِيقِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي أَوَّلِ مَعَالِمِ السُّنَنِ وَلِذَلِكَ تَجِدُ أَصْحَابَ الشَّافِعِيِّ أَنَّمَا يُعَوِّلُونَ فِي مَذْهَبِهِ عَلَى رِوَايَةِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَالْمُزَنِيّ. فَإِذَا جَاءَتْ رِوَايَةُ حَرْمَلَةَ وَالْجِيزِيِّ وَأَمْثَالِهِمَا لَمْ يَلْتَفِتُوا إلَيْهَا وَلَمْ يَعْتَدُّوا بِهَا فِي أَقَاوِيلِهِ قَالَ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يَثْبُت بِاخْتِيَارِ النَّوَوِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَإِنَّهُ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِيمَا رَجَحَ دَلِيلُهُ عِنْده لَا مِنْ جِهَةِ الْمَذْهَبِ وَنَحْنُ شَافِعِيَّةٌ لَا نَوَوِيَّةٌ اهـ مَا قَالَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ فَعَلَى هَذَا مَا اخْتَارَهُ النَّوَوِيّ مِنْ جَوَازِ تَوْلِيَتِهَا عَدْلًا لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ فِيهِ لِمَنْ لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الِاجْتِهَادِ لِأَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -

نَقَلَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْإِمَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ مِنْ غَيْرِ اعْتِرَاضٍ عَلَيْهِ أَنَّ حُكْمَ مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلتَّخْرِيجِ أَنْ لَا يَتَّبِعَ شَيْئًا مِنْ اخْتِيَارَاتِهِمْ لِأَنَّهُ مُقَلِّدٌ لِلشَّافِعِيِّ دُونَ غَيْرِهِ اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ مُقَلِّدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَّبِعَ شَيْئًا مِنْ اخْتِيَارَاتِهِمْ إذَا لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الِاجْتِهَادِ وَالْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّ الْإِمَامَ الْبَيْهَقِيَّ رَوَى فِي الْمَبْسُوط عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ إذَا وَلَّتْ امْرَأَةٌ ثَيِّبٌ بِنَفْسِهَا رَجُلًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَإِنْ رُفِعَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَفْسَخَهُ وَسَوَاءٌ طَالَ أَوْ قَصُرَ وَجَاءَ الْوَلَدُ أَوْ لَمْ يَأْتِ كَذَا قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ أَيْضًا وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَالشَّافِعِيُّ أَنَّ رُفْقَةً جَمَعَتْهُمْ الطَّرِيقُ فِيهِمْ امْرَأَةٌ فَوَلَّتْ أَمْرَهَا رَجُلًا فَزَوَّجَهَا فَجَلَدَ عُمَرُ النَّاكِحَ وَالْمُنْكِحَ وَلِهَذَا قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ وَلَقَدْ طُلِبَ مِنِّي الْفَتْوَى بِهِ فِي سَفَرٍ لَيْسَ بِهِ قَاضٍ فِي امْرَأَةٍ حَصَلَ لَهَا الضَّرَرُ الْبَالِغُ مِنْ وُجُوهٍ عَدِيدَةٍ مِنْ عَدَمِ الزَّوْجِ فَامْتَنَعْت مِنْ ذَلِكَ وَقُلْت لَا أَكُونُ سَبَبًا لِتَسْلِيطِ النَّاسِ عَلَى الْأَبْضَاعِ بِغَيْرِ أَمْرٍ بَيِّنٍ. وَضَيَاعُ أَمْرِ دُنْيَاهَا أَهْوَنُ مِنْ التَّسْلِيطِ عَلَى بُضْعِهَا بِغَيْرِ طَرِيقٍ مُعْتَبَرٍ اهـ الْأَمْرُ الثَّالِثُ أَنَّ الْإِمَامَ الشَّاشِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ذَكَرَ فِي الْحِلْيَةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْوَجْهَ الْقَائِلَ بِأَنَّهَا تَرُدُّ أَمَرَهَا إلَى رَجُلٍ عَدْلٍ يُزَوِّجُهَا وَهَذَا لَا يَجِيءُ عَلَى أَصْلِنَا قَالَ الْإِمَامُ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ مَعْذُورٌ فَإِنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ الْمَذْهَبِ الْمَشْهُورِ الْأَمْرُ الرَّابِعُ أَنَّ الْأَمَامَ ابْنَ الْقَطَّانِ لَمَّا قَالَ الْإِمَامُ الْإِصْطَخْرِيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ حَاكِمٌ جَازَ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَنْ يُحَكِّمَا مُسْلِمًا يَعْقِدُ نِكَاحَهُمَا قَالَ أَعْنِي ابْنَ الْقَطَّان وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» قَالَ وَلَا خِلَافَ بَيْننَا أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِسُلْطَانٍ اهـ الْأَمْرُ الْخَامِسُ إنَّمَا حُكِيَ عَنْ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ الْبِنَاءُ عَلَى التَّحْكِيمِ. وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيُّ يَعْنِي إمَامَ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا الْبِنَاءُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ هُنَاكَ حُكْمًا فِيمَا يَتَنَازَعَانِ فِيهِ مِنْ أَمْرِ النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ فَيَصِيرُ النَّظَرُ لَهُ فِيمَا حَكَاهُ فِيهِ خَاصَّةً وَهَذِهِ وِلَايَةٌ مِمَّنْ لَا يَسْتَحِقُّهَا الْأَمْرُ اهـ السَّادِسُ أَنَّ الْإِمَامَ الرَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ذَكَرَهُ فِي الْعَزِيزِ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَنْكِحَ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا زَوَّجَهُ مَنْ فَوْقَهُ مِنْ الْوُلَاةِ أَوْ خَلِيفَتُهُ إنْ كَانَ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ أَوْ خَرَجَ إلَى قَاضِي بَلَدٍ آخَر وَتَابَعَهُ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ فَلَوْ كَانَ يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَعْرِضَ أَمَرَهَا إلَى عَدْلٍ لِيُزَوِّجَهَا مِنْ الْقَاضِي لَمْ يُكَلَّفْ الْقَاضِي الْخُرُوجَ إلَى بَلَدٍ آخَرَ وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ حَتَّى يُزَوِّجَهُ الْقَاضِي الَّذِي يَخْرُجُ إلَيْهِ وَلَوْ كَانَ بِبَلَدٍ بَعِيدٍ كَمَسْأَلَتِنَا الْمَسْئُولِ عَنْهَا وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَحَدٌ فَوْقَهُ مِنْ الْوُلَاةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ فَتَنَاقَضَ كَلَامُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَيْثُ اخْتَارَ أَوَّلًا تَفْوِيضَهَا إلَى عَدْلٍ ثُمَّ تَابَعَ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. ثَانِيًا إلَى خُرُوجِ الْقَاضِي إلَى قَاضِي بَلَدٍ آخَرَ الْأَمْرُ السَّابِعُ أَنَّ فِي الْوَكَالَةِ فِي الْمُحَرَّرِ وَالْمِنْهَاجِ وَلَا الْمَرْأَةُ وَالْمُحْرِمُ فِي النِّكَاحِ قَالَ الشَّارِحُونَ لِكَلَامِهِ وَالْمُرَادُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُوَكِّلُ أَجْنَبِيًّا فِي تَزْوِيجِهَا لِأَنَّهَا لَا تُزَوِّجُ نَفْسَهَا عِنْدَنَا وَظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ} [النور: 32] أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَتَزَوَّجُ إلَّا بِوَلِيٍّ كَذَا قَالَهُ الْإِمَامُ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كُتُبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي قَوْله تَعَالَى {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] هَذَا أَبِينُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ دُونَ الْوَلِيِّ لِأَنَّهَا لَوْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا لَمَا كَانَ لِعَضْلِ الْوَلِيِّ مَعْنًى كَذَا قَالَ الْإِمَامُ الْقُونَوِيُّ ثُمَّ قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ مِنْ نُكَتِهِ فُهِمَ مِنْ اعْتِبَارِهِمْ فِي الْوَلِيِّ أَنْ يَكُونَ عَاصِبَ نَسَبٍ أَوْ وَلَاءٍ أَوْ حَاكِمًا أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُوَلًّى مِنْ جِهَتِهَا اهـ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مَا رَجَّحَهُ أَبُو الْحَسَنِ السُّبْكِيّ أَوَّلًا مِنْ إنْكَارِ رِوَايَةِ يُونُسَ مِنْ أَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِهِمْ تَفَرُّدُ يُونُسَ بِهَذَا النَّقْلِ وَالتَّوَقُّفُ فِيهِ كَمَا سَبَقَ عَنْ الزَّرْكَشِيّ وَفِي الْمُهِمَّاتِ نَقْلًا عَنْ النَّوَوِيِّ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ لَهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ وَجَبَ اتِّبَاعُ الْأَكْثَرِينَ الْأَمْرُ الثَّامِنُ أَنَّا إذَا قُلْنَا بِمَا رَوَاهُ يُونُسُ عَنْ الشَّافِعِيِّ فَهُوَ وَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا قَوْلَانِ مُخْتَلِفَانِ وَفِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ لَمْ يَجُزْ الْعَمَلُ بِأَحَدِهِمَا حَتَّى يُعْلَمَ الرَّاجِحُ مِنْهُمَا بِلَا

خِلَافٍ اهـ فَعَلَى هَذَا قَالَ الْإِمَامُ الْأَزْرَقُ إذَا وَجَدَ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّرْجِيحِ اخْتِلَافًا لِلْأَصْحَابِ فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَالْوَجْهَيْنِ اعْتَمَدَ تَصْحِيحَ الْأَكْثَرِ كَمَسْأَلَتِنَا الْمَسْئُولِ عَنْهَا فَإِنَّ قَوْلَ الْوَلِيِّ الْعِرَاقِيِّ فُهِمَ مِنْ اعْتِبَارِهِمْ فِي الْوَلِيِّ أَنْ يَكُونَ عَاصِبَ نَسَبٍ أَوْ وَلَاءٍ أَوْ حَاكِمًا إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مَا صَحَّحَهُ السُّبْكِيّ مِنْ إنْكَارِ رِوَايَةِ يُونُسَ كَمَا سَبَقَ وَمَا رَجَّحُوهُ يُوَافِقُ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهَا إذَا وَلَّتْ نَفْسَهَا رَجُلًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا كَمَا سَبَقَ أَيْضًا. وَإِطْلَاقُ الْأَئِمَّةِ يَشْمَلُ الْقُرَى وَالْبَوَادِيَ الَّتِي لَا حَاكِمَ لَهَا وَمَا إذَا كَانَ لَهَا وَلِيٌّ أَوْ لَا فَظَهَرَ لَنَا مِنْ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ فِي الْجَوَابِ الثَّانِي أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي لَا وَلِيَّ لَهَا إذَا وَلَّتْ أَمْرَهَا عَدْلًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بَلْ لَا يُزَوِّجُهَا إلَّا حَاكِمٌ أَوْ مُحَكَّمٌ بِشَرْطِهِ وَلَوْ كَانَ بِبَلَدٍ بَعِيدٍ فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ أَوْ لَا أُوضِحُوا لَنَا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ بِجَوَابٍ شَافٍ يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ إنْ شَاءَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ أَبْقَاكُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلْمُسْلِمِينَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَدُ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ مَا قَالَهُ الْمُجِيبُ الْأَوَّلُ بَلْ جَزَمُوا بِهِ حَتَّى فِي الْمُخْتَصَرَات وَسَيَأْتِي تَوْجِيهُهُ وَالِاسْتِدْلَالُ لَهُ فِي أَثْنَاءِ رَدِّ مَا قَالَهُ الْمُجِيبُ الثَّانِي لَكِنَّ مَا قَالَهُ الْمُجِيبُ الْأَوَّلُ عَنْ الْأَذْرَعِيُّ آخِرًا مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فَقْدُ الْوَلِيِّ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ الشَّرْطُ عَدَمُ حُضُورِهِ فِي الْبَلَدِ أَوْ مَا قَرَّبَ مِنْهُ لَيْسَ صَافِيًا عَنْ الْإِشْكَالِ عَلَى أَنَّهُ خُولِفَ فِيهِ فَقَدْ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ بِخِلَافِهِ فَقَالَ لَوْ كَانَ لَهَا وَلِيٌّ وَهُوَ غَائِبٌ لَمْ يَجُزْ التَّحْكِيمُ لِأَنَّ نِيَابَةَ الْغَائِبِ لِلْقَاضِي اهـ وَكَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ إذْ عِبَارَتُهُمَا ثُمَّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلِيٌّ خَاصٌّ مِنْ نَسَبٍ أَوْ مُعْتِقٍ. فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ لَهَا وَلِيٌّ خَاصٌّ لَمْ يَجُزْ لَهَا التَّحْكِيمُ لَكِنْ جَرَى ابْنُ الْعِمَادِ عَلَى مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ فِي بَابِ النِّكَاحِ قَدْ تُشِيرُ إلَيْهِ وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ حَيْثُ كَانَ لَهَا وَلِيٌّ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا أَمْكَنَهَا أَنْ تُرْسِلَ إلَيْهِ لِيَحْضُرَ أَوْ يُوَكِّلَ فَإِنْ قُلْت فَكَذَلِكَ تُرْسِلُ لِلْحَاكِمِ إذَا لَمْ يَكُنْ بِمَحِلِّهَا فَلَيْسَتْ وِلَايَةُ الْوَلِيِّ الْحَاضِرِ أَقْوَى عَلَى أَنَّ لَنَا أَنْ نَتَوَسَّطَ وَنَقُولَ إنْ سَهُلَتْ مُرَاجَعَةُ أَحَدِهِمَا أَعْنِي الْوَلِيَّ أَوْ الْحَاكِمَ إذَا غَابَا إلَى مَرْحَلَتَيْنِ فَأَكْثَر تَعَيَّنَتْ وَلَمْ يَجُزْ لَهَا أَنْ تُوَلِّيَ عَدْلًا يُزَوِّجُهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ لَهَا ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ وَعِنْدَ مُرَاجَعَةِ الْوَلِيِّ أَوْ الْحَاكِمِ إنْ لَمْ يُوجَدْ الْوَلِيُّ لَا ضَرُورَةَ وَإِنْ لَمْ تَسْهُلْ مُرَاجَعَةُ أَحَدِهِمَا بِأَنْ فَحَشَ بَعْد مَحَلِّهِمَا وَحَقَّتْ حَاجَتُهَا إلَى النِّكَاح جَازَ لَهَا أَنْ تُوَلِّيَ مَعَ الزَّوْجِ أَمَرَهَا عَدْلًا يُزَوِّجُهَا لِوُجُودِ الضَّرُورَةِ حِينَئِذٍ أَمَّا إذَا قَرُبَ مَحَلُّ أَحَدِهِمَا بِأَنْ كَانَ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ فَلَا يَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ مُطْلَقًا إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَلْنَتَكَلَّمْ عَلَى الْجَوَابِ الثَّانِي وَنُبَيِّنُ مَا فِيهِ فَنَقُولُ قَوْلُهُ أَحَدُهَا أَنَّ الْعَبَّادِيَّ قَالَ فِي الطَّبَقَاتِ إلَخْ كَلَامٌ لَا يُجْدِي شَيْئًا لِأَنَّ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّ مَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ وَأَنَّ الثِّقَةَ إذَا رَوَى شَيْئًا وَأَثْبَتَهُ وَنَفَاهُ غَيْرُهُ قُدِّمَ الْمُثْبَتُ عَلَى النَّافِي. وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ غَيْرَ يُونُسَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لَوْ قَالَ لَمْ يَقُلْ الشَّافِعِيُّ هَذَا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ لِأَنَّ يُونُسَ مُثْبِتٌ وَغَيْرُهُ نَافٍ وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي فَإِذَا كَانَ هَذَا الْإِنْكَارُ لَا يُقْبَلُ مِمَّنْ عَاصَرَ الشَّافِعِيَّ وَرَآهُ وَأَخَذَ عَنْهُ وَكَانَ مُطَّلِعًا عَلَى أَكْثَرِ أَحْوَالِهِ فَمَا بَالُك بِمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَلَا يَقْدَحُ فِيهِ تَفَرُّدُهُ بِهَذَا النَّقْلِ لِأَنَّ تَفَرُّدَ الثِّقَةِ مَقْبُولٌ وَإِنْ قُدِّمَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ لِأَمْرٍ أَقْوَى مِنْهُ لَا لِأَنْكَارِ مَا انْفَرَدَ بِهِ وَقَوْلُ الْوَلِيِّ الْعِرَاقِيِّ أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ فِي ثُبُوتِهِ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ وَلِذَلِكَ لَمْ يُعَوِّلْ مَنْ بَعْدَهُ عَلَيْهِ بَلْ أَطْبَقُوا عَلَى حِكَايَتِهِ عَنْ يُونُسَ عَنْ الشَّافِعِيِّ سِيَّمَا الشَّيْخَيْنِ فَإِنَّهُمَا حَكَيَاهُ عَنْهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ قَالَا مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ أَنْكَرَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَبِلَهُ وَقَالَ أَنَّهُ تَحْكِيمٌ وَالْمُحَكَّمُ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَاكِمِ انْتَهَى وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْإِنْكَارَ لَيْسَ رَاجِعًا إلَى إنْكَارِ النَّقْلِ فَإِنَّ يُونُسَ ثِقَةٌ جَلِيلٌ فَلَا يَسَعُ أَحَدًا تَكْذِيبُهُ فِيمَا نَقَلَهُ وَإِنَّمَا الْإِنْكَارُ رَاجِعٌ إلَى أَنَّهُ غَيْرُ جَارٍ عَلَى قَوَاعِدِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَنَحْنُ مُسَلِّمُونَ ذَلِكَ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَشَارَ إلَى أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ قَوَاعِدِهِ بِقَوْلِهِ لَمَّا سُئِلَ عَنْهُ وَأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي كُتُبِهِ إذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ. وَمِنْ قَوَاعِدِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ الضَّرُورَاتِ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ فَهَذَا أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ قَوَاعِدِهِ بِلَا رَيْبٍ

لَكِنْ اقْتَضَتْ الضَّرُورَةُ الْمُسَامَحَةَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ غَيْرُ خَارِجٍ لِمَا وَجَّهَهُ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّهُ تَحْكِيمٌ وَمِنْ قَوَاعِدِهِ أَنَّ الْمُحْكَمَ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَاكِمِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ خُرُوجُهُ عَنْ قَوَاعِدِهِ أَنْ لَوْ قَالَ إنَّهَا تُبَاشِرُ عَقْدَ النِّكَاحِ بِنَفْسِهَا كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَهَذَا هُوَ الْخَارِجُ عَنْ قَوَاعِدِهِ بِالْكُلِّيَّةِ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ يُونُسُ فَلَيْسَ خَارِجًا عَنْهَا بِالِاعْتِبَارِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَلَى أَنَّ يُونُسَ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهَذَا النَّصِّ فَقَدْ حَكَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ الْمُزَنِيّ أَيْضًا وَهُوَ مِنْ أَجَلِّ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ الْمُعَوَّلِ عَلَى نَقْلِهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ فَانْدَفَعَ مَا نَقَلَهُ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ عَنْ الْخَطَّابِيِّ أَمَّا قَوْلُهُ أَعْنِي الْعِرَاقِيَّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لَا يَثْبُتُ بِاخْتِيَارِ النَّوَوِيِّ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَسْتَعْمِلُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فِيمَا رَجَحَ دَلِيلُهُ عِنْدَهُ لَا مِنْ جِهَةِ الْمَذْهَبِ إلَخْ فَعَجِيبٌ مِنْهُ مَعَ قَوْلِ شَيْخِهِ الْإِسْنَوِيّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُخْتَارَ إذَا وَقَعَ التَّعْبِيرُ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ كَانَ بِمَعْنَى الرَّاجِحِ مَذْهَبًا كَيْفَ وَالنَّوَوِيُّ مُسْتَظْهِرٌ عَلَى مَا قَالَهُ بِأَنَّهُ ظَاهِرُ نَصِّهِ الَّذِي نَقَلَهُ يُونُسُ فَهُوَ مَعَ جَلَالَتِهِ وَعَظِيمِ وَرَعِهِ وَتَحَرِّيهِ مُثْبِتٌ لِنَصِّ يُونُسَ وَمُحْتَجٌّ بِهِ عَلَى مَا قَالَهُ وَأَنَّ مَا قَالَهُ هُوَ ظَاهِرُ هَذَا النَّصِّ فَكَيْف مَعَ ذَلِكَ يُنْكِرُ نِسْبَةَ مَا رَوَاهُ يُونُسُ لِلشَّافِعِيِّ. وَيُقَالُ إنَّ النَّوَوِيَّ اخْتَارَهُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ لَا الْمَذْهَبِ وَيُقَالُ نَحْنُ شَافِعِيَّةٌ لَا نَوَوِيَّةٌ كُلُّ ذَلِكَ مِمَّا لَا نَظَرَ إلَيْهِ وَلَا تَعْوِيلَ عَلَيْهِ وَمِنْ ثَمَّ جَاءَ بَعْدَ الْوَلِيِّ جَمَاعَةٌ هُمْ تَلَامِذَتُهُ وَتَلَامِذَةُ تَلَامِذَتِهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُعَوِّلُوا عَلَى مَا قَالَهُ وَلَا الْتَفَتُوا إلَيْهِ وَأَعْرَضُوا عَنْهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَارٍ عَلَى سُنَنِ الِاعْتِدَالِ فِي الِاسْتِدْلَالِ فَبَطَلَ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ مِنْ أُمُورِ أَمْرِ هَذَا الْمُجِيبِ وَقَوْلِهِ فَعَلَى هَذَا مَا اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ إلَخْ بَاطِلٌ أَيْضًا لِمَا عَلِمَتْ أَنَّهُ لَمْ يَخْتَرْهُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ وَإِنَّمَا رَجَّحَهُ مِنْ جِهَةِ الْمَذْهَبِ وَمَا رَجَّحَهُ مِنْ جِهَةِ الْمَذْهَبِ هُوَ الْحُجَّةُ عَلَى جَمِيعِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَتَهُ بِلَا مُنَازِعٍ وَلَا مُدَافِعٍ وَقَوْلُهُ الْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّ الْإِمَامَ الْبَيْهَقِيّ إلَخْ غَيْرُ نَافِعٍ لَهُ أَيْضًا لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنَّ لِلشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ. وَقَدْ رَجَّحَ النَّوَوِيُّ أَحَدَهُمَا وَتَبِعُوهُ فَلَا مَحِيدَ عَنْهُ وَلَا يُسَوَّغُ لِأَحَدٍ مُخَالَفَتُهُ وَانْفِرَادُ الْوَلِيِّ الْعِرَاقِيِّ بِتَعَقُّبِهِ قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَا مُعَوَّل عَلَيْهِ عَلَى أَنَّ هَذَا النَّصَّ لَا يُخَالِفُ الْأَوَّلَ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِيهِ التَّعْبِيرُ بِأَنَّهَا فَقَدَتْ وَلَيَّهَا وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَفْقِدْهُ جَمْعًا بَيْن النَّصَّيْنِ وَكَذَا مَا فَعَلَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَاقِعَةٌ مُحْتَمَلَةٌ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ الصَّحَابِيِّ غَيْرُ حُجَّةٍ عِنْدنَا وَقَوْلُهُ الْأَمْرُ الثَّالِثُ لَا يُفِيدُهُ أَيْضًا لِمَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْ قَوَاعِدِ الْمَذْهَبِ لَكِنَّ الضَّرُورَةَ اقْتَضَتْ الْمُسَامَحَةَ بِهِ وَمَا جَازَ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَإِنَّ الْمُجَوَّزَ لَهُ مُعْتَرِفٌ بِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ قَوَاعِدِهِ لَكِنَّهُ يَقُولُ اقْتَضَتْ الضَّرُورَةُ خُرُوجَهُ عَنْهَا فَعَمِلْت بِهِ لِلْقَاعِدَةِ السَّابِقَةِ أَنَّ الضَّرُورَاتِ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ. عَلَى أَنَّهُ مَرَّ عَنْ الْأَذْرَعِيُّ فِي جَوَابِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ هَذَا مُخَالِفًا لِظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَيَكُونَ مَوْضِعُ الْمَنْعِ عَلَى الْمَذْهَبِ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ نُصُوصِهِ اهـ وَقَوْلُهُ الْأَمْرُ الرَّابِعُ أَنَّ الْإِمَامَ ابْنَ الْقَطَّانِ إلَخْ مِنْ الْإِطَالَةِ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ إذْ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ ابْنَ الْقَطَّانِ مُجْتَهِدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ صَدَرَ مِنْهُ نِزَاعٌ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَهُوَ غَيْرُ مُعَوَّلٍ عَلَيْهِ فَإِنَّا لَمْ نَدَّعِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا حَتَّى يُورِدَ عَلَيْنَا مِثْلَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الَّذِي ادَّعَيْنَاهُ أَنَّهَا مُخْتَلَفٌ فِيهَا بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَمَنْشَأُ اخْتِلَافِهِمْ اخْتِلَافُ نَصَّيْهِ السَّابِقَيْنِ. وَأَنَّ قَوَاعِدَهُ مِنْهَا مَا يَقْتَضِي الْأَوَّلَ وَمِنْهَا مَا يَقْتَضِي الثَّانِي فَهَذَا هُوَ سَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ لَكِنَّ الْمُعْتَمَدُ الْجَوَازُ وَيَرُدُّ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَنْعُ التَّحْكِيمِ مِنْ أَصْلِهِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَرَ أَنَّ الْمُحَكَّمَ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَاكِمِ لَزِمَهُ أَنْ لَا يُجَوِّزَ تَحْكِيمَهُ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِهِ وَقَوْلِ الْأَصْحَابِ فَعَلِمْنَا مِنْ كَلَامِهِمْ فِي التَّحْكِيمِ أَنَّ الْمُحَكَّمَ قَائِمٌ مَقَامَ الْحَاكِمِ وَأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «السُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ» إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى حَالِ وُجُودِ السُّلْطَانِ أَمَّا مَعَ فَقْدِهِ كَمَا هُوَ الْغَرَضُ فَكَيْف يُسْتَدَلُّ بِالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ لَنَا أَنْ نَقُولَ أَنَّ الْمُحَكَّمَ دَاخِلٌ فِي السُّلْطَانِ إذْ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ لَهُ سَلْطَنَةٌ وَهِيَ ثَابِتَةٌ بِالتَّحْكِيمِ فَشَمِلَهُ الْحَدِيثُ. وَانْدَفَعَتْ

مُنَازَعَةُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُفْهَمَ مِنْ قَوْلِهِمْ فَوَلَّتْ أَمَرَهَا عَدْلًا يُزَوِّجُهَا جَازَ لَهَا أَنَّهَا وَحْدَهَا تُوَلِّيه بَلْ لَا بُدَّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ أَنْ تُحَكِّمَهُ هِيَ وَالزَّوْجُ فَإِذَا حَكَّمَاهُ صَارَ مُحَكَّمًا وَيَثْبُتُ لَهُ مَا يَثْبُت لِلْقَاضِي ثُمَّ هَذَا الْمُحَكَّم إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا جَازَ حَتَّى مَعَ وُجُودِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَتِهِ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا لَمْ يَجُزْ إلَّا عِنْدَ فَقْدِ الْقَاضِي وَبِمَا تَقَرَّرَ فِي رَدِّ هَذَا الرَّابِعِ يُعْلَمُ رَدُّ أَمْرِهِ الْخَامِسِ أَيْضًا وَقَوْلُهُ السَّادِسُ أَنَّ الْإِمَامَ الرَّافِعِيَّ إلَخْ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ لِأَنَّ الرَّافِعِيَّ وَالنَّوَوِيَّ مُتَّفِقَانِ عَلَى جَوَازِ تَحْكِيمِ الْمُجْتَهِدِ فِي النِّكَاحِ فَإِلْزَامُهُ النَّوَوِيَّ التَّنَاقُضَ دُونَ الرَّافِعِيِّ تَحَكُّمُ عَلَى أَنَّ إلْزَامَ التَّنَاقُضَ مِنْ أَصْلِهِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُمْ هُنَا خَيَّرُوهُ بَيْنَ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ وَسَكَتُوا عَنْ أَمْرٍ رَابِعٍ عُلِمَ مِمَّا قَدِمُوهُ وَهُوَ تَحْكِيمُ الْمُجْتَهِدِ بِاتِّفَاقِ الشَّيْخَيْنِ وَكَذَا تَحْكِيمُ الْعَدْلِ عِنْدَ النَّوَوِيِّ فَأَيُّ تَنَاقُضٍ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ الْأَمْرُ السَّابِعُ أَنَّ فِي الْوَكَالَةِ إلَخْ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ أَيْضًا لِأَنَّا لَمْ نَقُلْ أَنَّهَا تُوَكِّلُ عَدْلًا فِي تَزْوِيجِهَا وَإِنَّمَا الَّذِي قُلْنَاهُ أَنَّهَا هِيَ وَمَنْ يُرِيدُ تَزَوُّجَهَا يُحَكِّمَانِ عَدْلًا فِي تَزْوِيجِهَا مِنْهُ وَالتَّحْكِيمُ غَيْرُ التَّوْكِيلِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى فَهْمٍ وَبِهَذَا بَطَلَ قَوْلُهُ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي أَنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ إلَخْ وَوَجْه الِاقْتِضَاءِ أَنَّهُ الْتَبَسَ عَلَيْهِ التَّوْكِيلُ بِالتَّحْكِيمِ فَأَخَذَ مِنْ مَنْعِهِمْ التَّوْكِيلَ مَنْعَهُمْ التَّحْكِيمَ وَهُوَ أَخْذٌ بَاطِلٌ مَنْشَؤُهُ عَدَمُ الْفَهْمِ أَوْ عَدَمُ التَّأَمُّلِ وَحِينَئِذٍ بَطَلَ مَا فَرَّعَهُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ وَجَبَ اتِّبَاعُ الْأَكْثَرِينَ لِمَا عَلِمْت أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ التَّحْكِيم لَمْ يَقُلْ أَكْثَر الْأَصْحَابِ بِمَنْعِهِ. وَإِنَّمَا وَقَعَ لِبَعْضِهِمْ الْمُوَافَقَةُ وَبَعْضِهِمْ الْمُخَالَفَة كَمَا حَكَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَيِّنَا وَلَا غَيْرُهُمَا أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى أَحَدِ الشِّقَّيْنِ وَرَجَّحَ النَّوَوِيُّ وَتَبِعَهُ أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْجَوَازَ فَاعْتَمَدْنَاهُ وَأَخَذْنَا بِهِ عَلَى أَنَّ اتِّبَاعَ الْأَكْثَرِينَ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَكْثَرِ وَإِلَّا فَالشَّيْخَانِ كَثِيرًا مَا يُخَالِفَانِ الْأَكْثَرِينَ بَلْ وَقَعَ لَهُمَا فِي الْإِقْرَارِ أَنَّهُمَا حَكَيَا عَنْ الْأَكْثَرِينَ فَرْعًا وَعَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ خِلَافُهُ وَصَوَّبَا مَا قَالَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَحْدَهُ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِسَائِرِ الْأَصْحَابِ كَمَا بَيَّنْت ذَلِكَ مَعَ تَحْقِيقِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي بَعْض الْفَتَاوَى وَفِي خُطْبَةِ بَعْضِ الْعَبَابِ. وَبِهَذَا كُلُّهُ بَطَلَ قَوْلُهُ الْأَمْرُ الثَّامِنُ إلَخْ وَظَهَرَ أَنَّ الْحَقَّ مَا قَالَهُ الْمُجِيبُ الْأَوَّلُ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمَا عَدَاهُ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ وَلَا مُعَوِّلَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) الْجَدُّ الْمُجْبِرُ الَّذِي لَهُ أَنْ يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ هَلْ لَهُ أَنْ يُوَكَّل فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا أَوْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْبَلَدِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ؟ (فَأَجَابَ) نَعَمْ لَهُ ذَلِكَ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي بَابِ النِّكَاحِ وَكَلَامُهُمْ فِي الْوَكَالَةِ صَرِيحٌ فِيهِ أَيْضًا فَزَعْمُ امْتِنَاعِ ذَلِكَ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ غَابَ فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْر وَلَهُ ابْنَةٌ بَالِغَةُ وَأَرَادَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِكُفْءٍ فَمَنْ يَلِي أَمَرَهَا فَإِنْ قُلْتُمْ السُّلْطَانُ فَهَلْ يَلِي بِالْوِلَايَةِ أَوْ بِالنِّيَابَةِ فَإِنْ قُلْتُمْ بِالنِّيَابَةِ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْأَبَ يُزَوِّج ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ بِغَيْرِ إذْنِهَا فَلِمَ لَا يُزَوِّجُهَا السُّلْطَانُ إذَا غَابَ وَقَدْ قُلْتُمْ أَنَّهُ نَائِبٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَزْوِيجِ السُّلْطَانِ هَلْ هُوَ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ أَوْ بِالنِّيَابَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَجْهَانِ وَبَعْضُ الْفُرُوعِ بَلْ أَكْثَرُهَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الْأَوَّلِ وَبَعْضُهَا يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الثَّانِي وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ فِي ذَلِكَ وَبِهِ تَنْضَبِطُ الْفُرُوعُ مَا ذَكَرْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَأَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ أَنَّهُ فِي الْغَيْبَةِ وَنَحْوِهَا يُزَوِّجُ بِنِيَابَةٍ اقْتَضَتْهَا الْوِلَايَةُ وَعِنْدَ عَدَمِ الْوَلِيِّ يُزَوِّجُ بِمَحْضِ الْوِلَايَةِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ فَإِنْ قُلْتُمْ بِالنِّيَابَةِ إلَخْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ أَبُو امْرَأَةٍ بَالِغِ ثَيِّبٍ عَاقِلَةٍ أَذِنَتْ لَهُ فِي تَزْوِيجِهَا فَجَاءَ أَبُوهَا إلَى قَاضٍ شَافِعِيٍّ وَقَالَ لَهُ أَذِنْت لَك فِي تَزْوِيجِ بِنْتِي بِفُلَانٍ وَلَمْ يَأْتِ بِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَى إذْنِهَا لِأَبِيهَا فَعَقَدَ لَهَا الْقَاضِي بِذَلِكَ الْإِذْنِ الصَّادِرِ مِنْ أَبِيهَا لَهُ فَهَلْ هَذَا الْعَقْدُ صَحِيحٌ مِنْ غَيْرِ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِالْإِذْنِ لِأَبِيهَا أَوْ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَكْفِي، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ فَرْعٍ نَقَلَهُ ابْنُ الْعِمَادِ الْأَقْفَهْسِيّ عَنْ صَاحِبِ الرَّوْضَةِ عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ لَوْ أَذِنَتْ فِي التَّزْوِيجِ فَزَوَّجَهَا وَلِيُّهَا بِلَا مَهْرٍ أَوْ بِدُونِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ دُونِ مَا أَذِنَتْ فِيهِ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ أَوْ

زَوَّجَ الْأَبُ الْبِكْرَ الصَّغِيرَةَ أَوْ الْكَبِيرَةَ بِلَا مَهْرٍ أَوْ أَقَلّ مِنْهُ قَالَ أَصْحَابُنَا الْبَغْدَادِيُّونَ يَصِحُّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَحَكَى عَنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَوْلَيْنِ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ فَمَا الَّذِي يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلَيْ الطَّائِفَتَيْنِ وَمَا الْفَتْوَى عَلَيْهِ وَهَلْ يَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي تَزْوِيجِ الْأَبِ بِكْرًا صَغِيرَةً أَوْ بَالِغَةً غَيْرَ كُفْءٍ بِغَيْرِ رِضَاهَا أَوْ مُعْسِرًا أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَدُ صِحَّةُ النِّكَاحِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ نَعَمْ تَزْوِيجُ الْأَبِ الْبِكْرَ الصَّغِيرَةَ بِغَيْرِ كُفْءٍ بَاطِلٌ وَإِنْ رَضِيَتْ إذْ لَا عِبْرَة بِرِضَاهَا وَكَذَا تَزْوِيجُهَا بِمُعْسِرٍ بِمَهْرِ مِثْلِهَا فَإِنَّهُ بَاطِلٌ عَلَى الْأَوْجَهِ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَتَزْوِيجُ الْبَالِغَةِ مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ بِرِضَاهَا بِهِ صَحِيحٌ وَبِغَيْرِهِ بَاطِلٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمْ. (وَسُئِلَ) عَنْ النَّظَرِ لِلْأَمْرَدِ هَلْ يَجُوزُ لِحَاجَةِ تَعْلِيمِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِذَا قُلْتُمْ بِالْجَوَازِ فَالتَّعَفُّفُ عَنْ ذَلِكَ وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى التَّعَلُّمِ مُبَاحٌ أَوْ مَكْرُوهٌ وَهَلْ يُنْدَبُ لَهُ تَرْكُ ذَلِكَ التَّعَفُّفِ لِأَنَّ الصُّورَة أَنَّهُ لَا مَحْذُورَ هُنَا أَمْ لَا وَمَا الْمُرَادُ بِالْأَمْرَدِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَجُوزُ نَظَرُ الْأَمْرَدِ لِتَعْلِيمِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَالصَّنَائِعَ الْمُحْتَاجِ إلَيْهَا وَلَيْسَ مِنْ الْوَرَعِ تَرْكُ التَّعْلِيمِ وَإِنْ اُحْتِيجَ مَعَهُ إلَى نَظَرٍ لَا مَحْذُورَ يُخْشَى مِنْهُ فَقَدْ كَانَ أَئِمَّةُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ رِضْوَانُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهِمْ يُخَالِطُونَ الْمُرْدَ لِلتَّعْلِيمِ وَمَعَ ذَلِكَ كَانُوا يُسَمُّونَهُمْ الْأَنْتَانِ وَيَقُولُونَ إنَّ فِتْنَتَهُمْ أَشَدُّ مِنْ فِتْنَةِ النِّسَاءِ فَحَيْثُ خُشِيَ مِنْ مُخَالَطَتِهِمْ سَوَاءٌ كَانَ اجْتِنَابُهُمْ إمَّا وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا مَا لَمْ يَنْحَصِرْ التَّعْلِيمُ فِي شَخْصٍ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّن عَلَيْهِ وَحَيْثُ لَمْ يُخْشَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ كَانَ تَعْلِيمُهُمْ قُرْبَةً أَيَّ قُرْبَة وَكَانَ الْوَرَعُ فِعْلُهُ لَا تَرْكُهُ وَالْمَدَارُ عَلَى مَا فِي الْقَلْبِ وَمَا تَشْهَدُ بِهِ قَرَائِنُ أَحْوَالِ النَّفْسِ وَإِنَّمَا يُحَرَّمُ النَّظَرُ لِلْأَمْرَدِ وَهُوَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ أَوَانَ طُلُوع لِحْيَتِهِ الْحُسْنُ وَمَنْ يُلْتَذُّ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ إمَّا عُرْفًا أَوْ عِنْدَ النَّاظِرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحُسْنَ أَمْرٌ كُلِّيٌّ مُنْضَبِط فِي الْعُرْفِ أَوْ جُزْئِيٌّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الطِّبَاعِ وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ بَيْن أَصْحَابِنَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ الْجَانِي الْمُتَعَلِّقِ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ هَلْ لِمَالِكِهِ أَنْ يُزَوِّجهُ قَبْلَ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ بِغَيْرِ إذْن الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَمْ لَا يُزَوِّجُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ كَالْمَرْهُونِ فَإِنْ قُلْتُمْ يُزَوَّجُهُ سَيِّدُهُ بِغَيْرِ إذْن الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَتَعَلُّقُ الْجِنَايَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى تَعَلُّقِ الرَّهْنِ فَهُنَاكَ لَا يُزَوِّجُهُ إلَّا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَكَيْفَ يَصِحُّ تَزْوِيجُهُ هُنَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَجْنِيّ عَلَيْهِ مَعَ تَقَدُّمِ تَعَلُّقِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّ الْقِنَّ الْمُتَعَلِّقُ بِرَقَبَتِهِ مَالٌ كَالْمُرْتَهِنِ بَلْ أَوْلَى وَلَا يُنَافِيه قَوْلُهُمْ يَنْفَكُّ مِنْ الْجَانِي بِقَدْرِ مَا أَدَّى السَّيِّدُ بِخِلَافِ الرَّهْنِ لَا يَنْفَكُّ مِنْهُ شَيْءٌ مَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ لِمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ شَخْصٍ مُقَلِّدٍ لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ الْإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ أَوْ الْإِمَامَ مَالِكًا رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِي تَزَوُّجِ بِكْرٍ غَيْرِ بَالِغَةٍ غَابَ وَلِيُّهَا بِوِلَايَةِ الْقَاضِي الْحَنَفِيِّ عَلَيْهَا بِمَا يَقْتَضِيه مَذْهَبُهُ مِنْ غَيْرِ تَتَبُّعٍ لِلرُّخْصِ بَلْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَحْدَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ بِالْجَوَازِ فَمَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَصَرَّحَ بِالتَّحْرِيمِ مُطْلَقًا هَلْ هُوَ مُخْطِئٌ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ تَقْلِيدُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِي التَّزَوُّجِ الْمَذْكُورِ بِشَرْطِ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى ثِقَةٍ مِنْ عُلَمَاءِ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ وَيَسْتَخْبِرُهُ عَنْ شُرُوطِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَجَمِيعِ مَا يُعْتَبَرُ فِيهَا وَمَنْ أَطْلَقَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَقَدْ أَخْطَأَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ الْحَامِلِ مِنْ زِنًا هَلْ يَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَيْهَا أَمْ لَا وَهَلْ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلَافٌ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَمَّا انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ مَعَ وُجُودِ الْحَمْلِ مِنْ الزِّنَا فَفِيهِ خِلَافٌ مُنْتَشِرٌ لِأَئِمَّتِنَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَنْقَضِي مَعَهُ إذَا كَانَتْ عِدَّةَ وَفَاةٍ مُطْلَقًا أَوْ عِدَّةَ طَلَاقٍ وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ أَوْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ وَحَاضَتْ عَلَى الْحَمْلِ بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ فَإِنْ لَمْ تَحِضْ عَلَيْهِ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا إلَّا بِالْأَقْرَاءِ بَعْدَ وِلَادَتِهَا وَلَوْ زَنَتْ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ أَوْ الطَّلَاقِ وَحَبِلَتْ مِنْ الزِّنَا لَمْ يَمْنَع ذَلِكَ انْقِضَاءُ عِدَّتِهَا بِالتَّفْصِيلِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَأَمَّا نِكَاحُ الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا فَفِيهِ خِلَافٌ مُنْتَشِرٌ أَيْضًا بَيْن أَئِمَّتِنَا وَغَيْرِهِمْ وَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا الصِّحَّةُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِأَنَّهَا

لَيْسَتْ فِي نِكَاحٍ وَلَا عِدَّةٍ مِنْ الْغَيْرِ. وَعَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَوْلٌ بِخِلَافِهِ ثُمَّ إذَا قَلَّدَ الْقَائِلِينَ بِحِلِّ نِكَاحِهَا وَنَكَحَهَا فَهَلْ لَهُ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْوَضْعِ الَّذِي صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ نَعَمْ قَالَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا حُرْمَة لِحَمْلِ الزِّنَا وَلَوْ مُنِعَ الْوَطْءُ لِمَنْعِ النِّكَاحِ كَوَطْءِ الشُّبْهَةِ وَقَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ مِنْ أَئِمَّتِنَا لَا يَجُوزُ لَهُ الْوَطْءُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَدَاوُد رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَاسْتَدَلُّوا بِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَلَفْظُهُ «لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ أَنْ يُسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» وَيُجَابُ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا وَرَدَ لِلتَّنْفِيرِ عَنْ وَطْءِ الْمَسْبِيَّةِ الْحَامِلِ لِأَنَّ حَمَلَهَا مُحْتَرَمٌ فَحُرِّمَ الْوَطْءُ لِأَجْلِ احْتِرَامِهِ بِخِلَافِ حَمْلِ الزِّنَا فَإِنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ تَقْتَضِي تَحْرِيمَ الْوَطْءِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِحِلِّهِ هُوَ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ وَغَيْرِهِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ حَرَّمَهُ هَذَا كُلُّهُ فِيمَا تُحُقِّقَ أَنَّهُ مِنْ الزِّنَا أَمَّا إذَا كَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ فَاَلَّذِي نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الرُّويَانِيّ وَأَقَرَّاهُ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُعْطَى حُكْمُ الْحَمْلِ مِنْ الزِّنَا فِيمَا مَرَّ مِنْ نَحْوِ الْعِدَّةِ وَالنِّكَاحِ لَا فِي رَجْمِ أَمَةٍ أَوْ حَدِّهَا دَرْءًا لِلْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ لَكِنْ اعْتَرَضَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْأَذْرَعِيّ بِأَنَّ الَّذِي فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَا يُعْطَى حُكْمُ وَلَدِ الزِّنَا مُطْلَقًا لَكِنْ أَفْتَى الْقَفَّالُ بِمَا يُوَافِقُ الْأَوَّلَ فَقَالَ لَوْ اشْتَرَى أَمَةً فَوَجَدَهَا حُبْلَى وَلَمْ يَدْعُهُ الْبَائِعُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ زِنًا لِأَنَّ سَفْحَ الْمَاءِ مُتَيَقَّنٌ وَالشُّبْهَةُ مَشْكُوكٌ فِيهَا فَيُحْكَمُ بِالْيَقِينِ دُونَ الشَّكِّ وَهُوَ مَمْلُوكٌ لِلْمُشْتَرِي وَلَا يَقَعُ الِاسْتِبْرَاء بِوَضْعِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ خَطَبَ وَأُجِيبَ فَأَنْفَقَ ثُمَّ لَمْ يُزَوِّجُوهُ فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ بِمَا أَنْفَقَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي ذَلِكَ وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي الصَّدَاقِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الرَّدُّ مِنْهُمْ رَجَعَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ لَمْ يُهْدِ لَهُمْ إلَّا بِنَاءً عَلَى أَنْ يُزَوِّجُوهُ وَلَمْ يَحْصُلْ غَرَضُهُ فَإِنْ كَانَ الرَّدُّ مِنْهُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ أَنْأَحْتُأَ بِالْهَمْزَةِ بَدَلَ الْكَافِ مِنْ أَنْكَحْتُك فَهَلْ يَصِحُّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ فِي الْخَادِمِ فِي بَابِ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ إنْ قُلْنَا لَا يَنْعَقِدُ بِالْعَجَمِيَّةِ مِمَّنْ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ قُلْنَا يَنْعَقِدُ وَهُوَ الْأَصَحُّ صَحَّ لِإِصَابَةِ الْمَعْنَى. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا صُورَتُهُ لِامْرَأَةٍ أَخَوَانِ أَحَدُهُمَا طِفْلٌ فَأَرَادَ الْبَالِغُ أَنْ يُزَوِّجَهَا غَيْرَ كُفْءِ بِرِضَاهَا فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ بِالْجَوَازِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الصَّغِير لَيْسَ بِوَلِيٍّ حِينَئِذٍ فَلَا أَثَرَ لِوُجُودِهِ وَلَا يُنْتَظَرُ بُلُوغُهُ. (وَسُئِلَ) بِمَا صُورَتُهُ وَكَّلَ الْوَلِيُّ وَغَابَ فَهَلْ لِلْقَاضِي التَّزْوِيجُ مَعَ وُجُودِ الْوَكِيلِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَمَا فِي تَحْرِيرِ أَبِي زُرْعَة فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يُزَوِّجُ بِالْوِلَايَةِ لَا بِالنِّيَابَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُزَوِّجُ بِنِيَابَةٍ اقْتَضَتْهَا الْوِلَايَةُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُ - هَلْ يُزَوِّجُ الْحَاكِمُ أَمَةَ الْغَائِبِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُهَا بِحَالٍ وَإِنَّمَا زَوَّجَ اللَّقِيطَةَ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْحُرِّيَّةُ كَمَا ذَكَرُوهُ وَاَلَّذِي يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ فِي مَالِ الْغَائِبِ فِعْلُ الْأَصْلَحِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ التَّزْوِيجَ لَيْسَ أَصْلَحَ وَإِنَّمَا جَازَ لِلْوَلِيِّ تَزْوِيجُ أَمَةِ مَحْجُورِهِ لِأَنَّهُ يَلِي نِكَاحَهُ وَمَالَهُ وَالْقَاضِي لَا يَلِي نِكَاحَ الْغَائِبِ وَإِنْ وَلِيَ مَالَهُ عَلَى أَنَّ وِلَايَتَهُ لَيْسَتْ وِلَايَةً مُطْلَقَةً. (وَسُئِلَ) هَلْ بَيْنَ الْعَدَالَةِ وَالْعِفَّةِ وَالصَّلَاحِ فَرْقٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَهَا بِأَنَّ الْعِفَّةَ يُوصَفُ بِهَا نَحْوُ الْعَبْدِ دُونَ الْعَدَالَةِ أَعْنِي الْمُطْلَقَة وَإِلَّا فَكَثِيرًا مَا يُصَرِّحُونَ بِأَنَّهُ عَدْلُ رِوَايَةٍ وَهَذَا الْفَرْقُ لَا أَثَر لَهُ فِي الْأَحْكَام فَالْعِفَّةُ وَالْعَدَالَةُ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَحْكَامِ الْمُشْتَرَطِ فِيهَا أَحَدُهُمَا سَوَاءٌ وَأَمَّا الصَّلَاحُ فَإِنَّهُ أَخَصُّ إذْ هُوَ الْقِيَامُ بِحُقُوقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَحُقُوقِ الْعِبَادِ هَذَا إنْ أُرِيدُ بِالْحُقُوقِ مَا يَشْمَلُ الْمَنْدُوبَةَ أَيْضًا وَإِلَّا سَاوَاهُمَا. (وَسُئِلَ) هَلْ يَلْزَمُ النِّكَاحُ بِالنَّذْرِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ حَيْثُ نُدِبَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ فِي بَاب النَّذْرِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ لَا يَلْزَمُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِقْلَالُ بِهِ إذْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ الْأَخْذُ فِي أَسْبَابِهِ إذْ هُوَ الَّذِي يُمْكِنُهُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ يَأْكُلُ مِنْ كَسْبِ يَدِهِ أَشْرَفُ مِمَّنْ يَأْكُل مِنْ الصَّدَقَةِ فَهَلْ أَحَدُهُمَا كُفْءٌ لِلْآخَرِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ عُرْفُ أَهْلِ بَلَدِ الزَّوْجَةِ الْمُطَّرِدَةِ إذْ الْأَفْضَلِيَّةُ فِي ذَلِكَ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ وَالْفُقَهَاءُ فِي هَذَا الْبَابِ يَنْظُرُونَ لِلْعُرْفِ أَكْثَرَ مِنْ نَظَرِهِمْ لِلْفَضَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ.

وَسُئِلَ) عَنْ امْرَأَةٍ ادَّعَتْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَادَّعَى دُونَهَا ثُمَّ صَدَّقَتْهُ فَهَلْ يَصِحُّ إذْنُهَا فِي التَّزْوِيجِ مِنْهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّهَا لَوْ أَنْكَرَتْ الرَّجْعَةَ ثُمَّ رَجَعَتْ قُبِلَ رُجُوعُهَا وَلَوْ ادَّعَتْ أَنَّ بَيْنَهُمَا نَحْوَ رَضَاعٍ مُحَرَّمٍ لَمْ يُقْبَلْ رُجُوعُهَا وَفَرَّقُوا بِأَنَّ نَحْوَ الرَّضَاعِ أَمْرٌ ثُبُوتِيٌّ فَالْغَالِبُ أَنْ لَا يُقَدَّمَ عَلَيْهِ إلَّا بِيَقِينٍ وَفِي الرَّجْعَةِ نَفْيٌ لَا يَسْتَلْزِمُ الْعِلْمَ فَقُبِلَ رُجُوعُهَا إذْ لَا مُنَاقَضَةَ فَلَعَلَّهَا تَذَكَّرَتْ وَهَذَا يَقْتَضِي عَدَمَ قَبُولِ رُجُوعِهَا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ لِأَنَّ دَعْوَاهَا الثَّلَاثَ أَمْرٌ ثُبُوتِيٌّ فَلَا يَصِحُّ إذْنُهَا فِي التَّزْوِيجِ مِنْهُ إلَّا بَعْدَ مُحَلَّلٍ هَذَا إنْ وَقَعَ ذَلِكَ بَعْدَ بَيْنُونَتِهَا كَمَا اقْتَضَاهُ مَا فِي السُّؤَالِ فَإِنْ أَقَرَّ بِطَلَاقِهَا وَاحِدَة ثُمَّ رَاجَعَهَا وَادَّعَتْ الثَّلَاثَ ثُمَّ أَكَذَبَتْ نَفْسَهَا حَلَّ لَهَا الِاجْتِمَاعُ مَعَهُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَمُرَادُهُ حِلُّ ذَلِكَ ظَاهِرًا وَقَدْ يُنْظَرُ فِيهِ بِأَنَّ دَعْوَاهَا حِينَئِذٍ غَيْرُ مَقْبُولَةً فَلَا فَائِدَةَ لِقَبُولِ رُجُوعِهَا ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ نَقَلَ عَنْ النَّصِّ مَا يُوَافِقُ الْمَاوَرْدِيُّ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهَا لَوْ ادَّعَتْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ فَحَلَفَتْ ثُمَّ كَذَّبَتْ نَفْسَهَا لَمْ يُقْبَلْ تَكْذِيبُهَا لِأَنَّ قَوْلَهَا أُسْنِدَ إلَى أَمْرٍ ثُبُوتِيٍّ وَلِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ وَفَرَّقَ بَيْن هَذِهِ وَمَسْأَلَة النَّصِّ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَثْبُتُ الطَّلَاقُ بِقَوْلِهَا فَإِذَا رَجَعَتْ عَنْهُ قُبِلَ رُجُوعُهَا وَفِي الْأَنْوَارِ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ طَلَّقَنِي ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَتْ كَذَبْت مَا طَلَّقَنِي إلَّا وَاحِدَةً فَلَهَا التَّزْوِيجُ بِهِ بِغَيْرِ تَحْلِيلٍ لِأَنَّهَا لَمْ تُبْطِلْ بِرُجُوعِهَا حَقًّا لِغَيْرِهَا وَمُقْتَضَاهُ قَبُولُهَا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ أَيْضًا وَهُوَ مُتَّجَهٌ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ طَلَّقَ صَغِيرَةً فَأَرَادَ وَلِيُّهَا تَزْوِيجَهَا فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ وَطِئَهَا فَهَلْ يُقْبَلُ فَلَا تُزَوَّجُ لِلْبُلُوغِ أَوْ لَا أَوْ يُنْتَظَرُ الْبُلُوغُ حَتَّى تَحْلِفَ الزَّوْجَةُ عَلَى نَفْيِ الْوَطْءِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْأَصْلُ عَدَمُ الْوَطْءِ إلَّا فِي صُوَرٍ ذَكَرُوهَا لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا فَلِلْوَلِيِّ تَزْوِيجُهَا حَيْثُ لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِهِ تَصْدِيقُ الزَّوْجِ وَلَا الْتِفَاتَ لِدَعْوَاهُ الْوَطْءَ وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى يَمِينِ الصَّغِيرَةِ إذَا بَلَغَتْ كَمَا لَوْ ادَّعَى وَلِيٌّ مَحْجُورٌ عَلَى غَائِبٍ بِدَيْنٍ وَأَثْبَتَهُ فَإِنَّهُ يَقْضِي مِنْ مَالِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى كَمَالِ الْمَحْجُورِ لِيَحْلِفَ عَلَى نَفْيِ الْإِبْرَاءِ وَبَقَاءِ الِاسْتِحْقَاقِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا ثُمَّ ادَّعَى فَسَادَ النِّكَاحِ فَهَلْ تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ سَوَاءٌ أَقَامَهَا الزَّوْجُ أَوْ الزَّوْجَةُ صُرِّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَنَقَلَهُ فِي الْأَنْوَارِ عَنْ الْبَغَوِيّ وَغَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ وَحَاصِلُ كَلَامِهِمَا أَنَّهَا تُسْمَعُ إنْ شَهِدَتْ حِسْبَةً وَلَا تُسْمَعُ إنْ أَقَامَهَا الزَّوْجُ وَهُوَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُمَا انْتَهَى وَبِهِ يُعْلَمُ مَا فِي كَلَامِ الْغَزِّيِّ حَيْثُ جَزَمَ فِي بَابِ الْإِقْرَارِ بِسَمَاعِ بَيِّنَةِ الزَّوْجِ مُطْلَقًا وَفِي أَوَائِلِ النِّكَاحِ بِسَمَاعِهَا إنْ كَانَتْ حِسْبَةً وَلَمْ يُقِمْهَا وَقَوْلُهُ يَتَّجِه أَنَّ لِلْمَرْأَةِ إقَامَتُهَا وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الدِّيلِيِّ مِنْ سَمَاعِهَا إنْ لَمْ يَسْبِقْ مِنْهُ اعْتِرَافٌ بِالزَّوْجِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَخْفَى تَصَوُّرُ شَهَادَتِهَا حِسْبَةً لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ بَيِّنَةَ الْحِسْبَةِ إنَّمَا تُسْمَعُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فَلَوْ قَالُوا نَشْهَد أَنَّ بَيْنهمَا رَضَاعًا مُحَرِّمًا لَمْ يَكْفِ حَتَّى يَقُولَا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَنْكِحَهَا وَهُنَا لَا فَائِدَةَ لِلْحُكْمِ بِفَسَادِ النِّكَاحِ إلَّا التَّفْرِيقُ بَيْنهمَا لِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ إلَّا بِمُحَلِّلِ وَالتَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا حَاصِلٌ بِالطَّلَاقِ نَعَمْ لَوْ أُقِيمَتْ لِإِثْبَاتِ مَهْرِ الْمِثْلِ دُونَ الْمُسَمَّى فَهَلْ يَلْزَمُ مِنْ الْحُكْمِ بِفَسَادِ النِّكَاحِ لِأَجْلِ لُزُومِ الْمُسَمَّى الْحُكْمَ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ أَوْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَفْرِيقًا لِلصَّفْقَةِ فِي الشَّهَادَةِ فَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ بِالْفَسَادِ بِالنِّسْبَةِ إلَى لُزُومِ مَهْرِ الْمِثْلِ دُونَ ارْتِفَاعِ التَّحْلِيلِ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَقَدْ يَثْبُتُ ظَاهِرًا فَلَا يُرْفَعُ احْتِيَاطًا لِلْأَبْضَاعِ مَحَلُّ نَظَرٍ وَالثَّانِي أَحْوَطُ. (وَسُئِلَ) هَلْ تَجُوزُ رُؤْيَةُ الْأَجْنَبِيَّةِ فِي الْمِرْآةِ وَالْمَاءِ الصَّافِي؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِجَوَازِ ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِذَلِكَ فِي رُؤْيَةِ الْمَبِيعِ وَلَا يَحْنَثُ بِهِ مَنْ عَلَّقَ عَلَى الرُّؤْيَةِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَذِنَتْ لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوَّجَهَا فَامْتَنَعَ فَهَلْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُزَوِّجَهَا أَوْ يُوَكِّلَ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ قَالَ وَقُوَّة كَلَامِهِمْ عَلَى الْفَصْلِ شَاهِدٌ لِذَلِكَ وَفَارَقَ الْوَكِيلُ بِأَنَّ وِلَايَتَهُ مُتَلَقَّاةٌ مِنْ الشَّرْعِ فَلَمْ تَتَأَثَّرْ بِالرَّدِّ. (وَسُئِلَ) عَنْ امْرَأَةٍ قَالَتْ أَذِنْت لَك أَنْ تُجَوِّزَنِي مِنْ فُلَانٍ فَهَلْ يَكُون إذْنًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ إذْن إذْ الْمَدَارُ هُنَا عَلَى الرِّضَا دُونَ

اللَّفْظِ وَقَدْ وُجِدَ فَلَا يَضُرُّ اللَّحْنُ فِي اللَّفْظِ وَلَوْ بِمَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ لِأَنَّ اللَّفْظَ فِيهِ مُتَعَبَّدٌ بِهِ. (وَسُئِلَ) بِمَا صُورَتُهُ حَضَرَ شَاهِدَانِ فِي ظُلْمَةٍ نِكَاحًا فَسَمِعَا لَفْظَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةِ شَخْصِهِمَا فَهَلْ يَكْفِي؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَقَلَ الرُّويَانِيّ عَنْ الْأَصْحَاب كَمَا فِي الْكِفَايَةِ أَنَّهُ لَوْ جَلَسَ بِبَابِ بَيْتِ فِيهِ اثْنَانِ فَقَطْ فَسَمِعَ تَعَاقُدَهُمَا بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ كَفَى وَلَمْ يَحْتَجْ لِلرُّؤْيَةِ وَقَضِيَّةُ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلٍ إلَّا بِالْإِبْصَارِ خِلَافُ ذَلِكَ لَكِنْ اسْتَبْعَدَ الْأَذْرَعِيُّ هَذَا الثَّانِي وَمِيلَ كَلَامُهُ إلَى اعْتِمَادِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَرِيبٌ إنْ عَرَفَا الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَسَمِعَا لَفْظَهُمَا وَتَحَقَّقَاهُ عَلَى أَنَّ مَا ذَكَرَ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِلتَّحَمُّلِ وَأَدَاءِ الشَّهَادَةِ بِذَلِكَ الْعَقْدِ أَمَّا مُجَرَّدُ انْعِقَادِ النِّكَاحِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْتَفِيَ بِحُضُورِهِمَا وَسَمَاعِهِمَا لِلَفْظِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفَاهُمَا أَصْلًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ النِّكَاحِ إمْكَانُ إثْبَاتِهِ أَلَا تَرَى إلَى انْعِقَادِهِ بِابْنَيْ الزَّوْجَيْنِ وَعَدُوَّيْهِمَا مَعَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ حِينَئِذٍ. (وَسُئِلَ) عَنْ قَوْلِ النَّوَوِيِّ فِي فَتَاوِيهِ وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ يُسَنُّ أَنْ يَنْوِيَ بِالنِّكَاحِ التَّعَفُّفَ وَالنَّسْلَ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ النِّكَاحَ حِينَئِذٍ سُنَّةٌ لِمِثْلِ هَذَا وَالسُّنَّةُ لَا يَحْتَاجُ فِعْلُهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ إلَى نِيَّةٍ بَلْ الشَّرْطُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِفِعْلِهَا غَرَضًا آخَرَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَعْنَى قَوْلِهِ يُسَنُّ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ سُنَّةٌ أُخْرَى غَيْرُ سُنَّةِ النِّكَاحِ فَالنِّيَّةُ الْمَذْكُورَةُ لَيْسَتْ شَرْطًا لِلثَّوَابِ عَلَى النِّكَاحِ الْمَسْنُونِ بَلْ كَمَالٌ فِيهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ طَلَبِهِ عَدَمُ الثَّوَابِ عِنْدَ فَقْدِهِ فَسَقَطَ الْإِشْكَالُ الْمَذْكُورُ عَلَى أَنَّ لَك أَنْ تَدَّعِيَ أَنَّ النِّكَاحَ يَحْتَاجُ الثَّوَابَ عَلَيْهِ لِنِيَّةِ الِامْتِثَالِ مُطْلَقًا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ عِبَادَةً بِذَاتِهِ بَلْ هُوَ فِعْلٌ مُشْتَرَكٌ تَارَةً يَكُونُ سُنَّةً وَتَارَةً يَكُونُ مَكْرُوهًا وَخِلَافَ الْأَوْلَى وَمُبَاحًا فَحُصُولُ الْعِبَادَةِ لَهُ أَمْرٌ عَرَضِيٌّ فَإِذَا سُنَّ لِشَخْصٍ وَأَرَادَ فِعْلَهُ احْتَمَلَ أَنْ يُجْرِيَهُ عَلَى سُنَنِ الْمُبَاحَاتِ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ أَوْ عَلَى سُنَنِ الْمَنْدُوبَاتِ بِاعْتِبَارِ مَا عَرَضَ لَهُ فَاحْتَاجَ إلَى نِيَّةٍ مُمَيِّزَةِ لَهُ وَلَا يُقَالُ الشَّرْطُ عَدَمُ الصَّارِفِ لِأَنَّ ذَاكَ مَحَلُّهُ فِيمَا هُوَ عِبَادَةٌ بِذَاتِهِ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته قَوْلُهُمْ وَلْيَنْوِ بِالسِّوَاكِ السُّنَّةَ وَقَوْلُهُمْ يُشْتَرَطُ لِلثَّوَابِ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ وَالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ تَقَدُّمُ نِيَّةِ الْوُضُوءِ عَلَيْهَا وَإِلَّا لَمْ يُثَبْ فَإِذَا اُشْتُرِطَ فِي هَذِهِ تَقَدُّمُ النِّيَّةِ مَعَ أَنَّ فِعْلَهَا عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ يَنْدُرُ أَنْ يَقَعَ مِثْلُهُ فِي الْعَادَةِ فَأَوْلَى أَنْ يُشْتَرَطَ فِي حُصُولِ الثَّوَابِ فِي النِّكَاحِ امْتِثَالُ قَصْدِ السُّنَّةِ لِأَنَّهُ يَغْلِبُ فِيهِ وُقُوعُهُ عَلَى مُقْتَضَى الْعَادَاتِ وَاسْتِيفَاءِ اللَّذَّات. (وَسُئِلَ) لَوْ تَابَ الْفَاسِقُ قُبَيْلَ الْعَقْدِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا بِخِلَافِ مَا لَوْ تَابَ الْوَلِيُّ فَمَا الْفَرْقُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الشَّرْطَ فِي الشَّاهِدِ اتِّصَافُهُ بِالْعَدَالَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يَتَوَقَّف قَبُولُ شَهَادَتِهِ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ إلَّا إنْ مَضَتْ عَلَيْهِ مِنْ تَوْبَتِهِ مُدَّةُ الِاسْتِبْرَاءِ وَهِيَ سَنَةٌ وَالشَّرْطُ فِي الْوَلِيِّ عَدَمُ الْفِسْقِ لَا الِاتِّصَافِ بِالْعَدَالَةِ وَبِالتَّوْبَةِ الصَّحِيحَةِ انْتَفَى الْفِسْقُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ انْتَفَى فِسْقُهُ وَارْتَكَبَ مَا يُخِلُّ بِمُرُوءَتِهِ لَمْ تَنْتَقِلُ الْوِلَايَةُ عَنْهُ بِخِلَافِ الشَّاهِد فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ مَعَ انْتِفَاءِ فِسْقِهِ انْتِفَاءُ مَا يُخِلُّ بِمُرُوءَتِهِ فَإِنْ قُلْت عَلَّلَ بَعْضُهُمْ عَدَمَ جَوَازِ كَوْنِهِ شَاهِدًا بِأَنَّ التَّوْبَةَ تَصْدُرُ مِنْهُ عَلَى وَفْقِ الْعَادَةِ لَا عَلَى حَقِيقَتِهَا وَهُوَ يُخَالِفُ مَا ذَكَرْته قُلْت هَذَا التَّعْلِيلُ فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَاسْتَوَى الْوَلِيُّ وَالشَّاهِدُ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَنْعِ لِأَنَّ تَوْبَتَهُمَا إنْ صَحَّتْ بِأَنْ وَجَدَتْ شُرُوطَهَا اسْتَوَيَا فِي الْقَبُولِ وَإِلَّا اسْتَوَيَا فِي عَدَمِهِ بَلْ الْوَجْهُ مَا ذَكَرْته عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ بِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الشُّهُودِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْوَلِيِّ وَفِيهِ مَا فِيهِ. (وَسُئِلَ) بِمَا صُورَتُهُ زَوَّجَ الْحَاكِمُ لِغَيْبَةِ الْوَلِيِّ ثُمَّ حَضَرَ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ قَرِيبًا فَهَلْ يُصَدِّقُ الْوَلِيُّ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَخْذًا مِنْ كَلَامٍ نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيّ أَنَّهُ يُصَدَّقُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ قَالُوا لَوْ بَاعَ الْوَكِيلُ فِي غَيْبَةِ مُوَكِّلِهِ فَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ عَزَلَهُ قَبْلَ التَّصَرُّفِ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ فَقِيَاسُهُ هُنَا أَنْ لَا يُقْبَلَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا وَقَعَ مِنْ نَائِبه عَقْدٌ وَهُوَ يُرِيدُ رَفْعَهُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ فَكَمَا اشْتَرَطُوا لِرَفْعِهِ ثُمَّ قِيَامُ الْبَيِّنَةِ كَذَلِكَ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ هُنَا أَيْضًا بَلْ مَا هُنَا أَوْلَى لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ نَائِبًا عَنْ الْوَلِيِّ اتِّفَاقًا بَلْ فِيهِ وَجْهَانِ قِيلَ يُزَوِّجُ بِالنِّيَابَةِ عَنْهُ وَقِيلَ بِالْوِلَايَةِ وَلِكُلٍّ فُرُوعٌ تَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ يُزَوِّجُ

بِنِيَابَةٍ اقْتَضَتْهَا الْوِلَايَةُ فَعَلَى كُلٍّ تَقْدِيرُ تَصَرُّفِهِ أَقْوَى مِنْ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ وَقَدْ اشْتَرَطُوا لِبُطْلَانِ تَصَرُّفِهِ قِيَامَ الْبَيِّنَةِ فَأَوْلَى أَنْ يُشْتَرَطَ ذَلِكَ هُنَا فَإِنْ قُلْت يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّهُ ثَمَّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ ثَالِثٌ وَهُوَ الْمُشْتَرِي فَاحْتِيطَ لَهُ قُلْت وَمَا هُنَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الزَّوْجِ نَعَمْ يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ دَعْوَى الْمُوَكِّلِ الْعَزْلَ يُنَافِيه قَضِيَّةُ تَوْكِيلِهِ النَّاشِئِ عَنْهُ صِحَّةُ التَّصَرُّفِ فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي رَفْعِهِ وَأَمَّا الْوَلِيُّ هُنَا فَلَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ إذْنٌ لِلْقَاضِي بَلْ زَوَّجَ قَهْرًا عَلَيْهِ فَلَا يُقَالُ أَنَّ دَعْوَاهُ تُنَافِي فِعْلَهُ فَصَدَقَ فِي رَفْعِهِ بِيَمِينِهِ. (وَسُئِلَ) بِمَا صُورَتُهُ قَالَ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا فِي شَرْح الرَّوْضِ وَالْعِبْرَةُ فِي الِانْتِسَابِ إلَى الْآبَاءِ فِي غَيْرِ أَوْلَادِ بَنَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَضِيَّتُهَا أَنَّ الشَّرِيفَةَ لَا يُكَافِئُهَا مُطَّلِبِيٌّ وَلَا هَاشِمِيٌّ وَأَنَّ مَنْ أُمُّهَا شَرِيفَةٌ وَأَبُوهَا عَرَبِيٌّ أَوْ عَجَمِيٌّ غَيْرُ شَرِيفٍ لَا يُكَافِئُهَا مَنْ أَبُوهُ وَأُمُّهُ غَيْرُ شَرِيفَيْنِ فِي الْأَوْلَى وَلَا مَنْ أَبُوهُ قُرَشِيٌّ فِي الثَّانِيَةِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَهَلْ هُوَ مَعَ ذَلِكَ مُعْتَمَدٌ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَشَكَرَ سَعْيَهُ صُرِّحَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَقَضِيَّتُهُ مَا ذَكَرَ وَلَك أَنْ تَقُولَ أَمَّا الْقَضِيَّةُ الْأُولَى فَلَيْسَتْ بَعِيدَةً مِنْ النَّظَرِ لِأَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ أَوْلَادَ بَنَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُنْسَبُونَ إلَيْهِ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُكَافِئُهُ أَحَدٌ فَلَا يُكَافِئُ مَنْ انْتَسَبَ إلَيْهِ إلَّا مَنْ انْتَسَبَ إلَيْهِ فَالْعَبَّاسِيُّ مَثَلًا لَيْسَ كُفُؤًا لِلشَّرِيفَةِ وَإِنْ كَانَا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَيَخُصُّ بِذَلِكَ إطْلَاقهمْ أَنَّ بَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ أَكْفَاءٌ وَأَمَّا جَوَابُ بَعْضِهِمْ عَنْ تَزْوِيج عَلِيِّ لِفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مَعَ كَوْنِهَا قَرَابَةً قَرِيبَةً بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا كُفْءٌ غَيْرُهُ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكُفْءٍ لَهَا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُمْ أَنَّ الْمُسْلِم بِنَفْسِهِ لَيْسَ كُفُؤًا لِمَنْ أَبُوهَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْفُرُوعِ الَّتِي ذَكَرُوهَا وَإِنَّمَا الْجَوَابُ الصَّحِيحُ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ قَرَابَةً قَرِيبَةً إذْ هِيَ فِي أَوَّل دَرَجَاتِ النَّسَبِ كَبِنْتِ الْعَمِّ وَالْعَمَّةِ وَالْخَال وَالْخَالَةِ وَأَمَّا بِنْتُ ابْنِ الْعَمِّ وَنَحْوِهِ فَقَرَابَةٌ بَعِيدَةٌ لَا قَرِيبَةٌ وَأَمَّا الْقَضِيَّةُ الثَّانِيَةُ فَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَجُوزُ حَتَّى لِغَيْرِ الْقُرَشِيِّ تَزْوِيجُ مَنْ أُمُّهَا فَقَطْ شَرِيفَةٌ وَأَنَّهُ كُفْءٌ لَهَا ثُمَّ رَأَيْت الْإِمَامَ وَالْغَزَالِيَّ قَالَا وَجِهَةُ الِانْتِسَاب يَحُدُّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْعُلَمَاءُ وَالصُّلَحَاءُ الْمَشْهُورُونَ وَقَالَ فِي الْوَجِيزِ لَا تُجْبَرُ فَضِيلَةُ نَسَبِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِفَضِيلَةٍ وَمَا وَرَاءَهُ فَقَدْ تَقْضِي الْعَادَةُ بِجَبْرِ نَقْصِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمُقْتَضَاهُ جَبْرُ بَعْضِ الصِّفَاتِ بِبَعْضٍ بَعْدَ الِاشْتِرَاكِ فِي النَّسَبِ وَظَاهِرُهُ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ فَافْهَمْ قَوْلَهُ بَعْدَ الِاشْتِرَاكِ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَنْوَارِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَوْلَادَ بَنَاتِهِ بِوَاسِطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا سَوَاءُ أَكَانَتْ الْأُمُّ شَرِيفَةً فَقَطْ أَوْ الْأَبُ كَذَلِكَ يُنْسَبُونَ إلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَيَقْوَى بِذَلِكَ أَيْضًا كَلَام الْأَنْوَارِ وَقَضِيَّةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَة وَلِلنَّظَرِ فِيهِ مَجَالٌ. (وَسُئِلَ) هَلْ يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ النَّظَرُ إلَى الْفَرْجِ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ نِسْوَةٍ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ صَرَّحُوا بِأَنَّ لِلشَّاهِدِ النَّظَرَ إلَى الْفَرْج لِلشَّهَادَةِ بِزِنًا أَوْ وِلَادَةٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الزِّنَا وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يَثْبُت بِالنِّسْوَةِ أَمَّا مَا يَثْبُت بِهِنَّ فَمُقْتَضَى كَلَامهمْ أَنَّ لِلشَّاهِدِ الْمَذْكُورِ الرُّؤْيَةَ لِأَجْلِ الشَّهَادَةِ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ نِسْوَةٌ يُمْكِنُ إثْبَاتُ الْحَقِّ بِهِنَّ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ لِأَنَّ عَدَالَةَ الشَّاهِدِ مَانِعَةٌ مِنْ خَوْفِ الْمَحْذُور الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الرُّؤْيَةِ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَا تَجُوزُ الْمُدَاوَاةُ بِغَيْرِ الْجِنْسِ إلَّا إنْ فُقِدَ الْجِنْسُ الصَّالِحُ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ عَدَالَةَ الشَّاهِدِ مَانِعَةٌ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ بِخِلَافِ الطَّبِيبِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ فَاحْتِيجَ لِجَوَازِ نَظَرِهِ إلَى أَنْ يُقَيَّدَ بِالضَّرُورَةِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّاهِدِ وَالطَّبِيبِ أَنَّ الشَّاهِدَ يَنْظُرُ إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ نِسْوَةٌ يُمْكِنُ ثُبُوتُ الْحَقِّ بِهِنَّ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ هُنَا وَمَنْ بَحَثَ هُنَا مَا مَرَّ فِي رُؤْيَةِ الْفَرْجِ فَقَدْ أَبْعَدَ وَأَمَّا الطَّبِيبُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَى نَحْوِ الْوَجْهِ إلَّا إنْ فُقِدَ الْجِنْسُ الصَّالِحُ فَعِلْمنَا فُرْقَانَ مَا بَيْنَهُمَا وَأَيْضًا الطَّبِيبُ اشْتَرَطُوا فِي جَوَازِ عِلَاجِهِ إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ أَنْ يَكُونَ بِحَضْرَةِ مَحْرَمٍ وَنَحْوِهِ وَلَمْ يَشْتَرِطُوا ذَلِكَ فِي الشَّاهِدِ وَأَيْضًا قَدْ اشْتَرَطُوا فِي الْعِلْمِ ذَلِكَ عَقِبَ ذِكْرِهِمْ مَسْأَلَةَ الشَّهَادَةِ وَلَمْ يَشْتَرِطُوا فِيهَا شَيْئًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِلشَّاهِدِ الرُّؤْيَةَ مُطْلَقًا وَوَجْهُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ اشْتِرَاطَ عَدَالَتِهِ مُغْنٍ عَنْ ذَلِكَ.

وَسُئِلَ) هَلْ يَتَزَوَّجُ الْأَخْرَسُ بِإِشَارَتِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ فَهِمَهَا كُلُّ وَاحِدٍ تَزَوَّجَ بِهَا لِأَنَّهَا صَرِيحَةٌ حِينَئِذٍ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهَا كِنَايَةٌ وَالنِّكَاحُ مُمْتَنِعٌ بِهَا. (وَسُئِلَ) عَنْ الْخَرْسَاءِ الَّتِي لَا إشَارَةَ لَهَا مُفْهِمَةٌ هَلْ تُزَوَّجُ كَالْمَجْنُونَةِ؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ نَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهَا تُزَوَّجُ مِثْلَ الْمَجْنُونَةِ وَلَهُ وَجْهٌ فَإِنْ قُلْت يُنَازِعُ فِيهِ أَنَّ الْمُزَوِّجَ لِلْمَجْنُونَةِ هُوَ وَلِيُّ الْمَالِ وَالنِّكَاحِ وَالْخَرْسَاءُ لَا وَلِيَّ لَهَا لِأَنَّهَا غَيْرُ مَحْجُورٍ عَلَيْهَا قُلْت عِلَّةُ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِي الْمَجْنُونَةِ مَا ذُكِرَ فِي الْأَبِ وَالْجَدِّ مِنْ الشَّفَقَةِ الْحَامِلَةِ عَلَى مُرَاعَاةِ الْحَظّ وَالْمَصْلَحَةِ مَا أَمْكَنَ وَمِنْ ثَمَّ وَلِيَا الْمَالَ بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا وَأُلْحِقَ بِهِمَا السُّلْطَانُ لِقُوَّةِ وِلَايَتِهِ وَأَمَّا كَوْنُ الْمَجْنُونَةِ مَحْجُورًا عَلَيْهَا فِي الْمَالِ وَالْخَرْسَاءُ غَيْرُ مَحْجُورِ عَلَيْهَا فَلَا دَخْلَ لَهُ فِي جَوَازِ إنْكَاحِ تِلْكَ وَامْتِنَاعِ إنْكَاحِ هَذِهِ ثُمَّ رَأَيْت الشَّيْخَيْنِ فِي بَابِ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ أَلْحَقَا الْأَخْرَسَ الَّذِي لَا إشَارَةَ لَهُ مُفْهِمَةٌ بِالْمَجْنُونِ فِي سَائِرِ تَصَرُّفَاتِهِ وَهُوَ نَصٌّ فِيمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ. (وَسُئِلَ) بِمَا صُورَته لَوْ عَضَلَ لِعُذْرٍ كَمَالِكِيٍّ لَا يَرَى نِكَاحَ الْمُحَلِّلِ وَنَحْوِهِ مَنْ يُزَوِّجُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَيْثُ امْتَنَعَ بَعْدَ سُؤَالِ الْحَاكِمِ لَهُ زَوَّجَ الْحَاكِمُ مَا لَمْ يَنْضَمَّ إلَى الْعَضْلِ عَدَمُ غَلَبَةِ الطَّاعَاتِ عَلَى الْمَعَاصِي فَحِينَئِذٍ يُزَوِّجُ الْأَبْعَدُ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بِالنِّسْبَةِ إلَى تَزْوِيج الْقَاضِي أَوْ الْأَبْعَدِ بَيْنَ أَنْ يَمْتَنِعَ بِعُذْرٍ أَمْ لَا وَإِنْ أَفَادَهُ الْعُذْرُ عَدَمَ الْإِثْمِ بِالِامْتِنَاعِ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ غَابَ عَنْ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ غَيْبَةً طَوِيلَةً وَخَافَ الْعَنَتَ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَيْهَا هَلْ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ أَمَةً وَإِذَا جَازَ لَهُ أَنْ يَنْكِح أَمَةً فَغَابَ عَنْهَا كَذَلِكَ يَنْكِحُ ثَالِثَةً وَرَابِعَةً أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَهَذِهِ قَدْ يُلْغَزُ بِهَا فَيُقَالُ لَنَا حُرٌّ يَنْكِحُ أَرْبَعَ إمَاءٍ وَإِذَا جُمِعْنَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَتَفَسَّخ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ. (وَسُئِلَ) هَلْ يُشْتَرَطُ عَلَى الْجَدِّ إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لِمُوَلِّيَتِهِ فِي النِّكَاحِ أَنْ يَأْتِيَ فِي الشِّقِّ الثَّانِي بِالْوَاوِ وَهَلْ يَطَّرِدُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَقَلَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ وَلَا يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ وَيُحْتَمَلُ إلْحَاقُ الْبَيْعِ بِالنِّكَاحِ فِي ذَلِكَ وَالْفَرْقُ وَعَدَمُ الْفَرْقِ أَوْجُهٌ إذْ وَجْهُ الِاشْتِرَاطِ مِنْ الْإِتْيَانِ بِرَابِطٍ مِنْ كَلَامِهِ حَتَّى لَا يَحْصُلُ بَيْنهمَا انْفِصَالٌ يَأْتِي فِي الْبَيْعِ وَالْفَرْقُ بِأَنَّ النِّكَاحَ يُحْتَاطُ لَهُ لَا يَنْهَضُ هُنَا. (وَسُئِلَ) بِمَا صُورَتُهُ أَذِنَتْ لِوَلِيِّهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ أَنْ يُزَوِّجَهَا إذَا حَلَّتْ فَهَلْ يَصِحُّ الْإِذْنُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَصِحُّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُلْحَقَ بِهِ مَا لَوْ أَذِنَتْ لَهُ قَبْلَ خَلْعِهَا أَنْ يُعِيدَهَا بَعْدَ الْخَلْعِ مِنْ زَوْجِهَا وَيَحْتَمِلُ خِلَافَهُ وَالْفَرْقُ بِأَنَّ الْعِصْمَةَ هُنَا بَاقِيَةٌ فَكَانَ الْمَانِعُ أَعْلَى وَمَا لَوْ أُذِنَ لَهُ أَنْ يُزَوَّجَ أَمَةً أَوْ مَجُوسِيَّةً فَوَجَدَتْ فِيهِ شُرُوطَ نِكَاحِ الْأَمَةِ وَأَسْلَمَتْ الْمَجُوسِيَّةُ. (وَسُئِلَ) عَنْ قَوْلِهِمْ يُسَنُّ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَنْ لَيْسَتْ قَرَابَةً قَرِيبَةَ فَإِنَّهُ مُشْكِلٌ بِتَزَوُّجِ عَلِيٍّ بِفَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَجَابَ الشَّمْسُ الْبِرْمَاوِيُّ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ قَرَابَةً قَرِيبَة إذْ هِيَ الَّتِي أَوَّلُ دَرَجَاتِ الْحِلِّ كَبِنْتِ الْعَمِّ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالِ وَالْخَالَةِ بِخِلَافِ الَّتِي فِي ثَانِي دَرَجَاتِهِ فَإِنَّهَا بَعِيدَةٌ كَفَاطِمَة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - فَإِنَّهَا بِنْتُ ابْنِ عَمِّ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَيَرُدُّ عَلَيْهِ تَزْوِيجُ زَيْنَبَ بِأَبِي الْعَاصِي بْنِ الرَّبِيعِ وَهُوَ ابْنُ خَالِهَا وَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَحْكَامَ لَمْ تَكُنْ حِينَئِذٍ قَدْ اشْتَهَرَتْ بِدَلِيلِ أَنَّ أَبَا الْعَاصِي لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا حِينَئِذٍ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ مَاتَ قَبْل الْوَطْءِ فَادَّعَى وَرَثَتُهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ بِهَا وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ حَتَّى يَفْسُدَ النِّكَاحُ فَلَا تَرِثُ مِنْهُ وَلَا مَهْرَ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَأَنْكَرَتْ فَمَنْ الْمُصَدَّقُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ فَرَّقَ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرُهُ بَيْنَ تَصْدِيقِ السَّيِّدِ إذَا قَالَ كَاتَبْتُك وَأَنَا مَجْنُونٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيَّ وَعُرِفَ سَبْقُ مَا ادَّعَاهُ وَعَدَمُ تَصْدِيقِ الْوَلِيِّ إذَا زَوَّجَ بِنْتَه ثُمَّ قَالَ كُنْت مَجْنُونًا أَوْ مَحْجُورًا عَلَيَّ يَوْمَ صَدَقَهَا وَإِنْ عُهِدَ لَهُ ذَلِكَ بِأَنَّ الْحَقَّ فِي النِّكَاحِ تَعَلَّقَ بِثَالِثٍ بِخِلَافِهِ فِي غَيْرِهِ وَقَضِيَّة هَذَا الْفَرْقِ تَصْدِيقُ الزَّوْجَةِ فِي صُورَةِ السُّؤَال دُونَ الْوَرَثَةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الرَّوْضَةِ أَوَاخِرَ النِّكَاحِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ عَدَمِ مَجِيءِ الْخِلَافِ فِي النِّكَاحِ بِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْأَنْكِحَةِ الِاحْتِيَاطُ لَهَا وَعَقْدُهَا بِشُرُوطِهَا وَبِحَضْرَةِ الشُّهُودِ وَغَيْرِهِمْ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ وُقُوعَهُ فَاسِدًا كَثِيرٌ اهـ لَكِنَّ فِي الْأَنْوَارِ آخِرُ الدَّعَاوَى عَنْ الْقَاضِي

أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ فَمَاتَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَادَّعَى وَارِثُهَا الْمَهْرَ فَقَالَ كُنْت طِفْلًا يَوْمئِذٍ فَلَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ مَا ذَكَرُوهُ فِي النِّكَاح كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى مَا إذَا عُرِفَ لَهُ حَالَةُ جُنُونٍ وَحَالَة إفَاقَةٍ أَوْ حَالَةُ حَجْرٍ وَحَالَةُ رُشْدٍ وَاخْتَلَفَا هَلْ وَقَعَ الْعَقْدُ فِي حَالَةِ الْحَجْرِ أَوْ الْجُنُونِ أَمْ لَا فَحِينَئِذٍ الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ فِي النِّكَاحِ خَاصَّةً بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَنَحْوه أَمَّا مَنْ ادَّعَى بَقَاءَ نَحْوِ الْحَجْرِ الَّذِي عُهِدَ وَاسْتِمْرَارَهُ فَهُوَ الْمُصَدَّقُ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهَا لَوْ ادَّعَتْ وُقُوعَ عَقْدِ النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ صَدَقَتْ بِيَمِينِهَا وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الظَّاهِرِ وَالْغَالِبِ فِي الْأَنْكِحَةِ نَظَرًا إلَى الْأَصْلِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي مَسْأَلَتِنَا. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ خَطَبَ امْرَأَةً وَلَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ رُؤْيَتُهَا وَلَا إرْسَال امْرَأَةٍ تَنْظُرُهَا فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ نَظَرُ وَلَدِهَا الْأَمْرَدِ لِحَاجَةٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ بَحَثَ الْغَزِّيُّ الْجَوَازَ إنْ بَلَغَهُ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الْحُسْنِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَنْ بَلَغَهُ مِنْهُ اسْتِوَاؤُهُمَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَوْصِفَهُ عَنْهَا. (وَسُئِلَ) هَلْ يَجُوزُ خِطْبَةُ نَحْوِ أَمَةِ الْوَلَدِ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ كَالْعِدَّةِ. (وَسُئِلَ) هَلْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ تَعْيِينُ الزَّوْجَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهَا بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ أَوْ بِالْمُعَايَنَةِ فَلَوْ كَانَتْ وَرَاءَ سِتْرٍ أَوْ مُنْتَقِبَةٍ لَمْ يَصِحَّ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي نَعَمْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَوْ زَوَّجَهُ الَّتِي فِي الدَّارِ صَحَّ إنْ كَانَتْ وَحْدَهَا اهـ. (وَسُئِلَ) عَنْ امْرَأَةٍ زُوِّجَتْ بِرِضَاهَا مِنْ مَجْهُولٍ فَإِذَا هُوَ غَيْرُ كُفْءٍ فَهَلْ يَصِحُّ النِّكَاحُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيط وَغَيْرِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ وَكَانَ وَجْهُهُ أَنَّ إذْنَهَا فِي الْمُعَيَّنِ مُتَضَمِّنٌ لِلرِّضَا بِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ كُفْءٍ وَلَا أَثَرَ لِظَنِّهَا كَفَاءَتَهُ لِتَقْصِيرِهَا بِتَرْكِ الشَّرْط. (وَسُئِلَ) بِمَا صُورَتُهُ عُقِدَ النِّكَاحُ بِنَقْدٍ مِنْ ضَرْبِ بَعْضِ الْمُلُوكِ وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي بَلَدِ الْعَقْدِ فَهَلْ تَكُونُ التَّسْمِيَةُ فَاسِدَةٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِي الْبَيْعِ أَنَّهُ إذَا بَاعَ بِنَقْدٍ انْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ بَطَلَ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ وَكَذَا إنْ وُجِدَ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْعَقْدِ وَالْبَيْعُ حَالٍّ أَوَمُؤَجَّلً إلَى مُدَّةٍ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ قَبْلَ الْحُلُولِ وَالصَّدَاقُ كَالثَّمَنِ فَيَأْتِي فِيهِ ذَلِكَ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ زَوَّجْتُك بِنْتِي بِكَذَا فَقَالَ تَزَوَّجْتهَا وَلَمْ يَقُلْ بِذَلِكَ أَوْ نَحْوِهِ فَهَلْ يَنْعَقِدُ بِالْمُسَمَّى فِي الْإِيجَابِ أَوْ بِمَهْرِ الْمِثْلِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قِيَاسُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْبَيْعِ مِنْ أَنَّهُ يَكْتَفِي بِذِكْرِ الثَّمَنِ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ أَنَّهُ هُنَا يَنْعَقِدُ بِالْمُسَمَّى وَكَوْنُ ذِكْرِ الثَّمَنِ شَرْطًا لِصِحَّةِ الْبَيْعِ بِخِلَافِ ذِكْر الصَّدَاقِ لَا يَقْتَضِي فَرْقًا بَيْنهمَا خِلَافًا لِمَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ الْإِسْنَوِيّ فِي أَسْئِلَتِهِ لِلْبَارِزِيِّ لِأَنَّ الْمَلْحَظَ هُوَ دَلَالَةُ تَقَدُّمِ ذِكْرِهِ فِي الْإِيجَابِ وَقَبُولِهِ لَهُ عَلَى أَنَّهُ مَذْكُورٌ بِالْقُوَّةِ فَوَجَبَ وَالْبَابَانِ مُسْتَوِيَانِ فِي ذَلِكَ وَقَوْلُ الْبَارِزِيَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ مِنْ أَصْلِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ. (وَسُئِلَ) هَلْ يَصِحُّ النِّكَاحُ بِالْمَسْتُورَيْنِ مُطْلَقًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ اسْتَثْنَى ابْنُ الصَّلَاحِ مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا كَانَ الْعَاقِدُ هُوَ الْحَاكِمُ قَالَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ بِهِمَا اتِّفَاقًا لِتَيَسُّرِ إحْضَارِ الْعُدُولِ بَاطِنًا عَلَى الْحَاكِمِ لَكِنْ شَنَّعَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي ذَلِكَ تَشْنِيعًا فَاحِشًا وَبَعْضُهُمْ نَسَبَهُ إلَى أَنَّهُ تَفَرَّدَ بِذَلِكَ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ لِمَا عَلَّلَ بِهِ لَوْ أَيْضًا فَتَصَرُّفُ الْحَاكِمِ حُكْمٌ فِيمَا يَدْخُلُ تَحْتَ أَحْكَامه وَوِلَايَتِهِ فَلَوْ جَازَ لَهُ الْعَقْدُ بِالْمَسْتُورَيْنِ لَكَانَ فِيهِ حُكْمٌ مِنْهُ بِصِحَّتِهِ وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ عَلَيْهِ لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ رُفِعَ إلَيْهِ عَقْدٌ بِهِمَا لَمْ يَحْكُمْ بِصِحَّتِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ بَيْنَ الْحَاكِمِ الْفَاسِقِ وَغَيْرِهِ لِصِحَّةِ تَوْلِيَتِهِ مَعَ فِسْقِهِ حَيْثُ وَلَّاهُ ذُو شَوْكَةٍ فَفِسْقُهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي وِلَايَتِهِ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ فِسْقِ الشَّاهِدَيْنِ وَهَلْ لَوْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ إحْضَار ذِي عَدَالَةٍ بَاطِنَةٍ يَجُوزُ لَهُ الْعَقْدُ بِالْمَسْتُورَيْنِ لِلضَّرُورَةِ مَحَلُّ نَظَرٍ لَكِنْ اخْتَارَ جَمْعٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْيَمَنِيِّينَ انْعِقَادَ النِّكَاحِ بِالْفَاسِقَيْنِ فَضْلًا عَنْ الْمَسْتُورَيْنِ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ عَدْلٌ فِي تِلْكَ النَّاحِيَة. (وَسُئِلَ) عَنْ أَهْلِ بَلَدٍ يَفْتَخِرُونَ بِالْأَمْوَالِ لَا بِالْأَنْسَابِ فَهَلْ يَكُونُ الْفَقِيرُ فِيهِمْ كُفُؤًا لِلْغَنِيَّةِ مِنْهُمْ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَكُونُ فَقِيرُهُمْ كُفُؤًا لِمُوسِرِهِمْ، وَاَللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ كَثِيرٍ يُطَلِّقُ كُلٌّ مِنْهُمْ زَوْجَتَهُ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ مَهْرِهَا فَتُبْرِئُهُ مِنْهُ ثُمَّ يُزَوِّجُهَا وَلِيُّهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ غَيْرِهِ كَقَاضٍ مِنْ غَيْرِ

سُؤَالٍ عَنْ رُشْدِهَا وَقْتَ الْإِبْرَاءِ وَقَدْ يُعْلَمُ أَنَّهَا غَيْرُ رَشِيدَةٍ لِبُلُوغِهَا تَارِكَةً الصَّلَاةَ مُسْتَمِرَّةً عَلَى التَّرْكِ مَا حُكْمُ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا طَلَّقَ عَلَى الْبَرَاءَةِ اُشْتُرِطَتْ بَرَاءَةٌ صَحِيحَةٌ وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ فَعَلَى الْوَلِيِّ إذَا أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ مَنْ طَلُقَتْ بِالْبَرَاءَةِ أَنْ يَبْحَثَ عَنْ كَيْفِيَّةِ الطَّلَاقِ وَهَلْ هِيَ رَشِيدَةٌ أَوْ سَفِيهَةٌ وَهَلْ هُوَ بَائِنٌ أَوْ رَجْعِيٌّ أَوْ لَمْ يَقَعْ أَصْلًا فَإِنْ وَجَدَ مَسَاغًا لِلْوُقُوعِ زَوَّجَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَإِلَّا أَمْسَكَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ بَعْدَ أَنْ عَلِمَ أَنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ بِالْبَرَاءَةِ وَأَنَّ مُوَلِّيَتَهُ غَيْرُ رَشِيدَةٍ أَنْ يَنْكِحَهَا آخَرُ لِأَنَّهَا لَمْ تَطْلُقْ فَإِنْ فَعَلَ عُزِّرَ التَّعْزِيرَ الْبَلِيغَ إنْ لَمْ يُعْذَرْ فِي ذَلِكَ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشْئِهِ بَعِيدًا عَنْ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ النِّكَاحَ لِتَعَلُّقِهِ بِالْأَبْضَاعِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مَزِيدِ تَثَبُّتٍ وَاحْتِيَاطٍ وَمِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَحَقُّقِ شُرُوطِهِ فَإِنَّ تَحَقَّقَهَا الْوَلِيُّ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ وَإِنْ شَكَّ فِي بَعْضِهَا لَزِمَهُ أَنْ يَتَثَبَّتَ حَتَّى يَزُولَ شَكُّهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ زَوَّجَ بِنْتَه مِنْ تَارِكِ الصَّلَاةِ إجْبَارًا هَلْ يَصِحُّ أَوْ لَا لِفِسْقِهِ وَهِيَ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ جَدًّا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا كَانَتْ بِنْتُهُ مُصَلِّيَةً لَمْ يَصِحَّ تَزْوِيجُهَا إجْبَارًا مِنْ تَارِكِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ كُفْءٍ فَلَا بُدَّ فِي صِحَّةِ تَزْوِيجِهَا مِنْهُ مِنْ رِضَاهَا بِهِ بَعْدَ بُلُوغِهَا إذْ مِنْ شُرُوطِ إجْبَارِ الْوَلِيِّ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ كُفُؤًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. (وَسُئِلَ) عَنْ قَاضٍ زَوَّجَ امْرَأَةً مَعَ حُضُورِ أَبِيهَا وَلَمْ يَكُنْ بِهِ مَانِعٌ مِنْ الْوِلَايَةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْج ثَلَاثًا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِكَوْنِ الْأَوَّلُ كَانَ فَاسِدًا مَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يُقْبَلُ مِنْ الزَّوْجِ وَلَا مِنْ الْوَلِيِّ وَلَا مِنْ الزَّوْجَةِ هَذِهِ الدَّعْوَى بَلْ يُحْكَمُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ ظَاهِرًا وَأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بِمُحَلِّلٍ وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةٌ شَاهِدَةٌ بِمَا ذَكَرَ لِأَنَّهَا تُرِيد أَنْ تَرْفَعَ حَقَّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الَّذِي هُوَ حُرْمَتُهَا عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ التَّحْلِيلِ نَعَمْ إنْ عَلِمَ الزَّوْجُ أَنَّ الْوَلِيَّ لَمْ يَأْذَن لِلْقَاضِي أَصْلًا وَكَذَا الزَّوْجَةُ وَتَيَقَّنَ ذَلِكَ تَيَقُّنًا جَازِمًا لَا رَيْب فِيهِ وَتَيَقَّنَ أَنَّ الْقَاضِيَ شَافِعِيٌّ وَأَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ عَلَى مَذْهَب الشَّافِعِيِّ جَازَ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نِكَاحُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ وَمَتَى اطَّلَعَ عَلَيْهِمَا حَاكِمٌ عَاقَبَهُمَا بِقَضِيَّةِ جَرِيمَتِهِمَا الَّتِي تَرَتَّبَتْ عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ الظَّاهِرِ وَلَا يَنْبَغِي لِلزَّوْجِ أَنْ يُسَارِعَ إلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الْوَلِيَّ قَدْ يَكُونُ أَذِنَ لِلْقَاضِي فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَعَقْدُ الْفُضُولِيِّ صَحِيحٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمَرْأَةَ أَذِنَتْ لَهُ وَالْعَقْدُ حِينَئِذٍ صَحِيحٌ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ وَلِيُّهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِذَا احْتَمَلَ هَذِهِ الْأُمُورَ وَأَنَّ الْقَاضِيَ قَلَّدَ الْقَائِلَ بِذَلِكَ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا بِنَاءً عَلَى وُقُوعِ أَحَدِ تِلْكَ الِاحْتِمَالَاتِ وَكَانَ الطَّلَاقُ وَاقِعًا بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَحِينَئِذٍ يُتَيَقَّنُ تَحْرِيمُهَا عَلَى الزَّوْجِ إلَّا بَعْدَ مُحَلِّلٍ بِشُرُوطِهِ الْمَذْكُورَةِ فِي مَحَلِّهَا وَالنِّكَاحُ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ مَا أَمْكَنَ فَلَا يَنْبَغِي الْإِقْدَامُ عَلَى صُورَةٍ مِنْهُ إلَّا بَعْدَ تَيَقُّنِ الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ فِيهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) بِمَا صُورَتُهُ لَوْ نَسَبَ شَخْصٌ نَفَسَهُ إلَى مَذْهَبٍ مِنْ مَذَاهِبِ الْمُبْتَدِعَةِ هَلْ يُعْطَى حُكْمَ مَا يَقْتَضِيه الْمَذْهَبُ الْمَنْسُوبُ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَذْهَبُ مُكَفِّرًا كُفْرًا لِمُنْتَسِبٍ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ صُدُور الْمُكَفِّرِ بِعَيْنِهِ مِنْ الْمُنْتَسِبِ وَكَذَا هَلْ بِمُجَرَّدِ الِانْتِسَابِ يَصِيرُ غَيْرَ كُفْءٍ لِلسُّنِّيَّةِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَمَّا السُّؤَالُ الْأَوَّلُ فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ مَذْهَبٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ غَيْرُ مَذْهَبٍ وَإِذَا لَمْ نُكَفِّرْ الْمُجَسِّمَةَ أَوْ الْجَهْمِيَّةَ أَوْ الْمُنْكَرِينَ لِلْكَلَامِ النَّفْسِيِّ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ وَإِنْ لَزِمَ عَلَيْهِمْ مُكَفِّرَاتٌ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهِ لِجَوَازِ أَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ تِلْكَ اللَّوَازِم وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ بِكُفْرِهِمْ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الْمُقَابِلِ لِلْأَصَحِّ أَنَّ مُقَابِل الْمَذْهَبِ مَذْهَبٌ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَمَنْ اعْتَقَدَ مَذْهَبًا مِنْ مَذَاهِبِ أَهْلِ الْبِدْعَةِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَذْهَبُ كُفْرًا صَرِيحًا كَالْقَوْلِ بِقِدَمِ الْعَالَمِ أَوْ بِإِنْكَارِ الْحَشْرِ أَوْ الْعِلْمِ بِالْجُزْئِيَّاتِ كَانَ اعْتِقَادُهُ بِمُجَرَّدِهِ كُفْرًا إجْمَاعًا وَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ الْخِلَافُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَذْهَبُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا يَلْزَمُ أَهْلَهُ مُكَفِّرٌ أَوْ مُكَفِّرَاتٌ فَمُجَرَّدُ اعْتِقَادِ الْمَذْهَب لَا يَكُونُ كُفْرًا عَلَى الْأَصَحِّ السَّابِقِ وَإِنَّمَا يَكْفُرُ إنْ صَرَّحَ بِاعْتِقَادٍ لَازِمٍ مِنْ تِلْكَ اللَّوَازِمِ الْمُكَفِّرَةِ. وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّانِي فَجَوَابُهُ أَنَّهُمْ

صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمُبْتَدِعَ لَيْسَ كُفُؤًا لِلسُّنِّيَّةِ وَلَا مَعْنَى لِلْمُبْتَدِعِ إلَّا مُعْتَقِدُ مَذْهَبٍ مِنْ مَذَاهِبِ أَهْلِ الْبِدْعَةِ فَالِاعْتِقَادُ بِمُجَرَّدِهِ مَانِعٌ لِمُكَافَأَتِهِ لِلسُّنِّيَّةِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا لِلِانْتِسَابِ إلَى الْبِدْعَةِ غَايَةً زَمَانِيَّة فَاقْتَضَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الزَّمَنِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ مَا لَوْ تَابَ الْمُبْتَدِعُ أَوْ تَرَكَ ذُو الْحِرْفَةِ الدَّنِيئَةِ حِرْفَتَهُ فَمَتَى يُكَافِئُ الْأَوَّلُ السُّنِّيَّةَ وَالثَّانِي ذَات الْحِرْفَةِ الْعَلِيَّةِ وَقَدْ ذَكَرْت حُكْمَ ذَلِكَ بَحْثًا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَعِبَارَتُهُ تَنْبِيهُ صَرِيحِ كَلَامِهِمْ أَنَّ خِصَالَ الْكَفَاءَةِ إنَّمَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ الْعَقْدِ فَلَوْ كَافَأَهَا عِنْدَهُ ثُمَّ طَرَأَ لَهُ صِفَةٌ خَسِيسَةٌ لَمْ تُعْتَبَرُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَهُ وَنَسَبَهُ لِقَضِيَّةِ كَلَامِ التَّنْبِيهِ وَالْمُهَذَّبِ نَعَمْ إنْ تَرَكَ حِرْفَتَهُ الدَّنِيَّةَ قَبْلَ الْعَقْدِ لَمْ يُؤْثِرْ إلَّا إنْ مَضَتْ سَنَةٌ بَيْنَ ابْتِدَاءِ التَّرْكِ وَالْعَقْدِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ الْآتِي فِي اسْتِبْرَاءِ الشَّاهِدِ مِنْ الْفِسْقِ وَخَوَارِمِ الْمُرُوءَةِ ثُمَّ رَأَيْت الْأَزْرَقَ أَطْلَقَ عَوْدَ كَفَاءَةٍ وَغَيْرُهُ أَطْلَقَ عَدَمَهُ وَفَرَّقَ بَيْن مَا هُنَا وَالشَّهَادَةَ بِأَنَّهَا حَقُّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالْكَفَاءَةُ حَقّ الْأَوْلِيَاءِ وَبِتَرْكِ الْحِرْفَةِ الدَّنِيَّةِ لَا يَزُولُ الْعَارُ اهـ وَزَعْمُهُ عَدَمُ زَوَال الْعَارِ بِتَرْكِهَا مَمْنُوعٌ كَمَا لَا يَخْفَى انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ. (وَسُئِلَ) عَنْ عَقْدِ النِّكَاحِ هَلْ يَصِحّ بِمَسْتُورَيْ الْعَدَالَةِ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ فَهَلْ يَصِحُّ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَإِنْ قُلْتُمْ ظَاهِرًا فَهَلْ يَكْفِي لِصِحَّتِهِ بَاطِنًا الْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتهَا عِنْد قَاضٍ؟ (فَأَجَابَ) إنَّمَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِالْمَسْتُورَيْنِ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَانَ فِسْقُهُمَا بَانَ بُطْلَانُهُ وَلَوْ صَحَّ بَاطِنًا لَمْ يُبَيَّنْ بُطْلَانُهُ بِتَبَيُّنِ فِسْقِهِمَا وَيَكْفِي لِصِحَّتِهِ بَاطِنًا وُجُودُ الْعَدَالَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِهَا حَاكِمٌ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُحِلُّ حَرَامًا وَلَا يُحَرِّمُ حَلَالًا بَلْ إنْ صَادَفَ الشُّرُوطَ نَفَذَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَإِلَّا نَفَذَ ظَاهِرًا فَقَطْ. (وَسُئِلَ) عَنْ الشَّرِيفِ ابْنِ الْجَاهِلِ هَلْ يَكُونُ كُفْءَ بِنْتِ عَالِمٍ غَيْرِ شَرِيفٍ أَمْ لَا وَالْعَالِمُ ابْنُ الْجَاهِلِ هَلْ هُوَ كُفْءُ جَاهِلَةٍ بِنْتِ عَالِمٍ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا تَكَافُؤَ فِي الْمَسْأَلَةِ بِأَقْسَامِهَا لِأَنَّ بَعْضَ الْخِصَالِ لَا يُقَابَلُ بِبَعْضٍ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِوَاءِ الزَّوْجَيْنِ وَآبَائِهِمَا فِي سَائِرِ الْأَوْصَافِ الَّتِي تُشْتَرَطُ فِي الْكَفَاءَةِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَيْنِ وَآبَائِهِمَا. (وَسُئِلَ) عَنْ مُسْتَوْلَدَةِ الْمُبَعَّضِ هَلْ يُزَوِّجُهَا هُوَ بِالْمُلْكِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَنَّ الْبَغَوِيّ أَفْتَى بِأَنَّ أَمَةَ الْمُبَعَّضِ لَا تُزَوَّجُ أَصْلًا وَأَقَرَّهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ لِرِقِّهِ وَرَدَّهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الضَّعِيفِ أَنَّ السَّيِّدَ يُزَوِّجُ أَمَتَهُ بِالْوِلَايَةِ أَمَّا عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّهُ يُزَوِّجُ بِالْمُلْكِ فَإِنَّهُ يُزَوِّجُهَا بِهِ كَالْمُكَاتَبِ وَقَوْلُ السَّائِلِ مُسْتَوْلَدَة الْمُبَعَّضِ يُوهِمُ أَنَّ إيلَادَ الْمُبَعَّض لِأَمَتِهِ صَحِيحٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا يَنْفُذُ إيلَادُهُ مَا بَقِيَ فِيهِ جُزْءٌ مِنْ الرِّقِّ كَالْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا أَهْلِيَّةُ الْوَلَاء هَذَا أَعْنِي عَدَمَ ثُبُوتِ اسْتِيلَادِ الْمُبَعَّضِ هُوَ مَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي النِّكَاحِ فَقَالَا كَالْأَصْحَابِ. وَلَوْ اسْتَوْلَدَ الْأَبُ الْمُبَعَّضُ جَارِيَةَ الِابْنِ لَمْ يَثْبُتْ اسْتِيلَادُهُ وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ الْمُتَأَخِّرُونَ وَمِنْهُمْ شَيْخنَا زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فَقَالَ تَعْلِيلًا لِمَا ذُكِرَ عَنْ الشَّيْخَيْنِ الْمُبَعَّضُ وَالْمُكَاتَبُ لَا يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ بِإِيلَادِهِمَا أَمَتِهِمَا فَبِإِيلَادِ أَمَةِ وَلَدِهِمَا أَوْلَى قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَعَدَمُ ثُبُوتِ اسْتِيلَادُ الْمُبَعَّضِ هُوَ قَضِيَّةُ كَوْنِ الْمُبَعَّضِ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْعِتْقِ أَيْ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَبِهَذَا الَّذِي قَرَّرْته يُعْلَمُ ضَعْفِ قَوْلِ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ يَثْبُتُ اسْتِيلَادُ الْمُبَعَّضِ وَإِنْ مَال إلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ فِي بَابِ الِاسْتِيلَادِ غَفْلَةً عَنْ كَلَام الشَّيْخَيْنِ الَّذِي قَدَّمْتُهُ مِنْهُمْ شَيْخُنَا الْمَذْكُورُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي بَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أَنَّ أَمَةَ الْمُبَعَّضِ تَصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً وَغَفَلَ عَمَّا قَدَّمَهُ هُوَ فِي النِّكَاحِ وَهُوَ مَعْذُورٌ فَإِنَّهُ فِي النِّكَاحِ رَأَى كَلَام الشَّيْخَيْنِ الَّذِي ذَكَرْته وَهُوَ صَرِيحٌ كَمَا تَرَى فِي عَدَمِ ثُبُوتِ اسْتِيلَادِهِ فَجَزَمَ بِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَمَا عَلِمْت. وَلَمَّا وَصَلَ إلَى بَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ رَأَى كَلَامَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَفَلَ عَمَّا قَدَّمَهُ وَعَنْ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ فَتَبِعَ الْمَاوَرْدِيُّ سِيَّمَا مَعَ كَوْنِهِ رَأَى الْبُلْقِينِيُّ مَالَ إلَيْهِ فَالْحَاصِل أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا قَدَّمْته مِنْ عَدَمِ نُفُوذِ اسْتِيلَادِهِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَالْأَصْحَابِ الَّذِي تُلِيَ عَلَيْك فَإِنْ قُلْت كَيْف يُسَوَّغُ اعْتِمَادُ هَذَا مَعَ قَوْل الزَّرْكَشِيّ وَعَنْ نَصِّ الْأُمِّ ثُبُوت اسْتِيلَادِهِ قُلْت لَا يَضُرُّنَا ذَلِكَ لَوْ فُرِضَتْ صِحَّةُ هَذَا

النَّقْلِ لِأَنَّ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ رَجَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْهُمَا الثُّبُوتَ وَرَجَّحَ بَقِيَّةُ الْأَصْحَابِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُمْ عَدَمَهُ فَقُدِّمَ مَا رَجَّحُوهُ سِيَّمَا. وَقَدْ تَبِعَهُمْ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَلَى مَا رَجَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ فَإِنْ قُلْت قَدْ فَرَّقَ الْبُلْقِينِيُّ بَيْنَ إيلَادِ الْمُبَعَّضِ لِأَمَةِ نَفْسِهِ وَإِيلَادِهِ لِأَمَةِ أَبِيهِ فَلَا حُجَّةَ حِينَئِذٍ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ الْمَذْكُورِ قُلْت قَدْ ذَكَرَ الْبُلْقِينِيُّ نَفْسُهُ أَنَّ فِي كَلَامِهِمَا ذَلِكَ دَلَالَةً عَلَى عَدَم ثُبُوتِ اسْتِيلَادِهِ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ وَأَمَّا فَرْقُهُ بَيْنَهُمَا فَهُوَ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ كَمَا يُعْرَفُ بِتَأَمُّلِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا مُحَصَّلُ الْمُعْتَمَدِ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي امْرَأَةٍ جَاءَتْ لِلْقَاضِي وَادَّعَتْ أَنَّهَا خَلِيَّةٌ مِنْ نِكَاحٍ وَعِدَّةٍ لِيُزَوِّجَهَا فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهَا بِيَمِينِهَا أَوْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي الْخَادِمِ فِي الْمَوَانِعِ وِفَاقًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهَا وَإِنْ عُرِفَ لَهَا نِكَاحٌ سَابِقٌ سَوَاءٌ الَّتِي زَوْجُهَا حَاضِرٌ بِالْبَلَدِ أَوْ غَائِبٌ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِكَلَامِ الشَّيْخَيْنِ الصَّرِيحِ فِي مُدَّعِيَةِ التَّحْلِيلِ وَبَسَطَ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ وَلِلدَّبِيلِيِّ تَفْصِيلٌ نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْقُوتِ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ وَمَالَ إلَيْهِ وَلِلشَّيْخَيْنِ فِي أَوَاخِرِ الدَّعَاوَى عَنْ الْبَغَوِيّ مَا يُؤَيِّدُ بَعْضَهُ وَمَالَ إلَيْهِ الْإِسْنَوِيّ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا سَمَّى الْخَاطِبُ نَفْسَهُ بِغَيْرِ اسْمِهِ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهَلْ يَصِحُّ النِّكَاحُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ وَقَعَتْ إشَارَةٌ قَلْبِيَّةٌ أَوْ حِسِّيَّةٌ مِنْهَا إلَيْهِ فِي الْإِذْنِ صَحَّ كَمَا لَوْ خَاطَبَهُ الْوَلِيُّ بِالنِّكَاحِ وَلَمْ يَرْبِطْهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَإِنْ رَبَطَ هُوَ أَوْ هِيَ الْقَبُولَ أَوْ الْإِيجَابَ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ الْغَيْرِ الْمُطَابِقِ لَمْ يَصِحَّ وَعَلَيْهِ حَمَلُوا نَصَّ الْبُوَيْطِيُّ الْمُطْلِقَ لِلْبُطْلَانِ لَكِنَّ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ لَا إشَارَةَ وَلَا نِيَّةَ. (وَسُئِلَ هَلْ لِلْوَلِيِّ الِاعْتِمَادُ عَلَى صَوْتِ مُوَلِّيَتِهِ فِي إنْكَاحِهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ فِي ظُلْمَةٍ إذَا كَانَ يَعْرِفُ صَوْتَهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامَ رِوَايَةٍ لَا شَهَادَةٍ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُشْتَرَطْ الْإِشْهَادُ عَلَى إذْنِهَا لِلْوَلِيِّ وَلَوْ حَاكِمًا عَلَى اضْطِرَابٍ فِيهِ وَلَوْ قَالَ وَلِيٌّ أَذِنَتْ لِي أَوْ وَكِيلٌ وَكَّلَنِي فُلَانٌ فِي تَزْوِيجِ مُوَلِّيَتِهِ جَازَ لِلزَّوْجِ قَبُولُ النِّكَاحِ مِنْهُ اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِهِ وَصَحَّحَ فِي الْكِفَايَةِ قَوْلَ الشَّامِلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِآخَرَ زَوَّجْتُك هَذِهِ وَهِيَ مُنْتَقِبَةٌ أَوْ خَلْفَ سِتْرٍ وَالزَّوْجُ لَا يَعْرِفُهَا بِاسْمِهَا وَنَسَبهَا صَحَّ قَالَ وَفِي مَعْنَاهُ إذَا كَانَتْ فِي الدَّارِ وَلَيْسَ فِيهَا غَيْرُهَا وَمُخَالَفَةُ الْمُتَوَلِّي لِلشَّامِلِ فِيمَا ذَكَرَ رَدَّهَا الْمُتَأَخِّرُونَ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ الَّذِي فِي كَلَامِ جَمْعٍ مِنْهُمْ الْجَمْعُ بَيْنَ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَإِطْلَاقِ الْأَصْحَابِ وَالِاكْتِفَاءِ بِالْإِشَارَةِ كَمَا بَيَّنْته فِي بَعْض الْفَتَاوَى فَعَلَيْك بِهِ فَإِنَّهُ نَفِيسٌ مُهِمٌّ. (وَسُئِلَ) بِمَا صُورَتُهُ أَخْبَرَ مَوْثُوقٌ بِهِ قَاضِيًا بِإِذْنِ امْرَأَةٍ لَهُ فِي تَزْوِيجِهَا وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهُ فَهَلْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِهَذَا الْإِذْنِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ إنْ قُلْنَا إنَّ تَصَرُّفَهُ حُكْمٌ لِأَنَّ تَزْوِيجَهَا حِينَئِذٍ حُكْمٌ بِصِحَّةِ إذْنِهَا حَتَّى لَا يُقْبَلُ مِنْهَا إنْكَارُهُ بَعْد ذَلِكَ وَالْحُكْمُ بِذَلِكَ لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَنِدَ إلَى شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَمَّا لَوْ أَخْبَرَهُ الْمَوْثُوقُ بِهِ عَنْ إذْنِ وَلِيِّهَا لَهُ فِي تَزْوِيجهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ حِينَئِذٍ بِالْوَكَالَةِ عَنْ الْوَلِيِّ لَا بِالْوِلَايَةِ وَقَوْلُهُمْ تَصَرُّفُهُ حُكْمٌ مَحَلُّهُ فِيمَا يَدْخُلُ تَحْتَ أَحْكَامِهِ وَوِلَايَتِهِ وَتَزْوِيجُهُ بِالْوَكَالَةِ كَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ وَلَا يَفْتَقِرُ لِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَهُ بِتَوْكِيلٍ فِي الْبَيْع وَالشِّرَاءِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ زَوَّجْتُك بِنْتِي بِكَذَا قُلْ قَبِلْت نِكَاحَهَا فَقَالَهُ فَهَلْ يُؤَثِّرُ قَوْلُهُ قُلْ إلَخْ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يُؤَثِّر فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ مَصَالِحِ الْعَقْدِ عَلَى أَنَّ قِيَاسَ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْبَيْعِ أَنَّ الْفَصْلَ بِكَلَامِ الْيَسِيرِ إنَّمَا يَضُرُّ مِنْ الْمُخَاطَبِ الْمَطْلُوبِ جَوَابُهُ وَهُوَ الزَّوْجُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ دُونَ الْوَلِيِّ. (وَسُئِلَ) بِمَا صُورَتُهُ حَلَفَ الْوَلِيُّ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُ ابْنَتَهُ لِزَيْدٍ فَخَطَبَهَا رَجُلٌ مِنْ أَخِيهَا فَامْتَنَعَ فَزَوَّجَهُ الْقَاضِي فَهَلْ يَصِحُّ لِكَوْنِ الْوَلِيِّ عَاضِلًا وَلِلشُّهُودِ حُضُورِ الْعَقْدِ أَوْ لَا وَإِذَا أَقَرَّتْ امْرَأَةٌ بِالرَّضَاعِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ آخَرَ فَهَلْ تُقْبَلُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا ذُكِرَ لَيْسَ بِعَضْلٍ لِأَنَّ شَرْطَ الْعَضْلِ أَنْ تَطْلُبَ بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ التَّزْوِيجَ مِنْ كُفْءٍ وَلَوْ عِنِّينًا أَوْ مَجْبُوبًا بِشَرْطِ أَنْ يَخْطِبَهَا وَأَنْ تُعَيِّنَهُ وَلَوْ بِالنَّوْعِ بِأَنْ خَطَبَهَا أَكْفَاءٌ وَدَعَتْ إلَى أَحَدِهِمْ فَإِذَا امْتَنَعَ الْوَلِيُّ حِينَئِذٍ مِنْ التَّزْوِيجِ مُطْلَقًا أَوْ إلَّا مِمَّنْ هُوَ أَكْفَأُ مِنْ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ وَثَبَتَتْ ذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي وَلَمْ يَتَكَرَّرْ عَضْلُ الْوَلِيِّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ زَوَّجَهَا الْقَاضِي وَلَوْ بِحَضْرَةِ

الْوَلِيِّ وَمَتَى فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ تَزْوِيجُ الْقَاضِي وَلَمْ يَجُزْ لِلشُّهُودِ إعَانَتُهُ عَلَيْهِ بَلْ الْمُزَوِّجُ فِي مَسْأَلَةِ تَكَرُّرِ الْعَضْلِ ثَلَاثًا هُوَ الْأَبْعَدُ إنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ذَلِكَ طَاعَاتُ الْوَلِيِّ وَإِلَّا فَالْمُزَوِّجُ الْقَاضِي وَإِنْ تَكَرَّرَ الْعَضْلُ ثَلَاثًا فَأَكْثَر وَأَمَّا دَعْوَاهَا الرَّضَاعَ فَيُقْبَلُ مِنْهَا بِيَمِينِهَا قَبْلَ الْعَقْدِ وَكَذَا بَعْدَهُ إنْ زَوَّجَهَا مُجْبِرٌ وَأَذِنَتْ وَلَمْ تُعَيِّنْ أَحَدًا وَلَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ نَفْسِهَا فِي الصُّورَتَيْنِ فَحِينَئِذٍ لَا يَصِحُّ تَزْوِيجُهَا وَيُحْكَمُ بِبُطْلَانِهِ إنْ أَقَرَّتْ بَعْدَهُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ اُسْتُشِيرَ فِي أَمْرِ نَفْسِهِ عِنْدَ زَوَاجٍ أَوْ وِلَايَةٍ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذِكْرُ مَسَاوِيهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يُتَّجَه فِي ذَلِكَ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرُوهُ فِيمَا لَوْ اُسْتُشِيرَ فِي غَيْرِهِ أَنَّهُ يَقُولُ لَا خَيْرَ لَكُمْ فِي فَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعُوا إلَّا بِذِكْرِ شَيْءٍ وَجَبَ ذِكْرُ شَيْءٍ مِمَّا فِيهِ مِمَّا يَنْفِي الرَّغْبَةَ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعُوا إلَّا بِذَكَرِ الْكُلِّ وَجَبَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ الْغَيْرَ ثُمَّ هُوَ الطَّالِبُ فَوَجَبَ بَيَانُ حَالِهِ وَهُنَا هُمْ الطَّالِبُونَ فَحَيْثُ قَالَ لَهُمْ لَا خَيْرَ لَكُمْ فِي وَلَمْ يَنْدَفِعُوا كَانُوا مُقَصِّرِينَ وَعَلَيْهِ فَمَحَلُّ ذَلِكَ فِي عُيُوبٍ لَا تُخِلُّ بِالْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ أَوْ الْوِلَايَةِ فِي غَيْرِهِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لَهُ الْقَبُولُ مَعَهَا مَا لَمْ يُبَيِّنْهَا لَهُمْ وَيَرْضَوْا بِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكَفَاءَةِ وَلِلْبَارِزِيِّ هُنَا تَفْصِيلٌ حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَجِبُ ذِكْرُ الْعَيْبِ الْمُثْبِتِ لِلْخِيَارِ وَيُسَنُّ ذِكْرُ نَحْوَ الشَّيْخِ وَفِي الْمَعَاصِي يَتُوبُ ثُمَّ الْأَوْلَى لَهُ السِّتْرُ هَذَا فِي الزَّوَاجِ وَفِي الْوِلَايَةِ يَجِبُ أَنْ يُبَيِّنَ عَدَمَ كَفَاءَتِهِ أَوْ جِنَايَتِهِ وَمَا ذَكَرْته أَوْفَقُ بِقَوَاعِدِهِمْ كَمَا يُعْرَفُ بِتَأَمُّلِهَا. (وَسُئِلَ) عَنْ قَوْلِ الْمُوجِبِ لِعَقْدِ النِّكَاحِ زَوَّزْتُك بِإِبْدَالِ الْجِيم زَايًا أَوْ جَوَّزْتُك بِإِبْدَالِ الزَّاي جِيمًا أَوْ فَتْحِ التَّاء الَّتِي لِلْمُتَكَلِّمِ فَهَلْ يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْإِسْنَوِيّ فِي كَوْكَبه أَنَّ فَتْحَ تَاء الْمُتَكَلِّمِ يَضُرُّ مُطْلَقًا وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَعْنَى وَهُوَ ظَاهِرٌ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّحْوِيِّ أَمَّا غَيْرُهُ فَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِالنِّسْبَةِ لَهُ وَكَذَا يُقَالُ فِي إبْدَالِ الْكَافِ هَمْزَةً أَوْ الْجِيم زَايًا أَوْ بِنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ اللُّغَاتِ الَّتِي أَلِفَتْهَا الْعَامَّةُ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْغَزَالِيّ إنْ زَوَّجْت إلَيْك أَوْ لَك صَحِيحٌ لِأَنَّ الْخَطَأَ فِي الصِّيغَة إذَا لَمْ يُخِلَّ بِالْمَعْنَى يَنْبَغِي أَنْ يَكُون كَالْخَطَإِ فِي الْإِعْرَابِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا إفْتَاءُ الشَّرَف ابْنِ الْمُقْرِي بِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي عُرْفِ بَلَدِهِمْ فَتْحُ تَاءِ الْمُتَكَلِّمِ وَيَفْهَمُونَ الْمُرَادَ لَمْ يَكُنْ قَادِحًا فِي عَقْدِ النِّكَاحِ. (وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظه لَوْ غَابَ مَالُهُ مَرْحَلَتَيْنِ فَأَكْثَرَ وَأَرَادَ نِكَاحَ مُجْبَرَةٍ وَقُلْنَا بِمَقَالَةِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَمُتَابَعِيهِ مَنْ اشْتَرَطَ الْيَسَارَ بِمَهْرِ مِثْلِهَا فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَنْ غَابَ مَالُهُ مَرْحَلَتَيْنِ فَأَكْثَرَ مُعْسِرٌ حُكْمًا وَمِنْ ثَمَّ أَلْحَقُوهُ بِالْمُعْسِرِ حَقِيقَةً فِي فَسْخِ الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَفِي بَابِ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ فَقَالُوا لَهُ أَخْذُ الزَّكَاة مِنْ سَهْمِ الْفُقَرَاءِ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ إلْحَاقُهُ بِهِ أَيْضًا فِي عَدَمِ صِحَّةِ تَزْوِيجِهِ لِلْمُجْبَرَةِ بِنَاءً عَلَى طَرِيقَةِ الْقَاضِي حُسَيْن وَمَنْ تَبِعَهُ وَهِيَ الْمُعْتَمَدَةُ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي شَرْح الْإِرْشَادِ وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ وَالصُّورَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا بِأَنْ يُقَالَ إنَّمَا أَلْحَقُوهُ بِالْمُعْسِرِ ثُمَّ إزَالَةٌ لِلضَّرَرِ الْحَاصِلِ مِنْ إلْحَاقِهِ بِالْمُوسِرِ لِتَضَرُّرِ الْبَائِعِ وَالزَّوْجَةِ بِالصَّبْرِ إلَى إحْضَارِ مَالِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَلِتَضَرُّرِهِ هُوَ بِعَدَمِ الْأَخْذ مِنْ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ فِي الْحَالِ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتنَا فَلَا ضَرَرَ عَلَى الزَّوْجَةِ لِأَنَّ الْمَهْرَ لَا يَجِبُ بِالْعَقْدِ وَإِنَّمَا يَجِب بِالتَّمْكِينِ بَعْده وَلَمْ يَتَحَقَّقْ اسْتِمْرَارُ غَيْبَةِ مَالِهِ إلَى التَّمْكِين فَإِنْ قُلْت قِيَاسُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ يَسَارُهُ عِنْدَ الْعَقْدِ قُلْت مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْمُعْسِرَ الْأَصْلُ اسْتِمْرَارُ إعْسَارِهِ مَعَ أَنَّ احْتِمَالَ يَسَارِهِ عِنْدَ التَّمْكِينِ الْقَرِيبِ مِنْ الْعَقْدِ غَالِبًا بَعِيدٌ بِخِلَافِ مَنْ غَابَ مَالُهُ فَإِنَّهُ مُوسِرٌ شَرْعًا وَعُرْفًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ لَكِنْ فِي تَعْلِيلِ مَقَالَةٍ ضَعِيفَةٍ مَعَ أَنَّ احْتِمَالَ إحْضَارِ مَاله عِنْدَ التَّمْكِينِ أَوْ قَبْلَهُ قَرِيبٌ كَمَا لَا يَخْفَى وَإِنَّمَا أَعْطَى حُكْمُ الْمُعْسِر لِمَعْنًى وَذَلِكَ الْمَعْنَى لَمْ يُوجَدْ نَظِيرُهُ فِي مَسْأَلَتنَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَقْرَبَ إلَى ظَوَاهِرِ عِبَارَاتِهِمْ أَنَّهُ يُعْطَى حُكْمَ الْمُعْسِرِ فِي مَسْأَلَتِنَا أَيْضًا وَأَنَّ الْأَقْرَبَ إلَى الْمُدْرَك الَّذِي ذَكَرْته أَنَّهُ لَا يُعْطَى حُكْمُهُ وَأَنَّهُ يَصِحُّ تَزْوِيجُ الْمُجْبَرَةِ مِنْهُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُتَّجَهُ عِنْدِي الْآنَ وَلَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْتَحُ فِي هَذَا وَمَا قَبْلَهُ بِنَقْلٍ يَكْشِفُ الْقِنَاعَ عَنْهُ. (وَسُئِلَ) عَنْ قَوْلِ الْأَلْثَغِ فِي إيجَابِ عَقْدِ النِّكَاحِ وَقَبُولِهِ زَوِّدْنِي أَوْ أَنْتِحْنِي

وَتَزْوِيدُهَا وَنَتَاجُهَا بَدَلًا عَنْ زَوِّجْنِي وَأَنْكِحْنِي وَتَزْوِيجُهَا وَنِكَاحُهَا هَلْ يَرْتَبِط بِذَلِكَ صِحَّةٌ أَمْ عَدَمُهَا قَالَ السَّائِلُ وَظَهَرَ لِي عَدَمُ صِحَّةِ ذَلِكَ وَأَنَّ طَرِيقَهُ التَّوْكِيلُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ بِأَنَّهَا لَا تَقْبَلُ النِّيَابَةَ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي يُتَّجَهُ فِيهَا كَمَا ذَكَرْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَاد أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْغَزَالِيِّ إنْ زَوَّجْت إلَيْك أَوْ لَك صَحِيحٌ لِأَنَّ الْخَطَأَ فِي الصِّيغَةِ إذَا لَمْ يُخِلَّ بِالْمَعْنَى يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْخَطَإِ فِي الْإِعْرَابِ اهـ إنَّ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ فِيهَا وَنَحْوَهُ مِنْ اللُّغَاتِ الَّتِي أَلِفَتْهَا الْعَامَّةُ لَا يَضُرُّ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ إفْتَاءُ الشَّرَفِ ابْنِ الْمُقْرِي بِأَنَّهُ إذَا كَانَ فِي عُرْفِ بَلَدِهِمْ فَتْحُ تَاءِ الْمُتَكَلِّم وَيَفْهَمُونَ الْمُرَادَ لَمْ يَكُنْ قَادِحًا فِي عَقْدِ النِّكَاحِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَارِفِ وَغَيْرِهِ اهـ. وَإِفْتَاءُ أَبِي شُكَيْل بِنَحْوِ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ إنَّ هَذَا لَحْنٌ لَا يُخِلُّ الْمَعْنَى فَلَا يَخْرُجُ بِهِ اللَّفْظُ عَنْ مَوْضُوعِهِ فَيَكُونُ صَرِيحًا اهـ وَأَمَّا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْإِسْنَوِيّ فِي كَوْكَبِهِ مِنْ أَنَّ فَتْحَ تَاءِ الْمُتَكَلِّمِ يَضُرُّ مُطْلَقًا وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالْمَعْنَى فَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى النَّحْوِيِّ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُخِلُّ بِالْمَعْنَى فِي حَقِّهِ دُون غَيْرِهِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ تَسْوِيَتُهُمْ أَيْضًا بَيْنَ إنَّ وَإِنْ فِي بَابِ الطَّلَاقِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَامِّيِّ وَفَرَّقَ بَيْنهمَا بِالنِّسْبَةِ لِلنَّحْوِيِّ وَبِمَا تُقْرِرْ يُعْلَمُ انْدِفَاعُ بَعْضِ مَنْ أَدْرَكْتُهُ بِأَنَّ فَتْحَ التَّاءِ يَضُرّ مِنْ الْعَامِّيِّ وَغَيْرِهِ مُطْلَقًا وَأَنَّ كَلَامَ الْإِسْنَوِيّ السَّابِقِ يُوَافِقُهُ وَإِنَّمَا لَمْ يُكَلَّفْ الْعَامِّيُّ بِالتَّوْكِيلِ لِأَنَّهُ يَشُقُّ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ لَوْ كَانَ لِلْإِنْسَانِ زَوْجَةٌ جِنِّيَّةٌ فَخَافَ مِنْهَا فَطَلَّقَهَا فَسُمِعَ مِنْهُ لَفْظُ الطَّلَاقِ فَهَلْ ذَلِكَ يُمْكِن وَيَقَعُ طَلَاقٌ بِذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ الْإِنْسِيَّ قَدْ يَقَعُ لَهُ تَزْوِيجٌ بِجِنِّيَّةٍ فَهُوَ أَمْرٌ مُمْكِنٌ بَلْ وَاقِعٌ كَمَا حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَمَعَ ذَلِكَ إذَا سُمِعَ مِنْ رَجُلٍ لَفْظُ طَلَّقْتُك أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ بِحَضْرَةِ زَوْجَتِهِ الْإِنْسِيَّةِ أَوْ طَلَّقْت زَوْجَتِي فَإِنَّمَا يَنْصَرِفُ لِزَوْجَتِهِ الْإِنْسِيَّةِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إنَّمَا أَرَدْت زَوْجَتِي الْجِنِّيَّةَ وَإِنْ قُلْنَا بِحِلِّ نِكَاحِ الْجَانِّ وَهُوَ مَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ نِكَاحُهُمْ. (وَسُئِلَ) عَنْ امْرَأَةٍ ذَكَرَتْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا وَلِيٌّ أَصْلًا أَوْ غَائِبٌ الْغَيْبَةَ الشَّرْعِيَّةَ وَحَكَّمَتْ رَجُلًا أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْ كُفْءٍ هَلْ لَهُ ذَلِكَ إذَا كَانَ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الْقَضَاءِ أَمْ لَا سَوَاءٌ كَانَتْ فِي قَرْيَةٍ بِهَا حَاكِمٌ أَوْ لَا أَوْضِحُوا لَنَا مَا نَعْتَمِدُ عَلَيْهِ وَنُقَرِّرُهُ فِي الْفَتَاوَى وَلَا خَفَاءَ عَلَى مَوْلَانَا مَا فِي الْمَسْأَلَةِ مِنْ الِاضْطِرَابِ وَمَا ذَكَره الرُّويَانِيّ مِنْ الْجَزْمِ بِالصِّحَّةِ فِي كِتَابَيْهِ الْبَحْرُ وَالْحِلْيَة؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَيْثُ كَانَ الْمُحَكَّمُ فِيهِ أَهْلِيَّةُ الْقَضَاءِ جَازَ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْقَاضِي أَوْ لَا أَهْلِيَّةَ فِيهِ لَكِنَّهُ عَدْلٌ جَازَ مَعَ فَقْدِ الْحَاكِمِ لَا مَعَ وُجُودِهِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. (وَسُئِلَ) عَنْ إمَاءٍ مُشْتَرَكَاتٍ بَيْنَ كَثِيرِينَ بَعْضُهُمْ مَفْقُودٌ وَبَعْضُهُمْ مَوْجُودٌ غَائِبٌ لَا يُمْكِنُ اسْتِئْذَانُهُ وَالْحَالُ أَنَّهُنَّ تَضَرَّرْنَ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ فَهَلْ لَهُنَّ سَبِيلٌ فِي أَنْ يَتَزَوَّجْنَ بِإِذْنِ مَنْ حَضَرَ مِنْ سَادَاتِهِنَّ أَوْ بِتَقْوِيمِ حِصَصِ الْغَائِبِينَ وَتَمَلُّكِهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ طُرُقِ الشَّرْعِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ لَا سَبِيلَ إلَى تَزْوِيجِهِنَّ بِإِذْنِ مَنْ حَضَرَ فَقَطْ وَلَا إلَى أَنَّ الْحَاضِرِينَ يَتَمَلَّكُونَهُنَّ بِتَقْوِيمٍ وَلَا غَيْره وَإِنَّمَا النَّظَر عَلَى حِصَصِ الْغَائِبِينَ لِلْقَاضِي فَيَلْزَمُهُ فِعْلُ الْأَحَظِّ لِلْغَائِبِينَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِنَّ أَوْ بَيْعِهِنَّ وَحِفْظِ ثَمَنِهِنَّ إلَى حُضُورِهِمْ أَوْ الْحُكْمِ بِمَوْتِهِمْ. (وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ مَا حُكْمُ الطِّبِّ لِلْكَافِرِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَجُوزُ طِبُّ الْمُسْلِم لِلْكَافِرِ وَلَوْ حَرْبِيًّا كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي كُلِّ كَبِدٍ حِرَاءٍ وَفِي رِوَايَةٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ» وَأَمَّا تَطَبُّبُ الْمُسْلِمِ بِكَافِرٍ فَإِنَّمَا يَجُوزُ إنْ فَقَدَ مُسْلِمًا غَيْرَهُ يَقُوم مَقَامَهُ وَكَانَ ذَلِكَ الْكَافِرُ مَأْمُونًا بِحَيْثُ لَا يُخْشَى ضَرَرُهُ. (وَسُئِلَ) عَنْ عَبْدٍ مَالِكُهُ غَائِبٌ أَوْ مَحْبُوسٌ أَوْ مَأْسُورٌ أَوْ مَفْقُودٌ وَالْعَبْدُ مُحْتَاجٌ إلَى النِّكَاحِ أَوْ كَانَ وَاسْتَأْذَنَهُ فَلَمْ يَأْذَنْ وَهُوَ يَخَافُ الْوُقُوعَ فِي الْعَنَتِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ حِينَئِذٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ فِي صُورَةٍ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ إلَّا بَعْدَ صَرِيحِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَلَا نَظَرَ لِخَوْفِ عَنَتٍ وَلَا لِغَيْرِهِ وَبَحَثَ ابْنُ الرِّفْعَةِ حِلَّ شِرَائِهِ بِقُوتِهِ الْمُضْطَرِّ إلَيْهِ وَلَوْ بِلَا إذْنٍ لَا يُنَافِي ذَلِكَ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ فَإِنَّ الْخَشْيَةَ عَلَى النَّفْس أَوْ نَحْوِ الْعُضْوِ لَا يُلْحَقُ بِهَا غَيْرُهَا. (وَسُئِلَ) عَنْ أَمَةٍ مَالِكُهَا غَائِبٌ وَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إلَى النِّكَاحِ فَهَلْ يَصِحُّ

تَزْوِيجُهَا مَعَ أَنَّ فِي ذَلِكَ حُصُولُ الْمَهْرِ لِلْغَائِبِ أَوْ هَلْ يَقُومُ ذَلِكَ مَقَامَ بَيْعِ الْحَاكِمِ مَالَهُ إذَا ظَهَرَتْ فَائِدَةٌ وَمَصْلَحَةُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَصِحُّ تَزْوِيجُهَا مِنْ الْحَاكِمِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِ فِي غِيبَةِ مَالِكهَا أَوْ حُضُورِهِ إلَّا بَعْدَ صَرِيحِ إذْنه سَوَاءٌ احْتَاجَتْ لِلنِّكَاحِ أَمْ لَا نَعَمْ إنْ رَأَى الْحَاكِمُ بَيْعَهَا لِأَنَّ الْحَظَّ فِيهِ لِلْغَائِبِ بَاعَهَا وَيُزَوِّجُهَا سَيِّدُهَا الَّذِي اشْتَرَاهَا إنْ شَاءَ. (وَسُئِلَ) هَلْ يَجُوزُ عَقْدُ النِّكَاحِ تَقْلِيدًا لِمَذْهَبِ دَاوُد مِنْ غَيْرِ وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ أَوْ لَا وَإِذَا وَطِئَ هَلْ يُحَدُّ أَوْ لَا فَفِي نَفَائِسِ الْأَزْرَقِيِّ مَا صُورَتُهُ إذَا نَكَحَ بِلَا وَلِيٍّ تَقْلِيدًا لِأَبِي حَنِيفَةَ أَوْ بِلَا شُهُودٍ تَقْلِيدًا لِمَالِكٍ وَوَطِئَ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ فَلَوْ نَكَحَ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ أَيْضًا حُدَّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ لِأَنَّ الْإِمَامَيْنِ اتَّفَقَا عَلَى بُطْلَانِهِ قُلْت وَلَا يَخْلُو مِنْ نَظَرٍ فَإِنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ التَّنْبِيهِ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ وَأَيْضًا فَقَدْ حَكَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ لَا وَلِيَّ فِيهِ وَلَا شُهُودَ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا حَدَّ وَقَدْ رَأَيْت جَوَابًا مَنْسُوبًا إلَى الْفَقِيهِ الصَّالِحِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ وَأَنَّهُ لَا يُحَدُّ فِي النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودَ عَلَى الصَّحِيحِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا حَكَيْنَاهُ عَنْ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ اهـ فَبَيِّنُوا لَنَا حُكْمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيَانًا شَافِيًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ دَاوُد فِي النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ وَمَنْ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ خَالٍ عَنْهُمَا وَجَبَ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا عَلَى الْمَنْقُولِ الْمُعْتَمَدِ فَقَدْ قَالَ الزَّرْكَشِيّ فِي تَكْمِلَتِهِ عِبَارَةُ الْمُحَرِّرِ كَالنِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ وَمُرَادُهُ النِّكَاحُ بِلَا وَلِيٍّ فَقَطْ أَوْ النِّكَاحُ بِلَا شُهُودٍ فَقَطْ لَا الْمَجْمُوعُ أَيْ الْخَالِي عَنْهُمَا وَيُرْشِدُ إلَيْهِ جَعْله مِثَالًا لِلْمُخْتَلَفِ فِيهِ فَإِنَّ فَاقِدَ كُلٍّ مِنْهُمَا مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ لَكِنَّ فِيهِ إيهَامٌ فَلِذَا عَدَلَ عَنْهُ الْمِنْهَاجُ إلَى أَحَدِهِمَا قَالَ وَمَا ذَكَرْنَاهُ عِنْدَ فَقْدِ كُلٍّ مِنْهُمَا خَصَّهُ الْقَاضِي حُسَيْن بِالشَّرِيفَةِ فَأَمَّا الدَّنِيَّةُ فَلَا حَدَّ لِخِلَافِ مَالِكٍ فِيهِ اهـ. وَأَخَذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ شَيْخِهِ الْأَذْرَعِيِّ فِي قُوتِهِ قَالَ الْقَاضِي وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْحَدِّ فِي النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ إذَا حَضَرَهُ شَاهِدَانِ أَمَّا إذَا لَمْ يَحْضُرَاهُ وَلَا حَصَلَ إعْلَانٌ فَالْحَدُّ وَاجِبٌ لِانْتِفَاءِ شُبْهَةِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَإِنْ وُجِدَ الْإِعْلَانُ خَاصَّةً فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلِيٌّ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا اهـ قَالَ غَيْرُهُمَا وَمَحَلُّ الْخِلَافِ أَيْضًا قَبْلَ الْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ أَمَّا بَعْدَهُ فَلَا يُحَدُّ قَطْعًا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ اهـ وَبِنَقْلِهِمَا الْإِجْمَاعَ عَلَى التَّحْرِيمِ إذَا خَلَا عَنْ الْوَلِيِّ وَالشَّاهِدَيْنِ وَالْإِعْلَانِ يَبْطُلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ دَاوُد يُجِيزُ ذَلِكَ وَيَبْطُلُ الْإِفْتَاءُ الْمَنْقُولُ فِي السُّؤَالِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ وَإِنْ سَبَقَهُ إلَيْهِ بَعْضُ شُرَّاحِ الْمِنْهَاجِ وَنَقَلَ عَنْ اقْتِضَاءِ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ فِي اللِّعَانِ وَكَيْف يُقَالُ فِي مُجْمَعٍ عَلَيْهِ لَمْ يَثْبُتْ الْقَوْلُ بِهِ فِي زَمَنٍ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ أَنَّهُ لَا حَدَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الْخِلَافِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَئِمَّتَنَا قَالُوا بِالْجَدِّ فِي مَسَائِلَ فِيهَا خِلَافٌ لَكِنَّهُمْ أَجَابُوا عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّا لَا نَعْتَبِرُ الْخِلَافَ فِي الْحَدِّ مُطْلَقًا وَلَا فِي الْإِبَاحَةِ إلَّا إنْ كَانَ قَوِيًّا بِخِلَافِ الْخِلَافِ الضَّعِيف جِدًّا فَإِنَّا لَا نَعْتَبِرُهُ وَلَا نُعَوِّلُ عَلَيْهِ فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ دَاوُد قَائِلٌ بِحِلِّ ذَلِكَ لَمْ يُلْتَفَتُ إلَيْهِ عَلَى أَنَّ كَثِيرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنَعُوا مِنْ تَقْلِيدِهِ كَسَائِرِ الظَّاهِرِيَّةِ لِأَنَّهُمْ لِإِنْكَارِهِمْ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ يَرْتَكِبُونَ السَّفْسَافَ مِنْ الْآرَاءِ فَلَمْ يُعْتَدَّ بِآرَائِهِمْ وَفَارَقَ مَا نَحْنُ فِيهِ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ قَوِيٌّ وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِهِ وَلَمْ يَصِحَّ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَالْإِجْمَاعُ لَا يُنْسَخُ بَلْ وَلَا يَرْفَعُ الْخِلَاف السَّابِقَ عَلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَمْ يَتِمَّ فَقَدْ حُكِيَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ قَائِلٌ بِنِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَقَالَ بِهِ طَائِفَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الشِّيعَةِ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ عَلَى إبَاحَتِهِ أَوَّلًا ثُمَّ الِاخْتِلَافُ فِي تَحْرِيمِهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَهَذِهِ أَدِلَّةٌ مُتَمَاسِكَةٌ إلَّا أَنَّ خِلَافَ الشِّيعَةِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ وَقَدْ صَحَّ تَحْلِيلُهَا ثُمَّ تَحْرِيمُهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ رُجُوعِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مَا كَانَتْ الْمُتْعَةُ إلَّا رَحْمَةً مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَوْلَا نَهْيُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَا زَنَى إلَّا شَقِيٌّ فَإِنَّ قُلْت هَذَا يُؤَيِّدُ مَا فِي السُّؤَالِ عَنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ مِنْ أَنَّ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ خَلَى عَنْ الْوَلِيِّ وَالشُّهُودِ قُلْت لَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِيمَا قُلْنَاهُ لِأَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ فَتَحْلِيلُ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ اشْتَمَلَ عَلَى مُفْسِدَيْنِ أَحَدُهُمَا فَقْدُ الْوَلِيِّ

وَالشُّهُودِ وَالثَّانِي التَّوْقِيتُ فَأَمَّا فَقْدُ الْوَلِيِّ وَالشُّهُودِ فَأَجْمَعُوا فِيهِ عَلَى الْبُطْلَانِ وَلَمْ يَقَعْ فِيهِ خِلَافٌ وَأَمَّا التَّوْقِيتُ فَهُوَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ خِلَافُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ فَكَانَتْ الشُّبْهَةُ فِيهِ أَقْوَى فَلِذَلِكَ قُلْنَا بِعَدَمِ الْحَدِّ فِيهِ وَبِوُجُوبِهِ فِي الْأَوَّلِ وَمَذْهَب زُفَر مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ يَلْغُو الشَّرْطَ وَيَنْعَقِدُ مُؤَبَّدًا وَهَذَا خِلَافٌ قَوِيٌّ وَمَلْحَظٌ مُتَمَاسِكٌ وَبِهِ يَتَأَيَّدُ مَا ذَكَرْته أَنَّهُ لَا إجْمَاعَ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَإِنْ كَانَ الْخِلَافُ فِيهَا قَوِيًّا نَقْلًا وَمَدْرَكًا بِخِلَافِ النِّكَاحِ الْخَالِي عَنْ الْوَلِيِّ وَالشُّهُودِ وَالْإِعْلَانِ فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي تَحْرِيمِهِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ شَاذًّا فَاتَّضَحَ الْحَدُّ فِيهِ وَبَطَلَ الْقَوْلُ الْمُخَالِفُ لِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الَّذِي فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إنَّمَا هُوَ هَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَلِيٌّ وَلَا شُهُودٌ وَهَذَا يَدْفَعُ قَوْلَ السَّائِلِ أَنَّهُ حَكَاهُ فِيهِ فَهُوَ لَمْ يَحْكِهِ وَإِنَّمَا اسْتَنْبَطَهُ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ عِبَارَتُهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَأْتِي الْإِشْكَالُ إلَّا عَلَى مَنْ وَافَقَهُ فِي هَذَا الِاسْتِنْبَاطِ وَهُوَ نَفْسُهُ كَالْأَصْحَابِ لَمْ يَقُولُوا بِهِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ لَإِطْبَاقِهِمْ عَلَى تَفْسِيرِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ بِأَنَّهُ الْمُوَقَّتُ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَعَ خُلُوِّهِ عَنْ الْوَلِيِّ وَالشُّهُودِ فَظَهَرَ أَنَّ مَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لَا يَرُدُّ عَلَى الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ وَاقِعَةُ حَالٍ فِعْلِيَّةٍ مُحْتَمَلَةٍ وَالِاحْتِمَال فِيهَا يُسْقِطُهَا فَلَا يَرُدُّ عَلَى الْأَصْحَابِ ذَلِكَ الْحَدِيثُ أَيْضًا فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ وَلِيٍّ وَكَّلَ شَخْصًا فِي تَزْوِيجِ مُوَلِّيَتِهِ فَقَالَ زَوِّجْهَا أَوْ مُرْ مَنْ شِئْت يُزَوِّجُهَا فَوَكَّلَ رَجُلًا فَهَلْ هُوَ وَكِيلُ الْمُوَكَّلِ حَتَّى يَصِحَّ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ نِكَاحَهَا مِنْهُ لِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلُ الْوَكِيلِ حَتَّى لَا يَصِحَّ ذَلِكَ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي ضَمِيرِ الْوَلِيِّ أَنَّ الْوَكِيلَ يَتَزَوَّجُهَا فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهَلْ يَصِحُّ النِّكَاحُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا قَالَ الْمُوَكِّلُ وَكِّلْ عَنْ نَفْسِك كَانَ الْوَكِيلُ وَكِيلَ الْوَكِيلِ فَيُعْزَلُ بِعَزْلِهِ وَانْعِزَالِهِ وَبِعَزْلِ الْمَالِكِ لَهُ أَوْ لِمُوَكِّلِهِ وَإِنْ قَالَ لَهُ وَكِّلْ عَنِّي أَوْ أَطْلَقَ فَلَمْ يَقُلْ لَهُ عَنِّي وَلَا عَنْك فَالثَّالِثُ وَكِيلُ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَمْلِكُ الثَّانِي عَزْلَهُ وَلَا يَنْعَزِلُ الثَّالِثُ بِانْعِزَالِ الثَّانِي وَلَيْسَ لِلثَّانِي فِي صُورَةِ عَنِّي. وَالْإِطْلَاقُ أَنْ يُوَكِّلَ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَصِحَّ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الثَّانِيَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ إذَا وَكَّلَ ثَالِثًا يُزَوِّجُهَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا وَكِيلًا لِلْوَلِيِّ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا وَكِيلًا لِلْآخَرِ سَوَاءٌ أَقُلْنَا إنَّ الثَّالِثَ وَكِيلُ الثَّانِي أَوْ الْوَلِيِّ يَصِحُّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا قَبُولُ نِكَاحِهَا لِنَفْسِهِ فَإِذَا قَالَ الثَّانِي لِلثَّالِثِ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ يَعْلَمَانِ الْوَكَالَة زَوَّجْتُك فُلَانَةَ بِنْتَ مُوَكِّلِي فَقَالَ قَبِلْت نِكَاحَهَا لِنَفْسِي صَحَّ وَكَذَا لَوْ قَالَ الثَّالِثُ لِلثَّانِي ذَلِكَ كَذَلِكَ فَيَصِحُّ أَيْضًا إذْ لَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ وَالْوَكِيلُ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الْمُعَامَلَةُ مَعَ وَكِيلٍ آخَرَ وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ تَزْوِيجُهُ مَثَلًا لِنَفْسِهِ وَنَحْوُهُ وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ بِأَلْفَاظِهَا الصَّرِيحَةِ وَإِنْ خَالَفَتْ مَا فِي الضَّمِيرِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ. (وَسُئِلَ) عَنْ مَسَائِلَ فِي الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ الْأُولَى: إذَا كَانَتْ دَارٌ تَشْتَمِلُ عَلَى بَيْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْمَرَافِقِ لَكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَرْأًى مِنْ الْأُخْرَى كَهَذِهِ الصُّورَة مَثَلًا فَظَاهِرُ كَلَام الْفُقَهَاءِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِخَلْوَةٍ فَهَلْ هُوَ كَذَلِكَ أَمْ لَا؟ الثَّانِيَةُ: إذَا كَانَتْ دَارٌ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى بَيْتَيْنِ مُتَّفِقَيْ الْمَرَافِقِ لَكِنَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَائِبٌ عَنْ الْآخَرِ بِأَنْ يَكُونَ فِي قَفَاهُ أَوْ يُوَصَّل إلَيْهِ بِانْعِطَافَاتٍ مَثَلًا فَصَرِيحُ كَلَامِهِمْ أَنَّ هَذَا خَلْوَةٌ لَكِنْ بَقِيَ شَيْءٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ امْرَأَةٌ فِي أَحَدِ الْبَيْتَيْنِ وَرَجُلٌ وَامْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ فِي آخَرَ فَهَلْ يَكُونُ هَذَا خَلْوَةً أَمْ لَا؟ الثَّالِثَةُ: دَارٌ اشْتَمَلَتْ عَلَى مَجْلِسٍ وَمَخَازِنَ كَثِيرَةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ غَائِبَةً عَنْ مَرْأَى الْمَجْلِسِ أَوْ بِمَرْآهُ وَرَجُل فِي الْمَجْلِسِ فَمَرَّتْ بِهِ امْرَأَةٌ قَاصِدَةً أَخْذَ بَعْضِ الْحَوَائِجِ مِنْ الْمَخَازِنِ وَالرُّجُوعَ فَهَلْ هَذَا خَلْوَةٌ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حُكْمُ هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِمْ إذَا سَكَنَتْ الْمَرْأَةُ وَالْأَجْنَبِيُّ فِي حُجْرَتَيْنِ أَوْ عُلُوٍّ وَسُفْلٍ أَوْ دَارٍ وَحُجْرَةٍ اُشْتُرِطَ أَنْ لَا يَتَّحِدَا فِي مِرْفَقٍ كَمَطْبَخٍ أَوْ خَلَاءٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ مَمَرٍّ أَوْ سَطْحٍ أَوْ مِصْعَدٍ لَهُ فَإِنْ اتَّحَدَا فِي وَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ حُرِّمَتْ الْمُسَاكَنَةُ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مَظِنَّةٌ لِلْخَلْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ وَكَذَا إنْ اخْتَلَفَا فِي الْكُلِّ وَلَمْ يُغْلَقْ مَا بَيْنَهُمَا

مِنْ بَابٍ أَوْ يُسَدُّ أَوْ غُلِقَ لَكِنَّ مَمَرَّ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ أَوْ بَابَ مَسْكَنِ أَحَدِهِمَا فِي مَسْكَنِ الْآخَرِ. وَإِذَا عَلِمْت الْحُرْمَةَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ عَلِمْتهَا فِي صُوَرِ السُّؤَالِ الثَّلَاثِ أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّ بَابَ مَسْكَنِ أَحَدِهِمَا فِي مَسْكَنِ الْآخَرِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِاتِّفَاقِ الْمَرَافِقِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ اتِّفَاقَ وَاحِدٍ مِنْهَا كَافٍ فِي الْحُرْمَةِ وَفِيهَا أَيْضًا أَنَّ بَابَ مَسْكَنِ أَحَدِهِمَا فِي مَسْكَنِ الْآخَرِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ أَيْضًا كَمَا تَقَرَّرَ. وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَلِأَنَّ مَمَرَّ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ نَعَمْ تَرْتَفِعُ الْحُرْمَةُ فِي كُلٍّ مِنْ تِلْكَ الصُّوَرِ بِأَنْ يَكُونَ مَعَهَا مَحْرَمٌ لَهَا رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ لَهُ امْرَأَةٌ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَحْرَمِ كَوْنُهُ مُمَيِّزًا مُتَيَقِّظًا وَلَوْ أَعْمَى ذَا فَطَانَةٍ بِحَيْثُ يَنْتَفِي بِحَضْرَتِهِ عَادَةُ وُقُوعِ فَاحِشَةٍ وَيَكْفِي عَنْ الْمَحْرَمِ امْرَأَةٌ ثِقَةٌ يَحْتَشِمُهَا لِحَيَاءٍ أَوْ خَوْفٍ قَالَ الْأَئِمَّةُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الدَّارِ إلَّا بَيْتٌ وَصُفَف لَمْ يُسَاكِنَهَا وَلَوْ مَحْرَمًا مَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ وَلَا يَكُونُ مَمَرُّ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ يَجُوزُ خَلْوَةُ رَجُلٍ ثِقَةٍ بِأَجْنَبِيَّتَيْنِ ثِقَتَيْنِ يَحْتَشِمُهُمَا وَلَا يَجُوزُ خَلْوَةُ رَجُلَيْنِ بِأَجْنَبِيَّةٍ مُطْلَقًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ امْرَأَةٍ وَكَّلَتْ وَلِيَّهَا بِتَزْوِيجِهَا فَزَوَّجَهَا وَلَمْ يَسْأَلْهَا عَنْ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْ مُطَلِّقِهَا هَلْ يَصِحُّ التَّزْوِيجُ وَإِنْ ادَّعَتْ عَدَمَ انْقِضَائِهَا وَلَوْ طَلُقَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ فَهَلْ لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمَدَارُ فِي الصِّحَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ عَلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَأَمَّا الصِّحَّةُ فِي الظَّاهِرِ فَمَدَارُهَا عَلَى انْتِفَاءِ الْمُفْسِدِ فِي الظَّاهِرِ وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهَا عَدَمَ انْقِضَائِهَا بَعْدَ إذْنهَا فِي التَّزْوِيجِ لِلتَّنَاقُضِ وَلَا تَسْتَحِقُّ نِصْفَ الْمَهْرِ لِدَعْوَاهَا فَسَادَ النِّكَاحِ. (وَسُئِلَ) عَمَّا يَسُنُّ مِنْ الذِّكْرِ عِنْدَ إرَادَةِ الْجِمَاعِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتنَا وَيَظْهَرُ أَنَّهُ يُسَنُّ لَهَا أَنْ تَقُولَ ذَلِكَ أَيْضًا وَأَنَّهُ يُسَنُّ لَهُمَا ذَلِكَ وَإِنْ كَانَا لَا يَلِدَانِ لِأَنَّهُمَا قَدْ يَلِدَانِ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ وَلِأَنَّ مَا يُرْزَقَانِهِ أَعَمُّ مِنْ الْوَلَدِ. قَالَ بَعْضُهُمْ وَيُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ قَبْلَ ذَلِكَ الْإِخْلَاصَ ثَلَاثًا وَيُسَبِّحَ وَيُهَلِّلَ وَيُكَبِّرَ وَيُجْرِي عَلَى قَلْبِهِ عِنْدَ الْإِنْزَالِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَلَا يَتَلَفَّظُ بِهِ. (وَسُئِلَ) هَلْ يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يَعْقِدُ النِّكَاحَ مِنْ وَلِيٍّ أَوْ وَكِيلٍ أَوْ قَاضٍ مَعْرِفَةُ جَمِيعِ شُرُوطِ النِّكَاحِ أَمْ لَا وَلَوْ لَقَّنَ أَحَدُهُمَا أَلْفَاظَ النِّكَاحِ فَعَقَدَ بِذَلِكَ هَلْ يَصِحُّ النِّكَاحُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى وُجُودِ جَمِيعِ شُرُوطِ النِّكَاحِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا فِي ظَنِّ الْعَاقِدِ فَإِذَا وُجِدَتْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ صَحَّ وَإِنْ فُقِدَتْ فِي ظَنِّ الْعَاقِدِ سَوَاءٌ لُقِّنَ الصِّيغَةَ أَمْ لَا وَإِنْ فُقِدَ وَاحِدٌ مِنْهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ وُجِدَتْ كُلُّهَا فِي ظَنِّ الْعَاقِدِ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِجَوَازِ تَوْلِيَةِ الْعَاقِدِ أَوْ الْقَاضِي فَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يُوَلِّيَ رَجُلًا عَاقِدًا أَوْ قَاضِيًا فِي بَلَدٍ إلَّا إنْ كَانَ عَدْلًا عَارِفًا بِذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَاقِدِ وَبِهِ وَبِغَيْرِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْقَاضِي. (وَسُئِلَ) عَنْ حَدِيثِ «لُعِنَ الْمُحَلَّلُ وَالْمُحَلَّلُ لَهُ» مَا جَوَابُ الشَّافِعِيَّةِ عَنْهُ مَعَ كَوْنِهِ صَحِيحًا لَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى مَا إذَا صَرَّحَ فِي الْعَقْدِ بِاشْتِرَاطِ إنَّهُ إذَا وَطِئَ طَلَّقَ وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْحَمْلِ الْإِمَامُ الْمُتْقِنُ الْحَافِظُ الْمُنْصِفُ أَبُو عَمْرِو بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ كِبَارِ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ الْأَظْهَرُ بِمَعَانِي الْحَدِيثِ حَمْلُهُ عَلَى التَّصْرِيحِ بِذَلِكَ لَا عَلَى نِيَّتِهِ لِأَنَّ امْرَأَةَ رِفَاعَة صَرَّحَتْ بِأَنَّهَا تُرِيدُ الرُّجُوعَ إلَى زَوْجِهَا الْأَوَّلِ وَقَدْ تَضَمَّنَ الْحَدِيثُ إقْرَارَهَا عَلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ فَإِذَا لَمْ يَقْدَحْ فِيهِ نِيَّتُهَا فَكَذَلِكَ نِيَّةُ الزَّوْجِ وَنِيَّةُ الْمُطَلِّقِ أَوْلَى أَنْ لَا تَقْدَحَ فَلَمْ يَبْقَ لِلْحَدِيثِ مَعْنًى إلَّا الْحَمْلُ عَلَى الْإِظْهَارِ فَيَكُونُ كَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ اهـ. (وَسُئِلَ) عَنْ امْرَأَةٍ لَهَا زَوْجَانِ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ثَالِثٌ مَا صُورَتُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَلْغَزَ بِذَلِكَ ابْنُ السُّبْكِيّ وَفَسَّرَهُ بِأَنَّ امْرَأَةً لَهَا أَمَةٌ مُتَزَوِّجَةٌ بِعَبْدِهَا فَهُمَا زَوْجَانِ لَهَا وَإِذَا جَاءَ ثَالِثٌ فَلَهُ نِكَاحُهَا وَفَسَّرَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّ لَهَا زَوْجَيْنِ مِنْ نَحْوِ بَقَرٍ. (وَسُئِلَ) بِمَا صُورَتُهُ امْرَأَةٌ وَالِدُهَا ابْنُهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُنَّ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ التَّاجُ السُّبْكِيّ وَآخَرُ رَاحَ يَشْرِي طُعْمَ زَوْجَتِهِ ... فَعَادَ وَهُوَ عَلَى حَالٍ مِنْ الْغَيْرِ

قَالَتْ لَهُ أَنْتَ عَبْدِي قَدْ وُهِبْتُك مَنْ ... زَوْجٍ تَزَوَّجَتْهُ فَاخْدِمْهُ وَاعْتَبِرْ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ صَوَّرَهُ النَّاظِمُ بِأَنَّ عَبْدًا زَوَّجَهُ مَوْلَاهُ بِابْنَتِهِ وَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ مَاتَ مَوْلَاهُ وَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ زَوْجَهَا بِالْإِرْثِ وَكَانَتْ حَامِلًا فَوَضَعَتْ فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجَتْ وَوَهَبَتْ ذَلِكَ الْعَبْدَ لِزَوْجِهَا. (وَسُئِلَ) عَنْ حَدِيث مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ أَنْ تُبَكِّرَ بِأُنْثَى مَنْ رَوَاهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هُوَ حَدِيثٌ وَاهٍ. (وَسُئِلَ) عَنْ قَوْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَتَوَلَّى الْجَدُّ طَرَفَيْ الْعَقْدِ فِي تَزْوِيجِ بِنْتِ ابْنِهِ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ بِابْنِ ابْنِهِ الْآخَرَ هَلْ قَوْلُهُ الْكَبِيرَةُ يَشْمَلُ الثَّيِّبَ حَتَّى لَوْ أَذِنَتْ لَهُ فِي التَّزْوِيجِ وَهِيَ ثَيِّبٌ زَوَّجَهَا بِابْنِ ابْنِهِ الْآخَر الْمُوَلَّى عَلَيْهِ أَوْ مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الثَّيِّبِ لَكِنَّ مَا الْمَانِعُ مِنْ وِلَايَتِهِ وَتُوَلِّيه الطَّرَفَيْنِ بَعْدَ الْإِذْنِ مِنْهَا وَفِي شَرْحِ التَّنْبِيه لِلْأَزْرَقِيِّ أَنَّ لِلْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ الثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ بِنْتُ الِابْنِ بِكْرًا وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الشُّرُوطَ غَيْرُ الْأَزْرَقِيّ فَهَلْ مَرَادُهُمْ أَنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ لِلْإِجْبَارِ أَوْ لِلتَّوَلِّيَةِ حَتَّى لَوْ أَذِنَتْ الْبِنْتُ لَهُ فِي تَزْوِيجِهَا لَا يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ فِي تَزْوِيجِهَا بِابْنِهِ الْآخَرِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْن الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ بَعْد إذْنِهَا كَمَا هُوَ وَاضِحٌ وَمَنْ عَبَّرَ بِالْبِكْرِ أَرَادَ أَنْ ذَلِكَ شَرْطٌ لِتَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ مُرَاجَعَةِ أَحَدٍ. (وَسُئِلَ) عَنْ امْرَأَةِ تَزَوَّجَتْ اعْتِمَادًا عَلَى مُضِيِّ عِدَّتِهَا ثُمَّ لَمَّا سَافَرَ زَوْجُهَا سَفَرًا طَوِيلًا بَعِيدًا جَاءَتْ الْقَاضِي وَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ النِّكَاح كَانَ فِي أَثْنَاءِ الْعِدَّةِ وَأَنَّهَا كَانَتْ كَاذِبَةً فَشَهِدَ بِمُوجِبِهَا النِّسْوَانُ اللَّاتِي كُنَّ سَاكِنَاتٍ مَعَهَا مَعَ أَنَّهُنَّ سَكَتْنَ أَوَّلًا عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ فَزَوَّجَهَا آخَرَ هَلْ يُحْكَمُ بِصِحَّةِ نِكَاحِهَا الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي وَفِيمَا إذَا فَسَخَ الْقَاضِي نِكَاحَ هَذِهِ ثُمَّ شَهِدَ رَجُلَانِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ بِبُلُوغِهَا بِالسِّنِّ أَوْ أَقَرَّتْ بِبُلُوغِهَا بِالِاحْتِلَامِ وَقْت الْفَسْخِ فَهَلْ يُحْكَمُ بِصِحَّةِ الْفَسْخِ وَالنِّكَاحِ بِثُبُوتِ الْبُلُوغِ الْآنَ لِمُوَافَقَتِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْر أَوْ لَا لِعَدَمِ وُقُوعِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ. وَقَدْ اضْطَرَبَ كَلَامُ الْأَصْحَاب فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَسْأَلَة مِنْهَا أَنَّهُ لَوْ نَكَحَ امْرَأَةً لَا يَعْلَمُ أَهِيَ أُخْتُهُ أَمْ مُعْتَدَّةٌ أَمْ لَا لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ وَمِنْهَا لَوْ زَوَّجَ أُمَّةَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا صَحَّ النِّكَاحُ وَمِنْهَا إذَا تَرَبَّصَتْ زَوْجَةُ الْمَفْقُودِ أَرْبَعَةَ سِنِينَ فَاعْتَدَّتْ وَتَزَوَّجَتْ فَبَانَ مَيِّتًا عِنْد التَّزَوُّجِ فَعَلَى الْجَدِيدِ يَخْرُجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاته وَمَا الَّذِي يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يَعْقِدُ النِّكَاحَ مِنْ وَلِيٍّ أَوْ وَكِيلٍ أَوْ قَاضٍ مَعْرِفَةُ شُرُوطِ النِّكَاحِ أَوْ لَا وَلَوْ لُقِّنَ أَحَدُ أَلْفَاظِ النِّكَاحِ لِلْعَاقِدِ فَعَقَدَهَا هَلْ يَصِحّ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا أَخْبَرَتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا فَزُوِّجَتْ ثُمَّ أَخْبَرَتْ بِخِلَافِ ذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ خَبَرُهَا سَوَاءٌ أَغَابَ الزَّوْجُ أَمْ حَضَرَ وَلَمْ يُوَافِقْهَا لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِهَا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي دَفْعِهِ لَا سِيَّمَا وَهُوَ مُنَاقِضٌ لِقَوْلِهَا الْأَوَّلِ وَلَا عِبْرَةَ بِشَهَادَةِ النِّسْوَةِ الْمَذْكُورَاتِ بِمُوَافَقَتِهَا فِيمَا أَخْبَرَتْ بِهِ ثَانِيًا لِأَنَّ قَوْلَهَا الْأَوَّلَ مُكَذِّبٌ لَهُنَّ وَتَزْوِيجُ الْقَاضِي لَهَا فِيمَا ذَكَرَ وَاضِحُ الْفَسَادِ وَالْبُطْلَانِ. وَكَذَلِكَ فَسْخُهُ لِلنِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَاضِحُ الْبُطْلَانِ وَالْفَسَادِ وَذَلِكَ كُلُّهُ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى جَهْلِهِ وَتَهَوُّرِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ دِينٌ يَحْجِزُهُ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْقَبَائِحِ وَقَوْلُ السَّائِلِ وَفِيمَا إذَا فَسَخَ الْقَاضِي نِكَاحَ هَذِهِ إلَخْ كَلَامٌ غَيْرُ مُلْتَئِمٍ مَعَ مَا قَبْلَهُ فَلَا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا وَقَوْلُهُ وَقَدْ اضْطَرَبَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّهُ لَا اضْطِرَابَ فِي ذَلِكَ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فِي بَابِ النِّكَاحِ فَإِنَّ قَوْلَهُمْ شَرْطُهُ الْعِلْمُ بِحِلِّ الْمَنْكُوحَةِ مَعْنَاهُ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لِحِلِّ تَعَاطِي الْعَقْدِ وَلِنُفُوذِهِ ظَاهِرًا وَأَمَّا الصُّوَرُ الْأُخْرَى الَّتِي مِنْهَا تَزْوِيجُ أَمَةِ الْمُوَرِّثِ وَزَوْجَةِ الْمَفْقُودِ وَإِنْ لَمْ تَتَرَبَّصْ أَرْبَع سِنِينَ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ السَّائِلِ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الصِّحَّةِ فِي نَفْس الْأَمْر فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَدَارَ الصِّحَّةِ عَلَى وُجُودِ الشُّرُوطِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَمَدَارُ حِلِّ مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ وَنُفُوذِهِ ظَاهِرًا أَيْضًا عَلَى الْعِلْمِ بِحِلِّ الْمَنْكُوحَةِ فَلَا تَخَالُفَ بَيْن تِلْكَ الْمَسَائِلِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ مَعْرِفَةُ شُرُوطِهِ بَلْ الْإِتْيَانُ بِهَا حَتَّى لَوْ لُقِّنَ لَفْظُهُ وَعَرَفَ مَعْنَاهُ فَأَتَى بِهِ صَحَّ إنْ اسْتَوْفَى بَقِيَّةَ شُرُوطِهِ. (وَسُئِلَ) عَنْ امْرَأَةٍ خَرَجَتْ بِإِذْنِ زَوْجِهَا إلَى بَلَدٍ لِحَاجَتِهِمَا فَأَقَامَتْ فِيهِ وَقَالَتْ لَيْسَ عِنْدِي مَصْرُوفُ الطَّرِيق وَلَمْ يَطْلُبْهَا الزَّوْجُ فَهَلْ يَجُوزُ لَهَا الْفَسْخ بَعْد

باب نكاح المشرك

الْإِعْلَامِ بِبَذْلِ طَاعَتِهَا إلَى حَاكِمِ الْبَلَدِ الَّذِي أَقَامَتْ فِيهِ أَوْ لَا وَلَيْسَ لَهَا إلَّا الرُّجُوعُ إلَى بَلَدِهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا فَسْخَ لَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِوَجْهٍ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ وَعَجِيبٌ مِنْ تَوَقُّفِ السَّائِلِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَتَرَدُّدِهِ فِي الْفَسْخِ مَعَ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ نَعَمْ إنْ كَانَ السَّفَر لِحَاجَتِهِ فَقَطْ فَنَفَقَتُهَا عَلَيْهِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْهَا أَوْ حَدَثَ فِيهِ شُرُوطُ الْفَسْخِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْأَئِمَّةُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ دُون الْآرَاءِ الضَّعِيفَةِ الْكَثِيرَةِ فِي هَذَا الْمَحِلِّ جَازَ لَهَا الْفَسْخُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ فَأَوْلَدَهَا أَوْلَادًا ثُمَّ أَبَقَ الْعَبْدُ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ مَكَانٌ فَبَاعَ السَّيِّدُ الْأَمَةَ مِنْ رَجُلٍ فَأَرَادَ السَّيِّدُ الثَّانِي قُرْبَانَهَا كَيْفَ الطَّرِيقُ الْمُسَوِّغُ لِذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُكَاتِبَهَا سَيِّدُهَا كِتَابَةً صَحِيحَةً ثُمَّ يَنْذُرُ مَالِكُ الْعَبْدِ لَهَا بِهِ فَتَقْبَلُ فَتَمْلِكُهُ فَيُفْسَخُ النِّكَاحُ بِتَقْدِيرِ حَيَاتِهِ ثُمَّ يَتَفَاسَخَانِ السَّيِّدُ وَهِيَ الْكِتَابَة وَيَسْتَبْرِئُهَا بِالْأَكْثَرِ مِنْ حَيْضَتَيْنِ عِدَّةَ الْحَيَاةِ وَمِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ عِدَّةَ الْمَوْتِ لِاحْتِمَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَوَجَبَ الْأَكْثَرُ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي مَوَاضِعَ وَمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ مَجْمُوعِ الْحِيلَةِ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَره. [بَابُ نِكَاحِ الْمُشْرِكِ] (سُئِلَ) عَمَّا إذَا أَسْلَمَ السَّفِيهُ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ لَهُ اخْتِيَارُ أَرْبَعٍ كَمَا يُصَرِّح بِهِ كَلَامُهُمْ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا قَوْلُهُمْ إنْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا اخْتَارَ وَإِلَّا وَقَفَ إلَى كَمَالِهِ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ السَّفِيهَ يَخْتَارُ وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ الِاخْتِيَارُ مَعَ الْإِحْرَامِ مِنْهُ أَوْ مِنْهُنَّ لِأَنَّهُ اسْتِدَامَةٌ لِلنِّكَاحِ فَكَانَ كَالرَّجْعَةِ وَقَدْ ذَكَرُوا فِي الرَّجْعَةِ أَنَّ لِلسَّفِيهِ أَنْ يَرْتَجِعَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهِ تَغْلِيبًا لِشَبَهِهَا بِالِاسْتِدَامَةِ فَكَانَ الِاخْتِيَارُ مِثْلَهَا فِي ذَلِكَ بِعَيْنِ مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّهُ مِثْلُهَا وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ أَنَّ لِلْعَبْدِ هُنَا الِاخْتِيَارَ وَلَمْ يُقَيِّدُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ السَّفِيهَ مِثْلُهُ عَلَى أَنَّهُمْ سَوَّوْا بَيْنَهُمَا فِي أَنَّ لِكُلٍّ أَنْ يَرْتَجِعَ بِلَا إذْن فَقِيَاسُهُ التَّسْوِيَةُ بَيْنهمَا فِي ذَلِكَ سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِمْ أَنَّ الِاخْتِيَارَ كَالرَّجْعَةِ. فَإِنْ قُلْت تَجْوِيزُهُمْ رَجْعَةَ الْأَمَةِ مَعَ فَقْدِ شُرُوطِ حِلِّ ابْتِدَاءِ نِكَاحِهَا وَمَنْعِهِمْ اخْتِيَارِهَا حِينَئِذٍ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الرَّجْعَةِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِاخْتِيَارِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَجْوِيزِ الرَّجْعَةِ لِلسَّفِيهِ وَالْعَبْدِ بِلَا إذْنٍ تَجْوِيزُ الِاخْتِيَارِ لَهُمَا بِلَا إذْنٍ قُلْت افْتِرَاقُهُمَا فِي هَذَا لَا يُوجِبُ افْتِرَاقَهُمَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهُمْ سَوَّوْا بَيْنهمَا فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ وَإِذَا تَعَارَضَتْ التَّسْوِيَةُ فِي الْأَكْثَرِ وَالْفَرْقُ فِي الْأَقَلِّ كَانَ الْإِلْحَاق بِالْأَوَّلِ أَوْلَى عَلَى أَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنهمَا بِأَنَّ الْكُفْرَ انْضَمَّ إلَى الرِّقِّ هُنَا لِأَثِمٍ فَكَانَ هُنَا مَانِعَانِ مِنْ مَوَانِعِ النِّكَاحِ فَاشْتَرَطُوا وُجُودَ الْحِلِّ عِنْدَ اجْتِمَاعِ الْإِسْلَامَيْنِ وَثَمَّ لَمْ يُوجَدْ إلَّا مَانِعٌ وَاحِدٌ فَكَانَ الِاخْتِيَارُ أَوْلَى بِالِاحْتِيَاطِ مِنْ الرَّجْعَةِ فِي هَذَا الْفَرْدِ الْخَاصِّ الَّذِي لَيْسَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ نَظِيرُهُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ خِيَارِ النِّكَاحِ] (وَسُئِلَ) مَا حُكْمُ تَمْرِيضِ الْمَجْذُومِ وَالْأَبْرَصِ وَاَلَّذِي فِيهِ طَاعُونٌ وَاَلَّذِي فِيهِ عِلَّةٌ وَقَالَ أَهْلُ الطِّبّ إنَّهَا تُعْدِي؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَدْ وَرَدَ فِي الْعَدْوَى وَعَدَمِهَا أَحَادِيثُ ظَاهِرُهَا التَّعَارُضُ فَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا تُدِيمُوا النَّظَرَ إلَى الْمَجْذُومِينَ» وَحَدِيثُ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَمُسْلِمٍ فِي إفْرَادِهِ «أَنَّهُ كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ ارْجِعْ فَقَدْ بَايَعْنَاك» وَرَوَى الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنْ الْأَسَدِ» . فَهَذِهِ كُلُّهَا ظَاهِرَةٌ فِي إثْبَاتِ الْعَدْوَى وَمِنْ الْأَحَادِيثِ الظَّاهِرَةِ بَلْ الصَّرِيحَةِ فِي نَفْيِ الْعَدْوَى «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ بِيَدِ رَجُلٍ مَجْذُومٍ فَأَدْخَلَهَا مَعَهُ فِي الْقَصْعَةِ فَقَالَ كُلْ بِسْمِ اللَّهِ ثِقَةً بِاَللَّهِ وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ» خَرَّجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُورِدَنِّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

«لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ» وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْن هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَمَرَ بِالْفِرَارِ مِنْ الْمَجْذُومِ وَبِعَدَمِ إدَامَةِ النَّظَرِ إلَيْهِ وَبِرُجُوعِهِ وَمُبَايَعَتِهِ مِنْ بَعِيدٍ شَفَقَةً عَلَى أُمَّتِهِ وَخَشْيَةَ أَنْ يُصِيبَ مَنْ يَقْرُبُ مِنْهُ بِالْمُخَالَطَةِ وَغَيْرِهَا الْجُذَامُ فَيَسْبِقُ إلَى قَلْبِ بَعْضِهِمْ أَنَّ نَحْوَ الْجُذَامِ يُعْدِي بِطَبْعِهِ. وَهُوَ اعْتِقَادُ بَعْضِ الْكُفَّارِ كَمَا يَأْتِي وَأَمَّا الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ فَهُوَ انْتِفَاءُ الْعَدْوَى أَصْلًا فَقَدْ نَفَاهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ رَدًّا عَلَى مَنْ أَثْبَتَهَا فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلُ وَبِقَوْلِهِ لَا عَدْوَى الْحَدِيث وَبِقَوْلِهِ أَنَّهُ لَا يُعْدِي شَيْءٌ شَيْئًا وَلِهَذَا أَكَلَ مَعَ الْمَجْذُومِ ثِقَةً بِاَللَّهِ وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ الْجَمْعُ بَيْن هَذِهِ الْأَخْبَارِ وَجَمَعَ بَيْنَهَا أَيْضًا بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاطَبَ كُلَّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ بِمَا يَلِيقُ بِهِ فَبَعْضُ النَّاسِ يَكُونُ قَوِيَّ الْإِيمَانِ فَخَاطَبَهُ بِطَرِيقِ التَّوَكُّلِ وَبَعْضُهُمْ لَا يَقْوَى عَلَى ذَلِكَ فَخَاطَبَهُ بِالِاحْتِيَاطِ وَالْأَخْذِ بِالتَّحَفُّظِ وَقَدْ فَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَالَتَيْنِ مَعًا فَاجْتَنَبَ الْمَجْذُومَ تَارَةً رِعَايَةً لِمَا فِيهِ مِنْ الْبَشَرِيَّةِ وَخَالَطَهُ تَارَةً أُخْرَى لِمَا غَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْقُوَّةِ الْإِلَهِيَّة وَأَيْضًا فَلِيَتَأَسَّى بِهِ كُلٌّ مِنْ سَالِكِي الْمَقَامَيْنِ. وَيَكُونُ لِكُلِّ طَبَقَةٍ مِنْ النَّاسِ حُجَّةٌ بِحَسْبِ حَالِهِمْ وَعَلَى مَا يَلِيقُ بِهِمْ وَاَلَّذِي مَالَ إلَيْهِ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ الْجَمْعُ الْأَوَّلُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانَتْ تَعْتَقِدُ أَنَّ الْأَمْرَاضَ الْمُعْدِيَةَ تُعْدِي بِطَبْعِهَا مِنْ غَيْرِ إضَافَة شَيْءٍ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَأُبْطِلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتِقَادُهُمْ بِقَوْلِهِ لَا عَدْوَى وَأَرْشَدَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ إلَى مُجَانَبَة مَا قَدْ يَحْصُلُ عِنْدَهُ عَادَةُ الضَّرَرِ بِقَضَاءِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَقَدَرِهِ. وَأَجَابَ ابْنُ قُتَيْبَةَ بِأَنَّ الْقُرْب مِنْ الْمَجْذُومِ وَصَاحِبِ السُّلِّ قَدْ يُؤَدِّي إلَى السَّقَمِ لَكِنْ بِالرَّائِحَةِ لَا بِالْعَدْوَى وَرَدَّ بِأَنَّ الرَّائِحَةَ مِنْ أَحَدِ أَسْبَابِ الْعَدْوَى وَأَجَابَ الطَّبَرَانِيُّ بِأَنَّ أَمْرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَجَنُّبِ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ وَمَخَافَةِ مَا يَقَعُ بِالنَّفْسِ مِنْ الْعَدْوَى ثُمَّ فَعَلَ خِلَافَ ذَلِكَ حَيْثُ خَالَطَ وَقَالَ لَا عَدْوَى لِيُبَيِّنَّ أَنَّ أَمَرَهُ بِالْفِرَارِ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ. وَقَالَ الْبَاجِيُّ الْأَمْرُ بِالْفِرَارِ لِلْإِبَاحَةِ أَيْ إذَا لَمْ تَصْبِرْ عَلَى أَذَاهُ وَكَرِهْت مُخَالَطَتَهُ فَيُبَاحُ لَك أَنْ تَفِرَّ مِنْهُ وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلْ مَعَ الْمَجْذُومِ وَبَيْنَك وَبَيْنَهُ قِيدُ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ» وَقِيدُ بِكَسْرِ الْقَافِ بِمَعْنَى قَدْرُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا «أَنَّهُ مَرَّ عَلَى الْجَذْمَى فَخَمَّرَ أَيْ غَطَّى أَنْفَهُ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ قُلْت لَا عَدْوَى قَالَ بَلَى وَلَكِنْ أَقَذَرُهُمْ» قَالَ وَكِيعٌ أَحَدُ رُوَاتِهِ هَذَا رُخْصَةٌ وَأَجَابَتْ عَائِشَة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَغَيْرُهَا بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْفِرَارِ وَنَحْوِهِ مَنْسُوخٌ بِخَبَرِ لَا عَدْوَى وَنَحْوِهِ وَبِمُوَاكَلَتِهِ لِلْمَجْذُومِ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى إثْبَاتِ ذَلِكَ بِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُحَدِّثُ بِحَدِيثِ «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ» وَبِحَدِيثِ «لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ» ثُمَّ أَمْسَكَ عَنْ الْأَوَّلِ فَرَاجَعُوهُ فِيهِ وَقَالُوا إنَّا سَمِعْنَاك تُحَدِّثُهُ فَأَبَى أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ. قَالَ أَبُو سَلَمَةَ الرَّاوِي عَنْهُ فَلَا أَدْرِي أَنْسِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَوْ نُسِخَ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ بِالْآخَرِ أَيْ الْعَدْوَى بَاقِيَةٌ وَالْأَمْرُ بِالْفِرَارِ مَنْسُوخٌ وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالًا أَرْبَعَةً الْأَوَّلُ أَنَّ الْمَرَضَ يُعْدِي بِطَبْعِهِ وَحْدَهُ وَهُوَ قَوْلُ الْكُفَّارِ الثَّانِي أَنَّ الْمَرَضَ يُعْدِي بِأَمْرٍ خَلَقَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأَوْدَعَهُ فِيهِ وَلَا يَنْفَكُّ عَنْهُ أَصْلًا إلَّا إنْ وَقَعَ لِصَاحِبِ مُعْجِزَةٍ أَوْ كَرَامَةٍ فَيَتَخَلَّفُ وَهَذَا مَذْهَبٌ إسْلَامِيٌّ لَكِنَّهُ مَرْجُوحٌ الثَّالِثُ أَنَّ الْمَرَضَ يُعْدِي لَكِنْ لَا بِطَبْعِهِ بَلْ بِعَادَةٍ أَجْرَاهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِيهِ عَادَةً وَقَدْ تَتَخَلَّفُ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى نُدُورٍ فِي الْعَادَةِ الرَّابِعُ أَنَّ الْمَرَضَ لَا يُعْدِي أَصْلًا لَا طَبْعًا وَلَا عَادَةً بَلْ مَنْ اتَّفَقَ لَهُ وُقُوعُ ذَلِكَ الْمَرَضِ فَهُوَ بِخَلْقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذَلِكَ فِيهِ ابْتِدَاءً. وَلِهَذَا نَرَى الْكَثِيرَ مِمَّنْ يُصِيبُهُ الْمَرَضُ الَّذِي يُقَالُ أَنَّهُ يُعْدِي يُخَالِطُهُ الصَّحِيحُ كَثِيرًا وَلَا يُعْدِيه وَلَا يُصِيبُهُ مِنْهُ شَيْءٌ وَالرَّاجِحُ هُوَ الْأَخِيرُ وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ مَشْهُورًا أَيْضًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُعْدِي شَيْءٌ شَيْئًا» وَقَوْلُهُ فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ مَعْنَى لَا عَدْوَى أَنَّهُ لَا يُعْدِي شَيْءٌ شَيْئًا بِطَبْعِهِ حَتَّى يَكُونَ الضَّرَرُ مِنْ قِبَلِهِ وَإِنَّمَا هُوَ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَفِعْلِهِ وَإِرَادَتِهِ قِيلَ وَلَا عَدْوَى نُهِيَ عَنْ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ أَوْ يُعْتَقَدَ وَقِيلَ هُوَ خَبَرٌ أَيْ لَا يَقَعُ وَمَعْنَى الطِّيَرَةِ التَّشَاؤُمُ مِنْ التَّطَيُّرِ مَصْدَرُ تَطَيَّرَ يَتَطَيَّرُ طِيَرَةً مَأْخُوذٌ مِنْ اسْمِ الطَّيْرِ. وَقَدْ كَانَتْ

باب في الصداق

الْعَرَبُ إذَا أَرَادَتْ أَمْرًا جَاءَتْ إلَى وَكْرِ الطَّيْرِ فَنَفَرَتْهُ فَإِنْ تَيَامَنَ يَمَّنَتْ بِهِ وَسَمَّتْهُ الشَّامِخَ وَمَضَتْ لِمَا عَزَمَتْ عَلَيْهِ وَإِنْ تَيَاسَرَ سَمَّتْهُ الْبَارِحَ وَتَشَاءَمَتْ بِهِ وَتَرَكَتْهُ فَزَجَرَهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَرَّفَهُمْ أَنَّهَا لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا يُورِدْ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الرَّجُلُ الْمَرِيضُ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنَّمَا الْمُمْرِضُ الَّذِي مَرِضَتْ مَاشِيَتُهُ وَالْمُصِحُّ صَاحِبُ الصِّحَاحِ وَلَيْسَ النَّهْيُ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْمَرَضَ يُعْدَى الصِّحَاحَ وَلَكِنْ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الصِّحَاحَ إذَا مَرِضَتْ بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى يُوقِعُ فِي نَفْسِ صَاحِبِهَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْعَدْوَى فَيَفْتِنُهُ ذَلِكَ وَيُشَكِّكُهُ فِي أَمْرِهِ فَأَمَرَ بِاجْتِنَابِهِ وَالْمُبَاعَدَةِ عَنْهُ لِذَلِكَ لَا لِلْعَدْوَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ امْرَأَةٍ ادَّعَتْ أَنَّ زَوْجَهَا عِنِّينٌ وَأَنَّهُ لَمْ يُصِبْهَا وَأَنَّهَا بِكْرٌ فَأَنْكَرَ وَقَالَ إنَّهُ قَدْ افْتَضَّهَا فَشَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ أَنَّهَا بِكْرٌ فَهَلْ تُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا أَوْ بِلَا يَمِينٍ أَنَّهُ عِنِّينٌ وَإِذَا ثَبَتَتْ عُنَّتُهُ وَضَرَبَ لَهَا الْقَاضِي الْمُدَّة الْمَعْرُوفَةَ وَانْقَضَتْ فَهَلْ تَسْتَقِلُّ بِالْفَسْخِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي ثَبَتَتْ عُنَّتُهُ فَاخْتَارِي وَكَيْف لَفْظُ الْفَسْخِ الْمُعْتَبَرِ الَّذِي لَا يَحْصُلُ بِدُونِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّهَا تُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا عَلَى الرَّاجِحِ فِي الشَّرْحِ الصَّغِير وَفِي كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مَا يُشِيرُ إلَيْهِ وَاعْتَمَدَهُ الْإِسْنَوِيّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ لَكِنْ لَا تَحْلِفُ إلَّا إنْ طَلَبَ الزَّوْجُ يَمِينَهَا عَلَى الرَّاجِحِ أَيْضًا. لِأَنَّ زَوْجَهَا وَهُوَ الْخَصْمُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الدَّعْوَى فَلَا مَعْنَى لِلِاحْتِيَاطِ لَهُ بِتَحْلِيفِهَا مِنْ غَيْرِ طَلَبِهِ ثُمَّ إنْ حَلَفَتْ بَعْد شَهَادَةِ النِّسْوَةِ الْأَرْبَع بِالْبَكَارَةِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُزِلْ بَكَارَتَهَا فَلَهَا الْفَسْخُ بِعُنَّتِهِ بِشَرْطِهِ وَإِنْ نَكَلَتْ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ وَلَا خِيَار لَهَا فَإِنْ نَكَلَ هُوَ أَيْضًا فَسَخَتْ بِلَا يَمِينٍ وَلَيْسَ قَضَاءً بِالنُّكُولِ الْمُجَرَّدِ بَلْ لِأَجْلِ الْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِبَكَارَتِهَا الْمُعْتَضِدَةِ بِإِقْرَارِهِ الَّذِي تَضَمَّنَّهُ نُكُوله قَالَ الشَّيْخَانِ وَلَيْسَ لَهَا الِاسْتِقْلَالُ بِالْفَسْخِ إلَّا بَعْد قَوْلِ الْقَاضِي لَهَا ثَبَتَتْ عُنَّتُهُ ثُبُوتًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْفَسْخُ أَوْ ثَبَتَ حَقُّ الْفَسْخِ فَاخْتَارِي فَتَسْتَقِلُّ بِهِ حِينَئِذٍ اهـ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ فَاخْتَارِي لَيْسَ شَرْطًا بَلْ الْمُرَادُ بِهِ إعْلَامُهَا بِدُخُولِ وَقْتِ الْفَسْخِ حَتَّى لَوْ بَادَرَتْ وَفَسَخَتْ قَبْلَهُ نَفَذَ فَسْخُهَا وَيُؤَيِّدُهُ حَذْفُ الرَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ فَاخْتَارِي مِنْ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَكَيْفِيَّةُ لَفْظِ الْفَسْخِ أَنْ تَقُولَ فَسَخْت نِكَاحَ فُلَانٍ لِي، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابٌ فِي الصَّدَاقِ] (وَسُئِلَ) عَمَّنْ خَطَبَ امْرَأَةً وَأَجَابُوهُ فَأَعْطَاهُمْ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ يُسَمَّى الْجِهَازَ هَلْ تَمْلِكُهُ الْمَخْطُوبَةُ أَوْ لَا بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِنِيَّةِ الْخَاطِبِ الدَّافِعِ فَإِنْ دَفَعَ بِنِيَّةِ الْهَدِيَّةِ مَلَكَتْهُ الْمَخْطُوبَةُ أَوْ بِنِيَّةِ حُسْبَانِهِ مِنْ الْمَهْر حُسِبَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ أَوْ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ بِهِ عَلَيْهَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ زَوَاجٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَمْ تَمْلِكهُ وَيُرْجَعُ بِهِ عَلَيْهَا. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى هَذَا الدَّنِّ مِنْ الْخَمْرِ فَإِذَا هُوَ خَلٌّ أَوْ عَلَى هَذَا الْحُرِّ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ أَوْ هَذِهِ الْمَيْتَةِ فَإِذَا هِيَ مُذَكَّاةٌ مَا حُكْمُ الْعَقْدِ هَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَوْ بَاطِلُ وَإِنْ قُلْتُمْ بِالصِّحَّةِ مَاذَا يَلْزَمُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْعَقْدُ صَحِيحٌ وَاللَّازِمُ لَهُ هُوَ الْخَلُّ وَالْعَبْد وَالْمُذَكَّاةُ لِلْقَاعِدَةِ عِنْدنَا أَنَّ الْإِشَارَة لِعَدَمِ تَطَرُّقِ الْخَطَإِ إلَيْهَا أَقْوَى مِنْ الْعِبَارَةِ الَّتِي قَدْ تُخْطِئُ وَقَدْ تُصِيبُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ الْمُطَلَّقَةِ رَجْعِيًّا هَلْ تَجِبُ لَهَا مُتْعَةٌ حَالًا وَهَلْ تَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الطَّلَاقِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا تَجِبُ حَالًا بَلْ إذَا انْقَضَتْ الْعِدَّةُ وَلَمْ يُرَاجِعْهَا عَلَى مَا قَالَهُ أَبُو شُكَيْل فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ وَالْبُسْتِيّ وَإِنَّمَا يَصِحُّ هَذَا إنْ قُلْنَا بِسُقُوطِهَا بِالرَّجْعَةِ وَكَلَامُهُمْ يَأْبَاهُ فَالْوَجْهُ وُجُوبُهَا فَوْرًا مُطْلَقًا وَلَا تَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الطَّلَاقِ كَمَا قَالَهُ الرَّاعِي وَالْبَدْر بْن شُهْبَةَ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ سَبَبَ إيجَابِهَا الْإِيحَاشُ وَالِابْتِذَالُ وَهُمَا مُنْتَفِيَانِ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَة وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الثَّانِيَةَ مَثَلًا لَوْ كَانَتْ بَعْد مُرَاجَعَةٍ تَكَرَّرَتْ بِهَا الْمُتْعَةُ وَقَالَ الْقَاضِي بْنُ كَثِيرٍ تَتَعَدَّدُ مُطْلَقًا وَهُوَ الْأَوْفَقُ بِإِطْلَاقِهِمْ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْخَيَّاطِ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَأَبِي شُكَيْل وَقَالَ إنَّهُ الصَّحِيحُ. (وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ كَثُرَ كَلَامُ النَّاسِ فِي الْهَدِيَّةِ الَّتِي يُهْدِيهَا الْخَاطِبُ وَالزَّوْجُ لِأَهْلِ الْمَخْطُوبَةِ أَوْ الزَّوْجَةِ مِنْ الْقُمَاشِ وَالْمَطْعُومَاتِ وَغَيْرِهِمَا ثُمَّ يَحْصُلُ

لَهُ رَدًّا وَمِنْهُ طَلَاقٌ قَبْلَ الْوَطْءِ فَمَا الْمُعْتَمَدُ فِي الرُّجُوعِ بِذَلِكَ مَعَ الْبَسْطِ فِيهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَوَاخِرِ بَابِ الصَّدَاقِ وَتَبِعُوهُ وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى قَبْضِ مَالٍ فَقَالَ دَفَعْته صَدَاقًا وَقَالَتْ بَلْ هَدِيَّةً فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ تَلَفَّظَ وَاخْتَلَفَا هَلْ قَالَ خُذِي هَذَا صَدَاقًا أَمْ قَالَ هَدِيَّةً فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجْرِ لَفْظٌ وَاخْتَلَفَا فِيمَا نَوَى فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ أَيْضًا وَقِيلَ بِلَا يَمِينٍ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَقْبُوضُ مِنْ جِنْسِ الصَّدَاقِ أَوْ غَيْرِهِ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ فَإِذَا حَلَفَ الزَّوْجُ فَإِنْ كَانَ الْمَقْبُوضُ مِنْ جِنْسِ الصَّدَاقِ وَقَعَ عَنْهُ وَإِلَّا فَإِنْ تَرَاضَيَا بِبَيْعِهِ بِالصَّدَاقِ فَذَاكَ وَإِلَّا اسْتَرَدَّ وَأَدَّى الصَّدَاقَ فَإِنْ كَانَ تَالِفًا فَلَهُ الْبَدَلُ عَلَيْهَا وَقَدْ يَقَعُ التَّقَاصُّ اهـ. كَلَامُهُ قَالَ بَعْضُهُمْ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى حَيْثُ لَمْ يَكُنْ أَدَّى الصَّدَاقَ فَأَمَّا إذَا أَدَّاهُ فَلَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ دَفَعْته مِنْ الصَّدَاقِ وَلَا يُعْلَمُ حُكْمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ اهـ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُصَدَّقُ الدَّافِعُ فِي نِيَّتِهِ أَيْضًا أَخْذًا مِمَّا فِي الرَّوْضِ فِي الْقَرْضِ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِكَيْفِيَّةِ إزَالَةِ يَدِهِ عَنْ مِلْكِهِ وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ عَقِبَ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ صُوَرٍ الْأُولَى أَنْ يَبْعَث بِهِ بَعْد الْعَقْدِ وَيُصَرِّح بِكَوْنِهِ هَدِيَّةَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ قَدْ سَلَّطَهُمْ عَلَى إتْلَافِ مَالِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَهُوَ كَتَقْدِيمِ طَعَامٍ لِضَيْفٍ وَقَالَ كُلْهُ وَطَلَب مِنْهُ عِوَضَهُ لَا يَلْزَمُهُ لَهُ عِوَضٌ الثَّانِيَةُ أَنْ يُصَرِّحَ بِكَوْنِهِ مِنْ الصَّدَاقِ فَيَرْجِعُ قَطْعًا الثَّالِثَةُ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ عَلَى صُورَةِ الْهَدِيَّةِ وَهُوَ سَاكِتٌ وَلَهُ حِينَئِذٍ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ أَحَدُهَا أَنْ يَنْوِيَ الْهَدِيَّةَ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الرُّجُوع ثَانِيهَا أَنْ يُطْلِقَ فَلَا يَحِلّ لَهُ الرُّجُوعُ أَيْضًا لِتَسْلِيطِهِ إيَّاهُمْ عَلَى الْأَكْلِ بِغَيْرِ نِيَّةِ عِوَضٍ ثَالِثُهَا أَنْ يَنْوِيَ جَعْلَهُ مِنْ الصَّدَاقِ. فَلَهُ الرُّجُوعُ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَبْعُوثُ بِهِ مِنْ جِنْسِ الصَّدَاقِ أَمْ لَا كَالطَّعَامِ رَابِعُهَا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْعَقْدِ وَبَعْدَ إجَابَةِ الْخِطْبَةِ فَيَبْعَثُ لَا عَلَى قَصْدِ الْهَدِيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ بَلْ عَلَى قَصْدِ أَنْ يُزَوِّجُوهُ أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَبْعُوثُ مِنْ الصَّدَاقِ الَّذِي يُعْقَدُ عَلَيْهِ النِّكَاحُ فَإِذَا رُدَّتْ الْخِطْبَة أَوْ رَغِبَ عَنْهُمْ وَكَانَ الْبَعْثُ عَلَى نِيَّة شَرِيطَة أَنْ يُزَوِّجُوهُ أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَبْعُوثُ مِنْ الصَّدَاقِ فَالْوَجْهُ الرُّجُوعُ وَهُوَ مَا أَفْتَى بِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَقِيُّ الدِّينِ بْن رَزِين - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَفْتَى الْبَغَوِيّ أَنَّ الْأَبَ لَوْ خَطَبَ لِابْنِهِ امْرَأَةً وَأَهْدَى لَهَا هَدِيَّةً ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يَتَّفِقْ تَزْوِيجٌ بِأَنَّ الْهَدِيَّةَ تَكُونُ تَرِكَةً لِلْأَبِ وَهَذَا ظَاهِرٌ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالْهَدِيَّةِ. فَإِنْ صَرَّحَ بِهَا لَمْ يَرْجِعْ وَإِنْ نَوَى الْعِوَضِيَّةَ لِتَسْلِيطِهِمْ عَلَى الْإِتْلَافِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَوَقَعَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي التَّنْقِيحِ غَيْرَ مُنَقَّحَةٍ لِعَدَمِ اسْتِحْضَارِهِ لِكَلَامِ الرَّافِعِيِّ فَأَمَّا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالْهَدِيَّةِ فَلِأَنَّ نَفْسَهُ لَمْ تَطِبْ بِهِ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُزَوِّجُوهُ وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ نَظِيرَ هَذَا فِي كِتَاب اللِّعَانِ فَقَالَ لَوْ قَالَ الدَّلَّالُ لِغَيْرِ الْمَالِكِ أَنَّ الْبَائِعَ ظَلَمَهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أُجْرَةَ الدَّلَالَةِ فَارْتَغَمَ لَهُ الْأَجْنَبِيُّ وَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَكَانَ كَاذِبًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَصَدَّقْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إلَّا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ صَادِقٌ فِي دَعْوَاهُ عَدَمَ الْإِعْطَاءِ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» وَلِهَذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ أَنَّ مَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ بِغَيْرِ دَعْوَةٍ فَأَطْعِمُوهُ شَيْئًا حَيَاءً مِنْهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْأَكْلُ قَالَ وَالْغَصْبُ نَوْعَانِ غَصْبُ اسْتِيلَاءٍ وَغَصْبُ اسْتِحْيَاءٍ فَغَصْبُ الِاسْتِيلَاءِ أَخْذُ الْأَمْوَالِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِيلَاءِ وَالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ وَغَصْب الِاسْتِحْيَاءِ هُوَ أَخْذُهُ بِنَوْعٍ مِنْ الْحَيَاءِ قَالَ وَهُمَا حَرَامَانِ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْن الْإِكْرَاهِ عَلَى أَخْذِ الْأَمْوَالِ بِالسِّيَاطِ الظَّاهِرَةِ وَبَيْن أَخْذِهِ بِالسِّيَاطِ الْبَاطِنَةِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَر إنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ أَنَّهُ سَلَّمَ الْبَائِعَ ثَمَنًا حَرَامًا فَسَلَّمَهُ الْمَبِيعَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْله وَلَا التَّصَرُّفُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ مَلَكَهُ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ وَهُوَ لَمْ يُسَلِّمْ الْمَبِيعَ إلَّا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي دَفَعَهُ لَهُ حَلَالٌ، وَكَذَا لَوْ أَظْهَرَ شَخْصٌ الْفَقْرَ وَأَخْفَى الْغَنَاءَ فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ فَقْرِهِ حُرِّمَ عَلَيْهِ أَخْذُهُ كَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَاسْتُدِلَّ لَهُ «بِأَنَّ فَقِيرًا مَاتَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ فَوُجِدَ مَعَهُ دِينَارٌ فَقَالَ كَيَّةٌ مِنْ نَارٍ وَمَاتَ آخَرَ مِنْهُمْ وَخَلَفَ دِينَارَيْنِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيَّتَانِ مِنْ نَارٍ» وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ النَّارَ لِأَنَّهُ أَخْفَى

الْغِنَاءَ وَأَظْهَرَ الْفَقْرَ وَقَعَدَ يَأْكُلُ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ. وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا لَوْ أَعْطَى مُكَاتَبٌ سَيِّدَهُ النُّجُومَ فَقَالَ اذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ فَقَدْ أَعْتَقْتُك ثُمَّ وَجَدَ النُّجُومَ أَوْ بَعْضَهَا زُيُوفًا فَإِنَّهُ يَرْتَدُّ الْعِتْقُ لِأَنَّ الْمَالِكَ لَمْ يَسْمَحْ بِعِتْقِهِ إلَّا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدَّرَاهِمَ سَلِيمَةٌ وَهَذَا نَظِير مَا إذَا أُوقِعَ الطَّلَاقُ عَلَى ظَنِّ وُقُوعِهِ لِفَتْوَى مِنْ مُقَلِّدٍ ثُمَّ بَانَ خَطَأُ الْمُفْتِي فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَفِي كُلِّ مَحَلٍّ أُعْطِيَ الْإِنْسَانُ فِيهِ شَيْء عَلَى قَصْدِ تَحْصِيلِ غَرَضٍ أَوْ عِوَضٍ فَلَمْ يَحْصُلْ فَإِنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ أَكْله فَعَلَى هَذَا إذَا خَطَبَ امْرَأَةً فَأَجَابُوهُ فَبَعَثَ شَيْئًا وَلَمْ يُصَرِّحْ بِكَوْنِهِ هَدِيَّةً وَقَصَدَ إبَاحَتَهُ عَلَى قَصْدِ أَنْ يُزَوِّجُوهُ فَإِذَا لَمْ يُزَوِّجُوهُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِمْ. وَمَنْ أَفْتَى بِالرُّجُوعِ مُطْلَقًا لَمْ يُصِبْ وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ مَا لَوْ أَهْدَى الْمَدِينُ لِدَائِنِهِ شَيْئًا وَصَرَّحَ بِالْهَدِيَّةِ فَلَا يُحْسَبُ مِنْ الدَّيْنِ فَإِنْ قَالَ قَصَدْت الْعِوَضِيَّةَ صَدَقَ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا فَلَهُ حُسْبَانُهُ مِنْ الدَّيْن نَظِيرَ مَا مَرَّ ثُمَّ قَالَ الرَّافِعِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَوْ بَعَثَ إلَى مَنْ لَا دَيْنَ لَهُ عَلَيْهِ شَيْئًا ثُمَّ قَالَ بَعَثْته بِعِوَضٍ وَأَنْكَرَ الْمَبْعُوثُ إلَيْهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَبْعُوثِ إلَيْهِ وَهَذَا الْفَرْعُ دَائِرٌ بَيْن مَسْأَلَةِ الصَّدَاقِ وَالْخِطْبَةِ فَالْفُرُوعُ حِينَئِذٍ ثَلَاثٌ. الْأَوَّلُ: أَنْ يَبْعَث لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ كَصَدَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ. الثَّانِي: أَنْ يَبْعَثَ لِمَنْ وَعَدَهُ بِوَعْدٍ بِنَاءً عَلَى أَنْ يُنْجِزَهُ لَهُ كَالْخِطْبَةِ وَكَمَنْ وَعَدَ إنْسَانًا بِأَنْ يَسْعَى لَهُ فِي تَحْصِيلِ شُغْلٍ أَوْ قَضَاءِ حَاجَةٍ فَفِيهِ مَا سَبَقَ الثَّالِثُ: أَنْ يُهْدِيَ لِمَنْ لَا وَعْدَ عِنْدُهُ وَلَا دَيْنَ فَلَا يَلْزَمُ الْمَبْعُوثَ إلَيْهِ غَرَامَةُ شَيْءٍ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي أَنَّك لَمْ تَشْتَرِطْ عَلَيَّ عِوَضًا مَعَ الرَّسُولِ وَأَمَّا إذَا قَالَ نَوَيْت أَخْذَ الْعِوَضِ فَلَا يَلْزَمُ الْمُهْدَى إلَيْهِ أَنْ يُثِيبَهُ وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي نِيَّتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبُ الْإِثَابَةُ كَمَا لَمْ تَجِبُ الْهَدِيَّةُ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى إتْلَافِ مَالِهِ وَلَيْسَ لَهُ هَا هُنَا قَرِينَةٌ تَنْزِلُ عَلَيْهَا دَعْوَى الْعِوَضِيَّةِ. وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ الدَّرَاهِمُ الَّتِي تُرْمَى فِي النُّقُوطِ فِي الْأَعْرَاسِ وَالْأَمْلَاكِ وَالْأَصَارِيفِ الَّتِي تُعْمَلُ لِلصَّبِيِّ عِنْد خَتْمِهِ الْقُرْآن وَغَيْرُ ذَلِكَ فَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ بِأَنَّهُمْ يَدْفَعُونَهَا عَلَى قَصْدِ الْمُكَافَأَةِ بِمِثْلِهَا حَتَّى أَنَّ بَعْضَهُمْ يَدَّعِي بِهَا وَيَطْلُبُهَا بَعْد الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ وَاَلَّتِي يَظْهَرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الرُّجُوعُ لِأَنَّ دَفْعَ الدَّرَاهِمِ لَهُمْ عَلَى صُورَةِ الْهِبَةِ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَعَلَى الْإِذْن فِي الْقَبْضِ فَهِيَ إمَّا هِبَةٌ فَاسِدَةٌ أَوْ قَرْضٌ فَاسِدٌ. فَعَلَى هَذَا إنْ دَفَعَهَا لِلْمَالِكِ رَجَعَ عَلَيْهِ وَإِنْ دَفَعَهَا لِنَحْوِ الْخَاتِنِ رَجَعَ عَلَيْهِ عِنْد قَصْدِ الْعِوَضِيَّةِ مَا لَمْ يَأْذَنْ صَاحِبُ الدَّعْوَةِ فِي الدَّفْعِ إلَيْهِ وَإِلَّا فَعَلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا وَوَجْهُ الرُّجُوعِ أَنَّهُ لَيْسَ هُنَا قَصْدُ تَصَدُّقٍ وَلَا إبَاحَةٍ بَلْ جَرَتْ الْعَادَةُ فِي ذَلِكَ بِالْمُكَافَأَةِ وَهِيَ إلَى الْقَرْضِ الْفَاسِدِ أَقْرَبُ وَإِلَى الْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ أَبْعَدُ لِقَصْدِ الْعِوَضِيَّةِ وَقَرِيبٌ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ إطْعَامُ الْمُضْطَرِّ إذَا وَصَلَ إلَى أَدْنَى رَمَقٍ وَكِسْوَةُ الْعَارِي وَإِطْعَامُ الْجَائِعِ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ فَيَرْجِعُ وَكَذَا إذَا دَادَى الْوَلِيُّ الصَّغِيرَ فَإِنَّهُ يُرْجَعُ عَلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْد إرَادَة الرُّجُوعِ لِعَوْدِ النَّفْعِ إلَيْهِ وَلَيْسَ مِمَّا سَبَقَ مَنْ أَهْدَى لِقَوْمٍ هَدِيَّةً عَلَى قَصْد التَّوَدُّدِ إلَيْهِمْ لِيُجِيبُوا خِطْبَتَهُ فَلَمْ يُجِيبُوهُ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِمْ لِعَدَمِ جَرَيَانِ السَّبَب وَهُوَ الْمُفَرِّطُ اهـ كَلَامُ ابْنِ الْعِمَادَ لَكِنْ مَعَ بَعْضِ زِيَادَةٍ وَإِصْلَاحٍ وَقَعَ ذَلِكَ فِي أَثْنَائِهِ وَأَطْلَقَ فِي مَنْظُومَتِهِ الرَّدَّ فَقَالَ وَخَاطِبٌ لِمَرْأَةٍ خَلِيَّهْ ... أَهْدَى لَهَا كِسْوَتَهَا الْوَفِيَّهْ وَآلَةُ الطَّبْخِ مَعَ الْقُلْقَاسِ ... كَمَا جَرَى مِنْ عَادَةِ الْأَكْيَاسِ إنْ رُدَّتْ الْخِطْبَةُ قَبْلَ الْوَصْلَةِ ... رُدَّ الَّذِي قَدْ قَبَضَتْ بِالْجُمْلَةِ قَبْل الْمَمَاتِ وَبَعْدَهُ فِيهِ نَظَر ... فِي مَوْتِهَا مِنْ قَبْلِ رَدٍّ لِي خَطَر إلْحَاقُهَا بِنَاكِحِ التَّفْوِيضِ ... إنْ قُرِّرَ الْمَهْرُ فَخُذْ قَرِيضِي وَاَلَّذِي يُتَّجَه أَنَّا حَيْثُ أَوْجَبْنَا لَهُ الرُّجُوعَ لَا فَرْقَ بَيْن مَوْتِهَا وَعَدَمِهِ ثُمَّ قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ مِنْ عَوْدِ الْهَدِيَّةِ إلَى مِلْكِ الْأَبِ حَتَّى تُجْعَلَ تَرِكَةً لَا يَبْعُدُ تَخْرِيجُهَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا خَتَنَ الْوَلِيُّ الطِّفْلَ فَأُهْدِيَتْ لَهُ هَدِيَّةٌ هَلْ تَكُونُ مِلْكًا لِلِابْنِ أَوْ مِلْكًا لِلْأَبِ. فَاَلَّذِي قَالَهُ

باب الوليمة

الْبَغَوِيّ إنَّهَا تَكُونُ مِلْكًا لِلِابْنِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاق وَنَقَلَهُ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ عَنْهُ إنَّهَا تَكُونُ مِلْكًا لِلْأَبِ لِأَنَّ النَّاسَ يَقْصِدُونَ بِذَلِكَ الْأَبَ دُون الِابْنِ فَعَلَى الْأَوَّلِ هُوَ كَمَا لَوْ أَصْدَقَ عَنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ شَيْئًا ثُمَّ طَلَّقَ الِابْنُ قَبْل الدُّخُولِ فَإِنَّهُ يُرْجِعُ الشَّطْرَ إلَى الِابْنِ لِأَنَّا نُقَدِّرُ دُخُولَهُ فِي مِلْكِهِ حَالَةَ الْإِصْدَاقِ فَكَذَلِكَ يُقَدَّرُ دُخُولُهُ فِي مِلْكِهِ حَالَةَ الْهَدِيَّةِ لِأَجْلِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَصْدَقَ عَنْ ابْنِهِ الْبَالِغِ أَوْ عَنْ أَجْنَبِيٍّ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ لِلْمُعْطِي، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابُ الْوَلِيمَةِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَا حَدُّ الْمَسَافَةِ الَّتِي تَجِبُ إجَابَة الدَّاعِي لِوَلِيمَةِ الْعُرْسِ مِنْهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّتِنَا ضَبَطَ الْمَسَافَةَ الَّتِي تَجِبُ الْإِجَابَةُ مِنْهَا إلَى وَلِيمَةِ الْعُرْسِ وَيُؤْخَذُ مِنْ مُتَفَرِّقَاتِ كَلَامِهِمْ احْتِمَالَانِ فِي ذَلِكَ أَحَدُهُمَا ضَبْطُ تِلْكَ الْمَسَافَةِ بِمَسَافَةِ الْعَدْوَى وَهِيَ الَّتِي يَرْجِعُ الْمُبَكِّرُ مِنْهَا لَيْلًا إلَى بَلَدِهِ قِيَاسًا عَلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ فِي تِلْكَ الْمَسَافَةِ وَهَذَا مِثْلُهُ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا حَقٌّ آدَمِيٌّ فَكَمَا وَجَبَ عَلَى غَيْرِ الْمَعْذُورِ قَطْعُ تِلْكَ الْمَسَافَةِ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا حَقٌّ آدَمِيٌّ فَلْيَجِبْ هُنَا إجَابَة الدَّاعِي إلَى الْوَلِيمَةِ مِنْ تِلْكَ الْمَسَافَةِ لِأَنَّ الْإِجَابَةَ وَاجِبَةٌ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمَدْعُوَّ لَوْ اعْتَذَرَ إلَى الدَّاعِي فَقَبِلَ عُذْرَهُ سَقَطَ الْوُجُوبُ فَسُقُوطُهُ بِإِسْقَاطِهِ صَرِيحٌ فِي تَمَحُّضِ الْحَقِّ لَهُ وَإِلَّا لَمْ يَسْقُطْ بِإِسْقَاطِهِ وَلَا يُنَافِيه قَوْلُ ابْنِ النَّحْوِيِّ لَمَّا حَكَى تَرَدُّدًا عَنْ الذَّخَائِرِ فِيمَا لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمَدْعُوِّ أَنَّ الدَّاعِيَ لَا يَتَأَذَّى بِامْتِنَاعِهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي الْمَنْعَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَنْعِ أَنَّ الِامْتِنَاعَ مَعَ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِمَا ذُكِرَ حَرَامٌ فَكَلَامُهُمْ فِي نَظَائِرِ ذَلِكَ يَرُدُّهُ فَقَدْ قَالُوا لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ إنْسَان أَنَّ صَدِيقَهُ يَرْضَى بِالْأَكْلِ مِنْ مَالِهِ جَازَ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ وَقَالُوا لَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْقَاضِي وُقُوعُ أَمْرٍ بِحُضُورِهِ جَازَ لَهُ الْحُكْمُ فِيهِ بِعِلْمِهِ فَإِذَا جَوَّزُوا الْأَكْلَ وَنَحْوَهُ وَالْقَضَاءَ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ فَأَوْلَى أَنْ يُجَوِّزُوا التَّخَلُّفَ عَنْ الدَّعْوَى عِنْد غَلَبَةِ الظَّنِّ بِأَنَّ الدَّاعِيَ لَا يَتَأَذَّى بِالتَّخَلُّفِ. وَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ أَعْنِي أَنَّ الضَّبْطَ بِمَسَافَةِ الْعَدْوَى فَهَلْ يَأْتِي هُنَا مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ الشَّاهِدَ لَوْ احْتَاجَ إلَى مَرْكُوبٍ لَمْ يَلْزَمْهُ السَّفَرُ لِلْأَدَاءِ إلَّا إنْ أُعْطِيَ أُجْرَةَ الْمَرْكُوبِ وَنَفَقَةَ الطَّرِيقِ وَلَوْ كَانَ يَتَخَلَّفُ بِالْأَدَاءِ عَنْ كَسْبِهِ الَّذِي مِنْهُ قُوتُهُ يَوْمًا بِيَوْمِ لَمْ يَلْزَمْهُ الذَّهَابُ لِلْأَدَاءِ إلَّا إنَّ أُعْطِيَ قَدْرَ كَسْبِهِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ أَوْ أُجْرَتَهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ أَوْ لَا يَأْتِي ذَلِكَ هُنَا لِاطِّرَادِ الْعَادَةِ بِهِ فِي الشُّهُودِ بِخِلَافِهِ فِي الْوَلِيمَةِ الَّذِي يُتَّجَهُ الثَّانِي عَلَى أَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنَّا وَإِنْ قُلْنَا بِهَذَا الِاحْتِمَالِ فَإِنَّمَا نُوجِبُ الذَّهَابَ إلَى مَسَافَةِ الْعَدْوَى عَلَى قَوِيٍّ يَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوبِ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ تَلْحَقُهُ فِي بَدَنِهِ أَوْ مَالِهِ إذْ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ فِي الْأَعْذَارِ الْمُسْقِطَةِ لِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ فِي الْوَلِيمَةِ أَنَّهَا تَسْقُطُ بِأَدْنَى مِمَّا ذَكَرْنَاهُ ثَانِيهمَا ضَبْطُ تِلْكَ الْمَسَافَةِ بِالْمَسَافَةِ الَّتِي تَلْزَمُ الْإِجَابَةُ إلَيْهَا فِي الْجُمُعَةِ فَفِي الْبَلَدِ تَجِبُ الْإِجَابَةُ مُطْلَقًا لَكِنْ بِالشَّرْطِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ قَرِيبًا وَهُوَ أَنْ لَا تَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ فِي بَدَنِهِ أَوْ مَالِهِ وَخَارِجِ الْبَلَدِ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ بِهَذَا الشَّرْطِ أَيْضًا وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ أَنَّ الْجُمُعَةَ فَرْضُ عَيْنٍ أَيْضًا فَإِذَا سَقَطَتْ عَلَى مَنْ لَا يَسْمَعُ النِّدَاءَ لِلْمَشَقَّةِ فَكَذَلِكَ سُقُوطُ وُجُوبِ الْإِجَابَة عَلَى مَنْ لَا يَسْمَعُ النِّدَاءَ وَهُوَ خَارِجَ الْبَلَدِ وَعَلَى هَذَا فَيُجَابُ عَمَّا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْإِجَابَةَ حَقُّ آدَمِيٍّ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهَا مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِأَنَّ تِلْكَ وَإِنْ كَانَتْ حَقَّ آدَمِيٍّ إلَّا أَنَّ الْعُرْفَ اطَّرَدَ فِيهِ بِالْمُسَامَحَةِ عِنْد وُجُودِ الْمَشَاقِّ لِأَنَّ الْإِخْلَال بِهِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ضَرَرٌ يَلْحَقُ الدَّاعِيَ فَكَثُرَتْ الْأَعْذَارُ فِيهِ بِخِلَافِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَإِنَّ الْإِخْلَال بِهِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ضَرَرٌ كَثِيرٌ يَلْحَقُ الْمَشْهُودَ لَهُ. فَلِذَا لَمْ تَكْثُرْ الْأَعْذَارُ فِيهِ كَثْرَتَهَا هُنَا فَاتَّضَحَ الْفَرْقُ بَيْن أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَالْإِجَابَةِ لِلْوَلِيمَةِ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا حَقَّ آدَمِيٍّ وَبِهَذَا اتَّجَهَ أَنَّ الِاحْتِمَالَ الثَّانِي أَقْرَبُ وَأَوْلَى بِالِاعْتِمَادِ بَلْ أَقْرَبُ مِنْهُ احْتِمَالٌ ثَالِثٌ وَهُوَ تَحْكِيمُ الْعُرْفِ الْمُطَّرِدِ عِنْد كُلِّ قَوْمٍ فِي نَاحِيَتِهِمْ فَإِذَا اعْتَادَ أَهْلُ نَاحِيَةٍ الدُّعَاءَ مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى فَأَقَلَّ وَاطَّرَدَ عُرْفُهُمْ بِالْإِجَابَةِ مِنْ ذَلِكَ وَأَنَّ تَرْكَ الْإِجَابَةِ يُوجِبُ كَسْرًا وَقَطِيعَةً لِلْمَدْعُوِّ

وَجَبَتْ الْإِجَابَةُ مِنْ تِلْكَ الْمَسَافَةِ عَلَى الْقَوِيِّ الَّذِي لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَشَقَّةٌ فِي بَدَنِهِ وَلَا مَاله وَإِنْ لَمْ يَعْتَادُوا ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ بَلْ لَوْ اعْتَادُوا عَدَمَ الدُّعَاءِ مِنْ خَارِجِ الْبَلَدِ وَإِنْ سَمِعَ الْخَارِجُونَ النِّدَاءَ لَمْ تَجِبُ الْإِجَابَةُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ التَّفَرُّجِ أَيَّامَ الزِّينَةِ هَلْ هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهَا لِحُرْمَتِهَا أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ حُرْمَةُ سَتْرِ الْجُدْرَانِ بِالْحَرِيرِ وَحِينَئِذٍ فَإِنْ فَعَلُوهُ أَيَّامَ الزِّينَةِ اخْتِيَارًا حُرِّمَ التَّفَرُّجُ وَالنَّظَرُ إلَيْهِ أَوْ إكْرَاهًا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْجَوَازُ حِينَئِذٍ لِإِبَاحَتِهِ فَلَيْسَ فِي التَّفَرُّجِ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ وَعَلَى الْحَالِ الْأَوَّلِ يُحْمَلُ إفْتَاءُ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَغَيْرِهِ بِحُرْمَةِ التَّفَرُّجِ وَالنَّظَرِ. (وَسُئِلَ) عَنْ قَرَاطِيسِ الْإِفْرِنْجِ هَلْ تَجُوزُ الْكِتَابَةُ فِيهَا أَوْ لَا لِمَا فِيهَا مِنْ صُوَرِ الْحَيَوَانَاتِ وَهَلْ يَجِبُ قَطْعُ مَحَلِّهَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَقْصٌ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَدْ سَبَرْتُ الْآنَ مِنْهَا جُمْلَةً فَلَمْ أَرَ فِيهَا صُورَةَ حَيَوَانٍ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ كَالْخَتْمِ فَعِنْد تَحَقُّقِ مَا فِيهَا غَيْر صُورَةٍ الْأَمْرُ وَاضِحٌ وَكَذَا عِنْد الشَّكِّ فِيهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ وَأَمَّا عِنْد تَحَقُّقِ أَنَّ مَا فِيهَا صُورَةٌ فَالْوَجْهُ الْحِلُّ أَيْضًا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ لِأَنَّهُمْ أَبَاحُوا اسْتِعْمَالَ مَا فِيهِ صُورَةٌ وَقَالُوا أَنَّهُ مُمْتَهَنٌ بِالِاسْتِعْمَالِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْكِتَابَةَ فِي الْوَرَقِ اسْتِعْمَالٌ لَهُ بَلْ لَا اسْتِعْمَالَ لَهُ غَيْرُهُ فَكَانَتْ الْكِتَابَةُ فِيهِ مَعَ وُجُودِ الصُّورَةِ جَائِزَةٌ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ امْتِهَانِهَا عَلَى أَنَّ جَمَاعَةً ذَكَرُوا جَوَازَ حَمْلِ الدَّنَانِيرِ الَّتِي تُجْلَبُ مِنْ أَرْضِهِمْ وَعَلَيْهَا صُورَةُ حَيَوَانٍ حَقِيقَةً يَقِينًا وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهَا كَانَتْ تُجْلَبُ مِنْ عِنْدِهِمْ فِي زَمَنِ السَّلَفِ أَيْضًا وَلَمْ يَنْهَوْا عَنْ حَمْلِهَا فِي الْعِمَامَةِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا النَّقْدِيَّةُ لَا تِلْكَ الصُّورَةُ وَلِتَعَذُّرِ إزَالَتِهَا أَوْ تَعَسُّرِهِ وَإِذَا جَازَ هَذَا فِي تِلْكَ الدَّنَانِيرِ فَجَوَازُ الْكِتَابَةِ فِي الْوَرَقِ الْإِفْرِنْجِيِّ أَوْلَى وَإِنْ تُحُقِّقَ أَنَّ فِيهِ صُورَةَ حَيَوَانٍ. (وَسُئِلَ) هَلْ الشِّبَعُ بِدْعَةٌ مَذْمُومَةٌ مُطْلَقًا أَمْ لَا وَمَا مَعْنَى خَبَرِ «مَا مَلَأ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ» وَخَبَرِ «الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ» ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الشِّبَعُ بِدْعَةٌ ظَهَرَتْ بَعْد الْقَرْنِ الْأَوَّلِ وَصَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَا مَلَأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ حَسْبُ ابْنِ آدَمَ لُقَيْمَاتٍ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ غَلَبَتْ الْآدَمِيَّ نَفْسُهُ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ» قَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَوْ سَمِعَ بُقْرَاط بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ لَعَجِبَ مِنْ هَذِهِ الْحِكْمَةِ وَقَالَ غَيْرُهُ إنَّمَا خَصَّ الثَّلَاثَةَ بِالذَّكَرِ لِأَنَّهَا أَسْبَابُ حَيَاةِ الْحَيَوَانِ وَلِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْبَطْنَ سِوَاهَا وَهَلْ الْمُرَادُ بِالثُّلُثِ فِي كُلٍّ الْحَقِيقَةُ أَوْ التَّقْسِيمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مُتَقَارِبَةٍ ظَاهِرُ الْخَبَرِ الْأَوَّل لَكِنَّ الثَّانِي أَظْهَرُ وَقَدْ صَحَّ «الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ أَيْ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالْقَصْرِ وَهُوَ الْمُصْرَان وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ» وَالْمُرَادُ بِالسَّبْعَةِ الْمُبَالَغَةُ فِي الْكَثْرَةِ أَيْ مِنْ شَأْنِ الْمُؤْمِنِ التَّقَلُّلُ مِنْ الْأَكْلِ لِاشْتِغَالِهِ بِالْعِبَادَةِ وَلِعِلْمِهِ بِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْأَكْلِ الْإِعَانَةُ عَلَيْهَا لَا غَيْرَ وَمِنْ شَأْنِ الْكَافِرِ التَّكَثُّرُ مِنْهُ لِغَفْلَتِهِ عَنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا عَبَّرْنَا بِمَا مِنْ شَأْنِهِ لِأَنَّ بَعْضَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ يُكْثِرُ وَبَعْضُ الْكُفَّارِ قَدْ يُقَلِّلُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مِنْ شَأْنِ الْمُؤْمِنِ الزَّهَادَةُ فِي الدُّنْيَا وَالِاقْتِنَاعُ بِالْبُلْغَةِ بِخِلَافِ الْكَافِرِ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَتَحَصَّنُ مِنْ الشَّيْطَانِ بِالْبَسْمَلَةِ فَلَا يُشْرِكُهُ الشَّيْطَانُ فَيَكْفِيه الْقَلِيلُ بِخِلَافِ الْكَافِرِ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ كَامِلُ الْإِيمَانِ لِأَنَّ كَمَالَهُ يَسْتَلْزِمُ إشْغَال الْفِكْرِ فِيمَا بَيْن يَدَيْهِ مِنْ الْمَوْتِ وَمَا بَعْده فَيَمْنَعُهُ ذَلِكَ مِنْ اسْتِرْسَالِ نَفْسِهِ فِي شَهَوَاتِهَا وَمِنْ ثَمَّ جَاءَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ كَثُرَ تَفَكُّرُهُ قَلَّ مَطْعَمُهُ وَمَنْ قَلَّ تَفَكُّرُهُ كَثُرَ مَطْعَمُهُ وَقَسَا قَلْبُهُ» وَقَالُوا لَا تَدْخُلُ الْحِكْمَةُ مِعْدَةً مُلِئَتْ طَعَامًا وَمَنْ قَلَّ طَعَامُهُ قَلَّ مَشْرَبُهُ وَخَفّ مَنَامه وَمَنْ خَفَّ مَنَامُهُ ظَهَرَتْ بَرَكَةُ عُمْرِهِ وَمَنْ امْتَلَأَ بَطْنُهُ كَثُرَ شُرْبُهُ فَيَثْقُلُ نَوْمُهُ فَتُمْحَقُ بَرَكَةُ عُمْرِهِ وَمَنْ اكْتَفَى بِدُونِ الشِّبَعِ حَسُنَ اغْتِذَاءُ بَدَنِهِ وَصَلُحَ حَالُ نَفْسِهِ وَقَلْبِهِ وَمَنْ امْتَلَأَ مِنْ الطَّعَامِ سَاءَ غِذَاءُ بَدَنه وَأَشِرَتْ نَفْسُهُ وَقَسَا قَلْبُهُ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ أَهْل الشِّبَعِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْجُوعِ فِي الْآخِرَةِ» وَفِي رِوَايَةٍ «إنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَطْوَلُهُمْ جُوعًا فِي الْآخِرَةِ» وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «لَمْ يَمْتَلِئ جَوْفُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَبَّعَا قَطُّ» أَيْ شَبَّعَا مَذْمُومًا وَهُوَ مَا يُثْقِلُ الْمَعِدَةَ وَيُثَبِّطُ صَاحِبَهُ عَنْ حَقِّ الْقِيَامِ

بِالْعِبَادَةِ وَيُفْضِي إلَى الْبَطَرِ وَالْأَشَرِ وَالنَّوْمِ وَالْكَسَلِ. وَقَدْ يُحَرَّمُ الشِّبَعَ إنْ أَضَرَّ أَوْ كَانَ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ وَلَمْ يَأْذَنْ فِيهِ أَوْ يَظُنُّ رِضَاهُ بِهِ وَأَمَّا الشِّبَعُ النِّسْبِيُّ الْمُعْتَادُ فِي الْجُمْلَةِ فَقَدْ وَقَعَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَا فِي مُسْلِمٍ مِنْ خُرُوجِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبَيْهِ مِنْ الْجُوعِ وَذَهَابِهِمْ إلَى بَيْتِ الْأَنْصَارِيِّ وَذَبْحِهِ الشَّاةَ وَتَقْدِيمِهَا مَعَ الرُّطَبِ وَفِيهِ فَلَمَّا أَنْ رَوَوْا وَشَبِعُوا قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ جَوَازُ الشِّبَعِ وَمَا جَاءَ فِي كَرَاهَتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ اهـ وَالْأَوْلَى عِنْدِي أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَوَّلِ مَرَاتِبِ الشِّبَعِ وَمِنْ شَأْنِ هَذَا أَنَّهُ لَا يُثْقِلُ وَلَا يُكَسِّل وَكَرَاهَتُهُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا يُثْقِل مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَإِلَّا حُرِّمَ كَمَا مَرَّ وَأَخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ مِنْ الدُّنْيَا وَلَمْ يَمْتَلِئْ بَطْنُهُ فِي يَوْمٍ مِنْ طَعَامَيْنِ كَانَ إذَا شَبِعَ مِنْ التَّمْرِ لَمْ يَشْبَعْ مِنْ الشَّعِيرِ وَإِذَا شَبِعَ مِنْ الشَّعِيرِ لَمْ يَشْبَعْ مِنْ التَّمْرِ» وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ دَائِمًا لَا يَجْمَعُ بَيْن نَوْعَيْنِ لِمَا صَحَّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكَلَ الرُّطَبَ بِالْقِثَّاءِ كَمَا بَيَّنْتُهُ مَعَ مَا يُنَاسِبُهُ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ وَرَوَى مُسْلِمٌ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَظَلُّ الْيَوْمَ يَلْتَوِي مَا يَجِدُ مِنْ الدَّقَلِ مَا يَمْلَأُ بَطْنه» (تَنْبِيه) عِنْد أَهْلِ التَّشْرِيحِ أَنَّ أَمْعَاءَ الْإِنْسَانِ سَبْعَةٌ الْمَعِدَةُ ثُمَّ ثَلَاثَةُ أَمْعَاءٍ بَعْدهَا مُتَّصِلَةٌ بِهَا الْبَوَّابُ ثُمَّ الصَّائِمُ ثُمَّ الرَّقِيقُ وَالثَّلَاثَةُ رِقَاقٌ ثُمَّ الْأَعْوَرُ وَالْقُولُونُ وَالْمُسْتَقِيمُ وَطَرَفُهُ الدُّبْرُ وَكُلُّهَا غِلَاظٌ وَقَدْ نَظَمَهَا الْحَافِظُ زَيْنَ الدِّينِ الْعِرَاقِيِّ فِي قَوْلِهِ سَبْعَةُ أَمْعَاءٍ لِكُلِّ آدَمِيٍّ ... مَعِدَةٌ بَوَّابُهَا مَعَ صَائِمٍ ثُمَّ الرَّقِيقُ أَعْوَرُ قُولُونُ مَعَ ... الْمُسْتَقِيمِ مَسْلَكِ الْمَطَاعِمِ. (وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ هَلْ جَوَازُ الْأَخْذ بِعِلْمِ الرِّضَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَمْ مَخْصُوصٌ بِطَعَامِ الضِّيَافَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ غَيْر مَخْصُوصٍ بِذَلِكَ وَصَرَّحُوا بِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ كَالْعِلْمِ فِي ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَمَتَى غَلَبَ ظَنُّهُ أَنَّ الْمَالِكَ يَسْمَحُ لَهُ بِأَخْذِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مَالِهِ جَازَ لَهُ أَخْذُهُ ثُمَّ إنْ بَانَ خِلَافُ ظَنّه لَزِمَهُ ضَمَانُهُ وَإِلَّا فَلَا. (وَسُئِلَ) عَمَّا اقْتَضَتْهُ عِبَارَةُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ مِنْ نَدْبِ غَسْلِ الْفَمِ قَبْل الطَّعَامِ هَلْ هُوَ صَحِيحُ وَمَا سَلَفُهُ نَقْلًا وَدَلِيلًا فَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهَا مِنْ مُفْرَدَاتِ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ عِبَارَتِهِ عَلَى أَنَّ بِهَا لَفًّا وَنَشْرًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ سَلَفُهُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ عِبَارَتِهِ قُدِّسَ سِرُّهُ أَنَّ غَسْلَ الْيَدِ قَبْل الْأَكْلِ أَدَبٌ وَغَسْلَ الْفَمِ بَعْده كَذَلِكَ وَلَا يُنَافِيهِ إيهَامُ أَنَّ غَسْلَهَا بَعْده لَيْسَ أَدَبًا لِلْعِلْمِ بِالسُّنِّيَّةِ وَاشْتِهَارِهَا مَعَ دَلِيلِهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الشَّيْخِ سَقَى اللَّهُ تَعَالَى عَهْدَهُ مِنْ نَدْبِ غَسْلِ الْفَمِ قَبْل الطَّعَامِ فِي كَلَامِ الْغَزَالِيِّ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ الشَّامِلِ لِمَا قَبْلُ وَمَا بَعْدُ مَا يُفْهِمُهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ مَعَهُ غَسْلَ فَمِهِ وَهُوَ فِقْهٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ حِكْمَةَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْل احْتِمَالِ مُبَاشَرَتِهِمَا لِأَذَى يُشَوِّشُ. وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْفَمِ عَلَى وَجْهٍ أَتَمَّ إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ تَغَيُّرَ الْفَمِ أَكْثَرُ وَأَسْرَعُ مِنْ تَغَيُّرِ الْيَدَيْنِ وَأَنَّ الْيَدَ يُبَاشِرُ بَعْضُهَا دَاخِلَهُ بِوَضْعِهَا اللُّقْمَةَ فِيهِ فَسُنَّ غَسْلُهُ لِتَطِيبَ النَّفْسُ بِوَضْعِ مُمَاسِّهِ فِي الطَّعَامِ بِخِلَافِ مَا إذَا غُسِلَتْ الْيَدُ دُون الْفَمِ فَإِنَّ النَّفْسَ مِنْ ثَانِي لُقْمَةٍ تَعَافُ عَوْدَ الْيَدِ لِلطَّعَامِ بَعْد مُمَاسَّتِهَا لِدَاخِلِ الْفَمِ الَّذِي تَقَرَّرَ كَثْرَةُ تَغَيُّرِهِ وَاسْتِقْذَارِهِ. فَاتَّضَحَ أَنَّ غَسَلَ الْفَمِ قَبْل الطَّعَامِ فِقْهٌ ظَاهِرٌ نَقْلًا وَدَلِيلًا إذْ بِفَرْضِ عَدَمِ ذِكْرِ أَحَدٍ لَهُ هُوَ مَقِيسٌ بِالْأَوْلَى عَلَى غَسْلِ الْيَدِ كَمَا تَقَرَّرَ وَالْمُنَازَعَةُ فِيهِ بَعْد ظُهُورِ ذَلِكَ وَتَوْضِيحُهُ مُكَابَرَةٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) هَلْ يُفَرَّقُ بَيْن الْمَاءِ وَاللَّبَنِ وَسَائِرِ الْمَشْرُوبَاتِ فِي الْعَبِّ وَالْمَصِّ وَمَا حِكْمَةُ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَمَّا الْمَاءُ فَالسُّنَّةُ فِيهِ الْمَصُّ وَأَنْ يَشْرَبَهُ فِي ثَلَاثَةِ أَنْفَاسٍ يُسَمِّي فِي أَوَّلِ كُلٍّ وَيَحْمَدُ آخِرَهُ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُدَرِّجَهَا بِأَنْ تَكُونَ الْأُولَى أَقَلَّ وَالثَّانِيَةُ أَكْثَرَ مِنْهَا ثُمَّ يَسْتَوْفِي حَاجَتَهُ فِي الثَّالِثَةِ وَحِكْمَتُهُ أَنَّ لِنِيَاطِ الْقَلْبِ مَوْضِعًا رَقِيقًا لَطِيفًا فَإِنْ جَاءَ الْمَاءُ دَفْعَةً وَاحِدَةً رُبَّمَا قَطَعَهُ فَمَاتَ صَاحِبُهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَأَيْضًا إذَا جَرَعَهُ جَرْعًا وَاسْتَوْفَى رَيَّهُ مِنْهُ نَفَسًا وَاحِدًا تَكَاثَرَ الْمَاءُ فِي مَوَارِدِ حَلْقِهِ وَأَثْقَل مَعِدَتَهُ وَرُوِيَ أَنَّ الْكُبَادَ أَيْ وَجَعُ الْكَبِدِ

مِنْ الْعَبْ وَأَمَّا شُرْبُ اللَّبَنِ فَالْأَوْلَى فِيهِ الْعَبُّ فِي نَفَسٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَهُ سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ وَيُسَمِّي فِي أَوَّلِهِ وَيَحْمَدُ فِي آخِرِهِ كَالطَّعَامِ وَأَمَّا غَيْرُهُمَا مِنْ الْأَشْرِبَةِ فَفِي الْمَدْخَلِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ بَيْن الْعَبِّ وَالْمَصِّ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي فِي الْمَاءِ تَأْتِي فِيهِ بِالْأَوْلَى فَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَق بِهِ فِي الْمَصِّ خَشْيَةَ الْمَحْذُورِ السَّابِقِ فِي الْمَاءِ وَإِنَّمَا خَرَجَ اللَّبَنُ عَنْ ذَلِكَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَهُ خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ فَيُؤْمَنُ فِيهِ الشَّرْقُ وَتَقْبَلُهُ الْمَعِدَةُ وَإِنْ كَثُرَ مِنْ غَيْرِ إيذَاءٍ يَحْصُلُ لَهَا مِنْهُ عِنْد تَرَادُفِهِ وَتَزَاحُمِهِ. (وَسُئِلَ) عَمَّا قِيلَ يُسَنُّ لِلْآكِلِ أَنْ يَجْهَرَ بِالتَّسْمِيَةِ وَيُسِرَّ بِالتَّحْمِيدِ مَا وَجْهُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّمَا سُنَّ لَهُ الْجَهْرُ بِالتَّسْمِيَةِ لِيُنَبِّهَ الْآكِلِينَ عَلَيْهَا وَعَلَى الْأَخْذِ فِي الْأَكْلِ بِخِلَافِ الْحَمْدِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِمْ مَنْ لَمْ يَكْتَفِ بَعْدُ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ عَلِمَ فَرَاغَهُمْ وَكِفَايَتَهُمْ يَنْبَغِي أَنْ يُسَنَّ لَهُ الْجَهْرُ لِيُنَبِّهَهُمْ عَلَيْهِ وَلَمَّا لَمْ يُوجَدُ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي الشُّرْبِ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْن الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ مَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا يُقْتَدَى بِهِ فَيُسَنُّ لَهُ الْجَهْرُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِيَعْلَمَ مَنْ عِنْدَهُ السُّنَّةَ. (وَسُئِلَ) عَنْ حِكْمَةِ كَرَاهَةِ الشُّرْبِ مِنْ ثُلْمَةِ الْكُوزِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قِيلَ حِكْمَتُهَا أَنَّهُ مَحِلُّ اجْتِمَاعِ الْوَسَخِ قِيلَ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَشْرَبَ مِنْ نَاحِيَةِ أُذُنِ الْكُوزِ لِمَا وَرَدَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَشْرَبُ مِنْهَا. (وَسُئِلَ) عَمَّا اُعْتِيدَ مِنْ قَوْلِ الْإِنْسَانِ لِمَنْ يَفْرُغُ مِنْ شُرْبِهِ: صِحَّةً أَوْ نَحْو ذَلِكَ هَلْ لَهُ أَصْلٌ أَوْ هُوَ بِدْعَةٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَنَّ لَهُ أَصْلًا وَيُحْتَجُّ لَهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُمِّ أَيْمَنَ لَمَّا أَنْ شَرِبَتْ بَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صِحَّةً يَا أُمّ أَيْمَنَ لَنْ تَلِجَ النَّارُ بَطْنَك» وَوَجْهُ الْقِيَاس أَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْد كَثِيرٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا طَهَارَةُ فَضَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ بَوْلَهُ شِفَاءٌ أَيُّ شِفَاءٍ فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ لِشَارِبَتِهِ فَلَا بِدْعَ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ قَوْلٌ مِثْلُهُ لِشَارِبِ الْمَاءِ لَا يُقَالُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَفْعَلُهُ عَلَى جِهَةِ التَّشْرِيعِ تَكَرُّرُ ذَلِكَ الْفِعْلِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ يَكْفِي صُدُورُ ذَلِكَ مِنْهُ كَذَلِكَ وَلَوْ مَرَّةً كَمَا هُوَ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ عَدَمَ النَّقْلِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُودِ وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ وَبِقَوْلِنَا أَنَّ بَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شِفَاءٌ أَيُّ شِفَاءٍ انْدَفَعَ مَا قِيلَ هَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَا يُشْرَبُ وَإِنَّمَا هُوَ الْبَوْلُ وَهُوَ إذَا شَرِبَ عَادَ بِالضَّرَرِ فَقَالَ صِحَّة لِيَنْفِيَ عَنْهَا مَا تَتَوَقَّعُهُ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ بَوْلِ غَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَضَمَّنَ ذَلِكَ دُعَاءً وَإِخْبَارًا بِخِلَافِ شُرْبِ الْمَاءِ اهـ. فَقَوْلُهُ لِيَنْفِيَ عَنْهَا مَا تَتَوَقَّعُهُ إلَخْ يُرَدُّ بِأَنَّهُ تَقَرَّرَ عِنْد أُمّ أَيْمَنَ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ شِفَاءٌ وَلَمْ تَقْصِدْ بِشُرْبِهِ إلَّا ذَلِكَ فَانْدَفَعَ جَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا حُجَّةَ فِيهِ لَا لِمَا ذَكَرَهُ هَذَا الْقَائِلُ بَلْ لِكَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ لَهَا ذَلِكَ إلَّا تَحْقِيقًا لِمَا قَصَدَتْهُ مِنْ شُرْبِهَا لِلْبَوْلِ فَإِنَّهَا إنَّمَا شَرِبَتْهُ لِلتَّدَاوِي وَطَلَبِ الشِّفَاءِ فَقَالَ لَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صِحَّة تَحْقِيقًا لِقَصْدِهَا وَإِجَابَةً لِمَا مَرَّ لَهَا وَإِخْبَارًا بِأَنَّ مَا قَصَدَتْهُ مِنْ الصِّحَّةِ قَدْ حَصَلَ وَتَحَقَّقَ وَهَذَا مَعْنَى ظَاهِر إرَادَته مِنْ اللَّفْظِ وَعِنْد ذَلِكَ لَا يَبْقَى فِي الْخَبَرِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ فِيهِ دَلِيلًا لِنَدْبِ ذَلِكَ عِنْد شُرْبِ الْمَاءِ نَعَمْ فِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لِنَدْبِهِ عِنْد شُرْبِ الدَّوَاءِ لِأَنَّهُ عَلَى طِبْقِ النَّصِّ فَلَا فَارِقَ بَيْنهمَا. (وَسُئِلَ) عَمَّا يَفْعَلُهُ الْأَعَاجِمُ وَمَنْ يُقْتَدَى بِهِمْ مِنْ الْقِيَامِ أَوْ الِانْحِنَاءِ أَوْ الْمُطَأْطَأَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ عِنْد شُرْبِ بَعْضِهِمْ هَلْ هُوَ بِدْعَةٌ؟ (فَأَجَابَ) نَعَمْ هُوَ بِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ لِأَنَّا نُهِينَا عَنْ التَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ. (وَسُئِلَ) عَنْ اتِّخَاذِ إنَاء لِأَكْلِهِ أَوْ شُرْبِهِ يَخْتَصُّ بِهِ هَلْ هُوَ بِدْعَةٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ هُوَ بِدْعَةٌ لِأَنَّهُ يُنْبِي عَنْ الْكِبْرِ وَالْخُيَلَاءِ وَخِلَافُ مَا عُرِفَ مِنْ طَرِيقَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «كُنْت أَشْرَبُ مِنْ الْإِنَاء فَيَأْخُذُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَشْرَبُ مِنْهُ فَيَضَعُ فَاهُ مَوْضِعَ فِي» وَرُوِيَ «سُؤْرُ الْمُؤْمِنِ شِفَاءٌ» وَوَرَدَ الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ بِشَهْوَةِ عِيَالِهِ قِيلَ وَهَذِهِ دَسِيسَةٌ دَسَّهَا الشَّيْطَانُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِيَتَوَفَّرَ لِلنِّسَاءِ مَا يَقْصِدْنَهُ كَثِيرًا مِنْ سِحْرِ الرِّجَالِ وَإِسْقَائِهِمْ مَا يُخْبِلُهُم أَوْ يُجَنِّنُهُمْ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ مَكَايِدِهِنَّ وَلَوْ كَانَ إنَاءُ شُرْبِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنه وَبَيْن عِيَاله لَمْ يَتَأَتَّ لَهُنَّ

ذَلِكَ. (وَسُئِلَ) عَمَّا اُعْتِيدَ أَنَّ الْآكِلَ أَوْ الْآكِلِينَ يَقُومُ عَلَى رُءُوسِهِمْ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ أَجْنَبِيٌّ أَوْ خَادِمٌ هَلْ هُوَ بِدْعَةٌ وَإِنْ اُضْطُرَّ لِذَلِكَ لِنَشِّ الذُّبَابِ أَوْ نَحْوِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هُوَ بِدْعَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ وَمِنْ الْكِبْرِ وَالْخُيَلَاءِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْتَاجَ لِذَلِكَ لِتَنْفِيرِ مُؤْذٍ كَذُبَابٍ وَلَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ فَلَا بَأْسَ بِالْقِيَامِ لِهَذَا الْعُذْرِ لِأَنَّهُ يَنْفِي التَّشَبُّهَ وَالْكِبْرَ الْمَذْكُورَيْنِ وَفِعْلُ الْمُضِيفِ لِنَحْوِ نَشِّ الذُّبَابِ بِنَفْسِهِ أَوْلَى لِأَنَّهُ إكْرَامٌ لِلضَّيْفِ وَكُلُّ إكْرَامٍ لَهُ يُسَنُّ لِلْمُضِيفِ فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ فَإِنْ تَعَسَّرَ عَلَيْهِ فَبِمَأْذُونِهِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ نَقَلَ أَنَّ الرَّغِيفَ لَا يُحْضَرُ بَيْن يَدَيْ آكِلِهِ حَتَّى يَخْدِمَ فِيهِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ عَالَمًا بِفَتْحِ اللَّامِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَقَلَ ذَلِكَ ابْنُ عَطِيَّةَ فِي تَفْسِيرِهِ وَمِنْ ثَمَّ يَنْبَغِي لِلْآكِلِ أَنْ يَسْتَشْعِرَ فِي نَفْسِهِ ذَلِكَ وَيَتَأَمَّلَ كَمْ مِنْ عَالَمٍ عُلْوِيّ وَسُفْلِيٍّ خَدَمَتْهُ فِيهِ لِيَعْلَمَ قَدْرَ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي إحْضَارِ هَذَا الرَّغِيفِ بَيْن يَدَيْهِ فَيَشْكُر اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُعْتَقِدًا عَجْزَهُ عَنْ حَقِّ شُكْرِهِ وَأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ نِعَمًا لَا تُحْصَى. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ يَأْكُلُ وَيُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي فَمِهِ ثُمَّ يَرُدُّهَا لِلطَّعَامِ هَلْ يُكْرَه لَهُ ذَلِكَ وَكَذَا لَعْقُ الْأَصَابِعِ قَبْل الْفَرَاغِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ كُلٌّ مِنْ الرَّدِّ وَاللَّعْقِ قَبْل الْفَرَاغِ خِلَافُ الْأَوْلَى أَوْ مَكْرُوهٌ لِأَنَّ الْيَدَ إذَا أَصَابَهَا شَيْءٌ مِنْ اللُّعَاب فَعَادَتْ إلَى الطَّعَامِ إمَّا يَعَافُهُ هُوَ أَوْ مَنْ يَرَاهُ فَيُشَوِّشُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ فَيُسَنُّ لَهُ غَسْلُ يَدِهِ حَيْثُ أَصَابَهَا شَيْءٌ مِنْ اللُّعَابِ قَبْل رَدِّهَا لِلطَّعَامِ وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا يُسَنُّ لِآكِلِ نَحْوِ التَّمْرِ أَنْ يُلْقِيَ نَوَاهُ عَلَى ظَهْرِ يَدِهِ ثُمَّ يُلْقِيَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ بَاطِنَ يَدِهِ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الْمَأْكُولِ رِيقُهُ. (وَسُئِلَ) عَنْ الْأَكْلِ بِالْمَلَاعِقِ هَلْ هُوَ بِدْعَةٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ إنْ أَصَابَهَا شَيْءٌ مِنْ لُعَابِهِ ثُمَّ رَدَّهَا لِلطَّعَامِ أَوْ إنْ كَانَ فِيهِ نَوْعُ تَكَبُّرٍ أَوْ تَشَبُّهٍ بِالْأَعَاجِمِ وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِقُبْحِهَا. (وَسُئِلَ) هَلْ يُسَنُّ فِي الْأَكْلِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوَّلًا ثُمَّ بَعْد ذَلِكَ يَأْكُلُ كَيْف تَيَسَّرَ كَمَا قِيلَ بِذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ذَكَرَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ أَنَّ الْبُدَاءَةَ فِي مَضْغِ أَوَّل لُقْمَةٍ بِنَاحِيَةِ الْيَمِينِ هِيَ السُّنَّةُ لِلْأَمْرِ بِالتَّيَامُنِ وَهُوَ عَامٌّ فِي الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ إلَّا مَا اُسْتُثْنِيَ وَبَعْد ذَلِكَ يَأْكُلُ كَيْف شَاءَ قَالَ وَقَدْ حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ شَابًّا دَخَلَ عَلَيْهِ فَقَدَّمَ لَهُ أَكْلًا فَأَكَلَ بِالْيَسَارِ فَقَالَ لَهُ مَنْ شَيْخُك قَالَ يَا سَيِّدِي نَاحِيَةُ الْيَمَنِ تَوْجَعُنِي فَقَالَ لَهُ كُلْ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْك وَعَمَّنْ رَبَّاك اهـ وَقِيَاسُ مَذْهَبِنَا ذَلِكَ إلْحَاقًا لَهُ بِنَحْوِ اللُّبْسِ وَالسِّوَاكِ فَإِنَّهُ يُسَنُّ التَّيَمُّنُ فِي ابْتِدَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا لَا يُقَالُ الْفَرْقُ بَيْنهمَا وَبَيْن الْأَكْلِ وَاضِحٌ بِأَنَّهُمَا مِنْ بَابِ الْإِكْرَامِ وَهُوَ يُسَنُّ فِيهِ التَّيَامُنُ بِخِلَافِ الْأَكْلِ فَإِنَّهُ لَا إكْرَامَ فِيهِ وَمَا لَا إكْرَامَ فِيهِ لَا يُسَنُّ فِيهِ التَّيَامُنُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لِأَنَّا نَقُولُ كَوْنُ الْأَكْلِ لَا إكْرَامَ فِيهِ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ مِنْ بَاب الْإِكْرَامِ لِأَنَّهُ وِقَايَةٌ لِلْبَدَنِ مِنْ الْأَذَى فَكَانَ كَاللُّبْسِ بَلْ أَوْلَى وَقَدْ صَرَّحُوا بِنَدْبِ التَّيَمُّنِ فِي الْكُحْلِ الَّذِي هُوَ غِذَاءُ الْعَيْنِ فَغِذَاءُ الْبَدَنِ كُلِّهِ أَوْلَى. (وَسُئِلَ) عَنْ التَّكَلُّفِ الْمَذْمُومِ مَا حَدُّهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَدُّهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَشَقَّةٌ عُرْفًا إمَّا بِأَنْ لَا يَتَيَسَّر لَهُ الشَّيْءُ إلَّا بِدَيْنٍ وَالدَّائِنُ مُتَكَرِّهٌ مِنْ اسْتِدَانَتِهِ أَوْ وَالْمَدِينُ يَعْسُرُ عَلَيْهِ أَنْ يَبْذُلَ وَجْهَهُ لِلدَّائِنِ حَتَّى يَقْتَرِضَ مِنْهُ أَوْ لَا يَكُونُ لَهُ جِهَةٌ ظَاهِرَةٌ يُوفِي مِنْهَا لِأَنَّ الِاسْتِدَانَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْأَخِيرَةِ حَرَامٌ أَوْ بِأَنْ لَا يَكُونَ دَيْنٌ وَلَكِنْ عَلَيْهِ مَصْرِفٌ أَهَمُّ بِطَرِيقِ النَّدْبِ فَيُقَدَّمُ ذَلِكَ عَلَى التَّكَلُّفِ أَمَّا الْأَهَمُّ بِطَرِيقِ الْوُجُوبِ فَيَحْرُمُ تَقْدِيمُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ وَلَوْ تَعَارَضَ التَّكَلُّفُ وَمَقْصِدٌ صَالِح بِأَنْ أَحَبَّ أَنْ يَظْهَرَ أَثَرُ النِّعْمَةِ عَلَيْهِ أَوْ جَاءَهُ مَنْ لَوْ لَمْ يَتَكَلَّفْ لَهُ لَحَصَلَ لَهُ مِنْهُ ضَرَرٌ وَلَوْ بِالْغِيبَةِ وَالذَّمِّ أَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ التَّكَلُّفِ إعَانَةٌ لِلنَّاسِ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِالْعِلْمِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَقَاصِدِ الْخَيْرِ فَمَا الَّذِي يُقَدَّمُ هَلْ يُتْرَكُ حَذَرًا مِنْ التَّكَلُّفِ أَوْ يُفْعَلُ وَلَوْ مَعَ التَّكَلُّفِ حِيَازَةً لِثَوَابِ ذَلِكَ الْمَقْصِدِ الصَّالِحِ هَذَا مِمَّا يَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِيهِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي الْآن أَنَّهُ حَيْثُ سَهُلَتْ عَلَيْهِ الِاسْتِدَانَةُ وَكَانَ لَهُ جِهَةٌ ظَاهِرَةٌ يُوفِي مِنْهَا أَوْ كَانَ مَعَهُ مَالٌ وَعَلَيْهِ مَصَارِفُ صَالِحَةٌ وَأَمْكَنَهُ جَعْلُ هَذَا الَّذِي نَحْنُ فِيهِ مِنْ جُمْلَتِهَا فَلَا بَأْسَ بِالتَّكَلُّفِ

باب القسم والنشوز

وَلَا ذَمَّ فِيهِ حِينَئِذٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ الظَّاهِرَةِ وَحَيْثُ انْتَفَى ذَلِكَ كُرِهَ التَّكَلُّفُ لِأَنَّهُ يَخْرُج غَالِبًا إلَى حَيِّزِ الرِّيَاءِ وَالْمُبَاهَاةِ وَالصَّالِحُونَ بُرَآءُ مِنْ ذَلِكَ. (وَسُئِلَ) عَنْ قَوْلِ الْأَنْوَارِ فِي الْوَلِيمَةِ الْعَاشِرُ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مُنْكَرٌ كَالْخَمْرِ وَالْمَلَاهِي وَالنِّسَاءِ عَلَى السُّقُوفِ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ حُضُورِ مَكَان بِهِ نِسَاءٌ يُشْرِفْنَ عَلَى الرِّجَالِ وَبِالْأَوْلَى إذَا كُنَّ فِي خِلَالِ الرِّجَالِ أَوْ بِجَانِبِهِمْ فَهَلْ هَذَا مُعْتَمَدٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ عِبَارَتُهُ الَّتِي اعْتَمَدَهَا جَمْعٌ أَنَّ وُجُودَ النِّسَاءِ بِمَحَلٍّ يَنْظُرْنَ الرِّجَالَ نَظَرًا مُحَرَّمًا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْإِجَابَةِ لِأَنَّهُ مُنْكَرٌ إذْ نَظَرُ الْأَجْنَبِيَّةِ لِلْأَجْنَبِيِّ حَرَامٌ وَأَمَّا تَحْرِيمُ الْحُضُورِ فَلَيْسَ فِيهَا تَصْرِيحٌ بِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مُقْتَضَى الْحُكْمِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ مُنْكَرٌ إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ حُرْمَةُ حُضُورِ الْمُنْكَرِ اخْتِيَارًا لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهِ وَلَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ شَرْطُ الْحُرْمَةِ أَنْ يُعْلَمَ تَعَمُّدُ نَظَرِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ لَهُ نَظَرًا مُحَرَّمًا وَعِلْمُ ذَلِكَ بَعِيدٌ إذْ مِنْ الْجَائِزِ أَنَّهُنَّ يَنْظُرْنَ نَظَرًا غَيْرَ مُحَرَّمٍ كَأَنْ يَقْصُرْنَ نَظَرَهُنَّ عَلَى غَيْرِ الْبَدَنِ مِنْ اللِّبَاسِ وَنَحْوِهِ أَوْ يُقَلِّدْنَ مَنْ يُجِيزُ ذَلِكَ وَكَمَا اُحْتُمِلَ فِي نَظَرِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - لِلْحَبَشَةِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ نَحْو ذَلِكَ فَكَذَلِكَ هُنَا فَإِنْ قُلْت لَوْ نَظَرْنَا لِذَلِكَ وَجَبَتْ الْإِجَابَةُ قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ حُرْمَةِ الْحُضُورِ وُجُوبُ الْإِجَابَةِ وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ حِينَئِذٍ لِأَنَّ اجْتِمَاعَ النِّسَاءِ وَنَظَرَهُنَّ إلَى الرِّجَالِ مَظِنَّةُ الْفِتْنَةِ وَالْفَسَادِ فَيُسَمَّى مُنْكَرًا وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ حِينَئِذٍ مِنْهُنَّ نَظَرٌ مُحَرَّمٌ فَإِنْ قُلْت قَدْ قَرَّرُوهُ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ خُرُوجِ النِّسَاءِ سَافِرَاتٍ وَعَلَى الرِّجَالِ غَضُّ الْبَصَرِ لَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ الْحُضُورُ وَإِنْ تَحَقَّقَ نَظَرٌ مُحَرَّمٌ إلَيْهِ قُلْت قَدْ قَيَّدْت ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ الْإِعَانَةُ عَلَى مُحَرَّمٍ وَالتَّمْكِينُ مِنْهُ اخْتِيَارًا مُحَرَّمَانِ بِمَا إذَا لَمْ تَعْلَمْ الْمَرْأَةُ أَنَّ أَجْنَبِيًّا يَنْظُرُ إلَيْهَا نَظَرًا مُحَرَّمًا وَإِلَّا حَرُمَ عَلَيْهَا بَقَاءُ كَشْفِ وَجْهِهَا أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُنْظَرُ إلَيْهِ لِأَنَّ قُدْرَتَهَا عَلَى سَتْرِهِ مِنْهُ يُصَيِّرُهَا إذَا لَمْ تَسْتُرْهُ مُعِينَةً لَهُ عَلَى مُحَرَّمٍ وَمُمَكِّنَةً لَهُ مِنْهُ. وَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْحَلَالِ تَمْكِين الْحَلِيلِ الْمُحَرَّم مِنْ الْجِمَاعِ وَنَحْوِهِ وَصَرَّحَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ بِحَضْرَةِ مَنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَيْهَا نَظَرًا مُحَرَّمًا خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ فِي ذَلِكَ زَاعِمًا أَنَّ النَّاظِرَ عَلَيْهِ غَضُّ الْبَصَرِ فَلَا يُكَلَّفُ الْمَنْظُورُ التَّحَفُّظَ مِنْهُ وَهَذَا خَيَالٌ بَاطِلٌ وَحَالٌ حَائِلٌ وَعِبَارَةُ شَرْحِي لِلْإِرْشَادِ عَطْفًا عَلَى الْأَعْذَارِ أَوْ كَانَ ثَمَّ زِحَامٌ يُؤْذِي خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ أَوْ نِسَاءٌ بِنَحْوِ أَسْطِحَةِ الدَّارِ أَوْ مَرَافِقِهَا يَنْظُرْنَ لِلرِّجَالِ أَوْ يَخْتَلِطْنَ بِهِمْ. (وَسُئِلَ) هَلْ يَحْرُمُ حُضُورُ الْمُنْكَرِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ أَوْ لَا كَمَا قَالَ النَّاشِرِيّ أَنَّهُ الْمَنْقُولُ وَجَرَى عَلَيْهِ الْأَصْفُونِيُّ وَغَيْرُهُ فِي النَّبِيذِ وَغَيْرِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ يَجِبُ إزَالَةُ الْمُنْكَرِ إنْ أُجْمِعَ عَلَيْهِ أَوْ كَانَ الْفَاعِلُ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ بِخِلَافِ مَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَأَنْ رَأَى شَافِعِيٌّ حَنَفِيًّا جَالِسًا عَلَى حَرِيرٍ أَوْ شَارِبًا لِنَبِيذٍ وَحِينَئِذٍ لَا يَحْرُمُ الْحُضُورُ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الشَّافِعِيِّ إنْكَار ذَلِكَ عَلَى الْحَنَفِيِّ بَلْ لَا يَجُوزُ لَهُ إلَّا إنْ أَرْشَدَهُ بِلُطْفٍ إلَى رِعَايَةِ الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَإِذَا لَمْ يَجِبُ الْإِنْكَار لَمْ يَحْرُمْ الْحُضُورُ إذْ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ الْإِنْكَار جَوَازُ التَّقْرِيرِ عَلَيْهِ بِحُضُورِهِ عِنْدَهُ أَوْ بِغَيْرِهِ فَإِنْ قُلْت كَيْف يُقِرُّهُ عَلَى شُرْبِ النَّبِيذِ وَهُوَ لَوْ رُفِعَ لِشَافِعِيٍّ حَدَّهُ عَلَيْهِ قُلْت حَدُّ الشَّافِعِيِّ لَهُ عَلَيْهِ لَيْسَ لِكَوْنِ الْحَنَفِيِّ ارْتَكَبَ مُحَرَّمًا فِي اعْتِقَادِ نَفْسِهِ وَلِذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَحُدُّهُ وَأَقْبَلُ شَهَادَتَهُ وَإِنَّمَا هُوَ لِضَعْفِ دَلِيلِهِ وَلِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْقَاضِي بِعَقِيدَتِهِ لَا بِعَقِيدَةِ الْمُتَرَافِعِينَ إلَيْهِ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ هِيَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهَا وَفِي شَرْحِي لِلْإِرْشَادِ وَلَوْ حَضَرَ الْمُنْكَرَ جَاهِلًا بِهِ نَهَى مُرْتَكِبَهُ مَا لَمْ يَعْتَقِدُوا حِلَّهُ كَحَنَفِيَّةٍ يَشْرَبُونَ نَبِيذًا خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ وَلَا يَشْكُل عَلَيْهِ حَدُّ الْحَنَفِيِّ بِشُرْبِ النَّبِيذِ لِمَا يَأْتِي فِي الْأَشْرِبَةِ اهـ. وَهُوَ مُوَافِقٌ لَمَا قَدَّمْته، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْقَسْمِ وَالنُّشُوزِ] (وَسُئِلَ) فِيمَا إذَا نَشَزَتْ الْمَرْأَةُ إلَى بَيْتِ أَهْلِهَا وَامْتَنَعَتْ مِنْ الرُّجُوعِ إلَّا أَنْ يُعْطِيَهَا شَيْئًا مَعْلُومًا فَأَعْطَاهَا هَلْ تَمْلِكُهُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُهُ لِأَنَّهَا أَخَذَتْهُ عَلَى وَجْهِ الْعُدْوَانِ وَالظُّلْمِ فَهُوَ كَالرِّشْوَةِ إذَا أَخَذَهَا

باب الخلع

الْقَاضِي وَكَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَجَائِزَةِ الشَّاعِرِ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ لَا يَمْلِكُونَ مَا أُعْطُوهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُعْطَوْهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ بِوَجْهٍ جَائِزٍ نَعَمْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إنْ نَوَى الزَّوْجُ الْإِهْدَاءَ إلَيْهَا مُبَالَغَةً فِي تَطْيِيبِ خَاطِرِهَا لِأَجْلِ رَدِّهَا إلَى مَنْزِلِ طَاعَتِهِ مَلَكَتْهُ وَإِنْ كَانَتْ عَاصِيَةً لِأَنَّهُ لَمْ يُعْطِهَا حِينَئِذٍ فِي مُقَابَلَةِ الْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ بَلْ تَجَاوَزَهُ عَنْهَا فِيمَا عَصَتْ بِهِ وَقَصَدَ تَطْيِيبَ خَاطِرِهَا بِبَذْلِ شَيْءٍ مِنْ عِنْدِهِ هَدِيَّةً لَهَا فَتَمْلِكهُ حِينَئِذٍ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ أَنَّهَا لَا تَعُودُ إلَيْهِ إلَّا بِمَالٍ وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ رَدُّهَا بِغَيْرِ مَالٍ فَحِينَئِذٍ قَصْدُهُ الْهَدِيَّةَ لَا يَرْفَعُ كَوْنَهَا وَقَعَتْ فِي مُقَابَلَةِ الْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ وَعِنْد وُقُوعِهَا فِي مُقَابَلَتِهِ يَبْعُدُ أَنْ تَمْلِكَهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَقَدْ أَسْقَطَهُ بِقَصْدِهِ الْإِهْدَاءَ إلَيْهَا مَعَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهَا فِي مُقَابَلَةِ الْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ فَتَمْلِكُهُ حِينَئِذٍ فِيمَا يَظْهَرُ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَلَدٍ صَحِيحٍ وَأَرَادَ نَقْلَهَا إلَى بَلَدٍ وَبِيئَةٍ فَهَلْ لَهَا الِامْتِنَاعُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَيْسَ لَهَا الِامْتِنَاعُ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ لِأَنَّ الْغَالِبَ السَّلَامَةُ فَهُوَ كَرُكُوبِ الْبَحْرِ إذَا غَلَبَتْ السَّلَامَةُ فِيهِ وَإِفْتَاءُ بَعْضِ أَهْلِ الْيَمَنِ بِأَنَّ لَهَا الِامْتِنَاعُ بَعِيدًا وَأَبْعَدُ مِنْهُ تَأْيِيدُهُ بِأَنَّ الْوَبِيَّةَ شَبِيهَةٌ بِبَلَدِ الطَّاعُونِ وَقَدْ نَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الدُّخُولِ إلَيْهَا اهـ وَهُوَ فَاسِدٌ إذْ الْأَرْضُ الْوَبِيَّةُ يَجُوزُ الدُّخُولُ إلَيْهَا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا حَكَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ بِخِلَافِ أَرْضِ الطَّاعُونِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ الدُّخُولُ إلَيْهَا عِنْدَنَا فَلَا جَامِعَ بَيْنهمَا نَعَمْ لَوْ حُمِلَ إفْتَاءُ الْقَائِلِينَ بِالِامْتِنَاعِ عَلَى الْأَرْضِ الَّتِي بِهَا الطَّاعُونُ لَكَانَ وَجِيهًا لِحُرْمَةِ الدُّخُولِ إلَيْهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْخُلْعِ] (وَسُئِلَ) فِيمَنْ لَهُ زَوْجَةٌ غَائِبَةٌ عَنْهُ فَقَالَ مَتَى أَبْرَأَتْنِي زَوْجَتِي فُلَانَةُ مِنْ مَهْرِهَا وَهُوَ كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ اتِّفَاقًا أَوْ عِنْد ظُهُورِ آيَةٍ كَكُسُوفٍ وَنَحْوِهِ طَلَبًا لِثَوَابِ الْآخِرَةِ أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهَا رَسُولًا لَيُعْلِمَهَا تَعْلِيقَهُ بِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ فَأَتَى الرَّسُولُ فَقَالَ أَبِرِئْيِ زَوْجَك فُلَانًا مِنْ مَهْرِك وَلَمْ يُعْلِمْهَا بِتَعْلِيقِهِ وَلَمْ تَعْلَمْهُ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْهُ عَالِمَةً مِقْدَارَهُ فَهَلْ تَطْلُقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا أَوْ يُفَصَّلُ وَهَلْ التَّعْلِيقُ بِالْقَوْلِ كَالتَّعْلِيقِ بِالْفِعْلِ حَتَّى لَا تَطْلُقُ إلَّا مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّعْلِيقِ وَالذِّكْرِ عَلَى مَا فَصَّلُوهُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابَيْ الْبَيْعِ وَالْخُلْعِ صِحَّةُ الْإِبْرَاء وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ بَائِنًا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ عَلَّقَ عَلَى الْإِبْرَاءِ مِنْ الْمَهْرِ لَفْظًا أَوْ نِيَّةً لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ إلَّا إنْ بَرِئَ مِنْهُ وَهُوَ فِي مَسْأَلَتِنَا قَدْ بَرِئَ لِتَصْرِيحِ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرِهِ كَابْنِ الصَّبَّاغِ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِيمَنْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَوْتُهُ فِي التَّعْلِيقِ فَإِذَا بَرِئَ مَنْ يُظَنُّ أَنْ لَا دَيْنَ لَهُ لِدِينٍ قُدِّرَ فَبَانَ لَهُ صَحَّتْ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا قَالَهُ الْإِصْطَخْرِي يَبْرَأُ بَاطِنًا أَيْضًا وَخَالَفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَالَ بَعْضُهُمْ الْبَرَاءَةُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَفِي صُورَةِ السُّؤَالِ أَوْلَى وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهَا وُقُوعُ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِهَا بَائِنًا وَلَيْسَ التَّعْلِيقُ هُنَا كَهُوَ فِي نَحْوِ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ لِأَنَّ مَحَلَّ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِالتَّعْلِيقِ ثُمَّ إنْ قُصِدَ بِهِ الْمَنْعُ مِنْ الدُّخُولِ مَثَلًا فَيُشْتَرَطُ حِينَئِذٍ عِلْمُ الْمُعَلِّقِ بِفِعْلِهِ بِالتَّعْلِيقِ حَتَّى يَمْتَنِعَ لِأَجْلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ امْتِنَاعٌ لِأَجْلِهِ فَلِذَلِكَ اُشْتُرِطَ الْعِلْمُ بِالتَّعْلِيقِ وَأَمَّا فِي صُورَتِنَا فَالْمُعَلِّق بِالْبَرَاءَةِ رَاغِبٌ فِي حُصُولِهَا سَوَاءٌ أَعَلِمَ بِالتَّعْلِيقِ أَمْ لَا يَعْلَمُ فَلَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِالتَّعْلِيقِ هُنَا وَجْهٌ أَلَّا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ بِفِعْلٍ وَلَمْ يَقْصِدْ مَنْعَهَا مِنْهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِهِ عَلِمَ فَاعِلُهُ بِالتَّعْلِيقِ أَمْ لَا فَكَذَلِكَ فِي صُورَتِنَا بَلْ أَوْلَى. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ طَلَاقُك بِصِحَّةِ بَرَاءَتِك إلَّا شَاءَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ اللَّهُ قَدْ أَبْرَأك ثُمَّ بَعْد ذَلِكَ قَالَ لِجَمَاعَةٍ اشْهَدُوا عَلَيَّ أَنِّي قَدْ رَدَدْتهَا فِي عَقْدِ نِكَاحِي مِنْ نَهَارِهَا ظَانًّا أَنَّهَا طَلُقَتْ مِنْهُ فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَمْ لَا يَقَعُ وَهَلْ يُفِيدُهُ رَدُّهَا إلَى عَقْدِ نِكَاحِهِ إلَّا صَحَّ الطَّلَاقُ بِمَا قَالَهُ أَمْ لَا يُفِيدُ أَوْ لَا عِبْرَةَ بِمَا قَالَهُ لَهَا وَقَالَتْهُ لَهُ وَهِيَ بَاقِيَةٌ فِي الزَّوْجِيَّةِ أَفْتَوْنَا مَأْجُورِينَ نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى بِكُمْ الْمُسْلِمِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ آمِينَ

(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ إذَا قَالَتْ لَهُ اللَّهُ قَدْ أَبْرَأك فَقَالَ لَهَا طَلَاقُك بِصِحَّةِ بَرَاءَتِك فَإِنْ كَانَتْ هِيَ وَهُوَ عَالَمَيْنِ بِمَا أَبْرَأَتْ مِنْهُ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَإِذَا رَاجَعَهَا قَبْل انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا عَادَتْ إلَيْهِ وَقَوْلُهُ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ رَدَدْتهَا إلَى نِكَاحِي رَجْعَةً وَإِنْ كَانَتْ جَاهِلَةً بِمَا أَبْرَأَتْ مِنْهُ أَوْ لَمْ تَنْوِ الْبَرَاءَةَ مِنْ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ وَلَوْ قَالَ لَهَا مَرَّةً أُخْرَى طَلَاقُك بِصِحَّةِ بَرَاءَتِك فَقَالَتْ اللَّهُ قَدْ أَبْرَأَك فَإِنْ صَحَّ الْإِبْرَاء وَقَعَ عَلَيْهِ طَلْقَة ثَانِيَة وَإِلَّا فَلَا وَلَا نَظَرَ لِتَأَخُّرِ بَرَاءَتِهَا لِأَنَّ قَوْلَهُ الْمَذْكُورَ تَعْلِيقٌ وَهُوَ يَكُون عَلَى الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبِلِ وَهَذَا ظَاهِرٌ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ كَوْنَ الطَّلَاقِ الْمَذْكُورِ رَجْعِيًّا وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا إلَّا أَبْرَأْتِنِي مِنْ نِصْفِ صَدَاقِك الْبَاقِي فِي ذِمَّتِي بَعْد الطَّلَاقِ فَأَنْتِ طَالِقٌ هَلْ تَطْلُقُ إذَا أَبْرَأَتْ مِنْ النِّصْفِ الْمَذْكُورِ وَتَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْأَحْنَفُ وَالْأَصْبَحِيّ وَاعْتَمَدَهُ الْأَزْرَقِيّ وَبَعْضُ شُرَّاحِ الْوَسِيط وَكَلَام الشَّيْخَيْنِ فِي بَاب الصَّدَاقِ يَقْتَضِيه أَنَّ مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ قَبْل الدُّخُولِ إنْ أَبْرَأْتِنِي مِنْ صَدَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ لَمْ يَبْرَأْ وَلَمْ تَطْلُقْ أَوْ مِنْ نِصْفِ مَهْرِك الْبَاقِي بَعْد الطَّلَاقِ فِي ذِمَّتِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ طَلُقَتْ وَبَرِئَ وَإِنْ أَطْلَقَ ذِكْرَ النِّصْفِ فَأَبْرَأَتْهُ لَمْ يَبْرَأْ وَلَمْ تَطْلُقْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ قَالَ إلَّا أَبْرَأَتْنِي مِنْ الْمَهْرِ بِنْتُك أَوْ غَيْرُهَا فَأَنْتَ وَكِيلٌ فَطَلِّقْهَا أَهُوَ رَجْعِيٌّ كَمَا فِي النَّفَائِسِ لِلْأَزْرَقِيِّ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي فِي نَفَائِسِ الْأَزْرَقِيِّ هُوَ مَا لَفْظُهُ إذَا قَالَ إنْ أَبْرَأَتْنِي زَوْجَتِي مِنْ صَدَاقِهَا فَقَدْ وَكَّلْتُك فِي طَلَاقِهَا فَأَبْرَأَتْهُ فَطَلَّقَ الْوَكِيلُ هَلْ يَكُونُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا أَمْ بَائِنًا الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَكُون رَجْعِيًّا قَطْعًا. وَأَجَابَ الْفَقِيهُ أَحْمَدُ بْنُ حَسَنِ بْنِ أَبِي الْخَلِّ بِنَحْوِهِ وَيُسْتَدَلُّ بِأَنَّ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَى الْفَوْرَ وَعَلَى التَّرَاخِي اهـ. لَفْظُهُ وَقَالَ قُبَيْلَ ذَلِكَ لَوْ قَالَ إنْ أَبْرَأْتِنِي مِنْ صَدَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْهُ وَهِيَ تَعْلَمُهُ طَلُقَتْ بَائِنًا عَلَى الْأَصَحِّ وَقَوْلُهُ وَهِيَ تَعْلَمُهُ صَوَابُهُ وَهُمَا يَعْلَمَانِهِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْأُولَى مِنْ الْوُقُوعِ رَجْعِيًّا ظَاهِرٌ حُكْمًا لَا تَعْلِيلًا وَإِنَّمَا الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّلَ بِهِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ أَبِي زُرْعَةَ فِي نَظِيرِهِ أَنَّ طَلَاقَ الْوَكِيلِ لَهَا طَلَاقُ تَبَرُّعٍ لَيْسَ بِعِوَضٍ فَإِنَّهَا لَمَّا أَبْرَأَتْهُ الْبَرَاءَةَ الصَّحِيحَةَ لَمْ يَبْقَ فِي ذِمَّتِهِ شَيْءٌ وَلَوْ شَاءَ الْوَكِيلُ لَمْ يُطَلِّقْهَا فَلَمَّا طَلَّقَهَا كَانَ طَلَاقًا بِغَيْرِ عِوَضٍ فَلَا وَجْهَ لِكَوْنِهِ بَائِنًا إذْ لَا عِوَضَ حِينَئِذٍ يَقْتَضِي الْبَيْنُونَةَ لِأَنَّ شَرْطَهَا أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ مُعَلَّقًا عَلَى الْإِبْرَاءِ أَوْ يَقْتَرِنَ بِهِ إعْطَاءُ مَالٍ أَوْ تَمْلِيكٍ وَذَلِكَ كُلُّهُ مَفْقُودٌ هُنَا وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي. وَحَكَاهُ عَنْهُ الشَّيْخَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَوَاخِرَ الْخُلْعِ وَأَقَرَّاهُ بِأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ أَبْرَأْتُك مِنْ صَدَاقِي فَطَلِّقْنِي بَرِئَ الزَّوْجُ وَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُطَلَّقْ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ الْوُقُوعِ بَائِنًا هُوَ الْمُعْتَمَدُ لَكِنْ لَهُ شُرُوط أُخَرَ بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي فَتْوَى غَيْرِ هَذِهِ فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْن الصُّورَتَيْنِ قُلْت وَاضِحٌ مِمَّا قَرَّرْته فِي الْأُولَى فَإِنَّهُ فِي الثَّانِيَةِ عَلَّقَ الطَّلَاق عَلَى الْإِبْرَاءِ فَإِذَا أَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةً صَحِيحَةً وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي مُقَابَلَتِهَا فَكَانَ بَائِنًا بِخِلَافِهِ فِي الْأُولَى فَإِنَّهُ لَمْ يُعَلَّقْ الطَّلَاقُ بِالْإِبْرَاءِ وَإِنَّمَا الَّذِي عَلَّقَهُ بِهِ التَّوْكِيلُ فَإِذَا وَجَدَ الْإِبْرَاءَ مِنْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا الْوَكِيلُ كَانَ طَلَاقُهُ تَبَرُّعًا لَيْسَ فِي مُقَابَلَةِ إبْرَائِهَا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فِي مُقَابَلَته إلَّا إنْ صَحَّ بِصِحَّةِ الْإِبْرَاءِ وَفَسَدَ بِفَسَادِهِ وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ إلَّا إذَا عُلِّقَ الطَّلَاق عَلَيْهِ وَهُنَا الْإِبْرَاءُ صَحِيحٌ قَبْل أَنْ يُطَلِّقَ فَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالطَّلَاقِ لَا فِي الصِّحَّةِ وَلَا فِي الْفَسَادِ فَكَانَ طَلَاقُ تَبَرُّعٍ فَوَقَعَ بَائِنًا فَإِنْ قُلْت تَعْلِيقُ الْوَكَالَةِ بَاطِلٌ فَكَيْف صَحَّ طَلَاقُ الْوَكِيلِ حِينَئِذٍ قُلْتُ الْبَاطِلُ عِنْد فَسَادِ الْوَكَالَةِ إنَّمَا هُوَ خُصُوصُ التَّوْكِيلِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةَ الْمُسَمَّاةَ أَمَّا عُمُومُ الْإِذْنِ الَّذِي يَقْتَضِي نُفُوذَ تَصَرُّفِ الْوَكِيلِ فَهُوَ بَاقٍ وَإِنْ فَسَدَتْ الْوَكَالَةُ كَمَا صَرَّحُوا بِذَلِكَ فِي بَابِهَا وَلِوُضُوحِهِ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْأَزْرَقِيُّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى تَمَامِ الْبَرَاءَةِ فَقَالَتْ أَبْرَأْتُك مَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى تَمَامِ الْبَرَاءَةِ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا إنْ أَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةً صَحِيحَةً بِأَنْ تَعْلَمَ الزَّوْجَةُ وَالزَّوْجُ بِقَدْرِ مَا لَهَا عَلَيْهِ ثُمَّ تُبْرِئُهُ مِنْهُ وَهِيَ رَشِيدَةٌ وَلَمْ يَكُنْ

مَضَى عَلَيْهِ مِنْ السِّنِينَ مَا يَقْتَضِي تَعَلُّقَ الزَّكَاةِ بِهِ فَإِذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ طَلُقَتْ بَائِنًا وَإِلَّا لَمْ تَطْلُقْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ قَالَ أَبْرِئِينِي مِنْ مَهْرِك وَهُوَ مِائَةُ دِينَارٍ إلَى هَذِهِ الْعَشَرَة الدَّنَانِيرِ وَأُطَلِّقُك فَقَالَتْ أَبْرَأْتُك مِنْهُ إلَيْهَا فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ إلَّا أَبْرَأْتِنِي مِنْهُ إلَيْهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ أَبْرَأْتُك مِنْهُ إلَيْهَا مَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا قَالَ لَهَا أَبْرِئِينِي مِنْ مَهْرِك وَهُوَ الْمِائَةُ إلَى هَذِهِ الْعَشَرَةِ الدَّنَانِيرِ وَأُطَلِّقُك فَقَالَتْ أَبْرَأْتُك مِنْهُ إلَيْهَا فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ إلَى هَذِهِ الْعَشَرَةِ الدَّنَانِيرِ أَنَّ الْعَشَرَةَ عِوَضٌ مِنْهُ إلَيْهَا فِي مُقَابَلَةِ الْإِبْرَاء مِنْ الْمِائَةِ فَتَكُونُ إلَيَّ بِمَعْنَى عَلَيَّ صَحَّتْ بَرَاءَتُهَا وَلَزِمَهُ الْعِوَضُ وَهُوَ الْعَشَرَة فَقَدْ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ وَتَبِعَهُ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ بَذْلُ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِبْرَاءِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ بَعْد ذَلِكَ أَنْتِ طَالِق فَهُوَ يَقْتَضِي وُقُوعَ الطَّلَاقِ رَجْعِيًّا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعَلَّقٍ بِالْبَرَاءَةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَوْ لَا وَأُطَلِّقُك وَعْدٌ وَلَوْ سَكَتَ عَنْهُ فَلَمْ يَقُلْ أَنْتِ طَالِقٌ صَحَّ الْإِبْرَاء وَلَمْ يُؤْمَرْ بِالطَّلَاقِ وَأَمَّا إذَا قَالَ إنْ أَبْرَأْتِنِي مِنْهُ إلَيْهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْ الْمِائَةِ عَلَى الْعَشَرَة بَرَاءَة صَحِيحَة صَحَّ الْإِبْرَاء مِنْ الْمِائَة وَلَزِمَتْهُ الْعَشَرَة نَظِيرَ مَا مَرَّ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ هُنَا رَجْعِيًّا أَيْضًا بِخِلَافِهِ فِي إنْ أَبْرَأْتِنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّلَاقَ فِي هَذِهِ وَقَعَ فِي مُقَابَلَةِ الْإِبْرَاء فَكَانَ الْإِبْرَاء عِوَضًا عَنْهُ وَهَذِهِ هِيَ حَقِيقَةُ الْخُلْعِ الْمُقْتَضِي لِلْبَيْنُونَةِ فَوَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا بِخِلَافِهِ فِي إنْ أَبْرَأْتِنِي مِنْ مَهْرِك عَلَى عَشْرَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ عِوَضًا عَنْ الْبَرَاءَةِ إذْ عِوَضُهَا الْعَشَرَةُ وَإِذَا خَلَا الطَّلَاقُ عَنْ عِوَضٍ فِي مُقَابَلَتِهِ كَانَ رَجْعِيًّا لَا بَائِنًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَم. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ إلَّا أَعْطَيْتنِي عَلَى ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ وَهُوَ يَمْلِكُ الثَّلَاثَ أَلْفِ أَشْرَفِيّ تَوْزِيعًا لِلْمُسَمَّى عَلَى عَدَدِ الثَّلَاثَةِ الْمَسْئُولَةِ فِي مُقَابِلِ كُلٍّ مِنْ الْمَالِ الْمَذْكُورِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَعْطَتْهُ فَوْرًا خَمْسمِائَةِ أَشْرَفِيّ فَهَلْ تَطْلُقُ طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ وَهَلْ إذَا قَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَنِصْفًا فَمَا يَسْتَحِقُّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَقَعُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى شَيْءٌ لِأَنَّ الصِّفَةَ الَّتِي عَلَّقَ عَلَيْهَا وَهِيَ إعْطَاءُ الْأَلْفِ لَمْ تُوجَد نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِمَا قَالَهُ إيقَاعَ مَا يُقَابِلُ الْمُعْطَى لَوْ وُزِّعَتْ الْأَلْفُ عَلَى الثَّلَاثِ وَقَعَ بِالْخَمْسِمِائَةِ طَلْقَتَانِ وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فَيَقَعُ عَلَيْهِ طَلْقَتَانِ وَيَسْتَحِقُّ خَمْسَمِائَةٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) إذَا قَالَ خَلَعْتُك إلَى رَقَبَةِ أَبِيك مَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا قَالَ خَلَعْتُك إلَى رَقَبَةِ أَبِيك فَقَدْ أَتَى بِلَفْظٍ مُحْتَمَلٍ وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ أَبَاهَا يَلْتَزِمُ لَهُ مَالًا فِي مُقَابَلَةِ طَلَاقِهَا لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَلْتَزِمَ لَهُ فَوْرًا وَحِينَئِذٍ فَتَطْلُقُ بَائِنًا بِذَلِكَ الْمَالِ إنْ كَانَ مُعَيَّنًا وَإِلَّا فَبِمَهْرِ الْمِثْلِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ خَالَعَهَا خُلْعًا مُنَجَّزًا وَإِنَّهَا بَعْدُ تَصِيرُ فِي رَقَبَةِ أَبِيهَا أَيْ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهَا طَلُقَتْ بِقَوْلِهِ خَالَعْتُك إنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَيَكُونُ رَجْعِيًّا فَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ شَيْئًا وَلَمْ تَقْبَلْ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ وَأَمَّا إذَا أَضْمَرَ الْتِمَاسَ جَوَابِهَا فَقَبِلَتْ بَانَتْ وَلَزِمَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ هَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْمِنْهَاجِ وَأَصْلِهِ وَهُوَ طَرِيقَةُ الْأَكْثَرِينَ لَكِنَّ الْمُصَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ مَعَ عَدَمِ ذِكْرِ الْمَالِ كِنَايَةٌ مُطْلَقًا فَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ اللَّفْظِ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْ الْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ إلَّا بِالشَّرْطِ الَّذِي ذَكَرْته وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْعِصْمَةِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْمَوْقِعُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ هُنَا لِأَنَّ لَفْظَهُ مُحْتَمَلٌ كَمَا تَقَرَّرَ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْ احْتِمَالَيْهِ لَا يَقْتَضِي الْوُقُوعَ مُطْلَقًا بَلْ بِشَرْطٍ لَمْ يَتَحَقَّقْ وُجُودُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) فِي رَجُلٍ قَالَ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي إذَا أَعْطَيْتنِي كَذَا مَا تُمْسِي لِي زَوْجَةً فَهَلْ تَطْلُقُ بَائِنًا؟ (فَأَجَابَ) أَفْتَى الْفَتَى بِأَنَّهَا إذَا أَمْسَتْ لَهُ زَوْجَةً بِأَنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا قَبْل الْمَسَاءِ طَلُقَتْ بَائِنًا بِقَوْلِهِ يَلْزَمُنِي الطَّلَاقُ بَائِنًا لِخَشْيَةِ تَوَقُّعِ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَتِهِ لَكِنْ بِشَرْطِ الْفَوْرِيَّةِ فِي الْإِعْطَاءِ وَإِلَّا فَرَجْعِيًّا وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْل أَنْ تُمْسِي طَلُقَتْ بِالثَّانِي رَجْعِيًّا دُون يَلْزَمُنِي لِأَنَّهُ بَرَّ فِيهِ وَنَظَرَ بَعْضُ تَلَامِذَتِهِ فِيمَا قَالَهُ أَوَّلًا وَالنَّظَرُ وَاضِحٌ إذْ الطَّلَاقُ لَمْ يُجْعَلْ فِي مُقَابَلَتِهِ مَالٌ

أَلْبَتَّةَ فَالْأَوْجَهُ وُقُوعُهُ رَجْعِيًّا مُطْلَقًا. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) فِي رَجُل وَكَّلَ آخَرَ فِي طَلَاقِ زَوْجَتِهِ فَطَلَّقَهَا بَعْد أَنْ قَالَتْ بَذَلْت صَدَاقِي عَلَى صِحَّةِ طَلَاقِي فَهَلْ يَقَعُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَقَعُ رَجْعِيًّا لِأَنَّهُ أَتَى بِالْمَأْمُورِ فِيهِ مِنْ الطَّلَاقِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ فِي مُقَابَلَةِ مَالٍ حَتَّى يَكُونَ مُخَالِفًا لِمُوَكِّلِهِ وَمُفَوِّتًا لِغَرَضِهِ مِنْ بَقَاءِ الرَّجْعَةِ وَلَا يَبْرَأُ حِينَئِذٍ الزَّوْجُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ فِي مُقَابَلَةِ الْبَذْلِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) فِيمَا لَوْ قَالَتْ بَذَلْت صَدَاقِي عَلَى صِحَّةِ طَلَاقِي فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ فَهَلْ تَطْلُق بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا أَوْ لَا تَطْلُقُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَتِلْمِيذُهُ الرَّدَّادُ وَالطَّيِّبُ النَّاشِرِيّ بِأَنَّهَا لَا تَطْلُقُ وَقَالَ آخَرُونَ لَا تَطْلُقُ بَائِنًا وَقَالَ ابْنُ عُجَيْلٍ وَإِسْمَاعِيلُ الْحَضْرَمِيِّ نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِمَا إنْ أَرَادَ اسْتِئْنَافَ بَرَاءَةٍ لَمْ تَطْلُق وَإِلَّا طُلِقَتْ وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَإِذَا قُلْنَا تَطْلُقُ طَلُقَتْ بَائِنًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ قَالَ إلَّا أَبْرَأْتِنِي مِنْ صَدَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ أَنْتَ بَرِئَ عَلَى صِحَّةِ الطَّلَاقِ فَهَلْ تَطْلُقُ؟ (فَأَجَابَ) نَعَمْ تَطْلُقُ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عُجَيْلٍ لَكِنْ خَالَفَهُ الْكَمَالُ الرَّدَّادُ فَقَالَ لَا تَطْلُقُ وَالْأَوَّلُ أَوْجَه. (وَسُئِلَ) فِي رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَلَمْ يُعْطِهَا مُتْعَةً وَاجِبَةً ثُمَّ أَعَادَهَا ثُمَّ قَالَ إلَّا أَبْرَأْتِنِي مِنْ جَمِيعِ مَا تَسْتَحِقِّينَهُ عَلَيَّ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ أَنَّ لَهَا عَلَيْهِ مُتْعَةٌ فَهَلْ يَقَعُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهَا وَهِيَ الْبَرَاءَةُ مِنْ جَمِيعِ مَا لَهَا عَلَيْهِ لَمْ تُوجَدْ وَلَا نَظَرَ لِخُطُورِ ذَلِكَ بِبَالِهِ أَوْ لَا نَعَمْ إنْ أَرَادَ الْبَرَاءَةَ مِنْ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ دُون غَيْرِهِ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْهُ بَرَاءَةً صَحِيحَةً وَقَعَ بَائِنًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) فِيمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَبْرَأْتِنِي مِنْ مَهْرِك وَإِنْ لَمْ تُبْرِئِي فَهَلْ يَقَعُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يُتَّجَهُ فِي ذَلِكَ الْوُقُوعُ حَالًا لِأَنَّ مَدْلُولَهُ الْوُقُوعُ أَبْرَأَتْ أَوْ لَا لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ لَمْ تُبْرِئُ مُطْلَقًا فَإِنْ أَرَادَ التَّعْلِيقَ بِكُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ بِمَعْنَى أَنَّهُ مَتَى وُجِدَ أَحَدُهُمَا طَلُقَتْ قَبْلُ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلهُ فَإِنْ أَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةً صَحِيحَةً مَعَ عِلْمِهِمَا بِالْمُبَرَّإِ مِنْهُ طَلُقَتْ بَائِنًا وَإِنْ لَمْ تُبْرِئْهُ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ أَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةً فَاسِدَةً لَمْ تَطْلُقْ إلَّا عِنْد الْيَأْسِ قُبَيْلَ مَوْتِهَا وَلِلْفَتَى وَتِلْمِيذِهِ الرَّدَّادِ كَلَامٌ فِي ذَلِكَ يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْته، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) فِيمَا لَوْ شَهِدَ عَلَى امْرَأَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ رَآهَا مُسْفِرَةً فَهَلْ يُقْبَلُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لِلرُّويَانِيِّ فِيهِ احْتِمَالَانِ رَجَّحَ مِنْهُمَا عَدَمَ الْقَبُولِ لِأَنَّ الْغَالِبَ سَتْرُ وُجُوهِهِنَّ قَالَ بَعْضُهُمْ وَفِيهِ نَظَرٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (مَسْأَلَة سُئِلَتْ) عَمَّنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ خَالَعْتك بِمِائَةِ دِينَارٍ فَقَالَتْ قَبِلْت فَسَأَلَهَا الْمِائَةَ فَقَالَتْ مِمَّ هِيَ فَقِيلَ لَهَا إنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْك بِالْقَبُولِ فَقَالَتْ أَنَا لَمْ أَرْضَ بِبَذْلِ عِوَضٍ وَادَّعَتْ أَنَّهَا لَا تَعْرِفَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الْعِوَضُ بِهَذَا اللَّفْظِ مَا الْحُكْمُ (فَأَجَبْت) بِقَوْلِي الَّذِي يُتَّجَهُ فِي ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ نَظَائِرَ ذَكَرُوهَا أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مُخَالِطَةً لِأَهْلِ الْمُدُنِ وَالْقُرَى الَّذِينَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهَا دَعْوَاهَا الْمَذْكُورُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَتَلْزَمُهَا الْمِائَةُ وَإِنْ نَشَأَتْ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْعَارِفِينَ بِذَلِكَ قُبِلَتْ مِنْهَا هَذِهِ الدَّعْوَى فَلَا يَقَعُ طَلَاقٌ وَلَا يَلْزَمُهَا مَال ثُمَّ رَأَيْت ابْن عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ فِي قَوَاعِدِهِ لَوْ نَطَقَ الْعَرَبِيُّ بِكَلِمَاتٍ عَرَبِيَّةٍ لَكِنَّهُ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهَا فِي الشَّرْعِ لَا يُؤَاخَذُ بِشَيْءٍ إذْ لَا شُعُورَ لَهُ بِمَدْلُولِهِ حَتَّى يَقْصِدَ إلَى اللَّفْظِ. اهـ. وَرَأَيْت الزَّرْكَشِيّ نَظَرَ فِيهِ وَبِتَأَمُّلِ مَا قَرَّرَتْهُ مِنْ التَّفْصِيلِ يُعْلَمُ حَمْلُ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ عَلَى غَيْرِ الْمُخَالِطِ وَالزَّرْكَشِيِّ عَلَى الْمُخَالِطِ وَحِينَئِذٍ اتَّضَحَ مَا قَالَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا وَأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى فَإِنْ فُرِضَ أَنَّ الْأَوَّلَ قَائِلٌ بِإِطْلَاقِ الْقَبُولِ وَالثَّانِي قَائِلٌ بِإِطْلَاقِ عَدَمِهِ لَمْ يَكُنْ لِمَا قَالَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا وَجْهٌ بَلْ الصَّوَابُ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ الْمَأْخُوذِ مِنْ نَظَائِرِ ذَلِكَ فِي أَبْوَابٍ شَتَّى مَا ذَكَرْته فِي ذَلِكَ مِنْ التَّفْصِيلِ فَافْهَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَنْ اعْتَمَدَ إطْلَاقَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَالَ إنَّ تَنْظِيرَ الزَّرْكَشِيّ فِيهِ لَا مَعْنًى لَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ نَاشِئٌ عَنْ عَدَمِ التَّأَمُّلِ وَاسْتِحْضَارِ تِلْكَ النَّظَائِرِ الَّتِي أَشَرْت إلَيْهَا. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إلَّا خَرَجْت مِنْ بَيْتِي بِغَيْرِ إذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِذَا أَذِنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ

إلَى بَيْتٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ خَرَجَتْ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ هَلْ تَطْلُقُ أَمْ لَا وَإِذَا خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهِ بِلَا إذْن وَقُلْتُمْ تَطْلُقُ رَجْعِيَّةً فَإِذَا رَاجَعَهَا ثُمَّ أَذِنَ لَهَا بَعْدَ الْمُرَاجَعَةِ أَنْ تَخْرُجَ مَتَى شَاءَتْ هَلْ تَطْلُقُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ الْإِذْن فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) إذَا قَالَ إنْ خَرَجْت مِنْ بَيْتِي فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ بِالْخُرُوجِ وَإِنْ أَذِنَ لَهَا فَإِنْ قَالَ إنْ خَرَجْت مِنْ غَيْرِ إذْنِي فَخَرَجَتْ بِإِذْنِهِ لَمْ تَطْلُق وَإِنْ ذَهَبْت إلَى الْبَيْتِ الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ لَهَا فِيهِ وَإِنْ قَالَ إنْ خَرَجْت مِنْ غَيْرِ إذْنِي إلَى بَيْتِ فُلَانَةَ فَأَذِنَ لَهَا فِيهِ فَخَرَجَتْ إلَى غَيْرِهِ طَلُقَتْ وَإِذَا خَرَجَتْ بِلَا إذْنٍ وَطَلُقَتْ ثُمَّ رَاجَعَهَا فَخَرَجَتْ بِلَا إذْن أَيْضًا لَمْ تَطْلُقْ بِالْخُرُوجِ الثَّانِي لِأَنَّ الصِّفَةَ انْحَلَّتْ نَعَمْ إنْ قَالَ كُلَّمَا خَرَجْت بِغَيْرِ إذْنِي طَلُقَتْ بِالْخُرُوجِ الثَّانِي بِغَيْرِ إذْنِهِ طَلْقَةً ثَانِيَةً وَثَالِثًا طَلْقَةً ثَالِثَة وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِذْنِ لَهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ عَلَى أَنْ لَا يُسَافِرَ أَوْ لَا يَبِيعَ لَا بِنَفْسِهِ وَلَا بِوَكِيلِهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ ثُمَّ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ فِي الشَّهْرِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَفَعَلَهُ فَهَلْ تَطْلُقُ بِغُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ الْمَحْلُوفِ فِيهِ أَمْ لَا فَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى مَالٍ قَبْل انْفِسَاخِ الشَّهْرِ وَرَاجَعَهَا بِشُرُوطِهِ قَبْلَ انْفِسَاخِ الشَّهْرِ الْمَحْلُوفِ فِيهِ ثُمَّ سَافَرَ أَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ فِيهِ هَلْ تَبِينُ مِنْهُ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ لَا وَحَكَمَ شَافِعِيٌّ بِعَدَمِ الطَّلَاقِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ فِي حُكْمِهِ لِعَدَمِ عَوْدِ الصِّفَةِ فَهَلْ يَكْفِي ذَلِكَ أَمْ لَا بُدّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِهَا فِي حُكْمِهِ احْتِرَازًا مِمَّنْ يَرَى بِهَا أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا قَيَّدَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بِمُدَّةٍ كَمَا لَوْ حَلَفَ بِالثَّلَاثِ لَا بُدَّ أَنْ يَفْعَلَ كَذَا فِي هَذَا الشَّهْرِ ثُمَّ خَالَعَ قَبْل فَرَاغِهِ تَخَلَّصَ مِنْ الْحِنْثِ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَوَّلًا وَوَافَقَهُ بَعْضُ تَلَامِذَتِهِ وَنُظَرَائِهِ وَرَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيّ وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ الْحِنْثَ إنَّمَا يَحْصُلُ فِيمَا ذُكِرَ بِمُضِيِّ الزَّمَنِ الْمَجْعُولِ ظَرْفًا لِلْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ إذْ الْخُرُوج عَنْ عُهْدَةِ الْحَلِفِ مُمْكِنٌ لِإِمْكَانِ الْإِتْيَانِ بِالصِّفَةِ وَمَتَى كَانَتْ مُمْكِنَةً لَا يَسْتَنِد الْوُقُوعُ إلَى مَا قَبْل الْفِعْلِ لِإِمْكَانِهِ بَعْدَهُ بَلْ إلَى آخِرِ زَمَنٍ يَتَحَقَّقُ انْتِفَاؤُهُ فِيهِ وَحِينَئِذٍ فَالصِّفَةُ مَوْجُودَةٌ وَلَا نِكَاحَ فَلَا يَتَبَيَّنُ فَسَادُ الْخُلْعِ وَفَرَّقَ بَيْن هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ الرَّغِيفِ الْآتِيَةِ فَيَتَحَقَّقُ الْحِنْثُ فِيهَا فِي الزَّمَنِ الَّذِي يُؤَاخَذُ فِيهِ بِالْحِنْثِ وَاعْتَمَدَ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ فَتَلَخَّصَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي الْمَذْهَبِ الِانْتِفَاعُ بِالْخُلْعِ مُطْلَقًا حَتَّى لَا يَحْنَثَ. وَاسْتُشْهِدَ لَهُ بِإِفْتَاءِ التَّاجِ الْفَزَارِيِّ فِيمَنْ حَلَفَ بِالثَّلَاثِ أَنَّهُ لَا يُسَاكِنُ أَخَاهُ ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يُخَالِعُ وَلَا يُوَكِّلُ بِأَنَّ طَرِيقَهُ أَنْ يُخَالِعَ ثُمَّ لَا يَحْنَثُ لِحُصُولِ الْبَيْنُونَةِ بِالْخُلْعِ فَيَسْتَحِيلُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ وَيُوَافِقُهُ إفْتَاءُ الْجَلَالِ الْبُلْقِينِيُّ فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يُخَالِعُ بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَعْنِي بِسَبَبِ يَمِينِ الْخُلْعِ لِلْبَيْنُونَةِ بِهِ وَأَيَّدَ السُّبْكِيّ ذَلِكَ بِظَاهِرِ قَوْل الشَّيْخَيْنِ لَوْ قَالَ إلَّا لَمْ تَخْرُجِي هَذِهِ اللَّيْلَةَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَخَالَعَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ مِنْ اللَّيْلِ وَجَدَّدَ النِّكَاحَ وَلَمْ تَخْرُجْ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ اللَّيْلَ كُلَّهُ مَحَلُّ الْيَمِينِ فَلَمْ يَمْضِ وَهِيَ زَوْجَتُهُ وَقَوْلُهُمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ تُفَّاحَتَانِ فَقَالَ لِزَوْجَتِهِ إلَّا لَمْ تَأْكُلِي هَذِهِ التُّفَّاحَةَ الْيَوْمَ فَأَنْتِ طَالِقُ وَلِأَمَتِهِ إلَّا لَمْ تَأْكُلِي هَذِهِ الْأُخْرَى الْيَوْمَ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَاشْتَبَهَتَا تَخَلَّصَ بِخُلْعِهِمَا ذَلِكَ الْيَوْمَ ثُمَّ يُعِيدُهَا أَيْ وَلَوْ بَعْد التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَكْلِ وَبِبَيْعِ الْأَمَةِ كَذَلِكَ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا لَكِنَّ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَصَوَّبَهُ وَوَافَقَهُ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ وِفَاقًا لِشَيْخِنَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ تَعَالَى عَهْدَهُ أَنَّهُ لَا يَتَخَلَّصُ بِالْخُلْعِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى بَلْ يَنْظُرُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى انْقَضَى الشَّهْرُ بَانَ حِنْثُهُ قَبْل الْخُلْعِ وَبُطْلَانِ الْخُلْعِ وَيُؤَيِّدُهُ الْحِنْثُ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ فَتَلَف فِي الْغَدِ بَعْد التَّمَكُّنِ مِنْ أَكْلِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ أَوْ أَنَّهَا تُصَلِّي الْيَوْمَ الظُّهْرَ فَحَاضَتْ فِي وَقْتِهِ بَعْد تَمَكُّنِهَا مِنْ فِعْلِهِ وَلَمْ تُصَلِّ أَوْ لَتَشْرَبْنَ مِنْ مَاءِ هَذَا الْكُوزِ فَانْصَبَّ بَعْد إمْكَانِ شُرْبِهِ. وَنَظَائِرُ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِمْ كَثِيرَةٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَمَسْأَلَتَيْ الشَّيْخَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ يَتَّضِحُ بِمَا حَقَّقَهُ السُّبْكِيّ فَإِنَّهُ فَرَّقَ بَيْن إنْ لَمْ أَفْعَلْ وَلَأَفْعَلَنَّ فَإِنَّ الْأَوَّلَ تَعْلِيقٌ عَلَى الْعَدَمِ وَلَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْآخَرِ فَإِذَا صَادَفَهَا الْآخَرُ بَائِنًا لَمْ تَطْلُقْ كَمَا فِي فَرْعَيْ الشَّيْخَيْنِ إذْ لَيْسَ لِلْيَمِينِ فِيهِمَا كَنَظَائِرِهِمَا إلَّا جِهَةُ حِنْثٍ

فَإِذَا فَعَلَ لَا يُقَالُ بَرَّ بَلْ لَمْ يَحْنَثْ لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَأَمَّا لَأَفْعَلَنَّ كَمَا فِي صُورَتِنَا وَنَظَائِرِهَا فَالْفِعْلُ مَقْصُودٌ وَهُوَ إثْبَاتٌ جُزْئِيٌّ وَلَهُ جِهَةُ بِرٍّ وَهِيَ فِعْلُهُ وَجِهَةُ حِنْثٍ بِالسَّلْبِ الْكُلِّيِّ الَّذِي هُوَ نَقِيضُهُ وَالْحِنْثُ هُنَا قَضِيَّةُ الْيَمِينِ وَتَفْوِيتُ الْبِرِّ فَإِذَا الْتَزَمَهُ وَفَوَّتَهُ بِخُلْعٍ مِنْ جِهَتِهِ حَنِثَ لِتَفْوِيتِهِ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ وَعَلَيْهِ فَالصِّيَغُ أَرْبَعٌ اثْنَتَانِ يُفِيدُ فِيهِمَا الْخُلْعُ وَهُمَا الْحَلِفُ عَلَى النَّفْيِ كَلَا أَفْعَلُ كَذَا وَالْحَلِفُ عَلَى الْإِثْبَاتِ مُطْلَقًا بِمَا لَا إشْعَار لَهُ بِالزَّمَانِ مُطْلَقًا كَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا وَاثْنَتَانِ لَا يُفِيدُ فِيهِمَا الْخُلْعُ وَهُمَا الْحَلِفُ بِالْإِثْبَاتِ مُعَلَّقًا بِمَا يُشْعِرُ بِزَمَانٍ كَإِذَا لَمْ أَفْعَلْ كَذَا وَالْحَلِفِ بِلَأَفْعَلَنَّ وَنَحْوِهَا وَلَيْسَ قِيَاسُ هَذَا خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ أَنَّهُ إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ فِي مَسْأَلَةِ الرَّغِيفِ بِإِنْ لَمْ آكُلْ فَأَتْلَفَهُ أَوْ تَلِفَ فِي الْغَدِ بَعْد تَمَكُّنِهِ مِنْ أَكْلِهِ لَا يَحْنَثُ بَلْ الْمَنْقُولُ فِي نَظِيرِهِ الْحِنْثُ هُنَا أَيْضًا وَعَلَيْهِ فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْفَرْقِ كَمَا يُعْلَمُ بِتَأَمُّلِهِ وَأَمَّا تَوْجِيهُ الزَّرْكَشِيّ السَّابِقُ فَمَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْتِي فِي النَّظَائِرِ الْمُوَافِقَةِ لِمَا قُلْنَاهُ دُون الْمُخَالِفَةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا مَرَّ مِنْ الْفَرْقِ لِمَا رَجَّحَهُ وَالتَّأْيِيدُ بِمَا مَرَّ عَنْ الْفَزَارِيّ وَالْبُلْقِينِيِّ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا تَأْيِيدَ فِيهِ فَتَأَمَّلْهُ فَأَنَّهُ مُهِمٌّ وَبِمَا قَرَّرْته عُلِمَ الْجَوَابُ عَمَّا فِي السُّؤَالِ وَهُوَ أَنَّ الْخُلْعَ يَنْفَعُهُ قَبْل مُضِيِّ الشَّهْرِ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ الَّتِي فِي السُّؤَالِ فَإِذَا فَعَلَهُ ثُمَّ جَدَّدَ نِكَاحَهَا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ ثُمَّ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الثَّلَاثُ وَإِذَا جُدِّدَ النِّكَاحُ بَعْد الشَّهْرِ فَحَكَمَ لَهُ شَافِعِيٌّ بِصِحَّتِهِ أَوْ بِعَدَمِ الْحِنْثِ بِالثَّلَاثِ كَانَ ذَلِكَ مُتَضَمِّنًا لِلْحُكْمِ بِعَدَمِ عَوْدِ الصِّفَةِ فَيَمْتَنِعُ عَلَى الْمُخَالِفِ الْحُكْمُ بِعَوْدِهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمْ. (مَسْأَلَة) قَالَ لِزَوْجَتِهِ إلَّا أَبْرَأْتِنِي مِنْ صَدَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ وَهَبَتْهُ لَك أَوْ نَذَرْت بِهِ لَك وَلَوْ قَالَتْ لَهُ بَذَلْت لَك صَدَاقِي عَلَى طَلَاقِي فَقَالَ إلَّا صَحَّتْ بَرَاءَتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَوْ قَالَ لَهَا ابْرَئِينِي وَأَنَا أُطَلِّقُك فَقَالَتْ أَنْتَ الْبَرِيءُ فَقَالَ لَهَا أَنْتِ وَلِيَّةُ النِّسَاءِ بِنَفْسِك عَلَى تَمَامِ الْبَرَاءَةِ فَمَا حُكْمُ ذَلِكَ (فَأَجَبْت) بِقَوْلِي أَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ فَهُوَ إنْ أَرَادَ التَّعْلِيقَ عَلَى لَفْظِ الْإِبْرَاء لَمْ يَحْنَثْ بِقَوْلِهَا وَهَبْته أَوْ نَذَرْت بِهِ لَك وَإِنْ أَطْلَقَ حَنِثَ فِي وَهَبْته لَك كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُمْ هِبَةُ الدَّيْنِ الْمُسْتَقِرِّ لِلْمَدِينِ إبْرَاءٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى قَبُولٍ اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى وَأَمَّا فِي نَذَرْت بِهِ لَك فَيُحْتَمَلُ إلْحَاقُهُ بِوَهَبْتُهُ لَك فِيمَا ذُكِرَ نَظَرًا إلَى أَنَّهُمَا فِي الْمَعْنَى سَوَاءٌ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْإِبْرَاءِ خُلُوُّ الذِّمَّةِ عَنْ الدَّيْنِ وَهِبَتُهُ وَنَذْرُهُ مِثْلُ الْإِبْرَاء فِي ذَلِكَ لِخُلُوِّ الذِّمَّةِ بِكُلٍّ مِنْهُمَا عَنْهُ. وَأَيْضًا فَالْأَصَحُّ فِي الْإِبْرَاء أَنَّهُ تَمْلِيك الْمَدَّيْنِ مَا فِي ذِمَّتِهِ وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ فِيهِ شَائِبَةُ الْإِسْقَاطِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْهِبَة مُحَصِّلَةٌ لِذَلِكَ التَّمْلِيكِ وَكَذَلِكَ النَّذْرُ مُحَصِّلٌ لِلْمَقْصُودِ مِنْ ذَلِكَ التَّمْلِيكِ فَاسْتَوَتْ الثَّلَاثَةُ أَعْنِي الْإِبْرَاءَ وَالْهِبَةَ وَالنَّذْرَ فِي تَحْصِيلِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْمَقْصُودِ وَهُوَ خُلُوُّ الذِّمَّةِ عَنْ الدَّيْنِ وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بَيْن الْهِبَةِ وَالنَّذْرِ بِأَنَّ النَّذْرَ إنَّمَا يُسَمَّى الْتِزَامًا لَا تَمْلِيكًا بِخِلَافِ الْهِبَةِ فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ فَسَاوَتْ الْإِبْرَاء فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَمْلِيكٌ بِخِلَافِ النَّذْرِ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ الْأَوَّلُ وَلَا أَثَرَ لِهَذَا الْفَرْقِ لِمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الِالْتِزَامَ الَّذِي تَضَمَّنَهُ النَّذْرُ مُحَصِّلٌ لِلْمَقْصُودِ مِنْ التَّمْلِيكِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ كُلٌّ مِنْ الْإِبْرَاء وَالْهِبَة وَقَاعِدَةُ أَنَّ الْأُمُورَ بِمَقَاصِدِهَا وَأَنَّ الْمَعْنَى قَدْ يُرَجَّحُ عَلَى اللَّفْظِ إذَا قَوِيّ مَأْخَذُهُ يُرَجِّحَانِ مَا ذَكَرْته أَنَّ نَذْرَ الدَّيْنَ لِلْمَدِينِ وَإِنْ سُمِّيَ الْتِزَامًا إلَّا أَنَّ مَعْنَى التَّمْلِيكِ وَالْمَقْصُودِ مِنْهُ مَوْجُودَانِ بِتَمَامِهِمَا فِيهِ. فَكَانَ الْأَوْجَهُ إلْحَاقُ النَّذْرِ بِالْهِبَةِ كَمَا مَرَّ وَحَيْثُ قُلْنَا بِالطَّلَاقِ فِيمَا ذُكِرَ فَهُوَ بَائِنٌ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ قَبْل أَنْ يَتَخَلَّلَ كَلَامٌ كَثِيرٌ أَجْنَبِيٌّ وَأَنْ يَعْلَمَ كُلٌّ مِنْهُمَا قَدْرَ الصَّدَاقِ وَأَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ مُطْلَقَةُ التَّصَرُّفِ شَرْعًا وَأَنْ لَا يَكُونَ الصَّدَاقُ زَكَوِيًّا وَإِلَّا اُشْتُرِطَ أَنْ لَا يَمْضِيَ عَلَيْهِ حَوْلٌ وَقَدْ بَيَّنْت هَذِهِ الشُّرُوطَ وَمَا فِيهَا مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي اخْتِصَارِي الْمُحَرَّرِ مِنْ الْآرَاءِ فِي حُكْمِ الطَّلَاقِ بِالْإِبْرَاءِ ثُمَّ رَأَيْتنِي ذَكَرْت فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ مَا يُصَرِّحُ بِمَا ذَكَرْته فِي النَّذْرِ وَعِبَارَتِي فِيهِ قَالَ إنْ نَذَرْت لِي بِكَذَا أَوْ بِجَمِيعِ مَا تَسْتَحِقِّيهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَنَذَرَتْ لَهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ كَالتَّعْلِيقِ بِالْإِبْرَاءِ بِجَامِعِ تَضَمُّنِ كُلٍّ لِلْمُعَاوَضَةِ التَّقْدِيرِيَّةِ وَحِينَئِذٍ فَيُشْتَرَطُ فِي الْبَيْنُونَةِ صِحَّةُ النَّذْرِ وَعِلْمُهُمَا بِمَا نَذَرَ بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا اُشْتُرِطَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِبْرَاءِ لِمَا فِيهَا مِنْ

شَائِبَةِ الْمُعَاوَضَةِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذِهِ فِيهَا تِلْكَ الشَّائِبَةُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ لَا بُدَّ هُنَا مِنْ عِلْمِهِ قَطْعًا لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الْمُعَاوَضَةِ وَغَلِطَ مِنْ أَجْرَى الْقَوْلَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ عِلْمِ الْمَدِينِ هُنَا وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي فَهُوَ أَنَّهُ يَقَعُ فِيهَا الطَّلَاقُ وَعِبَارَتِي فِي الْمُخْتَصَرِ الْمَذْكُورِ إذَا قَالَتْ بَذَلْت صَدَاقِي عَلَى طَلَاقِي أَوْ بِطَلَاقِي فَطَلَّقَ بِهِ وَقَبِلَتْ بَانَتْ لِأَنَّهُ إنَّمَا طَلَّقَ بِعِوَضٍ ثُمَّ إنْ عَلِمَا قَدْرَ الْمَهْرِ وَوُجِدَتْ شُرُوطُهُ السَّابِقَةُ وَأَرَادَتْ بِبَذْلِهِ الْإِبْرَاء مِنْهُ بَرِئَ مِنْهُ وَإِلَّا لَمْ يَبْرَأْ وَلَزِمَهَا لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ هَذَا هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَاَلَّذِي فِي فَتَاوَى الْأَصْبَحِيِّ إذَا قَالَتْ بَذَلْت صَدَاقِي عَلَى طَلَاقِي فَطَلَّقَ وَقَعَ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا الزَّوْجُ. فَلَا فَرْقَ بَيْن أَنْ تَقُولَ بَذَلْت لَك أَوْ بَذَلْت وَفِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَذَلْتُ كَأَجَزْتُ ثُمَّ رَأَيْتنِي أَفْتَيْت فِيمَا لَوْ قَالَتْ بَذَلْت صَدَاقِي عَلَى صِحَّةِ طَلَاقِي فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ فَهَلْ تَطْلُقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا أَوْ لَا تَطْلُقُ فَقُلْت أَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَتِلْمِيذُهُ الرَّدَّادُ وَالطَّيِّبُ النَّاشِرِيّ بِأَنَّهَا لَا تَطْلُقُ وَقَالَ آخَرُونَ لَا تَطْلُقُ بَائِنًا وَقَالَ ابْنُ عُجَيْلٍ وَإِسْمَاعِيلُ الْحَضْرَمِيُّ نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِمَا إنْ أَرَادَ اسْتِئْنَافَ الْبَرَاءَةِ لَمْ تَطْلُقْ وَإِلَّا طَلُقَتْ وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَإِذَا قُلْنَا تَطْلُقُ فَهَلْ تَطْلُقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا فِيهَا التَّفْصِيلُ السَّابِقُ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الثَّالِثَةِ فَهُوَ أَنَّ الَّذِي يُتَّجَهُ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ وَلِيَّةُ نَفْسِك أَوْ وَلِيَّةُ النِّسَاءِ بِنَفْسِك أَنَّهُ كِنَايَةٌ فِي الطَّلَاقِ أَمَّا فِي الْأُولَى فَوَاضِحٌ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْأُولَى لِأَنَّهَا إذَا وَلِيَتْ النِّسَاءَ بِسَبَبِ اسْتِقْلَالِهَا بِنَفْسِهَا كَانَتْ وَلِيَّةُ نَفْسِهَا. وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مِنْ الْكِنَايَاتِ أَنْتِ وَشَأْنُك وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلًّا مِنْ ذَيْنِك أَبْلَغُ فِي الْإِشْعَارِ بِالِاسْتِقْلَالِ مِنْ هَذَا فَإِذَا نَوَى الطَّلَاقَ فَإِنْ نَوَى مَعَ ذَلِكَ تَعْلِيقَهُ عَلَى إبْرَائِهَا مِنْ الصَّدَاقِ وَجَعْلَهُ فِي مُقَابَلَتِهِ قُبِلَ مِنْهُ لِاحْتِمَالِهِ وَتَوَقَّفَ عَلَى جَوَابِهَا فَإِنْ أَجَابَتْهُ وَقَدْ كَانَتْ أَوَّلًا أَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةً صَحِيحَةً وَقَعَ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَإِنْ تُجِبْهُ لَمْ يَقَعْ وَإِنْ أَجَابَتْهُ وَلَمْ تَكُنْ أَوَّلًا أَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةً صَحِيحَةً فَإِنْ أَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةً صَحِيحَةً وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ أَرَادَ الطَّلَاقَ وَلَمْ يُرِدْ التَّعْلِيقَ الْمَذْكُورَ فَإِنْ كَانَتْ أَبْرَأَتْهُ أَوَّلًا بَرَاءَةً صَحِيحَةً وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا كَمَا بَيَّنَهُ الْوَلِيُّ أَبُو زُرْعَةَ فِي فَتَاوِيه فِي نَظِيرِ ذَلِكَ وَأَطَالَ فِيهِ وَمِنْ جُمْلَتِهِ قَوْلُهُ وَهُوَ لَوْ صُرِّحَ هُنَا بِالتَّعْلِيقِ عَلَى الْإِبْرَاءِ الْمُتَقَدِّمِ فَقَالَ عَلَّقْت طَلَاقَك عَلَى الْإِبْرَاءِ الصَّادِرِ مِنْك لَمْ يَكُنْ تَعْلِيقًا بَلْ تَنْجِيزًا مُعَلَّلًا بِالْإِبْرَاءِ الْمُتَقَدِّمِ إذْ كَيْف يَصِحّ التَّعْلِيقُ عَلَى الْمَاضِي وَفَارَقَ هَذَا مَا لَوْ خَالَعَهَا بِمَهْرِهَا بَعْد أَنْ أَبْرَأَتْهُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَقَعُ بَائِنًا جَزْمًا عِنْد الْجَهْلِ وَعَلَى خِلَافٍ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ ثَمَّ خَالَعَ عَلَى نَفْسِ الْمَهْرِ فَقَدْ طَلَّقَ بِعِوَضٍ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ثُبُوتُهُ لِبَرَاءَةِ ذِمَّته فَهُوَ كَخُلْعٍ فَاسِدٍ وَهُوَ مُقْتَضٍ لِلْبَيْنُونَةِ وَإِنْ عَلِمَا الْفَسَادُ وَهُنَا لَمْ يَجْعَلْ الْمَهْرَ عِوَضًا وَإِنَّمَا جَعَلَ الْبَرَاءَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ سَبَبًا لِلطَّلَاقِ وَذَلِكَ لَا يَجْعَلُهُ طَلَاقًا بِعِوَضٍ بَلْ هُوَ تَبَرُّعٌ حَمَلَهُ عَلَيْهِ تَقَدُّمُ إبْرَائِهَا. اهـ. وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَبْرَأَتْهُ أَوَّلًا بَرَاءَةً صَحِيحَةً لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ شَيْءٌ نَعَمْ إنْ قَصَدَ تَنْجِيزَ الطَّلَاقِ فِي مُقَابَلَةِ مَا صَدَرَ مِنْهَا وَقَعَ رَجْعِيًّا وَإِنْ فَسَدَ الْإِبْرَاء لِأَنَّهُ مُجَرَّدٌ لَمْ يُعَلِّق فَيَلْغُو قَوْله عَلَى تَمَام الْبَرَاءَة بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقْصِد تَعْلِيقًا وَلَا تَنْجِيزًا فَإِنَّ الظَّاهِر حَمْلُهُ عَلَى التَّعْلِيق فَلَا يَقَع شَيْء عِنْد عَدَم صِحَّة الْإِبْرَاء وَلَا سَبِيل لِلْوُقُوعِ هُنَا بَائِنًا بَعْد صُدُور إبْرَائِهَا صَحِيحًا إذَا لَا عِوَض حِينَئِذٍ تَحْقِيقِيّ وَلَا تَقْدِيرِيٍّ يَقْتَضِي الْبَيْنُونَةَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى تَمَامِ الْبَرَاءَةِ وَقَدْ كَانَتْ أَبْرَأَتْهُ قُبَيْلَ التَّعْلِيقِ مَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى الْأَصْبَحِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقُ عَلَى تَمَامِ الْبَرَاءَةِ مِثْلُ قَوْلِهِ إنْ أَبْرَأْتِنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَإِذَا كَانَ مِثْلَهُ فَيَأْتِي فِيهِ حُكْمُهُ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِمَنْ أَبْرَأَتْهُ فَإِنْ لَمْ تَتَلَفَّظْ بِالْبَرَاءَةِ فَلَا وُقُوعَ وَإِنْ تَلَفَّظَتْ بِهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ مُنْشَؤُهُمَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي التَّعْلِيقِ عَلَى الْبَرَاءَةِ بَرَاءَةٌ صَحِيحَةٌ أَمْ مُجَرَّدُ التَّلَفُّظِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا وُقُوعَ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَى الضَّعِيفِ يَقَعُ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ التَّعْلِيقَ عَلَى مُجَرَّدِ التَّلَفُّظِ بِالْبَرَاءَةِ وَإِلَّا وَقَعَ جَزْمًا وَوَقَعَ لِبَعْضِهِمْ أَنَّهُ أَفْتَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالْوُقُوعِ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ. (وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ قَالَتْ أَمَةٌ لِزَوْجِهَا سَيِّدِي أَذِنَ لِي أَنْ أَخْتَلِعَ

