الفائق في أصول الفقه

الصفي الهندي

بسم الله الرحمن الرحيم رب تممه بمنك اللهم بحمدك أستفتح، وبدعائك أستنجح، وبجودك أستمنح وبشكرك أستريح، وبرحمتك أستروح، وبنصحك أستنصح، وبهدايتك أستوضح، وبنورك أستصبح. فلولا الهداية لما كانت الدراية، ولولا الزيادة في العناية، لما كانت الكفاية في النهاية، ولولا سطوع الأنوار على سطح الأفكار لما أطلع على الأسرار، وأشرف على الأغوار. اللَّهُمَّ فلك الحمد، على ما اختصصت به من صفات الجلال، ونعوت الكمال، حمدًا تتضاءل بجنبه بلاغة البلغاء، وتقاصر عن إدراكه عقول العقلاء، ولك الشكر على ما أوليت من الإنعام الجميل، وأسديت من الإحسان الجزيل، شكرًا يليق بالعبيد، ويستدعي المزيد، ويرضي المجيد، منجز الوعد والوعيد، الفعال لما يريد، وهو أقرب من حبل الوريد. والصلاة والسلام على الرسل الكرام، سادة الأنام، خصوصًا على المبعوث بالدين المتين، والمرسل بالشرع المبين، الهادي إلى الصراط المستقيم الداعي إلى النعيم المقيم، محمد خاتم الأنبياء، وسيد الأصفياء وعلى آله وصحبته، أئمة الأتقياء، وقادة الأولياء. أما بعد: فإنه لما كمل كتابنا المسمى: "نهاية الوصول في دراية الوصول" في أصول الفقه، مطولا، مبسوط العبارة مسحوب الاستعارة مشروح البيان، موضح التبيان، يصعب تحصيله على المحصلين، وتعلمه على المتعلمين، دون بحثه وتدبره على المتبحرين - رأيت أن أؤلفه مختصرًا فيه، يعم به النفع، وينتفع به الفذ والجمع، سهلًا حفظه، قريبا تناوله حاويًا لمسائله، واعيا لمباحثه، محيطا بأدلته شاملًا لأسئلته وأجوبته، إلا ما قل، مع زيادات لطيفة، وأنظار دقيقة، يظهر المعنى من لفظه، والفحوى من ظاهره، من غير تكلف ولا تعسف، لئلا يصعب على الفكر حله، والخاطر ذكره، وسميته: «الفائق» ليطابق الاسم المسمى، والكنية المكنى، لأنه يفوق المختصرات المصنفة في هذا الفن لغزارة الفوائد، وكثرة الفرائد، مع الإيجاز المتوسط بين طرفي التفريط والإفراط. وقد قيل: "خَيْرُ الأمورِ الأوساط".

الكلام في المقدمات

وأسأل الله العظيم أن يجعل فيه النفع العميم، بالنبي الكريم، وكما كمل على أحسن النظام إلى آخره. وهذا أوان الشروع في المقصود ... الكلام في المقدمات الأولى: الفقه: الفهم. قيل هو أي الفهم جودة الذهن وفيه نظر. لقبول ما يرد عليه. لا فهم غرض المتكلم، إذ يوصف به حيث لا كلام، ولأنه أعم. واصطلاحًا: العلم أو الظن بجملة من الأحكام الشرعية العملية، إذا حصل عن استدلال على أعيانها.

لا العلم بالأحكام، إذ لا يشترط فيه قطع، ولا عموم. خرج بالأخير علم المقلد، وما علم منها ضرورة، إذ الضروري لا يكون استدلال على أعيانها. وإنما قدم تعريفه لأنه مضاف إليه. والأصل: ما منه الشيء، لا المحتاج إليه، وإن زيد في الوجود، إذ لم يطلق على الشروط وعدم المانع. وعرفًا: الأدلة. والإضافة للاختصاص، دفعًا للاشتراك ولمجاز. وقيل: في أسماء الأعيان للملك، وقيل: فيهما لهما. أصول الفقه: جمع أدلة الفقه، من حيث إنها أدلة على سبيل الإجمال، وكيفية الاستدلال، وحال المستدل بها، ونعني بالأدلة ما يفيد القطع والظن. وموضوعه: أحوال الأدلة الموصلة إلى الأحكام، من حيث إنها موصلة. وعلته الغائية: معرفة الأحكام التي بها انتظام المصالح الدينية والدنيوية.

الدليل: فاعل ما به الدلالة، وذاكره، وما به الدلالة، وهو الأكثر في الاستعمال. قيل: الأول حقيقة، وغيره مجاز، كالمخصص. وعرفًا: ما يكون النظر الصحيح فيه موصلًا إلى العلم أو الظن بالمطلوب. وقيل: هو الأول، والثاني: الأمارة، فيكون بينهما مباينة، وعلى الأوّل عموم وخصوص. النظر: الانتظار، وتقليب الحدقة نحو المرئي، والرؤية والرحمة والتأمل. وعرفًا: ترتيب تصورات أو تصديقات، في الذهن ليتوصل بها إلى غيرها فيه. فإن كنت مطابقة لتعلقاتها، مع صحة الترتيب، فنظر صحيح وإلا ففاسد. ومقدماته: إن كانت قطعية بأسرها فلازمه قطعي، وإلا فظني. وعرف منه أن شرطه: العقل، وانتفاء منافيه كالغفلة، وأن لا يكون جاهلًا بالمطلوب.

ولا عالمًا به من كل الوجوه، ولا من وجه يطلبه. الثانية: إدراك أمر من غير حكم عليه وبه، تصور، ومع أحدهما تصديق. فإن كان جازمًا: غير مطابق فجهل، أو تقليد، أن يطابق، ولم يكن لموجب أوله فعلم، وهو: إما عقلي: فإن كفى تصور ظرفية لحصوله، فعلم بديهي، وإلا فنظري. أو حسي: فعلم به المحسات. أو مركب: فالمتواترات إن كان الحس سمعًا، وإلا فبالمجربات والحدسيات. وفرق بينهما: بأن الحدس: سرعة الانتقال، وأنه إنما يستعمل فيما ليس لأفعالنا مدخل فيه. وإن لم يكن جازمًا: وتساوى طرفاه سمِّي شكًّا، وإلا. فالراجح: ظنًّا صادقًا أو كاذبًا، والمرجوح: وهما.

وأورد: بأن الشك تردد لا حكم، فلم يجر إيراده في قسم الحكم. وأجيب: بمنع انحصاره فيه، إذ تردد العقل بين حكمين لدليلين متساويين شك - أيضًا - لصحة وصف من شأنه ذلك به. نعم: انحصاره فيه - كما أشعر به كلام الإمام خطأ. قيل: العلم لا يعرف. لأن غير العلم لا يعلم إلا بالعلم، فلو علم العلم بغيره لزم الدور. وأجيب: بأن توقف غير العلم عليه، من جهة أنه إدراك له، وتوقف العلم على غيره، من جهة أنه صفة مميزة له، فلا دور. و-أيضًا-: أن توقف تصور غير العلم على حصوله، لا على تصوره، وتوقف تصور العلم على تصور غيره، فلا دور. وقيل: إنه ضروري؛ إذ كل أحد يعلم ضرورة أنه عالم بنفسه وجوعه، وتصور الضروري ضروري.

تنبيه

وأجيب: بمنعه، لأن التصديق الضروري هو ما تصور طرفيه كاف في الجزم به، ولو كان كسببين. وقيل: يعرف بالتقسيم والمثال فقط، وهو باطل، إذ ليس هو غير التعريف بالحد، والرسم وإن عنى به أنه يتعذر أو يتعسر ذلك، لعسر الاطلاع على ذاتيه وخارجيه، فلذلك غير مختص به وقيل: يمكن تعريفه بكل كغيره. وأصح ما قيل: صفة توجب تمييزًا، لا يحتمل النقيض، فيعم الكلي والجزئي كإدراك الحواس، وعليه الأكثر، ومن خصه بالكلي فيزيد: في الأمور الكلية. واعترض: بالعلوم العادية، فإنها تحتمل النقيض. وأجيب: بمنعه عادة، واحتمالها عقلًا لا يضر، إذ جهة الاحتمال غير جهة القطع. تنبيه: الظن: هو الاعتقاد الراجح من اعتقادي الطرفين وكذا رجحان الاعتقاد، لا الاعتقاد الراجح، واعتقاد الرجحان، فقد لا يكون معهما اعتقاد آخر، وحينئذ: إما علم، أو جهل، أو تقليد. وإن اعتبر القدر المشترك ففيه التقسيم، سوى الشك. الثالثة: الحكم: جاء بمعنى المنع والصرف، ومنه الحكيم، والحَكَمة للحديدة التي

في اللجام. وبمعنى: الأحكام، ومنه الحكيم في صفاته تعالى، وهو: فعيل بمعنى مفعل. الحكم الشرعي: يحتمل أن يكون مأخوذًا من الأول؛ لأنه شرع زاجرًا قال الله تعالى: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} [العنكبوت: آية 45] .. ومن الثاني؛ لأنه يدل على أحكام شارعة، حيث خص كل فعل بما ينبغي أن يخص به. واختلف في العرف الشرعي: 1 - قيل: إنه خطاب الشارع، المتعلق بأفعال المكلفين، وهو غير مانع، لدخول مثل قوله تعالى: {والله خلقكم وما تعملون} [الصافات: آية 96]. 2 - وقيل: "إنه خطاب الشارع، المفيد فائدة شرعية". أي: لا تستفاد إلا منه، وهو مثله، إذ يشتمل الصفات السمعية. 3 - وقيل: إن الخطاب المتعلق بأفعال المكلفين، بالاقتضاء، أو التخيير، أو الوضع. 4 - قيل: لا حاجة إلى الوضع، لحصول فائدته مما سبقه، وهو تكلف. 5 - وقيل: لأن ما يفيده ليس بحكم شرعي، وهو تعسف. الخطاب: "الكلام الذي يفهم المستمع منه شيئًا مع قصد المتكلم إفهامه به"، وأريد بأو: أن ما يقع على أحد الوجوه المذكورة كان حكما، وما لا فلا.

اللغات

ومعنى تعلق الضمان بفعل الصبي، وكون الفعل حلالًا، وقوله: حل بعد أن لم يحل، وكون الحكم معللا بحادث تكليف الولي بآدائه من مال الصبي. وكونه مقولا فيه رفع الحرج عن فاعله، وتعلق الإحلال به، كونه معرفًا به، لا يقال: التعلق نسبي، فيتوقف على وجود المنتسبين، فيكون الحكم حادثًا، لأنا نقول بالصحة يسلم ذلك، لكن لا في الخارج، فلا يلزم حدوثه. وقالت الحنفية: القائلون بقدم الحكم: "إنه عبارة عن تكوين الله الفعل على وصف حكمي نحو: كونه حسنًا أو قبيحًا". وهو دور مستدرك. والأولى: أن يقال - بناء على أصلهم -: إنه عبارة عن تكوين الله الفعل على وجه الاقتضاء، أو التخيير أو الوضع. فالحكم: هو التكوين: المخصوص، وهو قديم عندهم، وكون الفعل على ذلك الوصف محكوما، لا حكمًا. اللغات فصل الكلام: مشتق من الكلم.

والحروف المفهمة، إنما سميت به، لأنها تؤثر في القلب بالإفهام، أو لأن منه ما يجرح القلب. ولهذا قيل: كلم الكلام أشد من كلم السهام. فسمي الجنس باسم نوعه، كعلم الكلام، وهو حقيقة - عندنا - في المعنى القائم بالنفس، وفي العبارة الدالة عليه. وقيل: في الأول. وقيل: في الثاني. وحدّه بالمعنى الثاني هو: المنتظم من الحروف المسموعة، المتواضع عليها، الصادرة عن قادر واحد. والنظام: حقيقة في الجسم، مجاز هنا للتشبيه. ونعني بالحروف: ما زاد على الواحد، ظاهرًا كان، أو في الأصل. والحد: يدخل بعض الكلمة في الكلام، لا كلها، فلا يشكل بباء الإلصاق، ونحوه، والنحاة تخالف فيه. فالأولى: أن يقال؛ الكلمة: لفظ دال بالاصطلاح على معنى مفرد، وفيه احتراز عن الكتابة، والإشارة، والحركات الإعرابية، والمهمل وعما دل عليه عقلًا، وطبعًا وعرفًا، وعن المركب. والكلام هو: المركب الذي يحسن السكوت عليه، وفيه احتراز عن الكلمة، ونحو:

مسألة

يا غلام زيد. وإنما يحصل من اثنين، أو منه وفعل، وقيل: وحرف في النداء، وقيل: هو راجع إلى الثاني. وأورده عليه: بأنه لو كان كذلك لاحتمل التصديق والتكذيب كأصله. وأجيب: بمنعه، لنقله عنها معنى وصيغة. وأنواعه أربعة: الاسمية، والفعلية، والشرطية، والظرفية، والأخيرتان ترجعان إليهما. وأنواع الكلمة ثلاثة: لأنها إن دلّت على معنى في غيرها فحرف سميت بذلك لوقوعها طرفا، أو لأن منه ما هو على حرف واحد أو في نفسها، فإن دلت على زمان يوازنها ففعل سمي به لأن مدلوله فعل في الأكثر، تسمية الدال باسم مدلوله وإلا: فاسم، سمي به لسموه على قسيميه، أو لأنه علامة بمسماه وليس كل فعل كلمة عند الحكماء، إذ اتفقوا على أن: أفعل، وتفعل، ونفعل كلام، والماضي كلمة، واختلفوا في الغائب. فذهب الشيخ: إلى أنه كلمة كالماضي، لكونه غير دال على موضع معين. والباقون: إلى أنه كأخواته، لكونه محتملًا للتصديق والتكذيب، مع أن لجزئه دلالة على جزء المسمى. وقيل: الغائب كلمة وفاقًا، والأول: أصح. مسألة دلالة اللفظ لو كانت لمناسبة، لما صحّ وضع لضدين، ولما اختلفت باختلاف الأمم والنواحي، لاهتدى إليها بالعقل، ولأنا نعلم ضرورة أن ما يخيل من المناسبة فيه غير آتٍ

في كله. وخالف عباد، محتجًّا بأنها لو لم تكن لها، لزم التخصيص بلا مرجح. وأجيب: بمنعه، إذ ليس الترجيح منحصرًا فيها، وبالنقض بتخصيص وجود العالم، وبالأعلام. ثم قال الأشعري، والفقهاء والظاهرية: دلالته بالوضع مع الله تعالى، وسمى توقيفًا، والمعتزلة والبهشمية: من العبيد ويسمى اصطلاحًا. والأستاذ: ابتداؤه منه تعالى، لا الباقي.

أدلة القائلين بالتوقف

وقيل: بعكسه. وتوقف جمع، كالقاضي، وإمام الحرمين والغزالي والإمام. إذ الكل ممكن، فإنه يمكن أنه تعالى وضعها وعلمها بإلهام، أو بخلق علم ضروري، بأن واضعًا وضعها، وعرف غيره بإشارة، أو غيرها، كتعلم الولد لغة والدين، ويلزم منه إمكان الآخرين ولا يجزم بواحد، لضعف دليله، لما يأتي فوجب التوقف. أدلة القائلين بالتوقف التوقف: قوله تعالى: {وعلم ءادم الأسماء كلها} [البقرة: آية 31] دلّ على أنها توقيفية، فكذا قسماه، لعدم الفصل، ولتعذر التكلم بها وحدها ولاندراجها تحتها، لكونها علامة أيضًا. وأجيب: بمنع دلالته على توقيف الأسماء إذ التعميم: فعل ما يترتب عليه العلم، لا إيجاد العلم، إذ يقال: علمته فما تعلم، لا يقال: إنه للقرينة، لأن التعارض خلاف الأصل سلمناه لكن العلم الحاصل بعد الاصطلاح بخلقه تعالى، سلمناه لكن المراد منها الصفات، من صلاحية المخلوقات للمصالح، سلمناه لكن علم وضعه من سبقه، لا وضعه تعالى.

لا يقال: إنه خلاف الظاهر، قلنا: ممنوع، سلمناه لكن المراد منه ما يحتاج إليه في الابتداء، دون الدوام، لعلم بحدوث أسام في كل عصر، والألف واللام للعهد، سلمناه لكن لا يلزم منه توقيف هذه اللغة بل لغة ما. وفيه نظر: لأنه ليس الكلام في لغة معينة، بل في أول اللغات فلم يتجه ما ذكره. وقوله تعالى: {واختلاف ألسنتكم} [الروم: آية 22]. والمراد: اختلاف اللغات بطريق الإضمار أو التجوز، لأن اختلافها أكثر، وأظهر من الجارحة المخصوصة، فكان الحمل عليها أولى، ولاتفاق المفسرين عليها. وأجيب: أن الأقدار على وضعها أو تلفظها، كالتوقيف في كونه آية فلم يتعين ما ذكرتم. وفيه نظر: إذ التوقيف أولى، لأنه مجاز، أو وإن كان إضمار، لكنه أقل مما في الأقدار. وجوابه: منع دلالة الخلق، وكونه آية على التوقيف، لأن على الاصطلاح -أيضًا - كذلك على ما عرف ذلك من مذهبنا. وقوله تعالى: {إن هي إلا أسماء} [النجم: آية 23]. ذموا على التمسية فلم يكن غيرها منهم. وأجيب: بأنه لخصوصية التسمية، لا لمطلقها. سلمناه: لكنه لا يدل على التوقيف، بل على أن بعضها كذلك، ولأن الاصطلاح إن عرف: بمثله لزم التسلسل، أو الدور، أو بتوقيف، فهو الغرض. وبه تمسك الأستاذ في الأول، دون الدوام، لإمكان تعريفه بالتوقيف، وقال: إنه معلوم الوقوع. وأجيب بالنقض: بتعلم الولد لغة والديه، وبأن تكريره مع الإشارة إلى المسمى، طريق إليه، ولا توقيف ودور، وتسلسل، وبأنه لا يقتضي توقيف هذه اللغة، بل لغة ما. وأيضًا: الاصطلاح يرفع الأمان عن الشرع لجواز تبدلها. وأجيب: بأنه لو تبدل لاشتهر، وجواب نقضه يعرف بعد.