مِنْك بِصَدَاقِي فَخَالَعَهَا فَانْكَرْ السَّيِّدُ ذَلِكَ فَهَلْ تَبِينُ وَيَكُونُ الصَّدَاقُ فِي ذِمَّتِهَا أَوْ تَطْلُقُ رَجْعِيًّا أَوْ لَا تَطْلُقُ كَمَا أَنَّهَا غَرَّتْهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَيْثُ خَالَعَهَا عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ صَدَاقِهَا فَلَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ لِإِنْكَارِ سَيِّدِهَا الْإِذْن مِنْهُ لَهَا فِي ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إلَّا أَعْطَيْتنِي النَّخْلَةَ الْفُلَانِيَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ أَعْطَيْتُكهَا فَهَلْ يَمْلِكُهَا وَتَطْلُقُ بَائِنًا فَإِنْ قُلْتُمْ لَا فَمَا طَرِيقُ صِحَّةِ مِلْكِهِ لِتَطْلُقَ فَلَوْ نَذَرَتْ بِهَا لَهُ أَوْ وَهَبَتْهَا مِنْهُ فَقَبِلَ فَهَلْ تَطْلُقُ أَوْ لَا وَحَيْثُ مَلَكهَا فَبَانَتْ مُسْتَحِقَّةً مَا حُكْمُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابَيْ الْخُلْعِ وَالْقَبْضِ أَنَّهَا إذَا خَلَّتْ بَيْنه وَبَيْن النَّخْلَةِ التَّخْلِيَةَ الْمُعْتَبَرَةَ فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ بِنِيَّةِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ التَّعْلِيقِ مَلَكهَا وَوَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ نَزَّلُوا التَّخْلِيَةَ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ مَنْزِلَةَ الْأَخْذِ بِالْيَدِ فِي الْمَنْقُولِ وَقَالُوا هُنَا لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِإِعْطَاءِ شَيْءٍ فَوَضَعَتْهُ بَيْن يَدَيْهِ بِنِيَّةِ الدَّفْعِ عَنْ جِهَةِ التَّعْلِيقِ وَتَمَكَّنَ مِنْ قَبْضِهِ مَلَكَهُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ قَبْضِهِ لِأَنَّ تَمْكِينهَا إيَّاهُ مِنْ الْقَبْضِ إعْطَاءٌ مِنْهَا إذْ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ أَعْطَاهُ فَلَمْ يَأْخُذ وَهُوَ بِامْتِنَاعِهِ مُفَوِّتٌ لِحَقِّهِ وَإِنَّمَا مَلَكَ ذَلِكَ قَهْرًا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِشَيْءٍ وَلَمْ يَقْبِضْهُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ يَقْتَضِي وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِالْإِعْطَاءِ وَلَا يُمْكِنُ إيقَاعُهُ مَجَّانًا مَعَ قَصْدِ الْعِوَضِ وَقَدْ مَلَكَتْ زَوْجَتُهُ بُضْعَهَا فَيَمْلِكُ الْآخَرُ الْعِوَضَ عَنْ هَذَا. كَلَامُهُمْ وَهُوَ كَمَا تَرَى مُصَرِّحٌ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ بَيْن التَّعْلِيقِ بِإِعْطَاءِ مَنْقُولٍ أَوْ عَقَارٍ أَوْ شَجَرٍ وَأَنَّ قَوْلهمْ فَوَضَعَتْهُ بَيْن يَدَيْهِ إنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ تَصْوِيرٍ نَظَرًا إلَى أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْإِعْطَاءِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَنْقُولَاتِ غَالِبًا بِدَلِيلِ تَعْلِيلِهِمْ الَّذِي تَقَرَّرَ هُنَا فَإِنَّهُ جَارٍ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ أَيْضًا وَبِدَلِيلِ كَلَامِهِمْ فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ مِنْ إقَامَتِهِمْ التَّخْلِيَةَ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ مَنْزِلَةَ الْأَخْذِ بِالْيَدِ فِي الْمَنْقُولِ فَإِنْ قُلْت الْإِعْطَاءُ عُرْفًا إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَنْقُولِ دُون غَيْرِهِ قُلْت مَمْنُوعٌ بَلْ يُسْتَعْمَلُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا يُقَالُ أَعْطَاهُ دَرَاهِمَ وَأَعْطَاهُ دَارًا وَنَخْلَةً وَإِنْكَار ذَلِكَ مُكَابَرَةٌ وَذَكَرْت فِي الْفَتَاوَى وَمُلَخَّصُ تَحْرِيرِ الْآرَاءِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ أَبْرَأْتِنِي مِنْ صَدَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ وَهَبْته لَك أَوْ نَذَرْت بِهِ لَك أَوْ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَيْك أَنَّهُ إنْ أَرَادَ التَّعْلِيقَ بِلَفْظِ الْإِبْرَاء فَلَا وُقُوعَ أَوْ خَلَاصَهُ عَنْ عُهْدَةِ الصَّدَاقِ وَقَعَ بَائِنًا بِشُرُوطِهِ وَكَذَا إنْ أُطْلِقَ عَلَى كَلَامٍ طَوِيلٍ فِيهِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْهِبَةَ هُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ تَمْكِينُهَا إيَّاهُ مِنْ قَبْضِهِ كَافِيًا وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِشَيْءٍ كَمَا مَرَّ فَكَذَلِكَ زِيَادَةُ تَلَفُّظِهَا بِنَحْوِ وَهَبْته لَك مَعَ تَمْكِينِهِ مِنْ قَبْضِهِ بِنِيَّةِ الدَّفْعِ عَنْ جِهَةِ التَّعْلِيقِ لِأَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ لَا تُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ مُعْطَى وَكَذَلِكَ زِيَادَةُ تَلَفُّظِهَا بِقَوْلِهَا نَذَرْت لَك بِهِ مَعَ التَّمْكِينِ مِنْ قَبْضِهِ بِنِيَّةِ الدَّفْعِ عَنْ جِهَةِ التَّعْلِيقِ وَيَزْدَادُ ذَلِكَ إيضَاحًا بِمُرَاجَعَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْفَتَاوَى وَالتَّلْخِيصِ الْمَذْكُورَيْنِ وَإِذَا أَعْطَتْهُ النَّخْلَةَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهَا فَخَرَجَتْ مُسْتَحِقَّةً لَزِمَهَا لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَيْضًا. (وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ كَانَ لِامْرَأَةٍ عَلَى زَوْجِهَا مَهْرٌ زَائِدٌ عَلَى نِصَابِ الزَّكَاةِ وَأَبْرَأَتْهُ عَنْ مَهْرِهَا بَعْد سِنِينَ عَدِيدَةٍ وَلَمْ تَعْرِفْ الْقَدْرَ الْبَاقِي بَعْد الزَّكَاةِ هَلْ الْإِبْرَاء صَحِيحٌ أَوْ لَا لِلْجَهْلِ بِالْمِقْدَارِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا قَالَ لَهَا إنْ أَبْرَأَتْنِي مِنْ مَهْرِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْ مَهْرِهَا الزَّكَوِيِّ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ وَإِنْ عَلِمَتْ مِقْدَارَ مَهْرِهَا لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا عَلَّقَ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ جَمِيعِ الْمَهْرِ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ جَمِيعِهِ لِأَنَّ مِقْدَارَ الزَّكَاةِ لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاء مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهَا ذَلِكَ وَإِنَّمَا تَبَرَّعَتْ بِإِبْرَائِهِ فَإِنْ عَلِمَتْ مِقْدَارَهُ وَعَلِمَتْ السِّنِينَ الْمَاضِيَةَ بِلَا زَكَاةٍ صَحَّ إبْرَاؤُهَا مِمَّا عَدَا قَدْرِ الزَّكَاةِ وَإِنْ لَمْ تَعْرِفْ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ إبْرَاؤُهَا لِجَهْلِهَا بِمِقْدَارِهِ (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ لَا يَقْرَأَ قُرْآنًا فِي هَذَا الْيَوْمِ مَثَلًا فَهَلْ يَحْنَثُ بِقِرَاءَتِهِ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ لِلتَّبَرُّكِ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ لَا يَحْنَثُ فَهَلْ يُشْتَرَطُ مَعَ قَصْدِهِ التَّبَرُّكَ نَفْيُ بِقَصْدِ الْقِرَاءَةِ بِحَيْثُ يَكُونُ لَوْ قَصَدَهُمَا أَعْنِي التَّبَرُّكَ وَالْقِرَاءَةَ يَحْنَثُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ قَصَدَ بِهِ التَّبَرُّكَ وَحْدَهُ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ أَئِمَّتُنَا تَصْرِيحًا وَتَلْوِيحًا فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا تَجْوِيزُهُمْ الْقِرَاءَةَ لِلْجُنُبِ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ مَعَ الْقَصْدِ

الْمَذْكُورِ صَارَ غَيْرَ قُرْآنٍ لِمَا يَأْتِي وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ لَوْ أَفْهَم الْمُصَلِّي غَيْرَهُ غَرَضًا آخَرَ بِالْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ لِمُسْتَأْذِنٍ عَلَيْهِ اُدْخُلُوهَا بِسَلَامٍ وَقَصَدَ بِهِ التَّفْهِيمَ وَحْدَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذُكِرَ وَمِنْهَا قَوْلُهُمْ فِي بَابَيْ الطَّلَاقِ وَالْأَيْمَانِ لَوْ قَالَ لَهَا إلَّا أَجَبْت خِطَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ خَاطَبَهَا فَقَرَأَتْ آيَةً تَتَضَمَّنُ جَوَابَهُ فَإِنْ قَصَدَتْ الْجَوَاب وَحْدَهُ لِمَا يَأْتِي طَلُقَتْ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك حَنِثَ بِقِرَاءَةِ آيَةٍ أَفْهَمَهُ بِهَا إنْ لَمْ يَقْصِدْ الْقِرَاءَةَ أَيْ بِأَنْ قَصَدَ الْإِفْهَام وَحْدَهُ أَوْ أَطْلَقَ كَمَا يَأْتِي لِأَنَّهُ كَلَّمَهُ. وَإِنْ قَصَدَ التَّبَرُّكَ وَالْقِرَاءَةَ حَنِثَ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ فِي الْمَحَالِّ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّهُمْ حَرَّمُوهُ عَلَى الْجُنُبِ فَجَعَلُوهُ مَعَ ذَلِكَ قُرْآنًا وَيُوَجَّهُ تَغْلِيبُهُمْ قَصْدَ الْقِرَاءَةِ بِأَنَّهُ اعْتَضَدَ بِكَوْنِ الْأَصْلِ فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ إنَّمَا يُؤْتَى بِهِ بِقَصْدِ الْقِرَاءَةِ الْمَوْضُوعِ هُوَ لَهَا فَغَلَبَ عَلَى قَصْدِ التَّبَرُّك بِعُرُوضِهِ وَلِأَنَّهُمْ لَمْ يُبْطِلُوا الصَّلَاةَ بِهِ فِيمَا لَوْ قُصِدَ بِهِ الْقِرَاءَةُ وَالتَّفْهِيمُ لِبَقَاءِ نَظْمِ الْقُرْآنِ عَلَى حَالِهِ وَلَا نَظَرَ لِقَصْدِ التَّفْهِيمِ الْمُنْضَمِّ إلَى قَصْدِ الْقِرَاءَةِ لِمَا ذَكَرْتُهُ. وَقَالُوا فِي مَسْأَلَةِ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ الْمَذْكُورَة وَإِلَّا فَلَا كَمَا قَدَّمْته عَنْهُمْ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا لَوْ قَصَدَتْ الْجَوَابَ وَالْقِرَاءَةَ لَمْ يَحْنَثْ تَغْلِيبًا لِقَصْدِ الْقِرَاءَةِ لِمَا قَدَّمْته أَيْضًا فَلَمْ يَصْدُقْ عَلَيْهَا أَنَّهَا أَجَابَتْهُ وَقَالُوا فِي مَسْأَلَةِ الْحَلِفِ عَلَى الْكَلَامِ لَوْ قَصَدَ التَّفْهِيمَ وَالْقِرَاءَةَ لَمْ يَحْنَثْ وَوَجْهُهُ مَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَتَكَلَّمُ لَا يَحْنَثُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الَّذِي لَا يَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ وَإِنْ أَطْلَقَ بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ قِرَاءَةً وَلَا تَبَرُّكًا لَمْ يَحْنَثْ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ فِي الْمَوَاضِعِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُمْ أَحَلُّوا الْقِرَاءَةَ لِلْجُنُبِ حِينَئِذٍ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ قُرْآنًا إلَّا بِالْقَصْدِ أَيْ عِنْد عُرُوضِ الْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ لَهُ عَنْ الْقُرْآنِيَّةِ إلَى غَيْرِهَا كَالْجَنَابَةِ هُنَا لَا مُطْلَقًا لِمَا يَأْتِي وَأَبْطَلُوا بِهِ الصَّلَاةَ كَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَبِهِ يَرُدُّ عَلَى جَمْعٍ نَازَعُوا فِيهِ وَقَدْ ذَكَرْت شُبَهَهُمْ مَعَ رَدِّهَا أَبْلَغَ رَدٍّ وَأُوَضِّحُهُ فِي شَرْح الْعُبَابِ وَعَلَّلُوهُ أَعْنِي الْقَائِلِينَ بِإِبْطَالِهِ بِمَا مَرَّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ قُرْآنًا إلَّا بِالْقَصْدِ وَالْقَرِينَةُ هُنَا هِيَ الِاسْتِئْذَانُ مَثَلًا الْمُقْتَضِي صَرْفُ اُدْخُلُوهَا بِسَلَامٍ إلَى مَعْنَى مَا يُخَاطَبُ بِهِ النَّاسُ فَأَشْبَهَ كَلَامَهُمْ الْمُبَايِنَ لِلْقُرْآنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَإِلَيْهِ يُرْشِدُ خَبَرُ مُسْلِمٍ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَيُوَافِقُ ذَلِكَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمِنْهَاجِ وَاعْتَمَدَهُ جَمْعٌ مِنْ أَنَّهُ يَحْنَثُ مَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا وَأَتَى بِآيَةٍ مُفْهِمَةٍ فَهِمَ مِنْهَا زَيْدٌ مُرَادَهُ بِلَا قَصْدٍ فَعُلِمَ أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا لَهُ مَعَ الْإِطْلَاق حُكْمَ كَلَامِ الْآدَمِيِّ فَأَبْطَلَ الصَّلَاةَ وَجَازَ لِلْجُنُبِ وَحَنِثَ بِهِ الْحَالِفُ عَلَى تَرْكِ الْكَلَامِ وَاخْتَلَفَ أَئِمَّتُنَا فِي أَنَّ ذَلِكَ هَلْ يَجْرِي فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْقُرْآنِ أَوْ يَخْتَصُّ بِمَا يُوجَدُ نَظْمُهُ فِيهِ وَخَارِجَهُ كَالْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَ {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} [الزخرف: 13] إلَى آخِرِهِ وَ {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر: 46] وَ {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: 12] دُون نَحْوِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ وَسُورَةِ الْإِخْلَاصِ فَأَكْثَرُهُمْ عَلَى الْأَوَّلِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ مُحَقِّقِيهِمْ عَلَى الثَّانِي وَمَالَ إلَيْهِ النَّوَوِيُّ بَعْد أَنْ قَرَّرَ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْإِطْلَاق كَمَا بَيَّنْته مِنْ كَلَامِهِ فِي شَرْح الْعُبَابِ مَعَ الرَّدِّ عَلَى ابْنِ الرِّفْعَةِ فِي فَرْقِهِ بَيْن إطْلَاقِ الْجُنُبِ وَإِطْلَاق الْمُصَلِّي وَوَقَعَ لِجَمْعٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُمْ قَالُوا لَا يَضُرُّ قَصْدُ التَّنْبِيهِ وَحْدَهُ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ وَالذِّكْرِ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَهُ لَا يَقْبَلُ الصَّرْفَ عَنْهُ بِخِلَافِ الْقُرْآنِ فَإِنَّ لَفْظَهُ مُشْتَرَكٌ بَيْن الْقُرْآنِ وَكَلَامِ الْآدَمِيِّينَ فَأَمَّا حُكْمُهُمْ عَلَى جَمِيعِ لَفْظِ الْقُرْآنِ بِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ فَهُوَ يُوَافِقُ الْأَوَّلَ السَّابِقَ وَأَمَّا إثْبَاتُهُمْ ذَلِكَ لِلْقُرْآنِ دُون نَحْو التَّسْبِيحِ فَهُوَ فِي غَايَةِ الْغَرَابَةِ وَالضَّعْفِ وَعَجِيبٌ مِنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ كَيْف نَقَلَهُ وَأَقَرَّهُ مَعَ أَنَّ سُبْحَانَ اللَّهِ مَعَ قَصْدِ التَّنْبِيهِ وَحْدَهُ بِمَعْنَى تَنَبَّهْ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ بِقَصْدِ الْإِعْلَام بِمَعْنَى رَكَعَ الْإِمَام فَاسْتَوَى الْقُرْآنُ وَغَيْره فِي التَّفْصِيل الْمَذْكُور فَإِنْ قُلْت قَدْ تَقَرَّرَ فِي خَبَرِ مُسْلِم السَّابِقِ أَنَّ الْقُرْآنَ مُبَايِنٌ لِكَلَامِ النَّاسِ فَكَيْف جَعَلْتُمُوهُ مُشْتَرَكًا كَمَا مَرَّ قُلْت لَمْ نَجْعَلُهُ مُشْتَرَكًا مُطْلَقًا وَإِنَّمَا نَظَرْنَا إلَى أَنَّ الْقُرْآنَ لَمَّا سَبَقَ مِمَّنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلْقُرْآنِ وَهُوَ الْجُنُبُ أَوْ سَبَقَ لِلتَّفْهِيمِ لِغَرَضٍ آخَرَ جَرَى عُرْفًا التَّفْهِيمُ فِيهِ بِالْقُرْآنِ وَبِغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ التَّفْهِيمُ بِالْقُرْآنِ مَذْمُومًا شَرْعًا وَذَلِكَ مِنْ الْمُصَلِّي

وَالْحَالِفُ أَشْبَهَ حِينَئِذٍ كَلَامَ النَّاسِ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الْقَرِينَةِ الْعَارِضَةِ وَإِنْ كَانَ هُوَ فِي ذَاتِهِ قُرْآنًا أَلَا تَرَى أَنَّ أَصْحَابَنَا وَغَيْرَهُمْ فَضَّلُوا عَلَيْهِ الْأَذْكَارَ الْمَطْلُوبَةَ فِي مَحَالَّ مَخْصُوصَةٍ مَعَ أَنَّهُ لَا أَفْضَلَ مِنْ الْقُرْآنِ إجْمَاعًا وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يُفَضِّلُوهَا عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ الذَّاتِ بَلْ بِوَاسِطَةِ ذَلِكَ الْأَمْرِ الْعَارِضِ الَّذِي طَلَبَهُ الشَّارِعُ لِغَرَضٍ آخِر فَالتَّفْضِيلُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ الذَّاتِ بَلْ مِنْ حَيْثُ ذَلِكَ الْعَارِضِ فَكَمَا اتَّفَقُوا عَلَى التَّفْضِيلِ عَلَيْهِ مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَلِذَلِكَ قُلْنَا وَمَنْ وَافَقَنَا مِنْ الْأَئِمَّةِ إذْ التَّفْضِيلُ الْمَذْكُورُ لَيْسَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ مَذْهَبِنَا أَنَّ الْقُرْآنَ قَدْ يَعْرِضُ لَهُ مَا يُخْرِجهُ عَنْ مَوْضُوعِهِ كَالْقَرِينَةِ الْمُقْتَضِيَةِ عُرْفًا صَرْفَهُ إلَيْهَا وَخُرُوجَهُ عَنْ مَعْنَى الْقُرْآنِيَّةِ إلَى مَعْنَى مَا يُتَخَاطَبُ بِهِ فَأَعْطَيْنَاهُ حِينَئِذٍ حُكْمَ كَلَامِ النَّاسِ وَأَدَرْنَا عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَحْكَامَ السَّابِقَ تَقْرِيرُهَا فَإِنْ قُلْت مَرَّ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا فِي حَالَةِ قَصْدِ التَّبَرُّكِ وَحْدَهُ أَوْ التَّفْهِيمِ وَحْدَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي حَالَةِ الْإِطْلَاق فَمَا سَبَبُ ذَلِكَ قُلْت سَبَبُهُ أَنَّ الْقَصْدَ أَقْوَى فِي الصَّرْفِ مِنْ الْإِطْلَاق فَانْصَرَفَ بِهِ قَطْعًا مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ لِقَرِينَةٍ بِخِلَافِهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَإِنَّهُ تَعَارَضَ فِيهِ أَمْرَانِ هُمَا رِعَايَةُ ذَاتِهِ أَوْ الْقَرِينَةُ الصَّارِفَةُ لَهَا عَنْ مَوْضُوعِهَا فَأَكْثَرُهُمْ رَاعُوهَا لِقُوَّتِهَا وَبَعْضهمْ رَاعَى الذَّاتَ لِأَصَالَتِهَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ قَصْدَ غَيْرِ الْقُرْآنِيَّةِ كَافٍ وَحْدَهُ فِي الصَّرْفِ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَرِينَةٍ تُعَضِّدُهُ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ قُوَّتِهِ وَأَنَّهُ إذَا أُطْلِقَ فَإِنْ وُجِدَتْ قَرِينَةٌ صَرَفَتْهُ إلَيْهَا وَأَخْرَجَتْهُ عَنْ الْقُرْآنِيَّةِ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ بَقِيَ عَلَى قُرْآنِيَّتِهِ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى قَصْدِهَا وَمِنْ ثَمَّ اتَّفَقَ أَئِمَّتُنَا عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ عَدَمُ صَرْفِهَا عَنْ الْقِرَاءَةِ إلَى غَيْرِهَا لَا قَصْدَ نَفْسِ الْقِرَاءَةِ إلَّا إنْ عَرَضَتْ قَرِينَةٌ كَأَنْ عَرَضَ عُطَاسٌ فَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ عَقِبَ عُطَاسِهِ فَقَرِينَةُ نَدْبِ قِرَاءَتِهَا عَقِبَ الْعُطَاسِ أَوْجَبَتْ عَدَمَ الِاعْتِدَادِ بِهَا عَنْ قِرَاءَةِ الصَّلَاةِ إلَّا إنْ قَصَدَهَا وَأَمَّا حَيْثُ لَا قَرِينَةَ فَلَا يُشْتَرَطُ قَصْدُهَا كَمَا مَرَّ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا مَرَّ فِي قَصْدِ التَّبَرُّكِ وَنَحْوِهِ قَوْلُهُمْ مَا كُتِبَ مِنْ الْقُرْآنِ لِقَصْدِ التَّبَرُّكِ لَا تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَام الْقُرْآنِ مِنْ حُرْمَةِ مَسِّهِ عَلَى الْمُحْدِثِ وَتَجْوِيزهمْ الرَّسْمَ بِاسْمِ اللَّهِ فِي أَفْخَاذِ الْحَيَوَانِ مَعَ تَمَرُّغِهَا بِهِ فِي النَّجَاسَةِ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ كِتَابَتِهِ التَّبَرُّكُ بِهِ وَحِينَئِذٍ فَيَنْسَلِخُ عَنْ مَوْضُوعِهِ إلَى غَيْرِهِ فَلَمْ يُبَالَ بِتَنَجُّسِهِ هَذَا مُلَخَّصُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَإِنْ كَانَ لِبَسْطِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا مَجَالٌ وَاسِعٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) بِمَا صُورَتُهُ أَهْلُ مِلِيبَار يُطَلِّقُونَ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ مَعَ إنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ مَعْنَاهُ الْأَصْلِيَّ بَلْ يَعْرِفُونَ أَنَّهُ لِلْفِرَاقِ بَيْنه وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ فَهَلْ يَقَعُ طَلَاقُهُمْ بِهِ وَاشْتَهَرَ عِنْدَهُمْ أَلْفَاظٌ فِي الطَّلَاقِ وَلَيْسَتْ تَرْجَمَةُ طَلَاقٍ بَلْ هِيَ أَشْهَرُ عِنْد عَوَامِّهِمْ مِنْ لَفْظِ الطَّلَاقِ لِشُيُوعِهَا وَكَوْنِهَا بِلُغَتِهِمْ فَهَلْ هِيَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ الصَّرِيحَةِ أَوْ الْكِنَايَةِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَقَعُ طَلَاقُهُمْ إذْ لَا مَعْنَى مَقْصُودًا مِنْ الطَّلَاق إلَّا وُقُوعُ الْفِرَاقِ بِهِ الْمُسْتَلْزِمِ لِحَلِّ عِصْمَةِ النِّكَاحِ فَمَعْرِفَتُهُمْ لِذَلِكَ كَافِيَةٌ فِي كَوْنِهِ صَرِيحًا فَيَقَعُ بِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَمَا اشْتَهَرَ عِنْدهمْ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي الطَّلَاقِ فَإِنْ كَانَ لَفْظُ طَلَاقٍ أَوْ فِرَاقٍ أَوْ مَا اُشْتُقَّ مِنْهُمَا فَهُوَ بَاقٍ عَلَى صَرَاحَتِهِ أَوْ لَفْظُ كِنَايَةٍ مِمَّا ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى كَوْنِهِ كِنَايَةً وَإِنْ اشْتَهَرَ عَلَى الْأَصَحِّ إذْ مَأْخَذ الصَّرَاحَةِ لَيْسَ هُوَ الِاشْتِهَارُ خِلَافًا لِجَمْعٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا بَلْ مَأْخَذُهَا تَكَرُّرُ اللَّفْظِ فِي الْكِتَابِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ مِمَّا ذَكَرُوا فِيهِ أَنَّهُ غَيْرُ كِنَايَةٍ فَلَيْسَ بِكِنَايَةٍ وَإِنْ اشْتَهَرَ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ أَوْ مِمَّا لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ أَنَّهُ صَرِيحٌ وَلَا كِنَايَةَ فَهُوَ كِنَايَةٌ عَمَلًا بِاشْتِهَارِهِ فَإِنَّ لِلِاشْتِهَارِ تَأْثِيرًا فِي الْكِنَايَةِ دُون الصَّرِيحِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا قَالَ الزَّوْجُ لِأَجْنَبِيٍّ خَالَعْت امْرَأَتِي بِأَلْفٍ أَوْ بِثَوْبِك مَثَلًا فَقَالَ الْأَجْنَبِيُّ قَبِلْت الْخُلْعَ وَلَمْ يَقُلْ بِأَلْفٍ عَلَيْك هَلْ يَصِحُّ الْخُلْعُ؟ (فَأَجَابَ) أَمَّا فِي ثَوْبِك فَيَكْفِي قَبِلْت وَلَا يَحْتَاجُ لِشَيْءٍ وَأَمَّا فِي الْأَلْفِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ عَلَيْك أَوْ يَنْوِيَهُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ خَالَعَ زَوْجَتَهُ الْمُصْلِحَةَ لِدُنْيَاهَا لَا لِدِينِهَا مَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا كَانَتْ مَحْجُورًا عَلَيْهَا بِسَفَهٍ بِأَنْ بَلَغَتْ غَيْرَ مُصْلِحَةٍ لِدِينِهَا أَوْ لِدُنْيَاهَا وَاسْتَمَرَّتْ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ عَلَّقَ الزَّوْجُ طَلَاقَهَا عَلَى الْتِزَامِ مَالٍ أَوْ بَرَاءَةٍ مِنْهُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ شَيْءٌ

لِفَسَادِ الْتِزَامِهَا وَبَرَاءَتِهَا وَإِنْ لَمْ يُعَلِّقْهُ عَلَى ذَلِكَ وَقَعَ رَجْعِيًّا. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلْقَةً ثُمَّ رَاجَعَهَا ثُمَّ الْتَزَمَ مِنْهَا بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ إلَّا تَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَبَعْد مُدَّةٍ مِنْ الِالْتِزَامِ قَالَتْ لَهُ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ عَلَى مَا تَشْهَدُوا أَنِّي بَذَلْت صَدَاقِي عَلَى طَلَاقِي ثُمَّ قَالَ عَلَى مَا تَشْهَدُوا أَنَّهَا طَالِقٌ ثُمَّ تَزَوَّجَ بَعْدَ هَذَا الطَّلَاقِ فَهَلْ الطَّلْقَةُ الثَّانِيَةُ رَجْعِيَّةٌ أَوْ فِي مُقَابَلَةِ الْبَذْلِ فَإِنْ قُلْتُمْ أَنَّهَا رَجْعِيَّةٌ هَلْ تَقَعُ الثَّلَاثُ الَّتِي الْتَزَمَ بِهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ تَقَعُ الثَّلَاثُ، وَاَللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ يَدْفَعُ إلَى غَرِيمِهِ إلَى أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا فِي الشَّهْرِ دَيْنَهُ وَلَفْظُهُ إلَّا جَاءَ الْيَوْمُ الْحَادِيَ عَشَرَ وَمَا أُوفِيك فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَسَافَرَ رَبُّ الدَّيْنِ قَبْل الْحَادِيَ عَشَرَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ الْفَارِقِيّ وَابْنِ الْبَرَزِيِّ وَكِلَاهُمَا مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ أَفْتَى فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِذِكْرِ الْحَادِيَ عَشَرَ انْتِهَاءَ الْغَايَةِ وَتَمَكَّنَ مِنْ الْإِيفَاءِ وَلَمْ يُوفِ حَنِثَ أَوْ أَنَّ الْإِيفَاءَ يَكُونُ فِي الْحَادِيَ عَشَرَ فَسَافَرَ رَبُّ الدِّينِ قَبْل الْحَادِيَ عَشَرَ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْإِيفَاءِ فِيهِ فَفِي حِنْثِهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَطْلَقَ الْيَمِينَ فَالْأَوْلَى أَنْ يُرَاجِعَهَا. اهـ. وَالْأَظْهَرُ مِنْ الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ عَدَمُ الْحِنْثِ وَمُقْتَضَى قَوْلِهِ الْأَوْلَى أَنْ يُرَاجِعَهَا أَنَّهُ لَا وُقُوعَ فِي حَالِ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلشَّكِّ وَإِنْ كَانَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ تِلْكَ الْيَمِينِ أَنَّهُمْ إنَّمَا يُرِيدُونَ انْتِهَاءَ الْغَايَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ يُسَافِرُ فِي شَهْرِهِ هَذَا أَوْ يَوْمِهِ إلَى الْمَحِلِّ الْفُلَانِيِّ فَإِذَا فَاتَ الْوَقْتُ وَلَمْ يُسَافِرْ إلَى الْمَحِلِّ الْمَذْكُورِ هَلْ تَطْلُقُ زَوْجَتُهُ عَلَيْهِ مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ أَوْ شَهْرِهِ فَإِذَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ الْمَحْلُوفِ بِهِ سَاعَةٌ مَثَلًا وَخَرَجَ مِنْ الْمَحِلِّ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْحَلِفُ إلَى خَارِجِ الْعُمْرَانِ وَلَوْ ثَلَاث خُطُوَاتٍ بِنِيَّةِ السَّفَرِ إلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَرَجَعَ إلَيْهِ هَلْ يَكْفِي وَيَسْلَمُ مِنْ الْحِنْثِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ السَّفَرِ إلَى الْمَحِلِّ الْمَذْكُورِ أَوْ إلَى مَسَافَةٍ مَعْلُومَةٍ كَمَسَافَةِ الْقَصْرِ أَوْ دُونِهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا فَوَّتَ السَّفَرَ فِي الزَّمَنِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ حَنِثَ بِمُضِيِّ زَمَنِ إمْكَان السَّفَرِ مِنْ أَوَّلِ ذَلِكَ الزَّمَنِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الْبَغَوِيِّ وَالْإِمَام وَلَا بُدَّ مِنْ السَّفَرِ إلَى الْمَحِلِّ الْمَذْكُورِ قَبْل مُضِيِّ الْيَوْمِ أَوْ الشَّهْرِ الْمَذْكُورِ فِي السُّؤَالِ وَإِلَّا حَنِثَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ إنَّ أَبْرَأَتْنِي زَوْجَتِي مِنْ كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ هَلْ يَقَعُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ اضْطَرَدَتْ لُغَتُهُمْ بِاسْتِعْمَالِ إلَى كَانَ فَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهُ يَقَعُ بَائِنًا بِشَرْطِهِ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ عَنْ الْبَغْدَادِيِّينَ فِي أَنْتِ طَالِقٌ لَا دَخَلْت الدَّارَ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ لُغَتُهُ أَنْ لَا كَانَ كَانَ تَعْلِيقًا بِالدُّخُولِ فَلَا يَقَعُ قَبْلَهُ. (وَسُئِلَ) عَنْ كَلَامِ الشَّيْخِ وَلِيِّ الدِّينِ أَبِي زُرْعَةَ فِي مَسْأَلَةِ قَوْلِ الزَّوْجِ أَبْرِئِينِي وَأَنَا أُطَلِّقُك تَفْضُلُوا بِبَيَانِهِ وَمَا الَّذِي تَقُولُونَهُ فِي قَوْلِهِ أَبْرِئِينِي مِنْ مَهْرِك وَأَنْتِ طَالِقٌ وَفِيمَا لَوْ قَالَتْ زَوْجَتُهُ طَرَحَ اللَّهُ لَك عَلَى تَمَامِ بَرَاءَتِي وَقَصَدَتْ بِالتَّمَامِ ثَلَاثًا فَأَوْقَعَ وَاحِدَةً فَقَطْ وَلَكُمْ فِي بَعْضِ الْفَتَاوَى كَالْفَقِيهِ أَبِي مَخْرَمَةَ فِي فَتَاوِيهِ كَلَامٌ فِي الْمَسْأَلَةِ بَيِّنُوا حَاصِلَهُ مَعَ زِيَادَةِ إيضَاحٍ وَهَلْ الْمَسْأَلَةُ تُشْبِهُ قَوْلَهُمْ وَالْعِبَارَةُ لِلْإِرْشَادِ أَوْ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ وَاحِدَةً فَثَلَاثَةً وَكَلَامُهُمْ وَكَلَامُ أَبِي مَخْرَمَةَ لَا يُوَافِقُ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَاصِلُ مَا حَرَّرْته فِي كِتَابِي إيضَاحُ الْمُقَرَّرِ مِنْ أَحْكَامِ الْمُحَرَّرِ فِي نَحْو أَبْرِئِينِي وَأَنَا أُطَلِّقُك فَأَبْرَأَتْهُ فَطَلَّقَهَا بِأَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ إلَّا صَحَّتْ بَرَاءَتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ طَلَاقُك بِصِحَّةِ بَرَاءَتِك أَنَّهُ رَجْعِيٌّ فِي الْأُولَى سَوَاءٌ صَحَّتْ بَرَاءَتُهَا أَمْ لَا وَكَذَا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ. لَكِنْ إنْ صَحَّتْ بَرَاءَتُهَا وَمَحِلُّ كَوْنِهِ رَجْعِيًّا فِي الْأُولَى مَا لَمْ يُرَدْ جَعْلَ الطَّلَاقِ فِي مُقَابَلَةِ الْبَرَاءَةِ أَيْ كَوْنهَا سَبَبًا لَهُ فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا إنْ صَحَّتْ الْبَرَاءَةُ وَحِينَئِذٍ يَقَعُ رَجْعِيًّا بِخِلَافِهِ فِيمَا عَدَا الْأَخِيرِ لِأَنَّ الصَّادِرَ مِنْهُ الْوَعْدُ بِالطَّلَاقِ إذَا أَبْرَأَتْهُ وَالْحَاصِلُ مِنْهَا تَنْجِيزُ الْبَرَاءَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَابِلَهَا بِعِوَضٍ فَصَحَّتْ وَتَخَيَّرَ بَيْن الطَّلَاقِ وَعَدَمِهِ فَإِذَا طَلَّقَ بَعْد تَنْجِيزِهَا الْإِبْرَاء وَعَدَمِ إتْيَانِهَا بِمَا يُشْعِرُ بِالْعِوَضِيَّةِ بِوَجْهٍ كَانَ طَلَاقُهُ لَا فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ أَلْبَتَّةَ وَلَا نَظَرَ لِقَوْلِهِ إنْ صَحَّتْ بَرَاءَتُك تَكُونِي طَالِقًا أَوْ نَحْوِهِ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ تَعْلِيقٌ عَلَى صِفَةٍ فَأَشْبَهَ إنْ صَحَّ بَيْعُك فَأَنْتِ طَالِقٌ

وَبَحَثَ فِيهِ الرَّافِعِيُّ بِمَا أَجَبْت عَنْهُ فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ فَوَقَعَ رَجْعِيًّا لَا بَائِنًا نَعَمْ إنْ فَهِمَتْ مِنْ كَلَامِهِ الْوَعْدَ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِبْرَاءِ فَقَصَدَتْ جَعْلَ الْإِبْرَاء فِي مُقَابَلَتِهِ اُحْتُمِلَ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ وُقُوعُهُ بَائِنًا إنْ صَحَّ الْإِبْرَاء وَإِلَّا فَبِمَهْرِ الْمِثْلِ سَوَاءٌ وَافَقَهَا الزَّوْجُ عَلَى إرَادَةِ ذَلِكَ أَمْ لَا وَاحْتُمِلَ وَهُوَ الْأَوْجَه عَدَمُ النَّظَرِ لِقَصْدِهَا هُنَا وَفَارَقَ قَوْلَهَا طَلِّقْنِي وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ صَدَاقِي. الَّذِي قَاسَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَيْهِ بَحْثَهُ السَّابِقَ بَانَ وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ صَدَاقِي شَرْطٌ يَقْتَضِي الْتِزَامَ عِوَضٍ فِي مُقَابَلَةِ الطَّلَاقِ فَلِذَلِكَ وَقَعَ بَائِنًا بِالْبَرَاءَةِ إنْ صَحَّتْ وَإِلَّا فَبِمَهْرِ الْمِثْلِ وَأَمَّا لَفْظُهَا هُنَا فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى شَرْطِيَّةٍ وَلَا الْتِزَامِ عِوَضٌ فَخَلَا عَنْ الْمُعَاوَضَةِ لَفْظًا وَتَقْدِيرًا وَعِنْدَ خُلُوِّ لَفْظِ الزَّوْجَةِ عَنْهَا كَذَلِكَ لَا تُمْكِنُ الْبَيْنُونَةُ وَمُجَرَّدُ قَصْدِهَا الْعِوَضِيَّةُ مَعَ عَدَمِ دَلَالَةِ لَفْظِهَا عَلَيْهَا لَا يُؤَثِّرُ وَإِنَّمَا أَثَّرَتْ نِيَّةُ الزَّوْجِ فِيمَا مَرَّ آنِفًا لِأَنَّ طَلَاقَهُ بَعْد الْإِبْرَاءِ مُحْتَمِلٌ لِتَرْتِيبِهِ عَلَيْهِ تَرْتِيبَ الْجَزَاءِ عَلَى شَرْطِهِ فَإِذَا أَرَادَ ذَلِكَ أَثَّرَ الْوُقُوعُ بَائِنًا كَمَا مَرَّ. وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَنَظَائِرِهَا يَصِحُّ الْإِبْرَاء إذَا وُجِدَتْ شُرُوطُهُ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ وَلَوْ كَانَتْ إنَّمَا أَبْرَأَتْ طَمَعًا فِي حُصُولِهِ كَمَا بَيَّنْته فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته أَوَّلَ الْجَوَابِ إفْتَاءُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا فِيمَنْ قَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ طَلِّقْنِي فَقَالَ لَهَا أَبْرِئِينِي وَأَنَا أُطَلِّقُك فَأَبْرَأَتْهُ جَاهِلَةً بِقَدْرِ الْمُبَرَّإِ مِنْهُ فَقَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ظَانًّا صِحَّة الْبَرَاءِ بِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ وَلَا يَنْفَعُهُ ظَنُّهُ الْمَذْكُورُ وَإِنْ كَانَ الظَّنُّ الْمَذْكُورُ نَافِعًا فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اهـ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ أَعْنِي قَوْلَهُ أَبْرِئِينِي مِنْ مَهْرِك وَأَنْتِ طَالِقٌ. فَاَلَّذِي حَرَّرَتْهُ فِي الْكِتَابِ السَّابِقِ ذِكْرُهُ فِي نَظِيرَتِهَا وَهِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَتَمَامُ طَلَاقِك بَرَاءَتِي أَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ فَيَتَوَقَّفُ الطَّلَاقُ عَلَى الْبَرَاءَةِ كَمَا نَقَلَهُ الْأَصْبَحِيّ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ سَوَاءٌ أَنَوَى ذَلِكَ أَمْ أَطْلَقَ خِلَافًا لِإِطْلَاقِ الْأَصْبَحِيّ مَرَّةً كَصَاحِبِ الْبَيَانِ أَنَّهُ يَقَعُ حَالًا وَلِقَوْلِهِ آخِرًا إنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ الشَّرْطَ وَقَعَ حَالًا وَإِنْ نَوَى بِهِ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِالْبَرَاءَةِ وَصَادَفَتْهُ الزَّوْجَةُ تَعَلَّقَ بِهَا وَلَمْ يَقَعْ إلَّا بِوُجُودِهَا عَلَى الْأَصَحِّ. اهـ. وَوَجَّهَ مَا ذَكَرْته أَنَّ هَذَا اللَّفْظ لَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ غَيْرُ التَّعْلِيقِ فَلَمْ يَحْتَجْ لِنِيَّةِ التَّعْلِيقِ بَلْ يَتَعَلَّقُ بِالْبَرَاءَةِ الصَّحِيحَةِ وَلَوْ فِي حَالِ الْإِطْلَاقِ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى تَنْجِيزَ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يَقَعُ حَالًا وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فِي صُورَةِ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَالْأَصْبَحِيّ فَلِيَجْرِ نَظِيرُهُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ إذْ لَا فَارِقَ بَيْنهمَا فِي أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِالْبَرَاءَةِ فَلَا يَقَعُ إلَّا بِوُجُودِهَا صَحِيحَةً مَا لَمْ يَنْوِ التَّنْجِيزَ وَعَدَمَ تَعَلُّقِهِ بِهَا وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ قَوْلُ الزَّوْجَةِ طَرَحَ اللَّهُ تَعَالَى لَك عَلَى تَمَامِ بَرَاءَتِي وَقَصَدَتْ بِالتَّمَامِ الطَّلَاقَ ثَلَاثًا فَأَوْقَعَ وَاحِدَةً فَقَطْ فَجَوَابُهَا أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّ الطَّرْحَ بِمَعْنَى الْإِبْرَاء وَاسْتِعْمَالِ تَمَامِ بَرَاءَتِهَا فِي بَيْنُونَتِهَا الْكُبْرَى مِنْهُ صَحِيحٌ وَحِينَئِذٍ فَهِيَ مُعَلَّقَةٌ لِلْإِبْرَاءِ مُطْلَقًا أَوْ مِمَّا نَوَتْهُ وَحْدَهَا أَوْ مَعَهُ مِنْ الْمَهْرِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فَإِذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً لَمْ يَأْتِ بِمَا شَرَطَتْهُ وَهُوَ الثَّلَاثُ فَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ شَيْءٍ مِنْ الْمَهْرِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِالثَّلَاثِ لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الْمَهْرِ أَيْضًا لِأَنَّ الْإِبْرَاء لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ وَالْوَاحِدَةُ الَّتِي أَوْقَعَهَا تَكُونُ رَجْعِيَّةً مَا لَمْ يَنْوِ جَعْلَهَا فِي مُقَابَلَةِ الْبَرَاءَةِ مِنْ مَهْرِهَا فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ وَبِهَذَا التَّوْجِيهِ الَّذِي ذَكَرْته اتَّضَحَ الْفَرْقُ بَيْن هَذِهِ وَصُورَةِ الْإِرْشَادِ الَّتِي فِي السُّؤَالِ. وَإِيضَاحُهُ أَنَّ الَّذِي فِي صُورَةِ الْإِرْشَادِ أَنَّ الْأَلْفَ عِوَضٌ لِلثَّلَاثِ وَقَضِيَّةُ الْعِوَضِيَّةِ تَوْزِيعُ كُلٍّ عَلَى الْآخَرِ فَيَخُصُّ كُلَّ طَلْقَةٍ ثُلُثٌ فَإِذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً وَقَعَ بِمَا يَخُصُّهَا بِحَسْبِ التَّوْزِيعِ وَهُوَ الثُّلُثُ وَاَلَّذِي فِي صُورَتِنَا تَعْلِيقُ الْإِبْرَاء مِنْ الْمَهْرِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا نَوَيَاهُ عَلَى الثَّلَاثِ فَإِذَا طَلَّقَ وَاحِدَةً لَمْ يَأْتِ بِالْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْوُقُوعَ فِي التَّعْلِيقِ يَتَأَثَّرُ بِمَا لَا يَتَأَثَّرُ بِهِ الْوُقُوعُ فِي الْمُعَارَضَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِنَحْوِ سَفِيهَةٍ إلَّا أَبْرَأْتِنِي مِنْ مَهْرِك أَوْ دَيْنِك فَأَنْتِ طَالِق فَقَالَتْ أَبْرَأَتْك لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ أَصْلًا لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا وَهِيَ الْإِبْرَاءُ الْمُنْصَرِفُ شَرْعًا وَعُرْفًا إلَى الْإِبْرَاءِ الصَّحِيحِ دُون الْفَاسِدِ لَمْ تُوجَدْ وَلَوْ قَالَ لِنَحْوِ السَّفِيهَةِ خَالَعْتك عَلَى أَلْفٍ فَإِنْ قَبِلَتْ وَقَعَ رَجْعِيًّا وَلَا مَالَ وَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَفَرَّقُوا بِأَنَّهُ لَا تَعْلِيق هُنَا وَإِنَّمَا الصِّيغَةُ تَقْتَضِي

باب الطلاق

الْقَبُول فَاشْتَرَطَ لِوُقُوعِ الطَّلَاق عَلَى الْمُعْتَمَد الْقَبُولَ دُون حُصُولِ الْأَلْفِ وَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ فَلَا بَيْنُونَةَ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا بِعِوَضٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ [بَابُ الطَّلَاقِ] (وَسُئِلَ) مَا قَوْلُكُمْ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْكُمْ - وَنَفَعَ بِعُلُومِكُمْ فِي جَوَابِكُمْ السَّابِقِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ لَا بُدَّ فِي الشَّهَادَةِ بِالْإِكْرَاهِ مِنْ التَّفْصِيلِ إلَى آخِرِ جَوَابِكُمْ فَمَا حَدُّ الْإِكْرَاهِ فَإِنَّا رَأَيْنَا لِلْأَئِمَّةِ كَلَامًا لَمْ نَفْهَمْ الرَّاجِحَ مِنْهُ فَاكْتُبُوا لَنَا مَا هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَكُمْ مِنْ الْإِكْرَاهِ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ حَدَّ الْإِكْرَاهِ أَنْ يُهَدِّدَ قَادِرٌ عَلَيْهِ بِعِقَابٍ عَاجِلٍ لِأَجَلِهِ يُؤْثِرُ الْعَاقِلُ الْإِقْدَامَ عَلَى مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِشَرْطِ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يُحَقِّقُ مَا هَدَّدَ بِهِ إنْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ وَأَنْ يَعْجِزَ عَنْ الدَّفْعِ بِنَحْوِ هَرَبٍ أَوْ مُقَاوَمَةٍ أَوْ اسْتِغَاثَةٍ وَلَا يُشْتَرَطُ تَنْجِيزُ الْعَاجِلِ بَلْ يَكْفِي التَّوَعُّدُ لَفْظًا وَخَرَجَ بِهِ الْآجِل نَحْوَ لَأَضْرِبَنَّك غَدًا فَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِكْرَاهُ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُكْرَهِ وَالْمُكْرَهِ عَلَيْهِ فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ إكْرَاهًا فِي شَخْصٍ أَوْ فِعْلٍ دُون آخَر وَمِمَّا يَتَحَقَّقُ بِهِ الْإِكْرَاهُ عَلَى الطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ دُون الْقَتْلِ وَنَحْوِهِ التَّخْوِيفُ بِنَحْوِ حَبْسٍ طَوِيلٍ أَوْ صَفْعٍ عِنْد النَّاسِ أَوْ تَسْوِيدِ وَجْهٍ أَوْ طَوَافٍ فِي سُوقٍ لِذِي مُرُوءَةٍ أَوْ إتْلَافِ وَلَدٍ أَوْ وَالِدٍ أَوْ مَالٍ يَضِيقُ عَلَى الْمُكْرَهِ. وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ لَكِنْ قَالَ فِي بَعْضِ تَفْصِيلِهِ نَظَرٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَمِنْ ثَمَّ صَوَّبَ الزَّرْكَشِيُّ مَا حَكَى عَنْ النَّصِّ وَصَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَقَالَ فِي الشَّرْحَيْنِ أَنَّهُ الْأَرْجَحُ عِنْد الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِمَحْذُورٍ مِنْ قَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ أَوْ إتْلَافِهِ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ اسْتِخْفَافٍ وَتَخْتَلِفُ الثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ بِاخْتِلَافِ طَبَقَاتِ النَّاسِ وَأَحْوَالِهِمْ وَلَا يَخْتَلِفُ بِهِ مَا قَبْلَهَا نَعَمْ الْأَوْجَهُ مَا اخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ وَجَزَمَ بِهِ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِهِ أَخْذُ الْمَالِ أَيْضًا وَلَا يَحْصُلُ الْإِكْرَاهُ بِنَحْوِ طَلِّقْ زَوْجَتَك مَثَلًا وَإِلَّا قَتَلْت نَفْسِي أَوْ قَتَلْتُك قِصَاصًا وَلَوْ قَالَ لَهُ اللُّصُوصُ لَا نُخَلِّيك حَتَّى تَحْلِفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّك لَا تُخْبِرُ بِنَا فَحَلَفَ لَهُمْ بِذَلِكَ ثُمَّ أَخْبَرَ بِهِمْ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُمْ أَكْرَهُوهُ عَلَى الْحَلِفِ بِخِلَافِ مَنْ أَكْرَهَهُ ظَالِمٌ عَلَى الدَّلَالَةِ عَلَى زَيْدٍ أَوْ مَالِهِ وَقَدْ أَنْكَرَ مَعْرِفَةَ مَحِلِّهِ فَلَمْ يُخَلِّهِ حَتَّى يَحْلِفَ بِالطَّلَاقِ فَحَلَفَ بِهِ كَاذِبًا أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَة لَمْ يُكْرَهْ عَلَى الطَّلَاقِ بَلْ خُيِّرَ بَيْنه وَبَيْن الدَّلَالَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ طَلَّقَ أَوْ بَاعَ أَوْ تَصَرَّفَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مُكْرَهًا فَإِنْ أَثْبَتَ أَنَّهُ كَانَ ثَمَّ قَرِينَةٌ كَحَبْسٍ أَوْ تَرْسِيمٍ أَوْ كَوْنِهِ فِي دَارِ ظَالِمٍ صَدَقَ بِيَمِينِهِ وَبَطَلَتْ تَصَرُّفَاتُهُ الْوَاقِعَةُ مَعَ قِيَامِ تِلْكَ الْقَرِينَةِ عَمَلًا بِهَا وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْ أَنَّ هُنَاكَ قَرِينَةً لَمْ يُصَدَّقْ نَعَمْ لَهُ طَلَبُ يَمِينِ مَنْ أَنْكَرَ كَوْنَهُ مُكْرَهًا بِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ فَإِنْ حَلَفَ كَذَلِكَ فَذَاكَ وَإِلَّا حَلَفَ هُوَ وَبَطَلَ تَصَرُّفُهُ أَيْضًا وَالْمَسْأَلَةُ الْمُشَارُ إلَيْهَا فِي السُّؤَالِ سَتَأْتِي أَوَائِلَ الدَّعَاوَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إلَّا خَرَجْت مِنْ الدَّارِ بِغَيْرِ إذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ أَنَّهُ غَابَ عَنْهَا مُدَّةً وَأَشْهَدَ شَاهِدَيْنِ بِأَنَّهُ أَذِنَ لَهَا فِي الْخُرُوجِ وَالْحَالُ أَنَّهَا خَرَجَتْ قَبْل بُلُوغِ الْإِذْنِ لَهَا فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاق لِصِدْقِ خُرُوجِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ أَوْ لَا لِخُرُوجِهَا بَعْد الْإِذْنِ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ أَذِنَ لَهَا ثُمَّ خَرَجَتْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ وَإِنْ لَمْ تَعْلَم بِوُقُوعِ الْإِذْنِ مِنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْ غَيْرِ إذْن وَلَمْ يُوجَدْ وَأَمَّا عَمَلُهَا بِالْإِذْنِ فَلَيْسَ مُعَلَّقًا عَلَيْهِ لَا لَفْظًا وَلَا عُرْفًا فَلَمْ يُشْتَرَطْ وُجُودُهُ نَعَمْ إنْ أَرَادَ التَّعْلِيقَ عَلَيْهِ وَقَعَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ لِزَوْجِهَا طَرَحَ اللَّهُ لَك عَلَى تَمَامِ طَلَاقِي نَاوِيَةً الْإِبْرَاء فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ هَلْ تَطْلُقُ ثَلَاثًا أَمْ وَاحِدَةً أَمْ تُسْتَفْسَرُ عَنْ مُرَادِهَا بِقَوْلِهَا تَمَام فَإِنْ أَرَادَتْ بِقَوْلِهَا تَمَام ثَلَاثًا أَوْ دُونه نَزَلَ كَلَامُهَا عَلَيْهِ وَإِنْ أَطْلَقَتْ أَوْ قَالَتْ لَمْ أُرِدْ إلَّا أَصْلَ الطَّلَاقِ لَا عَدَدًا نَزَل عَلَى مَا نَوَاهُ أَوْ صَرَّحَ بِهِ وَهَلْ يُسْتَفْسَرُ الزَّوْجُ أَوْ يُنْزَلُ عَلَى جَوَابِهَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ مَتَى أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ الِابْتِدَاءَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ جَعَلَهُ فِي مُقَابَلَةِ إبْرَائِهَا فَإِنْ صَحَّ إبْرَاؤُهَا بِأَنْ وَجَدَتْ فِيهِ شُرُوطَ الْبَرَاءَةِ الصَّحِيحَةِ وَقَعَ مَا نَوَاهُ مِنْ وَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ لَمْ

يَنْوِ شَيْئًا وَقَعَتْ وَاحِدَةً فَقَطْ وَلَا أَثَرَ لِنِيَّتِهَا الثَّلَاثَ حَتَّى تَطْلُقَ مِنْهُ حِينَئِذٍ ثَلَاثًا وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا وَإِنَّمَا تُؤَثِّرُ نِيَّتُهَا لَهُنَّ بِالنِّسْبَةِ لِعَدَمِ الْبَرَاءَةِ إذَا لَمْ يُوجِدْهُنَّ لِأَنَّهَا إنَّمَا أَبْرَأَتْ بِشَرْطٍ وَهُوَ الثَّلَاثُ فَحَيْثُ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ الشَّرْطُ لَمْ يَصِحَّ الْإِبْرَاء. وَالْحَاصِلُ أَنَّهَا إذَا نَوَتْ الثَّلَاثَ فَإِنْ نَوَاهَا هُوَ أَيْضًا بَرِئَ وَوَقَعَتْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا بِأَنْ أَطْلَقَ أَوْ أَرَادَ وَاحِدَةً فَإِنْ نَوَى بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ إبْرَائِهَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّ إبْرَاءَهَا غَيْرُ صَحِيحٍ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَد شَرْطه وَهُوَ الثَّلَاث وَكَذَا إنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ ابْتِدَاءً وَلَا أَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الْإِبْرَاء لِأَنَّ لَفْظَهُ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الْإِبْرَاء وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ وَأَمَّا إذَا نَوَى الِابْتِدَاء وَلَمْ يَنْوِ الثَّلَاثَ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ وَلَا يَبْرَأُ. فَعُلِمَ أَنَّ نِيَّتَهَا لِلثَّلَاثِ لَا تُوجِبُ طَلَاقَهَا ثَلَاثًا إذَا لَمْ يَنْوِهِنَّ هُوَ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَيْهَا إنَّمَا هُوَ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهَا وَهُوَ الْبَرَاءَةُ وَمَا يَتْبَعُهَا كَاشْتِرَاطِهَا كَوْنَهَا فِي مُقَابَلَةِ الثَّلَاثِ الْمُقْتَضِي لِعَدَمِ الْبَرَاءَةِ إذَا لَمْ تُوجَدْ الثَّلَاثُ لِأَنَّ ذَلِكَ مَوْكُولٌ إلَيْهِ هُوَ لَا إلَيْهَا فَإِنْ نَوَاهُنَّ وَقَعْنَ وَإِلَّا فَلَا وَلَيْسَتْ كَمَنْ قَالَ لِآخَرَ طَلَّقْت امْرَأَتَك حَتَّى يَأْتِيَ هُنَا التَّفْصِيلُ ثُمَّ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنهمَا لِأَنَّ السُّؤَالَ هُنَا مَعَادٌ فِي الْجَوَابِ فَنَظَرَ لِحَالِ السَّائِل وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتنَا فَلَيْسَ فِيهَا سُؤَالٌ وَإِنَّمَا الَّذِي فِيهَا مُعَاوَضَةٌ فَإِنْ صَحَّتْ تَرَتَّبَ حُكْمُهَا عَلَيْهَا وَإِلَّا فَلَا فَلِذَلِكَ لَمْ يُنْظَرْ لِنِيَّتِهَا بِالنِّسْبَةِ لِمَا مَرَّ. (وَسُئِلَ) مَا حُكْمُ طَلَاقِ الدَّوْر وَكَيْف صِيغَةُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عِنْد مَنْ يُصَحِّحُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ طَلَاقَ الدَّوْرِ وَاقِعٌ وَلَا يَمْنَعُهُ الدَّوْرُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَالْقَوْلُ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ بَالَغَ الْأَئِمَّةُ فِي رَدِّهِ وَتَزْيِيفِهِ بَلْ بَالَغَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ فِي الشَّنَاعَةِ عَلَيْهِ وَقَالَ إنَّهُ يُشْبِهُ مَذْهَبَ النَّصَارَى فِي انْسِدَادِ بَابِ الطَّلَاقِ وَكَفَاك فِي الْمُبَالَغَةِ فِي بُطْلَانِهَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَالزَّرْكَشِيُّ فَإِنَّهُمْ بَالَغُوا فِي ذَلِكَ وَفِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ تَقْلِيدُ الْقَائِلِ بِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا حَاجَةَ بِنَا إلَى الْكَلَامِ فِيهِ عَلَى كَيْفِيَّةِ مَنْعِهِ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عِنْد مَنْ يُصَحِّحُهُ لِأَنَّا نَرَى فَسَادَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ وَعَدَمَ جَوَازِ تَقْلِيدِهَا فَكَيْف نُفَرِّعُ عَلَيْهَا. (وَسُئِلَ) فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالٍ بِالتَّرْخِيمِ مَا الرَّاجِحُ مِنْ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ الطَّلَاقُ أَوْ عَدَمُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَدُ فِيهَا وُقُوعُ الطَّلَاقِ وَمِنْ ثَمَّ جَزَمْت بِهِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ لَكِنِّي قُلْت فِيهِ أَيْ مِمَّنْ عَرَفَهُ أَيْ التَّرْخِيمَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. اهـ. وَوَجْهُهُ أَنَّ شَرْطَ تَأْثِيرِ الصَّرِيح أَنْ يَصْدُرَ مِمَّنْ عَرَفَ مَعْنَاهُ فَطَالٍ بِالتَّرْخِيمِ إنَّمَا يُؤَثِّرُ مِمَّنْ عَرَفَ أَنَّ أَصْلَهُ طَالِقٌ وَإِنَّمَا حُذِفَ آخِرُهُ تَرْخِيمًا تَخْفِيفًا فِي اللَّفْظِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) فِي رَجُلٍ قَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ طَلِّقْنِي فَقَالَ أَبْرِئِينِي فَأَبْرَأَتْهُ فَقَالَ لَهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ وَسَمَّاهَا بِاسْمِهَا وَاسْمِ وَالِدِهَا تَحْرُم عَلَيَّ تَحِلُّ لِغَيْرِي فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ طَلْقَةُ وَاحِدَةٌ أَوْ ثَلَاثُ طَلْقَاتٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هَذَا كِنَايَةٌ فَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا وَإِذَا نَوَى الطَّلَاقَ فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً أَوْ أَطْلَقَ وَقَعَتْ وَاحِدَةً وَإِنْ نَوَى ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَقَعَ مَا نَوَاهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) فِي رَجُلٍ تَشَاجَرَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ فَسَأَلَهَا الْبَرَاءَةَ مِنْ صَدَاقِهَا لِيُطَلِّقَهَا فَتُبْرِئُهُ فَيَقُولُ مَثَلًا أَبْرِئِينِي فَأُطَلِّقُك فَتَقُولُ أَبْرَأْتُك أَوْ أَبْرَأَكِ اللَّهُ مُنَجَّزَةً مِنْ غَيْرِ تَعْلِيقٍ وَكَذَلِكَ الزَّوْجُ يَقُولُ أَنْتِ طَالِقٌ بِلَفْظِ التَّنْجِيزِ وَإِذَا سُئِلَ هَلْ طَلَّقْت أَقَرَّ بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا ظَانًّا أَنَّهَا طَلُقَتْ وَأَنَّ ذِمَّتَهُ خَلَصَتْ مِنْ الصَّدَاقِ وَإِنْ قَالَتْ لَا أَعْرِفُ صَدَاقِي قَالَ فَإِنَّ لَمْ أُطَلِّقْ إلَّا طَمَعًا فِي الْبَرَاءَةِ وَإِذَا أَقَرَّ بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَتْ لَمْ أَعْلَمْ قَدْرَ صَدَاقِي حِينَئِذٍ تُرِيدُ الرُّجُوعَ إلَى الزَّوْجِ فَقَالَ الزَّوْجُ إذَا لَمْ تَصِحَّ الْبَرَاءَةُ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ لِأَنِّي مَا طَلَّقْتهَا إلَّا طَمَعًا فِي بَرَاءَةِ ذِمَّتِي فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَمْ لَا لِأَنَّ الزَّوْجَ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلِأَنَّ الْإِمَامَ وَلِيَّ الدِّينِ الْعِرَاقِيّ ذَكَرَ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّ مَنْ نَجَّزَ تَصَرُّفًا ثُمَّ قَالَ أَرَدْت تَعْلِيقَهُ لَا يُقْبَلُ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا فِيمَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَنَقَلَ الشَّيْخَانِ عَنْ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِطَلَاقِ امْرَأَةٍ ثَلَاثًا أَنَّ الصَّحِيحَ يَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ فَمَا الصَّحِيحُ مِنْ ذَلِكَ هَلْ هَذِهِ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ أَمْ لَا؟ فَقَدْ أَجَابَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا مَا هَذَا نَصُّهُ الشَّيْخُ عَلِيُّ بْنُ نَاصِرٍ فَقَالَ اخْتَلَفَتْ أَنْظَارُ النَّاسِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَفْتَى جَمَاعَةٌ فِيهَا بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ ثَلَاثًا لِأَنَّهُ نَجَّزَ الطَّلَاقَ وَأَطْلَقَهُ وَلَمْ

يُقَيِّدْهُ بِصِحَّةِ الْإِبْرَاءِ وَإِقْرَارُهُ بَعْد ذَلِكَ مُؤَكِّدٌ لَهُ وَأَفْتَى جَمَاعَةٌ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاق لِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا طَلَّقَ طَمَعًا فِي الْبَرَاءَةِ فَإِذَا لَمْ يَبْرَأْ لَمْ يَقَعْ وَإِقْرَارُهُ بَعْد ذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ بِذَلِكَ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ الطَّلَاقَ وَقَعَ عَلَيْهِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ قَالَ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الصَّحِيحُ. وَلَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِثْلَ مَا نُقِلَ مِنْ كَوْنِهِ لَمْ يَقْبَلْ لِكَوْنِهِ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَمَا قَالَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ يُوَافِقُ الظَّاهِرَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. جَوَابُهُ بِحُرُوفِهِ فَمَا الْمُعْتَمَدُ مِمَّا ذُكِرَ فِي السُّؤَال فَإِنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ وَأَمَّا مَا فِي فَتَاوَى الْوَلِيِّ الْعِرَاقِيِّ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي فَقَالَ إنْ أَبْرَأْتِنِي مِنْ صَدَاقِك وَهُوَ خَمْسُمِائَةٍ طَلَّقْتُك فَقَالَتْ أَبْرَأْتُك مِنْ الْخَمْسمِائَةِ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ ذَلِكَ سَوَاءٌ أَطَلَّقَ أَمْ لَا وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَرَدْت التَّعْلِيقَ. وَمَنْ نَجَّزَ تَصَرُّفًا ثُمَّ قَالَ أَرَدْت التَّعْلِيقَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا هَذَا فِيمَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ وَالْإِبْرَاء لَا يَقْبَلُهُ إذْ لَا يَصِحُّ إلَّا مُنَجَّزًا فَهَلْ هَذَا يُخَالِفُ مَا فِي فَتَاوَى الْأَصْبَحِيّ عَنْ الْإِمَامِ ابْنِ عُجَيْلٍ وَالْفَقِيهِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِيِّ مِنْ أَنَّهُ إذَا قَالَ أَبْرِئِينِي وَأَنَا أُعْطِيك كَذَا فَأَبْرَأَتْهُ ثُمَّ امْتَنَعَ مِنْ الْوَفَاءِ لَمْ تَصِحَّ الْبَرَاءَةُ أَمْ لَا يُخَالِفُهُ فَمَنْ أَجَابَ عَلَى هَذِهِ السَّيِّدُ الْجَلِيل الشَّرِيفُ السَّمْهُودِيُّ فَقَالَ إنَّ الْمَحْكِيَّ عَنْ ابْنِ عُجَيْلٍ وَالْحَضْرَمِيِّ مَنْظُورٌ فِيهِ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ اسْتِدْعَاءِ الْبَرَاءَةِ بِثَوَابٍ مَعْلُومٍ فَيُلْحَقُ بِالْهِبَةِ بِثَوَابٍ مَعْلُومٍ. وَمَعْنَى قَوْلِهَا فِي جَوَابِهِ أَبْرَأْتُك أَيْ بِاَلَّذِي ذَكَرْت إعْطَاءَهُ لَا أَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ مَجَّانًا وَفَّى بِمَا وَعَدَ أَمْ لَمْ يَفِ بِدَلَالَةِ السِّيَاقِ فَتَصِحُّ الْبَرَاءَةُ وَيَلْزَمُهُ مَا سَمَّى وَلَيْسَ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ دَفْعِ مَا سَمَّاهُ عِوَضًا مِنْ الْمُبَرَّإِ مِنْهُ فَيُتَّجَهُ حِينَئِذٍ عَدَمُ صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ وَمَسْأَلَةُ الْوَلِيِّ الْعِرَاقِيِّ لَيْسَتْ نَظِيرًا لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَإِنَّمَا نَظِيرُهَا أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ أَبْرِئِينِي مِنْ صَدَاقِك وَأَنَا أُطَلِّقُك فِي نَظِيرِ الْبَرَاءَةِ فَتَقُولُ أَبْرَأْتُك قَاصِدَةً جَعْلَ الْبَرَاءَةِ عِوَضًا غَيْرَ أَنَّهَا حَذَفَتْ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ فَيَقُولُ الزَّوْجُ أَنْتِ طَالِقٌ قَاصِدًا ذَلِكَ وَقَدْ أَوْضَحْنَا ذَلِكَ بِالرِّسَالَةِ الْمَوْسُومَةِ بِالْمُحَرَّرِ مِنْ الْآرَاءِ فِي حُكْمِ الطَّلَاقِ بِالْإِبْرَاءِ أَنَّ الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ صِحَّةُ الْإِبْرَاء وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ بَائِنًا عِنْد الْعِلْمِ بِالْمُبَرَّإِ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا طَلَاقَ وَلَا بَرَاءَةَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. لَفْظُهُ بِحُرُوفِهِ هُنَا ثُمَّ تَعَقَّبَهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمُشَارِ إلَيْهَا هُنَا وَقَدْ سُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَبْرِئِينِي وَأُطَلِّقُك فَقَالَتْ أَبْرَأْتُك فَقَالَ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَبَانَ أَنَّ الْقَيْدَ الَّذِي أَبْرَأَتْ مِنْهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَمَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ فَأَجَابَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ مَوْضُوعِهِ أَنَّ الزَّوْجَ وَعَدَهَا بِالطَّلَاقِ عِنْد حُصُولِ الْبَرَاءَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقَابِلَ بِهَا الطَّلَاقَ وَأَنَّ الزَّوْجَ ظَنَّ صِحَّتَهَا فَتَبَرَّعَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ فِي مُقَابَلَةِ الْبَرَاءَةِ لِسَبْقِهَا عَلَى طَلَاقِهِ مُنَجَّزَةً بِحَيْثُ لَوْ صَحَّتْ وَامْتَنَعَ مِنْ الطَّلَاقِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ مَعَ حُصُولِهَا لَهُ فَطَلَاقُهُ وَاقِعٌ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ الْبَرَاءَةُ لِعَدَمِ عِلْمِ الزَّوْجَةِ بِمَا أَبْرَأَتْ مِنْهُ هَذَا مَا يَقْتَضِيه وَضْعُ مَا ذَكَرَ ذَلِكَ هَذَا آخِر كَلَامِهِ بِحُرُوفِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. وَقَدْ سُئِلَ الشَّيْخُ سِرَاج الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ بِنَحْوِ هَذَا فِيمَنْ سَأَلَ امْرَأَتَهُ الْإِبْرَاء مِنْ صَدَاقِهَا لِيُطَلِّقَهَا فَتُبْرِئُهُ فَيَقُولُ لَهَا طَلَاقُك بِبَرَاءَتِك وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ بِصِحَّةِ بَرَاءَتك وَجَمِيعُ أَهْلِ الْحِجَازِ يَسْتَعْمِلُونَ ذَلِكَ فَهَلْ يَكُونُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا أَوْ لَا يَقَعُ بِهَذَا اللَّفْظِ فَإِنْ أَوْقَعْنَا بِهِ الطَّلَاقَ وَكَانَ الْإِبْرَاءُ فَاسِدًا فَمَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ وَقَوْلُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَتَاوِيهِ لَوْ قَالَ لَهَا زَوْجُهَا إنْ أَبْرَأْتَنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِذَا أَبْرَأَتْهُ عَنْ الصَّدَاقِ يَقَعُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وَإِلَّا فَلَا فَهَلْ هُوَ كَمَا قَالَ؟ أَجَابَ الشَّيْخُ الْمَذْكُورُ فَقَالَ إنَّ قَوْلَ الزَّوْجِ طَلَاقُكِ بِبَرَاءَتِك أَوْ بِصِحَّةِ بَرَاءَتِكِ إنْ قَصَدَ بِهِ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ عَلَى صِحَّةِ مَا جَرَى مِنْ إبْرَاءِ الْمَرْأَةِ فَيُنْظَرُ إنْ صَحَّ الْإِبْرَاء لِوُجُودِ أَهْلِيَّةِ الْمَرْأَةَ لِذَلِكَ وَعَمَلِهَا بِمَا أَبْرَأَتْ مِنْهُ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ رَجْعِيًّا لِأَنَّ الْإِبْرَاء قَدْ صَدَرَ مِنْ الْمَرْأَةِ صَحِيحًا وَلَمْ يُقَابِلْ الزَّوْجُ طَلَاقَهُ بِعِوَضٍ تَحْقِيقِيٍّ وَلَا تَقْدِيرِيٍّ وَإِنَّمَا عَلَّقَهُ عَلَى مُجَرَّدِ صِفَةٍ فَأَشْبَهُ مَا لَوْ صَدَرَ مِنْهَا عَقْدُ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ. فَقَالَ لَهَا الزَّوْجُ إنْ صَحَّ الْعَقْدُ الصَّادِرُ مِنْك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَلَا تَوَقُّفَ فِي أَنَّ مِثْلَ هَذَا يَقَعُ رَجْعِيًّا عِنْد وُجُودِ الصِّحَّةِ وَإِنْ لَمْ يَصِحّ

الْإِبْرَاء مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ الطَّلَاقُ لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الزَّوْجُ بِقَوْلِهِ طَلَاقُك بِبَرَاءَتِك أَوْ بِصِحَّةِ بَرَاءَتِك تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ عَلَى صِحَّةِ الْإِبْرَاء وَإِنَّمَا قَصَدَ تَنْجِيزَ طَلَاقِهَا مُقَابِلَ مَا صَدَرَ مِنْهَا فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ رَجْعِيًّا سَوَاءٌ صَحَّ الْإِبْرَاء أَمْ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ عَلَى الصِّحَّةِ وَإِنَّمَا صَدَرَ تَنْجِيزُهُ فَيَنْفُذُ وَيَلْغُو قَوْل الزَّوْجِ بِبَرَاءَتِك أَوْ بِصِحَّةِ بَرَاءَتِك وَإِنْ أَطْلَقَ وَلَمْ يَقْصِدْ تَعْلِيقًا وَلَا تَنْجِيزًا فَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى التَّعْلِيقِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْفَتَاوَى الْمُخْتَلِفَةِ فَهُوَ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ أَمَّا وُقُوعُ الطَّلَاقِ بَائِنًا فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ بَعْد صُدُورِ الْإِبْرَاءِ مِنْ الْمَرْأَةِ صَحِيحًا إذْ لَا عِوَضَ حِينَئِذٍ يَقْتَضِي الْبَيْنُونَةَ. وَأَمَّا وُقُوعُ الطَّلَاقِ رَجْعِيًّا فَهَذَا لَا يُطْلِقُ الْقَوْلَ بِهِ بَلْ يُنْظَرُ فِي قَصْدِ التَّعْلِيقِ وَقَصْدِ التَّنْجِيزِ وَعَدَمِ الْقَصْدِ وَيُعْمَلُ بِمَا قَرَّرْنَاهُ وَأَمَّا إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ فَغَيْرُ مُعْتَمَدٍ وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَرَّرْنَاهُ وَأَمَّا مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ مِنْ أَنَّا إذَا أَوْقَعْنَا الطَّلَاقَ بِهَذَا الْإِبْرَاء فَكَانَ الْإِبْرَاء فَاسِدًا مَا حُكْمُهُ جَوَابُهُ أَنَّهُ إنْ قَصَدَ التَّعْلِيقَ كَمَا قَرَّرْنَا فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ عِنْد عَدَمِ صِحَّةِ الْإِبْرَاء لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ وَإِنْ قَصَدَ التَّنْجِيزَ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَا أَثَرَ لِفَسَادِ الْإِبْرَاءِ وَإِنْ أَطْلَقَ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى التَّعْلِيقِ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ وَلَوْ كَانَ مَا يَحْكِيهِ الْقَاضِي حُسَيْن فِي فَتَاوِيهِ مُعْتَمَدًا لَكَانَ يَلْزَمُ أَنَّ مَنْ بَاعَ مَتَاعَهُ بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ عَلَى الْمُشْتَرِي عِوَضًا تَحْقِيقًا وَلَمَّا اتَّفَقَتْ الطُّرُقُ الْمَشْهُورَةُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْبَيْعِ لِلتَّقْدِيرِ كَذَلِكَ يَكُونُ الطَّلَاقُ بَعُوضٍ تَقْدِيرِيّ فَيَقَعُ بَائِنًا وَإِنَّمَا قُلْت اتَّفَقَتْ الطُّرُقُ الْمَشْهُورَةُ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ لِأَنَّ فِي شَرْحِ الرَّافِعِيِّ وَالرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ الضَّمَانِ. فَرْعٌ بَاعَ الضَّامِنُ ثَوْبَهُ بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ هَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِ وَجْهَانِ وَلَمْ يَذْكُرْ الرَّافِعِيُّ وَلَا صَاحِبُ الرَّوْضَةِ عِلَّةَ هَذَا الْوَجْهِ الصَّائِرِ إلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ وَتَوْجِيهِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي الْبَيْعِ عِوَضٌ تَحْقِيقِيٌّ وَهَذَا التَّخَيُّلُ فَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُعَاوَضَاتِ تَقَعُ بِعِوَضٍ تَحْقِيقِيٍّ وَبِعِوَضٍ تَقْدِيرِيٍّ وَكَأَنَّ الصَّدَاقَ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ قَدْ تُعُوِّضَ عَنْ الطَّلَاقِ بِسُقُوطِهِ عَنْهُ وَهَذَا عِوَضٌ تَقْدِيرِيٌّ فَوَقَعَ فِيهِ الطَّلَاقُ بَائِنًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَمَتَى لَمْ يَصِحَّ الْإِبْرَاء لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ هُنَا بِلَا خِلَافٍ. وَيُشْتَرَطُ هُنَا عِلْمُ الزَّوْجَيْنِ بِالْمِقْدَارِ الَّذِي عُلِّقَ الطَّلَاقُ عَلَى الْإِبْرَاءِ مِنْهُ لِأَنَّ فِيهِ الْمُعَاوَضَةُ هَذَا جَوَابُ الشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ فَإِذَا كَانَ أَهْلُ هَذِهِ الشَّاغِرَةِ لَا يَعْرِفُونَ إلَّا أَنَّهُ إذَا قَالَ الزَّوْجُ لِزَوْجَتِهِ أَبْرِئِينِي مِنْ صَدَاقِك أَوْ أَبْرِئِينِي وَفِي نِيَّتِهِ مِنْ الصَّدَاقِ الْمَذْكُورِ فَقَالَتْ أَبْرَأك اللَّهُ أَوْ أَبْرَأْتُك فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَفِي عُرْفِهِمْ أَنَّهَا إذَا أَبْرَأَتْهُ صَحَّ طَلَاقُهَا وَإِذَا قَالَتْ لَمْ أَعْرِفْ مَهْرِي وَادَّعَتْ فَسَادَ الْبَرَاءَةِ رُجِعَ إلَى مَا فِي نِيَّتِهِ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا طَلَّقَهَا طَمَعًا فِي بَرَاءَةِ ذِمَّته فَإِذَا ادَّعَتْ فَسَادَ الْبَرَاءَةِ وَأَسْنَدَتْ قَوْلَهَا إلَى مُسْتَنَدٍ صَحِيحٍ هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهَا مِثَالُ إنْكَارِهَا لِصِحَّةِ الْبَرَاءَةِ أَنْ يُزَوِّجَهَا الْوَلِيُّ. وَهِيَ بَعِيدَةٌ عَنْ إيجَاب النِّكَاحِ وَتَكُونُ هِيَ قَدْ أَذِنَتْ فِي تَزْوِيجِهَا بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ وَأَطْلَقَتْ الْوَكَالَة وَلَمْ تَذْكُرْ مَهْرًا وَهَلْ نَأْخُذُ بِقَوْلِ الزَّوْجِ أَنِّي لَمْ أُطَلِّقْهَا ثَلَاثًا إلَّا ظَانًّا أَنَّ ذِمَّتِي خَلَصَتْ مِنْ الصَّدَاقِ أَوْ لَمْ أُقِرَّ بِهِ إلَّا أَنِّي طَمِعْت فِي بَرَاءَةِ ذِمَّتِي مِنْ الصَّدَاقِ فَهَلْ إذَا كَانَ الزَّوْجُ عَامِّيًّا لَا يَعْرِف شَيْئًا وَكَانَ مِمَّنْ يُعْتَقَدُ أَنَّهُ يَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ فَهَلْ يَدِينُ سَوَاءٌ كَانَ عَدْلًا أَوْ مُتَوَسِّطًا أَوْ عَامِّيًّا لَا يَعْرِفُ قَوَاعِدَ الشَّرْعِ وَإِذَا قُلْتُمْ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فَذَاكَ. وَإِنْ قُلْتُمْ لَا يَقَعُ عِنْد الْجَهَالَةِ بِالْمُبَرَّإِ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيّ فَهَلْ يَحْلِفَانِ أَعْنِي الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ أَجْمِعُوا لَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الصَّحِيحَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَالْفَتْوَى وَهَلْ يَجُوزُ لِلَّذِي يُظَنُّ أَنَّ عِنْده بَعْضَ نَظَرٍ فِي كَلَامِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يُفْتِي بِمَا هُوَ مُقَلِّدٌ فِيهِ فَإِنِّي نَظَرْت لِلْقَفَّالِ فِي هَذَا أَنَّهُ يُجَوِّزُ ذَلِكَ فَمَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ إذَا كَانَ يَعْرِفُهُ مَعْرِفَةً جَازِمَةً وَهُوَ أَعْنِي الْمُقَلِّدَ يَتْبَع فِي ذَلِكَ تَصْحِيحَ الشَّيْخَيْنِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ بِأَنَّ الَّذِي أَفْتَيْت بِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ فِيمَنْ سَأَلَتْهُ زَوْجَتُهُ الطَّلَاقَ فَقَالَ لَهَا أَبْرِئِينِي فَقَالَتْ لَهُ أَبْرَأْتُك أَوْ أَبْرَأَكَ اللَّهُ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنَّ ذَلِكَ فِي مُقَابَلَةِ تَلَفُّظِهَا بِالْإِبْرَاءِ أَوْ أَطْلَقَ فَلَمْ يُرِدْ شَيْئًا وَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ كَوْنِهِ بَرِئَ مِمَّا طَلَبه مِنْهَا بِقَوْلِهِ أَبْرِئِينِي مِنْ دَيْنِك مَثَلًا وَعِلْمًا بِهِ

وَكَانَتْ رَشِيدَةً مَالِكَةً لِكُلِّ الدَّيْنِ بِأَنْ لَمْ يَمْضِ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي ذِمَّتِهِ حَوْلٌ أَوْ أَحْوَالٌ أَوْ كَانَ دُون نِصَابٍ زَكَوِيّ وَقَعَ الطَّلَاقُ أَيْضًا. وَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ كَأَنْ جَهِلَتْهُ هِيَ أَوْ هُوَ أَوْ كَانَتْ سَفِيهَةً بِأَنْ بَلَغَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ لِدِينِهَا وَمَالِهَا وَاسْتَمَرَّتْ كَذَلِكَ أَوْ مَلَكَ غَيْرُهَا بَعْضَ الدَّيْنِ كَأَنْ وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَهُوَ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ فَإِنَّ مُسْتَحِقِّي الزَّكَاةِ يَمْلِكُونَ بِقَدْرِهَا مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ فَإِذَا وُجِدَ شَيْء مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ فَيَجْرِي هَذَا التَّفْصِيلُ فِي صُورَةِ السَّائِلِ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي أَوَّلِ السُّؤَالِ بِقَوْلِهِ فَيَقُول مَثَلًا أَبْرِئِينِي وَأُطَلِّقُك فَتَقُولُ أَبْرَأْتُك أَوْ أَبْرَأَكَ اللَّهُ إلَخْ وَفِي آخِرِ السُّؤَالِ بِقَوْلِهِ فَإِذَا كَانَ أَهْلُ هَذِهِ الشَّاغِرَةِ لَا يَعْرِفُونَ إلَخْ وَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ قَوْلُ أَبِي زُرْعَةَ مَنْ نَجَّزَ تَصَرُّفًا إلَخْ لِأَنَّ مَحِلَّهُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ. وَنَظَائِرِهَا مِمَّا قَامَتْ بِهِ الْقَرِينَةُ عَلَى صِدْقِ مَا ادَّعَاهُ الزَّوْجُ بِدَلِيلِ كَلَامِ أَبِي زُرْعَةَ نَفْسِهِ فِي نَظِيرَتِهَا الْآتِيَةِ وَإِلْحَاقِ أَبْرَأْكَ اللَّهُ بِأَبْرَأْتُكَ فِي كَوْنِهِ صَرِيحًا عَنْ الْإِبْرَاءِ لَا كِنَايَةً هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الطَّلَاقِ خِلَافًا لِأَبِي زُرْعَةَ وَغَيْرِهِ كَطَلَّقَك اللَّهُ أَوْ أَعْتَقَك اللَّهُ فَإِنَّ الْأَوَّلَ صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ وَالثَّانِي صَرِيحٌ فِي الْعِتْقِ وَحَيْثُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ بِأَنْ أَرَادَ طَلَاقَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْبَرَاءَةِ وَلَمْ تُوجَدْ جَمِيعُ شُرُوطِهَا الْمَذْكُورَةِ فَأَقَرَّ بِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ ظَانًّا أَنَّ طَلَاقَهُ الْأَوَّلَ وَقَعَ لَمْ يُؤَاخَذْ بِهَذَا الْإِقْرَارِ فِيمَا يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ مِنْ احْتِمَالَيْنِ لِلزَّرْكَشِيِّ لِأَنَّ قَرِينَةَ الْحَالِ مُشْعِرَةٌ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ الْإِخْبَارَ بِمَا وَقَعَ وَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَلَمْ يُؤَاخَذْ بِهَذَا الْإِقْرَارِ عَمَلًا بِالْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ لَهُ عَنْ حَقِيقَتِهِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ أَئِمَّتِنَا لَوْ أَدَّى الْمُكَاتَبُ النَّجْمَ الْأَخِيرَ وَكَانَ حَرَامًا وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ السَّيِّدُ بِهِ فَقَالَ لَهُ اذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ لَمْ يُعْتَقْ بِقَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ قَرِينَةَ الْحَال دَلَّتْ عَلَى إرَادَة الْإِخْبَار بِمَا وَقَعَ لِظَنِّهِ صِحَّةَ الْعِوَضِ. وَقَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَ أَرَدْت الْإِطْلَاقَ مِنْ وَثَاقٍ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا إنْ كَانَ يَحِلُّهَا مِنْهُ لِلْقَرِينَةِ الظَّاهِرَةِ وَإِفْتَاء ابْنِ الصَّلَاحِ فِيمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ جَاءَ بِهَا لِمَنْ يَكْتُبُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ الْكَاتِبُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ تَقَدُّمَ الطَّلْقَةِ قُلْ خَالَعْتك عَلَى بَاقِي صَدَاقِك فَقَالَتْ قَبِلْت وَهُوَ يُرِيدُ الطَّلْقَةَ الْمَاضِيَةَ لَا إنْشَاءَ طَلْقَةٍ أُخْرَى بِأَنَّ الْخُلْعَ بَاطِلٌ وَلَهُ مُرَاجَعَتُهَا فِي الْعِدَّةِ وَالْقَوْلُ قَوْله أَنَّ الْخُلْعَ وَقَعَ كَذَلِكَ. اهـ. وَلَا يُنَافِي مَا قَرَّرْته فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ عَنْ الشَّيْخَيْنِ عَنْ الْمُتَوَلِّي لِأَنَّ مَحِلَّهُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَأَمْثَالِهَا كَمَا هُوَ جَلِيٌّ مِنْ كَلَامِهِمْ الَّذِي ذَكَرْته وَقَوْلُ السَّائِلِ ثُمَّ قَالَتْ لَمْ أَعْلَمْ قَدْرَ صَدَاقِي إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّ الزَّوْجَ مُتَّهَمٌ فِي حُقُوقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ مُتَّهَمًا أَنْ لَوْ تَحَقَّقْنَا وُقُوعَ الطَّلَاقِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يَرْفَعُهُ كَأَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ ادَّعَى فَسَادَ النِّكَاحِ حَتَّى لَا يَقَعَ الطَّلَاقُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى مُحَلَّلٍ وَهُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ وُقُوعَ الطَّلَاقِ إلَّا إذَا عَلِمْنَا أَنَّهُمَا يَعْلَمَانِ قَدْرَ الْمُبَرَّإِ مِنْهُ وَأَمَّا إذَا لَمْ نَعْلَمْ ذَلِكَ فَلَا سَبِيلَ إلَى الْوُقُوعِ إلَّا بَعْدَ اعْتِرَافِهِمَا بِأَنَّهُمَا يَعْلَمَانِهِ فَحَيْثُ اعْتَرَفَا أَوْ أَحَدُهُمَا بِعَدَمِ الْعِلْمِ فَلَا وُقُوعَ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُعْلَمُ مِنْ جِهَتِهِمَا هَذَا عِنْد اتِّفَاقِهِمَا عَلَى عَدَمِ عِلْمِهِمَا أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا. أَمَّا لَوْ اخْتَلَفَا بِأَنَّ ادَّعَتْ الْعِلْمَ وَأَنْكَرَ فَالرَّاجِحُ عَلَى مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ تَصْدِيقُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ فَلَوْ قَالَتْ كُنْت جَاهِلَةً وَقَالَ بَلْ عَالِمَةً صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَبَرِئَ مِنْ الصَّدَاقِ وَبَانَتْ مِنْهُ لَكِنْ ذَكَرَ فِيهِ الْغَزِّيُّ تَفْصِيلًا وَهُوَ أَنَّ الْأَبَ إنْ زَوَّجَهَا إجْبَارًا أَوْ وَهِيَ صَغِيرَةٌ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا أَنَّهَا لَا تَعْلَمُ قَدْرَهُ فَلَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ وَإِنْ كَانَتْ حِينَ الْعَقْدِ بَالِغَةً عَاقِلَةً صُدِّقَ الزَّوْجُ بِيَمِينِهِ فِي عَمَلِهَا بِقَدْرِهِ حِينَ أَبْرَأَتْهُ لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ وَالْمُجْبَرَةَ يُعْقَدُ عَلَيْهَا بِغَيْرِ عِلْمِهَا بِالصَّدَاقِ بِخِلَافِ الْكَبِيرَةِ قَالَ الْغَزِّيُّ وَهَذَا وَاضِحٌ فِي الثَّيِّبِ أَمَّا الْبِكْرُ الْمُجْبَرَةُ فَيَنْبَغِي أَنَّ الْحَالَ إنْ دَلَّ عَلَى عِلْمِهَا بِالصَّدَاقِ لَمْ تُصَدَّقْ هِيَ وَإِلَّا صُدِّقَتْ. اهـ. وَبِمَا قَرَّرْته يَعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَوَفَّقَهُ وَأَحْيَا بِعَلِيِّ هِمَّتِهِ مَا انْدَرَسَ مِنْ مَعَالِمِ الْعُلُومِ آخِرُ السُّؤَالِ فَإِذَا كَانَ أَهْلُ هَذِهِ الشَّاغِرَةِ لَا يَعْرِفُونَ إلَى آخِرِهِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهَا إذَا ادَّعَتْ الْجَهْلَ بِمَا أَبْرَأَتْ مِنْهُ وَادَّعَى هُوَ أَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقَهَا إلَّا طَمَعًا فِي الْبَرَاءَةِ قُبِلَ مِنْهُمَا فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ طَلَاقٌ

وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا فَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهَا بَيْن يَدَيْ حَاكِمٍ أَنَّهَا تَعْلَمُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْهَا إلَّا طَمَعًا حَلَّفَهُمَا الْحَاكِمُ عَلَى ذَلِكَ وَأَمَّا مَا أَفْتَى بِهِ أَبُو زُرْعَةَ مِنْ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي فَقَالَ إنْ أَبْرَأْتِنِي إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ عَنْهُ فَصَحِيحٌ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا تَبَعًا لِمَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي. وَلِنَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ تُقْبَل هُنَا إرَادَتُهَا التَّعْلِيقَ لِأَنَّ الصُّورَةَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَنَّ الزَّوْجَ خَالَعَهَا وَظَاهِرُ اللَّفْظِ صَرِيحٌ فِي دَعْوَاهُ فَصَدَقَ هُوَ دُونهَا وَأَمَّا مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عُجَيْلٍ وَالْحَضْرَمِيُّ مِمَّا ذَكَرَهُ السَّائِلُ عَنْهُمَا فَهُوَ شَيْءٌ انْفَرَدَا بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوَاعِدِ أَصْحَابِنَا وَإِنَّمَا الَّذِي يَقْتَضِيه كَلَامُهُمْ أَنَّهَا مَتَى قَالَتْ لَهُ أَبْرَأْتُك وَوُجِدَتْ فِيهَا شُرُوطُ الْبَرَاءَةِ بَرِئَ وَقَوْلُهُ وَأَنَا أُعْطِيك كَذَا وَعْدًا لَا يَلْزَمُ فَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ الْوَفَاءِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَفَاءُ بِهِ وَالْبَرَاءَةُ بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا وَقَوْلُ السَّيِّدِ إنَّهُ مِنْ قَبِيلِ اسْتِدْعَاءِ الْبَرَاءَةِ بِثَوَابٍ مَعْلُومٍ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ عِنْد السَّائِلِ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَمَشَّى إلَّا إذَا عَبَّرَ بِقَوْلِهِ وَلَك كَذَا. وَقُلْنَا إنَّ الْإِبْرَاء مَحْضُ تَمْلِيكٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الرَّجْعَةِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ مَحْضَ تَمْلِيكٍ وَلَا مَحْضَ إسْقَاطٍ بَلْ فِيهِ شَائِبَةٌ مِنْ كُلٍّ وَقَدْ يُغَلِّبُونَ شَائِبَةَ التَّمْلِيكِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ وَقَدْ يُغَلَّبُونَ شَائِبَةَ الْإِسْقَاطِ فَإِذَا نَظَرْنَا إلَى أَنَّهُ إسْقَاط أَوْ فِيهِ شَائِبَةٌ لَمْ يَصِحَّ أَنْ يُلْحَقَ بِالْهِبَةِ بِثَوَابٍ مَعْلُومٍ خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ فَالْوَجْهُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ الَّتِي فِيهَا وَأُعْطِيك كَذَا صِحَّةُ الْبَرَاءَةِ وَعَدَمُ لُزُومِ الْوَفَاءِ سَوَاءٌ أَذُكِرَ عِوَضًا صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا وَالْأَوْجَهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرْتهَا وَهِيَ وَلَك عَلَيَّ كَذَا أَنَّهُ كَذَلِكَ نَظَرُ الشَّائِبَةِ الْإِسْقَاط وَقَوْلُ السَّيِّدِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهَا أَبْرَأْتُك أَيْ بِاَلَّذِي ذَكَرْت إلَخْ مَمْنُوعٌ وَعَلَى تَسْلِيمِهِ فَالْبُطْلَانُ جَاءَ إمَّا مِنْ قَوْلِهِ فِي الْأُولَى وَأُعْطِيك لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْوَعْدِ فَلَا يَصِحُّ لِلْإِلْزَامِ وَأَمَّا نَظَرُ الشَّائِبَةِ الْإِسْقَاطَ وَإِنْ قَالَ عَلَى أَنَّ لَك عَلَيَّ كَذَا فِي الثَّانِيَةِ. وَقَوْلُ السَّيِّدِ وَمَسْأَلَةُ الْوَلِيِّ الْعِرَاقِيِّ لَيْسَتْ نَظِيرَةً لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَإِنَّمَا نَظِيرَتُهَا إلَخْ صَحِيحٌ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ عَنْهُ مِنْ إفْتَائِهِ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَبْرِئِينِي وَأُطَلِّقُك إلَخْ بِقَوْلِهِ الْمُتَبَادَرُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ إلَخْ فَمَحِلُّهُ حَيْثُ قَصَدَ الزَّوْجُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ لَا فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ أَوْ أَطْلَقَ فَيَقَعُ مُطْلَقًا أَمَّا لَوْ أَرَادَ جَعْلَ الطَّلَاقِ فِي مُقَابَلَةِ صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ فَلَا يَقَعُ إلَّا إنْ صَحَّتْ الْبَرَاءَةُ كَمَا ذَكَرْته أَوْ لَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي زُرْعَةُ الْآتِي قَرِيبًا لَوْ قَالَ الزَّوْجُ أَرَدْت بِذَلِكَ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ عَلَى الْإِبْرَاء مِنْ الصَّدَاق وَجَعَلْته عِوَضًا لَا سَبَبًا إلَخْ. وَأَمَّا مَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ مِمَّا ذَكَرَهُ السَّائِلُ عَنْهُ فَهُوَ صَحِيحٌ وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ تِلْمِيذُهُ الْمُحَقِّقُ أَبُو زُرْعَةَ وَأَطَالَ فِيهِ وَفِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ أَفْتَى بِخِلَافِهِ كَالْمُحِبِّ الطَّبَرِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ نَعَمْ نَقَلَ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ مِنْهُمْ الزَّرْكَشِيّ وَأَبُو زُرْعَةَ وَغَيْرُهُمَا عَنْ الْخُوَارِزْمِيَّ وَأَقَرُّوهُ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ أَبْرَأْتُك مِنْ صَدَاقِي عَلَيْك بِالطَّلَاقِ فَطَلَّقَهَا فِي الْمَجْلِسِ بَانَتْ وَبَرِئَ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْبُلْقِينِيُّ الْمَذْكُورُ وَكَلَامُ أَبِي زُرْعَةَ مِنْ أَنَّ صِحَّةَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بَائِنًا بِالْبَرَاءَةِ الصَّحِيحَةِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ إذَا بَدَأَ الزَّوْجُ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا فَقَطْ بِخِلَافِ مَا إذَا بَدَأَتْ هِيَ فَإِنَّهَا إنْ عَلَّقَتْ الْبَرَاءَةَ عَلَى الطَّلَاقِ لَمْ تَصِحَّ الْبَرَاءَةُ. وَإِنْ نَجَّزَتْهَا فَقَدْ بَرِئَتْ ذِمَّته قَبْل أَنْ يُطَلِّقَ فَيَكُونُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ الْخُوَارِزْمِيَّ الْمَذْكُورَةِ وَقَدْ نَقَلَ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ عَنْهُ وَأَقَرُّوهُ أَيْضًا وَحَكَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ فَتَاوَى الْقَاضِي وَأَقَرَّاهُ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ أَبْرَأْتُك مِنْ صَدَاقِي فَطَلِّقْنِي فَقَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ إنْ صَحَّتْ بَرَاءَتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَنَّهَا قَصَدَتْ جَعْلَ الْإِبْرَاء عَنْ الطَّلَاقِ وَلِذَلِكَ تَرَتَّبَ سُؤَالُ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ. اهـ. وَحَذَفَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ وَكَانَ وَجْهُ حَذْفِهِ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ كَلَامِهَا إنَّمَا هُوَ تَنْجِيزُ الْبَرَاءَةِ لَا جَعْلَهَا عِوَضًا نَعَمْ إنْ صَرَّحَتْ بِأَنَّهَا أَرَادَتْ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَوَافَقَهَا الزَّوْجُ عَلَى ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقَعُ بَائِنًا بِالْبَرَاءَةِ لِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ مِنْ مُقَابَلَةِ الطَّلَاقِ بِالْبَرَاءَةِ مِنْهَا وَوُقُوعِهِ مِنْهُ فِي مُقَابِلَتِهَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ احْتِمَالًا قَرِيبًا فَقُبِلَتْ دَعْوَى إرَادَتِهِ وَيُوَافِقُ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي زُرْعَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْبُلْقِينِيُّ السَّابِقَةِ لَوْ قَالَ أَرَدْت بِقَوْلِي طَلَاقُك بِصِحَّةِ بَرَاءَتِك أَوْ بِبَرَاءَتِك تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ عَلَى الْإِبْرَاء مِنْ الصَّدَاقِ وَجَعْلَهُ عِوَضًا

لَا سَبَبًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ ذَلِكَ مِنْهُ لِاحْتِمَالِهِ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى جَوَابِهَا فَإِنْ أَجَابَتْهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِنْ لَمْ تُجِبْهُ لَمْ يَقَعْ. اهـ. فَعُلِمَ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا أَبْرِئِينِي مِنْ صَدَاقِك وَأَنَا أُطَلِّقُك فَقَالَتْ أَبْرَأْتُك مِنْهُ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ طَلَاقُك بِصِحَّةِ بَرَاءَتِك أَوْ بِبَرَاءَتِك فَفَهِمَتْ مِنْ قَوْلِهِ أَبْرِئِينِي وَأَنَا أُطَلِّقُك الْوَعْدَ بِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ فِي مُقَابِلَةِ الْإِبْرَاء فَأَرَدْت بِقَوْلِي أَبْرَأْتُك جَعْلَ الْإِبْرَاء فِي مُقَابِلَةِ الطَّلَاقِ الَّذِي يُوقِعُهُ وَأَرَدْت رَبْطَهُ بِهِ وَقَالَ الزَّوْجُ أَرَدْت ذَلِكَ وَقَعَ رَجْعِيًّا وَيَبْرَأُ وَلَا عِبْرَةَ بِإِرَادَتِهَا ذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالَتْ أَبْرَأْتُك مِنْ صَدَاقِي فَطَلِّقْنِي فَإِنَّهُ يَبْرَأُ طَلَّقَهَا أَمْ لَا. فَإِنْ طَلَّقَهَا وَقَعَ رَجْعِيًّا وَإِنْ أَرَادَتْ وَحْدَهَا جَعْلَ الْإِبْرَاء فِي مُقَابَلَةِ الطَّلَاقِ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ وَحَيْثُ لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ طَلَاقُك بِبَرَاءَتِك أَوْ بِصِحَّةِ بَرَاءَتِك التَّعْلِيقَ عَلَى صِحَّةِ بَرَاءَتِهَا بَلْ اسْتِئْنَافَ عَقْدِ خُلْعٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ فِي مُقَابَلَةِ إبْرَاءٍ جَدِيدٍ تَوَقَّفَ تَمَامُ الْخُلْعِ حِينَئِذٍ عَلَى قَبُولِهَا أَوْ إبْرَائِهَا ثَانِيًا وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَإِنَّمَا قُبِلَ فِي إرَادَة ذَلِكَ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ خِلَافُهُ قِيَاسًا عَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ لَهُ طَلِّقْنِي عَلَى مِائَةٍ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مُرِيدًا الِابْتِدَاءَ قُبِلَ مِنْهُ وَوَقَعَ رَجْعِيًّا لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ فَإِنْ اتَّهَمَتْهُ حَلَّفَتْهُ اهـ. وَإِذَا وَصَلَ لِلْمُقَلِّدِ إفْتَاءُ بَعْضِ أَئِمَّةِ مَذْهَبِهِ وَعَرَفَ خَطَّهُ أَوْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ عَدَلَ عَنْهُ جَازَ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ وَالْعَمَلُ بِمَا فِيهِ وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَحْتَاطَ وَيَسْأَلَ غَيْره إنْ تَيَسَّرَ لِيَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ مَا أَفْتَى بِهِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ فَهُوَ الْوَرَعُ وَالِاحْتِيَاطُ وَلَا يَجُوز لِمَنْ لَمْ يَصِلْ لِرُتْبَةِ الْإِفْتَاءِ أَنْ يُفْتِيَ أَحَدًا إلَّا بِمَا هُوَ مَعْلُومٌ قَطْعًا مِنْ مَذْهَبِهِ كَالنِّيَّةِ وَاجِبَةٌ فِي الْوُضُوءِ وَالْوِتْرِ مَنْدُوبٌ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا وَأَمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يُفْتِي فِيهِ بِشَيْءٍ لَكِنْ إنْ كَانَ عَدْلًا وَأَخْبَرَ عَنْ إمَام أَوْ كِتَابٍ مَوْثُوقٍ بِهِ بِحُكْمٍ فِي مَسْأَلَة مُعَيَّنَةٍ جَازَ اعْتِمَادُ خَبَرِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ مَرِضَ فَأَحْضَرَ شَاهِدَيْنِ فَقَالَ اشْهَدَا إذَا مِتّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَامْرَأَتِي الْفُلَانِيَّةُ طَالِقٌ ثَلَاثًا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِي الْمُتَّصِلَةِ بِمَوْتِي هَلْ يَصِحُّ هَذَا الطَّلَاق إذَا كَانَ مَقْصُودُهُ أَنْ لَا تَرِثَ أَوْ كَانَ مِنْ طَرِيقِ أَنْ لَا تَتَكَلَّفَ بِالْإِحْدَادِ وَإِذَا قَالَ هَذَا الشَّخْصُ أَوْ غَيْرُهُ لِامْرَأَتِهِ أَبْرِئِينِي مِنْ مَهْرِك وَهِيَ لَا تَعْلَمُ قَدْرَهُ فَأَبْرَأَتْهُ هَلْ يَبْرَأُ فَإِذَا قُلْتُمْ لَا فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فَلَا تَرِثُ سَوَاءٌ أَقَصَدَ بِذَلِكَ حِرْمَانَهَا مِنْ الْإِرْث أَمْ لَا وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ أَبْرَأْتِنِي مِنْ مَهْرِك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ وَهِيَ لَا تَعْلَمُ قَدْرَهُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ التَّعْلِيقَ عَلَى تَلَفُّظِهَا بِالْبَرَاءَةِ فَيَقَعُ رَجْعِيًّا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ حَلَفَ مِنْ امْرَأَتِهِ فَأَبَانَهَا بِخُلْعٍ ثُمَّ جَدَّدَ نِكَاحَهَا ثُمَّ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ قَالَ فِي نَفَائِسِ الْأَزْرَقِيّ إنْ فَعَلَهُ بَيْن الطَّلَاقِ وَالتَّجْدِيدِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِلَّا حَنِثَ فَهَلْ يُقَرَّرُ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ مَا حُكِيَ عَنْ النَّفَائِسِ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا حَيْثُ قَالُوا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ بِصِفَةٍ كَالدُّخُولِ فَأَبَانَهَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَوُجِدَتْ الصِّفَةُ قَبْلَ التَّزْوِيجِ لَمْ يُطَلِّقْ لِانْحِلَالِ الْيَمِينِ بِالدُّخُولِ فِي حَالِ الْبَيْنُونَةِ وَكَذَا إنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ بَعْد التَّزْوِيجِ لِأَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ الْحِنْثَ لَا يَعُودُ فِي الطَّلَاقِ وَلَا فِي غَيْرِهِ كَالْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ وَالْعِتْقِ بَعْد زَوَالِ مِلْكِ النِّكَاحِ أَوْ الرَّقَبَةِ وَبَعْد تَجَدُّدِهِ لِتَخَلُّلِ حَالَةٍ لَا يَصِحُّ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَرُفِعَ حُكْمُ الْيَمِينِ أَمَّا تَخَلُّلُ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَالرَّجْعَةُ بَيْن التَّعْلِيقِ وَوُجُودِ الصِّفَةِ فَلَا يَمْنَعُ عَوْدَ الْحِنْثِ فِيمَا ذُكِرَ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ لَيْسَتْ نِكَاحًا مُجَدَّدًا وَلَا تُخَلِّلُ مَا يَمْنَعُ صِحَّةَ مَا ذُكِرَ، وَاَللَّهَ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ قَالَ عَلَيَّ الْحَرَامُ مِنْ زَوْجَتِي أَنَّ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ لَمْ يَكُنْ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَبَانَ إنَّهُ كَانَ فَهَلْ تَطْلُقُ وَالْحَالُ إنَّهُ نَوَى بِعَلَيَّ إلَى آخِرِهِ الطَّلَاقَ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ لِعُذْرِهِ سَوَاءٌ أَنَوَى أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ فِي ظَنِّهِ أَوْ فِي الْوَاقِعِ كَمَا بَيَّنْته فِي فَتَاوَى أُخْرَى بِكَلَامٍ مَبْسُوطٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَانَ بِهِ الْحَقُّ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهُ قَدْ كَثُرَ اضْطِرَابهمْ فِيهَا وَاخْتِلَافُهُمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَكَّلَ زَوْجَتَهُ فِي طَلَاقِهَا فَقَالَتْ كَيْف أَقُولُ فَقَالَ قُولِي أَنْتِ الثَّلَاثُ

أَوْ أَنَا الثَّلَاثُ مِنْ عَقْدِك طَالِقٌ أَوْ دُون عَقْدِك؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْمُتَوَلِّي فَرَّقَ بَيْن قَوْلِهِ أَنْتِ ثَلَاثٌ فَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ وَقَوْله أَنْتِ ثَلَاثًا فَيَقَعُ بِهِ لِأَنَّ حَذَفَ بَعْضِ الْكَلَامِ شَائِعٌ لُغَةً إذَا كَانَ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَتَقْدِيرُهُ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَفِي الْبَحْرِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ الثَّلَاثُ لَا يَكُونُ شَيْئًا وَإِنْ نَوَى الطَّلَاق وَسَبَقَهُ إلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْن الْمُعَرَّفِ وَغَيْرِهِ. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنهمَا فِي حَالِ الرَّفْعِ لِأَنَّ ثَلَاثٌ بِالرَّفْعِ خَبَرٌ عَنْ أَنْتِ فَلَا حَذْفَ فِي الْكَلَامِ وَلَيْسَ هَذَا التَّرْكِيبُ صَحِيحًا لِأَنَّ أَنْتِ مَوْضُوعَةٌ لِلذَّاتِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ فَلَا يَصِحُّ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِثَلَاثٍ لَا مُعَرَّفًا وَلَا مُنَكَّرًا وَأَمَّا ثَلَاثًا بِالنَّصْبِ فَيُقْتَضَى حَذْفَ الْخَبَرِ فَيُقَدَّرُ بِمَا يُنَاسِبُهُ وَهُوَ طَالِقٌ فَالْكَلَامُ مَعَهُ صَحِيحٌ فَإِذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْعَدَدِ الصَّرِيحِ وَالْفَرْقُ بَيْن أَنْتِ ثَلَاثٌ وَأَنْتِ اثْنَتَانِ ذَكَرْته مَبْسُوطًا مَعَ مَا يُنَاسِبُهُ فِي فَتْوَى غَيْرِ هَذِهِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَإِذَا قَالَ قُولِي أَنْتِ الثَّلَاثُ أَوْ أَنَا الثَّلَاثُ فَقَالَتْ ذَلِكَ لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ وَإِنْ نَوَتْهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ أَنْتِ الثَّلَاث طَالِقٌ أَوْ أَنَا الثَّلَاثُ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَقَع عَلَيْهِ الطَّلَاقُ إنْ نَوَتْ بِالْأَوَّلِ الطَّلَاقَ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ لِإِسْنَادِ الطَّلَاقِ فِيهِ إلَى غَيْرِ مَحِلِّهِ وَهُوَ الزَّوْجُ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فَلَا يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) إذَا قُلْنَا بِتَصْحِيحِ الدَّوْرِ فَطَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ عَلَّقَ عَلَيْهَا مَسْأَلَةَ الدَّوْرِ قَبْل الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ يُرِيد رَفْعَ الطَّلَاقِ بِذَلِكَ وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَة عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي دَعْوَاهُ مَسْأَلَةَ الدَّوْرِ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَمْ لَا يُقْبَل قَوْله فَيَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ لِقَوْلِ الْإِمَام ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْغَايَةِ إذَا ادَّعَى الزَّوْجُ مَا لَا يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ وَيَدِينُ فِيهِ وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فِيمَا ادَّعَاهُ لَمْ يَرْتَفِعْ الطَّلَاقُ بِذَلِكَ إذْ لَا أَثَرَ لِمُصَادَقَتِهَا عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ اللَّهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى وَقَدْ صَرَّحَ الْأَئِمَّةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - بِقَبُولِ قَوْلِهِمَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّهِمَا لَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ شَرَفُ الدِّينِ الْمُنَاوِيُّ. قَالَ الْإِمَام الْأَزْرَقِيّ وَبِنَحْوِهِ أَجَابَ الْمَحَلِّيُّ وَغَيْرُهُ فِيمَا إذَا ادَّعَى تَعْلِيقَ الدَّوْرِ أَجَابَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَقَالَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ لَوْ أَقَامَهَا عَلَى ذَلِكَ لِأُمُورِ. (أَحَدُهَا) أَنَّ الْأَئِمَّةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - نَقَلُوا عَنْ الْإِمَام الْخُوَارِزْمِيِّ مِنْ غَيْر مُخَالَفَةٍ لَهُ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ ادَّعَى فَسَادَ النِّكَاحِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ وَصَادَقَتْهُ الزَّوْجَةُ عَلَى دَعْوَاهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُمَا وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُمَا فَلَا يَجُوز أَنْ يُوقِعَا نِكَاحًا جَدِيدًا إلَّا بِمُحَلِّلٍ لِكَوْنِهِمَا مُتَّهَمَيْنِ فِي حَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَذَكَرَهُ أَيْضًا الشَّيْخُ الْقَفَّالُ وَنَقَلَهُ فِي الْأَنْوَارِ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْن وَالْبَغَوِيّ وَغَيْرِهِمَا وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ مِنْ عَدَمِ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ فَهُوَ جَارٍ عَلَى طَرِيقَةِ الْبَغَوِيّ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْإِمَام ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ وَالْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ أَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَدَمَ السَّمَاعِ. وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْن الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَكْثَرِينَ لَا يُفَرَّقُونَ بَيْن الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ رَدُّوا عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ حَيْثُ فَرَّقُوا فِي التَّحْلِيفِ وَأَلْزَمُوهُ بِالْبَيِّنَةِ قَالَ أَعْنِي الْأَذْرَعِيُّ وَفِيهِ مَا يُشْعِرُ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ سَمَاعِهَا مُطْلَقًا فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْخُوَارِزْمِيُّ هُوَ الْمَذْهَب الْمُعْتَمَدُ لِلتُّهْمَةِ فِي حَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إذْ لَوْ فَتَحَ هَذَا الْوَكَالَةَ لَادَّعَى كُلُّ مُطَلِّقٍ ثَلَاثًا أَرَادَ دَفْعَ الْعَارِ عَنْهُ بِتَحْلِيلِ زَوْجَته ثُمَّ تَجْدِيد نِكَاحِهَا أَنْ يَتَوَافَقَا عَلَى فَسَادِ نِكَاحِهَا لِدَفْعِ ذَلِكَ كَذَا قَالَ الشَّيْخُ الْبَكْرِيُّ فِي بَعْضِ أَجْوِبَتِهِ. قَالَ وَأَظُنُّ الْغَزَالِيَّ سُئِلَ لَوْ ادَّعَى أَنَّ الْوَلِيَّ كَانَ فَاسِقًا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا وَقَالَ إنَّهُ لَا يُقْبَلُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ نَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا قَالَ الْإِمَام ابْنُ الْعِمَادِ فِي تَوْقِيفِ الْحُكَّامِ نَظِيرُ مَا قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ الْمَرْأَةُ إذَا خَالَعَتْ الزَّوْجَ ثُمَّ ادَّعَتْ أَنَّهَا زُوِّجَتْ بِغَيْرِ رِضَاهَا لَمْ يُسْمَعَ قَوْلُهَا كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ اهـ وَقَوْلُهُمْ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يُخَالِف مَا ذَكَرَهُ الْإِمَام الْخُوَارِزْمِيُّ وَصُورَتُهُ أَنْ يُطَلِّقُهَا ثَلَاثًا فِي الْبَاطِنِ أَمَّا لَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَحِينَئِذٍ يَجِبُ التَّفْرِيقُ بَيْنهمَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْره (الْأَمْرُ الثَّانِي) أَنَّ الْإِمَام الدَّبِيلِي ذَكَرَ

فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فِي هَذَا الْيَوْمِ ثُمَّ قَالَ إنَّ نِكَاحِي كَانَ فَاسِدًا وَأُرِيدُ أَنْ أُكْمِلَهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ ثُمَّ أَعْقِدُ نِكَاحًا صَحِيحًا فَكَلَّمَهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي فَسَادِ نِكَاحِهِ وَأَيْضًا ذَكَرَ الْإِمَام تَقِيُّ الدِّينِ بْنِ الصَّلَاح أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ امْرَأَةً ثَلَاثًا ثُمَّ ادَّعَى أَنِّي لَمْ أَكُنْ نَكَحْتهَا قَبْل الطَّلَاقِ الْمَذْكُورِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ ذَكَرَهُ عَنْهُ الْإِمَام الْأَذْرَعِيُّ فِي الدَّعَاوَى مِنْ شَرْح الْمِنْهَاجِ وَذَكَرَ أَيْضًا نَحْو مَا سَبَقَ عَنْ الدَّبِيلِيِّ (الْأَمْرُ الثَّالِثُ) أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ بَائِنٌ ثُمَّ قَالَ بَعْد مُدَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَالَ أَرَدْت بِالْبَائِنِ الطَّلَاقَ. فَلَمْ تَقَعْ الثَّلَاثُ لِمُصَادَفَتِهَا الْبَيْنُونَةَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ كَذَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى سَبْقَ لِسَانِهِ إلَى لَفْظِ الطَّلَاقِ وَأَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقُولَ غَيْرَهُ أَنَّهُ لَا يَسَعُ امْرَأَتَهُ أَنْ تَقْبَلَ مِنْهُ ذَلِكَ (الْأَمْرُ الرَّابِعُ) أَنَّ الْقَاضِي جَمَالَ الدِّينِ بْنِ ظَهِيرَةَ سُئِلَ أَيْضًا عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ خَالَعَهَا قَبْل ذَلِكَ وَأَرَادَ دَفْعَ الثَّلَاثِ بِالْخُلْعِ وَوَافَقَتْهُ الزَّوْجَةُ عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ تُقْبَلُ دَعْوَاهُمَا الْخُلْعَ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ أَمْ لَا تُقْبَلَانِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ فَأَجَابَ فَقَالَ نُقِلَ فِي الرَّوْضَةَ فِي أَوَاخِرِ الطَّلَاقِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيّ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ كُنْت حَرَّمْتُهَا عَلَى نَفْسِي قَبْلَ هَذَا فَلَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ. اهـ. قَالَ الْأَقْفَهْسِيُّ وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً لَمْ تُسْمَعْ (الْأَمْرُ الْخَامِسُ) أَنَّ الشَّيْخَ نُورَ الدِّينِ السَّمْهُودِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ كُنْت وَكَّلْت فُلَانًا بِطَلَاقِهَا وَكُنْتُ عَوَّلْتُ طَلَاقِهَا عَلَى فُلَانٍ إلَّا وَلَّيْتهَا فُلَانًا فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ فَقَالَ ذَكَر فِي الْعَزِيزِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة نَقْلًا عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيّ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ كُنْت حَرَّمْتهَا قَبْلَ هَذَا فَلَمْ يَقَعْ الثَّلَاثُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَهُوَ شَامِلٌ لِدَعْوَى سَبْقِ التَّحْرِيمِ بِوَاسِطَةِ وَكِيلِهِ فِيهِ بِخُلْعٍ وَنَحْوِهِ مَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْن أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ وَلِيّهَا كَانَ قَدْ وُكِّلَ بِتَزْوِيجِهَا مِنْهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسمِائَةِ وَلَمْ يُزَوِّجْهَا الْوَكِيل إلَّا بِأَلْفٍ فَالْعَقْدُ لَمْ يَنْعَقِدْ. فَالطَّلَاقُ لَمْ يَقَعْ وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً لَمْ تُسْمَعْ وَحُكِمَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ قَالَ الزَّرْكَشِيّ فِي الْخَادِم وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى بُطْلَانِ النِّكَاحِ لِلْمُخَالَفَةِ فِي الصَّدَاقِ قَالَ وَلَا يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا بَلْ يَطَّرِدُ فِي كُلِّ صُورَةٍ ادَّعَيَا فِيهَا الْفَسَادَ قَبْل الطَّلَاقِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. جَوَابُ الشَّيْخِ السَّمْهُودِيّ (الْأَمْرُ السَّادِسُ) أَنَّ الشَّيْخَ الْإِمَامَ نُورَ الدِّين ابْن نَاصِرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا بَعْد أَنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا ثُمَّ ادَّعَى أَنِّي كُنْت طَلَّقْتهَا طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ قَبْل أَنْ تَضَعَ الْحَمْلَ فَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِالْوَضْعِ قَبْل أَنْ أُرَاجِعَهَا فَهَلْ تَعُودُ إلَيْهِ قَبْل زَوْجٍ آخَرَ أَمْ لَا تَعُودُ إلَيْهِ إلَّا بَعْد زَوْجٍ آخَرَ. فَأَجَابَ فَقَالَ الْأَصْلُ عَدَمُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ قَبْل الْوَضْعِ فَتَبِينُ بَعْدَهُ فَلَا تَعُودُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ وَعِدَّتَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. (الْأَمْرُ السَّابِعُ) أَنَّهُ لَوْ قُبِلَ قَوْلُ الزَّوْجِ فِي دَعْوَاهُ تَعْلِيقَ الدَّوْرِ عَلَى زَوْجَتِهِ قَبْل الطَّلَاقِ لَفُتِحَ هَذَا الْبَابُ وَلَوْ فُتِحَ لَادُّعِيَ كُلُّ مُطَلِّقٌ ثَلَاثًا أَرَادَ دَفْعَ الْعَارِ عَنْهُ بِتَحْلِيلِ زَوْجَتِهِ ثُمَّ تَجْدِيدَ نِكَاحِهَا إذْ يَدَّعِي ذَلِكَ فَيَظْهَرُ الْفَسَادُ بِذَلِكَ لَا سِيَّمَا أَنَّ الشَّيْخَيْنِ ذَكَرَا أَنَّ الرُّويَانِيّ قَالَ بَعْد اخْتِيَارِهِ تَصْحِيحَ الْأَوَّلِ لَا وَجْهَ لِتَعْلِيمِ الْعَوَامّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِفَسَادِ الزَّمَانِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَة) قَوْلُهُ فِي الْبَهْجَةِ لَوْ ضِعْفُ عِشْرِينَ لِعَقْدِ الْجُمُعَةِ كَيْفَ صُورَةُ ذَلِكَ وَمَا بَيَانُهُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُمْ فِي الْفَرَائِضِ الْإِدْلَاءُ كَيْفَ صِفَته وَمَا مَعْنَاهُ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) إذَا وَجَدْنَا مَسْأَلَةً فِيهَا نَصٌّ لِلشَّافِعِيِّ لَكِنْ الشَّيْخَانِ عَلَى خِلَافِ النَّصِّ كَالْمَسْأَلَةِ السُّرَيْجِيَّة وَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ اعْتِرَاضِ صَاحِبِ الْمُهِمَّاتِ بِالنَّصِّ عَلَى الشَّيْخَيْنِ فَهَلْ نَأْخُذُ بِالنَّصِّ وَنَتْرُكُ مَا عَدَاهُ أَمْ نَأْخُذُ بِقَوْلِ الشَّيْخَيْنِ لَأَنَّهُمَا عُمْدَةُ الْمَذْهَبِ (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) إذَا ادَّعَى إنْسَانٌ عَلَى أَحَدٍ أَنِّي أَسْتَحِقُّ هَذِهِ الْعَيْنَ الَّتِي تَحْتَ يَدِك فَقَالَ الْمَالِكُ مِلْكِي وَرِثْته عَنْ أَبِي أَوْ قَالَ مِلْكِي وَلَمْ نَجِدْ بَيِّنَةً مَعَ الْمُدَّعِي فَهَلْ قَوْلُ الْمَالِك يَكْفِي فِي الْيَمِينِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ نَفْيِ مَا ذُكِرَ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ أَثَابَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى

الْجَنَّةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَالْمَنْقُولُ الْمُعْتَمَدُ فِي النَّظَائِرِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ وَغَيْرِهَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْ الزَّوْجِ دَعْوَاهُ الْمَذْكُورَةُ وَإِنْ صَدَّقَتْهُ الزَّوْجَةُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بِمُحَلِّلٍ وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا مِرْيَةَ فِيهِ وَلَا تَوَقُّفَ وَحُقُوقُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا سِيَّمَا الْمُتَعَلِّقَةَ بِالْأَبْضَاعِ يَجِبُ الِاحْتِيَاطُ لَهَا هَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ فِي الْمَسْأَلَةِ السُّرَيْجِيَّة. وَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ لَا يَجُوزُ الْإِفْتَاءُ بِهِ وَلَا الْعَمَلُ بِهِ وَلَا يَرْتَكِبُ ذَلِكَ إلَّا بَعْضُ الْجَهَلَةِ مِنْ الْقُضَاةِ وَالْمُفْتِينَ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْبَدْرُ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ سُرَيْج فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ زَلَّةُ عَالَمٍ وَزَلَّاتُ الْعُلَمَاءِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ تَقْلِيدُهُمْ فِيهَا وَلَقَدْ أَطَالَ جَمَاعَةٌ فِي الِانْتِصَار لِابْنِ سُرَيْجٍ وَجَمَاعَةٌ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ وَالْحَطِّ عَلَى مَنْ يُقَلِّدهُ فِي ذَلِكَ وَالْمُعْتَمَدُ مَا قُلْنَاهُ فَلِيَتَنَبَّهْ السَّائِلُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَوَفَّقَهُ لِذَلِكَ وَلِيَحْذَرْ مِنْ الْوُقُوعِ فِي وَرْطَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِإِفْتَاءِ أَحَدٍ بِهَا أَوْ تَعْلِيمِهِ فَإِنَّ عَاقِبَةَ ذَلِكَ وَخَيْمَةٌ وَمَعْنِيّ مَا ذُكِرَ عَنْ الْبَهْجَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُبَادِرَ أَرْبَعُونَ مِمَّنْ سَمِعَ الْخُطْبَةَ إلَى عَقْدِ الْجُمُعَةِ قَبْل الْإِمَامِ الْخَاطِبِ. وَمِنْ ثَمَّ قَالَ النَّاظِمُ لَوْ سُمَّاعُهَا تَبَادَرُوا أَيْ ضِعْف عِشْرِينَ إلَخْ وَمَعْنَى الْإِدْلَاءِ الِانْتِسَابُ فَإِذَا قِيلَ فُلَانٌ يُدْلِي إلَى فُلَانٍ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَنْتَسِبُ إلَيْهِ أَيْ أَنَّ بَيْنهمَا رَابِطَةً مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ وَإِذَا رَجَّحَ الشَّيْخَانِ شَيْئًا كَانَ الْمُعْتَمَدُ وَلَا نَظَرَ لِمَا يُطِيل بِهِ الْإِسْنَوِيّ وَغَيْرُهُ مِنْ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِمَا بِالنَّصِّ أَوْ غَيْرِهِ لَأَنَّهُمَا أَدْرِي بِأَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ وَنُصُوصِهِ مِنْ جَمِيعِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمَا فَلَا يَعْدِلَانِ عَنْ النَّصِّ إلَّا لِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ كَنَصٍّ آخَرَ أَوْ قَاعِدَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَلَيْسَ فِي الْمُعْتَرِضِ عَلَيْهِمَا مِنْ يُدَانِي مَرْتَبَتَهُمَا عِلْمًا وَوَرَعًا وَاجْتِهَادًا فَوَجَبَ الْمَصِيرُ لِأَقْوَالِهِمَا وَالْإِعْرَاضُ عَمَّا سِوَاهُمَا وَقَدْ بَيَّنْت فِي شَرْح الْإِرْشَادِ الرَّدَّ عَلَى مَنْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِمَا فِي بَابِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَمَا شَاكَلَهُ وَبَيَّنْت كَجَمَاعَةٍ مِنْ مَشَايِخِي وَغَيْرَهُمْ أَنَّ الْحَقَّ مَا قَالَاهُ فَتَمَسَّكْ أَيُّهَا السَّائِلُ وَفَّقَك اللَّهُ تَعَالَى بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ الْمُثْلَى وَلَا تَعْدِلْ عَنْهَا فَتَضِلَّ وَتُضِلَّ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ الْإِسْنَوِيّ نَفْسِهِ أَنَّهُ كَانَ إذَا سُئِلَ يُفْتِي بِمَا فِي الرَّوْضَةِ. وَإِنْ كَانَ اعْتَرَضَهُ فِي مُهِمَّاتِهِ وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِمَّنْ رَأَيْنَاهُ فَإِنَّهُ كَانَ يَتْبَعُ الْمُعْتَرِضَ عَلَى الشَّيْخَيْنِ وَعِنْد الْإِفْتَاءِ لَا يُفْتِي إلَّا بِمَا قَالَ وَهَذَا هُوَ الْحَقّ فَلَا يَسَع أَحَدًا الْآن مُخَالَفَتُهُ وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ كَالْمَسْأَلَةِ السُّرَيْجِيَّة فَمَرْدُودٌ لِأَنَّ النَّصَّ فِيهَا غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ وَلَا مُعَوَّلَ عَلَيْهِ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُوده، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَوْ هِيَ طَالِقٌ عَلَى تَمَامِ الْبَرَاءَةِ فَقَالَتْ أَنْتَ أَوْ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ جَمِيعِ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ مَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا لَمْ يَجُزْ بَيْنهمَا إلَّا لَفْظُ الْبَرَاءَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ لَهُمَا فَلَا بَرَاءَةَ وَلَا طَلَاقَ وَإِنْ نَوَيَا شَيْئًا مُعِينًا أَوْ قَالَ لَهَا إنْ أَبْرَأْتِنِي مِنْ كَذَا وَعَيَّنَهُ فَقَالَتْ أَبْرَأْتُك مِنْهُ فَإِنْ كَانَ الْقَدْرُ الْمُبَرَّأُ مِنْهُ مَعْلُومًا لَهُمَا وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ كَزَكَاةٍ صَحَّتْ الْبَرَاءَةُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا عَلَّقَ بِالْبَرَاءَةِ فَإِنْ صَحَّتْ بِأَنْ عَلِمَا الْقَدْرَ الْمُبَرَّأَ مِنْهُ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ مَا مَرَّ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ بِأَنْ جَهِلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا أَوْ مَضَى عَلَيْهِ حَوْلٌ وَهُوَ زَكَوِيٌّ لَمْ يَقَعْ وَمَا قِيلَ أَنَّهَا إذَا عَلِمَتْ وَجَهِلَ الزَّوْجُ تَصِحُّ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِمَهْرِ الْمِثْل فَهُوَ فَاسِدٌ. وَلِذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا لِأَنَّا إذَا قُلْنَا بِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ فَلَا طَلَاقَ أَوْ بِصِحَّتِهَا فَالْعِوَضُ الصَّدَاقُ لَا مَهْرَ الْمِثْلِ مَعَ الصَّدَاقِ وَلَا مَهْرَ الْمِثْلِ فَقَطْ وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّ الْعِوَضَ إذَا كَانَ فِي الْخُلْعِ مَجْهُولًا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّ مَحِلَّ ذَاكَ فِي صِيَغِ الْعُقُودِ الَّتِي يَغْلِبُ فِيهَا جَانِب الْمُعَاوَضَةِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ فِي صِيَغِ التَّعْلِيقِ فَغَلَبَ فِيهَا جَانِبُهُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ وُجُودِ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا وَمَا وَقَعَ فِي شَرْح الْمِنْهَاجِ لِلدَّمِيرِيِّ أَنَّهُمَا إذَا كَانَا جَاهِلَيْنِ يَقَعُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا ضَعِيفٌ جِدًّا بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانُهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) هَلْ عَلَيَّ الطَّلَاقُ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْأَصَحُّ أَنَّ عَلَيَّ الطَّلَاق صَرِيحٌ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَنَّهَا خَرَجَتْ فَقَالَتْ مَا خَرَجْت مَا الْحُكْمُ وَقَالَ أَيْضًا عَلَيَّ الطَّلَاقُ إلَّا لَمْ تَنْقُلْ مَتَاعَك مِنْ جَانِبِ دَارِي لَأَشْتَكِيك

إلَى الْوَالِي وَأَدِّي مَنْ يُحْضِرُك إلَيْهِ الْيَوْمَ هَذِهِ فَلَمْ يَنْقُلْ مَتَاعَهُ فَذَهَبَ الْحَالِف إلَى الْوَالِي وَكَانَ الْوَالِي مُشْتَغِلًا ذَلِكَ الْيَوْمَ فَلَمْ يَتَّفِقْ وُصُولُهُ إلَيْهِ وَلَا إعْلَامُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) الْخُرُوجُ مِنْ الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي نَفْيِهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ بِعَدَمِهِ إنْ كَانَ نَفْيُهُ مَحْصُورًا بِأَنْ عَيَّنَ لَهُ زَمَنًا فَادَّعَتْ عَدَمَهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ وَأَقَامَتْ بِهِ بَيِّنَةً فَحِينَئِذٍ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَا طَلَاقَ وَإِنْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِالشَّكْوَى إلَى الْوَالِي فِي يَوْمٍ مُعِينٍ فَلَمْ يَشْتَكِ إلَيْهِ فِيهِ فَإِنْ كَانَ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ فِي لَحْظَةٍ مِنْ الْيَوْمِ فَتَرَكَ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاق بِخِلَافِ مَا إذَا مَضَى الْيَوْمُ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْوُصُولِ إلَيْهِ فِي جُزْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَإِنَّهُ لَا طَلَاقَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) فِي رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ اسْرَحِي بِلَفْظِ الْأَمْرِ هَلْ هُوَ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ؟ (فَأَجَابَ) لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ اسْرَحِي بِلَفْظِ الْأَمْرِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ لِأَنَّهُ مِنْ سَرَحَ بِالتَّخْفِيفِ وَهُوَ يَتَعَدَّى كَسَرَّحْتُهَا سَرْحًا قَالَ فِي الصِّحَاحِ هَذِهِ وَحْدُهَا بِلَا أَلِفٍ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَحِينَ تَسْرَحُونَ} [النحل: 6] أَيْ تُخْرِجُونَ مَوَاشِيَكُمْ بِالْغَدَاةِ إلَى الْمَرْعَى وَلَا يَتَعَدَّى كَسَرَّحَتْ بِنَفْسِهَا سَرْحًا فَاسْرَحِي حِينَئِذٍ نَظِيرُ اذْهَبِي وَقَدْ جَعَلُوهُ كِنَايَةً لِأَنَّ الذَّهَابَ يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ وَغَيْرَهُ احْتِمَالًا ظَاهِرًا فَكَذَلِكَ اسْرَحِي كِنَايَةٌ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ أَيْ اُخْرُجِي بِالْغَدَاةِ لِأَنِّي طَلَّقْتُك وَيَحْتَمِلُ غَيْرَهُ أَيْ اُخْرُجِي بِالْغَدَاةِ إلَى مَوَاشِيك مَثَلًا. فَإِنْ قُلْت اسْرَحِي مُشْتَقٌّ مِنْ السَّرَاحِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُشْتَقَّ مِنْ السَّرَاحِ صَرِيحٌ قُلْت هَذَا اشْتِبَاهٌ وَفَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْن سَرَحَ بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَهُوَ مَا مَرَّ الْكَلَامُ فِيهِ وَسَرَّحَ بِالتَّشْدِيدِ وَهُوَ الْمُشْتَقُّ مِنْ السَّرَاحِ أَيْ مَأْخُوذٌ مِنْهُ وَإِلَّا فَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ التَّسْرِيحِ إذْ هُوَ الْمَصْدَرُ الْحَقِيقِيُّ وَأَمَّا السَّرَاحُ فَاسْمُ مَصْدَرٍ وَمَعْنَى سَرَّحَ الْمُضَعَّفِ لُغَةً أَرْسَلَ فَهُوَ بِمَعْنَى فَارَقَ فَلِذَلِكَ جَعَلُوهُ صَرِيحًا لِوُرُودِهِ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيز مُرَادِفًا لِلتَّطْلِيقِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْأَمْرُ مِنْ سَرَحَ الْمُضَاعَفِ سَرِّحِي وَأَمَّا اسْرَحِي فَلَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ فَلَا يُعْطَى حُكْمُهَا بَلْ يَكُونُ كِنَايَةً كَمَا مَرَّ وَأَمَّا سَرِّحِي فَهُوَ مِنْ مَادَّةِ السَّرَاحِ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ طَلِّقِي فَإِنْ نَوَى تَطْلِيقَ نَفْسِهَا كَانَ تَفْوِيضًا لِطَلَاقِهَا إلَيْهَا فَإِنْ طَلَّقَتْ نَفَسَهَا وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ هِيَ طَالِقٌ هَلْ هُوَ صَرِيحٌ أَوْ كِنَايَةٌ أَوْ قَالَ عَلَيَّ الْحَرَامُ إلَّا خَرَجْت أَوْ قَالَ إلَّا لَمْ تَخْرُجِي مِنْ بَيْتِي مَا تَكُونِينَ لِي بِامْرَأَةٍ وَكُلَّمَا حَلَّيْتُ حَرَّمْتُ فَخَالَفَتْهُ مَا الْحُكْم وَلَوْ قَالَ أَنْتِ أَوْ هِيَ عَلَيَّ مِنْ السَّبْعِ الْمُحَرَّمَاتِ مَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا قَالَ هِيَ طَالِقٌ فَإِنْ سَبَقَ لِزَوْجَتِهِ ذِكْرٌ كَأَنْ قِيلَ لَهُ طَلِّقْ زَوْجَتَك أَوْ إنَّ زَوْجَتَك فَعَلَتْ كَذَا فَقَالَ هِيَ طَالِقٌ وَقَعَ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا ذِكْرٌ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ إلَّا إنْ نَوَاهَا هَذَا هُوَ الَّذِي يُتَّجَهُ مِنْ مُتَفَرِّقَاتِ كَلَامِهِمْ فَإِنْ قُلْت يَشْكُلُ عَلَى ذَلِكَ تَرْجِيحُ الشَّيْخَيْنِ فِيمَا لَوْ قِيلَ لِزَيْدٍ يَا زَيْدُ فَقَالَ امْرَأَةُ زَيْدٍ طَالِقٌ أَنَّهُ لَا طَلَاقَ إلَّا إنْ نَوَى نَفْسَهُ خِلَافًا لِقَوْلِ شُرَيْحٍ الرُّويَانِيّ تَطْلُقُ فِي حَالِ الْإِطْلَاقِ أَيْضًا قُلْت لَا يَشْكُلُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِمْ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ كَلَامه. إلَّا إنْ أَرَادَ نَفْسَهُ وَبِهَذَا فَارَقَ مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ فِي الرَّوْضَة وَالْمِنْهَاجِ وَأَصْلِهِمَا فِيمَنْ قَالَ زَيْنَبُ طَالِقٌ وَأَرَادَ زَيْنَبَ غَيْرَ زَوْجَتِهِ فَلَا يُقْبَلُ مُطْلَقًا وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ هِيَ طَالِقٌ بَعْد أَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا أَصَرْحُ مِنْ قَوْلِهِ زَيْنَبُ لِأَنَّ الضَّمِيرَ أَعْرَفُ مِنْ الْعَلَمِ لِأَنَّهُ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ لَا يُمْكِنُ صَرْفُهُ لِغَيْرِ زَوْجَتِهِ بِخِلَافِهِ فِي زَيْنَبَ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ صَرْفه إذْ لَفْظُ زَيْنَبَ مَوْضُوعٌ لِذَوَاتٍ كَثِيرَةٍ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْقَفَّالُ إذَا أَرَادَ غَيْرَ زَوْجَتِهِ قُبِلَ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ وَإِنْ تَنَاوَلَ ذَوَاتًا كَثِيرَةً إلَّا أَنَّ قَرِينَةَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُطَلِّقُ غَيْرَ زَوْجَتِهِ مَنَعَتْ مِنْ صَرْفِهِ إلَى غَيْرِهَا فَلِذَا كَانَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إرَادَةَ غَيْرِهَا وَإِذَا اكْتَفَى فِي تَعْيِينهَا بِهَذِهِ الْقَرِينَةِ الْخَارِجِيَّةِ الْمُحْتَمَلَةِ فَمِنْ بَابٍ أَوْلَى أَنْ يُكْتَفَى بِالصَّرِيحِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَهُوَ تَقَدُّمُ ذِكْر الزَّوْجَةِ ثُمَّ إعَادَةُ الضَّمِيرِ عَلَيْهَا فَيَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ حِينَئِذٍ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَرَدْت غَيْرَهَا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا ذِكْرٌ فَالْأَمْرُ مُحْتَمَلٌ

فَرُجِعَ فِيهِ إلَى نِيَّتِهِ فَإِنْ نَوَاهَا وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا. وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْتُهُ قَوْلُهُمْ لَوْ قِيلَ لَهُ طَلِّقْ امْرَأَتَك فَقَالَ طَلَّقْت أَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ طَلَّقْت وَقَعَ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى السُّؤَالِ فِي الْأُولَى وَالتَّفْوِيضِ فِي الثَّانِيَةِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً طَلَّقْت لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ وَإِنْ نَوَى امْرَأَتَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ لَهَا ذِكْرٌ وَلَا دَلَالَةٌ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ امْرَأَتِي وَنَوَى الطَّلَاق ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرَتْهُ لِأَنَّ تَقَدُّمَ ذِكْرِهَا أَغْنَى عَنْ الِاحْتِيَاج إلَى ذِكْرِ ضَمِيرِهَا بَعْد طَلَّقْت وَأَوْجَبَ الِاكْتِفَاءَ بِهِ خَالِيًا عَنْ الضَّمِيرِ ظَاهِرًا فَإِذَا كَانَ تَقَدُّمُ ذِكْرِ الْمَرْأَةِ يُغْنِي عَنْ ذِكْرِ اسْمِهَا بِالصَّرِيحِ وَالضَّمِيرِ فَمِنْ بَابٍ أَوْلَى إنْ تَقَدُّمَ ذِكْرِهَا يُعَيِّنُ رُجُوعَ الْوَاقِعِ بَعْده إلَيْهَا فَإِنْ قُلْت دَلَالَةُ هَذَا صَرِيحَةٌ فِيمَا ذَكَرْته إذَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا لَكِنَّ مَا قَالَاهُ فِي طَلَّقْت ابْتِدَاءً مِنْ عَدَمِ الْوُقُوعِ ابْتِدَاءً. وَإِنْ نَوَاهَا يَرُدُّ مَا قُلْته فِي هِيَ طَالِقٌ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَقَدَّمَ لَهَا ذِكْرٌ قُلْت لَا يَرُدُّهُ لِأَنَّ طَلَّقْت خَلَا عَمَّا يُمْكِنُ رُجُوعُهُ لِلْمَرْأَةِ إذْ لَيْسَ فِيهِ لَفْظٌ يَرْجِعُ عَلَيْهَا حَتَّى تَصِحَّ إرَادَتُهَا مِنْهُ بِخِلَافِ هِيَ طَالِقٌ فَإِنَّ هِيَ ضَمِيرٌ مَوْجُودٌ فِي اللَّفْظِ وَالضَّمِيرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَرْجِعٌ فِي اللَّفْظِ يَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ إلَى مَعْهُودٍ فَلَمَّا صَحَّ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ مَذْكُورٍ أَثَّرَتْ النِّيَّةُ فِيهِ وَأَمَّا طَلَّقْت فَلَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ فَلَمْ تُؤَثِّرْ النِّيَّةُ فِيهِ كَمَا لَمْ تُؤَثِّرْ فِي امْرَأَتِي إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى الطَّلَاقِ بِوَجْهٍ فَلَمْ يُمْكِنُ تَأْثِيرُ النِّيَّةِ فِيهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ هِيَ طَالِقٌ بَعْد تَقَدُّمِ ذِكْرِ الْمَرْأَةِ صَرِيحٌ وَمَعَ عَدَمِ تَقَدُّمِهِ كِنَايَةٌ فِي الزَّوْجَةِ وَعَلَيَّ الْحَرَامِ وَإِنْ خَرَجْت مَا تَكُونِي لِي بِامْرَأَةٍ وَكُلَّمَا حَلَلْت حَرُمْت كِنَايَاتٌ فَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ طَلُقَتْ إذَا وُجِدَ الْخُرُوجَ أَوْ عَدَمُهُ وَلَمْ يُطَلِّقْهَا لِأَنَّهُ إذَا نَوَى بِتِلْكَ الْأَلْفَاظ أَوْ بِاللَّفْظَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ الطَّلَاقَ كَانَ مَعْنَى كَلَامِهِ إنْ خَرَجْت وَلَمْ أُطَلِّقْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِذَا خَرَجَتْ وَلَمْ يُطَلِّقْهَا طَلُقَتْ وَإِنْ خَرَجَتْ فَطَلَّقَهَا لَمْ تَطْلُقْ زَائِدًا عَلَى ذَلِكَ. وَإِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ مِنْ السَّبْعِ الْمُحْرِمَات وَأَرَادَ بِهِنَّ السَّبْعَ الْمَذْكُورَاتِ فِي قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: 23] الْآيَةُ كَانَ بِمَعْنَى أَنْت عَلَيَّ كَأُمِّي أَوْ كَأُخْتِي وَمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ ذَلِكَ كَانَ كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ وَالظِّهَار فَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ طَلُقَتْ أَوْ الظِّهَارَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ بِشَرْطِ الْعَوْدِ وَإِنْ نَوَى تَحْرِيمَ عَيْنِهَا أَوْ وَطْئِهَا أَوْ فَرْجِهَا أَوْ رَأْسِهَا أَطْلَقَ ذَلِكَ أَوْ أَقَّتَهُ كُرِهَ وَلَمْ تُحَرَّمْ عَلَيْهِ لَكِنْ تَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فِي الْحَالِ وَإِنْ لَمْ يَطَأْ وَكَذَا يُكْرَهُ وَلَا تُحَرَّمُ عَلَيْهِ وَتَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فِي الْحَالِ إنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا هَذَا هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ لِي لِأَنَّ قَوْلَهُ مِنْ السَّبْعِ الْمُحْرِمَاتِ يُشْبِهُ قَوْلَهُ أَنْتِ حَرَامٌ عَلَيَّ فَأَعْطَيْنَاهُ حُكْمه عِنْد الْإِطْلَاق بِخِلَافِ أَنْت كَأُمِّي فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْتِ مِثْلُهَا فِي الْإِكْرَامِ وَالِاحْتِرَامِ فَلِذَا لَمْ يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ عِنْد الْإِطْلَاقِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَته عَمَّنْ قَالَ أَنْتِ أَوْ هِيَ طَالِقٌ وَكَانَ فِي يَدِهِ حَصَاةٌ فَأَلْقَاهَا حِينَ الْقَوْلِ وَقَالَ مَا قَصَدْتُ إلَّا الْحَصَاةَ مَا الْحُكْمُ وَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَكَانَتْ زَوْجَتُهُ وَأَجْنَبِيَّةٌ فِي مَكَان وَاحِدٍ وَقَالَ مَا قَصَدْتُ إلَّا الْأَجْنَبِيَّةَ أَوْ كَانَ اسْمُهَا وَالْأَجْنَبِيَّةُ مُتَوَافِقَيْنِ وَقَالَ فُلَانَةُ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ مَا قَصَدْتُ إلَّا الْأَجْنَبِيَّةَ مَا الْحُكْمُ وَلَوْ قَالَ خَلَعْتُك إلَى رَقَبَةِ أَبِيك مَا حُكْمُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يُصَدَّقُ فِي قَوْله مَا قَصَدْتُ إلَّا الْحَصَاةَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ فِي نَظِيرِهِ وَفِي قَوْلِهِ مَا قَصَدْتُ إلَّا الْأَجْنَبِيَّةَ يُقْبَلُ فِي صُورَةِ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا كَانَتَا حَاضِرَتَيْنِ كَمَا لَوْ قَالَ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَقَالَ مَا قَصَدْتُ إلَّا الْأَجْنَبِيَّةَ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ عَلَى الْأَصَحِّ بِخِلَافِهِ فِي صُورَةِ زَيْنَبُ طَالِقٌ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ. وَأَمَّا مَا فِي الرَّوْضَة وَأَصْلِهَا عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا إذَا قَالَ زَيْنَبُ طَالِقٌ وَقَالَ أَرَدْت زَيْنَبَ أُخْرَى غَيْرَ زَوْجَتِي فَهُوَ ضَعِيفٌ فَقَدْ قَالَ بَعْد ذَلِكَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ عَدَمُ الْقَبُولِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْن هَذَا وَمَا قَبْلَهُ وَقَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ لِأُمِّ زَوْجَتِهِ ابْنَتُك طَالِقٌ وَقَالَ أَرَدْت ابْنَتَك الْأُخْرَى قُبِلَ بِأَنَّ قَوْله زَيْنَبُ طَالِقُ لَا اشْتِرَاكَ فِيهِ وَضْعًا إذْ هُوَ عَلَمٌ وَالْعَلَمُ إنَّمَا وُضِعَ لِيُعَيِّنَ مُسَمَّاهُ تَعْيِينًا خَاصًّا لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ وَأَمَّا وُقُوعُ الِاشْتِرَاكِ فِيهِ فَلَيْسَ وَضْعًا فَقَوْلُهُ زَيْنَبُ طَالِقٌ لَا يَنْصَرِفُ لِغَيْرِ زَوْجَتِهِ وَضْعًا وَكَذَا شَرْعًا إذْ الرَّجُلُ لَا يُطَلِّقُ

غَيْرَ زَوْجَتِهِ وَأَمَّا ابْنَتُك وَإِحْدَاكُمَا وَأَنْتِ فَلَيْسَ عَلَمًا وَإِنَّمَا هُوَ مُتَضَمِّنٌ لِلْوَصْفِيَّةِ فَكَانَ مُشْتَرَكًا وَضْعًا فَإِذَا قَالَ ابْنَتُك مَثَلًا طَالِقٌ كَانَ آتِيًا بِلَفْظٍ مُشْتَرَكٍ بَيْن زَوْجَتِهِ وَغَيْرِهَا يَتَنَاوَلُهُمَا تَنَاوُلًا وَاحِدًا وَعِنْد هَذَا التَّنَاوُلِ لَا مُخَصِّصَ فِيهِ غَيْرُ الْقَصْدِ فَقُبِلَتْ مِنْهُ دَعْوَى إرَادَةِ غَيْرِ الزَّوْجَةِ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَحْتَمِلُهُ. وَإِنْ كَانَتْ الْعَادَةُ الْمُوَافَقَةُ لِلشَّرْعِ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يُطَلِّقُ غَيْرَ زَوْجَته وَإِنَّمَا لَمْ يُقْبَلُ فِي صُورَةِ الْحَصَاةِ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا لَا تَقْبَلُ الطَّلَاقَ بِوَجْهٍ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ فَإِنَّهَا تَقْبَلُهُ فِي الْجُمْلَةِ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ وَرَجُلٌ إحْدَاكُمَا طَالِقُ وَقَالَ أَرَدْت الرَّجُلَ لَمْ يُقْبَلْ نَظِيرَ مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الْحَصَاةِ بِجَامِعِ اسْتِحَالَةِ قَبُولِ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلطَّلَاقِ وَإِذَا قَالَ خَالَعْتُكِ إلَى رَقَبَةِ أَبِيك فَقَدْ أَتَى بِلَفْظٍ مُحْتَمِلٍ وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ أَبَاهَا يَلْتَزِمُ لَهُ بِمَالٍ فِي مُقَابَلَةِ طَلَاقِهِ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَلْتَزِمَ لَهُ بِهِ فَوْرًا وَحِينَئِذٍ فَتَطْلُقُ بَائِنًا بِذَلِكَ الْمَالِ إنْ كَانَ مُعَيَّنًا وَإِلَّا فَبِمَهْرِ الْمِثْلِ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ أَنَّهُ خَالَعَهَا خُلْعًا مُنَجَّزًا وَأَنَّهَا بَعْدَهُ تَصِيرُ فِي رَقَبَةِ أَبِيهَا أَيْ عَلَيْهِ مُؤْنَتهَا طَلُقَتْ بِقَوْلِهِ خَالَعْتُكِ إنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَيَكُونُ رَجْعِيًّا فَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ شَيْئًا أَوْ نَوَى وَلَمْ تَقْبَلْ لَمْ يَقَعْ طَلَاقٌ وَأَمَّا إذَا أُضْمِرَ الْتِمَاسُ جَوَابِهَا فَقَبِلَتْ بَانَتْ وَلَزِمَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ هَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْمِنْهَاجِ وَأَصْلُهُ وَهُوَ طَرِيقَةُ الْأَكْثَرِينَ لَكِنَّ الْمُصَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ مَعَ عَدَمِ ذِكْرِ الْمَالِ كِنَايَةٌ مُطْلَقًا فَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ اللَّفْظِ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرَ فَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّهُ لَا يَقَع بِهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنْ الْأَمْرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ إلَّا بِالشَّرْطِ الَّذِي ذَكَرْته وَالْأَصْلُ بَقَاءُ الْعِصْمَةِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْمَوْقِعُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ هُنَا لِأَنَّ لَفْظَهُ مُحْتَمِلٌ كَمَا تَقَرَّرَ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْ احْتِمَالَيْهِ لَا يَقْتَضِي الْوُقُوعَ مُطْلَقًا بَلْ بِشَرْطٍ لَمْ يَتَحَقَّقْ وُجُودُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (سُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ الْمُسْلِمِينَ عَمَّنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ مَعِي الْيَوْمَ وَإِلَّا فَبُكْرَةً أَوْ قَدَّمَ مَعِي عَلَى مُطَلَّقَةٍ مَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ إذَا قَالَ أَنْتِ مُطَلَّقَةٌ مَعِي الْيَوْمَ وَإِلَّا فَبُكْرَةً وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ فِي الْحَالِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ مَا رَبَطَ بِهِ الطَّلَاقَ بِقَوْلِهِ مَعِي إلَى آخِرِهِ لَا مَعْنَى لَهُ يَتَبَادَرُ مِنْهُ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ لَهُ مَعْنًى فَهُوَ أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ حَالَ كَوْنِك مَعِي فَإِنْ لَمْ تَكُونِي مَعِي فَأَنْتِ طَالِقٌ بُكْرَة أَيْ غَدًا وَهَذَا مَعْنَى يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ فَإِذَا أَرَادَهُ قُبِلَ ثُمَّ إنْ وُجِدَتْ مَعِيَّتُهَا لَهُ ذَلِكَ الْيَوْمِ طَلُقَتْ بِغُرُوبِ شَمْسِهِ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ مَعِيَّتُهَا لَهُ كَذَلِكَ طَلُقَتْ بِفَجْرِ غَدِهِ وَالْمُرَادُ بِالْمَعِيَّةِ مَا قَصَدَهُ بِهَا إنْ كَانَ لَهُ قَصْدٌ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا شَيْئًا فَالْمَدَارُ عَلَى الْمَعِيَّةِ الْعُرْفِيَّةِ لِأَنَّ الْمَعِيَّةَ لَا ضَابِطَ لَهَا فِي اللُّغَةِ فَرُجِعَ فِيهَا إلَى الْعُرْفِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ لَهَا ضَابِطًا فِي اللُّغَةِ وَهُوَ الْمُقَارَنَةُ فَالْمُقَارَنَةُ مُخْتَلِفَةٌ فِي الْعُرْفِ لِأَنَّهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ فَوَجَبَ إنَاطَةُ الْحُكْمِ فِيهَا بِالْعُرْفِ وَإِنْ قُلْنَا بِمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ مَا عَدَا الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ مِنْ تَقْدِيمِ اللُّغَةِ عَلَى الْعُرْفِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (مَسْأَلَة) قَالَ لِزَوْجَتِهِ وَهُوَ سَاكِنٌ هُوَ وَإِيَّاهَا بِعُلْوِ الدَّارِ مَتَى نَزَلْت إلَى أَسْفَلِ الدَّارِ بِغَيْرِ إذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ وَمُرَادُهُ بِأَسْفَلِهَا الْحَوْشُ وَصِفَةُ الْمَجْلِسِ الَّذِي هُوَ بِعُلُوِّهِ ثُمَّ تَشَاجَرَا فَقَالَتْ لَهُ طَلِّقْنِي فَإِنَّ عَازِمَةٌ إلَى بَيْتِ وَالِدَتِي فَقَالَ لَهَا إلَّا كُنْت تَعْزِمِي مُفَاتَنَةً فَقَدْ أَذِنْت لَك وَإِنْ كُنْت تُرِيدِي الطَّلَاقَ فَقَدْ عَرَفْت الْيَمِينَ الَّتِي حَلَفْتهَا فَخَرَجَتْ إلَى بَيْتِ وَالِدَتِهَا فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَوْ يُرْجَعُ إلَى إرَادَتِهَا؟ (فَأَجَابَ) إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ إنْ كُنْت تَعْزِمِي مُفَاتَنَةً فَقَدْ أَذِنْت لَك تَنْجِيزَ الْإِذْنِ لَهَا بِشَرْطِ أَنَّهَا تَنْزِلُ لِلْخُرُوجِ مُفَاتَنَةً فَنَزَلَتْ لِلْخُرُوجِ مُفَاتَنَةً لَمْ يَحْنَثْ وَإِلَّا حَنِثَ فَتُعْتَبَرُ نِيَّتُهَا حَالَ النُّزُولِ إلَى أَسْفَلِ الدَّارِ وَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ تَعْلِيقَ الْإِذْنِ عَلَى خُرُوجِهَا مُفَاتَنَة وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا لِانْتِفَاءِ الْإِذْنِ مُطْلَقًا حَالَ النُّزُولِ لِلْخُرُوجِ فَوُجِدَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ فَوَقَعَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) فِي رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فَسَأَلَ آخَرُ عَنْهَا أَهِيَ زَوْجَته أَمْ لَا فَقَالَ هِيَ مُخْرَجَةٌ وَفِي بَلَدٍ عُرْفُهُمْ أَنَّ مَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ هِيَ مُخْرَجَةٌ فَهِيَ الْبَيْنُونَةُ الْكُبْرَى فَهَلْ تَحِلُّ لَهُ بَعْد هَذَا الْإِقْرَارِ الصَّادِرِ مِنْهُ بِغَيْرِ مُحَلِّلٍ وَلَا يُلْتَفَتُ لِعُرْفِ بَلَدِهِ أَمْ لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بَعْد زَوْجٍ عَلَى عُرْفِ أَهْلِ بَلَدِهِ

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْعِبْرَةُ فِي ذَلِكَ بِنِيَّتِهِ لَا بِعُرْفِ أَهْلِ بَلْدَة فَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ فَقَطْ كَانَ رَجْعِيًّا وَإِنْ نَوَى الثَّلَاثَ لَمْ تَحِلَّ لَهُ بِمُحَلَّلٍ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ شَيْءٌ غَيْرُ الطَّلَاقِ. (سُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ الْمُسْلِمِينَ عَمَّنْ قَالَ إلَّا دَخَلْت الدَّارَ طَلَّقْتُك فَهَلْ هُوَ تَعْلِيقٌ أَوْ لَغْوٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ وَعْدٌ فَيَكُونُ لَغْوًا نَعَمْ إنْ ذَكَرَ قَبْلَهُ قَدْ لَفْظًا أَوْ نِيَّةً كَانَ تَعْلِيقًا لِانْسِلَاخِهِ عَنْ الْوَعْدِ حِينَئِذٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (سُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي رَجُلٍ قَالَ عَلَيَّ الطَّلَاقُ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَحَنِثَ وَلَهُ زَوْجَتَانِ فَهَلْ تَطْلُقَانِ أَوْ إحْدَاهُمَا مُبْهِمًا فَيُعَيِّنُ وَلَوْ مَنْ مَاتَتْ مِنْهُمَا بَعْدَ التَّعْلِيقِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا تَطْلُقُ إلَّا إحْدَاهُمَا كَمَا أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلَوْ مَاتَتْ إحْدَاهُمَا بَحَثَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِحَالَةِ التَّعْلِيقِ فَلَهُ تَعْيِينُ الْمَيِّتَةِ وَفِي التَّوَسُّطِ عَنْ بَعْضِ الشُّيُوخِ مَا يُوَافِقُهُ لَكِنْ اُعْتُرِضَ بِأَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ تَعْيِينُ الْحَيَّة نَظَرًا لِحَالِ الْوُقُوعِ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يُعَيِّنْ زَوْجَةً وَقَعَ عَلَى الْمَوْجُودَةِ حَالَ وُجُودِ الصِّفَةِ لِتَعَذُّرِهِ فِي غَيْرِهَا وَقَضِيَّةُ الْأَوَّلِ أَنَّهُمَا إذَا بَقِيَتَا جَازَ لَهُ تَعْيِينُ إحْدَاهُمَا لِلْيَمِينِ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ وَاسْتِدْلَالُهُ فِي التَّوَسُّطِ بِكَلَامِ الشَّامِلِ وَقَضِيَّة الثَّانِي خِلَافُهُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (سُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ الْمُسْلِمِينَ فِي امْرَأَةٍ خَرَجَتْ مِنْ دَارِ زَوْجِهَا فَقَالَ إلَّا لَمْ تَرْجِعْ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَطْلُقُ بِمَاذَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ مَاتَتْ قَبْلَ الرُّجُوع طَلُقَتْ قَبْل مَوْتِهَا أَوْ الزَّوْجُ أَوْ هُمَا لَمْ تَطْلُقْ كَذَا فِي التَّوَسُّطِ وَقَوْلُهُ لَمْ تَطْلُقْ مُعْتَرَضٌ بِأَنَّ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْبِرُّ لَا فَرْقَ بَيْن أَنْ يُفْعَلْ فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ الْبَيْنُونَةِ بِخِلَافِ مَا بِهِ الْحِنْثُ فَعَلَيْهِ لَوْ مَاتَ ثُمَّ مَاتَتْ وَلَمْ تَرْجِعْ وَقَعَ الطَّلَاقُ قُبَيْلَ مَوْتِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ شَهِدَ بِأَنَّهُ سَرَّحَ زَوْجَتَهُ فَهَلْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِهِ وَلَا نَظَرَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ سَرَّحَ رَأْسَهَا ذَكَرَهُ أَبُو زُرْعَةَ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَبَرَكَتِهِ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أُنْثَيَاك طَالِقٌ فَهَلْ تَطْلُقُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يُتَّجَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ ثَبَتَ أَنَّ لَهَا أُنْثَيَيْنِ بِقَوْلِ أَهْلِ الطِّبِّ طَلُقَتْ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ عَدَمَ الْوُقُوعِ وَمَنْ أَطْلَقَ الْوُقُوعَ مُحْتَجًّا بِأَنَّ لَهَا أُنْثَيَيْنِ دَاخِل الْفَرْجِ إحْدَاهُمَا لِلشَّعْرِ وَالْأُخْرَى لِلْمَنِيِّ كَمَا فِي الرَّجُلِ. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ طَلَب فِي لَيْلَةٍ غَشَيَانَ زَوْجَتِهِ وَرَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا فَامْتَنَعَتْ وَقَالَتْ لَهُ حَلَفْتُ أَنَّك مَا تَأْتِنِي اللَّيْلَةَ فَقَالَ لَهَا كَفِّرِي عَنْ يَمِينِك وَمَكِّنِينِي وَعَلَيَّ كَفَّارَتُهَا وَإِلَّا أَحْلِفُ أَنَا يَمِينًا لَا تُكَفِّرُ فَلَمْ تُمَكِّنْهُ فَقَالَ لَهَا إلَّا لَمْ تُمَكِّنِينِي اللَّيْلَةَ مِنْ نَفْسِك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بَاقِي مَا بَقِيَ وَلَمْ يُعَيِّنْ فِي كَلَامِهِ بَاقِي اللَّيْلَةِ أَوْ بَاقِي الشَّهْرِ أَوْ بَاقِي السَّنَةِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَمَضَتْ اللَّيْلَةُ عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاق الثَّلَاثُ أَمْ لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَخْرَجٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ بِقَوْلِ اللَّيْلَةَ وَقَوْله بَاقِي مَا بَقِيَ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ ظَرْفٌ لِتُمَكِّنَنِي وَأَرَادَ بِهِ زَمَنًا مُعَيَّنًا أَكْثَرَ مِنْ بَقِيَّةِ اللَّيْلَةِ كَانَ مُنَاقِضًا لِقَوْلِهِ اللَّيْلَةَ فَيَلْغُو وَكَذَا إنْ أَرَادَ أَنَّهُ ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ طَالِقٌ لِأَنَّ فِيهِ تَوْقِيتًا لِلطَّلَاقِ وَهُوَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ عَمَّنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ قُبَلَ مَوْتِي بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الْبَاءِ طَلُقَتْ قُبَيْلَ مَوْتِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَاعْتَرَضَهُ الْإِسْنَوِيّ فَقَالَ وَمَا ذُكِرَ مِنْ فَتْحِ بَاءِ قَبْلَ غَلَطٌ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ وَإِنَّمَا فِيهِ ضَمُّ الْبَاءِ وَإِسْكَانُهَا وَهُوَ الدُّبُرُ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَبِأَنَّ الرَّافِعِيَّ وَابْنِ الرِّفْعَة لَمْ يَتَعَرَّضَا إلَّا لِضَمِّ الْقَاف فَقَطْ. اهـ. وَرَدَّهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنْ قَبْلَ هُنَا لَيْسَتْ نَقِيضَةَ بَعْدٍ بَلْ بِمَعْنَى مَا يُسْتَقْبَلُ فَمَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ قَبْل مَوْتِي أَيْ عِنْد اسْتِقْبَالِهِ وَذَلِكَ قُبَيْلَهُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَزْهَرِيّ قَالَ وَفِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَسَرَ الْقَافَ أَيْضًا طَلُقَتْ قُبَيْلَ الْمَوْتِ. اهـ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَفِي رَدِّهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْإِسْنَوِيّ لَمْ يَجْعَلْ قَبْلَ نَقِيضِهِ بَعْدَ بَلْ جَعَلَهَا نَقِيضَةَ الدُّبُرِ ثُمَّ قَالَ عَلَى أَنَّ الضَّبْطَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْأَزْهَرِيِّ. اهـ. فَمَا الَّذِي تَعْتَمِدُونَهُ وَهَلْ عَنْ كَلَامِ الرَّوْضَةِ جَوَابٌ شَافٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَدُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ الْآن مُتَرَدِّدَةٌ بَيْن أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى

قَبْل بِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ حَالًا أَوْ بِمَعْنَى قُبْل بِضَمِّ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ أَوْ ضَمِّهَا فَيَقَعُ قُبَيْلَ الْمَوْتِ وَالْعِصْمَةُ ثَابِتَةٌ بِيَقِينٍ فَلَمْ يُوقِعْ النَّوَوِيُّ بِهَا حَالًا بَلْ قُبَيْلِ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ الْمُحَقَّقُ وَهَذَا فِقْهٌ ظَاهِرٌ وَلَا نَظَرَ إلَى كَوْنِهَا لَمْ يَذْكُرْهَا أَحَدٌ لُغَةً إنْ سَلَّمْنَاهُ لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنَّهُ أَخْطَأَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَهَذَا الْخَطَأُ لَا يُصَيِّرُ الْكَلِمَةَ لَا مَعْنَى لَهَا أَصْلًا حَتَّى يَقَعَ الطَّلَاقُ حَالًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بَلْ يُصَيِّرُهَا مُتَرَدِّدَةً بَيْن قَبْل وَقُبْل السَّابِقَتَيْنِ فَحَيْثُ لَمْ يُرِدْ بِهَا مَدْلُولَ أَحَدِهِمَا حَكَمْنَا بِالْمُحَقَّقِ وَهُوَ الْوُقُوعُ قُبَيْلَ الْمَوْتِ وَأَلْغَيْنَا الْمَشْكُوكَ فِيهِ وَهُوَ الْوُقُوعُ حَالًا فَانْدَفَعَ مَا اعْتَرَضَ بِهِ الْإِسْنَوِيّ وَبَانَ أَنَّهُ لَا يُلَاقِي كَلَامَ النَّوَوِيِّ وَأَنَّ مَا ذَكَره أَجْنَبِيٌّ عَمَّا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَرَضِيَ عَنْهُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ قَالَ أَنْتِ تَالِقٌ بِالتَّاءِ فَهَلْ يَحْنَثُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ لُغَتُهُمْ إبْدَالُ الطَّاءِ تَاءً كَانَ صَرِيحًا لِأَنَّ هَذَا الْإِبْدَالَ لُغَةُ قَوْمٍ مِنْ الْعَرَبِ وَإِلَّا فَهُوَ كِنَايَةٌ. (وَسُئِلَ) بِمَا صُورَته حَلَفَ صَائِمٌ أَنَّ امْرَأَتَهُ طَالِقٌ إلَّا أَفْطَرَ عَلَى حَارٍّ أَوْ بَارِدٍ فَمَا حِيلَتُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى ابْنُ الصَّبَّاغِ بِأَنَّهُ حَانِثٌ إذْ لَا بُدَّ مِنْ الْفِطْرِ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ بِأَنَّهُ لَا حِنْثَ لِإِفْطَارِهِ بِالْغُرُوبِ لِحَدِيثِ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ وَالتَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالْإِفْطَارِ تَعَاطِي الْمُفْطِرَ كَانَتْ حِيلَتُهُ الْمُخَلِّصَةُ لَهُ مِنْ الْحِنْثِ بِأَنْ يُدْخِلَ عُودًا فِي صِمَاخِهِ أَوْ نَحْوَهُ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ صَدَقَ أَنَّهُ لَمْ يُفْطِرْ عَلَى حَارٍّ أَوْ بَارِدٍ وَإِنْ أَرَادَ الْإِفْطَارَ الشَّرْعِيَّ فَلَا حِنْثَ أَيْضًا وَإِنْ أَطْلَقَ فَهُوَ مَحِلُّ التَّرَدُّدِ وَالنَّظَرِ لِتَعَارُضِ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ وَالْعُرْفِيِّ فِي ذَلِكَ وَكَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي وَنَحْوَهُ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ فَالْأَوْجُهُ تَرْجِيحُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاق وَمَنْ وَافَقَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ إلَّا خَرَجْت مِنْ الدَّارِ بِغَيْرِ إذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ أَذِنَ لَهَا بَعْد ذَلِكَ فِي الْخُرُوجِ فِي زَمَنٍ مُعَيَّنٍ كَيَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ مَثَلًا فَلَمْ تَخْرُجْ فِيهِ ثُمَّ أَنَّهَا خَرَجَتْ فِي غَيْرِهِ فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا لِخُرُوجِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فِي هَذَا الزَّمَنِ أَوْ لَا يَقَعُ لِإِذْنِهِ لَهَا فِي الْخُرُوجِ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ الْمُعَيَّنِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ خُرُوجَهَا فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الَّذِي عَيَّنَهُ خُرُوجٌ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَيَشْمَلُهَا يَمِينُهُ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُقَيَّدَ بِوَصْفٍ يَنْتَفِي اعْتِبَارُهُ بِانْتِفَاءِ ذَلِكَ الْوَصْفِ الْمُقَيَّدِ بِهِ فَيَصْدُقُ لُغَةً وَعُرْفًا أَنَّهَا خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا مِرْيَةَ فِي وُقُوعِ الثَّلَاثِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ كَيْفِيَّةِ صِيغَةِ حَلِّ طَلَاقِ الدَّوْرِ عِنْدَ مَنْ يُصَحِّحُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ صِيغَتُهُ فِيمَا إذَا عَلَّقَ بِطَلَاقِ نَفْسِهِ أَوْ وَكِيلِهِ أَنْ يَقُولَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك فَإِذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا طَلُقَتْ عَلَى الصَّحِيحِ سَوَاءٌ أَقُلْنَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالتَّوْكِيلِ أَمْ لَا لِأَنَّ هَذَا تَمْلِيكٌ عَلَى الصَّحِيحِ فَهُوَ لَمْ يُطَلِّقْ أَمَّا لَوْ عَلَّقَ بِأَنْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَلَا حِيلَةَ لَهُ إلَّا بِسَبَبٍ يُوجِبُ الْفَسْخَ بِإِعْسَارِهِ وَنَحْوِهِ فَإِذَا فُسِخَ بِذَلِكَ تَخَلَّصَ مِنْ الدَّوْرِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ عَلَى ثَوْبٍ فَبَانَ ثَوْبَ غَيْرِهِ مَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا ظَنَّهُ ثَوْبَهُ فَحَلَفَ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ الظَّنِّ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ ثَوْبُ غَيْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ بِذَلِكَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا لَا يَحْنَثُ النَّاسِي. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ الْمُشَرَّفَتَيْنِ وَحَضْرَمَوْتَ وَالشَّجَرَ وَعُمَانَ مِنْ الْيَمَنِ وَحَلَفَ آخَرُ أَنَّهَا مِنْ غَيْرِهِ مَنْ الْحَانِثُ وَمِنْ أَيْنَ إلَى أَيْنَ حَدُّ الْيَمَنِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَمْ أَرَ فِي حَدِّ الْيَمَنِ شَيْئًا يَشْفِي وَحِينَئِذٍ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يُرْجَعُ فِي ذَلِكَ إلَى عُرْفِ الْحَالِفِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا الْمُطَّرِد عِنْدَهُ فَإِنْ وَافَقَ عُرْفَ يَمِينِهِ فَذَاكَ ظَاهِرٌ وَإِنْ خَالَفَ يَمِينَهُ حَنِثَ وَإِنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ فَلَا حِنْثَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالظَّاهِرُ بِحَسَبِ الْعُرْفِ وَبَادِي الرَّأْيِ أَنَّ عُمَانَ وَمَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْيَمَنِ فَيَحْنَثُ الْحَالِفُ أَنَّهَا أَوْ إحْدَاهَا مِنْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ مَا يُعَيِّدُ مَعَ زَوْجَتِهِ وَغَالِبُ الظَّنِّ أَنَّ مُرَادَهُ بِمَا إذَا أَوْ إلَّا لَكِنْ الْعَامَّةَ لَا يَعْرِفُونَ حَرْفَ الشَّرْطِ فَمَا الْحُكْمُ وَإِذَا سَأَلَهُ دَرْسِي كَيْف قُلْت فَقَالَ

طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا فَقَالَ كَيْفَ قُلْت فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا مَا أُعَيِّدُ مَعَك فَقَالَ لَهُ قَدْ أَقْرَرْت أَنَّك لَمْ تَذْكُرْ مَا وَلَا الْعِيد فَقَالَ دُهِشْت مَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَتَى عَيَّدَ مَعَ زَوْجَتِهِ حَنِثَ وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّ غَالِبَ الظَّنِّ أَنَّهُ أَرَادَ مَا ذَكَرَ وَيُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ فِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ بَاطِنًا بِلَا شَكٍّ وَكَذَا ظَاهِرًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْبُلْقِينِيُّ فِي فَتْوَاهُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنَّ صَخْرَةً بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ مُرْتَفِعَةٌ فِي الْهَوَاءِ بَيْن السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَحَلَفَ آخَرُ بِهِ أَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى الْبِنَاءِ الَّذِي تَحْتَهَا مَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ أَرَادَ الْأَوَّلُ بِارْتِفَاعِهَا فِي الْهَوَاءِ أَنَّهَا غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ بِالْبِنَاءِ الَّذِي بُنِيَ تَحْتَهَا حَنِثَ لِكَذِبِهِ فِي ذَلِكَ نَعَمْ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ فَحَلَفَ اعْتِمَادًا عَلَى غَلَبَةِ ظَنِّهِ لَمْ يَحْنَثْ وَأَمَّا الثَّانِي فَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الِاتِّصَالَ بِالْبِنَاءِ مَوْجُودٌ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى اتِّصَالِهَا بِالْبِنَاءِ وَحَلَفَ وَاحِدٌ أَنَّهَا مُعْتَمَدَةٌ عَلَيْهِ وَآخِر أَنَّهَا لَيْسَتْ مُعْتَمَدَةٌ عَلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ أَمْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ يُحْتَمَلُ وُجُودُهُ وَيُحْتَمَلُ عَدَمُهُ وَمِثْلُ هَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَحْنَثَ فِيهِ أَحَدُهُمَا لِأَنَّهُ تَحَكُّمٌ وَلَا هُمَا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا صَادِقٌ فَهُوَ كَمَسْأَلَةِ مَا لَوْ قَالَ إنْ كَانَ الطَّائِرُ غُرَابًا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَقَالَ آخَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَلَا يَحْنَثُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ظَاهِرًا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا حَانِثًا قَطْعًا لِعَدَمِ تَعْيِينِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا ثُمَّ قِيلَ لَهُ يَا فُلَانُ أَطَلَّقْتَ زَوْجَتَك فَقَالَ طَلَّقْت طَلْقَةً وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ لَهُ آخَرُ أَنْتَ طَلَّقْت ثَلَاثًا فَقَالَ الزَّوْجُ صَدَقْت بِكَلَامِك مَعَك عَلَيَّ شُهُودٌ فَقَالَ اشْهَدُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ طَلَّقَ ثَلَاثًا هَلْ هَذَا يَكُونُ إقْرَارًا مِثْل نَعَمْ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَوْلَهُ صَدَقْت كَنَعَمْ فَيَكُونُ إقْرَارًا مِنْهُ بِأَنَّهُ طَلَّقَ ثَلَاثًا فَيُؤَاخَذ بِهِ وَقَوْلُهُ بِكَلَامِك إلَخْ أَمَّا أَنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ أَوْ لَهُ مَعْنًى بِأَنْ يُرِيدَ بِهِ رَفْعَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ صَدَقْت وَحِينَئِذٍ فَهُوَ تَعْقِيبُ الْإِقْرَارِ بِمَا يَرْفَعُهُ فَلَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ بَلْ يُؤَاخَذُ بِمَدْلُولِ قَوْلِهِ صَدَقْت كَمَا تَقَرَّرَ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَتْ بَذَلْت صَدَاقِي عَلَى صِحَّةِ طَلَاقِي فَأَجَابَهَا بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا آخِرَ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ عُمْرِي فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَيَبْرَأُ مِنْ الصَّدَاقِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ آخِرَ جُزْءِ عُمْرِهِ فَلَا تَرِثُ مِنْهُ وَلَا يَبْرَأُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ الصَّدَاقِ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ لِعَدَمِ اتِّصَالِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِالْبَذْلِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ التَّعْلِيقُ بِالثَّلَاثِ كَانَ رَجْعِيًّا لِعَدَمِ مُطَابَقَةِ جَوَابِهِ لِبَذْلِهَا لِأَنَّهَا طَلَبَتْ بِصِيغَةٍ تَقْتَضِي الطَّلَاقِ حَالًا فَأَجَابَهَا بِجَوَابٍ يَقْتَضِي الْوُقُوعِ قُبَيْلَ مَوْتِهِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ يَغْفُلُونَ عَنْ ذَلِكَ فَيُلَقِّنُونَهُ ذَلِكَ بَعْد أَنْ يُلَقِّنُوهَا الْبَذْلَ عَلَى الطَّلَاقِ آخِرَ عُمْرِهِ وَهُوَ لَا يُفِيدُ مَقْصُودَ الْمَرِيض مِنْ حِرْمَانِ الزَّوْجَةِ مِنْ الْإِرْثِ وَعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِعِدَّةِ الْوَفَاةِ وَلَوْ لَقَّنُوهَا بَذَلْت صَدَاقِي عَلَى تَعْلِيقِ طَلَاقِي بِآخِرِ أَجْزَاءِ حَيَاتِك فَفَعَلَ كَانَ بَائِنًا وَأَفَادَ الْمَقْصُودَ لِوُجُودِ الْمُطَابَقَةِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي آخِرِ الْعُمْرِ كَمَا ذَكَرَ وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الرُّويَانِيّ عَنْ وَالِدِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ أَنَّهَا تَطْلُقُ حَالًا وَفِي الرَّوْضَةِ فِي تَعْلِيقِ مَا يَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ وَعَدَمِ الْبَرَاءَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ الْمُسْلِمِينَ عَمَّنْ قَالَ عَلَيَّ السَّبِيلُ مَا أَفْعَلُ كَذَا فَهَلْ هُوَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ بَحَثَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كِنَايَةٌ فَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ عَمِلَ بِهِ وَإِلَّا كَانَ لَغْوًا وَهُوَ مُحْتَمَلٌ نَظِيرُ مَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ الْحَلَالُ فَإِنَّهُ كِنَايَةُ وَكَذَا هَذَا إلَّا أَنْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ هَذَا اُعْتِيدَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّلَاقِ بِخِلَافِ عَلَيَّ السَّبِيلُ وَمِثْلُهُ بِالْأَوْلَى عَلَيَّ الْحَقُّ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا لَمْ تَتَزَوَّجِي بِفُلَانٍ فَهَلْ تَطْلُقُ حَالًا أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي أَفْتَى بِهِ ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ وَعُمَرَ الْفَتَى أَنَّهُ يَقَعُ حَالًا لِأَنَّهُ مُسْتَحِيلُ الْبِرِّ وَمُسْتَحِيلُهُ يَقَعُ الطَّلَاق بِهِ حَالًا كَإِنْ لَمْ تَصْعَدِي السَّمَاء وَاَلَّذِي أَفْتَى بِهِ الشَّرَفُ ابْنُ الْمُقْرِي وَجَمَاعَةٌ أَنَّهُ لَا يَقَعُ أَصْلًا وَأَطَالَ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى ذَلِكَ وَمَعَ ذَلِكَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ قَدَّرَ مَحْذُوفًا جَعَلَ بِهِ الْبِرَّ مُمْكِنًا فَقَالَ يُمْكِنُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثُمَّ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ وَتَتَزَوَّجُ فَالتَّقْدِيرُ إنْ لَمْ تَتَزَوَّجِي بَعْدَ طَلَاقِي إيَّاكِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ هَذَا التَّقْدِيرِ وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ إنْ لَمْ تَتَزَوَّجِي بِفُلَانٍ شَرْطٌ

إلْزَامِيٌّ أَيْ أَنْتِ حَلَالٌ لِكُلِّ أَحَدٍ إلَّا فُلَانًا فَلَا تَحِلِّينَ لَهُ مُرِيدًا إلْزَامَهَا أَنْ لَا تَتَزَوَّجْ بِهِ وَهَذَا شَرْطٌ مُسْتَحِيلٌ شَرْعًا فَإِنَّهَا إذَا طَلُقَتْ حَلَّتْ لِفُلَانٍ وَغَيْره فَأَشْبَهَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقًا لَا يَقَع عَلَيْكِ جَمِيعُ أَحْكَامِهِ بَلْ بَعْضُهَا وَهُوَ مِلْكٌ لِمَا سِوَى فُلَان. وَهَذَا شَرْطٌ إلْزَامِيٌّ وَالطَّلَاقُ وَإِنْ قَبْل التَّعْلِيقِ فَلَا يَقْبَلُ إلْحَاق الشَّرْطِ الْإِلْزَامِيِّ بِهِ كَأَنْتِ طَالِقٌ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَدْخُلِي الدَّارَ وَأَنْ لَا تَحْتَجِبِي مِنِّي فَإِنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ جَزْمًا وَإِنْ دَخَلَتْ الدَّارَ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ الْأَوَّلَ فِي مَسْأَلَتنَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ إلْزَامِيّ فَيَقَعُ وَيَلْغُو إلْزَامَهُ لَهَا مَا لَا يَلْزَمُهُ شَرْعًا هَذَا لَوْ فُرِضَ إمْكَانُهُ فَمَا بَالك بِالْمُسْتَحِيلِ شَرْعًا وَمَحِلُّ الْخِلَافِ إنْ كَانَ التَّعْلِيقُ بِإِنْ لَمْ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ فَوْرٌ فَإِنْ كَانَ بِإِذَا لَمْ تَتَزَوَّجِي وَقَعَ الطَّلَاقُ حَالًا اتِّفَاقًا. وَلَا فَرْقَ فِي الْكُلِّ بَيْنَ أَنْ يَقُول بِفُلَانٍ أَوْ يَقْتَصِرَ عَلَى إنْ لَمْ تَتَزَوَّجِي لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَعْنَى إلْزَامُهَا أَنْ لَا تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِ فَلَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ بَيْن ذِكْرَ الْغَيْرِ وَعَدَمِ ذِكْرِهِ. (وَسُئِلَ) مَا الْمُعْتَمَدُ فِي مَسْأَلَةِ الدَّوْرَ فِي الطَّلَاقِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَدُ وُقُوعُ الْمُنَجَّزِ كَمَا رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ وَتَبِعَهُمَا فُحُولُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَابْنِ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيِّ وَالْبُلْقِينِيِّ وَغَيْرِهِمْ بَلْ نَقَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْإِمَامِ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّهُ قَالَ أَنَّ الْإِمَامَ ابْنَ سُرَيْجٍ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ بِقَوْلِهِ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَكَانَ هَذَا هُوَ مُسْتَنَدُ قَوْلِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي فَتْحِ الْبَارِي أَنَّ الدَّوْرَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ لَكِنْ يَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ لِمَا فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَكْثَرُ الْمُجْتَهِدِينَ فِي عَصْرِ الشَّافِعِيِّ وَمَا قَبْلَهُ وَجَرَى كَثِيرُونَ عَلَى إنَّهُ لَوْ حَكَمَ بِصِحَّتِهِ حَاكِمٌ نُقِضَ حُكْمُهُ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْإِمَامُ وَلِيُّ اللَّهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِيِّ يَقُولُ ائْتُونِي بِزَوْجَةِ الْمُلْقِي لِلدَّوْرِ حَيْثُ طَلَّقَهَا بَعْده وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا لِأَتَزَوَّجَهَا وَنَاهِيك بِهِ عِلْمًا وَوَرَعًا قَيْل وَلَمْ يَنُصَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى الدَّوْرِ الْجُعْلِيّ بَلْ عَلَى الدَّوْرِ الشَّرْعِيّ الَّذِي لَا خِلَاف فِي اعْتِبَارِهِ وَمَنْ نَسَبَ إلَيْهِ الْأَوَّلَ فَقَدْ غَلِطَ وَجَهِلَ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا وَقَعَ لِلْأَكْثَرِينَ لِأَنَّهُ زَلَّةٌ وَقَدْ نُهِينَا عَنْ اتِّبَاعِ زَلَّاتِ الْعُلَمَاءِ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ. اهـ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ عَلَيَّ الطَّلَاقُ الثَّلَاث لَوْ تَغْدِي إلَى بَيْتِ أَهْلِك مِنْ غَيْرِ رِضَائِي مَا كَانَ إلَّا فِرَاقُك فَغَدَتْ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ لِبَيْتِ أَهْلِهَا فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ مُطْلَقًا أَوْ عِنْدَ الْيَأْسِ وَهَلْ يُصَدَّقُ إلَّا قَصَدَ الِاسْتِثْنَاءَ وَهَلْ حَذْفُ إلَّا كَوُجُودِهَا وَيَحْصُلُ الْفِرَاقُ بِطَلْقَةٍ رَجْعِيَّةٍ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ اخْتَلَفَ فِي هَذِهِ جَمْعٌ يَمَنِيُّونَ فَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّهَا تَطْلُقُ ثَلَاثَةً لِأَنَّهَا غَدَتْ إلَى بَيْتِ أَهْلِهَا بِغَيْرِ رِضَاهُ وَهُوَ عَامِّيٌّ لَا يُفَرِّقُ بَيْن التَّعْلِيقِ وَالتَّنْجِيزِ وَلَا قَصَدَ شَيْئًا وَأَفْتَى آخَرُ بِأَنَّ قَوْلَهُ كَانَ إلَّا فِرَاقُك تَعْلِيقٌ عَلَى عَدَمِ اسْتِمْرَارِ امْرَأَتِهِ إنْ غَدَتْ إلَى بَيْتِ أَهْلِهَا وَالظَّاهِرُ الْفَرْقُ بَيْن إلَّا وَعَدَمِهَا وَقَدْ أَشَارَ فِي فَتَاوَى الْأَصْبَحِيّ إلَى نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ إنْ رُحْت إلَى أَهْلِك فَهُوَ تَمَامُ طَلَاقِك وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَنَّ لَفْظَ التَّمَامِ لَا يَقْتَضِي الثَّلَاثَ عَلَى الْمَشْهُورِ الَّذِي أَجَابَ بِهِ أَكْثَرُهُمْ وَظَهَرَ لِي أَنَّ تَمَامَ كَقَوْلِهِ كَانَ إلَّا فِرَاقُك. اهـ. وَفِي كُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ أَنْظَارٌ ظَاهِرَةٌ فَالْوَجْهُ إفْتَاءُ بَعْضِهِمْ بِقَوْلِهِ أَمَّا إفْتَاءُ الْأَوَّلِ بِالْوُقُوعِ بِمُجَرَّدِ الْغُدُوِّ لِبَيْتِ أَهْلِهَا فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ لَفْظَ الْمُعَلَّقِ اشْتَمَلَ عَلَى التَّعْلِيقِ بِشَيْئَيْنِ بِالْغُدُوِّ لِبَيْتِ أَهْلِهَا وَعَدَمِ فِرَاقِهَا فَانْحَلَّ كَلَامُ الزَّوْجِ حِينَئِذٍ إلَى أَنَّهُ قَالَ إنْ غَدَوْتِ لِبَيْتِ أَهْلِكِ وَلَمْ أُفَارِقْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَمَتَى غَدَتْ إلَيْهِمْ وَفَارَقَهَا فَوْرًا أَوْ تَرَاخِيًا وَلَوْ بِطَلْقَةٍ رَجْعِيَّةٍ انْحَلَّتْ الثَّلَاثُ وَإِنْ لَمْ يُفَارِقْهَا حَتَّى مَاتَ أَحَدُهُمَا وَقَعَتْ الثَّلَاثُ قُبَيْلَ الْمَوْتِ وَأَمَّا إفْتَاءُ الثَّانِي بِأَنَّهُ مُعَلِّقٌ الطَّلَاقَ عَلَى عَدَمِ اسْتِمْرَارِهَا فَغَيْرُ ظَاهِرٍ فَإِنَّهُ إنَّمَا عَلَّقَهُ عَلَى الذَّهَابِ وَعَلَى عَدَمِ فِرَاقِهِ لَهَا بَعْدَ الذَّهَابِ وَقَوْل الثَّانِي الظَّاهِرُ الْفَرْقُ بَيْنَ إلَّا وَعَدَمِهَا غَيْرُ ظَاهِرٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ إلَّا كَانَ فِرَاقُك فِيهِ تَعْلِيقُ الثَّلَاثِ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَمْرَيْنِ. وَقَوْله كَانَ فِرَاقُك فِيهِ تَعْلِيقُهُ عَلَى مُجَرَّدِ ذَهَابِهَا إذْ الْمَعْنَى يَلْزَمُنِي الثَّلَاثُ إنَّ غَدَوْت لِأَهْلِك حَصَلَ الْفِرَاقُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ لَوْ أَبْرَأَتْنِي فُلَانَةُ وَأَبُوهَا مِنْ صَدَاقِهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ

بِإِبْرَائِهِمَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَقَعُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْكَمَالُ الرَّدَّادُ وَشَيْخُهُ الْفَتَى لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِي التَّعْلِيقِ وُجُودُ الصِّفَةِ الصَّحِيحَةِ وَبَرَاءَةُ أَبِيهَا لَغْوٌ فَلَمْ تُوجَدْ مِنْهُ بَرَاءَةٌ صَحِيحَةٌ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا طَلِّقْنِي فَقَالَ هِيَ طَالِقٌ فَهَلْ تَطْلُقُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ تَطْلُقُ لِقَوْلِهِمْ لَوْ نَادَى إحْدَى زَوْجَتَيْهِ: بِيَا حَفْصَةُ فَأَجَابَتْهُ عَمْرَةُ، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ الْمُجِيبَةُ ظَاهِرًا فَإِنْ قَالَ أَرَدْت الْمُنَادَاة طَلُقَتْ أَيْضًا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَكَّلَ مَنْ يَكْتُبُ لَهُ الطَّلَاقَ وَنَوَى فَهَلْ يَقَعُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا تَصِحُّ النِّيَّةُ إلَّا مِنْ الْكَاتِبِ فَإِنْ وَكَّلَهُ فِي النِّيَّةِ أَيْضًا فَكَتَبَ الْوَكِيلُ وَنَوَى وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ الَّتِي تَنْعَقِدُ بِالْكِتَابَةِ لَا تَنْفُذُ إلَّا إنْ كَانَ الْكَاتِبُ هُوَ النَّاوِي سَوَاءٌ الْكَاتِبُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَتْ لَهُ طَلِّقْنِي وَهِيَ حَامِلٌ فَقَالَ إذَا تَحَمَّلْت بِمَا فِي بَطْنِك إلَى أَنْ يَعْرِفَنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهَلْ تَطْلُقُ حَالًا أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ بَيَّنَ الْمُدَّةَ وَالنَّفَقَةَ فَأَجَابَتْهُ طَلُقَتْ بَعْد الْمُدَّةِ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ التَّعْلِيقَ لَا يَحْتَمِلُ الْجَهَالَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَتَى بِصِيغَةِ تَنْجِيزٍ كَطَلَّقْتُك عَلَى أَنْ تَتَحَمَّلِي بِهِ خَمْسَ سِنِينَ وَوَصَفَ الْمُلْتَزِمَ بِصِفَةِ السَّلَمِ فَقُبِلَتْ طَلُقَتْ فَوْرًا وَإِنْ لَمْ يَصِفْهُ وَقَعَ بِمَهْرِ الْمِثْلُ وَالْفَرْق أَنَّهُ فِي التَّنْجِيزِ يَصِحُّ الْخُلْعُ عَلَى الْمَجْهُولِ بِخِلَافِهِ فِي التَّعْلِيقِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ الْمُسْلِمِينَ عَمَّنْ قَالَ إلَّا لَمْ تَخْرُجِي مِنْ بَيْتِي بِشَيْءٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ خَرَجْت بِغَيْرِ شَيْءٍ وَقَالَ بَلْ بِشَيْءٍ فَلَا يَقَعُ فَمَنْ الْمُصَدَّقُ مِنْهُمَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَضِيَّةُ مَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْمُتَوَلِّي فِي إنْ خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِي أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا هُنَا أَيْضًا لَكِنَّهُ اسْتَشْكَلَ بِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ فِي أَنْتِ طَالِقٌ لِلسَّنَةِ ثُمَّ ادَّعَى وَطْأَهَا فِي هَذَا الطُّهْرِ وَفِيمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِعَدَمِ الْوَطْءِ ثُمَّ اخْتَلَفَا وَفِيمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِعَدَمِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا ثُمَّ ادَّعَى الْإِنْفَاقَ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ بِالنِّسْبَةِ لِعَدَمِ الْحِنْثِ وَأَخَذَ بَعْضُهُمْ مِنْ هَذِهِ النَّظَائِرِ عَدَمَ الْحِنْثِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ وَزَعَمَ أَنَّ مَا فِي الرَّوْضَةِ ضَعِيفٌ وَلَيْسَ فِي مَحِلِّهِ وَلَا يَرُدُّ عَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الْمَسَائِلِ لِأَنَّ نَحْوَ الْوَطْءِ وَالْإِنْفَاقِ مِنْ شَأْنِهِ الْخَفَاءُ وَمَشَقَّةُ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْإِذْنِ وَخُرُوجِهَا بِشَيْءٍ مِنْ حَوَائِجِهِ وَنَحْوِهَا فَافْهَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ لَوْ أَكَلَ قِطٌّ حَمَامَ إنْسَانٍ فَحَلَفَ لَيَقْتُلَنَّهُ فَتَمَكَّنَ مِنْ قَتْلِهِ فَلَمْ يَقْتُلْهُ حَتَّى مَاتَ الْقِطُّ فَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ يَحْنَثُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُفَارِقُ غَرِيمَهُ فَأَعْسَرَ الْغَرِيمُ فَإِنَّهُ إذَا فَارَقَهُ حَنِثَ وَإِنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الْمُلَازَمَةُ وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ لَمْ أَطَؤُك اللَّيْلَةَ فَوَجَدَهَا حَائِضًا أَوْ مُحَرَّمَةً فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِتَرْكِ وَطْئِهَا خِلَافًا لِلْمُزَنِيِّ فَمَا الْمُعْتَمَدُ مِنْ الْجَوَابَيْنِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ فِي قِيَاسِهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْيَمِينَ فِي مَسْأَلَةِ الْغَرِيمِ انْعَقَدَتْ مُطْلَقَةً فَعَمَّتْ حَالَتَيْ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَلَيْسَ فِيهَا تَنْصِيصٌ بِالْحَلْفِ عَلَى مَعْصِيَةٍ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ وَإِنَّمَا نَظِيرُهَا لَوْ حَلَفَ لِيَقْتُلَنَّ زَيْدًا أَوْ لَيَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ فَإِنَّهُ لَا يَبَرُّ إلَّا بِقَتْلِهِ أَوْ شُرْبِهِ وَإِنْ كَانَ مَعْصِيَةً لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَفِعْلِ الْوَاجِبِ وَتَرْكِهِ مُنْعَقِدَةٌ وَيَجِبُ الْحِنْثُ فِيهَا وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْغَرِيمِ فَلَا تَنْصِيصَ فِيهَا عَلَى الْمَعْصِيَةِ إلَّا مِنْ حَيْثُ إنَّ أُفَارِق نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ آحَادُ الْمَنْفِيِّ كَلَا رَجُلَ فِي الدَّارِ وَمَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ ظَرْفٍ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ» فَإِنَّهُ يَعُمُّ كُلَّ عَهْدٍ وَكَلَا أَشْرَبُ مَاءً مِنْ إدَاوَةٍ فَإِنَّهُ يَعُمُّ كُلَّ إدَاوَةٍ وَعُمُومُ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْي إمَّا ظَاهِرٌ كَلَا رَجُلٌ فِي الدَّارِ بِرَفْعِ رَجُلٍ أَوْ نَصٌّ كَلَا رَجُلَ بِفَتْحِ رَجُلٍ أَوْ مُؤَكِّدٌ لِذَلِكَ التَّنْصِيصِ كَلَا مِنْ رَجُلٍ. وَلَا أُفَارِقُ مِنْ الظَّاهِرِ فِي الْعُمُومِ فَيَعُمُّ حَالَتَيْ الْيَسَار وَالْإِعْسَار فَعُلِمَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَة الْهِرِّ الْحِنْثُ بِتَرْكِ الْقَتْلِ إلَّا أَنْ يُبَاحَ لَهُ قَتْلُهُ بِأَنْ يَصُولَ عَلَى نَحْوِ طَعَامِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهُ إلَّا بِقَتْلِهِ هَذَا مَا فِي الْجَوَابِ الْأَوَّلِ وَأَمَّا جَوَابُ الثَّانِي فَإِنَّهُ فَاسِدٌ حُكْمًا وَقِيَاسًا أَمَّا الْحُكْمُ فَلَمَّا تَقَرَّرَ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَيَقْتُلَنَّ زَيْدًا أَوْ لَيَشْرَبْنَ الْخَمْرَ وَأَمَّا الْقِيَاسُ فَلِأَنَّ الْحَلْفَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَطْءِ عَلَى فِعْلٍ مُبَاحٍ وَهُوَ يَنْعَقِدُ الْيَمِينُ فِيهِ عَلَى الْجَائِزِ شَرْعًا إذْ لَا عُمُومَ لِأَنَّ قَوْلَهُ إنْ لَمْ أَطَأْ حَثٌّ عَلَى الْوَطْءِ وَالْأَيْمَانُ الْمُطَلَّقَة تَنْزِلُ عَلَى

الْمُبَاحَاتِ فَنُزِلَ عَلَى مَا يَجُوزُ فِعْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْم لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَحُصُولُ الْفَيْئَةِ بِوَطْءِ الزَّوْجَةِ فِي الْحَيْضِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْحِنْثِ إذْ لَوْ وَطِئَ فِي الْمُدَّةِ نَاسِيًا لِلْيَمِينِ أَوْ مُكْرَهًا لَمْ يَحْنَثْ وَحَصَلَتْ الْفَيْئَةُ عَلَى الْأَصَحّ وَكَذَا لَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ لَا يَنْحَلُّ يَمِينُهُ قَطْعًا وَتَحْصُلُ الْفَيْئَةُ عَلَى الْأَصَحِّ فَإِنْ قُلْتَ لِمَ لَا نُنَزِّلُ قَتْلَ الْهِرِّ عَلَى حَالَةِ الْإِفْسَادِ الَّتِي يَحِلُّ قَتْلُهُ فِيهَا قُلْت تِلْكَ حَالَةٌ نَادِرَةٌ فَلَا تَعْلَقُ بِهَا الْيَمِينُ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَمْ يَحْمِلُوا الْحَلْفَ عَلَى قَتْلِ زَيْدٍ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي يَحِلُّ قَتْلُهُ وَشُرْبُهَا فِيهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَالِفَ مَتَى تَمَكَّنَ مِنْ قَتْلِ الْهِرِّ وَلَمْ يَقْتُلْهُ حَنِثَ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ تِلْكَ الصُّورَةَ الْمَخْصُوصَةَ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يُصَلِّي خَلْف زَيْدٍ فَوَلِيَ إمَامَةَ الْجُمُعَةِ فَهَلْ تَسْقُطُ عَنْ الْحَالِفِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ تَسْقُطُ عَنْهُ لِأَنَّ مَشَقَّةَ فِرَاقِ الزَّوْجَةِ تَزِيدُ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ أَعْذَارِ الْجُمُعَةِ وَأَيْضًا فَمِلْكُ الزَّوْجَةِ يُشْبِهُ فَوَاتُهُ فَوَاتَ الْمَالِيَّةِ وَفِي الْجَوَاهِرِ مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ وَيَشْهَدُ لَهُ بِالْأَوْلَى وَهُوَ أَنَّ الزَّوْجَةَ لَوْ نَشَزَتْ وَرَجَا رَدَّهَا إلَى الطَّاعَةِ فَاشْتُغِلَ بِرَدِّهَا عُذِرَ فِي الْجُمُعَةِ كَمَا لَوْ اُشْتُغِلَ بِصَلَاحِ مَالِهِ الَّذِي يَخْشَى فَسَادَهُ لَوْ صَلَّى الْجُمُعَةَ لَا يُقَالُ لِمَ لَا يَكُونُ الْإِيجَابُ الشَّرْعِيُّ عُذْرًا فِي عَدَمِ الْحِنْثِ كَالْإِكْرَاهِ الْحِسِّيّ فَيُصَلِّي الْجُمُعَةَ خَلْفَهُ وَلَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ حَلَفَ بِاخْتِيَارِهِ عَلَى مَا يَعُمّ الْمَعْصِيَةَ وَغَيْرَهَا كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُفَارِقُ غَرِيمَهُ فَأَعْسَرَ فَفَارَقَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ وَإِنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ مُلَازَمَتُهُ وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ وَهُوَ فِي يَدِ الْكُفَّار عَلَى أَنَّهُ لَا يُهَاجِرُ لَزِمَتْهُ الْهِجْرَةُ وَيَحْنَثُ لِأَنَّ ذَلِكَ بِاخْتِيَارِهِ وَبِأَنَّ مَنْ بِيَدِهِ وَدِيعَةٌ يَلْزَمُهُ إخْفَاؤُهَا فَإِذَا حَلَفَ كَاذِبًا حَنِثَ لِأَنَّهُ بِاخْتِيَارِهِ وَالْأَوْلَى لِهَذَا الْحَالِفِ أَنْ يَرْفَعَ الْقَضِيَّةَ إلَى حَاكِمٍ فَيُلْزِمُهُ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَلَا يَحْنَثُ لِإِكْرَاهِ الْقَاضِي وَإِلْزَامِهِ لَهُ. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثُمَّ سَأَلَهُ رَجُلٌ طَلَّقْتَ زَوْجَتَك فَقَالَ تِسْعِينَ طَلْقَةً وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَمَا يَلْزَمُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ أَرَادَ الْمُلْتَمِسُ بِذَلِكَ الِاسْتِخْبَارَ كَانَ إقْرَارًا فَيُؤَاخَذُ بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ كَاذِبًا فَلَهُ مُعَاشَرَتُهَا بَاطِنًا بَعْد الرَّجْعَةِ وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الْتِمَاسَ الْإِنْشَاءِ مِنْ الْمُطَلَّقِ وَقَعَ عَلَيْهِ الثَّلَاثُ مُطْلَقًا لِأَنَّ طَلَّقْتُ مُعَادٌ فِي الْجَوَابِ لِذِكْرِهِ فِي السُّؤَالِ وَمَا فِيهِ مُعَادٌ فِي الْجَوَابِ فَكَأَنَّهُ قَالَ طَلَّقْتهَا تِسْعِينَ طَلْقَةً قَاصِدًا بِذَلِكَ الْإِيقَاعِ فَتَلْحَقُهَا الثَّلَاثُ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الطَّلَاقَ رَجْعِيُّ وَأَنَّ الْعِدَّةَ بَاقِيَةٌ وَمَا ذَكَرْته فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ مَأْخُوذَةٌ مِمَّا قَالُوهُ فِيمَنْ قِيلَ لَهُ الْتِمَاسًا لِلْإِنْشَاءِ أَطْلَقْتَ زَوْجَتَك فَقَالَ نَعَمْ مَثَلًا بِجَامِعِ أَنَّ نَحْوَ نَعَمْ لَيْسَتْ مِنْ صَرَائِحِ الطَّلَاقِ لَكِنَّهَا لَمَّا وَقَعَتْ بَعْدَ السُّؤَالِ الْمُعَادِ فِي الْجَوَابِ نَزَّلُوهَا مَنْزِلَةَ طَلَّقْتُهَا وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي نَحْوِ نَعَمْ الَّذِي لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى طَلَّقْتُهَا إلَّا مُجَرَّدُ ذَلِكَ التَّنْزِيلِ فَأَوْلَى فِي تِسْعِينَ الْمُسْتَدْعَى تَقْدِيرُ عَامِلٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سُؤَالٌ وَلَا إنْشَاءٌ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَم. (وَسُئِلَ) عَنْ امْرَأَةٍ ادَّعَتْ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ رَجَعَتْ هَلْ يُقْبَلُ رُجُوعُهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يُقْبَلُ رُجُوعُهَا كَمَا فِي التَّدْرِيبِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ تُنْسَبُ لِزَوْجِهَا مِنْ غَيْر تَحْقِيقٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ جَمَاعَةٍ جَاءُوا إلَى جَمَاعَةٍ آخَرِينَ فَحَلَفَ أَحَدُ الْجَمَاعَةِ الْوَارِدِينَ بِالطَّلَاقِ مَا نَحْنُ لَكُمْ بِضِيفَانٍ أَوْ مَا نَذُوقُ لَكُمْ طَعَامًا أَوْ مَا نَذُوق عِنْدَكُمْ زَادًا وَقَصَدَ الْيَمِينَ عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ فَحَلَفَ أَحَدُ الْجَمَاعَةِ الْمَقْدُومِ عَلَيْهِمْ مَا تَرُوحُونَ إلَّا بَعْدَ زَادٍ فَهَلْ يَبْرَأُ الْحَالِفُ الْأَوَّلُ بِرُجُوعِ أَحَدٍ مِنْهُمْ إلَى مَحِلِّهِ وَبِالْمَحِلِّ بَاقِيهِمْ الزَّاد وَيَتَمَلَّكُونَ الزَّادَ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فَذَاكَ وَإِنْ قُلْتُمْ بِخِلَافِهِ فَمَا تَكُونَ الْحِيلَةُ فِي الْخَلَاصِ مِنْ الْحِنْثِ لَهُمَا أَوْضِحُوا لَنَا الْجَوَابَ عَنْ كُلِّ لَفْظٍ بِمَا يَقْتَضِيه؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَا صُورَتُهُ إذَا حَلَفَ مَا نَحْنُ لَكُمْ بِضِيفَانٍ وَقَصَدَ نَفْسَهُ وَجَمَاعَتَهُ وَحَلَفَ أَحَدُ الْمَقْدُومِ عَلَيْهِمْ مَا تَرُوحُونَ إلَّا بَعْدَ زَادٍ فَأَطْعَمَهُمْ أَحَدُ الْمَقْدُومِ عَلَيْهِمْ قَبْلَ رَوَاحِهِمْ زَادًا لَمْ يَحْنَثْ وَاحِدٌ مِنْ الْحَالِفَيْنِ حَيْثُ لَا نِيَّةَ لَهُمَا بِأَنْ أَطْلَقَا هَذَيْنِ الْيَمِينَيْنِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ السَّائِلُ لِأَنَّ لَفْظَ الْأَوَّلِ فِيهِ مَا نَحْنُ لَكُمْ بِضِيفَانٍ. وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ لَمْ يُضَيِّفْهُمْ الْجَمِيعُ فَإِنْ أَرَادَ الْحَالِفُ الْأَوَّلُ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ لَا يَصِيرُ ضَيْفًا

لِأَحَدٍ مِنْ الْقُدُومِ عَلَيْهِمْ فَلَا خَلَاصَ لَهُ وَإِنْ أَرَادَ الثَّانِي أَحَدًا مِنْهُمْ لَا يَرُوحُ إلَّا بَعْدَ أَكْلِهِ زَادًا مِنْ عِنْدِ أَحَدِ الْمَقْدُومِ عَلَيْهِمْ لَمْ يَبْرَأْ إلَّا إنْ أَكَلُوا كُلُّهُمْ زَادًا مِنْ عِنْدِ أَحَدِ الْمَقْدُومِ عَلَيْهِمْ وَيُقَاسُ بِمَا ذَكَرْته بَقِيَّةُ النِّيَّاتِ، أَوْ يَسْأَلُ السَّائِلُ مِنْ الْحَالِفَيْنِ عَنْ مُرَادِهِمَا بِالْحَلِفِ هُنَا وَفِيمَا مَرَّ، وَقَدْ سُئِلَ بِصُورَةِ ذَلِكَ لِيُكْتَبَ لَهُ الْجَوَابُ عَلَى ثَبْتٍ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا نِيَّةٌ فَالْحُكْمُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا وَإِنْ حَلَفَ الْأَوَّلُ مَا نَذُوقُ لَكُمْ زَادًا فَمَتَى ذَاقَ أَحَدُ الْقَادِمِينَ زَادًا لِلْمَقْدُومِ عَلَيْهِمْ، أَوْ لِبَعْضِهِمْ إنْ أَرَادَهُ حَنِثَ، وَإِنْ لَمْ يَذُقْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَوْ كُلُّهُمْ شَيْئًا لِلْمَقْدُومِ عَلَيْهِمْ فَلَا حِنْثَ، وَأَمَّا الْحَالِفُ الثَّانِي فَإِنْ أَرَادَ مُطْلَقَ الزَّادِ فَذَاقُوا زَادَ الْغَيْرِ الْمَقْدُومِ عَلَيْهِمْ لَمْ يَبْرَأْ إلَّا بِأَكْلِهِمْ لَهُ قَبْلَ رَوَاحِهِمْ وَإِنْ حَلَفَ الْأَوَّلُ مَا نَذُوقُ عِنْدَكُمْ زَادًا فَمَتَى ذَاقُوا عِنْدَهُمْ أَيْ فِي الْمَحَلِّ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِمْ عُرْفًا مَعَ حُضُورِهِمْ فِيهِ زَادًا لِلْمَقْدُومِ عَلَيْهِمْ، أَوْ غَيْرِهِمْ حَنِثَ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَحْنَثْ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَرُوحُوا إلَّا بَعْدَ زَادٍ وَإِنْ رَاحُوا بِلَا أَكْلِ زَادٍ حَنِثَ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَفِي صُورَةِ مَا نَذُوقُ لَكُمْ زَادًا وَلَا نِيَّةَ لِلْحَالِفِ فَيَبْرَأُ بِتَمَلُّكِهِمْ لِلزَّادِ قَبْلَ ذَوْقِهِ ثُمَّ عَلَى السَّائِلِ - وَفَّقَهُ اللَّهُ - أَنْ يَبْحَثَ عَنْ اللَّفْظِ الْوَاقِعِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَعَنْ كَوْنِ الْحَالِفَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا أَرَادَا شَيْئًا، أَوْ أَطْلَقَا وَيَتَأَمَّلَ مَا ذَكَرْتُهُ فِي هَذَا الْجَوَابِ فَإِنْ فَهِمَ حُكْمَهُ مِنْ ذَلِكَ فَهْمًا يَقِينِيًّا عَمِلَ بِهِ وَإِلَّا أَرْسَلَ لِمَا يَذْكُرُ أَنَّ لَهُ مُفَصَّلًا لِنَذْكُرَ لَهُ حُكْمَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ أَقَرَّ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ إنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى تَمَامِ الْبَرَاءَةِ مَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مَنْ أَقَرَّ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ ثَلَاثًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ عَلَّقَهُ عَلَى مَا ذَكَرَ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ هَذِهِ الدَّعْوَى وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ نِكَاحِهَا إلَّا بَعْدَ أَنْ تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ تَزْوِيجًا صَحِيحًا وَيُغَيِّبَ حَشَفَتَهُ فِي قُبُلِهَا ثُمَّ يُطَلِّقَهَا ثُمَّ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ وَشَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا أَشْهَدُ أَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ سِتَّ عَشْرَةَ طَلْقَةً وَقَالَ الْآخَرُ أَشْهَدُ أَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْفَ طَلْقَةٍ فَأَجَابَ بَعْضُ فُقَهَاءِ زُبَيْدٍ بِجَوَابٍ مَبْسُوطٍ حَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ إلَّا طَلْقَةٌ فَمَا التَّحْقِيقُ الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ عُلَمَاءِ زُبَيْدٍ مِنْ وُقُوعِ طَلْقَةٍ فَقَطْ غَيْرُ مُعْتَمِدٍ وَلَا مُعَوِّلٍ عَلَيْهِ بَلْ لَا وَجْهَ لَهُ وَلَا قِيَاسَ يُعَضِّدُهُ وَلَيْتَهُ قَالَ: لَا يَقَعُ شَيْءٌ فَإِنَّ لَهُ وَجْهًا مَا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ فِيمَا لَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ أَنَّهُ غَصَبَهُ بُكْرَةً وَآخَرُ أَنَّهُ غَصَبَهُ عَشِيَّةً حَلَفَ الْمُدَّعِي مَعَ أَحَدِهِمَا وَأَخَذَ الْغُرْمَ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَلَا تَعَارُضَ. اهـ. فَهَذَا قَدْ يَتَوَهَّمُ مِنْهُ مَنْ لَا تَحْصِيلَ عِنْدَهُ عَدَمَ وُقُوعِ شَيْءٍ فِي مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَلَا تَعَارُضَ وَلَا يُمْكِنُ الْمُدَّعِيَ هُنَا حَلْفُهُ مَعَ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَهَذَا مَعَ أَنَّهُ يَظْهَرُ بِبَادِئِ الرَّأْيِ أَنَّ لَهُ وَجْهًا، تَمْوِيهٌ بَاطِلٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ نَظِيرَ مَسْأَلَتِنَا بِوَجْهٍ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ فِيهَا لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمَا تَعَارُضٌ إلَّا فِي الزَّائِدِ عَلَى سِتَّ عَشْرَةَ؛ لِأَنَّ مَنْ شَهِدَ بِالْأَلْفِ لَمْ يُعَارِضْ مَنْ شَهِدَ بِسِتَّ عَشْرَةَ، إلَّا فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا وَأَمَّا السِّتَّ عَشْرَةَ فَهُمَا مُتَّفِقَانِ عَلَيْهَا لِمَا صَرَّحُوا بِهِ مِنْ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِعَشَرَةٍ مَثَلًا كَانَ مُقِرًّا بِخَمْسَةٍ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُمْ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِأَلْفٍ كَانَ مُقِرًّا بِسِتَّ عَشْرَةَ فَيَقَعُ مِنْهَا ثَلَاثٌ وَيُعَزَّرُ عَلَى إيقَاعِهِ الزَّائِدَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ نَقْلًا عَنْ الرُّويَانِيِّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ فَإِنَّهُ أَعْنِي الزَّرْكَشِيّ قَالَ: وَاللَّامُ فِي الطَّلَاقِ لِلْعَهْدِ الشَّرْعِيِّ وَهُوَ الثُّلُثُ فَلَوْ طَلَّقَ أَرْبَعًا قَالَ الرُّويَانِيُّ عُزِّرَ وَظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ أَنَّهُ يَأْثَمُ. اهـ. وَشَاهِدُ مَا ذَكَرْته مِنْ وُقُوعِ الثَّلَاثِ قَوْلِهِمْ لَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ دِينَارًا وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ دِينَارٍ ثَبَتَ نِصْفُ الدِّينَارِ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ وَلِلْمُدَّعِي الْحَلِفُ مَعَ الشَّاهِدِ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ بِالنِّصْفِ لَا يُعَارِضُ الشَّاهِدَ وَالْيَمِينَ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ فَكَمَا ثَبَتَ النِّصْفُ الْأَوَّلُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ كَذَلِكَ يَقَعُ هُنَا الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فَاعْتَمِدْهُ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا خَالَفَهُ وَبِمَا قَرَّرْته يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ بَيْنَ مَا ذُكِرَ فِيهَا مِنْ شَهَادَةِ

وَاحِدٍ بِسِتَّةَ عَشَرَ وَآخَرَ بِأَلْفٍ وَبَيْنَ غَيْرِهِ كَشَهَادَةِ اثْنَيْنِ وَاثْنَيْنِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى الثَّلَاثِ بِكُلِّ تَقْدِيرٍ وَهَذَا لَا إشْكَالَ فِيهِ. وَإِنَّمَا الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّظَرِ لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ طَلَّقَ وَاحِدَةً وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى بِأَنَّهُ طَلَّقَ ثَلَاثًا فَقَدْ تَعَارَضَا فِي الزَّائِدِ عَلَى الْوَاحِدَةِ فَهَلْ يَقَعُ هَذَا الزَّائِدُ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ وُقُوعُهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمُتْلَفِ بِأَنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّ وَزْنَ مَا أَتْلَفَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ دِينَارٌ وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى أَنَّ وَزْنَهُ نِصْفُ دِينَارٍ لَزِمَ الدِّينَارُ أَخْذًا بِشَهَادَةِ الْأَكْثَرِ؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ بِخِلَافِ شَهَادَةِ التَّقْوِيمِ فَإِنْ قَوَّمَتْهُ بَيِّنَةٌ بِدِينَارٍ وَأُخْرَى بِنِصْفٍ فَإِنَّهُ يَجِبُ النِّصْفُ لِاتِّفَاقِ الْبَيِّنَتَيْنِ عَلَيْهِ وَتَعَارُضِهِمَا فِي الْبَاقِي وَفَرَّقُوا بَيْنَ هَذِهِ وَمَا قَبْلَهَا بِأَنَّ مَدْرَكَ شَهَادَةِ التَّقْوِيمِ الِاجْتِهَادُ وَقَدْ تَطَّلِعُ بَيِّنَةُ الْأَقَلِّ عَلَى عَيْبٍ فَمَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ فَالْحَاصِلُ أَنَّ زِيَادَةَ الْعِلْمِ عِنْدَ التَّعَارُضِ فِي الْوَزْنِ مَعَ الشَّهَادَةِ بِالْأَكْثَرِ وَعِنْدَ التَّعَارُضِ فِي الْقِيمَةِ مَعَ الشَّهَادَةِ بِالْأَقَلِّ وَكَالتَّعَارُضِ فِي الْوَزْنِ التَّعَارُضُ فِي الذَّرْعِ، أَوْ الْعَدِّ، أَوْ الْكَيْلِ فَيُؤْخَذُ بِشَهَادَةِ الْأَكْثَرِ وَأَمَّا قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ قِيَاسُ كَلَامِهِمْ الَّذِي تَقَرَّرَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَزْنِ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِعَدَدِ الْمَعْدُودِ، أَوْ بِأَذْرُعِ الْمَذْرُوعِ فَعَارَضَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ بِأَنَّهُ أَنْقَصُ مِنْ ذَلِكَ كَنِصْفِهِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ فَهُوَ مَرْدُودٌ أَعْنِي قَوْلَهُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَوَجْهُ رَدِّهِ أَنَّ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ قِيَاسُ كَلَامِهِمْ صَحِيحٌ لَا مِرْيَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ مِنْ تَأَمُّلِ مَا قَالُوهُ فِي مَسْأَلَةِ الْوَزْنِ مِمَّا ذَكَرْته فِيهَا عُلِمَ جَرَيَانُ مِثْلِهِ فِي الْعَدِّ وَالذَّرْعِ وَالْكَيْلِ إذْ لَا فَارِقَ بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ جَلِىٌّ وَإِذَا لَمْ يُتَصَوَّرْ بَيْنَهُمَا فَارِقٌ لَمْ يَتَأَتَّ قَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ إذْ لَا شَيْءَ فِيهِ لَا خَفِيٌّ وَلَا ظَاهِرٌ بَلْ هُوَ الْجَارِي عَلَى سُنَنٍ إلَّا سُنَنَ الِاسْتِقَامَةِ فَانْدَفَعَ قَوْلُهُ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ لِآخَرَ بَادَلْت أَوْ بَادَلْتُك بِزَوْجَتِي إلَى زَوْجَتِك أَوْ بِضَيْعَتِي إلَى ضَيْعَتِك أَوْ بَقَرَتِك أَوْ زَاقَرْت أَوْ زَاقَرْتك إلَى ذَلِكَ فَقَالَ بَادَلْت أَوْ بَادَلْتُك أَوْ زَاقَرْتك أَوْ زَاقَرْت وَيُرِيدَانِ بِزَاقَرْت مَعْنَى بَادَلْت مَا الْحُكْمُ وَعَمَّنْ قَالَ لِآخَرَ طَلِّقْ زَوْجَتَك وَأُزَوِّجُك أَوْ عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك ابْنَتِي أَوْ أُخْتِي أَوْ قَالَتْ امْرَأَةٌ طَلِّقْ زَوْجَتَك وَأُزَوِّجُك نَفْسِي أَوْ عَلَى أَنْ أُزَوِّجُك نَفْسِي أَوْ وَأُزَوِّجَكَ أَوْ عَلَى أَنْ أُزَوِّجَك ابْنَتِي فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَقَالَ هِيَ طَالِقٌ أَوْ قَالَ طَلَقَتْ مَا الْحُكْمُ وَعَمَّنْ أَرَادَ السَّفَرَ فَقَالَ لِلنَّاسِ إلَّا لَمْ أَجِئْ هَذِهِ السَّنَةَ أَوْ إذَا غِبْت عَنْ زَوْجَتِي سَنَةً فَمَا أَنَا لَهَا بِزَوْجٍ أَوْ فَمَا هِيَ لِي امْرَأَةٌ مَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يُتَّجَهُ فِي بَادَلْت، أَوْ بَادَلْتُك بِزَوْجَتِي إلَى زَوْجَتِك أَنَّهُ إنْ نَوَى بِهِ طَلَاقًا وَاحِدًا، أَوْ مُتَعَدِّدًا وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا فَهُوَ كِنَايَةٌ فِيهِ لِصِدْقِ حَدِّهَا عَلَيْهِ وَهُوَ مَا احْتَمَلَ الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ تَعَسُّفٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ بَادَلْتُك يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ كَذَلِكَ. وَقَاعِدَةُ مَا كَانَ صَرِيحًا فِي بَابِهِ وَلَمْ يَجِدْ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ يَكُونُ كِنَايَةً فِي غَيْرِهِ تَشْهَدُ لِذَلِكَ، وَبَادَلْت صَرِيحٌ فِي الْبَيْعِ كَمَا يَأْتِي فَإِذَا اُسْتُعْمِلَ فِي الزَّوْجَةِ نَاوِيًا بِهِ الطَّلَاقَ لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا فِي مَوْضُوعِهِ وَإِذَا لَمْ يَجِدْ نَفَاذًا كَذَلِكَ لَزِمَ كَوْنَهُ كِنَايَةً فِيهِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ احْتِمَالًا لَا تَعَسُّفَ فِيهِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي نَحْوِ بِعْتُك نَفْسَك إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ أَنَّهُ يَقَعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ كِنَايَةٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْته. ثُمَّ رَأَيْتُهُمْ صَرَّحُوا بِنَحْوِ مَا ذَكَرْته فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ بِعْتُك الطَّلَاقَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ بَادَلْتُك بِضَيْعَتِي إلَى ضَيْعَتِك مَثَلًا فَبَيْعٌ؛ لِأَنَّ بَادَلْت مِنْ صَرَائِحِ الْبَيْعِ فَإِذَا أَرَادَ بِذَلِكَ بَادَلْتُك ضَيْعَتِي بِضَيْعَتِك انْعَقَدَ بَيْعًا وَصَارَتْ الضَّيْعَةُ الَّتِي دَخَلَتْ عَلَيْهَا الْبَاءُ ثَمَنًا وَالْأُخْرَى مُثَمَّنًا وَأَمَّا بَادَلْت بِضَيْعَتِي إلَى ضَيْعَتِك فَهُوَ بَاطِلٌ لِفَقْدِ كَافِ الْخِطَابِ الْمُشْتَرَطَةِ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ وَزَاقَرْت إذَا اُشْتُهِرَتْ عِنْدَ قَوْمٍ بِمَعْنَى بَادَلْت صَارَتْ كِنَايَةَ بَيْعٍ وَطَلَاقٍ فَإِنْ نُوِيَ بِهَا بَيْعٌ صَحَّ، أَوْ طَلَاقٌ وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا وَمَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ زَيْدٌ بِنْتَهُ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ إلَّا إنْ زَوَّجَهُ فَإِذَا زَوَّجَهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَلِلْمُطَلِّقِ مَهْرُ الْمِثْلِ عَلَى الْمُزَوِّجِ الْمُلْتَزِمِ لَهُ بِذَلِكَ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَطَّانِ لَكِنَّهُ قَالَ فِيمَا لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ طَلِّقْ امْرَأَتَك عَلَى أَنْ أُطَلِّقَ امْرَأَتِي وَجَعَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا طَلَاقَ هَذِهِ بَدَلًا عَنْ طَلَاقِ الْأُخْرَى يَقَعُ الطَّلَاقَانِ إذَا فَعَلَاهُ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الرَّجْعَةُ. اهـ. فَجَعْلُ ابْنِ الْقَطَّانِ الطَّلَاقَ فِي هَذِهِ رَجْعِيًّا يُنَاقِضُ جَعْلَهُ لَهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا بَائِنًا. وَمِنْ

ثَمَّ قَالَ ابْنُ كَجٍّ فِي هَذِهِ لَا رَجْعَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ عَلَى الْآخَرِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِيُوَافِقَ قَوْلُهُ مَا قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي تِلْكَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ ابْنَ كَجٍّ يَقُولُ إنَّهُ بَائِنٌ فِي الصُّورَتَيْنِ وَيَجْعَلُ الْعِوَضَ فِيهِمَا فَاسِدًا حَتَّى يَقَعَ بَائِنًا وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَابْنُ الْقَطَّانِ يَقُولُ إنَّهُ بَائِنٌ فِي الْأُولَى رَجْعِيٌّ فِي الثَّانِيَةِ وَعَلَيْهِ الْفَرْقُ أَنَّ الْعِوَضَ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ نِكَاحُ الْبِنْتِ مَقْصُودٌ لَكِنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلْعِوَضِيَّةِ شَرْعًا فَكَانَ فَاسِدًا وَيَلْزَمُ مِنْ فَسَادِهِ الْوُقُوعُ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَأَمَّا الْعِوَضُ فِي الثَّانِيَةِ وَهُوَ الطَّلَاقُ فَهُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ عُرْفًا وَلَا شَرْعًا فَهُوَ بِمَثَابَةِ الدَّمِ. وَقَاعِدَةُ الْخُلْعِ أَنَّ عِوَضَهُ إذَا لَمْ يُقْصَدْ يَقَعُ رَجْعِيًّا وَلَا مَالَ وَبِهَذَا اتَّضَحَ أَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ مِنْ الْوُقُوعِ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ فِي الْأُولَى وَرَجْعِيًّا بِلَا مَالٍ فِي الثَّانِيَةِ هُوَ الْأَوْجَهُ لِمَا عَلِمْت مِنْ ظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَافْهَمْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَجَوَابُ بَقِيَّةِ الصُّوَرِ الَّتِي ذَكَرَهَا السَّائِلُ عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْته وَهُوَ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ الْمُقَابِلُ لِلْخُلْعِ تَزْوِيجًا فَوُجِدَ وَقَعَ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ، أَوْ طَلَاقًا وَقَعَ رَجْعِيًّا وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ أَجِئْ هَذِهِ السَّنَةَ. . . إلَخْ كِنَايَةٌ فَإِنْ نَوَى بِهِ طَلَاقًا، أَوْ مُتَعَدِّدًا وَغَابَ عَنْهَا سَنَةً وَقَعَ مَا نَوَاهُ وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَقِيلَ لَهُ ثَلَاثًا فَقَالَ ثَلَاثًا أَوْ قِيلَ لَهُ طَلِّقْهَا ثَلَاثًا فَقَالَ ثَلَاثًا مَا الْحُكْمُ؟ ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْأَوْجَهُ أَخْذًا مِمَّا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا خَاتِمَةُ الْمُحَقِّقِينَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَهْدَهُ أَنَّهُ نَوَى بِقَوْلِهِ: ثَلَاثًا وَقَدْ بَنَاهُ عَلَى مُقَدَّرِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَقَعَ الثَّلَاثُ وَكَانَ التَّقْدِيرُ هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، أَوْ طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا وَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَأَمَّا مَنْ أَجَابَ بِأَنَّهَا طَلُقَتْ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ السُّؤَالَ مُعَادٌ فِي الْجَوَابِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَكِنْ يَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ الثَّلَاثِ كَوْنُهَا غَيْرَ مَنْوِيَّةٍ مَعَ لَفْظِ طَالِقٍ؛ لِأَنَّ شَرْطَ وُقُوعِ الْعَدَدِ كَوْنُهُ مَنْوِيًّا بِنِيَّةٍ مَقْرُونَةٍ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ كَاقْتِرَانِ نِيَّةِ الْكِنَايَةِ بِهَا فَقَدْ أَخْطَأَ كَمَا بَيَّنَهُ شَيْخُنَا الْمَذْكُورُ حَيْثُ قَالَ: لَمْ يُصِبْ فِي جَوَابِهِ هَذَا سَوَاءٌ أَوْقَعَ الْوَاحِدَةَ بِلَفْظِ ثَلَاثًا كَمَا يَقْتَضِيهِ أَوَّلُ كَلَامِهِ لِمَا لَا يَخْفَى أَيْ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ السُّؤَالَ مُعَادٌ فِي الْجَوَابِ أَمْ بِلَفْظِ طَالِقٍ الْمُقَدَّرِ لِمَا فِيهِ مِنْ إعْمَالِ مُقَدَّرٍ يَجُوزُ عَدَمُ إرَادَتِهِ وَإِهْمَالِ مُتَلَفَّظٍ بِهِ وَلَا فِي تَوْجِيهِهِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ اعْتَبَرَ أَنَّ التَّقْدِيرَ هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الثَّلَاثِ وَاقْتِرَانِهَا بِطَالِقٍ، إذْ نِيَّةُ الْعَدَدِ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا كَمَا ذُكِرَ عِنْدَ عَدَمِ ذِكْرِ الْعَدَدِ ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ نَقَلَ عَنْ فَتَاوَى الْإِمَامِ ابْنِ رَزِينٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ قَالَ قُولُوا لَهَا أَنْتِ وَرَفِيقَتُك طَالِقٌ فَقِيلَ لَهُ لِأَيِّ شَيْءٍ لَا تَقُولُ ثَلَاثًا فَقَالَ ثَلَاثًا. فَأَجَابَ إنْ قَصَدَ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ إيقَاعَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ بِلَفْظِي هَذَا أَيْ بَلِّغُوهُمَا أَنِّي طَلَّقْتهمَا وَنَوَى بِذَلِكَ إيقَاعَ الثَّلَاثِ وَقَعَ الثَّلَاثُ كَمَا نَوَى وَإِنْ قَصَدَ إيقَاعَ الطَّلَاقِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ قَصْدِ عَدَدٍ وَقَعَتْ طَلْقَةٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَبِذَلِكَ يَبْقَى قَوْلُهُ ثَلَاثًا إنْ قَصَدَ بِهِ إيقَاعَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ كَأَنَّهُ أَرَادَ طَلَّقْت الْآنَ كُلًّا مِنْهُمَا ثَلَاثًا، أَوْ كُلًّا مِنْهُمَا طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَعَ بِهِ تَمَامُ الثَّلَاثِ إنْ دَخَلَ بِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا قَصْدٌ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ بَعْدَ نَقْلِهِ ذَلِكَ وَفِي وُقُوعِ الثَّلَاثِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَقْفَةٌ وَلَا سِيَّمَا إنْ طَالَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ؛ لِأَنَّ ثَلَاثًا بِمُفْرَدِهَا لَا تَصْلُحُ لِلْإِيقَاعِ فَتَأَمَّلْهُ اهـ. وَفِي ذَلِكَ تَأْيِيدٌ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ الْجَوَابُ. وَأَمَّا تَوَقُّفُ الْأَذْرَعِيِّ فَهُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ لَمْ يَبْنِ الْكَلَامَ عَلَى الْمُقَدَّرِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ بِخِلَافِ مَا إذَا بَنَاهُ عَلَيْهِ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الصَّلَاحِ أَفْتَى فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ سَكَتَ وَرَاجَعَ زَوْجَتَهُ ثُمَّ قَالَ ثَلَاثًا بَائِنَةً عَلَى كُلِّ مَذْهَبٍ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ قَدْ نَوَى الثَّلَاثَ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعْنَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ أَوَّلًا لَكِنْ أَرَادَ ثَانِيًا بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا تَتِمَّتَهُ وَتَفْسِيرَهُ وَعَنَى بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا أَنَّهَا طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَعَ عَلَيْهِ الثَّلَاثُ أَيْضًا قَالَ: وَلَيْسَ هَذَا مِنْ قَبِيلِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ بِلَفْظٍ حُذِفَ بَعْضُهُ اجْتِزَاءً بِالْبَاقِي مِنْهُ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى الْقَرِينَةِ وَمِمَّا نُصَّ عَلَيْهِ مِنْ هَذَا النَّوْعِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ ابْتِدَاءً أَنْتِ ثَلَاثًا وَنَوَى الطَّلَاقَ وَقَعَ بِمِثْلِ ذَلِكَ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْهُ فِي تَوَسُّطِهِ قُلْت تَأَمَّلْ جَوَابَهُ مَعَ مَا سَبَقَ عَنْ صَاحِبِهِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ رَزِينٍ وَأَمَّا مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ: أَنْتِ ثَلَاثًا فَالْأَصَحُّ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ

شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى وَلَمْ يُذْكَرْ عَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ سِوَاهُ فَاعْلَمْهُ. اهـ. وَيُجَابُ عَنْ مَسْأَلَةِ الرَّوْضَةِ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا مَا يَقْتَضِي تَقْدِيرَ مَحْذُوفٍ يَنْبَنِي عَلَيْهِ قَوْلُهُ ثَلَاثًا فَلَمْ تُؤَثِّرْ فِيهَا النِّيَّةُ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّهُ سَبَقَ مَا يَقْتَضِي تَقْدِيرَ ذَلِكَ الْمَحْذُوفِ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ثَلَاثًا فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ وَوَقَعَ بِهِ الثَّلَاثُ ثُمَّ رَأَيْتنِي فِي بَعْضِ الْفَتَاوَى بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ مَعَ هَذَا. (وَسُئِلَ) اُشْتُهِرَ فِي التُّرْكِ إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ يُطَلِّقُ زَوْجَتَهُ قَالَ لَهَا دُسْتُورٌ فَإِذَا غَابَ أَوْ مَاتَ وَلَمْ يُعْلَمْ هَلْ نَوَى الطَّلَاقَ أَمْ لَا مَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا طَلَاقَ فِيمَا ذَكَرَ وَإِنْ جَعَلْنَا لَفْظَ (دُسْتُورٌ) كِنَايَةً؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوُقُوعِ بِهَا تَحَقُّقُ نِيَّةِ الزَّوْجِ الطَّلَاقَ بِهَا وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ ثَابِتَةٌ مُحَقَّقَةٌ فَلَا تُزَالُ إلَّا بِيَقِينٍ وَجَعْلُ (دُسْتُورٌ) كِنَايَةً لَهُ وَجْهٌ فَإِنَّهَا تُسْتَعْمَلُ عُرْفًا فِي الْإِذْنِ فِي الْمُفَارَقَةِ فَإِذَا اسْتَعْمَلَهَا كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ فَقَدْ اسْتَعْمَلَهَا فِيمَا يُنَاسِبُ مَعْنَاهَا الْمُشْتَهِرَةِ فِيهِ عُرْفًا فَلَمْ يَبْعُدْ جَعْلُهَا كِنَايَةً. (وَسُئِلَ) عَنْ حُكْمِ حَلِّ الدَّوْرِ بِالصِّيغَةِ الَّتِي نَقَلَهَا السُّبْكِيّ وَالْإِسْنَوِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ مَعَ التَّنْظِيرِ فِيهَا وَهِيَ كُلَّمَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا وَالدَّمِيرِيُّ يَقُولُ هِيَ إنْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْت طَالِقٌ فَهَلْ الصِّيغَتَانِ سَوَاءٌ وَقَوْلُ الْأَزْرَقِ فَإِنْ قِيلَ مَا الْمُخَلِّصُ إذَا قُلْتُمْ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ قُلْنَا الْمُخَلِّصُ أَنْ يَقُولَ لِلزَّوْجَةِ طَلِّقِي نَفْسَك فَتُطَلِّقُ نَفْسَهَا؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ عَلَى الْأَصَحِّ لَكِنْ حُكِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي الصَّيْفِ أَنَّهُ لَا مُخَلِّصَ لَهُ مِنْهُ إلَّا بِسَبَبٍ يُوجِبُ الْفَسْخَ كَالْإِعْسَارِ وَنَحْوِهِ. اهـ. فَعِبَارَةُ ابْنِ أَبِي الصَّيْفِ حَاصِرَةٌ وَالْأَزْرَقُ مِنْ الْوَاقِفِينَ عَلَى مُصَنَّفَاتِ السُّبْكِيّ وَالْإِسْنَوِيِّ وَكَثِيرًا مَا يَنْقُلُ عَنْهُمْ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ مِنْهُ لِمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ وَلَا لِمَا أَظْهَرَاهُ مِنْ النَّظَرِ مَعَ نَقْلِهِ لِعِبَارَةِ ابْنِ أَبِي الصَّيْفِ الْحَاصِرَةِ فَهَلْ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرْفُضْ مَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي نَقَلُوهُ عَنْ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ نَقْلًا عَنْ بَعْضِهِمْ إنَّهُ إذَا عَكَسَ التَّعْلِيقَ فَقَالَ: كُلَّمَا تَلَفَّظْت بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَإِذَا طَلَّقَهَا انْحَلَّ الدَّوْرُ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ قَالَ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْقَبْلِيَّ قَدْ صَارَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ مُعَلَّقًا عَلَى النَّقِيضَيْنِ وَهُمَا الْوُقُوعُ وَعَدَمُ الْوُقُوعِ. وَكُلَّمَا كَانَ لَازِمًا لِلنَّقِيضَيْنِ فَهُوَ وَاقِعٌ لِاسْتِحَالَةِ خُلُوِّ الْوَاقِعِ عَنْ أَحَدِهِمَا قَالَ وَقَرِيبٌ مِنْهُ فِي الْوَكَالَةِ كُلَّمَا عَزَلْتُك فَأَنْتَ وَكِيلِي فَيُعَادُ الْعَزْلُ بِأَنْ يَقُولَ كُلَّمَا عُدْت وَكِيلِي فَأَنْتَ مَعْزُولٌ فَيَقُولُ عَزَلْتُكَ. اهـ. وَأَمَّا تَنْظِيرُ الْإِسْنَوِيِّ بِأَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ التَّعْلِيقِ الْمُتَأَخِّرِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَمْنَعَ صِحَّتَهُ لِكَوْنِهِ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى التَّنْجِيزِ الَّذِي هُوَ فَرْعُهُ فَمَرْدُودٌ بِأَنَّهُ مَنْقُوضٌ بِصُوَرٍ يَصِحُّ فِيهَا التَّعْلِيقُ دُونَ التَّنْجِيزِ مِنْهَا الرَّاهِنُ إذَا أَعْسَرَ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عِتْقَ الْمَرْهُونِ بِصِفَةٍ فَإِذَا وُجِدَتْ بَعْدَ انْفِكَاكِ الرَّهْنِ نَفَذَ الْعِتْقُ عَلَى الصَّحِيحِ وَلَا يَصِحُّ تَنْجِيزُهُ وَمِنْهَا الْعَبْدُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ عَلَى عِتْقِهِ وَلَا يَصِحُّ تَنْجِيزُهَا وَلَهُ فِيهِ نَظْرٌ ثَانٍ وَهُوَ سَلَّمْنَا صِحَّةَ التَّعْلِيقِ الثَّانِي لَكِنَّ التَّعْلِيقَ الْأَوَّلَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى صِحَّةِ الدَّوْرِ وَاسْتِحَالَةِ وُقُوعِ الْمُعَلَّقِ فِيهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِيرُ الطَّلَاقُ وَاقِعًا عَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ قَالَ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَدْرَكَ فِي الطَّلَاقِ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ التَّعْلِيقِ إنَّمَا هُوَ وُقُوعُهُ عَلَى تَقْدِيرِ كُلٍّ مِنْ النَّقِيضَيْنِ. وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الطَّلَاقُ بِلَا لَفْظٍ آخَرَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ وَالْمَدْرَكُ فِي الْوَكَالَةِ إنَّمَا تَعَارُضُ التَّعْلِيقَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ تَعْلِيقٍ مَطْلُوبُهُ خِلَافُ مَطْلُوبِ الْآخَرِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَلَمَّا تَعَارَضَا اعْتَضَدَ الْعَزْلُ بِالْأَصْلِ إذْ الْأَصْلُ الْحَجْرُ وَلِهَذَا لَا يَحْصُلُ الْعَزْلُ إلَّا بِلَفْظٍ. اهـ. وَلَمْ أَرَ أَحَدًا تَعَقَّبَ اعْتِرَاضَهُ هَذَا وَهُوَ جَدِيرٌ بِالتَّعَقُّبِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَكِنَّ التَّعْلِيقَ الْأَوَّلَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ. . . إلَخْ لَا يُفِيدُهُ فِي مَطْلُوبِهِ نَفْعًا؛ لِأَنَّ عَدَمَ تَرَتُّبِ شَيْءٍ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ مَعَ انْفِرَادِهِ عَمَّا يُعَارِضُهُ وَأَمَّا بَعْدَ وُجُودِ مُعَارِضٍ لَهُ وَهُوَ التَّعْلِيقُ الثَّانِي فَقَدْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ انْضِمَامِ هَذَا الْمُعَارِضِ إلَيْهِ شَيْءٌ وَهُوَ الْوُقُوعُ لِمَا تَقَرَّرَ أَوَّلًا أَنَّ سَبَبَ انْحِلَالِ الدَّوْرِ أَنَّ التَّعْلِيقَيْنِ لَمَّا وُجِدَا وَصَحَّا لَزِمَ كَوْنُ الطَّلَاقِ الْقَبْلِيِّ مُعَلَّقًا عَلَى النَّقِيضَيْنِ وَهُمَا الْوُقُوعُ الَّذِي اقْتَضَاهُ التَّعْلِيقُ الثَّانِي وَعَدَمُهُ الَّذِي اقْتَضَاهُ التَّعْلِيقُ الْأَوَّلُ. وَيَلْزَمُ مِنْ تَعَلُّقِهِ بِالنَّقِيضَيْنِ الْوُقُوعُ ضَرُورَةَ اسْتِحَالَةِ خُلُوِّ الْوَاقِعِ

عَنْ أَحَدِهِمَا فَانْدَفَعَ قَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِيرُ الطَّلَاقُ وَاقِعًا عَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ وَإِيضَاحُ انْدِفَاعِهِ أَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ وَاقِعٌ عَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ وَإِنَّمَا الَّذِي ادَّعَاهُ مَا قَرَّرْنَاهُ مِنْ كَوْنِهِ مُعَلَّقًا بِالنَّقِيضَيْنِ وَأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ وَاقِعٌ لِمَا مَرَّ وَذَلِكَ لَمَّا صَدَرَ مِنْهُ التَّعْلِيقَانِ ثُمَّ قَالَ طَلَّقْتُك كَانَ هَذَا مُعَلَّقًا بِنَقِيضَيْنِ وَهُمَا وُقُوعُ الْقَبْلِيِّ ثَلَاثًا لَوْ وَقَعَ هَذَا اللَّفْظُ وَهُوَ مُفَادُ التَّعْلِيقِ الْأَوَّلِ وَوُقُوعُهُ ثَلَاثًا لَوْ لَمْ يَقَعْ هَذَا اللَّفْظُ وَهُوَ مُفَادُ التَّعْلِيقِ الثَّانِي فَإِذًا صَحَّحْنَا كُلًّا مِنْ التَّعَلُّقَيْنِ. فَإِنْ قُلْنَا بِتَأْثِيرِ كُلٍّ مِنْهُمَا لَزِمَ اجْتِمَاعُ النَّقِيضَيْنِ، أَوْ بِعَدَمِ تَأْثِيرِ كُلٍّ مِنْهُمَا لَزِمَ وُقُوعُ النَّقِيضِينَ وَكُلٌّ مِنْ الِاجْتِمَاعِ وَالِارْتِفَاعِ الْمَذْكُورَيْنِ مُحَالٌ فَلَزِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا وَاقِعٌ وَلَا بُدَّ وَأَنَّ الْوَاقِعَ هُوَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ الْأَوَّلَ لَمَّا وُجِدَ سَدَّ بَابَ الطَّلَاقِ فَلَمَّا وُجِدَ التَّعْلِيقُ الثَّانِي مَعَ قَوْلِهِ بَعْدُ طَلَّقْتُك وَقُلْنَا بِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ الثَّانِي الَّتِي سَلَّمَهَا الْإِسْنَوِيُّ كَمَا مَرَّ لَزِمَ مَنْعُهُ لِذَلِكَ السَّدِّ وَاقْتِضَاؤُهُ لِلْوُقُوعِ وَإِلَّا لَزِمَ الْمُحَالُ الْمُقَرَّرُ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ انْدِفَاعُ قَوْلِهِ وَلِهَذَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الطَّلَاقُ بِلَا لَفْظٍ آخَرَ مَعَ قَوْلِهِ وَلِهَذَا لَا يَحْصُلُ الْعَزْلُ إلَّا بِلَفْظٍ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اللَّفْظِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا تَقَرَّرَ وَانْدِفَاعِ مَا حَاوَلَهُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا الْبَابِ وَبَابِ الْوَكَالَةِ عَلَى أَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا لَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِيمَا قُلْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ فِي مَسْأَلَتَيْنِ قَدْ يَتَّفِقُ مَعَ اخْتِلَافِ مَدْرَكِهِمَا فَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ مَدْرَكُ الْوَكَالَةِ غَيْرَ مَدْرَكِ مَا هُنَا وَإِنْ اتَّفَقَا فِي الْحُكْمِ وَهُوَ حَلُّ الدَّوْرِ السَّابِقِ بِالتَّعْلِيقِ اللَّاحِقِ عَلَى أَنَّ ابْنَ دَقِيقِ الْعِيدِ أَشَارَ إلَى أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا بِقَوْلِهِ: وَقَرِيبٌ مِنْهُ فِي الْوَكَالَةِ إلَخْ فَجَعَلَ بَيْنَهُمَا تَقَارُبًا لَا اتِّحَادًا وَهُوَ عَيْنُ مَا يَدَّعِيهِ الْإِسْنَوِيُّ فَلَا وَجْهَ لِاعْتِرَاضِهِ عَلَيْهِ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ بَحَثَ انْحِلَالَ الدَّوْرِ بِأَنْ يَقُولَ لَهَا يَدُكِ طَالِقٌ مَثَلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوُقُوعَ بِالسِّرَايَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الطَّلْقَةِ، أَوْ الْمَرْأَةِ الْمُطَلَّقَةِ لَا يُنْسَبُ لِلْمُطَلِّقِ وَإِنَّمَا هُوَ تَكْمِيلٌ مِنْ الشَّرْعِ عَلَى تَنَاقُضٍ فِيهِ وَقَعَ لِلرَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا لَمْ يَنْسَدَّ بَابُ الطَّلَاقِ عِنْدَ قَوْلِهِ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ وُقُوعُ طَلَاقٍ عَلَيْهَا وَفِي هَذَا الْمِثَالِ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا وَقَعَ عَلَى بَعْضِهَا. اهـ. وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّهُ كَلَامٌ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّهُ مَتَى انْسَدَّ عَلَيْهِ بَابُ الطَّلَاقِ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إيقَاعِ بَعْضِهِ وَلَا مِنْ تَطْلِيقِ بَعْضِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ السِّرَايَةَ فَرْعُ إيقَاعِ الطَّلَاقِ. اهـ. وَلَيْسَ بِذَاكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْسَدَّ عَلَيْهِ بَابُ الطَّلَاقِ إلَّا إذَا أَوْقَعَهُ عَلَى كُلِّهَا دُونَ بَعْضِهَا؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الِانْسِدَادِ الدَّوْرُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى لَفْظِهِ وَهُوَ مَتَى، أَوْ كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَإِذَا أَوْقَعَهُ عَلَى بَعْضِهَا وَقُلْنَا بِمَا مَرَّ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ قَوْلُهُ وَقَعَ عَلَيْك وَإِذَا لَمْ يَسْتَلْزِمْ وُقُوعُهُ وُقُوعَ الثَّلَاثِ قَبْلَهُ لَمْ يَحْصُلْ الدَّوْرُ فَظَهَرَ أَنَّ لِمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَجْهًا وَأَنَّ الدَّوْرَ يَنْحَلُّ بِهِ كَمَا يَنْحَلُّ بِمَا مَرَّ فَهَاتَانِ طَرِيقَتَانِ لِحَلِّهِ، وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ الْكَمَالِ الدَّمِيرِيِّ مِنْ حَلِّهِ بِمَا مَرَّ عَنْهُ فَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا تَقَرَّرَ فِي مَنْقُولِ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ وَإِذَا وَقَعَ النِّزَاعُ فِي تِلْكَ تَحَقَّقَ التَّنَاقُضُ فَمَا بَالُك بِهَذِهِ الَّتِي لَا تَنَاقُضَ فِيهَا بِوَجْهٍ فَالْوَجْهُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهَا انْحِلَالٌ. وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ الْأَزْرَقِ فَإِنَّمَا يَتَّضِحُ إنْ كَانَتْ صِيغَةُ تَعْلِيقِهِ كُلَّمَا، أَوْ مَتَى طَلَّقْتُك وَحِينَئِذٍ فَلَا خُصُوصِيَّةَ لِمَا ذَكَرَهُ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ عَلَّقَ بِذَلِكَ لَمْ يَنْسَدَّ عَلَيْهِ بَابُ الطَّلَاقِ حَتَّى يَحْتَاجَ لِحَلِّهِ وَإِنَّمَا يَنْسَدُّ الْبَابُ إذَا عَبَّرَ بِقَوْلِهِ كُلَّمَا، أَوْ مَتَى وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي وَهَذِهِ لَا يَنْحَلُّ الدَّوْرُ فِيهَا بِمَا قَالَهُ الْأَزْرَقُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَإِنْ كَانَ تَمْلِيكًا لِلطَّلَاقِ يُسَمَّى وُقُوعًا لَهُ وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ إيقَاعًا وَحَصْرُ ابْنِ أَبِي الصَّيْفِ قَدْ بَانَ انْدِفَاعُهُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ لَهُ طَرِيقَيْنِ طَرِيقَ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ وَطَرِيقَ الْإِسْنَوِيِّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (سُئِلَ) عَمَّا لَوْ قَالَ عَلَيَّ فِي زَوْجَتِي بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ إلَّا بِإِسْكَانِ النُّونِ أَوْ تَشْدِيدِهَا بِفَتْحٍ أَوْ كَسْرٍ بُدُّكِ مِنْ مُسَايَرَتِي الْحَقَّ فَسَارَ إلَى الْحَقِّ بَعْدَ مُدَّةٍ لَكِنْ لَمْ يَتَسَايَرَا مَعًا فِي الطَّرِيقِ مَا حُكْمُهُ؟ وَعَمَّا لَوْ قَالَ عَلَيَّ فِي امْرَأَتِي بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ إلَّا لَمْ تُعْطِنِي الْحَقَّ هَلْ هُوَ تَعْلِيقٌ لِلطَّلَاقِ بِنَفْيِ الْإِعْطَاءِ حَتَّى لَوْ أَعْطَاهُ الْحَقَّ لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى مُقَدِّمَةٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى صِيغَةِ عَلَيَّ فِي زَوْجَتِي بِالطَّلَاقِ هَلْ هُوَ صَرِيحٌ، أَوْ كِنَايَةٌ، أَوْ لَغْوٌ

وَلِلنَّظَرِ فِي ذَلِكَ مَجَالٌ مَنْشَؤُهُ قَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ بِالطَّلَاقِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا كَانَ لَغْوًا؛ لِأَنَّ الْبَاءَ مِنْ حُرُوفِ الْقَسَمِ وَالطَّلَاقُ لَا يُقْسَمُ بِهِ لَكِنَّهَا هُنَا مُحْتَمِلَةٌ لِذَلِكَ، وَالْمَعْنَى حِينَئِذٍ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ عَلَيَّ فِي زَوْجَتِي لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ زَائِدَةً أَيْ: عَلَيَّ فِي زَوْجَتِي الطَّلَاقُ وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَغْوٌ وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي يَقْتَضِي أَنَّهُ صَرِيحٌ، وَإِذَا تَرَدَّدَ لَفْظٌ كَذَلِكَ رُجِعَ إلَى نِيَّةِ الْحَالِفِ فَإِنْ نَوَى بِالْبَاءِ الْقَسَمَ كَانَ لَغْوًا، أَوْ كَوْنَهَا زَائِدَةً كَانَ صَرِيحًا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ مَاتَ وَلَمْ تُعْلَمْ نِيَّتُهُ فَهَذَا هُوَ مَحَلُّ التَّرَدُّدِ. وَأَصْلُ بَقَاءِ الْعِصْمَةِ يُرَجِّحُ النَّظَرَ إلَى عَدَمِ تَأْثِيرِهِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَحَيْثُ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ نُظِرَ فِي لَفْظِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّ بُدَّكَ مِنْ مُسَايَرَتِي الْحَقَّ. وَقَوَاعِدُ اللُّغَةِ قَاضِيَةٌ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ بِاحْتِمَالَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ يُفَرِّقُ بَيْنَ فَتْحِ إنَّ وَكَسْرِهَا مَعَ تَخْفِيفِهَا، أَوْ تَشْدِيدِهَا عُومِلَ بِقَضِيَّةِ فَرْقِهِ وَأُدِيرَ عَلَيْهِ حُكْمُ مَا تَلَفَّظَ بِهِ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ عَامِّيًّا لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ تِلْكَ الْمُحْتَمَلَاتِ رَجَعْنَا إلَى نِيَّتِهِ فَإِنْ قَالَ نِيَّتِي أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَسِيرَ مَعِي، أَوْ وَحْدَهُ عَلَى الْفَوْرِ، أَوْ التَّرَاخِي إلَى الْقَاضِي، أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُخَلِّصُ لِي حَقِّي الَّذِي عَلَيْهِ أَخَذْنَاهُ بِمَا نَوَى مِنْ هَذِهِ الْمُحْتَمَلَاتِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمِلٌ لِجَمِيعِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى السَّوَاءِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَإِنْ اطَّرَدَ عُرْفُهُمْ بِاسْتِعْمَالِ هَذَا اللَّفْظِ فِي مَعْنًى مُحْتَمِلٍ لَهُ حُمِلَ عَلَيْهِ. وَإِنَّمَا لَمْ نَقُلْ فِي عَلَيَّ فِي زَوْجَتِي بِالثَّلَاثِ بِالرُّجُوعِ إلَى الْعُرْفِ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الصَّرَائِحِ وَإِنَّمَا غَايَتُهُ أَنَّهُمْ إذَا تَعَارَفُوا لَفْظًا طَلَاقًا وَكَانَ مُحْتَمِلًا لَهُ يَكُونُ كِنَايَةً وَإِنْ لَمْ يَطَّرِدْ عُرْفُهُمْ فِي ذَلِكَ اللَّفْظِ بِشَيْءٍ فَإِنْ نَطَقَ بِإِنْ مَكْسُورَةٍ مُخَفَّفَةٍ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهَا نَافِيَةٌ وَأَنَّ الْمَعْنَى لَا بُدَّ لَك أَيْ: لَا غِنًى لَك عَنْ أَنْ تُسَايِرَنِي الْحَقَّ فَيُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ سَايَرَهُ الْحَقُّ بِأَنْ ذَهَبَ هُوَ وَإِيَّاهُ وَلَوْ مُتَرَتِّبَيْنِ إلَى مَنْ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا بِالْحَقِّ وَلَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ مِنْ الْحَلِفِ لَمْ يَحْنَثْ وَإِلَّا حَنِثَ بِالْيَأْسِ بِمَوْتٍ، أَوْ نَحْوِهِ وَإِنَّمَا لَمْ تُشْتَرَطْ الْمَعِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْمُسَايَرَةَ إلَى الْحَقِّ تَصْدُقُ بِاجْتِمَاعِهِمَا عِنْدَ مَنْ يَحْكُمُ بِهِ فَلَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا هُوَ نَصٌّ فِي الْمَعِيَّةِ عِنْدَ السَّيْرِ وَلَا مَا هُوَ نَصٌّ فِي فَوْرِيَّةِ الْمُسَايَرَةِ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنْ اجْتِمَاعِهِمَا عِنْدَ حَاكِمٍ أَوْ مُحَكَّمٍ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا بِالْحَقِّ. وَإِنْ شَدَّدَ إنَّ مَعَ كَسْرِهَا كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ الْحَلِفَ عَلَى إثْبَاتِ غِنَاهُ عَنْ مُسَايَرَتِهِ إلَى الْحَقِّ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ وَإِلَّا حَنِثَ وَإِنْ فَتَحَهَا مُخَفَّفَةً كَانَ نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِي أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ دَخَلْت الدَّارَ بِفَتْحِ أَنْ مُخَفَّفَةً فَفِي النَّحْوِ يَقَعُ حَالًا؛؛ لِأَنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ وَفِي غَيْرِهِ يَكُونُ بِمَعْنَى إنْ الْمَكْسُورَةِ الْمُخَفَّفَةِ؛ لِأَنَّ الْعَامِّيَّ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا فَيَأْتِي هُنَا مَا مَرَّ فِي الْمَكْسُورَةِ الْمُخَفَّفَةِ وَإِنْ فَتَحَهَا مُشَدَّدَةً كَانَ مَعْنَاهُ قَرِيبًا مِمَّا مَرَّ فِي مَعْنَى الْمَكْسُورَةِ الْمُشَدَّدَةِ فَيَأْتِي فِيهَا فِي تِلْكَ هَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَا نِيَّةَ وَلَا عُرْفَ كَمَا تَقَرَّرَ. (وَسُئِلَ) عَنْ مَسْأَلَةٍ وَقَعَ فِيهَا جَوَابَانِ مُخْتَلِفَانِ صُورَتُهَا إذَا قُلْنَا بِتَصْحِيحِ الدَّوْرِ فَطَلَّقَ رَجُلٌ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ عَلَّقَ عَلَيْهَا مَسْأَلَةَ الدَّوْرِ قَبْلَ الطَّلَاقِ يُرِيدُ دَفْعَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ بِذَلِكَ وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي دَعْوَاهُ مَسْأَلَةَ الدَّوْرِ أَمْ لَا فَيَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ (أَجَابَ الْأَوَّلُ) فَقَالَ: نَقَلَ الشَّيْخُ النَّهَارِيُّ الْيَمَنِيُّ فِي كِفَايَتِهِ عَنْ الْإِمَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِعَدَمِ الْإِلْغَاءِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثُمَّ ادَّعَى الْإِلْقَاءَ قَبْلَ الطَّلَاقِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ. نَعَمْ إنْ قَامَتْ حِسْبَةٌ قُبِلَتْ، وَكَذَا إنْ أَقَامَتْهَا الْمَرْأَةُ، أَوْ صَدَّقَتْهُ عَلَى الْإِلْغَاءِ قُبِلَ قَالَ: وَفِي الرَّوْضَةِ مَا يُفْهِمُهُ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُقِرَّ بِعَدَمِ الْإِلْغَاءِ وَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ ادَّعَاهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ. (وَأَجَابَ الثَّانِي) فَقَالَ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ وَيَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ وَلَوْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْإِمَامَ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْغَايَةِ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا ادَّعَى مَا لَا يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ وَيَدِينُ فِيهِ فَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ فِيمَا ادَّعَاهُ لَمْ يَرْتَفِعْ الطَّلَاقُ بِذَلِكَ إذْ لَا أَثَرَ لِمُصَادَفَتِهَا عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ الْإِمَامُ الْأَزْرَقُ وَبِنَحْوِهِ أَجَابَ الْفَقِيهُ الْحِلِّيُّ وَغَيْرُهُ فِيمَنْ ادَّعَى تَعْلِيقَ الدَّوْرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. الْأَمْرُ الثَّانِي لِلْمَسْأَلَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا نَظَائِرُ قَالُوا فِيهَا بِعَدَمِ قَبُولِ قَوْلِ الْمُطَلِّقِ فِيمَا ادَّعَاهُ، مِنْهَا أَنَّ الْأَئِمَّةَ نَقَلُوا عَنْ الْإِمَامِ الْخُوَارِزْمِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ لَهُ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا طَلَّقَ

زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ ادَّعَى فَسَادَ النِّكَاحِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ وَصَادَقَتْهُ الزَّوْجَةُ عَلَى دَعْوَاهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُمَا وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُمَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوقِعَا نِكَاحًا جَدِيدًا إلَّا بِمُحَلِّلٍ لِكَوْنِهِمَا مُتَّهَمَيْنِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَذَكَرَهُ أَيْضًا الشَّيْخُ الْقَفَّالُ وَنَقَلَهُ فِي الْأَنْوَارِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ وَغَيْرِهِمَا وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيّ قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ عُطَيْفٍ الْيَمَنِيُّ: وَإِذَا سَمِعَ الْقَاضِي الشَّافِعِيُّ قَوْلَ الزَّوْجَيْنِ وَبَيِّنَتَهُمَا عَلَى فَسَادِ النِّكَاحِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَحَكَمَ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ مَا سَبَقَ مِنْ الْمَنْقُولِ فَحُكْمُهُ بَاطِلٌ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا كَمَا قَالَهُ أَقْضَى الْقُضَاةِ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ فَحِينَئِذٍ لَا يَخْفَى أَنَّ لِلْقَاضِي الشَّافِعِيِّ نَقْضَهُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ. اهـ. قَالَ الْإِمَامُ الْأَذْرَعِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْخُوَارِزْمِيُّ مِنْ عَدَمِ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ هُوَ جَارٍ عَلَى طَرِيقَةِ الْبَغَوِيِّ فِي بَابِ الْمُرَابَحَةِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ: وَالْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ: أَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَدَمَ السَّمَاعِ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْعُذْرِ وَعَدَمِهِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَكْثَرِينَ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْعُذْرِ وَغَيْرِهِ وَأَنَّهُمْ رَدُّوا عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ حَيْثُ فَرَّقُوا فِي التَّحْلِيفِ وَأَلْزَمُوهُ بِالْبَيِّنَةِ قَالَ أَعَنَى الْأَذْرَعِيَّ وَفِيهِ مَا يُشْعِرُ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ سَمَاعِهَا مُطْلَقًا فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ لِلتُّهْمَةِ فِي حَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَمَسْأَلَتِنَا الْمَسْئُولِ عَنْهَا قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْعِمَادِ فِي تَوْقِيفِ الْحُكَّامِ: وَنَظِيرُ مَا قَالَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ. الْمَرْأَةُ إذَا خَالَعَتْ الزَّوْجَ ثُمَّ ادَّعَتْ أَنَّهَا زُوِّجَتْ بِغَيْرِ رِضَاهَا لَمْ يُسْمَعْ قَوْلُهَا كَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ أَيْضًا الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي الْفَتَاوَى وَقَوْلُهُمْ إنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ الْخُوَارِزْمِيُّ وَصُورَتُهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا فِي الْبَاطِنِ أَمَّا لَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَحِينَئِذٍ يَجِبُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الدَّبِيلِيُّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فِي هَذَا الْيَوْمِ ثُمَّ قَالَ إنَّ نِكَاحِي كَانَ فَاسِدًا وَأُرِيدُ أَنْ أُكَلِّمَهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ ثُمَّ أَعْقِدُ نِكَاحًا صَحِيحًا فَكَلَّمَهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي فَسَادِ نِكَاحِهِ وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ نَحْوَهُ ثُمَّ ذَكَرَ الْأَذْرَعِيُّ نَحْوَ ذَلِكَ فِي الدَّعَاوَى مِنْ شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَمِنْهَا أَنَّ الْجَمَالَ بْنَ ظَهِيرَةَ ذَكَرَ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَطَالَتْ مُدَّتُهُ مَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثُمَّ ادَّعَى فَسَادَ النِّكَاحِ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي فَتَاوِيهِ نَحْوَ ذَلِكَ وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ ادَّعَى أَنِّي لَمْ أَكُنْ نَكَحْتهَا قَبْلَ الطَّلَاقِ الْمَذْكُورِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَمِنْهَا مَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ بَائِنٌ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ مُدَّةٍ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَقَالَ أَرَدْت بِالْبَائِنِ الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ الثَّلَاثُ لِمُصَادَفَتِهَا الْبَيْنُونَةَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ وَمِنْهَا أَنَّ الشَّيْخَ ابْنَ نَاصِرٍ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا بَعْدَ أَنْ وَضَعَتْ حَمْلهَا ثُمَّ ادَّعَى أَنِّي كُنْت طَلَّقْتهَا طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ قَبْل أَنْ تَضَعَ فَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِالْوَضْعِ قَبْلَ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَهَلْ تَعُودُ إلَيْهِ قَبِلَ الزَّوْجُ أَمْ لَا تَعُودُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ؟ (فَأَجَابَ) فَقَالَ: الْأَصْلُ عَدَمُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْوَضْعِ فَتَبِينُ بَعْدَهُ فَلَا تَعُودُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ وَعِدَّتَيْنِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَمِنْهَا مَا سُئِلَ عَنْهُ قَاضِي مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ بَلْ قَاضِي الْقُضَاةِ جَمَالُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ظَهِيرَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ رَجُلًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ خَالَعَهَا قَبْل ذَلِكَ وَأَرَادَ رَفْعَ الثَّلَاثِ بِالْخُلْعِ وَوَافَقَتْهُ الزَّوْجَةُ عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ يُقْبَلُ دَعْوَاهُمَا الْخُلْعَ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ أَمْ لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُمَا وَيَقَعُ الطَّلَاقُ؟ (فَأَجَابَ) فَقَالَ نُقِلَ فِي الرَّوْضَةِ فِي أَوَاخِرِ الطَّلَاقِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ كُنْت حَرَّمْتُهَا عَلَى نَفْسِي قَبْلَ هَذَا فَلَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَمِنْهَا رَأَيْت فِي فَتَاوَى مَنْسُوبَةٍ إلَى الْقَاضِي إبْرَاهِيمَ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ مَا آكُلُ هَذَا الزَّادَ الْمُعَيَّنَ ثُمَّ أَكَلَهُ قَبْل أَنْ يَقُومَ مِنْ مَقَامِهِ ثُمَّ قَالَ أَنَا مَلْقِيٌّ بِمَسْأَلَةِ الدَّوْرِ فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الْمُنَجَّزُ؟ فَأَجَابَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَقَالَ: نَعَمْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الْمُنَجَّزُ عَلَى مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَأَفْتَى بِذَلِكَ أَيْضًا وَلَدُ وَلَدِهِ الْقَاضِي صَلَاحُ الدِّينِ بْنِ أَبِي السُّعُودِ حَتَّى قَالَ وَأَمَّا عَدَمُ

الْوُقُوعِ أَصْلًا فَغَيْرُ مُعْتَمَدٍ وَإِنْ رَجَّحَهُ كَثِيرُونَ وَانْتَصَرَ لَهُ جَمْعٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ نَاصِرِ الدِّينِ فِي فَتَاوِيهِ: وَالْمُفْتَى بِهِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ مَسْأَلَةَ الدَّوْرِ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ عَلَيْهَا وَالْمُرَجَّحُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وُقُوعُ الطَّلَاقِ الْمُنَجَّزِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا سَبَقَ عَنْ الْقَاضِي إبْرَاهِيمَ وَوَلَدِ وَلَدِهِ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْمُنَجَّزِ وَمِنْهَا أَنَّ الشَّيْخَ نُورَ الدِّينِ الشَّرِيفَ السَّمْهُودِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ كُنْت وَكَّلْت فُلَانًا بِطَلَاقِهَا أَوْ كُنْت عَزَلْتهَا عَنْ فُلَانٍ أَوْ وَلَّيْتهَا فُلَانًا قَبْلَ هَذَا فَلَمْ يَقَعْ الثَّلَاثُ فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) فَقَالَ: ذُكِرَ فِي الْعَزِيزِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَقْلًا عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ كُنْت حَرَّمْتهَا عَلَى نَفْسِي قَبْلَ هَذَا فَلَمْ يَقَعْ الثَّلَاثُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَهُوَ شَامِلٌ لِدَعْوَى سَبْقِ التَّحْرِيمِ بِوَاسِطَةِ وَكِيلِهِ فِيهِ بِخُلْعٍ وَنَحْوُهُ مَا فِي فَتَاوِي الْقَاضِي الْحُسَيْنِ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّ وَلِيَّهَا كَانَ قَدْ وُكِّلَ بِتَزْوِيجِهَا مِنْهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ وَلَمْ يُزَوِّجْهَا الْوَكِيلُ إلَّا بِأَلْفٍ فَالْعَقْدُ لَمْ يَنْعَقِدْ فَالطَّلَاقُ لَمْ يَقَعْ وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَلَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً لَمْ تُسْمَعْ وَحُكِمَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ قَالَ فِي الْخَادِمِ: وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى إبْطَالِ النِّكَاحِ بِالْمُخَالَفَةِ فِي أَصْلِ الصَّدَاقِ وَلَا يَخْتَصُّ مَا ذُكِرَ بِهَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا بَلْ يَطَّرِدُ فِي كُلِّ صُورَةٍ ادَّعَيَا فِيهَا الْفَسَادَ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. جَوَابُهُ. وَمِنْهَا سُئِلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ بِالثَّلَاثِ مَا يَكُونُ هَذَا الْأَمْرُ ثُمَّ كَانَ فَقِيلَ لَهُ حَنِثَ ثُمَّ قَالَ أَنَا مَلْغِيٌّ بِمَسْأَلَةِ الدَّوْرِ عَلَى مَحْضَرِ الْفَقِيهِ فُلَانٍ فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ أَنَّهُ مَلْغِيٌّ أَمْ لَا يُقْبَلُ؟ (فَأَجَابَ) فَقَالَ: مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَعْمَلُ بِمَسْأَلَةِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِهَا وَالْمُخْتَارُ الِاحْتِيَاطُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. إذْ لَوْ فُتِحَ هَذَا الْبَابُ لَادَّعَى كُلُّ مُطَلِّقٍ ثَلَاثًا أَرَادَ رَفْعَ الْعَارِ عَنْهُ بِتَحْلِيلِ زَوْجَتِهِ ثُمَّ تَجْدِيدِ نِكَاحِهَا أَنْ يَدَّعِيَ ذَلِكَ فَيَظْهَرُ الْفَسَادُ بِذَلِكَ لَا سِيَّمَا أَنَّ الشَّيْخَيْنِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - ذَكَرَا أَنَّ الرُّويَانِيَّ قَالَ بَعْدَ اخْتِيَارِهِ تَصْحِيحَ الدَّوْرِ لَا وَجْهَ لِتَعْلِيمِ الْعَوَامّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِفَسَادِ الزَّمَانِ بَلْ عِبَارَةُ الشَّيْخِ نَاصِرٍ لَا يَحِلُّ تَعْلِيمُهَا لِلْعَامِّيِّ الَّذِي لَا يَشْتَغِلُ بِالْعِلْمِ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي تَصْحِيحِ الدَّوْرِ وَعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا سَبَقَ عَنْ الْقَاضِي صَلَاحِ الدِّينِ بْنِ ظَهِيرَةَ مِنْ أَنَّ عَدَمَ الْوُقُوعِ أَصْلًا غَيْرُ مُعْتَمَدٍ قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ نَاصِرٍ فِي بَعْضِ أَجْوِبَتِهِ - وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْمُرَجَّحُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ: وُقُوعُ الطَّلَاقِ الْمُنَجَّزِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ فَظَهَرَ لَنَا مِنْ جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا عَدَمُ قَبُولِ الزَّوْجِ فِي دَعْوَاهُ تَعْلِيقَ الدَّوْرِ قَبْلَ الطَّلَاقِ. وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُهُمْ لَوْ بَاعَ دَارًا ثُمَّ قَالَ كُنْت وَقَفْتهَا أَوْ بَاعَ عَبْدًا ثُمَّ قَالَ كُنْت أَعْتَقْتُهُ لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ فَهَلْ الْجَوَابُ الْأَوَّلُ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ أَوْ الْجَوَابُ الثَّانِي وَنَقْلُ مَا ذُكِرَ مِنْ النَّظَائِرَ نَظِيرٌ لِلْمَسْأَلَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا أَوْ لَا أَوْضِحُوا لَنَا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ بِجَوَابٍ شَافٍ يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ فَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا بَلْ هِيَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فِي بِلَادِنَا لِكَثْرَةِ طَلَاقِهِمْ، ثُمَّ ادِّعَائِهِمْ بَعْدَ الطَّلَاقِ تَعْلِيقَ مَسْأَلَةِ الدَّوْرِ قَبْلَ الطَّلَاقِ فَظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبُلْدَانِ بِادِّعَائِهِمْ ذَلِكَ، فَالِاحْتِيَاطُ سَدَّ هَذَا الْبَابَ عَنْهُمْ لِئَلَّا يُتَّخَذَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ؟ (فَأَجَابَ) عَفَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ: أَمَّا الْمَسْأَلَةُ السُّرَيْجِيَّةُ فَقَدْ بَلَغَنِي فِيهَا عَنْ أَهْلِ بَجِيلَةَ وَغَيْرِهِمْ قَبَائِحُ عَظِيمَةُ الْفُحْشِ تَدُلُّ عَلَى اسْتِهْتَارِهِمْ بِالدِّينِ وَانْحِرَافِهِمْ عَنْ سُنَنِ الصَّالِحِينَ فَلِذَلِكَ صَنَّفْت فِي بُطْلَانِهَا وَفِسْقِ مَنْ يَعْمَلُ بِهَا مُصَنَّفًا حَافِلًا يَتَعَيَّنُ عَلَيْكُمْ مُرَاجَعَتُهُ وَزَجْرُ أَهْلِ بِلَادِكُمْ بِهِ عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْقَبَائِحِ، وَلَقَدْ أَخَذَهُ بَعْضُ أَبْنَاءِ الْفُقَرَاءِ إلَى وَادِي مُحَسِّرٍ، أَوْ بَعْضِ تِلْكَ الْأَوْدِيَةِ وَحَصَلَ لِكَثِيرِينَ مِنْهُمْ الْهِدَايَةُ وَاجْتِنَابُ نِسَائِهِمْ، وَبَعْضُهُمْ تَحَلَّلَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ، وَبَعْضُهُمْ أَعْرَضَ عَنْهَا وَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ، وَقَدْ أَطَلْت فِي ذَلِكَ الْمُصَنَّفِ وَبَيَّنْت الرَّدَّ فِيهِ عَلَى رَجُلٍ زُهْدَانِيٍّ ادَّعَى أَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ عَنْ شَيْخٍ لَهُ زُهْدَانِيٍّ أَيْضًا، وَبَيَّنْت أَيْضًا أَنَّ فِي كَلَامِ ذَلِكَ الرَّجُلِ مَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَبَيَّنْت فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ أَيْضًا أَنَّ أَكْثَرَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا

فِي كَيْفِيَّةِ الْوُقُوعِ خِلَافَ مَا اشْتَهَرَ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ كَثِيرِينَ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ وَبَيَّنْت فِيهِ أَيْضًا أَنَّ التَّقْلِيدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فُسُوقٌ وَأَنَّ مَنْ حَكَمَ فِيهَا بِعَدَمِ الْوُقُوعِ يُنْقَضُ حُكْمُهُ فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَمَنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مُلْغِيًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّا وَإِنْ تَحَقَّقْنَا إلْغَاءَهُ نَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَكَذَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ أَيْضًا وَأَمَّا مَا قَالَهُ الْمُجِيبُ الْأَوَّلُ مِنْ قَبُولِهِ إذَا أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ، أَوْ صَدَّقَتْهُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ وَلَقَدْ أَصَابَ الْمُجِيبُ الثَّانِي فِيمَا ذَكَرَهُ فَهُوَ الْمَنْقُولُ الْمُعْتَمَدُ الَّذِي لَا مَحِيدَ عَنْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (سُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ لِوَلَدِهِ إلَّا قُلْت فِي بَيْتِي تَكُنْ أُمُّك طَالِقًا فَقَالَ بَعْضَ الْيَوْمِ فَهَلْ يَحْنَثُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقِيلَ أَكْثَرَ الْيَوْمِ وَمَا الْمُرَادُ بِالْقَيْلُولَةِ؟ (فَأَجَابَ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَا لَفْظُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «اسْتَعِينُوا بِطَعَامِ السَّحَرِ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ وَبِالْقَيْلُولَةِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ الْقَيْلُولَةُ فِي اللُّغَةِ النَّوْمُ نِصْفَ النَّهَارِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ أَحَادِيثَ الْفَضَائِلِ يُعْمَلُ فِيهَا بِالضَّعِيفِ. اهـ لَفْظُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْقَيْلُولَةَ هِيَ النَّوْمُ نِصْفَ النَّهَارِ، وَالْمُرَادُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ نِصْفُهُ تَقْرِيبًا لَا تَحْدِيدًا وَهُوَ قُبَيْلَ الظُّهْرِ فَمَتَى نَامَ الْوَلَدُ فِي بَيْتِ أَبِيهِ قُبَيْلَ الظُّهْرِ فِي يَوْمِ الْحَلِفِ، أَوْ غَيْرِهِ حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا نَعَمْ إنْ نَوَى بِالْقَيْلُولَةِ وَقْتًا آخَرَ أُدِيرَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ رُوحِي أَيْ اذْهَبِي طَالِقًا بِالنَّصْبِ فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ أَوْ لَا؟ فَإِنَّ عُلَمَاءَ مِصْرَ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَقَعُ وَاسْتَنَدَ لِفَرْعٍ فِي الرَّوْضَةِ وَبَعْضُهُمْ قَالَ: يَقَعُ وَأَوَّلَ الْفَرْعَ الْمَذْكُورَ، وَبَعْضُهُمْ مَالَ إلَى تَضْعِيفِ الْفَرْعِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ نَقَلَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ خِلَافَهُ، وَبَعْضُهُمْ تَوَقَّفَ فَمَا الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ رُوحِي كِنَايَةُ طَلَاقٍ كَاذْهَبِي فَإِنْ نَوَاهُ بِهِ جَاءَتْ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ فِيهِ الْآتِيَةُ فِي أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا نَوَى بِرُوحِي الطَّلَاقَ كَانَ بِمَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ فَلَزِمَ أَنْ يَجْرِي فِيهِ حُكْمُهُ الْآتِي وَهُوَ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَدَمُ الْوُقُوعِ حَالًا بِأَنْ طَلَّقَهَا غَيْرَ بَائِنٍ وَقَعَتْ طَلْقَةً ثَانِيَةً وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ فَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ بِهِ لَمْ يَقَعْ بِطَلَاقِهِ شَيْءٌ لِأُمُورٍ مِنْهَا أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ بِرُوحِي طَلَاقًا يَصِيرُ لَغْوًا وَإِذَا صَارَ لَغْوًا صَارَ قَوْلُهُ طَالِقًا مُتَجَرِّدًا عَمَّا يُصَيِّرُهُ مُعْتَدًّا بِهِ فَلَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ نَظِيرَ قَوْلِ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ إنَّمَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ بِنِسَاءِ الْعَالَمِينَ طَوَالِقُ وَأَنْتِ يَا زَوْجَتِي، وَإِنْ قَالَ أَلْفَ مَرَّةٍ: وَأَنْتِ يَا زَوْجَتِي؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ لَغْوٌ فَيَصِيرُ وَأَنْتِ يَا زَوْجَتِي وَحْدَهُ وَهُوَ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ نَظِيرَ قَوْلِهِمْ لَوْ قَالَ: طَلَّقْت، أَوْ طَالِقٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى امْرَأَتَهُ فِي الْأَوَّلِ وَأَنْتِ فِي الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ لِلْمَرْأَةِ ذِكْرٌ وَلَا دَلَالَةٌ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ امْرَأَتِي وَنَوَى الطَّلَاقَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قِيلَ لَهُ طَلِّقْهَا فَقَالَ: طَلَّقْت فَإِنَّهَا تَطْلُقُ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ لَمْ أُرِدْهَا؛ لِأَنَّهَا مَذْكُورَةٌ ضِمْنًا وَاسْتَشْكَلَهُ الْعِجْلِيّ بِمَا لَوْ قَالَ الطَّلَاقُ لَازِمٌ لِي فَإِنَّهُ صَرِيحٌ عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَجْرِ لِلْمَرْأَةِ ذِكْرٌ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ خَلَفَ ذِكْرَهَا فِيهِ اشْتِهَارُ اسْتِعْمَالِهِ فِي الطَّلَاقِ كَعَلَيَّ الطَّلَاقُ، وَأَمَّا رُوحِي طَالِقًا فَإِنَّهُ فُقِدَ فِيهِ الْمَعْنَيَانِ ذِكْرُهَا وَالِاشْتِهَارُ فَلَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ وَنَظِيرُ قَوْلِ الْقَاضِي أَيْضًا. لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِآخَرَ سَرَقْت مَالِي فَأَنْكَرَ فَقَالَ إلَّا كُنْت سَرَقْته فَامْرَأَتُك طَالِقٌ سَوَاءٌ أَزَادَ وَالنِّيَّةُ نِيَّتِي أَمْ لَا فَقَالَ طَالِقٌ وَلَمْ يَنْوِ بِهِ شَيْئًا لَمْ يَقَعْ بِهِ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ وَحْدَهُ لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ مَا لَمْ يَقُلْ امْرَأَتِي وَلِأَنَّ الْغَيْرَ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْغَيْرِ فِي النِّيَّةِ؛ وَلِأَنَّهُ إجَازَةٌ لِلطَّلَاقِ وَلَيْسَ بِإِيقَاعٍ لَهُ فَتَأَمَّلْهُ لَا سِيَّمَا تَعْلِيلُهُ الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ نَصٌّ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ فِي صُورَتِنَا فَإِنْ قُلْت أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ هَذَا وَمَا مَرَّ فِي طَلِّقْهَا فَقَالَ طَلَّقْت قُلْت يُفَرَّقُ بِأَنَّ ذِكْرَهَا هُنَا وَقَعَ فِي حَيِّزِ الشَّرْطِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ طَلَبٌ لِطَلَاقِهَا حَتَّى يَنْزِلَ الْجَوَابُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ طَلِّقْهَا، نَعَمْ ذِكْرُهَا وَإِنْ لَمْ يُفِدْ ذَلِكَ يُفِيدُ تَأْثِيرَ نِيَّةِ الطَّلَاقِ بِهِ بِخِلَافِ طَلَّقْت، أَوْ طَالِقٌ فَإِنَّهُ لَا تُؤَثِّرُ النِّيَّةُ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُذْكَرْ أَصْلًا وَمِنْهَا أَنَّ الْإِسْنَوِيَّ قَيَّدَ قَوْلَ الشَّيْخَيْنِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقٌ طَالِقٌ يَقَعُ بِهِ ثَلَاثٌ مَا لَمْ يُقْصَدْ بِهِ التَّأْكِيدُ بِمَا

إذَا رَفَعَ بِخِلَافِ مَا إذَا سَكَّنَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمَا عَنْ الْعَبَّادِيِّ. لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقًا لَمْ يَقَعْ فِي الْحَالِ شَيْءٌ بَلْ إذَا طَلَّقَهَا وَقَعَ طَلْقَتَانِ فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَنْصُوبَ لَا يَقَعُ بِهِ إلَّا وَاحِدَةٌ أَيْ بِأَنْتِ طَالِقٌ لَا بِطَالِقًا كَمَا لَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَجَبَ حَمْلُ السَّاكِنِ عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عَنْ نَصْبٍ وَأَنْ يَكُونَ عَنْ رَفْعٍ فَنَأْخُذُ بِالْيَقِينِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْعَبَّادِيِّ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَنْصُوبُ هُوَ الْأَوَّلُ، أَوْ الثَّانِي نَعَمْ إنْ نَصَبَهُمَا مَعًا، أَوْ جَرَّهُمَا، أَوْ جَرَّ أَحَدَهُمَا مَعَ نَصْبِ الْآخَرِ، أَوْ رَفْعِهِ فَالْقِيَاسُ فِي الْجَمِيعِ إلْحَاقُهُ بِالسَّاكِنِ أَيْضًا فَتَأَمَّلْهُ. اهـ. وَيَحُثُّ فِي التَّوَسُّطِ بَعْدَ ذِكْرِهِ ذَلِكَ أَنَّهُ يَنْبَغِي اسْتِفْسَارُ الْجَاهِلِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَيُعْمَلُ بِتَفْسِيرِهِ أَيْ: فَإِنْ تَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ فَالْوَجْهُ مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَإِذَا تَأَمَّلْت مَا ذَكَرَهُ فِي أَنْتِ طَالِقًا طَالِقًا بِنَصَبِهِمَا، أَوْ طَالِقٌ طَالِقًا وَعَكْسُهُ بِالْجَرِّ مَعَ النَّصْبِ، أَوْ طَالِقٍ طَالِقٌ بِجَرِّ أَحَدِهِمَا وَرَفْعِ الْآخَرِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ إلَّا وَاحِدَةٌ أَيْ: خَبَرُ أَنْتِ وَإِنْ أَخْطَأَ بِنَصْبِهِ، أَوْ جَرِّهِ وَلَا يَقَعُ بِالْمَنْصُوبِ، أَوْ الْمَجْرُورِ الَّذِي لَيْسَ بِخَبَرٍ شَيْءٌ، عَلِمْت اتِّضَاحَ مَا ذَكَرْته أَنَّ طَالِقًا بِمُجَرَّدِهِ لَا يَقْتَضِي وُقُوعَ شَيْءٍ مُطْلَقًا وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَنْصُوبَ لَا يَقَعُ بِهِ إلَّا وَاحِدَةٌ أَيْ: بِأَنْتِ طَالِقٌ مِنْهُ لَا بِطَلَاقِهِ كَمَا مَرَّ تَعْلَمُ صِحَّةَ مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا شَيْءٌ أَصْلًا وَمِنْهَا قَوْلُ التَّهْذِيبِ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقًا فَإِنْ أَرَادَ طَلْقَتَيْنِ وَقَعَتَا وَإِنْ أَرَادَ التَّأْكِيدَ وَنَصَبَ عَلَى الْحَالِ قُبِلَ مِنْهُ وَتَقَعُ وَاحِدَةٌ. وَإِنْ أَرَادَ التَّعْلِيقَ قُبِلَ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ حَتَّى يُطَلِّقَهَا. اهـ. فَإِذَا كَانَ طَالِقًا الْمَنْصُوبُ هُنَا مُحْتَمَلًا لِمَا ذُكِرَ مَعَ كَوْنِهِ وَقَعَ بَعْدَ صِيغَةٍ صَحِيحَةٍ هِيَ أَنْتِ طَالِقٌ فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُحْتَمَلًا فِي رُوحِي طَالِقًا بَلْ لَا يَقَعُ بِهِ فِيهَا شَيْءٌ مُطْلَقًا لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ الْفَرْقِ أَنَّهُ فِي أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقًا وَقَعَ تَابِعًا لِصِيغَةٍ صَحِيحَةٍ فَاحْتَمَلَ الْإِيقَاعَ ثَانِيًا وَالتَّأْكِيدَ وَالتَّعْلِيقَ فَعُمِلَ بِإِرَادَتِهِ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا فِي رُوحِي طَالِقًا فَوَقَعَ مُسْتَقِلًّا وَهُوَ لَا يَصْلُحُ وَحْدَهُ لِلِاسْتِقْلَالِ فَلَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ فَإِنْ قُلْت لَمْ يَذْكُرْ الْبَغَوِيّ عَلَى طَرِيقَتِهِ حُكْمَ مَا إذَا أَطْلَقَ. قُلْت قِيَاسُ مَا مَرَّ عَنْ الْإِسْنَوِيِّ فِي السُّكُونِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ هُنَا؛ لِأَنَّهُ احْتَمَلَ الْوُقُوعَ وَعَدَمَهُ فَحَكَمْنَا بِعَدَمِهِ لِأَصِل بَقَاءِ الْعِصْمَةِ، وَأَمَّا مَا يَأْتِي عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَصَاحِبِ الذَّخَائِرِ مِنْ أَنَّهُ مَعَ الْإِطْلَاق يَقَعُ طَلْقَتَانِ فَهُوَ عَلَى طَرِيقَةِ نَصِّ الْأُمِّ وَهُوَ وَجْهٌ مُغَايِرٌ لِهَذَا الْوَجْهِ كَمَا يَأْتِي ثُمَّ رَأَيْت الْقَاضِيَ حُسَيْنًا حَكَى وَجْهًا أَيْ: ضَعِيفًا بِالْمَرَّةِ أَنَّ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقًا لَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ طَالِقًا يُنْصَبُ عَلَى الْحَالِ وَتَقْدِيرُهُ أَنْتِ طَالِقٌ حَالَةَ مَا تَكُونِينَ طَالِقًا وَالْمَرْأَةُ لَا تَكُونُ قَطُّ طَالِقًا إنَّمَا تَكُونُ مُطَلَّقَةً وَالرَّجُلُ هُوَ الطَّالِقُ وَهَذِهِ الصِّفَةُ لَا تُوجَدُ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ. اهـ. وَعَلَى هَذَا فَمَا ذَكَرْته فِي رُوحِي طَالِقًا وَاضِحٌ لَا غُبَارَ فِيهِ وَمِنْهَا قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي عَاصِمٍ الْعَبَّادِيِّ وَاعْتَمَدُوهُ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقًا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ حَتَّى يُطَلِّقَهَا فَإِذَا طَلَّقَهَا طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ وَالتَّقْدِيرُ إذَا صِرْت مُطَلَّقَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ هَذَا إنْ لَمْ تَبِنْ بِالطَّلْقَةِ الْمُنَجَّزَةِ وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ غَيْرُهَا مَا لَمْ يُرِدْ إيقَاعَ طَلْقَةٍ مَعَ الْمُنَجَّزَةِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ وَقَعَ ثِنْتَانِ وَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ تَطْلِيقِي إيَّاكِ قَالَا وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ طَالِقًا فَإِنْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا فَدَخَلَتْ وَقَعَتْ الْمُعَلَّقَةُ وَإِنْ دَخَلَتْ غَيْرَ طَالِقٍ لَمْ تَقَعْ الْمُعَلَّقَةُ. اهـ. وَبِتَأَمُّلِهِ يُعْلَمُ أَنَّ طَالِقًا لَمْ يَقَعْ بِالتَّلَفُّظِ بِهِ شَيْءٌ أَصْلًا فَاتَّضَحَ أَنَّ طَالِقًا غَيْرُ مُقْتَضٍ لِوُقُوعِ شَيْءٍ بِلَفْظِهِ لَا عِنْدَ التَّكَلُّمِ وَلَا بَعْدَهُ وَإِذَا لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ هُنَا مَعَ كَوْنِهِ وَاقِعًا بَعْدَ صِيغَةِ طَلَاقٍ صَرِيحَةٍ فَأَوْلَى فِي رُوحِي طَالِقًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ بَعْدَ صِيغَةِ طَلَاقٍ صَرِيحَةٍ بَلْ كِنَايَةٌ وَلَمْ يَنْوِهِ بِهَا كَمَا هُوَ الْغَرَضُ. وَمَرَّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ مَعَ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَحْوِ مَا بَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ فِيمَا إذَا أَرَادَ إيقَاعَ طَلْقَةٍ مَعَ الْمُنَجَّزَةِ وَذَلِكَ الْفَرْقُ أَنَّهُ هُنَا وَقَعَ عَقِبَ صِيغَةٍ صَحِيحَةٍ صَرِيحَةٍ فَصَحَّتْ نِيَّةُ إيقَاعِ طَلْقَةٍ بِهِ مُصَاحِبَةٍ لِلطَّلْقَةِ الْوَاقِعَةِ بِتِلْكَ الصِّيغَةِ، وَأَمَّا فِي رُوحِي طَالِقًا فَوَقَعَ مُسْتَقِلًّا وَهُوَ مُسْتَقِلٌّ لَا يَصِحُّ إيقَاعُ شَيْءٍ بِهِ أَصْلًا فَإِنْ قُلْت كَيْفَ اعْتَمَدَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا

مَا تَقَرَّرَ عَنْ الْعَبَّادِيِّ مَعَ نَقْلِ الْأَئِمَّةِ كَمَا فِي التَّوَسُّطِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ خِلَافَهُ، وَلَفْظُهُمْ: قَالَ فِي الْأُمِّ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقًا وَقَعَ طَلْقَةٌ. وَسُئِلَ عَنْ مُرَادِهِ بِقَوْلِهِ طَالِقًا فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ بِهِ الْحَالَ طَلُقَتْ ثَانِيَةً؛ لِأَنَّ الْحَالَ فِي مَعْنَى الصِّفَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَ تَقَدُّمِ طَلْقَةٍ عَلَيْك وَإِنْ قَالَ أَرَدْت بِهِ طَلْقَةً أُخْرَى وَقَعَتْ ثَانِيَةً أَيْضًا كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت بِهِ التَّأْكِيدَ وَإِفْهَامَ الْأُولَى قُبِلَ مِنْهُ. قَالَ: وَحَلَّفْته وَإِنَّمَا قُلْنَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ مَا قَالَهُ، وَتَحْلِيفُهُ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ خِلَافُهُ قَالَ فِي التَّوَسُّطِ بَعْدَ ذِكْرِهِ ذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَقَوْلُهُ حَلَّفْته يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَطْلَقَ يَقَعُ طَلْقَتَانِ؛ لِأَنَّهُ يُحَلِّفُهُ عَلَى إرَادَتِهِ وَاحِدَةً فَلَوْلَا أَنَّ مُطْلَقَهُ يَقْتَضِي طَلْقَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ لِتَحْلِيفِهِ وَجْهٌ هَذَا لَفْظُهُ وَقَدْ يَكُونُ تَحْلِيفُهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ مَا يَقْتَضِي وُقُوعَ طَلْقَتَيْنِ لَا أَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي وُقُوعَهُمَا وَظَاهِرُ النَّصِّ أَنَّ الْقَاضِيَ يُحَلِّفُهُ عَلَى ذَلِكَ حِسْبَةً مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ. اهـ كَلَامُ التَّوَسُّطِ وَتَبِعَهُ فِي الْخَادِمِ. فَقَالَ مَا حَاصِلُهُ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ إذَا صِرْت مُطَلَّقَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ طَالِقًا حَالٌ وَالْحَالُ تَقْتَضِي الْمُقَارَنَةَ وَيَصِيرُ كَمَا لَوْ قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إنْ أَعْتَقْت نِصْفَك فَنَصِيبِي حُرٌّ حَالَ عِتْقِك فَإِنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِمَا وَحِكَايَةُ هَذَا الْفَرْعِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ مَنَاصِيصِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَجِيبٌ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ قَدْ نَصَّ عَلَى خِلَافِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ فِي الْأُمِّ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقًا طَلُقَتْ أُخْرَى قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْحَالَ صِفَةً يَقَعُ الطَّلَاقُ بِوُجُودِهَا وَالْحَالُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِهَا فَإِذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ وَقَعَتْ أُخْرَى قَالَ: يَعْنِي الشَّافِعِيَّ وَإِنْ قَالَ أَرَدْت بِقَوْلِي طَالِقًا طَلْقَةً أُخْرَى طَلُقَتْ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَةً بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَلْقَةً أُخْرَى بِمَا نَوَاهُ فَإِنْ قَالَ أَرَدْت بِالثَّانِيَةِ أَنَّهَا الْأُولَى تَأْكِيدًا لَهَا حَلَّفْته قَالَ الْقَاضِي: وَهَذَا مِنْ قَوْلِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَطْلَقَ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ أَنَّهُ يَقَعُ بِهَا طَلْقَتَانِ طَلْقَةً بِالْمُبَاشَرَةِ وَأُخْرَى بِالصِّفَةِ. اهـ. وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ جَرَى جَمْعٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَمِنْ الْمَرَاوِزَةِ كَالْإِمَامِ وَغَيْرِهِ وَظَهَرَ مِنْهُ الرَّدُّ عَلَى الْعَبَّادِيِّ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا عِنْدَ إرَادَةِ الْحَالِ وَالثَّانِي عِنْدَ الْإِطْلَاقِ ثُمَّ سَاقَ كَلَامًا بَيَّنَ بِهِ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ لَا يَتَقَيَّدَانِ بِنَصِّ الْأُمِّ وَلَا بِغَيْرِهِ بَلْ بِمَا اتَّضَحَ مَدْرَكُهُ وَإِنْ خَالَفَ النَّصَّ؛ لِأَنَّهُ كَمَا بَيَّنْته بِشَوَاهِدِهِ فِي شَرْحِ خُطْبَةِ الْعُبَابِ بَلْ وَفِي الْفَتَاوَى بِأَبْسَطَ مِنْ ذَلِكَ لِمَا قَدَّمْنَا طَيْبَةَ الْمُشَرَّفَةَ سَنَةَ خَمْسِينَ فَرَفَعَ فُضَلَاؤُهَا سُؤَالًا فِيهِ طَلَبُ وَجْهِ الْعُدُولِ عَنْ اعْتِرَاضَاتِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَيْهِمَا بِالنَّصِّ وَكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُسْمَعُ لَهُمْ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مَأْخُوذًا مِنْ نَصٍّ لَهُ آخَرَ، أَوْ قَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِهِ فَكَانَ لَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ رَجَّحَا مِنْهُمَا مَا اتَّضَحَ مَدْرَكُهُ وَهُنَا كَذَلِكَ، إذْ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْته فِي التَّهْذِيبِ الْمُصَرِّحِ بِأَنَّهُ إذَا أَرَادَ الْحَالَ لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ وَعَنْ الْوَجْهِ الَّذِي حَكَاهُ الْقَاضِي. وَعَنْ الْعَبَّادِيِّ رَجَّحَ الشَّيْخَانِ مِنْهَا كَلَامَ الْعَبَّادِيِّ لِظُهُورِهِ وَجَرَيَانِهِ عَلَى الْقَوَاعِدِ إذْ الْأَصْلُ فِي الْحَالِ أَنْ تَكُونَ مُقَيَّدَةً لِعَامِلِهَا فَإِذَا رَاعَيْنَا هَذَا الْأَصْلَ تَعَيَّنَ مَا ذَكَرَهُ الْعَبَّادِيُّ وَلَا يُنَافِي هَذَا كَوْنَهَا فِي مَعْنَى الصِّفَةِ الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ قَيْدٌ فِي الْمَعْنَى أَيْضًا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا فِي مَعْنَى الصِّفَةِ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ أَنْتِ طَالِقٌ بَعْدَ تَقَدُّمِ طَلْقَةٍ عَلَيْك عَلَى أَنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ لَا يَقْتَضِي إنْشَاءَ إيقَاعِ طَلْقَةٍ بَلْ الْإِخْبَارُ بِوُقُوعِهَا فَلْيُجْرَ فِيهِ بِفَرْضِ اعْتِمَادِهِ مَا قَالُوهُ فِي نَحْوِ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ أَنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ إنْ أَرَادَ الْإِخْبَارَ بِأَنَّهُ طَلَّقَهَا أَمْسِ فِي هَذَا الْعَقْدِ، وَكَذَا لَوْ أَرَادَ أَنَّهُ طَلَّقَهَا فِي عَقْدٍ آخَرَ وَأَنَّ زَوْجًا آخَرَ قَبْلَهُ طَلَّقَهَا إنْ عُرِفَ ذَلِكَ وَكَذَا إنْ لَمْ يُعْرَفْ عَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ. وَأَمَّا قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ اعْتِرَاضًا عَلَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ إنَّ الْحَالَ تَقْتَضِي الْمُقَارَنَةَ فَعَجِيبٌ؛ لِأَنَّ اقْتِضَاءَهَا الْمُقَارَنَةَ يُؤَيِّدُ مَا قَالَاهُ لَا أَنَّهُ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا اقْتَضَاهَا مَعَ كَوْنِهِ قَيْدًا كَمَا تَقَرَّرَ اقْتَضَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ حَالًا كَمَا قَالَاهُ بَلْ إنْ طَلَّقَ وَقَوْلُهُ وَيَصِيرُ. . . إلَخْ، أَعْجَبُ وَلَيْسَ هَذَا نَظِيرًا لِمَسْأَلَتِنَا بِوَجْهٍ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ حُرِّيَّةَ نَصِيبِهِ عَلَى عِتْقِ شَرِيكِهِ بِأَدَاةِ الشَّرْطِ وَجَعَلَ وُقُوعَهَا

مُقَارِنًا لَهُ بِقَوْلِهِ: حَالَ عِتْقِك وَأَمَّا هُنَا فَعَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى وُجُودِ اتِّصَافِهَا بِكَوْنِهَا طَالِقًا فَعَمِلُوا فِي كُلٍّ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُهُ فِيهِ وَقَوْلُهُ وَحِكَايَةُ هَذَا الْفَرْعِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ. . . إلَخْ. جَوَابُهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَجِيبٍ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ قَدْ يَعْدِلَانِ عَنْ نَصٍّ لِمُقْتَضَى نَصٍّ آخَرَ هَذَا وَاعْتِرَاضُ الْأَذْرَعِيِّ صَاحِبِ الذَّخَائِرِ الَّذِي ذَكَرَ فِي الْخَادِمِ أَنَّ أَبَا الطَّيِّبِ سَبَقَهُ إلَيْهِ فِي أَخْذِهِ مِنْ النَّصِّ أَنَّهُ إذَا طَلَّقَ يَقَعُ طَلْقَتَانِ أَيْ: حَالًا وَاضِحٌ مِمَّا قَرَّرْته بَلْ الْوَجْهُ فِي حَالَةِ الْإِطْلَاقِ وَإِرَادَةِ الْحَالِ مَا قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ خِلَافًا لِمَا مَرَّ عَنْ الْخَادِمِ فَتَأَمَّلْهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ فِي رُوحِي طَالِقًا إذَا لَمْ يُرِدْ بِرُوحِي طَلَاقًا لَا يَقَعُ بِطَالِقٍ شَيْءٌ مُطْلَقًا عَلَى الْأَوْجَهِ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ جَرَيَانِ تِلْكَ الْأَوْجُهِ فِي أَنْتِ طَالِقٌ طَالِقًا جَرَيَانُهَا فِي رُوحِي طَالِقًا إذَا لَمْ يَنْوِ بِرُوحِي طَلَاقًا لِمَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ ثَمَّ صِيغَةً صَحِيحَةً صَرِيحَةً فَاغْتُفِرَ فِي تَابِعِهَا الْمُنَزَّلِ عَلَى مَعْنَاهَا وَحُكْمِهَا مَا لَمْ يُغْتَفَرْ فِي الْمُسْتَقِلِّ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ بِتَابِعٍ لِغَيْرِهِ. وَمِثْلُهُ لَا يَقَعُ بِاسْتِقْلَالِهِ شَيْءٌ كَمَا مَرَّ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ كُلَّهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِفَضْلِهِ هُوَ الْهَادِي إلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَإِلَيْهِ مَفْزَعُنَا فِي الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ. فَإِنْ قُلْت هَلْ يُمْكِنُ تَوْجِيهُ ذَلِكَ الْوَجْهِ الضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ أَصْلًا بِمَا يَفِي بِهِ وَيَدْفَعُ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ ضَعِيفٌ بِالْمَرَّةِ أَيْ: لِتَعْلِيلَيْهِ الْمُطَبَّقَيْنِ عَلَى مَا يَرُدُّهُ وَيُزَيِّفُهُ. قُلْت: نَعَمْ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْحَالَ مُقَيِّدَةٌ لِصَاحِبِهَا وَأَنَّهَا إذَا كَانَتْ مِنْ نَوْعِ الْمَأْمُورِ بِهِ، أَوْ مِنْ فِعْلِ الْمَأْمُورِ تَنَاوَلَهَا الْأَمْرُ كَحُجَّ مُفْرَدًا، أَوْ اُدْخُلْ مَكَّةَ مُحْرِمًا فَإِذَا تَأَمَّلْت ذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَنَّ طَالِقًا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَوْعِ رُوحِي لِتَنَاوُلِ الرَّوَاحِ بِمَعْنَى الذَّهَابِ لِلطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ فِعْلِ الْمَأْمُورِ بِأَنْ يُفَوِّضَهُ إلَيْهَا فَتُوقِعَهُ وَلَمْ تُوقِعْهُ فَحِينَئِذٍ اتَّضَحَ نَظَرًا لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ وَأَنَّهُ لَا شُذُوذَ فِي هَذَا الْوَجْهِ أَصْلًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ ثَلَاثٌ بِرَفْعٍ أَوْ خَفْضٍ أَوْ سُكُونٍ هَلْ تَطْلُقُ مَعَ النِّيَّةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ عُمُومِ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي وَقَدْ فَرَّقَ الْفَقِيهُ ابْنُ عَبْسِينَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْعَامِّ وَغَيْرِهِ وَكَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ صَرِيحَةٌ فِي الطَّلَاقِ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي إلَّا فَسَادُ كَلَامِهِ وَالْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَظْهَرُ بِهَا لَيْسَتْ مِثْلَهَا فِيمَا يَظْهَرُ لِي وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ الثَّلَاثُ لَا يَكُونُ شَيْئًا. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَدْ ذَكَرْت الْمَسْأَلَةَ بِأَطْرَافِهَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَعِبَارَتُهُ، أَوْ أَنْتِ اثْنَانِ وَنَوَى بِهِ ثَلَاثًا فَقَضِيَّةُ مَا نَقَلَهُ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ التَّوْشِيحِ وُقُوعُ ثِنْتَيْنِ وَإِنَّمَا التَّرَدُّدُ فِي وُقُوعِ الثَّلَاثِ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ بِنَاءً عَلَى اعْتِمَادِهِ عَدَمُ وُقُوعِهَا خِلَافًا لِمَا أَفْتَيْت بِهِ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا وَيُنَافِي الْوُقُوعَ مِنْ أَصْلِهِ مَا يَأْتِي فِي أَنْتِ ثَلَاثٌ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ ثِنْتَانِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْمُولًا لِمَحْذُوفٍ أَيْ: أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ وَيَكُونُ ذِكْرُ الْأَلِفِ فِيهِ عَلَى اللُّغَةِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ فَأَثَّرَتْ نِيَّةُ الْعَدَدِ حِينَئِذٍ وَإِنَّمَا لَمْ تُؤَثِّرْ نِيَّةُ الثَّلَاثِ لِمُنَافَاةِ لَفْظِهِ لَهَا كَمَا تَقَرَّرَ. وَلَوْ نَوَى بِأَنْتِ ثِنْتَانِ وَاحِدَةً وَقَعَتَا أَيْضًا فِيمَا يَظْهَرُ لِمُنَافَاةِ لَفْظِهِ لِنِيَّتِهِ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ، أَوْ أَنْتِ ثَلَاثًا وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَلَغْوٌ وَإِنْ نَوَى أَصْلَ الطَّلَاقِ فَقَطْ فَثَلَاثٌ أَيْ: لِأَنَّ هَذَا صَرِيحٌ فِي الْعَدَدِ وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَوَجْهَانِ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ وُقُوعُ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ ثَلَاثًا صَرِيحٌ فِي الْعَدَدِ فَلَا أَثَرَ لِنِيَّةِ خِلَافِهِ، أَوْ أَنْتِ ثَلَاثٌ، أَوْ أَنْتِ الثَّلَاثُ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَفَارَقَتْ ثَلَاثٌ ثَلَاثًا بِأَنَّهَا بِالرَّفْعِ خَبَرُ أَنْتِ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ تَرْكِيبٌ فَاسِدٌ إذْ لَا يُخْبَرُ عَنْ أَنْتِ الْمَوْضُوعَةِ لِلذَّاتِ بِثَلَاثٍ سَوَاءٌ عُرِّفَتْ أَمْ نُكِّرَتْ وَلَا أَثَرَ لِصِحَّتِهِ بِتَقْدِيرِ أَنَّهَا صَارَتْ عَيْنَ الثَّلَاثِ مُبَالَغَةً وَادِّعَاءً؛ لِأَنَّ هَذَا اعْتِبَارٌ مُحَسَّنٌ يُخَالِفُهُ مَوْضُوعُ اللَّفْظِ وَالْحَمْلُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَخْرُجُ عَلَيْهِ وَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ فِي أَنْتِ الطَّلَاقُ لِوُجُودِ الْمَصْدَرِ ثُمَّ الَّذِي هُوَ أَصْلُ طَالِقٍ وَنَحْوِهِ فَأَثَّرَتْ نِيَّةُ الطَّلَاقِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ قَدْ يُرَادُ بِهِ اسْمُ الْفَاعِلِ وَنَحْوُهُ وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ إرَادَةِ ذَلِكَ فَفِيهِ أَصْلُ الْمَادَّةِ فَصَحَّتْ نِيَّتُهَا حِينَئِذٍ بِخِلَافِ ثَلَاثٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ فَلَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ بِهِ، وَأَمَّا النَّصْبُ فَهُوَ يَقْتَضِي حَذْفَ الْخَبَرِ فَيُقَدَّرُ بِمَا يُنَاسِبُهُ وَهُوَ طَالِقٌ فَصَحَّ اللَّفْظُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْعَدَدِ الصَّرِيحِ وَبِمَا ذَكَرْته يَنْدَفِعُ قَوْلُ

الْأَذْرَعِيِّ يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ ثَلَاثٍ وَالثَّلَاثِ ثُمَّ مَا تَقَرَّرَ فِي أَنْتِ الثَّلَاثُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ إذَا رَفَعَهُ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي وُقُوعُ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الرَّفْعِ يَصِحُّ مَعَهُ اللَّفْظُ بِتَقْدِيرِ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ، أَوْ أَنْتِ ذَاتُ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَالسُّكُونُ ظَاهِرٌ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ بَيْنَ النَّحْوِيِّ وَغَيْرِهِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّا إنَّمَا قَدَّرْنَا مَا تَقَرَّرَ وَمَا يَأْتِي رِعَايَةً لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُهُ مَعَ نِيَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يُفْهَمْ تَخْرِيجُهُ عَلَى الصِّنَاعَةِ النَّحْوِيَّةِ لِأَنَّ الْعَامِّيَّ وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الصَّنَاعَةِ إلَّا أَنَّهُ يَفْهَمُهُ بِالطَّبْعِ فَيَقْصِدُهُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ فَانْدَفَعَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ لَمْ يُفَرِّقُوا هُنَا بَيْنَ النَّحْوِيِّ وَغَيْرِهِ وَلِلْفَرْقِ اتِّجَاهٌ انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَفِيهَا التَّصْرِيحُ بِمَا يُوَافِقُ مَا قَالَهُ السَّائِلُ نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَدَدِهِ، وَالرَّدُّ عَلَى مَا قَالَهُ الْفَقِيهُ ابْنُ عَبْسِينَ وَلَمْ أَدْرِ مَا النَّظِيرُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَلَوْ ذَكَرَهُ السَّائِلُ لَوَضَّحْت الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَقَدْ يُسْتَشْهَدُ لَهُ بِقَوْلِهِمْ: لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ مِائَةُ طَالِقٍ وَقَعَ عَلَيْهِ الثَّلَاثُ وَلَا شَاهِدَ فِيهِ لِصِحَّةِ التَّرْكِيبِ هُنَا إذْ مَدْلُولُهُ أَنَّهَا جَمَعَتْ مَا وُصِفَتْ بِهِ مِنْ الطَّلَاقِ وَهُوَ مِائَةُ طَلْقَةٍ فَكَانَ مُرَادُهُ أَنْتِ طَالِقٌ مِائَةً وَهَذَا يَقَعُ بِهِ الثَّلَاثُ وَلَا يُنَافِي مَا ذُكِرَ فِي أَنْتِ ثَلَاثٌ، أَوْ الثَّلَاثُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ، قَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ: أَنْتِ مِنَى بِوَاحِدَةٍ وَنَوَى الثَّلَاثَ، أَوْ بِثَلَاثٍ وَنَوَى الطَّلَاقَ دُونَ الثَّلَاثِ فَوَجْهَانِ؛ لِأَنَّ هَذَا التَّرْكِيبَ صَحِيحٌ فَأَثَّرَتْ فِيهِ النِّيَّةُ؛ لِأَنَّ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ مُتَعَلِّقٌ بِالْخَبَرِ الْمَحْذُوفِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا لَكِنْ لَمَّا نَوَى الطَّلَاقَ تَعَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ الْخَبَرَ الْمَحْذُوفَ هُوَ طَالِقٌ وَمِنْ ثَمَّ رَجَّحْت فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ الْوُقُوعَ فَقُلْت وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُهُ فِي الْأُولَى وُقُوعُ وَاحِدَةٍ فَقَطْ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يَحْتَمِلُ الثَّلَاثَ بِوَجْهٍ وَفِي الثَّانِيَةِ وُقُوعُ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ صَرِيحٌ فِي الْعَدَدِ كِنَايَةٌ فِي الطَّلَاقِ فَهُوَ كَأَنْتِ بَائِنٌ ثَلَاثًا فَإِنْ قُلْت لَمْ يُبَيِّنْ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ حُكْمَ الْجَرِّ وَالسُّكُونِ فِي أَنْتِ ثَلَاثٌ قُلْت هُوَ مَعْلُومٌ مِمَّا ذَكَرْته مِنْ الْوُقُوعِ عِنْدَ النِّيَّةِ فِي أَنْتِ الثَّلَاثِ بِالْجَرِّ، أَوْ السُّكُونِ أَيْ: أَنْتِ ذَاتُ طَلَاقٍ ثَلَاثٍ وَالسُّكُونُ عَلَى الْوَقْفِ فَإِنْ قُلْت يُؤَيِّدُ مَنْ بَحَثَ الْفَرْقَ هُنَا بَيْنَ النَّحْوِيِّ وَغَيْرِهِ فَرْقُهُمْ بَيْنَهُمَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ دَخَلْت الدَّارَ بِفَتْحِ إنْ، وَنَحْوُهُ قُلْت يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ اخْتِلَافَ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ ثَمَّ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالطَّلَاقِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ حَيْثُ تَعْجِيلُ الْوُقُوعِ فِي الْفَتْحِ وَتَأْخِيرُهُ فِي الْكَسْرِ فَنَظَرْنَا إلَى مَا يَتَبَادَرُ مِنْ حَالِ الْعَامِّيِّ عِنْدَ نُطْقِهِ بِنَحْوِ هَذِهِ الصِّيغَةِ وَهُوَ التَّعْلِيقُ لِبُعْدِ إرَادَته مِنْهَا مَعْنَى التَّعْلِيلِ فَفَرَّقْنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّحْوِيِّ وَأَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ هُنَا فَاخْتِلَافُ حَرَكَةِ ثَلَاثٍ، أَوْ الثَّلَاثِ فِيهِ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالطَّلَاقِ إثْبَاتًا تَارَةً كَمَا فِي حَالَةِ النَّصْبِ وَنَفْيًا أُخْرَى كَمَا فِي حَالَةِ الرَّفْعِ، فَلَمْ نَنْظُرْ لِلَفْظِهِ إذَا صَدَرَ مِنْ عَامِّيٍّ وَإِنَّمَا نَظَرْنَا لِقَصْدِهِ فَحَيْثُ نَوَى مَا يُوَافِقُ الصِّنَاعَةَ وَلَوْ بِتَقْدِيرٍ أَوْقَعْنَا بِهِ وَحَيْثُ لَا فَلَا وَكَذَا النَّحْوِيُّ؛ لِأَنَّ مَا فَصَّلْنَاهُ فِي الرَّفْعِ وَغَيْرِهِ مِمَّا مَرَّ هُوَ قَضِيَّةُ الصِّنَاعَةِ النَّحْوِيَّةِ وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ التَّفْصِيلُ إلَّا مَعَ الْقَصْدِ وَإِلَّا كَانَ لَغْوًا فَلَزِمَ حِينَئِذٍ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ النَّحْوِيِّ وَغَيْرِهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَيُؤَيِّدُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا هُنَا عَدَمُهُ فِي أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ شَاءَ اللَّهُ بِالْفَتْحِ فَتَقَعُ وَاحِدَةً مِنْ النَّحْوِيِّ وَغَيْرِهِ وَفَرَّقَ الزَّرْكَشِيُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا مَرَّ فِي إنْ دَخَلْت الدَّارَ بِأَنَّ هَذَا لَا يَغْلِبُ فِيهِ التَّعْلِيقُ فَعِنْدَ الْفَتْحِ يَنْصَرِفُ لِلتَّعْلِيلِ بِهِ مُطْلَقًا وَذَاكَ يَغْلِبُ فِيهِ قَصْدُ التَّعْلِيقِ فَفَرْقٌ فِيهِ بَيْنَ النَّحْوِيِّ وَغَيْرِهِ وَشَيْخُنَا زَكَرِيَّا بِأَنَّ حَمْلَ هَذَا عَلَى التَّعْلِيقِ يُؤَدَّى إلَى رَفْعِ الطَّلَاقِ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ وَصَاحِبُ الْإِسْعَادِ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُمْكِنْ الِاطِّلَاعُ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ تَصْلُحْ أَنْ الْمَفْتُوحَةُ لِلتَّعْلِيقِ فَتَمَخَّضَتْ لِلتَّعْلِيلِ بِخِلَافِهَا فِي الدُّخُولِ وَنَحْوِهِ فَكَمَا أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِمَا ذُكِرَ كَذَلِكَ فَرَّقْنَا نَحْنُ بَيْنَ صُورَةِ السُّؤَالِ وَإِنْ دَخَلَتْ بِمَا قَدَّمْنَاهُ وَاضِحًا مُبَيَّنًا. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ مِثْلُك طَالِقٌ فَمَا حُكْمُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَمْ أَرَ فِي هَذِهِ نَقْلًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا يَقَعُ عَلَى زَوْجَتِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوقِعْ الطَّلَاقَ عَلَى زَوْجَتِهِ قَصْدًا وَلَا ضِمْنًا وَإِنَّمَا أَوْقَعَهُ عَلَى مُمَاثِلِهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِهِ عَلَى مُمَاثِلِهَا وُقُوعُهُ

عَلَيْهَا لِتَغَايُرِ ذَاتَيْ الْمِثْلَيْنِ وَإِنْ اتَّحَدَا فِي الصِّفَاتِ، أَوْ فِي بَعْضِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ وَأَنَّ مُمَاثَلَتَهَا لِغَيْرِهَا إنَّمَا هِيَ مِنْ حَيْثُ إيقَاعُهُ الطَّلَاقَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا الْمُخَاطَبَةِ بِطَرِيقِ الصَّرِيحِ وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّ طَلَاقَهُ لِغَيْرِ زَوْجَتِهِ لَغْوٌ فَكَيْف يُشْرِكُهَا مَعَهَا فِيهِ وَهُوَ لَغْوٌ؛ لِأَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ فَقَالَ آخَرُ لِزَوْجَتِهِ أَشْرَكْتُك مَعَهَا كَانَ ذَلِكَ كِنَايَةً؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إذَا نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ أَوْقَعْته عَلَيْك كَمَا أَوْقَعَهُ ذَاكَ عَلَى زَوْجَتِهِ فَكَذَا هُنَا مَعْنَاهُ أَنْتِ طَالِقٌ كَمَا كُلُّ مَنْ هُوَ مِثْلُك طَالِقٌ. وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا مِنْ التَّكَلُّفِ وَالتَّعَسُّفِ وَأَنَّ الْكِنَايَةَ لَا بُدَّ أَنْ تَحْتَمِلَ الطَّلَاقَ احْتِمَالًا خَالِيًا عَنْ تَكْلِيفٍ وَتَعَسُّفٍ وَإِنَّمَا غَايَةُ مَا هُنَا أَنَّهُ كَقَوْلِهِ نِسَاءُ الْعَالَمِينَ، أَوْ الزَّيْدِينَ طَوَالِقُ وَأَنْتِ يَا زَوْجَتِي. وَلَا طَلَاقَ بِهَذَا وَإِنْ نَوَاهُ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ عَلَى الْبَاطِلِ بَاطِلٌ فَكَذَا هَذَا قَدْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَى مُمَاثِلَتِهَا بِالصَّرِيحِ وَهُوَ بَاطِلٌ فَوُقُوعُهُ عَلَى زَوْجَتِهِ بَاطِلٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ كَالْمَعْطُوفِ عَلَى الْبَاطِلِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ اللَّفْظَ الْمُقْتَضِيَ لِلْإِيقَاعِ مُخْتَلِفٌ وَبَيْنَهُمَا تَرَتُّبٌ فَلَمْ يُمْكِنُ بِنَاءُ الْمَعْطُوفِ عَلَى الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ لِبُطْلَانِهِ بِخِلَافِهِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّ الْمُقْتَضِيَ لِلْإِيقَاعِ لَفْظٌ وَاحِدٌ. وَيُجَابُ بِأَنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْعِلَّةِ وَالْمَعْلُولِ بِالرُّتْبَةِ بَلْ وَبِالزَّمَانِ عِنْدَ قَوْمٍ فَلَا يَبْعُدُ الْقِيَاسُ فَإِنْ قُلْت قَدْ يُعَبِّرُ الْبُلَغَاءُ بِالْمِثْلِ وَلَا يُرِيدُونَ حَقِيقَتَهُ كَمَا فِي نَحْوِ: مِثْلُك لَا يَبْخَلُ، لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ إلَّا أَنْتَ لَا تَبْخَلُ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْمَثَلِ لِيُفِيدَ نَفْيَ الْبُخْلِ عَنْهُ بِطَرِيقٍ أَظْهَرَ قُلْت هَذَا الِاعْتِبَارُ الْمُحَسَّنُ لَا يَأْتِي هُنَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ مِثْلُك طَالِقٌ حَيْثُ جَعَلَ الْمِثْلَ صِفَةً لِغَيْرِهَا صَرِيحًا فَلَمْ تُمْكِنْ إرَادَتُهَا مِنْ هَذَا التَّرْكِيبِ؛ لِأَنَّك لَوْ أَرَدْت أَنْ تُعَبِّرَ عَنْهُ بِأَنْتِ طَالِقٌ لَكَانَ تَأْوِيلًا بَعِيدًا وَحَمْلًا مُتَعَسِّفًا وَالْمُحَسِّنُ الَّذِي أَشَرْنَا إلَيْهِ فِي مِثْلُك لَا يَبْخَلُ الدَّاعِي إلَيْهِ قَصْدُ الْمَدْحِ وَالْمُبَالَغَةُ فِيهِ لَا يَأْتِي هُنَا إلَّا بِتَكَلُّفٍ بَعِيدٍ، فَلَمْ يَظْهَرْ كَوْنُهُ كِنَايَةً لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّهَا مَا يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ احْتِمَالًا قَرِيبًا وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْته فَتَأَمَّلْهُ. وَلَا يَأْتِي هُنَا الْوُقُوعُ الَّذِي قِيلَ بِهِ فِي كُلِّ امْرَأَةٍ غَيْرُك طَالِقٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَا يَأْتِي هُنَا وَهُوَ مَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ الْمُسْتَغْرِقِ عَلَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ نَقْدٍ وَرَدٍّ وَتَنَاقُضٍ وَاخْتِلَافٍ وَقَدْ بَيَّنْتُ خُلَاصَتَهُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ ثُمَّ رَأَيْت مَا يُؤَيِّدُ مَا مِلْت إلَيْهِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ كِنَايَةٍ وَهُوَ أَنَّ جَمْعًا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ اخْتَلَفُوا فِي أَنْتِ أَوْلَى النِّسَاءِ بِنَفْسِك، أَوْ وَلِيَّةُ النِّسَاءِ بِنَفْسِك فَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ ذَلِكَ كِنَايَةٌ لِتَضَمُّنِهِ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك وَهُوَ كِنَايَةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ بِكِنَايَةٍ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ عُرْفَ الْعَامَّةِ كَلَا عُرْفٍ وَلَوْ قَالَ الطَّلَاقُ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا قَالَ الْقَفَّالُ: هُوَ لَغْوٌ وَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَلَيْسَ كِنَايَةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إضَافَةٌ إلَى الْمَرْأَةِ وَلَا الْتِزَامٌ مِنْ الزَّوْجِ وَأَفْتَى الْعِجْلِيّ بِأَنَّهُ كِنَايَةٌ فَإِذَا قَالَ مَنْ ذَكَرَ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ بِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ الْكِنَايَاتِ فَكَذَا مَسْأَلَتُنَا بَلْ قَوْلُ الْقَفَّالِ تَعْلِيلًا لِعَدَمِ الْكِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إضَافَةٌ إلَى الْمَرْأَةِ. . . إلَخْ نَصٌّ فِي مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: كُلُّ امْرَأَةٍ مِثْلُك طَالِقٌ لَيْسَ فِيهِ إضَافَةٌ إلَى زَوْجَتِهِ فَلَا يَكُونُ كِنَايَةً. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَلْفَ مَرَّةٍ وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا هَلْ تَطْلُقُ وَاحِدَةً كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ الرَّوْضَةِ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ وَعَنْ نَفَائِسِ الْأَزْرَقِ وَذَكَر أَنَّ شَارِحَ الرَّوْضِ أَقَرَّ الرَّوْضَ كَأَصْلِهِ عَلَى ذَلِكَ وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الرَّوْضِ وَأَصْلِهِ يُفْهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ فَمَا الصَّوَابُ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ غَلَطٌ صَرِيحٌ إمَّا لِسِقَمٍ فِي نَقْلِهِ، أَوْ فَهْمِهِ، أَوْ نُسْخَتِهِ فَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً أَلْفَ مَرَّةٍ وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةً كَذَا قَالَ الْمُتَوَلِّي هَذِهِ عِبَارَتُهُ وَجَرَى عَلَيْهَا الرَّوْضُ وَشَارِحُهُ وَاَلَّذِي فِي النَّفَائِسِ إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً أَلْفَ مَرَّةٍ وَلَمْ يَنْوِ الْعَدَدَ لَمْ يَقَعْ إلَّا وَاحِدَةً قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَهَذِهِ الصُّورَةُ غَيْرُ صُورَةِ السُّؤَالِ فَالْتِبَاسُهَا بِهَا يُنْبِئُ عَنْ مَزِيدِ غَفْلَةٍ وَتَسَاهُلٍ، أَوْ عَنْ فَسَادِ تَصَوُّرٍ وَوَجْهُ وُقُوعِ الْوَاحِدَةِ فَقَطْ فِيهَا أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ قَوْلَهُ وَاحِدَةً لَمْ يُؤَثِّرْ قَوْلُهُ بَعْدَهُ أَلْفَ مَرَّةٍ كَذَا لَوْ قَالُوهُ لَكِنْ اسْتَشْكَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً ثَلَاثَ طَلْقَاتٍ طَلُقَتْ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ تَمَّ بِطَلْقَةٍ وَمَا بَعْدَهُ غَيْرُ مَعْطُوفٍ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْتَ يُمْكِنُ تَوْجِيهُ الْإِشْكَالِ فِي هَذِهِ

كَتِلْكَ بِأَنَّهُ لِمَ لَا يُقَالُ إنَّ أَلْفَ مَرَّةٍ وَثَلَاثَ طَلْقَاتٍ بَدَلٌ مِمَّا قَبْلَهُ عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى {يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا - جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ} [مريم: 60 - 61] قُلْتُ كَأَنَّهُمْ لَحَظُوا فِي الْفَرْقِ أَنَّ الْمُبْدَلَ مِنْهُ فِي الْآيَةِ فِي قُوَّةِ الْجَمْعِ لِكَوْنِهِ مُحَلًّى بِأَلْ فَحَسُنَ إبْدَالُ الْجَمْعِ مِنْهُ وَهُنَا لَيْسَ فِي الْمُبْدَلِ مِنْهُ مَا يُقَرِّبُهُ مِنْ الْجَمْعِ فَلَمْ يَحْسُنْ إبْدَالُهُ مِنْهُ ثُمَّ هَذَا الْإِيرَادُ وَإِنْ تَوَجَّهَ فِي مَسْأَلَةِ النَّصِّ لَا يَتَوَجَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ التَّنَافِيَ فِيهَا بَيْنَ وَاحِدَةٍ وَأَلْفٍ أَتَمُّ وَأَظْهَرُ مِنْهُ بَيْنَ طَلْقَةٍ وَثَلَاثٍ، فَإِذَا أَلْغَى الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - النَّظَرَ إلَى ثَلَاثٍ فِي مَسْأَلَةٍ فَأَوْلَى أَنْ يُلْغِيَ النَّظَرَ إلَى أَلْفٍ فِي مَسْأَلَةِ الرَّوْضَةِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّنَافِي، وَالْكَلَامُ قَدْ تَمَّ بِوَاحِدَةٍ فَلَا نَظَرَ لِمَا بَعْدَهَا لِمُنَافَاتِهِ لَهَا كَمَا تَقَرَّرَ. هَذَا كُلُّهُ فِي مَسْأَلَةِ الرَّوْضَةِ وَالرَّوْضِ وَشَرْحِهِ وَالنَّفَائِسِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ السُّؤَالِ الَّتِي نَقَلَهَا بَعْضُهُمْ عَنْ هَذِهِ الْكُتُبِ غَلَطًا وَتَحْرِيفًا فَالصَّوَابُ فِيهَا وُقُوعُ الثَّلَاثِ وَلَا شُبْهَةَ فِي ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ لَهُ أَدْنَى مَسْكَةٍ مِنْ فَهْمٍ، أَوْ تَصَوُّرٍ، نَعَمْ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مِثْلُ أَلْفٍ، أَوْ مِثْلُ الْأَلْفِ طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِي الْأُولَى وَوَاحِدَةً فِي الثَّانِيَةِ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْعَبَّادِيُّ عَنْ الْكَرَابِيسِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَقِيَاسُ الْعَمْدِ فِي أَنْتِ كَمِائَةِ طَلْقَةٍ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ إلَّا وَاحِدَةً أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي وُقُوعِ الْوَاحِدَةِ فِي مَسْأَلَتَيْ الْعَبَّادِيِّ عَنْ الْكَرَابِيسِيِّ بَيْنَ الْمُعَرَّفِ وَالْمُنَكَّرِ وَاخْتِيَارُ ابْنِ الصَّبَّاغِ وُقُوعَ الثَّلَاثِ فِي أَنْتِ كَمِائَةِ طَالِقٍ لِوُقُوعِ التَّشْبِيهِ فِي الْعَدَدِ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ التَّشْبِيهَ لَيْسَ نَصًّا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ كَمِائَةِ طَالِقٍ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ شَبَّهَهَا بِهِنَّ فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ أَفْرَادِهِنَّ، أَوْ فِي عَدَدِ الْوَاقِعِ عَلَيْهِنَّ وَإِذَا احْتَمَلَ كُلًّا مِنْ هَذَيْنِ وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا عَامَلْنَاهُ بِالْأَقَلِّ تَمَسُّكًا بِأَصْلِ بَقَاءِ الْعِصْمَةِ كَمَا تَمَسَّكُوا بِهِ فِي مَسَائِلَ لَا تَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ دِرَايَةٌ بِكَلَامِهِمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ وَاقِعَةِ حَالٍ مُهِمَّةٍ هِيَ شَخْصٌ ذُكِرَ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قَدِمُوا مِنْ سَفَرٍ مَثَلًا وَأُهْدُوا هَدَايَا لِلْأَصْحَابِ وَلَمْ يُعْطُوهُ شَيْئًا أَوْ أَعْطَوْهُ شَيْئًا اسْتَقَلَّهُ فَقَالَ أَمَّا أَنَا فَطَلَّقْت أَوْ فَقَدْ طَلَّقْت النَّاسَ كُلَّهُمْ ثَلَاثًا بِمَعْنَى أَنِّي قَطَعْت طَمَعِي عَنْهُمْ كُلِّهِمْ وَلَهُ زَوْجَةٌ وَلَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ قَصْدُ الطَّلَاقِ الشَّرْعِيِّ وَلَا مَعْنَاهُ وَلَمْ يَقْصِدْ زَوْجَتَهُ حَالَ تَلَفُّظِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ فَهَلْ تَطْلُقُ زَوْجَتُهُ بِمُجَرَّدِ هَذَا اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ لِدُخُولِهَا فِي عُمُومِ لَفْظِهِ الصَّرِيحِ أَمْ لَا وَهَلْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ كَمَسْأَلَةِ الْوَاعِظِ الْمَشْهُورَةِ الَّتِي الرَّاجِحُ فِيهَا عَدَمُ الْوُقُوعِ بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ وَأَوْضِحُوا إيضَاحًا شَافِيًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَدْ بَيَّنْت فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ نِسَاءُ الْعَالَمِينَ طَوَالِقُ لَمْ تَطْلُقْ زَوْجَتُهُ إلَّا إنْ أَرَادَهَا فَإِذَا لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ فِي هَذِهِ مَعَ تَصْرِيحِهِ بِالنِّسَاءِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَقَعَ عَلَيْهِ طَلَاقٌ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ وَلَا تَتَخَرَّجُ هَذِهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَاعِظِ؛ لِأَنَّهُ خَاطَبَ الْجَمْعَ الَّذِينَ فِيهِمْ امْرَأَتُهُ بِقَوْلِهِ: طَلَّقْتُكُمْ فَفِيهِ خِطَابٌ لِلْمَرْأَةِ مَعَهُمْ، لَكِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَقْصِدْ حَقِيقَةَ الطَّلَاقِ الشَّرْعِيِّ مَعَ وُجُودِ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِعَدَمِ طَلَاقِ امْرَأَتِهِ وَأَمَّا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ فَإِنَّهُ إنَّمَا تَلَفَّظَ بِقَوْلِهِ طَلَّقْت النَّاسَ كُلَّهُمْ وَهَذِهِ الصِّيغَةُ لَا أَثَرَ لَهَا فِي تَنَاوُلِ زَوْجَتِهِ لِعَدَمِ تَأْثِيرِهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي قَوْلِهِمْ لَوْ قَالَ: نِسَاءُ الْعَالَمِينَ طَوَالِقُ وَأَنْتِ يَا زَوْجَتِي لَمْ تَطْلُقْ زَوْجَتُهُ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَهَا عَلَى مَنْ لَا تَطْلُقُ بَلْ لَوْ قَالَ مَنْ اسْمُهُ زَيْدٌ نِسَاءُ الزَّيْدِينَ طَوَالِقُ لَمْ تَطْلُقْ زَوْجَتُهُ، وَقَوْلُ الرُّويَانِيِّ تَطْلُقُ إنَّمَا يَأْتِي كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْقَمُولِيُّ عَلَى ضَعِيفٍ. نَعَمْ لَوْ قَالَ: امْرَأَةُ الزَّيْدِينَ طَالِقٌ طَلُقَتْ زَوْجَتُهُ لَكِنَّ الَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ لَمْ أُرِدْ نَفْسِي؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ التَّعْرِيفِ عَلَى دُخُولِهِ فِي لَفْظِهِ لَا تُقَاوِمُ إرَادَتَهُ صَرْفَ لَفْظِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَفِي الرَّوْضَةِ وَجْهَانِ عَنْ الْقَفَّالِ فِيمَا لَوْ قَالَ مَنْ عُزِلَ عَنْ الْقَضَاءِ امْرَأَةُ الْقَاضِي طَالِقٌ. وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ مِنْهُمَا عَدَمُ الطَّلَاقِ كَمَا بَيَّنْتُهُ مَعَ مَا قَبْلَهُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَبِهَذَا كُلِّهِ بَانَ أَنَّ صُورَةَ السُّؤَالِ لَا يَجْرِي فِيهَا الْخِلَافُ فِي مَسْأَلَةِ الْوَاعِظِ فَلَا يَقَعُ فِيهَا طَلَاقٌ وَإِنْ قُلْنَا بِوُقُوعِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْوَاعِظِ لِمَا عَلِمْتَهُ مِمَّا تَقَرَّرَ. (وَسُئِلَ) عَنْ أَمَةٍ غَرَّتْ بِزَوْجِهَا بِإِذْنِ السَّيِّدِ لَهَا فِي بَذْلِ مَهْرِهَا فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ أَوْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ بِالْوُقُوعِ فَهَلْ هُوَ بَائِنٌ أَوْ رَجْعِيٌّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ بَائِنًا بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَيَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهَا تَتَبُّعٌ بِهِ إذَا عَتَقَتْ وَقَدْ ذَكَرْت فِي اخْتِصَارِي لِتَحْرِيرِ

الْآرَاءِ مَسْأَلَةَ الْبَذْلِ وَمَا فِيهَا مِنْ الِاخْتِلَافِ فَقُلْت إذَا قَالَتْ بَذَلْت صَدَاقِي عَلَى طَلَاقِي، أَوْ بِطَلَاقِي فَطَلَّقَ بَانَتْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا طَلَّقَ بِعِوَضٍ ثُمَّ إنْ عَلِمْنَا قَدْرَ الْمَهْرِ وَوُجِدَتْ شُرُوطُهُ السَّابِقَةُ وَأَرَادَتْ بِبَذْلِهِ الْإِبْرَاءَ مِنْهُ بَرِئَ مِنْهُ وَإِلَّا لَمْ يَبْرَأْ وَلَزِمَهَا لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ. هَذَا الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَاَلَّذِي فِي فَتَاوَى الْأَصْبَحِيِّ. إذَا قَالَتْ بَذَلْت صَدَاقِي عَلَى طَلَاقِي فَطَلَّقَ وَقَعَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا الزَّوْجُ فَلَا فَرْقَ بَيْن أَنْ تَقُولَ بَذَلْت لَك، أَوْ بَذَلْت وَفِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَجَزْت كَبَذَلْتُ ثُمَّ رَأَيْتُنِي ذَكَرْت فِي الْفَتَاوَى أَنِّي سُئِلْت عَمَّا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ فَهَلْ تَطْلُقُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا أَوْ لَا تَطْلُقُ فَأَجَبْت بِقَوْلِي أَفْتَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْفَتَى وَتِلْمِيذُهُ الْكَمَالُ الرَّدَّادُ وَالطَّيِّبُ النَّاشِرِيُّ بِأَنَّهَا لَا تَطْلُقُ، وَقَالَ آخَرُونَ: لَا تَطْلُقُ بَائِنًا وَقَالَ ابْنُ عُجَيْلٍ وَإِسْمَاعِيلُ الْحَضْرَمِيُّ - نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِمَا -: إنْ أَرَدْت اسْتِئْنَافَ الْبَرَاءَةِ لَمْ تَطْلُقْ وَإِلَّا طَلُقَتْ وَهُوَ الْأَوْجَهَ وَإِذَا قُلْنَا تَطْلُقُ طَلُقَتْ بَائِنًا. اهـ كَلَامِي فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ لِقَوْلِ الزَّوْجِ فِي جَوَابِهِ لَهَا عَلَى صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ. فَالْقَائِلُونَ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ كَأَنَّهُمْ نَظَرُوا إلَى أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ يَقْتَضِي إيجَادَ بَرَاءَةٍ صَحِيحَةً غَيْرَ الْأُولَى وَلَمْ تُوجَدْ فَعَلَيْهِ إنْ وُجِدَتْ فَكَمَا يَأْتِي عَلَى الثَّالِثِ فِيمَا يَظْهَرُ وَالْقَائِلُونَ بِالْوُقُوعِ رَجْعِيًّا نَظَرُوا إلَى أَنَّهُ لَيْسَ هُنَا مُقَابَلَةٌ تَقْتَضِي الْعِوَضِيَّةَ حَتَّى يَقَعَ بَائِنًا، وَالْقَائِلُونَ بِالتَّفْصِيلِ نَظَرُوا إلَى، أَنَّ لَفْظَهُ مُحْتَمَلٌ فَإِنْ أَرَادَ اسْتِئْنَافَ الْبَرَاءَةِ فَلَا وُقُوعَ وَإِلَّا بِأَنْ أَطْلَقَ، أَوْ أَرَادَ عَدَمَ الِاسْتِئْنَافِ وَقَعَ بَائِنًا وَهَذَا أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ فَعَلَيْهِ الَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ اسْتِئْنَافَ الْبَرَاءَةِ وَوُجِدَتْ مِنْهَا بَرَاءَةٌ صَحِيحَةٌ بَعْدَ كَلَامِهِ وَقَعَ بَائِنًا وَبَرِئَ وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ اسْتِئْنَافَهَا طَلُقَتْ إنْ كَانَتْ بَرَاءَتُهَا الْأُولَى صَحِيحَةً وَإِلَّا فَلَا فَتَأَمَّلْهُ، وَأَبْعَدُ تِلْكَ الْآرَاءِ الرَّأْيُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ دَعْوَى الْوُقُوعِ رَجْعِيًّا لَا يَكَادُ يَظْهَرُ لَهُ وَجْهٌ وَإِنْ عَلَّلْته بِمَا مَرَّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ لَوْ قَالَ أَنْتِ حَرَامٌ عَلَيَّ وَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ أَنَّهَا طَلُقَتْ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ ثَلَاثًا وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا ثَانِيًا لِظَنِّهِ أَنَّهَا بَانَتْ مِنْهُ بِالثَّلَاثِ بِالْعِبَارَةِ الْأُولَى فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الثَّلَاثُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: قَدْ سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ السِّرَاجُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ ذَلِكَ فَأَجَابَ بِمَا لَفْظُهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ ثَانِيًا عَلَى الظَّنِّ الْمَذْكُورِ. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهَا زَوْجَتُهُ بَاطِنًا وَقَدْ خَاطَبَهَا بِالطَّلَاقِ وَلَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا قَرِينَةَ تُؤَيِّدُهُ. وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِمَنْ يَعْتَقِدُهَا أَجْنَبِيَّةً وَهِيَ زَوْجَتُهُ بَاطِنًا كَأَنْ زَوَّجَهَا لَهُ أَبُوهُ فِي صِغَرِهِ، أَوْ وَكِيلُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا بِوَجْهٍ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ اللَّفْظَ لِمَعْنَاهُ وَلَا عِبْرَةَ بِظَنِّهِ فَكَذَا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ. ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ فِي تَوَسُّطِهِ نَقَلَ عَنْ الْإِمَامِ ابْنِ رَزِينٍ وَأَقَرَّهُ مَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرْته وَهُوَ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ نَكَحَ امْرَأَةً وَعَلَّقَ بِالثَّلَاثِ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ بَلَدِهِ إلَّا بِهَا فَأَخْبَرَهُ بَعْضٌ أَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ فَخَرَجَ مِنْ الْبَلَدِ وَتَرَكَهَا مُتَوَهِّمًا أَنْ النِّكَاحَ بَاطِلٌ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَقَعُ طَلَاقُهُ وَلَا يُعْذَرُ فِي ذَلِكَ. وَمَسْأَلَتُنَا أَوْلَى مِنْ هَذِهِ بِالْوُقُوعِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مَعَ الْجَهْلِ بِأَنَّهُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ، أَوْ مَعَ النِّسْيَانِ، أَوْ الْإِكْرَاهِ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ فَإِذَا لَمْ يُجْعَلْ ظَنُّهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي نِكَاحِهِ عُذْرًا فِي خُرُوجِهِ الْمَذْكُورِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ مَعَ الْجَهْلِ، أَوْ النِّسْيَانِ، أَوْ الْإِكْرَاهِ لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ، فَأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ ظَنُّهُ عُذْرًا فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَاحْتَفِظْ بِهِ فَإِنَّهُ كَثِيرُ الْوُقُوعِ وَسُئِلَ عَنْهُ كَثِيرًا ثُمَّ رَأَيْت فِي التَّوَسُّطِ عَنْ الْفَارِقِيّ، أَوْ ابْنِ الْبَزْرِيِّ أَنَّهُ لَوْ اسْتَفْتَى عَامِّيٌّ فَقِيهًا فَقَالَ لَهُ طَلَّقْتَ زَوْجَتَك فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ طَلَّقْتَ زَوْجَتَك قَالَ نَعَمْ ثُمَّ رَأَى فِي الْكُتُبِ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ وَالْفَقِيهُ أَخْطَأَ فَقَالَ لَمْ أُطَلِّقْ وَإِنَّمَا قُلْت بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْفَقِيهِ قَالَ: يُقْبَلُ قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَسَبَقَ عَنْ غَيْرِهِ مَا يُنَازِعُ فِي عَدَمِ الْقَبُولِ فَرَاجِعْهُ. اهـ. وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِمَا سَبَقَ عَنْ غَيْرِهِ مَا ذُكِرَ عَنْ ابْنِ رَزِينٍ لَكِنَّ الْوَجْهَ الْمُوَافِقَ لِكَلَامِ الشَّيْخَيْنِ كَالْأَصْحَابِ فِي بَابِ الْكِتَابَةِ - أَنَّهُ مَتَى أَوْقَعَ الطَّلَاقَ أَوْ أَخْبَرَ بِهِ ثُمَّ قَالَ لَمْ أَعْلَمْ وُقُوعَهُ، فَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ كَإِفْتَائِهِ مِمَّنْ اُشْتُهِرَ عِلْمُهُ بِشَيْءٍ فَأَخْبَرَ مُسْتَنِدًا إلَيْهِ ثُمَّ بَانَ أَنَّ الْإِفْتَاءَ بِخِلَافِ الْحَقِّ لَمْ يَقَعْ

عَلَيْهِ شَيْءٌ وَإِلَّا وَقَعَ بِهِ. وَمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ آخِرًا مِمَّا قَامَتْ عَلَيْهِ الْقَرِينَةُ فَقُبِلَ وَكَذَا مَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ؛ لِأَنَّ ظَنَّهُ التَّحْرِيمَ بِأَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ الْإِنْشَاءَ بَلْ الْإِخْبَارَ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَعْطَى الْمُكَاتَبَ النُّجُومَ فَقَالَ لَهُ السَّيِّدُ: أَعْتَقْتُك ظَانًّا صِحَّةَ الْأَدَاءِ ثُمَّ بَانَ فَسَادُهُ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِلْقَرِينَةِ، فَكَذَا هُنَا وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ عَنْ ابْنِ رَزِينٍ فَالْوَجْهُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُخْبِرُ لَهُ بِبُطْلَانِ الْعَقْدِ غَيْرَ ثِقَةٍ مُعْتَمَدٍ؛ لِأَنَّ إخْبَارَ مِثْلِ هَذَا لَا يَكُونُ قَرِينَةً فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ نَفِيسٌ مُهِمٌّ (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ الْمُزَوَّجَةُ فِي بَيْتِ أَهْلِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ فَهَجَمَ أَهْلُهَا بِتَزْوِيجِهَا مِنْ غَيْرِ تَرَبُّصٍ زَمَنَ الْعِدَّةِ لِكَوْنِ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِ أَهْلِهَا وَفِي يَدِهِمْ فَدَخَلَ بِهَا هَذَا الزَّوْجُ فَوَجَدَهَا ثَيِّبًا فَزَعَمَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ وَطِئَهَا فِي نِكَاحِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ الْأَمْرُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَبَرَكَتِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ النِّكَاحُ الثَّانِي لَا يَرْتَفِعُ بِدَعْوَى الْأَوَّلِ الْوَطْءَ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا لَوْ طَلَّقَهَا دُونَ ثَلَاثٍ بِلَا عِوَضٍ ثُمَّ قَالَ وَطِئْت فَلِي الرَّجْعَةُ وَأَنْكَرَتْ وَطْأَهُ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا أَنَّهُ مَا وَطِئَهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَعَدَمِ قَبُولِ قَوْلِهَا فِيمَا إذَا ادَّعَى عِنِّينٌ، أَوْ مُولٍ الْوَطْءَ وَأَنْكَرَتْهُ بِأَنَّ النِّكَاحَ ثَابِتٌ فِي هَذِهِ وَهِيَ تَدَّعِي مَا يُزِيلُهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَأَمَّا فِي تِلْكَ فَالطَّلَاقُ قَدْ وَقَعَ وَهُوَ يَدَّعِي الرَّجْعَةَ بِالْوَطْءِ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. فَهَذَا صَرِيحٌ فِي تَصْدِيقِهَا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ بَلْ صُورَتُهُ أَوْلَى بِأَنْ تُصَدَّقَ فِيهَا مِنْ صُورَةِ الرَّوْضَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي صُورَةِ الرَّوْضَةِ لَمْ يَتَعَلَّق بِهَا حَقٌّ ثَالِثٌ وَمَعَ ذَلِكَ صُدِّقَتْ فِي نَفْيِ الْوَطْءِ فَأَوْلَى فِي صُورَةِ السُّؤَالَ أَنْ تُصَدَّقَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهَا حَقٌّ ثَالِثٌ وَأَيْضًا فَتَصْرِيحُهُمْ فِي الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ سَبَبَ عَدَمِ تَصْدِيقِهِ فِي صُورَةِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَدَّعِي الرَّجْعَةَ بِالْوَطْءِ قَبْلَ الطَّلَاقِ وَالْأَصْلُ عِلْمُهُ وَهَذَا السَّبَبُ مَوْجُودٌ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ بِعَيْنِهِ فَالْمَنْقُولُ فِيهَا مَا قَرَّرْته ثُمَّ دَعْوَاهَا مَقْبُولَةٌ عَلَى الزَّوْجِ الثَّانِي مَا دَامَتْ فِي عِصْمَتِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهَا كَمَا صَرَّحُوا بِذَلِكَ فِي نَظِيرِ صُورَةِ السُّؤَالِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ طَلَاقُك وَاحِدًا وَوَاحِدٌ اثْنَانِ ثَلَاثَةٌ هَلْ يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ أَمْ لَا وَعَيَّنَ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِالْوُقُوعِ أَوْ الذَّهَابِ كَأَنْ يَقُولَ إلَّا دَخَلْت الدَّارَ يَقَعُ أَوْ يَذْهَبُ طَلَاقُك أَوْ وَقَعَ أَوْ ذَهَبَ هَلْ يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ وَأَقَرَّاهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ نَحْوِ طَلَّقْت مِنْ ذِكْرِ الْمَفْعُولِ وَمَعَ نَحْوِ طَالِقٌ مِنْ ذِكْرِ الْمُبْتَدَإِ فَلَوْ نَوَى أَحَدُهُمَا لَمْ يَقَعْ بِذَلِكَ شَيْءٌ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْتِ، أَوْ امْرَأَتِي وَنَوَى لَفْظَ طَالِقٍ نَعَمْ إنْ سَبَقَ ذِكْرُ الْمَرْأَةِ فِي سُؤَالٍ، أَوْ نَحْوِهِ، أَوْ وَقَعَ تَفْوِيضٌ لَمْ يُشْتَرَطْ ذِكْرُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ قَالُوهُ فِي طَلَّقْت جَوَابًا لِطَلِّقْنِي، أَوْ لِطَلِّقْهَا، أَوْ لِطَلِّقِي نَفْسَكِ وَفِي إنْ كُنْت كَاذِبًا. . . إلَخْ لِتَرَتُّبِهِ عَلَى السُّؤَالِ وَالتَّفْوِيضِ وَإِذَا عَلِمْتَ هَذَا بَانَ لَك أَنَّهُ لَا وُقُوعَ عَلَى مَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ طَلَاقُك وَاحِدٌ، أَوْ اثْنَانِ، أَوْ ثَلَاثَةٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ صَادِقَةٌ مَعَ وُجُودِ الزَّوْجِيَّةِ لِعَدَمِ مُنَافَاتِهَا لَهَا إذْ يَصْدُقُ مَعَ وُجُودِ الزَّوْجِيَّةِ أَنَّ طَلَاقَهَا إذَا وُجِدَ لَهُ سَبَبٌ يَقْتَضِيهِ لَا يَخْلُو عَنْ كَوْنِهِ وَاحِدًا، أَوْ اثْنَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةً فَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَا يَقْتَضِي حَلَّ الْعِصْمَةِ بِوَجْهٍ فَلَمْ تُؤَثِّرْ فِيهَا نَعَمْ لَوْ نَوَى بِطَلَاقِك وَاحِدٌ طَلَّقْتُكِ وَاحِدَةً مَثَلًا لَمْ يَبْعُدْ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً فَيَقَعُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ طَلَاقَك مَصْدَرٌ وَهُوَ يَنُوبُ عَنْ الْفِعْلِ وَأَصْلٌ لَهُ فَلَا تَبْعُدُ إرَادَتُهُ بِهِ وَيُؤَيِّدُهُ إفْتَاءُ الْوَلِيِّ أَبِي زُرْعَةَ بِأَنَّ قَوْلَهُ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا مِنْ زَوْجَتِي تَفْعَلُ كَذَا كِتَابَةً؛ لِأَنَّ حَذْفَ يَلْزَمُنِي مَثَلًا صَيَّرَهُ كِنَايَةً فَإِنْ نَوَى إيقَاعَهُ بِتَقْدِيرِ عَدَمِ الْفِعْلِ وَقَعَ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ بِتَقْدِيرِ إنْ لَمْ تَفْعَلْ فَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ عَلَيَّ، أَوْ نَحْوِهِ. اهـ. فَتَأَمَّلْهُ تَجِدْهُ ظَاهِرًا فِيمَا ذَكَرْته وَإِذَا قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ يَقَعُ، أَوْ وَقَعَ طَلَاقُك فَهُوَ تَعْلِيقٌ صَحِيحٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ إلَّا بِدُخُولِ الدَّارِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا فَإِنْ أَبْدَلَ ذَلِكَ بِذَهَبَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ؛ لِأَنَّ بَيْنَ الذَّهَابِ وَالْوُقُوعِ نَوْعُ تَقَارُبٍ فَلَا يَبْعُدُ إرَادَةُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فَإِنْ أَرَادَ بِذَهَابِ الطَّلَاقِ وُقُوعَهُ وَقَعَ بِالدُّخُولِ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ فَلَا وُقُوعَ. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ طَالَبَتْهُ زَوْجَتُهُ أَوْ وَكِيلُهَا بِكِفَايَتِهَا كَالنَّفَقَةِ مَثَلًا وَكَانَتْ الْمُطَالَبَةُ بِحُضُورِ حَاكِمٍ مِنْ

حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ الزَّوْجُ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ أَنَّ بَيْتَهَا مَلْآنُ طَعَامًا فَمَا الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ الْمِلْءِ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ مَمْلُوءًا حَقِيقَةً أَوْ يُدَيَّنُ وَيَرْجِعُ إلَى قَصْدِهِ بَيِّنُوا لَنَا الْجَزْمَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ الْبَيْنُونَةُ، أَوْ عَدَمُهَا فَالْمَسْأَلَةُ وَاقِعَةٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنْ كَانَ لِلزَّوْجِ نِيَّةٌ عُمِلَ بِهَا وَإِلَّا فَمَتَى لَمْ يَكُنْ بَيْتُهَا مَلْآنَ مِنْ الطَّعَامِ وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فَقَدْ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَبَحَثَهُ الشَّيْخَانِ فِي مَوْضِعٍ وَجَزَمَا بِهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّهَا حَتَّى تَمُوتَ حُمِلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا الْمَجَازِ فَكَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا يُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَيَأْتِي فِيهَا مَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. ثُمَّ كَتَبَ إلَيْهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - السَّائِلُ أَيْضًا مَا لَفْظُهُ: هَذَا جَوَابُكُمْ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَقَدْ أَفَدْتُمْ كَانَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَكُمْ وَأَدَامَ بِكُمْ النَّفْعَ وَالْحَالُ أَنَّ الرَّجُلَ لَمَّا حَلَفَ مِنْ زَوْجَتِهِ بَيْنَ يَدَيْ الْحَاكِمِ أَلْزَمَهُ الْحَاكِمُ فِرَاقَهَا؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوءًا حَقِيقَةً وَاعْتَمَدَ الْحَاكِمُ فِي ذَلِكَ قَوْلَ النَّوَوِيِّ فِي الرَّوْضَةِ إنَّ الْحَقِيقَةَ لَا تُصْرَفُ إلَى الْمَجَازِ بِالنِّيَّةِ إلَّا فِي حَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ هَذَا مَعْنَى قَوْلِ الرَّوْضَةِ فِي الْأَيْمَانِ وَكَذَلِكَ عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ فِي الْأَيْمَانِ فَرْعٌ قَدْ يُصْرَفُ مِنْ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ بِالنِّيَّةِ كَلَا أَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ وَنَوَى مَسْكَنَهُ دُونَ مِلْكِهِ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ غَيْرِ آدَمِيٍّ. قَالَ الشَّارِحُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا بِأَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ كَأَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ، أَوْ عَتَاقٍ. وَعِبَارَةُ الْمُزَجَّدِ فِي الْعُبَابِ فِي الْإِيمَانِ فَرْعٌ: لَوْ قَالَ الْحَالِفُ أَنْ لَا يَدْخُلَ أَرَدْت شَهْرًا مَثَلًا قُبِلَ فِي حَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا الْآدَمِيِّ كَطَلَاقٍ وَإِيلَاءٍ وَعِتْقٍ لَكِنْ يُدَيَّنُ وَاعْتَمَدَ الْحَاكِمُ بِالْفُرْقَةِ هَذِهِ النُّصُوصَ وَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى فُقَهَاءِ الْبَلَدِ وَقَالُوا الْمُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ وَلَا طَلَاقَ وَأَرَادُوا صَرْفَ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ بِالنِّيَّةِ فِي حَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فَأَرْسَلُوا إلَيْك الصُّورَةَ الْمَذْكُورَةَ وَلَمَّا وَرَدَ الْجَوَابُ الْكَرِيمُ قَامُوا بِهِ عَلَى الْحَاكِمِ بِالْفُرْقَةِ وَقَالُوا لَهُ: قَدْ أَجَابَ الشَّيْخُ عَلَى وَفْقِ كَلَامِنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ نِيَّتُهُ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ أَلْبَتَّةَ لَا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا فَقَالَ لَهُمْ الْحَاكِمُ مَا أَرَادَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ بْنُ حَجَرٍ - عَفَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَّا وُقُوعَ الطَّلَاقِ لَكِنْ يُدَيَّنُ كَمَا جَزَمَتْ بِهِ النُّصُوصُ الْمَذْكُورَةُ آنِفًا كَمَا هُوَ مَفْهُومٌ مِنْ سُؤَالِكُمْ فَإِنَّكُمْ قُلْتُمْ فِي السُّؤَالِ يُدَيَّنُ، أَوْ تَقَعُ الْبَيْنُونَةُ الْكُبْرَى وَكَانَ الْجَوَابُ مُطَابِقًا لِلسُّؤَالِ وَمِنْ الْآنِ فَالْمَسْئُولُ مِنْ التَّفَضُّلَاتِ الْكَرِيمَةِ إزَاحَةُ الْإِشْكَالِ بِجَوَابٍ شَافٍ صَرِيحٍ يُبَيِّنُ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَيُدَيَّنُ بِحَيْثُ إنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ فِي الظَّاهِرِ وَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ أَمْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ أَصْلًا وَأَنَّ الْحَقِيقَةَ تُصْرَفُ إلَى الْمَجَازِ بِالنِّيَّةِ فِي حَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَحَقِّ الْآدَمِيِّينَ كَمَا زَعَمُوا أَمْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ أَصْلًا. وَأَنَّ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَمَا مَعْنَى هَذِهِ النُّصُوصِ الْجَازِمَةِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ؟ فَأَجَابَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَنَفَعَ بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ: مَا أَفْتَيْت بِهِ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِلزَّوْجِ نِيَّةٌ عَمِلَ بِهَا أَيْ: ظَاهِرًا أَيْضًا هُوَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ كَمَا يَأْتِي وَلَا يُعَارِضُهُ مَا ذُكِرَ عَنْ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فِي الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ فِي نِيَةِ مَجَازٍ لَا قَرِينَةَ تَدُلُّ عَلَى إرَادَتِهِ وَتُعَضِّدُهَا أَمَّا إذَا نَوَى غَيْرَ الْحَقِيقَةِ مِمَّا يَتَجَوَّزُ بِهِ عَنْهَا وَقَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ تِلْكَ النِّيَّةُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَقَدْ صَرَّحُوا بِذَلِكَ فِي مَسَائِلَ فِي الطَّلَاقِ لَا تُحْصَى بَلْ قَدْ تَزْدَادُ قُوَّةُ الْقَرِينَةِ فَيُحْمَلُ اللَّفْظُ عَلَى قَضِيَّتِهَا وَإِنْ لَمْ يَنْوِ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ رَأَيْت مِنْ أُخْتِي شَيْئًا وَلَمْ تُخْبِرِينِي بِهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى مُوجِبِ الرِّيبَةِ فَلَا يَحْنَثُ إلَّا إنْ رَأَتْ مِنْهَا مُوجِبَ رِيبَةٍ وَلَمْ تُخْبِرْهُ بِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَأَتْ مِنْهَا غَيْرَهُ وَلَمْ تُخْبِرْهُ عَمَلًا بِالْقَرِينَةِ الْمُخَصَّصَةِ لِلْعَامِّ فِي قَوْلِهِ شَيْئًا وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ. فَكَذَا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا طَالَبَتْهُ هِيَ، أَوْ وَكِيلُهَا بِكِفَايَتِهَا كَانَتْ مُدَّعِيَةً عَلَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي بَيْتِهِ طَعَامٌ فَإِذَا حَلَفَ أَنَّهُ مَلْآنُ طَعَامًا كَانَتْ الْقَرِينَةُ دَالَّةً عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْمِلْءَ الْحَقِيقِيَّ وَإِنَّمَا أَرَادَ مَا يُكَذِّبُ دَعْوَاهَا وَكَانَ قِيَاسُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَدَمُ الْحِنْثِ فِي هَذِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَكِنَّ الْقَرِينَةَ لَمْ تَقْوَ فِيهَا قُوَّتَهَا فِي تِلْكَ أَعْنِي مَسْأَلَةَ الْأُخْتِ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يُشْتَرَطْ فِي مَسْأَلَةِ الْأُخْتِ نِيَّةٌ وَاشْتَرَطْنَاهَا فِي مَسْأَلَتِنَا لِمَا عَرَفْت مِنْ قُوَّةِ الْقَرِينَةِ ثَمَّ لَا هُنَا. وَمِمَّا يَدُلُّ لِمَا ذَكَرْته

أَيْضًا مَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّهَا لَوْ قَالَتْ لَهُ فَعَلْت كَذَا حَرَامًا أَيْ كَأَكْلِ الرِّبَا مَثَلًا فَقَالَ لَهَا إلَّا فَعَلْت حَرَامًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى بِالْحَرَامِ أَكْلَ الرِّبَا فَإِنَّهُ يُقْبَلُ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ ذِكْرِهَا لَهُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ غَيْرَهُ فَحَمَلْنَا إطْلَاقَهُ الْحَرَامَ الشَّامِلَ لِلرِّبَا وَغَيْرِهِ عَلَى الرِّبَا فَقَطْ عَمَلًا بِالْقَرِينَةِ وَمِمَّا يَدُلُّ لِمَا ذَكَرْته أَيْضًا أَنَّ الْأَئِمَّةَ قَالُوا فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يَغْتَسِلُ أَنَّهُ يَقَعُ بِالْغُسْلِ مِنْ جَنَابَةٍ وَغَيْرِهَا فَإِنْ أَرَادَ الْأَوَّلَ فَقَطْ دُيِّنَ وَلَا يُقْبَلُ ظَاهِرًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَمَحَلُّهُ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ. أَمَّا إذَا كَانَتْ قَرِينَةٌ كَمَا لَوْ رَاوَدَهَا فَامْتَنَعَتْ لِغَصْبٍ فَحَلَفَ أَنَّهُ لَا يَغْتَسِلُ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يُقْبَلُ ظَاهِرًا قَوْلُهُ أَرَدْت الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ فَتَأَمَّلْ هَذَا فَإِنَّهُ عَيْنُ مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا أَغْتَسِلُ يَعُمُّ كُلَّ غُسْلٍ فَإِذَا خَصَّصَهُ بِبَعْضِ الْأَغْسَالِ فَقَدْ عَدَلَ عَنْ الْحَقِيقَةِ الَّتِي هِيَ الْعُمُومُ إلَى الْمَجَازِ الَّذِي هُوَ الْخُصُوصُ فَإِنْ لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَتِهِ لِذَلِكَ دُيِّنَ وَلَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا وَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَتِهِ لِذَلِكَ قُبِلَتْ مِنْهُ ظَاهِرًا أَيْضًا فَكَذَا مَسْأَلَتُنَا حَقِيقَةُ الْمَلْءِ فِيهَا مَعْرُوفَةٌ فَإِنْ أَرَادَ بَعْضَ الْمَلْءِ فَإِنْ لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَتِهِ دُيِّنَ وَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَتِهِ قُبِلَ قَوْلُهُ إنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا تَحْكِيمًا لِلْقَرِينَةِ، وَالْوَاقِعُ فِي السُّؤَالِ كَمَا عَرَفْت أَنَّهُ صَدَرَ مِنْهَا، أَوْ مِنْ وَكِيلِهَا قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ وُجُودِ شَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ فِي الْبَيْتِ فَحَلِفُهُ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ إنَّمَا يُرَادُ بِهَا تَكْذِيبُ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ. وَتَكْذِيبُهُ يَحْصُل بِوُجُودِ بَعْضِ طَعَامٍ فِي الْبَيْتِ فَظَهَرَ أَنَّ الْقَرِينَةَ مُرْبِحَةٌ لِلْمَجَازِ هُنَا عَلَى الْحَقِيقَةِ فَعَمِلْنَا بِهَا بِعَيْنِ مَا قَالُوهُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي هِيَ نَظَائِرُ مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ بَلْ عَيْنُهَا كَمَا لَا يَخْفَى ثُمَّ رَأَيْت الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرَهُمَا صَرَّحُوا بِمَا قُلْته مِنْ الضَّابِطِ الصَّرِيحِ فِي مَسْأَلَتِنَا حَيْثُ قَالُوا لَوْ خَصَّصَ عَامًّا بِالنِّيَّةِ كَأَنْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ وَقَالَ أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَرِينَةٌ دُيِّنَ وَإِنْ كَانَتْ تُشْعِرُ بِإِرَادَةِ الِاسْتِثْنَاءِ بَلْ، أَوْ عَدَمِ الطَّلَاقِ بِالْكُلِّيَّةِ قُبِلَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فَمِثَالُ الْأَوَّلِ أَنْ تَقُولَ لَهُ الْمُسْتَثْنَاةُ وَهِيَ تُخَاصِمُهُ تَزَوَّجْت عَلَيَّ فَيَقُولُ لَهَا عَقِبَ ذَلِكَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ وَيَقُولُ أَرَدْت غَيْرَ الْمُخَاصَمَةِ فَيُقْبَلُ مِنْهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا قَالُوا لِقُوَّةِ إرَادَتِهِ بِدَلَالَةِ الْقَرِينَةِ وَمِثَالُ الثَّانِيَةِ مَا إذَا قَالَ أَرَدْت بِقَوْلِي طَالِقٌ طَلَاقَهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَثَاقِ قُبِلَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ قَالُوا وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِأَكْلِ خُبْزٍ أَوْ نَحْوِهِ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِنَوْعٍ خَاصٍّ فَلَا يُقْبَلُ ظَاهِرًا إلَّا بِقَرِينَةٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته فِي صُورَةِ السُّؤَالِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ شَهِدَ عَلَيْهِ الشُّهُودُ أَنَّهُ قَالَ مَتَى سَافَرْت إلَى سِوَاكُنَّ وَلِفُلَانٍ عِنْدِي فِلْسٌ وَاحِدٌ فَزَوْجَتِي طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ سَافَرَ لِسِوَاكُنَّ وَدَرَاهِمُ فُلَانٍ كُلُّهَا عِنْدَهُ فَلَمَّا حَضَرَ طَلَبَهُ أَبُو الزَّوْجَةِ هُوَ وَالشُّهُودُ فَحَضَرُوا عِنْدَ مُفْتٍ شَافِعِيٍّ لِيَسْتَفْتِيَهُ عَمَّا وَقَعَ لَهُ فَأَخْبَرَ الشُّهُودُ الْمُفْتِيَ بِأَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ الْيَمِينُ الْمَذْكُورَةُ فَاعْتَرَفَ بِالسَّفَرِ وَقَالَ لَهُ الْمُفْتِي وَقَعَ عَلَيْك الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فَحَلَفَ الْأَيْمَانَ الْأَكِيدَةَ الْغَلِيظَةَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ هَذَا التَّعْلِيقُ أَصْلًا وَأَنَّ هَؤُلَاءِ الشُّهُودَ كَاذِبُونَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْمُفْتِي لَا يُقْبَلُ مِنْك ذَلِكَ فَقَالَ عِنْدِي مَطْعَنٌ فِي الشُّهُودِ فَخَرَجَ لِيَأْتِيَ بِهِ ثُمَّ عَادَ وَقَالَ عَجَزْت عَنْ إبْدَاءِ الْمَطْعَنِ وَحَلَفَ الْأَيْمَانَ أَيْضًا أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ عَلَيْهِ وَاسْتَمَرَّ عَلَى تَكْذِيبِهِمْ فَقَالَ لَهُ الْمُفْتِي لَا يَنْفَعُك ذَلِكَ وَإِيَّاكَ أَنْ تَدْخُلَ عَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي حَلَفْت مِنْهَا فَإِنَّك إلَّا فَعَلْت ذَلِكَ رَفَعْنَا أَمَرَك إلَى الْقَاضِي فَاعْتَزَلَهَا ثُمَّ جَاءَ هُوَ وَأَبُوهَا إلَى الْمُفْتِي ثَانِيًا وَأَعْطَى أَبَاهَا دَرَاهِمَ وَتَوَافَقَا عَلَى أَنْ تَتَحَلَّلَ لَهُ بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ وَحَلَفَ أَيْضًا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَيْضًا أَنَّ الشُّهُودَ كَاذِبُونَ عَلَيْهِ وَاسْتَمَرَّ مُدَّةً كُلَّ مَا اجْتَمَعَ بِالْمُفْتِي يَحْلِفُ لَهُ كَذَلِكَ وَهُوَ يَقُولُ لَهُ لَا يَنْفَعُك ذَلِكَ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَّمَهُ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يَدَّعِيَ النِّسْيَانَ وَكَتَبَ لَهُ سُؤَالًا مُمَوَّهًا وَرَفَعَهُ لِمُفْتٍ شَافِعِيٍّ فَكَتَبَ لَهُ أَنَّهُ يَنْفَعُهُ النِّسْيَانُ ثُمَّ سُئِلَ ذَلِكَ الْحَالِفُ بَعْدَ إفْتَاءِ الْمُفْتِي لَهُ بِمَا ذَكَرَ هَلْ حَلَفْت وَنَسِيت فَحَلَفَ الْأَيْمَانَ الْمُغَلَّظَةَ أَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ ذَلِكَ التَّعْلِيقُ وَأَنَّ الشُّهُودَ يَكْذِبُونَ عَلَيْهِ فَهَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَتَصْمِيمِهِ عَلَى تَكْذِيبِ الشُّهُودِ دَعْوَى النِّسْيَانِ فَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ أَوْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ وَيَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ

ذَاكِرِينَ النَّقْلَ فِي الْمَسْأَلَةِ أَثَابَكُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْجَنَّةَ. (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: لَا تُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى النِّسْيَانِ فِيمَا ذَكَرَ فَيَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْمُتَأَخِّرِينَ الشِّهَابُ الْأَذْرَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي تَوَسُّطِهِ الَّذِي هُوَ أَجَلُّ كُتُبِ الْمُتَأَخِّرِينَ تَحْقِيقًا وَتَحْرِيرًا لِلْقَوْلِ فَقَدْ بَيَّنَ فِيهِ أَنَّ مَحَلَّ قَبُولِ دَعْوَى نَحْوِ النِّسْيَانِ حَيْثُ لَا يَكْذِبَ الشُّهُودُ وَإِلَّا قُضِيَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ وَرَدَّ بِذَلِكَ عَلَى الْإِسْنَوِيِّ جَرْيًا عَلَى عَادَتِهِ مَعَهُ فِي رَدِّ غَالِبِ اعْتِرَاضَاتِهِ عَلَى الشَّيْخَيْنِ إطْلَاقَهُ اعْتِرَاضًا عَلَيْهِمَا قَبُولَ دَعْوَى مَا ذُكِرَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ هُوَ الْحَقُّ وَلَا يَسَعُ الْإِسْنَوِيَّ وَلَا غَيْرَهُ مُخَالَفَتُهُ لِظُهُورِهِ وَاتِّضَاحِهِ. وَمِنْ ثَمَّ أَيَّدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُطْلِقِينَ بِقَوْلِ الْقَفَّالِ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ لَوْ قَالَ إلَّا لَمْ أَحُجَّ فِي هَذَا الْعَامِ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ كَانَ بِالْكُوفَةِ يَوْمَ الْأَضْحَى وَقَالَ هُوَ قَدْ حَجَجْت وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ قَالَ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا عَدَلَ عَنْ دَعْوَى النِّسْيَانِ إلَى دَعْوَى الْإِتْيَانِ بِالْفِعْلِ وَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِمَا يَقْتَضِي تَكْذِيبَهُ حَكَمَنَا عَلَيْهِ بِمُقْتَضَاهَا. اهـ. وَأَمَّا تَعْلِيمُ الْعَامِّيِّ دَعْوَى النِّسْيَانِ، أَوْ نَحْوِهِ الْمُشَارِ إلَيْهِ فِي السُّؤَالِ فَهُوَ غَالِبًا إنَّمَا يَنْشَأُ عَنْ التَّهَوُّرِ وَقِلَّةِ الدِّينَ قَصْدًا لِنَيْلِ شَيْءٍ مِنْ سُحْتِ الدُّنْيَا وَمَا دَرَى ذَلِكَ الْمُعَلِّمُ الْجَاهِلُ الْمَغْرُورُ أَنَّهُ ارْتَكَبَ مَفَاسِدَ إثْمُهَا عَظِيمٌ وَبَالُهَا وَخِيمٌ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ تِلْكَ الْمَفَاسِدِ إلَّا تَسْلِيطُهُ الْعَامَّةِ الْجَهَلَةِ، أَوْ الْفَسَقَةِ عَلَى اسْتِبَاحَةِ الْأَبْضَاعِ بِالْبَاطِلِ مَعَ أَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَزِيدِ الِاحْتِيَاطِ وَالْحُرْمَةِ وَلِخَطَرِ أَمْرِهَا وَصُعُوبَةِ عَاقِبَتِهَا امْتَنَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ إفْتَاءِ مُدَّعِي النِّسْيَانَ قَالُوا: وَاسْتِعْمَالُ التَّوَقِّي أَوْلَى مِنْ فَرَطَاتِ الْأَقْدَامِ وَمَنْ يَحْتَاطُ لِدِينِهِ لَا يُفْتِي فِي ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا لِكَثْرَةِ الْكَذِبِ فِي دَعْوَى النِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ مِنْ الْعَامَّةِ. اهـ. وَإِذَا كَانَ هَذَا ذَكَرُوهُ عَنْ أَهْلِ زَمَانِهِمْ الَّذِي مَضَى مِنْ نَحْوِ سِتِّمِائَةِ سَنَةٍ فَمَا بَالُك بِزَمَانِنَا الَّذِي صَارَ أَكْثَرُ أَهْلِهِ لَا خِلَافَ لَهُمْ وَلَا مَسْكَةَ وَلَقَدْ اسْتَفْتَانِي مَنْ لَا أُحْصِي فِي مَسَائِلِ الطَّلَاقِ وَيَنْهَوْنَ إلَيَّ فِيهِ شَيْئًا فَأَمْتَنِعُ مِنْ إفْتَائِهِمْ حَتَّى أَبْحَثَ عَنْ الْقَضِيَّةِ فَأَجِدُهَا عَلَى خِلَافِ مَا حَكَوْهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَأَجِدُ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا أَنَّ بَعْضَ فَسَقَةِ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ هُمْ الْحَامِلُونَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ مِنْ الْحَالِفِ نَارًا عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيُعَلِّمُونَهُ، أَوْ يَكْتُبُونَ لَهُ صُورَةً مُخَالِفَةً لِلْوَاقِعِ وَيُرْسِلُونَ بِهَا إلَيَّ لِلِاسْتِفْتَاءِ عَنْهَا فَيُلْهِمُنِي اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ التَّشَكُّكَ فِيهَا وَالْبَحْثَ الشَّدِيدَ عَنْهَا حَتَّى يَظْهَرَ أَنَّهَا عَلَى الْبَاطِلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمَسْئُولُ أَنْ يُعَامِلَ بِعَدْلِهِ وَعُقُوبَتِهِ أُولَئِكَ الْفَسَقَةَ الْمَارِقِينَ وَالْمَرَدَةَ الضَّالِّينَ هَذَا وَمِمَّا يَحْمِلُك عَلَى التَّحَرِّي فِي الْإِفْتَاءِ فِي مَسَائِلِ النِّسْيَانِ وَنَحْوِهِ أَنَّ عَدَمَ وُقُوعِ طَلَاقِ النَّاسِي لَوْ فُرِضَ صِدْقُهُ إنَّمَا هُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ جَمْعٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إلَّا أَنَّ لَهُ قَوْلًا آخَرَ بِوُقُوعِ طَلَاقِ النَّاسِي وَعَلَيْهِ كَثِيرُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَقَدْ كَانَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْمُلَقَّبُ بِسُلْطَانِ الْعُلَمَاءِ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَنَاهِيك بِهِمَا فَإِنَّهُ مَا مِنْ فُحُولِ الْمُتَأَخِّرِينَ يُفْتِيَانِ بِوُقُوعِ طَلَاقِ النَّاسِي وَهُوَ الْأَحْوَطُ وَكَيْفَ لَا وَأَكْثَرُ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ عَلَى وُقُوعِ طَلَاقِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَغَيْرِهِمَا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَنَفَعَنَا بِهِمْ وَحَشَرَنَا فِي زُمْرَتِهِمْ وَوَفَّقَنَا إلَى سُلُوكِ طَرِيقَتِهِمْ الْمُثْلَى الْمُطَهَّرَةِ عَنْ قَبَائِحِ الزَّلَلِ وَمَفَاسِدِ الشُّبَهِ وَالْخَبَلِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ مَرِضَ مَرَضَ الْمَوْتِ فَأَقَرَّ فِي حَالِ مَرَضِهِ عِنْدَ شَخْصٍ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَبَقِيَتْ الْمَرْأَةُ حَتَّى مَاتَ فَأَخْبَرَهَا الْمُقَرُّ عِنْدَهُ بِالْإِقْرَارِ وَصَدَّقَتْهُ فَهَلْ تَرِثُهُ وَلَا تَحْسِبُ الْعِدَّةَ إلَّا مِنْ الْمَوْتِ لِمُعَاشَرَتِهَا لَهُ فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ فَهَلْ يُحْكَمُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ مِنْ الْإِقْرَارِ أَوْ مِنْ قَبْلِ الْإِقْرَارِ بِزَمَنٍ يَسَعُ التَّلَفُّظَ بِالطَّلَاقِ أَوْ كَيْفَ يَكُونُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا مَضَى مِنْ قُبَيْلِ إقْرَارِهِ مَا تَنْقَضِي بِهِ عِدَّتُهَا قَبْلَ مَوْتِهِ لَمْ تَرِثْهُ إنْ قُلْنَا: إنَّ مُعَاشَرَةَ الرَّجْعِيَّةِ تَقْطَعُ الْعِدَّةَ لِغَيْرِ نَحْوُ الرَّجْعَةِ كَمَا عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَفِي شَرْحِي الصَّغِيرِ عَلَى الْإِرْشَادِ وَأَلْحَقَ الْبُلْقِينِيُّ بِعَدَمِ جَوَازِ الرَّجْعَةِ أَيْ بَعْدَ مُضِيِّ مَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ مَعَ الْمُعَاشَرَةِ عَدَمَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَقَضِيَّتُهُ امْتِنَاعُ التَّوَارُثِ بَيْنَهُمَا وَإِنْ

تَرَدَّدَ فِيهِ الزَّرْكَشِيُّ فِي تَكْمِلَتِهِ وَنَقَلَ فِي خَادِمِهِ عَنْ قَضِيَّةِ كَلَامِ الْمَطْلَبِ امْتِنَاعَ إرْثِهِ دُونَ إرْثِهَا ثُمَّ قَالَ: وَفِيهِ بُعْدٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ بَلْ قِيَاسُ مَا مَرَّ مَا قُلْنَاهُ وَقِيَاسُ مُقَابَلَةِ الَّذِي انْتَصَرَ لَهُ جَمَاعَةٌ وَنَقَلُوهُ عَنْ الْأَصْحَابِ تَوَارُثُهُمَا. اهـ. وَإِنْ لَمْ يُمْضِ ذَلِكَ، أَوْ جَهِلَ الْحَالَ وَرِثَتْهُ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَوَاضِحٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْعِصْمَةَ بِالنِّسْبَةِ لِلْإِرْثِ مُحَقَّقَةُ الْبَقَاءِ إذْ الطَّلَاقُ الرَّجْعِيُّ لَا يُنَافِيهَا وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهَا وَعَدَمُ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَالْكَلَامُ كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْحَامِلِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ أَخْبَرَتْهُ امْرَأَةٌ أَوْ امْرَأَتَانِ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُهَا أَوْ صِدْقُهُمَا بِأَنَّهُ طَلَّقَ زَوْجَاتِهِ لَكِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ ذَلِكَ وَلَمْ يُحْدِثْ لَهُ الْإِخْبَارُ شَيْئًا مِنْ التَّذَكُّرِ سَوَاءٌ تَوَهَّمَ أَوْ ظَنَّ ذَلِكَ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ إلَّا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّمَا تَلَفَّظَ بِلَفْظٍ يَظُنُّهُ الْمُخْبِرُ مُقْتَضِيًا لِلْوُقُوعِ وَهُوَ لَيْسَ عِنْدَ الْمُتَلَفِّظِ مِمَّا يَقْتَضِيهِ فَهَلْ مُجَرَّدُ الْإِخْبَارِ وَالْحَالُ مَا ذَكَرَ يُلْزِمُهُ بِفِرَاقِ نِسَائِهِ أَمْ لَا وَهَلْ إذَا شَكَّ إنْسَانٌ فِي زَوْجَةٍ تَزَوَّجَهَا هَلْ كَانَتْ دَخَلَتْ فِي عَقْدِهِ وَقْتَ مَا نُسِبَ إلَيْهِ مِنْ تَطْلِيقٍ أَمْ لَا تَطْلُقُ الْمَشْكُوكُ فِي دُخُولِهَا وَشُمُولِ التَّطْلِيقِ لَهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَلْزَمُهُ فِرَاقٌ بِمُجَرَّدِ الْإِخْبَارِ الْمَذْكُورِ إلَّا إذَا وَقَعَ فِي قَلْبِهِ صِدْقُ الْمُخْبِرِ وَلَمْ يَجُزْ اسْتِنَادُ إخْبَارِهِ لِمَا لَا يَقْتَضِي الْوُقُوعَ فَقَدْ قَالَ الرَّافِعِيُّ قَوْلُهُمْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالشَّكِّ مُسَلَّمٌ لَكِنَّهُ يَقَعُ بِالظَّنِّ الْغَالِبِ. اهـ. وَيُوَافِقُهُ قَوْلُهُمْ لَوْ عَصَرَ عِنَبًا ثُمَّ قَالَ إنْ لَمْ يَكُنْ تَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ وَجَدَهُ خَلًّا وَقَعَ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَتَخَلَّلُ إلَّا بَعْدَ التَّخَمُّرِ وَبِهَذَا يَتَّجِهُ مَا ذَكَرْته مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ وَقَوْلِي وَلَمْ يُجَوَّزْ. . . إلَخْ جَمَعْت بِهِ بَيْنَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ نَقْلًا عَنْ الرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّاهُ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا فَأَخْبَرَهُ عَدْلَانِ وَأُلْحِقَ بِهِمَا عَدْلٌ وَاحِدٌ أَنَّهُ فَعَلَهُ وَظَنَّ صِدْقَهُمَا لَزِمَهُ الْأَخْذُ بِالطَّلَاقِ وَبَيْنَ قَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ، هَذَا إنَّمَا يَأْتِي إذَا أَوْقَعْنَا طَلَاقَ النَّاسِي بِأَنْ يُحْمَلَ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّهُ مَعَ ظَنِّ الصِّدْقِ لَمْ يُجَوَّزْ أَنَّهُ فَعَلَهُ نَاسِيًا وَحِينَئِذٍ أُلْحِقَ مَا نَقَلَاهُ وَالثَّانِي عَلَى أَنَّهُ جَوَّزَهُ وَحِينَئِذٍ أُلْحِقَ مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ: وَعَلَى الْأَوَّلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَخْذُ بِقَوْلِ فَسَقَةٍ وَصِبْيَانٍ ظَنَّ صِدْقَهُمْ. وَبِهَذَا كُلِّهِ اتَّضَحَ مَا ذَكَرْته أَوَّلًا وَلَا طَلَاقَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ وَتَزَوَّجَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ كَانَ تَزَوُّجُهُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ لَمْ يُؤَثِّرْ هَذَا وَالْوَرَعُ فِي كُلِّ ذَلِكَ لَا يَخْفَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى إنْعَامِهِ وَأَشْكُرُهُ عَلَى إلْهَامِهِ وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ فِي بَدْءِ الْأَمْرِ وَخِتَامِهِ صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ بِدَوَامِ أَفْضَالِهِ فِي دَارِ نَعِيمِهِ وَإِكْرَامِهِ. (وَبَعْدُ) فَهَذَا كِتَابٌ لَقَّبْته بِالِانْتِبَاهِ لِتَحْقِيقِ عَوِيصِ مَسَائِلِ الْإِكْرَاهِ حَمَلَنِي عَلَيْهِ أَنِّي أَفْتَيْت فِي مَسْأَلَةٍ بِمَا هُوَ الْحَقُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَتُوُهِّمَ خِلَافُ الْمُرَادِ حَتَّى وَقَعَ بَعْضُ الِانْتِقَادِ ثُمَّ بَعْدَ إمْعَانِ النَّظَرِ فِي أَطْرَافِ تِلْكَ الْمَسَائِلِ وَتَخْرِيجِهَا عَلَى الْقَوَاعِدِ وَالدَّلَائِلِ ظَهَرَ أَنَّ فِيهَا مُشْكِلَاتٍ لَمْ يُنَبِّهُوا عَلَيْهَا وَمُعْضِلَاتٍ لَمْ يُوَجِّهُوا نَظَرَهُمْ إلَيْهَا فَقَصَدْت إلَى بَيَانِ مَا فِيهَا مِنْ نَقْدٍ وَرَدٍّ وَإِشْكَالٍ وَجَوَابٍ لِيَنْجَلِيَ بِذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَجْهُ الصَّوَابِ بِأَخْصَرِ عِبَارَةٍ وَأَوْجَزِ إشَارَةٍ فِي وَرَقَاتٍ يَسِيرَةٍ وَإِنْ كَانَتْ مُبَاحَتُهَا فِي نَفْسِهَا عَسِيرَةً وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَأَسْأَلُ اللَّهَ فِي الْإِعَانَةِ عَلَى تَحْرِيرِ ذَلِكَ وَيُسَهِّلُ الْوَعْرَ مِنْ تِلْكَ الْمَسَالِكِ فَإِنَّهُ الْجَوَّادُ الْكَرِيمُ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ، وَمَا تَوْفِيقِي إلَّا بِاَللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. وَرَتَّبْته عَلَى مُقَدِّمَةٍ وَمَبَاحِثَ وَتَتِمَّةٍ (الْمُقَدَّمَةُ) فِي بَيَانِ أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الطَّلَاقِ وَالْيَمِينِ وَعَلَى تَنْجِيزِ الطَّلَاقِ وَعَلَى فِعْلِ، أَوْ تَرْكِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فِيهِمَا يَنْقَسِمُ إلَى إكْرَاهٍ بِحَقٍّ وَإِلَى إكْرَاهٍ بِبَاطِلٍ فَالْإِكْرَاهُ بِبَاطِلٍ إذَا صَحِبَهُ عَدَمُ قَصْدٍ مِنْ الْمُكْرَهِ وَاخْتِيَارٌ بِأَنْ أَتَى بِعَيْنِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَدْنَى تَغْيِيرٍ وَلَا تَبْدِيلٍ فِيهِ لِدَاعِيَةِ الْإِكْرَاهِ فَقَطْ. أَخْبَرَ الشَّارِعُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَبِّهِ عَزَّ إفْضَالُهُ وَجَلَّ نَوَالُهُ بِأَنَّهُ رَفَعَ حُكْمَهُ عَنْ أُمَّتِهِ رُخْصَةً لَهُمْ وَخُصُوصِيَّةً مِنْ خَصَائِصِهِمْ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» فَجَعَلَ فِعْلَ الْمُكْرَهِ الَّذِي

وُجِدَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْإِكْرَاهِ الْمُقَرَّرَةِ فِي كُتُبِ الْفُقَهَاءِ كَلَا فِعْلٍ فَكُلُّ مَا كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ مُتَرَتِّبًا عَلَى فِعْلِ الْمُكَلَّفِ يَكُونُ بِسَبَبِ الْإِكْرَاهِ لَغْوًا بِمَنْزِلَةِ الْمَعْدُومِ بِخِلَافِ الْحُكْمِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى أَمْرٍ غَيْرِ فِعْلِ الْمُكَلَّفِ وَإِنْ كَانَ نَاشِئًا عَنْ فِعْلِهِ فَلَا يَرْتَفِعُ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِسَبَبِ الْإِكْرَاهِ بَلْ لَا إكْرَاهَ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ مَوْضِعَهُ الْفِعْلُ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَمَوْضِعُ الْحُكْمِ الِانْفِعَالُ وَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ إكْرَاهٌ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الشَّارِعَ قَدْ يُرَتِّبُ الْحُكْمَ عَلَى الْفِعْلِ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يَشْمَلُ التَّرْكَ وَالْقَوْلَ وَقَدْ يُرَتِّبُهُ عَلَى الِانْفِعَالِ وَهُوَ فِي الْأَوَّلِ مِنْ خِطَابِ التَّكْلِيفِ الَّذِي رَفَعَهُ شَفَقَةً عَلَيْنَا عِنْدَ الْإِكْرَاهِ. نَعَمْ إنْ عَظُمَتْ الْمَفْسَدَةُ بِحَيْثُ زَادَتْ عَلَى مَفْسَدَةِ الْإِكْرَاهِ لَمْ يُرَتِّبْ شَيْئًا، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُبَحْ الْقَتْلُ وَلَا الزِّنَا وَهَذَا سَبَبُ اسْتِثْنَائِهِمْ لِهَذَيْنِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ وَهُوَ فِي الثَّانِي مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ وَالْأَسْبَابِ وَالْعَلَامَاتِ فَكَيْفَ يَرْتَفِعُ مَعَ أَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ الرَّبْطُ بِنَحْوِ السَّبَبِ، أَوْ الشَّرْطِ، أَوْ الْمَانِعِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى فِعْلٍ وَلَا إلَى فَاعِلٍ كَمَا يَأْتِي. وَمِنْ ثَمَّ حَرُمَ الْإِرْضَاعُ مَعَ الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ فِيهِ مَنُوطٌ بِوُصُولِ اللَّبَنِ إلَى الْجَوْفِ وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْحَدَثِ كَانَ مُحْدِثًا، أَوْ التَّحَوُّلِ عَنْ الْقِبْلَةِ، أَوْ الْفِعْلِ الْكَثِيرِ فِي الصَّلَاةِ، أَوْ تَرْكِ الْقِيَامِ فِي الْفَرْضِ بَطَلَ، أَوْ عَلَى نَحْوِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَالرَّمْيِ وَالسَّعْيِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا الصَّرْفُ صَحَّ، أَوْ عَلَى نَحْوِ غَشَيَانِ أَمَتِهِ فَحَبِلَتْ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ وَلَحِقَهُ، أَوْ عَلَى وَطْءِ زَوْجَتِهِ صَارَ مُحْصَنًا وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْمَهْرُ وَأَحَلَّهَا لِلْمُطَلِّقِ ثَلَاثًا، أَوْ عَلَى الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ وَلُحُوقُ النَّسَبِ وَانْفِسَاخُ نِكَاحِ نَحْوِ أَبِي الْوَاطِئِ كَمَجْنُونٍ وَطِئَ زَوْجَةَ أَبِيهِ، أَوْ أُكْرِهَ مَجُوسِيٌّ عَلَى ذَبْحٍ، أَوْ مُحْرِمٌ حَلَالًا عَلَى ذَبْحِ صَيْدٍ حَلَّ. وَإِنْ جَعَلْنَا الْمُكْرَهَ آلَةً لِلْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى الشُّرُوطِ وَنَحْوِهَا وَالْخِطَابُ فِيهَا مِنْ بَابِ خِطَابِ الْوَضْعِ الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ كَمَا تَقَرَّرَ؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ أَنَاطَ الْحُكْمَ بِوُجُودِ ذَلِكَ السَّبَبِ، أَوْ الشَّرْطِ مَثَلًا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى فِعْلٍ وَلَا إلَى فَاعِلٍ وَبِمَا قَرَّرْته فِي هَذَا الْمَحَلِّ يَتَّضِحُ لَك مُتَفَرِّقَاتُ كَلَامِهِمْ الْمُتَعَارِضَةُ بِبَادِئِ الرَّأْيِ فَإِنَّهُمْ أَلْغَوْا الْإِكْرَاهَ تَارَةً وَاعْتَدُّوا بِهِ تَارَةً أُخْرَى أَلَا تَرَى أَنَّ أَكْثَرَ مَسَائِلِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَثَّرَ فِيهَا الْإِكْرَاهُ وَإِلَى أَنَّ بَعْضَهَا لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ كَالْقَتْلِ وَالزِّنَا لِمَا مَرَّ فِيهِ، وَالْقِسْمُ الثَّانِي بِالْعَكْسِ فَأَكْثَرُ مَسَائِلِهِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ وَبَعْضُهَا قَدْ يُؤَثِّرُ فِيهِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَعْلُومٌ مَأْخَذُهُ وَمَلْحَظُهُ مِمَّا تَقَرَّرَ فَاسْتَفِدْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ يَزُولَ بِهِ شُبَهٌ كَثِيرَةٌ لَا يُهْتَدَى إلَى حَلِّهَا إلَّا بَعْدَ إمْعَانِ النَّظَرِ كَمَا تَقَرَّرَ. وَبِهَذَا الَّذِي قَرَّرْته فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ التَّاجِ السُّبْكِيّ يَتَّضِحُ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ: لَا تَأْثِيرَ لِلْإِكْرَاهِ فِي الْمُبَاحِ وَالْمَكْرُوهِ وَالْمَنْدُوبِ وَتَرْكِ الْحَرَامِ وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ إنْ كَانَ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ، أَوْ فِعْلِ حَرَامٍ. اهـ. وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُبَاحَ وَمَا بَعْدَهُ لَا إثْمَ فِي فِعْلِهَا وَلَا تَرْكِهَا فَلَا تَأْثِيرَ لِلْإِكْرَاهِ فِيهَا بِخِلَافِ الْأَخِيرَيْنِ فَإِنَّ فِيهِمَا إثْمًا فَإِذَا كَانَا لِدَاعِيَةِ الْإِكْرَاهِ انْتَفَى عَنْهُمَا الْإِثْمُ رُخْصَةً مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَمَا مَرَّ. وَنَخْتِمُ الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الْقِسْمِ بِفَرْعَيْنِ مُشْكِلَيْنِ: أَحَدُهُمَا لَوْ أَكْرَهَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْآخَرَ عَلَى وَطْءِ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ فَوَطِئَهَا وَأَحْبَلَهَا فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْمَهْرُ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ لِشَرِيكِهِ الْمُكْرِهِ لَهُ أَوْ لَا لَا لِأَنَّهُ الْحَامِلُ لَهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِيهِ نَظَرٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ. وَأَقُولُ الَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ لَهُ شَيْءٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُكْرَهَ آلَةُ الْمُكْرِهِ وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي مَوَاضِعَ؛ لِأَنَّهُ نَتِيجَةُ فِعْلٍ فَكَيْفَ يَكُونُ فِعْلُهُ الْمُتَعَدِّي بِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ سَبَبًا لِأَخْذِهِ مَالَ الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ وَلَا رِضَاءَ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ التَّرَدُّدِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْمُكْرَهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ أَعْجَمِيًّا يَرَى وُجُوبَ طَاعَةِ آمِرِهِ وَإِلَّا فَهُوَ آلَةٌ لَهُ لَا مَحَالَةَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي مَوَاضِعَ ثَانِيهِمَا: قَطَعَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْ الْمُكْرَهِ بِبَاطِلٍ عَقْدٌ وَلَا حَلٌّ كَبَيْعٍ وَطَلَاقٍ وَغَيْرِهِ وَمَعَ ذَلِكَ يَقَعُ فِي كَلَامِهِمْ كَثِيرًا فِي الْأَيْمَانِ وَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِمَا فِيهِ قَوْلَا الْمُكْرَهِ وَهَذَا غَيْرُ مَا جَزَمُوا بِهِ. وَجَوَابُ ذَلِكَ أَنَّ الْجَزْمَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا يُوقِعُهُ الْمُكْرَهُ مُنَجَّزًا حَالَةَ الْإِكْرَاهِ، وَأَمَّا الْقَوْلَانِ فَمَحَلُّهُمَا فِي الْإِكْرَاهِ عَلَى فِعْلٍ سَبَقَهُ تَعْلِيقٌ بِالطَّلَاقِ مَثَلًا فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ نَحْوُ إلَّا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ تُكْرَهُ عَلَى دُخُولِهَا فَمَنْ نَظَرَ إلَى اخْتِيَارِهِ أَوَّلًا أَوْقَعَ عَلَيْهِ وَمَنْ نَظَرَ إلَى إكْرَاهِهِ

عَلَى الدُّخُولِ لَمْ يُحَنِّثْهُ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ إنَّمَا يَسْتَنِدُ بِالْحَقِيقَةِ الْقَرِيبَةِ إلَى وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَوُجُودُهُ مِنْ الْمُكْرَهِ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ فَلَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ. وَأَمَّا الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ فَإِنَّهُ كَالِاخْتِيَارِ إذْ كَانَ مِنْ حَقِّ هَذَا الْمُكْرَهِ أَنْ يَفْعَلَ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ أُكْرِهَ، وَلَمْ يَسْقُطْ أَثَرُ فِعْلِهِ وَكَانَ آثِمًا عَلَى كَوْنِهِ أَحْوَجَ إلَى أَنْ يُكْرَهَ وَهَذَا كَالْمُرْتَدِّ وَالْحَرْبِيِّ يُكْرَهَانِ عَلَى الْإِسْلَامِ فَيَصِحُّ وَإِنْ أَكْرَهَهُمَا كَافِرٌ مِنْهُمَا ظَاهِرًا وَكَذَا بَاطِنًا إنْ أَذْعَنَ لَهُ قَبْلَهُمَا وَمِنْ ذَلِكَ إكْرَاهُ الْإِمَامِ مُكَلَّفًا عَلَى الْقِيَامِ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ وَمَنْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدٍ أَوْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ إعْتَاقِهِ وَامْتَنَعَ مِنْهُ أُجْبِرَ عَلَى إعْتَاقِهِ فَيَصِحُّ وَيَقَعُ الْمَوْقِعَ وَإِذَا امْتَنَعَ الْمَوْلَى مِنْ الطَّلَاقِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَقَامَ بِهِ مَانِعٌ مِنْ الْوَطْءِ كَإِحْرَامٍ وَلَمْ يَفِئْ بِلِسَانِهِ بِأَنْ يَقُولَ إذَا زَالَ عُذْرِي وَطِئْتُ فَأَكْرَهَهُ الْقَاضِي عَلَى طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَعَ؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ بِحَقٍّ فَإِنْ أَكْرَهَهُ عَلَى الثَّلَاثِ وَقُلْنَا الْقَاضِي لَا يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ وَقَعَتْ وَاحِدَةً فَقَطْ وَلَغَا الزَّائِدُ، وَإِنْ قُلْنَا يَنْعَزِلُ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَهُوَ كَمَنْ أَكْرَهَهُ ظَالِمٌ؛ لِأَنَّ إكْرَاهَهُ إنَّمَا لَمْ يَمْنَعْ الْحُكْمَ مَا دَامَ بِالْحَقِّ فَإِذَا انْعَزَلَ لَمْ يَبْقَ لَهُ وِلَايَةٌ فَسَاوَى سَائِرَ الْآحَادِ حِينَئِذٍ وَلَا يَرُدُّ عَلَى هَذَا الْقِسْمِ نُفُوذُ الطَّلَاقِ مَعَ عَدَمِ الْإِكْرَاهِ بِحَقٍّ فِيمَا لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: طَلِّقْ زَوْجَتِي، أَوْ أَعْتِقْ عَبْدِي، أَوْ بِعْ مَتَاعِي وَإِلَّا قَتَلْتُك مَثَلًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِكْرَاهَ تَضَمَّنَ إذْنًا فَمِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ جَاءَ النُّفُوذُ وَإِنْ كَانَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ إكْرَاهًا يَقْتَضِي إلْغَاءَ التَّصَرُّفِ وَلُحُوقَ الْإِثْمِ لِلْمُكْرِهِ بِالْكَسْرِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ فِيهِ حَيْثِيَّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ رُتِّبَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا حُكْمُهُمَا لِانْفِكَاكِ الْحُكْمَيْنِ وَعَدَمِ التَّلَازُمِ بَيْنَهُمَا وَبِهَذَا الَّذِي قَرَّرْته يُرَدُّ عَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ مَثَلًا هُنَا لِسُقُوطِ حُكْمِ اللَّفْظِ بِالْإِكْرَاهِ (تَنْبِيهٌ) تَعْبِيرِي بِالْإِكْرَاهِ بِحَقٍّ هُوَ مَا عَبَّرُوا بِهِ وَأَقَرُّوهُ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْإِكْرَاهَ عَلَى حَقٍّ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى حَقٍّ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ وَالْمُعْتَبَرُ إنَّمَا هُوَ الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ لَا عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ إكْرَاهَ الذِّمِّيِّ عَلَى الْإِسْلَامِ إكْرَاهٌ عَلَى حَقٍّ لَا بِهِ لِحُرْمَةِ إكْرَاهِهِ عَلَيْهِ لِقَبُولِنَا عَقْدَ الْجِزْيَةِ مِنْهُ الْمُسْتَلْزِمَ لِعَدَمِ التَّعَرُّضِ لَهُ فَلَوْ أَسْلَمَ لِدَاعِيَةِ الْإِكْرَاهِ لَمْ يَصِحَّ إسْلَامُهُ؛ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ بِبَاطِلٍ لَا يُقَالُ قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا لَوْ قَالَ وَلِيُّ الدَّمِ لِلْقَاتِلِ طَلِّقْ امْرَأَتَك وَإِلَّا اقْتَصَصْتُ مِنْك لَمْ يَكُنْ إكْرَاهًا يَدْخُلُ فِي الْإِكْرَاهِ بِحَقٍّ مَعَ نَفْيِهِمْ عَنْهُ حَقِيقَةَ الْإِكْرَاهِ مِنْ أَصْلِهَا وَيَرُدُّ عَلَى مَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ بِحَقٍّ يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ عَلَى حَقٍّ وَلَا عَكْسَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْقِصَاصَ الْمُكْرَهَ بِهِ حَقُّ الْمُكْرَهِ وَالطَّلَاقُ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ لَيْسَ حَقًّا لَهُ فَالْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِكْرَاهَ عَلَى حَقٍّ خِلَافُ مَا ادَّعَيْتُمْ؛ لِأَنَّا نَقُولُ مَعْنَى قَوْلِنَا: الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ إنَّ الْإِكْرَاهَ نَفْسَهُ حَقٌّ وَلَا يَكُونُ حَقًّا إلَّا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ لَازِمَيْهِ الْمُكْرَهِ بِهِ وَعَلَيْهِ حَقًّا فَخَرَجَتْ تِلْكَ الصُّورَةُ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ فِيهَا لَيْسَ حَقًّا وَإِنْ كَانَ الْمُتَوَعَّدُ بِهِ حَلَالًا إذْ لَيْسَ لِوَلِيِّ الدَّمِ أَنْ يُكْرِهَ بِهِ عَلَى الطَّلَاقِ الَّذِي لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ بِوَجْهٍ. (الْمَبَاحِثُ) فِي ذِكْرِ الصُّوَرِ الَّتِي مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهَا فِي الْخُطْبَةِ وَجْهُ الْإِشْكَالِ فِيهَا أَنَّهُمْ ذَكَرُوا فِي بَعْضِهَا طِبْقَ مَا مَرَّ فِي بَحْثِ الْإِكْرَاهِ بِحَقٍّ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَفِي بَعْضِهَا خِلَافُ ذَلِكَ مِنْ عَدَمِ وُقُوعِهِ مَعَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ فِيهِ بِحَقٍّ فَلَمْ يَجْرُوا عَلَى سَنَنٍ وَاحِدٍ مُطَابِقٍ لِمَا اسْتَثْنَوْهُ وَمِنْ الْوُقُوعِ مَعَ الْإِكْرَاهِ بِحَقٍّ وَعَدَمِهِ مَعَ الْإِكْرَاهِ بِبَاطِلٍ، فَمِنْ تِلْكَ الصُّوَرِ قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ فِي الْأَيْمَانِ فِيمَا إذَا قَالَ لَا أُفَارِقُكِ حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي مِنْكِ أَنَّهُ لَوْ أَفْلَسَ الْغَرِيمُ فَمَنَعَهُ الْحَاكِمُ مِنْ مُلَازَمَتِهِ فَفَارَقَهُ فَفِيهِ قَوْلَانِ حِنْثِ الْمُكْرَهِ وَإِنْ فَارَقَهُ بِاخْتِيَارِهِ حَنِثَ وَإِنْ كَانَ تَرْكُهُ وَاجِبًا لِإِعْسَارِهِ كَمَا لَوْ قَالَ لَا أُصَلِّي الْفَرْضَ فَصَلَّى حَنِثَ. اهـ. وَبِهِ جَزَمَ غَيْرُهُمَا وَالْقِيَاسُ الْحِنْثُ؛ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ بِحَقٍّ وَقَوْلُهُمَا كَمَا لَوْ قَالَ. . . إلَخْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا قَالَاهُ أَثْنَاءَ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ فِيمَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا لَمْ أَطَأْك اللَّيْلَةَ فَوَجَدَهَا حَائِضًا أَوْ مُحْرِمَةً مِنْ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ خِلَافًا لِلْمُزَنِيِّ فَإِنَّهُ لَمَّا حَكَى عَدَمَ الْحِنْثِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - اعْتَرَضَهُ وَقَالَ بَلْ يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْيَمِينِ وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَيَعْصِيَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَلَمْ يَعْصِهِ حَنِثَ

أَيْ: وَإِنْ كَانَ تَرْكُهُ الْمَعْصِيَةَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فَمَا قَالَهُ الْمُزَنِيّ هُوَ نَظِيرُ مَا قَالَاهُ فِي لَا أُصَلِّي الْفَرْضَ فَلِمَ اُعْتُمِدَ الْحِنْثُ هُنَاكَ وَلَمْ يُعْتَمَدْ هُنَا مُوَافَقَةً لِلْمُزَنِيِّ مَعَ اتِّحَادِ الْمَدْرَكِ وَقَدْ قَالَ غَيْرُهُمَا: الْمَذْهَبُ مَا قَالَهُ الْمُزَنِيّ وَاخْتَارَهُ الْقَفَّالُ وَقِيلَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَفَوَاتِ الْبِرِّ بِالْإِكْرَاهِ. هَذَا حَاصِلُ مَا فِي هَذَا الْمَبْحَثِ مِنْ هَذَيْنِ الْإِشْكَالَيْنِ الْقَوِيَّيْنِ وَيُجَابُ عَنْ أَوَّلِهِمَا بِأَنَّ مَحَلَّ قَوْلِهِمْ إنَّ الْإِكْرَاهَ بِحَقٍّ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّصَرُّفِ مَا إذَا كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ تَصَرُّفًا مُنَجَّزًا كَمَا مَرَّ فِي إكْرَاهِ الْقَاضِي لِلْمُولِي عَلَى الطَّلَاقِ، وَلِنَاذِرِ الْعِتْقِ وَشَارِطِهِ عَلَى إيقَاعِهِ، وَلِأَحَدِ الرَّعِيَّةِ عَلَى الْقِيَامِ بِفَرْضِ الْكِفَايَةِ كَمَا فِي إكْرَاهِ الْمُرْتَدِّ وَالْحَرْبِيِّ عَلَى الْإِسْلَامِ. فَفِي هَذَا كُلِّهِ يَقَعُ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ وَيَصِحُّ لِمَا مَرَّ مِنْ تَقْصِيرِ الْمُكْرَهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ بِتَرْكِ ذَلِكَ الْقَوْلِ، أَوْ الْفِعْلِ اللَّازِمِ لَهُ فِي الْحَالِ الْآثِمِ بِتَرْكِهِ حَتَّى أَحْوَجَ غَيْرَهُ إلَى حَمْلِهِ عَلَيْهِ. أَمَّا إذَا كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ لَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ فِعْلُ شَيْءٍ عَلَّقَ عَلَيْهِ طَلَاقًا مَثَلًا بِاخْتِيَارِهِ فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ فِي إلْغَاءِ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ لِدَاعِي الْإِكْرَاهِ بَيْنَ الْإِكْرَاهِ بِحَقٍّ وَالْإِكْرَاهِ بِبَاطِلٍ؛ لِأَنَّ الْمَلْحَظَ فِي الْحِنْثِ وُجُودُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي الْإِكْرَاهِ بِقِسْمَيْهِ. وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ بَعْضِ شُرَّاحِ التَّنْبِيهِ فِي مَسْأَلَةِ غَرِيمِ الْمُفْلِسِ السَّابِقِ فَإِنْ فَارَقَهُ بَعْدَ حَجْرِ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ فَعَلَى قَوْلِ الْمُكْرَهِ أَيْ: فَلَا يَحْنَثُ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ شَرْعًا. اهـ. فَتَأَمَّلْ تَعْلِيلَهُ عَدَمَ حِنْثِهِ بِمَنْعِ الْحَاكِمِ لَهُ مِنْ مُلَازَمَةِ غَرِيمِهِ الْمُعْسِرِ بِأَنَّهُ مُكْرَهٌ شَرْعًا تَجِدْهُ صَرِيحًا أَيْ: صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ وُجُودَ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ بِالْإِكْرَاهِ الشَّرْعِيِّ كَهُوَ بِالْإِكْرَاهِ الْحِسِّيِّ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ وَمِنْ ثَمَّ عَلَّلَ بَعْضُهُمْ عَدَمَ الْحِنْثِ فِي هَذِهِ أَيْضًا بِأَنَّ الْإِكْرَاهَ الشَّرْعِيَّ كَالْإِكْرَاهِ الْحِسِّيِّ، فَإِنْ قُلْتَ هَلْ لِمَا ذَكَرْته مِنْ الْفَرْقِ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ الْمُنَجَّزِ وَالْمُعَلَّقِ وَجْهٌ جَلِيٌّ يَتَّضِحُ بِهِ ذَلِكَ؟ قُلْت: نَعَمْ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ فِي الْمُنَجَّزِ لَمْ يَنْظُرُوا إلَّا إلَى تَقْصِيرِ الْمُكْرَهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ بِمَا أَوْجَبَ أَنَّ إكْرَاهَهُ بِحَقٍّ وَإِلَى عَدَمِ تَقْصِيرِهِ بِمَا أَوْجَبَ أَنَّ إكْرَاهَهُ بِبَاطِلٍ، فَقَالُوا فِي الْأَوَّلِ يَنْفُذُ قَطْعًا وَفِي الثَّانِي لَا يَنْفُذُ قَطْعًا. وَأَمَّا فِي الْمُعَلَّقِ فَلَمْ يَنْظُرُوا كُلُّهُمْ لِذَلِكَ وَإِنَّمَا نَظَرَ بَعْضُهُمْ إلَى ابْتِدَاءِ تَعْلِيقِهِ السَّابِقِ بِاخْتِيَارِهِ فَأَوْقَعَهُ بِفِعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْإِكْرَاهُ عَلَيْهِ بِحَقٍّ أَمْ بِبَاطِلٍ وَبَعْضُهُمْ إلَى فِعْلِهِ حَالَ الْإِكْرَاهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِاخْتِيَارِهِ فَلَمْ يُوقِعْ سَوَاءٌ أَكَانَ الْإِكْرَاهُ عَلَيْهِ بِحَقٍّ أَمْ بِبَاطِلٍ نَظَرًا إلَى عَدَمِ اخْتِيَارِهِ لَهُ فَتَأَمَّلْ اخْتِلَافَ نَظَرِهِمْ وَمَلْحَظِهِمْ فِي الْمُنَجَّزِ وَالْمُعَلَّقِ يَتَّضِحُ لَك مَا ذَكَرْته وَمِمَّا يُوَضِّحُهُ أَيْضًا أَنَّ الْمُعَلِّقَ لَمْ يَجْعَلْ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ مُوجِبًا لِحِنْثِهِ إلَّا إذَا قَارَنَهُ الِاخْتِيَارُ وَالرِّضَا بِهِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ أَلْفَاظُ التَّعَالِيقِ كَلَا أُفَارِقُ، أَوْ إنْ دَخَلْت وَنَحْوِهِمَا، وَإِكْرَاهُ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِحَقٍّ يُنَافِي اخْتِيَارَ الْمُعَلِّقِ فَلَمْ يَحْنَثْ بِهِ. وَأَمَّا التَّصَرُّفُ الْمُنَجَّزُ فَلَمْ يَسْبِقْ مِنْ الْمُكْرَهِ عَلَيْهِ مَا يَقْتَضِي تَقْيِيدُهُ بِاخْتِيَارٍ وَلَا بِعَدَمِهِ فَفَصَلَ فِيهِ بَيْنَ الْإِكْرَاهِ بِحَقٍّ وَعَدَمِهِ نَظَرًا إلَى تَقْصِيرِ الْمُكْرَهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَعَدَمِ تَقْصِيرِهِ فَإِنْ قُلْتَ هَلْ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْته مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا فُرُوعٌ أُخْرَى غَيْرُ مَسْأَلَةِ الْمُفْلِسِ السَّابِقَةِ قُلْت: نَعَمْ وَهَا أَنَا أُمْلِي عَلَيْك مِنْهَا لِتَطْمَئِنَّ نَفْسُك إلَى مَا ذَكَرْتُهُ مِنْهَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْخَادِمِ فِيمَنْ ابْتَلَعَ خَيْطًا وَبَقِيَ طَرَفُهُ خَارِجًا ثُمَّ أَصْبَحَ صَائِمًا فَإِنْ نَزَعَهُ أَفْطَرَ وَإِنْ تَرَكَهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ قَالَ وَطَرِيقُهُ أَنْ يُجْبِرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى نَزْعِهِ وَلَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُكْرَهِ. اهـ. فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُمْ وَلَا يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُكْرَهِ أَيْ: بِبَاطِلٍ تَعْلَمْ أَنَّهُ أَلْحَقَ هُنَا الْإِكْرَاهَ بِحَقٍّ كَالْإِكْرَاهِ بِبَاطِلٍ حَتَّى أَعْطَاهُ حُكْمَهُ فِي عَدَمِ الْفِطْرِ بِهِ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى أَنَّ الِابْتِلَاعَ مِنْ فِعْلِهِ الْمُتَسَبِّبِ عَنْهُ إجْبَارُ الْحَاكِمِ لَهُ عَلَى نَزْعِهِ وَإِنَّمَا نَظَرَ إلَى أَنَّهُ لَمَّا أَجْبَرَهُ عَلَى نَزْعِهِ صَارَ غَيْرَ مُخْتَارٍ لَهُ فَسَاوَى الْمُكْرَهَ بِبَاطِلٍ فِي عَدَمِ الِاخْتِيَارِ فَلَمْ يُفْطِرْ حِينَئِذٍ وَمِنْهَا مَا فِي حَوَاشِي الرَّوْضَةِ لِلْجَلَالِ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ الطَّلَاقَ عَلَى عَدَمِ فِعْلِ شَيْءٍ كَانَ فِعْلُهُ مُمْكِنًا فَمُنِعَ مِنْهُ كَأَنْ قَالَ إلَّا لَمْ أَدْخُلْ هَذِهِ الدَّارَ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمُنِعَ مِنْ الدُّخُولِ بِالْإِكْرَاهِ إنْ كَانَتْ مِلْكَهُ أَوْ بِالشَّرْعِ إنْ كَانَتْ مِلْكَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ لِفَوَاتِ الْبِرِّ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ. قَالَ وَقَدْ سُئِلْتُ عَمَّنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنْ يَزْرَعَ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَدَّانًا

فَمُنِعَ بِالشَّرْعِ لِكَوْنِهَا مِلْكَ الْغَيْرِ مِنْ زَرْعِهِ فَظَهَرَ لِي عَدَمُ الْوُقُوعِ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا أَيْ: وَهِيَ فَوَاتُ الْبِرِّ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ قَالَ وَنَظِيرُهَا وَاَللَّهِ لَآكُلَنَّ الرَّغِيفَ غَدًا فَتَلِفَ الرَّغِيفُ قَبْلَ الْغَدِ أَيْ أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ فَفَاتَ الْبِرُّ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ حِنْثُ الْمُكْرَهِ أَيْ: وَأَصَحُّهُمَا عَدَمُ الْحِنْثِ وَقَوْلُهُ: إنْ لَمْ أَدْخُلْ أَيْ: فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ مَعْنَاهُ إنْ عُدِمَ دُخُولِي بِاخْتِيَارِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ دَخَلْتهَا مُخْتَارًا لَمْ تَطْلُقْ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَوَّلًا، أَوْ بِالشَّرْعِ وَثَانِيًا فَمُنِعَ بِالشَّرْعِ أَنَّ الْحَاكِم مَنَعَهُ، وَأَمَّا مُجَرَّدُ كَوْنِهِ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ كَمَا يَأْتِي بَسْطُهُ فِي جَوَابِ الْإِشْكَالِ الثَّانِي وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الطَّلَاقِ فِيمَا لَوْ قَالَ إلَّا أَخَذْتِ حَقَّكِ مِنِّي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَكْرَهَهُ السُّلْطَانُ حَتَّى أَعْطَى بِنَفْسِهِ مِنْ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي فِعْلِ الْمُكْرَهِ وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ عَدَمِ الْحِنْثِ وَجَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ لِمَا مَرَّ. وَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُمْ نَزَّلُوا الْإِكْرَاهَ الشَّرْعِيَّ مَنْزِلَةَ الْإِكْرَاهِ الْحِسِّيِّ فَكَأَنَّهُ هُنَا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ إنَّمَا أَعْطَاهُ كَرْهًا، وَفِعْلُ الْمُكْرَهِ هُنَا كَلَا فِعْلٍ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي إنْ أَعْطَيْتُك حَقَّك فَامْرَأَتِي طَالِقٌ اخْتِيَارُ الْمَدِينِ لَا الدَّائِنِ، وَأَمَّا قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ عَقِبَ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الرَّافِعِيِّ كَذَلِكَ وَقَضِيَّتُهُ تَرْجِيحُ عَدَمِ الْحِنْثِ وَالْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ؛ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ بِحَقٍّ فَهُوَ اشْتِبَاهٌ لِظَنِّهِ أَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَيْهِ الْمُعَلَّقُ كَالْمُنَجَّزِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ هُوَ إيجَابُ الشَّرْعِ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْإِكْرَاهِ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَيَطَأَنَّ زَوْجَتَهُ اللَّيْلَةَ فَوَجَدَهَا حَائِضًا لَا يَحْنَثُ كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ أَيْ لِلْحَائِضِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ كَمَا. . . إلَخْ تَجِدْهُ مُصَرِّحًا بِأَنَّ الْمُكْرَهَ بِحَقٍّ عَلَى فِعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ لَا يَحْنَثُ بِفِعْلِهِ لَهُ لِدَاعِيَةِ الْإِكْرَاهِ الَّذِي بِحَقٍّ فَهَذَا تَصْرِيحٌ أَيْ: صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرَتْهُ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ وَالْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ. . . إلَخْ مِنْ بَابِ اشْتِبَاهِ الْمُعَلَّقِ بِالْمُنَجَّزِ عَلَى أَنَّ الزَّرْكَشِيّ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهَذَا الِاشْتِبَاهِ بَلْ سَبَقَهُ إلَيْهِ شَيْخُهُ الْأَذْرَعِيُّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ قَوْلَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا لَوْ قَالَ إلَّا أَخَذْتَ مَا لَكَ عَلَيَّ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَأَخَذَهُ مِنْهُ، أَوْ مِنْ وَكِيلِهِ وَلَوْ بِتَلَصُّصٍ، أَوْ انْتِزَاعِهِ مِنْهُ كَرْهًا وَالْمَالُ مُعَيَّنٌ فِي الْجَمِيعِ، أَوْ دَيْنٌ وَرَضِيَ بِهِ الْمَدِينُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ، أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِعْطَاءِ فِي الْأَخِيرَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ. وَمِثْلُهَا الثَّالِثَةُ طَلُقَتْ لِوُجُودِ الْوَصْفِ لَا إنْ أُكْرِهَ الدَّائِنُ عَلَى الْأَخْذِ مِنْهُ فَأَخَذَ مِنْهُ فَلَا تَطْلُقُ اهـ. قَالَ أَعْنِي الْأَذْرَعِيَّ مَحَلُّ مَا ذُكِرَ مِنْ عَدَمِ الطَّلَاقِ عِنْدَ إكْرَاهِ الدَّائِنِ عَلَى الْأَخْذِ مِنْ مَدِينِهِ مَا إذَا لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ أَخْذُهُ مِنْهُ فَإِنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ آخِرَ السَّلَمِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَطْلُقُ؛ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ بِحَقٍّ. اهـ. فَقَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ. . . إلَخْ هُوَ مَادَّةُ الزَّرْكَشِيّ فِيمَا مَرَّ عَنْهُ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ ذَاكَ اشْتِبَاهٌ فَهَذَا اشْتِبَاهٌ أَيْضًا وَعَجِيبٌ مِنْ شَيْخِنَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ تَعَالَى عَهْدَهُ كَيْفَ تَبِعَ الْأَذْرَعِيَّ. عَلَى هَذَا الِاشْتِبَاهِ الظَّاهِرِ. وَكَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته وَهُوَ قَوْلُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَوْ قَالَ لَا أُفَارِقُكَ حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي مِنْكَ فَاسْتَوْفَاهُ مِنْ وَكِيلِهِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ تَبَرَّعَ بِهِ، حَنِثَ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتَصَّ ذَلِكَ بِمَا إذَا قَبَضَهُ مُخْتَارًا أَمَّا إذَا قَبَضَهُ جَبْرًا بِالْحَاكِمِ وَيُتَصَوَّرُ فِي الْأَجْنَبِيِّ بِأَنْ يَكُونَ ضَامِنًا فَيَكُونُ عَلَى قَوْلَيْ الْإِكْرَاهِ كَمَا إذَا أَفْلَسَ فَفَارَقَهُ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَهُ فِي دَفْعِ الْإِكْرَاهِ عِنْدَ الْفَلَسِ. وَلَا كَذَلِكَ هُنَا فَإِنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ عِنْدَ بَذْلِ الْأَجْنَبِيِّ بِإِبْرَائِهِ مِنْ الضَّمَانِ وَبِإِبْرَاءِ الْمُوَكِّلِ وَإِنْ حَنِثَ بِهِ نَعَمْ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْإِكْرَاهِ عَلَى قَتْلِ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ. اهـ كَلَامُ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى نَفَائِسَ فَقَوْلُهُ أَمَّا إذَا قَبَضَهُ جَبْرًا بِالْحَاكِمِ. . . إلَخْ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته مِنْ الرَّدِّ عَلَى الْأَذْرَعِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ؛ لِأَنَّهُ أَعْنِي ابْنَ الرِّفْعَةِ أَلْحَقَ الْجَبْرَ مِنْ الْحَاكِمِ هُنَا بِجَبْرِهِ عَلَى مُفَارَقَةِ الْمُفْلِسِ الْمُصَرِّحِينَ فِيهَا بِعَدَمِ الْحِنْثِ. كَمَا مَرَّ وَقَوْلُهُ: وَجَوَابُهُ. . . إلَخْ فِيهِ بَيَانُ وَجْهٍ آخَرَ فِي الرَّدِّ عَلَى الْأَذْرَعِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ وَتَقْرِيرُهُ لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْإِكْرَاهَ بِحَقٍّ يَقْتَضِي الْوُقُوعَ لَمْ يَكُنْ هَذَا مِنْهُ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْإِكْرَاهِ أَنْ يَكُونَ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ وَأَنْ لَا يَجِدَ الْمُكْرَهُ مَنْدُوحَةً عَمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَمَا هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّائِنَ الْمُكْرَهَ عَلَى الْأَخْذِ بِسَبِيلٍ مِنْ الْإِبْرَاءِ لِلْأَجْنَبِيِّ عَنْ الضَّمَانِ، أَوْ لِلْمُوَكِّلِ. وَإِنْ حَنِثَ بِهِ أَيْ: لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْبِرَّ بِاخْتِيَارِهِ وَإِذَا فَرَضَ أَنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ لَمْ يُكْرَهْ عَلَى أَخْذٍ لَا مَنْدُوحَةَ لَهُ.

عَنْهُ بَلْ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى الْإِبْرَاءِ فَأَشْبَهَ الْإِكْرَاهَ عَلَى قَتْلِ هَذَا، أَوْ هَذَا أَوْ طَلَاقِ هَذِهِ أَوْ هَذِهِ. وَمِنْهَا لَوْ حَلَفَ لَا يُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَقَدْ أَفْتَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ الشَّرَفُ الْمُنَاوِيُّ بِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يُفْطِرُ مِنْ صَوْمِهِ، أَوْ أَطْلَقَ أَفْطَرَ بِدُخُولِ اللَّيْلِ بِالْغُرُوبِ وَلَا حِنْثَ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِي الْأَيْمَانِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ مُفْطِرًا مِنْ صَوْمٍ قَاصِدًا بِذَلِكَ الْوِصَالَ فَهُوَ آثِمٌ بِالْإِمْسَاكِ مِنْ الْغُرُوبِ فَإِذَا لَزِمَهُ الْحَاكِمُ بِتَنَاوُلِ مُفْطِرٍ بِعَيْنِهِ فَتَنَاوَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ عَلَى أَصَحِّ قَوْلَيْ حِنْثِ الْمُكْرَهِ نَظِيرُ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يُفَارِقُ غَرِيمَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْهُ فَأَفْلَسَ الْغَرِيمُ وَمَنَعَهُ الْحَاكِمُ مِنْ مُلَازَمَتِهِ فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ لَهُ الْحَاكِمُ مُفْطِرًا، أَوْ عَيَّنَ لَهُ مُفْطِرًا فَتَنَاوَلَ غَيْرَهُ حَنِثَ لِقَرِينَةِ الِاخْتِيَارِ. اهـ. وَمِنْهَا مَا فِي تَوَسُّطِ الْأَذْرَعِيِّ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُعْطِيهِ مَالَهُ فَلَهُ أَحْوَالٌ أَحَدُهَا أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ بِنَفْسِهِ مُخْتَارًا فَيَحْنَثُ سَوَاءٌ أَخَذَ مِنْهُ اخْتِيَارًا أَمْ غَيْرَ اخْتِيَارٍ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ يَتَعَلَّقُ بِالْعَطَاءِ دُونَ الْأَخْذِ وَقَدْ وُجِدَ الْعَطَاءُ فَوَقَعَ الْحِنْثُ ثَانِيهَا أَنْ يُعْطِيَهُ لِوَكِيلِهِ وَلَوْ بِأَمْرِهِ أَيْ: إنْ غَابَ عَنْهُ الْمُوَكِّلُ كَمَا قَيَّدَ بِهِ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الْخُلْعِ ثَالِثُهَا أَنْ يُعْطِيَ وَكِيلُهُ دَائِنَهُ وَلَوْ بِأَمْرِهِ. رَابِعُهَا أَنْ يُعْطِيَهُ عِوَضًا عَنْهُ وَلَوْ بِحَوَالَةٍ. خَامِسُهَا أَنْ يَأْخُذَ السُّلْطَانُ مِنْ مَالِهِ جَبْرًا فَلَا يَحْنَثُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ. سَادِسُهَا أَنْ يُجْبِرَهُ السُّلْطَانُ عَلَى دَفْعِهِ فَيُعْطِيهِ إيَّاهُ مُكْرَهًا فَفِي حِنْثِهِ قَوْلَانِ. اهـ. وَمُرَادُهُ بِالْقَوْلَيْنِ الْقَوْلَانِ الْمَعْرُوفَانِ فِي وُجُود الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَأَظْهَرُهُمَا لَا حِنْثَ مَعَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ هُنَا بِحَقٍّ فَهُوَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ مِنْ أَنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى إيجَادِ الْمُعَلَّقِ يَمْنَعُ الْحِنْثَ بِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ أَمْ بِبَاطِلٍ. وَمِنْهَا لَوْ حَلَفَ لَا يُؤَدِّي دَيْنَ فُلَانٍ الَّذِي عَلَيْهِ فَحَكَمَ عَلَيْهِ حَاكِمٌ بِأَدَائِهِ فَأَدَّاهُ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ وَتَبِعَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الشَّرَفُ الْمُنَاوِيُّ وَبَعْضُ مُعَاصِرِيهِ تَنْزِيلًا لِلْإِكْرَاهِ الشَّرْعِيِّ مَنْزِلَةَ الْإِكْرَاهِ الْحِسِّيِّ وَأَمَّا قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ: إنَّهُ يَحْنَثُ هُنَا أَيْضًا فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى فَهْمِهِ السَّابِقِ قَرِيبًا وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى وَهْمِهِ مَا مَرَّ عَنْهُ فِي مَسْأَلَةِ نَزْعِ الْخَيْطِ مِنْ أَنَّ إجْبَارَ الْحَاكِمِ عَلَى النَّزْعِ غَيْرُ مُفْطِرٍ كَالْإِكْرَاهِ الْحِسِّيِّ وَمَا مَرَّ عَنْهُ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ حَلَفَ لَيَطَأَنَّ زَوْجَتَهُ اللَّيْلَةَ فَوَجَدَهَا حَائِضًا وَمُنِعَ عَنْ الْوَطْءِ لَمْ يَحْنَثْ، فَقَدْ صَرَّحَ فِي هَذَيْنِ بِأَنَّ الْإِكْرَاهَ الشَّرْعِيَّ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْإِكْرَاهِ الْحِسِّيِّ فَإِنْ قُلْت ذَكَرَ الْأَصْحَابُ مَسَائِلَ تَدُلُّ لِمَا مَرَّ عَنْ الزَّرْكَشِيّ وَالْأَذْرَعِيِّ. وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَنَّ الْإِكْرَاهَ الشَّرْعِيَّ لَا يَمْنَعُ الْحِنْثَ فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ كَمَا لَا يُؤَثِّرُ فِي صِحَّةِ التَّصَرُّفِ الْمُنَجَّزِ قُلْت: لَا شَاهِدَ لَهُمْ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ ذِكْرِهَا وَالْجَوَابِ عَنْهَا. مِنْهَا قَوْلُهُمْ لَوْ حَلَفَ لَا يَحْلِفُ يَمِينًا مُغَلَّظَةً فَوَجَبَ عَلَيْهِ يَمِينٌ وَقُلْنَا بِوُجُوبِ التَّغْلِيظِ أَيْ: عَلَى الضَّعِيفِ حَلَفَ وَحَنِثَ فَلَمْ يَنْظُرُوا لِكَوْنِ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِالتَّغْلِيظِ كَالْإِكْرَاهِ، وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ هُنَا حَقِيقَةُ الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّ لَهُ مَنْدُوحَةً عَمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِتَأْدِيَةِ الْمُدَّعَى بِهِ فَيَنْدَفِعُ عَنْهُ حِنْثُ الْيَمِينِ فَإِذَا لَمْ يُؤَدِّ وَحَلَفَ حَنِثَ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ الْإِكْرَاهِ الْمُسْتَلْزِمِ لِانْتِفَاءِ الْإِكْرَاهِ مِنْ أَصْلِهِ فَلَيْسَتْ هَذِهِ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ ثُمَّ رَأَيْت مَا قَدَّمْته آنِفًا عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته بِخِلَافِ الْمَسَائِلِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا فَإِنْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِمَا فِيهَا لَا مَنْدُوحَةَ عَنْهُ فَمَنَعَ الْحِنْثُ. وَمِنْهَا قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ عَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ: لَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ مُقَيَّدٌ فَحَلَفَ بِعِتْقِهِ أَنَّ فِي قَيْدِهِ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ وَحَلَفَ بِعِتْقِهِ لَا يَحُلُّهُ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ فَشَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي عَدْلَانِ أَنَّ فِي قَيْدِهِ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ فَحَكَمَ بِعِتْقِهِ ثُمَّ حَلَّ الْقَيْدَ فَوَجَدَهُ عَشَرَةَ أَرْطَالٍ مِنْ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ حَصَلَ بِحَلِّ الْقَيْدِ دُونَ الشَّهَادَةِ لِتَحَقُّقِ كَذِبِهِمَا. اهـ. فَالْحُكْمُ بِالْعِتْقِ مُتَضَمِّنٌ لِلْحُكْمِ بِالْحَلِّ وَلَمْ يَنْظُرُوا لَهُ وَيُجَابُ بَعْدَ تَسْلِيمِ اعْتِمَادِ كَلَامِ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَإِلَّا فَكَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي الطَّلَاقِ مِنْ عَدَمِ حِنْثِ الْجَاهِلِ وَالنَّاسِي يَقْتَضِي ضَعْفَهُ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ كَمَا بَيَّنْته فِي بَعْضِ الْفَتَاوَى فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ أَنَّ الْحَاكِمَ حَكَمَ عَلَيْهِ بِحَلِّ الْقَيْدِ بَعْدَ حُكْمِهِ بِالْعِتْقِ وَإِنَّمَا الْمُعَلَّقُ هُوَ الَّذِي حَلَّهُ مُخْتَارًا لِظَنِّهِ أَنَّهُ عَتَقَ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ الْبَاطِلَةِ وَأَنَّ الْحَلَّ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ ثُمَّ بَانَ خَطَأُ ظَنِّهِ وَأَيْضًا فَكَلَامُنَا فِي حُكْمٍ صَحِيحٍ. وَهَذَا حُكْمٌ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ بَانَ أَنَّ عِتْقَهُ إنَّمَا تَرَتَّبَ

عَلَى حَلِّهِ وَإِنْ لَمْ يُعْتَقَ بِزِنَةِ الْقَيْدِ وَأَنَّ الْحُكْمَ بِعِتْقِهِ بِهِ بَاطِلٌ فَوُجُوبُ الْحَلِّ الْمُرَتَّبِ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ الْبَاطِلِ لَاغٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْحُكْمَ بِالْعِتْقِ مُتَضَمِّنٌ لِلْحُكْمِ بِالْحَلِّ فَقَدْ بَانَ بُطْلَانُهُ وَإِنَّمَا يَلْحَقُ بِالْإِكْرَاهِ حُكْمُ الْقَاضِي الصَّحِيحُ لَا غَيْرُ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ تَعْلِيلًا لِلْحِنْثِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ بِحَقٍّ فَتَأَمَّلْ هَذَا الْمَبْحَثَ. وَأَمْعِنْ النَّظَرَ فِيهِ لِيَتَّضِحَ لَك مُتَفَرِّقَاتُ كَلَامِهِمْ الْمُتَعَارِضَةُ الظَّوَاهِرِ فِي ذَلِكَ حَتَّى زَلَّتْ فِيهَا أَقْدَامُ الْأَكَابِرِ كَمَا عَلِمْت، بَلْ الشَّخْصُ نَفْسُهُ يَتَنَاقَضُ كَلَامُهُ فِيهَا كَمَا مَرَّ لَك عَنْ الزَّرْكَشِيّ وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ يَسْتَحْضِرُ بَعْضَ الْفُرُوعِ الْمُقَرَّرَةِ فِيمَا سَبَقَ أَوَّلًا فَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّ الْإِكْرَاهَ بِحَقٍّ فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ يَمْنَعُ الْحِنْثَ كَالْإِكْرَاهِ بِبَاطِلٍ. وَفِي بَعْضِهَا يَسْتَحْضِرُ بَعْضَ هَذِهِ الْفُرُوعِ الْمُتَأَخِّرَةِ فَيُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّ الْإِكْرَاهَ بِحَقٍّ لَا يَمْنَعُ الْحِنْثَ هُنَا كَهُوَ فِي الْمُنَجَّزِ فَإِذَا أَمْعَنْت النَّظَرَ وَأَنْعَمْته فِيمَا قَرَّرْته وَتَأَمَّلْته حَقَّ التَّأَمُّلِ ظَهَرَ لَك أَنَّ الْحَقَّ هُوَ الْفَرْقُ فِي الْإِكْرَاهِ بِحَقٍّ بَيْنَ الْمُنَجَّزِ وَالْمُعَلَّقِ وَأَنَّ الْفُرُوعَ الْمُصَرِّحَةَ بِهِ كَثِيرَةٌ صَرِيحَةٌ لَا تَقْبَلُ التَّأْوِيلَ بِخِلَافِ الْفُرُوعِ الْمُوهِمَةِ لِخِلَافِهِ فَإِنَّهَا قَلِيلَةٌ. وَالْجَوَابُ عَنْهَا قَدْ ظَهَرَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَلَا عُذْرَ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهَا فِي خِلَافِ مَا قُلْنَاهُ وَبَيَّنَّاهُ وَحَرَّرْنَاهُ. (تَنْبِيهٌ) ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ مُجَرَّدَ الْحُكْمِ مُلْحَقٌ بِالْإِكْرَاهِ سَوَاءٌ قَدَرَ الْحَاكِمُ عَلَى إكْرَاهِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ عَلَى فِعْلِ الْمَحْكُومِ بِهِ أَمْ لَا كَالظَّلَمَةِ الْمُتَمَرِّدِينَ وَأَمَّا ثَانِي الْإِشْكَالَيْنِ السَّابِقَيْنِ الَّذِي هُوَ تَصْرِيحُ الشَّيْخَيْنِ فِي الْأَيْمَانِ بِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الْفَرْضَ حَنِثَ وَفِي الطَّلَاقِ بِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَيَطَأَنَّهَا اللَّيْلَةَ فَوَجَدَهَا حَائِضًا أَوْ مُحْرِمَةً بِنُسُكٍ لَمْ يَحْنَثْ خِلَافًا لِلْمُزَنِيِّ كَمَا مَرَّ مَبْسُوطًا فَيُجَابُ عَنْهُ أَيْضًا بِأَنَّهُ فِي صُورَةِ لَا أُصَلِّي الْفَرْضَ وَمَا قِيسَ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا أُفَارِقُك السَّابِقُ قَدْ وَجَّهَ الْحَلِفَ إلَى النَّفْيِ الْعَامِّ وَجَعَلَهُ هُوَ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ وَذَلِكَ مُحَرَّمٌ إذْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الصَّلَاةِ وَمِنْ الْمُفَارَقَةِ عِنْدَ إعْسَارِ الْغَرِيمِ فَحَيْثُ صَلَّى صَلَاةً صَحِيحَةً، أَوْ فَارَقَ غَرِيمَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَقَدْ خَالَفَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ صَرِيحًا فَحَنِثَ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ إنْ لَمْ أَطَأْكِ فَفِيهِ تَعْلِيقٌ عَلَى انْتِفَاءِ الْوَطْءِ الْمُبَاحِ وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِحَثِّ نَفْسِهِ عَلَيْهِ فَحَيْثُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ شَرْعًا لِحَيْضٍ وَنَحْوِهِ كَانَ كَتَعَذُّرِهِ حِسًّا فَلَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْوَطْءُ الْمُبَاحُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ لَازِمًا لِلتَّعْلِيقِ الْمَذْكُورِ. فَعُلِمَ بِهَذَا الَّذِي قَرَّرْته رَدُّ اعْتِرَاضِ الْمُزَنِيِّ السَّابِقِ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ صُورَةَ مَا لَوْ حَلَفَ لَيَعْصِيَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَتْ كَصُورَةِ لَأَطَؤُهَا اللَّيْلَةَ فَوَجَدَهَا حَائِضًا لِمَا تَقَرَّرَ بَلْ كَصُورَةِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي الْفَرْضَ حَرْفًا بِحَرْفٍ؛ لِأَنَّهُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَجَّهَ حَلِفَهُ إلَى إيقَاعِ الْمَعْصِيَةِ الْمُحَرَّمِ فَحَيْثُ خَالَفَهُ فَقَدْ خَالَفَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ صَرِيحًا فَحَنِثَ لِذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ الْمُخَالَفَةُ وَاجِبَةً فَتَأَمَّلْ هَذَا الْجَوَابَ لِتَفِرَّ بِهِ مِنْ الْوُقُوعِ فِي وَرْطَةِ ذَلِكَ الْإِشْكَالِ الْمُسْتَلْزِمِ لِتَنَاقُضِ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ التَّنَاقُضَ الصَّرِيحَ الَّذِي لَا تَأْوِيلَ لَهُ لَوْلَا مَا فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَلَهُ الْفَضْلُ وَالْمِنَّةُ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ الظَّاهِرِ لِلْمُتَأَمِّلِ. ثُمَّ رَأَيْتنِي فَرَّقْتُ بِفَرْقٍ آخَرَ فِي بَعْضِ التَّعَالِيقِ وَعِبَارَته إذَا وُجِدَ الْقَوْلُ أَوْ الْفِعْلُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْإِكْرَاهِ أَوْ النِّسْيَانِ أَوْ الْجَهْلِ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا عَدَمُ الْحِنْثِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ أَمْ بِالطَّلَاقِ. وَقَوْلُ الْقَفَّالِ: يَحْنَثُ فِي الطَّلَاقِ دُونَ الْيَمِينِ ضَعِيفٌ وَإِنْ كَانَ هُوَ مَذْهَبَ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَوْ قَالَ حَلَفَ إلَّا لَمْ تَصُومِي غَدًا أَوْ لَيَطَأَنَّهَا اللَّيْلَةَ فَحَاضَتْ لَمْ تَطْلُقْ كَأَنْ لَمْ تُصَلِّ الْيَوْمَ صَلَاةَ الظُّهْرِ فَحَاضَتْ وَقْتَهُ وَلَمْ يَمْضِ زَمَنُ إمْكَانِ الصَّلَاةِ وَقَوْلُ الْقَاضِي فِي إنْ لَمْ تُصَلِّي الْآنَ، فَحَاضَتْ طَلُقَتْ حَالًا ضَعِيفٌ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَإِنْ قَالَ إلَّا لَمْ تَصُومِي يَوْمَ الْعِيدِ أَوْ إلَّا لَمْ تُصَلِّي زَمَنَ الْحَيْضِ أَوْ إلَّا لَمْ تَبِيعِي الْخَمْرَ فَصَلَّتْ فِيهِ أَوْ صَامَتْ أَوْ بَاعَتْ الْخَمْرَ لَمْ تَطْلُقْ أَيْ: وَلَا نَظَرَ لِفَسَادِ ذَلِكَ وَحُرْمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهِ لَا يُشْتَرَطُ حِلُّهُ وَلَا صِحَّتُهُ فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: هَذَا مُشْكِلٌ، لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ. وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يَبَرُّ وَيَحْنَثُ بِالْقِرَاءَةِ جُنُبًا وَإِنْ لَمْ يَبَرَّ بِهِ عَنْ نَذْرِهِ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ النَّذْرِ الْقُرْبَةُ، وَالْمَعْصِيَةُ لَا يُتَقَرَّبُ بِهَا بِخِلَافِ الْيَمِينِ فَإِنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا وُجُودُ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ مَعَ التَّذْكِيرِ وَالِاخْتِيَارِ. وَفَارَقَتْ هَذِهِ مَا قَبْلَهَا فِي صُوَرِ الْحَيْضِ بِأَنَّ التَّحْرِيمَ.

ثَمَّ لَمَّا طَرَأَ بَعْدَ الْحَلِفِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْحَائِلِ الْحِسِّيِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُعَلَّقِ بِهِ فَلَمْ يَحْنَثْ بِتَرْكِهِ لَهُ لِعُذْرِهِ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا عِنْدَ تَجَرُّدِ يَمِينِهِ لِفِعْلِ الْمَعْصِيَةِ فَهُوَ قَاصِدٌ الْإِثْمَ وَمُخَالَفَةَ الشَّرْعِ فَكَيْفَ يُعَدُّ مَنْعُ الشَّارِعِ لَهُ عُذْرًا فِي عَدَمِ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فَهُوَ أَعْنِي تَعَرُّضَهُ لِفِعْلِ الْمَعْصِيَةِ وَتَعْلِيقَهُ عَلَيْهَا كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ كَذَا وَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِفِعْلِهِ لَهُ وَلَوْ مَعَ الْإِكْرَاهِ لِتَعَرُّضِهِ فِي حَلِفِهِ لَهُ وَأَمَّا الْأَوَّلُ أَعْنِي الَّذِي قَدْ عَلَّقَ عَلَى فِعْلٍ مُبَاحٍ فَطَرَأَ عَلَيْهِ مَا أَوْجَبَ تَحْرِيمَهُ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ فِعْلِهِ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ كَذَا فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مُتَغَلِّبٌ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ لِعُذْرِهِ فَتَأَمَّلْ هَذَا الْفَرْقَ الظَّاهِرَ أَيْضًا يَتَّضِحُ لَك بِهِ أَيْضًا الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ الْإِشْكَالِ وَأَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ وَلَا تَخَالُفَ بَيْنَ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ فِي الطَّلَاقِ وَالْأَيْمَانِ. (التَّتِمَّةُ) فِي فَوَائِدَ تَتَعَلَّقُ بِالْإِكْرَاهِ مِنْهَا مَحَلُّ إلْغَاءِ فِعْلِ الْمُكْرَهِ وَقَوْلِهِ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ وَأَتَى بِعَيْنِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ فِيهِ بِوَجْهٍ لِدَاعِيَةِ الْإِكْرَاهِ فَحَسْبُ كَمَا مَرَّ. وَفِي مَجْمُوعِ الْمَحَامِلِيِّ الْإِكْرَاهُ يَرْفَعُ حُكْمَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالْبَيْعِ فَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ مَعَهُ إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّهُ أَرَادَ اللَّفْظَ فَقَطْ فَيَصِحُّ طَلَاقُهُ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ الْإِيقَاعَ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ أَيْ بِاللَّفْظِ الصَّرِيحِ إرَادَةُ اللَّفْظِ فَقَطْ وَحَكَى الْأَصْحَابُ فِيمَا لَوْ قَصَدَ الْمُكْرَهُ إيقَاعَ الطَّلَاقِ قَوْلًا بِعَدَمِ الْوُقُوعِ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ أَثَرَ اللَّفْظِ. وَمُجَرَّدُ النِّيَّةِ لَا يُؤَثِّرُ وَالْأَصَحُّ الْوُقُوعُ إذْ لَا يَبْعُدُ اخْتِيَارُهُ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ ظَاهِرًا فَعَلَى هَذَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ كِنَايَةٌ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ إنْ نَوَى وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا وَمِنْهَا مَتَى حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ فَفَعَلَهُ نَاسِيًا لِلتَّعْلِيقِ أَوْ ذَاكِرًا لَهُ مُكْرَهًا عَلَى الْفِعْلِ أَوْ مُخْتَارًا جَاهِلًا بِالْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ لَا بِالْحُكْمِ خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ فِيهِ لَمْ يَحْنَثْ لِلْخَبَرِ السَّابِقِ «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» أَيْ: لَا يُؤَاخِذُهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ مَا لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِهِ كَضَمَانِ الْمُتْلَفِ فَالْفِعْلُ مَعَ ذَلِكَ كَلَا فِعْلٍ وَكَذَا لَا حِنْثَ إلَّا عَلَّقَ بِفِعْلِ غَيْرِهِ الْمُبَالِي بِتَعْلِيقِهِ بِأَنْ لَمْ يُخَالِفْهُ فِيهِ لِنَحْوِ صَدَاقَةٍ أَوْ حَيَاءٍ أَوْ مُرُوءَةٍ. وَقَصَدَ بِذَلِكَ مَنْعَهُ أَوْ حَثَّهُ وَعَلِمَ بِالتَّعْلِيقِ فَفَعَلَهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا أَمَّا إذَا لَمْ يَقْصِدْ مَنْعَهُ وَلَا حَثَّهُ أَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُبَالَى بِتَعْلِيقِهِ كَالسُّلْطَانِ وَالْحَجِيجِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَفَعَلَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِهِ وَلَوْ مَعَ النِّسْيَانِ وَقَسِيمِهِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ حِينَئِذٍ مُجَرَّدُ التَّعْلِيقِ بِالْفِعْلِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ مَنْعٍ، أَوْ حَثٍّ نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إذَا قَصَدَ مَعَ الْحَثِّ، أَوْ الْمَنْعِ فِيمَنْ يُبَالِي بِهِ أَعْلَامَهُ بِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَلَا تَطْلُقُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَنَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ وَلَوْ عَلَّقَ بِفِعْلِهِ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا فَفَعَلَهُ كَذَلِكَ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ ضَيَّقَ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ بِدُخُولِ نَحْوِ بَهِيمَةٍ، أَوْ طِفْلٍ فَدَخَلَ غَيْرَ مُكْرَهٍ حَنِثَ، أَوْ مُكْرَهًا فَلَا. وَفَارَقَ مَا مَرَّ مِنْ الْوُقُوعِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ مَعَ الْإِكْرَاهِ بِأَنَّ فِعْلَ الْبَهِيمَةِ غَيْرُ مَنْسُوبٍ إلَيْهَا حَالَ الْإِكْرَاهِ فَكَأَنَّهَا حِينَئِذٍ لَمْ تَصْنَعْ شَيْئًا بِخِلَافِ فِعْلِ الْآدَمِيِّ فَإِنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَلَوْ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَلِهَذَا يُضْمَنُ بِهِ وَأُلْحِقَ نَحْوُ الطِّفْلِ هُنَا بِالْبَهِيمَةِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ شَبَهًا بِهَا مِنْهُ بِالْمُمَيَّزِ وَفِي الْحَلِفِ عَلَى غَلَبَةِ ظَنِّهِ كَلَامٌ طَوِيلٌ لِلْمُتَأَخِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ بَيَّنْت حَاصِلَ الْمُعْتَمِدِ مِنْهُ فِي الْفَتَاوَى وَهُوَ عَدَمُ الْوُقُوعِ مُطْلَقًا فَعَلَيْك بِهِ فَإِنَّهُ نَفِيسٌ مُهِمٌّ. وَلِكَثْرَةِ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَطْرَافِهَا سَكَتَ كَثِيرُونَ عَنْ التَّرْجِيحِ فِيهَا وَامْتَنَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْإِفْتَاءِ فِي ذَلِكَ، قَالَ: وَاسْتِعْمَالُ التَّوَقِّي أَوْلَى مِنْ زَلَّاتِ الْأَقْدَامِ وَمَنْ يَحْتَاطُ فِي دِينِهِ لَا يُفْتِي فِي ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا لِكَثْرَةِ الْكَذِبِ فِي دَعْوَى النِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ مِنْ الْعَامَّةِ وَلَا سِيَّمَا النِّسَاءُ وَمِنْهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ نَقْلًا عَنْ فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ لَا أَدَعُك تُخْرِجُ هَذَا الْمَتَاعَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ وَإِنْ فَعَلْت فَامْرَأَتِي طَالِقٌ فَخَرَجَ الْحَالِفُ ثُمَّ ذَهَبَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِالْمَتَاعِ قَالَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ حَفِظَهُ حِفْظَ الْوَدِيعَةِ فَسَرَقَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ، أَوْ أَكْرَهَهُ حَتَّى أَخَذَهُ مِنْهُ فَعَلَى قَوْلِ الْإِكْرَاهِ، وَإِنْ لَمْ يَحْفَظْهُ عَنْهُ حِفْظَ الْوَدِيعَةِ بِحَيْثُ يَصِيرُ ضَامِنًا فِي الْوَدِيعَةِ بِهِ حَنِثَ فِي الطَّلَاقِ وَلَوْ كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ بِسَاكِنِهِ فِي الدَّارِ فَإِنْ حَفِظَهُ عَنْهُ حِفْظًا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ فَكَالْمُكْرَهِ وَإِلَّا فَيَحْنَثُ. وَمِنْهَا أَخَذَتْ لِزَوْجِهَا دِينَارًا.

فَقَالَ إلَّا لَمْ تُعْطِنِي الدِّينَارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَكَانَتْ قَدْ أَنْفَقَتْهُ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا بِالْيَأْسِ مِنْ إعْطَائِهَا لَهُ بِالْمَوْتِ، فَإِنْ تَلِفَ الدِّينَارُ قَبْلَ تَمَكُّنِهَا مِنْ رَدِّهِ إلَيْهِ فَهِيَ كَالْمُكْرَهِ عَلَى الْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَلَا تَطْلُقُ، أَوْ بَعْدَ التَّمَكُّنِ طَلُقَتْ. وَمِنْهَا لَوْ قَالَ اللُّصُوصُ لَا نُخَلِّيك حَتَّى تَحْلِفَ بِالطَّلَاقِ إنَّك لَا تُخْبِرُ بِنَا فَحَلَفَ كَذَلِكَ كَانَ إكْرَاهًا؛ لِأَنَّهُمْ أَكْرَهُوهُ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ وَهُوَ الْحَلِفُ الْمَذْكُورُ فَلَمْ يَنْعَقِدْ فَإِذَا خَبَّرَ بِهِمْ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي إلْغَاءِ فِعْلِ الْمُكْرَهِ بِبَاطِلٍ وَقَوْلِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ سَأَلَهُ ظَالِمٌ عَنْ مَالِهِ أَوْ إنْسَانٍ مَثَلًا أَنَّهُ يَعْرِفُ مَحَلَّهُ فَأَبَى أَنْ يُخْبِرَهُ بِهِ فَحَمَلَهُ وَأَكْرَهَهُ عَلَى الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا غَيْرُ مُكْرَهٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُكْرَهْ عَلَى الْحَلِفِ بِخُصُوصِهِ بَلْ لَا غَرَضَ لِمُكْرِهِهِ فِي حَلِفِهِ، وَإِنَّمَا غَرَضُهُ فِي أَنْ يَدُلَّهُ عَلَى مَا هُوَ سَائِلٌ عَنْهُ فَإِذَا تَرَكَ دَلَالَتَهُ وَحَلَفَ كَانَ مُخْتَارًا لِلْحَلِفِ فَيَحْنَثُ كَمَا لَوْ قَالَ مُتَغَلِّبٌ لِآخَرَ اُقْتُلْ هَذَا أَوْ هَذَا أَوْ طَلِّقْ هَذِهِ أَوْ هَذِهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ إكْرَاهٍ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّخْيِيرِ وَكَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْحَلِفِ وَالدَّلَالَةِ فَإِذَا آثَرَ الْحَلِفَ كَانَ مُخْتَارًا لَهُ فَيَحْنَثُ بِهِ وَيُقَاسُ بِمَا تَقَرَّرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُهَا. وَمِنْهَا لَوْ قَالَ طَلَّقْتُ مُكْرَهًا فَأَنْكَرَتْ زَوْجَتُهُ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ كَالْحَبْسِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَإِلَّا صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا كَمَا لَوْ طَلَّقَ مَرِيضٌ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مُغْمًى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إنْ عُهِدَ لَهُ إغْمَاءٌ قَبْلَ ذَلِكَ قَبْلَ قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا. وَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ ابْنِ الْعَبَّاسِ الرُّويَانِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: طَلَّقْتُ وَأَنَا صَبِيٌّ، أَوْ نَائِمٌ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ زَادَ فِي الرَّوْضَةِ مَا ذَكَرَهُ فِي النَّائِمِ نَظَرٌ. اهـ. أَيْ: لِأَنَّهُ لَا أَمَارَةَ عَلَى النَّوْمِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَلَكِنْ لَا مُخَالَفَةَ فِي دَعْوَى النَّوْمِ لِلظَّاهِرِ فَمِنْ ثَمَّ كَانَ لِمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ نَوْعُ اتِّجَاهٍ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمَا فِي الْأَيْمَانِ لَا يُصَدَّقُ مُدَّعِي عَدَمِ قَصْدِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، ظَاهِرُ التَّعَلُّقِ حَقُّ الْغَيْرِ بِهِمَا، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ هُنَاكَ تَلَفَّظَ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ ثُمَّ ادَّعَى صَرْفَهُ بِعَدَمِ الْقَصْدِ وَأَمَّا هُنَا فَالْمُدَّعَى طَلَاقٌ مُقَيَّدٌ بِحَالَةٍ لَا يَصِحُّ فِيهَا الطَّلَاقُ فَقُبِلَ قَوْلُهُ لِعَدَمِ مُخَالَفَةِ الظَّاهِرِ كَمَا مَرَّ. هَذَا آخِرُ مَا قَصَدْتُهُ وَتَمَامُ مَا حَرَّرْتُهُ مِمَّا آمُلُ أَنْ أَكُونَ فِيهِ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَسَنَنٍ قَوِيمٍ، وَمَعَ ذَلِكَ فَفَوْقَ كُلّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ، فَمَنْ اجْتَهَدَ وَأَصَابَ فَلَهُ عَشَرَةُ أُجُورٍ وَمَنْ اجْتَهَدَ وَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ. وَاَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَسْأَلُ أَنْ يُسْبِلَ عَلَيَّ ذَيْلَ السِّتْرِ وَأَنْ يَمُنَّ بِإِصَابَةٍ صَوْبَ الصَّوَابِ إنَّهُ الْكَرِيمُ الْغَنِيُّ الْوَهَّابُ فَلَهُ الْحَمْدُ أَوَّلًا وَآخِرًا بَاطِنًا وَظَاهِرًا كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى عَبْدِهِ وَنَبِيِّهِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ بِدَوَامِ كَرَمِهِ وَامْتِنَانِهِ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَإِلَيْهِ أَفْزَعُ فِي الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. يَقُولُ مُؤَلِّفُهُ عَفَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُ فَرَغْتُ مِنْ تَسْوِيدِهِ عَشِيَّةَ الْعِشْرِينَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. قَالَ سَيِّدُنَا وَمَوْلَانَا وَشَيْخُنَا الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ الْعُمْدَةُ الْحَبْرُ الْبَحْرُ الْفَهَّامَةُ جَامِعُ أَشْتَاتِ الْفَضَائِلِ بَقِيَّةُ الْأَمَاثِلِ وَالْأَفَاضِلِ الْحُجَّةُ فِي زَمَانِهِ وَالْقُدْوَةُ فِي عَصْرِهِ وَأَوَانِهِ مُفْتَى الْحِجَازِ وَشَيْخُ الْحَرَمَيْنِ أَدَامَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَفْعًا لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ حَجَرٍ، لَا زَالَتْ كُتُبُ الْعُلَمَاءِ بِتَقْرِيرِهِ فِي الدُّرُوسِ وَاضِحَةَ الْبَيَانِ، وَمَسَائِلُ الْفُقَهَاءِ بِتَأْيِيدِهِ فِي الطُّرُوسِ ظَاهِرَةً وَاضِحَةَ التِّبْيَانِ حَتَّى يَخْرِقَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْعَادَةَ بِطُولِ مُدَّتِهِ فِي عَافِيَةٍ وَيَنْفَعَ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ بِعُلُومِهِ الْكَمَالِيَّةِ الْكَافِيَةِ - آمِينَ بَعْدَ مَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةِ السُّرَيْجِيَّةِ الْمَشْهُورَةِ فِي الدَّوْرِ فِي الطَّلَاقِ فَأَجَابَ جَوَابًا شَافِيًا كَانَ لِكُلِّ مِنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا كَافِيًا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً أَنْجُو بِهَا مِنْ قَبِيحِ الْعَمَلِ الَّذِي لَا يُحِبُّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَا يَرْضَاهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إمَامُ الْعَالَمِينَ فِي وَرَعِهِ وَتَقْوَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ لَمْ تَأْخُذْهُمْ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ. وَلَمْ يَخْشَوْا سِوَاهُ صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ بِدَوَامِ رُبُوبِيَّتِهِ وَعُلَاهُ آمِينَ (أَمَّا بَعْدُ) فَإِنَّ مَسْأَلَةَ الدَّوْرِ

هَذِهِ قَدْ كَثُرَ فِيهَا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا وَأَفْرَدَهَا جَمَاعَةٌ بِالتَّصْنِيفِ مِنْهُمْ أَبُو سَعِيدٍ الْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الشَّاشِيُّ وَإِلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ وَصَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَغَيْرُهُمْ وَهِيَ حَقِيقَةٌ بِبَسْطِ الْكَلَامِ فِيهَا لَا سِيَّمَا وَقَدْ تَلَقَّنَهَا بَعْضُ الْعَوَامّ مِنْ بَعْضِ الْمُتَفَقِّهَةِ كَمَا تَلَقَّنَهَا هَذَا الْمُفْتِي الْمَذْكُورُ وَصَارُوا يُعَلِّمُونَهَا لِأَجْلَافِ الْبَوَادِي وَيَتَحَيَّلُونَ عَلَى أَكْلِ أَمْوَالِهِمْ بِتَعْلِيمِهِمْ لَهَا وَأَبَاحُوا لَهُمْ الْعَمَلَ بِهَا وَجَرَّأَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَتَكْرَارِهِ فِي أَلْسِنَتِهِمْ حَتَّى صَارَ لَهُمْ عَادَةً وَصَارَ جَرَاءَةً لَهُمْ عَلَى الْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ، فَإِنَّ مَنْ سَمِعَهُمْ يَحْلِفُونَ بِالطَّلَاقِ يَظُنُّ صِدْقَهُمْ لِظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَتَجَرَّأُ أَحَدٌ عَلَى الْحَلِفِ بِهِ كَاذِبًا، وَكُلُّ ذَلِكَ وَبَالُهُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُتَفَقِّهَةِ الَّذِينَ أَضَلَّهُمْ الشَّيْطَانُ وَأَغْوَاهُمْ وَصَيَّرَهُمْ مِنْ أَعْوَانِهِ يُضِلُّ بِسَبَبِهِمْ النَّاسَ وَيُلْجِئُهُمْ إلَى أَقْبَحِ الْمَسَالِكِ. فَعَلَيْهِمْ غَضَبُ اللَّهِ تَعَالَى وَمَقْتُهُ وَعَذَابُهُ إنْ لَمْ يَتُوبُوا مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ الْقَبِيحَةِ وَكَيْفَ لِمَنْ لَمْ يَعْرِفْ فُرُوضَ الْوُضُوءِ عَلَى وَجْهِهَا أَنْ يُفْتِيَ النَّاسَ فِي الْأَبْضَاعِ وَالْفُرُوجِ وَالْأَنْسَابِ وَيَتَجَرَّأَ عَلَى هَذَا الْمَنْصِبِ الْخَطَرِ، أَمَا عَلِمَ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ} [النحل: 116] {مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النحل: 117] وَهَذَا الْمُفْتِي الْمَذْكُورُ وَقَدْ ظَهَرَ فِي كَلَامِهِ كَمَا سَتَعْرِفُهُ مَا قَضَى عَلَى حَالِهِ وَحَكَمَ عَلَى مَقَالِهِ بِالْجَهْلِ الْمُفْرِطِ وَالْغَبَاوَةِ الظَّاهِرَةِ وَبِأَنَّهُ عَامِّيٌّ صِرْفٌ لَا يَهْتَدِي لِضَارٍّ فَيَجْتَنِبُهُ وَلَا لِنَافِعٍ فَيَقْصِدُهُ بَلْ هُوَ كَالرَّاكِبِ مَتْنَ عَمْيَاءَ وَالْخَابِطِ خَبْطَ عَشْوَاءَ وَمَنْ ذَا الَّذِي سَوَّغَ لِمِثْلِ هَذَا أَنْ يُفْتِيَ، أَوْ أَنْ يُرْسِلَ مَنْ يَأْمُرُ بِرَدِّ النِّسَاءِ إلَى أَزْوَاجِهِنَّ وَلَوْ جَاءَ هَذَا الْجَاهِلُ مِنْ بِلَادِ الْأَجْلَافِ وَالْهَمَجِ الَّتِي هُوَ فِيهَا إلَى بِلَادِنَا بِلَادِ الْعِلْمِ وَالشَّرْعِ لَأَمَرْنَا حُكَّامَنَا بِأَنْ يُوجِعُوهُ ضَرْبًا وَتَأْدِيبًا وَبِأَنْ يُبَالِغُوا فِي زَجْرِهِ وَتَعْنِيفِهِ بِالْحَبْسِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُنَاسِبُ جَرَاءَتَهُ عَلَى مَنْصِبٍ لَا يَعْرِفُهُ وَتَصَدِّيهُ لِرَدِّ فَتَاوَى الْعُلَمَاءِ الَّتِي جَاءَتْ لِتِلْكَ الْبِلَادِ الْمَذْكُورَةِ فِي جَوَابِهِ بِأَمْرِهِ بِرَدِّ النِّسَاءِ إلَى أَزْوَاجِهِنَّ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ مُعْتَمِدٌ لِمَسْأَلَةِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ وَتَوَهَّمَ؛ لِأَنَّ لِمَسْأَلَةِ ابْنِ سُرَيْجٍ مَعَ ضَعْفِهَا نَقْلًا وَمَعْنًى كَمَا يَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ وَاضِحًا مَبْسُوطًا شُرُوطًا لَمْ يُحِطْ بِهَا هَذَا الرَّجُلُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ عَامِّيٌّ صِرْفٌ وَإِنَّمَا حَفِظَ كَلِمَاتٍ مِنْ بَعْضِ الْمُتَفَقِّهَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَاعْتَنَى بِهَا دُونَ بَقِيَّةِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ؛ لِأَنَّهَا جَلْبٌ لِحُطَامٍ مِنْ الدُّنْيَا وَتَكُونُ نَارًا عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ كَيْفَ وَهُوَ مِمَّنْ صَدَقَ عَلَيْهِ إنْ اسْتَحَلَّ ذَلِكَ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا أُولَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77] مَا لَمْ يَتُبْ وَيَرْجِعْ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَيَسْتَغْفِرْهُ وَتَحْسُنْ تَوْبَتُهُ، فَمِنْ تِلْكَ الشُّرُوطِ مَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْيَمَنِ وَأَجِلَّائِهِمْ الَّذِينَ ذَهَبُوا إلَى تَصْحِيحِ الدَّوْرِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَصْدُرَ ذَلِكَ التَّعْلِيقُ مِنْ عَارِفٍ بِمَعْنَاهُ وَمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ الْمُحَالِ الْمُوجِبِ لِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْإِمَامُ الْجَلِيلُ عِلْمًا وَفَهْمًا وَمَعْرِفَةً ابْنُ عُجَيْلٍ ذَكَرَ ذَلِكَ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ أَبُو بَكْرٍ وَلَدُ الْإِمَامِ مُوسَى بْنِ الزَّيْنِ الصِّدِّيقِيِّ الرَّدَّادِ شَارِحُ الْإِرْشَادِ فِي جَمْعِهِ لِفَتَاوَى وَالِدِهِ فَانْظُرْ إلَى هَذَا الشَّرْطِ الَّذِي شَرَطُوهُ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِعَامِّيٍّ بَلْ وَلَا لِمُتَفَقِّهٍ أَنْ يَعْمَلَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ حَقِيقَةَ الدَّوْرِ الْمُوجِبِ لِإِلْغَاءِ الطَّلَاقِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا الْعُلَمَاءُ الرَّاسِخُونَ وَكَفَاك دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْغَزَالِيَّ مَعَ جَلَالَتِهِ وَوُصُولِهِ إلَى مَرْتَبَةٍ مِنْ مَرَاتِبِ الِاجْتِهَادِ تَنَاقَضَ كَلَامُهُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْأُخْرَى، فَتَارَةً صَحَّحَ الدَّوْرَ لِظُهُورِ مَعْنَاهُ عِنْدَهُ وَتَارَةً أَفْسَدَهُ لِفَسَادِ مَعْنَاهُ، وَتَارَةً رَجَعَ عَنْ هَذَا إلَى الْأَوَّلِ عَلَى مَا قِيلَ وَاعْتَمَدَهُ الْأَصْبَحِيُّ لَكِنَّ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ الْآتِي يَرُدُّهُ وَيُصَرِّحُ بِأَنَّ الَّذِي اسْتَقَرَّ أَمْرُهُ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ الرُّجُوعُ عَنْ صِحَّةِ الدَّوْرِ إلَى بُطْلَانِهِ وَعَلَى كُلٍّ فَقَدْ وَقَعَ لَهُ مِنْ التَّنَاقُضِ فِي ذَلِكَ وَمِنْ الْحُكْمِ بِبُطْلَانِهِ تَارَةً وَبِصِحَّتِهِ أُخْرَى مَا لَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ أَنَّهُ وَقَعَ لَهُ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةٍ مِنْ مَسَائِلِ الْفِقْهِ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِدِقَّةِ الْمَعْنَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَزِيدِ خَفَائِهِ.

وَمِنْ ثَمَّ اضْطَرَبَتْ فِيهَا أَفْهَامُ الْأَصْحَابِ وَاخْتَلَفَتْ وَتَبَايَنَتْ وَخَطَّأَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَبَالَغَ بَعْضُهُمْ فِي الرَّدِّ عَلَى بَعْضٍ وَسَيَأْتِي عَنْ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ فِي تَصْنِيفِهِ الْمُفْرَدِ فِي بُطْلَانِ الدَّوْرِ أَلْزَمَ الْقَائِلِينَ بِصِحَّتِهِ بِتَنَاقُضَاتٍ لِلْأُصُولِ وَمُخَالَفَاتٍ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَعْضَهُ فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى مَا وَصَفْت لَك مِنْ هَذَا الْإِشْكَالِ الْعَظِيمِ وَتَقَرَّرَ أَنَّ مِنْ شُرُوطِهَا عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهَا أَنْ يَصْدُرَ التَّعْلِيقُ مِمَّنْ يَعْرِفُ مَعْنَاهُ وَمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ وَنَحْنُ نَقْطَعُ بِأَنَّ هَذَا الزَّهْرَانِيَّ الْمُجِيبَ بِمَا مَرَّ لَا يَفْهَمُ ذَلِكَ وَلَا يَتَصَوَّرُهُ أَدْنَى تَصَوُّرٍ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمُجَازَفَاتِ فِي كَلَامِهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ وَإِيضَاحُهُ فَضْلًا عَنْ الْعَوَامّ وَفَضْلًا عَنْ أَجْلَافِ الْبَوَادِي. فَكَيْفَ سَاغَ لَهُ الْأَمْرُ بِرَدِّ النِّسَاءِ إلَى أَزْوَاجِهِنَّ وَالْإِفْتَاءِ لَهُمْ بِأَنَّهُمْ يُقَلِّدُونَ الْقَائِلِينَ بِالصِّحَّةِ {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16] وَمِنْ تِلْكَ الشُّرُوطِ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ الْبُلْقِينِيُّ فِي تَدْرِيبِهِ وَنَاهِيكَ بِالْكِتَابِ وَمُصَنِّفِهِ أَنْ تَمْضِيَ لَحْظَةٌ بَعْدَ التَّعْلِيقِ تَسَعُ الْحُكْمَ بِالْوُقُوعِ أَمَّا لَوْ لَمْ تَمْضِ لَحْظَةٌ كَذَلِكَ بِأَنْ أَعْقَبَ تَعْلِيقَهُ بِالتَّنْجِيزِ فَإِنَّهُ يَقَعُ الْمُنَجَّزُ حَتَّى عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَمِنْهَا كَمَا فِي التَّدْرِيبِ أَيْضًا أَنْ لَا تَطْلُقَ بِطَلَبِهَا فِي الْإِيلَاءِ وَالْحُكْمَيْنِ فِي الشِّقَاقِ، أَمَّا إذَا طَلَّقَ بِطَلَبِهَا فِي ذَلِكَ فَإِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ حَتَّى عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ أَيْضًا كَمَا يَقَعُ الْفَسْخُ فِي إنْ فَسَخْت بِعَيْبِك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا وَمِنْهَا كَمَا فِيهِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ ذَاكِرًا لِلتَّعْلِيقِ الْمُوجِبِ لِإِلْغَاءِ الدَّوْرِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِصِحَّتِهِ. أَمَّا لَوْ نَسِيَهُ ثُمَّ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ أَوْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَهُوَ نَاسٍ لَهُ فَإِنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ حَتَّى عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ أَيْضًا وَإِذَا تَقَرَّرَ لَك أَنَّ الْقَوْلَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ عَلَى ضَعْفِهِ مُقَيَّدٌ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ الْكَثِيرَةِ فَكَيْفَ سَاغَ لِهَذَا الزَّهْرَانِيِّ التَّجَرِّي عَلَى الْإِفْتَاءِ بِإِطْلَاقِ صِحَّةِ الدَّوْرِ مِنْ ذِكْرِهِ هَذِهِ الشُّرُوطِ جَمِيعِهَا وَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ. وَالْمَجْمُوعِ مَتَى أَطْلَقَ الْمُفْتِي إفْتَاءَهُ فِي مَحَلِّ التَّفْصِيلِ كَانَ مُخْطِئًا وَبِهِ يُعْلَمُ خَطَأُ هَذَا الْمُفْتِي وَأَنَّهُ عَاصٍ آثِمٌ وَلَيْتَهُ اقْتَصَرَ عَلَى مُجَرَّدِ ذِكْرِهِ لِكَلَامِ النَّاسِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّذِي تَلَقَّنَهُ مِنْ شَيْخِهِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَلَمْ يَضُمَّ لِذَلِكَ أَمْرَهُ بِرَدِّ النِّسَاءِ إلَى أَزْوَاجِهِنَّ فَذَلِكَ أَخَفُّ وَأَمَّا تَصَدِّيهِ لِلْإِفْتَاءِ وَأَمْرُهُ بِرَدِّهِنَّ مَعَ جَهْلِهِ بِتِلْكَ الشُّرُوطِ فَخَطَأٌ عَظِيمٌ وَذَنْبٌ قَبِيحٌ جَسِيمٌ. عَلَى أَنَّ شَيْخَهُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ حِصَّةٌ وَافِرَةٌ فَإِنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ لَهُ مُجَرَّدَ تَعْدَادَ الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ شَيْئًا مِنْ الشُّرُوطِ عِنْدَهُمْ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْإِضْلَالُ لِتِلْمِيذِهِ الْمَذْكُورِ وَلِلْعَوَامِّ فَإِنَّهُ أَطْلَقَ لَهُمْ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْعُلَمَاءِ - وَعَدَّدَ بَعْضَهُمْ - قَائِلُونَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِتَقْلِيدِهِمْ حَتَّى لَا يَقَعَ عَلَيْهِمْ طَلَاقٌ وَلَمْ يَقُلْ لَهُمْ: شَرْطُ عَدَمِ الْوُقُوعِ عِنْدَهُمْ كَذَا أَوْ كَذَا. فَهَلْ هَذَا إلَّا جَهْلٌ مُفْرِطٌ وَضَلَالٌ بَيِّنٌ وَإِطْلَالٌ لِلْعَوَامِّ وَاتِّبَاعٌ لِهَوَى النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ وَتَزْيِينِهِ وَوَسْوَسَتِهِ إيثَارًا لِلْعَرْضِ الْفَانِي وَهُوَ مَا أَخَذَهُ مِنْ الرِّشَا وَالسُّحْتِ الَّذِي يَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا فِي قَبْرِهِ فَقَبَّحَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَذَا الرَّجُلَ الزَّهْرَانِيَّ وَشَيْخَهُ الْمَذْكُورَ فَإِنَّهُمَا ضَلَّا وَأَضَلَّا ضَلَالًا مُبِينًا، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْهَوَى وَإِيثَارِ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَغِشِّ الْمُسْلِمِينَ وَعَدَمِ نُصْحِهِمْ أَنَّهُ ذَكَرَ مُجَرَّدَ تَعْدَادٍ لِبَعْضِ الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَأَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُمْ أَنَّ الْأَئِمَّةَ اخْتَلَفُوا فِي النَّقْلِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ حَتَّى قَالَ أَقَضَى الْقُضَاةِ الْمَاوَرْدِيُّ وَنَاهِيكَ بِهِ: مَنْ نَقَلَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ فَقَدْ وَهَمَ وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ اخْتَلَفَ جَوَابُهُ فَقَالَ مَرَّةً بِالصِّحَّةِ، وَهِيَ الَّتِي اُشْتُهِرَتْ عَنْهُ، وَقَالَ مَرَّةً بِالْبُطْلَانِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِاخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ الْخُوَارِزْمِيُّ فِي كَافِيهِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ وَلَمْ يُعْرَفْ الْمُتَأَخِّرُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ وَجَبَ الْقَوْلُ بِتَسَاقُطِهِمَا وَالرُّجُوعِ إلَى مَرْجِعٍ آخَرَ، وَلَا ذَكَرَ لَهُمْ أَيْضًا قَوْلَ ابْنِ الصَّبَّاغِ فِي كِتَابِهِ الشَّامِلِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَجَلِّ كُتُبِ الْمَذْهَبِ أَخْطَأَ مَنْ لَمْ يُوقِعْ الطَّلَاقَ خَطَأً ظَاهِرًا، وَلَيْسَ هُوَ بِمَذْهَبٍ لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلَا ذَكَرَ لَهُمْ أَيْضًا. قَوْلَ الْغَزَالِيِّ فِي كِتَابِهِ الَّذِي رَجَعَ فِيهِ عَنْ الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ فَقَدْ قَالَ فِي أَوَّلِهِ دَخَلْت بَغْدَادَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَتَوَاتَرَتْ عَلَيَّ الْأَسْئِلَةُ عَنْ دَوْرِ الطَّلَاقِ وَرَأَيْت أَكْثَرَهُمْ.

قَدْ أَطْبَقَ عَلَى إبْطَالِ الدَّوْرِ وَتَشْدِيدِ النَّكِيرِ عَلَى مَنْ يُصَحِّحُ الدَّوْرَ وَيَحْسِمُ بِهِ بَابَ الطَّلَاقِ مُعَوِّلِينَ فِيهِ عَلَى اعْتِرَاضَاتٍ ضَعِيفَةٍ قَاصِرَةٍ عَنْ إبْطَالِ عُمْدَةِ الْقَوْلِ بِالدَّوْرِ فَابْتَدَأْت فِي تِلْكَ الْمُنَاظَرَاتِ لِأُبْطِلَ اعْتِرَاضَاتِهِمْ الْفَاسِدَةِ وَصَنَّفْت فِيهِ كِتَابًا سَمَّيْته غَايَةُ الْغَوْرِ فِي نِهَايَةِ الدَّوْرِ مُشْتَمِلًا عَلَى تَزْيِيفِ تِلْكَ الِاعْتِرَاضَاتِ وَمُهَيِّئًا لِلْكَلَامِ فِيهِ إلَى أَقْصَى الْغَايَاتِ. ثُمَّ انْتَشَرَ ذَلِكَ الْكِتَابُ فِي الْأَمْصَارِ وَاسْتَطَارَ الْفَتْوَى بِصِحَّةِ الدَّوْرِ مِنِّي فِي الْأَقْطَارِ، ثُمَّ اتَّفَقَ لِي بَعْدَ ذَلِكَ فِكْرَةٌ فِي حَقِيقَةِ الدَّوْرِ فَاطَّلَعْت فِيهِ عَلَى غَوْرٍ وَتَغَيَّرَ شَبَهُ الِاجْتِهَادِ وَرَأَيْت إيقَاعَ الطَّلَاقِ بَعْدَ الدَّوْرِ أَقْرَبَ إلَى السَّدَادِ لِمَا سَنَذْكُرُهُ فِي الدَّوْرِ مِنْ الْفَسَادِ الْمَانِعِ مِنْ الِاعْتِقَادِ، فَلَمْ أَجِدْ بُدًّا مِنْ إثْبَاتِ ذَلِكَ لِنُعَوِّلَ عَلَيْهِ لَا عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ الْفَتْوَى قَبْلَهُ. فَذَلِكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا وَهَذَا عَلَى مَا نَقْضِي وَعَلَى التَّخْمِينِ وَالِاجْتِهَادِ تُبْنَى فِقْهِيَّاتُ الْمَسَائِلِ، وَالرُّجُوعُ إلَى الْحَقِّ خَيْرٌ مِنْ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ فَأَقُولُ: لَفْظُ الْعَقْدِ إذَا اشْتَمَلَ عَلَى مُحَالٍ وَجَبَ إلْغَاؤُهُ، وَلَفْظُ الدَّوْرِ مُشْتَمِلٌ عَلَى مُحَالٍ فَيَجِبُ إلْغَاؤُهُ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ وَأَطَالَ فِيهِ فَتَأَمَّلْ كَلَامَهُ هَذَا تَجِدْهُ مُصَرِّحًا بِأَنَّ أَكْثَرَ عُلَمَاءِ بَغْدَادَ فِي زَمَنِهِ وَنَاهِيكَ بِهِمْ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ مِنْ كَثْرَةٍ وَجَلَالَةٍ عَلَى بُطْلَانِ الدَّوْرِ وَبِأَنَّهُ كَانَ ظَهَرَ لَهُ أَوَّلًا صِحَّتُهُ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ فَسَادُهُ وَبِأَنَّ فَسَادَهُ هُوَ الْحَقُّ وَصِحَّتَهُ هِيَ الْبَاطِلُ لِقَوْلِهِ: وَالرُّجُوعُ إلَى الْحَقِّ خَيْرٌ مِنْ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ. وَلَا ذَكَرَ لَهُمْ أَيْضًا قَوْلَ الْمُتَوَلِّي وَنَاهِيكَ بِجَلَالَتِهِ إنْ كُنْت جَاهِلًا بِمَقَادِيرِ الرِّجَالِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِهِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي إبْطَالِ الدَّوْرِ وَلَفْظِهِ بَعْدَ الْخُطْبَةِ لَمَّا ظَهَرَ مَيْلُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَرَضِيَ عَنْهُ إلَى مَسْأَلَةٍ تُعْرَفُ بِالْيَمِينِ الدَّائِرَةِ، وَانْتَشَرَ ذَلِكَ بَيْنَ الْعَوَامّ الْهَمَجِ فَصَارَ يَلْقَفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الْأَسْوَاقِ وَيُفْتِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بَعْدَهَا وَنُسِبَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَى الرَّفْضِ لَمَّا وَقَعَ فِي لِسَانِ الْعَامَّةِ أَنَّ عِنْدَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ عَلَى النِّسَاءِ، وَصَارَ ذَلِكَ شَنَاعَةً فِي الْمَذْهَبِ وَاَلَّذِينَ ذَهَبُوا إلَى هَذَا مِنْ قُدَمَاءِ أَصْحَابِنَا لَمْ يَكُونُوا يُظْهِرُونَ ذَلِكَ لِلْعَوَامِّ لِمَا فِيهِ مِنْ الشَّنَاعَةِ سَأَلَنِي بَعْضُ أَصْحَابِي أَنْ أَبْسُطَ الْكَلَامَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَكْشِفَ عَنْ الشُّبْهَةِ فِيهَا وَأُظْهِرَ الطَّرِيقَ الْمُسْتَقِيمَ فَأَجَبْته مُسْتَعِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ خَيْرُ مُوَفِّقٍ وَمُعِينٍ. ثُمَّ ذَكَرَ الدَّوْرَ وَأَطَالَ فِي بَيَانِ بُطْلَانِهِ وَمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ مِمَّا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَعْضُهُ، فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَرَضِيَ عَنْهُ وَجَزَاهُ خَيْرًا -: وَانْتَشَرَ ذَلِكَ بَيْنَ الْعَوَامّ الْهَمَجِ، تَجِدْهُ مُصَرِّحًا بِأَنَّهُ لَا يَتَجَاسَرُ عَلَى الْإِفْتَاءِ بِتَصْحِيحِ الدَّوْرِ إلَّا عَوَامُّ الْأَسْوَاقِ الَّذِينَ لَا يُعْبَأُ بِهِمْ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِمْ، وَلَعَلَّ هَذَا الزَّهْرَانِيَّ مِنْ أُولَئِكَ الْعَوَامّ فَإِنَّ كَلَامَ الْمُتَوَلِّي هَذَا مُنْطَبِقٌ عَلَيْهِ وَعَلَى شَيْخِهِ. وَتَأَمَّلْ أَيْضًا الْفَسَادَ الَّذِي انْجَرَّ إلَى بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ بِسَبَبِ أُولَئِكَ الْعَوَامّ فَإِنَّهُمْ لَمَّا أَشَاعُوا ذَلِكَ فِي الْأَسْوَاقِ وَغَيْرِهَا صَارَ النَّاسُ يَعْتَقِدُونَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَجِلَّاءِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمْ أَرْفَاضٌ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الْقَوْلِ بِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ عَلَى النِّسَاءِ إنَّمَا يُعْزَى إلَى الْأَرْفَاضِ بَلْ إلَى النَّصَارَى كَمَا يَأْتِي. فَقَاتَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أُولَئِكَ الْعَوَامَّ وَمَنْ فَعَلَ فِعْلَهُمْ الْقَبِيحَ. كَهَذَا الرَّجُلُ وَشَيْخُهُ فَإِنَّهُمْ سَلَّطُوا الْخَاصَّةَ وَالْعَامَّةَ عَلَى الْخَوْضِ فِي الِاعْتِرَاضِ عَلَى الْأَئِمَّةِ الْأَكَابِرِ بِمَا هُمْ بَرِيئُونَ مِنْهُ فَمَعَاذَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَفُرْسَانُ مَيْدَانِهَا أَنْ يُتَوَهَّمَ فِيهِمْ ذَلِكَ لَكِنَّ الْإِثْمَ الْعَظِيمَ وَالْعِقَابَ الْأَلِيمَ إنَّمَا هُوَ عَلَى أُولَئِكَ الْعَوَامّ وَمَنْ تَبِعَهُمْ وَشَابَهَهُمْ، حَيْثُ جَعَلُوا أَئِمَّةَ الدِّينِ وَعُلَمَاءَ الْمُسْلِمِينَ هَدَفًا وَعُرْضَةً لِإِلْحَاقِ النَّقَائِصِ الْقَبِيحَةِ بِهِمْ وَلِلْخَوْضِ فِي أَعْرَاضِهِمْ الزَّكِيَّةِ الطَّاهِرَةِ بِالثَّلْبِ وَالسَّبِّ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ - بِالضَّرُورَةِ الَّتِي لَا تَخْفَى عَلَى أَحَدٍ - مُعَادٍ لَهُمْ، وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ» أَيْ: أَعْلَمْته أَنِّي مُحَارِبٌ لَهُ، وَمَنْ حَارَبَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يُفْلِحُ أَبَدًا، بَلْ قَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ: إنَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِسُوءِ الْخَاتِمَةِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. هَذَا فِيمَنْ عَادَى وَلِيًّا فَكَيْفَ بِمَنْ عَادَى أَوْلِيَاءً كَثِيرِينَ. وَتَأَمَّلْ أَيْضًا قَوْلَ الْمُتَوَلِّي: وَاَلَّذِينَ ذَهَبُوا إلَى هَذَا الْمَذْهَبِ مِنْ قُدَمَاءِ

أَصْحَابِنَا لَمْ يَكُونُوا يُظْهِرُونَ ذَلِكَ لِلْعَوَامِّ لِمَا فِيهِ مِنْ الْبَشَاعَةِ تَجِدُهُ صَرِيحًا أَيْضًا فِي امْتِنَاعِ إظْهَارِ ذَلِكَ لِلْعَوَامِّ وَلَوْ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِهَذَا أَيْضًا قَوْلُ الرُّويَانِيِّ مَعَ أَنَّهُ مِنْ الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَلَا وَجْهَ لِتَعْلِيمِ الْعَوَامّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِفَسَادِ الزَّمَانِ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ كَالرَّوْضَةِ يَحْرُمُ التَّسَاهُلُ فِي الْفَتْوَى، وَمَنْ عُرِفَ بِهِ يَحْرُمُ اسْتِفْتَاؤُهُ فَمِنْ التَّسَاهُلِ أَنْ لَا يَتَثَبَّتَ وَيُسْرِعُ بِالْفَتْوَى قَبْلَ اسْتِيفَاءِ حَقِّهَا مِنْ النَّظَرِ وَالْفِكْرِ ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ التَّسَاهُلِ أَنْ تَحْمِلَهُ الْأَغْرَاضُ الْفَاسِدَةُ عَلَى تَتَبُّعِ الْحِيَلِ الْمُحَرَّمَةِ أَوْ الْمَكْرُوهَةِ وَالتَّمَسُّكِ بِالشُّبْهَةِ طَلَبًا لِلتَّرْخِيصِ لِمَنْ يَرُومُ نَفْعَهُ، أَوْ التَّغْلِيظِ عَلَى مَنْ يُرِيدُ ضُرَّهُ ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ الْحِيلَةِ الَّتِي فِيهَا شَبَهٌ وَيُذَمُّ فَاعِلُهَا الْحِيلَةُ السُّرَيْجِيَّةُ فِي سَدِّ بَابِ الطَّلَاقِ. اهـ. فَتَأَمَّلْ عِبَارَتَهُ هَذِهِ تَجِدْهَا صَرِيحَةً فِي مَنْعِ هَذَا الزَّهْرَانِيِّ مِنْ الْإِفْتَاءِ لَوْ كَانَ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ فَكَيْفَ وَهُوَ عَامِّيٌّ صِرْفٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَظْهَرَ هَذِهِ الْحِيلَةَ لِلْعَوَامِّ وَعَلَّمَهَا لَهُمْ وَأَمَرَهُمْ بِرَدِّ نِسَائِهِمْ بَعْدَ حِنْثِهِمْ فِيهِنَّ بِالثَّلَاثِ فَعَلَيْهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَا يَسْتَحِقُّهُ وَلَوْ ذَكَرَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي ذَمِّ الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ لِلْعَوَامِّ لَمْ يَتْبَعْهُ أَحَدٌ فِيهَا، وَمِمَّنْ ذَمَّهَا أَيْضًا وَبَالَغَ فِي تَخْطِئَةِ الْقَائِلِينَ بِهَا الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. وَنَاهِيك بِهِ جَلَالَةً وَمِنْ ثَمَّ لُقِّبَ بِسُلْطَانِ الْعُلَمَاءِ وَعِبَارَتُهُ كَمَا حَكَاهُ تِلْمِيذُهُ الْإِمَامُ الْقَرَافِيُّ عَنْهُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا يَصِحُّ فِيهَا التَّقْلِيدُ وَالتَّقْلِيدُ فِيهَا فُسُوقٌ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يُنْقَضُ إذَا خَالَفَ أَحَدَ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: الْإِجْمَاعَ، أَوْ النَّصَّ، أَوْ الْقَوَاعِدَ، أَوْ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ وَمَا لَا نُقِرُّهُ شَرْعًا إذَا تَأَكَّدَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَنَنْقُضُهُ فَأَوْلَى فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ فِي غَيْرِ شَرْعٍ هَلَاكٌ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُخَالِفَةٌ لِلْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يَصِحُّ التَّقْلِيدُ فِيهَا. قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَهَذَا بَيَانٌ حَسَنٌ ظَاهِرٌ. اهـ. وَأَقَرَّهُمَا عَلَى ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَمِمَّنْ بَالَغَ فِي ذَمِّهَا أَيْضًا الْإِمَامُ ابْنُ الصَّلَاحِ فَإِنَّهُ جَعَلَهَا فِي فَتَاوِيهِ مِمَّا وَدَّ لَوْ مُحِيَتْ مِنْ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ، وَلَمَّا سُئِلَ عَنْ اخْتِيَارِ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ فِيهِ صِحَّةَ الدَّوْرِ تَبَعًا لِابْنِ سُرَيْجٍ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: ابْنُ سُرَيْجٍ بَرِيءٌ مِمَّا نُسِبَ إلَيْهِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الطَّوَائِفُ مِنْ أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ وَجَمَاهِيرِ أَصْحَابِنَا إبْطَالُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَنْسَدُّ بَابُ الطَّلَاقِ بَلْ يَقَعُ فِي كَمِّيَّةِ الْوَاقِعِ مِنْهَا. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْخَادِمِ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ: إنَّ الْقَوْلَ بِانْسِدَادِ بَابِ الطَّلَاقِ قَوْلٌ بَاطِلٌ فَإِنَّ الطَّلَاقَ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ فِي كُلِّ نِكَاحٍ وَمَا مِنْ نِكَاحٍ إلَّا وَيُمْكِنُ فِيهِ الطَّلَاقُ قَالَ وَسَبَبُ الْغَلَطِ أَنَّهُمْ اعْتَقَدُوا صِحَّةَ هَذَا الْكَلَامِ فَقَالُوا: إذَا وَقَعَ الْمُنَجَّزُ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ. وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ وُقُوعَ طَلْقَةٍ مَسْبُوقَةٍ بِثَلَاثٍ وَوُقُوعُ طَلْقَةٍ مَسْبُوقَةٍ بِثَلَاثٍ مُمْتَنِعٌ فِي الشَّرِيعَةِ فَإِنَّ الْكَلَامَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى ذَلِكَ بَاطِلٌ وَإِذَا كَانَ بَاطِلًا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ وُقُوعِ الْمُنَجَّزِ وُقُوعُ الْمُعَلَّقِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ إذَا كَانَ التَّعْلِيقُ صَحِيحًا. قَالَ: وَمَا أَدْرِي هَلْ اسْتَحْدَثَ ابْنُ سُرَيْجٍ هَذَا لِلِاحْتِيَالِ عَلَى وُقُوعِ الطَّلَاقِ، أَوْ قَالَهُ مِنْ طُرُقِ الْقِيَاسِ اعْتَقَدَ صِحَّتَهُ وَاحْتَالَ بِهَا مَنْ بَعْدَهُ. وَالظَّاهِرُ الثَّانِي. اهـ. وَقَالَ فِي الْخَادِمِ أَيْضًا: وَبَالَغَ السُّرَيْجِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ الْقَوْلُ بِانْسِدَادِ بَابِ الطَّلَاقِ يُشْبِهُ مَذْهَبَ النَّصَارَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الزَّوْجَ إيقَاعُ طَلَاقٍ عَلَى زَوْجَتِهِ مُدَّةَ عُمُرِهِ. إذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتُ فَلْتَرْجِعْ إلَى الْكَلَامِ عَلَى الْجَوَابِ عَلَى هَذَا الزَّهْرَانِيِّ وَنَبْنِي عَلَى مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ الْمُجَازَفَاتِ وَالْجَهَالَاتِ وَالتَّنَاقُضَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى سُوءِ فَهْمِهِ وَقِلَّةِ عِلْمِهِ، بَلْ وَعَلَى إفْرَاطِهِ فِي الْجَهْلِ وَالتَّسَاهُلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْقَبَائِحِ الَّتِي سَتَتَّضِحُ فَنَقُولُ: قَوْلُهُ عَنْ جَوَابِ الْمُفْتِي الَّذِي جَاءَهُ مِنْ مَكَّةَ أَنَّ فِيهِ مَنْ أَلْقَى عَلَى زَوْجَتِهِ بِمَسْأَلَةِ الدَّوْرِ أَنَّهَا تَطْلُقُ بِنَفْسِ الْإِلْقَاءِ كَلَامٌ كَذِبٌ وَبُهْتَانٌ وَلَا يَتَوَهَّمُ هَذَا مَنْ لَهُ أَدْنَى إلْمَامٍ بِفِقْهِ الشَّافِعِيَّةِ كَيْفَ وَذَلِكَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْمُخْتَصَرَاتِ فَضْلًا عَنْ الْمُطَوَّلَاتِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى جَهْلِهِ قَوْلُهُ عَنْ شَيْخِهِ مُرَادُ النَّوَوِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ الطَّلَاقِ طَلُقَتْ وَلَا تَطْلُقُ بِنَفْسِ الْإِلْقَاءِ فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا جَهْلٌ إذْ لَا يُقَالُ الْمُرَادُ كَذَا إلَّا إذَا دَلَّتْ الْعِبَارَةُ عَلَى خِلَافِهِ وَعِبَارَةُ النَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ مُجَرَّدَ التَّعْلِيقِ لَا يَقَعُ بِهِ شَيْءٌ وَقَدْ صُرِّحَ بِذَلِكَ حَتَّى فِي الْمِنْهَاجِ الَّذِي سَاقَ هَذَا الزَّهْرَانِيُّ عِبَارَتَهُ فَقَوْلُهُ: فَطَلَّقَهَا وَقَعَ الْمُنَجَّزُ فَعِنْدَ ذَلِكَ عَزَلُوا النِّسَاءِ عَنْ

أَزْوَاجِهِنَّ كَذِبٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ الَّذِي جَاءَهُمْ فِيهِ أَنَّ مَنْ عَلَّقَ بِمَسْأَلَةِ الدَّوْرِ ثُمَّ حَنِثَ يَقَعُ عَلَيْهِ مَا أَوْقَعَهُ فَكَيْفَ يَتَوَهَّمُونَ مِنْهُ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِنَفْسِ الْإِلْقَاءِ وَيَعْزِلُونَ مَنْ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِمْ حِنْثٌ مِنْهُمْ؟ وَقَوْلُهُ: فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَعَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى خَاطِرِ ابْنِ سُرَيْجٍ اسْتِظْهَارًا. . . إلَخْ بَاطِلٌ لِأَمْرَيْنِ أَمَّا أَوَّلًا فَمَنْ ذَا الَّذِي أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ لَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ بِالْكَلَامِ فِيهَا وَأَنَّى لَهُ مَعَ جَهْلِهِ بِالتَّجَاسُرِ عَلَى ذَلِكَ؟ وَفِي مَتْنِ الْأَنْوَارِ كَالْعَزِيزِ: أَنَّ الْقَوْلَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ مَذْهَبُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الصَّحَابِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِدَلَالَةٍ وَقَعَتْ عَلَى خَاطِرِ ابْنِ سُرَيْجٍ اسْتِظْهَارًا عَلَى مَزِيدِ جَهْلٍ هَذَا الزَّهْرَانِيِّ وَأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِمَا لَا يَفْهَمُهُ، وَلَا يَدْرِي مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا خِبْرَةَ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ قَوَاعِدِ الْفِقْهِ، وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ أُصُولِهِ، وَأَنَّهُ يَتَكَلَّمَ بِالْهَذَيَانِ لَكِنْ لَا يُتَعَجَّبُ إلَّا إذَا صَدَرَ ذَلِكَ مِمَّنْ لَهُ إلْمَامٌ بِشَيْءٍ مِنْ الْعُلُومِ، وَأَمَّا الْجَاهِلُ بِهَا جُمْلَةً كَافِيَةً كَهَذَا الزَّهْرَانِيِّ فَلَا يُتَعَجَّبُ مِنْ صُدُورِ مِثْلِ ذَلِكَ مِنْهُ، وَبَيَانُ مَا فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنْ الْفَسَادِ وَالتَّنَاقُضِ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ بِوُقُوعِهَا عَلَى خَاطِرِ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ بِهَا، وَإِنَّمَا أُلْهِمَهَا، وَأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ مُسْتَنِدًا إلَى دَلِيلٍ دَلَّ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا أُلْهِمَ حُكْمَهَا بِأَنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ مَا تَبَلَّجَ لَهُ صَدْرُهُ إذْ هَذَا هُوَ حَقِيقَةُ الْإِلْهَامِ كَانَ خَطَأً مِنْ هَذَا الزَّهْرَانِيِّ وَجَهْلًا وَسَفَاهَةً؛ لِأَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ نَفْسَهُ، وَغَيْرَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْإِلْهَامَاتِ مِنْ غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُعْمَلُ بِهَا فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ إذْ هِيَ لَا تُبْنَى عَلَى الْخَوَاطِرِ وَالْإِلْهَامَاتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ حَتَّى شُرَّاحُ الْمِنْهَاجِ فِي أَوَائِلِ الطَّهَارَةِ، وَإِنَّمَا أَسْنَدْت التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ إلَى هَذَا الْبَابِ؛ لِأَنَّهُ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُتَفَقِّهٍ، وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ هَذَا الزَّهْرَانِيَّ لَمْ يَقْرَأْ، مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ بَابَ الطَّهَارَةِ فَضْلًا عَمَّا بَعْدَهُ، عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَنَاقُضٌ آخَرُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَيْهَا فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَعَتْ عَلَى خَاطِرِ ابْنِ سُرَيْجٍ هَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الزَّهْرَانِيَّ يَكْتُبُ مَا لَا يَفْهَمُهُ، وَلَا يَتَصَوَّرُهُ إذْ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْعِبَارَتَيْنِ الْمُتَنَاقِضَتَيْنِ تَنَاقُضًا ظَاهِرًا لَا يَخْفَى عَلَى مُتَعَلِّمٍ إلَّا مَنْ أَفْرَطَ جَهْلُهُ وَقَلَّ عَقْلُهُ، وَهُمَا قَوْلُهُ: وَقَعَتْ عَلَى خَاطِرِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَقَوْلُهُ: نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَإِنْ أَرَادَ بِوُقُوعِهَا عَلَى خَاطِرِهِ أَنَّهُ اسْتَنْبَطَهَا مِنْ دَلِيلٍ كَانَ تَعْبِيرُهُ بِقَوْلِهِ: وَقَعَتْ عَلَى خَاطِرِهِ خَطَأً إذْ لَا يُقَالُ فِي الْأَحْكَامِ الَّتِي يَسْتَنْبِطُهَا الْمُجْتَهِدُ مِنْ الْأَدِلَّةِ إنَّهَا وَقَعَتْ عَلَى خَاطِرِهِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي الْإِلْهَامَاتِ، وَقَوْلُهُ اسْتِظْهَارًا خَطَأٌ مِنْهُ أَيْضًا إذْ الِاسْتِظْهَارُ طَلَبُ ظُهُورِ الْأَمْرِ وَانْجِلَائِهِ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْفُقَهَاءُ يُعَبِّرُونَ بِهِ عَنْ الِاحْتِيَاطِ. وَمَعْلُومٌ مِمَّا قَدَّمْتُهُ مَبْسُوطًا وَمَا يَأْتِي أَنَّهُ لَا احْتِيَاطَ فِي تَصْحِيحِ الدَّوْرِ، وَإِنَّمَا الِاحْتِيَاطُ فِي بُطْلَانِهِ إذْ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّوَائِفُ مِنْ سَائِرِ الْمَذَاهِبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ أَصْحَابِنَا كَمَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ فِي تَصْحِيحِهِ احْتِيَاطٌ لَمْ يُبَالِغْ الْعُلَمَاءُ فِي ذَمِّهِ وَتَخْطِئَةِ الْقَائِلِينَ بِهِ كَمَا قَدَّمْت لَك ذَلِكَ عَنْهُمْ مَبْسُوطًا ثُمَّ جَزْمُهُ بِنِسْبَتِهَا لِابْنِ سُرَيْجٍ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى قُصُورِ نَظَرِهِ لِمَا مَرَّ لَك أَنَّ الْأَئِمَّةَ اخْتَلَفُوا فِي نِسْبَةِ ذَلِكَ إلَيْهِ وَأَنَّ الْمَاوَرْدِيُّ خَطَّأَ مَنْ نَسَبَهَا إلَيْهِ، وَالْحَقُّ أَنَّ جَوَابَهُ اخْتَلَفَ فِيهَا فَقَالَ مَرَّةً بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَهُوَ الَّذِي اُشْتُهِرَ عَنْهُ عَنْ جَمَاعَةٍ، وَمَرَّةً قَالَ بِبُطْلَانِهِ مُوَافَقَةً لِجَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ وَلِعُلَمَاءِ بَقِيَّةِ الْمَذَاهِبِ، وَقَوْلُهُ: وَأَمَّا مَنْ صَحَّحَ مَسْأَلَةَ الدَّوْرِ فَهُمْ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَالْأَكْثَرُ فَهُوَ - وَإِنْ قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ وَمَنْ تَبِعْهُ كَالْفَتَى فِي مُخْتَصَرِهَا وَغَيْرِهِ - مَرْدُودٌ بَلْ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَالْأَكْثَرُونَ حَتَّى مِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى بُطْلَانِ الدَّوْرِ كَمَا قَدَّمْت ذَلِكَ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَهُوَ أَجَلُّ مِنْ الْإِسْنَوِيِّ وَجَمِيعِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ فَلَا يُلْتَفَتُ لِكَلَامِ هَؤُلَاءِ مَعَ كَلَامِهِ وَعِبَارَتِهِ كَمَا مَرَّ. وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الطَّوَائِفُ مِنْ أَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ وَجَمَاهِيرِ أَصْحَابِنَا أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَنْسَدُّ بَابُ الطَّلَاقِ بَلْ يَقَعُ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ: وَجَمَاهِيرُ أَصْحَابِنَا تَعْلَمْ بِهِ بُطْلَانَ قَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ: إنَّ الْقَوْلَ بِالِانْسِدَادِ هُوَ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ، وَمِمَّا يُبْطِلُهُ أَيْضًا أَنَّ ابْنَ يُونُسَ فِي شَرْحِ التَّعْجِيزِ نَقَلَ الْقَوْلَ بِوُقُوعِ الْمُنَجَّزِ عَنْ أَكْثَرِ النَّقَلَةِ وَنَاهِيكَ بِابْنِ يُونُسَ هَذَا فَإِنَّهُ قِيلَ فِيهِ: إنَّهُ بَلَغَ مَرْتَبَةَ أَصْحَابِ الْأَوْجُهِ وَلَهُ مِنْ الْإِحَاطَةِ بِكَلَامِ الْأَصْحَابِ مَا لَيْسَ لِلْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ وَإِذَا تَعَارَضَ نَاقِلَانِ ثِقَتَانِ فِي شَيْءٍ كَانَ

الرُّجُوعُ لِلْأَعْلَمِ أَوْلَى وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ تَعَارَضَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ الْإِسْنَوِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ مَعَ ابْنِ الصَّلَاحِ وَابْنِ يُونُسَ وَهُمَا أَجَلُّ وَأَدْرَى وَأَحْفَظُ وَأَثْبَتُ وَأَعْلَمُ مِنْ الْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ فَوَجَبَ تَقْدِيمُ مَا قَالَاهُ عَلَى مَا قَالَهُ غَيْرُهُمَا فَإِنْ قُلْت يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَنَّ الْإِمَامَ وَنَاهِيكَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَجَلِّ أَوْ أَجْمَلِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ نَقَلَ الْقَوْلَ بِانْسِدَادِ بَابِ الطَّلَاقِ عَنْ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ وَفِي الْبَيَانِ أَنَّهُ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ قُلْت: مَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ الْأَئِمَّةِ فِي مُتَفَرِّقَاتِ تَصَرُّفَاتِهِمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ قَدْ يَنْقُلُ شَيْئًا عَنْ الْأَصْحَابِ، أَوْ مُعْظَمِهِمْ، أَوْ الْأَكْثَرِينَ وَيُرِيدُ بِذَلِكَ الْأَصْحَابَ، أَوْ مُعْظَمَهُمْ، أَوْ الْأَكْثَرِينَ مِنْ أَهْلِ طَرِيقَتِهِ كَالْخُرَاسَانِيِّ ن، أَوْ الْعِرَاقِيِّينَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ نَسَبَهُ إلَى جُمْهُورِ الْخُرَاسَانِيِّينَ فَافْهَمْ أَنَّ بَقِيَّةَ الْأَصْحَابِ مَا عَدَا جُمْهُورَ الْخُرَاسَانِيِّينَ عَلَى الْقَوْلِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا عَدَا جُمْهُورَ الْخُرَاسَانِيِّينَ مِنْ الْأَصْحَابِ أَكْثَرُ مِنْهُمْ بِكَثِيرٍ، نَعَمْ وَافَقَ جُمْهُورَ الْخُرَاسَانِيِّينَ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَمَعَ ذَلِكَ فَهَذَا لَا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَكْثَرِينَ مِنْ سَائِرِ طُرُقِ الْأَصْحَابِ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَاتُ الَّتِي ذَكَرْتهَا عَنْ الْإِمَامِ وَمَنْ بَعْدَهُ يُمْكِنُ تَأْوِيلُهَا بِنَحْوِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ: جَمَاهِيرُ أَصْحَابِنَا عَلَى الْوُقُوعِ وَقَوْلُ ابْنِ يُونُسَ أَكْثَرُ النَّقَلَةِ عَلَى الْوُقُوعِ فَلَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُمَا؛ لِأَنَّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ وَأَمْثَالَهُمَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا طَرِيقَةَ يَنْفَرِدُونَ بِالنَّقْلِ عَنْ أَهْلِهَا وَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُونَ عَلَى سَائِرِ الطُّرُقِ يَنْقِلُونَ عَنْ أَرْبَابِهَا بِخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ فَإِنَّ لِكُلِّ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ طَرِيقَةً مُنْفَرِدَةً لَا يَتَكَلَّمُونَ عَلَى مَا سِوَاهَا وَلَا يَنْقُلُونَ عَنْ غَيْرِ أَهْلِهَا إلَّا نَادِرًا فَكَانَ كَلَامُ ابْنِ الصَّلَاحِ وَابْنِ يُونُسَ أَقْرَبَ إلَى إرَادَةِ الْأَكْثَرِينَ فِي سَائِرِ الطُّرُقِ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ وَمَنْ ذَكَرْته مَعَهُ وَإِذَا كَانَ كَلَامُهُمَا كَذَلِكَ كَمَا بَانَ وَظَهَرَ لَك وَجْهُهُ كَانَ أَوْلَى بِالِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ النَّقْلُ فَإِنْ قُلْت: الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَيْضًا قَدْ نَقَلُوا عَنْ الْأَكْثَرِينَ صِحَّةَ الدَّوْرِ فَلِمَ لَا يُعْتَمَدُ نَقْلُهُمْ سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ الْمَنْسُوبَ لِلْأَكْثَرِينَ فِي الطَّرِيقَيْنِ صِحَّةُ الدَّوْرِ قُلْت: لَمَّا عَارَضَهُمْ فِي النَّقْلَ عَنْ الْأَكْثَرِينَ مَنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْهُمْ قَدْرًا وَعِلْمًا وَحِفْظًا وَخِبْرَةً بِالْمَذْهَبِ وَدِرَايَةً بِطُرُقِهِ كَانَ الرُّجُوعُ إلَى الْأَجَلِّ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَحَقَّ وَأَوْلَى. وَتَأَمَّلْ قَوْلَ الْأَذْرَعِيِّ الْمَنْسُوبَ إلَى الْأَكْثَرِينَ تَجِدْهُ كَالْمُتَبَرِّي مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى صِحَّةِ الدَّوْرِ وَصَحَّحَ الشَّيْخَانِ بُطْلَانَهُ كَانَ الرُّجُوعُ إلَيْهِمَا وَاجِبًا مُتَعَيَّنًا إذْ الْمَدَارُ عَلَيْهِمَا فِي التَّرْجِيحِ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِمَا فِي التَّصْحِيحِ أَمْرٌ لَازِمٌ وَقَوْلٌ جَازِمٌ وَكَمْ مِنْ مَسْأَلَةٍ خَالَفَا فِيهَا الْأَكْثَرِينَ بِاتِّفَاقِ النَّقَلَةِ وَمَعَ ذَلِكَ يَكُونُ الرَّاجِحُ مَا قَالَاهُ وَرَجَّحَاهُ بَلْ يَقَعُ لَهُمَا فِي مَوَاضِعَ أَنَّهُمَا يَنْقُلَانِ حُكْمًا عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَيُصَرِّحَانِ بِأَنَّ عَلَيْهِ الْأَكْثَرِينَ وَمَعَ ذَلِكَ يُخَالِفَانِهِ وَيُرَجِّحَانِ سِوَاهُ وَيَكُونُ الْحَقُّ مَا رَجَّحَاهُ وَمِنْ ذَلِكَ مَا وَقَعَ لَهُمَا فِي الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُمَا نَقَلَا حُكْمًا عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَنَقَلَا عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ مُقَابِلَهُ ثُمَّ قَالَا: وَالْحَقُّ وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَوَافَقَهُمَا عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِيمَا أَحْسَبُ، إذْ مَا قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ فِي ذَلِكَ غَايَةُ الْإِشْكَالِ لَا يُفْهَمُ لَهُ وَجْهٌ إلَّا بَعْدَ مَزِيدِ تَأَمُّلٍ وَتَدَبُّرٍ، وَقَدْ أَشَرْت إلَى جَمِيعِ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ شَرْحِ الْعُبَابِ فَإِنْ أَرَدْت تَحْقِيقَ ذَلِكَ فَعَلَيْك بِهِ مِنْ مَظِنَّتِهِ ثَمَّ وَبَيَّنْت أَيْضًا الرَّدَّ عَلَى الْأَكْثَرِينَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِمَّنْ يَعْتَرِضُونَ عَلَى الشَّيْخَيْنِ بِمُخَالَفَتِهِمَا لِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الِاعْتِرَاضَ بِذَلِكَ عَلَيْهِمَا لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ إلَّا الْمُقَلِّدُ الصِّرْفُ الْقَاصِرُ عَنْ رُتْبَةِ التَّرْجِيحِ وَالتَّصْحِيحِ، وَأَمَّا مَنْ وَصَلَ لِتِلْكَ الْمَرْتَبَةِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ وَبَيَّنْت ثَمَّ أَيْضًا الرَّدَّ عَلَى صَاحِبِ الْعُبَابِ فِي مُخَالَفَتِهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ تَبَعًا لِلْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ يَعْتَرِضُونَ عَلَيْهِمَا بِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ وَقَدْ أَشَارَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ أَيْضًا إلَى الرَّدِّ عَلَى الْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ فِي الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِمَا بِذَلِكَ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى صِحَّةِ الدَّوْرِ وَرَجَّحَ الشَّيْخَانِ بُطْلَانَهُ كَانَ الرُّجُوعُ إلَيْهِمَا حَتْمًا لَازِمًا فَكَيْفَ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى مَا رَجَّحَاهُ كَمَا قَدَّمْته

لَك وَاضِحًا مُبَيَّنًا مَبْسُوطًا مِمَّا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فِي الْبَيَانِ وَالْوُضُوحِ وَمِمَّا يَزِيدُهُ بَيَانًا وَوُضُوحًا أَنِّي أُعَدِّدُ لَك الْقَائِلِينَ بِكُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ بِحَسَبِ مَا رَأَيْت فِي كُتُبِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَانْظُرْ عَدَدَ كُلٍّ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ بَعْدَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ قَوْلَ هَذَا الزَّهْرَانِيِّ إنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ عَلَى صِحَّةِ الدَّوْرِ كَذِبٌ بَاطِلٌ صُرَاحٌ لَا سَنَدَ لَهُ فِيهِ وَلَا سَلَفَ إلَّا تَجَرِّيهِ عَلَى الْكَذِبِ وَالتَّسَاهُلِ فَإِنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ مِنْ سَائِرِ الْمَذْهَبِ غَيْرِ مَذْهَبِنَا عَلَى فَسَادِ الدَّوْرِ وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ كَيْفَ وَشَنَّعَ عَلَى الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَلَوْ كَانَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى صِحَّتِهِ لَمْ يُشَنِّعْ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَذَاهِبِ عَلَى الْقَائِلِ بِذَلِكَ وَقَدْ نَقَلَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ الِاتِّفَاقَ عَلَى فَسَادِ الدَّوْرِ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخِلَافُ عَنْهُمْ فِي وُقُوعِ الثَّلَاثِ وَالْمُنَجَّزِ وَحْدَهُ، وَفِي مُغْنِي الْحَنَابِلَةِ لَا نَصَّ لِأَحْمَدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَالَ الْقَاضِي تَطْلُقُ ثَلَاثًا، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ تَطْلُقُ بِالْمُنَجَّزِ لَا غَيْرُ. اهـ. فَهُمَا مُتَّفِقَانِ أَيْضًا عَلَى فَسَادِ الدَّوْرِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: إنَّ عَلَيْهِ الْجُمْهُورَ يُكَذِّبُهُ فِيهِ قَوْلُهُ أَوَّلًا: إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَقَعَتْ عَلَى خَاطِرِ ابْنِ سُرَيْجٍ، وَابْنُ سُرَيْجٍ إنَّمَا جَاءَ بَعْدَ أَنْ انْقَضَتْ أَعْصُرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَبَقِيَّةِ السَّلَفِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فَكَيْفَ مَعَ ذَلِكَ يَسُوغُ لِهَذَا الْجَاهِلِ الْغَبِيِّ أَنْ يَقُولَ: إنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ عَلَى صِحَّةِ الدَّوْرِ {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16] وَإِذْ قَدْ تَبَيَّنَ لَك بُطْلَانُ قَوْلِهِ هَذَا فَلْنَعُدْ إلَى تَعَدُّدِ الْقَائِلِينَ بِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فَمِنْ الْقَائِلِينَ بِبُطْلَانِ الدَّوْرِ ابْنُ الْقَاضِي وَالشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ أُسْتَاذُ الْقَفَّالِ وَأَبُو سَعِيدٍ الْمُتَوَلِّي وَصَنَّفَ فِيهِ تَصْنِيفًا حَافِلًا أَطَالَ فِيهِ الرَّدَّ عَلَى الْقَائِلِينَ بِصِحَّتِهِ وَبَيَّنَ فِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُمْ مُخَالَفَةُ الْإِجْمَاعِ فِي صُوَرٍ كَثِيرَةٍ وَالشَّرِيفُ نَاصِرٌ الْيَعْمُرِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ فِي كِتَابِهِ الْكَافِي وَالْمَاوَرْدِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ سُرَيْجٍ وَقَالَ: مِنْ نَقَلَ عَنْهُ الْقَوْلَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ فَقَدْ وَهَمَ لَكِنْ مَرَّ أَنَّهُ اخْتَلَفَ جَوَابُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْغَزَالِيُّ فِي آخِرِ قَوْلَيْهِ وَصَنَّفَ فِيهِ تَصْنِيفًا كَمَا قَدَّمْت بَعْضَهُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلِلْغَزَالِيِّ مُصَنَّفَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ مُطَوَّلٌ فِي تَصْحِيحِ الدَّوْرِ وَمُخْتَصَرٌ فِي إبْطَالِهِ رَجَعَ عَنْ تَصْحِيحِهِ وَاعْتَذَرَ فِيهِ عَمَّا صَدَرَ مِنْهُ. اهـ. وَكَذَا الْإِمَامُ وَإِلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي شَرْحِ اللُّبَابِ وَصَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ وَالِانْتِصَارِ وَأَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخَتَنُ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَالْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَصَنَّفَ فِي ذَلِكَ تَصْنِيفًا وَالْبَغَوِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ وَابْنُ الصَّلَاحِ. فَهَؤُلَاءِ عِشْرُونَ نَفْسًا قَائِلُونَ بِبُطْلَانِ الدَّوْرِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ الْوَاقِعِ كَمَا أَشَرْتُ إلَيْهِ بِقَوْلِي وَكَذَا الْإِمَامُ. . . إلَخْ. وَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ الْغَوْرُ فِي الدَّوْرِ إنَّهُ رَأَى أَكْثَرَ عُلَمَاءِ بَغْدَادَ مُطْبِقِينَ عَلَى بُطْلَانِ الدَّوْرِ وَمُشَدِّدِينَ النَّكِيرَ عَلَى مَنْ يُصَحِّحُهُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ ذَهَبَ خَلَائِقُ مِنْ الْأَئِمَّةِ إلَى مَا اخْتَارَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ وُقُوعِ الْمُنَجَّزِ فَقَطْ وَهَذَا يُوَافِقُ قَوْلَ ابْنِ الصَّلَاحِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ أَصْحَابِنَا بُطْلَانُ الدَّوْرِ، وَقَوْلُ ابْنِ يُونُسَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ النَّقَلَةِ. وَمِنْ الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ الْمُزَنِيّ وَابْنُ سُرَيْجٍ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَدَّادِ وَالْقَفَّالَانِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ فِي بَعْضِ تَصَانِيفِهِ وَأَبُو الْمَحَاسِنِ الرُّويَانِيُّ وَأَبُو يَحْيَى الْبَصْرِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَيْضَاوِيُّ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالْإِمَامُ، وَمَرَّ أَنَّهُ اخْتَارَ الْأَوَّلَ فَلَعَلَّ كَلَامَهُ اخْتَلَفَ كَكَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ وَصَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَالْقَزْوِينِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَابْنُ أَبِي الْخَلِّ. فَهَؤُلَاءِ هُمْ الْقَائِلُونَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَالْأَوَّلُونَ أَكْثَرُ عَدَدًا مِنْ هَؤُلَاءِ بِكَثِيرٍ فَكَيْفَ مَعَ ذَلِكَ يَدَّعِي أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى صِحَّةِ الدَّوْرِ وَهَذَا مِمَّا يُعْلِمُك بِصِحَّةِ قَوْلِ ابْنِ الصَّلَاحِ: إنَّ جَمَاهِيرَ أَصْحَابِنَا عَلَى بُطْلَانِهِ وَقَوْلِ ابْنِ يُونُسَ: إنَّ أَكْثَرَ النَّقَلَةِ عَلَيْهِ، وَمَا يَرُدُّ عَلَى الْإِسْنَوِيِّ وَمِنْ تَبِعَهُ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى صِحَّةِ الدَّوْرِ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ هُمْ الَّذِينَ رَأَيْنَاهُمْ فِي كُتُبِ الشَّيْخَيْنِ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَقَدْ جَمَعْت وَتَقَصَّيْت وَتَفَحَّصْت الْكُتُبَ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا ذُكِرَ غَيْرَ هَؤُلَاءِ وَبَعْدَ أَنْ جَمَعْتهمْ عَلَى حَسَبِ الْإِمْكَانِ رَأَيْت الْقَائِلِينَ بِبُطْلَانِ الدَّوْرِ أَكْثَرَ مِنْ الْقَائِلِينَ بِصِحَّتِهِ كَمَا بَانَ لَك ذَلِكَ وَظَهَرَ مِنْ تَعْدَادِهِمْ

وَإِنَّمَا حَمَلَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ عَلَى اتِّبَاعِ الْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ فِي دَعْوَاهُ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى الْأَوَّلِ عَدَمُ إمْعَانِهِمْ فِي تَفْتِيشِ كُتُبِ النَّقَلَةِ عَنْ الْقَائِلِينَ بِكُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَلَوْ فَتَّشُوا كَمَا فَتَّشْنَا لَرَأَوْا مَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِبُطْلَانِ الدَّوْرِ أَكْثَرُ مِنْ الْقَائِلِينَ بِصِحَّتِهِ فَإِنْ قُلْت: أَتْبَاعُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ عَلَى مَقَالَتِهِ وَهُمْ كَثِيرُونَ إذْ هُوَ شَيْخُ الطَّرِيقَتَيْنِ قُلْت: أَتْبَاعُ الرَّجُلِ لَا يُعَدُّونَ مَعَهُ فَإِنَّهُمْ تَابِعُونَ وَمُقَلِّدُونَ لَهُ فِيمَا قَالَهُ مَعَهُ كَالرَّجُلِ الْوَاحِدِ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ فِي أَوَّلِ الْخَادِمِ فَظَهَرَ بِمَا قَرَّرْته أَنَّا إنْ قَابَلْنَا الرِّجَالَ بِالرِّجَالِ كَانَ الرِّجَالُ الْقَائِلُونَ بِبُطْلَانِ الدَّوْرِ أَكْثَرَ، هَذَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ مِنْ سَائِرِ الْمَذَاهِبِ - إلَّا مَنْ شَذَّ - عَلَى بُطْلَانِهِ فَكَيْفَ إذَا انْضَمَّ الْعُلَمَاءُ مِنْ سَائِرِ الْمَذَاهِبِ إلَى مَنْ قَالَ بِبُطْلَانِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَانْضَمَّ لِذَلِكَ اعْتِمَادُ الشَّيْخَيْنِ. الْمُعَوَّلُ فِي التَّرْجِيحِ وَالتَّصْحِيحِ إنَّمَا هُوَ عَلَيْهِمَا بِاتِّفَاقِ جَمِيعِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمَا إلَّا مَنْ لَا يُعْبَأُ بِهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَانْضَمَّ لِذَلِكَ أَيْضًا اعْتِمَادُ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَمُحَقِّقِيهِمْ لَهُ أَيْضًا كَمَا سَتَعْلَمُهُ فَهَلْ بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي اعْتِمَادِ الْقَوْلِ بِبُطْلَانِ الدَّوْرِ مِنْ شُبْهَةٍ اللَّهُمَّ إلَّا مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْجَهْلُ وَحُبُّ الرِّشَا الَّتِي يَأْخُذُهَا مِنْ الْعَوَامّ، فَإِنَّهُ وَإِنْ ظَهَرَ لَهُ مَا ذَكَرْنَاهُ لَا يَعْتَمِدُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اعْتَمَدَهُ لَفَاتَ عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ مَا يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْأَمْوَالِ وَمَا عَلَيْهِ أَنَّهَا سُحْتٌ وَنَارٌ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَقَوْلُهُ عَنْ كِفَايَةِ الْقَاضِي النَّهَارِيِّ. وَلَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ. . . إلَخْ مِمَّا يَتَعَقَّبُ النَّهَارِيُّ فِيهِ فَإِنَّهُ نَقَلَ أَنَّ الْإِلْقَاءَ يَنْفَعُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَكَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى صِحَّةِ الدَّوْرِ وَقَدْ مَرَّ لَك بُطْلَانُهُ عَلَى أَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى صِحَّةِ الدَّوْرِ، الْجُمْهُورُ لَيْسُوا عَلَى صِحَّتِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا النَّهَارِيُّ؛ لِأَنَّ الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا بَيَّنَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّ الْإِلْقَاءَ يَنْفَعُ فِيهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَنْفَعُ الْإِلْقَاءُ فِيهَا؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْيَمِينِ قَدْ صَحَّ فَلَمْ يَمْلِكْ حَلَّهُ وَلَقَدْ أَطَالَ الْمُتَوَلِّي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي بَيَانِ الرَّدِّ عَلَى الْقَائِلِينَ بِأَنَّهُ يَنْفَعُ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي بُطْلَانِ الدَّوْرِ فَانْظُرْهُ مِنْهُ إنْ شِئْت وَقَوْلُهُ: هَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فَنِسْبَةُ ذَلِكَ إلَى الشَّافِعِيِّ مَنْظُورٌ فِيهَا؛ لِأَنَّ الرَّافِعِيَّ قَالَ وَرَأَيْت فِي بَعْضِ التَّعْلِيقَاتِ أَنَّ صَاحِبَ الْإِفْصَاحِ حَكَاهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَاعْتَرَضَهُ جَمْعٌ بِأَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ قَالَ تَصَفَّحْت كِتَابَ الطَّلَاقِ مِنْ الْإِفْصَاحِ فَلَمْ أَرَهُ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فَإِنْ قُلْت لَا يَلْزَمُ مِنْ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ مُضَافًا إلَى تَصْنِيفِهِ أَنَّهُ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي ذَلِكَ التَّصْنِيفِ قُلْت: ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ إلَّا أَنَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الرَّافِعِيِّ - وَرَأَيْت فِي بَعْضِ التَّعْلِيقَاتِ فِيهِ نَوْعُ تَبَرٍّ مِنْ تِلْكَ النِّسْبَةِ - وَقَوْلَ الْمُهِمَّاتِ فِي نَقْلِ الْبَحْرِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ إنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَنْثُورِ فَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فَإِنَّ الْعِرَاقِيِّينَ إنَّمَا حَكَوْهُ عَنْ الْمَنْثُورِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْمُزَنِيِّ نَفْسِهِ لَا مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَمِمَّا يُوَضِّحُ الرَّدَّ عَلَى الْإِسْنَوِيِّ أَنَّ ابْنَ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ وَنَاهِيكَ بِهِ وَبِكِتَابِهِ هَذَا فَإِنَّهُ مِنْ أَجَلِّ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنْكَرَ نِسْبَةَ ذَلِكَ لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَقَالَ: قَدْ أَخْطَأَ مَنْ لَمْ يُوقِعْ الطَّلَاقَ خَطَأً ظَاهِرًا وَلَيْسَ هَذَا بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَقَوْلُهُ: قَالَ ابْنُ النَّحْوِيِّ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْفَتْوَى بِهِ تَقَدَّمَ مَا يُبْطِلُ هَذَا وَيُفْسِدُهُ وَكَيْفَ يَنْبَغِي الْفَتْوَى بِذَلِكَ مَعَ مَا مَرَّ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ: إنَّ تَقْلِيدَ الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ هُنَا فُسُوقٌ. وَقَوْلِ ابْنِ الصَّلَاحِ إنَّهُ يَوَدُّ لَوْ مُحِيَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ. وَقَوْلِ غَيْرِهِمَا إنَّهُ قَوْلٌ بَاطِلٌ وَإِنَّهُ يُشْبِهُ مَذْهَبَ النَّصَارَى. وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا بَسَطَتْ الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِيمَا مَرَّ فَلَا يَنْبَغِي بَلْ لَا تَجُوزُ الْفَتْوَى بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ وَلَا الْحُكْمُ بِهِ كَمَا سَيَأْتِي. وَقَوْلُهُ وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ وُقُوعَ الْمُنَجَّزِ يُقَالُ عَلَيْهِ لَمْ يَخْتَرْهُ بَلْ رَجَّحَهُ كَالرَّافِعِيِّ، وَفَرْقٌ بَيْنَ اخْتَارَ وَرَجَّحَ لَكِنَّ هَذَا الزَّهْرَانِيَّ لَا يَفْهَمُ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يُعَبِّرُ بِمَا جَرَى عَلَى لِسَانِهِ، وَقَوْلُهُ: تَعْلِيلًا لِصِحَّةِ الدَّوْرِ؛ لِأَنَّ التَّضَادَّ حَاصِلٌ بَيْنَهُمَا. . . إلَخْ كَأَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّ الْأَئِمَّةَ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِفَسَادِ هَذَا الدَّوْرِ وَلَيْسَ كَمَا تَوَهَّمَ بَلْ أَفْسَدُوهُ بِأُمُورٍ طَوِيلَةٍ لَيْسَ هَذَا مَحَلَّ بَسْطِهَا، وَمِنْهَا مَا مَرَّ عَنْ الْخَادِمِ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ بَيَانِ أَنَّ هَذِهِ

الْعِلَّةَ غَلَطٌ وَأَنَّ الصَّوَابَ بُطْلَانُ هَذَا الدَّوْرِ، وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ الَّذِي رَجَعَ فِيهِ إلَى بُطْلَانِ الدَّوْرِ. وَحَاصِلُ ذَلِكَ الْكِتَابِ أَنَّ الْعَقْدَ إذَا اشْتَمَلَ عَلَى مُحَالٍ وَجَبَ إلْغَاؤُهُ، وَلَفْظُ الدَّوْرِ مُشْتَمِلٌ عَلَى مُحَالٍ فَيَجِبُ إلْغَاؤُهُ فَهَاتَانِ مُقَدِّمَتَانِ إذَا سُلِّمَتَا وَجَبَ تَسْلِيمُ الْمَطْلُوبِ وَهُوَ بُطْلَانُ الدَّوْرِ. ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ الْمُقَدِّمَةَ الْأُولَى مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ الْفُقَهَاءِ وَوَضَّحَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ الْفُضُولِيَّ إذَا قَالَ اشْتَرَيْت هَذِهِ الدَّارَ لِزَيْدٍ وَلَمْ يَكُنْ وَكِيلًا مِنْ جِهَةِ زَيْدٍ لَا يَقَعُ الشِّرَاءُ عَنْ زَيْدٍ وَهَلْ يَقَعُ مِنْ الْمُشْتَرِي فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ قِيلَ نَعَمْ؛ لِأَنَّ الْمُحَالَ قَوْلُهُ لِزَيْدٍ فَيَخْتَصُّ الْإِلْغَاءُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُحَالُ وَيَبْقَى قَوْلُهُ اشْتَرَيْت صَحِيحًا وَقِيلَ لَا بَلْ يُلْغَى جَمِيعُ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ لَا يُؤَاخَذُ بِبَعْضِ كَلَامِهِ قَبْلَ إتْمَامِهِ إذْ بَقِيَّةُ الْكَلَامِ شَرْحٌ لِأَوَّلِهِ فَقَدْ اتَّفَقَ الطَّرِيقَانِ عَلَى إلْغَاءِ الْمُحَالِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا أَنَّهُ هَلْ يُلْغَى مَعَهُ غَيْرُهُ أَوْ لَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا لَمْ يَشَأْ اللَّهُ قِيلَ تَطْلُقُ إلْغَاءً لِلشَّرْطِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ الْمُحَالُ إذْ يَسْتَحِيلُ وُجُودُ الشَّيْءِ عَلَى غَيْرِ مَشِيئَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَقِيلَ لَا تَطْلُقُ لِلْمُحَالِ وَمَا قَبْلَهُ مِنْ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُ بِصِفَةٍ مُتَعَذَّرَةٍ فَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْمُحَالَ بَاطِلٌ، فَقَدْ حَصَلَ الْبُرْهَانُ عَلَى الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى وَبَيَانُ الْمُقْدِمَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ أَنَّ الدَّوْرَ اشْتَمَلَ عَلَى مُحَالٍ؛ لِأَنَّ ثَلَاثًا مَوْصُوفَةً بِقَبْلِيَّةٍ رَابِعَةٍ مُحَالٌ، وَإِذَا كَانَ مُحَالًا فَإِمَّا أَنْ يُلْغَى أَصْلُ كَلَامِهِ فَيَقَعُ الْمُنَجَّزُ فَقَطْ، وَإِمَّا أَنْ يُلْغَى الْقَدْرُ الْمُحَالُ وَهُوَ قَوْلُهُ قَبْلَهُ فَيَقَعُ الْمُنَجَّزُ وَثِنْتَانِ مِنْ الْمُعَلَّقِ، وَقَدْ قَالَ بِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ قَائِلُونَ كَمَا مَرَّ فَعُلِمَ أَنَّ الدَّوْرَ مُشْتَمِلٌ عَلَى مُحَالٍ قَطْعًا وَأَنَّ فِي ذَلِكَ مَا يُبْطِلُ الدَّوْرَ اللَّفْظِيَّ وَيَمْنَعُ حَسْمَ بَابِ الطَّلَاقِ فَإِنْ قِيلَ الِاسْتِحَالَةُ مَخْصُوصَةٌ بِالطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ إذْ هُوَ جَزَاءٌ وَلَهُ شَرْطٌ وَهُوَ الزَّمَانُ الْمَوْصُوفُ بِالتَّقَدُّمِ عَلَى الطَّلَاقِ مَعْقُولٌ إذْ لَا مَانِعَ لِلطَّلَاقِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فِي عِلْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَإِذَا أُوقِعَ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ الْمُنَجَّزُ بَعْدَهُ وَإِذَا لَمْ يَقَعْ لَمْ يَكُنْ الزَّمَانُ الْمَوْصُوفُ بِقَبْلِيَّةِ الطَّلَاقِ مَوْجُودًا فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَقَعُ وَهُوَ مَعْنَى الدَّوْرِ فَالْجَوَابُ أَنْ لَا نُسَلِّمَ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ الشَّرْطَ مُفْرَدًا، أَوْ أَخَذَ الطَّلَاقَ مُفْرَدًا عَنْ الشَّرْطِ يَسْتَحِيلُ وَلَكِنْ إذَا أَخَذَ الْمَجْمُوعَ اسْتَحَالَ، وَالتَّعْلِيقُ اشْتَمَلَ عَلَى الْمَجْمُوعِ لِلْمُحَالِ فَيَتَعَيَّنُ فِيهِ الْإِبْطَالُ فَإِنَّ الْمُعَلَّقَ هُوَ طَلَاقٌ وَلَكِنْ عَلَّقَ إيقَاعَهُ بِزَمَانٍ مَوْصُوفٍ بِقَبْلِيَّةِ طَلَاقٍ آخَرَ إذْ لَوْ وَقَعَ غَيْرَ مَوْصُوفٍ بِهَذَا الْوَصْفِ غَيْرُ مَا عَلَّقَهُ وَوَصَفَهُ فَإِنْ وَقَعَ مَوْصُوفًا بِهَذَا الْوَصْفِ كَانَ مُحَالًا فَقَدْ قَصَدَ بِهَذَا اللَّفْظِ إيقَاعَ مَا هُوَ مُحَالٌ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَصَدَهُ وَأَوْقَعَهُ فَوَجَبَ أَنَّهُ يَبْطُلُ مِنْهُ الْقَدْرُ الْمُنْحَلُّ بِالْإِيقَاعِ وَهُوَ لَفْظُ الْقَبْلِ. اهـ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُلَخَّصًا مُوَضَّحًا وَهُوَ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ التَّحْقِيقِ وَالْبَيَانِ. وَالظَّاهِرُ حَقِيقٌ بِأَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِرُجُوعِ الْغَزَالِيِّ عَمَّا كَانَ مُعْتَمِدَهُ مِنْ صِحَّةِ الدَّوْرِ فَكَذَلِكَ يَتَعَيَّنُ عَلَى غَيْرِ الْغَزَالِيِّ بِالْأَوْلَى وَالْأَحْرَى أَنْ يَرْجِعَ إلَى ذَلِكَ. وَقَدْ حَكَى التَّاجُ السُّبْكِيّ عَنْ وَالِدِهِ أَنَّ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ السُّرَيْجِيَّةِ وَعَلَيْهِ مَاتَ وَصَنَّفَ فِيهَا تَصْنِيفًا أَمْلَاهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَقَعُ الْمُنَجَّزُ وَمِنْ الْمُعَلَّقِ تَكْمِلَةُ الثَّلَاثِ وَأَنَّهُ رَجَعَ عَمَّا كَانَ صَنَّفَهُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي نُصْرَةِ قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَابْنِ الْحَدَّادِ وَهُمَا تَصْنِيفَانِ سَمَّى أَحَدَهُمَا قِطْفَ النَّوْرِ فِي مَسَائِلِ الدَّوْرِ وَسَمَّى الثَّانِيَ الْغَوْرَ فِي الدَّوْرِ. اهـ. فَوَافَقَ مَا وَقَعَ لَهُ مَا مَرَّ عَنْ الْغَزَالِيِّ مِنْ حَيْثُ الرُّجُوعُ عَنْ صِحَّةِ الدَّوْرِ وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي فِي كِتَابِهِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي بُطْلَانِ الدَّوْرِ وَقَدْ سَاقَهُ بِرُمَّتِهِ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ فَمَنْ أَرَادَ الْإِحَاطَةَ بِذَلِكَ الْكِتَابِ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ التَّحْقِيقِ وَالْفَوَائِدِ فَعَلَيْهِ بِهِ فِي مَظِنَّتِهِ الْمَذْكُورَةِ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِيهِ عَنْ بَعْضِ مَشَايِخِ أَصْحَابِنَا: إنَّ قَوْلَهُ إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا مُتَنَاقِضٌ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَتَصَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ فِي صِفَةٍ لَا تُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ حَتَّى يَظْهَرَ فَسَادُهَا كَإِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا، أَمَّا مُنَاقَضَتُهُ فِي اللَّفْظِ فَهُوَ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ شَرْطٌ وَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ جَزَاءٌ، وَالْجَزَاءُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُرَتَّبًا عَلَى الشَّرْطِ فَإِذَا قُدِّمَ عَلَيْهِ كَانَ بَاطِلًا فِي الْأَحْكَامِ وَغَيْرِهَا كَمَا لَوْ قَالَ مَنْ جَاءَنِي أَكْرَمْته قَبْلَ أَنْ يَجِيئَنِي، أَوْ مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ عَشْرٌ قَبْلَ أَنْ يَرُدَّهُ وَهَذَانِ بَاطِلَانِ فَكَذَا مَا نَحْنُ فِيهِ، وَأَمَّا مُنَاقَضَتُهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَهُوَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ شَرْطٌ

وَأَنْتِ طَالِقٌ جَزَاءٌ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَحْكُمَ بِوُقُوعِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُوَ خَطَأٌ لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِ الْمَشْرُوطِ بِدُونِ شَرْطِهِ، أَوْ بَعْدَهُ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَقَعُ بَعْدَهُ فِي الزَّمَانِ قَبْلَهُ وَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ فِي زَمَنٍ مَاضٍ وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ فِي زَمَنٍ مَاضٍ كَمَا لَوْ قَالَ طَلَّقْتُك أَمْسِ يُرِيدُ الْإِنْشَاءَ ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى ذَلِكَ أَسْئِلَةً وَأَجَابَ عَنْهَا وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِيهِ أَيْضًا قَوْلُهُ إنْ طَلَّقْتُك لَا خِلَافَ أَنَّهُ شَرْطٌ وَقَوْلُهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ جَزَاءٌ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ وَالْجَزَاءُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ إلَّا بَعْدَ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ وَالشَّرْطُ هُنَا الطَّلَاقُ فَلَا بُدَّ أَنْ يَحْكُمَ بِوُقُوعِهِ وَإِذَا حَكَمْنَا بِوُقُوعِهِ فَلَوْ رَتَّبْنَا عَلَيْهِ الْجَزَاءَ احْتَجْنَا أَنْ نُبْطِلَ مَا حَكَمْنَا بِوُقُوعِهِ وَالطَّلَاقُ وُقُوعُهُ لَا يَقْبَلُ الرَّفْعَ فَبَقِيَ الطَّلَاقُ الْوَاقِعُ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ، فَالطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ بِصِفَةٍ لَا يُمْكِنُ رَدُّهُ بَعْدَ وُجُودِ صِفَتِهِ وَقَدْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُرَدَّ، وَيُحْكَمُ بِوُقُوعِهِ، قُلْنَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ يَقْبَلُ الرَّدَّ وَإِلَّا بَطَلَ عِنْدَكُمْ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ عَنْ النَّهَارِيِّ، وَأَيْضًا فَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ يَبْطُلُ حُكْمُهُ بِالْخُلْعِ، وَأَمَّا الطَّلَاقُ الْوَاقِعُ فَلَا سَبِيلَ إلَى رَفْعِهِ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ فِيهِ أَيْضًا الْقَوْلُ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ أَحْكَامٍ ثَابِتَةٍ بَعْضُهَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَبَعْضُهَا بِنَصِّ السُّنَّةِ وَبَعْضُهَا بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى اسْتِقْرَارِ الْمَهْرِ بِالْوَطْءِ فَمَتَى قَالَ لِمَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا: مَتَى اسْتَقَرَّ صَدَاقُكِ عَلَيَّ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا بِشَهْرٍ وَمَضَتْ ثُمَّ وَطِئَهَا فَإِنْ قُلْتُمْ لَا يَسْتَقِرُّ الْمَهْرُ خَالَفْتُمْ الْإِجْمَاعَ وَإِنْ قُلْتُمْ يَسْتَقِرُّ طَلُقَتْ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ وَتُشُطِّرَ الصَّدَاقُ وَإِذَا تُشُطِّرَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَمْ يَسْتَقِرَّ بِهِ وَإِذَا لَمْ يَسْتَقِرَّ بِهِ لَمْ تَطْلُقْ وَإِذَا لَمْ تَطْلُقْ بَقِيَ يَطَؤُهَا مُدَّةً وَلَا يَسْتَقِرُّ صَدَاقُهَا وَمِنْهُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ مِنْ الْأُمَّةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ بِالتَّمْكِينِ فَلَوْ قَالَ لَهَا الزَّوْجُ إذَا ثَبَتَ لَك النَّفَقَةُ عَلَيَّ وَطَالَبْتِنِي بِهَا فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا بِشَهْرٍ، ثُمَّ مَكَّنَتْهُ فَوَطِئَهَا إنْ قَالُوا: لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ فَقَدْ خَالَفُوا الْإِجْمَاعَ وَإِنْ قَالُوا: تَسْتَحِقُّهَا وَلَا تُطَالِبُ بِهَا فَمُحَالٌ لِأَنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ لَهَا بِلَا تَأْجِيلٍ وَالْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ قَادِرٌ عَلَى الْإِيفَاءِ فَالْمَنْعُ مِنْ الْمُطَالَبَةِ لَا وَجْهَ لَهُ وَإِنْ قَالُوا تَسْتَحِقُّهَا وَتُطَالِبُ بِهَا فَإِذَا طَالَبَتْهُ طَلُقَتْ قَبْلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا بِشَهْرٍ فَلَا تَثْبُتُ لَهَا النَّفَقَةُ وَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ لَهَا لَمْ تَمْلِكْ الْمُطَالَبَةَ وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ مُطَالَبَتُهَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ فَلَزِمَ بَقَاؤُهَا مَعَهُ فِي طَاعَتِهِ مُدَّةً مِنْ غَيْرِ نَفَقَةٍ وَهُوَ مُحَالٌ وَمِنْهُ إجْمَاعُهُمْ عَلَى وُجُوبِ الْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَتَيْنِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ فَلَوْ قَالَ لِإِحْدَاهَا مَتَى ثَبَتَ حَقُّ الْقَسْمِ فَطَالَبْتِنِي بِهِ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا بِشَهْرٍ ثُمَّ بَاتَ عِنْدَ الْأُخْرَى فَإِنْ قَالُوا: إنَّ تِلْكَ لَا تَسْتَحِقُّ الْقَسْمَ فَهُوَ خِلَافُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَإِنْ قَالُوا: تَسْتَحِقُّهُ وَلَا تَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ فَهُوَ مُحَالٌ وَإِنْ قَالُوا: تَسْتَحِقُّ وَتُطَالِبُهُ فَإِذَا طَالَبَتْ طَلُقَتْ قَبْلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا بِشَهْرٍ وَإِذَا طَلُقَتْ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تَسْتَحِقَّ الْقَسْمَ وَلَمْ تَصِحَّ مُطَالَبَتُهَا وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ مُطَالَبَتُهَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ فَتَبْقَى الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا مُدَّةً يَبِيتُ عِنْدَ ضَرَّتِهَا وَهِيَ لَا تَسْتَحِقُّ الْقَسْمَ مَعَ عَدَمِ تَقْصِيرٍ مِنْهَا وَسَاقَ مِنْ ذَلِكَ صُوَرًا كَثِيرَةً أَلْزَمَهُمْ مُخَالَفَةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ سُؤَالًا مِنْ جِهَتِهِمْ وَأَجَابَ عَنْهُ بِمَا فِيهِ طُولٌ ثُمَّ أَوْرَدَ لَهُمْ أَيْضًا مَا أَدَّى ثُبُوتُهُ إلَى سُقُوطِهِ كَانَ سَاقِطًا مِنْ أَصْلِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ فِي دَوْرِيَّاتٍ كَثِيرَةٍ فِي الْإِقْرَارِ وَالْوَلَاءِ وَالْوَصِيَّةِ وَالصَّدَاقِ وَغَيْرِهَا وَأَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ وَلَكِنْ إنَّمَا يُؤَدِّي قَوْلُهُ: إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا إلَى هَذَا الْمَعْنَى أَنْ لَوْ صَحَّ هَذَا التَّعْلِيقُ فَيَقْتَضِي وُقُوعُ الْمُنَجَّزِ وُقُوعَ الْمُعَلَّقِ قَبْلَهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ ثُبُوتُهُ إلَى سُقُوطِهِ وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بِذَلِكَ بَلْ الَّذِي نَقُولُهُ: إنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لَا تَنْعَقِدُ مِنْ أَصْلِهَا فَيَقَعُ الْمُنَجَّزِ وَلَا يُؤَدِّي ثُبُوتُهُ إلَى سُقُوطِهِ ثُمَّ أَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ فِي هَذَا الْمَبْحَثِ أَسْئِلَةً وَأَجَابَ عَنْهَا بِمَا فِيهِ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُمْ سَبَبَهَا وَهُوَ أَنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ الطَّلَاقَ الْمُعَلَّقَ وَالْمُنَجَّزَ مِلْكًا وَاحِدًا مِنْ غَيْرِ مَزِيَّةٍ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَقَدْ اجْتَمَعَا هَهُنَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَانِعٌ لِلْآخَرِ فَتَعَارَضَا وَتَسَاقَطَا كَمَا لَوْ نَكَحَ أُخْتَيْنِ مَعًا وَكَمَا إذَا تَعَارَضَ بَيِّنَتَانِ ثُمَّ رَدَّ بِأَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا يَنْفَرِدُونَ بِهِ وَهُوَ انْعِقَادُ هَذِهِ الصِّيغَة وَأَمَّا عِنْدَنَا فَهِيَ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ هُنَا إلَّا الطَّلَاقُ الْمُنَجَّزُ وَهَذِهِ نُبَذٌ

مِمَّا ذَكَرَهُ وَأَطَالَ فِيهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَرَضِيَ عَنْهُ - وَلَقَدْ قَالَ فِي آخِرِ كِتَابِهِ: هَذِهِ جُمْلَةٌ كَافِيَةٌ لِمَنْ تَحَقَّقَ وَتَأَمَّلَ فِيهَا حَقِّيَّةَ التَّأَمُّلِ وَقَاطِعَةٌ لِلْعُذْرِ فِي الْمُخَالَفَةِ لِمَنْ أَنْصَفَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. اهـ. وَهُوَ كَمَا قَالَ وَقَوْلُهُ وَقَالَ ذَلِكَ أَيْضًا الزَّرْكَشِيُّ فِي مَسَائِلِ الدَّوْرِ فِي قَوَاعِدِهِ وَذَكَرَ فِيهَا كَلَامَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَكَلَامَ غَيْرِهِ هَذَا لَا يُفِيدُهُ شَيْئًا فَذَكَرَ حَشْوًا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ إلَّا إيهَامَ السَّامِعِينَ أَنَّ الزَّرْكَشِيّ فِي قَوَاعِدِهِ قَائِلٌ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَقَوْلُهُ: وَاعْتَرَضَ الشَّيْخُ الْفَتَى عَلَى النَّوَوِيِّ. . . إلَخْ يُقَالُ لَهُ الْفَتَى تَابِعٌ لِلْإِسْنَوِيِّ وَقَدْ مَرَّ الرَّدُّ عَلَيْهِ بِأَبْلَغِ دَلِيلٍ وَأَوْضَحِهِ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْفَتَى دُونَ مَنْ هُوَ أَجَلُّ بِذَلِكَ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى الْقُصُورِ وَأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ هُوَ وَشَيْخُهُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ إلَّا عَلَى كَلَامِ جَمْعٍ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْمُتَأَخِّرِينَ فَقَلَّدَاهُمْ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ لَهُمْ بِمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْإِشْكَالَاتِ وَالتَّنَاقُضَاتِ وَالتَّحْقِيقِ الظَّاهِرِ وَالْأَدِلَّةِ الْقَاطِعَةِ لِكُلِّ مُكَابِرٍ كَمَا بَيَّنْت لَك جَمِيعَ ذَلِكَ فِيمَا مَرَّ، وَقَوْلُهُ: وَإِنَّمَا بَيَّنْت هَذِهِ الْمَقَالَاتِ لِتَعْرِفَ الْأَحْكَامَ وَالْمُخَالَفَاتِ يُقَالُ عَلَيْهِ: لَسْت أَهْلًا لِبَيَانِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ أَكْثَرَ كَلِمَاتِك فِي هَذَا الْجَوَابِ تَدُلُّ عَلَى جَهْلِك الْمُفْرِطِ وَغَبَاوَتِك الظَّاهِرَةِ وَإِنَّك حَقِيقٌ بِأَنْ تُؤَدَّبَ عَلَى تَصَدِّيك لِمَا لَسْت أَهْلًا لَهُ وَلَيْتَكَ تَأَسَّيْت بِمَا ذَكَرْته عَنْ صَاحِبِ الْمِفْتَاح مِنْ عَدَمِ تَعْلِيمِ الْعَوَامّ وَعَدَمِ الْحُضُورِ مَعَهُمْ فِي ذَلِكَ وَإِنَّ أَحَدًا إذَا أَدْخَلَهُمْ فِي ذَلِكَ أَمَرْتهمْ بِالرَّدِّ إلَى غَيْرِك لَكِنْ إنَّمَا أَوْجَبَ لَك الدُّخُولَ مَعَهُمْ وَتَعْلِيمَهُمْ وَأَمْرَهُمْ بِرَدِّ نِسَائِهِمْ بَعْدَ حِنْثِهِمْ فِيهِنَّ حُبُّ الْأَمْوَالِ السُّحْتِ الَّتِي تَأْخُذُهَا مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ حُبُّ الرِّيَاسَةِ وَالشُّهْرَةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَقَوْلُهُ: إنَّ أَهْلَ الْيَمَنِ وَعُلَمَاءَهُمْ صَحَّحُوهَا وَأَفْتَوْا بِهَا كَذِبٌ وَافْتِرَاءٌ مِنْهُ عَلَيْهِمْ، أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُمْ مُنْقَسِمُونَ إلَى قِسْمَيْنِ: فَمِنْهُمْ الْقَائِلُونَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَمِنْهُمْ الْقَائِلُونَ بِبُطْلَانِهِ فَمِنْ الْقَائِلِينَ بِبُطْلَانِهِ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْكَبِيرُ الْجَلِيلُ قَمَرُ تِهَامَةَ وَقُطْبُهَا إسْمَاعِيلُ الْحَضْرَمِيُّ وَصَنَّفَ فِي ذَلِكَ تَصْنِيفًا مُخْتَصَرًا قَالَ فِيهِ بَعْدَ الْخُطْبَةِ مَا حَاصِلُهُ: الْمُفْتُونَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ قِسْمَانِ: قِسْمٌ حَمَلَهُمْ عَلَى الْإِفْتَاءِ بِهِ تَقْلِيدُ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ وَالْغَزَالِيِّ وَلَوْ طُولِبَ هَؤُلَاءِ بِإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ بَعْدَ التَّعْلِيقِ بِالدَّوْرِ طَلَاقُهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا ذَلِكَ بَلْ يَرَوْنَ أَنَّ كَلَامَ هَذَيْنِ الْإِمَامَيْنِ كَافٍ فِي الْحُجَّةِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا ضَعْفُ قَوْلِ الْمُخَالِفِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ أَئِمَّةَ الْمَذْهَبِ كَثِيرٌ وَجَوَابُ هَؤُلَاءِ أَنْ يُقَالَ: قَدْ ذَهَبَ جَمْعٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُعْتَبَرِينَ إلَى بُطْلَانِ الدَّوْرِ وَمِنْهُمْ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي كِتَابِهِ الشَّامِلُ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ قَدْ أَخْطَأَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَنْ لَمْ يُوقِعْ الطَّلَاقَ خَطَأً كَبِيرًا. وَكَذَلِكَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فَإِنَّهُ قَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقَعُ وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الْكِتَابِ الْجَلِيلِ التَّهْذِيبِ قَالَ: الصَّحِيحُ وُقُوعُهُ. وَكَذَلِكَ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْكَافِي قَطَعَ بِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بَعْدَهُ وَهَذَا الْبَنْدَنِيجِيُّ هُوَ تِلْمِيذُ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ لَهُ الْكُتُبُ الْمُصَنَّفَاتُ الْجَلِيلَةُ: كِتَابُ الْمُعْتَمَدِ فِي الْخِلَافِ لَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ وَكِتَابُ الْكَامِلِ فِي الْمَذْهَبِ بَحْرٌ غَزِيرٌ، وَلَهُ كِتَابُ الْكَافِي فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. وَكَذَلِكَ الْفَتْوَى لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ قَالَ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَكَذَلِكَ الْغَزَالِيُّ رَجَعَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ عَمَّا ذَكَرَهُ فِي وَسِيطِهِ وَوَجِيزِهِ قَالَ: وَالرُّجُوعُ إلَى الْحَقِّ أَوْلَى مِنْ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ. فَهَذَا جَوَابُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مُقَابَلَةُ الْكُتُبِ بِالْكُتُبِ. وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي وَهَمَ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ فِي فُتْيَاهُمْ مَا ذَكَرَهُ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْحُجَّةِ عَلَى صِحَّةِ الدَّوْرِ مِنْ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ الْمُنَجَّزُ لَزِمَ وُقُوعُ الثَّلَاثِ الْمُعَلَّقَةِ وَإِذَا وَقَعَتْ لَزِمَ أَنْ لَا يَقَعَ الْمُنَجَّزُ وَإِذَا لَمْ يَقَعْ لَمْ تَقَعْ الثَّلَاثُ الْمُعَلَّقَةُ فَجَوَابُهُمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ: إذَا وَقَعَتْ الْمُنَجَّزَةُ لَزِمَ أَنْ يَقَعَ الثَّلَاثُ الْمُعَلَّقَةُ لَا يَصِحُّ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ثَلَاثًا بِوَاحِدَةٍ إلَّا مَنْ يَمْلِكُ أَرْبَعًا فَهَذَا التَّعْلِيقُ مُحَالٌ فَلَا يَصِحُّ بَلْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُعَلِّقَ بِالطَّلْقَةِ إلَّا مَنْ يَمْلِكُ طَلْقَتَيْنِ فَإِذَا عَلَّقَ بِهَا ثَلَاثًا قُلْنَا: إمَّا أَنْ يَبْطُلَ التَّعْلِيقُ كُلُّهُ فَلَا يَقَعُ إلَّا الْمُنَجَّزَةُ، وَإِمَّا أَنْ يَقَعَ مِنْ الثَّلَاثِ طَلْقَتَانِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ طَلْقَتَيْنِ وَقَعَتْ الثَّلَاثُ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَقْيَسُ إذَا تَمَّ هَذَا فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ عَيْنُ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي رُجُوعِهِ عَنْ صِحَّةِ الدَّوْرِ إلَى بُطْلَانِهِ وَقَدْ ذَهَبَ لِذَلِكَ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَيْضًا فَقَالَ: مَنْ لَمْ يُوقِعْ الطَّلَاقَ فَقَدْ أَخْطَأَ خَطَأً ظَاهِرًا

وَلَيْسَ ذَلِكَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ فَإِنْ تَقَدَّمَ الْمَشْرُوطُ عَلَى الشَّرْطِ لَا يَصِحُّ وَالشَّرْطُ هَهُنَا هُوَ الْوَاحِدَةُ وَالْمَشْرُوطُ الثَّلَاثُ وَالْمَشْرُوطُ لَا يُقَدَّمُ عَلَى الشَّرْطِ. اهـ حَاصِلُ كَلَامِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ الْحَضْرَمِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى نَفَائِسَ نَبَّهْتُ عَلَى جَمِيعِهَا مَعَ الْبَسْطِ وَالْإِيضَاحِ فِيمَا قَدَّمْتُهُ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَاسْتَمَرَّ الشَّيْخُ إسْمَاعِيلُ عَلَى ذَلِكَ إلَى أَنْ تَوَفَّاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ وَلَدُهُ أَحْمَدُ فَقَالَ مَاتَ وَهُوَ يُفْتِي بِبُطْلَانِ الدَّوْرِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ بَعْدَهُ ثُمَّ ذَكَرَ مَنَامًا يَقْتَضِي أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَهَذَا الْمَنَامُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، إذْ النَّائِمُ لَا يَضْبِطُ وَمِنْ ثَمَّ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّوْمِ وَهُوَ يَقُولُ لَهُ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ، أَوْ طَلِّقْ زَوْجَتَك، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعَمَلُ بِهِ لَكِنْ لَا لِخَلَلٍ فِي الرُّؤْيَةِ فَإِنَّهَا حَقٌّ إذْ الشَّيْطَانُ لَا يَتَمَثَّلُ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهَذَا تَعْلَمُ مَا فِي قَوْلِ الْفَقِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَسْعَدَ الْوَزِيرِيِّ فَإِنَّهُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ طَلَاقِ التَّنَافِي أَيْ الدَّوْرِ أَجَابَ بِقَوْلِهِ: الَّذِي أُفْتِي بِهِ وَأَخْتَارُهُ نَصِيحَةً مِنِّي لِلْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ وَيَبْطُلُ الدَّوْرُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ نَصُّ السُّنَّةِ وَهُوَ مَا أَخْبَرَنِي بِهِ الْفَقِيهَانِ الْأَجَلَّانِ سُلَيْمَانُ وَمُحَمَّدُ الْهَمْدَانِيَّانِ قَالَا: أَخْبَرَنَا الْفَقِيهُ يَحْيَى بْنُ أَحْمَدَ الْهَمْدَانِيُّ سَنَة تِسْعَ عَشْرَةَ وَسِتِّمِائَةٍ قَالَ: رَأَيْت سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّمِائَةٍ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبَيْهِ جُلُوسًا مُسْتَقْبِلِينَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ يَمِينِهِ وَعُمَرُ عَنْ يَمِينِ أَبِي بَكْرٍ فَسَلَّمْت عَلَيْهِمْ فَرَدُّوا عَلَيَّ السَّلَامَ مِنْ غَيْرِ قِيَامٍ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ قَالَ: نَعَمْ ثُمَّ قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ طَلَاقُ التَّنَافِي صَحِيحٌ أَمْ بَاطِلٌ فَقَالَ النَّبِيُّ: بَاطِلٌ بَاطِلٌ مَرَّتَيْنِ وَسَكَتَ فِي الثَّالِثَةِ وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْمَنَامِ ثُمَّ قَالَ الْوَزِيرِيُّ: وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ فِي الْخِلَافِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ مَوْتِهِ فِي الْمَنَامِ مُعْرِضًا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لِي أَرَاك مُعْرِضًا عَنِّي قَالَ: لِأَنَّك تُقَبِّلُ وَأَنْتَ صَائِمٌ، فَتَلَقَّاهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ بِالْقَبُولِ وَعَمِلَ بِهِ وَذَهَبَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نَاسِخٌ لِمَا وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ فِي حَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الرُّخْصَةِ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ قَالَ الْوَزِيرِيُّ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ أَنَّ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآهُ حَقًّا وَكَأَنَّمَا رَآهُ فِي الْيَقَظَةِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي حَقًّا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي الْمَسْأَلَةِ وَالنَّصُّ لَا يُعَارَضُ بِالْقِيَاسِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْأُصُولِ كَيْفَ وَقَدْ شَرَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَذَانَ بِرُؤْيَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَسَنَّ وَأَمَرَ بِهِ وَكَفَى بِهِ دَلِيلًا قَاطِعًا فِي الْمَسْأَلَةِ بِبُطْلَانِ الدَّوْرِ. وَقَدْ ذَهَبَ إلَى بُطْلَانِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْغَزَالِيُّ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَالشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ وَأَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْقَاصِّ. اهـ كَلَامُ الْوَزِيرِيِّ وَقَدْ أَشَرْت لَك إلَى مَا فِيهِ مِنْ اسْتِدْلَالِهِ بِذَلِكَ الْمَنَامِ وَأَنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ فِيهِ لَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوَاعِد الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ وَلَكِنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَا يَخْلُو عَنْ نَوْعِ تَقْوِيَةٍ وَاسْتِئْنَاسٍ بِهِ لِلْقَوْلِ بِبُطْلَانِ الدَّوْرِ فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى خَوْفٍ رَجَعَ عَنْ الْعَمَلِ بِالدَّوْرِ وَلَا يُظَنُّ أَنَّهُ كَالِاسْتِدْلَالِ بِالْحِكَايَةِ الْآتِيَةِ فَإِنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا وَاضِحًا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا، وَمِنْ الْقَائِلِينَ بِبُطْلَانِ الدَّوْرِ أَيْضًا الْعَلَّامَةُ إسْمَاعِيلُ بْنُ الْمُقْرِي وَنَاهِيكَ بِهِ جَلَالَةً وَعِلْمًا إذْ لَمْ يُخْرِجْ الْيَمَنُ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ الْمُتَأَخِّرَةِ فَقِيهًا مِثْلَهُ، وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ الْكَمَالُ بْنُ الرَّدَّادِ شَارِحُ الْإِرْشَادِ وَعَالِمُ زُبَيْدٍ وَأَعْمَالِهَا فَإِنَّهُ مِمَّنْ اعْتَمَدَ بُطْلَانَ الدَّوْرِ فِي شَرْحِهِ الْكَوْكَبَ الْوَقَّادَ وَكَذَلِكَ فِي فَتَاوِيهِ وَتَبِعَهُ وَلَدُهُ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ فِي جَمْعِهَا فَمِنْهَا أَنَّهُ سُئِلَ: هَلْ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالْإِلْقَاءِ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّتِهِ لَا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِيهِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى فِي نَوَاحِي الْحِجَازِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا أَرَادَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ فَهِمَتْ مِنْهُ عَدَمَ الرَّغْبَةِ قَالَتْ لَهُ: أَقِرَّ أَنَّهُ لَا إلْقَاءَ لَك فَيُقِرُّ ثُمَّ يُشْهِدُ عَلَيْهِ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا طَلَاقًا مُنَجَّزًا بَائِنًا ثُمَّ إذَا بَدَا لَهُ رَغْبَةٌ فِيهَا قَالَ: أَنَا كَاذِبٌ فِي إقْرَارِي وَجَاءَ لِمَنْ عَقْدُ الدَّوْرِ صَحِيحٌ عِنْدَهُ مِنْ فَقِيهٍ، أَوْ حَاكِمٍ فَيَحْكُمُ لَهُ بِبَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ وَبِبُطْلَانِ الْإِقْرَارِ وَبُطْلَانِ طَلَاقِهِ وَإِنْ لَمْ يَبْدُ لَهُ

رَغْبَةٌ تَزَوَّجَتْ وَأَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ مُتَفَقِّهَةِ تِلْكَ النَّوَاحِي زَيْدِيُّهُمْ وَشَافِعِيُّهُمْ وَحَسَمُوا بَابَ الطَّلَاقِ فَهَلْ تَطْلُقُ زَوْجَتُهُ وَالصُّورَةُ هَذِهِ وَرُبَّمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ عَوَامَّ لَا يَفْهَمُ الدَّوْرَ وَهَلْ يَجُوزُ الْحُكْمُ بِبَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ وَبِبُطْلَانِ الطَّلَاقِ بَعْدَ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ وَمَاذَا يَجِبُ عَلَى مَنْ أَقْدَمَ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ مَنْ أَفْتَاهُ مَنْ يَعْتَقِدُ فِقْهَهُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَعَدَمِ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ. اهـ السُّؤَالُ فَتَأَمَّلْهُ حَتَّى تَتَأَمَّلَ جَوَابَهُ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَجَلِّ عُلَمَاءِ الْيَمَنِ وَذَلِكَ الْجَوَابُ قَوْلُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْمُعْتَمَدُ فِي الْفَتْوَى وُقُوعُ الطَّلَاقِ الْمُنَجَّزِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ فِي الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَالشَّامِيَّةِ وَهُوَ الْقَوِيُّ فِي الدَّلِيلِ وَعَزَاهُ الرَّافِعِيُّ إلَى أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: وَقَدْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أَوَدُّ لَوْ مُحِيَتْ وَابْنُ سُرَيْجٍ بَرِيءٌ مِمَّا نُسِبَ إلَيْهِ فِيهَا وَاَلَّذِي عَلَيْهِ الطَّوَائِفُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَجَمَاهِيرُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَنْسَدُّ بَابُ الطَّلَاقِ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: الْقَوْلُ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ قَوْلٌ بَاطِلٌ فَإِنَّ الطَّلَاقَ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ فِي كُلِّ نِكَاحٍ وَمَا مِنْ نِكَاحٍ إلَّا وَيُمْكِنُ فِيهِ الطَّلَاقُ قَالَ: وَسَبَبُ الْغَلَطِ أَنَّهُمْ اعْتَقَدُوا صِحَّةَ هَذَا الْكَلَامِ فَقَالُوا: إذَا وَقَعَ الْمُنَجَّزُ وَقَعَ الْمُعَلَّقُ وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ وُقُوعَ طَلْقَةٍ مَسْبُوقَةٍ بِثَلَاثٍ وَوُقُوعُ طَلْقَةٍ مَسْبُوقَةٍ بِثَلَاثٍ مُمْتَنِعُ فِي الشَّرِيعَةِ وَالْكَلَامُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى ذَلِكَ بَاطِلٌ وَإِذَا كَانَ بَاطِلًا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ وُقُوعِ الْمُنَجَّزِ وُقُوعُ الْمُعَلَّقِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ إذَا كَانَ التَّعْلِيق صَحِيحًا. اهـ. وَبَالَغَ السُّرُوجِيُّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ الْقَوْلُ بِانْسِدَادِ بَابِ الطَّلَاقِ يُشْبِهُ مَذْهَبَ النَّصَارَى وَقَالَ الْقَرَافِيُّ فِي الْقَوَاعِدِ: كَانَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَقُولُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا يَصِحُّ فِيهَا التَّقْلِيدُ وَالتَّقْلِيدُ فِيهَا فُسُوقٌ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي يُنْقَضُ إذَا خَالَفَ أَحَدَ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: الْإِجْمَاعَ، أَوْ النَّصَّ، أَوْ الْقَاعِدَةَ، أَوْ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ وَمَا لَا يُقَرُّ شَرْعًا إذَا تَأَكَّدَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِنَقْضِهِ فَأَوْلَى إذَا لَمْ يَتَأَكَّدْ، وَإِذَا لَمْ نُقِرَّهُ شَرْعًا حَرُمَ التَّقْلِيدُ فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّقْلِيدَ فِي غَيْرِ شَرْعٍ هَلَاكٌ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُخَالَفَةٌ لِلْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا يَصِحُّ التَّقْلِيدُ فِيهَا، قَالَ الْقَرَافِيُّ: وَهَذَا بَيَانٌ حَسَنٌ ظَاهِرٌ ثُمَّ حَكَى عَنْ الْإِسْنَوِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ مَا قَدَّمْتُهُ عَنْهُمَا ثَمَّ قَالَ الْإِمَامُ الْبُلْقِينِيُّ: وَرَجَّحَ عَدَمَ الْوُقُوعِ كَثِيرٌ لَا فِي تَطْلِيقِهِ بِطَلَبِهَا فِي الْإِيلَاءِ وَالْحُكْمَيْنِ فِي الشِّقَاقِ بَلْ يَقَعُ كَمَا يَقَعُ الْفَسْخُ فِي إنْ فَسَخْت بِعَيْبِك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا وَلَا فِي حَالِ نِسْيَانِ التَّعْلِيقِ فَيَقَعُ قَبْلَهُ تَخْرِيجًا. اهـ. قَالَ: وَالنَّقْلُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَصَحَّحَهُ جَمْعٌ أَنَّهُ يَقَعُ الْمُنَجَّزُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْفَتْوَى. اهـ. إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالْقَاضِي الْمُقَلِّدُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِالْقَوْلِ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَلِمَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْعَمَلِ بِخِلَافِهِ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ تَمْضِيَ مُدَّةُ التَّعْلِيقِ ثُمَّ يُنَجَّزُ الطَّلَاقُ فَإِنْ أَعْقَبَ تَعْلِيقَهُ بِالتَّنْجِيزِ وَقَعَ الْمُنَجَّزُ قَطْعًا وَنَبَّهَ عَلَيْهِ السِّرَاجُ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ الْمَذْكُورُ مِنْ مُتَفَقِّهَةٍ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَسُوغُ، وَفِسْقُهُمْ بِالْعَمَلِ بِهِ ظَاهِرٌ نَسْأَلُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْعِصْمَةَ وَالْهِدَايَةَ. اهـ جَوَابُ الْفَقِيهِ الرَّدَّادِ فَتَأَمَّلْ حُكْمَهُ عَلَى الْمُتَفَقِّهَةِ الْمَذْكُورِينَ بِفِسْقِهِمْ بِالْعَمَلِ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ تَعْلَمْ فِسْقَ هَذَا الزَّهْرَانِيِّ بِالْعَمَلِ بِهِ وَيَتَّضِحُ لَك صِحَّةُ مَا قَدَّمْته مِنْ شَبَهِهِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي تَفْسِيقِهِ إذْ هُوَ فَاسِقٌ كَمَا حَكَمَ عَلَيْهِ هَذَا الرَّجُلُ الْعَظِيمُ، وَالْفَاسِقُ - سِيَّمَا الْمُتَجَاهِرُ - لَا حُرْمَةَ لَهُ وَلَا تَوْقِيرَ وَلَا مُرَاعَاةَ بَلْ يُعَامَلُ بِالسَّبِّ وَالزَّجْرِ وَالتَّغْلِيظِ لَعَلَّهُ يَنْزَجِرُ وَيَتُوبُ عَنْ الْجَرَاءَةِ عَلَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِالْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ وَنَصْبِ نَفْسِهِ لِمَقَامِ الْإِفْتَاءِ الَّذِي لَيْسَ هُوَ وَلَا شَيْخُهُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ لَهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَلَيْسَ هَذَا الْمَقَامُ يُنَالُ بِالْهُوَيْنَا، أَوْ يَتَسَوَّرُ سُورَهُ الرَّفِيعَ مَنْ حَفِظَهُ وَتَلَقَّفَ فُرُوعًا لَا يَهْتَدِي لِفَهْمِهَا وَلَا يَدْرِي مَأْخَذَهَا وَلَا يَعْلَمُ مَا قِيلَ فِيهَا وَإِنَّمَا يَجُوزُ تَسَوُّرُ ذَلِكَ السُّورِ الْمَنِيعِ مَنْ خَاضَ غَمَرَاتِ الْفِقْهِ حَتَّى اخْتَلَطَ بِلَحْمِهِ وَدَمِهِ وَصَارَ فَقِيهَ النَّفْسِ بِحَيْثُ لَوْ قَضَى بِرَأْيِهِ فِي مَسْأَلَةٍ لَمْ يَطَّلِعْ فِيهَا عَلَى نَقْلٍ لَوَجَدَ مَا قَالَهُ سَبَقَهُ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَإِذَا تَمَكَّنَ الْفِقْهُ فِيهِ حَتَّى وَصَلَ لِهَذِهِ الْمَرْتَبَةِ سَاغَ لَهُ الْآنَ أَنْ يُفْتِيَ وَأَمَّا قَبْلَ وُصُولِهِ لِهَذِهِ الْمَرْتَبَةِ فَلَا يَسُوغُ لَهُ إفْتَاءٌ وَإِنَّمَا وَظِيفَتُهُ

السُّكُوتُ عَمَّا لَا يَعْنِيهِ وَتَسْلِيمُ الْقَوْسِ إلَى بَارِيهَا إذْ هِيَ مَائِدَةٌ لَا تَقْبَلُ التَّطَفُّلَ وَلَا يَصِلُ إلَى حَوْمَةِ حِمَاهَا الرَّحْبِ الْوَسِيعِ إلَّا مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ بِغَايَاتِ التَّوْفِيقِ وَالتَّفَضُّلِ. وَتَأَمَّلْ أَيْضًا قَوْلَهُ إنَّ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَطْبَقُوا عَلَى الْعَمَلِ بِبُطْلَانِ الدَّوْرِ. وَتَأَمَّلْ أَيْضًا قَوْلَهُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَقَدَّمْتُهُ عَنْهُ أَيْضًا: إنَّ التَّقْلِيدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِلْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ حَرَامٌ وَفُسُوقٌ وَهَلَاكٌ فَهَلْ بَقِيَ بَعْدَ هَذَا تَشْدِيدٌ وَتَغْلِيظٌ بَلْ جَمَعَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْمُلَقَّبُ بِسُلْطَانِ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الثَّلَاثِ مَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ بَعْدَ أَنْ سَمِعَ ذَلِكَ أَنْ لَا يُقَلِّدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْقَائِلَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَلَا يَعْمَلُ بِذَلِكَ وَلَا يُعَوِّلُ عَلَيْهِ وَلَا يُفْتِي بِهِ لَا يُعَلِّمُهُ لِعَامِّيٍّ، وَمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ بَاءَ بِعَظِيمِ هَذَا الْإِثْمِ وَازْدَادَ فُسُوقُهُ وَحَقَّ هَلَاكُهُ نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ آمِينَ. وَسُئِلَ الْكَمَالُ الرَّدَّادُ عَنْ ذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى مِنْ فَقِيهِ الشَّجَرِ وَعَالِمِهِ باسرومي بِمَا حَاصِلُهُ: قَدْ أَحَاطَ عِلْمُ سَيِّدِي بِاخْتِلَافِهِمْ فِي طَلَاقِ الدَّوْرِ وَالْغَرَضُ بَيَانُ مَا يَتَرَجَّحُ لَكُمْ فِيهِ وَلَوْ حَكَمَ بَعْضُ قُضَاةِ الْعَصْرِ بِصِحَّةِ طَلَاقِ التَّنَافِي، أَوْ بِبُطْلَانِهِ فِي امْرَأَةٍ بِخُصُوصِهَا لِأَجْلِ التَّرَافُعِ عِنْدَهُ فَهَلْ يَنْفُذُ حُكْمُهُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ بِخِلَافِ الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ حَتَّى قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إنَّ الْحُكْمَ بِخِلَافِ الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُنْدَرِجٌ فِي الْحُكْمِ بِخِلَافِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَعَمْ ذَكَرُوا أَنَّ الْحَاكِمَ يَجْتَهِدُ وَيَحْكُمُ بِمَا ظَهَرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الصَّحِيحِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الِاجْتِهَادَ قَدْ طُوِيَ بِسَاطُهُ وَقُضَاةُ زَمَانِنَا أَمْرُهُمْ غَيْرُ خَافٍ لَكِنَّهُمْ ذَكَرُوا هُنَا أَنَّهُ لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ لَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَى الْأَقْوَالِ فَهَلْ شَرْطُهُ بُلُوغُ الِاجْتِهَادِ، أَوْ لَا؟ فَأَجَابَ الْكَمَالُ الرَّدَّادُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: الْمُعْتَمَدُ فِي الْفَتْوَى أَنَّهُ يَقَعُ الْمُنَجَّزُ. وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي الشَّرْحِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: إنْ أَوْرَدَ مَا قَدَّمْته عَنْ التَّدْرِيبِ وَقَوْلِ صَاحِبِهِ الْإِمَامِ الْبُلْقِينِيُّ: النَّقْلُ الثَّانِي عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَصَحَّحَهُ أَنَّهُ يَقَعُ الْمُنَجَّزُ فَقَطْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْفَتْوَى وَلَوْ حَكَمَ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ حَاكِمٌ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ لَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ أَمَّا الْمُقَلِّدُ لِلشَّافِعِيِّ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ فَحُكْمُهُ كَالْعَدَمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ بِخِلَافِ الصَّحِيحِ. اهـ الْمَقْصُودُ مِنْ كَلَامِهِ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ وَالْمُجِيبُ مِنْ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ الْمُقَلِّدِ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ حُكْمٌ بَاطِلٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ هُوَ الصَّوَابُ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ فَلَا مَحِيدَ عَنْهُ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ الْحُكَّامِ فَحَكَمَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ كَانَ آثِمًا وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي حَقِّهِ {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47] أَشَارَ إلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ السُّبْكِيّ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ أَيْضًا مِنْ أَنَّ قَوْلَهُمْ: لَوْ حَكَمَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ حَاكِمٌ يَرَاهُ نَفَذَ حُكْمُهُ مَحَلَّهُ فِي حَاكِمٍ مُجْتَهِدٍ هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يُعَوَّلُ عَلَى غَيْرِهِ أَيْضًا؛ بِدَلِيلِ كَلَامِهِمْ فِي بَابِ الْقَضَاءِ وَمَعْلُومٌ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ أَنَّ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ قَدْ انْقَطَعَتْ مِنْ مُنْذُ مِئَاتٍ مِنْ السِّنِينَ فَلَيْسَ لِقَاضٍ الْآنَ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ بَلَغَ تِلْكَ الرُّتْبَةَ حَتَّى يَجُوزَ حُكْمُهُ بِالضَّعِيفِ بَلْ مَتَى حَكَمَ قَاضٍ بِوَجْهٍ، أَوْ قَوْلٍ ضَعِيفٍ رُدَّ حُكْمُهُ عَلَيْهِ وَكَانَ ذَلِكَ قَادِحًا فِي وِلَايَتِهِ وَعَدَالَتِهِ إذَا تَقَرَّرَتْ لَك هَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ عَلِمْت قَبِيحَ مَا صَنَعَهُ هَذَا الزَّهْرَانِيُّ مِنْ تَجَرُّئِهِ عَلَى الْأَمْرِ بِرَدِّ النِّسَاءِ وَإِفْتَائِهِ أَزْوَاجَهُنَّ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ قَبَائِحِهِ الشَّنِيعَةِ كَقَوْلِهِ: إنَّ عُلَمَاءَ الْيَمَنِ صَحَّحُوا الدَّوْرَ وَأَفْتَوْا بِهِ وَقَدْ ظَهَرَ لَك بِمَا سُقْته عَنْ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ مِنْ عُلَمَاءِ الْيَمَنِ بُطْلَانُ هَذِهِ الدَّعْوَى الَّتِي ادَّعَاهَا وَأَنَّ عُلَمَاءَ الْيَمَنِ مُخْتَلِفُونَ كَغَيْرِهِمْ وَحِكَايَتُهُ لِلشِّعْرِ الَّذِي ذَكَرَهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى جَهْلِهِ وَجَهْلِ هَذَا الشَّاعِرِ وَكَذِبِهِمَا وَافْتِرَائِهِمَا وَمُبَالَغَتِهِمَا فِي الْكَذِبِ وَالِافْتِرَاءِ مِمَّا لَمْ تَخْفَ قَبَاحَتُهُ وَشَنَاعَتُهُ عَلَى أَحَدٍ، وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الشَّاعِرَ قَالَ: قَدْ حَكَمَتْ بِهَا جَمِيعُ قُضَاةِ الْخَلْقِ وَأَفْتَوْا بِهَا وَفِي هَذَا مِنْ الْكَذِبِ وَالْجَرَاءَةِ مَا يَقْتَضِي فِسْقَ قَائِلِهِ وَمَنْ تَبِعَهُ كَهَذَا الزَّهْرَانِيِّ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ نَوَاحِيَ مِصْرَ وَالشَّامِ وَنَاهِيكَ بِهَذَيْنِ الْإِقْلِيمَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا مَحَلُّ الْعُلَمَاءِ الْمُعَوَّلِ عَلَيْهِمْ فِي تَحْرِيرِ الْمَذْهَبِ وَتَنْقِيحِهِ كُلِّهِمْ قَاطِبَةً عَلَى بُطْلَانِ هَذَا الدَّوْرِ وَبِحَمْدِ

اللَّهِ تَعَالَى لَمْ نَسْمَعْ قَطُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ قُضَاةِ هَذَيْنِ الْإِقْلِيمَيْنِ أَنَّهُ حَكَمَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمَا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ أَنَّهُ أَفْتَى بِصِحَّتِهِ وَإِنَّمَا كَلَامُهُمْ فِي كُتُبِهِمْ نَاطِقٌ بِبُطْلَانِ الدَّوْرِ فَمَعَ ذَلِكَ كَيْفَ سَاغَ لِهَذَا الشَّاعِرِ هَذَا الْكَذِبُ الصُّرَاحُ أَمَا عَلِمَ أَنَّهُ مِنْهُ كَذِبٌ وَمُفَسِّقٌ؟ لَكِنْ مَنْ هُتِكَ عِرْضُهُ وَعَدِمَ دِينَهُ وَمُرُوءَتَهُ لَا يُبَالِي بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى أَفْعَالِهِ الْقَبِيحَةِ وَأَقْوَالِهِ الْبَاطِلَةِ الصَّرِيحَةِ وَقَوْلُ هَذَا الشَّاعِرِ أَيْضًا: وَاتَّبَعُوا الْجُمْهُورَ وَقَوْلُهُ فَقَلَّدُوهَا جُمْهُورَنَا قَدْ مَرَّ رَدُّهُ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ هُنَا وَقَوْلُهُ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ. . . إلَخْ وَقَوْلُ هَذَا الزَّهْرَانِيِّ: إنَّهَا لَمَّا وَقَعَتْ عَلَى خَاطِرِ ابْنِ سُرَيْجٍ. . . إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا مِمَّا يُعْلِمُك أَيْضًا بِجَهْلِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ وَيُوَضِّحُ لَك مَا انْطَوَيَا عَلَيْهِ مِنْ السَّفَاهَةِ وَالْغَبَاوَةِ وَالْجَهْلِ بِالْقَوَاعِدِ وَالْمَآخِذِ وَالْمَقَاصِدِ وَأَنَّهُمَا لَا يَتَأَمَّلَانِ مَا يَقُولَانِهِ وَلَا يَفْهَمَانِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَأَنَّهُمَا بِالْأَنْوَامِ أَشْبَهُ، إذْ لَا يَصْدُرُ هَذَا الْكَلَامُ إلَّا مِمَّنْ عَدِمَ لُبَّهُ وَزَادَ جَهْلُهُ وَاسْتَحْكَمَتْ غَبَاوَتُهُ وَحَقَّتْ شَقَاوَتُهُ، كَيْفَ وَهَذِهِ الْحِكَايَةُ رُبَّمَا تُؤَدِّي إلَى كُفْرٍ؛ لِأَنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي اعْتِقَادِ هَذَا الزَّهْرَانِيِّ أَنَّهَا نَزَلَتْ عَلَى خَاطِرِ ابْنِ سُرَيْجٍ فَعَلِمَهَا وَلَمْ يَعْلَمْهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ، أَوْ أَجَلَّ مِنْهُ عَلِمَ عِلْمًا حَقًّا وَجَهِلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ كَافِرًا مُهْدَرَ الدَّمِ؛ لِأَنَّهُ مُرْتَدٌّ عَنْ الْإِسْلَامِ فَحَدُّهُ الْقَتْلُ إنْ لَمْ يَتُبْ وَيُجَدِّدْ إسْلَامَهُ وَمَنْ اسْتَمَرَّ عَلَى هَذَا الِاعْتِقَادِ كَانَ كَافِرًا مُرْتَدًّا مُحَارِبًا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَأَمَّلْ عَظِيمَ مَا فِي هَذِهِ الْحِكَايَةِ مِنْ الْقَبِيحِ، وَقَوْلُهُ صَدَقَ الْقَلَمُ وَصَدَقَ اللَّوْحُ فَصَدَقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ مَسْأَلَةٌ أَنْزَلْتهَا عَلَى لِسَانِ أَحَدِ عُلَمَائِي فَإِنَّ هَذَا تَصْرِيحٌ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ بِأَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ أُوحِيَتْ إلَيْهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فَإِنَّهُ قَالَ: إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْزَلَهَا عَلَى لِسَانِهِ وَظَاهِرُ ذَلِكَ أَنَّهَا نَزَلَتْ عَلَى لِسَانِهِ بِالْوَحْيِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةِ مَلَكٍ وَلَا غَيْرِهِ وَهَذَا الِاعْتِقَادُ مِنْ أَقْبَحِ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ إذْ مَنْ اعْتَقَدَ وَحْيًا مِنْ بَعْدِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ كَافِرًا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْحِكَايَةَ قَدْ اشْتَمَلَتْ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنْ الْكُفْرِ أَشَرْت لَك إلَى بَعْضِهَا وَلَوْ جَاءَ هَذَا الزَّهْرَانِيُّ إلَى مَكَّةَ لَعُومِلَ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ هَذَا مِنْ الْكُفْرِ وَغَيْرِهِ إنْ لَمْ يُجَدِّدْ إسْلَامَهُ وَيَتُبْ وَيَرْجِعْ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ هَذِهِ الْمُجَازَفَاتِ وَلَيْتَهُ اقْتَصَرَ عَلَى الْمُجَازَفَاتِ الْمُقْتَضِيَةِ لِفِسْقِهِ؛ لِأَنَّ إسْلَامَهُ مَعَ ذَلِكَ بَاقٍ وَأَمَّا مُجَازَفَاتٌ تُؤَدِّي إلَى الْكُفْرِ وَالْخُرُوجِ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ إلَى دِينٍ أَقْبَحَ مِنْ دِينِ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ وَالْمَجُوس فَلَا يُطِيقُ مَنْ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى ذَرَّةٍ مِنْ الْإِيمَانِ الصَّبْرَ عَلَى ذَلِكَ فَأَسْأَلُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمَنَّانَ بِفَضْلِهِ أَنْ يَتُوبَ عَلَى هَذَا الزَّهْرَانِيِّ، أَوْ يُطَهِّرَ الْأَرْضَ مِنْهُ وَمِنْ أَمْثَالِهِ فَإِنَّهُمْ فِتْنَةٌ أَشَدُّ عَلَى الْعَوَامّ مِنْ فِتْنَةِ إبْلِيسٍ وَجُنُودِهِ عَامَلَهُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعَدْلِهِ - آمِينَ. وَتَأَمَّلْ مَزِيدَ جَهْلِهِ وَكَذِبِهِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ هَذِهِ الْحِكَايَةِ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ فَجَعَلَ مَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْحِكَايَةُ الشَّرْعِيَّةُ وَهَذَا مِنْ أَقْبَحِ أَنْوَاعِ الْكَذِبِ وَالْفِسْقِ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ فَإِنَّهُ نَقَلَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِصِحَّةِ هَذِهِ الْحِكَايَةِ مِنْ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَأَدْنَى الْعُلَمَاءِ بَرِيءٌ مِنْ أَنْ يَقُولَ فِي حِكَايَةٍ إنَّهَا صَحِيحَةٌ مَعْمُولٌ بِهَا مَعَ أَنَّهُ لَا أَصْلَ لِهَؤُلَاءِ يُعْتَمَدُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مِثْلِهَا مَعَ مَا أَدَّتْ إلَيْهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ الْقَبِيحَةِ الشَّنِيعَةِ. وَتَأَمَّلْ أَيْضًا مَزِيدَ جَهْلِهِ فَإِنَّ قَضِيَّةَ سِيَاقِهِ بَلْ صَرِيحِهِ أَنَّهَا لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى لِسَانِ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنْكَرَهَا عَلَيْهِ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ فَلَمَّا جَرَتْ هَذِهِ الْحِكَايَةُ تَبِعَهُ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهَا فَلَمْ يَتْبَعُوهُ عَلَيْهَا إلَّا لِهَذِهِ الْحِكَايَةِ وَلَوْلَاهَا لَمْ يَتْبَعْهُ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَهَذَا كَلَامٌ بِالْخِرَافِ أَشْبَهُ لَكِنْ نُنَبِّهُ أَنَّ قَائِلَهُ وَصَلَ فِي الْجَهْلِ وَالْحُمْقِ إلَى غَايَةٍ قَبِيحَةٍ إذْ كَيْفَ يَنْسُبُ إلَى الْأَجِلَّاءِ التَّابِعِينَ لِابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُمْ إنَّمَا تَبِعُوهُ لِأَجْلِ حِكَايَةٍ فِيهَا أَنْوَاعُ الْكُفْرِ وَالْكَذِبِ هَذَا مَعَ مَا قَدَّمْته لَك أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ عَلَى ابْنِ سُرَيْجٍ كَالْمُزَنِيِّ وَبَعْضِ أَصْحَابِهِ عَلَى مَا قِيلَ قَالُوا بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَهَذَا مِمَّا يَزِيدُ لَك إيضَاحَ كَذِبِ هَذِهِ الْحِكَايَةِ وَأَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهَا وَأَنَّ قَائِلَهَا وَالْمُصَدِّقَ بِهَا كَاذِبٌ فَاسِقٌ فَإِنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهَا

لَمْ تَنْزِلْ إلَّا عَلَى ابْنِ سُرَيْجٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَالَ بِهَا الْمُزَنِيّ فِي الْمَنْثُورِ كَمَا مَرَّ وَقَوْلُهُ: وَهَذَا الَّذِي حَضَرَنَا مِنْ مَبْحَثِ مَسْأَلَةِ الدَّوْرِ يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا الَّذِي حَضَرَكَ عَرَّفَ النَّاسَ بِقَدْرِ مَرْتَبَتِك فِي الْجَهْلِ وَالْفِسْقِ وَكَذَا الْكُفْرَانِ إنْ اعْتَقَدْتَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ حِكَايَتُك فَلَيْتُك سَكَتّ اتِّقَاءً لِلسُّتْرَةِ عَلَى نَفْسِك وَكَفًّا لَهَا عَمَّا يَكُونُ سَبَبًا لِهَلَاكِهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَقَوْلُهُ عَنْ شَيْخِهِ فَرَدَدْتُ الْجَوَابَ إلَى مُهِمَّاتِ الْمُهِمَّاتِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى قُصُورِ نَظَرِهِ وَمَزِيدِ تَسَاهُلِهِ فَإِنَّ مَنْ يَرُدُّ مَنْ يُفْتِي بِخِلَافِ الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ كَيْفَ يَقْنَعُ بِمِثْلِ هَذَا الْكِتَابِ وَيَعْتَمِدُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ وَمَا دَرَى أَنَّ لِأَصْلِ هَذَا الْكِتَابِ الَّذِي هُوَ الْمُهِمَّاتُ تَعَقُّبَاتٌ وَمُلِمَّاتٌ وَمُعَلِّمَاتٌ لِابْنِ الْعِمَادِ وَالْإِمَامِ الْبُلْقِينِيُّ وَلِلْبَدْرِ ابْنِ شُهْبَةَ اعْتَرَضُوا فِي هَذِهِ الْكُتُبِ أَكْثَرَ مَا فِي الْمُهِمَّاتِ وَرَدُّوهُ وَبَيَّنُوا مَا فِيهِ مِنْ صِحَّةٍ وَفَسَادٍ وَكَذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ وَالزَّرْكَشِيُّ فِي خَادِمِهِ فَجَزَاهُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَيْرَ الْجَزَاءِ وَأَكْمَلَهُ وَقَوْلُهُ: لَكِنْ نَحْنُ وَهُمْ مُتَّبِعُونَ وَمُقْتَدُونَ يُقَالُ عَلَيْهِ: كَذَبْت لَسْت مُتَّبِعًا وَلَا مُقْتَدِيًا فَإِنَّك لَوْ كُنْت كَذَلِكَ لَمْ تَكْذِبْ عَلَى الْعُلَمَاءِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ وَلَمْ تَنْسُبْ إلَيْهِمْ مَا هُمْ بَرِيئُونَ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُك السَّابِقُ وَنَبَّهْت عَلَيْهِ فِي مَحَالِّهِ فَأَنْتَ مُبْتَدِعٌ لَا مُتَّبِعٌ وَمُعْتَدٍ لَا مُقْتَدٍ، وَقَوْلُهُ: الْأَمْرُ إذَا ضَاقَ اتَّسَعَ وَالضَّرُورِيَّاتُ لَهَا أَحْكَامٌ هَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَزِيدِ جَهْلِهِ أَيْضًا فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا لَيْسَتْ مِنْ جُزْئِيَّاتِ قَاعِدَةِ إذَا ضَاقَ الْأَمْرُ اتَّسَعَ بِاتِّفَاقِ الْقَائِلِينَ بِصِحَّتِهَا وَإِنَّمَا غَايَةُ هَذَا الرَّجُلِ أَنَّهُ يَحْفَظُ كَلِمَاتٍ لَا يَدْرِي مَا مَعْنَاهَا وَلَا مَا أُرِيدَ بِهَا فَيَنْطَلِقُ بِهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا وَقَوْلُهُ: وَالتَّقْلِيدُ وَاجِبٌ عِنْدَ الضَّرُورَاتِ هَذَا كَلَامٌ أَيْضًا مِنْ تَغَالِيهِ فِي الْكَذِبِ وَالْجَهْلِ وَأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ أَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّ تَقْلِيدَ الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَاجِبٌ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ وَلَمْ يَقُلْ بِهَذَا أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَقَدْ قَدَّمْت لَك عَنْ أَكَابِرَ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ التَّقْلِيدَ فِيهِ فُسُوقٌ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِقَاضٍ مُقَلِّدٍ لِلشَّافِعِيِّ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَأَنَّهُ مَتَى حَكَمَ بِذَلِكَ فَسَقَ وَكَانَ حُكْمُهُ بَاطِلًا فَمُنِعَ ذَلِكَ كَيْفَ سَاغَ لِهَذَا الْمُجَازِفِ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ التَّقْلِيدَ هَذَا وَاجِبٌ وَلَيْتَهُ اسْتَحَى مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَيْثُ لَمْ يَسْتَحِ مِنْ الْخَلْقِ فَإِنَّهُ كَذِبَ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَعَلَى دِينِهِ فَرُبَّمَا يُخْشَى عَلَيْهِ أَنَّهُ مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي حَقِّهِمْ: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} [الزمر: 60] فَإِنْ قُلْت: قَالَ فِي الْأَنْوَارِ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ عَنْ الرُّويَانِيِّ أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِتَعْلِيمِ الْعَوَامّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِفَسَادِ الزَّمَانِ وَيُشْبِهُ أَنْ يُسْتَحَبَّ التَّعْلِيمُ وَالْعَمَلُ بِهِ الْآنَ لِوُجُوهٍ حَاصِلُهَا أَنَّ مَنْ لَا يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ الْآنَ قَلِيلٌ وَمَنْ يُحْلِلْ زَوْجَتَهُ إذَا وَقَعَ طَلَاقُهُ مَعْدُومٌ وَإِنَّ النَّاسَ مُنْهَمِكُونَ عَلَى الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَيَتْرُكُونَ الْحَلِفَ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَمَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ الثَّلَاثُ لَا يَسْمَحُ بِالتَّحْلِيلِ فَيَذْهَبُ إلَى مَنْ لَا مُسْكَةَ لَهُ فِي الدِّينِ فَيُعَلِّمُهُ حِيلَةً لِإِسْقَاطِ التَّحْلِيلِ كَادِّعَاءِ فِسْقِ الْوَلِيِّ، وَكَأَمْرِهِ بِتَقْلِيدِ الْقَوْلِ الشَّاذِّ الْمَدْفُوعِ بِصَرَائِحِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ، إنَّ الْعَقْدَ كَافٍ فِي التَّحْلِيلِ وَإِنَّ الْغَافِلَ الْمُتَسَاهِلَ رُبَّمَا عَلَّمَ السُّوقَةَ وَغَيْرَهُمْ أَنْ يَقُولُوا: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، بَعْدَ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ حِفْظًا لِنِكَاحِهِمْ وَحَذَرًا عَلَيْهِمْ مِنْ الْحِنْثِ مَعَ جَهْلِهِمْ، بَلْ وَجَهْلِ مُلَقِّنِهِمْ بِشُرُوطِ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَعْنَاهُ فَيُطَلِّقُونَ وَيَسْتَثْنُونَ ظَنًّا أَنْ لَا يَقَعَ مَعَ وُقُوعِهِ عَلَيْهِمْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ، فَلَيْتَ شِعْرِي أَنَّ الْعَمَلَ بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ مَعَ نَفْيِ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ وَبِهِ يُخَفَّفُ الِاعْتِرَاضُ عَلَى هَذَا الزَّهْرَانِيِّ قُلْت: لَا حُجَّةَ لِهَذَا الزَّهْرَانِيِّ فِي كَلَامِ الْأَنْوَارِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ أَنَّهُ بَحَثَ اسْتِحْبَابَ التَّعْلِيمِ وَالْعَمَلِ فَمَنْ قَالَ بِوُجُوبِ ذَلِكَ حَتَّى يَتَجَرَّأَ عَلَيْهِ هَذَا الزَّهْرَانِيُّ وَيُفْتِي بِهِ عَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ ظَهَرَ لَهُ مِنْ بَحْثِهِ لَكِنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَنْقُولِ، فَإِنَّ الرُّويَانِيَّ مِنْ الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَمَعَ ذَلِكَ قَالَ لَا وَجْهَ لِتَعْلِيمِ الْعَوَامّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لِفَسَادِ الزَّمَانِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الرَّافِعِيُّ وَالنَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ وَبِبُطْلَانِهِ فَهُمْ كَالْمُتَّفِقِينَ عَلَى مَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ مِنْ امْتِنَاعِ التَّعْلِيمِ فَإِذَا اتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ وَأَظْهَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَحْثًا مُخَالِفًا لِاتِّفَاقِهِمْ كَانَ ذَلِكَ

الْبَحْثُ فِي حَيِّزِ الطَّرْحِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْهُ، وَهَكَذَا كُلُّ بَحْثٍ خَالَفَ الْمَنْقُولَ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَإِنْ جَلَّ قَائِلُهُ وَظَهَرَ دَلِيلُهُ هَذَا مَعَ أَنَّ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ عَلَى بَحْثِهِ هَذَا يُرَدُّ بِأَنَّهُ نَفْسَهُ قَدْ أَنْكَرَ عَلَى مَنْ يُعَلِّمُ النَّاسَ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الطَّلَاقِ لِمَا ذَكَرَ مِنْ جَهْلِ الْمُعَلِّمِينَ وَالْمُتَعَلِّمِينَ كَذَلِكَ شُرُوطَهُ فَإِذَا أَنْكَرَ عَلَى الْمُعَلِّمِينَ لِجَهْلِهِمْ، أَوْ لِجَهْلِ الْمُتَعَلِّمِينَ مِنْهُمْ بِذَلِكَ مَعَ ظُهُورِهِ وَأَنَّهُ يَحْتَاجُ لِكَبِيرِ فِطْنَةٍ وَمَعْرِفَةٍ فَبِالْأَوْلَى أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِمْ لِجَهْلِ أَكْثَرِ الْمُتَفَقِّهَةِ فَضْلًا عَنْ الْعَوَامّ بِمَعْنَى الدَّوْرِ هُنَا وَبِبَقِيَّةِ الشُّرُوطِ الَّتِي ذَكَرْتهَا أَوَّلَ هَذَا الْجَوَابِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى جَهْلِهِمْ بِذَلِكَ تَبَايُنُ اخْتِلَافِ أَفْهَامِ الْعُلَمَاءِ فِي صِحَّةِ الدَّوْرِ وَبُطْلَانِهِ وَتَبَايُنُ آرَاءِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ يَقُولُ تَارَةً بِصِحَّتِهِ ثُمَّ تَارَةً بِفَسَادِهِ كَمَا قَدَّمْت لَك عَنْ الْغَزَالِيِّ وَسَبَقَهُ لِذَلِكَ إمَامُهُ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ فَإِذَا كَانَتْ أَفْهَامُ الْعُلَمَاءِ مُتَبَايِنَةً فِيهِ وَفِي مَعْنَاهُ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَكَيْفَ تَقْبَلُهُ أَفْهَامُ الْعَوَامّ وَشَرْطُ الْعَمَلِ بِالدَّوْرِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ أَنْ يَصْدُرَ التَّعْلِيقُ مِمَّنْ يَعْرِفُ الدَّوْرَ كَمَا مَرَّ لَك أَوَّلَ هَذَا الْجَوَابِ مَعَ بَقِيَّةِ شُرُوطٍ أُخْرَى لَا يُحِيطُ بِهَا أَكْثَرُ الْمُتَفَقِّهَةِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ فَكَانَتْ الْمَفَاسِدُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى تَعْلِيمِ الدَّوْرِ أَعْظَمَ وَأَفْحَشَ مِنْ الْمَفَاسِدِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الِاسْتِثْنَاءِ فَكَمَا شَنَّعَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ عَلَى الْمُعَلَّمِينَ لَهُ فَكَذَلِكَ نُشَنِّعُ نَحْنُ عَلَى مِنْ يُعَلِّمُ مَسْأَلَةَ الدَّوْرِ بِعَيْنِ مَا قَالَهُ فَانْدَفَعَ بِنَفْسِ كَلَامِهِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ بِحَثِّهِ نَدْبَ التَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّمِ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ أَنَّ مَنْ لَا يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ الْآنَ قَلِيلٌ. . . إلَخْ فَيُرَدُّ بِأَنَّا إذَا غَلَّظْنَا عَلَى الْعَوَامّ وَبَيَّنَّا لَهُمْ أَنَّ الدَّوْرَ فَاسِدٌ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ تَقْلِيدُهُ وَلَا الْعَمَلُ بِهِ كَمَا قَالَهُ أَكَابِرُ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَانَ ذَلِكَ زَاجِرًا لَهُمْ عَنْ كَثْرَةِ الْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ فَإِنَّهُمْ عَلَى قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ يُخَالِطُونَ الْعُلَمَاءَ، أَوْ مَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ فَهَؤُلَاءِ يَنْتَهُونَ وَيَنْزَجِرُونَ فَزَجَرَهُمْ مِنْ تَعْلِيمِهِمْ الدَّوْرَ، وَقِسْمٌ لَا يُخَالِطُونَ أَحَدًا مِمَّنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ وَهَؤُلَاءِ لَا يُمْكِنُ تَعْلِيمُ جَمِيعِهِمْ بَلْ إذَا أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يُعَلِّمَ وَاحِدًا مِنْهُمْ لَا يُفِيدُهُ ذَلِكَ شَيْئًا فَإِنَّ زَوْجَتَهُ بَانَتْ عَنْ عِصْمَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُعَلِّمَهُ بِزَمَنٍ طَوِيلٍ فَأَيُّ فَائِدَةٍ لِلتَّعْلِيمِ حِينَئِذٍ فَاتَّضَحَ مَا قَالُوهُ وَانْدَفَعَ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَقَوْلُهُ: رُدُّوا النِّسَاءَ إلَى أَزْوَاجِهِنَّ يُقَالُ عَلَيْهِ لَيْسَ هَذَا بِكَثِيرٍ عَلَى مَا عُلِمَ مِنْ أَحْوَالِك الْقَبِيحَةِ وَخِصَالِك الْمَذْمُومَةِ الدَّالَّةِ عَلَى مُبَالَغَتِك فِي الْكَذِبِ وَالْجَهْلِ وَالْفِسْقِ وَأَنْوَاعِ الْكُفْرِ بِقَيْدِهِ السَّابِقِ، وَمَنْ تَجَرَّأَ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَوْلَى أَنْ يَتَجَرَّأَ عَلَى مَا سِوَى ذَلِكَ، لَكِنْ مَا لَمْ يُتَدَارَكْ بِعَفْوٍ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَتَوْفِيقٍ وَحُسْنِ تَوْبَةٍ نَصُوحٍ وَإِلَّا فَلَكَ فِي مُقَابَلَةِ هَذَا الْأَمْرِ الْمُتَضَمِّنِ لِاسْتِبَاحَةِ الْفُرُوجِ مَزِيدُ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ وَالْفَضِيحَةِ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ، وَلَا يَنْفَعُ أَعْوَانٌ وَلَا أَمْوَالٌ. وَقَوْلُهُ: وَقَلِّدُوا جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ يُقَالُ عَلَيْهِ: قَاتَلَك اللَّهُ وَقَبَّحَك مَا أَكْذَبَك وَأَفْسَقَك فَإِنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ مِنْ سَائِرِ الْمَذَاهِبِ عَلَى بُطْلَانِ الدَّوْرِ كَمَا قَدَّمْت ذَلِكَ وَاضِحًا مُبِينًا وَإِنَّمَا الْقَائِلُونَ بِصِحَّتِهِ فِرْقَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَأَفْرَادٌ مِنْ غَيْرِهِمْ وَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا مِعْشَارَ عُشْرِ الْعُلَمَاءِ فَكَيْفَ سَاغَ لَك أَنْ تَجْعَلَهُمْ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ ثُمَّ تَصِفُهُمْ بِصِفَةٍ تَقْتَضِي أَنَّ الْقَائِلِينَ بِبُطْلَانِ الدَّوْرِ لَيْسُوا وَرَثَةَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذْ كَلَامُك وَإِنْ كُنْت لَا تَفْهَمُ وَلَا تَدْرِي مَا تَقُولُ أَنَّ الَّذِينَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَصْفٌ لِلْمُضَافِ وَهُمْ الْجُمْهُورُ دُونَ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَهُمْ الْعُلَمَاءُ إذْ لَوْ كَانَ وَصْفًا لِلْمُضَافِ إلَيْهِ لَمْ يُنَاسِبْ مَقْصُودَك وَهُوَ أَنَّك تُبَالِغُ لِلْعَوَامِّ فِي مَدْحِ الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ الدَّوْرِ فَجَعَلْت هَذَا الْوَصْفَ مَدْحًا لَهُمْ حَامِلًا عَلَى الْعَمَلِ بِمَا قَالُوهُ مِنْ صِحَّةِ الدَّوْرِ وَمَا دَرَيْت أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِبُطْلَانِ الدَّوْرِ لَيْسُوا وَرَثَةَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، فَإِنْ كُنْت مُعْتَقِدًا ذَلِكَ فَيَكْفِيك هَذَا دَلِيلًا عَلَى فِسْقِك وَمَقْتِك وَعَظِيمِ وَقِيعَتِك فِي حَقِّ الْعُلَمَاءِ فَلْيُحَارِبَنَّكَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلْيُهْلِكَنَّكَ، وَمَنْ حَارَبَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يُفْلِحُ أَبَدًا وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْمَبْحَثِ: إنَّمَا أَكْثَرْت فِيهِ لِيَعْلَمُوا أُصُولَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُقَالُ عَلَيْهِ لَمْ يُعْلَمْ مِنْ كَلَامِك فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إلَّا مَا انْطَوَيْت عَلَيْهِ مِنْ الْجَهْلِ وَالْكَذِبِ وَالْفِسْقِ وَالْمُجَازَفَةِ لِسَوْقِ الْحِكَايَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْكُفْرِ فِي أَنْوَاعٍ

باب الرجعة

مُتَعَدِّدَةٍ مِنْهَا فَإِنْ كَانَتْ أُصُولُهَا كُلُّهَا مِثْلَ هَذِهِ الْحِكَايَةِ فَقَدْ خَسِرْت صَفْقَتَك وَضَاعَ عُمُرُك فِي الضَّلَالِ وَالْهَذَيَانِ فَتَدَارَكْ مَا بَقِيَ مِنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يَنْفَعَك فِي آخِرِ عُمُرِك، وَقَوْلُهُ عَنْ شَيْخِهِ وَاَلَّذِي يُفْتِي بِهَا يُقَلِّدُ مَنْ قَالَهَا وَلَا جَرْحَ وَلَا إثْمَ يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى جَهْلِهِ وَأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مِنْ شُرُوطِ الْإِفْتَاءِ شَيْئًا وَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِنْ عِنْدِهِ بِحَسَبِ مَا يُلْقِيهِ الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ إذْ لَا يَجُوزُ لِلْمُفْتِي الْمُقَلِّدِ أَنْ يُفْتِيَ إلَّا بِالصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَالصَّحِيحُ مَا عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ بُطْلَانِ الدَّوْرِ وَقَدْ تَبِعَهُمَا الْمُحَقِّقُونَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَسُوغُ الْإِفْتَاءُ بِخِلَافِهِ وَمَنْ أَفْتَى بِخِلَافِهِ - لَا سِيَّمَا بِصِحَّةِ الدَّوْرِ - كَانَ آثِمًا فَاسِقًا كَمَا مَرَّ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ: لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُلْقِي وَالْمُسْتَلْقِي يَعْرِفَانِ الْمَعْنَى يُقَالُ عَلَيْهِ اشْتِرَاطُكَ ذَلِكَ فِي الْمُلْقِي بَاطِلٌ وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي الْمُسْتَلْقِي الَّذِي هُوَ الزَّوْجُ حَتَّى لَوْ فُرِضَ أَنَّ عَامِّيًّا لَا يَعْرِفُ مَعْنَى الدَّوْرِ وَإِنَّمَا يَعْرِفُ لَفْظَهُ عَلَّمَهُ لِمَنْ عَرَفَ مَعْنَاهُ فَقَالَهُ عَارِفًا مَعْنَاهُ صَحَّ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِصِحَّتِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُلْقِي جَاهِلًا بِمَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْمُلْقِيَ لَا يُدَارُ عَلَيْهِ حُكْمٌ حَتَّى يُشْتَرَطَ مَعْرِفَتُهُ لِمَعْنَى التَّعْلِيقِ، وَقَوْلُهُ: إنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ بِشَرْطِ طَلَاقٍ بَعْدَهُ يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى جَهْلِك حَتَّى بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذْ كَيْفَ تَصَوَّرْت أَنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ بِشَرْطِ طَلَاقٍ بَعْدَهُ وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْ عَلَيْهِ رَدُّ النِّسْوَانِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ مَسْأَلَةِ الْخِلَافِ وَالظَّاهِرُ أَنَّك لَا تُفَرِّقُ بَيْنَ قَبْلِهِ وَبَيْنَ بَعْدِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُسْتَبْعَدٍ عَنْك فَإِنَّ مَزِيدَ جَهْلِك وَغَبَاوَتِك يَقْضِي عَلَيْك بِأَنَّك لَا تَفْهَمُ ذَلِكَ وَلَا مَا هُوَ دُونَهُ فَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ تَقُولَ بِشَرْطِ طَلَاقٍ قَبْلَهُ عَلَى أَنَّك لَوْ قُلْت ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ كَلَامُك أَيْضًا؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ مُعَلَّقًا بِطَلَاقٍ قَبْلَهُ لَا يَقْتَضِي الدَّوْرَ وَإِنَّمَا الْمُقْتَضِي لِلدُّورِ كَوْنُهُ مُعَلَّقًا بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ قَبْلَهُ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ غَيْرَ الْمَدْخُولِ بِهَا فَلَا يَحْتَاجُ لِلثَّلَاثِ إلَّا أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّك لَا تَعْرِفُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَبَيْنَ غَيْرِهَا هُنَا، وَقَوْلُهُ: لَمْ يَقَعْ الْمَشْرُوطُ يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا مِمَّا يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى مَزِيدِ جَهْلِهِ وَأَنَّهُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْمَشْرُوطِ، وَصَوَابُ الْعِبَارَةِ أَنْ تَقُولَ لَمْ يَقَعْ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ إنْ وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا كَانَ الشَّرْطُ هُوَ قَوْلُهُ وَقَعَ عَلَيْكِ طَلَاقِي وَالْمَشْرُوطُ قَوْلُهُ: فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا وَهَذَا الْمَشْرُوطُ لَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ فِي عِبَارَتِهِ فَإِنَّهُ قَالَ فَإِنْ أَوْقَعْنَا الطَّلَاقَ قَبْلَهُ لَمْ يَقَعْ الْمَشْرُوطُ وَوُقُوعُ الطَّلَاقِ قَبْلَهُ هُوَ الْمَشْرُوطُ فَكَيْفَ يَقُولُ لَمْ يَقَعْ الْمَشْرُوطُ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الصَّوَابَ لَمْ يَقَعْ الشَّرْطُ الَّذِي هُوَ الْمُنَجَّزُ وَإِذَا لَمْ يَقَعْ الْمُنَجَّزُ لَمْ تُوجَدْ الصِّفَةُ. . . إلَخْ وَلَيْتَهُ إذْ كَانَ جَاهِلًا صِرْفًا أَخَذَ لَفْظَ الدَّوْرِ الَّذِي قَالَهُ الْأَئِمَّةُ وَسَطَّرَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُهُمْ لَوْ وَقَعَ الطَّلَاقُ لَوَقَعَ ثَلَاثٌ قَبْلَهُ وَلَوْ وَقَعَتْ ثَلَاثٌ قَبْلَهُ لَمَا وَقَعَ هُوَ وَإِذَا لَمْ يَقَعْ هُوَ لَمْ يَقَعْ ثَلَاثٌ؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوطٌ فَيَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِهِ عَدَمُ وُقُوعِهِ وَإِذَا ظَهَرَ لَكَ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ لَا يُحْسِنُ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ الدَّوْرِ بِلَفْظٍ مُطَابِقٍ لَهُ ظَهَرَ لَك أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهُ وَإِذَا لَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ فَكَيْفَ يَسُوغُ لَهُ الْإِفْتَاءُ بِصِحَّتِهِ كَيْفَ يُعَلِّمُهُ لِلْعَوَامِّ وَيَأْمُرُهُمْ بِتَقْلِيدِ الْقَائِلِ بِهِ مَعَ جَهْلِهِ بِمَعْنَاهُ وَقَدْ قَالَ هُوَ نَفْسُهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمُلْقِي وَالْمُسْتَلْقِي عَارِفَيْنِ بِمَعْنَى الدَّوْرِ فَقَدْ قَضَى هَذَا الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْجَهْلِ الْمُفْرِطِ وَالْحَمَاقَةِ الْمُجَاوِزَةِ لِلْحَدِّ وَالْغَبَاوَةِ الظَّاهِرَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُجَدِّدَ الْأَوْبَةَ وَيُخْلِصَ التَّوْبَةَ وَيَرْجِعَ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا سَلَفَ مِنْهُ مِنْ فَرَطَاتِ الْجَهْلِ وَسَقَطَاتِ اللِّسَانِ، وَعَلَيْهِ وَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِمَّنْ لَهُ قُدْرَةٌ وَشَوْكَةٌ أَنْ يَمْنَعَ الْأَزْوَاجَ الَّذِينَ حَنِثُوا فِي أَيْمَانِهِمْ عَنْ نِسَائِهِمْ حَتَّى يَتَحَلَّلْنَ لَهُمْ تَحْلِيلًا شَرْعِيًّا سَوَاءٌ كَانُوا أَلْقَوْا عَلَيْهِنَّ إطْلَاقَ الدَّوْرِ أَمْ لَا لِمَا تَقَرَّرَ لَك الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْقَائِلِينَ بِهِ وَأَنَّ التَّقْلِيدَ فِي ذَلِكَ إثْمٌ وَفُسُوقٌ وَأَنَّهُ لَوْ حَكَمَ بِذَلِكَ قَاضٍ نُقِضَ حُكْمُهُ وَرُدَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ، وَأَنَّ الْقَوْلَ بِبُطْلَانِ الدَّوْرِ هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ الرُّجُوعُ إلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابُ الرَّجْعَةِ] (وَسُئِلَ) هَلْ لِلْمُعَاشِرِ لِرَجْعِيَّتِهِ الرَّجْعَةُ بَعْدَ الْأَقْرَاءِ الثَّلَاثَةِ عَمَلًا بِعَدَمِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَمَا اعْتَمَدَ بَعْضُهُمْ

باب الظهار

أَوْ لَا كَمَا فِي الْمِنْهَاجِ وَالْإِرْشَادِ وَمَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَإِذَا قُلْنَا بِعَدَمِ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَمَاتَا، أَوْ أَحَدُهُمَا فَهَلْ يَحْكُمُ بِالتَّوَارُثِ بَيْنَهُمَا، أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْمُعْتَمَدُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا لِمَا أَطَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَا فِي الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا رَجْعَةَ لَهُ وَمَعَ ذَلِكَ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ تَغْلِيظًا عَلَيْهِمَا لِإِثْمِهِمَا الْعَظِيمِ بِمُعَاشَرَتِهِ لَهَا كَالزَّوْجَةِ مَعَ عَدَمِ رَجْعَتِهِ لَهَا فَاسْتَحَقَّ أَنْ يُعَامَلَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِنَقِيضِ قَصْدِهِ مِنْ بَقَاءِ حُكْمِ الْعِدَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِ وَعَدَمِ بَقَائِهَا بِالنِّسْبَةِ لِمَا عَدَا ذَلِكَ كَالرَّجْعَةِ وَالْإِرْثِ لَوْ مَاتَ هُوَ، أَوْ هِيَ وَغَيْرُهُمَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابُ الظِّهَارِ] (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ وَبِعُلُومِهِ عَمَّنْ ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ الْأَمَةِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا عَقِبَ الظِّهَارِ شِرَاءً لَا يَصِيرُ بِهِ عَائِدًا ثُمَّ فَسَخَ الشِّرَاءَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ خِيَارِ الشَّرْطِ فَهَلْ يَكُونُ عَائِدًا بِالْفَسْخِ أَمْ لَا بُدَّ بَعْدَهُ مِنْ مُضِيِّ زَمَنٍ تُمْكِنُ فِيهِ الْفُرْقَةُ وَلَمْ يُفَارِقْ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ زَمَنٍ بَعْدَ الْفَسْخِ يُمْكِنُ فِيهِ الطَّلَاقُ سَوَاءٌ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَالشَّرْطِ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ وَالْخِيَارُ لَهُ ثُمَّ فَسَخَ الْبَيْعَ بَقِيَ نِكَاحُهُ لِضَعْفِ مِلْكِهِ الثَّابِتِ لَهُ بِاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ لَهُ وَحْدَهُ، وَلَا يُقَالُ: إنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الطَّلَاقِ قَبْلَ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهَا بِالشِّرَاءِ آيِلَةٌ إلَى دَفْعِ النِّكَاحِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْفَسْخِ وَتَكْلِيفُهُ إيقَاعَ طَلَاقٍ تُحْتَمَلُ صِحَّتُهُ بِتَقْدِيرِ الْفَسْخِ وَعَدَمُهَا بِتَقْدِيرِ عَدَمِهِ لَا نَظِيرَ لَهُ فَإِفْتَاءُ بَعْضِهِمْ بِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى مُضِيِّ ذَلِكَ الزَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ قَطْعُ النِّكَاحِ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ فَسْخُ الْبَيْعِ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا قَرَّرْته، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْعِدَدِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ امْرَأَةٍ شَكَّتْ فِي كَوْنِهَا حَامِلًا قَبْلَ الْفِرَاقِ أَوْ بَعْدَهُ وَقُلْنَا إنَّ عَلَيْهَا أَنْ تَتَرَبَّصَ إلَى أَشْهُرِ الْحَمْلِ فَمِنْ أَيْنَ ابْتِدَاؤُهَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ بِأَنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ مَنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالْأَقْرَاءِ، أَوْ بِالْأَشْهُرِ وَهِيَ مُرْتَابَةٌ بِالْحَمْلِ لِمَا تَجِدُهُ مِنْ نَحْوِ ثِقَلٍ، أَوْ حَرَكَةٍ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْكِحَهَا حَتَّى تَزُولَ الرِّيبَةُ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ قَدْ لَزِمَتْهَا بِيَقِينٍ فَلَا تَخْرُجُ عَنْهَا إلَّا بِيَقِينٍ، فَإِنْ نَكَحَتْ كَانَ النِّكَاحُ بَاطِلًا أَيْ: فِي الظَّاهِرِ حَتَّى لَوْ بَانَ عَدَمُ الْحَمْلِ صَحَّ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ قِيَاسًا عَلَى مَنْ بَاعَ مَالَ أَبِيهِ ظَانًّا حَيَاتَهُ فَبَانَ مَيِّتًا، أَمَّا إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ ارْتَابَتْ فَنِكَاحُهَا صَحِيحٌ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى. وَإِنَّمَا صَحَّ الْحُكْمُ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ظَاهِرًا فَلَا يَبْطُلُ بِالشَّكِّ وَمَحَلُّهُ إنْ لَمْ تَأْتِ بِوَلَدٍ، أَوْ أَتَتْ بِهِ لَكِنَّهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ أَمَّا إذَا أَتَتْ بِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ فَإِنَّا نَتَبَيَّنُ بُطْلَانَ النِّكَاحِ الثَّانِي وَيَلْحَقُ الْوَلَدُ بِالْأَوَّلِ وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ فِي امْرَأَةٍ شَكَّتْ. . . إلَخْ وَإِيضَاحُهُ أَنَّ شَكَّهَا فِي الْحَمْلِ قَبْلَ الْفِرَاقِ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَإِنَّمَا الْمَدَارُ عَلَى شَكِّهَا فِيهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، أَوْ بَعْدَهُ فَفِي الْحَالِ الثَّانِي يَجُوزُ نِكَاحُهَا وَفِي الْحَالِ الْأَوَّلِ لَا يَجُوزُ نِكَاحُهَا حَتَّى يَزُولَ الشَّكُّ مَا لَمْ يَمْضِ أَرْبَعُ سِنِينَ فَأَكْثَرُ مِنْ وَقْتِ إمْكَانِ الِاجْتِمَاعِ قُبَيْلَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ بَعْدَ مُضِيِّ ذَلِكَ لَمْ يَلْحَقْ الْوَلَدُ الْمُطَلِّقَ فَلَا وَجْهَ لِتَرَبُّصِهَا حِينَئِذٍ بِلَا نِكَاحٍ؛ لِأَنَّ حَمْلَهَا لَيْسَ مِنْ ذَوِي الْعِدَّةِ فَلَا يَتَوَقَّفُ انْقِضَاؤُهَا عَلَى انْفِصَالِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَمْضِ ذَلِكَ فَإِنَّهَا مَا دَامَتْ شَاكَّةً لَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّ حَمْلَهَا مِنْ ذِي الْعِدَّةِ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ فَوَجَبَ التَّرَبُّصُ حَتَّى تَتَيَقَّنَ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا مِنْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ الْمُعْتَدَّةِ إذَا اعْتَدَّتْ فِي بَيْتِهَا الَّذِي هِيَ فِيهِ وَفِي الْبَيْتِ الْمَذْكُورِ بَيْتٌ آخَرُ فِي أَعْلَاهُ أَوْ فِي وَسَطِهِ وَمَعَ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ صَبِيٌّ مُمَيِّزٌ لَا يُفَارِقُهَا وَالدُّخُولُ إلَى الْبَيْتِ الْأَعْلَى مِنْ بَابِ بَيْتِ الْمَرْأَةِ هَلْ يَجُوزَ لِصَاحِبِهَا أَيْ الْمُعْتَدَّةِ مِنْهُ أَنْ يَسْكُنَ مَعَهَا وَيَسْلَمُ أَنْ لَا يَدْخُلَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6] فَإِنَّ الْبَيْتَ بَعِيدٌ عَنْ مَنْزِلِهَا بِحَيْثُ إنَّهُ لَا يَسْمَعُهَا إذَا تَكَلَّمَتْ أَيْ الْمُعْتَدَّةُ أَمْ لَا يَجُوزُ وَهَلْ إذَا أَوْفَتْ الْعِدَّةَ وَكَانَتْ الطَّلْقَةُ الْأُولَى لَهَا فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ

الزَّوْجُ الْأَوَّلُ فِي نِكَاحِهَا إذَا كَانَ عِنْدَهُ بَعْضُ اطِّلَاعٍ وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَكُونُ أَهْلًا لِلتَّحْكِيمِ أَمْ لَا يَجُوزُ اُبْسُطُوا لَنَا الْجَوَابَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ يَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجِ وَلَوْ أَعْمَى مُسَاكَنَةُ الْمُعْتَدَّةِ مِنْهُ مَا لَمْ تَتَّسِعْ الدَّارُ وَسَكَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي حُجْرَةٍ مِنْهَا فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ يَسْكُنَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي حُجْرَةٍ بِشَرْطِ. أَنْ تَتَمَيَّزَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ الْأُخْرَى بِمَرَافِقَ كَمَطْبَخٍ وَمُسْتَرَاحٍ وَبِئْرٍ وَمَمَرٍّ وَمِصْعَدٍ لِلسَّطْحِ وَأَنْ يُغْلَقَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ بَابٍ، أَوْ يُسَدَّ وَأَنْ لَا يَكُونَ مَمَرُّ أَحَدِهِمَا عَلَى الْأُخْرَى فَإِنْ انْتَفَى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ إلَّا إنْ كَانَ هُنَاكَ مَحْرَمٌ لَهَا، أَوْ لَهُ مِنْ النِّسَاءِ وَيَكْفِي الْمُرَاهِقُ الْمُتَيَقِّظُ وَيُغْنِي عَنْهُ أَنْ يَكُونَ ثَمَّ امْرَأَةٌ ثِقَةٌ يَحْتَشِمُهَا لِحَيَاءٍ، أَوْ خَوْفٍ. هَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَ فِي الدَّارِ زِيَادَةٌ عَلَى سُكْنَى مِثْلِهَا وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ لَهُ مُسَاكَنَتُهَا مُطْلَقًا بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الِانْتِقَالُ عَنْهَا وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ قَرِيبٌ، أَوْ مُعْتَقٌ يُزَوِّجُهَا وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حَاكِمٌ يُزَوِّجُهَا جَازَ لَهَا أَنْ تُحَكِّمَ عَدْلًا فِي تَزْوِيجِهَا مِنْ كُفْءٍ سَوَاءٌ مُطَلِّقُهَا وَغَيْرُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَنْ قَوْلِ الْأَصْحَابِ لَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالْأَقْرَاءِ وَهِيَ مُرْتَابَةٌ بِالْحَمْلِ حَرُمَ نِكَاحُهَا حَتَّى تَزُولَ الرِّيبَةُ مَا الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ زَوَالُ الرِّيبَةِ هَلْ هُوَ انْقِضَاءُ أَكْثَرِ مُدَّةِ الْحَمْلِ كَمَا تَقْتَضِيهِ الْعِلَّةُ أَمْ غَيْرُ ذَلِكَ بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ مُوَضَّحًا وَلَكُمْ الْأَجْرُ وَالثَّوَابُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّ الرِّيبَةَ بِالْحَمْلِ مَتَى كَانَتْ لِقَرِينَةٍ كَثِقَلٍ وَحَرَكَةٍ اُعْتُبِرَ زَوَالُ تِلْكَ الْقَرِينَةِ فَإِذَا زَالَتْ زَالَ سَبَبُ الرِّيبَةِ فَيَجُوزُ نِكَاحُهَا حِينَئِذٍ وَإِنْ لَمْ يَمْضِ عَلَيْهَا أَكْثَرُ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الرِّيبَةُ وَهِيَ إنَّمَا تَنْشَأُ عَنْ قَرِينَةٍ فَإِذَا زَالَتْ تِلْكَ الْقَرِينَةُ زَالَتْ الرِّيبَةُ وَانْتَفَى الْمَانِعُ وَلَا نَظَرَ لِاحْتِمَالِ الْحَمْلِ وَإِنْ زَالَتْ تِلْكَ الْقَرِينَةُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَكَانَ الْقِيَاسُ تَقْدِيمَ هَذَا الْأَصْلِ عَلَى تِلْكَ الْقَرِينَةِ وَأَنْ لَا يُلْتَفَتَ إلَيْهَا لِقَاعِدَةِ أَنَّ الْأَصْلَ مُقَدَّمٌ عَلَى الظَّاهِرِ الَّذِي لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى الْعِيَانِ وَهَذَا كَذَلِكَ لَكِنَّ مَزِيدَ الِاحْتِيَاطِ لِلْإِبْضَاعِ الَّذِي كَثُرَ تَشَوُّفُ الشَّارِعِ إلَيْهِ أَوْجَبَ تَقْدِيمَ الظَّاهِرِ هُنَا عَلَى الْأَصْلِ مُطْلَقًا فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ الظَّاهِرُ بِزَوَالِ سَبَبِهِ مِنْ نَحْوِ الثِّقَلِ وَالْحَرَكَةِ عَمِلَ الْأَصْلُ عَمَلَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مُعَارِضَ لَهُ حِينَئِذٍ فَاتَّضَحَ مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِزَوَالِ الرِّيبَةِ زَوَالُ سَبَبِهَا الْمُوجِبِ لَهَا لَا تَيَقُّنُ خُلُوِّ الْجَوْفِ عَنْ الْوَلَدِ فَإِنْ قُلْت يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُمْ: لَوْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالْأَقْرَاءِ، أَوْ الْأَشْهُرِ وَهِيَ مُرْتَابَةٌ بِالْحَمْلِ حَرُمَ نِكَاحُهَا عَلَى آخَرَ حَتَّى تَزُولَ الرِّيبَةُ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَزِمَتْهَا بِيَقِينٍ فَلَا تَخْرُجُ عَنْهَا إلَّا بِيَقِينٍ قُلْت: لَا يُنَافِيهِ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْيَقِينِ زَوَالُ التَّرَدُّدِ بِزَوَالِ سَبَبِهِ الَّذِي قَدَّمْته لَا الْيَقِينُ الْعَقْلِيُّ وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِأَنَّ هَذَا هُوَ مُرَادُهُمْ تَعْبِيرُ الشَّيْخَيْنِ بِقَوْلِهِمَا فَإِنْ نُكِحَتْ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ لِلتَّرَدُّدِ فِي انْقِضَائِهَا. فَعَلِمْنَا أَنَّ الْمُبْطِلَ هُوَ التَّرَدُّدُ فَحَيْثُ وُجِدَ الْأَمَارَةُ مَنَعَ صِحَّةَ النِّكَاحِ وَحَيْثُ انْتَفَى لِانْتِفَاءِ تِلْكَ الْأَمَارَةِ صَحَّ النِّكَاحُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (وَسُئِلَ) عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ زَيْنِ الدِّينِ الْمَرَاغِيِّ فِي تَكْمِلَةِ شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فِي بَابِ الْعِدَّةِ إذَا قَالَتْ لَنَا امْرَأَةٌ انْقَضَتْ عِدَّتِي وَجَبَ أَنْ نَسْأَلَهَا عَنْ حَالِهَا كَيْفَ الطُّهْرُ وَالْحَيْضُ وَنُحَلِّفُهَا عِنْدَ التُّهْمَةِ هَلْ يُحَلِّفُهَا الْمُنْكِحُ أَمْ يَخْتَصُّ التَّحْلِيفُ بِالْحَاكِمِ وَكَيْفَ صُورَةُ التَّحْلِيفِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا قَالَهُ مِنْ وُجُوبِ السُّؤَالِ إنَّمَا يَتَأَتَّى فِيمَنْ يَعْلَمُ بِقَرَائِنِ أَحْوَالِهَا أَنَّهَا لَا تَعْرِفُ مَعْنَى الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ بِخِلَافِ الْمُخَالِطَةِ لِلْعَارِفِينَ بِذَلِكَ فَإِذَا قَالَتْ انْقَضَتْ عِدَّتِي بِالْأَقْرَاءِ مَثَلًا، أَوْ بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَنَازَعَهَا الْمُطَلِّقُ مَثَلًا صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا وَإِنْ قَالَتْ انْقَضَتْ بِالْأَشْهُرِ صُدِّقَ هُوَ بِيَمِينِهِ وَيَجِبُ التَّحْلِيفُ عِنْدَ التَّنَازُعِ سَوَاءٌ اُتُّهِمَتْ أَمْ لَا وَعِنْدَ التَّنَازُعِ لَا يَكُونُ الْيَمِينُ إلَّا بَيْنَ يَدَيْ قَاضٍ، أَوْ مُحَكَّمٍ وَكَيْفِيَّتُهَا: وَاَللَّهِ إنِّي حِضْتُ ثَلَاثَ حِيَضٍ، أَوْ وَلَدْت، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بِرَجُلٍ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَأَرَادَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ بَعْدَ مُدَّةٍ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَقَالَتْ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتِي بَعْدُ مِنْ الثَّانِي فَتَوَقَّفَ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَعْنِي الْأَوَّلَ ثُمَّ ادَّعَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ لَمْ يَطَأْهَا فَقَالَ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ لَا أُصَدِّقُك؛ لِأَنَّك قُلْت حِينَ أَرَدْت نِكَاحَك لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتِي أَيْ مِنْ الثَّانِي فَقَالَتْ ظَنَنْت أَنَّ الْخَلْوَةَ وَاللَّمْسَ وَنَحْوَ ذَلِكَ يَكْفِي فِي التَّحْلِيلِ

فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهَا إنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ لَمْ يَطَأْهَا بَعْدَ أَنْ أَقَرَّتْ أَنَّهَا فِي عِدَّتِهِ وَبَعْدَ أَنْ تَزَوَّجَتْ بِالْأَوَّلِ وَبَعْدَ مُضِيِّ التَّحْلِيلِ وَسَوَاءٌ أَكَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِالْأَوَّلِ أَمْ بَعْدَهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهَا ذَلِكَ قُبِلَ قَوْلُهَا وَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَتَحَلَّلَ مِنْهُ تَحْلِيلًا صَحِيحًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ سُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَهِيَ فِي دَمِ النِّفَاسِ فَلَمَّا طَهُرَتْ مِنْ ذَلِكَ تَزَوَّجَتْ بِزَوْجٍ فَأَقَامَتْ مَعَهُ مُدَّةً يَسِيرَةً ثُمَّ نَشَزَتْ عَنْهُ إلَى بَيْتِ أَبِيهَا وَادَّعَتْ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ بِهِ فِي الْعِدَّةِ وَأَنَّ النِّكَاحَ فَاسِدٌ وَأَرَادَتْ أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَامْتَنَعَ الشَّخْصُ الْمَذْكُورُ مِنْ الْفَتْوَى حَتَّى يَصِلَ إلَيْهِ جَوَابُهَا فَهَلْ لَهَا أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَمْ لَا، وَذَكَرَ أَنَّهُ رَأَى بِخَطِّ جَدِّهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ فِي تَوْقِيفِ الْحُكَّامِ إذَا زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا أَمْ لَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَإِنْ ظَهَرَ بَعْدَ الْعَقْدِ أَنَّ الْعِدَّةَ كَانَتْ مُنْقَضِيَةً، وَنُقِلَ أَيْضًا عَنْ الْعَزِيزِ وَالرَّوْضَةِ لَوْ نَكَحَ امْرَأَةً لَا يَعْلَمُ أَهِيَ مُعْتَدَّةٌ أَمْ لَا لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ. اهـ. فَهَلْ مَا نَقَلَهُ جَدُّهُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا مَكَّنَتْ الْبَالِغَةُ الْعَاقِلَةُ الْمُخْتَارَةُ الزَّوْجَ مِنْ نَفْسِهَا ثُمَّ ادَّعَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ نَكَحَهَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهَا إلَّا لِتَحْلِيفِهِ فَإِذَا حَلَفَ فَنِكَاحُهُ بَاقٍ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ وَلَا أَنْ تَتَزَوَّجَ وَمَتَى فَعَلَتْ ذَلِكَ تَرَتَّبَ التَّعْزِيرُ الشَّدِيدُ وَغَيْرُهُ مِمَّا لَا يَخْفَى وَمَا ذُكِرَ عَنْ ابْنِ الْعِمَادِ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ عَقَدَ عَلَى امْرَأَةٍ فِي عِدَّةِ زَوْجٍ ثُمَّ وَطِئَهَا قَبْلَ تَمَامِ الْعِدَّةِ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّةُ الزَّوْجِ وَشَرَعَتْ فِي عِدَّةِ الْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ أَرَادَ ذُو الشُّبْهَةِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهِ هَلْ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَضِيَّةِ كَلَامِ صَاحِبِ الْبَيَانِ فِي بَابِ الْعِدَدِ وَلَا حَمْلَ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ لِوَاحِدٍ مِمَّا سَبَقَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْمُصَرَّحُ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَغَيْرِهِمَا أَنَّ لِذِي الشُّبْهَةِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهِ فِي نَحْوِ هَذِهِ الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ بَلْ هِيَ عَيْنُهَا فِي الْحَقِيقَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ اسْتَعْجَلَتْ حَيْضَهَا بِدَوَاءٍ فَهَلْ تَنْقَضِي بِهِ عِدَّتُهَا أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَعَمْ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّهَا لَوْ اسْتَعْجَلَتْهُ لَمْ تَقْضِ صَلَاةَ أَيَّامِهِ. (وَسُئِلَ) عَنْ فَسْخِ النِّكَاحِ بَعْدَ غَيْبَةٍ طَوِيلَةٍ هَلْ يَجُوزُ نِكَاحُهَا حَالًا فَقَدْ وَجَدْنَا نَقْلًا يُنْسَبُ إلَى الْأُمِّ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا فَسَخَتْ النِّكَاحَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا التَّزَوُّجُ فِي الْحَالِ فَهَلْ هَذَا النَّقْلُ صَحِيحٌ مَعَ أَنَّهُ خِلَافُ الْقَوَاعِدِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مَعَاذَ اللَّهُ أَنْ يَصِحَّ هَذَا النَّقْلُ بِإِطْلَاقِهِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا فَضْلًا عَنْ إمَامِهِمْ بَلْ إمَامُ الْأَئِمَّةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَإِنَّمَا مَحَلُّ ذَلِكَ أَنَّ فَرْضَ وُجُودِهِ فِي الْأُمِّ عَلَى فَسْخٍ وَقَعَ قَبْلَ الْوَطْءِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مِنْ اسْتِدْخَالِ الْمَنِيِّ الْمُحْتَرَمِ، وَأَمَّا إذَا وَقَعَ الْفَسْخُ بَعْدَ الْوَطْءِ، أَوْ نَحْوِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ عِدَّةٍ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا عَنْهَا قَبْلَهُ غَيْبَةً طَوِيلَةً وَلَيْسَ هَذَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِ مَذْهَبِنَا، بَلْ غَيْرُنَا مِنْ بَقِيَّةِ الْأَئِمَّةِ قَائِلُونَ بِذَلِكَ وَهَذَا ظَاهِرٌ جَلِيٌّ لَا يَحْتَاجُ لِلسُّؤَالِ عَنْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا أَفْتَى بِهِ الْإِمَامُ الْبَارِزِيُّ مِنْ أَنَّ ذَاتَ الْقُرْءِ إذَا انْقَطَعَ حَيْضُهَا تَتَزَوَّجَ بَعْدَ أَنْ تَتَرَبَّصَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ هَلْ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ فِيهِ لِلضَّرُورَةِ خُصُوصًا فِي هَذِهِ الْبِلَادِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا بَيْتُ الْمَالِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ فِي ذَلِكَ وَلَا فِي غَيْرِهِ بَلْ يُنْظَرُ فِي هَذِهِ الْمَقَالَةِ فَإِنْ قَالَ بِهَا مُجْتَهِدٌ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَئِمَّةِ رَضِيَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُمْ وَلَمْ يَرْجِعْ عَنْهَا جَازَ تَقْلِيدُهُ وَإِلَّا فَلَا. (وَسُئِلَ) فِي الرَّوْضَةِ فِي النِّكَاحِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ مُسْتَحَبَّةٌ وَفِي الْعِدَدِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فَمَا الْمُعْتَمَدُ؟ ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْأَوَّلَ فِيمَا إذَا ادَّعَتْ ذَلِكَ لَا عَلَى الزَّوْجِ بَلْ لِتَتَزَوَّجَ فَهِيَ مُؤْتَمَنَةٌ وَلَا مُنَازِعَ لَهَا فَسُنَّ تَحْلِيفُهَا، وَالثَّانِي فِيمَا إذَا نَازَعَهَا الزَّوْجُ فَيَجِبُ تَحْلِيفُهَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ. (وَسُئِلَ) عَنْ امْرَأَةٍ طَلُقَتْ فَلَزِمَهَا أَرْبَعُ عِدَدٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: هِيَ أَمَةٌ لَمْ تَبْلُغْ اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ فَحَاضَتْ أَثْنَاءَهَا فَانْتَقَلَتْ لِلْأَقْرَاءِ فَعَتَقَتْ فَانْتَقَلَتْ لِعِدَّةِ الْحَرَائِرِ فَمَاتَ الزَّوْجُ فَانْتَقَلَتْ لِعِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

باب القذف واللعان

[بَابُ الْقَذْفِ وَاللِّعَانِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي شَخْصَيْنِ تَخَاصَمَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ يَا مَأْبُونُ يَا مُخَنَّثُ يَا فَرْخَ الزِّنَا يَا وَلَدَ الزِّنَا وَعَنْ شَخْصٍ قَالَ لِشَاهِدَيْنِ اشْهَدَا عَلَيَّ إذَا أَبْرَأَتْنِي زَوْجَتِي فُلَانَةُ مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ وَغَيْرِهَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا مُطْلَقًا فَهِيَ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً فَذَكَرَا لَهَا ذَلِكَ فَقَالَتْ بِصَرِيحِ لَفْظِهَا هُوَ الْبَرِيءُ مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ شَيْءٍ فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَمْ لَا لِكَوْنِهِ عَلَّقَ عَلَى مَجْهُولٍ وَأَبْرَأَتْ مِنْ مَجْهُولٍ وَإِذَا قُلْتُمْ يَقَعُ عَلَيْهِ طَلْقَةً وَلَا إبْرَاءَ فَهَلْ يَكُونُ رَجْعِيًّا أَمْ بَائِنًا. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْأُبْنَةُ دَاءٌ يَحْدُثُ فِي أَسَافِلِ الْمَعِدَةِ يَتَوَلَّدُ عَنْهُ أَفْعَالٌ خَبِيثَةٌ غَالِبًا وَحِينَئِذٍ فَمَأْبُونٌ لَيْسَ صَرِيحًا فِي الْقَذْفِ بَلْ كِنَايَة فِيهِ وَكَذَلِكَ مُخَنَّثٌ لِأَنَّ مَفْهُومَهُ ذُو الْخُنُوثَةِ فُتِحَتْ نُونُهُ أَوْ كُسِرَتْ وَهِيَ التَّشَبُّهُ بِالنِّسَاءِ الْمُحْتَمِلُ لَمَا هُوَ قَذْفٌ وَغَيْرُهُ فَيَكُونُ كِنَايَةً أَيْضًا وَأَمَّا فَرْخٌ فَهُوَ اصْطِلَاحٌ لِبَعْضِ النَّاسِ بِمَعْنَى وَلَدِ الزِّنَا وَلَيْسَ ذَلِكَ مَفْهُومَهُ وَضْعًا وَلَا عُرْفًا عَامًّا بَلْ وَلَا هُوَ أَحَدُ مُحْتَمَلَاتِهِ الْوَضِيعَةِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِكِنَايَةٍ لِعَدَمِ صِدْقِ حَدِّهَا عَلَيْهِ لَكِنْ مَعَ ذَلِكَ فِيهِ التَّعْزِيرُ كَأَحَدِ الْأَوَّلَيْنِ إذَا لَمْ يَنْوِ بِهِ الْقَذْف وَأَمَّا وَلَدُ الزِّنَا فَهُوَ صَرِيحٌ فِي قَذْفِ الْأُمِّ فَيُحَدُّ لَهَا حَدَّ الْقَذْفِ وَلَيْسَ فِيهِ قَذْفٌ وَلَا سَبٌّ لِلْأَبِ وَالْمُعَلِّقُ عَلَى الْبَرَاءَةِ إلَّا أَطْلَقَ أَوْ أَرَادَ الْبَرَاءَةَ الصَّحِيحَةَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الْمَجْهُولِ وَإِنْ أَرَادَ تَلَفُّظَهَا بِالْبَرَاءَةِ طَلَقَتْ رَجْعِيًّا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) فِي رَجُلٍ قَالَ لِغَيْرِهِ يَا شَيْطَانُ هَلْ يُعَزَّرُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنْ أَرَادَ تَشْبِيهَهُ بِهِ فِي الْفَسَادِ عُزِّرَ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى الثَّانِي يُحْمَلُ مَا نَقَلَهُ الْكَرَابِيسِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا تَعْزِيرَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ نِسْبَةٌ إلَى الْحَذْقِ وَجَوْدَةِ الْفَهْمِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَثَبَتَ افْتِرَاشُهُ لَهَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَحْظَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ ثُبُوتِ افْتِرَاشِهَا أَوْ لَا؟ فَهَلْ يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ بِذَلِكَ وَلَا يَنْتَفِي عَنْهُ إلَّا بِاللِّعَانِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ بِأَنَّهَا وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرِ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَى أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ وَإِذَا قُلْتُمْ لَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ بِذَلِكَ فَمِنْ أَيْنَ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى؟ فَإِنَّ بَعْضَ فُقَهَاءِ الْعَصْرِ مِنْ أَهْلِ جِهَتِنَا أَفْتَى بِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُ الزَّوْجَ شَرْعًا إلَّا إذَا ثَبَتَ أَنَّهَا أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرِ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَى أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ. فَقَالَ أَنَّهُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي أَوَائِلَ كِتَابِ اللِّعَان مِنْ الرَّوْضَةِ فِي أَثْنَاءِ فَصْلٍ وَهَذَا نَصُّ عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ الَّتِي فَهِمَ مِنْهَا الْمُفْتِي ذَلِكَ وَإِذَا لَمْ تَعْرِفْ وَقْتَ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لَمْ يَلْحَقْ بِهِ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ عَلَى فِرَاشِهِ وَالْإِمْكَانُ لَمْ يَتَحَقَّقْ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّهَا وَلَدَتْهُ فِي نِكَاحِهِ لِزَمَانِ الْإِمْكَانِ اهـ لَفْظُ الرَّوْضَةِ وَلَمْ يَظْهَرْ لِلْمَمْلُوكِ وَجْهُ مَا أَفْتَى بِهِ هَذَا الْفَقِيهُ الْمَذْكُورُ وَلَا أَخَذَ الْمَسْأَلَةَ مِنْ كَلَامِ الرَّوْضَةِ بَلْ يَظْهَرُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي كَلَامِ الرَّوْضَةِ غَيْرُ الْمَسْأَلَةِ الْمَسْئُول عَنْهَا وَأَيْضًا فَإِنَّ بَعْضَ فُقَهَاءِ الْعَصْرِ الْمَوْجُودِينَ الْآنَ مِنْ أَهْلِ زُبَيْدٍ أَفْتَى بِخِلَافِ ذَلِكَ فِي جَوَابٍ لَهُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ وَحَاصِلُ جَوَابِهِ أَنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ الزَّوْجَ عِنْدَ جَهْلِ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَلَفْظُهُ فِي آخِرِ جَوَابِهِ وَإِذَا جَهِلَتْ الْمُدَّةَ فَلَمْ يَدْرِ هَلْ وَلَدَتْهُ لِمُدَّةِ الْإِمْكَانِ أَوْ لِدُونِهَا قَالَ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ. فَهَذِهِ لَمْ أَرَهَا مَنْقُولَةً وَلِلنَّظَرِ فِيهَا مَجَالٌ وَلَعَلَّ الْأَرْجَحَ أَنَّهُ يَلْحَقُ لِثُبُوتِ كَوْنِهَا فِرَاشًا ثُمَّ سَاقَ كَلَامًا آخَرَ لِلْبُلْقِينِيِّ يَقْتَضِي ذَلِكَ فَمَا الرَّاجِحُ يَا سَيِّدِي فِي ذَلِكَ وَمَا الَّذِي يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَيُعْتَمَدُ فِيهَا مِنْ الْجَوَابَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ بَيَّنُوا لَنَا ذَلِكَ وَأَوْضِحُوهُ لَا زِلْتُمْ مَصَابِيحَ الظَّلَامِ وَهُدَاةَ الْأَنَامِ بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ قَدْ تَعَقَّبْت وَتَصَفَّحْت عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيَّامًا حَتَّى رَأَيْت فِي نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَفِي كَلَامِ الْأَصْحَاب أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ إلَّا إنْ ثَبَتَتْ وِلَادَتُهُ عَلَى فِرَاشِهِ لِزَمَانِ الْإِمْكَانِ وَهُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَلَحْظَتَانِ مِنْ حِينِ إمْكَانِ الِاجْتِمَاع بَعْدَ النِّكَاحِ وَعِبَارَة النَّصِّ وَلَوْ وَلَدَتْ امْرَأَتُهُ وَلَدًا فَقَالَ لَيْسَ هَذَا بِابْنِي فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ حَتَّى يُفَسِّر فَإِنْ قَالَ لَمْ أُرِدْ قَذْفَهَا وَلَمْ تَلِدُهُ مِنِّي أَوْ وَلَدَتْهُ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ قَبْلِي وَعَرَفَ نِكَاحَهَا قَبْلَهُ فَلَا يَلْحَقُهُ إلَّا بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ

يَشْهَدْنَ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ وَهِيَ زَوْجَةٌ لَهُ وَلِوَقْتٍ يُمْكِنُ أَنْ تَلِدَ فِيهِ مِنْهُ لِأَقَلِّ الْحَمْلِ وَإِنْ سَأَلَتْ يَمِينَهُ أَحَلَفْنَاهُ وَبَرِئَ فَإِنْ نَكَلَ أَحَلَفْنَاهَا وَلَحِقَهُ وَإِنْ لَمْ تَحْلِفْ لَمْ يَلْحَقْهُ. وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَيْضًا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ مَا هَذَا الْحَمْلُ مِنِّي وَلَيْسَتْ بِزَانِيَةٍ وَلَمْ أُصِبْهَا قِيلَ لَهُ قَدْ تَخَطَّى فَلَا يَكُونُ حَمْلًا وَيَكُونُ صَادِقًا وَهِيَ غَيْرُ زَانِيَةٍ فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ فَمَتَى اسْتَيْقَنَا أَنَّهُ حَمْلٌ قُلْنَا لَهُ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ تَأْخُذَ نُطْفَتَك فَتُدْخِلُهَا فَتَحْمِلُ مِنْكَ فَتَكُونُ صَادِقًا بِأَنَّك لَمْ تُصِبْهَا وَهِيَ صَادِقَةٌ بِأَنَّهُ وَلَدُك وَإِنْ قُذِفَتْ لَاعَنَتْ وَإِنْ نَفَى وَلَدَهَا وَقَالَ لَا أُلَاعِنُهَا وَلَا أَقْذِفُهَا لَمْ يُلَاعِنْهَا وَلَزِمَهُ الْوَلَدُ وَإِنْ قَذَفَهَا لَاعَنَهَا لِأَنَّهُ إذَا لَاعَنَهَا بِغَيْرِ قَذْفٍ فَإِنَّمَا يَدَّعِي أَنَّهُ لَمْ تَلِدْهُ وَقَدْ عَلِمَتْ بِأَنَّهَا وَلَدَتْهُ وَإِنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى اللِّعَانَ بِالْقَذْفِ فَلَا يَجِبُ بِغَيْرِهِ وَلَوْ قَالَ لَمْ تَزْنِ وَلَكِنَّهَا غَصَبَتْهُ لَمْ يَنْتَفِ عَنْهُ إلَّا بِاللِّعَانِ فَإِذَا الْتَعَنَ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَلَا يَلْحَقُهُ إلَّا بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ يَشْهَدْنَ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ وَهِيَ زَوْجَةٌ لَهُ وَلِوَقْتٍ يُمْكِنُ أَنْ تَلِدَ فِيهِ مِنْهُ لِأَقَلِّ الْحَمْلِ وَتَأَمَّلْ أَيْضًا مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ النَّفْي وَالِاسْتِثْنَاءِ الَّذِي هُوَ أَبْلَغُ طُرُقِ الْحَصْرِ تَجِدهُ صَرِيحًا فِيمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ إلَّا إنْ ثَبَتَتْ وِلَادَتُهُ عَلَى فِرَاشِهِ لِزَمَنِ الْإِمْكَانِ الَّذِي هُوَ أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَقَدْ صَرَّحَ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مُشْتَمِلٌ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمَّا سَاقَهُ قَالَ عَقِبَهُ وَفِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَسَائِلُ إحْدَاهَا سُئِلَ فَقَالَ لَمْ أُرِدْ قَذْفَهَا وَإِنَّمَا الْتَقَطَتْهُ أَوْ اسْتَعَارَتْهُ وَلَمْ تَلِدْ عَلَى فِرَاشِي فَعَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ بِالْوِلَادَةِ عَلَى فِرَاشِهِ وَهِيَ شَاهِدَانِ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، أَوْ أَرْبَع نِسْوَة وَلَوْ طَلَبَتْ يَمِينه أُحْلِفَ فَإِنْ حَلَفَ فَذَاكَ وَإِنْ نَكَلَ أُحْلِفَتْ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ فِي شَرْحِهِ: فَتَحْلِفُ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ عَلَى فِرَاشِهِ لَا عَلَى أَنَّهُ مِنْهُ لِأَنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهَا وَلَا يَنْتَفِي وَإِنَّمَا التَّدَاعِي بَيْنَهُمَا فِي الْوِلَادَةِ عَلَى الْفِرَاشِ وَفِي أَنَّهَا وَلَدَتْهُ أَمْ لَا وَلِذَا إنَّمَا يَحْلِفُ الزَّوْجُ عَلَى ذَلِكَ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَحْلِفُ أَنَّهَا لَمْ تَلِدْهُ لِأَنَّهَا يَمِينٌ عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ وَلَمْ يَذْكُر ابْنُ الْعِمَادِ الرَّافِعِيِّ غَيْرَهُ وَقَالَ الْفُورَانِيُّ إنْ نَفَى وِلَادَتَهُ عَلَى فِرَاشِهِ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ وَإِنْ قَالَ لَيْسَ هُوَ بِوَلَدٍ لِي حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ ثُمَّ إنَّمَا يَلْحَقُهُ إذَا حَلَفَتْ عَلَى الْوِلَادَةِ بِشَرْطِ الْإِمْكَانِ فَإِنْ نَكَلَتْ عَنْ الْيَمِينِ لَمْ يُحْلِفْهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ حُدُوثُهُ عَلَى الْفِرَاشِ أَيْ وَلِأَنَّ يَمِينَ الرَّدِّ لَا تُرَدُّ اهـ. الْمَقْصُودُ مِنْهُ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ شَرْحًا لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ النَّصُّ ثُمَّ إنَّمَا يَلْحَقُهُ إذَا حَلَفَتْ عَلَى الْوِلَادَةِ بِشَرْطِ الْإِمْكَانِ تَجِدُهُ مُصَرِّحًا بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ مَا صَرَّحَ بِهِ النَّصُّ وَهُوَ مَا ذَكَرْته أَوَّلًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَيْضًا الثَّانِيَةُ أَيْ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ النَّصُّ الْمَذْكُورُ إذَا قَالَ لَمْ أُرِدْ قَذْفَهَا بَلْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنِّي بَلْ مِنْ زَوْجٍ كَانَ قَبْلِي فَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُمَا لَحِقَهُ الْوَلَدُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ السَّرَخْسِيِّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ قَاذِفًا وَيَلْحَقُهُ الْوَلَدُ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ كَمَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ لَكِنْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَجَمَاعَةُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ كَالْبَنْدَنِيجِيِّ وَسُلَيْمٌ فِي الْمُجَرَّدِ وَالتَّقْرِيبِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَنَصَّ الْمَقْدِسِيُّ فِي التَّهْذِيبِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ لَهَا زَوْجٌ قَبْلَ ذَلِكَ قِيلَ هَذَا الْبَيَانُ غَيْرُ مَقْبُول فَبَيَّنَهُ بِمَا يُمْكِنُ لِيُقْبَل وَإِنْ عُرِفَ لَهَا زَوْجٌ فَإِمَّا أَنْ يُعْرَفَ وَقْتُ طَلَاقِهِ وَعَقْدُ الثَّانِي وَوَقْتُ الْوِلَادَةِ، أَوْ لَا يُعْرَفُ فَإِنْ عَرَفْنَا جَمِيعَ ذَلِكَ فَإِنْ أَمْكَنَ إلْحَاقُهُ بِأَحَدِهِمَا فَقَطْ أُلْحِقَ بِهِ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَلْحَقَ بِهِمَا عُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ أَيْ عَلَى قَوْلِ الْأَصَحِّ خِلَافُهُ وَهُوَ أَنَّهُ لِلثَّانِي لِانْقِطَاعِ فِرَاشِ الْأَوَّلِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الْعِدَدِ وَإِنْ جُهِلَ وَقْتُ طَلَاقِ الْأَوَّلِ وَعَقْدُ الثَّانِي وَوَقْتُ الْوِلَادَةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ بِيَمِينِهِ وَفِي كَيْفِيَّتِهَا وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي أَحَدُهُمَا يَحْلِفُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ وَالثَّانِي أَنَّهَا وَلَدَتْهُ لِزَمَانٍ يَسْتَحِيلُ كَوْنُهُ مِنْهُ أَيْ فَتُخَيِّرُهُ بَيْنَهُمَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ لَا يُعْتَرَضُ لِكَوْنِهِ مِنْ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ فَإِذَا حَلَفَ انْتَفَى عَنْهُ وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ كَمَا سَبَقَ عَنْ نَصِّهِ اهـ. الْمَقْصُودُ مِنْهُ فَتَأَمَّلْ قَوْلَ أُولَئِكَ الْأَئِمَّةِ الْمَاوَرْدِيُّ وَمَنْ مَعَهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُعْرَفْ لَهَا زَوْجٌ قَبْلَهُ قِيلَ هَذَا الْبَيَانُ إلَخْ أَيْ: قَوْلُك لَيْسَ مِنِّي مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ لَهَا زَوْجٌ قَبْلَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ تُبَيِّنَ سَبَبَ انْتِفَائِهِ

عَنْ فِرَاشِك مِنْ عَدَمِ وِلَادَتِهِ عَلَيْهِ، أَوْ عَدَمِ إمْكَانِهِ مِنْك لِكَوْنِهَا وَلَدَتْهُ قَبْلَ مُدَّةِ أَقَلّ الْحَمْلِ، أَوْ نَحْو ذَلِكَ حَتَّى تُقْبَلَ دَعْوَاك أَنَّهُ لَيْسَ مِنْك فَإِذَا فَهِمَتْ أَنَّ هَذَا هُوَ مَعْنَى كَلَامِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ كَانَ كَلَامُهُمْ صَرِيحًا فِي أَنَّهُ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ لِدُونِ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ يُقْبَلُ وَعَلَى الْمَرْأَةِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ لِزَمَنِ الْإِمْكَانِ وَتَأَمَّلْ أَيْضًا قَوْلَهُمْ الْمُوَافِق لِعِبَارَةِ الرَّوْضَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ وَعِبَارَة أَصْلِهَا أَظْهَرُ مِنْ عِبَارَتِهَا فِي ذَلِكَ إذَا جَهِلَ وَقْتَ طَلَاق الْأَوَّلِ وَوَقْت عَقْدِ الثَّانِي وَوَقْتَ الْوِلَادَة فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، أَوْ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ لِزَمَانِ يَسْتَحِيلُ كَوْنه مِنْهُ تَجِدُهُ صَرِيحًا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ أَيْضًا وَوَجْهُ صَرَاحَتِهِ أَنَّ فِرَاشَ الْأَوَّلِ قَدْ انْقَطَعَ بِالنِّكَاحِ الثَّانِي كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَالْفِرَاشُ لَيْسَ إلَّا لِلثَّانِي وَقَدْ جَهِلْنَا أَنَّ وِلَادَةَ هَذَا الْوَلَد عَلَيْهِ لِزَمَنٍ يُمْكِنُ كَوْنه مِنْهُ، أَوْ لَا فَيُصَدَّقُ حِينَئِذٍ فِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، أَوْ فِي أَنَّهُ وُلِدَ لِزَمَنٍ يَسْتَحِيلُ كَوْنُهُ مِنْهُ لِكَوْنِهِ لِدُونِ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ مَثَلًا فَعَلِمْنَا أَنَّ الْمُدَّةَ بَيْنَ النِّكَاحِ وَالْوِلَادَةِ إذَا جُهِلَتْ لَا تَكُونُ الْوِلَادَةُ عَلَى الْفِرَاشِ سَبَبًا لِلْإِلْحَاقِ بِذِي الْفِرَاشِ إلَّا إنْ ثَبَتَتْ أَنَّهَا لِمُدَّةِ أَقَلِّ الْحَمْلِ فَأَكْثَرُ وَصَرَاحَةُ مَا تَقَرَّرَ ظَاهِرَةٌ فِي ذَلِكَ لَا تَحْتَاجُ إلَى بَسْطٍ أَكْثَرَ مِمَّا ذَكَرْته وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ الَّتِي فِي السُّؤَالِ شَرْحُهَا مَا ذَكَرْته بِقَوْلِي عَنْهُمْ إذَا جَهِلَ وَقْتَ طَلَاق الْأَوَّلِ وَوَقْتَ عَقْدِ الثَّانِي وَوَقْتَ الْوِلَادَةِ إلَخْ وَعِبَارَةُ أَصْلهَا أَظْهَرُ فِي ذَلِكَ مِنْ عِبَارَتهَا وَهِيَ وَإِذَا لَمْ نَعْرِفْ وَقْتَ فِرَاقِ الْأَوَّلِ وَنِكَاحِ الثَّانِي فَلَا يَلْحَقُ الْوَلَدُ بِهِ لِأَنَّ الْوَلَدَ عَلَى فِرَاشِهِ وَحُصُولُ الْإِمْكَانِ شَرْطٌ لَمْ يَتَحَقَّقْ إلَّا أَنْ تُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهَا وَلَدَتْهُ فِي نِكَاحِهِ لِزَمَانِ الْإِمْكَان أَيْ فَحِينَئِذٍ يَلْحَقُهُ وَتُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ الْمُحْصَنَاتُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ فَلَهَا تَحْلِيفُهُ فَإِنْ نَكَلَ تَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ انْتَهَتْ مُلَخَّصَةً وَقَوْلُهُ: فَلَا يَلْحَقُ الْوَلَدُ بِهِ أَيْ بِالثَّانِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ وَقَوْله لِأَنَّ الْوَلَدَ إلَخْ مَعْنَاهُ أَنَّ إمْكَانَ الْوِلَادَةِ مِنْهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ فَهَذَا نَصُّ فِي مَسْأَلَتِنَا عَلِمْت أَنَّ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرَهُمَا قَرَّرُوا أَنَّ الْوَلَدَ عَلَى فِرَاشِ الثَّانِي وَأَنَّ حُصُولَ الْإِمْكَانِ مَعَ كَوْنِ الْوَلَدِ عَلَى الْفِرَاش شَرْطٌ فِي لُحُوقِهِ بِذَلِكَ الْفِرَاشِ وَأَنَّ ذَلِكَ الْإِمْكَانَ الْمُشْتَرَطَ عِنْدَ الْجَهْلِ بِالْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ لَمْ يَتَحَقَّقْ وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ لَا يَلْحَقُهُ الْوَلَد وَإِنْ كَانَ عَلَى فِرَاشِهِ وَهَذَا هُوَ عَيْنُ مَا قَدَّمْته عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْمُوَافِقِ لِمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ فُقَهَاءِ جِهَةِ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِمَا وَبِمَا قَرَّرَتْهُ فِيهِ عَلِمْت دَلَالَتَهُ الْوَاضِحَةَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فَإِنْ قُلْت يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّهُ تَعَارَضَ هُنَا فِرَاشَانِ فَإِذَا نُفِيَ عَنْ الثَّانِي كَمَا ذَكَرَ يَلْحَقُ بِالْأَوَّلِ بِخِلَافِ صُورَةِ السُّؤَالِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِهِ فِرَاش الزَّوْجِ ضَيَاعُ نَسَبِهِ بِالْكُلِّيَّةِ وَالنَّسَبُ يُحْتَاطُ لَهُ مَا أَمْكَنَ قُلْت إذَا تَأَمَّلْت قَوْلَهُمْ السَّابِقَ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ لَا يَتَعَرَّضُ لِكَوْنِهِ مِنْ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ عَلِمْت أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ خَيَالٌ لَا اعْتِبَارَ بِهِ لِأَنَّ الصُّورَةَ أَنَّهُ جَهِلَ وَقْت طَلَاقِ الْأَوَّلِ فَالْإِلْحَاقُ بِهِ مُسْتَحِيلٌ لِلْجَهْلِ بِوَقْتِ طَلَاقِهِ فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ الِانْتِفَاءِ عَنْ الثَّانِي هُنَا الْإِلْحَاقُ بِالْأَوَّلِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَسَاوَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ صُورَةَ السُّؤَالِ فِي أَنَّهُ يَنْتَفِي عَنْ ذِي الْفِرَاشِ فِيهِمَا وَإِنْ شَاعَ نَسَبُهُ وَقَدْ صَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّ الْإِمْكَانَ شَرْطٌ لِلُّحُوقِ بِالْفِرَاشِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِمَا حَيْثُ قَالُوا لَوْ قَالَ هَذَا وَلَدِي مِنْ أَمَتِي وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِي فَإِنْ كَانَتْ فِرَاشًا لَهُ فَإِنْ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا لَحِقَهُ بِالْفِرَاشِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ لَا بِالْإِقْرَارِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ» فَيُعْتَبَرُ فِيهِ الْإِمْكَانُ وَإِنْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً فَالْوَلَدُ لِلزَّوْجِ عِنْدَ إمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَهُ صَرَائِحُ بَيِّنَةٌ فِي أَنَّ الْفِرَاشَ وَحْدَهُ لَيْسَ بِكَافٍ فِي الْإِلْحَاقِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهُ مِنْ تَحَقُّقِ إمْكَانِ كَوْنِهِ مِنْهُ لِمَا عَلِمْت مِنْ عِبَارَاتِهِمْ هَذِهِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْإِمْكَانَ شَرْطٌ وَالشُّرُوطُ لَا بُدَّ مِنْ تَيَقُّنِهَا أَوْ ظَنِّهَا الْمُسْتَصْحَبِ بَعْدَ تَيَقُّنِ وُجُودِهَا وَعِنْدَ وُجُودِ الْفِرَاشِ وَالشَّكِّ فِي أَنَّهُ وُلِدَ قَبْلَ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ أَوْ بَعْدَهَا لَمْ يَتَحَقَّقْ مُوجِبُ الْإِلْحَاقِ أَصْلًا لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْفِرَاشَ وَحْدَهُ غَيْرُ كَافٍ وَأَنَّ الْإِمْكَانَ عِنْدَ الشَّكِّ غَيْرُ مَوْجُودٍ يَقِينًا وَلَا ظَنَّا وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ قَوْلُهُمْ الْقَاعِدَةُ أَنَّهُ مَتَى وُجِدَ الشَّكُّ فِي الشَّرْطِ لَا يَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ وَالْمُرَادُ الشَّكُّ فِي أَصْلِ وُجُودِ الشَّرْطِ كَمَا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ وَمَا نَقَلَهُ فِي السُّؤَالِ

عَنْ السَّيِّدِ السَّمْهُودِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَجِيبٌ مَعَ سَعَةِ اطِّلَاعِهِ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ كَمَا عَلِمْت مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْأَصْحَاب رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بَلْ هِيَ فِي الْمُخْتَصَرَاتِ أَيْضًا كَالتَّنْبِيهِ وَعِبَارَته بَابُ مَا يَلْحَقُ مِنْ النَّسَبِ وَمَا لَا يَلْحَق وَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ لَحِقَهُ نَسَبُهُ وَلَا يَنْتَفِي عَنْهُ إلَّا بِاللِّعَانِ وَفَسَّرَ شُرَّاحَهُ ابْن الرِّفْعَةِ وَابْن النَّقِيبِ وَغَيْرُهُمَا زَمَنَ الْإِمْكَانِ بِمَا يُعْلَمُ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ وِلَادَتُهُ لِأَقَلّ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَالزَّوْجُ مِمَّنْ يُحْبِلُ وَأَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُ بِالزَّوْجَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ أَيْ وَلَا نَظَرَ لِإِمْكَانِ وِلَادَته لِأَقَلّ مِدَّةِ الْحَمْلِ وَالزَّوْجُ مِمَّنْ يُحْبِلُ وَأَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُ بِالزَّوْجَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ أَيْ وَلَا نَظَرَ لِإِمْكَانِ اسْتِدْخَالِهَا مَنِيّه لِنُدْرَةِ الْحَبَلِ مِنْهُ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ أَعْنِي التَّنْبِيهَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ أَيْ بِأَنْ تُوجَدَ فِيهِ هَذِهِ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ تَجِدُهُ صَرِيحًا فِيمَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي اللُّحُوقِ بِالْفِرَاشِ مِنْ تَحَقُّقِ الْإِمْكَانِ الْمَذْكُورِ وَيَلْزَمُ عَلَى بَحْثِ السَّيِّدِ الْمَذْكُورِ فِي السُّؤَالِ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ وَشَكَّ فِي إمْكَانِ اجْتِمَاعِهِ بِهَا، أَوْ لَا أَوْ فِي أَنَّهُ مَمْسُوحٌ، أَوْ لَا أَوْ فِي أَنَّهَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلّ مُدَّةِ الْحَمْلِ، أَوْ لَا، أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ آخِر اجْتِمَاعِهِ مَعَهَا، أَوْ لَا أَوْ فِي كُلِّ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِهَذَا الشَّكِّ وَأَنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ بِهِ مَعَ ذَلِكَ الشَّكِّ وَكَلَامُهُمْ طَافِحٌ بِمُخَالَفَةِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ جَمِيعِ ذَلِكَ لَمَا عَرَفْت أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ هَذِهِ شُرُوطٌ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الشُّرُوطَ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهَا بِالْمَعْنَى السَّابِقِ حَتَّى يُوجَدَ الْمَشْرُوطُ وَإِلَّا لَمْ يُوجَدْ لِمَا هُوَ مُقَرَّرٌ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهَا عَدَمُ الْمَشْرُوطِ وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ الْخِلَاف الْمَشْهُور بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي أَنَّ مَنْ نَكَحَ وَطَلَّقَ ثُمَّ أَتَتْ زَوْجَتُهُ بِوَلَدٍ فَعِنْدَنَا لَا نُلْحِقُهُ إلَّا إنْ تَحَقَّقْنَا تَخَلُّل زَمَنٌ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالطَّلَاقِ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُ بِالزَّوْجَةِ فِيهِ عَادَةً وَعِنْدَهُ يَلْحَقُ النَّسَبُ وَإِنْ طَلَّقَ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَهِيَ بِالْمَشْرِقِ وَهُوَ بِالْمَغْرِبِ وَبِهَذَا تَعْلَمُ مَأْخَذَ مَا قَدَّمْته عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُمْ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ مُضِيِّ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ عَلَى الْفِرَاشِ مَعَ تَحَقُّقِ الشُّرُوطِ الْأُخَر الْبَاقِيَة فَإِنْ قُلْت مَا قَرَّرْته مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ الْإِمْكَانِ ظَاهِر فِيمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ، أَوْ نَحْوُهُ مَوْجُودًا وَتَنَازَعَ مَعَ الزَّوْجَةِ، أَوْ نَحْوِهَا وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْأَصْحَابِ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ لَا يَقْبَلُ تَأْوِيلًا أَمَّا إذَا مَاتَ الزَّوْجُ وَنَحْوُهُ مَثَلًا ثُمَّ رَأَيْنَا زَوْجَتَهُ وَلَدَتْ عَلَى فِرَاشِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْكُمَ بِكَوْنِهِ وَلَدًا لَهُ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ عَنْ وُجُودِ تِلْكَ الشُّرُوطِ أَوَّلًا عَمَلًا بِالظَّاهِرِ مِنْ الْفِرَاشِ وَهُوَ الْإِلْحَاقُ قُلْت يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِذَلِكَ وَيُحْمَلُ عَلَيْهِ بَحْثُ السَّيِّدِ السَّابِقِ لَكِنْ بِالنِّسْبَةِ إلَى جَوَازِ نِسْبَتِهِ وَانْتِسَابِهِ إلَى مَنْ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ صِيَانَةً لَهُ عَنْ الْعَارِ بِضَيَاعِ نَسَبِهِ وَلِأُمِّهِ عَنْ الْعَارِ بِرَمْيِهَا بِالزِّنَا وَنَحْوِهِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ نَازَعَهُ فِي انْتِسَابِهِ إلَى ذِي الْفِرَاشِ فَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ بَيِّنَةٍ وَلَوْ أَرْبَعَ نِسْوَة فِيمَا يُقْبَلْنَ فِيهِ تَشْهَدُ بِوُجُودِ جَمِيعِ تِلْكَ الشُّرُوطِ السَّابِقَةِ، أَوْ فِيمَا نُوزِعَ فِيهِ مِنْهَا حَتَّى يَنْدَفِعُ النِّزَاعُ فِيهِ الْمُعْتَضِدُ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ أُبُوَّةِ ذِي الْفِرَاشِ لَهُ حَتَّى تَتَحَقَّقُ مُقْتَضَيَاتُ الْإِلْحَاقِ وَيُوَافِقُ مَا قَدَّمْته أَوَّلًا أَيْضًا قَوْل ابْنِ الْوَكِيلِ وَأَقَرُّوهُ لَا يَلْحَقُ الْوَلَدُ إلَّا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ. وَقَدْ يُظَنُّ أَنَّ هَذَا لَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ شَيْءٌ وَهُوَ خَطَأٌ فَإِنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي الْوَلَدِ الْكَامِلِ أَمَّا النَّاقِص كَأَنَّ جُنِيَ عَلَى حَامِلٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُ يَلْحَقُ أَبَوَيْهِ وَتَكُونُ الْغُرَّةُ لَهُمَا وَكَذَا لَوْ أَجْهَضَتْهُ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ كَانَتْ مُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ وَكَفَنِهِ عَلَى أَبِيهِ وَإِنَّمَا يَتَقَيَّدُ بِالسِّتَّةِ أَشْهُرٍ الْوَلَدُ الْكَامِلُ دُونَ النَّاقِصِ فَتَأَمَّلْ هَذَا تَجِدْهُ أَيْضًا مُوَافِقًا لَمَا قَدَّمْته عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْأَصْحَابِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ مُضِيِّ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ قَبْل الْوِلَادَةِ عَلَى الْفِرَاشِ وَيُوَافِقُ ذَلِكَ أَيْضًا أَطْبَاقُهُمْ فِي أَنَّ مَنْ اسْتَلْحَقَ مَجْهُولًا بِأَنْ قَالَ هَذَا ابْنِي لَا يَلْحَقُهُ إلَّا إنْ تَحَقَّقَ إمْكَانُ كَوْنِهِ مِنْهُ فَلَوْ شَكَكْنَا فِي ذَلِكَ لَمْ نُلْحِقْهُ بِهِ فَكَذَا هُنَا لِأَنَّ غَايَةَ الْفِرَاشِ أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ هَذَا وَلَدِي فَإِنْ قُلْت قَدْ يُنَافِي مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ: فِي أَنَّ الْوِلَادَةَ لِدُونِ زَمَنِ الْإِمْكَانِ جَعْلُهُمْ الْقَوْلَ قَوْلَ الزَّوْجَةِ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ حَيْثُ قَالُوا لَوْ اخْتَلَفَتْ الْبَائِنُ وَالزَّوْجُ فِي وَقْتِ الْوَضْعِ فَقَالَتْ وَضَعْت الْيَوْمَ وَطَالَبْته بِنَفَقَةِ شُهُورٍ وَقَالَ بَلْ وَضَعْت مِنْ شَهْرٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهَا أَعْرَفُ بِوَقْتِ

باب النفقة

الْوِلَادَةِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوِلَادَةِ وَبَقَاءُ النَّفَقَةِ قُلْت لَا يُنَافِي ذَلِكَ بِوَجْهٍ لِأَنَّهُمَا هُنَا مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ وَعَلَى أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ قَبْلَ وَضْعِهِ فَكَانَ قَوْلُهُ: وَضَعْت مِنْ شَهْرٍ مُتَضَمِّنًا لِإِسْقَاطِ مَا وَجَبَ لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْأَصْلَ دَوَامُ وُجُوبِهَا حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْمُسْقَطُ وَهُوَ الْوَضْعُ فَلِاعْتِضَادِ قَوْلِهَا بِهَذَا الْأَصْلِ وَمُخَالَفَةِ قَوْلِهِ لَهُ احْتَاجَ إلَى الْبَيِّنَةِ وَلَمْ تَحْتَجْ هِيَ إلَيْهَا وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَا أَصْلَ فِيهَا مَعَهَا بَلْ الْأَصْلُ وَهُوَ عَدَمُ أُبُوَّتِهِ مَعَهُ فَلَمْ يَحْتَجْ هُوَ إلَى بَيِّنَةٍ لَدَعْوَاهُ وِلَادَتِهَا لِدُونِ الْإِمْكَانِ لِمُوَافَقَتِهَا أَصْلِ الْعَدَمِ وَاحْتَاجَتْ هِيَ إلَى بَيِّنَةٍ أَنَّهَا وَلَدَتْهُ لِلْإِمْكَانِ لِأَنَّ قَوْلَهَا عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ فَإِنْ قُلْت قَالَ الْغَزِّيُّ لَوْ قَالَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا انْقَضَتْ عِدَّتِي قَبِلْنَا قَوْلهَا فَلَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ بَعْدَ ذَلِكَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْعَلُوقُ بِهِ فِي النِّكَاحِ السَّابِقِ لَحِقَ الزَّوْج إلَّا إذَا تَزَوَّجَتْ وَاحْتَمَلَ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْ الثَّانِي فَلَوْ قَالَ الْمُطَلِّقُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرِي وَهَذَا الْوَلَدُ مِنْهُ وَلَمْ يَظْهَرْ لَنَا النِّكَاحُ فَلَا نَقْلَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْله بِلَا بَيِّنَةٍ لِأَجْلِ حَقِّ الْوَلَدِ اهـ. فَلِمَ لَمْ يُقْبَلْ قَوْله هُنَا إلَّا بِبَيِّنَتِهِ بِخِلَافِ مَا مَرَّ قُلْت لِأَنَّا تَحَقَّقْنَا فِرَاشَهُ وَتَحَقَّقْنَا الْإِمْكَانَ مِنْهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ زَوْجِ غَيْرِهِ فَقَوْلُهُ: نَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرِي وَهَذَا الْوَلَدُ مِنْهُ مُخَالِفٌ لِلْأَصْلِ الْمُعْتَضَد بِتَحَقُّقِ الْإِمْكَانِ مِنْهُ فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْله إلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَجْلِ مَا ثَبَتَ لِلْوَلَدِ مِنْ تَحَقُّقِ الْإِمْكَانِ الْمُقْتَضِي لِلُّحُوقِ بِهِ هَذَا مَا فَتْح اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ عَلَى أَقَلّ عَبِيدِهِ وَأَحْوَجِهِمْ إلَى عَفْوِهِ وَمَغْفِرَتِهِ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ. [بَابُ النَّفَقَةِ] (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ سَافَرَ وَتَرَكَ زَوْجَتَهُ بِمَنْزِلِ طَاعَتِهِ وَأَمَرَهَا أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلِهَا إلَى حِينِ عَوْدِهِ وَأَمَرَ وَالِدَتَهُ أَنْ تَصْرِفَ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي مَنْزِل الطَّاعَةِ فَأَقَامَتْ أَيَّامًا قَلَائِلَ ثُمَّ سَافَرَ أَهْلُهَا إلَى الْمَدِينَة الشَّرِيفَةِ فَسَافَرَتْ مَعَهُمْ وَلَمَّا عَادَتْ سَكَنَتْ عِنْدَهُمْ وَاسْتَمَرَّتْ وَالِدَةُ الزَّوْجِ تَدْفَعُ لَهَا دَرَاهِمَ نَقْدًا إلَى أَنْ قَدِمَ وَلَدُهَا مَعَ عَدَمِ إذْنِهِ لَهَا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَهَلْ وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ يَلْزَمُ الزَّوْجَ الْمَذْكُورَ نَفَقَتُهَا مَعَ وُجُودِ سَفَرِهَا وَخُرُوجِهَا مِنْ مَنْزِلِ الطَّاعَةِ أَمْ لَا وَهَلْ لِوَالِدَتِهِ الرُّجُوعُ عَلَيْهَا بِمَا أَخَذَتْهُ مِنْهَا أَمْ لَا وَمَا حُكْمُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ لَا تَسْتَحِقُّ الزَّوْجَةُ الْمَذْكُورَةُ نَفَقَةً مِنْ حِينِ خَرَجَتْ مِنْ مَنْزِلِ الزَّوْجِ فَمَا أَعْطَتْهُ لَهَا وَالِدَتُهُ يَرْجِعُ هُوَ عَلَيْهَا بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا فِي صَرْفِهِ إلَّا مَا دَامَتْ فِي مَنْزِلِهِ فَإِذَا أَعْطَتْهَا شَيْئًا خَارِجَهُ كَانَتْ الْوَالِدَةُ مُقَصِّرَةً فَضَمِنَتْ لِوَلَدِهَا مَا فَرَّطَتْ فِيهِ وَإِذَا غَرِمَهَا وَلَدُهَا رَجَعَتْ عَلَى زَوْجَتِهِ بِمَا غَرِمَتْهُ لَهُ إنْ أَعْطَتْهُ لَهَا بِظَنِّ أَنَّهُ يَلْزَمُهَا الْإِنْفَاقُ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ وَلَدِهَا وَإِنْ كَانَتْ خَارِجَ مَنْزِلِهِ أَمَّا إذَا عَلِمَتْ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فَهِيَ مُتَبَرِّعَةٌ عَلَيْهَا بِمَا أَعْطَتْهُ لَهَا فَلَا تَرْجِعُ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ بِشَيْءِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ هَلْ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَخْرُج مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا لِلِاسْتِفْتَاءِ وَالتَّكَسُّب وَنَحْو ذَلِكَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَهَا الْخُرُوجُ بِغَيْرِ إذْنٍ لِلضَّرُورَةِ كَخَوْفِ هَدْمٍ وَعَدُوّ وَحَرِيقٍ وَغَرَقٍ وَلِلْحَاجَةِ لِلتَّكَسُّبِ بِالنَّفَقَةِ إذَا لَمْ يَكْفِهَا الزَّوْجُ وَلِلْحَاجَةِ الشَّرْعِيَّةِ كَالِاسْتِفْتَاءِ وَنَحْوِهِ إلَّا أَنْ يُفْتِيهَا الزَّوْجُ أَوْ يَسْأَل لَهَا لَا لِعِيَادَةِ مَرِيض وَإِنْ كَانَ أَبَاهَا وَلَا لِمَوْتِهِ وَشُهُودِ جِنَازَتِهِ قَالَهُ الْحَمَوِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِأَنَّ امْرَأَةً اسْتَأْذَنَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عِيَادَةِ أَبِيهَا وَكَانَ زَوْجُهَا غَائِبًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اتَّقِي اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأَطِيعِي زَوْجَك فَلَمْ تَخْرُج وَجَاءَ جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ غَفَرَ لِأَبِيهَا بِطَاعَتِهَا لِزَوْجِهَا» . (وَسُئِلَ) عَمَّنْ عَقَدَ بِجُدَّةَ لِشَخْصٍ عَلَى بِنْتٍ لَهُ بِكْرٍ وَهِيَ أَيْ الْبِنْتُ الْمَذْكُورَةُ بِأَبِي عَرِيشٍ ثُمَّ بَعْدَ الْعَقْدِ لَمْ يَطْلُبْهَا الزَّوْج مِنْ أَبِيهَا بَلْ سَافَرَ إلَى مِصْرَ وَسَافَرَ أَبُوهَا إلَى الْيَمَنِ ثُمَّ حَضَرَ بَعْدَ سِنِينَ وَطَالَبَ الزَّوْجَ أَبُوهَا بِالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ وَالْكِسْوَةِ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى الْآنَ فَهَلْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ الْمَاضِيَةُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ لَا تَلْزَمهُ نَفَقَةٌ وَلَا كِسْوَةٌ لِلسِّنِينَ الْمَاضِيَةِ لِانْتِفَاءِ عِرْضِهَا، أَوْ عِرْضِ وَلِيِّهَا عَلَى الزَّوْجِ عِنْدَ حُضُورِهِ وَعَلَى الْحَاكِمِ عِنْدَ غَيْبَتِهِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ لَمَسَ زَوْجَتَهُ هَلْ يَلْزَمُهُ لَهَا مَاءُ الْوُضُوءِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى كَلَام الرَّافِعِيِّ بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ

لَهَا ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِر وَعَلَيْهِ فَهَلْ يُقَاسُ بِهَا أَجْنَبِيَّةٌ لَمَسَهَا عَمْدًا، أَوْ عَكْسه، أَوْ لَا إلَّا الْأَوْجَهُ لَا لِأَنَّ تَمْكِين الزَّوْجِ وَاجِبٌ فَجَعَلَ الشَّارِعَ لَهَا فِي مُقَابَلَتِهِ مَاءَ طَهَارَتِهَا وَإِلَّا لَكَانَ فِي تَكْلِيفِهَا مَاءُ الطُّهْرِ مَعَ وُجُوبِ التَّمْكِينِ عَلَيْهَا عُسْرُ وَمَشَقَّة لَا تُطَاقُ بِخِلَافِ مَسِّهَا لِزَوْجِهَا إذْ لَا وُجُوب حَتَّى يَجْعَلْ فِي مُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ وَبِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ كَافِيَةٌ فِي الْعُقُوبَةِ فَلَا تَخْرُجُ عَلَى الْإِتْلَافَاتِ لِأَنَّ النَّقْضَ حُكْمٌ مِنْ الشَّارِعِ لَا مِنْهُ وَإِنْ كَانَ هُوَ سَبَبًا فِيهِ وَإِنَّمَا لَزِمَ شَاهِدَ الزُّورِ الْغُرْمُ مَعَ كَوْنِ التَّغْرِيمُ لَيْسَ مِنْهُ وَإِنَّمَا هُوَ سَبَبٌ فِيهِ لِأَنَّهُ أَلْجَأَ الْحَاكِمَ إلَى الْحُكْمِ وَاللَّامِسُ هُنَا لَا إلْجَاءَ مِنْهُ وَأَيْضًا فَرُجُوعُ الشَّاهِدِ هُوَ الْمُقْتَضِي لِغُرْمِهِ لِأَنَّهُ رَافِعٌ لِلْحُكْمِ الْوَاقِعِ وَاللَّامِسُ هُنَا لَمْ يَرْفَعْ مَا تَسَبَّبَ فِيهِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِمَا صُورَتُهُ أَجْنَبَتْ الزَّوْجَةُ بِاحْتِلَامٍ ثُمَّ وَطِئَهَا الزَّوْجُ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ثَمَنُ مَاءِ غُسْلِهَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ النَّفَقَاتِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْغُسْلَ لَيْسَ بِسَبَبِهِ حِينَئِذٍ. (وَسُئِلَ) هَلْ لِلزَّوْجَةِ الِامْتِنَاعُ حَتَّى يُسَلِّمُهَا الْكِسْوَةَ؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ لَا يَجُوز لَهَا الِامْتِنَاعُ لِتَسْلِيمِ النَّفَقَة الْمَاضِيَةِ الَّتِي صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الزَّوْج كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْوَاجِبَةِ لَهَا عَلَيْهِ وَأَمَّا الْكِسْوَةُ الْقَائِمَةُ فَمِنْ شَرْطِ وُجُوبِهَا التَّمْكِينُ فَإِذَا مُنِعَتْ مِنْهُ سَقَطَ وُجُوبُهَا وَأَخَذَ بَعْضُهُمْ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ لَوْ اخْتَارَتْ امْرَأَةُ الْمُعْسِر الْمَقَامَ مَعَهُ لَمْ يَلْزَمْهَا التَّمْكِينُ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ أَنَّ لَهَا الِامْتِنَاعُ هُنَا أَيْضًا قَالَ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ ذَلِكَ لِامْرَأَةِ الْمُعْسِر الْمَعْذُورِ فَبِالْأَوْلَى جَوَازُهُ لِامْرَأَةِ الْمُوسِرِ اهـ وَقَدْ يُفَرِّقُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ بِأَمَتِهِ فَهَرَبَ الْعَبْدُ وَتَضَرَّرَتْ بِذَلِكَ فَمَا الْحِيلَةُ فِي الْفَسْخِ عَلَيْهِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ الْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَعْتِقَهَا، أَوْ يُكَاتِبَهَا ثُمَّ يُمَلِّكَهَا إيَّاهُ بِنَذْرٍ، أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ شِرَاءَ إنْ قَدَرَتْ عَلَيْهِ فَإِنَّهَا إذَا مَلَكَتْهُ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا وَإِنْ فُسِخَتْ كِتَابَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ سَكَنَ مَعَهَا فِي بَيْتِهَا مَثَلًا أَوْ اسْتَعْمَلَ أَوَانِيَهَا وَهِيَ سَاكِتَةً عَلَى جَارِي الْعَادَةِ هَلْ عَلَيْهِ أُجْرَةُ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِ نَعَمْ عَلَيْهِ أُجْرَةُ ذَلِكَ وَنَقْصُ أَرْشِ الْأَوَانِي. (وَسُئِلَ) بِمَا صُورَتُهُ أَرَادَ الزَّوْجُ سَفَرًا طَوِيلًا فَهَلْ لِزَوْجَتِهِ مُطَالَبَتُهُ بِنَفَقَتِهَا لِمُدَّةِ ذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ نَعَمْ لَهَا ذَلِكَ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ قَالَ كَمَا لَا يَخْرُجُ لِلْحَجِّ حَتَّى يَتْرُكَ هَذَا الْقَدْرَ وَاسْتَشْكَلَ بِجَوَازِ سَفَرِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَحِلُّ قَبْلَ رُجُوعِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْذِنْ غَرِيمَهُ وَلَمْ يَتْرُكْ لَهُ وَفَاءً وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنْ أَرَادَ الْبَغَوِيّ لُزُومَ دَفْعِ ذَلِكَ إلَيْهَا فِي الْحُكْمِ الظَّاهِرِ فَهُوَ بَعِيدٌ إذْ كَيْفَ يُلْزَمُ بِأَدَاءِ مَا لَمْ يَجِبْ وَقَدْ يَجِبُ مِنْ بَعْدُ وَقَدْ لَا يَجِبُ. وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ لَهَا الِاعْتِرَاضَ عَلَيْهِ كَرَبِّ الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ يَعْتَرِضُ عَلَى مَدْيُونه إلَّا أَنْ يَدْفَعَ لَهُ وَفَاءَ، أَوْ كَفِيلًا مَلِيًّا فَذَاكَ فِي الْمُؤَجَّلِ الْقَرِيبِ الْحُلُولِ عَلَى خِلَافٍ وَتَفْصِيلٍ فِيهِ وَالْمُرَجَّحُ عَدَمُ التَّحَجُّر وَالنَّفَقَةِ أَوْلَى بِعَدَمِ التَّحَجُّرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِذِمَّتِهِ شَيْءٌ بِخِلَافِ الدَّيْنِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَحَسَنٌ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ مِنْ لَفْظِهِ وَقَدْ يُقَرِّبُهُ تَشْبِيهُهُ بِالْخُرُوجِ لِلْحَجِّ إذْ لَا نَعْلَمُ مَنْ قَالَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي الظَّاهِرِ بِذَلِكَ هُنَا وَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ دَفْعُ ذَلِكَ إلَيْهَا عَلَى كُلِّ تَقْدِيرِ اهـ. وَمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ هُوَ الْمَنْقُولُ إذْ لَا يُعْلَمُ مُخَالِفٌ لَهُ مِنْ الْأَصْحَاب مَعَ أَنَّ الْقِيَاسَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْحَجِّ الْمُصَرَّح بِهَا فِي كُتُبِهِمْ يَشْهَدُ لَهُ وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَمُسْتَحِقِّ الدَّيْن الْمُؤَجَّلِ بِأَنَّهَا تَحْتَ حِجْرِ الزَّوْجِ وَمَحْبُوسَةٌ لِأَجَلِهِ فَلَوْ لَمْ نُمَكِّنْهَا مِنْ مُطَالَبَتِهِ بِذَلِكَ لَزِمَ ضَيَاعُهَا وَمَزِيدُ تَضَرُّرِهَا بِخِلَافِ الدَّائِنِ فَإِنَّهُ لَا حِجْرَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ فَلَا يَلْحَقُهُ مِنْ الضَّرَرِ مَا يَلْحَقُ الزَّوْجِ. فَجَازَ أَنْ تَخْتَصَّ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ وَجَدَ فِيهَا مِنْ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ مَا لَمْ يُوجَدْ فِي غَيْرِهَا يُعْلَمُ بِذَلِكَ دَفْعُ الْإِشْكَالِ السَّابِقِ وَإِذَا مَكَّنَاهَا مِنْ مُطَالَبَتِهِ بِذَلِكَ فَظَاهِرٌ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَلْزَمُهُ بِدَفْعِ ذَلِكَ إلَيْهَا بَلْ يَدْفَعُهُ لِعَدْلٍ يُنْفِقُ عَلَيْهَا مِنْهُ وَيَصْرِفُ عَلَيْهَا مَا يَجِبُ لَهَا كُلُّ يَوْمٍ وَبِهَذَا الَّذِي ذَكَرْته يَنْدَفِعُ جَمِيعُ التَّرْدِيدَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْأَذْرَعِيُّ وَكَذَا يُقَالُ بِذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْحَجّ وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ إذْ لَا نَعْلَمُ إلَخْ يُجَابُ

عَنْهُ بِأَنَّ كَلَامَهُمْ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ فَلَا يَحْتَاجُ لِلتَّصْرِيحِ بِهِ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَقَرَّتْ بِدَيْنٍ فَحُبِسَتْ فِيهِ فَهَلْ تَجِبُ نَفَقَتُهَا؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ لَا تَجِبُ كَمَا أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَيَظْهَرُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ إذَا شَهِدَتْ عَلَيْهَا بِذَلِكَ فَأَنْكَرَتْ وَحُكِمَ عَلَيْهَا بِالْحَبْسِ لَا تَسْقُطُ بِذَلِكَ نَفَقَتُهَا وَإِنْ صَدَقَتْ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَسَبَّبْ فِي ذَلِكَ فَهُوَ كَمَرَضِهَا. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ عَمَّنْ نَشَزَتْ أَثْنَاءَ الْفَصْلِ هَلْ تَسْقُطُ كِسْوَتُهَا كَنَفَقَتِهَا؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ الْكِسْوَةُ كَالنَّفَقَةِ فِي ذَلِكَ فَإِذَا نَشَزَتْ وَلَهَا كِسْوَةٌ دَخَلَتْ فِي مِلْكِ الزَّوْج بِمُجَرَّدِ النُّشُوزِ فَإِنْ عَادَتْ لِلطَّاعَةِ تُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَهَا إيَّاهَا وَبَيْنَ أَنْ يُبْدِلَهَا بِكِسْوَةٍ تَكْفِي لِبَقِيَّةِ الْمُدَّةِ ذَكَرَهُ ابْنُ عُجَيْلٍ وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْمَطْلَبِ فِيمَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي أَثْنَاء الْفَصْلِ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهَا كِسْوَتَهَا لَمْ أَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ نَقْلًا وَيَبْعُدُ كُلّ الْبُعْدِ أَنْ يَنْكِح الرَّجُلُ امْرَأَةً وَيُطَلِّقُ فِي يَوْمِهِ وَنُوجِبُ عَلَيْهِ كِسْوَةُ فَصْلٍ كَامِلٍ وَلَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ تَوَزَّعَ الْكِسْوَةُ عَلَى أَيَّامِ الْفَصْلِ وَيَجِبُ لَهَا مِنْ قِيمَةِ الْكِسْوَةِ مَا يُقَابِلُ زَمَنَ النِّكَاح. وَكَلَام الشَّيْخَيْنِ يَقْتَضِيَهُ حَيْثُ قَالَا تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّهَا تَمْلِيكٌ فَلَوْ مَضَتْ مُدَّةٌ وَلَمْ يَكْسُهَا صَارَتْ دَيْنًا أَيْ كِسْوَةُ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَلَا يُقَاسُ ذَلِكَ بِمَا إذَا قَبَضَتْهَا أَوَّلَ الْفَصْل وَبَانَتْ مِنْهُ فِي أَثْنَائِهِ فَإِنَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْقَبْضِ فَلَمْ يُؤَثِّرُ فِيهِ مَا طَرَأَ بَعْدَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَحْصُلْ وَلِذَلِكَ نَظَائِرُ فِي الْهِبَةِ وَالرَّهْنِ وَلَا يُقَاسُ ذَلِكَ أَيْضًا بِمَا إذَا مَاتَ أَثْنَاءَ الْيَوْمِ قَبْلَ قَبْضِ نَفَقَتِهَا فَإِنَّ نَفَقَةُ الْيَوْمِ تَجِبُ لَهَا لِأَنَّ أَجْزَاءَهُ مُتَقَارِبَةٌ وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ أَنَّ مَا ذُكِرَ أَوْجُهٌ مِنْ قَوْلِ الْبَارِزِيّ لَمَّا سَأَلَهُ الْإِسْنَوِيُّ عَنْ ذَلِكَ بِمَا صُورَته هَلْ يُقَالُ تَسْتَحِقُّ الْجَمِيعَ بِدَلِيلِ مَا إذَا أَقْبَضَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَلَا رُجُوعِ عَلَى الصَّحِيحِ إذْ لَوْ لَمْ تَسْتَحِقَّ لَرَجَعَ، أَوْ يُقَالُ تَسْتَحِقُّ بِالْقِسْطِ لَيْسَ إلَّا وَلَيْسَ نَظِيرُ مَا إذَا أَقْبَضَهَا لِأَنَّ هُنَاكَ لَمَّا اتَّصَلَ بِالْقَبْضِ لَمْ يُؤَثِّرْ مَا يَطْرَأُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ نَقَلَ مَوْثُوقٌ بِهِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَأَظُنُّهُ صَاحِبَ الْإِفْصَاحِ مَا يُوَافِق الثَّانِي إلَّا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَلَى الْمَرْجُوحِ فِي الرُّجُوع عِنْدَ الْقَبْضِ فَالْمَسْئُول الْأَنْعَام فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهَا وَقَعَتْ وَاضْطَرَبَتْ فِيهَا الْآرَاء فَأَجَابَهُ الْبَارِزِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا صُورَتُهُ إذَا طَلَّقَهَا فِي أَثْنَاءِ الْفَصْلِ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهَا كِسْوَتَهُ كَانَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ وَفِي كِتَابِ ابْنِ كَجٍّ لَهُ الِاسْتِرْدَادُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ اهـ. وَنَصَّ أَيْضًا أَنَّ الْكِسْوَةَ كَالنَّفَقَةِ فَقَالَ وَأَصَحُّهُمَا وَنَسَبَ إلَى النَّصّ يَجِبُ تَمْلِيكُهَا كَالنَّفَقَةِ وَالْأَدَمِ وَسَوَّى بَيْنَ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ وَلَا خِلَافَ أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِ تَسْلِيمُ النَّفَقَةِ صَبِيحَةَ كُلِّ يَوْمٍ وَالْكِسْوَةِ أَوَّلَ كُلِّ صَيْفٍ وَشِتَاءٍ فَنَقُولُ كَمَا أَنَّ الطَّلَاقَ فِي أَثْنَاءِ الْفَصْلِ بَعْدَ قَبْضِهَا الْكِسْوَةِ لَا يُؤَثِّرُ فِي رُجُوعه عَلَيْهَا فَكَذَلِكَ طَلَاقُهَا فِي أَثْنَاءِ الْفَصْلِ قَبْلَ الْكِسْوَةِ لَا يُؤَثِّرُ فِي سُقُوطِ ذَلِكَ مِنْ ذِمَّتِهِ كَنَفَقَةِ الْيَوْمِ اهـ. وَإِذَا تَأَمَّلْت مَا ذَكَرَهُ عَلِمْت أَنَّ مُسْتَنَدَهُ لَيْسَ إلَّا قِيَاسُ الْكِسْوَةِ عَلَى النَّفَقَةِ وَقَدْ عَلِمْت الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فِيمَا مَرَّ وَكَوْنُ الشَّيْخَيْنِ سَوَّيَاهَا بِهَا فِي كَوْنِهَا تَصِيرُ دَيْنًا وَفِي وَقْتِ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ لَا يَسْتَلْزِمُ قِيَاسُهَا بِهَا فِي غَيْر ذَلِكَ لِوُجُودِ الْفَارِق مَعَ تَصْرِيحِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ بِالْفَرْقِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَقَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ يَحْتَمِلُ إلَى آخِر مَا مَرَّ عَنْهُ فِي سُؤَاله مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ جَوَابٌ عَلَى الصَّحِيحِ لِمَا مَرَّ (وَسُئِلَ) عَمَّنْ غَابَ زَوْجُهَا فَأَثْبَتَتْ إعْسَارَهُ وَفَسَخَتْ ثُمَّ عَادَ وَادَّعَى أَنَّ لَهُ مَالًا خَفِيَ عَلَى بَيِّنَة الْإِعْسَارِ فَهَلْ يُقْبَل؟ (فَأَجَابَ) بِمَا صُورَتُهُ قَالَ الْغَزَالِيُّ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ إلَّا إنْ ادَّعَى عَلَيْهَا أَنَّهَا تَعْلَمُهُ وَتَقْدِرُ عَلَيْهِ فَيَبْطُل الْفَسْخُ إذَا أَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا أَرَادَ الزَّوْج نَقْلَ زَوْجَتِهِ وَعَلَيْهَا دَيْنٌ فَامْتَنَعَتْ حَتَّى يَرْضَى الدَّائِنُ فَهَلْ تُجْبَرُ عَلَى السَّفَرِ مَعَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَة؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ تُجْبَرُ إذَا كَانَتْ مُعْسِرَةٌ، أَوْ كَانَ لَهَا مَالٌ عَلَى الزَّوْجِ وَهُوَ مُعْسِرٌ وَإِلَّا لَمْ تُجْبَرْ حَتَّى يَأْذَنَ الدَّائِن أَوْ تَقْضِيَهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ لِلْحَاكِمِ إجْبَارُهَا عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِذَلِكَ إلَى إجْبَارِهَا عَلَى السَّفَرِ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهَا الدَّائِنُ أَوْ أَمَرَ الدَّائِن بِمُطَالَبَتِهَا، أَوْ الْإِذْنُ لَهَا فِي السَّفَرِ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي النُّشُوزِ فَمِنْ

الْمُصَدِّقُ مِنْهُمَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّمْكِينِ وَبَرَاءَةُ الذِّمَّةِ لَكِنْ قَالَ الْجِيلِيُّ هَذَا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَأَمَّا بَعْدَهُ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَالنَّفَقَةَ وَاجِبَانِ بِالْعَقْدِ وَالتَّمْكِينِ وَالزَّوْجُ يَدَّعِي النُّشُوزَ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَعَدَمُ سُقُوط النَّفَقَةِ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ مُتَّجَهٌ. (وَسُئِلَ) عَنْ امْرَأَةٍ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَفَسَخَتْ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِإِعْسَارِهِ فَحَضَرَ وَادَّعَى أَنَّهُ أَرْسَلَ لَهَا بِنَحْوِ النَّفَقَةِ قَبْلَ الْفَسْخِ وَأَنْكَرَتْ فَمَنْ الْمُصَدَّقُ مِنْهُمَا؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ أَفْتَى الْقَاضِي حُسَيْنُ بِتَصْدِيقِ الزَّوْجِ بِالنِّسْبَةِ إلَى عَدَمِ نُفُوذِ الْفَسْخِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِإِسْقَاطِ نَحْو النَّفَقَة وَمَشَى عَلَى ذَلِكَ الْبُوشَنْجِيُّ لَكِنْ خَالَفَهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالْمَرْوَزِيُّ فَجَزَمَا بِأَنَّهَا تُصَدَّقُ فِيمَا ادَّعَتْهُ مِنْ عَدَمِ وُصُولِ النَّفَقَةِ وَهَذَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الصَّلَاحُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِ ثُمَّ أَذِنَ لَهَا فِي غَيْبَتِهَا يَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْإِذْنِ لِأَنَّهَا قَدْ تُنْكِرُ فَلَا يُصَدَّقُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا امْتَنَعَتْ الزَّوْجَةُ مِنْ تَمْكِينِ الزَّوْجِ لِتَشَعُّثِهِ وَكَثْرَةِ أَوْسَاخِهِ هَلْ تَكُونُ نَاشِزَةً؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا تَكُونُ نَاشِزَةٌ بِذَلِكَ وَمِثْلُهُ كُلُّ مَا تُجْبَرُ الْمَرْأَةُ عَلَى إزَالَتِهِ أَخْذًا مِمَّا فِي الْبَيَانِ عَنْ النَّصِّ أَنَّ كُلَّ مَا يَتَأَذَّى بِهِ الْإِنْسَانُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ إزَالَتُهُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا طَلَبَ الزَّوْجُ مِنْ زَوْجَتِهِ عِنْدَ الْجِمَاعِ رَفْعَ الْفَخِذَيْنِ وَالتَّحْرِيكَ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ فَتَكُونُ نَاشِزَةٌ إذَا امْتَنَعَتْ؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ الْوَاجِبُ عَلَيْهَا هُوَ التَّمْكِينُ مِنْ الْوَطْءِ بِحَيْثُ يَسْهُلُ عَلَى الزَّوْجِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا مَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ وَإِنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَزِيدُ قُوَّةٍ لِهِمَّةِ الرَّجُل وَتَنْشِيطٌ لِلْجِمَاعِ هَذَا هُوَ الَّذِي يُتَّجَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهَا مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ الْإِنْزَالُ، أَوْ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى تَرْكِهِ ضَرَرٌ لِلرَّجُلِ وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِهِ عِلَّةٌ لَا يَقْدِرُ مَعَهَا عَلَى الْجِمَاعِ إلَّا مُسْتَلْقِيًا فَسَأَلَهَا أَنْ تَرْكَبَهُ وَتَكُونُ هِيَ الْفَاعِلَةُ لَمْ يَلْزَمْهَا ذَلِكَ وَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا إذَا امْتَنَعَتْ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْأَوْجَهُ خِلَافُهُ حَيْثُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ. (وَسُئِلَ) عَنْ طِفْلَةٍ أَعْسَرَ زَوْجُهَا وَلَيْسَ لَهَا مَالٌ وَلَا مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا عَلَى مَنْ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ تَجِبُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَعَلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَهَلْ هِيَ قَرْضٌ حَتَّى يَرْجِعُوا عِنْدَ الْيَسَارِ أَوْ لَا قَضِيَّةُ مَا ذَكَرُوهُ فِي اللَّقِيطِ وَالْمُضْطَرِّ الْأَوَّلِ وَقَضِيَّةُ مَا أَطْلَقُوهُ فِي السَّيْرِ الثَّانِي. (وَسُئِلَ) عَنْ الْمَرْأَةِ الْمُزَوَّجَة إذَا لَمْ يُسْكِنْهَا الزَّوْجُ فِي بَيْتِهِ بَلْ كَانَتْ سَاكِنَةً هِيَ وَهُوَ فِي بَيْتِهَا مَثَلًا أَوْ بَيْتِ أَبِيهَا أَوْ أَحَدِهِمَا هَلْ يَلْزَمُهَا مُلَازَمَةِ الْبَيْتِ الْمَذْكُورِ فَلَا تَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَإِذَا خَرَجَتْ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ تَكُونُ نَاشِزَةً، أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ لِلْأَصْحَابِ فِي ذَلِكَ عِبَارَتَانِ إحْدَاهُمَا بَيْتُ الزَّوْجِ وَالثَّانِيَةُ سَكَنُهَا وَبِهَذِهِ الثَّانِيَةِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ مُرَادَ مَنْ عَبَّرَ بِبَيْتِ الزَّوْجِ، أَوْ مَنْزِلِهِ مَا لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةُ الْإِسْكَانِ لِكَوْنِهِ مَالِكَهُ أَوْ مُسْتَأْجِرَهُ أَوْ مُسْتَعِيرَهُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ قَوْلُهُمْ لَوْ كَانَ الْمَنْزِلُ لِغَيْرِ الزَّوْجِ فَأُزْعِجَتْ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نُشُوزًا فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُمْ لِغَيْرِ الزَّوْجِ وَاشْتِرَاطَهُمْ فِي عَدَمٍ بِسُقُوطِ نَفَقَتهَا بِالْخُرُوجِ مِنْهُ أَنْ تُزْعَجَ مِنْهُ بِأَنْ يُخْرِجُهَا مِنْهُ مَالِكُهُ بِدَلِيلِ تَعْبِيرِ آخَرِينَ بِأَنَّ مِنْ الْأَعْذَارِ إزْعَاجَ الْمَالِكِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مِلْكَ الزَّوْجِ وَأَنَّهَا إذَا خَرَجَتْ مِنْ سَكَنِهَا الْمَمْلُوكِ لِغَيْرِ الزَّوْجِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ لِإِخْرَاجِ مَالِكِهِ لَهَا مِنْهُ لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهَا وَإِلَّا سَقَطَتْ. وَوَقَعَ فِي قُوتِ الْأَذْرَعِيِّ أَنَّ مِنْ الْأَعْذَارِ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِ فَتَخْرُجُ مِنْهُ وَمُرَادُهُ بِدَلِيلِ عِبَارَةِ الْبَاقِينَ خُرُوجُهَا مِنْهُ لِإِخْرَاجِ مَالِكِهِ وَنَحْوه وَأَمَّا خُرُوجُهَا مِنْهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَنَحْوِهِ فَنُشُوزٌ بِدَلِيلِ قَوْلِ الْأَذْرَعِيِّ نَفْسِهِ بَعْدَ تِلْكَ الصُّورَةِ وَصُوَرٍ أُخَرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَعُدُّ الْخُرُوجُ بِهِ عُذْرًا فَبَانَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ، أَوْ يَكُونُ لِغَيْرِهِ فَتَخْرُجُ مِنْهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا عُذِرَتْ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ وَبَحَثَ فِيهِ أَنَّهَا لَوْ جَرَتْ عَلَى مُقْتَضَى الْعُرْفِ الْمُعْتَادِ فِي حَقّهَا وَحَقِّ أَمْثَالِهَا بِالْخُرُوجِ فِي حَوَائِجِهَا لِتَعُودَ عَنْ قُرْبٍ، أَوْ لِجَامٍ وَنَحْوِهِ فَلَيْسَ بِنُشُوزٍ لِلْعُرْفِ فِي رِضَا أَمْثَالِهِ بِهِ وَفِيمَا بَحَثَهُ نَظَرٌ ظَاهِرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ مُنَابِذُ لِإِطْلَاقِهِمْ سُقُوطِ النَّفَقَةِ بِالْخُرُوجِ بِلَا إذْنِهِ بِأَنَّهَا فِي

قَبْضَتِهِ وَبَانَ لَهُ عَلَيْهَا حَقُّ الْحَبْسِ فِي مُقَابَلَةِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْعُرْفَ هُنَا غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِأَنَّ رِضَا الزَّوْجِ بِخُرُوجِ زَوْجَتِهِ وَعَدَمِهِ يَرْجِعُ إلَى مَا عِنْدَهُ مِنْ الْأَنَفَةِ وَالْغَيْرَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ فِي النَّاسِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَكَمْ مَنْ يَرْضَى بِالْخُرُوجِ وَلَوْ مَعَ الرِّيبَةِ وَكَمْ مَنْ لَا يَرْضَى بِهِ وَإِنْ تَحَقَّقَ عَدَمُ الرِّيبَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ الْمَرْأَةُ قَبْلَ نِكَاحِهِ تَعْتَادُهُ أَمْ لَا. فَالْوَجْهُ خِلَافُ مَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ مِنْ بَيْتِهِ الَّذِي رَضِيَ بِسُكْنَاهَا فِيهِ سَوَاءٌ أَكَانَ مِلْكُهُ أَمْ غَيْرُ مِلْكِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ سَوَاءٌ اعْتَادَتْ الْخُرُوجَ أَمْ لَا نَعَمْ جَوَّزُوا لَهَا الْخُرُوجَ لِإِعْذَارٍ كَخَوْفٍ مِنْ نَحْوِ انْهِدَامٍ، أَوْ فَسَقَةٍ وَكَخَرَابِ الْمَحَلَّةِ حَوْلَ بَيْتِهَا حَتَّى صَارَ مُنْفَرِدًا وَكَإِزْعَاجِ مَالِك الْمَنْزِلِ كَمَا مَرَّ وَكَالْخُرُوجِ لِاسْتِفْتَاءٍ لَمْ يَكْفِهَا الزَّوْجُ مُؤْنَته وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ كَمَا مَرَّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَسُئِلَ عَنْ الْوَلَدِ الْمَحْضُونِ إذَا كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى غَيْرِ مَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ كَأَنْ كَانَتْ أُمُّهُ تَحْضُنُهُ وَنَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ فَطَلَبَتْ الْأُمُّ تَسْلِيمَ نَفَقَةِ الْوَلَدِ الْمَحْضُونِ إلَيْهَا وَامْتَنَعَ الْأَبُ أَنْ يَجِيءَ الْوَلَدُ إلَيْهِ وَيَأْكُلُ عِنْدَهُ فَمَنْ الْمُجَابُ مِنْهُمَا. ؟ وَهَلْ يَخْتَلِفُ الْحَالُ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْمَحْضُونُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَبَيْنَ مَا قَبْلَ سِنِّ التَّمْيِيزِ وَمَا بَعْدَهُ حَيْثُ اخْتَارَ الْأُمَّ؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ إذَا أَمْكَنَ الْوَلَدَ الذَّكَرَ الْمَجِيءُ إلَى بَيْتِ أَبِيهِ وَالْأَكْلُ عِنْدَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ نَقْلُ النَّفَقَةِ إلَيْهِ إلَى بَيْتِ أُمِّهِ وَإِنْ ثَبَتَ لَهَا الْحَضَانَةُ بَلْ صَرَّحَ الْإِمَامُ بِذَلِكَ حَتَّى فِي الْأَبِ مَعَ الْوَلَدِ فَقَالَ لَا يَجِبُ تَسْلِيمُ النَّفَقَةِ بَلْ لَهُ أَنْ يَقُولَ كُلٌّ مَعِي وَقَدْ يَتَوَقَّفُ فِي هَذَا فِي حَقِّ الْأَبِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْحُضُورِ فَإِنْ حَضَرَ الْوَلَدُ إلَيْهِ فَذَاكَ اهـ. وَتُوقِفُهُ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ الَّذِي نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَا عَنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّ النَّفَقَة لِلْقَرِيبِ لَيْسَتْ تَمْلِيكًا وَإِنَّمَا هِيَ إمْتَاعٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعِوَضٍ بَلْ مَعُونَةٍ وَمُوَاسَاةٍ وَإِذَا كَانَتْ إمْتَاعًا لَا تَمْلِيكًا فَلَا يُلْزَمُ الْمُتَبَرِّعُ بِذَلِكَ الْإِمْتَاعِ وَالْمُوَاسَاةِ نَقَلَهَا إلَى مَحَلِّ الْمُنْفِقِ عَلَيْهِ بَلْ لَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ ائْتِ إلَى عِنْدِي لِأُوَاسِيَك. وَوَاضِحٌ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا سَهُلَ عَلَى الْمُنْفِقِ عَلَيْهِ الْإِتْيَانُ وَإِلَّا فَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْمُنْفِقَ إرْسَالُهَا إلَى مَحَلِّ الْمُنْفِقِ عَلَيْهِ لِأَنَّ اللَّازِمَ لَهُ الْكِفَايَةُ وَلَا تَتِمُّ إلَّا بِإِيصَالِهَا إلَيْهِ وَإِنَّمَا نَظَرْنَا إلَى هَذَا عِنْدَ نَحْوِ عَجْزِ الْمُنْفِقِ عَلَيْهِ لِعُذْرِهِ بِخِلَافِهِ عِنْدَ السُّهُولَةِ فَإِنَّهُ لَا كُلْفَةَ عَلَيْهِ فِي مَجِيئِهِ إلَى قَرِيبِهِ وَلَا يُكَلَّفُ حِينَئِذٍ قَرِيبُهُ الْحَمْلَ إلَيْهِ رِعَايَةً لِكَوْنِهِ مُوَاسِيًا وَمُتَبَرِّعًا هَذَا تَوْجِيهُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَإِنْ كَانَ لِتَوَقُّفِ الْإِمَامِ فِي الْأَبِ وَجْهٌ وَجِيهُ إذْ اللَّائِقُ بِطَلَبِ مَزِيدِ احْتِرَامِهِ وَبِرِّهِ أَنْ لَا يُكَلَّفُ الْمَجِيءَ صَبَاحًا وَمَسَاءً إلَى بَيْتِ ابْنِهِ وَأَمَّا الْأُنْثَى فَيَلْزَمُ الْأَبَ نَقُلْ كِفَايَتُهَا إلَى بَيْتِ أُمِّهَا الثَّابِتِ لَهَا حَضَانَتُهَا أَصَالَةً، أَوْ بِاخْتِيَارِهَا بَعْدَ تَمْيِيزِهَا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ تَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّهَا إذَا اخْتَارَتْ الْأُمَّ تَكُونُ عِنْدَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا فَيَزُورُهَا الْأَبُ وَلَا يَطْلُبُ إحْضَارَهَا عِنْدَهُ بَلْ يُلَاحِظُهَا بِقِيَامِهِ بِتَأْدِيبِهَا وَتَعْلِيمِهَا وَتَحَمُّلِ مُؤْنَتِهَا قَالُوا وَالصَّغِيرُ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ وَالْمَجْنُونُ كَذَلِكَ فَيَكُونَانِ عِنْدَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا وَيَزُورُهُمَا الْأَبُ وَيُلَاحِظُهُمَا بِمَا ذَكَرَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا لَفْظُهُ فِي الْجَوَاهِرِ عَنْ الْقَاضِي أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَرَادَتْ إثْبَاتَ إعْسَارِ زَوْجِهَا الْغَائِبِ لِفَسْخِ النِّكَاحِ أَنَّ الْحِيلَةَ أَنْ تَدَّعِيَ عَلَى رَجُلٍ إنَّك ضَمِنْت لِي عَنْ زَوْجِي عَشْرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ جِهَةِ النَّفَقَةِ فَيُنْكِرُ فَتُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى إثْبَاتِ الضَّمَانِ وَالنِّكَاحِ فَإِذَا ثَبَتَ النِّكَاحُ فَالْقَاضِي إنْ وَجَدَ مَالًا فَرَضَ النَّفَقَةَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَلَهَا الْفَسْخُ ثُمَّ قَالَ قُلْت وَفِي دَعْوَى الدَّرَاهِمِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ تَدَّعِي نَفْسَ الطَّعَامِ اهـ. فَهَلْ ذَلِكَ مُعْتَمَد، أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَدُ خِلَافُ ظَاهِرِ ذَلِكَ فَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ لَوْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ وَجَهِلَ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَلَا فَسْخَ لِأَنَّ السَّبَبَ لَمْ يَتَحَقَّقْ فَلَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ غَابَ مُعْسِرًا فَلَا فَسْخَ أَيْضًا كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ لِأَنَّ الْأَصْلَ دَوَامُ النِّكَاحِ فَلَوْ شَهِدَتْ بِإِعْسَارِ الْغَائِبِ الْآنَ بِنَاءً عَلَى الِاسْتِصْحَابِ جَازَ لَهَا ذَلِكَ إذَا لَمْ تَعْلَمْ زَوَالَهُ وَجَازَ الْفَسْخُ حِينَئِذٍ وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ قَوْلُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ إذَا ثَبَتَ إعْسَارُ الْغَائِبِ عِنْدَ حَاكِمٍ بَلَدِ الزَّوْجَةِ جَازَ الْفَسْخُ إذْ صُورَتُهُ أَنْ تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عِنْدَهُ بِإِعْسَارِهِ فِي الْحَالِ وَذَكَرَ دَعْوَى الضَّمَانِ فِي

عِبَارَة الْقَاضِي إنَّمَا هُوَ لِلتَّوَصُّلِ بِهِ عِنْده لِإِثْبَاتِ اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ الَّذِي هُوَ فَرْعُ ثُبُوتِ الزَّوْجِيَّةِ لِتَقُومَ الْبَيِّنَةُ بَعْدَ إنْكَارِ مُنْكِرٍ فَيُثْبِتُ مُقْتَضَاهَا فَيُتَوَصَّلُ بِذَلِكَ إلَى الْفَسْخِ لَا أَنَّهَا تُفْسَخُ حِينَئِذٍ بِالْعَجْزِ عَنْ الْفِقْهِ الْمَضْمُونَةِ الْمَاضِيَةِ وَلَا بِعَجْزِ الضَّامِنِ إذْ لَا قَائِلَ بِهِ. وَقَوْلُهُ: فَيُنْكِرُ فَتُقِيمُ الْبَيِّنَةَ ظَاهِرَةً تُوقَفُ الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةُ عَلَى إنْكَارِ مُنْكِرٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ بِإِسْقَاطِ حَقٍّ لَهُ كَالْإِبْرَاءِ مِنْ دِينِهِ فَإِنَّ الْقَاضِي لَا يَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ بِالْبَرَاءَةِ لَكِنَّ حِيلَتَهُ أَنْ يَدَّعِيَ إنْسَانٌ أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ أَحَالَهُ بِهِ فَيَعْتَرِفُ بِذَلِكَ وَيَدَّعِي الْبَرَاءَةَ فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ حِينَئِذٍ وَبَيِّنَتُهُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا نَشَزَتْ الْمَرْأَةُ فَغَابَ عَنْهَا فَوْقَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ ثُمَّ عَادَتْ إلَى طَاعَتِهِ وَتَعَذَّرَ إنْهَاءُ الْخَبَرِ إلَيْهِ لِفَقْدِ مُؤْنَةِ الْبَعْثِ هَلْ تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ أَوْ لَا وَهَلْ يَثْبُتُ لَهَا الْفَسْخُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ النَّاشِزَ إذَا غَابَ زَوْجُهَا لَا تَعُودُ نَفَقَتُهَا بِعَوْدِهَا إلَى الطَّاعَةِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ تَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَقْضِيَ بِطَاعَتِهَا ثُمَّ يُرْسِلُ يُخْبِرُ الزَّوْجَ بِذَلِكَ فَإِذَا رَجَعَ هُوَ، أَوْ وَكِيلُهُ وَتَسَلَّمَهَا عَادَتْ النَّفَقَةُ وَإِنَّ عَلِمَ وَلَمْ يَرْجِعْ هُوَ وَلَا وَكِي لَهُ عَادَتْ إذَا مَضَى زَمَنُ إمْكَانِ عَوْدِهِ فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ مَوْضِعُهُ فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْمُتَوَلِّي أَنَّ الْحَاكِمَ يَكْتُبُ إلَى حَاكِمِ الْبِلَادِ الَّتِي تَرِدُهَا الْقَوَافِلُ مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ فِي الْعَادَةِ لِيَطْلُبَ وَيُنَادِي بِاسْمِهِ فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَرَضَ الْقَاضِي نَفَقَتَهَا فِي مَالِهِ الْحَاضِرِ وَأَخَذَ مِنْهَا كَفِيلًا بِمَا يَصْرِفُ إلَيْهَا لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ، أَوْ طَلَاقِهِ اهـ. وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِمَحِلٍّ لَا يُمْكِنُ وُصُولُ الْخَبَرِ مِنْ الْحَاكِمِ إلَيْهِ إمَّا لِخَوْفِ طَرِيقٍ، أَوْ نَحْوِهِ فَرَضَ الْقَاضِي نَفَقَتَهَا فِي مَالِهِ الْحَاضِرِ وَأَخَذَ مِنْهَا كَفِيلًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ فَإِنْ شَاءَ اقْتَرَضَ لَهَا عَلَيْهِ، أَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الْقَرْضِ، أَوْ فَرَضَ نَفَقَتَهَا عَلَيْهِ لِيُوَفِّيَهَا إذَا حَضَرَ وَذَكَرَ الْغَزِّيُّ أَنَّهَا إذَا بَذَلَتْ الطَّاعَةَ وَهُوَ غَائِبٌ وَأَعْلَمُهُ الْقَاضِي فَقَصَّرَ فِي تَسَلُّمِهَا فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي نَفَقَةَ الْمُعْسِرِينَ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ يَسَارُهُ، أَوْ تَوَسُّطُهُ اهـ. وَأَمَّا فَسْخُ النِّكَاحِ فَالْمُعْتَمَدُ مِنْ اضْطِرَابٍ طَوِيلٍ فِيهِ بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزَ إلَّا إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ الْآنَ مُعْسِرٌ عَاجِزٌ عَنْ أَقَلّ وَاجِبِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَلَا يَكْفِي فَقْدُ خَبَره وَلَا امْتِنَاعُهُ مِنْ الْإِنْفَاقِ وَلَا غَيْبَتُهُ مُعْسِرًا. فَكُلُّ هَذِهِ وَنَحْوُهَا لَا يَجُوزُ بِهِ فَسْخُ النِّكَاحِ بَلْ لَا يَجُوزُ إلَّا إنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ شَرْعِيَّةٌ بِمَا ذَكَرَ وَلَا تَسْأَل مِنْ أَيْنَ لَك أَنَّهُ مُعْسِرٌ الْآنَ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ قَدْ تَحْصُلُ عِنْدَهُ مِنْ الْقَرَائِنِ بِمَا يُؤَدِّي إلَى الْيَقِينِ فَيَجُوزُ لَهُ الِاسْتِنَادُ إلَيْهِ فِي الْجَزْمِ بِالشَّهَادَةِ وَإِنْ كَانَ لَوْ صَرَّحَ بِمُسْتَنَدِهِ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ عَنْ رَضِيعٍ حَضَنَتْهُ حَاضِنَةٌ شَرْعِيَّةٌ أُمٌّ مَثَلًا أَوْ غَيْرُهَا وَغَابَ وَالِدُهُ مَثَلًا أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ فِيمَا يَلْزَمهُ شَرْعًا مِنْ أُجْرَتِي حَضَانَةٍ وَرِضَاعٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ اللَّوَازِمِ الشَّرْعِيَّةِ مَعَ غِنَاهُ فَفَرَضَ عَلَيْهِ حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ مَالًا مَعْلُومًا بِاجْتِهَادِهِ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ وَأَذِنَ لِحَاضِنَتِهِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهَا أَوْ بِالِاقْتِرَاضِ عَلَيْهِ لِتَرْجِعَ بِذَلِكَ عَلَى مَالِ وَالِدِهِ فَإِذَا اقْتَرَضَتْ أَوْ أَنْفَقَتْ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهَا بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ مُدَّةً طَوِيلَةً تَبَيَّنَ فِيهَا فَقْرُ وَالِدِهِ، أَوْ مَوْتُهُ هَلْ يَلْزَمُهَا مَا اقْتَرَضَتْ عَلَيْهِ وَيَفُوتُ عَلَيْهَا مَا أَنْفَقَتْهُ عَلَيْهِ مَجَّانًا، أَوْ تَرْجِعُ عَلَى مَالِ الْوَلَدِ الْمَحْضُونِ إذَا حَصَلَ لَهُ مَالٌ فِي حَالِ صِغَرِهِ، أَوْ كِبْره أَوْ عَلَى الْأَقْرَبِ مِنْ أَجْدَادِهِ إذَا كَانَ مُوسِرًا. وَإِذَا اقْتَرَضَتْ الْحَاضِنَةُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ هَلْ يَصِيرُ دَيْنًا لَهَا كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ أَوَّلًا كَمَا ذَكَرَهُ جَمْعٌ كَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ وَغَيْرِهِمْ وَإِذَا قُلْتُمْ يَصِيرُ دَيْنًا لَهَا كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ كَيْفَ صُورَةُ الِاقْتِرَاضِ تَقُولُ اقْتَرَضْتُ هَذَا الْمَالَ فِي ذِمَّتِي وَمَالِي لِأُنْفِقَهُ عَلَى الْوَلَدِ الْمَحْضُونِ، أَوْ فِي ذِمَّةِ الْمَحْضُونِ وَمَالِهِ، أَوْ وَالِدِهِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا غَنِيًّا فَإِنْ قُلْتُمْ بِالْأَخِيرِ فَهَذَا يُشْكِلُ بِالِاقْتِرَاضِ عَلَى ذِمَّةِ الْغَيْرِ وَكَيْفَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ وَهَلْ لِلْحَاضِنَةِ أَخْذُ الرَّضَاع نَفَقَةٌ كَنَفَقَةِ زَوْجَةِ مُوسِرٍ مَثَلًا أَوْ مُتَوَسِّطٍ مَثَلًا أَوْ مُعْسِرٍ وَلَهَا أُجْرَةُ مِثْلِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مُسَمًّى غَيْرُ أُجْرَة الرَّضَاعِ وَإِذَا انْفَصَلَ الرَّضَاعُ هَلْ تَسْتَحِقُّ نَفَقَةً أَوْ أُجْرَةً إذَا قُلْتُمْ بِهَا لِحَضَانَتِهَا وَتَعَهُّدِهَا لِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ إلَى سِنِّ التَّمْيِيزِ وَالتَّخْيِيرِ أَمْ تَسْقُطُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ

وَلَا يَلْزَمُ فِيهَا وَالِدُهُ غَيْر نَفَقَةِ وَلَدِهِ وَلَوَازِمه الشَّرْعِيَّة فَقَطْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْحَاضِنَةُ أُمًّا أَمْ أَجْنَبِيَّةً وَإِذَا امْتَنَعَتْ الْأُمُّ مِنْ إرْضَاعِ وَلَدِهَا بَعْدَ سَقْيِهِ اللِّبَأَ وَاسْتَأْجَرْنَا لَهُ مُرْضِعَة ذَات لَبَن وَوَلَد لِلْإِرْضَاعِ فَقَطْ وَاشْتَرَتْ لِلْمَحْضُونِ لَبَنًا وَسَقَتْهُ هَلْ يَقُومُ مَقَام لَبَنِهَا إذَا غُذِّيَ بِهِ أَمْ يَجِبُ عَلَيْهَا سَقْيُهُ مِنْ لَبَنِهَا وَهَلْ هَذِهِ الْإِجَارَة لِلْإِرْضَاعِ فَقَطْ صَحِيحَةٌ لِمَا فِيهَا مِنْ الْجَهَالَةِ بِلَبَنِهَا وَعَدَمِ رُؤْيَتِهِ وَاشْتِرَاكِهِ بَيْنَ الْمَحْضُونِ وَوَلَدِهَا لِأَنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا شَرْطُ الْمَنْفَعَةِ أَنْ تَكُونَ مَعْلُومَةً كَالْمَبِيعِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ كَبَيْعِ الْمَاءِ الدَّاخِلِ فِي الْمَبِيعِ بِالتَّبَعِيَّةِ وَهَذِهِ إجَارَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِالْإِرْضَاعِ فَقَطْ فَمَا وَجْهُ الصِّحَّةِ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُرْضِعَةِ الْمُسْتَأْجِرَةِ أَنْ تُضِيفَ إلَى اللَّبَنِ سَمْنًا وَإِذَا اسْتَكْثَرَ الْمُنْفِقُ مِنْ الْقَرْضِ الَّذِي فَرَضَهُ الْحَاكِمُ الشَّرْعِيُّ عَلَيْهِ لِحَطِّ الْأَسْعَارِ أَوْ اسْتَقَلَّتْ الْحَاضِنَةُ مِنْهُ مَعَ ارْتِفَاعِ الْأَسْعَارِ هَلْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَنْقُضَ حُكْمَهُ الْأَوَّلَ وَيَزِيدُ، أَوْ يُنْقِصُ فِيمَا فَرَضَهُ أَمْ لَا وَإِذَا أَرَادَ الْمُنْفِقُ أَبًا كَانَ أَوْ وَصِيًّا، أَوْ قَيِّمًا أَنْ يُمَوِّنَ الْمَحْضُونَ الَّذِي غَيْرَ مُمَيِّزٍ بِأَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ فِي بَيْتِهِ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرُهُ أَمَدُ الرَّضَاعِ لِيَشْتَرِيَ لَهُ مِنْ اللَّبَنِ وَالسَّمْنِ مَا يَكْفِيَهُ وَيَسْقِيَهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِمَنْ يَثِقُ بِهِ ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَيْهَا، أَوْ أَرَادَ أَنْ يُمَوِّنَهُ أَيْضًا بَعْدَ أَمَدِ الرَّضَاعِ إلَى سِنِّ التَّمْيِيزِ وَالتَّخْيِيرِ بِأَنْ يُطْعِمَهُ مِنْ الْعَيْشِ وَالْأُدُمِ فِي بَيْتِهِ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ كَالْأَوَّلِ ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَيْهَا هَلْ لَهُ ذَلِكَ سَوَاءٌ أَرَضِيَتْ أَمْ كَرِهَتْ بِهَا عُذْرٌ كَمَرَضٍ أَمْ لَا وَهَلْ لِلْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بِذَلِكَ أَمْ لَا وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَى مُوَلِّيَتِهِ فِي بَيْتِ الْحَاضِنَةِ مِنْ الرِّجَالِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ آلَاتِ اللَّهْوِ وَغَيْرِهَا هَلْ لَهُ نَزْعُهُ مِنْهَا لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ الْمَحْضُونُ أُنْثَى لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْغَيْرَةِ وَتَسْقُطُ حَضَانَتُهَا بِذَلِكَ وَتَنْتَقِلُ عَنْهَا بَلْ قَالُوا بِإِسْقَاطِ حَضَانَتِهَا فِيمَا هُوَ أَهْوَنُ مِنْ ذَلِكَ بِتَزْوِيجِهَا عَلَى الْغَيْرِ وَهُوَ مُحَرَّمٌ لِلْمَحْضُونَةِ بِالزَّوْجِيَّةِ عَلَى أُمِّهَا أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ وَهَلْ لِلزَّوْجِ مَنْعُ وَلَدِ زَوْجَتِهِ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَكَانَ مُمَيِّزًا أَمْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ فِي مَنْزِلِهِ، أَوْ مَنْزِلِهَا إذَا تَبَرَّعَتْ لَهُ بِالسُّكْنَى حَاضِرًا كَانَ، أَوْ غَائِبًا مُقِيمًا، أَوْ مُسَافِرًا فَإِذَا أَدْخَلَتْهُ فِي حَالَةٍ مِنْ الْحَالَاتِ هَلْ تَكُونُ نَاشِزًا وَيَسْقُطُ مَا لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ وَاللَّوَازِمِ الشَّرْعِيَّةِ أَمْ لَا لِدُخُولِ مَا لَا يَجِبُ عَلَى فِرَاشِهِ أَمْ يَأْثَم بِذَلِكَ وَلَا نُشُوزَ فَإِذَا قُلْتُمْ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ الدُّخُول فَأَخْرَجَهُ مِنْ مَنْزِلِهِ هَلْ يَأْثَمُ بِذَلِكَ، أَوْ لَا فَإِذَا أَخْرَجَهُ إلَى رَحْبَةِ مَنْزِلِهِ أَوْ غَيْرِهَا وَكَانَ غَيْرُ مُمَيِّزٍ وَحَصَلَ عَلَيْهِ عَاطِلٌ بِوَطْءِ دَابَّةٍ، أَوْ غَيْرِهَا هَلْ يَضْمَنُ بِذَلِكَ سَوَاءٌ أَوَجَدَ مَنْ يَأْخُذُهُ مِنْهُ أَمْ لَا أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ كُلَّهُ وُضُوحًا شَافِيًا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ لَا تَصِيرُ نَفَقَةُ الْفَرْعِ، أَوْ الْأَصْلِ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ دَيْنًا وَإِنْ تَعَدَّى مَنْ لَزِمَتْهُ بِالِامْتِنَاعِ نَعَمْ إنْ فَرَضَهَا الْقَاضِي، أَوْ أَذِنَ فِي اقْتِرَاضِهَا صَارَتْ دَيْنًا كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ وَاعْتِرَاضُ كَثِيرِينَ عَلَيْهَا بِأَنَّ مَا قَالَاهُ خِلَافُ الْمَنْقُولِ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى رَدِّهِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَفِيمَا إذَا امْتَنَعَ مَنْ لَزِمَتْهُ أَوْ غَابَ وَلَهُ مَالٌ حَاضِرٌ لِمُسْتَحِقِّ النَّفَقَةِ أَخَذَهَا مِنْهُ وَكَذَا لِلْأُمِّ أَخَذُهَا لِنَحْوِ طِفْلٍ مِنْ مَالِ أَبِيهِ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ قَاضٍ ثُمَّ إنْ وَجَدَ فِي مَالِهِ جِنْسَ الْوَاجِبِ لَمْ يَأْخُذْ غَيْره وَإِلَّا أَخَذَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَمَّ مَالٌ أَذِنَ الْقَاضِي فِي الِاقْتِرَاضِ عَلَيْهِ إنْ تَأَهَّلَ وَإِلَّا أَذِنَ لِلْأُمِّ فِي ذَلِكَ إنْ تَأَهَّلَتْ أَيْضًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ قَاضٍ فَاقْتَرَضَا عَلَى الْغَائِبِ وَمِثْلُهُ الْمُمْتَنِعُ وَأَشْهَدَا بِذَلِكَ رَجَعَا عَلَيْهِ بِمَا اقْتَرَضَاهُ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدَا فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنَا مِنْ الْإِشْهَادِ رَجَعَا أَيْضًا وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ أَنْفَقَتْ الْأُمُّ عَلَى طِفْلِهَا الْمُوسِرِ مِنْ مَالِهِ بِلَا إذْنِ أَبٍ مَثَلًا أَوْ قَاضٍ جَازَ وَقَيَّدَهُ الْأَذْرَعِيُّ بِمَا إذَا امْتَنَعَ الْأَبُ، أَوْ غَابَ قَالَ وَلَعَلَّهُ مُرَادُهُمْ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَإِنْ أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهَا لِتَرْجِعَ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى أَبِيهِ إنَّ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ لَمْ تَرْجِعْ عَلَى الْأَوْجَهِ إلَّا إنْ عَجَزَتْ عَنْ الْقَاضِي وَأَشْهَدَتْ عَلَى ذَلِكَ إنْ أَمْكَنَهَا الْإِشْهَادُ وَلَوْ غَابَ الْأَبُ لَمْ يَسْتَقِلَّ الْجَدُّ بِالِاقْتِرَاضِ عَلَيْهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إذْنِ قَاضٍ لَهُ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَالْإِشْهَادُ إنْ أَمْكَنَ أَيْضًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ثُمَّ نَفَقَةُ الْقَرِيبِ لَا تَقْدِيرَ لَهَا إلَّا بِالْكِفَايَةِ فَلِلطِّفْلِ مُؤْنَةُ إرْضَاعِ حَوْلَيْنِ وَلِنَحْوِ شَيْخٍ وَفَطِيمٍ مَا يَلِيقُ بِهِ وَيُعْتَبَرُ حَالُهُ فِي سِنِّهِ وَزَهَادَتِهِ وَرَغْبَتِهِ وَيَجِب إشْبَاعُهُ لَا الْمُبَالَغَةُ فِيهِ وَالْأُدُمُ وَخَادِمٌ احْتَاجَهُ وَكِسْوَتُهُ وَسُكْنَى لَائِقَيْنِ بِهِ وَأُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَثَمَنُ أَدْوِيَةٍ وَأُجْرَةُ خِتَانٍ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِمْتَاعِ لَا التَّمْلِيكِ قَالَ

الْإِمَامَ وَمِنْ ثَمَرَةِ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ النَّفَقَةِ إلَيْهِ فَلَوْ قَالَ كُلٌّ مَعِي كَفَى وَلَوْ أَعْطَاهُ نَفَقَةً، أَوْ كِسْوَةً لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُمَلِّكَهَا لِغَيْرِهِ وَمُؤْنَة خَادِمِ الْقَرِيبِ كَمُؤْنَتِهِ فِيمَا ذُكِرَ نَعَمْ لَوْ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهِ مُدَّةً لَمْ تَسْقُطْ نَفَقَتُهُ كَمَا رَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ وَالْفَرْقُ أَنَّ تِلْكَ عِوَضً عَنْ الْخِدْمَةِ وَالْخِدْمَةُ قَدْ اُسْتُوْفِيَتْ فَوَجَبَ مُقَابِلُهَا بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ فَإِنَّهَا مَحْضُ مُوَاسَاةٍ لَا فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ وَهَذَا الْفَرَعُ مِنْ النَّوَادِرِ لِأَنَّ التَّابِعَ فِيهِ زَادَ عَلَى الْمَتْبُوعِ وَعَلَى الْأُمِّ إرْضَاعُ وَلَدِهَا اللِّبَأَ وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهَا لِأَنَّهُ لَا يَعِيشُ وَلَا يَقْوَى غَالِبًا إلَّا بِهِ وَهُوَ اللَّبَنُ النَّازِلُ أَوَّلَ الْوِلَادَةِ وَمُدَّتُهُ يَسِيرَةٌ وَالْأَوْجَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا لِأَهْلِ الْخِبْرَةِ وَلَهَا الِامْتِنَاعُ مِنْ إرْضَاعِ الزَّائِدِ عَلَيْهِ إنْ وَجَدَ غَيْرَهَا وَلَهَا طَلَبُ الْأُجْرَةِ مِنْ أَبِيهِ وَلَوْ لِلِبَإٍ إنْ كَانَ لِمِثْلِهِ أُجْرَةُ نَعَمْ إنْ وَجَدَ مُتَبَرِّعَةً، أَوْ مَنْ تَرْضَى بِأَقَلَّ مِنْهَا جَازَ لَهُ نَزْعُهُ مِنْهَا وَهَذِهِ الْأُجْرَةُ تَجِبُ فِي مَالِ الطِّفْلِ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَعَلَى الْأَبِ ثُمَّ الْجَدِّ ثُمَّ الْأُمِّ كَالنَّفَقَةِ وَلَا تُزَادُ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ لِلْإِرْضَاعِ وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا إنْ كَانَتْ وَإِلَّا فَعَلَى الْأَبِ ثُمَّ الْجَدِّ ثُمَّ الْأُمِّ كَالنَّفَقَةِ وَلَا تَزْدَادُ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ لِلْإِرْضَاعِ وَلَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا مِنْهُ وَإِنْ أَخَذَتْ الْأُجْرَةَ نَعَمْ عِنْدَ أَخْذِهَا تَسْقُط نَفَقَتُهَا إنْ نَقَصَ الِاسْتِمْتَاعُ بِإِرْضَاعِهَا وَإِلَّا فَلَا وَمُؤْنَة الْحَضَانَةِ فِي مَالِ نَحْوِ الطِّفْلِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى الْأَبِ ثُمَّ الْجَدِّ ثُمَّ الْأُمِّ كَالنَّفَقَةِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْ أَسْبَابِ الْكِفَايَةِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ الْجَوَابُ عَنْ تَرْدِيدَاتِ السَّائِلِ فِي السُّؤَالِ الْأَوَّلِ بِأَطْرَافِهِ وَلْنُصَرِّحْ بِحُكْمِ كُلٍّ أَيْضًا زِيَادَةً فِي الْإِيضَاحِ فَنَقُول مَا اقْتَرَضَتْهُ الْأُمُّ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ لَا يَضِيعُ عَلَيْهَا مَجَّانًا بَلْ إنْ كَانَ لِلْوَلَدِ مَالٌ حَالَ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الْمُقْتَرَضِ فَهُوَ فِي مَالِ الْوَلَدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْوَلَدِ مَالٌ فَهُوَ فِي مَالِ الْأَبِ فَإِنْ أَعْسَرَ، أَوْ مَاتَ فَفِي مَالِ الْجَدِّ فَإِنْ أَعْسَرَ، أَوْ مَاتَ فَعَلَى الْأُمِّ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ غَائِبٌ أَنْفَقَ عَلَيْهِ الْأَبُ قَرْضًا فَإِذَا وَصَلَ مَالُهُ رَجَعَ بِمَا أَنْفَقَ وَبِأَنَّهُ لَوْ قَصَدَ بِالْإِنْفَاقِ الرُّجُوعَ رَجَعَ سَوَاءٌ أَنْفَقَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، أَوْ بِلَا إذْنٍ فَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ بَعْدَ قُدُومِهِ سَقَطَ عَنْ الْوَلَدِ مَا أَنْفَقَهُ بَعْدَ تَلَفِ الْمَالِ دُونَ مَا أَنْفَقَ قَبْلَهُ بَلْ يَبْقَى عَلَيْهِ يَرْجِعُ بِهِ إذَا أَيْسَرَ وَكَذَا حَكَمَ مَنْ يَسْتَغْنِي بِكَسْبِهِ وَصُورَةُ الْإِذْنِ مِنْ الْقَاضِي فِي الِاقْتِرَاضِ أَنْ يَقُولَ لَهَا أَذِنْتُ لَكِ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى وَلَدِكِ مِنْ مَالِكِ كُلَّ يَوْمٍ كَذَا، أَوْ فِي الِاقْتِرَاضِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ الْمُقْتَرَضِ كُلَّ يَوْمٍ كَذَا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِذَا أَرَادَتْ تَقْتَرِضُ قَالَتْ لِمَنْ يُرِيدُ إقْرَاضَهَا أَقْرِضْنِي كَذَا لِأُنْفِقَهُ عَلَى وَلَدِي أَوْ اقْتَرَضْت كَذَا، أَوْ تَنْوِي ذَلِكَ فَلَا يُحْتَاجُ لِقَوْلِهَا فِي ذِمَّتِي بَلْ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْقَرْضَ لَا يَصِيرُ فِي ذِمَّتِهَا إلَّا إنْ بَانَ أَنَّ الْإِنْفَاقَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا لِفَقْدِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ كَمَا تَقَرَّرَ وَلَا لِقَوْلِهَا فِي ذِمَّةِ الْوَلَدِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ لِأَنَّ نِيَّتَهَا كَوْنُ الِاقْتِرَاضِ لَهُ كَافٍ إذْ هِيَ حِينَئِذٍ نَائِبَةٌ عَنْ الْقَاضِي فِي الِاقْتِرَاضِ لِلْوَلَدِ، وَالْوَلِيُّ إذَا اقْتَرَضَ لِمُوَلِّيهِ لَا يَحْتَاجُ لِلتَّصْرِيحِ بِاسْمِهِ بَلْ يَكْفِي نِيَّتُهُ فَانْدَفَعَ قَوْلُ السَّائِلِ فَهَذَا يُشْكِلُ إلَخْ وَاَلَّذِي تَسْتَحِقُّهُ الْحَاضِنَةُ عَلَى مَنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَةُ الْمَحْضُونِ هُوَ أُجْرَةُ إرْضَاعِهَا إنْ كَانَ رَضِيعًا وَإِلَّا فَأُجْرَةُ خِدْمَتِهَا إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ زَمَنُ الْحَضَانَةِ بِاخْتِيَارِ غَيْرِهَا أَوْ الْبُلُوغُ مَعَ صَلَاحِ الدُّنْيَا قَالُوا وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِلْحَضَّانَةِ حِفْظُ الطِّفْلِ وَتَعَهُّدُهُ بِغَسْلِ رَأْسِهِ وَبَدَنِهِ وَثِيَابِهِ وَتَطْهِيرِهِ وَتَدْهِينِهِ وَتَكْحِيلِهِ وَإِضْجَاعِهِ فِي نَحْوِ مَهْدٍ وَرَبْطِهِ وَتَحْرِيكِهِ لِلنَّوْمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِاقْتِضَاءِ اسْمِ الْحَضَانَةِ عُرْفًا لِذَلِكَ وَلَا تَسْتَتْبِعُ الْحَضَانَةُ الْإِرْضَاعَ فِي الْإِجَارَةِ وَعَكْسِهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُفْرَدُ بِالْعَقْدِ كَسَائِرِ الْمَنَافِعِ نَعَمْ إنْ كَانَتْ الْحَضَانَةُ لِلْأُمِّ وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ مُنْفِقٍ غَيْرُهَا لَمْ تَسْتَحِقَّ شَيْئًا لِأَنَّ نَفَقَةَ الْمَحْضُونِ لَازِمَة لَهَا حِينَئِذٍ وَنَقَلَ الْأَزْرَقُ فِي نَفَائِسِهِ عَنْ الْإِمَامِ الْعَامِرِيِّ أَنَّ الْقَاضِي لَوْ قَالَ لِلْأُمِّ أَرْضِعِي الطِّفْلَ وَاحْضُنِيهِ وَلَك الرُّجُوعُ عَلَى الْأَبِ رَجَعَتْ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ عَقْدِ إجَارَةٍ وَنَقَلَ فِيهَا خِلَافًا بَيْنَ بَعْضِ فُقَهَاءِ الْيَمَنِ فِيمَا إذَا حَضَنَتْ مَنْ لَهَا حَقُّ الْحَضَانَةِ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ وَأَشْهَدَتْ عَلَيْهِ وَمَضَى زَمَنٌ وَلَمْ تُطَالِبُ بِهَا وَلَا رَفَعَتْ أَمَرَهَا لِحَاكِمٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ تَسْقُطُ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَسْقُطُ وَصَوَّبَهُ الْأَزْرَقُ قَالَ وَاخْتَارَهُ فِي الشَّامِلِ وَالْوَجْهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْته أَوَّلًا أَنَّ السُّقُوطَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْأَبُ حَاضِرًا وَتَيَسَّرَتْ مُطَالَبَتُهُ فَتَرَكْتُهُمَا وَإِنْ عَدِمَهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ غَائِبًا وَتَعَذَّرَ الرَّفْعُ إلَى الْقَاضِي ثُمَّ الْإِشْهَادُ عَلَى أَنَّ قَضِيَّةَ مَا مَرَّ عَنْ

الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ لَا سُقُوطَ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَكْفِي مَنْ اُسْتُؤْجِرَتْ لِلْإِرْضَاعِ شِرَاءُ لَبَنٍ لِلطِّفْلِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِإِرْضَاعِهِ فَأَرْضَعَتْ مَعَهُ آخَرَ فَإِنْ نَقَصَ مَا هُوَ مُسْتَحَقُّ عَلَيْهَا بِالْإِجَارَةِ ثَبَتَ الْفَسْخُ وَإِلَّا فَلَا وَقَوْلُهُمْ لَوْ عَقَدَ الْإِجَارَةَ عَلَى الْإِرْضَاعِ وَالْحَضَانَةِ فَانْقَطَعَ اللَّبَنُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيهِ وَحْدَهُ وَسَقَطَ قِسْطُهُ مِنْ الْأُجْرَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَقْصُودٌ وَفِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا وَإِنْ نُوزِعَ فِيهِ أَنَّ عَلَى الْمُرْضِعَةِ الْغِذَاءَ بِمَا يُدِرُّ لَبَنَهَا وَلِلْمُكْتَرِي أَنْ يُطَالِبَهَا بِأَكْلِ مَا يُدِرُّهُ فَأَفْهَمَتْ عِبَارَاتُهُمْ هَذِهِ أَنَّهُ لَا يَقُومُ مَقَامَ إرْضَاعِهَا شِرَاؤُهَا لَبَنًا وَسَقْيُهُ إيَّاهُ وَإِنْ قَرَضَ الِاغْتِذَاءَ بِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ السَّقْيَ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْإِرْضَاعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ بَلْ رُبَّمَا أَوْجَبَ سَقْيُ اللَّبَنِ الْمُشْتَرَى لِلْوَلَدِ ضَرَرًا ظَاهِرًا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إرْضَاعٍ وَالْإِجَارَة لِلْإِرْضَاعِ وَحْدَهُ صَحِيحَة كَمَا مَرَّ وَتُقَدَّرُ بِالزَّمَانِ فَقَطْ لِأَنَّ تَقْدِيرَ اللَّبَنِ وَمَا يَسْتَوْفِيهِ الصَّبِيُّ كُلَّ مَرَّةٍ وَضَبْطُ الْمَرَّاتِ إنَّمَا يَتَأَتَّى بِالزَّمَنِ لَا غَيْرُ وَتَجِبُ رُؤْيَة الصَّبِيِّ وَتَعْيِينُ مَوْضِعِ الْإِرْضَاعِ أَهُوَ بَيْتُهُ أَمْ بَيْتُهَا لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِذَلِكَ وَكَذَا صَرَّحُوا بِهِ وَبِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ السَّائِلِ لِأَنَّ الْأَصْحَابَ إلَخْ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجَرَةِ لِلْإِرْضَاعِ أَنْ تُضِيفَ إلَى لَبَنِهَا الَّذِي تُرْضِعُ بِهِ الْوَلَدَ سَمْنًا وَلَا غَيْرَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِهِمْ بَلْ لَوْ شَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَاهَا وَلِلْحَاكِمِ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ فِيمَا فَرَضَهُ لِلْوَلَدِ وَأَنْ يَنْقُصَ عَنْهُ بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لَهُ مِمَّا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَلَيْسَ هَذَا نَقْضًا لِتَقْدِيرِهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ كَانَ لِمَصْلَحَةٍ فَإِذَا بَانَ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي خِلَافِهَا انْتَهَى الْحُكْمُ الْأَوَّلُ لِانْتِهَائِهَا بِمَا ظَهَرَ لِلْقَاضِي مِنْ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي غَيْرِهَا وَمَرَّ أَنَّ نَفَقَة الْقَرِيبِ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ وَأَنَّهَا الْكِفَايَةُ فَلِلْمُنْفِقِ حِينَئِذٍ بَذْلُهَا عَلَى أَيِّ كَيْفِيَّةٍ شَاءَ حَيْثُ لَا مَانِعَ وَمِثْلُهُ فِي ذَلِكَ وَكِيلُهُ وَكَذَا الْوَصِيُّ وَالْقَيِّمُ وَالْحَاكِمُ فَإِنْ شَاءَ أَنْفَقَ عَلَيْهِ فِي بَيْتِ حَاضِنَتِهِ، أَوْ فِي بَيْتِ نَفْسِهِ وَلِلْحَاكِمِ الشَّافِعِيِّ إنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ حُكْمُ مُخَالِفِ الْحُكْمِ لَهُ بِمَا قَرَّرْنَاهُ نَعَمْ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ وَكَذَا الْمَجْنُونُ وَالْأُنْثَى الْمُمَيِّزَةُ إذَا اخْتَارَتْ الْأُمَّ فَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ يَكُونُونَ عِنْدَ الْأُمِّ لَيْلًا وَنَهَارًا لِاسْتِوَاءِ الزَّمَانِ فِي حَقِّهِمْ فَيَزُورُهُمْ الْأَبُ عَلَى الْعَادَةِ وَلَا يَطْلُبُ إحْضَارَهُمْ عِنْدَهُ وَيَتَفَقَّدُ حَالَهُمْ وَيُلَاحِظُهُمْ بِتَحَمُّلِ مُؤْنَتِهِمْ وَتَأْدِيبِ الْأُنْثَى وَتَعْلِيمِهَا وَفِي الْجَوَاهِرِ إذَا طَلُقَتْ مَنْ لَهَا الْحَضَانَةُ وَهِيَ فِي مَنْزِلِهَا فَلَهَا إرْضَاعُهُ فِي الْحَالِ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ فَإِنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً فَأَرْضَعَتْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ وَقَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ عِنْدِي أَنَّهَا كَاَلَّتِي فِي صُلْبِ النِّكَاحِ غَلَّطَهُ الْإِمَامُ فِيهِ وَحُكْمُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إذَا قُلْنَا تَسْتَحِقّ السُّكْنَى حُكْمُ الْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنِ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ اخْتَارَ أُمَّهُ فَعَلَى أَبِيهِ مُؤْنَةُ كَفَالَتِهِ كَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ مُؤْنَةُ الْحَضَانَةِ وَهِيَ أَقَلُّ غَالِبًا؟ قَالَ الْإِمَامُ وَإِنَّمَا تَجِبُ مُؤْنَةُ الْحَضَانَةِ إذَا لَمْ يَقُمْ بِهَا بِنَفْسِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ الَّذِي يَظْهَرُ وُجُوبُ أُجْرَتِهَا وَأَنَّهُ لَا يُجَابُ إلَى تَوَلِّيهَا بِنَفْسِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ احْتَاجَ الْوَلَدُ إلَى خِدْمَةٍ فِي الْحَضَانَةِ، أَوْ الْكَفَالَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأُولَى إلَى التَّمْيِيزِ وَالثَّانِيَةَ مِنْهُ إلَى الْبُلُوغِ أَيْ وَقَالَ غَيْرُهُ تُسَمَّى حَضَانَةً أَيْضًا وَمِثْلُهُ مِمَّنْ يَخْدُمُ قَامَ الْأَبُ بِاسْتِئْجَارِ خَادِمٍ أَوْ ابْتِيَاعِهِ عَلَى حَسَبِ عَادَةِ أَمْثَالِهِ وَلَا يَلْزَمُ الْأُمَّ مَعَ اسْتِحْقَاقِهَا حَضَانَتُهُ أَنْ تَقُومَ بِخِدْمَتِهِ إذَا كَانَ مِثْلُهَا لَا يَخْدِمُ سَوَاءُ فِي ذَلِكَ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ اهـ. وَمَا أَفْهَمُهُ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّ الْأُمَّ الْمُعْتَادَةَ لِلْخِدْمَةِ تَلْزَمُهَا الْخِدْمَةُ وَهُوَ بَعِيدٌ بَلْ غَيْرُ مُرَادٌ بَلْ هِيَ عَلَى الْأَبِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُ أَوَّلًا لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ كِفَايَتِهِ فَإِنْ وَجَبَ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْأُمّ لَزِمَهَا الْخِدْمَةُ بِنَفْسِهَا أَوْ غَيْرِهَا سَوَاءٌ اعْتَادَتْهَا أَمْ لَا وَمِنْ شُرُوطِ الْحَضَانَةِ عَدَالَةُ الْحَاضِنَةِ الْعَدَالَةَ الظَّاهِرَةَ فَلَا حَضَانَةَ لِفَاسِقَةٍ وَصَغِيرَةٍ وَسَفِيهَةٍ وَمُغَفَّلَةٍ فَإِنْ وَقَعَ تَنَازُعٌ فِي ثُبُوتِ الْأَهْلِيَّةِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْوَلَدِ لَمْ يُنْزَعْ مِمَّنْ تَسَلَّمَهُ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْأَهْلِيَّةِ وَإِنْ تَنَازَعَا فِي ثُبُوتِهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَإِنْ أَثْبَتَ فِي حَاضِنَةِ بِنْتِهِ نَحْوَ فِسْقٍ انْتَزَعَهَا مِنْهَا وَإِلَّا فَلَا لَكِنْ لَهُ مَنْع مَنْ يَدْخُلُ عَلَى بِنْتِهِ مِمَّنْ يَخْشَى مِنْهُ الرِّيبَةَ وَيَجُوزُ لِلزَّوْجِ مَنْعُ وَلَدِ الزَّوْجَةِ مِنْ الدُّخُول إلَيْهَا إلَّا كَانَتْ سَاكِنَةً بِمَحَلٍّ يَسْتَحِقُّ مَنْفَعَتَهُ دُونَ مَا إذَا كَانَتْ سَاكِنَةٌ بِمِلْكِهَا إنْ تَبَرَّعَتْ لَهُ بِالسُّكْنَى فِيهِ وَسَوَاءٌ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى كَانَ الزَّوْجُ الْمَانِعُ غَائِبًا أَمْ حَاضِرًا فَإِنْ أَدْخَلَتْهُ

بِغَيْرِ رِضَاهُ أَثِمَتْ وَلَا تَكُونُ نَاشِزَةً كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ نَعَمْ إنْ كَانَ إخْرَاجُهُ لِغَيْرِ الْمُمَيَّزِ يَضُرُّهُ لَزِمَهُ رَفْعُ الْأَمْرِ لِلْقَاضِي فَإِنْ تَعَدَّى وَأَخْرَجَهُ فَكَسَرَهُ، أَوْ قَتَلَهُ جَانٍ آخَرُ أَثِمَ الزَّوْجُ وَالضَّمَانُ عَلَى الْجَانِي أَوْ مَالِكِهِ الْمُقَصِّرِ لِأَنَّهُ الْمُبَاشِرُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِمَا صُورَتُهُ هَلْ لِلْوَلِيِّ مَثَلًا أَوْ لِلْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ أَنْ يَسْتَأْجِر لِلْوَلَدِ امْرَأَةً لِرَضَاعِهِ وَامْرَأَةً أُخْرَى لِحَضَانَتِهِ إذَا رَأَى ذَلِكَ مَصْلَحَةً لِلْوَلَدِ سَوَاءٌ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أُمًّا، أَوْ كَانَتَا أَجْنَبِيَّتَيْنِ فَإِذَا قُلْتُمْ نَعَمْ فَلَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ مَا فِي هَذَا مِنْ الْمَشَقَّةِ عَلَى الْوَلَدِ وَلَا سِيَّمَا إنْ كَانَتْ كُلُّ امْرَأَةِ فِي مَحَلٍّ بَعِيدٍ عَنْ صَاحِبَتِهَا وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْحَاضِنَةُ ذَاتَ لَبَنٍ لِتُرْضِعَهُ مَرَّةً وَتَحْضُنَهُ أُخْرَى أَمْ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ الْحَاضِنَةُ الشَّرْعِيَّةُ غَيْرَ ذَاتِ لَبَنٍ هَلْ تَسْقُط حَضَانَتُهَا أَمْ تَحْضُنُهُ وَيَشْتَرِي لَهُ لَبَنًا وَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَلِيُّهُ الشَّرْعِيُّ أَمْ تَنْتَقِلُ الْحَضَانَة عَنْهَا إلَى غَيْرِهَا مِنْ الْحَاضِنَاتِ بَعْدَهَا إذَا كَانَتْ ذَاتَ لَبَنٍ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ الْأُمُّ مَتَى اسْتَحَقَّتْ الْحَضَانَةُ وَكَانَتْ مُرْضِعَةً وَرَضِيَتْ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ تَرْضَى بِأَقَلَّ مِنْهَا فَلَا يَجُوزُ اسْتِئْجَارُ غَيْرِهَا لِحَضَانَةٍ وَلَا لِرَضَاعٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ فِي السُّؤَالِ الْأَوَّلِ لِاسْتِحْقَاقِهَا لَهُمَا فَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُمَا إلَى غَيْرِهَا بِدُونِ رِضَاهَا وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ لَبُونٍ، أَوْ امْتَنَعَتْ مِنْ إرْضَاعِهِ، أَوْ لَمْ تَكُنْ حَاضِنَةٌ جَازَ اسْتِئْجَارُ وَاحِدَةٍ لِلْإِرْضَاعِ وَأُخْرَى لِلْحَضَانَةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ ثُمَّ أَيْضًا وَلَا عُسْرَ فِي ذَلِكَ لِسُهُولَةِ اجْتِمَاعِ الْمُسْتَأْجَرَتَيْنِ فِي مَحَلِّ وَاحِدٍ وَاَلَّذِي أَفْهَمَهُ كَلَامَ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَنَقَلَهُ فِي الْمُحَرَّرِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْحَضَانَةِ كَوْنُهَا مُرْضِعَةً لِطِفْلٍ اُحْتِيجَ إلَى إرْضَاعِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ أَوْ امْتَنَعَتْ مِنْ الْإِرْضَاعِ فَلَا حَضَانَةَ لَهَا لِعُسْرِ اسْتِئْجَارِ مُرْضِعَةٍ تَتْرُك مَنْزِلَهَا وَتَنْتَقِلُ إلَى مَسْكَنِ الْمَرْأَةِ وَنَظَرَ فِيمَنْ لَا لَبَنَ لَهَا بِأَنَّ غَايَتَهَا أَنْ تَكُونَ كَالْأَبِ وَبِأَنَّ كَلَامَ الْأَئِمَّةِ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا ذَاتَ لَبَنٍ. وَالْأَوْجَهُ وِفَاقًا لِلْبُلْقِينِيِّ وَغَيْرِهِ اسْتِحْقَاقُ مَنْ لَا لَبَنَ لَهَا بَلْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ لَا خِلَافَ فِي اسْتِحْقَاقَهَا وَأَمَّا مَنْ لَهَا لَبَنٌ وَامْتَنَعَتْ مِنْ إرْضَاعِهِ فَلَا حَضَانَةَ لَهَا وَهُوَ مَحْمَلُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَالْأَكْثَرِينَ (وَسُئِلَ) عَنْ إعْفَافِ الْأَصْلِ هَلْ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ قُوتِ الْفَرْعِ وَقُوتِ زَوْجَتِهِ فَقَطْ كَالنَّفَقَةِ أَمْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا زَائِدًا عَلَى ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ الْوَجْه أَنَّ الْيَسَارَ هُنَا مُعْتَبَرٌ بِمَا ذَكَرُوهُ فِي النَّفَقَةِ وَعِبَارَةُ شَرْحِي لِلْإِرْشَادِ لِأَنَّهُ مِنْ وُجُوهِ حَاجَاتِهِ الْمُهِمَّةِ فَوَجَبَ عَلَى ابْنِهِ الْقَادِرِ عَلَيْهِ كَالنَّفَقَةِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْقُدْرَةِ هُنَا بِمَا يَأْتِي فِي النَّفَقَةِ وَكَلَامُ التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ وَإِمْكَانُ الْفَرْقِ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ ضَرُورِيًّا لِإِمْكَانِ الصَّبْرِ عَنْهُ بِخِلَافِهَا لَا يُؤَثِّر هُنَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ غَابَ عَنْ زَوْجَتِهِ وَلَمْ يَتْرُكْ مُؤْنَتَهَا فَهَلْ لَهَا الْفَسْخُ وَمَا شُرُوطُهُ وَمَا كَيْفِيَّةُ لَفْظِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ لَهَا الْفَسْخُ بِشَرْطِ أَنْ تُقِيمَ بَيِّنَةً عَادِلَةً تَشْهَدُ عِنْدَ قَاضٍ بِإِعْسَارِهِ عَنْ أَقَلِّ نَفَقَتِهَا وَعَنْ أَقَلِّ مَسْكَنٍ يَجِبُ لَهَا وَعَنْ أَقَلِّ كِسْوَتِهَا وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَذْكُرَ الْبَيِّنَةُ إعْسَارَهُ حَالَ شَهَادَتِهَا وَلَا يَكْفِي قَوْلُهَا غَابَ مُعْسِرًا وَلَهَا أَنْ تَعْتَمِدَ فِي الشَّهَادَةِ بِإِعْسَارِهِ فِي الْحَالِ اسْتِصْحَابَ حَالَتِهِ الَّتِي غَابَ عَلَيْهَا وَإِنْ أَمْكَنَ خِلَافُهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَلَا تُصَرِّحُ الْبَيِّنَةُ بِالِاسْتِصْحَابِ فِي شَهَادَتِهَا الْمُوهِمِ لِلتَّرَدُّدِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِيَ رَدَّ الشَّهَادَةِ فَإِذَا ثَبَتَ إعْسَارُهُ عِنْدَ الْقَاضِي فَسَخَ هُوَ بِأَنْ يَقُولَ فَسَخْتُ نِكَاحَ فُلَانٍ لِفُلَانَةَ، أَوْ أَذِنَ لَهَا حَتَّى تَفْسَخَ هِيَ بِأَنْ تَقُولَ فَسَخْتُ نِكَاحَ فُلَانٍ لِي فَإِنْ اسْتَقَلَّتْ بِالْفَسْخِ بِلَا إذْنِ قَاضٍ لَمْ يَنْفُذْ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا وَلَوْ قَدِمَ الْغَائِبُ وَادَّعَى أَنَّ لَهُ مَالًا فِي الْبَلَدِ لَمْ تَعْلَمْهُ بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ فَسْخِ الْقَاضِي نَعَمْ إنْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَعْلَمُهُ وَتَقْدِرُ عَلَيْهِ بَانَ بُطْلَانُ الْفَسْخِ لِأَنَّهُ بَانَ عَدَم وُجُودِ شَرْطِهِ الْمُجَوِّزِ لَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَقَالَ لَمْ أَجِدْهَا بِكْرًا وَآذَاهَا وَوَالِدَيْهَا بِذَلِكَ فَخَرَجَتْ مِنْ كَثْرَةِ أَذَاهُ مِنْ بَيْتِهِ وَاسْتَمَرَّتْ عَلَى ذَلِكَ مُدَّةً فَهَلْ تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا وَإِذَا قُلْتُمْ نَعَمْ وَقَالَتْ لَمْ أَخْرُجْ إلَّا لِإِيذَائِهِ فَقَطْ مَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ خَرَجَتْ إلَى الْحَاكِمِ لِتَطْلُبَ مِنْهُ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ إيذَائِهَا

لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نُشُوزًا فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا وَلَا كِسْوَتُهَا وَإِنْ خَرَجَتْ لِغَيْرِ الْحَاكِمِ كَانَتْ نَاشِزَةً فَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا وَكِسْوَتُهَا مُدَّةَ إقَامَتِهَا فِي غَيْرِ بَيْتِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا سَلَّمَتْ الزَّوْجَةُ نَفْسَهَا إلَى الزَّوْجِ وَمَكَّنَتْهُ ثُمَّ ادَّعَى الزَّوْجُ عَدَمَ التَّمْكِينِ مِنْ الْوَطْءِ هَلْ هُوَ كَدَعْوَى النُّشُوزِ فَهُوَ الْمُطَالَبُ بِالْبَيِّنَةِ أَمْ لَا وَقَالُوا فِي بَابِ الْبَيِّنَاتِ لَوْ ادَّعَتْ التَّمْكِينَ فَأَنْكَرَ صَدَقَ بِيَمِينِهِ وَلَعَلَّ هَذَا فِي ابْتِدَاءِ التَّمْكِينِ أَمَّا بَعْدَ التَّمْكِينِ الْأَوَّلِ فَلَا؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ عَدَمُ التَّمْكِينِ مِنْ الْوَطْءِ وَنَحْوِهِ بِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ أَنْوَاعِ النُّشُوزِ فَيَأْتِي فِيهِ مَا ذَكَرُوهُ فِيهِ عَلَى أَنَّهُمْ تَعَرَّضُوا لَهُ بِشَخْصِهِ حَيْثُ قَالُوا لَوْ اخْتَلَفَا فِي النُّشُوزِ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَبَقَاءُ التَّمْكِينِ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُمْ وَبَقَاءُ التَّمْكِينِ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِي أَنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْمُصَدَّقَ فِي دَوَامِ التَّمْكِينِ هِيَ مَا لَمْ تَقُمْ عَلَيْهَا بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ وَقَدْ صَرَّحُوا كَمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ بِأَنَّهُ هُوَ الْمُصَدَّقُ فِي عَدَم التَّمْكِينِ ابْتِدَاءً لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ فَهُمْ مُصَرِّحُونَ بِالْمَسْأَلَتَيْنِ وَبِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا كَمَا عَلِمْت وَحِينَئِذٍ فَلَا يُحْتَاجُ لِقَوْلِ السَّائِلِ وَلَعَلَّ هَذَا إلَخْ لِأَنَّهُ لَوْ أَمْعَنَ النَّظَرَ وَأَنْعَمَهُ فِي كَلَامِهِمْ لَعَلِمَ مِنْهُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَنْقُول كَمَا تَقَرَّرَ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى بَحْثِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ الْمُسْلِمِينَ عَمَّا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى مِنْ أَنَّ الشَّخْص يُخَاصِمُ زَوْجَ بِنْتِهِ فَيَمْنَعُهُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا وَيَحْبِسُهَا عَنْهُ وَلَيْسَ فِي الْبَلَدِ حَاكِمٌ يَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ وَالزَّوْجُ عَاجِزٌ عَنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا وَإِسْكَانِهَا فِي مَحَلٍّ آخَرَ خَوْفًا مِنْ أَبِيهَا وَهِيَ مُتَضَرِّرَةٌ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ فَهَلْ تَسْتَحِقُّ الْفَسْخَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَإِذَا زَنَتْ امْرَأَةٌ فَعَلِمَ زَوْجُهَا فَهَرَبَتْ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهَا وَاضْطَرَّتْ لِلنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ فَهَلْ لَهَا الْفَسْخُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) عَفَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ لَا فَسْخَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ لَا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجَةِ لِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الزَّوْجَةِ فِي ذَلِكَ نَادِرٌ جِدًّا وَكَذَا عَدَمُ وُصُولِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ بِسَبَبِ مَا ذَكَرَ وَقَدْ صَرَّحَ الْأَئِمَّةُ بِأَنَّ الزَّوْجَ الْمُوسِرَ لَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاق عَلَى الزَّوْجَةِ لَمْ يَكُنْ لَهَا الْفَسْخُ بِذَلِكَ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهَا تَقْدِرُ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْهُ بِالسُّلْطَانِ، أَوْ نَائِبِهِ ثُمَّ قَالُوا فَإِنْ فُرِضَ عَجْزُ السُّلْطَانِ فَهُوَ أَمْرٌ نَادِرٌ وَالْأُمُورُ النَّادِرَةُ تُلْحَقُ بِالْغَالِبِ وَلَا تُفْرَد بِحُكْمٍ يَخُصُّهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ عَجْزُهُ عَنْ النَّفَقَةِ، أَوْ الْكِسْوَةِ مَثَلًا لِإِعْسَارِهِ وَثَبَتَ إعْسَارُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَإِنَّهُ يَفْسَخُ عَلَيْهِ بِهِ لِأَنَّ الْإِعْسَارَ أَمْرٌ يَغْلِبُ وُقُوعُهُ فَلَوْ مَنَعْنَا الْفَسْخَ بِهِ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَأَضْرَرْنَا بِحَالِ أَكْثَرِ النِّسَاءِ اللَّاتِي يَقَعُ لِأَزْوَاجِهِنَّ الْإِعْسَارُ. وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ النِّكَاحَ يُحْتَاطُ لِحَلِّهِ مِنْ غَيْرِ رِضَا مَنْ الْعِصْمَةُ بِيَدِهِ وَهُوَ الزَّوْجُ فَلَا يُقْدِمُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ مَزِيدِ ضَرُورَةٍ يَغْلِبُ سَبَبُ وُقُوعِهَا وَلَمَّا نَظَرَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - إلَى ذَلِكَ الِاحْتِيَاطِ بَالَغَ فِيهِ فَمَنَعَ الْفَسْخَ فِي النِّكَاحِ حَتَّى بِالْإِعْسَارِ وَغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ لَهُ أَبَوَانِ مُحْتَاجَانِ إلَّا اكْتَسَبَ لِإِنْفَاقِهِمَا فَاتَهُ الِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ الْمَرْجُوِّ مِنْهُ تَحْصِيلُهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِهِ وَإِنْ اشْتَغَلَ بِهِ ضَاعَا أَوْ صَارَا كَلًّا عَلَى النَّاسِ فَمَنْ يُقَدَّمُ؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ إنْ أُرِيدَ بِالْعِلْمِ الْوَاجِبُ عَلَى الْكِفَايَةِ قُدِّمَ الْكَسْبُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ فَوْرِيٌّ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ وُجُوب الْكَسْبِ لَهُمَا وَإِنْ قَدَرَا عَلَى الْكَسْبِ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْكَسْبُ لَهُمَا هُنَا مَعَ قُدْرَتِهِمَا عَلَى الْكَسْبِ وَإِنْ فَاتَهُ الْعِلْمُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ فَرْضَ الْعَيْنِ الْفَوْرِيَّ مُقَدَّمٌ عَلَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ، أَوْ الْوَاجِبِ عَيْنًا فَوْرًا كَتَعَلُّمِ الْفَاتِحَةِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِيهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَيْنِيٌّ فَوْرِيٌّ وَقَدْ تَعَارَضَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيمُ الْأَبَوَيْنِ رِعَايَةً لَحَقِّهِمَا الْمُتَأَكِّدِ وَيُحْتَمَلُ تَقْدِيمُ التَّعَلُّمِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ تَعَارَضَ شِرَاءُ الْمَاءِ لِلطَّهَارَةِ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ لَهَا قُدِّمَ الثَّانِي لِدَوَامِ نَفْعِهِ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي تَقْدِيمُ التَّعَلُّمِ لِدَوَامِ نَفْعِهِ وَأَيْضًا فَحَقُّ النَّفْسِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ كَمَا قَالُوهُ فِي نَظَائِرَ لِذَلِكَ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَصْلُ مُضْطَرًّا وَالْأَقْدَمُ الْكَسْبُ لَهُ لِقَوْلِهِمْ لَوْ تَعَارَضَ نَحْوُ إنْقَاذِ غَرِيقٍ وَإِخْرَاجُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا لَزِمَهُ تَقْدِيمُ الْأَوَّلِ أَيْ لِأَنَّهُ لَا يُتَدَارَكُ لَوْ فَاتَ وَالصَّلَاة تُتَدَارَكُ

باب الحضانة

لَوْ فَاتَتْ وَهَلْ غَيْرُ الْأَصْلِ لَوْ اضْطَرَّ كَذَلِكَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ فِي مَبْحَثِ الِاضْطِرَارِ لَا وَذَلِكَ أَنَّ كَلَامَهُمْ ثَمَّ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ إنْقَاذُ الْمُضْطَرِّ بِالْكَسْبِ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى مَنْ مَعَهُ طَعَام بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مَالِكُهُ مُضْطَرًّا إلَيْهِ حَالًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْحَضَانَةِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي رَجُلٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا وَلَهُ مِنْهَا بِنْتٌ سِنُّهَا خَمْسُ سِنِينَ وَزَوَّجَهَا وَالِدُهَا بِشَخْصِ وَأَرَادَ ذَلِكَ الشَّخْصُ أَنْ يَنْزِعَهَا مِنْ وَالِدَتِهَا وَيُنْفِقُ عَلَيْهَا وَيُرَبِّيهَا عِنْدَهُ فِي بَيْتِهِ مَثَلًا أَوْ عِنْدَ مَنْ يَخْتَار فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ وَتَسْقُطُ حَضَانَةُ الْأُمِّ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ لَا تَسْقُطُ حَضَانَةُ الْأُمِّ بِذَلِكَ لِأَنَّ الزَّوْجَ إنَّمَا يَكُونُ أَوْلَى بِالْحَضَانَةِ مِنْ جَمِيعِ الْأَقَارِبِ حَيْثُ كَانَ لَهُ بِالزَّوْجَةِ اسْتِمْتَاعٌ بِأَنْ تُطِيقَ الْوَطْءَ وَإِلَّا لَمْ تُسَلَّم لَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ هَلْ لَهُ أَنْ يَنْزِعَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ أُمِّهَا وَيُسْكِنَهَا بِقُرْبِهِ وَإِنْ كَانَ بَلَدُهُ شَاسِعًا عَنْ بَلَدِ الْأُمِّ؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ انْتِزَاعُ بِنْتِ عَمِّهِ مِنْ أُمِّهَا الَّتِي لَا حَضَانَةَ لَهَا وَيُسْكِنُهَا عِنْدَهُ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَخْلُوَ بِهَا بِأَنْ تَكُونَ عِنْدَهُ زَوْجَتُهُ، أَوْ أَمَتُهُ، أَوْ بَعْضُ مَحَارِمِهِ أَوْ مَحَارِمِهَا سَوَاء أَبَعُدَتْ بَلَده عَنْ بَلَدِ الْأُمِّ أَمْ لَا وَهَذَا إنْ كَانَتْ غَيْرَ رَشِيدَةٍ، أَوْ كَانَ هُنَاكَ رِيبَةٌ وَإِلَّا سَكَنَتْ حَيْثُ شَاءَتْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ عَمَّنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ رَضِيعٌ وَوَجَدَ لَهُ مُرْضِعَةً مُتَبَرِّعَةً وَطَلَبَتْ الْأُمُّ الْأُجْرَة فَهَلْ يَلْزَمُهُ لَهَا أُجْرَة وَهَلْ لَهُ نَزْعُهُ مِنْهَا غَصْبًا عَلَيْهَا؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ لَا يَلْزَمُهُ دَفْعُ أُجْرَةٍ لَهَا مَعَ وُجُودِ مُرْضِعَةٍ مُتَبَرِّعَةٍ وَإِذَا لَمْ تَرْضَ الْأُمُّ إلَّا بِالْأُجْرَةِ وَتَبَرَّعَتْ غَيْرُهَا وَكَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ إدْرَارِ الْأُمِّ جَازَ لِلْأَبِ نَزْعُ الْوَلَدِ مِنْهَا كُرْهًا وَإِعْطَاؤُهُ لِلْمُتَبَرِّعَةِ. وَسُئِلَ عَنْ الْأُمِّ الْحَاضِنَةِ إذَا طَلَبَتْ أُجْرَةَ الْمَسْكَنِ الَّذِي تَحْضُنُ فِيهِ أَوْلَادَهَا هَلْ يَجِبُ عَلَى الْأَبِ اسْتِئْجَارُ الْمَسْكَنِ أَوْ لَا وَهَلْ تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مَسْكَنٌ أَمْ لَا وَهَلْ يَدْخُلُ فِي مُؤْنَةِ الْحَضَانَةِ أُجْرَةُ الْمَسْكَنِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْأُمُّ الْحَاضِنَةُ إنْ كَانَتْ فِي عِصْمَةِ الزَّوْجِ الْأَبِ فَالْإِسْكَانُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهَا أُجْرَةُ الْحَضَانَةِ فَتَسْتَأْجِرُ مِنْهَا مَسْكَنًا إنْ شَاءَتْ وَلَا تَسْقُطُ حَضَانَتُهَا بِعَدَمِ مِلْكِهَا، أَوْ نَحْوه لِمَسْكَنٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ إلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ [كِتَابُ الْجِرَاحِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ اسْتَأْجَرَ سَفِينَةً مِنْ وَلِيِّ الْأَمْرِ لِشَحْنِهَا بِبَنْدَرِ السُّوَيْسِ إلَى بَنْدَرِ جُدَّةَ الْمَعْمُورَةِ وَعَاقَدَ جَمَاعَةً لِلرُّكُوبِ فِيهَا بِمَا مَعَهُمْ مِنْ الْأَحْمَالِ لِكُلٍّ مِنْهُمْ عِدَّةٌ مَعْلُومَةٌ بِوَرَقَةٍ تَخْتَصُّ بِهِ ثُمَّ إنَّ وَلِيَّ الْأَمْرِ الْمُشَارَ إلَيْهِ عَيَّنَ شَخْصًا لِلتَّوَجُّهِ فِي السَّفِينَةِ الْمَذْكُورَةِ لِإِعَانَةِ الْمُسْتَأْجِرِ الْمَذْكُورِ فِي شَحْنِهَا وَعَمَلِ مَصَالِحِهَا وَالذَّبِّ عَنْهَا وَعَنْ رَكْبَتِهَا وَكَتَبَ لَهُ مِثَالًا كَرِيمًا بِذَلِكَ وَمِنْ مَضْمُونِهِ التَّأْكِيدُ فِي شَحْنِهِ جَمِيعُ مَا عَيَّنَ لِلْمُعَاقِدِينَ الْمَذْكُورِينَ مِنْ الْحِمْلِ الْمُعَيَّنِ بِأَوْرَاقِهِمْ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ إنَّ الشَّخْصَ الْمَذْكُورَ خَالَفَ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَمْتَثِلْهُ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ وَامْتَنَعَ مِنْ شَحْنِهِ جَمِيعَ مَا عَيَّنَ لِلْمُعَاقِدِينَ الْمَذْكُورِينَ فِي أَوْرَاقِهِمْ وَلَمْ يَشْحَنْ لَهُمْ مِنْهَا إلَّا الْبَعْضَ خَاصَّةً وَالْحَالُ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ الْمَذْكُورَ جَعَلَ لِلْمَأْمُورِ الْمَذْكُورِ جَعَالَةً مُعَيَّنَةً لِلتَّكَلُّمِ عَلَيْهِ فِي الشِّحْنَةِ الْمَذْكُورَةِ بِهَذِهِ السَّفِينَةِ عَلَى الْحُكْمِ الْمَأْمُورِ بِهِ الْمُعَيَّنِ أَعْلَاهُ وَاسْتَمَرَّ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ شَحْنِ بَقِيَّةِ حِمْلِ الْمُعَاقِدِينَ الْمَذْكُورِينَ بِطَرِيقِ الِافْتِيَاتِ وَالتَّعَدِّي وَأَشْحَنَ بِالسَّفِينَةِ الْمَذْكُورَةِ حِمْلَهُ حَمَلَ مَنْ اخْتَارَهُ وَبَارَزَ الْمُعَاقِدِينَ الْمَذْكُورِينَ بِالسَّبِّ وَالشَّتْمِ وَضَرَبَ وَاحِدًا مِنْهُمْ كَسَرَ ذِرَاعَهُ وَضَرَبَ غَيْرَهُ أَيْضًا كُلُّ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ وَالضَّرَرِ وَالطُّغْيَانِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ وَلَا مُوجِبٍ وَلَيْسَ لَهُ فِي ذَلِكَ عُذْرٌ شَرْعِيٌّ وَلَا عُرْفِيٌّ ثُمَّ إنَّ الْمُعَاقِدِينَ الْمَذْكُورِينَ تَلَطَّفُوا بِالْمَأْمُورِ الْمَذْكُورِ وَقَالُوا لَهُ أَنْتَ الْآنَ رَاعٍ وَنَحْنُ رَعِيَّتُك وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» فَقَالَ أَنَا لَا أَعْتَبِرُ هَذَا الْكَلَامَ وَلَا أَعْمَلُ بِهِ فَقِيلَ إنَّ هَذَا حَدِيثُ

رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُمْ صَرِيحًا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَأَكْفُرَ فِيكُمْ وَإِنَّمَا مَثَلُكُمْ مَثَلُ الْخِنْزِيرِ الَّذِي اشْتَرَيْتُهُ فَإِنَّهُ عِنْدِي أَشْرَفَ مِنْكُمْ وَمِنْ جَمِيعِ أَهْلِ مِصْرَ عَلَى الْعُمُومِ ثُمَّ إنَّهُ أَخَذَ فِي التَّكَلُّمِ عَلَى سَفِينَةٍ ثَانِيَةٍ غَيْرِ السَّفِينَةِ الْمَذْكُورَةِ وَشَحَنَ بِهَا بِالْيَدِ وَالْقُوَّةِ بَقِيَّةَ حِمْلِ الْمُعَاقِدِينَ الْمَذْكُورِينَ الْمُتَأَخِّرِ شَحْنُهُ بِالْمَرْكَبِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا وَأَرْكَبَهُمْ بِهَا وَأَخَذَ مِنْهُمْ أُجْرَةَ ذَلِكَ كُلُّ ذَلِكَ بِالْجَبْرِ وَالْإِكْرَاهِ وَالتَّغَلُّبِ وَالِافْتِيَاتِ ثُمَّ إنَّ الْمَرْكَبَ الثَّانِيَةَ الْمَذْكُورَةَ سَارَتْ قَلِيلًا وَغَرِقَتْ بِجَمِيعِ مَا فِيهَا مِنْ الْأَحْمَالِ وَالرِّكَابِ وَلَمْ يَنْجُ مِنْهُمْ إلَّا الْقَلِيلُ وَكَانَ هَذَا التَّلَفُ وَالضَّيَاعُ بِمُخَالَفَةِ الْمَأْمُورِ الْمَذْكُورِ وَافْتِيَاتِهِ وَتَعَدِّيهِ إذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَمَاذَا يَلْزَمُ الْمَأْمُورَ الْمَذْكُورَ وَمُخَالَفَةَ وَلِيِّ الْأَمْرِ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَالِامْتِنَاعَ مِنْ شَحْنِهِ بَقِيَّةَ حِمْلِ الْمُعَاقِدِينَ الْمَذْكُورِينَ بِالْمَرْكَبِ الْأَوَّلِ الْمَذْكُورِ وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي رَدِّ الْجَوَابِ عَنْ الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ النَّبَوِيِّ عَلَى قَائِلِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ بِمَا ذَكَرَهُ وَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي مُقَالَتِهِ إنَّمَا مَثَلُكُمْ مَثَلُ الْخِنْزِيرِ الَّذِي اشْتَرَيْتُهُ وَأَنَّ ذَلِكَ أَشْرَفُ مِنْكُمْ وَمِنْ جَمِيعِ أَهْلِ مِصْرَ عَلَى الْعُمُومِ وَعَمَّا صَدَرَ مِنْهُ مِنْ السَّبِّ وَالضَّرْبِ وَكَسْرِ ذِرَاعِ الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ وَهَلْ يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ بَقِيَّةِ الْحِمْلِ الْمَذْكُورِ الَّذِي أَشَحَنَهُ بِالْمَرْكَبِ الثَّانِيَةِ وَتَلِفَ بِغَرَقِهَا وَلَمْ يَصِلْ إلَى مَحَلِّهِ وَقِيمَةُ مَا تَلِفَ بِالْمَرْكَبِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْحِمْلِ الَّذِي أَشَحَنَهُ فِيهَا بِالْقَهْرِ وَالْقُوَّةِ كَرْهًا عَلَى أَصْحَابِهِ أَمْ لَا وَمَاذَا يَلْزَمُهُ أَيْضًا فِيمَنْ غَرِقَ مِنْ الرُّكَّابِ بِالْمَرْكَبِ الْمَذْكُورَةِ عِنْدَ إكْرَاهِهِمْ عَلَى الرُّكُوبِ فِيهَا وَهَلْ تَسْقُطُ الْجَعَالَةُ الْمُعَيَّنَةُ لِلْمَأْمُورِ الْمَذْكُورِ لِمُخَالَفَتِهِ الْمَشْرُوحَةِ أَمْ لَا وَمَاذَا يَلْزَمُهُ أَيْضًا بِمُخَالَفَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ وَمَا حُكْمُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي ذَلِكَ اُبْسُطُوا لَنَا الْجَوَابَ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ اشْتَمَلَ مَا حُكِيَ عَنْ هَذَا الظَّالِمِ الْفَاسِقِ الْمُتَمَرِّدِ عَلَى قَبَائِحَ وَمَثَالِبَ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَيَّدَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ الدِّينَ وَقَصَمَ بِسَيْفِ عَدْلِهِ الطُّغَاةَ وَالْمُلْحِدِينَ أَنْ يُقَابِلَهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ ذَلِكَ إنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِمَا يُنَاسِبُهَا مِنْ الْعُقُوبَةِ الشَّدِيدَةِ الْأَكِيدَةِ الْبَلِيغَةِ الزَّاجِرَةِ لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْعَظَائِمِ حَسْبَمَا تَقْتَضِيهِ الشَّرِيعَةُ الْغَرَّاءُ وَالْمَحَجَّةُ الْوَاضِحَةُ الْبَيْضَاءُ الَّتِي لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا وَنَهَارُهَا كَلَيْلِهَا فَلَا يَزِيغُ عَنْهَا إلَّا هَالِكٌ وَبَيَانُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِهِ يَسْتَدْعِي الْكَلَامَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِمَّا ذُكِرَ عَنْهُ فَأَمَّا مُخَالَفَتُهُ لِمَا أَمَرَهُ بِهِ وَلِيُّ الْأَمْرِ مِنْ النَّظَرِ فِيمَا ذُكِرَ بِالْمَصْلَحَةِ وَالرِّفْقِ إلَى الْحَيْفِ وَالْجَوْرِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فِيهَا الْعُقُوبَةُ الْعَظِيمَةُ الْمُنَاسَبَةُ لِقَبِيحِ حَالِهِ وَعَظِيمِ جَرَاءَتِهِ حَتَّى عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ بِمُخَالَفَتِهِ لَهُ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ مِمَّا ذَكَرَهُ وَمُبَارِزَتِهِ لِأَوَامِرِهِ الَّتِي يَجِبُ عَلَى كُلِّ النَّاسِ امْتِثَالُهَا وَالْإِذْعَانُ لَهَا بِنَصِّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعُقُوبَةَ عَلَى هَذِهِ الْمُخَالَفَةِ تَشْتَدُّ وَتَتَضَاعَفُ بِحَسَبِ مَا يُنَاسِبُ ذَلِكَ حَتَّى يُزْجَرَ النَّاسُ عَنْ الْوُقُوعِ فِي هَذِهِ الْوَرْطَةِ الْقَبِيحَةِ وَأَمَّا امْتِنَاعُهُ مِنْ شَحْنِهِ بَقِيَّةَ حِمْلِ مَالِ الْمُسْتَأْجِرِينَ وَشَحْنِهِ بِمَالِهِ وَمَالِ غَيْرِهِ فَيَلْزَمُهُ فِيهِ أَيْضًا التَّعْزِيرُ الْبَلِيغُ وَأُجْرَةُ مَا شَحَنَهُ فِيهِ فِي مَرْكَبِهِمْ الَّتِي اسْتَحَقُّوا مَنَافِعَهَا وَأَمَّا الْجَعَالَةُ الَّتِي جُعِلَتْ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ التَّكَلُّمِ عَلَى السَّفِينَةِ الْمَذْكُورَةِ بِالْمَصْلَحَةِ فَلَا يَسْتَحِقُّ مِنْهَا شَيْئًا لِأَنَّ مَا فَعَلَهُ مِمَّا ذُكِرَ عَنْهُ عَيْنُ الْمَفْسَدَةِ وَالْجَوْرِ الْمُسَوِّدَيْنِ لِوَجْهِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالْمُقْتَضَيَيْنِ لِتَعْمِيلِ حُلُولِ سَطَوَاتِ الِانْتِقَامِ بِهِ وَأَمَّا سَبُّهُ وَضَرْبُهُ وَشَتْمُهُ لِمَنْ ذُكِرَ فَيُعَاقَبُ عَلَيْهِ الْعِقَابَ الشَّدِيدَ حَتَّى يَنْزَجِرَ عَنْهُ وَعَنْ أَمْثَالِهِ مِنْ قَبَائِحِهِ وَأَمَّا كَسْرُ ذِرَاعِ مَنْ ذُكِرَ فَيُعَزَّرُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ وَيَلْزَمُهُ فِيهِ الْحُكُومَةُ بَلْ قَطْعُ يَدِهِ، أَوْ الدِّيَةُ أَنْ يَعْرِفُوا شُرُوطَ ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُهُ لَمَّا قِيلَ لَهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ عَلَى قَائِلِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ أَنَّهُ لَا يُتَبَّرُ بِهَذَا الْكَلَامِ وَلَا يُعْمَلُ بِهِ فَقَرِينَةُ حَالِهِ قَاضِيَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ السُّخْرِيَةَ وَالِاسْتِهْزَاءَ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ كَافِرًا مُرْتَدًّا مُرَاقَ الدَّمِ مُهْدَرَهُ لَا يُسَاوِي عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى جَنَاحَ بَعُوضَةٍ فَيُضْرَبُ عُنُقَهُ إنْ لَمْ يَتُبْ وَكَذَا إنْ تَابَ عَلَى رَأْيٍ قَالَ بِهِ كَثِيرُونَ وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنْ لَمْ تَنْتَهُوا عَنْ ذَلِكَ لَأَكْفُرَ فِيكُمْ فَإِنْ أَرَادَ تَعْلِيقَ الْكُفْرِ عَلَى عَدَمِ انْتِهَائِهِمْ، أَوْ التَّرَدُّدِ فِيهِ عِنْدَ ذَلِكَ كُفْرٌ فِي الْحَالِ فَيُضْرَبُ عُنُقُهُ إنْ لَمْ يَتُبْ أَيْضًا وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا مَثَلُكُمْ مَثَلُ الْخِنْزِيرِ إلَخْ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ عَلَيْهِ التَّعْزِيرَ الْأَكِيدَ الْبَلِيغَ الشَّدِيدَ

الْمُنَاسِبَ لِمَا فِي هَذَا الْكَلَامِ الصَّادِرِ مِنْهُ مِنْ الْقُبْحِ وَالْفَظَاعَةِ وَالْقَسَاوَةِ وَالْجَلَافَةِ وَمَزِيدِ التَّجَرُّؤِ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأَوْلِيَائِهِ وَأَئِمَّةِ دِينِهِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا شَحْنُهُ بَقِيَّةَ حِمْلِ الْمُسْتَأْجِرِينَ فِي السَّفِينَةِ فَإِنَّهُ يُضَمِّنُهُ الْمِثْلِيَّ مِنْهُ بِمِثْلِهِ وَالْمُتَقَوَّمَ بِقِيمَةِ وَأَمَّا أَخْذُهُ الْأَجْرَ مِمَّنْ أَرْكَبَهُ، أَوْ شَحَنَ مَالَهُ كَرْهًا فَهُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ فَيُعَزَّرُ عَلَيْهِ أَيْضًا وَتُنْزَعُ مِنْهُ تِلْكَ الْأُجْرَةُ وَتُرَدُّ لِأَرْبَابِهَا إذْ لَا أُجْرَةَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ سَلِمُوا هُمْ وَأَحْمَالُهُمْ وَأَمَّا جَبْرُ مَنْ غَرِقَ مِنْ أَهْلِ السَّفِينَةِ الْمَذْكُورَةِ الَّذِينَ أَكْرَهَهُمْ عَلَى الرُّكُوبِ فِيهَا فَإِنْ سَيَّرَهَا بِهِمْ وَقَصَّرَ فِي ذَلِكَ حَتَّى غَرِقَتْ فَإِنْ كَانَ قَدْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا قُتِلَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْقُرْعَةِ إنْ مَاتُوا مَعًا وَإِلَّا فَبِأَوَّلِهِمْ مَوْتًا وَيَلْزَمُهُ دِيَاتُ الْبَاقِينَ، أَوْ بِمَا لَا يُقْتَلُ غَالِبًا فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ لَكِنَّ الْوَاجِبَ حِينَئِذٍ دِيَاتُهُمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) هَلْ يُقْتَلُ مَنْ يُصَلِّي بِتَارِكِ الصَّلَاةِ فَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ مَا قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ بِقَوْلِهِ بَعْدَ قَوْلِ الْأَصْلِ وَلِلْمُضْطَرِّ قَتْلُ حَرْبِيٍّ وَمُرْتَدٍّ وَمَنْ لَهُ عَلَيْهِ قِصَاصٌ لِيَأْكُلَهُ وَكَذَا الزَّانِي الْمُحْصَنُ وَالْمُحَارِبُ وَتَارِكُ الصَّلَاةِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الْإِمَامُ لِأَنَّ قَتْلَهُمْ مُسْتَحَقٌّ وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَا إذْنَهُ فِي غَيْرِ حَالَةِ الضَّرُورَةِ تَأَدُّبًا مَعَهُ وَحَالَةُ الضَّرُورَةِ لَيْسَ فِيهَا رِعَايَةُ أَدَبٍ؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ لَا يُقْتَلُ الْمُصَلِّي بِتَارِكِ الصَّلَاةِ الَّذِي كَانَ تَرْكُهُ سَبَبًا لِإِهْدَارِ دَمِهِ بِأَنْ وُجِدَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْإِهْدَارِ الْمَذْكُورَةُ فِي بَابِ قَتْلِ تَارِكِ الصَّلَاةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ رَجُلٍ ضَرَبَ حَجَرًا فَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ فَأَزَالَ عَيْنَ آخَرَ مَا الْحُكْمُ فِيهِ؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ مَنْ ضَرَبَ حَجَرًا فَخَرَجَ مِنْهُ قِطْعَةٌ فَأَصَابَتْ عَيْنَ آخَرَ فَأَذْهَبَتْهَا لَزِمَ عَاقِلَتَهُ دِيَتُهَا وَهِيَ خَمْسُونَ بَعِيرًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَنْ الْيَمِينِ إذَا تَعَلَّقَتْ بِالدَّمِ فَهَلْ تُغَلَّظُ بِالْعَدَدِ وَتَكُونُ خَمْسِينَ يَمِينًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَصْحَابُ فِي الْقَوَاعِدِ الزَّرْكَشِيَّةِ وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّمُ لَوْثًا أَمْ غَيْرَ لَوْثٍ فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ أَنَّ الْمَنْقُولَ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ كَوْنَ الْيَمِينِ تَتَعَدَّدُ خَمْسِينَ لَا يَخْتَصُّ بِاللَّوْثِ بَلْ تَجِبُ الْخَمْسُونَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْقَتْلُ بِلَا لَوْثٍ وَعَلَى مُدَّعٍ لَهُ مَعَهُ شَاهِدٌ وَفِي الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ وَلَوْ فِي غَيْرِ اللَّوْثِ مِنْ الْمُدَّعِي، أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَوْ تَعَدَّدَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمْ خَمْسِينَ يَمِينًا أَوْ الْمُدَّعِي حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِنِسْبَةِ حَقِّهِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ لَوْ انْفَرَدَ لَا يُثْبِتُ لِنَفْسِهِ مَا يُثْبِتُهُ الْوَاحِدُ لَوْ انْفَرَدَ بَلْ يَثْبُتُ بَعْضُ الْأَرْشِ فَيَحْلِفُ بِقَدْرِ الْحِصَّةِ بِخِلَافِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَنْفِي مَا يَنْفِيهِ الْوَاحِدُ لَوْ انْفَرَدَ وَيَمِينُ الْجِرَاحَاتِ وَإِنْ قَلَّتْ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ كَالنَّفْسِ فَيَكُونُ فِيهَا خَمْسُونَ يَمِينًا بِتَفْصِيلِهِ الْمَذْكُورِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ مَرِضَ فَأَرْسَلَ إلَى حَكِيمٍ فَجَاءَ إلَيْهِ وَأَمَرَهُ بِشَرْبَةٍ فَشَرِبَهَا فَتَعِبَ لَهَا تَعَبًا شَدِيدًا بِحَيْثُ قَارَبَ الْمَوْتَ ثُمَّ مَنَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهِ بِبَعْضِ شَيْءٍ مِنْ الْعَافِيَةِ ثُمَّ اشْتَدَّ الْمَرَضُ فَقَالَ لِوَرَثَتِهِ مَا أَنَا لَكُمْ بِصَاحِبٍ وَسَبَبُ ذَلِكَ الشَّرْبَةُ الَّتِي أَسْقَانِيهَا فُلَانٌ ثُمَّ مَاتَ فَمَا حُكْمُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ لَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ عَلَى الطَّبِيبِ الْمَذْكُورِ بِمُجَرَّدِ أَمْرِهِ لِلْمَرِيضِ الْمَذْكُورِ بِشُرْبِ الدَّوَاءِ الْمَذْكُورِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ الْمُسْلِمِينَ سُؤَالًا صُورَتُهُ سُئِلَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ عَمَّا إذَا جَرَحَ بَهِيمَةَ غَيْرِهِ مَثَلًا أَوْ عَبْدَهُ ثُمَّ انْدَمَلَتْ الْجِرَاحَةُ وَبَقِيَ أَثَرُهَا وَلَمْ يَنْقُصْ مِنْ قِيمَتِهَا شَيْءٌ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ فِي الْبَهِيمَةِ وَالْعَبْدِ وَفِي الْعَبْدِ خِلَافٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ أَيْضًا شَيْءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَهَلْ جَوَابُكُمْ كَذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ أَمَّا مَا ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الْمُفْتِينَ فِي مَسْأَلَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْعَبْدِ فَيَحْتَاجُ إلَى تَفْصِيلٍ وَهُوَ أَنَّ الْبَهِيمَةَ حَيْثُ انْدَمَلَ جُرْحُهَا وَلَا نَقْصَ فِيهَا لَا يَجِبُ عَلَى جَارِحِهَا إلَّا التَّعْزِيرُ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُ الْفُورَانِيِّ الْحَيَوَانُ يُخَالِفُ الْجَمَادَ فِي شَيْءٍ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُضْمَنُ إلَّا بَعْدَ الِانْدِمَالِ وَالْجَمَادُ يُضْمَنُ فِي الْحَالِ بِمَا نَقَصَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ فَقَالَ لَوْ فَقَأَ إحْدَى عَيْنَيْ حِمَارٍ لَمْ يَجِبْ فِي الْحَالِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْدَمِلَ ثُمَّ يَجِبُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحَ

الْعَيْنِ وَمَفْقُوءَهَا قَالَ وَلَوْ قَالَ الْمَالِكُ لَا أُدَاوِيهِ حَتَّى يَمُوتَ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ أَيْ عَلَى مُدَاوَاتِهِ وَلَوْ قَالَ الْجَانِي مَكِّنِي مِنْ مُدَاوَاتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّمْكِينُ مِنْهُ. وَأَمَّا الرَّقِيقُ فَإِنْ قَطَعَ مِنْهُ مَا يُقَدَّرُ فِي الْحُرِّ كَالْيَدِ لَزِمَهُ نِصْفُ الْقِيمَةِ فِي هَذَا الْمِثَالِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَبَرِئَ وَلَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ أَمْ نَقَصَتْ بِقَدْرِ نِصْفِ الْقِيمَةِ أَمْ أَقَلَّ أَمْ أَكْثَرَ وَإِنْ جُرِحَ جُرْحًا لَا مُقَدَّرَ لَهُ فِيهِ مِنْ الْحُرِّ فَبَرِئَ وَلَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ كَأَنْ قَطَعَ مِنْهُ أُصْبُعًا زَائِدَةً فَبَرِئَ وَلَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ فَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ يَلْزَمُهُ مَا نَقَصَ وَيُقَوَّمُ قَبْلَ الْبُرْءِ وَالدَّمُ سَائِلٌ لِلضَّرُورَةِ. وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ لِقَوْلِهِمْ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْحُرِّ أَنَّ أَثَرَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ مِنْ ضَعْفٍ، أَوْ شَيْنٍ إذَا بَقِيَ بَعْدَ الْبُرْءِ وَجَبَتْ الْحُكُومَةُ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ جُرْحًا، أَوْ كَسْرًا وَلَمْ يَنْقُصْ بَعْدَ الِانْدِمَالِ شَيْءٌ مِنْ مَنْفَعَةٍ أَوْ جَمَالٍ كَقَلْعِ سِنٍّ، أَوْ أُصْبُعٍ زَائِدَةٍ اعْتَبَرَ أَقْرَبَ نَقْصٍ إلَى الِانْدِمَالِ ثُمَّ مَا قَبْلَهُ وَهَكَذَا إلَى حَالِ سَيَلَانِ الدَّمِ حَتَّى تَنْقُصَ الْقِيمَةُ لِتَأَثُّرِهَا بِالْخَوْفِ وَالْخَطَرِ فَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ بِهِ شَيْءٌ وَلَا حَالَ سَيَلَانِ الدَّمِ فَهَلْ يُعَزَّرُ فَقَطْ، أَوْ يُعَزَّرُ وَيَفْرِضُ الْقَاضِي عَلَيْهِ شَيْئًا بِاجْتِهَادِهِ وَجْهَانِ رَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الثَّانِيَ وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ غَيْرَ جُرْحٍ وَلَا كَسْرٍ كَإِزَالَةِ الشُّعُورِ وَاللَّطْمَةِ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ سِوَى التَّعْزِيرِ فَتَأَمَّلْ هَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ فَإِنَّهُ قَاضٍ بِتَرْجِيحِ كَلَامِ أَبِي إِسْحَاقَ فَعُلِمَ أَنَّ إطْلَاقَ بَعْضِ الْمُفْتِينَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ فِي الْعَبْدِ إطْلَاقٌ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِمَا لَفْظُهُ إذَا قُلْتُمْ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ الْأَبَ وَإِنْ عَلَا وَالِابْنَ وَإِنْ سَفَلَ وَالْقَاتِلَ لَيْسُوا هُمْ مِنْ الْعَاقِلَةِ وَلَا يَحْمِلُونَ مِنْ الدِّيَةِ شَيْئًا وَإِذَا قُلْتُمْ أَيْضًا أَنَّ الدِّيَةَ مُؤَجَّلَةٌ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ حِينِ الْقَتْلِ وَأَنَّ أَكْثَرَ مَا يُجْعَلُ عَلَى الْمُوسِرِ نِصْفُ دِينَارٍ وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ رُبُعٌ وَأَنَّهَا عَلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ وَأَنَّهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ الَّتِي فِي بَلَدِ الْجَانِي وَمَنْ كَانَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ فِي إقْلِيمٍ آخَرَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَإِذَا كَانَ الْقَاتِلُ غَنِيًّا وَالْعَاقِلَةُ فُقَرَاءَ أَوْ كَانُوا كُلُّهُمْ فُقَرَاءَ فَعَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ أَمْ تَسْقُطُ أَمْ إلَى الْيَسَارِ أَمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَإِذَا كَانَ الْقَرِيبُ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْجَانِي وَالْأَبْعَدُ فِي بَلَدِهِ هَلْ تَسْقُطُ عَنْهُمَا، أَوْ تَلْزَمُهُمَا، أَوْ أَحَدَهُمَا وَإِذَا كَانَ الْقَرِيبُ فِي حَالِ الْجِنَايَةِ فِي إقْلِيمٍ آخَرَ ثُمَّ حَضَرَ بَعْدَهَا إلَى بَلَدِ الْجَانِي هَلْ تَلْزَمُهُ أَمْ لَا تَلْزَمُهُ. وَإِذَا قُلْتُمْ إنَّهَا مِنْ حِينِ الْقَتْلِ وَإِذَا كَانَ الْقَرِيبُ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً مَثَلًا مُوسِرِينَ أَوْ مُتَوَسِّطِينَ كَيْفَ تَسْقُطُ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؟ وَالْحَالُ أَنَّ الْمُوسِرَ أَلْزَمَتْهُمُوهُ بِنِصْفِ دِينَارٍ وَالْمُتَوَسِّطَ رُبُعِ دِينَارٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا التَّقْسِيطَ لَا يَفِي فِي مُدَّةِ ثَلَاثِ سِنِينَ بِالدِّيَةِ فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ وَالدِّيَةُ بَاقِيَةٌ مَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ وَكَيْفَ تَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ الدَّنَانِيرُ وَالْحَالُ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ الْإِبِلُ الْمَعْلُومَاتُ فِي الْخَطَإِ وَهِيَ مِائَةٌ مُخَمَّسَةٌ وَلَيْسَ الْعُدُولُ عَنْهَا إلَّا بِالصُّلْحِ فَإِذَا امْتَنَعَتْ أَصْحَابُ الدَّمِ مِنْ الصُّلْحِ فَكَيْفَ تُوَزَّعُ الْإِبِلُ عَلَيْهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً أَوْ أَقَلَّ؟ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ وُضُوحًا شَافِيًا؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ مِنْ اخْتِصَاصِ الضَّرْبِ بِعَاقِلَةِ بَلَدِ الْجَانِي عَلَى الْإِطْلَاقِ لَمْ أَرَ مَنْ قَالَ بِهِ هَكَذَا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِمَا يُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ تَفَاصِيلُ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ أَنَّ الْعَاقِلَةَ إنْ كَانُوا حَاضِرِينَ بِبَلَدِ الْجِنَايَةِ ضُرِبَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ عَلَى تَرْتِيبِهِمْ الْمَعْرُوفِ وَإِنْ غَابُوا وَلَهُمْ ثَمَّ مَالٌ أُخِذَ مِنْهُ وَإِلَّا حَكَمَ الْقَاضِي عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ عَلَى تَرْتِيبِهِمْ وَكَتَبَ بِذَلِكَ إلَى حَاكِمِ بَلَدِهِمْ لِيَأْخُذَهَا مِنْهُمْ وَلَهُ أَنْ يَكْتُبَ بِالْقَتْلِ إلَيْهِ لِيَحْكُمَ عَلَيْهِمْ بِهَا وَيَأْخُذَهَا مِنْهُمْ وَإِنْ حَضَرَ بَعْضُهُمْ بِهَا وَغَابَ بَعْضُهُمْ فَإِنْ اسْتَوَى الْجَمِيعُ دَرَجَةً فَهَلْ يُقَدَّمُ مَنْ حَضَرَ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَعَمْ لِاخْتِصَاصِهِمْ بِقُرْبِ الْمَكَانِ فَهُمْ كَالْمُخْتَصِّينَ بِقُرْبِ الْقَرَابَةِ وَلِأَنَّ النُّصْرَةَ الَّتِي هِيَ مَلْحَظُ التَّحَمُّلِ إنَّمَا هِيَ بِهِمْ وَلِأَنَّ فِي الضَّرْبِ عَلَى الْغَائِبِينَ مَشَقَّةً وَأَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - تُضْرَبُ عَلَى الْكُلِّ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي الْعُصُوبَةِ وَالْمِيرَاثِ وَعَلَى هَذَا فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ حَضَرُوا جَمِيعًا أَوْ غَابُوا جَمِيعًا فِيمَا مَرَّ وَعَلَى الضَّعِيفِ إذَا لَمْ يَفِ الْحَاضِرُونَ ضُرِبَ عَلَى الْغَائِبِينَ وَيَكْتُبُ الْقَاضِي كَمَا مَرَّ وَعَلَيْهِ أَيْضًا إذَا اخْتَلَفَتْ

بِلَادُهُمْ قُدِّمَ الْأَقْرَبُ دَارًا فَالْأَقْرَبُ. هَكَذَا أَوْرَدَ الْقَوْلَيْنِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَبَعْضُهُمْ قَطَعَ بِالْقَوْلِ الْأَصَحِّ وَبَعْضُهُمْ حَكَاهُمَا عَلَى مَا مَرَّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مِنْ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا نَظَرَ لِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ فَتُضْرَبُ عَلَى الْأَقَارِبِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ دُورُهُمْ سَوَاءٌ الْحَاضِرُ وَالْغَائِبُ، وَلَا يُقَدَّمُ بِقُرْبِ دَارٍ مُطْلَقًا وَجَمِيعُ التَّفَارِيعِ الَّتِي ذَكَرَهَا السَّائِلُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الِاخْتِصَاصِ لِمَنْ بِبَلَدِ الْجَانِي لَا جَوَابَ لَهَا، وَأَمَّا تَفَارِيعُ الْقَوْلِ الضَّعِيفِ الَّذِي حَكَيْنَاهُ فَقَدْ أَشَرْنَا إلَيْهَا فَتَأَمَّلْهَا نَعَمْ مِنْ تِلْكَ التَّفَارِيعِ مَا يَتَأَتَّى عَلَى الْمَذْهَبِ فَلْنَذْكُرْ جَوَابَهُ وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالضَّرْبِ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَنَّهُ يُضْرَبُ عَلَيْهِمْ الْجَمِيعُ مُطْلَقًا بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ الثُّلُثُ فَيُوَزَّعُ عَلَيْهِمْ مَعَ رِعَايَةِ أَنَّ الْغَنِيَّ لَا يُزَادُ عَلَى نِصْفٍ وَالْمُتَوَسِّطُ لَا يُزَادُ عَلَى رُبُعٍ فَإِنْ وَفَّى الْأَقْرَبُونَ بِهَا لِكَثْرَتِهِمْ وَإِلَّا ضُرِبَ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ وَهَكَذَا حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَعَلَى عَصَبَةِ الْوَلَاءِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَعَلَى بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَعَلَى الْجَانِي وَكَذَا يَفْعَلُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَالسَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ الْكَامِلَةِ لَمْ يُزَادُوا عَلَى الثُّلُثِ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَلَا تُزَادُ السُّنُونَ عَلَى ثَلَاثٍ وَإِنْ كَانَ أَنْقَصَ وُزِّعَ الثُّلُثُ فِي الْأُولَى وَأَدْوَنَ مِنْهُ فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ شَيْءٌ إلَى الثُّلُثِ الثَّانِي وُزِّعَ عَلَيْهِمْ فِي سَنَةٍ ثَانِيَةٍ وَإِنْ زَادَ شَيْءٌ عَلَى الثُّلُثِ الثَّانِي وُزِّعَ عَلَيْهِمْ فِي سَنَةٍ ثَالِثَةٍ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُزَادَ عَلَى الْغَنِيِّ أَكْثَرُ مِنْ دِينَارٍ وَنِصْفٍ فِي الثَّلَاثِ مُطْلَقًا وَلَا عَلَى الْمُتَوَسِّطِ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ دِينَارٍ فِي الثَّلَاثِ مُطْلَقًا ثُمَّ الْمَأْخُوذُ مِنْهُمْ إنَّمَا هُوَ نَقْدُ الْبَلَدِ ثُمَّ مَا تَحَصَّلَ مِنْهُ اشْتَرَى بِهِ الْوَاجِبَ مِنْ الْإِبِلِ وَهَكَذَا يَفْعَلُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ أَزَالَ بَكَارَةَ زَوْجَتِهِ بِغَيْرِ ذَكَرِهِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ غَيْرَ نِصْفِ مَهْرِهَا لِتَفْوِيتِ الْبَكَارَةِ عَلَيْهَا؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِإِزَالَةِ الْبَكَارَةِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهَا لَكِنَّهُ يُعَزَّرُ لِكَوْنِهِ أَذَاهَا بِإِزَالَتِهَا بِغَيْرِ الذَّكَرِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ عَمَّا إذَا دَاوَى طَبِيبٌ غَيْرَهُ فَهَلْ يَضْمَنُ؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ غَيْرَ عَارِفٍ بِالطِّبِّ وَتَوَلَّدَ الْهَلَاكُ مِنْ ذَلِكَ الدَّوَاءِ بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ ضَمِنَ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَابْنِ مَاجَهْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ يُطَبِّبُ وَلَمْ يَعْرِفْ الطِّبَّ فَهُوَ ضَامِنٌ» وَبِذَلِكَ جَزَمَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَغَيْرُهُ بَلْ نَقَلَ ابْنُ سُرَيْجٍ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَإِنْ عَرَفَ الطِّبَّ وَأَخْطَأَ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَغَيْرُهُ وَخَصَّهُ ابْنُ الصَّلَاحِ بِمَا إذَا قَالَ دَاوَانِي بِهَذَا أَمَّا إذَا قَالَ دَاوَانِي مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ فَيَضْمَنُ وَاعْتَمَدَ بَعْضُهُمْ الْأَوَّلَ فَقَالَ لَا يَضْمَنُ الْعَارِفُ مُطْلَقًا حَيْثُ أَخْطَأَ وَاسْتُدِلَّ لَهُ فِي الْخَادِمِ بِحَدِيثِ الْمَشْجُوجِ الَّذِي أَمَرُوهُ بِالْغُسْلِ فَمَاتَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَتَلُوهُ قَتَلَهُمْ اللَّهُ» وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ ضَمَّنَهُمْ هَذَا كُلَّهُ إذَا بَاشَرَ الطَّبِيبُ الدَّوَاءَ بِنَفْسِهِ كَأَنْ قَالَ لَهُ ابْلَعْ هَذَا فَفِي الْمُمَيِّزِ تَجِبُ الدِّيَةُ وَفِي غَيْرِهِ يَجِبُ الْقَوَدُ بِشُرُوطٍ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُبَاشِرْ كَأَنْ قَالَ تَفْعَلُ كَذَا أَوْ أَعْطَى الدَّوَاءَ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ مَا لَمْ يُخْطِئْ وَيُعَذَّرُ فِي خَطَئِهِ وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْحَاكِمِ مَنْعُهُ صَوْنًا لِدِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَبْدَانِهِمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) هَلْ فِي الظُّفْرِ حُكُومَةٌ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الظَّاهِرُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا حُكُومَةَ فِيهِ إذَا لَمْ يَفْسُدْ مَنْبَتُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَفْسَدَهُ فَإِنَّهُ تَجِبُ فِيهِ حُكُومَةٌ كَالشَّعْرِ فِيهِمَا. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا حَضَرَ نِسَاءٌ وِلَادَةَ ذَكَرٍ فَقَطَعَتْ إحْدَاهُنَّ سُرَّتَهُ مِنْ غَيْرِ رَبْطٍ وَنَهَاهَا الْبَاقِيَاتُ فَمَاتَ بَعْدَ الْقَطْعِ بِقَلِيلٍ فَهَلْ يُقْتَلْنَ مَثَلًا أَوْ هِيَ فَقَطْ؟ ؟ (فَأَجَابَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ الْقَطْعُ مَعَ عَدَمِ الرَّبْطِ يَقْتُلُ غَالِبًا فَهُوَ عَمْدٌ مُوجِبٌ لِلْقَوَدِ عَلَيْهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ مَنَعَتْ الْبَاقِيَاتِ مِنْ الرَّبْطِ لَوْ أَرَدْنَ فِعْلَهُ أَمَّا إذَا لَمْ يُرِدْنَهُ فَهُنَّ آثِمَاتٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُنَّ جَمِيعًا فَإِذَا تَرَكْنَهُ مِنْ غَيْرِ مَنْعٍ كَانَ لَهُنَّ دَخْلٌ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى مَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِقَوْلِ الشَّيْخَيْنِ لَوْ فَصَدَ شَخْصًا وَمَنَعَ الْمَفْصُودَ مِنْ الْعَصْبِ لَزِمَهُ الْقَوَدُ قَالَ فَعَلَّقَا وُجُوبَ الْقَوَدِ بِالْمَنْعِ فَكَذَا هُنَا لَا يَلْزَمُهَا

باب دعوى الدم والقسامة

قَوَدٌ إلَّا إنْ مَنَعَتْهُنَّ اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَغَايَةُ الْأَمْرِ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى مَا زَعَمَهُ أَنَّهَا مُبَاشَرَةٌ وَهُنَّ مُتَسَبِّبَاتٌ وَالْمُبَاشَرَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى أَنَّهُنَّ فِي الْحَقِيقَةِ لَسْنَ مُتَسَبِّبَاتٍ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُنَّ فِعْلٌ أَصْلًا وَإِنَّمَا صَدَرَ مِنْهُنَّ تَرْكٌ وَهِيَ اسْتَقَلَّتْ بِالْقَطْعِ مَعَ عَدَمِ الرَّبْطِ فَإِذَا كَانَ مُهْلِكًا لَمْ يُبَاشِرْ الْمُهْلِكَ غَيْرُهَا وَإِذَا لَمْ يُبَاشِرْهُ غَيْرُهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا شَرِيكٌ أَصْلًا فَالْوَجْهُ وُجُوبُ الْقَوَدِ عَلَيْهَا إنْ تَعَمَّدَتْ قَتْلَهُ بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَإِنْ عُفِيَ عَنْهَا عَلَى مَالٍ فَدِيَةُ الْعَمْدِ وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ غَالِبًا فَعَلَى عَاقِلَتِهَا دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ وَلَا دَلِيلَ لَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْمَفْصُودِ لِأَنَّ تَرْكَهُ الْعَصَبَ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ صَيَّرَهُ قَاتِلًا لِنَفْسِهِ وَقَاطِعًا لِفِعْلِ الْفَاصِدِ لِأَنَّ الْفَصْدَ بِذَاتِهِ لَيْسَ هُوَ الْقَاتِلُ وَإِنَّمَا الْقَاتِلُ تَرْكُ الْعَصْبِ وَلَيْسَ فِي مَسْأَلَتِنَا نَظِيرُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ فِيهَا مِنْ الْمَقْطُوعِ مَا يَقْطَعُ فِعْلَ الْقَاطِعِ فَنِيطَ الْهَلَاكُ بِهِ وَنَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا مَا لَوْ فُصِدَ غَيْرُ مُمَيِّزٍ وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ فَتَهَاوَنُوا فِي رَبْطِ مَحَلِّ الْفَصْدِ حَتَّى مَاتَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْقَوَدَ فِي هَذِهِ عَلَى الْفَاصِدِ وَحْدَهُ دُونَ الْحَاضِرِينَ لِمَا قَرَّرْتُهُ مِنْ أَنَّهُ الْمُبَاشِرُ وَحْدَهُ وَلَا قَاطِعَ لِفِعْلِهِ مِنْ الْمَفْصُودِ وَيَلْزَمُ ذَلِكَ الْبَاحِثَ أَنَّهُ لَا قَوَدَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ لَا الْفَاصِدُ وَلَا غَيْرُهُ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ فَالْقِيَاسُ وُجُوبُ الْقَوَدِ عَلَيْهِمَا بَلْ لَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ عَلَى الْكُلِّ لَمْ يَبْعُدْ لِأَنَّ نَفْسَ الْقَطْعِ هُنَا كَالْفَصْدِ فِي كَوْنِهِ غَيْرَ مُهْلِكٍ فِي حَدِّ ذَاتِهِ وَإِنَّمَا الْمُهْلِكَ تَرْكُ الرَّبْطِ هُنَا وَثَمَّ؛ لِأَنَّ الْبُرْءَ مَوْثُوقٌ بِهِ لَوْ رُبِطَ فِي الْعَادَةِ الْمُطَّرِدَةِ فَالْهَلَاكُ يُنْسَبُ إلَيْهِنَّ كُلِّهِنَّ فَيَلْزَمُهُنَّ الْقَوَدُ وَإِلَّا فَدِيَةُ الْعَمْدِ مُوَزَّعَةٌ عَلَى رُءُوسِهِنَّ وَأَمَّا لُزُومُ الضَّمَانِ لَهَا دُونَهُنَّ الَّذِي زَعَمَهُ ذَلِكَ الْبَاحِثُ فَبَعِيدٌ جِدًّا وَمِمَّا يُبْعِدُهُ أَنَّهُ نَاقَضَ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ جَعَلَ لَهُنَّ دَخْلًا فِي الْجِنَايَةِ بِالنِّسْبَةِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْقَوَدِ عَلَيْهَا وَعَدَمِ دَخْلٍ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ لِعَدَمِ وُجُوبِ شَيْءٍ عَلَيْهِنَّ وَلَا عَلَى عَاقِلَتِهِنَّ وَهُوَ تَحَكُّمٌ غَيْرُ مَرْضِيٍّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ عَنْ قَوْلِ التَّاجِ السُّبْكِيّ فِي أَلْغَازِهِ وَمَنْ يَزِدْ جُرْمُهُ يَنْقُصْ مُؤَاخَذَةً ... وَيَفْتَدِي بَعْضَ مَا يَجْنِيهِ كَالْهَدَرِ ؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ جُرْمُهُ إنْ ضَمَّ أَوَّلَهُ فَهُوَ فِيمَنْ فَعَلَ صَغِيرَةً ثُمَّ أَرَادَ كَبِيرَةً ثُمَّ تَرَكَهَا خَوْفًا مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَتَرْكُهُ لِلْكَبِيرَةِ بَعْدَ الْعَزْمِ عَلَيْهَا مُكَفِّرٌ لِتِلْكَ الصَّغِيرَةِ الَّتِي ارْتَكَبَهَا وَإِنْ كَسَرَ فَهُوَ فِي الْمِيزَانِ إنْ وَقَعَ كُلُّهُ فَأُتْلِفَ فَنِصْفُ الضَّمَانِ، أَوْ نِصْفُهُ فَكُلُّ الضَّمَانِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [بَابُ دَعْوَى الدَّمِ وَالْقَسَامَةِ] (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ زَوْجَيْنِ مُتَنَاكِحَيْنِ مَثَلًا أَوْ رَجُلَيْنِ مَثَلًا أَوْ جَمَاعَةٍ فِي سَفَرٍ مَثَلًا أَوْ بَيْتٍ وَدَارٍ كَبِيرَةٍ بِهَا سُكَّانٌ أَوْ فِي صَحْنِهَا مَثَلًا أَوْ سِكَّتِهَا النَّافِذَةِ أَوْ غَيْرِ النَّافِذَةِ وَجَدْنَا بَيْنَهُمْ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ قَتِيلًا أَوْ مَيِّتًا يُحْتَمَلُ مَوْتُهُ وَخَنْقُهُ هَلْ يَكُونُ هَذَا لَوْثًا فِي الْجَمِيعِ مَثَلًا أَوْ فِي الْبَعْضِ؟ بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ فَإِذَا قُلْتُمْ بِأَنَّهُ لَوْثٌ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا فَهَلْ يَدَّعِي وَلِيُّهُ عَلَى الْجَمَاعَةِ، أَوْ السُّكَّانِ الَّذِينَ بِالدَّارِ جَمِيعًا لِاحْتِمَالِ تَوَاطُئِهِمْ عَلَى ذَلِكَ وَقَتْلِهِمْ جَمِيعًا، أَوْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَيُقْسِمُ عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا إذَا أَنْكَرَ وَتَسْقُطُ الدَّعْوَى عَنْ الْبَاقِينَ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى عَلَى الْوَاحِدِ الْمُعَيَّنِ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ لَا لَوْثَ وَلَا دَعْوَى وَلَا قَسَامَةَ عَلَى مَنْ ذُكِرَ، أَوْ لَا فَهَلْ لَهُ الدَّعْوَى عَلَى غَيْرِ مَنْ ذُكِرَ أَعْلَاهُ إذَا ظَنَّهُ وَاتَّهَمَهُ وَهَلْ يُقْسِمُ عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا إذَا أَنْكَرَ أَوْ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَمِينًا وَاحِدَةً وَيُبَرَّأُ مِنْ ذَلِكَ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى وَهَلْ فَرْقٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْقَتِيلِ وَبَيْنَ مَنْ عِنْدَهُ عَدَاوَةٌ أَمْ لَا وَإِذَا شَهِدَ اثْنَانِ مِنْ الْجَمَاعَةِ، أَوْ السُّكَّانِ الْمَذْكُورِينَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ الْقَاتِلُ هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا أَمْ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهَا تَدْفَعُ عَنْهُمَا ضَرَرًا؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ لَا بُدَّ فِي اللَّوْثِ وَالْقَسَامَةِ مِنْ ظُهُورِ أَثَرٍ كَالْخَنْقِ وَالْعَضِّ وَالْجُرْحِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَثَرٌ فَلَا لَوْثَ وَلَا قَسَامَةَ لِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ فَجْأَةً وَالْأَصْلُ عَدَمُ تَعَرُّضِ غَيْرِهِ لَهُ فَلَا بُدَّ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ قَتِيلٌ لِيَبْحَثَ عَنْ قَاتِلِهِ وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ وَأَطَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي رَدِّهِ وَإِنَّ الْمَذْهَبَ الْمَنْصُورَ. وَقَوْلَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَثْبُتُ اللَّوْثُ وَالْقَسَامَةُ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْمُعْتَمَدِ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَدَّعِيَ

باب البغاة

عَلَى مَنْ شَاءَ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الدَّارِ مَثَلًا وَعَلَى كُلِّهِمْ لَكِنَّ الْيَمِينَ هُنَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَعَلَى الثَّانِي يَتَأَتَّى هُنَا مَا قَالُوهُ أَنَّ مِنْ اللَّوْثِ أَنْ يُوجَدَ قَتِيلٌ فِي مَسْكَنٍ لِعَدُوِّهِ كَحِصْنٍ أَوْ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ، أَوْ مَحَلَّةٍ مُنْفَرِدَةٍ عَنْ الْبَلَدِ الْكَبِيرِ وَلَمْ يُسَاكِنْهُمْ غَيْرُهُمْ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَاعْتَرَضَهُمَا جَمْعٌ وَقَالُوا الْمَنْقُولُ الْمُعْتَمَدُ اعْتِبَارُ أَنْ لَا يُخَالِطَهُمْ غَيْرُهُمْ وَالْمُرَادُ بِالْغَيْرِ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ مَنْ لَمْ تُعْلَمْ صَدَاقَتُهُ لِلْقَتِيلِ وَلَا كَوْنُهُ مِنْ أَهْلِهِ وَإِلَّا فَاللَّوْثُ مَوْجُودٌ فَلَا يَمْنَعُ الْقَسَامَةَ قَالَ الْعِمْرَانِيُّ وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ ذَلِكَ الْمَكَانَ غَيْرُ أَهْلِهِ لَمْ تُعْتَبَرْ الْعَدَاوَةُ فَيَكُونُ وُجُودُ قَتِيلٍ بَيْنَهُمْ لَوْثًا فِي حَقِّهِمْ وَإِنْ كَانُوا غَيْرَ أَعْدَائِهِ وَلَا تَسْقُطُ الدَّعْوَى عَنْ بَاقِيهِمْ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى عَلَى وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ مِنْهُمْ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ مِنْهُمْ بِأَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ مَا لَمْ يُكَذِّبْهُمَا الْوَلِيُّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِبَرَكَتِهِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ تَعْيِينِ الْمَجْرُوحِ لِجَارِحِهِ هَلْ هُوَ لَوْثٌ فِي حَقِّهِ مَثَلًا أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ لَيْسَ ذَلِكَ بِلَوْثٍ عِنْدنَا لِضَعْفِ الْقَرِينَةِ فِيهِ فَإِنْ قُلْت يُشْكِلُ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَصِحُّ (إقْرَارُ الْمَرِيضِ بِدَيْنٍ، أَوْ عَيْنٍ لِوَارِثٍ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى حَالَةٍ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيَتُوبُ فِيهَا الْفَاجِرُ فَإِذَا كَانَ وَصَلَ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ فَلِمَ لَا يَكُونُ تَعْيِينُهُ لِجَارِحِهِ لَوْثًا؛ لِأَنَّ وُصُولَهُ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ يُؤَكِّدُ ظَنَّ صِدْقِهِ وَمَدَارُ اللَّوْثِ عَلَى مُؤَكِّدِ ظَنٍّ هُنَا الصِّدْقُ قُلْت قَدْ عَارَضَ تِلْكَ الْقَرِينَةَ غَلَبَةُ وُقُوعِ الضَّغَائِنِ بَيْنَ الْمَجْرُوحِ وَالْمُتَّهَمِينَ بِجَرْحِهِ فَكَانَ فِي تَعْيِينِهِ مَا يُؤَكِّدُ عَدَمَ ظَنِّ صِدْقِهِ فَلَمْ يُعْمَلْ بِهِ وَأَمَّا ثَمَّ فَلَا قَرِينَةَ تُنَافِي مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَالُهُ مِنْ الصِّدْقِ فَعَمِلَ بِقَوْلِهِ وَصَحَّحْنَا إقْرَارَهُ إذْ لَا عُذْرَ لِمَنْ أَقَرَّ وَأَيْضًا فَالْحَقُّ هُنَا لَهُ إذْ الدِّيَةُ لَهُ وَإِنَّمَا تَنْتَقِلُ لِوَرَثَتِهِ عَنْهُ فَلَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِيهِ مُطْلَقًا لِلتُّهْمَةِ وَأَمَّا ثَمَّ فَهُوَ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْحَقِّ لِغَيْرِهِ فَلَا تُهْمَةَ فِيهِ فَقُبِلَ مُطْلَقًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْبُغَاةِ] (وَسُئِلَ) هَلْ يَجُوزُ حُضُورُ الْمُسْلِمِينَ الْحُرُوبَ الَّتِي تَقَعُ فِيمَا بَيْنَ الْكَفَرَةِ لِلْمُشَاهَدَةِ وَالتَّفَرُّجِ، أَوْ لَا يَجُوزُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَكْثِيرِ جَمْعِهِمْ وَإِعَانَتِهِمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَتَحْسِينِ طَائِفَةٍ وَتَقْبِيحِ أُخْرَى وَوُجُودِ الْخَطَرِ فَإِنَّهُ رُبَّمَا تَصِلُ أَسْهُمُهُمْ إلَى النَّاظِرِينَ وَكَانَ مَشَايِخُنَا مِنْ أَهْلِ مَلِيبَارَ يَمْنَعُونَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ حُضُورِهِمْ حُرُوبَهُمْ وَهَلْ يَجُوزُ قِتَالُ الْمُسْلِمِينَ مَعَ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ مِنْ الْكُفَّارِ حَتَّى يَقْتُلَ مَثَلًا أَوْ يُقْتَلَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى ذَلِكَ، أَوْ لَا وَهَلْ يُؤْجَرُ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَقْتُلَ كَافِرًا، أَوْ يَقْتُلَهُ كَافِرٌ وَهَلْ يُعَامَلُ بِهِ مُعَامَلَةَ الشَّهِيدِ؟ (فَأَجَابَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ إذَا وَقَعَ قِتَالٌ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ لَمْ يَحْرُمْ الْحُضُورُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ مُهْدَرٌ فَالْقَتْلُ فِيهِمَا وَاقِعٌ فِي مَحَلِّهِ فَلَيْسَ ثَمَّ مَعْصِيَةٌ، أَقَرَّ عَلَيْهَا الْمُتَفَرِّجُ بِحُضُورِهِ. نَعَمْ إنْ خَشِيَ لَا عَلَى نُدُورِ عَوْدِ ضَرَرٍ عَلَيْهِ مِنْ الْحُضُورِ حَرُمَ عَلَيْهِ وَلَعَلَّ مَنْعَ الْمَشَايِخِ الْمَذْكُورِينَ الْحُضُورَ كَانَ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَلِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُقَاتِلُوا كُلًّا مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ وَأَنْ يُقَاتِلُوا أَحَدَهُمَا لَا بِقَصْدِ نُصْرَةِ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى بَلْ بِقَصْدِ إعْلَاءِ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَإِلْحَاقِ النِّكَايَةِ فِي أَعْدَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهَذَا الْقَصْدِ حَصَلَ لَهُ أَجْرُ الْمُجَاهِدِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي خَبَرِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ قَاتَلَ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ بِقَصْدِ ذَلِكَ كَانَ كَذَلِكَ حَتَّى إذَا قُتِلَ فِي الْحَرْبِ أَوْ انْقَضَتْ وَحَرَكَتُهُ حَرَكَةُ مَذْبُوحٍ، أَوْ لَيْسَ بِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ عُومِلَ مُعَامَلَةَ الشَّهِيدِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ نَعَمْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ مُرِيدُ الْقِتَالِ أَنَّهُ يَبْلُغُ نَوْعَ نِكَايَةٍ فِيهِمْ. أَمَّا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ أَنْ يَبْرُزَ لِلْقِتَالِ بَادَرَهُ بِالْقَتْلِ مِنْ غَيْرِ أَدْنَى نِكَايَةٍ فِيهِمْ فَلَا يَجُوزُ لَهُ قِتَالُهُمْ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهُ يَقْتُلُ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ أَلْبَتَّةَ فَيَكُونُ عَلَيْهِ إثْمُ قَاتِلِ نَفْسِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ هَلْ غَيْرُ قُرَشِيٍّ عُدَّ مِنْ أُمَرَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُمْ - عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ فَمَنْ هُوَ وَلِمَنْ يَحْكُمُ؟ ؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ هُوَ أُسَامَةُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

باب الأشربة والمخدرات

أَمَّرَهُ عَلَى جَيْشٍ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَعَثَهُ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى الشَّامِ وَكَانَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُمْ - فِي ذَلِكَ السَّفَرِ يَدْعُونَهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ كَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - يَدْعُوهُ بِذَلِكَ وَيَقُولُ لَهُ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْتَ عَلَيَّ أَمِيرٌ. (وَسُئِلَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ عَمَّنْ هُوَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَيَسْكُنُ فِي بِلَادِ الْمُشْرِكِينَ الْحَرْبِيِّينَ وَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِمْ مَنْ يَكُونُ لَهُ التَّكَلُّمُ فِي الْبَلَدِ خَرَجُوا إلَيْهِ وَلَاقَوْهُ وَكَثَّرُوا سَوَادَهُ وَرَكِبُوا مَعَهُ وَزَادُوا فِي صُفُوفِهِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِ الْجَوَازِ فَمَا يَلْزَمُهُمْ بِهَذِهِ الْفِعْلَةِ وَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ إنْ خَشَوْا ضَرَرًا عَلَى نَحْوِ أَنْفُسِهِمْ، أَوْ مَالِهِمْ إنْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ جَازَ لَهُمْ فِعْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَخْشَوْا شَيْئًا لَمْ يَجُزْ لَهُمْ شَيْءٌ مِمَّا فِيهِ تَعْظِيمُ الْكَافِرِ فَيُعَزَّرُ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ التَّعْزِيرِ الْبَلِيغِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ هَلْ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُقَبِّلَ يَدَ الْحَرْبِيِّ الْمُشْرِكِ وَأَنْ يَقُومَ إلَيْهِ وَأَنْ يُصَافِحَهُ وَأَنْ يَتَخَضَّعَ إلَيْهِ وَكُلُّ ذَلِكَ لِيَنَالَهُ مِنْهُ مَالِيَّةٌ وَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِ الْجَوَازِ فَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَمَاذَا يَلْزَمُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُعَظِّمَ الْكَافِرَ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ التَّعْظِيمِ سَوَاءٌ الْمَذْكُورَاتُ وَغَيْرُهَا وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ طَمَعًا فِي مَالِ الْكَافِرِ فَهُوَ آثِمٌ جَاهِلٌ كَيْفَ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَوَاضَعَ لِغَنِيٍّ لِأَجْلِ غِنَاهُ ذَهَبَ ثُلُثَا دِينِهِ» فَإِذَا كَانَ التَّوَاضُعُ لِلْمُسْلِمِ الْغَنِيِّ يُذْهِبُ ثُلُثَيْ الدَّيْنِ فَمَا بَالُك بِالتَّوَاضُعِ لِلْكَافِرِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْأَشْرِبَةِ وَالْمُخَدَّرَات] (سُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَ فِيهَا بِجَوَابٍ مُخْتَصَرٍ ثُمَّ بَلَغَهُ أَنَّ بَعْضَ الْمُفْتِينَ أَفْتَى بِخِلَافِ ذَلِكَ فَصَنَّفَ فِيهَا تَصْنِيفًا سَمَّاهُ تَحْذِيرُ الثِّقَاتِ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْقَاتِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْفَتَاوَى بِاعْتِبَارِ أَصْلِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ وَذَلِكَ الْمُصَنِّفُ أَحْمَدُك اللَّهُمَّ أَنْ مَنَنْتَ عَلَى الْمُصْطَفِينَ مِنْ عِبَادِك بِمُجَانَبَةِ سُبُلِ الشُّبُهَاتِ وَحَبَوْتَهُمْ بِأَنْ يَذُودُوا النَّاسَ عَنْ أَنْ يَحُومُوا حَوْلَ حِمَى الْمُسْكِرَاتِ وَالْمُخَدِّرَات وَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ وَحْدَك لَا شَرِيكَ لَك شَهَادَةً أَنْجُو بِهَا مِنْ قَبِيحِ الْمُخَالَفَاتِ وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُك الَّذِي أَرْسَلْتَهُ مُكَمِّلًا لِسَائِرِ الْحَضَرَاتِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ حُمَاةِ الدِّينِ الْأَوْفَى وَكُمَاةِ فَتْحِ الْأَرْجَاءِ الَّذِينَ نَصَرُوا الْحَقَّ وَأَشَادُوا فَخْرَهُ وَدَمَغُوا الْبَاطِلَ وَأَهْلَهُ وَأَمَاتُوا ذِكْرَهُ مَا عَبَثَتْ بِخَوَامِدِ الْقَرَائِحِ أَرْوَاحَ الْقَبُولِ فَحَرَّكَتْهَا إلَى أَنْ ظَفَرَتْ بِبُلُوغِ الْمَأْمُولِ. (أَمَّا بَعْدُ) فَهَذَا تَأْلِيفٌ شَرِيفٌ وَأُنْمُوذَجٌ لَطِيفٌ سَمَّيْتُهُ: (تَحْذِيرُ الثِّقَاتِ مِنْ أَكْلِ الْكُفْتَةِ وَالْقَاتِ) وَسَبَبُهُ أَنَّهُ وَرَدَ عَلَيَّ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ وَمِنْ مَحْرُوسَتِي صَنْعَاءَ وَزَبِيدٍ أَدَامَ اللَّهُ تَعَالَى لِعُلَمَائِهِمَا غَايَاتِ التَّوْفِيقِ وَالتَّسْدِيدِ كُتُبٌ مُصَنَّفَةٌ وَآرَاءٌ مُخْتَلِفَةٌ وَطَلَبَ مِنِّي التَّعْرِيضَ عَلَيْهَا وَالتَّقْرِيرَ لِمَا فِيهَا مِنْ حُكْمِ الْقَاتِ تَحْلِيلًا وَتَحْرِيمًا وَتَخْصِيصًا وَتَعْمِيمًا فَتَصَفَّحْتُهَا فَإِذَا هِيَ مُتَّسِعَةُ الْفِجَاجِ قَوِيَّةُ الْحِجَاجِ مُحْكَمَةُ الْإِطْنَابِ سَائِحَةُ الْإِطْنَابِ شَامِخَةُ الذُّرَى رَافِضَةُ الْمِرَى رَافِلَةٌ فِي حُلَلِ الْإِتْقَانِ وَاضِحَةُ الْأَدِلَّةِ وَالْبُرْهَانِ غَيْرُ مُتَبَايِنَةٍ عِنْدَ التَّحْقِيقِ لِاتِّفَاقِهَا عَلَى الْحُكْمِ وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي الطَّرِيقِ كَمَا سَيَتَّضِحُ وَبِهِ الصَّدْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَنْشَرِحُ لَكِنَّهُ اخْتِلَافٌ اسْتَنَدَ كُلٌّ مِنْ طَرَفَيْهِ إلَى الْوَاقِعِ فِي التَّجْرِبَةِ وَالِاخْتِبَارِ وَالْمُعَوَّلِ عَلَيْهِ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالْإِخْبَارِ فَلِذَلِكَ أَظْلَمَتْ هَذِهِ الْحَادِثَةُ الْقُلُوبَ وَحُقَّ لَنَا أَنْ نُفَوِّضَ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ فِيهَا إلَى عَلَّامِ الْغُيُوبِ إذْ الْحُجَّةُ إمَّا عَقْلِيَّةٌ مَثَلًا أَوْ نَقْلِيَّةٌ مَثَلًا أَوْ مُرَكَّبَةٌ مِنْهُمَا وَالْعَقْلِيَّةُ لَا يُعْتَدُّ بِهَا إلَّا إنْ كَانَتْ مُقَدِّمَتُهَا يَقِينِيَّةٌ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ لَا تَنْتُجُ إلَّا قَطْعِيًّا حَقًّا وَلَازِمُ الْحَقِّ وَهِيَ مَا يَجْزِمُ بِهَا الْعَقْلُ بِمُجَرَّدِ تَصَوُّرِ طَرَفَيْهَا أَوْ بِوَاسِطَةٍ، أَوْ الْحِسِّ، أَوْ كِلَاهُمَا كَالْمُتَوَاتِرَاتِ وَالتَّجْرِيبِيَّاتِ وَالْحَدْسِيَّاتِ وَالنَّقْلِيَّةِ مَا صَحَّ نَقْلُهُ عَمَّنْ عُرِفَ صِدْقُهُ عَقْلًا وَهُمْ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَأَتَمُّ السَّلَامِ وَيُفِيدُ الْعِلْمَ وَكَذَا الظَّنَّ إنْ صَحِبَهَا تَوَاتُرٌ مَعَ انْتِفَاءِ الِاحْتِمَالَاتِ الْآتِيَةِ وَلَا يُفِيدُ غَيْرَ ذَلِكَ لَا غَيْرُهُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ قَدْ يُفِيدُ الْعِلْمَ وَلَوْ مَعَ عَدَمِ

التَّوَاتُرِ بِمَعُونَةِ قَرِينَةٍ شُوهِدَتْ، أَوْ تَوَاتَرَتْ تُؤْذِنُ بِنَفْيِ الِاحْتِمَالَاتِ التِّسْعَةِ وَالْمُقَرَّرَةِ فِي مَحَلِّهَا وَهِيَ الْعِلْمُ بِعِصْمَةِ رُوَاةِ الْعَرَبِيَّةِ لُغَةً وَنَحْوًا وَصَرْفًا وَعَدَمِ النَّقْلِ وَعَدَمِ الْمَجَازِ وَعَدَمِ الِاشْتِرَاكِ وَعَدَمِ الْإِضْمَارِ وَعَدَمِ النَّسْخِ وَعَدَمِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَعَدَمِ الْمُعَارِضِ الْعَقْلِيِّ الَّذِي لَوْ وُجِدَ لَقُدِّمَ عَلَى النَّقْلِيِّ قَطْعًا فَإِذَا وُجِدَتْ تِلْكَ الْقَرِينَةُ الْمُؤْذِنَةُ بِنَفْيِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ أَوْرَثَتْ الْعِلْمَ بِمَضْمُونِ الْخَبَرِ النَّقْلِيِّ وَإِلَّا لَمْ تُفِدْ إلَّا الظَّنَّ. وَبِالضَّرُورَةِ الْقَطْعِيَّةِ الْعِلْمُ بِحَقِيقَةِ هَذَا النَّبَاتِ مُتَعَسِّرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى الْعِلْمِ بِهَا إلَّا خَبَرُ الصَّادِقِ وَهُوَ مَا يَئِسَ مِنْهُ إلَى أَنْ يَنْزِلَ عِيسَى عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَزْكَى السَّلَامِ أَوْ التَّجْرِبَةُ وَهِيَ مُعْتَذِرَةٌ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ أَفَاضِلِ الْأَطِبَّاءِ فَإِنِّي لَمَّا سَأَلْتُهُ عَنْ هَذَا النَّبَاتِ قَالَ لِي إنَّهُ يُورِثُ مَضَارًّا مِنْهَا تَصْفِيرُ الْوَجْهِ وَتَقْلِيلُ شَهْوَةِ الطَّعَامِ وَتَفْتِيرُ الْبَاهِ وَإِدَامَةُ نُزُولِ الْوَدْيِ عَقِبَ الْبَوْلِ فَقُلْتُ مَا مُسْتَنَدُكَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَخْبَارُ الْمُسْتَعْمِلِينَ فَقُلْت لَهُ مَا يَكْفِي وَذَكَرْت لَهُ مَا يَأْتِي مِنْ التَّعَارُضِ ثُمَّ قُلْت لَهُ لَا بُدَّ أَنْ تَسْتَنِدَ إلَى حُجَّةٍ لَمْ يَقَعْ فِيهَا تَعَارُضٌ وَلَا نِزَاعٌ وَهِيَ التَّجْرِبَةُ فَقَالَ لَا يُمْكِنُنِي؛ لِأَنَّ التَّجْرِبَةَ تَسْتَدْعِي مِزَاجًا وَزَمَانًا وَمَكَانًا مُعْتَدِلَاتٍ وَعَدَالَةَ الْمُجَرِّبِ؛ لِأَنَّهُ يُخْبِرُ عَمَّا يَجِدَهُ مِنْ ذَلِكَ النَّبَاتِ فَلَا بُدَّ مِنْ عَدَالَتِهِ حَتَّى يُقْبَلَ إخْبَارُهُ. وَذَلِكَ كُلُّهُ مُتَعَذِّرٌ فِي هَذِهِ الْأَقَالِيمِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُعْتَدِلَةٍ وَأَيْضًا فَوُجُودُ عَدْلٍ يُقْدِمُ عَلَى هَذَا النَّبَاتِ الْمَجْهُولِ لِيُجَرِّبَهُ مُسْتَبْعَدٌ فَقُلْت لَهُ فَمَا الَّذِي تَظُنُّهُ فِي هَذَا النَّبَاتِ فَأَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا وَجَلَسَ عِنْدَهُ أَيَّامًا ثُمَّ قَالَ الَّذِي تَحَرَّرَ لِي أَنَّهُ مَجْهُولٌ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ اهـ. فَنَتَجَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَنَا إلَى الْعِلْمِ بِحَقِيقَتِهِ إلَّا مُجَرَّدُ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ مِنْ مُتَعَاطِيهِ بِمَا يَجِدُونَهُ مِنْهُ وَلَمْ يَتِمَّ لِمَا عَلِمْت مِمَّا أَشَرْت إلَيْهِ مِنْ الْخِلَافِ فِيهِ وَالِاخْتِلَافِ إذْ الْقَائِلُونَ بِالْحِلِّ نَاقِلُونَ عَنْ عَدَدٍ مُتَوَاتِرٍ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ بِوَجْهٍ وَالْقَائِلُونَ بِالْحُرْمَةِ نَاقِلُونَ عَنْ عَدَدِ التَّوَاتُرِ أَنَّ فِيهِ آفَاتٍ وَمَفَاسِدَ مِنْهَا أَنَّهُ مُخَدِّرٌ وَمُغَيِّبٌ، أَوْ مُسْكِرٌ مُطْرِبٌ فَأَحَدُ الْخَبَرَيْنِ كَاذِبٌ قَطْعًا مَعَ رِعَايَةِ الْعُمُومِ سَلْبًا وَإِثْبَاتًا وَلَمَّا رَأَيْت هَذَا التَّعَارُضَ أَرَدْت أَنْ أَكْشِفَ بَعْضَ أَمْرِهِ بِالسُّؤَالِ مِمَّنْ تَعَاطَاهُ فَقَالَ لِي إمَامُ الشَّافِعِيَّةِ بِمَقَامِ خَلِيلِ اللَّهِ إبْرَاهِيمَ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَعَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ لَمَّا رَحَلَ إلَى زَبِيدٍ وَتَعِزْ مِنْ نَحْوِ ثَلَاثِينَ سَنَةً مِنْ الْآنَ فَلَمْ يَجِدْ لَهُ ضَرَرًا يُوَجَّهُ لَا فِي رَطْبِهِ وَلَا فِي يَابِسِهِ وَكَذَلِكَ قَالَ بَعْضُ مُدَرِّسِي الشَّافِعِيَّةِ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ أَنَّهُ أَرَادَ فِي بِدَايَةِ أَمْرِهِ التَّجَرُّدَ فَأَرَادَ تَفْتِيرَ الشَّهْوَةِ فَوُصِفَ لَهُ يَابِسُهُ فَأَكَلَ مِنْهُ فَلَمْ يَجِدْ مِنْهُ تَخْدِيرًا وَلَا غَيْبَةَ ذِهْنٍ بِوَجْهٍ وَقَالَ بَعْضُ مُدَرِّسِي الْحَنَفِيَّةِ زُرْت بَعْضَ مُتَصَوِّفَةِ الْيَمَنِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْمَكِّيِّ فَأَعْطَانِي قَلِيلًا مِنْهُ وَقَالَ لِي تَبَرَّكْ بِأَكْلِ هَذَا فَإِنَّهُ مُبَارَكٌ فَأَكَلْت مِنْهُ فَوَجَدْت فِيهِ تَخْدِيرًا فَذَكَرْتُ لَهُ كَلَامَ ذَيْنِكَ فَقَالَ إنَّ عِنْدِي مَعْرِفَةً بِالطِّبِّ وَبَدَنِي مُعْتَدِلُ الْمِزَاجِ وَالطَّبْعِ فَاَلَّذِي أُدْرِكُهُ بِوَاسِطَةِ ذَلِكَ لَا يُدْرِكُهُ غَيْرِي وَقَدْ أَدْرَكْت مِنْهُ التَّخْدِيرَ وَدَوَرَانَ الرَّأْسِ وَلَا أَعُودُ لِأَكْلِهِ أَبَدًا وَكَذَا قَالَ بَعْضُ الْأَشْرَافِ إنَّ فِيهِ غَيْبَةً عَنْ الْحَسَنِ وَأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ فَغَابَ مُدَّةً طَوِيلَةً لَا يَدْرِي السَّمَاءَ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا الطُّولَ مِنْ الْعَرْضِ وَبَعْضُهُمْ قَالَ إنْ انْضَمَّ لِأَكْلِهِ دُسُومَةٌ لَمْ يُؤَثِّرْ وَإِلَّا أَثَّرَ وَبَعْضُهُمْ قَالَ لَا يُؤَثِّرُ مُطْلَقًا فَعِنْدَ وُقُوعِ هَذَا الِاخْتِلَافِ وَالتَّنَافِي حَارَ الْفِكْرُ فِيهِ وَأَحْجَمَ الْعَقْلُ عَنْ أَنْ يَجْزِمَ فِيهِ بِتَحْلِيلٍ، أَوْ تَحْرِيمٍ وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ الِاخْتِلَافِ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ تَأْثِيرُهُ وَعَدَمُ تَأْثِيرِهِ بِاخْتِلَافِ الطِّبَاعِ بِغَلَبَةِ أَحَدِ الْأَخْلَاطِ وَالطَّبَائِعِ الْأَرْبَعِ عَلَيْهَا وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ الْمُتَنَاقِضَةِ مَعَ عَدَالَةِ قَائِلِهَا وَبَعْدَ كَذِبِهِمْ إلَّا بِأَنْ يُفْرَضَ أَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي بَعْضِ الْأَبَدَانِ دُونَ بَعْضٍ وَإِذَا فُرِضَ صِدْقُ هَذَا الظَّنِّ وَأَنَّ هَذَا النَّبَاتَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ غَلَبَةِ بَعْضِ الْأَخْلَاطِ فَوَرَاءَ ذَلِكَ نَظَرٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ مَا يَخْتَلِفُ كَذَلِكَ هَلْ النَّظَرُ فِيهِ إلَى عَوَارِضِهِ اللَّاحِقَةِ لَهُ فَيَحْرُمُ عَلَى مَنْ ضَرَّهُ دُونَ مَنْ لَمْ يَضُرَّهُ، أَوْ إلَى ذَاتِهِ فَإِنْ كَانَ مُضِرًّا لِذَاتِهِ حَرُمَ مُطْلَقًا وَإِلَّا لَمْ يَحْرُمْ مُطْلَقًا وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ أَئِمَّتِنَا فِي غَيْرِ هَذَا مِنْ النَّبَاتَاتِ الضَّارَّةِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ هُنَا وَفَارِقُ الْخَمْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ كُلِّ مُسْكِرٍ مَائِعٍ بِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي تَحْرِيمِهِ

إسْكَارُهُ مَعَ نَجَاسَتِهِ فَإِذَا فُرِضَ انْتِفَاءُ إسْكَارِهِ حَرُمَ لِنَجَاسَتِهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَنَا لِهَذَا النَّبَاتِ وَصْفٌ ذَاتِيٌّ وَلَا أَغْلَبِيٌّ وَمِنْ الضَّرَرِ، أَوْ عَدَمِهِ نُدِيرُ الْأَمْرَ عَلَيْهِ وَنَحْكُمُ بِقِيمَتِهِ وَإِنَّمَا الَّذِي تَحَصَّلْنَا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الِاخْتِلَافِ وَمَا قَرَّرْنَاهُ سَابِقًا وَهُوَ أَنَّهُ يَتَعَذَّر الْجَمْعُ بَيْنَ تِلْكَ الْأَخْبَارِ إذَا قُلْنَا بِاخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ الطِّبَاعِ وَلَيْسَ هَذَا أَمْرًا قَطْعِيًّا كَمَا عَلِمْت لِتَطَرُّقِ التُّهَمِ وَالْكَذِبِ إلَى بَعْضِ الْمُخْبِرِينَ عَنْهُ بِضَرَرٍ، أَوْ عَدَمِهِ وَتَوَاتُرُ الْخَبَرِ فِي جَانِبٍ مُعَارِضٍ بِتَوَاتُرِهِ فِي جَانِبٍ آخَرَ بِخِلَافِهِ فَسَقَطَ النَّظَرُ فِيهِ إلَى الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ وَوَجَبَ النَّظَرُ فِيهِ إلَى أَنَّهُ تَعَارَضَ فِيهِ أَخْبَارٌ ظَنِّيَّةُ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَقَدْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِمَا قَدَّمْتُهُ فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ وَأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الطِّبَاعِ إذْ الْقَاعِدَةُ الْأُصُولِيَّةُ أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ الْجَمْعُ لَا يُعْدَلُ إلَى التَّعَارُضِ وَعَلَى فَرْضِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِذَلِكَ لِمَا مَرَّ أَنَّ بَعْضَ الْمُخْبِرِينَ سَلَبَ الضَّرَرَ عَنْ هَذَا النَّبَاتِ سَلْبًا كُلِّيًّا وَبَعْضُهُمْ أَثْبَتَهُ لَهُ إثْبَاتًا كُلِّيًّا فَيَجِبُ الْإِمْعَانُ فِي تَرْجِيحِ أَحَدِ الْمُخْبِرِينَ بِدَلَائِلَ وَأَمَارَاتٍ بِحَسَبِ اسْتِعْدَادِ الْمُسْتَدِلِّ وَتَضَلُّعِهِ مِنْ الْعُلُومِ السَّمْعِيَّةِ وَالنَّظَرِيَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْإِلَهِيَّةِ وَهَذَا شَأْنُ كُلِّ حَادِثَةٍ لَمْ يَسْبِقْ فِيهَا كَلَامُ الْمُتَقَدِّمِينَ كَهَذَا النَّبَاتِ فَإِنِّي لَا أَعْرِفُ فِيهِ كَلَامًا بَعْدَ مَزِيدِ التَّفْتِيشِ وَالتَّنْقِيرِ فِي كُتُبِ الشَّرْعِ وَالطِّبِّ وَاللُّغَةِ لِغَيْرِ أَهْلِ عَصْرِنَا وَمَشَايِخِهِمْ وَهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِيهِ كَمَا سَتَعْلَمُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ سَبَبَ اخْتِلَافِهِمْ وَمَا أَشَرْت إلَيْهِ مِنْ اخْتِلَافِ الْمُخْبِرِينَ وَإِلَّا فَفِي الْحَقِيقَةِ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ مَنْ نَظَرَ إلَى أَنَّهُ مُضِرٌّ بِالْبَدَنِ، أَوْ الْعَقْلِ حَرَّمَهُ وَمَنْ نَظَرَ إلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُضِرٍّ لَمْ يُحَرِّمْهُ فَهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ إنْ تَحَقَّقَ فِيهِ ضَرَرٌ حَرُمَ وَإِلَّا لَمْ يَحْرُمْ فَلَيْسُوا مُخْتَلِفِينَ فِي الْحُكْمِ بَلْ فِي سَبَبِهِ فَرَجَعَ اخْتِلَافُهُمْ إلَى الْوَاقِعِ وَحَيْثُ رَجَعَ الِاخْتِلَافُ إلَى ذَلِكَ خَفَّ الْأَمْرُ وَهَانَ الْخَطْبُ وَعُذِرَ مَنْ قَالَ بِالْحُرْمَةِ لِتَوَهُّمِهِ الضَّرَرَ وَمَنْ قَالَ بِالْحِلِّ لِتَوَهُّمِهِ عَدَمَهُ وَمِمَّا يَزِيدُ فِي الْعُذْرِ مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ تَعَسُّرِ التَّجْرِبَةِ فَلَمْ يَبْقَ تَعْوِيلٌ إلَّا عَلَى مُجَرَّدِ أَخْبَارِ مُتَعَاطِيهِ وَقَدْ عَلِمْتُ تَبَايُنَهَا وَتَنَاقُضَهَا وَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ تَنَاقُضُ آرَاءِ الْعُلَمَاءِ وَتَبَايُنِهَا فِيهِ لَكِنْ مَعَ مُلَاحَظَةِ الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ لَا تَعَارُضَ وَلَا تَبَايُنَ كَمَا سَأُقَرِّرُهُ لَك لَكِنْ بَعْدَ ذِكْرِ حَاصِلِ الْآرَاءِ الْمُتَبَايِنَةِ فِيهِ وَحِجَجِهَا وَمَا فِيهَا ثُمَّ ذِكْرِ مَا أَخْتَارُهُ فِيهِ وَأَمِيلُ إلَيْهِ فَأَقُولُ عَنْهُ وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ بِذِكْرِ مَقَالَاتِهِمْ وَحُجَجِهَا وَمَا فِيهَا ثُمَّ ذِكْرِ مَا نَخْتَارُهُ وَنَمِيلُ إلَيْهِ زِيَادَةً فِي الْإِيضَاحِ وَمُبَالَغَةً فِي النُّصْحِ. فَأَقُولُ احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالْحِلِّ بِأُمُورٍ مِنْهَا أَنَّ الْإِمَامَ الصَّفِيَّ الْمُزَجَّدَ كَانَ يَقُولُ بِتَحْرِيمِهِ حُكِيَ عَنْهُ ثُمَّ أَنَّهُ اخْتَبَرَهُ بِأَكْلِهِ شَيْئًا مِنْهُ فَلَمَّا لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ أَسْبَابِ التَّحْرِيمِ أَفْتَى بِحِلِّهِ فَقَالَ وَأَمَّا الْقَاتُّ وَالْكُفْتَةُ فَمَا أَظُنُّهُ يُغَيِّرُ الْعَقْلَ وَلَا يَصْدُرُ عَنْ الطَّاعَةِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ بِهِ نَشَاطٌ وَرَوْحَنَةٌ وَطِيبُ خَاطِرٍ لَا يَنْشَأُ عَنْهُ ضَرَرٌ بَلْ رُبَّمَا كَانَ مَعُونَةً عَلَى زِيَادَةِ الْعَمَلِ فَيَتَّجِهُ أَنَّ حُكْمَهُ وَإِنْ كَانَ الْعَمَلُ طَاعَةً فَتَنَاوُلُهُ طَاعَةٌ، أَوْ مُبَاحًا فَتَنَاوُلُهُ مُبَاحٌ فَإِنَّ لِلْوَسَائِلِ حُكْمَ الْمَقَاصِدِ اهـ. وَكَذَلِكَ أَفْتَى بِحِلِّهِ الْفَقِيهُ الشِّهَابُ الْبَكْرِيُّ الطَّنْبَدَاوِيُّ وَكَانَ يَأْكُلُهُ وَيُثْنِي عَلَيْهِ فَقَالَ وَأَمَّا الْقَاتُّ وَالْكُفْتَةُ فَلَيْسَا بِمُغَيِّبَيْنِ لِلْعَقْلِ وَلَا مُخَدِّرَيْنِ لِلْبَدَنِ وَإِنَّمَا فِيهِمَا نَشْأَةٌ وَتَقْوِيَةٌ وَطِيبُ وَقْتٍ فَإِنْ قَصَدَ بِهِمَا التَّقَوِّي عَلَى الطَّاعَةِ فَهُمَا مُسْتَحَبَّانِ لِأَنَّ لِلْوَسَائِلِ حُكْمُ الْمَقَاصِدِ كَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَئِمَّتُنَا وَكَذَلِكَ أَفْتَى بِحِلِّهِ الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ بْنُ كَبَّنَ الطَّبَرِيُّ وَلَهُ فِي مَدْحِهِ أَبْيَاتٌ وَمِنْهَا أَنَّ الْمُشَاهَدَةَ مِنْ أَحْوَالِ آكِلِيهِ أَنَّهُ يُحْدِثُ لَهُمْ رَوْحَنَةً وَطِيبَ وَقْتٍ وَتَقْوِيَةً عَلَى الْأَعْمَالِ وَلَا يُحْدِثُ لَهُمْ إسْكَارًا وَلَا تَخْبِيلًا وَلَا تَخْدِيرًا. وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالْحُرْمَةِ بِأُمُورٍ مِنْهَا قَوْلُ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْمُقْرِي الْحَرَازِيِّ الشَّافِعِيِّ فِي مُؤَلَّفِهِ فِي تَحْرِيمِ الْقَاتِ كُنْت آكُلُهَا فِي سِنِّ الشَّبَابِ ثُمَّ اعْتَقَدْتُهَا مِنْ الْمُتَشَابِهَاتِ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ» . ثُمَّ إنِّي رَأَيْت مِنْ أَكْلِهَا الضَّرَرَ فِي بَدَنِي وَدِينِي فَتَرَكْت أَكْلَهَا فَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّ الْمُضَارَّاتِ مِنْ أَشْهَرِ الْمُحَرَّمَاتِ فَمِنْ ضَرَرِهَا أَنَّ آكِلَهَا يَرْتَاحُ وَيَطْرَبُ وَتَطِيبُ نَفْسُهُ وَيَذْهَبُ حُزْنُهُ ثُمَّ يَعْتَرِيهِ قَدْرَ سَاعَتَيْنِ مِنْ أَكْلِهِ هُمُومٌ مُتَرَاكِمَةٌ وَغُمُومٌ مُتَزَاحِمَةٌ وَسُوءُ أَخْلَاقٍ وَكُنْت فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إذَا قَرَأَ عَلَيَّ أَحَدٌ يَشُقُّ

عَلَيَّ مُرَاجَعَتُهُ وَأَرَى مُرَاجَعَتَهُ جَبَلًا وَأَرَى لِذَلِكَ مَشَقَّةً عَظِيمَةً وَمَلَلًا وَأَنَّهُ يُذْهِبُ بِشَهْوَةِ الطَّعَامِ وَلَذَّتِهِ وَيَطْرُدُ النَّوْمَ وَنِعْمَتَهُ وَمِنْ ضَرَرِهِ فِي الْبَدَنِ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ أَكْلِهِ بَعْدَ الْبَوْلِ شَيْءٌ كَالْوَدْيِ وَلَا يَنْقَطِعُ إلَّا بَعْدَ حِينٍ وَطَالَمَا كُنْت أَتَوَضَّأُ فَأُحِسُّ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَأُعِيدُ الْوُضُوءَ وَتَّارَةً أُحِسُّ بِهِ فِي الصَّلَاةِ فَأَقْطَعُهَا أَوْ عَقِبَ الصَّلَاةِ بِحَيْثُ أَتَحَقَّقُ خُرُوجَهُ فِيهَا فَأُعِيدُهَا وَسَأَلْتُ كَثِيرًا مِمَّنْ يَأْكُلُهَا فَذَكَرُوا ذَلِكَ عَنْهَا وَهَذِهِ مُصِيبَةٌ فِي الدِّينِ وَبَلِيَّةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْمُقْرِي عَنْ الْعَلَّامَةِ يُوسُفَ بْنِ يُونُسَ الْمُقْرِي أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ظَهَرَ الْقَاتُّ فِي زَمَنِ فُقَهَاءَ وَلَا يَجْسُرُونَ عَلَى تَحْرِيمٍ وَلَا تَحْلِيلٍ وَلَوْ ظَهَرَ فِي زَمَنِ الْفُقَهَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ لَحَرَّمُوهُ وَدَخَلَ عِرَاقِيٌّ الْيَمَنَ وَكَانَ يُسَمَّى الْفَقِيهُ إبْرَاهِيمُ وَكَانَ يَجْهَرُ بِتَحْرِيمِ الْقَاتِ وَيُنْكِرُ عَلَى آكِلِيهِ وَذَكَرَ أَنَّهُ إنَّمَا حَرَّمَهُ عَلَى مَا وُصِفَ لَهُ مِنْ أَحْوَالِ مُسْتَعْمِلِيهِ ثُمَّ أَنَّهُ أَكَلَهُ مَرَّةً أَوْ مِرَارًا لِاخْتِبَارِهِ قَالَ فَجَزَمْت بِتَحْرِيمِهِ لِضَرَرِهِ وَإِسْكَارِهِ وَكَانَ يَقُولُ مَا يَخْرُجُ عَقِبَ الْبَوْلِ بِسَبَبِهِ مَنِيٌّ ثُمَّ اجْتَمَعْتُ بِهِ فَقُلْتُ لَهُ نَسْمَعُ عَنْك أَنَّك تُحَرِّمُ الْقَاتَّ قَالَ نَعَمْ فَقُلْت لَهُ وَمَا الدَّلِيلُ فَقَالَ ضَرَرُهُ وَإِسْكَارُهُ فَضَرَرُهُ ظَاهِرٌ وَأَمَّا إسْكَارُهُ فَهَلْ هُوَ مُطْرِبٌ فَقُلْت نَعَمْ فَقَدْ قَالَتْ الشَّافِعِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ فِي الرَّدِّ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ فِي إبَاحَتِهِمْ مَا لَمْ يُسْكِرْ مِنْ النَّبِيذِ: النَّبِيذُ حَرَامٌ قِيَاسًا عَلَى الْخَمْرِ بِجَامِعِ الشِّدَّةِ الْمُطْرِبَةِ فَقُلْت لَهُ يَرْوُونَ عَنْك أَنَّك تَقُولُ مَا يَخْرُجُ عَنْهُ مَنْيٌ وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ خَوَاصِّ الْمَنِيِّ فَقَالَ إنَّهُ يَخْرُجُ قَبْلَ اسْتِحْكَامِهِ وَكَانَ عَمِّي أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمُقْرِي وَكَانَ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالطِّبِّ وَغَيْرِهِ يُصَرِّحُ بِتَحْرِيمِهِ وَيَقُولُ إنَّهُ مُسْكِرٌ وَقَدْ رَأَيْت مَنْ أَكْثَرَ مِنْ أَكْلِهِ فَجُنَّ هَذَا كُلُّهُ مُلَخَّصُ كَلَامِ الْحَرَازِيِّ وَهَذَا الرَّجُلُ الْعِرَاقِيُّ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ وَنَقَلَ عَنْهُ حُرْمَةَ الْقَاتِ أَخْبَرَنِي بَعْضُ طَلَبَةِ الْعِلْمِ أَنَّهُ جَاءَ إلَى مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ وَدَرَسَ بِهَا كَثِيرًا وَأَنَّهُ قَرَأَ عَلَيْهِ وَزَادَ فِي مَدْحِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ. وَيُوَافِقُ هَؤُلَاءِ الْقَائِلِينَ بِحُرْمَةِ الْقَاتِ قَوْلَ الْفَقِيهِ الْعَلَّامَةِ حَمْزَةَ النَّاشِرِيِّ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ نَقْلًا وَإِفْتَاءً كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ تَرْجَمَتُهُ الْمَذْكُورَةُ فِي تَارِيخِ خَاتِمَةِ الْحُفَّاظِ وَالْمُحَدِّثِينَ الشَّمْسُ السَّخَاوِيُّ فِي مَنْظُومَتِهِ الْمَشْهُورَةِ وَقَدْ أَخْبَرَنِي مُحَدِّثُ مَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ قَرَأَهَا عَلَى مُؤَلِّفِهَا حَمْزَةَ الْمَذْكُورِ وَأَجَازَهُ بِهَا وَلَا تَأْكُلَنَّ الْقَاتَّ رَطْبًا وَيَابِسًا ... فَذَاكَ مُضِرٌّ دَاؤُهُ فِيهِ أَعْضَلَا فَقَدْ قَالَ أَعْلَامٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ ... إنَّ هَذَا حَرَامٌ لِلتَّضَرُّرِ مَأْكَلًا وَهَذَا الْفَقِيهُ إلَخْ وَمِنْهَا أَنَّهُ نَهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ مَا مَعْنَاهُ إنَّ الْمُفَتِّرَ مَا يَكُونُ مِنْهُ حَرَارَةٌ فِي الْجَسَدِ وَانْكِسَارٌ. وَذَلِكَ مَعْلُومٌ وَمُشَاهَدٌ فِي الْقَاتِ وَمُسْتَعْمِلِيهِ كَسَائِرِ الْمُسْكِرَاتِ وَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ مِنْهَا تَوَهُّمُ نَشَاطٍ، أَوْ تَحَقُّقِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا فَضَلَ مِنْ الِانْتِشَاءِ وَالسُّكْرِ الْحَاصِلِ مِنْ التَّخْدِيرِ لِلْجَسَدِ وَكَذَلِكَ يَحْصُلُ مِنْ الْإِكْثَارِ وَالْإِدْمَانِ عَلَى الْمُسْكِرِ حَتَّى الْخَمْرِ خَدَّرَ يَخْرُجُ إلَى الرَّعْشَةِ وَالْفَالِجِ وَيُبْسِ الدِّمَاغِ وَدَوَامِ التَّغَيُّرِ لِلْعَقْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَضَارِّ لَكِنَّ الْقَاتَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنْ الطَّبْعِ إلَّا مَا هُوَ مَضَرَّةٌ دِينِيَّةٌ وَدُنْيَوِيَّةٌ؛ لِأَنَّ طَبْعَهُ الْيُبْسُ وَالْبَرْدُ فَلَا يَصْحَبُهُ شَيْءٌ مِنْ مَنَافِعِ غَيْرِهِ وَمِنْ الْمُسْكِرَاتِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا الشَّارِعُ؛ لِأَنَّ سَائِرَ الْمُسْكِرَاتِ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْحَرَارَةِ وَاللِّينِ فَلَا يَظْهَرُ الضَّرَرُ فِيهَا إلَّا مَعَ الْإِدْمَانِ عَلَيْهَا وَهَذَا مُحَصَّلٌ مِنْ الضَّرَرِ فِي الْأَغْلَبِ مَا فِي الْأَفْيُونِ مِنْ مَسْخِ الْخِلْقَةِ وَتَغَيُّرِ الْحَالِ الْمُعْتَدِلَةِ فِي الْخَلْقِ وَالْخُلُقِ وَهُوَ يَزِيدُ فِي الضَّرَرِ عَلَى الْأَفْيُونِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهِ يُعْلَمُ قَطُّ وَإِنَّ ضَرَرَهُ أَكْثَرُ وَفِيهِ كَثْرَةُ يُبْسِ الدِّمَاغِ وَالْخُرُوجِ عَنْ الطَّبْعِ وَتَقْلِيلُ شَهْوَةِ الْغِذَاءِ وَالْبَاهِ وَيُبْسُ الْأَمْعَاءِ وَالْمَعِدَةِ وَبَرْدُهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ وَمِنْهَا أَنَّ جَمِيعَ الْخِصَالِ الْمَذْمُومَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي الْحَشِيشَةِ مَوْجُودَةٌ فِي الْقَاتِ مَعَ زِيَادَةِ حُصُولِ الضَّرَرِ فِيمَا بِهِ قِوَامُ الصِّحَّةِ وَصَلَاحُ الْجَسَدِ مِنْ إفْسَادِ شَهْوَةِ الْغِذَاءِ وَالْبَاهِ وَالنَّسْلِ وَزِيَادَةِ التَّهَالُكِ عَلَيْهِ الْمُوجِبِ لِإِتْلَافِ الْمَالِ الْكَثِيرِ وَالْمُوجِبِ لِلسَّرَفِ وَمِنْهَا أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ فِيهِ نَفْعًا فَهُوَ لَا يُقَابِلُ ضَرَرَهُ وَمِنْهَا أَنَّهُ شَارَكَ كُلَّ الْمُسْكِرَاتِ فِي حَقِيقَةِ الْإِسْكَارِ وَسَبَبِهِ وَمِنْ التَّخْدِيرِ وَإِظْهَارِ الدَّمِ

وَتَرْقِيقِهِ طَاهِرُ الْبَشَرَةِ مَعَ نَبْذِ الدَّسُوسَةِ مِنْ الدِّمَاغِ وَالْجَسَدِ إلَى الظَّاهِرِ وَلَيْسَ فِيهِ حَرَارَةٌ وَلِينٌ يُبَدِّلَانِ مَا نَبَذَهُ مِنْ الْحَرَارَةِ وَاللِّينِ إلَى ظَاهِرِ الْجَسَدِ بِخِلَافِ نَحْوِ الْخَمْرِ وَالْحَشِيشِ فَلِهَذَا كَثُرَ ضَرَرُهُ هَذَا حَاصِلُ تِلْكَ الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ الَّتِي وَرَدَتْ عَلَيْنَا فِي الْقَاتِ وَقَدْ عَلِمْت مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ حُجَجُهُمْ مِنْ التَّنَاقُضِ فِي الْأَخْبَارِ عَنْ أَحْوَالِ آكِلِيهِ وَسَبَبُهُ تَنَاقُضُ أَخْبَارِ مُسْتَعْمِلِيهِ كَمَا قَدَّمْتُهُ أَوَّلَ الْكِتَابِ وَلِمَا مَرَّ عَنْ الطَّنْبَدَاوِيِّ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ وَوَجَدَ فِيهِ غَايَةَ الضَّرَرِ وَإِنَّمَا لَمْ أُعَوِّلُ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْمُزَجَّدِ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ لِأَنَّ فِي كَلَامِهِ السَّابِقِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ فَإِنَّهُ قَالَ مَا أَظُنُّهُ يُغَيِّرُ الْعَقْلَ فَتَعْبِيرُهُ بِمَا أَظُنُّهُ قَاضٍ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ إذْ لَوْ اسْتَعْمَلَهُ لَمْ يُعَبِّرْ بِذَلِكَ بَلْ كَانَ يَجْزِمُ بِأَنَّهُ لَا يُغَيِّرُ الْعَقْلَ؛ لِأَنَّ الْأُمُورَ الْوِجْدَانِيَّةَ مِنْ حَيِّزِ الضَّرُورِيَّاتِ وَإِذَا وَقَعَ هَذَا التَّنَاقُضُ فِيهِ فَلَا يُمْكِنُ الْجَزْمُ فِيهِ بِتَحْلِيلٍ وَلَا تَحْرِيمٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِنَّمَا الْمُخَلِّصُ فِي ذَلِكَ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الطِّبَاعُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ تِلْكَ الْأَخْبَارِ الْمُتَنَاقِضَةِ مَعَ عَدَالَةِ قَائِلِهَا إلَّا بِذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ كَمَا مَرَّ وَإِذَا كَانَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا فَمَنْ عَلِمَ مِنْ طَبْعِهِ أَنَّهُ يَضُرُّهُ حَرُمَ عَلَيْهِ أَكْلُ الْمُضِرِّ مِنْهُ وَمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْت يُعَكِّرُ عَلَى ذَلِكَ الْقَاعِدَةُ الْأُصُولِيَّةُ أَنَّ الْمُثْبِتَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي فَإِنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ مُصَرِّحَةٌ بِتَحْرِيمِهِ لِأَنَّهُ تَعَارَضَ فِيهِ خَبَرَانِ أَحَدُهُمَا مُثْبِتٌ لِلضَّرَرِ وَالْآخَرُ نَافٍ لَهُ وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ؛ لِأَنَّ مَعَ الْمُثْبِتِ زِيَادَةُ عِلْمٍ فَكَذَلِكَ الْقَاعِدَةُ الْفِقْهِيَّةُ فَإِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الضَّرَرِ فَالْمُخْبِرُ بِالْعَدَمِ مُسْتَنِدٌ لِلْأَصْلِ وَالْمُخْبِرُ بِوُجُودِهِ مُخْرِجٌ لَهُ عَنْ الْأَصْلِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْبَيِّنَةِ الْمُسْتَصْحِبَةِ لَهُ وَأَيْضًا فَقَدْ اتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ عَلَى أَنَّ فِيهِ نَشَاطًا وَرَوْحَنَةً كَمَا مَرَّ عَنْ الْمُزَجَّدِ وَنَشْأَةً كَمَا مَرَّ عَنْ الطَّنْبَدَاوِيِّ وَطِيبَ وَقْتٍ كَمَا مَرَّ عَنْهُمَا ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ هَذَا النَّشَاطُ الَّذِي فِيهِ يُؤَدِّي إلَى ضَرَرٍ وَالْقَائِلُونَ بِالْحُرْمَةِ قَالُوا يُؤَدِّي إلَيْهِ وَمَا قَالُوهُ أَقْرَبُ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَاقِعِ فَإِنَّ مِنْ شَأْنِ النَّشَاطِ وَالنَّشْأَةِ الذَّاتِيَّيْنِ لِمَطْعُومٍ وَمَشْرُوبٍ دُونَ الْعَارِضِينَ لَهُ بِوَاسِطَةِ إلْفٍ، أَوْ نَحْوِهِ أَنَّهُمَا يُؤَدِّيَانِ إلَى الضَّرَرِ حَالًا، أَوْ مَآلًا فَالْإِخْبَارُ بِأَنَّهُ يُؤَدِّي لِلضَّرَرِ مَعَهُ قَرِينَةٌ أَيُّ قَرِينَةٍ فَإِنَّهُ إذَا وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ فِيهِ نَشْأَةً وَنَشَاطًا احْتَاجَ مَنْ سَلَبَ الضَّرَرَ عَنْهُ إلَى حُجَّةٍ تَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ وَلَا حُجَّةَ لَهُ إلَّا مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ مُشَاهَدَةِ آكِلِيهِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ هَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ عَارَضَهُ أَخْبَارُ غَيْرِهِمْ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَإِنْ احْتَجَّ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ قُلْنَا عَارَضَك أَيْضًا مَنْ اسْتَعْمَلَهُ وَأَخْبَرَ بِأَنَّهُ يَحْصُلُ عَنْهُ التَّخْدِيرُ وَغَيْرُهُ مِنْ الضَّرَرِ فَثَبَتَ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ فِيهِ نَشَاطًا وَنَشْأَةً وَإِنَّ الْأَصْلَ فِيهِمَا بِقَيْدِهِمَا السَّابِقِ تَوَلَّدَ الضَّرَرُ عَنْهُمَا مَعَ مَا مَرَّ مِنْ تَقْدِيمِ الْمُثْبِتِ عَلَى النَّافِي فَهَذَا كُلُّهُ يُؤَيِّدُ التَّحْرِيمَ وَمُوَضِّحٌ لِأَدِلَّةِ مَنْ قَالَ بِهِ فَلِمَ لَمْ تَقُلْ بِهِ وَمَا الَّذِي أَوْجَبَ لَك الْعُدُولَ عَنْهُ مَعَ ظُهُورِ أَدِلَّتِهِ هَذِهِ الَّتِي قَرَّرْتُهَا وَمُوَافَقَتُهَا لِلْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ وَالْفِقْهِيَّةِ كَمَا تَقَرَّرَ قُلْت مَحَلُّ الْقَاعِدَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ مِنْ تَقْدِيمِ الْمُثْبِتِ وَالْمُخَالِفِ لِلْأَصْلِ مَا إذَا وَقَعَ التَّعَارُضُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُتَعَارِضَيْنِ فَحِينَئِذٍ يُقَدَّمُ الْمُثْبِتُ وَالْمُخَالِفُ لِلْأَصْلِ لِقُوَّتِهِمَا عَلَى مُقَابِلِهِمَا وَأَمَّا مَعَ إمْكَانِ الْجَمْعِ بِحَمْلِ كُلٍّ مِنْ الْمُتَعَارِضَيْنِ عَلَى حَالِهِ فَلَا تَقْدِيمَ؛ لِأَنَّ تَقْدِيمَ أَحَدِهِمَا يَسْتَدْعِي بُطْلَانَ الْآخَرِ وَالْجَمْعُ يَسْتَدْعِي الْعَمَلَ بِكُلٍّ مِنْ الدَّلِيلَيْنِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعَمَلَ بِالدَّلِيلَيْنِ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ الْإِلْغَاءَ كَالنَّسْخِ وَهُوَ لَا يَعْدِلُ إلَيْهِ مَتَى أَمْكَنَ غَيْرُهُ فَهَذَا هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ الْعُدُولَ إلَى الْجَمْعِ بَيْنَ تِلْكَ الْأَخْبَارِ وَعَدَمِ إلْغَاءِ بَعْضِهَا لِتَوَفُّرِ عَدَالَتِهِمْ وَعَدَمِ ظُهُورِ تُهْمَتِهِمْ وَأَمَّا النَّشَاطُ وَالنَّشْأَةُ فَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدِي أَنَّهُمَا وَصْفَانِ ذَاتِيَّانِ لِهَذَا النَّبَاتِ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا عَارِضَانِ لَهُ بِوَاسِطَةِ إلْفٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلَمْ يَسَعْنِي مَعَ ذَلِكَ الْجَزْمُ بِالتَّحْرِيمِ فَإِنْ قَالَ الْمُحَرِّمُونَ ثَبَتَ عِنْدَنَا أَنَّهُمَا وَصْفَانِ ذَاتِيَّانِ لَهُ قُلْنَا إذَا اسْتَنَدْتُمْ فِي ذَلِكَ لِلْأَخْبَارِ فَقَدْ مَرَّ تَنَاقُضُهَا وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا مَعَ فَرْضِ صِدْقِهَا فَلَا يَصِحُّ مَعَ ذَلِكَ الِاسْتِنَادُ إلَى بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ وَإِنْ قَالُوا اسْتَنَدْنَا إلَى التَّجْرِبَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ قُلْنَا لَكُمْ ذَلِكَ إنْ وُجِدَتْ شُرُوطُ التَّجْرِبَةِ الَّتِي قَالَهَا الْأَطِبَّاءُ مِنْ تَكَرُّرِ ذَلِكَ تَكَرُّرًا كَثِيرًا بِحَيْثُ يُؤَدِّي عَادَةً إلَى الْقَطْعِ بِإِفَادَتِهِ الْعِلْمَ مَعَ عَدَالَةِ الْمُجَرِّبِ وَاعْتِدَالِ الْمِزَاجِ وَالزَّمَنِ وَالْمَكَانِ وَيَبْعُدُ وُجُودُ

ذَلِكَ وَتَوَفُّرِهِ كُلِّهِ فِي قُطْرِ الْيَمَنِ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَدِلٍ. وَالْحَاصِلُ إنِّي وَإِنْ لَمْ أَجْزِمْ بِتَحْرِيمِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِمَا عَلِمْت مِمَّا قَرَّرْتُهُ وَوَضَّحْتُهُ وَبَيَّنْتُهُ وَبَرْهَنْت عَلَيْهِ بِالْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالنَّقْلِيَّةِ لَكِنِّي أَرَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِذِي مُرُوءَةٍ أَوْ دِينٍ، أَوْ وَرَعٍ، أَوْ زُهْدٍ، أَوْ تَطَلُّعٍ إلَى كَمَالٍ مِنْ الْكَمَالَاتِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الشُّبُهَاتِ لِاحْتِمَالِهِ الْحِلُّ وَالْحُرْمَةُ عَلَى السَّوَاءِ، أَوْ مَعَ قَرِينَةٍ، أَوْ قَرَائِنَ تَدُلُّ لِأَحَدِهِمَا وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُشْتَبِهٌ أَيَّ اشْتِبَاهٍ فَيَكُونُ مِنْ الشُّبُهَاتِ الَّتِي يَتَأَكَّدُ اجْتِنَابُهَا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدْ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ» وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ دَرَجَةَ الْيَقِينِ حَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ مَخَافَةَ مَا بِهِ بَأْسٌ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ لَا تَأْكُلْهُ فَلَعَلَّهُ قَتَلَهُ غَيْرُ كَلْبِك» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ أَيْضًا فِي كَلْبِهِ الْمُعَلَّمِ «وَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَيْضًا وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَرِقَ لَيْلَةً فَقَالَ لَهُ بَعْضُ نِسَائِهِ أَرِقْت يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَجَلْ وَجَدْتُ تَمْرَةً فَأَكَلْتُهَا فَخَشِيت أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ» وَرَوَى الشَّيْخَانِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا أَتَى بِشَيْءٍ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَدَقَةٌ، أَوْ هِبَةٌ سَأَلَ عَنْهُ» وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إسْنَادَهُ مِنْ حَدِيثِ عَطِيَّةَ السَّعْدِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَكُونُ الرَّجُلُ مِنْ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لَا بَأْسَ بِهِ» الْحَدِيثَ وَإِذَا تَقَرَّرَتْ لَك هَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَعَلِمْت أَنَّ غَايَةَ أَمْرِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ أَنَّهَا مِنْ الْمُشْتَبِهَاتِ تَعَيَّنَ عَلَيْك إنْ كُنْت مِنْ الثِّقَاتِ وَالْمُتَّقِينَ أَنْ تَجْتَنِبَهَا كُلَّهَا وَأَنْ تَكُفَّ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَاطَى الْمُشْتَبِهَاتِ إلَّا مَنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ بِحَقِيقَةِ التَّقْوَى وَلَا تَمَسَّكَ مِنْ الْكَمَالَاتِ بِالنَّصِيبِ الْأَقْوَى وَزَعَمَ أَنَّهَا تُعِينُ عَلَى الطَّاعَةِ إنَّ فَرْضَ صِدْقِهِ غَيْرُ دَافِعٍ لِلْوُقُوعِ فِي وَرْطَةِ الْإِثْمِ عَلَى تَقْدِيرِ صِدْقِ الْمُخْبِرِينَ بِوُجُودِ الضَّرَرِ وَالتَّخْدِيرِ فِيهَا فَلِذَلِكَ لَا أُوَافِقُ مَنْ قَالَ إنَّهَا قَدْ تَكُونُ وَسِيلَةً لِطَاعَةٍ فَتَكُونُ مُسْتَحَبَّةً لِأَنَّ مَحَلَّ إعْطَاءِ الْوَسَائِلِ حُكْمَ الْمَقَاصِدِ إنَّمَا هُوَ فِي وَسَائِلَ تَمَحَّضَتْ لِذَلِكَ بِأَنْ لَمْ تَكُنْ وَسَائِلَ لِشَيْءٍ آخَرَ وَخَلَتْ عَنْ أَنْ يَقُومَ بِهَا وَصْفٌ يَقْتَضِي تَأَكُّدَ تَجَنُّبِهَا وَأَكْلُ هَذِهِ لَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَامَ بِهَا مَا يَقْتَضِي التَّجَنُّبَ مِمَّا أَوْضَحْنَاهُ وَقَرَرْنَاهُ فَالصَّوَابُ تَرْكُ أَكْلِهَا دَائِمًا وَلَا حَاجَةَ بِالْمُوَفَّقِ إلَى أَنْ يَسْتَعِينَ عَلَى طَاعَتِهِ بِمَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِحُرْمَتِهِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ حَمْزَةُ النَّاشِرِيُّ وَغَيْرُهُ كَيْفَ وَدَرْءُ الْمَفَاسِدِ أَوْلَى مِنْ جَلْبِ الْمَصَالِحِ كَمَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ أَئِمَّتُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ تَنْحَصِرْ الْإِعَانَةُ عَلَى الطَّاعَةِ فِي هَذِهِ الشَّجَرَةِ بَلْ لَهَا طُرُقٌ أَيْسَرُهَا وَأَوْلَاهَا مَا أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى مَدْحِهِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي الثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَهُوَ تَقْلِيلُ الْغِذَاءِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ كَمَا فِي خَبَرِ «حَسْبُ ابْنِ آدَمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ» وَقَدْ نَقَلَ إمَامُ الْعَارِفِينَ وَالْفُقَهَاءِ أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى النَّوَوِيُّ قَدَّسَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رُوحَهُ إنَّهُ لَمَّا رَأَى الْأَقْسِمَاءَ وَهِيَ مَاءُ الزَّبِيبِ تُبَاعُ فِي الشَّامِ سَأَلَ مَا حِكْمَةُ اصْطِنَاعِ النَّاسِ هَذِهِ فَقِيلَ لَهُ إنَّهَا تَهْضِمُ الْأَكْلَ فَقَالَ وَلِمَ يَشْبَعُ النَّاسُ حَتَّى يَحْتَاجُوا إلَى هَضْمٍ فَانْظُرْ إلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْحِكْمَةِ اللَّطِيفَةِ عَلَى أَنَّ فِي دَعْوَى إنَّهَا تُعِينُ عَلَى الطَّاعَةِ نَظَرًا لِأَنَّ إعَانَتَهَا إنْ كَانَتْ لِكَوْنِهَا تَهْضِمُ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهَا كَثِيفَةٌ بَارِدَةٌ يَابِسَةٌ تُصَفِّرُ اللَّوْنَ وَتُقَلِّلُ شَهْوَةَ الطَّعَامِ وَالْجِمَاعِ وَإِنْ كَانَتْ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ لِأَنَّ فِيهَا مَفْسَدَةً وَهَذَا يُسَاعِدُ مَنْ يَقُولُ أَنَّ فِيهَا ضَرَرًا فَدَعْوَى اسْتِحْبَابِهَا مَعَ ذَلِكَ فِيهَا نَظَرٌ أَيَّ نَظَرٍ أَلَا تَرَى إلَى مَا فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي تَزَوَّجْت امْرَأَةً وَإِنَّ فُلَانَةَ قَالَتْ إنَّهَا أَرْضَعَتْنِي أَنَا وَإِيَّاهَا فَأَمَرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِفِرَاقِهَا» وَقَالَ كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ وَفِيهِ وَفِي غَيْرِهِ أَيْضًا أَنَّهُ «لَمَّا تَنَازَعَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَمْعَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُمَا - فِي ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ أَلْحَقَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِزَمْعَةَ لِأَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ ثُمَّ لَمَّا رَأَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا بِهِ مِنْ

الشَّبَهِ الْبَيِّنِ لِعُتْبَةَ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ سَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ» فَانْظُرْ إلَى أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْفِرَاقِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَبِالِاحْتِجَابِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَرَعًا وَخَشْيَةً مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمِ عَلَى تَقْدِيرٍ يُمْكِنُ وُقُوعُهُ وَإِنْ أَلْغَاهُ الشَّرْعُ وَلَمْ يَعْتَدَّ بِهِ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِيمَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ اجْتِنَابُ هَذِهِ الشَّجَرَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى لِأَنَّ مَا يَحْتَمِلُ الْحُرْمَةَ فِيهَا أَوْلَى مِمَّا يَحْتَمِلُ الْحُرْمَةَ فِي تَيْنِك لِأَنَّ مَا يَحْتَمِلُهَا فِيهِمَا مُلْغًى شَرْعًا وَمَا يَحْتَمِلُهَا فِي مَسْأَلَتِنَا غَيْرُ مُلْغًى شَرْعًا وَانْظُرْ أَيْضًا إلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْصِلْ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَقَاءُ فِي الْأُولَى وَعَدَمُ الِاحْتِجَابِ فِي الثَّانِيَةِ وَسِيلَةً لِطَاعَةٍ كَعِفَّةِ الزَّوْجِ بِهَا مَعَ عَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى غَيْرِهَا وَكَجَبْرِ خَاطِرِ الْوَلَدِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَعَدَمِ تَأَذِّيهِ بِالِاحْتِجَابِ عَنْهُ وَإِنْ لَا وَمِثْلُ هَذَا لَهُ حُكْمُ الْعَامِّ لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ قَوْلِيَّةٌ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَقَائِعُ الْأَحْوَالِ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ نَزَّلَهَا مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ وَلَا يُعَارِضُهُ قَاعِدَتُهُ الْأُخْرَى إنَّهُ إذَا تَطَرَّقَ إلَيْهَا الِاحْتِمَالُ كَسَاهَا ثَوْبَ الْإِجْمَالِ وَسَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال لِأَنَّ هَذِهِ فِي الْوَقَائِعِ الْفِعْلِيَّةِ وَتِلْكَ فِي الْوَقَائِعِ الْقَوْلِيَّةِ كَمَا قُرِّرَ فِي مَحَلِّهِ فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ الْوَرَعُ فِي تَرْكِ شَيْءٍ كَانَ الْأَوْلَى وَالْمُتَأَكَّدُ تَرْكُهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَكَانَ وَسِيلَةً لِطَاعَةٍ أَمْ لَا وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنَا أَنْ نُلْحِقَهَا بِالْحَشِيشَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَأْتِي إلَّا أَنَّ الْعُلَمَاءَ مِنْ مُنْذُ قُرُونٍ لَمَّا حَدَثَتْ الْحَشِيشَةُ فِي زَمَانِهِمْ بَالَغُوا فِي اخْتِبَارِ أَحْوَالِ آكِلِيهَا حَتَّى اتَّفَقَتْ أَقْوَالُهُمْ عَلَى أَنَّهَا مُسْكِرَةٌ، أَوْ مُخَدِّرَةٌ وَكَانَ فِي تِلْكَ الْأَزْمِنَةِ الْعَارِفُونَ بِعِلْمِ الطِّبِّ وَالنَّبَاتَاتِ فَحَكَمُوا فِيهَا بِمَا اقْتَضَتْهُ الْقَوَاعِدُ الطِّبِّيَّةُ وَالتَّجْرِيبِيَّة فَلِذَا سَاغَ لَهُمْ الْجَزْمُ فِيهَا بِالتَّحْرِيمِ وَأَمَّا نَحْنُ فَلَمْ نَتَحَصَّلْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِتَبَايُنِ الْأَقْوَالِ وَاخْتِلَافِهَا فِي هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَمُسْتَعْمِلُوهَا يَخْتَلِفُونَ فِي الْأَخْبَار عَنْ حَقِيقَتِهَا وَهَذَا هُوَ مَنْشَأُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِيهَا مَعَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ فِي الْحَقِيقَةِ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ لِأَنَّهُ إنْ ثَبَتَ أَنَّ فِيهَا تَخْدِيرًا، أَوْ إسْكَارًا فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ إجْمَاعًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي الْوَاقِعِ فَالْقَائِلُونَ بِالْحِلِّ اعْتَمَدُوا الْمُخْبِرِينَ بِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهَا بِوَجْهٍ وَالْقَائِلُونَ بِالْحُرْمَةِ اعْتَمَدُوا الْمُخْبِرِينَ بِأَنَّ فِيهَا ضَرَرًا وَأَنْتَ إذَا رَاعَيْت الْقَوَاعِدَ لَمْ يَجُزْ لَك أَنْ تَعْتَمِدَ أَحَدَ الطَّرَفَيْنِ وَتُعْرِضَ عَنْ الْآخَرِ إلَّا إذَا ثَبَتَ عِنْدَك مُرَجِّحٌ آخَرُ مِنْ نَحْوِ وُجُوهِ التَّجْرِبَةِ وَشُرُوطِهَا السَّابِقَةِ أَوْ عَدَدِ التَّوَاتُرِ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ دُونَ الْآخَرِ وَلَمْ نَظْفَرْ بِذَلِكَ فَلِذَا وَجَبَ عَلَيْنَا التَّوَقُّفُ فِي حَقِيقَةِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ وَأَنْ نَقُولَ مَتَى أَنْ ثَبَتَ أَنَّ فِيهَا وَصْفًا مِنْ أَوْصَافِ جَوْزَةِ الطِّيبِ، أَوْ الْحَشِيشَةِ الْمَعْرُوفَةِ حُرِّمَتْ وَإِلَّا فَلَا. وَهَذَا يَسْتَدْعِي ذِكْرُ أَوْصَافِهِمَا لِتُقَاسَ بِهِمَا تِلْكَ الشَّجَرَةِ فَأَقُولُ أَمَّا جَوْزَةُ الطِّيبِ فَقَدْ اسْتَفْتَيْت عَنْهَا قَدِيمًا وَقَدْ كَانَ وَقَعَ فِيهَا نِزَاعٌ بَيْنَ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ وَظَفِرْتُ فِيهَا بِمَا لَمْ يَظْفَرُوا بِهِ فَإِنَّ جَمْعًا مِنْ مَشَايِخِنَا وَغَيْرِهِمْ اخْتَلَفُوا فِيهَا وَكُلٌّ لَمْ يُبْدِ مَا قَالَهُ فِيهَا إلَّا عَلَى جِهَةِ الْبَحْثِ لَا النَّقْلِ وَلَمَّا عُرِضَ عَلَيَّ السُّؤَالُ أَجَبْت فِيهَا بِالنَّقْلِ وَأَيَّدْتُهُ وَتَعَرَّضْت فِيهِ لِلرَّدِّ عَلَى بَعْضِ الْأَكَابِرِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَصُورَةُ السُّؤَالِ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ، أَوْ مُقَلِّدِيهِمْ بِتَحْرِيمِ أَكْلِ جَوْزَةِ الطِّيبِ، أَوْ لَا وَهَلْ يَجُوزُ لِبَعْضِ طَلَبَةِ الْعِلْمِ الْأَخْذُ بِتَحْرِيمِ أَكْلِهَا وَإِنْ لَمْ يَطَّلِعْ فِي التَّحْرِيمِ عَلَى نَقْلٍ لِأَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُعْتَبَرِينَ فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ فَهَلْ يَجِبُ الِانْقِيَادُ وَالِامْتِثَالُ لِفُتْيَاهُ أَمْ لَا فَأَجَبْت بِقَوْلِي الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ الْمُجْتَهِدُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ إنَّهَا مُسْكِرَةٌ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَاعْتَمَدُوهُ وَنَاهِيك بِذَلِكَ بَلْ بَالَغَ ابْنُ الْعِمَادِ فَجَعَلَ الْحَشِيشَةَ مَقِيسَةً عَلَى الْجَوْزَةِ الْمَذْكُورَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا حَكَى عَنْ الْقَرَافِيِّ نَقْلًا عَنْ بَعْضِ فُقَهَاءِ عَصْرِهِ أَنَّهُ فَرَّقَ فِي إنْكَارِهِ الْحَشِيشَةَ بَيْنَ كَوْنِهَا وَرَقًا أَخْضَرَ فَلَا إسْكَارَ فِيهَا بِخِلَافِهَا بَعْدَ التَّحْمِيصِ فَإِنَّهَا تُسْكِرُ. قَالَ وَالصَّوَابُ إنَّهُ لَا فَرْقَ؛ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِجَوْزَةِ الطِّيبِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْعَنْبَرِ وَالْأَفْيُونِ وَالشَّيْكَرَانِ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الْبَنْجُ وَهُوَ مِنْ الْمُخَدِّرَاتِ الْمُسْكِرَاتِ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الْقَسْطَلَّانِيِّ فِي تَكْرِيمِ الْمَعِيشَةِ اهـ. فَتَأَمَّلْ تَعْبِيرَهُ وَالصَّوَابُ جَعْلُهُ الْحَشِيشَةَ الَّتِي أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِهَا لِإِسْكَارِهَا وَتَخْدِيرِهَا مَقِيسَةً عَلَى الْجَوْزَةِ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا مِرْيَةَ فِي تَحْرِيمِ الْجَوْزَةِ لِإِسْكَارِهَا

أَوْ تَخْدِيرِهَا وَقَدْ وَافَقَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى إسْكَارِهَا الْحَنَابِلَةَ بِنَصِّ إمَامِ مُتَأَخِّرِيهِمْ ابْنِ تَيْمِيَّةَ وَتَبِعُوهُ عَلَى أَنَّهَا مُسْكِرَةٌ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ بَعْضِ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ فَفِي فَتَاوَى الْمَرْغِينَانِيِّ مِنْهُمْ الْمُسْكِرُ مِنْ الْبَنْجِ وَلَبَنِ الرِّمَاكِ أَيْ أَنَاثِيِّ الْخَيْلِ حَرَامٌ وَلَا يُحَدُّ شَارِبُهُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو حَفْصٍ وَنَصَّ عَلَيْهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ اهـ. وَقَدْ عَلِمْت مِنْ كَلَامِ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْجَوْزَةَ كَالْبَنْجِ فَإِذَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ بِإِسْكَارِهِ لَزِمَهُمْ الْقَوْلُ بِإِسْكَارِ الْجَوْزَةِ فَثَبَتَ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهَا حَرَامٌ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ بِالنَّصِّ وَالْحَنَفِيَّةُ بِالِاقْتِضَاءِ أَنَّهَا إمَّا مُسْكِرَةٌ أَوْ مُخَدِّرَةٌ. وَأَصْلُ ذَلِكَ فِي الْحَشِيشَةِ الْمَقِيسَةِ عَلَى الْجَوْزَةِ عَلَى مَا مَرَّ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي كِتَابِهِ التَّذْكِرَةِ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ إنَّهَا مُسْكِرَةٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَا نَعْرِفُ فِيهِ خِلَافًا عِنْدَنَا وَقَدْ يَدْخُلُ فِي حَدِّهِمْ السَّكْرَانُ بِأَنَّهُ الَّذِي اخْتَلَطَ كَلَامُهُ الْمَنْظُومُ وَانْكَشَفَ سِرُّهُ الْمَكْتُومُ، أَوْ الَّذِي لَا يَعْرِفُ السَّمَاءَ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا الطُّولَ مِنْ الْعَرْضِ. ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْعِرَاقِيِّ أَنَّهُ خَالَفَ فِي ذَلِكَ فَنَفَى عَنْهَا الْإِسْكَارَ وَأَثْبَتَ لَهَا الْإِفْسَادَ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَيْهِ وَأَطَالَ فِي تَخْطِئَتِهِ وَتَغْلِيظِهِ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى إسْكَارِهَا أَيْضًا الْعُلَمَاءُ بِالنَّبَاتِ مِنْ الْأَطِبَّاءِ وَإِلَيْهِمْ الْمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ وَكَذَلِكَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَتَبِعَهُ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ مِنْ مُتَأَخِّرِي مَذْهَبِهِ وَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ خِلَافُ الْإِطْلَاقَيْنِ الْإِسْكَارِ إطْلَاقِ وَإِطْلَاقِ الْإِفْسَادِ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِسْكَارَ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ تَغْطِيَةِ الْعَقْلِ وَهَذَا إطْلَاقٌ أَعَمُّ وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ تَغْطِيَةُ الْعَقْلِ مَعَ نَشْأَةٍ وَطَرَبٍ وَهَذَا إطْلَاقٌ أَخَصُّ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ الْإِسْكَارِ حَيْثُ أُطْلِقَ فَعَلَى الْإِطْلَاقِ الْأَوَّلِ بَيْنَ الْمُسْكِرِ وَالْمُخَدِّرِ عُمُومُ مُطْلَقٍ إذْ كُلُّ مُخَدِّرٍ مُسْكِرٍ وَلَيْسَ كُلُّ مُسْكِرٍ مُخَدِّرًا فَإِطْلَاقُ الْإِسْكَارِ عَلَى الْحَشِيشَةِ وَالْجَوْزَةِ وَنَحْوِهِمَا الْمُرَادُ مِنْهُ التَّخْدِيرُ وَمَنْ نَفَاهُ عَنْ ذَلِكَ أَرَادَ بِهِ مَعْنَاهُ الْأَخَصَّ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ مِنْ شَأْنِ السُّكْرِ بِنَحْوِ الْخَمْرِ أَنَّهُ يَتَوَلَّدُ عَنْهُ النَّشْأَةُ وَالطَّرَبُ وَالْعَرْبَدَةُ وَالْغَضَبُ وَالْحَمِيَّةُ وَمِنْ شَأْنِ السُّكْرِ بِنَحْوِ الْحَشِيشَةِ وَالْجَوْزَةِ أَنَّهُ يَتَوَلَّدُ عَنْهُ أَضْدَادُ ذَلِكَ مِنْ تَخْدِيرِ الْبَدَنِ وَفُتُورِهِ وَمِنْ طُولِ السُّكُوتِ وَالنَّوْمِ وَعَدَمِ الْحَمِيَّةِ. وَبِقَوْلِي مِنْ شَأْنٍ فِيهِمَا يُعْلَمُ رَدُّ مَا أَوْرَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَلَى الْقَرَافِيِّ مِنْ أَنَّ بَعْضَ شَرَبَةِ الْخَمْرِ يُوجَدُ فِيهِ مَا ذُكِرَ فِي نَحْوِ الْحَشِيشَةِ وَبَعْضُ أَكَلَةِ نَحْوِ الْحَشِيشَةِ يُوجَدُ فِيهِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْخَمْرِ وَوَجْهُ الرَّدِّ أَنَّ مَا نِيطَ بِالْمَظِنَّةِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ خُرُوجُ بَعْضِ الْأَفْرَادِ كَمَا أَنَّ الْقَصْرَ فِي السَّفَرِ لَمَّا نِيطَ بِمَظِنَّةِ الْمَشَقَّةِ جَازَ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الْمَشَقَّةُ فِي كَثِيرٍ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ فَاتَّضَحَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ مَنْ عَبَّرَ فِي نَحْوِ الْحَشِيشَةِ بِالْإِسْكَارِ وَمَنْ عَبَّرَ بِالتَّخْدِيرِ وَالْإِفْسَادِ وَالْمُرَادُ بِهِ إفْسَادٌ خَاصٌّ هُوَ مَا سَبَقَ. فَانْدَفَعَ بِهِ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ التَّعْبِيرَ بِهِ يَشْمَلُ الْجُنُونَ وَالْإِغْمَاءَ لِأَنَّهُمَا مُفْسِدَانِ لِلْعَقْلِ أَيْضًا فَظَهَرَ بِمَا تَقَرَّرَ صِحَّةُ قَوْلِ الْفَقِيهِ الْمَذْكُورِ فِي السُّؤَالِ إنَّهَا مُخَدِّرَةٌ وَبُطْلَانُ قَوْلِ مِنْ نَازَعَهُ فِي ذَلِكَ لَكِنْ إنْ كَانَ لِجَهْلِهِ عُذِّرَ وَبَعْدَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْعُلَمَاءِ مَتَى زَعَمَ حِلَّهَا، أَوْ عَدَمَ تَخْدِيرِهَا وَإِسْكَارِهَا يُعَزَّرُ التَّعْزِيرَ الْبَلِيغَ الزَّاجِرَ لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ بَلْ قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَأَقَرَّهُ أَهْلُ مَذْهَبِهِ مَنْ زَعَمَ حِلَّ الْحَشِيشَةِ كَفَرَ فَلْيَحْذَرْ الْإِنْسَانُ مِنْ الْوُقُوعِ فِي هَذِهِ الْوَرْطَةِ عِنْدَ أَئِمَّةِ هَذَا الْمَذْهَبِ الْمُعَظَّمِ وَعَجِيبٌ مِمَّنْ خَاطَرَ بِاسْتِعْمَالِ الْجَوْزَةِ مَعَ عِلْمِهِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِيهَا مِنْ الْمَفَاسِدِ وَالْإِثْمِ لِأَغْرَاضِهِ الْفَاسِدَةِ عَلَى تِلْكَ الْأَغْرَاضِ الَّتِي يَحْصُلُ جَمِيعُهَا بِغَيْرِهَا. فَقَدْ صَرَّحَ رَئِيسُ الْأَطِبَّاءِ ابْنُ سِينَا فِي قَانُونِهِ بِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهَا وَزْنُهَا وَنِصْفُ وَزْنِهَا مِنْ السُّنْبُلِ فَمَنْ كَانَ يَسْتَعْمِلُ مِنْهَا قَدْرًا مَا ثُمَّ اسْتَعْمَلَ وَزْنَهُ وَنِصْفَ وَزْنِهِ مِنْ السُّنْبُلِ حَصَلَتْ لَهُ جَمِيعُ أَغْرَاضِهِ مَعَ السَّلَامَةِ عَنْ الْإِثْمِ وَالتَّعَرُّضِ لِعِقَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى أَنَّ فِيهَا بَعْضَ مَضَارَّ بِالرِّئَةِ ذَكَرَهَا بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ وَقَدْ خَلَى السُّنْبُلُ عَنْ تِلْكَ الْمَضَارِّ وَقَدْ حَصَلَ بِهِ مَقْصُودُهَا وَزَادَ عَلَيْهَا بِالسَّلَامَةِ مِنْ مَضَارِّهَا الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ اهـ. جَوَابِي فِي الْجَوْزَةِ وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى نَفَائِسَ تَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْكِتَابِ بَلْ هُوَ ظَاهِرٌ فِي حُرْمَةِ الْقَاتِ لِأَنَّ النَّاس مُخْتَلِفُونَ فِي تَأْثِيرِ الْجَوْزَةِ أَيْضًا فَبَعْضُ آكِلِيهَا يُثْبِتُ لَهَا تَخْدِيرًا وَبَعْضُهُمْ لَا يُثْبِتُ لَهَا ذَلِكَ فَإِذَا حَرَّمَهَا الْأَئِمَّةُ مَعَ اخْتِلَافِ

آكِلِيهَا فِي تَأْثِيرِهَا فَلْيُحَرِّمُوا الْقَاتَّ وَلَا نَظَرَ لِلِاخْتِلَافِ فِي تَأْثِيرِهَا لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْجَوْزَةَ نَظَرَ فِيهَا وَحَرَّمَهَا مَنْ يُعْتَدُّ بِنَظَرِهِمْ وَبِتَجْرِبَتِهِمْ حَتَّى عَلِمُوا أَنَّ التَّخْدِيرَ وَصْفٌ ذَاتِيٌّ لَهَا فَلِهَذَا حَكَمُوا بِأَنَّهَا مُخَدِّرَةٌ لِذَاتِهَا وَأَعْرَضُوا عَمَّنْ لَمْ يَرَ مِنْهَا تَخْدِيرًا وَلَوْ تَمَّ ذَلِكَ فِي الْقَاتِ لَأَلْحَقْنَاهُ بِهَا لَكِنَّهُ لَمْ يَتِمَّ كَمَا قَدَّمْتُهُ. ثُمَّ هَذَا الْجَوَابُ مُشْتَمِلٌ عَلَى بَيَانِ حُكْمِ الْحَشِيشَةِ وَعَلَى تَنْقِيحِ الْخِلَافِ فِي أَنَّهَا مُسْكِرَةٌ، أَوْ مُخَدِّرَةٌ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِإِعَادَتِهِ مَعَ كَلَامِ النَّاسِ فِيهَا عَلَى حِدَّتِهِ لِتَتِمَّ فَائِدَتُهُ وَتَعُمَّ عَائِدَتُهُ فَنَقُولُ ذَكَرَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ أَنَّ الشَّيْطَانَ حِين خَرَجَ مِنْ السَّفِينَةِ سَرَقَ مَعَهُ شَجَرَةَ الْكَرْمِ فَزَرَعَهَا ثُمَّ ذَبَحَ خِنْزِيرًا فَسَقَاهَا بِدَمِهِ ثُمَّ ذَبَحَ كَلْبًا فَسَقَاهَا بِدَمِهِ ثُمَّ ذَبَحَ قِرْدًا فَسَقَاهَا بِدَمِهِ فَحَصَلَتْ لَهَا النَّجَاسَةُ مِنْ دَمِ الْخِنْزِيرِ وَحَصَلَ لِشَارِيهَا الْعَرْبَدَةُ مِنْ دَمِ الْقِرْدِ وَالْحَمِيَّةُ وَالْغَضَبُ مِنْ دَمِ الْكَلْبِ فَمِنْ ثَمَّ تَرَى السَّكْرَانَ تَأْخُذُهُ الْحَمِيَّةُ وَيَغْضَبُ بِخِلَافِ السَّكْرَانِ بِالْبَنْجِ وَالْحَشِيشِ وَالشَّيْكَرَانِ وَجَوْزَةِ الطِّيبِ وَالْأَفْيُونِ. فَإِنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مُسْكِرَةٌ وَلَا يَحْصُلُ لِلْبَدَنِ مَعَهَا نَشَاطٌ وَلَا عَرْبَدَةٌ بَلْ يُعْتَبَرُ بِهِ تَخْدِيرٌ وَفُتُورٌ فَكُلُّ مُخَدِّرٍ مُسْكِرٌ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ فَالْخَمْرُ مُسْكِرَةٌ وَلَيْسَتْ مُخَدِّرَةً وَالْبَنْجُ وَنَحْوُهُ مُسْكِرٌ وَمُخَدِّرٌ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى أَنَّ الْحَشِيشَةَ وَنَحْوَهَا مُسْكِرٌ النَّوَوِيُّ فِي شَرْح الْمُهَذَّبِ وَالشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي كِتَابِهِ التَّذْكِرَةِ فِي الْخِلَافِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَبَيَّنْت فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ بِأَنَّهَا مُخَدِّرَةٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِسْكَارِ فِي كَلَامِهِمْ مُجَرَّدُ التَّغْطِيَةِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ قَيْدِهِ الْمُتَبَادَرِ مِنْهُ وَهُوَ التَّغْطِيَةُ مَعَ نَشَاطٍ وَعَرْبَدَةٍ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ أَيْضًا قَوْلُ ابْنِ الْبَيْطَارِ أَنَّ الْحَشِيشَ يُسْكِرُ جِدًّا وَهُوَ حُجَّةٌ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ كَانَ عَلَّامَةَ زَمَنِهِ فِي مَعْرِفَةِ الْأَعْشَابِ وَالنَّبَاتِ يَرْجِعُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ مُحَقِّقُو الْأَطِبَّاءِ. وَقَدْ امْتَحَنَهُ بَعْضُ مُعَاصِرِيهِ عِنْدَ السُّلْطَانِ فَجَاءَ إلَى السُّلْطَانِ بِنَبَاتٍ وَقَالَ لَهُ إذَا طَلَعَ إلَيْك فَأَعْطِهِ هَذَا يَشُمُّهُ مِنْ هَذَا الْمَحَلِّ فَتَبَيَّنَ لَك مَعْرِفَتُهُ، أَوْ جَهْلُهُ فَلَمَّا طَلَعَ إلَيْهِ أَعَطَاهُ لَهُ وَأَمَرَهُ بِأَنْ يَشُمَّهُ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي عُيِّنَ لَهُ فَشَمَّهُ مِنْهُ فَرَعَفَ لِوَقْتِهِ رُعَافًا شَدِيدًا فَقَلَبَهُ وَشَمَّهُ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ فَسَكَنَ رُعَافُهُ لِوَقْتِهِ ثُمَّ قَالَ لِلسُّلْطَانِ مُرْ مَنْ أَعْطَاهُ لَك يَشُمَّهُ مِنْ الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ فَإِنْ عَرَفَ أَنَّ فِيهِ الْفَائِدَةَ الْأُخْرَى فَهُوَ طَبِيبٌ وَإِلَّا فَهُوَ مُتَشَبِّعٌ بِمَا لَمْ يُعْطَ فَلَمَّا طَلَعَ لِلسُّلْطَانِ أَمَرَهُ بِشَمِّهِ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَرَعَفَ فَقَالَ لَهُ اقْطَعْهُ فَحَارَ وَكَادَتْ نَفْسُهُ تُفْتَلَتُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَقْلِبَهُ وَيَشُمَّهُ فَفَعَلَ فَانْقَطَعَ رُعَافُهُ فَمِنْ ثَمَّ زَادَتْ مَكَانَةُ ابْنِ الْبَيْطَارِ عِنْدَ السُّلْطَانِ وَانْقَطَعَتْ أَعْدَاؤُهُ وَحُسَّادُهُ. وَغَلِطَ صَاحِبُ الْمِفْتَاحِ فِي شَرْحِهِ لِلْحَاوِي الصَّغِيرِ فِي أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا قَوْلُهُ: أَنَّ الْحَشِيشَةَ نَجِسَةٌ إنْ ثَبُتَ أَنَّهَا مُسْكِرَةٌ مَعَ أَنَّهَا مُسْكِرَةٌ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى مَا مَرَّ فَإِنَّ السُّكْرَ مَعْنَاهُ تَغْطِيَةُ الْعَقْلِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا} [الحجر: 15] قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَكَأَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّ الْمُخَدِّرَ لَا يَكُونُ مُسْكِرًا وَهُوَ خَطَأٌ وَهَذَا الْخَطَأُ حَصَلَ أَيْضًا لِلْقَرَافِيِّ فِي الْقَوَاعِدِ الثَّانِي أَنَّهُ ادَّعَى أَنَّهَا نَجِسَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا مُسْكِرَةٌ وَهَذَا شَيْءٌ لَا تَحِلُّ حِكَايَتُهُ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَقَدْ حَكَى الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِهِ لِفُرُوعِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ نَجِسَةً. وَكَذَلِكَ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ الْقَرَافِيُّ فِي الْقَوَاعِدِ فِي نَظِيرِ الْحَشِيشِ فَقَالَ تَنْفَرِدُ الْمُسْكِرَاتُ عَنْ الْمُرَقِّدَاتِ وَالْمُفْسِدَاتِ بِثَلَاثَةِ أَحْكَامٍ الْحَدِّ وَالتَّنْحِيسِ وَتَحْرِيمِ الْقَلِيلِ فَالْمُرَقِّدَاتُ وَالْمُفْسِدَاتُ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا نَجَاسَةَ فَمَنْ صَلَّى بِالْبَنْجِ وَالْأَفْيُونِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ إجْمَاعًا وَيَجُوزُ تَنَاوُلُ الْيَسِيرِ مِنْهَا فَمَنْ تَنَاوَلَ حَبَّةً مِنْ الْأَفْيُونِ، أَوْ الْبَنْجِ جَازَ مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ قَدْرًا يَصِلُ إلَى التَّأْثِيرِ فِي الْعَقْلِ وَالْحَوَاسِّ أَمَّا دُونَ ذَلِكَ فَجَائِزٌ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَحْكَامٍ وَقَعَ بِهَا بَيْنَ الْمُسْكِرَاتِ وَالْآخَرَيْنِ اهـ وَفِي كِتَابِ السِّيَاسَةِ لِابْنِ تَيْمِيَّةَ أَنَّ الْحَدَّ وَاجِبٌ فِي الْحَشِيشَةِ قَالَ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ جَامِدَةً وَلَيْسَتْ شَرَابًا تَنَازَعَ الْفُقَهَاءُ فِي نَجَاسَتِهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ فَقِيلَ نَجِسَةٌ وَهُوَ صَحِيحٌ اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ الْقَرَافِيُّ مِنْ حِلِّ تَنَاوُلِ يَسِيرِهَا نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْمُتَوَلَّيْ فِي جَوَازِ تَنَاوُلِ الْيَسِيرِ مِنْ

الْحَشِيشِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ التَّنْبِيهِ وَغَيْرِهِ وَكُلُّ طَاهِرٍ لَا ضَرَرَ فِي أَكْلِهِ يَجُوزُ أَكْلُهُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ وَإِقْرَارُهُ يُجَوِّزُ أَكْلَ السُّمِّ لِمَنْ لَا يَضُرُّهُ وَيَجُوزُ بَلْ يَجِبُ أَكْلُهَا عِنْدَ الْإِضْرَارِ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا وَفَارَقَتْ الْخَمْرُ بِأَنَّ شُرْبَهَا يَزِيدُ فِي الْعَطَشِ وَأَكْلُ الْحَشِيشَةِ لَا يَزِيدُ فِي الْجُوعِ وَإِنَّمَا غَايَةُ مَا فِيهَا إنَّهَا تُغَطِّي الْعَقْلَ وَتَغْطِيَتُهُ جَائِزَةٌ لِدَوَاءٍ، أَوْ نَحْوِ قَطْعِ عُضْوٍ مُتَآكِلٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَحْرُمُ إطْعَامُهَا لِلْحَيَوَانِ لِأَجْلِ إسْكَارِهِ وَبَيْعُهَا جَائِزٌ قَطْعًا لِأَنَّهَا قَدْ تَنْفَعُ لِبَعْضِ الْأَمْرَاضِ كَمَا يَأْتِي وَمَحَلُّهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا يَتَعَيَّنُ لِلتَّدَاوِي بِهِ وَفِيمَا يَجُوزُ تَنَاوُلُهُ مِنْ الْيَسِيرِ الَّذِي لَا يَضُرُّ وَمَا عَدَا هَذَيْنِ فِي صِحَّةِ بَيْعِهِ نَظَرٌ وَقَضِيَّةُ قَوْلِ ابْنِ النَّقِيبِ لَا ضَمَانَ عَلَى مُتْلِفِهَا كَالْخَمْرِ عَدَمُ صِحَّةِ بَيْعِ ذَلِكَ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ. وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ بْنُ الْقُطْبِ الْقَسْطَلَّانِيُّ عَنْ بَعْضِ أَئِمَّةِ أَهْلِ الشَّامِ فِيهَا إنَّهَا حَارَّةٌ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ يَابِسَةٌ فِي الْأُولَى تُصَدِّعُ الرَّأْسِ وَتُظْلِمُ الْبَصَرَ وَتُعَقِّدُ الْبَطْنَ وَتُجَفِّفُ الْمَنِيَّ وَذَكَرَ فِيهَا مَنَافِعَ مِنْ نَحْوِ طَرْدِ الرِّيَاحِ وَتَحْلِيلِ النَّفْخِ وَتَنْقِيَةِ الْأَبْرِئَةِ مِنْ الرَّأْسِ عِنْدَ غَسْلِهِ بِهَا وَالْأَبْرِئَةُ مَرَضٌ يَحْدُثُ بِسَطْحِ الرَّأْسِ وَهُوَ قُشُورٌ بِيضٌ وَالْعِلَّةُ فِي فِعْلِهَا لِذَلِكَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْحَرَارَةِ وَالْيُبْسِ فَإِذًا تَرْجِعُ إلَى كَوْنِهَا دَوَاءً مِنْ جُمْلَةِ الْأَدْوِيَةِ وَتُسْتَعْمَلُ حَيْثُ تُسْتَعْمَلُ الْأَدْوِيَةِ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا مِنْ الْأَمْرَاضِ بِمِقْدَارِ مَا يَدْفَعُ الضَّرَرَ قَالَ وَلَا يَسْتَعْمِلُهَا الْأَصِحَّاءُ بِحَيْثُ يَنْشَأُ عَنْ أَكْلِهَا السُّبَاتُ وَالْخَدَرُ وَالْإِسَاءَةُ وَالْهَدَرُ فَإِنَّ مَا كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ يَتَعَيَّنُ اجْتِنَابُهُ لِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَضَارِّ الَّتِي هِيَ مَبَادِئُ مَدَاعِي الْهَلَاكِ وَرُبَّمَا نَشَأَ مِنْ تَجْفِيفِ الْمَنِيِّ وَصُدَاعِ الرَّأْسِ وَغَيْرِهِمَا مَفَاسِدُ وَمَضَارُّ تَفْتَقِرُ إلَى عِلَاجٍ قَالَ. وَقَدْ ذَكَرَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَالِقِيُّ الْعَشَّابُ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْبَيْطَارِ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعُ لِقَوِيِّ الْأَدْوِيَةِ وَالْأَغْذِيَةِ فَقَالَ. وَمِنْ الْقِنَّبِ الْهِنْدِيِّ نَوْعٌ ثَالِثٌ يُقَالُ لَهُ الْقِنَّبُ وَلَمْ أَرَهُ بِغَيْرِ مِصْرَ وَيُزْرَعُ فِي الْبَسَاتِينِ وَيُسَمَّى بِالْحَشِيشَةِ أَيْضًا وَهُوَ مُسْكِرٌ جِدًّا إذَا تَنَاوَلَ مِنْهُ الْإِنْسَانُ يَسِيرًا قَدْرَ دِرْهَمٍ أَوْ دِرْهَمَيْنِ حَتَّى أَنَّ مَنْ أَكَلَ مِنْهُ أَخْرَجَهُ إلَى حَدِّ الرُّعُونَةِ وَقَدْ اسْتَعْمَلَهُ قَوْمٌ فَاخْتَطَفَتْ عُقُولَهُمْ وَأَدَّى بِهِمْ الْحَالُ إلَى الْجُنُونِ وَرُبَّمَا قَتَلَتْ وَمِمَّا يَنْفَعُ فِي مُدَاوَاتِهَا الْقَيْءَ بِسَمْنٍ وَمَاءٍ سُخِّنَ حَتَّى تُنَقَّى الْمَعِدَةُ وَشَرَابُ الْحُمَاضِ لَهُ غَايَةٌ فِي النَّفْعِ قَالَ وَهِيَ كَمَا زَعَمَ مَنْ تَعَاطَاهَا مُدَّةً ثُمَّ انْقَشَعَ عَنْ عَيْنِهِ سَحَابُ الْعَمَى عَنْ الْهُدَى خَبِيثَةُ الطَّعْمِ كَرِيهَةُ الرَّائِحَةِ وَلِأَجْلِ هَذَا يَتَخَيَّلُ بَعْضُ مَنْ يَتَعَاطَاهَا عَلَى تَطْيِيبِهَا بِمَا يُسَوِّغُ تَنَاوُلَهَا مِنْ السِّمْسِمِ الْمَقْشُورِ أَوْ السُّكَّرِ وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَإِنَّ الطَّبِيعَةَ تَكْرَهُهُ لَا مَحَالَةَ كَمَا تَكْرَهُ الْأَدْوِيَةَ. وَإِنْ كَانَتْ تُؤَمِّلُ فِي تَنَاوُلِهَا حُصُولُ الْأَشْفِيَةِ وَأَيْضًا فَالْمَأْكُولُ مُنْحَصِرٌ فِي الْغِذَاءِ وَالدَّوَاءِ وَلَيْسَتْ بِغِذَاءٍ لِأَنَّهَا لَا تُلَائِمُ الْجَسَدِ فَهِيَ دَوَاءٌ وَالدَّوَاءُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ حَيْثُ تَدْعُو الضَّرُورَةُ إلَيْهِ فَلَا يَسْتَعْمِلُهُ الصَّحِيحُ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُلَائِمَةٍ لِلطِّبَاعِ بَلْ مُنَافِرَةٌ لِمَا عَلَيْهِ الْمِزَاجُ مِنْ الْأَوْضَاعِ قَالَ وَقَدْ نُقِلَ لَنَا أَنَّ الْبَهَائِمَ لَا تَتَنَاوَلُهَا فَمَا قَدْرُ مَأْكُولٍ تَنْفِرُ الْبَهَائِمُ عَنْ تَنَاوُلِهِ وَهِيَ مِمَّا يُحِيلُ الْأَبْدَانَ وَيُحَلِّلُ قُوَاهَا وَيَحْرِقُ دِمَاءَهَا وَيُجَفِّفُ رُطُوبَتَهَا وَيُصَفِّرُ الْأَلْوَانَ وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا إمَامُ وَقْتِهِ فِي الطِّبّ أَنَّهَا تُوَلِّدُ أَفْكَارًا كَثِيرَةً وَإِنَّهَا تُجَفِّفُ الْمَنِيَّ وَتَجْفِيفُهُ إنَّمَا يَكُونُ مِنْ قِلَّةِ الرُّطُوبَةِ فِي الْأَعْضَاءِ الرَّئِيسَةِ. وَمِمَّا أَنْشَدَ فِيهَا قُلْ لِمَنْ يَأْكُلُ الْحَشِيشَةَ جَهْلًا ... يَا خَسِيسًا قَدْ عِشْت شَرَّ مَعِيشَةٍ دِيَةُ الْعَقْلِ بِدُرَّةٍ فَلِمَاذَا ... يَا سَفِيهًا قَدْ بِعْتهَا بِحَشِيشَةٍ قَالَ وَقَدْ بَلَغَنَا مِنْ جَمْعٍ يَفُوقُ حَدَّ الْحَصْرِ إنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ عَانَاهَا مَاتَ بِهَا فَجْأَةً وَآخَرِينَ اخْتَلَّتْ عُقُولُهُمْ وَابْتُلُوا بِأَمْرَاضٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ الدَّقِّ وَالسُّلِّ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَإِنَّهَا تَسْتُرُ الْعَقْلَ وَتَغْمُرُهُ وَمِمَّا أُنْشِدَ فِيهَا أَيْضًا يَا مَنْ غَدَا أَكْلُ الْحَشِيشِ شِعَارُهُ ... وَعَدَا فَلَاحُ عَوَارِهِ وَخِمَارُهُ أَعْرَضْت عَنْ سُنَنِ الْهُدَى بِزَخَارِفَ ... لَمَّا اعْتَرَضْت لِمَا أُشِيعَ ضِرَارُهُ الْعَقْلُ يَنْهَى أَنْ يَمِيلَ إلَى الْهَوَى ... وَالشَّرْعُ يَأْمُرُ أَنْ تُعَدِّدَ دَارَهْ

فَمَنْ ارْتَدَى بِرِدَاءِ شَهْوَةِ زَهْرَةٍ ... فِيهَا بَدَا لَلنَّاظِرِينَ عِثَارُهُ وَلِبَعْضِ الْفَسَقَةِ أَبِيَّاتٌ كَثِيرَةٌ فِي مَدْحِهَا حَذَفْتهَا لَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ السَّفَهِ وَالْإِطْرَاءِ وَالْحَثِّ عَلَيْهَا. وَقَدْ أَنْشَدَ بَعْضُهُمْ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ فَقَالَ لَا تُصْغِيَنَّ لِمَادِحٍ شُرْبَ الْحَشِيشِ ... فَإِنَّهُ فِي الْقَوْلِ غَيْرُ مُسَدَّدِ وَانْهَضْ بِعَزْمَةِ مَاجِدٍ فِي رَدِّهِ ... فِي قَصْدِهِ بِالسَّوْطِ جَنْبًا وَالْيَدِ السُّكْرُ شَرٌّ كَيْفَ كَانَ فَلَا تَمِلْ ... فِي مَدْحِهِ لِمَنْ اعْتَدَى لَمْ يَهْتَدِ مَنْ كَانَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا فَلْيَلْتَزِمْ ... أَنْ لَا يَحِيدَ عَنْ السَّبِيلِ الْأَرْشَدِ وَلَقَدْ تَرَاهُ ضَاحِكًا أَوْ بَاكِيًا ... أَوْ نَاطِقًا بِقَبَائِحَ لَمْ تُشْهَدْ هَيْهَاتَ أَنْ يَأْتِيَ بِفِعْلٍ صَالِحٍ ... مَنْ ضَلَّ عَنْ سُنَنِ الرَّشَادِ الْأَمْجَدِ قَدْ ضَلَّ مَنْ أَفْتَى بِحِلِّ شِرَائِهَا ... فِيمَا عَزَا لِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِيهَا الْإِهَانَةُ بِالنِّعَالِ وَبِالْعَصَا ... لِلرَّاعِدِ الْمَهْبُولِ وَالْمُتَعَبِّدِ مَنْ كَفَّ كَفَّ الْهَمُّ عَنْهُ بِكَفِّهَا ... أَمَسَى عَلَى كَفٍّ يَرُوحُ وَيَغْتَدِي مِنْ حَاكِمٍ أَوْ عَالِمٍ أَوْ نَاظِرٍ ... أَوْ نَاصِحٍ فِي فِعْلِهِ مُتَزَهِّدِ مَنْ كَانَ يَطْلُبُ أَنْ يَفُوزَ فَحَقُّهُ ... أَنْ لَا يَجُوزَ عَنْ اهْتِدَاءِ الْمُهْتَدِي وَلْيَطَّرِحْ قَوْلَ الْمُبِيحِ لِأَكْلِهَا ... وَلْيَقْتَرِحْ يَوْمَ السُّرُورِ إلَى غَدِ وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهَا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ» قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُفَتِّرُ كُلُّ مَا يُورِثُ الْفُتُورَ وَالْخَدَرَ فِي الْأَطْرَافِ وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْحَشِيشِ بِخُصُوصِهِ فَإِنَّهَا تُسْكِرُ وَتُخَدِّرُ وَتُفَتِّرُ وَلِذَلِكَ يَكْثُرُ النَّوْمُ لِمُتَعَاطِيهَا وَحَكَى الْقَرَافِيُّ وَابْنُ تَيْمِيَّةَ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِهَا قَالَ وَمَنْ اسْتَحَلَّهَا فَقَدْ كَفَرَ قَالَ وَإِنَّمَا لَمْ تَتَكَلَّمْ فِيهَا الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُمْ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي زَمَنِهِمْ وَإِنَّمَا ظَهَرَتْ فِي آخِرِ الْمِائَةِ السَّادِسَةِ وَأَوَّلِ الْمِائَةِ السَّابِعَةِ حِينَ ظَهَرَتْ دَوْلَةُ التَّتَارِ قَالَ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْأَطْعِمَةِ وَفِي بَحْرِ الْمَذْهَبِ أَنَّ النَّبَاتَ الَّذِي يُسْكِرُ وَلَيْسَ فِيهِ شِدَّةٌ يَحْرُمُ أَكْلُهُ وَلَا حَدَّ عَلَى آكِلِهِ وَلَا نَعْرِفُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا عِنْدَنَا. وَقَالَ فِي بَابِ الشُّرْبِ وَمَا يُزِيلُ الْعَقْلَ مِنْ غَيْرِ الْأَشْرِبَةِ كَالْبَنْجِ لَا حَدَّ فِي تَنَاوُلِهِ لِأَنَّهُ لَا يَلَذُّ وَلَا يَطْرَبُ وَلَا يَدْعُو قَلِيلُهُ إلَى كَثِيرِهِ اهـ. وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ النَّبَاتُ الَّذِي فِيهِ شِدَّةٌ مُطْرِبَةٌ يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ ضَعِيفٌ وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ وَلَا يُقَاسُ بِالْخَمْرِ فِي الْحَدِّ لِأَنَّ شَرْطَ الْقِيَاسِ فِي الْحُدُودِ الْمُسَاوَاةُ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ لَا تُشْبِهُ الْخَمْرَ فِي تَعَاطِيهَا لِأَنَّهَا لَا تُورِثُ عَرْبَدَةً وَغَضَبًا وَحَمِيَّةً وَالشَّيْكَرَانُ يُزِيدُهُ شِدَّةً وَعَرْبَدَةً بِالسُّكْرِ بِخِلَافِ أَكْلِ الْمُخَدِّرَاتِ فَإِنَّهُ وَإِنْ زَالَ عَقْلُهُ يَسْكُنُ شَرُّهُ لِفُتُورِ بَدَنِهِ وَتَخْدِيرِهِ وَكَثْرَةِ نَوْمِهِ وَأَيْضًا الْحَشِيشُ وَنَحْوُهَا طَاهِرَةٌ وَالْخَمْرُ نَجِسَةٌ فَنَاسَبَ تَأْكِيدَ الزَّجْرِ عَنْهَا بِإِيجَابِ الْحَدِّ وَأَيْضًا الْخَمْرُ يَحْرُمُ تَعَاطِي قَلِيلِهَا لِلنَّجَاسَةِ بِخِلَافِ الْحَشِيشِ فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ أَنْ يَتَعَاطَى مِنْهَا مَا لَا يُسْكِرُ فَبَطَلَ الْقِيَاسُ. وَنَقَلَ الْقَرَافِيُّ عَنْ بَعْضِ فُقَهَاءِ عَصْرِهِ أَنَّهَا بَعْدَ التَّحْمِيصِ وَالْغَلْيِ نَجِسَةٌ لِأَنَّهَا تُغَيِّبُ الْعَقْلَ حِينَئِذٍ قَالَ وَسَأَلْت جَمَاعَةً مِمَّنْ يُعَانِيهَا فَمِنْهُمْ مَنْ سَلَّمَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ تُؤَثِّرُ مُطْلَقًا اهـ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ وَالصَّوَابُ أَنَّهَا تُؤَثِّرُ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا فِي ذَلِكَ مُلْحَقَةٌ بِجَوْزِ الطِّيبِ وَالزَّعْفَرَانِ وَالْعَنْبَرِ وَالْأَفْيُونِ وَالشَّيْكَرَانِ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الْبَنْجُ وَهُوَ مِنْ الْمُسْكِرَاتِ الْمُخَدِّرَاتِ ذَكَرَ ذَلِكَ الشَّيْخُ ابْنُ الْقُطْبِ الْقَسْطَلَّانِيُّ اهـ. قَالَ بَعْضُهُمْ وَفِي أَكْلِ الْحَشِيشِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ مَضَرَّةً دِينِيَّةً وَدُنْيَوِيَّةً مِنْهَا أَنَّهَا تُورِثُ الْفِكْرَةَ وَتُجَفِّفُ الرُّطُوبَاتِ وَتُعَرِّضُ الْبَدَنَ لِحُدُوثِ الْأَمْرَاضِ وَتُورِثُ النِّسْيَانَ وَتُصَدِّعُ الرَّأْسَ وَتَقْطَعُ النَّسْلَ وَالْمَنِيَّ وَتُجَفِّفُهُ وَتُورِثُ مَوْتَ الْفَجْأَةِ وَاخْتِلَالَ الْعَقْلِ

باب التعازير وضمان الولاة

وَفَسَادَهُ وَالدَّقَّ وَالسُّلَّ وَالِاسْتِسْقَاءَ وَفَسَادَ الْفِكْرِ وَإِفْشَاءَ السِّرِّ وَذَهَابَ الْحَيَاءِ وَكَثْرَةَ الْمِرَاءِ وَعَدَمَ الْمُرُوءَةِ وَكَشْفَ الْعَوْرَةِ وَعَدَمَ الْغَيْرَةِ وَإِتْلَافَ الْكَسْبِ وَمُجَالَسَةَ إبْلِيسَ وَتَرْكَ الصَّلَاةِ وَالْوُقُوعَ فِي الْمُحَرَّمَاتِ وَالْجُذَامَ وَالْبَرَصَ وَتَوَالِي الْأَسْقَامِ وَالرَّعْشَةَ وَنَتْنَ الْفَمِ وَسُقُوطَ شَعْرِ الْأَجْفَانِ وَاحْتِرَاقَ الدَّمِ وَصُفْرَةَ الْأَسْنَانِ وَالْبَخَرَ وَثَقْبَ الْكَبِدِ وَغِشَاءَ الْعَيْنِ وَالْكَسَلَ وَالْفَشَلَ وَتَجْعَلُ الْأَسَدَ كَالْعِجْلِ وَتُعِيدُ الْعَزِيزَ ذَلِيلًا وَالصَّحِيحَ عَلِيلًا إنْ أَكَلَ لَا يَشْبَعُ وَإِنْ أُعْطَى لَا يَقْنَعُ وَإِنْ كُلِّمَ لَا يَسْمَعُ تَجْعَلُ الْفَصِيحَ أَبْكَمَ وَالصَّحِيحَ أَبْلَمَ وَتُذْهِبُ الْفِطْنَةَ وَتُحْدِثُ الْبِطْنَةَ وَتُورِثُ اللَّعْنَةَ وَالْبُعْدَ عَنْ الْجَنَّةِ وَلْنَخْتِمْ هَذَا الْكَلَامَ بِقَاعِدَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّ كُلَّ شَرَابٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ حَرُمَ قَلِيلُهُ وَحُدَّ شَارِبُهُ وَالثَّانِيَةُ كُلُّ مُسْكِرٍ مَائِعٍ نَجِسٍ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهَا الْأَفْيُونَ قَبْلَ أَنْ يُجْمَدَ فَإِنَّهُ مُسْكِرٌ مَائِعٌ وَلَيْسَ بِنَجِسٍ قَطْعًا وَلَا يَحْرُمُ يَسِيرُهُ بِقَيْدِهِ السَّابِقِ وَبَيْعُ نَحْوِ الْحَشِيشِ لِأَكْلِهَا وَلَوْ ظَنًّا حَرَامٌ كَبَيْعِ الْعِنَبِ لِعَاصِرِ الْخَمْرِ خِلَافًا لِلشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ قَدْ يَتُوبُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهِ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ عَلَى حَالِهِ فَلَا نَظَرَ لِتَوَهُّمِ وُقُوعِ مَا يَصْرِفُهُ عَنْ ذَلِكَ وَلِذَلِكَ يَحْرُمُ زَرْعُهَا لِاسْتِعْمَالِ مَا لَا يَحْرُمُ مِنْهَا وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِيفَاءِ عَلَى مَنْ شَرِبَ خَمْرًا وَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ بِشُرْبِهَا وَسَبَبُ الْوُجُوبِ قِيلَ مَخَافَةُ السُّكْرِ بِهَا وَقِيلَ نَجَاسَتُهَا وَيَرُدُّ الثَّانِيَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَكَلَ حَرَامًا طَاهِرًا لَزِمَهُ اسْتِقَاءَتُهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّجَاسَةَ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ فَالْمُعْتَمَدُ الْعِلَّةُ الْأُولَى وَحِينَئِذٍ فَمَنْ أَكَلَ مِنْ نَحْوِ الْحَشِيشِ الْقَدْرَ الْمُسْكِرَ لَزِمَهُ اسْتِقَاءَتُهُ يَدُلُّ لَهُ قَوْلُ الْمَجْمُوعِ وَالتَّحْقِيقُ مَنْ أَكَلَ حَرَامًا طَاهِرًا لَزِمَهُ اسْتِقَاءَتُهُ وَكَأَنَّ عِلَّتَهُ أَنَّ الْحَرَامَ يُورِثُ قَسْوَةَ الْقَلْبِ وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ حَرَامٍ النَّارُ أَوْلَى بِهِ» نَسْأَلُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِخَاصَّتِهِ مِنْ خَلْقِهِ أَنْ يُبْعِدَنَا عَنْهَا وَعَنْ أَسْبَابِهَا إنَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ رَءُوفٌ رَحِيمٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَوَّلًا وَآخِرًا بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ بِدَوَامِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَدَدَ مَعْلُومَاتِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ كَمَا يَجِبُ لَهُ وَيَرْضَى تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا دَائِمًا أَبَدًا إلَى يَوْمِ الدِّينِ. [بَابُ التَّعَازِيرِ وَضَمَانِ الْوُلَاةِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ لَوْ ضَرَبَ أَوْ لَطَمَ بِنَعْلِهِ مَثَلًا شَرِيفٌ خَسِيسًا أَوْ عَكْسُهُ مَا كَيْفِيَّةُ تَعْزِيرِهِ وَإِذَا رَأَى الْقَاضِي تَعْزِيرَ الْفَاعِلِ بِيَدِ الْمَفْعُولِ بِهِ الْمِثْلَ فَعَلَهُ بِهِ هَلْ يَجُوزُ وَإِذَا قُلْتُمْ لَا وَكَانَتْ الْفِتْنَةُ لَا تَسْكُنُ إلَّا بِذَلِكَ مَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْمَرْجِعُ فِي التَّعْزِيرِ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ فِيمَا يَرَاهُ زَاجِرًا لِلْفَاعِلِ بِحَسَبِ جَرَاءَتِهِ وَقُبْحِ مَعْصِيَتِهِ ثُمَّ إنْ كَانَ التَّعْزِيرُ بِنَحْوِ ضَرْبٍ لَمْ يَجُزْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُفَوِّضَهُ لِلْمُسْتَحِقِّ لِئَلَّا يَزِيدُ فِي الْإِيلَامِ وَإِنْ كَانَ بِنَحْوِ وَقْعِ عِمَامَةٍ جَازَ لَهُ تَفْوِيضُ ذَلِكَ لِلْمُسْتَحِقِّ إذْ لَا يُخْشَى مِنْهُ مَحْذُورٌ وَهَذَا التَّفْصِيلُ ظَاهِرٌ مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي الْجِنَايَاتِ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ فِي التَّعْزِيرِ وَلَوْ تَيَقَّنَ الْحَاكِمُ إثَارَةَ فِتْنَةٍ إنْ لَمْ يُفَوِّضْ اسْتِيفَاءَ التَّعْذِيرِ لِلْمُسْتَحِقِّ لَمْ يَبْعُدْ حِينَئِذٍ جَوَازُ تَفْوِيضِهِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ إثَارَةِ الْفِتْنَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى خَشْيَةِ الزِّيَادَةِ فِي الْإِيلَامِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ قَالَ فِي الْعُبَابِ فَائِدَةً صَحَّ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمَّا لُدَّ فِي مَرَضِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ أَمَرَ بِلَدِّ الْحَاضِرِينَ فَاقْتَضَى جَوَاز التَّعْزِيرِ بِمِثْلِ مَا تَعَدَّى بِهِ اهـ. مَا اللَّدَدُ وَمَنْ لَدَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ الْحَاضِرُونَ وَبِمَ اسْتَحَقَّ الْحَاضِرُونَ اللَّدَّ وَكَمْ عَدَدَهُمْ وَهَلْ كَانَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ فِي مَرَضٍ آخَرَ وَهَلْ كَانَ اللَّدَدُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ اعْلَمْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مِنْ شِدَّةِ وَجَعِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ يُغْشَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُفِيقُ وَأُغْمِيَ عَلَيْهِ مَرَّةً فَظَنَّ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهِمْ أَنَّ وَجَعَهُ ذَاتُ الْجَنْبِ فَلَدُّوهُ فَجَعَلَ يُشِيرُ

إلَيْهِمْ أَنْ لَا يَلُدُّوهُ فَقَالُوا إنَّمَا أَشَارَ إلَى الْمَنْعِ مِنْ اللَّدِّ لِكَرَاهِيَةِ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ أَيْ إنَّمَا نَهَيْتَنَا عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ دَوَاءٌ وَنَفْسُ الْمَرِيضِ تَكْرَهُهُ فَقَالَ لَا يَبْقَى أَحَدٌ فِي الْبَيْتِ إلَّا لَدَّ وَأَنَا أَنْظُرُ إلَّا الْعَبَّاسَ فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَاللَّدَدُ هُوَ مَا يُجْعَلُ فِي جَانِبِ الْفَمِ مِنْ الدَّوَاءِ فَأَمَّا مَا يُصَبُّ فِي الْحَلْقِ فَيُقَالُ لَهُ الْوَجُورُ فَفِي الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - إنَّهُمْ أَذَابُوا قِسْطًا بِزَيْتٍ وَلَدُّوهُ بِهِ قِيلَ وَإِنَّمَا كَرِهَ اللَّدَدَ مَعَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَتَدَاوَى لِأَنَّهُ تَحَقَّقَ أَنَّهُ يَمُوتُ فِي مَرَضِهِ وَمَنْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ كُرِهَ لَهُ التَّدَاوِي وَنَظَرَ فِيهِ بِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُخَيَّرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ وَعِنْدِي فِي هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّهُ وَقَعَ تَخْيِيرُهُ قَبْلَ هَذَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَهُوَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ إنَّ عَبْدًا خَيَّرَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا مَا شَاءَ وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ» وَهُوَ يَقُولُ فَدَيْنَاك بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ هُوَ الْمُخَيَّرُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمُنَا بِهِ الْحَدِيثُ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ وَهَذِهِ الْخُطْبَةُ كَانَتْ فِي ابْتِدَاءِ مَرَضِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَإِنَّهُ خَرَجَ كَمَا رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ «وَهُوَ مَعْصُوبُ الرَّأْسِ بِخِرْقَةٍ حَتَّى أَهْوَى إلَى الْمِنْبَرِ فَاسْتَوَى عَلَيْهِ فَقَالَ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنِّي لَأَنْظُرُ إلَى الْحَوْضِ مِنْ مَقَامِي هَذَا ثُمَّ قَالَ إنَّ عَبْدًا عُرِضَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا إلَخْ ثُمَّ هَبَطَ عَنْهُ فَمَا رُئِيَ عَلَيْهِ حَتَّى السَّاعَةِ» وَذَكَرَ الْوَاحِدِيُّ بِسَنَدٍ وَصَلَهُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «أَنْعَى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفْسَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ» وَكَأَنَّ ذَلِكَ الْمُعْتَرَضَ أَرَادَ التَّخْيِيرَ الْأَخِيرَ فَقَدْ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهَا - كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «إنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ ثُمَّ يَحْيَا أَوْ يُخَيَّرُ فَلَمَّا اشْتَكَى وَحَضَرَهُ الْقَبْضُ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخْذِي غُشِيَ عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاقَ شَخَصَ بَصَرَهُ نَحْوَ سَقْفِ الْبَيْتِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الْأَعْلَى فَقُلْت إذًا لَا يَخْتَارُنَا» فَعَرَفْت أَنَّهُ حَدِيثُهُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا وَفَهْمُهَا هَذَا نَظِيرُ فَهْمِ أَبِيهَا السَّابِقِ حِينَ بَكَى - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فَعَلِمَ أَنَّهُ خُيِّرَ مَرَّتَيْنِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ التَّنْظِيرُ السَّابِقُ. فَالْأَوْلَى رَدُّ تِلْكَ الْمَقَالَةِ بِأَنَّ سَبَبَ إنْكَارِ التَّدَاوِي أَنَّهُ كَانَ غَيْرَ مُلَائِمٍ لِدَائِهِ؛ لِأَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ بِهِ ذَاتَ الْجَنْبِ فَدَاوَوْهُ بِمَا يُلَائِمُهَا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي سِيَاقِ الْخَبَرِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ سَعْدٍ قَالَ «كَانَتْ تَأْخُذُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْخَاصِرَةُ فَاشْتَدَّتْ بِهِ فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ فَلَدَدْنَاهُ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ عَلَيَّ ذَاتَ الْجَنْبِ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَجْعَلَ لَهَا عَلَيَّ سُلْطَانًا وَاَللَّهِ لَا يَبْقَى أَحَدٌ فِي الْبَيْتِ إلَّا لَدَّ وَلَدَدْنَا وَلَدَّتْ مَيْمُونَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَهِيَ صَائِمَةٌ» وَرَوَى أَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ فِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاتَ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ» وَجَمَعَ بَيْنَ هَذَا وَاَلَّذِي قَبْلَهُ بِأَنَّ ذَاتَ الْجَنْبِ تُطْلَقُ عَلَى شَيْئَيْنِ وَرَمٍ حَارٍّ يَعْرِضُ فِي الْغِشَاءِ الْمُسْتَبْطِنِ وَرِيحٍ يَحْتَقِنُ بَيْنَ الْأَضْلَاعِ فَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَنْفِيُّ هُنَا وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ ذَاتُ الْجَنْبِ مِنْ الشَّيْطَانِ وَالثَّانِي هُوَ الَّذِي أُثْبِتَ هُنَا وَلَيْسَ فِيهِ مَحْذُورٌ كَالْأَوَّلِ وَمِمَّا تَقَرَّرَ عُلِمَ مَعْنَى اللَّدَدِ وَإِنَّ الَّذِينَ لَدُّوهُ هُمْ أَهْلُ بَيْتِهِ وَلَمْ نَرَ تَعْيِينَ عَدَدِهِمْ وَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَإِنَّهُ كَانَ فِي الْأَدْوِيَةِ. وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ بِمَ اسْتَحَقَّ الْحَاضِرُونَ اللَّدَّ فَيُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَقَوْلُ صَاحِبِ الْعُبَابِ فَاقْتَضَى جَوَازَ التَّعْزِيرِ بِمِثْلِ مَا تَعَدَّى بِهِ هُوَ مَا سَبَقَهُ إلَيْهِ غَيْرُهُ لَكِنَّ عِبَارَتَهُ وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْقِصَاصِ فِيمَا يُصَابُ بِهِ الْإِنْسَانُ اهـ. لَكِنَّهُ مَرْدُودٌ بِأَنَّ الْجَمِيعَ لَمْ يَتَعَاطَوْا لَدَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا الَّذِي تَعَاطَاهُ بَعْضُهُمْ فَكَيْفَ يُقْتَصُّ مِنْ الْجَمِيعِ؟ وَلِأَجْلِ هَذَا الِاعْتِرَاضِ جُعِلَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّعْزِيرِ دُونَ الْقِصَاصِ لِتَرْكِهِمْ امْتِثَالَ نَهْيِهِ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ وَلَكِنْ رُدَّ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُتَأَوِّلِينَ كَمَا أَشَارُوا لِذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ كَرَاهِيَةُ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ وَالْمُتَأَوَّلِ الْمَعْذُورِ فِي تَأْوِيلِهِ لَا يُعَزَّرُ فَالْوَجْهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ تَأْدِيبَهُمْ لِئَلَّا يَعُودُوا فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ اقْتِصَاصٌ وَلَا انْتِقَامٌ وَبِهِ يَنْدَفِعُ قَوْلُ الْعُبَابِ فَاقْتَضَى إلَخْ

لَمَّا عَلِمْت أَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَمَّدُوا وَإِنَّمَا خَشِيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبْنُوا عَلَى ظَنِّهِمْ ذَلِكَ الْعَوْدَ إلَى مِثْلِ فِعْلِهِمْ الْأَوَّلِ وَظَهَرَ لَهُ أَنَّهُمْ لَا يَنْتَهُونَ بِنَهْيِهِ لِتَأْوِيلِهِمْ الْمَذْكُورِ فَلَمْ يَرُدَّ أَفْعَالَهُمْ إلَّا أَنْ يَفْعَلَ بِهِمْ كَفِعْلِهِمْ وَهُوَ لَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ إيذَاءٍ لِأَنَّ شُرْبَ الْقِسْطِ بِالزَّيْتِ نَافِعٌ لِلْأَصِحَّاءِ دُونَ الْمَرْضَى بِمَرَضٍ لَا يَكُونُ ذَلِكَ دَوَاءً لَهُ فَهُمْ أَذُوهُ لَكِنَّهُمْ مُتَأَوِّلُونَ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُؤْذِهِمْ وَإِنَّمَا قَصَدَ بِذَلِكَ عَدَمَ عَوْدِهِمْ وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ أَرَادَ أَنْ لَا يَأْتُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهِمْ حَقُّهُ فَيَقَعُوا فِي خَطِيئَةٍ عَظِيمَةٍ فَقَدْ عَلِمْت رَدَّهُ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَرْتَكِبُوا خَطِيئَةً فَضْلًا عَنْ كَوْنِهَا عَظِيمَةً لِأَنَّهُمْ ظَنُّوا الْإِصْلَاحَ وَهُمْ مَعْذُورُونَ فِي ذَلِكَ الظَّنِّ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَنْتَهُوا بِنَهْيِهِ لِأَنَّهُمْ أَوَّلُوهُ بِأَنَّهُ نَاشِئٌ عَنْ كَرَاهِيَةِ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ رَدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ الْعَفْوُ وَبِأَنَّهُ كَانَ لَا يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ اهـ. وَفِيهِ تَسْلِيمٌ لِمَا قَالَهُ فَالْوَجْهُ مَا قُلْتُهُ فِي رَدِّهِ مِنْ مَنْعِ كَوْنِ ذَلِكَ خَطِيئَةً فَضْلًا عَنْ كَوْنِهَا عَظِيمَةً، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا إذَا قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ لَعَنَ اللَّهُ وَالِدَيْك فَهَلْ يُعَزَّرُ الْقَائِلُ مَثَلًا أَوْ لَا لِأَنَّهُ لَمْ يَنْطِقْ بِاللَّعْنِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ الظَّاهِرِ كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُعَزَّرُ لِأَنَّ ذَلِكَ اشْتَهَرَ فِي أَلْفَاظِ الْعَوَامّ بِمَعْنَى اللَّعْنِ وَلَا يَفْهَمُونَ وَلَا يَقْصِدُونَ مِنْهُ إلَّا ذَلِكَ وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا فِي الْقَذْفِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِتَأْنِيثِ الْمُذَكَّرِ وَعَكْسِهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظُ يَفْهَمُهُ كُلُّ أَحَدٍ وَلَوْ مَعَ تَأْنِيثِ الْمُذَكَّرِ وَعَكْسِهِ فَكَذَا هُنَا الْمُرَادُ مِنْ هَذَا اللَّفْظُ يَفْهَمُهُ كُلُّ أَحَدٍ فَلْيَجِبْ التَّعْزِيرُ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ لَائِقًا وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَعَدِّي اللَّائِقَ وَمِنْ ثَمَّ حَكَى ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّهُ لَمَّا وُلِّيَ الْقَضَاءَ الْأَكْبَرَ بِمِصْرَ مَنَعَ نُوَّابَهُ مِنْ الضَّرْبِ بِالدِّرَّةِ قَالَ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِتَعْيِيرِ الشَّخْصِ وَتَعْيِيرِ ذُرِّيَّتِهِ بِذَلِكَ عَلَى الدَّوَامِ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَنْ لَا يَلِيقُ بِهِ الضَّرْبُ بِهَا لَا فِي نَحْوِ السَّفَلَةِ الَّذِينَ لَا يُبَالُونَ بِهَا وَلَا بِمَا هُوَ أَقْبَحُ مِنْهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِمَا لَفْظُهُ كَثِيرًا مَا يَتَخَاصَمُ اثْنَانِ فَيُعَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِالْفَقْرِ، أَوْ رَعْيِ الْغَنَمِ مَثَلًا فَيَقُولُ الْآخَرُ الْأَنْبِيَاءُ كَانُوا فُقَرَاءَ وَيَرْعَوْنَ الْغَنَمَ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعَامَّةِ مَأْلُوفٌ فَمَا حُكْمُ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) عَفَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ هَذَا مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُفْطَمَ عَنْهُ النَّاسُ غَايَةَ الْفَطْمِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى مَحْذُورَاتٍ لَا يُتَدَارَكُ خَرْقُهَا وَلَا يَرْتَقِعُ فَتْقُهَا وَكَيْفَ وَكَثِيرًا مَا يُوهِمُ ذَلِكَ الْعَامَّةَ إلْحَاقَ نَقْصٍ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبَعْضِ صِفَاتِهِ الَّتِي هِيَ مِنْ كَمَالِهِ الْأَعْظَمِ. وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَقِيصَةً فِي ذَاتِهِ كَالْأُمِّيَّةِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ عُرْفِ الْعَوَامّ الطَّارِئِ كَالْفَقْرِ وَرَعْيِ الْغَنَمِ فَتَعَيَّنَ الْإِمْسَاكُ عَنْ ذَلِكَ وَتَأَكَّدَ عَلَى الْوُلَاةِ وَالْعُلَمَاءِ مَنْعُ النَّاسِ مِنْ الْإِلْمَامِ بِشَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْمَسَالِكِ فَإِنَّهَا فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ أَعْظَمِ الْمَهَالِكِ وَقَدْ بَالَغَ الْحَافِظُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ شَكَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَعْيَهُ. فَأَفْتَى بِوُجُوبِ التَّعْزِيرِ الْبَلِيغِ عَلَى مَنْ عَيَّرَ وَلَدَهُ بِرَعْيِ الْمِعْزَى فَقَالَ مُسْتَدِلًّا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِنَقْصٍ الْأَنْبِيَاءُ رَعَوْا الْمِعْزَى؛ لِأَنَّ مَقَامَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُضْرَبَ مَثَلًا لِآحَادِ النَّاسِ وَلَمْ يُبَالِ فِي هَذَا الْإِفْتَاءِ بِاعْتِرَاضِ عُلَمَاءِ عَصْرِهِ عَلَيْهِ بِأَنَّ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَيْ بَلْ صَرِيحُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ أَكَابِرِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ مَحْذُورًا مِنْ تَنْقِيصٍ، أَوْ نَحْوِهِ وَإِنَّمَا قَصَدَ مُجَرَّدَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ لَيْسَتْ بِنَقْصٍ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَتَحَلَّى إلَّا بِمَا هُوَ الْغَايَةُ فِي الْكَمَالِ لَا إثْم عَلَيْهِ وَلَا تَعْزِيرَ وَأَنَّ الْإِثْمَ وَالتَّعْزِيرَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا يُوَافِقُ قَوَاعِدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأُصُولَهُ الَّتِي بَسَطَ الْكَلَامَ فِيهَا صَاحِبُ الشِّفَاءِ حَيْثُ قَالَ أَمَّا مُلَخَّصُهُ الْوَجْهُ الْخَامِسُ أَنْ لَا يَقْصِدَ نَقْصًا وَلَا يَذْكُرُ عَيْبًا وَلَا سَبًّا وَلَكِنَّهُ يَنْزِعُ بِذِكْرِ بَعْضِ أَوْصَافَهُ أَوْ يَسْتَشْهِدُ بِبَعْضِ أَحْوَالِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْجَائِزَةِ عَلَيْهِ فِي الدِّينِ عَلَى طَرِيقِ ضَرْبِ الْمَثَلِ وَالْحُجَّةِ لِنَفْسِهِ، أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ عَلَى التَّشَبُّهِ بِهِ، أَوْ عِنْدَ هَضْمَةٍ نَالَتْهُ، أَوْ غَضَاضَةٍ لَحِقَتْهُ لَيْسَ عَلَى طَرِيقِ التَّأَسِّي وَطَرِيقِ التَّحْقِيرِ بَلْ عَلَى قَصْدِ التَّرْفِيعِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ، أَوْ سَبِيلِ التَّمْثِيلِ وَعَدَمِ التَّوْقِيرِ لِنَبِيِّهِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مَعَ قَصْدِ الْهَزْلِ كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ. إنْ قِيلَ فِي سُوءٌ، أَوْ كُذِّبْتُ أَيْ بِالتَّشْدِيدِ، أَوْ أَذْنَبْت فَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ لِلْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، أَوْ قَدْ صَبَرْت كَمَا صَبَرَ أَوْلَوْ الْعَزْمِ وَكَمَا وَقَعَ فِي أَشْعَارِ الْمُتَعَجْرِفِينَ فِي الْقَوْلِ الْمُتَسَاهِلِينَ فِي الْكَلَامِ كَالْمُتَنَبِّي وَالْمَعَرِّيِّ وَابْنِ هَانِئٍ الْأَنْدَلُسِيِّ بَلْ خَرَجَ كَثِيرٌ مِنْ كَلَامِهِمْ إلَى حَدِّ الِاسْتِخْفَافِ وَالْكُفْرِ وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَهُ وَغَرَضُنَا الْآنَ بَيَانُ مَا سُقْنَا أَمْثِلَتَهُ فَإِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا وَإِنْ لَمْ تَتَضَمَّنْ سَبًّا وَلَا أَضَافَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَقْصًا وَلَا قَصَدَ قَائِلُهَا إزْرَاءً، أَوْ غَضًّا فَمَا وَقَّرَ النُّبُوَّةَ وَلَا عَظَّمَ الرِّسَالَةَ حِين شَبَّهَ مَنْ شَبَّهَ فِي كَرَامَةٍ نَالَهَا، أَوْ مَعَرَّةٍ قَصَدَ الِانْتِفَاءَ عَنْهَا أَوْ ضَرْبَ مَثَلٍ لِتَطْيِيبِ مَجْلِسِهِ أَوْ إغْلَاءً فِي وَصْفٍ لِتَحْسِينِ كَلَامِهِ مِمَّنْ عَظَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَطَرَهُ وَشَرَّفَ قَدْرَهُ وَأَلْزَمَ تَوْقِيرَهُ وَبِرَّهُ. وَنَهَى عَنْ جَهْرِ الْقَوْلِ لَهُ وَرَفْعِ الصَّوْتِ عِنْدَهُ فَحَقُّ هَذَا إنْ دُرِئَ عَنْهُ الْقَتْلُ الْأَدَبُ وَالسِّجْنُ وَقُوَّةُ تَعْزِيرِهِ بِحَسَبِ شُنْعَةِ مَقَالِهِ وَمُقْتَضَى قُبْحِ مَا نَطَقَ بِهِ وَمَأْلُوفِ عَادَتِهِ لِمِثْلِهِ، أَوْ قَرِينَةِ كَلَامِهِ، أَوْ نَدَمِهِ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْهُ وَلَمْ يَزَلْ الْمُتَقَدِّمُونَ يُنْكِرُونَ مِثْلَ هَذَا مِمَّنْ جَاءَ بِهِ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ عُيِّرَ بِالْفَقْرِ فَقَالَ تُعَيِّرُونِي بِالْفَقْرِ وَقَدْ رَعَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغَنَمَ أَرَى أَنْ يُؤَدَّبَ لِأَنَّهُ عَرَّضَ بِذِكْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَعَنْ سَحْنُونَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ التَّعَجُّبِ إلَّا عَلَى طَرِيقِ الِاحْتِسَابِ تَعْظِيمًا لَهُ كَمَا أَمَرَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَعَنْ الْفَاسِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ قِيلَ لَهُ اُسْكُتْ فَإِنَّك أُمِّيٌّ فَقَالَ أَلَيْسَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمِّيًّا فَكَفَّرَهُ النَّاسُ إطْلَاقُ الْكُفْرِ عَلَيْهِ خَطَأٌ لَكِنَّهُ مُخْطِئٌ فِي هَذَا الِاسْتِشْهَادِ إذْ الْأُمِّيَّةُ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آيَةٌ لَهُ وَفِي هَذَا الْقَائِلِ نَقِيصَةٌ وَجَهَالَةٌ لَكِنَّهُ إذَا اسْتَغْفَرَ وَتَابَ تُرِكَ لِأَنَّ مَا طَرِيقُهُ الْأَدَبُ فَطَوَّعَ فَاعِلَهُ بِالنَّدَمِ عَلَيْهِ يُوجِبُ الْكَفَّ عَنْهُ وَعَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ إنَّهُ قَالَ فِيمَنْ نَقَّصَهُ غَيْرُهُ. فَقَالَ إنَّمَا يُرِيدُ نَقْصِي بِذَلِكَ أَنَا بَشَرٌ وَجَمِيعُ الْبَشَرِ يَلْحَقُهُمْ النَّقْصُ، حَتَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يُطَالُ سَجْنُهُ وَأَدَبُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ السَّبَّ وَعَنْ غَيْرِهِ إنَّهُ قَالَ يُقْتَلُ هَذَا حَاصِلُ كَلَامِ الشِّفَاءِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا أَفْتَى بِهِ الْجَلَالُ مِنْ وُجُوبِ تَعْزِيرِ ذَلِكَ الْمُسْتَدِلِّ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَقَامِ الَّذِي يَخْرُجُ اللَّفْظُ عَنْ مَوْضُوعِهِ إلَى إيهَامِ النَّقْصِ وَنَحْوِهِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ مَقَامُ خِصَامٍ وَتَبَرٍّ مِنْ نَقْصِ نُسِبَ إلَيْهِ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ بِخِلَافِهِ فِي مَقَامِ تَدْرِيسٍ أَوْ إفْتَاءٍ، أَوْ تَأْلِيفٍ، أَوْ تَقْرِيرٍ لِلْعِلْمِ بِحَضْرَةِ أَهْلِهِ فَإِنَّهُ لَا حَرَجَ فِيهِ إذْ لَا إيهَامَ فِيهِ حِينَئِذٍ بِوَجْهٍ وَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي مَا حَاصِلُهُ أَيْضًا الْوَجْهُ السَّابِعُ أَنْ يَذْكُرَ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ يُخْتَلَفُ فِي جَوَازِهِ، أَوْ مَا يُمْكِنُ إضَافَتُهُ إلَيْهِ مِنْ الْأُمُورِ الْبَشَرِيَّةِ، أَوْ مَا اُمْتُحِنَ بِهِ مِنْ أَعْدَائِهِ وَصَبَرَ عَلَيْهِ فِي ذَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أَوْ ابْتِدَاءِ حَالِهِ وَمَا لَقِيَهُ مِنْ بُؤْسِ زَمَنِهِ، أَوْ مَرَّ عَلَيْهِ مِنْ مُعَانَاةِ عَيْشِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الرِّوَايَةِ وَإِفَادَةِ الْعِلْمِ وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ نَقْصٌ وَلَا غَمْصٌ وَلَا إزْرَاءٌ لَا فِي ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَلَا فِي مَقْصَدِ اللَّافِظِ لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ فِيهِ مَعَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَفُهَمَاءِ طَلَبَةِ الدِّينِ وَيَجْنَبُ ذَلِكَ مَنْ عَسَاهُ لَا يَفْهَمُهُ، أَوْ يَخْشَى بِهِ فِتْنَةً اهـ. وَلَمَّا اُعْتُرِضَ عَلَى الْجَلَالِ بِأَنَّ ذَلِكَ الْقَائِلَ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي عَيْرَةً وَلَا تَعْزِيرًا قَالَ لِلْمُعْتَرِضِ إنْ أَرَدْت مَا وَقَعَ فِي نَحْوِ دَرْسٍ، أَوْ مُذَاكَرَةٍ عُلِمَ فَمُسَلَّمٌ وَلَيْسَ هَذَا صُورَةَ وَاقِعَتِنَا وَإِنْ أَرَدْت عَيْنَ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ الَّتِي هِيَ سِبَابٌ وَخِصَامٌ فِي سُوقٍ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ يُطْلِقُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِمَا قَدْ يُوجِبُ سَفْكَ دِمَائِهِمْ فَمَعَاذَ اللَّهِ وَحَاشَا الْمُفْتِينَ أَنْ يَقُولُوا ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ مَنْ قَالَ التَّعْزِيرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْأَصْحَابَ لَمْ يَنُصُّوا عَلَيْهَا أَقُولُ لَهُ فَهَلْ نَصَّ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَا تَعْزِيرَ فِيهَا حَتَّى يُقَدَّمَ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ وَيُنْسَبُ إلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ تَنْزِلُ وَأَجَابَ عَمَّنْ قَالَ لَهُ إنَّمَا أَفْتَيْت فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ. فَإِنَّ ابْنَ الصَّلَاحِ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ لَا نَصَّ فِيهَا لِلْأَصْحَابِ فَأَجَابَ فِيهَا بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَرَّرَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَسْأَلَةً لَا نَقْلَ فِيهَا عِنْدَنَا وَأَجَابَ فِيهَا بِمَذْهَبِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَالَ إنَّهُ لَيْسَ فِي

باب الردة

قَوَاعِدِنَا مَا يَنْفِيهِ وَسُئِلَ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ مَسْأَلَةٍ لَا نَقْلَ فِيهَا فَأَجَابَ بِمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَدَارِكِ وَذَكَرَ فِي الْخَادِمِ مَسْحَ الْخُفِّ لِلْمُحْرِمِ وَقَالَ لَا نَقْلَ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا وَأَجَابَ بِالْمَنْقُولِ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ ثُمَّ قَالَ نَصَّ أَئِمَّةُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى التَّعْزِيرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يَنُصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى خِلَافِهِ وَلَا فِي قَوَاعِدِ مَذْهَبِنَا مَا يَنْفِيهِ فَوَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَهُ وَالْعَمَلُ بِهِ ثُمَّ قَالَ رَعْيُ الْغَنَمِ لَمْ يَكُنْ صِفَةَ نَقْصٍ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ لَكِنْ حَدَثَ الْعُرْفُ بِخِلَافِهِ. وَلَا يُسْتَنْكَرُ ذَلِكَ فَرُبَّ حِرْفَةٍ هِيَ نَقْصٌ فِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ وَفِي بَلَدٍ دُونَ بَلَدٍ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ كَلَامُ الْفُقَهَاءِ فِي الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ وَفِي الْمُرُوءَةِ فِي الشَّهَادَاتِ ثُمَّ قَالَ تَعْرِيضًا بِالْمُعْتَرِضِينَ عَلَيْهِ الْمُمَارَاةُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَالتَّدْلِيسُ وَقَصْدُ الِانْتِقَامِ بِالضَّغَائِنِ الْبَاطِنَةِ لَا يَضُرُّ إلَّا فَاعِلَهُ وَلَا يُصِيبُ الْمُشَنَّعَ عَلَيْهِ مِنْ ضَرَرِهِ شَيْءٌ وَالْحَقُّ لِلْأَنْبِيَاءِ وَقَدْ ذَكَرَ السُّبْكِيّ أَنَّ تَارِكَ الصَّلَاةِ يُخَاصِمُهُ كُلُّ صَالِحٍ لِأَنَّ لِكُلِّ صَالِحٍ فِيهَا حَقًّا حَيْثُ فِيهَا السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَكَذَلِكَ الْمُدَلِّسُونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُخَاصِمُهُمْ كُلُّ الْأَنْبِيَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعِدَّتُهُمْ مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا وَقَدْ قِيلَ لِيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَمَا تَخْشَى أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَرَكْت حَدِيثَهُمْ خُصَمَاءَك عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَقَالَ لَأَنْ يَكُونُوا خُصَمَائِي أَحَبَّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَصْمِي يَقُولُ لِي لِمَ لَمْ تَذُبَّ الْكَذِبَ عَنْ حَدِيثِي؟ وَكَذَلِكَ أَقُولُ لَأَنْ يَكُونَ كُلُّ أَهْلِ الْعَصْرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خُصَمَائِي أَحَبَّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يُخَاصِمُنِي نَبِيٌّ وَاحِدٌ فَضْلًا عَنْ جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ هَلْ وَرَدَ أَنَّ ذَوِي الْهَيْئَاتِ لَا يُعَزَّرُونَ وَمَا الْمُرَادُ بِهِمْ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ قَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ مَنْ ظَنَّ أَنَّ الصَّغِيرَةَ تُنْقِصُ الْوِلَايَةَ فَقَدْ جَهِلَ وَقَالَ إنَّ الْوَلِيَّ إذَا وَقَعَتْ مِنْهُ الصَّغِيرَةُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْأَئِمَّةِ وَالْحُكَّامِ تَعْزِيرُهُ عَلَيْهَا وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ ذَوِي الْهَيْئَاتِ لَا يُعَزَّرُونَ لِلْحَدِيثِ وَفَسَّرَهُمْ بِأَنَّهُمْ الَّذِينَ لَا يُعْرَفُونَ بِالشَّرِّ فَيَزِلُّ أَحَدُهُمْ الزَّلَّةَ فَيُتْرَكُ وَفَسَّرَهُمْ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ الصَّغَائِرِ دُونَ الْكَبَائِرِ وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّهُمْ الَّذِينَ إذَا وَقَعَ مِنْهُمْ الذَّنْبُ تَابُوا وَنَدِمُوا اهـ. وَتَفْسِيرُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - أَظْهَرُ وَأَمْتَنُ وَالْحَدِيثُ الْمُشَارُ إلَيْهِ جَاءَ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْهَا «أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إلَّا الْحُدُودَ» أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَمِنْهَا «تَجَاوَزُوا عَنْ زَلَّةِ ذَوِي الْهَيْئَةِ» أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَمِنْهَا «تَجَافُوا عَنْ عُقُوبَةِ ذَوِي الْمُرُوءَةِ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى» أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَمِنْهَا «تَجَافُوا عَنْ ذَنْبِ السَّخِيِّ فَإِنَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى آخِذٌ بِيَدِهِ كُلَّمَا عَثَرَ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْكَبِيرِ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ. [بَابُ الرِّدَّةِ] (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَرَضِيَ عَنْهُ هَلْ يَحِلُّ اللَّعِبُ بِالْقِسِيِّ الصِّغَارِ الَّتِي لَا تَنْفَعُ وَلَا تَقْتُلُ صَيْدًا بَلْ أُعِدَّتْ لِلَعِبِ الْكُفَّارِ وَأَكْلُ الْمَوْزِ الْكَثِيرِ الْمَطْبُوخِ بِالسُّكَّرِ وَإِلْبَاسُ الصِّبْيَانِ الثِّيَابَ الْمُلَوَّنَةِ بِالصُّفْرَةِ تَبَعًا لِاعْتِنَاءِ الْكَفَرَةِ بِهَذِهِ فِي بَعْضِ أَعْيَادِهِمْ وَإِعْطَاءِ الْأَثْوَابِ وَالْمَصْرُوفِ لَهُمْ فِيهِ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ تَعَلُّقٌ مِنْ كَوْنِ أَحَدِهِمَا أَجِيرًا لِلْآخَرِ مِنْ قَبِيلِ تَعْظِيمِ النَّيْرُوزِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّ الْكَفَرَةَ صَغِيرَهُمْ وَكَبِيرَهُمْ وَضَعِيفَهُمْ وَرَفِيعَهُمْ حَتَّى مُلُوكَهُمْ يَعْتَنُونَ بِهَذِهِ الْقِسِيِّ الصِّغَارِ وَاللَّعِبِ بِهَا وَبِأَكْلِ الْمَوْزِ الْكَثِيرِ الْمَطْبُوخِ بِالسُّكَّرِ اعْتِنَاءً كَثِيرًا وَكَذَا بِإِلْبَاسِ الصِّبْيَانِ الثِّيَابَ الْمُصَفَّرَةَ وَإِعْطَاءَ الْأَثْوَابِ وَالْمَصْرُوفِ لِمَنْ يَتَعَلَّقُ بِهِمْ وَلَيْسَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عِبَادَةُ صَنَمٍ وَلَا غَيْرِهِ وَذَلِكَ إذَا كَانَ الْقَمَرُ فِي سَعْدِ الذَّابِحِ فِي بُرْجِ الْأَسَدِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إذَا رَأَوْا أَفْعَالَهُمْ يَفْعَلُونَ مِثْلَهُمْ فَهَلْ يَكْفُرُ، أَوْ يَأْثَمُ الْمُسْلِمُ إذَا عَمِلَ مِثْلَ عَمَلِهِمْ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادِ تَعْظِيمِ عِيدِهِمْ وَلَا افْتِدَاءٍ بِهِمْ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ لَا كُفْرَ بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ لَوْ شَدَّ الزُّنَّارَ عَلَى وَسَطِهِ، أَوْ وَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ قَلَنْسُوَةَ الْمَجُوسِ لَمْ يَكْفُرْ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ اهـ. فَعَدَمُ كُفْرِهِ بِمَا فِي السُّؤَالِ أَوْلَى