أدلة المعتزلة "القائلين بالاصطلاح"

أدلة المعتزلة "القائلين بالاصطلاح" الاصطلاح: قوله تعالى: {وما أرسلنا من رسول} [إبراهيم: آية 4]، دل على تقدم اللغات، فلو كانت توقيفية لزم الدور. وأجيب: أن التوقيف لا يتوقف على البعثة، فلا دور، ولأن آدم غير مبعوث بلسان أحد، وهو معلوم، فلا دور. وأيضًا - وصول التوقيف بالوحي باطل، لما سبق. الدليل العقلي المعتزلة: وبخلق علم ضروري، بأنه تعالى وضعها في عاقل، يوجب العلم الضروري به تعالى، وأن يبطل التكليف بمعرفته، أو في غيره، وهو بعيد جدًّا أو بغيرهما، ولا تسلسل، بل ينتهي إلى الاصطلاح. وأجيب: بأنه بخلق العلم الضروري، بأن واضعا وضع، لا أنه تعالى وضع، سلمناه، فلما لا يجوز أن يعلم المجنون - ضرورة - بعض الأحكام الدقيقة. ومنها: يعرف دليل المذهبين الآخرين وجوابه. وإذ قد ظهر الضعف الكل، وجب التوقف. مسألة: لا بد لكل إنسان من طريق يعرف به غيره ما في ضميره، لأنه مضطر إلى التعاون،

مسألة

واختيرت العبارة، لأنها من كيفية التنفس الضروري، لوجودها وعدمها عند الحاجة، ولأنها عامة الإفادة، ولقلة لزوم الاشتراك فيها. وليس الغرض من وضع المفردة إفادة معانيها المفردة للدور، بل الغرض أن يفاد بتركيبها معانيها المركبة، ويكفي في إفادتها لها العلم بها مفردة، ونسبها المطلقة، فلا دور قيل: الألفاظ إنما تدل على الصور الذهنية، لا الخارجية. أما المفردة: فاختلافها باختلاف الذهنية، واستمرار الخارجية. وأما المركبة: فلأن الخبر لا يفيد وجود المخبر عنه، وإلا: لم يكن كذبًا، بل الحكم به، وإنما يستدل به على الوجود الخارجي إذا عرف براءته عن الخطأ، قطعًا أو ظنًّا. واعترض عليه: بأن موافقة الذهنية للخارجية شرط دلالتها عليها، والشيء ينتفي بانتفاء شرطه، وبأنه إنما يلزم ذلك لو كانت دلالته قاطعة، ثم إنه يقتضي صدق الخبر مع عدم مطابقته، وكذبه معها، وهو خلاف الإجماع. مسألة: ليس لكل معنى لفظ، وإلا: لوجد لفظ موضوع لمعاني غير متناهية، إذ الألفاظ متناهية، دون المعاني، لكنه محال، إذ وضعه لها ومعرفته تقتضي تعقلها مفصلة، وهو - منا - محال، فما تمس الحاجة إليه يجب الوضع له، للقدرة والداعي، وما لا فلا، بل جاز أن يكون فيه الأمران. واللفظ المشهور لا يكون موضوعًا للخفي، كلفظ الحركة للمعنى الموجب لكون الذات متحركة، على ما يقوله بعضهم، لأنه لو كان موضوعًا له ولغيره لزم الاشتراك،

مسألة

أوله فقط لزم النقل، إذ المعنى المشهور: هو المتبادر إلى الفهم، وأنه آية الحقيقة، وليس هو بطريق الوضع الأصلي فيكون بالنقل. مسألة معرفة العربية واجبة، لتوقيف معرفة شرعنا عليها. وهي بالنقل: متواترًا مفيدًا للعلم، أو أحادًا مفيدًا للظن، أو مركب منه والعقل، لا وحده. كما يعلم أن المجموع للعموم: بنقل صحة الاستثناء عنها، وأنه إخراج ما لولاه لدخل. وهو مفيد، إن لم يجز التناقض على الواضع، ولم يثبت ذلك، ثم هو نادر، فلا يعول عليه في الكل. والتواتر: ممنوع، للاختلاف في أكثر الألفاظ دورانًا على الألسن، كلفظ "الله"، ولعدم العلم باستواء الطرفين والواسطة والاعتماد على أنه لو تغير لاشتهر - ضعيف، إذ ليس وضع لفظ لمعنى واقعة عظيمة، ثم اشتهر أخذها عن قوم، ولم يحصل التواتر بنقلهم، والقطع بعدم نقل الكل كذبًا لا يفيد. والآحاد: لا يفيد إلا الظن، إن سلم عن الطعن والمعارضة، وهو غير حاصل، إذ جرح بعضهم بعضًا، وبتقدير سلامته وجب أن لا يقطع بشيء منه، والاجتماع فرع هذه القاعدة، فإثباتها به دور. أجيب: أنَّ المشهور منها، كالسماء والأرض، معلوم لا يقبل التشكيك كالضروريات، وغير

فصل

مظنون ووجب العمل به بالإجماع بما يفيد القطع. فصل دلالة اللفظ على مسماه المطابقة، وعلى جزئه التضمن، وعلى لازمه الالتزام، وكله مقيد بكونه كذلك، للاحتراز عن المشترك بين الشيء وجزئه أو لازمه، كالرحيم. ولم يقيد الإمام الأولى به، لا بأنه لا حاجة إليه فيها، بل لعله لأن المحترز عنه لم يعرف بعد. وهي تنفك عن التضمن، وعن الالتزام على رأي، وهي لازمة لها. والدلالة: الحقيقة، والوضعية، واللفظية هي: "المطابقة"، والباقيتان: عقليتان ومجازيتان. وقيل: دلالة التضمن لفظية - أيضًا -، وهو ضعيف لأنه يلزم مساواة الالتزام له، أو التحكم. ودلالة اللفظ - بتوسط الوضع - منحصرة في الثلاثة، إذ لو فهم معنى منه بدونها، لزم الترجيح من غير مرجح، وإنما قيد بتوسط الوضع لتخرج دلالة العقل، والطبع والعرف. ولمعتبر في الالتزام اللزوم الذهني ظاهرًا، إذ لا فهم دونه ولحصوله بدون القطع، لا الخارجي إلا: لما قيل: بأن لفظ الجوهر لم يستعمل في العرض.

وبالعكس مع تلازمهما فيه إذ لا يلزم من وجود ما يعتبر في وجود الشيء وجوده كالشرط، واللازم العام بل لحصول الفهم دونه، كما في الضدين. والدال بالمطابقة: إن قصد بجزئيه دلالة على جزئي المعنى - حين هو جزؤه - فمركب، وإلا: فمفرد كـ"ق" إذا جعل علما، وفرس وإنسان وعبد الله، والحيوان الناطق علمًا وما يقصد بجزء منه دون جزء - غير موجود. والمؤلف كالمركب. وقيل: ما لجزئه دلالة على جزء المعنى. والمركب: ما يدل جزؤه على غير جزء المعنى، فمباينة، ولا بأس بجعله أعم منه. وقيل: المفرد هو اللفظ لكلمة واحدة، فنحو: "عبد الله" مركب على هذا، وإن كان علما، ويضرب مفردًا، وهما على العكس على الأوّل. وقيل: المفرد، غير الجملة. وأيضًا: اللفظ جزئي إن منع نفس تصوره معناه عن قوع للشركة فيه، وإلا: فكلي وأقسامه تسعة، على ما ذكرناه في نهاية الوصول في دراية الأصول. وهما بالذات للمعنى، وبالعرض للفظ. والكلي: إما تمام الماهية، وهو المقول في جواب ما هو: إما بالشركة فقط، وهو ما

يجاب به حالة الجمع فقط، كالجنس بالنسبة إلى أنواعه - أو بالخصوصية فقط، وهو الذي يجاب به حالة الإفراد فقط، كالحد بالنسبة إلى محدود. أو بهها، وهو الذي يجاب به فيهما معًا، كالنوع بالنسبة إلى أفراده. أو جزؤها - وهو الذاتي: وهو إتمام المشترك وهو الجنس قريبًا كان أو بعيدًا. أو تمام المميز، وهو الفصل القريب. وإن لم يكن تمام المشترك، كان بعضًا منه مساويًا له، دفعًا لتسلسل فكان فصلًا بعيدًا، لتميزه الماهية عن شيء ما في ذاته. ولو فسر الفصل: بكمال المميز، لم يكن حصر الجزء في الجنس، والفصل، لإمكان جزء ليس كذلك، كفصل الجنس. ومن لم يحصره فيهما، فعنده منحصر في الجنس والفصل وجنسهما وفصلهما. والأجناس: تنتهي في الارتقاء إلى ما لا جنس فوقه، وهو جنس الأجناس.

القسم الثالث من أقسام الكلي

والأنواع تنتهي في النزول إلى ما لا نوع تحته، وهو نوع الأنواع. القسم الثالث من أقسام الكلي أو خارجًا عنها، وهو العرض. إما لازم لها، أو للشخصية، بين، أو لا، بوسط، أولا، أو غير لازم: بطيء زواله، أو لا. وأيضًا إن اختص بنوع واحد فخاصة عم أفراده، أو لا، وإلا: فعرض عام. قيل: الكلي: اسم جنس -في اصطلاح النحاة - إن دل على نفس الماهية. ومشتق: إن دل على موصوفية أمر بصفة. وهو باطل، لأنه قسم منه - عندهم - لا قسيمه، بل اسم الجنس ما هو اسم للجنس عندهم، وهو كل أمر عام، متناول للأنواع أو الأصناف أو الأفراد، ذاتيا كان أو غيره، فيعم المشتق وغيره. التقسيم الثالث اللفظ أيضا: إن العدد المفرد ومعناه: فمتباينة أو الأول فقط فمترادفة، أو الثاني فقط.

فإن وضع للمتعدد أولًا فمشترك بالنسبة إليه، ومجمل بالنسبة إلى كل واحد منهم. أو لواحد ثم نقل إلى غيره: فإن لم يكن لمناسبة، قال الإمام: فمرتجل، وهو خلاف الاصطلاح. أولهما: فإن ترجح المنقول إليه، قال الإمام: فمنقول شرعيًّا كان أو عرفيًّا. وفيه نظر، إذ لا يشترط المناسبة فيالنقل، على ما أشعر به كلامه أيضًا في تعارض الألفاظ. وإلا: فمجاز بالنسبة إلى المنقول إليه، حقيقة، بالنسبة إلى المنقول عنه. وإن اتحدا:

التقسيم الرابع للفظ

فإن كان نفس تصور المعنى يمنع من وقوع الشركة فيه فعلم وإلا: فمتواطئ إن كانت على السوية. وإلا: فمشكك كالوجود للواجب والممكن. التقسيم الرابع للفظ وأيضًا: إن أفاد معنى لا يحتمل غيره فنص وإلا: فمجمل إن احتمله سواء، وإلا فبالنسبة إلى الراجح "ظاهر"، وبالنسبة إلى المرجوح "مأول". والمشترك بين النص والظاهر "محكم"، وبين الآخرين "متشابه". التقسيم الخامس للفظ وأيضا: اللفظ: قد يدل على لفظ مفرد أو مركب، دال على معنى، أو غير دال، "ككلمة"، وخبر، وحرف التهجي.

مسألة: المركب التام

ولم يوجد الرابع لعدم الفائدة. وقيل: هو كلفظ "الهذيان". مسألة: المركب التّام إن أفاد طلب ذكر الشيء بصيغة خاصة فاستفهام أو تحصيله مع الاستعلاء فأمر، أو تركه فنهي، أو مع التساوي فالتماس، أو مع الخضوع فدعاء وسؤال. وإلَّا: فإن احتمل التصديق والتكذيب فخبر وإلَّا: فتنبيه. وأقسامه: التمني، والترجي، وهو في الممكن مع تعاطي أسبابه، والتعجب والقسم، والنداء. وغير التام: تقييدي، كالحيوان الناطق وغيره كمن زيد. مسألة: الدلالة الالتزامية الدال بالالتزام: أ- إما مفرد. ب- أو مركب. ومعناه: 1 - إما شرطي للمطابقي فاقتضاء، أو لا.

فصل في الأسماء المشتقة

2 - وهو إما مكمل له: فمفهوم الموافقة، لتحريم التأفيف على تحريم الضرب، أو لا: وهو: إما ثبوتي: فـ"إشارة". نحو: دلالة قوله تعالى: {فالآن باشروهن} [البقرة: آية 187]. على صحة صوم المصبح جنبًا. أو عدمي: "فمفهوم المخالفة". فصل في الأسماء المشتقة "حد المشتق" قيل: المشتق: ما غير من أسماء المعاني عن شكله بزيادة أو نقصان، في الحروف أو الحركات، أو فيهما، وجعل دالا على ذلك المعنى، وعلى موضوع له، غير معين. وهو غير جامع: لخروج التثنية والجمع، والأسماء المنسوبة من أسماء الأعيان، وأمثلة المضارع سوى الغائب عنه. وقيل: "ما وافق أصلا بحروفه الأصول، ومعناه بتغير ما"، وهو دور إن عني به أصلا، وإلا فمنتقض بالأفعال المشتقة من المصادر، المتشاركة في الحروف الأصلية، مختلفة كانت حركاتها أو متحدة كجَن وجُن مع اتحاد مصدريهما. قيل: "إن تنظيم الصيغتين فصاعدًا معنى واحد". وهو غير مانع، إذ يدخل تحته نحو: الضارب والمضروب مع أنه لا اشتقاق بينهما هذا إن أريد الاشتقاق بينهما، وإن أراد ما هو أعم منه فيكون مختلا لأنه أخل بذكر المشتق منه، ولا بد منه.

مسألة: لا يصدق المشتق بدون المشتق منه

وقيل: "هو أن تجد بين اللفظين تناسبا في المعنى والتركيب، فترد أحدهما إلى الآخر". وهو -أيضًا-: مختل لجعله عبارة عن الوجدان، وربما تقدم، وإن عنى به ما له حيثية الرد فدور، واستعمال ظاهر في خلافه في الحد. وأصحه: أن المشتق لفظ ناسب آخر في التركيب والمعنى، ومفهومه جزء من الأول. ولا تخفى أركانه. وقد يطرد كاسم الفاعل وقد يختص كـ"القارورة". مسألة: لا يصدق المشتق بدون المشتق منه لامتناع الكلي بدون الجزء. وجوّزه أكثر المعتزلة، ضمنًا لا تصريحًا، إذ قالوا: الله تعالى عالم بلا علم، وهو اسم للمعنى، لا للعالمية الثابتة له تعالى، كرأي البصري، فلا يتحقق معه خلاف. لهم: أنه لا معنى له إلا: أنه ذو المشتق منه، وهو لا يقتضي الإنصاف بطريق القيام به، فيصدق، ولو بدونه. وأجيب: بمنع الأولى، إذ هو عندنا أخص منه.

مسألة

مسألة يشترط بقاؤه في صدقه حقيقة. وقيل: لا. وقيل: إن أمكن، وإلا: فآخر جزئه. الثبت: إنه يصح نفيه بعد انقضائه، لصدق الأخص منه، فلا يصدق هو. وأجيب: بمنعه، فإنه سلب أخص، ولا سلبٌ أخص، وأسلم فيقتضي تحقق مطلق السلب، لا تحقق السلب مطلقا. - وأيضًا -: قياس ما بعد الوجود على ما قبله. وأجيب: بمنعه في اللغة، سلمناه، لكن إذا كان الضارب من ثبت له الضرب لم يلزم. وأيضًا: لو صدق حقيقة لاطرد، فجاز تسمية الصحابة كفرة واليقظان نائما. وأجيب: لمنع وجوب اطراد الحقيقة، سلمناه، لكن قد لا يطرد، لمانع من تعظيم أو عرف. النافي: الضارب من ثبت له الضرب، وهو أعم من الحال والماضي. وأجيب: بمنعه، وهو - عندنا - من ثبت له الضرب في الحال. قالوا: الفرق معلوم بالضرورة بين الضارب، والضارب في الحال فيكون من أعم منه. وأجيب: بأنه في اللفظ، وبأنه مصرح به، وفي الأوّل ضمنًا دون أصل الثبوت. ولأن أهل العربية أجمعوا على صحة: ضارب أمس، والأصل هو الحقيقة. وأجيب: بأنه مجاز كما في المستقبل بالاتفاق.

مسألة

واعترض عليه: أنه تكثير للمجاز، وعلى ما ذكرنا تقليله فكان أولى. وأيضًا - ترك مقتضى الدليل للإجماع، لا يوجب تركه حيث لا إجماع. وأيضًا: صح مخبر ومتكلم، ولا وجود لمدلوله مجموعًا، فلا يتصور بقاؤه. وأجيب: بأن اللغة لم تبن على مثل هذه المشاحة، بدليل صحة الحال، ولأن الدليل يقتضي أن لا يصدق حقيقة ترك العمل به للإجماع، والضرورة، فيبقى ما عداه على الأصل، سلمناه، لكن المعتبر في مثله وجود آخر الحروف، كما تقدم. واعترض عليه: بأن الكلام في البقاء، لا في الوجود، فهو غير باق وإن وجد. وأنه لو شرط: البقاء، لما صح عالم، ومؤمن للنائم. وأجيب: بأنه مجاز، لعدم اطراد مثله، وبأن الكلام في البقاء، ولإمكان إحالته إلى المانع كما تقدم. ويمكن أن يجاب عنه: أن إحالته إلى عدم المقتضى أولى لئلا يلزم التعارض. مسألة: يجب أن يشتق لمحل المعنى منه اسم، ويمتنع لغير محله. أدلة القدرية: خلافا للقدرية، إذا قالوا: الله تعالى متكلم بكلامه، يخلقه في جسم، ويمتنع وصفه به. لنا: أن معنى المشتق: شيء قام به المشتق منه، فحيث حصل هذا المعنى وجب أن يصدق. وفيه نظر: إذ الموجبة الكلية لا يجب أن تنعكس كلية، وأما في الثانية فلأنه بالنسبة إليه كالمعدوم، وقد بينا: أن المشتق لا يصدق بدون وجوده. -وأيضًا-: الاستقراء، فإنه يحقق قولنا فيهما، والمطلوب في اللغة على الأغلب الظن، وهو يفيده.

مسألة المشتق لا يدل على الخصوصية

لهم أن القتل قائم بالمقتول، وغيره قاتل، دونه. وأجيب: بمنعه، إذ القتل هو التأثير القائم بالقاتل، دونه. وقدح فيه: بأنه عين الأثر، وإلا لزم قدم الأثر، أو تقدم الأثر أو تقدم النسبة على المنتسبين، أو التسلسل. وأجيب: بمنع لزوم التسلسل، لأنه عبارة عن تعلق القدرة بالمقدور، وهو لا يستدعي تعلقًا آخر، ثم بمنع امتناعه فيه إذ هو من الأمور الاعتبارية. سلمناه: لكنه معارض بما أن العلم بمغايرتهما ضروري، إذ التأثير: نسبة وصفة للمؤثر، دون الأثر. والأثر: جوهر وجسم وعرض، دونه لأنه معلل بالتأثير. وأيضًا: الأسامي المنسوبة إلى البلدان والصنائع، مشتقة مع امتناع القيام به. وأجيب: بأنه حائد عن صورة النزاع، إذ النزاع في المشتق مما يتصور قيامه بالغير. مسألة المشتق لا يدل على الخصوصية لا لصحة: الأسود جسم، إذ يصح: الإنسان حيوان، مع دلالته عليه تضمنًا، لأن معناه أن أمرًا ما له المشتق منه، لكونه قدرًا مشتركًا في موارد استعماله، وأعم من غيره.

مسألة جواز القياس في اللغة جمع

مسألة جواز القياس في اللغة جمع كالقاضي، وابن سُريج، والإمام، والمازني، والفارسي وابن جني، وكثير من الفقهاء. خلافًا للحنفية، وإمام الحرمين، والغزالي، وبعض أهل العربية. وليس الخلاف في مثل: رجل، وفاعل، ومفعول، واسم صفة، فإن كل ذلك معلوم الاطراد من كلامهم بالضرورة، ولا في الأعلام، إذ يمتنع اطرادها وفاقا. بل في موضوع لمعين، يدور وجودًا وعدما مع وصف فيه كالخمر الموضوعة للمسكر،

أدلة القائلين بجواز القياس في اللغة

المعتصر من العنب، الدائرة وجودًا وعدما، مع وصف الإسكار فيه، فهل يجوز تسمية النبيذ المسكر بها لعلة الإسكار فيه، أم لا، فيه الخلاف، وكذا في تسمية النباش سارقًا، واللائط زانيا للآخذ خفية، والإيلاج في محرم قطعًا، مشتهى طبعًا. أدلة القائلين بجواز القياس في اللغة للمجوز: قوله تعالى: {فاعتبروا} [الحشر: آية 2]. وهو متناول لكل الأقيسة. وأجيب: بمنع عمومه، ولئن سلم، لكن خصص عنه البعض وفاقًا فلا يكون حجة، ولئن سلم، لكنه يقتضي الوجوب، ولا قائل به، سلمناه لكن خص عنه اللغات، لفقد العلة فيها، فإن للخصوصية فيها مدخلًا، إذ يقال للفرس المتلون بلونين: أبلق، والأسود منه أدهم، وما يغلب بياضه سواده: أشهب، ولا يقال لمثله من غيره ذلك. والدوران: فإنه يفيد ظن العلية لما يأتي: قالوا: دار - أيضًا - مع خصوص كونه من العنب، ومال الحي وقبلا، فلا يفيد، إذ شرطه خلوه عن المزاحم. وأجيب: بأنه لو منع هذا المنع في الشرعيات، لا يخلو المزاحم. قالوا: لا نسلم، فإن الخصوصية ملغاة فيها، لإجماع الصحابة على جواز القياس فيها، الدال على إلغاء الخصوصية، ولا يمكن ادعاء مثله في اللغة، لأنه ثبت بتصريح، إذ لم يقع من الصحابة بحث أنَّ القياس جائز في اللغة أم لا، فضلًا عن أن الشارع جعله علة، فإن ما جعله العبد علة لا يتعدى الحكم بتعديته، ولم يثبت ذلك، فلعل اللغات اصطلاحية.

أدلة المانعين للقياس في اللغة

قالوا: رفعوا كل فاعل، ونصبوا كل مفعول، إلا: لمانع، وأجمعوا على تعليل الأحكام الإعرابية، ولا ذلك إلا: بطريق القياس، إذ لا نص على القاعدة الكلية. وأجيب: بمنعه، بل هو بالاستقراء، ولا نزاع فيه و -أيضًا-: حد شارب النبيذ، وقطع النباش، وجلد اللائط أو رجمه، ولا ذلك إلا: للاندراج تحت أدلة تلك الأحكام. وأجيب: بمنعه، بل بالقياس الشرعي، فعم فعل ذلك من رأي القياس فيها، وأما من يرد ذلك فلا. أدلة المانعين للقياس في اللغة وللمانع: ما تقدم في أن اللغات توقيفية، فلا يكون شيء منها قياسًا. وأجيب: بمنع الأولى، وقد بان ضعف تلك الأدلة، وبمنع الثانية: فإن التوقيف لا يمنع القياس، كما في الشرعيات، وأيضا إنه إثبات للغة بالمحتمل. وأجيب: بمنعه، بل بالظن الغالب، إذ الغالب الاطراد بحسب الوصف، والخصوصية نادرة، غير قادحة فيه، كما في الشرعيات. و- أيضًا - اللغات، إن كانت اصطلاحية: امتنع فيها القياس لأن ما يجعله العبد علة لا يتعدى الحكم بتعديته، وإن صرح بالعلة والأمر بالقياس، فكيف إذا لم يوجد ذلك. وإن كانت توقيفية: فيحتمل أن يجري القياس فيها، إذا حصل أركانه وشرائطه، ويحتمل أن لا يجري: إما لعدم العلة، أو لعدم التعدية، أو لوجود المانع، لفقد شرطه، أو لعدم ورود الإذن به، وما يحتمل وقوعه على طرق كثيرة، راجح على ما ليس كذلك. و-أيضًا- إن نقل عنهم أن كل ما اتصف بذلك الوصف، سمي بذلك، كانت التسمية نصًّا لا قياسًا. وإن نقل عنهم التخصيص، بذلك المحل الخاص، امتنع القياس، وإن لم ينقل واحد

فصل المترادف

منهما، ولم يوجد سوى الاستعمال فيه وجودًا وعدمًا، فيحتمل أن يكون: متعدية، أو غير متعدية، والثاني أظهر لاعتضاده بالأصل من وجهين: فيمتنع التعدية عملا بالاحتمال الراجح، ونقض هذا وما سبقه بالشرعيات. وأجيب: بأنه ترك العمل بهما فيها للقاطع، فيبقى فيما عداه على الأصل. -وأيضًا-: الاسم قد يكون معللا بوصف دائر معه وجودًا وعدما، في محل خاص، ثم إنه لا يجوز الإلحاق به وفاقًا، وذلك يدل على عدم جريان القياس فيها. بيان الأوّل: أن الجن والجنين، إنما سميا بذلك لاستتارهما عن العيون، والملائكة والنفوس البشرية كذلك، مع أنها لا تسمى بذلك. والملك مشتق من الألوكة، وهي الرسالة، مع أنها حاصلة في البشر، ولا يسمى بذلك. بيان الثاني: أن اعتماد القياس على تعليل التسمية بالوصف ودورانه معه، وجودًا وعدمًا، فإذا لم يحصل تعدية العلة بهذا الطريق لم يصح القياس. وأورد: بأن امتناعه في البعض لا يدل على امتناعه مطلقًا، كما في الأحكام الشرعية. وأجيب: بأن ذلك في التعبدية، فأما مع ما يدل على العلية فلا. فصل المترادف هو: (ألفاظ مفردة متغايرة، دالة على مسمى واحد). ولا حاجة إلى زيادة اعتبار واحد، أو من غير تفاوت، لأن ما يخرج به، خرج بالأخير. مسألة: في وقوع الترادف وهو واقع.

مذهب الجمهور أن الترادف واقع

وقيل: لا، في العربية، وإن ما يظن ذلك، فهو متباين: بالذات والصفة: كأسد، وليث، إذ تأتي باعتبار الصفة. وهو: إما التوثب، إذ الليث: اسم لضرب من العناكب التي تصطاد الذباب بالتوثب، أو أنه يكون ويكثر الفساد، أو لصفتين: كإنسان وبشر، وخندريس، وعقار، إذ الأول باعتبار العتق، والثاني عقر الدن. - أو بالصفة وصفة الصفة كأسود وأسحم، فإن الثاني: باعتبار ميلانه إلى الصفرة. وهذا ممكن في بعض ما يظن كذلك، دون كله، وتكلفات الاشتقاقين لا يشهدها عقل ولا نقل. مذهب الجمهور أن الترادف واقع وجوازه ووقوعه في لغتين، معلوم بالضرورة، والأغلب وقوعه في العربية، للاستقراء: الصَّلْهب، شوذب، فضة، وحنطة وبر.

قالوا: تعريف للمعروف، فكان عبثا. وأجيب: بمنعهما، وهذا لأنه علامة ثانية، والفائدة لم تنحصر في التعريف، حتى يكون الخالي عنه عبثًا. وأنه يخل بالفهم، أو تحصيل المشقة الزائدة. وأجيب: بالنقض باللغات المختلفة، وبفوائد الترادف، وأنه مشتمل على المفسدة الراجحة، وإلا: لما قل وجوده وحينئذ يجب أن لا يكون. وأجيب: بأنه يقتضي قلة وجوده، لا عدمه بالكلية، ولأنه فاسد الوضع، لأنه استدلال بندرة الوجود على عدم الوجود بالكلية. الترادف خلاف الأصل: ثم هو خلاف الأصل، إذا الغالب خلافه. وقد يكون أحدهما أجلى من الآخر، فيكون شرحًا له، ويختلف ذلك بالأمم. الداعي إلى الترادف: ثم الداعي إليه: التسهيل والتوسعة، وتيسير النظم، والنثر للروي والزنة والسجع، وتيسير المطابقة والتجنيس، وسائر أصناف البديع ووضع القبيلتين. وفي صحة إقامة كل منهما مقام الآخر:

(أدلة المفصل)

ثالثها: إن كان من لغة واحدة جاز، وإلا: فلا. (أدلة) المانع: لو جاز، لجاز من لغتين. وأجيب: بإلزامه، وبالفراق باختلاط اللغتين. أدلة المجوز: أن معناهما واحد، ولا حجر في التركيب. وأجيب: بمنع الثاني، وهذا لأن التركيب للإفهام، ولا فهم للعارف بلغة واحدة. (أدلة المفصل) للمفصل أن هذا المحذور غير حاصل في الواحدة، فيجوز. وأجيب: بأن صحة الضم من عوارض الألفاظ، كما في اللغتين فجاز أن يختص أحدهما بصحة الضم إلى اللفظ، دون الآخر. وأجيب: بأنه وإن جاز عقلا لكن الاستقراء ينفيه. فصل التأكيد (لفظ مستعمل لتقوية ما فهم من الآخر). وهو: لفظي بإعادة الأوّل. ومعنوي: غير مختص كالعين، والنفس، ومختص: بمثنى كـ "كلا وكلتا"، وبجمع أو ذي أجزاء كـ "كل" و"أجمعون" وتوابعهما.

الفرق بين الترادف والتأكيد

الفرق بين الترادف والتأكيد ويفارق الترادف بإفادة التقوية، واشتراط تقدم المؤكَّد، وتأخر المؤكِّد، وقد يكون عين المؤكد، وأن يكون من لغة واحدة. الفرق بين التأكيد والتابع ويفارق التابع: كـ"شَيْطانُ لَيْطانُ"، وعطشان نطشان. في أنه على زنة المتبوع، وأنه لا يفيد، قال بعضهم حين سُئل عن معنى "بسن" وهو تابع "حسن": لا أدري ما هو؟ الفرق بين التأكيد والمترادف ويفارق المترادف: في أنه يجوز أن يفرد بالذكر، والتأكيد في أنه قد يكون بتكرر الأول. مسألة جواز التأكيد بالضرورة: ولأن تقوية المعنى، لإزالة اللبس والغلط: قد يكون غرضًا للمتكلم، والوضع يتبعه. وهو واقع في كلام الله تعالى ورسوله والفصحاء للاستقراء. وإذا أمكن الحمل على فائدة مستقلة، وكان أولى منه. وخالف الملاحدة فيه: بأنه لا فائدة فيه، فكان الاشتغال به عبثًا.

فصل المشترك

وجوابه: منعه إن عني به مطلقًا، إذا التقوية فائدة، وإلا لم يفسد. فصل المشترك "لفظ واحد" موضوع لشيئين مختلفين أو أكثر، من حيث هما كذلك من غير نقل. خرج عنه: ما ليس بلفظ، والمتباينة، والمترادفة والعلم المتواطئة، والمجاز، والمنقول. مذاهب القائلين بوجوب المشترك وأدلتهم وقولنا: لشيئين خير من قوله لحقيقتين، لتناوله المشترك بين فردين من نوع، ثم هو واجب، أو ممتنع، أو ممكن: واقع، أو غير واقع مذاهب أربعة: الأوّل: الألفاظ متناهية، لأنها مركبة من الحروف المتناهية، والمعاني غير متناهية، لأن جملتها الأعداد، والمتناهي إذا وزع على غير المتناهي: لزم الاشتراك. وأجيب: بمنع الأولى: إذ المركب من المتناهي، إن لم تكن وجوه التركيبات متناهية، لم يلزم التناهي، كما في الأعداد. ويمنع الثانية: إن ادعاه مطلقًا، لأن الحاصل منها متناه، وإن ادعى غيره لم يفد، إذ لا نسلم دعوى الحاجة إلى الوضع له سلمنا عدم التناهي في الوجود الخارجي، لكن لا نسلم ذلك في المختلفة والمتضادة التي بحسبها يجب الاشتراك. سلمناه، لكن الوضع لها مشروط بتعلقها مفصلا، وهو-هنا- محال، فيمتنع الوضع لها، سلمناه، لكن إنما يجب ذلك أن لو وجب أن يكون لكل معنى لفظ، وهو ممنوع، وهذا كأنواع الروائح والاعتمادات. -وأيضا- اللفظ العام كالوجود واجب في اللغات، وقد تقرر: أن وجود كل شيء عين

مذهب القائلين بعدم وقوع المشترك وأدلتهم

ماهيته، فكأن الاشتراك واجبًا. وأجيب: بمنع المقدمتين، وسلمناهما، لكن جاز وضعه لأمر عام، مشترك بين الموجودات. مذهب القائلين بعدم وقوع المشترك وأدلتهم للثاني: أن المخاطبة به عبث، أو تكليف ما لا يطاق، فوجب أن لا يكون. وأجيب: بمنع لزومهما إياها، ثم بمنع انتفائهما. -وأيضا- أنه يخل بالفهم التام، ويوقع في الجهل، فوجب أن لا يكون. وأجيب: بأنه لا يوجب العدم، كما في أسماء الأجناس والمشتقات. للثالث: أنه لا يلزم من فرض وقوعه محال، فكان ممكنًا. ولأن تعريف الشيء على سبيل الإجمال، قد يكون غرض المتكلم حيث لا يعلم التفصيل، أو يكون ذكره مفسدة، والوضع يتبع الغرض فأمكن الوضع له. ولأن القبيلتين قد يضعان اللفظ لمعنيين، فحصل الاشتراك، من غير شعور بحصول مفاسده. وأما الوقوع: فالاستقراء يدل عليه، فإنا إذا سمعنا "القرء" "الجون": بقى الذهن مترددًا بين مفهوميهما. للرابع: أن التواطؤ والمجاز خير من الاشتراك، وكلما يظن أنه مشترك فيحتمل أن يكون حقيقة ومجازًا، أو متواطئًا وحينئذ لا يصار إلى الاشتراك.

مسألة حصول المشترك بين النقيضين

وأجيب: بأنه محتمل، لكن الأغلب على الظن وقوعه، لما سبق. مسألة حصول المشترك بين النقيضين يجوز حصول المشترك بين النقيضين، إذ لا مانع منه بالأصل. وقيل: لا، إذ فائدته التردد بين مفهوميه، وهو حاصل النقيضين قبل الوضع، فيكون عبثًا. وأجيب: بمنع انحصار فائدته فيه، سلمناه: لكن لا ينفي وضع القبيلتين. فعلى هذا مفهوماه: إما أن يصدق أحدهما على الآخر، صدق الكل على الكل كالممكن، أو صدق الصفة على الموصوف كالأسود إذا سمي به شخص أسود أو: لا، وهو: إما مختلفان كالعين أو ضدان كالقرء، والجون، أو نقيضان كإلى على رأى. مسألة جواز وقوع المشترك في الكتاب والسنة يجوز وقوعه في الكتاب والسنة لأنه وقع، قال الله تعالى: {واليل إذا عسعس} [التكوير: آية 17]. وقال: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} [الأحزاب: آية 56] وقال عليه السلام: "دعي الصلاة أيام أقرائك".