باب الصيال

وَهُوَ ظَاهِرٌ بَلْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ فِيهِ لَا يَحْرُمُ إذَا قَصَدَ بِهِ التَّشْبِيهَ بِالْكُفَّارِ لَا مِنْ حَيْثُ الْكُفْرُ وَإِلَّا كَانَ كُفْرًا قَطْعًا فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِقَصْدِ التَّشْبِيهِ بِهِمْ فِي شِعَارِ الْكُفْرِ كَفَرَ قَطْعًا، أَوْ فِي شِعَارِ الْعَبْدِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْكُفْرِ لَمْ يَكْفُرْ وَلَكِنَّهُ يَأْثَمُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ التَّشْبِيهَ بِهِمْ أَصْلًا وَرَأْسًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ أَئِمَّتِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ ذَكَرَ مَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرْتُهُ فَقَالَ وَمِنْ أَقْبَحِ الْبِدَعِ مُوَافَقَةُ الْمُسْلِمِينَ النَّصَارَى فِي أَعْيَادِهِمْ بِالتَّشَبُّهِ بِأَكْلِهِمْ وَالْهَدِيَّةِ لَهُمْ وَقَبُولِ هَدِيَّتِهِمْ فِيهِ وَأَكْثَرُ النَّاسِ اعْتِنَاءً بِذَلِكَ الْمِصْرِيُّونَ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» بَلْ قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَبِيعَ نَصْرَانِيًّا شَيْئًا مِنْ مَصْلَحَةِ عِيدِهِ لَا لَحْمًا وَلَا أُدْمًا وَلَا ثَوْبًا وَلَا يُعَارُونَ شَيْئًا وَلَوْ دَابَّةً إذْ هُوَ مُعَاوَنَةٌ لَهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ وَعَلَى وُلَاةِ الْأَمْرِ مَنْعُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْهَا اهْتِمَامُهُمْ فِي النَّيْرُوزِ بِأَكْلِ الْهَرِيسَةِ وَاسْتِعْمَالِ الْبَخُورِ فِي خَمِيسِ الْعِيدَيْنِ سَبْعَ مَرَّاتٍ زَاعِمِينَ أَنَّهُ يَدْفَعُ الْكَسَلَ وَالْمَرَضَ وَصَبْغِ الْبَيْضِ أَصْفَرَ وَأَحْمَرَ وَبَيْعِهِ وَالْأَدْوِيَةُ فِي السَّبْتِ الَّذِي يُسَمُّونَهُ سَبْتَ النُّورِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ سَبْتُ الظَّلَّامِ وَيَشْتَرُونَ فِيهِ الشَّبَثَ وَيَقُولُونَ إنَّهُ لِلْبَرَكَةِ وَيَجْمَعُونَ وَرَقَ الشَّجَرِ وَيَلْقُونَهَا لَيْلَةَ السَّبْتِ بِمَاءٍ يَغْتَسِلُونَ بِهِ فِيهِ لِزَوَالِ السِّحْرِ وَيَكْتَحِلُونَ فِيهِ لِزِيَادَةِ نُورِ أَعْيُنِهِمْ وَيَدَّهِنُونَ فِيهِ بِالْكِبْرِيتِ وَالزَّيْتِ وَيَجْلِسُونَ عَرَايَا فِي الشَّمْسِ لِدَفْعِ الْجَرَبِ وَالْحَكَّةِ وَيَطْبُخُونَ طَعَامَ اللَّبَنِ وَيَأْكُلُونَهُ فِي الْحَمَّامِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْبِدَعِ الَّتِي اخْتَرَعُوهَا وَيَجِبُ مَنْعُهُمْ مِنْ التَّظَاهُرِ بِأَعْيَادِهِمْ اهـ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شَخْصٍ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَأَوْصَى بِوَصَايَا لِوُجُوهِ الْخَيْرِ وَأَبْوَابِ الْبِرِّ وَعَيَّنَ وَرَثَتَهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ عَقْلِهِ وَوُفُورِ رَأْيِهِ ثُمَّ إنَّهُ صَدَرَ مِنْهُ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ وَبَعْدَهُ كَلَامٌ يُوجِبُ إمَّا الِارْتِدَادُ مَثَلًا أَوْ الِاخْتِلَاطُ وَذَلِكَ بِأَنْ قَالَ لِبَعْضِ الْحَاضِرِينَ أَنْتَ النَّبِيُّ، أَوْ أَنْتَ اللَّهُ فَهَلْ يُجْعَلُ ذَلِكَ اخْتِلَاطًا مِنْهُ فَتُلْغَى بِهِ الْوَصِيَّةُ أَمْ يُجْعَلُ ارْتِدَادًا أَمْ يُحْسَنُ الظَّنُّ بِهِ وَيُؤَوَّلُ كَلَامُهُ وَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ أَئِمَّتُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ بِمُحْتَمِلٍ لِلْكُفْرِ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِهِ حَتَّى يُسْتَفْسَرَ وَإِنَّ لِلشَّاهِدِ اعْتِمَادَ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْقَرَائِنُ الْقَوِيَّةُ وَحِينَئِذٍ فَإِنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى تَقْدِيرِ اسْتِفْهَامٍ أَيْ أَأَنْتَ كَذَا حَتَّى يُؤْخَذَ بِقَوْلِك مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ وَلَا تَلَعْثُمٍ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِكُفْرٍ وَلَا بِاخْتِلَاطٍ فَتُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ وَإِنْ لَمْ تَدُلّ قَرِينَةٌ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ ظَهَرَ لِلشَّاهِدَيْنِ مِنْ حَالِهِ مَا يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِاخْتِلَاطِهِ فَلَا رِدَّةَ وَلَا وَصِيَّةَ إنْ قَارَنَهَا الِاخْتِلَاطُ أَيْضًا، أَوْ بِعَقْلِهِ حُكِمَ بِرِدَّتِهِ وَبَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ إنْ اسْتَمَرَّ عَلَى ارْتِدَادِهِ إلَى مَوْتِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابُ الصِّيَالِ] (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَمَّا إذَا نَطَحَتْ بَهِيمَةٌ بَهِيمَةً أُخْرَى فَهَلَكَتْ مَثَلًا أَوْ تَلِفَ مِنْهَا عُضْوٌ مَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إذَا نَطَحَتْ بَهِيمَةٌ بَهِيمَةً أُخْرَى فَإِنْ كَانَتْ النَّاطِحَةُ مَعَ مَالِكِهَا، أَوْ نَحْوِ مُسْتَأْجِرِهَا، أَوْ مُسْتَعِيرِهَا ضَمِنَ فِعْلَهَا مُطْلَقًا لَيْلًا، أَوْ نَهَارًا رَاكِبًا كَانَ، أَوْ سَائِقًا، أَوْ قَائِدًا وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مَعَ غَاصِبٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا أَحَدٌ ضَمِنَ مَنْ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ مَا أَتْلَفَتْهُ لَيْلًا لَا نَهَارًا إنْ تَعَوَّدُوا الْإِرْسَالَ فِيهِ فَقَطْ فَإِنْ تُعَوَّدُوهُ فِيهِمَا فَلَا ضَمَانَ مُطْلَقًا، أَوْ لَمْ يَتَعَوَّدُوهُ فِيهِمَا ضَمِنَ مُطْلَقًا وَإِنْ تَعَوَّدُوهُ لَيْلًا فَقَطْ لَمْ يَضْمَنْ فِيهِ وَضَمِنَ فِي النَّهَارِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَمَّا إذَا أَمَرَا بِنْتَيْهِمَا الصَّغِيرَتَيْنِ بِرَعْيِ بَقَرَتَيْنِ لَهُمَا فَنَطَحَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى فَقَتَلَتْهَا فَمَنْ يَضْمَنُهَا وَعَنْ الْعِمْرَانِيِّ وُجُوبُ الضَّمَانِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِاعْتِيَادِ النَّاطِحَةِ لِلنَّطْحِ وَقَيَّدَهُ ابْنُ عُجَيْلٍ بِهِ قَالَ فَفِي الْمَرَّةِ الْأُولَى لَا ضَمَانَ وَتَبِعَهُ بَعْضُهُمْ فَأَفْتَى بِهِ بَلْ شَرَطَ ابْنُ عُجَيْلٍ لِضَمَانِ مَالِكِ النَّاطِحَةِ اعْتِيَادَهَا النَّطْحَ وَعَلِمَ مَالِكُهَا بِهِ مِنْهَا وَعَدَمُ حِفْظِهِ لَهَا وَعَنْ الْعِمْرَانِيِّ أَيْضًا أَنَّ مَحَلَّ الضَّمَانِ إذَا أَمْكَنَ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ دَفَعَهَا وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ فَقَالَ يَضْمَنُ وَإِنْ غَلَبَتْهُ لِكَوْنِهَا تَحْتَ يَدِهِ وَهَلْ الضَّمَانُ حَيْثُ وَجَبَ فِي مَالِ الْمَالِكِ، أَوْ الرَّاعِي سَوَاءٌ الْمَالِ وَالْآدَمِيِّ. (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ

وَبَرَكَتِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ ذَكَرُوا فِيمَا إذَا أَرْكَبَ صَغِيرَيْنِ أَجْنَبِيٌّ وَتَلِفَ بِسَبَبِ رُكُوبِهِمَا شَيْءٌ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُرْكِبُ الْوَلِيَّ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ لِمَصْلَحَتِهِمَا مَعَ ضَبْطِهِمَا لِلْمَرْكُوبِ فَكَمَا لَوْ رَكِبَا بِأَنْفُسِهِمَا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا فَكَذَا يُقَالُ هُنَا إذَا أَمْكَنَ الْوَلِيَّانِ الصَّغِيرَيْنِ مِنْ الرَّعْيِ الَّذِي لَهُمَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِكَوْنِهِ بِأُجْرَةٍ أَوْ لِمِلْكِهِمَا نَفْسَهُمَا وَهُمَا مِمَّنْ يُضْبَطُ لِمِثْلِ مَا فِي أَيْدِيهِمَا ضَمِنَتْ رَاعِيَةُ النَّاطِحَةِ الْمَنْطُوحَةَ لِتَمَكُّنِهَا مِنْ رَدِّهَا. وَمِنْ ثَمَّ لَوْ انْفَلَتَتْ مِنْهَا وَعَجَزَتْ عَنْ رَدِّهَا فَأَتْلَفَتْ حِينَئِذٍ شَيْئًا لَمْ تَضْمَنْهُ الرَّاعِيَةُ لِخُرُوجِهَا عَنْ يَدِهَا وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُهُمْ لَوْ انْفَلَتَتْ الْبَهِيمَةُ فَلَا ضَمَانَ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَكِبَتْ رَأْسَهَا وَعَجَزَ عَنْ ضَبْطِهَا فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مُتْلِفَهَا لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ فَهُوَ الْمُقَصِّرُ بِرُكُوبِ مَا لَا يَضْبُطُهُ وَكَأَنَّ مَنْ اشْتَرَطَ اعْتِيَادَ النَّطْحِ أَخَذَهُ مِمَّا قَالُوهُ فِي الْهِرَّةِ أَنَّهَا إذَا اعْتَادَتْ الْإِتْلَافَ وَجَبَ ضَبْطُهُمَا وَضَمِنَ مُتْلَفَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَعْتَدِ ذَلِكَ لَا ضَمَانَ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْعَادَةَ حِفْظُ الطَّعَامِ عَنْهَا وَلَا دَلِيلَ فِي هَذَا عَلَى أَنَّ الْبَهِيمَةَ كَذَلِكَ فَالْأَوْجَهُ مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ضَمَانِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي فِي يَدِهِ بَيْنَ الْمُتَعَوِّدَةِ لِلنَّطْحِ وَغَيْرِهَا وَحَيْثُ وَجَبَ ضَمَانٌ فَهُوَ فِي مَالِ الضَّامِنِ إنْ كَانَ الْمُتْلَفُ غَيْرَ آدَمِيٍّ وَإِلَّا فَعَلَى الْعَاقِلَةِ. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِمَا صُورَتُهُ ذَكَرَ ابْنُ الْعِمَادِ مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْهِرِّ فَمَا حَاصِلُهَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ بِقَوْلِهِ الْحَاصِلُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُ الْهِرِّ وَإِنْ أَفْسَدَ عَلَى الْمَنْقُولِ الْمُعْتَمَدِ بَلْ يَجِبُ عَلَى دَافِعِهِ أَنْ يُرَاعِي التَّرْتِيبَ وَالتَّدْرِيجَ فِي الدَّفْعِ بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَلِ كَمَا يُرَاعِيهِ دَافِعُ الصَّائِلِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَجُوزُ قَتْلُهُ ابْتِدَاءً إذَا عُرِفَ بِالْإِفْسَادِ قِيَاسًا عَلَى الْفَوَاسِقِ الْخَمْسَةِ نَعَمْ يَجُوزُ قَتْلُهُ عَلَى الْأَوَّلِ الْمُعْتَمَدِ فِي صُورَةٍ وَهِيَ مَا إذَا أَخَذَ شَيْئًا وَهَرَبَ وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُهُ فَلَهُ رَمْيُهُ بِنَحْوِ سَهْمٍ لِيَعُوقَهُ عَنْ الْهَرَبِ. وَإِنْ أَدَّى إلَى قَتْلِهِ وَمَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ أُنْثَى حَامِلًا وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ رَمْيُهَا مُطْلَقًا رِعَايَةً لِحَمْلِهَا إذْ هُوَ مُحْتَرَمٌ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ جِنَايَةٌ فَلَا يُهْدَرُ بِجِنَايَةِ غَيْرِهِ وَأَمَّا تَخْرِيجُ الْبَغَوِيِّ لِذَلِكَ فِي فَتَاوِيهِ عَلَى تَتَرُّسِ الْمُشْتَرَكِينَ بِالْمُسْلِمِينَ فَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ تِلْكَ حَالَةُ ضَرُورَةٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا فَسَادٌ عَامٌّ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّ فَسَادَهُ خَاصٌّ وَالْأُمُورُ الْعَامَّةُ يُغْتَفَرُ لِأَجَلِهَا مَا لَا يُغْتَفَرُ لِأَجْلِ الْأُمُورِ الْخَاصَّةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَيُسْتَحَبُّ تَرْبِيَةُ الْهِرِّ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّهَا مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ» وَيَصِحُّ بَيْعُ الْهِرِّ الْأَهْلِيِّ وَالنَّهْيُ عَنْ ثَمَنِ الْهِرِّ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَحْشِيِّ وَيَجُوزُ أَكْلُ الْهِرِّ عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ وَيُسْتَحَبُّ إكْرَامُهُ وَيَجِبُ عَلَى مَالِكِهِ إطْعَامُهُ إنْ لَمْ يَسْتَغْنِ بِخَشَاشِ الْأَرْضِ وَسُؤْرُهُ طَاهِرٌ فَإِنْ أَكَلَ نَجَاسَةً فَفِي وَجْهٍ اخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ فَعَلَيْهِ لَوْ غَابَ وَاحْتَمَلَ طُهْرُ فَمِهِ بِشُرْبِهِ مِنْ مَاءٍ كَثِيرٍ، أَوْ قَلِيلٍ جَازَ، أَوْ مُكَدَّرٍ بِتُرَابٍ إنْ أَكَلَ نَجَاسَةً مُغَلَّظَةً لَمْ يَنْجُسْ مَا وَلَغَ فِيهِ لَكِنَّ فَمَهُ بَاقٍ عَلَى نَجَاسَتِهِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ فِيهِ وَفِيمَا وَلَغَ فِيهِ لِمَا قَرَّرْتُهُ فِي شَرْحَيْ الْإِرْشَادِ وَالْعُبَابِ وَلَوْ صَادَ نَحْوَ حَمَامَةٍ وَجَبَ تَخْلِيصُهُ مِنْهُ لِحُرْمَةِ رُوحِهِ إذْ يَحْرُمُ قَتْلُهُ بِغَيْرِ الذَّبْحِ وَلَوْ صَادَ هِرٌّ مَمْلُوكٌ بِنَفْسِهِ لَمْ يَدْخُلْ مَا صَادَهُ فِي مِلْكِ صَاحِبِهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ فَقَبْلَهُ يَمْلِكُهُ مَنْ أَخَذَهُ بِخِلَافِ قَنِّهِ إذَا احْتَطَبَ، أَوْ احْتَشَّ، أَوْ صَادَ لِأَنَّ لَهُ قَصْدًا صَحِيحًا وَيَدُهُ كَيَدِ سَيِّدِهِ فَمَلَكَ مَا صَادَهُ مُطْلَقًا وَلَا يَجُوزُ لِلضَّيْفِ أَنْ يُطْعِمَ الْهِرَّ إلَّا أَنْ أَذِنَ لَهُ الْمَالِكُ، أَوْ ظَنَّ رِضَاهُ أَوْ كَانَ الْهِرُّ مُضْطَرًّا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَنْفِيرُهُ لَوْ أَكَلَ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الْحِفْظَ وَلَوْ وَجَدَ نَحْوَ لَحْمَةٍ مَعَ هِرٍّ لَمْ يَجُزْ انْتِزَاعُهَا مِنْهُ إنْ عَلِمَ أَنَّ مَالِكَهَا تَبَرَّعَ بِهَا عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَاعْتِيدَ أَنَّ مِثْلَهَا يُرْمَى لَهُ وَإِلَّا كَدَجَاجَةٍ وَرَغِيفِ سُنَّ أَخَذَهُ مِنْهُ وَيَكُونُ لُقْطَةً فَيَجِبُ تَعْرِيفُهُ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي نَحْوِ الْكَلْبِ وَكُلُّ مَا يُطْعِمُهُ الْإِنْسَانُ لِهِرٍّ أَوْ حَيَوَانٍ آخَرَ يُثَابُ عَلَيْهِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ. وَفَسَّرَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْمَحْرُومَ فِي الْآيَةِ بِالْكَلْبِ وَيَجُوزُ حَبْسُ الْهِرِّ وَإِطْعَامُهُ وَلَا نَظَرَ لِمَا فِي الْحَبْسِ مِنْ الْعُقُوبَةِ لِأَنَّهَا يَسِيرَةٌ مُحْتَمَلَةٌ وَكَذَا الطَّائِرُ وَفِي شَرْحِ التَّعْجِيزِ لِابْنِ يُونُسَ إنَّ الْقَفَصَ لِلطَّائِرِ كَالْإِصْطَبْلِ لِلدَّابَّةِ وَدَلِيلُ جَوَازِ حَبْسِهِمَا خَبَرُ الْبُخَارِيِّ

باب الزنا

وَغَيْرِهِ «أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ النَّارَ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا فَلَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ» فَأَفْهَمَ أَنَّهَا لَوْ حَبَسَتْهَا وَأَطْعَمَتْهَا جَازَ وَلَمْ يَدْخُلْ النَّارَ بِسَبَبِهَا وَخَبَرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا دَخَلَ دَارَ خَادِمِهِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - لِزِيَارَةِ أُمِّهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهَا - يَقُولُ لِوَلَدِهَا الصَّغِيرِ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ» يُمَازِحُهُ عَنْ طَيْرٍ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ وَيَحْبِسُهُ عِنْدَهُ وَفِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قَتْلَ الْهِرِّ كَبِيرَةٌ لِلتَّوَعُّدِ الشَّدِيدِ عَلَيْهِ نَعَمْ اخْتَلَفُوا فِي إسْلَامِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ وَاَلَّذِي رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا كَانَتْ كَافِرَةً وَالْخَشَاشُ مُثَلَّثٌ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا يُسْتَتَرُ مِنْ صِغَارِ الْحَيَوَانِ بِالشُّقُوقِ كَالْفَأْرِ. [بَابُ الزِّنَا] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - فِي مَعْنَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْغِيبَةُ أَشَدُّ مِنْ الزِّنَا» وَقَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْغِيبَةُ أَشَدُّ مِنْ ثَلَاثِينَ زَنْوَةً فِي الْإِسْلَامِ» مَعَ أَنَّهَا صَغِيرَةٌ وَالزِّنَا كَبِيرَةٌ وَهَلْ الزِّنَا مِنْ الذُّنُوبِ الَّتِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا يَحْتَاجُ فِي التَّوْبَةِ مِنْهُ إلَى اسْتِحْلَالٍ مِنْ أَحَدٍ، أَوْ هُوَ مِنْ الذُّنُوبِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْآدَمِيِّينَ فَيَحْتَاجُ إلَى اسْتِحْلَالٍ مِنْ قَرَابَةِ الْمَزْنِيِّ بِهَا وَمِنْ زَوْجِهَا إنْ كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً وَمَا ضَابِطُ الذَّنْبِ الْمُتَعَلِّقِ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالذَّنْبِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْآدَمِيِّ أَفْتُونَا بِجَوَابٍ وَاضِحٍ مَبْسُوطًا أَثَابَكُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْجَنَّةَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ. (فَأَجَابَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ حَدِيثُ جَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُمَا - «إيَّاكُمْ وَالْغِيبَةَ فَإِنَّ الْغِيبَةَ أَشَدُّ مِنْ الزِّنَا» رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي الصَّمْتِ وَابْنُ حِبَّانَ فِي الضُّعَفَاءِ وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي التَّفْسِيرِ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِلَفْظِ «الْغِيبَةُ أَشَدُّ مِنْ الزِّنَا» وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى تُبَيِّنُ مَعْنَاهُ وَهِيَ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَأَبُو الشَّيْخِ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُمَا - أَيْضًا «إيَّاكُمْ وَالْغِيبَةَ فَإِنَّ الْغِيبَةَ أَشَدُّ مِنْ الزِّنَا إنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَزْنِي فَيَتُوبُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ وَإِنَّ صَاحِبَ الْغِيبَةِ لَا يُغْفَرُ لَهُ حَتَّى يَغْفِرَ لَهُ صَاحِبُهُ» فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ أَشَدِّيَّةَ الْغِيبَةِ عَلَى الزِّنَا لَيْسَتْ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ التَّوْبَةَ الْبَاطِنَةَ الْمُسْتَوْفِيَةَ لِجَمِيعِ شُرُوطِهَا مِنْ النَّدَمِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْصِيَةُ وَالْإِقْلَاعُ وَعَزْمٌ أَنْ لَا يَعُودَ مَعَ عَدَمِ الْغَرْغَرَةِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا مُكَفِّرَةٌ لِإِثْمِ الزِّنَا بِمُجَرَّدِهَا بِخِلَافِ الْغِيبَةِ فَإِنَّ التَّوْبَةَ وَإِنْ وُجِدَتْ فِيهَا هَذِهِ الشُّرُوطُ لَا تُكَفِّرُهَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَنْضَمَّ إلَيْهَا اسْتِحْلَالُ صَاحِبِهَا مَعَ عَفْوِهِ فَكَانَتْ الْغِيبَةُ أَشَدَّ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ لَا مُطْلَقًا كَمَا شَهِدَ بِهِ هَذَا الْحَدِيثُ وَلَيْسَتْ صَغِيرَةً مُطْلَقًا بَلْ إنْ كَانَتْ فِي نَحْوِ حَمَلَةِ الْعِلْمِ وَالْقُرْآنِ فَهِيَ كَبِيرَةٌ وَإِلَّا فَهِيَ صَغِيرَةٌ عَلَى نِزَاعٍ طَوِيلٍ فِيهَا. وَقَدْ نَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهَا كَبِيرَةٌ مُطْلَقًا وَعُلِمَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا أَنَّ الزِّنَا لَا يَحْتَاجُ فِي التَّوْبَةِ مِنْهُ إلَى اسْتِحْلَالٍ وَهُوَ مَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَغَيْرِهِمَا وَصَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي مِنْهَاجِ الْعَابِدِينَ وَسَتَأْتِي عِبَارَتُهُ وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فَقَالَ التَّوْبَةُ الْبَاطِنَةُ الَّتِي بَيْنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَبَيْنَ الْعَبْدِ الْمَاحِيَةُ لِلْإِثْمِ تَنْقَسِمُ إلَى تَوْبَةٍ عَنْ ذَنْبٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ وَإِلَى تَوْبَةٍ عَنْ ذَنْبٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ فَالضَّرْبُ الْأَوَّلُ كَمُبَاشَرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَتَقْبِيلُهَا مِنْ الصَّغَائِرِ وَالزِّنَا وَشُرْبُ الْخَمْرِ مِنْ الْكَبَائِرِ فَتَحْصُلُ التَّوْبَةُ فِيهِ بِالنَّدَمِ عَلَى مَا مَضَى وَالْعَزْمِ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ إلَيْهِ وَالْإِقْلَاعِ عَنْهُ فِي الْحَالِ إنْ كَانَ مُتَلَبِّسًا بِهِ فِي الْحَالِ اهـ. ثُمَّ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الِاسْتِحْلَالِ فِي الزِّنَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْآدَمِيِّ مُطْلَقًا وَمَعْنَى قَوْلِهِمْ السَّابِقِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ آدَمِيٍّ أَيْ مِنْ الْمَالِ وَنَحْوِهِ وَإِلَّا فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْأَعْرَاضِ وَالْأَنْسَابِ قَالُوا وَلِذَا اُخْتُصَّ بِالرَّجْمِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْمَعَاصِي وَكَانَتْ عُقُوبَتُهُ أَشَدَّ الْعُقُوبَاتِ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ فِيهِ حَقًّا لِأَقَارِبِ الْمَزْنِيِّ بِهَا وَلِزَوْجِهَا، أَوْ سَيِّدِهَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ إنَّمَا لَمْ يُفَوَّضْ اسْتِيفَاءُ حَدِّ الزِّنَا لِأَوْلِيَاءِ الْمَزْنِيِّ بِهَا لِأَنَّهُمْ قَدْ لَا يَسْتَوْفُونَهُ خَوْفًا مِنْ الْعَارِ فَعُلِمَ أَنَّ فِيهِ حَقًّا لِآدَمِيٍّ لَكِنَّهُ لَيْسَ

مِنْ الْحُقُوقِ الْمُقْتَضِيَةِ لِوُجُوبِ الِاسْتِحْلَالِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ زِيَادَةِ الْعَارِ وَالظَّنِّ الْغَالِبِ فَإِنَّ نَحْوَ الزَّوْجِ أَوْ الْقَرِيبِ إذَا ذُكِرَ لَهُ ذَلِكَ يُبَادِرْ إلَى قَتْلِ الزَّانِي، أَوْ الْمَزْنِيِّ بِهَا أَوْ إلَى قَتْلِهِمَا مَعًا فَلَمَّا تَرَتَّبَ عَلَى ذِكْرِهِ هَذَا لَمْ يَكُنْ الْقَوْلُ بِاشْتِرَاطِهِ وَقَدْ صَرَّحَ بِنَحْوِ ذَلِكَ الْغَزَالِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ فَقَالَ إنَّ الذُّنُوبَ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ الْعِبَادِ قَدْ تَكُونُ فِي الْمَالِ وَفِي النَّفْسِ وَفِي الْعِرْضِ وَفِي الْحُرُمِ وَفِي الدَّيْنِ فَأَمَّا الْمَالُ فَيَجِبُ رَدُّهُ عِنْدَ الْمُكْنَةِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ لِفَقْرِهِ اسْتَحَلَّهُ مِنْهُ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِحْلَالِهِ لِغِيبَتِهِ أَوْ مَوْتِهِ وَأَمْكَنَ التَّصَدُّقَ عَنْهُ فَعَلَ وَإِلَّا فَلْيُكْثِرْ مِنْ الْحَسَنَاتِ وَيَرْجِعْ إلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَيَتَضَرَّعْ إلَيْهِ فِي أَنْ يُرْضِيَهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَمَّا النَّفْسَ فَيُمَكِّنُهُ أَوْ وَلِيَّهُ مِنْ الْقِصَاصِ فَإِنْ عَجَزَ رَجَعَ إلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي إرْضَائِهِ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَمَّا الْعِرْضُ فَإِنْ اغْتَبْتَهُ، أَوْ شَتَمْتَهُ، أَوْ بَهَتَّهُ فَحَقُّك أَنْ تُكَذِّبَ نَفْسَك بَيْنَ يَدَيْ مَنْ فَعَلْت ذَلِكَ عِنْدَهُ وَأَنْ تَسْتَحِلَّ مِنْ صَاحِبِهِ إنْ أَمْكَنَك هَذَا إذَا لَمْ تَخْشَ زِيَادَةَ غَيْظٍ وَتَهْيِيجِ فِتْنَةٍ فِي إظْهَارِ ذَلِكَ وَتَجْدِيدِهِ فَإِنْ خَشِيت ذَلِكَ فَالرُّجُوعُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِيُرْضِيَهُ عَنْك وَأَمَّا الْحُرُمُ فَإِنْ خُنْتَهُ فِي أَهْلِهِ، أَوْ وَلَدِهِ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا وَجْهَ لِلِاسْتِحْلَالِ وَالْإِظْهَارِ لِأَنَّهُ يُوَلِّدُ فِتْنَةً وَغَيْظًا بَلْ تَتَضَرَّعُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِيُرْضِيَهُ عَنْك وَيَجْعَلَ لَهُ خَيْرًا كَثِيرًا فِي مُقَابَلَتِهِ فَإِنْ أَمِنْت الْفِتْنَةَ وَالْهَيْجَ وَهُوَ نَادِرٌ فَتَسْتَحِلُّ مِنْهُ وَأَمَّا فِي الدِّينِ فَإِنْ كَفَّرْتُهُ أَوْ بَدَّعْتُهُ، أَوْ ضَلَّلْتَهُ فَهُوَ أَصْعَبُ الْأُمُورِ فَتَحْتَاجُ إلَى تَكْذِيبِ نَفْسِك بَيْنَ يَدَيْ مَنْ قُلْت لَهُ ذَلِكَ وَأَنْ تَسْتَحِلَّ مِنْ صَاحِبِك إنْ أَمْكَنَك وَإِلَّا فَالِابْتِهَالُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جِدًّا وَالنَّدَمُ عَلَى ذَلِكَ لِيُرْضِيَهُ عَنْك اهـ. وَسَكَتَ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ بَلْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالتَّحْقِيقِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَيُشْبِهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ الْإِخْبَارُ أَيْ بِالْحَسَدِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُحَلِّلُهُ وَأَنْ يَتَوَلَّدَ مِنْهُ عَدَاوَةٌ وَحِقْدٌ وَأَذًى لِلْمُخْبِرِ ثُمَّ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْمَحْسُودِ فَإِنْ كَانَ حَسَنَ الْخُلُقِ بِحَيْثُ يَظُنُّ أَنَّهُ يُحَلِّلُهُ تَعَيَّنَ إخْبَارُهُ لِيَخْرُجَ مِنْ ظُلَامَتِهِ بِيَقِينٍ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ إخْبَارَهُ يَجُرُّ شَرًّا وَعَدَاوَةً حَرُمَ إخْبَارُهُ قَطْعًا وَإِنْ تَرَدَّدَ فَالظَّاهِرُ مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ عَدَمِ الْوُجُوبِ وَالِاسْتِحْبَابِ فَإِنَّ النَّفْسَ الزَّكِيَّةَ نَادِرَةٌ وَرُبَّمَا جَرَّ ذَلِكَ حِقْدًا وَشَرًّا وَإِنْ حَلَّلَهُ بِلِسَانِهِ اهـ. فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْحَسَدِ مَعَ سُهُولَتِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّاسِ وَعَدَمِ مُبَالَاتِهِمْ بِهِ وَمِنْ ثَمَّ أَطْلَقَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِ عَدَمَ الْإِخْبَارِ فَقَالَ الْمُخْتَارُ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إخْبَارُ الْمَحْسُودِ بَلْ لَا يُسْتَحَبُّ وَلَوْ قِيلَ يُكْرَهُ لَمْ يَبْعُدْ اهـ. فَمَا بَالُك بِالزِّنَا الْمُسْتَلْزِمِ أَنَّ الزَّوْجَ وَالْقَرِيبَ يَقْتُلُ فِيهِ بِمُجَرَّدِ التَّوَهُّمِ فَكَيْفَ مَعَ التَّحَقُّقِ وَكُلُّ إثْمٍ لَا ضَرَرَ يَلْحَقُ الْآدَمِيَّ بِسَبَبِهِ هُوَ الْمُتَعَلِّقُ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَضِدُّهُ هُوَ الْمُتَعَلِّقُ بِالْآدَمِيِّ وَأَمَّا خَبَرُ «الْغِيبَةِ أَشَدُّ مِنْ ثَلَاثِينَ زَنْيَةً فِي الْإِسْلَامِ» فَلَمْ أَرَ لَهُ ذِكْرًا فِي كُتِبَ الْحَدِيثِ طَوِيلِهَا وَمُخْتَصَرِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ وَقَوْلُ السَّائِلِ زَنْوَةً صَوَابُهُ زَنْيَةٌ كَمَا عَبَّرْت بِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ قَوْلِ التَّاجِ السُّبْكِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَخَمْسَةٌ مِنْ زُنَاةِ النَّاسِ خَامِسُهُمْ ... مَا نَالَهُ بِالزِّنَا شَيْءٌ مِنْ الضَّرَرِ وَالْقَتْلُ وَالرَّجْمُ وَالْجَلْدُ الْأَلِيمُ كَذَا التَّ ... غْرِيبُ وُزِّعَ فِي الْبَاقِينَ فَاعْتَبِرْ ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ صَوَّرَهُ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ قِيلَ إنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ سَأَلَ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنْ خَمْسَةٍ زَنَوْا بِامْرَأَةٍ فَوَجَبَ عَلَى وَاحِدٍ الْقَتْلُ وَآخَرَ الرَّجْمُ، وَالثَّالِثُ الْجَلْدُ وَالرَّابِعُ نِصْفُهُ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْخَامِسِ شَيْءٌ فَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - بِأَنَّ الْأَوَّلَ ذِمِّيٌّ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ فَانْتَقَضَ عَهْدُهُ فَيُقْتَلُ وَالثَّانِي مُحْصَنٌ وَالثَّالِثُ بِكْرٌ وَالرَّابِعُ عَبْدٌ وَالْخَامِسُ مَجْنُونٌ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ رَوَى حَدِيثَ «مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ رَوَاهُ كَثِيرُونَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُمَا - وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَابْنُ الْجَارُودِ وَالضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ وَابْنُ لَكِنَّهُ ضَعَّفَهُ

باب السرقة

آخَرُونَ وَاعْتَرَضَ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الرَّافِعِيِّ إنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي ثُبُوتِهِ أَيْ وَمَعَ ذَلِكَ لَيْسَ قَدْحًا فِي ثُبُوتِهِ وَإِنَّمَا هُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الصَّحِيحَ قَدْ يَكُونُ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ. وَقَدْ يَكُونُ مُخْتَلَفًا فِيهِ وَهَذَا قَدْ يَكُونُ فِيهِ شُذُوذٌ، أَوْ غَرَابَةٌ وَنَحْوُهُمَا وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْحَاكِمُ الصَّحِيحُ مِنْ الْحَدِيثِ يَنْقَسِمُ عَشَرَةَ أَقْسَامٍ خَمْسَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَخَمْسَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَهِيَ مُبَيَّنَةٌ فِي مَحَلِّهَا مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَنَظِيرُ ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَهُمْ رَأَى قَوْلَ التِّرْمِذِيِّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي حَدِيثِ «أَنَا دَارُ الْحِكْمَةِ وَعَلِيٌّ بَابُهَا» هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ فَظَنَّ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ بَاطِلٌ، أَوْ مَوْضُوعٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُنْكَرُ قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ الضَّعِيفِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَمِنْ ثَمَّ اعْتَرَضَ الذَّهَبِيُّ إطْلَاقَ الْخَطِيبِ الْمُنْكَرَ عَلَى الْبَاطِلِ وَوَصَفَ الذَّهَبِيُّ عِدَّةَ أَحَادِيثَ فِي الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ حَتَّى الصَّحِيحَيْنِ بِالنَّكَارَةِ لِأَنَّهَا قَدْ تَرْجِعُ إلَى الْفَرْدِيَّةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهَا ضَعْفُ مَتْنِ الْحَدِيثِ فَضْلًا عَنْ بُطْلَانِهِ وَرَوَى حَدِيثَ السُّؤَالِ عَنْ جَمَاعَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ وَنُوزِعَ فِيهِ وَأُجِيبُ عَنْهُ وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ جَابِرٍ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ «مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوهُ» وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُرْجَمُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ أَحْصَنَ، أَوْ لَمْ يُحْصَنْ» وَصَحَّ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - " أَنَّهُ " أَشْرَفَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِأَرْبَعَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَجِبُ الْقَتْلُ إلَّا عَلَى أَرْبَعَةٍ رَجُلٍ كَفَرَ بَعْدَ إسْلَامِهِ، أَوْ زَنَى بَعْد إحْصَانِهِ، أَوْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ وَقَوْلُهُ: أَمَا عَلِمْتُمْ دَلِيل عَلَى اشْتِهَارِ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ السَّرِقَةِ] (وَسُئِلَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِبَرَكَتِهِ عَمَّنْ سَرَقَ آنِيَةً مَوْقُوفَةً لِلشُّرْبِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ مُصْحَفًا مَوْقُوفًا لِلْقِرَاءَةِ فِيهِ وَهُوَ غَيْرُ قَارِئٍ فَهَلْ يُقْطَعُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ هُوَ كَالْقَنَادِيلِ الَّتِي لِلْوَقُودِ وَنَحْوِهَا وَقَدْ قَالُوا لَا قَطْعَ بِذَلِكَ فَهَذِهِ مَثَلُهَا وَلِابْنِ الْعِمَادِ احْتِمَالَانِ فِي الثَّانِيَةِ أَحَدُهُمَا يُقْطَعُ إنْ لَمْ يَكُنْ قَارِئًا إذْ لَا حَقَّ لَهُ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ قَدْ يَدْفَعُهُ إلَى مَنْ يَقْرَأُ لَهُ فِيهِ أَوْ يَتَعَلَّمُ وَيَقْرَأُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ لِلْأَوَّلِ وَجْهٌ وَجِيهٌ لِأَنَّهُمْ قَالُوا يُقْطَعُ الذِّمِّيُّ بِذَلِكَ وَاحْتِمَالُ تَعَلُّمِ هَذَا كَاحْتِمَالِ إسْلَامِ ذَاكَ لَكِنَّ الْفَرْقَ عَلَى الثَّانِي أَنَّ لِلْمُسْلِمِ فِي حَالِ عَدَمِ قِرَاءَتِهِ حَقًّا بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ حَالَ كُفْرِهِ لَا حَقَّ لَهُ فِي ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ فِيهِ لِإِسْمَاعِ الْحَاضِرِينَ لَمْ يُقْطَعُ قَطْعًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابُ السِّيَرِ] (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كُلِّ مَا يَعُمُّ نَفْعُهُ الْبَلَدَ كَعِمَارَةِ مَسَاجِدِهَا وَعِمَارَةِ سُورِهَا وَمُؤْنَةِ الْقَائِمِينَ بِحُصُونِهَا ذَكَرَ الْأَئِمَّةُ أَنَّهُ عَلَى أَهْلِ الْقُدْرَةِ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلَدِ فَمَا الْمُرَادُ بِأَهْلِ الْقُدْرَةِ هَلْ هُمْ كُلُّ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ أَمْ لَهُمْ حَدٌّ غَيْرُ ذَلِكَ وَهَلْ يَجُوزُ لِلْوَالِي أَصْلَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَخُصَّ بَعْضَهُمْ بِالْقِيَامِ بِذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ، أَوْ يَخُصَّ الْبَعْضَ فِي وَقْتٍ وَالْبَعْضَ الْآخَرَ فِي وَقْتٍ آخَرَ، أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّوْزِيعُ بَيْنَهُمْ لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ. وَهَلْ التَّوْزِيعُ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ أَمْ عَلَى الرُّءُوسِ وَحَيْثُ قِيلَ إنَّهُ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْفَقِيرَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَلَوْ كَانَتْ الْأَمْوَالُ عَقَارًا فَهَلْ التَّوْزِيعُ عَلَى قَدْرِ مِسَاحَةِ الْأَرْضِ، أَوْ قِيمَتِهَا وَكَذَا فِي النَّخِيلِ وَنَحْوِهَا هَلْ الِاعْتِبَارُ بِالْقِيمَةِ، أَوْ الْعَدَدِ فَالْمَسْأَلَةُ وَاقِعَةٌ وَإِلَيْكُمْ أَحْكَامُهَا رَاجِعَةٌ؟ (فَأَجَابَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِأَنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ هُنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِأَهْلِ الْقُدْرَةِ الَّذِينَ يَمْلِكُونَ مَا زَادَ عَلَى الْكِفَايَةِ سَنَةً كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَمِنْهَا أَيْ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ. مَا يَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِ الْمَعَايِشِ وَانْتِظَامِ أُمُورِ النَّاسِ كَدَفْعِ الضَّرَرِ

عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِزَالَةِ فَاقَتِهِمْ كَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَإِطْعَامِ الْجَائِعِينَ وَإِغَاثَةِ الْمُسْتَغِيثِينَ فِي النَّائِبَاتِ فَكُلُّ ذَلِكَ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي حَقِّ أَصْحَابِ الثَّرْوَةِ وَالْمُرُوءَةِ إذَا لَمْ تَفِ الصَّدَقَاتُ الْوَاجِبَةُ بِسَدِّ حَاجَاتِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَا يُصْرَفُ إلَيْهَا فَلَوْ انْسَدَّتْ الضَّرُورَةُ فَهَلْ يَكْفِي ذَلِكَ أَمْ تُحْجَبُ الزِّيَادَةُ إلَى تَمَامِ الْكِفَايَةِ الَّتِي يَقُومُ بِهَا مَنْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ وَجْهَانِ قُلْت قَالَ الْإِمَامُ فِي كِتَابِهِ الْغِيَاثِيِّ يَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ الْمُوَاسَاةُ بِمَا زَادَ عَلَى الْكِفَايَةِ سَنَةٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ اهـ. فَقَوْلُهُ: مَا يَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِ الْمَعَاشِ وَانْتِظَامِ أُمُورِ النَّاسِ كَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِغَاثَةِ الْمُسْتَغِيثِينَ فِي النَّائِبَاتِ يَشْمَلُ عِمَارَةَ السُّورِ وَنَحْوَهَا مِمَّا يَضْطَرُّ النَّاسُ إلَيْهَا. وَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجِبُ إلَّا عَلَى الْمُوسِرِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنْ عِنْدَهُ فَاضِلٌ عَنْ كِفَايَةِ سَنَةٍ فَعُلِمَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَنْقُولَةٌ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَالْمُرَادُ بِكِفَايَةِ السَّنَةِ هُنَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ كِفَايَتُهُ وَكِفَايَةُ مُمَوَّنِهِ مَطْعَمًا وَمَلْبَسًا وَمَسْكَنًا وَدَوَاءً وَغَيْرَهُمَا مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَيُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِهِمَا هَذَا أَنَّ الْمُوسِرِينَ لَا يُخَاطَبُونَ بِنَحْوِ عِمَارَةِ السُّورِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ، أَوْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ وَجَارَ النَّاظِرُ فِي أَمْرِهِ فَلَمْ يَصْرِفْهُ فِي مَصَارِفِهِ، أَوْ اُحْتِيجَ لِصَرْفِهِ فِيمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْ ذَلِكَ كَسَدِّ ثَغْرٍ يَعْظُمُ ضَرَرُهُ لَوْ تُرِكَ أَوْ حَالَتْ الظُّلْمَةُ دُونَهُ وَالرَّاجِحُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ الْمُطْلَقَيْنِ أَوَّلُهُمَا. وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي عِمَارَةِ السُّورِ إنَّمَا هُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ فَقَطْ وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ مَنْ جَعَلَ عِمَارَةَ الْمَسْجِدِ كَعِمَارَةِ السُّورِ فَقَدْ أَبْعَدَ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لَا يُضْطَرُّ إلَيْهِ إذْ لَا تَتَوَقَّفُ صَلَاةٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَلَا نَظَرَ لِتَوَقُّفِ الِاعْتِكَافِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ نَادِرٌ وَغَيْرُ وَاجِبٍ وَالْوَاجِبُ مِنْهُ بِنَذْرٍ نُذِرَ فَلَا يَصْلُحُ حِينَئِذٍ غَيْرُ الْمَسْجِدِ مِمَّا يُضْطَرُّ إلَيْهِ حَتَّى يُلْزَمَ الْمُوسِرُونَ بِبِنَائِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِدَفْعِ الضَّرَرِ أَنَّ عِمَارَةَ ذَلِكَ لَا يُخَاطَبُ بِهَا الْمُوسِرُونَ إلَّا إنْ تَحَقَّقَ، أَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ عَدَمَ عِمَارَتِهِ يَكُونُ سَبَبًا لِتَلَفِ نَفْسٍ، أَوْ مَالٍ مُحْتَرَمٍ فَإِنْ قُلْت اعْتِبَارُ الْمُوسِرِ هُنَا بِمَنْ زَادَ مَالُهُ عَلَى كِفَايَةِ سَنَةٍ يُنَافِيهِ جَعْلُهُمْ الْمُوسِرَ فِي الْعَاقِلَةِ مَنْ يَمْلِكُ عِشْرِينَ دِينَارًا قُلْت يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَلْحَظَ التَّحَمُّلِ فِي الْعَاقِلَةِ أَنَّ الْقَبَائِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَقُومُونَ بِنُصْرَةِ الْجَانِي مِنْهُمْ وَيَمْنَعُونَ أَوْلِيَاءَ الدَّمِ أَخْذَ حَقِّهِمْ فَأَبْدَلَ الشَّرْعُ تِلْكَ النُّصْرَةِ بِبَدَلِ الْمَالِ وَمَلْحَظُ سَدِّ الضَّرُورَةِ هُنَا وِقَايَةُ النَّفْسِ مِنْ التَّلَفِ، أَوْ نَحْوِهِ مِنْ غَيْرِ تَسَبُّبٍ مِنْ الْمُحْتَمَلِ فِي ذَلِكَ بِوَجْهٍ لَا بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ أَصْلِيٍّ وَلَا عَارِضٍ وَمِنْ غَيْرِ نَفْعٍ يَعُودُ عَلَيْهِ فِي رَحِمِهِ وَقَرَابَاتِهِ فَلِذَلِكَ وُسِّعَ فِي أَمْرِهِ. وَلَمْ يُلْزَم بِذَلِكَ إلَّا حَيْثُ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمُوَاسَاةِ وَلَا يَكُونُ مِنْهُمْ إلَّا إذَا زَادَتْ كِفَايَتُهُ عَلَى سَنَةٍ لِأَنَّ كَثِيرِينَ مِنْ أَئِمَّتِنَا حَرَّمُوا عَلَيْهِ الزَّكَاةَ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ التَّحَمُّلِ فِي الْعَاقِلَةِ فَإِنَّ سَبَبَهُ مِنْ الْمُحْتَمَلِ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ مَنْعُ الْجَانِي وَبِعَوْدِ نَفْعٍ عَلَى الْقَرِيبِ بِحِفْظِهِ مِنْ الْقَتْلِ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ فَضُويِقَ فِي أَمْرِهِ وَأَلْزَمَ بِهِ غَيْرَ الْغَنِيِّ أَيْضًا وَهُوَ الْمُتَوَسِّطُ الَّذِي يَمْلِكُ أَكْثَرَ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ وَاَلَّذِي يُؤْخَذُ مِنْهُ وَلَوْ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ فَإِنْ قُلْت قَدْ يَكُونُ مَعَهُ كِفَايَةُ سَنَةٍ وَيَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ فَهُوَ أَهْلٌ لَأَنْ يُوَاسِيهِ النَّاسُ فَكَيْفَ مَعَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ مُوَاسَاةُ غَيْرِهِ قُلْت لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ مَعَهُ نِصَابٌ، أَوْ أَكْثَرُ وَقَامَ بِهِ وَصْفٌ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ سُقُوطُهَا عَنْهُ وَلَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِهِ يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ، أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارٍ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعْطَاءُ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ وَالْأَحْكَامُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الِاعْتِبَارَاتِ وَإِنْ اتَّحَدَتْ الذَّوَاتُ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ وَقَوْلُ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ وَهَلْ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ فِي بَابِ اللَّقِيطِ أَنَّ الْأَغْنِيَاءَ إنْ أَمْكَنَ اسْتِيعَابُهُمْ قِسْطًا عَلَى رُءُوسِهِمْ فَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتِيعَابُهُمْ لِكَثْرَتِهِمْ قَسَّطَهَا عَلَى مَنْ رَآهُ مِنْهُمْ بِاجْتِهَادِهِ فَإِنْ اسْتَوُوا فِي اجْتِهَادِهِ تَخَيَّرَ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ يُقَسِّطُهُ عَلَى رُءُوسِهِمْ لِأَنَّهُمْ اسْتَوَوْا كُلُّهُمْ فِي مِلْكٍ فَاضِلٍ عَنْ السَّنَةِ فَكُلُّهُمْ مِنْ أَهْلِ التَّحَمُّلِ. وَحَيْثُ كَانُوا كُلُّهُمْ كَذَلِكَ فَتَخْصِيصُ أَحَدِهِمْ تَرْجِيحٌ لَهُ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ فَلَزِمَهُ حَيْثُ أَمْكَنَهُ اسْتِيعَابَهُمْ أَنْ يُوَزِّعَهُ عَلَيْهِمْ بِاعْتِبَارِ رُءُوسِهِمْ دُونَ أَمْوَالِهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ اسْتِيعَابَهُمْ فَإِنَّهُ يَجْتَهِدُ فِي التَّخْصِيصِ فَإِنْ اسْتَوَوْا تَخَيَّرَ وَلَا نَظَرَ إلَى مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْحَالَةِ الْأُولَى مِنْ اسْتِوَاءِ غُرْمِ صَاحِبِ أَلْفٍ

وَصَاحِبِ مِائَةِ أَلْفٍ مَثَلًا لِأَنَّا لَا نَعْتَبِرُ قَدْرَ الزِّيَادَةِ عَلَى كِفَايَةِ سَنَةٍ حَتَّى نُوَزِّعَ الْمَغْرُومَ عَلَى نِسْبَتِهِ وَإِنَّمَا نَعْتَبِرُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ فَاضِلٌ عَنْ كِفَايَتِهَا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ قَدْرِهِ ثُمَّ إذَا خَصَّهُ فِي التَّوْزِيعِ شَيْءٌ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا إذَا كَانَ الْفَاضِلَ فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ مِنْ الْفَاضِلِ وَبَعْضُهُ مِنْ كِفَايَةِ السَّنَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا الْبَعْضُ الَّذِي مِنْ الْفَاضِلِ وَسَقَطَ عَنْهُ مَا هُوَ مِنْ كِفَايَةِ السَّنَةِ وَوُزِّعَ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ لَوْ خَصَّهُ غُرْمُهُ مِنْ الْفَاضِلِ. فَإِنْ قُلْت إنَّمَا يَتَّجِهُ الْقِيَاسُ عَلَى مَا قَالُوهُ فِي اللَّقِيطِ إذَا كَانَ مُرَادُهُمْ بِالْغِنَى فِيهِ مَا قَالُوهُ فِي بَابِ السِّيَرِ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ وَهُوَ مَنْ مَعَهُ فَاضِلٌ عَنْ كِفَايَةِ سَنَةٍ قُلْت الظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُمْ فِي الْبَابَيْنِ وَاحِدٌ وَهُوَ مَنْ مَعَهُ مَا ذَكَرَ لِاتِّحَادِ مَلْحَظِهِمَا وَهُوَ سَدُّ الضَّرُورَةِ عَنْ ذَوِيهَا بَلْ مَا فِي اللَّقِيطِ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ مَا فِي السِّيَرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ نَفَقَةَ اللَّقِيطِ إنَّمَا لَزِمَتْ الْأَغْنِيَاءَ لِدَفْعِ ضَرُورَتِهِ فَهُوَ مِنْ إطْعَامِ الْجَائِعِ الْمَذْكُورِ فِي السِّيَرِ لَكِنَّهُمْ فِي اللَّقِيطِ ذَكَرُوا حُكْمَ تَعَدُّدِ الْمُنْفِقِ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ فِي السِّيَرِ إحَالَةً عَلَى مَا قَدَّمُوهُ فِي اللَّقِيطِ ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْأَغْنِيَاءِ فِي اللَّقِيطِ مَا يَعُمُّ أَغْنِيَاءَ بَلَدِهِ وَغَيْرَهُمْ وَكَذَا يُقَالُ الْمُرَادُ بِهِمْ فِي السِّيَرِ ذَلِكَ فَمَا فِي السُّؤَالِ مِنْ أَنَّهُ عَلَى أَهْلِ الْقُدْرَةِ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلَدِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ مِنْهُ التَّخْصِيصُ حَتَّى لَوْ اُضْطُرَّ أَهْلُ بَلَدٍ لِعِمَارَةِ سُورِهَا وَلَا غَنِيَّ فِيهِمْ لَمْ يَسْقُطْ الْخِطَابُ بِعِمَارَتِهِ عَنْ بَقِيَّةِ الْأَغْنِيَاءِ الَّذِينَ فِي غَيْرِ تِلْكَ الْبَلَدِ بَلْ يُخَاطَبُونَ بِهِ وَكَانَ تَخْصِيصُ أَهْلِ الْبَلَدِ لِأَنَّهُ الْأَيْسَرُ فَهُوَ نَظِيرُ مَا قَالَهُ جَمْعٌ مِنْ أَنَّ تَخْصِيصَهُمْ الِاقْتِرَاضَ وَالْإِنْفَاقَ إلَى اللَّقِيطِ بِأَغْنِيَاءِ بَلَدِهِ لَيْسَ لِلِاخْتِصَاصِ بِهِمْ بَلْ لِأَنَّهُ الْأَيْسَرُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَلْ يُشَمَّتُ الصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ إذَا عَطَسَا وَإِنْ لَمْ يَحْمَدَا اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ لَا يُشَمَّتُ عَاطِسٌ إلَّا إذَا حَمِدَ اللَّهَ وَأَسْمَعَ الْمُشَمِّتَ فَغَيْرُ الْحَامِدِ بِالْكُلِّيَّةِ وَالْحَامِدُ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ مَنْ يُرِيدُ تَشْمِيتَهُ لَا يُسَنُّ تَشْمِيتُهُ سَوَاءٌ كَانَ تَرْكُهُ الْحَمْدَ، أَوْ الْجَهْرَ بِهِ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَحَاضِنُ الطِّفْلِ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ فِي النَّجَاسَاتِ الْمَعْفُوِّ عَنْهَا وَغَيْرِهَا فَلَا مَزِيَّةَ لِلْحَاضِنِ عَلَى غَيْرِهِ لِسُهُولَةِ اجْتِنَابِهِ لِلنَّجَاسَةِ عِنْدَ تَحَرِّي ذَلِكَ وَعَدَمُ السُّهُولَةِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النِّسَاءِ إنَّمَا هُوَ لِتَسَاهُلِهِنَّ وَعَدَمِ تَحَرِّيهِنَّ لِلطَّهَارَةِ وَالنَّظَافَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلْت) مَا حُكْمُ الْمُصَافَحَةِ بَعْدَ التَّدْرِيسِ وَفِي لَيَالِي رَمَضَانَ بَعْدَ الدُّعَاءِ عَقِبَ الْوِتْرِ وَالتَّرَاوِيحِ وَكَذَلِكَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَمَا الْأَرْحَامُ وَكَيْفَ كَيْفِيَّةُ صِلَتِهِمْ (فَأَجَبْت) بِقَوْلِي الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ صَرَائِحُ السُّنَّةِ وَصَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ حَيْثُ وُجِدَ تَلَاقٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ سُنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يُصَافِحَ الْآخَرَ وَحَيْثُ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ بِأَنْ ضَمَّهُمَا نَحْوُ مَجْلِسٍ وَلَمْ يَتَفَرَّقَا لَا تُسَنُّ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُصَافَحَةِ الَّتِي تُفْعَلُ عَقِبَ الصَّلَاةِ وَلَوْ يَوْمَ الْعِيدِ، أَوْ الدَّرْسِ أَوْ غَيْرِهِمَا بَلْ مَتَى وُجِدَ مِنْهُمَا تَلَاقٍ وَلَوْ بِحَيْلُولَةِ شَيْءٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ بِحَيْثُ يَقْطَعُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ سُنَّتْ وَإِلَّا لَمْ تُسَنَّ نَعَمْ التَّهْنِئَةُ بِالْعِيدِ وَالشُّهُورِ سُنَّةٌ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا وَاسْتَدَلَّ لَهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَدْبِهَا نَدْبُ الْمُصَافَحَةِ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُهَا السَّابِقُ وَالْمُرَادُ بِالْأَرْحَامِ الَّذِينَ يَتَأَكَّدُ بِرُّهُمْ وَتَحْرُمُ قَطِيعَتُهُمْ جَمِيعُ الْأَقَارِبِ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ، أَوْ الْأُمِّ وَإِنْ بَعُدُوا وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الْأَذْكَارِ يُسْتَحَبُّ اسْتِحْبَابًا مُتَأَكِّدًا زِيَارَةُ الصَّالِحِينَ وَالْإِخْوَانِ وَالْجِيرَانِ وَالْأَصْدِقَاءِ وَالْأَقَارِبِ وَإِكْرَامُهُمْ وَبِرُّهُمْ وَصِلَتُهُمْ وَضَبْطُ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ وَمَرَاتِبِهِمْ وَفَرَاغِهِمْ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ زِيَارَتُهُ لَهُمْ عَلَى وَجْهٍ لَا يَكْرَهُونَهُ وَفِي وَقْتٍ يَرْضَوْنَهُ وَالْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ اهـ. وَبِهِ عُلِمَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ فَكَيْفَ كَيْفِيَّةُ صِلَتِهِمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ الْغَنَائِمِ الَّتِي لَمْ تُقْسَمْ الْقِسْمَةَ الشَّرْعِيَّةَ كَغَنَائِمِ هَذَا الزَّمَانِ إذَا وَصَلَ مِنْهَا شَيْءٌ إلَى مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي الْغَنِيمَةِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَثَلًا أَوْ لَا فَيَجِبُ الرَّدُّ إلَى الْأَمِيرِ الظَّالِمِ الَّذِي يَصْرِفُهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا وَمَا حُكْمُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي هَذَا الزَّمَانِ فِي مِثْلِهَا وَعَنْ كُفَّارِ مِلِيبَارَ الَّذِينَ يَعْتَادُونَ إعَانَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِجْرَاءَ أَحْكَامِ الدِّينِ بَيْنَهُمْ لِأَنَّ عِمَارَةَ بُلْدَانِهِمْ بِالْمُسْلِمِينَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ عَهْدٌ وَلَا قَوْلٌ بَلْ الْمُسْلِمُونَ رَعِيَّتُهُمْ

وَيَسْكُنُونَ بِلَادَهُمْ وَيُسَلِّمُونَ الْعُشُورَ وَالْغَرَامَاتِ إلَيْهِمْ هَلْ هُمْ حَرْبِيُّونَ، أَوْ لَا وَهَلْ يَجُوزُ أَخْذُ الرِّبَا مِنْ الْحَرْبِيِّينَ وَالْخِيَانَةُ فِي مُبَايَعَتِهِمْ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ، أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّ السُّلْطَانَ إذَا لَمْ يَدْفَعْ لَلْمُسْتَحِقِّينَ حُقُوقَهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَفِي جَوَازِ أَخْذِ أَحَدِهِمْ شَيْئًا مِنْهُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا يَأْخُذُ مَا يُعْطَى وَهُوَ حِصَّتُهُ وَالْبَاقُونَ مَظْلُومُونَ. قَالَ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْمَالَ لَيْسَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ كَالْغَنِيمَةِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ لِأَنَّ ذَلِكَ مِلْكٌ لَهُمْ حَتَّى لَوْ مَاتُوا قَسَمَ بَيْنَ وَرَثَتِهِمْ وَهُنَا لَوْ مَاتَ لَمْ يَسْتَحِقَّ وَارِثُهُ شَيْئًا حَكَاهُ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَقَرَّهُ ثَانِيهَا الْمَنْعُ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ وَلَا يَدْرِي نَصِيبَهُ مِنْهُ قَالَ وَهَذَا غُلُوٌّ لَكِنْ جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي قَوَاعِدِهِ اهـ. الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَبِمَا قَرَّرَهُ يُعْلَمُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْغَنِيمَةِ وَغَيْرِهَا فَعَلَى الْأَوَّلِ مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي بَيْتِ الْمَالِ إذَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ مِنْ فَيْءٍ، أَوْ غَيْرِهِ مِنْ بَقِيَّةِ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ كَالْجِزْيَةِ وَالْعُشُورِ وَمَالِ ذِمِّيٍّ مَاتَ بِلَا وَارِثٍ وَمَا فَضَلَ عَنْ وَارِثِهِ غَيْرِ الْمُسْتَغْرِقِ. وَكَذَا خُمْسُ الْغَنِيمَةِ إذَا قَسَمَهَا الْإِمَامُ وَأَعْطَى الْغَانِمِينَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِمْ وَأَبْقَى الْخُمْسَ الْآخَرَ فَإِذَا وَصَلَ مِنْ ذَلِكَ الْخُمْسِ شَيْءٌ لِمَنْ لَهُ فِيهِ حَقٌّ جَازَ لَهُ أَخْذُهُ كَمَا مَرَّ أَمَّا إذَا لَمْ يَقْسِمْ لِلْغَانِمَيْنِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ شَيْءٌ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَخْذَهُ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْغَزَالِيُّ مِنْ أَنَّ الْغَانِمِينَ شُرَكَاءُ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَالْمَالُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ الْخُمْسِ فَهُمْ شُرَكَاءُ لِأَهْلِ الْخُمْسِ وَأَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَبِدَّ مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ بَذْرَةً إلَّا بِإِذْنِ شَرِيكِهِ، أَوْ شُرَكَائِهِ وَإِنَّمَا جَازَ فِي نَحْوِ الْفَيْءِ مَا مَرَّ لِمَا قَرَّرَهُ الْغَزَالِيُّ مِنْ أَنَّ الشَّرِكَةَ فِي غَيْرِ الْغَنِيمَةِ لَيْسَتْ حَقِيقِيَّةً بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ لَا تَنْتَقِلُ حِصَّتُهُ لِوَارِثِهِ بِخِلَافِ الْغَانِمِينَ فَإِنَّ شِرْكَتَهُمْ حَقِيقِيَّةٌ إذْ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ تَنْتَقِلُ حِصَّتُهُ لِوَارِثِهِ وَلَا فَرْقَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ظَالِمًا أَوْ عَادِلًا وَالْكُفَّارُ الْمَذْكُورُونَ حَرْبِيُّونَ وَمَعَ ذَلِكَ لَا تَجُوزُ مُعَامَلَتُهُمْ بِالرِّبَا وَلَا خِيَانَتُهُمْ فِي كَيْلٍ وَلَا وَزْنٍ وَلَا غَيْرِهِمَا كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَئِمَّةُ وَبَسَطُوا الْكَلَامَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَلْ يَصِحُّ شِرَاءُ الْمُسْلِمِ أَطْفَالَ الْكُفَّارِ مِنْ آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ الْكَفَرَةِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) رَحِمَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ لَا يُمْكِنُ شِرَاءُ الْوَلَدُ مِنْ أَبِيهِ، أَوْ أُمِّهِ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْبَيْعِ الْمِلْكُ فِي الْمَبِيعِ لِمَنْ وَقَّعَ لَهُ عَقْدَ الْبَيْعِ وَهَذَا مُتَعَذَّرٌ هُنَا لِأَنَّ الْوَالِدَ مَتَى مَلَكَ ابْنَهُ بِأَنْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ وَقَصَدَ تَمَلُّكَهُ بِذَلِكَ عَتَقَ عَلَيْهِ فَلَمْ يُمْكِنْ اجْتِمَاعُ الْوَالِدِيَّةِ وَالْمِلْكِيَّةِ فَإِنْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِيلَاءٍ وَقَصَدَ تَمَلُّكَهُ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ أَيْضًا لِعَدَمِ الْمِلْكِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْحَرْبِيِّينَ أَمَّا مَنْ بِدَارِنَا بِأَمَانٍ فَلَا يُمْكِنُ تَمَلُّكُ الْوَالِدِ لِابْنِهِ بِقَهْرٍ؛ لِأَنَّ دَارَنَا دَارُ إنْصَافٍ بِخِلَافِ دَارِهِمْ وَلِمَنْ اشْتَرَى حَرْبِيًّا مِنْ أَبِيهِ، أَوْ أُمِّهِ وَأَنَّهُ إذَا صَارَ بِيَدِهِ يَسْتَوْلِي عَلَيْهِ وَيَقْصِدُ تَمَلُّكَهُ فَحِينَئِذٍ يَمْلِكُهُ بِذَلِكَ لَا بِعَقْدِ الشِّرَاءِ لِعَدَمِ إمْكَانِهِ كَمَا عَلِمْت، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) هَلْ يَلْزَمُ رَدُّ جَوَابِ الْكِتَابِ وَلَوْ بَلَغَ السَّلَامُ فِي كِتَابٍ هَلْ يَلْزَمُ التَّلَفُّظُ بِرَدِّهِ عَلَى الْكَاتِبِ وَالرَّسُولِ وَمَا فَائِدَةُ التَّلَفُّظِ مَعَ غَيْبَةِ الْكَاتِبِ وَالرَّسُولِ اُبْسُطُوا الْجَوَابَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ يُسَنُّ السَّلَامُ عَلَى الْغَائِبِ إمَّا بِرَسُولِهِ وَإِمَّا بِكِتَابِهِ وَيَلْزَمُ الرَّسُولُ إذَا رَضِيَ بِتَحَمُّلِهِ بِالْإِبْلَاغِ وَأَمَّا الْمُرْسَلُ إلَيْهِ فَلَزِمَهُ الرَّدُّ فَوْرًا ثُمَّ إنْ كَانَ السَّلَامُ عَلَيْهِ بِالْإِرْسَالِ لَزِمَهُ الرَّدُّ بِاللَّفْظِ وَإِنْ كَانَ بِالْكِتَابَةِ لَزِمَهُ الرَّدُّ بِهَا، أَوْ بِاللَّفْظِ وَيُنْدَبُ الرَّدُّ عَلَى الرَّسُولِ أَيْضًا وَتَقْدِيمُهُ فَيَقُولُ وَعَلَيْك وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَأَنَّ سَبَبَ عَدَمِ جَعْلِهِمْ قَوْلَهُ وَعَلَيْك السَّلَامُ قَاطِعًا لِفَوْرِيَّةِ الرَّدِّ لِأَنَّهُ غَيْرُ أَجْنَبِيٍّ فَكَمَا اغْتَفَرُوهُ فِي عَدَمِ قَطْعِهِ لِفَوْرِيَّةِ الْقَبُولِ فِي نَحْوِ الْبَيْعِ فَكَذَلِكَ يُغْتَفَرُ الْفَصْلُ بِهِ هُنَا بَلْ نُدِبَ تَقْدِيمُهُ لِأَنَّ الْحَاضِرَ أَوْلَى بِالرِّعَايَةِ مِنْ الْغَائِبِ وَفَائِدَةُ وُجُوبِ الرَّدِّ بِاللَّفْظِ مَعَ غِيبَةِ الْمُسْلِمِ أَنَّ فِي وُجُوبِ الرَّدِّ حَقَّيْنِ حَقًّا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَحَقًّا لِلْآدَمِيِّ فَلَوْ فُرِضَ سُقُوطُ حَقِّ الْآدَمِيِّ لِغَيْبَتِهِ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إذْ لَا مُقْتَضَى لِإِسْقَاطِهِ وَأَيْضًا إذَا وَقَعَ الرَّدُّ فِي حَضْرَةِ الرَّسُولِ بِاللَّفْظِ بَلَّغَهُ لِمُرْسِلِهِ فَهَذِهِ فَائِدَةٌ ظَاهِرَةٌ وَأَمَّا وُجُوبُ

الرَّدِّ بِالْكِتَابَةِ فَحِكْمَتُهُ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّ الْكِتَابَ إذَا وَصَلَ لِلْمُسْلِمِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الرَّدِّ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِمَا لَفْظُهُ مَا حُكْمُ الْمُصَافَحَةِ وَتَقْبِيلِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالرَّأْسِ وَالِانْحِنَاءِ بِالظَّهْرِ وَالْقِيَامِ اُبْسُطُوا الْجَوَابَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُصَافَحَةُ لِلْقَادِمِ سُنَّةٌ وَكَذَا تَقْبِيلُ مَا ذُكِرَ مِنْ نَحْوِ عَالِمٍ وَصَالِحٍ وَشَرِيفِ نَسَبٍ وَالِانْحِنَاءُ بِالظَّهْرِ مَكْرُوهٌ وَالْقِيَامُ لِمَنْ ذُكِرَ سُنَّةٌ هَذَا مَذْهَبُنَا وَوَرَاءَ ذَلِكَ تَذْنِيبَاتٌ لَا بَأْسَ بِالتَّعَرُّضِ لَهَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْمُصَافَحَةُ الْمُعْتَادَةُ بَعْدَ الصَّلَاةِ بِدْعَةٌ إلَّا لِقَادِمٍ لَمْ يَجْتَمِعْ بِمَنْ صَافَحَهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ. قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَمَذْهَبُنَا فِي الْمُصَافَحَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْعِزُّ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا أَنَّ «رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ مِنَّا يَلْتَقِي مَعَ أَخِيهِ أَفَيَنْحَنِي لَهُ قَالَ لَا قَالَ أَفَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ قَالَ لَا قَالَ أَفَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ قَالَ نَعَمْ» وَفِي سَنَدِهِ مَقَالٌ وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهَا - «لَمَّا قَدِمَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ خَرَجَ إلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَانَقَهُ» وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ لَكِنْ اتَّفَقُوا كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ أَنَّ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِ مَالِكٍ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَهُمَا مَنْ هُمَا مِنْ حَدِيثٍ وَغَيْرِهِ. صِحَّتُهُ فَإِنَّ مَالِكًا لَمَّا أَنْكَرَ الْمُعَانَقَةَ اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ ابْنُ عُيَيْنَةَ بِهِ فَأَجَابَهُ مَالِكٌ بِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِجَعْفَرٍ فَرَدَّ عَلَيْهِ ابْنُ عُيَيْنَةَ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخُصُوصِيَّةِ فَانْقَطَعَ مَالِكٌ وَسَكَتَ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ مَذْهَبِهِ الْحَقُّ مَعَ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ وَرَوَى شُيُوخُنَا طَرِيقَ الْمُصَافَحَةِ وَصِفَتَهَا وَهِيَ أَنْ يَجْعَلَ كَفَّهُ الْيُمْنَى فِي كَفِّهِ الْيُمْنَى وَيَقْبِضُ كُلَّ أَصَابِعِهِ عَلَى يَدِ صَاحِبِهِ وَأَنْكَرَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - تَقْبِيلَ الْيَدِ وَمَا وَرَدَ فِيهِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ سُنَّةٌ كَمَا قَدَّمْنَاهُ لَمَّا رَوَى التِّرْمِذِيُّ أَنَّ «الْيَهُودِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ سَأَلَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التِّسْعِ الْآيَاتِ فَأَجَابَهُمْ قَبَّلَا يَدَهُ وَرِجْلَهُ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمَا» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا لَكِنَّ الْأَوَّلَ فِيهِ زِيَادَةٌ وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - قَالَ «لَمَّا نَزَلَتْ تَوْبَتِي أَتَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَبَّلْت يَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ» وَرَوَى أَيْضًا حَدِيثَ الْأَعْرَابِيِّ فِي إتْيَانِ الشَّجَرَةِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِ «ائْذَنْ لِي أَنْ أُقَبِّلَ رَأْسَك وَيَدَك وَرِجْلَك» وَفِيهِ «ائْذَنْ لِي فِي السُّجُودِ لَك فَقَالَ لَا يَسْجُدُ أَحَدٌ لِأَحَدٍ وَلَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْت الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا لِعَظِيمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا» وَفِي حَدِيثِ «وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا قَدِمُوا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمِنْهُمْ مَنْ سَعَى وَمِنْهُمْ مَنْ مَشَى وَمِنْهُمْ مَنْ هَرْوَلَ حَتَّى أَتَوْا إلَيْهِ وَأَخَذُوا بِيَدِهِ فَقَبَّلُوهُ» إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الطُّرُقِ وَفِي بَعْضِهَا أَنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَبَّلَ يَدَ الْعَبَّاسِ وَرِجْلَهُ وَيَقُولُ أَيْ عَمِّ ارْضَ عَنِّي قَالَ الْإِمَامُ الْبُرْزُلِيُّ الْمَالِكِيُّ أَرَدْت أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ أَيْ تَقْبِيلَ الْيَدَ مَعَ شَيْخِي فَأَرَادَ أَنْ يَنْزِعَ يَدَهُ فَقُلْت لَهُ لَا تَرْوِ هَذَا الْكِتَابَ حِينَ لَمْ تَعْمَلْ بِهِ فَقَالَ كَرِهَهُ مَالِكٍ فَقُلْت لَهُ مَالِكٌ أَنْكَرَ مَا رُوِيَ فِيهِ وَمَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ فَتَرَكَنِي بَعْدَ ذَلِكَ وَكَذَا كَانَ شَيْخُنَا الْفَقِيهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَشْيَاخِي لَا يُنْكِرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَقَصْدِي بِذَلِكَ التَّعْظِيمُ وَالتَّكْرِمَةُ لِأَشْيَاخِي وَلَمَّا تَقَرَّرَ عِنْدِي مِنْ الْأَحَادِيثِ وَعَدَمِ إنْكَارِ ذَلِكَ عَنْ مُعْظَمِ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ وَفَعَلْت ذَلِكَ مَعَ بَعْضِ الْكُبَرَاءِ فَقَالَ هُوَ مِنْ بَابِ الْمِدْحَةِ فِي الْوَجْهِ فَإِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَى الْمَفْعُولِ لَهُ مِنْ تَعَاظُمِ نَفْسِهِ فَلَا بَأْسَ وَإِلَّا كُرِهَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ وَسُئِلَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ عَنْ الْقِيَامِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ لِمُسْلِمٍ يُرْجَى خَيْرُهُ أَوْ يُخَافُ شَرُّهُ وَلَا يُفْعَلُ لِكَافِرٍ؛ لِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِإِهَانَتِهِ وَإِظْهَارِ صَغَارِهِ فَإِنْ خِيفَ مِنْ شَرِّهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ جَازَ لِأَنَّ التَّلَفُّظَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ جَائِزٌ لِلْإِكْرَاهِ فَهَذَا أَوْلَى وَلَا يَجُوزُ تَكْرِيمُهُ بِاللَّقَبِ الْحَسَنِ إلَّا لِضَرُورَةٍ، أَوْ حَاجَةٍ مَاسَّةٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يُهَانَ الْكَفَرَةُ وَالْفَسَقَةُ زَجْرًا عَنْ كُفْرِهِمْ وَفِسْقِهِمْ وَغَيْرَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ وَالِانْحِنَاءُ الْبَالِغُ حَدَّ الرُّكُوعِ لَا يَفْعَلُهُ أَحَدٌ لِأَحَدٍ كَالسُّجُودِ وَلَا بَأْسَ بِمَا نَقَصَ عَنْ حَدِّ الرُّكُوعِ لِمَنْ يُكْرَمُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَإِذَا تَأَذَّى مُسْلِمٌ بِتَرْكِ الْقِيَامِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَامَ لَهُ فَإِنَّ تَأَذِّيهِ بِذَلِكَ مُؤَدٍّ إلَى الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ وَكَذَلِكَ التَّلْقِيبُ بِمَا لَا بَأْسَ بِهِ مِنْ الْأَلْقَابِ

وَالْأَصْلُ فِي نَدْبِ الْقِيَامِ لِأَهْلِ الْفَضْلِ «قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِين قَدِمَ سَيِّدُ الْأَنْصَارِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قُومُوا إلَى سَيِّدِكُمْ» وَالْخِطَابُ لِلْأَنْصَارِ، أَوْ لِلْكُلِّ وَقَدْ صَنَّفَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جُزْءًا فِيهِ وَذَكَرَ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِيهِ وَأَحْكَامَهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ وَقَدْ صَارَ تَرْكُهُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ مُؤَدِّيًا إلَى التَّبَاغُضِ وَالتَّقَاطُعِ وَالتَّحَاسُدِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُفْعَلَ لِهَذَا الْمَحْذُورِ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَقَاطَعُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا كَمَا أَمَرَكُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» فَهُوَ لَا يُؤْمَرُ بِهِ بِعَيْنِهِ بَلْ لِكَوْنِ تَرْكِهِ صَارَ وَسِيلَةً إلَى هَذِهِ الْمَفَاسِدِ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَلَوْ قِيلَ بِوُجُوبِهِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا لِأَنَّ تَرْكَهُ صَارَ إهَانَةً وَاحْتِقَارًا لِمَنْ اُعْتِيدَ الْقِيَامُ لَهُ، وَلِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَحْكَامٌ تَحْدُثُ عَنْ حُدُوثِ أَسْبَابٍ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ اهـ. وَعَلَى الْقِيَامِ وَمَحَبَّتِهِ لِلتَّعَاظُمِ وَالْكِبْرِ حُمِلَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَثَّلَ لَهُ النَّاسُ قِيَامًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» أَعَاذَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ ذَلِكَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِهَدْمِ جَمِيعِ كَنَائِسِ الْيَمَنِ فَهَلْ مَا قَالَهُ صَحِيحٌ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ الْيَمَنُ مِمَّا أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ وَقَدْ أَلْحَقَ الشَّيْخَانِ هَذَا الْقِسْمَ بِمَا عُلِمَ حُدُوثُهُ فِي الْإِسْلَامِ فِي أَنَّ مَا شَكَّ فِي حُدُوثِهِ، أَوْ قِدَمِهِ فِيهِ مِنْ الْكَنَائِسِ لَا يُهْدَمُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ بِبَرِّيَّةٍ وَأَنَّ الْعِمَارَةَ اتَّصَلَتْ بِهِ لَكِنْ جَرَى ابْنُ الرِّفْعَةِ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي كَنَائِسِ الْقَاهِرَةِ عَلَى مَا يُصَرِّحُ بِهَدْمِ جَمِيعِ كَنَائِسِ عَدَنَ لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ الِاحْتِمَالِ فِيهَا لِأَنَّ السُّورَ الْمُحِيطَ بِهَا قَدِيمٌ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مَحْفُوفٌ بِالْجِبَالِ وَالْبَحْرِ فَلَا يُمْكِنُ أَنَّ كَنَائِسَهَا كَانَتْ بِغَيْرِ عِمَارَةِ الْبَلَدِ وَأَنَّهَا اتَّصَلَتْ بِهَا. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَلْ تَتَأَدَّى سُنَّةُ التَّشْمِيتِ فَيَرْحَمُ اللَّهُ سَيِّدِي وَالسَّلَامُ بِالسَّلَامِ عَلَى سَيِّدِي؟ (فَأَجَابَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ لَا تَتَأَدَّى سُنَّتُهُمَا وَفَرْضُ رَدِّ الثَّانِي إلَّا بِنَحْوِ يَرْحَمُك اللَّهُ وَالسَّلَامُ عَلَيْك مِمَّا فِيهِ خِطَابٌ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْأَدَبِ وَالسُّنَّةِ فَقَالَ رَحِمَك اللَّهُ سَيِّدِي. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَمَّا يُقَالُ مَا لِي إلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأَنْتَ هَلْ لَهُ أَصْلٌ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ اسْتَدَلَّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 64] بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَطْفَ عَلَى الْجَلَالَةِ لَكِنَّ الْأَرْجَحَ أَنَّهُ عَلَى الْكَافِ وَاعْتُرِضَ هَذَا الِاسْتِدْلَال أَيْضًا بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَلَا يُقَاسُ بِهِ مَا مِنْ الْمَخْلُوقِ وَمِنْ ثَمَّ كَرِهَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - أَنْ يُقَالَ قَالَ الرَّسُولُ مَعَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} [المائدة: 41] لِأَنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُخَاطِبَ خَلْقَهُ بِمَا شَاءَ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِبَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ وَأَقْسَمَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِكَثِيرٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ إعْلَامًا بِشَرَفِهِمْ وَيُكْرَهُ لَنَا ذَلِكَ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا» إنَّ التَّشْرِيكَ فِي الضَّمِيرِ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَهْيُهُ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ مَا وَرَدَ أَنَّ «رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْت قَالَ جَعَلْتنِي لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عِدْلًا مَا شَاءَ اللَّهُ وَحْدَهُ» . (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَمَّنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَابِضٌ ذَكَرَهُ وَعَوْرَتُهُ مَسْتُورَةٌ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ بِقَوْلِهِ إنَّ الضَّابِطَ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ عَلَى حَالَةٍ لَا يُخَاطَبُ فِيهَا عُرْفًا لَا يَلْزَمُهُ الرَّدُّ وَلَا شَكَّ أَنَّ قَابِضَ ذَكَرِهِ لِلِاسْتِجْمَارِ كَذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُ الرَّدُّ وَكَذَا قَابِضُهُ لِنَحْوِ الِاسْتِجْمَارِ لِشِدَّةِ انْتِشَارِهِ بَيْنَ النَّاسِ، أَوْ لِيَنْزِلَ مَنِيٌّ مِنْهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَظْهَرُ وَيَسْتَحْيِ مِنْ التَّكَلُّمِ مَعَهُ بِسَبَبِهِ. (سُئِلَ) عَنْ كَافِرٍ ضَلَّ عَنْ طَرِيقِ صَنَمِهِ فَسَأَلَ مُسْلِمًا عَنْ الطَّرِيقِ إلَيْهِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَدُلَّهُ الطَّرِيقَ إلَيْهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدُلَّهُ لِذَلِكَ؛ لِأَنَّا لَا نُقِرُّ عَابِدِي الْأَصْنَامِ عَلَى عِبَادَتِهَا فَإِرْشَادُهُ لِلطَّرِيقِ إلَيْهِ إعَانَةٌ لَهُ عَلَى مَعْصِيَةٍ عَظِيمَةٍ فَحَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

باب الهدنة

[بَابُ الْهُدْنَةِ] 249 - (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَمَّا إذَا أَسْلَمَ وَاحِدٌ مِنْ كُفَّارِ مِلِيبَارَ فَلَحِقَ بِنَا وَتَبِعَهُ الْمُشْرِكُونَ وَأَلْزَمُونَا رَدَّهُ إلَيْهِمْ لِقُوَّتِهِمْ وَضَعْفِنَا فَهَلْ يَجُوزُ رَدُّهُ إلَيْهِمْ مَعَ أَنَّنَا إذَا لَمْ نَرُدَّهُ إلَيْهِمْ فَلَا بُدَّ مِنْ هِجْرَتِنَا وَطَنِنَا حَتَّى نَسْلَمَ مِنْ شُرُورِهِمْ وَإِذَا ارْتَدَّ مَمْلُوكٌ لَنَا وَلَحِقَ بِهِمْ وَلَا قُدْرَةَ لَنَا عَلَى اسْتِخْلَاصِهِ مِنْ أَيْدِيهِمْ فَهَلْ لَنَا أَخْذُ قِيمَتِهِ مِنْهُمْ وَهَلْ يَصِحُّ شِرَاءُ الْمُرْتَدِّ مِنْهُمْ إلَّا بَاعُوهُ لَنَا. (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ إذَا عَجَزْنَا عَنْ أَنْ نَحُولَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ لَمْ نَأْثَمْ بِأَخْذِهِمْ لَهُ وَكَذَا لَوْ لَمْ نَقْدِرْ عَلَى مَنْعِهِ مِنْهُمْ إلَّا بِجَلَائِنَا عَنْ أَوْطَانِنَا فَلَا يَلْزَمُنَا ذَلِكَ بَلْ قَضِيَّةُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا جَوَازُ الرَّدِّ أَيْ تَمْكِينُهُمْ مِنْ أَخْذِهِ مُطْلَقًا حَيْثُ قَالُوا لَوْ جَاءَنَا مِنْهُمْ حُرٌّ بَالِغٌ عَاقِلٌ مُسْلِمٌ وَالرَّدُّ مَشْرُوطٌ عَلَيْنَا لَزِمَنَا إنْ كَانَ لَهُ عَشِيرَةٌ تَحْمِيهِ وَطَلَبَتْهُ عَشِيرَتُهُ وَكَذَا إنْ كَانَ الْمَطْلُوبُ يَقْهَرُهُمْ وَيَنْفَلِتُ مِنْهُمْ وَخَرَجَ بِقَوْلِنَا وَالرَّدُّ مَشْرُوطٌ مَا إذَا لَمْ يَشْرِطْ فَلَا يَجِبُ الرَّدُّ مُطْلَقًا اهـ. فَأَفْهَمَ قَوْلُهُمْ لَا يَجِبُ الرَّدُّ مُطْلَقًا أَنَّهُ يَجُوزُ. وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا وَيَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِيهِ إلَّا أَنَّ مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ الْجَوَازِ بِقَيْدِهِ ظَاهِرٌ لَا مِرْيَةَ فِيهِ وَلَنَا أَخْذُ قِيمَةِ الْمُرْتَدِّ مِنْهُمْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَئِمَّتُنَا وَلَا يَمْلِكُونَهُ بِدَفْعِهَا إلَيْنَا وَمَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي الْهُدْنَةِ مِنْ مِلْكِهِمْ لَهُ بِدَفْعِهَا مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّعِيفِ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْمُرْتَدِّ لِلْكَافِرِ وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمُرْتَدِّ لِلْكَافِرِ لِبَقَاءِ عَلَقَةِ الْإِسْلَامِ فِيهِ فَعَلَيْهِ لَا يَمْلِكُونَهُ وَإِنْ دَفَعُوا الْقِيمَةَ إلَيْنَا وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْقِيمَةِ الْمَأْخُوذَةِ لِلْحَيْلُولَةِ فَإِذَا رَدُّوهُ إلَيْنَا رَدَدْنَاهَا إلَيْهِمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ] (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ رَجُلٍ سُرِقَ لَهُ شَاةٌ فَخَرَجَ فِي طَلَبِهَا فَوَجَدَ السَّارِقَ قَدْ ذَبَحَهَا وَحَنَذَهَا فَاسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ لَحْمِ شَاتِهِ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَهْلِ بَلَدِهِ حَرُمَتْ وَمَا يَلْزَمُ السَّارِقَ بَعْدَ إتْلَافِهَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ شَاتِهِ وَيَلْزَمُ السَّارِقَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا حَيَّةً وَحَنِيذَةً، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا اعْتَدَى رَجُلٌ عَلَى مَاشِيَةِ قَوْمٍ فَقَطَعَ بُطُونَهَا وَبَعْضُهَا قَطَعَ لِسَانَهَا وَبَعْضُهَا قَطَعَ إحْدَى قَوَائِمِهَا أَوْ جَمِيعَ الْقَوَائِم مَثَلًا أَوْ أَخْرَجَ كُرُوشَهَا وَبَقِيَ شَيْءٌ مِنْهَا فِيهِ بَعْضُ حَيَاةٍ فَمَاذَا يَحِلُّ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاشِي الَّتِي هَذَا حَالُهَا وَمَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا قُلْتُمْ إنَّ الَّذِي قُطِعَ لِسَانُهَا تَحِلُّ فَإِنْ قُلْتُمْ لَا فَهَلْ يَحِلُّ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهَا إذَا كَانَ يُرْجَى لِصَاحِبَةِ اللِّسَانِ الْعَافِيَةُ وَكَذَا الْبَقَرَةُ إذَا قُطِعَ لِسَانُهَا هَلْ يَحِلُّ لَحْمُهَا وَبَيْعُهَا لِمَنْ يَبِيعُ اللَّحْمَ أَمْ لَا فَإِنَّ هَذَا وَاقِعٌ فِي بَلَدِنَا لَا مَحَالَةَ لِأَنَّ هَذِهِ الْبَلْدَةَ مَا فِيهَا سُلْطَانٌ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إذَا قُطِعَ شَيْءٌ مِنْ الْبَهِيمَةِ سَوَاءٌ لِسَانُهَا وَغَيْرُهُ فَإِنْ أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَوْتِ بِأَنْ كَانَتْ حَيَّاتُهَا مُسْتَقِرَّةً وَإِنْ قَطَعَ بِمَوْتِهَا بَعْدَ يَوْمَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ كَانَتْ حَلَالًا إذَا ذُبِحَتْ وَيَحِلُّ بَيْعُهَا وَأَكْلُهَا وَعَلَى الْجَانِي مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا صَحِيحَةً وَمَجْرُوحَةً، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ عَمَّا لَوْ لَقِيَ شَيْئًا مَطْرُوحًا وَشَكَّ أَهُوَ مُعْرَضٌ عَنْهُ فَيَأْخُذَهُ أَمْ لَا فَيَتْرُكَهُ هَلْ يَحِلُّ لَهُ الْأَخْذُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِأَنَّ الَّذِي يُتَّجَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يُرَاعَى فِي ذَلِكَ الْقَرَائِنُ الدَّالَّةُ فِي الْعَادَةِ عَلَى أَنَّ مِثْل ذَلِكَ الشَّيْءِ الْمَطْرُوحِ مِمَّا يُعْرَضُ عَنْهُ، أَوْ لَا فَإِنْ اقْتَضَتْ أَنَّهُ مِمَّا يُعْرَضُ عَنْهُ جَازَ أَخْذُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ الرَّوْضَةِ وَالْأَرْجَحُ أَنَّهُ يَمْلِك الْكِسْرَةَ وَالسَّنَابِلَ وَنَحْوَهَا وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ. وَهَذَا ظَاهِرُ حَالِ السَّلَفِ رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُمْ وَلَمْ يُحْكَ أَنَّهُمْ مَنَعُوا مِنْ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ اهـ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَقَوْلُهُ: الْأَرْجَحُ يَقْتَضِي إثْبَاتَ خِلَافٍ فِي السَّنَابِلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ لِصَغِيرٍ، أَوْ نَحْوِهِ مِمَّنْ لَا يُعْتَبَرُ إذْنُهُ وَكَذَلِكَ فِي صُورَةِ الْمَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْمَاءِ هُوَ قَوْلُهُ: وَأَمَّا الشُّرْبُ مِنْ الْمَاءِ فَإِنْ كَانَ يَجْرِي عَلَى وَجْهٍ لَا يَحْتَفِلُ بِهِ مُلَّاكُهُ وَلَا يَمْنَعُونَ مِنْهُ أَحَدًا وَعَادَتُهُ الْمُطَّرِدَةُ. كَذَلِكَ فَهَذَا يُجَوِّزُ الشُّرْبَ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ فِي مِلَاكِهِ فِي الْأَصْلِ الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِ

مِمَّنْ لَا يُعْتَبَرُ إذْنُهُ وَلَيْسَ هَذَا كَمَا إذَا أَعْرَضَ عَنْ كَسْرِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الَّذِي يَعْتَبِرُ إعْرَاضَهُ وَأَمَّا الْتِقَاطُ السَّنَابِلِ فَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ اهـ. وَكَلَامُهُ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ النَّظَرِ إلَى الْعَادَةِ وَالْعَمَلِ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْكِسْرَةِ وَالسَّنَابِلِ فِي أَنَّ الْأُولَى لَا بُدَّ فِي الْمُعْرِضِ عَنْهَا أَنْ يَكُونَ مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ وَإِنْ اقْتَضَتْ أَنَّهُ مِمَّا لَا يُعْرَضُ عَنْهُ، أَوْ لَمْ تَقْتَضِ شَيْئًا لَمْ يَجُزْ أَخْذُهُ إلَّا عَلَى جِهَةِ الِالْتِقَاطِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَعْرِيفُهُ سَنَةً، أَوْ مَا يَلِيقُ بِهِ وَقَدْ قَالَ الْقَفَّالُ لَوْ وَجَدَ دِرْهَمًا فِي بَيْتِهِ لَا يَدْرِي أَهُوَ لَهُ، أَوْ لِمَنْ دَخَلَ بَيْتَهُ فَعَلَيْهِ تَعْرِيفُهُ لِمَنْ يَدْخُلُ بَيْتَهُ كَاللُّقَطَةِ أَيْ الْمَوْجُودَةِ فِي غَيْرِ بَيْتِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَلْ يَجُوزُ إحْرَاقُ الْجَرَادِ حَيًّا لِأَكْلِهِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ يَجُوزُ شَيُّ الْجَرَادِ حَيًّا لِأَكْلِهِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ مَا فِي الرَّوْضَةِ مِنْ جَوَازِ قَلْيِهِ حَيًّا وَمُنَازَعَةُ الزَّرْكَشِيّ فِيهِ بِأَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى الْحُرْمَةِ رَدَدْتهَا فِي شَرْحِ الْعُبَابِ بِقَوْلِ الْإِمَامِ الْمَذْهَبُ الْحِلُّ وَبِأَنَّ قَوْلَ الشَّيْخَ أَبِي حَامِدٍ وَمَنْ تَبِعَهُ بِالْحُرْمَةِ مَبْنِيٌّ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ عَلَى اخْتِيَارِهِ حُرْمَةَ ابْتِلَاعِ السَّمَكِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَمِنْ ثَمَّ تَبِعَ ابْنَ الرِّفْعَةِ مَعَ تَحْقِيقِهِ وَكَثْرَةِ اطِّلَاعِهِ النَّوَوِيُّ فِيمَا ذَكَرَهُ وَرَدَدْت فِيهِ أَيْضًا اسْتِشْكَالَ الْإِسْنَوِيِّ قَوْلَ الرَّوْضَةِ وَقَلْيُ السَّمَكِ حَيًّا جَائِزٌ كَابْتِلَاعِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) فِي شَخْصٍ نَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ لِإِعْيَائِهَا وَتَرَكَهَا فَأَخَذَهَا غَيْرُهُ وَأَنْفَقَ عَلَيْهَا فَلِمَنْ هِيَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ مَالِكِهَا إذْ الْإِعْرَاضُ لَا يُؤَثِّرُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَلَا رُجُوعَ لِلْمُنْفِقِ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَقَالَ أَحْمَدُ إنَّهَا لِلْآخِذِ وَمَالِكٌ لِمَالِكِهَا وَعَلَيْهِ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَلْ يَحِلُّ الِاصْطِيَادُ بِالْبُنْدُقِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ أَفْتَى النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِحِلِّهِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ الْحَذْفِ وَتَعْلِيلُهُ بِأَنَّهُ يَفْقَأُ الْعَيْنَ وَلَا يَنْكَأُ الْعَدُوَّ وَلَا يَقْتُلُ الصَّيْدَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ وَلَا يَقْتُلُ الصَّيْدَ قَتْلًا يُبِيحُهُ فَخَرَجَ الْبُنْدُقَ لِأَنَّهُ يَقْتُلُهُ قَتْلًا لَا يُبِيحُهُ وَمِنْ ثَمَّ جَزَمَ فِي الذَّخَائِرِ بِتَحْرِيمِهِ ثُمَّ الرَّمْيُ بِهِ وَبِمَا لَا حَدَّ لَهُ كَالدَّبُّوسِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضُ الْحَيَوَانِ لِلْهَلَاكِ وَيُجَابُ بِأَنَّا لَمْ نَتَحَقَّقْ أَنَّ الْبُنْدُقَ يَقْتُلُهُ قَتْلًا مُحَرَّمًا بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُبْطِلَ حَرَكَتَهُ مَعَ بَقَاءِ الْحَيَاةِ الْمُسْتَقِرَّةِ فِيهِ فَإِذَا ذَبَحَهُ حِينَئِذٍ حَلَّ فَهُوَ طَرِيقٌ لِإِبْطَالِ امْتِنَاعِهِ لَا لِقَتْلِهِ وَتَقْوِيَتِهِ وَبِهَذَا يَتَّضِحُ مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ. (وَسُئِلَ) سُؤَالًا صُورَتُهُ وَرَدَ فِي أَبِي دَاوُد مَا مَعْنَاهُ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُمْ اصْطَادَ وَلَدَ حُمْرَةٍ فَجَاءَتْ أُمُّهُ تُعَرِّشُ فَرَآهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا فَقَالُوا فُلَانٌ فَأَمَرَهُ بِإِطْلَاقِهِ فَمَا الْجَوَابُ عَنْ هَذَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - مِنْ تَحْرِيمِ إطْلَاقِ مِلْكِهِ مِنْ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ ذَكَرَ بَعْضُ مُحَقِّقِي مَشَايِخِنَا أَنَّ أَمْرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِطْلَاقِهِ مَحْمُولٌ عَلَى خَوْفِ تَلَفِهِ بِسَبَبِ حَبْسِهَا عَنْهُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى - عَنْ بَنَادِقِ الْأَرْوَامِ وَالْإِفْرِنْجِ الَّتِي فِيهَا الْبَارُودُ وَالنَّارُ هَلْ يَحِلُّ الِاصْطِيَادُ بِهَا لِأَنَّهَا أَشَدُّ مِنْ الْمُحَدَّدِ؟ وَهَلْ هِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْبَنَادِقِ الَّتِي يُصَادُ بِهَا؟ وَهَلْ الْمُرَادُ بِمَا فِي فَتَاوَى الْإِمَامِ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى - مِنْ حِلِّ الِاصْطِيَادِ بِهَا جَوَازُ الِاصْطِيَادِ بِهَا، أَوْ حِلُّ أَكْلِ مَا صِيدَ بِهَا، أَوْ لَا؟ وَالْحَيَوَانُ إذَا صَارَ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ بِجَرْحِ هِرَّةٍ، أَوْ نَحْوِهَا، أَوْ بُنْدُقٍ هَلْ يَحِلُّ أَكْلُهُ بِذَبْحِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مَعَ أَنَّهُ يَضْطَرِبُ اضْطِرَابًا شَدِيدًا بَعْدَ الذَّبْحِ وَيَنْفَجِرُ مِنْهُ الدَّمُ، أَوْ لَا يَحِلُّ؟ (فَأَجَابَ) - نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ لَا خِلَافَ فِي حُرْمَةِ الرَّمْيِ إلَى الصَّيْدِ بِالْبُنْدُقِ الَّذِي فِيهِ النَّارُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْبُنْدُقِ الَّذِي مِنْ طِينٍ فَصَاحِبِ الذَّخَائِرِ يَقُولُ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضَ الْحَيَوَانِ لِلْهَلَاكِ وَالنَّوَوِيُّ يَقُولُ: يَحِلُّ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَى الِاصْطِيَادِ وَهُوَ مُبَاحٌ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ الْحَذْفِ، وَقَالَ إنَّهُ لَا يَنْكَأُ الْعَدُوَّ وَلَا يَقْتُلُ الصَّيْدَ وَلَكِنْ يَفْقَأُ الْعَيْنَ وَيَكْسِرُ السِّنَّ» قَالَ فَمُقْتَضَى الْحَدِيثِ إبَاحَةُ الصَّيْدِ بِالْبُنْدُقِ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ أَنَّهُ كَرِهَ الرَّمْيَ بِهِ فِي الْقُرَى

باب الأضحية

خَشْيَةَ أَنْ يُصِيبَ مَنْ فِيهَا دُونَ الصَّحْرَاءِ وَمِنْ عِلَّتَيْ صَاحِبِ الذَّخَائِرِ وَالنَّوَوِيِّ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْأَوَّلَ عَلَّلَ عَدَمَ الْحِلِّ بِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضَ الصَّيْدِ لِلْهَلَاكِ. وَالثَّانِي عَلَّلَ الْحِلَّ بِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَى الِاصْطِيَادِ فَعَلِمْنَا أَنَّ الْأَوَّلَ يَقُولُ بِالْحِلِّ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْبُنْدُقَ لَا يُهْلِكُهُ، وَالثَّانِي يَقُولُ بِالْحُرْمَةِ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْبُنْدُقَ يَقْتُلُهُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ ذَبْحِهِ فَلَا تَخَالُفَ بَيْنَهُمَا وَكَانَ هَذَا الَّذِي قَرَّرْتُهُ هُوَ مَلْحَظُ مَا فِي فَتَاوَى الْبُلْقِينِيُّ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَمْيِ الطَّيْرِ بِالْبُنْدُقِ مَا حُكْمُهُ؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ أَمَّا الرَّمْيُ بِالْبُنْدُقِ فَقَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْهُ لِمَا يَحْصُلُ بِهِ مِنْ الضَّرَرِ وَلَا سِيَّمَا فِي الْبُنْيَانِ، وَأَمَّا رَمْيُ الطُّيُورِ بِهِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا أُمِرَ بِقَتْلِهِ فَلَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ فَالنَّهْيُ بَاقٍ وَإِنْ كَانَ مَأْكُولًا يُرْجَى أَنْ يَسْقُطَ وَفِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَيُذْبَحُ بِحَيْثُ يَحِلُّ فَهَذَا جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يُرْجَى ذَلِكَ فَالنَّهْيُ بَاقٍ إلَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ ضَرَرٌ اقْتَضَى تَنْفِيرَ ذَلِكَ الطَّيْرِ فَيَجُوزُ. اهـ. وَهُوَ كَلَامٌ حَسَنٌ وَبِهِ يَتَأَيَّدُ مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ حَمْلِ كَلَامِ النَّوَوِيِّ أَخْذًا مِنْ عِلَّتِهِ عَلَى مَا إذَا عُلِمَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْبُنْدُقَةَ لَا تُهْلِكُهُ وَإِنَّمَا تُزِيلُ مَنَعَتَهُ حَتَّى يَصِيرَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَالرَّمْيُ بِهِ حِينَئِذٍ حَلَالٌ وَكَذَا لَوْ كَانَ مِنْ الْفَوَاسِقِ أَوْ صَالَ عَلَيْهِ مَثَلًا وَلَمْ يَنْدَفِعْ عَنْهُ إلَّا بِذَلِكَ فَيَرْمِيهِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ هَذَا كُلُّهُ فِي الِاصْطِيَادِ بِهَا وَأَمَّا حِلُّ مَا صِيدَ بِهَا فَإِنْ أَدْرَكَهُ وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَذَبَحَهُ حَلَّ وَإِلَّا فَلَا وَمَا وَصَلَ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ بِسَبَبِ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ فِيهِ حَرَكَةٌ اخْتِيَارِيَّةٌ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ ذَبْحُهُ مُطْلَقًا وَمَا لَمْ يَصِلْ لِذَلِكَ حَلَّ إنْ تَيَقَّنَ حَالَ الذَّبْحِ أَنَّ بِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ وَكَذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ بِالْحَرَكَةِ الشَّدِيدَةِ وَانْفِجَارُ الدَّمِ وَمَتَى شَكَّ فِي اسْتِقْرَارِ الْحَيَاةِ حَرُمَ وَإِنْ وَجَدَ انْفِجَارَ الدَّمِ وَغَيْرَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ [بَابُ الْأُضْحِيَّةِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا إذَا ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ إتْلَافُ شَيْءٍ مِنْهَا بِغَيْرِ الْأَكْلِ وَالِانْتِفَاعِ لَهُ وَلِمَنْ أَذِنَ لَهُ إنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا فَلَوْ أَتْلَفَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ بَدَلُهُ يَصْرِفُهُ مَصْرِفَهَا وَأَنَّهُ يَسْتَقِلُّ بِذَلِكَ وَيَكْفِيهِ نِيَّتُهُ لِلْبَدَلِ وَيَكُونُ بِقِيمَتِهِ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ يَشْتَرِي بِهِ مِثْلَهُ أَوْ مِثْلَيْهِ إنْ كَانَ " نَبَّا " وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ إتْلَافَهُ كَأَنْ تَطَيَّرَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ وَدَكِهَا أَوْ عَثَرَ بِإِنَائِهِ فَانْقَلَبَ وَكَذَا قَدْ يُتَخَيَّلُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إطْعَامُ هِرَّةٍ أَوْ غَيْرِ آدَمِيٍّ مِنْهُ. وَفِي كُلِّ مَا ذُكِرَ حَرَجٌ وَخِلَافٌ لِلْعَادَةِ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ شَيْءٌ فِيهِ سَعَةٌ فَلْيَتَفَضَّلْ مَنْ وَقَفَ عَلَيْهِ بِذِكْرِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا فَلَوْ مَاتَ فَوَرَثَتُهُ مَوْضِعُهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَهُمْ الْأَكْلُ وَالِانْتِفَاعُ وَالْإِهْدَاءُ كَهُوَ قَالَ السُّبْكِيّ وَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهَا بِالذَّبْحِ وَلَا تُورَثُ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِوَارِثِهِ وِلَايَةُ الْقِسْمَةِ مِثْلَهُ وَلَا تَقُلْ فِيهَا بِخُصُوصِهَا. اهـ. وَلَا يَشْكُلُ ذَلِكَ بِمَا فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ إذَا ضَحَّيْت الْأُضْحِيَّةَ عَنْ الْمَيِّتِ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ حِينَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الْأَكْلِ مِمَّا ضُحِّيَ عَنْهُ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ حَتَّى يَقُومَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ. وَيَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ كَهُوَ كَمَا قَالُوهُ فِيمَا ضَحَّى بِهِ فِي حَيَاتِهِ فَلَوْ كَانَ وَرَثَتُهُ أَوْ بَعْضُهُمْ صِغَارًا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَجُوزُ إطْعَامُهُمْ مِنْهَا بِالْقِسْطِ لِئَلَّا يَضِيعَ وَاسْمُ الْقِسْمَةِ عَلَيْهَا بِمَعْنَى اسْتِحْقَاقِ كُلٍّ مِنْهُمْ شَيْئًا يَخْتَصُّ بِهِ مَمْنُوعٌ فِيمَا يَظْهَرُ وَإِنْ قُلْنَا بِبَقَاءِ الْمِلْكِ فِي أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ لِلتَّعَلُّقِ اللَّازِمِ بِهِ الْمَانِعِ مِنْ نَقْلِ الْمِلْكِ أَبَدًا كَالْمَرْهُونِ بِلَا وَلِيٍّ وَهَلْ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهَا الْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِينَ فِيهِ نَظَرٌ وَلَمْ أَجِدْهُ مَنْصُوصًا مَعَ كَثْرَةِ التَّفْتِيشِ عَنْهُ وَالظَّاهِرُ جَوَازُهُ كَمَا يَرْمِي إلَيْهِ كَلَامُ بَعْضِهِمْ فِي غُضُونِ الْمَسَائِلِ لِتَعَيُّنِهَا لِذَلِكَ وَكَوْنُهُ هُوَ الْأَصْلُ الَّذِي شُرِعَتْ التَّضْحِيَةُ لَأَجْلِهِ. وَإِنَّمَا جَوَّزَ الْأَكْلَ تَرْخِيصًا كَمَا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ فِي مَنْعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلًا مِنْ ادِّخَارِهَا بَعْدَ ثَلَاثٍ عِنْدَ الْحَاجَةِ الدَّاعِيَةِ إلَيْهَا فِي عَصْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنْ كَانَ نُسِخَ لِزَوَالِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُعْلَمُ بِهِ إنَّ الصَّدَقَةَ هِيَ الْأَصْلُ فِيهَا فَإِنْ قُلْنَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْهَا فَالظَّاهِرُ جَوَازُ أَكْلِهِ مِنْهَا حَالًا إنْ كَانَ فَقِيرًا كَغَيْرِهِ وَلَا نَقُولُ هُنَا يَمْتَنِعُ لِأَنَّهُ يَتَّحِدُ فِيهِ قَبْضُهُ وَإِقْبَاضُهُ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمَالِكِ

وَالْمَالِكُ لَهُ الِاسْتِبْدَادُ بِذَلِكَ نَعَمْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِادِّخَارُ لِيَنْتَفِعَ بِنَفْسِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا بِتَرْكِ مَا يَرَاهُ صَلَاحًا لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِمْ وَيَتَصَدَّقُ بِالْبَاقِي فِي الْحَالِ. وَإِذَا كَانُوا جَمَاعَةً أَوْ اثْنَيْنِ مَيَّزَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ قَبْل أَنْ رَآهُ وَإِنْ اتَّفَقَتْ حَاجَتُهُمْ وَضَافَ الشَّيْءُ وُزِّعَ عَلَيْهِمْ بِالسَّوِيَّةِ تَشْبِيهًا بِالْغَانِمِينَ فِي طَعَامِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ وُصُولِهِمْ أَوْطَانِهِمْ فَيَكُونُ كُلٌّ مُخْتَصًّا بِمَا مُيِّزَ لَهُ لَا مِلْكًا وَيَتَعَيَّنُ التَّصَدُّقُ إذَا كَانَ الصَّغِيرُ ضَعِيفًا لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَأْكُلَ اللَّحْمَ وَخَشِيَ تَغَيُّرَهُ إذْ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ وَلَهُ نَظِيرٌ مِنْ الشَّرْعِ هَذَا مَا تَقَرَّرَ لِي بَعْدَ النَّظَرِ وَالْبَحْثِ وَإِنْ كَانَ نُقِلَ بِخِلَافِهِ فَسَمْعًا وَطَاعَةً وَهُوَ أَوْلَى فَلْيُنْظَرْ فِيهِ وَإِذَا ضَحَّى الْوَلِيُّ عَنْ صَغِيرٍ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ قَالَ شَيْخُنَا عَبْدُ اللَّهِ أَبُو فَضْلٍ الظَّاهِرُ مَنْعُ أَكْلِهِ مِنْهَا لِأَنَّهُ يَقْدِرُ أَنَّهُ مَلَكَهَا فِي ضِمْنِ التَّضْحِيَةِ قَبْلَهَا أَقُولُ وَمَا قَدَّرَهُ مُمْكِنٌ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ جَدًّا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ التَّمْلِيكِ وَفِي غَيْرِهِ نَظَرٌ وَقَدْ أَفْتَى بَعْضُ أَئِمَّةِ الْيَمَنِ بِجَوَازِهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ تَقْدِيرِ انْتِقَالِ مِلْكٍ إلَيْهِ. قَالَ شَيْخُنَا وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْعَقِيقَةِ عَنْهُ لِأَنَّ الْأَبَ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا لِنَفْسِهِ أَقُولُ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الضَّحِيَّةُ مِثْلَهَا وَيَتَصَرَّفُ الْأَبُ فِيهَا كَضَحِيَّةِ نَفْسِهِ وَإِمَّا أَنْ يُمْنَعَ مِنْهَا غَيْرَ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَتَصِحُّ مِنْهُمَا بِتَقْدِيرِ انْتِقَالِ الْمِلْكِ ثُمَّ يَتَضَيَّقُ الْأَمْرُ فِيهَا بِأَنْ يُطْعِمَ مِنْهَا الصَّبِيَّ فَقَطْ وَيَكُونُ فِي التَّصَدُّقِ بِشَيْءٍ مِنْهَا مَا سَبَقَ فِي لَحْمِ الضَّحِيَّةِ الْمُخَلَّفِ عَنْ الْمَيِّتِ وَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ ظُلْمَةٌ أَزَالَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَسَائِرَ الظُّلُمَاتِ بِنُورِ الْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ وَالْهِدَايَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ فَالْمَسْئُولُ مِمَّنْ وَقَفَ عَلَى هَذَا مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَنَفَعَ بِهِمْ إمْعَانُ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ وَبَيَانُ مَا ظَهَرَ لَهُ فِيهِ بِنَقْلٍ أَوْ بَحْثٍ بِإِيضَاحٍ بَيِّنٍ لَا أَخَلَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْهُمْ آمِينَ. (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ أَمَّا الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَوْلُ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِبَرَكَتِهِ وَعُلُومِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ إتْلَافُ شَيْءٍ مِنْهَا إلَخْ ظَاهِرٌ وَقَدْ صَرَّحُوا بِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَلَوْ أَتْلَفَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ إلَخْ مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ أَتْلَفَ الْقَدْرَ الَّذِي يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهِ فَذَلِكَ لَيْسَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ بَلْ صَرَّحُوا بِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُتْلِفَهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا بَلْ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ بِتَقْصِيرِهِ ضَمِنَهُ أَيْضًا لِأَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِ يَدُ أَمَانَةٍ وَهَذَا حُكْمُهَا وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ أَتْلَفَ الْقَدْرَ الزَّائِدَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ ذَبْحُهَا وَتَصَدَّقَ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ وَأَتْلَفَ مَا عَدَاهُ قَبْلَ التَّصَدُّقِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَيْسَ الضَّمَانُ حِينَئِذٍ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ. وَإِنَّمَا مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ بَلْ صَرِيحُهُ عَدَمُ الضَّمَانِ إذْ لَوْ ضَمِنَهُ لَضَمِنَهُ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ إذَا تَصَدَّقَ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ صَارَ مُسْتَحِقًّا لِأَكْلِ الْجَمِيعِ وَإِنْ نُدِبَ لَهُ التَّصَدُّقُ بِهِ فَلَوْ قُلْنَا بِوُجُوبِ ضَمَانِ مَا أَتْلَفَهُ لَضَمِنَهُ لِنَفْسِهِ وَضَمَانُ الْإِنْسَانِ مُتْلَفَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمَا يَئُولُ إلَى نَفْسِهِ مُمْتَنِعٌ ظَاهِرُ الِامْتِنَاعِ وَالِاسْتِحَالَةِ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَسْتَحِيلُ ذَلِكَ وَهُوَ بِالتَّضْحِيَةِ قَدْ زَالَ مِلْكُهُ وَإِنْ زَالَ بَقِيَ لَهُ اسْتِحْقَاقُ الْأَكْلِ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ بَعْدَ إخْرَاجِ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ شَيْءٌ لِغَيْرِهِ فَانْحَصَرَ الِاسْتِحْقَاقُ فِيهِ وَحِينَئِذٍ فَكَيْفَ يَضْمَنُ لِنَفْسِهِ شَيْئًا انْحَصَرَ اسْتِحْقَاقُهُ لَهُ فَالِاسْتِحَالَةُ بَاقِيَةٌ. فَإِنْ قُلْت كَلَامُهُمْ فِي إتْلَافِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِلْوَقْفِ الَّذِي عَلَيْهِ يُنَافِي ذَلِكَ قُلْت لَا يُنَافِيهِ لِظُهُورِ فُرْقَانِ مَا بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ ثَمَّ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بَلْ مَنْ بَعْدَهُ يَسْتَحِقُّهُ أَيْضًا فَضَمِنَهُ لِأَجْلِ غَيْرِهِ وَهُنَا لَيْسَ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ اسْتِحْقَاقٌ فِيهِ بِوَجْهٍ فَلَمْ يَضْمَنْهُ وَأَيْضًا فَالْوَقْفُ فِيهِ نَاظِرُهُ إمَّا عَامٌّ أَوْ خَاصٌّ يُطَالِبُ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ بِالْبَدَلِ وَهُنَا لَا مَطَالِبَ وَأَيْضًا فَالْقَصْدُ بِالْوَقْفِ الدَّوَامُ فَلَوْ لَمْ يَضْمَنْ لَنَا فِي مَقْصُودَهُ وَالْقَصْدُ مِنْ التَّضْحِيَةِ إرَاقَةُ الدَّمِ مَعَ إرْفَاقِ الْمَسَاكِينِ بِأَدْنَى جُزْءٍ مِنْهَا غَيْرِ تَافِهٍ وَقَدْ حَصَلَ هَذَا الْمَقْصُودُ فَلَا وَجْهَ لِلضَّمَانِ عَلَى أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِنَا كَأَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ الْقَاصِّ وَالْإِصْطَخْرِيِّ وَابْنِ الْوَكِيلِ قَالُوا إنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ الْجَمِيعِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِشَيْءٍ مِنْهَا. وَنَقَلَهُ ابْنُ الْقَاصِّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالتَّضْحِيَةِ أَتَمَّ. اهـ. وَالتَّقَرُّبُ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ فَحَسْبُ وَأَمَّا الضَّحِيَّةُ بَعْدَ الذَّبْحِ فَكَسَائِرِ الذَّبَائِحِ غَيْرِهَا وَعَلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ مُطْلَقًا وَكَذَا يُقَالُ فِي جِلْدِهَا وَنَحْوِهِ مِمَّا لَهُ الِانْتِفَاعُ بِعَيْنِهِ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً دُونَ نَحْوِ بَيْعِهِ هَذَا حُكْمُ الْإِتْلَافِ مِنْ

حَيْثُ الضَّمَانُ وَعَدَمُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ لَا مَحِيدَ عَنْهُ فَيَتَعَيَّنُ اعْتِمَادُهُ لِأَنَّ قَوَاعِدَهُمْ تُصَرِّحُ بِهِ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ نَصَّ عَلَيْهِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْإِثْمِ فَإِنْ تَعَمَّدَ أَثِمَ لَا مِنْ حَيْثُ التَّضْحِيَةُ بَلْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا إضَاعَةَ مَالٍ وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ لَمْ يَأْثَمْ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَكَذَا قَدْ يَتَخَيَّلُ إلَخْ. فَهُوَ إنَّمَا يَتَّجِهُ فِي الْغَنِيِّ الَّذِي أُهْدِيَ إلَيْهِ دُونَ نَفْسِهِ وَدُونَ الْفَقِيرِ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِي فِي شَرْحِ الْعُبَابِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ لَا تَمْلِيكِهِمْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ الَّذِي عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرِهِمَا خِلَافًا لِابْنِ الصَّلَاحِ وَغَيْرِهِ كَمَا يَأْتِي فَلَا يَجُوزُ تَمْلِيكُ الْأَغْنِيَاءِ شَيْئًا مِنْ الْأُضْحِيَّةِ لِيَتَصَرَّفُوا فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ بَلْ بِالْأَكْلِ وَلِذَا جَازَ إطْعَامُهُمْ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا وَكَذَا الْإِهْدَاءُ إلَيْهِمْ كَمَا يَأْتِي وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ ذَلِكَ ضَحِيَّةَ الْإِمَامِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. قَالَ فَيَمْلِكُ الْأَغْنِيَاءُ مَا يُعْطِيهِمْ مِنْهَا بِخِلَافِ الْفُقَرَاءِ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُمْ فَيَجُوزُ إطْعَامُهُمْ وَتَمْلِيكُهُمْ حَتَّى مِنْ الزَّائِدِ عَلَى مَا يَجِبُ تَمْلِيكُهُ نِيئًا وَيَتَصَرَّفُوا فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ أَمَّا الْأَغْنِيَاءُ فِيمَا يُهْدَى إلَيْهِمْ فَلَا يَتَصَرَّفُوا فِيهِ بِغَيْرِ الْأَكْلِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ يَجُوزُ إطْعَامُهُمْ كَمَا يُطْعِمُ الضَّيْفَ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْقَمُولِيِّ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ مَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ مِنْ أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ لَا يَجُوزُ لَهُ إتْلَافُهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ وَلَا أَنْ يَمْلِكَهُ الْأَغْنِيَاءُ لِيَتَصَرَّفُوا فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ وَلَهُمْ الْأَكْلُ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ. وَنَظَرَ فِيهِ ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّ ظَاهِرَ إطْلَاقِهِمْ جَوَازُ الْإِهْدَاءِ إلَى الْأَغْنِيَاءِ فِي الْهِبَةِ الْمُفِيدَةِ لِلْمِلْكِ الْمُمَكِّنَةِ مِنْ التَّصَرُّفِ لَا الْإِطْعَامِ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى هَدِيَّةً وَيُرَدُّ وَإِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ، وَغَيْرُهُ أَنَّ مَا قَالَهُ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ الَّذِينَ ذَكَرُوا الْإِهْدَاءَ بِأَنَّ الْأَصْلَ مَنْعُ أَكْلِهِمْ مِنْهَا وَإِنَّمَا جَازَ لَهُمْ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُوَسِّعَ لَهُمْ فِي غَيْرِهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَظَاهِرُ التَّشْبِيهِ بِالضَّيْفِ أَنَّهُ لَيْسَ لِغَنِيٍّ أُهْدِيَ لَهُ شَيْءٌ مِنْهَا إهْدَاؤُهُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُحْمَلُ الْإِهْدَاءُ إلَيْهِمْ عَلَى الْإِبَاحَةِ لَا الْمِلْكِ فَلِلْمُهْدِي اسْتِرْجَاعُهُ وَلَوْ بَعْدَ الْوُصُولِ لِلْمُهْدَى إلَيْهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْأَذْرَعِيِّ قَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ بِالضَّيْفِ أَنَّ الْمُهْدَى إلَيْهِ لَا يَتَصَرَّفُ بِغَيْرِ الْأَكْلِ مِنْ صَدَقَةٍ وَنَحْوِهَا وَفِي مَنْعِهِ مِنْ الصَّدَقَةِ وَالْإِيثَارِ بِهِ بُعْدٌ بِخِلَافِ مَنْعِهِ مِنْ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ كَالْمُضَحِّي يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَيْ الْبَيْعُ دُونَ الصَّدَقَةِ وَإِطْعَامِ الْغَيْرِ فَيُرَدُّ بِأَنَّهُ لَا بُعْدَ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ كَالْمُضَحِّي لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّفْرِقَةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِجَوَازِ التَّصَدُّقِ وَإِطْعَامِ الْغَيْرِ بِخِلَافِ الْمُهْدَى إلَيْهِ. اهـ. مَا فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا ذَكَرْتُهُ أَمَّا الْفَقِيرُ فَوَاضِحٌ لِمَا عُلِمَ أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ فَأَوْلَى إطْعَامُ نَحْوِ الْهِرَّةِ وَأَمَّا الْمُضَحِّي فَلَمَّا عَلِمَ أَيْضًا أَنَّ لَهُ التَّصَرُّفَ بِالْأَكْلِ وَالصَّدَقَةِ وَإِطْعَامِ الْغَيْرِ وَإِطْعَامِ نَحْوِ الْهِرَّةِ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْغَنِيُّ الْمُهْدَى إلَيْهِ فَلِمَا عُلِمَ أَنَّهُ إبَاحَةٌ لَهُ وَأَنَّهُ كَالضَّيْفِ وَقَدْ صَرَّحُوا فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَدُّقُ وَلَا إطْعَامُ نَحْوِ الْهِرَّةِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْتُهُ فِي الْمُضَحِّي قَوْلُهُمْ يَجُوزُ لَهُ شُرْبُ مَا فَضَلَ مِنْ لَبَنِ الْمَنْذُورَةِ عَنْ رِيِّ وَلَدِهَا وَأَنْ يَسْبِقَهُ غَيْرُهُ أَيْ وَلَوْ وَلَدَ دَابَّةٍ أُخْرَى فَكَمَا جَازَ لَهُ سَقْيُ الدَّابَّةِ كَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ إطْعَامُ نَحْوِ الْهِرَّةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا إلَى قَوْلِهِ اهـ ظَاهِرٌ. وَمِنْ ثَمَّ قُلْت فِي شَرْحِ الْعُبَابِ فَرْعٌ مَاتَ الْمُضَحِّي وَعِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ وَإِهْدَاؤُهُ لَمْ يُورَثْ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ لَكِنْ لِوَارِثِهِ وِلَايَةُ الْقِسْمَةِ وَالتَّفْرِقَةِ وَالْإِهْدَاءِ وَالْأَكْلِ كَمَا كَانَ لَهُ ذَكَرَهُ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ. اهـ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَا يُشْكِلُ ذَلِكَ بِمَا فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ وَتَعْلِيلِهِ دَفَعَ الْإِشْكَالَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ حِينَ مَوْتِهِ إلَخْ فَتَخَيُّلُ الْأَشْكَالِ بِذَلِكَ بَعِيدٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ سَوْقِ كَلَامِ الْقَفَّالِ وَعِبَارَةِ شَرْحِ الْعُبَابِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ أَيْ جَوَازُ الْأَكْلِ لِلْمُضَحِّي إذَا ضَحَّى عَنْ نَفْسِهِ فَلَوْ ضَحَّى عَنْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ كَمَيِّتٍ أَوْصَى بِذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ الْأَكْلُ مِنْهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَفَّالُ فِي الْمَيِّتِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ وَقَعَتْ عَنْهُ أَيْ الْمَيِّتِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَيْ الْمُضَحِّي الْأَكْلُ مِنْهَا إلَّا بِإِذْنِهِ أَيْ الْمَيِّتِ. وَقَدْ تَعَذَّرَ فَيَجِبُ التَّصَدُّقُ عَنْهُ بِجَمِيعِهَا وَاعْتَمَدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَعِبَارَةُ الْمَطْلَبِ هَلْ يَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِي جَوَازِ الْأَكْلِ وَالْإِهْدَاءِ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا

تَطَوُّعٌ أَوْ نَقُولُ قَدْ صَارَتْ وَاجِبَةَ الذَّبْحِ بَعْد الْمَوْتِ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَنْذُورَةِ أَوْ يَتَعَيَّنُ صَرْفُ الْجَمِيعِ لِلْفُقَرَاءِ لِأَنَّهَا حُسِبَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ الثُّلُثِ مَحَلُّ نَظَرٍ وَالْأَقْرَبُ الْأَخِيرُ انْتَهَتْ وَفِيهِ بَسْطٌ مُهِمٌّ ذَكَرْتُهُ فِي حَاشِيَةِ الْإِيضَاحِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَبِهَا يُعْلَمُ ظُهُورُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُضَحِّي إذَا مَاتَ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ الْمُضَحَّى عَنْهُ فَإِنَّ الْأَوَّلَ كَانَتْ لَهُ وِلَايَةُ التَّفْرِقَةِ وَالْأَكْلِ وَالْإِهْدَاءِ فَثَبَتَ كُلُّ ذَلِكَ لِوَارِثِهِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَلَمْ يَثْبُتْ لِوَارِثِهِ شَيْءٌ مِنْهُ لِمَا ذُكِرَ. وَلِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ أَنَّ هَذِهِ حُسِبَتْ عَلَى الْفُقَرَاءِ مِنْ الثُّلُثِ أَيْ إذَا أَوْصَى بِهَا فَصَارَتْ جَمِيعُهَا مُسْتَحِقَّةً لَهُمْ وَوَرَثَةُ الْمَيِّتِ الْمُوصَى لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ ثُلُثِهِ الْمُوصِي بِهِ وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ لِئَلَّا يَتَّحِدَ الْقَابِضُ وَالْمُقْبَضُ وَأَمَّا الْأَغْنِيَاءُ فَلِأَنَّ الْوَصَايَا إنَّمَا تَنْصَرِفُ إلَى الْفُقَرَاءِ غَالِبًا فَلَمْ يَجُزْ صَرْفُ شَيْءٍ إلَيْهِمْ أَيْضًا وَأَمَّا قَوْلُهُ فَلَوْ كَانَ وَرَثَتُهُ أَوْ بَعْضُهُمْ صِغَارًا إلَخْ فَإِنْ أَرَادَ بِهِمْ وَرَثَةَ الْمَيِّتِ الْمُضَحَّى عَنْهُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا عَلِمْتَ أَنَّ وَارِثَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا لِوُجُوبِ صَرْفِ جَمِيعِهَا لِلْفُقَرَاءِ كَمَا عَلِمْتَهُ مِنْ عِبَارَةِ ابْنِ الرِّفْعَةِ الْمَذْكُورَةِ. وَقَوْلُهُ فِي حِكَايَةِ كَلَامِ الْقَفَّالِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَقُلْهُ الْقَفَّالُ كَذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَإِنَّمَا عَلَّلَ عَدَمَ جَوَازِ أَكْلِ الْمُضَحِّي وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ بِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ وَقَعَتْ عَنْ الْمَيِّتِ فَلَا يَحِلُّ الْأَكْلُ مِنْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ فَيَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهَا عَنْهُ وَقَوْلُهُ بِالْقِسْطِ لِئَلَّا يَضِيعَ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ إذْ التَّقْسِيطُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَخَشْيَةُ الضَّيَاعِ لَيْسَتْ هِيَ الْمُبِيحَةُ لِلْأَكْلِ لِمَا يَأْتِي وَقَوْلُهُ مَمْنُوعٌ فِيمَا يَظْهَرُ ظَاهِرٌ لَكِنْ تَعْلِيلُهُ بِقَوْلِهِ لِلتَّعَلُّقِ اللَّازِمِ إلَخْ مَمْنُوعٌ إذْ التَّعَلُّقُ اللَّازِمُ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّيْنَ وَالْحُقُوقَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ لَا يَمْنَعُ انْتِقَالُهَا لِلْوَرَثَةِ وَإِنْ حُجِرَ عَلَيْهِمْ فِي التَّصَرُّفِ فِيهَا حَتَّى لَوْ قَضَوْا الدَّيْنَ مِنْ غَيْرِهَا بِأَنَّهَا عَلَى مِلْكِهِمْ وَلَوْ بِيعَتْ فِيهِ كَانَتْ زَوَائِدُهَا مِنْ حِين الْمَوْتِ إلَى وَقْتِ الْبَيْعِ مِلْكًا لَهُمْ. وَقَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ جَوَازُهُ إلَخْ هُوَ كَذَلِكَ لَا لِمَا ذَكَرَهُ فَحَسْبُ بَلْ لِمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ وَصَرَّحُوا بِهِ مِنْ زَوَالِ مِلْكِ الْمُضَحَّى عَنْهَا وَعَدَمِ إرْثِهَا عَنْهُ وَإِنَّ الثَّابِتَ لِلْوَارِثِ إنَّمَا هُوَ وِلَايَةُ التَّفْرِقَةِ وَجَوَازُ الْأَكْلِ فَالْمُورَثُ لَيْسَ إلَّا الْوِلَايَةُ وَالْجَوَازُ الْمَذْكُورَانِ فَقَطْ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ فَأَمَّا الْوِلَايَةُ فَيَخْلُفُ الْوَارِثَ الْمَحْجُورَ فِيهَا وَلِيَّهُ لِعَدَمِ تَأَهُّلِهِ لَهَا وَأَمَّا جَوَازُ الْأَكْلِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَنُوبَ عَنْهُ فِيهِ غَيْرُهُ بَلْ هُوَ بَاقٍ لَهُ بِمَعْنَى أَنَّ لِلْوَارِثِ أَنْ يُطْعِمَهُ مِنْهَا لَا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَإِذَا خَلَفَهُ وَلِيُّهُ فِي وِلَايَةِ التَّفْرِقَةِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ إطْعَامه وَحْدَهُ فَلَهُ أَنْ يُطْعِمَهُ وَأَنْ يُطْعِمَ غَيْرَهُ. فَعُلِمَ بِمَا قَرَّرْته أَنَّ جَوَازَ إطْعَام الْوَلِيِّ غَيْرَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ مِنْهُ. اهـ. وَصَرِيحُ كَلَامِهِمْ وَلَا نَظَرَ لِلتَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلْمَنْعِ إذْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ حِلَّ أَكْلِ الْمُضَحَّى مِنْهَا رُخْصَةٌ إذْ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ حَدُّهَا الْمُقَرَّرُ فِي الْأُصُولِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ بَلْ هُوَ ثَابِتٌ قَبْلَ النَّسْخِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى جَوَازِ الْأَكْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفُ وَأَتَمُّ. اهـ. مَا مُتَوَارِدَاتٌ عَلَى جَوَازِ الِادِّخَارِ مِنْهَا بَعْدَ ثَلَاثٍ فَأَمَّا حِلُّهُ قَبْلَ ثَلَاثٍ وَحَلَّ الْأَكْلُ مُطْلَقًا فَلَمْ يَقَعْ فِيهِ نَسْخٌ مُطْلَقًا فَتَأَمَّلْهُ وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الصَّدَقَةَ هِيَ الْأَصْلُ فِيهَا لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا نُسِخَ امْتَنَعَ النَّظَرُ إلَيْهِ مُطْلَقًا فَلَا يُعْمَلُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ وَلَا بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ وَأَيْضًا فَالْمَنْظُورُ إلَيْهِ فِيهَا بِطَرِيقِ الذَّاتِ إنَّمَا هُوَ إرَاقَةُ الدَّمِ لِأَنَّهُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَوَقَعَ الْخِلَافُ فِي وُجُوبِهَا كَمَا مَرَّ وَعَلَى الْوُجُوبِ فَهِيَ بِجُزْءٍ غَيْرِ تَافِهٍ فَهَذِهِ كُلُّهَا صَرَائِحُ فِي مَنْعِ مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ وَأَمَّا التَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ وَالْمَأْخَذُ الظَّاهِرُ فَهُوَ مَا ذَكَرْته وَاسْتَنْبَطْتُهُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَحَرَّرْته فَلَا مَسَاغَ فِي الْعُدُولِ عَنْهُ وَقَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ جَوَازُ أَكْلِهِ إلَخْ إنَّمَا يَتَّجِهُ عَلَى مَا قَالَهُ جَمْعٌ فِيمَنْ أَوْصَى إلَى إنْسَانٍ بِتَفْرِقَةِ ثُلُثِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ نَفْسَهُ وَانْتَصَرَ لَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ. وَأَمَّا عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِاتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبَضِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ هُنَا أَنْ يَأْخُذَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا لِاتِّحَادِهِمَا وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِهِ نَائِبَ الْمَالِك لِأَنَّ الْوَصِيَّ أَيْضًا نَائِبُ الْمَالِكِ. وَقَدْ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ نِيَابَتَهُ عَنْهُ تُقَوِّي ذَلِكَ الِاتِّحَادَ الْمَمْنُوعَ فَإِنْ قُلْت فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا قُلْت يَفْرُقُ بِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ

لِلْمُضَحِّي كَالْكَلَإِ الْمُبَاحِ إذْ لَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ اتِّحَادٌ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِنَائِبِ الْمَالِكِ فَلَا لِأَنَّهُ مَالٌ يَلِي تَفْرِقَتَهُ غَيْرُ الْمَالِكِ وَقَدْ صَارَ النَّائِبُ وَكِيلًا عَنْ ذَلِكَ الْوَلِيِّ فَإِذَا أَخَذَ مِنْهُ كَانَ مُقْبَضًا عَنْ غَيْرِهِ وَقَابِضًا لِنَفْسِهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ لِيَظْهَرَ لَكَ أَنَّ تَعْلِيلَ جَوَازِ الِاتِّحَادِ بِكَوْنِهِ نَائِبَ الْمَالِك فِي غَايَةِ الْبُعْدِ وَأَنَّهُ مِنْ تَعْلِيلِ الشَّيْءِ بِمَا يُبْطِلُهُ وَيَرُدُّهُ وَقَوْلُهُ نَعَمْ الظَّاهِرُ إلَخْ بَعِيدٌ جِدًّا لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ جَوَّزَ لَهُ الْأَكْلَ كَيْفَ يَمْنَعُهُ مِنْ الِادِّخَارِ وَيُعَلَّلُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا وَهَلْ هَذَا إلَّا التَّنَاقُضُ الْبَيِّنُ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا يُبْطِلُ مَا قَالَهُ مِنْ جَوَازِ أَكْلِهِ وَتَعْلِيلُهُ جَوَازِ أَكْلِهِ بِأَنَّهُ كَغَيْرِهِ يُبْطِلُ مَا قَالَهُ مِنْ مَنْعِهِ مِنْ الِادِّخَارِ فَتَفَطَّنْ لِذَلِكَ وَقَوْلُهُ بَلْ يَتْرُكُ مَا يَرَاهُ صَلَاحًا لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا مَرَّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّصَدُّقُ بِكُلِّهَا وَإِنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ فِيهِ إلَّا وِلَايَةَ التَّفْرِقَةِ فَقَطْ فَانْدَفَعَ قَوْلُهُ فَيُتْرَكُ وَقَوْلُهُ يَتَصَدَّقُ وَقَوْلُهُ مَيَّزَ. وَقَوْلُهُ وَزَّعَ إنْ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ نَعَمْ وَقَوْلُهُ إنْ رَآهُ يُشْعِرُ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ لَكِنْ لَا مُطْلَقًا بَلْ إنْ لَمْ يَرَهُ فَإِنْ رَآهُ لِحَاجَةِ مَحْجُورِهِ إلَيْهِ لَزِمَهُ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ وَقَوْلُهُ وَإِذَا ضَحَّى الْوَلِيُّ إلَخْ اعْلَمْ أَنَّهُمْ اسْتَثْنَوْا مِنْ مَنْعِ التَّضْحِيَةِ عَنْ الْغَيْرِ صُوَرًا مِنْهَا تَضْحِيَةُ الْوَلِيِّ مِنْ مَالِهِ عَنْ مَحَاجِيرِهِ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْوَلِيُّ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ شَيْخِهِ الْإِمَامِ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ أَخَذَهُ مِنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - فِي الْأُمِّ وَمِنْ مُقْتَضَى قَوْلِ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُمَا مِنْ أَمْوَالِهِمَا قَالَ فَمَفْهُومُهُ جَوَازُهُ مِنْ مَالِهِ. اهـ. وَبِنَحْوِ عِبَارَةِ الْمَاوَرْدِيُّ هَذِهِ عَبَّرَ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ فَلْيُسْتَدَلَّ بِهَا أَيْضًا وَجَرَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ صَالِحُ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ وَالِدِهِ فِي تَتِمَّتِهِ وَتَدْرِيبِهِ فَقَالَ الثَّانِيَةُ الْوَلِيُّ إذَا ضَحَّى مِنْ مَالِهِ عَنْ الَّذِي تَحْتَ حِجْرِهِ مِنْ الْأَطْفَالِ وَالسُّفَهَاءِ وَالْمَجَانِينَ فَمُقْتَضَى نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ الْجَوَازُ. اهـ. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَضِيَّةُ مَا مَرَّ فِي مَنْعِ الْمُضَحِّي عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ أَكْلِ شَيْءٍ مِنْهَا لِأَنَّهَا انْتَقَلَتْ إلَى الْمَيِّتِ وَإِذْنُهُ مُتَعَذِّرٌ أَنَّ الْوَلِيَّ هُنَا إذَا ضَحَّى عَنْ مُوَلِّيهِ مِنْ مَالِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهَا لِأَنَّهَا انْتَقَلَتْ لِلْمَحْجُورِ. وَإِذْنُهُ مُتَعَذِّرٌ فَالْوَجْهُ مَا قَالَهُ شَيْخُ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِمَا وَبِمَدَدِهِمَا لَا هُوَ وَبَعْضُ أَئِمَّةِ الْيَمَنِ لِمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ تَضْحِيَةَ الْوَلِيِّ عَنْ مُوَلِّيهِ مُتَضَمِّنَةٌ لِانْتِقَالِهَا إلَيْهِ شَرْعًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبًا وَلَا جَدًّا فَإِنْ قُلْت قَضِيَّةُ الِانْتِقَالِ إلَيْهِ أَنْ لَا يَجُوزَ التَّصَدُّقُ بِشَيْءٍ مِنْهَا قُلْت لَيْسَ الِانْتِقَالُ إلَيْهِ هُنَا إلَّا لِتَحْصِيلِ ثَوَابِهَا تَوْسِعَةً فِي تَحْصِيلِ طُرُقِهِ وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّصَدُّقِ مِنْهَا وَبِمَا تَقَرَّرَ فَارَقَ مَا هُنَا مَا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ أَصْدَقَ الْوَلِيُّ عَنْ مَحْجُورِهِ أَوْ دَفَعَ الثَّمَنَ عَنْهُ ثُمَّ ارْتَفَعَ ذَلِكَ الْعَقْدُ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْعُقُودِ الْمَالِيَّةِ فَأُدِيرَ عَلَيْهِ حُكْمُهَا وَمَا هُنَا الْقَصْدُ بِهِ كَمَا تَقَرَّرَ الثَّوَابُ فَوُسِّعَ لَهُ فِي طُرُقِ تَحْصِيلِهِ كَمَا وُسِّعَ لِلْمَيِّتِ فِي ذَلِكَ لَكِنْ إنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْحَيَاةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِذْنِ بِخِلَافِ الْمَحْجُورِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ مُطْلَقًا وَأَلْحَقَ بِهِمَا مَنْ جُنَّ أَوْ سَفَهَ بَعْدَ كَمَالِهِ طَرَدَ اللُّبَابِ. وَقَوْلُهُ أَقُولُ فَأَمَّا إلَخْ الْأَوْجَهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَقِيقَةِ وَالتَّضْحِيَةِ فَلِلْأَبِ إذَا عَقَّ عَنْ وَلَدِهِ الْأَكْلُ مِنْهَا لِأَنَّ الْأَبَ مُخَاطَبٌ بِهَا أَصَالَةً فَهِيَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَضَحِيَّةِ نَفْسِهِ وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْ الْعَقِيقَةِ كَمَا لَهُ الْأَكْلُ مِنْ أُضْحِيَّةِ نَفْسِهِ وَأَمَّا التَّضْحِيَةُ عَنْ طِفْلِهِ فَهِيَ غَيْرُ مُخَاطَبٌ بِهَا وَإِنَّمَا وُسِّعَ لَهُ فِيهَا تَحْصِيلًا لِلثَّوَابِ لِمُوَلِّيهِ لِأَنَّهَا فِدَاءٌ عَنْ نَفْسِ الْمُوَلَّى لَا يَعُودُ عَلَى الْأَبِ مِنْهُ شَيْءٌ فَتَمَحَّضَ النَّفْعُ لِلْمُوَلِّي وَالْوُقُوعُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْعَقِيقَةِ فَإِنَّ نَفْعَهَا مِنْ كَوْنِ الْوَلَدِ بِسَبَبِهَا يَشْفَعُ لِأَبِيهِ كَمَا قَالَهُ أَئِمَّةٌ مُجْتَهِدُونَ أَمْرٌ خَاصٌّ بِالْوَلِيِّ لِعَوْدِ نَفْعِهِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ كَالْمُضَحِّي عَنْ الْغَيْرِ وَإِنَّمَا هُوَ كَالْمُضَحِّي عَنْ نَفْسِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَعُلِمَ الْجَوَابُ عَنْ تَرْدِيدَاتِ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَحْضَرَ تَصْرِيحَهُمْ بِأَنَّ لِلْعَاقِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الْعَقِيقَةِ كَالْأُضْحِيَّةِ عَنْ نَفْسِهِ. وَأَنَّ الضَّحِيَّةَ عَنْ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ لِلْمُضَحِّي الْأَكْلُ مِنْهَا وَمَنْ تَأَمَّلْ حُكْمَ ذَلِكَ وَعِلَلَهَا الَّتِي قَرَّرْتُهَا لَمْ يُبْدِ تِلْكَ التَّرْدِيدَاتِ وَلَزَالَتْ عَنْهُ تِلْكَ الظُّلْمَةُ أَزَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنَّا وَعَنْهُ ظُلْمَ نُفُوسِنَا وَحُظُوظِنَا وَبَوَّأَنَا مَنَازِلَ شُهُودِهِ وَمَعَالِيهَا إلَى أَنْ

باب العقيقة

نَلْقَاهُ رَاضِيًا عَنَّا بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ إنَّهُ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا إذَا اشْتَرَكَا فِي سُبُعَيْ بَدَنَةٍ هَلْ يَمْتَنِعُ كَاشْتِرَاكِهِمَا فِي شَاتَيْنِ أَوْ يَفْرُقُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ فِي الشَّاتَيْنِ اسْتِقْلَالُ كُلٍّ بِإِرَاقَةِ دَمٍ كَامِلٍ فَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْمُشَارَكَةُ فِيهِ وَإِنْ حَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ الشَّرِكَتَيْنِ لِكُلٍّ دَمٌ لِأَنَّهُ دَمٌ مُلَفَّقٌ وَهُوَ لَا يُجْزِئُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى عَدَمِ التَّلْفِيقِ وَأَمَّا فِي السُّبْعَيْنِ مِنْ الْبَدَنَةِ فَالتَّفْلِيقُ حَاصِلٌ فِي دَمِهَا سَوَاءٌ أَجَعَلْنَا كُلَّ سُبْعٍ عَنْ وَاحِدٍ وَسُبُعًا عَنْ اثْنَيْنِ وَسُبُعًا عَنْ آخَرَ فَإِنْ قُلْت هَذَا فَرْقٌ ظَاهِرٌ فَمَا بَالُك قُلْت إنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الظَّاهِرُ قُلْت لِأَنَّهُمْ نَزَّلُوا كُلَّ سُبُعٍ مَنْزِلَةَ شَاةٍ وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى مَا ذُكِرَ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ كَانَ بَعْضُ الْمُشْتَرِكِينَ فِي الْبَدَنَةِ يُرِيدُ اللَّحْمَ وَبَعْضُهُمْ يُرِيدُ الضَّحِيَّةَ أَوْ الْهَدْيَ الْوَاجِبَ أَوْ الْمَنْدُوبَ أُجْبِرَ حَتَّى لَوْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ مُحَرَّمًا مَا لَمْ يَمْنَعُ مُرِيدَ الْمَنْدُوبِ أَوْ الْوَاجِبَ فَظَهَرَ أَنَّهُمْ مُنَزِّلُونَ كُلَّ سُبُعٍ مَنْزِلَةَ شَاةٍ فَمَا قَالُوهُ فِي الشَّاتَيْنِ مِنْ مَنْعِ الِاشْتِرَاكِ يَأْتِي فِي السُّبْعَيْنِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ ذَبْحِ شَاةٍ أَيَّامَ الْأُضْحِيَّةِ بِنِيَّتِهَا وَنِيَّةِ الْعَقِيقَةِ فَهَلْ يَحْصُلَانِ أَوْ لَا اُبْسُطُوا الْجَوَابَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَجَرَيْنَا عَلَيْهِ مُنْذُ سِنِينَ أَنَّهُ لَا تَدَاخُلَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْأُضْحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ لِذَاتِهَا وَلَهَا سَبَبٌ يُخَالِفُ سَبَبَ الْأُخْرَى وَالْمَقْصُودُ مِنْهَا غَيْرُ الْمَقْصُودِ مِنْ الْأُخْرَى إذْ الْأُضْحِيَّةُ فِدَاءٌ عَنْ النَّفْسِ وَالْعَقِيقَةُ فِدَاءٌ عَنْ الْوَلَدِ إذْ بِهَا نُمُوُّهُ وَصَلَاحُهُ وَرَجَاءُ بِرِّهِ وَشَفَاعَتِهِ. وَبِالْقَوْلِ بِالتَّدَاخُلِ يَبْطُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَلَمْ يُمْكِنْ الْقَوْلُ بِهِ نَظِيرَ مَا قَالُوهُ فِي سُنَّةِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَغُسْلِ الْعِيدِ وَسُنَّةِ الظُّهْرِ وَسُنَّةِ الْعَصْرِ وَأَمَّا تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ وَنَحْوُهَا فَهِيَ لَيْسَتْ مَقْصُودَةً لِذَاتِهَا بَلْ لِعَدَمِ هَتْكِ حُرْمَةِ الْمَسْجِدِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِصَلَاةِ غَيْرِهَا وَكَذَا صَوْمُ نَحْوِ الِاثْنَيْنِ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ إحْيَاءُ هَذَا الْيَوْمِ بِعِبَادَةِ الصَّوْمِ الْمَخْصُوصَةِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِأَيِّ صَوْمٍ وَقَعَ فِيهِ وَأَمَّا الْأُضْحِيَّةُ وَالْعَقِيقَةُ فَلَيْسَتَا كَذَلِكَ كَمَا ظَهَرَ مِمَّا قَرَّرْتُهُ وَهُوَ وَاضِحٌ وَالْكَلَامُ حَيْثُ اقْتَصَرَ عَلَى نَحْوِ شَاةٍ أَوْ سُبُعِ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَمَّا لَوْ ذَبَحَ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً عَنْ سَبْعَةِ أَسْبَابٍ مِنْهَا ضَحِيَّةٌ وَعَقِيقَةٌ وَالْبَاقِي كَفَّارَاتٌ فِي نَحْوِ الْحَلْقِ فِي النُّسُكِ فَيُجْزِي ذَلِكَ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ بَابِ التَّدَاخُلِ فِي شَيْءٍ لِأَنَّ كُلَّ سُبُعٍ يَقَعُ مُجْزِيًا عَمَّا نُوِيَ بِهِ وَفِي شَرْحِ الْعُبَابِ لَوْ وُلِدَ لَهُ وَلَدَانِ وَلَوْ فِي بَطْنٍ وَاحِدَةٍ فَذَبَحَ عَنْهُمَا شَاةً لَمْ يَتَأَدَّ بِهَا. أَصْلُ السُّنَّةِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. اهـ. وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُجْزِي التَّدَاخُلُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى لِأَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَأَوْلَى مَعَ اخْتِلَافِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ [بَابُ الْعَقِيقَةِ] (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ مَا حُكْمُ حَلْقِ مَا تَحْتَ الذَّقَنِ. (فَأَجَابَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ حَلْقُ مَا تَحْتَ الْحَلْقِ مِنْ اللِّحْيَةِ مَكْرُوهٌ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَعِبَارَتُهُ قَالَ الْغَزَالِيُّ تُكْرَهُ الزِّيَادَةُ فِي اللِّحْيَةِ وَالنَّقْصُ وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي شَعْرِ الْعِذَارَيْنِ مِنْ شَعْرِ الصُّدْغَيْنِ إذَا حَلَقَ رَأْسَهُ وَيَنْزِلُ فَيَحْلِقُ بَعْضَ الْعِذَارَيْنِ قَالَ كَذَلِكَ جَانِبَيْ الْعَنْفَقَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يُغَيِّرُ شَيْئًا وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا بَأْسَ بِحَلْقِ مَا تَحْتَ حَلْقِهِ مِنْ لِحْيَتِهِ وَلَا بِنَقْصِ مَا زَادَ عَنْهَا عَلَى قَبْضَةِ الْيَدِ وَيُرْوَ نَحْوُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُمْ وَطَاوُسٍ وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا هُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَهِيَ صَرِيحَةٌ كَمَا تَرَى فِي كَرَاهَةِ حَلْقِ مَا تَحْتَ الْحَلْقِ مِنْ اللِّحْيَةِ بِخِلَافِ مَا تَحْتَ الْحَلْقِ مِنْ غَيْرِ اللِّحْيَةِ كَالشَّعْرِ النَّابِتِ عَلَى الْحُلْقُومِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ حَلْقُهُ كَمَا أَفْهَمَهُ تَقْيِيدُ النَّوَوِيِّ كَالْغَزَالِيِّ بِقَوْلِهِمَا مِنْ اللِّحْيَةِ لَكِنْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ قَبْلَ ذَلِكَ وَأَمَّا الْأَخْذُ مِنْ شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ إذَا طَالَا فَلَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا لِأَصْحَابِنَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ لِخَلْقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ شَيْءٌ فَكُرِهَ وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ وَكَانَ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -

يَفْعَلُهُ وَحُكِيَ أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. اهـ. فَقَضِيَّةُ تَعْلِيلِهِ مَا بَحَثَهُ مِنْ الْكَرَاهَةِ بِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ لِخَلْقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَرَاهَةُ حَلْقِ مَا تَحْتَ اللِّحْيَةِ وَغَيْرِهَا إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ التَّغْيِيرَ فِي الْحَاجِبِينَ لِمَزِيدِ ظُهُورِهِمَا وَوُقُوعِ الْمُوَاجِهَةِ بِهِمَا أَقْبَحُ مِنْهُ فِي حَلْقِ مَا تَحْتَ الْحَلْقِ مِنْ غَيْرِ اللِّحْيَةِ فَلِذَا كُرِهَ الْأَخْذُ مِنْ شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ وَلَمْ يُكْرَهْ حَلْقَ مَا تَحْتَ الْحَلْقِ مِنْ غَيْرِ اللِّحْيَةِ. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا حُكْمُ حِنَّاءِ يَدَيْ الرَّجُلِ وَرِجْلَيْهِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ حُكْمُ حِنَّاءِ يَدَيْ الرَّجُلِ وَرِجْلَيْهِ أَنَّهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ حَرَامٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ النَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ مِنْ زِينَةِ النِّسَاءِ وَقَدْ لَعَنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ» وَبِهَذَا يُرَدُّ عَلَى مَنْ اخْتَارَ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ مُطْلَقًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا حُكْمُ الْمُكَاتَبَاتِ بِجَمَالِ الدِّينِ وَتَقِيِّ الدِّينِ وَنُورِ الدِّينِ إذَا كَانَ الْمُلَقَّبُ بِذَلِكَ فَاسِقًا اُبْسُطُوا الْجَوَابَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ لَا حَرَجَ فِي الْمُكَاتَبَاتِ بِنَحْوِ جَمَالِ الدِّينِ وَتَقِيِّ الدِّينِ وَلَوْ لِفَاسِقٍ اُشْتُهِرَ بِالتَّلَقُّبِ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِاللَّقَبِ حِينَئِذٍ مُجَرَّدُ التَّعْرِيفِ لَا حَقِيقَةُ مَدْلُولِهِ لِأَنَّ تِلْكَ لَا يُلَاحِظُهَا إلَّا وَاضِعُ ذَلِكَ اللَّقَبِ وَأَمَّا بَعْدَ الْوَضْعِ فَلَيْسَ الْقَصْدُ بِهِ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ وَضَعَ ابْتِدَاءً لِفَاسِقِ التَّلْقِيبِ بِنَحْوِ تَقِيِّ الدِّينِ حَرُمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَاذِبٌ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ مُجَرَّدَ التَّعْرِيفِ دُونَ حَقِيقَةِ مَدْلُولِهِ فَحِينَئِذٍ لَا حُرْمَةَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هَلْ تُسْتَحَبُّ الْعَقِيقَةُ عَنْ السِّقْطِ مُطْلَقًا أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَنْ ظَهَرْت فِيهِ أَمَارَةُ التَّخَلُّقِ مِنْ تَخْطِيطٍ وَغَيْرِهِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّ الْعَقِيقَةَ إنَّمَا تُسَنُّ عَنْ سُقْطٍ نُفِخَتْ فِيهِ الرُّوحُ كَمَا جَرَيْتُ عَلَيْهِ فِي شَرْحَيْ الْإِرْشَادِ وَالْعُبَابِ تَبَعًا لِلزَّرْكَشِيِّ وَأَمَّا مَا لَمْ تُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ فَهُوَ جَمَادٌ لَا يُبْعَثُ وَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ فَلَا تُسَنُّ لَهُ عَقِيقَةٌ بِخِلَافِ مَا نُفِخَتْ فِيهِ فَإِنَّهُ حَيٌّ يُبْعَثُ فِي الْآخِرَةِ وَيُنْتَفَعُ بِشَفَاعَتِهِ وَقَدْ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ مَنْ لَمْ يَعُقَّ عَنْ وَلَدِهِ لَا يَشْفَعُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَفْهَمَ مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ الْعَقِيقَةَ تَابِعَةٌ لِلْوَلَدِ الَّذِي يَشْفَعُ وَهُوَ مَنْ نُفِخَتْ فِيهِ الرُّوحُ فَكَذَلِكَ يُقَيَّدُ نَدْبُهَا بِمَنْ نُفِخَتْ فِيهِ الرُّوحُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَلْ الْعِبْرَةُ فِي الْعَقِيقَةِ بِبَلَدِ الْوَلَدِ أَوْ الْعَاقِّ عَنْهُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ تُعْتَبَرَ بِبَلَدِ الْوَلَدِ تَخْرِيجًا عَلَى الْفِطْرَةِ ثُمَّ رَأَيْت مَا يُؤَيِّدُهُ وَهُوَ قَوْلُ الْبُلْقِينِيُّ وَيَعُقُّ الْكَافِرُ عَنْ وَلَدِهِ الْمُسْلِمِ كَفِطْرَتِهِ قُلْتُهُ تَخْرِيجًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِبَلَدِ الْعَاقِّ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُخَاطَبُ بِهَا وَيُفَارِقُ الزَّكَاةَ بِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ فَكَانَتْ أَعْنِي بَلَدَ الْمُؤَدَّى عَنْهُ مُلْتَفَتًا إلَيْهَا دُونَ بَلَدِ الْمُؤَدِّي فَاخْتُصَّتْ بِبَلَدِ الْمُؤَدَّى عَنْهُ. وَأَمَّا الْعَقِيقَةُ فَلَيْسَتْ كَذَلِكَ لِعَدَمِ وُجُوبِهَا وَاخْتِصَاصِهَا بِأَصْنَافِ الزَّكَاةِ فَالْأَعْيَنُ لَا تَطَلُّعُ إلَيْهَا فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهَا بَلَدُ الْوَلَدِ بَلْ الْعَاقُّ لِأَنَّ الْأَعْيَنَ إنْ فُرِضَ أَنَّ لَهَا نَوْعَ تَطَلُّعٍ فَإِنَّمَا تَطْلُعُ لِبَلَدِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يُنْظَرْ لِهَذَا الْفَرْقِ فِي مَسْأَلَةِ الْبُلْقِينِيُّ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى التَّخَرُّجِ فِيهَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْمُوَاسَاةُ لَلْمُسْتَحِقِّينَ فَكَانَ أَوْلَى مِنْ عَدَمِهِ لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ عَدَمُ إيجَابِ شَيْءٍ بِالْكُلِّيَّةِ وَأَمَّا هُنَا فَالسُّنِّيَّةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا التَّرَدُّدُ فِي أَيِّ الْمَحَالِّ أَوْلَى بِالْإِخْرَاجِ وَبَلَدُ الْعَاقِّ أَوْلَى بِهِ لِلْمَعْنَى الَّذِي قَرَّرْنَاهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ أَوْ أَرْسَلَ إلَى بَلَدِ الْوَلَدِ وَفُعِلَتْ فِيهَا أَجْزَأَتْ ثُمَّ إذَا بَلَغَتْهُ بَعْدَ مُضِيِّ يَوْمِ السَّابِعِ مِنْ الْوِلَادَةِ فَهَلْ الْأَفْضَلُ فِعْلُهَا عَقِبَ بُلُوغِ الْخَبَرِ أَوْ يَوْمَ السَّابِعِ مِنْهُ أَوْ الثَّالِثِ. كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ وَيُقَاسُ بِالْعَقِيقَةِ فِيمَا مَرَّ الْأُضْحِيَّةُ وَالْوَلِيمَةُ بِأَنْوَاعِهَا الَّتِي ذَكَرُوهَا فَالْعِبْرَةُ فِيهِمَا عَلَى الْأَقْرَبِ بِبَلَدِ الْمُضَحِّي وَالْمُولِمِ زَوْجًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ إلَى قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59] يَوْمَ يَعُقُّ عَنْ الْمَوْلُودِ هَلْ لِذَلِكَ أَصْلُ خَبَرٍ أَوْ أَثَرٍ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ لَا أَعْلَمُ لِذَلِكَ أَصْلًا خَبَرًا وَلَا أَثَرًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ مُبْتَدَعَاتِ الْعَوَامّ الْجَهَلَةِ الطَّغَامِ فَيَنْبَغِي

الِانْكِفَافُ عَنْهُ وَتَحْذِيرُ النَّاسِ مِنْهُ مَا أَمْكَنَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ حُكْمِ خَضْبِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ بِالْحِنَّاءِ لِلرِّجَالِ فَإِنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ صَنَّفَ مُصَنَّفًا فِي تَحْرِيمِهِ عَلَى الرِّجَالِ وَتَحْرِيمُهُ مَشْهُورٌ فِي كِبَارِ الْمُصَنَّفَاتِ وَصِغَارِهَا وَبَعْضُهُمْ صَنَّفَ مُصَنَّفًا فِي إبَاحَتِهِ لَهُمْ وَبَسَطَ فِيهِ وَقَالَ إنَّ الرَّافِعِيَّ وَالنَّوَوِيَّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَمْ يَكُنْ لَهُمَا وَلَا لِمَنْ بَعْدَهُمَا حُجَّةٌ ظَاهِرَةٌ فِي تَحْرِيمِهِ فَتَفَضَّلُوا بِإِيضَاحِ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ وَهَلْ أَحَدٌ سَبَقَ الْعِجْلِيّ إلَى الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِهِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ قَدْ وَصَلَ إلَيْنَا بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةَ هَذَا الْمُؤَلَّفُ الثَّانِي فَرَأَيْته مُشْتَمِلًا عَلَى عَجَائِبِ الْغَلَطِ وَغَرَائِبِ الشَّطَطِ وَبَدَائِعِ الِافْتِرَاءِ وَقَبَائِحِ الْجِدَالِ وَالْمِرَاءِ وَادِّعَاءِ الِاجْتِهَادِ وَالتَّصْمِيمِ عَلَى الْخَطَإِ وَالْعِنَادِ وَالتَّشْنِيعِ الْقَبِيحِ عَلَى أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَرَمْيِهِمْ بِالزُّورِ وَالْبُهْتَانِ وَزَعَمَ أَنَّهُمْ تُوَالَوْا عَلَى الْخَطَإِ مِئِينَ مِنْ السِّنِينَ فَلِذَلِكَ شَمَّرْت لَهُ سَاعِدَ الْهَتْكِ وَأَهْوَيْته مَكَانًا سَحِيقًا مِنْ أَوْدِيَةِ الْهَلَاكِ وَالشَّكِّ وَأَلَّفْت فِي رَدِّ جَمِيعِ مُخْتَرَعَاتِهِ الْفَاسِدَةِ وَبِضَاعَتِهِ الْكَاسِدَةِ تَأْلِيفًا شَرِيفًا فِي فَنِّهِ حَافِلًا وَكِتَابًا مُنِيفًا رَافِلًا مُؤَيَّدًا بِالدَّلَائِلِ الْقَوَاطِعِ وَالْبَرَاهِينِ السَّوَاطِعِ فَسَيَّفَ ذَلِكَ الْمُعَانِدَ فِي مُعَارَكَةِ الْمَقَامِعِ وَقَطَعَ مِنْهُ أَعْنَاقَ الْأَعْنَاقِ وَمَطَايَا الْمَطَامِعِ وَأَلْجَأَهُ إلَى أَضْيَقِ الطُّرُقِ وَأَوْعَرِ الْمَسَالِكِ وَأَنْبَأَهُ بِمَا حَوَاهُ تَأْلِيفُهُ مِنْ الْخُرَافَاتِ الْحَوَالِكِ كَمَا أَنْبَأَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ رَسْمُهُ وَعِلْمُهُ وَاسْمُهُ إذْ هُوَ شَنَّ الْغَارَةَ عَلَى مَنْ أَظْهَرَ مَعَرَّةَ تَقَوُّلِهِ فِي الْحِنَّاءِ وَعَوَارَهُ، وَحَاصِلُ بَعْضِهِ الْمُتَعَلِّقُ بِالسُّؤَالِ وَالْمُزِيلُ لِلْإِشْكَالِ أَنَّ تَحْرِيمَ الْحِنَّاءِ عَلَى الرِّجَالِ بِلَا ضَرُورَةٍ دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَالنُّصُوصُ الصَّرِيحَةُ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ وَأَرْضَاهُ - وَجَعَلَ جَنَّاتِ الْمَعَارِفِ مُتَقَلَّبَهُ وَمَثْوَاهُ صَرِيحًا وَاسْتِنْبَاطًا وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ مُجَانِبِينَ تَفْرِيطًا وَإِفْرَاطًا. فَقَدْ نَقَلَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَهُوَ الثِّقَةُ الْعَدْلُ فِي أَجَلِّ كُتُبِهِ وَأَعْلَاهَا وَهُوَ شَرْحُ الْمُهَذَّبِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - نَصَّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ عَلَى تَحْرِيمِ الْحِنَّاءِ لِلرِّجَالِ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ أَصْحَابُهُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَهَذَا أَمْرٌ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ قَاطِعٌ لِلنِّزَاعِ وَمُظْهِرٌ لِخَطَإِ الْمُعْتَرِضِينَ وَإِنَّهُمْ وَقَعُوا فِي هُوَّةِ مُقَابَلَةِ النُّصُوصِ بِالسِّبَاقِ مِنْ غَيْرِ تَثَبُّتٍ وَتَأَمُّلٍ إلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ الِانْقِيَادِ وَالْمُبَادَرَةِ بِالدِّفَاعِ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَرْجِعُوا لِنَصِّ إمَامِهِمْ الَّذِي عَلَيْهِ جَمِيعُ أَصْحَابِهِ وَأَنْ يَعْتَرِفُوا بِأَنَّ تَحْرِيمَهُ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي قَرَّ فِي نِصَابِهِ وَأَنَّ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الْحِلِّ بَانَ خَطَلُهُ وَانْحِرَافُهُ وَزَلَلُهُ فَإِنْ تَمَادَوْا عَلَى الْعِنَادِ آبُوا بِخِزْيٍ عَظِيمٍ يَوْمَ التَّنَادِ أَجَارَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ ذَلِكَ وَأَعَاذَنَا مِنْ جَمِيعِ الْمَهَالِك بِمَنِّهِ وَكَرْمِهِ آمِينَ. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ فِي أُذُنِ الْمَوْلُودِ الْيُسْرَى لَهَا أَصْلٌ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ نَعَمْ لَهَا أَصْلٌ رَوَاهُ رَزِينٌ فِي مُسْنَدِهِ. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ حَدِيثِ «خَيْرِ الْأَسْمَاءِ مَا عُبِّدَ وَمَا حُمِّدَ» هَلْ لَهُ أَصْلٌ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ لَمْ أَرَ هَذَا اللَّفْظَ حَدِيثًا وَإِنَّمَا الَّذِي فِي الْحَدِيثِ أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا تَعَبَّدَ لَهُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ يَجُوزُ التَّسْمِيَةُ بِعَبْدِ النَّبِيِّ؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَدُ حُرْمَةُ ذَلِكَ وَمَا أَشْبَهَهُ بَلْ نَقَلَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ عَنْ الْأَكْثَرِينَ فَقَالَ وَمَنَعَ الْأَكْثَرُونَ التَّسْمِيَةَ بِعَبْدِ النَّبِيِّ. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَلْ وَرَدَ فِي تَسْرِيحِ اللِّحْيَةِ وَالْقِرَاءَةِ عِنْدَهُ شَيْءٌ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيّ «كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُكْثِرُ الْقِنَاعَ يَعْنِي التَّطْلِيسَ وَيُكْثِرُ دَهْنَ رَأْسِهِ وَيُسَرِّحُ لِحْيَتَهُ بِالْمَاءِ» وَالتِّرْمِذِيُّ كَانَ يُكْثِرُ دَهْنَ رَأْسِهِ وَتَسْرِيحَ لِحْيَتِهِ وَالْخَطِيبُ كَانَ يُسَرِّحُ لِحْيَتَهُ بِالْمُشْطِ وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ عِنْدَ تَسْرِيحِهَا فَلَمْ يَرِدْ فِيهَا حَدِيثٌ وَلَا أَثَرٌ قَالَهُ الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ حَدِيثِ «دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فَقَالَ أَلَسْت مُسْلِمًا قَالَ بَلَى قَالَ فَاخْتَضِبْ» مَنْ أَخْرَجَهُ. فَأَجَابَ نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ سَرَّحَ

باب الأطعمة

لِحْيَتَهُ وَرَأْسَهُ كُلَّ لَيْلَةٍ عُوفِيَ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَلَاءِ مَنْ رَوَاهُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ رَوَاهُ أَبُو تَمَّامٍ فِي فَوَائِدِهِ وَفِيهِ مَنْ حَسَّنَهُ بَعْضُهُمْ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ حِبَّانَ لَكِنْ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ إنَّهُ مُنْكَرٌ بِمَرَّةٍ وَتَبِعَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فَعَدَّهُ فِي الْمَوْضُوعَاتِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا لَفْظُهُ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يَمْتَشِطَ أَحَدُنَا كُلَّ يَوْمٍ» مَنْ أَخْرَجَهُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ حَدِيثِ «مِنْ سَعَادَةِ الْمَرْءِ خِفَّةُ لِحْيَتِهِ» مَنْ رَوَاهُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْخَطِيبُ وَضَعَّفَهُ وَأَوْرَدَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَقِيلَ إنَّ فِيهِ تَصْحِيفًا وَإِنَّمَا هُوَ خِفَّةُ لَحْيَيْهِ بِذِكْرِ اللَّهِ حَكَاهُ الْخَطِيبُ. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ حَدِيثِ «مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا حُبًّا لِي وَتَبَرُّكًا كَانَ هُوَ وَمَوْلُودُهُ فِي الْجَنَّةِ» مَنْ رَوَاهُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ قَالَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ وَسَنَدُهُ عِنْدِي عَلَى شَرْطِ الْحَسَنِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ خَبَرِ «إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ عِبَادَتُهُمْ كُلُّ دَارٍ فِيهَا اسْمُ مُحَمَّدٍ» هَلْ هُوَ ثَابِتٌ وَمَا مَعْنَاهُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ لَيْسَ بِثَابِتٍ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الشِّفَاءِ وَمَعْنَاهُ عِبَادَتُهُمْ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ حِفْظُ أَوْ رُؤْيَةُ كُلِّ دَارٍ فِيهَا ذَلِكَ الِاسْمُ الشَّرِيفُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْأَطْعِمَةِ] (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُسِخَ آدَمِيٌّ بَقَرَةً مَثَلًا فَهَلْ يَحِلُّ أَكْلُهُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ يَحِلُّ وَقَضِيَّةُ مَذْهَبِنَا خِلَافَهُ وَيَدُلُّ لَهُ حَدِيثُ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَزَلَ بِأَرْضٍ كَثِيرَةِ الضَّبَابِ فَطَبَخُوا مِنْهَا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ مُسِخْت دَوَابَّ فَأَخْشَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ فَأَكْفِئُوهَا» وَجَمَعَ بَيْنَ هَذَا وَإِذْنِهِ فِي الْأَكْلِ مِنْهُ بِحَمْلِ ذَاكَ عَلَى أَوَّلِ الْأَمْرِ حِينَ تَجْوِيزِهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمَمْسُوخِ فَحِينَئِذٍ أَمَرَ بِإِكْفَاءِ الْقُدُورِ وَتَوَقَّفَ وَلَمْ يَأْمُرْ وَلَمْ يَنْهَ فِيهَا بِشَيْءٍ وَحُمِلَ الْإِذْنُ عَلَى عِلْمِهِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْمَمْسُوخِ وَكَرَاهِيَتُهُ لَهُ إنَّمَا كَانَتْ تَقَذُّرًا وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِمَنْ يَتَقَذَّرُهُ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْعُبَابِ إنَّهُ قَالَ الْحِلُّ بَعِيدٌ فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ عَمَلًا بِأَصْلِ الذَّاتِ الْمُحَرَّمَةِ وَعَنْهُ أَنَّهُ بَحَثَ الْحِلَّ فِي مَسْخِ حَلَالٍ مُحَرَّمًا عَمَلًا بِالْأَصْلِ وَنَظَرَ فِيهِ بِأَنَّ صُورَتَهُ صُورَةُ مُحَرَّمٍ فَكَيْفَ يُنْظَرُ إلَى أَصْلِهِ وَتَغْلِيبُهُمْ التَّحْرِيمِ فِي الْمُتَوَلِّي بَيْنَ حَرَامٍ وَحَلَالٍ يُؤَيِّدُ الْحُرْمَةَ وَأَخَذَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ طَعَامًا فَقَلَبَهُ وَلِيٌّ دَمًا ثُمَّ عَادَ إلَى حَالِهِ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ احْتِرَامًا لِمَالِ الْغَيْرِ قِيلَ وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ لَوْ قُتِلَ الْوَلِيُّ بِحَالِهِ لَا يُقْتَلُ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ هُنَا بِقَلْبِهِ دَمًا مَثَلًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ اُبْتُلِيَ بِأَكْلٍ نَحْوِ الْأَفْيُونِ وَصَارَ إلَّا لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ هَلَكَ هَلْ يُبَاحُ لَهُ حِينَئِذٍ أَكْلُهُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) عَفَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ إذَا عَلِمَ عِلْمًا قَطْعِيًّا بِقَوْلِ الْأَطِبَّاءِ أَوْ التَّجْرِبَةِ الصَّحِيحَةِ الصَّادِقَةِ أَنَّهُ لَا دَافِعَ لِخَشْيَةِ هَلَاكِهِ إلَّا أَكْلُهُ مِنْ نَحْوِ الْأَفْيُونِ الْقَدْرَ الَّذِي اعْتَادَهُ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ حَلَّ لَهُ أَكْلُهُ بَلْ وَجَبَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ فِي بَقَاءِ رُوحِهِ فَهُوَ حِينَئِذٍ كَالْمَيْتَةِ فِي حَقِّ الْمُضْطَرِّ إلَيْهَا بِخُصُوصِهَا وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ مَعَ وُضُوحِهِ نَعَمْ أَشَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ إلَى شَيْءٍ حَسَنٍ يَتَعَيَّنُ اعْتِمَادُهُ وَهُوَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مُتَعَاطِي ذَلِكَ السَّعْيُ فِي قَطْعِهِ بِالتَّدْرِيجِ بِأَنْ يُقَلِّلَ مِمَّا اعْتَادَهُ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرَ سِمْسِمَةٍ فَإِنَّ نَقْصَهَا لَا يَضُرُّهُ قَطْعًا فَإِذَا اسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ لَمْ تَمْضِ إلَّا مُدَّةٌ قَلِيلَةٌ وَقَدْ زَالَ تَوَلُّعُ الْمَعِدَةِ بِهِ وَنَسِيَتْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَشْعُرَ وَلَا تُسْتَضَرَّ لِفَقْدِهِ. فَبِهَذَا أَمْكَنَ زَوَالُهُ وَقَطْعُهُ فَهُوَ وَسِيلَةٌ إلَى إزَالَةِ ذَلِكَ الْمُحَرَّمِ فِي ذَاتِهِ وَإِنْ وَجَبَ تَعَاطِيهِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ لِعَارِضٍ لَا يُنَافِي الْحُرْمَةَ الذَّاتِيَّةَ كَمَا أَنَّ تَنَاوُلَ الْمُضْطَرِّ لِلْمَيْتَةِ وَاجِبٌ فِي حَقِّهِ لِعُرُوضِ الِاضْطِرَارِ مَعَ بَقَائِهَا فِي حَدِّ ذَاتِهَا عَلَى وَصْفِ الْحُرْمَةِ الذَّاتِيِّ لَهَا وَمَا كَانَ وَسِيلَةً إلَى إزَالَةِ الْمُحَرَّمِ يَكُونُ وَاجِبًا فَوَجَبَ فِعْلُ هَذَا التَّدْرِيجِ وَمَنْ تَرَكَ ذَلِكَ فَهُوَ عَاصٍ آثِمٌ فَاسِقٌ مَرْدُودُ

الشَّهَادَةِ وَلَا عُذْرَ لَهُ فِي دَوَامِ تَعَاطِيهِ. إنْ أَوْجَبْنَاهُ عَلَيْهِ فِي الْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ لِبَقَاءِ رُوحِهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّ كَثِيرِينَ مِنْ الْمَخْذُولِينَ بِالِابْتِلَاءِ بِهَذِهِ الْخَصْلَةِ الْقَبِيحَةِ الشَّنِيعَةِ يَتَمَسَّكُونَ بِدَوَامِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْمَقْتِ وَالْمَسْخِ الْمَعْنَوِيِّ بِأَنَّهُمْ نُشِّئُوا فِيهِ وَتَمَكَّنَ مِنْهُمْ فَصَارَ تَعَاطِيهِ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ وَجَوَابُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَلَامٌ حَقٌّ أُرِيدَ بِهِ بَاطِلٌ لِأَنَّا نَقُولُ لَهُمْ لَئِنْ سَلَّمْنَا لَكُمْ مَا قُلْتُمُوهُ هُوَ لَا يَمْنَعُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْكُمْ السَّعْيُ فِي قَطْعِهِ وَزَوَالِ ضَرَرِهِ وَمَسْخِهِ لِأَبْدَانِكُمْ وَأَدْيَانِكُمْ وَعُقُولِكُمْ وَمَحْصُولِكُمْ وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ الْعَارِفِينَ أَنَّهُ يُمْكِنُ قَطْعُ الْأَفْيُونِ فِي سَبْعَةِ أَيَّامٍ بِدَوَاءٍ بَرَّهُ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ بَلْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ طَلَبَةِ الْعِلْمِ الصُّلَحَاءُ إنَّهُ كَانَ مُبْتَلًى مِنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِمِقْدَارٍ كَثِيرٍ فَسَاءَهُ حَالُهُ وَتَعَطَّلَ عَلَيْهِ عَقْلُهُ وَأَدْرَكَ أَنَّهُ الْمَسْخُ الْأَكْبَرُ وَالْقَاتِلُ الْأَكْبَرُ وَالْمُزِيلُ لِكُلِّ أَنَفَةٍ وَمُرُوءَةٍ وَأَدَبٍ وَرِيَاسَةٍ وَالْمُحَصِّلُ لِكُلِّ ذِلَّةٍ وَرَذِيلَةٍ وَبِذْلَةٍ وَرَثَاثَةٍ وَخَسَاسَةٍ قَالَ فَذَهَبْت إلَى الْمُلْتَزَمِ الشَّرِيفِ وَابْتَهَلْت إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِقَلْبٍ حَزِينٍ وَدُمُوعٍ وَأَنِينٍ وَحُرْقَةٍ صَادِقَةٍ وَتَوْبَةٍ نَاصِحَةٍ وَسَأَلْت اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَمْنَعَ ضَرَرَ فَقْدِهِ عَنِّي ثُمَّ ذَهَبْت إلَى زَمْزَمَ وَشَرِبْت مِنْهَا بِنِيَّةِ تَرْكِهِ وَكِفَايَةِ ضَرَرِ فَقْدِهِ فَلَمْ أَعُدْ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ أَجِدْ لِفَقْدِهِ ضَرَرًا بِوَجْهٍ مُطْلَقًا. اهـ. وَصَدَقَ فِي ذَلِكَ وَبَرَّ فَإِنَّ شَغَفَ النُّفُوسِ عِنْدَ فَقْدِهِ وَظُهُورِ عَلَامَاتِ الضَّرَرِ عَلَيْهَا إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ خُلُوصِ نَبَاتِهَا وَفَسَادِ طَوِيَّاتِهَا وَبَقَاءِ كَمِينِ تَشَوُّفِهَا إلَيْهِ وَتَعْوِيلِهَا عَلَيْهِ فَلَمْ تَجِدْ حِينَئِذٍ مَا يَسُدُّ مَحَلَّهُ مِنْ الْكَبِدِ فَيَعْظُمُ ضَرَرُ فَقْدِهِ حِينَئِذٍ وَأَمَّا مَنْ عَزَمَ عَزْمًا صَادِقًا عَلَى تَرْكِهِ وَتَوَسَّلَ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي ذَلِكَ بِصِدْقِ نِيَّةٍ وَإِخْلَاصِ طَوِيَّةٍ فَلَا يَجِدُ لِتَرْكِهِ أَلَمًا بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ ابْتِلَاعِ قُمُوعِ النَّبْقِ وَهُوَ الْكَيْنُ هَلْ يَحِلُّ إذْ لَيْسَ بِضَارٍ وَلَا قَذِرٍ أَمْ لَا وَكَذَلِكَ النَّوَى مَعَ التَّمْرِ هَلْ يَحِلُّ ابْتِلَاعُهُ مَعَهُ أَيْضًا أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إنَّ ابْتِلَاعَ نَوًى نَحْوُ التَّمْرِ أَوْ النَّبْقِ جَائِزٌ حَيْثُ لَا ضَرَرَ فِيهِ بِخِلَافِ نَحْوِ التُّرَابِ فَإِنَّهُ مُضِرٌّ غَالِبًا فَيَحْرُمُ مُطْلَقًا وَإِذَا جَازَ أَكْلُ دُودِ نَحْوِ الْفَاكِهَةِ وَالْجُبْنِ الْمَيِّتِ فِيهِ مَعَهُ وَإِنْ سَهُلَ تَمْيِيزُهُ كَمَا قَالُوهُ خِلَافًا لِمَنْ غَلِطَ فِيهِ فَأَوْلَى هَذَا وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّ هَذَا مِنْ جِنْسِ مَا يَشُقُّ تَمْيِيزُهُ بِخِلَافِ ذَاكَ لِأَنَّ نَوَى بَعْضِ الْفَاكِهَةِ قَدْ يَشُقُّ تَمْيِيزُهُ فَهُوَ مِثْلُهُ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ فَإِنْ قُلْت صَرَّحُوا بِحُرْمَةِ أَكْلِ الْجِلْدِ الْمَدْبُوغِ فَمَا الْفَرْقُ قُلْت الْفَرْقُ وَاضِحٌ لِأَنَّهُ بِالِانْدِبَاغِ انْتَقَلَ إلَى طَبْعِ الثِّيَابِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ جِنْسِ الْمَأْكُولِ وَلَا مِنْ تَوَابِعِهِ بِوَجْهٍ بِخِلَافِ النَّوَى فَإِنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْمَأْكُولِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُعْلَفُ بِهِ الدَّوَابُّ وَمِنْ تَوَابِعِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ بَعْضَ النَّوَى لَهُ خُصُوصِيَّاتٌ نَافِعَةٌ كَمَا قَالَهُ الْأَطِبَّاءُ فَاتَّجَهَ أَنَّهُ حَيْثُ عُلِمَ أَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ ابْتِلَاعُهُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ أَكْلِ لَحْمِ الصَّدَفِ الْمَوْجُودِ فِي مِلِيبَارَ هَلْ يَحِلُّ أَكْلُهُ أَوْ لَا وَفِيهِ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالْكَبِيرُ يَكُونُ مِثْلَ صَدَفِ اللُّؤْلُؤِ وَالصَّغِيرُ يَكُونُ مُدَوَّرًا وَهَلْ هُوَ الدَّنِيلِسُ أَوْ حُكْمُهُ حُكْمُهُ وَفِي لَحْمِهِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ السَّرَطَانُ الصَّغِيرُ هَلْ يَجُوزُ أَكْلُهُ مَعَهُ أَوْ لَا إذَا طُبِخَ مَعَهُ وَهَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الدُّودِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ الْمَأْكُولِ أَوْ لَا وَفِي لَحْمِهِ سَوَادٌ يَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ إنَّهُ خَرْؤُهُ هَلْ يَجُوزُ أَكْلُهُ مَعَهُ أَوْ لَا. وَهَلْ السَّرَطَانُ مِمَّا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ يَسْتَدْعِي تَحْرِيرَ الْحُكْمِ فِي حَيَوَانِ الْبَحْرِ وَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا أَنَّهُ حَلَالٌ إلَّا مَا يَعِيشُ مِنْهُ فِي الْبَرِّ بِأَنْ يَكُونَ فِيهِ عَيْشُهُ غَيْرَ عَيْشِ مَذْبُوحٍ وَإِلَّا الضُّفْدَعَ وَالتِّمْسَاحَ وَالسَّرَطَانَ وَالسُّلَحْفَاةَ وَكَذَا النِّسْنَاسَ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ غَيْرُهُمَا وَاَلَّذِي فِي الْمَجْمُوعِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ قُلْت الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الْبَحْرِ تَحِلُّ مَيْتَتُهُ إلَّا الضُّفْدَعَ. وَيُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ أَوْ بَعْضُهُمْ مِنْ السُّلَحْفَاةِ وَالْحَيَّةِ وَالنِّسْنَاسِ عَلَى غَيْرِ مَا فِي الْبَحْرِ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ يَحِلُّ عِنْدَنَا كَجَمْعٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُمْ كُلُّ مَيْتَاتِ الْبَحْرِ غَيْرَ الضُّفْدَعِ. اهـ. فَعَلَى مَا فِي الْمَجْمُوعِ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ يَحِلُّ كُلُّ أَنْوَاعِ الصَّدَفِ سَوَاءٌ صَغِيرُهُ وَكَبِيرُهُ وَسَوَاءٌ السَّرَطَانُ والدنيلس وَغَيْرُهُ كَالتِّرْسَةِ

وَالسُّلَحْفَاةِ إلَّا مَا ثَبَتَ فِيهِ سُمِّيَّةٌ وَعَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ. وَأَصْلِهَا وَهُوَ الْمَنْقُولُ الْمُعْتَمَدُ يَحْرُمُ السَّرَطَانُ وَسَائِرُ أَنْوَاعِ الصَّدَفِ مِمَّا يَعِيشُ فِي الْبِرِّ أَيْضًا وَاخْتَلَفُوا فِي الدَّنِيلِسِ وَهُوَ صَدَفٌ صَغِيرٌ صُورَتُهُ صُورَةُ اللَّوْزِ فِي بَاطِنِهِ لَحْمٌ فِيهِ نُقْطَةٌ سَوْدَاءُ فَأَفْتَى الشَّمْسُ ابْنُ عَدْلَانَ وَعُلَمَاءُ عَصْرِهِ وَغَيْرُهُمْ بِحِلِّهِ قَالُوا لِأَنَّهُ مِنْ طَعَامِ الْبَحْرِ وَلَا يَعِيشُ إلَّا فِيهِ وَأَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِتَحْرِيمِهِ وَقَالَ هَذَا مِمَّا لَا يَرْتَابُ فِيهِ سَلِيمُ الْعَقْلِ وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ أَيْضًا فَمَنْ رَجَّحَ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْبَدْرُ الزَّرْكَشِيُّ وَوَجَّهَهُ بِأَنَّهُ أَصْلُ السَّرَطَانِ لِتَوَلُّدِهِ مِنْهُ كَمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَيَوَانِ وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الصَّدَفِ كَالسُّلَحْفَاةِ. اهـ. وَمِمَّنْ رَجَّحَ مَا قَالَهُ ابْنُ عَدْلَانَ وَأَهْلُ عَصْرِهِ الْكَمَالُ الدَّمِيرِيُّ فَقَالَ مُتَعَرِّضًا لِرَدِّ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ لَمْ يَأْتِ عَلَى تَحْرِيمِهِ دَلِيلٌ. وَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ الْإِفْتَاءِ بِتَحْرِيمِ أَكْلِهِ لَمْ يَصِحَّ وَقَدْ أَفْتَى بَعْضُ فُقَهَاءِ عَصْرِنَا بِتَحْرِيمِ أَكْلِهِ وَهَذِهِ عِبَارَةُ مَنْ فَقَدَ نَصَّ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ عَلَى أَنَّ حَيَوَانَ الْبَحْرِ الَّذِي لَا يَعِيشُ إلَّا فِيهِ يُؤْكَلُ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» . اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ وَهَذَا لَا يَرُدُّ مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ كَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لِأَنَّ الْآيَةَ وَالْحَدِيثَ مَخْصُوصَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] وَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ لَحْمَ السَّرَطَانِ خَبِيثٌ وَهُوَ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الدَّنِيلِسِ كَمَا عَلِمْت نَقْلَهُ عَنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَيَوَانِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ بَعْضِ اللُّغَوِيِّينَ إنَّ الضُّفْدَعَ يَتَوَلَّدُ مِنْ اللَّحْمِ الَّذِي فِي الدَّنِيلِسِ وَالضُّفْدَعُ خَبِيثٌ أَيْضًا فَعَلَى كُلٍّ مِنْ قَوْلَيْ تَوَلُّدُ الضُّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ مِنْهُ هُوَ لَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ إلَّا خَبِيثٌ فَلْيَكُنْ خَبِيثًا وَإِذَا ثَبَتَ خُبْثُهُ حَرُمَ بِنَصِّ الْآيَةِ فَالْأَوْلَى لِمَنْ أَرَادَ أَكْلَهُ تَقْلِيدُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُمَا - فَإِنَّهُمَا يَرَيَانِ حِلَّ جَمِيعِ مَيْتَاتِ الْبَحْرِ كَمَا مَرَّ نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْهُمَا وَأَهْلُ مِصْرَ يَأْكُلُونَ الدَّنِيلِسَ وَيَبِيعُونَهُ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَلَعَلَّهُمْ جَارُونَ عَلَى إفْتَاءِ ابْنِ عَدْلَانَ وَمَنْ عَاصَرَهُ فَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ خُبْثٍ وَإِنَّ تَجَنُّبَ أَكْلِهِ أَوْلَى وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ مَا فِيهِ مِنْ السَّوَادِ خَرْؤُهُ عَلَى أَنَّ مَا قِبَلَ أَنَّهُ خَرْؤُهُ لَا أَصْلَ لَهُ وَإِلْحَاقُهُ بِالدُّودِ الْمُتَوَلِّدِ مِنْ الْمَأْكُولِ بَعِيدٌ جِدًّا إذْ لَا جَامِعَ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ فَإِنَّ عِلَّةَ حِلِّ أَكْلِ الدُّودِ عُسْرُ تَمْيِيزِهِ عَمَّا خَالَطَهُ وَأَمَّا الدَّنِيلِسُ وَنَحْوُهُ فَالْمُحَرِّمُونَ لِذَلِكَ يَحْكُمُونَ عَلَى جَمِيعِ عَيْنِهِ بِالنَّجَاسَةِ وَالتَّحْرِيمِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ خُبْثِهِ فَحِينَئِذٍ هُوَ لَمْ يُخَالِطْ غَيْرَهُ حَتَّى يُعْفَى عَنْهُ وَالسَّرَطَانُ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ وَأَلْحَقُوهُ بِالضُّفْدَعِ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الدَّمِيرِيِّ إنَّهُ لَا يَتَخَلَّقُ بِتَوَالُدٍ وَنِتَاجٍ إنَّمَا يَتَخَلَّقُ فِي الصَّدَفِ ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ التَّوَالُدِ وَالنِّتَاجِ عَدَمُ الدَّمِ لَكِنْ جَرَى جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ الضُّفْدَعَ لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةً فَيَجْرِي ذَلِكَ فِي السَّرَطَانِ وَمَعَ ذَلِكَ مَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ ضَعِيفٌ. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَلْ يَحِلُّ أَكْلُ الْبَطَارِخِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِبَرَكَتِهِ وَعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ نَعَمْ لِأَنَّهُ بَيْضُ السَّمَكِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَلَا يُنَافِيه قَوْلُ الْجَوَاهِرِ وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ سَمَكِ مِلْحٍ وَلَمْ يُنْزَعْ مَا فِي جَوْفِهِ لِأَنَّهُ فِي أَكْلِ السَّمَكَةِ كُلِّهَا مَعَ مَا فِي جَوْفِهَا مِنْ النَّجَاسَةِ بِخِلَافِ الْبَطَارِخِ فَإِنَّهُ يُشَقُّ جَوْفُهَا ثُمَّ يُخْرَجُ مِنْهُ لَكِنَّ مَحَلَّ هَذَا إنْ لَمْ يُعْلَمْ مُمَاسَّتُهُ لِنَجَاسَةِ الْجَوْفِ فَإِنْ عَلِمْت وَجَبَ غَسْلُهُ قَبْلَ أَكْلِهِ فَإِطْلَاقُ بَعْضِهِمْ حُرْمَةَ الْبَطَارِخِ اسْتِدْلَالًا بِعِبَارَةِ الْجَوَاهِرِ هَذِهِ غَلَطٌ ثُمَّ عِبَارَتُهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى سَمَكٍ كِبَارٍ لِمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي الصِّغَارِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَكْلُهَا قَبْلَ شَقِّ أَجْوَافِهَا لِعُسْرِ تَتَبُّعِ مَا فِيهَا. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الْحِجَامَةِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ وَالْأَمْرُ بِهَا فِي الْبَعْضِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ بِقَوْلِهِ نَعَمْ وَرَدَ بَلْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالسَّبْتِ وَالْأَحَدِ وَالْأَرْبِعَاءِ وَفِي رِوَايَاتٍ أُخَرَ أَنَّ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ يَوْمُ الدَّمِ وَإِنَّ فِيهِ سَاعَةٌ لَا يَنْقَطِعُ فِيهَا الدَّمُ وَأَنَّهُ يُخْشَى مِنْهَا يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَالسَّبْتِ الْبَرَصُ وَأَنَّ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لَا يَحْتَجِمُ فِيهَا أَحَدٌ إلَّا مَاتَ وَصَحَّ الْأَمْرُ بِهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ وَالِاثْنَيْنِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

باب المسابقة والمناضلة

[بَابُ الْمُسَابَقَةِ وَالْمُنَاضَلَةِ] (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا يَقَعُ بَيْنَ أَهْلِ مِلِيبَارَ مِنْ اللَّعِبِ بِنَحْوِ السُّيُوفِ الْمُحَدَّدَةِ وَالتَّضَارُبِ بِهَا اعْتِمَادًا عَلَى حِرَاسَتِهِمْ بِالتُّرْسِ وَالْغَالِبُ السَّلَامَةُ وَقَدْ يَقَعُ الْجُرْحُ وَقَدْ يَقَعُ الْهَلَاكُ فَهَلْ هُوَ جَائِزٌ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِهِ التَّمْرِينُ حَتَّى يَنْفَعَ فِي الْحَرْبِ أَوْ لَا لِدُخُولِهِ فِي الْإِشَارَةِ عَلَى مُسْلِمٍ بِالسِّلَاحِ وَحَمْلِهِ عَلَيْهِ وَقَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِذَلِكَ. (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ يَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا حَيْثُ قَالُوا يَجُوزُ وَلَوْ بِعِوَضِ الْمُسَابَقَةِ عَلَى التَّرَدُّدِ بِالسُّيُوفِ وَإِدَارَتِهَا وَالرِّمَاحِ لِأَنَّهُ يَنْفَعُ فِي الْحَرْبِ وَيَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةٍ وَحِذْقٍ وَيَجُوزُ بِلَا عِوَضٍ الْمُرَامَاةُ بِأَنْ يَرْمِيَ كُلُّ وَاحِدٍ الْحَجَرَ أَوْ السَّهْمَ إلَى الْآخَرِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ بِعِوَضٍ لِأَنَّهَا لَا تَنْفَعُ فِي الْحَرْبِ. اهـ. فَعُلِمَ مِنْهُ مَا قُلْنَاهُ وَلِأَنَّ التَّرَدُّدَ بِالسُّيُوفِ وَالرِّمَاحِ، وَمُرَامَاةِ الْأَحْجَارِ وَالسِّهَامِ قَدْ يَقَعُ فِيهَا جُرْحٌ وَهَلَاكٌ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَنْظُرُوا إلَيْهِ لِغَلَبَةِ السَّلَامَةِ وَكَوْنُهُ نَافِعًا فِي الْحَرْبِ لَيْسَ هُوَ الْعِلَّةَ فِي التَّجْوِيزِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا هُوَ عِلَّةٌ فِي التَّجْوِيزِ بِعِوَضٍ أَلَا تَرَى إلَى تَجْوِيزِهِمْ الْمُرَامَاةَ بِالسِّهَامِ وَالْأَحْجَارِ بِلَا عِوَضٍ مَعَ عَدَمِ نَفْعِهَا فِي الْحَرْبِ. وَلَيْسَ عِلَّةُ ذَلِكَ إلَّا غَلَبَةَ السَّلَامَةِ فِيهَا فَكَذَا مَا فِي السُّؤَالِ يَجُوزُ لِغَلَبَةِ السَّلَامَةِ فِيهِ وَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ غَيْرُ نَافِعٍ فِي الْحَرْبِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْإِشَارَةِ عَلَى مُسْلِمٍ بِالسِّلَاحِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا لِأَنَّ مَحَلَّ النَّهْيِ فِي إشَارَةٍ مُخِيفَةٍ أَوْ يَتَوَلَّدُ عَنْهَا الْهَلَاكُ قَرِيبًا غَيْرُ نَادِرٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ. (سُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَيْفَ عَدَّ الْأَصْحَابُ الرَّمْيَ بِنِيَّةِ الْجِهَادِ سُنَّةٌ مَعَ قَوْله تَعَالَى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَالْقُوَّةُ مُفَسَّرَةٌ فِي الْأَحَادِيثِ بِالرَّمْيِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ اسْتَنَدُوا فِي ذَلِكَ إمَّا لِقَوْلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ: الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ وَإِذَا نُسِخَ الْوُجُوبُ بَقِيَ الْجَوَازُ الشَّامِلُ لِلنَّدْبِ الدَّالِّ عَلَيْهِ كَثْرَةُ الْأَحَادِيثِ فِي كَثْرَةِ ثَوَابِ الرَّمْيِ وَالتَّرْغِيبِ فِيهِ وَإِمَّا احْتِمَالُ أَنَّ الْأَمْرَ لِلْإِرْشَادِ وَلَا تَرِدُ عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَحَادِيثُ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْأَمْرَ الْإِرْشَادِيَّ لَا ثَوَابَ فِيهِ لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ وَإِمَّا بِالنَّظَرِ لِمَا يَقْتَرِنُ بِهِ. فَقَدْ يَعْظُمُ ثَوَابُهُ بِخِلَافِ الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ فَإِنَّ الثَّوَابَ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ أَمْرٍ آخَرَ يَقْتَرِنُ بِهِ وَهَذَا الْفَرْقُ وَإِنْ لَمْ أَرَهُ إلَّا أَنَّهُ قَدْ يُومِئُ إلَيْهِ بَعْضُ الْفُرُوقِ مِنْ الْكَرَاهَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْإِرْشَادِيَّة وَإِمَّا أَنَّهُمْ نَظَرُوا إلَى عُمُومِ مَا الْمُفَسَّرَةِ بِقُوَّةٍ وَذَلِكَ شَامِلٌ لِلرَّمْيِ وَغَيْرِهِ كَالسَّيْفِ وَالسِّلَاحِ وَالْحُصُونِ وَذُكُورِ الْخَيْلِ كَمَا قَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَلَفْظُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ هِيَ الْقَوْسُ إلَى السَّهْمِ فَمَا دُونَهُ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَا إنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ» فَهُوَ مِنْ بَابِ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» كَمَا قَالَهُ مَكْحُولٌ. وَعَلَى هَذَا فَالْأَمْرُ فِي الْآيَةِ لِلْوُجُوبِ لِأَنَّ التَّهَيُّؤَ لِجِهَادِ الْعَدُوِّ وَالِاسْتِعْدَادَ لِمُلَاقَاتِهِ بِدُخُولِ جَيْشِنَا إلَى دَارِهِ كُلَّ سَنَةٍ أَوْ بِعِمَارَةِ الثُّغُورِ وَنَحْوِهَا حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُ سَبِيلٌ إلَى دُخُولِ دَارِنَا وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَحِينَئِذٍ إذَا نَظَرْنَا لِلرَّمْيِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ قُلْنَا إنَّهُ سُنَّةٌ أَوْ مِنْ حَيْثُ دُخُولُهُ تَحْتَ الْأَمْرِ الْمَوْضُوعِ حَقِيقَةً لِلْوُجُوبِ قُلْنَا هُوَ مِنْ بَعْضِ جُزْئِيَّاتِ الْمَفْرُوضِ وَنَظِيرُهُ الْعِتْقُ مَثَلًا فِي الْكَفَّارَةِ الْمُخَيَّرَةِ فَهُوَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَفْضَلُهَا مَنْدُوبٌ وَمِنْ حَيْثُ تَأَدِّي الْوَاجِبِ بِهِ وَاجِبٌ وَلَعَلَّ هَذَا التَّقْرِيرَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الرَّمْيِ أَخْذًا مِنْ الْأَمْرِ فِي الْآيَةِ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ وَاجِبٌ لَعَيْنِهِ بَلْ إنَّهُ مِنْ بَابِ إيجَابِ شَيْءٍ لَا بِعَيْنِهِ كَمَا قَالَهُ الْفُقَهَاءُ فِي خَائِفِ الْعَنَتِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّعَفُّفُ وَلَا يُقَالُ إنَّ النِّكَاحَ فِي حَقِّهِ وَاجِبٌ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ وَاجِبٌ لَعَيْنِهِ بَلْ عَلَى مَعْنَى أَنَّ السَّعْيَ فِي الْإِعْفَافِ وَاجِبٌ إمَّا بِالنِّكَاحِ وَإِمَّا بِالتَّسَرِّي فَإِيجَابُ النِّكَاحِ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ إيجَابِ شَيْءٍ لَا بِعَيْنِهِ وَمَا كَانَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ إذَا حُكِمَ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ قِيلَ إنَّهُ سُنَّةٌ وَكَذَلِكَ هُنَا الْوَاجِبُ إعْدَادُ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الْقِتَالِ وَيُدْفَعُ بِهِ الْعَدُوُّ أَمَّا الرَّمْيُ أَوْ غَيْرُهُ وَإِذَا حُكِمَ عَلَى الرَّمْيِ بِعَيْنِهِ قِيلَ إنَّهُ سُنَّةٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ الْأَيْمَانِ] (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ رَجُلَيْنِ مَرَّ بِهِمَا رَجُلٌ فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا وَلَدُ فُلَانٍ وَحَلَفَ الْآخَرُ أَنَّهُ وَلَدُ فُلَانٍ غَيْرِ الذِّمِّيِّ الَّذِي يَعْنِيهِ صَاحِبُهُ وَهُمَا جَمِيعًا يَظُنَّانِ أَنَّهُمَا عَلَى الصَّوَابِ فَهَلْ يَحْنَثَانِ أَوْ لَا وَهَلْ إذَا

حَلَفَا يَمِينًا بِالطَّلَاقِ يَحْنَثَانِ أَوْ لَا كَمَا إذَا حَلَفَ ظَانًّا أَنَّهُ صَادِقٌ فَبَانَ خِلَافُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ حَلَفَ لَا يُرَاجِعُ زَوْجَتَهُ فَوَكَّلَ هَلْ يَحْنَثُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَحْنَثُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ حَلَفَ لَا يَنْكِحُ حَنِثَ بِعَقْدِ وَكِيلِهِ وَالرَّجْعَةُ وَإِنْ كَانَتْ اسْتِدَامَةً فِي كَثِيرٍ مِنْ الصُّوَرِ إلَّا أَنَّهُمْ نَزَّلُوا فِعْلَ الْوَكِيلِ فِي بَابِ النِّكَاحِ كَفِعْلِ الْمُوَكِّلِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ حَلَفَ لَا يَخَافُ فُلَانًا فَهَلْ يَحْنَثُ مُطْلَقًا أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبِقَوْلِهِ الْخَوْفُ مِنْ الْأُمُورِ الْقَلْبِيَّةِ الَّتِي لَا اطِّلَاعَ عَلَيْهَا إلَّا مِنْ جِهَتِهِ فَيَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِمَا عِنْدَهُ فَإِنْ خَافَهُ حَنِثَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ دَلَّتْ الْقَرَائِنُ عَلَى خَوْفِهِ مِنْهُ إذْ لَا عِبْرَةَ هُنَا بِالْقَرَائِنِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ عِنْدَهُ فَرْطُ هُجُومٍ وَإِقْدَامٍ فَلَا يَخَافُ مَنْ قَوِيَتْ شَوْكَتُهُ وَنَفَذَتْ كَلِمَتُهُ وَظَهَرَتْ دَوْلَتُهُ وَهَذَا يُشَاهَدُ كَثِيرًا أَعْنِي أَنَّ بَعْضَ مَنْ لَهُمْ قُوَّةُ جَرَاءَةٍ قَدْ يُقْدِمُونَ عَلَى الْأَشْيَاءِ الْمَهُولَةِ جِدًّا الْمُؤَدِّيَةِ إلَى الْقَتْلِ فَوْرًا عَادَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ خَوْفٌ مِنْهَا وَمِنْ ثَمَّ كَانَتْ الشُّجَاعَةُ الْحَقِيقِيَّةُ الْمُوَرِّثَةُ لِعَظِيمِ الْإِقْدَامِ أَوْ خَوْضِ الْمَهَالِكِ نِسْيَانَ الْعَوَاقِبِ فَمَنْ نَسِيَ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِي كُلِّ مَهْلَكَةٍ وَمَخُوفَةٍ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمِ خَوْفٍ وَلَا فَزَعٍ وَإِنَّمَا أَطَلْت فِي هَذَا رَدًّا لِقَوْلِ بَعْضِهِمْ لَوْ قَالَ لَا أَخَافُ وَدَلَّ الْحَالُ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ إمَّا بِقُوَّةِ شَوْكَةِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ شِدَّةِ بَأْسِهِ أَوْ فَرْطِ هُجُومِهِ فَالظَّاهِرُ وُقُوعُ الطَّلَاقِ. اهـ. فَعُلِمَ أَنَّ ظَاهِرَهُ فِي غَايَةِ الْخَفَاءِ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا لَفْظُهُ قَالَ السِّرَاجُ الْبُلْقِينِيُّ أَفْضَلُ الصِّيَغِ لِلْحَمْدِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هَلْ هُوَ الْمُعْتَمَدُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ أَفْضَلَ صِيغَةٍ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ وَلِي فِيهِ بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْمَعْنَى وَدَلَّتْ عَلَيْهِ السُّنَّةُ أَنَّ أَفْضَلَهَا يَا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِك وَعَظِيمِ سُلْطَانِك وَمَا قَالَهُ اخْتِيَارٌ لَهُ بِأَنَّهَا أَوَّلُ كِتَابِ اللَّهِ الْعَزِيزِ وَآخِرُ دَعْوَى أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ وَلَوْ ضُمَّ إلَيْهَا مَا ذَكَرْتُهُ لِيَصِيرَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ لَزَادَ اتِّضَاحُهُ وَلَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ وَلَدِهِ عَلَمِ الدِّينِ يَنْبَغِي الْجَمْعُ بَيْنَ مَا قَالَهُ وَمَا قَالُوهُ لِيَصِيرَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ وَعَلَى كُلٍّ فَيَنْبَغِي الْجَمْعُ بَيْنَ مَا قُلْته وَمَا قَالَهُ وَمَا قَالُوهُ وَهُوَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ شَخْصٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يُؤَجِّرُ وَلَا يُسَكِّنُ فُلَانًا دَارِهِ فَأَجَّرَهُ الدَّارَ جَاهِلًا الْحَلِفَ أَوْ عَامِدًا فَهَلْ يَحْنَثُ أَوْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ لَا فَهَلْ الْحِيلَةُ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ أَنْ يُرْفَعَ إلَى حَاكِمٍ يَأْمُرُهُ بِالْإِسْكَانِ الَّذِي هُوَ مِنْ لَوَازِمِ الْإِجَارَةِ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ إذَا أَجَّرَهُ نَاسِيًا الْحَلِفَ لَمْ يَحْنَثْ أَوْ ذَاكِرًا لَهُ حَنِثَ وَجَهْلُ الْحُكْمِ لَيْسَ بِعُذْرٍ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ وَإِذَا لَمْ يَحْنَثْ وَصَحَّ إيجَارُهُ فَرَفَعَهُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لِحَاكِمٍ فَأَلْزَمَهُ بِتَمْكِينِهِ مِنْ السَّكَنِ فَسَكَنَ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ الشَّرْعِيَّ كَالْإِكْرَاهِ الْحِسِّيِّ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنَّهُ لَا يَضْرِبُ زَوْجَتَهُ فَكَالَمَتْهُ ثُمَّ حَذَفَتْهُ بِنَعْلِهَا فَحَذَفَهَا بِنَعْلِهِ فَأَصَابَهَا فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ أَمْ لَا كَمَا مَالَ إلَيْهِ بَعْضُ مَشَايِخِ الْعَصْرِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ حَقِيقَةَ الضَّرْبِ غَيْرُ حَقِيقَةِ الْحَذْفِ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ اللُّغَوِيِّينَ وَاسْتِعْمَالِ أَهْلِ الْعُرْفِ قَالَ فَكَانَ حَقِيقَةُ الضَّرْبِ صَدْمَ الْمَضْرُوبِ بِالْآلَةِ مَعَ اتِّصَالِهَا بِالضَّارِبِ وَالْمَضْرُوبِ وَفِي الْحَذْفِ يَحْصُلُ الصَّدْمُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ عَنْ الْحَاذِفِ فَافْتَرَقَا وَأَوْرَدَ أَنَّهُمْ أَلْحَقُوا الْوَكْزَ بِالضَّرْبِ. وَالْوَكْزُ فِي الْقَامُوسِ هُوَ الدَّفْعُ وَالطَّعْنُ وَالضَّرْبُ بِجَمْعِ الْكَفِّ وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخُ زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِالْوَكْزِ بِمَعْنَى الدَّفْعِ وَالدَّفْعُ لَيْسَ فِيهِ الِاتِّصَالُ الَّذِي شُرِطَ فِي الضَّرْبِ فَلْيَكُنْ الْحَذْفُ مِثْلَهُ أَوْ هُوَ نَوْعٌ مِنْ الدَّفْعِ قُلْت إنَّمَا وَقَعَ الْحِنْثُ بِالْوَكْزِ الَّذِي هُوَ الضَّرْبُ بِجَمْعِ الْكَفِّ لِأَنَّهُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الضَّرْبِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الدَّفْعِ أَنْ يَقَعَ الْحِنْثُ بِالدَّفْعِ وَقَدْ اقْتَصَرَ الْإِسْنَوِيُّ

عَلَى تَفْسِيرِ الْوَكْزِ بِالضَّرْبِ بِجَمْعِ الْكَفِّ وَلَمْ نَجِدْ تَفْسِيرَهُ بِالدَّفْعِ فِيمَا يَقَعُ بِهِ حِنْثُ الْحَالِفِ عَلَى الضَّرْبِ إلَّا فِي كَلَامِ الشَّيْخِ زَكَرِيَّا. وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَفْرَادِ الضَّرْبِ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الدَّفْعِ إذَا سَلَّمْنَا وُقُوعَ الْحِنْثِ بِهِ فِي الصَّدْمِ الْمُعْتَبَرِ فِي حَقِيقَةِ الضَّرْبِ وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَبَرٌ فِي الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فِيمَا يَظْهَرُ فَلَوْ دَفَعَ الشَّخْصُ إنْسَانًا فَأَمَالَهُ وَلَمْ يَصْدِمْ شَيْئًا صَحَّ أَنْ يُقَالَ وَكَزَهُ وَلَا يَقَعُ بِهِ حِنْثٌ أَصْلًا فَظَهَرَ أَنَّ الْوَكْزَ بِهَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ مُرَادٍ فِيمَا يَقَعُ بِهِ الْحِنْثُ. اهـ. كَلَامُهُ فَهَلْ تُوَافِقُونَهُ عَلَى جَمِيعِهِ أَوْ بَعْضِهِ أَوْ تُخَالِفُونَهُ فَمَا سَنَدُ الْمُخَالَفَةِ حَقِّقُوا ذَلِكَ وَابْسُطُوا لَنَا الْقَوْلَ فِيهِ فَإِنَّ الْمَسْأَلَةَ وَاقِعَةٌ حَالًا وَالسَّائِلُ يَنْتَظِرُ الْجَوَابَ فِيهَا أَثَابَكُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْجَنَّةَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِبَرَكَتِهِ بِقَوْلِهِ عُرِضَتْ عَلَيَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَأَنَا مَشْغُولٌ بِبَعْضِ الْمُهِمَّاتِ فَتَوَقَّفْتُ فِيهَا وَلَمْ أَجْزِمْ فِيهَا بِشَيْءٍ وَإِنْ كَانَ مَيْلِي إلَى الْحِنْثِ إذَا أَصَابَهَا الْمَحْذُوفُ بِهِ إصَابَةً لَهَا وَقْعٌ مَعَ إيلَامٍ أَوْ عَدَمِهِ بِنَاءً عَلَى التَّنَاقُضِ الشَّهِيرِ فِي التَّعْلِيقِ بِالضَّرْبِ ثُمَّ تَجَاذَبْت الْبَحْثَ فِيهَا مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمَشَايِخِ فَلَمْ يَمِيلُوا إلَّا إلَى عَدَمِ الْحِنْثِ لِنَحْوِ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ وَلَمْ يَنْقَدِحْ عِنْدِي غَيْرُ الْحِنْثِ وَاسْتَمَرَّيْت عَلَى ذَلِكَ مَعَ التَّرَدُّدِ فِيهِ أَيَّامًا إلَى أَنْ رَأَيْت مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ وَاللُّغَوِيِّينَ مَا اقْتَضَى الْجَزْمَ بِالْحِنْثِ وَبَيَانُ ذَلِكَ بِأُمُورٍ وَقَبْلَهَا لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مُقَدِّمَةٍ هِيَ أَنَّ الْأَصْحَابَ إلَّا الْإِمَامَ وَالْغَزَالِيَّ يُقَدِّمُونَ الْوَضْعَ اللُّغَوِيَّ عَلَى الْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ وَفِي ذَلِكَ كَلَامٌ وَتَقْيِيدَاتٌ مَبْسُوطَةٌ فِي مَحَلِّهَا وَقَدْ بَيَّنْت حَاصِلَهَا فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يُشَكُّ أَنَّهُ مِنْ أَكَابِرِ الْعَرَبِ الَّذِينَ يُحْتَجُّ بِكَلَامِهِمْ وَتَثْبُتُ اللُّغَةُ بِقَوْلِهِ وَيُقَدَّمُ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَرْتَبَتِهِ وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ سَمَّى الْحَذْفَ ضَرْبًا فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي قِصَّةِ رَجْمِ مَاعِزٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ مَا لَفْظُهُ فَأُخْرِجَ إلَى الْحَرَّة فَرُجِمَ بِالْحِجَارَةِ فَلَمَّا وَجَدَ مَسَّ الْحِجَارَةِ فَرَّ يَشْتَدُّ حَتَّى مَرَّ بِرَجُلٍ مَعَهُ لِحَيِّ جَمَلٍ فَضَرَبَهُ بِهِ وَضَرَبَهُ النَّاسُ حَتَّى مَاتَ وَاَلَّذِي وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ وَمِنْ النَّاسِ إنَّمَا هُوَ الرَّجْمُ كَمَا صَحَّ عَنْ جَابِرٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَلَفْظُهُ فَلَمَّا أَذْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ فَرَّ فَأُدْرِكَ فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ فَهَذَا جَابِرٌ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُمْ بَعْد الْإِدْرَاكِ هُوَ الرَّجْمُ الْمُوَافِقُ لِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ سَمَّى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ذَلِكَ الرَّجْمَ ضَرْبًا فَهُوَ صَرِيحٌ أَيْ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الرَّجْمَ الَّذِي هُوَ الْحَذْفُ يُسَمَّى ضَرْبًا وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَضَرَبَهُ بِهِ وَضَرَبَهُ النَّاسُ فَإِنْ قُلْت يُحْتَمَلُ أَنَّ الصَّادِرَ مِنْهُمْ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ إنَّمَا هُوَ الضَّرْبُ وَأَنَّ جَابِرًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هُوَ الَّذِي تَجَوَّزَ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالرَّجْمِ مَجَازًا وَأَنَّ بَعْضَهُمْ ضَرَبَهُ وَبَعْضَهُمْ رَجَمَهُ قُلْت كُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ حُجَّةٌ لَنَا عَلَى التَّقْرِيرِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّ الَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا هُوَ الرَّجْمُ فَانْتِقَالُهُمْ جَمِيعُهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ عَنْهُ إلَى الضَّرْبِ تَصْرِيحٌ مِنْهُمْ بِأَنَّ الرَّجْمَ يَصْدُقُ عَلَى الضَّرْبِ وَإِلَّا لَمْ يَفْهَمُوهُ مِنْهُ عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْمَجَازِ لَا يُعْدَلُ إلَيْهِ لِاسْتِدْعَائِهِ إلَى قَرِينَةٍ تَصْرِفُهُ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَلَا قَرِينَةَ هُنَا فَوَجَبَ إبْقَاءُ كُلٍّ مِنْ لَفْظِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَلَى حَقِيقَتِهِمَا وَظَهَرَ بِذَلِكَ ظُهُورًا لَا يَشُكُّ فِيهِ مُنْصِفٌ أَنَّ الرَّجْمَ الَّذِي هُوَ الْحَذْفُ يُسَمَّى ضَرْبًا وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْحَذْفَ يُسَمَّى ضَرْبًا لُغَةً كَمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الَّذِي هُوَ مِنْ أَجِلَّاءِ أَهْلِ اللِّسَانِ الْمَرْجُوعِ إلَيْهِمْ فِيهِ فَلْيَحْنَثْ بِهِ الْحَالِفُ عَلَى عَدَمِ الضَّرْبِ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا يُسَمَّى ضَرْبًا وَحِينَئِذٍ انْدَفَعَ مَا فِي السُّؤَالِ مِنْ أَنَّ حَقِيقَةَ الدَّفْعِ غَيْرُ حَقِيقَةِ الضَّرْبِ فِيمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ اللُّغَوِيِّينَ وَانْدَفَعَ تَفْسِيرُ الضَّرْبِ بِأَنَّهُ صَدْمُ الْمَضْرُوبِ بِالْآلَةِ مَعَ اتِّصَالِهَا بِالضَّارِبِ وَالْمَضْرُوبِ وَكَيْفَ يَتَأَتَّى هَذَا التَّفْسِيرُ مَعَ تَسْمِيَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِلرَّجْمِ بِالضَّرْبِ كَمَا عَلِمْت عَلَى أَنَّ عِبَارَةَ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا فِي تَفْسِيرِ الضَّرْبِ يَدْفَعُ ذَلِكَ أَيْضًا فَلْيَكُنْ مِنْك عَلَى ذِكْرٍ الثَّانِي أَنَّ الْأَصْمَعِيَّ مِنْ أَكَابِرِ اللِّسَانِ أَيْضًا فَسَّرَ الْوَكْزَ الَّذِي هُوَ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الضَّرْبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَئِمَّتُنَا بِالدَّفْعِ بِالْيَدِ لَا بِغَيْرِهَا وَتَبِعَهُ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ عَلَى ذَلِكَ كَصَاحِبِ الصِّحَاحِ

وَغَيْرِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الدَّفْعَ يَصْدُقُ بِدَفْعِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَدَفْعِ الْآلَةِ إلَيْهِ وَإِنْ انْفَصَلَتْ عَنْ الدَّافِعِ وَهَذَا هُوَ الْحَذْفُ وَإِذَا صَدَقَ الْوَكْزُ الَّذِي هُوَ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّرْب بِالْحَذْفِ صَدَقَ بِهِ الضَّرْبُ وَأَمَّا تَفْسِيرُ الْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ لِلْوَكْزِ بِأَنَّهُ الضَّرْبُ بِجَمْعِ الْكَفِّ فَهُوَ تَفْسِيرٌ قَاصِرٌ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِي ذَلِكَ عَلَى تَفْسِيرِ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَقَدْ تَقَرَّرَ عَنْهُمْ تَفْسِيرُهُ بِالدَّفْعِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ وَهَذَا مَلْحَظُ شَيْخِنَا خَاتِمَةِ الْمُحَقِّقِينَ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ فِي السُّؤَالِ مِنْ تَفْسِيرِهِ بِالدَّفْعِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ وَإِعْرَاضُهُ عَمَّا وَقَعَ فِي كَلَامِ الْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ التَّقْيِيدِ وَبِهَذَا الَّذِي قَرَّرْته انْدَفَعَ مَا فِي السُّؤَالِ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ مِنْ التَّنْظِيرِ فِي كَلَامِ شَيْخِنَا وَكَيْفَ يُنْظَرُ فِيهِ مَعَ تَصْرِيحِ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَتَصْرِيحِ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ بِأَنَّ الْوَضْعَ اللُّغَوِيِّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَضْعِ الْعُرْفِيِّ وَبِأَنَّ الْوَكْزَ ضَرْبٌ وَإِذَا وَقَعَ اخْتِلَافٌ فِي الْوَكْزِ رَجَعَ فِيهِ لِأَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَالْمُقَرَّرُ عِنْدَهُمْ كَمَا عَرَفْت أَنَّهُ يَشْمَلُ الدَّفْعَ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِيَدٍ وَلَا بِغَيْرِهَا فَاتَّضَحَ كَلَامُ الشَّيْخِ وَأَنَّهُ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَلَا نَظَرَ فِيهِ بِوَجْهٍ وَأَنَّهُ عَيْنُ كَلَامِ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ وَاللُّغَةِ وَأَنَّ قَوْلَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ لَمْ نَجِدْ تَفْسِيرَهُ بِالدَّفْعِ إلَخْ هُوَ الَّذِي فِيهِ النَّظَرُ الظَّاهِرُ فَتَأَمَّلْهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الدَّفْعِ إلَخْ فَهُوَ بِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِهِ لَا يُرَدُّ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى الشَّيْخِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ هَذَا الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ أَخَذَهُ الْفُقَهَاءُ بِنَاءً عَلَى اعْتِمَادِهِ مِنْ قَرِينَةِ الْمَقَامِ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْحَلِفِ عَلَى الضَّرْبِ الْإِيذَاءُ وَمِنْ ثَمَّ اشْتَرَطَ الشَّيْخَانِ فِي مَوْضِعٍ كَوْنُهُ مُؤْلِمًا مَعَ أَنَّ الْإِيلَامَ لَيْسَ مِنْ حَقِيقَةِ الضَّرْبِ اللُّغَوِيِّ وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ الْإِيلَامَ قَالَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نَوْعِ إيذَاءٍ حَتَّى لَا يَكْفِي ضَرْبُهُ بِأُصْبُعِهِ اتِّفَاقًا فَاشْتِرَاطُهُمْ لِهَذَا الْأَمْرِ الزَّائِدِ عَلَى الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ أَخَذُوهُ مِنْ قَرِينَةِ الْمَقَامِ الدَّالِّ عَلَيْهَا الْحَلِفُ عَلَى الضَّرْبِ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ اعْتِبَارَ الصَّدْمَ فِي الدَّفْعِ وَإِنَّمَا الْمُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَوْعُ إزْعَاجٍ لِلْمَدْفُوعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إيلَامٌ عُرْفًا سَوَاءٌ أَصَدَمَ شَيْئًا أَمْ لَا هَذَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ وَتَصَرُّفَاتُهُمْ فَتَأَمَّلْهُ وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الصِّحَاحِ فَسَّرَ الْحَذْفَ بِالضَّرْبِ فِي بَعْضِ الْمَوَادِّ نَحْوَ حَذَفَ رَأْسَهُ بِالسَّيْفِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ فَسَّرَهُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ بِالْقَطْعِ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ فَإِطْلَاقُهُ عَلَى الْقَطْعِ لَا يَمْنَعُ إطْلَاقَهُ عَلَى الضَّرْبِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُهُ فَضَرَبَهُ بِسَيْفٍ فَقَطَعَ يَدَهُ أَوْ رَقَبَتَهُ حَنِثَ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ الثَّالِثُ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَا عَنْ الْإِمَامِ بَعْدَ كَلَامٍ سَاقَاهُ عَنْهُ وَكَانَ الْمُعْتَبَرُ فِي إطْلَاقِ اسْمِ الضَّرْبِ الصَّدْمَ بِمَا يُؤْلِمُ أَوْ يُتَوَقَّعَ مِنْهُ إيلَامٌ وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ الْحِجَازِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الرَّوْضَةِ فَقَالَ وَلَا يَكْفِي إيلَامٌ وَحْدَهُ بِأَنْ وَضَعَ عَلَيْهِ حَجَرًا ثَقِيلًا وَلَا الصَّدْمُ وَحْدَهُ كَبِأُنْمُلَةٍ فَالْمُعْتَبَرُ الصَّدْمُ بِمَا يُؤْلِمُ أَوْ يُتَوَقَّعُ مِنْهُ إيلَامٌ. اهـ. وَعِبَارَةُ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَشَرَطَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ إيلَامٌ وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ الْأَكْثَرُونَ وَاكْتَفَوْا بِالصَّدْمَةِ الَّتِي يُتَوَقَّعُ مِنْهَا الْإِيلَامُ انْتَهَتْ وَهَذَا كَمَا تَرَى ظَاهِرٌ فِي شُمُولِ الضَّرْبِ لِلرَّمْيِ بِحَجَرٍ أَوْ نَحْوِهِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَدْمٌ بِمَا يُؤْلِمُ أَوْ يُتَوَقَّعُ مِنْهُ إيلَامٌ وَحِينَئِذٍ وَافَقَ كَلَامُ الْفُقَهَاءِ كَلَامَ اللُّغَوِيِّينَ فِي صِدْقِ اسْمِ الضَّرْبِ بِالرَّمْيِ وَالْحَذْفِ فَلَمْ يَبْقَ عُذْرٌ لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ فِيمَا حُكِيَ عَنْهُ فِي السُّؤَالِ مِنْ أَنَّ الرَّمْيَ لَا يُسَمَّى ضَرْبًا الرَّابِعُ أَنَّ أَئِمَّتَنَا صَرَّحُوا بِاتِّحَادِ الضَّرْبِ وَالْحَذْفِ حَيْثُ قَالُوا لَوْ زَنَى بِكْرًا ثُمَّ ثَيِّبًا دَخَلَ الْجَلْدُ فِي الرَّجْمِ لِاتِّحَادِ جِنْسِهِمَا أَيْ مِنْ حَيْثُ إطْلَاقُ اسْمِ الضَّرْبِ عَلَيْهِمَا لَا الْحَدَّ وَإِلَّا لَدَخَلَ الْجَلْدُ فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ فَعَلِمْنَا أَنَّ مُرَادَهُمْ بِاتِّحَادِ جِنْسِهِمَا مَا قُلْنَاهُ مِنْ شُمُولِ اسْمِ الضَّرْبِ لَهُمَا وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُطْلَقُ عَلَى الْآخَرِ وَأَمَّا مَا تُوُهِّمَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِاتِّحَادِ جِنْسِهِمَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُسَمَّى زِنًا فَهُوَ خَيَالٌ بَاطِلٌ إذْ الزِّنَا سَبَبٌ لَا جِنْسٌ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اتِّحَادِ السَّبَبِ اتِّحَادُ الْمُسَبِّبِ وَلَا تَعَدُّدِهِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالْجِنْسِ مَا يَدْخُلَانِ تَحْتَ مُسَمَّاهُ كَمَا هُوَ شَأْنُ سَائِرِ الْأَجْنَاسِ وَالْأَنْوَاعِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا الضَّرْبُ لَا غَيْرُ لَا يُقَالُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ الْإِيذَاءُ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ مَا لَا يُجْزِئُ فِي الْحَدِّ فَلَمْ يَتَّضِحْ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا فَتَأَمَّلْهُ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَهَذَا أَيْضًا نَصٌّ فِي الْحِنْثِ فِي مَسْأَلَتِنَا بِالْحَذْفِ وَيُوَافِقهُ قَوْلُ بَعْضِ الشَّارِحِينَ فِي تَعْلِيلِ عَدَمِ إجْزَاءِ مَرَّةٍ بِعِثْكَالٍ فِي لَأَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ مَرَّةٍ أَوْ ضَرْبَةً لِأَنَّ الْجَمِيعَ يُسَمَّى ضَرْبَةً وَاحِدَةً بِدَلِيلِ مَا لَوْ رَمَى فِي الْجِمَارِ السَّبْعَ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يُسَمَّى رَمْيَةً وَاحِدَةً. اهـ. فَاسْتِدْلَالُهُ

بِذَلِكَ قَاضٍ بِأَنَّ بَيْنَ الضَّرْبِ وَالرَّمْيِ اتِّحَادًا حَتَّى يُسْتَدَلَّ بِمَا قَالُوهُ فِي أَحَدِهِمَا عَلَى مَا قَالُوهُ فِي الْآخَرِ الْخَامِسُ أَنَّ الرَّافِعِيَّ وَغَيْرَهُ فَرَّقُوا بَيْنَ عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْإِيلَامِ فِي لَأَضْرِبَنَّهُ أَيْ بِنَاءً عَلَى مَا وَقَعَ لَهُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِيلَامُ وَبَيْنَ اتِّفَاقِهِمْ فِي الْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرَاتِ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْإِيلَامِ بِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْحَدِّ الزَّجْرُ وَهُوَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْإِيلَامِ وَالْيَمِينُ تَتَعَلَّقُ بِالِاسْمِ وَهُوَ صَادِقٌ مَعَ عَدَمِ الْإِيلَامِ وَلِهَذَا يُقَالُ ضَرَبَهُ فَلَمْ يُؤْلِمْهُ وَهَذَا أَيْضًا قَاضٍ بِأَنَّ كُلَّ مَا كَفَى فِي الْجَلْدِ أَوْ التَّعْزِيرِ أَوْ الرَّجْمِ كَفَى فِي الْيَمِينِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ أَنَّ بَيْنَهُمَا اتِّحَادًا غَيْرَ اشْتِرَاطِ الْإِيلَامِ إلَّا إذَا كَانَ مَا يَكْفِي فِي الْأَخَصِّ وَهُوَ الْحَدُّ يَكْفِي فِي الْأَعَمِّ وَهُوَ الْيَمِينُ وَلَمَّا أَتْمَمْت ذَلِكَ ظَفِرْت بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ وَفَضْلِهِ وَمَعُونَتِهِ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَنْقُولَةٌ كَمَا قُلْته فَقَدْ صَرَّحَ بِهَا الْخُوَارِزْمِيُّ عَلَى جِهَةِ نَقْلِ الْمَذْهَبِ الَّذِي كَافِيهِ مِنْ أَجْلِ الْمُصَنَّفَاتِ فِيهِ وَعِبَارَتُهُ فِي التَّعْلِيقِ بِالضَّرْبِ كَمَا فِي تَوَسُّطِ الْأَذْرَعِيِّ عَنْهُ وَلَوْ رَفَسَهَا بِرِجْلِهِ أَوْ رَمَاهَا بِحَجَرٍ طَلُقَتْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إذَا أَصَابَهَا الْحَجَرُ. اهـ. وَهَذَا هُوَ مُرَادُ الْكَافِي بِلَا شَكٍّ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ تَجِدْهَا عَيْنَ الْمَسْأَلَةِ وَبِهَا يَنْدَفِعُ جَمِيعُ مَا مَرَّ عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَيَتَّضِحُ مَا رَدَدْت بِهِ عَلَيْهِ وَتَأَمَّلْ مَا قَدَّمْته عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَأَئِمَّةِ اللُّغَةِ تَجِدْهُ دَلِيلًا ظَاهِرًا لَهَا فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَلْهَمَنَا مُوَافَقَةَ أَئِمَّتِنَا فِي الْحُكْمِ قَبْلَ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ وَهَدَانَا لِمَا هَدَاهُمْ إلَيْهِ وَأَمَدَّنَا بِأَنْ ذَكَّرَنَا لِمَا قَالُوهُ وَوَافَقْنَاهُمْ فِيهِ أَدِلَّةً ظَاهِرَةً وَاضِحَةً جَلِيَّةً لَائِحَةً لَا يَمْتَرِي فِيهَا مُنْصِفٌ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهَا مُعَانِدٌ وَلَا مُتَعَسِّفٌ فَلَهُ الْحَمْدُ كَمَا يُحِبُّ وَيَرْضَى سُبْحَانَهُ لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْهِ هُوَ كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ مَا أَبِيعُ كَذَا وَأُفَصِّلُهُ لِنَفْسِي بَعْدَ أَنْ قَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ أَنْتَ تَأْخُذُ هَذَا تَبِيعُهُ فَهَلْ لَوْ فَصَّلَهُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ يَحْنَثُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الظَّاهِرُ فِي الْوَاوِ فِي وَأُفَصِّلُهُ أَنَّهَا لِلِاسْتِئْنَافِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْقَرِينَةُ وَهِيَ قَوْلُ الزَّوْجَةِ خِطَابًا لَهُ أَنْتَ تَأْخُذُ هَذَا تَبِيعُهُ وَحِينَئِذٍ فَالْحَلِفُ إنَّمَا هُوَ عَلَى نَفْيِ الْبَيْعِ فَلَا يَحْنَثُ بِتَفْصِيلِ غَيْرِهِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا قُبِلَ مِنْهُ ادِّعَاءَ الِاسْتِئْنَافِ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ وَالْقَرِينَةِ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الِاسْتِئْنَافَ فَتَارَةً يَنْوِي الْحَلِفَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَحْدَهُ وَيَمْضِي بَعْدَ الْيَمِينِ زَمَنٌ يُمْكِنُهُ أَنْ يُفَصِّلَهُ لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ فَيَحْنَثُ بِتَفْصِيلِ غَيْرِهِ مُطْلَقًا أَمَّا فِي الْأَخِيرَةِ فَوَاضِحٌ لِأَنَّ الْحِنْثَ فِيهَا إنَّمَا يَكُونُ بِالْبَيْعِ وَتَلَفُهُ بَعْدَ تَمَكُّنِهِ مِنْهُ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ وَأَمَّا فِي حَالَةِ الْإِطْلَاقِ فَلِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ هُوَ مُفَادُ الْوَاوِ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْهَا فَحُمِلَ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ. (وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ قَالَ يَشْهَدُ اللَّهُ لَا أُجِيبُ إلَى كَذَا عَازِمًا عَلَى عَدَمِ الْإِجَابَةِ فَلَوْ تَغَيَّرَ عَزْمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَجَابَ مَاذَا يَلْزَمُهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَتَّجِهُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَغْوٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْنِدْ لِنَفْسِهِ شَيْئًا يَتَضَمَّنُ الْحَلِفَ فَلَيْسَ كَأُقْسِمُ أَوْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ عَلَى أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْأَوَّلَ اشْتَهَرَ فِي الْيَمِينِ فَانْعَقَدَتْ بِهِ وَإِنْ أَطْلَقَ بِخِلَافِ الثَّانِي فَلَمْ تَنْعَقِدْ بِهِ إلَّا إنْ نَوَاهَا وَقَالُوا فِي أَشْهَدُ بِاَللَّهِ فِي اللِّعَانِ إنَّهُ صَرِيحٌ. فَاقْتَضَى كَلَامُهُمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي إسْنَادِ الشَّهَادَةِ إلَى نَفْسِهِ وَمَا فِي السُّؤَالِ لَمْ يُسْنِدْهَا إلَيْهِ فَلْتَكُنْ لَغْوًا وَأَيْضًا فَكَلَامُهُمْ نَاطِقٌ فِي اللِّعَانِ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ يَشْهَدُ اللَّهُ أَنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ إلَخْ يَكُونُ لَغْوًا وَأَيْضًا فَصَرَّحُوا فِي أُقْسِمُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ صِلَتِهِ وَمِثْلُهُ أَشْهَدُ بِالْأَوْلَى لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ انْعِقَادِ الْيَمِينِ بِذَلِكَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ بِخِلَافِ هَذَا بِأَنَّهُ لَغْوٌ فَإِذَا كَانَ أَشْهَدُ لَغْوًا لِعَدَمِ ذِكْرِ الصِّلَةِ مَعَ إسْنَادِهِ إلَى النَّفْسِ فَيُشْهِدُ اللَّهَ كَذَلِكَ وَأَوْلَى. وَمِمَّا تَرْجَمَ بِهِ الْجَمُّ الْغَفِيرُ أَنَّ مَنْ قَالَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فَعَلْت كَذَا وَكَانَ فَعَلَهُ كَفَرَ لِأَنَّهُ نَسَبَ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْعِلْمَ عَلَى الْخِلَافِ الْوَاقِعِ وَظَاهِرُ تَقْيِيدِهِ بِالْعَالِمِ الْمُتَعَمِّدِ لِذَلِكَ فَمَحَّضُوهُ لِلْإِخْبَارِ لَا لِلْإِنْشَاءِ وَهُوَ فِي الْمَاضِي يَتَحَقَّقُ فِيهِ الْكَذِبُ فَحُكِمَ عَلَى قَائِلِهِ بِالْكُفْرِ بِخِلَافِهِ فِي الْمُسْتَقْبِلِ فَإِنَّهُ مَحْضُ إخْبَارٍ عَمَّا سَيَقَعُ وَهُوَ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ كَذِبٌ فَلَا شَيْءَ فِيهِ عِنْدَ إخْلَافِهِ هَذَا مَا تَيَسَّرَ الْآن وَالْمَسْأَلَةُ تَحْتَمِلُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ دَارًا وَأَقَرَّ بِأَنَّهُ رَأَى وَتَسَلَّمْ ثُمَّ أَنْكَرَ الرُّؤْيَةَ وَطَلَبَ يَمِينَ

باب النذر

الْمُؤَجِّرِ أَنَّهُ رَأَى فَهَلْ يُجَابُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ أَفْتَى الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ لَا يُجَابُ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْهُ مَا يُكَذِّبُهُ وَهُوَ إقْرَارُهُ بِوُقُوعِ الرُّؤْيَةِ وَلَيْسَتْ هَذِهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالْقَبْضِ ثُمَّ قَالَ إنَّ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ عَلَى رَسْمِ الْقَبَالَةِ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْقَبْضِ عَنْ الْإِقْرَارِ بِهِ كَثِيرٌ مُتَعَارَفٌ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَسَادُ عَقْدٍ فَسُمِعَتْ الدَّعْوَى بِهِ لِلتَّحْلِيفِ وَأَمَّا تَأْخِيرُ الرُّؤْيَةِ عَنْ عَقْدِ الْإِجَارَةِ فَهُوَ مُبْطِلٌ لَهَا وَلَمْ يُعْتَدَّ عُرْفًا وَلَا شَرْعًا تَأَخُّرُ الرُّؤْيَةِ عَنْهَا كَسَائِرِ الْعُقُودِ الْمُشْتَرَطَةِ فِيهَا فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا رَسْمُ قَبَالَةٍ فَلَمْ يُسْمَعْ طَلَبُهُ لِلتَّحْلِيفِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِهَا لَمْ يُعَارَضْ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ رَسْمِ الْقَبَالَةِ فَإِنَّ الْعُرْفَ قَاضٍ بِالْإِشْهَادِ عَلَى وُجُودِهِ قَبْلَ وُجُودِهِ وَلَا كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِعَقْدٍ إجْمَالِيٍّ ثُمَّ أَنْكَرَ بَعْضَ شُرُوطِهِ أَوْ لَوَازِمِهِ أَوْ صِفَاتِهِ وَاعْتَذَرَ بِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ يُفْسِدُ الْعُقَدَ فَتُقْبَلُ دَعْوَاهُ لِلتَّحْلِيفِ لِعُذْرِهِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ بِخُصُوصِهِ ثُمَّ أَنْكَرَهُ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ وَيَجْرِي ذَلِكَ فِيمَا لَوْ أَقَرَّ بِالْبَيْعِ وَالرُّؤْيَةِ ثُمَّ قَالَ لَمْ أَرَ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِتَحْلِيفٍ وَلَا لِغَيْرِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ النَّذْرِ] (وَسُئِلَ) عَمَّنْ نَذَرَ بِجَمِيعِ أَمْلَاكِهِ أَوْ بَاعَهُ إلَى مَنْ هُوَ تَحْتَ يَدِهِ وَقَهَرَهُ وَأَبْرَأَهُ مِنْ الثَّمَنِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، لَوْلَا ذِكْرُ التَّحْتِيَّةِ وَالْقَهْرِيَّةِ وَالْغَلَبَةِ عَلَى ذَلِكَ وَعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى انْتِزَاعِ ذَلِكَ مِنْ يَدِهِ لَمْ يُنْذِرْ وَلَمْ يَبِعْ فَمَا الْحُكْمُ حِينَئِذٍ مَعَ أَنَّ فِي فَتَاوَى ابْنِ كَبَّنَ فِيمَنْ امْتَنَعَ أَنْ يَقْسِمَ لِأُخْتِهِ مِنْ مُخْلَفِ أَبِيهَا وَصَارَ يَتَصَرَّفُ فِي جَمِيعِ التَّرِكَةِ بِبَيْعٍ وَغَيْرِهِ مُدَّةً ثُمَّ طَلَبَ مِنْهَا أَنْ تَبِيعَهُ نَصِيبَهَا بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ بِقَدْرٍ لَا يُتَغَابَنُ بِمِثْلِهِ فَبَاعَتْهُ بِمَا أَرَادَ وَلَوْلَا عَدَمُ قُدْرَتِهَا عَلَى انْتِزَاعِهِ لَمْ تَبِعْهُ وَجَرَى مِنْهَا هَذَا الْبَيْعُ وَهِيَ تَحْتَ حَجْرِهِ وَقَهْرِهِ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ. (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِأَنَّ الْبَيْعَ وَالْإِبْرَاءَ فِيهِمَا صَحِيحَانِ وَلَا نَظَرَ لِمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْإِكْرَاهِ الَّتِي ذَكَرهَا الْأَئِمَّةُ لَمْ تُوجَدْ هُنَا وَإِذَا عُلِمَ انْتِفَاءُ حَقِيقَةِ الْإِكْرَاهِ فَيَصِحُّ النَّذْرُ أَيْضًا إنْ وُجِدَتْ بَقِيَّةُ شُرُوطِهِ وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ مَا نَقَلْتُمُوهُ عَنْ ابْنِ كَبَّنَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ فِي السُّؤَالِ وَهِيَ تَحْتَ حَجْرِهِ وَقَهْرِهِ كَمَا ذَكَرْتُمُوهُ فَإِذَا كَانَتْ تَحْتَ حَجْرِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ بَيْعُهَا لَهُ فَالْفَسَادُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ كَوْنِهَا تَحْتَ حَجْرِهِ لَا مِنْ جِهَةِ الْإِكْرَاهِ عَلَى أَنَّ جَمْعًا قَالُوا بِبُطْلَانِ بَيْعِ الْمُصَادِرِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ ابْنَ كَبَّنَ تَبِعَهُمْ فِي ذَلِكَ لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ صِحَّةُ بَيْعِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَبِأَنَّهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ فَكَذَلِكَ مَنْ ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ غَيْرُ مُكْرَهٍ كَالْمُصَادِرِ بَلْ أَوْلَى وَهَذَا جَمِيعُهُ يَتَّضِحُ بِهِ صِحَّةُ الْبَيْعِ أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ لِلْغَاصِبِ وَهِيَ الْعِشْرُونَ لِأَنَّهُ لَا إكْرَاهَ فِيهَا وَالْبَائِعُ فِيهَا وَفِي الَّتِي قَبْلَهُ. اهـ. وَالْمُقَصِّرُ بِالْبَيْعِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ بِالسُّلْطَانِ وَنَحْوِهِ فَإِنْ فُرِضَ عَجْزُ السُّلْطَانِ أَوْ بُعْدُهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُخَلِّصَهُ هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ نُوَّابِهِ مِمَّنْ تَحْتَ يَدِهِ تِلْكَ الْعَيْنُ فَهَذَا نَادِرٌ فَلَا يُدَارُ عَلَيْهِ حُكْمٌ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي مَوَاضِعَ كَالْفَلْسِ وَالنَّفَقَاتِ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى مَسْأَلَةٍ مَرَّتْ فِي الْبَيْعِ مِنْ جُمْلَةِ مَسَائِلَ سُئِلَ عَنْهَا جَاءَتْ إلَيْهِ مِنْ عُلَمَاءِ حَضْرَمَوْتَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى إشْكَالَاتٍ وَنَوَادِرَ وَغَرَائِبَ وَلِذَا اخْتَلَفَتْ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا الْأَجْوِبَةُ وَلَمْ يَبْسُطْ أَحَدٌ فِيهَا بِمِثْلِ مَا بُسِطَ فِي هَذِهِ الْفَتَاوَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيمَا لَوْ نَذَرَ مَجْذُومٌ أَوْ هَرِمٌ بِجَمِيعِ أَمْلَاكِهِ لِآخَرَ عَلَى أَنْ يَقُومَ بِمُؤْنَتِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ مَا حُكْمُهُ) ؟ فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِبَرَكَتِهِ الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ عَدَمُ صِحَّةِ النَّذْرِ فِيهَا لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ بِشَرْطٍ أَخْرَجَهُ عَنْ كَوْنِهِ قُرْبَةً فَفَاتَ لِشَرْطِ النَّذْرِ. (وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ نَذَرَ بِجَمِيعِ أَمْلَاكِهِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا لِمُؤْنَتِهِ أَوْ لِمُؤْنَةِ مُمَوِّنِهِ أَوْ قَضَاءِ دِينٍ مَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِدَيْنٍ لَا يَرْجُو لَهُ وَفَاءً أَوْ لِنَفَقَةِ مُمَوِّنِهِ أَوْ لِنَفْسِهِ وَهُوَ لَا يَصِيرُ عَلَى الْإِضَافَةِ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ إمَّا حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ وَكِلَاهُمَا لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ لَا يُقَالُ الْحُرْمَةُ وَالْكَرَاهَةُ لِأَمْرٍ خَارِجٍ فَلَا يُنَافِي صِحَّةَ النَّذْرِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي مَوَاضِعَ وَمِنْ ثَمَّ صَحَّتْ هِبَةُ الْمَاءِ الَّذِي يَحْتَاجُهُ بَعْدَ

دُخُولِ الْوَقْتِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَتْ الْحُرْمَةُ وَلَا الْكَرَاهَةُ لِأَمْرٍ خَارِجٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَانَتَا مُنَافِيَتَيْنِ لِصِحَّةِ النَّذْرِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ النَّذْرِ وَالْهِبَةِ بِأَنَّ الْهِبَةَ تَصِحُّ بِمَا لَا قُرْبَةَ فِيهِ بِخِلَافِ النَّذْرِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَخْصٍ قَالَ نَذَرْت هَذِهِ الْعَيْنَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لِلشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ مَثَلًا نَفَعَنَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ فَهَلْ تُصْرَفُ قِيمَتُهَا فِي مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ أَوْ لِأَوْلَادِ السَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَإِنْ سَفَلُوا إذَا قُلْتُمْ إنَّ أَوْلَادَ ابْنَتِهِ أَوْلَادُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَيَسْتَوْعِبُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ. وَهَذَا مُسْتَحِيلٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى عَمَلِكُمْ الْكَرِيمِ أَوْ يَسْتَوْعِبُ مَنْ كَانَ مَعَهُمْ بِبَلَدِ النَّاذِرِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا يَدْفَعُ لِأَقَلِّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةً وَإِذَا كَانَ النَّذْرُ لِلشَّيْخِ الْمَذْكُورِ فَيُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ تُرْبَتِهِ أَوْ لِأَوْلَادِهِ وَيَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا ذَكَرَ يُسْتَوْعَبُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِبَرَكَتِهِ وَعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ نَذْرُ شَيْءٍ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لِغَيْرِهِ كَالشَّيْخِ الْمَذْكُورِ نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ يُحْمَلُ حَيْثُ لَمْ يُعْرَفْ قَصْدُ النَّاذِرِ عَلَى مَا اطَّرَدَ بِهِ الْعُرْفُ فِي ذَلِكَ النَّذْرِ فَإِنْ اطَّرَدَ بِصَرْفِهِ لِمَصَالِحِ قَبْرِهِ الشَّرِيفِ أَوْ لِمَصَالِحِ مَسْجِدِهِ أَوْ لِأَهْلِ بَلَدِهِ عَمِلَ بِذَلِكَ الْعُرْفِ فِي هَذَا النَّذْرِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فِي النَّذْرِ لِلْقَبْرِ أَوْ لِلْفَقِيرِ الْمَشْهُورِ بِجُرْجَانَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ أَوْ كَانَ وَجَهِلَهُ النَّاذِرُ فَلِلزَّرْكَشِيِّ فِيهِ تَرَدُّدٌ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ الْبُطْلَانُ فَإِنْ عُرِفَ قَصْدُهُ فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ يَأْتِي فِيهِ قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ فِي النَّذْرِ لِلْمَشَاهِدِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى قَبْرِ وَلِيٍّ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ أَنَّ النَّاذِرَ إنْ قَصَدَ تَعْظِيمَ الْبُقْعَةِ أَوْ الْقَبْرِ أَوْ التَّقَرُّبَ إلَى مَنْ دُفِنَ فِيهَا أَوْ مَنْ تُنْسَبُ إلَيْهِ وَهُوَ الْغَالِبُ مِنْ الْعَامَّةِ لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ لِهَذِهِ الْأَمَاكِنِ خُصُوصِيَّاتٍ لِأَنْفُسِهِمْ وَيَرَوْنَ أَنَّ النَّذْرَ لَهَا مِمَّا يَنْدَفِعُ بِهِ الْبَلَاءُ فَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ فِي صُورَةٍ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ لِأَنَّهُ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ بِهِ التَّصَدُّقَ عَلَى مَنْ يَسْكُنُ تِلْكَ الْبُقْعَةَ أَوْ مَنْ يَرِدُ إلَيْهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّ هَذَا نَوْعُ قُرْبَةٍ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ أَوْلَادَ الْمَنْذُورِ لَهُ وَأَوْلَادَهُمْ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي النَّذْرِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُمْ وَرَثَةً لَهُ نَعَمْ إنْ اطَّرَدَ الْعُرْفِ بِأَنَّ الْمَنْذُورَ لِأَبِيهِمْ يُصْرَفُ لَهُمْ عَمَلٌ بِهِ فِيهِمْ وَصُرِفَ لَهُمْ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُمْ ذُرِّيَّتَهُ بَلْ لِلْعُرْفِ إذْ لَوْ اطَّرَدَ بِالصَّرْفِ لِأَجَانِبَ مَخْصُوصِينَ صُرِفَ إلَيْهِمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا نَذَرَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِمِثْلِ ثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ الْمَبِيعَةِ أَوْ بِمِثْلِ أُجْرَةِ الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ إلَّا خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا فَهَلْ هَذَا نَذْرُ لَجَاجٍ لِأَنَّ نَذْرَ اللَّجَاجِ هُوَ الْمُعَلَّقُ بِأَمْرٍ مَرْغُوبٍ عَنْهُ لَا فِيهِ أَوْ هُوَ نَذْرٌ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ إذَا وُجِدَ شَرْطُهُ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهِ تَعْلِيقٌ وَهَلْ يَرْجِعُ إلَى قَوْلِ النَّاذِرِ قَصْدِي كَذَا مُطْلَقًا أَوْ مَا لَمْ يَقْضِ الشَّرْعُ بِكِفَايَتِهِ وَعَمَّا لَوْ كَانَ لِشَخْصٍ دَيْنٌ مَعْلُومٌ عَلَى آخَرَ فَطَالَبَ رَبُّ الدَّيْنِ الْمَدِينَ بِدَيْنِهِ فَقَالَ الْمَدِينُ مَا عِنْدِي فِي هَذَا الْوَقْتِ شَيْءٌ فَقَالَ رَبُّ الدَّيْنِ أَنْذِرْ لِي بِثَلَاثَةِ آصُعٍ طَعَامٍ فِي ذِمَّتِك إذَا خَرَجَ الشَّهْرُ وَلَمْ تُوَفِّنِي دَيْنِي فَنَذَرَ لَهُ بِذَلِكَ كَذَلِكَ هَلْ هَذَا نَذْرُ لَجَاجٍ أَوْ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ. فَإِنْ قُلْتُمْ لَجَاجٌ فَلَوْ قَالَ لَهُ قُلْ إذَا خَرَجَ الشَّهْرُ الْمَذْكُورُ وَلَمْ أُوَفِّك دَيْنَك وَدَعَوْت لِي بِالْعَافِيَةِ أَوْ بِمَا تَيَسَّرَ فَلَكَ كَذَا فَقَالَ ذَلِكَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَهُ وَيَخْرُجُ بِهَذَا عَنْ نَذْرِ اللَّجَاجِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ الَّذِي نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّهُ أَنَّ النَّذْرَ فِي الصُّورَةِ الْأَوْلَى لَغْوٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذَا مُبَاحٌ وَهُوَ لَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِهِ مُتَضَمِّنًا لِنَحْوِ الصَّدَقَةِ وَذَلِكَ قُرْبَةٌ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْخَاصِّ أَعْنِي تَعْلِيقَهُ. وَجَعْلَهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ قُرْبَةً وَلَا مُحَرَّمًا فَكَانَ مُبَاحًا وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنَّهُ نَذْرُ لَجَاجٍ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَقْصِدُ بِذَلِكَ إلَّا تَرْوِيجَ سِلْعَتِهِ فَمَنْ جَعَلُوهُ لَغْوًا نَظَرُوا لِمَعَانِي الْعُقُودِ دُونَ صِيغَتِهَا وَهِيَ قَاعِدَةٌ شَهِيرَةٌ تَارَةً يُغَلِّبُونَ فِيهَا النَّظَرَ إلَى الصِّيَغِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ وَتَارَةً يُغَلِّبُونَ فِيهَا النَّظَرَ إلَى الْمَعْنَى إذَا قَوِيَ بِعَاضِدٍ كَمُوَافَقَةِ الْغَالِبِ هُنَا فَإِفْتَاءُ بَعْضِهِمْ بِأَنَّ ذَلِكَ نَذْرُ لَجَاجٍ لَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ الِاعْتِرَاضِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ بَانَ الْجَوَابُ

عَنْهُ وَأَمَّا النَّذْرُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَغْوٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى حَرَامٍ أَوْ مُبَاحٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ إنْ خَرَجَ الشَّهْرُ وَلَمْ أُوَفِّك دَيْنَك فَعَلَيَّ كَذَا كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى خُرُوجِ الشَّهْرِ وَعَدَمِ وَفَاءِ الدَّيْنِ وَعَدَمِ وَفَائِهِ مَعَ وُجُودِ شَيْءٍ يُوَفِّي مِنْهُ حَرَامٌ لِأَنَّ أَدَاءَ الدَّيْنِ وَاجِبٌ عَلَى الْمُوسِرِ بَعْدَ الطَّلَبِ وَمَعَ عَدَمِ ذَلِكَ مُبَاحٌ وَضَمُّهُ إلَى ذَلِكَ الدُّعَاءِ لَا يَقْلِبُهُ صَحِيحًا لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى شَيْئَيْنِ أَحَدِهِمَا بَاطِلٌ فَبَطَلَ وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ فِيمَا يَصِحُّ وَيَبْطُلُ فِيمَا يَبْطُلُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ الْوَاحِدَ لَا يَتَبَعَّضُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا صُورَتُهُ وَصَلَ مَا تَفَضَّلَ بِهِ سَيِّدِي فَجَزَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنَّا وَعَنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرَ الْجَزَاءِ وَالْقَائِلُ بِأَنَّ ذَلِكَ نَذْرُ لَجَاجٍ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى هُوَ الْفَقِيهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ فَضْلٍ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ الَّذِي شَرَحْتُمُوهُ وَوَجْهُ مَا ذَكَرْتُمُوهُ ظَاهِرٌ وَمَا وَجْهُ الْقَائِلِ بِأَنَّ ذَلِكَ تَعْلِيقٌ بِصِفَةٍ وَهُوَ أَيْضًا مِنْ أَكَابِرِ فُقَهَاءِ الْجِهَةِ لَكِنَّ الْحَقَّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَعْلِيقٌ بِصِفَةٍ وَمَا ذَكَرَهُ سَيِّدِي فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَاضِحٌ فَجَزَاكُمْ اللَّهُ تَعَالَى خَيْرًا لَكِنْ هَلْ لِلدَّائِنِ سَبِيلٌ عَلَى حَثِّ الْمَدِينِ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ بِصُورَةِ نَذْرٍ يَلْتَزِمُهَا الْمَدِينُ بِغَيْرِ صُورَةِ لَجَاجٍ وَيَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَهُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ الْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى زَمَنٍ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ ثُمَّ يَقُولَ الْمَدِينُ لِلدَّائِنِ إذَا جَاءَ الزَّمَنُ الْفُلَانِيُّ فَلِلَّهِ عَلَيَّ لَك كَذَا فَتَعَلَّقَ بِمُضِيِّ الزَّمَنِ فَقَطْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) فِي عَادَةٍ اطَّرَدَتْ عِنْدَ قُضَاةِ الْحِجَازِ وَهُوَ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ أَوْ الْمُشْتَرِيَ إذَا خَافَ مِنْ إظْهَارِ فِتْنَةٍ أَوْ مُنَازِعٍ آخَرَ يَقُولُونَ لِلْبَائِعِ قُلْ نَذَرْت إلَّا قَامَ قَائِمٌ شَرْعِيٌّ عَلَى الْمُشْتَرِي بِنَذْرٍ لَهُ بِنَظِيرِ مَا يُقَامُ بِهِ عَلَيْهِ وَمَقْصُودُهُمْ إذَا أَخَذْت مِنْهُ الْأَرْضَ بِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِمِثْلِ مَا أُخِذَ مِنْهُ مِنْ الْأَرْضِ وَيَحْكُمُ بِذَلِكَ النَّذْرِ حَاكِمُ الْبَيْعِ مِنْ جُمْلَةِ الْحُكْمِ هَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ النَّذْرُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ النَّذْرُ الْمَذْكُورُ بَاطِلٌ فَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رَجُلٍ نَذَرَ سُكْنَى الْمَدِينَةِ فَهَلْ يَكُونُ نَذْرُهُ قُرْبَةً فَتَلْزَمُهُ وَإِذَا قُلْتُمْ بِاللُّزُومِ فَهَلْ يُجْزِئُهُ سُكْنَى مَكَّةَ قِيَاسًا عَلَى الِاعْتِكَافِ وَإِذَا قُلْتُمْ بِالْقِيَاسِ فَمَا الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا وَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِهِ فَمَا الْفَرْقُ أَوْ يَكُونُ قِيَاسُ نَذْرِ سُكْنَى الْمَدِينَةِ كَقِيَاسِ نَذْرِ الْمَشْيِ إلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ يَلْزَمُ مَعَ كَوْنِ الرُّكُوبِ أَفْضَلَ وَمَا الْقِيَاسُ فِيهِ وَالْفَرْقُ وَهَلْ الْأَفْضَلُ فِي سُكْنَى الْمَدِينَةِ، أَوْ الِاعْتِكَافُ فِي مَسْجِدِهَا إتْمَامُ مَا الْتَزَمَهُ أَوْ تَكُونُ مَكَّةُ مُجْزِئَةٌ مَعَ الْأَفْضَلِيَّةِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ سُكْنَى الْمَدِينَةِ سُنَّةٌ إنْ أَمِنَ مِنْ الْوُقُوعِ فِي مَحْذُورٍ وَحِينَئِذٍ فَيَصِحُّ نَذْرُهَا كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ النَّذْرِ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُمْ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَنْهَا سُكْنَى مَكَّةَ وَإِنْ كَانَتْ أَفْضَلَ كَمَا لَوْ نَذَرَ الْمَشْيَ لَا يَجُوزُ الرُّكُوبُ وَكَمَا لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِالدَّرَاهِمِ لَا يَجُوزُ بِالذَّهَبِ لِأَنَّ الْمَشْيَ فِيهِ مَشَقَّةٌ مَقْصُودَةٌ لِلشَّارِعِ لَا تُوجَدُ فِي الرُّكُوبِ. وَكَذَا الدِّرْهَمُ فِيهَا مَا لَا يُوجَدُ فِي الذَّهَبِ مَعَ مُخَالَفَةِ الْجِنْسِ وَكَذَلِكَ سُكْنَى الْمَدِينَةِ فِيهَا مِنْ الْمَشَقَّةِ وَغَيْرِهَا مَا لَا يُوجَدُ فِي مَكَّةَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ لَوْ نَذَرَ جِهَادًا وَعَيَّنَ لَهُ جِهَةً فِي نَذْرِهِ أَجُزْأَهُ غَيْرُهَا إنْ سَاوَتْهَا مَسَافَةً وَمُؤْنَةً وَإِلَّا فَلَا فَأَفْهَمَ ذَلِكَ أَنَّ سُكْنَى مَكَّةَ لَا يُجْزِئُ عَنْ سُكْنَى الْمَدِينَةِ وَإِنْ كَانَتْ أَفْضَلَ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُسْتَوِيَيْنِ فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ السُّكْنَى وَالِاعْتِكَافِ بِأَنَّهُ مَنُوطٌ بِالْمَسْجِدِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ فَلَمْ يَخْتَلِفْ الْغَرَضُ بِاخْتِلَافِ ذَوَاتِ الْمَسَاجِدِ غَيْرِ الثَّلَاثَةِ وَأَمَّا هِيَ فَالِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا إنَّمَا جَاءَ فِي أَمْرٍ تَابِعٍ هُوَ مُجَرَّدُ الْفَضِيلَةِ فَأَجْزَأَ الْفَاضِلُ عَنْ الْمَفْضُولِ وَلَا عَكْسَ وَأَمَّا الْمَشَقَّةُ وَنَحْوُهَا فَالثَّلَاثَةُ مُسْتَوِيَةٌ فِيهَا بِخِلَافِ السُّكْنَى كَمَا مَرَّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَفْسَ الِاعْتِكَافِ لَمْ يَخْتَلِفْ بِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ إلَّا فِي الْأَفْضَلِيَّةِ فَحَسْبُ وَالسُّكْنَى مُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَمَتَى وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي غَيْرِ الْأَفْضَلِيَّةِ لَمْ يُجْزِ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ وَحَيْثُ عَيَّنَ فِي نَذْرِهِ شَيْئًا فَالْأَوْلَى فِعْلُهُ وَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّ غَيْرَهُ الْأَفْضَلُ يُجْزِئُ عَنْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي حَقِيقَةِ نَذْرِ التَّبَرُّرِ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ

نَذْرِ اللَّجَاجِ فَقَدْ ذُكِرَ فِي الْأَنْوَارِ مَا مَعْنَاهُ أَنَّ نَذْرَ التَّبَرُّرِ تَعْلِيقُ قُرْبَةٍ عَلَى حُصُولِ نِعْمَةٍ أَوْ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ فَهَلْ هُوَ مَقْصُورٌ عَلَى ذَلِكَ أَوْ مَا يَظْهَرُ مِنْهُ الْحَثُّ وَالْمَنْعُ لَجَاجٌ وَالْبَاقِي تَبَرُّرٌ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ قَالَ إنْ سَقَطَ هَذَا الْجِدَارُ فَعَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِكَذَا وَكَذَا أَوْ إنْ اُسْتُحِقَّ مِنْك يَا فُلَانُ هَذَا الْمَالَ بِدَعْوَى مِنْ فُلَانٍ أَوْ مِنْ أَحَدٍ فَنَذْرٌ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَلَيْك بِكَذَا فَهَلْ هَذَا نَذْرُ لَجَاجٍ أَوْ تَبَرُّرٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنْ دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا فَظَاهِرُ أَنَّهُ لَجَاجٌ فَبَيِّنُوا لَنَا حَقِيقَةَ ذَلِكَ جَزَاكُمْ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَيْرًا. (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ النَّذْرُ إمَّا تَبَرُّرٌ أَوْ لَجَاجٌ وَالتَّبَرُّرُ إمَّا مُجَازَاةٌ أَوْ مُلْتَزَمٌ ابْتِدَاءً فَالْمُجَازَاةُ هُوَ تَعْلِيقُ الْتِزَامِ قُرْبَةٍ فِي مُقَابَلَةِ حُدُوثِ نِعْمَةٍ أَوْ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ كَمَا لَوْ قَالُوهُ أَوْ كُلُّ مَا يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوا اللَّهَ تَعَالَى بِهِ وَأَنْ يَسْأَلَهُ إيَّاهُ كَمَا قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَطَرَدَهُ الْقَاضِي فِي كُلِّ مُبَاحٍ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَهُوَ أَفْقَهُ وَأَوْضَحُ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَعْلِيقُ الْتِزَامِ الْقُرْبَةِ فِي مُقَابَلَةِ مَا يَرْغَبُ فِيهِ. سَوَاءٌ أَكَانَ حُصُولُهُ عَلَى نُدُورٍ أَمْ لَا وَغَيْرُ الْمُجَازَاةِ كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ مَثَلًا وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَسْمَيْنِ الْإِضَافَةَ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خِلَافًا لِلْقَاضِي وَأَمَّا نَذْرُ اللَّجَاجِ فَهُوَ تَعْلِيقُ الْقُرْبَةِ بِمَا يَرْغَبُ عَنْهُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ هُوَ أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ مِنْ شَيْءٍ أَوْ يَحُثَّهَا عَلَيْهِ بِتَعْلِيقِ الْتِزَامِ قُرْبَةٍ وَقَدْ يَكُونُ لِتَحْقِيقِ خَبَرٍ أَيْضًا كَأَنْ لَمْ يَكُنْ كَمَا قُلْت فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا ثُمَّ الصِّيغَةُ إنْ كَانَتْ نَصًّا فِي التَّبَرُّرِ أَوْ اللَّجَاجِ فَظَاهِرٌ وَلَا يَحْتَاجُ هُنَا إلَى قَصْدٍ. وَإِنْ احْتَمَلَتْهُمَا اُشْتُرِطَ قَصْدُ النَّاذِرِ فَإِنْ قَصَدَ شَيْئًا عَمِلَ بِهِ فَإِذَا قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَمَالِي صَدَقَةٌ كَانَ نَذْرَ لَجَاجٍ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ مِنْهُ فَكَانَ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي فَإِمَّا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِكُلِّهِ وَإِمَّا أَنْ يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ وَلِتَبَادُرِ اللَّجَاجِ مِنْ هَذِهِ الصِّيغَةِ لَمْ يَحْتَجْ لِقَصْدِهِ كَمَا أَفْهَمَهُ إطْلَاقُهُمْ بِخِلَافِ التَّبَرُّرِ فَإِنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ وَإِنْ احْتَمَلَتْهُ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُتَبَادَرٍ مِنْهَا فَاحْتِيجَ إلَى قَصْدِهِ فَإِذَا أَرَادَ بِهَا إنْ رَزَقَنِي اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دُخُولَ الدَّارِ بِأَنْ رَغِبَ دُخُولَهَا كَانَتْ نَذْرَ تَبَرُّرٍ وَكَذَا يُقَالُ فِي إنْ سَقَطَ هَذَا الْجِدَارُ فَعَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِكَذَا فَهُوَ نَذْرُ لَجَاجٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَ إنْ رَزَقَنِي اللَّهُ تَعَالَى سُقُوطَهُ بِأَنْ يَكُونَ سُقُوطُهُ مَرْغُوبًا فِيهِ فَيَكُونُ نَذْرَ تَبَرُّرٍ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَرْغُوبَ فِيهِ تَبَرُّرٌ وَالْمَرْغُوبُ عَنْهُ لَجَاجٌ وَضَبَطَ ذَلِكَ الْأَئِمَّةُ بِأَنَّ الْفِعْلَ إمَّا طَاعَةٌ أَوْ مَعْصِيَةٌ أَوْ مُبَاحٌ وَالِالْتِزَامُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا تَارَةً يَتَعَلَّقُ بِالْإِثْبَاتِ وَتَارَةً يَتَعَلَّقُ بِالنَّفْيِ فَالْإِثْبَاتُ فِي الطَّاعَةِ كَأَنْ صَلَّيْت فَعَلَيَّ كَذَا يُحْتَمَلُ التَّبَرُّرَ يُرِيدُ إنْ وَفَّقَنِي اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِصَلَاةٍ فَعَلَيَّ كَذَا وَاللَّجَاجُ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ صَلِّ فَيَقُولُ لَا أُصَلِّي. وَإِنْ صَلَّيْت فَعَلَيَّ كَذَا وَالنَّفْيُ فِي الطَّاعَةِ كَأَنْ يُمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ فَيَقُولُ إنْ لَمْ أُصَلِّ فَعَلَيَّ كَذَا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ اللَّجَاجِ إذْ لَا بِرَّ فِي تَرْكِ الطَّاعَةِ وَالْإِثْبَاتِ فِي تَرْكِ الْمَعْصِيَةِ كَأَنْ يُؤْمَرُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فَيَقُولُ إنْ شَرِبْتُهَا فَعَلَيَّ كَذَا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ اللَّجَاجِ أَيْضًا لِمَا تَقَرَّرَ وَالنَّفْيُ فِيهَا كَأَنْ لَمْ أَشْرَبْهَا فَعَلَيَّ كَذَا يَحْتَمِلُهَا التَّبَرُّرُ بِأَنْ يُرِيدَ إنْ عَصَمَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ شُرْبِهَا وَاللَّجَاجُ بِأَنْ يُمْنَعَ مِنْ شُرْبِهَا فَيَقُولُ إنْ لَمْ أَشْرَبْهَا وَالْمُبَاحُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا يَحْتَمِلُهَا فَالتَّبَرُّرُ فِي النَّفْيِ كَأَنْ لَمْ آكُلْ كَذَا فَعَلَيَّ كَذَا بِقَصْدِ إنْ أَعَانَنِي اللَّهُ عَلَى كَسْرِ شَهْوَتِي فَتَرَكْته فَعَلَيَّ كَذَا وَفِي الْإِثْبَاتِ كَإِنْ أَكَلْت كَذَا بِقَصْدِ إنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِي وَلِلَّجَاجِ فِي النَّفْيِ كَقَوْلِهِ وَقَدْ مُنِعَ مِنْ أَكْلِ الْخُبْزِ إنْ لَمْ آكُلْهُ فَعَلَيَّ كَذَا وَفِي الْإِثْبَاتِ وَقَدْ أُمِرَ بِأَكْلِهِ إنْ أَكَلْته فَعَلَيَّ كَذَا. وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ إنْ اُسْتُحِقَّ مِنْك يَا فُلَانُ هَذَا الْمَالُ إلَخْ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ تَبَرُّرًا بِأَنْ يَكُونَ النَّاذِرُ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ وَأَرَادَ إثْبَاتَهُ لَهَا لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِمَرْغُوبٍ فِيهِ حِينَئِذٍ وَأَنْ يَكُونَ لَجَاجًا بِأَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ ضَرَرُ النَّاذِرِ مَثَلًا لِكَوْنِهِ كَانَ تَحْتَ يَدِهِ فَيَكُونُ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ مَثَلًا لِكَوْنِهِ مَرْغُوبًا عَنْهُ حِينَئِذٍ وَقَوْلُ الشَّيْخَيْنِ نَقْلًا عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّهُ لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَهَبَك أَلْفًا كَانَ لَغْوًا اعْتَرَضَهُ كَثِيرُونَ بِأَنَّ الْوَجْهَ انْعِقَادُ النَّذْرِ وَغَايَتُهُ أَنَّهُ لَجَاجٌ. وَأَجَبْت عَنْهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ بِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَقْصِدُ بِذَلِكَ غَالِبًا بَلْ دَائِمًا إلَّا تَرْوِيجَ سِلْعَتِهِ فَمِنْ ثَمَّ جَعَلُوهُ لَغْوًا نَظَرًا لِمَعَانِي الْعُقُودِ دُونَ صِيَغِهَا وَإِنْ كَانَ النَّظَرُ لِلصِّيَغِ أَكْثَرَ

وَقَوْلُ السَّائِلِ فِي إنْ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَجَاجٌ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ التَّبَرُّرَ وَاللَّجَاجُ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ إنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلدُّخُولِ أَنَّهُ كَأَكْلِ الْخُبْزِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ فِيهِ نَذْرُ اللَّجَاجِ وَالتَّبَرُّرُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَخُصُّوا ذَلِكَ بِالدُّخُولِ بَلْ أَجْرَوْهُ فِي كُلِّ مُبَاحٍ وَمِنْهُ الدُّخُولُ فَكَلَامُهُمْ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ الدُّخُولَ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا يَحْتَمِلُ النَّذْرَيْنِ بِالْمَعَانِي الَّتِي قَرَّرْنَاهَا فَكَيْفَ مَعَ ذَلِكَ يُقَالُ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَجَاجٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ يَصِحُّ النَّذْرُ عَلَى بَعْضِ أَوْلَادِهِ دُونَ بَعْضٍ وَإِذَا أَرَادَ النَّذْرَ عَلَى جَمِيعِهِمْ فَنَذْرٌ عَلَى الْأَوَّلِ ثُمَّ الثَّانِي إلَى آخِرِهِمْ مَا حُكْمُهُمْ بَيِّنُوا ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فِي النَّذْرِ عَلَى بَعْضِ الْأَوْلَادِ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ كَالْفَتَى وَتِلْمِيذِهِ الْكَمَالِ الرَّدَّادِ وَالْجَمَالِ بْنِ حُسَيْنٍ الْقَمَّاطِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْبَدْرِ بْنِ شُهْبَةَ أَنَّهُ بَاطِلٌ لِأَنَّ شَرْطَ النَّذْرِ الْقُرْبَةُ وَلَا قُرْبَةَ فِي ذَلِكَ بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي تَنْقِيحِ الْوَسِيطِ وَقَوْلِ الْوَسِيطِ كَانَ تَارِكًا لِلْأَحَبِّ عِبَارَةٌ نَاقِصَةٌ وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ فَإِنَّ الْحَدِيثَ مُصَرِّحٌ بِشِدَّةِ كَرَاهِيَتِهِ بَلْ صَرَّحَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِعَدَمِ جَوَازِهِ وَأَطْنَبَ فِيهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ بِأَنَّ «أَبَا النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ نَحَلَهُ شَيْئًا دُونَ إخْوَتِهِ فَطَلَب مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِشْهَادَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ فَلَا تُشْهِدْنِي إذًا فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ» وَالْحُرْمَةُ مَذْهَبٌ وَقَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ بِالْكَرَاهَةِ فَقَطْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي» وَلَوْ كَانَ مُحَرَّمًا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي إشْهَادِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ وَالْجَوْرُ الْمَيْلُ وَالْمَكْرُوهُ مَائِلٌ عَنْ سَنَنِ الِاسْتِقَامَةِ فَلَا دَلِيلَ لِلْحَدِيثِ فِي الْحُرْمَةِ وَقَالَ آخَرُونَ يَصِحُّ النَّذْرُ مِنْهُمْ الشَّيْخُ نَجْمُ الدِّينِ يُوسُفُ الْمُقْرِي وَالْفَقِيهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بَامَخْرَمَةَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَتَّجِهُ تَرْجِيحُهُ لِأَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ النَّذْرِ أَنَّ مُرَادَهُمْ وَبِقَوْلِهِمْ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُ الْمَكْرُوهِ الْمَكْرُوهُ لِذَاتِهِ بِخِلَافِ الْمَكْرُوهِ لِمَعْنًى خَارِجٍ عَنْ ذَاتِهِ بِأَنْ تَكُونَ ذَاتُهُ قُرْبَةً وَإِنَّمَا اقْتَرَنَ بِهَا أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْهَا صَيَّرَهُ مَكْرُوهًا فَهَذَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا صَوْمُ الدَّهْرِ فَقَدْ أَطْلَقَ فِي الرَّوْضَةِ انْعِقَادَ نَذْرِهِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ مَرَّ فِي بَابِ الصَّوْمِ كَرَاهَتُهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَأَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لَا خِلَافَ فِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ وَلُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ نَذْرِهِ وَإِنْ قُلْنَا بِكَرَاهَتِهِ عَلَى تَوَقُّفٍ فِيهِ وَعِبَارَتُهُ إذَا نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ انْعَقَدَ نَذْرُهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي آخِرِ الصِّيَامِ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِكَرَاهَتِهِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَتَوَقَّفَ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ فِي صِحَّتِهِ لِأَنَّ النَّذْرَ تَقَرُّبٌ وَالْمَكْرُوهُ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ وَالْمَذْهَبُ انْعِقَادُهُ. اهـ. فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ وَالْمَذْهَبُ انْعِقَادُهُ بَعْدَ ذِكْرِهِ التَّوَقُّفَ وَعَلَيْهِ فَقَدْ أَجَابَ الْمُحَقِّقُ الشَّمْسُ الْجَوْجَرِيُّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ عَنْ ذَلِكَ بِكَلَامٍ حَسَنٍ فَقَالَ فَإِنْ قُلْت فَهَلْ لِلتَّوْفِيقِ بَيْنَ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَالشَّرْحِ هُنَا مِنْ إطْلَاقِ الِانْعِقَادِ وَبَيْنَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ مِنْ الْكَرَاهَةِ إمَّا مُطْلَقًا أَوْ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي نُقِلَ وُجِّهَ أَمْ لَا قُلْت يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي وَجْهِ التَّوْفِيقِ أَنَّ مَا ذُكِرَ هُنَا لِأَجْلِ أَنَّ الصَّوْمَ فِي نَفْسِهِ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ فَصَحَّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ وَوَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِ مَا ذُكِرَ هُنَا مِنْ الْكَرَاهَةِ لَيْسَ رَاجِعًا إلَى الصَّوْمِ مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِ بَلْ بِاعْتِبَارِ مَا يُعْرَضُ لَهُ مِنْ خَوْفِ الضَّرَرِ وَالْفَوْتِ فَالْمَكْرُوهُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ التَّفْوِيتُ وَالتَّعَرُّضُ لِلضَّرَرِ لَا نَفْسَ الصَّوْمِ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْتُهُ أَنَّ الْبَغَوِيَّ صَرَّحَ بِالْكَرَاهَةِ وَبِانْعِقَادِ النَّذْرِ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الْمُطْلَقِ أَنَّ كَلَامَ التَّنْبِيهِ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ قَالَ لَا يَصِحُّ النَّذْرُ إلَّا فِي قُرْبَةٍ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَمِثْلُ عِبَارَةِ التَّنْبِيهِ فِي ذَلِكَ عِبَارَةُ الْحَاوِي النَّذْرُ الْتِزَامُ قُرْبَةٍ فَلَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَ ذَلِكَ بِالتَّنْبِيهِ. اهـ. فَتَأَمَّلْهُ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِي صِحَّةِ النَّذْرِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَإِنْ أَعْطَى بَعْضَ الْأَوْلَادِ صَدَقَةً وَهِيَ مِنْ حَيْثُ ذَاتِهَا قُرْبَةٌ وَإِنَّمَا كُرِهَتْ فِي هَذَا الْفَرْدِ الْخَاصِّ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ التَّخْصِيصِ الْمُؤَدِّي إلَى الْعُقُوقِ فَحِينَئِذٍ الصَّدَقَةُ وَالصَّوْمُ قُرْبَتَانِ فِي ذَاتِهِمَا وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُمَا مَا يُصَيِّرهُمَا مَكْرُوهَيْنِ لِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهُمَا فَإِذَا قَالُوا بِانْعِقَادِ صَوْمِ الدَّهْرِ وَإِنْ

قُلْنَا بِكَرَاهَتِهِ فَلْيَقُولُوا بِانْعِقَادِ النَّذْرِ فِي صُورَتِنَا وَلَا نَظَرَ إلَى الْكَرَاهَةِ كَمَا عَلِمْت وَبِمَا تَقَرَّرَ يَنْدَفِعُ مِيلُ الْأَذْرَعِيِّ الْآخِذُ بِقَضِيَّةِ تَوَقُّفِ الرَّافِعِيِّ وَتَعَجُّبُهُ مِنْ جَمْعِ الْبَغَوِيِّ بَيْنَ الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ وَانْعِقَادِ النَّذْرِ وَإِنْ تَبِعَهُ غَيْرُهُ عَلَى ذَلِكَ وَأَطَالُوا فِيهِ وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْح الْعُبَابِ وَبَيَّنْت رَدَّ مَا وَقَعَ لِلزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِ هُنَا مِمَّا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ ثُمَّ هُوَ أَصْرَحُ فِي الْمُرَادِ مِمَّا سَبَقَ تَصْرِيحُهُمْ بِانْعِقَادِ نَذْرِ صَوْمِ الدَّهْرِ مِنْ الْمَرْأَةِ الْمُزَوَّجَةِ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَمِنْ الرَّقِيقِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى حُرْمَةِ الصَّوْمِ عَلَيْهِمَا بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَيْسَتْ لِذَاتِ الصَّوْمِ لِمَا عُرِضَ مِنْ تَفْوِيتِ حَقِّ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ فَإِذَا كَانَتْ الْحُرْمَةُ الْعَارِضَةُ لِلْعِبَادَةِ غَيْرَ مَانِعَةٍ مِنْ انْعِقَادِ نَذْرِهَا فَأَوْلَى أَنْ تَكُونَ الْكَرَاهَةُ الْعَارِضَةُ لَهَا غَيْرُ مَانِعَةٍ مِنْ انْعِقَادِ نَذْرِهَا فَاتَّضَحَ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ انْعِقَادِ نَذْرِ صَوْمِ الدَّهْرِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ انْعِقَادِ نَذْرِ إعْطَاءِ بَعْضِ الْأَوْلَادِ وَأَصْرَحُ مِمَّا قُلْنَاهُ فِي انْعِقَادِ صَوْمِ الدَّهْرِ مَعَ كَرَاهَتِهِ تَصْرِيحُ الشَّيْخَيْنِ بِصِحَّةِ نَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مَعَ كَرَاهَتِهِ فَإِنَّهُمَا وَغَيْرَهُمَا صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ نَسِيَ الْيَوْمَ الْمُعَيَّنَ مِنْ الْأُسْبُوعِ صَامَ الْجُمُعَةَ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ آخِرُ الْأُسْبُوعِ فَإِنْ كَانَ الْيَوْمُ الْمُعَيَّنُ غَيْرَهُ فَهُوَ قَضَاءٌ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُعَيَّنُ فَهُوَ أَدَاءٌ فَقَوْلُهُمْ فَهُوَ أَدَاءٌ صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ نَذْرِهِ وَإِذَا صَحَّ نَذْرُهُ مَعَ كَرَاهَتِهِ لِأَنَّهَا لِمَعْنًى خَارِجٍ عَنْ ذَاتِ الصَّوْمِ وَهُوَ الْإِضْعَافُ عَمَّا فِيهِ مِنْ الْوَظَائِفِ الدِّينِيَّةِ فَكَذَلِكَ يَصِحُّ إعْطَاءُ بَعْضِ الْأَوْلَادِ مَعَ كَرَاهَتِهِ وَإِذَا تَأَمَّلْت مَا ذَكَرْته مِنْ كَلَامِهِمْ فِي هَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ الْأَذْرَعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ النِّزَاعِ فِي انْعِقَادِ نَذْرِ صَوْمِ الدَّهْرِ إذَا قُلْنَا بِكَرَاهَتِهِ غَفْلَةً عَنْ كَلَامِهِمْ هَذَا أَعْنِي الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي انْعِقَادِ نَذْرِ صَوْمِ الْجُمُعَةِ مَعَ كَرَاهَتِهِ وَكَذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَيْضًا أَنَّ مَنْ قَالَ فِي نَذْرِ إعْطَاءِ بَعْضِ الْأَوْلَادِ بِالْبُطْلَانِ غَفَلَ عَمَّا قَالُوهُ فِي صَوْمِ الدَّهْرِ وَصَوْمِ الْجُمُعَةِ وَنَظَرَ إلَى مُجَرَّدِ قَوْلِهِمْ لَا يَصِحُّ نَذْرُ الْمَكْرُوهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَلَا تَغْتَرَّ بِغَيْرِهِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَنْذُورِ إعْطَاؤُهُ مِنْ الْأَوْلَادِ صِفَةً تَقْتَضِي تَمَيُّزَهُ كَفَقْرٍ وَصَلَاحٍ وَاشْتِغَالٍ بِعِلْمٍ وَإِلَّا انْعَقَدَ نَذْرُ إعْطَائِهِ اتِّفَاقًا إذْ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ حِينَئِذٍ وَعَلَى مَا رَجَّحْتُهُ فَلَا فَرْقَ إذَا أَرَادَ النَّذْرَ لِجَمِيعِهِمْ بَيْنَ أَنْ يُنْذِرَ لِلْكُلِّ مَعًا أَوْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا لَوْ تَوَاطَآ عَلَى أَنَّهُ إلَّا أَقَرَضَهُ مَالًا مَعْلُومًا نَذَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ صِحَّةِ الْإِقْرَاضِ بِمَالٍ مَعْلُومِ الْقَدْرِ فِي ذِمَّتِهِ فِي عَيْنِ كُلِّ سَنَةٍ مُدَّةَ بَقَاءِ الدَّيْنِ ثُمَّ حَقَّقَا ذَلِكَ هَلْ هَذَا النَّذْرُ صَحِيحٌ أَمْ لَا فَقَدْ رَأَيْت جَوَابًا لِبَعْضِ عُلَمَاءِ زَبِيدٍ بِبُطْلَانِهِ وَلِآخَرَ بِصِحَّتِهِ وَأَطَالَ فِيهِ الْكَلَامَ وَشَرَطَ فِيهِ شُرُوطًا كَوْنَ الدَّيْنِ حَالًّا وَعَجَزَ الْمَدِينُ عَنْهُ بِحَيْثُ لَوْ طُولِبَ بِهِ لَأَدَّى إلَى فَقْرِهِ وَمَسْكَنَتِهِ أَوْ إخْرَاجِهِ مِنْ دَارِهِ أَوْ أَخَذَ ضَيْعَتَهُ الَّتِي مُؤْنَتُهُ مِنْهَا وَأَنْ يُقَيِّدَ النَّذْرَ بِقَوْلِهِ إلَى أَنْ يُوسِرَ وَبَسَطَ فِيهِ كَثِيرًا. فَمَا التَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ الَّذِي لَا يَعْتَمِدُ فِي الْفُتْيَا عَلَى غَيْرِهِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إذَا تُوَاطَآ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ مَالًا وَيَنْذِرُ كُلَّ سَنَةٍ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ فَأَقْرَضَهُ ثُمَّ نَذَرَ الْمُقْتَرِضُ لِمُقْرِضِهِ بِدِينَارٍ مَثَلًا كُلَّ سَنَةٍ مَا دَامَ هَذَا الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ لِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إنْ أَتَى بِهَذَا النَّذْرِ عَلَى قَصْدِ الْوَفَاءِ بِمَا تَوَاطَآ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْمُوَاطَأَةَ الْمَذْكُورَةَ مَكْرُوهَةٌ فَالْوَفَاءُ بِهَا مَكْرُوهٌ وَالْمَكْرُوهُ لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ. وَالدَّلِيلُ عَلَى كَرَاهَةِ تِلْكَ الْمُوَاطَأَةِ قَوْلُهُمْ لَوْ تَوَاطَأَ الْعَاقِدَانِ عَلَى نَحْوِ الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ ثُمَّ عَقَدَا بِذَلِكَ الْقَصْدِ بِلَا شَرْطٍ كُرِهَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَبْطَلَهُ وَلِأَنَّ كُلَّ مَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ أُبْطِلَ إذَا أَضْمَرَهُ كُرِهَ فَكَرَاهَةُ الْعَقْدِ بِهَذَا الْقَصْدِ صَرِيحَةٌ فِي كَرَاهَةِ النَّذْرِ بِذَلِكَ الْقَصْدِ وَحَيْثُ كُرِهَ النَّذْرُ وَالْمَنْذُورُ بِهِ فَلَا يُمْكِنُ الِانْعِقَادُ وَقَدْ بَانَ بِمَا قَرَّرْته كَرَاهَةُ النَّذْرِ وَالْمَنْذُورِ بِهِ إذَا قَصَدَ بِهِ الْوَفَاءَ بِمَا تَوَاطَآ عَلَيْهِ. وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ النَّاذِرُ فَقِيرًا وَالدَّيْنُ حَالًّا وَأَنْ يَكُونَ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ مَحْضَ الْقُرْبَةِ وَالتَّصَدُّقِ أَوْ الْإِهْدَاءِ إلَى الْمُقْرِضِ كُلَّ سَنَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي مُقَابَلَةِ مُوَاطَأَةٍ وَلَا غَيْرِهَا صَحَّ النَّذْرُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قُرْبَةٌ كَالْمَنْذُورِ بِهِ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ جَزَاءَ شُكْرِ نِعْمَةِ الصَّبْرِ عَلَيْهِ وَلَوْ

لِإِعْسَارِهِ مَعَ حُلُولِ الدَّيْنِ صَحَّ أَيْضًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي آخِرِ الْأَيْمَانِ لَوْ شُفِيَ مَرِيضُهُ فَقَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ لِمَا أَنْعَمَ عَلَيَّ مِنْ شِفَاءِ مَرِيضِي لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِالْمَنْذُورِ قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا لَوْ عُلِّقَ بِشِفَائِهِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى أَنَّ هُنَا جَزَاءَ شُكْرِ النِّعْمَةِ فَأَنْزَلَهُ مَنْزِلَةَ الْمُجَازَاةِ الْمُعَلَّقَةِ قَبْلَ الْحُصُولِ وَهَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ مُعْتَمَدٌ. اهـ. وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ قِيَاسُ سُجُودِ الشُّكْرِ. اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُهُمْ فِي نَذْرِ الْمُجَازَاةِ هُوَ أَنْ يُعَلِّقَ الْتِزَامَ الْمَالِ عَلَى حُصُولِ نِعْمَةٍ يَرْجُوهَا مِنْ مَالٍ أَوْ جَاهٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ يَحْذَرُهَا كَنَجَاةٍ مِنْ هَلَكَةٍ وَضَبَطَهُ الصَّيْمَرِيُّ بِأَنْ يُعَلِّقَ الْقُرْبَةَ عَلَى حُصُولِ مَا يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ وَأَنْ يَسْأَلَهُ إيَّاهُ فَإِذَا حَصَلَ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِنَذْرِهِ. اهـ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُقْتَرِضَ بَعْدَ أَنْ افْتَرَضَ وَلَزِمَ الدَّيْنُ ذِمَّتَهُ إذَا نَذَرَ لِمُقْرِضِهِ كُلَّ سَنَةٍ بِكَذَا انْحَلَّ هَذَا النَّذْرُ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَذِرْت لَك عَلَيَّ بِكَذَا كُلَّ سَنَةٍ إنْ صَبَرْت عَلَيَّ فَجَعَلَ هَذَا النَّذْرَ مُجَازَاةً لِصَبْرِهِ عَلَيْهِ وَصَبْرُهُ عَلَيْهِ فِيهِ نِعْمَةٌ لِرِفْقِهِ بِذَلِكَ الْمَالِ وَانْدِفَاعِ نِقْمَةٍ عَنْهُ مِنْ نَحْوِ مُطَالَبَتِهِ وَحَبْسِهِ وَإِضْرَارِهِ فَدَخَلَ حِينَئِذٍ هَذَا النَّذْرُ بِهَذَا الْقَصْدِ فِي كَلَامِهِمْ فَاتَّضَحَ صِحَّتُهُ وَلُزُومُ الْوَفَاءِ بِهِ وَإِنْ أَطْلَقَ النَّاذِرُ نَذْرَهُ وَلَمْ يَنْوِ بِهِ شَيْئًا فَهُوَ مَحَلُّ التَّرَدُّدِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْمَعْنَى الْمُبْطِلَ وَهُوَ الْحَالَةُ الْأَوْلَى السَّابِقَةُ وَالْمَعْنَى الْمُصَحَّحُ وَهُوَ الْأَحْوَالُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي بَعْدَهَا وَاَلَّذِي يُفْهِمُهُ قَوْلُهُمْ السَّابِقُ فِي مَسْأَلَةِ النِّكَاحِ ثُمَّ عَقَدَا بِذَلِكَ الْقَصْدِ الصِّحَّةَ هُنَا فِي حَالَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ إذْ الصِّيغَةُ بِوَضْعِهَا صَحِيحَةٌ وَإِنَّمَا أَبْطَلَهَا قَصْدُ الْوَفَاءِ بِالْمُوَاطَأَةِ الْمَكْرُوهَةِ وَنَحْوِهِ فَإِذَا خَلَتْ عَنْ ذَلِكَ الْقَصْدِ الْمُبْطِلِ لَزِمَ الْحُكْمُ بِصِحَّتِهَا إذْ لَمْ يَقْتَرِنْ بِهَا حِينَئِذٍ مُبْطِلٌ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا وَمِمَّا يَدُلُّ لِتَأْثِيرِ الْقَصْدِ فِي صِحَّةِ النَّذْرِ الْمُحْتَمَلَةِ بَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ فِي امْرَأَةٍ نَذَرَتْ الْجِهَادَ أَنَّهَا إنْ أَرَادَتْ بِهِ الْقِتَالَ وَمُكَافَحَةَ الْأَبْطَالِ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهَا وَإِنْ قَصَدَتْ بِهِ مُدَاوَاةَ الْجَرْحَى وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الْمُجَاهِدِينَ انْعَقَدَ نَذْرُهَا فَقَدْ كُنَّ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ يَخْرُجْنَ لِتِلْكَ. اهـ. بَلْ قَدْ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ كَجَمَاعَةٍ بِنَحْوِ ذَلِكَ فَقَالُوا قَدْ تَتَرَدَّدُ الصِّيغَةُ فَتَحْتَمِلُ نَذْرَ التَّبَرُّرِ وَتَحْتَمِلُ نَذْرَ اللَّجَاجِ فَيُرْجَعُ فِيهِ إلَى قَصْدِ الشَّخْصِ وَإِرَادَتِهِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ يَرْغَبُ فِي السَّبَبِ وَهُوَ شِفَاءُ الْمَرِيضِ مَثَلًا بِالْتِزَامِ الْمُسَبَّبِ وَهُوَ الْقَرَابَةُ الْمُسَمَّاةُ وَفِي نَذْرِ اللَّجَاجِ يَرْغَبُ عَنْ السَّبَبِ لِكَرَاهَتِهِ الْمُلْتَزَمَ. اهـ. وَإِذَا تَأَمَّلْت فَرْقَهُمْ الْمُتَضَمِّنَ لِحَدِّ نَذْرِ التَّبَرُّرِ الْمُتَعَيَّنِ الْوَفَاءُ بِهِ بِمَا ذُكِرَ عَلِمْت أَنَّ النَّذْرَ فِي مَسْأَلَتِنَا مِنْ أَقْسَامِ نَذْرِ التَّبَرُّرِ إلَّا فِي الْحَالَةِ الْأُولَى وَهِيَ مَا قَصَدَ الْوَفَاءَ بِالْمُوَاطَأَةِ وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُقْرِضُ فَقِيرًا أَوْ غَنِيًّا فَقَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِصِحَّةِ النَّذْرِ لِلْغَنِيِّ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِ قُرْبَةٌ فَجَازَ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ وَفِي فَتَاوَى الْوَلِيِّ أَبِي زُرْعَةَ مَا يُؤَيِّدُ مَا قَدَّمْته فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ نَزَلَ لِآخَرَ عَنْ أَرْضٍ يَسْتَحِقُّ مَنْفَعَتَهَا بِالْإِقْطَاعِ فَالْتَزَمَ الْمَنْزُولُ لَهُ بِالنَّذْرِ الشَّرْعِيِّ أَنَّهُ إذَا خَرَجَ لَهُ مَنْشُورُ إقْطَاعِهَا بِمُقْتَضَى ذَلِكَ النُّزُولِ دَفَعَ لَهُ كَذَا فَوُجِدَتْ الصِّفَةُ فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا النَّذْرُ فَأَجَابَ بِصِحَّتِهِ وَأَنَّهُ نَذْرُ مُجَازَاةٍ وَلَا يُنَافِيه مَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّاهُ مِنْ أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ قَالَ لِلْمُشْتَرِي إنْ خَرَجَ الْمَبِيعَ مُسْتَحَقًّا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَهَبَ مِنْك مِائَةَ دِينَارٍ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا نَذْرُ لَجَاجٍ إذْ لَيْسَ لِلْبَائِعِ غَرَضٌ فِي أَنْ يُخْرِجَ الْمَبِيعَ مُسْتَحَقًّا وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ تَحْقِيقًا لِزَعْمِهِ وَدَفْعًا لِقَوْلِ قَائِلٍ لَيْسَ هَذَا مِلْكَهُ بِخِلَافِ الْمَنْزُولِ لَهُ فَإِنَّ لَهُ غَرَضًا فِي أَنْ يَصِيرَ الْإِقْطَاعُ لَهُ وَهِيَ نِعْمَةٌ فَيَشْكُرُ اللَّهَ عَلَيْهَا بِمَا يَدْفَعُهُ لِلنَّاذِرِ فَإِنْ قَبِلَ لَمْ يَسْتَنِدْ الْغَزَالِيُّ فِي الْبُطْلَانِ إلَى كَوْنِهِ نَذْرَ لَجَاجٍ وَإِنَّمَا اسْتَنَدَ إلَى أَنَّهُ مُبَاحٌ فَنَذْرُ اللَّجَاجِ فِي صُورَتِهِ وَصْفٌ طَرْدِيٌّ قُلْنَا صُورَةَ الْغَزَالِيِّ صَرَّحَ فِيهَا بِأَنَّ الْمَدْفُوعَ هِبَةٌ وَأَمَّا هَذِهِ فَلَمْ يُصَرِّحْ فِيهَا بِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَدَقَةً قَصَدَ بِهَا ثَوَابَ الْآخِرَةِ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِهِ الصَّدَقَةَ فَهُوَ مَنْدُوبٌ لِكَوْنِهِ مُكَافَأَةً لِيَدٍ سَبَقَتْ مِنْ النَّازِلِ بِسَبَبِ نُزُولِهِ وَالْمُكَافَأَةُ عَلَى الْإِحْسَانِ مَطْلُوبَةٌ شَرْعًا وَهَذَا مُنْتَفٍ فِي صُورَةِ الْغَزَالِيِّ. اهـ. فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ وَبِتَقْدِيرِ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِهِ الصَّدَقَةَ فَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَخْ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِيمَا ذَكَرْته مِنْ الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَتِنَا فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَبِمَا

قَرَّرْته يُعْلَمُ الرَّدُّ عَلَى مَنْ أَطْلَقَ الْبُطْلَانَ فِيهَا وَعَلَى مِنْ قَيَّدَ الصِّحَّةَ فِيهَا بِتِلْكَ الشُّرُوطِ وَيُعْلَمُ أَيْضًا أَنَّ الْوَجْهَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ التَّفْصِيلِ الْمُصَرِّحِ بِهِ فِي كَلَامِهِمْ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَمَّنْ نَذَرَ لِعَمْرٍو بِمَالٍ وَمُرَادُهُ إلَّا لَمْ يَبِعْ بَكْرٌ دَارِهِ مِنْ عَمْرٍو وَمُرَادُهُ أَنَّ بَكْرًا لَا يَتْرُكُ الْبَيْعَ بَلْ يُخَالِفُ فِي ذَلِكَ مَا حُكْمُ النَّذْرِ وَعَمَّنْ قَالَ لِآخَرَ تَعْلَمُ كَذَا وَكَذَا إنَّ مَعَك حَوْلًا ضَيْعَةً نَفِيسَةً فَقَالَ كَالْمَازِحِ هِيَ نَذْرٌ عَلَيْك مَا الْحُكْمُ وَإِذَا قَالَ أَرَدْت غَيْرَهَا مَا الْحُكْمُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ النَّذْرُ لِعَمْرٍو فِي صُورَتِهِ الْمَذْكُورَةِ يَحْتَمِلُ اللَّجَاجَ وَالتَّبَرُّرَ وَقَدْ مَرَّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ يَرْغَبُ فِي السَّبَبِ وَهُوَ شِفَاءُ الْمَرِيضِ مَثَلًا بِالْتِزَامِ الْمُسَبَّبِ وَهُوَ الْقُرْبَةُ الْمُسَمَّاةُ وَفِي نَذْرِ اللَّجَاجِ يَرْغَبُ عَنْ السَّبَبِ لِكَرَاهَتِهِ الْمُلْتَزَمَ فَعَدَمُ بَيْعِ بِكْرٍ دَارِهِ مِنْ عَمْرٍو وَإِنْ أَحَبَّهُ النَّاذِرُ وَرَغِبَ فِيهِ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ لَهُ فِيهِ كَانَ النَّذْرُ تَبَرُّرًا فَيَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَهُ لِعَمْرٍو وَإِنْ كَرِهَهُ النَّاذِرُ أَوْ لَمْ يَرْغَبْ فِيهِ كَانَ نَذْرَ لَجَاجٍ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَ عَمْرًا مَا الْتَزَمَهُ لَهُ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ وَيَنْعَقِدُ النَّذْرُ بِقَوْلِهِ هِيَ نَذْرٌ عَلَيْك وَإِنْ كَانَ مَازِحًا عَلَى أَنَّ الصِّيغَةَ تَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَهُوَ صَحِيحٌ مَعَ الْمَزْحِ أَيْضًا وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَرَدْت غَيْرَهَا لِأَنَّ كَلَامَهُ صَرِيحٌ فِيهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِرَجُلٍ فَنَذَرَ عَلَى آخَرَ بِجَمِيعِ أَمْلَاكِهِ أَوْ وَقَفَهَا عَلَيْهِ مَا الْحُكْمُ وَإِنْ كَانَ النَّاذِرُ أَوْ الْوَاقِفُ هُوَ الضَّامِنُ هَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَصِيلِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُ مَالَهُ وَلَيْسَ لَهُ جِهَةٌ ظَاهِرَةٌ يَرْجُو الْوَفَاءَ مِنْهَا فَنَذَرَ التَّصَدُّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ ذَلِكَ النَّذْرُ كَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ قَيَّدَا لُزُومَ التَّصَدُّقِ بِكُلِّ الْمَالِ فِي قَوْلِ الْأَصْحَابِ لَوْ نَذَرَ مَالَهُ لِسَبِيلِ اللَّهِ لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِكُلِّهِ عَلَى الْغُزَاةِ. فَقَالَا وَمَحَلُّ لُزُومِ التَّصَدُّقِ بِكُلِّ مَالِهِ فِيمَا تَقَرَّرَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَرْجُو لَهُ وَفَاءً أَوْ لَيْسَ لَهُ مَنْ يَلْزَمُهُ مُؤْنَتَهُ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى صَرْفِهِ لَهُ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ لِذَلِكَ لِعَدَمِ تَنَاوُلِهِ لَهُ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِذَلِكَ. اهـ. وَبِهِ عُلِمَ انْعِقَادُ النَّذْرِ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَرْجُ الْوَفَاءَ مِنْ جِهَةٍ ظَاهِرَةٍ لِدَيْنِهِ كَانَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْوَفَاءِ بِهِ مُتَعَيِّنًا لِلْوَفَاءِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ النَّذْرُ وَبِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ عَدَمِ انْعِقَادِ النَّذْرِ هُنَا وَانْعِقَادِهِ لِبَعْضِ الْأَوْلَادِ وَإِيضَاحُهُ أَنَّ الْمَنْذُورَ بِهِ هُنَا مُتَعَيِّنُ الصَّرْفِ إلَى الدَّيْنِ أَوْ الْعِيَالِ أَوْ النَّفْسِ إذَا لَمْ يَصْبِرْ عَلَى الْإِضَافَةِ وَحَيْثُ تَعَيَّنَ صَرْفُهُ لِذَلِكَ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ النَّذْرُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْقُرْبَةَ الذَّاتِيَّةَ. وَإِنْ اقْتَرَنَ بِهَا حُرْمَةٌ أَوْ كَرَاهَةٌ لِأَمْرٍ خَارِجٍ وَالتَّصَدُّقُ بِالْمُحْتَاجِ إلَيْهِ لِمَا ذُكِرَ لَيْسَ قُرْبَةً مُطْلَقًا لَا لِذَاتِهِ وَلَا لِأَمْرٍ عَارِضٍ وَأَمَّا إعْطَاءُ بَعْضِ الْأَوْلَادِ فَهُوَ مِنْ جُزْئِيَّاتِ الصَّدَقَةِ الْمَنْدُوبَةِ وَالْكَرَاهَةُ فِيهِ إنَّمَا هِيَ لِأَمْرٍ خَارِجٍ فَلَمْ يَمْنَعْ انْعِقَادَ النَّذْرِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لِأَمْرٍ خَارِجَ قَوْلِهِمْ لَا يُكْرَهُ تَخْصِيصُ بَعْضِ الْأَوْلَادِ لِنَحْوِ فَقْرٍ أَوْ عِلْمٍ وَأَمَّا الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ لِمَا مَرَّ فَالْحُرْمَةُ بِالتَّصَدُّقِ بِهِ أَمْرٌ ذَاتِيٌّ لَا يُمْكِنُ انْفِكَاكُهُ عَنْهُ فَاتَّضَحَ فُرْقَانُ مَا بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِنْ قُلْتَ يُمْكِنُ زَوَالُ الْحُرْمَةِ بِرِضَا الدَّائِنِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ قُلْت إذَا وُجِدَ رِضَاهُ خَرَجَتْ الْمَسْأَلَةُ عَنْ فَرْضِهَا الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ وَهُوَ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى صَرْفِ الْمَنْذُورِ بِهِ فِي الدَّيْنِ وَمَعَ الرِّضَا لَا احْتِيَاجَ فَلَمْ تُوجَدْ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فَلَا يَرِدُ ذَلِكَ عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ وَبَعْدَ أَنْ تَقَرَّرَ لَك ذَلِكَ فِي النَّذْرِ وَاتَّضَحَ فَلَا يَخْفَى عَلَيْك إلْحَاقُ الْوَقْفِ بِالنَّذْرِ إذْ هُمَا مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا قُرْبَةٌ وَإِنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ فِي مَكْرُوهٍ وَلَا مَحْرَمٍ فَلَوْ كَانَ لِمَدِينٍ أَرْضٌ مُتَعَيِّنَةُ الصَّرْفِ إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ الَّذِي لَا يَرْجُو لَهُ الْوَفَاءَ مِنْ جِهَةٍ ظَاهِرَةٍ غَيْرِهَا فَوَقَفَهَا لَمْ يَنْعَقِدْ وَقْفُهُ ثُمَّ رَأَيْتُ الْأَصْبَحِيَّ أَطْلَقَ فِي فَتَاوِيهِ صِحَّةَ وَقْفِ الْمَدْيُونِ فِي صِحَّتِهِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْته بِأَنْ يَكُونَ لَهُ جِهَةٌ ظَاهِرَةٌ يَرْجُو الْوَفَاءَ مِنْهَا فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ وَقْفُهُ وَإِنْ كَانَ مَدِينًا وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الضَّمَانِ أَنَّ الدَّيْنَ الْمَضْمُونَ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الضَّامِنِ كَمَا أَنَّهُ ثَابِتٌ فِي ذِمَّةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ إذْ حَقِيقَةُ الضَّمَانِ ضَمُّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ وَإِذَا ثَبَتَ لُزُومُ الدَّيْنِ لَزِمَتْهُ فَيَكُونُ نَذْرُهُ وَوَقْفُهُ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَا ذُكِرَ فِي غَيْرِ الضَّامِنِ فَلَا يَصِحُّ مِنْهُ نَذْرٌ

وَلَا وَقْفٌ لَهُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شَخْصٍ نَذَرَ عَلَى آخَرَ بِقِطْعَةٍ مِنْ دَارِهِ ثُمَّ مَنَعَ النَّاذِرُ الْمَنْذُورَ عَلَيْهِ مِنْ الْمُرُورِ فِي الدَّارِ إلَى الْقِطْعَةِ هَلْ لَهُ ذَلِكَ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَحْتَاجُ إلَى مُقَدِّمَةٍ وَهِيَ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ بَيْعَ الْإِنْسَانِ لِقِطْعَةٍ مِنْ أَرْضٍ مَحْفُوفَةٍ بِمِلْكِهِ مِنْ سَائِرِ الْجَوَانِبِ صَحِيحٌ وَلِلْمُشْتَرِي الْمَمَرُّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِعْتُكَهَا بِحُقُوقِهَا لِتَوَقُّفِ النَّفْعِ عَلَيْهَا فَهُوَ كَبَيْعِهَا بِحُقُوقِهَا فَإِنْ شَرَطَ الْمَمَرَّ مِنْ جَانِبٍ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ أَوَنَفَاهُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ لِتَعَذُّرِ الِانْتِفَاعِ بِالْمَبِيعِ حَالًّا. وَإِنْ أَمْكَنَ تَحْصِيلُ مَمَرٍّ لَهُ بَعْدُ وَشَرَطَ الْبَغَوِيّ عَدَمَ إمْكَانِ تَحْصِيلِهِ وَحَيْثُ اشْتَرَى مَا يَلِي مِلْكَهُ أَوْ الشَّارِعَ مَرَّ فِي أَحَدِهِمَا لَا فِي مِلْكِ الْبَائِعِ إلَّا أَنْ قَالَ بِحُقُوقِهَا وَمَنْ بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ بَيْتًا مِنْهَا مَرَّ مِنْهَا إلَيْهِ مَا لَمْ يَتَّصِلْ الْبَيْتُ بِمِلْكِهِ أَوْ شَارِعٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَإِنْ نَفَى الْمَمَرَّ وَلَمْ يُمْكِنْ تَحْصِيلُهُ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ كَبَيْعِ ذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ يَنْقُصُ بِالْقَطْعِ وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّ مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَتْ هِبَتُهُ وَمَا لَا فَلَا غَالِبًا فِيهِمَا وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ نَحْوُ حَبَّتَيْ الْحِنْطَةِ فَتَجُوزُ هِبَتُهُمَا وَإِنْ امْتَنَعَ بَيْعُهُمَا ذَكَرَهُ فِي الْمِنْهَاجِ وَاعْتَمَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ إذْ لَا مَحْذُورَ فِي التَّصْدِيقِ بِتَمْرَةٍ أَوْ بِشِقِّهَا فَكَذَا فِي الْهِبَةِ لَكِنْ قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ إنَّ مَا فِي الْمِنْهَاجِ سَبْقُ قَلَمٍ أَوْ وَهْمٌ لِمَا فِي الرَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّ مَا لَا يَتَمَوَّلُ لِحَبَّةِ حِنْطَةٍ أَوْ زَبِيبَةٍ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ. اهـ. وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَلْ الْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَرَادَ بِهِبَتِهِ نَقْلَ الْيَدِ عَنْهُ كَمَا مَالَ إلَيْهِ الْإِمَامُ وَالثَّانِي مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَرَادَ تَمْلِيكَهُ لِتَعَذُّرِ تَمْلِيكِهِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَنَذْرُ قِطْعَةِ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ يُحْتَمَلُ تَخْرِيجُهُ عَلَى بَيْعِهَا فَيَأْتِي فِي نَذْرِهَا مَا ذَكَرْنَاهُ فِي بَيْعِهَا فَيَصِحُّ النَّذْرُ بِهَا وَإِنْ احْتَفَتْ بِمِلْكِ النَّاذِرِ مِنْ سَائِرِ الْجَوَانِبِ وَلِلْمَنْذُورِ لَهُ الْمَمَرُّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ النَّاذِرُ بِحُقُوقِهَا وَيَبْطُلُ إنْ شَرَطَ لَهُ الْمَمَرَّ مِنْ جَانِبٍ مُبْهَمٍ أَوْ نَفَاهُ وَإِذَا نَذَرَ لَهُ بِمَا يَلِي مِلْكَهُ أَوْ الشَّارِعَ مَرَّ فِي أَحَدِهِمَا لَا فِي مِلْكِ النَّاذِرِ إلَّا أَنْ قَالَ بِحُقُوقِهَا وَمَنْ نَذَرَ بِدَارٍ وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ بَيْتًا مِنْهَا مَرَّ مِنْهُمَا إلَيْهِ مَا لَمْ يَتَّصِلْ الْبَيْتُ بِمِلْكِهِ أَوْ بِشَارِعٍ فَإِنْ نَفَى الْمَمَرَّ وَلَمْ يَكُنْ تَحْصِيلُهُ لَمْ يَصِحَّ النَّذْرُ هَذَا كُلُّهُ مَا يَقْتَضِيهِ قِيَاسُ النَّذْرِ عَلَى الْبَيْعِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا يَقْتَضِي الْمِلْكَ وَإِنْ افْتَرَقَا مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ وَيُحْتَمَلُ تَخْرِيجُهُ عَلَى هِبَتِهَا فَيَأْتِي فِي نَذْرِهَا مَا ذَكَرْنَاهُ فِي هِبَةِ مَا لَا يَتَمَوَّلُ فَعَلَى مَا فِي الْمِنْهَاجِ يَصِحُّ نَذْرُهَا مُطْلَقًا وَلِلْمَنْذُورِ لَهُ الْمَمَرُّ إلَيْهَا مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِمِلْكِهِ أَوْ بِالشَّارِعِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ بِهِ إلَى الْمُرُورِ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَأَمَّا عَلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ الْحَمْلِ فَلَا يَأْتِي ذَلِكَ إلَّا إنْ أَرَادَ بِالنَّذْرِ بِهَا فِي الصُّورَةِ الَّتِي لَا يُنْتَفَعُ بِهَا فِيهَا بِأَنْ شَرَطَ النَّاذِرُ عَدَمَ الْمَمَرِّ إلَيْهَا مِنْ مِلْكِهِ وَلَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُ مَمَرٍّ آخَرَ لَهَا نَقْلُ الْيَدِ عَنْهَا لَا تَمْلِيكُهَا وَأَمَّا عَلَى مَا فِي الرَّافِعِيِّ وَكَذَا عَلَى مَا بَحَثْنَاهُ إنْ أَرَادَ بِالنَّذْرِ بِهَا فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ تَمْلِيكَهَا فَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِهَا وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ مِنْ الِاحْتِمَالَيْنِ هُوَ الثَّانِي أَعْنِي قِيَاسَ النَّذْرِ عَلَى الْهِبَةِ لَا عَلَى الْبَيْعِ لِأَنَّ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالنَّذْرِ تَجَانُسًا أَعَمَّ وَهُوَ مُطْلَقُ إفَادَةِ الْمِلْكِ وَبَيْنَ النَّذْرِ وَالْهِبَةِ تَجَانُسًا أَخَصَّ وَهُوَ إفَادَةُ ذَلِكَ مَعَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا قُرْبَةً بِذَاتِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّشَابُهَ الْأَخَصَّ أَوْلَى رِعَايَةً مِنْ التَّشَابُهِ الْأَعَمِّ فَكَانَ إلْحَاقُ النَّذْرِ بِالْهِبَةِ أَوْلَى وَأَحَقَّ وَحِينَئِذٍ فَيَصِحُّ نَذْرُ الْقِطْعَةِ الْمَذْكُورَةِ مُطْلَقًا حَتَّى فِي الصُّورَةِ الَّتِي لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا فِيهَا بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْمِنْهَاجِ وَكَذَا عَلَى مَا مَرَّ عَنْ غَيْرِهِ إنْ أَرَادَ نَقْلَ الْيَد لَا التَّمْلِيكَ وَلِلْمَنْذُورِ لَهُ الْمَمَرُّ مِنْ مِلْكِ النَّاذِرِ إلَيْهَا مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِمِلْكِهِ أَوْ بِشَارِعٍ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ نَذَرْت عَلَيْك بِكَذَا صِيغَةٌ صَحِيحَةٌ أَوْ لَا وَكَيْفَ كَيْفِيَّةُ الصِّيغَةِ الَّتِي لَا خِلَافَ فِيهَا لِمَنْ أَرَادَ النَّذْرَ بِمَالٍ عَلَى آخَرَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ نَذَرْت مِنْ صَرَائِحِ النَّذْرِ لَكِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ مَحَلُّهُ حَيْثُ كَانَ الْمُلْتَزَمُ قُرْبَةً أَوْ أُضِيفَ لِمَا يُتَقَرَّبُ بِهِ كَنَذَرْتُ لِلْفُقَرَاءِ بِخِلَافِ نَذَرْت لِفُلَانٍ بِكَذَا قَالَ فَهَذِهِ مُحْتَمَلَةٌ لِلنَّذْرِ وَغَيْرِهِ فَيَظْهَرُ أَنَّهَا كِنَايَةٌ. اهـ. وَكَلَامُ الْأَنْوَارِ قَدْ يَدُلُّ لِمَا قَالَهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهَا صَرِيحٌ مُطْلَقًا لِشُهْرَتِهَا

وَوُرُودِ أَصْلِهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ نَذَرْت لَك وَنَذَرْت عَلَيْك بِكَذَا وَالْأَوْلَى لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْذِرَ لِغَيْرِهِ بِمَالٍ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْطِيَك أَوْ أَتَصَدَّقَ عَلَيْك بِهِ أَوْ بِكَذَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا إذَا أَرَادَ الشَّخْصُ أَنْ يَنْذِرَ بِمَالٍ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ مَشْهَدٍ صَالِحٍ كَيْفَ الصِّيغَةُ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقِفَ قِطْعَةً مِنْ الْأَرْضِ لِيَحْصُلَ مِنْ غَلَّتِهَا زَادٌ وَيَصْرِفُ عَلَى الْمُحْتَاجِينَ فِي مَسْجِدٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مَشْهَدٍ صَالِحٍ مُعَيَّنٍ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَقِفَهَا لِيَشْتَرِيَ مِنْ غَلَّتِهَا شَمْعًا أَوْ نَحْوَهُ لِيَسْرُجَ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا كَيْفَ كَيْفِيَّةُ الصِّيغَةِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ كَيْفِيَّةُ صِيغَةِ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ أَنْ يَقُولَ لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا لِهَذَا الْمَسْجِدِ أَوْ لِمَصَالِحِهِ أَوْ لِمَصَالِحِ هَذَا الْمَشْهَدِ أَوْ الْمُقِيمِينَ بِهِ أَوْ نَحْوِهِمْ أَوْ أَنْ يَقُولَ وَقَفْت هَذَا عَلَى الْمُحْتَاجِينَ بِمَحَلِّ كَذَا لِيَشْتَرِيَ مِنْ غَلَّتِهِ زَادًا وَيُصْرَفَ إلَيْهِمْ أَوْ وَقَفْت هَذَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ غَلَّتِهِ شَمْعًا أَوْ نَحْوَهُ لِيُسْرَجَ فِي مَحَلِّ كَذَا وَمَرَّ أَنَّ صِحَّةَ الْوَقْفِ عَلَى السِّرَاجِ نَحْوُ الشَّمْعِ مُقَيَّدَةٌ بِمَا إذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَنْتَفِعُ بِالْوَقُودِ وَلَمْ يَقْصِدْ التَّقَرُّبَ إلَى مَنْ فِي الْقَبْرِ وَلَا التَّنْوِيرِ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ حُكْمِ النَّذْرِ لِلْكَافِرِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَجُوز النَّذْرُ لِلْكَافِرِ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِ قُرْبَةٌ كَمَا يَجُوزُ لِلْغَنِيِّ لِذَلِكَ. (وَسُئِلَ) عَنْ الشَّخْصِ إذَا نَذَرَ لِوَلَدِهِ شَيْئًا فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ أَمْ لَا أَفْتَى الْفَقِيهُ جَمَالُ الدِّينِ الْوَصِيُّ الْمَشْهُورُ بِالْبَصَّالِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ قَالَ الْأَزْرَقِيُّ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ وَالْأَوَّلُ أَقْوَمُ فَفِي الرَّوْضَةِ الصَّدَقَةُ الْمَذْكُورَةُ كَالزَّكَاةِ وَالدَّيْنُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَكَمَا لَا يَرْجِعُ فِيمَا دَفَعَهُ إلَيْهِ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ فَمَا الْأَرْجَحُ مِنْ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إنَّ مَأْخَذَ مَنْ أَفْتَى بِالرُّجُوعِ إلْحَاقُ النَّذْرِ فِي الْحُكْمِ بِالصَّدَقَةِ مَسْلُوكًا بِهِ مَسْلَكٌ جَائِزُ الشَّرْعِ وَقَدْ قَالَ فِي الْهِبَةِ مِنْ أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ عَلَى وَلَدِهِ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ نَوْعٌ مِنْ الْهِبَةِ وَقَدْ أَطْلَقَ فِي الْحَدِيثِ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ لَكِنْ صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ مَنْعَ الرُّجُوعِ قَالَ لِأَنَّ قَصْدَ الْمُتَصَدِّقِ الثَّوَابَ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ مَوْجُودٌ بِهِ فَعَلَى مَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ لَا وَجْهَ لِلْإِفْتَاءِ بِالرُّجُوعِ فِي مَسْأَلَةِ النَّذْرِ وَأَمَّا عَلَى مَا فِي الْكَبِيرِ وَالرَّوْضَةِ وَهُوَ الْأَرْجَحُ فَلَهُ وَجْهٌ لَكِنْ أَوْجَهُ مِنْهُ مُفَارَقَةُ النَّذْرِ لِلصَّدَقَةِ مِنْ حَيْثُ الْوُجُوبُ بِالنَّذْرِ فَالرَّاجِحُ مَنَعَ مِنْهُ الرُّجُوعَ فِيهِ حَيْثُ وُجِدَتْ صِيغَةُ نَذْرٍ صَحِيحَةٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شَخْصٍ نَذَرَ لِلْآخَرِ بِرُبُعِ مَالِهِ مَثَلًا مُعَلَّقًا بِشَيْءٍ كَقَبْلِ مَرَضِ مَوْتِهِ بِيَوْمٍ إنْ مَاتَ بِمَرَضٍ وَسَاعَةَ إنَّ مَاتَ فَجْأَةً ثُمَّ تُوُفِّيَ فَهَلْ يَتَنَاوَلُ النَّذْرُ الْمُعَلَّقُ الْمَذْكُورُ مَا حَدَثَ مِنْ مَالِ النَّاذِرِ وَلَوْ بَعْدَ النَّذْرِ وَقَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ أَوْ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا مَا كَانَ مَوْجُودًا حَالَ تَلَفُّظِهِ بِالنَّذْرِ وَهَلْ هُوَ كَالْوَصِيَّةِ فِي ذَلِكَ أَوْ لَا وَهَلْ لِصَاحِبِ النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ بِصِفَةِ التَّصَرُّفِ فِي شَيْءٍ عَيَّنَهُ لِلنَّذْرِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ أَوْ لَا وَمَا الْمُعْتَمَدُ الْمُفْتَى بِهِ فِي ذَلِكَ فَقَدْ اضْطَرَبَ فِي ذَلِكَ فَتَاوَى الْمُتَأَخِّرِينَ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ كَلَامُهُمْ إنَّ مَا حَدَثَ بَعْدَ النَّذْرِ وَقَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ لَا يَتَنَاوَلُهُ النَّذْرُ فَفِي الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا أَنَّ مَنْ نَذَرَ بِنَخْلَةٍ إنْ شَفَى اللَّهُ تَعَالَى مَرِيضَهُ مَثَلًا لَمْ تَدْخُلْ ثَمَرَتُهَا الْحَادِثَةُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الشِّفَاءُ فِي صُورَتِنَا بِخِلَافِ الْحَادِثَةِ بَعْدَ الشَّرْطِ فَإِنَّهَا تَتْبَعُ الْأَصْلَ قَالَ بَعْضُهُمْ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْجَوَاهِرِ أَنَّ ثَمَرَةَ النَّخْلِ الْمَوْجُودَةِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ لَا تَتْبَعُ الْأَصْلَ تَأَبَّرَ أَوْ لَا وَفِيهِ نَظَرٌ. اهـ. وَمَادَّةُ نَظَرِهِ النَّظَرُ إلَى مَا فِي الْبَيْعِ مِنْ التَّفْصِيلِ بَيْنَ الْمُؤَبَّرِ وَغَيْرِهِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْبَيْعَ أَقْوَى مِنْ النَّذْرِ فَاقْتَضَى اسْتِتْبَاعَ غَيْرِ الْمُؤَبَّرِ بِخِلَافِ النَّذْرِ فَإِنَّهُ قَبْلَ وُجُودِ شَرْطِهِ ضَعِيفٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يُوجَدَ شَرْطُهُ فَيَكُونُ لَغْوًا مِنْ أَصْلِهِ فَلَمْ يَقْتَضِ الِاسْتِتْبَاعَ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ مُطْلَقًا وَهَذَا فَرْقٌ ظَاهِرٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا مَا يُعْلَمُ مِنْهُ فَرْقٌ آخَرُ وَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ عَلِمْت مِنْهُ مَا ذَكَرْتُهُ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ الْمُتَوَلِّدَةَ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ الْمَنْذُورِ بَعْدَ النَّذْرِ وَقَبْلَ الشَّرْطِ إذَا لَمْ تَدْخُلْ فِيهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَدْخُلَ فِيهِ مَا حَدَثَ لَهُ مِنْ مَالٍ لَمْ يَكُنْ حَالَ النَّذْرِ هُوَ وَلَا أَصْلُهُ فَإِنْ قُلْت يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ مَا حَدَثَ مِنْ الْمَالِ

يَشْمَلُهُ قَوْلُهُ بِرُبُعِ مَالِي فَلْيَدْخُلْ فِيهِ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي مُسَمَّى النَّخْلَةِ الْمَنْذُورَةِ قُلْت نَفْيُ عَدَمِ دُخُولِهَا مُطْلَقًا مَمْنُوعٌ بَلْ تَدْخُلُ فِي مُسَمَّاهَا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَلِذَا قَالَ بِعْتُك هَذِهِ الشَّجَرَةَ دَخَلَتْ ثَمَرَتُهَا غَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهَا لَا تَدْخُلُ هُنَا مُطْلَقًا فَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ الْمَلْحَظُ فِي عَدَمِ دُخُولِهَا شُمُولَ الِاسْمِ لَهَا أَوْ عَدَمِهِ وَإِنَّمَا الْمَلْحَظُ فِي ذَلِكَ إلْحَاقُهُمْ النَّذْرَ بِالطَّلَاقِ وَالْإِعْتَاقِ فِي تَقْيِيدِهِ بِالْمَمْلُوكِ وَإِلْغَائِهِ فِي غَيْرِهِ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ «لَا نَذْرَ إلَّا فِيمَا تَمْلِكُ» فَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مَالِهِ الْمَنْذُورِ بِرُبُعِهِ مَا حَدَثَ بَعْدَ النَّذْرِ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ لَمْ يَكُنْ سَبَبَ دُخُولِهِ إلَّا النَّذْرُ وَالنَّذْرُ غَيْرُ صَالِحٍ لَأَنْ يَتَنَاوَلَ غَيْرَ الْمَمْلُوكِ عِنْدَ صِيغَتِهِ فَتَعَذَّرَ دُخُولُ مَا حَدَثَ فِيهِ سَوَاءٌ أَكَانَ تَابِعًا أَوْ مُسْتَقِلًّا وَكَذَا الثَّمَرَةُ الْحَادِثَةُ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الشَّرْطِ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ عِنْدَهُ فَلَمْ يَشْمَلْهَا وَلَمْ تَتْبَعْ أَصْلَهَا فِي ذَلِكَ لِمَا تَقَرَّرَ فَاسْتَوَتْ الصُّورَتَانِ أَعْنِي نَذْرَهُ بِرُبُعِ مَالِهِ وَنَذْرَهُ بِهَذِهِ الشَّجَرَةِ فِي هَذَا الْمَعْنَى الظَّاهِرِ الَّذِي قَرَّرْتُهُ وَبِهِ ظَهَرَتْ أَيْضًا أَوْلَوِيَّةُ عَدَمِ دُخُولِ الْمَالِ الْحَادِثِ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ التَّبَعِيَّةَ فِيهَا لِلشَّجَرَةِ أَقْوَى مِنْهَا فِي الْمَالِ الْحَادِثِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَوْجُودِ حَالَ النَّذْرِ بَلْ عِنْدَهُ التَّحْقِيقُ لَا تَبَعِيَّةَ هُنَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْحَادِثِ وَالْمَوْجُودِ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ غَيْرُ مُتَوَقِّفِ وُجُودُهُ عَلَى وُجُودِ غَيْرِهِ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الصَّلَاحِ ذَكَرَ مَا يُؤَيِّدُ الْفَرْقَ الَّذِي ذَكَرْته فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ نَذْرِ التَّصَدُّقِ بِثُلُثَيْ مَا يَحْصُلُ مِنْ غَلَّةِ أَرْضٍ وَقَفَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ هَلْ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَالَ النَّذْرِ مَالِكًا لِمَا يَتَحَصَّلُ لَهُ مِنْ الْمُغَلِّ قِيَاسًا عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ فِي التَّتِمَّةِ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْهُ خِلَافَ هَذَا وَإِنَّ الْأَظْهَرَ عِنْدَهُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يُعَلِّقَ زَوَالَ مِلْكِهِ عَنْ الْمُغَلِّ بِحُصُولِهِ أَيْ يَصِيرُ صَدَقَةً بِذَلِكَ فَهَذَا وَنَحْوُهُ لَا يَصِحُّ كَمَا ذُكِرَ وَبَيْنَ أَنْ يَلْتَزِمَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ حِينَئِذٍ فَيَصِحُّ. اهـ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ صُورَتَيْهِ هَاتَيْنِ أَنَّ الْأُولَى فِيهَا نَذْرُ التَّصَدُّقِ بِمُعَيَّنٍ قَبْلَ مِلْكِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ بِخِلَافِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إلَّا الْتِزَامُ التَّصَدُّقُ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ رَأَيْته فِي الرَّوْضَةِ ذَكَرَ مَا يُصَرِّحُ بِهَذَا الْفَرْقِ حَيْثُ قَالَ يُشْتَرَطُ فِي نَذْرِ الْقُرْبِ الْمَالِيَّةُ كَالصَّدَقَةِ أَنْ يَلْتَزِمَهَا فِي الذِّمَّةِ أَوْ يُضِيفَ إلَى مُعَيَّنٍ يَمْلِكُهُ فَإِنْ قُلْت فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ النَّذْرِ وَالْوَصِيَّةِ فَإِنَّهَا تَتَنَاوَلُ مَا حَدَثَ وَأَيْضًا فَقَدْ أَلْحَقَ بِهَا فِي صِحَّتِهِ بِالْمَجْهُولِ فَفِي نَفَائِسِ الْأَزْرَقِ النَّذْرُ بِالْمَجْهُولِ كَالْوَصِيَّةِ بِهِ ذَكَرَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ قَوِيمٌ فَقَدْ أَفْتَى الْفَقِيهُ أَحْمَدُ بْنُ حَسَنٍ الْحِلِّيُّ بِأَنَّهُ يَصِحُّ النَّذْرُ بِحِمْلِ الْبَهِيمَةِ وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ بِثُلُثَيْ غَلَّةٍ سَتَحْصُلُ لَهُ صَحَّ نَذْرُهُ أَيْ بِتَفْصِيلِهِ السَّابِقِ. اهـ. وَأَفْتَى الْقَاضِي بِمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ لَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ تَعَالَى مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِخُمُسِ مَا يَحْصُلُ لِي مِنْ الْمُعَشَّرَاتِ فَشُفِيَ لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِذَلِكَ وَمِمَّا هُوَ صَرِيحٌ فِيهِ أَيْضًا قَوْلُ الْأَصْحَابِ لَهُ نَذْرُ الْهَدِيَّةِ أَوْ الصَّدَقَةِ لَزِمَهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَقَوْلُ الْأَنْوَارِ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ أَوْ يُعْتِقَ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا لَزِمَهُ التَّصَدُّقُ بِالْبَاقِي أَوْ إعْتَاقُهُ وَفِي الْكِفَايَةِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ كَمَا ذَكَرْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَبَيَّنْت فِيهِ أَنَّ الْبَغَوِيَّ أَفْتَى بِذَلِكَ وَيُوَافِقُ ذَلِكَ أَيْضًا إفْتَاءُ الْبُلْقِينِيُّ بِصِحَّةِ النَّذْرِ بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ قُلْت الْفَرْقُ بَيْنَ النَّذْرِ وَالْوَصِيَّةِ فِي تَنَاوُلِهَا مَا حَدَثَ بِخِلَافِهِ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْإِلْزَامَ وَالِالْتِزَامَ فِيهِ فِي الْحَالِ بِخِلَافِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلِهَذَا كَانَتْ عَقْدًا جَائِزًا يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا بِخِلَافِ النَّذْرِ وَقَالَ كَثِيرُونَ بِصِحَّتِهَا مِنْ السَّفِيهِ وَبِبُطْلَانِهِ مِنْهُ فَنَاسَبَ كَوْنَ الْإِلْزَامِ وَالِالْتِزَامِ فِيهِ حَالًّا اعْتِبَارُ وُجُودِ مَا عَلَّقَ النَّذْرَ بِهِ حَالَ النَّذْرِ وَعَدَمِ تَعَدِّيهِ إلَى مَا حَدَثَ بَعْدَهُ لِانْقِضَاءِ الِالْتِزَامِ فِيهِ بِانْقِضَاءِ صِيغَةِ النَّذْرِ وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ فَلَمَّا أُنِيطَ الِالْتِزَامُ فِيهَا بِالْمَوْتِ لَمْ يَعْتَبِرْ الْمَالَ الْمَوْجُودَ عِنْدَهَا بَلْ عِنْدَ مَا نِيطَتْ بِهِ وَهُوَ الْمَوْتُ وَمِنْ الْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْنَهُمَا أَيْضًا أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ بِالْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ وَالطَّاهِرِ وَالنَّجِسِ وَلَا كَذَلِكَ النَّذْرُ فَعُلِمَ أَنَّهُمْ تَوَسَّعُوا فِيهَا مَا لَمْ يَتَوَسَّعُوا فِيهِ فَإِنْ قُلْت فَمَا بَالُهُ أَلْحَقَ بِهَا فِي صِحَّتِهِ بِالْمَجْهُولِ قُلْت الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلًّا لَا مُعَاوَضَةَ

فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَحْضُ تَبَرُّعٍ فَسَاوَاهَا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَصَحَّ بِالْمَجْهُولِ لِأَنَّ الْجَهْلَ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِيمَا فِيهِ مُعَاوَضَةٌ وَنَحْوُهَا حَذَرًا مِنْ الْغَرَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تُسَاوِيهِمَا فِي هَذَا الْحُكْمِ لِظُهُورِ الْجَاهِ بَيْنَهُمَا فِيهِ تُسَاوِيهِمَا فِي حُكْمٍ آخَرَ غَيْرِهِ سِيَّمَا مَعَ ظُهُورِ الْفَارِقِ بَيْنَهُمَا فِيهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ. وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فَالْكَلَامُ فِيهَا يَنْبَنِي عَلَى رَفْعِ الْخِلَافِ فِيهَا بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَهِيَ مَا لَوْ عَلَّقَ شِفَاءَ مَرِيضِهِ بِعِتْقِ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ لَهُ ثُمَّ عَلَّقَهُ أَيْضًا بِقُدُومِ غَائِبِهِ فَالْقَاضِي يَقُولُ كَمَا فَهِمَهُ عَنْهُ. الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ بِعَدَمِ انْعِقَادِ النَّذْرِ الثَّانِي وَيُعْتِقُ عَنْ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ الشِّفَاءُ وَإِنْ سَبَقَهُ الْقُدُومُ لِأَنَّهُ بَانَ بِالشِّفَاءِ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْهُ لِسَبْقِهِ. وَالْعَبَّادِيُّ يَقُولُ بِانْعِقَادِ النَّذْرِ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ وَيَعْتِقُ بِالسَّابِقِ مِنْهُمَا فَإِنْ وُجِدَا مَعًا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَثَمَرَةُ الْإِقْرَاعِ وَإِنْ اتَّحَدَ الزَّمَنُ فِي عِتْقِهِ حِينَئِذٍ بَيَانُ وُقُوعِهِ عَمَّنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لَهُ مِنْ أَحَدِ النَّذْرَيْنِ وَإِنْ كُنَّا لَا نُوجِبُ لِلْآخَرِ شَيْئًا كَمَا فِي السَّبْقِ هَذَا مَا نَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَنْ فَتَاوَى الْقَاضِي عَنْ الْعَبَّادِيِّ وَأَقَرَّهُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الَّذِي فِي فَتَاوَى الْقَاضِي عَنْ الْعَبَّادِيِّ غَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ النَّذْرَ الثَّانِيَ مَوْقُوفٌ فَبِالشِّفَاءِ قَبْلَ الْقُدُومِ أَوْ مَعَهُ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الثَّانِيَ لَمْ يَنْعَقِدْ وَالْعَبْدُ مُسْتَحِقُّ الْعِتْقِ عَنْ الْأَوَّلِ وَإِنْ مَاتَ انْعَقَدَ الثَّانِي وَعَتَقَ الْعَبْدَ عَنْهُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي ارْتَضَاهُ الْبَغَوِيّ وَجَرَى عَلَيْهِ فِي فَتَاوِيهِ لَكِنْ خَصَّهُ بِمَا إذَا قَالَ إنْ شُفِيَ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ هَذَا ثُمَّ قَالَ إنْ قَدِمَ غَائِبِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُ وَشَبَهُهُ بِمَا إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا. وَقَالَ هَذَا عَنْ كَفَّارَةِ قَتْلٍ إنْ كَانَ عَلَيَّ كَفَّارَةُ قَتْلٍ وَإِلَّا عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَعِتْقُهُ عَنْ الْيَمِينِ مَوْقُوفٌ فَإِنْ بَانَ أَنَّهُ كَفَّرَ عَنْ الْقَتْلِ وَقَعَ عَنْ الْيَمِينِ وَإِلَّا فَعَنْ الْقَتْلِ وَقَالَ فِيمَا إذَا أَبْدَلَ فَعَلَيَّ أَنْ أَعْتِقَ بِقَوْلِهِ فَعَبْدِي هَذَا حُرٌّ أَوْ فَعَلَيَّ عِتْقُهُ أَنَّهُمَا حَصَلَا وَلَا عِتْقَ لِلْعَبْدِ عَنْهُ وَإِنْ وَقَعَا مَعًا عَتَقَ وَلِظُهُورِ عَدَمِ الْفَرْقِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ بَيْنَ فَعَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ وَعَلَيَّ عِتْقٌ وَعَبْدِي هَذَا حُرٌّ وَإِنْ اقْتَرَفَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الصِّيغَةَ الْأُولَى أَنْ يَقُولَ مِنْ إنْشَاءِ عِتْقٍ بِخِلَافِ نَحْوِ عَبْدِي حُرٌّ قَالَ الْقَمُولِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ الظَّاهِرُ أَنَّ الصُّورَةَ الْأُولَى أَنْ يَقُولَ إنْ شَفَى اللَّهُ تَعَالَى مَرِيضِي فَعَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُ وَإِلَّا فَإِنْ قَدِمَ غَائِبِي فَعَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَهُ وَيَدُلُّ لَهُ التَّشْبِيهُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَحِينَئِذٍ اتَّضَحَ الْوَقْفُ فِي الْأُولَى لِأَنَّ قَوْلَهُ وَإِلَّا إلَخْ ظَاهِرٌ فِي التَّرْتِيبِ مَا بَعْدَ الْأَعْلَى عَدَمُ الشِّفَاءِ. فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الشِّفَاءُ نَفَذَ الثَّانِي وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَمْ يَنْفُذْ وَهَذَا عَيْنُ الْوَقْفِ الَّذِي سَبَقَ بِخِلَافٍ مَعَ إسْقَاطِ إلَّا فَإِنَّهُمَا يَكُونَانِ تَعْلِيقَيْنِ مُسْتَقِلَّيْنِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وُجِدَ أَوَّلًا عَمِلَ عَمَلَهُ فَاتَّضَحَ كَلَامُ الْبَغَوِيِّ وَتَفْرِقَتُهُ الْمَذْكُورَةُ وَعَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ لَمَّا رَأَى شَيْخَهُ الْقَاضِيَ أَطْلَقَ إلْغَاءَ النَّذْرِ الثَّانِي وَالْعَبَّادِيُّ عَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ أَطْلَقَ انْعِقَادَهُ وَعَلَى مَا فِي غَيْرِهَا أَطْلَقَ وَقْفَهُ أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْإِطْلَاقَيْنِ بِحَمْلِ كُلٍّ عَلَى حَالِهِ مِمَّا ذُكِرَ عَنْهُ بِاعْتِبَارِ تَأْوِيلِ كَلَامِهِ بِمَا مَرَّ هَذَا مَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِلْأَصْحَابِ وَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهَا مَسْأَلَتُنَا. فَعَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْقَاضِي تَكُونُ التَّصَرُّفَاتُ فِي النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ قَبْلَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ بِهِ بَاطِلَةً لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَالَ هُنَا بِبُطْلَانِ التَّعْلِيقِ الثَّانِي حَتَّى لَوْ وُجِدَ الْقُدُومُ أَوْ لَا لَمْ يَقَعْ الْعِتْقُ الْمُعَلَّقُ بِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِبُطْلَانِ التَّصَرُّفِ فِي الْمَنْذُورِ بِبَيْعٍ أَوْ نَحْوِهِ وَوَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ الشَّارِعَ مُتَشَوِّفٌ إلَى الْعِتْقِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ بِهِ فِيمَا إذَا وُجِدَ الْقُدُومُ أَوَّلًا لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ تَعْلِيقَهُ بَاطِلٌ لِوُجُودِهِ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَنْذُورِ الْعِتْقَ بِالنَّذْرِ الْأَوَّلِ الْمُعَلَّقِ بِالشِّفَاءِ وَلَوْ قُلْنَا بِصِحَّةِ الثَّانِي لَزِمَ فِي صُورَةِ تَقَدُّمِ الْقُدُومِ إلْغَاءُ الْأَوَّلِ كَمَا أَنَّا لَوْ قُلْنَا بِصِحَّةِ نَحْوِ الْبَيْعِ لَزِمَ إلْغَاءُ الْعِتْقِ مَثَلًا فَإِذَا لَمْ يَسْمَحْ بِمَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ مِثْلُهُ فِي تَرْتِيبِ الْعِتْقِ عَلَيْهِ أَيْضًا بَلْ قَدْ يَكُونُ التَّرْتِيبُ عَلَيْهِ نَاجِزًا وَقَطْعِيًّا فِي صُورَةِ تَقَدُّمِ الْقُدُومِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَسْمَحَ بِمَا يُوجِبُ بُطْلَانِ الْمَنْذُورِ لَا إلَى خِلْفٍ بِالْكُلِّيَّةِ وَهُوَ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى كَلَامِ الْقَاضِي. وَأَمَّا عَلَى كَلَامِ الْعَبَّادِيِّ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَيَصِحُّ التَّصَرُّفُ فِي الْمَنْذُورِ الْمُعَلَّقِ وَإِنْ أَدَّى إلَى بُطْلَانِ النَّذْرِ مَا لَمْ يُلَاحِظْ الْفَرْقَ الْآتِي وَعَلَى كَلَامِ الْبَغَوِيِّ الَّذِي وَافَقَ عَلَيْهِ الْعَبَّادِيُّ عَلَى مَا مَرَّ يَكُونُ التَّصَرُّفُ

مَوْقُوفًا فَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ بِأَنَّ بُطْلَانَ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ قُلْت فَمَا الرَّاجِحُ مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَصْحَابِ حَتَّى نَعْرِفَ الرَّاجِحَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ قُلْت الرَّاجِحُ مَا مَرَّ عَنْ الرَّوْضَةِ وَإِنْ اُعْتُرِضَ بِمَا سَبَقَ فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ بِمَا يُؤَيِّدُهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ تَالِيَ قُدُومِهِ. وَإِنْ قَدِمَ عَمْرٌو فَعَلَيَّ صَوْمُ أَوَّلِ خَمِيسٍ بَعْدَ قُدُومِهِ فَقَدِمَا مَعًا يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ صَارَ الْخَمِيسُ مِنْ أَوَّلِ نَذْرَيْهِ لِسَبْقِ وُجُوبِهِ وَقَضَى يَوْمًا لِلنَّذْرِ الثَّانِي لَتَعَذُّرِ صَوْمِهِ وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ الرَّاجِحَ هُوَ مَا فِي الرَّوْضَةِ عُلِمَ أَنَّ الرَّاجِحَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَلْحَظْ مَا سَنُقَرِّرُهُ مِنْ الْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْنَهُمَا صِحَّةُ التَّصَرُّفِ وَكَانَ هَذَا مُسْتَنَدَ إفْتَاءِ الشَّيْخِ الْفَتَى بِصِحَّةِ التَّصَرُّفِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ وَتَبِعَهُ تِلْمِيذُهُ الْكَمَالُ الرَّدَّادُ. فَقَالَ حِينَ سُئِلَ عَمَّا لَوْ عَلَّقَ النَّذْرَ عَلَى صِفَةٍ ثُمَّ بَاعَ الْعَيْنَ الْمَنْذُورَ بِهَا قَبْلَ وُجُودِ الصِّفَةِ هَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ إنَّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْإِرْشَادِ فِي الْإِيلَاءِ الْجَزْمُ بِالصِّحَّةِ وَأَنَّهُ أَفْتَى بِهِ مِرَارًا وَكَذَا شَيْخُهُ التَّقِيُّ الْفَتَى وَأَنَّهُ وُجِدَ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي وَالْبَغَوِيِّ خِلَافُهُ ثُمَّ أَطَالَ الْكَلَامَ لَكِنْ بِمَا فِيهِ أَنْظَارٌ شَتَّى لَا تَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ وَلَوْلَا الْإِطَالَةُ لَبَيَّنْتُهَا وَأَفْتَى بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ آخَرُونَ وَقَاسُوهُ عَلَى الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ فَإِنْ قُلْت هَلْ يُمْكِنُ فَرْقٌ بَيْنَ صُورَةِ الْأَصْحَابِ وَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ وَبَيْنَ صُورَةِ السُّؤَالِ حَتَّى يَتَوَجَّهَ كَلَامُ الْقَائِلِينَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ بِبُطْلَانِ التَّصَرُّفِ وَلَا يَتَخَرَّجُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْأَصْحَابِ قُلْت نَعَمْ. وَهُوَ أَنَّ صُورَةَ الْأَصْحَابِ إنَّمَا جَرَى فِيهَا هَذَا الْخِلَافُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ الثَّانِيَ لَا يُضَادُّ الْأَوَّلَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ يُوَافِقُهُ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ أَنَّهُ عَتَقَ مِثْلُهُ فَلَمْ يَفُتْ عَلَى الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ شَيْءٌ بِالتَّعْلِيقِ الثَّانِي فَلِذَا صَحَّ وَيُخَالِفُهُ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ أَنَّ الْعِتْقَ قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي كَمَا أَنَّهُ قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَى الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَلِذَا جَرَى فِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ بَسْطُهُ وَأَمَّا صُورَةُ السُّؤَالِ فَالْبَيْعُ وَنَحْوُهُ يُضَادُّ النَّذْرَ وَيُبْطِلُ مَا اسْتَحَقَّهُ الْمَنْذُورُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَانَ يَنْبَغِي بُطْلَانُهُ وَإِنْ قُلْنَا بِمَا مَرَّ عَنْ الرَّوْضَةِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَصْحَابِ مِنْ صِحَّةِ التَّعْلِيقِ الثَّانِي وَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَجَوَازُ التَّصَرُّفِ فِي الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ بِأَنَّ صُورَةَ السُّؤَالِ أَعْنِي النَّذْرَ الْمُعَلَّقَ بِنَحْوِ الشِّفَاءِ مِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ فِيهِ مُقَابَلَةٌ وَشَوْبُ مُعَاوَضَةٍ لِأَنَّ النَّاذِرَ جَعَلَ الْعِتْقَ مَثَلًا فِي مُقَابَلَةِ الشِّفَاءِ مَثَلًا فَاقْتَضَتْ تِلْكَ الْمُقَابَلَةُ الْعَائِدُ نَفْعُهَا عَلَى النَّاذِرِ الْمُعَلَّقِ غَالِبًا تَأَكُّدَ ثُبُوتِ حَقِّ الْمَنْذُورِ فَلِذَا امْتَنَعَ التَّصَرُّفُ فِيهِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمُكَاتَبَ لِأَنَّ عِتْقَهُ. وَإِنْ كَانَ فِي الْحَقِيقَةِ مُعَلَّقًا عَلَى صِفَةٍ إلَّا أَنَّ فِيهِ مُعَاوَضَةً وَمُقَابَلَةً فَكَمَا امْتَنَعَ التَّصَرُّفَ فِي الْمُكَاتَبِ نَظَرًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُعَاوَضَةِ وَالْمُقَابَلَةِ فَكَذَا يَمْتَنِعُ فِي الْمَنْذُورِ الْمَذْكُورِ نَظَرًا لِتِلْكَ الشَّائِبَةِ الَّتِي فِيهِ بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ مِنْ غَيْرِ نَذْرٍ وَلَا كِتَابَةٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ ذَلِكَ التَّأَكُّدُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ هُنَا مَحْضُ تَبَرُّعٍ أَيْ مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ فَنَاسَبَ أَنْ لَا يُضَيِّقَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ بِسَبَبِهِ حَتَّى يُمْنَعَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَهَذَا فَرْقٌ وَاضِحٌ كَمَا أَنَّ الْفَرْقَ السَّابِقَ بَيْنَ صُورَتِنَا وَصُورَةِ الْأَصْحَابِ وَاضِحٌ وَبِهِ اتَّضَحَ أَنَّ لِلْقَائِلِينَ بِامْتِنَاعِ التَّصَرُّفِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ وَجْهًا وَجِيهًا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَالْقِيَاسُ عَلَى الْمُكَاتَبِ الْمَذْكُورَيْنِ وَإِنَّ تَخْرِيجَ صُورَةِ السُّؤَالِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْأَصْحَابِ السَّابِقَةِ أَوْ عَلَى مَسْأَلَةِ الْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ لَمْ يَتِمَّ لِمَا عَلِمْت مِنْ وُضُوحِ الْفَرْقَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا فِي الْإِسْعَادِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ عِنْدَ قَوْلِهِ أَيْ الْإِرْشَادِ وَمَا جُعِلَ نَذْرًا أَوْ أُضْحِيَّةً مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إلَّا شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَهَذَا الْمَالُ صَدَقَةٌ لِلَّهِ زَالَ مِلْكُهُ بِهَذَا الْقَوْلِ وَامْتَنَعَ تَصَرُّفُهُ فِيمَا عَيَّنَهُ لِلصَّدَقَةِ إذَا حَصَلَ هَذَا الشِّفَاءُ فَهَلْ يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ جَوَازِ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي النَّاذِرِ بَعْدَ إيقَاعِ الْإِقَالَةِ إذَا رَدَّ الْبَائِعُ مِثْلَ ثَمَنِهِ أَمْ لَا؟ بَيِّنُوا ذَلِكَ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ مَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْإِسْعَادِ مِنْ زَوَالِ مِلْكِ الْمَنْذُورِ الْمُعَيَّنِ بِالشِّفَاءِ فَيَمْتَنِعُ تَصَرُّفُ النَّاذِرِ فِيهِ بَعْدَ الشِّفَاءِ صَحِيحٌ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهَذَا الْمَالِ أَوْ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ تَعَيَّنَ ذَلِكَ لِلصَّدَقَةِ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ لِلَّهِ وَزَوَالُ مِلْكِهِ عَنْهَا بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ ذَلِكَ. بِخِلَافِ مَا لَوْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ وَإِنْ

تَعَيَّنَ عِتْقُهُ لَكِنْ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ إلَّا بِعِتْقِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لَا يَنْتَقِلُ بَلْ يَنْفَكُّ عَنْ الْمِلْكِ بِالْكُلِّيَّةِ وَفِيمَا مَرَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْمَسَاكِينِ وَلِهَذَا لَوْ أُتْلِفَ وَجَبَ تَحْصِيلُ بَدَلِهِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِتْقِ وَقَدْ تَلِفَ وَمُسْتَحِقُّو مَا ذُكِرَ بَاقُونَ وَلَوْ الْتَزَمَ بِنَذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ التَّصَدُّقَ بِدَرَاهِمَ فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ عَيَّنَ عَنْهَا دَرَاهِمَ لَمْ تَتَعَيَّنْ وَأَلْحَقَ بِهَا كُلَّ مَا لَا يَصْلُحُ لِلْأُضْحِيَّةِ وَالْعِتْقِ وَذَلِكَ لِأَنَّ تَعْيِينَ كُلٍّ مِنْ نَحْوِ الدَّرَاهِمِ عَمَّا فِي الذِّمَّةِ ضَعِيفٌ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي زَوَالِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ مَا لَوْ الْتَزَمَ أُضْحِيَّةً أَوْ عِتْقًا ثُمَّ عَيَّنَ عَنْ ذَلِكَ شَاةً أَوْ عَبْدًا فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ كَمَا لَوْ عَيَّنَ ابْتِدَاءً هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِمَا فِي الْإِسْعَادِ وَأَمَّا مَا أَرَادَ السَّائِلُ نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ بِقَوْلِهِ فَهَلْ يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ إلَخْ فَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ عِبَارَتِهِ مَا الَّذِي أَرَادَهُ بِذَلِكَ فَلْيَتَبَيَّنْ مُرَادَهُ حَتَّى يَعْرِفُ فَيُبَيِّنُ حُكْمَهُ فَإِذَا أَرَادَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ إنْ شُفِيَ مَرِيضُهُ فَشُفِيَ ثُمَّ أَرَادَ التَّقَابُلَ فِيهِ هُوَ وَالْبَائِعُ فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ قُلْنَا نَعَمْ تَجُوزُ الْإِقَالَةُ حِينَئِذٍ وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ قَدْ زَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ بِالشِّفَاءِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ الْمَبِيعَ أَوْ تَلِفَ فَإِنَّهَا تَجُوزُ بَعْدَ تَلَفِهِ وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ رَدُّ عَيْنِ الثَّمَنِ إنْ بَقِيَ وَإِلَّا فَرَدُّ بَدَلِهِ وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ رَدُّ بَدَلٍ وَلَا تُقَاسُ الْإِقَالَةُ عَلَى امْتِنَاعِ التَّصَرُّفِ فِيهِ بَعْدَ الشِّفَاءِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ تَصَرُّفًا فِيهِ بَلْ فِي بَدَلٍ كَمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهَا إذَا وَقَعَتْ بَعْدَ الشِّفَاءِ تَصِحُّ وَفَائِدَتُهَا رُجُوعُ الْبَائِعِ عَلَيْهِ بِبَدَلِهِ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ النَّاذِرَ مَا مَرَّ أَرَادَ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ الشِّفَاءِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ قُلْنَا هَذَا السُّؤَالُ لَا يَتَقَيَّدُ بِالْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا يَجْرِي فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَيُقَالُ مَنْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِعَيْنِ مَالٍ إنْ شَفَى اللَّهُ تَعَالَى مَرِيضَهُ هَلْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ الشِّفَاءِ لِأَنَّهُ إلَى الْآنَ لَمْ يَزَلْ مِلْكُهُ أَوْ لَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ النَّذْرِ بِعَيْنِهِ وَاَلَّذِي صَرَّحُوا بِهِ هُوَ الثَّانِي حَيْثُ قَالُوا إنْ تَعَلَّقَ النَّذْرُ بِعَيْنِهِ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَإِنْ أَرَادَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلْيُبَيِّنْهُ وَعِبَارَتُهُ عَلَى غَلَاقَتِهَا التَّامَّةِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُتَخَيَّلَ مِنْهَا غَيْرُ مَا ذَكَرْتُهُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ نَذَرَ مَتَى اسْتَحَقَّ مَبِيعُك أَوْ اُدُّعِيَ عَلَيْك أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا فَهَلْ يَصِحُّ النَّذْرُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ الْمَنْقُولِ الْمُعْتَمَدِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْته بِمَا فِيهِ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَعِبَارَتُهُ أَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِأَنَّ قَوْلَ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحِقًّا فَعَلَى أَنْ أَهَبَك أَلْفًا لَغْوٌ مَا لَمْ يَحْكُمْ بِصِحَّتِهِ حَاكِمٌ يَرَاهُ بِمَذْهَبٍ مُعْتَبَرٍ وَأَقَرَّهُ الشَّيْخَانِ لِأَنَّ الْهِبَةَ. وَإِنْ كَانَتْ قُرْبَةً إلَّا أَنَّهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَالْمُبَاحَةِ وَنُظِرَ فِيهِ بِمَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَلَهُ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الِالْتِزَامَ فِي هَذِهِ يَصْدُقُ بِوَجْهٍ صَحِيحٍ وَهُوَ إنْ وَفَّقَنِي اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِفِعْلِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي نَذْرِ. اللَّجَاجِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَا يَحْتَمِلُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ عُلِّقَ بِخُرُوجِ الْمَبِيعِ مُسْتَحِقًّا وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ ذَلِكَ وَنَحْوُهُ مِمَّا يَأْتِي ثَمَّ فَتَفْصِيلُ بَعْضِهِمْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْهُوبُ لَهُ مِمَّنْ يَقْصِدُ التَّقَرُّبَ بِالْهِبَةِ لَهُ كَالْعَالِمِ وَالصَّالِحِ فَيَلْزَمُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَلَا يُرَدُّ بِمَا تَقَرَّرَ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ. ثُمَّ قُلْت فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَذْرَعِيَّ قَالَ إنَّ كَلَامَهُمْ نَاطِقٌ بِأَنَّ النَّذْرَ الْمُعَلَّقَ بِالْقُدُومِ نَذْرُ شُكْرِهِ عَلَى نِعْمَةِ الْقُدُومِ فَلَوْ كَانَ قُدُومُ فُلَانٍ لِغَرَضٍ فَاسِدٍ لِلنَّاذِرِ كَأَجْنَبِيَّةٍ أَوْ أَمْرَدَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ كَنَذْرِ الْمَعْصِيَةِ وَرَدَّهُ شَيْخُنَا أَيْ زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ سَهْوٌ مُنْشَؤُهُ اشْتِبَاهُ الْمُلْتَزَمِ بِالْمُعَلَّقِ بِهِ وَاَلَّذِي يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ قُرْبَةَ الْمُلْتَزَمِ لَا الْمُعَلَّقِ بِهِ وَالْمُلْتَزَمُ هُنَا الصَّوْمُ وَهُوَ قُرْبَةٌ فَيَصِحُّ نَذْرُهُ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُعَلَّقُ بِهِ قُرْبَةً أَمْ لَا. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ هُوَ السَّهْوُ كَيْفَ وَكَلَامُهُمْ مُصَرِّحٌ بِمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَقَدْ نَقَلُوا عَنْ الرُّويَانِيِّ وَأَقَرُّوهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ هَلَكَ مَالُ فُلَانٍ أَعْتَقْت عَبْدِي لَمْ يَنْعَقِدْ لِأَنَّهُ حَرَامٌ وَكَمَا إنْ طَلَبَ هَلَاك مَالِ الْغَيْرِ حَرَامٌ كَذَلِكَ طَلَبَ قُدُومَ مَنْ مَرَّ فَالْمَسْأَلَتَانِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ. وَقَدْ ضَبَطَ الصَّيْمَرِيُّ مَا يَكُونُ النَّذْرُ فِي مُقَابَلَتِهِ بِأَنَّهُ مَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِهِ وَفِي كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ مَا يُصَرِّحُ بِأَنَّ كَوْنَ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ فِي النَّذْرِ أَمْرًا مُبَاحًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَكْفِي مُطْلَقُ الْمُبَاحِ أَوْ يَخْتَصُّ بِمُبَاحٍ يُقْصَدُ وَيَنْدُرُ حُصُولُهُ فَالْحَاصِل أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَكُونَ قُرْبَةً

فَهُمَا يَفْتَرِقَانِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَيَتَّحِدَانِ مِنْ حَيْثِيَّةِ انْتِفَاءِ الْمَعْصِيَةِ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ إنَّمَا هُوَ اشْتِرَاطُ انْتِفَاءِ الْمَعْصِيَةِ مِنْ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ لَا اشْتِرَاطُ كَوْنه قُرْبَةً فَالْقَضَاءُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ بِالسَّهْوِ هُوَ السَّهْوُ لِمَا تَقَرَّرَ فَاسْتَفِدْهُ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَاعْتَمَدْت أَيْضًا فِي شَرْحِ الْعُبَابِ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ فَإِنِّي لَمَّا نَقَلْتُهُ عَنْهُ فِيهِ وَقُلْتُ وَجْهُ جَعْلِ الْغَزَالِيِّ هَذَا مِنْ الْمُبَاحِ مَعَ أَنَّ الْهِبَةَ قُرْبَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ كَثِيرُونَ أَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ قُرْبَةً إلَّا أَنَّهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْخَاصِّ أَعْنِي تَعْلِيقَهَا وَجَعْلَهَا فِي مُقَابَلَةِ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَتْ قُرْبَةً وَلَا مُحَرَّمَةً فَكَانَتْ مُبَاحَةً وَالْمُلْتَزَمُ بِالنَّذْرِ لَا يَكُونُ إلَّا قُرْبَةً كَمَا مَرَّ وَأَمَّا تَوْجِيهُهُ أَيْضًا بِأَنَّ مُرَادَهُ مَا إذَا كَانَ الْمَوْهُوبُ لَهُ مِمَّنْ لَا يُقْصَدُ بِالْهِبَةِ لَهُ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهُ تَعَالَى كَهِبَةِ الْفَقِيرِ لِلْغَنِيِّ أَوْ بِأَنَّ هَذَا فِيهِ تَعْلِيقٌ لِلنَّذْرِ بِغَيْرِ مَقْصُودٍ وَشَرْطُ النَّذْرِ الْمُعَلَّقِ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا عَلَى مَا فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ فَفِيهِ نَظَرٌ أَمَّا الْأَوَّلَ فَلِمَا قَرَّرْته قَبْلَهُ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ إطْلَاقَ اشْتِرَاطِ كَوْنِهِ مَقْصُودًا غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا مَرَّ وَيَأْتِي انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلْتُ) عَمَّنْ نَذَرَ عَلَى آخَرَ بِثَوَابِ طَاعَاتِهِ مَا حُكْمُهُ (فَأَجَبْت) بِقَوْلِي الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ بُطْلَانُ النَّذْرِ بِثَوَابِ طَاعَاتِهِ لِأَنَّ شَرْطَ الْمَنْذُورِ كَوْنُهُ قُرْبَةً غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا يُسَمَّى نَذْرًا بِالْكُلِّيَّةِ فَإِنَّ النَّذْرَ لُغَةً الْوَعْدُ بِخَيْرٍ أَوْ شَرٍّ أَوْ الْتِزَامُ مَا لَيْسَ بِلَازِمٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَأَمَّا شَرْعًا فَهُوَ الْتِزَامُ قُرْبَةٍ غَيْرِ وَاجِبَةٍ وَنَذْرُ الثَّوَابِ لَا الْتِزَامَ فِيهِ وَلَا وَعْدَ. فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إنَّمَا يَعِدُ أَوْ يَلْتَزِمُ بِمَالِهِ أَوْ يُقَدَّرُ عَلَيْهِ وَأَمَّا مَا لَيْسَ لَهُ وَلَا يُقَدَّرُ عَلَيْهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْوَعْدُ بِهِ وَلَا الْتِزَامُهُ عَلَى أَنَّ الثَّوَابَ غَيْرُ مُحَقَّقِ الْحُصُولِ لِأَنَّهُ مَشْرُوطٌ بِشُرُوطٍ مِنْهَا الْمَوْتُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَأَنَّى لِإِنْسَانٍ أَنْ يَتَحَقَّقَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْبِرَهُ بِهِ مَعْصُومٌ بَلْ سَبِيلُهُ الْخَشْيَةُ وَمَزِيدُ الْخَوْفِ مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَهَذَا هُوَ الَّذِي آلَ بِكَثِيرٍ مِنْ السَّلَفِ إلَى مَا أُثِرَ عَنْهُمْ مِنْ اسْتِيلَاءِ سُلْطَانِ الْخَوْفِ عَلَيْهِمْ حَتَّى أَذَابَ قُوَاهُمْ وَطَهَّرَ سِرَّهُمْ وَنَجَوَاهُمْ. وَمِنْهَا مُوَافَقَةُ ظَاهِرِ الْأَمْرِ لِبَاطِنِهِ فَقَدْ يَظُنُّ الْإِنْسَانُ صِحَّةَ عِبَادَاتِهِ لِظَنِّهِ اسْتِيفَاءَ شُرُوطِهَا مَعَ أَنَّ بَعْضَهَا قَدْ يَكُونُ مَفْقُودًا فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ كَخَبَثٍ أَوْ تَحَوُّلٍ عَنْ عَيْنِ الْكَعْبَةِ لَا يَعْلَمُهُ وَمَنْ صَلَّى صَلَاةً فَاسِدَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ صَحِيحَةٌ فِي ظَنِّهِ لَا يُثَابُ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا صَلَاةً وَإِنْ أُثِيبَ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ نَحْوِ ذِكْرٍ وَقُرْآنٍ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَالثَّوَابُ لَيْسَ قَابِلًا لِلنَّذْرِ بِهِ بِوَجْهٍ فَكَانَ الْوَجْهُ عَدَمُ صِحَّةِ نَذْرِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ امْرَأَةٍ نَذَرَتْ لِزَوْجِهَا بِجَمِيعِ مَا تَمْلِكُهُ وَهِيَ مَرِيضَةٌ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ وَلَمْ يُعْلَمْ هَلْ تُوُفِّيَتْ بِذَلِكَ الْمَرَضِ أَوْ بِهِ مَعَ غَيْرِهِ أَوْ بِمَرَضٍ آخَرَ مَا حُكْمُ نَذْرِهَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ النَّذْرُ لِلزَّوْجِ بِذَلِكَ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّذْرَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ لِلْأَجْنَبِيِّ يُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ وَهُوَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْفُورَانِيِّ وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ فِي فَتَاوِيهِ. فَقَالَ الْعَمَلُ عَلَى أَنَّهُ يُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّا لَوْ قُلْنَا يُحْسَبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ لَكَانَ لِلْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ أَنْ يَنْذِرَ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ كُلِّهِ فَيَضِيعُ عَلَى الْوَارِثِ حَقُّهُ بِطَرِيقٍ لَا يَقْدِرُ الْوَارِثُ عَلَى نَقْضِهِ فَالْمُعْتَمَدُ الْحِسَابُ مِنْ الثُّلُثِ وَفِي كَلَامِ غَيْرِ الْفُورَانِيِّ مَا يَقْتَضِيهِ وَفِي الْبَحْرِ لِلرُّويَانِيِّ إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ الْفُورَانِيُّ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْحَجَّةِ الْمَنْذُورَةِ أَهِيَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَمْ مِنْ الثُّلُثِ أَنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ بِخُرَاسَانَ قَالَ إنَّ مَحَلَّ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا صَدَرَ النَّذْرُ فِي الصِّحَّةِ أَمَّا إذَا صَدَرَ النَّذْرُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ قَوْلًا وَاحِدًا وَمَا ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ بِخُرَاسَانَ يُشِيرُ لِلْفُورَانِيِّ. وَقَدْ صَرَّحَ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ بِمَا قَرَّرْنَاهُ فَقَالَ وَالنَّذْرُ الَّذِي يَصْدُرُ مِنْ الْمَرِيضِ فِي مَرَضِهِ الْمَخُوفِ مِنْ الثُّلُثِ لَا خِلَافَ فِيهِ وَكَذَا الْكَفَّارَاتُ الَّتِي تَجْرِي أَسْبَابُهَا فِي الْمَرَضِ وَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِي الْكَفَّارَةِ فِيهِ وَقْفَةٌ وَقَدْ يُرَجَّحُ أَنَّهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ بِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُقْصَدُ بِهِ حِرْمَانُ الْوَارِثِ بِخِلَافِ النَّذْرِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّذْرَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ يُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ

يَتَصَدَّقَ عَلَى بَعْضِ وَرَثَتِهِ بِشَيْءٍ وَكَانَ النَّذْرُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ أَنَّهُ لَا اعْتِرَاضَ لِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ عَلَيْهِ وَهَذَا لَا سَبِيلَ إلَيْهِ بَلْ لِبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ رَدُّهُ وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ لِئَلَّا يَلْزَمَ أَنْ يَزِيدَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ عَلَى بَعْضٍ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ. اهـ. وَأَفْتَى أَيْضًا فِيمَا لَوْ نَذَرَ مَنْ بِهِ مَرَضٌ مَخُوفٌ أَوْ نَحْوُهُ بِصَدَقَةٍ بِأَنَّ ذَلِكَ يُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ وَأَطَالَ فِي بَيَانِهِ وَذَكَرَ مَا مَرَّ عَنْ الْإِمَامِ وَتُعُقِّبَ قَوْلُهُ السَّابِقُ فِي الْكَفَّارَاتِ بِأَنَّهُ بَعِيدٌ قَالَ وَالْقِيَاسُ أَنَّهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. اهـ. وَبِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَنْقُولَ الْمُعْتَمَدَ بَلْ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّ النَّذْرَ فِي الْمَرَضَ يُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ إنْ كَانَ لِلْأَجْنَبِيِّ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ إنْ كَانَ لِوَارِثٍ وَحَيْثُ اتَّصَلَ الْمَوْتُ بِالْمَرَضِ الْوَاقِعِ فِيهِ النَّذْرُ أُضِيفَ الْمَوْتُ إلَى ذَلِكَ الْمَرَضِ وَكَانَ النَّذْرُ أَوْ التَّبَرُّعُ الْوَاقِعُ فِيهِ مَحْسُوبًا مِنْ الثُّلُثِ وَلَا عِبْرَةَ بِاحْتِمَالِ حُدُوثِ مَرَضٍ آخَرَ مَخُوفٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ فَلَا يُرَاعَى وَلَا يُنْظَرُ إلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ نَوَى أَوْ نَذَرَ أَنْ يُعَمِّرَ مَسْجِدًا مُعَيَّنًا أَوْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا فِي مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ فَلَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ ذَلِكَ فَهَلْ لَهُ أَنْ يُعَمِّرَ بِذَلِكَ مَسْجِدًا آخَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَوْ لَا وَهَلْ يُفَرَّقُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجْتَمِعُ النَّاسُ فِيهِ غَالِبًا أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ النِّيَّةُ فِي ذَلِكَ لَا يَجِبُ بِهَا شَيْءٌ فَلَهُ الْبِنَاءُ فِي الْمَوْضِعُ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرِهِ مُطْلَقًا وَأَمَّا نَذْرُ بِنَاءِ مَسْجِدٍ فِي مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ يَحِلُّ الْبِنَاءُ فِيهِ فَصَحِيحٌ سَوَاءٌ أَجْتَمَعَ النَّاسُ ثَمَّ غَالِبًا أَمْ نَادِرًا وَخَرَجَ يَحِلُّ بِنَاؤُهُ فِي مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ فَإِنَّهُ حَرَامٌ فَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَهَلْ يُلْحَقُ بِهِ بِنَاؤُهُ فِي الْمَحَلِّ الْمَكْرُوهِ كَبِنَائِهِ عَلَى قَبْرٍ لَمْ يَنْدَرِسْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ وَاِتِّخَاذُهُ فِي الْمَحَالِّ الَّتِي تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا وَمِنْهَا الْأَرَاضِي الْمَلْعُونَةُ أَوْ الَّتِي نَزَلَ بِهَا عَذَابٌ هَذَا إنْ بَقِيَ الْمَعْنَى الَّذِي كُرِهَتْ الصَّلَاةُ لِأَجْلِهِ كَالْمَقْبَرَةِ الْمَمْلُوكَةِ بِخِلَافِ اتِّخَاذِ حَمَّامٍ مَسْجِدًا فَإِنَّ الْوَجْهَ زَوَالُ الْكَرَاهَةِ لِزَوَالِ عِلَّتِهَا. كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ رَدًّا عَلَى ابْنِ الْعِمَادِ أَوْ لَا يَلْحَقُ بِذَلِكَ بَلْ لَا يَصِحُّ نَذْرُ بِنَائِهِ وَلَوْ فِي الْمَحَلِّ الْمَكْرُوهِ لِلنَّظَرِ فِي ذَلِكَ مَجَالٌ وَكَلَامُهُمْ فِي بَابِ النَّذْرِ صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ نَذْرِ الْمَكْرُوهِ لَكِنْ لَا لِذَاتِهِ بَلْ لِغَيْرِهِ كَصَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَمَا هُنَا الظَّاهِرُ أَنَّهُ لِذَاتِهِ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ إنَّمَا جَاءَتْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ مَسْجِدًا وَحِينَئِذٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَذْرُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ فِي الْمَحَلِّ الْمَكْرُوهِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ إذَا صَحَّ نَذْرُ بِنَائِهِ فِي مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إبْدَالُهُ بِغَيْرِهِ مُطْلَقًا لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ فَقَدْ يَكُونُ الْمَحَلُّ الْمُعَيَّنُ لِلْبِنَاءِ أَحَلَّ أَوْ أَبْعَدَ عَنْ الْمُؤْذِيَاتِ بِمَنْ بِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَبِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا ذَكَرْته مِنْ التَّعْيِينِ هُنَا وَعَدَمِهِ فِي مَسَائِلَ كَالِاعْتِكَافِ وَالصَّلَاةِ فِي غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته أَيْضًا قَوْلُهُمْ لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِدِرْهَمِ فِضَّةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّصَدُّقُ بَدَلُهُ بِدِينَارٍ أَيْ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِ الْأَعْيَانِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شَخْصٍ نَذَرَ عَلَى نَفْسِهِ نَذْرًا وَكَتَبَهُ بِخَطِّهِ فَقَالَ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ مُسَطِّرُ هَذِهِ الْأَحْرُفِ فَلِأَنَّ أَنِّي نَذَرْت عَلَى نَفْسِي نَذْرَ قُرْبَةٍ وَتَبَرُّرٍ أَنْ أُنْفِقَ عَلَى عِيَالِ ابْنِ عَمِّي فُلَانٍ مُدَّةَ حَيَاتِهِ الْمَوْجُودِينَ وَالْمُتَجَدِّدَيْنِ فِي كُلِّ يَوْمٍ ثَلَاثَ قِطَعِ فِضَّةٍ سُلَيْمَانِيَّةٍ وَهَذَا خَطِّي شَاهِدٌ عَلَيَّ وَكَفَى بِاَللَّهِ شَهِيدًا وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِمَضْمُونِ ذَلِكَ جَمَاعَةً عُدُولًا فَهَلْ يَلْزَمُ هَذَا النَّذْرَ أَوْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ يَلْزَمُ وَلَمْ يُنْفِقْ هَلْ يَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ أَوْ لَا. وَإِذَا قُلْتُمْ يَصِيرُ فَمَنْ الَّذِي يُطَالِبُهُ بِهِ أَهُوَ ذُو الْعِيَالِ أَمْ الْعِيَالُ أَنْفُسُهُمْ وَإِذَا ادَّعَى الْإِنْفَاقَ وَأَنْكَرَ ذُو الْعِيَالِ فَمَنْ الْمُصَدَّقُ أَفْتُوَنَا مَأْجُورِينَ. (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ وَقَدْ كَثُرَ اخْتِلَافُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي نَذَرْت هَلْ هُوَ صَرِيحٌ أَوْ كِتَابَةٌ أَوْ إقْرَارٌ فَقَالَ بِكُلٍّ جَمْعٌ وَانْتَصَرُوا لَهُ وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ صَرِيحٌ مُطْلَقًا وَاشْتِرَاطُ ذِكْرِ اللَّهِ فِي الصَّرَاحَةِ بَعِيدٌ وَحِينَئِذٍ فَالنَّذْرُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ لَازِمٌ وَإِذَا مَضَتْ عَلَيْهِ أَيَّامٌ وَلَمْ يُنْفِقْ فِيهَا صَارَتْ حِصَّةُ الْمَاضِي دَيْنًا عَلَيْهِ وَإِنْ أُعْسِرَ أَخْذًا مِمَّا لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ عَلَى فُلَانٍ كُلَّ يَوْمٍ بِدِرْهَمٍ وَأُعْسِرَ فَإِنَّهُ يَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ حِصَّةُ مَا أُعْسِرَ عَنْهُ عَلَى الْمَنْقُولِ الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي جَامِعِ الْمُخْتَصَرَاتِ فِي الصَّوْمِ وَالْمُطَالِبُ هُوَ الْمَنْذُورُ لَهُ إنْ كَانَ كَامِلًا وَإِلَّا فَوَلِيُّهُ وَالْمُصَدَّقُ فِي عَدَمِ الْإِنْفَاقِ هُوَ الْمَنْذُورُ لَهُ أَوْ وَلِيُّهُ فَعَلَى النَّاذِرِ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهُ أَدَّى

الْمَنْذُورَ بِهِ إلَى الْمَنْذُورِ لَهُ إنْ كَانَ كَامِلًا وَإِلَّا فَإِلَى وَلِيِّهِ وَقَوْلُهُ وَالْمُتَجَدِّدِينَ اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ مُبْطِلٌ لِلنَّذْرِ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْهِبَةِ وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَقْفِ بِأَنَّ الْعَيْنَ الْمَوْقُوفَةَ مَوْجُودَةٌ وَإِنَّمَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ الْمَنْفَعَةُ فَيُمْكِنُ أَنْ يَصِلَ مَنْ سَيُوجَدُ إلَى الْمَنْفَعَةِ بِخِلَافِ النَّذْرِ فَإِنَّهُ إذَا صَحَّ عَلَى الْمَوْجُودِينَ نَفَذَ تَصَرُّفُهُمْ فِي الْعَيْنِ الْمَنْذُورِ بِهَا بِمَا يُزِيلُ الْمِلْكَ فَإِذَا تَصَرَّفُوا فِيهَا بِذَلِكَ لَمْ يُدْرِكْ مَنْ سَيُوجَدُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَصِحُّ النَّذْرُ عَلَى الْمَوْجُودِينَ بِالْقِسْطِ خَاصَّةً لَا عَلَى غَيْرِهِمْ فَعَلَى هَذَا إنْ حَدَثَ لِابْنِ عَمِّهِ عِيَالٌ صَحَّ عَلَى الْمَوْجُودِينَ بِالْقِسْطِ وَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ لَهُ عِيَالٌ وَأَيِسَ مِنْ حُدُوثِهِمْ صَحَّ النَّذْرُ عَلَى الْمَوْجُودِينَ بِالنِّصْفِ وَبَطَلَ فِي النِّصْفِ إذْ هُوَ بِمَنْزِلَةٍ إذَا أَوْصَى لِأَوْلَادِهِ الْمَوْجُودِينَ وَالْمَعْدُومِينَ الَّذِينَ يُمْكِنُ وُجُودُهُمْ فَإِنَّ مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ الصِّحَّةُ فِي النِّصْفِ وَكَأَنَّ الْمَوْجُودَ شَيْءٌ وَالْمَعْدُومَ شَيْءٌ وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ: الْمَعْدُومُ الْمُمْكِنُ وُجُودُهُ خَارِجًا لَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَا ثَابِتٌ وَلَا مَوْجُودٌ لِأَنَّ ذَاكَ اصْطِلَاحٌ لَهُمْ فَرُّوا بِهِ مِنْ ضَلَالَةٍ وَقَعَ فِيهَا غَيْرُهُمْ وَإِلَّا فَمُقْتَضَى اللُّغَةِ إطْلَاقُ الشَّيْءِ عَلَى الْمَعْدُومِ عَلَى أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ قَدْ صَرَّحَ فِيهِ بِالْمُعْدَمِ الْمُمْكِنِ وُجُودُهُ فَلَيْسَ هُوَ مِنْ مَبْحَثِ الْأُصُولِيِّينَ الْمُخْتَلِفِينَ فِيمَا ذُكِرَ وَفِي هَذِهِ إمْكَانُ حُدُوثِ عِيَالٍ بِوَقْفِ الْمَنْذُورِ وَقْفَ تَبَيُّنٍ ثُمَّ يَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَلَا يَشْكُلُ عَلَى مَا مَرَّ قَوْلُهُمْ لَوْ أَوْصَى لِحَمْلِهَا فَأَتَتْ بِحَيٍّ وَمَيِّتٍ فَالْكُلُّ لِلْحَيِّ وَالْمَيِّتُ كَالْمَعْدُومِ لِأَنَّهُ هُنَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْمَعْدُومِ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ نَصَّ عَلَيْهِ صَرِيحًا وَأَطْلَقَ بَعْضُهُمْ صِحَّةَ النَّذْرِ لَلْمَوْجُودِينَ فِي النِّصْفِ كَالْوَصِيَّةِ بِجَامِعِ أَنَّهَا تَمْلِيكٌ وَلَا يَصِحُّ تَمْلِيكُ الْمَعْدُومِ وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِصِحَّةِ النَّذْرِ وَإِعْطَاءِ الْمَوْجُودِينَ الْكُلَّ وَيُشَارِكُهُمْ مَنْ حَدَثَ كَمَا لَوْ قُسِمَتْ التَّرِكَةُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ ثُمَّ حَدَثَ وَارِثٌ هَذَا حَاصِلُ مَا لِلنَّاسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ يُرَجَّحُ الْأَخِيرُ لَا لِمَا نَظَرَ بِهِ قَائِلُهُ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا هُنَا وَالْإِرْثِ فَإِنَّ الْوَارِثَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ لَا يَقُولُ بِنَظِيرِ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا وَإِنَّمَا الَّذِي يُوَجَّهُ بِهِ ذَلِكَ الْقِيَاسُ عَلَى الْوَقْفِ وَالْفَرْقُ السَّابِقُ لَا يُجْدِي عِنْدَ تَأَمُّلِهِ وَقَوْلُهُمْ تَمْلِيكُ الْمَعْدُومِ لَا يَصِحُّ يُحْمَلُ عَلَى تَمْلِيكِهِ اسْتِقْلَالًا إمَّا تَبَعًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَقَدْ يُرَجَّحُ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ قِيَاسًا عَلَى الْوَصِيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ قَائِلُ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَالْوَقْفِ بِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْوَقْفِ الدَّوَامُ عَلَى الْبُطُونِ وَالطَّبَقَاتِ الْمُتَجَدِّدَةِ بَعْدُ إنْ لَمْ تَكُنْ فَلَمْ يَضُرَّ ذِكْرُ الْمَعْدُومِ فِيهِ تَبَعًا لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ يَقْتَضِيه بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ وَالنَّذْرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ الْقَصْدُ مِنْهُمَا إلَّا تَمْلِيكَ عَيْنِ الْمُوصَى بِهِ وَالْمَنْذُورِ لِمَوْجُودٍ فَإِنْ أَضَافَ إلَيْهِ مَعْدُومًا صَارَ كَأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ مَا يَصِحُّ أَحَدُ ذَيْنَك عَلَيْهِ وَمَا لَا يَصِحُّ وَحِينَئِذٍ فَيَصِحُّ فِي النِّصْفِ عَلَى الرَّأْيِ الثَّالِثِ أَوْ بِالْقِسْطِ تَارَةً وَفِي النِّصْفِ أُخْرَى عَلَى الرَّأْيِ الثَّانِي وَالْقَوْلُ بِبُطْلَانِ النَّذْرِ مِنْ أَصْلِهِ بَعِيدٌ جِدًّا فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَقْرَبَ الْقِيَاسُ عَلَى الْوَصِيَّةِ لَا الْوَقْفِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ نَذَرَ لِوَلَدِهِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ كَالْهِبَةِ؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا بِشَيْءٍ وَفِي إطْلَاقِهِ نَظَرٌ وَلَوْ قِيلَ إنَّهُ فِي نَذْرِ التَّبَرُّرِ يَرْجِعُ لِأَنَّهُ كَالْهِبَةِ بِخِلَافِ نَذْرِ الْمُجَازَاةِ لَا يَرْجِعُ لِأَنَّهُ كَالْمُعَاوَضَةِ لَمْ يَبْعُدْ. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَلْ يَصِحُّ النَّذْرُ مَعَ التَّأْقِيتِ وَبِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَبِالنَّجَسِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ وَقَعَ التَّأْقِيتُ فِي النَّذْرِ لِلْمَنْفَعَةِ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَصِحُّ كَالْوَصِيَّةِ بِهَا بِتَفْصِيلِهَا أَوْ لِلْعَيْنِ فَإِنْ كَانَ بِمُدَّةِ حَيَاةِ الْمَنْذُورِ لَهُ كَنَذَرْتُ لَك بِهَذَا عُمُرَك فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَصِحُّ أَيْضًا قِيَاسًا عَلَى الْهِبَةِ عَلَى صُورَةِ الْعُمْرَى فَيَمْلِكُهَا الْمَنْذُورُ لَهُ وَوَرَثَتُهُ مِنْ بَعْدِهِ وَلَا تَعُودُ لِلنَّاذِرِ مُطْلَقًا أَوْ لَا بِمُدَّةِ حَيَاةِ الْمَنْذُورِ لَهُ فَالْأَوْجَهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَنَا عَيْنٌ تُمْلَكُ بِصِيغَةٍ مُدَّةً ثُمَّ تَرْجِعُ إلَى الْمُمَلَّكِ بَعْدَ انْقِضَاءِ تِلْكَ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ رُجُوعِهِ لَا بِالْوَصِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَإِذَا امْتَنَعَتْ الْوَصِيَّةُ بِهَا كَذَلِكَ مَعَ أَنَّهَا أَوْسَعَ مِنْ النَّذْرِ فَالنَّذْرُ أَوْلَى وَأَيْضًا فَالتَّوْقِيتُ بِغَيْرِ عُمُرِ الْمُتَبَرَّعِ عَلَيْهِ لَمْ يُعْهَدْ فِي الْأَعْيَانِ بَلْ فِي الْمَنَافِعِ وَيَصِحُّ بِمَغْصُوبٍ وَنَجِسٍ يُقْتَنَى كَالْوَصِيَّةِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا

لَفْظُهُ اتَّفَقَا عَلَى بَيْعِ شَيْءٍ ثُمَّ قَالَ الْمُشْتَرِي إلَّا لَمْ أُوَفِّك الثَّمَنَ فَعَلَيَّ مِائَةُ دِينَارٍ نَذْرًا ثُمَّ أَبَى الشِّرَاءَ فَهَلْ تَلْزَمُهُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ لَا تَلْزَمُهُ الْمِائَةُ إذْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّ النَّذْرَ لَمْ يَنْعَقِدْ لِأَنَّهُ نَذَرَ إنْ لَمْ يُوَفِّ الثَّمَنَ وَبِامْتِنَاعِهِ عَنْ الشِّرَاءِ لَمْ يُوجَدْ الثَّمَنُ بَلْ صَارَ غَيْرَ مُمْكِنِ الْوُجُودِ وَبِهِ فَارَقَ قَوْلَهُ فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ إنَّ كَلِمَتَهُ فَعَلَيَّ كَذَا لِأَنَّهُ مُمْكِنُ الْوُجُودِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مُنْعَقِدٌ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مُمْكِنٌ وَلَوْ بَعْدَ الِامْتِنَاعِ وَعَلَيْهِ فَهُوَ نَذْرُ لَجَاجٍ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ مَا الْتَزَمَهُ وَالْكَفَّارَةِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ نَذَرَ لِمُقْرِضِهِ بِكَذَا إلَّا اعْتَاضَ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ فَهَلْ يَنْعَقِدُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَنْعَقِدُ لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ اللَّجَاجَ وَالتَّبَرُّرَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي نَظِيرِهِ فَإِنْ كَانَ الِاعْتِيَاضُ مَرْغُوبًا لَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الرِّفْقِ فَنَذْرُ تَبَرُّرٍ وَإِلَّا فَلَجَاجٌ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا لَفْظُهُ نَذَرَ لِاثْنَيْنِ مِنْ غَلَّةِ أَرْضِهِ كُلَّ سَنَةٍ بِكَذَا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا فَهَلْ يَنْتَقِلُ نَصِيبُ الْمَيِّتِ لِوَارِثِهِ أَمْ لِصَاحِبِهِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَنْتَقِلُ لِوَارِثِهِ لِمَا يَأْتِي فِي الْجَوَابِ عَنْ مَسْأَلَةِ مَا إذَا قَالَ لِآخَرَ فِي حَالِ صِحَّتِهِ نَذَرْت لَك إلَخْ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَالْوَقْفِ عَلَى اثْنَيْنِ ثُمَّ عَلَى ثَالِثٍ بِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَقْتَضِي الِانْتِقَالَ لِلْوَارِثِ بِخِلَافِ النَّذْرِ وَأَيْضًا فَثَمَّ شَرْطٌ فِي الِانْتِقَالِ لِمَنْ بَعْدَهُمَا مَوْتُهُمَا فَانْتَقَلَتْ حِصَّةُ الْمَيِّتِ لِصَاحِبِهِ الْمَوْجُودِ عَمَلًا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) هَلْ يُمْلَكُ الْمَنْذُورَ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ قَهْرًا فَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَهَلْ لِلْمَنْذُورِ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَهَلْ يَصِحُّ بِالْمَعْدُومِ كَمَا سَتَحْمِلُهُ هَذِهِ الدَّابَّةُ وَبِالْمَرْهُونِ وَإِذَا نَذَرَ بِدَيْنٍ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ مَنْ يُطَالِبُ النَّاذِرَ أَوْ الْمَنْذُورَ لَهُ وَهَلْ يَبْرَأُ النَّاذِرُ بِمُجَرَّدِ قَبْضِ الْمَنْذُورِ لَهُ.؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ نَذْرَ تَبَرُّرٍ مَلَكَهُ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ أَوْ نَذْرَ مُجَازَاةٍ لَمْ يَمْلِكْهُ إلَّا بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَلَا يُمْلَكُ قَهْرًا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ الرَّوْضَةِ لَوْ نَذَرَ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَقْبَلْ بَطَلَ وَمُرَادُهُ بِلَمْ يَقْبَلْ أَنَّهُ رَدَّ لَا أَنَّهُ سَكَتَ لِأَنَّ الشَّرْطَ عَدَمُ الرَّدِّ لَا خُصُوصُ الْقَبُولِ لِلْمُسَامَحَةِ فِي النَّذْرِ كَالْوَصِيَّةِ وَمِنْ ثَمَّ صَحَّ بِالْمَجْهُولِ وَبِغَيْرِ مَا يَمْلِكُهُ إنْ عَلَّقَهُ بِمِلْكِهِ كَإِنْ مَلَكْت هَذَا فَعَلَيَّ عِتْقٌ بِخِلَافِ عَلَيَّ عِتْقُ هَذَا وَهُوَ مِلْكُ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَغْوٌ وَمِثْلُهُ الْوَصِيَّةُ فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْكِتَابَةِ. وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ فِي الْوَصَايَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِمِلْكِ غَيْرِهِ أَيْ بِأَنْ يَقُولَ إنْ مَلَكْتُ هَذَا فَقَدْ أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ وَلَهُ التَّصَرُّفُ قَبْلَ الْقَبْضِ فِيمَا قَبِلَهُ أَيْ لَمْ يَرُدَّهُ كَمَا مَرَّ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْأَعْيَانِ وَالدُّيُونِ إذْ هِبَةُ الدَّيْنِ وَبَيْعُهُ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ جَائِزَانِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي الرَّوْضَةِ بِشُرُوطِهِ الْمُقَرَّرَةِ فِي مَحَلِّهِ فَكَذَا نَذْرُهُ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ النَّذْرَ يُتَسَامَحُ بِهِ فِي الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَيَصِحُّ النَّذْرُ بِالْمَعْدُومِ كَالْوَصِيَّةِ كَمَا قَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ مُعَاصِرِي مَشَايِخِنَا وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِ آخَرِينَ لَا يَصِحُّ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْأَوَّلِينَ إنَّهُ وَجَدَ الصِّحَّةَ مُصَرَّحًا بِهَا فِي كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَيَصِحُّ أَيْضًا بِالْمَرْهُونِ لَكِنْ إنْ عَلَّقَهُ بِالْفِكَاكِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ نَعَمْ إنْ كَانَ الْمَنْذُورُ الْعِتْقَ تَأَتَّى، فِيهِ تَفْصِيلُ عِتْقِ الْمَرْهُونِ وَمَتَى حَكَمْنَا بِمِلْكِ الْمَنْذُورِ لَهُ كَانَ هُوَ الْمُطَالَبَ بِهِ سَوَاءٌ الدَّيْنُ وَالْعَيْنُ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ لَا يَتَوَلَّى قَبْضَ الدَّيْنِ إلَّا النَّاذِرُ مُطْلَقًا بَعِيدٌ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا لَفْظُهُ مَا حَاصِلُ أَحْكَامِ النَّذْرِ لِقُبُورِ الْأَوْلِيَاءِ وَلِلْمَسَاجِدِ وَلِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ وَفَاتِهِ وَمَا حَاصِلُ مَا يَجِبُ فِي قِسْمَةِ ذَلِكَ النَّذْرِ هَلْ هُوَ عَلَى سُكَّانِ مَشْهَدِ الْمَنْذُورِ لَهُ مَعَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ وَمَنْ سَبَقَ مِنْهُمْ وَأَخَذَ النَّذْرَ يَفُوزُ بِهِ أَوْ يُشَارِكُهُ فِيهِ الْبَاقُونَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ النَّذْرُ لِلْوَلِيِّ إنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ غَالِبًا التَّصَدُّقُ عَنْهُ لِخُدَّامِ قَبْرِهِ وَأَقَارِبِهِ وَفُقَرَائِهِ فَإِنْ قَصَدَ النَّاذِرُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَطْلَقَ صَحَّ وَإِنْ قَصَدَ التَّقَرُّبَ لِذَاتِ الْمَيِّتِ كَمَا يَفْعَلُهُ أَكْثَرُ الْجَهَلَةِ لَمْ يَصِحَّ وَعَلَى هَذَا الْأَخِيرِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ أَبِي الْحَسَنِ الْأَزْرَقِ عَدَمَ صِحَّةِ النَّذْرِ لِلْمَيِّتِ وَفِي الْعَزِيزِ فِي النَّذْرِ لِقَبْرِ جُرْجَانَ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذُكِرَ وَحَذَفَهُ فِي الرَّوْضَةِ لِإِيهَامِهِ صِحَّةَ النَّذْرِ لِلْقَبْرِ مُطْلَقًا لَكِنَّ مُرَادَ الرَّافِعِيِّ كَمَا فِي الْخَادِمِ أَنَّ الْعُرْفَ اقْتَضَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى فُقَرَاءِ جِيرَانِ مَشْهَدِهِ أَوْ خَدَمَتِهِ. وَالنَّذْرُ لِلْمَسْجِدِ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ حُرٌّ يَمْلِكُ وَحِينَئِذٍ يُصْرَفُ لِمَصَالِحِهِ كَالْوَقْفِ عَلَيْهِ

فَلَا يُعْطِي خَدَمَتُهُ مِنْهُ شَيْئًا إلَّا إنْ صَرَّحَ النَّاذِرُ بِأَنَّهُ قَصَدَهُمْ وَحَيْثُ صَحَّ النَّذْرُ لِلْقَبْرِ عُمِلَ فِي قِسْمَةِ الْمَنْذُورِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْخُدَّامِ وَالْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ بِالْعَادَةِ الْمُطَّرِدَةِ فِي ذَلِكَ وَقْتَ النَّذْرِ إنْ عَلِمَهَا النَّاذِرُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ فِي بَابِ الْوَقْفِ مِنْ أَنَّهُ يُعْمَلُ فِيهِ بِالْعَادَةِ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا فِي الْعَادَةِ الْمَوْجُودِ فِيهَا هَذِهِ الشُّرُوطُ أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ الْوَاقِفِ فَكَذَا نَقُولُ هُنَا الْعَادَةُ الْمَذْكُورَةُ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ النَّاذِرِ فَيُعْمَلُ بِجَمِيعِ مَا حَكَمْت بِهِ فَلَوْ اُعْتِيدَ أَنَّ مَنْ خَرَجَ وَسَبَقَ إلَى النَّاذِرِ وَأَخَذَ مِنْهُ فَازَ بِهِ عَمِلَ بِذَلِكَ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ قَالَ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ رَحِمَهُ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَعْدَ ذِكْرِهِ نَحْوَ مَا قَدَّمْتُهُ وَكَذَا الْقَوْلُ فِيمَنْ نَذَرَ بِهِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ قَصَدَ النَّاذِرُ خُدَّامَهُ أَوْ جِيرَانَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُمِلَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ قَصْدُهُ وَاطَّرَدَ الْعُرْفُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حُمِلَ النَّذْرُ عَلَيْهِ. اهـ. وَلَمْ يُقَيِّدْ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمْتُهُ أَنَّ شَرْطَ الْعَمَلِ بِالْعَادَةِ أَنْ يَعْرِفَهَا النَّاذِرُ حِين النَّذْرِ وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ لِمَا عَلِمْتُهُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الْوَقْفِ فَإِنْ عُلِمَ مِنْ حَالِ النَّاذِرِ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ تِلْكَ الْعَادَةَ الْمُطَّرِدَةَ فِي وَقْتٍ أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي حَالَةِ الشَّكِّ حَمْلُهُ عَلَى الْعِدَّةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ النَّاذِرَ أَحَاطَ بِهَا وَأَمَّا فِي حَالَةِ الْعِلْمِ بِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بِهَا فَيَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِيهِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ يُنْظَرُ لِعُرْفِ أَهْلِ بَلَدِ النَّاذِرِ فِي نَذْرِهِمْ لِلْقُبُورِ فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ بَلَدُهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عُرْفٌ فِي ذَلِكَ اُعْتُبِرَتْ الْعَادَةُ الَّتِي يَقْصِدُهَا أَغْلَبُ النَّاسِ. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَمَّنْ قَالَ لِآخَرَ فِي حَالِ صِحَّتِهِ نَذَرْت لَك بِصَاعٍ مَثَلًا مِنْ أَرْضِي كُلَّ سَنَةٍ مُدَّةَ حَيَاتِك ثُمَّ مَاتَ الْمَنْذُورُ لَهُ فَهَلْ يَبْطُلُ النَّذْرُ أَوْ يُسَلِّمُهُ لِوَرَثَتِهِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ لَا يَبْطُلُ النَّذْرُ بِمَوْتِهِ بَلْ يُسَلِّمُهُ لِوَرَثَتِهِ كُلَّ سَنَةٍ لِأَنَّهُ لَمَّا نَذَرَ لَهُ بِذَلِكَ مِنْ أَرْضِهِ وَصَحَّ النَّذْرُ صَارَ ذَلِكَ حَقًّا لِلْمَنْذُورِ لَهُ مُتَعَلِّقًا بِعَيْنِ تِلْكَ الْأَرْضِ فَيَنْتَقِلُ لِوَرَثَتِهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَبَحَثَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْيَمَنِ أَنَّهُ بَعْدَ الْمَوْتِ يَعْتَبِرُ الْمَنْذُورُ بِهِ مِنْ الثُّلُثِ فَيَنْفُذُ فِيهِ إنْ خَرَجَ مِنْهُ وَإِلَّا فَبِالْحِصَّةِ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُ خِلَافُ مَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ إذَا عَلَّقَهَا بِالْمَوْتِ أَوْ وَقَعَتْ فِي الْمَرَضِ وَأَمَّا التَّصَرُّفُ فِي الصِّحَّةِ فَهُوَ نَافِذٌ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. اهـ. وَفِي هَذَا الرَّدِّ نَظَرٌ بَلْ الْوَصِيَّةُ مُعْتَبَرَةٌ مِنْ الثُّلُثِ وَإِنْ وَقَعَتْ فِي الصِّحَّةِ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ فِيهَا إنَّمَا يُوجَدُ بِالْمَوْتِ فَلَا يُقَاسُ مَا نَحْنُ فِيهِ بِهَا وَإِنَّمَا غَايَةُ مَا لَمَحَهُ ذَلِكَ الْبَاحِثُ أَنَّ النَّاذِرَ عَلَّقَ بِتِلْكَ الْأَرْضِ اسْتِحْقَاقًا فِي صِحَّتِهِ وَاسْتِحْقَاقًا فِي مَرَضِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ فَمَا فِي صِحَّتِهِ أَمْرُهُ وَاضِحٌ وَمَا فِي مَرَضِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ غَايَتُهُ أَنَّهُ كَالْوَصِيَّةِ فِي صِحَّتِهِ وَقَدْ صَرَّحُوا فِيهَا بِأَنَّهَا تُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ وَقَعَتْ مُعَلَّقَةً بِالْمَوْتِ ابْتِدَاءً وَقَصْدًا وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا وَقَعَ التَّعْلِيقُ بِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ تَبَعًا وَفِي الْأَثْنَاءِ يُغْتَفَرُ فِي التَّابِعِ وَالْوَاقِعِ فِي الْأَثْنَاءِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَقْصُودِ وَالْوَاقِعِ فِي الِابْتِدَاءِ. (سُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَلْ يَجُوزُ النَّذْرُ بِدَيْنِ السَّلَمِ أَوْ لَا كَالْحَوَالَةِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ مَشَى جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ عَلَى الْجَوَازِ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ وَغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ وَقُرْبَةٍ وَلَا مُعَاوَضَةَ بِخِلَافِ نَحْوِ بَيْعِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ يَصِحُّ النَّذْرُ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ أَوْ لِأَحَدِ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ لَا يَصِحُّ النَّذْرُ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ كَالْوَصِيَّةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِيهَا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِيهِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا لَفْظُهُ مَا تَقُولُونَ فِيمَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ فِي زَمَنٍ مُعَيَّنٍ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ لَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا نَصُّوا عَلَيْهِ فِي الْوَقْفِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ خُصِّصَ الصَّرْفُ بِزَمَنٍ كَالْجُمُعَةِ وَرَمَضَانَ مَثَلًا أَنَّهُ يَتْبَعُ تَخْصِيصَهُ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّذْرِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ الْفَرْقُ بَيْنَ النَّذْرِ وَالْوَقْفِ وَاضِحٌ وَهُوَ أَنَّ الْغَالِبَ فِي النَّذْرِ أَنَّهُ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ الْوَاجِبِ مِنْ جِنْسِهِ وَهُوَ هُنَا الزَّكَاةُ وَهِيَ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى وَقْتِهَا لَا تَأْخِيرُهَا عَنْهُ عَلَى مَا فَصَّلُوهُ فِيهَا فَأُلْحِقَ النَّذْرُ بِهَا فِي ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ الْمَحْكِيِّ فِي السُّؤَالِ وَأَمَّا الْوَقْفُ

فَأَحْكَامُهُ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا فَاتُّبِعَ فِيهِ تَعْيِينُ الْوَاقِفِ إذْ لَا مُوجِبَ لِلْخُرُوجِ عَنْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ. (وَسُئِلَ) هَلْ يَصِحُّ النَّذْرُ مُؤَقَّتًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَصِحُّ مُؤَقَّتًا فِي الْمَنْفَعَةِ كَالْوَصِيَّةِ لَا فِي الْعَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَوْقِيتُ الْمِلْكِ ثُمَّ عَوْدُهُ نَعَمْ إنْ قَيَّدَهُ بِمُدَّةِ عُمُرِهِ صَحَّ لِأَنَّهُ لَا تَوْقِيتَ فِيهِ فِي الْحَقِيقَةِ. (وَسُئِلَ) هَلْ يَجُوزُ النَّذْرُ لِلْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ عَلَى الْحَالِّ بِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَلِلْأَوْلِيَاءِ وَالصُّلَحَاءِ مُطْلَقًا أَوْ عَلَى تَفْصِيلٍ وَمَا مَصْرَفُهُ وَمَا مُحَصَّلُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي الْوَصِيَّةِ لِقَبْرِ جُرْجَانَ وَهَلْ الْوَقْفُ عَلَى الْحَرَمَيْنِ يُصْرَفُ لِسَاكِنِهِمَا أَوْ لِمَصَالِحِهِمَا وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِعِمَارَةِ دَارٍ بِخِلَافِ الْوَقْفِ فَمَا الْفَرْقُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ عِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ وَفِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِكَذَا عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ عَيَّنَهُ وَجَبَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِمْ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا لَوْ نَذَرَ بَعْثَهُ إلَى الْقَبْرِ الْمَعْرُوفِ بِجُرْجَانَ فَإِنَّ مَا يَجْتَمِعُ بِهِ عَلَى مَا يُحْكَى يُقْسَمُ عَلَى جَمَاعَةٍ مَعْلُومِينَ. اهـ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ أَسْقَطَ مِنْ الرَّوْضَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ مَعَ الِاحْتِيَاجِ لِلثَّانِيَةِ وَغَرَابَتِهَا. اهـ. وَمُرَادُهُ غَرَابَتُهَا مِنْ حَيْثُ النَّقْلُ لَا مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ وَإِلَّا فَقَدْ اتَّفَقَتْ الْأَئِمَّةُ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ الْعَادَةَ مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ شَرْطِ الْوَاقِفِ وَمِثْلُهُ النَّاذِرُ فِي وَقْفِهِ صَرِيحًا. وَالْعَادَةُ هُنَا جَارِيَةٌ بِأَنَّ الْمُجْتَمَعَ يُقْسَمُ عَلَى جَمَاعَةٍ مَعْلُومِينَ فَصَارَ النَّذْرُ لِلْقَبْرِ نَذْرًا لِأُولَئِكَ الْجَمَاعَةِ عَمَلًا بِالْعَادَةِ وَمِنْ ثَمَّ نَقَلَ الْقَمُولِيُّ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ وَأَقَرَّهُ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي نَذْرِ الشُّمُوعِ حَيْثُ قَالَ وَأَمَّا النَّذْرُ لِلْمَشَاهِدِ الَّذِي بُنِيَتْ عَلَى قَبْرِ وَلِيٍّ أَوْ نَحْوِهِ فَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْإِيقَادَ عَلَى الْقَبْرِ وَلَوْ مَعَ قَصْدِ التَّنْوِيرِ فَلَا وَإِنْ قَصَدَ بِهِ وَهُوَ الْغَالِبُ مِنْ الْعَامَّةِ تَعْظِيمَ الْبُقْعَةِ أَوْ الْقَبْرِ أَوْ التَّقَرُّبَ إلَى مَنْ دُفِنَ فِيهَا أَوْ نُسِبَتْ إلَيْهِ فَهَذَا نَذْرٌ بَاطِلٌ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ فَإِنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ لِهَذِهِ الْأَمَاكِنِ خُصُوصِيَّاتٍ لَا تُفْهَمُ وَيَرَوْنَ أَنَّ النَّذْرَ لَهَا مِمَّا يَدْفَعُ الْبَلَاءَ قَالَ وَحُكْمُ الْوَقْفِ كَالنَّذْرِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ. اهـ. وَوَجْهُ عَدَمِ الْمُنَافَاةِ أَنَّ مِنْ الْوَاضِحِ الْفَرْقَ بَيْنَ نَذْرِ مَا يُوقَدُ وَنَذْرِ غَيْرِهِ فَمَا يُوقَدُ إنْ قَصَدَ بِهِ الْإِيقَادَ عَلَى الْقَبْرِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ التَّنْوِيرِ أَوْ تَعْظِيمِ الْبُقْعَةِ أَوْ التَّقَرُّبِ لِمَنْ فِيهَا بَطَلَ لِفَسَادِ هَذَا الْقَصْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ بِهِ مُجَرَّدَ التَّنْوِيرِ وَكَانَ هُنَاكَ مَنْ يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ النُّورِ فَإِنَّ هَذَا قَصْدٌ صَحِيحٌ فَيَلْزَمُ وَأَمَّا نَذْرُ الدَّرَاهِمِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ هَذَا التَّفْصِيلُ جَمِيعُهُ فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَتَأَتَّى فِيهِ أَنَّهُ قَصَدَ بِهَذَا النَّذْرِ التَّقَرُّبَ لِمَنْ فِي الْقَبْرِ بَطَلَ لِأَنَّ الْقُرَبَ إنَّمَا يُتَقَرَّبُ بِهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا إلَى خَلْقِهِ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ هَذَا كُلَّهُ حَيْثُ لَا عُرْفَ مُطَّرِدًا فِي زَمَنِ النَّاذِرِ أَوْ الْوَاقِفِ. أَمَّا حَيْثُ اطَّرَدَ الْعُرْفُ بِأَنَّ الشُّمُوعَ وَالْأَمْوَالَ الَّتِي تَأْتِي لِهَذَا الْقَبْرِ تُصْرَفُ فِي مَصَالِحِهِ أَوْ مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ أَوْ أَهْلِ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ أَوْ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ وَلَمْ يَقْصِدْ بِالنَّذْرِ التَّقَرُّبَ لِمَنْ فِي الْقَبْرِ فَإِنَّ ذَلِكَ صَحِيحٌ وَلَا يَسَعُ الْأَذْرَعِيَّ وَلَا غَيْرَهُ الْمُخَالَفَةُ فِي ذَلِكَ وَيُصْرَفُ لِمَنْ اُعْتِيدَ صَرْفُهُ لَهُ وَالْأَذْرَعِيُّ إنَّمَا قَالَ فِيمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي قَبْرِ جُرْجَانَ هَذَا كَلَامُ مَضَلَّةٍ لِأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ الرَّافِعِيَّ يَقُولُ بِالصِّحَّةِ وَإِنْ قَصَدَ التَّقَرُّبَ لِلْقَبْرِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بَلْ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ النَّاذِرَ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ بَلْ إمَّا أَنْ يَكُونَ أَطْلَقَ فَتَكُونُ الْعَادَةُ الْجَارِيَةُ مُخَصِّصَةً لِهَذَا الْإِطْلَاقِ وَمُفِيدَةٌ لَهُ عَمَلًا بِقَوْلِ الْأَئِمَّةِ السَّابِقِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى الصَّرْفَ إلَى مَنْ اُعْتِيدَ الصَّرْفَ إلَيْهِمْ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي فِي الْمَسْأَلَةِ اعْتِمَادُ التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ مِنْ أَنَّ النَّاذِرَ أَوْ الْوَاقِفَ حَيْثُ عَلِمَ بِعَادَةٍ اطَّرَدَتْ فِي ذَلِكَ الْقَبْرِ الَّذِي نَذَرَ لَهُ أَوْ وَقَفَ عَلَيْهِ صَحَّ وَعَمِلَ فِي الْمَنْذُورِ. وَالْمَوْقُوفِ بِمَا اطَّرَدَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَحَيْثُ لَا عَادَةَ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَصَالِحُ يَقْصِدُ الصَّرْفَ فِيهَا كَعِمَارَةِ مَسْجِدٍ هُوَ فِيهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَجَبَ الصَّرْفُ لَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَصَالِحُ وَلَا عَادَةٌ أَوْ قَصَدَ التَّقَرُّبَ بِذَلِكَ إلَى صَاحِبِ الْقَبْرِ وَإِنْ كَانَ نَبِيًّا لَمْ يَصِحَّ مُطْلَقً. اهـ. ذَا إنْ كَانَ الْمَنْذُورُ أَوْ الْمَوْقُوفُ غَيْرَ شَمْعٍ أَوْ زَيْتٍ وَإِلَّا اُشْتُرِطَ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ يَنْتَفِعُ بِإِيقَادِهِ هُنَاكَ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ الْجَوَابُ عَنْ النَّذْرِ لِلْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ وَأَنَّهُ يُصْرَفُ لِمَصَالِحِهَا مَا لَمْ يُقْصَدْ صَرْفُهُ إلَى أُنَاسٍ مُعَيَّنِينَ وَيَكُونُ النَّاذِرُ أَوْ الْوَاقِفُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ يَقْصِدُ صَرْفَهُ

إلَى أُنَاسٍ مُعَيَّنِينَ وَيَكُونُ النَّاذِرُ أَوْ الْوَاقِفُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْعُرْفِ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الثَّانِي فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ الذَّبْحَ بِمِصْرَ مَثَلًا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِتَفْرِقَةِ اللَّحْمِ عَلَى أَهْلِهَا بِلَفْظٍ وَلَا نِيَّةٍ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ خِلَافًا لِلْمُزَنِيِّ وَأَبِي إِسْحَاقَ فَإِنْ ذَكَرَ لَفْظَ التَّصَدُّقِ أَوْ نَوَاهُ أَوْ لَفْظَ الْأُضْحِيَّةِ تَعَيَّنَ الذَّبْحُ بِهَا وَتَفْرِقَتُهُ عَلَى فُقَرَائِهَا وَبِأَنَّهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يُهْدِيَ مَالًا مُعَيَّنًا لِلْحَرَمِ كَدَرَاهِمَ وَغَيْرِهَا لَزِمَهُ مَا سَمَّى وَيَجِبُ صَرْفُهُ إلَى مَسَاكِينِهَا أَوْ لِغَيْرِ الْحَرَمِ. فَإِنْ صَرَّحَ بِصَرْفِهِ فِي عِمَارَةِ مَسْجِدٍ هُنَاكَ أَوْ قُرْبَةٍ أُخْرَى أَوْ نَوَى صَرْفَهُ فِيهِ صُرِفَ لِمَسَاكِينِهِ الْمُقِيمِينَ أَوْ الْوَارِدِينَ وَقَدْ أَفْتَى الْوَلِيّ الْعِرَاقِيُّ فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَأَطْلَقَ هَلْ يُصْرَفُ لِمَصَالِحِهِمَا مِنْ الْحُصْرِ وَالْقَنَادِيلِ أَوْ لِلْفُقَرَاءِ الْمُجَاوِرِينَ بِهَا وَمُلَخَّصُ جَوَابِهِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَسْجِدٍ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ كَبَقِيَّةِ الصَّرْفِ فِيهِ فَقِيلَ لَا يَصِحُّ فَعَلَيْهِ، الْوَقْفُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ بَاطِلٌ وَالْمُعْتَمَدُ الصِّحَّةُ وَعَلَيْهِ قَالَ الْبَغَوِيّ هُوَ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ وَحِينَئِذٍ فَلَا حَقَّ فِي هَذَا الْوَقْفِ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ الْمُجَاوِرِينَ بِالْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَإِنَّمَا يُصْرَفُ ذَلِكَ فِي عِمَارَةِ الْجُدَرَانِ وَالتَّجْصِيصِ الَّذِي فِيهِ إحْكَامٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ ثُمَّ قَالَ آخِرَ كَلَامِهِ. وَظَهَرَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ يُصْرَفُ فِي الصُّورَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا إلَى عِمَارَةِ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ وَإِلَى الْمَكَانِسِ وَنَحْوِهَا وَإِلَى الْفَرَّاشِينَ وَالْأَئِمَّةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ وَلَا يَجُوزُ لِفُقَرَائِهِمَا. اهـ. وَهَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ الْمَسْجِدَانِ بِأَنْ عُلِمَ مِنْ الْوَاقِفِ ذَلِكَ أَمَّا لَوْ أَطْلَقَ وَأَرَادَ بِالْحَرَمَيْنِ الْأَعَمَّ مِنْ الْمَسْجِدَيْنِ فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الصَّرْفُ إلَى مَسَاكِينِهِمَا الْمُقِيمِينَ وَالْوَارِدِينَ ثُمَّ رَأَيْتُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْخَادِمِ فِي بَابِ النَّذْرِ فِي نَذْرِ التَّصَدُّقِ. وَعِبَارَتُهُ وَقَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ إنْ عَيَّنَ قَوْمًا تَعَيَّنُوا وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ فَلَمْ أَرَ لِلْأَصْحَابِ فِيهِ شَيْئًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ يُصْرَفُ إلَى مَنْ تُصْرَفُ إلَيْهِ الزَّكَاةُ سِوَى الْعَامِلِينَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُطْلَقَ النَّذْرِ يُحْمَلُ عَلَى الْوَاجِبِ الشَّرْعِيِّ أَوْ عَلَى أَقَلِّ مُمْكِنٍ هَذَا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَأَمَّا إنْ نَذَرَ لِلْحَرَمِ فَنَصُّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى تَعْيِينِ مَسَاكِينِهِ. اهـ. فَظَهَرَ أَنَّ مَا بَحَثْتُهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ مِنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ فَلِلَّهِ أَتَمُّ الْحَمْدِ وَأَكْمَلُهُ عَلَى ذَلِكَ وَغَيْرِهِ مِنْ نِعَمِهِ الْمُتَوَاتِرَةِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الثَّالِثِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ أَنَّهَا أَوْسَعُ مِنْهُ بِدَلِيلِ صِحَّتِهَا لِلْحَمْلِ بِشَرْطِهِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْوَقْفَ يَسْتَلْزِمُ الْخُرُوجَ عَنْ الْمِلْكِ حَالًا بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ وَبِدَلِيلِ صِحَّتِهَا لِلْعَبْدِ سَوَاءٌ أَطْلَقَ أَوْ قَصَدَ تَمْلِيكَهُ بِخِلَافِ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ إذَا قَصَدَ تَمْلِيكَهُ بَطَلَ وَجْهُهُ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ هُنَا مُنْتَظَرٌ فَقَدْ يُعَلَّقُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَيُسْتَحَقُّ أَوْ لَا فَلِمَالِكِهِ بِخِلَافِهِ ثَمَّ فَإِنَّهُ نَاجِزٌ وَلَيْسَ الْعَبْدُ أَهْلًا لَلْمِلْكِ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ عَلَى عِمَارَةِ دَارِ زَيْدٍ دُونَ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إذَا كَانَتْ غَيْرَ مَوْقُوفَةٍ بِأَنَّ الْوَقْفَ عَلَيْهَا إذَا صَحَّ يَكُونُ وَقْفًا عَلَى مَالِهَا فَيَكُونُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ غَيْرَ مَقْصُودٍ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ غَيْرُهُ وَالْوَقْفُ لَا يَقْبَلُ النَّقْلَ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهَا تَقْبَلُ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهَا هَلْ يَتَعَيَّنُ صَرْفُهَا فِيهَا قِيَاسًا عَلَى عَلَفِ الدَّابَّةِ أَوْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ عَلَفَ الدَّابَّةِ يُقْصَدُ التَّقَرُّبُ بِهِ لِأَنَّ ذَاتَهُ قُرْبَةٌ بِخِلَافِ عِمَارَةِ الدَّارِ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ فَإِنْ قُلْت فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْعِمَارَةِ وَعَلَفِ الدَّابَّةِ إذَا قَصَدَهُ قُلْت الْفَرْقُ مَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْعَلَفَ قُرْبَةٌ ذَاتِيَّةٌ فَصَحَّ قَصْدَهُ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْعِمَارَةِ فَإِنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ غَيْرُهُ وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ. (وَسُئِلَ) عَنْ النَّذْرِ لِلْأَوْلِيَاءِ هَلْ يَصِحُّ وَيَجِبُ تَسْلِيمُ الْمَنْذُورِ إلَيْهِمْ إنْ كَانُوا أَحْيَاءً أَوْ لِأَيِّ فَقِيرٍ أَوْ مِسْكِينٍ كَانَ وَإِذَا كَانَ الْوَلِيُّ مَيِّتًا فَهَلْ يُصْرَفُ لِمَنْ فِي ذُرِّيَّتِهِ أَوْ أَقَارِبِهِ أَوْ لِمَنْ يَنْهَجُ مَنْهَجَهُ أَوْ يَجْلِسُ فِي حَلْقَتِهِ أَوْ لِفَقِيرِهِ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ وَمَا حُكْمُ النَّذْرِ بِتَجْصِيصِ قَبْرِهِ أَوْ حَائِطِهِ فَهَلْ يَصِحُّ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ النَّذْرُ لِلْوَلِيِّ الْحَيِّ صَحِيحٌ وَيَجِبُ صَرْفُهُ إلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْهُ لِغَيْرِهِ. وَأَمَّا النَّذْرُ لِوَلِيٍّ مَيِّتٍ فَإِنْ قَصْدَ النَّاذِرُ الْمَيِّتَ بَطَلَ نَذْرُهُ وَإِنْ قَصْدَ قُرْبَةً أُخْرَى كَأَوْلَادِهِ وَخُلَفَائِهِ أَوْ إطْعَامَ الْفُقَرَاءِ الَّذِينَ عِنْدَ قَبْرِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْقُرَبِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِذَلِكَ الْوَلِيِّ صَحَّ النَّذْرُ وَوَجَبَ

صَرْفُهُ فِيمَا قَصَدَ النَّاذِرُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا لَمْ يَصِحَّ إلَّا إنْ اطَّرَدَتْ عَادَةُ النَّاسِ فِي زَمَنِ النَّاذِرِ بِأَنَّهُمْ يَنْذِرُونَ لِلْمَيِّتِ وَيُرِيدُونَ جِهَةً مَخْصُوصَةً مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَعَلِمَ النَّاذِرُ بِتِلْكَ الْعَادَةِ الْمُطَّرِدَةِ الْمُسْتَقِرَّةِ فَالظَّاهِرُ تَنْزِيلُ نَذْرِهِ عَلَيْهِ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي الْوَقْفِ مِنْ أَنَّ الْعَادَةَ الْمُسْتَقِرَّةَ الْمُرَادَةَ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ شَرْطِهِ. وَالنَّذْرُ لِلتَّجْصِيصِ الْمَذْكُورِ بَاطِلٌ نَعَمْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْأَذْرَعِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ يَصِحُّ ذَلِكَ فِي قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْقَبْرُ بِمَحَلٍّ لَا يُؤْمَنُ عَلَى الْمَيِّتِ الَّذِي فِيهِ مِنْ السَّبُعِ أَوْ سَرِقَةِ الْكَفَنِ أَوْ إخْرَاجِ نَحْوِ مُبْتَدَعَةٍ أَوْ كُفَّارٍ لَهُ إلَّا بِالتَّجْصِيصِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بَلْ يُنْدَبُ وَيَصِحُّ نَذْرُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ كَمَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا نَذَرَ مَدِينٌ لَدَائِنِهِ كُلَّ يَوْمٍ بِكَذَا مَا دَامَ دَيْنُهُ فِي ذِمَّتِهِ أَوْ رَهَنَهُ بِدَيْنِهِ أَرْضًا وَنَذَرَ لَهُ بِمَنْفَعَتِهَا مَادَامَ الدَّيْنُ بَاقِيًا بِذِمَّتِهِ هَلْ يَصِحُّ النَّذْرُ وَيَلْزَمُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى جَمَاعَةٌ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْمِصْرِيِّينَ وَالْيَمَنِيِّينَ بِالصِّحَّةِ وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ لِأَنَّ النَّذْرَ حِينَئِذٍ شَبِيهٌ بِالْمُعَاوَضَةِ أَوْ فِيهِ شَائِبَةُ مُعَاوَضَةٍ وَالنَّذْرُ يُصَانُ عَنْ الْمُعَاوَضَةِ إذْ هُوَ الْتِزَامُ قُرْبَةٍ وَأَجَابَ بَعْضُ الْأَوَّلِينَ بِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ عَلَى تِلْكَ الْمُشَابَهَةِ مِنْ لَفْظِ النَّاذِرِ بَلْ مِنْ قَصْدِهِ النَّذْرَ بِذَلِكَ فِي مُقَابَلَةِ صَبْرِهِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ شَبِيهٌ بِالْقَرَائِنِ وَالْمُوَاطَأَةِ فِي الْعُقُودِ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَدَمُ اعْتِبَارِ تِلْكَ الْقَرَائِنِ وَالْمُوَاطَأَةِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي الْبُيُوعِ وَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِمَا وَإِذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ دَلَالَةِ الْأَلْفَاظِ وَدَلَالَةِ الْقَرَائِنِ غُلِّبَتْ الْأُولَى فَإِنْ قُلْت صَرَّحُوا بِأَنَّ الْقَصْدَ يُصَيِّرُ الْعَقْدَ مَكْرُوهًا فِي نَحْوِ حِيَلِ الرِّبَا وَنِكَاحِ الْمُحَلِّلِ فَقِيَاسُهُ إنْ قَصَدَ ذَلِكَ بِالنَّذْرِ يَصِيرُ مَكْرُوهًا وَنَذْرُ الْمَكْرُوهِ لَا يَنْعَقِدُ قُلْت إطْلَاقُ أَنَّ النَّذْرَ الْمَكْرُوهَ لَا يَنْعَقِدُ غَيْرُ صَحِيحٍ. فَقَدْ صَرَّحُوا بِنَذْرِ صَوْمِ الْجُمُعَةِ مَعَ كَرَاهَتِهِ وَأَخَذْت مِنْهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمَكْرُوهَ عَلَى قِسْمَيْنِ مَكْرُوهٌ لِذَاتِهِ وَمَكْرُوهٌ لِعَارِضٍ مَعَ كَوْنِهِ قُرْبَةً وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ بِخِلَافِ الثَّانِي ثُمَّ عَلَى الصِّحَّةِ قَالَ بَعْضُ الْأَوَّلِينَ فِي صُورَةِ الْأَرْضِ إنَّ النَّذْرَ لَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ النَّاذِرِ بَلْ يَبْقَى لِوَرَثَتِهِ وَيُحْسَبُ مِنْ الثُّلُثِ وَقَدْ مَرَّ بَسْطُ نَظِيرِ ذَلِكَ فِي جَوَابٍ قَبْلَ هَذَا وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ عَدَمَ بُطْلَانِهِ بِمَوْتِهِ فَإِنَّ تَأْخِيرَ قَضَاءِ الدَّيْنِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَدِينِ حَرَامٌ مَعَ الطَّلَبِ وَمَكْرُوهٌ مَعَ عَدَمِهِ وَكُلٌّ مِنْ الْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ قَالَ فَاَلَّذِي نَجْزِمُ بِهِ الْبُطْلَانُ بِمَوْتِ النَّاذِرِ وَكَانَ نَذْرُهُ اشْتَمَلَ عَلَى قُرْبَةٍ وَغَيْرِهَا فَصَحَّ فِي الْقُرْبَةِ وَبَطَلَ فِي غَيْرِهَا قَالَ وَقَدْ رَأَيْت لِبَعْضِ عُلَمَاءِ الْيَمَنِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ النَّذْرَ وَقَعَ خَالِيًا عَنْ ذِكْرِ ذَلِكَ الْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهُ وَإِنَّمَا كُلٌّ مِنْهُمَا شَيْءٌ طَرَأَ بَعْدَ انْعِقَادِ النَّذْرِ وَلُزُومِهِ فَلَا يَبْطُلُ النَّذْرُ فِيهِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ تَابِعٌ لَا مَقْصُودٌ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ لَا يَصْبِرُ عَلَى الْإِضَافَةِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِمَا يَحْتَاجُهُ لِنَفْسِهِ وَكَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَكَيْفَ يُعْرَفُ مَنْ يَصْبِرُ وَمَنْ لَا يَصْبِرُ وَلَوْ نَذَرَ أَوْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ عَلَى شَخْصٍ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لَا يَصْبِرُ يُقْبَلُ بِيَمِينِهِ أَوْ بِشَاهِدَيْنِ أَوْ لَا يُقْبَلُ مُطْلَقًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَذْرُ التَّصَدُّقِ بِجَمِيعِ الْمَالِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَهُ عِيَالٌ حَرَامٌ فَلَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَكَذَا الْمَكْرُوهُ لِذَاتِهِ لَا لِعَارِضٍ كَصَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَيَصِحُّ نَذْرُهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَابِ النَّذْرِ خِلَافًا لِمَنْ وَهِمَ فِيهِ. أَمَّا لَوْ نَذَرَ بِمَا فَضَلَ عَنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ وَعَنْ حَاجَةِ نَفْسِهِ أَوْ كَانَ يَصْبِرُ عَلَى الْإِضَافَةِ فَيَصِحُّ نَذْرُهُ وَالْمُرَادُ بِالْكِفَايَةِ مَا يَكْفِي لِنَفَقَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَكِسْوَةِ فَصْلٍ وَلَا يُقْبَلُ دَعْوَى نَاذِرٍ أَوْ مُتَصَدِّقٍ فِي عَدَمِ صَبْرِهِ بَلْ يُصَدَّقُ الْمَنْذُورُ لَهُ بِيَمَنِهِ أَخْذًا بِقَاعِدَةِ تَصْدِيقِ مُدَّعِي الصِّحَّةِ غَالِبًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصْبِرُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْهُ فَلَا اطِّلَاعَ لِلْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْإِعْسَارِ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالظَّاهِرِ فَيُمْكِنُ عِلْمُهُ بِخِلَافِ الصَّبْرِ وَعَدَمِهِ فَإِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَلْبِ وَهُوَ لَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ وَبِفَرْضِ أَنَّ لَنَا اطِّلَاعًا عَلَيْهِ بِقَرَائِنِ أَحْوَالِهِ كَالْإِعْسَارِ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ غَيْرُ مِلْكِهِ أَوْ وَقْفٌ لَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ لَوْ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ أَوْ شَاهِدًا وَحَلَفَ مَعَهُ أَنَّهُ لَا يَصْبِرُ عَلَى الْإِضَافَةِ عَمِلَ بِذَلِكَ

باب القضاء

وَانْتَزَعَ الْمَالَ مِنْ الْمَنْذُورِ لَهُ خُصُوصًا إذَا ادَّعَى الْجَهْلَ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْمَالُ فَيُقْبَلُ مِنْهُ وَيَعْتَمِدُ الشَّاهِدُ فِي الْإِضَافَةِ قَرَائِنَ الْأَحْوَالِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ صِدِّيقٌ مُلَازِمٌ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ صَبْرُهُ وَعَدَمُ صَبْرِهِ عَلَى الْمَشَقَّةِ فَيَشْهَدُ حِينَئِذٍ عَلَى مَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ عَدَمِ صَبْرِهِ عَلَى الْإِضَافَةِ حَيْثُ عُرِفَ مِنْهُ ذَلِكَ. اهـ. وَكُلُّهُ مَرْدُودٌ بِمَا قَدَّمْته فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ. (وَسُئِلَ) إذَا نَذَرَ شَخْصٌ نَذْرًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَلْ يَمْلِكُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُرْصَدُ لِمَصَالِحِ حُجْرَتِهِ أَوْ لِمَصَالِحِ مَسْجِدِهِ أَوْ لِأَهْلِهِ فَإِذَا صُرِفَ فَهَلْ يُصْرَفُ لِبَنِي الْحَسَنَيْنِ أَوْ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ أَوْ لِخُدَّامِ حُجْرَتِهِ أَوْ لِخُدَّامِ مَسْجِدِهِ أَوْ لِسُكَّانِ بَلَدِهِ أَمْ لَا وَإِذَا أَخَذَ نَذْرَهُ أَحَدُ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ جَازَ لَهُ ذَلِكَ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْأَذْرَعِيِّ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ مَنْ نَذَرَ شَيْئًا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ قَصَدَ صَرْفَهُ فِي قُرْبَةٍ تَتَعَلَّقُ بِمَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ بِجِيرَانِهِ أَوَبِغَيْرِهِمَا صَحَّ نَذْرُهُ وَعُمِلَ فِيهِ بِقَصْدِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا فَإِنْ اطَّرَدَ الْعُرْفُ بِصَرْفِ مَا يُنْذَرُ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِجِهَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَعَلِمَ النَّاذِرُ بِذَلِكَ الْعُرْفِ وَقْت النَّذْرِ صَحَّ النَّذْرُ أَيْضًا وَوَجَبَ صَرْفُهُ لِتِلْكَ الْجِهَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنْ لَمْ يَطَّرِدْ بِشَيْءٍ أَوْ جَهِلَهُ النَّاذِرُ وَلَا قَصْدَ لَهُ كَمَا تَقَرَّرَ فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ النَّذْرُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ قُرْبَةً وَلَمْ يُوجَدْ عُرْفٌ يَنْزِلُ عَلَيْهِ وَإِذَا خَرَجَ النَّذْرُ عَنْ هَذَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ لَفْظُهُ مَوْضُوعًا لِلْقُرْبَةِ كَانَ بَاطِلًا. (وَسُئِلَ) عَنْ النَّذْرِ لِوَلِيٍّ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ وَالْوَقْفِ عَلَيْهِ هَلْ يَصِحُّ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّ النَّذْرَ أَوْ الْوَقْفَ لِمَشَاهِدِ الْأَوْلِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ صَحِيحٌ إنْ نَوَى النَّاذِرُ أَوْ الْوَاقِفُ أَهْلَ ذَلِكَ الْمَحَلِّ أَوْ صَرْفَهُ فِي عِمَارَتِهِ أَوْ مَصَالِحِهِ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْقُرَبِ وَكَذَا إنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا وَيُصْرَفُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِمَا ذُكِرَ مِنْ مَصَالِحِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَصَدَ بِذَلِكَ التَّقَرُّبَ إلَى مَنْ دُفِنَ هُنَاكَ أَوْ يُنْسَبُ إلَيْهِ ذَلِكَ الْمَحَلُّ فَإِنَّ النَّذْرَ حِينَئِذٍ لَا يَنْعَقِدُ وَقَدْ ذَكَرَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ فِي نَذْرِ نَحْوِ الشَّمْعِ وَوَقْفِهِ عَلَى ذَلِكَ مَا يُفِيدُ مَا ذَكَرْتُهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ نَذَرَ أَوْ وَقَفَ مَا يَشْتَرِي مِنْ غَلَّتِهِ الْإِسْرَاجَ لِلْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ صَحَّ إنْ كَانَ قَدْ يَدْخُلُهُ وَلَوْ عَلَى نُذُورِ مَنْ يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ مُصَلٍّ أَوْ نَائِمٍ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ وَكَذَا إذَا قُصِدَ بِالنَّذْرِ أَوْ الْمَوْقُوفِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْمَشَاهِدِ التَّنْوِيرُ عَلَى مَنْ يَسْكُنُ الْبُقْعَةَ أَوْ يَرِدُ إلَيْهَا لِأَنَّ هَذَا نَوْعُ قُرْبَةٍ أَمَّا إذَا قُصِدَ الْإِيقَادُ عَلَى الْقَبْرِ وَلَوْ مَعَ قَصْدِ التَّنْوِيرِ فَلَا يَصِحُّ وَكَذَا إذَا قُصِدَ بِهِ وَهُوَ الْغَالِبِ مِنْ الْعَامَّةِ تَعْظِيمُ الْبُقْعَةِ أَوْ الْقَبْرِ أَوْ التَّقَرُّبِ إلَى صَاحِبِهِ فَلَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ لِهَذِهِ الْأَمَاكِنِ خُصُوصِيَّاتٍ وَيَرَوْنَ أَنَّ النَّذْرَ لَهَا مِمَّا يَنْدَفِعُ بِهِ الْبَلَاءُ [بَابُ الْقَضَاءِ] (وَسُئِلَ) بَلَدٌ بَادِيَةٌ وَصَاحِبُهَا فِيهِ الْخَيْرُ وَيُحِبُّ إقَامَةُ الشَّرْعِ وَلَيْسَ لَهُ مُعَانِدٌ فَهَلْ إذَا نَصَّبَ عَلَيْهِمْ أَحَدًا يُقِيمُ لَهُمْ أَحْكَامَ الشَّرِيعَةِ يَنْفُذُ حُكْمَهُ وَيَتَوَلَّى الْعُقُودَ وَحَلَّهَا أَوْ لَا فَيُزَوِّجُ مَنْ وَلِيُّهَا تَارِكُ الصَّلَاةِ وَيَتَوَلَّى مَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي الْمَنْصُوبِ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامُ؟ (فَأَجَابَ) إذَا كَانَتْ الْبَلَدُ الْمَذْكُورَةُ لَيْسَتْ تَحْتَ وِلَايَةِ السُّلْطَانِ وَلَا أَحَدٍ مِنْ نُوَّابِهِ وَكَانَ هَذَا الرَّجُلُ الْمَذْكُورُ نَافِذَ الْأَمْرِ فِيهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ يَدٌ وَلَا حُكْمٌ لِأَحَدٍ كَانَتْ جَمِيعُ أُمُورِهَا مُتَعَلِّقَةً بِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ الشَّرِيعَةَ الْمُطَهَّرَةَ بِهَا بِأَنْ يُوَلِّيَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا عَدْلًا ذَا مَعْرِفَةٍ وَمُرُوءَةٍ وَعِفَّةٍ وَصِيَانَةٍ وَفِقْهِ نَفْسٍ فَإِذَا وُجِدَتْ هَذِهِ الشُّرُوطُ أَوْ مُعْظَمُهَا فِي رَجُلٍ وَوَلَّاهُ عَلَيْهِمْ الْقَضَاءَ وَالْحُكْمَ بَيْنَهُمْ نَفَذَتْ وِلَايَتُهُ وَجَمِيعُ أَحْكَامِهِ الَّتِي تَنْفُذُ مِنْ الْقَاضِي مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ فَيَسْمَعُ الدَّعْوَى وَيَحْكُمُ وَيُزَوِّجُ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا أَوْ لَهَا وَلِيٌّ فَاسِقٌ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَيَتَوَلَّى مَالَ الْأَيْتَامِ وَالسُّفَهَاءِ وَيُقِيمُ عَلَيْهِمْ مَنْ يَحْفَظُهُ وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْغِبْطَةِ وَالْمَصْلَحَةِ وَيَفْعَلُ جَمِيعَ مَا تَفْعَلُهُ الْقُضَاةُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَقْضِي بِعِلْمِهِ إلَّا فِي حُدُودِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْحُسَيْنِ فِي تَكْمِلَتِهِ يَعْنِي وَأَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِعِلْمِهِ كَمَا إذَا عَلِمَ صِدْقَ الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ يُقْضَى بِشَاهِدَيْنِ وَهُوَ يُفِيدُ الظَّنَّ

فَالْقَضَاءُ بِالْعِلْمِ أَوْلَى وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِهِ وَعَنْ الرَّبِيعِ كَانَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يَبُوحُ بِهِ لِقُضَاةِ السُّوءِ وَعَلَى هَذَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ بِالتَّوَاتُرِ مِنْ بَابٍ أَوْلَى إلَى آخِرِ كَلَامِ ابْنِ الْحُسَيْنِ الَّذِي يُحِيطُ عِلْمُكُمْ بِهِ. فَهَلْ يَا شَيْخَ الْإِسْلَامِ بَلْ إمَامُ أَئِمَّةِ الْأَنَامِ الْمُحَكَّمُ كَالْحَاكِمِ وَإِنْ قُلْتُمْ لَا فَمَا الْفَرْقُ وَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ فَمَا هُوَ الْعِلْمُ الَّذِي يَحْكُمُ بِهِ الْحَاكِمُ أَوْ الْمُحَكَّمُ بَيِّنُوا لَنَا فَإِنَّا رَأَيْنَا كَلَامًا لِلْأَئِمَّةِ لَمْ نَفْهَمْ الرَّاجِحَ مِنْهُ. (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِأَنَّ الَّذِي أَفْهَمُهُ كَلَامَ الْأَذْرَعِيِّ فِي تَوَسُّطِهِ أَنَّ الْمُحَكَّمَ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ وَعِبَارَتُهُ هَلْ لِلْمُحَكَّمِ أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ بِنَاءً عَلَى الْمُرَجَّحِ أَمْ لَا لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهِ لَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ أَوْلَى بِالْمَنْعِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْطَعَ بِالْمَنْعِ انْتَهَتْ وَظَاهِرُهَا بَلْ صَرِيحُهَا مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ وَمِنْ ثَمَّ جَزَمَ بِذَلِكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَلَمْ يَعُزْهُ لِلْأَذْرَعِيِّ كَشَيْخِنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَغَيْرِهِ كَصَاحِبِ الْعُبَابِ. وَعَلَيْهِ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُحَكَّمِ وَالْحَاكِمِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ بِقَوْلِهِ لِانْحِطَاطِ رُتْبَتِهِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُسْتَنِدَ إلَى الْقَضَاءِ أَقْوَى مِنْ الْحُكْمِ الْمُسْتَنِدِ إلَى التَّحْكِيمِ فَالْقَاضِي أَعْلَى رُتْبَةً مِنْ الْمُحَكَّمِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ إلْحَاقِهِ بِهِ فِي جَوَازِ الْحُكْمِ الْمُسْتَنِدِ إلَى السَّبَبِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ الْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ إلْحَاقُهُ بِهِ فِي جَوَازِ الْحُكْمِ الْمُسْتَنَدِ إلَى السَّبَبِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَهُوَ عِلْمُهُ وَإِنْ كَانَتْ الْعِلَّةُ الْمُجَوِّزَةُ لِلْقَاضِي الْحُكْمَ بِعِلْمِهِ مِنْ أَنَّهُ إذَا جَازَ اسْتِنَادُ حُكْمِهِ إلَى الْبَيِّنَةِ الَّتِي لَا تُفِيدُ إلَّا الظَّنَّ فَلَأَنْ يَجُوزَ اسْتِنَادُ حُكْمِهِ إلَى الْعِلْمِ الَّذِي يُفِيدُ الْيَقِينَ مِنْ بَابِ أَوْلَى جَارِيَةٌ بِعَيْنِهَا فِي الْمُحَكَّمِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْعِلَّةَ فِيهَا نَظَرٌ إذْ الْيَقِينُ فِي الْقَاضِي لَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ غَلَبَةُ الظَّنِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ حَيْثُ قَالَا الْمُرَادُ بِالْعِلْمِ الظَّنُّ الْمُؤَيَّدُ بِقَرِينَةِ تَمْثِيلِهِمْ لِلْقَضَاءِ بِهِ بِمَا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ مَالًا وَقَدْ رَآهُ الْقَاضِي أَقْرَضَهُ ذَلِكَ أَوْ سَمِعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقَرَّ بِذَلِكَ إذْ رُؤْيَةُ الْإِقْرَارِ وَسَمَاعُ الْإِقْرَارِ لَا يُفِيدُ الْعِلْمَ بِثُبُوتِ الْمَحْكُومِ بِهِ وَقْتَ الْقَضَاءِ. فَقَوْلُ الْإِمَامِ إنَّمَا يَقْضِي بِالْعِلْمِ فِيمَا يَسْتَيْقِنُهُ اخْتِيَارٌ لَهُ مُخَالِفٌ لِلْمَذْهَبِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ لِلْقَاضِي الْحُكْمَ بِعِلْمِهِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْعِلْمَ الْقَطْعِيَّ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَاعْتَمَدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَكَذَا ابْنُ أَبِي الدَّمِ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ النِّهَايَةِ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَوَجْهُ عُلُوِّ مُرَتَّبَةِ الْقَاضِي عَلَى الْحُكْمِ أَنَّ الْقَاضِيَ لَهُ الْحَبْسُ وَالتَّرْسِيمُ وَاسْتِيفَاءُ مَا يَحْكُمُ بِهِ مِنْ الْعُقُوبَاتِ وَحَدُّ الْقَذْفِ وَالْمُحَكَّمُ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْرِمُ أُبَّهَةَ الْوُلَاةِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُهَيِّئَ حَبْسًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُضَاهِيًا لِلْقَاضِي وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ مُضَاهَاتِهِ وَأَيْضًا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ فِي حُدُودِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَتَعَازِيرِهِ وَأَلْحَقَ بِهَا الْمَاوَرْدِيُّ الْوِلَايَاتِ عَلَى الْأَيْتَامِ وَلَا يَجُوزُ تَحْكِيمُهُ إلَّا إنْ تَأَهَّلَ لِلْقَضَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِجَمِيعِ الْوَقَائِعِ لَا لَتِلْكَ الْوَاقِعَةِ فَقَطْ فَإِنْ لَمْ يَتَأَهَّلْ لِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ تَحْكِيمُهُ مَعَ وُجُودِ الْقَاضِي. فَإِنْ قُلْت لَنَا صُورَةً يُنَفَّذُ فِيهَا قَضَاءُ الْمُحَكَّمِ دُونَ الْقَاضِي فَيَكُونُ أَقْوَى مِنْهُ عَلَى الْعَكْسِ مِمَّا مَرَّ وَهِيَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ لِنَحْوِ وَلَدِهِ وَعَلَى عَدُوِّهِ عَلَى مَا رَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ لِرِضَاءِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ قُلْت مَا رَجَّحَهُ فِيهِ نَظَرٌ وَمِنْ ثَمَّ جَزَمَ غَيْرُهُ بِامْتِنَاعِ حُكْمِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى الْقَاضِي وَعَلَى تَسْلِيمِ مَا ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ فَهُوَ لَا يَقْتَضِي عُلُوَّ مَرْتَبَةِ الْمُحَكَّمِ عَلَى الْقَاضِي لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا جَازَ لَهُ لِأَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ بِسَبِيلٍ مِنْ عَزَلَ الْمُحَكَّمِ قَبْلَ تَمَامِ الْحُكْمِ فَرَضَاهُ بِحُكْمِهِ إلَى فَرَاغِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ وَثِقَ مِنْهُ بِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ مِنْهُ تَقْتَضِي رَدَّ حُكْمِهِ بِخِلَافِهِ فِي الْحَاكِمِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْخَصْمَ حُكْمُهُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ فَاشْتَرَطَ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ تُهْمَةٌ إذْ لَوْ وُجِدَتْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ إلَى دَفْعِهَا فَاشْتُرِطَ انْتِفَاؤُهَا فِي الْقَاضِي دُونَ الْمُحَكَّمِ فَتَفَارُقُهُمَا فِي ذَلِكَ لَا يَرْجِعُ لِقُوَّةِ مَرْتَبَتِهِمَا وَإِنَّمَا يَرْجِعُ إلَى حَالِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ. كَمَا تَقَرَّرَ فَإِنْ قُلْت يَجُوزُ التَّحَاكُمُ إلَى اثْنَيْنِ فَلَا يَنْفُذُ حُكْمُ أَحَدِهِمَا حَتَّى يَجْتَمِعَا وَلَا يَجُوزُ تَوْلِيَةُ قَاضِيَيْنِ بِشَرْطِ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَى الْحُكْمِ وَهَذَا يَقْتَضِي تَمَيُّزَ الْمُحَكَّمِ قُلْت لَا يَقْتَضِيهِ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا امْتَنَعَ فِي الْقَاضِيَيْنِ دُونَ الْمُحَكَّمَيْنِ لِنَحْوِ مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ اجْتِمَاعَهُمَا

عَلَى الْحُكْمِ لَا يَلْحَقُ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ مِنْهُ ضَرَرٌ لِأَنَّهُ بِسَبِيلِ مَنْ عَزَلَهُمَا قَبْلَ تَمَامِ الْحُكْمِ بِخِلَافِ الْقَاضِيَيْنِ لَوْ جَوَّزْنَا اجْتِمَاعَهُمَا فَإِنَّهُمَا مُلْزِمَانِ وَقَدْ يَخْتَلِفُ رَأْيُ كُلٍّ أَوْ رَأْيُ مُقَلِّدِهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ إبْرَازُ الْحُكْمَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إلَى تَعْطِيلِ الْأَحْكَامِ وَالْإِضْرَارِ بِالْمُدَّعِينَ وَكَأَنَّ هَذَا الْفَرْقَ هُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِقَوْلِهِ يَجُوزُ أَنْ يَتَحَاكَمَا إلَى اثْنَيْنِ فَيَجْتَمِعَانِ لَا تَوْلِيَةَ قَاضِيَيْنِ يَجْتَمِعَانِ لِظُهُورِ الْفَرْقِ وَاعْلَمْ أَنَّ شَرْطَ نُفُوذِ قَضَاءِ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ أَنْ يَكُونَ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ حِينَئِذٍ. وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إذَا نَفَّذْنَا أَحْكَامَ الْقَاضِي الْفَاسِقِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا مَرَّ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْفُذَ قَضَاؤُهُ بِعِلْمِهِ بِلَا خِلَافٍ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَى تَنْفِيذِ هَذِهِ الْجُزْئِيَّةِ النَّادِرَةِ مَعَ فِسْقِهِ الظَّاهِرِ وَعَدَمِ قَبُولِ شَهَادَتِهِ بِذَلِكَ قَطْعًا. اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الشَّيْخَ عِزَّ الدِّينِ فِي الْقَوَاعِدِ شَرَطَ كَوْنَ الْحَاكِمِ ظَاهِرَ التَّقْوَى وَالْوَرَعِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَلَا بُدَّ مِنْهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّا لَوْ نَفَّذْنَا أَحْكَامَ الْقَاضِي الْفَاسِقِ لِلضَّرُورَةِ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ بِعِلْمِهِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَجِيءَ فِيهِ خِلَافُ الْغَزَالِيِّ السَّابِقُ فِي تَنْفِيذِ أَحْكَامِهِ لِأَنَّهُ عَلَّلَهُ بِالضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي تَنْفِيذِ هَذِهِ الْجُزْئِيَّةِ مَعَ ظُهُورِ فِسْقِهِ. اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ الْأَصْحَابُ لَوْ ثَبَتَ دَيْنٌ عَلَى غَائِبٍ فَعَلَى الْقَاضِي عِنْدَ طَلَبِ الْمُدَّعِي قَضَاؤُهُ مِنْ مَالِهِ الْحَاضِرِ أَيْ بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ دُونَ الْغَائِبِ وَإِنْ كَانَ بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَبَعْضُهُمْ اعْتَبَرَ كَوْنَ الْغَائِبِ أَيْ الشَّخْصِ بِمَحَلِّ الْوِلَايَةِ وَإِنْ غَابَ مَالُهُ فَمَا الْمُعْتَمَدُ مِنْ ذَلِكَ وَمَا الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ. (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا أَنَّ مَنْ وَلِيُّهَا الْقَاضِي لَوْ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا وَهِيَ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ صَحَّ أَوْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ لَمْ يَصِحَّ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ حَاضِرًا كَمَا يَأْتِي مَبْسُوطًا وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِيمَا فِي السُّؤَالِ أَنَّ مَنْ يَثْبُتُ عِنْدَهُ دَيْنٌ عَلَى غَائِبٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ مِنْ مَالِهِ الْحَاضِرِ بِالْبَلَدِ وَالْغَائِبِ عَنْهَا لَكِنْ يُشْرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ دُونَ مَا إذَا كَانَ خَارِجًا عَنْهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِقَضَاءِ حَقِّهِ مِنْهُ وَإِلَّا لَمَا كَانَ لِكِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي كَبِيرُ فَائِدَةٍ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ لَا تُفْهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ لِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْحَاضِرِ فِيهَا وَفِي أَصْلِهَا مَنْ هُوَ بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَفِي الْخَادِمِ التَّقْيِيدُ بِالْحَاضِرِ يَقْتَضِي أَنَّ مَالَهُ إذَا كَانَ عَائِبًا لَا يَجِبُ الْإِذْنُ فِي التَّوْفِيَةِ مِنْهُ وَذَلِكَ لَا يَتَّجِهُ إذَا كَانَ الْغَائِبُ غَيْرَ خَارِجٍ عَنْ مَحَلِّ عَمَلِهِ. أَمَّا الْخَارِجُ فَمَوْضِعُ نَظَرٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَأْذَنَ فِي ذَلِكَ وَيُنْهِي الْحَالَ إلَى حَاكِمِ بَلَدِ النَّاحِيَةِ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ قَدْ يَكُونُ لِلْغَائِبِ مَالٌ حَاضِرٌ يُمْكِنُ تَوْفِيَةُ الْحَقِّ مِنْهُ وَقَدْ لَا يَكُونُ فَيَسْأَلُ الْمُدَّعِي الْقَاضِيَ إنْهَاءَ الْحُكْمِ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ. اهـ. كَلَامُ الْخَادِمِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَفِي الِاسْتِشْهَادِ بِمَا ذَكَرَهُ نَظَرٌ. اهـ. وَيُرَدُّ بِأَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ صَحِيحٌ لِأَنَّ الرَّافِعِيَّ لَمَّا قَالَ حَاضِرٌ يُمْكِنُ تَوْفِيَةُ الْحَقِّ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَاضِرِ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ لِأَنَّ كُلَّ مَا فِيهَا يُمْكِنُ تَوْفِيَةُ الْحَقِّ مِنْهُ وَلَمَّا قَالَ وَقَدْ لَا يَكُونُ فَيَسْأَلُ إلَخْ فُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ فِيهِ حِينَئِذٍ وَإِنَّمَا يُنْهَى إلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ وَمَا ذُكِرَ عَنْ بَعْضِهِمْ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَا يُوَفِّي الْقَاضِي مِنْهُ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَدِينُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ أَمْ لَا هَذَا إنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ الْحُكْمِ التَّوْفِيَةَ مِنْ مَالِ الْغَائِبِ أَمَّا إذَا أَرَادَ الْحُكْمَ بِإِلْزَامِ شَيْءٍ لِذِمَّتِهِ فَيُحْكَمُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي قَوْلِهِمْ لَا يُزَوِّجُ الْقَاضِي إلَّا مَنْ هِيَ بِمَحَلِّ حُكْمِهِ حَالَ التَّزْوِيجِ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ خَارِجَهُ قَالَ الْقَاضِي لِأَنَّ حُكْمَهُ بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ نَافِذٌ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ أَمَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ دُونَهَا فَلَا يُزَوِّجُهَا لَهُ وَإِنْ أَذِنَتْ لَهُ قَبْلَ أَنْ تَنْتَقِلَ مِنْ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَيْهَا لَا تَتَعَلَّقُ بِالْخَاطِبِ فَلَمْ يُكْتَفَ بِحُضُورِهِ بِخِلَافِ الْحُكْمِ لِحَاضِرٍ عَلَى غَائِبِ لِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِهِ. اهـ. ثُمَّ رَأَيْتُنِي ذَكَرْت الْمَسْأَلَةَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَعِبَارَتُهُ وَإِذَا حَكَمَ لَهُ قَضَى أَيْ وَفِي الْحَاكِمِ وَكِيلُهُ أَيْ وَكِيلُ الْغَائِبِ الْحَقَّ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ وَلَوْ مِنْ مَالِ غَائِبٍ حَكَمَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ لِذَلِكَ الْغَائِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُنَاكَ مَالٌ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ وَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْطِيه إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ هُنَاكَ مَالٌ بَلْ يَكْتُبُ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْخَصْمِ بِسُؤَالِ الْمَحْكُومِ لَهُ

مَعْنَاهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ إذْ الْمُتَّجِهُ كَمَا قَالَهُ التَّاجُ السُّبْكِيّ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ أَعْطَاهُ مِنْهُ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ تَقْيِيدَ أَصْلِهِ الْمَالَ الَّذِي يَقْضِي مِنْهُ بِقَوْلِهِ إنْ حَضَرَ لَكِنْ فِي إطْلَاقِهِ نَظَرٌ لِشُمُولِهِ مَا لَيْسَ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ رَدُّ تَمَسُّكِ الْإِسْعَادِ بِظَاهِرِ عِبَارَةِ الشَّيْخَيْنِ وَظَاهِرِ مَا نَقَلَهُ عَنْ التَّوْشِيحِ مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِكَوْنِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ الْغَائِبِ فِي مَحَلِّ عَمَلِهِ لَا بِمَالِهِ وَالْوَجْهُ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَالِهِ لَا بِهِ إذْ الْمُتَصَرَّفُ فِيهِ هُوَ الْمَالُ فَكَانَ الْمَدَارُ عَلَيْهِ لَا عَلَى مَالِكِهِ وَمَا بَيَّنَهُ مِنْ أَنَّ بَيْعَ بَعْضِ الْقُضَاةِ بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ تَوَهُّمًا مِنْ مَسْأَلَةٍ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي وَأَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَمَا تَوَهَّمَ فَإِنَّ مَسْأَلَةَ الْفَتَاوَى فِي حَاضِرٍ مَحْكُومٍ عَلَيْهِ مُمْتَنِعٌ مِنْ الْأَدَاءِ ظَاهِرٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْحَاضِرَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ لَا يُنْظَرُ فِي الْحُكْمِ عَلَيْهِ إلَى مَحَلِّ مَالِهِ بِخِلَافِ الْغَائِبِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورَةُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِمَا ذَكَرْته فِيهَا مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَالِهِ لَا بِهِ ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ فَإِنَّهُ سُئِلَ هَلْ يَبِيعُ الْحَاكِمُ مَالَ الْغَائِبِ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ إذَا كَانَ الْمَالُ فِي مَحَلِّ وِلَايَةِ غَيْرِهِ فَأَجَابَ يَمْتَنِعُ الْبَيْعُ وَطَرِيقُهُ أَنْ يُثْبَتَ عَلَى الْغَائِبِ بِطَرِيقِهِ وَيُكْتَبَ بِهِ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ لِيُخَلِّصَهُ مِنْهُ وَعِبَارَةُ التَّوْشِيحِ الَّتِي أَخَذَ مِنْهَا الْإِسْعَادُ مَا ذَكَرْته عَنْهُ وَرَدَدْته وَذَلِكَ أَيْ الْوَفَاءُ مِنْ مَالِهِ الْغَائِبِ لَا يَتَّجِهُ إذَا كَانَ الْغَائِبُ غَيْرَ خَارِجٍ عَنْ حَدِّ عَمَلِهِ أَمَّا الْخَارِجُ فَمَوْضِعُ نَظَرٍ وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ صَرِيحَ نَقْلٍ وَالْأَرْجَحُ فِي نَظَرِي أَنَّهُ لَا يَأْذَنُ وَلَكِنْ يُنْهِي الْحَالَ إلَى حَاكِمِ بَلَدِ النَّاحِيَةِ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي أَوَائِلِ الرُّكْنِ الثَّالِثِ فِي كَيْفِيَّةِ إنْهَاءِ الْحَاكِمِ إلَى الْقَاضِي الْآخَرِ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَسِيَاقُ عِبَارَتِهِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الشَّرَفُ الْغَزِّيُّ وَجَعَلَاهُ فِيمَا إذَا كَانَ غَائِبًا فِي مَحِل وِلَايَتِهِ كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا وَامْتَنَعَ وَكَمَا لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَأَذِنَتْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِرَجُلٍ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي بِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ فِي وِلَايَتِهِ نَافِذٌ عَلَى مَنْ بِأَقْطَارِ الْأَرْضِ وَفِيمَا إذَا كَانَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ قِيَاسًا عَلَى تَزْوِيجِ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورِ وَوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ تَزْوِيجَ الْقَاضِي جَرَى فِيهِ خِلَافٌ هَلْ هُوَ بِالْوِلَايَةِ أَوْ بِالنِّيَابَةِ وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ بِنِيَابَةٍ اقْتَضَتْهَا الْوِلَايَةُ وَلَا تَقْضِيهَا الْوِلَايَةُ إلَّا حَيْثُ كَانَتْ الْمَرْأَةُ فِي مَحَلِّ عَمَلِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ عَمَلِهِ فَإِنَّهُ لَا عَلَقَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَتَّى يَجُوزَ لَهُ تَزْوِيجُهَا بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ كَوْنَ الْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ فِي مَحَلِّ عَمَلِهِ اقْتَضَى وِلَايَتَهُ عَلَيْهَا وَحَيْثُ اقْتَضَى ذَلِكَ جَازَ لَهُ بَيْعُهَا وَإِنْ كَانَ مَالِكُهَا فِي غَيْرِ مَحَلِّ عَمَلِهِ فَمَالِكُهَا نَظِيرُ الزَّوْجِ وَهُوَ لَا يَشْتَرِطُ كَوْنَهُ فِي مَحَلِّ عَمَلِهِ وَوَجْهُ كَوْنِهَا نَظِيرَتَهَا أَنَّ الْعَيْنَ مَحْكُومٌ عَلَيْهَا بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا بِمَا تَصِيرُ بِهِ مِلْكًا لِلْغَيْرِ وَكَذَلِكَ الزَّوْجَةُ مَحْكُومٌ عَلَيْهَا بِتَزْوِيجِهَا بِمَا تَصِيرُ بِهِ مُسْتَحِقَّةً لِلزَّوْجِ فَاتَّضَحَ الْفَرْقُ بَيْنَ الزَّوْجِ وَمَالِك الْعَيْنِ وَبَانَ أَنَّ الزَّوْجَةَ وَالْعَيْنَ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ إطَالَةَ بَعْضِهِمْ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَيْنِ أَنْ تَكُونَ بِمَحَلِّ عَمَلِهِ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ بِمَحَلِّ عَمَلِهِ وَاسْتِدْلَالُهُ بِتَصْرِيحِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْعَقَارِ الْمَقْضِيِّ بِهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ وِلَايَةِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ أَوْ فِي غَيْرِهَا قَالَ الْإِمَامُ فَإِنْ قِيلَ يَقْضِي بِبُقْعَةٍ لَيْسَتْ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ قُلْنَا هَذِهِ غَفْلَةٌ عَنْ الْقَضَاءِ فَكَمَا أَنَّهُ يَقْضِي عَلَى رَجُلٍ لَيْسَ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَيَقْضِي بِبُقْعَةٍ لَيْسَتْ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَعَنْ هَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ بِحَقَائِقِ الْقَضَاءِ قَاضٍ فِي قَرْيَةٍ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِي دَائِرَةِ الْآفَاقِ وَيَقْضِي عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ إذَا سَاغَ الْقَضَاءُ عَلَى غَائِبٍ فَالْقَضَاءُ بِالدَّارِ الْغَائِبَةِ قَضَاءٌ عَلَى غَائِبٍ وَالدَّارُ مَقْضِيٌّ بِهَا. اهـ. لَا يَنْهَضُ لَهُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي قَاضٍ يَكْتُبُ وَيُنْهِي كَمَا صَرَّحَا بِهِ فِي قَوْلِهِمَا الْكَاتِبُ وَاَلَّذِي يَكْتُبُ وَيُنْهِي لَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ الْمَكْتُوبُ بِهَا فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ لِأَنَّ مَا يَفْعَلُهُ لَيْسَ حُكْمًا بَتًّا وَإِنَّمَا هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى مَا يَنْضَمُّ إلَيْهِ مِمَّا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ فِي بَيْعِ عَيْنٍ لَيْسَتْ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ هَذَا تَصَرُّفٌ مِنْهُ مُسْتَقِلٌّ لَيْسَ سَبَبُهُ إلَّا الْوِلَايَةُ وَهَذِهِ الْعَيْنُ لَيْسَتْ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَلَا يَتَّجِهُ مَعَ ذَلِكَ نُفُوذُ تَصَرُّفِهِ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ لَا مُسَوِّغَ لَهُ وَبِعِبَارَةِ الْإِمَامِ الْمَذْكُورَةِ

يُعْلَمُ الرَّدُّ عَلَى التَّاجِ السُّبْكِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي اشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ الْغَائِبُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَمِمَّا يَرِدُ عَلَيْهِمَا أَيْضًا أَنَّ الْبَيْعَ عَلَيْهِ إذَا كَانَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ قَضَاءً عَلَى غَائِبٍ وَهُوَ جَائِزٌ بَلْ وَاجِبٌ بِطَلَبِ الْغَرِيمِ وَأَيْضًا فَالْقَاضِي نَائِبُ الْغَائِبِينَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَالنَّائِبُ كَالْمَنُوبِ عَنْهُ وَهُوَ لَوْ كَانَ حَاضِرًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ فَكَذَا نَائِبُهُ وَأَيْضًا فَكُلُّ مَا وَجَبَ عَلَى الشَّخْصِ مِمَّا يَقْبَلُ النِّيَابَةَ إذَا امْتَنَعَ أَوْ غَابَ قَامَ الْقَاضِي مَقَامَهُ فِيهِ وَأَيْضًا فَلَوْ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْقَاضِي الْبَيْعُ لَمَا وَجَبَ عَلَيْهِ إذَا حَضَرَ وَامْتَنَعَ وَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ إذَا حَضَرَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَيْعُ فَكَذَا فِي غَيْبَتِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - إذَا اخْتَلَفَ الْحَاكِمُ وَالشَّاهِدَانِ فِي شَاهِدَيْ الْحُكْمِ فَقَالَ الْحَاكِمُ شَهِدْتُمْ عِنْدِي بِكَذَا وَحَكَمْت بِهِ وَقَالَ الشَّاهِدَانِ مَا شَهِدْنَا عِنْدك إلَّا بِكَذَا يَعْنِي بِخِلَافِ مَا حَكَمْت بِهِ فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ صِحَّةِ الْحُكْمِ أَوْ لَا وَمَا لَوْ وَرَدَ كِتَابٌ عَلَى حَاكِمٍ فِيهِ حَكَمْت عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا بِشَهَادَةِ فُلَانٍ وَفُلَان فَأَحْضَرَ شَاهِدَيْ الْحُكْمِ فَقَالَا لَمْ نَشْهَدْ بِهَذَا الْحُكْمِ وَمَا نَشْهَدُ إلَّا بِكَذَا بِخِلَافِ الْحُكْمِ أَوْ أَنْكَرَا أَصْلَ الشَّهَادَةِ أَوْ أَنْكَرَا الْحُضُورَ عِنْدَ الْحَاكِمِ الْأَوَّلِ أَوْ قَالَا نَشْهَدُ بِصُورَةِ الْأَمْرِ لَا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ رُجُوعًا مِنْهُمْ وَيَغْرَمُونَ مَا أُخِذَ بِالْحُكْمِ أَوْ لَا فَيَكُونُ رُجُوعًا وَيَبْطُلُ الْحُكْمُ وَلَا يَغْرَمُ الْحَاكِمُ أَمْ يَصِحُّ الْحُكْمُ وَإِذَا صَحَّ الْحُكْمُ فَعَلَى مَنْ الْغُرْمُ وَمَا يَكُونُ إذَا لَمْ تَصِحَّ شَهَادَةُ الشُّهُودِ وَكَانَ الْحَاكِمُ مُصِرًّا بِالْحُكْمِ. وَقَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى مِنْ الْحُكَّامِ أَنَّهُمْ رُبَّمَا يَحْكُمُونَ بِغَيْبَةِ الْخَصْمِ وَالشُّهُودِ عَافَانَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ وَرُبَّمَا يُنْكِرُ الشُّهُودُ أَصْلَ الشَّهَادَةِ وَهُمْ كَاذِبُونَ لِأَجْلِ فَسَادِ الزَّمَانِ وَمَا لَوْ أَنَّ الْمَحْكُومَ لَهُ صَادَقَ الشُّهُودَ الَّذِينَ شَهِدُوا بِخِلَافِ الْحُكْمِ وَأَقَرُّوا بِأَنَّ مَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدَانِ بِخِلَافِ مَا حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ إنَّ الْحَاكِمَ مَتَى حَصَرَ مُسْتَنَدَ حُكْمِهِ فِي شَاهِدَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ فَأَنْكَرَا الشَّهَادَةَ عِنْدَهُ بِذَلِكَ وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِمَا بَيِّنَةٌ بِالشَّهَادَةِ عِنْدَهُ بِهِ كَانَ الْحُكْمُ بِهِ غَيْرَ مُعْتَدٍ بِهِ لِبُطْلَانِ سَبَبِهِ بِإِنْكَارِهِمَا. هَذَا مَا ظَهَرَ لِي مِنْ كَلَامِهِمْ وَأَمَّا مَا اقْتَضَاهُ قَوْلُ السُّبْكِيّ فِي الْحَلَبِيَّاتِ فِي مَسْأَلَةِ مَا لَوْ اُدُّعِيَ عَلَى الْقَاضِي جَوْرٌ أَوْ نَحْوُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنْ لَا تُسْمَعَ عَلَيْهِ وَهُوَ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ نَائِبُ الشَّرْعِ فَقَوْلُهُ أَصْدَقُ مِنْ الْبَيِّنَةِ مِنْ مُخَالَفَةِ مَا قَرَرْته فَغَيْرُ مَنْظُورٍ إلَيْهِ لِأَنَّهُ رَأْيٌ لَهُ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِكَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا كَمَا فِي التَّوَسُّطِ وَغَيْرِهِ وَالْكَلَامُ فِي قَاضٍ أَمِينٍ ظَاهِرِ الْعَدَالَةِ وَالدِّيَانَةِ مَحْمُودِ السِّيرَةِ كَانَ ذَلِكَ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَإِنْ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَا تَرَدُّدَ عِنْدِي فِي إلْغَاءِ حُكْمِهِ وَفَسَادِ دَعْوَاهُ وَيَأْتِي مَا ذُكِرَ فِيمَا لَوْ قَالَ فِي كِتَابِهِ الْحُكْمِيِّ أَشْهَدْتُ عَلَى حُكْمِي فُلَانًا وَفُلَانًا فَأَنْكَرَا فَلَا يُعْتَدُّ بِحُكْمِهِ وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّاهِدَانِ غَيْرُ رُجُوعٍ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِمَا لِفَسَادِ الْحُكْمِ سَوَاءٌ أَوَافَقَهُمَا الْمَحْكُومُ لَهُ أَمْ لَا. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ وَنَفَذَ عِنْدَ حَاكِمٍ آخَرَ وَتَبَيَّنَ بُطْلَانُ إشْهَادِ الْحَاكِمِ بِهِ الْأَوَّلِ أَوْ إبْطَالُ الْحَاكِمِ الْأَوَّلِ حُكْمَهُ بِقَوْلِهِ مَا حَكَمْت بِهَذَا هَلْ يَبْطُلُ التَّنْفِيذُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ إنَّ التَّنْفِيذَ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ فَمَتَى بَانَ فَسَادُ الْأَوَّلِ بَانَ فَسَادُ التَّنْفِيذِ نَعَمْ قَوْلُ الْحَاكِمِ مَا حَكَمْت بِهَذَا لَا يُعْتَدُّ بِهِ إذَا شَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ حَكَمَ بِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ فِي كِتَابٍ وَجِيئَ بِالْكِتَابِ إلَى حَاكِمٍ آخَرَ عَلَى خِلَافِ مُعْتَقَدِهِ هَلْ يَنْفُذُ أَمْ لَا بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ إنَّهُ يَنْفُذُ وَإِنْ خَالَفَ مُعْتَقَدَهُ كَمَا حَكَى الشَّيْخَانِ تَصْحِيحَهُ عَنْ السَّرَخْسِيّ قَالَا وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ لَكِنَّهُمَا حَكَيَا قَبْلَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ كَجٍّ عَنْ النَّصِّ أَنَّهُ يُعْرِضُ عَنْهُ فَلَا يُنَفِّذُهُ وَلَا يَنْقُضُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ إعَانَة عَلَى مَا يَعْتَقِدهُ خَطَأً وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ كَمَا أَشَارَا إلَيْهِ بِقَوْلِهِمَا وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ إذْ هِيَ صِيغَةُ تَرْجِيحٍ كَمَا حَقَّقَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ هَذَا كُلُّهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْحُكْمُ مِمَّا لَا يُنْقَضُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي وَإِلَّا

أَعْرَضَ عَنْهُ جَزْمًا وَنَقَضَهُ بِطَرِيقِهِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا حَكَمَ حَاكِمٌ فِي وَاقِعَةٍ فَهَلْ يَتَرَتَّبُ كُلُّ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ الْأَوَّلِ أَمْ كُلُّ حَاكِمٍ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُهُ كَمَا إذَا وُكِّلَ وَكِيلٌ فِي صُلْحٍ أَوْ بَيْعٍ ثُمَّ بَاعَ أَوْ صَالَحَ بِمِائَةٍ وَمَا أَظْهَرَ مِنْهَا إلَّا أَرْبَعِينَ ثُمَّ إنَّهُ اسْتَبْرَأَ مِنْ الْمُوَكَّلِينَ مِنْ وَكِيلِهِمْ فَقَالَ قَدْ أَبْرَأْتُمُونِي مِنْ كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ وَقَدْ اتَّهَمْتُمُونِي بِالْمِائَةِ وَأَبْرَأْتُمُونِي مِنْهَا وَقَالُوا لَمْ نَعْلَمْ أَنَّهَا مِائَةٌ إلَّا كُنَّا مُتَّهِمِينَ وَأَبْرَأْنَا مِنْ شَيْءٍ لَا نَعْلَمُهُ وَالْآنَ عَلِمْنَا وَلَا نَرْضَى تِلْكَ الْبَرَاءَةَ فِي هَذَا الزَّائِدِ فَقَالَ الْحَاكِمُ قَدْ حَكَمْت بِالْبَرَاءَةِ مِمَّا كَانَ وَمَا لَمْ يَكُنْ حَتَّى إنَّهُ لَوْ ظَهَرَ زِيَادَةٌ كَانَتْ لِلْوَكِيلِ فَهَلْ يَكُونُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَقُولُ هَذَا يَتَرَتَّبُ عَلَى حُكْمِي أَمْ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى مُعْتَقَدِ الْحَاكِمِ الْآخَرِ الَّذِي قَامَتْ عِنْدَهُ الْبَيِّنَةُ بِالْمِائَةِ وَتَكُونُ لِلْمُوَكِّلِينَ اُبْسُطُوا الْجَوَابَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ أَوْ الْمُوجَبِ يَسْتَتْبِعُ جَمِيعَ الْآثَارِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ وَقْتَهُ وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ الرُّجُوعُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ إلَى مَذْهَبِ الْحَاكِمِ الْمَالِكِيِّ وَلَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ فِيهَا بِمَا يُخَالِفُ مَذْهَبَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ -، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا لَوْ دَفَعَ الْمُسْتَفْتِي وَالْمُتَزَوِّجُ إلَى مُجِيبِهِ أَوْ مُلْفِظِهِ دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مَا حُكْمُهُ وَمَا حُكْمُ الْوَقْفِ عَلَى الْقَاضِي؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ بِقَوْلِهِ يَجُوزُ لِلْمُفْتِي أَنْ يَأْخُذَ مَا دَفَعَهُ إلَيْهِ الْمُسْتَفْتِي تَبَرُّعًا وَلَهُ أَنْ يَقُولَ لَا تَلْزَمُنِي الْكِتَابَةُ لَك فَإِنْ أَرَدْتهَا فَاسْتَأْجِرْنِي عَلَيْهَا فَإِذَا اسْتَأْجَرَهُ لِشَيْءٍ وَدَفَعَهُ جَازَ لَهُ أَخْذُهُ. لَكِنَّ الْأَوْلَى التَّنَزُّهُ عَنْ ذَلِكَ اتِّبَاعًا لِأَكَابِرِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فِي ذَلِكَ وَيَجُوزُ لِمَنْ عَلَّمَ آخَرَ كَيْفَ يَتَلَفَّظُ بِعَقْدِ نِكَاحٍ أَوْ نَحْوِهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُتَعَلِّمِ مَا يُعْطِيهِ لَهُ تَبَرُّعًا أَوْ بِأُجْرَةٍ كَمَا مَرَّ فِي الْمُفْتِي وَبِمَا ذَكَرْته فِي الْمُفْتِي صَرَّحَ السُّبْكِيّ فَقَالَ فَإِنْ قُلْت الْعَالِمُ الَّذِي تَعَيَّنَ عَلَيْهِ تَعْلِيمُ الْعِلْمِ أَوْ وَجَبَ فَرْضَ كِفَايَةٍ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ هَلْ يَجُوزُ لَهُ قَبُولُ الْأُجْرَةِ أَوْ الْهَدِيَّةِ عَلَيْهِ قُلْت هَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ وَالْأَوْلَى التَّنَزُّهُ عَنْهُ. وَلَا يَظْهَرُ الْتِحَاقُهُ فِي التَّحْرِيمِ بِالْقَاضِي فَإِنَّ الْقَاضِيَ فِيهِ وَصْفَانِ أَحَدُهُمَا الْوُجُوبُ وَالثَّانِي كَوْنُهُ نَائِبًا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَالْعَالِمُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا الْأَوَّلُ فَقَطْ وَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِمَّا يَتَعَاطَاهُ مِنْ الْعُقُودِ وَالْفُرُوضِ وَالْفُسُوخِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ أَحْكَامًا بِمَعْنَى أَنَّهَا لَيْسَتْ تَنْفِيذًا لِمَا قَامَتْ بِهِ الْحُجَّةُ بَلْ إنْشَاءَ تَصَرُّفَاتٍ مُبْتَدَأَةٍ وَلَكِنَّ الْأَخْذَ عَلَيْهَا مُمْتَنِعٌ كَالْحُكْمِ لِأَنَّهُ نَائِبٌ فِيهَا عَنْ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا هُوَ نَائِبٌ عَنْهُ فِي الْحُكْمِ. اهـ. قَالَ غَيْرُهُ وَلِلْمُفْتِي قَبُولُ هَدِيَّةٍ لَا رِشْوَةٍ مِنْ السَّائِلِ لِيُفْتِيَهُ بِمُرَادِهِ. وَيَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى الْقَاضِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ السُّبْكِيّ فِي الْحَلَبِيَّاتِ بَلْ اقْتَضَى كَلَامُهُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَذْرَعِيَّ قَالَ فِي سُؤَالِهِ عَنْ الصَّدَقَةِ عَلَى الْقَاضِي مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ مِمَّنْ لَا حُكُومَةَ لَهُ وَلَا غَرَضَ إلَّا التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ وَقَعَ فِيهِ نِزَاعٌ وَالْقَلْبُ إلَى التَّحْرِيمِ أَمْيَلُ لِئَلَّا يُتَّخَذَ ذَلِكَ وَسِيلَةً إلَى الرِّشَا وَيَفُوتَ الْمَعْنَى الَّذِي حُرِّمَتْ لِأَجْلِهِ الْهَدِيَّةُ وَهُوَ مَيْلُ النَّفْسِ هَذَا كَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ فِي السُّؤَالِ وَتَبِعَهُ شَيْخُنَا زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الرَّوْضِ عَلَى التَّحْرِيمِ كَالْهَدِيَّةِ. وَأَجَابَ السُّبْكِيّ فَقَالَ مَا حَاصِلُهُ الَّذِي يَظْهَرُ لِي جَوَازُ ذَلِكَ أَيْ الصَّدَقَةِ وَلَيْسَ عِنْدِي فِيهِ نَقْلٌ فَالْأَوْلَى التَّنَزُّهُ عَنْهُ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّدَقَةِ وَالْهَدِيَّةِ بِأَنَّ الصَّدَقَةَ يُقْصَدُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى فَالْمُتَصَدِّقُ فِي الْحَقِيقَةِ دَافِعٌ لِلَّهِ تَعَالَى صَدَقَتَهُ أَيْ تَقَعُ فِي يَدِ قَبُولِهِ وَثَوَابِهِ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِي يَدِ الْفَقِيرِ فَهُوَ آخِذٌ مِنْهُ لَا مِنْ الْمُتَصَدِّقِ وَالْهَدِيَّةُ يُقْصَدُ بِهَا التَّوَدُّدُ وَالْمَيْلُ وَوَجْهُ الْمُهْدَى إلَيْهِ وَالْمِيلُ هُوَ الْمَحْذُورُ فِي الْقَاضِي فَافْتَرَقَا وَكُلٌّ مِنْ هَذَا وَالْهِبَةِ مَنْدُوبٌ يُثَابُ عَلَيْهِ إذَا قُصِدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا مُمَيِّزَ لِلصَّدَقَةِ عَنْهُمَا إلَّا مَا مَرَّ وَحِينَئِذٍ فَاللَّامُ فِي تَصَدَّقَ لِلَّهِ لِلْمِلْكِ وَفِي أَهْدَى أَوْ وَهَبَ لِلَّهِ تَعَالَى لِلتَّعْلِيلِ فَالْمُتَصَدِّقُ مُمَلِّكٌ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَمَا أَنَّ الْوَقْفَ يَنْتَقِلُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالْمُهْدِي مُمَلِّكٌ لِلْمُهْدَى إلَيْهِ. وَقَدْ يَكُونُ لِأَجْلِ اللَّهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا مِنَّةَ عَلَى الْمُتَصَدَّقِ عَلَيْهِ لِلْمُتَصَدِّقِ إذْ لَا تَمْلِيكَ مِنْهُ لَهُ وَلَا يَدَ لَهُ عَلَيْهِ وَمَيْلُهُ لَهُ بِسَبَبِ

ذَلِكَ لِأَنَّ الْقُلُوبَ جُبِلَتْ عَلَى حُبِّ مَنْ أَحْسَنَ إلَيْهَا بِخِلَافِ الْهَدِيَّةِ فَإِنَّهَا تَسْتَدْعِي الثَّوَابَ عَلَيْهَا عَادَةً إمَّا بِمَالٍ أَوْ بِغَيْرِهِ وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ حَرَّمْنَا عَلَى الْقَاضِي الصَّدَقَةَ حَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْوَقْفَ لِأَنَّهُ صَدَقَةٌ. اهـ. فَأَفْهَمْ أَنَّ الْوَقْفَ لَا نِزَاعَ فِيهِ وَلَا تَرَدُّدَ فِي حِلِّهِ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي الصَّدَقَةِ أَيْ وَالْأَوْجَهُ فِيهَا مَا مَرَّ عَنْ الْأَذْرَعِيِّ وَشَيْخِنَا مِنْ الْحُرْمَةِ كَالْهَدِيَّةِ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي حُرِّمَتْ الْهَدِيَّةُ لِأَجْلِهِ مَوْجُودٌ فِي الصَّدَقَةِ بِتَمَامِهِ وَفَرْقُ السُّبْكِيّ الْمَذْكُورُ بَيْنَهُمَا لَا يُجْدِي شَيْئًا مِمَّا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهُ عَلَى فَرْضِ تَسْلِيمِهِ بِاعْتِبَارِ مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَالنَّظَرِ إلَى الْحَقَائِقِ وَالتَّقْدِيرَاتِ الْبَعِيدَةِ عَنْ أَفْهَامِ النَّاسِ وَمِثْلُ ذَلِكَ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ فِي رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِهِ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُرْبَطُ بِالْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ الْمُتَبَادِرَةِ لِلْأَفْهَامِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ تِلْكَ الْحَقَائِقِ وَالتَّقْدِيرَاتِ الْبَعِيدَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ الْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ شَيْءٌ وَاحِدٌ هُوَ الْمَيْلُ فَكَمَا حُرِّمَتْ الْهَدِيَّةُ لِذَلِكَ فَلْتُحَرَّمْ الصَّدَقَةُ لَهُ أَيْضًا ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيّ وَالْجَوْجَرِيَّ وَابْنَ أَبِي شَرِيفٍ. وَغَيْرَهُمْ رَجَّحُوا أَنَّ الصَّدَقَةَ كَالْهَدِيَّةِ وَبَحَثَ أَبُو زُرْعَةَ فِي التَّحْرِيرِ وَشَرْحِ الْبَهْجَةِ جَوَازَ أَخْذِهِ الزَّكَاةَ قَطْعًا وَأَنَّهُ لَوْ وَفَّى عَنْهُ إنْسَانٌ دَيْنَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ جَازَ قَطْعًا وَبِإِذْنِهِ بِشَرْطِ عَدَمِ الرُّجُوعِ لَا يَجُوزُ قَطْعًا. اهـ. وَرُدَّ قَطْعُهُ بِحِلِّ أَخْذِ الزَّكَاةِ بِتَصْرِيحِهِمْ بِمَنْعِ أَخْذِهِ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ وَعَلَّلُوهُ بِمَا يَقْتَضِي الْمَنْعَ حَيْثُ قَالُوا لَا يَدْخُلُ فِي الْعَامِلِ الْإِمَامُ وَالْوَالِي وَالْقَاضِي إذْ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي الزَّكَاةِ بَلْ رِزْقُهُمْ فِي خُمُسِ الْخُمُسِ الْمُرْصَدِ لِلْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ قَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ يَظْهَرُ أَخْذُهُ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِ إذَا أَذِنَ لِلْإِصْلَاحِ وَمِنْ سَهْمِ الْغَازِي الْمُتَطَوِّعِ وَقَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى فِي قُضَاةِ الْعَصْرِ بِأَخْذِهِمْ الزَّكَاةَ مُطْلَقًا وَهُوَ خَطَأٌ مُطْلَقًا. اهـ. فَإِنْ قُلْت فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الصَّدَقَةِ وَالْوَقْفِ مَعَ أَنَّهُ صَدَقَةٌ قُلْت الْوَقْفُ لَا صُنْعَ فِيهِ مِنْ الْقَاضِي إنْ قُلْنَا بِمَا قَالَهُ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ وَاخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الرَّوْضَةِ فِي السَّرِقَةِ. وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْوَسِيطِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَعَلَّلَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ يَزُولُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَالْعِتْقِ يَعْنِي يَنْفَكُّ عَنْ اخْتِصَاصِ الْآدَمِيِّينَ فَعَلَى هَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى مُقَابِلِهِ مِنْ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهِ وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ. وَنَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ جَمْعٍ مُتَقَدِّمِينَ فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمَيْلَ فِي الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ مِنْهُ فِي الْوَقْفِ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي الْمِلْكَ التَّامَّ الْمُقْتَضِيَ لِلتَّصَرُّفِ فِي الْعَيْنِ بِمَا أَرَادَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَقْتَضِي اسْتِبَاحَةَ مَنْفَعَةٍ مُقَيَّدَةٍ بِمَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ فَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ وَفَرْقٌ ظَاهِرٌ بَيْنَ عَقْدٍ يَقْتَضِي اسْتِقْلَالَهُ وَعَدَمَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ وَهُوَ الصَّدَقَةُ وَالْهَدِيَّةُ وَعَقْدٌ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ بَلْ عَكْسَهُ وَهُوَ الْوَقْفُ فَلَمْ يَظْهَرْ إلْحَاقُهُ بِهِمَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلًا نَظَرًا إلَى أَنَّهُ يُفْضِي إلَى مَيْلٍ مِثْلَهُمَا وَإِنْ اخْتَلَفَ الْمَيْلُ لَكِنْ لَوْ كَانَ النَّظَرُ لِمُطْلَقِ الْمَيْلِ حُرِّمَتْ الْهَدِيَّةُ إلَيْهِ وَلَوْ مِمَّنْ اعْتَادَهَا قَبْلَ التَّوْلِيَةِ فَلَمَّا جَوَّزُوا ذَلِكَ لَهُ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا تَعْوِيلَ إلَّا عَلَى مَا يَسْتَدْعِي مَيْلًا قَوِيًّا مَعَ عَدَمِ ظُهُورِ قَرِينَةٍ بِضَعْفِ مَا أَشْعَرَ بِهِ مِنْ الْمِيلِ ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيّ قَالَ فِي خَادِمِهِ أَهْمَلَ الرَّافِعِيُّ الْوَقْفَ كَمَا لَوْ أَرَادَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ الْوَقْفَ عَلَيْهِ. وَيَظْهَرُ أَنَّهُ كَالْهَدِيَّةِ إنْ شَرَطْنَا الْقَبُولَ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْمُعَيَّنِ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي الصِّحَّةُ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ عَلَى الْقَاضِي دَيْنٌ فَأَبْرَأَهُ مِنْهُ وَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ وِلَايَتِهِ فَلَا يُتَخَيَّلُ فِيهِ مَنْعٌ وَأَمَّا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ فِي الْمُدْرَسَةِ أَنْ تَكُونَ تَدْرِيسًا لِلْقَاضِي وَكَانَ لِلتَّدْرِيسِ مَعْلُومٌ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَيْ السُّبْكِيّ يَنْبَغِي أَنْ تَتَخَرَّجَ صِحَّةُ هَذَا الشَّرْطِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ رَزَقَ أَهْلُ الْوِلَايَةِ أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَوْ الْإِمَامُ مِنْ خَاصِّ نَفْسِهِ الْقَاضِيَ بِذَلِكَ يَجُوزُ وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ فَيُحْتَمَلُ بُطْلَانُ هَذَا الشَّرْطِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنْ طَلَبَ الْقَاضِي التَّدْرِيسَ مِنْ غَيْرِ مَعْلُومٍ أُجِيبُ إلَيْهِ وَيَصِحُّ الشَّرْطُ لِأَنَّهُ قَدْ يَجْتَمِعُ الْفُقَهَاءُ عِنْدَهُ أَكْثَرَ وَهَذَا غَرَضٌ صَحِيحٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يُجَابُ وَيَأْخُذُ الْمَعْلُومَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُتَعَيِّنًا فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْهَدِيَّةِ وَهَذَا فِي حَيَاةِ الْوَاقِفِ أَمَّا بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا يُتَخَيَّلُ فِيهِ مَنْعٌ. اهـ. وَحَاصِلُ كَلَامِهِ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنِ أَنَّهُ مُوَافِقٌ عَلَى مَا قَدَّمْته مِنْ صِحَّةِ

الْوَقْفِ عَلَى الْقَاضِي بِعَيْنِهِ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ قَبُولَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنِ وَمُخَالِفٌ لِلِاحْتِمَالِ الَّذِي رَجَّحْته فِيمَا إذَا شَرَطْنَا قَبُولَهُ وَلِكُلٍّ مِنْ الِاحْتِمَالَيْنِ وَجْهٌ كَمَا قَدَّمْته وَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَحْوَطُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عِنْدِهِ فَقَدْ نَقَلَهُ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ تَفْسِيرِ السُّبْكِيّ وَحِينَئِذٍ فَفِي كَلَامِ السُّبْكِيّ شِبْهُ تَنَافٍ لِأَنَّ مَا قَدَّمْته عَنْهُ فِي الْحَلَبِيَّاتِ يَقْتَضِي صِحَّةَ الْوَقْفِ مُطْلَقًا وَكَلَامُهُ فِي التَّفْسِيرِ فِيهِ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ إلَّا أَنَّ مِنْ قَوَاعِدِهِمْ حَمْلَ الْإِطْلَاقِ عَلَى التَّفْصِيلِ وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ مِنْ الْمَنْعِ إذَا شَرَطْنَا الْقَبُولَ بَحْثُ الْأَذْرَعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَنَّ اسْتِعَارَةَ الْقَاضِي لِغَيْرِ كُتُبِ الْعِلْمِ كَالْهَدِيَّةِ إذْ الْمَنَافِعُ كَالْأَعْيَانِ فَهَذَا عَلَى تَسْلِيمِهِ يَدْفَعُ مَا فَرَّقْت بِهِ بَيْنَ الْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ وَبَيْنَ الْوَقْفِ مِنْ أَنَّهُ يَقْتَضِي مِلْكَ مَنْفَعَةٍ فَقَطْ بِخِلَافِ ذَيْنَك فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَنَافِعَ كَالْأَعْيَانِ لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْهَدِيَّةِ فَلْيُلْحَقْ بِهَا إذَا قُلْنَا بِاشْتِرَاطِ الْقَبُولِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ عِنْدَ كَثِيرِينَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ إذْ الْمُعْتَمَدُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مُطْلَقًا. وَقَدْ مَرَّ صِحَّةُ الْوَقْفِ عَلَى الْقَاضِي مُطْلَقًا عَلَى هَذَا بِاتِّفَاقٍ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ الِاحْتِمَالِ الْأَخِيرِ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ الثَّلَاثِ الَّتِي حَكَاهَا الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ السُّبْكِيّ فِي شَرْطِ التَّدْرِيسِ لِلْقَاضِي وَوَجْهُ الصِّحَّةِ وَإِعْطَائِهِ الْمَعْلُومَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَبُولُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَهِيَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْقَبُولَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلْت) هَلْ خَطُّ الْقَاضِي يَكْفِي لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُنِيبَهُ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ عَلَى تَلَفُّظِ الْقَاضِي بِالْإِذْنِ وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَبُولُ لَفْظًا وَإِذَا قَالَ النَّائِبُ فِي التَّزْوِيجِ لِتَضَجُّرٍ لَا أُزَوِّجُ أَحَدًا أَوْ لَا أَعْقِدُ النِّكَاحَ لِأَحَدٍ هَلْ يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ (فَأَجَبْت) بِقَوْلِي لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ خَطِّ الْقَاضِي بِالِاسْتِنَابَةِ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْقَبُولِ فَنَقَلَ الشَّيْخَانِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ إنْ خَاطَبَهُ بِالتَّوْلِيَةِ اُشْتُرِطَ الْقَبُولُ لَفْظًا وَإِنْ كَاتَبَهُ أَوْ رَاسَلَهُ لَمْ يُشْتَرَطْ قَبُولُهُ إلَّا عِنْدَ بُلُوغِ الْخَبَرِ ثُمَّ تَعَقَّبَاهُ فَقَالَا سَبَقَ فِي الْوَكَالَةِ خِلَافُ اشْتِرَاطِ الْقَبُولِ وَأَنَّهُ إذَا اُشْتُرِطَ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْفَوْرُ فَلْيَكُنْ هَكَذَا هُنَا. اهـ. وَهَذَا مِنْهُمَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ هُنَا لَفْظًا كَمَا فِي الْوَكَالَةِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الْأَنْوَارِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لَفْظًا وَقَالَ الرَّافِعِيُّ لَا كَالْوَكَالَةِ. اهـ. فَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ مُصَرِّحٌ بِخِلَافِ مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَمُجَرَّدُ امْتِنَاعِ النَّائِبِ فِي التَّزْوِيجِ مِنْهُ لَا يَكُونُ عَزْلًا لَهُ إذْ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى رَدِّ الْإِذْنِ لَهُ فِيهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ عَزَلْت نَفْسِي أَوْ نَحْوِهِ. (وَسُئِلْت) هَلْ لِمَنْ قَرَأَ كِتَابًا أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الْفَتْوَى أَنْ يُفْتِيَ الْعَامِّيَّ فِي وَاقِعَتِهِ أَوْ يَتْرُكَهُ فِي حَيْرَتِهِ وَإِذَا لَمْ يَجِدْ الْمَسْأَلَةَ مُسَطَّرَةً وَوَجَدَ لَهَا نَظِيرً. اهـ. ل لَهُ أَنْ يُفْتِيَهُ بِحُكْمِ وَاقِعَتِهِ حَمْلًا عَلَى النَّظِيرِ وَهَلْ لِلْمُتَبَحِّرِ فِي الْفِقْهِ حَدٌّ مَعْلُومٌ وَهَلْ لِلْمُفْتِي إذَا وَجَدَ فُتْيَا أُخْرَى فِي مَسْأَلَةٍ فَرْضِيَّةٍ فِي الْمُنَاسَخَاتِ أَنْ يُصَحِّحَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَلَوْ حَضَرَ لِفَرْضِيٍّ مَنْ يُرِيدُ اسْتِفْتَاءً فِي مَسَائِلَ عَوِيصَةٍ فِي الْمُنَاسَخَاتِ تَسْتَغْرِقُ عَلَيْهِ زَمَنًا طَوِيلًا فَهَلْ لَهُ أَنْ يَقُولَ لِلسَّائِلِ لَا أَصْرِفُ هَذِهِ الْمُدَّةَ فِي تَصْحِيحِ سُؤَالِك إلَّا بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ الِاسْتِئْجَارُ لِجَهْلِهِ بِالْعَمَلِ الْمُسْتَأْجَرَ لَهُ فَمَا حِيلَتُهُ مَعَ أَنَّ الْمُفْتِيَ لَيْسَ لَهُ مَا يَكْفِيهِ. (فَأَجَبْت) بِقَوْلِي لَيْسَ لِمَنْ قَرَأَ كِتَابًا أَوْ كُتُبًا وَلَمْ يَتَأَهَّلْ لِلْإِفْتَاءِ أَنْ يُفْتِيَ الْعَامِّيَّ إلَّا فِيمَا عَلِمَ مِنْ مَذْهَبِهِ عِلْمًا جَازِمًا لَا تَرَدُّدَ فِيهِ كَوُجُوبِ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ وَنَقْضِهِ بِلَمْسِ الذَّكَرِ أَوْ بِلَمْسِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا مِرْيَةَ فِيهِ بِخِلَافِ مَسَائِلِ الْخِلَافِ فَإِنَّهُ لَا يُفْتِي فِيهَا نَعَمْ إنْ نَقَلَ لَهُ الْحُكْمَ عَنْ مُفْتٍ آخَرَ غَيْرِهِ أَوْ عَنْ كِتَابٍ مَوْثُوقٍ بِهِ وَكَانَ النَّاقِلُ عَدْلًا جَازَ لِلْعَامِّيِّ اعْتِمَاد قَوْلِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ نَاقِلٌ لَا مُفْتٍ. وَلَيْسَ لِغَيْرِ أَهْلِ الْإِفْتَاءِ الْإِفْتَاءُ فِيمَا لَمْ يَجِدْهُ مَسْطُورًا وَإِنْ وَجَدَ لَهُ نَظِيرًا أَوْ نَظَائِرَ وَالْمُتَبَحِّرُ فِي الْفِقْهِ هُوَ الَّذِي أَحَاطَ بِأُصُولِ إمَامِهِ فِي كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقِيسَ مَا لَمْ يَنُصَّ إمَامُهُ عَلَيْهِ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ وَهَذِهِ مَرْتَبَةٌ جَلِيلَةٌ لَا تُوجَدُ الْآنَ لِأَنَّهَا مَرْتَبَةُ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ سَنَةٍ وَمَنْ طُلِبَ مِنْهُ إفْتَاءٌ مِنْ مُنَاسَخَةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الِامْتِحَانِ وَالِاخْتِبَارِ وَلِلْفَرْضِيِّ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ التَّأْصِيلِ وَالتَّصْحِيحِ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ لَهُ أُجْرَةٌ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ وَإِلَّا فَطَرِيقُهُ أَنْ يُجْعَلَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ جُعْلٌ مَعْلُومٌ.

وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ مَسْأَلَةٍ سُئِلَ عَنْهَا أَبُو الْحَسَنِ الْأَصْبَحِيُّ وَعَنْ جَوَابِهِ فِيهَا وَجَوَابِ غَيْرِهِ وَهِيَ إذَا عُدِمَ فِي قُطْرٍ ذُو شَوْكَةٍ وَحَاكِمٌ وَلَمْ يُوجَدْ لِلْمَرْأَةِ وَلِيٌّ وَلَا لِلْأَطْفَالِ وَصِيٌّ وَنَحْوُهُ فَهَلْ لِجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْبِلَادِ تَنْصِيبُ فَقِيهِ يَتَعَاطَى الْأَحْكَامَ فِي الْأَبْضَاعِ وَالْأَمْوَالِ فَأَجَابَ الْأَصْبَحِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ نَعَمْ إذَا لَمْ يَكُنْ رَئِيسٌ يَرْجِعُ أَمْرُهُمْ إلَيْهِ اجْتَمَعَ ثَلَاثَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَنَصَّبُوا قَاضِيًا صِفَتُهُ صِفَةُ الْقُضَاةِ وَيُشْتَرَطُ فِي الثَّلَاثَةِ صِفَةُ الْكَمَالِ كَمَا فِي نَصْبِ الْإِمَامِ. اهـ. قَالَ الْإِمَامُ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَتَاوِيهِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَيْسُورَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ فَحَيْثُ تَعَذَّرَ الْإِمَامُ وَأَمْكَنَ نَصْبُ الْقَاضِي وَجَبَ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ فَيَأْثَمُ أَهْلُ تِلْكَ الْبِلَادِ بِتَرْكِهِ وَقَوْلُهُ صِفَتُهُ صِفَةُ الْقُضَاةِ أَيْ الَّتِي يُمْكِنُ وُجُودُهَا فِي زَمَانِهِمْ فَكَمَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ تَوْلِيَةُ الْمُقَلِّدِ لِلضَّرُورَةِ يَتَعَيَّنُ عَلَى هَؤُلَاءِ تَوْلِيَتُهُ فَإِذَا اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَالْمَوْصُوفِينَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ عَلَى نَصْبِ مُقَلِّدٍ قَاضِيًا تَمَّ ذَلِكَ وَنَفَذَ حُكْمُهُ فَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بِمَا يَعْلَمُهُ مِنْ مَذْهَبِ إمَامِهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالتَّمَادِي عَلَى تَرْكِ إقَامَةِ قَاضٍ فِي قُطْرٍ مِنْ الْأَقْطَارِ مَعْصِيَةٌ تَعُمُّ أَهْلَهُ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ إقَامَتَهُ لَيْسَتْ مُتَوَقِّفَةً عَلَى وُجُودِ الْإِمَامِ الَّذِي يَعْسُرُ عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى الْمُجْتَهِدِ بَلْ الضَّرُورَةُ مُقْتَضِيَةٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. اهـ. كَلَامُ السَّمْهُودِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَوْلُهُ وَبِالْجُمْلَةِ فَالتَّمَادِي عَلَى تَرْكِ إقَامَة قَاضٍ فِي قُطْرٍ مِنْ الْأَقْطَارِ مَعْصِيَةٌ تَعُمُّ أَهْلَهُ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمَقْدِسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْقَضَاءِ مِنْ الْإِشَارَاتِ إذَا اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى أَنْ لَا يَلِيَ أَحَدٌ فِيهِمْ الْقَضَاءَ أَثِمُوا لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ لَا يُقَدِّسُ أُمَّةً لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَأْخُذُ لِلضَّعِيفِ حَقَّهُ» . اهـ. قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ ابْنُ نَاصِرٍ فِي بَعْضِ أَجْوِبَتِهِ إنَّ الْبَلَدَ الَّذِي لَا حَاكِمَ فِيهِ تَجِبُ الْهِجْرَةُ مِنْهُ لِقَوْلِهِمْ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ حَاكِمٍ يَأْخُذُ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ لِلْمَظْلُومِ وَيُنْصِفُ النَّاسَ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَقَدْ سُئِلَ الْقَاضِي جَمَالُ الدِّينِ بْنُ ظَهِيرَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا إذَا كَانَتْ قَرْيَةٌ مِنْ الْقُرَى وَأَهْلُهَا يَمْلِكُ كِبَارُهُمْ الْحَلَّ وَالْعَقْدَ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا فَهَلْ يَصِحُّ نَصْبُهُمْ لِرَجُلٍ يُمْضِي بَيْنَهُمْ بَعْضَ مَا يُمْضِي الْحَاكِمُ وَقَدْ أَظْهَرُوا لَهُ الطَّاعَةَ فِيمَا يُقَرِّبُهُمْ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَبَايَعُوهُ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ مُعْتَقِدٌ مِنْهُمْ عَدَمَ الْوَفَاءِ ثُمَّ لَمْ يَفُوا بِأَكْثَرَ أَوْ بِالْجَمِيعِ هَلْ يَنْفُذُ مِنْهُ مَا يَنْفُذُ مِنْ الْحَاكِمِ مِنْ تَزْوِيجِ الْمَجْنُونَةِ وَبَيْعِ مَالِ الْمَدْيُونِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَحِفْظِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالْبَيْعِ لَهُمْ وَالشِّرَاءِ بِالْمَصْلَحَةِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ وَمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ فِي نَفْسِهِ وَمَا لَا يُشْتَرَطُ. فَأَجَابَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْكِبَارِ الْمَذْكُورِينَ أَنْ يُوَلُّوا قَاضِيًا فِي الْقَرْيَةِ الْمَذْكُورَةِ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ وَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ صَحَّ وَنَفَذَتْ أَحْكَامُهُ وَصَحَّ تَزْوِيجُهُ لِلْمَجْنُونَةِ وَغَيْرِهَا وَبَيْعُ مَالِ الْمَدْيُونِ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ وَيَحْفَظُ مَالَ الْيَتِيمِ وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ وَيَحْفَظُ أَمْوَالَ الْغَائِبِينَ وَيَتَوَلَّى جَمِيعَ مَا يَتَوَلَّاهُ الْحُكَّامُ وَكَذَا لَوْ كَانَ لِلْقَرْيَةِ شَيْخٌ يَرْجِعُونَ إلَيْهِ فِي أُمُورِهِمْ وَيُقَدِّمُونَهُ عَلَيْهِمْ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فَلَهُ أَنْ يُنَصِّبَ حَاكِمًا يَحْكُمُ بَيْنَ أَهْلِ الْقَرْيَةِ كَمَا يُنَصِّبُهُ الْإِمَامُ وَنَائِبُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّيْخِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا بَلْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ شَيْخٌ وَلَا كَبِيرٌ يَرْجِعُونَ إلَيْهِ فَلَهُمْ أَنْ يَنْصِبُوا قَاضِيًا يَقْضِي بَيْنَهُمْ وَيَصِحُّ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَتَنْفُذُ أَحْكَامُهُ عَلَيْهِمْ. وَقَدْ أَفْتَى بِذَلِكَ كُلِّهِ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ الْعَلَّامَةُ الْوَلِيُّ الْكَبِيرُ السَّيِّدُ الشَّهِيرُ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى ابْنُ عُجَيْلٍ الْيَمَنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ لَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَنْصُوبِ الْمَذْكُورِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَاضِي وَالشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ مَفْقُودَةٌ فِي هَذَا الزَّمَانِ بَلْ مِنْ قَبْلِهِ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ وَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي وَسِيطِهِ وَحَكَاهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ أَنَّ مَنْ وَلَّاهُ ذُو الشَّوْكَةِ نَفَذَ حُكْمُهُ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ فَاسِقًا لِلضَّرُورَةِ وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِهَذَا الزَّمَانِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَإِنْ تَعَذَّرَ فَمَنْ وَلَّاهُ ذُو الشَّوْكَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. مَا قَالَهُ الْقَاضِي جَمَالُ الدِّينِ وَأَفْتَى وَلَدُهُ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَحْمَدُ بِأَنَّهُ إذَا قَلَّدَ أَهْلُ الِاخْتِيَارِ قَاضِيًا جَازَ إذَا أَمْكَنَهُمْ نُصْرَتُهُ وَتَنْفِيذُ أَحْكَامِهِ وَالذَّبُّ

عَنْهُ وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا قَالَ نَحْوَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. وَعِبَارَةُ الْمَاوَرْدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْحَاوِي إذَا خَلَا بَلَدٌ عَنْ قَاضٍ وَخَلَا الْعَصْرُ عَنْ إمَامٍ فَقَلَّدَ أَهْلُ الِاخْتِيَارِ أَوْ بَعْضُهُمْ بِرِضَا الْبَاقِينَ وَاحِدًا وَأَمْكَنَهُمْ نُصْرَتُهُ وَتَقْوِيَةُ يَدِهِ جَازَ تَقْلِيدُهُ وَلَوْ انْتَفَى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ تَقْلِيدُهُ. اهـ. كَذَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي الْكِفَايَةِ وَتَبِعَهُ ابْنُ النَّقِيبِ وَسُئِلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ رَجُلٍ فِي بِلَادٍ لَيْسَ فِيهَا سُلْطَانٌ هَلْ يَجُوزُ حُكْمُهُ إذَا حَكَّمَهُ الْخَصْمَانِ أَوْ لَا؟ فَأَجَابَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ إذَا حَكَّمَهُ الْخَصْمَانِ وَرَضِيَا بِحُكْمِهِ وَكَانَ أَهْلًا لِلْحُكْمِ جَازَ وَنَفَذَ حُكْمُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. وَسُئِلَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا عَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ إمَامٌ مُوَلًّى وَرَضِيَتْ الْعَامَّةُ بِأَحْكَامِ رَجُلٍ عَدْلٍ عِنْدَهُمْ يَلْزَمُ حُكْمُهُ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ التَّوْلِيَةِ لِأَنَّ الشَّرْعَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْحَاكِمِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ هُنَاكَ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ وَلَا أَمِينِهِ هَلْ يَلْزَمُ أَحْكَامُ مَنْ رَضُوا بِهِ؟ فَأَجَابَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ قَاضٍ وَكَانَ فِيهَا رَجُلٌ عَالِمٌ أَوْ عَدْلٌ ثِقَةٌ مَرَضِيٌّ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاكِمِ وَتَرَاضَى بِهِ أَهْلُ الْبَلَدِ وَنَصَّبُوهُ بِإِجْمَاعِ عَشَرَةِ عُدُولٍ وَكَانَ عَالِمًا بِالشَّرْعِ أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ إلَّا أَنَّهُ يَسْتَفْتِي مَنْ يَثِقُ بِفَتْوَاهُ وَيَحْكُمُ بِهَا فَأَحْكَامُهُ وَتَصَرُّفَاتُهُ فِي ذَلِكَ نَافِذَةٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْجَوَابَ مَسَائِلُ مِنْهَا قَوْلُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا كَذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي. وَأَقَرَّهُ الْإِمَامُ الْإِسْنَوِيُّ وَالْإِمَامُ الْأَذْرَعِيُّ فِي بَابِ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ مِنْ شَرْحَيْ الْمِنْهَاجِ قَالَ الْإِمَامُ الْأَزْرَقُ فِي الْقَضَاءِ مِنْ شَرْحِ التَّنْبِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْمُحَكَّمِ أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ بَلْ فِيمَا حُكِّمَ فِيهِ كَالْقَاسِمِ قَالَ وَهُوَ الْقِيَاسُ كَمَا فِي عَامِلِ الزَّكَاةِ. اهـ. قَالَ الْإِمَامُ الْأَذْرَعِيُّ فِي مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ مِنْ شَرْحِ الْمِنْهَاجِ مَنْ حَكَّمْنَاهُ فِي بَابٍ اُعْتُبِرَ أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا فِيهِ لَا غَيْرُ قَالَ فِي الْقَضَاءِ مِنْهُ وَهُوَ الْأَقْرَبُ قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ وَشَاهَدْت ذَلِكَ بِخَطِّ الْجَلَالِ الْبُلْقِينِيُّ وَفِي غَيْرِ هَذَا مَا يَدُلُّ لِكَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُصَرَّحًا بِذَلِكَ فَلْيُكْتَفَ بِهِ. اهـ. كَلَامُهُ. وَمِنْهَا قَوْلُ الشَّيْخِ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْأَقْضِيَةِ مِنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالُوا مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِلْحُكْمِ لَا يَحِلُّ لَهُ الْحُكْمُ فَإِنْ حَكَمَ فَلَا أَجْرَ لَهُ بَلْ هُوَ آثِمٌ وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ سَوَاءٌ أَوَافَقَ الْحَقَّ أَوْ لَا لِأَنَّ إصَابَتَهُ اتِّفَاقِيَّةٌ لَيْسَتْ صَادِرَةً عَنْ أَصْلٍ شَرْعِيٍّ فَهُوَ عَاصٍ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ وَافَقَ الصَّوَابَ أَمْ لَا وَهِيَ مَرْدُودَةٌ كُلُّهَا وَلَا يُعْذَرُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ فِي السُّنَنِ «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ قَاضٍ فِي الْجَنَّةِ وَاثْنَانِ فِي النَّارِ قَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ وَقَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ وَقَضَى بِخِلَافِهِ فَهُوَ فِي النَّارِ وَقَاضٍ قَضَى عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ» . اهـ. مَا قَالَهُ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمِنْهَا قَوْلُ الْإِمَامِ ابْنِ الْأَنْصَارِيِّ وَالْكَمَالِ الدَّمِيرِيِّ وَالْإِمَامِ الْمَرَاغِيِّ الْمَدَنِيِّ فِي شُرُوحِهِمْ عَلَى الْمِنْهَاجِ إذَا تَحَاكَمَ رَجُلَانِ إلَى رَجُلٍ لَا يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ وَمِنْهَا مَا ذَكَرَ فِي الْكَافِي أَنَّ الْمُتَغَلِّبَ عَلَى إقْلِيمٍ لَوْ نَصَّبَ فَاسِقًا أَوْ جَاهِلًا وَتَعَذَّرَ رَفْعُهُ فَفِي نُفُوذِ أَحْكَامِهِ مِنْ التَّزْوِيجِ وَالتَّصَرُّفِ فِي أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ احْتِمَالُ وَجْهَيْنِ فَعَلَى الْمَنْعِ أَنَّ طَرِيقَ النَّاسِ التَّحَاكُمُ إلَى مَنْ هُوَ أَهْلٌ فَإِنْ تَعَذَّرَ نَفَذَتْ أَحْكَامُهُ لِلضَّرُورَةِ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ يَتَعَيَّنُ عَلَى السُّلْطَانِ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ أَنْ يُوَلِّيَ مَنْ اتَّصَفَ بِصِفَةِ الْعِلْمِ بِمَذْهَبِ إمَامٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. مَا قَالَهُ فِي الْكَافِي كَذَا قَالَ فِي مِفْتَاحِ ابْنِ كَبْنٍ فَهَلْ مَا ذَكَرَ صَحِيحٌ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ مَا ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ صَحِيحٌ جَارٍ عَلَى الْقَوَاعِدِ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ مَذْكُورٌ فِي حَاوِي الْمَاوَرْدِيُّ وَأَقَرَّهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَيُوَافِقُهُ كَلَامُ صَاحِبِ الْكَافِي وَكَفَى بِاعْتِمَادِ هَؤُلَاءِ الْمُفْتِينَ لَهُ وَهُوَ اللَّائِقُ بِقَاعِدَةِ أَنَّ الْمَشَقَّةَ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ وَأَنَّ الضَّرُورَاتِ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ وَغَيْرِهِمَا فَإِذَا خَلَتْ بَلَدٌ أَوْ قُطْرٌ عَنْ نُفُوذِ أَوَامِرِ السُّلْطَانِ فِيهَا لِبُعْدِهَا وَانْقِطَاعِ أَخْبَارِهَا عَنْهُ وَعَدَمِ انْقِيَادِ أَهْلِهَا لِأَوَامِرِهِ لَوْ بَلَغَتْهُمْ فَلَمْ يُرْسِلْ لَهُمْ قَاضِيًا وَجَبَ عَلَى كُبَرَاءِ أَهْلِهَا أَنْ يُوَلُّوا مَنْ يَقُومُ بِأَحْكَامِهِمْ وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا النَّاسَ فَوْضَى لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى ضَرَرٍ عَظِيمٍ

فَإِذَا وَلَّوْا عَدْلًا نَفَذَتْ جَمِيعُ أَحْكَامِهِ وَصَارَ فِي حَقِّهِمْ كَالْقَاضِي وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ اجْتِهَادٌ لِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ كَالْمُحَكَّمِ وَالْمُحَكَّمُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ إلَّا مَعَ وُجُودِ الْقَاضِي. وَأَمَّا مَعَ فَقْدِهِ فَيَجُوزُ تَحْكِيمُ الْعَدْلِ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ لِلْأَحْكَامِ الَّتِي يَحْتَاجُ إلَيْهَا وَلَوْ بِاسْتِفَادَتِهَا مِنْ غَيْرِهِ وَمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ عَنْ جَمْعٍ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْأَصْبَحِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ قَوْلِهِ صِفَتُهُ صِفَةُ الْقُضَاةِ فَهُوَ مُؤَوَّلٌ بِمَا قَالَهُ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَمَا ذُكِرَ مِنْ تَأْثِيمِ جَمِيعِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ بِتَرْكِ نَصْبِ حَاكِمٍ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ فِي بِلَادِهِمْ مُتَّجِهٌ. وَمَا ذُكِرَ مِنْ وُجُوبِ الْهِجْرَةِ مِنْ بَلَدٍ لَا حَاكِمَ فِيهِ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ لَا تَجُوزُ الْإِقَامَةُ بِبَلَدٍ لَا مُفْتِيَ فِيهِ وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَتَّفِقَ عَلَى نَصْبِهِ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ حَيْثُ قَالَ فَقَلَّدَ أَهْلُ الِاخْتِيَارِ أَوْ بَعْضُهُمْ وَاحِدًا بِرِضَا الْبَاقِينَ وَبِهِ يُنْظَرُ فِي قَوْلِ الْأَصْبَحِيِّ ثَلَاثَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَقَوْلِ السَّمْهُودِيِّ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ لَكِنَّ مَا قَالَهُ هُوَ الْقِيَاسُ فِي نَصْبِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ اتِّفَاقُ جَمِيعِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ بَلْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ انْحَصَرَ الْحَلُّ وَالْعَقْدُ فِي وَاحِدٍ مُطَاعٍ كَفَى وَكَذَا يُقَالُ بِهِ هُنَا وَلِلْمَاوَرْدِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ تِلْكَ وِلَايَةٌ عَامَّةٌ فَلَوْ اشْتَرَطْنَا حُضُورَ جَمِيعِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ لَتَعَسَّرَ أَوْ تَعَذَّرَ وَفَاتَ الْمَقْصُودُ وَعَظُمَ الْخَطْبُ وَلَمْ يَتَيَسَّرْ نَصْبُ إمَامٍ لِبُعْدِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى وَاحِدٍ فَاقْتَضَتْ الضَّرُورَةُ الْمُسَامَحَةَ ثَمَّ بِالِاكْتِفَاءِ بِمَنْ تَيَسَّرَ مِنْهُمْ وَأَمَّا هُنَا فَهَذِهِ وِلَايَةٌ خَاصَّةٌ عَلَى قَوْمٍ مَخْصُوصِينَ فَاشْتُرِطَ رِضَا جَمِيعِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ بِهَا إذْ لَا عُسْرَ فِي ذَلِكَ وَلَا مَشَقَّةَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَتَّجِهُ تَرْجِيحُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلْت) عَنْ شَخْصٍ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ حِصَّةً مُشَاعَةً مِنْ صِهْرِيجٍ وَحُفْرَةٍ ثُمَّ اسْتَأْجَرَ الْبَائِعُ الْحِصَّةَ الشَّائِعَةَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَكْتُبْ الْمُوَثِّقُ فِي حُجَّةِ التَّبَايُعِ وَالتَّآجُرِ ثُبُوتًا وَلَا حُكْمًا ثُمَّ اتَّصَلَ مَضْمُونُ الْحُجَّةِ الْمَذْكُورَةِ بِحَاكِمٍ شَافِعِيٍّ وَكَتَبَ بِخَطِّهِ فِي طُرَّتِهَا ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدِي وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْحُكْمِ فَهَلْ يَكُونُ هَذَا اللَّفْظُ مُتَضَمِّنًا لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ التَّبَايُعِ وَالتَّآجُرِ أَوْ أَحَدِهِمَا أَمْ لَا يَكُونُ مُتَضَمِّنًا لِلْحُكْمِ وَهَلْ إذَا رُفِعَتْ هَذِهِ الْقَضِيَّةُ إلَى حَاكِمٍ مُخَالِفٍ يَكُونُ هَذَا اللَّفْظُ مَانِعًا لَهُ عَنْ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ بِقَاعِدَةِ مَذْهَبِهِ أَمْ لَا. (أَجَبْت) بِقَوْلِي الثُّبُوتُ الْمُجَرَّدُ لَيْسَ بِحُكْمٍ بِالثَّابِتِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَقَالَ آخَرُونَ إنَّهُ حُكْمٌ وَاخْتَارَ السُّبْكِيّ التَّفْصِيلَ بَيْنَ أَنْ يَثْبُتَ الْحَقُّ أَوْ سَبَبُهُ فَإِنْ ثَبَتَ سَبَبُهُ كَقَوْلِهِ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ زَيْدًا وَقَفَ هَذَا فَلَيْسَ بِحُكْمٍ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى نَظَرٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْوَقْفَ صَحِيحٌ أَوْ لَا وَإِنْ ثَبَتَ الْحَقُّ كَقَوْلِهِ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ هَذَا وَقْفٌ عَلَى زَيْدٍ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْحُكْمِ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ آخَرَ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ صُورَةُ الْحُكْمِ فِيهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْأَصَحِّ لَيْسَ قَوْلُ الْقَاضِي ثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدِي مُتَضَمِّنًا لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ بَيْعٍ وَلَا إجَارَةٍ فَلِلْمُخَالِفِ الْحُكْمُ فِيهِ بِقَضِيَّةِ مَذْهَبِهِ وَعَلَى الثَّانِي هُوَ مُتَضَمِّنٌ لِذَلِكَ وَعَلَى اخْتِيَارِ السُّبْكِيّ إنْ قَالَ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ زَيْدًا بَاعَ هَذَا لَمْ يَكُنْ حُكْمًا وَلِلْمُخَالِفِ نَقْضُهُ وَإِنْ قَالَ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ هَذَا مَبِيعٌ مِنْ زَيْدٍ كَانَ حُكْمًا يَمْتَنِعُ نَقْضُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ وَلِيِّ الْأَمْرِ إذَا وَلَّى شَخْصًا عَلَى بَلْدَةٍ وَفَوَّضَ أَمْرَهَا إلَيْهِ بِأَنْ يَعْزِلَ وَيُنَصِّبَ وَيَحْكُمَ بَلْ فَوَّضَ أُمُورَهَا إلَيْهِ وَحَكَمَ بِحُرِّيَّةِ إنْسَانٍ هَلْ يُنْقَضُ ذَلِكَ الْحُكْمُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ لَا يُنْقَضُ حُكْمُهُ الْمَذْكُورُ إلَّا بِسَبَبٍ مُقْتَضٍ لَهُ كَأَنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِرِقِّ ذَلِكَ الْمَحْكُومِ بِحُرِّيَّتِهِ فَإِنَّ بَيِّنَةَ الرِّقِّ مُقَدَّمَةٌ عَلَى بَيِّنَةِ الْحُرِّيَّةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سُؤَالًا صُورَتُهُ مَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ فِي تَكْبِيرِ الْعِيدِ وَفِي الشَّهَادَاتِ الْأَشْهَرُ كَذَا وَالْعَمَلُ عَلَى خِلَافِهِ وَكَيْفَ يُعْمَلُ بِخِلَافِ الرَّاجِحِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ إنَّ التَّرْجِيحَ تَعَارُضٌ لِأَنَّ الْعَمَلَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُرَجَّحُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِلَّ حُجَّةً فَلَمَّا تَعَارَضَ فِي الْمَسْأَلَةِ التَّرْجِيحُ مِنْ حَيْثُ دَلِيلُ الْمَذْهَبِ وَالتَّرْجِيحُ مِنْ حَيْثُ الْعَمَلِ لَمْ يَسْتَمِرَّ التَّرْجِيحُ الْمَذْهَبِيُّ عَلَى

رُجْحَانِيَّتِهِ لِوُجُودِ الْمُعَارِضِ فَسَاغَ الْعَمَلُ بِمَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ مِلْكٍ لِيَتِيمٍ اُحْتِيجَ لِبَيْعِهِ فَقَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ قِيمَتَهُ مِائَةٌ ثُمَّ بَاعَهُ الْقَيِّمُ وَحُكِمَ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ اسْتِنَادًا لِلْبَيِّنَةِ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى بِأَنَّ قِيمَتَهُ حِينَئِذٍ مِائَتَانِ فَهَلْ يُنْقَضُ الْحُكْمُ وَيُحْكَمُ بِفَسَادِ الْبَيْعِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بَعْدَ التَّمَهُّلِ أَيَّامًا بِأَنَّهُ يُنْقَضُ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إنَّمَا حُكِمَ بِنَاءً عَلَى الْبَيِّنَةِ السَّالِمَةِ عَنْ الْمُعَارَضَةِ بِبَيِّنَةٍ مِثْلِهَا أَوْ أَرْجَحَ وَقَدْ بَانَ خِلَافُ ذَلِكَ وَتَبَيَّنَ اسْتِنَادُ مَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ إلَى حَالَةِ الْحُكْمِ فَهُوَ كَمَا قَطَعَ بِهِ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ لِلْخَارِجِ عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ بِبَيِّنَةٍ فَانْتُزِعَتْ الْعَيْنُ مِنْهُ ثُمَّ أَتَى بِبَيِّنَةٍ فَإِنَّ الْحُكْمَ يُنْقَضُ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا رَجَعَ الشَّاهِدُ بَعْدَ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَبَيَّنْ اسْتِنَادُ مَانِعٍ إلَى حَالَةِ الْحُكْمِ لِأَنَّ قَوْلَهُ مُتَعَارِضٌ وَلَا مُرَجِّحَ. (وَسُئِلَ) عَمَّا يُفْتِي بِهِ الْمُفْتُونَ هَلْ يُقَالُ إنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سَوَاءٌ أَعُلِمَ كَوْنُهُ مَنْصُوصًا لَهُ أَمْ لَا يُقَالُ ذَلِكَ إلَّا فِيمَا عُلِمَ نَصُّهُ عَلَيْهِ وَغَيْرُهُ يُقَالُ فِيهِ إنَّهُ مُقْتَضَى مَذْهَبِهِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي حُكْمٍ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ إلَّا إنْ عُلِمَ كَوْنُهُ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ بِخُصُوصِهِ أَوْ كَوْنُهُ مُخَرَّجًا مِنْ نُصُوصِهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي نِسْبَةِ الْمُخَرَّجِ إلَيْهِ فَقَدْ قَالَ التَّقِيُّ السُّبْكِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ التَّاسِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ الْمَسَائِلِ الْحَلَبِيَّةِ. وَأَمَّا مَنْ سُئِلَ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَيُجِيبُ مُصَرِّحًا بِإِضَافَتِهِ إلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ مَنْصُوصًا لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلَا مُخَرَّجًا مِنْ مَنْصُوصَاتِهِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَحَدٍ بَلْ اخْتَلَفُوا فِيمَا هُوَ مُخَرَّجٌ هَلْ يَجُوزُ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ هَذَا فِي الْقَوْلِ الْمُخَرَّجِ وَأَمَّا الْوَجْهُ فَلَا يَجُوزُ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ نَعَمْ هُوَ مُقْتَضَى مَذْهَبِهِ أَوْ مِنْ مَذْهَبِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ أَهْلِ مَذْهَبِهِ وَالْمُفْتِي يُفْتِي بِهِ إذَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَّا فِي مَنْصُوصٍ لَهُ قَالَ بِهِ أَصْحَابُهُ أَوْ أَكْثَرُهُمْ بِخِلَافِ مَا خَرَّجُوا عَنْهُ بِتَأْوِيلٍ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّ تَجَنُّبَهُمْ لَهُ يَدُلُّ عَلَى رِيبَةٍ فِي نِسْبَتِهِ إلَيْهِ وَمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَقَالُوا لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ يَسُوغُ تَقْلِيدُهُمْ فِيهِ وَلَكِنْ لَا يُطْلَقُ أَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بَلْ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ هُوَ مَنْصُوصٌ أَوْ لَا سَهُلَتْ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ اتِّفَاقِهِمْ أَنَّهُ قَالَ بِهِ. اهـ. مُلَخَّصًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الْقَاضِي بِنَاحِيَةٍ هَلْ يَنْفُذُ حُكْمُهُ فِي الْبِحَارِ وَالْبَرَارِي الَّتِي يَتَرَدَّدُونَ فِيهَا مِنْ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ إلَيْهَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ قَالَ ابْنُ كَبَّنَ الْقِيَاسُ نُفُوذُهُ فِي سَوَاحِلِ مَحَلِّ حُكْمِهِ وَجَزَائِرِهِ لَا فِي سَفَرِهِ وَبَحْرِهِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سُؤَالًا صُورَتُهُ ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا فَقَالَ هِيَ لِرَجُلٍ لَا أَعْرِفُهُ أَوْ لِابْنِي الطِّفْلِ أَوْ لِمَسْجِدِ كَذَا أَوْ وَقْفٍ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَأَرَادَ الْمُدَّعِي تَحْلِيفَهُ فَنَكَلَ فَهَلْ يَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ الْعَيْنَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَحْلِفُ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ وَيَسْتَحِقُّ الْعَيْنَ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ حَتَّى يُقِيمَ بَيِّنَةً بِأَنَّ الْعَيْنَ لَهُ وَبُحِثَ إلْحَاقُ مَا بَعْدَ الثَّانِيَةِ بِهَا. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ لِآخَرَ وَلَّيْتُك الْقَضَاءَ وَنَوَيَا مَحَلًّا مُعَيَّنًا فَهَلْ يَكْفِي؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ ظَاهِرُ قَوْلِهِمْ التَّعْيِينُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْوِلَايَةِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي وَلَا أَثَرَ لِكَوْنِ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ تَحْصُلُ بِالْكِنَايَةِ لِأَنَّهُ ثَمَّ أَتَى بِلَفْظٍ مُحْتَمِلٍ تُؤَثِّرُ فِيهِ النِّيَّةُ بِخِلَافِهِ هُنَا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وِلَايَةُ ذَلِكَ الْمَوْلَى مَقْصُورَةً عَلَى بَلَدٍ وَاحِدٍ أَوْ لَا. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا سَنَةً ثُمَّ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ فِي أَثْنَائِهَا فَجَاءَ الْمُسْتَأْجِرُ لِشَافِعِيٍّ وَادَّعَى عَلَى وَرَثَةِ الْمُؤَجِّرِ أَنَّ مُؤَجِّرَهُمْ أَجَّرَهُ كَمَا ذَكَرَ وَهُمْ يَمْنَعُونَهُ اسْتِيفَاءَ مَا بَقِيَ مِنْ سَنَتِهِ فَأَنْكَرُوا فَأَقَامَ بَيِّنَتَهُ بِذَلِكَ وَطَلَبَ مِنْ الْقَاضِي الْحُكْمَ لَهُ بِلُزُومِ الْإِجَارَةِ فَهَلْ يُحْكَمُ لَهُ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ بَحَثَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِذَلِكَ لِأَنَّ بَاقِيَ الْمُدَّةِ انْتَقَلَ اسْتِحْقَاقُ مَنْفَعَتِهَا لَوْلَا الْإِجَارَةُ إلَى الْوَارِثِ وَهُوَ مُنْكِرٌ اسْتِحْقَاقَ الْمُسْتَأْجِرِ لِذَلِكَ

وَالْبَيِّنَةُ وَرَدَتْ عَلَيْهِ غَيْرَ مُتَعَرِّضَةٍ لِسِوَى ذَلِكَ بَلْ إنَّمَا يُحْكَمُ بِصِحَّةِ الْإِجَارَةِ وَصِحَّتُهَا لَا تَمْنَعُ الْحَنَفِيَّ مِنْ الْحُكْمِ بِانْفِسَاخِهَا بِالْمَوْتِ قَالَ نَعَمْ إنْ ادَّعَى الْوَارِث عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَ مِنْ مُوَرِّثِهِ كَذَلِكَ وَمَاتَ وَقَدْ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ وَسَأَلَ تَسْلِيمَ الدَّارِ فَلِلْقَاضِي الْحُكْمُ حِينَئِذٍ بِلُزُومِ الْإِجَارَةِ وَإِنْ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ لَكِنْ بَعْدَ طَلَبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. اهـ. وَيُوَجَّهُ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا مِنْ عَدَمِ الْحُكْمِ بِاللُّزُومِ بِأَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ وَالْوَارِثِ إنَّمَا وَقَعَ فِي وُجُودِ الْعَقْدِ فَوَجَبَ صَبُّ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِأَنْ يُحْكَمَ بِوُجُودِهِ وَصِحَّتِهِ وَأَمَّا اللُّزُومُ فَأَمْرٌ أَخَصُّ مِنْ الْوُجُودِ وَلَمْ يَقَعْ تَعَرُّضٌ لَهُ فِي الدَّعْوَى فَكَيْفَ يُحْكَمُ بِهِ بِخِلَافِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ فَإِنَّ الدَّعْوَى مُنْصَبَّةٌ عَلَى عَدَمِ اللُّزُومِ بَعْدَ اعْتِرَافِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ بِوُجُودِ الْعَقْدِ فَسَاغَ حِينَئِذٍ الْحُكْمُ بِاللُّزُومِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ قَاضِي الضَّرُورَةِ هَلْ تَنْفُذُ جَمِيعُ أَحْكَامِهِ أَوْ يُسْتَثْنَى مِنْهَا شَيْءٌ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ نُفُوذُهَا كُلِّهَا لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ قَالَ الْحَضْرَمِيُّ وَلَا يَجُوزُ لَهُ حِفْظُ مَالِ الطِّفْلِ بَلْ يَتْرُكُهُ عِنْدَ عَدْلٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَإِنَّهُ كَالشَّاهِدِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَلَا يَسْتَحِقُّ جَامَكِيَّةً فِي بَيْتِ الْمَالِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا إذَا سَافَرَ الْقَاضِي سَفَرًا طَوِيلًا بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَلَمْ يَسْتَنِبْ أَحَدًا مَعَ أَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي ذَلِكَ فَهَلْ يَنْعَزِلُ بِتَرْكِ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ بَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ انْعِزَالَهُ بِذَلِكَ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ حَيْثُ تَرَكَ ذَلِكَ إعْرَاضًا لَا لِضَرُورَةٍ أَوْ خَشْيَةِ مَحْذُورٍ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سُؤَالًا صُورَتُهُ وَهَبَ لِطِفْلٍ شَخْصٌ شَيْئًا لَزِمَهُ قَبُولُهُ هَلْ يَشْمَلُ ذَلِكَ الْقَاضِيَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ شُمُولُهُ لَهُ فَإِذَا وُهِبَ لِطِفْلِهِ شَيْءٌ لَزِمَهُ قَبُولُهُ لَكِنْ بَحَثَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ اسْتِثْنَاءَهُ قَالَ وَإِلَّا فَهُوَ فَتْحُ بَابٍ لِلرِّشْوَةِ. اهـ. وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ إذَا قَبِلَهُ لِمُوَلِّيهِ صَارَ مِلْكًا لِلْمَوْلَى وَامْتَنَعَ عَلَى الْوَلِيُّ التَّصَرُّفُ فِيهِ إلَّا بِالْحَظِّ لَهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ رُجُوعُهُ إلَيْهِ إلَّا بِنَحْوِ بَيْعِهِ لِلْمَصْلَحَةِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ فِيهِ الرِّشْوَةُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هَلْ يَلْزَمُ الدَّائِنَ تَسْلِيمُ كِتَابِ دَيْنِهِ بَعْدَ الِاسْتِيفَاءِ أَوْ الْإِشْهَاد عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْبَائِعُ هَلْ يَلْزَمُهُ كِتَابُ شِرَائِهِ بَعْدَ الْإِشْهَادِ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ أَوْ الْقَبْضِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَلْزَمُهُ دَفْعُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ وَالْإِشْهَادُ عَلَيْهِ كَافٍ فِي دَفْعِ مَا بِيَدِهِ لَوْ ادَّعَى بِهِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ لِلْقَاضِي قَبْضُ أَمْوَالِ الْغَائِبِينَ أَعْيَانًا كَانَتْ أَوْ دُيُونًا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا الشَّيْخَانِ فِي مَوَاضِعَ مُتَفَرِّقَةٍ بَيْنَهُمَا فِي الْمُهِمَّاتِ فِي التَّفْلِيسِ فَقَالَا فِي السَّرِقَةِ وَلَا يُطَالِبُ بِمَالِهِ وَفِي التَّفْلِيسِ لَا يَسْتَوْفِي أَمْوَالَ الْغَائِبِينَ فِي الذِّمَمِ وَإِنَّمَا يَحْفَظُ أَعْيَانَ أَمْوَالِهِمْ وَفِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ لَيْسَ لَهُ أَخَذُ مَالِ الْغَائِبِ الْمَغْصُوبِ. وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ مَا يُنَازَعُ فِيهِ وَيُشْعِرُ بِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ لَهُ وَيَحْفَظُهُ وَفِي اللُّقَطَةِ لَوْ أَخَذَ الْقَاضِي الْمَغْصُوبَ مِنْ الْغَاصِبِ لِيَحْفَظَهُ لِلْمَالِكِ هَلْ يَبْرَأُ الْغَاصِبُ مِنْ الضَّمَانِ فِيهِ وَجْهَانِ ظَاهِرُ النَّصِّ مِنْهُمَا الْبَرَاءَةُ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ أَقْيَسُهُمَا الْبَرَاءَةُ لِأَنَّ يَدَ الْقَاضِي نَائِبَةٌ عَنْ يَدِ الْمَالِكِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَبْرَأُ فَلِلْقَاضِي أَخْذُهُ وَإِنْ قُلْنَا يَبْرَأُ فَإِنْ كَانَ الْمَالُ مُتَعَرِّضًا لِلضَّيَاعِ وَالْغَاصِبُ بِحَيْثُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُفْلِسَ أَوْ يَغِيبَ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ. وَلَيْسَ لِآحَادِ النَّاسِ أَخْذُ الْمَغْصُوبِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَعْرَضِ الضَّيَاعِ وَكَذَا إنْ كَانَ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَائِبٌ عَنْ الْغَائِبِينَ. اهـ. قِيلَ وَيَنْبَغِي حَمْلُ مَا أَطْلَقَاهُ فِي بَقِيَّةِ الْمَوَاضِعِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الَّذِي اعْتَمَدَهُ النَّشَائِيُّ وَحَاصِلُهُ رَاجِعٌ إلَى رِعَايَةِ الْحَظِّ وَالْمَصْلَحَةِ فِي ذَلِكَ لِلْغَائِبِ وَنَقَلَ فِي الْمُهِمَّاتِ عَنْ الْفَارِقِيِّ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ حَيْثُ كَانَ الْمَدْيُونُ ثِقَةً مَلِيًّا وَإِلَّا وَجَبَ عَلَى الْحَاكِمِ قَبْضُهُ بِلَا خِلَافٍ وَحَيْثُ ثَبَتَ لَهُ قَبْضُ حَقِّهِ كَانَ لَهُ نَصْبُ مَنْ يُدَّعَى بِهِ عِنْدَ جُحُودِهِ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْغَزِّيُّ وَفِي الْقُوتِ عَنْ الْقَفَّالِ فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ وَزِيَادَةٌ فَانْظُرْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَمَحَلُّ جَوَازِ قَبْضِ الْحَاكِمِ حَيْثُ قِيلَ بِهِ مَا إذَا لَمْ يَخْشَ اسْتِيلَاءَ نَحْوِ ظَالِمٍ عَلَيْهِ أَوْ ضَيَاعَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ إذْ لَا حَظَّ لِلْغَائِبِ حِينَئِذٍ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - هَلْ يَجِبُ تَقْلِيدُ الْأَعْلَمِ الْأَوْرَعِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ أَمْ يَتَخَيَّرُ

(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ أَخْذًا مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَمَحَلُّهُ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ مَا لَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَعْلَمُ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَلْزَمُهُ الْبَحْثُ عَنْ الْأَعْلَمِ وَرَجَّحَهُ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ بِقَوْلِهِ الْمُخْتَارِ إذْ هُوَ فِيهَا بِمَعْنَى الرَّاجِحِ بَعْدَ أَنْ نَظَرَ فِيهِ وَنَقَلَهُ عَنْ غَيْرِهِ أَيْ كَابْنِ الصَّلَاحِ ثُمَّ. قَالَ فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ تَقْلِيدُ أَوْرَعِ الْعَالِمِينَ وَأَعْلَمِ الْوَرِعِينَ وَإِنْ تَعَارَضَا قَدَّمَ الْأَعْلَمَ عَلَى الْأَصَحِّ. اهـ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَوْ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ اجْتِهَادُ مُجْتَهِدَيْنِ فِي الْقِبْلَةِ تَخَيَّرَ وَإِنْ اعْتَقَدَ أَحَدَهُمَا أَفْضَلَ وَبِأَنَّ كَلَامَ الْمَجْمُوعِ فِي مُقَدِّمَتِهِ وَأَصْلِ الرَّوْضَةِ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ عَلَيْهِ مُفْتِيَانِ يَقْتَضِي التَّخْيِيرَ مُطْلَقًا وَبِأَنَّ قِيَاسَ ذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ تَقْدِيمِ أَرْجَحِ الدَّلِيلَيْنِ وَأَوْثَقِ الرِّوَايَتَيْنِ غَيْرُ صَحِيحٍ. لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ بِهِ هُوَ الْمُجْتَهِدُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَحْثُ عَنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَحْثُ عَنْ الْأَعْلَمِ وَبِأَنَّ الْعَامِّيَّ لَا عِبْرَةَ بِاعْتِقَادِهِ إذْ قَدْ يَعْتَقِدُ الْمَفْضُولَ فَاضِلًا إذْ لَا تَمْيِيزَ لَهُ وَبِأَنَّ الْكَمَالَ الْمُحَقِّقَ ابْنَ الْهُمَامِ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ وَيُجَابُ بِأَنَّ أَمَارَةَ الْقِبْلَةِ ظَاهِرَةٌ يَسْتَوِي فِي مَعْرِفَتِهَا الْأَفْضَلُ وَغَيْرُهُ وَلَوْ سَلَّمْنَا عَدَمَ اسْتِوَائِهِمَا فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا فِيهَا غَيْرُ كَبِيرٍ بِخِلَافِ الْأَحْكَامِ فَإِنَّ التَّفَاوُتَ فِيهَا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ قَدْ كَثُرَ وَانْتَشَرَ وَالْأَعْلَمُ أَدْرَى بِهَا فَوَجَبَ تَقْلِيدُهُ وَبِأَنَّ اقْتِضَاءَ مَا ذَكَرَ فِي اخْتِلَافِ الْمُفْتِيَيْنِ إمَّا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ صَحِيحٌ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الِابْتِدَاءَ يُحْتَاطُ لَهُ أَكْثَرَ لِأَنَّ فِيهِ الْتِزَامَ الْأَخْذِ بِقَوْلِهِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَ عَلَيْهِ مُفْتِيَانِ فَإِنَّهُ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ فَوُسِّعَ فِيهِ أَكْثَرَ أَوْ يُقَالُ وَهُوَ الْأَقْرَبُ هُوَ مُقَيَّدٌ بِذَلِكَ أَيْضًا وَأَهْمَلُوهُ فِيهَا لِعِلْمِهِ مِنْ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَبِأَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا فَسَادَ الْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ فَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي ضَعْفَ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ الْمَذْكُورِ عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ صَحِيحٌ إذْ صُورَتُهُ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ اعْتَقَدَ الْأَرْجَحِيَّةَ وَالْمُقَلِّدَ كَذَلِكَ فَتَسَاوَيَا حِينَئِذٍ وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّ ذَاكَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَحْثُ دُونَ هَذَا إذْ لَا يَصِحُّ فَارِقًا وَبِأَنَّ دَعْوَى عَدَمِ الِاعْتِبَارِ بِاعْتِقَادِ الْعَامِّيِّ فِي مَحَلِّ الْمَنْعِ بَلْ هُوَ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا صُورَتُهُ قَالَ الشَّيْخَانِ النَّاسُ كَالْمُجْمِعِينَ الْيَوْمَ عَلَى أَنَّهُ لَا مُجْتَهِدَ الْيَوْمَ هَلْ لَهُمَا مُسْتَنَدٌ فِي ذَلِكَ مَعَ مَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ تَعَطُّلِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ وَتَأْثِيمِ النَّاسِ وَالْمُفْتِينَ غَيْرُ الْمُجْتَهِدِينَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ سَبَقَهُمَا إلَى ذَلِكَ الْفَخْرُ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ بَلْ قَالَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ مِنَّا لَمْ يُوجَدْ بَعْدَ عَصْرِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مُجْتَهِدٌ مُسْتَقِلٌّ أَيْ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ فَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ كَثِيرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا اتَّبَعْنَا الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّا وَجَدْنَا قَوْلَهُ أَرْجَحَ لَا أَنَّا قَلَّدْنَاهُ أَيْ فِي كُلِّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَلْ وَافَقَ اجْتِهَادُنَا اجْتِهَادَهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ وَمِنْ. ثَمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَابْنِ الصَّلَاحِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَدَعْوَى انْتِفَاءِ التَّقْلِيدِ عَنْهُمْ مُطْلَقًا لَا يَسْتَقِيمُ وَلَا يُلَائِمُ الْمَعْلُومَ مِنْ حَالِهِمْ أَوْ حَالِ أَكْثَرِهِمْ لَكِنْ نَازَعَهُمْ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَاخْتَارَ قَوْلَ الْحَنَابِلَةِ لَا يَخْلُو الْعَصْرُ عَنْ مُجْتَهِدٍ وَمَالَ إلَيْهِ فِي الْخَادِمِ قَالَ وَالِدُ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ وَعِزَّةُ الْمُجْتَهِدِ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ لَيْسَ لِتَعَذُّرِ حُصُولِ آلَةِ الِاجْتِهَادِ بَلْ لِإِعْرَاضِ النَّاسِ عَنْ الطَّرِيقِ الْمُفْضِيَةِ إلَيْهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ هَذَا تَأْثِيمُ كُلِّ النَّاسِ مِنْ عَصْرِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَى الْآنَ لِأَنَّ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ عَصْرٍ مَنْ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ وَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ كَابْنِ الصَّلَاحِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْ دَهْرٍ طَوِيلٍ يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ عُدِمَ الْمُجْتَهِدُ الْمُسْتَقِلُّ وَلِقَوْلِهِمْ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ لَا يَتَأَتَّى بِأَصْحَابِ الْوُجُوهِ لَكِنْ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَيَظْهَرُ تَأَدِّي الْفَرْضِ بِهِ فِي الْفَتْوَى وَإِنْ لَمْ يَتَأَدَّ فِي إحْيَاءِ الْعُلُومِ الَّتِي مِنْهَا اسْتِمْدَادُ الْفَتْوَى لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْمُسْتَقِلِّ وَعَلَى تَسْلِيمِ مَا ذَكَرَهُ فَقَدْ تَعَطَّلَ فَرْضُ الْكِفَايَةِ بِالْمَعْنَى الثَّانِي الَّذِي ذَكَرَهُ فَاَلَّذِي يَجِبُ الْجَزْمُ بِهِ أَنَّ عِزَّةَ الْمُجْتَهِدِ إنَّمَا هُوَ لِتَعَذُّرِ حُصُولِ آلَةِ الِاجْتِهَادِ لَا لِلْإِعْرَاضِ عَنْ طَرِيقِهِ لِأَنَّ أَصْحَابَنَا وَغَيْرَهُمْ بَذَلُوا جُهْدَهُمْ فَوْقَ مَا يُطْلَقُ كَمَا يُعْلَمُ لِمَنْ تَأَمَّلَ أَخْبَارَهُمْ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَظْفَرُوا بِرُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ كَمَا مَرَّ وَأَيْضًا فَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ

فَرْضِيَّةَ مَا مَرَّ إنَّمَا يُخَاطَبُ بِهَا مَنْ جَمَعَ الشُّرُوطَ الَّتِي ذَكَرُوهَا وَإِذَا تَأَمَّلْت جَمِيعَ أَهْلِ الْأَعْصَارِ الْمُتَأَخِّرَةِ لَمْ تَجِدْهُمْ جَمَعُوا تِلْكَ الشُّرُوطَ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِمْ إذْ مِنْ تِلْكَ الشُّرُوطِ الذَّكَاءُ وَالْمُرَادُ بِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ذَكَاءٌ يُوَصِّلُ إلَى رُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ لِمَنْ بَذَلَ جُهْدَهُ وَأَفْنَى عُمُرَهُ فِي اقْتِنَاصِ شَوَارِدِ الْعُلُومِ وَأَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ قَدْ بَذَلُوا جُهْدَهُمْ وَأَفْنَوْا عُمُرَهُمْ وَلَمْ يَظْفَرُوا بِذَلِكَ فَعَلِمْنَا أَنَّهُمْ لَمْ يَتَّصِفُوا بِالذَّكَاءِ الْمَذْكُورِ فَلَا وُجُوبَ عَلَيْهِمْ وَكَذَا يُقَالُ فِي أَعْصَارِنَا الَّتِي خَلَتْ عَنْ الْمُجْتَهِدِ بِجَمِيعِ أَقْسَامِهِ حَتَّى مُجْتَهِدِ الْفَتْوَى فَلَا إثْمَ عَلَيْهِمْ فِي تَعَطُّلِ الْفَرْضِ بِالْمَعْنَيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ السَّابِقِ فَإِنْ قُلْت مَا وَجْهُ التَّعَطُّلِ عَنْ مُجْتَهِدِ الْفَتْوَى قُلْنَا لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرَهُمَا مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةُ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ كَالْغَزَالِيِّ وَإِمَامِهِ عَلَى نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُمْ مُجْتَهِدُونَ فِي الْفَتْوَى لَا فِي الْمَذْهَبِ وَلَا مُجْتَهِدُونَ مُنْشِئُونَ وَإِذَا كَانُوا هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةَ كَذَلِكَ فَأَنَّى لَك فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَعْصَارِ الْمُتَأَخِّرَةِ أَنْ تَجِدَ مِثْلَ أَقَلِّهِمْ وَيَدُلُّ لِمَا ذَكَرْته قَوْلُ الْجَلَالِ الْمَحَلِّيِّ عَقِبَ حِكَايَتِهِ الْقَوْلَ بِجَوَازِ إفْتَاءِ الْمُقَلِّدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى التَّفْرِيعِ وَالتَّرْجِيحِ لِأَنَّهُ نَاقِلٌ لِمَا يُفْتِي بِهِ عَنْ إمَامِهِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِنَقْلِهِ عَنْهُ وَهَذَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي الْأَعْصَارِ الْمُتَأَخِّرَةِ وَقَوْلُ النَّوَوِيِّ كَابْنِ الصَّلَاحِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْمُنْتَسِبَ وَمُجْتَهِدَ الْمَذْهَبِ: الثَّالِثَةُ أَنْ لَا يَبْلُغَ مَرْتَبَةَ أَصْحَابِ الْوُجُوهِ لَكِنَّهُ فَقِيهُ النَّفْسِ حَافِظُ مَذْهَبِ إمَامِهِ إلَى أَنْ قَالَ وَهَذِهِ صِفَةُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ إلَى أَوَاخِرِ الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ الصِّنْفُ الَّذِينَ رَتَّبُوا الْمَذْهَبَ وَحَرَّرُوهُ وَصَنَّفُوا فِيهِ تَصَانِيفَ مِنْهَا مُعْظَمُ اشْتِغَالِ النَّاسِ الْيَوْمَ وَلَمْ يَلْحَقُوا الَّذِينَ قَبْلَهُمْ فِي التَّخْرِيجِ ثُمَّ قَالَ: الرَّابِعَةُ أَنْ يَقُومَ بِحِفْظِ الْمَذْهَبِ وَفَهْمِهِ وَلَكِنْ عِنْدَهُ ضَعْفٌ فِي تَقْرِيرِ أَدِلَّتِهِ وَتَحْرِيرِ أَقْيِسَتِهِ ثُمَّ قَالَ وَمَا لَمْ تَجِدْهُ مَنْقُولًا إنْ وُجِدَ فِي الْمَنْقُولِ مَعْنَاهُ بِحَيْثُ يُدْرَكُ بِغَيْرِ كَبِيرِ فِكْرٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا جَازَ إلْحَاقُهُ بِهِ فِي الْفَتْوَى وَكَذَا مَا يُعْلَمُ انْدِرَاجُهُ تَحْتَ ضَابِطٍ مُمَهِّدٍ فِي الْمَذْهَبِ وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ يَجِبُ إمْسَاكُهُ وَمِثْلُ هَذَا يَقَعُ نَادِرًا فِي حَقِّ الْمَذْكُورِ إذْ يَبْعُدُ كَمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنْ تَقَعَ مَسْأَلَةٌ لَمْ يُنَصَّ عَلَيْهَا فِي الْمَذْهَبِ وَلَا هِيَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ وَلَا مُنْدَرِجَةٌ تَحْتَ ضَابِطٍ فَانْظُرْ جَعْلَهُ مَنْ بَعْدَ الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ لَيْسَ مِنْ مُجْتَهِدِي الْمَذْهَبِ الدَّالِّ لِمَا قَدَّمْته ثَمَّ. كَلَامُ الْجَلَالِ الْمَحَلِّيِّ الْمَذْكُورُ يُفْهِمُ اعْتِمَادَهُ لِذَلِكَ الْقَوْلِ وَهُوَ قَرِيبٌ لِئَلَّا يَلْزَمَ عَلَيْهِ تَأْثِيمُ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بِإِفْتَائِهِمْ مَعَ قُصُورِهِمْ عَنْ دَرَجَةِ الْمَذْكُورِينَ فِي كَلَامِ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَمَّا قَوْلُهُ عَقِبَ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ وَكُلُّ صِنْفٍ مِنْهَا يُشْتَرَطُ فِيهِ حِفْظُ الْمَذْهَبِ أَيْ مُعْظَمِهِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْوُقُوفِ عَلَى الْبَاقِي عَلَى قُرْبٍ كَمَا ذَكَرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَفِقْهُ النَّفْسِ فَمَنْ تَصَدَّى لِلْفُتْيَا وَلَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَقَدْ بَاءَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ {أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ} [المطففين: 4] {لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} [المطففين: 5] فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وُجِدَ هُنَاكَ مُتَّصِفٌ بِأَحَدِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ مَنْ حَفِظَ كِتَابًا أَوْ أَكْثَرَ فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ قَاصِرٌ لَمْ يَتَّصِفْ بِصِفَةِ أَحَدٍ مِمَّنْ سَبَقَ وَلَمْ يَجِدْ الْعَامِّيُّ فِي بَلَدِهِ غَيْرَهُ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِهِ فَالْجَوَابُ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ مُفْتٍ يَجِدُ السَّبِيلَ إلَيْهِ وَجَبَ التَّوَصُّلُ إلَيْهِ بِحَسَبِ إمْكَانِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَكَرَ مَسْأَلَتَهُ لِذَلِكَ الْقَاصِرِ فَإِنْ وَجَدَهَا بِعَيْنِهَا فِي كِتَابٍ مَوْثُوقٍ بِصِحَّتِهِ وَهُوَ مِمَّنْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ نَقَلَ لَهُ حُكْمَهَا بِنَصِّهَا وَكَانَ الْعَامِّيُّ فِيهَا مُقَلِّدًا صَاحِبَ الْمَذْهَبِ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَهَذَا وَجَدْته فِي ضِمْنِ كَلَامِ بَعْضِهِمْ وَالدَّلِيلُ يُعَضِّدُهُ. اهـ. قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ عَقِبِ ذَلِكَ ثُمَّ لَا يُعَدُّ هَذَا الْقَاصِرُ بِأَمْثَالِ ذَلِكَ مِنْ الْمُفْتِينَ وَلَا مِنْ الْأَصْنَافِ الْمُسْتَعَارِ لَهُمْ سِمَةُ الْمُفْتِينَ وَأَمَّا مَا قَطَعَ بِهِ الْحَلِيمِيُّ وَالْجُوَيْنِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ تَحْرِيمِ إفْتَاءِ الْمُقَلِّدِ بِمَا هُوَ مُقَلِّدٌ فِيهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ عَلَى مَا إذَا ذَكَرَهُ بِصُورَةِ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ فَعَلَى هَذَا مَنْ عَهِدْنَاهُ مِنْ الْمُفْتِينَ الْمُقَلِّدِينَ لَيْسُوا مُفْتِينَ حَقِيقَةً لَكِنْ لَمَّا قَامُوا مَقَامَهُمْ وَأَدَّوْا عَنْهُمْ عُدُّوا مَعَهُمْ وَسَبِيلُهُمْ أَنْ يَقُولُوا مَثَلًا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَذَا وَنَحْوَ هَذَا وَمَنْ تَرَكَ الْإِضَافَةَ فَقَدْ اكْتَفَى بِالْمَعْلُومِ مِنْ الْحَالِ عَنْ التَّصْرِيحِ بِهِ. اهـ. (وَسُئِلَ)

- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى النَّقْلِ مِنْ الْكُتُبِ فِي الْأَحَادِيثِ وَالْفِقْهِ وَغَيْرِهِمَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى كَلَامِ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مُقَدِّمَةِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بَلْ صَرِيحُهُ جَوَازُ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْكُتُبِ الْمَوْثُوقِ بِصِحَّتِهَا وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا ابْنُ الصَّلَاحِ ثُمَّ قَالَ مَا حَاصِلُهُ وَيَحْصُلُ لَهُ الثِّقَةُ فِي غَيْرِ الْمَوْثُوقِ بِصِحَّتِهَا بِأَنْ يَجِدَهُ فِي عِدَّةٍ مِنْ أَمْثَالِهَا وَفِي الْمَوْثُوقِ بِصِحَّتِهَا بِأَنْ يَرَاهُ كَلَامًا مُنْتَظِمًا وَهُوَ فَطِنٌ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ غَالِبًا مَحَلُّ الْإِسْقَاطِ وَالتَّغْيِيرِ وَإِنْ لَمْ يَثِقْ بِهِ وَكَانَ مُوَافِقًا لِأُصُولِ مَذْهَبِهِ وَهُوَ أَهْلٌ لِتَخْرِيجِ مِثْلِهِ فَلَهُ الْإِفْتَاءُ بِهِ وَلَا يَحْكِيهِ عَنْ إمَامِهِ إلَّا بِصِيغَةِ وَجَدْتُ عَنْهُ كَذَا أَوْ نَحْوِهَا وَغَيْرُ الْأَهْلِ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَلَا ذِكْرُهُ بِلَفْظٍ جَازِمٍ مُطْلَقٍ وَلَهُ ذِكْرُهُ فِي غَيْرِ مَقَامِ الْفَتْوَى مُفْصِحًا بِحَالِهِ كَ وَجَدْت عَنْ فُلَانٍ أَوْ فِي نُسْخَةٍ مِنْ كِتَابِهِ كَذَا وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ فِي جُزْءٍ جَمَعَهُ عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ الْإسْفَرايِينِيّ الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ النَّقْلِ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ السَّنَدِ إلَى مُصَنِّفِهَا وَقَالَ إِلْكِيَا الطَّبَرِيُّ مَنْ وَجَدَ شَيْئًا فِي كِتَابٍ صَحِيحٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَرْوِيَهُ وَيَحْتَجَّ بِهِ وَمَنَعَهُ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ يَسْمَعُهُ وَهُوَ غَلَطٌ. اهـ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ يَجُوزُ الْعَمَلُ وَالْإِفْتَاءُ وَالْحُكْمُ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَاجِحًا سَوَاءٌ الْمُقَلِّدُ الْبَحْتُ وَالْمُجْتَهِدُ فِي الْفَتْوَى وَغَيْرِهِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُفْتِي وَالْعَامِلِ أَنْ يُفْتِيَ أَوْ يَعْمَلَ بِمَا شَاءَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَوْ الْوَجْهَيْنِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ قَالَ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَسَبَقَهُ إلَى حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ فِيهِمَا ابْنُ الصَّلَاحِ وَالْبَاجِيُّ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْمُفْتِي. وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ الرَّوْضَةِ بِغَيْرِ نَظَرٍ أَنَّ مَحَلَّ مَا ذَكَرَهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَامِلِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ مُطْلَقًا وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا صَحَّحَهُ فِيهَا مِنْ أَنَّ الْعَامِّيَّ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَمَذْهَبَ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ بَلْ لَهُ تَقْلِيدُ مَنْ شَاءَ وَكَلَامُ الْقَرَافِيِّ أَوَّلَ أَحْكَامِهِ وَعِنْدَ السُّؤَالِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْمُجْتَهِدَ وَالْمُقَلِّدَ لَا يَحِلُّ لَهُمَا الْحُكْمُ وَالْإِفْتَاءُ بِغَيْرِ الرَّاجِحِ لِأَنَّهُ اتِّبَاعٌ لِلْهَوَى وَهُوَ حَرَامٌ إجْمَاعًا وَإِنَّ مَحَلَّهُ فِي الْمُجْتَهِدِ مَا لَمْ تَتَعَارَضْ الْأَدِلَّةُ عِنْدَهُ وَيَعْجِزْ عَنْ التَّرْجِيحِ. وَإِلَّا فَقِيلَ تَسْقُطُ وَقِيلَ يَخْتَارُ وَاحِدًا وَلَيْسَ اتِّبَاعًا لِلْهَوَى لِأَنَّهُ بَعْدَ بَذْلِ الْجُهْدِ وَالْعَجْزِ عَنْ التَّرْجِيحِ وَإِنَّ لِمُقَلِّدِهِ حِينَئِذٍ الْحُكْمَ بِأَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إجْمَاعًا وَهَذَا لَا يُخَالِفُ كَلَامَ الرَّوْضَةِ بِاعْتِبَارِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهَا بَعْدَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهَا وَيَلْتَزِمُ أَنْ يُقَالَ بِقَضِيَّةِ كَلَامِهِ الْأَخِيرِ فَإِذَا وَجَدَ قَوْلَيْنِ أَوْ وَجْهَيْنِ فِي مَسْأَلَةٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الرَّاجِحَ مِنْهُمَا وَعَجَزَ عَنْ طَرِيقِ التَّرْجِيحِ جَازَ لَهُ الْعَمَلُ بِأَيِّهِمَا أَحَبَّ فَقَوْلُ السُّبْكِيّ فَإِنْ قُلْت إذَا اسْتَوَى عِنْدَهُ الْقَوْلَانِ فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُفْتِيَ أَوْ يَحْكُمَ بِأَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ كَمَا إذَا اسْتَوَى عِنْدَ الْمُجْتَهِدِ أَمَارَتَانِ يَتَخَيَّرُ عَلَى قَوْلٍ قُلْتُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ تَعَارُضَ الْأَمَارَتَيْنِ قَدْ يُحَصِّلُ حُكْمَ التَّخْيِيرِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا قَوْلُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَثَلًا إذَا تَعَارَضَا وَلَمْ يَحْصُلْ بَيْنَهُمَا تَرْجِيحٌ وَلَا تَارِيخٌ يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ مَذْهَبُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا لَا بِعَيْنِهِ حَتَّى يَتَخَيَّرَ فَلَيْسَ إلَّا التَّوَقُّفَ إلَى ظُهُورِ التَّرْجِيحِ مُنَافٍ لِكَلَامِ الْقَرَافِيِّ الَّذِي نَقَلَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعَ ثُمَّ مُقْتَضَى قَوْلِ الرَّوْضَةِ أَيْضًا وَإِذَا اخْتَلَفَ مُتَبَحِّرَانِ فِي مَذْهَبٍ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي قِيَاسِ أَصْلِ إمَامِهِمَا وَمِنْ هَذَا يَتَوَلَّدُ وُجُوهُ الْأَصْحَابِ فَبِقَوْلِ أَيِّهِمَا يَأْخُذُ الْعَامِّيُّ فِيهِ مَا فِي اخْتِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ أَيْ فَيَكُونُ الْأَصَحُّ التَّخْيِيرَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْوَجْهِ الضَّعِيفِ فِي الْعَمَلِ وَيُؤَيِّدُهُ إفْتَاءُ الْبُلْقِينِيُّ بِجَوَازِ تَقْلِيدُ ابْنِ سُرَيْجٍ فِي الدُّورِ وَإِنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَمَا فِي الْجَوَاهِرِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ امْتِنَاعِهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ الصَّبَّاغِ أَنَّهُ خَطَأٌ غَيْرُ مُتَّجِهٍ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُ السُّبْكِيّ فِي الْوَقْفِ مِنْ فَتَاوِيهِ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْوَجْهِ الضَّعِيفِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ الْقَوِيِّ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَمَلِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا الْفَتْوَى وَالْحُكْمِ فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الصَّلَاحِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ. اهـ. فَكَلَامُ الرَّوْضَةِ السَّابِقِ مَحْمُولٌ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَمَلِ عَلَى وَجْهَيْنِ لِقَائِلٍ وَاحِدِ أَوْ شَكَّ فِي كَوْنِهِمَا لِقَائِلٍ أَوْ قَائِلَيْنِ كَمَا فِي قَوْلَيْ الْإِمَامِ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ مِنْهُمَا لَمْ يَتَحَرَّرْ لِلْمُقَلِّدِ بِطَرِيقٍ يَعْتَمِدُهُ أَمَّا إذَا تَحَقَّقَ كَوْنَهُمَا مِنْ اثْنَيْنِ خَرَّجَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّخْرِيجِ فَيَجُوزُ تَقْلِيدُ

أَحَدِهِمَا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ السَّابِقِ إذْ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ إلَّا عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْضَهُمْ حَمَلَ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ السَّابِقَ عَلَى مَا إذَا كَانَ أَصْحَابُ الْمَذْهَبِ اخْتَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَوْلًا ثُمَّ قَالَ فَإِنَّ مَا كَانَ كَذَلِكَ التَّخْيِيرُ فِيهِ ظَاهِرٌ لِتَضَمُّنِ اخْتِيَارِ كُلِّ قَوْلٍ مِنْ بَعْضِ الْمَذْهَبِ تَرْجِيحُهُ فَهُوَ كَالْوَجْهَيْنِ لِقَائِلَيْنِ ثُمَّ ذُكِرَ عَنْهُ جَوَازُ تَقْلِيدِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَإِنْ رَجَعَ عَنْهُ قَائِلُهُ وَوَجْهُهُ أَنَّ رُجُوعَهُ عَنْهُ إنَّمَا هُوَ لِأَرْجَحِيَّةِ الثَّانِي عَلَيْهِ فَالرُّجُوعُ لَا يَقْتَضِي رَفْعَ الْخِلَافِ السَّابِقِ كَمَا فِي أَوَائِلِ الْخَادِمِ وَحَكَى الْأُصُولِيُّونَ فِي اجْتِمَاعِ أَهْلِ الْعَصْرِ بَعْدَ اخْتِلَافِهِمْ قَوْلَيْنِ فِي ارْتِفَاعِ الْخِلَافِ فَمَا لَمْ يَقَعْ فِيهِ اجْتِمَاعٌ أَوْلَى وَحَاصِلُ مَا مَرَّ الْجَوَازُ عِنْدَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي مَسْأَلَةِ الْقَوْلَيْنِ مُطْلَقًا وَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ إذْ الْقَوْلُ الَّذِي قَلَّدَهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَسْأَلَةٍ غَيْرَ مُوَلَّدَةٍ فَذَلِكَ الْإِمَامُ مَسْبُوقٌ بِهِ فَيَجُوزُ تَقْلِيدُهُ وَإِمَّا فِي مُوَلَّدَةٍ فَالرُّجُوعُ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ كَمَا تَقَرَّرَ لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مَا مَرَّ وَمُقْتَضَى كَلَامِ السُّبْكِيّ أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ الرَّوْضَةِ فِي الْمُفْتِي مَحَلُّهُ فِي الْمُتَعَنِّتِ فَإِنَّهُ قَالَ: نَعَمْ الْمُفْتِي عَلَى مَذْهَبٍ إذَا أَفْتَى يَكُونُ الشَّيْءُ وَاجِبًا أَوْ مُبَاحًا أَوْ حَرَامًا عَلَى مَذْهَبِهِ حَيْثُ يَجُوزُ لِلْمُقَلِّدِ الْإِفْتَاءُ وَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ وَيُفْتِيَ بِخِلَافِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَحْضُ تَشَبُّهٍ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ مَصْلَحَةً دِينِيَّةً فَنَعُودُ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَنَقُولُ بِجَوَازِهِ. اهـ. وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّ مَا مَرَّ عَنْهَا فِي الْخَادِمِ مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ مَنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ التَّرْجِيحِ بِخِلَافِ مَنْ لَهُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مَتَى رَجَّحَ قَوْلًا مَنْقُولًا بِدَلِيلٍ جَيِّدٍ جَازَ وَنَفَذَ حُكْمُهُ بِهِ وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ مَا لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا شَاذًّا أَوْ يَخْرُجُ عَنْ مَذْهَبِهِ وَإِلَّا جَازَ إنْ ظَهَرَ لَهُ رُجْحَانُهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهِ الْتِزَامَ مَذْهَبٍ بِلَفْظٍ كَوَلَّيْتُكَ عَلَى مَذْهَبِ فُلَانٍ أَوْ عُرْفٍ وَأَفْتَى السُّبْكِيّ أَيْضًا بِأَنَّهُ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الْقَوْلِ بِ صِحَّةِ بَيْعِ الْغَائِبِ لِأَنَّهُ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَالدَّلِيلُ يُعَضِّدُهُ وَلِاحْتِيَاجِ أَكْثَرِ النَّاسِ إلَيْهِ فِي أَكْثَرِ مَا يُرَادُ شِرَاؤُهُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ لِوَلِيِّ الْأَيْتَامِ أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَهُمْ وَحْدَهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ اسْتِقْلَالُهُ بِذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَاسِمٍ آخَرَ مَعَهُ إنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ إفْرَازًا فَإِنْ كَانَتْ بَيْعًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْحَاكِمِ أَوْ مَنْصُوبِهِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ يَجِبُ بَعْدَ تَدْوِينِ الْمَذَاهِبِ الْتِزَامُ أَحَدِهَا وَهَلْ لَهُ الِانْتِقَالُ عَمَّا الْتَزَمَهُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي نَقَلَهُ فِي زِيَادَاتِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ وُجُوبُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ بِمُجَرَّدِ التَّشَهِّي وَلَا بِمَا وَجَدَ عَلَيْهِ أَبَاهُ بَلْ يَخْتَارُ مَا يَعْتَقِدُهُ أَرْجَحَ أَوْ مُسَاوِيًا إنْ اعْتَقَدَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَإِلَّا فَهُوَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَحْثُ عَنْ أَقْوَمِ الْمَذَاهِبِ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْبَحْثُ عَنْ الْأَعْلَمِ ثُمَّ قَالَ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الدَّلِيلُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّمَذْهُبُ بِمَذْهَبٍ بَلْ يَسْتَفْتِي مَنْ شَاءَ أَوْ مَنْ اتَّفَقَ لَكِنْ مِنْ غَيْرِ تَلَقُّطِ الرُّخَصِ فَلَعَلَّ مَنْ مَنَعَهُ لَمْ يَثِقْ بِعَدَمِ تَلَقُّطِهِ. اهـ. وَظَاهِرُهُ جَوَازُ الِانْتِقَالِ وَإِنْ اعْتَقَدَ الثَّانِي مَرْجُوحًا وَجَوَازُ تَقْلِيدِ إمَامٍ فِي مَسْأَلَةٍ وَآخَرَ فِي أُخْرَى وَهَكَذَا مِنْ غَيْرِ الْتِزَامِ مَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ أَفْتَى بِهِ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالشَّرَفُ الْبَارِزِيُّ وَفِي الْخَادِمِ عَنْ ابْنِ أَبِي الدَّمِ فِي بَابِ الْقُدْوَةِ مَا يُؤَيِّدُهُ وَإِنْ كَانَ مَرْدُودًا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى كَمَا يُعْرَفُ بِتَأَمُّلِهِ وَعِبَارَةُ الْغَزَالِيِّ فِي فَتَاوِيهِ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْتَحِلَ مَذْهَبَ إمَامٍ رَأْسًا إلَّا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ أَوْلَى الْأَئِمَّةِ بِالصَّوَابِ وَيَحْصُلُ لَهُ غَلَبَةُ الظَّنِّ. إمَّا بِالتَّسَامُعِ مِنْ الْأَفْوَاهِ أَوْ بِكَوْنِ أَكْثَرِ الْخَلْقِ تَابِعِينَ لِذَلِكَ الْإِمَامِ فَصَارَ قَوْلُ الْعَامِّيِّ أَنَا شَافِعِيٌّ أَنَا حَنَفِيٌّ لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَتْبَعُ إمَامًا عَنْ غَلَبَةِ الظَّنِّ بَلْ يَجِبُ أَنْ يُقَلِّدَ فِي كُلِّ حَادِثَةٍ مَنْ حَضَرَ عِنْدَهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ ثُمَّ اشْتِرَاطُ عَدَمِ تَتَبُّعِ الرُّخَصِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَتَبِعَهُ الْمُحَقِّقُ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَهَلْ يَفْسُقُ بِالتَّتَبُّعِ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا أَنَّهُ لَا يَفْسُقُ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ النَّوَوِيِّ فِي فَتَاوِيهِ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّ ابْنَ حَزْمٍ حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَى الْفِسْقِ مَحْمُولٌ عَلَى مُتَتَبِّعِهَا مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ وَإِلَّا فَقَدْ أَفْتَى ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِجَوَازِهِ وَقَالَ: إنَّ إنْكَارَهُ جَهْلٌ وَهَلْ الْمُرَادُ بِالرُّخَصِ هُنَا الْأُمُورُ السَّهْلَةُ أَوْ الَّتِي يَنْطَبِقُ عَلَيْهَا ضَابِطُ الرُّخْصَةِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ مَحَلُّ نَظَرٍ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ وَمُقْتَضَى تَعْبِيرِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ بِالْأَهْوَنِ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ

ثُمَّ شَرْطُ الِانْتِقَالِ أَنْ لَا يَعْمَلَ بِمَذْهَبٍ فِي وَاقِعَةٍ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى تَقْلِيدِ إمَامٍ آخَرَ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ وَهُوَ يَرَى فِيهَا خِلَافَ مَا يُرِيدُ الْعَمَلَ بِهِ وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْحُكْمُ مِمَّا يُنْقَضُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَأَلْحَقَ بِمَا يُنْقَضُ مَا خَالَفَ ظَاهِرَ النَّصِّ بِحَيْثُ يَكُونُ التَّأْوِيلُ مُسْتَكْرَهًا وَزَادَ شَرْطَيْنِ آخَرَيْنِ كَمَا فِي الْخَادِمِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا تَجْتَمِعَ صُورَةٌ يَقَعُ الْإِجْمَاعُ عَلَى بُطْلَانِهَا كَمَا إذَا افْتَصَدَ وَمَسَّ الذَّكَرَ وَصَلَّى. الثَّانِي انْشِرَاحُ صَدْرِهِ لِلتَّقْلِيدِ وَعَدَمُ اعْتِقَادِهِ لِكَوْنِهِ مُتَلَاعِبًا بِالدِّينِ لِحَدِيثِ: «الْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِك» قَالَ بَلْ أَقُولُ إنَّ هَذَا شَرْطُ جَمِيعِ التَّكَالِيفِ وَهُوَ أَنْ لَا يُقْدِمَ إنْسَانٌ عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ مُخَالِفًا لِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبِالْأَوَّلِ جَزَمَ الْقَرَافِيُّ وَمَثَّلَهُ بِمَنْ قَلَّدَ مَالِكًا فِي عَدَمِ النَّقْضِ بِاللَّمْسِ بِلَا شَهْوَةٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَلَّدَ مَالِكًا فِي تِلْكَ الطَّهَارَةِ الَّتِي مَسَّ فِيهَا وَيَمْسَحُ جَمِيعَ رَأْسِهِ وَإِلَّا فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْإِسْنَوِيُّ وَأَقَرَّهُ وَذَكَرَ مِنْ فُرُوعِهِ مَا لَوْ نَكَحَ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ فَإِنَّهُ يُحَدُّ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ لِاتِّفَاقِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ عَلَى بُطْلَانِ النِّكَاحِ وَأَمَّا الثَّالِثُ كَاَلَّذِي وَافَقَ عَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَنُظِرَ فِيهِمَا بِأَنَّ الْعَامِّيَّ لَا يَسْتَقِلُّ بِذَلِكَ وَلَا وُثُوقَ بِمَا فِي ظَنِّهِ وَبِأَنَّهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى وُجُوبِ الْبَحْثِ وَالْعَمَلِ بِمَا يَتَرَجَّحُ عِنْدَهُ وَيَمِيلُ قَلْبُهُ إلَيْهِ وَالْمُعْتَمَدُ خِلَافُهُ نَعَمْ إنْ عَلِمَ ذَلِكَ مِمَّنْ لَهُ أَهْلِيَّةٌ فَيُمْكِنُ الْقَوْلُ بِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَيُؤَيِّدُهُ إيجَابُهُمْ الْحَدَّ عَلَى مَنْ وَطِئَ أَمَةً بِإِذْنِ مَالِكِهَا وَإِنْ قَلَّدَ عَطَاءً وَطَاوُسًا فِي إبَاحَةِ ذَلِكَ وَأَمَّا مَا زَادَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فَبَعِيدٌ جِدًّا كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ إذْ مَا مِنْ مَذْهَبٍ إلَّا وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ الْمُنَافِيَةِ لِلرُّخَصِ لِلْعَوَامِّ فِي تَقْلِيدِ مَنْ شَاءُوا وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ التَّلَاعُبِ بِالدِّينِ مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَتَّى مَعَ فِعْلِ مَا خُيِّرَ فِيهِ شَرْعًا وَكَذَا دَعْوَاهُ اعْتِقَاد الْمُخَالِفَةِ إذْ مَنْ قَلَّدَ الشَّافِعِيَّ وَاعْتَقَدَ أَرْجَحِيَّتَهُ يَرَى جَوَازَ تَقْلِيدِ الْحَنَفِيِّ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ التَّخْيِيرِ وَعَدَمِ لُزُومِ التَّقْيِيدِ بِالرَّاجِحِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَمَتَى قَلَّدَهُ لَا يُقَالُ إنَّهُ أَقْدَمَ عَلَى مَا يَعْتَقِدُهُ مُخَالِفًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ مَا يَعْتَقِدُ مُوَافَقَتُهُ لَهُ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ «الْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِك وَكَرِهْت أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ» فَلَا دَلِيلَ فِيهِ وَمَعْنَى حَاكَ تَرَدَّدَ حَتَّى حَصَلَ فِي الْقَلْبِ شَكٌّ وَخَوْفُ كَوْنِهِ ذَنْبًا أَوْ رَسَخَ فِيهِ وَاسْتَقَرَّ كَوْنُهُ ذَنْبًا أَوْ خَرَجَ جَوَابًا لِفَطِنٍ حَاذِقِ الْفَهْمِ دُونَ ضَعِيفِ الْإِدْرَاكِ وَعَلَى كُلٍّ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ وَشَرَطَ ابْنُ السُّبْكِيّ تَبَعًا لِلْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ أَنْ لَا يَعْمَلَ بِقَوْلِ إمَامِهِ فِي وَاقِعَةٍ قَالَا فَمَتَى عَمِلَ بِهِ فِي وَاقِعَةٍ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ اتِّفَاقًا كَذَا نَقَلَ عَنْهُمَا غَيْرُ وَاحِدٍ لَكِنْ فِي تَمْهِيدِ الْإِسْنَوِيِّ عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ إثْبَاتُ الْخِلَافِ وَلَكِنَّهُ فَرَضَهُ فِيمَنْ الْتَزَمَ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا وَكَلَامُ ابْنِ الْحَاجِبِ دَالٌّ عَلَيْهِ لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ حِكَايَةُ الِاتِّفَاقِ عَلَى الْمَنْعِ فِيمَنْ لَمْ يَلْتَزِمْ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا وَإِثْبَاتُ خِلَافٍ فِي الْمُلْتَزِمِ وَمَا أَبْعَدَهُ إذْ الْعَكْسُ أَوْلَى لِأَنَّ الْتِزَامَهُ مُلْزِمٌ لَهُ كَمَا لَوْ الْتَزَمَ مَذْهَبَهُ فِي حُكْمِ حَادِثَةٍ مُعَيَّنَةٍ عَلَى أَنَّ السُّبْكِيّ فِي فَتَاوِيهِ مَنَعَ دَعْوَى الِاتِّفَاقِ حَيْثُ قَالَ مَا حَاصِلُهُ السَّابِعَةُ أَنْ يَعْمَلَ بِتَقْلِيدِهِ الْأَوَّلِ كَالْحَنَفِيِّ يَدَّعِي شُفْعَةَ الْجِوَارِ فَيَأْخُذُهَا بِمَذْهَبِهِ ثُمَّ تُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ فَيُرِيدُ تَقْلِيدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَيُمْنَعُ لِأَنَّهُ مُخْطِئٌ إمَّا أَوَّلًا أَوْ ثَانِيًا وَهُوَ شَخْصٌ وَاحِدٌ مُكَلَّفٌ أَيْ وَالْقَضِيَّةُ وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى هَذَا الْحَنَفِيُّ عَقَارًا آخَرَ فَإِنَّ لَهُ تَقْلِيدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي امْتِنَاعِ شُفْعَةِ الْجِوَارِ قَالَ وَقَوْلُ الْآمِدِيِّ وَابْنِ الْحَاجِبِ يَجُوزُ قَبْلَ الْعَمَلِ لَا بَعْدَهُ بِالِاتِّفَاقِ. دَعْوَى الِاتِّفَاقِ فِيهَا نَظَرٌ وَفِي كَلَامِ غَيْرِهِمَا مَا يُشْعِرُ بِإِثْبَاتِ خِلَافٍ بَعْدَ الْعَمَلِ أَيْضًا وَكَيْفَ يَمْتَنِعُ إذَا اعْتَقَدَ صِحَّتَهُ وَلَكِنْ وَجْهُ مَا قَالَاهُ أَنَّهُ بِالْتِزَامِهِ مَذْهَبَ إمَامٍ يُكَلَّفُ بِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ غَيْرُهُ وَالْعَامِّيُّ لَا يَظْهَرُ لَهُ الْغَيْرُ وَلَا بَأْسَ بِهِ لَكِنْ أَرَى تَنْزِيلَهُ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي ذَكَرْتهَا ثُمَّ اسْتَشْهَدَ لِمَا اخْتَارَهُ بِمَا فِيهِ طُولٌ وَيَجُوزُ الِانْتِقَالُ مُطْلَقًا أَفْتَى الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ النَّوَوِيِّ وَقَدْ صَرَّحَ فِي مَجْمُوعِهِ بِأَنَّ مَا شَمِلَهُ إطْلَاقُ الْأَصْحَابِ فِي حُكْمِ الْمَنْقُولِ فَلَا يُعْتَدُّ بِمُخَالَفَةِ بَعْضِهِمْ لَهُ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْإِسْنَوِيُّ وَالْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ وَالْجَلَالُ الْبُلْقِينِيُّ وَيُؤَيِّدُ مَا مَرَّ مِنْ الْإِطْلَاقِ مَا فِي الْخَادِمِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ

مِنْ أَنَّهُ هَمَّ بِالتَّحَرُّمِ فَذَرَقَ عَلَيْهِ طَيْرٌ فَقَالَ أَنَا حَنْبَلِيُّ وَأَحْرَمَ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ كَانَ يَتَجَنَّبُ ذَرْقَ الطُّيُورِ لِنَجَاسَتِهِ عِنْدَهُ وَفِي الْمَجْمُوعِ يُسَنُّ لِمَنْ نَسِيَ النِّيَّةَ فِي رَمَضَانَ أَنْ يَنْوِيَ أَوَّلَ النَّهَارِ لِإِجْزَائِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيُحْتَاطُ بِالنِّيَّةِ فَنِيَّتُهُ حِينَئِذٍ تَقْلِيدٌ لَهُ وَإِلَّا كَانَ مُتَلَبِّسًا بِعِبَادَةٍ فَاسِدَةٍ فِي اعْتِقَادِهِ وَذَلِكَ حَرَامٌ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ يَجُوزُ تَقْلِيدُ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَمْ لَا فَمَا الدَّلِيلُ عَلَيْهِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ نَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْمُحَقِّقِينَ امْتِنَاعَهُ عَلَى الْعَوَامّ لِارْتِفَاعِ الثِّقَةِ بِمَذَاهِبِهِمْ إذْ لَمْ تُدَوَّنْ وَتُحَرَّرْ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ. وَأَلْحَقَ بِالصَّحَابَةِ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ لَمْ يُدَوَّنْ مَذْهَبُهُ وَبِأَنَّ التَّقْلِيدَ مُتَعَيِّنٌ لِلْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ فَقَطْ قَالَ لِأَنَّ مَذَاهِبَهُمْ انْتَشَرَتْ حَتَّى ظَهَرَ تَقْيِيدُ مُطْلَقِهَا وَتَخْصِيصُ عَامِّهَا بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ فَفِيهِ فَتَاوَى مُجَرَّدَةٌ لَعَلَّ لَهَا مُكَمِّلًا أَوْ مُقَيِّدًا لَوْ انْبَسَطَ كَلَامُهُ فِيهَا لَظَهَرَ خِلَافُ مَا يَبْدُو مِنْهُ فَامْتَنَعَ التَّقْلِيدُ إذًا لِتَعَذُّرِ الْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَةِ مَذَاهِبِهِمْ. اهـ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي جَوَازُ تَقْلِيدِهِمْ كَسَائِرِ الْمُجْتَهِدِينَ قَالَ ابْنُ السُّبْكِيّ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي. غَيْرَ أَنِّي أَقُولُ لَا خِلَافَ فِي الْحَقِيقَةِ بَلْ إنْ تَحَقَّقَ مَذْهَبٌ لَهُمْ جَازَ وِفَاقًا وَإِلَّا فَلَا. اهـ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ جَمْعٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُمْ ذَهَبُوا إلَى جَوَازِ تَقْلِيدِهِمْ وَاسْتَدَلَّ لَهُ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ إنْ عُلِمَ دَلِيلُهُ وَصَحَّ طَرِيقُهُ وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي فَتَاوِيهِ إذَا صَحَّ عَنْ صَحَابِيٍّ ثُبُوتُ مَذْهَبٍ جَازَ تَقْلِيدُهُ وِفَاقًا وَإِلَّا فَلَا؛ لَا لِكَوْنِهِ لَا يُقَلَّدُ بَلْ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ لَمْ يَثْبُتْ كُلَّ الثُّبُوتِ. اهـ. كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وِفَاقًا يَتَّضِحْ لَك اعْتِمَادُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ السُّبْكِيّ وَمُقْتَضَى قَوْلِ الْمَجْمُوعِ فَعَلَى هَذَا أَيْ وُجُوبِ التَّمَذْهُبِ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ يَلْزَمُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي إثْبَاتِ مَذْهَبٍ إلَى أَنْ قَالَ وَلَيْسَ لَهُ التَّمَذْهُبُ بِمَذْهَبِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَبَسَطَ دَلِيلَهُ وَبَيَّنَ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَقْوَمُ الْمَذَاهِبِ إنَّ ذَلِكَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ ابْنِ بُرْهَانٍ تَقْلِيدُ الصَّحَابَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ الِانْتِقَالِ فِي الْمَذَاهِبِ فَمَنْ مَنَعَهُ مَنَعَ تَقْلِيدَهُمْ لِأَنَّ فَتَاوِيهِمْ لَا يُقْدَرُ عَلَى اسْتِحْضَارِهَا فِي كُلِّ وَاقِعَةٍ حَتَّى يُمْكِنَ الِاكْتِفَاءُ بِهَا فَيُؤَدِّي إلَى الِانْتِقَالِ وَمَذَاهِبُ الْمُتَأَخِّرِينَ تَمَهَّدَتْ فَيَكْفِي الْمَذْهَبُ الْوَاحِدُ الْمُكَافِئُ طُولُ عُمُرِهِ. اهـ. وَهُوَ حُسْنٌ بَالِغٌ وَبِهِ يُعْلَمُ جَوَازُ تَقْلِيدِهِمْ فِي مَسَائِلَ إذْ لَا يَجِبُ التَّمَذْهُبُ بِمَذْهَبٍ مُعَيَّنٍ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ مَسْأَلَةٍ فِيهَا قَوْلَانِ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ كَشُرْبِ النَّبِيذِ فَشَرِبَهُ مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدِ الْقَائِلِ بِالْحِلِّ فَهَلْ يَأْثَمُ أَوْ لَا لِأَنَّ إضَافَتَهُ لِأَحَدِهِمَا لَيْسَتْ بِأَوْلَى مِنْ إضَافَتِهِ لِلْآخَرِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ عِلْمَ الْمُكَلَّفِ بِمَا هُوَ مُلَابِسٌ لَهُ فَرْضُ عَيْنٍ فَيَجِبُ عَلَى الْمُتَلَبِّسِ بِشُرْبِ النَّبِيذِ النَّظَرُ قَبْلَ ذَلِكَ فِيمَنْ أَحَلَّهُ أَوْ حَرَّمَهُ لِيُقْدِمَ أَوْ يَتْرُكَ. فَهُوَ عَاصٍ بِتَرْكِ ذَلِكَ وَكَذَا بِالشُّرْبِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَنْ بَاعَ بَيْعَ النَّجْشِ أَثِمَ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ لِأَنَّ الْخِيَانَةَ قَدْ عُلِمَ تَحْرِيمُهَا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَإِثْمُهُ لِتَقْصِيرِهِ بِخِلَافِ مَنْ بَاعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا فَعَلَهُ إنْ اشْتَهَرَتْ حُرْمَتُهُ فِي الشَّرْعِ أَثِمَ وَإِلَّا فَلَا وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُتَّفَقًا عَلَى حُكْمِهِ أَوْ مُخْتَلَفًا فِيهِ وَقَلَّدَ الْقَائِلَ بِالْحُرْمَةِ أَمْ لَمْ يُقَلِّدْ وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ عَلِمَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافًا وَإِلَّا. فَإِنْ عُذِرَ بِجَهْلِهِ لَمْ يَأْثَمْ كَمَا يَقْتَضِيهِ مَا فِي مُقَدِّمَةِ الْمَجْمُوعِ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَإِنْ رَدَّهُ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يُعْلِمُهُ مُطْلَقًا كَانَتْ الْأَشْيَاءُ عَلَى الْإِبَاحَةِ كَمَا قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ وَإِنْ لَمْ يُعْذَرْ أَثِمَ مِنْ حَيْثُ تَرْكُ التَّعَلُّمِ اتِّفَاقًا وَكَذَا مِنْ حَيْثُ الشُّرْبُ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ وَفِي الْحَجْرِ مِنْ الْخَادِمِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا كَانَ شَافِعِيًّا وَبَلَغَ وَهُوَ يَشْرَبُ النَّبِيذَ فَسَقَ وَعَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَفْسُقُ ثُمَّ بَحَثَ طَرْدَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ وَرَدَّ غَيْرُهُ مَا ذَكَرَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنَّهُ فَرَّعَهُ عَلَى مَا يَرَاهُ مِنْ جَوَازِ تَتَبُّعِ الرُّخَصِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَحَلَّهُ مَا إذَا نَوَى تَقْلِيدَ الْقَائِلِ بِالْحِلِّ وَفِي هَذِهِ إذَا نَوَى ذَلِكَ لَا يَفْسُقُ لِأَنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ فَالتَّقْلِيدُ فِيهَا لَا يُقَالُ إنَّهُ

تَتَبُّعٌ لِلرُّخَصِ فَالْوَجْهُ أَنَّهُ جَعَلَ الِاخْتِلَافَ فِي الْحِلِّ مَانِعًا لِلْفِسْقِ وَكَلَامُهُمْ يَرُدُّهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ لِلشَّافِعِيِّ الْأَخْذُ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ إذَا قَضَى لَهُ بِهَا حَنَفِيٌّ وَالشَّهَادَةُ بِهَا وَبِنَحْوِهَا كَالتَّعْرِيضِ بِالْقَذْفِ عِنْدَهُ وَإِذَا أَمَرَ الْإِمَامُ جَلَّادًا شَافِعِيًّا بِقَتْلِ مُسْلِمٍ بِكَافِرٍ هَلْ يَحِلُّ امْتِثَالُ أَمْرِهِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَيَحِلُّ الْأَخْذُ فِيهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا كَمَا رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ فِي بَابِ الْقَسَامَةِ حَيْثُ نَقَلَاهُ عَنْ مَيْلِ الْأَئِمَّةِ وَنَقَلَاهُ فِي الدَّعَاوَى عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَالْقَاضِي وَالْإِمَامِ عَنْ الْجُمْهُورَ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَاعْتَمَدَهُ السُّبْكِيّ. وَمَال إلَيْهِ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي مُوجِبَاتِ الضَّمَانِ كَمَا قِيلَ عَلَى نَظَرٍ فِيهِ لِاسْتِغْنَائِهِمَا بِمَا صَرَّحَا بِهِ فِي مَوَاضِعَ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا حَكَاهُ ابْنُ أَبِي الدَّمِ عَنْ الْأَصْحَابِ مِنْ أَنَّ الْحَنَفِيَّ لَوْ خَلَّلَ خَمْرًا بِمَا لَا يَطْهُرُ بِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَأَتْلَفَهَا فَرَفَعَهُ لِحَنَفِيٍّ فَقَضَى عَلَى الشَّافِعِيِّ بِضَمَانِهَا لَزِمَهُ قَوْلًا وَاحِدًا حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ وَطَالَبَهُ بَعْدُ بِأَدَاءِ قِيمَتِهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَفَرْضُهُ كَوْنُ الْمُدَّعِي حَنَفِيًّا لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ لَوْ كَانَ شَافِعِيًّا كَانَ كَذَلِكَ وَمَا فِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ بَاطِنًا وَإِنْ حَكَمَ بِهِ حَنَفِيٌّ وَنَفَّذَهُ شَافِعِيٌّ فَمَبْنِيٌّ عَلَى مُقَابِلِ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَصَحَّحَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِيهَا قَبُولَ الشَّهَادَةِ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا جَارُ فُلَانٍ أَوْ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهَا عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْجِوَارِ أَوْ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الشُّفْعَةَ وَالْأُولَى ظَاهِرَةٌ وَالثَّانِيَةُ كَذَلِكَ وَإِنْ تَرَدَّدَ فِيهَا الْأَذْرَعِيُّ وَالثَّالِثَةُ لَا تُقْبَلُ كَمَا رَجَّحَهُ الْهَرَوِيُّ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيمَا يَسْتَحِقُّ فِيهِ الشُّفْعَةَ وَبِمَ تُسْتَحَقُّ وَحَكَى فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَجْهَيْنِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ فِي جَوَازِ الْأَدَاءِ وَحَكَى بَعْدَهُ وَجْهَيْنِ فِي جَوَازِ التَّحَمُّلِ وَحَكَى عَنْ الصَّيْمَرِيِّ تَرْجِيحَ الْجَوَازِ وَمِنْهُ يُعْلَمُ تَرْجِيحُ جَوَازِ الْأَدَاءِ بِالْأَوْلَى بَلْ وُجُوبُهُ لِأَنَّهُ حَيْثُ جَازَ التَّحَمُّلِ وَتَحَمَّلَ لَزِمَهُ الْأَدَاءُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَظَاهِرُ مَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُقَلِّدَ الشَّاهِدُ الْقَائِلَ بِذَلِكَ أَوْ لَا لَكِنْ فِي فَتَاوَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَا يَجُوزُ لِشَافِعِيٍّ أَنْ يَحْضُرَ عَقْدَ حَنَفِيٍّ عَلَى صَغِيرَةٍ لَا أَبَ لَهَا وَلَا جَدَّ وَلَا الشَّهَادَةُ عَلَى الصَّبِيَّةِ بِإِذْنِهَا فِي التَّزْوِيجِ فِي ذَلِكَ إلَّا إذَا قَلَّدَ الْحَنَفِيَّ. اهـ. وَفِي عُمُومِهِ نَظَرٌ وَالْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ السُّبْكِيّ فِي فَتَاوِيهِ فِيمَنْ حَضَرَ عَقْدَ نِكَاحٍ يُخَالِفُ مَذْهَبَهُ مِنْ أَنَّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِجَرَيَانِهِ وَإِنْ لَمْ يُقَلِّدْ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ بِالزَّوْجِيَّةِ لَمْ يَجُزْ إلَّا إنْ قَلَّدَ وَكَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَسَبَّبَ فِيهِ وَيَتَعَاطَى مَا يُعِينُ عَلَيْهِ إلَّا إنْ قَلَّدَ وَإِنَّمَا يَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِ التَّقْلِيدِ الشَّهَادَةُ بِجَرَيَانِهِ إذَا اتَّفَقَ حُضُورُهُ وَطُلِبَ مِنْهُ الْأَدَاءُ فَلَا يَمْتَنِعُ وَنَقَلَ الدَّمِيرِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَشْهَدَ بِالْكُفْرِ أَوْ بِالتَّعْرِيضِ بِالْقَذْفِ أَوْ بِمُوجِبِ التَّعْزِيرِ عِنْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّوْبَةَ وَيَحُدُّ بِالتَّعْزِيرِ وَيُعَزِّرُ بِمَا يَنْتَهِي إلَى الْقَتْلُ وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ بِأَنَّ الْأَمْوَالَ أَخَفُّ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ سُرَاقَةَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَ حَنَفِيٍّ عَلَى مُسْلِمٍ بِقَتْلِ كَافِرٍ لِأَنَّهُ يَقْتُلُهُ بِهِ وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فَحَيْثُ لَمْ يُقَلِّدْ الْجَلَّادُ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَرُمَ عَلَيْهِ وَقُتِلَ بِهِ وَضَمِنَهُ كَمَا نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ قَطْعِ الْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الشُّفْعَةِ بِأَنَّ الَّذِي يَسْتَفِيدُ الْحِلَّ هُوَ الْمَحْكُومُ لَهُ بِثُبُوتِ الْقِصَاصِ دُونَ الْجَلَّادِ فَيُؤَاخَذُ بِمَا عَمِلَهُ مِمَّا يُخَالِفُ عَقِيدَتَهُ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ مَا لَمْ يُوَكِّلْهُ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى الْأَوْجَهِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ يَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ هَلْ تُرَدُّ كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ فُقَهَاءِ جِهَتِنَا أَخْذًا مِنْ كَلَامٍ فِي فَتَاوَى السُّبْكِيّ وَالسَّمْهُودِيِّ أَوْ لَا كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُهُمْ مُدَّعِيًا أَنَّ كَلَامَ السُّبْكِيّ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ ذَلِكَ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ رَدُّ يَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ الْوَاجِبَةِ مِنْ غَيْرِ طَلَبِ الْخَصْمِ لَا يُتَصَوَّرُ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَجِبُ عَلَى مُدَّعٍ عَلَى غَائِبٍ أَوْ طِفْلٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ مَيِّتٍ بِلَا وَارِثٍ خَاصٍّ فَإِذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي عَلَى وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ بَيِّنَةً كَامِلَةً أَوْ شَاهِدًا وَحَلَفَ مَعَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ يَمِينُ الِاسْتِظْهَارِ فَإِنْ حَلَفَهَا اسْتَحَقَّ وَإِنْ نَكَلَ عَنْهَا لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ رَدُّهَا لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يُتَصَوَّرُ حَلِفُهُ أَمَّا الْغَائِبُ وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ فَوَاضِحٌ وَوَلِيُّهُمَا لَا يُمْكِنُهُ الْحَلِفُ عَنْهُمَا وَأَمَّا الْمَيِّتُ فَالْفَرْضُ كَمَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّهُ لَا وَارِثَ لَهُ خَاصٌّ بَلْ وَارِثُهُ بَيْتُ الْمَالِ

وَوَلِيُّهُ لَا يُمْكِنُ حَلِفُهُ أَيْضًا لِأَنَّ الْوَلِيَّ إنَّمَا يَحْلِفُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمُبَاشَرَتِهِ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ التَّنَاقُضِ الْمَشْهُورِ وَلَيْسَ هُنَا شَيْءٌ يَتَعَلَّقُ بِمُبَاشَرَتِهِ أَمَّا يَمِينُ الِاسْتِظْهَارِ الْوَاجِبَةُ بِالطَّلَبِ كَمَا لَوْ كَانَ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ خَاصٌّ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ حَلِفِ الْمُدَّعِي يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ طَلَبُ الْوَارِثِ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فِي التَّرِكَةِ فَإِذَا طَلَبَهَا تُصُوِّرَ فِيهَا الرَّدُّ عَلَيْهِ مِنْ الْمُدَّعِي كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ وَوُجُوبُهَا أَصَالَةً فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي لَا يَمْنَعُ رَدَّهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ أَيْمَانَ الْقَسَامَةِ وَاجِبَةٌ أَصَالَةً فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي وَمَعَ ذَلِكَ لَهُ رَدُّهَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْت نَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ جَمْعٍ وَأَقَرَّهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ نَائِبٌ خَاصٌّ اُعْتُبِرَ فِي وُجُوبِ الْيَمِينِ طَلَبُهُ فَعَلَيْهِ هَلْ يُتَصَوَّرُ الرَّدُّ. قُلْت الْوَجْهُ خِلَافُ مَا نَقَلَهُ وَارْتَضَاهُ بَلْ تَجِبُ يَمِينُ الِاسْتِظْهَارِ لَهُمَا وَإِنْ كَانَ لَهُمَا نَائِبٌ خَاصٌّ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهَا لِأَنَّ فِيهَا حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ هَذَيْنِ آكَدُ مِنْ حَقِّ غَيْرِهِمَا فَلَا تَسْقُطُ بِعَدَمِ طَلَبٍ فَتَأَمَّلْ هَذَا التَّفْصِيلَ تَعْلَمْ بِهِ الْحَقَّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّ إطْلَاقَ الرَّدِّ وَإِطْلَاقَ عَدَمِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَمْ يَتَيَسَّرْ لِي الْآنَ إلَّا الْوُقُوفُ عَلَى شَرْحِي لِلْإِرْشَادِ دُونَ فَتَاوَى السُّبْكِيّ وَغَيْرِهَا مِمَّا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ يَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ أَنَّهَا شَرْطٌ فِي الْحُكْمِ فَلَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ حَتَّى يَحْلِفَ الْبَالِغُ أَوْ الصَّبِيُّ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَكَيْفَ يُدْفَعُ الْمَالُ لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالْحُكْمِ عَلَى الْأَصَحِّ فَلَوْ مَاتَ الصَّبِيُّ هَلْ يَحْلِفُ وَارِثُهُ وَيَسْتَحِقُّ الْمَالَ أَوْ يُدْفَعُ الْمَالُ لِمَنْ كَانَ تَحْتَ يَدِهِ أَوَّلًا بَعْدَ حَلِفِهِ كَنُكُولِهِ أَوْ يَكُونُ فِي مُسْتَوْدَعِ الْحُكْمِ وَإِذَا جُنَّ الصَّبِيُّ بَعْدَ بُلُوغِهِ قَبْلَ الْحَلِفِ وَطَالَ جُنُونُهُ وَأُيِسَ مِنْهُ بِقَوْلِ الْأَطِبَّاءِ مَثَلًا مَا الْحُكْمُ فِيهِ وَهَلْ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الْمَالِ لِلصَّبِيِّ بِالْمَصْلَحَةِ إلَى حِينِ بُلُوغِهِ وَحَلِفِهِ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ. (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ بِقَوْلِهِ: يَمِينُ الِاسْتِظْهَارِ فِيمَا لَوْ ادَّعَى قَيِّمُ طِفْلٍ أَوْ مَجْنُونٍ عَلَى قَيِّمِ طِفْلٍ أَوْ مَجْنُونٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِهَا فَاَلَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعَلَيْهِ فَ لَا يُسَلَّمُ الْمُدَّعَى بِهِ لِوَلِيِّ الْمُدَّعَى لَهُ حَتَّى يَكْمُلَ وَيَحْلِفَ فَهُوَ بَاقٍ بِمِلْكِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ظَاهِرًا فَلِوَلِيِّهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ نَعَمْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَأْتِيَ فِيهِ قَوْلُهُمْ لَوْ أَقَامَ شَاهِدَيْنِ وَلَمْ يُعَدَّلَا أَوْ شَاهِدًا وَلَمْ يُعَدَّلْ طُولِبَ خَصْمُهُ بِكَفِيلٍ حَتَّى يُعَدَّلَا أَوْ يُعَدَّلَ فَإِنْ امْتَنَعَ حُبِسَ لِلِامْتِنَاعِ لَا لِثُبُوتِ الْحَقِّ بَلْ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ وَلَمْ يُحَلِّفْهُ وَطَلَبَ مِنْهُ كَفِيلًا حَتَّى يَأْتِيَ بِالْبَيِّنَةِ وَخِيفَ تَغَيُّبُهُ لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِكَفِيلٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَعَلَيْهِ حُمِلَ مَا اعْتَادَهُ الْقُضَاةُ مِنْ إلْزَامِهِمْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْكَفِيلِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى أَمَّا إذَا لَمْ يُخَفْ تَغَيُّبُهُ فَلَا يَجُوزُ إلْزَامُهُ بِذَلِكَ. وَقِيلَ ذَلِكَ إلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ فَإِذَا أَلْزَمَ هُنَاكَ بِالْكَفِيلِ بِمُجَرَّدِ خَشْيَةِ تَغَيُّبِهِ وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَأَوْلَى أَنْ يُلْزِمَ الْقَيِّمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا لِقِيَامِ الْبَيِّنَةِ وَقَبُولِهَا فِيهَا وَإِنَّمَا بَقِيَ مُتَمِّمُ الْحُجَّةِ وَهُوَ الْيَمِينُ فَإِنْ قُلْت ذَكَرُوا أَنَّهُ لَوْ اسْتَمْهَلَهُ الْخَصْمُ لِيَجْرَحَ الشُّهُودَ أَوْ لِيُثْبِتَ الْبَرَاءَةَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَوْ طَلَبَ الْمُهْلَةَ لِيَخْرُجَ إلَى بَلَدٍ أَيْ بَعِيدَةِ الْمَسَافَةِ لِيَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ دَافِعَةٍ لَمْ يُمْهَلْ بَلْ يُؤْمَرْ بِالْوَفَاءِ ثُمَّ إنْ ثَبَتَ خِلَافُهُ اُسْتُرِدَّ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فَهَلَّا كَانَتْ مَسْأَلَتِنَا كَذَلِكَ قُلْتُ فَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْحَقَّ فِي هَذِهِ وُجُودُ شَرْطِ ثُبُوتِهِ. وَجَمِيعُ مَا يُعْتَبَرُ فِيهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ مَا ادَّعَاهُ فَأُمِرَ بِالْوَفَاءِ ثُمَّ إنْ صَدَقَتْ دَعْوَاهُ اُسْتُرِدَّ لَهُ وَإِلَّا فَلَا وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا يُوجَدُ جَمِيعُ شُرُوطِ ثُبُوتِ الْحَقِّ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَتِهَا الْيَمِينُ وَهِيَ الْآنَ مُتَعَذِّرَةٌ فَلَمْ يُمْكِنْ الْأَمْرُ بِالتَّسْلِيمِ لِاسْتِحَالَتِهِ قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَقِّ فَإِنْ قُلْتَ ذَكَرَ الشَّيْخَانِ بَعِيدَ مَا مَرَّ عَنْهُمَا فِي مَسْأَلَتِنَا مِنْ انْتِظَارِ الْبُلُوغِ لِتَعَذُّرِ الْحَلِفِ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى وَلِيُّ صَبِيٍّ مَالًا عَلَى آخَرَ فَادَّعَى أَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ عَيْنًا بَدَلَهَا مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ وَقَدَّرَهُ حُكِمَ عَلَيْهِ بِتَسْلِيمِ الْحَقِّ ثُمَّ يَحْلِفُ لَهُ الصَّبِيُّ إذَا كَمُلَ فَلِمَ لَمْ يَقُولُوا بِذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا قُلْتُ هَذَا مِنْ الشَّيْخَيْنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى دَلِيلٌ وَاضِحٌ لِمَا قَرَّرْته أَنَّهُ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ بِخِلَافِهِ فِي هَذِهِ. وَقَدْ اسْتَشْكَلَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ بِتِلْكَ ثُمَّ أَجَابُوا بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْيَمِينَ الْوَاجِبَةَ هُنَا لَا تَتَعَلَّقُ بِالدَّعْوَى الْأُولَى بَلْ بِالدَّعْوَى الثَّانِيَةِ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ عَنْ الدَّعْوَى الْأُولَى فَعَمِلْنَا

بِقَضِيَّةِ الْإِقْرَارِ فِي الْأُولَى لِغَيْرِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَى يَمِينٍ وَأَلْزَمْنَا الْمُقِرَّ بِالتَّسْلِيمِ لِتَمَامِ الْحُجَّةِ وَهِيَ إقْرَارُهُ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إلَى انْضِمَامِ يَمِينٍ إلَيْهِ وَأَمَّا دَعْوَاهُ أَنَّ الصَّبِيَّ أَتْلَفَ لَهُ مَا ذَكَرَ فَهُوَ خُصُومَةٌ وَدَعْوَى أُخْرَى لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْأُولَى فَوَقَفْنَا الْأَمْرَ فِيهَا إلَى كَمَالِ الصَّبِيِّ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَالْحُجَّةُ لَمْ تَتِمَّ كَمَا قَرَّرْنَاهُ أَوَّلًا فَلَمْ يُمْكِنْ الْقَضَاءُ فِيهَا بِالتَّسْلِيمِ وَخَشْيَةُ الْفَوَاتِ مُنْتَفِيَةٌ بِمَا ذَكَرْته مِنْ الْكَفِيلِ هَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ الْيَمِينِ فِيمَا ذُكِرَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا تَقَرَّرَ فَلَا يُسَلَّمُ إلَيْهِ الْمَالُ أَمَّا عَلَى مُقَابِلِهِ. وَمِمَّنْ اعْتَمَدَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالسُّبْكِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُمَا وَهُوَ قَوْلُ مَنْ يَقُولُ لَوْ أَقَامَ وَلِيُّ طِفْلٍ بَيِّنَةً عَلَى بَالِغٍ أَوْ وَلِيِّ طِفْلٍ آخَرَ لَمْ يُنْتَظَرْ بُلُوغُ الْمُدَّعَى لَهُ لِيَحْلِفَ بَلْ يُقْضَى لَهُ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا إشْكَالَ حِينَئِذٍ وَبِهَذَا يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فَكَيْفَ يُدْفَعُ الْمَالُ لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالْحُكْمِ عَلَى الْأَصَحِّ وَوَجْهُهُ أَنَّا حَيْثُ قُلْنَا إنَّهَا وَاجِبَةٌ فَلَا نُسَلِّمُ الْمَالَ لِلْوَلِيِّ وَحَيْثُ قُلْنَا بِأَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ سُلِّمَ إلَيْهِ فَلَمْ يَلْزَمْ عَلَى وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَقَالَتَيْنِ التَّسْلِيمُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ الَّذِي تَوَهَّمَهُ السَّائِلُ وَإِذَا مَاتَ الصَّبِيُّ الْمُدَّعَى لَهُ انْتَقَلَ الْحَقُّ لِوَارِثِهِ فَإِنْ حَلَفَ اسْتَحَقَّ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ خَلِيفَةُ مُورَثِهِ وَهُوَ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ السَّابِقِ فَكَذَا وَارِثُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ انْتِظَارُ الْيَمِينِ. وَإِنْ طَالَ الْجُنُونُ وَأُيِسَ مِنْ الْإِفَاقَةِ وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُنْدَفِعٌ بِأَخْذِ الْكَفِيلِ الَّذِي قَدَّمْته وَمَرَّ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّ وَلِيَّ الْمُدَّعَى لَهُ لَا يُسَلَّمُ الْمَالَ فَلَا يَتَأَتَّى مِنْهُ تَصَرُّفٌ فِيهِ إلَّا عَلَى الضَّعِيفِ السَّابِقِ أَنَّهُ يُسَلَّمُ إلَيْهِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا إذَا كَانَتْ مَسْأَلَةٌ ذَاتَ قَوْلَيْنِ أَوْ وَجْهَيْنِ أَوْ طَرِيقَيْنِ وَلَمْ يُصَحِّحْ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَذْهَبِ أَحَدَهُمَا هَلْ يَجُوزُ لِغَيْرِ الْمُجْتَهِدِ الْعَمَلُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ أَوْ بِهِمَا إذَا لَمْ يَجِدْ أَهْلًا لِلتَّصْحِيحِ أَوَّلًا وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ نَقْلٌ فِي مَسْأَلَةٍ فَهَلْ يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهَا عَمَلًا بِالْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ إنْ عَدِمَ الْمُفْتِي فِي بَلَدِهِ وَغَيْرِهِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِمَا فَعَلَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَإِنْ وَجَدَهُ بِغَيْرِ بَلَدِهِ لَزِمَهُ التَّوَصُّلُ إلَى سُؤَالِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِشَيْءٍ قَبْلَ ذَلِكَ وَتَحْرُمُ عَلَيْهِ الْإِقَامَةُ بِبَلَدٍ لَا مُفْتِيَ بِهَا إلَّا إنْ سَهُلَتْ عَلَيْهِ مُرَاجَعَةُ مُفْتٍ بِبَلَدٍ آخَرَ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ لَا تَحْرُمُ إقَامَتُهُ الْمَذْكُورَةُ يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا كَانَ بِبَلَدِهِ مَنْ يَعْرِفُ الْأَحْكَامَ الظَّاهِرَةَ الَّتِي يَعُمُّ وُقُوعُهَا أَمَّا بَلَدٌ لَيْسَ فِيهَا مَنْ يَعْرِفُ الْأَحْكَامَ الظَّاهِرَةَ الَّتِي يَلْزَمُ الْعَامَّةَ تَعَلُّمُهَا فَحُرْمَةُ إقَامَتِهِ بِهَا وَاضِحَةٌ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ إطْلَاقُ حُرْمَةِ الْإِقَامَةِ بِمَحَلٍّ لَا مُفْتِيَ بِهِ وَإِطْلَاقُ عَدَمِ حُرْمَتِهِ وَكِلَا الْعِبَارَتَيْنِ وَقَعَ لِبَعْضِ الْأَئِمَّةِ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى مَا ذَكَرْته. (وَسُئِلَ) هَلْ يَحِلُّ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى إيجَابِ النِّكَاحِ أَوْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ لَا فَإِذَا لَمْ يَجْرِ شَرْطُهَا حَالَةَ الْعَقْدِ وَلَكِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِهْدَاءِ شَيْءٍ بَعْدَهُ هَلْ يَجُوزُ أَخْذُهُ وَإِذَا كَانَ الْعَاقِدُ قَاضِيًا وَلَيْسَ لَهُ وَظِيفَةٌ وَلَا رِزْقٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَهَلْ يَحِلُّ لَهُ الْأَخْذُ بِشَرْطٍ أَوْ طَلَبٍ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ لِقَاضٍ وَلَا لِغَيْرِهِ عَلَى مُجَرَّدِ تَلْقِينِ إيجَابِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتْعِبٍ فَلَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ فَإِنْ طَلَبَ مِنْهُ الزَّوْجُ تَعْلِيمَ قَبُولِهِ أَوْ إيجَابِهِ وَكَانَ فِي تَعْلِيمِ أَحَدِهِمَا تَعَبٌ يُقَابَلُ عُرْفًا بِأُجْرَةٍ جَازَ لَهُ الِاسْتِئْجَارُ حِينَئِذٍ وَيَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ قَاضِيًا كَانَ الْمُعَلِّمُ أَوْ غَيْرَهُ وَإِذَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِي نَاحِيَةٍ بِاطِّرَادِ الْهَدِيَّةِ لِلْعَاقِدِ. جَازَ لَهُ إنْ كَانَ غَيْرَ قَاضٍ أَخْذُهَا بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمُهْدِيَ أَهْدَى إلَيْهِ لَا لِحَيَاءٍ وَلَا لِخَوْفِ مَذَمَّةٍ أَوْ عَارٍ لَوْ تَرَكَ فَإِنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ أَهْدَى إلَيْهِ اسْتِحْيَاءً أَوْ خَوْفَ مَذَمَّتِهِ أَوْ مَذَمَّةِ غَيْرِهِ أَوْ أَنْ يُعَيِّرَهُ لَوْ لَمْ يُهْدِ حَرُمَ قَبُولُ هَدِيَّتِهِ كَمَا أَفَادَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ فِي نَظَائِرَ لِذَلِكَ وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْته حُكْمُ أَخْذِ الْقَاضِي الْأُجْرَةَ عَلَى الْعَقْدِ وَأَمَّا أَخْذُهُ عَلَى الْحُكْمِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ حَاصِلُهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ لِلْخَصْمَيْنِ لَا أَحْكُمُ بَيْنَكُمَا حَتَّى تَجْعَلَا لِي جُعْلًا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا أَوْ أَنْ يَنْقَطِعَ بِالْحُكْمِ بَيْنَهُمَا عَنْ كَسْبِهِ وَأَنْ يَعْلَمَا بِهِ قَبْلَ التَّرَافُعِ وَأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِمَا مَعًا وَأَنْ يَأْذَنَ الْإِمَامُ أَوْ يَعْجِزَ عَنْ رِزْقِهِ أَوْ يُفْقَدَ مُتَطَوِّعٌ بِالْقَضَاءِ وَلَمْ يَضُرَّ بِالْخُصُومِ وَلَا جَاوَزَ قَدْرَ حَاجَتِهِ وَاشْتُهِرَ قَدْرُهُ وَسَاوَى بَيْنَ الْخُصُومِ فِيهِ إنْ اسْتَوَى وَقْتَ نَظَرِهِ وَإِلَّا جَازَ التَّفَاوُتُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ)

- رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ لِلْمُحَكَّمِ أَنْ يُزَوِّجَ الْمُحَكِّمَةَ لَهُ وَإِنْ بَعُدَ مَكَانُهَا فَوْقَ مَرْحَلَتَيْنِ وَهَلْ الْمُحَكَّمُ كَالْقَاضِي فِي تَحْرِيمِ الرِّشْوَةِ وَغَيْرِهَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ الْمُحَكَّمُ كَالْقَاضِي إلَّا فِي مَسَائِلَ مَعْرُوفَةٍ فَلَا بُدَّ فِي الْمُحَكِّمَةِ لَهُ أَنْ تَكُونَ حَاضِرَةً وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْقَاضِي مِنْ الرِّشْوَةِ وَغَيْرِهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا مُرَادُ الْقُضَاةِ بِقَوْلِهِمْ فِي النَّصَبِ وَشَرَطْتُ النَّظَرَ لِفُلَانٍ وَمَا الَّذِي يُفْعَلُ وَكَذَلِكَ الْوَاقِفُ يَشْرِطُ النَّظَرَ لِمُعَيَّنٍ مَا حُكْمُهُ وَمَا الَّذِي يُفْعَلُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا أَنَابَ الْقَاضِي إنْسَانًا فِي وَاقِعَةٍ بِشَرْطِهِ وَشَرَطَ النَّظَرَ عَلَيْهِ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ جَازَ وَوَجَبَ عَلَيْهِ مُرَاجَعَتُهُ ذَلِكَ النَّاظِرَ فِيهَا وَكَذَلِكَ الْوَاقِفُ إذَا شَرَطَ النَّظَرَ لِفُلَانٍ وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُرَاجِعَ فُلَانًا عِنْدَ تَصَرُّفِهِ فَيَصِحُّ ذَلِكَ الشَّرْطُ وَيَلْزَمُهُ مُرَاجَعَتُهُ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي الْوَصِيِّ إذَا جَعَلَ عَلَيْهِ مُشْرِفًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. هَلْ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَنِيبَ فِي مَجْلِسِهِ مَنْ يُزَوِّجُ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا غَيْرَهُ أَوْ يَسْمَعُ دَعْوَى. (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ: لِلْقَاضِي ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ قَوْلِ الْعُبَابِ وَلَوْ لَمْ يُرْزَقْ أَيْ الْقَاضِي مِنْ الْمَصَالِحِ فَلَهُ أَخْذُ عُشْرِ مَا يَتَوَلَّاهُ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالْوُقُوفِ لِلضَّرُورَةِ وَالْعُشْرُ مِثَالٌ وَيَتَعَيَّنُ النَّظَرُ إلَى كِفَايَتِهِ وَقَدْرِ الْمَالِ وَالْعَمَلِ. اهـ. فَهَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ إلَّا أُجْرَةَ عَمَلِهِ فِي الْمَالِ الْمَذْكُورِ وَمَا الْمُرَادُ بِالْعَمَلِ الْمَذْكُورِ هَلْ هُوَ الْأَمْرُ بِحِفْظِهِ وَتَنْمِيَتِهِ وَهُوَ مُشْكِلٌ إذْ مُجَرَّدُ ذَلِكَ لَا يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ لِأَنَّهُ كَلِمَةٌ لَا تَعَبَ فِيهَا أَوْ الْمُرَادُ غَيْرُ ذَلِكَ فَمَا هُوَ ثُمَّ قَالَ لَوْ قَالَ الْقَاضِي لِلْخَصْمَيْنِ لَا أَحْكُمُ بَيْنَكُمَا حَتَّى تَجْعَلَا لِي كَذَا رِزْقًا وَهُوَ فَقِيرٌ جَازَ وَشَرَطَ لِلْجَوَازِ شُرُوطًا مِنْهَا إذْنُ الْإِمَامِ فَإِذَا تَعَذَّرَ الْإِذْنُ مِنْهُ لِتَرَفُّعِهِ عَنْ الْمُرَاجَعَةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ مَا الْحُكْمُ وَمِنْهَا قَوْلُهُ وَاشْتُهِرَ قَدْرُهُ أَيْ الْجُعْلِ كَيْفَ يَشْتَهِرُ قَدْرُهُ عِنْدَ الِابْتِدَاءِ بَيِّنُوا لَنَا جَمِيعَ ذَلِكَ بِعِبَارَةٍ وَاضِحَةٍ جَلِيَّةٍ أُثَابَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى الْجَنَّةَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ أَمَّا قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يُرْزَقْ أَيْ الْقَاضِي إلَخْ فَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ وَأَسْقَطَهُ مِنْ الرَّوْضَةِ وَعِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ حَكَى ابْنُ كَجٍّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْقَاضِي شَيْءٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ عُشْرَ مَا يَتَوَلَّاهُ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالْوُقُوفِ لِلضَّرُورَةِ قَالَ ثُمَّ بَالَغَ فِي إنْكَارِهِ وَمَنْ قَالَ بِهِ فَكَأَنَّهُ ذَكَرَ الْعُشْرَ تَمْثِيلًا وَتَقْرِيبًا وَلَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ إلَى كِفَايَتِهِ وَقَدْرِ الْمَالِ وَالْعَمَلِ. اهـ. وَقَدْ أَشَارَ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ ضَعِيفَةٌ بِقَوْلِهِ عَنْ ابْنِ كَجٍّ إنَّهُ بَالَغَ فِي إنْكَارِهِ وَكَانَ هَذَا هُوَ السَّبَبَ فِي حَذْفِ النَّوَوِيِّ لَهَا فِي الرَّوْضَةِ ثُمَّ عَلَى فَرْضِ اعْتِمَادِهَا لَا نَظَرَ إلَّا لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الرَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ الْعُشْرَ مِثَالٌ وَتَقْرِيبٌ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ إلَى كِفَايَتِهِ وَقَدْرِ الْمَالِ وَالْعَمَلِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ مَا أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَأُنِيطَتْ بِكِفَايَتِهِ إنْ نَقَصَتْ كِفَايَتُهُ عَنْ أُجْرَةِ عَمَلِهِ فَإِنْ زَادَتْ عَلَى قَدْرِ أُجْرَتِهِ لَمْ يَأْخُذْ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَتِهِ وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِكِفَايَتِهِ أَقَلُّ مَا يَكْفِيهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَمْرِ اللَّائِقِ بِهِ وَبِعِيَالِهِ اللَّازِمِ لَهُ نَفَقَتُهُمْ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَمَلِ فِي تِلْكَ الْأَمْوَالِ تَعَهُّدُهَا وَحِفْظُهَا وَصَوْنُهَا عَنْ الْمُفْسِدِينَ بِالذَّهَابِ إلَيْهَا وَالْقِيَامِ عَلَيْهَا صَبَاحًا وَمَسَاءً وَإِعْطَاؤُهَا لِمَنْ يَعْمَلُ فِيهَا وَتَفَقُّدُ أَمْرِهِمْ فِيهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى مَصَارِيفِهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الشَّاقَّةِ وَهَذِهِ كُلُّهَا تُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ لَهَا وَقْعٌ كَثِيرٌ فَيُنْظَرُ فِي الْأَقَلِّ مِنْ كِفَايَتِهِ وَأُجْرَتِهِ وَيُعْطَاهَا وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ قَوْلُ السَّائِلِ وَهُوَ مُشْكِلٌ إلَخْ وَإِذْنُ الْإِمَامِ شَرْطٌ عَلَى مَقَالَةِ الْمَاوَرْدِيُّ الْمُجَوِّزِ لِلْقَاضِي الْأَخْذَ عَلَى الْحُكْمِ بِشُرُوطٍ تِسْعَةٍ فَإِنْ فُرِضَ تَعَذُّرُهُ لَمْ يَجُزْ لِلْقَاضِي الْأَخْذُ عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ لِأَنَّ تِلْكَ الشُّرُوطِ إنَّمَا أَبَاحَتْ الْأَخْذَ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِإِبَاحَتِهِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَمَا جَازَ لِلضَّرُورَةِ فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا كَمَا مَرَّ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى اغْتِفَارِ إذْنِ الْإِمَامِ وَإِنْ تَرَافَعَ لِأَنَّ مِنْ الْوَاضِحِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِمَامِ فِي ذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَهُ تَوْلِيَةُ الْقَاضِي مِنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ أَوْ نَائِبِهِ وَمُرَاجَعَةُ أَحَدِهِمَا غَيْرُ مُتَعَذِّرَةٍ فَلَا بُدَّ عَلَى تِلْكَ الْمَقَالَةِ لِجَوَازِ الْأَخْذِ مِنْ مُرَاجَعَةِ أَحَدِهِمَا وَإِذْنِهِ وَالْمُرَادُ بِاشْتِهَارِ الْقَدْرِ عِلْمُ الْمُتَدَاعِيَيْنِ بِهِ لِأَنَّهُ عَلَى هَذِهِ الْمَقَالَةِ لَا يَجُوزُ

لَهُ الْأَخْذُ مِنْ أَحَدِهِمَا لِلتُّهْمَةِ وَإِنَّمَا يَأْخُذُ مِنْهُمَا فَاشْتُرِطَ عِلْمُهُمَا بِهِ قَبْلَ الْمُحَاكَمَةِ إلَيْهِ بِأَنْ يُبَيِّنَهُ لَهُمَا عَلَى وَفْقِ مَا شَرَطَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ زَائِدٍ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ زَائِدٍ عَلَى أُجْرَةِ عَمَلِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا شَرْطٌ. اهـ. وَحِينَئِذٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِقَدْرِ الْأَقَلِّ مِنْ حَاجَتِهِ وَأُجْرَةِ مِثْلِهِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ وَالْحَالُ أَنَّ أُجْرَةَ مِثْلِهِ أَقَلُّ وَلَا أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ أُجْرَةِ مِثْلِهِ وَالْحَالُ أَنَّ حَاجَتَهُ أَقَلُّ وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْأَقَلُّ الَّذِي يَأْخُذُهُ قَدْرًا مَعْلُومًا يَتَسَاوَى فِيهِ جَمِيعُ الْخُصُومِ وَإِنْ تَفَاضَلُوا فِي الْمَطَالِبِ فَإِنْ فَاضَلَ بَيْنَهُمْ لَمْ يَجُزْ إلَّا إنْ تَفَاضَلُوا فِي الزَّمَانِ فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الِابْتِدَاءِ وَالدَّوَامِ لِأَنَّا جَوَّزْنَا لَهُ الْأَخْذَ وَأَرَادَ أَنْ يَبْتَدِئَهُ قُلْنَا لَهُ أَوَّلُ مُتَدَاعِيَيْنِ يَأْتِيَانِ إلَيْك أَعْلِمْهُمَا أَنَّ مَا تُرِيدُ أَخْذَهُ عَلَيْهِمَا ثُمَّ عَيِّنْهُ لَهُمَا بِحَيْثُ لَا يَزِيدُ عَلَى قَدْرِ الْأَقَلِّ مِنْ كِفَايَتِك وَأُجْرَةِ مِثْلِك فَإِذَا وُجِدَ مِنْك ذَلِكَ مَعَ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ جَازَ لَك الْأَخْذُ هَذَا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ وَأَمَّا فِيمَا بَعْدَهَا فَيَلْزَمُك أَنَّ كُلَّ مَنْ جَاءَك بَعْدَ الْأُولَى أَنْ تَجْعَلَ عَلَيْهِمَا كَمَا فِي الْأُولَى وَلَا تَزِيدُ عَلَيْهِمَا إلَّا إنْ زَادَ زَمَانُ مُخَاصَمَتِهِمَا عَلَى زَمَانِ الْأُولَى فَلَكَ حِينَئِذٍ الزِّيَادَةُ بِقَدْرِ طُولِ الزَّمَانِ لِأَنَّهُ إذَا طَالَ كَانَتْ الْأُجْرَةُ الْمُقَابِلَةُ لَهُ أَكْثَرَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ لِلْمُحَكَّمِ تَعْزِيرُ مَنْ أَسَاءَ فِي مَجْلِسِهِ مِنْ الْمُتَحَاكِمِينَ إلَيْهِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلْحَاكِمِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ دَيْنِ الطِّفْلِ عَلَى الطِّفْلِ يُسْتَوْفَى أَمْ يُوقَفُ لِيَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ بَعْدَ بُلُوغِ الصَّبِيِّ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى قَيِّمُ طِفْلٍ أَوْ مَجْنُونٍ وَأَقَامَ بِمَا ادَّعَاهُ بَيِّنَةً اُنْتُظِرَ بُلُوغُ أَوْ إفَاقَةُ الْمُدَّعَى لَهُ لِتَعَذُّرِ تَحْلِيفِ غَيْرِهِ عَنْهُ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ السُّبْكِيّ كَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَقَالَ لَا يُنْتَظَرُ بُلُوغٌ وَلَا إفَاقَةٌ حَتَّى يَحْلِفَ بَعْدَهُمَا بَلْ يُقْضَى لَهُ بِالْبَيِّنَةِ فَإِذَا كَمُلَ حَلَفَ. (وَسُئِلَ) هَلْ يَجُوزُ مَا يَعْتَادُهُ الْقُضَاةُ مِنْ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ عَلَى حَاضِرٍ بِالْبَلَدِ أَنَّهُ أَقَرَّ بِمَبْلَغِ دَرَاهِمَ لِآخَرَ أَوْ بِبَيْعٍ أَوْ لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِمْ لَا يَجُوزُ سَمَاعُ بَيِّنَةٍ لِغَرَضِ التَّسْجِيلِ مَعَ خِلَافِ الْقَفَّالِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَبَعْضُهُمْ يَجْعَلُ لِذَلِكَ حِيلَةً كَأَنْ يَنْذِرَ إنْسَانٌ لِآخَرَ بِكَذَا إنْ ثَبَتَ إقْرَارُ فُلَانٍ بِكَذَا فَيَدَّعِي الْمَنْذُورُ لَهُ عَلَى النَّاذِرِ بِمُوجِبِ نَذْرِهِ فَيُنْكِرُ فَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ بِأَنَّ فُلَانًا أَقَرَّ بِكَذَا فَيُثْبِتُ الْقَاضِي إقْرَارَهُ حَتَّى يَثْبُتَ وَيُلْزِمُ النَّاذِرَ وَهَذِهِ الْحِيلَةُ إنَّمَا تَتِمُّ إنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ النَّذْرِ فِي نَحْوِ ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ قَوْلَ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا فَعَلَيَّ أَنْ أَهَبَك أَلْفًا لَغْوٌ وَأَقَرَّهُ الشَّيْخَانِ وَخَالَفَهُ فِيهِ آخَرُونَ فَيَأْتِي ذَلِكَ فِي النَّذْرِ الْوَاقِعِ فِي الْحِيلَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّهُ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْغَزَالِيِّ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْبَائِعَ مُرَوِّجٌ بِذَلِكَ سِلْعَتَهُ فَانْتَفَتْ الْقُرْبَةُ عَنْ نَذْرِهِ فَلَغَا بِخِلَافِهِ فِي صُورَةِ الْحِيلَةِ إذْ لَا تَرْوِيجَ فِيهَا فَصَحَّ النَّذْرُ فِيهَا ثُمَّ هَذِهِ الْحِيلَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ حِيلَةٍ ذَكَرَهَا ابْنُ الصَّلَاحِ فِي إثْبَاتِ بَرَاءَةِ حَاضِرٍ مِنْ دَيْنِ غَائِبٍ بِأَنْ يَدَّعِيَ إنْسَانٌ عَلَى الْحَاضِرِ أَنَّ الْغَائِبَ أَحَالَهُ بِدَيْنِهِ عَلَيْهِ وَيَذْكُرُ شُرُوطَ الْحَوَالَةِ فَيَدَّعِي الْمَدِينُ عَدَمَ اسْتِحْقَاقِ الْمُحْتَالِ بِمُقْتَضَى أَنَّ مُحِيلَهُ أَبْرَأَهُ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَيَقْبَلُهَا الْحَاكِمُ وَيُثْبِتُ الْإِبْرَاءَ أَوْ الْإِقْرَارَ وَإِنْ كَانَ الْمُحِيلُ حَاضِرًا بِالْبَلَدِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَدِينَ الَّذِي هُوَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ يَبْرَأُ مِنْ دَيْنِ دَائِنِهِ الَّذِي هُوَ الْمُحِيلُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِهَذِهِ الْحِيلَةِ فَائِدَةٌ. قَالَ الشَّرَفُ الْغَزِّيُّ كَلَامُ ابْنِ الصَّلَاحِ صَحِيحٌ فِي دَفْعِ الْمُحْتَالِ أَمَّا إثْبَاتُ الْبَرَاءَةِ مِنْ دَيْنِ الْمُحِيلِ فَلَا بُدَّ مِنْ إعَادَتِهَا فِي وَجْهِ الْمُحِيلِ ثُمَّ الْمُتَّجِهُ أَنَّ لِلْمُحْتَالِ الرُّجُوعَ بِدَيْنِهِ عَلَى الْمُحِيلِ إلَّا إذَا اسْتَمَرَّ عَلَى تَكْذِيبِ الْمُحِيلِ. اهـ. وَإِنَّمَا يَتَّجِهُ مَا ذَكَرَهُ فِي حَوَالَةٍ صَحِيحَةٍ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ آخِرًا أَمَّا إذَا جُعِلَتْ الْحَوَالَةُ حِيلَةً إلَى سَمَاعِ بَيِّنَةِ الْحَاضِرِ بِبَرَاءَتِهِ مِنْ دَيْنِ الْغَائِبِ عَنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهَا فِي وَجْهِ الْمُحِيلِ لِأَنَّ حُجَّتَهُ مِنْ الدَّفْعِ فِي الْبَيِّنَةِ بَاقِيَةٌ لَا تَبْطُلُ بِغَيْبَتِهِ فَغَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُ إذَا حَضَرَ وَادَّعَى تُذْكَرُ لَهُ الْبَيِّنَةُ وَيُقَالُ إنْ كَانَ لَك دَافِعٌ فِيهَا فَأَظْهِرْهُ وَإِلَّا فَالْحُكْمُ قَدْ تَمَّ فَتَمَكُّنُهُ مِنْ الطَّعْنِ فِيهَا مُغْنٍ عَنْ إعَادَتِهَا فِي وَجْهِهِ

وَيُوَجَّهُ سَمَاعُهَا وَالْحُكْمَ بِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى حَقِّهِ مَعَ حُضُورِهِ بِأَنَّهُمَا لَمْ يَقَعَا بِطَرِيقِ الْقَصْدِ وَإِنَّمَا وَقَعَا بِطَرِيقِ التَّبَعِ وَيُغْتَفَرُ فِي الشَّيْءِ تَابِعًا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِيهِ مَقْصُودًا وَيَأْتِي ذَلِكَ فِي حِيلَةِ النَّذْرِ السَّابِقَةِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا صُورَتُهُ ذَكَرَ الْإِمَامُ النَّسَفِيُّ الْحَنَفِيُّ فِي الْمُصَفَّى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا إذَا سُئِلْنَا عَنْ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ مُخَالِفِنَا فِي الْفُرُوعِ أَنْ نُجِيبَ بِأَنَّ مَذْهَبَنَا صَوَابٌ يَحْتَمِلُ الْخَطَأَ وَمَذْهَبَ مُخَالِفِنَا خَطَأٌ يَحْتَمِلُ الصَّوَابَ أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُصِيبَ فِي الْفُرُوعِ وَاحِدٌ وَغَيْرُهُ مُخْطِئٌ مَأْجُورٌ. فَهَلْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِمِثْلِ ذَلِكَ وَهَلْ مَنْعُهُمْ الِاقْتِدَاءَ بِالْمُخَالِفِ حَيْثُ ارْتَكَبَ مُبْطِلًا مُقْتَضٍ لِذَلِكَ وَهَلْ يَسُوغُ لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِمَذْهَبِ مُخَالِفِهِ وَذَلِكَ بِأَنْ يُفْتِيَ الْحَنَفِيُّ بِعَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي مَالِ مُوَلِّيهِ أَوْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَلْ وَلَا بِالْوَجْهِ الضَّعِيفِ الْمَرْجُوحِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَيُقَالُ إنَّ بَيَانَ الْحُكْمِ لِلْمُسْتَفْتِي الْمُخَالِفِ بِنَحْوِ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مِنْ الرِّوَايَةِ وَحِكَايَةِ مَذْهَبِ الْغَيْرِ لَا الْإِفْتَاءِ الْمُتَوَقِّفِ عَلَى الِاعْتِقَادِ تَفَضَّلُوا بِبَيَانِ ذَلِكَ وَبَسْطِ الْكَلَامِ وَنَقْلِ مَا لَهُمْ فِيهِ تَصْرِيحًا وَتَلْوِيحًا فَإِنَّ الْمَقَامَ قَدْ يَخْفَى عَلَى كَثِيرٍ حَتَّى تَوَهَّمَ بَعْضُ الْمُتَفَقِّهَةِ أَنَّ الْقَوْلَ بِخَطَإِ الْمُخَالِفِ وَاعْتِقَادَ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ مُنَافٍ لِكَوْنِهِ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ. (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ: نَعَمْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِمَا يُفْهِمُ ذَلِكَ لَا بِقَيْدِ الْوُجُوبِ الَّذِي ذَكَرَهُ فَفِي الْعِدَّةِ لِابْنِ الصَّبَّاغِ كَانَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ يَقُولَانِ إنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الْحَقَّ فِي وَاحِدٍ إلَّا أَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مُصِيبٌ وَإِنَّمَا يَظُنُّ ذَلِكَ. اهـ. وَإِذَا كَانَ الْمُجْتَهِدَ لَا يَعْلَمُ الْإِصَابَةَ وَإِنَّمَا يَظُنُّهَا فَمُقَلِّدُهُ أَوْلَى وَمَعْلُومٌ أَنَّ الظَّنَّ يُقَابِلُهُ الْوَهْمُ وَهُوَ احْتِمَالُ الْخَطَإِ فَنَتَجَ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ يَظُنُّ إصَابَتَهُ وَيَجُوزُ خَطَؤُهُ وَأَنَّ مُقَلِّدَهُ كَذَلِكَ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ مَا ذُكِرَ عَنْ النَّسَفِيِّ. وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ أَيْضًا مُرَاعَاةُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَأَصْحَابِهِ خِلَافَ الْخُصُومِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ فَذَلِكَ تَصْرِيحٌ مِنْهُمْ بِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَظُنُّونَ إصَابَةَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ إمَامُهُمْ وَأَنَّهُمْ لَا يَقْطَعُونَ بِخَطَإِ مُخَالِفِيهِ وَإِلَّا لَمْ يُرَاعُوا خِلَافَهُمْ فَلَمَّا رَاعَوْهُ عُلِمَ أَنَّهُمْ يُجَوِّزُونَ إصَابَتَهُ الْحَقَّ وَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ عَلَى ظَنِّهِمْ أَنَّ الْحَقَّ هُوَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ إمَامُهُمْ وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الزَّرْكَشِيّ قَدْ رَاعَى الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَأَصْحَابُهُ خِلَافَ الْخَصْمِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ وَهَذَا إنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ مُدَّعِيَ الْإِصَابَةِ لَا يَقْطَعُ بِخَطَإِ مُخَالِفِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَمَّا كَانَ يُجَوِّزُ خِلَافَ مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَنَظَرَ فِي مُتَمَسَّكِ خَصْمِهِ فَرَأَى لَهُ مَوْقِعًا رَاعَاهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يُخِلُّ بِمَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَأَكْثَرُهُ مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ وَالْوَرَعِ وَهَذَا مِنْ دَقِيقِ النَّظَرِ وَالْأَخْذِ بِالْحَزْمِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَلِذَلِكَ رَاعَى مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْخِلَافَ قَالَ وَتَوَهَّمَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ يُرَاعِي صُورَةَ الْخِلَافِ وَهُوَ جَهْلٌ أَوْ عَدَمُ إنْصَافٍ وَكَيْفَ هَذَا وَهُوَ لَمْ يُرَاعِ كُلَّ خِلَافٍ وَإِنَّمَا رَاعَى خِلَافًا لِشِدَّةِ قُوَّتِهِ فَإِنْ قُلْتَ: هَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ ابْنَ الْأَنْبَارِيِّ اسْتَشْكَلَ نَدْبَ الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ بِأَنَّهُ إحْدَاثُ قَوْلٍ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَتْ الْأُمَّةُ عَلَى قَوْلَيْنِ التَّحْرِيمُ وَالْإِبَاحَةُ قَالَ فَالْقَوْلُ بِأَنَّ التَّرْكَ مُتَعَلِّقُ الثَّوَابِ وَالْفِعْلَ جَائِزٌ قَوْلٌ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ. اهـ. قُلْتُ يُجَابُ عَنْ إشْكَالِهِ هَذَا وَإِنْ نَقَلَهُ الْأُصُولِيُّونَ وَلَمْ يُجِيبُوا عَنْهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ مَا زَعَمَهُ أَنْ لَوْ كَانَ النَّدْبُ الَّذِي قُلْنَا بِهِ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي اُخْتُلِفَ بِسَبَبِهَا فِي إبَاحَتِهِ وَحُرْمَتِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا التَّرْكُ فِيهِ لَهُ جِهَةٌ أُخْرَى خَارِجَةٌ عَنْ ذَلِكَ اقْتَضَى تَحْذِيرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الشُّبُهَاتِ وَتَأْكِيدَهُ فِي طَلَبِ مَا لَا شُبْهَةَ فِيهِ أَنَّهُ أَعْنِي التَّرْكَ أَوْلَى مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى كَمَفْسَدَةٍ أَدْرَكَهَا الْقَائِلُ بِالْحُرْمَةِ أَوْ جَائِزًا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى لِكَوْنِ الْقَائِلِ بِهِ لَمْ يُدْرِكْ تِلْكَ الْمَفْسَدَةَ وَلَقَدْ قَالُوا رَدًّا عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَا مِنْ مُبَاحٍ إلَّا وَيَتَحَقَّقُ بِهِ تَرْكُ حَرَامٍ فَيَكُونُ وَاجِبًا: إنَّ كَلَامَنَا لَيْسَ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ الَّتِي نَظَرَ إلَيْهَا ذَلِكَ الْقَائِلُ ثُمَّ أَشَارُوا إلَى أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ أَيْ لِأَنَّ مَنْ نَظَرَ لِتِلْكَ الْجِهَةِ حَكَمَ بِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَمَنْ لَمْ يَنْظُرْ إلَيْهَا حَكَمَ بِأَنَّهُ مُبَاحٌ فَعَلِمْنَا أَنَّ الْكَلَامَ مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ النَّظَرِ إلَى الْجِهَاتِ النَّاشِئَةِ هِيَ عَنْهَا. فَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ فَلَا يَلْزَمُ عَلَيْهَا مَا زَعَمَهُ

ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ الْمُزَنِيِّ جَاءَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ حَكَمَ بَيْنَ خَصْمَيْنِ فِي طَسْتٍ ثُمَّ غَرِمَهُ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ قَالَ الْمُزَنِيّ فَلَوْ كَانَ يَقْطَعُ بِأَنَّ الَّذِي قَضَى بِهِ هُوَ الْحَقُّ لَمَا تَأَثَّمَ مِنْ الْحَقِّ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَلَا غَرِمَ لِلظَّالِمِ ثَمَنَ طَسْتِهِ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ ظَالِمٌ بِمَنْعِهِ إيَّاهُ مِنْ صَاحِبِهِ قَالَ وَلَكِنَّهُ عِنْدِي خَافَ أَنْ يَكُونَ قَضَى عَلَيْهِ بِمَا أُغْفِلَ عَنْهُ وَظَلَمَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُ فَتَوَرَّعَ بِاسْتِحْلَالِ ذَلِكَ مِنْهُ وَغَرِمَهُ لَهُ وَكَانَ غُرْمُهُ لَهُ مَعَ اسْتِيفَائِهِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ طَلَبًا لِلثَّوَابِ فَحَسِبَ لَمَّا خَفِيَ عَلَيْهِ أَنَّ إعْطَاءَهُ لِمُحْتَاجٍ أَعْظَمُ لِأَجْرِهِ. اهـ. فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ مِنْ الْمُزَنِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَجِدْهُ صَرِيحًا فِيمَا فِي السُّؤَالِ عَنْ النَّسَفِيِّ وَكَانَ هَذَا الْمَذْكُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ نَحْوِهِ هُوَ مُسْتَنَدَ النَّسَفِيِّ فِيمَا ذَكَرَهُ وَإِلَّا فَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ فِي الْفُرُوعِ مُصِيبٌ وَمَقَالَةُ النَّسَفِيِّ الْمَذْكُورَةُ لَا تَتَأَتَّى إلَّا عَلَى مَا عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَأَصْحَابُهُ وَنُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَغَيْرِهِمَا وَفِي ذَلِكَ وَتَحْرِيرِهِ خِلَافٌ طَوِيلُ الذَّيْلِ وَلَيْسَ هَذَا مَحَلُّ بَسْطِهِ أَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ ثُمَّ رَأَيْتُ أَنَّ مَا قَالَهُ النَّسَفِيُّ بِعَيْنِهِ هُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا وَأَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ مِنْهُمْ رَجَّحَ خِلَافَهُ. فَقَالَ أَعْلَمُ إصَابَتَنَا وَأَقْطَعُ بِخَطَإِ مَنْ خَالَفَنَا وَمَنْعِهِ مِنْ الْحُكْمِ بِاجْتِهَادِهِ غَيْرَ أَنِّي لَا أُأَثِّمُهُ. اهـ. وَبِمَا قَدَّمْته عَنْ ابْن الصَّبَّاغِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْأَصْحَابِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي نَدْبِ الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَعَنْ الْمُزَنِيِّ تَعْلَمُ أَنَّ الْأَصَحَّ غَيْرُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّهُ الْأَصَحُّ وَقَدْ يُحْمَلُ كَلَامُ الْقَاضِي عَلَى الْمَسَائِلِ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا بِنَقْضِ حُكْمِ الْحَاكِمِ فَهَذِهِ نَقْطَعُ فِيهَا بِخَطَإِ الْمُخَالِفِ لِأَنَّهُ خَالَفَ الدَّلِيلَ الْقَطْعِيَّ إذْ لَا نَقُولُ ذَلِكَ أَعْنِي النَّقْضَ إلَّا فِيمَا دَلِيلُهُ قَطْعِيٌّ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ بِخِلَافِ غَيْرِهِ. وَمِنْ ثَمَّ اخْتَلَفَ أَئِمَّتُنَا فِي النَّقْضِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ وَمَنْشَأُ اخْتِلَافِهِمْ أَنَّ الْمُخَالِفَ هَلْ خَالَفَ دَلِيلًا قَطْعِيًّا لَا يُؤَوَّلُ أَمْ لَا وَالْأَصَحُّ فِي أَكْثَرِهِمْ أَنَّهُ لَا نَقْضَ لِأَنَّ الْمُخَالِفَ لَمْ يُخَالِفْ إلَّا بِحُجَّةٍ مُتَمَاسِكَةٍ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْحَمْلَ الَّذِي ذَكَرْتُهُ قَوْلُ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ مَنْ صَوَّبَ الْمُجْتَهِدِينَ شَرَطَ فِي ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ مَذْهَبُ الْخَصْمِ مُسْتَنِدًا إلَى دَلِيلٍ يَنْقُضُ الْحُكْمَ الْمُسْتَنِدَ إلَيْهِ قَالَ وَلِهَذَا لَمْ يَكُنْ شُرْبُ النَّبِيذِ لِلْحَنَفِيِّ مُبَاحًا وَإِنْ بِتَصْوِيبِهِمْ. اهـ. فَإِذَا اسْتَثْنَى الشَّيْخُ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِتَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ فَمَا بَالُك بِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ كَلَامِ الْقَاضِي قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يُفَوِّضَ الْقَضَاءَ لِحَنَفِيٍّ فِي مَسْأَلَةٍ يَعْتَقِدُ الْمُفَوِّضُ أَنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ يُعِينُ عَلَى مَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ قَالَ وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِ الْحُكْمَ فِيهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فَيُوَافِقُ الشَّافِعِيَّ فَلَا يَكُونُ الْمُفَوِّضُ مُعِينًا عَلَى مَا يَعْتَقِدُ مَنْعَهُ. اهـ. وَوَجْهُ دَلَالَةِ هَذَا عَلَى أَنَّهُ ضَعِيفٌ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا أَطْبَقُوا عَلَيْهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عَصْرِ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يُوَلِّي الْحَنَفِيَّ وَغَيْرَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُجْتَهِدِينَ وَلَا اُحْتُمِلَ تَغَيُّرُهُمْ عَنْ مَذْهَبِهِمْ فِي مَسَائِلَ عَامَّةٍ وَخَاصَّةٍ لَا يَرَاهَا الْمُوَلِّي بَلْ كَثِيرًا مَا يُوَلُّونَ الْمُخَالِفَ فِي مَسْأَلَةٍ خَاصَّةٍ لِيَحْكُمَ بِهَا عَلَى مَذْهَبِهِ فَوُقُوعُ الْإِجْمَاعِ الْفِعْلِيِّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ مُنْذُ مِئَاتٍ مِنْ السِّنِينَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ وَأَنَّهُ لَا إعَانَةَ فِي ذَلِكَ عَلَى مَعْصِيَةٍ أَلْبَتَّةَ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ كَلَامِ الْقَاضِي أَيْضًا قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ مِنْ فُرُوعِ مَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ أَوْ الْكُلَّ: اقْتِدَاءُ الشَّافِعِيِّ بِالْحَنَفِيِّ وَالْأَصَحُّ فِيهِ الصِّحَّةُ إلَّا أَنْ يَتَحَقَّقَ خِلَافُهُ بِمَا يَشْتَرِطُهُ أَوْ يُوجِبُهُ لِأَنَّا لَا نَقْطَعُ بِالْمُخَالَفَةِ حِينَئِذٍ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ لَا نَقْطَعُ بِالْمُخَالَفَةِ حِينَئِذٍ مَعَ جَعْلِهِ ذَلِكَ مِنْ فُرُوعِ أَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ أَوْ الْكُلَّ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِي رَدِّ كَلَامِ الْقَاضِي وَبِكَلَامِ الْإِمَامِ هَذَا يُعْرَفُ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ. وَهَلْ مَنْعُهُمْ الِاقْتِدَاءَ بِالْمُخَالِفِ إلَخْ وَمَا قَدَّمْته عَنْ قَوَاعِدِ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ صَرَّحَ بِهِ فِي فَتَاوِيهِ أَيْضًا لَكِنْ بِزِيَادَةٍ فَقَالَ فَإِنْ خَالَفَتْ فَتْوَى إمَامِهِ حَدِيثًا صَحِيحًا فَإِنْ خَالَفَ مُخَالَفَةً يُنْقَضُ بِهَا حُكْمُهُ أَنْ لَوْ حَكَمَ بِهِ لَمْ يَجُزْ تَقْلِيدُهُ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مُخْطِئٌ وَلَيْسَ فِي الْخَطَإِ قُدْوَةٌ وَلَا فِي

الْبَاطِلِ أُسْوَةٌ ثُمَّ قَالَ وَلَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ تَقْلِيدِ إمَامٍ إلَى تَقْلِيدِ إمَامٍ آخَرَ فِي جَمِيعِ مَا يَذْهَبُ إلَيْهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُنْقَضَ بِمِثْلِهِ لِأَنَّا إذَا قُلْنَا بِتَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ فَلَا يُنْكَرُ عَلَى أَحَدٍ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ صَوَابٍ إلَى صَوَابٍ آخَرَ وَإِنْ قُلْنَا الْمُصِيبُ وَاحِدٌ فَهُوَ غَيْرُ مُعَيَّنٍ. اهـ. وَتَبِعَهُ تِلْمِيذُهُ الْإِمَامُ الْمُجْتَهِدُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فَاشْتَرَطَ فِي جَوَازِ التَّقْلِيدِ أَنْ يَكُونَ مَا قَلَّدَ فِيهِ بِحَيْثُ لَا يُنْقَضُ لَوْ قَضَى بِهِ قَاضٍ وَأَقَرَّهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَبِهِ يَتَّضِحُ مَا قَدَّمْته أَنَّ مَحَلَّ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِيمَا لَا يُنْقَضُ لَوْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ أَمَّا هُوَ فَيَعْتَقِدُ خَطَأَ الْمُخَالِفِ فِيهِ يَقِينًا مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا مَا زَادَهُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ عَلَى شَيْخِهِ بِقَوْلِهِ بَعْدَ مَا مَرَّ عَنْهُ مُوَافَقَةً لِشَيْخِهِ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْحُكْمِ مِمَّا يُنْقَضُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي بَلْ يَكْفِي فِي عَدَمِ جَوَازِ تَقْلِيدِ الْقَائِلِ بِهِ كَوْنُهُ مُخَالِفًا لِظَاهِرِ النُّصُوصِ بِحَيْثُ يَكُونُ التَّأْوِيلُ مُسْتَكْرَهًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا جَوَازُ التَّقْلِيدِ حِينَئِذٍ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ قَالَ عَقِبَ كَلَامِهِ هَذَا وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا وَمَا مِنْ مَذْهَبٍ إلَّا وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَلَا يَخْفَى مَا فِي تَكْلِيفِ الْعَوَامّ الِاجْتِنَابَ عَنْ ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّةِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِرُخْصَةِ جَوَازِ التَّقْلِيدِ لَهُمْ وَكَأَنَّهُ فَرَّعَهُ عَلَى الضَّعِيفِ أَنَّهُ يَجِبُ الْبَحْثُ وَالْعَمَلُ بِمَا يَتَرَجَّحُ عِنْدَ الْمُقَلِّدِ وَيَمِيلُ إلَيْهِ قَلْبُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي تَقْلِيدِ مَنْ شَاءَ وَلَوْ مَفْضُولًا عِنْدَهُ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ مَا لَمْ يَتَتَبَّعْ الرُّخَصَ بَلْ وَإِنْ تَتَبَّعَهَا عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَاعْتَمَدَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ وَأَطَالَ فِي الِاسْتِدْلَالِ لَهُ وَهُنَا دَقِيقَةٌ يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ لَهَا وَكَثِيرًا مَا يُغْفَلُ عَنْهَا وَهِيَ أَنَّ مَا قَالَهُ النَّسَفِيُّ وَقُلْنَاهُ مِنْ كَلَامِ أَصْحَابِنَا وَاخْتِلَافِهِمْ وَأَنَّ الْأَرْجَحَ هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا قَالَهُ النَّسَفِيُّ إنَّمَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ عَلَى الضَّعِيفِ أَنَّهُ يَجِبُ تَقْلِيدُ الْأَعْلَمِ وَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ مَعَ وُجُودِهِ فَحِينَئِذٍ إذَا فُقِدَ الْأَعْلَمُ هَلْ يُقْطَعُ بِأَنَّ مَذْهَبَهُ صَوَابٌ وَمَذْهَبَ غَيْرِهِ خَطَأٌ أَمْ يُظَنُّ ذَلِكَ وَلَا يُقْطَعُ بِهِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ وَالْأَصَحُّ مِنْهُ هُوَ الثَّانِي كَمَا تَقَرَّرَ أَمَّا إذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ الْمَنْقُولِ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا عَنْ الْجُمْهُورِ وَاعْتَمَدُوهُ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ فِي تَقْلِيدِ أَيِّ مَنْ شَاءَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ وَلَوْ مَفْضُولًا مَعَ وُجُودِ فَاضِلٍ وَإِنْ اعْتَقَدَهُ كَذَلِكَ أَخْذًا مِمَّا فِي مُقَدِّمَةِ الْمَجْمُوعِ وَمِمَّا فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ فِي التَّقْلِيدِ فِي الْقِبْلَةِ وَاخْتِيَارُ الرَّوْضَةِ لِخِلَافِهِ إنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ الْمُدْرَكُ عِنْدَهُ لَا مِنْ حَيْثُ النَّقْلُ فَلَا يُلْزَمُ اعْتِقَادُ ذَلِكَ بَلْ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ لِأَنَّهُ مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّ إمَامَهُ مَفْضُولٌ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقْطَعَ بَلْ وَلَا يَظُنَّ بِأَنَّهُ عَلَى الصَّوَابِ وَغَيْرَهُ عَلَى الْخَطَإِ وَإِنَّمَا غَايَةُ أَمْرِهِ أَنَّهُ يَجُوزُ مُوَافَقَتُهُ لِلصَّوَابِ وَهَذَا كَافٍ فِي حَقِّ الْعَامِّيِّ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ كَثِيرُونَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ بَلْ نَقَلَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَلِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عِبَارَاتٌ تَقْتَضِيهِ. وَعِبَارَاتٌ تَمْنَعُهُ وَمِنْ ثَمَّ كَثُرَ اخْتِلَافُ أَصْحَابِهِ فِي فَهْمِ عِبَارَاتِهِ فِي ذَلِكَ وَغَلَّطَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَلِتَحْرِيرِ ذَلِكَ مَحَلٌّ يَلِيقُ بِهِ غَيْرُ هَذَا فَالْأَمْرُ وَاضِحٌ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ وَغَيْرَهُ مَأْجُورٌ عَلَى اجْتِهَادِهِ وَقَصْدِهِ الْحَقَّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَذَلِكَ الْوَاحِدُ مُبْهَمٌ فَيَكْفِي اعْتِقَادُ الْعَامِّيِّ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ إمَامَهُ صَادَفَ ذَلِكَ الْحَقَّ فَبَانَ بِمَا قَرَّرْته أَنَّ الْمُقَلِّدَ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَعْتَقِدَ إلَّا أَنَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ إمَامُهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ الْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأَمَّا ظَنُّهُ لِذَلِكَ أَوْ الْقَطْعُ بِهِ فَلَا وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ مِنْ الْعَامِّيِّ حَقِيقَةُ ظَنِّ ذَلِكَ أَوْ الْقَطْعُ بِهِ وَهِيَ أَعْنِي تِلْكَ الْحَقِيقَةَ إنَّمَا تَنْشَأُ عَنْ النَّظَرِ فِي الدَّلِيلِ عَلَى وَجْهِهِ وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا لِلْمُجْتَهِدِ وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُقَلِّدِ فَبِهَذَا عُرِفَ أَنَّ مَنْ عَبَّرَ بِالظَّنِّ أَوْ الْقَطْعِ فِيمَا مَرَّ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ إلَّا الصُّورَةَ دُونَ الْحَقِيقَةِ لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِهَا لِغَيْرِ الْمُجْتَهِدِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَمَا قَبْلَهُ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا دَقِيقٌ غَامِضٌ ثُمَّ رَأَيْت مُحَقِّقَ الْحَنَفِيَّةِ الْكَمَالَ بْنَ الْهُمَامِ صَرَّحَ بِمَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته فِي كَلَامِ النَّسَفِيِّ مِنْهُمْ حَيْثُ قَالَ إنَّ أَخْذَ الْعَامِّيِّ بِمَا يَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ أَصْوَبُ أَوْلَى. وَعَلَى هَذَا إذَا اسْتَفْتَى مُجْتَهِدَيْنِ فَاخْتَلَفَا عَلَيْهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَأْخُذَ بِمَا يَمِيلُ إلَيْهِ قَلْبُهُ مِنْهُمَا وَعِنْدِي أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ بِقَوْلِ الَّذِي لَا يَمِيلُ إلَيْهِ جَازَ لِأَنَّ مَيْلَهُ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَقْلِيدُ مُجْتَهِدٍ وَقَدْ فَعَلَ. اهـ. وَقَدْ تَوَسَّعَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ

فِيمَا مَرَّ مِنْ مَنْعِ التَّقْلِيدِ فِيمَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ بِهِ فَقَالَ لَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِي تَصْحِيحِ الدَّوْرِ فِي الْمَسْأَلَةِ السُّرَيْجِيَّةِ وَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُنْقَضُ فِيهِ قَضَاءُ الْقَاضِي لِمُخَالَفَتِهِ لِلْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ. اهـ. وَمَا عَلَّلَ بِهِ مَمْنُوعٌ بَلْ كَثِيرٌ مِنْ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ يَشْهَدُ لِتَصْحِيحِ الدَّوْرِ بَلْ لَيْسَ عَلَى بُطْلَانِهِ حُجَّةٌ صَحِيحَةٌ إلَّا مَا فِيهِ مِنْ سَدِّ بَابِ الطَّلَاقِ الْمَعْلُومِ مِنْ الظَّوَاهِرِ عَدَمُ قَبُولِهِ لِلسَّدِّ وَهَذَا وَحْدَهُ غَيْرُ كَافٍ فِي مَنْعِ التَّقْلِيدِ. وَجَوَازِ النَّقْضِ فَالْوَجْهُ مَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ جَوَازِ التَّقْلِيدِ فِيهِ وَإِنَّهُ لَا عِقَابَ عَلَى مَنْ قَلَّدَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْفُرُوعَ الِاجْتِهَادِيَّةَ لَا عِقَابَ فِيهَا أَيْ لِمَنْ قَلَّدَ فِيهَا لَا مُطْلَقًا خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ وَقَوْلُ ابْنِ الصَّبَّاغِ إنَّ تَصْحِيحَهُ خَطَأٌ لَيْسَ مَذْهَبًا لِلشَّافِعِيِّ لَا يَقْتَضِي مَنْعَ تَقْلِيدِهِ لِأَنَّهُ شَخْصٌ مِنْ الْأَصْحَابِ تَفَرَّدَ بِمَقَالَةٍ بِاعْتِبَارِ مَا عِنْدَهُ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ يَقُولُ بِصِحَّتِهِ لَا سِيَّمَا وَهُمْ الْأَكْثَرُونَ عَلَى مَا فِيهِ مِمَّا بَيَّنْته فِي كِتَابِي الْأَدِلَّةُ الْمَرْضِيَّةُ عَلَى بُطْلَانِ الدَّوْرِ فِي الْمَسْأَلَةِ السُّرَيْجِيَّةِ وَقَوْلُ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَهَلْ يَسُوغُ لِلْمُفْتِي إلَخْ جَوَابُهُ نَعَمْ يَسُوغُ لَهُ الْإِفْتَاءُ بِمَذْهَبِهِ وَخِلَافِ مَذْهَبِهِ إذَا عَرَفَ مَا يُفْتِي بِهِ عَلَى وَجْهِهِ وَأَضَافَهُ إلَى الْإِمَامِ الْقَائِلِ بِهِ لِأَنَّ الْإِفْتَاءَ فِي الْعُصُرِ الْمُتَأَخِّرَةِ إنَّمَا سَبِيلُهُ النَّقْلُ. وَالرِّوَايَةُ لِانْقِطَاعِ الِاجْتِهَادِ بِسَائِرِ مَرَاتِبِهِ مِنْ مُنْذُ أَزْمِنَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ سَبِيلَ الْمُفْتِينَ الْيَوْمَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَنْقُلَ الْحُكْمَ عَنْ إمَامِهِ أَوْ غَيْرِهِ بَلْ لَوْ فُرِضَ أَنَّ شَخْصًا لَهُ قُوَّةُ اجْتِهَادِ الْفَتْوَى فِي مَذْهَبِهِ وَغَيْرِهِ جَازَ لَهُ الْإِفْتَاءُ بِمَا تَقْتَضِيه قَوَاعِدُ الْمَذْهَبَيْنِ لَكِنْ مَعَ بَيَانِ ذَلِكَ وَنِسْبَةِ كُلِّ رَأْيٍ إلَى الْإِمَامِ الْقَائِلِ بِهِ وَهَذَا هُوَ مَلْحَظُ مَا وَقَعَ لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي عَلَى مَذْهَبَيْنِ كَالْعَارِفِ الْإِمَامِ عَبْدِ الْقَادِرِ الْجِيلِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَانَ يُفْتِي عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَكَابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ قِيلَ كَانَ يُفْتِي عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -. فَإِنْ قُلْت لِمَ لَا نَقُولُ بِتَفْصِيلِ السُّبْكِيّ فِي ذَلِكَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ لِلْمُفْتِي عَلَى مَذْهَبِ إمَامٍ إذَا أَفْتَى بِكَوْنِ الشَّيْءِ وَاجِبًا أَوْ مُبَاحًا أَوْ حَرَامًا عَلَى مَذْهَبِهِ حَيْثُ يَجُوزُ لَلْمُقَلِّدِ الْإِفْتَاءُ يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ وَيُفْتِيَ بِخِلَافِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَحْضُ تَشَبُّهٍ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ مَصْلَحَةً دِينِيَّةً فَيَعُودَ إلَى مَا قَدَّمْنَاهُ. وَنَقُولُ بِجَوَازِهِ كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ أَفْتَى وَلَدَهُ فِي نَذْرِ اللَّجَاجِ بِمَذْهَبِ اللَّيْثِ وَالْخَلَاصُ بِكَفَّارَةِ يَمِينٍ وَقَالَ إنْ عُدْت لَمْ أُفْتِك إلَّا بِقَوْلِ مَالِكٍ يَعْنِي بِالْوَفَاءِ عَلَى أَنَّا حَمَلْنَا قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ هَذَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَرَى التَّخْيِيرَ فَلَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا إذَا رَآهُ مَصْلَحَةً وَالْمُقَلِّدُ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَرَ التَّخْيِيرَ إذَا قَصَدَ مَصْلَحَةً دِينِيَّةً وَأَمَّا بِالتَّشَهِّي فَلَا. اهـ. قُلْت كَلَامُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي غَيْرِ مَا قَرَّرْنَاهُ لِأَنَّهُ فِي مُنْتَقِلٍ إلَى مَذْهَبٍ غَيْرِ مَذْهَبِهِ لِيَعْتَقِدَهُ وَيُفْتِيَ بِهِ بِدَلِيلِ فَرْضِهِ لِكَلَامِهِ فِيمَنْ أَفْتَى بِحِلِّ شَيْءٍ مَثَلًا تَقْلِيدًا لِإِمَامٍ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُقَلِّدَ مَنْ قَالَ بِحُرْمَتِهِ وَيُفْتِيَ بِهِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ التَّشَهِّي. وَأَمَّا مَا قَرَّرْنَاهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي ذَلِكَ بَلْ فِي مُلْتَزِمٍ بِالنِّسْبَةِ لِعِلْمِهِ مَذْهَبًا مُعَيَّنًا ثُمَّ أَفْتَى غَيْرَهُ بِحُكْمٍ فِي مَذْهَبِ إمَامٍ آخَرَ فَلَهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا إذْ لَا تَشَهِّيَ هُنَا بِوَجْهٍ عَلَى أَنَّ مَا قَالَهُ السُّبْكِيّ إنَّمَا يَتَأَتَّى عَلَى الضَّعِيفِ أَنَّهُ يَجِبُ تَقْلِيدُ مَنْ اعْتَقَدَهُ أَفْضَلَ وَلَا يَجُوزُ الِانْتِقَالُ عَنْهُ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ أَمَّا عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ التَّخْيِيرُ مُطْلَقًا وَجَوَازِ الِانْتِقَالِ إلَى أَيِّ مَذْهَبٍ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْمُعْتَبَرَةِ وَلَوْ بِمُجَرَّدِ التَّشَهِّي مَا لَمْ يَتَتَبَّعْ الرُّخَصَ بَلْ وَإِنْ تَتَبَّعَهَا عَلَى مَا مَرَّ فَلَهُ وَإِنْ أَفْتَى بِحُكْمٍ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى خِلَافِهِ بِأَنْ يُقَلِّدَ الْقَائِلَ بِهِ وَيُفْتِيَ بِهِ مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى ذَلِكَ تَلْفِيقُ التَّقْلِيدِ الْمُسْتَلْزِمِ بُطْلَانَ تِلْكَ الصُّورَةِ بِاجْتِمَاعِ الْمَذْهَبَيْنِ بَلْ. وَإِنْ لَزِمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ عَلَى مَا اخْتَارَهُ مُحَقِّقُ الْحَنَفِيَّةِ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ وَأَطَالَ فِي الِاسْتِدْلَالِ لَهُ وَمَا نَقَلَهُ السُّبْكِيّ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُنَافِي مَا قُلْنَاهُ بَلْ وَلَا يَشْهَدُ لِمَا قَالَهُ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي الْمُقَلِّدِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ حَيْثُ يَجُوزُ لِلْمُقَلِّدِ الْإِفْتَاءُ وَابْنُ الْقَاسِمِ مُجْتَهِدٌ بِدَلِيلِ قَوْلِ السُّبْكِيّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَرَى التَّخْيِيرَ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ لِتَعْلَمَ بِهِ الرَّدَّ عَلَى مَنْ نَقَلَ كَلَامَ السُّبْكِيّ هَذَا وَاعْتَمَدَهُ وَجَعَلَهُ مُقَيِّدًا لِكَلَامٍ لَهُ آخَرَ دَالٍّ عَلَى مَا قَرَّرْته. وَهُوَ قَوْلُهُ إذَا حَكَمَ الْقَاضِي

بِقَوْلٍ ضَعِيفٍ لَمْ يَنْفُذْ لِأَنَّهُ قَاضٍ بِشَيْءٍ لَمْ يَعْلَمْهُ فَيَكُونُ فِي النَّارِ بِنَصِّ الْحَدِيثِ فَعُلِمَ أَنَّهُ مَتَى أَقْدَمَ الْقَاضِي عَلَى حُكْمٍ وَهُوَ لَا يَعْتَقِدُهُ كَانَ حُكْمًا بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَقَاضِيًا بِشَيْءٍ لَا يَعْلَمُهُ فَلَا يَحِلُّ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَعْتَقِدَ أَنَّهُ الْحَقُّ هَذَا فِي الْمُجْتَهِدِ وَكَذَا الْمُقَلِّدُ بِالنِّسْبَةِ لِلْفَتْوَى وَالْحُكْمِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِعَمَلِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَلَهُ تَقْلِيدُ الْوَجْهِ الضَّعِيفِ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الصَّلَاحِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِفْتَاءُ وَالْحُكْمُ بِالضَّعِيفِ فَإِنْ اسْتَوَى عِنْدَهُ قَوْلَانِ لِإِمَامٍ لَزِمَهُ التَّوَقُّفُ حَتَّى يَظْهَرَ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا وَإِنَّمَا يُخَيَّرُ الْمُجْتَهِدُ إذَا اسْتَوَى عِنْدَهُ أَمَارَتَانِ لِأَنَّهُ حَيْثُ اسْتَوَيَا عِنْدَهُ قَدْ يَحْصُلُ لَهُ حُكْمُ التَّخْيِيرِ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأَمَّا قَوْلَا الْإِمَامِ الْمُتَعَارِضَانِ فَيَمْتَنِعُ أَنَّ كُلًّا مَذْهَبُهُ وَنِسْبَةُ أَحَدِهِمَا إلَيْهِ عَلَى التَّعْيِينِ دُونَ الْآخَرِ تَرْجِيحٌ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ فَلَيْسَ إلَّا التَّوَقُّفُ وَلِلْحَاكِمِ الْآهِلِ لِلتَّرْجِيحِ الْحُكْمُ بِمَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ وَإِنْ خَالَفَ أَكْثَرَ أَهْلِ الْمَذْهَبِ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ وَغَيْرُهُ لَيْسَ لَهُ إلَّا اتِّبَاعُ مَا عُرِفَ تَرْجِيحُهُ فِي الْمَذْهَبِ. وَلَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ عَلَى الْآهِلِ لِلتَّرْجِيحِ الْتِزَامٌ جَازَ لَهُ الْحُكْمُ بِمَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ وَإِنْ خَرَجَ عَنْ مَذْهَبِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا شَرَطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَفْظًا أَوْ عُرْفًا وَاَلَّذِي أَقُولُهُ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ أَنَّ مَنْ أَطْلَقَ السُّلْطَانُ تَوْلِيَتَهُ لِلْقَضَاءِ يَحْكُمُ بِمَشْهُورِ مَذْهَبِهِ إنْ كَانَ مُقَلِّدًا أَوْ بِمَا يَرَاهُ إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا فَإِنْ وَلَّاهُ عَلَى مَذْهَبِ فُلَانٍ لَمْ يَتَجَاوَزْ مَشْهُورَ مَذْهَبِهِ إنْ كَانَ مُقَلِّدًا وَإِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا فِي مَذْهَبٍ فَلَهُ الْحُكْمُ بِمَا تَرَجَّحَ عِنْدَهُ بِدَلِيلٍ قَوِيٍّ وَلَيْسَ لَهُ مُجَاوَزَةُ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ مُقَلِّدًا كَانَ أَوْ مُجْتَهِدًا وَلَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ بِالشَّاذِّ الْبَعِيدِ فِي مَذْهَبِهِ جِدًّا جِدًّا وَإِنْ تَرَجَّحَ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ كَالْخَارِجِ عَنْ الْمَذْهَبِ. اهـ. حَاصِلُ كَلَامِ السُّبْكِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ تَحْقِيقٌ وَعَنْ الْغَزَالِيِّ لِلْحَاكِمِ أَنْ لَا يَحْكُمَ بِمَذْهَبِ غَيْرِ مُقَلَّدِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لِلْعَامِّيِّ تَقْلِيدَ مَنْ شَاءَ أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ وَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ مِنْ أَنَّ الْمُفْتِيَ كَالْحَاكِمِ فِيمَا ذَكَرَ إجْمَاعًا إنَّمَا هُوَ فِي مُفْتٍ مَعْرُوفٍ بِالْإِفْتَاءِ وَعَلَى مَذْهَبِ إمَامٍ فَهَذَا لَيْسَ لَهُ الْإِفْتَاءُ بِالضَّعِيفِ عِنْدَ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ وَإِنْ فُرِضَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ التَّرْجِيحِ وَتَرَجَّحَ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْأَلُ عَنْ الرَّاجِحِ فِي مَذْهَبِ ذَلِكَ الْإِمَامِ لَا عَنْ الرَّاجِحِ عِنْدَهُ وَحْدَهُ. وَلِهَذَا كَانَ الْقَفَّالُ إذَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةِ بَيْعِ الصُّبْرَةِ يَقُولُ تَسْأَلُونَنِي عَنْ مَذْهَبِي أَوْ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَتَأَمَّلْ اسْتِفْسَارَهُ الْمُسْتَفْتِيَ تَعْلَمْ أَنَّ الْمَنْعَ الَّذِي حَكَى ابْنُ الصَّلَاحِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ ذَكَرْته وَلَقَدْ سُئِلَ السُّبْكِيّ عَنْ مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْغَائِبِ فَأَفْتَى بِالصِّحَّةِ فِيهَا بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ فِيهِ فَقَالَ بَيْعُ النَّحْلِ فِي الْكِوَارَةِ وَخَارِجِهَا بَعْدَ رُؤْيَتِهِ صَحِيحٌ وَقَبْلَ رُؤْيَتِهِ يُخَرَّجُ عَلَى قَوْلَيْ بَيْعِ الْغَائِبِ وَبَيْعُ الْغَائِبِ قَدْ صَحَّحَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَأَتْبَاعُهُمْ وَمِثْلُ هَذَا لِلْفَقِيرِ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَلِأَنَّ لَهُ دَلِيلًا يُعَضِّدُهُ وَلَا يَحْتَاجُ غَالِبُ النَّاسِ إلَيْهِ فِي أَكْثَرِ الْأَمْوَالِ الَّتِي يُحْتَاجُ إلَى شِرَائِهَا مِنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَلْبُوسِ وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ خَفِيفٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْأُمُورُ إذَا ضَاقَتْ اتَّسَعَتْ وَلَا يُكَلَّفُ عُمُومُ النَّاسِ بِمَا يُكَلَّفُ بِهِ الْفَقِيهُ الْحَاذِقُ النِّحْرِيرُ. اهـ. قَالَ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ. وَقَدْ كَانَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ وَلِيُّ اللَّهِ شِهَابُ الدِّينِ أَحْمَدُ الْإِبْشِيطِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَثِيرًا مَا يُفْتِي النَّاسَ فِي الْمُحْرِمِ إذَا احْتَاجَ لِتَكْرِيرِ لُبْسِ الْمَخِيطِ بِعَدَمِ تَكَرُّرِ الْفِدْيَةِ إذَا نَوَى تَكَرُّرَ اللُّبْسِ ابْتِدَاءً تَقْلِيدًا لِمَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِمَا فِي مَذْهَبِنَا مِنْ الْمَشَقَّةِ فِي ذَلِكَ. اهـ. وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّ الْقَوْلَ بِمَنْعِ الْمُقَلِّدِ الْعَاجِزِ عَنْ التَّرْجِيحِ وَالتَّفْرِيعِ مِنْ الْإِفْتَاءِ مَحَلُّهُ إنْ ذَكَرَ ذَلِكَ عَلَى صُورَةِ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ أَمَّا إذَا أَضَافَهُ إلَى الْقَائِلِ بِهِ فَلَا مَنْعَ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا قَدَّمْته أَنَّ الْمُفْتِيَ حَيْثُ أَضَافَ مَا أَفْتَى بِهِ إلَى إمَامٍ جَازَ لَهُ الْإِفْتَاءُ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ رَاوٍ وَنَاقِلٌ فَلَا وَجْهَ لِمَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إذَا عُرِفَ بِالْإِفْتَاءِ فِي مَذْهَبٍ وَأَفْتَى بِغَيْرِهِ وَلَمْ يُسْنِدْهُ إلَى أَهْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ بِالْمُسْتَفْتِي وَإِيقَاعِهِ فِيمَا لَمْ يُرِدْهُ وَلَمْ يُحِطْ بِهِ وَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ مَا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الْعَامِّيِّ إذَا عَرَفَ حُكْمَ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بَلْ فِي الْحَقِيقَةِ ذَلِكَ الْقَيْدُ مَأْخُوذٌ مِنْ تَقْيِيدِ الرَّافِعِيِّ بِالْمَعْرِفَةِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا حَيْثُ لَا يَشُكُّ أَنَّ هَذَا مِنْ مَسَائِلِ ذَلِكَ

الْمَذْهَبِ الَّذِي يُفْتِي بِهِ وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ فَأَخْبَرَ بِهِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ الْإِفْتَاءِ فِي شَيْءٍ. وَإِنَّمَا هُوَ مَحْضُ رِوَايَةٍ وَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ فَكَذَا شَأْنُهُ فِي مَذْهَبِ غَيْرِ إمَامِهِ لِاسْتِوَاءِ الْمَذْهَبَيْنِ حِينَئِذٍ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فِي أَنَّهُ إنْ عَرَفَ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا حُكْمًا قَطْعِيًّا جَازَ لَهُ الْإِفْتَاءُ بِهِ عَلَى جِهَةِ الْإِخْبَارِ وَالرِّوَايَةِ الْمَحْضَةِ فَإِذَا لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ كَذَلِكَ امْتَنَعَ عَلَيْهِ وَبِمَا قَرَّرْته يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ الرَّوْضَةِ لَيْسَ لِلْمُفْتِي وَالْعَامِلِ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمَسْأَلَةِ ذَاتِ الْوَجْهَيْنِ أَوْ الْقَوْلَيْنِ أَنْ يُفْتِيَ أَوْ يَعْمَلَ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَلْ عَلَيْهِ فِي الْقَوْلَيْنِ أَنْ يَعْمَلَ بِالْمُتَأَخِّرِ مِنْهُمَا إنْ عَلِمَهُ وَإِلَّا فَبِاَلَّذِي رَجَّحَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَجَّحَ أَحَدَهُمَا وَلَا عَلِمَ السَّابِقَ لَزِمَهُ الْبَحْثُ عَنْ أَرْجَحِهِمَا فَيَعْمَلُ بِهِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ هَذَا كُلُّهُ فِي مُفْتٍ لِمُرِيدِ الْعَمَلِ بِالرَّاجِحِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -. أَمَّا مَنْ سَأَلَ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَسْأَلَةِ كَذَا لِيَعْرِفَ أَنَّ لَهُ وُجُودًا فَيَعْمَلَ بِهِ عِنْدَ مَنْ جَوَّزَ الْعَمَلَ بِالْقَوْلِ الضَّعِيفِ وَكَذَا الْوَجْهُ الضَّعِيفُ فَلِلْمَسْئُولِ أَنْ يُفْتِيَهُ أَنَّ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَسْأَلَةِ كَذَا قَوْلًا وَأَنَّ جَمْعًا مِنْهُمْ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ جَوَّزُوا الْعَمَلَ بِالضَّعِيفِ وَإِنْ ثَبَتَ رُجُوعُ قَائِلِهِ عَنْهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الرُّجُوعَ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ السَّابِقَ وَالْمَسْأَلَةُ طَوِيلَةُ الذَّيْلِ لَيْسَ هَذَا مَحَلَّ تَحْرِيرِهَا وَبَسْطِهَا وَقَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِنَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُقَلِّدِ أَنْ يُفْتِيَ بِمَا هُوَ مُقَلِّدٌ فِيهِ مَعْنَاهُ مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ مَا إذَا ذَكَرَهُ عَلَى صُورَةِ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ. أَمَّا مَنْ يُضِيفُهُ لِإِمَامِهِ الَّذِي قَلَّدَهُ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ قَالَ فَعَلَى هَذَا مَنْ عَهِدْنَاهُ مِنْ الْمُفْتِينَ الَّذِينَ لَيْسُوا مُفْتِينَ حَقِيقَةً لَكِنْ لَمَّا قَامُوا مَقَامَهُمْ وَأَدَّوْا عَنْهُمْ عُدُّوا مَعَهُمْ وَسَبِيلُهُمْ أَنْ يَقُولُوا هَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَذَا وَنَحْوُ هَذَا وَمَنْ تَرَكَ الْإِضَافَةَ فَقَدْ اكْتَفَى بِالْمَعْلُومِ مِنْ الْحَلَالِ وَالتَّصْرِيحِ بِهِ. اهـ. ثُمَّ رَأَيْت الْإِمَامَ مَجْدَ الدِّينِ ابْنَ الْإِمَامِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ صَرَّحَ بِمَا يُؤَيِّدُ مَا قَدَّمْته مِنْ جَوَازِ الْإِفْتَاءِ بِمَذَاهِبَ مُتَعَدِّدَةٍ عَلَى جِهَةِ الرِّوَايَةِ مَعَ بَيَانِ أَرْبَابِ تِلْكَ الْمَقَالَاتِ حَيْثُ قَالَ. وَنَقَلَهُ عَنْهُ الزَّرْكَشِيُّ وَأَقَرَّهُ تَوَقُّفُ الْفُتْيَا عَلَى حُصُولِ الْمُجْتَهِدِ يُفْضِي إلَى حَرَجٍ عَظِيمٍ أَوْ اسْتِرْسَالِ الْخَلْقِ فِي أَهَوِيَتِهِمْ فَالْمُخْتَارُ أَنَّ الرَّاوِيَ عَنْ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ إذَا كَانَ عَدْلًا مُتَمَسِّكًا مِنْ فَهْمِ كَلَامِ الْإِمَامِ ثُمَّ حَكَى لِلْمُقَلِّدِ قَوْلَهُ فَإِنَّهُ يَكْفِي لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ الْعَامِّيِّ أَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَهُ وَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فِي زَمَانِنَا عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْفُتْيَا. اهـ. وَرَأَيْت الْقَفَّالَ قَالَ بَعْضَ مَا قَدَّمْته وَخَالَفَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ. وَعِبَارَةُ الزَّرْكَشِيّ قَالَ الْجُوَيْنِيُّ مَنْ حَفِظَ نُصُوصَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَقْوَالَ النَّاسِ بِأَسْرِهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ حَقَائِقَهَا وَمَعَانِيَهَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ وَيَقِيسَ وَلَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْفَتْوَى وَلَوْ أَفْتَى بِهِ لَا يَجُوزُ وَكَانَ الْقَفَّالُ يَقُولُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَ يَحْكِي مَذْهَبَ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ لَهُ أَيْ الْمُسْتَفْتِي كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ تَقْلِيدَ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ وَقَوْلُهُ وَلِهَذَا كَانَ أَحْيَانًا يَقُولُ لَوْ اجْتَهَدْت فَأَدَّى اجْتِهَادِي إلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَأَقُولُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ كَذَا وَلَكِنِّي أَقُولُ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ جَاءَ لِيَعْلَمَ وَيَسْتَفْتِيَ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فَلَا بُدَّ أَنْ أُعَرِّفَهُ بِأَنِّي أُفْتِي بِغَيْرِهِ. قَالَ الْجُوَيْنِيُّ وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَاخْتَارَ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ خِلَافَهُ وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَدُلُّ عَلَيْهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِمَعَانِيهِ فَيَكُونَ حَاكِيًا مَذْهَبَ الْغَيْرِ وَالْغَيْرُ مَيِّتٌ لَا يَلْزَمُهُ الْقَبُولُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا وَأَخْبَرَهُ عَنْهُ بِفَتْوَاهُ أَوْ مَذْهَبِهِ فِي زَمَانٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَهُ وَيَقْبَلَهُ كَمَا أَنَّ اجْتِهَادَ الْمُفْتِي يَتَغَيَّرُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَلِهَذَا قُلْنَا إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِعَامِّيٍّ أَنْ يَعْمَلَ بِفَتْوَى مُفْتٍ لِعَامِّيٍّ مِثْلِهِ فَإِنْ قُلْت أَلَيْسَ خِلَافُهُ لَا يَمُوتُ بِمَوْتِهِ فَدَلَّ عَلَى بَقَاءِ مَذْهَبِهِ قُلْنَا كَمَا زَعَمْتُمْ لَكِنَّ هَذَا الرَّجُلَ لَمْ يُقَلِّدْهُ إنَّمَا يُقَلِّدُ قَوْلَ هَذَا الرَّجُلِ الْأَمْرُ فِيهِ كَيْتَ وَكَيْتَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَصَادِرِهِ وَمَوَارِدِهِ. وَيَدُلُّ عَلَى فَسَادِ مَا قَالَهُ أَيْ الْقَفَّالُ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ فَتْوَاهُ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ مَعْنَاهُ لَجَازَ لِلْعَامِّيِّ الَّذِي جَمَعَ فَتَاوَى الْمُفْتِينَ أَنْ يُفْتِيَ وَيَلْزَمَهُ مِثْلُهُ وَلَجَازَ أَنْ يَقُولَ هُوَ مُقَلِّدٌ صَاحِبَ الْمَقَالَةِ وَلَكِنْ

اتَّفَقَ الْقَائِلُونَ بِهِ عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ هَذَا أَمَّا إذَا أَفْتَى بِمَذْهَبِ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ مُتَبَحِّرًا فِيهِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا قَالَ وَكَانَ ابْنُ سُرَيْجٍ يُفْتِي أَحْيَانًا بِمَذْهَبِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَانُوا يَأْتُونَهُ بِمَسَائِلَ يَسْأَلُونَهُ تَخْرِيجَهَا عَلَى أَصْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَيُخَرِّجُهَا عَلَى أَصْلِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يَجُوزُ لَهُ وَإِلَّا فَيَمْتَنِعُ وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ كَانَ فِي مَذْهَبِ نَفْسِهِ لَا يَعْرِفُ إلَّا يَسِيرًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ اهـ. وَإِذَا تَأَمَّلْت فِي هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ وَشَنَّعَ بِهِ عَلَى الْقَفَّالِ وَأَطَالَ فِيهِ عَلِمْت أَنَّهُمَا لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ كَلَامَ الْقَفَّالِ فِيمَنْ يَرْوِي لِمُسْتَفْتِيهِ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ مَذْهَبَهُ كَذَا لَا مِنْ حَيْثُ اسْتِنْبَاطُهُ هُوَ وَلَا مِنْ حَيْثُ فَهْمُهُ لَهُ مِنْ كَلَامِهِ وَإِنَّمَا هُوَ نَاقِلُهُ عَنْ أَئِمَّةِ مَذْهَبِهِ الْعَارِفِينَ وَالْمُتَبَحِّرِينَ فِيهِ وَإِذَا حُمِلَ كَلَامُ الْقَفَّالِ عَلَى هَذَا لَمْ يَرِدْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ لِأَنَّ كَلَامَهُ فِيمَنْ يُفْتِي عَلَى مَذْهَبِ غَيْرِ إمَامِهِ اسْتِنْبَاطًا فَلَا بُدَّ مِنْ تَبَحُّرِهِ فِي ذَلِكَ الْمَذْهَبِ كَمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يُفْتِيَ فِي مَذْهَبِهِ كَذَلِكَ وَكَلَامُ الْجُوَيْنِيِّ وَحِكَايَتُهُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ مَا صَرَّحَ بِهِ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته فَتَدَبَّرْهُ. فَإِنَّ هَذَا الْمَقَامَ قَدْ يُشْكِلُ وَيُظَنُّ أَنَّ الْقَفَّالَ وَالْجُوَيْنِيَّ تَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ كَمَا بَيَّنْته وَحَقَّقْته ثُمَّ رَأَيْت لِبَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ مَا يُصَرِّحُ بِمَا ذَكَرْته وَهُوَ قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُفْتِي أَنْ يُفْتِيَ بِحِكَايَةِ قَوْلِ غَيْرِهِ إلَّا إذَا سُئِلَ عَنْ حِكَايَةِ قَوْلِ غَيْرِهِ لَا مُطْلَقًا وَإِلَّا لَجَازَ لِلْعَامِّيِّ أَنْ يُفْتِيَ بِمَا فِي كُتُبِ الْفُقَهَاءِ. اهـ. فَقَوْلُهُ إلَّا إلَخْ مُصَرِّحٌ بِمَا ذَكَرْته وَقَوْلُهُ وَإِلَّا إلَخْ مَحَلُّهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ مَا إذَا كَانَ يُفْتِي بِمَا فِي كُتُبِ الْفُقَهَاءِ لَا مَعَ بَيَانِهِ بَلْ عَلَى صُورَةِ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ وَعَلَى مَا تَقَرَّرَ يُحْمَلُ أَيْضًا قَوْلُ الْأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُورٍ الْمُوَافِقُ لِمَا مَرَّ عَنْ الْجُوَيْنِيِّ لَا يَجُوزُ لِلْعَالِمِ أَنْ يُفْتِيَ بِقَوْلِ بَعْضِ السَّلَفِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ عِلَّتَهُ خِلَافًا لِأَصْحَابِ الرَّأْيِ ثُمَّ قَوْلُ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ حَتَّى تَوَهَّمَ بَعْضُ الْمُتَفَقِّهَةِ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّ مَا تَوَهَّمَهُ حَقٌّ إنْ أُرِيدَ أَنَّا نَعْتَقِدُ خَطَأَهُ وَبُطْلَانَ صَلَاتِهِ مِنْ سَائِرِ الْوُجُوهِ. وَلَا قَائِلَ بِهَذَا لِأَنَّا إنْ قُلْنَا إنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ فَوَاضِحٌ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْمُصِيبَ لِلْحَقِّ الَّذِي عِنْدَ اللَّه تَعَالَى وَفِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَاحِدٌ مُبْهَمٌ فَكَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُكَلَّفُوا إصَابَةَ ذَلِكَ إلَّا بِحَسَبِ ظُنُونِهِمْ فَحَسْبُ وَكُلٌّ مِنْهُمْ مُصِيبٌ لَهُ بِحَسَبِ ظَنِّهِ فَهُوَ عَلَى هُدًى مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ. وَإِنْ فُرِضَ خَطَؤُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْخَطَإِ الْمَرْفُوعِ بَلْ مَعَ ذَلِكَ هُوَ مُثَابٌ مَأْجُورٌ لَكِنْ عَلَى اجْتِهَادِهِ وَقَصْدِهِ الْحَقَّ فَقَطْ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَإِنْ سُئِلْتَ عَنْ صَلَاةِ مُخَالِفٍ فِيهَا مُبْطِلٌ يَرَاهُ مُقَلَّدُك دُونَ مُقَلَّدِهِ فَلَا يَسَعُك أَنْ تُطْلِقَ الْقَوْلَ بِأَنَّهَا بَاطِلَةٌ إلَّا مَعَ إرَادَتِك أَوْ تَصْرِيحِك بِأَنَّ بُطْلَانَهَا إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِاعْتِقَادِ مُقَلَّدِك فَمُقَلِّدُوهُ لَوْ فَعَلُوهَا كَانُوا آتِينَ بِصَلَاةٍ بَاطِلَةٍ فَيُعَامَلُونَ بِأَحْكَامِهَا مِنْ نَحْوِ الْفِسْقِ وَالتَّعْزِيرِ وَغَيْرِهِمَا وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِاعْتِقَادِ غَيْرِهِ فَهِيَ صَحِيحَةٌ فَمُقَلِّدُوهُ آتُونَ بِصَلَاةٍ صَحِيحَةٍ فِي الثَّوَابِ وَالْعَدَالَةِ وَغَيْرِهِمَا فَاخْتِلَافُ الْأَحْكَامِ فِي ذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ الَّتِي لَا يُطْلَقُ الْقَوْلُ فِيهَا بِشَيْءٍ وَاحِدٍ بَلْ يَجِبُ رِعَايَةُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ النِّسَبِ وَالْإِضَافَاتِ وَلَا بِدْعَ فِي كَوْنِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ تَخْتَلِفُ أَحْكَامُهُ بِاعْتِبَارِ مَحَالِّهِ وَجِهَاتِهِ وَإِضَافَاتِهِ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلِاعْتِقَادَاتِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِمَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَذَلِكَ غَيْبٌ عَنَّا لَا يَنْكَشِفُ لَنَا إلَّا فِي الْآخِرَةِ. إذْ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَتَبِعُوهُ أَنَّ مَنْ صَلَّى صَلَاةً بَاطِلَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ. وَصَحِيحَةً فِي اعْتِقَادِهِ لَا يُثَابُ إلَّا عَلَى نَحْوِ أَذْكَارِهَا مِمَّا لَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى الصَّلَاةِ كَقَصْدِهِ لَهَا وَسَعْيِهِ فِي حُصُولِهَا وَأَمَّا عَلَى الصَّلَاةِ نَفْسِهَا فَلَا يُثَابُ نَعَمْ إنْ قُلْنَا كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ فَيَنْبَغِي أَنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهَا مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَفِي كَلَامِ الْبَغَوِيِّ شَيْءٌ ذَكَرْته فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَغَيْرِهِ فَرَاجِعْهُ وَالْمَسْأَلَةُ تَحْتَمِلُ بَسْطًا طَوِيلًا لَكِنْ ضَاقَ الْمَحَلُّ عَنْ اسْتِيفَائِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الْمَعْصِيَةِ الْكَبِيرَةِ الْقَلْبِيَّةِ إذَا عَلِمَ الْإِنْسَانُ أَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِهَا هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى الْوِلَايَاتِ وَالشَّهَادَاتِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ إنَّ مَنْ ارْتَكَبَ فِسْقًا بَاطِنًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَوْ مُخْتَلَفًا فِيهِ وَهُوَ مُقَلِّدٌ لِلْقَائِلِ بِأَنَّهُ فِسْقٌ لَا يَجُوزُ لَهُ

أَنْ يَتَوَلَّى وِلَايَةً شَرْطُهَا الْعَدَالَةُ لِأَنَّهُ يُوقِعُ نَفْسَهُ فِي وَرَطَاتِ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ وَالْقَضَايَا الْبَاطِلَةِ وَيَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ مِنْ غَوَائِلِ تِلْكَ الْقَبَائِحِ وَمُهْلِكَاتِهَا مَا يَعْجِزُ عَنْ حَمْلِ مِعْشَارِ عُشْرِهَا وَأَمَّا الشَّهَادَاتُ فَإِنْ عَلِمَ شَيْئًا عِلْمًا يَقِينِيًّا وَلَمْ يَطَّلِعْ أَحَدٌ عَلَى فِسْقِهِ فَلَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ بَيْنَ يَدَيْ حَاكِمٍ مُوَافِقٍ لَهُ فِي الْمَذْهَبِ أَوْ مُخَالِفٍ لِأَنَّ الْقَصْدَ حِينَئِذٍ تَخْلِيصُ الْحَقِّ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْحَقِّ وَبِشَهَادَتِهِ الْمُوَافِقَةِ لِلْوَاقِعِ يَحْصُلُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ أَصْلًا فَاتَّضَحَ جَوَازُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِامْتِنَاعِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَخْذُ رِزْقٍ مِنْ الْخَصْمَيْنِ وَمِمَّا يَتَوَلَّى مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالْأَوْقَافِ أَمْ لَا فَإِنْ جَازَ فَبِكَمْ يُقَدَّرُ الْمَأْخُوذُ وَهَلْ يُقَيَّدُ جَوَازُ الْأَخْذِ فِي الصُّورَتَيْنِ بِشَرْطٍ وَمَا قَوْلُكُمْ فِيمَا جَرَى عَادَةً فِي قُطْرِنَا وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ بَيْتُ الْمَالِ مِنْ أَنَّهُ يَجْتَمِعُ وُجُوهُ أَهْلِ وِلَايَةِ قَاضٍ فَقِيرٍ وَيَقُولُونَ كُلُّ مَنْ يَشْتَرِي فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ مَتَاعًا مِنْ أَنْوَاعِ كَذَا أَوْ يَجْلِبَ إلَيْهِ مَتَاعًا مِنْ أَنْوَاعِ كَذَا أَوْ يَنْقُلُ مِنْهُ مَتَاعًا مِنْ أَنْوَاعِ كَذَا أَوْ يُمِرُّ بِهِ مَتَاعًا مِنْ أَنْوَاعِ كَذَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَهْلِ وِلَايَتِهِ وَغَيْرِ أَهْلِ وِلَايَتِهِ فَلْيَدْفَعْ إلَى الْقَاضِي مِقْدَارَ كَذَا مِنْ الْمَتَاعِ مِقْدَارَ كَذَا مِنْ الْمَالِ رِزْقًا لَهُ هَلْ يَجُوزُ لَهُمْ تَقْدِيرُ رِزْقِ الْقَاضِي عَلَى الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَهَلْ يَحِلُّ لَهُ بِتَقْدِيرِهِمْ هَذَا أَخْذُ الْمَالِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَعَ أَنَّ الدَّافِعَ لَا يَدْفَعُ لَهُ غَالِبًا إلَّا بِالطَّلَبِ أَوْ الْإِلْحَاحِ مَعَهُ أَوْ خَشْيَةَ مَنْعِ نَقْلِ الْمَتَاعِ مِنْ مَحَلِّ الْوِلَايَةِ أَوْ تَعْطِيلِ الْقَاضِي النَّظَرَ فِي الْقَضَايَا أَوْ تَأْخِيرِهِ الْخُطْبَةَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ لَوْ لَمْ يَدْفَعْ وَرُبَّمَا يَدْفَعُ بَعْدَ الْمَنْعِ أَوْ التَّعْطِيلِ أَوْ التَّأْخِيرِ فَإِنْ لَمْ يَحِلَّ فَمِنْ أَيْنَ يَأْخُذُ رِزْقَهُ وَقَدْ شَغَلَهُ النَّظَرُ فِي الْقَضَايَا عَنْ الْكَسْبِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ لَائِقٌ وَلَمْ يَكْفِهِ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْخَصْمَيْنِ وَمِمَّا يَتَوَلَّاهُ مِنْ الْأَمْوَالِ إنْ جَازَ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ. (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَأْخُذَ رِزْقًا مِنْ خَالِصِ مَالِ الْأَيْتَامِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْآحَادِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا خُصُومَةٌ عِنْدَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ يُورِثُ فِيهِ رِيبَةً وَمَيْلًا وَفَارَقَ الْمُفْتِيَ بِأَنَّ الْقَاضِيَ أَجْدَرُ بِالِاحْتِيَاطِ مِنْهُ وَأَمَّا الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَصَرَّحَ هُنَا بِمَا ذُكِرَ وَفِي الْكَلَامِ عَلَى الرِّشْوَةِ بِجَوَازِ الْأَخْذِ قِيلَ وَهُوَ تَنَاقُضٌ وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَنْعَ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَنِيِّ وَالْجَوَازَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُحْتَاجِ نَعَمْ لِمَنْ لَا رِزْقَ لَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلَا فِي غَيْرِهِ وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِلْقَضَاءِ وَكَانَ عَمَلُهُ مِمَّا يُقَابَلُ بِالْأُجْرَةِ أَنْ يَقُولَ لِلْخَصْمَيْنِ لَا أَحْكُمُ بَيْنَكُمَا إلَّا بِأُجْرَةٍ أَوْ رِزْقٍ فَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَالْجُرْجَانِيِّ وَالرُّويَانِيِّ لَكِنَّ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الزَّرْكَشِيُّ تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ أَنَّ هَذِهِ مَقَالَةٌ ضَعِيفَةٌ وَأَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ تَحْرِيمُ ذَلِكَ أَيْضًا وَبِهِ جَزَمَ شُرَيْحٌ الرُّويَانِيُّ فِي رَوْضَتِهِ، وَجَعَلَ الْأَوَّلَ وَجْهًا ضَعِيفًا قَالَ شَيْخُنَا زَكَرِيَّا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ وَالثَّانِي أَحْوَطُ وَشَرَطَ الْمَاوَرْدِيُّ لِجَوَازِ أَخْذِهِ رِزْقًا مِنْ الْخَصْمَيْنِ عَشَرَةَ شُرُوطٍ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا ثَانِيهَا أَنْ يَقْطَعَهُ النَّظَرُ فِي الْقَضَاءِ عَنْ كَسْبِهِ ثَالِثُهَا أَنْ يَكُونَ أَجْرُهُ عَلَى الْخَصْمَيْنِ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ أَوْ الْأَكْثَرَ مِنْ أَحَدِهِمَا تَطَرَّقَتْ إلَيْهِ التُّهْمَةُ وَالرِّيبَةُ رَابِعُهَا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ السُّلْطَانُ فِي الْأَخْذِ مِنْهُمَا فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْأَخْذُ خَامِسُهَا: أَنْ لَا يُوجَدَ مُتَطَوِّعٌ بِالْقَضَاءِ فَإِنْ وُجِدَ امْتَنَعَ عَلَى هَذَا الْأَخْذُ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ سَادِسُهَا أَنْ يَعْجِزَ الْإِمَامُ عَنْ الْقِيَامِ بِرِزْقِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَمَتَى أَمْكَنَ الْإِمَامَ الْقِيَامُ بِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْخَصْمَيْنِ شَيْئًا سَابِعُهَا أَنْ يَكُونَ مَا يَأْخُذُهُ غَيْرَ مُضِرٍّ بِالْخَصْمَيْنِ فَمَتَى أَضَرَّ بِهِمَا الْمَأْخُوذُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمَا شَيْئًا ثَامِنُهَا أَنْ يَكُونَ الْمَأْخُوذُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ النَّاجِزَةِ حَالَ الْحُكُومَةِ فِيمَا يَظْهَرُ. وَقَالَ غَيْرُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى أُجْرَةِ عَمَلِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا شَرْطٌ. اهـ. وَمُرَادُهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَخْذِ الْأَقَلِّ مِنْهُمَا فَإِنْ كَانَتْ أُجْرَةُ عَمَلِهِ أَقَلَّ وَيَحْتَاجُ لِأَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُ الزَّائِدِ عَلَى أُجْرَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ حَاجَتُهُ أَقَلَّ وَأُجْرَتُهُ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُ الزَّائِدِ عَلَى حَاجَتِهِ تَاسِعُهَا أَنْ يَعْلَمَ الْخَصْمَانِ قَبْلَ

التَّحَاكُمِ إلَيْهِ أَنَّ مِنْ عَادَتِهِ الْأَخْذَ مِنْ الْخُصُومِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْحُكْمِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمَا وَلَا مِنْ أَحَدِهِمَا شَيْئًا عَاشِرُهَا أَنْ يَكُونَ قَدْرُ الْمَأْخُوذِ مَعْلُومًا يَتَسَاوَى فِيهِ جَمِيعُ الْخُصُومِ وَإِنْ تَفَاضَلُوا فِي الْمَطَالِبِ فَإِنْ فَاضَلَ بَيْنَهُمْ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَتَفَاضَلُوا فِي الزَّمَانِ قَالَ أَعْنِي الْمَاوَرْدِيُّ وَفِي هَذَا مَعَرَّةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَيْ حَيْثُ أَحْوَجُوا الْقَاضِيَ إلَى الْأَخْذِ مِنْ الْخَصْمَيْنِ وَلَمْ يَرْزُقْهُ إمَامُهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ يَرْزُقُوهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ أَيْ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الرَّافِعِيِّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِنْ جَازَ ذَلِكَ فِي الضَّرُورَةِ فَوَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمُسْلِمِينَ أَنْ يُزَالَ هَذَا إنْ أَمْكَنَ إمَّا بِأَنْ يَتَطَوَّعَ بِالْقَضَاءِ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِهِ وَإِمَّا بِأَنْ يُقَامَ لِهَذَا بِالْكِفَايَةِ لِأَنَّهُ مِنْ الْفُرُوضِ فَلَوْ اجْتَمَعَ أَهْلُ الْبَلَدِ عِنْدَ إعْوَازِ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى أَنْ يَجْعَلُوا لِلْقَاضِي رِزْقًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ جَازَ وَكَانَ أَوْلَى مِنْ أَخْذِهِ مِنْ الْخُصُومِ. اهـ. وَإِذَا تَأَمَّلْت مَا تَقَرَّرَ عَلِمْت أَنَّ جَوَازَ أَخْذِ الْقَاضِي مِنْ الْخَصْمَيْنِ إنَّمَا هُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ عَنْ شُرَيْحٍ وَاعْتَمَدَهُ السُّبْكِيّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَمَعَ كَوْنِهِ وَجْهًا مَرْجُوحًا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تِلْكَ الشُّرُوطِ الْكَثِيرَةِ الْمَشَقَّةِ فَمَنْ أَرَادَ الْبَرَاءَةَ لِدِينِهِ وَالْخُلُوصَ مِنْ وَرْطَةِ هَذَا الْخِلَافِ وَهَذِهِ التَّشْدِيدَاتِ الْعَظِيمَةِ فَلْيَتْرُكْ الْقَضَاءَ أَوْ يَتَطَوَّعْ بِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَرْزُقُهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ كَمَا أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ الَّذِي لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2] {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 3] وَأَمَّا مَنْ يَتَوَلَّى الْقَضَاءَ لِيَتَأَثَّلَ بِهِ الْأَمْوَالَ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا فَهُوَ الَّذِي أُخْبِرَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ فِي النَّارِ وَبِأَنَّهُ «ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَائِبِ وَالْمَعَائِبِ الَّتِي تَلْحَقُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] وَأَمَّا أَخْذُ الْقَاضِي مِنْ أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ وَالْأَوْقَافِ الَّتِي لَمْ يُشْتَرَطْ لَهُ فِيهَا شَيْءٌ فَمَشْهُورٌ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ حَرَامٌ مُطْلَقًا وَمِنْ ثَمَّ أَسْقَطَ حِكَايَةَ حِلِّ ذَلِكَ مِنْ الرَّوْضَةِ مَعَ أَنَّهُ فِي أَصْلِهَا فَإِنَّهُ نَقَلَ أَنَّ ابْنَ كَجٍّ حَكَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ عُشْرَ مَا يَتَوَلَّاهُ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالْوَقْفِ لِلضَّرُورَةِ قَالَ ثُمَّ بَالَغَ ابْنُ كَجٍّ فِي إنْكَارِ هَذَا الْمَحْكِيِّ. وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَعَلَى هَذَا الْمَحْكِيِّ فَذِكْرُ الْعُشْرِ تَمْثِيلٌ وَتَقْرِيبٌ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النَّظَرِ إلَى كِفَايَتِهِ وَقَدْرِ الْمَالِ وَالْعَمَلِ وَمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي الْقُطْرِ الْمَذْكُورِ فِي السُّؤَالِ فَهُوَ شَبِيهٌ بِالْمَكْسِ بَلْ هُوَ عَيْنُهُ فَإِذَا أَخَذَ الْقَاضِي مِنْهُ شَيْئًا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ فَهُوَ مَكَّاسٍ لَا قَاضٍ وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ وَبَعِيدٌ مَا بَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ مَرْتَبَةِ الْقَضَاءِ الَّتِي هِيَ أَجَلُّ الْمَرَاتِبِ الدِّينِيَّةِ بَعْدَ الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى، وَمَرْتَبَةِ أَخْذِ الْمَكْسِ الَّتِي هِيَ أَسْفَلُ الْقَبَائِحِ وَأَشْنَعُ الْخِصَالِ وَأَبْشَعُ الْفِعَالِ وَأَقْرَبُ أَنْوَاعِ الْفِسْقِ إلَى الْكُفْرِ لِأَنَّ أَهْلَهَا كَثِيرًا مَا يَقَعُونَ فِي الْكُفْرِ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ مِنْهُمْ فَعَلَى الْقَاضِي الدَّيِّنِ الْمُوَفَّقِ الْخَائِفِ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسَطْوَةِ عَذَابِهِ وَأَلِيمِ عِقَابِهِ وَنَارِ غَضَبِهِ وَقَطِيعَةِ هَجْرِهِ أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا مُطْلَقًا لِأَنَّهُ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَإِذَا كَانَ حَرَامًا كَذَلِكَ فَكَيْفَ يَسُوغُ لِلْقَاضِي أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ تَرْكُهُ وَالتَّوْبَةُ الصَّحِيحَةُ مِمَّا أَخَذَهُ قَبْلُ وَإِلَّا فَلْيَسْتَعِدَّ لِجَوَابِ ذَلِكَ غَدًا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حِينَ {لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} [الدخان: 41] جَعَلَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْ الْأَغْنِيَاءِ بِهِ وَوَفَّقَنَا لِمَا يُنْجِينَا مِنْ كُلِّ فِتْنَةٍ وَمِحْنَةٍ وَشَرٍّ آمِينَ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا لَفْظُهُ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الثُّبُوتِ الْمُجَرَّدِ وَغَيْرِهِ فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ وَمَا فَائِدَتُهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ الْمُجَرَّدِ وَغَيْرِهِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ بِقَوْلِهِ مَعْنَى الثُّبُوتِ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ وَثُبُوتُ عَدَالَتِهَا عِنْدَهُ ثُمَّ إنْ لَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ حُكْمٌ بِالْمُدَّعَى سُمِّيَ ثُبُوتًا مُجَرَّدًا وَفَائِدَتُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ الرُّجُوعُ عَنْ شَهَادَتِهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا وَثُبُوتُ عَدَالَتِهَا عِنْدَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ الْقَاضِي غَيْرُ عَدَالَتِهِ بِخِلَافِ نَفْيِ الْعَدَاوَةِ وَالتُّهْمَةِ وَنَحْوِهِمَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ، وَإِنْ انْضَمَّ إلَيْهِ حُكْمٌ بِالْمُدَّعَى سُمِّيَ ثُبُوتًا غَيْرَ مُجَرَّدٍ وَمِنْ فَوَائِدِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ يَجُوزُ نَقْلُ الْحُكْمِ وَلَوْ فِي الْبَلَدِ بِخِلَافِ الثُّبُوتِ وَمَعْنَى الثُّبُوتِ فِي الْفَاسِدِ أَنَّهُ إذَا أَرَادَ الْحَاكِمُ إبْطَالَ عَقْدٍ اُشْتُرِطَ ثُبُوتُهُ

عِنْدَهُ حَتَّى يُمْكِنَهُ الْحُكْمُ بِفَسَادِهِ وَإِذَا أَرَادَ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ عَقْدٍ احْتَاجَ لِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَوْ بِمُوجَبِهِ احْتَاجَ لِشَيْئَيْنِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهِ وَهَذَا يُسَمَّى حُكْمًا مُجَرَّدًا أَيْ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ قَاضٍ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَالْمَحْكُومُ بِهِ كَالْعَقَارِ وَعَلَيْهِ وَلَهُ خَارِجُونَ عَنْ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَهَلْ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ حِينَئِذٍ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْقُوتِ وَالْأَزْرَقِ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ فِي بَابِ الْفَلَسِ أَوْ لَا كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْجَوَاهِرِ وَالْأَصْفُونِيِّ وَأَفْتَى بِهِ ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ. (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْغَائِبُ بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَالْعَقَارُ كَذَلِكَ فَيَبِيعُهُ فِي دَيْنِ مُدَّعٍ حَضَرَ إنْ عَرَفَهُ وَإِلَّا أَنَابَ مَنْ يَبِيعُهُ عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ فِيهِ كَمَا قَالَهُ التَّاجُ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ بِهِ دُونَ الْغَائِبِ قَضَى كَمَا صَرَّحُوا بِهِ. وَإِنْ كَانَ الْغَائِبُ بِهِ دُونَ الْمَالِ قَضَى أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيّ قِيلَ وَهُوَ الْحَقُّ لَا مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَمَفْهُومُ كَلَامِ الْإِرْشَادِ يُوَافِقُ الْأَوَّلَ فَإِنَّهُ قَالَ وَلَوْ مِنْ مَالِ غَائِبٍ بِالْإِضَافَةِ أَيْ يُقْضَى مِنْ مَالِ الْغَائِبِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَالُ الْمَقْضِيِّ مِنْهُ بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ أَمْ لَا وَأَخَذَ بَعْضُهُمْ بِعُمُومِهِ فَقَالَ يَجُوزُ قَضَاؤُهُ بِبَيْعِ مَالِ غَائِبٍ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَإِنْ خَرَجَ الْمَالُ عَنْهُ أَيْضًا وَاسْتَشْهَدَ لِذَلِكَ. بِأَنَّهُ يُقْضَى بِالْعَقَارِ الْغَائِبِ الْمُعَيَّنِ لِلْمُدَّعِي عَلَى غَائِبٍ. اهـ. وَرُدَّ بِأَنَّ الْحَقَّ مَا قَالَهُ السُّبْكِيّ كَمَا تَقَرَّرَ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقَضَاءِ بِالْعَقَارِ الْمُعَيَّنِ تَصَرُّفٌ فِيمَا لَيْسَ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ بِخِلَافِ بَيْعِ الْعَقَارِ الَّذِي لَيْسَ بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ فَإِنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي شَيْءٍ بِبَلَدٍ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهَا وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى شَيْءٍ لَيْسَ بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الْخَصْمِ الْغَائِبِ بِوِلَايَةِ الْقَاضِي هَلْ يُحْضِرُهُ مُطْلَقًا أَوْ فِيهِ تَفْصِيلٌ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ فِيهِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى بِمَحَلِّ وِلَايَةِ الْقَاضِي وَثَمَّ مَنْ يَتَوَسَّطُ بَيْنَهُمَا لَمْ يُحْضِرْهُ وَإِلَّا أَحْضَرَهُ عَلَى الْمَنْقُولِ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الرَّوْضَةِ. وَأَصْلِهَا وَفِي الْمُحَرَّرِ وَالْمِنْهَاجِ أَنَّهُ تُسْمَعُ الدَّعْوَى لِمَا فِي تَكْلِيفِهِ الْحُضُورَ مِنْ الْمَشَقَّةِ. بَلْ قَدْ تَبْعُدُ الْمَسَافَةُ فَيَحْتَاجُ لِمُؤَنِ الْحُضُورِ أَضْعَافَ قِيمَةِ الْمُدَّعَى بِهِ وَمِنْ ثَمَّ مَالَ إلَيْهِ السُّبْكِيّ وَأَشَارَ الْبُلْقِينِيُّ إلَى الْجَمْعِ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ فَيُحْضِرَهُ وَإِنْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ وَإِلَّا ضَاعَ حَقُّ الْمُدَّعِي. وَالثَّانِي عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَائِبٌ وَيُحْكَمُ وَيُكْتَبُ إلَى أَهْلِ السَّتْرِ وَهُمْ الرُّؤَسَاءُ وَأَهْلُ الْمَكَارِمِ لِيُلْزِمُوا الْخَصْمَ الْمُدَّعَى بِهِ. وَإِنْ كَانَ دُونَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى وَثَمَّ نَحْوُ قَاضٍ حَرُمَ إحْضَارُهُ مِنْ غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَطَرِيقُهُ أَنْ تُسْمَعَ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ وَيُحْكَمَ وَلَوْ مَعَ قُرْبِ الْمَسَافَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَيُنْهِيَهُ لِقَاضِي بَلَدِ الْخَصْمِ لِيُلْزِمَهُ بِذَلِكَ فَإِنْ كَانَ بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَثَمَّ نَائِبٌ فَمَفْهُومُ الْإِرْشَادِ وُجُوبُ إحْضَارِهِ كَمَا إذَا كَانَ بِالْبَلَدِ وَمَفْهُومُ الْحَاوِي وَالتَّنْبِيهِ أَنَّهُ لَا يُحْضِرُهُ لِاسْتِغْنَائِهِ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَالْحُكْمِ ثُمَّ الْإِنْهَاءُ إلَى نَائِبِهِ لِإِلْزَامِ الْخَصْمِ، وَرُجِّحَ لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى إحْضَارِهِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ الْخَصْمِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ الَّذِي أَفْتَى بِهِ الْكَمَالُ الرَّدَّادُ الصِّدِّيقِيُّ شَارِحُ الْإِرْشَادِ الْقَبُولُ فِي الْجَرْحِ وَمِثْلُهُ التَّعْدِيلُ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِمْ لَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ وَلَا يُحْكَمُ بِغَيْرِ حُضُورِهِ إلَّا لِتَوَارِيهِ أَوْ تَعَزُّزِهِ بِتَعْلِيلِهِمْ اشْتِرَاطَ الْحُضُورِ بِأَنَّهُ رُبَّمَا طَعَنَ أَوْ امْتَنَعُوا مِنْ الْكَذِبِ عَلَيْهِ لِحَيَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ وَبِأَنَّ غَيْرَهُ أَفْتَى بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْحَاضِرِ بِالْبَلَدِ مَجْلِسَ الْحَاكِمِ بِالتَّزْكِيَةِ وَانْتَصَرَ لِلْكَمَالِ بَعْضُ تَلَامِذَتِهِ بِأَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ حَقًّا مُؤَكَّدًا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلِهَذَا تُسْمَعُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ خَصْمٍ فِيهِمَا لِمَا فِيهِمَا مِنْ الْحَقِّ الْمُؤَكَّدِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هَكَذَا صَرَّحُوا بِهِ وَهُوَ شَاهِدٌ قَوِيٌّ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ مَعَ الْغَيْبَةِ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا أَمْرَ التَّزْكِيَةِ وَالْجَرْحِ إلَى الْقَاضِي فَيَحْكُمُ فِيهِمَا بِعِلْمِهِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ عَنْهُمْ لِأَنَّهُ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ مُؤَكَّدٌ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. اهـ. عَلَى أَنَّهُ وَإِنْ وَقَعَ جَرْحٌ أَوْ تَعْدِيلٌ فِي غَيْبَتِهِ هُوَ مُتَمَكَّنٌ مِنْ

تَدَارُكِهِ بِإِقَامَةِ مَا يُبْطِلُهُ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ يُمْكِنُ حِيلَةٌ يُتَوَصَّلُ بِهَا إلَى التَّسْجِيلِ وَالْحَالُ أَنَّ الْعَيْنَ الْمَحْكُومَ بِهَا فِي يَدِ الْمُدَّعِي وَمَا الْفَائِدَةُ فِي الْمُسَجَّلِ لَهُ بِذَلِكَ وَهَلْ الْحِيلَةُ بِذَلِكَ تُفِيدُ بَيْنَ يَدَيْ مَنْ لَيْسَتْ الْعَيْنُ بِمَحَلِّ وِلَايَتِهِ وَهَلْ الثُّبُوتُ غَيْرُ الْكِتَابِ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ فِيمَا لَا يُؤْمَنُ اشْتِبَاهُهُ أَمْ الثُّبُوتُ هُوَ نَفْسُ السَّمَاعِ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ كَمَا فِي أَوَائِلِ أَدَبِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلدَّعْوَى إلَّا وُجُودُ صُورَتِهَا ظَاهِرًا فَتُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقِيقَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّ الْحِيلَةَ فِي إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الدَّيْنِ قَبْلَ الدَّعْوَى أَنْ يَنْصِبَ مُسَخَّرًا يَدَّعِي عَلَى مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِأَنَّ لَهُ عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ عِنْدَ فُلَانٍ هَذَا كَذَا فَمُرْهُ بِتَسْلِيمِهِ إلَيَّ فَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ بِالْإِبْرَاءِ حَقِيقَةً اهـ. وَهَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى لَهُ عَلَى ضَعِيفٍ وَهُوَ سَمَاعُ الدَّعْوَى عَلَى غَرِيمِ الْغَرِيمِ وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ إثْبَاتَ مِلْكِ شَيْءٍ بِيَدِهِ وَلَا مُنَازِعَ فِيهِ الْآنَ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَدَّعِيَ مَنْ بِيَدِهِ الْعَيْنُ أَنِّي مَالِكُهَا وَيُحْضِرَهَا أَوْ يَصِفَهَا بِمُمَيِّزِهَا وَأَنَّ هَذَا غَصَبَهَا مِنِّي وَأُطَالِبُهُ بِتَسْلِيمِهَا وَأَسْأَلُك أَنْ تَأْمُرَهُ بِتَسْلِيمِهَا إلَيَّ أَوْ بِجَوَابِهِ عَنْ دَعْوَايَ فَيُجِيبُهُ بِالْإِنْكَارِ فَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهَا قَالَ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ وَاصْطَلَحَ الْحُكَّامُ عَلَى هَذَا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ كَذِبِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَعِلْمِ الْقَاضِي بِذَلِكَ. لَكِنْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ هَذَا كَذِبٌ مَحْطُوطٌ إذَا عُلِمَ أَنَّ الْقَصْدَ بِهِ التَّوَصُّلُ إلَى إثْبَاتِ الْحُقُوقِ بِمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ وَلَيْسَ الْقَصْدُ مِنْهُ إلَّا تَرْوِيجَ إثْبَاتِ الْأَحْكَامِ وَالتَّسْجِيلِ عَلَى الْحُكَّامِ. اهـ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَأَنَّهُمْ جَوَّزُوا ذَلِكَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ التَّلْبِيسِ فَإِنَّ مَنْ بِيَدِهِ الْعَيْنُ يُصَيِّرُ نَفَسَهُ خَارِجًا وَيَجْعَلُ الْيَدَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَذِبًا لِغَرَضِ التَّسْجِيلِ وَإِثْبَاتِ الْحُقُوقِ وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ بِالدَّعْوَى عَلَى مَنْ يَخَافُ مِنْهُ الْمُنَازَعَةَ إنْ غَابَ وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ لِمَا فِي هَذِهِ مِنْ يَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ وَقَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي التَّنَزُّهِ عَنْ الْيَمِينِ فَفِي إلْزَامِهِ بِهَذِهِ الْحِيلَةِ مَشَقَّةٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْحِيلَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ لَا يَمِينَ فِيهَا لِأَنَّ الدَّعْوَى فِيهَا عَلَى حَاضِرٍ فَكَانَتْ أَسْهَلَ وَأَرْفَقَ وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ مَا يُؤَيِّدُ سَمَاعَ الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ كَمَا ذُكِرَ لَكِنْ ظَاهِرُ كَلَامِ الْجَوَاهِرِ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ اُدُّعِيَ عَلَى الْغَائِبِ أَنَّهُ ابْتَاعَ مِنْهُ الْعَيْنَ أَوْ اتَّهَبَهَا وَخَشِيَ جُحُودَهُ فَطَلَبَ سَمَاعَهَا لَمْ يَتَسَمَّعْ لِأَنَّ سَمَاعَهَا إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ إنْكَارِهِ. اهـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَعَلَيْهِ فَالْحِيلَةُ الْأُولَى مُتَعَيِّنَةٌ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهَا بِالدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَالسَّمَاعِ أَنَّ بَيِّنَةَ السَّمَاعِ يَسْمَعُهَا الْقَاضِي لِيَبْعَثَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِالْعَيْنِ إلَى الْقَاضِي الْكَاتِبِ لِيُشْهِدَ عَلَى عَيْنِهَا فِي بَلَدِ الْكَاتِبِ وَبَيِّنَةُ الثُّبُوتِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يُنْقَلَ إلَى قَاضٍ آخَرَ أَوْ لَا إذْ هِيَ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهَا حُكْمٌ وَمِنْ ثَمَّ جَازَ رُجُوعُهَا بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّصَلَ بِهَا حُكْمٌ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شَخْصٍ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ عَدَالَتِهِ عِنْدَ الْقَاضِي وَكَانَ الْمُدَّعَى بِهِ يُقْبَلُ فِيهِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ فَجُرِحَ الشَّاهِدُ بَعْدَ يَمِينِهِ جَرْحًا شَرْعِيًّا فَهَلْ يُعْتَدُّ بِهَذِهِ الْيَمِينِ مَعَ إقَامَةِ شَاهِدٍ آخَرَ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ يَمِينٍ أُخْرَى مَعَ الشَّاهِدِ الْآخَرِ؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ لَا بُدَّ مِنْ يَمِينٍ أُخْرَى لِأَنَّ الْيَمِينَ الْأُولَى بَطَلَتْ بِتَبَيُّنِ فِسْقِ الشَّاهِدِ إذْ لَا يُعْتَدُّ بِهَا إلَّا بَعْدَ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ وَثُبُوتِ عَدَالَتِهِ فَإِذَا بَانَ بُطْلَانُ شَهَادَتِهِ بَانَ بُطْلَانُهَا. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ وَلِيَ قَضَاءَ بَلَدٍ لَيْسَ فِيهَا وَظِيفَةٌ وَلَا فِيهَا سُلْطَانٌ مُسْلِمٌ وَلَا بَيْتُ مَالٍ وَلَا هُنَاكَ مُتَبَرِّعٌ يَقُومُ بِكِفَايَتِهِ سِوَى أَنَّ أَهْلَ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ فِي تِلْكَ الْقَرْيَةِ عَيَّنُوا عَلَى كُلِّ حِمْلٍ مِنْ الْحُبُوبِ وَالْأَدْهَانِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يَجِيءُ بِهِ أَهْلُ الْبَوَادِي شَيْئًا مَعْلُومًا ثُمَّ إنَّهُمْ يَصْرِفُونَ مَا يَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ لِلْقَاضِي وَأَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ وَالْمُؤَذِّنِينَ وَإِصْلَاحِ الْمَسَاجِدِ هَلْ يَجُوزُ لِلْقَاضِي وَغَيْرِهِ قَبُولُ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَإِذَا تَوَرَّعَ الْقَاضِي عَنْ قَبُولِ مَا ذُكِرَ تَصِيرُ الْقَرْيَةُ مُعَطَّلَةً عَنْ الْحُدُودِ فَهَلْ يَجُوزُ أَخْذُهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَوْ لَا. وَهَلْ يَحِلُّ لِلْقَاضِي قَبُولُ النَّذْرِ وَالْهِبَةِ الْمُطْلَقَةِ وَالْحُضُورُ فِي الطَّعَامِ الَّذِي يُصْنَعُ لِمَوْلِدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ قَبُولُ ذَلِكَ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ مَكْسٌ حَقِيقَةً مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ وَلَا شُبْهَةٍ فَقَاتَلَ اللَّهُ تَعَالَى مُخْتَرِعَ

ذَلِكَ وَمُؤَسِّسَهُ وَالدِّينُ الْقَيِّمُ وَالشَّرِيعَةُ الْوَاضِحَةُ الْغَرَّاءُ الْبَيْضَاءُ غَنِيَّةٌ عَنْ أَنْ يُحْتَاجَ فِي الْقِيَامِ بِهَا إلَى أَمْثَالِ هَذِهِ الْقَبَائِحِ الْمَهَالِكِ زَادَ اللَّهُ تَعَالَى تَنْزِيهَ الْقَائِمِينَ بِهَا عَنْ هَذِهِ الْأَدْنَاسِ وَالْقَاذُورَاتِ وَوَفَّقَ لِلْقِيَامِ بِهَا فِي هَذَا الْقُطْرِ تَبَرُّعًا لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَعْضَ أَهْلِ الدِّينِ وَالْمُرُوآتِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ وَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي قَبُولُ مَا نُذِرَ لَهُ أَوْ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَلَا قَبُولُ هِبَةٍ. أَوْ هَدِيَّةٍ بِتَفْصِيلِهَا الْمَعْرُوفِ فِي مَحَلِّهَا. وَقَدْ اسْتَوْفَيْته أَتَمَّ اسْتِيفَاءٍ وَبَسَطْته أَحْسَنَ بَسْطٍ وَضَبَطْته أَكْمَلَ ضَبْطٍ فِي كِتَابِي الَّذِي أَلَّفْتُهُ فِي ذَلِكَ لَمَّا جَاءَنِي أَسْئِلَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الْيَمَنِ وَسَمَّيْته إيضَاحُ الْأَحْكَامِ لِمَا يَأْخُذُهُ الْعُمَّالُ وَالْحُكَّامُ وَلِلْقَاضِي حُضُورُ الْوَلَائِمِ وَالْأَوْلَى لَهُ التَّنَزُّهُ عَنْهَا. (وَسُئِلَ) عَنْ قَاضٍ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ يُشَدِّدُ عَلَى النَّاسِ وَلَا يَحْكُمُ إلَّا بِالْقَوْلِ الصَّحِيحِ وَلَا يُزَوِّجُ مَنْ انْقَطَعَ حَيْضُهُنَّ إلَى بُلُوغِ سِنِّ الْيَأْسِ وَلَا يَسْلُكُ بِالنَّاسِ مَسْلَكَ التَّخْفِيفِ وَالتَّيْسِيرِ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ أَيْضًا «يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا» ؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ مَا ذُكِرَ عَنْ هَذَا الْقَاضِي إنَّمَا يُعَدُّ مِنْ مَحَاسِنِهِ لَا مِنْ مَسَاوِيهِ فَجَزَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ خَيْرًا فَإِنَّهُ عَدِيمُ النَّظِيرِ الْآنَ وَكَيْفَ وَأَكْثَرُ قُضَاةِ هَذَا الْعَصْرِ وَمَا قَبْلَهُ بِأَعْصَارٍ صَارُوا خَوَنَةً مَكَسَةً لَا يُحَرِّمُونَ حَرَامًا وَلَا يَجْتَنِبُونَ آثَامًا بَلْ قَبَائِحُهُمْ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ وَأَظْهَرُ مِنْ أَنْ تُشْهَرَ حَتَّى قَالَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ قُضَاةِ زَمَنِهِ إنَّهُمْ كَقَرِيبِي الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي قُضَاةِ تِلْكَ الْأَزْمِنَةِ فَمَا بَالُك بِقُضَاةِ هَذَا الزَّمَنِ الَّذِي عُطِّلَتْ فِيهِ الشَّعَائِرُ وَغَلَبَتْ فِيهِ الْكَبَائِرُ وَقَلَّ فِيهِ الصَّالِحُونَ وَكَثُرَتْ فِيهِ الْمُفْسِدُونَ فَقِيَامُ هَذَا الْقَاضِي حِينَئِذٍ بِقَوَانِينِ مَذْهَبِهِ وَعَدَمُ الْتِفَاتِهِ إلَى التَّرْخِيصِ لِلنَّاسِ بِمَا لَا تَقْتَضِيهِ قَوَاعِدُ إمَامِهِ يَدُلُّ عَلَى صَلَاحِهِ وَنَجَاحِهِ وَفَلَاحِهِ وَعَجِيبٌ مِنْ السَّائِلِ كَيْفَ يُورِدُ فِي مِثْلِهِ حَدِيثَ مُسْلِمٍ الْمَذْكُورَ. فَإِنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ فَهْمِهِ لِلْحَدِيثِ وَإِحَاطَتِهِ بِشَيْءٍ مِنْ مَعْنَاهُ فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ مِثْلَ هَذَا الْقَاضِي بَلْ مِثْلَ الْقُضَاةِ الَّذِينَ شَرَحْنَا شَيْئًا مِنْ حَالِهِمْ وَبَيَّنَّا قَبِيحَ فِعَالِهِمْ إذْ الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ شَقَّ عَلَيْهِمْ أَنَّهُ جَارَ فِي حُكْمِهِ بَيْنَهُمْ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَكَلَّفَهُمْ بِمَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ الشَّارِعُ وَأَمَّا مَنْ الْتَزَمَ مَعَهُمْ أَمْرَ الشَّرْعِ وَعَدَلَ فَهُوَ مَدْعُوٌّ لَهُ لَا عَلَيْهِ وَهَذَا أَمْرٌ وَاضِحٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَمَعْنَى «يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا» النَّهْيُ عَنْ التَّعْسِيرِ عَلَى النَّاسِ بِمَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الشَّارِعُ وَأَمَّا مَنْ عَمِلَ بِمَذْهَبِ إمَامِهِ فَهُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا اخْتَلَفَ تَرْجِيحُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَالشَّيْخَيْنِ مَا الْمُعْتَمَدِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ لَمَّا كُنَّا مُجَاوِرِينَ سَنَةَ خَمْسِينَ بِطَيْبَةَ الْمُنَوَّرَةِ عَلَى مُشَرِّفِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ سَأَلَنَا بَعْضُ أَكَابِرِهَا وَفُضَلَائِهَا عَنْ نَحْوِ ذَلِكَ وَأَطَالَ فِي الِاحْتِجَاجِ وَالِانْتِصَارِ لِاعْتِمَادِ تَرْجِيحِ الْمُتَأَخِّرِينَ فَأَجَبْته بِجَوَابٍ مَبْسُوطٍ مُتَكَفِّلٍ لِرَدِّ جَمِيعِ أَدِلَّتِهِ وَفِي الِانْتِصَارِ لِاعْتِمَادِ تَرْجِيحِ الشَّيْخَيْنِ وَالْإِعْرَاضِ عَمَّا سِوَاهُ ثُمَّ قُرِئَ ذَلِكَ الْإِفْتَاءُ بِحَضْرَةِ فُضَلَاءِ الْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ فَلَمْ يُمْكِنْ أَحَدًا مِنْهُمْ أَنْ يُبْدِيَ فِيهِ شَيْئًا بَلْ وَافَقُوهُ وَعَلِمُوا أَنَّهُ الْحَقُّ وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا فِي خُطْبَةِ شَرْحِ الْعُبَابِ وَبَيَّنْت فِيهِ أَنَّ الْحَقَّ مَا دَرَجَ عَلَيْهِ مَشَايِخُنَا وَمَشَايِخُهُمْ وَهَلُمَّ جَرًّا مِنْ اعْتِمَادِ تَرْجِيحِ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ فِي الْإِفْتَاءِ وَغَيْرِهِ وَأَنَّهُ لَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمَا بِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ وَلَا بِالنَّصِّ وَلَا بِغَيْرِ ذَلِكَ وَبَيَّنْت فُرُوعًا اعْتَرَضُوا فِيهَا عَلَيْهِمَا بِالنَّصِّ ثُمَّ لَمَّا أَمْعَنْت التَّفْتِيشَ رَأَيْتهمَا اسْتَنَدَا لِنَصٍّ آخَرَ وَفُرُوعٍ أُخْرَى وَهِيَ الْأَكْثَرُ اعْتَرَضُوا عَلَيْهِمَا فِيهَا بِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ. مَعَ أَنَّهُمَا صَرَّحَا فِي مَوَاضِعَ بِأَنَّهُمَا لَا يَتَقَيَّدَانِ بِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ بَلْ بِمَا يَتَرَجَّحُ عِنْدَهُمَا مِنْ قُوَّةِ الْمُدْرَكِ أَوْ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ فَإِنَّ مَنْ يَعْتَرِضُ بِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ رُبَّمَا عَدَّدَ جُمَلًا تَرْجِعُ إلَى وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ أَوْ اثْنَيْنِ مَثَلًا أَلَا تَرَى أَنَّ أَصْحَابَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ شَيْخَ الطَّرِيقَيْنِ قَدْ بَلَغُوا مِنْ الْكَثْرَةِ مَبْلَغًا عَظِيمًا. فَمَنْ رَأَى كُتُبَهُمْ وَفَتَاوِيَهُمْ مُتَّفِقَةً عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ يَظُنُّ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَيْهِ وَفِي الْحَقِيقَةِ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ رَأْيُ رَجُلٍ

وَاحِدٍ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ أَحْوَالِ الْأَصْحَابِ أَنَّ كُلَّ أَهْلِ طَرِيقَةٍ لَا يُخَالِفُونَ إمَامَ طَرِيقِهِمْ بَلْ يَكُونُونَ تَابِعِينَ لَهُ فِي تَفْرِيعِهِ وَتَأْصِيلِهِ فَتَفَطَّنْ لِهَذَا فَإِنَّهُ رَاجَ عَلَى كَثِيرِينَ اعْتَرَضُوا عَلَى الشَّيْخَيْنِ بِمُخَالَفَتِهِمَا لِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ وَفِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يُخَالِفَا ذَلِكَ وَبِفَرْضِهِ وَتَسْلِيمِهِ فَقَدْ بَانَ أَنَّهُمَا لَا يَتَقَيَّدَانِ إلَّا بِقُوَّةِ الْمُدْرَكِ فَوَجَبَ اتِّبَاعُ تَرْجِيحِهِمَا لِأَنَّهُمَا اللَّذَانِ أَجْمَعَ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمَا عَلَى أَنَّهُمَا مُبَالِغَانِ فِي التَّحَرِّي وَالِاحْتِيَاطِ وَالْحِفْظِ وَالتَّحْقِيقِ وَالْوِلَايَةِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالتَّحْرِيرِ وَالتَّنْقِيرِ مَبْلَغًا لَمْ يَبْلُغْهُ أَحَدٌ مِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُمَا فَكَانَ اعْتِمَادُ قَوْلِهِمَا هُوَ الْأَحْرَى وَالْأَحَقُّ وَالْإِعْرَاضُ عَنْ مُخَالِفِيهِ هُوَ الْأَوْلَى بِكُلِّ شَافِعِيٍّ لَمْ يَصِلْ لِمَرْتَبَةٍ مِنْ مَرَاتِبِ الِاجْتِهَادِ وَلَقَدْ بَيَّنْتُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ رَدَّ قَوْلِهِ خِلَافًا لِلشَّيْخَيْنِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ وَأَنَّهُ إنَّمَا قَلَّدَ فِي ذَلِكَ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَنَّ الصَّوَابَ مَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ أَوْ أَحَدَهُمَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا إنْ اتَّفَقَا وَإِلَّا فَعَلَى النَّوَوِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى مَا لَمْ يُجْمِعْ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى أَنَّهُمَا وَقَعَا فِي سَهْوٍ أَوْ غَلَطٍ فَحِينَئِذٍ يُعْرَضُ عَمَّا قَالَاهُ وَأَيْنَ تَجِدُ مَوْضِعًا اتَّفَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى ذَلِكَ بَلْ كُلُّ مَحَلٍّ وَجَدْتُهُ تَجِدُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ يَعْتَمِدُ مَا قَالَاهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَالِفُهُ وَمَنْ تَأَمَّلَ إطْبَاقَ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى تَغْلِيطِهِمَا فِيمَا قَالَاهُ أَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَصِيرُ دَيْنًا إلَّا بِفَرْضِ الْقَاضِي مَبْلَغًا وَأَنْصَارُ الشَّمْسِ الْجَوْجَرِيِّ لَهُمَا فِي ذَلِكَ وَرَدَّهُ عَلَى أَكَابِرِ الْمُتَأَخِّرِينَ عَلِمَ أَنَّهُ يَعِزُّ أَنْ يُوجَدَ مَحَلٌّ أَطْبَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ كُلُّهُمْ عَلَى إلْغَاءِ تَرْجِيحِهِمَا فِيهِ فَالصَّوَابُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِمَا دُونَ غَيْرِهِمَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شَافِعِيٍّ يَحْرِصُ عَلَى صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ فِي الْتِزَامِ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالتَّمَسُّكِ بِهِ وَيُدَرِّسُ لَهُ كُتُبَ الْحَنَفِيَّةِ وَإِذَا سُئِلَ شَافِعِيٌّ عَنْ التَّقْلِيدِ بِمَذْهَبٍ فَهَلْ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بِالْتِزَامِ مَذْهَبِ إمَامِهِ أَوْ يَدُلُّهُ إلَى مَذْهَبٍ آخَرَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَسَائِرُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ فَجَزَاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ خَيْرَ الْجَزَاءِ وَأَكْمَلَهُ وَحَشَرَنَا فِي زُمْرَتِهِمْ وَإِذَا كَانُوا كُلُّهُمْ عَلَى هُدًى مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَلَا حَرَجَ عَلَى مَنْ أَرْشَدَ غَيْرَهُ إلَى التَّمَسُّكِ بِأَيِّ مَذْهَبٍ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَإِنْ خَالَفَ مَذْهَبَهُ وَاعْتِقَادَهُ لِأَنَّهُ أَرْشَدَهُ إلَى حَقٍّ وَهُدًى تَدْرِيسُ الشَّافِعِيِّ لِكُتُبِ غَيْرِ مَذْهَبِهِ لَا يَسُوغُ لَهُ إلَّا إنْ قَرَأَ ذَلِكَ الَّذِي يُدَرِّسُهُ عَلَى عَالِمٍ مَوْثُوقٍ بِهِ مِنْ أَئِمَّةِ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ هَذَا إنْ أُرِيدَ بِهِ تَدْرِيسُ الْمُعْتَمَدِ فِي ذَلِكَ الْمَذْهَبِ وَأَمَّا إنْ أُرِيدَ مِنْهُ مُجَرَّدُ فَهْمِ الْعِبَارَةِ وَتَفْهِيمِهَا فَهَذَا لَا مَحْذُورَ فِيهِ. (وَسُئِلَ) عَنْ تَقْلِيدِ الْعَامِّيِّ لِأَحَدِ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ غَيْرِ الْأَرْبَعَةِ بَعْدَ تَقَرُّرِ مَذَاهِبِهِمْ وَاشْتِهَارِهَا بِمَا هُوَ مَعْلُومٌ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِ الْجَوَازِ مَاذَا يَلْزَمُ الْمُقَلِّدَ لِذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ وَمَا حُكْمُ عِبَادَتِهِ عَلَى مُقْتَضَى ذَلِكَ الِاجْتِهَادِ هَلْ هِيَ صَحِيحَةٌ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِ صِحَّةِ عِبَادَتِهِ هَلْ يَكُونُ عَاصِيًا فِي ذَلِكَ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْر أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ بِجَوَازِ التَّقْلِيدِ لِغَيْرِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يُوَافِقَ اجْتِهَادُهُ أَحَدَ الْأَئِمَّةِ حَتَّى يَكُونَ التَّقْلِيدُ لَهُ كَأَنَّهُ تَقْلِيدٌ لِأَحَدِهِمْ أَمْ لَا وَهَلْ يُشْتَرَطُ نَقْلُ مَذْهَبِ ذَلِكَ الْمُجْتَهِدِ مُتَوَاتِرًا أَمْ لَا وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُدَوَّنًا أَمْ يَكْفِي نَقْلُهُ عَلَى الْأَلْسِنَةِ وَأَيْضًا ظَاهِرُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ جَوَازُ التَّقْلِيدِ لِكُلِّ مُجْتَهِدٍ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ شَيْءٍ سِوَى اعْتِقَادِ الْمُقَلِّدِ كَوْنَ مَذْهَبِ مُقَلَّدِهِ رَاجِحًا أَوْ مُسَاوِيًا فَهَلْ الْبِنَاءُ عَلَى هَذَا الظَّاهِرِ كَافٍ فِي الْحُكْمِ بِجَوَازِ تَقْلِيدِ كُلِّ مُجْتَهِدٍ أَمْ الْأَمْرُ عَلَى خِلَافِهِ بَيِّنُوا ذَلِكَ. (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ بِقَوْلِهِ الَّذِي تَحَرَّرَ أَنَّ تَقْلِيدَ غَيْرِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - لَا يَجُوزُ فِي الْإِفْتَاءِ وَلَا فِي الْقَضَاءِ وَأَمَّا فِي عَمَلِ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ فَيَجُوزُ تَقْلِيدُهُ لِغَيْرِ الْأَرْبَعَةِ مِمَّنْ يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ لَا كَالشِّيعَةِ وَبَعْضِ الظَّاهِرِيَّةِ وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ بِمَذْهَبِ الْمُقَلَّدِ بِنَقْلِ الْعَدْلِ عَنْ مِثْلِهِ وَتَفَاصِيلِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ أَوْ الْمَسَائِلِ الْمُقَلِّدِ فِيهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا عَلَى مَذْهَبِ ذَلِكَ الْمُقَلَّدِ وَعَدَمِ التَّلْفِيقِ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهَا أَوْ إلَى بَعْضِهَا تَقْلِيدَ غَيْرِ ذَلِكَ الْإِمَامِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ تَلْفِيقَ التَّقْلِيدِ كَتَقْلِيدِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي عَدَمِ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ وَالشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ -

فِي مَسْحِ بَعْضِ الرَّأْسِ فَمُمْتَنِعٌ اتِّفَاقًا بَلْ قِيلَ إجْمَاعًا وَإِذَا وُجِدَتْ شُرُوطُ التَّقْلِيدِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَغَيْرُهَا مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ فِي مَحَلِّهِ فَعِبَادَاتُ الْمُقَلِّدِ وَمُعَامَلَتُهُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى ذَلِكَ صَحِيحَةٌ وَإِلَّا فَلَا وَيَأْثَمُ بِذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فَوْرًا وَلَا يُشْتَرَطُ مُوَافَقَةُ اجْتِهَادِ ذَلِكَ الْمُقَلِّدِ لِأَحَدِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَلَا نَقْلُ مَذْهَبِهِ تَوَاتُرًا كَمَا أَشَرْتُ إلَيْهِ وَلَا تَدْوِينُ مَذْهَبِهِ عَلَى اسْتِقْلَالِهِ بَلْ يَكْفِي أَخْذُهُ مِنْ كُتُبِ الْمُخَالِفِينَ الْمَوْثُوقِ بِهَا الْمُعَوَّلِ عَلَيْهَا وَكَلَامُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا تَقَرَّرَ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَ التَّحْقِيقِ لَا يُخَالِفُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا صُورَتُهُ مِنْ عَبْدِ الْبَاسِطِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عِيسَى بْنِ أَبِي غِرَارَةَ الشَّافِعِيِّ إلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا الْعَلَّامَةِ الْحُجَّةِ الْفَهَّامَةِ عَالِمِ الْحِجَازِ أَحْمَدَ بْنِ حَجَرٍ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنَّا فِي أَرْضِ بَجِيلَةَ وَلَيْسَ عِنْدَنَا سُلْطَانٌ وَلَا قَاضٍ مَنْصُوبٌ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ وَأَهْلُ بَجِيلَةَ وَنَاصِرَةَ وَزَهْرَانَ وَغَامِدٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْقَبَائِلِ يَرُدُّونَ أُمُورَهُمْ وَأَحْكَامَهُمْ وَفَتْوَاهُمْ إلَيْنَا وَيَرْفَعُونَ إلَيْنَا قَضَايَاهُمْ الْعُرْفِيَّةَ وَالشَّرْعِيَّةَ وَيَرَوْنَا نَصْلُحُ لِذَلِكَ فَهَلْ يَا شَيْخَ الْإِسْلَامِ. إذَا اجْتَمَعَ بَعْضُ شُيُوخِهِمْ وَنَصَّبُونَا نَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الَّذِي لَا عِوَجَ فِيهِ وَلَا مَحِيدَ عَنْهُ يَجُوزُ لَنَا ذَلِكَ وَيَنْفُذُ مِنَّا مَا يَنْفُذُ مِنْ الْقَاضِي مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ مِنْ تَزْوِيجِ الْمَجْنُونَةِ وَبَيْعِ مَالِ الْمَدْيُونِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَحِفْظِ أَمْوَالِ الْأَيْتَامِ وَالسَّعْيِ لَهُمْ وَالشِّرَاءِ بِالْمَصْلَحَةِ وَإِنْكَاحِ مَنْ عَضَلَ وَلِيُّهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَفْعَلُهُ الْقَاضِي أَمْ لَا يَجُوزُ لَنَا فِي ذَلِكَ. الْمَسْئُولُ مِنْكُمْ بَيَانُ ذَلِكَ فَقَدْ نَقَلَ جَدِّي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ فَتَاوَى الْأَصْبَحِيِّ عَمَّا إذَا عُدِمَ فِي قُطْرٍ ذُو شَوْكَةٍ وَحَاكِمٌ وَلَمْ يُوجَدْ لِلْمَرْأَةِ وَلِيٌّ وَلَا لِلْأَطْفَالِ وَصِيٌّ وَنَحْوُهُ. فَهَلْ لِجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْبِلَادِ نَصْبُ فَقِيهِ يَتَعَاطَى الْأَحْكَامَ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَبْضَاعِ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ نَعَمْ إذَا لَمْ يَكُنْ رَئِيسٌ يَرْجِعُ أَمْرُهُمْ إلَيْهِ اجْتَمَعَ ثَلَاثَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ وَنَصَّبُوا قَاضِيًا صِفَتُهُ صِفَةُ الْقُضَاةِ وَيُشْتَرَطُ فِي الثَّلَاثَةِ صِفَةُ الْكَمَالِ كَمَا فِي نَصْبِ الْإِمَامِ قَالَ الْإِمَامُ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَيْسُورَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ فَحَيْثُ تَعَذَّرَ الْإِمَامُ وَأَمْكَنَ نَصْبُ الْقَاضِي وَجَبَ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ فَيَأْثَمُ أَهْلُ تِلْكَ الْبِلَادِ بِتَرْكِهِ وَقَوْلُهُ صِفَتُهُ صِفَةُ الْقُضَاةِ أَيْ الَّتِي يُمْكِنُ وُجُودُهَا فِي زَمَانِهِمْ فَكَمَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ تَوْلِيَةُ الْمُقَلِّدِ لِلضَّرُورَةِ يَتَعَيَّنُ عَلَى هَؤُلَاءِ تَوْلِيَتُهُ. فَإِذَا اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ الْمَوْصُوفِينَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ عَلَى نَصْبِ مُقَلِّدٍ قَاضِيًا تَمَّ ذَلِكَ وَنَفَذَ حُكْمُهُ فَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بِمَا يَعْلَمُهُ مِنْ مَذْهَبِ إمَامِهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالتَّمَادِي عَلَى تَرْكِ إقَامَةِ قَاضٍ فِي قُطْرٍ مِنْ الْأَقْطَارِ مَعْصِيَةٌ تَعُمُّ أَهْلَهُ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ إقَامَتَهُ لَيْسَتْ مُتَوَقِّفَةً عَلَى وُجُودِ الْإِمَامِ الَّذِي يَعْسُرُ عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى الْمُجْتَهِدِ بَلْ الضَّرُورَةُ مُقْتَضِيَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا. اهـ. كَلَامُ السَّمْهُودِيِّ قَالَ جَدِّي وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمَقْدِسِيِّ فِي الْقَضَاءِ مِنْ الْإِشَارَاتِ إذَا اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى أَنْ لَا يَلِيَ أَحَدٌ فِيهِمْ الْقَضَاءَ أَثِمُوا لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إنَّ اللَّهَ لَا يُقَدِّسُ أُمَّةً لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَأْخُذُ لِلضَّعِيفِ حَقَّهُ» . اهـ. قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ نَاصِرٍ فِي بَعْضِ أَجْوِبَتِهِ إنَّ الْبَلَدَ الَّذِي لَا حَاكِمَ فِيهِ تَجِبُ الْهِجْرَةُ مِنْهُ لِقَوْلِهِمْ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ حَاكِمٍ يَأْخُذُ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ لِلْمَظْلُومِ وَيُنْصِفُ النَّاسَ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ قَالَ جَدِّي وَقَدْ سُئِلَ الْقَاضِي جَمَالُ الدِّينِ بْنُ ظَهِيرَةَ عَمَّا إذَا كَانَتْ قَرْيَةٌ مِنْ الْقُرَى وَأَهْلُهَا يَمْلِكُ كِبَارُهُمْ الْحَلَّ وَالْعَقْدَ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا فَهَلْ يَصِحُّ نَصْبُهُمْ لِرَجُلٍ يُمْضِي فِيهِمْ مَا يُمْضِي الْحَاكِمُ وَقَدْ أَظْهَرُوا لَهُ الطَّاعَةَ فِيمَا يُقَرِّبُهُمْ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَبَايَعُوهُ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ مُعْتَقِدٌ مِنْهُمْ عَدَمَ الْوَفَاءِ ثُمَّ لَمْ يَفُوا بِالْأَكْثَرِ أَوْ بِالْجَمِيعِ هَلْ يَنْفُذُ مِنْهُ مَا يَنْفُذُ مِنْ الْحَاكِمِ مِنْ تَزْوِيجِ الْمَجْنُونَةِ وَبَيْعِ مَالِ الْمَدْيُونِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَحِفْظِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِالْمَصْلَحَةِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ وَمَا يُشْتَرَطُ فِيهِ فِي نَفْسِهِ وَمَا لَا يُشْتَرَطُ. فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْكُبَرَاءِ الْمَذْكُورِينَ أَنْ يُوَلُّوا قَاضِيًا فِي الْقَرْيَةِ الْمَذْكُورَةِ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ وَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ صَحَّ وَنَفَذَتْ أَحْكَامُهُ وَصَحَّ تَزْوِيجُ الْمَجْنُونَةِ وَغَيْرِهَا وَبَيْعُ مَالِ الْمَدْيُونِ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ وَيَحْفَظُ مَالَ الْيَتِيمِ وَيَتَصَرَّفُ

فِيهِ وَيَحْفَظُ أَمْوَالَ الْغَائِبِينَ وَيَتَوَلَّى جَمِيعَ مَا يَتَوَلَّاهُ الْحُكَّامُ وَكَذَا لَوْ كَانَ لِلْقَرْيَةِ شَيْخٌ يَرْجِعُونَ إلَيْهِ فِي أُمُورِهِمْ وَيُقَدِّمُونَهُ عَلَيْهِمْ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فَلَهُ أَنْ يُنَصِّبَ حَاكِمًا يَحْكُمُ بَيْنَ أَهْلِ الْقَرْيَةِ كَمَا يُنَصِّبُهُ الْإِمَامُ وَنَائِبُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّيْخِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا بَلْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ شَيْخٌ وَلَا كَبِيرٌ يَرْجِعُونَ إلَيْهِ فَلَهُمْ أَنْ يُنَصِّبُوا قَاضِيًا يَقْضِي بَيْنَهُمْ وَيَصِحُّ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَتَنْفُذُ أَحْكَامُهُ عَلَيْهِمْ وَقَدْ أَفْتَى بِذَلِكَ كُلِّهِ الشَّيْخُ أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنِ عُجَيْلٍ الْيَمَنِيُّ فِيمَا وَقَفْت عَلَيْهِ لَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَنْصُوبِ الْمَذْكُورِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَاضِي وَالشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ مَفْقُودَةٌ فِي هَذَا الزَّمَانِ بَلْ مِنْ قَبْلِهِ بِدَهْرٍ طَوِيلٍ. وَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي وَسِيطِهِ وَحَكَاهُ عَنْهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ أَنَّ مَنْ وَلَّاهُ ذُو شَوْكَةٍ نَفَذَ حُكْمُهُ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ فَاسِقًا لِلضَّرُورَةِ. وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِهَذَا الزَّمَانِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ وَإِنْ تَعَذَّرَ مَنْ وَلَّاهُ ذُو شَوْكَةٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ. قَالَ جَدِّي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِبَارَةُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي إذَا خَلَا بَلَدٌ عَنْ قَاضٍ وَخَلَا الْعَصْرُ عَنْ إمَامٍ فَقَلَّدَ أَهْلُ الِاخْتِيَارِ أَوْ بَعْضُهُمْ بِرِضَا الْبَاقِينَ وَاحِدًا وَأَمْكَنَهُمْ نُصْرَتُهُ وَتَقْوِيَةُ يَدِهِ جَازَ تَقْلِيدُهُ وَلَوْ انْتَفَى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ تَقْلِيدُهُ كَذَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ. قَالَ جَدِّي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَسُئِلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ رَجُلٍ فِي بِلَادٍ لَيْسَ فِيهَا سُلْطَانٌ هَلْ يَجُوزُ حُكْمُهُ إذَا حَكَّمَهُ الْخَصْمَانِ فَأَجَابَ إذَا حَكَّمَهُ الْخَصْمَانِ وَرَضِيَا بِحُكْمِهِ وَكَانَ أَهْلًا لِلْحُكْمِ جَازَ وَنَفَذَ حُكْمُهُ وَسُئِلَ أَيْضًا بَعْضُ عُلَمَاءِ مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ عَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ إمَامٌ مُوَلًّى وَرَضِيَتْ الْعَامَّةُ بِأَحْكَامِ رَجُلٍ عِنْدَهُمْ أَيَلْزَمُ حُكْمُهُ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ التَّوْلِيَةِ الشَّرْعِيَّةِ لِأَنَّ الشَّرْعَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْحَاكِمِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ حَاكِمٌ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ وَلَا أَمِينِهِ هَلْ تَنْفُذُ أَحْكَامُ مَنْ رَضُوا بِهِ أَمْ لَا؟ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ قَاضٍ وَكَانَ فِيهَا رَجُلٌ عَالِمٌ أَوْ عَدْلٌ ثِقَةٌ مَرْضِيٌّ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاكِمِ وَتَرَاضَى بِهِ أَهْلُ الْبَلَدِ وَنَصَّبُوهُ وَهُوَ عَالِمٌ بِالشَّرْعِ فَأَحْكَامُهُ وَتَصَرُّفَاتُهُ فِي ذَلِكَ نَافِذَةٌ وَأَنْ يَكُونَ عَدْلًا لَا يَظْلِمُهُمْ. اهـ. جَوَابُهُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ إذَا تَأَمَّلْت هَذِهِ الْأَجْوِبَةَ وَجَدْتَ فِيهَا شُرُوطًا لَا تُوجَدُ فِيك وَلَا فِي الْمُوَلِّينَ فَلَا حَاجَةَ بِك إلَى الدُّخُولِ فِي وَرْطَةِ ذَلِكَ فَإِنَّ الَّذِينَ يُوَلُّونَك لَيْسُوا أَهْلَ شَوْكَةٍ وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى تَنْفِيذِ أَحْكَامِك وَإِنَّمَا يَأْخُذُونَ مِنْهَا مَا وَافَقَ أَغْرَاضَهُمْ وَمَا لَا يُوَافِقُهَا أَعْرَضُوا عَنْهُ وَيَسْتَحِيلُ فِيهِمْ بِمُقْتَضَى الْعَادَةِ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى كَلِمَةِ الْحَقِّ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ مِنْ أَهْلِ بَجِيلَةَ وَنَوَاحِيهَا فَالْحَذَرُ أَنْ تَدْخُلَ فِي أُمُورِهِمْ إلَّا دُخُولَ السَّلَامَةِ بِأَنْ تَكُونَ مُصْلِحًا أَوْ يُحَكِّمَك الْخَصْمَانِ فِي أَمْرٍ ظَاهِرٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْمَذْهَبِ بِالضَّرُورَةِ فَلَا بَأْسَ بِحُكْمِك بَيْنَهُمْ حِينَئِذٍ وَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ فَاحْذَرْ الدُّخُولَ فِيهِ إنْ أَرَدْت السَّلَامَةَ لِدِينِك وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُوَفِّقُنَا وَإِيَّاكَ لِمَرْضَاتِهِ آمِينَ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا إذَا كَانَ أَهْلُ نَاحِيَةٍ الْأَزْوَاجُ بِهَا وَالْأَوْلِيَاءُ لَا يُحْسِنُونَ عَقْدَ الْأَنْكِحَةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَلَا يَهْتَدُونَ إلَى اللَّفْظِ الْمُوصِلِ إلَى حِلِّ الْمُنَاكَحَةِ وَلَا يَعْرِفُونَ الشَّرَائِطَ وَالْأَرْكَانَ وَنَصَبَ الْقَاضِي بِتِلْكَ النَّاحِيَةِ عَلَيْهِمْ مَنْصُوبًا يَلْفِظُ الزَّوْجَ وَالْوَلِيَّ عِنْدَ إرَادَةِ التَّنَاكُحِ الْأَلْفَاظَ الْمُوصِلَةَ إلَى حِلِّ الْمُنَاكَحَةِ وَيَسْمَعُ بَيِّنَةَ مَنْ ادَّعَتْ طَلَاقًا مِنْ زَوْجٍ مُعَيَّنٍ وَيُحَلِّفُ مَنْ ادَّعَتْ أَنَّهَا خَلِيَّةٌ مِنْ الزَّوْجِ وَالْعِدَّةِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ الدِّينِيَّةِ وَنَهَى أَنْ يَتَعَاطَى أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ ذَلِكَ غَيْرَ مَنْصُوبِهِ لِأَنَّ فِيهِ نَوْعُ وِلَايَةٍ مِنْ حَيْثُ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَالتَّحْلِيفِ وَغَيْرِهِمَا فَهَلْ يَجُوزُ لِبَعْضِ الْآحَادِ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ وَغَيْرِهِمْ مُجَاهَرَةُ الْقَاضِي بِالْمُخَالَفَةِ وَتَعَاطِي ذَلِكَ اسْتِبْدَادًا مِنْهُمْ بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِالنَّهْيِ وَهَلْ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يُعَزِّرَ مَنْ فَعَلَ هَذِهِ الْأَفْعَالَ لِلْإِيذَاءِ وَالْمُجَاهَرَةِ وَلِأَنَّهُ تَعَاطَى شَيْئًا لَمْ يَجُزْ لَهُ تَعَاطِيهِ كَمَا جَازَ تَعْزِيرُ مَنْ خَالَفَ تَسْعِيرَ الْإِمَامِ وَهَلْ يَكُونُ هَذَا أَوْلَى بِالتَّعْزِيرِ مِنْ مُخَالِفِ التَّسْعِيرِ لِأَنَّ فِي هَذَا مَصْلَحَةً عَامَّةً لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا يُتَعَاطَى مِثْلُهُ إلَّا بِوِلَايَةٍ مِنْ حَيْثُ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَالتَّحْلِيفِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ أَيْضًا تَضْيِيقٌ عَلَى أَحَدٍ بِخِلَافِ مُخَالِفِ التَّسْعِيرِ فَإِنَّهُ جَازَ تَعْزِيرُهُ

لِلْمُجَاهَرَةِ بِالْمُخَالَفَةِ مَعَ أَنَّ التَّسْعِيرَ حَرَامٌ وَفِيهِ نَوْعُ تَضْيِيقٍ عَلَى النَّاسِ فِي أَمْوَالِهِمْ. (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إنْ تَعَاطَى ذَلِكَ الْمُتَفَقِّهُ أَوْ غَيْرُهُ عَقْدَ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا أَوْ عَقْدَ مَنْ يَتَوَقَّفُ عَقْدُهَا عَلَى بَيِّنَةٍ أَوْ حَلِفٍ مِنْ غَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي أَوْ السُّلْطَانِ عُزِّرَ عَلَى ذَلِكَ التَّعْزِيرِ الْبَلِيغِ وَإِنْ لَمْ يَنْهَهُ الْقَاضِي عَنْ ذَلِكَ أَوْ عَقْدَ مَنْ لَهَا وَلِيٌّ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَقْدُهَا عَلَى بَيِّنَةٍ وَلَا حَلِفٍ فَإِنْ نَهَاهُ السُّلْطَانُ أَوْ الْقَاضِي وَقَدْ أَذِنَ لَهُ السُّلْطَانُ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ عُزِّرَ أَيْضًا وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ أَوْ أَذِنَتْ لَهُ الْمُوَلِّيَةُ وَإِنْ لَمْ يَنْهَ السُّلْطَانُ وَلَا أَذِنَ لِلْقَاضِي فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يُعْتَبَرْ نَهْيُ الْقَاضِي لِأَنَّ الْقَاضِيَ مُتَعَدٍّ بِالنَّهْيِ حِينَئِذٍ وَلَيْسَ فِي مُخَالَفَتِهِ شَقٌّ لِلْعَصَا وَلَا خَشْيَةُ فِتْنَةٍ فَلَيْسَ هُوَ فِي مَعْنَى الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ حَتَّى يُلْحَقَ بِهِ فِيهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ وَدَعْوَى أَنَّ أَهْلَ تِلْكَ النَّاحِيَةِ لَا يُحْسِنُونَ الْعَقْدَ لَا يُفِيدُ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي مُتَفَقِّهٍ يُحْسِنُ ذَلِكَ وَقَدْ وَكَّلَهُ الْوَلِيُّ فِي الْعَقْدِ بِشَرْطِهِ أَوْ لَقَّنَ كُلًّا مِنْ الْوَلِيِّ وَالزَّوْجِ اللَّفْظَ الْوَاجِبَ فِي الْعَقْدِ وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ فَنَهْيُ الْقَاضِي مِثْلَ هَذَا عَمَّا ذُكِرَ حَرَامٌ عَلَيْهِ يَأْثَمُ بِهِ وَلَعَلَّ سَبَبَهُ مَا اُعْتِيدَ الْآنَ مِنْ جَهَلَةِ الْقُضَاةِ أَنَّهُمْ يُرَتِّبُونَ عَلَى الْعُقُودِ دَرَاهِمَ يَأْخُذُونَهَا مِنْ الزَّوْجِ وَمَعْلُومٌ إجْمَاعًا أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يَفْسُقُ بِهِ الْقَاضِي وَيَنْعَزِلُ بِهِ وَلَقَدْ بَحَثَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ لِلزَّوْجَةِ الَّتِي لَا وَلِيَّ لَهَا وَلِلزَّوْجِ أَنْ يُحَكِّمَا عَدْلًا يُزَوِّجُهَا بِهِ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْقَاضِي الْمَذْكُورِ وَأَنَّ وُجُودَهُ كَفَقْدِهِ وَإِنَّ هَذَا لَيْسَ هُوَ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَشْهُورَةِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ طَلَبَ قَضَاءَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَنَالَهُ فَغَلَبَ عَدْلُهُ جَوْرَهُ فَلَهُ الْجَنَّةُ» قَضَى لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَغْلَبِ حَالَيْهِ وَالْفُقَهَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - لَمْ يَقْضُوا لِلشَّخْصِ بِأَغْلَبِ حَالَيْهِ إلَّا فِي الصَّغَائِرِ وَأَمَّا غَيْرُهَا فَقَالُوا إنَّ الْقَاضِيَ يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ. وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يُخَالِفُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ الْعُمُومُ وَقَرِيبٌ مِنْ الْحَدِيثِ أَوْ فِي مَعْنَاهُ قَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَدْ تُكَفِّرُ الصَّلَاةُ وَصِيَامُ رَمَضَانَ وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَالْوُضُوءُ بَعْضَ الْكَبَائِرِ إذَا لَمْ تَجِدْ صَغِيرَةً وَكَذَلِكَ الْعُبَابُ فِي الشَّهَادَاتِ قَالَ خَاتِمَةٌ قَدْ تُمْحَى الصَّغَائِرُ بِلَا تَوْبَةٍ بَلْ بِصَلَاةِ الْخَمْسِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَالِاسْتِغْفَارِ وَاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَقَدْ يَمْحُو نَحْوُ الصَّلَاةِ بَعْضَ الْكَبَائِرِ إذَا لَمْ يَجِدْ صَغِيرَةً بِأَنْ كَفَّرَهَا غَيْرُهَا. وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْفُقَهَاءِ لَا يَرَى ذَلِكَ بَلْ يَقُولُ إنَّ الْكَبِيرَةَ لَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ مِنْهَا وَلَا تَعُودُ الْعَدَالَةُ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ بِسَنَةٍ وَإِنْ غَلَبَتْ الطَّاعَاتُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ لَمْ أَرَ لَهُ أَصْلًا وَلَا سَنَدًا فِي كُتُبِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي عَلَيْهَا الْمُعْتَمَدُ بَلْ فِي الْأَحَادِيثِ الْكَثِيرَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ عَذَابِ الْجَائِرِ وَقَبِيحِ فِعَالِهِ وَعَظَمَةِ عِقَابِهِ سَوَاءٌ أَغَلَبَ جَوْرَهُ عَدْلُهُ أَمْ لَا. وَحِينَئِذٍ فَلَا يَرِدُ مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ لِأَنَّهُ بِنَاهُ عَلَى أَنَّ لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَصْلًا صَحِيحًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شَخْصٍ وَلَّاهُ صَاحِبُ مِصْرٍ الْمُوَلَّى مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ الْمُفَوَّضُ إلَيْهِ إعْطَاءُ الْمَنَاصِبِ مَنْصِبًا ثُمَّ وَلَّى السُّلْطَانُ آخَرَ فِي ذَلِكَ الْمَنْصِبِ فَمَنْ الْمُقَدَّمُ مَعَ أَنَّ السُّلْطَانَ لَمْ يُصَرِّحْ بِعَزْلِ الْأَوَّلِ وَهَلْ إذَا كَانَ الْعُرْفُ إلَّا تَأَخَّرَ تَارِيخُ مَنْ وَلَّاهُ السُّلْطَانُ يَقْتَضِي تَقَدُّمَهُ يُعْمَلُ بِهِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا اطَّرَدَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّ ذَلِكَ الْمَنْصِبَ لَا يُوَلَّى فِيهِ إلَّا وَاحِدٌ كَانَتْ التَّوْلِيَةُ الثَّانِيَةُ رَافِعَةً لِلْأُولَى وَإِنْ اتَّحَدَ الْمُوَلِّي سَوَاءٌ أَصَرَّحَ بِعَزْلِ الْأَوَّلِ أَمْ لَا وَإِنْ لَمْ تَطَّرِدْ بِذَلِكَ عَادَةٌ أَوْ اطَّرَدَتْ بِأَنَّ مَنْ وَلَّاهُ السُّلْطَانُ مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْ وَلَّاهُ غَيْرُهُ قُدِّمَ مَنْ وَلَّاهُ السُّلْطَانُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِالْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ عَلَى مُشَرِّفِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ ثَانِيَ شَوَّالٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ عَنْ امْرَأَةٍ عَامِّيَّةٍ تَزْعُمُ أَنَّهَا شَافِعِيَّةٌ تَزَوَّجَتْ بِمُحَلِّلٍ وَذَكَرَتْ أَنَّ أَحَدَ شُهُودِ عَقْدِهَا قَالَ حَالَةَ الْعَقْدِ زَوِّجِي نَفْسَك مِنْهُ عَلَى كَذَا كَذَا دِينَارًا عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَنَّهَا عَلِمَتْ ذَلِكَ وَاعْتَقَدَتْهُ وَرَضِيَتْ بِهِ فَزَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ وَقَبِلَ وَعِنْدَ غَيْبُوبَةِ الْحَشَفَةِ حَصَلَ بَعْضُ انْتِشَارٍ لَهُ وَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلشُّهُودِ وَذُهِلَ الشُّهُودُ عَنْ

اسْتِحْضَارِ ذِكْرِ مَا ذَكَرَتْهُ مِنْ أَنَّ أَحَدَهُمَا ذَكَرَهُ لَهَا فَهَلْ الْقَوْلُ قَوْلُهَا وَيُكْتَفَى بِعِلْمِهَا بِمَا عُقِدَ عَلَيْهِ مِنْ كَوْنِ الْعَقْدِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ لَهَا بِلَفْظِ التَّقْلِيدِ وَلَمْ تَعْلَمْ شُرُوطَهُ وَهَلْ تَقْلِيدُ الْعَوَامّ إلَّا هَذَا وَهَلْ يَضُرُّ ذُهُولُ الشُّهُودِ عَمَّا ذَكَرَتْهُ مَعَ جَزْمِهَا بِاسْتِحْضَارِهِ وَسَمَاعِهِ وَيُكْتَفَى بِيَسِيرِ الِانْتِشَارِ وَتَحِلُّ لِلزَّوْجِ مَعَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِمَا ذُكِرَ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إذَا قَصَدَتْ هِيَ وَالزَّوْجُ الْعَمَلَ بِذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ ذَلِكَ تَقْلِيدًا لَهُ فَحِينَئِذٍ يُعْتَبَرُ وُجُودُ شُرُوطِ الْعَقْدِ فِي مَذْهَبِهِ وَكَذَا شُرُوطُ وَطْءِ الْمُحَلِّلِ وَتَوَابِعُهُ فَإِذَا وُجِدَتْ كُلُّهَا وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّهَا شُرُوطٌ حَلَّتْ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ إنْ قَلَّدَا أَبَا حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَيْضًا وَيَلْزَمُهُ الِاسْتِمْرَارُ عَلَى تَقْلِيدِهِ مَا دَامَتْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ فِي عِصْمَتِهِ وَيَلْزَمُ أَيْضًا رِعَايَةُ عَدَمِ التَّلْفِيقِ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا ثَانِيًا لَمْ تَحِلَّ لَهُ وَإِنْ كَانَ شَافِعِيًّا أُخْتُهَا وَلَا أَرْبَعٌ سِوَاهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا مِنْهُ وَعَلَى هَذَا الْمِثَالِ يُقَاسُ مَا أَشْبَهَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ جَمَاعَةٍ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ مَدْرَسَةٌ مِنْ مَدَارِسِ زَبِيدٍ يُبَاشِرُونَ وَظَائِفَهَا وَيَقْبِضُونَ غَلَّاتِهَا فَجَاءَ مَنْ نَازَعَهُمْ فِي ذَلِكَ فَتَدَاعَوْا بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الْقُضَاةِ الشَّافِعِيَّةِ فَادَّعَوْا بِأَنَّ هَذِهِ الْمَدْرَسَةَ بَنَاهَا فُلَانٌ الْفُلَانِيُّ وَوَقَفَ عَلَيْهَا هَذِهِ الْأَرَاضِي وَجَعَلَ النَّظَرَ وَالْوَظَائِفَ لِفُلَانٍ وَذُرِّيَّتِهِ وَهُوَ جَدُّ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ بِيَدِهِمْ الْمَدْرَسَةُ؟ فَأَجَابَ الْمُنَازِعُ لَهُمْ بِالْإِنْكَارِ فَأَثْبَتُوا بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ مُدَّعَاهُمْ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ الَّتِي شَهِدَتْ لَهُمْ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُمْ بَيْنَ يَدَيْ ذَلِكَ الْقَاضِي وَاسْتَنَدُوا فِي ذَلِكَ إلَى الشُّهْرَةِ وَالِاسْتِفَاضَةِ لِكَوْنِ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ قَدِيمَ الْعَهْدِ مَعْدُومَ الرَّسْمِ فَكَتَبَ الْقَاضِي الْمَذْكُورُ لَهُمْ سِجِلًّا حُكْمِيًّا بِذَلِكَ وَحَكَمَ لَهُمْ بِمَا فِيهِ وَأَشْهَدَ جَمَاعَةَ مَجْلِسِهِ عَلَى ذَلِكَ فَجَاءَ هَذَا الْمُنَازِعُ بِبَعْضِ كُتُبِ التَّوَارِيخِ وَفِيهِ أَنَّ بَيْنَ مَوْتِ الْوَاقِفِ وَمَوْتِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَعَلَى ذُرِّيَّتِهِ فَرْقًا كَبِيرًا وَذَلِكَ بِأَنَّ الْمُؤَرِّخَ نَقَلَ أَنَّ الْوَاقِفَ تُوُفِّيَ فِي أَثْنَاءِ سَبْعِمِائَةٍ وَالْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ تُوُفِّيَ فِي أَثْنَاءِ سَنَةِ ثَمَانِمِائَةٍ فَأَرَادَ الْقَاضِي الْمَذْكُورُ أَنْ يَنْقُضَ حُكْمَهُ السَّابِقَ بِمُجَرَّدِ مَا نُقِلَ عَنْ ذَلِكَ الْمُؤَرِّخِ فَهَلْ يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا وَهَلْ يُعَارِضُ أَخْبَارُ التَّوَارِيخِ الْبَيِّنَاتِ الْعَادِلَةَ وَتَتَرَجَّحُ عَلَيْهَا أَمْ لَا؟ بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ. (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْوَاقِعَةِ يَسْتَدْعِي تَحْرِيرًا فَإِنَّ مَا ذُكِرَ فِيهَا مِنْ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ هُمْ وَاضِعُو الْيَدِ وَأَنَّ الْخَارِجَ أَجَابَ بِالْإِنْكَارِ عَجِيبٌ إذْ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ مِنْ ذِي الْيَدِ أَنْ تُسْمَعَ لَهُ دَعْوَى عَلَى خَارِجٍ لَا يَدَ لَهُ بِمَا ذُكِرَ مَعَ أَنَّ شَرْطَ الدَّعْوَى أَنْ تَكُونَ مُلْزِمَةً وَلَا إلْزَامَ هُنَا وَفَرْضٌ مُصَحِّحٌ لِدَعْوَاهُمْ بِأَنْ يَقُولُوا إنَّهُ يُلَازِمُنَا وَيَمْنَعُنَا مِنْ اشْتِغَالِنَا لَا يَتَأَتَّى هُنَا مَعَ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ أَنَّ الْخَارِجَ أَجَابَ بِإِنْكَارِ اسْتِحْقَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ هَذَا دَعْوَى أُخْرَى فَإِذَا أَنْكَرَهَا قُبِلَ قَوْلُهُ وَلَمْ تُسْمَعْ مِنْهُمْ بَيِّنَةٌ بِاسْتِحْقَاقٍ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا الْآنَ بَلْ لَا يُطَابِقُ دَعْوَاهُمْ فَعُلِمَ أَنَّ الْوَاقِعَ إنْ كَانَ كَمَا ذُكِرَ أَوْ لَا مِنْ دَعْوَى وَاضِعِي الْيَدِ فَالدَّعْوَى بَاطِلَةٌ. وَمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهَا مِنْ الْحُكْمِ كَذَلِكَ فَتَبْقَى الْأَرْضُ بِيَدِ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ بِأَنْ ادَّعَى خَارِجٌ عَلَى ذِي الْيَدِ بِأَنَّهُ الْمَالِكُ لِلرَّقَبَةِ أَوْ الْمُسْتَحِقُّ لِلْمَنْفَعَةِ الْآنَ بِمُقْتَضَى كَذَا وَطَالَبَهُمْ بِرَفْعِ أَيْدِيهِمْ فَأَجَابُوا بِأَنَّهُمْ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلْمَنْفَعَةِ فَأَنْكَرَ فَأَقَامُوا بَيِّنَةً وَشَرَطَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ وَالِاسْتِحْقَاقَ لِجَدِّهِمْ وَذُرِّيَّتِهِ وَبِأَنَّهُمْ مِنْ تِلْكَ الذُّرِّيَّةِ وَلَمْ تَذْكُرْ الْبَيِّنَةُ أَنَّ مُسْتَنَدَهَا الِاسْتِفَاضَةُ أَوْ ذَكَرَتْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْجَزْمِ لَا الشَّكِّ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ فَحَكَمَ الْقَاضِي بِهَا صَحَّ حُكْمُهُ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ نَقْضُهُ لِشَيْءٍ وَجَدَهُ مُخَالِفًا فِي كُتُبِ التَّوَارِيخِ وَفِي الرَّوْضَةِ كَالْإِحْيَاءِ أَنَّ كُتُبَ التَّوَارِيخِ لَا تَنْفَعُ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ. وَالْعَجَبُ مَنْ تَوَهُّمِ هَذَا الْقَاضِي ذَلِكَ إذْ هَذَا لَا يَصْدُرُ إلَّا مِمَّنْ لَمْ يَشَمَّ لِكَلَامِ الشَّافِعِيَّةِ رَائِحَةً وَكَانَتْ أَمَارَاتُ الْجَهْلِ وَالتَّسَاهُلِ فِي الدِّينِ عَلَيْهِ لَائِحَةً وَكَيْفَ يَتَوَهَّمُ ذَلِكَ مُتَوَهِّمٌ مَعَ اتِّفَاقِ أَئِمَّتِهِ عَلَى أَنَّ الْخَطَّ لَا يُعْمَلُ بِهِ وَلَا يُقْضَى بِمَا فِيهِ حَتَّى لَوْ شَهِدَ إنْسَانٌ فِي وَاقِعَةٍ وَدَوَّنَهَا بِخَطِّهِ وَحَفِظَهُ عِنْدَهُ حِفْظًا تَامًّا بِحَيْثُ يَقْطَعُ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَزْوِيرُ شَيْءٍ فِيهِ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ مُعْتَمِدًا عَلَى خَطِّهِ حَتَّى يَتَذَكَّرَ

الْوَاقِعَةَ أَيْ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْخَطِّ ضَعِيفَةٌ مُحْتَمِلَةٌ فَلَا يَجُوزُ اعْتِمَادُهَا فِي الشَّهَادَاتِ وَنَحْوِهَا مَعَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَلَى مِثْلِ هَذِهِ فَاشْهَدْ» فَيَا لِلَّهِ الْعَجَبُ مِمَّنْ عَرَفَ ذَلِكَ مِنْ مُخْتَصَرَاتِ مَذْهَبِهِ الَّتِي بِأَيْدِي الْمُبْتَدَئِينَ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهَا كَيْفَ يَتَوَهَّمُ أَنَّ حُكْمًا صَحَّ لِاسْتِيفَاءِ شُرُوطِهِ يُنْقَضُ لِشَيْءٍ وُجِدَ مُخَالِفًا لَهُ لَا يُقَاوِمُهُ وَلَا يُعَارِضُهُ تَاللَّهِ لَا يَتَوَهَّمُ ذَلِكَ إلَّا غَبِيٌّ غَلَبَ عَلَيْهِ هَوَاهُ وَضَعُفَ عَقْلُهُ وَتَقْوَاهُ عَلَى أَنَّا لَوْ تَنَزَّلْنَا. وَقُلْنَا إنَّ تِلْكَ التَّوَارِيخَ يُعْمَلُ بِهَا فِي ذَلِكَ لَمْ يُعْمَلْ بِهَا فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ جَزْمًا لِأَنَّهَا لَا تُنَافِي مَا حَكَمَ بِهِ الْقَاضِي لِأَنَّ غَايَةَ مَا بَيْنَ تَارِيخِ وَفَاةِ الْوَاقِفِ وَوَفَاةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مِائَةُ سَنَةٍ وَنَحْوُ سَنَةٍ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي أَنَّ وِلَادَةَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ تَأَخَّرَتْ عَنْ وَفَاةِ الْوَاقِفِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ عَاشَ مِائَةَ سَنَةٍ وَسَنَتَيْنِ وَهَذَا كَثِيرٌ بَلْ قَدْ رَأَيْنَا مَنْ جَاوَزَ الْمِائَةَ وَالْعِشْرِينَ وَمِنْهُمْ جَدِّي أَبُو أَبِي وَشَيْخُنَا وَلِيُّ اللَّهِ ذُو الْكَرَامَاتِ الْبَاهِرَةِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْحَمَائِلِ وَشَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ تَعَالَى عَهْدَهُ جَاوَزَ الْمِائَةَ بَلْ فِي الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - أَجْمَعِينَ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ عَاشُوا مِائَةً وَسِتِّينَ سَنَةً بَلْ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - جَاوَزَ الْمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَةً اتِّفَاقًا عَلَى مَا نَقَلَهُ أَبُو الشَّيْخِ. وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الزَّائِدِ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى قِيلَ إنَّهُ عَاشَ سِتَّمِائَةِ سَنَةٍ وَقَوْلُ الذَّهَبِيِّ لَمْ يُجَاوِزْ الثَّمَانِينَ فِيمَا ظَهَرَ لَهُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ وَقَدْ رَأَيْنَا بِمَكَّةَ مِنْ مُنْذُ سِنِينَ رَجُلًا هِنْدِيًّا يَزْعُمُ أَنَّ سِنَّهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسُونَ سَنَةً وَأَنَّهُ مِنْ خَدَمَةِ رَتَنَ الْهِنْدِيِّ الْمُدَّعَى أَنَّهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ حَمَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحَمَلَهُ حَتَّى جَاوَزَ بِهِ سَبِيلًا قُرَيْبَ جُدَّةَ وَأَنَّهُ وَفَدَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِمَكَّةَ وَمَرَّةً بِالْمَدِينَةِ وَانْتَصَرَ لَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ زَاعِمًا عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ تَابِعِيٌّ لِاجْتِمَاعِهِ بِهَذَا الصَّحَابِيِّ لَكِنْ بَالَغَ غَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ فِي تَكْذِيبِ رَتَنَ فِي دَعْوَاهُ تِلْكَ وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا اسْتِحَالَةَ وَلَا بُعْدَ فِي أَنَّ الشَّخْصَ يَعِيشُ مِائَةَ سَنَةٍ وَسَنَةٍ فَأَكْثَرَ لَمْ يَكُنْ مَا فِي تِلْكَ التَّوَارِيخِ مُنَافِيًا لِذَلِكَ الْحُكْمَ وَلَا مُعَارِضًا لَهُ بِوَجْهٍ فَتَوَهُّمُ الْقَاضِي أَنَّ مَا ذُكِرَ عَنْ تِلْكَ التَّوَارِيخِ يُنَافِي حُكْمَهُ وَيَقْتَضِي نَقْضَهُ ذُهُولٌ عَجِيبٌ وَتَغَفُّلٌ مُرِيبٌ هَذَا كُلُّهُ إذَا تَنَزَّلْنَا. وَقُلْنَا بِمَا لَا يَقُولُ بِهِ شَافِعِيٌّ أَنَّ مَا فِي التَّوَارِيخِ يُعَارِضُ أَحْكَامَ الْقُضَاةِ الصَّحِيحَةِ بِالْبَيِّنَاتِ الْعَادِلَةِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يُطْلِقُ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ عِلْمَ التَّارِيخِ لَا يَنْفَعُ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ مَعَ قَوْلِ الثَّوْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَنَاهِيَك بِهِ جَلَالَةً وَتَقَدُّمًا لَمَّا اسْتَعْمَلَ الرُّوَاةُ الْكَذِبَ اسْتَعْمَلْنَا لَهُمْ التَّارِيخَ وَقَوْلِ حَسَّانِ بْنِ يَزِيدَ لَمْ يُسْتَعَنْ عَلَى الْكَذَّابِينَ بِمِثْلِ التَّارِيخِ. وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شِهَابٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَقَدِمَهَا فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ أَمَرَ بِالتَّارِيخِ» وَقَوْلِ الْمُحَدِّثِينَ إنَّ التَّارِيخَ فَنٌّ عَظِيمُ الْوَقْعِ جَلِيلُ النَّفْعِ وَضَعْنَاهُ لِنَخْتَبِرَ بِهِ مَنْ جَهِلْنَا لَمَّا كَثُرَ الْكَذَّابُونَ حَتَّى ظَهَرَ بِهِ كَذِبُهُمْ وَبَطَلَ قَوْلُهُمْ الَّذِي يُرَوِّجُونَ بِهِ عَلَى مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِالتَّارِيخِ كَمَا وَقَعَ لِجَمَاعَةٍ أَنَّهُمْ زَعَمُوا لِقَاءَ الْأَكَابِرِ وَأَخَذُوا عَنْهُمْ فَبُحِثَ عَنْ سِنِّ مَوْلِدِهِمْ وَوَفَاةِ أُولَئِكَ فَرُئِيَ بَيْنَهُمَا بَوْنٌ بَائِنٌ فَافْتُضِحُوا بِذَلِكَ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ وَقَوْلِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وُلِعَ بَعْضُ مَنْ لَا يُعْبَأُ بِهِ بِكَلَامِ الرَّوْضَةِ وَالْإِحْيَاءِ فِي ذَمِّ مُطْلَقِ التَّارِيخِ فَأَخْطَأَ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ إذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِلْوُقُوفِ عَلَى اتِّصَالِ الْخَبَرِ وَشِبْهِهِ قُلْت هَذَا كُلُّهُ فِي وَادٍ وَكَلَامُ الْفُقَهَاءِ فِي وَادٍ آخَرَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا بَلْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ بَابَ الرِّوَايَةِ أَوْسَعُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ فَلَا يَلْزَمُ مَنْ اسْتِدْلَالِهِمْ بِمَا فِي التَّوَارِيخِ الْمُعْتَمَدَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ عَنْ مُؤَلِّفِيهَا الْأَئِمَّةِ الْحُفَّاظِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ مِنْ تَكْذِيبِ رَاوٍ فِي دَعْوَاهُ أَوْ جَرْحِهِ أَوْ تَعْدِيلِهِ أَوْ تَدْلِيسِهِ أَوْ انْقِطَاعِهِ أَوْ إرْسَالِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ فُنُونِ الرِّوَايَةِ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِمَا فِيهَا عَلَى بُطْلَانِ حُكْمِ قَاضٍ بِبَيِّنَةٍ شَرْعِيَّةٍ عَادِلَةٍ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْمَحْكُومِ لَهُ وَنَفَذَ الْحُكْمُ لَهُ بِذَلِكَ ظَاهِرًا مُطْلَقًا وَبَاطِنًا كَذَلِكَ عِنْدَ جَمْعٍ مُجْتَهِدِينَ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُوَافِقَ بَاطِنُ الْأَمْرِ ظَاهِرَهُ عِنْدَنَا فَلَا يُرْفَعُ إلَّا بِمَا يُعَادِلُ ذَلِكَ كَبَيِّنَةٍ أُخْرَى مُسْتَوْفِيَةٍ لِشُرُوطِ الْبَيِّنَاتِ وَالتَّعَارُضِ شَهِدَتْ بِمَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ ذَلِكَ الْحُكْمِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَرْفَعُهُ. وَأَمَّا مُجَرَّدُ شَيْءٍ يُوجَدُ فِي تَارِيخٍ أَوْ تَوَارِيخَ فَذَلِكَ

لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْبَيِّنَاتِ فِي شَيْءٍ أَلْبَتَّةَ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُسْتَأْنَسُ بِهِ فِي تَقْوِيَةِ سَنَدٍ أَوْ ضَعْفِهِ أَوْ عَدَالَةٍ أَوْ جَرْحٍ أَوْ نَحْوِهَا وَكُلُّ هَذِهِ لِلْقَرَائِنِ فِيهَا مَدْخَلٌ لِأَنَّ مَدَارَهَا وَمَبْنَاهَا لَيْسَ إلَّا عَلَى الْقَرَائِنِ كَمَا لَا يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى إلْمَامٍ بِمَعْلُومِ الْحَدِيثِ وَاصْطِلَاحِ الْمُحَدِّثِينَ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ التَّارِيخِ وَالْمُسْتَدِلُّونَ بِهِ وَأَمَّا الْفُقَهَاءُ فَلَا مَدْخَلَ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ فِي قَوَاعِدِهِمْ الْمُقَرَّرَةِ فِي أَحْكَامِ الْقُضَاةِ وَالشُّهُودِ وَنَحْوِهِمَا وَقَوْلُ الرَّوْضَةِ وَالْإِحْيَاءِ السَّابِقُ مِنْ الْوَاضِحِ أَنَّهُ مَفْرُوضٌ فِي تَوَارِيخَ لَيْسَ فِيهَا إلَّا مُجَرَّدُ ذِكْرِ حَوَادِثَ وَوَقَائِعَ لَا يَرْتَبِطُ بِهَا نَفْعٌ فِي الدِّينِ وَلَا فِي الدُّنْيَا. وَأَمَّا تَوَارِيخُ الْمُحَدِّثِينَ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ نَحْوِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَوَفَيَاتِ الرُّوَاةِ وَرَحَلَاتِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهِيَ مِنْ أَجَلِّ الْكُتُبِ النَّافِعَةِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُحَدِّثُونَ وَالنَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْهُمْ بَلْ مِنْ أَجَلِّهِمْ كَمَا شَهِدَ بِذَلِكَ تَقْرِيبُهُ وَغَيْرُهُ فَإِنْ قُلْت قَدْ اُسْتُدِلَّ بِالتَّارِيخِ فِي مِثْلِ قَضِيَّتِنَا فَقَدْ حَكَى الْخَطِيبُ فِي تَارِيخِهِ أَنَّ بَعْضَ يَهُودِ خَيْبَرَ أَظْهَرَ صَحِيفَةً فِيهَا إسْقَاطُ الْجِزْيَةِ عَنْهُمْ وَفِيهَا شَهَادَةُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ فَنَظَرَ الْأَئِمَّةُ فِي حَالِ أُولَئِكَ الشُّهُودِ فَوَجَدُوا بَعْضَهُمْ قَدْ مَاتَ قَبْلَ فَتْحِ خَيْبَرَ كَسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَبَعْضُهُمْ مَا أَسْلَمَ إلَّا بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ فَأُبْطِلَتْ تِلْكَ الصَّحِيفَةُ قُلْت شَتَّانَ مَا بَيْنَ هَذِهِ وَقَضِيَّتِنَا لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ بَابِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَسْقَطَ الْجِزْيَةَ عَنْهُمْ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ يُعْمَلُ فِي بَابِ الرِّوَايَةِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْقَرَائِنِ وَقَضِيَّتُنَا مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ فَلَا جَامِعَ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمَ أَنَّ بُطْلَانَ الصَّحِيفَةِ لِمُجَرَّدِ ذَلِكَ. وَإِنَّمَا حُكِيَ هَذَا لِأَنَّهُ قَرِينَةٌ فَقَطْ وَأَمَّا أَصْلُ بُطْلَانِهَا فَإِنَّمَا هُوَ لِأُصُولٍ أُخْرَى مِنْهَا مُخَالَفَتُهَا لِلْقَطْعِيِّ وَهُوَ الْإِجْمَاعُ عَلَى عُمُومِ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ وَمِنْ ثَمَّ كَانَتْ صَحِيفَتُهُمْ بَاطِلَةً وَإِنْ فُرِضَ أَنَّ تِلْكَ الْقَرِينَةَ لَمْ تُوجَدْ فَبَانَ أَنَّهَا مُقَوِّيَةٌ فَقَطْ وَمِمَّا يُبْطِلُهَا أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنْ لَا إجْمَاعَ أَنَّ إسْقَاطَهَا عَنْ هَؤُلَاءِ بِخُصُوصِهِمْ تَخْصِيصٌ لِلْقُرْآنِ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بِقَاطِعٍ عِنْدَ جَمَاعَةٍ وَعَلَى مُقَابِلِ الْأَصَحِّ أَنَّهُ يَكُونُ بِالسُّنَّةِ وَلَوْ ظَنِّيَّةً يُشْتَرَطُ فِي تِلْكَ السُّنَّةِ أَنْ يَرْوِيَهَا الْعَدْلُ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَنَدٍ مُتَّصِلٍ عُرِفَتْ رِجَالُهُ وَعَدَالَتُهُمْ وَعَدَمُ عِلَّةٍ قَادِحَةٍ فِيهِمْ أَوْ فِي مُرُوءَتِهِمْ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ وَهَذِهِ الصَّحِيفَةُ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَكَيْفَ يَتَوَهَّمُ مَنْ لَهُ أَدْنَى مُسْكَةٍ أَنَّ بُطْلَانَهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تِلْكَ الْقَرِينَةِ حَتَّى تُجْعَلَ الْقَرِينَةُ هِيَ الْمُبْطِلَةَ لَهَا ثُمَّ يَقِيسُ عَلَيْهَا فِي ذَلِكَ بُطْلَانَ الْحُكْمِ فِي قَضِيَّتِنَا لَا يَتَوَهَّمُ ذَلِكَ إلَّا غَبِيٌّ جَاهِلٌ عَلَى أَنَّهُ صَحَّتْ نُصُوصٌ تُبْطِلُهَا أَيْضًا فَقَدْ صَحَّ مِنْ طُرُقٍ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَصَّ عَلَى إجْلَائِهِمْ مِنْ خَيْبَرَ بَلْ مِنْ الْحِجَازِ وَعَمِلَ بِهَا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَأَجْلَاهُمْ وَأَخَذَ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ. وَوَافَقَهُ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - عَلَى ذَلِكَ وَتَدَبَّرْهُ لِيَظْهَرَ لَك أَنَّ مَا حُكِيَ عَنْ ذَلِكَ الْقَاضِي إنْ صَحَّ عَنْهُ دَلَّ عَلَى فَرْطِ جَهْلِهِ وَقِلَّةِ دِينِهِ وَاقْتَضَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى عُلَمَاءِ بَلَدِهِ السَّعْيُ فِي عَزْلِهِ مَا أَمْكَنَ وَإِلَّا لَزِمَهُمْ الْإِعْلَامُ بِحَالِهِ حَتَّى لَا يَغْتَرَّ بِهِ الْجَاهِلُونَ وَتَوْلِيَةُ مِثْلِ هَذَا غَيْرُ عَجِيبٍ فَقَدْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي قُضَاةِ زَمَنِهِ إنَّهُمْ كَقَرِيبِي عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ فَالِامْتِحَانُ بِالْجَهَلَةِ قَدِيمٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا أَمَرَ السُّلْطَانُ بِأَمْرٍ مُوَافِقٍ لِمَذْهَبٍ مُعْتَبَرٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ بِذَلِكَ الْمَذْهَبِ فَضْلًا عَنْ تَقْلِيدِهِ فَهَلْ يَتَعَيَّنُ تَنْفِيذُ أَمْرِهِ بِذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَعِبَارَتُهُ إذَا أَمَرَ السُّلْطَانُ بِأَمْرٍ مُوَافِقٍ لِمَذْهَبٍ مُعْتَبَرٍ مِنْ مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ الْمُعْتَبَرِينَ فَإِنَّا نُنَفِّذُهُ وَلَا يَجُوزُ لَنَا نَقْضُهُ وَلَا نَقُولُ يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَعْلَمَ بِالْخِلَافِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْحُكَّامِ لِأَنَّ الْخَوْضَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى فِتَنٍ عَظِيمَةٍ يَنْبَغِي سَدُّهَا انْتَهَتْ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ أَجَابَ بِجَوَابٍ مُعْتَرِضًا عَلَى جَوَابِ غَيْرِهِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ تَخْطِئَتُهُ وَالتَّشْنِيعُ عَلَيْهِ بِأَلْفَاظٍ قَبِيحَةٍ كَمَا يَفْعَلُهُ الْبَعْضُ سَوَاءٌ أَظَهَرَ الْخَطَأَ بِظُهُورِ النَّصِّ أَمْ كَانَ اعْتِرَاضُهُ بِحَسَبِ فَهْمِهِ أَمْ يَجُوزُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ وَمَا هُوَ وَفِي الرَّوْضَةِ كَلَامٌ لَا يَخْفَى عَلَى شَرِيفِ عِلْمِكُمْ حَقِّقُوهُ أَثَابَكُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِثَوَابِهِ الْجَزِيلِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ الْمُجِيبُ الْأَوَّلُ لَيْسَ

أَهْلًا لِلْإِفْتَاءِ أَوْ صَدَرَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِعْجَالِهِ وَتَقْصِيرِهِ فِي اسْتِبَانَةِ الْحُكْمِ فَالْمُعْتَرِضُ عَلَيْهِ مَعْذُورٌ وَإِنْ أَتَى مِنْ أَلْفَاظِ التَّنْفِيرِ عَنْ تِلْكَ الْمَقَالَةِ بِمَا أَتَى لِأَنَّ بَيَانَ الْحَقِّ وَدَفْعَ غَيْرِ أَهْلِهِ عَنْ التَّعَرُّضِ لِمَا لَيْسُوا لَهُ بِأَهْلٍ وَاجِبَانِ عَلَى مُتَأَهِّلٍ لِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ أَهْلًا لِلْإِفْتَاءِ مُتَثَبِّتًا فِيمَا أَفْتَى بِهِ لَمْ يُعْذَرْ الْمُعْتَرَضُ عَلَيْهِ إلَّا إنْ بَيَّنَ سَبَبَ الْخَطَإِ بِالنَّصِّ الصَّرِيحِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَوْ الْأَصْحَابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - وَمَعَ ذَلِكَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْأَدَبُ مَعَهُ فَلَا يُبْرِزُ انْتِقَاصًا لَهُ فِي ذَاتِهِ أَصْلًا وَأَمَّا إذَا أَرَادَ التَّنْفِيرَ عَنْ تِلْكَ الْمَقَالَةِ فَوَاسِعٌ لَهُ أَنْ يَقُولَ عَنْهَا هَذِهِ خَطَأٌ أَوْ بَاطِلٌ أَوْ لَا يَجُوزُ لِشَافِعِيٍّ الْعَمَلُ بِهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُنَفِّرَةِ عَنْ الْمَقَالَةِ لَا غَيْرُ هَذَا كُلُّهُ إنْ تَأَهَّلَ الْمُعْتَرِضُ وَإِلَّا مُنِعَ مِنْ الْكَلَامِ مِنْ أَصْلِهِ وَعَلَى مَا ذَكَرْته مِنْ التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ مَا وَقَعَ لِلْأَصْحَابِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ وَمَا وَقَعَ لِلْمُتَأَخِّرِينَ مَعَ الشَّيْخَيْنِ وَمَعَ بَعْضِهِمْ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْأَلْفَاظِ الْغَلِيظَةِ الَّتِي يَأْتُونَ بِهَا إلَّا التَّنْفِيرَ عَنْ تِلْكَ الْمَقَالَةِ لَا غَيْرُ. وَمَعَ ذَلِكَ الْأَوْلَى تَوْفِيَةُ اللِّسَانِ مَا أَمْكَنَ وَمَا فِي الرَّوْضَةِ إنْ فُرِضَ شُمُولُهُ لِمَسْأَلَتِنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْته فَتَأَمَّلْهُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا لَفْظُهُ أَطْلَقَ بَعْضُ الْمُفْتِينَ أَنَّ مَنْ اسْتَعْمَلَ الْحَشِيشَةَ كَفَرَ فَهَلْ يُنْكَرُ عَلَيْهِ إطْلَاقُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ اُسْتُفْتِيَ عَنْ ذَلِكَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ فَقَالَ لَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ هَذَا الْإِطْلَاقُ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ فِي مَعْرِضِ الزَّجْرِ وَالتَّغْلِيظِ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ» فَيَكُونُ مُؤَوَّلًا عَلَى الْمُسْتَحِلِّ أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ كُفْرَ النِّعْمَةِ لَا كُفْرَ الْمِلَّةِ وَالْعَالِمُ إذَا أَفْتَى بِمِثْلِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ إنَّمَا يُطْلِقُهَا مُتَأَوِّلًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا الْمُرَادُ بِالْمُقَلِّدِ الَّذِي لَا يَصِحُّ إيمَانُهُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ الْمُرَادُ بِهِ مِنْ نَشَأَ بِقُلَّةِ جَبَلٍ وَلَمْ يُرْزَقْ فِطْنَةً حَتَّى يَسْتَدِلَّ بِهَذَا الْعَالَمَ عَلَى أَنَّ لَهُ مُوجِدًا وَمُدَبِّرًا فَمَرَّ عَلَيْهِ شَخْصٌ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ فَاعْتَقَدَهُ وَجَزَمَ بِهِ تَقْلِيدًا لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَفَطَّنَ لِذَلِكَ الِاسْتِدْلَالِ وَهَذَا نَادِرٌ جِدًّا وَأَمَّا مَنْ قَالَ يَلْزَمُ عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ صِحَّةِ إيمَانِ الْمُقَلِّدِ تَكْفِيرُ الْعَوَامّ فَإِنَّمَا يَتَمَشَّى كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُقَلِّدِ مَنْ لَمْ يُتْقِنْ الدَّلِيلَ عَلَى قَوَاعِدِ الِاسْتِدْلَالِ وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اكْتَفَى مِنْ كَثِيرِينَ مِنْ أَجْلَافِ الْأَعْرَابِ وَالنِّسَاءِ بِمَا هُوَ فِي طَبْعِ كُلِّ أَحَدٍ حَتَّى الْعَجَائِزِ وَالصِّبْيَانِ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِالنُّجُومِ وَالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالْأَنْهَارِ وَالْأَشْجَارِ وَالزُّرُوعِ عَلَى أَنَّ لَهَا خَالِقًا وَمُدَبِّرًا وَعَلَى هَذَا لَا تَجِدُ عَامِّيًّا مُقَلِّدًا أَصْلًا. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَخْصٍ يَقْرَأُ وَيُطَالِعُ الْكُتُبَ الْفِقْهِيَّةَ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْخٌ يُقَرِّرُ لَهُ الْمَسَائِلَ الدِّينِيَّةَ وَالدُّنْيَوِيَّةَ ثُمَّ إنَّهُ يُسْأَلُ عَنْ مَسَائِلَ دِينِيَّةٍ وَدُنْيَوِيَّةٍ فَيُفْتِيهِمْ وَيَعْتَمِدُ عَلَى مُطَالَعَتِهِ فِي الْكُتُبِ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ فِيمَا يُسْأَلُ عَنْهُ هَلْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِ الْجَوَازِ فَمَاذَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ لِهَذَا الْمَذْكُورِ الْإِفْتَاءُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لِأَنَّهُ عَامِّيٌّ جَاهِلٌ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ بَلْ الَّذِي أَخَذَ الْعِلْمَ عَنْ الْمَشَايِخِ الْمُعْتَبَرِينَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ مِنْ كِتَابٍ وَلَا مِنْ كِتَابَيْنِ بَلْ قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَا مِنْ عَشَرَةٍ فَإِنَّ الْعَشَرَةَ وَالْعِشْرِينَ قَدْ يَعْتَمِدُونَ كُلُّهُمْ عَلَى مَقَالَةٍ ضَعِيفَةٍ فِي الْمَذْهَبِ فَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُمْ فِيهَا بِخِلَافِ الْمَاهِرِ الَّذِي أَخَذَ الْعِلْمَ عَنْ أَهْلِهِ وَصَارَتْ لَهُ فِيهِ مَلَكَةٌ نَفْسَانِيَّةٌ فَإِنَّهُ يُمَيِّزُ بَيْنَ الصَّحِيحِ مِنْ غَيْرِهِ وَيَعْلَمُ الْمَسَائِلَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَمَدِ بِهِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُفْتِي النَّاسَ وَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ وَاسِطَةً بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيَلْزَمُهُ إذَا تَسَوَّرَ هَذَا الْمَنْصِبَ الشَّرِيفَ التَّعْزِيرُ الْبَلِيغُ وَالزَّجْرُ الشَّدِيدُ الزَّاجِرُ لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ الْقَبِيحِ الَّذِي يُؤَدِّي إلَى مَفَاسِدَ لَا تُحْصَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ وَظِيفَةٍ شَغَرَتْ بِمَوْتِ صَاحِبِهَا فَأَقَامَ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْإِقَامَةِ شَخْصًا فِي الْوَظِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ فَبَاشَرَهَا نَحْوًا مِنْ سَنَةٍ فَأَنْهَى فِي خِلَالِ ذَلِكَ شَخْصٌ آخَرُ إلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنَّ الْوَظِيفَةَ الْمَذْكُورَةَ شَاغِرَةٌ بِسَبَبِ وَفَاةِ صَاحِبِهَا الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِذِكْرِ مَنْ أُقِيمَ فِيهَا فَأَقَامَهُ فِيهَا وَلِيُّ

باب إلحاق القائف

الْأَمْرِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِعَزْلِ مَنْ أُقِيمَ فِيهَا أَوَّلًا فَهَلْ الْوِلَايَةُ الثَّانِيَةُ تُبْطِلُ الْأُولَى أَمْ هُمَا صَحِيحَتَانِ فَيَشْتَرِكَانِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا صَرَّحَ الْمُوَلِّي بِتَرْتِيبِ التَّوْلِيَةِ عَلَى إنْهَاءِ الشُّغُورِ الْحَقِيقِيِّ كَانَتْ بَاطِلَةً فَيُقَدَّمُ الْمُتَوَلِّي أَوَّلًا مُبَاشَرَةً وَمَعْلُومًا مِنْ غَيْرِ مُشَارَكَةٍ لَهُ فِي ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ وَلَا بِعَزْلِ الْأَوَّلِ وَلَا دَلَّتْ عَلَى عَزْلِهِ قَرِينَةٌ اشْتَرَكَ فِيهَا الْأَوَّلُ وَالثَّانِي فَإِنْ قُلْت يُنَافِي ذَلِكَ مَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ أُخْبِرَ بِمَوْتِ الْقَاضِي أَوْ فِسْقِهِ فَوَلَّى قَاضِيًا ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ لَمْ يُقْدَحْ فِي تَوْلِيَةِ الثَّانِي قَالَ فِي الْخَادِمِ. وَمُقْتَضَاهُ الْجَزْمُ بِانْعِزَالِ الْأَوَّلِ أَيْ وَإِنْ كَانَ فِيهِ وَجْهَانِ فَيَكُونُ تَرْجِيحًا لِلْوَجْهِ الْقَائِلِ بِانْعِزَالِ الْأَوَّلِ ثُمَّ اسْتَشْكَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ بِأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى ظَنٍّ غَيْرِ مُطَابِقٍ ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ لِلْإِمَامِ الْعَزْلَ مِنْ غَيْرِ مُوجِبٍ أَيْ لِمَنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ قَالَ وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ قَالَ لِمَنْ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً أَنْتِ طَالِقٌ فَبَانَتْ زَوْجَتَهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ قُلْت إذَا تَأَمَّلْت قَوْلِي إذَا صَرَّحَ إلَخْ وَقَوْلَ الزَّرْكَشِيّ إنَّهُ بَنَاهُ عَلَى ظَنٍّ وَبِتَنْظِيرِهِ الْمَذْكُورِ ظَهَرَ لَك عَدَمُ الْمُنَافَاةِ وَأَنَّ كَلَامَ الشَّيْخَيْنِ فِيمَا إذَا وَلَّى ظَانًّا صِحَّةَ الْخَبَرِ بِالْمَوْتِ أَوْ الْفِسْقِ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ تَصْرِيحٌ بِتَرْتِيبِ التَّوْلِيَةِ عَلَى صِحَّةِ الْخَبَرِ فَصَحَّتْ لِأَنَّهَا وَجَدَتْ مَسَاغًا هُوَ أَنَّ لِلْإِمَامِ التَّوْلِيَةَ مَعَ سَبْقِ التَّوْلِيَةِ لِأَنَّهَا كَالْمُعَلَّقَةِ بِشَرْطٍ لَمْ يُوجَدْ فَإِنْ قُلْتَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الظَّنِّ وَالتَّصْرِيحِ مَعَ أَنَّ كُلًّا فِيهِ التَّرْتِيبُ عَلَى مَا بَانَ خِلَافُهُ قُلْتُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ فَإِنَّ الْوِلَايَةَ مِنْ الْأُمُورِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَى اللَّفْظِ وَمَا تَوَقَّفَ عَلَيْهِ كَالْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ إنَّمَا يُؤَثِّرُ فِيهِ التَّصْرِيحُ لَا الظَّنُّ وَقَوْلِي وَلَا دَلَّتْ عَلَى عَزْلِهِ قَرِينَةٌ أَخَذْتُهُ مِنْ قَوْلِ الْمَاوَرْدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا قَلَّدَ آخَرَ فَإِنْ اقْتَرَنَ بِتَقْلِيدِهِ شَوَاهِدُ عَزْلِ الْأَوَّلِ كَانَ وَإِلَّا فَهُوَ بَاقٍ عَلَى وِلَايَتِهِ (تَنْبِيهٌ ذَكَرَ أَجِلَّاءُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ هَذَا فِي الْأُمُورِ الْعَامَّةِ قَالُوا أَمَّا الْوَظَائِفُ الْخَاصَّةُ كَالْإِمَامَةِ وَالْخَطَابَةِ وَالتَّدْرِيسِ فَلَا يَجُوزُ عَزْلُ مُتَوَلِّيهَا مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ وَلَا يَنْفُذُ وَاسْتَدَلُّوا بِكَلَامِ الرَّوْضَةِ وَغَيْرُهُ وَيَتَعَيَّنُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ الْمُولِي غَيْرَ الْإِمَامِ أَوْ الْإِمَامَ وَلَمْ يَخْشَ مِنْهُ فِتْنَةً أَمَا إذَا كَانَ الْمُوَلِّي هُوَ الْإِمَامَ وَخَشِيَ مِنْ عَدَمِ نُفُوذِ تَوْلِيَتِهِ فِتْنَةً فَيَنْبَغِي صِحَّتُهَا مُطْلَقًا كَمَا هُوَ وَاضِحٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا إذَا اسْتَنَابَ السُّلْطَانُ شَخْصًا بِقَرْيَةٍ مَخْصُوصَةٍ نِيَابَةً خَاصَّةً أَوْ عَامَّةً فَأَخْرَبَ السُّلْطَانُ الْمَذْكُورُ الْقَرْيَةَ الْمَذْكُورَةَ هَلْ يَنْعَزِلُ النَّائِبُ بِخَرَابِ مَوْضِعِ التَّوْلِيَةِ أَمْ لَا كَمَا لَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ فِي ذَلِكَ إنَّهُ إذَا قَيَّدَ التَّوْلِيَةَ بِتِلْكَ الْقَرْيَةِ بِأَنْ قَالَ وَلَّيْتُك بَقَرِيَّةِ كَذَا لَمْ يَنْعَزِلْ إلَّا بِخَرَابِهَا خَرَابًا مُسْتَأْصِلًا لَهَا بِحَيْثُ صَارَتْ لَا تُسَمَّى قَرْيَةً كَذَا لِزَوَالِ مَا أَنَاطَ التَّوْلِيَةَ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَصِرْ كَذَلِكَ لِبَقَاءِ مَا وُلِّيَ فِيهِ فَتَبْقَى التَّوْلِيَةُ بِبَقَائِهِ وَلَيْسَ هَذَا كَمَوْتِهِ إذْ لَا جَامِعَ بَيْنَهُمَا كَمَا هُوَ جَلِيٌّ هَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يَمْنَعْ السُّلْطَانُ النَّاسَ مِنْ سُكْنَاهَا وَإِلَّا كَانَ ذَلِكَ عَزْلًا لِقَاضِيهَا عَنْ الْحُكْمِ فِيهَا وَإِنْ بَقِيَ اسْمُهَا كَمَا هُوَ وَاضِحٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابُ إلْحَاقِ الْقَائِف] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رَجُلٌ وَطِئَ جَارِيَةً لَهُ ثُمَّ تَرَكَهَا بِلَا وَطْءٍ نَحْوَ شَهْرَيْنِ فَظَنّ أَنَّهَا حَاضَتْ فَزَوَّجَهَا مِنْ عَبْدِهِ فَوَلَدَتْ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَنَحْوَ عَشْرَةِ أَيَّامٍ مِنْ دُخُولِ الزَّوْجِ عَلَيْهَا فَهَلْ الْوَلَدُ لَاحِقٌ بِالسَّيِّدِ أَوْ بِالزَّوْجِ وَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) حَيْثُ لَمْ يَثْبُتْ حَيْضُهَا وَهِيَ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ لَكِنَّ الْوَطْءَ وَطْءُ شُبْهَةٍ وَالْوَلَدُ مُمْكِنٌ مِنْهُمَا فَيُعْرَضُ عَلَى الْقَائِفِ فَإِنْ أَلْحَقهُ بِأَحَدِهِمَا لَحِقَهُ وَإِلَّا وُقِفَ أَمْرُهُ حَتَّى يُكَلَّفَ فَيُلْزَمَ وَلَوْ بِالْحَبْسِ بِالِانْتِسَابِ إلَى أَحَدِهِمَا إنْ وَجَدَ مَيْلًا إلَيْهِ وَإِلَّا وُقِفَ إلَى أَنْ يَجِدَهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابُ الْقِسْمَةِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَوْ أَرَدْنَا قِسْمَةَ حُلِيٍّ مَغْشُوشٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ بَيْن أَيْتَامٍ أَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَبْتَاعَ لَهُمْ ذَلِكَ فَمَا الطَّرِيقُ فِي صِحَّةِ الْقِسْمَةِ وَالْبَيْعِ هَلْ يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ التَّبَايُعِ بِعَرَضٍ احْتِيَالًا لِلصِّحَّةِ حَيْثُ اقْتَضَتْهُ الْمَصْلَحَةُ لِلْأَيْتَامِ كَمَا لَوْ جَرَى ذَلِكَ بَيْنَ رُشْدٍ أَوْ لَا وَهَلْ لَهُمْ طَرِيقٌ فِي الشَّرْعِ سِوَى

ذَلِكَ أَمْ لَا فَإِنَّ فِي سَدِّ الْبَابِ عَلَيْهِمْ مِنْ الْحَرَجِ مَا لَا يَخْفَى؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّ الْحُلِيَّ إمَّا أَنْ تَسْتَوِيَ أَجْزَاؤُهُ أَوْ لَا فَإِنْ اسْتَوَتْ أَجْزَاؤُهُ جَازَتْ قِسْمَتُهُ حَيْثُ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ بِالْقِسْمَةِ لِأَنَّ الصَّحِيحَ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ أَنَّهَا إفْرَازٌ لِلْحَقِّ لَا بَيْعٌ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ جَعْلُهُمْ الْغِشَّ مَقْصُودًا فِي بَابِ الْقِسْمَةِ كَالزَّكَاةِ وَالرِّبَا بِخِلَافِ الْمُعَامَلَةِ بِالْمَغْشُوشَةِ لِأَنَّ الْغِشَّ لَا يُنْظَرُ إلَيْهِ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ إلَّا حَيْثُ جُعِلَتْ بَيْعًا وَأَمَّا حَيْثُ كَانَتْ إفْرَازًا فَلَا يُنْظَرُ إلَيْهِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي عَنْ الشَّيْخَيْنِ. وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَجْزَاؤُهُ امْتَنَعَتْ قِسْمَتُهُ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ بَيْعٌ وَبَيْعُ بَعْضِ الْمَغْشُوشِ بِبَعْضِهِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخَانِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ فَإِنَّهُمَا قَالَا وَحَيْثُ قُلْنَا الْقِسْمَةُ بَيْعٌ اُشْتُرِطَ فِي قِسْمَةِ الرِّبَوِيِّ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ وَامْتَنَعَتْ فِي الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ وَمَا عَقَدَتْ النَّارُ أَجَزَاءَهُ قَالَ غَيْرُهُمَا وَنَحْو ذَلِكَ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ نَحْوِ ذَلِكَ وَحَيْثُ قُلْنَا هِيَ إفْرَازٌ جَازَتْ قِسْمَةُ ذَلِكَ أَيْ وَمِنْ ثَمَّ جَازَتْ قِسْمَةُ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْقِسْمَةَ إفْرَازٌ وَامْتَنَعَتْ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا بَيْعٌ وَحَيْثُ امْتَنَعَتْ قِسْمَةُ الْحُلِيِّ الْمَذْكُورِ إمَّا لِكَوْنِهَا بَيْعًا أَوْ لِكَوْنِهَا تَنْقُصُ قِيمَتُهُ بِالْكَسْرِ بَاعَهُ وَلَيُّ الْأَيْتَامِ أَوْ أَوْلِيَاؤُهُمْ بِذَهَبٍ إنْ كَانَ فِضَّةً أَوْ عَكْسَهُ لَا بِعَرْضٍ إلَّا لِمَصْلَحَةٍ وَقَسَمُوا ثَمَنَهُ بَيْنَهُمْ عَلَى حَسَبِ شِرْكَتِهِمْ فِي الْمَبِيعِ هَذَا إنْ كَانَ الْبَيْعُ أَحَظَّ مِنْ إيجَارِهِ وَإِبْقَائِهِ لِمَنْ يَسْتَعْمِلهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَأَكْثَرَ. أَمَّا إذَا اسْتَوَى الْبَيْعُ وَالْإِيجَارُ الْمَذْكُورَانِ فِي الْحَظِّ فَيَتَخَيَّرُ الْوَلِيُّ أَوْ الْأَوْلِيَاءُ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْإِيجَارُ أَحَظَّ مِنْ الْبَيْعِ فَيَجِبُ فِعْلُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ آنِيَةَ الْقِنْيَةِ الَّتِي لِلْمَحْجُورِ إذَا كَانَتْ مِنْ صُفْرٍ وَنَحْوِهِ كَالْعَقَارِ فِيمَا ذَكَرُوهُ فِي بَيْعِ الْوَلِيِّ لَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ إلَّا لِخَوْفِ تَلَفِهِ أَوْ لِحَاجَةٍ نَحْوِ نَفَقَةٍ مَا لَمْ يَجِدْ قَرْضًا يَنْتَظِرُ مَعَهُ غَلَّةً تَفِي بِالْقَرْضِ أَوْ لِغِبْطَةٍ ظَاهِرَةٍ كَبَيْعِهِ بِزِيَادَةِ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ وَهُوَ يَجِدُ مِثْلَهُ بِبَعْضِهِ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ بِكُلِّهِ وَإِذَا كَانَتْ آنِيَةً نَحْوَ الصُّفْرِ كَالْعَقَارِ فِيمَا ذُكِرَ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَاعْتَمَدَهُ فَلْيَكُنْ الْحُلِيُّ الْمَذْكُورُ كَالْعَقَارِ فِيمَا ذَكَرنَا بِالْمُسَاوَاةِ أَوْ الْأَوْلَى فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا لِأَحَدِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ الْخَوْفِ أَوْ الْحَاجَةِ أَوْ الْغِبْطَةِ وَاعْلَمْ أَيْضًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ الْأَيْتَامِ أَنْ يَتَوَلَّى الْقِسْمَةَ بَيْنَهُمْ بِنَفْسِهِ وَحْدَهُ قُلْنَا إنَّهَا بَيْعٌ سَوَاءَ أَكَانَ فِيهَا تَقْوِيمٌ أَمْ لَا وَكَذَا إنْ قُلْنَا إنَّهَا إفْرَازٌ أَوْ كَانَ فِيهَا تَقْوِيمٌ لِقَوْلِهِمْ حَيْثُ كَانَ فِي الْقِسْمَةِ تَقْوِيمٌ فَلَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ يَشْهَدَانِ بِالْقِسْمَةِ وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَقْوِيمٌ كَمَا فِي فَتَاوَى الْأَصْبَحِيِّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَيْ بَيْنَ شَخْصَيْنِ أَرْضٌ وَاحِدَةٌ فِيهَا بِنَاءٌ أَوْ شَجَرٌ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ الْبِنَاءِ أَوْ الشَّجَرِ دُونَ الْأَرْضِ أَوْ بِالْعَكْسِ مَعَ الْمُسَاوَاةِ بِالتَّعْدِيلِ فَهَلْ يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ أَوْ لَا وَلَوْ كَانَ الْبِنَاءُ أَوْ الشَّجَرُ لِأَجْنَبِيٍّ وَأَرَادَ الشُّرَكَاءُ قِسْمَةَ الْأَرْضِ أَوْ بِالْعَكْسِ فَهَلْ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِأَنَّ كَلَامَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيِّ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى فِي السُّؤَالِ بِقِسْمَيْهَا وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا صَرَّحَا بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْضٌ وَاحِدَةٌ فِيهَا بِنَاءٌ أَوْ شَجَرَةٌ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ الْأَرْضِ دُونَ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ لَا يُجْبَرُ الْآخَرُ فَإِنْ تَرَاضَيَا دَخَلَ فِي الْأَرْضِ قِسْمَةُ الْإِجْبَارِ مَا دَامَا عَلَى هَذَا الِاتِّفَاقِ وَقُسِمَتْ بَيْنَهُمَا إجْبَارًا بِالْقُرْعَةِ فَإِذَا رَجَعَ أَحَدُهُمَا عَنْ الِاتِّفَاقِ زَالَتْ قِسْمَةُ الِاتِّفَاقِ اهـ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ حَيْثُ قَالَ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَرْضٌ مَزْرُوعَةٌ وَأَرَادَ قِسْمَةَ الْأَرْضِ وَحْدَهَا جَازَ وَأُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ. اهـ. فَقَوْلُهُ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ هُوَ مَسْأَلَتُنَا بِعَيْنِهِ وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْأَنْوَارِ أَيْضًا تَبَعًا لِلشَّيْخَيْنِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَلَوْ كَانَتْ الشَّرِكَةُ لَا تَرْتَفِعُ بِالْقِسْمَةِ إلَّا عَنْ بَعْضِ الْأَعْيَانِ كَعَبْدَيْنِ بَيْنَ اثْنَيْنِ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا مِائَةٌ وَالْآخَرِ مِائَتَانِ وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ لِيَخْتَصَّ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ قُرْعَةُ الْخَسِيسِ بِهِ وَبِرُبُعِ النَّفِيسِ فَلَا إجْبَارَ. اهـ. وَعِبَارَةُ الشَّيْخَيْنِ الْأَصَحُّ لَا إجْبَارَ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَا تَرْتَفِعُ بِالْكُلِّيَّةِ وَهَذَا مِنْهُمَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَحَلَّ الْإِجْبَارِ إذَا ارْتَفَعَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا بِالْكُلِّيَّةِ وَإِلَّا فَلَا إجْبَارَ فَيَكُونُ نَصًّا فِي مَسْأَلَتِنَا أَنَّهُ لَا إجْبَارَ فِي

مَسْأَلَتِنَا وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ الدَّارِمِيِّ إذَا كَانَ الْعُلُوُّ مُشْتَرَكًا فَتَرَاضَوْا عَلَى قِسْمَتِهِ جَازَ وَإِنْ طَلَبُوا الْإِجْبَارَ يَجُوزُ وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ لَا يَجُوزُ. اهـ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَكَأَنَّ الصُّورَةَ فِيمَا إذَا كَانَ الْعُلُوُّ مُشْتَرَكًا فَقَطْ وَالسُّفْلُ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا. اهـ. وَإِذَا كَانَتْ الصُّورَةُ كَذَلِكَ كَانَ كَلَامُ ابْنِ خَيْرَانَ ضَعِيفًا لِمَا عَلِمْتَ أَنَّ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ حِينَئِذٍ يَشْهَدُ لَهُ كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيِّ وَكَلَامُ الشَّيْخَيْنِ السَّابِقِ وَيُؤَيِّدهُ أَيْضًا اشْتِرَاطُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي قِسْمَةِ الْجِدَارِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمَالِكَيْنِ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَوْلِ بِالْإِجْبَارِ أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ لَهُمَا وَلَا يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ إذَا طَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَتَهَا دُونَ الزَّرْعِ أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ لِأَنَّ لِلزَّرْعِ أَمَدًا يُنْتَظَرُ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ وَكَأَنَّ السُّبْكِيّ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ حَيْثُ تَوَقَّفَ فِي الْإِجْبَارِ فِيمَا لَوْ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ شَرِكَةٌ فِي أَنْشَابٍ وَبَسَاتِينَ وَبِئْرٍ وَالْأَرْضُ مُسْتَأْجَرَةٌ لَهُمَا فَإِنَّهُ قَالَ لَا إجْبَارَ فِي الْبِئْرِ الْمُحْتَكَرَةِ وَلَا فِي الْأَنْشَابِ إنْ اخْتَلَفَ نَوْعُهَا أَوْ جِنْسُهَا أَوْ قِيمَتُهَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ التَّعْدِيلُ وَإِنْ اتَّحَدَ النَّوْعُ وَأَمْكَنَ التَّعْدِيلُ فَعِنْدِي فِيهِ تَوَقُّفٌ. اهـ. وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْمَنْقُولَ يَقْتَضِي هُنَا عَدَمَ الْإِجْبَارِ أَيْضًا لِبَقَاءِ الشَّرِكَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْأَرْضِ فَلَمْ تُوجَدْ فَائِدَةُ الْقِسْمَةِ وَأَمَّا الصُّورَةُ الثَّانِيَة بِقِسْمَيْهَا فَوَاضِحٌ أَنَّهُ يُجْبِرُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ الْقِسْمَةِ فِيهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأُولَى أَنَّ الْقِسْمَةَ هُنَا تُزِيلُ ضَرَرَ الشَّرِكَةِ بِالْكُلِّيَّةِ وَلَا تُبْقِي بَيْنَهُمَا تَعَلُّقًا بَعْدهَا بِخِلَافِهَا فِي الْأُولَى فَإِنَّ التَّعَلُّقَ الْمُؤَدِّيَ إلَى الْمُنَازَعَةِ وَالْمُضَارَةِ بَاقٍ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَلَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ مِنْهُمَا لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهَا مِنْ إزَالَةِ مَا هُوَ سَبَبٌ لِلْمُنَازَعَةِ وَالْمُضَارَةِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ ثُمَّ رَأَيْتُ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَجَّهَ بِذَلِكَ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ وَقَدْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ قِسْمَةَ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ دُونَ أَرْضِهِ لَا تَجُوزُ جَبْرًا وَتَجُوزُ اخْتِيَارًا وَوَجْهُهُ أَنَّ قِسْمَةَ التَّعْدِيلِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ تَقْطَعُ الْعَلَقَ بَيْنَهُمَا وَاعْتِرَاضُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ مِنْ الْقِسْمَةِ وَهَهُنَا لَوْ أُجْبِرْنَا لَمْ تَنْقَطِعْ الْعَلَقُ وَالِاعْتِرَاضَاتُ بَيْنَهُمَا لِبَقَاءِ الشَّرِكَةِ فِي الْمَنْفَعَةِ فَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا أَنْ يُعَوِّضَ عَنْ شَجَرِهِ الَّذِي اُقْتُلِعَ لِاعْتِرَاضِهِ الْآخَر. اهـ. (وَسُئِلَ) فِي قِسْمَةِ النَّخْلِ هَلْ يُجْبَرُ عَلَيْهَا الْمُمْتَنِعُ إذَا اتَّحَدَ النَّوْعُ وَالْقِيمَةُ مِنْ غَيْرِ رَدٍّ كَمَا أَفْتَى بِهِ إسْمَاعِيلُ الْحَيَائِيُّ أَوْ الشَّرْطُ اتِّحَادُ الْجِنْسِ فَقَطْ كَمَا أَفْتَى بِهِ أَبُو شُكَيْل الْيَمَانِيَيْنِ فَمَا الْمُعْتَمَدُ مِنْ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي عَنْ الشَّيْخَيْنِ وَكَلَامِ السُّبْكِيّ السَّابِقِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ مِنْ قِسْمَةِ النَّخْلِ إذَا اخْتَلَفَ نَوْعُهَا أَوْ جِنْسُهَا أَوْ قِيمَتُهَا إذَا لَمْ يُمْكِن التَّعْدِيلُ وَدَعْوَى أَبِي شُكَيْل أَنَّ الشَّرْطَ اتِّحَادُ الْجِنْسِ فَقَطْ مَمْنُوعَةٌ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْقِسْمَةِ دُونَ الْإِجْبَارِ عَلَيْهَا عَلَى أَنَّ فِي إطْلَاقِ هَذَا نَظَرًا أَيْضًا فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَالْمُشْتَرَكُ الَّذِي يَعْدِلُ بِالْقِيمَةِ مِنْهُ مَا يُعَدُّ شَيْئًا وَاحِدًا كَأَرْضٍ تَخْتَلِفُ قِيمَةُ أَجْزَائِهَا بِحَسَبِ قُوَّةِ الْإِنْبَاتِ. وَكَذَا بُسْتَانٌ بَعْضُهُ نَخْلٌ وَبَعْضُهُ عِنَبٌ وَدَارٌ بَعْضُهَا مَبْنِيٌّ بِآجُرٍّ وَبَعْضُهَا مَبْنِيٌّ بِخَشَبٍ وَطِينٍ هَذَا إنْ لَمْ يُمْكِنْ قِسْمَةُ الْجَيِّدِ وَحْدَهُ وَالرَّدِيءِ وَحْدَهُ وَإِلَّا فَلَا إجْبَارَ وَمِنْهُ مَا يُعَدُّ شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا وَلَا إجْبَارَ فِيهِ ثُمَّ قَالَا وَالْعَبِيدُ وَالدَّوَابُّ وَالشَّجَرُ وَالثِّيَابُ وَنَحْوهَا إذَا كَانَتْ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَأَمْكَنَ التَّسْوِيَةُ عَدَدًا وَقِيمَةً أُجْبِرَ عَلَى الْقِسْمَةِ وَإِنْ لَمْ تُمْكِنْ التَّسْوِيَةُ أَوْ كَانَتْ الْأَعْيَانُ أَجْنَاسًا أَوْ أَنْوَاعًا فَلَا إجْبَارَ وَكَذَا لَوْ اخْتَلَطَتْ الْأَنْوَاعُ وَعَسُرَ التَّمْيِيزُ كَتَمْرٍ جَيِّدٍ وَرَدِيءٍ. اهـ. مُلَخَّصًا وَعِبَارَةُ الْأَنْوَارِ كَمَا يَجْرِي الْإِجْبَارُ إذَا اخْتَلَفَتْ الصِّفَاتُ يَجْرِي إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ كَالْبُسْتَانِ الْوَاحِدِ بَعْضُهُ نَخْلٌ وَبَعْضُهُ عِنَبٌ. وَالدَّارُ الْمَبْنِيُّ بَعْضُهَا بِالْآجُرِّ وَبَعْضُهَا بِالطِّينِ وَالْخَشَبِ وَهَذَا إذَا لَمْ تُمْكِنْ قِسْمَةُ الْجَيِّدِ وَحْدَهُ وَالرَّدِيءِ وَحْدَهُ وَإِلَّا فَلَا يُجْبَرُ عَلَى قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ ثُمَّ قَالَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَقَارًا كَالْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَشْجَارِ وَنَحْوهَا فَإِنْ كَانَتْ نَوْعًا وَاحِدًا وَأَمْكَنَتْ التَّسْوِيَةُ عَدَدًا وَقِيمَةً أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ وَإِلَّا فَلَا وَكَأَنَّ أَبَا شُكَيْل تَوَهَّمَ مَا ذُكِرَ عَنْهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْبُسْتَانِ الْمَذْكُورَةِ وَلَيْسَ كَمَا تَوَهَّمَ فَإِنَّ اخْتِلَافَ الْجِنْسِ فِيهَا أُلْغِيَ لِأَنَّ الْمَقْسُومَ بِالْقَصْدِ هُوَ أَرْضُ الْبُسْتَانِ فَلَا نَظَرَ لِاخْتِلَافِ جِنْسِ مَا فِيهَا بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا

فَإِنَّ الْمُخْتَلِفَ الْجِنْسِ هُوَ الْمَقْسُومُ مِنْ غَيْرِ تَبَعٍ لِشَيْءٍ وَمِنْ ثَمَّ ذَكَرَ الشَّيْخَانِ فِي الْأَشْجَارِ الْمُنْفَرِدَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اتِّحَادِ نَوْعِهَا وَإِمْكَانِ تَسْوِيَتِهَا عَدَدًا وَقِيمَةً فَلَا تَلْتَبِسُ عَلَيْكَ إحْدَى الصُّورَتَيْنِ بِالْأُخْرَى كَمَا وَقَعَ فِيهِ أَبُو شُكَيْل إنْ صَحَّ مَا نُقِلَ عَنْهُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الرِّبَوِيَّاتِ كَالرُّطَبِ وَالْعِنَبِ هَلْ تَصِحُّ قِسْمَتُهَا كَيْلًا مَعَ اتِّحَادِ نَوْعِهِ وَاخْتِلَافِهِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ اتِّحَادِ النَّوْعِ وَلَوْ اقْتَسَمَاهُ بِدُونِ كَيْلٍ بَلْ بِامْتِحَانٍ بِالْيَدِ أَوْ دُونِهِ هَلْ يَقُومُ مَقَامَ الْكَيْلِ وَهَلْ يَقْدَحُ فِي الصِّحَّةِ اخْتِلَافُ حَبَّاتِهِ كُبْرًا وَصِغَرًا أَوْ اخْتِلَافُهُ رُطَبًا وَبَلَحًا أَوْ لَا وَكَذَلِكَ قِسْمَةُ الْحَبِّ فِي سُنْبُلِهِ بِكَيْلٍ أَوْ دُونِهِ وَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِأَنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّا حَيْثُ جَعَلْنَا الْقِسْمَةَ بَيْعًا فَاقْتَسَمَا رِبَوِيَّا وَجَبَ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ وَلَمْ تَجُزْ قِسْمَةُ الْمَكِيلِ وَزْنًا وَعَكْسُهُ وَلَا قِسْمَةُ رُطَبٍ وَعِنَبٍ وَمَا عَقَدَتْ النَّارُ أَجْزَاءَهُ وَلَا قِسْمَةُ ثَمَرٍ عَلَى شَجَرٍ خَرْصًا وَحَيْثُ جَعَلْنَاهَا إفْرَازًا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ جَازَ كُلُّ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَفُوتُ إمْكَانُ الْقِسْمَةِ فَقَطْ نَعَمْ الثِّمَارُ عَلَى الشَّجَرِ غَيْر الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ لَا تَجُوزُ قِسْمَتُهَا خَرْصًا وَكَذَلِكَ سَائِرُ الزُّرُوعِ. وَأَمَّا التَّمْرُ وَالْعِنَبُ فَيَجُوزُ قِسْمَتُهَا خَرْصًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَاخْتَارَ السُّبْكِيّ قَوْلَ جَمْعٍ لَا يَجُوزُ خَرْصُهَا وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا إفْرَازٌ قَالَ لِأَنَّ الْخَرْصَ ظَنٌّ لَا يُعْلَمُ بِهِ نَصِيبُ وَاحِدٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَفِي الزَّكَاةِ جَوَّزَ لِلْحَاجَةِ مَعَ كَوْنِ شَرِكَةِ الْمَسَاكِينَ لَيْسَتْ بِشَرِكَةٍ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَدَاءُ حَقِّهِمْ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ وَيُجَابُ بِأَنَّ الظَّنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ خَرْصِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُحَقَّقِ شَرْعًا فِي بَابِ الزَّكَاةِ وَالْعَرَايَا فَكَذَا هُنَا لِأَنَّ قِسْمَةَ الْإِفْرَازِ فِيهَا أَنْوَاعٌ مِنْ الْمُسَامَحَةِ يُجْعَلُ هَذَا مِنْهَا وَصَرَّحَ الشَّيْخَانِ أَيْضًا بِأَنَّهُمَا لَوْ أَرَادَ قِسْمَةَ أَرْضٍ مَزْرُوعَةٍ مَعَ مَا فِيهَا وَقَدْ اشْتَدَّ الْحَبُّ أَوْ كَانَ بَذْرًا بَعْدُ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ فَصِيلًا جَازَ أَوْ قِسْمَةَ مَا فِيهَا وَحْدَهَا يَأْتِي فِيهِ هَذَا التَّفْصِيلُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تُجْعَلَ الْقِسْمَةُ هُنَا إفْرَازً أَوْ بَيْعًا أَمَّا فِي الزَّرْعِ وَحْدَهُ فَلِأَنَّهُ مَجْهُولٌ وَأَمَّا فِي الزَّرْعِ مَعَ الْأَرْضِ وَهُوَ بَذْرٌ أَوْ قَدْ بَدَا صَلَاحُهُ فَلِأَنَّهَا عَلَى الْإِفْرَازِ قِسْمَةُ مَعْلُومٍ وَمَجْهُولٍ وَعَلَى الْبَيْعِ بَيْعُ طَعَامٍ وَأَرْضٍ بِطَعَامٍ وَأَرْضٍ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قِسْمَةُ الْحَبِّ فِي سُنْبُلِهِ مُطْلَقًا وَأَنَّهُ تَصِحُّ قِسْمَةُ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ كَيْلًا وَوَزْنًا مَعَ اتِّحَادِ النَّوْعِ وَاخْتِلَافِهِ وَلَوْ رُطَبًا وَبَلَحًا وَمَعَ اخْتِلَافِ الْحَبَّاتِ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي قِسْمَةِ الْإِفْرَازِ تَعْدِيلُ السَّهْمِ بِمَا يُعْلَمُ بِهِ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ كَالْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ أَوْ الزَّرْعِ وَمِنْ ثَمَّ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي عَنْ الْكَيْلِ مَثَلًا الِامْتِحَانُ بِالْيَدِ ثُمَّ مَا ذُكِرَ فِي الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ إنَّمَا يَأْتِي إذَا قُلْنَا إنَّهُمَا مِثْلِيَّانِ وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ الشَّيْخَانِ فِي الْقَصَبِ وَصَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ تَبَعًا لِلنَّصِّ أَنَّهُمَا مُتَقَوَّمَانِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إنَّهُ الْمُفْتَى بِهِ لَكِنَّ الْقَائِلَ بِالْأَوَّلِ يَحْمِلُ النَّصَّ الْقَائِلَ بِوُجُوبِ قِيمَتِهَا عَلَى مَا إذَا فُقِدَ الْمِثْلُ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُمَا مُتَقَوَّمَانِ تَكُونُ قِسْمَتُهُمَا قَسْمَةَ تَعْدِيلٍ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ شُرُوطِهَا السَّابِقَةِ فِي الْجَوَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا. (وَسُئِلَ) فِي قِسْمَةِ اللَّحْمِ نِيئًا وَمَشْوِيًّا بِدُونِ نَزْعِ الْعِظَامِ وَدُونَ وَزْنِ اللَّحْمِ كَمَا عَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ أَوْ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَمَا طَرِيقُ الصِّحَّةِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَلَوْ ضَحَّى جَمَاعَةٌ بِبَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ وَقُلْتُمْ إنَّ لَهُمْ قِسْمَةَ اللَّحْمِ فَهَلْ يَجِبُ أَنْ يَتَّصِلَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِنَصِيبِهِ مِنْ الْكَبِدِ وَالْقَلْبِ وَالْكَرِشِ وَالشَّحْمِ وَاللَّحْمِ وَهِيَ أَجْنَاسٌ أَوْ يَجُوزُ أَنْ يَخْتَصَّ بَعْضُهُمْ بِبَعْضِهَا وَغَيْرُهُ بِالْبَعْضِ الْآخَرِ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّ اللَّحْمَ النِّيءَ مِثْلِيٌّ فَتَكُونُ قِسْمَةَ إفْرَازٍ وَحِينَئِذٍ فَتَصِحُّ بِشَرْطِ نَزْعِ عَظْمِهِ الَّذِي يَمْنَعُ مَعْرِفَةَ مَقَادِيرِ الْأَنْصِبَاءِ لَمَا مَرَّ فِي الْجَوَابِ الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ شَرْطَ قِسْمَةِ الْإِفْرَازِ تَعْدِيلُ السِّهَامِ بِمَا يُعْلَمُ بِهِ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَلَا يَتَيَسَّرُ ذَلِكَ فِي نَحْوِ اللَّحْمِ إلَّا بِوَزْنِهِ فَلَا تَصِحُّ قِسْمَتُهُ جُزَافًا لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا قِسْمَةَ تَعْدِيلٍ وَهُوَ بَيْعٌ وَبَيْعُ الرِّبَوِيِّ الَّذِي دَخَلَ النَّارَ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لَا يَجُوزُ وَإِذَا ضَحَّى جَمْعٌ بِبَدَنَةٍ. فَلَا بُدَّ مِنْ قِسْمَةِ كُلٍّ مِنْ أَجْزَائِهَا كَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ عَلَى حِدَتِهِ لِأَنَّ قِسْمَتَهَا تَعْدِيلًا بَاطِلَةٌ لِأَنَّهَا بَيْعٌ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ فِي الرِّبَوِيَّاتِ الْمُخْتَلِفَةِ الْجِنْسِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مِنْ قَاعِدَةِ مُدِّ عَجْوَةٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْتُهُ فِي الْجَوَابِ.

الَّذِي قَبْلَ هَذَا فِي تَقْدِيرِ بُطْلَانِ قِسْمَةِ الزَّرْعِ مَعَ الْأَرْضِ وَقَدْ بَدَا صَلَاحُهُ أَوْ كَانَ بَذْرًا بَعْدُ وَالْكَلَامُ حَيْثُ لَمْ يَرْضَوْا بِتَخْصِيصِ بَعْضِهِمْ بِشَيْءٍ مِنْهَا عَلَى وَجْهِ الْهِبَةِ مَثَلًا أَمَّا إذَا رَضُوا بِذَلِكَ فَلَا مَانِعَ مِنْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ قَوْلِ الرَّوْضَةِ وَأَمَّا الْأَقْرِحَةُ الْأَرَاضِي فَإِنْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً فَهِيَ كَالدُّورِ وَإِنْ كَانَتْ مُتَجَاوِرَةً فَفِي الشَّامِلِ أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ جَعَلَهَا كَالْقَرَاحِ الْوَاحِدِ الْمُخْتَلِفِ الْأَجْزَاءِ وَأَنَّ غَيْرَهُ قَالَ إنَّمَا تَكُونُ كَالْقَرَاحِ الْوَاحِدِ إذَا اتَّحَدَ الشُّرْبُ وَالطَّرِيقُ فَإِنْ تَعَدَّدَ فَهُوَ كَمَا لَوْ تَفَرَّقَتْ قَالَ وَهَذَا أَشْبَهُ بِكَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَمَا صُورَةُ الِاتِّحَادِ فِي الشُّرْبِ وَالطَّرِيقِ. هَلْ هُوَ فِي الشُّرْبِ مَا إذَا كَانَتْ الْأَقْرِحَةُ الْمُتَجَاوِرَةُ تَشْرَبُ مِنْ ثُقْبَةٍ وَاحِدَةٍ دُون مَا إذَا تَعَدَّدَتْ لِكُلِّ أَرْضٍ ثُقْبَةٌ تَخُصُّهَا مِنْ النَّهْرِ أَوْ كَيْفَ صُورَة الِاتِّحَادِ وَلَوْ أَنَّ أَحَدَ الْأَقْرِحَةِ أَسْفَلُ مِنْ الْآخَرِ وَبَيْنَهُمَا حَاجِزٌ وَفِيهِ ثُقْبٌ يَمُرُّ الْمَاءُ فِيهَا مِنْ الْأَعْلَى إلَى الْأَسْفَلِ بِلَا سَدٍّ وَقَدْ يُسَدُّ بِحَيْثُ لَا يُرْسِلُ إلَى الْأَسْفَلِ إلَّا بَعْدَ رَيِّ الْأَعْلَى فَهَلْ يَجْرِي الْإِجْبَارُ فِي الصُّورَتَيْنِ أَمْ فِي الصُّورَة الْأُولَى فَقَطْ وَهَلْ مَا ثَبَتَ فِيهِ الْإِجْبَارُ بِالْقِسْمَةِ يَثْبُتُ فِي خَلْطَةِ الْجِوَارِ أَمْ الْحُكْمُ مُخْتَلِفٌ؟ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ. (فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ اتِّحَادِ الْأَقْرِحَةِ مِنْ اتِّحَادِ مَشْرَبِهَا وَطَرِيقِهَا بِأَنْ يَكُونَ النَّهْرُ الَّذِي تَشْرَبُ مِنْهُ وَاحِدًا وَتَكُونَ طَرِيقُهَا الَّتِي يَصِلُ فِيهَا مَاءُ النَّهْرِ إلَيْهَا وَاحِدَةً سَوَاءٌ وَصَلَ إلَيْهَا مِنْ ثُقْبَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مِنْ ثُقَب بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَ النَّهْرُ أَوْ اتَّحَدَ لَكِنْ اخْتَلَفَتْ طُرُقُهَا إلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا إجْبَارَ حِينَئِذٍ لِاخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ بِاخْتِلَافِ الْأَنْهَارِ وَبِاخْتِلَافِ الْقُرْبِ إلَيْهِ بِاخْتِلَافِ الطَّرِيقِ مَعَ تَلَاصُقِهَا كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ يَخْتَلِفُ قُرْبُهَا وَبُعْدُهَا مِنْهُ فَامْتَنَعَ الْإِجْبَارُ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ مَا إذَا تَلَاصَقَتْ وَاتَّحَدَ النَّهْرُ وَاتَّحَدَتْ طَرِيقُهَا إلَيْهِ فَإِنَّ الْأَغْرَاضَ حِينَئِذٍ لَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَعْيَانِهَا فَمِنْ ثَمَّ دَخَلَهَا الْإِجْبَارُ حِينَئِذٍ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا إجْبَارَ فِيمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ أَنَّ أَحَدَ الْأَقْرِحَةِ أَسْفَلَ مِنْ الْآخَرِ إلَخْ لِأَنَّ الطَّرِيقَ حِينَئِذٍ إلَى النَّهْرِ لَمْ تَتَّحِدْ بَلْ اخْتَلَفَتْ قُرْبًا وَبُعْدًا وَمِنْ لَازِمِ اخْتِلَافِهَا كَذَلِكَ اخْتِلَافُ الْأَغْرَاضِ بِأَعْيَانِهَا وَمَعَ اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ كَذَلِكَ يُمْتَنَعُ الْإِجْبَارُ وَوَاضِحٌ أَنَّ خُلْطَةَ الْجِوَارِ لَا شَرِكَةَ فِيهَا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ فِيهَا الْقِسْمَةُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُتَصَوَّرَ فِيهَا إجْبَارٌ أَوْ عَدَمُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَا ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي لَا تَتَأَتَّى قِسْمَتُهُ إجْبَارًا وَلَمْ يَرْضَ الشُّرَكَاءُ فِيهِ بِالْمُهَايَأَةِ أَنَّ الْحَاكِمَ يُؤَجِّرهُ وَهَلْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُؤَجِّرَهُ لِبَعْضِ الشُّرَكَاءِ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ لَا فَهَلْ إجَارَتُهُ صَحِيحَةٌ أَوْ فَاسِدَةٌ وَلَوْ أَنَّ بَعْضَ الشُّرَكَاءِ طَلَبَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ هَلْ يُجَابُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ بِقَوْلِهِ قَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ فِي امْتِنَاعِ الشِّرْكَيْنِ مِنْ الْمُهَايَأَةِ إنَّ الْحَاكِمَ يُؤَجِّرُهُ عَلَيْهِمَا وَتُوَزَّعُ الْأُجْرَةُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَجِّرهُ لِأَحَدِهِمَا وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ بِامْتِنَاعِهِمَا صَارَ نَائِبًا عَنْهُمَا شَرْعًا إذْ تَصَرُّفُهُ عَلَيْهِمَا إنَّمَا هُوَ بِنِيَابَةٍ اقْتَضَتْهَا الْوِلَايَةُ أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي الْحَاكِمِ إذَا زَوَّجَ بِعَضَلِ الْوَلِيِّ أَوْ غَيْبَتِهِ مَثَلًا وَإِذَا كَانَ نَائِبًا عَنْهُمَا فَكَيْفَ يُؤَجِّرُ أَحَدَهُمَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُتَصَرِّفًا مَعَ مُسْتَنِيبِهِ فِيمَا هُوَ نَائِبٌ فِيهِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ لِاسْتِلْزَامِهِ أَنَّ الْمَالِكَ يَسْتَأْجِرُ مَالَهُ مِنْ نَائِبِهِ. بَلْ لَوْ قُلْنَا إنَّ الْقَاضِيَ لَيْسَ نَائِبًا عَنْهُمَا وَإِنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِي ذَلِكَ بِحُكْمِ الْوِلَايَةِ الشَّرْعِيَّةِ كَانَ الِامْتِنَاعُ وَاضِحًا أَيْضًا لِأَنَّهُ وَلِيٌّ عَلَى الْمُسْتَأْجَرِ مِنْهُ فِي حِصَّتِهِ وَالْوَلِيُّ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ مَعَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ فِيمَا هُوَ وَلِيٌّ عَلَيْهِ فِيهِ فَإِنْ قُلْتَ يُمْكِنُ تَوْجِيهُ الصِّحَّةِ بِأَنَّ أَحَدِهِمَا إذَا رَضِيَ بِالِاسْتِئْجَارِ صَارَ الْقَاضِي غَيْرَ نَائِبٍ عَنْهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنُوبُ عَنْ مُمْتَنِعٍ وَغَيْر مُوَلًّى عَلَيْهِ كَذَلِكَ أَيْضًا وَحِينَئِذٍ فَلَا يَتَأَتَّى مَا ذَكَرْتُهُ فِي تَوْجِيهِ الِامْتِنَاعِ قُلْتُ هَذَا وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُتَخَيَّلَ إلَّا أَنَّهُ عِنْدَ التَّأَمُّلِ وَاضِحُ الْفَسَادِ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يُؤَجِّرُهُ عَلَيْهِمَا إلَّا إذَا لَمْ يَتَرَاضَيَا بِالْمُهَايَأَةِ وَإِذَا لَمْ يَتَرَاضَيَا بِهَا فَوِلَايَةُ الْحَاكِمِ أَوْ نَائِبِهِ مُسْتَمِرَّةٌ عَلَيْهِمَا وَإِنْ رَضِيَ أَحَدُهُمَا بِأَنْ يَسْتَأْجِرَهُ لِأَنَّ رِضَاهُ بِاسْتِئْجَارِهِ غَيْرُ رِضَاهُ بِالْمُهَايَأَةِ فَلَا يَكُونُ رِضَاهُ بِالِاسْتِئْجَارِ مُبْطِلًا لِوِلَايَةِ الْحَاكِمِ وَلَا لِنِيَابَتِهِ لِوُجُودِ السَّبَبِ

الْمُقْتَضِي لَهَا وَهُوَ امْتِنَاعُهُمَا مِنْ الْمُهَايَأَة وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ إيجَارَ الْحَاكِمِ لِأَحَدِهِمَا فَاسِدٌ وَلَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لِأَنَّ مَلْحَظَ الْفَسَادِ مَا تَقَرَّرَ وَهُوَ مَوْجُودٌ مَعَ اسْتِئْجَارِهِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ أَوْ بِأَكْثَرَ مِنْهَا ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ عَبْسِينَ أَفْتَى بِخِلَافِ ذَلِكَ وَفِيمَا قَرَّرْتُهُ رَدٌّ لِجَمِيعِ كَلَامِهِ فَتَأَمَّلْهُ. (وَسُئِلَ) بَعْضُ النَّاسِ عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَخَلَّفَ خَمْسَةَ أَوْلَادٍ ذُكُورٍ دَاوُد وَأَحْمَدَ وَعُمَرَ وَعَلِيًّا وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ مَاتَ عُمَرُ عَنْ وَلَدٍ اسْمُهُ إدْرِيسُ ثُمَّ مَاتَ إدْرِيسُ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَخَلَّفَ أَرْبَعَةَ أَعْمَامِ ثُمَّ مَاتَ أَحْمَدُ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَانْحَصَرَ إرْثُهُ فِي إخْوَتِهِ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِينَ ثُمَّ مَاتَ دَاوُد وَخَلَّفَ وَلَدَيْنِ ذَكَرَيْنِ هُمَا عَبْدُ اللَّهِ وَيُوسُفُ وَبِنْتًا هِيَ فَاطِمَةُ ثُمَّ مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ وَخَلَّفَ وَلَدًا ذَكَرًا اسْمُهُ إدْرِيسُ ثُمَّ مَاتَ إدْرِيسُ الْمَذْكُورُ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَخَلَّفَ عَمًّا لَهُ وَهُوَ يُوسُفُ الْمَذْكُورُ وَعَمَّةً لَهُ هِيَ فَاطِمَةُ الْمَذْكُورَةُ ثُمَّ غَابَ عَلَى الْمَذْكُورِ فِي السَّفَرِ وَجُهِلَ مَكَانُهُ وَلَهُ مُدَّةُ سِتِّينَ سَنَةً لَمْ يُعْلَمْ أَهُوَ حَيٌّ أَمْ مَيِّتٌ وَتَرَكَ وَلَدًا لَهُ اسْمُهُ شُكْرٌ وَانْحَصَرَ الْآنَ إرْثُ عَبْدِ اللَّهِ الْجَدِّ فِي وَلَدِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَفِي أَوْلَادِ وَلَدِهِ دَاوُد وَفِي وَلَدِ وَلَدِهِ عَلَى الْغَائِبِ شُكْرٍ الْمَذْكُورِ وَلِلْجَدِّ عَبْدِ اللَّهِ أَرَاضٍ وَمَزَارِعُ بِالْيَمَنِ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا عَمُّهُمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمَذْكُورُ وَقَسَمَ لِأَوْلَادِ دَاوُد وَأَوْلَادِ عَلِيِّ الْمَذْكُورِينَ قِطْعَتَيْنِ مِنْ الْأَرَاضِي الْمَذْكُورَةِ فِي بَيْتَيْنِ مِنْ ثُلْثِ الْأَرَاضِي الْمَتْرُوكَةِ وَمَسَكَ الثُّلُثَيْنِ بِيَدِهِ وَغَلَبَ عَلَى أَوْلَادِ إخْوَتِهِ. فَمَاذَا يَخُصُّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ مِنْ هَذِهِ الْأَرَاضِي بِحُكْمِ الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ حِصَّةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثُلْثٌ وَعَلِيٍّ ثُلْثٌ وَيُوسُفَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ ثُلُثٍ وَفَاطِمَةَ خُمْسُ ثُلُثٍ وَعَلَى الْغَائِبِ سِتِّينَ سَنَةً إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ فَوْقَهَا فَيَجْتَهِدُ الْقَاضِي وَيَحْكُمُ بِمَوْتِهِ وَيُعْطِي مَالَهُ مَنْ يَرِثَهُ وَقْتَ الْحُكْمِ وَالْقِسْمَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنْ كَانَتْ بِطَلَبِ الشُّرَكَاءِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ أَمْ لَا وَهُمْ بَالِغُونَ رُشَدَاءُ وَلَمْ يَحْصُلْ حَيْفٌ فِي الْقِسْمَةِ فَالْقِسْمَةُ صَحِيحَةٌ إلَّا فِي حِصَّةٍ عَلَى الْغَائِبِ لِأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ إلَى الْآنَ وَإِنْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ هُوَ الْقَاسِمَ بِاخْتِيَارِهِ فَكُلُّ أَحَدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ عَلَى حِصَّتِهِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ كُلِّ أَرْضٍ وَمَزْرَعَةٍ. اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ فَرُفِعَ هَذَا السُّؤَالُ إلَى شَيْخِنَا - فَسَحَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُدَّتِهِ وَرَضِيَ عَنْهُ وَقَمَعَ بِهِ جَرَاءَةَ مُتَهَجِّمٍ عَلَى الْعِلْمِ قَبْلَ دَرْيَتِهِ وَالْتَمَسَ مِنْهُ تَبْيِينَ الصَّوَابِ عَمَّا بِهِ - هَذَا الْمُفْتِي أَجَابَ. (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ الْمُجِيبِ وَالْقِسْمَةُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إلَى آخِرِ جَوَابِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأُمُورٍ مِنْهَا أَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ أَنَّ الْقَاسِمَ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَحَيْثُ تَوَلَّى بَعْضُ الشُّرَكَاءِ الْقِسْمَةَ بِنَفْسِهِ فَالْقِسْمَةُ بَاطِلَةٌ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْبَاقُونَ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُمْ فَلَا يَحْتَاطُ لَهُمْ كَنَفْسِهِ وَمِنْهَا أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ فِي الشُّرَكَاءِ غَائِبٌ فَلَا يَقْسِمُ عَنْهُمْ إلَّا الْقَاضِيَ بِشَرْطِهِ وَإِلَّا فَالْقِسْمَةُ بَاطِلَةٌ مِنْ أَصْلِهَا وَهَذَانِ كَافِيَانِ فِي بُطْلَانِ جَمِيعِ مَا ذَكَرَهُ هَذَا الْمُفْتِي فَالصَّوَابُ أَنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ بَاطِلَةٌ مِنْ أَصْلِهَا مُطْلَقًا وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ هَذَا الْمُفْتِي مِنْ هَذَا التَّفْصِيلِ بَاطِلٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شَخْصٍ هَلَكَ وَخَلَّفَ بِنْتًا وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُخْتًا لِأُمٍّ مَا الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّ فِي بَلَدِنَا مَنْ لَا يَسْأَلُ عَنْ دِينِهِ إلَّا مَنْ لَا يَعْلَمُ أَفْتُونَا كَيْف يُقْسَمُ الْمِيرَاثُ مَعَ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ قَالُوا إنَّ الْوَلَدَ لِلْأَبِ يَمْنَعُ الْأَخَ لِلْأُمِّ مِنْ الْمِيرَاثِ وَكَذَا قَالُوا الْأَخَوَاتُ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَاتٌ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ لِلْأَبِ النِّصْفُ الْبَاقِي وَلَا شَيْءَ لِلْأَخِ لِلْأُمِّ لِأَنَّهُ مَحْجُوبٌ بِالْبِنْتِ لَا بِالْأُخْتِ وَلَمْ يَقُولُوا إنَّ وَلَدَ الْأَبِ يَمْنَعُ الْأَخَ لِلْأُمِّ مِنْ الْمِيرَاثِ خِلَافًا لِمَا ذَكَره السَّائِلُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شَخْصٍ مَاتَ وَخَلَّفَ بِنْتًا وَابْنًا لِعَتِيقِهِ أَوْ بِنْتَ مُعْتِقِهِ وَقَبِيلَةٌ يُنْسَبُ إلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ تَحْقِيقٍ بَلْ يُقَال إنَّهُ مِنْهُمْ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَرْضِ الَّتِي هُوَ بِهَا فَقَالَ الْمِيرَاثُ بَيْن الْبِنْتِ وَابْن الْعَتِيقِ نِصْفَانِ هَلْ مَا فَعَلَ هَذَا عَنْ حَقِيقَةٍ أَوْ جَاهِلٌ فَنُعَرِّفُهُ فَإِنْ قَبِلَ وَإِلَّا رَفَعْنَا أَمْرَهُ أَمْ يَكُونُ النِّصْفُ لِلْبِنْتِ وَالنِّصْفُ لِلْعَصَبَةِ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ عَصَبَةٌ وَحَيْثُ لَا بَيْتَ مَالٍ فَهَلْ يُحْكَمُ بِالرَّدِّ عَلَى الْبِنْتِ أَمْ

يُرْصَدُ إذَا رَجَا أَنَّهُ يَكُونُ مِنْ حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءَ الْعَرَبِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ بِقَوْلِهِ أَمَّا أَوْلَادُ الْعَتِيقِ فَلَا يَرِثُونَ مِنْ الْمُعْتَقِ شَيْئًا مُطْلَقًا سَوَاءً كَانُوا ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا وَأَمَّا بِنْتُ الْمُعْتَقِ فَلَا تَرِثُ مِنْ عَتِيقِ أَبِيهَا شَيْئًا وَحِينَئِذٍ فَتَسْتَحِقُّ بِنْتُ الْمَيِّتِ النِّصْفَ ثُمَّ إنْ ثَبَتَ انْحِصَارُ الْإِرْثِ فِيهَا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهَا فَإِنْ كَانَ بَيْتُ الْمَالِ مُنْتَظِمًا فِي تِلْكَ الْأَرَاضِي أَخَذَ الْمُتَوَلِّي عَلَيْهِ النِّصْفَ الْبَاقِيَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُنْتَظِمًا أَخَذَتْ الْبِنْتُ النِّصْفَ الْبَاقِيَ أَيْضًا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَثْبُتْ انْحِصَارُ الْإِرْثِ فِيهَا فَتُعْطَى النِّصْفَ فَقَطْ وَالْبَاقِي يُحْفَظُ بِأَنْ يُجْعَلَ تَحْتَ يَدِ قَاضٍ أَمِينٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ قَاضٍ أَمِينٌ اتَّفَقَ أَهْلُ تِلْكَ الْبَلَدِ عَلَى وَضْعِهِ عِنْد مَنْ يَرْضَوْنَ بِأَمَانَتِهِ وَدِيَانَتِهِ إلَى أَنْ يَظْهَرَ مُسْتَحِقُّهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سُؤَالًا صُورَتُهُ أَيِسَ مِنْ صَاحِبِ دَيْنٍ فَهَلْ يَتَعَلَّقُ بِتَرِكَةِ الْمَدْيُونِ مَعَ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ صَرَّحَ الْإِسْنَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي طِرَازِهِ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ بِعَدَمِ تَعَلُّقِهِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى دَوَامِ حَجْرِ التَّرِكَةِ بِهِ لَا إلَى غَايَةٍ وَتَبِعَهُ الدَّمِيرِيُّ وَزَادَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُحْجَرُ بِدَيْنِ اللُّقَطَةِ إذَا تَمَلَّكَهَا الْمَيِّتُ وَلَمْ يَعْرِفْ مَالِكُهَا وَجَرَى عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي صُورَةِ اللُّقْطَةِ وَعَلَّلَهُ بِمَا ذُكِرَ وَإِطْلَاقُ الْأَصْحَابِ يُنَازِعُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَمَا عَلَّلُوا بِهِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ إذَا أَيِسَ مِنْ مَالِكِهِ صَارَ مِنْ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ فَيَتَوَلَّى نَاظِرُ بَيْتِ الْمَالِ قَبْضَهُ وَبِهِ يَنْفَكُّ الْحَجْرُ فَلَمْ يَلْزَمْ دَوَامُ الْحَجْرِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - سُؤَالًا صُورَتُهُ زَيْدٌ وَشَقِيقَتُهُ فَوَلَدَتْ الشَّقِيقَةُ بِنْتًا وَوَلَدَتْ الْبِنْتُ وَلَدًا فَمَاتَتْ الشَّقِيقَةُ وَالْبِنْتُ فَزَعَمَ ابْنُ الْبِنْتِ أَنَّ الْبِنْتَ الشَّقِيقَةَ تَقَدَّمَ مَوْتُهَا قَبْلَ الْبِنْتِ فَالْوَارِثُ لِلشَّقِيقَةِ الْبِنْتُ وَالْأَخُ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ فَزَعَمَ الْأَخُ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ أَنَّ بِنْتَ الشَّقِيقَةِ تَقَدَّمَ مَوْتُهَا عَلَى مَوْتِ أُمِّهَا الَّتِي هِيَ الشَّقِيقَةُ فَالْوَارِثُ لِلشَّقِيقَةِ هُوَ أَيْ الْأَخُ الَّذِي هُوَ زَيْدٌ وَحْدَهُ فَمَنْ الْمُرَجَّحُ مِنْهُمَا وَسَوَاءٌ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ إذَا كَانَ الْمَالُ فِي يَدِهِمَا أَوْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إنَّ زَيْدًا الْأَخَ يَسْتَحِقُّ النِّصْفَ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ ثُمَّ النِّصْفُ الثَّانِي هُوَ يَزْعُمُ أَنَّ لَهُ أَيْضًا وَابْنُ الْبِنْتِ يَزْعُمُ أَنَّهُ لِأُمِّهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ وُقِفَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَوْ يَصْطَلِحَا كَمَا شَمِلَ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ مَتَى عُلِمَ تَقَدُّمُ مَوْتِ أَحَدِ مُتَوَارِثَيْنِ عَلَى الْآخَرِ وَنُسِيَ وُقِفَ مِيرَاثُ كُلٍّ إلَى الْبَيَانِ أَوْ الصُّلْحِ وَإِنَّمَا لَمْ نَقُلْ بِالْوَقْفِ فِي جَمِيعِ مَالِ الشَّقِيقَةِ لِأَنَّ إرْثَ أَخِيهَا النِّصْفُ مِنْهُ مُحَقَّقٌ تَقَدَّمَتْ عَلَى بِنْتِهَا أَوْ تَأَخَّرَتْ فَلَا مُسَوِّغَ لِلْوَقْفِ فِيهِ إذْ لَا مُسَوِّغَ لَهُ إلَّا الشَّكَّ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي فَقَطْ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شَخْصٍ قَتَلَ أَبَاهُ وَلِلْقَاتِلِ وَلَدٌ وَلَيْسَ لِلْمَقْتُولِ وَارِثٌ سِوَى الْقَاتِلِ فَإِنْ قُلْتُمْ لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ فَهَلْ يَرِثُ وَلَدُهُ أَمْ لَا فَإِذَا قُلْتُمْ يَرِثُهُ كَيْف يَرِثُ وَهُوَ بَعْضُ الْقَاتِلِ كَأَنَّهُ هُوَ وَهُوَ مَمْنُوعٌ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ قِيَامُ مَانِعِ الْإِرْثِ بِشَخْصٍ يُصَيِّرُهُ كَالْعَدَمِ فَالْقَاتِلُ حِينَئِذٍ كَأَنَّهُ لَمْ يُوجَد فَيَرِثُ وَلَدُهُ بِالْقَرَابَةِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ قَتْلَ أَبِيهِ صَيَّرَهُ كَالْمَيِّتِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شَخْصٍ مَاتَ وَخَلَّفَ بَنِي عَمَّةٍ وَخَالًا وَابْنَ خَالَةٍ وَقُلْنَا بِتَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ فَمَنْ الْوَارِثُ مِنْ هَؤُلَاءِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ لِبَنِي الْعَمَّةِ الثُّلُثَانِ وَالثُّلُثُ الْآخَرُ بَيْنَ الْخَالِ وَابْن الْخَالَةِ أَثْلَاثًا لِلْخَالِ ثُلُثَاهُ وَلِابْنِ الْخَالَةِ ثُلُثُهُ هَذَا مَا يَظْهَرُ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ التَّنْزِيلِ لِأَنَّا إذَا نَزَّلْنَا كُلَّ فَرْعٍ مَنْزِلَةَ أَصْلِهِ كَانَ بَنُو الْعَمَّةِ بِمَنْزِلَةِ الْعَمَّةِ وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ وَالْخَالُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ وَابْنُ الْخَالَةِ بِمَنْزِلَةِ أُمِّهِ الَّتِي هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ فَيُقَدَّرُ الْخَالُ وَالْخَالَةُ كَأَنَّهُمَا وَرِثَا أُخْتَهُمَا فَيَكُون لِلْخَالِ الثُّلُثَانِ وَلِلْخَالَةِ الثُّلُثُ وَمَالُهَا يَأْخُذُهُ وَلَدُهَا وَمِنْ ثَمَّ جَعَلْنَا كَأَنَّ الْأُمَّ وَالْأَبَ مَوْجُودَانِ فَمَا لِلْأَبِ وَهُوَ الثُّلُثَانِ يَكُونُ لِبَنِي الْعَمَّةِ وَمَا لِلْأُمِّ وَهُوَ الثُّلُثُ يَكُونُ لِمَنْ بِمَنْزِلَتِهَا وَهُمَا الْخَالُ وَابْنُ الْخَالَةِ أَمَّا الْخَالُ فَوَاضِحٌ وَأَمَّا ابْنُ الْخَالَةِ فَلِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ أُمِّهِ فِي الْمُسَاوَاةِ لِلْخَالِ فَلِمَ يُحْجَبْ بِهِ فَإِنْ قُلْتَ الْقِيَاسُ حَجْبُ الْخَالُ لَهُ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى الْوَارِثِ الْمُنْزَلَيْنِ مَنْزِلَتَهُ وَهُوَ الْأُمُّ قُلْتُ إنَّمَا يَتَأَتَّى هَذَا عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْقَرَابَةِ أَمَّا عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ التَّنْزِيلِ فَلَا لِأَنَّا

عَلَى مَذْهَبِهِمْ نُنْزِلُ الْفَرْعَ مَنْزِلَةَ أَصْلِهِ ثُمَّ نَعْتَبِرُ حِينَئِذٍ السَّبْقَ إلَى الْوَارِث وَأَمَّا اعْتِبَارُ السَّبْقَ إلَيْهِ قَبْلَ التَّنْزِيلِ فَغَيْرُ مَقِيسٍ عَلَى مَذْهَبِ الْمُنْزَلِينَ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الصَّلَاحِ. سُئِلَ عَمَّنْ تَرَكَ خَالًا وَابْنَيْ خَالَةٍ مَنْ يَرِثُ مِنْهُمَا؟ فَأَجَابَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ يُصْرَفُ مِيرَاثُهُ إلَى مَنْ يُوَرِّثُهُ الْمُوَرِّثُونَ لِذَوِي الْأَرْحَامِ وَهَذَا الْجَوَابُ مُجْمَلٌ إذْ لَمْ يَتَبَيَّنْ مِنْهُ أَنَّ الْخَالَ يَحْجُبُ ابْنَيْ الْخَالَةِ أَمْ لَا. ثُمَّ سُئِلَ عَمَّنْ تَرَكَتْ زَوْجًا وَعَمَّةً وَابْنَتَيْ أَخٍ شَقِيقٍ فَأَفْتَى بَعْدَ الِاسْتِخَارَةِ بِأَنَّ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ وَالْبَاقِيَ بَيْنَ الثَّلَاثِ أَثْلَاثًا إلَّا أَنْ تَكُونَ الْعَمَّةُ لِلْأُمِّ فَحَسْبُ فَيَكُونُ الْبَاقِي بَيْنَ بِنْتَيْ الْأَخِ وَوَجَّهَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَذَلِكَ أَنِّي وَجَدْتُ الْعَمَّةَ تَتَرَجَّحُ بِأَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ التَّنْزِيلِ نَزَّلُوهَا أَبًا وَقَالُوا بِتَقْدِيمِهَا عَلَى ابْنَةِ الْأَخِ الَّتِي هِيَ مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ الْأَخِ عِنْدَ أَهْلِ التَّنْزِيلِ أَجْمَعِينَ وَوَجَدْتُ ابْنَةَ الْأَخِ تَتَرَجَّحُ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ أَنَّ أَهْلَ الْقَرَابَةِ كَالْبَغَوِيِّ وَالْمُتَوَلِّي قَالُوا بِتَقْدِيمِ بِنْتِ الْأَخِ وَوَافَقَهُمْ بَعْضُ أَهْلِ التَّنْزِيلِ وَمِنْهُمْ مَنْ نَزَّلَ الْعَمَّةَ عَمًّا فَقَدَّمُوا ابْنَةَ الْأَخِ عَلَيْهَا. كَمَا يُقَدَّمُ الْأَخُ عَلَى الْعَمِّ فَرَأَيْتُ أَنْ لَا أُسْقِطُ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ بِالْأُخْرَى وَوَجَدْتُهُمَا مُتَعَادِلَتَيْنِ فَسَوَّيْتُ بَيْنَ الثَّلَاثِ وَهُوَ مَذْهَبُ بَعْضِ أَهْلِ التَّنْزِيلِ وَمِنْهُمْ مَنْ نَزَّلَ الْعَمَّةَ لِغَيْرِ الْأُمِّ بِمَنْزِلَةِ الْجَدِّ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ حِكَايَةِ مَذْهَبِ أَنَّ إعْطَاءَ ذَوِي الْأَرْحَامِ عَلَى سَبِيلِ الْمَصْلَحَةِ لَا الْإِرْثِ فَرَأَيْتُ وَالْحَالُ عَلَى مَا وَصَفْتُ الْإِفْتَاءَ بِالْجَمْعِ وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُنَّ أَقْرَبُ الْوُجُوهِ وَأَعْدَلُ الْمَذَاهِبِ وَأَرْعَاهَا لِلْجِهَاتِ فَاسْتَخَرْتُ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الْمَصِيرِ إلَيْهِ كَلَامُهُ مُلَخَّصًا ثُمَّ قَالَ فِي بِنْتَيْ أَخٍ وَابْنِ بِنْتٍ اجْتَهَدْتُ أَيَّامًا وَأَفْتَيْتُ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ التَّنْزِيلِ بِأَنَّ لِابْنِ الْبِنْتِ النِّصْفَ وَلِبِنْتَيْ الْأَخِ النِّصْفَ بَيْنَهُمَا وَرَأَيْتُ الْمَيْلَ إلَى التَّنْزِيلِ أَقْرَبَ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّهُ مَذْهَبُ الْأَكْثَرِينَ وَأَقْوَى اهـ. وَمَا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الْأَخِيرَةِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا بِقِيَاسِ مَذْهَبِ أَهْلِ التَّنْزِيلِ أَنَّ الْمَالَ كُلَّهُ لِلْعَمَّةِ لِأَنَّهَا مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ الْأَبِ وَبِنْتَا الْأَخِ مُنَزَّلَتَانِ مَنْزِلَةَ الْأَخِ وَالْأَبُ يَحْجُبُ الْأَخَ فَكَذَا الْمُدْلِي بِالْأَبِ يَحْجُبُ الْمُدْلِيَ بِالْأَخِ تَنْزِيلًا لِكُلِّ فَرْعٍ مَنْزِلَةَ أَصْلِهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ حَجْبِ الْعَمَّةِ تَعَارَضَ فِيهَا مَذْهَبُ أَهْلِ التَّنْزِيلِ وَالْقَرَابَةِ فَالْأَوَّلُونَ يُوَرِّثُونَهَا وَحْدَهَا وَأَهْلُ الْقَرَابَةِ يُوَرِّثُونَ بِنْتَيْ الْأَخِ وَحْدَهُمَا فَلِتَعَادُلِ الْمَذْهَبَيْنِ عِنْدَهُ قَالَ بِاشْتِرَاكِ الثَّلَاثِ وَفِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ مَذْهَبُ أَهْلِ الْقَرَابَةِ حَجْبُ الْخَالِ لِابْنِ الْخَالَةِ فَكَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ التَّنْزِيلِ عَلَى مَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ بِبَادِي الرَّأْيِ لِأَنَّ الْخَالَ أَقْرَبُ إلَى الْوَارِثِ فَلَا جَامِعَ بَيْنَ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَمَا قَدَّمْتُهُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ بَلْ مَا ذَكَرْتُهُ فِي رَدِّهِ مِنْ حَجْبِ الْعَمَّةِ لِبِنْتِ الْأَخِ يُؤَيِّدُ حَجْبَ الْخَالِ لِابْنِ الْخَالَةِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ الْعَمَّةَ تُدْلِي إلَى غَيْرِ مَنْ تُدْلِي إلَيْهِ بِنْتُ الْأَخِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْعَمَّةَ تُدْلِي إلَى الْأَبِ وَبِنْتَ الْأَخِ تُدْلِي إلَى وَارِثٍ آخَرَ غَيْرِهِ وَهُوَ الْأَخُ وَلَا كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا لِأَنَّ الْخَالَ يُدْلِي إلَى الْأُمِّ وَابْنُ الْخَالَةِ لَا يُدْلِي لِوَارِثٍ غَيْرِ الْأُمِّ. بَلْ إنَّمَا يُدْلِي لَهَا أَيْضًا بَعْد تَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ أُمِّهِ الَّذِي هُوَ طَرِيقَةُ أَهْلِ التَّنْزِيلِ فَاسْتَوَيَا هُنَا فِي الْإِدْلَاءِ إلَى وَارِثٍ فَلِمَ يَحْجُبْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَأَمَّا الْعَمَّةُ وَبِنْتُ الْأَخِ فَلَمْ يَسْتَوِيَا فِي ذَلِكَ بَلْ أَدْلَيَا بِوَارِثَيْنِ مُخْتَلِفِينَ فَنَظَرْنَا لِحَجْبِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ وَعَمِلْنَا بِذَلِكَ فَقُلْنَا بِحَجْبِ الْعَمَّةِ لِبِنْتِ الْأَخِ فَإِنْ قُلْتَ يُؤَيِّدُ حَجْبَ الْخَالِ لِابْنِ الْخَالَةِ قَوْلُ ابْنِ الصَّرْدِ فِي كَافِيهِ بِنْتُ خَالٍ وَخَالَةٍ أَمْ الْمَالُ لِخَالَةِ الْأُمِّ لِأَنَّكَ إذَا نَزَّلْتَهَا دَرَجَةً صَارَتْ جَدَّةً وَبِنْتُ الْخَالِ إذَا نَزَّلْتهَا دَرَجَةً صَارَتْ خَالًا وَلَمْ تَصِل إلَى الْوَارِثِ قُلْتُ الْفَرْقُ بَيْن هَذِهِ وَصُورَةِ السُّؤَالِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ بِنْتَ الْخَالِ بَعْد تَنْزِيلِهَا مَنْزِلَةَ أَصْلِهَا لَا تُسَاوِي خَالَةَ الْأُمِّ فِي دَرَجَتِهَا بَلْ هِيَ بَعْد التَّنْزِيلِ أَعْلَى مِنْهَا بِدَرَجَةٍ فَلِذَلِكَ نَزَّلْنَا خَالَةَ الْأُمِّ مَنْزِلَةَ الْجَدَّةِ فَلَا تَسْبِقُهَا بِنْتُ الْخَالِ بِدَرَجَةٍ بَعْد تَنْزِيلِهَا مَنْزِلَةَ أَبِيهَا وَهُوَ الْخَالُ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَابْنُ الْخَالَةِ بَعْد تَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ أُمِّهِ يُسَاوِي الْخَالَ فِي دَرَجَتِهِ وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَمُ اسْتِوَاءُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْقُرْبِ إلَى الْأُمِّ فَلَمْ يَبْقَ مُسَوِّغٌ لِحَجْبِ الْخَالِ لِابْنِ الْخَالَةِ فَلِذَلِكَ قُلْنَا بِاسْتِوَائِهِمَا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ صَاحِبِ الْكَافِي بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ التَّنْزِيلِ بَعْد أَنْ ذُكِرَ إنَّكَ تُنَزِّلُ كُلًّا مِنْهُمْ مَنْزِلَةَ مَنْ يُدْلِي بِهِ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي دَرَجَةٍ فَإِنَّك تُوَرِّثُ كُلَّ وَاحِدٍ مِيرَاثَ مَنْ يُدْلِي بِهِ وَإِنْ سَبَقَ بَعْضُهُمْ إلَى وَارِثٍ بِدَرَجَةٍ انْفَرَدَ بِجَمِيعِ الْمَالِ

باب الشهادات

وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَنْ يَحْجُبُ حَجَبْتَهُ كَمَا تَعْمَل فِي مَسَائِلِ الصُّلْبِ فَتَأَمَّلْ كَوْنَهُ اعْتَبَرَ الِاسْتِوَاءَ فِي الدَّرَجَةِ وَالسَّبْقِ إلَى الْوَارِثِ بَعْد تَنْزِيلِ الْفَرْعِ مَنْزِلَةَ أَصْلِهِ لَا قَبْلَهُ تَجِدْهُ شَاهِدًا لِمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ عَدَمِ حَجْبِ الْخَالِ لِابْنِ الْخَالَةِ لِاسْتِوَائِهِمَا بَعْدَ تَنْزِيلِ ابْنِ الْخَالَةِ مَنْزِلَةَ أُمِّهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُشْكَلَةٌ وَأَنَّ فِي كَلَامِهِمْ ظَوَاهِرُ تَقْتَضِي حَجْبَ الْخَالِ لِوَلَدِ الْخَالَةِ وَظَوَاهِرُ تَقْتَضِي عَكْسَهُ وَأَنَّ الْأَوَّلَ أَقْرَبُ مِنْ مَدَارِكِهِمْ بِبَادِي الرَّأْيِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَدَّرَ بَعْضُهُمْ مُدَّةً لِلْمَفْقُودِ بِسَبْعِينَ سَنَةً فَهَلْ تَتَقَدَّرُ بِذَلِكَ أَمْ كَيْف الْحَالُ أَفْتُونَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَبِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ الْمَنْقُولُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهَا لَا تَتَقَدَّرُ بِشَيْءٍ وَإِنَّمَا الْمَدَارُ عَلَى مُضِيِّ مُدَّةٍ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّ الْحَاكِمِ أَنَّ الْمَفْقُودَ لَا يَعِيشُ إلَيْهَا وَقَدْ يَظْهَرُ لَهُ بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ مَوْتُهُ فِي أَقَلِّ مِنْ سَبْعِينَ سَنَةً نَعَمْ التَّقْدِيرُ بِهَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ وَالسَّبْعِينَ» ، وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابُ الشَّهَادَاتِ] (مَسْأَلَة) قَالَ السُّبْكِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَتَاوِيهِ مَا لَفْظُهُ نَجِدُ كِتَابَ مُبَايَعَةٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ غَيْرِهِمَا بِعَقَارِ أَوْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ نَحْوِهَا مُشْتَمِلٌ عَلَى حُدُودٍ يَقَعُ اخْتِلَافٌ فِي تِلْكَ الْحُدُودِ وَبَطَلَتْ مِنَّا إثْبَاتُ تِلْكَ الْحُدُودِ كَمَا تَضَمَّنَهُ ذَلِكَ الْكِتَابُ وَمَا فَعَلَتُهُ قَطُّ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ فِي الْبَيْعِ أَوْ الْوَقْفِ أَوْ نَحْوِهِمَا هُوَ الْعَقْدُ الصَّادِرُ عَلَى الْمَحْدُودِ بِتِلْكَ الْحُدُودِ وَقَدْ لَا يَكُونُ الشَّاهِدُ عَارِفًا بِتِلْكَ الْحُدُودِ أَلْبَتَّةَ وَإِنَّمَا سَمِعَ لَفْظَ الْعَاقِدِ فَاَلَّذِي شَهِدَ بِهِ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ وَالْحُدُودُ مِنْ كَلَامِهِ لَا مِنْ كَلَامِ الشَّاهِدِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْعُقُودِ وَالْأَقَارِيرِ وَظُهُورُهُ فِي الْأَقَارِيرِ أَكْثَرُ لِأَنَّهُمَا مِنْ كَلَامِ الْمُقِرِّ لَا مِنْ كَلَامِ الشَّاهِدِ وَفِي الْعُقُودِ دُونَهُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْعَقْدِ مِنْ كَلَامِ الشَّاهِدِ وَحِكَايَتِهِ عَنْ حُضُورِهِ الْعَقْدَ وَسَمَاعِهِ فَهُوَ شَاهِدٌ بِالْبَيْعِ وَالْوَقْفِ لَا بِالْإِقْرَارِ بِهِمَا فَلَا بُدَّ مِنْ عِلْمِهِ بِصُدُورِ الْبَيْعِ عَلَى الْمَبِيعِ وَالْوَقْفِ عَلَى الْمَوْقُوفِ. لَكِنَّا نَقُولُ إنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتَدْعِي مَعْرِفَتِهِ لِلْمَبِيعِ وَالْمَوْقُوفِ لِجَوَازِ أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ الْبَلَدَ أَوْ الدَّارَ الَّتِي حَدُّهَا كَذَا وَلَا يَكُونُ عِنْد الشَّاهِدِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى جَرَيَانِ الْبَيْعِ عَلَى الْمَحْدُودِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ وَلَا حُدُودَهُ يَبْقَى عَلَيْنَا شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ قَدْ يُشْكِلُ وَهُوَ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ وَالْحِيَازَةِ فَكَثِيرًا مَا يَقَعُ هَذَا فِي كُتُبِ الْمُبَايَعَاتِ وَالْأَوْقَافِ مُسْتَقِلًّا تَقُومُ بَيِّنَةٌ أَنَّ فُلَانًا مَالِكٌ حَائِزٌ لِلْمَكَانِ الْفُلَانِيِّ الَّذِي حُدُودُهُ كَذَا وَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَكَانُ مَعْرُوفًا مَشْهُورًا لَا مُنَازَعَةَ فِيهِ وَتَقَعُ الْمُنَازَعَةُ فِي حُدُودِهِ أَوْ فِي بَعْضِهَا وَالشُّهُودُ قَدْ مَاتُوا بَعْدَ أَنْ قَدْ ثَبَتَ الْمَكْتُوبُ بِشَهَادَتِهِمْ وَيَقْصِدُ الَّذِي بِيَدِهِ الْمَكْتُوبُ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهِ فِي الْحُدُودِ وَيَنْزِعُ مِنْ صَاحِبِ يَدٍ بَعْضَ مَا فِي يَدِهِ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ الْمَكْتُوبِ وَيَدَّعِي أَنَّ تِلْكَ الْحُدُودِ ثَابِتَةٌ لَهُ بِمُقْتَضَى مَكْتُوبِهِ وَقَدْ طُلِبَ مِنِّي ذَلِكَ فَلَمْ أَفْعَلْهُ لِأَنِّي أَعْلَمُ بِحَسَبِ الْعَادَةِ أَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يَعْلَمُ مِلْكَ زَيْدٍ لِلْبَلَدِ الْفُلَانِيّ مَثَلًا عِلْمًا يُسَوِّغُ لَهُ الشَّهَادَةَ بِمِلْكِهِ وَيَدِهِ وَذَلِكَ الْبَلَدُ مُشْتَهِرٌ وَتَحْقِيقُ حُدُودِهِ قَدْ لَا يُحِيطُ عِلْمُ الشَّاهِدِ بِهَا فَيَسْتَسْمِيهَا مِمَّنْ هُوَ يَعْرِفُهَا هَكَذَا رَأَيْنَا الْعَادَةَ كَمَا يَشْهَدُ عَلَى زَيْدٍ الَّذِي يَعْرِفُهُ وَيَتَحَقَّقهُ وَلَا يَتَحَقَّقُ نَسَبَهُ فَيَعْتَمِدُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى وَاحِدٍ فِيهِ فَالتَّمَسُّكُ فِي إثْبَاتِ الْحُدُودِ كَالتَّمَسُّكِ فِي إثْبَاتِ الشَّرَفِ وَنَحْوِهِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ كَانَتْ يَدُهُ عَلَى شَيْءٍ وَاحْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ يَدُهُ بِحَقٍّ لَا تُزَالُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ أَنَّ يَدَهُ عَادِيَةُ وَلَا يُعْتَمَدُ فِي رَفْعِ يَدِهِ عَلَى كِتَابٍ قَدِيمٍ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ الَّتِي لَا يُدْرَى مُسْتَنَدُهَا وَقَالَ أَيْضًا مَسْأَلَةٌ تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى كَثِيرًا وَلَمْ أَرَ أَحَدًا تَكَلَّمَ فِيهَا وَتَكَرَّرَتْ فِي الْمُحَاكِمَاتِ كَثِيرًا يَأْتِي كِتَابُ مُبَايَعَةٍ أَوْ وَقْفٍ عَلَى عَقَارٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى حُدُودٍ وَصِفَاتٍ وَيَجْرِي نِزَاعٌ فِي تِلْكَ الْحُدُودِ وَيُوجَد بَعْضُ مَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي يَدِ أَجْنَبِيٍّ غَيْر الْمُشْتَرِي أَوْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَيُرَاد انْتِزَاعُ ذَلِكَ الْقَدْرِ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ بِمُقْتَضَى مَا تَضَمَّنَهُ الْكِتَابُ وَيَكُون الْكِتَابُ فِي يَدِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً أَوْ قَصِيرَةً. وَذَلِكَ الْكِتَابُ ثَابِتٌ وَقَدْ قَامَتْ فِيهِ بَيِّنَةٌ بِالْمِلْكِ وَالْحِيَازَةِ وَعِنْدِي تَوَقُّفٌ فِي الِانْتِزَاعِ بِمِثْلِ ذَلِكَ حَتَّى تَثْبُتَ بَيِّنَةٌ صَرِيحَةٌ أَنَّ هَذَا الْعَقَارَ الْمَبِيعَ أَوْ الْمَوْقُوفَ مِلْكُ

الْبَائِعِ أَوْ الْوَاقِفِ إلَى هَذَا الْحَدِّ وَيَكُونُ الْحَدُّ مَشْهُودًا بِهِ وَالْوَاقِعُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْوَاقِعَ كَمَا شَهِدْنَا أَنَّ الشُّهُودَ بِالْبَيْعِ أَوْ الْوَقْفِ إنَّمَا يَشْهَدُونَ عَلَى الْإِنْشَاءِ فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى الْإِقْرَارِ فَقَوْلُ الْمُقِرِّ دَارِي عَلَى جَارِهِ بِأَنَّ مِلْكَهُ يَنْتَهِي إلَى ذَلِكَ الْحَدِّ وَالْجَارُ لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْإِنْشَاءِ فَهُمْ إنَّمَا سَمِعُوا قَوْلَ الْمُنْشِئ وَالْغَالِبُ أَنَّهُمْ يَعْتَمِدُونَ فِي كِتَابَةِ الْحُدُودِ وَالصِّفَاتِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ هَكَذَا رَأَيْنَا الْكُتَّابَ وَالْوَرَّاقِينَ وَالشُّهُودَ يَفْعَلُونَ وَلَا يُحِيطُ عِلْمُهُمْ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ وَالشُّهُودِ بِالْمِلْكِ وَالْحِيَازَةِ يَعْرِفُونَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ أَنَّ الدَّارَ الْفُلَانِيَّةَ وَالضَّيْعَةَ الْفُلَانِيَّةَ مِلْكٌ لِفُلَانِ وَلَوْ سُئِلُوا عَنْ تَحْرِيرِ حُدُودِهَا لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ وَلَمْ يُحَرِّرُوهُ وَلَا يَشْهَدُوهُ فَلَا يُكْتَفَى بِإِطْلَاقِ شَهَادَتِهِمْ بِالْمِلْكِ وَالْحِيَازَةِ فِي ذَلِكَ وَلَا بِذِكْرِهِ عَلَى سَبِيلِ الصِّفَةِ وَالتَّعْرِيفِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مَشْهُودًا بِهِ حَتَّى يَقُولُوا إنَّا نَشْهَدُ بِالْحُدُودِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ انْتِزَاعُهُ بِبَيِّنَةٍ أَمَّا بِدُونِ ذَلِكَ فَمَتَى انْتَزَعْنَاهُ بِدُونِ بَيِّنَةٍ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ» . فَاَلَّذِي أَرَاهُ هُنَا فِي حُكْمِ الْفَرْعِ أَنَّ الْيَمِينِ هُنَا عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ وَلَا يُنْزَعُ وَلَا تُرْفَعُ يَدُهُ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ صَرِيحَةٌ بِأَنَّ الَّذِي فِي يَدِهِ مِلْكٌ لِغَيْرِهِ لِمَا قُلْنَا وَلِأُمُورٍ أُخْرَى مِنْهَا أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْمِلْكِ أَمَسُّ فِي قَبُولِهَا خِلَاف وَالْكُتُبُ الْقَدِيمَةُ كَذَلِكَ وَمِنْهَا أَنَّ الْأَسْمَاءَ قَدْ تَتَغَيَّرُ وَالْأَحْوَالَ قَدْ تَتَغَيَّرُ فَقَدْ يَكُونُ الِاسْمُ الْمَذْكُورُ فِي كِتَابِ الْقَدِيمِ فِي حَدٍّ نُقِلَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ قَدْ يَقْوَى بَعْضَ الْأَوْقَاتِ وَقَدْ يَضْعُفُ لَكِنَّ مَقْصُودَنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي دَفْعِهِ مِنْ شَهَادَةٍ صَرِيحَةٍ حَتَّى يَكُونَ انْتِزَاعًا بِبَيِّنَةٍ وَمِنْهَا أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ طَرَأَ نَاقِلٌ لِبَعْضِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَهَذَا فِي الْمِلْكِ مُحْتَمَلٌ احْتِمَالًا قَوِيًّا وَفِي الْوَقْفِ أَيْضًا مُحْتَمَلٌ مُبَادَلَةً عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَاهَا وَمِنْهَا أَنَّ الِاشْتِمَالَ عَلَى مَا يَدْخُلُ فِي الْحُدُودِ عُمُومٌ. وَقَدْ يَكُونُ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِإِخْرَاجِ بَعْضِهِ وَقُدِّمَتْ لِأَنَّهَا خُصُوصٌ وَتَكُون الْيَدُ مُسْتَنِدَةً إلَيْهَا وَالْخُصُوصُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعُمُومِ فَلَا يُكْتَفَى فِي رَفْعِ الْيَدِ الْخَاصَّةِ بِالْبَيِّنَةِ الْعَامَّةِ حَتَّى يُصَرَّحُ بِالْخُصُوصِ بَلْ أَقُولُ إنَّ الْيَدَ عَلَى الْبَعْضِ خُصُوصٌ وَالْبَيِّنَةَ بِالْكُلِّ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِذَلِكَ الْبَعْضِ عُمُومٌ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مِنْ دَلَالَةِ الْكُلِّ عَلَى أَجْزَائِهِ وَلَيْسَ بِعُمُومٍ فِي الِاصْطِلَاحِ لَكِنْ لِضَعْفِهِ يَصِيرُ كَدَلَالَتِهِ عَلَى جُزْئِيَّاتِهِ بِأَدَاةِ الْعُمُومِ لَا سِيَّمَا فِي الْحُدُودِ فَقَدْ كَثُرَ فِيهَا ذَلِكَ وَضَعُفَتْ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ دَفْعًا لِمَا يَتَمَسَّكُ مِنْ الْبَيِّنَةِ الَّتِي قَدْ تَقُومُ بِالْمِلْكِ وَالْحِيَازَةِ فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ إنَّهَا رَافِعَةٌ لِلْيَدِ اهـ. كَلَامُ السُّبْكِيّ فِي فَتَاوِيهِ فَهَلْ مَا قَالَهُ مَعْمُولٌ بِهِ مُطْلَقًا أَوْ لَا وَفِيهِ تَفْصِيلٌ. (الْجَوَابُ) مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ مَبْنِيٌّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ أَوَاخِرَ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ عَلَى مَسْأَلَةٍ ذَكَرهَا قَبْلَ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ فِي فَتَاوِيهِ أَيْضًا وَقَالَ إنَّ بَيْنَهُمَا تَشَابُهًا وَتِلْكَ الْمَسْأَلَةُ هِيَ قَوْلُهُ فَرْعٌ لَيْسَ بِمَنْقُولٍ وَذَكَرَ أَنَّهُ اسْتَفْتَى فِيهِ بِالْقَاهِرَةِ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ سَنَةً تَتَبَّعَ كَثِيرًا فِي مَكَاتِيبَ أَقَرَّ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ مَثَلًا لِفُلَانٍ بِكَذَا وَتَذَيَّلَ بِشَهَادَةِ شُهُودٍ بِذَلِكَ وَهَمَ ذَاكِرُونَ لِلشَّهَادَةِ وَأَدَّوْهَا وَذَلِكَ الْمَكْتُوبُ بِشَهَادَتِهِمْ وَيَقَعُ الِاخْتِلَافُ فِي نَسَبِ زَيْدٍ وَرُبَّمَا يَكُونُ فِي الْمَكْتُوبِ أَنَّهُ شَرِيفٌ حَسَنِيٌّ أَوْ حُسَيْنِيٌّ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَقْصِدُ إثْبَاتَهُ وَيُقَال إنَّ هَذَا الْمَكْتُوبَ ثَابِتٌ عَلَى الْقَاضِي الْفُلَانِيِّ فَهَلْ ذَلِكَ مُسْتَنَدٌ صَحِيحٌ أَمْ لَا وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَنَدًا صَحِيحًا فِي إثْبَاتِ نَسَبِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ إنَّمَا هُوَ إقْرَارٌ بِكَذَا لِلْمُقَرِّ لَهُ وَهُوَ عَلَى حَالَيْنِ تَارَةً لَا يَعْرِفُهُ الشُّهُودُ فَيَشْهَدُونَ بِحِلِّيَّتِهِ وَالْأَخْلَصُ حِينَئِذٍ أَقَرَّ مَنْ ذَكَرَ أَنَّ اسْمَهُ كَذَا وَعِنْدَ الْأَدَاءِ لَا يَشْهَدُونَ إلَّا عَلَى شَخْصِهِ فَهَذَا الْإِشْهَادُ فِيهِ نَسَبٌ وَتَارَةً لَا يَكْتُبُ الشُّهُودُ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ مَعْرِفَتِهِمْ وَهُوَ تَقْصِيرٌ مِنْهُمْ. وَقَدْ يَقَعُ ذَلِكَ كَثِيرًا لِأَنَّهُ قَدْ كَثُرَ ذَلِكَ وَعُرِفَ أَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى تَسْمِيَةِ الشَّخْصِ نَفْسِهِ مَا لَمْ يَقُولُوا هُوَ مَعْرُوفٌ وَقَدْ تَطُولُ مُعَاشَرَةُ الْإِنْسَانِ لِآخَرَ وَلَا يَعْرِفُ نَسَبُهُ فَإِذَا شَهِدَا عَلَيْهِ اعْتَمَدَا عَلَى إخْبَارِهِ أَوْ إخْبَارِ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ عِنْدَهُ ظَنٌّ قَوِيٌّ يُسَوِّغُ لَهُ الشَّهَادَةَ بِذَلِكَ النَّسَبِ بَلْ كَثِيرٌ مِمَّنْ اشْتَهَرَ بَيْن النَّاسِ بِالشَّرَفِ وَيُطْلِقُونَهُ عَلَيْهِ لَيْلًا وَنَهَارًا فِي مُخَاطَبَاتِهِمْ وَلَوْ سُئِلُوا بِالشَّهَادَةِ لَهُ بِالشَّرَفِ لَامْتَنَعُوا وَمَنْ

شَهِدَ مِنْهُمْ مُعْتَمِدًا عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُخَلِّصْهُ إذْ لَمْ يَنْتَهِ إلَى تَوَاتُرٍ وَلَا اسْتِفَاضَةٍ وَلَا رُكُونٍ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بَلْ إلَى ظَنٍّ ضَعِيفٍ وَهُوَ مُسَوِّغٌ لِلْمُخَاطَبَةِ لَا لِلشَّهَادَةِ فَإِذَا رَأَيْنَا مَكْتُوبًا لَيْسَ مَقْصُودُهُ إثْبَاتَ النَّسَبِ لَمْ نَحْمِلْهُ عَلَى إثْبَاتِ النَّسَبِ وَلَا يَجُوزُ التَّعَلُّقُ بِهِ فِي إثْبَاتِهِ إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ غَيْرَهُ وَهُنَا بَحْثٌ نَذْكُرهُ وَالْجَوَابُ عَنْهُ وَهُوَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ احْتَجُّوا عَلَى صِحَّةِ نِكَاحِ الْكُفَّارِ بِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ} [التحريم: 11] الْآيَة. {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ} [القصص: 9] فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وَضْعَ هَذَا الْكَلَامِ الْإِخْبَارُ بِأَنَّهَا امْرَأَتُهُ فَلْيَكُنْ قَوْلُنَا قَالَ زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو كَذَا إخْبَارًا بِأَنَّهُ ابْنُ عَمْرٍو فَتَحْصُلُ الشَّهَادَةُ بِهِ فَتَقْتَضِي ثُبُوتَهُ وَالْجَوَابُ أَنَّ دَلَالَةَ الْآيَةِ عَلَى أَنَّهَا امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ دَلَالَةُ الْتِزَامٍ وَدَلَالَةُ الْإِخْبَارِ عَنْهَا بِالْقَوْلِ دَلَالَةُ مُطَابِقَةٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَالِمٌ بِكُلِّ شَيْءٍ وَمِنْ جُمْلَتِهِ أَنَّهَا هَلْ هِيَ امْرَأَتُهُ أَوْ لَا فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ اقْتَضَى أَنَّهَا امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وَأَمَّا الشُّهُودُ فَلَيْسُوا عَالِمِينَ بِحَقَائِقِ الْأُمُورِ فَإِنْ قَالُوا نَشْهَدُ عَلَى زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو الْحُسَيْنِيِّ وَصَرَّحُوا بِالشَّهَادَةِ بِنَسَبِهِ وَنِسْبَتِهِ رَجَعَ إلَيْهِمْ وَإِلَّا لَمْ يُحْمَلُ كَلَامُهُمْ عَلَى ذَلِكَ لِجَهْلِهِمْ بِحَقَائِقِ الْأَحْوَالِ وَالنَّسَبِ غَالِبًا وَإِنَّهُمْ إنَّمَا اعْتَمَدُوا عَلَى أَدْنَى ظَنٍّ فَضَعُفَتْ الدَّلَالَةُ الِالْتِزَامِيَّة فِي كَلَامِهِمْ بَلْ لَوْ قَوِيَتْ لَمْ تُعْتَمَدْ فِي الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ الَّذِي يُقْصَدُ إثْبَاتُهُ لَا يُكْتَفَى فِيهِ بِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَهُ الشَّاهِدُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مُطَابَقَةً كَانَ أَوْ الْتِزَامًا فَافْهَمْ الْفَرْقَ بَيْن الْمَوْضِعَيْنِ. اهـ كَلَامُهُ مُلَخَّصًا وَهُوَ مَعْزُورٌ فِيهِ فَإِنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ هَذَا الْفَرْعَ لَيْسَ بِمَنْقُولٍ وَإِنَّهُ إنَّمَا تَكَلَّمَ فِيهِ. وَفِي مَسْأَلَتَيْ الْحُدُودِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ بِرَأْيِهِ وَبِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لَهُ وَذَلِكَ كُلُّهُ عَجِيبٌ مِنْهُ مَعَ سِعَةِ اطِّلَاعِهِ إذْ كَيْفَ لَمْ يَسْتَحْضِرْ مَسْأَلَةَ النَّسَبِ الْمُصَرَّحِ بِهَا فِي كَلَامِهِمْ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَا ابْنُهُ تَاجُ الدِّينِ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَبِهَا يُعْلَمُ أَنَّ جَمِيعَ مَا قَالَهُ فِي مَسْأَلَةِ النَّسَبِ وَمَا يُشَابِهُهَا كَمَا قَالَ فِي مَسْأَلَتَيْ الْحُدُودِ رَأْيٌ لَهُ مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ وَلِنُبَيِّنَ أَوَّلًا مَسْأَلَةَ النَّسَبِ الْمَنْقُولَةِ ثُمَّ نُبَيِّنَ مَا هُوَ مَقِيسٌ عَلَيْهَا مِنْ مَسْأَلَتَيْ الْحُدُود مُتَعَرِّضِينَ لِمَا فِي كَلَامِهِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ نَقْدٍ وَرَدٍّ. فَنَقُولُ قَالَ الْهَرَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْإِشْرَاقِ وَالْمَاوَرْدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْحَاوِي وَالرُّويَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِمْ مَا حَاصِلُهُ لَوْ شَهِدَا أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ وَكَّلَ فُلَانًا كَانَتْ شَهَادَةً بِالنَّسَبِ لِلْمُوَكَّلِ ضِمْنًا وَبِالتَّوْكِيلِ أَصْلًا لَتَضَمُّنِ ثُبُوتِ التَّوْكِيلِ الْمَقْصُودِ لِثُبُوتِ نَسَبِ الْمُوَكِّل لِغَيْبَتِهِ عَنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَقِيلَ لَا كَمَا يَأْتِي وَهَذَا يَنْبَنِي عَلَى الْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ وَهِيَ أَنَّ مَوْرِدَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِي الْخَبَرِ النِّسْبَةُ الْإِسْنَادِيَّةُ كَالنِّسْبَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا نَائِمٌ مِنْ قَوْلِكَ زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو نَائِمٌ لَا مَا يَقَعُ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ مِنْ النِّسَبِ التَّقْيِيدِيَّةِ كَبُنُوَّةِ زَيْدٍ لِعَمْرٍو فِي هَذَا الْمِثَالِ وَيُفَرَّعُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ وَهُوَ أَنَّ مَوْرِدَ الْخَبَرِ مَا ذُكِرَ قَوْلُ الْإِمَامِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا فِي مَسْأَلَةِ الْوَكَالَةِ الْمَذْكُورَةِ إنَّ الشَّهَادَةَ فِيهَا شَهَادَةٌ بِالتَّوْكِيلِ دُونَ نَسَبِ الْمُوَكِّلِ وَيَشْهَدُ لِلرَّاجِحِ عِنْدنَا وَهُوَ أَنَّهَا شَهَادَةٌ بِهِمَا كَمَا مَرَّ اسْتِدْلَالُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ عَلَى صِحَّةِ أَنْكِحَةِ الْكُفَّارِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى قَالَتْ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ. وَمَا فِي الْبُخَارِيِّ مَرْفُوعًا أَنَّهُ يُقَال لِلنَّصَارَى مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ فَيَقُولُونَ كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ فَيُقَالُ كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلَا وَلَدٍ وَإِذَا تَقَرَّرَ لَك ذَلِكَ وَعَلِمْتَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَنْقُولَةً هَكَذَا وَإِنَّهَا مَشْهُورَةٌ خِلَافِيَّةٌ بَيْننَا وَبَيْنَ مَالِكٍ وَأَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا وَافَقَ مَالِكًا وَأَنَّ الرَّاجِحَ مُخَالَفَتُهُ لِلْأَدِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْت ظَهَرَ لَكَ وَاتَّضَحَ أَنَّ جَمِيعَ مَا قَالَهُ السُّبْكِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَسْأَلَةِ النَّسَبِ وَمَسْأَلَتَيْ الْحُدُودِ إنَّمَا هُوَ رَأْيٌ مُخَالِفٌ لِلْمَنْقُولِ وَأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ هَذَا الرَّأْيَ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ مَنْقُولَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ هُوَ بِقَوْلِهِ فَرْعٌ لَيْسَ بِمَنْقُولٍ وَبِمَا ذَكَرَهُ فِي خِلَالِ ذَلِكَ وَخِلَالَ مَسْأَلَتَيْ الْحُدُودِ وَأَنَّهُ لَوْ رَأَى مَسْأَلَةَ النَّسَبِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا لَمْ يَسَعْهُ مُخَالَفَتهَا وَلَمَّا أَجَابَ عَنْ إيرَادِهِ دَلِيلهَا عَلَيْهِ وَهُوَ {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ} [القصص: 9] . بِقَوْلِهِ إنَّ دَلَالَةَ الْآيَةِ عَلَى أَنَّهَا امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ دَلَالَةُ الْتِزَامِ إلَخْ وَإِذَا اتَّضَحَ

لَك ذَلِكَ وَإِنَّ الْمَنْقُولَ أَنَّ الشَّهَادَةَ الضِّمْنِيَّةَ كَالْمُطَابَقَةِ اتَّضَحَ لَك أَنَّ الشَّاهِدَ مَتَى قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ الدَّارَ الْمَحْدُودَةَ بِكَذَا أَقَرَّ بِهَا فُلَانٌ أَوْ بَاعَهَا فُلَانٌ أَوْ وَقَفَهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ شَهَادَةٌ بِالْإِقْرَارِ أَوْ الْعَقْدِ أَصْلًا وَبِالْحُدُودِ ضِمْنًا فَنَقْبَلُ كُلًّا مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ وَيُعْمَلُ بِهِمَا وَبِتَأَمُّلِ قَوْلِهِمْ إنَّ الشَّهَادَةَ بِالْبُنُوَّةِ ضِمْنِيَّةٌ يَنْدَفِعُ قَوْلُ السُّبْكِيّ فِي أَوَاخِرِ مَسْأَلَةِ النَّسَبِ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ الَّذِي يَقْصِدُ إثْبَاتَهُ لَا يُكْتَفَى فِيهِ بِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَهُ الشَّاهِدُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مُطَابَقَةً كَانَ أَوْ الْتِزَامًا وَوَجْهُ رَدِّهِ أَنَّ مَا هُنَا لَيْسَ مِنْ الدَّلَالَةِ الِالْتِزَامِيَّةِ فِي شَيْءٍ. وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الدَّلَالَةِ التَّضَمُّنِيَّةِ وَشَتَّانَ مَا بَيْنَ الدَّلَالَتَيْنِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ أَيْضًا جَوَابُهُ عَنْ الِاسْتِدْلَالِ بِآيَةِ {وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ} [القصص: 9] وَيَظْهَرُ صِحَّةُ اسْتِدْلَالِهِمْ لِلرَّاجِحِ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالنُّبُوَّةِ مَقْصُودَةٌ أَيْضًا وَوَجْهُ دَلَالَتَهَا لِذَلِكَ أَنَّ الْقَصْدَ صُدُورُ ذَلِكَ الْقَوْلِ مِنْ الْمَرْأَةِ الْمَوْصُوفَةِ بِالزَّوْجِيَّةِ لِفِرْعَوْنَ فَوَصْفُهَا بِذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْخَبَرِ وَفَرْقُهُ بَيْنَ اللَّهِ وَالشُّهُودِ بِمَا مَرَّ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ لَا يُنْتِجُ مَا قَالَهُ وَيُرَدُّ مَا قَالُوهُ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا نَظَرُوا إلَى أَنَّ اللَّفْظَ لَهُ دَلَالَةٌ عَلَى ذَلِكَ مَعَ قَطْعِ النَّظَر عَنْ عِلْم الْمُتَكَلِّمِ وَكَوْنِهِ عَامًّا أَوْ خَاصًّا لِأَنَّ ذَاكَ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ الدَّلَالَاتِ اللَّفْظِيَّة الَّتِي هِيَ وَضْعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمِمَّا يُوَضِّحُ لَكَ ذَلِكَ اسْتِدْلَالِهِمْ بِمَا مَرَّ عَنْ النَّصَارَى وَتَكْذِيبُهُمْ فِي أَنَّ عِيسَى ابْنُ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا فَلَوْلَا أَنَّ دَعْوَاهُمْ بُنُوَّتَهُ وَقَعَتْ فِي كَلَامِهِمْ مَقْصُودَةً لَمَا كَذَّبُوا إذْ التَّكْذِيبُ كَالتَّصْدِيقِ إنَّمَا يَكُونُ فِي النِّسَبِ الْخَبَرِيَّةِ سَوَاءٌ أَقَصَدْت مُطَابَقَةً أَمْ تَضَمُّنًا فَنَتَجَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ مَسْأَلَتَيْ النِّسَبِ. وَالْحُدُودِ مِنْ النِّسَبِ الْخَبَرِيَّةِ الْمَقْصُودَةِ ضِمْنًا فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا إذَا وَقَعَتْ فِي لَفْظِ الشَّاهِدِ لَمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهَا مَقْصُودَةٌ نَعَمْ الْحَقُّ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الشَّاهِدِ الَّذِي يُقْبَل مِنْهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مَزِيدُ تَحَرٍّ وَضَبْطٍ وَمَعْرِفَةٍ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يَتَسَاهَلُ بِإِطْلَاقِ الْبُنُوَّةِ وَالْحُدُودِ فِي شَهَادَتِهِ مِنْ غَيْرِ مُسْتَنِدٍ لَهُ فِي ذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ لَا يَعْتَمِدُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ كَقَوْلِ الْعَاقِدِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا لَا يُفِيدهُ ظَنًّا قَوِيًّا يَسْتَنِدُ إلَيْهِ فِي شَهَادَتِهِ وَكَلَامُهُمْ وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا هُنَا أَعْنِي فِي مَسْأَلَةِ الْبُنُوَّةِ إلَّا أَنَّهُ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى دَالٌ عَلَى ذَلِكَ وَبِهَذَا انْدَفَعَتْ تِلْكَ الِاحْتِمَالَاتُ وَالْقَرَائِنُ الَّتِي نَظَرَ إلَيْهَا السُّبْكِيّ وَجَعَلَهَا حُجَّةً لَهُ فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْبُنُوَّةِ وَالْحُدُودِ. وَوَجْهُ انْدِفَاعِهِ أَنَّا إذَا اعْتَبَرْنَا فِي الشَّاهِدِ تِلْكَ الصِّفَاتِ أَخْذًا مِنْ مُتَفَرِّقَاتِ كَلَامِهِمْ قَوِيَ الظَّنُّ بِقَبُولِ قَوْلِهِ الْمَقْصُودِ لَهُ كَمَا تَقَرَّرَ وَإِذَا قَوَّى الظَّنُّ بِهِ وَجَبَ قَبُولُهُ وَالْحُكْمُ بِهِ وَقَوْلُهُ لَا يَكُونُ مَشْهُودًا بِهِ حَتَّى يَقُولُوا إنَّا نَشْهَدُ بِالْحُدُودِ مَمْنُوعٌ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ مَشْهُودٌ بِهِ ضِمْنًا وَإِنْ لَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ وَأَنَّ الضِّمْنِيَّ فِي ذَلِكَ كَالْمَقْصُودِ فَتَأَمَّلْ مَا قُلْنَاهُ الْمُسْتَنِدَ إلَى مَا قَالُوهُ وَصَرَّحُوا بِهِ يَظْهَرْ لَك بِهِ رَدُّ جَمِيعِ مَا قَالَهُ وَاسْتَنَدَ إلَيْهِ ثُمَّ رَأَيْتُنِي اُسْتُفْتِيتُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا لَفْظُهُ مَا قَوْلكُمْ فِي مُسْتَنَدِ لَفْظِهِ هَذَا مَا اشْتَرَى فُلَانٌ جَمِيعَ الْعُزْلَةِ الَّتِي يَحُدُّهَا مِنْ الْمَشْرِقِ كَذَا وَمِنْ الْمَغْرِبِ كَذَا وَمِنْ الشَّامِ كَذَا وَمِنْ الْيَمَنِ الطَّرِيقُ الْمَسْلُوكُ اشْتِرَاءً صَحِيحًا شَرْعِيًّا. ثُمَّ قَالَ شَاهِدُهُ لَمَّا تَكَامَلَ ذَلِكَ ثَبَتَ لَدَى فُلَانٍ الْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْهِ جَرَيَانُ عَقْدِ التَّبَايُعِ الْمَشْرُوحِ أَعْلَاهُ فِي جَمِيعِ الْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ بِأَعَالِيهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ فِيهِ شِرَاءً صَحِيحًا شَرْعِيًّا وَحُكِمَ بِمُوجَبِ ذَلِكَ حُكْمًا صَحِيحًا شَرْعِيًّا فَهَلْ ذَلِكَ شَامِلٌ لِلْحُكْمِ بِأَنَّ الْحَدَّ الْيَمَنِيَّ طَرِيقٌ مَسْلُوكٌ أَوْ لَا فَأَجَبْت نَعَمْ ذَلِكَ شَامِلٌ لِلْحُكْمِ بِمَا ذُكِرَ فَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِنَظِيرِهِ حَيْثُ قَالُوا لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ وَكَّلَ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ هَذَا فِي كَذَا ثَبَتَ النَّسَبُ تَبَعًا لِلْوَكَالَةِ. وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَقْصُودٍ بِالشَّهَادَةِ كَمَا أَنَّ مَنْ شَهِدَ بِثَمَنٍ فِي بَيْعٍ أَوْ مَهْرٍ فِي نِكَاحٍ كَانَ شَاهِدًا بِالْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ بِشَهَادَتِهِ إلَّا الْمَالَ اهـ فَكَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا إذَا شَهِدَا عِنْد الْحَاكِمِ بِجَرَيَانِ عَقْدِ التَّبَايُعِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى تَحْدِيدِهِمَا لِلْمَبِيعِ بِمَا ذُكِرَ كَانَ ذَلِكَ شَهَادَةً مِنْهُمَا بِأَنَّ الْحَدَّ الْيُمْنَى شَارِعٌ مَسْلُوكٌ فَإِذَا حَكَمَ الشَّافِعِيُّ بِجَمِيعِ مَا شَهِدَا بِهِ كَانَ حُكْمًا مِنْهُ بِأَنَّهُ شَارِعٌ اهـ فَإِنْ قُلْتَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْحُدُودِ وَمَسْأَلَةِ الشَّهَادَةِ بِأَنَّ

التَّوْكِيلَ مُتَضَمِّنٌ لِثُبُوتِ النَّسَبِ تَضَمُّنًا لَا انْفِكَاكَ عَنْهُ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ تَوْكِيلِ فُلَانٍ إلَّا إنْ كَانَ ابْنُ فُلَانٍ لِأَنَّ الصُّورَةَ أَنَّهُ غَائِبٌ عَنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ فَإِنَّ الْقَصْدَ انْتِهَاؤُهَا إلَى كَذَا وَإِنْ لَمْ يَثْبُت كَذَا قُلْتُ هَذَا الْفَرْقُ خَيَالٌ بَاطِلٌ بَلْ هُمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاء إذْ الْحُدُودُ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا صِحَّةُ الْبَيْعِ أَيْضًا فَشَهَادَتُهُمَا بِبَيْعِ الْمَحَلِّ الْمَحْدُودِ بِكَذَا وَكَذَا شَهَادَةٌ بِأَنَّ الْمَبِيعَ يَنْتَهِي حَدُّهُ إلَى مِلْكِ فُلَانٍ فَمَتَى لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ مِلْكُ فُلَان وَإِلَّا كَانَ الْحَدُّ غَيْرَ مَعْلُومٍ وَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ عِلْمِهِ بُطْلَانُ الشَّهَادَةِ بِالْبَيْعِ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الشَّهَادَةِ كَالدَّعْوَى التَّحْدِيدُ مِنْ الْجِهَاتِ الْأَرْبَعِ مَا لَمْ يَحْصُل شُهْرَةٌ بِدُونِ ذَلِكَ فَظَهَرَ تَوَقُّفُ الْبَيْعِ الْمَشْهُودِ بِهِ عَلَى التَّحْدِيدِ كَمَا أَنَّ الْوَكَالَةَ الْمَشْهُودَ بِهَا مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى الْبُنُوَّةِ. فَإِذَا قَالُوا فِي الشَّهَادَةِ بِالْوَكَالَةِ الْمَذْكُورَةِ إنَّهَا شَهَادَةٌ بِالْبُنُوَّةِ فَكَذَلِكَ الشَّهَادَةُ بِالْبَيْعِ الْمَذْكُورِ شَهَادَةٌ بِالْحُدُودِ بِلَا فَرْقٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ ثُمَّ رَأَيْتُ فِي فَتَاوَى السَّيِّدِ السَّمْهُودِيِّ شَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى سَعْيَهُ مَا لَفْظُهُ مَسْأَلَةٌ ادَّعَى دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ شَرَاهَا مِنْ آخَرَ وَصُورَةُ مَكْتُوبِ الشِّرَاءِ الَّذِي شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ اشْتَرَى فُلَانٌ مِنْ فُلَانٍ مَا هُوَ بِيَدِهِ وَمِلْكِهِ يَوْمَئِذٍ وَكَتَبَ كُلٌّ مِنْ الشُّهُودِ وَشَهِدَتْ بِمَضْمُونِهِ وَشَهِدَ كَذَلِكَ عِنْد الْحَاكِمِ فَهَلْ يُكْتَفَى بِذَلِكَ فِي ثُبُوتِ الْمِلْك لِلْبَائِعِ فِي ذَلِكَ التَّارِيخِ حَتَّى يُقْضَى لِلْمُدَّعِي بِهَا الْجَوَابُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ. نَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ فِيهَا عَنْ الزَّبِيلِيِّ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ لَا تُثْبِتُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ مِلْكًا لِلْبَائِعِ حِين بَاعَهَا قَالَ لِأَنَّ الْقَبَالَةَ مُكْتَتَبَةٌ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فَشَهِدُوا بِمَا سَمِعُوهُ مِنْهُمَا فَلَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِمْ مِلْكُ الْبَائِعِ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّهُ يَوْمَ بَاعَهَا كَانَتْ مِلْكًا لَهُ وَهَذَا حُكْمٌ آخَرُ لَيْسَ فِي الْقَبَالَةِ وَأَمَّا إذَا شَهِدُوا بِنَفْسِ الصَّكِّ لَمْ تُسْمَعْ مِنْ جِهَةِ الْمِلْكِ اهـ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ عَقِبَهُ وَهَذَا وَاضِحٌ وَيَغْفُلُ عَنْهُ أَكْثَرُ قُضَاةِ عَصْرِنَا وَشُهُودِهِ بَلْ يَشْهَدُ الشَّاهِدُ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ الْقَبَالَةُ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ مِنْهُ بِالشَّهَادَةِ لِلْبَائِعِ بِالْمَلَكِيَّةِ. وَيُرَتِّبُ الْحَاكِمُ عَلَى ذَلِكَ حُكْمَهُ غَفْلَةً عَنْ الْحَقَائِقِ اهـ قُلْتُ وَهَذَا شَاهِدٌ جَيِّدٌ لِمَا فِي فَتَاوَى السُّبْكِيّ فِي ضِمْنِ فُرُوعِ عُمُومِ الْبَلْوَى بِاشْتِمَالِ كُتُبِ الْمُبَايَعَاتِ وَنَحْوِهَا عَلَى حُدُودٍ قَالَ ثُمَّ يَقَعُ الِاخْتِلَافُ وَيَطْلُبُ مِنَّا إثْبَاتُ أَنَّ الْحُدُودَ كَمَا تَضَمَّنَهُ ذَلِكَ الْكِتَابُ قَالَ وَمَا فَعَلْتُهُ قَطُّ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ فِي الْبِيَعِ مَثَلًا هُوَ الْعَقْدُ الصَّادِرُ عَلَى الْمَحْدُودِ بِتِلْكَ الْحُدُودِ وَقَدْ لَا يَكُونُ الشَّاهِدُ عَارِفًا بِتِلْكَ الْحُدُودِ أَلْبَتَّةَ وَإِنَّمَا يَسْمَعُ لَفْظَ الْعَاقِدِ وَالْحُدُودُ مَحْكِيَّةٌ عَنْ الْعَاقِدِ اهـ وَهُوَ جَيِّدٌ فَلْيُتَنَبَّهْ لِذَلِكَ اهـ مَا فِي فَتَاوَى السَّمْهُودِيِّ وَإِطْلَاقِهِ أَنَّ مَا قَالَهُ السُّبْكِيّ جَيِّدٌ لَيْسَ بِجَيِّدٍ وَكَأَنَّهُ هُوَ أَيْضًا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى مَسْأَلَةِ النَّسَبِ السَّابِقَةِ. وَمَا ذَكَرَهُ الزَّبِيلِيُّ وَاعْتَمَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ لَا يُنَافِي مَا قَدَّمْتُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْحُدُودِ لِأَنَّهُ فَرَضَ ذَلِكَ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي بِمَا سَمِعَهُ الشَّاهِدُ أَنَّ مِنْهُمَا وَالْحُكْمُ حِينَئِذٍ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ صَرَّحَ الشَّاهِدَانِ بِذَلِكَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمَا فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ ضِمْنًا كَمَا قَدَّمْتُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْحُدُودِ فَهُمَا سَوَاءٌ انْتَهَتْ. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ وَلَا يَقْضِي بِخِلَافِ عِلْمِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَقَالَ ابْنُ الْحُسَيْنِ الْمَدَنِيُّ فِي شَرْحِ تَكْمِلَةِ شَرْحِهِ يَعْنِي ولَا يَقْضِي الْقَاضِي بِخِلَافِ عِلْمِهِ بِلَا خِلَاف بَلْ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَبْرَأَهُ عَمَّا ادَّعَاهُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَوْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ قَتَلَهُ حَيٌّ أَوْ رَأَى غَيْرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَتْلَهُ أَوْ سَمِعَ مُدَّعِي الرِّقِّ قَدْ أُعْتِقَ وَمُدَّعِي النِّكَاحَ قَدْ طَلَّقَ ثَلَاثًا أَوْ تَحَقَّقَ كَذِبُ الشُّهُودِ امْتَنَعَ مِنْ الْقَضَاءِ وَكَذَا إذَا عَلِمَ فِسْقَ الشُّهُودِ إلَى آخِرِ كَلَامِ ابْن الْحُسَيْنِ الَّذِي يُحِيطُهُ عِلْمكُمْ فَهَلْ يَا شَيْخَ الْإِسْلَامِ بَلْ إمَامَ أَئِمَّةِ الْأَنَامِ الْمُحَكَّمُ كَالْحَاكِمِ فِي جَمِيع مَا ذُكِرَ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ فَإِذَا عَلِمَ الْمُحَكَّمُ أَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَدْرِي عَنْ سَبَبِ اسْتِحْقَاقِ الْمُدَّعَى بِهِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلهُ عَنْ سَبَبِهِ وَعَنْ سَبَبِ شَهَادَتِهِمْ كَمَا إذَا شَهِدُوا عَلَى زِنًا وَغَصْبٍ وَإِتْلَافٍ وَوِلَادَةٍ فَإِنَّهَا لَا تَتِمُّ شَهَادَتُهُمْ إلَّا بِالْإِبْصَارِ فَإِذَا شَهِدُوا فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُحَكَّمِ أَنْ يَسْأَلَهُمْ هَلْ أَبْصَرُوا ذَلِكَ حَيْثُ عَلِمَ أَنَّ الشُّهُودَ لَمْ يُبْصِرُوا ذَلِكَ وَإِذَا سَأَلَهُمْ وَلَمْ يُبَيِّنُوا لَهُ الْإِبْصَارَ بَلْ اقْتَصَرُوا عَلَى الشَّهَادَةِ فَهَلْ يَقْبَلهُمْ أَمْ لَا يَقْبَلهُمْ لِكَوْنِهِ خِلَافَ عِلْمِهِ وَهَلْ إذَا قَالَ الْمُدَّعِي اُسْتُحِقَّ عَلَيْك كَذَا وَكَذَا وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً فَهَلْ يَقْبَلُ الْمُحَكَّمُ

الْبَيِّنَةَ وَيَحْكُمُ بِالْمُدَّعَى أَوْ لَا يَقْبَلُهَا حَتَّى يَسْأَلَ الشُّهُودَ لِكَوْنِهِ يَعْلَمُ أَيْ الْمُحَكَّمُ أَنَّ الشُّهُودَ لَا يَعْرِفُونَ الِاسْتِحْقَاقَ أَمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ بِأَنَّ الْمُحَكَّمَ لَيْسَ كَالْحَاكِمِ فِي جَوَازِ الْحُكْمِ بِعِلْمِهِ كَمَا بَيَّنْتُهُ لَكُمْ فِي بَعْضِ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي هِيَ وَاصِلَةٌ إلَيْكُمْ فَحِينَئِذٍ لَا يَقْضِي بِعِلْمِهِ وَلَا بِخِلَافِ عِلْمِهِ وَقَوْلُ السَّائِلِ فَإِذَا عَلِمَ الْمُحَكَّمُ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الشَّاهِدَ هَلْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِاسْتِحْقَاقِ زَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو دِرْهَمًا مَثَلًا إذَا عَرَفَ سَبَبَهُ كَأَنْ أَقَرَّ لَهُ بِهِ فَشَهِدَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ دِرْهَمًا وَفِي ذَلِكَ وَجْهَانِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ ابْنِ أَبِي الدَّمِ أَشْهَرُهُمَا لَا تُسْمَعُ شَهَادَتُهُ وَإِنْ وَافَقَهُ فِي مَذْهَبِهِ لِأَنَّ الشَّاهِدَ قَدْ يَظُنُّ مَا لَيْسَ بِسَبَبٍ سَبَبًا وَلِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرَتِّبَ الْأَحْكَامَ عَلَى أَسْبَابِهَا بَلْ وَظِيفَتُهُ نَقْلُ مَا سَمِعَهُ مِنْ إقْرَارٍ أَوْ عَقْدٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ مَا شَاهَدَهُ مِنْ الْأَفْعَالِ ثُمَّ الْحَاكِمُ يَنْظُرُ فِيهِ فَإِنْ رَآهُ سَبَبًا رَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ. وَهَذَا ظَاهِرُ نَصِّ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ كَغَيْرِهِ بَعْد اطِّلَاعِهِ عَلَى النَّصِّ تُسْمَعُ شَهَادَتُهُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَيُنْدَبُ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَ الشَّاهِدَ عَنْ جِهَةِ الْحَقِّ إذَا لَمْ يَثِقْ بِشِدَّةِ عَقْلِهِ وَقُوَّةِ حِفْظِهِ وَاَلَّذِي يَتَّجِه حَمْلُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ الْمُوَافِقِ لِلنَّصِّ عَلَى شَاهِدٍ غَيْرِ فَقِيهٍ فَلَا يَكْتَفِي الْحَاكِمُ مِنْهُ بِإِطْلَاقِ السَّبَبِ وَالثَّانِي عَلَى فَقِيهٍ لَا يَجْهَلُ تَرَتُّبَ الْمَشْهُودِ بِهِ عَلَى سَبَبِهِ فَلَهُ أَنْ يَعْتَمِدَ شَهَادَتَهُ بِمُطْلَقِ الِاسْتِحْقَاقِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلُ يَجِبُ فِيهَا تَفْصِيلُ الشَّهَادَةِ كَأَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِعَيْنٍ ثُمَّ ادَّعَاهَا وَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَوْ بِتَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ الْمُقَرِّ لَهُ فَلَا تُسْمَعُ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يُصَرِّحَ الْمُدَّعِي وَالْبَيِّنَة بِنَاقِلٍ مِنْ جِهَةِ الْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّهُ يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ وَكَالشَّهَادَةِ بِالرِّدَّةِ عَلَى خِلَافٍ فِيهَا أَوْ بِالْإِكْرَاهِ أَوْ بِالسَّرِقَةِ أَوْ بِأَنَّ نَظَرَ الْوَقْفَ الْفُلَانِيِّ لِفُلَانٍ أَوْ بِأَنَّ هَذَا وَارِثُ فُلَانٍ أَوْ بِبَرَاءَةِ الْمَدِينِ مِنْ الدَّيْنِ الْمُدَّعَى بِهِ أَوْ بِاسْتِحْقَاقِ الشُّفْعَةِ أَوْ بِالرُّشْدِ أَوْ بِأَنَّ الْعَاقِدَ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ زَائِلَ الْعَقْلِ فَيُبَيِّن زَوَالَهُ أَوْ بِالْجُرْحِ أَوْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَوْ بِالرَّضَاعِ أَوْ بِالنِّكَاحِ أَوْ بِالْقَتْلِ أَوْ بِأَنَّ فُلَانًا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ لِأَنَّ الْحَالَ يَخْتَلِفُ بِالصَّرِيحِ وَالْكِنَايَةِ وَالتَّنْجِيزِ وَالتَّعْلِيقِ أَوْ بِأَنَّهُ بَلَغَ بِالسِّنِّ فَيُبَيِّنهُ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ بِمُطْلَقِ الْبُلُوغِ أَوْ بِأَنَّ فُلَانًا وَقَفَ دَارِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَصْرِفِ الْوَقْفِ بِخِلَافِهَا بِأَنَّ فُلَانًا أَوْصَى إلَى فُلَانٍ فَإِنَّهَا تُسْمَعُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمَصْرِفَ وَلَا الْمُوصَى بِهِ وَإِنَّمَا وَجَبَ التَّفْصِيلُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي أَسْبَابِهَا وَأَحْكَامِهَا وَيُلْحَقُ بِهَا فِي ذَلِكَ مَا يُشَابِهُهَا نَعَمْ لَوْ شَهِدَا عَلَى امْرَأَةٍ بِاسْمِهَا وَنَسَبِهَا جَازَ فَإِنْ سَأَلَهُمَا الْحَاكِمُ هَلْ يَعْرِفَانِ عَيْنَهَا فَلَهُمَا أَنْ يَسْكُتَا أَوْ يَقُولَا لَا يَلْزَمُنَا الْجَوَابُ وَهَذَا فِي الشَّاهِدِ الضَّابِطِ الْعَارِفِ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَهُمَا وَتَلْزَمَهُمَا الْإِجَابَةُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (سُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ مَسْأَلَةٍ وَقَعَ فِيهَا جَوَابَانِ مُخْتَلِفَانِ صُورَتُهُمَا بِلَادٌ لَيْسَ فِيهَا سُلْطَانٌ وَلَا قَاضٍ وَفِيهَا قَبَائِلُ لَيْسَ فِيهَا مِنْ الْعُدُولِ إلَّا الْقَلِيلُ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى مَنْ يُرِيد الْحُكْمَ بَيِّنَهُمْ أَنْ يَبْحَث عَنْ حَالِ الشُّهُودِ مِنْ عَدَالَةٍ وَفِسْقٍ أَمْ يَكْتَفِي بِظَاهِرِ الْحَالِ وَيَقْبَلُ مِنْهَا الْأَمْثَلَ فَالْأَمْثَلَ. أَجَابَ الْأَوَّلُ فَقَالَ يَجِبُ الْبَحْثُ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ وَلَا يُقْبَل إلَّا عُدُولٌ لِأُمُورٍ أَحَدُهَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ} [المائدة: 106] . وَقَالَ جَلَّ وَعَلَا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] وَقُرِئَ فَتَثَبَّتُوا دَالٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يَشْهَدَ الْفَاسِقُ وَإِنْ كَانَ حَقًّا كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ ابْنُ الْحُسَيْنِ فِي تَكْمِلَتِهِ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَإِذَا لَمْ يَحِلَّ ذَلِكَ فَلَا يَحِلُّ لِلْحَاكِمِ سَمَاعُ شَهَادَتِهِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرهُمَا قَالَ لِأَنَّهَا إعَانَةٌ عَلَى حَرَامٍ وَالْإِعَانَةُ عَلَى حَرَامٍ حَرَامٌ وَلِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وَالْفَاسِقُ غَيْرُ عَدْلٍ وَلَا يُرْضَى لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَى دِينِهِ أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَنْظُرُ لِدِينِهِ فَكَيْفَ يَنْظُرُ لِغَيْرِهِ. فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمَرَ بِرَدِّ شَهَادَةِ الْفُسَّاقِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بَلْ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ أَبْيَنُ خَطَأً مِنْ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْعَبْدِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] وَقَالَ تَعَالَى

{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وَلَيْسَ الْفَاسِقُ وَاحِدًا مِنْ هَذَيْنِ فَمَنْ قَضَى بِشَهَادَتِهِ فَقَدْ خَالَفَ حُكْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَيْهِ رَدُّ قَضَائِهِ فَإِنَّ الْفَاسِقَ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي رَدِّ شَهَادَتِهِ قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ وَلَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ اعْتَقَدَ عَدَالَتَهُمَا نُقِضَ حُكْمُهُ عَلَى الصَّحِيحِ كَالْكَافِرِينَ اهـ وَعَلَّلَهُ الْإِمَامُ نُورُ الدِّينِ الْأَزْرَقُ بِأَنَّ عَدَالَةَ الشُّهُودِ شَرْطٌ فِي الْحُكْمِ الْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّ الْإِمَامَ نَجْمَ الدِّينِ بْنَ الرِّفْعَةِ وَغَيْرَهُ قَالَ لَيْسَ لِلْحَاكِمِ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ الْمَجْهُولِينَ قَبْلَ الْبَحْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282] وَالْمَجْهُولُ قَبْلَ الْبَحْثِ غَيْرُ مُرْضٍ وَنَقَلَ الشَّيْخَانِ عَنْ الْإِمَامِ الْهَرَوِيِّ أَنَّ الْبَحْثَ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَنَقَلَ الْإِمَامُ جَمَالُ الدِّينِ الْإِسْنَوِيُّ وَالْإِمَامُ شِهَابُ الدِّينِ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ الْإِمَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ أَنَّ رِوَايَةَ مَجْهُولِ الْعَدَالَةِ لَا تُسْمَعُ بَلْ قَالَ الْإِمَامُ تَاجُ الدِّينِ ابْن الْإِمَامِ السُّبْكِيّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ أَنَّ رِوَايَتَهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا مَرْدُودَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَنَقَلَ الْإِمَامُ الْبَيْضَاوِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ عَنْ الْإِمَامِ الْبَاقِلَّانِيِّ أَنَّ مَنْ لَا تُعْرَفُ عَدَالَتُهُ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ لِأَنَّ الْفِسْقَ مَانِعٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ عَدَمِهِ كَالصِّبَا وَالْكُفْرِ وَالْعَدَالَةِ تُعْرَفُ بِالتَّزْكِيَةِ اهـ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَلَا يَكْتَفِي الْقَاضِي بِظَاهِرِ الْعَدَالَةِ حَتَّى يَعْرِفَ عَدَالَتَهُمْ الْبَاطِنَةَ سَوَاءٌ كَانَتْ شَهَادَتُهُمْ فِي حَدٍّ أَوْ غَيْرِهِ اهـ قَالَ الْإِمَامُ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْإِشَارَاتِ لَا يَنْفُذُ الْحُكْمُ بِالشَّهَادَةِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ عَدَالَةُ الشُّهُودِ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ اهـ الْأَمْرُ الثَّالِثِ أَنَّ غَيْرَ الْقَاضِي يَعْسُرُ عَلَيْهِ مَعْرِفَتُهَا كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا وَأَمَّا الْقَاضِي فَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ الْبَحْثُ عَنْهَا قَالَ الشَّيْخَانِ وَإِذَا لَمْ يَعْرِف الْقَاضِي مِنْ الشُّهُودِ عَدَالَةً وَلَا فِسْقًا فَلَا يَجُوزُ لَهُ قَبُولُ شَهَادَتِهِمْ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِزْكَاءِ وَالتَّعْدِيلِ قَالَ الْإِمَامُ الْأَذْرَعِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ سَوَاء فِي ذَلِكَ الشَّهَادَةُ بِالْمَالِ وَغَيْرِهِ قَالَ لِأَنَّ تَزْكِيَةَ الشُّهُودِ إلَى الْحَاكِمِ دُونَ غَيْرِهِ اهـ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَلَا أَدْرِي مَا الَّذِي يَعْتَذِرُ بِهِ مَنْ يُجَوِّزُ شَهَادَةَ غَيْرِ الْمُتَيَقَّنِ عَدَالَتُهُ الْأَمْرُ الرَّابِعُ أَنَّ الْإِمَامَ الْأَذْرَعِيَّ قَالَ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فِي الْكَلَامِ عَلَى التَّزْكِيَةِ اعْتِبَارُ الْعِلْمِ بِالْعَدَالَةِ وَالْفِسْقِ وَأَسْبَابِهِمَا كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ ظَاهِرٌ فِي جَانِبِ التَّعْدِيلِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْعَدَالَةَ وَشُرُوطَهَا وَأَسْبَابَهَا وَمَوَانِعَهَا لَا يَدْرِي بِمَاذَا يَشْهَدُ قَالَ وَمِنْ هَذَا يُؤْخَذُ أَنَّ مَا يَعْتَمِدهُ كَثِيرٌ مِنْ حُكَّامِ الْعَصْرِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ مِنْ قَبُولِ التَّزْكِيَةِ مِنْ الْعَوَامّ الْمَقْبُولِينَ عِنْدهمْ غَيْرُ سَدِيدٍ لِأَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَ ذَلِكَ وَيَبْنُونَ الشَّهَادَةَ عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ خَيْرٍ يَظُنُّونَهُ بِالْمُزَكَّى وَأَكْثَرُ النَّاسِ يَجْهَلُ مَعْرِفَةَ الْعَدَالَةِ وَأَسْبَابِهَا وَيَجْهَلُونَ اعْتِبَارَ الْمَعْرِفَةِ الْبَاطِنَةِ قَالَ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي الْبَحْثُ وَالسُّؤَالُ وَالِاسْتِفْسَارُ قَالَ وَإِذَا لَمْ يَعْرِفْ الْمُعَدِّلُ أَسْبَابَ الْفِسْقِ ظَنًّا بِمَا هُوَ فِسْقٌ لَيْسَ فِسْقًا فَيَعْدِل جَهْلًا اهـ كَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ وَيُؤَيِّدهُ قَوْلُ الشَّيْخِ الْمَقْدِسِيِّ فِي الْإِشَارَاتِ الْعَامِّيُّ لَا يَعْرِفُ الْعَدْلَ مِنْ غَيْرِهِ اهـ وَمُعْظَمُ شَهَادَاتِ النَّاسِ يَشُوبُهَا جَهْلٌ وَغَيْرُهُ يُحْوِجُ الْحَاكِمَ إلَى الِاسْتِفْسَارِ وَإِنْ كَانُوا عُدُولًا كَذَا قَالَ الشَّيْخَانِ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَاخْتَارَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي مَوَاضِعَ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَقَالَ إنَّهُ الْحَقُّ قَالَ بَعْضُهُمْ وَلَعَمْرِي إنَّ أَكْثَرَ شُهُودَ عَصْرِنَا غَيْرُ مَرْضِيِّينَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُمْ الْعَدَالَةَ فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي عَصْرِهِ فَمَا ظَنُّك بِمَا بَعْدَهُ الْأَمْرُ الْخَامِسُ أَنَّ الْإِمَامَ ابْن عُجَيْل الْيَمَنِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سُئِلَ عَنْ أَهْلِ بِلَادٍ لَا يُقَسِّمُونَ لِلنِّسَاءِ مِيرَاثًا ظُلْمًا مِنْهُمْ وَيُقَاتِلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الْبَاطِلِ وَلَيْسَ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ مِنْ الْعُدُولِ إلَّا نَاسٌ قَلِيلٌ فَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ أَوْ لَا؟ فَأَجَابَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُمْ وَلَا يُرْجَعُ إلَيْهِمْ فِي شَيْءٍ وَهُمْ مِنْ أَفْسَقِ الْفُسَّاقِ حَتَّى يُقَسِّمُوا لِلنِّسَاءِ مَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُنَّ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُمْ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا حَتَّى يَرُدُّوا الْحُقُوقَ إلَى أَهْلِهَا وَكَذَلِكَ الَّذِينَ يُقَاتِلُ بَعْضُهُمْ فِي الْبَاطِلِ حُكْمُهُمْ كَذَلِكَ لَا تُقْبَل شَهَادَتُهُمْ وَهُمْ فَسَقَةٌ مِنْ أَعْظَمِ الْفُسَّاقِ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ بَعْدَ الشِّرْكِ بِاَللَّهِ تَعَالَى قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَزَوَالُ الدُّنْيَا عِنْد اللَّهِ تَعَالَى أَهْوَنُ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ» اهـ جَوَابُهُ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ

بَعْد أَنْ رَأَى جَوَابَهُ هَذَا الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَدَمُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ الْأَمْرُ السَّادِسُ أَنَّ الْإِمَامَ شِهَابَ الدِّينِ الْأَذْرَعِيَّ قَالَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْ شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا كَلَامًا فِيمَا إذَا فَاتَتْ الْعَدَالَةُ فِي شُهُودِ الْحَاكِمِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ كَمَا اخْتَارَهُ الْإِمَامُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الْأَذْرَعِيُّ فِي الْقَضَاءِ مِنْ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَقَالَ أَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْأَزْمَانِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ فَوَاتَ الْعَدَالَةِ لَا يُغَيِّرُ مَا اعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ مِنْ الْعَدَالَةِ وَالسِّتْرِ فِي شَاهِدِ عَقْدِ النِّكَاحِ مَثَلًا لِأَنَّ النِّكَاحَ يَقَعُ غَالِبًا بَيْنَ أَوْسَاطِ النَّاسِ وَالْعَوَامِّ وَفِي الْبَوَادِي وَالْقُرَى فَلَوْ كُلِّفُوا مَعْرِفَةَ الْعَدَالَةِ الْبَاطِنَةِ لَطَالَ الْأَمْرُ وَشَقَّ بِخِلَافِ الْحُكْمِ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَسْهُلُ عَلَيْهِ مُرَاجَعَةُ الْمُزَكِّينَ وَمَعْرِفَةُ الْعَدَالَةِ الْبَاطِنَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ جَوَابُ الْأَوَّلِ. وَأَجَابَ الثَّانِي فَقَالَ: لَا يَجِبُ الْبَحْثُ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ الْمَذْكُورَةِ لِأُمُورٍ أَحَدُهَا أَنَّ بَعْضَ الشَّافِعِيَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ رَأَوْا اغْتِفَار مَا يَغْلِبُ مُخَالَطَةُ النَّاسِ لَهُ وَإِنْ كَانَ مُفَسَّقًا إذَا عُرِفَ صَاحِبُهُ بِالتَّصَوُّنِ عَنْ الْكَذِبِ وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ الْغَزَالِيُّ فَصَرَّحَ بِهِ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ وَيَدُلُّ لَهُ تَصْحِيحُ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ لِمَنْ لَيْسَ بِأَهْلِ لِفِسْقٍ وَغَيْرِهِ مَعَ الضَّرُورَةِ عَلَى مَا حُرِّرَ مِنْ الْفِقْهِ حَتَّى صَرَّحَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ صَحَّتْ قَطْعًا وَقَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الرِّفْعَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّهُ الْحَقَّ. الْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّ الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اعْتَبَرَ الْأَغْلَبَ فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ الطَّاعَةَ وَنَدَرَتْ الْمَعْصِيَةُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَهُوَ عَدْلٌ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ الصَّغَائِرَ فَهُوَ فَاسِقٌ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 8] {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} [الأعراف: 9] فَاعْتَبَرَ الْكَثْرَةَ وَالْغَلَبَةَ لِأَنَّ فِي النَّفْسِ دَوَاعِيَ الطَّاعَاتِ وَدَوَاعِيَ الْمَعَاصِي فَاعْتُبِرَ الْأَغْلَبُ وَهُوَ كَمَا يُعْتَبَر فِي الْمَاءِ إذَا اخْتَلَطَ بِمَائِعٍ وَفِي الرَّافِعِيِّ الْإِصْرَارُ بِالْمُدَاوَمَةِ عَلَى الْفِعْلِ لَكِنَّهُ قَالَ هَلْ الْمُدَاوَمَة عَلَى نَوْعٍ مِنْ الصَّغَائِرِ أَوْ الْإِكْثَارُ مِنْ الصَّغَائِرِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ نَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ فِيهِ وَجْهَانِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْجُمْهُورِ يُوَافِقُ الثَّانِيَ فَعَلَى هَذَا لَا تَضُرُّ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى نَوْعٍ مِنْ الصَّغَائِرِ إذَا غَلَبَتْ الطَّاعَاتُ الْأَمْرُ الثَّالِثُ أَنَّا لَوْ كُلِّفْنَا الْبَحْثَ عَنْ حَالِ الشُّهُودِ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ الْمَذْكُورَةِ لَحَصَلَ عَلَيْهِمْ الضَّرَرُ وَلَاِتَّخَذَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْبِلَادِ ذَرِيعَةً حَتَّى يَتَعَطَّلَ كَثِيرٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ قَالَ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7] وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْأَمْرُ إذَا ضَاقَ اتَّسَعَ سِيَّمَا أَنَّ الشَّيْخَ مُحْيِيَ الدِّينِ النَّوَوِيَّ قَالَ فِي بَابِ نَقْضِ الْكَعْبَةِ مِنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ إذَا تَعَارَضَتْ مَصْلَحَةٌ وَمَفْسَدَةٌ وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَ فِعْلِ الْمَصْلَحَةِ وَتَرْكِ الْمَفْسَدَةِ بُدِئَ بِالْأَهَمِّ وَقَالَ فِي بَابِ الْخَدِيعَةِ مِنْ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَاحْتِمَالُ الْمَفْسَدَةِ الْيَسِيرَةِ لِدَفْعِ أَعْظَمَ مِنْهَا أَوْ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ أَعْظَمَ مِنْهَا إذَا لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ إلَّا بِذَلِكَ اهـ. وَجَوَابُ الثَّانِي فَمَا الرَّاجِحُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ مِنْ هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ أَوَّلُهُمَا وَهُوَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عَدَالَةِ الشُّهُودِ عِنْد الْحَاكِمِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا سَوَاءٌ أَكَانَتْ الْعُدُول فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ قَلِيلِينَ أَوْ كَثِيرِينَ لِمَا ذَكَره الْمُجِيبُ الْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ كَلَامِهِ نَظَرٌ يُعْرَف لِلْمُتَأَمِّلِ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يَشْهَدَ الْفَاسِقُ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا إلَخْ فَإِنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا وَهُوَ أَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ فِسْقُهُ مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَتَارَةً يَكُونُ مُخْتَلَفًا فِيهِ فَفِي الْحَالَةِ الْأُولَى يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ بِالْحَقِّ وَإِنْ خَفِيَ فِسْقُهُ كَذَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَحْرِيمِ الْأَدَاءِ مَعَ الْفِسْقِ الْخَفِيِّ نَظَرٌ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ بِحَقِّ وَإِعَانَةٌ عَلَيْهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا إثْمَ عَلَى الْقَاضِي إذَا لَمْ يُقَصِّرْ بَلْ يَتَّجِهُ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ فِي الْأَدَاءِ إنْقَاذُ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ بُضْعٍ قَالَ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفِسْقِ الظَّاهِرِ بِأَنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ بِالْخَفِيِّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَبِالظَّاهِرِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَصَرَّحَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ فِيهِمَا مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ بِعَدَمِ التَّحْرِيمِ وَقَالَ إنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَنَقَلَ أَعْنِي الْأَذْرَعِيَّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مَا يُوَافِقهُ وَهُوَ قَوْلُهُ لَوْ شَهِدَ أَبُو الْوَلَدِ لِوَلَدِهِ أَوْ الْعَدُوُّ عَلَى عَدُوِّهِ أَوْ الْفَاسِقُ بِمَا يَعْلَمُونَهُ مِنْ الْحَقِّ

وَالْحَاكِمُ لَا يَشْعُرُ بِمَانِعِ الشَّهَادَةِ فَالْمُخْتَارُ جَوَازُهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْمِلُوا الْحَاكِمَ عَلَى بَاطِلٍ بَلْ عَلَى إيصَالِ حَقٍّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْخَصْمِ وَلَا عَلَى الشَّاهِدِ وَالْحَالَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ مَا إذَا لَمْ يُجْمَع عَلَى فِسْقِهِ كَشَارِبِ النَّبِيذِ يَلْزَمهُ الْأَدَاءُ سَوَاءٌ أَكَانَ الْقَاضِي يَرَى التَّفْسِيقَ وَرَدَّ الشَّهَادَةَ بِهِ أَمْ لَا فَقَدْ يَتَغَيَّرُ اجْتِهَادُهُ وَيَرَى قَبُولَهَا وَقَضِيَّةُ الْعِلَّةِ عَدَمُ اللُّزُومِ إذَا كَانَ الْقَاضِي مُقَلِّدًا لِمَنْ يَرَى التَّفْسِيقَ بِذَلِكَ كَالشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي صُورَةِ النَّبِيذِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَ مُقَلَّدِهِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ مِثْلِ ذَلِكَ بَعِيدٌ نَادِرٌ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ مِنْ نَقْضِ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِينَ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ كَالْأَصْحَابِ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ نَقَضَ خَطَأَهُ فَكَانَ كَمَا لَوْ حَكَمَ بِاجْتِهَادِهِ ثُمَّ بَانَ النَّصُّ بِخِلَافِهِ وَقَوْلُهُ الْأَمْرُ الثَّانِي لِأَنَّ الْإِمَامَ نَجْمَ الدِّينِ ابْنَ الرِّفْعَةِ إلَخْ عَجِيبٌ مِنْهُ نَقْلُ هَذَا وَأَمْثَالِهِ الْكَثِيرَةِ فِي كَلَامِهِ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مَعَ أَنَّهُ الْمَنْقُولُ الْمُعْتَمَدُ فِي كُتُبِ سَائِرِ الْأَصْحَابِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ بَلْ وَقَعَ لَهُ رَدُّ رِوَايَةِ الْمَجْهُولِ عَنْ الْإِسْنَوِيِّ وَالْأَذْرَعِيِّ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَة ثُمَّ انْتَقَلَ مِنْ ذَلِكَ بِبَلْ إلَى بَيَانِ أَنَّ ذَلِكَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَفِي هَذَا مِنْ التَّهَافُتِ فِي الْوَضْعِ مَا لَا يَخْفَى وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْمُجِيبُ الثَّانِي فَكَلَامٌ وَاهٍ سَاقِطٌ ضَعِيفٌ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِ إمَّا بَاطِلٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ وَاسْتِدْلَالُهُ عَلَيْهِ بِصِحَّةِ تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ لِلْفَاسِقِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَقَدْ نَقَلَ مُحَقِّقُو الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا يُفْهِمُ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَاعْتَمَدُوهُ حَيْثُ قَالُوا لَوْ تَعَذَّرَ جَمِيعُ شُرُوطِ الْقَضَاءِ فَوَلَّى الْإِمَامُ فَاسِقًا أَوْ مُقَلِّدًا جَازَ لِلضَّرُورَةِ وَسَكَتُوا عَنْ نَظِيرِهِ فِي الشَّهَادَةِ وَهُوَ مَا لَوْ رَتَّبَ الْإِمَامُ شُهُودًا فِيهِمْ جَارِحُ الْفِسْقِ أَوْ غَيْرِهِ وَفِي قَوَاعِدِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ لَوْ فَاتَتْ الْعَدَالَةُ فِي شُهُودِ الْحَاكِمِ فَهَذَا فِيهِ وَقْفَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مَصْلَحَةِ الْمُدَّعِي مُعَارِضَةٌ لِمَصْلَحَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالذِّمَمِ وَالْأَبْدَانِ وَالظَّاهِرُ مِمَّا فِي الْأَيْدِي أَنَّهُ لِأَرْبَابِهَا وَلَا يَلْحَقُ بِتَنْفِيذِ وِلَايَةِ فَاقِدِ الْأَهْلِيَّةِ لِعَدَمِ الْمُعَارِضَةِ الْمَذْكُورَةِ. اهـ. فَتَأَمَّلْ مَا اخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ مِنْ الْفَرْقِ تَجِدهُ رَدًّا فِيمَا ذَكَره الْمُجِيبُ الثَّانِي وَقَوْلُهُ إنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - اعْتَبَرَ الْأَغْلَبَ إلَخْ يَدُلُّ عَلَى تَسَاهُلِهِ فِي الِاسْتِدْلَالِ وَعَدَمِ إتْقَانِهِ بِمَا يَسْتَدِلُّ بِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّا لَا نَنْظُرُ إلَى غَلَبَةِ الطَّاعَاتِ أَوْ الْمَعَاصِي أَوْ اسْتِوَائِهِمَا إلَّا إذَا لَمْ تُوجَدْ كَبِيرَةٌ بِأَنْ وُجِدَتْ صَغَائِرُ أَوْ صَغِيرَةٌ وَدَاوَمَ عَلَيْهَا فَإِنْ غَلَبَتْ طَاعَاتُهُ أَوْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فَيُعَدَّلُ وَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ مَا ارْتَكَبَهُ مِنْ تِلْكَ الصَّغَائِرِ وَإِنْ لَمْ تَغْلِبْ طَاعَاتُهُ فَغَيْرُ عَدْلٍ لِأَنَّ غَلَبَةَ الْمَعَاصِي حِينَئِذٍ تُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ ارْتِكَابِ الْكَبِيرَةِ فَزَالَتْ بِهِ الْعَدَالَةُ وَأَمَّا إذَا ارْتَكَبَ كَبِيرَةً فَإِنَّهُ يَصِيرُ فَاسِقًا وَإِنْ غَلَبَتْ طَاعَاتُهُ عَلَى مَعَاصِيه لِأَنَّ ارْتِكَابَ الْكَبِيرَةِ مُزِيلٌ لِلْعَدَالَةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى غَلَبَةِ طَاعَاتِهِ أَوْ عَدَمِهِ وَأَمَّا اسْتِدْلَاله بِمَا ذَكَره فِي الْأَمْرِ الثَّالِثِ وَبِكَلَامِ شَرْحِ مُسْلِمٍ فَغَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا لِمَا مَرَّ فِي كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مِنْ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ فِيهِ تَعَارُضُ مَصْلَحَةٍ وَمَفْسَدَةٍ وَإِنَّمَا فِيهِ تَعَارُضُ مَصْلَحَتَيْنِ - وَلَا مُرَجِّحَ فَلَا يُعْمَلُ بِالشَّهَادَةِ وَتَرَكْنَا الْأَشْيَاءَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ مِنْ بَقَاءِ الْحُقُوقِ فِي أَيْدِي أَرْبَابِهَا وَعَمِلْنَا بِالْأَصْلِ الثَّابِتِ فِي ذَلِكَ وَبَرَاءَةِ الذِّمَمِ وَنَحْوِهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا لَوْ أَوْصَى شَخْصٌ لِآخَرَ بِشَيْءٍ فَادَّعَى عَصَبَةُ الْمُوصِي الرُّجُوعَ وَأَقَامُوا شَاهِدًا بَعْد أَنْ أَقَامَ الْمُوصَى لَهُ شَاهِدَيْنِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَ الْعَصَبَةِ غَيْرُهُ مِنْ غَيْرِ الْعَصَبَةِ هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ وَالْحَالُ أَنَّهُمْ إخْوَةٌ حَتَّى تَكْمُلَ الْحُجَّةُ وَتُرَجَّحَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إنَّ عَصَبَةَ الْمُوصِي إنْ كَانُوا وَرَثَةً لَمْ تُقْبَل شَهَادَةُ أَحَدٍ مِنْهُمْ بِالرُّجُوعِ عَنْ الْوَصِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا وَرَثَةً قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ وَإِذَا تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَانِ بِالرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الرُّجُوعِ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ وَالْأُخْرَى مُسْتَصْحَبَةٌ أَوْ قَالَتْ الْأُخْرَى شَاهَدْنَاهُ بَعْد الْوَصِيَّةِ تَكَلَّمَ أَوْ فَعَلَ مَا يَكُون رُجُوعًا تَعَارَضَتَا وَبَقِيَتْ الْوَصِيَّةُ بِحَالِهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مُسْتَوْدَعٍ مَأْذُونٍ لَهُ مِنْ الْمُودِع

فِي دَفْعِ الْوَدِيعَةِ إلَى شَخْصٍ مُعَيَّنٍ فَطَلَبَ الشَّخْصُ الْوَدِيعَةَ مِنْ الْمُسْتَوْدَع فِي غَيْبَةِ الْمُودِعِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً لَهُ بِالْإِذْنِ عِنْد حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ وَلَدُ الْمُسْتَوْدَعِ وَأَجْنَبِيُّ وَقَبِلَهُمَا الْحَاكِمُ وَحَكَمَ بِالدَّفْعِ ثُمَّ حَضَرَ الْمُودِعُ بَعْدَ الدَّفْعِ وَأَنْكَرَ الْإِذْنَ فِي الدَّفْعِ فَأَقَامَ الْمُسْتَوْدَعُ الْبَيِّنَةَ الْمَحْكُوم بِهَا فَهَلْ تُقْبَلُ وَيَبْرَأُ الْمُسْتَوْدَعُ مِنْ الْوَدِيعَةِ بَعْد إنْكَارِ الْإِذْنِ مِنْ الْمُودِعِ بِمُقْتَضَى هَذِهِ الْبَيِّنَةِ أَمْ لَا أَمْ كَيْف الْحَالُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِأَنَّ الْوَدِيعَ كَانَ هُوَ الْمُقِيمَ لِلْبَيِّنَةِ الْمَذْكُورَةِ لَمْ تُقْبَل لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لَهُ بِمَا يَدَّعِيه عَلَى الْمُودِعِ مِنْ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الدَّفْعِ وَإِنْ كَانَ الْمُقِيمُ لَهَا غَيْرَ الْوَدِيعِ كَأَنْ ادَّعَى الْمَأْذُونُ لَهُ الْإِذْنَ وَأَنْكَرَهُ الْوَدِيعُ فَأَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ الْمَذْكُورَةَ قُبِلَتْ وَجَازَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا وَلَا نَظَرَ حِينَئِذٍ إلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا وَلَدُهُ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ حِينَئِذٍ عَلَيْهِ لَا لَهُ وَلَا نَظَرَ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ بَرَاءَةِ الْوَدِيعِ بِهَذَا الدَّفْعِ إذَا حَضَرَ الْمُودِعُ وَأَنْكَرَ الْإِذْنَ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمُدَّعَى بِهِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِمَا ذَكَرْتُهُ قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَغَيْرِهِمَا. وَالْعِبَارَةُ لِلرَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَبْدٌ فِي يَدِ زَيْدٍ ادَّعَى مُدَّعٍ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ عَمْرٍو بَعْدَ مَا اشْتَرَاهُ عَمْرٌو مِنْ زَيْدٍ صَاحِبِهِ وَقَبَضَهُ وَطَالَبَهُ بِالتَّسْلِيمِ وَأَنْكَرَ زَيْدُ جَمِيعَ ذَلِكَ فَشَهِدَ ابْنَاهُ لِلْمُدَّعِي بِمَا يَقُولهُ حَكَى الْقَاضِي أَبُو سَعِيدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَوْلَيْنِ أَحَدَهُمَا رَدّ شَهَادَتهمَا لِتَضَمُّنِهَا إثْبَاتَ الْمِلْكِ لِأَبِيهِمَا وَأَصَحُّهُمَا الْقَبُولُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالشَّهَادَةِ فِي الْحَالِ الْمُدَّعِي وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُمَا. اهـ. فَتَأَمَّلْ تَعْلِيلَ الْقَبُولِ الَّذِي هُوَ الْأَصَحُّ بِمَا ذُكِرَ تَجِدهُ نَصًّا فِي مَسْأَلَتِنَا وَتَأَمَّلْ تَعْلِيلَ الْقَوْلِ الضَّعِيفِ بِتَضَمُّنِهَا إثْبَاتَ الْمِلْكِ لِأَبِيهِمَا تَعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ بِقَبُولِ شَهَادَتِهِمَا وَلَا يُنْظَر لِتَضَمُّنِهَا مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالشَّهَادَةِ وَهَذَا كَمَا تَرَى صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَةِ ابْنِ الْوَدِيعِ وَأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا بَرَاءَتُهُ إذَا أَنْكَرَ الْمُودِعُ الْإِذْنَ وَلَا نَظَرَ لِهَذَا التَّرْتِيبِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالشَّهَادَةِ فَإِنْ قُلْتَ هَلْ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ التَّصْوِيرِ قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْقَبُولِ قُلْتُ لَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَقِبَهُ لَا يُحْتَاجُ عِنْدِي لِهَذَا التَّصْوِيرِ بَلْ لَوْ ادَّعَى عَلَى زَيْدٍ أَنَّهُ بَاعَهُ فَشَهِدَ ابْنَاهُ قُبِلَتْ شَهَادَتَهُمَا. اهـ. وَهَذَا مِمَّا يَزِيدُ مَسْأَلَتِنَا إيضَاحًا كَمَا هُوَ جَلِيٌّ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى قَبُولِ الشَّهَادَةِ بَرَاءَةُ الْوَدِيعِ قَوْلُهُمْ مَحَلُّ عَدَم قَبُولِ الشَّهَادَةِ لِلْأَصْلِ وَالْفَرْعِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ ضِمْنًا فَإِنْ كَانَ قُبِلَتْ كَمَا إذَا ادَّعَى عَلَيْهِ نَسَبَ وَلَدٍ فَأَنْكَرَ فَشَهِدَ أَجْنَبِيٌّ وَأَبُو الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى إقْرَارِهِ فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَبِ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ كَانَ فِي ضِمْنِهِ الشَّهَادَةُ لِحَفِيدِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَتَاوِيهِ وَأَقَرَّهُ الْأَذْرَعِيُّ أَيْضًا وَالزَّرْكَشِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَغَيْرُهُمَا وَمَنْ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ الْقَاضِي شُرَيْحٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رَوْضَتِهِ إذَا شَهِدَ عَلَى مَوْلَى أُمِّهِمَا أَنَّهَا أَعْتَقَتْهُ عَلَى أَلْفٍ سُمِعَتْ فِي الْعِتْقِ وَهَلْ تُسْمَعُ فِي الْأَلْفِ فِيهِ قَوْلَانِ سَوَاءٌ أَقَرَّتْ أَمْ أَنْكَرَتْ. اهـ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهَذَا ذَكَرَهُ الْعَبَّادِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ هَكَذَا وَقَالَ صَاحِبُهُ أَبُو سَعِيدٍ الْهَرَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْإِشْرَافِ وَأَنَا قَدْ بَيَّنْتُ أَنَّهُ يُفْصَلُ بَيْن مَا لَوْ سَبَقَ مِنْهُمَا الدَّعْوَى أَوْ لَمْ يَسْبِق عَلَى مَا حَكَيْته عَنْ الْإِمَامِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ. قَالَ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ وَهُوَ كَمَا قَالَ فَإِنَّهَا إذَا ادَّعَتْ تَكُونُ الشَّهَادَةُ بِالْأَلْفِ شَهَادَةً لَهَا بِمَالٍ قَصْدًا لَا ضِمْنًا إذْ الْأَمْرُ الضِّمْنِيّ لَا يَمْنَعُ قَبُولُ الشَّهَادَةِ بِهِ لِلْوَلَدِ أَوْ لِلْوَالِدِ قَالَ الشَّيْخَانِ رَحِمهمَا اللَّهُ تَعَالَى وَغَيْرهمَا وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّ أَبَاهُمَا قَذَفَ ضَرَّةَ أُمِّهِمَا فَفِي قَبُولِ شَهَادَتِهِمَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا الْمَنْعُ لِأَنَّ الْقَبُولَ يُحْوِجُهُ إلَى اللِّعَانِ وَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ الْفُرْقَةِ فَشَهَادَتُهُمَا تَجُرُّ نَفْعًا إلَى أُمِّهِمَا وَأَظْهَرهُمَا الْقَبُولُ وَلَا عِبْرَةَ بِمِثْلِ هَذَا الْجَرِّ لِأَنَّهُ ضِمْنِيٌّ لَا مَقْصُودٌ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَتْ أُمُّهُمَا تَحْتَهُ وَقَدْ شَهِدَ حِسْبَةً مِنْ غَيْرِ طَلَبِ الضَّرَّةِ وَإِلَّا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا قَطْعًا لِضَعْفِ جَرِّ النَّفْعِ إلَى الْأُمِّ فِي الثَّانِيَةِ وَعَدَمِهِ فِي الْأُولَى وَلَوْ ادَّعَى الْأَبُ طَلَاقَهَا فِي زَمَنٍ سَابِقٍ لِيُسْقِطَ بِمَا يَدَّعِيه عَنْ نَفْسِهِ نَفَقَةً مَاضِيَةً وَنَحْوِهَا أَوْ أَنَّهُ خَالَعَهَا عَلَى مَالٍ بَذَلَتْهُ فَشَهِدَا لَهُ ابْنَاهُ لَمْ يُقْبَلَا قَطْعًا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَالِ وَتَقَعُ

قَطْعًا وَأَفْهَمُ تَقْيِيدَهُمْ عَدَمَ الْقَبُولِ بِدَعْوَى الْأَبِ أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا بِالطَّلَاقِ الْمَذْكُورِ حِسْبَةٌ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَلَزِمَ الْمَالُ الْمَذْكُورُ لِأَنَّهُ ضِمْنِيٌّ لَا مَقْصُودٌ وَهُوَ مُتَّجَهٌ نَظِيرُ مَا مَرَّ قَالَ الشَّيْخَانِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَيْضًا وَلَوْ ادَّعَتْ الطَّلَاقَ فَشَهِدَ ابْنَاهَا لَمْ تُقْبَلْ وَلَوْ شَهِدَا حِسْبَةً قُبِلَا وَكَذَا فِي الرَّضَاعِ. اهـ. وَقَضِيَّةُ كِلَامِهِمَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْن أَنْ يَشْهَدَا بِذَلِكَ عَلَى أَبِيهِمَا أَوْ عَلَى زَوْجٍ أَجْنَبِيٍّ وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَقَوْلُ الْكَرْخِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُحْتَمَلُ أَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا حِسْبَةً لِأَنَّ ذَلِكَ إزَالَةُ رِقٍّ عَنْ الْأُمِّ وَذَلِكَ نَفْعٌ إلَّا أَنْ يَتَمَشَّى هَذَا خَاصَّةً إذَا كَانَتْ الْأُمُّ مَنْكُوحَةً لِغَيْرِ الْأَبِ ضَعِيفٌ قَالَا أَيْضًا وَلَوْ شَهِدَ الْأَبُ مَعَ ثَلَاثَةٍ عَلَى امْرَأَةِ ابْنِهِ بِالزِّنَا فَإِنْ سَبَقَ مِنْ الِابْنِ قَذْفٌ فَطُولِبَ بِالْحَدِّ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ لِدَفْعِهِ لَمْ يُقْبَل وَإِنْ لَمْ يَقْذِفْ أَوْ لَمْ يُطَالِبْ بِالْحَدِّ وَشَهِدَ الْأَبُ حِسْبَةً قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَهَذَا كُلُّهُ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْتُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَا يَنْبَغِي بَعْدَ ذَلِكَ التَّوَقُّفُ فِيهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا ادَّعَى وَرَثَةُ مَيِّتٍ أَنَّهُ أَبَانَ زَوْجَتَهُ وَأَقَامُوا شَاهِدًا وَاحِدًا هَلْ يَكْفِي ذَلِكَ مَعَ أَيْمَانِهِمْ وَتُمْنَعُ مِنْ الْمِيرَاثِ قِيَاسًا عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ الْغَزَالِيُّ وَقَرَّرَهُ الشَّيْخَانِ رَحِمهمَا اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا لَوْ ادَّعَتْ نِكَاحَ فُلَانٍ الْمَيِّت وَطَلَبَتْ الْإِرْثَ مِنْهُ حَيْثُ قَالُوا يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ بِرَجُلٍ وَيَمِينٍ وَكَذَا لَوْ ادَّعَى وَارِثُهَا ذَلِكَ بَعْد مَوْتِهَا هَلْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ بَيِّنُوا الرَّاجِحَ عِنْدكُمْ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ وَأَمْعِنُوا النَّظَرَ فِي الْعِلَلِ وَالْمَدَارِكِ جَزَاكُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنَّا وَعَنْ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ لَكُمْ أَجْرًا وَزَادَكُمْ بِالْعِلْمِ فَخْرًا وَلَا عَسَّرَ عَلَيْكُمْ أَمْرًا آمِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ؟ (فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّ الْقِيَاسَ الْمَذْكُورَ فِيهِ غَيْرُ بَعِيدٍ فَإِذَا حَلَفُوا مَعَ شَاهِدِهِمْ مُنِعَتْ مِنْ الْمِيرَاثِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا إذَا شَهِدَ اثْنَانِ وَاحِدٌ بِبَيْعٍ وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ هَلْ تُلَفَّقُ الشَّهَادَتَانِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إذَا شَهِدَ وَاحِدٌ بِبَيْعٍ مَثَلًا وَالْآخَرُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ لَمْ تُلَفَّق الشَّهَادَتَانِ نَعَمْ لَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا وَشَهِدَ بِمَا شَهِدَ بِهِ الْآخَرُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَحْضُرَ الْأَمْرَيْنِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا شَهِدَ شُهُودٌ أَنَّ مَالَ فُلَانٍ وَقْفٌ بِالسَّمَاعِ وَلَمْ يُبَيِّنُوا الْمَصْرِفَ هَلْ تَصِحُّ تِلْكَ الشَّهَادَةُ أَمْ لَا حَتَّى يُبَيِّنُوا الْمَصْرِفَ وَهَلْ تُسْمَعُ دَعْوَى وَقْفِ أَبُونَا هَذِهِ الْأَرْض وَلَمْ يَقُولُوا عَلَيْنَا مَثَلًا أَوْ حَتَّى يَقُولُوا عَلَيْنَا وَقَوْلُ الْقَائِلِ اشْتَرَيْتُ هَذِهِ الْأَرْضَ مِنْ فُلَانٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الثَّمَنَ أَمْ حَتَّى يُبَيِّنَ الثَّمَنَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْوَقْفِ عَلَى بَيِّنَةِ الْمِلْكِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِبَيِّنَةِ الْمِلْكِ وَلَمْ يَحْكُمْ حَاكِمٌ بِبَيِّنَةِ الْوَقْفِ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ غَيْرُ مُرَجِّحٍ وَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ بِالْوَقْفِ إلَّا مَعَ بَيَانِ مَصْرِفِهِ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ قَدْرِ ثَمَنِهِ وَتُقَدَّمَ بَيِّنَةُ الْإِثْبَاتِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَنْ ادَّعَتْ فَسَادَ النِّكَاحِ لِصِغَرِهَا وَادَّعَى الزَّوْجُ بُلُوغَهَا بِالْحَيْضِ مَا كَيْفِيَّةُ صُورَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْحَيْضِ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَدَّعِي حِسْبَةً بِشَيْءٍ ثُمَّ يَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ وَأَيْضًا شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ هَلْ تُشْتَرَطُ بِحَضْرَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ بِالْحَيْضِ وَقَوْلُهُمْ فِي مَوْضِعٍ يَتَعَذَّرُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ مُرَادُهُمْ بِهِ التَّعَسُّرَ فَإِنَّ مَا يُرَى قَدْ يَكُونُ دَمَ فَسَادٍ وَمَعَ ذَلِكَ إذَا جَزَمَ الشُّهُودُ بِأَنَّهُ دَمُ حَيْضٍ بِأَنْ احْتَفَّ بِقَرَائِنَ وَأَمَارَاتٍ يَعْرِفُهَا أَهْلُ الْخِبْرَةِ بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِمْ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ حَيْضٌ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا تِلْكَ الْأَمَارَاتِ بَلْ لَوْ سُئِلُوا عَنْهَا فَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا لَا يَلْزَمنَا الْجَوَابُ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي نَظَائِرِ ذَلِكَ وَيَجُوزُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَدَّعِي حِسْبَةً ثُمَّ يَشْهَدُ لَأَنْ دَعْوَى الْحِسْبَةِ لَا يَتَوَقَّفُ الْأَمْرُ عَلَيْهَا فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي سَمَاعِهَا. فَاَلَّذِي رَجَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَنَسَبَهُ الْإِمَامُ لِلْعِرَاقِيِّينَ الِاكْتِفَاءُ بِشَهَادَتِهَا بَلْ أَمَرَ فِيهِ بِالْإِعْرَاضِ وَالدَّفْعِ مَا أَمْكَنَ وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ سَمَاعُهُمَا وَمَحَلُّهُ فِي غَيْرِ مَحْضِ حُقُوقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي سَمَاعِهَا وَالْمُعْتَمَدُ سَمَاعُهَا إلَّا فِي مَحْضِ حُدُودِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَمَا يُفِيدهُ قَوْلُهُمْ

لَا تُسْمَعُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ حَتَّى يَقُولَ شُهُودُهَا ابْتِدَاءً لِلْقَاضِي نَشْهَدُ بِكَذَا عَلَى فُلَانٍ فَأَحْضِرْهُ لِنَشْهَدَ عَلَيْهِ. اهـ. فَاسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِشَهَادَتِهِمْ إلَّا فِي حَضْرَتِهِ كَسَائِرِ الشَّهَادَاتِ بِشَرْطِهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) فِي أَمْرِ السُّلْطَانِ لِلْقُضَاةِ بِأَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ لَوْ أَتَى بِجَرْحِ الشُّهُودِ بَعْد ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَا تَقْبَلُوا ذَلِكَ بَعْد الْحُكْمِ أَمْ شُهُود الْجَرْحِ تُقْبَلُ لِمَا ذُكِرَ وَلَوْ بَعْدَ الْحُكْمِ وَهَلْ لَوْ احْتَجَّ مَنْ يُجَوِّزُ ذَلِكَ بِأَنَّ تَجْوِيزَ قَبُولِ الْجَرْحِ يُؤَدِّي إلَى نَقْضِ أَحْكَامٍ مُتَقَدِّمَة الْقَبُولِ أَمْ لَا أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْجَرْحِ وَلَوْ بَعْدَ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ وَلَا نَظَر إلَى أَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى نَقْضِ أَحْكَامٍ مُتَقَدِّمَةٍ لِأَنَّا لَا نَقْبَلُ بَيِّنَةَ الْجَرْحِ إلَّا بِشُرُوطِهَا الْمَذْكُورَةِ فِي مَحِلِّهَا فَإِذَا وُجِدَتْ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا وَبَانَ أَنَّ تِلْكَ الْأَحْكَامَ غَيْرُ مُعْتَدٍ بِهَا وَمَتَى أَلْزَمَ السُّلْطَانُ الْقُضَاةَ بِمَا ذُكِرَ أَطَاعُوهُ خَوْفًا مِنْ شَقِّ الْعَصَا. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا حَقِيقَةُ النَّرْدِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَته بِقَوْلِهِ فَصٌّ أَوْ فُصُوص مِنْ نَحْو عَظْمٍ أَوْ خَشَبٍ فِيهَا نَقْطٌ تُطْرَحُ عَلَى لَوْحٍ فِيهِ بُيُوتٌ لِكُلِّ نُقْطَةٍ بَيْتٌ يُعْرَفُ بِهَا كَيْفِيَّةُ اللَّعِبِ وَهَذَا مَعَ أَنِّي لَمْ أَرَهُ أَخَذْتُهُ مِنْ قَوْلِ الْبَيْضَاوِيِّ وَضَعَهُ سابرزن ثَانِي مُلُوكِ السَّاسَانِ وَلِأَهْلِهِ يُقَال لَهُ النَّرْدَشِيرَ وَشَبَّهَ رُقْعَتَهُ بِالْأَرْضِ وَقَسَّمَهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ تَشْبِيهًا بِالْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ اهـ لَهُ وَمِنْ قَوْلِ الْمَاوَرْدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقِيلَ إنَّهُ مَوْضُوعٌ عَلَى الْبُرُوجِ الِاثْنَا عَشَرَ وَالْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ لِأَنَّ بُيُوتَهُ اثْنَا عَشَرَ وَنَقْطُهُ مِنْ جَانِبِ الْفَصِّ يُتْبَعُ كَالْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ يَعْدِلُ بِهِ إلَى تَدْبِيرِ الْكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ وَالْبُرُوجِ اهـ لَهُ وَمِنْ فَرْقِهِمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشِّطْرَنْج بِأَنَّ التَّعْوِيلَ فِي النَّرْدِ عَلَى مَا يُخْرِجهُ الْكَعْبَانِ فَهُوَ كَالْأَوْرَامِ وَفِي الشِّطْرَنْجِ عَلَى الْفِكْرِ وَالتَّأَمُّلِ وَأَنَّهُ يَنْفَعُ فِي تَدْبِيرِ الْحَرْبِ وَعَبَّرَ الزَّرْكَشِيُّ بَدَلَ الْكَعْبَيْنِ بِالْفُصُوصِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَسَخَ كِتَابًا وَأَعَانَهُ آخَرُونَ فِي نَسْخِهِ قَلِيلًا هَلْ لَهُ أَنْ يَكْتُبَ فِي آخِرِهِ كَتَبَهُ فُلَان يَعْنِي نَفْسَهُ أَوْ يَكُونَ ذَلِكَ كَذِبًا لِكَوْنِهِ لَمْ يَكْتُبهُ كُلَّهُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ بِقَوْلِهِ لَهُ أَنْ يَكْتُبَ فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ كَتَبَهُ فُلَانٌ مُرِيدًا بِهِ غَالِبه وَلَا يَكُون ذَلِكَ مِنْ الْكَذِبِ فَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَيْسَ مِنْ الْكَذِبِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ الْمُبَالَغَةِ كَقَوْلِك جِئْتُكَ مِائَة مَرَّةٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ تَفْهِيم الْمُبَالَغَةِ لَا الْمَرَّاتِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ جَاءَ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِلْكَذِبِ حِينَئِذٍ وَإِذَا جَازَ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ مَثَلًا بِمِائَةِ مَرَّةٍ مُبَالَغَةً فَلَأَنْ يَجُوزَ أَنْ يَكْتُبَ فِي كِتَابٍ كَتَبَ بِيَدِهِ أَكْثَرَهُ كَتَبَهُ فُلَانٌ بِالْأَوْلَى، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - شَاهِدٌ يَظْهَر عَلَيْهِ كَرَامَاتٌ مَعَ فِسْقِهِ هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَته بِقَوْلِهِ لَا تُقْبَل فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَوْ رَأَيْتُ صَاحِبَ كَبِيرَةٍ يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ لَمْ أَقْبَلْهُ حَتَّى يَتُوبَ مِنْ بِدْعَتِهِ ذَكَره أَبُو نُعَيْمٍ وَقَدْ تَظْهَرُ الْكَرَامَةُ عَلَى يَدِ فَاسِقٍ بَلْ كَافِرٍ كَالسَّامِرِيِّ فَإِنَّهُ رَأَى فَرَسَ جِبْرِيلَ حَتَّى أَخَذَ مِنْ تُرَابِ حَافِرِهِمَا وَجَعَلَهُ فِي الْعِجْلِ فَخَارَ وَنَقَلَ ابْنُ الْعِمَادِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ إخْفَاءُ الْكَرَامَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - جَرَحَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْأُخْرَى فَهَلْ تُسْمَعُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ مَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْبَحْرِ أَنَّهَا تُسْمَعُ وَأَفْتَى بِهِ جَمْعٌ يَمَنِيُّونَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تُسْمَعُ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَإِذَا بَادَرْت بَيِّنَةٌ وَشَهِدَتْ بِفِسْقِ الْأُخْرَى قُبِلَتْ فَإِنْ شَهِدَتْ الْمَشْهُودُ بِفِسْقِهَا بِفِسْقِ الشَّاهِدَةِ لَمْ تُقْبَلُ لِثُبُوتِ جَرْحِهَا فَلَمْ تُقْبَل شَهَادَتُهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - شَهِدَ عَلَى امْرَأَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ رَآهَا مُسْفِرَةً فَهَلْ يُقْبَل؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ لِلرُّويَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهِ احْتِمَالَانِ رَجَّحَ مِنْهُمَا عَدَمَ الْقَبُولِ لِأَنَّ الْغَالِبَ سَتْرُ وُجُوهِهِنَّ قَالَ بَعْضُهُمْ وَفِيهِ نَظَرٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ فِي الصَّرْفِ عَلَى عِمَارَةِ دَارٍ فِي

مِلْكٍ أَوْ وَقْفٍ هَلْ يَجِبُ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ تَفْصِيلُ مَا صُرِفَ فِي ثَمَنِ أَحْجَارٍ وَخَشَبٍ وَأُجْرَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَا صُرِفَ فِي أَحْجَارِ كَذَا وَفِي خَشَبِ كَذَا وَفِي أُجْرَةِ كَذَا وَكَذَا إلَخْ أَوْ يَكْفِي قَوْلُهُمَا أَنَّهُ صُرِفَ فِي عِمَارَةِ هَذِهِ الدَّارِ وَكَذَا وَكَذَا مُبْهَمًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَكْفِي فِي الشَّاهِدَيْنِ بِعِمَارَةِ أَنْ يَقُولَا صُرِفَ فِي الْعِمَارَةِ كَذَا وَإِنْ لَمْ يُفَصِّلَاهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا حُكْمُ كَتْبُ الْوَثَائِقِ لِلذِّمِّيِّينَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ يَجُوزُ كَتْبُ الْوَثَائِقِ لِلذِّمِّيِّينَ لَكِنْ لَا يُعَظَّمُونَ فِيهَا بِأَلْقَابٍ وَلَا بِكُنًى وَلَا بِغَيْرِهِمَا بَلْ يُقَالُ اشْتَرَى مَثَلًا فُلَانٌ مِنْ فُلَانٍ الذِّمِّيِّ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شَخْصٍ وَضَعَ خَطَّهُ بِشَهَادَةٍ فِي مَالٍ لِشَخْصٍ آخَرَ وَسَمِعَ شَخْصًا يُشْهِدُ شُهُودًا أَوْ يُثْبِتُ مَالًا عِنْد حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ وَهُوَ حَاضِرٌ سَاكِتٌ لَا يَتَكَلَّمُ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ لَهُ فِيهِ مِلْكًا وَاسْتِحْقَاقًا هَلْ يَسْقُطُ حَقُّهُ بِذَلِكَ سَوَاءٌ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَم أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ أَثَابَكُمْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْجَنَّةَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ مُجَرَّدُ الْخَطِّ وَالسُّكُوتِ مَعَ حُضُورِ مَا ذُكِرَ لَا يُبْطِلُ حَقَّهُ مِمَّا تَبَيَّنَ لَهُ فَلَهُ الدَّعْوَى بِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سُؤَالًا صُورَتُهُ سَبَّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الشُّهُودَ فَهَلْ يُعَزَّرُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ نَعَمْ يُعَزَّرُ إنْ سَبَّهُمْ بِالْكَذِبِ وَنَحْوه لِائْتِمَانِ الشَّارِعِ لَهُمْ وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْلُهُمْ إذَا سَبَّ الشُّهُودَ زَجْرَهُ الْقَاضِي ثُمَّ هَدَّدَهُ ثُمَّ عَزَّرَهُ أَمَّا سَبُّهُمْ بِذِكْرِ مُفَسِّقٍ كَشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ زِنًا فَلَا يُعَزَّرُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِهِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَدْ تَغِيبُ أَوْ تُنْسَى مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُقْصَدُ بِهِ السَّبُّ بَلْ دَفْعُ الْحُجَّةِ قِيلَ وَيُعَزَّرُ عَلَى تَفْسِيقِهِمْ بَعْد الْحُكْمِ لِأَنَّهُ سَبٌّ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الشَّارِعُ. اهـ. وَفِي إطْلَاقِهِ نَظَرٌ بَلْ حَيْثُ أَرَادَ إقَامَةَ بَيِّنَةٍ بِهِ لَمْ يُعَزَّرْ عَلَيْهِ لِقَبُولِهَا بِهِ وَلَوْ بَعْدَ الْحُكْمِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ مَسْأَلَةٍ اخْتَلَفَ فِيهَا فُقَهَاءُ زَبِيدَ وَهِيَ إذَا سَبَقَ لِسَانُ الشَّاهِدِ بَيْنَ يَدَيَّ الْقَاضِي إلَى خِلَافِ التَّارِيخِ بِأَنْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ سَنَة ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَسَبْعمِائَةِ فَقَالَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ الْغَلَطِ إلَى الصَّوَابِ فَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ قَادِحًا فِي شَهَادَتِهِ أَوْ لَا بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ بَيَانًا شَافِيًا لَا عَدِمَكُمْ الْمُسْلِمُونَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ قَادِحًا فِي شَهَادَتِهِ حَيْثُ تَدَارَكَهَا فَوْرًا أَوْ بَعْد نَوْعِ مُهْلَةٍ وَلَمْ يَحْصُلْ لِلْقَاضِي نَوْعُ رِيبَةٍ فِي شَهَادَتِهِ كَمَا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ كُلِّهِ كَلَامُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ فَمَنْ بَعْدِهِمْ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْن - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ قَالَ فِي فَتَاوِيهِ إذَا ادَّعَى عَيْنًا وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا مِلْكَهُ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهَا مِلْكَهُ وَرِثَهَا مِنْ أُمِّهِ فَالْأَظْهَر أَنَّهَا شَهَادَةٌ مُخْتَلِفَةٌ لَا يُحْكَمُ بِهَا وَقِيلَ تُقْبَلُ وَيَقْضِي بِهَا لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَصْلِ الْمِلْك وَإِنَّمَا اخْتَلَفَا فِي شَيْءٍ زَائِدٍ فَلَوْ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا بَعْد ذَلِكَ عَلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَشَهِدَا بِأَنَّهُ وَرِثَهُ مِنْ أَبِيهِ مَثَلًا أَوْ شَهِدَا بِالْمِلْكِ مُطْلَقًا قَالَ يُنْظَرُ إنْ وَقَعَ لِلْقَاضِي رِيبَةٌ كَمَا إذَا أَخَذَ شَيْئًا مِنْ الْمَشْهُودِ لَهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ قُبِلَ وَقُضِيَ بِهِ قَالَ شَارِحُ الْأَنْوَارِ. وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّهَا شَهَادَةٌ مُخْتَلِفَةٌ لَا يُحْكَمُ بِهَا وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ بِالْأَوْلَى قَبُولُ الشَّهَادَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا فِي الْحَالَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا وَهُمَا إذَا تَدَارَكَ ذَلِكَ فَوْرًا لِأَنَّ تَدَارُكَهُ فَوْرًا قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ جِدًّا عَلَى سَبْقِ لِسَانِهِ أَوْ بَعْدَ مُهْلَةٍ قُبِلَ الْحُكْمُ وَلَمْ يَقَع لِلْقَاضِي رِيبَةٌ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ لَهُ رِيبَةٌ فِيهِ وَمِنْهُمْ الْقَفَّالُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي فَتَاوِيهِ أَيْضًا لَوْ ذَكَر حُدُودًا فَشَهِدُوا لَهُ بِهَا ثُمَّ جَاءَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِأَنَّ الدَّارَ الَّتِي هِيَ فِي يَدِهِ لَيْسَتْ بِهَذِهِ الْحُدُودِ وَسَأَلَ الشُّهُودَ فَإِنْ قَالُوا غَلِطْنَا نُظِرَ فَإِنْ بَيَّنُوا وَجْهَ غَلَطِهِمْ بِأَنَّا رَأَيْنَا تِلْكَ الدَّارَ الَّتِي بِجَنْبِهِ بِيَدِ فُلَانٍ فَظَنَنَّا أَنَّهَا مِلْكُهُ فَحَدَّدْنَا هَذِهِ الدَّارَ بِتِلْكَ وَكَانَ مِثْله مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ فَإِنَّ هَذَا لَا يَقْدَحُ فِي شَهَادَتِهِمْ وَعَلَيْهِمْ أَنْ يُعِيدُوا الشَّهَادَةَ مَرَّةً أُخْرَى وَلَا يُحْكَمُ بِمَا شَهِدُوا بِهِ أَوَّلًا. اهـ. فَانْظُرْ قَوْلَهُ وَكَانَ مِثْلُهُ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَسْأَلَتِنَا مِنْ التَّفْصِيلِ وَإِطْلَاقُ الرَّافِعِيِّ النَّقْل عَنْهُمْ أَنَّهُمْ إذَا أَخْطَئُوا فِي حَدٍّ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ كَمَا عَلِمْت لِأَنَّ النَّقْلَ إنْ كَانَ عَنْ فَتَاوِيه فَوَاضِحٌ إذْ الَّذِي فِيهَا هُوَ هَذَا التَّفْصِيلُ أَوْ عَنْ غَيْرِهَا فَالْغَالِبُ