مسألة فيما يعرف به المشترك

وقيل: لا، لأنه لم يقصد به الإفهام، أو قصده بدون القرينة لزم العبث، أو تكليف ما لا يطاق أو معها متصلة: لزم التطويل من غير فائدة أو منفصلة، فأمكن أن لا يصل إليه، فيتعطل الخطاب وأجيب: بمنع امتناع اللوازم على رأينا وبمنع كونه تطويلا من غير فائدة على رأي الكل. مسألة فيما يعرف به المشترك يعرف المشترك: بتصريح أهل اللسان به وبكونه حقيقة في هذين، أو وضع لهذين من غير نقل، أو إذا استتممتموه مني فلا تحملوا على هذين المفهومين عينا، إلا: لقرينة وبكون الذهن يبقى مترددا في مفهوميه، وبأنه إذا أراد إفهام أحدهما مبهما اقتصروا على مجرد اللفظ، أو عينا ضموا إليه قرينة، وبكونه مستعملا فيهما، مع أنه لا يصح سلبه عن كل منهما. وأما مجرد الاستعمال، وحسن الاستفهام، فلا. مسألة الأصل عدم الاشتراك لأن الانفراد أكثر للاستقراء، وأنه آية الرجحان, ولا يقال: الاشتراك أكثر، إذ الحروف والأفعال بأسرها مشتركة وفي الأسماء -أيضا- اشتراك كثير، فإذا انضم إليها، صار الاشتراك أكثر لأنا نمنع المقدمات أو لا، ثم نمنع كون الاشتراك أكثر حينئذ وإنما يلزم ذلك: أن لو لم تكون الأسماء المنفردة أكثر، وهو ممنوع و-أيضا- احتمال كون اللفظ منفردا، راجع إلى احتمال كونه مشتركا، وإلا: لما حصل الفهم عن شيء من الألفاظ على مجردها، واللازم ممتنع فالملزوم مثله، فاحتمال الانفراد راجح. واعترض عليه: بمنع الملازمة، وهذا لأن ظن وضعه للمعنى كاف في حصول الفهم، وإن احتمل وضع لغيره احتمالا سواء.

مسألة في المشترك المفرد المثبت إذا صدر مرة مجردا عن القرينة قيل: يحمل على جميع معانيه بطريق الحقيقة

وأجيب بأن الفهم على هذا يعتمد على ظن وضع اللفظ للمعنى على الانفراد، وأنه حاصل بأكثر الألفاظ، لحصول الفهم في أكثرها، ولا نعني بكونه خلاف الأصل. إلا: أن احتمال الانفراد راجح، أو وضعه على الانفراد غالب. و- أيضا - الاشتراك يخل بالفهم، ويوقع في الجهل، ويضر بالقائل، وذلك يوجب ظن مرجوحيته. وأيضا الحاجة إلى الانفراد ضوررية، دون الاشتراك لحصول مقصوده بالترديد، فكان الأول أغلب على الظن. مسألة في المشترك المفرد المثبت إذا صدر مرة مجردا عن القرينة قيل: يحمل على جميع معانيه بطريق الحقيقة عند الشافعي، والقاضي، والجبائي، وجمع من الفريقين إذا لم يمنع مانع من الجميع، كالمتنافيين، نحو "أفعل في الأمر بالشيء، والتهديد عليه". مذهب المخالف خلافا للحنفية، وإمام الحرمين والغزالي، والإمام وأبي هاشم، والبصريين ثم المانع يرجع إلى الوضع، وهو الأصح، وقيل: القصد، وقيل: مطلقًا.

أدلة من قال: لا يحمل على جميع معانيه

أدلة من قال: لا يحمل على جميع معانيه لنا: أنه إن وضع لأحد المعنيين على البدن فقط، لم يجز استعماله فيهما معا، وإن وضع لهما فقط باعتبار المجموع كالقوم أو باعتبار كل واحد منهما كالعام، لم يكن اللفظ مشتركا. أما أولا: فلاتفاق أكثرهم عليه. وأما ثانيًا: فلأن المتبادر إلى الفهم منه أحدهما، لا بعينه. ولو سلم ذلك، لكنه يقتضي أن يكون استعماله في أحدهما على البدلية - مجازا، وهو باطل بالاتفاق عليه، وحينئذ لم يكن ذلك استعمالا له في جميع معانيه، بل في بعضها، وإن وضع لهما ولأحدهما على البدلية: فإن استعمل فيهما بأي اعتبار كان من الاعتبارين المذكورين، كان ذلك استعمالًا له لا بعض معانيه، لا كلها، وإن استعمل فيهما أو في أحدهما على البدلية فباطل، لأن بين المفهومين تنافيا، فالجمع بينهما محال. ولأن المعنى من استعمال اللفظ في حقيقته: أن يحصل الاكتفاء به، فلو استعمل فيهما حقيقة، لزم أن يحصل الاكتفاء بأحدهما، وأن لا يحصل وهو متناقض. وعلى هذا لا يرد ما أورد على تقدير الإمام. أدلة المجوز لحمله على جميع معانيه للمجوز: قوله تعالى: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} [الأحزاب: آية 56]. والصلاة من الله الرحمة. ومن الملائكة الاستغفار، وقد أريدا من الآية، وقوله: {ألم تر أن الله يسجد له} والسجود من الناس: وضع الجبهة على الأرض، لأنه السابق إلى الفهم عندما يضاف إليه، ولتخصيص كثير من الناس بذلك، إذ السجود بمعنى الخشوع يعمهم. والسجود من غير من يعقل: هو الخشوع، لأنه المتصور منه. وقد أريد من السجود المذكور في الآية. وأجيب: بأنه متعدد في المعنى، لتعدد فاعليه فكان كالمتعدد لفظا سلمناه، لكنه يجوز أن يكون موضوعا للمجموع، كما هو للآحاد، سلمناه، لكنه بطريق التجوز.

الدليل العقلي للمجوزين

وقد أجيب أيضا: بمنع أنه بالاشتراك اللفظي بل المعنوي وبأنه ربما نقل بعرف الشرع إلى المجموع، فلا يكون اللفظ مشتركا وفيهما نظر، نظر: من حيث إن اللفظ لا يطرد، حيث يوجد ذلك المشترك، وأن النقل خلاف الأصل، وأنه يجب اشتهاره، ولو لم يوجد وأيضا: أريد بالقرء في آية العدة مفهوماه، لوجوب الاعتداد على المجتهدة بكل منهما، إذا أدى اجتهادها إليه. وأجيب: ببعض ما سبق، وبمنع دلالة وجوب العمل به على الإرادة، إذا العمل بالظن واجب، كيف ما كان وأيضا قال سيبويه: "الويل لك، دعاء وخبر" وأجيب: ببعض ما سبق، وبأنه بيان كونه مشتركا. الدليل العقلي للمجوزين ولأنه: لا يمتنع إرادة ذينك المعنيين، قبل التلفظ به، مرة واحدة، لأن وجود اللفظ، وإيجاده، لا يحيل ما كان ممكنا وأجيب: بأنه غير وارد على من منع نظرا إلى الوضع وهو المختار ولو سلم: فالمحيل ليس هو التلفظ، بل الدليل المذكور. فروع أولها: استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه معًا. أو في مجازاته على الخلاف السابق ونقل عن القاضي أبي بكر: إحالته.

أدلة النافي: للنافي أن استعماله فيهما يقتضي أنه مستعمل له فيما وضع له، وغير مستعمل له فيه، وهو متناقض. وأجيب: بمنع اقتضائه ذلك، بل مقتضاه أنه مستعمل له فيما وضع له، وفي غير ما وضع له، ولا تناقض فيه. وأن استعماله في المجازي يقتضي إضمار كاف التشبيه وفي حقيقته يقتضي عدمه، وهو جمع بين النقيضين وأجيب: بمنع امتناعه بالنسبة إلى الشيئين. وثانيها: القائلون بجواز حمل المشترك على مفهوميه، اختلفوا في وجوبه: فالأكثرون على نفيه، لئلا يلزم ترجيح من غير مرجح وذهب الشافعي، والقاضي -منا- إليه، تكثيرا للفائدة، ودفعا للإجمال، ومصيرا إلى الاحتياط. وثالثها: النافون لاستعمال المشترك المفرد في جميع مفهوماته -اختلفوا في تثنيته وجمعه، في الإثبات. فالأكثرون: على النفي، لأن التثنية والجمع تعديد المفرد، فإذا لم يجز. وذهب الباقون: إلى الجواز، لأن الأقراء: قرء وقرء وقرء فإذا جاز، جاز. وأجيب: بأنه كذلك باعتبار معنى واحد، لا معنيين. ورابعا: منكرو التعميم في الإثبات، اختلفوا في تعميمه نفيا مفردا أو جمعا. ونحو: لا تعتدي بقرء، أو لا تعتدي بالأقراء. فالأكثرون: سووا بينهما، لأن النفي إنما يرفع الإثبات، ولو أريد منه نفي المسمى عم، لكنه يصير متواطائا.

مسألة

وذهب الأقلون: إلى أنه يعم دون الإثبات، لأنه نفي مطلق، وهو ينفي جميع مفهوماته، ولا يلزم من عدم التعميم في الإثبات: عدمه في النفي، كالنكرة، في سياق النفي. وتعميم نفي المفرد أولى من الجمع، لأن نفيه لا يقتضي نفي المفرد، فلا يعم. مسألة المشترك: إن تجرد عن القرينة بقي مجملا، عند من لم يوجب حمله على العموم. وإلا: فإن عنيت واحدًا ابتداء، أو بإلغاء غيره زال الإجمال، وأكثر منه بقى مجملا بينهما. أو كل واحد منهم، وهي متنافية- بقى مجملا، كما كان قبله أو غير متنافية. قيل: بتعارضها، والمانع من حمله على جميع معانيه، وهو باطل إذ الجمع ممكن، بأن يقال: إنه تكلم به مرتين أو وإن كان مرة لكنه أراده تجوزًا لا بأنه موضوع للكل أيضا لأن ما يعين الكل حينئذ- يعين كل واحد أيضا، وإلا: لم يكن معينا لكل مدلوله، و-حينئذ- يتعذر الجمع إذ المانع يمنع من حمله عليهما والقرينة تعينهما. ويخص الظني بأنه لا يعارض القطعي. وإن ألغت الجميع بقي مجملا في مجازاتها، وإن تساوت الحقائق ومجازاتها، وإلا: فإن ترجحت إحداهما، فيحمل على المجاز الراجح أو مجاز الراجحة، أو كل منهما، فإن ترجح مجاز الراجحة: تعين، وإلا: فمجمل، ويمكن ترجيح المجاز الراجح على مجاز الراجحة. فصل الحقيقة والمجاز الحقيقة: "لفظ مستعمل فيما وضع له أولا، في اصطلاح به التخاطب" والمجاز: "لفظ مستعمل في غير ما وضع له أولًا، في اصطلاح به التخاطب، لعلاقة بينهما".

مسألة

ومن شرط الوضع في المجاز يزاد فيه: "معنى متواضع عليه". وهذان يتناولان الحقائق الثلاث ومجازاتها. ولفظتهما الحقيقة والمجاز: في معناهما حقيقتان عرفيتان للتبادر، مجازان لغويان إذ الحقيقة: فعلية، من الحق، وهو الثابت، إذ يذكر في مقابلة الباطل الذي هو المعدوم، والفعيل: بمعنى الفاعل، والمفعول فيكون معناهما: الثابتة، أو المثبتة، والياء لنقل اللفظ من الوصفية إلى الاسمية، فلا يقال: شاة أكيلة ونطيحة، ثم نقل إلى الاعتقاد المطابق، ثم إلى القول المطابق، لأنهما بالوجود أولى من ضده، ثم إلى اللفظ المستعمل في موضعه، لأن استعماله فيه تحقيق لذلك الوضع. والمجاز: مفعل من الجواز، بمعنى: التعدي المختص بالجسم، واستعماله في اللفظ مجاز، للتشبيه، ولأن بناءه للمصدر. أو الوضع فاستعماله في الفاعل، أو المشابه له مجاز، والجواز بمعنى: الإمكان، وإن أمكن حصوله في اللفظ، لكنه راجع إلى الأول، فيكون التجوز لازما. مسألة الحقيقة اللغوية: واقعة إجماعًا. ولأن نعلم بالضرورة: أن كل لفظ ليس مستعملا في غير موضعه، وأيضا: لا نعمل لها موضوعات غير ما استعملت فيه، فلم يمكن جعلها مجازات فيه، لفقد العلم بالمناسبة الخاصة. والاستدلال بفرعية المجاز لها: ضعيف إذ هو فرع الوضع لا الحقيقة، لتوقفها على الاستعمال بعده.

الحقيقة العرفية

الحقيقة العرفية وكذا العرفية: وهي اللفظة التي نقلت عن موضعها الأصلي، إلى غيره بعرف الاستعمال. وهي خاصة إن اختصت بقوم، وإلا فعامة ولا نزاع في الأولى. والأصح وقوع الثانية -أيضا- في مثل: "الدابة والرواية والغائط". الحقيقة الشرعية وكذا الشرعية وهي: التي استفيد وضعها للمعنى من جهة الشرع أقسامها: وأقسامها الممكنة أربعة وأنكره القاضي -منا- مطلقا. تفصيل الأئمة للحقيقة الشرعية وفصل إمام الحرمين، والغزالي، والإمام: فأثبتوا منها ما كان مجازًا لغويًّا خاصة، وما نقل إلى الدين وأصوله يخص بالدينية. وقيل: ما أجري على الفاعلين.

أدلة الجمهور

أدلة الجمهور الجمهور: علامة الحقيقة حاصلة فيها كالمتبادر، وإذ ليست لغوية وعرفية وفاقا، فهي شرعية. واستدل بالقطع للاستقراء. إذ الصلاة للركعات، والزكاة والصوم والحج لنقص، وإمساك، وقصد مخصوص، وهي لغة: داء ونماء. وإمساك مطلقًا، وقصد كذلك. قيل: باقية، والزيادات شروط اعتدادها رد: بأنه لا دعاء، ولا ابتاع، في صلاة الأخرس قيل: مجاز، فإن أريد به من جهة الشارع فهو الدعاء، أو من جهة أهل اللغة فخلاف الظاهر، إذ لم يعرفوها. ورد: بأنه بحسب خصوصيته، لا كليته، نحو: كونه إطلاق اسم الجزئي على الكل. دليل القطع بالاستقراء واعترض: بأن الاستقراء بتصفح الجزئيات لا يفيد القطع، وبأنه لا يدل عليها مطلقا، بل ما كان منها مجازا لغويا. وأيضا: الإيمان التصديق، وفي الشرع: فعل الواجبات: - (أ) لأنه الدين، لقوله تعالى: {وذلك دين القيمة} [البينة: آية 5]. وهو: الإيمان، وإلا: لما كان مقبولا من مبتغيه، للنص، ولاستثناء المسلمين من المؤمنين. في قوله تعالى: {فأخرجنا} [الذاريات: آية 35]. وأجيب: بمنع عود ذلك إلى المذكورة، لأنها أمور كثيرة، وهو للواحد المذكور، وعوده إليها باعتبار كل واحد: ظاهر البطلان، وباعتبارها أمرًا تم خلاف الأصل سلمناه، لكن جاز عوده إلى الإخلاص -أيضا- فلم يتعين، ثم هو أولى، لأنه مذكور تصمنا، وتقرير لغة دون ما ذكرتم وبمنع أن الإسلام: الإيمان. إذ الأول: معارض بقوله تعالى {ولكن قولوا أسلمنا} [الحجرات: آية 14]. ثم الترجيح

معنًى، إذ الأصل عدم التفسير، وتعدد المسميات عند تعدد الأسماء. والثاني: لا دلالة فيه، إذ لا يلزم من عدم الاتحاد أن يكون الاستثناء منقطعا، ولو سلم أن الإيمان في الشرع: فعل الواجبات، لكن من جملة تلك الواجبات التصديق وفاقا، فيكون الإطلاق بطريق التجوز، ولا يلزم النقل بالكلية. (ب) {وما كان الله ليضيع إيمانكم} [البقرة: آية 142]. أي: صلاتكم نحو: بيت المقدس. وأجيب: بمنعه، بل المراد منه التصديق بها، إذ الإضمار خير من النقل. (ج) قاطع الطريق يخزى، والمؤمن لا يخزى وأجيب: بمنع الثاني، والنص مختص بالرسول عليه الصلاة والسلام وما بعده مستأنف، أو مختص به، وبأصحابه، لقرينة {ءامنوا معه} [التحريم: آية 8]. (د) الإيمان يجامع الشرك، للنص، والتصديق لا يجامعه، فهو غيره. وأجيب: أنه لا يجامعه على كل مذهب، ولا بد من تأويله، وهو أنه أريد به: الإيمان قولا، والشرك جنانا. (هـ): الإيمان شرعا ليس هو التصديق، بل تصديق خاص فيكون مجازا لغويا، سلمنا دلالة ما ذكرتم عليه لكنه معارض: - بما يدل على أنه محله القلب، كقوله تعالى: {كتب في قلوبهم الإيمان} [المجادلة: آية 22]. {وقلبه مطمئن بالإيمان} [النحل: آية 106]. {أفمن شرح الله صدره للإسلام} [الزمر: آية 22]. وبما "يدل على" مجامعة الإيمان والفسق والمعاصي كقوله تعالى: {وإن طائفتان} [الحجرات: آية 9]. {الذين ءامنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} [الأنعام: آية 82].

أدلة القاضي

واستدل من المعقول: بأن المعاني الشرعية حدث تعقلها، فوجب أن يوضع لها اسم. أدلة القاضي للقاضي لو كانت، لما كانت عربية، إذ يضعونها لها، فلا يكون القرآن عربيًّا، ضرورة اشتماله عليها، لكنه باطل، لآيات. وأجيب: بمنع الأولى: إذا المجاز عربي، وإن لم يكن بوضع منهم، إن أراد به الوضع المختص بالحقيقة، وإلا: فممنوع فإن قلت: شرط التجوز التنصيص، قلت: بمنعه على رأي، سلمناه لكنه كلي أو جزئي، والأول: مسلم، لكنه حاصل، والثاني: ممنوع، لا يقال: لا نسلم حصوله، وهذا لأنه لا يجوز تسمية كل شيء باسم كل جزء؛ إذ لا يجوز تسمية: المائة بخمسين، ولا الرغيف بالدقيق، ولا الدار بالجدار، ولا الجدار باللبنة. بل غاية ما علم بالاستقراء: تسمية بعض الأشياء باسم جزئها، فلما قلتم: إن ما نحن فيه منه، لأنا نقول: المعلوم بالاستقراء تسمية كل شيء باسم جزئه الأشرف أو الغالب، إلا أن يمنع منه مانع، من عرف أو غيره لكن الأصل عدمه فيما نحن فيه منه، ويمنع الثانية: إذ هي نادرة، فلا يقدح في كونه عربيا، بناء على الغالب كالأسود الزنجي، والثور الذي فيه نقط بيض فإن قلت: ذلك مجاز، بدليل صحة النفي. قلت: ليس حمل صحة النفي على الحقيقة، وذاك على التجوز أولى، وعليكم الترجيح، سلمناه، لكنه لا يلزم من عربية القرآن: عربية كله، إذ هو مشترك بين الكل والبعض، لفظا أو معنى: - لأنه مأخوذ من القرء، أو من القراءة. وعلى التقديرين: يصدق على الجزء صدقه على الكل، والخارج من الكتاب -وإن وجد فيه المعنى- لا يسمى به للعرف. ولأنه لو حلف أن لا يقرأه، حنث ببعضه، و-أيضا- يقال: هذا كله القرآن، وهذا بعضه، من غير نقص وتكرار. و-أيضا- أجمعت الأمة على أنه لا يجوز للجنب قراءة القرآن وهو غير مختص بالكل إجماعا، والأصل في الإطلاق الحقيقة ولأن قوله: {إنا جعلناه} [الزخرف: آية 3]. ضمير

السورة، وصحة قوله: لم ينزل إلا: قرآن واحد، وهذا بعض القرآن - لا يدل على أنه اسم للكل فقط، بل على أنه اسم له مطلقا، سلمناه لكن لا نسلم بطلان اللازم. وما ذكر من الدلالة عليه، فمنقوص باشتماله على الحروف المعجمة و"المِشْكَاةُ" و"القسْطَاسُ"، و"السِّجِّيلُ"، و"الإستَبرقُ" فإنها ليست عربية. وما يقال: إن الحروف في أوائلها أسماؤها، والبواقي من قبيل توافق اللغتين - فغير مفيد، إذ دلالتها عليها غير مستفادة من جهتهم لا حقيقة ولا مجازا، فكانت غير عربية. التوافق، وإن كان محتملا، لكنه خلاف الغالب، وإلحاق الفرد بالغالب أولى.

فروع

و-أيضا- لو كانت، لعرفها، وإلا: لكان ملغزا، وعابثا، ولو عرفها لنقل متواترا، إذ النقل آحادا لا يفيد في مثله، لكنه غير حاصل، وإلا لعرفه الكل فلم يبق فيه خلاف وأجيب: بأنه يكفي فيه الاستعمال مع القرائن كما في الابتداء. فروع (أ) النقل خلاف الأصل. إذ المجاز كذلك، فهو أولى، ولأنه مختلف فيه، دون الحقيقة اللغوية، ولأن الأصل بقاء ما كان على ما كان، ولأنه يتوقف على نسخ الوضع الأول، ووضع الآخر، وإطباق الخلق عليه، وهو متعذر أو متعسر، ثم هو نادر، فكان الأغلب على الظن عدمه. (ب) لا شك في وقوع المتباينة، والمتواطئة فيها. والمشترك والمشكك والمترادف كذلك على الأظهر لا كلفظ الصلاة بالنسبة إلى صلاة الأخرس والعاري والقاعد والمومي بالطرف، ومن تجري أفعال الصلاة على قلبه، على مذهبنا، والجنازة. فإن ذلك بالتواطؤ. بل كالطهور على الماء والتراب، وعلى ما يدبغ به وكالفاسق على فعل الكبيرة والكبائر، وكالواجب والفرض والتزويج والإنكاح. (ج) لم يوجد فعل شرعي دون مصدره، للاستقراء. واستدل عليه أن الفعل يتبع المصدر، فيكون: كونه شرعيًّا تبعًا لمصدره، لا مستقلا وفيه نظر: لإمكان تصرف الشارع في الجزء الخاص به (د) صيغ العقود المستعملة في استحداث الأحكام إنشاءات على الأظهر

مسألة المجاز واقع في اللغة العربية، للقطع بالاستقراء

إذ لو كانت إخبارات لتطرق إليها التصديق والتكذيب، إذ هو من لوازمه، لكنه باطل، فالملزوم مثله. ولكان: إما أن تكون أخبارا عن الماضي، أو الحال، وهو باطل، وإلا: لما قبل التعليق، ولما وقع الطلاق على الرجعية. وعن الاستقبال، وهو - أيضا - باطل، وإلا: لوقع الطلاق بالتصريح به. ولكان: إما كاذبة، وهو باطل، إذ لا عبرة بها في الشرع، ولأن الكذب حرام، فما يتوقف عليه حرام، فالتطليق حرام أو صادقة، فهو باطل، لاستلزامه الدور. مسألة المجاز واقع في اللغة العربية، للقطع بالاستقراء كإطلاق الأسد، والحمار على الشجاع والبليد، وشابت لُمة الفيل وقامت الحرب على ساق ودارت رحاها أنكره الأستاذ. محتجا: بأنه لا يفيد بدون القرينة وفاقا، ومعها لا يفيد غيره، فيكون المجموع، حقيقة فيه وأجيب: بأن القرينة قد تكون عقلية أو حالية و- حينئذ - لا يمكن جعله معها حقيقة فيه، لأنه من عوارض الألفاظ، ولو سلم لكن المعنى من المجاز: ما تكون دلالته بقرينة، وإن كانت لفظا، فإن لم يَعْنِ هو ذلك، كان النزاع لفظيا، وأيضا - المجاز فيه تطويل من غير فائدة، إذ لا ينبني بدون القرينة، والتعبير عنه بالحقيقة ممكن، فيمتنع صدوره من الواضع الحكيم. وأجيب: بمنع الثانية، لما يأتي من فوائده. مسألة وقوع المجاز في كلام الله تعالى والسنة ثم هو واقع في كلام الله تعالى والسنة.

أدلة الظاهرية والرافضة على عدم وقوع المجاز

واستدل عليه بقول: {ليس كمثله شيء} فإنه أريد به نفي المثل، هو مجاز فيه بالزيادة، لا حقيقة، لكونه كفرًا، وبقوله {جدارا يريد أن ينقض} {وسئل القرية التي كنا فيها والعير} وفيه نظر إذ الأولى: محمولة على حقيقته، دلالة على نفي المثل، وكذا. الثانية: لإمكان خلق الحياة والإرادة فيه، والزمن زمن النبوة، وكذا. الثالثة: إن سلم أنها اسم للبيان، وتتأكد بإمكان جعله معجزة للسائل. والأولى: أن يعدل إلى ما هو أوضح منها: كقوله: {واخفض لهما جناح الذل} [الإسراء: آية 24]. {جنات تجري من تحتها الأنهار} [التحريم: آية 8]. {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه} [الأنبياء: آية 18]. {واشتعل الرأس شيبا} [مريم: آية 4]. {وءاية لهم الليل نسلخ منه النهار} [يس: آية 37]. {لهدمت صوامع وبيع صلوات} [الحج: آية 40]. {ولكم في القصاص حياة} [البقرة: آية 179]. {أحاط بهم سرادقها} [الكهف: آية 29]. {كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها} [المائدة: آية 64]. ومن السنة قوله: "حَتَّى تذُوقي عُسيلَتهُ، ويَذُوقُ عُسَيلَتكِ". وأمثالها كثيرة. أدلة الظاهرية والرافضة على عدم وقوع المجاز وأنكره الظاهرية، والرافضة، محتجين: - بأنه ركيك من الكلام، لا يصار إليه

مسألة هل في القرآن معرب؟

إلا: عند العجز عن الحقيقة، وهو على الله محال. وأجيب: بمنعه، بل قد يكون أفصح وأبلغ من الحقيقة، ويصار إليه لأغراض أخر. وبأنه يصح وصف من صدر عنه: بالمتجوز والمستعير. وأجيب: أنه يشترط عدم المانع، وأسماء الله توقيفية، ولو سلم أنها قياسية: فإنما يجوز إطلاق ما لا يوهم الباطل، وما نحن فيه ليس كذلك. وبأن كلامه حق، فله حقيقة، ولا شيء منها بمجاز. وأجيب: بأنه بمعنى الصدق، لا بمعنى ما نحن فيه. وبأن تجويزه يوجب أن لا يقطع بشيء من مدلولات كلامه لاحتماله إرادة المجاز، وعدم وجدان القرينة الصارفة: لا يدل على العدم. وأجيب: بأنا لا نقطع بشيء منه بهذا الطريق، بل بالقرائن المعينة، والدلالة المانعة من حمله على غير ظاهره. وبأنه: لا يبني بدون القرينة، وهي قد تخفى، فيقع السامع في الجهل، ولم يحصل مقصود المتكلم، والحكيم لا يسلك ما قد يؤدي إلى نقيض مقصوده، مع القدرة على سلوك ما لا يفضي إليه. وأجيب: بأنه مبني على التحسين والتقبيح، وهو باطل سلمناه لكن اختفاءها احتمال مرجوح، ولمثله لا يقبح الشيء، وإلا: لفتح إبدال المتشابهات. مسألة هل في القرآن معرّب؟ لا نعرف خلافا في اشتمال العربية على غيرها من المعرب وغيره وإنما الخلاف في اشتمال القرآن عليه:

أدلة المثبتين للمعرب

فأثبته ابن عباس، وعكرمة ونفاه الباقون قيل: الإمام الشافعي منهم. وهذا الخلاف يجب أن يكون في غير الأعلام، فأما فيها فلا يتجه. أدلة المثبتين للمعرب واحتج المثبت باشتماله على: السجيل، والإستبرق، والمشكاة، والقسطاس. ولأنه لو لم يجز، فإنما هو لعدم الفهم، وهو غير منكر فيه، فإن الحروف في أوائل السور كذلك، وكذا الزقوم، والأب وكذا المتشابهات، إذ الأصح الوقف على قوله تعالى: {وما يعلم تأويله إلا الله} [آل عمران: آية 7]. ولأن: المعرب من جملة كلامهم، ولذلك اعتور عليه أحكامه من دخول الألف واللام والتنوين، والجمع والتثنية، فجاز أن يكون فيه كغيره. وأجيب عن الأول: بمنع كونها غير عربية، فإن التوافق ليس بدعًا، ولا يفيد، كما في التنور والصابون وعن الثاني: بمنع أن فيه غير المفهم، أما أوائل السور فقد مر جوابه. وعدم علم الواحد منهم والاثنين بمعنى اللفظ، لا يدل على أنه ليس من لغتهم. ولا نسلم: أن الأصح الوقف على ما ذكرتم، وهذا لأن التخصيص أهون من التكلم بما لا يفيد.

مسألة أقسام المجاز

وعن الثالث: أنه يدل على الجواز، لا على الوقوع، وفيه النزاع للمنكر. قوله: {قرءانا عربيا} [يوسف: آية 2]. {بلسان عربي مبين} [الشعراء: آية 195]. وقوله: {ولو جعلناه قرءانا أعجميا} [فصلت: آية 44]. ووجه الاستدلال به: أنه استفهام إنكار عن تنويعه، وهو إنما يصح إذا لم يكن فيه غير نوعه. وأجيب: عن الأولين: بما سبق في الشريعة. وعن الثالثة: منع كونها استفهاما عما ذكرتم، بل عن غيره على ما عرف ذلك في التفسير، سلمناه، لكن المراد منه: أعجمي لا يفهم. مسألة أقسام المجاز المجاز إما في المفرد، وهو لغوي، ويسمى بالمجاز المثبت وقد تقدم. وإما في المركب، وهو عقلي، كقوله تعالى: {وأخرجت الأرض أثقالها} [الزلزلة: آية 2]، {رب إنهن أضللن كثيرا من الناس} [إبراهيم: آية 36]. وكقول الشاعر: أَشَابَ الصَّغيرَ وأَفْنَى الكبيرَ ... كَرُّ الغداةِ ومَرُّ الْعَشيّ وكقولهم: أنبت الربيع البقل، وفعل النور، ويسمى بالمجاز الحكمي والإسنادي، والإثباتي، والمركب وأما فيهما: كقوله: "أحياني اكتحالي بطلعتك" وضابط الأول: معلوم من حد المجاز. وضابط الثاني: أنه متى نسب الشيء إلى غير ما نسب إليه في نفسه، لضرب من

الملاحظة بين الإسنادين، فهو المجاز العقلي، فبالأخير، خرج قول الدهري أنبت الربيع البقل وأسعد الفلك، عن أن يكون مجازا عقليا. والملاحظة قد تكون بالدوران الوجودي، والعدمي، كما في أنبت البقل، أو الوجودي كقولهم قتله السم. وبأن يكون الأثر صادرا عنه حسًّا كما في: - {وأخرجت الأرض} [الزلزلة: آية 2]. و{تؤتي أكلها كل حين} [إبراهيم: آية 25]. وبأن يكون الشيء سبب السبب؛ كقوله: "أعطى الأمير الجبة"، "وكسى الخليفة الكعبة". وأنكر بعض الشاذين المجاز العقلي: إما لزعمه: أن صيغ الأفعال موضوعة لصدور مدلولها عن المختار، فإذا أسندت إلى غيره كانت مجازات لغوية. ربما استدل عليه: بأن علامة المجاز صحة النفي، وهي حاصلة فيه كما في المفرد، إذ يصح أن يقال: ما أخرجت الأرض أثقالها بل أخرجها الله منها، وما أتت النخلة أكلها، ولكن أتى الله منها الأكل. قال الله تعالى: {وما رميت إذ رميت ولكن اله رمى} [الأنفال: آية 17] وهو على رأينا ظاهر وإما لزعمه: أن صيغ الأفعال موضوعة لصدور مدلولها عمن أسندت إليه، مختارا كان أو موجبًا. ومعنى أحدهما ليس منها، وإذا أسند فعل إلى فاعل، مختارا كان أو موجبا-كان مستعملا في مدلوله حقيقة إذ لو كان مجازا في الموجب، لكان له جهة الحقيقة، كما في المفرد ولما لم يكن كذلك علمنا أنه ليس بمجاز وهو باطل. أما الأول: فلأن صيغة الفعل لو كانت دالة على صدور مدلوله من المختار، لكان: أخرج كأخرج القادر، وهو لازم على المستدل أيضا إذ لا نزاع في دلالته على فاعل ما، والجواب مشترك ولأنها تارة تفيد صدور الفعل، وتارة تفيد اتصافه، وتارة تفيد المعنيين

مسألة وجوه المجاز اللغوي

كضرب وفرض وقام فلو كان دالا على صدوره منه، لما كان حقيقة في الثلاثة. ولأنه يصح أن يقال: السواد يضاد البياض، والجسم الجمادي يشغل الحيز وينتقل إلى المكان الطبيعي، ويقبل العرض، والأصل في الاستعمال الحقيقة الواحدة. ولأن: أخرج القادر ليس تكرارًا، وغيره نقصا. ولأنها: لو دلت على القادر، لكنها لا تدل على خصوصيته، وإلا: لزم الاشتراك بحسب القادرين، وهو خلاف الأصل. فإذا أسند إلى غير ذلك الذي صدر عنه، لم يكن مجازا لغويا، بل عقليا، لأنه حصل التعبير في الحكم العقلي لا اللغوي. وجواب الاستدلال: يمنع أن صحة النفي من خواص المجاز اللغوي. وأما الثاني: فلأن كون الفعل حقيقة لغوية فيها، لا ينافي أن يكون مجازا عقليا، فيمن لم تصدر عنه، ولا نسلم اتحاد الجهة وهذا لأن جهة الحقيقة العقلية أن يكون مسندا إلى من صدر منه الفعل، وجهة التجوز أن يكون مستندا إلى غيره. مسألة وجوه المجاز اللغوي المجاز اللغوي على وجوه: أحدهما: إطلاق اسم السبب على المسبب. سواء كان السبب فعليا حقيقيا، كإطلاق اسم الفاعل على المفعول. كقوله تعالى: {عيشة راضية} [القارعة: آية 7]. أو وهميا كإطلاق اسم السماء على المطر، وقابليا كقولهم: سال الوادي، أو صوريا كتسمية القدرة باليد، والعقل والفهم بالقلب أو غائيا كتسمية العنب بالخمر. وعكسه كقوله تعالى: {حجابا مستورا} [الإسراء: آية 45] أي ساترًا. وكتسمية المرض الشديد بالموت وإذا وقع التعارض بين هذين: فالأول أولى، لأن العلم بها عينا يفيد بعينه، ولمسببه، من غير عكس وإذا وقع التعارض بين العلل الأربعة؛

كانت العلل الغائية أولى لوجود جهتي العلية والمعلولية فيها، فإنه مشترك بين كلها، ضوررة أن العلية والمعلولية متلازمة، بل لعليتها في الذهن، مع أن دلالة اللفظ على ما في الذهن بالذات، وعلى غيره بالعرض. وثانيها: إطلاق اسم اللازم على الملزوم. كإطلاق المس على الجماع، وخصه قوم بالكتابة، إذ عدوا كثير الرماد للمضياف، وطويل النجاد، لطول القامة- منها وهو منه. وعكسه: كقوله تعالى: {أم أنزلنا عليهم سلطانا فهو يتكلم بما كانوا به يشركون} [الروم: آية 35]. أي: يدل، وخصه قوم بالاستعارة، والصحيح: أنها غيره. وإذا وقع التعارض بينهما كان الثاني أولى، لاستلزامه إياه من غير عكس، فلو تساويا، وفيه نظر. وثالثها: تسمية الشيء باسم ما يشابهه صورة أو معنى كالفرس، على المصور بصورته، والأسد على الشجاع، ويخص بالاستعارة. وعند التعارض بينه وبين ما سبق: الثلاثة التي فيها اللزوم أولى منه، وهو أولى من الرابع، لكونه أكثر. ورابعها: إطلاق اسم الكل على الجزء. وعكسه: كالزنجي أسود، واليد على الكوع، والرأس على الشخص وعند التعارض: الأول أولى، وإن كان الجزء مساويا له لأن التزامه له النفس الكلية ودلالته بالتضمن دونه، ويقرب منها: المقيد والمطلق. وخامسها: تسمية الشيء باسم ضده. كقوله تعالى: {وجزاؤ سيئة سيئة مثلها} [الشورى: آية 40].