تَقْدِيمُ مَا فِي الْفَتَاوَى لِأَنَّ الِاعْتِنَاءَ بِتَحْرِيرِهِ أَكْثَرُ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْمَذْهَبِ بِخِلَافِ مَا فِي الْمُصَنَّفِ فِيهِمَا وَمِنْهُمْ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ فَإِنَّهُ قَالَ إذَا غَيَّرَ الشَّاهِدُ شَهَادَتَهُ فَزَادَ فِيهَا أَوْ نَقَصَ قَبْلَ الْحُكْمِ فَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيهَا نَصٌّ. وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّ ذَلِكَ يُقْبَلُ مِنْهُ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَحْكُم الْحَاكِمُ بِشَهَادَتِهِ فَلَيْسَ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ حُكْمٌ وَقَدْ يَسْهُو ثُمَّ يَذْكُرُ بَعْد ذَلِكَ فَلَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِ. اهـ. قَالَ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَبُوله إذَا نَقَصَ أَوْلَى إلَّا أَنْ يَظْهَرَ لِلْقَاضِي دَلَالَةُ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ ضَبْطِهِ. اهـ. وَقَوْلُهُ إلَّا إلَخْ لَيْسَ خَاصًّا بِحَالَةِ النَّقْصِ لِأَنَّهُ لَيْسَ اسْتِثْنَاءً مِنْ أَوْلَى كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ بَلْ مِنْ الْقَبُولِ الْمُقَدَّرِ الدَّالِّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ أَيْ شَرْطُ قَبُولِهِ أَنْ لَا يَظْهَرَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ عُلِمَ أَنَّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ مِنْ الْقَبُولِ حَالَةَ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ مُقَيَّدٌ بِمَا قَالَهُ السَّيِّدُ مِنْ التَّفْصِيلِ وَحِينَئِذٍ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرْتُهُ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ لِأَنَّهَا نَظِيرَةُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي فَرَضَ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ الْكَلَامَ فِيهَا. فَإِذَا قُيِّدَتْ هَذِهِ بِذَلِكَ التَّفْصِيلِ فَلْتُقَيَّدْ بِهِ نَظِيرَتُهَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا وَمِنْهُمْ الْأَذْرَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ رَحِمهمَا اللَّه تَعَالَى لَوْ قَالَ الشَّاهِدَانِ لِلْقَاضِي بَعْد الشَّهَادَةِ تَوَقَّفْ فِي الْحُكْمِ تَوَقَّفَ وُجُوبًا لِأَنَّهُ يُوهِمُ رِيبَةً فَإِنْ قَالَا بَعْدُ اقْضِ فَإِنَّا عَلَى شَهَادَتِنَا قَضَى بِلَا إعَادَةِ الشَّهَادَةِ. اهـ. هَذَا مُشْكِلٌ وَيُشْبِهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي ذَلِكَ إلَى اجْتِهَادِ الْقَاضِي فَإِنْ لَمْ تَبْقَ عِنْدَهُ رِيبَةٌ حَكَمَ وَإِنْ دَامَتْ أَوْ زَادَتْ أَوْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى تَسَاهُلِ فَلَا وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ ضَبْطِ الشُّهُودِ وَبُرُوزِ عَدَالَتِهِمْ وَعِلْمِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَهُمْ الْقَاضِي عَنْ سَبَبِ التَّوَقُّفِ ثُمَّ الْجَزْمِ بَعْده لِيَظْهَرَ لَهُ الْحَالُ وَهَذَا مُتَعَيَّنٌ فِي الْعَامِّيِّ. اهـ. وَذُكِرَ فِي الْخَادِمِ نَحْوُهُ وَسَبَقَهُ إلَى نَحْوِهِ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ بَحْثٌ مُتَّجَهٌ وَمِنْهُ يُسْتَفَادُ صِحَّةُ التَّفْصِيلِ الَّذِي قَدَّمْته فِي صُورَةِ السُّؤَالِ بِجَامِعِ أَنَّهُ صَدَرَ مِنْ الشَّاهِدِ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَا يُوجِبُ الرِّيبَةَ فَمَتَى صَحِبَ ذَلِكَ قَرِينَةٌ تُزِيلهَا لَمْ تُؤَثِّر وَإِلَّا أَثَّرَتْ وَإِذَا اتَّضَحَ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي ذَلِكَ تَعَيَّنَ إجْرَاءُ نَظِيرِ هَذَا التَّفْصِيلِ فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ لِأَنَّ أَحَدَ النَّظِيرِينَ يَثْبُتُ لَهُ مَا ثَبَتَ لِنَظِيرِهِ وَبِهَذَا الَّذِي قَرَّرْته مِنْ الْجَامِعِ بَيْن هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ أَنَّهُ صَدَرَ مِنْ الشَّاهِدِ فِي كُلٍّ مَا يُرِيبُ فَاحْتِيجَ فِي قَبُولِهِ إلَى مُزِيلِ الرِّيبَةِ يَتَّضِحُ الْجَامِعُ بَيْنَ صُورَةِ السُّؤَالِ وَصُورَةِ الْقَاضِي وَصُورَةِ الْقَفَّالِ وَصُورَةِ صَاحِبِ الْمُعْتَمَدِ وَيُعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الصُّوَرَ الثَّلَاثَ مَعَ صُورَةِ الْأَذْرَعِيِّ مُسَاوِيَةٌ لِصُورَةِ السُّؤَالِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ فِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسِ مِنْ إجْرَاء هَذَا التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ فَمَتَى بَقِيَ عِنْده رِيبَةٌ أَوْ زَادَتْ أَوْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ عَلَى تَسَاهُلٍ لَمْ يُقْبَل وَإِنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ ضَبْطِ الشُّهُودِ وَبُرُوزِ عَدَالَتِهِمْ وَعِلْمِهِمْ. وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ قُلْتَ يُنَافِي مَا قَرَّرْته فِي صُورَةِ السُّؤَالِ قَوْلُهُمْ لَوْ رَجَعَ الشَّاهِدُ عَنْ شَهَادَتِهِ قَبْلَ الْحُكْمِ امْتَنَعَ قَبُولُهَا أَيْ وَإِنْ أَبْدَى لِغَلَطِهِ وَجْهًا مُحْتَمَلًا قُلْتُ لَا يُنَافِيهِ وَلَا يُلَاقِيهِ لِأَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ فِي شَخْصٍ بَاقٍ عَلَى أَصْلِ شَهَادَتِهِ وَالْجَزْمِ بِهَا وَإِنَّمَا وَقَعَ لَهُ تَغْيِيرٌ فِي أَمْرٍ تَابِعٍ لَهَا فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ التَّغْيِيرِ الْوَاقِعِ مِنْهُ هَلْ صَحِبَهُ مَا يُزِيل مَا فِيهِ مِنْ الْإِرَابَةِ أَوْ لَا فَلِذَلِكَ جَرَى فِيهِ التَّفْصِيلُ الَّذِي قَرَّرْتُهُ وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ نَظَائِرِهِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا وَأَمَّا الَّذِي فِي كَلَامِهِمْ فَهُوَ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ الشَّهَادَةِ مِنْ أَصْلِهَا ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَدِّيَهَا كَمَا شَهِدَ بِهَا أَوَّلًا فَلَا يُقْبَلُ. وَإِنْ ادَّعَى غَلَطًا مُحْتَمَلًا لِأَنَّا الْآن شَاكُّونَ فِي حَقِيقَةِ مَا شَهِدَ بِهِ وَمِنْ ثَمَّ زَيَّفُوا قَوْلَ مَنْ قَالَ بِقَبُولِهِ بِأَنَّ احْتِمَالَ كَذِبِهِ فِي الرُّجُوعِ كَاحْتِمَالِ كَذِبِهِ فِي الشَّهَادَةِ فَلَا مُرَجِّحَ وَدَعْوَى الْغَلَطِ هُنَا لَا تَصْلُحُ مُرَجِّحَةً لِأَنَّهُ لَمَّا جَزَمَ بِالشَّهَادَةِ أَوَّلًا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُتَحَقِّقٌ مَا شَهِدَ بِهِ فَلَمَّا رَجَعَ عَنْ هَذَا الْجَزْمِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْهُ فَتَوَارَدَ مِنْهُ إثْبَاتُ التَّحَقُّقِ تَارَةً وَنَفْيُهُ أُخْرَى فَإِذَا أَرَادَ الْعَوْدَ إلَى التَّحَقُّقِ لَمْ يُمْكِنْ لِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْهُ مَا أَزَالَ ظَنَّ صِدْقِهِ مِنْ هَذَا التَّنَاقُضِ فِي أَصْلِ الشَّهَادَةِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِمَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّ الْجَزْمَ بِهِ لَمْ يَزَلْ وَإِنَّمَا وَقَعَ تَغْيِيرٌ فِي وَصْفٍ تَابِعٍ لَهُ وَوُقُوعُهُ فِي هَذَا لَا يُوجِبُ رَدَّ الْأَصْلِ الْمَجْزُومِ بِهِ. فَكَانَ الْأَمْرُ فِيهِ أَخَفَّ فَأَثَّرَتْ فِيهِ الْقَرَائِنُ وَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَيْهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّغْيِيرَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَا يُنَافِي

الْجَزْمَ وَفِيمَا فِي كَلَامِهِمْ يُنَافِيهِ وَإِنَّهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فِي أَمْرٍ تَابِعٍ وَفِيمَا فِي كَلَامِهِمْ فِي الْمَتْبُوعِ الْمَقْصُودِ بِالذَّاتِ وَيُغْتَفَرُ فِي التَّابِعِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَتْبُوعِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ مُسْتَنَدٍ صُورَتُهُ بَعْد أَنْ ثَبَتَ لَدَى سَيِّدنَا فُلَانٍ بِشَهَادَةِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ أَنَّ فُلَانًا وَكَّلَ وَلَدَهُ فِي إيقَافِ الْأَمْكِنَةِ الْكَائِنَةِ بِالْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ الْجَارِيَةِ فِي اسْتِحْقَاقِ مِلْكِهِ وَتَصَرُّفِهِ وَحِيَازَتِهِ إلَى حِينِ صُدُورِ هَذَا الْوَقْفِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ أَعْلَاهُ وَأَشْهَد عَلَيْهِ الْوَكِيلَ الْمَذْكُورَ أَنَّهُ وَقَفَ عَنْ وَالِدِهِ الْمُوَكِّلِ الْمَذْكُورِ كَذَا وَكَذَا وَذَكَرَ الْأَمْكِنَةِ وَحُدُودَهَا ثُمَّ بَعْد مَا ذَكَر قَالَ وَحَكَمَ سَيِّدُنَا بِمُوجَبِ ذَلِكَ حُكْمًا صَحِيحًا شَرْعِيًّا مُسْتَوْفِيًا شَرَائِطَهُ الشَّرْعِيَّةَ بَعْد أَنْ أَعْذَرَ فِي ذَلِكَ إلَى مَنْ تَوَجَّهَ لَهُ الْإِعْذَارُ شَرْعًا هَلْ قَوْله الثُّبُوتُ الشَّرْعِيّ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّةِ قَاصِرٌ عَلَى ثُبُوتِ التَّوْكِيلِ أَوْ يَشْمَلُهُ وَيَشْمَلُ جَرَيَانَ الْأَمْكِنَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي مِلْكِ الْوَاقِفِ الْمَذْكُورِ إلَى حِينِ صُدُورِ الْوَقْفِ وَهَلْ قَوْلُهُ أَيْضًا وَحَكَمَ سَيِّدنَا بِمُوجَبِ ذَلِكَ مُشَارٌ بِهِ إلَى ثُبُوتِ الْوَكَالَةِ وَجَرَيَانِ الْأَمْكِنَةِ فِي الْمِلْكِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِمَا صُورَته قَوْلُهُ يَثْبُتُ إلَخْ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ مَا فِي حَيِّزِهِ فَيَكُونَ الثَّابِتُ التَّوْكِيلَ وَالْجَرَيَانَ الْمَذْكُورَ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ أَئِمَّتنَا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - لَوْ شَهِدَا بِتَوْكِيلِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ فُلَانًا كَانَتْ تِلْكَ الشَّهَادَةُ شَهَادَةً بِالنَّسَبِ لِلْمُوَكِّلِ ضِمْنًا وَبِالتَّوْكِيلِ أَصْلًا لِتَضَمُّنِ ثُبُوتِ التَّوْكِيلِ الْمَقْصُودِ لِثُبُوتِ نَسَبِ الْمُوَكِّل لِغَيْبَتِهِ عَنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَلِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَوْلٌ مَرْجُوحٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهَا شَهَادَةٌ بِالتَّوْكِيلِ دُون نَسَبِ الْمُوَكِّلِ نَظَرًا إلَى أَنَّ مَوْرِدَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فِي الْخَبَرِ كَقَامَ زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو النِّسْبَة الَّتِي تَضَمَّنَهَا فَقَطْ دُون غَيْرِهَا وَهِيَ قِيَامُ زَيْدٍ لَا بُنُوَّتُهُ لِعَمْرٍو أَيْضًا إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْإِخْبَارَ بِهَا وَيُجَابُ بِأَنَّا وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْإِخْبَارَ بِالْبُنُوَّةِ. إلَّا أَنَّ هَذَا لَا يُعَارِضُ الرَّاجِحَ السَّابِقَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ إنَّهَا ثَبَتَتْ قَصْدًا حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَالَ إنَّهَا ثَبَتَتْ ضِمْنًا لِوُجُودِ الْمُسَوِّغِ السَّابِقِ وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ الرَّاجِحَ ثُبُوتُ الْبُنُوَّةِ ضِمْنًا فِي صُورَةِ التَّوْكِيلِ الَّتِي حَكَيْنَا فِيهَا الْخِلَافَ فَكَذَلِكَ يَثْبُتُ الْمِلْكُ وَالْحِيَازَةُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ عَلَى فَرْضِ أَنَّ شَاهِدَيْ التَّوْكِيلِ ذَكَرَاهُ إمَّا عَلَى فَرْضِ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْد الْحَاكِمِ بِغَيْرِ شَاهِدَيْ التَّوْكِيلِ فَلَا إشْكَالَ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ وَالْحِيَازَةِ حِينَئِذٍ وَعَلَى كُلٍّ فَهُمَا ثَابِتَانِ وَقَوْلُهُ بِمُوجَبِ ذَلِكَ عَائِدٌ إلَى جَمِيعِ مَا سَبَقَهُ وَهُمَا مِنْ جُمْلَتِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُعْتَزِلَةِ إذَا تَبَيَّنَ مِنْهُمْ سَبُّ الصَّحَابَةِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالرَّافِضَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ سَائِرِ الْمُبْتَدِعَةِ مَا لَمْ نُكَفِّرهُمْ بِبِدْعَتِهِمْ وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلِيٌّ بِبَلْدَةٍ وَفُوِّضَ إلَيْهِ أُمُورُهَا بِأَنْ يَعْزِلَ وَيُنَصِّبَ وَيَحْكُمُ فَحَكَمَ بِحُرِّيَّةِ إنْسَانٍ وَقَبْلَ الْحُكْمِ نَادَى فِي الْقَرْيَةِ كُلُّ مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ بِرِقِّ الْعَبْدِ فَلْيَحْضُرْ فَحَضَرُوا وَقَالُوا لَيْسَ عِنْدَنَا شَهَادَةٌ وَبَعْد ذَلِكَ شَهِدُوا عِنْد حَاكِمٍ آخَرَ بِرِقِّهِ هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ بَعْدَ الْإِنْكَارِ وَالْجُحُودِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إنْ كَانُوا قَالُوا ذَلِكَ حِينَ قَصَدُوا لِلشَّهَادَةِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ كَانُوا قَالُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَتَحَمَّلُونَ بَعْدُ وَلَوْ قَالَ الشَّاهِدُ لَا شَهَادَةَ لِي عَلَى فُلَان ثُمَّ شَهِدَ وَقَالَ كُنْتُ نَسِيتُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ إنْ اشْتَهَرَتْ دِيَانَتُهُ وَإِلَّا فَلَا. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا لِنَفْسِهِ أَوْ لِأَيْتَامِهِ فَهَلْ يَصِيرُ بِذَلِكَ عَدُوًّا لَهُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ لَا يَصِيرُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ عَدُوًّا لَهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْأَصْبَحِيُّ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ أَنْكَرَ الشَّهَادَةَ ثُمَّ ادَّعَى النِّسْيَانَ وَأَرَادَ الْأَدَاءَ هَلْ تُسْمَعُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ أَطْلَقَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ وَخَصَّهُ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا إذَا لَمْ يُمْكِن أَنْ يَتَحَمَّلَ تِلْكَ الشَّهَادَةَ بَعْد إنْكَارِهِ وَابْنُ عُجَيْلٍ بِمَا إذَا لَمْ يَدَّعِ النِّسْيَانَ وَفَارَقَ قَوْلَ الْمُدَّعِي لَا بَيِّنَةَ لِي حَيْثُ تُقْبَلُ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّ الْإِنْكَارَ هُنَا صَدَرَ مِنْ الشَّاهِدِ فَاقْتَضَى طَعْنًا فِيهِ وَثَمَّ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ بَلْ مِنْ

خَارِجٍ عَنْهُ فَلَمْ يَقْتَضِ ذَلِكَ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ شَهَادَةٌ لَكِنَّهُ خَافَ مِنْ التَّجْرِيحِ فَهَلْ ذَلِكَ عُذْرٌ لَهُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ أَطْلَقَ بَعْضُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ عُذْرٍ وَلَوْ قِيلَ مَحِلُّهُ حَيْثُ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ وُقُوعُ تَجْرِيحٍ فِيهِ بِبَاطِلٍ لَمْ يَبْعُدْ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا صُورَته مَا يَتَعَاطَاهُ جَهَلَةُ الْمُتَصَوِّفَةِ مِنْ الطَّيَرَانِ وَالْقَصَبِ وَالْغِنَاءِ وَالصِّيَاحِ وَالرَّقْصِ وَاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ وَتَكْنِيَتُهُمْ عَنْ الْبَارِي عَزَّ وَجَلَّ بِهِنْدٍ وَلَيْلَى فَهَلْ يَحِلُّ لَهُمْ ذَلِكَ لَا سِيَّمَا فِي الْمَسَاجِدِ وَهَلْ نُقِلَ عَنْ السَّلَفِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَهَلْ ذَلِكَ صَغِيرَةٌ أَوْ كَبِيرَةٌ وَهَلْ يُكَفَّرُ مَنْ اعْتَقَدَ التَّقَرُّبَ بِهِ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ وَبَيِّنُوهُ بَيَانًا شَافِيًا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ قَدْ أَشْبَعَ الْأَئِمَّةُ كَالْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ وَلَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ عَلَيْهَا بِاخْتِصَارٍ فَنَقُولُ أَمَّا الدُّفُّ فَمُبَاحٌ مُطْلَقًا حَتَّى لِلرِّجَالِ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الْجُمْهُورِ وَصَرَّحَ بِهِ السُّبْكِيّ وَضَعَّفَ مُخَالَفَةَ الْحَلِيمِيِّ فِيهِ وَأَمَّا الْيَرَاعُ فَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَالْأَكْثَرِينَ حُرْمَتُهُ. وَأَمَّا اجْتِمَاعُهُمَا فَحَرَّمَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَخَالَفَهُ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ فَإِنَّ الْحُرْمَةَ لَمْ تَتَأَتَّ مِنْ الِاجْتِمَاعِ وَلَمْ تَسْرِ إلَى الدُّفِّ بَلْ مِنْ حَيْثُ الْيَرَاعُ الْمُسَمَّى بِالشَّبَّابَةِ وَأَمَّا الْغِنَاءُ وَسَمَاعُهُ بِلَا آلَةٍ فَمَكْرُوهَانِ وَقَوْلُ الْأُسْتَاذِ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَذْهَبُ الْجَوَازُ إذَا سَمِعَهُ مِنْ الرَّجُلِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَلَمْ يَقْتَرِن بِهِ مَكْرُوهٌ ضَعِيفٌ بَلْ الْمُعْتَمَدُ الْكَرَاهَةُ مُطْلَقًا وَقَالَ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ نَوَى بِهِ التَّرْوِيحَ لِلتَّقَوِّي عَلَى الطَّاعَةِ فَهُوَ مُطِيعٌ وَأَمَّا الصِّيَاحُ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الصِّيَاحُ وَالتَّغَانِي إنْ كَانَ عَنْ حَالٍ لَا يَقْتَضِيهِ أَثِمَ مِنْ وَجْهَيْنِ إبْهَامِهِ الْحَالَ الْمُوجِبَةَ لِذَلِكَ وَتَصَنُّعِهِ بِهِ وَإِنْ كَانَ عَنْ حَالٍ يَقْتَضِيهِ أَثِمَ بِرِيَائِهِ لَا غَيْر وَنَتْفُ الشُّعُورِ وَضَرْبُ الصُّدُورِ وَتَمْزِيقُ الثِّيَابِ مُحَرَّمٌ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَأَمَّا الرَّقْصُ فَلَا يَحْرُم لِفِعْلِ الْحَبَشَةِ لَهُ فِي حَضْرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ تَقْرِيرِهِ عَلَيْهِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ يُكْرَهُ لِخَرْمِ الْمُرُوءَةِ وَفَصَّلَ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيْنَ أَرْبَابِ الْأَحْوَالِ الَّذِينَ يَقُومُونَ بِوَجْدٍ فَيَجُوزُ لَهُمْ وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِمْ وَنُقِلَ عَنْ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رَدُّ الشَّهَادَةِ بِهِ لِغَيْرِ أَرْبَابِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ حَيْثُ كَانَ لَهُمْ مَنْصِبٌ أَوْ فَخَامَةٌ تَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ خَارِمٌ لِمُرُوءَتِهِ غَيْرُ لَائِقٍ بِهِ تَعَاطِيهِ وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِرَدِّ الشَّهَادَةِ بِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ خَارِمٍ لِلْمُرُوءَةِ حِينَئِذٍ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَا حَاجَةَ لِاسْتِثْنَاءِ أَرْبَابِ الْأَحْوَال لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالِاخْتِيَارِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ كُلِّهِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُرْمَةٌ كَفِعْلِ الْمُخَنَّثِينَ وَإِلَّا حَرُمَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُكْرَهُ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنْ كَانَ لِلتَّشَبُّهِ بِالْمُخَنَّثِ فَإِنَّمَا يَحْرُمُ عَلَى الرِّجَالِ وَالصَّحِيحُ التَّحْرِيمُ مُطْلَقًا وَأَمَّا التَّصْفِيقُ بِالْيَدِ لِلرِّجَالِ فَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ رَحِمه اللَّهُ تَعَالَى عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ حَرَامٌ وَجَزَمَ بِهِ الْمَرَاغِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَفِيهِ نَظَرٌ وَنِيَّةُ التَّقَرُّبِ بِذَلِكَ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ حَرَامٌ وَلَا يُعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِصَرِيحِ لَفْظِ النَّاوِي فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ ذَلِكَ وَلَوْ لِقَرِينَةٍ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ مِمَّنْ اُشْتُهِرَ عَنْهُ خَيْرٌ بَلْ رُبَّمَا يَكُون ظَنُّ ذَلِكَ بِمِثْلِ هَذَا جَالِبًا لِلْمَقْتِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَتَسْمِيَةُ الْبَارِي جَلَّ وَعَلَا بِالْمَخْلُوقِينَ حَرَامٌ عِنْد كُلِّ أَحَدٍ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُظَنَّ ذَلِكَ أَيْضًا بِمِثْلِ مَنْ ذَكَرْنَاهُ وَحَاشَا مَنْ يُنْسَبُ إلَى أَدْنَى دَرَجَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُشَبِّهَ الْقَدِيمَ بِالْحَادِثِ وَأَمَّا فِعْلُ ذَلِكَ فِي الْمَسَاجِدِ فَلَا يَنْبَغِي لِأَنَّهَا لَمْ تُبْنَ لِمِثْلِ ذَلِكَ وَلَا يَحْرُم ذَلِكَ إلَّا إنْ أَضَرَّ بِأَرْضِ الْمَسْجِدِ أَوْ حُصُرِهِ أَوْ نَحْوِهِمَا أَوْ شَوَّشَ عَلَى نَحْوِ مُصَلٍّ أَوْ نَائِمٍ بِهِ وَقَدْ رَقَصَ الْحَبَشَةُ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْظُرهُمْ وَيُقِرّهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَسُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ وَافْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفِّ» وَفِيهِ إيمَاءٌ إلَى جَوَازِ ضَرْبِ الدُّفِّ فِي الْمَسَاجِدِ لِأَجْلِ ذَلِكَ فَعَلَى تَسْلِيمِهِ يُقَاسُ بِهِ غَيْرُهُ وَأَمَّا نَقْلُ ذَلِكَ عَنْ السَّلَفِ فَقَدْ قَالَ الْوَلِيُّ أَبُو زُرْعَةَ فِي تَحْرِيرِهِ صَحَّ عَنْ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ وَهُمَا سَيِّدَا الْمُتَأَخِّرِينَ عِلْمًا وَوَرَعًا وَنَقَلَهُ بَعْضُهُمْ

عَنْ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَفَاكَ بِهِ وَرِعًا مُجْتَهِدًا وَأَمَّا دَلِيلُ الْحِلِّ لِمَا ذُكِرَ فَفِي الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَمِعَ بَعْضَ جَوَارٍ يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ وَهِيَ تَقُولُ وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعِي هَذَا وَقُولِي الَّذِي كُنْت تَقُولِينَ» وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا رَجَعَ مِنْ بَعْضِ غَزَوَاتِهِ أَتَتْهُ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي نَذَرْتُ إنْ رَدَّك اللَّهُ تَعَالَى سَالِمًا أَنْ أَضْرِبَ بَيْنَ يَدَيْك بِالدُّفِّ فَقَالَ لَهَا إنْ كُنْتِ نَذَرْتِ فَأَوْفِ بِنَذْرِك» . (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ حَصَلَ فِي يَدِهِ مَالٌ مِنْ حَرَامٍ ثُمَّ جَهِلَ مَالِكَهُ وَلَمْ يَتَوَقَّع مَعْرِفَتَهُ فَمَا حُكْمُهُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْعَبَّادِيِّ وَالْغَزَالِيِّ أَنَّهُ يَدْفَعهُ لِقَاضٍ تُرْضَى سِيرَتُهُ وَدِيَانَتُهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِنِيَّةِ الْغَرَامَةِ لَهُ إنْ وَجَدَهُ وَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ أَوَاخِر الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ مَا لَفْظُهُ وَأَمَّا مَا لَا يَتَعَيَّن لَهُ مَالِكٌ وَحَصَلَ الْيَأْسُ مِنْ مَعْرِفَتِهِ. فَذَكَر بَعْضُهُمْ أَنَّ لَهُ أَيْ الْحَاكِمِ أَنْ يَبِيعَهُ وَيَصْرِفَ ثَمَنَهُ إلَى الْمَصَالِحِ وَأَنَّ لَهُ حِفْظَهُ قُلْت هَذَا الْمَحْكِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ مُتَعَيِّنٌ وَلَا يُعْرَف خِلَافُهُ. اهـ. وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ مَا قَالُوهُ فِي الْمَالِ الضَّائِعِ مِنْ حِفْظِهِ إلَى ظُهُورِ مَالِكِهِ مَحَلَّهُ إنْ تُوُقِّعَتْ مَعْرِفَتُهُ وَإِلَّا كَانَ حِينَئِذٍ مَصْرُوفًا إلَى مَا يُصْرَفُ فِيهِ أَمْوَالُ بَيْتِ الْمَالِ. اهـ. وَبِهِ جَزَمَ ابْنُ سُرَاقَةَ فِي التَّلْقِينِ. وَقَالَ فِي الْإِحْيَاءِ كُلُّ مَالٍ ضَائِعٍ فُقِدَ مَالِكُهُ يَصْرِفُهُ السُّلْطَانُ إلَى الْمَصَالِحِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمَالَ الضَّائِعَ عِنْد الْيَأْسِ يَكُونُ كَمَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ أَوْهَمَ كَلَامُ الْعِزِّ بْنِ جَمَاعَةٍ تَغَايُرَهُمَا وَكَلَامُهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَحَلَّ مَا مَرَّ عَنْ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كَوْنِهِ يَدْفَعهُ إلَى الْإِمَامِ مَحَلَّهُ إنْ كَانَ عَادِلًا أَوْ لَهُ نَائِبٌ كَذَلِكَ قَالَ وَإِلَّا سَلَّمَهُ لِرَجُلٍ عَالِمٍ مَعْرُوفٍ مَوْثُوقٍ بِهِ وَأَعْلَمهُ بِالْحَالِ لِيَصْرِفَهُ فِي مَصَارِفِهِ وَلِلْعَالِمِ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَيْهِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِ وَلَهُ هُوَ أَنْ يَصْرِفَهُ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ إنْ كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَهُوَ عَالِمٌ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ. اهـ. وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا يُؤَيِّدُهُ فَإِنَّهُ قَالَ الْمَالُ الضَّائِعُ يُصْرَفُ لِلْمَصَالِحِ فَإِذَا وَقَعَ فِي يَدِ إنْسَانٍ وَلَمْ يَظْفَرْ بِإِمَامٍ أَيْ عَادِلٍ لِمَا مَرَّ يَدْفَعهُ إلَيْهِ يَصْرِفُهُ مَنْ هُوَ فِي يَدِهِ إلَى نَوْعٍ مِنْ الْمَصَالِحِ وَإِنْ كَانَ أَهَمَّ مِنْهُ وَفِي قَوَاعِدِ الزَّرْكَشِيّ إذَا عَمَّ الْحَرَامُ قُطْرًا بِحَيْثُ لَا يُوجَدُ فِيهِ الْحَلَالُ إلَّا نَادِرًا جَازَ اسْتِعْمَالُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَا يَقْتَصِر عَلَى الضَّرُورَةِ وَلَا يَتَبَسَّطُ فِيهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ رَحِمه اللَّهُ تَعَالَى وَالصُّورَةُ أَنَّ مَعْرِفَةَ مُسْتَحِقِّهِ مُتَوَقَّعَةٌ وَإِلَّا فَهُوَ لِلْمَصَالِحِ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ مَا جُهِلَ مَالِكُهُ. اهـ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَالْجِهَاتِ الْعَامَّةِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ نَعَمْ تُقْبَل بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِهَا فِي الْوَقْفِ عَلَى مُعَيَّنٍ وَلَوْ شَهِدَا بِأَنَّ فِي ذِمَّتِهِ لِلْمَسْجِدِ شَيْئًا سُمِعَتْ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ غَلَّتِهِ أَوْ وَهَبَهُ لَهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ يَحِلُّ اللَّعِبُ بِالطَّابِ أَوْ لَا وَهَلْ الْمِنْقَلَةُ مِثْلُهُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ بِقَوْلِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ مَا كَانَ مَدَارُهُ عَلَى الْحِرْزِ وَالتَّخْمِينِ يَحْرُمُ وَمَا كَانَ مَدَارُهُ عَلَى الْحِسَابِ لَا يَحْرُمُ وَهُوَ ظَاهِرُ فِي حُرْمَةِ الطَّابِ وَالْمِنْقَلَةِ التَّابِعَةِ لَهُ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِيهَا مُعَلَّقٌ عَلَى مَا يُخْرِجهُ فَقَطْ وَفِي حِلِّ الْمَنْقَلَةِ الْمُسْتَقِلَّةِ وَنَحْوهَا وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْأَوَّلَ عَبَثٌ رُبَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى النَّرْدِ فَكَانَ إلْحَاقُهُ بِهِ أَوْلَى بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّ الْأَمْرَ فِيهِ دَائِرٌ عَلَى حِسَابٍ وَمَزِيدِ فِطْنَةٍ فَبِتَكْرَارِهِ يَحْصُلُ لِلنَّفْسِ ذَلِكَ كَمَا فِي الشِّطْرَنْجِ فَتَعَيَّنَ إلْحَاقُهُ بِهِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا صُورَتُهُ لَعِبُ مُعْتَقِدِ حِلَّ الشِّطْرَنْجِ مَعَ مُعْتَقِدِ تَحْرِيمِهِ حَرَامٌ بِخِلَافِ تَبَايُعِ مَنْ لَا تَلْزَمهُ الْجُمُعَةُ مَعَ مَنْ تَلْزَمهُ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ التَّبَايُعَ الْقَصْدُ مِنْهُ غَالِبًا طَلَبُ الرِّبْحِ وَهُوَ غَرَضٌ صَحِيحٌ يُقْصَدُ فِي الْعَادَةِ لِأَكْثَرِ النَّاسِ فَلَمْ يُمْنَعْ مَنْ لَا تَلْزَمهُ الْجُمُعَةُ مِنْهُ وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِهِ يُعِينُ عَلَى مَعْصِيَةٍ بِخِلَافِ لَعِبِ الشِّطْرَنْجِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ غَرَضٌ يَغْلِبُ فِي الْعَادَةِ تَحْصِيلُهُ فَكَانَ دُونَ ذَلِكَ الْغَرَضِ فَمُنِعَ مُعْتَقِدُ حِلِّهِ مِنْ إعَانَةِ مُعْتَقِدِ حُرْمَتِهِ عَلَى حَرَامٍ فِي ظَنِّهِ وَأَيْضًا فَالْمَعْصِيَةُ فِي الْبَيْعِ

لَيْسَتْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ بَيْعًا بَلْ لِأَمْرٍ خَارِجٍ وَهُوَ التَّفْوِيتُ وَمَنْ لَا تَلْزَمهُ لَمْ يَقْصِدهُ بَلْ قَصَدَهُ لِحُصُولِ الرِّبْحِ مَثَلًا فَلَمْ تَتَحَقَّقْ فِيهِ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ بِخِلَافِ اللَّعِب فَإِنَّ الْمَعْصِيَةَ فِيهِ لِذَاتِ الْفِعْلِ الصَّادِرِ مِنْهُمَا إذْ لَا يُمْكِن وُجُودُهُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ فَتَحَقَّقَتْ فِيهِ الْإِعَانَةُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَلَمْ يُمْكِن قَصْدُ أَمْرٍ خَارِجٍ يُجَوِّزُ لَهُ الْإِقْدَامَ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا عَلَيْهِ الْعَمَلُ مِنْ جَوَازِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُنْتَقِبَةِ اعْتِمَادًا عَلَى إخْبَارِ عَدْلٍ أَوْ عَدْلَيْنِ فَهَلْ يَشْمَلُ عَدْلَ الرِّوَايَةِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكْتَفِي بِعَدْلِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ إذْ لَيْسَ لَنَا شَهَادَةٌ يُقْبَلُ فِيهَا وَاحِدٌ إلَّا فِي هِلَالِ رَمَضَانَ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَخْتَصُّ بِمَا يَقَعُ بَعْد دَعْوَى صَحِيحَةٍ عِنْد قَاضٍ أَوْ مُحَكَّمٍ وَلَيْسَ هُنَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ عَبْدٍ أَذْنَبَ ثُمَّ نَدِمَ وَعَقَدَ تَوْبَةً نَصُوحًا ثُمَّ أَذْنَبَ ثُمَّ نَدِمَ وَعَقَدَ أَيْضًا ثُمَّ أَذْنَبَ وَعَقَدَ أَيْضًا وَهَذَا حَالُهُ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْخَشْيَةِ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ الذَّنْبَ مُقَدَّرٌ وَمُحَتَّمٌ عَلَيْهِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ وَقَدْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ فَكَيْف خَلَاصُهُ مِنْ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ صِحَّةُ التَّوْبَةِ بِشُرُوطِهَا مِنْ الذَّنْبِ وَإِنْ تَكَرَّرَ فَعَلَى الْعَبْدِ عَقِبَ فِعْلِهِ أَنْ يَتُوبَ إلَى اللَّهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى وَيَجْتَهِدَ فِي تَحْقِيقِ شُرُوطِهَا فَإِنَّ مِنْ آفَةِ التَّسَاهُلِ فِي الشُّرُوطِ مَيْلَ النَّفْسِ إلَى الْعَوْدِ بَلْ سُرْعَةَ عَوْدِهَا إلَى الذَّنْبِ لِأَنَّهَا ذَاقَتْ حَلَاوَتَهُ وَلَمْ تُسَلَّ عَلَيْهَا سُيُوفُ الْمُجَاهَدَةِ وَالنَّدَمِ الْحَقِيقِيّ وَلَوْ حَقَّ نَدَمُهَا لَبَعُدَ عَوْدُهَا فَعَلَى الْعَبْدِ الِاجْتِهَادُ فِي تَحْقِيقِ ذَلِكَ وَتَقْرِيعُ نَفْسِهِ بِأَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهَا الْمَرَاهِمَ الْحَادَّةَ مِنْ مَظَاهِرِ الْجَلَالِ وَالِانْتِقَامِ حَتَّى يُكْسِبَهَا ذَلِكَ خَشْيَةً تَامَّة مِنْ سَطَوَاتِ الْحَقِّ وَانْتِقَامِهِ. وَيَكُون مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ مُتَضَرِّعًا إلَى اللَّهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى فِي قَبُولِهِ تَوْبَتَهُ وَغُفْرَانِ زَلَّتِهِ وَرَحْمَةِ حَوْبَتِهِ فَإِنَّ مَنْ أَدْمَنَ قَرْعَ بَابِ الْغَنِيِّ الْكَرِيمِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَفْتَحَ لَهُ وَيَتَفَضَّلَ عَلَيْهِ بِمَا لَمْ يَكُنْ فِي حِسَابِهِ فَعَلَيْك بِصِدْقِ الِابْتِهَالِ وَدَوَامِ الذِّلَّةِ وَالْخَشْيَةِ لِتَفُوزَ مِنْ رَبِّك بِأَفْضَلِ الْأَعْمَالِ إنَّهُ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالُ تَابَ اللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى عَلَيْنَا تَوْبَةً نَصُوحًا بِفَضْلِهِ وَأَدَامَ عَلَيْنَا هَوَاطِلَ جُودِهِ وَوَابِلَ عَفْوِهِ آمِينَ (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا لَفْظُهُ رَأَيْتُ مَنْقُولًا عَنْ الْخُلَاصَةِ مَا لَفْظُهُ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مُعَلِّمِ الصِّبْيَانِ فَإِنَّ عَقْلَ ثَمَانِينَ مُعَلِّمًا لَا يُسَاوِي عَقْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْأَيَّامِ مَعَ الصِّبْيَان وَفِي اللَّيَالِي مَعَ النِّسْوَانِ. اهـ. فَهَلْ هَذَا النَّقْلُ صَحِيحٌ ثَابِتٌ فِيهَا أَوْ لَا وَكَيْفَ الْحُكْمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ قَدْ فَتَّشْتُ عَلَى هَذَا الْمَذْكُورِ عَنْ خُلَاصَةِ الْغَزَالِيِّ فَلَمْ أَرَهُ فِيهَا وَلَا أَظُنّهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهُ إلَى السَّفْسَافِ أَقْرَبُ وَكَمْ مِنْ مُعَلِّمِ صِبْيَانٍ رَأَيْنَاهُ يُسْتَسْقَى بِهِ الْغَيْثُ لِبُلُوغِهِ فِي النَّزَاهَةِ وَالْعِفَّةِ وَالْعَدَالَةِ وَالصَّلَاحِ الْغَايَةَ الْقُصْوَى فَإِنْ صَحَّتْ تِلْكَ الْمَقَالَةُ بِإِطْلَاقِهَا عَنْ عَالِمٍ تَعَيَّنَ تَأْوِيلُهَا عَلَى مُعَلِّمٍ ظَهَرَتْ عَلَيْهِ أَمَارَاتُ الْجَهْلِ أَوْ الْفِسْقِ أَوْ الْجُنُونِ كَمَا هُوَ كَثِيرٌ الْآن فِيمَنْ يَتَعَاطَى هَذِهِ الْحِرْفَةَ الَّتِي هِيَ أَشْرَفُ الْحِرَفِ بِنَصِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا إذَا ادَّعَتْ الزَّوْجَةُ النِّكَاحَ لِثُبُوتِ الْمَهْرِ هَلْ يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ بِقَوْلِهِ إذَا وَقَعَتْ الدَّعْوَى بِالْمَهْرِ ثَبَتَ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْمَالُ حَتَّى الشَّاهِدُ وَالْيَمِينُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ فَقِيهٍ كَشَفَ رَأْسَهُ حَيْثُ لَا يُعْتَاد أَوْ قَبَّلَ زَوْجَتَهُ بِحَضْرَةِ النَّاسِ مَرَّةً وَاحِدَةً هَلْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ أَوْ تَكُونُ صَغِيرَةً؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِخَارِمِ الْمُرُوءَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّر وَفَارَقَ الصَّغِيرَةَ بِأَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى عَدَم الْمُبَالَاةِ إلَّا إذَا تَكَرَّرَتْ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ صَغَائِرَ أُخْرَى حَتَّى غَلَبَتْ مَعَاصِيهِ طَاعَاتِهِ وَأَمَّا خَارِمُ الْمُرُوءَةِ فَإِنَّهُ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِعَرْضِهِ وَخَرْمِهِ وَمَنْ لَا يُبَالِي بِذَلِكَ لَا يَتَوَقَّى الزُّورَ وَنَحْوَهُ كَالتَّسَاهُلِ فِي الشَّهَادَةِ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ لِعَدَمِ الثِّقَةِ حِينَئِذٍ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الْحَسُودِ إذَا صَدَرَتْ مِنْهُ صَغِيرَةٌ بِجَوَارِحِهِ بِسَبَبِ الْحَسَدِ الْبَاطِنِ الَّذِي هُوَ كَبِيرَةٌ وَأَقَرَّ بِذَلِكَ هَلْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ

أَمْ لَا وَكَذَلِكَ يُسْأَلُ فِي الْكِبْرِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْحَسَدِ وَالْكِبْرِ كَبِيرَةٌ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي كِتَابِ الزَّوَاجِرِ عَنْ اقْتِرَافِ الْكَبَائِرِ وَحِينَئِذٍ فَكُلٌّ مِنْهُمَا بِمُجَرَّدِهِ يَقْتَضِي الْفِسْقَ وَرَدَّ الشَّهَادَةِ سَوَاءٌ وُجِدَتْ مَعَهُ مَعْصِيَةٌ أُخْرَى أَمْ لَمْ تُوجَدْ مَعَهُ مَعْصِيَةٌ أَبَدًا لِأَنَّ كُلَّ مَا قِيلَ إنَّهُ كَبِيرَةٌ يَكُونُ بِمُفْرَدِهِ مُبْطِلًا لِلْعَدَالَةِ وَرَادًّا لِلشَّهَادَةِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ زَنَى بِحَلِيلَةِ أَحَدٍ فَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ تَوْبَتِهِ أَنْ يَسْتَحِلَّ زَوْجهَا مَا لَمْ يَخْشَ فِتْنَةً أَوْ مُطْلَقًا أَوْ لَا يَجِبُ ذَلِكَ مِنْ أَصْلِهِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ ذَكَرْتُ فِي كِتَابِي الزَّوَاجِرِ عَنْ اقْتِرَافِ الْكَبَائِرِ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ رَأَيْتُ فِي مِنْهَاجِ الْعَابِدِينَ لَلْغَزَالِيِّ أَنَّ الذُّنُوبَ الَّتِي بَيْنَ الْعِبَادِ إمَّا فِي الْمَالِ فَيَجِبُ رَدُّهُ عِنْد الْمُكْنَةِ فَإِنْ عَجَزَ لِفَقْرٍ اسْتَحَلَّهُ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِحْلَالِهِ لِغَيْبَتِهِ أَوْ مَوْتِهِ وَأَمْكَنَ التَّصَدُّقُ عَنْهُ فَعَلَهُ وَإِلَّا فَلْيُكْثِرْ مِنْ الْحَسَنَاتِ وَيَرْجِعْ إلَى اللَّهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى وَيَتَضَرَّعْ إلَيْهِ فِي أَنَّهُ يُرْضِيهِ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَة وَأَمَّا فِي النَّفْسِ فَيُمَكِّنهُ أَوْ وَلِيَّهُ مِنْ الْقَوَدِ فَإِنْ عَجَزَ رَجَعَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي إرْضَائِهِ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِمَّا فِي الْعِرْضِ فَإِنْ اغْتَبْتَهُ أَوْ شَتَمْتَهُ أَوْ بَهَتّه فَحَقُّك أَنْ تُكَذِّبَ نَفَسَك بَيْن يَدَيْ مَنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ مَعَهُ إنْ أَمْكَنَك بِأَنْ لَمْ تَخْشَ زِيَادَةَ غَيْظٍ وَهَيْجَ فِتْنَةٍ فِي إظْهَارِ ذَلِكَ فَإِنْ خَشِيتَ ذَلِكَ فَالرُّجُوعُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى لِيُرْضِيَهُ عَنْك وَأَمَّا فِي حَرَمِهِ فَإِنْ خُنْتَهُ فِي أَهْلِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا وَجْهَ لِلِاسْتِحْلَالِ وَالْإِظْهَارِ لِأَنَّهُ يُوَلِّدُ فِتْنَةً وَغَيْظًا بَلْ تَتَضَرَّعُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى لِيُرْضِيَهُ عَنْك وَيَجْعَلَ لَهُ خَيْرًا كَثِيرًا فِي مُقَابَلَتِهِ فَإِنْ أَمِنْتَ الْفِتْنَةَ وَالْهَيْجَ وَهُوَ نَادِرٌ فَتَسْتَحِلَّ مِنْهُ وَأَمَّا فِي الدِّينِ بِأَنْ كَفَّرْتَهُ أَوْ بَدَّعْته أَوْ ضَلَّلْته فَهُوَ أَصْعُبُ الْأَمْرِ فَتَحْتَاجُ إلَى تَكْذِيبِ نَفْسِك بَيْن يَدَيْ مَنْ قُلْتَ لَهُ ذَلِكَ وَأَنْ تَسْتَحِلَّ مِنْ صَاحِبِك إنْ أَمْكَنَكَ وَإِلَّا فَالِابْتِهَالُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى وَالنَّدَمُ عَلَى ذَلِكَ لِيُرْضِيَهُ عَنْك. اهـ. كَلَامُ الْغَزَالِيِّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالتَّحْقِيقِ اهـ. وَقَضِيَّةُ مَا ذَكَره فِي الْحُرَمِ الشَّامِل لِلزَّوْجَةِ وَالْمَحَارِم كَمَا صَرَّحُوا بِهِ أَنَّ الزِّنَا وَاللِّوَاطَ فِيهِمَا حَقٌّ لِلْآدَمِيِّ فَتَتَوَقَّفُ التَّوْبَةُ عَلَى اسْتِحْلَالِ أَقَارِبِ الْمَزْنِيِّ أَوْ الْمَلُوطِ بِهِ وَعَلَى اسْتِحْلَالِ زَوْجِ الْمَزْنِيِّ بِهَا هَذَا إنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً وَإِلَّا فَلْيَتَضَرَّعْ إلَى اللَّهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى فِي إرْضَائِهِمْ عَنْهُ وَيُوَجَّهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ فِي الزِّنَا وَاللِّوَاطِ إلْحَاقُ عَارٍ أَيِّ عَارٍ بِالْأَقَارِبِ وَتَلْطِيخِ فِرَاشِ الزَّوْجِ فَوَجَبَ اسْتِحْلَالُهُمْ حَيْثُ لَا عُذْرَ فَإِنْ قُلْت يُنَافِي ذَلِكَ جَعْلُ بَعْضِهِمْ مِنْ الذُّنُوبِ الَّتِي لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ آدَمِيٍّ وَطْءَ الْأَجْنَبِيَّةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَتَقْبِيلهَا مِنْ الصَّغَائِرِ وَالزِّنَا وَشُرْبَ الْخَمْرِ مِنْ الْكَبَائِرِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الزِّنَا لَيْسَ فِيهِ حَقُّ آدَمِيٍّ فَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى اسْتِحْلَالٍ قُلْت هَذَا لَا يُقَاوِمُ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ وَالتَّحْقِيقِ فَالْعِبْرَةُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى زِنًا بِمَنْ لَا زَوْجَ لَهَا وَلَا قَرِيبَ فَهَذِهِ يَسْقُطُ فِيهَا الِاسْتِحْلَالُ لِتَعَذُّرِهِ وَالثَّانِي عَلَى مَنْ لَهَا ذَلِكَ وَأَمْكَنَ الِاسْتِحْلَالُ بِلَا فِتْنَةٍ فَتَجِبُ وَلَا تَصِحُّ التَّوْبَةُ بِدُونِهِ وَقَدْ يُجْمَعُ أَيْضًا بِأَنَّ الزِّنَا مِنْ حَيْثُ هُوَ فِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ إذْ لَا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ وَحَقٌّ لِآدَمِيٍّ فَمَنْ نَظَر إلَى حَقِّ اللَّهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى لَمْ يُوجِبْ الِاسْتِحْلَالَ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَيْهِ وَهُوَ مُجْمَلُ عِبَارَةِ غَيْرِ الْغَزَالِيِّ وَمَنْ نَظَر إلَى حَقِّ الْآدَمِيِّ أَوْجَبَ الِاسْتِحْلَالَ وَيُؤَيِّدهُ قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي مَنْ أَخَذَ مَالًا فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ هَلْ عَلَيْهِ الْإِعْلَامُ بِهِ إنْ غَلَّبْنَا عَلَيْهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَجِبْ الْإِعْلَامُ بِهِ وَإِنْ غَلَّبْنَا فِي عَلَيْهِ حَقَّ الْآدَمِيِّ وَجَبَ إعْلَامُهُ لِيَسْتَوْفِيَهُ الْإِمَامُ بِهِ ثُمَّ رَأَيْتُ ابْنَ الرِّفْعَةِ مَثَّلَ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ لِلْمَعْصِيَةِ الَّتِي لَا حَقَّ فِيهَا لِلْعِبَادِ بِتَقْبِيلِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَهُوَ يَفْهَمُ أَنَّ وَطْأَهَا فِيهِ حَقٌّ لِلْعِبَادِ وَحِينَئِذٍ فَيُوَافِقُ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الزَّوَاجِرِ وَفِيهَا الْجَوَابُ الصَّرِيحُ عَمَّا فِي السُّؤَالِ وَزِيَادَة، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ أَمْرِ الْوَاعِظِ أَوْ الْمُرَبِّي لِمَنْ يَتُوبُ بِقَصِّ بَعْضِ شَعْرِهِ أَوْ حَلْقِ كُلِّهِ هَلْ لَهُ مُسْتَنَدًا وَلَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ حَلْقُ الشَّعْرِ سُنَّةٌ فِي النُّسُكِ وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَإِنْ شَقَّ تَعَهُّدُ الشَّعْرِ فَهُوَ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَالتَّرْكُ أَفْضَلُ وَعِنْد

خَشْيَةِ التَّأَذِّي بِبَقَائِهِ يَكُونُ مِنْ التَّدَاوِي الْمَأْمُورُ بِهِ وَحَلْقُ بَعْضِ الرَّأْسِ مَكْرُوهٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِ الصَّحَابَةِ حَلْقُ الشَّعْرِ وَإِنْ كَانَ الْحَلْقُ مِنْ شِعَارِ الْخَوَارِجِ وَأَمَّا قَصُّ الشَّعْرِ فَهُوَ عَلَى وَفْقِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ فَإِنْ فَعَلَ بِالتَّائِبِ بِقَصْدِ الِائْتِسَاءِ بِهِمْ فَلَا بَأْسَ أَوْ بِقَصْدِ أَنَّهُ مِنْ مَطْلُوبَاتِ التَّوْبَةِ فَلَا وَلَا يُقَاسُ ذَلِكَ بِحَلْقِ الرَّأْسِ عِنْد الْإِسْلَامِ لِأَنَّ شَعْرَ الْكَافِرِ أَقْبَحُ مِنْ شَعْرِ غَيْرِهِ (فَائِدَةٌ) ذَكَرَ الْعَارِفُ سَيِّدِي يُوسُفُ الْعَجَمِيُّ أَنَّ صِفَةَ أَخْذِ الْعَهْدِ عَلَى التَّائِبِ أَنْ يَذْكُرَ لَهُ شُرُوطَ التَّوْبَةِ ثُمَّ يَضَعَ بَاطِنَ يَدِهِ عَلَى بَاطِنِ يَدِ التَّائِبِ الْيُمْنَى وَيَذْكُرُ أَنَّ التَّوْبَةَ لَهُمَا جَمِيعًا لِقَوْلِهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا} [النور: 31] وَيَسْكُتُ الشَّيْخُ وَيُغْمِضُ عَيْنَيْهِ وَيَخْرُجُ بِقَلْبِهِ مِنْ الْبَيْنِ وَيَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانه وَتَعَالَى هُوَ الَّذِي يَتُوبُ عَلَيْهِ وَيَرْفَعُ الشَّيْخُ صَوْتَهُ قَائِلًا أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَقُولُ فِي الْأَخِيرَةِ وَأَتُوبُ إلَيْهِ وَأَسْأَلهُ التَّوْبَةَ وَالتَّوْفِيقَ لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضَى وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. وَيَسْكُتُ التَّائِبُ وَيُغْمِضُ عَيْنَيْهِ وَيَقُولُ كَمَا يَقُولُ الشَّيْخُ وَحَكَى هَذَا رِوَايَةً مِنْ طَرِيقِ لُبْسِ الْخِرْقَةِ مِنْ الْأَخْذِ عَلَى التَّائِبِ مِنْهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ بَعْضُهُمْ وَاَلَّذِي يَفْعَلهُ أَهْلُ الْعَصْرِ أَنَّهُ يَذْكُرُ لَهُ شُرُوطَ التَّوْبَةِ وَيَأْخُذُ يَدَهُ فِي يَدِهِ وَيُعَاهِدهُ لِلَّهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى عَلَى اتِّبَاعِهِ الطَّاعَةَ وَاجْتِنَابِ الْمَعْصِيَةِ ثُمَّ يَتْلُو عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} [الفتح: 10] إلَى آخِرِ الْآيَةِ وَهَذَا كُلُّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ بَيْعَةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ. اهـ. وَاَلَّذِي آثَرْنَاهُ عَنْ مَشَايِخِنَا أَهْلِ الطَّرِيقِ أَنَّ الشَّيْخَ يَذْكُرُ لِلْمُرِيدِ شُرُوطَ التَّوْبَةِ وَيُحَرِّضُهُ عَلَيْهَا وَعَلَى مُلَازَمَةِ الصَّلَوَاتِ وَالذِّكْرِ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّه لَيْلًا بَعْد صَلَاةِ الْعِشَاءِ سَاعَةً طَوِيلَةً حَتَّى يَنَامَ عَلَى الذِّكْرِ ثُمَّ قِيَامِ اللَّيْلِ وَصَلَاةِ أَكْمَلِ الْوِتْرِ ثُمَّ الذِّكْرِ بَعْده سَاعَةً كَذَلِكَ أَوْ إلَى الْفَجْرِ ثُمَّ الذِّكْرِ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَأَذْكَارِ الصَّلَوَاتِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ صَلَاةِ الضُّحَى لِيَمْضِيَ فِي أَسْبَابِهِ وَقَلْبُهُ مُمْتَلِئٌ بِالذِّكْرِ فَلَا تَقْدِرُ الْأَسْبَابُ عَلَى جَذْبِهِ بِالْكُلِّيَّةِ إلَيْهَا بَلْ تَسْتَمِرَّ مَعَهُ وَهُوَ مُبَاشِرٌ لِلْأَسْبَابِ بَقِيَّة مِنْ بَرَكَةِ الذِّكْرِ وَقِيَام اللَّيْلِ إلَى الْمَسَاءِ ثُمَّ بَعْد أَنْ يُحَرِّضهُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ وَعَلَى بِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ يَذْكُرُ الشَّيْخُ ثَلَاثًا مُتَوَالِيَة وَالْمُرِيدُ جَالِسٌ طَارِقٌ بَيْن يَدَيْهِ ثُمَّ يَذْكُرُ الْمُرِيد ثَلَاثًا وَالشَّيْخُ طَارِقٌ ثُمَّ يَقْرَأُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ قَدْ يَقَعُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ ذِكْرٌ سِلْسِلَةِ الذِّكْرِ وَهِيَ سِلْسِلَةُ الْخِرْقَة السَّابِقَةِ فِي بَابِ اللِّبَاسِ الْمُنْتَهِيَةُ إلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يُشِيرُ إلَى اعْتِرَاضِ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى هَذِهِ السَّلِسَةِ بِنَحْوِ مَا سَبَقَ ثُمَّ لَا يَلْتَفِتُ إلَى ذَلِكَ الِاعْتِرَاضِ مُعْتَمِدًا عَلَى نَحْوِ مَا مَرَّ ثَمَّ فِي رَدِّهِ وَكَانَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يَقْرَأُ {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} [الفتح: 10] الْآيَة. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ يَحْرُم وَصْفُ الْخَمْرِ الْوَاقِعِ فِي أَشْعَارِ كَثِيرِينَ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمَجْمُوعِ بِحُرْمَةِ ذَلِكَ لَا يُقَال يُنَافِيهِ مَا وَقَعَ فِي بَانَتْ سُعَاد الَّتِي أُنْشِدَتْ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشِعْرِ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ ذِكْرِ الْخَمْرِ وَمَدْحِهَا لِأَنَّا نَقُولُ يُحْتَمَل أَنَّ تِلْكَ الْأَشْعَارَ الصَّادِرَةَ مِنْهُمْ كَانَتْ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا وَبِفَرْضِ وُقُوع شَيْءٍ مِنْهَا بَعْد التَّحْرِيمِ فَهُوَ مَذْهَبُ صَحَابِيٍّ لَمْ يَنْتَشِرْ فَإِنْ قُلْتَ هَذَا مُمْكِنُ فِي حَقِّ الصَّحَابَةِ فَمَا الْجَوَابُ عَمَّا وَقَعَ فِي كَلَامِ كَثِيرِينَ مِنْ الْعُلَمَاءِ حَتَّى الشَّافِعِيَّة كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ عَنْهُمْ مَذْكُورٌ فِي تَرَاجِمِهِمْ قُلْتُ الْجَمْعُ بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّ مَا قَالَهُ فِي أَوْصَافٍ يَتَبَادَرُ مِنْهَا مَدْحُ خَمْرَةِ الدُّنْيَا الْمُحَرَّمَةِ وَمَا وَقَعَ لَهُمْ فِي مَدْحِ مُطْلَقِ الْخَمْرِ الْمُمْكِنِ حَمْلُهَا عَلَى خَمْرِ الْجَنَّةِ أَوْ الْخَمْرَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ الَّتِي تُطْلَقُ مَجَازًا أَوْ اسْتِعَارَةً عَلَى نَحْوِ رِيقِ الْمَحْبُوبِ وَالنَّشْوَةِ الْحَاصِلَة مِنْ الْمَحَبَّةِ الْمَحْمُودَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تَصَارِيفِ الْبُلَغَاءِ مِنْ الْأَئِمَّةِ فِي أَشْعَارِهِمْ سِيَّمَا السَّادَةُ الصُّوفِيَّة رِضْوَان اللَّهِ

تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا لَفْظُهُ ذَكَرُوا أَنَّ الْقَهْوَةَ إذَا أُدِيرَتْ عَلَى هَيْئَةِ الْخَمْرِ بِعَادَةِ الشَّرَبَةِ حُرِّمَتْ نَبَّهَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْيَمَنِيِّينَ هَلَّا يُقَالُ يُكْرَه ذَلِكَ كَمَا كَرِهَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ تَسْمِيَتُهَا قَهْوَة لِأَنَّهُ مِنْ أَسْمَاء الْخَمْرِ وَمَا هَيْئَةُ إدَارَةِ الْخَمْرِ الَّتِي يَعْتَادُهَا الشَّرَبَةُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِالْحُرْمَةِ لِيُجْتَنَبَ ذَلِكَ حَرِّرُوا لَنَا كَيْفِيَّة إدَارَةِ الْخَمْرِ. (فَأَجَابَ) مَا ذَكَرُوهُ صَحِيحٌ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي إدَارَةِ السَّكَنْجَبِينِ وَغَيْرِهِ وَكَيْفِيَّةُ تِلْكَ الْإِدَارَةِ عَلَى مَا يَتَعَارَفُهَا النَّاسُ الْيَوْم لَمْ يَتَحَرَّرْ عِنْدنَا لِأَنَّا سَأَلْنَا مَنْ شَرِبُوهَا وَتَابُوا مِنْهَا فَاخْتَلَفَ وَصْفُهُمْ لِتِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَقَالِيمِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا بِقَدَحٍ وَاحِدٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَكُونُ غَالِبًا إلَّا مَعَ نَحْوِ رَيَاحِين وَمَأْكَلٍ مَخْصُوصٍ وَغِنَاءٍ مَخْصُوصٍ وَآلَةٍ مُطْرِبَةٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ سَاقٍ مَخْصُوصٍ وَكَيْفِيَّةٍ لِوَضْعِ إنَائِهَا الَّذِي يُفْرَغُ مِنْهُ فِي كَأْسِهَا. وَقَدْ أَشَارَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إلَى بَعْضِ ذَلِكَ حَيْثُ قَالُوا إنَّهَا تَكُونُ بِأَقْدَاحٍ مَعَ كَلِمَاتٍ يَتَعَارَفُهَا الشَّرَبَةُ بَيْنَهُمْ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ} [الطور: 23] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ بِخِلَافِ خَمْرِ الدُّنْيَا أَيْ فَإِنَّهُمْ يَدِيرُونَ فِيهَا الْكَأْسَ عَلَى غَايَةٍ مِنْ اللَّغْوِ وَالْإِثْمِ بِالْكَلِمَاتِ الْقَبِيحَةِ الْمُتَعَارَفَة بَيْنَهُمْ فَإِذَا أُدِيرَتْ الْقَهْوَةُ الْحَادِثَةُ الْآن كَهَيْئَةِ إدَارَةِ الْخَمْرِ حُرِّمَتْ إدَارَتُهَا وَإِلَّا فَلَا أَمَّا شُرْبُهَا فَهُوَ جَائِزٌ بِشَرْطِهِ سَوَاءٌ أُدِيرَتْ أَمْ لَا فَتِلْكَ الْكَيْفِيَّةُ الَّتِي لِلْخَمْرِ لَيْسَتْ مُحَرِّمَةً لِأَصْلِ الشُّرْبِ وَإِنَّمَا هِيَ مُحَرِّمَةٌ لِتِلْكَ الْأَفْعَالِ الْمُحَاكِيَةِ لِأَفْعَالِ شَرَبَة الْخَمْرِ وَلَيْسَ مُطْلَقُ الْإِدَارَةِ حَرَامًا اتِّفَاقًا فَقَدْ أُدِيرَ اللَّبَنُ فِي حَضْرَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَصْحَابِهِ فِي مَسْجِدِهِ الشَّرِيفِ وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا قَهْوَة فَهُوَ لَا يَقْتَضِي تَحْرِيمًا مُطْلَقًا لِأَنَّ الْأَسَامِيَ لَا تَقْتَضِي تَشْبِيهًا وَتِلْكَ الْإِدَارَةُ إنَّمَا حُرِّمَتْ لِاسْتِلْزَامِهَا التَّشْبِيهَ بِالْعُصَاةِ، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ إخْبَارِ الرَّجُلِ بِطَلَاقِ فُلَانٍ أَوْ مَوْتِهِ أَوْ تَوْكِيلِهِ هَلْ يُقْبَلُ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ وَهَلْ يُقْبَلُ الْكِتَابُ الْمُجَرَّدُ عَنْ الشَّهَادَةِ إذَا عُرِفَ أَنَّهُ خَطُّ الْمُرْسِلِ أَمْ لَا وَهَلْ يُكْتَفَى فِي غَيْرِ الْقَاضِي بِذَلِكَ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَجُوزُ لِمَنْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِذَلِكَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِهِ فَقَدْ قَالُوا لَوْ أَخْبَرَ عَدْلٌ امْرَأَةً بِمَوْتِ زَوْجِهَا أَوْ طَلَاقِهِ جَازَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْن اللَّهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى وَكَذَا خَطُّهُ الْمَوْثُوقُ بِهِ إذَا حَفَّتْهُ قَرَائِنُ بِأَنَّهُ قَصَدَ مَدْلُولَ تِلْكَ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى مَا يَغْلِبُ ظَنَّ صِدْقِ الْإِمَارَةِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِحَقِّ الْغَيْرِ أَوْ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَاكِمِ فَلَا يَجُوزُ اعْتِمَادُ عَدْلٍ وَلَا خَطٍّ وَلَا غَيْرِهِمَا مِنْ كُلِّ مَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شَخْصٍ عَامِّيٍّ شَهِدَ عَلَى مِثْلِهِ بِأَنَّ فِي ذِمَّتِهِ لِفُلَانٍ الْمُدَّعِي كَذَا مِنْ الدَّنَانِيرِ فَأَجَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنَّ الشَّاهِدَ الْمَذْكُورَ لَا يَعْرِفُ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ فَهَلْ إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا يَكُونُ ذَلِكَ قَدْحًا فِي شَهَادَتِهِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إنْ اعْتَقَدَ أَنَّ جَمِيعَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فَرْضٌ أَوْ الْبَعْضَ فَرْضٌ وَالْبَعْضَ نَفْلٌ لَكِنَّهُ لَمْ يَعْتَقِدْ بِفَرْضٍ مُعَيَّنٍ النَّفْلِيَّةَ لَمْ يَقْدَحْ ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِ لِأَنَّهُ يُكْتَفَى فِي صِحَّةِ صَلَاةِ الْعَامِّيِّ بِذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شَخْصٍ نَقَلَ عَنْ الشَّيْخِ جَلَالِ الدِّينِ السُّيُوطِيِّ رَحِمه اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ أَوْرَدَ حَدِيثًا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ لَاعِبَ الشِّطْرَنْجِ مَلْعُونٌ وَأَنَّ النَّاظِرَ إلَيْهِ كَآكِلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ فَهَلْ النَّاقِلُ لِذَلِكَ مُصِيبٌ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ بِقَوْلِهِ نَعَمْ نَقَلَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ شَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى سَعْيَهُ فِي جَامِعِهِ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُهُ «مَلْعُونٌ مَنْ لَعِبَ الشِّطْرَنْجَ وَالنَّاظِرُ إلَيْهِ كَآكِلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ» وَذَكَرْتُ فِي كِتَابِي كَفُّ الرَّعَاعِ عَنْ مُحَرَّمَاتِ اللَّهْوِ وَالسَّمَاعِ أَحَادِيثَ أُخَرَ فِي ذَلِكَ مِنْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثَلَثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ نَظْرَةً إلَى خَلْقِهِ يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ لَيْسَ لِصَاحِبِ الشَّاهِ فِيهَا نَصِيبٌ» وَصَاحِبُ الشَّاهِ هُوَ لَاعِبُ الشِّطْرَنْجِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ

باب الدعوى والبينات

الْقِيَامَةِ صَاحِبَ الشَّاهِ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَلْعَبُ بِهَا أَيْ الشِّطْرَنْجِ إلَّا جَبَّارٌ وَالْجَبَّارُ فِي النَّارِ لَا يُوَقَّرُ فِيهِ الْكَبِيرُ وَلَا يُرْحَمُ فِيهِ الصَّغِيرُ» وَقَوْلُهُ «مَنْ لَعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ» «مَنْ لَعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ فَقَدْ قَارَفَ شِرْكًا وَمَنْ يُشْرِكُ بِاَللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ» وَقَوْلُهُ «الشِّطْرَنْجُ مَلْعُونَةٌ مَلْعُونُ مَنْ لَعِبَ بِهَا» وَقَوْلُهُ «النَّاظِرُ إلَى مَنْ يَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ كَالْغَامِسِ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ» وَمِنْهَا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِقَوْمٍ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ فَقَالَ مَا هَذِهِ الْكُوبَةُ أَلَمْ أَنْهِ عَنْهَا لَعَنَ اللَّهُ مَنْ يَلْعَبُ بِهَا» وَفِي رِوَايَةٍ «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى مَنْ يَلْعَبُ بِهَا» وَمِنْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَفَرٌ مِنْ أُمَّتِي لَا يُكَلِّمهُمْ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إلَيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ الْمَانِعُونَ الزَّكَاةَ. وَالنَّائِمُونَ عَنْ الْعَتَمَاتِ وَالْمُتَلَذَّذُونَ بِالْقَهَوَاتِ وَاللَّاعِبُونَ بِالسَّامَاتِ وَالضَّارِبُونَ بِالْكُوبَاتِ» الْحَدِيثَ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يُغْفَرُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ لِكُلِّ مُتَكَبِّرٍ إلَّا صَاحِبَ الشَّاهِ» يَعْنِي الشِّطْرَنْجَ وَالْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ فِي ذَمِّ لَاعِبِهَا كَثِيرَةٌ بَيَّنْتُهَا مَعَ سَنَدِهَا وَسَنَدِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ وَمَا قَالَهُ النَّاسُ فِيهَا فِي كِتَابِي الْمَذْكُورِ. ثُمَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُؤَيِّدَةٌ لِقَوْلِ كَثِيرِينَ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِحُرْمَةِ الشِّطْرَنْجِ مُطْلَقًا وَحَمَلَهَا أَئِمَّتُنَا عَلَى مَا إذَا اقْتَرَنَ بِلِعْبِهَا نَحْوُ قِمَارٍ أَوْ إخْرَاجِ صَلَاةٍ عَنْ وَقْتِهَا أَوْ شَتْمٍ أَوْ إيذَاءٍ وَأَمَّا إذَا خَلَتْ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَهِيَ مَكْرُوهَةٌ وَمَعَ ذَلِكَ يَنْبَغِي اجْتِنَابُهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شَخْصٍ عِنْده شَعْرَةٌ مِنْ شَعْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا قِيلَ وَاسْتَمَرَّتْ عِنْده يَزُورَهَا النَّاسُ فِي بَيْتِهِ فَتُوُفِّيَ وَخَلَّفَ وَلَدَيْنِ ذَكَرَيْنِ أَحَدُهُمَا يُسَمَّى مُحَمَّدًا وَالثَّانِي يُسَمَّى عُمَرَ فَاسْتَمَرَّتْ فِي مَحَلِّهَا فَإِذَا جَاءَ مَنْ يَزُورَهَا وَكَانَ مُحَمَّدٌ حَاضِرًا فَتَحَ الصُّنْدُوقَ عَنْهَا وَزَوَّرَهُمْ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَتَحَ أَخُوهُ عُمَرُ وَزَوَّرَهُمْ فَتَوَلَّعَ مُحَمَّدٌ بِالْإِقَامَةِ فِي الْحِجَازِ وَمَكَثَ قَلِيلًا عِنْد سَيِّدِنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - وَتَزَوَّجَ هُنَاكَ وَاسْتَمَرَّتْ فِي مَحَلِّهَا كُلُّ مَنْ رَامَ زِيَارَتهَا فَأَخُوهُ عُمَرُ يُزَوِّرُهُ. وَإِنْ تَعَذَّرَ حُضُورُهُ أَوْ كَانَ الزَّائِرُ نِسَاءً فَإِحْدَى بَنَاتِهِ تَفْتَحُ وَتُزَوِّرهُمْ فَتُوَفِّيَ مُحَمَّدٌ وَخَلَّفَ وَلَدًا ذَكَرًا وَاسْتَمَرَّتْ تَحْتَ يَدِ عَمِّهِ عُمَرَ فِي مَحَلِّهَا وَكُلُّ مَنْ رَامَ زِيَارَتَهَا يُزَوِّرهُ وَإِنْ تَعَذَّرَ حُضُورُهُ فَإِحْدَى بَنَاتِهِ تَفْتَحُ وَتُزَوِّرهُ وَمَا يَحْصُلُ مِنْ الْفُتُوحِ يُقْسَمُ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ فِي حَيَاةِ مُحَمَّدٍ وَبَعْدَ مَوْتِهِ يُقْسَمُ بَيْنَ ابْنِهِ وَأَخِيهِ عُمَرَ فَتُوُفِّيَ عُمَرُ أَيْضًا عَنْ بَنَاتٍ فَهَلْ يَخْتَصُّ بِالشَّعْرَةِ وَخِدْمَتِهَا وَلَدُ مُحَمَّدٍ أَوْ يَكُونُ هُوَ وَبَنَاتُ عَمِّهِ فِي الِاخْتِصَاصِ وَالْخِدْمَةِ سَوَاءٌ وَهَلْ إذَا طَلَبُوا قِسْمَتَهَا لَهُمْ ذَلِكَ كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ بَعْضُ جُدُودِهِمْ وَقَسَمُوهَا أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ هَذِهِ الشَّعْرَةُ الشَّرِيفَةُ لَا تُوَرَّثُ وَلَا تُمَلَّكُ وَلَا تَقْبُلُ قِسْمَةً فَالْمَذْكُورُونَ مُسْتَوُونَ فِي الِاخْتِصَاصِ بِهَا وَالْخِدْمَةِ لَهَا لَا تَمْيِيزَ لِأَحَدِهِمْ عَلَى أَحَدٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَاب الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ] (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ ادَّعَى أَنِّي أَسْتَحِقُّ الشِّرْبَ مِنْ هَذِهِ الْبِئْرِ لِأَرْضِي وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً فَهَلْ تُسْمَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى أَمْ لَا تُسْمَعُ حَتَّى يَذْكُرَ قَدْرَ الشِّرْبِ وَإِذَا ادَّعَى أَنِّي أَمُرُّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَوْ أَنِّي سَقَيْتُ مِنْ الْبِئْرِ فَهَلْ تُسْمَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى أَوْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الِاسْتِحْقَاقِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إنَّ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ دَعْوَى اسْتِحْقَاقِ الشِّرْبِ مِنْ بِئْرِ كَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهَا بَيَانُ قَدْرِ الشِّرْبِ لِأَنَّهُ مُتَعَذِّرٌ لِأَنَّ الْأَرْضَ إذَا اسْتَحَقَّتْ شِرْبًا مِنْ أَرْضٍ لَا تُضْبَطُ إلَّا بِالْكِفَايَةِ وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَنِ وَالْمَزْرُوعُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ وَبِقِلَّةِ مَاءِ الْبِئْرِ وَكَثْرَتِهَا فَاقْتَضَتْ الضَّرُورَةُ سَمَاعَ الدَّعْوَى بِذَلِكَ مَعَ عَدَمِ بَيَانِ قَدْرِهِ قِيَاسًا عَلَى الْمَسَائِلِ الَّتِي اسْتَثْنَوْهَا مِنْ اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ بِالدَّعْوَى بَلْ مَسْأَلَتُنَا أَوْلَى مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ كَمَا يُعْرَف بِتَأَمُّلِهَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ وَمِمَّا يُغْتَفَرُ فِيهِ الْجَهْلُ بِالدَّعْوَى دَعْوَى أَنَّ لَهُ طَرِيقًا أَوْ حَقَّ إجْرَاءِ الْمَاءِ فِي مِلْكِ فُلَانٍ وَحْدَهُ وَلَمْ يَنْحَصِرْ حَقُّهُ فِي جِهَةٍ مِنْهُ فَإِنْ انْحَصَرَ وَجَبَ بَيَانُ حَقِّهِ وَعَلَى هَذَا حُمِلَ إطْلَاقُ الثَّقَفِيِّ الْوُجُوبَ وَعَلَى الْأَوَّلِ حُمِلَ إطْلَاقُ الْهَرَوِيِّ

عَدَمَ الْوُجُوبِ وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ أَنَّهُ يَمُرُّ فِي هَذِهِ أَوْ يَسْقِي مِنْ هَذِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُتَعَدِّيًا بِذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الِاسْتِحْقَاقِ أَوْ نَحْوِهِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى آخَر أَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ اسْتَحَقَّهَا وَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِلْكِي وَرِثْتُهَا مِنْ أَبِي وَلَمْ يَجِدْ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً فَهَلْ يَكْفِي قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ أَنَّهَا مِلْكُهُ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ نَفْيِ الِاسْتِحْقَاقِ وَإِذَا ادَّعَى أَنَّ مُوَرِّثَك بَاعَنِي هَذَا الْمَوْضِعَ أَوْ وَهَبَنِيهِ فَهَلْ يَحْلِفُ الْوَارِثُ عَلَى الْبَتِّ أَمْ عَلَى النَّفْيِ حَيْثُ كَانَتْ الدَّعْوَى عَلَى الْمَيِّتِ أَوْضِحُوا لَنَا الْجَوَابَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّهُ إذَا قَالَ أَسْتَحِقُّ الْعَيْنَ إجَارَةً أَوْ نَحْوَهُ لَمْ يَكْفِ فِي جَوَابِهِ أَنَّهَا مِلْكِهِ لِأَنَّهُ لَا يُنَافِي الدَّعْوَى وَإِنْ قَالَ أَسْتَحِقُّهَا مِلْكًا كَفَاهُ فِي الْجَوَابِ ذَلِكَ وَإِنْ أَطْلَقَ اسْتَفْصَلَ عَنْ سَبَبِ اسْتِحْقَاقِهِ وَلَمْ يُقْنَعْ مِنْهُ بِإِطْلَاقِ الِاسْتِحْقَاقِ لِأَنَّ لَهُ حِينَئِذٍ بَيَانَاتٍ يَخْتَلِفُ حُكْمُهَا فَوَجَبَ تَعْيِينُ الْمُرَادِ مِنْهَا وَالْوَارِثُ مُخَيَّرٌ فِيمَا ذُكِرَ بَيْنَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْبَتِّ أَوْ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ ادَّعَى عَلَى آخَر أَنَّكَ أَقْرَرْتَ أَنَّ لَيْسَ لِي عِنْدَكَ شَيْءٌ أَوْ أَنَّكَ صَالَحْتنِي عَلَى كَذَا أَوْ أَنَّك بِعْتَنِي ذَا بِكَذَا أَوْ أَنَّك أَقْرَرْتَ أَنَّ لِي عِنْدَكَ كَذَا فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِعْتُكَ مُكْرَهًا أَوْ صَالَحْتُكَ مُكْرَهًا وَنَحْو ذَلِكَ مِمَّا فِي السُّؤَالِ وَأَقَامَ عَلَى الْإِكْرَاهِ بَيِّنَةً فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَوْ الْمُحَكَّمِ أَنْ يَسْتَفْصِلَ الشُّهُودَ عَلَى الْإِكْرَاهِ وَهَلْ عَلَى الشُّهُودِ أَنْ يُبَيِّنُوا الْإِكْرَاهَ أَوْ لَا يَجِبُ عَلَى الشُّهُودِ وَلَا عَلَى الْحَاكِمِ أَوْ عَلَى الْمُحَكَّمِ أَنْ يَفْصِلَ وَحَيْثُ كَانَ أَهْلُ الْبَلَدِ مِنْهُمْ مَنْ يَعْرِفُ حَدَّ الْإِكْرَاهِ وَأَكْثَرهمْ لَا يَعْرِفُ حَدَّ الْإِكْرَاهِ فَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ بِهِ مُجْمَلَةً؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ لَا بُدَّ فِي الشَّهَادَةِ بِالْإِكْرَاهِ مِنْ التَّفْصِيلِ سَوَاءٌ أَكَانَ الشَّاهِدُ مِنْ بَلَدٍ يَعْرِفُونَ حَدَّ الْإِكْرَاهِ أَمْ لَا لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا فِي ضَابِطِهِ فَوَجَبَ بَيَانُ الْوَاقِعِ مِنْهُ لِلْحَاكِمِ حَتَّى يَنْظُرُ فِيهِ هَلْ هُوَ مُطَابِقٌ لِلْإِكْرَاهِ شَرْعًا أَمْ لَا بَلْ الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى هُنَا بِالْإِطْلَاقِ وَلَوْ مِنْ الْفَقِيهِ الْمُوَافِقِ لِمَا أَشَرْتُ إلَيْهِ مِنْ كَثْرَةِ اخْتِلَافِ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي حَدِّهِ وَاخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ الْأَبْوَابِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ صَغِيرَةٍ مَاتَ أَبُوهَا وَعُمْرُهَا نَحْوُ سِتِّ سِنِينَ فَرَفَعَ رَجُلٌ أَمْرَهَا إلَى قَاضٍ حَنَفِيٍّ فَزَوَّجَهُ بِهَا مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ كُفْءٍ لَهَا ثُمَّ أَثْبَتَ آخَرُ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهُ بِهَا بَيْنَ يَدَيْ قَاضٍ حَنَفِيٍّ فَأَبْطَلَ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ ثُمَّ ادَّعَى صَاحِبُهُ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهُ بِهَا قَبْلَ الْعَقْدِ الثَّانِي فَهَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتُهُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلهَا عَنْ الْقَفَّالِ وَأَقَرَّاهُ بَلْ صَوَّبَهُ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ قَالَ لِلْوَلِيِّ زَوِّجْنِيهَا كَانَ إقْرَارًا بِالطَّلَاقِ وَصَرِيحًا فِيهِ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ لِلْقَاضِي بَعْد مَوْتِ أَبِي الصَّغِيرَةِ زَوِّجْهَا لِي يَكُونُ إقْرَارًا مِنْهُ بِزَوَالِ نِكَاحِهِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ كُفْئًا لَهَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَبُولُهُ التَّزْوِيجَ الثَّانِي مِنْ الْقَاضِي فَفِي الْأَنْوَارِ لَوْ تَزَوَّجَ بِمُطَلَّقَتِهِ ثَلَاثًا بَعْد إمْكَانِ التَّحْلِيلِ ثُمَّ مَاتَ وَادَّعَى وَارِثُهُ أَنَّهَا لَمْ تَتَحَلَّلْ فَلَمْ يَصِحَّ نِكَاحُهُ فَلَا تَرِثَ مِنْهُ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ لِأَنَّ إقْدَامَ مُوَرِّثِهِ عَلَى التَّزَوُّجِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِوُقُوعِ التَّحْلِيلِ. اهـ. فَكَذَلِكَ إقْدَامُ هَذَا عَلَى النِّكَاحِ الثَّانِي إقْرَارٌ مِنْهُ بِرَفْعِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الْمُعْتَدَّ بِهِ مِنْ الْعُقُودِ الثَّلَاثَةِ هُوَ الثَّانِي وَأَمَّا الثَّالِثُ فَبَاطِلٌ لِسَبْقِ الثَّانِي لَهُ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَبِالْإِقْدَامِ عَلَى الثَّالِثِ وَسُؤَالُ الْقَاضِي الَّذِي هُوَ الْمُوَلَّى فِيهِ مُتَضَمِّنٌ لِلْإِقْرَارِ بِرَفْعِهِ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالْعَقْدِ الثَّانِي وَحْدَهُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ ادَّعَى عَلَى آخَر إنِّي أَوْدَعْتُكَ عَشَرَةَ دَرَاهِم مَثَلًا فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ تَلِفَتْ وَلَمْ يَذْكُر شَيْئًا فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلهُ عَنْ السَّبَبِ أَمْ لَا يَجِبُ بَلْ يَقْتَصِرُ فِي دَعْوَاهُ عَلَى التَّلَفِ وَقَدْ اخْتَلَفَ مُفْتِيَانِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا يَكْفِي إطْلَاقُ الدَّعْوَى بِالتَّلَفِ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَالَ الثَّانِي لَا يَكْفِي الِاقْتِصَارُ فِي الدَّعْوَى عَلَى التَّلَفِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ سَبَبِ التَّلَفِ حَتَّى يَنْظُرَ الْحَاكِمُ فِي ذَلِكَ وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُودَعُ لَا يَعْرِفُ مَا يَضْمَن بِهِ مِنْ السَّبَبِ وَمَا لَا يَضْمَنُ فَمَا هُوَ الصَّوَابُ عِنْدكُمْ مِنْ ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى

بِعُلُومِهِ بِأَنَّ الصَّوَابَ مَعَ الْمُفْتِي الْأَوَّلِ الْقَائِلِ بِأَنَّ ذِكْرَ سَبَبِ التَّلَفِ لَا يَجِبُ وَمَا قَالَهُ الثَّانِي خَطَأٌ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ بَلْ غَيْرُ الْأَمِينِ كَالْغَاصِبِ لَوْ ادَّعَى التَّلَفَ قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ وَلَا يَلْزَمهُ بَيَانُ سَبَبِ التَّلَفِ فَالْأَمِينُ كَذَلِكَ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَلَا نَظَرَ إلَى مَا ذَكَره الثَّانِي سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَدِيعُ يَعْرِفُ السَّبَبَ الَّذِي يَكُونُ التَّلَفُ بِهِ مُضَمَّنًا أَمْ لَا لِأَنَّ الْمُودَعُ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ يُعَيِّنَ السَّبَبَ الَّذِي يَقْتَضِي الضَّمَانَ وَيَحْلِفهُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ عَيْنٍ فِي يَدِ رَجُلٍ مُدَّةً طَوِيلَةً يَتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ أَنَّهَا رَهْنٌ تَحْتَ يَدِهِ وَأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهَا رَهْنٌ تَحْتَ يَدِهِ وَأَنَّ الْمُدَّعِي أَحْضَرَ الْمَبْلَغَ وَادَّعَى رَجُلٌ آخَرُ أَنَّ الْعَيْنَ مِلْكُهُ وَأَنَّ ذَا الْيَدِ غَصَبَهَا وَأَقَرَّ بِغَصْبِهَا وَادَّعَى صَاحِبُ الْيَدِ أَنَّهَا مِلْكُهُ مُدَّةً مَدِيدَةً وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً فَأَيَّتُهُمَا تُقَدَّمَ وَحَيْثُ أَقَامَ الرَّاهِنُ بَيِّنَةَ مَرْهُونَةٍ عِنْد صَاحِبِ الْيَدِ وَأَنَّهُ أَقَرَّ بِرَهْنِهَا عِنْدَهُ وَأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْغَصْبِ وَأَنَّ الْمُدَّعِي قَادِرٌ عَلَى الِامْتِنَاعِ وَإِذَا أَقَامَ مُدَّعِي الْغَصْبِ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكُهُ وَأَنَّ ذَا الْيَدِ غَصَبَهَا وَأَنَّهُ قَوِيَ عَلَى الْغَصْبِ فَأَيُّ الْبَيِّنَتَيْنِ تُقَدَّمُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهَا مِلْكُ مُدَّعِي الْغَصْبِ وَأَنَّ ذَا الْيَدِ غَصَبَهَا مِنْهُ أَوْ شَهِدَتْ وَاحِدَةٌ بِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ رَهَنَ هَذِهِ لِفُلَانٍ وَأُخْرَى بِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ نَهَبهَا مِنْ فُلَانٍ كَانَتْ الْبَيِّنَتَانِ مُتَعَارِضَتَيْنِ فَيَتَسَاقَطَانِ وَتَبْقَى الْعَيْنُ فِي يَدِ مَنْ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ أَمَّا إذَا شَهِدَتْ الْأُولَى بِمُجَرَّدِ الرَّهْنِ وَالثَّانِيَةُ بِمِلْكِ مُدَّعِي الْغَصْبِ وَأَنَّ ذَا الْيَدِ غَصَبَهَا مِنْهُ فَتُقَدَّمُ الثَّانِيَةُ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ وَلَا نَظَرَ فِيمَا ذُكِرَ إلَى أَنَّ مُدَّعِي الْغَصْبِ قَادِرٌ عَلَى دَفْعِ الْغَاصِبِ أَوْ لَا. وَلَوْ شَهِدَتْ الْأُولَى بِمِلْكِ مُدَّعِي الرَّهْنِ وَبِأَنَّهُ رَهَنَهَا تَحْتَ ذِي الْيَدِ وَالثَّانِيَةُ بِمُجَرَّدِ الْغَصْبِ قُدِّمَتْ الْأُولَى وَحُكِمَ بِهَا لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ هَذَا هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ عَيْنٍ تَحْتَ يَدِ رَجُلٍ يَتَصَرَّفُ فِيهَا مُدَّةً مَدِيدَةً ادَّعَى رَجُلٌ آخَرُ أَنَّهَا لَهُ خَلَّفَهَا لَهُ مُورَثُهُ وَادَّعَى صَاحِبُ الْيَدِ أَنَّهَا مِلْكُهُ خَلَّفَهَا أَبُوهُ لَهُ فَأَيُّ الْبَيِّنَتَيْنِ تُقَدَّمُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِأَنَّ بَيِّنَةَ الْيَدِ الشَّاهِدَةِ بِأَنَّهَا مِلْكُهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى بَيِّنَةِ الْخَارِجِ مُطْلَقًا. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا إذَا حَضَر الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَادَّعَى الْأَوَّلُ دَعْوَى غَيْرَ صَحِيحَةٍ يَعْلَمُ مِنْهَا الْفَقِيهُ وَغَيْرُهُ الْمُرَادَ فَهَلْ لِلْقَاضِي الْإِقْدَامُ عَلَى الْفَصْلِ بِهَذِهِ وَإِلْزَامُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْجَوَابِ فَإِنَّا لَوْ كَلَّفْنَاهُمْ تَحْرِيرَ الدَّعْوَى لَأَدَّى إلَى حَرَجٍ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِأَنَّ عَدَمَ صِحَّةِ الدَّعْوَى إنْ كَانَ لِاخْتِلَالِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهَا لَمْ يَجُزْ لِلْقَاضِي إلْزَامُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْجَوَابِ عَنْهَا بَلْ يَسْكُتُ أَوْ يَقُولُ لِلْمُدَّعِي صَحِّحْ دَعْوَاك أَوْ وَكِّلْ مِنْ يُصَحِّحهَا وَإِنْ كَانَ لِاخْتِلَالِ شَيْءٍ آخَرَ لَيْسَ مِنْ شُرُوطِهَا كَلَحْنٍ يُغَيِّرُ الْمَعْنَى لَكِنْ يُعْلَمُ الْمُرَادُ مِنْهُ. فَلَا عِبْرَةَ بِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ إلْزَامُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْجَوَابِ وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا ذَكَرْتُهُ ثَانِيًا فَقَالُوا لَا يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُعْلِمَ الْمُدَّعِي كَيْفِيَّةَ الدَّعْوَى وَلَا أَنْ يُعْلِمَ الشَّاهِدَ كَيْفِيَّةَ الشَّهَادَةِ لَكِنْ لَوْ تَعَدَّى وَعَلَّمَ أَحَدَهُمَا ذَلِكَ فَادَّعَى الْمُدَّعِي وَأَدَّى الشَّاهِدُ بِتَعْلِيمِهِ اُعْتُدَّ بِذَلِكَ عَلَى مَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْتُهُ ثَانِيًا فَقَالُوا لَوْ قَالَ مَنْ لَا يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِق أَنْ دَخَلْتِ الدَّارَ بِفَتْحِ إلَّا لَمْ تَطْلُقْ إلَّا بِالدُّخُولِ. وَإِنْ كَانَ وَضْعُ لَفْظِهِ أَنَّهَا تَطْلُقُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْعَامَّةَ لَا يُفَرِّقُونَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ بَيْنَ إنْ وَأَنْ وَمِنْ ثَمَّ ذَكَرَ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْعَامِّيُّ زَوَّجْتُك أَوْ أَنَكَحْتُك أَوْ بِعْتُك بِفَتْحِ التَّاء أَوْ ضَمِّهَا أَوْ أَتَى بِلَحْنٍ آخَرَ بِغَيْرِ الْمَعْنَى لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ لَا يَهْتَدِي لِمَدْلُولَاتِ الْأَلْفَاظِ فَسُومِحَ فِيهَا فَكَذَا يُقَالُ بِنَظِيرِهِ هُنَا وَقَوْلُ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ لَوْ كَلَّفْنَاهُمْ تَحْرِيرَ الدَّعْوَى لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى حَرَجٍ يُجَاب عَنْهُ بِأَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ لِسُهُولَةِ رُجُوعِهِ إلَى مَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ فَيَعْمَلهُ أَوْ تَوْكِيله مَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ لِيَدَّعِيَ بِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانه وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ وَلِيِّ مَحَاجِيرَ سَاكِنٌ هُوَ وَإِيَّاهُمْ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَفِي الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ صُنْدُوقٌ مُقْفَلٌ وَفِيهِ أَمْتِعَةٌ وَمِفْتَاحُ الْقُفْلِ بِيَدِ الْمَحَاجِيرِ فَكَسَرَ الْوَلِيُّ الصُّنْدُوقَ الْمَذْكُورَ وَأَخْرَجَ مَا فِيهِ مِنْ الْأَمْتِعَةِ وَادَّعَى أَنَّهَا مِلْكُهُ فَمَنَعَهُ الْمَحَاجِيرُ مِنْ الِاسْتِيلَاءِ

عَلَيْهَا وَادَّعُوا أَيْضًا أَنَّهَا مِلْكُهُمْ فَهَلْ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لَهُمْ دُونَهُ أَوْ عَكْسُهُ أَوْ يُقَالُ أَنَّهُ لِلْوَلِيِّ وَلَهُمْ لِوُجُودِهِ فِي مِلْكِهِ وَهَلْ وُجُودُ الْمِفْتَاحِ فِي أَيْدِيهِمْ دُونه قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى مِلْكِهِمْ لَهُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ بِأَنَّ ذَلِكَ يَحْتَاجُ لِمُقَدِّمَةٍ وَهِيَ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَا مَا حَاصِلُهُ لَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ حَالَ الزَّوْجِيَّةِ أَوْ بَعْدَ زَوَالِهَا أَوْ وَارِثَاهُمَا أَوْ وَارِث أَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ الصَّالِحِ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا. فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ قُضِيَ بِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ فَمَا اخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِالْيَدِ عَلَيْهِ حِسًّا أَيْ بِطَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ وَالْعِيَانِ أَوْ حُكْمًا بِأَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ الْمُخْتَصِّ بِالْيَدِ عَلَيْهِ دُونَ صَاحِبِهِ سَوَاء كَانَ مِلْكَهُ حَقِيقَةً أَوْ لَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ وَمَا كَانَ فِي يَدِهِمَا حَسَّا أَوْ فِي الْبَيْتِ الَّذِي يَسْكُنَانِهِ فَلِكُلِّ وَاحِدًا تَحْلِيفُ الْآخَرَ فَإِنْ حَلَفَا جُعِلَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ قَضَى لَهُ بِهِ. اهـ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا عِنْدنَا وَالْمُرَادُ بِالْبَيْتِ الْمَنْزِلُ وَالْمَسْكَنُ سَوَاءٌ الدَّارُ وَالْبَيْتُ الْمُفْرَدُ مِنْهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا يَدٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنْهَا قَالَ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ وَتَبِعَهُمْ الْأَذْرَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالزَّرْكَشِيّ وَسَوَاءٌ فِي الْمَسْكُونِ لَهُمَا الْمَمْلُوكَة لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا وَالْمُسْتَعَارَة وَالْمَغْصُوبَة وَنَحْوُهَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْغَرَضُ أَنْ تَكُونَ يَدُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى مَا تَحْوِيهِ الدَّارُ مِنْ الْمَتَاعِ وَحُكْمُ التَّنَازُعِ فِيمَا يَسْكُنَانِهِ حَكَمَ الْمَتَاعِ الَّذِي بِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ثَمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ مَا أَطْلَقُوهُ فِي الْمَتَاعِ مِنْ أَثَاثٍ وَغَيْرِهِ مَحَلّه إذَا اسْتَنَدَ لِيَدِهِمَا الْحُكْمِيَّة عَلَى السَّوَاءِ. أَمَّا لَوْ اخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِالدَّارِ وَكَانَ بِبَعْضِ بُيُوتِهَا مَتَاعٌ مُحْرَزٍ عَنْ الْآخَرَ وَمِفْتَاحُ الْحِرْزِ وَإِقْفَالُهُ بِيَدِهِ دُون يَدِ صَاحِبِهِ فَالْيَدُ عَلَى مَا فِيهِ لِمَالِكِهِ وَنَحْوه دُون الْآخَرَ فَتَأَمَّلْهُ. اهـ. وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ رَحِمه اللَّهُ تَعَالَى عَلَى هَذَا الْبَحْثِ فَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا هُنَا فِيمَا إذَا كَانَتْ يَدُهُمَا الْحُكْمِيَّة عَلَيْهِ سَوَاءً أَمَّا مَا اخْتَصَّ بِمَوْضِعِ مُحْرَزٍ بِقُفْلٍ مِفْتَاحُهُ بِيَدِ مَالِكِ الْبَيْتِ دُون غَيْره فَالْيَدُ عَلَى مَا فِيهِ لِمَالِكِهِ وَقَالَ الْقَاضِي لَوْ تَنَازَعَا فِي عِمَارَةِ دَارٍ وَتَقَارَّا عَلَى أَنَّ أَصْلَ الدَّارِ لِأَحَدِهِمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ صَاحِبِ الْعَرْصَة لِأَنَّ الْعِمَارَةَ تَبَعٌ. اهـ. وَكَلَامُهُمَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ كَوْنَ الْمِفْتَاحِ بِيَدِ أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ قَاضِيًا بِأَنَّ الْيَدَ لَهُ إلَّا إذَا كَانَ الْمَحَلُّ الَّذِي فِيهِ الْأَمْتِعَةُ مِلْكًا لِمَنْ مِفْتَاحُهُ بِيَدِهِ فَلَوْ سَكَنَا دَارًا مَمْلُوكَةً لِأَحَدِهِمَا وَفِي مَخْزَنٍ مِنْهَا أَمْتِعَةٌ وَالْمِفْتَاحُ بِيَدِ غَيْرِ الْمَالِكِ لَمْ تَكُنْ الْيَدُ عَلَيْهَا لِمَنْ الْمِفْتَاحُ بِيَدِهِ لِأَنَّهُ عَارَضَ مَا بِيَدِهِ مِنْ الْمِفْتَاحِ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ وَهُوَ كَوْنُ مَنْ لَيْسَ بِيَدِهِ مِفْتَاحٌ مَالِكًا لِذَلِكَ الْمَخْزَنِ الَّذِي فِيهِ الْأَمْتِعَةُ وَعِنْد هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ يَتَّجِهُ أَنَّ تِلْكَ الْأَمْتِعَةَ تَكُونُ بِيَدِهِمَا لِأَنَّ تِلْكَ الْمُعَارَضَةِ صُيِّرَتْ لَا يَدَ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ بِخُصُوصِهَا وَإِذَا انْتَفَتْ خُصُوصِيَّةُ أَحَدِهِمَا بِهِ كَانَ فِي يَدِهِمَا بِحُكْمِ كَوْنِهِمَا سَاكِنِينَ فِيهَا عَلَى حَدِّ سَوَاء. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَعْد ذِكْرِهِ مَا سَبَقَ فِي الزَّوْجَيْنِ وَهَكَذَا أَخٌ وَأُخْتٌ تَنَازَعَا فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ الَّذِي يَسْكُنَانِهِ وَكَذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّ وَالْأَجْنَبِيَّةُ أَوْ الطِّفْلُ وَالْبَالِغُ يَسْكُنَانِ دَارًا وَاحِدَةً فَمَا فِيهَا لَهُمَا بِحُكْمِ الْيَدِ. اهـ. وَهُوَ مِنْ كَلَامِ شَيْخِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي التَّعْلِيقِ قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِذَا وَقَعَتْ الْمُنَازَعَةُ قَامَ وَلِيُّ الطِّفْلِ مَقَامَهُ فِي الْمُنَازَعَةِ وَرَأَيْتُ فِي رَوْضَةِ الْحُكَّامِ وَلَا تَثْبُتُ الْيَدُ قَبْلَ الْبُلُوغِ بِأَنْ كَانَ يَسْكُنُ دَارًا مَعَ أَبِيهِ يَسْكُنُ بِسَكَنِهِ وَيَنْتَقِل بِانْتِقَالِهِ فَلَا يَدَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَابِعًا بِأَنْ كَانَ مَعَ أَجْنَبِيٍّ فَالْيَدُ تَثْبُتُ لِلصَّغِيرِ أَيْضًا وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الصَّغِيرُ مَعَ مَنْ لَيْسَ بِوَلِيِّ فَالْيَدُ تَثْبُتُ لَهُ أَيْضًا. وَإِنْ كَانَ وَلِيًّا عَنْ وِصَايَةٍ أَوْ نُصِّبَ حَاكِمًا فَفِي ثُبُوتِ الْيَدِ لَهُ وَجْهَانِ. اهـ. وَهَلْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ لَوْ كَانَا رَقِيقَيْنِ لِسَيِّدَيْنِ أَوْ أَحَدهمَا رَقِيقًا وَيَكُونُ لِلسَّيِّدَيْنِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا مَعَ الْحُرِّ السَّاكِنِ اهـ كَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِذَا تَأَمَّلْتَ إطْلَاقَ الْمَرْوَزِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الطِّفْلِ وَالْبَالِغِ وَإِطْلَاقَ قَوْلِ شُرَيْحٍ كَمَا يَثْبُتُ لِلْبَالِغِ وَجَدْتُهُ قَاضِيًا بِأَنَّ لِلطِّفْلِ يَدًا حَتَّى مَعَ وَلِيِّهِ مُطْلَقًا سَوَاء الْأَبِ وَغَيْرِهِ وَبِأَنَّ مَا حَكَاهُ شُرَيْحٌ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ مِنْ التَّفْصِيلِ مَقَالَةً لَكِنَّهَا ظَاهِرَةُ الْمَعْنَى فَلْيَخُصَّ بِهَا ذَلِكَ الْإِطْلَاقَ. وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ

الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الَّذِي هُوَ أَصْلُ كَلَامِ الْمَرْوَزِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ لَمْ يَفْرِضْهُ إلَّا فِي الطِّفْلِ مَعَ غَيْرِ الْوَلِيِّ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ قَامَ وَلِيُّهُ مَقَامَهُ فِي الْمُنَازَعَةِ ثُمَّ رَأَيْتُ مَا يَأْتِي عَنْ الْأَذْرَعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَقِبَ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ يُوَافِقُ مَا رَجَّحْتُهُ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ مِنْ تَرَدُّدِ الْأَذْرَعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الرَّقِيقِ أَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ مَعَ الْحُرِّ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ لَهُ مِلْكٌ وَنِيَابَةُ يَدِهِ عَنْ يَدِ سَيِّدِهِ مَعَ أَنَّ مَعَهَا يَدًا أَقْوَى مِنْهَا بَلْ لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُمَا غَيْرُ مُفِيدَةٍ جِدًّا بِخِلَافِهِ مَعَ مِثْلِهِ فَإِنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ فِيهِ أَيْضًا أَنَّ الْيَدَ لِسَيِّدَيْهِمَا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ تَصْلُحْ يَدُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا اضْطَرَرْنَا إلَى تَقْرِيرِ يَدِ السَّيِّدَيْنِ حِينَئِذٍ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَيْضًا لَيْسَ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَيَانُ مَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ كُلٌّ مِنْهُمَا وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى نِصْفِهِ لِأَنَّهُ حَالَفَ عَلَى مَا فِي يَدِهِ دُون مَا فِي يَدِ الْآخَرَ ثَمَّ قَالَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَلَا سِيَّمَا بَيْنَ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَوَرَثَةِ الْآخَرِ وَفِي الْقَلْبِ مِنْ بَعْضِ صُوَرِهَا حَزَازَاتٌ وَمَذَاهِبُ النَّاسِ مُضْطَرِبَةٌ وَلْيُنْظَرْ فِي قَوْلِ الْأَئِمَّةِ فَإِنْ كَانَتْ الْيَدُ لِأَحَدِهِمَا حِسًّا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ هَلْ الْمُرَادُ كَوْنُ الْيَدِ عَلَيْهِ حَالَةَ الْمُنَازَعَةِ فَقَطْ أَوْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ اعْتَرَفَ أَحَدُهُمَا بِاحْتِوَاءِ يَدِهِ عَلَيْهِ بِمُفْرَدِهِ فِيمَا سَلَف وَقَامَتْ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ أَوْ رَأَيْنَاهُ لَابِسًا كَذَا فِي زَمَنٍ سَابِقٍ عَلَى الْمُنَازَعَةِ هَلْ يَقْضِي بِانْفِرَادِهِ بِالْيَدِ وَكَذَا رُكُوبُ الدَّوَابِّ. وَغَيْرِ ذَلِكَ الظَّاهِر نَعَمْ وَلَمْ أَرَ فِيهِ تَصْرِيحًا أَوْ يُفَرَّقُ بَيْن أَنْ يُصَرِّحَ الْخَصْمُ أَوْ الْبَيِّنَةُ بِطُولِ مُدَّةِ الْيَدِ أَوْ لَا حَتَّى تَكْفِي رُؤْيَةُ ذَلِكَ مَرَّةً وَاحِدَةً أَوْ يَوْمًا مَثَلًا هَذَا مَحَلُّ نَظَرٍ وَتَأَمُّلٍ. اهـ. وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُهُمْ فِي صُوَرٍ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَيْهِ حَالَةَ الْمُنَازَعَةِ مَا لَمْ يَثْبُتْ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارِ الْخَصْمِ أَنَّ يَدَ أَحَدِهِمَا كَانَتْ مُنْفَرِدَةً بِهِ فِي زَمَنٍ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَوْ مَرَّة لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْيَدِ أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ فَإِذَا انْفَرَدَتْ فِي الزَّمَنِ السَّابِقِ دَلَّتْ عَلَى رَفْعِ يَدِ الْآخَرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ جَاءَا وَاضِعَيْنِ يَدَهُمَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَثْبُتْ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ فِي الزَّمَنِ السَّابِقِ يَدٌ فَإِنَّهُ لَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَاشْتَرَكَا فِيهِ عَلَى السَّوَاءِ وَإِنْ كَانَ مَا تَحْت يَدِ أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ. وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْأُمِّ لَوْ تَدَاعَيَا عِمَامَةً فِي يَدِ أَحَدِهِمَا قَدْرُ ذِرَاعٍ مِنْهَا وَبَاقِيهَا فِي يَدِ الْآخَرِ فَهِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِمَا كَمَا لَوْ تَنَازَعَا دَارًا أَحَدُهُمَا جَالِسٌ فِي صَدْرِهَا وَالْآخَرُ فِي صَحْنِهَا وَدِهْلِيزِهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَلَى سَطْحِهَا وَالْآخَرُ فِي سُفْلِهَا كَانَا عِنْدنَا فِي الْيَدِ سَوَاءً سَوَاءٌ أَكَانَ السَّطْحُ مُحَجَّرًا أَمْ لَا. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا وَلَوْ تَنَازَعَا فِي ظَرْفٍ وَيَدُ أَحَدِهِمَا عَلَيْهِ وَيَدُ الْآخَرِ عَلَى الْمَتَاعِ اخْتَصَّ كُلُّ وَاحِدٍ بِالْيَدِ عَلَى مَا فِي يَدِهِ وَلَا تَكُونُ الْيَدُ عَلَى الظَّرْفِ يَدًا عَلَى الْمَتَاعِ وَلَا الْعَكْسُ لِانْفِصَالِ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَتَاعُ لِوَاحِدٍ وَالظَّرْفُ لِآخَرَ قَالَ وَلَوْ تَنَازَعَا عَبْدًا وَيَدُ أَحَدِهِمَا عَلَى ثَوْبِهِ وَيَدُ الْآخَرِ عَلَى الْعَبْدِ كَانَتْ الْيَدُ عَلَى الْعَبْدِ يَدًا عَلَى الثَّوْبِ وَالْعَبْدِ. اهـ. وَلَوْ تَنَازَعَا ثَوْبًا أَحَدُهُمَا لَابِسُهُ وَالْآخَرُ آخِذٌ بِكُمِّهِ فَالْيَدُ لِلَّابِسِ كَمَا قَالَهُ شُرَيْحٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِهِ وَمِنْ. ثُمَّ جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَحِكَايَة وَجْهٍ فِيهِ رَدَّهَا الْأَذْرَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِكَمَالِ يَدِهِ وَتَصَرُّفِهِ قَالَ وَإِلَّا لَاتَّخَذَ ذَلِكَ الْفَجَرَةُ ذَرِيعَةً فِي الِاشْتِرَاكِ فِي الْيَدِ. اهـ. ثُمَّ رَأَيْتُ مَا رَجَّحْتُهُ مِنْ تَرَدُّدِهِ السَّابِقِ مَنْقُولًا لَكِنْ بِزِيَادَةِ قَيْدٍ لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُمْ لَوْ ادَّعَى الْيَدَ فِي شَيْءٍ وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ أَمْس لَمْ تُسْمَعْ إلَّا إنْ تَعَرَّضَتْ لِزِيَادَةٍ بِأَنْ قَالَتْ كَانَ فِي يَدِهِ فَأَخَذَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْهُ أَوْ غَصَبَهُ أَوْ قَهَرَهُ عَلَيْهِ أَوْ بَعَثَ الْعَبْدَ فِي شُغْلٍ أَوْ أَبَقَ مِنْهُ فَاعْتَرَضَهُ هَذَا فَأَخَذَهُ مِنْهُ فَإِنَّ الْبَيِّنَةَ تُسْمَعُ حِينَئِذٍ. اهـ. وَاعْلَمْ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ سُئِلَ عَمَّنْ مَاتَ وَبِمَنْزِلَةِ الْمَمْلُوكِ أَوْ الْمُسْتَأْجَرِ لَهُ أَمْتِعَةٌ وَأَمْوَالٌ وَجَمَاعَة كَانُوا سَاكِنِينَ مَعَ الْمَيِّتِ مِنْهُمْ زَوْجَتُهُ وَوَلَدُهُ الْكَبِيرُ وَغُلَامٌ أَجْنَبِيٌّ فَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمْ شَيْئًا وَلَا بَيِّنَةَ هُنَاكَ وَطَالَبَ آخَرُونَ الْوَصِيَّ عَلَى الْأَطْفَالِ بِوَدَائِعَ وَكُلٌّ مِنْ الْمَذْكُورِينَ يَشْهَدُ لِلْآخَرِ فَهَلْ يَكْفِي يَمِينُ كُلٍّ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ وَهَلْ يُقْبَلُ إقْرَارُ بَعْضِهِمْ بِأَنَّ هَذِهِ وَدِيعَةَ فُلَانٍ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ إذَا كَانَتْ أَيْدِيَهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ أَقَرُّوا بِشَيْءٍ لِبَعْضِهِمْ

أَوْ غَيْرِهِمْ قُبِلَ إقْرَارُهُمْ فَإِنْ اخْتَلَفُوا حَلَفُوا وَجُعِلَ بَيْنُهُمْ بِالسَّوِيَّةِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْوَصِيِّ وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِشَرْطِهَا وَمَنْ شَهِدَ مِنْ أَرْبَابِ الْأَيْدِي قُبِلَ قَوْلُهُ فِي قَدْرِ نَصِيبِهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي نَصِيبِ غَيْرِهِ حَتَّى تَثْبُتَ عَدَالَتُهُ. اهـ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَبُولُ قَوْلِهِ فِي قَدْرِ نَصِيبِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ مِمَّنْ يَصِحُّ إقْرَارُهُ لَا السَّفِيهُ وَمَوْضِعُ جَعْلِهِ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ مُنَزَّلٌ عَلَى مَا يَدَّعُونَ اخْتِصَاصَهُمْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ وَيَدُهُمْ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ وَهُمْ أَهْلٌ لِلتَّصَادُقِ وَمَعْلُومُ أَنَّ إقْرَارَ الْكَامِلِ لَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ النَّاقِصِ مِنْهُمْ وَأَفَادَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ يَدَ الْوَلَدِ الْكَبِيرِ الْعَاقِلِ الْمُسَاكِنِ لِأَبَوَيْهِ فِي الْمَنْزِلِ مُشَارِكَةٌ لِأَيْدِيهِمَا عَلَى مَا فِيهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ يَدَ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَيَكُونُ تَابِعًا لَهُمَا وَلَا عِبْرَةَ بِيَدِهِ الْحُكْمِيَّةِ لَكِنْ سَبَقَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْن أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا وَقَدْ يُفَرَّقُ بِالتَّبَعِيَّةِ وَهَلْ الْبَالِغُ السَّفِيهُ مَعَ الْأَبِ كَالرَّشِيدِ فِيهِ وَقْفَةٌ وَهَذَا إذَا لَمْ يُعْهَدْ لَهُ وَلَا لِلصَّغِيرِ مَالٌ أَوْ مَتَاعٌ وَأَمَّا الْغُلَامُ الْأَجْنَبِيّ فَفِي النَّفْسِ مِنْ إلْحَاقِهِ بِالْوَلَدِ الْكَامِلِ شَيْءٌ فِي غَيْرِ مَا فِي يَدَيْهِ حِسًّا. وَإِنْ تَقَدَّمَ مَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ هُنَالِكَ. اهـ كَلَامُ الْأَذْرَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَوْلُهُ وَقَبُولُ قَوْلِهِ إلَخْ صَرِيحٌ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - شَامِلٌ لِلْبَالِغِ السَّفِيهِ وَالرَّشِيدِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَأَفَادَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ يَدَ الْوَلَدِ الْكَبِيرِ الْعَاقِل إلَخْ فَاشْتُرِطَ الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ دُون الرُّشْدِ وَأَمَّا تَوَقُّفُهُ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ وَهَلْ الْبَالِغُ السَّفِيهُ مَعَ الْأَبِ كَالرَّشِيدِ إلَخْ فَلَيْسَ ذَلِكَ التَّوَقُّفُ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ مَحَلُّهُ كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ وَهَذَا إلَخْ فِي سَفِيهٍ لَمْ يُعْهَدُ لَهُ مَالٌ وَلَا أَمْتِعَةٌ وَهَذَا التَّوَقُّفُ بِقَيْدِهِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ لَكِنْ مَا أَفَادَهُ كَلَامُهُ أَوَّلًا كَالشَّيْخِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ هُوَ الْأَوْجَهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ السَّفِيهَ يَسْتَقِلُّ عَنْ وَلِيِّهِ فِي تَحْصِيلِ الْأَمْلَاكِ فِي صُوَرٍ مِنْهَا نَحْو الِاحْتِطَابِ وَمِنْهَا قَبُولُ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ. وَقَدْ رَجَّحَ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ كَابْنِ الرِّفْعَةِ وَمَنْ تَبِعَهُ صِحَّةَ قَبْضِهِ مَا وُهِبَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِيهِ الْوَلِيُّ فَحِينَئِذٍ سَاوَى السَّفِيهُ الرَّشِيدَ فِي ذَلِكَ وَكَمَا لَمْ يَشْتَرِطُوا فِي مُشَارَكَةِ الرَّشِيدِ لِأَبِيهِ فِي الْيَدِ أَنْ يَعْهَدَ لَهُ مَالًا أَوْ مَتَاعًا كَذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي السَّفِيهِ بَلْ الَّذِي يَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الصَّغِيرِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى إطْلَاقِهِمْ السَّابِقِ أَنَّ لَهُ يَدًا حَتَّى مَعَ أَبِيهِ لَكِنْ سَبَقَ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ خِلَافُهُ وَفَارَقَ السَّفِيهَ بِأَنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ لَهُ اسْتِقْلَالٌ بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ مُطْلَقًا بِخِلَافِ السَّفِيهِ فَإِنَّهُ يَسْتَقِلُّ عَنْ وَلِيِّهِ بِأَقْوَالٍ وَأَفْعَالٍ تَنْفُذُ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَكَانَتْ التَّبَعِيَّةُ فِي الصَّبِيِّ حَقِيقَةً مُتَمَحِّضَةً كَمَا تَقَرَّرَ وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ مِنْ إثْبَاتِ يَدِ السَّفِيهِ مَعَ أَبِيهِ وَغَيْرِهِ إثْبَاتُ يَدِ الصَّبِيِّ كَذَلِكَ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ الْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْنَهُمَا وَبَانَ بِمَا تَقَرَّرَ الْجَوَابُ عَنْ تَوَقُّفِ الْأَذْرَعِيِّ فِيهِ. وَاتَّضَحَ مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ السَّفِيهَ مَعَ أَبِيهِ كَالرَّشِيدِ سَوَاءٌ أَعُهِدَ لَهُ أَمْتِعَةٌ وَمَالٌ أَمْ لَا وَأَمَّا تَوَقُّفُهُ فِيمَا ذَكَره الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْغُلَامِ الْأَجْنَبِيِّ فَعُلِمَ الْجَوَابُ عَنْهُ مِمَّا قَرَّرْتُهُ فِي السَّفِيهِ بَلْ أَوْلَى وَقَدْ مَرَّ عَنْ الْمَرْوَزِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - التَّصْرِيحُ فِيهِ بِمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ فَهُوَ الْمَنْقُولُ الْمُعْتَمَدُ وَقَوْله لَكِنْ سَبَقَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْن أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ إلَخْ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ فَعَلَيْهِ لَا فَرْقَ فِيمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمَتَاعَ يَكُونُ بَيْنَهُمَا بَيْن أَنْ يَكُونَا صَغِيرَيْنِ أَوْ كَبِيرِينَ أَوْ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا وَالْآخَرُ كَبِيرًا لِأَنَّ كُلًّا مُسْتَقِلٌّ عَنْ الْآخَرِ لَيْسَ تَابِعًا لَهُ مِنْ حَيْثُ الْيَدُ وَالْوِلَايَةُ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ مَعَ وَلِيِّهِ إذَا تَأَمَّلْتَ جَمِيعَ مَا قَرَّرْتُهُ فِي هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ الْمُهِمَّةِ عَلِمْتَ مِنْهُ جَوَابَ السُّؤَالِ وَهُوَ أَنَّ أُولَئِكَ الْمَحَاجِيرَ السَّاكِنِينَ مَعَ أَبِيهِمْ فِي مَحَلِّ الصُّنْدُوقِ الْمَذْكُورِ إنْ كَانُوا صِغَارًا فَلَا يَدَ لَهُمْ مَعَهُ بَلْ تَكُونُ الْيَدُ لَهُ عَلَى الصُّنْدُوقِ وَمَا فِيهِ إنْ وُجِدَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِمْ وَإِلَّا فَهُوَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ إذَا انْتَفَتْ صَارَ مَعَهُمْ كَأَجْنَبِيِّ وَقَدْ مَرَّ لَك أَنَّ الصَّغِيرَ مَعَ الْأَجْنَبِيّ لَهُ يَدٌ وَمُشَارَكَةٌ فِي الْيَدِ وَإِنْ كَانُوا سُفَهَاءَ كَانَتْ الْيَدُ عَلَى الصُّنْدُوقِ. وَمَا فِيهِ لَهُ وَلَهُمْ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ فِي الْمَحَلِّ السَّاكِن هُوَ وَإِيَّاهُمْ فِيهِ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ مَا وُجِدَ بِمَحَلِّ سَاكِنٍ فِيهِ جَمْعٌ بِحَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ كَمَا أَشَارُوا إلَيْهِ بِقَوْلِهِمْ السَّابِقِ أَوَّل الْمُقَدِّمَةِ أَوْ غَصْبًا تَكُونُ الْيَدُ عَلَيْهِ لِلْجَمِيعِ سَوَاءٌ صَلَحَ لِلْكُلِّ أَمْ بَعْضِهِمْ وَإِذَا كَانَتْ الْيَدُ لِلْجَمِيعِ

فَإِنْ حَلَفَ كُلٌّ عَلَى مَا يَخُصُّهُ بِالنِّسْبَةِ لِتَوْزِيعِهِ عَلَى رُءُوسِهِمْ قُسِمَ بَيْنَهُمْ كَذَلِكَ وَإِنْ حَلَفَ بَعْضُهُمْ وَنَكَل بَعْضُهُمْ قَضَى بِهِ لِمَنْ حَلَفَ عَلَى حَسَبِ رُءُوسِهِمْ أَيْضًا وَأَمَّا وُجُودُ الْمِفْتَاحِ فِي أَيْدِيهِمْ فَلَا يَقْتَضِي أَنَّ الْيَدَ لَهُمْ دُونَ الْوَلِيّ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ شَرْطَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الظَّرْفُ مِلْكًا لِمَنْ الْمِفْتَاحُ فِي يَدِهِ فَإِنْ كَانَ الظَّرْفُ مِلْكًا فَالْيَدُ فِي الْمَتَاعِ بَيْنَهُمْ كَمَا مَرَّ وَإِنْ كَانَ الظَّرْفُ الَّذِي هُوَ الصُّنْدُوقُ مِلْكًا لَهُمْ وَمِفْتَاحُهُ بِيَدِهِمْ فَالْيَدُ لَهُمْ وَحْدَهُمْ وَلَا شَيْءَ لِلْوَلِيِّ فِيهِ هَذَا كُلِّهِ فِي الْيَدِ الْحُكْمِيَّةِ بِأَنْ كَانَ الصُّنْدُوقُ بِيَدِ الْجَمِيعِ حَتَّى تَدَاعَوْا فِيهِ أَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ يَدٌ حِسِّيَّةٌ بِأَنْ جَاءُوا إلَى الْقَاضِي وَهُوَ فِي يَدِ أَحَدِهِمْ وَادَّعَى أَنَّهُ لَهُ دُونهمْ وَلَمْ يَثْبُتْ بِإِقْرَارِهِ وَلَا بِبَيِّنَةِ أَنَّهُ كَانَ بِيَدِهِمْ وَأَنَّ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ الْآن اسْتَوْلَى عَلَيْهِ غَصْبًا فَالْيَدُ فِيهِ لِمَنْ هُوَ بِيَدِهِ فَلْيَحْلِفْ وَيَسْتَحِقّهُ بِخِلَافِ مَا إذَا ثَبَتَ مَا ذُكِرَ فَإِنَّهُ لَا عِبْرَةَ حِينَئِذٍ بِانْفِرَادِهِ بِالْيَدِ لِتَرَتُّبِهَا بِغَيْرِ حَقٍّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ ادَّعَى فِي تَرِكَةِ مَيِّتٍ بِلَفْظِ إنِّي أَسْتَحِقُّ فِي تَرِكَةِ مُوَرِّثِكَ كَذَا أَوْ بِغَيْرِهِ دَعْوَى مُجَرَّدَة وَلَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْوَارِثِ هَلْ تَكُونُ يَمِينُهُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى عَلَى الْبَتِّ وَفِي غَيْرِهَا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِبَرَكَتِهِ وَعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلًا وَهُوَ أَنَّهُ تَارَةً يُرِيدُ تَحْلِيفَهُ عَلَى عَدَمِ حُصُولِ التَّرِكَةِ فِي يَدِهِ فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ أَوْ عَلَى الْمَوْتِ وَالدَّيْنِ فَيَحْلِفُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ دَعْوَاهُ بِلَفْظِ أَسْتَحِقُّ فِي تَرِكَةِ مُوَرِّثِكَ كَذَا أَوْ بِغَيْرِهِ فَقَدْ قَالُوا إنَّ الْحَلِفَ يَكُون عَلَى الْبَتِّ فِي الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ إلَّا عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ كَأَبْرَأَنِي مُوَرِّثُكَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ الدَّيْنَ وَصِفَتَهُ وَمَوْتَ الْمَدِينِ وَحُصُولَ التَّرِكَةِ بِيَدِ وَارِثِهِ وَأَنَّهُ عَالِمٌ بِدَيْنِهِ عَلَى مُورَثِهِ فَيَحْلِفُ فِي الْمَوْتِ وَالدَّيْنِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ. وَفِي عَدَمِ حُصُولِ التَّرِكَةِ بِيَدِهِ عَلَى الْبَتِّ وَلَوْ أَنْكَرَ كُلًّا مِنْ الدَّيْنِ وَالتَّرِكَةِ فَلِلْمُدَّعِي أَنْ يُحَلِّفَهُ مَعَ حَلِفِهَا عَلَى عَدَمِ حُصُولِهَا بِيَدِهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالدَّيْنِ لِأَنَّ لَهُ غَرَضًا فِي إثْبَاتِ الدَّيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْوَارِثِ شَيْءٌ فَلَعَلَّهُ يَظْفَرُ بِوَدِيعَةٍ أَوْ دَيْنٍ لِلْمَيِّتِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ حَقَّهُ اهـ فَافْهَمْ قَوْلَهُمْ فَيَحْلِفُ فِي الدَّيْنِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى بِهِ بِلَفْظِ أَسْتَحِقُّ أَوْ بِغَيْرِهِ. وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْن أَسْتَحِقُّ فِي تَرِكَةِ مُوَرِّثِكَ كَذَا أَوْ لِي عَلَى مُوَرِّثِكَ أَوْ عِنْدَهُ كَذَا نَعَمْ ذَكَرَ الْأَزْرَقُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي نَفَائِسِهِ أَنَّ الْيَمِينَ قَدْ تَكُونُ عَلَى الْبَتِّ حَيْثُ قَالَ إذَا وَجَبَتْ الْيَمِينُ عَلَى شَخْصٍ حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ فِي فِعْلِهِ وَكَذَا غَيْرَهُ إنْ كَانَ إثْبَاتًا وَإِنْ كَانَ نَفْيًا فَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فَيَقُولُ لَا أَعْلَمُ لَكَ عَلَى مُورَثِي دَيْنًا فَإِنْ أَرَادَ حِيلَةً تَكُونُ الْيَمِينُ عَلَى الْجَزْمِ فَيَقُولُ يَلْزَمُكَ أَنْ تُسَلِّمَ إلَيَّ مِنْ تَرِكَةِ وَالِدِكَ كَذَا فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ عَلَى الْجَزْمِ ذَكَرَهُ فِي الْبَسِيطِ فِي نَظِيرِهَا مِنْ الْخُلْعِ. اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَسْتَحِقُّ فِي تَرِكَةِ مُوَرِّثِكَ كَذَا فَيَلْزَمُكَ تَسْلِيمُهُ إلَيَّ حَلِفَ حِينَئِذٍ عَلَى الْبَتِّ فَيَقُولُ وَاَللَّهِ لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُ ذَلِكَ إلَيْكَ وَيُوَافِقهُ مَا فِي فَتَاوَى الْأَصْبَحِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى أَرْضًا فِي يَدِ آخَرِ فَقَالَ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ هِيَ أَرْضِي وَرِثْتُهَا مِنْ أَبِي فَيَقُولُ الْمُدَّعِي بَلْ مِلْكِي وَطَلَبَ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْبَتِّ وَامْتَنَعَ أَنْ يَحْلِفَ إلَّا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فَمَا الْحُكْمُ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَأَجَابَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ كَيْفِيَّةَ الْيَمِينِ هُنَا عَلَى نَفْيِ الِاسْتِحْقَاقِ اتِّفَاقًا. اهـ. وَيُوَافِقُ ذَلِكَ وَمَا فِي الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى عَلَى إنْسَانٍ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا فَأَنْكَرَ وَحَلَفَ ثَمَّ مَاتَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَهَلْ لَهُ تَحْلِيفُ وَارِثِهِ ثَانِيًا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ وَتَحْلِيفَهُ عَلَى نَفْيِ اسْتِحْقَاقِ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ وَنَفْيِ الْعِلْمِ بِالدَّيْنِ وَكَذَا لَهُ تَحْلِيفُ وَارِثِ الْوَارِثِ. اهـ. وَبِمَا تَقَرَّرَ يُعْلَمُ أَنَّهُ حَيْثُ أُسْنِدَ الْمُدَّعَى بِهِ إلَى الْمَيِّتِ كَأَسْتَحِقُّ عَلَى مُوَرِّثِكَ أَوْ فِي تَرِكَتِهِ أَوْ عِنْده كَذَا حَلِفَ الْوَارِثُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِهِ وَحَيْثُ أَسْنَدَهُ إلَى الْوَارِثِ كَيَلْزَمُكَ تَسْلِيمُ هَذَا إلَى مِلْكِي أَوْ أَسْتَحِقُّهُ حَلِفَ عَلَى الْبَتِّ فَيَقُولُ لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُهُ إلَيْكَ أَوْ لَا تَمْلِكُهُ أَوْ لَا تَسْتَحِقُّهُ ثُمَّ رَأَيْتُ الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - صَرَّحَ بِمَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ فَقَالَ فِي حَوَاشِي الرَّوْضَةِ وَالِاخْتِصَارِ وَالْمُعْتَبَرُ أَنْ يُقَالَ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ فِي كُلِّ عَيْنٍ إلَّا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَارِثِ فِيمَا يَنْفِيهِ وَكَذَلِكَ الْعَاقِلَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ لَا فِي الْقَاتِلِ. اهـ. وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ إطْلَاقِ الشَّيْخَيْنِ رَحِمهمَا اللَّهُ

تَعَالَى كَالْبَنْدَنِيجِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الضَّابِطَ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ كُلُّ يَمِينٍ فَهِيَ عَلَى الْبَتِّ إلَّا عَلَى نَفْيِ فِعْلِ الْغَيْرِ وَفِي الرَّوْضَةِ آخِرَ الدَّعَاوَى أَنَّ النَّفْيَ الْمَحْصُورَ كَالْإِثْبَاتِ فِي إمْكَانِ الْإِحَالَة بِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَعَلَى هَذَا يَحْلِفُ فِي مِثْلِهِ عَلَى الْبَتِّ وَإِنْ كَانَ نَفْيُ فِعْلِ الْغَيْرِ كَمَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِهِ وَقَدْ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ فِي مَوْجُودِ لَا يُنْسَبُ لِفِعْلِهِ وَلَا لِفِعْلِ غَيْرِهِ كَأَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ إلَّا كَانَ هَذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَارَ وَلَمْ يَعْرِفْ فَادَّعَتْ أَنَّهُ غُرَابٌ وَأَنْكَرَ فَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِغُرَابٍ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا لَوْ ادَّعَى زَيْدٌ عَلَى عَمْرٍو أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهُ عَيْنًا بِأَلْفٍ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ وَأَقَامَ عَمْرٌو بَيِّنَةً أَنَّ زَيْدًا مُقِرٌّ أَنَّهُ اشْتَرَى هَذِهِ الْعَيْنَ بِأَلْفَيْنِ وَشُهُودُ عَمْرٍو عَلَى لَفْظِ الشِّرَاءِ فَمَنْ تُرَجَّحُ بَيِّنَتُهُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِأَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِي السُّؤَالِ يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا إنْ أُطْلِقَتَا بِأَنْ لَمْ يَذْكُرَا تَارِيخًا لِوَقْتِ الْإِقْرَارَيْنِ أَوْ أُطْلِقَتْ وَاحِدَةٌ وَأُرِّخَتْ الْأُخْرَى لَزِمَ زَيْدًا لِعَمْرٍو الْأَلْفَانِ اللَّذَانِ شَهِدَتْ بِهِمَا بَيِّنَةُ عَمْرٍو عَلَى إقْرَارِهِ وَلَا تَعَارُضَ حِينَئِذٍ بَيْن الْبَيِّنَتَيْنِ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَكُونَ عَمْرٌو بَاعَهَا لِزَيْدٍ بِأَلْفٍ وَأَقَرَّ بِهِ ثُمَّ اسْتَرَدَّهَا مِنْهُ ثُمَّ بَاعَهَا لَهُ بِأَلْفَيْنِ ثُمَّ أَقَرَّ زَيْدٌ بِذَلِكَ فَعَمَلنَا بِكُلٍّ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ وَأَلْزَمْنَا زَيْدًا الْأَلْفَيْنِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ الشَّاهِدَةَ عَلَى إقْرَارِهِ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ وَالْبَيِّنَةُ الشَّاهِدَةُ عَلَى إقْرَارِ عَمْرٍو بِالْأَلْفِ لَا تُعَارِضُ تِلْكَ الْبَيِّنَةَ لِمَا تَقَرَّرَ وَإِنْ أُرِّخَتَا بِتَارِيخَيْنِ. فَإِنْ اخْتَلَفَ التَّارِيخُ وَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الِانْتِقَالُ لَزِمَ زَيْدًا الْأَلْفَانِ أَيْضًا وَإِنْ اتَّفَقَ التَّارِيخُ أَوْ لَمْ يَمْضِ زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الِانْتِقَالُ تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ فِي الْأَلْفِ الزَّائِدَةِ بِمَعْنَى أَنَّ زَيْدًا يُقِرُّ بِهَا لِعَمْرٍو وَعَمْرٌو يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَهَا فَيَلْزَمُ زَيْدًا الْأَلْفُ الْأُولَى وَالْأَلْفُ الْأُخْرَى لَا يَسْتَحِقُّهَا عَمْرٌو إلَّا بِإِقْرَارٍ جَدِيدٍ مِنْ زَيْدٍ فَإِنْ أَقَرَّ لَهُ ثَانِيًا بِالْأَلْفِ الثَّانِيَةِ لَزِمَتْهُ أَيْضًا وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا الْأُولَى. وَهَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ إلَّا عَقْدٌ وَاحِدٌ أَمَّا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجْرِ إلَّا عَقَدٌ وَاحِدٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَالَةِ الْأَخِيرَةِ وَهُوَ أَنَّ زَيْدًا مُقِرٌّ بِالْأَلْفِ الثَّانِيَةِ لِعَمْرٍو وَعَمْرٌو يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقَهَا فَلَا يَسْتَحِقّهَا إلَّا بِإِقْرَارٍ جَدِيدٍ وَأَمَّا قَوْلُ السَّائِلِ وَشُهُودُ عَمْرٍو عَلَى لَفْظِ الشِّرَاءِ فَهُوَ مُنَاقِضٌ لِقَوْلِهِ قَبْله وَأَقَامَ عَمْرٌو بَيِّنَةً أَنَّ زَيْدًا مُقِرٌّ أَنَّهُ اشْتَرَى هَذِهِ الْعَيْنَ بِالْأَلْفَيْنِ فَإِنْ قُلْتَ فَمَا حُكْمُ هَذِهِ الْحَالَةِ أَعْنِي مَا لَوْ شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَمْرٍو أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ بَاعَ بِأَلْفٍ وَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى زَيْدٍ أَنَّهُ اشْتَرَى قُلْتُ حُكْمُهُ أَنَّهُ يَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ مِنْ التَّفْصِيلِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا لَوْ ادَّعَى عَلَى زَيْدٍ دَيْنًا فَقَالَ إنَّمَا هُوَ عَلَى عَمْرٍو وَأَنَا شَاهِدٌ بِذَلِكَ عَلَيْهِ هَلْ تُقْبَلُ شَهَادَةُ عَمْرٍو ` عَلَى زَيْدٍ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ بِأَنَّ قَوْلَ زَيْدٍ مَا ذُكِرَ جَوَابٌ غَيْرُ صَحِيحٍ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ بَلْ يَلْزَمُ بِالْخُرُوجِ مِنْ جَوَابِ هَذِهِ الدَّعْوَى بِالْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ فَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ حَلَفَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ ثُمَّ ادَّعَى بِهِ عَلَى عَمْرٍو وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَشْهِدَ زَيْدٌ بِهِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِفِسْقِهِ لِجَحْدِهِ دَيْنِهِ الَّذِي ادَّعَاهُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي تَبْرِئَةِ نَفْسِهِ بِإِلْزَامِ غَيْرِهِ مِمَّا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شَخْصَيْنِ تَوَارَثَا مِنْ أَبِيهِمَا وَمَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْد أَزْمَانٍ فَادَّعَى الْآخَرُ عَلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ بِأَنَّهُ لَمْ يُفْرِدْ لَهُ حِصَّةً مِنْ الْمِيرَاثِ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ الْمَالِ وَشَهِدَ الشُّهُودُ بِدَعْوَاهُ فَأَجَابَ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ بِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَلَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا فَهَلْ تُقْبَلُ هَذِهِ الدَّعْوَى مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ الْمِقْدَارِ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ بِقَبُولِ هَذِهِ الدَّعْوَى وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَوْ عَيَّنَ الْمُدَّعِي الْمِقْدَارَ فَهَلْ الْوَاجِبُ أَدَاءُ الْقَدْرِ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمُدَّعِي أَوْ الْقَدْرِ الْكَائِنِ وَقْتَ الدَّعْوَى (فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ حَيْثُ ادَّعَى وَلَدُ الْمَيِّتِ أَوَّلًا عَلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ ثَانِيًا بِأَنَّ مُورَثَهُمْ اسْتَوْلَى عَلَى حِصَّتِهِ مِنْ أَبِيهِ وَبَيَّنَهَا وَمَاتَ وَهِيَ تَحْتَ يَدِهِ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهَا فِي حَيَاتِهِ فَإِنْ شَهِدَ لَهُ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ أَهْلَانِ لِلشَّهَادَةِ بِمَا يُطَابِقُ دَاعُوهُ الْمَذْكُورَة قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا وَأَلْزَمَ الْقَاضِي وَرَثَةَ

الْمَيِّتِ ثَانِيًا بِدَفْعِ تِلْكَ الْحِصَّةِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُبَيِّنْ تِلْكَ الْحِصَّةِ فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ فَإِنْ بَيَّنَهَا لَكِنْ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ شَاهِدَانِ كَذَلِكَ حَلَفَ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ ثَانِيًا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَمَّا لَوْ ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ بِجِهَةٍ عَامَّةٍ بِشَيْءٍ فِي أَرْضٍ أَوْ غَيْرِهَا وَكَانَ الْمُدَّعِي مُتَلَقِّي ذَلِكَ مِنْ آخَرَ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فَهَلْ يَمِينُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْبَتِّ أَوْ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ أَوْ فِيهِ تَفْصِيلٌ كَأَنْ كَانَ فِي أَرْضٍ أَمْدَادٌ مَعْلُومَةٌ فَبَاعَهَا الْوَارِثُ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي وَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْرًا وَاَلَّذِي إلَى جِهَتِهِ الصَّدَقَةِ قَدْرًا آخَرَ وَلَا بَيِّنَةً؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِأَنَّ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَكُونُ عَلَى الْبَتِّ وَإِذَا تَنَازَعَ ذُو الْيَدِ وَغَيْرُهُ فِي قَدْرِ الْمُدَّعَى بِهِ صُدِّقَ ذُو الْيَدِ بِيَمِينِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ تَحْتَ يَدِك رَهْنٌ فِيهَا مِائَةُ أَشْرَافِيٍّ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً وَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ الْعَيْنَ مِلْكُهُ اشْتَرَاهَا مِنْ الرَّاهِنِ وَالرَّاهِنُ قَدْ مَاتَ وَالْمُرْتَهِنُ أَيْضًا قَدْ مَاتَ لَكِنَّ الدَّعْوَى بَيْن وَارِثِ الرَّاهِنِ وَوَارِثِ الْمُرْتَهِنِ فَأَقَامَ وَارِثُ الرَّاهِنِ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُرْتَهِنَ أَقَرَّ عِنْد الْمَوْتِ أَنَّ الْعَيْنَ مَرْهُونَةٌ فَأَقَامَ وَارِثُ الْمُرْتَهِنِ بَيِّنَةً أَنَّ الرَّاهِنَ أَقَرَّ بَعْد مَوْتِ الْمُرْتَهِنِ أَنِّي بِعْتهَا مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ مِنْ وَارِثِهِ أَعْنِي وَارِثَ الْمُرْتَهِنِ وَأَقَامَ أَيْضًا وَارِثُ الرَّاهِنِ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُرْتَهِنَ وَوَارِثَهُ أَقَرَّ أَنَّهَا رَهْنٌ تَحْتَ أَيْدِيهِمَا لَمْ يَجُزْ فِيهَا بَيْعٌ مِنْ أَحَدٍ فَأَقَامَ أَيْضًا وَارِثُ الْمُرْتَهِنِ بَيِّنَةً أَنَّ وَارِثَ الرَّاهِنِ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهَا هُوَ أَوْ مُورَثُهُ وَأَقَامَ وَارِثُ الرَّاهِنِ أَيْضًا بَيِّنَةً أَنَّ آخِرَ مَجْلِسٍ أَنَّكَ أَقْرَرْتَ أَنَّهَا مَرْهُونَةٌ لَمْ يَجُزْ فِيهَا بَيْعٌ فَأَيُّ الْبَيِّنَتَيْنِ تُقَدَّمُ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ فَإِنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ وَقَدْ حَصَلَ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ ثُمَّ إنَّهُمْ قَدْ أَقَرُّوا لِمَا يُجِيبُهُمْ فِي الْوَرَقَةِ مِنْ تَقْدِيمِ الْبَيِّنَاتِ فَاكْتُبُوا بِخَطِّكُمْ الشَّرِيفِ جَوَابًا عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. وَإِذَا لَمْ يَلْقَ فِي بَعْضِ ذَلِكَ بَيِّنَةً فَمَا الْحُكْمُ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إنَّهُ إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ أَقَرَّ عِنْد مَوْتِهِ أَنَّ الْعَيْنَ مَرْهُونَةٌ عُمِلَ بِإِقْرَارِهِ وَلَمْ يُفِدْ إقْرَارُ الرَّاهِنِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُرْتَهِنِ أَنَّهُ بَاعَهَا لَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ أَنْ لَا يُكَذِّبُ الْمُقَرَّ لَهُ الْمُقِرَّ وَهُنَا الْمُرْتَهِنُ لَمَّا أَقَرَّ عِنْد مَوْتِهِ أَنَّهَا مَرْهُونَةٌ عِنْده كَانَ مُكَذِّبًا لِلرَّاهِنِ فِي قَوْلِهِ إنَّهُ بَاعَهَا لَهُ فَتَبْقَى الْعَيْنُ عَلَى مِلْكِ الرَّهْنِ لِأَنَّ مَنْ أَقَرَّ لِشَخْصٍ بِشَيْءٍ فَكَذَّبَهُ فِيهِ تُرِكَ فِي يَدِ الْمُقِرِّ وَجَازَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ ظَاهِرًا أَمَّا فِي الْبَاطِنِ فَالْمَدَارُ فِيهِ عَلَى حَقِيقَةِ الْحَالِ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِإِقْرَارِ الْمُرْتَهِنِ وَبِإِقْرَارِ الرَّاهِنِ أَنَّهُ بَاعَهُ. وَأَمَّا إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ الرَّاهِنَ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَ وَارِثَ الْمُرْتَهِنِ أَوْ أَنَّ وَارِثَ الرَّاهِنِ أَقَرَّ بِذَلِكَ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أُخْرَى بِأَنَّ وَارِثَ الْمُرْتَهِنِ أَقَرَّ بِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى رَهْنِيَّتِهَا لَمْ يَجُزْ فِيهَا بَيْعٌ فَإِنْ أَرَّخْتَ الْإِقْرَارَيْنِ وَكَانَ إقْرَارُ الرَّاهِنِ أَوْ وَارِثِهِ مُتَقَدِّمًا كَانَ إقْرَارُ وَارِثِ الْمُرْتَهِنِ الْمَذْكُورِ مُكَذِّبًا لِلرَّاهِنِ أَوْ وَارِثِهِ فَتَبْقَى الْعَيْنُ عَلَى مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ إقْرَارُهُ مُتَأَخِّرًا وَلَمْ يُكَذِّبْهُ وَارِثُ الْمُرْتَهِنِ الْمُقَرُّ لَهُ كَانَتْ الْعَيْنُ مِلْكَهُ وَإِنْ لَمْ يُؤَرِّخَاهُ أَوْ أَرَّخَتْ وَاحِدَةٌ وَأَطْلَقَتْ أُخْرَى فَإِنْ كَانَ وَارِثُ الْمُرْتَهِنِ الْمُقَرُّ لَهُ بِالْبَيْعِ مَوْجُودًا وَكَذَّبَ الرَّاهِنَ أَوْ وَارِثَهُ فِي إقْرَارِهِ بِالْبَيْعِ لَمْ يُلْتَفَتْ لِلْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِإِقْرَارِهِ بَلْ تَبْقَى الْعَيْنُ رَهِينَتهَا لِمَا مَرَّ وَإِنْ لَمْ يُكَذِّبْهُ تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ فَيَحْلِف مُنْكِرُ الْبَيْعِ عَلَى نَفْسِهِ وَتَبْقَى الْعَيْنُ عَلَى رَهْنِيَّتِهَا أَيْضًا لِأَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ السُّؤَالِ أَنَّ الرَّهِينَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّهُ وَقَعَ مِنْ الرَّاهِنِ أَوْ وَارِثِهِ بَيْعٌ أَوْ لَا وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيِّنَة مِنْ الْجَانِبَيْنِ هَذَا مَا يَتَّجِهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَإِنْ لَمْ أَرَ فِيهَا نَقْلًا بِخُصُوصِهَا. وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْأُمِّ الْكَبِيرِ فِي الرَّاهِنِ وَلَوْ قَالَ رَهَنْتُك دَارِي بِأَلْفِ آخُذُهَا مِنْك وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بِالرَّهْنِ بَلْ اشْتَرَيْتُ مِنْكَ تَحَالَفَا وَلَمْ تَكُنْ الدَّارُ هُنَا وَكَانَتْ عَلَيْهِ الْأَلْفُ بِلَا رَهْنٍ وَلَا بَيْعٍ لِأَنَّ صُورَةَ هَذَا النَّصِّ غَيْرُ صُورَةِ هَذَا السُّؤَالِ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ عَلَى أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَإِنْ جَزَمَ

بِهِ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ لِأَنَّ شَرْطَ التَّحَالُفِ أَنْ يُتَّفَقَا عَلَى عَقْدٍ وَيَخْتَلِفَا فِي صِفَتِهِ وَهُنَا لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى عَقْدٍ فَالْمُعْتَمَدُ مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ. وَجَرَى عَلَيْهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ الْمَالِكَ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمَ الْبَيْعِ وَيَرُدُّ الْأَلْفَ وَيَسْتَرِدُّ الْعَيْنَ بِزَوَائِدِهَا وَلَا يَمِينَ عَلَى الْآخَرِ قَالَ الْمُتَوَلِّي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ الرَّهْنَ جَائِزٌ مِنْ جِهَتِهِ فَالْخِيَرَةُ لَهُ فِي قَبُولِهِ وَقَالَ الْعِمْرَانِيُّ لِأَنَّ الرَّهْنَ زَالَ بِإِنْكَارِهِ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِإِنْكَارِ الْمُرْتَهِنِ وَإِنَّمَا رَدَّ إلَيْهِ الْأَلْفَ مَعَ أَنَّهُ يُنْكِرُ اسْتِحْقَاقِهَا لِأَنَّهُ مُدَّعٍ لِاسْتِحْقَاقِ الْعَيْنِ الْمُقَابَلَةِ عِنْدَهُ بِالْأَلْفِ فَلَمَّا تَعَذَّرَ إبْقَاؤُهَا رَدَّ عَلَيْهِ مُقَابِلهَا الَّذِي هُوَ بَدَلُهُ كَمَا هُوَ شَأْنُ تَرَادِّ الْعِوَضَيْنِ عِنْد الْفَسْخِ أَوْ نَحْوِهِ وَوَقَعَ لِبَعْضِ الْجَهَلَةِ أَنَّهُ رَأَى هَذَا النَّصَّ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ فَتَوَهَّمَ مِنْهُ أَنَّهُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ فَكَتَبَ فِيهَا الْجَوَابَ أَنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ تَتَعَارَضُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ فَإِذَا تَعَارَضَتْ بَطَلَتْ وَتَحَالَفَا. فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الرَّهْنِ فِي الْأُمِّ الْكَبِيرِ مَا نَصُّهُ وَلَوْ قَالَ رَهَنْتُكَ دَارِي وَسَاقَ النَّصَّ الْمَذْكُورَ وَلَوْ اسْتَحَى مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يَكْتُبْ ذَلِكَ وَلَمْ يَتَسَوَّرْ عَلَى هَذَا الْمَنْصِبِ الْخَطِيرِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ لَهُ بِوَجْهٍ كَمَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ عِبَارَتُهُ الْمَذْكُورَةُ فَإِنَّهَا تُسَجِّلُ عَلَيْهِ بِالْجَهْلِ وَتُنَادِي عَلَى فَهْمِهِ بِالْعَجْزِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْكَفَّ عَنْ ذَلِكَ وَلَا يُفْتِي إلَّا بِمَا هُوَ مَعْلُومٌ مَقْطُوعٌ بِهِ فِي الْمَذْهَبِ كَالنِّيَّةِ وَاجِبَةٌ فِي الْوُضُوءِ وَالْوِتْرُ مَنْدُوبٌ وَمَتَى تَعَدَّى ذَلِكَ دَخَلَ فِي زُمْرَةِ مَنْ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي حَقِّهِمْ عَزَّ مَنْ قَائِل {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [النحل: 116] الْآيَة لَكِنْ لَمَّا انْدَرَسَتْ أَطْلَالُ الْعِلْمِ وَعَفَتْ رُسُومُهُ تَسَوَّرَ سُورَهُ الرَّفِيعَ الْكَذَّابُونَ وَتَشَدَّقَ فِي حَلْقِهِمْ الْمُتَفَيْهِقُونَ الْمُتَشَبِّعُونَ بِمَا لَمْ يُعْطُوهُ فَكَانُوا كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ كَمَا وَرَدَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ قَوْلِ ابْنِ السُّبْكِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ لَوْ قَالَ هَذَا الْعَبْدُ لِفُلَانِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ شَرَاه مِنْهُ لَمْ يَصِحّ لِلْمُضَادَّةِ وَعَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يُسْمَعُ وَلَوْ قَالَ هَذَا الْعَبْدُ لِفُلَانٍ وَقَدْ اشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ مُنْفَصِلًا كَانَ مَسْمُوعًا لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ كَانَ لِفُلَانٍ ذَكَرَ ذَلِكَ شُرَيْحٌ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ. اهـ. مَا قَالَهُ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ فَمَا الصَّحِيحُ عِنْدَكُمْ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إنَّ مَا نَقَلَهُ ابْنُ السُّبْكِيّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى مُتَّجَهٌ فَلْيُعْتَمَدْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ رَجُلٍ تَحْتَ يَدِهِ حَدِيقَةٌ وَرِثَهَا مِنْ أَبِيهِ وَهِيَ تَحْتَ يَدِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ مُدَّةً مَدِيدَةً فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهَا رَهْنٌ بِكَذَا وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَةً أَنَّهَا مِلْكَهُ مُدَّةً مَدِيدَةً أَوْ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ صَاحِبِهَا أَوْ أَنَّهُ أَقَرَّ بِهَا أَوْ أَنَّهُ وَهَبَهُ إيَّاهَا بِجَمِيعِ حُقُوقِهَا وَأَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِهَا وَقَبَضَهَا فَهَلْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ الَّذِي ادَّعَى الرَّهْنَ تُقَدَّمُ أَمْ بَيِّنَةُ الَّذِي ادَّعَى الشِّرَاءَ أَوْ الْهِبَةَ أَوْ الْإِقْرَارَ وَهَلْ يَكْفِي قَوْلُ الرَّاهِنِ هِيَ رَهْنٌ بِكَذَا أَمْ لَا بُدَّ مِنْ قَوْلِهِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الْأَذْرَعِيُّ الْوَجْهُ أَنْ يَقُولَ هِيَ مِلْكِي رَهَنْتُهَا مِنْهُ بِكَذَا وَأَحْضَرْتُ الْمَبْلَغَ وَيَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ إلَيَّ وَأَخَذَ الْحَقَّ مِنِّي أَوْضِحُوا لَنَا الْجَوَابَ وَإِذَا أَقَامَ مُدَّعِي الرَّهْنِ بَيِّنَةً عَلَى إقْرَارِ الْمُرْتَهِنِ أَنَّهَا تَحْتَ يَدَيْ رَهِينَةٌ وَلَمْ يَمْضِ بَعْدَ إقْرَارِهِ زَمَنٌ يُمْكِنُ فِيهِ الْبَيْعُ فَأَيُّ الْبَيِّنَتَيْنِ تُقَدَّمُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إذَا أَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَأَنَّ الدَّاخِلَ غَصَبَهُ مِنْهُ أَوْ غَصَبَهُ مِنْهُ زَيْدٌ وَبَاعَهُ لِلدَّاخِلِ أَوْ أَنَّهُ اكْتَرَاهُ مِنْهُ أَوْ أَوْدَعَهُ عِنْده قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ وَكَالْإِيجَارِ وَالْإِيدَاعِ الرَّهْنُ الْمَذْكُورُ فِي السُّؤَالِ كَمَا لَا يَخْفَى أَمَّا إذَا أَقَامَ الْخَارِجُ بَيِّنَةً بِالرَّهْنِ وَأَقَامَ الدَّاخِلُ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ الرَّاهِنِ أَوْ أَنَّ الرَّاهِنَ أَقَرَّ لَهُ بِهِ أَوْ وَهَبَهُ إيَّاهُ أَوْ أَقْبَضَهُ لَهُ أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِهِ فَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ وَمَا ذَكَره الْأَذْرَعِيُّ ذَكَرَهُ غَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ لَا بُدَّ فِي الدَّعْوَى أَنْ تَكُونَ مُلْزِمَةً بِأَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى بِهِ لَازِمًا فَلَا تُسْمَعُ

دَعْوَى هِبَةِ شَيْءٍ أَوْ بَيْعِهِ أَوْ إقْرَارٍ بِهِ حَتَّى يَقُولَ الْمُدَّعِي وَقَبَضْتُهُ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ أَوْ الْمُقِرَّ تَسْلِيمُهُ إلَيَّ وَإِذَا ادَّعَى دَيْنًا قَالَ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ مِنْ أَدَائِهِ وَإِذَا ادَّعَى دَارًا مَثَلًا بِيَدِ غَيْرِهِ لَمْ يَكْفِ أَنْ يَقْتَصِرَ فِي دَعْوَاهُ عَلَى قَوْلِهِ هِيَ مِلْكِي رَهَنْتُهَا مِنْهُ بِكَذَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنْهُ أَنْ يَقُولَ وَيَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهَا إلَيَّ وَطَرِيقه لِتُسْمَعَ دَعْوَاهُ أَنْ يَقُولَ وَقَدْ أَحْضَرْتُ الْمَبْلَغَ فَيَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهَا إلَيَّ إذَا قَبَضَهُ مِنِّي وَكَذَا لَوْ ادَّعَاهَا وَقَالَ هِيَ مِلْكِي أَجَرْتهَا مِنْهُ مُدَّةَ كَذَا إذْ لَا يُمْكِنهُ أَنْ يَقُولَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَيَلْزَمهُ تَسْلِيمُهَا فِي طَرِيقِهِ أَنْ يَصِيرَ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ ثُمَّ يَدَّعِي وَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ مُدَّعِي الرَّهْنِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ آخِرَ السُّؤَالِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى جَارِيَةً وَامْتَلَكَهَا مُدَّةً مَدِيدَةً فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ فَلَمْ يُنْكِرْ سَيِّدُهَا وَشَاعَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ سَيِّدِهَا ثُمَّ إنَّ الْجَارِيَةَ أَدْخَلَتْ عَلَى سَيِّدَتِهَا مَنْ قَتَلَهَا بِاللَّيْلِ وَاعْتَرَفَتْ الْجَارِيَةُ أَنَّهَا الَّتِي كَانَتْ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ إنَّ السَّيِّدَ بَاعَ الْجَارِيَةَ وَأَمْسَكَ الْوَلَدَ فَنُكِرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَادَّعَى عَدَمَ الْوَطْءِ وَأَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ ثُمَّ إنَّ السَّيِّدَ مَرِضَ مَرَضَ الْمَوْتِ فَاسْتَلْحَقَ الْوَلَدُ بَعْدَ نَفْيِهِ لَهُ لِيَجُوزَ مِيرَاثُهُ فَهَلْ يَلْحَقهُ الْوَلَدُ بَعْد مَا صَدَرَ مِنْهُ الْبَيْعُ وَالْإِقْرَارُ بِذَلِكَ أَوْ لَا وَمَا يَكُون حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَلْحَقهُ الْوَلَدُ إنْ وُجِدَتْ فِيهِ شُرُوطُ الِاسْتِلْحَاقِ مِنْ كَوْنِ الْمُسْتَلْحِق ذَكَرًا مُكَلَّفًا مُخْتَارًا وَالْمُسْتَلْحَقُ مَجْهُولَ النَّسَبِ حُرًّا لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ وَهُوَ فِي سِنٍّ يُمْكِنُ كَوْنُهُ وَلَدَ الْمُقِرِّ وَلَا بُدَّ أَنْ يُصَدِّقَهُ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الْحَيُّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ النَّسَبِ ثُبُوتُ الْإِيلَادِ لِلْأُمِّ بَلْ لَا بُدَّ فِي ثُبُوتِهِ. مَعَ النَّسَبِ مِنْ أَنْ يَقُولَ مَعَ ذَلِكَ وَلَوْ فِي الْمَرَضِ عَلَقْتُ بِهِ فِي مِلْكِي أَوْ هُوَ وَلَدِي مِنْهَا وَلَهَا فِي مِلْكِي عَشْرُ سِنِينَ مَثَلًا وَكَانَ الْوَلَدُ ابْنَ سَنَةٍ مَثَلًا وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّا لَا نَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالْإِثْمِ وَلَا بِفَسَادِ بَيْعِ الْأَمَةِ إلَّا أَنْ قَالَ عَلَقْتُ بِهِ فِي مِلْكِي أَوْ فِيمَا بَعْدَهُ مِمَّا ذُكِرَ وَأَمَّا مُجَرَّدِ قَوْلِهِ هُوَ وَلَدِي فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ إيلَادُهَا. وَإِنْ قَالَ وَلَدْتُهُ فِي مِلْكِي لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَحْبَلَهَا بِنِكَاحٍ أَوْ بِشُبْهَةٍ ثُمَّ مَلَكهَا وَالْكَلَامُ فِي غَيْرِ الْمُزَوَّجَةِ أَمَّا هِيَ فَيُلْغَى الْإِقْرَارُ وَيَلْحَقُ الْوَلَدُ بِالزَّوْجِ إنْ أَمْكَنَ وَفِي غَيْرِ الْمُسْتَفْرَشَةِ لَهُ أَمَّا الْمُسْتَفْرَشَةُ لَهُ فَيَلْحَقُهُ الْوَلَدُ بِالِاسْتِفْرَاشِ لَا بِالْإِقْرَارِ وَلَوْ قَالَ هَذَا وَلَدِي مِنْ أَمَتِي لَحِقَهُ وَإِنْ قَالَ بَعْدَهُ مِنْ زِنًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَخَلَّفَ تَرِكَةً مِنْ جُمْلَتِهَا أَمَةٌ ادَّعَتْ أَنَّهَا حَامِلٌ مِنْ سَيِّدِهَا وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ سَيِّدَهَا أَنَّهُ وَطِئَهَا وَلَا سُمِعَ مِنْهُ ذَلِكَ فَإِنْ صَحَّ الْحَمْلُ فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي أَنَّ سَيِّدَهَا وَطِئَهَا وَأَنَّ الْحَمْلَ مِنْهُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي ذَلِكَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلَيْنِ ادَّعَيَا عَيْنًا فِي يَدِ ثَالِثٍ وَأَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً أَنَّ الْعَيْنَ مِلْكِي وَأَنَّ مَنْ فِي يَدِهِ الْعَيْنُ غَصَبَهَا مِنِّي وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّ الَّذِي الْعَيْنُ فِي يَدِهِ أَقَرَّ بِهَا وَأَنْكَرَ الْمَالِكُ الْإِقْرَارَ وَالْغَصْبَ فَهَلْ بَيِّنَةُ مُدَّعِي الْإِقْرَارِ تُقَدَّمُ أَمْ بَيِّنَةُ مُدَّعِي الْمِلْكِ وَالْغَصْبِ مِنْهُ فَقَدْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ إنَّهُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ وَالْغَصْبُ وَيُلْغَى إقْرَارُ الْغَاصِبِ لِغَيْرِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ إذَا ادَّعَيَا عَيْنًا بِيَدِ ثَالِثٍ فَأَنْكَرَ فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ غَصَبَهَا مِنْهُ وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ غَصَبَهَا مِنْهُ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْغَصْبَ مِنْهُ ثَبَتَ بِطَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ وَلَا يَغْرَم شَيْئًا لِلْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ وَأَصْلُ ذَلِكَ قَوْلُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ ادَّعَاهَا اثْنَانِ وَأَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ غَصَبَهَا مِنْهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَأَقَامَ الْآخَرُ بَيِّنَةً أَنَّ مَنْ هِيَ فِي يَدِهِ أَقَرَّ لَهُ بِهَا فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ وَالْغَصْبُ بِالْبَيِّنَةِ الْأُولَى وَيَلْغُو إقْرَارُ الْغَاصِبِ لِغَيْرِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ امْرَأَةٍ بِيَدِهَا مُسْتَنَدٌ شَرْعِيٌّ مَضْمُونَهُ أَنَّ فُلَانَةَ الْفُلَانِيَّة اشْتَرَتْ مِنْ أُخْتِهَا فُلَانَةِ الْفُلَانِيَّة بَيْتًا بَيْعًا مُطْلَقًا بِثَمَنِ كَذَا وَكَذَا

قَبَضَتْ الْبَائِعَةُ الثَّمَنَ بِاعْتِرَافِهَا وَحَكَمَ حَاكِمٌ شَافِعِيٌّ بِالتَّبَايُعِ الْمَذْكُورِ مُؤَرَّخُ التَّبَايُعِ وَالْحُكْمِ بِعَامِ سَنَةِ عِشْرِينَ وَتِسْعمِائَةِ وَالشَّاهِدُ لَمْ يَكْتُبْ فِي الْمُسْتَنَدِ مَعْرِفَتَهُ لِلْبَائِعَةِ وَلَا عَرَّفَهُ أَحَدٌ بِهَا وَالْحَالَةُ أَنَّ الْبَائِعَةَ مُنْكِرَةٌ لِلْبَيْعِ الْمَذْكُورِ وَأَنَّهَا لَمْ تَقْبِضْ الثَّمَنَ الْمَذْكُورَ وَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ أُخْتًا لَهَا كَمَا كَتَبَ الْكَاتِبُ فِي الْمُسْتَنَدِ ثُمَّ إنَّ الْبَائِعَةَ جَاءَتْ عِنْد حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ مُخَالِفٍ لِلْحَاكِمِ الْمُثْبِتِ وَادَّعَتْ عَلَى الْمُشْتَرِيَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهَا وَاضِعَةٌ يَدِهَا عَلَى بَيْتِهَا بِمُقْتَضَى أَنَّهَا جَعَلَتْهُ تَحْتَ يَدِهَا فِي مَبْلَغِ اثْنَيْ عَشَر أَشْرَافِيًّا هُوَ وَمُسْتَنَدَاتٍ شَرْعِيَّةٍ تَشْهَدُ لَهَا بِذَلِكَ فَأَجَابَتْ بِأَنَّهَا صَارَ إلَيْهَا ذَلِكَ بِالشِّرَاءِ الشَّرْعِيِّ مِنْهَا كَمَا ذُكِرَ أَعْلَاهُ وَأَنَّنِي تَقَايَلْتُ أَنَّا وَإِيَّاكَ أَحْكَامَ التَّبَايُعِ الصَّادِرِ مِنْك كَمَا ذُكِرَ فَهَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهَا الْآن بِأَنَّهَا لَمْ تَبِعْ وَلَمْ تَقْبِضْ الثَّمَنَ وَهَلْ حُكْمُ الْحَاكِمِ الشَّافِعِيِّ يَمْنَعُهَا مِنْ الدَّعْوَى بِذَلِكَ وَهَلْ طُولُ الْمُدَّةِ مَعَ تَصْرِيفِهَا فِي الْبَيْتِ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ مُسْقِطٌ لِلطَّلَبِ أَيْضًا أَمْ لَا وَهَلْ لِلْحَاكِمِ الْمُدَّعَى لَدَيْهِ إلْزَامُ الْمُشْتَرِيَة بِحُضُورِ الْبَيِّنَةِ ثَانِيًا لِتَشْهَدَ فِي وَجْهِ الْبَائِعَةِ بِالْمَعْرِفَةِ وَالْبَيْعِ وَبِقَبْضِ الثَّمَنِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهَا الْآنَ بِأَنَّهَا لَمْ تَبِعْ حَيْثُ ثَبَتَ عِنْد الْحَاكِمِ وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ الْمُدَّعَى لَدَيْهِ إلْزَامُ الْمُشْتَرِيَةِ بِحُضُورِ الْبَيِّنَةِ ثَانِيًا لِتَشْهَدَ فِي وَجْهِ الْبَائِعَةِ بِالْمَعْرِفَةِ لِأَنَّ مِنْ لَازِمِ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ اسْتِيفَاءُ مُسَوِّغَاتِهِ الشَّرْعِيَّةِ وَمِنْهَا أَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى عَيْنِهَا أَوْ بِاسْمِهَا وَنَسَبِهَا وَلَا نَظَرَ لِطُولِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا لِقِصَرِهَا وَأَمَّا دَعْوَاهَا أَنَّهَا لَمْ تَقْبِضْ الثَّمَنَ فَإِنْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ عَلَيْهَا بِطَرِيقِ الْمُعَايَنَةِ لَمْ تُسْمَع دَعْوَاهَا وَإِنْ كَانَتْ بِطَرِيقِ الشَّهَادَةِ عَلَى إقْرَارِهَا سُمِعَتْ دَعْوَاهَا أَنَّهَا لَمْ تُقِرَّ إلَّا عَلَى رَسْمِ الْقَبَالَةِ فَتَحْلِفُ الْمُشْتَرِيَةُ أَنَّهَا أَقَبَضَتْهَا الثَّمَنَ فَإِنْ نَكَلَتْ حَلَفَتْ الْبَائِعَةُ أَنَّهَا لَمْ تَقْبِضْ وَاسْتَحَقَّتْ الثَّمَنَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي أَرْضٍ تَكُونُ تَحْتَ يَدِ مُسْتَأْجِرٍ أَوْ مُشْتَرٍ مُدَّةَ سِنِينَ كَثِيرَة ثُمَّ ادَّعَى الْمُؤَجِّرُ أَوْ الْبَائِعُ أَوْ أَوْلَادُهُمَا بَعْد انْقِرَاضِهِمَا أَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ وَقَفَهَا أَبُونَا أَوْ جَدُّنَا عَلَيْنَا وَأَقَامَتْ بِذَلِكَ يَعْنِي بِالْوَقْفِ بَيِّنَةً بِالتَّسَامُعِ وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ هَذَا الْوَقْفُ عِنْد حَاكِمٍ هَلْ تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ وَيَصِيرُ ذَلِكَ وَقْفًا وَيَبْطُلُ الْبَيْعُ أَوْ الْإِجَارَةُ وَيَغْرَمُ وَاضِعُ الْيَد أُجْرَةَ الْمِثْلِ لِتِلْكَ الْمُدَّةِ وَمَا يَفُوتُ مِنْ الْمَنَافِعِ وَمَا يَتْلَفُ مِنْ الْأَرْضِ وَمَا يَكُونُ الْحُكْمُ لَوْ تَنَقَّلَتْ تَحْت أَيَادٍ كَثِيرَةٍ تَكُونُ كَالْمَغْصُوبَةِ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِالْوَقْفِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْبَيِّنَةِ الشَّاهِدَةِ بِهِ لَكِنْ إنْ جَزَمْتَ بِالشَّهَادَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ صَرَّحْتَ بِأَنَّ مُسْتَنَدَهَا التَّسَامُعُ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا حِينَئِذٍ إنْ ذَكَرْتَ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ الْجَزْمِ دُونَ التَّرَدُّدِ عَلَى مَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي أَرْضٍ وَهِيَ تَحْتَ أَيْدِيهِمَا أَوْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَجَاءَ أَحَدُهُمَا بِكِتَابٍ فِيهِ اشْتِرَاءٌ صَحِيحٌ بِحُكْمِ حَاكِمٍ وَجَاءَ آخَرُ بِكِتَابٍ صَحِيحٍ فِيهِ وَقْفٌ صَحِيحٌ بِحُكْمِ حَاكِمٍ مُتَقَدِّمٍ عَلَى الشِّرَاءِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُكْمُ حَاكِمٍ وَلَكِنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِالْوَقْفِ الصَّحِيحِ التَّارِيخِ الْمُتَقَدِّم فَمَا الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إذَا سُمِعَتْ شَهَادَتُهَا بِالْوَقْفِ بِشُرُوطِهَا حُكِمَ بِهِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَانْتُزِعَ مِمَّنْ هُوَ فِي يَدِهِ وَغَرِمَ ذُو الْيَدِ أُجْرَةَ مِثْلِهِ مُدَّةَ وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهِ وَمَا فَاتَ مِنْ مَنَافِعِهِ وَأَجْزَائِهِ وَكَذَا لَوْ تَعَاقَبَتْ عَلَيْهِ أَيْدٍ كَثِيرَةٌ كَالْمَغْصُوبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَا ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ فِي بَابِ الدَّعَاوَى مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى مَعَ شُرُوطِهَا أَنْ تَكُونَ مُلْزِمَةً إلَّا إذَا كَانَتْ لِدَفْعِ الْمُنَازَعَةِ هَلْ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالدَّعْوَى أَوْ يَتَعَدَّى إلَى الْيَمِينِ وَالشَّهَادَةِ وَهَلْ يُفَرَّقُ فِي الدَّعْوَى بَيْنَ أَنْ تَكُونَ إقْرَارًا فَلَا يَحْتَاجُ يَمِينُهَا وَشَهَادَتُهَا إلَى ذَلِكَ أَوْ لَا فَيَحْتَاجُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ بِقَوْلِهِ الَّذِي ذَكَرُوهُ أَنَّ شَرْطَ الدَّعْوَى الْعِلْمُ سَوَاءٌ أَقُصِدَ بِهَا دَفْعُ الْمُنَازَعَةِ أَمْ لَا وَالْإِلْزَامُ

فَإِنْ ادَّعَى مِلْكًا بِنَحْوِ بَيْعٍ أَوْ هِبَةً أَوْ ادَّعَى اسْتِحْقَاقَ عَيْنٍ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ حَتَّى يَقُولَ وَيَلْزَمهُ التَّسْلِيمُ إلَيَّ فَإِنْ كَانَ سَفِيهًا قَالَ إلَى وَلِيِّي أَوْ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ مِنْ الْأَدَاءِ اللَّازِمِ لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْجِعُ الْوَاهِبُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَيَفْسَخُ الْبَائِعُ بِسَبَبٍ. وَيَكُونُ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا أَوْ عَلَى نَحْوِ مُعْسِرٍ أَوْ الْعَيْنُ مَوْجُودَةٌ مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الشَّرْطِ أَعَنَى اشْتِرَاطَ مَا ذُكِرَ وَهُوَ يَلْزَمهُ التَّسْلِيمُ إلَيَّ مَا لَوْ قَصَدَ بِالدَّعْوَى نَحْوَ الْمُنَازَعَةِ دُونَ تَحْصِيلِ الْحَقِّ فَلَا يُشْتَرَطُ حِينَئِذٍ ذِكْرُ ذَلِكَ فَإِذَا قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِي وَهُوَ يَمْنَعنِيهَا سُمِعَتْ دَعْوَاهُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ هِيَ فِي يَدِهِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُنَازِعَهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الدَّارُ بِيَدِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ أَوْ قَالَ يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ إلَيَّ سَأَلَهُ الْقَاضِي عَنْ سَبَبِهِ مِنْ شِرَاءِ أَوْ رَهْنٍ أَوْ إجَارَةٍ مَثَلًا وَبِهَذَا الَّذِي تَقَرَّرَ مِنْ كَلَامِهِمْ عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ إتْيَانُ نَظِيرِهِ فِي الْيَمِينِ وَالشَّهَادَةِ لَا فِي الْإِقْرَارِ وَلَا فِي غَيْرِهِ وَهَذَا وَاضِحٌ جِدًّا وَكَانَ سَبَبُ الِالْتِبَاسِ فِيهِ مَا أَوْهَمَهُ كَلَامُ السَّائِلِ مِنْ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ لِدَفْعِ الْمُنَازَعَةِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ شُرُوطِ الدَّعْوَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ اشْتِرَاطِ ذِكْرٍ وَيَلْزَمهُ التَّسْلِيمُ إلَيَّ كَمَا تَقَرَّرَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رَجُلٍ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ تَحْتَ يَدِك غَصْبٌ وَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً وَادَّعَى آخَرُ أَنَّهَا تَحْتَ يَدِكَ عَارِيَّةٌ أَوْ إجَارَةٌ وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً وَلَمْ يُقِرَّ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا أَوْ أَقَرَّ لِأَحَدِهِمَا فَمَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إنَّ الْبَيِّنَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ فِيهَا إنْ شَهِدَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْمِلْكِ لِمَنْ أَقَامَهَا تَعَارَضَتَا فَيَتَسَاقَطَانِ وَيُعْمَلُ بِإِقْرَارِ ذِي الْيَدِ وَإِنْ شَهِدَتْ إحْدَاهُمَا بِالْمِلْكِ وَالْأُخْرَى بِمُجَرَّدِ الْغَصْبِ أَوْ الِاسْتِعَارَةِ أَوْ الِاسْتِئْجَارِ مِنْ الْآخَرِ قُدِّمَتْ الشَّاهِدَةُ بِالْمِلْكِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ يَجُوزُ لِلْمُفْلِسِ الْحَلِفُ عَلَى أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ حَكَى الصَّيْدَلَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيهِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لَهُ الْحَلِفُ أَنَّهُ لَا حَقَّ عَلَيْهِ نَاوِيًا لَا حَقَّ عَلَيْهِ يَلْزَمهُ أَدَاؤُهُ الثَّانِي لَا يَحْلِفُ لِأَنَّ الْحَاكِمَ الْعَادِلَ لَا يَحْبِسهُ إلَّا بَعْد الْكَشْفِ عَنْ حَالِهِ ذَكَرَهُ فِي الْبَيَانِ وَقَضِيَّتُهُ اتِّفَاقُ الْوَجْهَيْنِ عَلَى أَنَّ لَهُ الْحَلِفُ نَاوِيًا ذَلِكَ إذَا كَانَ الْحَاكِمُ جَائِرًا وَحِينَئِذٍ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ التَّوْرِيَةَ تَنْفَعُ عِنْد الْجَائِرِ فِي نَحْوِ ذَلِكَ أَيْضًا وَيَكُونُ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ لَا تَنْفَعُ التَّوْرِيَةُ عِنْدَ الْحَاكِمِ. (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي شَخْصٍ أَرْسَلَ أَمَانَةً إلَى آخَرَ لِيَصْرِفَهَا عَلَى زَوْجَتِهِ وَمُسْتَوْلَدَتِهِ بِإِخْبَارِ الْأَمِينِ الْمُرْسَلِ مَعَ ذَلِكَ فَأَنْفَقَهَا الْمُرْسَلُ إلَيْهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُخْبِرُ الْمَذْكُورُ وَأَنْفَقَ بَعْد فَرَاغِهَا مِنْ مَالِ نَفْسِهِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لِذَلِكَ حَالَ الْإِنْفَاقِ وَالْإِشْهَادِ بِهِ فَمَاتَ مُرْسِلُ الْأَمَانَةِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ثَبَتَ بَعْد وَفَاتِهِ وَأَرَادَ الدَّائِنُ الْمُطَالَبَةَ بِدَيْنِهِ لِمَنْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْمَالِ الْمُرْسَلِ مِنْ مَدِينِهِ بَعْد الْإِنْفَاقِ الْمَذْكُورِ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ وَعَلَى مَنْ يَتَوَجَّهُ طَلَبُهُ عَلَى الْوَارِثِ أَوْ الْمُنْفِقِ أَوْ الْمُنْفَقُ عَلَيْهِ وَإِذَا تَوَجَّهَ طَلَبُهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَمَا الْحُكْمُ فِي الْإِنْفَاقِ وَالْإِذْنِ فِيهِ هَلْ يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُنْفِقِ وَحْدَهُ أَوْ قَوْلُهُ مَعَ الزَّوْجَةِ الْمُنْفَقُ عَلَيْهَا أَوْ قَوْلُ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ أَوْ يَحْتَاج إلَى الْبَيِّنَةِ وَإِذَا عَجَزَ الْمُنْفِقُ عَنْ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْإِذْنِ لَهُ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ. وَهَلْ تَعْيِينُهُ بَعْد الْإِنْفَاقِ لِمَا أَنْفَقَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ الْمَالِ الْمُرْسَلِ مَقْبُولٌ وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُنْفِقُ وَالْمُنْفَقُ عَلَيْهِ فِي النَّفَقَةِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَادَّعَى الْمُنْفَقُ عَلَيْهِ التَّبَرُّعَ وَادَّعَى الْمُنْفِقُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى نِيَّةِ الرُّجُوعِ فَمَنْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مِنْهُمَا وَهَلْ لِلْمُتَبَرِّعِ بِالْإِنْفَاقِ الرُّجُوعُ بِهِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ صَرَّحَ السُّبْكِيّ كَابْنِ الصَّلَاحِ رَحِمهمَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِأَنَّ لِلدَّائِنِ الْمُطَالَبَةَ بِحُقُوقِ الْمَيِّتِ أَيْ بِأَعْيَانِ أَمْوَالِهِ لَا بِدُيُونِهِ وَحِينَئِذٍ فَلِلدَّائِنِ هُنَا مُطَالَبَةُ الْمُرْسَلِ إلَيْهِ بِمَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَإِنْ أَثْبَتَ إذْنَ الْمَيِّتِ لَهُ فِي الْإِنْفَاقِ الْمَذْكُورِ بَرِئَ وَإِلَّا غَرِمَ بَدَلَ مَا أَرْسَلَ إلَيْهِ وَلِلدَّائِنِ مُطَالَبَةُ الْوَارِثِ أَيْضًا دُونَ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ وَلَا يُكْتَفَى فِي دَفْعِ طَلَبِ الدَّائِنِ اتِّفَاقُ هَذَيْنِ وَالْمُرْسَلُ إلَيْهِ عَلَى إذْنِ الْمَيِّتِ فِي

الْإِنْفَاقِ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهِ كَمَا مَرَّ وَإِذَا لَمْ يَثْبُت فَإِنْ اسْتَمَرَّ الْمُنْفِقُ عَلَى دَعْوَى الْإِذْنِ لَهُ فِي الْإِنْفَاقِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ وَإِنْ قَالَ إنَّمَا أَنْفَقْتُ لِظَنِّي الْإِذْنَ وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ رَجَعَ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَالِ الْمُرْسَلِ إلَيْهِ وَأَمَّا مَا أَنْفَقَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِهِ عَلَى الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ وَإِنْ أَنْفَقَ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (فَائِدَة) اعْلَمْ أَنَّ مَا قَدَّمْتُهُ عَنْ السُّبْكِيّ وَابْنِ الصَّلَاحِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مُشْكِلٌ فَإِنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ دَالٌّ عَلَى خِلَافِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ لِلْغَرِيمِ ابْتِدَاءُ الدَّعْوَى إذَا تَرَكَهَا الْوَارِثُ أَوْ الْمُفْلِسُ ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا وَجَرَى ابْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى مَا يُوَافِقهُ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ أَثْبَت دَيْنًا عَلَى امْرَأَةٍ مَيِّتَةٍ وَادَّعَى عَلَى زَوْجِهَا أَنَّ لَهَا عَلَيْهِ مَهْرًا وَلَمْ يَدَّعِ بِذَلِكَ وَارِثُهَا فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ فَإِنَّهُ يَدَّعِي حَقًّا لِغَيْرِهِ غَيْرَ مُنْتَقِلٍ مِنْهُ إلَيْهِ وَغَايَتُهُ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ ثَبَتَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ تَعَلَّقَ كَمَا لَوْ ادَّعَتْ الزَّوْجَةُ دَيْنًا لِزَوْجِهَا أَيْ فَإِنَّهَا لَا تُسْمَعُ وَإِنْ كَانَ لَوْ ثَبَتَ لَتَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ النَّفَقَةِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ بَلْ جَزَمَ بِهِ الشَّرَفُ الْغَزِّيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَغَيْرُهُ لَكِنَّهُ نَاقَضَ نَفْسَهُ حَيْثُ قَالَ لَوْ كَانَ حَقٌّ عَلَى مَيِّتٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِذَلِكَ وَحَكَمَ لَهُ الْحَاكِمُ بِهِ ثُمَّ جَاءَ بِمَحْضَرٍ يَتَضَمَّنُ مِلْكًا لِلْمَيِّتِ وَأَرَادَ أَنْ يُثْبِتَهُ لِيَبِيعَهُ فِي دَيْنِهِ وَلَمْ يُوَكِّلهُ الْوَارِثُ فِي إثْبَاتِهِ فَالْأَحْسَنُ الْقَوْلُ بِجَوَازِ ذَلِكَ قَالَ الْغَزِّيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَهُوَ وَاضِحٌ وَصَرَّحَ بِمِثْلِهِ السُّبْكِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَتَاوِيهِ فَقَالَ لِلْوَارِثِ وَالْمُوصِي وَالدَّائِنِ الْمُطَالَبَةُ بِحُقُوقِ الْمَيِّتِ. اهـ. وَعِنْدَ تَأَمُّلِ كَلَامَيْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَالسُّبْكِيِّ الْمَذْكُورَيْنِ يُعْلَمُ أَنَّهُمَا لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ فَرَضَ الْأَوَّلَ فِي الدَّيْنِ وَالثَّانِيَ فِي الْعَيْنِ فَهُوَ قَائِلٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَأَنَّ الدَّيْنَ لَا تُسْمَعُ فِيهِ الدَّعْوَى مِنْ الْغَرِيمِ بِخِلَافِ الْعَيْنِ وَكَأَنَّ هَذَا هُوَ الْحَامِلُ لِشَيْخِنَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ عَهْدَهُ حَيْثُ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلشَّرَفِ الْغَزِّيِّ تَبَعًا لَهُ وَهَذَا أَيْ مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - آخِرًا لَا يُخَالِفُ قَوْلَهُمْ لَيْسَ لِلدَّائِنِ أَنْ يَدَّعِي عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِغَرِيمِهِ الْغَائِبِ أَوْ الْمَيِّتِ وَإِنْ قُلْنَا غَرِيمُ الْغَرِيمِ غَرِيمٌ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِجَوَازِ الظَّفَرِ بِمَالِهِ بِشَرْطِهِ لِلْفَرْقِ بَيْن الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ. اهـ. وَالْفَرْقُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ هُوَ أَنَّهُ بِالْمَوْتِ تَعَلَّقَ الْحَقُّ بِأَعْيَانِ مَالِهِ لِرَهْنِهَا بِهِ شَرْعًا بِخِلَافِ الدَّيْنِ وَبِخِلَافِ الْغَرِيمِ الْحَيِّ حَاضِرًا كَانَ أَوْ غَائِبًا لِأَنَّ مَالَ دَائِنهمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِمَا عَلَى الْغَرِيمِ أَوْ عِنْدَهُ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ قَبْلَهُ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي مِثْل ذَلِكَ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَهُوَ تَعَلُّقٌ تَقْدِيرِيٌّ وَهُوَ أَضْعَفُ مِنْ ذَلِكَ التَّعَلُّقِ السَّابِقِ فِي الْمَيِّتِ فَإِنْ قُلْتَ غَايَةُ ذَلِكَ التَّعَلُّقِ أَنَّهُ تَصِيرُ الْأَعْيَانُ مَرْهُونَةً كَمَا تَقَرَّرَ فَيَكُونَ الْغَرِيمُ كَالْمُرْتَهِنِ وَالْمُقَرَّرُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُخَاصِمُ وَإِنْ امْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِنْ الْخِصَامِ إلَّا لِعُذْرٍ قُلْتُ طَلَبُ الْمُسَارَعَةِ إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ اقْتَضَتْ أَنْ يُوَسَّعَ فِي طُرُقِهَا بِتَمْكِينِ كُلٍّ مِنْ الْوَارِثِ وَالْوَصِيِّ وَالدَّائِنِ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِحُقُوقِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ وَلِيَّهُ إذَا تَحَمَّلَ دَيْنَهُ بَرِئَ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ وَسَبَبُ خُرُوجِهِ عَنْهَا الْحَاجَةُ إلَى تَعْجِيلِ بَرَاءَتِهِ فَكَذَلِكَ هُنَا سَاغَ طَلَبُ الدَّائِنِ عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ لِلْحَاجَةِ إلَى تَعْجِيلِ ذَلِكَ بِتَوْسِيعِ طُرُقِهِ فَإِنْ قُلْتَ هَذِهِ الْعِلَّةُ تَقْتَضِي أَنَّ الدَّيْنَ كَالْعَيْنِ فِي ذَلِكَ قُلْتُ الدَّيْنُ لَمَّا كَانَ أَمْرًا تَقْدِيرِيًّا ضَعُفَ عَنْ أَنْ يَلْحَقَ بِالْعَيْنِ فَلَمْ تَتَحَقَّقْ الْحَاجَةُ فِي الطَّلَبِ بِهِ حَتَّى يَسُوغَ تَجْوِيزُهُ عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ عَلَى أَنَّ ابْنَ الْأُسْتَاذِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نَظَرَ لِذَلِكَ فَأَلْحَقَهُ بِالْعَيْنِ فَجَوَّزَ لِلْغَرِيمِ الطَّلَبَ أَيْضًا إذَا أَعْرَضَ الْوَارِثُ أَوْ تَكَاسَلَ وَرَدَّ عَلَى ابْنِ الصَّلَاحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا مَرَّ عَنْهُ أَوَّلًا فِي الدَّيْنِ فَقَالَ عَقِبه بَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ إذَا أَعْرَضَ الْوَارِثُ أَوْ تَكَاسَلَ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ كَوْنُهُ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ فَإِنَّ جَمِيعَ مَا يَخْلُفُهُ الْمَيِّتُ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ وَلَا يَتَعَيَّنُ وَفَاءُ دَيْنِ الْمَيِّتِ مِنْ عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ وَلَا دَيْنٍ حَتَّى لَوْ كَانَ عِنْدَهُ رَهْنٌ كَانَ لِلرَّاهِنِ

وَوَرَثَتِهِ صَرْفُ دَيْنِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الْمُطَالَبَةَ وَقِيَاسُهُ عَلَى الزَّوْجَةِ الْكَلَامُ فِيهِ أَيْضًا كَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهَا عَلَيْهِ حَقٌّ ثَابِتٌ لَوْ صُدِّقَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَجَبَ الدَّفْعُ لِإِيفَاءِ دَيْنِهِ وَتَمَسَّكَ أَعْنِي ابْنَ الْأُسْتَاذِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِ الْإِمَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا أَعْرَضَ فَلِلْمُرْتَهِنِ الْخِصَامُ عِنْد الْمُحَقِّقِينَ قَالَ وَفِي التَّهْذِيبِ إذَا كَانَ لَهُ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ شَخْصٍ فَلَا دَعْوَى لَهُ عَلَى غَرِيمِهِ فَإِنْ مَاتَ أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ سُمِعَتْ الدَّعْوَى عَلَيْهِ حِينَئِذٍ قَالَ وَنَقَلَ الْإِمَامُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ وَالِدِهِ أَنَّ لِغُرَمَاءِ الْمَيِّتِ وَالْمُفْلِسِ الِابْتِدَاءُ بِالدَّعْوَى وَنَقَلَ الْأَصْحَابُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الْمَنْعَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَقَعُ التَّكَاسُلُ مِنْ الْوَارِثِ وَالْمُفْلِسِ. قَالَ وَقَدْ أَجَابَ ابْنُ الصَّلَاحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِالسَّمَاعِ. اهـ. وَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَإِنْ أَقَرَّهُ جَمْعٌ فَإِنَّ مَا احْتَجَّ بِهِ أَوَّلًا يَرُدُّهُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْنَ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ وَلَا تَمَسُّكَ لَهُ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ الْإِمَامِ وَأَبِيهِ وَالْبَغَوِيِّ رَحِمهمْ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّهَا مَقَالَاتٌ مُخَالِفَةٌ لِصَرَائِحِ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ رَحِمهمَا اللَّهُ تَعَالَى وَغَيْرهمَا أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يُخَاصِمُ وَإِنْ أَعْرَضَ الرَّاهِنُ وَأَنَّ الدَّائِنَ لَا يَدَّعِي وَلَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ الْحَجْرِ وَإِنْ أَعْرَضَ الْوَارِثُ وَوَقَعَ لِأَبِي زُرْعَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ أَفْتَى بِنَحْوِ مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الْأُسْتَاذِ فَقَالَ تُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَى غَرِيمِ الْغَرِيمِ وَلَا يُقَالُ قَدْ قَالُوا بِجَوَازِ الظَّفَرِ مِنْ مَالِ غَرِيمِ الْغَرِيمِ وَلَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَيْهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مَعَ حُضُورِ الْغَرِيمِ أَمَّا إذَا غَابَ وَثَبَتَ حَقُّ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَرَفَعَ غَرِيمَهُ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهُ الدَّيْنَ فَلَا مَانِعَ مِنْهُ لَا سِيَّمَا إذَا تَعَيَّنَ ذَلِكَ طَرِيقًا لِوَفَائِهِ وَالْمُدَّعِي لَا يَأْخُذهُ بِيَدِهِ وَإِنَّمَا الْحَاكِمُ يَقْبِضُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ ثُمَّ يَقْبِضُهُ لِلدَّائِنِ. اهـ. وَهَذَا أَيْضًا فِيهِ نَظَرٌ وَإِطْلَاقُهُمْ يَرُدَّهُ فَالْمُعْتَمَدُ مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ عَدَمِ سَمَاعِ دَعْوَى غَرِيمِ الْحَيّ مُطْلَقًا وَكَذَا غَرِيمُ الْمَيِّتِ فِي الدَّيْنِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلُ شُرَيْحٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَوْ ثَبَتَ لِزَيْدِ دَيْنٌ عَلَى عَمْرٍو فَادَّعَى زَيْدٌ عَلَى خَالِدٍ أَنَّ الثَّوْبَ الَّذِي بِيَدِك لِعَمْرٍو فَأَنْكَرَ وَادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ لَمْ يَحْلِفْ إذْ لَوْ وَجَبَتْ يَمِينٌ فَرُبَّمَا نَكَلَ فَتُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي فَيَحْلِف فَيُؤَدِّي إلَى إثْبَاتِ مِلْكِ الشَّخْصِ بِيَمِينِ غَيْرِهِ وَلَوْ قَصَدَ إقَامَةَ بَيِّنَةٍ عَلَيْهِ لَمْ تُسْمَعْ. اهـ. وَوَجْهُ عَدَمِ مُنَافَاةِ هَذَا لِمَا مَرَّ مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى وَطَلَبِ التَّحْلِيفِ فِي عَيْنِ الْمَيِّتِ أَنَّ هَذَا مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا كَانَ عَمْرٌو حَيًّا حَاضِرًا كَانَ أَوْ غَائِبًا لِيُوَافِق مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَالسُّبْكِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى فِي الْعَيْنِ الْمَمْلُوكَةِ لِلْمَيِّتِ وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَشَيْخِنَا رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُمَا عَقَّبَا كَلَامَ شُرَيْحٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا بِمَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَالسُّبْكِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إمَّا بَيَانًا لِمُرَادِهِ أَوْ تَخْصِيصًا لَهُ بِغَيْرِ صُورَةِ الْمَيِّتِ وَيَلْزَمُ مِنْ سَمَاعِهَا تَحْلِيفُ مَنْ هِيَ تَحْتَ يَدِهِ فَإِنْ قُلْتَ ظَاهِرُ قَوْلِ شُرَيْحٍ إذْ لَوْ وَجَبَتْ يَمِينٌ فَرُبَّمَا نَكَلَ إلَخْ أَنَّ هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِالْحَيِّ قُلْتُ مَا عَلَّلَ بِهِ مَمْنُوعٌ مِنْ أَصْلِهِ لِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ شُرَيْحٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سَمَاعُ الدَّعْوَى وَإِنَّمَا الَّذِي يَنْفِيهِ طَلَبُ التَّحْلِيفِ لَمَّا يَلْزَم عَلَيْهِ مِمَّا ذَكَرَهُ وَلَيْسَ مَا ذَكَرَهُ بِلَازِمٍ بَلْ مَتَى سُمِعَتْ الدَّعْوَى سُمِعَ طَلَبُهُ لِلتَّحْلِيفِ وَفَاءً بِالْقَاعِدَةِ وَلَا مُلَازَمَةَ بَيْن التَّحْلِيفِ وَرَدِّ الْيَمِينِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَلِيَّ يَدَّعِي وَيَطْلُبُ التَّحْلِيفَ وَلَا تُرَدُّ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَيْمَانِ الَّتِي لَا تُرَدُّ يَمِينُ التُّهْمَةِ وَالْقَسَامَةِ وَالْيَمِينُ الْمُتَمِّمَةِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَيَمِينُ الِاسْتِظْهَارِ وَالْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ وَيَمِينُ الْقَذْفِ الَّتِي تَجِبُ عَلَى الْقَاذِفِ وَيَمِينُ الشُّهُودِ وَهِيَ يَمِينُ التَّزْكِيَةِ وَكَانَ هَذَا الَّذِي قَرَّرْتُهُ فِي رَدَّ عِلَّتِهِ وَأَنَّ قَضِيَّةَ كَلَامِهِ سَمَاعُ الدَّعْوَى هُوَ مَنْشَأُ قَوْلِ شَيْخِنَا عَقِبه قُلْتُ فِي عَدَمِ سَمَاعِهَا أَيْ الْبَيِّنَةِ نَظَرٌ. اهـ. وَيُوَجَّهُ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ قَضِيَّةَ نَفْيِهِ الْحَلِفَ وَسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ سَمَاعُ الدَّعْوَى وَيَلْزَمُ مِنْ سَمَاعِهَا سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ حَيْثُ لَا مُنَاقَضَةَ وَنَحْوهَا مِمَّا لَمْ يُوجَد هُنَا وَكَذَا يَلْزَمُ مِنْ سَمَاعِهَا طَلَبُ التَّحْلِيفِ وَلَكِنَّهُ وَجَّهَ عَدَمَ طَلَبِهِ بِمَا قَدَّمَهُ فَبَقِيَ عَدَمُ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ بِلَا تَوْجِيهٍ فَاتَّضَحَ التَّنْظِيرُ فِيهِ فَإِنْ قُلْتَ مَا تَقَرَّرَ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ

نَاقَضَهُ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ فَقَالَ كَمَا أَنْ لَيْسَ لَهُ دَعْوَى عَلَى مَنْ لِلْمُفْلِسِ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَهُ عِنْدَهُ عَيْنٌ بِهِمَا إذَا تَرَكَهُمَا الْمُفْلِسُ أَوْ وَارِثُهُ قُلْتُ لَا مُنَاقَضَةَ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَرَى فِي الشَّرْحِ عَلَى مُقْتَضَى إطْلَاقِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ مِنْ عَدَمِ سَمَاعِهَا مِنْ الْغَرِيمِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ كَلَامَ ابْنِ الصَّلَاحِ وَالسُّبْكِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ لِكَوْنِهِ إنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي بَابِ الْفَلَسِ وَلَيْسَ هُوَ مَحَلًّا لِذَلِكَ وَأَمَّا عِنْدَ مَنْ رَآهُ وَظَهَرَ لَهُ وَجْهُهُ فَإِنَّهُ قَيَّدَ بِهِ إطْلَاقَ الْأَصْحَابِ فَكَانَ هَذَا مُقَدَّمًا عَلَى مَا فِي الشَّرْحِ لِلْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي بَابِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْغَيْرِ لَا يُعْطِي حَقَّ النَّظَرِ وَالتَّفْتِيشِ لِكَوْنِهِ ذُكِرَ اسْتِطْرَادًا وَأَمَّا الْمَذْكُورُ فِي بَابِهِ فَإِنَّهُ يُعْطِي ذَلِكَ فَلَا يُجْزَمُ فِيهِ بِشَيْءٍ أَوْ يُعْتَمَدُ إلَّا بَعْد مَزِيدِ التَّحَرِّي وَالتَّدَبُّرِ فَلِذَلِكَ كَانَ هَذَا مُقَدَّمًا عَلَى ذَلِكَ غَالِبًا هَذَا وَقَدْ سَبَقَ مِنِّي إفْتَاءٌ مُتَكَرِّرٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُسَطَّرٌ بِعِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي الْفَتَاوَى وَفِي بَعْضِهَا مُخَالَفَةٌ لِبَعْضِ مَا قَرَّرْتُهُ هُنَا الْآن فَلْيُعْتَمَدْ هَذَا دُون مَا خَالَفَهُ (تَتِمَّة) حَكَى فِي الْجَوَاهِرِ وَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْغَرِيمَ يَدَّعِي وَيَحْلِفَ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ تَرْجِيحُهُ مَا مَرَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا أَعْنِي أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ وَلَا يَدَّعِي فِي الدَّيْنِ بِخِلَافِ الْعَيْنِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ أَقَامَهُ حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ مُتَكَلِّمًا عَلَى صَغِيرٍ قَاصِرٍ بِمُقْتَضَى مَوْتِ أَبِيهِ مِنْ غَيْرِ وَصِيَّةٍ فَأَرَادَ الْقَيِّمُ الْمَذْكُورُ أَنْ يَبِيعَ عَقَارًا مِنْ عَقَارِ الصَّغِيرِ الْمَذْكُورِ فَحَضَرَ عِنْدَ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ وَأَثْبَتَ أَنَّ الصَّغِيرَ مُحْتَاجٌ إلَى مَصْرُوفٍ وَنَفَقَةٍ لِيُسَوِّغَ لَهُ الْبَيْعَ ثُمَّ بَاعَ الْعَقَارَ وَثَبَتَ الْبَيْعُ لَدَى الْحَاكِمِ الْمَذْكُورِ أَعْلَاهُ وَحَكَمَ بِمُوجَبِ ذَلِكَ ثُمَّ بَعْد مُدَّةٍ بَلَغَ الصَّغِيرُ وَادَّعَى عَلَى الْمُشْتَرِي عَدَمَ صِحَّةِ الْبَيْعِ الصَّادِرِ مِنْ الْقَيِّمِ بِمُقْتَضَى أَنَّ غِلَالَهُ الْمُتَحَصِّلَةَ مِنْ أَمْوَالِهِ تَكْفِيهِ وَتَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ مُنْذُ مَاتَ أَبُوهُ وَإِلَى حِينِ دَعْوَاهُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً شَرْعِيَّةً عَادِلَةً تَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ وَظَاهِرُ الْحَالِ يُسَاعِدهُ أَيْضًا فَهَلْ تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ الثَّانِيَةُ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ أَنَّهَا مَسْمُوعَةٌ فَهَلْ يُنْقَضُ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِمُوجَبِ الْبَيْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْبَيِّنَةِ الْأُولَى الشَّاهِدَةِ بِخِلَافِ ظَاهِرِ الْحَالِ وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ الْمَنْقُولِ كَمَا فِي مُقْنِعِ الْمَحَامِلِيِّ وَقَوَاعِدِ ابْنِ عَبْد السَّلَامِ وَشَرْحِ الْجِيلِيِّ وَأَفْتَى بِهِ الْإِمَامُ ابْن عُجَيْلٍ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الْيَسَارِ عَلَى بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ. وَوَجْهُهُ أَنَّ بَيِّنَةَ الْيَسَارِ نَاقِلَةٌ عَنْ أَصْلِ الْعَدَمِ الْمُوَافِقِ لِمَا شَهِدَتْ بِهِ بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ وَقَاعِدَةُ أَصْحَابِنَا أَنَّ النَّاقِلَةَ عَنْ الْأَصْلِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمُسْتَصْحِبَةِ لَهُ نَعَمْ يُشْتَرَطُ فِي بَيِّنَةِ الْيَسَارِ أَنْ تُعَيِّنَ الْمَالَ الَّذِي هُوَ مُوسِرٌ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الشَّامِلِ وَفِي الْأَنْوَارِ عَنْ الْقَفَّالِ مَا يُوَافِقُهُ وَهُوَ أَنَّهُمْ لَوْ شَهِدُوا عَلَى مُفْلِسٍ بِالْغِنَى لَمْ تُسْمَعْ حَتَّى يُبَيِّنُوا مِنْ أَيِّ وَجْهٍ اسْتَفَادَ الْمَالَ. وَيُمْكِنُ الْأَخْذُ بِإِطْلَاقِ الْأَوَّلَيْنِ وَحَمْلُ هَذَا عَلَى مَا إذَا عُرِفَ لَهُ إعْسَارٌ سَابِقٌ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْيَسَارِ حِينَئِذٍ إلَّا إنْ بَيَّنَتْ السَّبَبَ وَهَذَا هُوَ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْقَفَّالِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ثُمَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَغَيْرِهِ وَصَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ أَنَّ مَحَلَّ تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْيَسَارِ إنْ جُهِلَ حَالُهُ أَمَّا لَوْ عُلِمَ لَهُ مَالٌ قَبْلَ ذَلِكَ فَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْإِعْسَارِ لِأَنَّهَا النَّاقِلَةُ حِينَئِذٍ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْمُوَافِق لِمَا قَرَرْنَاهُ وَلِكَلَامِهِمْ فِي مَحَلٍّ آخَرَ أَنَّ الصَّغِيرَ مَتَى جُهِلَ حَالُهُ فِي الِاحْتِيَاجِ وَعَدَمِهِ قُبَيْل الْبَيْعِ ثُمَّ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ عِنْد الْبَيْعِ بِاحْتِيَاجِهِ وَأُخْرَى بِغِنَاهُ وَبَيَّنَتْ ذَلِكَ عَلَى نَظِيرِ مَا مَرَّ قُدِّمَتْ الثَّانِيَةُ عَلَى الْأُولَى وَإِنْ حُكِمَ بِهَا إذْ الْحُكْمُ لَيْسَ مِنْ الْمُرَجِّحَاتِ فَيُنْقَضُ الْحُكْمُ حِينَئِذٍ وَمَتَى عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ عِنْد الْبَيْعِ غَنِيًّا ثُمَّ تَعَارَضَتْ الْبَيِّنَتَانِ كَمَا ذُكِرَ قُدِّمَتْ الشَّاهِدَةُ بِالْحَاجَةِ لِأَنَّهَا النَّاقِلَةُ حِينَئِذٍ نَعَمْ الْأَعْيَان الَّتِي تَتَحَصَّلُ مِنْهَا الْغِلَالُ

الشَّاهِدَةُ بِهَا بَيِّنَةُ الْغِنَى إذَا كَانَتْ الْآنَ بَاقِيَةً مُشَاهَدَةً بِحَيْثُ يُعْلَمُ مِنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَكْفِي الصَّغِيرَ بِغِلَالِهَا عِلْمًا قَطْعِيًّا قَاضِيَةٌ عَلَى شَهَادَةِ بَيِّنَةِ الْحَاجَةِ بِالْكَذِبِ وَالْبُطْلَانِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا وَإِنْ حَكَمَ شَافِعِيٌّ لِلْقَطْعِ بِمَا أُبْطِلَ حُكْمُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شَخْصٍ لَهُ أَوْلَادٌ صِغَارٌ تَحْتَ حِجْرِهِ وَلَهُمْ حِصَّةٌ مِنْ دَارٍ فَأَجَّرَ وَالِدُهُمْ تِلْكَ الْحِصَّةَ لَهُمْ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِقَبْضِ الْأُجْرَةِ لَهُمْ وَالْحَالُ أَنَّ بَعْضَ الْأُجْرَةِ كَانَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَالْبَعْضَ الْآخَرُ قَبَضَهُ وَقَضَى بِهِ دُيُونًا عَلَيْهِ فَقَامَتْ جَدَّةُ الْأَوْلَادِ لِأُمِّهِمْ وَادَّعَتْ أَنَّ هَذِهِ الْإِجَارَةَ لَا مَصْلَحَةَ لِلْأَوْلَادِ فِيهَا وَعِنْدهَا بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ لِلْأَوْلَادِ بِذَلِكَ فَهَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهَا وَبَيِّنَتُهَا وَتُنْقَضُ الْإِجَارَةُ أَمْ لَا وَإِذَا سُمِعَتْ وَنُقِضَتْ الْإِجَارَةُ فَمَنْ يَتَوَلَّى قَبْضَ الْحِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِلْأَوْلَادِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ تُسْمَعُ دَعْوَاهَا وَبَيِّنَتُهَا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الْقَفَّالِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَالْأَذْرَعِيِّ وَعِبَارَتُهُ نَقْلًا عَنْهُ وَلَا خَفَاءَ أَنَّهَا تُسْمَعُ دَعْوَى الْحِسْبَةِ عَلَى قَيِّمِ الصَّبِيِّ أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا لِلصَّبِيِّ وَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْقَيِّمَ إنْ اتَّهَمَهُ فِيهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ. وَقَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنْ يَدَّعِي قَرِيبٌ لِلْمَيِّتِ عَلَى وَصِيَّةِ إتْلَافَ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ أَوْ خِيَانَةً أَوْ نَحْوَهَا مُحْتَسِبًا فَتُرَدُّ دَعْوَاهُ كَمَا عَايَنْتُهُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ قُضَاةِ الْعَصْرِ مُعْتَلِّينَ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ وَلَا وِلَايَة عَلَى الطِّفْلِ وَيَرَوْنَ دَعْوَاهُ فُضُولًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا كَانَ لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يُحَلِّفَ الْقَيِّمَ فَلَهُ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى مَا ادَّعَاهُ بَلْ أَوْلَى وَحَسَنٌ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْحَاكِمُ فِي الدَّعْوَى فَيَتَعَيَّنُ ذَلِكَ عِنْدَ ظُهُورِ أَمَارَاتِ خِيَانَتِهِ وَفَسَادِ حَالِهِ أَوْ جَهَالَتِهِ سِيَّمَا فِي هَذَا الزَّمَانِ. وَقَدْ يَعُودُ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِ الْقَفَّالِ وَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْقَيِّمَ عَلَى الْحَاكِمِ لَا عَلَى الْمُدَّعِي حِسْبَة. اهـ. وَرُجُوعُهُ إلَى الْحَاكِمِ مُتَعَيِّنٌ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ وَثَبَتَ عِنْد الْقَاضِي أَنَّ الْإِجَارَةَ وَقَعَتْ عَلَى خِلَافِ الْحَظِّ حَكَمَ بِبُطْلَانِهَا ثُمَّ إنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ فِسْقُ الْوَلِيّ أَقَامَ عَلَى الْأَوْلَادِ غَيْرَهُ وَإِلَّا فَوِلَايَتُهُ بَاقِيَةٌ فَإِنْ قُلْتَ صَحَّحَ الشَّيْخَانِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ بَيِّنَةَ الْحِسْبَةِ تُقْبَلُ مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ دَعْوَى فَكَيْفَ قَالَ الْقَفَّالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تُسْمَعُ دَعْوَاهُ قُلْتُ إمَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا مُسْتَثْنًى أَوْ ضَعِيفًا فِي هَذَا الْحُكْمِ فَقَطْ وَضَعْفُهُ فِيهِ لَا يَقْتَضِي ضَعْفُهُ فِي سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ وَالْعَمَلِ بِمُوجَبِهَا. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ بَاعَ شَيْئًا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِلْكَهُ هَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتُهُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ إنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ حَالَ الْبَيْعِ لَمْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَلَا بَيِّنَتُهُ مُطْلَقًا وَكَذَا إنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ وَلَكِنْ ادَّعَاهُ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَكُنْ وَلِيًّا عَلَيْهِ وَلَا وَلِيًّا عَنْهُ وَلَمْ يَدَّعِ انْتِقَالًا مِنْهُ إلَيْهِ فَإِنْ ادَّعَاهُ الْآن لِنَفْسِهِ وَكَانَ قَصْدُهُ بِالدَّعْوَى لِلْغَيْرِ أَنْ يَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى حَقِّهِ كَمَا إذَا قَالَ بِعْتُهُ وَهُوَ مِلْكُ فُلَانٍ ثُمَّ مَلَكْتُهُ مِنْهُ بِنَحْوِ إرْثٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهُ وَقْتَ الْبَيْعِ مَلَكَ ذَلِكَ الْأَجْنَبِيّ وَأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَيْهِ مِنْهُ بَعْدَ الْبَيْعِ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتُهُ وَإِنَّمَا سُمِعَتْ دَعْوَاهُ لِلْغَيْرِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي مِلْكًا لِغَيْرِهِ مُنْتَقِلًا مِنْهُ إلَيْهِ كَالْوَارِثِ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِلْكًا لِمُورَثِهِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الِامْتِنَاعِ مِنْ يَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ هَلْ هُوَ كَالِامْتِنَاعِ مِنْ غَيْرِهَا حَتَّى يَقْضِي عَلَى الْمُمْتَنِع بِالنُّكُولِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ لَيْسَ مِثْله لِأَنَّهَا شَرْطٌ لِلْحُكْمِ لَا مُثْبِتَةٌ لَهُ فَإِذَا لَمْ يَحْلِفْهَا امْتَنَعَ الْحُكْمُ لَهُ فَقَطْ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا صُورَتُهُ تَدَاعَيَا عَيْنًا وَأَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ زَيْدٍ وَتَعَرَّضَتْ إحْدَاهُمَا لِنَقْدِ الثَّمَنِ فَهَلْ تُرَجَّحُ بِهِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ نَعَمْ تُرَجَّحُ بِهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْغَزِّيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ لِلْمَدِينِ حِيلَةٌ فِي إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِإِبْرَائِهِ عَنْ الدَّيْنِ قَبْلَ الدَّعْوَى بِهِ عَلَيْهِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ قَالَ

الْقَاضِي حُسَيْنُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يُنَصِّبَ الْقَاضِي مُسَخَّرًا يَدَّعِي عَلَى الْمَدِينِ فَيَقُولُ لِي عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَلَهُ عَلَيَّ هَذَا كَذَا فَمُرْهُ بِتَسْلِيمِهِ إلَيَّ فَيُقِيمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ حِينَئِذٍ بِالْإِبْرَاءِ اهـ وَاسْتَشْكَلَهُ الْغَزِّيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّ غَرِيمَ الْغَرِيمِ لَيْسَ بِغَرِيمٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ كَوْنِهِ أَنَّهُ غَيْرُ غَرِيمٍ إذَا كَانَ مُنْكِرُ الدَّيْنِ الْغَرِيمَ فَحِينَئِذٍ لَا تُقَامُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ وَأَمَّا إذَا كَانَ مُقِرًّا كَمَا فِي صُورَتِنَا فَهُوَ غَرِيمٌ يَسْتَوْفِي مِنْهُ الْحَاكِمُ مَا عَلَى الْغَرِيمِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْإِبْرَاءِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ لَهُ عَيْنٌ تَحْتَ يَدِ آخَرَ فَهَلْ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِأَخْذِهَا مُطْلَقًا أَوْ فِيهِ تَفْصِيلٌ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ إنْ كَانَتْ بِيَدِ مَنْ ائْتَمَنَهُ كَالْوَدِيعِ أَوْ اشْتَرَاهَا مِنْهُ وَبَذَلَ لَهُ الثَّمَنَ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِرْعَابِ وَإِنْ كَانَتْ تَحْتَ يَدٍ عَادِيَةٍ اسْتَقَلَّ بِأَخْذِهَا مُطْلَقًا إنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً وَإِلَّا رَفَعَ الْأَمْرَ لِلْقَاضِي وَبَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ كَالْأَذْرَعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مُسْتَحِقَّ الْمَنْفَعَةِ كَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ كَالْمَالِكِ فِي ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ النَّصِّ عَلَى أَنَّ لِلْوَلِيِّ ذَلِكَ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ السَّلَامَةُ جَازَ أَوْ الْفِتْنَةُ امْتَنَعَ وَكَذَا إنْ اسْتَوَى الْأَمْرَانِ وَخَالَفَهُمَا الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالَ لَا يَحْرُمُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَخْذُ عَيْنِهِ مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ بِنَاءٍ تَحْتَ أَيْدِي جَمَاعَةٍ يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَيَدَّعُونَ اسْتِحْقَاقَ الِانْتِفَاعِ بِهِ فَنَازَعَهُمْ شَخْصٌ بِأَنَّ هَذَا الْبِنَاءَ أَحْدَثَهُ الْحَاكِمُ الْفُلَانِيُّ ظُلْمًا عَلَى الشَّارِعِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِذَلِكَ وَأَقَامَتْ تِلْكَ الْجَمَاعَةُ الْوَاضِعُونَ أَيْدِيهِمْ بَيِّنَةً بِأَنَّ هَذَا الْبِنَاءَ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ وُجُودِ هَذَا الْحَاكِمِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْمَكَانِ فَهَلْ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ وَاضِعِ الْيَدِ وَيُحْكَمُ بِاسْتِمْرَارِ الِانْتِفَاعِ أَوْ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْمُنَازِعِ فَيُمْنَعُ وَاضِعُ الْيَدِ مِنْ الِانْتِفَاعِ وَالتَّصَرُّفِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِاسْتِمْرَارِ انْتِفَاعِ وَاضِعِ الْيَدِ وَعَدَمِ رَفْعِ يَدِهِ لِأَنَّ هَاتَيْنِ الْبَيِّنَتَيْنِ إمَّا مُتَعَارِضَتَانِ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا تَقُولُ إنَّهُ أُحْدِثَ ظُلْمًا وَقْتَ كَذَا وَالْأُخْرَى تَقُولُ إنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَتَوَارَدَا عَلَى النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ. وَهَذَا تَعَارُضٌ مِنْ وَجْهَيْنِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ شَهِدَا بِأَنَّهُ سَرَقَ كَذَا أَوْ غَصَبَهُ غُدْوَةً وَشَهِدَ آخَرَانِ بِأَنَّهُ سَرَقَهُ أَوْ غَصْبَهُ عَشِيَّةً تَعَارَضَتَا وَمِنْ قَوْلِ ابْنِ الصَّلَاحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ الْفُلَانِيِّ وَمَاتَ مِنْ غَيْرِهِ وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أُخْرَى بِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ الْفُلَانِيِّ تَعَارَضَتَا وَإِذَا ثَبَتَ تَعَارُضُهُمَا وَأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ لِإِحْدَاهُمَا حُكِمَ بِتَسَاقُطِهِمَا لِتَنَاقُضِهِمَا وَلِأَنَّهُمَا لَمْ يَشْهَدَا بِشَيْءٍ فَتَبْقَى يَدُ الْوَاضِعِينَ عَلَى حَالِهَا فَيَتَصَرَّفُونَ فِي ذَلِكَ الْبِنَاءِ بِمَا أَرَادُوا. وَإِمَّا مُتَعَارِضَتَانِ وَلِإِحْدَاهُمَا مُرَجِّحٌ وَهُوَ لَيْسَ إلَّا لِلْبَيِّنَةِ الثَّانِيَةِ فِي السُّؤَالِ لِأَنَّهَا اعْتَضَدَتْ بِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا الْيَدُ وَقَدْ قَالُوا إذَا تَعَارَضَتَا وَلِأَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ يَدٌ قُضِيَ لَهُ بِمَا ادَّعَاهُ وَإِنْ تَأَخَّرَ تَارِيخُ بَيِّنَتِهِ لِتَرَجُّحِهَا بِالْيَدِ سَوَاءٌ تَعَرَّضَتْ لِسَبَبِ مِلْكِ ذِي الْيَدِ أَمْ لَا. ثَانِيهُمَا سَبْقُ التَّارِيخِ لِأَنَّ الشَّاهِدَةَ بِالْأَحْدَاثِ ظُلْمًا تَشْهَدُ بِهِ سَنَةَ عَشْرٍ مَثَلًا وَالْأُخْرَى تَشْهَدُ بِالْوُجُودِ سَنَةَ تِسْعٍ مَثَلًا فَالثَّانِيَةُ أَسْبَقُ تَارِيخًا فَتُقَدَّمُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ بِقَوْلِهِمْ لَوْ أَقَامَ أَحَدَهُمَا بَيِّنَةً بِمِلْكِهِ مِنْ سَنَةٍ وَالْآخَرُ بَيِّنَةً بِمِلْكِهِ مِنْ أَكْثَرِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْأَكْثَرِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْمِلْكَ فِي وَقْتِ بِلَا مُعَارَضَةٍ وَفِي وَقْتٍ بِمُعَارِضَةٍ فَيَتَسَاقَطَانِ فِي الثَّانِي وَيَثْبُتُ مُوجِبُهَا فِي الْأَوَّلِ وَالْأَصْلُ فِي الثَّابِتِ دَوَامُهُ. فَكَذَا هُنَا تُقَدَّمُ الثَّانِيَةُ لِأَنَّهَا أَثْبَتَتْ وُجُودَ ذَلِكَ الْبِنَاءِ فِي وَقْتٍ بِلَا مُعَارَضَةٍ وَفِي وَقْتٍ بِمُعَارَضَةٍ فَيَتَسَاقَطَانِ فِي الثَّانِي وَيَثْبُتُ مُوجَبُهَا فِي الْأَوَّلِ وَالْأَصْلُ فِي الثَّابِتِ دَوَامُهُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ إفْتَاءُ ابْنِ الصَّلَاحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَنْ مَاتَ

وَخَلَّفَ مِلْكًا فَادَّعَى أَجْنَبِيٌّ أَنَّهُ مِلْكُ بَيْتِ الْمَالِ وَأَنَّهُ كَانَ بِيَدِ الْمَيِّتِ غَصْبًا وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِذَلِكَ وَأَقَامَ الْوَارِثُ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَأَنَّ يَدَهُ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ بِحَقٍّ وَأَنَّ يَدَ الْمَيِّتِ أَيْضًا يَدُ حَقٍّ إلَى أَنْ مَاتَ بِأَنَّهُ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْوَارِثِ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ وَهُوَ حُصُولُ الْمِلْكِ وَلَا يُعَارِضُ إفْتَاؤُهُ هَذَا إفْتَاءَهُ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ الْخَارِجُ غَصَبْتنِي فَقَالَ الدَّاخِلُ هُوَ مِلْكِي وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ لِأَنَّ يَدَ الدَّاخِلِ هُنَا أَثْبَتَتْ هُنَا أَنَّ يَدَهُ ثَابِتَةٌ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ الثَّانِيَةِ وَوَجْهُ تَأْيِيدِ الْأُولَى لِمَسْأَلَتِنَا أَنَّ دَعْوَى الْأَجْنَبِيِّ أَنَّهُ مِلْكُ بَيْتِ الْمَالِ كَدَعْوَى الْمُنَازِعِ فِي السُّؤَالِ بِأَنَّهُ شَارِعٌ بِجَامِعِ أَنَّ الْحَقَّ لِلْمُسْلِمِينَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَإِذَا قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْوَارِثِ لِزِيَادَةِ عِلْمِهَا بِتَعَرُّضِهَا لِحُصُولِ الْمِلْكِ فَأَوْلَى أَنْ تُقَدَّمَ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ فِي مَسْأَلَتِنَا لِتَعَرُّضِهَا لِوُجُودِ الْبِنَاءِ قَبْلَ وُجُودِ ذَلِكَ الظَّالِمِ فَهِيَ أَوْلَى بِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ فَإِنْ قُلْتَ هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِتَقْدِيمِ الْبَيِّنَةِ الْأُولَى فِي السُّؤَالِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِأَنَّ مُورَثَهُ فُلَانًا مَاتَ يَوْمَ كَذَا فَوَرِثَهُ وَهُوَ ابْنُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ وَأَقَامَتْ امْرَأَةٌ بَيِّنَةً أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا يَوْمَ كَذَا لِيَوْمٍ بَعْد ذَلِكَ الْيَوْمِ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَهُ عُمِلَ بِبَيِّنَةٍ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ فَكَذَا الْأُولَى مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ بِالْأَحْدَاثِ الْمُسْتَنَدِ إلَى فِعْلِ فُلَانٍ الظَّالِمِ فَالْقِيَاسُ وَاضِحٌ قُلْتُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَظْهَرُ وَأَوْضَحُ لِأَنَّ السَّبَبَ زِيَادَةُ الْعِلْمِ فِيمَا قَالُوا إنَّ الثَّانِيَةَ أَثْبَتَتْ حَيَاتَهُ فِي زَمَنٍ ثَانٍ فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَصْحِبَةً لِأَصْلِ الْحَيَاةِ لَكِنْ لَمَّا ضَمَّتْ إلَى ذَلِكَ تَصَرُّفَهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ بِالنِّكَاحِ فِيهِ كَانَ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ عَلَى الشَّاهِدَةِ بِمَوْتِهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَقُدِّمَتْ تِلْكَ عَلَى هَذِهِ لِذَلِكَ وَأَيْضًا فَهَذِهِ قَالَتْ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ فَهِيَ نَافِيَةٌ وَتِلْكَ قَالَتْ إنَّ الزَّوْجَةَ وَارِثَةٌ لَهُ فَهِيَ مُثْبَتَةٌ وَالْمُثْبِتَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى النَّافِيَةِ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ فَزِيَادَةُ الْعِلْمِ هُنَا فِي ثَلَاثِ أَشْيَاءَ عِلْمُهُ بِبَقَاءِ حَيَاتِهِ بَعْدَ زَمَنِ الْمَوْتِ الَّذِي بَيَّنَتْهُ الْأُخْرَى وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا لَوْ شَهِدَا بِمَوْتِهِ وَشَهِدَ آخَرَانِ بِحَيَاتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَشَهَادَةُ الْحَيَاةِ أَوْلَى وَبِتَعَاطِيهِ لِلنِّكَاحِ بَعْدَ ذَلِكَ وَبِأَنَّ مَعَهَا إثْبَاتًا فَقُدِّمَتْ لِمَجْمُوعِ هَذِهِ الْأُمُورِ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ فَلَمْ يُوجَدْ نَظِيرَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ الثَّانِيَةَ تَشْهَدُ بِوُجُوبِ ذَلِكَ الْبِنَاءِ فِي الزَّمَنِ السَّابِقِ وَالْأُولَى تَشْهَدُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ وَإِنَّمَا حَدَثَ بَعْدُ فَالثَّانِيَةُ هِيَ الْمُثْبِتَةُ فَزِيَادَةُ الْعِلْمِ لَيْسَتْ إلَّا مَعَهَا فَكَلَامُهُمْ الْمَذْكُورُ دَلِيلٌ لَنَا لَا عَلَيْنَا عَلَى أَنَّهُ يُشْكِلُ عَلَيْهِ إفْتَاءُ ابْنُ الصَّلَاحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ مَاتَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ كَذَا فَأَقَامَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِدَارٍ سَنَةَ كَذَا لِسَنَةٍ كَذَا بَعْدَ السَّنَةِ الْمَذْكُورَةِ لِمَوْتِهِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ مَوْتِهِ فِي رَمَضَانَ وَوَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّ قِيَاسَ مَا مَرَّ تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ بِحَيَاتِهِ بَعْدَ رَمَضَانَ وَإِقْرَارِهِ وَقَدْ يُجَابُ بِمَا قَرَّرْتُهُ فِي تِلْكَ مِنْ أَنَّ زِيَادَةَ الْعِلْمِ ثَمَّ إنَّمَا جَاءَتْ مِنْ مَجْمُوعِ تِلْكَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ وَلَيْسَ هُنَا إلَّا بَعْضُهَا فَلَا إشْكَالَ عَلَى أَنَّ فِي تِلْكَ مَا يَتَّضِحُ بِهِ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا ظَاهِرًا لَا يُحْتَاجُ مَعَهُ ذَلِكَ الْجَوَابُ وَهُوَ أَنَّ الثَّانِيَةَ فِي تِلْكَ شَهِدَتْ بِنِكَاحِهِ بَعْدَ الزَّمَنِ الَّذِي عَيَّنَتْهُ الْأُولَى ثُمَّ بِمَوْتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَمَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ بِتَأَخُّرِ حَيَاتِهِ وَتَعَاطِيهِ لِلنِّكَاحِ ثُمَّ بِمَوْتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَّا فِي هَذِهِ فَلَمْ تَتَعَرَّضْ الْبَيِّنَةُ الثَّانِيَةُ إلَّا لِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْحَيَاةِ فَكَأَنَّهَا شَهِدَتْ بِمُطْلَقِ حَيَاتِهِ بَعْدَ شَهَادَةِ الْأُخْرَى بِمَوْتِهِ وَشَهَادَةُ الْمَوْتِ مُقَدَّمَةٌ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ عَنْ أَصْلِ الْحَيَاةِ بِخِلَافِ الشَّاهِدَةِ بِهَا لِاسْتِصْحَابِهَا لِذَلِكَ الْأَصْلِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ دَيْنٍ شَرْعِيٍّ ثَبَتَ بِطَرِيقِهِ الشَّرْعِيِّ فَأَوْجَبَ الْوَارِثُ الشَّرْعِيُّ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ الْجَامِعَةِ لِنَفْيِ الْمُسْقِطَاتِ فَاخْتَارَ الْوَارِثُ الشَّرْعِيُّ رَفْعَ الْيَمِينِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ ذَلِكَ

عَنْ رَبِّ الدَّيْنِ فَهَلْ تَسْقُطُ الْيَمِينُ عَنْ رَبِّ الدَّيْنِ وَيَأْخُذُ مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ الدَّيْنِ الْمَذْكُورِ أَمْ تَجِبُ الْيَمِينُ الْمَذْكُورَةُ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ حَتْمًا أَمْ لَا وَهَلْ يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي جَمِيعِ الدَّعَاوَى سَوَاءٌ أَكَانَتْ أَصْلًا عَلَى الْمُدَّعِي إذَا أَنْكَرَ أَوْ مَرْدُودَةً عَلَى الْمُدَّعِي؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ حَيْثُ كَانَ لِلْمَيِّتِ وَارِثٌ خَاصٌّ لَمْ تَجِب الْيَمِينُ إلَّا بِطَلَبِهِ وَكَذَا سَائِرُ الدَّعَاوَى لَا تَجِبُ الْيَمِينُ فِيهَا إلَّا بِطَلَبِ مَنْ وَجَبَتْ لَهُ إنْ تُصَوِّرَ مِنْهُ طَلَبٌ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شَخْصٍ تَمَلَّكَ مَالًا وَنَقَلَهُ عَنْ مِلْكِهِ إلَى شَخْصٍ آخَرَ بَالِغٍ أَوْ صَبِيٍّ بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ بِبَيْعٍ أَوْ صَيْرُورَةٍ شَرْعِيَّةٍ ثُمَّ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى الْوَاضِعِ يَدَهُ عَلَى الْمَالِ الْمَنْقُولِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَرِثَهُ مِنْ أَبِيهِ فَأَنْكَرَ الْوَاضِعُ يَدَهُ وَقَالَ هَذَا مِلْكِي وَأَنَا حَائِزٌ لَهُ صَارَ لِي مِنْ فُلَانٍ بِطَرِيقٍ شَرْعِيٍّ فَقَالَ لَهُ الْمُدَّعِي أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ مِلْكَ أَبِي وَصَارَ لِي بِالْإِرْثِ الشَّرْعِيِّ فَاحْلِفْ لِي عَلَى ذَلِكَ أَنَّك مَا تَعْلَمُ فَهَلْ تَلْزَمهُ الْيَمِينُ أَوْ تَلْزَمُ النَّاقِلَ الَّذِي صَارَ لَهُ مِنْ قَبْلِهِ إذَا كَانَ حَيًّا وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا هَلْ تَلْزَمُ وَرَثَتَهُ أَوْ لَا فَإِذَا قُلْتُمْ بِلُزُومِهَا عَلَى النَّاقِلِ أَوْ الْمَنْقُولِ وَنَكَلَ فَهَلْ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي الْمَذْكُورُ الْيَمِينَ الشَّرْعِيَّةَ لِاسْتِحْقَاقِهِ لِذَلِكَ وَيَأْخُذُ الْمَالَ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ إنَّمَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى عَلَى وَاضِعِ الْيَدِ ثُمَّ وَهُوَ الَّذِي يُجِيبُ بِالِاعْتِرَافِ أَوْ الْإِنْكَارِ فَيُطَالَبُ بِالْبَيِّنَةِ وَإِلَّا فَبِالْيَمِينِ بَتًّا وَإِذَا نُزِعَتْ مِنْهُ الْعَيْنُ بِحُجَّةٍ رَجَعَ بِثَمَنِهَا إنْ كَانَ عَلَى مَنْ تَمَلَّكَهَا بِهِ مِنْهُ بِشَرْطِهِ. (وَسُئِلَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَمَّا إذَا ادَّعَى زَيْدٌ عَلَى عَمْرٍو مُدَّعًى فَأَجَابَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِدَعْوَى رَافِعَةٍ لِلْمُدَّعَى بِهِ كَقَوْلِهِ أَبْرَأْتنِي مِنْ هَذَا الْمَبْلَغِ أَوْ أَدَّيْتُك إيَّاهُ أَوْ أَقْرَرْتُ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَك عَلَيَّ حَقٌّ وَلَمْ يَمْضِ زَمَانٌ بَعْد هَذَا الْإِقْرَارِ يُمْكِنُ فِيهِ تَرَتُّبُ حَقٍّ لِلْمُقِرِّ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَأَرَادَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الَّذِي صَارَ مُدَّعِيًا بِالدَّافِعِ تَحْلِيفَ الْمُدَّعِي أَوَّلًا عَلَيَّ نَفْيِ وُقُوعِ الدَّافِعِ وَأَرَادَ الْمُدَّعِي أَوَّلًا تَحْلِيفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى عَدَمِ الْمُدَّعَى بِهِ مَنْ يُقَدَّمُ مِنْهُمَا فِي الْإِجَابَةِ وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ اقْتِرَانِ جَوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّافِعِ بِنَفْيِ الْمُدَّعَى بِهِ أَمْ لَا يُفَرَّق وَهَلْ قَوْلُهُ أَقْرَرْتُ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَك عَلَيَّ حَقٌّ بِشَرْطِهِ الْمُتَقَدِّمِ وَاقِعٌ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ لَيْسَ هُنَا يَمِينَانِ مُتَرَتِّبَتَانِ حَتَّى يُتَوَهَّمَ التَّعَارُضُ فِي الْمُقَدَّمِ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا هُنَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ هِيَ عَلَى الْمُدَّعِي أَنَّهُ مَا أَبْرَأَ وَمَا أَقَرَّ وَأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا أَدَّى إلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَهَا الْمُدَّعِي أَخَذَ الْحَقَّ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ اعْتَرَفَ بِهِ رَافِعًا لَهُ لَمْ يَثْبُتْ فَلَزِمَهُ أَدَاؤُهُ عَمَلًا بِأَصْلِ الِاسْتِصْحَابِ. وَإِنْ نَكَلَ الْمُدَّعِي عَنْهُمَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْإِبْرَاءِ أَوْ الْإِقْرَارِ أَوْ الْأَدَاءِ أَوْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَعُلِمَ أَنَّ الْيَمِينَ هُنَا مُتَوَجِّهَةٌ أَوَّلًا عَلَى الْمُدَّعِي فَإِنْ نَكَلَ عَنْهَا تَوَجَّهَتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَمِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرَهُ السَّائِلُ وَقَوْلُهُ أَقْرَرْتُ إلَخْ دَافِعٌ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ وَإِنْ فَارَقَ مَا مَرَّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ لِلْحَاكِمِ قَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ أَبْرَأَنِي أَوْ أَنَّهُ اسْتَوْفَى مِنِّي الْأَلْفَ فَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ بِخِلَافِ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ فَإِنَّهُ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ الْمُدَّعَى بِهِ ثُمَّ عَقَّبَهُ بِمَا يُسْقِطُهُ فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ فَكَانَتْ الْيَمِينُ فِي جِهَةِ الْمُدَّعِي أَوَّلًا كَمَا قَدَّمْتُهُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الْيَمِينِ الَّتِي تُطْلَبُ مِنْ الْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَلْ يُشْتَرَطُ سَمَاعُ الْقَاضِي إيَّاهَا أَوْ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ تُسْمَعُ أَوْ لَا وَإِذَا نَكَلَ هَلْ يُشْتَرَطُ سَمَاعُهُ نُكُولَهُ بِقَوْلِهِ أَنَا نَاكِلٌ أَوْ لَوْ سَمِعَهُ غَيْرُهُ كَفَى أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يُسْمَعُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ كَلَامُهُمْ مُصَرِّحٌ فِي مَسَائِلِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِ الْقَاضِي أَوْ مَنْ أَنَابَهُ فِي ذَلِكَ لِلْيَمِينِ وَالنُّكُولِ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ تَحْلِيفَهُ حُكْمٌ عَلَيْهِ بِحَلِفِهِ أَوْ بِنُكُولِ خَصْمِهِ وَإِذَا كَانَ حُكْمًا بِذَلِكَ فَهُوَ كَالْحُكْمِ

بِشَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ فَكَمَا اُشْتُرِطَ سَمَاعُهُ لِشَهَادَتِهِمَا حَتَّى يُحْكَمَ بِهَا كَذَلِكَ يُشْتَرَطُ سَمَاعُهُ لِلْيَمِينِ أَوْ النُّكُولِ حَتَّى يُحْكَمَ بِأَحَدِهِمَا وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى قَاضٍ أَنَّكَ حَلَّفْتَ فُلَانًا عَلَى كَذَا وَلَمْ يَتَذَكَّرْهُ لَمْ يُلْتَفَتْ لِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ قَالُوا لِأَنَّ الْقَاضِي لَا يَمْضِي حُكْمَهُ إلَّا إذَا تَذَكَّرَهُ وَلَا يُعْتَمَدُ فِيهِ عَلَى الْبَيِّنَةِ فَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَقْبَلَهَا إذَا شَهِدَتْ عِنْدَهُ أَنَّهُ حَلَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْمَعَهُ إذْ لَوْ قُلْنَا إنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُهُ لَاكْتَفَى بِخِلَافِ مَنْ وُجِّهَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فِي حَضْرَتِهِ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعهُ فَلَمَّا لَمْ يَكْتَفُوا بِتِلْكَ الْبَيِّنَةِ عَلِمْنَا أَنَّ هَذِهِ الْبَيِّنَةَ لَا يُكْتَفَى بِهَا بِالْأَوْلَى كَمَا تَقَرَّرَ وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ بِتَحْلِيفِ الْقَاضِي أَوْ نَائِبِهِ وَمَعَ ذَلِكَ كَيْف يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْقَاضِي لَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُهُ إذْ كَيْفَ يُدَارُ الْأَمْرُ عَلَى تَحْلِيفِهِ وَلَا يُدَارُ عَلَى سَمَاعِهِ فَإِنْ قُلْتَ يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِتَحْلِيفِهِ أَمْرَهُ بِالْحَلِفِ وَلَا يَلْزَمُ مَنْ أَمْرِهِ بِهِ سَمَاعُهُ لَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَمْرِهِ بِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَأْمُرُ بِهِ ثُمَّ يَشْتَغِلُ عَنْهُ فَيَحْلِفُ فِي حَالِ اشْتِغَالِهِ وَيَثْبُتُ عِنْده أَنَّهُ حَلَفَ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ فَمَا الْمَانِعُ حِينَئِذٍ مِنْ صِحَّةِ يَمِينِهِ قُلْتُ الْمَانِعُ مِنْهَا مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ أَنَّ تَحْلِيفَ الْخَصْمِ حُكْمٌ لَهُ بِمُوجَبِ يَمِينِهِ وَلَا يَكُونُ حَاكِمَا لَهُ بِمُوجَبِهَا إلَّا إذَا سَمِعَهَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُحَلِّفًا لَهُ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ وَإِنَّمَا يُسَمَّى بِذَلِكَ إنْ سَمِعَ مَا حَلَفَ بِهِ وَعَلَيْهِ وَأَيْضًا فَالْعِبْرَةُ بِنِيَّةِ الْقَاضِي وَاعْتِقَادِهِ حَالَ الْحَلِفِ وَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ إلَّا إذَا سَمِعَ يَمِينَهُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَسْمَعْهَا فَكَيْفَ يَكُونُ عَلَى نِيَّتِهِ وَاعْتِقَادِهِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهَا مُطَابَقَتُهَا لِلدَّعْوَى وَالْمُطَابَقَةُ أَمْرٌ دَقِيقٌ بِدَلِيلِ اخْتِلَافِ الْأَئِمَّةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - فِي مَسَائِلَ مِنْهَا هَلْ الْجَوَابُ عَنْهَا بِكَذَا مُطَابِقٌ أَوْ لَا فَذَلِكَ كُلُّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ سَمَاعِهِ لِلْيَمِينِ وَالنُّكُولِ حَقِيقَةً وَلَا يَكْفِي قِيَامُ الْبَيِّنَةِ عِنْدَهُ بِهِمَا. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِعَيْنٍ فَقَالَ هِيَ لِابْنِي الطِّفْلِ فَفِي أَدَبِ الْقَضَاءِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَحْلِفُ وَفِي مَوْضِعٍ لَا تَنْصَرِفُ الْخُصُومَةُ عَنْهُ فَهَلْ بَيْنَهُمَا تَنَافٍ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ لَا تَنَافِيَ فَإِنَّ مَعْنَى لَا يَحْلِفُ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّقَبَةِ فَلَا تُسَلَّمُ لِلْمُدَّعِي بِحَلِفِهِ كَمَا يَأْتِي وَمَعْنَى لَا تَنْصَرِفُ الْخُصُومَةُ عَنْهُ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ وَغَرِمَ بَدَلَ الْعَيْنِ إنْ نَكَلَ وَحَلَفَ الْمُدَّعِي إذْ الْعَيْنُ لَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ حِينَئِذٍ بَلْ قِيمَتُهَا لِأَنَّهُ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنهَا بِإِقْرَارِهِ بِهَا لِطِفْلِهِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا إذَا أَبْرَأهُ عَنْ الْيَمِينِ أَوْ عَنْ إتْمَامِهَا فَأَرَادَ الْحَالِفُ إتْمَامَهَا فَمَنْ الْمُجَابُ مِنْهُمَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْيَمِينِ يُسْقِطُ حَقَّهُ مِنْهَا فِي هَذِهِ الدَّعْوَى فَلَهُ أَنْ يُجَدِّدهَا وَيُحَلِّفَهُ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ سُقُوطُ الْحَقِّ مِنْهَا وَإِنْ شَرَعَ الْقَاضِي فِي التَّحْلِيفِ نَعَمْ بَحْثَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ الْخَصْمُ إتْمَامَهَا أُجِيبَ قِيَاسًا عَلَى مَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ تَعْلِيقِ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَوْ شَرَعَ الْمُدَّعِي فِي يَمِينِ الرَّدِّ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا تُحَلِّفهُ وَأَنَا أَغْرَمُ لَهُ الْمَالَ فَلَهُ أَنْ يُكْمِلَ الْيَمِينَ حَتَّى يَأْخُذَهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْقَاقِ فَكَذَا يُقَال هُنَا إذَا شَرَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي يَمِينِ الْأَصْلِ فَقَالَ أَبْرَأْتَهُ عَنْ الْيَمِينِ لَهُ إتْمَامُهَا لِيَنْقَطِعَ الطَّلَبُ عَنْهُ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا حُصُولُ الِانْتِفَاعِ وَقَطْعُ الْعَلَقِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ يُشْتَرَطُ التَّفْصِيلُ فِي دَعْوَى الْمَهْرِ أَوْ الْإِرْثِ كَمَا فِي دَعْوَى عَقْدِ النِّكَاحِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إنْ وُجِّهَتْ الدَّعْوَى إلَى عَقْدِ النِّكَاحِ كَأَنْ قَالَتْ أَسْتَحِقُّ الْمَهْرَ أَوْ الْإِرْثَ بِسَبَبِ عَقْدِهِ عَلَيَّ اُشْتُرِطَ فِيهَا ذِكْرُ كَوْنِ الْعَقْدِ بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَرِضَاهَا إنْ شَرَطَ لِأَنَّهَا لَمَّا رَتَّبَتْ دَعْوَاهَا نَحْوَ الْمَهْرِ عَلَى الْعَقْدِ كَانَتْ مُدَّعِيَةً نَفْسَ الْعَقْدِ فَاحْتَاجَتْ لِذِكْرِ شُرُوطِهِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا حِينَئِذٍ إلَّا رَجُلَانِ

وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْلُ الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا بُدَّ مِنْ رَجُلَيْنِ أَوْ إلَى نَحْوِ الْمَهْرِ أَوْ الْإِرْثِ بِأَنْ قَالَتْ أَسْتَحِقُّ عَلَى الْمُتَوَفَّى الْمَهْرَ وَالْإِرْثَ لَمْ يَحْتَجْ لِذِكْرِ شُرُوطِ الْعَقْدِ وَكَفَاهَا رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَشَاهِدٌ وَيَمِينٌ لِأَنَّ مُدَّعَاهَا مَحْضُ مَالٍ وَعَلَيْهِ حُمِلَ قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تُسْمَعُ دَعْوَاهَا وَيُقْبَلُ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ رَجُلٌ وَيَمِينٌ لِأَنَّ الْمُدَّعَى مَالُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ قَيِّمِ طِفْلٍ ادَّعَى عَلَى قَيِّمِ طِفْلٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً فَهَلْ يَجِبُ الِانْتِظَارُ لِلْبُلُوغِ ثُمَّ الْحَلِفُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى بَلْ صَرِيحُهُ وُجُوبُ ذَلِكَ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَخَالَفَهُمَا كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالسُّبْكِيِّ تَبَعًا لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَقَالُوا يُسَلَّمُ لَهُ الْمَالُ بَعْد الْحُكْمِ لَهُ بِهِ وَتَبِعَهُمْ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْقُضَاةِ فَحُكِمَ بِهِ مِرَارًا بَلْ قَالَ إنَّهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَأَنَّ أَهْلَ عَصْرِهِ لَمْ يَعْتَرِضُوهُ فِي حُكْمِهِ بِهِ وَاعْتَمَدَهُ أَيْضًا شَيْخُنَا سَقَى اللَّهُ تَعَالَى عَهْدَهُ فِي شَرْحِ الْمَنْهَج وَوَجَّهَهُ السُّبْكِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ قَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَى الِانْتِظَارِ ضَيَاعُ الْحَقِّ فَإِنَّ تَرِكَةَ الْمَدِينِ قَدْ تَضِيعُ أَوْ يَأْكُلُهَا وَرَثَتُهُ فَتَعْرِيضُهَا لِذَلِكَ وَتَأْخِيرُ الْحُكْمِ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ مُشْكِلٌ لَا سِيَّمَا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الصَّبِيَّ الْمُسْتَحِقِّ لَا عِلْمَ عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ وَالْيَمِينُ الَّتِي عَلَيْهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ إنَّمَا هِيَ عَلَى عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْبَرَاءَةِ. وَهَذَا أَمْرٌ حَاصِلٌ فَكَيْفَ يُؤَخَّرُ الْحَقُّ لِمِثْلِ ذَلِكَ قَالَ وَالْوَجْهُ عِنْدِي خِلَافُ مَا قَالَهُ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمِنْ تَأْخِيرِ الْحُكْمِ وَأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ الْآنَ بِالْبَيِّنَةِ وَيُؤْخَذُ لَهُ الدَّيْنُ وَإِنْ أَمْكَنَ أَخْذُ كَفِيلٍ بِهِ حَتَّى إذَا بَلَغَ يَحْلِفُ فَهُوَ احْتِيَاطٌ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَلَا يُكَلَّفُ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا حَكَمَ لَا يُهْمِلُ مَكْتُوبًا بِيَدِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ أَنَّ لَهُ تَحْلِيفُ الْمَحْكُومِ لَهُ إذَا بَلَغَ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا حَاجَةَ إلَى الْحَيْلُولَةِ لِمَا فِيهَا مِنْ عَدَمِ الْفَائِدَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَتْلَفَ الْمَأْخُوذُ. فَإِنْ بَقِيَ الدَّيْنُ أَضْرَرْنَا بِالْمَدْيُونِ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ أَضْرَرْنَا بِصَاحِبِ الدَّيْنِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا إسْقَاطُ الِاسْتِظْهَارِ لِلِاحْتِيَاطِ فِي أَخْذِ الْمَالِ فَإِنَّ يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ إنَّمَا شُرِّعَتْ لِلِاحْتِيَاطِ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْأَخْذِ بِصَدَدِ الضَّيَاعِ وَبَعْد الْأَخْذِ ثَبَتَ الْحَقُّ وَالْأَصْلُ عَدَمُ مَا يَقْتَضِي إسْقَاطُهُ فَالْفَتْوَى عَلَى عَدَمَ الْأَخْذِ وَيَدُلُّ لَهُ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى وَكِيلٌ غَائِبٌ عَلَى مَيِّتٍ أَوْ غَائِبٍ قُضِيَ لَهُ وَلَا يَتَوَقَّفُ الْأَخْذُ عَلَى حُضُورِ الْمُوَكِّلِ وَتَحْلِيفِهِ وَلَك أَنْ تَقُولَ انْتِصَارًا لِلْأَوَّلِ نَظَرُكُمْ إلَى أَنَّ تَرِكَةَ الْمَدِينِ قَدْ تَضِيعُ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ يُعَارِضُهُ أَنَّ تَرِكَةَ الدَّائِنِ قَدْ تَضِيعُ أَيْضًا فَإِذَا بَلَغَ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ لَا يَجِدُ الْمَدِينُ مَرْجِعًا فَنَظَرُكُمْ إلَى احْتِمَالِ الضَّيَاعِ فِي جَانِبِ الْمَدِينِ تُحْكَمُ بَلْ احْتِمَالُهُ مَوْجُودٌ فِيهِمَا فَبَطَلَ النَّظَرُ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَجَلِيٌّ وَقَوْلُ السُّبْكِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَنَحْنُ نَعْلَمُ إلَخْ يُرَدُّ بِأَنَّ عِلْمَنَا بِذَلِكَ لَا يَمْنَعُ احْتِمَالَ نُكُولِهِ وَوُجُوبِ رَدِّ مَا أَخَذَهُ مَعَ احْتِمَالِ ضَيَاعِهِ مِنْهُ أَوْ مِنْ وَلِيِّهِ وَمِنْ غَيْرِ بَدَلٍ يُخَلِّفهُ فَانْدَفَعَ قَوْلُهُ أَيْضًا وَهَذَا أَمْرٌ حَاصِلٌ وَقَوْل الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلَمْ يَبْقَ إلَّا إسْقَاطُ الِاسْتِظْهَارِ إلَخْ يُرَدّ بِمَنْعِ مَا ذَكَرُهُ الْمُتَفَرِّعُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فَلَمْ يَبْقَ إلَخْ وَوَجْهُ مَنْعِهِ أَنَّ لَنَا طَرِيقَةً يَحْصُلُ بِهَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ وَمِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَيَعُودُ عَلَى أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ بِأَنْ يَمْنَعَ الْقَاضِي قَيِّمَ الْمَدِينِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ وَيَجْعَلَهُ فِي مَحَلٍّ لَائِقٍ بِهِ وَيَخْتِمُ عَلَيْهِ بِخَتْمِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا ضَرَرَ بِتَلَفِهِ عَلَى أَحَدٍ أَمَّا الْمَدِينُ فَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَفُعِلَ بِمَالِهِ ذَلِكَ لَا يُقَالُ إنَّهُ سَعَى فِي إتْلَافِهِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ مِنْ غَيْرِ خَتْمٍ لَأَصَابَهُ ذَلِكَ التَّلَفُ أَيْضًا وَأَمَّا الدَّائِنُ فَهُوَ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ حَتَّى يُحْسَبَ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنِهِ وَقَوْلُهُ الِاحْتِيَاطُ أَنْ يُؤْخَذَ إلَخْ مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ احْتِيَاطٌ بِالنِّسْبَةِ لِلدَّائِنِ لَا لِلْمَدِينِ وَهُوَ تَحَكُّمٌ لِمَا قَرَّرْنَاهُ أَوْ لَا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ تَلَفُ تَرِكَةِ الدَّائِن وَنُكُولِهِ عَنْ يَمِينِ الِاسْتِظْهَارِ فَيَفُوتُ الْحَقُّ عَلَى الْمَدِينِ وَلَا دَلِيلَ لَهُ فِي

مَسْأَلَةِ الْوَكِيلِ لِأَنَّ الْأَصْحَابَ أَجَابُوا عَنْهَا بِأَنَّا لَوْ أَمْهَلْنَا الْحَقَّ لِحُضُورِ الْمُوَكِّلِ وَحَلِفِهِ لَتَعَذَّرَ الِاسْتِيفَاءُ بِالْوُكَلَاءِ وَهَذَا أَمْرٌ عَامُّ الضَّرَرِ فَلَمْ يَقُولُوا بِهِ لِعُمُومِ ضَرَرِهِ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّهُ لَوْ فُرِضَ فِيهَا ضَرَرٌ هُوَ خَاصٌّ عَلَى أَنَّهُ مُتَكَافِئٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ كَمَا تَقَرَّرَ فَعُلِمَ أَنَّ الْأَوَّلَ الَّذِي هُوَ الْمَنْقُولُ لَهُ وَجْهٌ وَاضِحٌ جَلِيٌّ فَلَا مَسَاغَ لِلْعُدُولِ عَنْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ بِيَدِهِ عَيْنٌ اشْتَرَاهَا مِنْ وَرَثَةٍ فِي زَمَنِ كَذَا فَادَّعَى خَارِجٌ أَنَّهَا مِلْكُهُ وَبِيَدِهِ سُرِقَتْ مِنْهُ فِي زَمَنِ كَذَا فَمَنْ تُقَدَّمُ مِنْهُمَا بَيِّنَتُهُ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إنْ ذَكَرَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَنَّهَا مِلْكُهُ وَأَنَّ الدَّاخِلَ سَرَقَهَا أَوْ أَنَّهَا سُرِقَتْ مِنْ يَدِ مَنْ تَرَتَّبَتْ يَدُ الدَّاخِلِ عَلَيْهِ قُدِّمَتْ الْخَارِجَةُ كَمَا أَفْتَى بِهِ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ كَالشَّرَفِ ابْنِ الْمُقْرِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَتَلَامِذَتِهِ عُمَرَ الْفَتَى وَيُوسُفَ الْمُقْرِي رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَغَيْرِهِمَا قَالُوا وَلَا فَرْقَ بَيْن أَنْ تَذْكُرَ الدَّاخِلَةُ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ مَالِكٍ يَمْلِكُ أَمْ لَا أَيْ فَتُقَدَّمُ الْخَارِجَةُ الذَّاكِرَةُ لِمَا مَرَّ أَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ بِأَنَّ يَدَ الدَّاخِلِ بِغَيْرِ حَقٍّ قَالُوا لِأَنَّ الدَّاخِلَ صَارَ خَارِجًا وَعَكْسُهُ لِبَيَانِ مُسْتَنَدِ الْيَدِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَدَّمُوا الدَّاخِلَةَ حَيْثُ قَالَتْ اشْتَرَاهَا مِنْ مَالِك يَمْلِكُ لِأَنَّا عَلِمْنَا أَنَّ يَدَ الدَّاخِلِ لَيْسَتْ عَادِيَةً قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الدَّاخِلَ صَارَ خَارِجًا بِإِثْبَاتِ الْخَارِجِ أَنَّهُ مَسْرُوقٌ مِنْهُ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْخَارِجَ لَا يُقَدَّمُ عَلَى الدَّاخِلِ بِإِثْبَاتِ الِانْتِقَالِ مِنْ غَيْر الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَنَحْنُ فَرَضْنَا الدَّاخِلَ خَارِجًا فَلَا تُقَدَّمُ بَيِّنَتُهُ إلَّا إنْ أَثْبَتَتْ الشِّرَاءَ مِنْ الْخَارِجِ لِأَنَّهُ صَارَ بِإِثْبَاتِ بَيِّنَةِ السَّرِقَةِ هُوَ صَاحِبَ الْيَدِ. (سُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّ مَا اشْتَرَاهُ يُعْلَمُ بِالِاسْتِفَاضَةِ أَنَّهُ وَقْفُ مَسْجِدِ كَذَا فَهَلْ تُسْمَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّهَا لَا تُسْمَعُ لِأَنَّ شَرْطَ الدَّعْوَى الْجَزْمُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ سَمَاعِهِ مِنْ جَمْعٍ يَبْعُدُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ بِوُجُودِ الْوَقْفِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مِلْكًا. اهـ. وَلَيْسَ فِي مَحَلِّهِ لِأَنَّ مَا عُلِّلَ بِهِ لَا يَتَأَتَّى إلَّا لَوْ كَانَتْ صِيغَةُ الدَّعْوَى أَنَّ مَا اشْتَرَاهُ سُمِعَ بِالِاسْتِفَاضَةِ أَنَّهُ وَقْفُ مَسْجِدِ كَذَا فَهَذِهِ هِيَ الَّتِي لَا تُسْمَعُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ سَمَاعِهِ بِذَلِكَ عِلْمُهُ بِهِ أَمَّا إذَا كَانَتْ صِيغَةُ الدَّعْوَى مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ مِنْ أَنَّهُ يُعْلَمُ بِالِاسْتِفَاضَةِ إلَخْ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى حِينَئِذٍ بِلَا شَكٍّ وَيُطَالَبُ بِالْجَوَابِ وَتَكُونُ دَعْوَى حِسْبَةٍ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الْإِكْرَاهِ عَلَى الطَّلَاقِ أَوْ الْبَيْعِ أَوْ نَحْوِهِمَا هَلْ يُشْتَرَطُ فِي ثُبُوتِهِ رَجُلَانِ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْإِكْرَاهُ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ الْبَرَاءَةِ أَوْ نَحْوِهِمَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ الْمَالُ فَهُوَ نَظِيرُ ثُبُوتِ الْقَتْلِ الَّذِي لَا يُوجِبُ قَوَدًا بِذَلِكَ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْقَصْدَ الْمَالُ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ عَلَى الطَّلَاقِ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِرَجُلَيْنِ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمَقْصُودَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِهِمَا وَيُشْتَرَطُ فِي شَاهِدِهِ تَفْصِيلُهُ لِاخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ وَالْمَذَاهِبِ بَلْ أَهْلُ الْمَذْهَبِ كَثُرَ اخْتِلَافُهُمْ فِي حَدِّهِ وَمَا يَثْبُتُ بِهِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ جُدَادُ النَّخْلَةِ يُورَثُ يَدًا عَلَيْهَا كَالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مُجَرَّدُ الْجُدَادِ وَحْدَهُ لَا يُورَثُ يَدًا عَلَى النَّخْلَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ اسْتِيلَاءً عَلَيْهَا كَالْهَدْمِ وَحْدَهُ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ تَثْبُتُ الْحُدُودُ بِالِاسْتِفَاضَةِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ الَّذِي نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَتَاوِيهِ فِي بَابِ الْجِزْيَةِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَاعْتَمَدَهُ أَنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِهَا وَعِبَارَتُهُ الْحُدُود لَا تَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْوُجُودِ أَلَا تَرَى أَنَّ غَاصِبًا لَوْ غَصَبَ دَارًا وَجَاءَ مُدَّعِيهَا لِيَدَّعِيَ بِهَا وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِالدَّارِ وَلَمْ تَتَعَرَّضْ الْبَيِّنَةُ لِحُدُودِهَا لَا بِالْإِشَارَةِ وَلَا بِالْعِبَارَةِ فَإِنَّا لَا نَنْزِعُ الدَّارَ مِنْ الْغَاصِبِ بِمُجَرَّدِ مَا ذُكِرَ فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -

أَنَّ مَا اُشْتُهِرَ لَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ حُدُودِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ فِي الْمَشْهُورِ الْمَقْطُوعِ بِهِ فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا شُكَّ فِي حُدُودِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ حُدُودِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ الْحُدُودَ لَا تَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَرَأَيْتُ ذَلِكَ فِي مَكْتُوبٍ لَهُ مُسَجَّلًا عَلَيْهِ بِقَضِيَّةِ بِرْكَةِ الْحَبَشِ وَقَالَ فِي آخِرِهِ وَلَمْ تُثْبَتْ الْحُدُودُ إذْ الْحُدُودُ عِنْدنَا لَا تَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ صَدَرَتْ عِنْدَهُ دَعْوَى شَرْعِيَّةٌ بَيْنَ مُتَدَاعِيَيْنِ فِي قَضِيَّةٍ لَا تُثْبَتْ عِنْدَهُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ دُونَ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ أَوْ شَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ كَنَحْوِ طَلَاقٍ وَنِكَاحٍ وَقِصَاصٍ وَتَنْفِيذِ حُكْمِ حَاكِمٍ آخَرَ فَلَمْ يَحْضُرْ عِنْدَهُ غَيْرُ شَاهِدٍ وَاحِدٍ وَتَعَذَّرَ الثَّانِي بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ فَهَلْ يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقُولَ لِلشَّاهِدِ فَوَّضْتُ إلَيْكَ الْحُكْمَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ فَيَحْكُمُ فِيهَا الشَّاهِدُ بِعِلْمِهِ أَوْ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ وَإِذَا قُلْتُمْ بِالْجَوَازِ وَحَكَمَ فِيهَا الشَّاهِدُ بِعِلْمِهِ وَأَخْبَرَ مُسْتَنِيبَهُ بِذَلِكَ فَهَلْ لِلْمُسْتَنِيبِ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَيْهِ وَيُنَفِّذَ حُكْمَ نَائِبِهِ فِي الْقَضِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ بِإِخْبَارِهِ بِذَلِكَ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ فَلَقَدْ رَأَيْنَا مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَفْوِيضٍ وَلَا نِيَابَةٍ مِنْهُ فِي ذَلِكَ بَلْ يَكْتَفِي بِإِخْبَارِهِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَيَحْكُمُ فِيهَا أَوْ يُنَفِّذُهَا فَهَذَا مِمَّا أَشْكَلَ عَلَيْنَا. (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إذَا كَانَ فِي الشَّاهِدِ أَهْلِيَّةُ الْقَضَاءِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ الْمُفَوَّضَةِ إلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ ثَمَّ تُهْمَةٌ وَيُبَيِّنُ مُسْتَنَدَهُ كَمَا هُوَ الشَّرْطُ فِي الْقَضَاءِ بِالْعِلْمِ مِنْ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِ وَكَانَ لِلْقَاضِي الِاسْتِنَابَةُ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيبَهُ فِيهَا لِيَقْضِيَ فِيهَا بِعِلْمِهِ بِشُرُوطِهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَغَيْرِهَا مِمَّا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَمَتَى اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ بَطَلَ التَّفْوِيضُ وَالْقَضَاءُ وَكَمْ ارْتَكَبَ قُضَاةُ السُّوءِ وَشُهُودُهُ مِنْ الْقَبَائِحِ مَا تُصَمُّ عَنْهُ الْآذَانُ فَلَا يَبْعُدُ عَلَيْهِمْ مَا ذَكَرَهُ عَنْهُمْ السَّائِلُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا إذَا ثَبَتَ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ فِي الْأُمِّ بِيَمِينِهَا فَهَلْ يُحْكَمُ بِحُرِّيَّةِ وَلَدِهَا بِمُجَرَّدِ يَمِينِهَا أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ يُحْكَمُ بِحُرِّيَّةِ الْوَلَدِ بِمَا ذُكِرَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا إذَا أَذِنَ لَهُ يَصْرِف عَلَى دَابَّتِهِ أَوْ عَلَى مَنْ تَلْزَمهُ مُؤْنَتُهُ مِنْ فَرْعٍ أَوْ أَصْلٍ وَاخْتَلَفَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي أَصْلِ الْإِنْفَاقِ أَوْ قَدْرِهِ الْمُعْتَادِ فَلَمْ يَحْلِفْ الْمُنْفِقُ الْيَمِينَ الْمُتَوَجِّهَةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بَلْ رَدَّهَا عَلَى الْآذِنِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ أَمْ لَا وَهَلْ يَكُونُ حَلِفُ الْآذِنِ فِيهَا عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ تُرَدُّ عَلَيْهِ الْيَمِينُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْحَلِفُ فَمَا فَائِدَةُ طَلَبِ هَذِهِ الْيَمِينِ مِنْهُ سَوَاءٌ وَجَبَتْ عَلَيْهِ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ أَوْ عَلَى الْبَتِّ وَهُوَ لَوْ نَكَلَ عَنْهَا لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ أَصْلًا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ الْمُرَادُ طَلَبُ حَلِفِ الْمُنْكِرِ وَيَكُونُ عَلَى الْبَتِّ وَفَائِدَةُ طَلَبِ حَلِفِهِ أَنَّهُ رُبَّمَا خَافَ مِنْ الْيَمِينِ فَوَافَقَهُ عَلَى دَاعُوهُ. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا إذَا شَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ بِأَنَّ فُلَانَةَ وُلِدَتْ قَبْلَ فُلَانَةَ وَشَهِدَ الشُّهُودُ الذُّكُورُ بِبُلُوغِهَا فَهَلْ يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْأُخْرَى بِذَلِكَ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إذَا ثَبَتَتْ عِنْدَ الْقَاضِي بِطَرِيقِهِ الشَّرْعِيِّ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ بَلَغَتْ بِالسِّنِّ وَثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّ فُلَانَةَ وُلِدَتْ قَبْلَ هَذِهِ ثَبَتَ أَنَّهَا بَلَغَتْ بِالسِّنِّ أَيْضًا فَيَثْبُتُ لَهَا أَحْكَامُ الْبَالِغَةِ وَيَجُوزَ تَزْوِيجُهَا بِالْإِذْنِ. (وَسُئِلَ) رَحِمَهُ اللَّه سُبْحَانَهُ تَعَالَى عَمَّا إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِبُلُوغِ الصَّبِيِّ بِالسِّنِّ وَأُخْرَى بِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ بَلْ عُمُرُهُ ثَلَاثَ عَشَرَةَ سَنَةً أَوْ أَرْبَعَ عَشَرَةَ سَنَةً هَلْ هِيَ شَهَادَةٌ يُكْتَفَى بِهَا أَوْ لَا وَإِذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ وُلِدَ يَوْمَ وُلِدَ فُلَانٌ أَوْ مَاتَ يَكْفِي ذَلِكَ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ اخْتِلَافُ هَاتَيْنِ الْبَيِّنَتَيْنِ فِيمَا ذُكِرَ اخْتِلَافٌ فِي

باب العتق

وَقْتِ وِلَادَتِهِ إذْ حَاصِلُ شَهَادَةِ الْأُولَى أَنَّهُ مَضَى لَهُ مِنْ حِينِ وِلَادَتِهِ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً وَشَهَادَةُ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ لَمْ يَمْضِ لَهُ مِنْ وَقْتِ وِلَادَتِهِ إلَّا ثَلَاثَ أَوْ أَرْبَعَ عَشَرَةَ سَنَةً فَالْأُولَى تُثْبِتُ وُجُودَهُ وَوِلَادَتَهُ فِي زَمَنٍ مُعَيَّنٍ وَالثَّانِيَةُ تَنْفِي وُجُودَهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ فَهُمَا مُتَعَارِضَتَانِ لَكِنَّ الثَّانِيَةَ مُسْتَصْحِبَة لِأَصْلِ الْعَدَمِ وَالْأُولَى نَاقِلَةٌ عَنْهُ فَمَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ فَيُعْمَلُ بِشَهَادَتِهَا وَتُلْغَى شَهَادَةُ الثَّانِيَةِ وَإِذَا أَرَّخَتْ الشَّاهِدَةُ بِالْوِلَادَةِ بِنَحْوِ مَوْتِ فُلَانٍ وَثَبَتَ بِالْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ مَوْتُهُ يَوْمَ كَذَا ثَبَتَتْ وِلَادَةُ فُلَانٍ يَوْمَ كَذَا وَأُدِيرَ حُكْمُهُ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. [بَابُ الْعِتْقِ] (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رَجُلٍ مَعَهُ أَمَةٌ فَسَافَرَ بِهَا إلَى بِلَادٍ فِي الْيَمَنِ تُسَمَّى جَازَانِ مِنْ أَعْمَالِ التُّرْكِ فَنَزَلَ عَلَى الْبِلَادِ وَلَدِ الْإِمَامِ الزَّيْدِيِّ فَشَرَّدُوا التُّرْكَ وَتَرَكُوا الْبِلَادَ فَمَسَكُوا التُّجَّارَ وَالْمُتَسَبَّبِينَ جَمِيعَهُمْ وَمُسِكَ الرَّجُلُ فِي جُمْلَتِهِمْ وَحُبِسَ هُوَ وَجَارِيَتُهُ مَعَ مَنْ حُبِسَ فَأَرَادُوا أَخْذَ الْجَارِيَةِ فَذَكَرَ لَهُمْ أَنَّهَا حَمَلَتْ مِنْهُ فَلَمْ يُصَدِّقُوهُ فَذَكَر لَهُمْ أَنَّهُ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَ بِهَا خَوْفًا أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُ فَقَامَ أَكَابِرُ الْبِلَادِ وَدَخَلُوا عَلَى الْمُتَوَلِّي وَجَعَلُوا مَصْلَحَتَهُ مِائَةً وَثَلَاثِينَ أَشْرَفِيًّا حَتَّى خَلَصَ هُوَ وَجَارِيَتُهُ فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ عِتْقٌ فِي الْجَارِيَةِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ لَا تَعْتِقُ الْجَارِيَةُ الْمَذْكُورَةُ بَاطِنًا أَيْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إنْ قَصَدَ بِقَوْلِهِ أَعْتَقْتُهَا الْإِخْبَارَ بِالْعِتْقِ كَذِبًا حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا لِخَلَاصِهَا، وَأَمَّا فِي ظَاهِرِ الشَّرْعِ فَيُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ الْمَذْكُورِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِهِ وَثَبَتَ لَدَى حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ حُكِمَ عَلَيْهِ بِعِتْقِهَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ قَالَ مَتَى وَجَدْتُ عَبْدِي وَلَمْ أُطَوِّشْهُ فَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ أَحْرَارٌ فَوَجَدَهُ وَبَاعَهُ وَلَمْ يُطَوِّشْهُ فَهَلْ يَحْنَثُ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ إذَا وَجَدَهُ وَتَمَكَّنَ مِنْ تَطْوِيشِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ عَتَقَ عَلَيْهِ أَرِقَّاؤُهُ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورُونَ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ قَالَ أَيُّ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِي ضَرَبَك فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَهُ وَاحِدٌ عَتَقَ وَلَوْ ضَرَبَهُ آخَرُ عَتَقَ حَتَّى لَوْ ضَرَبُوهُ كُلُّهُمْ عَتَقُوا وَلَوْ قَالَ أَيُّ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِي ضَرَبْتَهُ فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبَ وَاحِدًا عَتَقَ فَإِنْ ضَرَبَ آخَرَ لَمْ يَعْتِقْ فَمَا الْفَرْقُ مَعَ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا صِيغَةُ أَيٍّ الدَّالَّةِ عَلَى الْعُمُومِ. (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ أَيَّ وَإِنْ كَانَ لِلْعُمُومِ إلَّا أَنَّ ضَرَبَ فِي الْأَوَّلِ مُسْنَدٌ إلَى ضَمِيرِهِ وَقَدْ وَقَعَ صِفَةً لَهُ فَيَكُون عَلَى طِبْقِهِ فِي الْعُمُومِ وَيَصِيرُ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ أَيُّ عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِي اتَّصَفَ بِضَرْبِك فَهُوَ حُرٌّ فَكُلُّ مَنْ اتَّصَفَ بِضَرْبِهِ يَكُونُ حُرًّا، وَأَمَّا ضَرَبَ فِي الثَّانِي فَهُوَ لَمْ يُسْنَدْ إلَى ضَمِيرِ أَيِّ الَّتِي لِلْعُمُومِ فَلَمْ يُمْكِنْ وُقُوعُهُ أَعْنِي ضَرَبَ صِفَةً لِأَيِّ وَإِذَا لَمْ يَقَعْ صِفَةً لَهَا لَمْ يَكْتَسِبْ عُمُومًا بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى وَضْعِهِ وَمِنْ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُثْبِتَ لَا عُمُومَ لَهُ. وَحِينَئِذٍ فَلَا يَعْتِقُ إلَّا الْأَوَّلُ لَا يُقَالُ النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ لِلْعُمُومِ لِأَنَّا نَقُولُ الْعُمُومُ فِيهَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ دَلَالَةَ السِّيَاقِ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ فَلَا تُسَاوِي الْعُمُومَ بِالصِّيغَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي اللَّفْظِ لِأَنَّهُ أَقْوَى عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ عَدَم عِتْقِ مَا زَادَ عَلَى وَاحِدٍ فَلَا يَعْتِقُ إلَّا زَيْدٌ عَلَيْهِ إلَّا إنْ قَوِيَتْ الصِّيغَةُ الدَّالَّةُ عَلَى الشُّمُولِ لَهُ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ قَالَ مَنْ ضَرَبَك مِنْ عَبِيدِي فَهُوَ حُرٌّ عَتَقَ كُلُّ مَنْ ضَرَبَهُ لِأَنَّ ضَرَبَ حِينَئِذٍ مُسْنَدٌ إلَى ضَمِيرٍ مِنْ الْعَامِّ فَيَعُمُّ كَمَا سَبَقَ فِي الصِّيغَةِ الْأُولَى بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ مَنْ ضَرَبْتَ مِنْ عَبِيدِي فَهُوَ حُرٌّ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا مَنْ ضَرَبَهُ

أَوَّلًا أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي الصِّيغَةِ الثَّانِيَةِ، ثُمَّ مَا ذُكِرَ هُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْأَخِيرَة وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَهِيَ فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ وَحَاصِلُ مَا فِي الْجَامِعِ لَوْ قَالَ أَيُّ عَبْدٍ ضَرَبْتَهُ فَهُوَ حُرٌّ وَضَرَبَ الْكُلَّ فَإِنْ كَانُوا مَعًا عَتَقَ وَاحِدٌ وَبَيَّنَهُ السَّيِّدُ لَا الضَّارِبُ أَوْ مُرَتَّبًا عَتَقَ الْأَوَّلُ لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ وَقْتَ ضَرْبِهِ أَوْ أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَك فَهُوَ حُرٌّ فَضَرَبُوهُ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا عَتَقُوا وَالْفَرْقُ مِنْ وُجُوهٍ ذَكَرَهَا مِنْهَا لَوْ قَالَ أَيُّ نِسَائِي شِئْتَ طَلَاقَهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَشَاءَ طَلَاقَ الْكُلِّ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا وَاحِدَةٌ وَيُبَيِّنُهَا الزَّوْجُ أَوْ مَنْ شَاءَتْ طَلَاقَهَا فَهِيَ طَالِقُ فَشِئْنَ طُلِّقْنَ. وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ طَلِّقْ أَيَّ نِسَائِي شِئْتَ لَمْ يُطَلِّقْ غَيْرَ وَاحِدَةٍ، أَوْ أَيُّ نِسَائِي شَاءَتْ طَلَاقَهَا فَطَلِّقْهَا فَشِئْنَ جَمِيعًا فَطَلَّقَهُنَّ طَلُقْنَ، أَوْ مَنْ شِئْتَ عِتْقَهُ مِنْ عَبِيدِي فَاعْتِقْهُ فَأَعْتَقَهُمْ جَمِيعًا فَعَلَى الْخِلَافِ وَلَوْ شَاءَ عِتْقَهُمْ وَلَمْ يَعْتِقْهُمْ، لَا يَعْتِقُونَ أَوْ مَنْ شَاءَ مِنْ عَبِيدِي عِتْقَهُ فَهُوَ حُرٌّ فَشَاءُوا، أَوْ أَعْتِقُ مِنْ عَبِيدِي مَنْ شَاءَ فَإِذَا شَاءُوا فَأَعْتِقْهُمْ عَتَقَ الْكُلُّ، أَوْ مَنْ سَرَقَ مِنْ النَّاسِ فَاقْطَعْهُ كَانَ لَهُ قَطْعُ كُلِّ سَارِقٍ، أَوْ اقْطَعْ مِنْ السُّرَّاقِ مَنْ شِئْتَ لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ التَّعْمِيمُ فَلَا يُقْطَعُ إلَّا وَاحِدٌ مِنْهُمْ اهـ وَيَنْبَغِي اخْتِصَاصُ جَرَيَانِ هَذِهِ التَّفَاصِيلِ بِالنَّحْوِيِّ وَأَنَّ غَيْرَهُ لَا يُحْمَلُ كَلَامُهُ إلَّا عَلَى وَاحِدٍ فِي الْكُلِّ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرَهُ أَئِمَّتُنَا رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُمْ فِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ بِكَسْرِ إنْ وَفَتْحِهَا وَنَظَائِرِهِ، وَإِنَّمَا اُقْتُصِرَتْ عَلَى وَاحِدٍ فِيهِمَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعِتْقِ فَلَا يُصَارُ إلَى أَزْيَدَ مِنْ وَاحِدٍ إلَّا إنْ قُصِدَ أَوْ وُجِدَتْ قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ قَوِيَّةٌ وَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُ تِلْكَ الْقَرِينَةِ إلَّا مِنْ النَّحْوِيِّ دُونَ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الصِّيغَتَيْنِ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ وَأَلْغَيْنَا الْمَشْكُوكَ فِيهِ (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ بِشَرْطِ مُلَازَمَتِهِ لِلصَّلَوَاتِ فَصَلَّى مُدَّةً ثُمَّ تَرَكَ فَهَلْ يَصِحُّ الْعِتْقُ أَوْ لَا فَيُبَاعُ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ غَيْرُهُ يُلَازِمُهَا. (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ لَمْ أَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَقْلًا بَعْدَ الْفَحْصِ وَتَتَبُّعِ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ صُورَةَ السُّؤَالِ أَعْتَقْتُكَ بِشَرْطِ أَنْ تُلَازِمَ أَوْ إنْ لَازَمَتْ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا إنْ لَازَمَتْ عَلَى الصَّلَوَاتِ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ فَقَدْ أَعْتَقْتُكَ. وَبَيْن الصُّورَتَيْنِ فَرْقٌ إنْ قُلْنَا إنَّ الْإِخْلَالَ بِهَذَا الشَّرْطِ فِي الْأُولَى يَقْتَضِي مَالًا وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ وَذَلِكَ الْفَرْقُ الْمَبْنِيُّ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ الظَّاهِرِ هُوَ أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ فَوْرًا فَيَعْتِقُ عَقِبَهُ وَإِلَّا فَلَا وَأَمَّا الثَّانِي فَلَا يَكْفِي فِيهِ الْقَبُولُ مُطْلَقًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قُلْتُ إنْ قُلْنَا إلَخْ لِقَوْلِهِمْ يَصِحُّ الْعِتْقُ بِعِوَضٍ وَلَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَحُكْمُهُ فِيهِ كَهُوَ فِيهِ فِي الْخُلْع فَحَيْثُ رُجِعَ ثَمَّ لِمَهْرِ الْمِثْلِ رُجِعَ هُنَا لِلْقِيمَةِ. وَحَيْثُ رُجِعَ ثَمَّ لِلْمُسَمَّى فَهُنَا كَذَلِكَ وَحَيْثُ قُلْنَا ثَمَّ بِالْفَوْرِيَّةِ قُلْنَا بِهَا هُنَا وَحَيْثُ لَا فَلَا فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهِ فَوْرًا مَا لَمْ يَأْتِ بِنَحْوِ مَتَى أَوْ يَقُلْ بَعْدَ مَوْتِي وَأَنَّهُ حَيْثُ فَسَدَ بِنَحْوِ جَهْلٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يَفْسُدُ بِهِ عِوَضُ الْخُلْعِ وَقَعَ الْعِتْقُ بِقِيمَتِهِ يَوْمئِذٍ. فَمِنْ الْفَاسِدِ أَعْتَقْتُكَ عَلَى أَنْ تَخْدُمنِي أَوْ أَنْ تَخْدُمَنِي أَبَدًا أَوْ إلَى مَرَضِي أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ قَبِلَهُ فَوْرًا عَتَقَ وَلَزِمَهُ قِيمَتُهُ وَإِلَّا لَمْ يَعْتِقْ، أَوْ أَنْ تَخْدُمَنِي شَهْرًا وَقَبِلَ عَتَقَ وَلَزِمَتْهُ خِدْمَتُهُ شَهْرًا، فَإِنْ تَعَذَّرَتْ الْخِدْمَةُ الْمُدَّةُ كُلُّهَا رَجَعَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ أَوْ بَعْضِهَا فَبِقِسْطِهِ وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَعْتَقْتُكِ عَلَى أَنْ أَنْكِحَكِ وَمِثْلُهُ كَمَا بَحَثَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَى أَنْ تَنْكِحِي زَيْدًا، أَوْ لِسَيِّدِ قِنٍّ أَعْتِقْهُ عَلَى أَنْ أُنْكِحَكَ ابْنَتِي اُحْتِيجَ لِلْقَبُولِ فَوْرًا فَيَقَعُ الْعِتْقُ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّ الْعِوَضَ لَا يَصِحُّ كَوْنُهُ عِوَضِ خُلْعٍ وَأَنَّهَا لَوْ قَالَتْ لِقِنِّهَا أَعْتَقْتُكَ عَلَى أَنْ تَنْكِحَنِي أَوْ عَلَى أَنْ أُعْطِيكَ أَلْفًا عَتَقَ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ لِانْتِفَاءِ الْمُعَارَضَةِ وَخُرُوجِ الشَّرْطِ إلَى الْوَعْدِ الْحَسَنِ، وَمَتَى مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ الْفِعْلِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ بَطَلَ مَا لَمْ يَقُلْ بَعْدَ مَوْتِي فَيَقَعُ بِهِ مَتَى وَقَعَ بَعْدَهُ وَيَمْتَنِعُ عَلَى الْوَارِثِ التَّصَرُّفُ فِيهِ

مَا لَمْ يُعْرَضْ عَلَيْهِ فِعْلُ الْمُعَلَّقِ بِهِ فَيَمْتَنِعُ مِنْهُ، وَيَأْتِي فِي فِعْلِهِ أَوْ فِعْلِ مَنْ يُبَالِي بِتَعْلِيقِهِ لِلْمُعَلَّقِ بِهِ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا وَفِي التَّعْلِيقِ بِالْمُحَالِ مَا قَرَّرُوهُ فِي الطَّلَاقِ، نَعَمْ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ وَأَجْنَبِيَّةٍ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَلَا نِيَّةَ لَهُ طَلُقَتْ امْرَأَتُهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِقِنِّهِ وَحُرٍّ غَيْرِهِ أَحَدُكُمَا حُرٌّ لَا يَعْتِقُ قِنُّهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَا تَحْتَاجُ فِي الْأَصْلِ لِإِيقَاعٍ فَإِيقَاعُهَا فِي الْغَيْرِ الْحُرِّ مُطَابِقٌ لِلْأَصْلِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ لِلْإِيقَاعِ وَإِطْلَاقُهُ عَلَى الزَّوْجَةِ هُوَ الْأَصْلُ الْمُتَبَادِرُ فَانْصَرَفَ إلَيْهَا وَهَذَا وَاضِحٌ وَإِنَّمَا الْخَفِيُّ مَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِقِنِّهِ وَقِنِّ غَيْرِهِ فَإِنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ وَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا أَيْضًا وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ انْصِرَافَ الْحُرِّيَّةِ إلَى أَحَدِهِمَا لَمْ يَقْوَ مُرَجِّحُهَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي اسْتِحَالَةِ حَقِيقَتِهَا دُونَ مَجَازِهَا كَالنِّيَّةِ قَبْلَ التَّلَفُّظِ بِذَلِكَ اللَّفْظِ فَانْصِرَافُهَا إلَى الْمَمْلُوكِ مَعَ مُسَاوَاةِ الْآخَرِ لَهُ فِي ذَلِكَ فِيهِ شِبْهُ تَحَكُّمٍ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّ الزَّوْجَةَ وَالْأَجْنَبِيَّةَ لَيْسَتَا بِمُسْتَوِيَتَيْنِ فِي حَقِيقَتِهِ وَلَا فِي مَجَازِهِ فَانْصَرَفَ إلَى مَنْ هُوَ حَقِيقَةٌ فِيهَا وَحْدَهَا أَيْ الزَّوْجَةِ دُونَ الْأَجْنَبِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِعْمَالُهُ فِيهَا مُرَادًا بِهِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ أَصْلًا فَإِنْ قُلْتَ إنْ أَرَدْتَ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا يُفِيدُ أَوْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُتَكَلِّمِ فَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ أَلَا تَرَى أَنَّ غَيْرَ سَيِّدِ الْقِنِّ لَا يَصِحُّ وَصْفُهُ لَهُ بِالْحُرِّيَّةِ إلَّا مَجَازًا وَالسَّيِّدُ يَصِحُّ وَصْفُهُ لَهُ بِهِ حَقِيقَةً فَكَذَا الزَّوْجُ لَا يَصِحُّ وَصْفُهُ بِالطَّلَاقِ حَقِيقَةً إلَّا لِزَوْجَتِهِ وَلِلْأَجْنَبِيَّةِ بِهِ إلَّا مَجَازًا فَاسْتَوَيَا قُلْتُ مَمْنُوعٌ لِأَنَّا عَهِدْنَا وُقُوعَ الْحُرِّيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ مِنْ غَيْرِ السَّيِّدِ كَسِرَايَةِ عِتْقِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَكَعِتْقِ الْوَلِيِّ عَنْ مُوَلِّيهِ وَالْوَارِثِ عَنْ مُورَثِهِ وَلَمْ يُعْهَدْ وُقُوعُ الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ الزَّوْجِ إلَّا مِنْ الْحَاكِمِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِيلَاءِ وَبِهَذَا يَتَّضِحُ مَا فَرَّقْتُ بِهِ مِنْ اسْتِوَاءِ الْقِنَّيْنِ فِي الِاتِّصَافِ بِحَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ وَمَجَازهَا مِنْ السَّيِّدِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَصِحُّ اسْتِوَاءُ الزَّوْجَةِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ فِي الِاتِّصَافِ بِحَقِيقَةِ الطَّلَاقِ وَمَجَازِهِ مِنْ الزَّوْجِ وَغَيْرِهِ فَتَأَمَّلْهُ وَيَأْتِي هُنَا فِي إنْ أَدَّيْتَ لِي أَوْ أَعْطَيْتَنِي أَوْ أَقْبَضْتَنِي أَوْ ضَمِنْتَ لِي أَوْ قَبَضْتُ مِنْكَ كَذَا مَا قَالُوهُ فِي ذَلِكَ فِي الْخُلْعِ وَفِي إنْ دَخَلَتْ وَكَلَّمَتْ مَا قَالُوهُ فِي اعْتِرَاضِ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ فِي الطَّلَاقِ وَفِي التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ مَا قَالُوهُ ثَمَّ أَيْضًا. وَلَوْ أَعْتَقَهُ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ كَأَعْتَقْتُكَ عَلَى أَنَّ لِي أَوْ لِفُلَانٍ الْخِيَارَ أَوْ عَلَى أَنْ أَبِيعَكَ أَوْ أَعُودَ فِيكَ إذَا شِئْتُ فَهَلْ يَصِحُّ الْعِتْقُ وَيَلْغُوَ الشَّرْطُ كَالنِّكَاحِ فِي أَكْثَرِ صُوَرِهِ أَوْ لَا يَصِحُّ مِنْ أَصْلِهِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ الثَّانِي وَعِبَارَتُهُ فِي بَابِ الْوَقْفِ، فَلَوْ وَقَفَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَقَالَ وَقَفْتُ بِشَرْطِ أَنْ أَبِيعَهُ أَوْ أَرْجِعَ فِيهِ مَتَى شِئْتُ فَبَاطِلٌ وَاحْتَجُّوا لَهُ بِأَنَّهُ إزَالَةُ مِلْكٍ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَالْعِتْقِ أَوْ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةَ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَهَذَا الشَّرْطُ مُفْسِدٌ لَكِنْ فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَفْسُدُ بِهَذَا الشَّرْطِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْعِتْقَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْغَلَبَةِ وَالسِّرَايَةِ. اهـ. وَاعْتَمَدَ السُّبْكِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَلَامَ الْقَفَّالِ وَقَالَ إنَّ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ بُطْلَانِ الْعِتْقِ بِالشَّرْطِ الْفَاسِدِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ. اهـ. وَعَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ فِي عِتْقٍ يَحْتَاجُ لِقَبُولِ كَوَهَبْتُكَ نَفْسَكَ أَوْ أَعْتَقْتُكَ عَلَى كَذَا اُشْتُرِطَ الْقَبُولُ وَفَسَدَ الْمُسَمَّى وَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ كَمَا فِي الْخُلْعِ وَالنِّكَاحِ الْمُقْتَرِنَيْنِ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ لَا يُبْطِلْهُمَا، إذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ وَتَأَمَّلْتَهُ اتَّضَحَ لَك قَوْلِي السَّابِقُ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ، وَبَيَانُهُ أَنَّ الصُّورَةَ الثَّانِيَة أَعْنِي إلَّا لَازَمْتَ عَلَى الصَّلَاةِ فَأَنْتَ حُرٌّ لَا مُعَاوَضَةَ فِيهَا أَصْلًا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَإِنَّمَا هِيَ مَحْضُ تَعْلِيقٍ فَحَيْثُ أَتَى بِالْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا، لَكِنْ مَا حَدُّ تِلْكَ الْمُلَازَمَةِ وَمَا ضَابِطُهَا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ لِلْعُرْفِ فَحَيْثُ لَازَمَهَا مُدَّةً حَتَّى صَارَ يُسَمَّى عِنْدَ النَّاسِ أَنَّهُ مُلَازِمٌ لَهَا عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا - فَإِنْ قُلْتَ هَلْ يَنْصَرِفُ ذَلِكَ التَّعْلِيقُ إلَى الْفَرَائِضِ وَرَوَاتِبِهَا أَوْ إلَى الْفَرَائِضِ فَقَطْ قُلْتُ الظَّاهِرُ الثَّانِي لِأَنَّ الذِّهْنَ إنَّمَا يَتَبَادَرُ إلَيْهِ لِغَلَبَةِ تَرْكِ الْأَرِقَّاءِ لِصَلَوَاتِ الْفَرْضِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ

السَّيِّدَ قَصَدَ بِهَذَا الْإِحْسَانِ إلَيْهِ حَمْلَهُ عَلَى خِلَافِ مَا اعْتَادَهُ أَبْنَاءُ جِنْسِهِ وَأَمَّا حَمْلُهُ عَلَى النَّوَافِلِ أَيْضًا فَلَا قَرِينَةَ لَهُ قَوِيَّةً حَتَّى نَأْخُذَ بِهَا. ثُمَّ رَأَيْتُ عَنْ الْقَلَعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرْتُهُ وَهُوَ قَوْلُهُ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إلَّا حَافَظْتَ عَلَى الصَّلَاةِ فَأَنْتَ حُرٌّ يَقَعُ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ لِوُقُوعِهِ أَيْ الْعِتْقِ مُحَافَظَتُهُ عَلَيْهَا مُدَّةَ اسْتِبْرَاءِ الْفَاسِقِ إذَا تَابَ وَهِيَ سَنَةٌ. اهـ. وَكَأَنَّ هَذَا ضَبْطٌ لِلْعُرْفِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُمْ فِي حَدِّ الْعَدَالَةِ إنَّهَا مِلْكَهُ تَحْمِلُ عَلَى مُلَازَمَةِ التَّقْوَى وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُمْ حَدُّوا تِلْكَ الْمُلَازَمَةَ لِلتَّقْوَى بِسَنَةٍ فَجَعَلُوا مُضِيَّ سَنَةٍ عَلَيْهِ وَهُوَ مُلَازِمٌ لِلتَّقْوَى مُحَصِّلًا لِتِلْكَ الْمَلَكَةِ الْحَامِلَةِ عَلَى تِلْكَ الْمُلَازَمَةِ فَكَانَ هَذَا تَصْرِيحًا مِنْهُمْ بِحُصُولِ تِلْكَ الْمُلَازَمَةِ بِسَنَةٍ فَكَذَلِكَ الْقَصْدُ بِهَذَا التَّعْلِيقِ مُحَافَظَتُهُ عَلَى الصِّيَانَةِ وَالتَّقْوَى فَإِذَا مَضَتْ عَلَيْهِ سَنَةٌ وَهُوَ مُلَازِمٌ لِلصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ فِي أَوْقَاتِهَا فَقَدْ حَصَلَتْ لَهُ مَلَكَةُ الْمُلَازَمَةِ فَوُجِدَ مَقْصُودُ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ، فَإِنْ قُلْتَ قَدْ يَتَّخِذُ الرَّقِيقُ مُلَازَمَةَ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَسِيلَةً لِعِتْقِهِ فَحَسْب ثُمَّ يُعْرِضُ عَنْهَا إذَا عَتَقَ قُلْتُ: لَا نَظَرَ لِذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا فُسِّقَ رُبَّمَا اتَّخَذَ تِلْكَ الْمُلَازَمَةَ وَسِيلَةً لِعَوْدِ عَدَالَتِهِ فَقَطْ وَلَمْ يَنْظُرُوا لِذَلِكَ اكْتِفَاءً بِالْمَظِنَّةِ الْغَالِبِ حُصُولُ الْمَقْصُودِ بِهَا لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَهُ طَبَائِعُ أَرْبَعَةٌ كُلٌّ مِنْهَا يَتَحَرَّكُ فِي الْفَصْلِ الْمُنَاسِبِ لَهُ إلَى الشَّهَوَاتِ وَالْبَطَالَاتِ فَحَيْثُ مَضَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الْفُصُولُ وَلَمْ يَمِلْ طَبْعَهُ عَمَّا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ التَّقْوَى إلَى ضِدِّهَا الْحَامِل عَلَيْهِ الزَّمَنُ وَغَوَائِلُ الْمِحَنِ عُلِمَ أَنَّ التَّقْوَى صَارَتْ لَهُ كَالطَّبِيعَةِ وَالْمَلَكَةِ الرَّاسِخَةِ الَّتِي لَا تَزُولُ غَالِبًا فَاكْتَفَوْا بِتِلْكَ الْمَظِنَّةِ الدَّالِّ عَلَيْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45] وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى الْعَوَارِضِ الْمُسْتَقْبَلَةِ لِأَنَّهَا غَيْبٌ عَنَّا هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَأَمَّا الصُّورَةُ الْأُولَى أَعْنِي أَعْتَقْتُكَ بِشَرْطِ أَنْ تُلَازِمَ عَلَى الصَّلَوَاتِ فَبَيَانُ مَا قُلْتُهُ فِيهَا مِنْ أَنَّهُ لَا مَالَ عَلَيْهِ فِيهَا هُوَ أَنَّ الْعَرْضَ الْمُتَقَوِّمَ يَجِبُ هُوَ أَوْ بَدَلُهُ بِشَرْطِ الْقَبُولِ وَغَيْرَ الْمُتَقَوِّمِ يَقَعُ الْعِتْقُ فِيهِ بِمُجَرَّدِ الْإِعْتَاقِ وَلَا يَحْتَاجُ لِقَبُولٍ كَمَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى دَمٍ أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا لَا يُقْصَدُ بِالْعِوَضِيَّةِ كَالْحَشَرَاتِ فَإِنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا وَلَا مَالَ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمَّا لَمْ يُقْصَدْ بِالْعِوَضِيَّةِ بِحَالِ كَانَ الْمُطَلِّقُ غَيْرَ طَامِعٍ فِي شَيْءٍ أَلْبَتَّةَ بِخِلَافِ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهَا قَدْ تُقْصَدُ لِلضَّرُورَةِ وَلِلْجَوَارِحِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْغَرَضَ الَّذِي هُوَ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الصَّلَوَاتِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ لِأَنَّهُ لَا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ عُرْفًا وَلَا شَرْعًا لِوُجُوبِهِ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ وَالْوَاجِبُ الْعَيْنِيُّ الْمُتَعَلِّقُ بِالنَّفْسِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ عِوَضٍ عَلَيْهِ أَصْلًا وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ يَأْتِي فِيهِ مَا فِي الْخُلْعِ عَلَى الدَّمِ مِمَّا تَقَرَّرَ فَإِنْ قُلْتَ هَلْ يَصِحُّ قِيَاسُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا مَرَّ فِي قَوْلِهَا لِقِنِّهَا أَعْتَقْتُكَ عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجنِي قُلْتُ الْحُكْمُ وَاحِدٌ لَكِنَّ الْمَلْحَظَ فِي التَّعْلِيلِ مُخْتَلِفٌ لِقَوْلِهِمْ فِي هَذِهِ إنَّ هَذَا خَرَجَ عَنْ الْعِوَضِيَّةِ إلَى الْوَعْدِ الْجَمِيلِ فَكَأَنَّهَا أَعْتَقَتْهُ عَلَى أَنْ تُعْطِيَهُ أَلْفًا فَيَعْتِقُ فِيهِمَا بِلَا قَبُولٍ لِعَدَمِ الْعِوَضِيَّةِ وَانْقِلَابِهَا إلَى الْوَعْدِ الْجَمِيلِ لِأَنَّهَا لَمْ تَشْتَرِطْ عَلَيْهِ مَا فِيهِ مَشَقَّةٌ أَصْلًا وَأَمَّا صُورَتُنَا فَفِيهَا عِوَضِيَّةٌ بِمَا فِيهِ مَشَقَّةٌ أَيْ مَشَقَّةٌ عَلَى الْعَتِيقِ لَكِنْ لَمَّا لَمْ تُقَابَلْ تِلْكَ الْمَشَقَّةِ بِمَالٍ شَرْعًا وَلَا عُرْفًا سَلَخْنَاهُ عَنْ الْعِوَضِيَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّقْوِيمِ وَجَعَلْنَاهُ كَأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فَاتَّضَحَ أَنَّهُ لَا جَامِعَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْعِلَّةِ حَتَّى يَصِحَّ قِيَاسُ مَا فِي السُّؤَالِ عَلَى هَذِهِ وَلَوْلَا مَا قَرَّرُوهُ مِنْ أَنَّ الْعِتْقَ عَلَى شَرْطٍ كَالطَّلَاقِ عَلَيْهِ فِي أَحْكَامِ عِوَضِهِ وَغَيْرِهَا لِمَا اتَّضَحَ فِي صُورَةِ الْعِتْقِ عَلَى مُحَافَظَةِ الصَّلَوَاتِ وَمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ يَعْتِقُ بِمُجَرَّدِ التَّلَفُّظِ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ قَبُولٍ سَوَاءٌ أَحَافَظَ عَلَيْهَا أَمْ لَا وَلَا رُجُوعَ لِسَيِّدِهِ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ أَصْلًا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شَخْصٍ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى مَالِ أَيْتَامٍ ثُمَّ إنَّهُ تَصَرَّفَ فِي الْمَالِ بِبَيْعٍ وَشِرَاءٍ ثُمَّ اشْتَرَى جَارِيَةً وَأَعْتَقَهَا ثُمَّ إنَّ أَهْلَ الدَّيْنِ طَالَبُوهُ فَمَا

باب التدبير

وَجَدُوا مَعَهُ مَا يُوَفِّي مَا لَهُمْ فَهَلْ لِلْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ بِبَيْعِ الْجَارِيَةِ وَيُوَفِّي لَهُمْ مَا لَهُمْ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ الشِّرَاءُ بِعَيْنِ مَالِ الْأَيْتَامِ وَلَيْسَ وَصِيًّا عَلَيْهِمْ أَوْ كَانَ وَصِيًّا وَلَا مَصْلَحَةَ لَهُمْ فَالشِّرَاءُ بَاطِلٌ وَالْعِتْقُ بَاطِلٌ وَكَذَا إنْ كَانَ مَدْيُونًا وَحُجِرَ عَلَيْهِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ وَاشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ فَالشِّرَاءُ صَحِيحٌ وَالْعِتْقُ صَحِيحٌ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ بِبُطْلَانِ شِرَاءٍ وَلَا عِتْقٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. [بَابُ التَّدْبِيرِ] (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شَخْصٍ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ عَلَى صِفَةٍ وَصُورَتُهُ قَالَ إذَا مَرِضْتُ فَعَبْدِي فُلَانٌ قَبْلَ مَرَضِ مَوْتِي بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ شَهْرٍ مَثَلًا حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَهَلْ لَهُ بَيْعُ هَذَا الْعَبْدِ الْمُعَلَّقِ عِتْقَهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ كَالْمُدَبَّرِ أَوْ لَا وَإِذَا وُجِدَتْ الصِّفَةُ هَلْ يَعْتِقُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ أَوْ مِنْ الثُّلُثِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ يُبَاعُ الْعَبْدُ مُطْلَقًا وَإِذَا مَاتَ وَقَدْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ عَتَقَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ شَخْصٍ قَالَ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ لِعَبْدَيْنِ لَهُ إذَا خَدَمْتُمَا ابْنَتِي عَائِشَةَ وَأَوْلَادَ ابْنِي مُحَمَّدٍ بَعْدَ مَوْتِي خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً أَوْ إلَى بُلُوغِ الصَّغِيرِ مِنْهُمْ أَنْتُمَا أَحْرَارٌ وَكَانَ وَالْحَالُ هَذَا أَوْلَادُ ابْنَتِهِ الْمَذْكُورَةِ اثْنَيْنِ وَأَوْلَادُ ابْنِهِ كَذَلِكَ اثْنَيْنِ فَهَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ التَّعْلِيقُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَيَعْتِقَانِ أَيْ الْعَبْدَانِ هَذَانِ بِبُلُوغِ تِلْكَ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا أَمْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ يَصِحُّ ذَلِكَ فَلَوْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ أَوْلَادِ ذَلِكَ الِابْنِ أَوْ الْبِنْتِ قَبْلَ مَوْتِ ذَلِكَ الْمُعَلِّقِ أَوْ بَعْدَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْوَاقِعُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ هَذَا فَهَلْ يَبْطُلُ ذَلِكَ التَّعْلِيقُ وَيَصِيرُ الْمُعَلَّقَانِ تَرِكَةً أَوْ لَا وَأَيْضًا فَلَوْ مَاتَ مَنْ ذَكَرْنَا وَهُوَ ذَلِكَ الْمُعَلِّقُ عَنْ بِنْتِهِ وَبِنْتِ ابْنِهِ وَأَوْلَادِ عَمِّهِ فَهَلْ تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ ذَلِكَ التَّعْلِيقِ عَلَى إجَازَةِ أَوْلَادِ عَمِّهِ وَبِنْتِهِ فِي حِصَصِهِمْ لِبِنْتِ ابْنِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ أَمْ لَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى الْإِجَازَةِ فَإِنْ قُلْتُمْ يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى الْإِجَازَةِ فَلَوْ لَمْ يُجِيزُوا أَوْ أَجَازَتْ الْبِنْتُ وَلَمْ يَجُزْ أَوْلَادُ أَعْمَامِ ذَلِكَ الْمَيِّتِ فَهَلْ يَبْطُلُ ذَلِكَ التَّعْلِيقُ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ شَرْطُهَا أَنْ تَسْتَغْرِقَ الْكُلَّ مِنْ أَوْلَادِ بِنْتِهِ وَابْنِهِ -، وَأَوْلَادُ ابْنِهِ لَمْ يَقَعْ لَهُمْ الَّذِي أَرَادَهُ لِتَعَذُّرِهِ عَلَيْهِمْ شَرْعًا. وَأَيْضًا فَتَزْوِيجُ الْعَبْدَيْنِ هَذَيْنِ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ ذَلِكَ التَّعْلِيقِ هَلْ يَصِحُّ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ يَصِحُّ وَالْحَالُ مَا تَقَدَّمَ فَمَنْ ذَا يُقَدَّمُ وَمَنْ ذَا يُزَوِّجُهُمَا هَلْ هُمْ الْوَرَثَةُ بِإِذْنِ وَلِيِّ الْأَوْلَادِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَأَيْضًا فَمُؤْنَتُهُمَا مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ هَلْ هِيَ عَلَى الْوَرَثَةِ الْمَذْكُورِينَ كَالْعَبْدِ الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ حَيْثُ جَمِيعُ مُؤَنِهِ ثَمَّةَ عَلَيْهِمْ أَمْ هِيَ عَلَى الْمُوصَى لَهُمْ بِالْمَنْفَعَةِ وَأَيْضًا فَمَا حَدَثَ مِنْ أَوْلَادٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ هَذَيْنِ فِي الْمُدَّةِ الْمُعَلَّقِ الْعِتْقُ بِبُلُوغِهَا لِمَنْ يَكُونُونَ لِأُولَئِكَ الْوَرَثَةِ الْمَذْكُورِينَ أَوْ لِمُسْتَحِقِّي تِلْكَ الْمَنْفَعَةِ وَأَيْضًا فَلَوْ مَاتَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فَهَلْ يَبْطُلُ ذَلِكَ التَّعْلِيقُ أَيْضًا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ يَصِحُّ ذَلِكَ التَّعْلِيقُ الْمَذْكُورُ وَيَعْتِقَانِ بِوُجُودِ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا إنْ خَرَجَا مِنْ الثُّلُثِ وَإِلَّا فَبِالْقِسْطِ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَإِنْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ أُولَئِكَ الْأَوْلَادِ قَبْلَ مَوْتِ الْمُعَلِّقِ أَوْ بَعْدَهُ بَطَلَ التَّعْلِيقُ وَصَارَا تَرِكَةً لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمُعَلَّقَ عَلَيْهَا، وَهِيَ خِدْمَتُهُمَا لِجَمِيعِ أُولَئِكَ الْأَوْلَادِ لَمْ تُوجَدْ وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ إلَّا دَخَلْتُمَا هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ فَدَخَلَتْ إحْدَاهُمَا إحْدَى الدَّارَيْنِ وَالْأُخْرَى الْأُخْرَى لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا حَتَّى تَدْخُلَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الدَّارَيْنِ جَمِيعًا عَلَى الصَّحِيحِ وَمَا لَوْ قَالَ لَهُمَا إلَّا حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ فَإِنَّهُ تَعْلِيقٌ لِطَلَاقِهِمَا عَلَى حَيْضِهِمَا جَمِيعًا فَإِنْ حَاضَتَا مَعًا طُلُقَتَا وَإِنْ حَاضَتْ إحْدَاهُمَا

باب الكتابة

لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَة، وَأَصْلُ ذَلِكَ الْقَاعِدَةُ الْمَشْهُورَةُ وَهِيَ أَنَّ مُقَابَلَةَ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ وَالْمُرَادُ بِالْجَمْعِ هُنَا مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ تَارَةً يَقْتَضِي مُقَابَلَةَ الْآحَادِ بِالْآحَادِ نَحْو رَكِبَ الْقَوْمُ دَوَابَّهُمْ، {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [البقرة: 19] أَكَلَ الزَّيْدَانِ الرَّغِيفَيْنِ أَيْ كُلّ وَاحِدٍ أَكَلَ رَغِيفًا وَتَارَةً يَقْتَضِي مُقَابَلَةَ الْكُلِّ لِكُلِّ فَرْدٍ نَحْوَ قَوْلِهِ عَزَّ قَائِلًا {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} [البقرة: 238] {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] بِخِلَافِ {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6] فَإِنَّهُ مِنْ الْأَوَّلِ وَلِهَذَا ثَنَّى الْأَوَّلَ وَجَمَعَ الثَّانِيَ لِأَنَّ لِكُلِّ رِجْلٍ كَعْبَيْنِ وَلِكُلِّ يَدٍ مِرْفَقًا فَصَحَّتْ الْمُقَابَلَةُ الْأُولَى مَعَ جَمْعِ الْمَرَافِقِ وَلَا يَصِحُّ جَمْعُ الْكِعَابِ لِاقْتِضَائِهَا الِاكْتِفَاءَ مِنْ كُلِّ رِجْلٍ بِكَعْبٍ فَوَجَبَتْ التَّثْنِيَةُ لِيُفْهَمَ وُجُوبُ الْكَعْبَيْنِ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَرْدًا مِنْ الْمُخَاطَبِينَ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مُهِمَّةٌ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهَا كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ مِنْهَا {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ هَلْ الْمُرَادُ تَوْزِيعُ الصَّدَقَاتِ عَلَى مَجْمُوعِ الْأَصْنَافِ أَوْ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الصَّدَقَاتِ عَلَى مَجْمُوعِ الْأَصْنَافِ وَنَبْنِي عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ اسْتِيعَابُ الْأَصْنَافِ بِكُلِّ صَدَقَةٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا أَوْ يَكْفِي وَضْعُهَا فِي صِنْفٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْ الْفُرُوعِ الْمَذْهَبِيَّةِ ثَمَّ إنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى أَحَدِهِمَا صِيرَ إلَيْهَا وَإِنْ لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى أَحَدِهِمَا فَهَلْ يُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ عَلَى الثَّانِي فِيهِ خِلَافٌ وَالرَّاجِحُ غَالِبًا تَوْزِيعُ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ كَمَا فِي مَسْأَلَتَيْ الطَّلَاقِ السَّابِقَتَيْنِ وَتَتَوَقَّفُ صِحَّةُ ذَلِكَ التَّعْلِيقِ عَلَى إجَازَةِ مَنْ ذُكِرَ لِبِنْتِ الِابْنِ الَّذِي هُوَ مُحَمَّدٌ لِأَنَّ ذَلِكَ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَوْلُهُمْ إنَّ الْإِعَارَةَ وَلَوْ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَالْوَصِيَّةَ يُعْتَبَرُ فِيهَا أُجْرَةُ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَمِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ رَدُّوا كُلُّهُمْ بَطَلَ التَّعْلِيقُ وَكَذَا لَوْ رَدَّ بَعْضُهُمْ لِفَوَاتِ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا وَهِيَ خِدْمَةُ أَوْلَادِ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ التَّعْلِيقُ صَحَّ تَزْوِيجُهُمَا كَالْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ بَلْ أَوْلَى ثُمَّ الَّذِي يُزَوِّجُهُمَا هُوَ الْوَارِثُ لَكِنْ بِإِذْنِ الْمُسْتَحِقِّ لِخِدْمَتِهِمَا لِأَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَهَا وَالتَّزَوُّجُ يُنْقِصُهَا فَإِنْ قُلْتَ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي وَسِيطِهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ أَمَّا الْعَبْدُ فَيَظْهَرُ اسْتِقْلَالَ الْمُوصَى لَهُ بِهِ لِأَنَّ مَنْعَ الْعَقْدِ لِلتَّضَرُّرِ وَبِتَعَلُّقِ الْحُقُوقِ بِالِاكْتِسَابِ وَهُوَ الْمُتَضَرِّرُ قُلْتُ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا عَلَى عَبْدٍ مُوصًى بِمَنَافِعِهِ أَبَدًا بِدَلِيلِ تَعْلِيلِهِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ التَّضَرُّرُ فِيهِ إلَّا حِينَئِذٍ وَأَمَّا الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً فَلَا يُزَوِّجُهُ بِلَا إذْنِ الْوَارِثِ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي مَنَافِعِهِ فَيَحْصُلُ لَهُ التَّضَرُّرُ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا التَّصْرِيحُ بِمَا ذَكَرْتُهُ وَهُوَ قَوْلُهُمْ الْمُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَةٍ مُعِينَةٍ كَخِدْمَةِ عَبْدٍ لَا يَسْتَحِقُّ غَيْرَهَا، فَيَشْمَلُ قَوْلُهُمْ غَيْرُهَا التَّزْوِيجَ وَغَيْرَهُ وَمُؤْنَةُ الْعَبْدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ عَلَى الْوَرَثَةِ لِأَنَّ مِلْكَهُمْ بَاقٍ عَلَيْهِمَا وَمِنْ ثَمَّ لَوْ اسْتَفَادَا مَالًا مِنْ نَحْوِ وَصِيَّةٍ أَوْ لُقَطَةٍ كَانَ لَهُمْ وَأَوْلَادُهُمَا تَابِعُونَ لِأُمِّهِمْ رِقًّا وَحُرِّيَّةً لَا لَهُمَا وَيَبْطُلُ التَّعْلِيقُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْتُهُ فِيمَا لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْأَوْلَادِ مِنْ مَسْأَلَتَيْ الطَّلَاقِ الْقَاعِدَةُ السَّابِقَةُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ [بَابُ الْكِتَابَةِ] (وَسُئِلَ) بِمَا صُورَتُهُ هَلْ يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْ نُجُومِ الْكِتَابَةِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُمَا وَإِنْ نَصّ فِي الْأُمِّ عَلَى صِحَّتِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [بَابُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ] (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْمُبَعَّضِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ وَطْءُ جَارِيَتِهِ إذَا أَذِنَ فِيهِ مَالِكُ بَعْضِهِ وَهَلْ يَنْفُذُ اسْتِيلَادُهُ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ لَا فَقَدْ رَأَى الْمَمْلُوكَ فِي بَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ مِنْ شَرْحِ الرَّوْضِ نُفُوذَ اسْتِيلَادِهِ نَقْلًا عَنْ الْبُلْقِينِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَأَقَرَّهُ مَعَ كَلَامٍ مُشْكِلٍ فِي آخِرِهِ هَلْ ذَلِكَ مُقَرَّرٌ

أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ إنَّ لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ تَعَالَى عَنْهُ قَوْلَيْنِ فِي وَطْءِ الْمُبَعَّضِ أَمَتَهُ الَّتِي مَلَكَهَا بِبَعْضِهِ الْحُرِّ الْقَدِيمُ لَهُ ذَلِكَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَالْجَدِيدُ الْمُعْتَمَدُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ مُطْلَقًا لِنَقْصِهِ بِمَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ فَلَمْ يُبَحْ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى مَا هُوَ مِنْ سِمَاتِ الْكَامِلِينَ وَهُوَ الْوَطْءُ الْمُتَسَبَّتُ عَنْهُ الِاسْتِيلَادُ هَذَا حُكْمُ وَطْئِهِ وَأَمَّا نُفُوذُ إيلَادِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَيْضًا أَحَدُهُمَا عَدَمُ نُفُوذِهِ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ التَّسَرِّي مُطْلَقًا وَلَيْسَ أَهْلًا لِلْعِتْقِ وَلِذَا لَوْ أَعْتَقَ لَمْ يَنْفُذْ عِتْقُهُ وَيَدُلُّ لَهُ تَقْيِيدُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نُفُوذَ إيلَادِهِ بِمَا إذَا كَانَ بَعْدَ عِتْقِهِ وَقَوْلُ الشَّيْخَيْنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إذَا أَوْلَدَ الْأَبُ الْمُبَعَّضُ أَمَةَ فَرْعِهِ لَمْ يَثْبُتْ الِاسْتِيلَادُ، وَالثَّانِي نُفُوذُ إيلَادِهِ وَجَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَرَجَّحَهُ السِّرَاجُ الْبُلْقِينِيُّ وَوَلَدُهُ الْجَلَالُ وَتِلْمِيذُهُ الْبَدْرُ الزَّرْكَشِيُّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ الْجَلَالُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَتَقْيِيدُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - بِبَعْدِ الْعِتْقِ لَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ وَقَالَ السِّرَاجُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا دَلِيلَ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى الْمَذْكُورِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمُبَعَّضِ أَنْ لَا يَثْبُتَ لَهُ شُبْهَةُ الْإِنْفَاقِ بِالنِّسْبَةِ إلَى نِصْفِهِ الرَّقِيقِ وَلَا كَذَلِكَ الْمُبَعَّضُ فِي الْأَمَةِ الَّتِي اسْتَقَلَّ بِمِلْكِهَا فَإِنْ قُلْتَ يَنْفُذُ إيلَادُهُ مَعَ حُرْمَةِ تَسَرِّيهِ وَلَوْ بِالْإِذْنِ قُلْتُ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ مَنْعِ تَسَرِّيهِ مُطْلَقًا وَنُفُوذِ إيلَادِهِ لِأَنَّ الْإِيلَادَ قَدْ يَنْفُذُ مَعَ تَحْرِيمِ السَّبَبِ كَوَطْءِ الْمُوسِرِ الْأَمَةَ الْمُشْتَرَكَةَ. وَقَدْ عَلَّلَ الْمَاوَرْدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نُفُوذَ إيلَادِهِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهَا مُلِكَتْ بِحُرِّيَّتِهِ فَيَجْرِي عَلَيْهَا حُكْمُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فَإِنْ قُلْتَ الْعِلَّةُ الَّتِي مُنِعَ التَّسَرِّي لِأَجْلِهَا مَوْجُودَةٌ إذَا قِيلَ بِنُفُوذِ إيلَادِهِ قُلْتُ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ مِمَّا مَنَعَ مِنْ التَّسَرِّي لِأَجْلِهِ نَقْصُهُ بِمَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ فَلَمْ يُبَحْ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى مَا هُوَ مِنْ سِمَاتِ الْكَامِلِينَ كَمَا مَرَّ وَأَمَّا الْحُكْمُ بِنُفُوذِ إيلَادِهِ فَهُوَ أَمْرٌ قُهِرَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَلْزَمْ عَلَيْهِ مُسَاوَاتُهُ لِلْكَامِلَيْنِ فَإِنْ قُلْتَ فَلِمَ نَفَذَ إيلَادُهُ وَلَمْ يَنْفُذْ إعْتَاقُهُ قُلْتُ لِانْقِطَاعِ رِقِّهِ بِالْمَوْتِ قَبْلَ عِتْقِ مُسْتَوْلَدِهِ وَمَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ حَالَ الْإِحْبَالِ فَلَمْ يُوجَدْ فِيهِ رِقٌّ حَالَ عِتْقِ مُسْتَوْلَدَتِهِ بِخِلَافِ إعْتَاقِهِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَنْفِيذُهُ لِوُجُودِ اتِّصَافِهِ بِالنَّقْصِ وَهُوَ مَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ عِنْدَهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ نَفَذَ لَزِمَ إثْبَاتُ الْوَلَاءِ وَهُوَ لَيْسَ مُتَأَهِّلًا لِذَلِكَ لِقِيَامِ الْمَانِعِ بِهِ وَهُوَ الرِّقُّ الَّذِي فِيهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَرَّةً هَلْ يَنْفُذُ اسْتِيلَادُ الْمُبَعَّضِ؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهِ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَد نَعَمْ كَمَا فِي الْأُمِّ وَجَرَى عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَصَحَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَتَنَاقَضَ فِيهِ كَلَامُ شَيْخِنَا سَقَى اللَّهُ عَهْدَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ فَجَزَمَ بِالنُّفُوذِ فِي بَابِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَجَرَى عَلَى خِلَافِهِ فِي بَابِ نِكَاحِ الْأَبِ أَمَةَ فَرْعِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْهُ عَنْ أَمَةٍ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ نَائِمٍ فَوَلَدَتْ مِنْهُ فَهَلْ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ وَطْءِ الشُّبْهَةِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي لُحُوقِ النَّسَبِ بِشُبْهَةِ الرَّجُلُ لَا بِالْمَرْأَةِ وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْوَلَدُ مَنْسُوبًا لِلنَّائِمِ لَكِنْ لَوْ كَانَ النَّائِمُ حُرًّا فَهَلْ يَكُونُ الْوَلَدُ حُرًّا أَوْ لَا وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ الثَّانِي لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي وَلَدِ الْأَمَةِ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهَا إلَّا إذَا وُجِدَ ظَنٌّ مِنْ الْوَاطِئِ يَقْتَضِي حُرِّيَّتَهُ كَأَنْ ظَنَّهَا مَمْلُوكَتَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْوَاطِئِ هُنَا ظَنُّ ذَلِكَ فَبَقِيَ وَلَدُ الْأَمَةِ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ الرِّقِّ وَالْكَلَامُ فِي غَيْرِ سَيِّدِهَا أَمَّا لَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ سَيِّدِهَا وَهُوَ نَائِمٌ فَيَلْحَقُهُ الْوَلَدُ وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ مُطْلَقًا. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا اسْتَمْنَى الرَّجُلُ بِيَدِ أَمَةِ وَلَدِهِ هَلْ يَكُونُ الْمَاءُ مُحْتَرَمًا كَمَا لَوْ وَطِئَهَا فَإِنَّهُ يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ أَمْ لَا يَكُونُ مُحْتَرَمًا حَتَّى لَوْ اسْتَدْخَلَتْهُ هِيَ أَوْ غَيْرُهَا وَحَبِلَتْ لَا يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ؟ (فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمَاءُ النَّازِلُ بِشُبْهَةٍ مُحْتَرَمٌ وَمِنْ جُمْلَةِ

الشُّبْهَةِ هُنَا شُبْهَةُ الْأَبِ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ هُنَا وَحِينَئِذٍ فَإِنْ اسْتَدْخَلَتْهُ امْرَأَةٌ بِشُبْهَةٍ أَيْضًا لَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي اللُّحُوقِ بِاسْتِدْخَالِ الْمَاءِ احْتِرَامُهُ فِي حَالَةِ الْإِنْزَالِ وَحَالَةِ وَالِاسْتِدْخَالِ وَمِنْ احْتِرَامِهِ نُزُولُهُ بِشُبْهَةٍ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَمِنْ الشُّبْهَةِ الْأَبُ كَمَا عَلِمْتَهُ عَنْ الْجَوَاهِرِ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ يَشْمَلُهُ وَلَا نَظَرَ لَإِثْمِهِ بِذَلِكَ كَمَا لَا نَظَرَ فِي وَطْئِهِ لِذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ فَسَّرُوا عَدَمَ الِاحْتِرَامِ أَنْ يَنْزِلَ بِزِنًا. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا اخْتَلَفَ الْأَبُ وَالْوَلَدُ فِي إحْبَالِ الْأَمَةِ الَّتِي لِوَلَدِهِ فَادَّعَاهُ الْأَبُ وَأَنْكَرَ الْوَلَدُ فَهَلْ الْعِبْرَةُ بِتَصْدِيقِ الْوَلَدِ فَقَطْ وَإِنْ كَذَّبَتْ الْأَمَةُ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِ الْأَمَةِ أَيْضًا؟ (فَأَجَابَ) إذَا اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْإِحْبَالِ صُدِّقَ الْمَالِكُ فِي نَفْيِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ أَوْ فِي كَوْنِهِ مِنْ الْأَبِ وَالِابْنِ فَإِنْ وَطِئَهَا كُلٌّ مِنْهُمَا وَادَّعَى الْوَلَدَ عُرِضَ عَلَى الْقَائِفِ أَوْ ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَالْوَلَدُ لَهُ كَمَا لَوْ كَانَ الْإِمْكَانُ مِنْ أَحَدِهِمَا فَقَطْ فَإِنَّهُ لَهُ فَقَطْ وَلَا عِبْرَةَ فِي ذَلِكَ بِكَلَامِ الْأَمَةِ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا اخْتَلَفَ الْأَبُ وَالْوَلَدُ بَعْدَ إحْبَالِ الْأَبِ الْأَمَةَ فِي أَنَّهَا مَوْطُوءَةٌ لِلْوَلَدِ حَتَّى تَحْرُمَ عَلَى الْأَبِ أَوْ أَنَّهَا مُسْتَوْلَدَةٌ لِلْوَلَدِ حَتَّى لَا تَصِيرَ مُسْتَوْلَدَةً لِلْأَبِ فَادَّعَى الْوَلَدُ الْوَطْءَ أَوْ الِاسْتِيلَادَ وَكَذَّبَهُ الْوَالِدُ فَهَلْ الْقَوْلُ قَوْلُ الْأَبِ أَوْ الْوَلَدِ؟ (فَأَجَابَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ تَصْدِيقُ الْوَالِدِ لِأَنَّ إحْبَالَهُ لَهَا يَقْتَضِي مِلْكَهُ إيَّاهَا بِوَطْئِهَا قَهْرًا عَلَى الْوَلَدِ فَإِذَا أَرَادَ الْوَلَدُ رَفْعَ ذَلِكَ بِدَعْوَةِ وَطْءٍ أَوْ اسْتِيلَادٍ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ مَجْهُولَةً فَأَقَرَّ وَالِدُهُ بِأُبُوَّتِهِ لَهَا لَمْ تَحْرُمْ عَلَى الِابْنِ وَإِنْ ثَبَتَتْ أُخْتِيَّتُهُ لَهَا إلَّا إنْ صَدَّقَ أَبَاهُ فِي الِاسْتِلْحَاقِ لِأَنَّهَا كَانَتْ حَلَالًا لَهُ فَإِذَا أَرَادَ أَبُوهُ أَنْ يُقِرَّ بِمَا يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِإِقْرَارِ الْأَبِ حَتَّى يُصَدِّقَهُ فَكَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا كَمَا هُوَ وَاضِحٌ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا ادَّعَى الْأَبُ الْإِنْزَالَ قَبْلَ تَمَامِ إيلَاجِ الْحَشَفَةِ حَيْثُ أَحْبَلَهَا حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ إلَّا الْقِيمَةُ فَقَطْ وَادَّعَى الِابْنُ بَعْدَ تَمَامِ إيلَاجِ الْحَشَفَةِ حَتَّى يَلْزَمَ الْأَبَ الْمَهْرُ وَالْقِيمَةُ وَمَعَ اتِّفَاقِهِمَا أَنَّهَا حَبِلَتْ وَوَلَدَتْ مِنْ الْأَبِ فَهَلْ الْقَوْلُ لِلْأَبِ بِيَمِينِهِ أَمْ قَوْلُ الِابْنِ؟ (فَأَجَابَ) الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ تَصْدِيقُ الْأَبِ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَدَّعِي عَلَيْهِ بِمَهْرٍ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْهُ وَلِأَنَّ الْإِنْزَالَ خَفِيٌّ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ إلَّا مِنْ الْأَبِ فَقُبِلَ قَوْلُهُ فِيهِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَتِهَا حَالَ الْإِنْزَالِ صُدِّقَ الْأَبُ لِأَنَّهُ غَارِمٌ فَكَذَا هُنَا. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا ادَّعَتْ الْأَمَةُ عَلَى ابْنِ سَيِّدِهَا أَنَّهَا حَبِلَتْ وَوَضَعَتْ وَلَدًا مِنْ وَطْئِهِ أَوْ اسْتِدْخَالِ مَائِهِ الْمُحْتَرَمِ وَصَدَّقَهَا الْأَبُ وَكَذَّبَهَا الِابْنُ فَهَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهَا أَمْ لَا؟ (فَأَجَابَ وَطْءُ الِابْنِ جَارِيَةَ أَبِيهِ لَا يَقْتَضِي مَهْرًا إلَّا إنْ كَانَ لِشُبْهَةٍ مِنْهَا وَلَا مِلْكًا مُطْلَقًا وَلَا لُحُوقَ وَلَدٍ إلَّا إنْ كَانَ بِشُبْهَةٍ مِنْهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا فَائِدَةَ لِتَصْدِيقِ الْأَبِ وَمَعَ تَكْذِيبِ الِابْنِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ وَلَعَلَّ فِي الْكِتَابَةِ تَحْرِيفٌ وَأَنَّ الصَّوَابَ ادَّعَتْ عَلَى أَبِي سَيِّدِهَا وَحِينَئِذٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ تَصْدِيقَ الْأَبِ لَهَا يُوجِبُ مِلْكَهُ إيَّاهَا وَلُزُومَ الْقِيمَةِ لَهُ وَكَذَا الْمَهْرُ بِشَرْطِهِ وَلَا أَثَرَ لِتَكْذِيبِ سَيِّدِهَا لِأَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْإِنْشَاءِ قَدَرَ عَلَى الْإِقْرَارِ وَالْأَبُ لَوْ وَطِئَهَا يَقِينًا كَانَ هَذَا حُكْمُهُ فَقُبِلَ إقْرَارُهُ بِهِ وَأَيْضًا فَلَا ضَرَرَ عَلَى السَّيِّدِ فِيهِ لِأَنَّهُ تَجِبُ الْقِيمَةُ أَوْ الْمَهْرُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ مُكْرَهَةً أَوْ لِشُبْهَةٍ مِنْهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَوْ اشْتَرَاهَا حَيْثُ كَانَتْ أَمَةً وَكَانَ التَّزَوُّجُ أَوْ الشِّرَاءُ حَالَ وَطْئِهَا زِنًا ثُمَّ نَزَعَ هَلْ يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَالْمُسَمَّى حَيْثُ تَزَوَّجَهَا؟ (فَأَجَابَ) إنْ وَقَعَ التَّزَوُّجُ أَوْ الِاشْتِرَاءُ بَعْدَ غَيْبُوبَةِ الْحَشَفَةِ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ مَعَ الْمُسَمَّى إنْ صَحَّ الْعَقْدُ وَمَعَ الثَّمَنِ فِي مَسْأَلَةِ الشِّرَاءِ وَإِنْ قَارَنَ أَحَدَهُمَا غَيْبُوبَتَهَا لَمْ يَجِبْ إلَّا الْمُسَمَّى أَوْ الثَّمَنُ لِأَنَّ الْحِلَّ الْمَانِعَ قَارَنَ الْحُرْمَةَ الْمُقْتَضِيَةَ فَقُدِّمَ الْمَانِعُ. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا وَطِئَهَا مُكْرَهَةً أَوْ بِشُبْهَةٍ مِنْهَا ثُمَّ بِيعَتْ إلَى مَالِكٍ

آخَرَ حَالَ الْوَطْءِ هَلْ يَكُونُ الْمَهْرُ لِلْأَوَّلِ أَوْ لِلْمَالِكِ الثَّانِي أَمْ لَا شَيْءَ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَتِمُّ فِي مِلْكِ الْأَوَّلِ وَلَا فِي مِلْكِ الثَّانِي أَمْ يَجِبُ الْمَهْرُ لَهُمَا وَيَقْتَسِمَاهُ؟ (فَأَجَابَ) الْمَهْرُ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لَهُ غُيُوبَةُ الْحَشَفَةِ وَهَذَا إنَّمَا وَقَعَ فِي مِلْكِ الْأَوَّلِ وَأَمَّا الَّذِي وَقَعَ فِي مِلْكِ الثَّانِي فَهُوَ دَوَامُ ذَلِكَ وَالدَّوَامُ تَابِعٌ غَيْرُ مُفْرَدٍ بِمُقَابَلٍ فَلَمْ يَجِبْ لِلثَّانِي شَيْءٌ لِأَنَّ مَا وَقَعَ فِي مِلْكِهِ لَا مُقَابِلَ لَهُ كَمَا تَقَرَّرَ. (وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ وَطِئَ أَمَتَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهَا حَالَ وَطْئِهِ ثُمَّ اسْتَدَامَ بَعْدَ الْعِتْقِ هَلْ يَجِبُ لَهَا الْمَهْرُ أَوْ لَا؟ (فَأَجَابَ) يَجِبُ لَهَا الْمَهْرُ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْوَطْءِ كَانَ حَلَالًا لَا مُقَابِلَ لَهُ فَإِذَا طَرَأَ التَّحْرِيمُ وَاسْتَدَامَ الْوَطْءُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَائِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي نَظَائِرَ لِذَلِكَ. (وَسُئِلَ) عَمَّنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ طَائِعَةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا حَالَ الْوَطْءِ وَاسْتَدَامَ هَلْ تَصِيرُ مُحْصَنَةً بِهَذَا الْوَطْءِ وَتَعْتَدُّ لَهُ حَيْثُ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَيَجِبُ لَهَا الْمَهْرُ بِكَمَالِهِ أَمْ لَا لِأَنَّ أَوَّلَهُ كَانَ حَرَامًا وَكَانَتْ زَانِيَةً؟ (فَأَجَابَ) صَرَّحُوا فِيمَنْ عَلَّقَ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ بِوَطْئِهَا أَنَّهُ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ بِمَغِيبِ الْحَشَفَةِ وَيَلْزَمهُ النَّزْعُ فَوْرًا فَإِنْ اسْتَدَامَ لَمْ يَلْزَمْهُ مَهْرٌ وَهَذَا صَرِيحٌ مِنْهُمْ فِي أَنَّ الِاسْتِدَامَةَ لَا حُكْمَ لَهَا وَحِينَئِذٍ فَلَا تَصِيرُ مُحْصَنَةً بِهَا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا بِهَا عِدَّةٌ وَلَا مَهْرَ لَهَا فِي مُقَابِلهَا. (وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا وَطِئَ أَمَةَ الْغَيْرِ مُكْرَهَةً مَثَلًا ثُمَّ أَعْتَقَهَا مَالِكُهَا حَالَ الْوَطْءِ هَلْ يَجِبُ الْمَهْرُ لِلْمَالِكِ أَوْ لَهَا؟ (فَأَجَابَ) يَجِبُ الْمَهْرُ لِمَالِكِهَا وَلَا شَيْءَ لَهَا لِمَا تَقَرَّرَ فِي الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ أَنَّهُ لَا عِبْرَة بِالِاسْتِدَامَةِ وَاَللَّه أَعْلَم بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَوَّلًا وَآخِرًا بَاطِنًا وَظَاهِرًا، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

§1/1