وعند التعارض بينه وبين ما سبق: فكل ما فيه اللزوم والاستعارة راجع عليه، وما ليس به ذلك ففيه نظر. وسادسها: تسمية ما بالقوة باسم ما بالفعل، سواء كان بالقوة القريبة إلى الفعل، كتسمية الخمر في الدن بالمسكر، والعالم بالكتابة مع عدم مباشرتها بالكاتب، أو البعيدة عنه، كتسمية الصبي به، والعنب بالخمر، وهو أولى من تسمية الضد بضده، لأنه أكثر. وسابعها: تسمية الشيء باسم ما يجاوره. كالمزادة بـ"الراوية" والشراب بالكأس إذا جعل الكأس اسم الوعاء وتسمية ما بالقوة بالفعل أولى منه، عند التعارض، لأنه يصير حقيقة عند وجوده. وثامنها: تمسية الشيء باسم ما كان عليه. وعكسه: كالمعتق بالعبد، والضارب لمن يوجد منه عند البعض أو وإن يكن كذلك لكنه كان حقيقة فيه. وتاسعها: المجاز بالزيادة والنقصان، وقد سبقا. والثاني راجع على الأول عند التعارض، لكونه من باب الفصاحة. وعاشرها: تسمية المتعلق باسم المتعلق كتسمية المعلوم علمًا. وعكسه: كقوله عليه السلام: "تحيضي في علم الله ستا أو سبعا".

معناه: تحيضي ستا أو سبعًا، وهو معلوم الله تعالى، وأريد: فيما أعلم الله، فأطلق المتعلق وأراد به المتعلِّق. وإذا تعارضا: كان الأول أولى، لأنه مستلزم، وأكثر، وهو مرجوح بالنسبة إلى أكثر ما سبق. وحادي عشرها: تسمية الحالي باسم المحلى. وعكسه: كتسمية الخارج المستقذر بالغائط، ومنه: لا فض فوك، أي: أسنانك، وتسمية الجنة بالرحمة في قوله تعالى: {وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون} [آل عمران: آية 107]. ومنه ما يقال في العرف: في سخط الله أي في النار وعند التعارض: الثاني أولى، لأن الحال يستلزم المحل من غير عكس. وثاني عشرها: تسمية البدل باسم مبدله. وعكسه: كتسمية الدية بالدم في قولهم: أكل فلان دم فلان، أي: ديته. ومنه قوله: "يَأكُلنَ كُلَّ ليلةٍ أَكافا". أي: ثمنه، وكتسميته الأداء بالقضاء. كقوله تعالى: {فإذا قضيتم الصلاة} [النساء: آية 103] أي. أديتم. والأول: راجح عند التعارض، للاستلزام والكثرة. وثالث عشرها: إطلاق المنكر وإرادة المعين. وعكسه: كقوله: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} [البقرة: آية 67] عند من يقول بتعينها و {ادخلوا الباب سجدا} [النساء: أية 154]، عند من لا يقول بتعينها وإبذا تعارضا: كان الثاني أولى، لأنه كالكل، وهو كالجزء، وفيه نظر. ورابع عشرها: إطلاق النكرة وإرادة الجنس.

مسألة: يشترط السمع في التجوز

كقوله تعالى: {علمت نفس ما قدمت وأخرت} [الانفطار: أية 5]. وخامس عشرها: إطلاق المعرف وإرادة الجنس. كقوله: "الرجلُ خَيْرٌ مِنَ المرأةِ" "الدينارُ خيرٌ من الدِّرهمِ". والحاصل: أن المجاز يرجع بالغلبة، والاستلام القطعي الذاتي، والعرضي، والظاهري، والمشابهة المعنوية، والصورية، والاختصار، والكفاية، والغلبة، والكثرة، وكونه حقيقة، ومختلفا فيها، وسيصير حقيقة، والملاصقة والمجاورة، والحالية، والمحلية، والتضاد، والتعلق فهذه ما حضرنا من جهات الترجيح. مسألة: يشترط السمع في التجوز وقيل: تكفي العلاقة المستفادة منهم، ولو بالاستقراء. أدلة الشارط للشارط أنه استعير الأسد للشجاع، دون الأبخر، والنخلة للإنسان الطويل، دون غيره، والتخلف خلاف الأصل، على أن الأصل عدمه. واعترض عليه: بأن المعتبر المشابهة في أشهر الصفات، وأخصها. وأجيب: بأن الاشتهار بين الكلي متعذر، أو متعسر، وبين أهل الخبرة، والعلم منهم حاصل، وعن الثاني: بأنهم يستعبرون بأدنى ملابسة ومجاورة. ولأنه لو لم يشترط، لجاز تسمية الخمسة بالعشرة، والبيت بالحائط، والصيد بالشبكة، والأب بالابن، والثمرة بالشجرة، وبالعكس لوجود العلاقة المستفادة من كلامهم، وجواب التخلف لمانع: ما سبق.

أدلة النافي

أدلة النافي أنه يتوقف على نظر دقيق، وبحث عميق، والنقل لا يكون كذلك، ولأنه لو كان نقليا لتوقف أهل اللغة العربية عليه، ولما احتاج إلى العلاقة والمناسبة كالوضع الأول. ولأنه تابع لإعارة المعنى، وهي حاصلة بمجرد القصد، وتوهم وجوده. وأجيب عنها. بأن التوقف جهات حسنة لا نقيضة. وبمنع انتفاء اللازم والملازمة، فإنه لولا العلاقة لما كان المجاز. ويمنع أن إعارة اللفظ تابعة لإعارة المعنى، وكون المقصود، لا يحصل بدون إعارة المعنى لا يدل عليه، فإن هذا شأن كل شرط مع مشروطه. سلمناه، لكنه جاز أن يكون التابع مشروطًا بالسماع. ولا يجاب عنه: بأن الإعارة أمر تقديري، فيجوز أن يمنع منه الواضع في ببعض الصور. فإن الأصل عدمه، وبتقدير تحققه فهو غير صورة النزاع. مسألة الداعي إلى المجاز أن لا يكون للمعنى المعبر عنه لفظ حقيقي أولا يعرفه المتكلم أو السامع، أو غيرهما، والمقصود: اطلاع الكل أو الحقيقي معلوم للكل، والمجاز معلوم لهما فقط، والمقصود: أن لا يطلع عليه غيرهما. وكونه أفصح، أو أبلغ، أو أوجز، أو عذوبة لفظ أو صلاحيته للشعر، والسجع، والتجنيس، وسائر أصناف البديع واختصاص معناه بالتعظيم أوالتحقير، أو زيادة

مسألة

البيان أو لأن التعبير به ألذ، ولفظ الحقيقة يوقف على المقصود بتمامه فلا يبقى إليه شوق، والمجاز الذي هو ذكر اللازم يوقف عليه من وجه دون وجه، فيتعاقب بسبب الشعور والحرمان، لذات وآلام فيحصل حاله كالدغدغة النفسانية، فلأجله كان التعبير بالمجاز ألذ. مسألة الأصح: أن الغالب في الاستعمال المجاز للاستقراء. إذ أكثر كلام الفصحاء نظما ونثرًا- تشبيهات واستعارات للمدح والذم، وكتابات، وإسناد قول، وفعل إلى من لا يصح أن يكون فاعلا له كالحيوانات، والدهر، والأطلال والدمن، وما أشبهها، وكل بذلك مجاز وكذا كلام غيرهم، إذا يقول الرجل: سافرت البلاد، ورأيت العباد، ولبست الثياب وملكت العبيد، مع عدم التعميم. وكذا قوله: "ضربت زيدا" وضربت رأسه، إذاضرب بعضه وبعض رأسه. واعترض ابن متويه: بين السقوط وهو مجاز من وجه آخر، إذ هو: عبارة عن جميع الأجزاء الباقية من أول عمره إلى آخره، وربما لم يمس شيئا منها. وكذا: رأيت زيدًا. فإن الأخرى الكامنة غير مرئية، وهو: عبارة عن المجموع وكذا طاب الهواء، وبرد الماء. بل إسناد الأفعال الاختيارية إلى الحيوانات مجاز -عندنا- إذ فاعلها هو الله تعالى، وإسنادها إلى غيره تعالى مجاز عقلي. قول ابن جني: "قام زيد ... " مجاز، إذ يفيد المصدر المتناول لكل الأفراد الممتنع

مسألة المجاز خلاف الأصل

صدورها منه باطل إذ المصدر لا يفيد إلا: الماهية، فلم يكن متناولا لكل الأفراد، نعم له صلاحيته على البدلية، ثم هذه الغلبة إنما هي بالنسبة إلى مجموع المجازين. أما بالنسبة إلى اللغوي وحده فلا، إذ المجاز خلاف الأصل وفاقا وهو مفسر بخلاف الغالب على رأي. مسألة المجاز خلاف الأصل "بمعنى الغالب أو الدليل". إذ اللفظ عند تجرده عن القرينة يجب حمله على حقيقته، لفساد الأقسام الثلاثة. أما الأول والثاني: فلاستحالة وجود المشروط بدون شرطه، وكون المجاز حقيقيًّا. وأما الثالث: فبالإجماع، ولا نعني بكونه خلاف الأصل إلا ذلك ولأنه وضع معرفًا لما في الضمير، فكأن الواضع قال: إذا تكلمت بهذا اللفظ، فاعلموا أني أردت به المعنى الفلاني، فكل من تكلم بكلامه وجب أن يعني به ذلك المعنى، فيجب حمله عليه. ولأنه استدل بالاستعمال على الحقيقة، فلولا أنها الأصل لما صحَّ. قال ابن عباس: ما كنت أعرف معنى الفاطر حتى اختصم إليَّ شخصان في بئر فقال أحدهما: فطرها أبي، أي اخترعها وعن الأصمعي، أنه قال: "ما كنت

مسألة إن لم يكن للفظ معنى غير اللغو حمل عليه

أعرف معنى الدهاق". حتى سمعت جارية بدوية تقول: اسقني دهاقا، أي ملآنا. ولأن الحقيقة لا تتوقف إلا: على الوضع والاستعمال، والمجاز يتوقف بعد الوضع على النقل وعلته، والاستعمال فيه، على رأي، والقرينة الصارفة، وهي وإن كانت شرط الحمل، لكن الفائدة لا تحصل بدونها، فكأنه أندر. ولأن الحقيقة لو لم تكن هي الأصل، لما فهم المراد بدون الاستفهام، إذ الأصل ليس هو المجاز وفاقًا. مسألة إن لم يكن للفظ معنى غير اللغو حمل عليه وإن كان، فإن دلَّ عليه بحيث لم يهجر الأول، كان كالمشترك، وإن هجر وجب حمله عليه إن تعين، وإلا: فعلى الشرعي، ثم العرفي، ثم اللغوي، ثم المجازي -إن صدر من الشارع، وإلا فالعرفي أو اللغوي- إن صدر من أهل العرف أو اللغة، إذ الظاهر من حال المتكلم أن يتكلم بكلامه.

مسألة: إذا تعذر حمل اللفظ على حقيقته حمل على مجازه

وقال القاضي - تفريعًا على النقل هو مجمل، إذ يحتمل الشرعي واللغوي، فإن الشارع كان يناطقهم بكلامهم وهو ضعيف. إذ الغالب إرادة اصطلاحه. ولأنه كان مبعوثا لبيان الشرع، وقد صلح اللفظ أن يكون بيانا له، فيجب حمله عليه. ثم ليعلم أن اللغوي إنما يقدم على المجاز الغير الراجح، أما إذا كان راجحا، ولم يتنبه إلى أن يكون حقيقة فيه فرجح أبو حنيفة: الحقيقة، وأبو يوسف: المجاز. وتوقف فيه الشافعي، لتقادم الجهتين. مسألة: إذا تعذر حمل اللفظ على حقيقته حمل على مجازه المتعين بنفسه أو بغير ابتداء، أو ينتفي غيره، أو الراجح نوعًا أو شخصا. أو على البدل، إن جوز الحمل على مفهومين مختلفين وانحصرت وجوه المجاز، وإلا: فلا بد من دلالة معينة هذا ما نقل، وفيهما نظر: إذ قاعدتهم تقتضي الحمل على الشمول في الصورتين،

فرع

أعني: المنحصر وغير المنحصر، وإن لم يكن اللفظ عامًا، كما في اللفظ العام سلمناه، لكن يمكن الحمل على البدل في غير المنحصر، كما في المنحصر، نعم: يليق ذلك ممن لا يرى الحمل على مختلفين، إذ اللفظ عنده فيمجازه عند تعذر الحقيقة، كما هو في حقيقته، ولا حمل على البدلية في الحقيقتين المختلفتين. وكذا في المجاز، وهذا يؤكد الحمل على الشمول، فإن اللفظ محمول على الشمول في الحقيقتين المختلفتين على رأي القائلين به، وكذا ينبغي أن يكون في المجاز عندهم واعلم أن هذه الأقسام يتقدمها في اللفظ العام - قسم، وهو تعين بعض ما يتناوله بنفي الدليل غيره، وأن الدلالة المعينة لا بد منها فيه مهما تردد المراد بين ما يتناوله لامتناع اجتماعهما. فرع يحمل اللفظ على ظاهره، وغير ظاهره. إذا دل دليل على إرادتهما منه، وحمل على أنه موضع لهما، وتكلم به مرتين. مسألة: وسائل التفريق بين الحقيقة والمجاز يفرق بين الحقيقة والمجاز بالنص عليهما، أو على أحدهما، أو خوصهما، أو خواص أحدهما. وبتبادر المعنى إلى الفهم، وعكسه المجاز وينقض بالمنقول. وأجيب: بأنه حقيقة. بالمجاز الراجح. وأجيب: بأنه نادر، فلا يقدح في الدليل الظاهري. وأورد: على عكسه المشترك. وأجيب: بأنه يتبادر أحدهما، لا بعينه، وهو حقيقة فيه.

وفيه نظر: إذ يقتضى أنه مجاز في إفادة واحد بعينه، وأنه متواطئ لأن هذا المفهوم مشترك بينهما. وبإفهام أهل اللسان المعنى بلا قرينة، وعكسه المجاز، ومنه: "رأيت أسدًا يرمى". وبصحة النفي، في نفسن واحترز به عن نفي الظان، فإنه لا يدل عليه، كقوله للبليد: إنه ليس بحمار، وامتناع أنه ليس بإنسان، وعكسه الحقيقة. وأورد بأنه دور. وأجيب: بمنعه، فإن الحمار لما كان حقيقة في الناهق صح نفيه عن غيره وإلا: لزم الاشتراك، فيصح النفي، وإن لم يعلم بعدم وضعه له. وأورد على عكسه: أنه يصح في قليل المروءة، العقل: أنه ليس بإنسان. وأجيب: بأنه لظن أنه موضوع لذي المروءة والعقل، ولهذا يقال للإنسان في الحقيقة: من اتصف بكيت وكيت. وبتعليق اللفظ بما يمتنع تعلقه به، ولا عكس، كقوله تعالى: {وسئل القرية} [يوسف: آية 82] وأورد: بأن المجاز العقلي كذلك: مع أنه حقيقة لغوية. وأجيب: بأن استحالته نظري، بخلاف {وسئل القرية} [يوسف: آية 82] فإن السؤال عنها ممتنع بالبديهة فيمتنع الوضع بإزاء ما يندرج فيه المستحيل بالبديهة. وبوجود الاطراد مع عدم المانع، وعكسه المجاز، ولا يرد المجاز المطرد، والحقيقة الغير المطردة، كالسخى، والفاضل بالنسبة إلى الله تعالى، لأنه وإن اطرد لكنه لا يجب، وإن لم يطرد لكنه لمانع. ولا دور، إذ معرفة عدم الاطراد للمانع، لا تتوقف على كون اللفظ حقيقة. وظن من ظن: أن عدم الاطراد دليل على التجوز - من غير عكس للمجاز المطرد الضعيف، لما سبق.

واعترض عليه. بأنه أريد به اطرادها في موارد نص الواضع، فالمجاز كذلك، وإلا فهو قياس في اللغة، وقائله لا يقول به. وأجيب: بمنعه، إذ لا يلزم من عدم قول بعضهم بذلك: عدم قول الكل به، سلمناه لكن لعله ذكره تفريعا عليه، سلمناه، لكن لا نسلم أنه بطريق القياس، بل هو كاطراد الصفات. وباختلاف الجمع بحسب المعنيين كالأمر. واعترض عليه. أنه كان مبنيا على أن الأصل عدم الاشتراك - فمستدرك إذ هو مستقل بإفادته، وإن كان بدونه - فباطل، إذ لا إشعار لاختلاف الجمع بين الحقيقة والمجاز، ولأنه يجوز أن يكون بحسب كل معنى حقيقي جمع للمسلمين وما قيل: إن الجمع إنما هو الاسم، لا للمسمى، فاختلافه لا يكون مؤثرًا في اختلاف الجمع، لا يصلح جوابًا عنه، ثم هو منقوض بالنسبة إلى لحقيقي والمجازي. وباستعمال ما معناه الحقيقي متعلق بشيء فيما لا يتعلق به كالقدرة في حسن الصورة، وإنما يتم بعدم الاشتراك، وإلا: فيجوز أن يكون له بحسب حقيقته دون الأخرى. ويعرف المجاز: - بتوقف استعماله على المسمى الآخر، كقوله تعالى: {ومكروا ومكر الله} [آل عمران: آية 54]. وبالتزام تقييده، مثل: جناح الذل، ونار الحرب وباشتقاق اسم الفاعل ونحوه، مع الإمكان، فلا ترد الرائحة، إذ لا إمكان لعدم معنى الحدث، وعكسه المجاز من غير مانع، كلفظ الأمر، فإنه في الفعل لما كان مجازًا: لا يشتق منه.

مسألة: اللفظ قبل استعماله لا حقيقة ولا مجازا

واعترض: بمنع أن عدمه دليل التجوز، إذ يجوز أن يشتق منه بحسب حقيقته دون الأخرى. وأجيب: بأن الأصل عدم الاشتراك، وبأن التجوز مناسب لعدم الاشتقاق، فغلب ظن عكسه له. مسألة: اللفظ قبل استعماله لا حقيقة ولا مجازًا إذ شرطهما الاستعمال، والأعلام المنقولة، والمخترعة ممن ليس له الوضع، واستعمال لفظ الأرض في السماء، وبالعكس كذلك، لعدم الوضع والنقل لمناسبة خاصة. والحقيقة لا تستلزم المجاز، وكذا العكس، على الأصح، لإمكان الاستعمال في غير ما وضع له مناسبة. قيل: الاستعمال فيه الملزوم: لو لم يستلزم لعرى الوضع عن الفائدة. وأجيب: بمنعه، إذ هي غير منحصرة في استعماله فيما وضع له، نعم: المقصود الأصلي من الوضع ذلك، لكنه قد يتفق ذلك بعد استعماله. في غير ما وضع له، فلم يخل عنه - أيضا -. وغيرها لا تخلو عن كونها حقيقة، أو مجازًا. واللفظ الواحد: قد يكون حقيقة، ومجازًا، باعتبار وضعين أو معنيين، أما لغيرهما فلا.

فصل في الحروف في العاطفة

فصل في الحروف في العاطفة مسألة [1] الواو لمطلق الجمع وقيل: للترتيب، ونسب ذلك إلى الشافعي -رحمه الله- بلا ثبت. وإلى الفراء وعنه - أيضًا - أنها للترتيب حيث يتعذر الجمع. وقيل: للجميع بصفة المعية. لنا: النقل، إذ نصّ سيبويه عليه في مواضع من كتابه.

ولأنها لو كانت للترتيب لما صحَّ: تقاتل زيد وعمرو، مطلقًا، كالفاء بجامع كونها لترتيب أو حقيقة، والتزام التجوز والاشتراك، خلاف الأصل وتناقض قوله تعالى: {ادخلوا الباب سجدا} [البقرة: آية 58]، {وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا} [الأعراف: آية 161] لاتحاد القصة. ولكن: جاء زيد وعمرو قبله. متناقضا. ويعد تكرارًا. ولكان: مجازًا في مثل قوله تعالى: {واسجدي واركعي} [آل عمرن: آية 43]. و{فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة} [النساء: آية 92] و {السارق والسارقة} [المائدة: آية 38]. {أو تقطع أيديهم وأرجلهم} [المائدة: آية 33] لكنه خلاف الأصل. ولعدم "ذم" العبد إذا اشترى اللحم أولا، إذا قال له السيد: اشتر الخبز واللحم. ولما حسن الاستفسار من السامع إذا سمع: جاء زيد وعمر عن التقدم والمعية. ولما سئل: عما نبدأ في السعي، لأنهم أهل اللسان. لا يقال: لو كان لمطلق الجمع لما سئل عنه -تعين ما ذكرتم، لأنا نقول: السؤال مع وجود المقتضى قبيح، بخلاف السؤال عما يتعرض له اللفظ لا نفيا ولا إثباتا، وإن كان مقتضاه الخروج عن عهدة التكليف بأي طريق كان دفعًا للتجوز والإضمار. ولما كان كالواو الجمع، ضرورة أنها لا تفيد الترتيب، لكنها "كهي"، لتضم أن الواو في المختلفات كالواو الجمع في. قيل: التشبيه لا يقتضى التساوي من كل الوجوه. وأجيب: بأنهم نصوا: بأن فائدة أحدهما عين الأخرى، ولأنه لا يكفي فيه الاشتراك في أمر عام، وإلا: لم يكن في التخصيص فائدة ومطلق الاشتراك في الحكم حاصل في "الفاء" و"ثم". ولصح دخولها في جواب الشرط، لأنه لا يقتضي إلا: الترتيب عليه، والواو تفيده حينئذ فوجب أن يصح كالفاء وغيرها. وبجلاء ما الحاجة إلى الوضع له أمس، إذ الجمع أعم من الترتيب.

احتجوا: بقوله تعالى: {اركعوا واسجدوا} [الحج: آية 77]. قلنا: الترتيب غير مستفاد منه، بل بغيره. وبقوله: {إن الصفا والمروة} [البقرة: آية 158] إذ فهم منه - عليه السلام - الترتيب، إذ قال: "ابْدَأُوا بِمَا بَدَأ اللهُ بِهِ" وأجيب: بمنعه، إذ علل بابتدائه تعالى لا بالواو، ولأنه لو كان له لما سألوا عنه. وبقوله: {وأتموا الحج والعمرة} [البقرة: آية 196]. إذ فهموا منه الترتيب وإلا: لما أنكروا على ابن عباس -رضي الله عنهما- "أمره إياهم بتقديم العمرة". ولما احتجوا عليه. وجوابه: منعه، إذ الانكار متجه، فإن الواو للجمع، ومنه نعرف أنه لا يجاب: بمعارضة أمره، لأنه غير مستفاد منه على التقدير، نعم: لو استدل به على عدم فهمه

الترتيب منه، لئلا يلزم التعارض بينه وبين الدليل الذي اقتضى تقديم العمرة -كان له وجه وبقوله - عليه السلام -: "بئس خطيب القوم أنت". لمن قال: "ومن عصاهما فقد غوى" فإنه لو لم تكن للترتيب، لم يكن بينه وبين قوله: "ومن عصى الله ورسله" فرق. وجوابه: منعه، فإن الإفراد بالذكر أدخل في التعظيم، يؤكده: أن الحمل على الترتيب غير متصور، إذ المعصيتان تتلازمان، فهو بالدلالة على ما قلنا أولى. وبقول عمر رضي الله عنه: لمن أنشد: - كفى الشيبُ والإسلامُ للمرءِ ناهيا وأجيب: بأنه لتقديم الأفضل.

[2] الفاء

وبأن الترتيب معنى تمس الحاجة إلى التعبير عنه، فوجب أن يكون له لفظ، وترجيحكم معارض بما أنه لو جعل حقيقة في الترتيب أمكن جعله مجازًا في مطلق الجمع، لكونه لازمًا له من غير عكس. وأجيب: بالمعارضة بكثرة الاستعمال في الجمع، فإنها تدل على أنه حقيقة فيه وإلا: لزم تكثير المجاز، وهو خلاف الأصل. وبأنه لو قال لغير المدخول بها: أنت طالق وطالق، طلقت واحدة. وأجيب: بمنع الحكم أولًا، وبأن الطلاق الثاني لا يفسر الأول، فبانت به، بخلاف أنت طالق طلقتين. وبأن الترتيب في الذكر له سبب، والترتيب في الوجود صالح له فيصار إليه. وأجيب: بأن سببه الاختيار، وليس الاختيار القادر سببًا سلمناه، ولكن ليس لخصوص "الواو" بل لعموم الابتداء بالذكر، سلمناه، لكنه ليس من جهة الوضع [2] الفاء للتعقيب بحسب ما يمكن: - لإجماع أهل اللغة عليه، ووجوب دخولها على الجزاء، إذا لم يكن ماضيا ومضارعًا. وقول الشاعر: مَنَ يَفْعلِ الحسناتِ اللهُ يَشْكُرهَا

أنكره المبرد، وزعم أن الرواية الصحيحة: مَنْ يَفْعلِ الخيرِ فَالرَّحْمَنُ يَشْكُرُهُ سلمناه لكن شاذ. وحيث لم تفده، كما في قوله تعالى: {وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا} [الأعراف: آية 4]. {لا تفتروا على الله كذبا فيستحكم بعذاب} [طه: آية 61].

[3] و (ثم)

وبقول الشاعر: بسِقْطِ اللِّوى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَل فمجاز، لأنه خير من الاشتراك. [3] و (ثُمَّ) للتراخي، وللنقل، والاستعمال كقوله تعالى: {ثم أنشأناه خلقا ءاخر}، {ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم}، {ثم إنكم أيها الضالون}. وحيث لم يفده، كما في قوله تعالى: {ثم ءاتينا موسى الكتاب} [الأنعام: آية 154]، {وإني لغفار لمن تاب وءامن وعمل صالحا ثم اهتدى} [طه: آية 82]، {ثم كان من الذين آمنوا} [البلد: آية 17]، {ثم الله شهيد} [يونس: آية 46]، فهو يعني التراخي في الحكم. أو بمعنى

[4] و (حتى)

الواو على جهة التجوز. [4] و (حَتَّى) ويشترط في المعطوف بها أن يكون جزءًا من المعطوف عليه، مخالفًا له في القوة والضعف، كقولهم: (مَاتَ النَّاسُ حَتَّى الأنبياء) و (قَدِمَ الحجاجُ حَتَّى المُشاة). [5] و (أَوْ) [6] و (أَمَّا) [7] و (أَمْ) لإثبات الحكم على الإبهام، لأحد المذكورين، وبين (أم) للاستفهام: أن المستفهم بهما لم يعلم ثبوت الحكم في أحدهما، فهو طالب له فيهما، وأما المستفهم بـ (أم) فهو عالم بأحدهما على الإبهام، وأن ما هو طالب للتعيين، وكذلك الجواب المطابق في الأول بـ (لا) أو (بنعم)، وفي الثاني بالتعيين، والفرق بينهما: أن (ما) ملازمة للمعطوف والمعطوف عليه، إذ عطف بها، و (الواو) تدخل عليها، بخلاف (أو).

[8] و (لا)

[8] و (لا) [9] و (بل) [10] و (لكن) تشترك في أن حكم أحدهما مُخالف لحكم الآخر، والفرق: أن (لا) تقتضي ثبوت الحكم في المعطوف عليه، ونفيه عن المعطوف، وهما عكسه، و (بل) للإضراب عن الأول موجبًا كان الكلام أو منفيًا، و (لكن) لاستدراك النفي خاصة. مسألة [11] و (مِنْ) 1 - لابتداء الغاية، وأمارته في الغالب: صلاحية، ذكر الانتهاء في مقابلته. 2 - لتبيين الجنس. وأمارته: صلاحية إقامة اسم الموصول مقامه. 3 - وللتبعيض.

[12] و (إلى)

وأمارته: صلاحية إقامة البعض مقامه. 4 - وللصلة. وأمارته: أن حذفها لا يغير المعنى، وفي مجيئها صلة في الإثبات خلاف. والأولى: تجعل حقيقة في التبيين لوجوده في الشكل. [12] و (إلى) 1 - لانتهاء الغاية. فلا يدخل ما بعدها فيما قبلها، فإن دخل فلمنفصل. 2 - وقيل: بإجمالها بينهما. 3 - وقيل: إن تميزت بمنفصل حسي كالليل فلا يدخل، وإلا: دخل. 4 - وقيل: إن كان الاسم صادقًا كما في اليد دخل، وإلا: فلا، و (حتى) بمعنى إلى، وإلا: أن ما بعدها يدخل فيما قبلها، وتختص بالظاهر، فلا يقال: حتاه. و(في) الظرفية تحقيقًا أو تقديرًا. كقوله: {لأصلبنكم في جذوع النخل} [طه: آية 71]. ومنه: جاء فلان في حال كذا. وقيل: السببية، أيضًا لقوله عليه الصلاة والسلام: "في النَّفْسِ المُؤمِنَةِ مِائَةٌ مِنَ الإِبِلِ"، ويمكنه حمله على التقديري.

و (الباء) للالتصاق والاستعانة، ويقال لها: (باء الألة)، والتعدية كقوله: ذهب به. 3 - وبمعنى (على) كقوله: {من إن تأمنه بدينار} [آل عمران: آية 75] أي على دينار. 4 - وبمعنى (في) كقوله: جلست بالمسجد، أي: فيه. 5 - وللثمينة كقوله: (بعته بعشرة). 6 - وللمصاحبة كقوله: اشتر الفرس بسرجه ولجامه. 7 - وللتعليل كقوله: قتل به. وتكون زائدة في: أ- النفي. ب- والاستفهام. كقوله: ما زيد بقائم. 8 - وقيل: هي للتبعيض في فعل متعد بنفسه كقوله: {وامسحوا برءوسكم} [المائدة: آية 6].

ونسب ذلك إلى الشافعي - رضي الله عنه. وقيل: هو مجمل بين مسح بعض الرأس، وبين مسح كله، وعليه الحنفية. للشافعي: أنا نفرق بالضرورة بين قوله: مسحت المنديل، ومسحت يدي بالمنديل في: - أن الأول: يفيد الشمول. - والثاني: التبعيض. وهو ممنوع، إذ الثاني: يفيد القدر المشترك بينهما، بدليل مسح يده، بالمنديل كله أو ببعضه، من غير نقص وتكرار، لا يقال: هذا قول لم يقل به أحد. ولأنها إن لم تكن للتبعيض كان الفعل بعد دخولها للتعميم كقول دخولها؛ لأنه قول بعض الأصوليين كأبي الحسين البصري. وقيل: هو قول للشافعي - رضي الله عنه - ولما كان اللازم منه الاكتفاء بأدنى ما ينطبق عليه الاسم ظن أنه قال به؛ لأن الباء للتبعيض، والفعل بعد دخولها يفيد التعميم، نظرًا إلى الوضع الأصلي، لكن للعرف يفيد ما ذكرنا بدليل التبادر. ولا ينقض هذا بآية التيمم، لأن موجبه ما ذكرنا، لكنه ترك المقتضى. واعترض عليه: بأن (الباء) في الدليل داخلة على الآلة، وفيهما نحن فيه على الممسوح.

مسألة

ومع الاختلاف لا يصح الاستدلال. و(على) للاستعلاء والوجوب. و(عن): للمجاورة. و(الكاف): للتشبيه صورة، أو معنى، وفي مجيئها زائدة نظر. و(مذ ومنذ): لابتداء الغاية في الفعل الماضي، إذا كانا حرفين. مسألة (لا): 1 - لنفي الفعل استقبالًا. 2 - وماضيًا في الأقل. كقوله تعالى: {فلا صدق ولا صلى} [القيامة: آية 31]. 3 - ولنفي اسم الجنس. 4 - والنهي. 5 - والدعاء. وتكون مزيدة لتأكيد النفي، كما في قوله تعالى: {ما منعك ألا تسجد} [الاعراف آية

مسألة

12] {لئلا يعلم} [الحديد: أية 29]. و (ما): لنفي الحال، والماضي المقرب منه، وينفى بها الاسم أيضا. و(لم) و (لما): لقلب معنى المضارع في الماضي، و (لما) آكد فيا لنفي منه. و(لن): لتأكيد نفي المستقبل، وقيل: إنه نفي ما قرب من الحال، ولا يمتد النفي فيها على المشهور، بخلاف: (لا). ولذلك قيل: {لا تدركه الأبصار} [الأنعام: آية 103]، و {لن تراني} [الأعراف: آية 143]. و(إن): كما، وقد أورده. مسألة (إنما) للحصر بالنقل، والاستعمال. قال الله تعالى: {إنما الله إله واحد} [النساء: آية 171].

وقال الشاعر: أَنا الذَّائِدُ الحَامِي الذّمَار وإنما ... يُدافع عَنْ أَحْسَابِهم أَنَا أَوْ مِثْلي وَلَسْتَ بالأكثرِ مِنْهُم حصًى ... وَإِنَّما العزَّة لِلكَاثِر ولأن (إن) للإثبات، و (ما) للنفي، والأصل عدم التخيير، ولا يقتضي إثبات غير

فصل في التعارض الحاصل بين أحوال الألفاظ

المذكور، ونفي المذكور وفاقا، فتعين عكسه. واعترض عليه: بأنها ليست نافية، بل كافة، وهي مغايرة لها، بدليل تقسيم إياها إليهما. وأجيب: بأنه يحتمل أن تكون مانعة الخلو، فلا يدل على المغايرة، فجاز أن تكون باعتبار المعنى نافية، والعمل يحتمل أن تكون مانعة الخلو، فلا تدل على المغايرة، فجاز أن تكون باعتبار المعنى نافية، والعمل كافة. فإن قلت: لو كانت للحصر لكانت بمعنى ما، وإلا إذ هما له، و - حينئذ - يجب قيام كل منهما مقام الآخر، وليس كذلك، إذ يصح أن يقال: ما أحد إلا: ويقول ذاك، ولو قلت: بإنما هذا درهم لا دينار، ولو كانت (ما) و (إلا)، مكانه لما صحَّ. قلت: بمنع الترادف أولًا، وهذا أن الثاني كلمتان، سلمناه لكن اشتراكهما في الدلالة على الحصر لا يوجبه، سلمناه، لكن لا نسلم وجوب قيام كل واحد من المترادفين مقام الآخر، سلمناه، لكن إذا لم يكن - هناك - مانع، ودخول الحرف على الحرف مانع في المثال الثاني. واحتجوا: بقوله تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم} [الأنفال: آية 2]، {إنما كان قول المؤمنين} [النور: آية 51]، {إنما حرم عليكم الميتة} [النحل: آية 115]. فإنها لا تفيد الحصر، والأصل الحقيقة الواحدة. وأجيب: بمنعه، وسنده ظاهر. سلمناه، لكن الاستعمال لا يعارض النقل الصريح. سلمناه، لكن جعله حقيقة في الحصر أولى، لإمكان جعله مجازًا في مطلق الإثبات من غير عكس، أو وإن أمكن لكن الأول أولى. فصل في التعارض الحاصل بين أحوال الألفاظ الاحتمالات المخلة بالفهم خمسة: -

مسألة

1 - الاشتراك. 2 - والنقل. 3 - والمجاز. 4 - والإضمار. 5 - والتخصيص. وترك احتمال الاقتضاء: إما لأنه لم يغاير الإضمار، على ما هذب إليه بعضهم، أو وإن غايره لكن صفة لا ذاتا، فيكون منشأ الإخلال متحدًا والتعارض بينهما يقع على عشرة أوجه: مسألة النقل أولى من الاشتراك، لأنه حقيقة منفردة، ولأنه حديث العهد مسئول عنه، واجب الشهرة، فكان إخلال الفهم فيه أقل. لا يقال: الاشتراك أولى: لأنه إن وجد معه قرينة حمل على ما هو المراد، وإلا: توقف فيه، فلم يخطأ فيه، بخلاف النقل، فإنه قد لا يعلم حمله، فيحتمل على الأول فيخطأ. ولأن المنقول قد يظن مشتركًا، لاستعماله في المعينين فيحصل فيه مفاسد الاشتراك،

مسألة المجاز أولى من الاشتراك

والنقل مع الجهل به. لأن النقل يجب أن يكون مشهورًا، فلا تحصل المفاسد المذكورة. واعترض عليه: بأن الاشتهار لا يوجد دفعة، بل متدرجًا، فتكون قائمة فيه. وأجيب: بأنه في زمان يسير، بخلاف المشترك، فإن الإخلال فيه دائم. واحتجوا: بأن المشترك أكثر فائدة، لتعدد مجازه، بحسب تعدد مفهومه. وأجيب: بإمكان مثله في المنقول بحسب مفهومه اللغوي والعرفي، إذ ليس من شرط المجاز أن لا يكون (عن) حقيقة مرجوحة. وبأن الاشتراك لا يقتضي النسخ. وبأنه لا يتوقف بعد الوضع على نسخه، ثم وضع جديد، ومناسبته على رأي، واستعماله فيه، واتفاق أرباب اللسان عليه، الذي هو متعسر. وبأنه ما أنكره أحد من المحققين، والنقل أنكره بعضهم. وبأنه أكثر للاستقراء، وهي تدل على قلة مفسدته. وأجيب: بأنه لما تعارضت الدلائل، وجب المصير إلى الترجيح، وهو معنى، لأن مفاسد النقل خارجية، غير مخلة بمقاصد الوضع، بخلاف مفاسد الاشتراك، فإنها مخلة بمقصوده، فكان النقل أولى. مسألة المجاز أولى من الاشتراك لكثرته وإفادته المعنى، وجدت القرينة، أو لم توجد، وقلة إخلاله بالفهم، وقلة تردده، بين المعاني، إذ هو دائر بين الحقيقة والمجاز. والمشترك دائر بين مفهوماته ومجازاته، ولإعانة

مسألة الإضمار أولى من الاشتراك

فهم الحقيقة على فهمه، ولتعينه بسبب كثرة المشابهة والمناسبة. واحتجوا: بكونه حقيقة ومطردًا، وأكثر فائدة بالاشتقاق، وبصحبة التجوز فيهما، ومستغنيًا عن العلاقة. وبكونه: إن علم القرينة فيه عمل به، وإلا توقف فيه، فلا يحصل جهل ولا غير المراد. ولقلة مقدماته، وحصول الفهم فيه لأدنى قرينة، لتساوي الحقيقتين. وقلة غلط السامع فيه، لأنه يبحث فيه عن القرينة جدًّا، لتعذر العمل به بدونها. وعدم توقف فهم إحدى الحقيقتين على الأخرى، وتوقف فهم المجاز على فهم الحقيقة، وأنه لا يقتضي النسخ والتعارض. وأجيب: بالمعارضة بفوائد المجاز، وقد تقدم. مسألة الإضمار أولى من الاشتراك لان اختلال الفهم فيه في بعض الصور، وهو إيجاز من محاسن الكلام. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أُوتيتُ جَوَامِعَ الكَلم، واختُصرَ لِيَ الكَلامَ اختصَارًا"، وهو وإن احتاج إلى قرائن - لكنه في صورة الإضمار، وبقية الكلام يدل على المضمر.

مسألة التخصيص أولى من الاشتراك

مسألة التخصيص أولى من الاشتراك لأنه أولى من المجاز، الذي هو أولى من الاشتراك. مسألة المجاز أولى من النقل لأنه لا يتوقف على اتفاق أهل اللسان على تغيير الوضع، الذي هو متعذر، أو متعسر، بل على قرينة سهلة الوجود، ولم ينكر كإنكاره، وأكثر منه، والحقيقة تعين على فهم، ولا يقتضي النسخ. فإن قلت: النقل إذا وجد وجب اشتهاره، فيحصل الفهم، والحقيقة إذا تعذرت قد يخفى المجاز، لأنه إذا لم تعلم القرينة حمل على الحقيقة فلا يحصل المراد، ويحصل غيره، والنقل ليس كذلك قلت: تعارضه بفوائد المجاز. والإضمار أولى من النقل: لرجحانه على المجاز، أو مساواته له وإلا: فبما تقدم، ولأنه من البلاغة والفصاحة. والتخصيص أولى من النقل: -

مسألة المجاز أولى من الإضمار

لرجحانه على المجاز الراجح عليه. مسألة المجاز أولى من الإضمار لكثرته الدالة على قلة مفسدتهن ولأن إلحاق الفرد بالأكثر أولى. وقيل: بتساويهما، لأن كل واحد منهما يفتقر إلى ثلاث قرائن، وكما أن الحقيقة تعين على فهمه، فكذا على فهم الإضمار. وقيل: برجحان الإضمار عليه، لأن القرينة في المجاز قد تكون منفصلة، فأمكن أن لا تصل، فيقع في الجهل والضرر، بخلاف الإضمار. فإن قرينته متصلة، إذ هو عبارة عن: إسقاط شيء من الكلام يدل عليه الباقي. وأجيب عنهما: بأن شيئًا منه لا يقابل الكثر، وبالمعارضة بفوائد المجاز. والتخصيص أولى من المجاز: لحصول المراد على كل حال، ولكونه حقيقة في الباقي على رأي، أو لكون العمل به عملًا بالحقيقة من وجه، ولكونه دليلًا عليه لا يحتاج إلى فكر، ولكونه أكثر فيما يتصور فيه.

فروع

فروع أحدها: الاشتراك أولى من النسخ لأن بتقدير النسخ يبطل الخطاب بالكلية، وإذا سمع المنسوخ بدون الناسخ يلزم الجهل، والعمل بما لا يجوز، ونفيه، وإذا لم تسمع قرينة الاشتراك يتوقف فيه، ولأنه أكثر، ولأن مقدماته أقل وأسهل، ولأنه يحصل بطريقين، بالذات والعرض، فكان أفضى حصولًا. وثانيهما: التواطؤ أولى من الاشتراك لكثرته، وقلة إبهامه، وعدم تعطله على كل حال، ومسيس الحاجة إليه، ولكونه متفقًا عليه. واعتقاد كون اللفظ متناولًا للشيء بجهة التواطؤ أولى من العكس عند اجتماعهما، كتناول الأسود الزنجي المسمى به لأن اعتقاد الراجح أرجح من اعتقاد المرجوح. وثالثها: الاشتراك بين علمين أولى ثم بين علم ومعنى، ثم بين معنيين التواطؤ أولى من المشكك، وهو أولى من المشترك لقلة الإبهام. فصل في كيفية الاستدلال بخطاب الله تعالى وخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأحكام لا يجوز أن يرد في القرآن، والأخبار ما ليس له معنى، أو كان لكن لا يفهم أو يفهم

لكن أريد به غيره خلافًا للحشوية. والمرجئة. لنا: أن التكلم به لا يفيد، وهو نقص، ولأن وصفه بكونه هدى وشفاء ينفيه، ولأن تجويزه يبطل فائدة إنزاله. والنقض بأوائل السور: {كأنه رءوس الشياطين}، {تلك عشرة كاملة} ونحو والاستدلال بقوله

مسألة

تعالى: {وما يعلم تأويله إلا الله} [آل عمران: آية 7] على ما تقدم بيانه في حصول المعرب في القرآن. مندفع على ما تقدم تقريره فيه. قالوا: خاطب الفرس بالعربية، ولا إفهام. قلنا: التمكن منه حاصل. - وأيضًا - ما ظاهره الوعيد يفيد تخويف الفساق، فلم يكن فيه نقض. قلنا: فتح هذا الباب ينفي الاعتماد عن أخباره تعالى. مسألة قيل: الدليل اللفظي لا يفيد القطع، لأنه مبني على نقل اللغة، والنحو، والتصريف - والكلام فيه قد تقدم - وعدم الاشتراك، والمجاز، والإضمار والنقل، والتخصيص، والتقديم والتأخير، والناسخ، وعدم المعارض العقلي. وهو ظني، لأن غايته عدم الوجدان بعد الطلب الشديد، وهو لا يفيد إلا: ظن عدمه،

مسألة

والمبني على الظن ظني. وأجيب: بأنه قد يفيد اليقين، لقرائن معلومة، أو محسنة. مسألة الخطاب المستقل بالإفادة - بلفظه - حمل على الشرعية، ثم العرفية، ثم اللغوية، ثم المجاز على ترتيبها، وتحمل كل ظائفة على ما يتعارفه، لئلا يتعطل. والمستقل بها - بمعناه - هي أقسام الدلالة الالتزامية -، وقد سبقت. وغير المستقل: إن استقل بضم مثله إليه، وهو قسمان: أحدهما: أن يفيد أحدهما إحدى المقدمتين والآخر الأخرى كقوله: {أفعصيت أمري} [طه: آية 93] مع قوله تعالى: {ومن يَعصِ الله ورسوله} [النساء: آية 14]. وثانيهما: أن يفيد أحدهما حكمًا لشيئين، والآخر بعضه لأحدهما فيتعين الباقي للآخر كقوله تعالى: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا} [الأحقاف: آية 15]. مع قوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن} [البقرة: آية 233]. أو بغيره: كالإجماع، والقياس، وشهادة حال المتكلم، فإن كونه شارعًا يعين الحكم دون غيره. فصل في تقسيم الأحكام الشرعية الخطاب: إن اقتضى الفعل جازمًا فهو (الوجوب)، أو غير جازم فهو (الندب)، أو الترك فهو (التحريم)، أو غير جازم فهو (الكراهة)، أو خير بينهما فهو (الإباحة). [1] الواجب:

تعريفه: ثم قيل: الواجب: (ما يعاقب تاركه). الاعتراض على التعريف: وهو غير جامع، لسقوطه بالعفو، أو التوبة، ولا مانع: إذ يعاقب تارك (المندوب)، أو (المباح) - إذا فعل مايوجبه، وإشعاره بتركه لا يغني، لأنه من جهة الإيماء. [2] وقيل: (ما توعد بالعقاب على تركه). الاعتراض على التعريف الثاني: وزيف: بأنه إن أوجبه لزم أن لا يسقط بالعفو، وإلا: لزم الخلف في خبره تعالى، وما ورد من التوعد في القرآن فمقيد بعدم العفو، والتوبة، ومثله لا يحسن في الحد. [3] وقيل: (ما يخاف العقاب على تركه). الاعتراض على التعريف الثالث: وزيف: بخوف الشاك في وجوب الشيء من العقاب على تركه قيل عليه: إنه لا خوف للشاك، إذا عمل ما هو فرضه: من راجح، أو تخيير، أو توقف، وإن قيل: المصيب واحد، أو أفتاه. وأجيب: بأنه حاصل، إذ لحوق العقاب على تقدير الخطأ - مختلف فيه، ولاحتمال النقض في الاجتهاد.

[4] وقيل: (هو ما يستحق تاركه العقاب على تركه). إبطال التعريف الرابع: وأبطل: بأنه يستدعي مستحقًّا عليه، وليس هو الله - تعالى - إذ لا يستحق عليه شيء، ولا غيره إجماعًا، ولو أريد أنه يحسن عقابه لا أن - هناك - مستحقًا عليه صحّ، لكنه خلاف ظاهره. [5] (أ) وقيل: (ما يذم تاركه شرعًا على بعض الوجوه). (ب) ولو قيل: (ولو على بعض الوجوه) كان أولى، لئلا يتوهم أن كونه يذم على بعض الوجوه: قيد فيه. [والذم]: ما ينبئ عن اتضاح حل الغير. (ج) وقيل: بالشرع ليوافق مذهبنا. وبالأخير: ليدخل (الموسع) و (المخيّر)، و (فرض الكفاية). ولا يدخل فيه السنن كالأذان، وإن قوتل أهل بلدة على تركه إصرارًا، لما سيأتي. الاعتراض على التعريف الخامس: - واعترض عليه: بأنه لا يعقل بدون الذام، وليس هو الشرع، إذ ليس حيًّا ناطقًا، ولا أهله، للدور، ولا الشارع، لأنه لم ينص عليه في كل تاركه. وأجيب: بأنه نص على أنه عاصٍ، وهو اسم ذم وفاقًا، وبأن النائم، والناسي، والساهي،

والمسافر لا يذم. وأجيب: بأنه لا وجوب في حقهم على الأصح. وعلى رأي الفقهاء: منع أنه لا يذم على الوجوه، فإنه لو أثبته، وترك ذم. وهو ضعيف: لأنه لا ذم على الترك في حالة النوم ونحوه بوجه ما. والمعتبر في الوجوب: أن يذم تاركه بوجه ما في الحالة التي وصف الفعل فيها بالوجوب، أو في وقته. وجواز ترك الموسع، والمخير، والكفاية حيث يجوز مشروط بالعزم، أو بسلامة العاقبة. وبفعل الخصلة الأخرى وفعل المكلف الآخر. ولو سلم عدم اشتراط العزم، وسلامة العاقبة في الموسع، لكن لو تركه في آخر الوقت - مع تركه في أول الوقت - ذم. ألقاب الواجب: الفرض، والواجب، والمكتوب، والمحتوم. ولا فرق بينها. وخصصت الحنفية الفرض: بمعلوم الوجوب، لأنه الذي قطع بوجود مدلوله اللغوي فيه، وهو التقدير، والواجب بمضمونه، إذ الوجوب: السقوط لغة، ولا يعلم ما حاله، سوى أنه سقط عن الملكف، حتى لزمه عمله. ولا ينكر انقسامه إليهما، وأما تخصيص كل منهما باسم خاص فمحض الاصطلاح.

مسألة

مسألة لا يعقل بوجوب بدون ترجيح يترتب الذم أو العقاب على تركه لما تقدم. وقال القاضي: إذا أوجب الله شيئًا وجب، وإن لم يتوعد عليه، إذ الوجوب بإيجابه - تعالى - لا بالعقاب. وهو: إن أراد به خصوصية التوعد والعقاب فمسلم، وإن أراد به نفي عموم الترجيح - إذ قوله: الوجوب بإيجابه مشعر به - فممنوع لما مرّ. مسألة الأمر بواحد من أشياء محصورة، (كإعتاق رقبة) يقتضي: 1 - وجوب واحد لا بعينه. 2 - وقيل: الكل. 2 - وقيل: الكل على التخيير، وهو أثبت. 4 - قال إمام الحرمين، وأبو الحسين: (اتفق الفريقان على أنه لا يجب الإتيان بكل واحد منهما، ولا يجوز تركه كذلك، وأنه إذا أتى بأي واحد منها. سقط التكليف. 5 - وقيل: هو ما اختاره المكلف، واختاره معرف لكونه واجبًا. 6 - وقيل: مصيره. لنا:

القطع بجوازه عقلًا. والنص دلَّ على وقوعه شرعًا. فإن جميع الخصال المذكورة في الكفارة غير واجب إجماعًا، ولأنه يقتضي التجوز في (أو)، وهو خلاف الأصل، ولأنه لو أتى الجميع لا يثاب عليه ثواب الواجب، ولا يعاقب على تركه وفاقًا، ولأنه لو وجب عتق جميع العبد. ولا أن شيئًا منها غير واجب، وهو - أيضًا - إجماعي، ولأنه تعطيل للنص، ولأنه خلاف المفروض، إذ المفروض أنه أوجب شيئًا من الأشياء. ولا أن الواجب منها ما يختاره المكلف، لأنه يقتضي عدم الوجوب قبل الاختيار، وهو خلاف الإجماع، وظاهر النص. ولا أن الواجب واحد معين في علم الله تعالى، لأنه يقتضي عدم جواز تركه عينًا، وهو خلاف الإجماع، إذ الإجماع منعقد على جواز ترك كل واحد منهم بشرط الإتيان بالآخرن وهو ظاهر النص. وعند هذا، لم يبق إلا: أن الواجب واحد لا بعينه. فإن قيل: يمكن حمل النص على إيجابها بالنسبة إلى مجموع الأمة فلم يلزم ما ذكرتم، سلمناه لكن بفعل بعضها سقط الباقي. كالكفاية. ثم هو مُعارض: بأن الحكم عبارة عن الخطاب المتعلق، وتعلقه باقتضاء أحد الأمرين المبهمين ممتنع، كتعلقه بالإيجاب على أحد الشخصين لا بعينه. وبأن الواجب مطلوب، وكل مطلوب معين، فما ليس بمعين لا يكون واجبًا. وأجيب عن الأوّل: - بأنه خلاف الإجماع، إذ لم يفهم أحد من السلف ذلك منه، ولأنه يقتضي التجوز في (أو)، والإضمارات الكثيرة ..

وعن الثاني: أنه يقتضي أن يثاب على كل منها ثواب الواجب لو فعل الكل، وكذا العقاب، وهو باطل إجماعًا، وبهذا فارق الكفاية، فإن كلًّا منهم يثاب ثواب الواجب، وأن ينوي أداء الواجب في كلها، وهو - أيضًا - خلاف الإجماع. وعن الثالث: بمنع استحالته، وهو بين، والقياس على ما بذكر غير صحيح، لقيام الفرق، وهو أن ذم واحد لا بعينه، وإثابته غير ممكن، فلا يمكن الإيجاب عليه، بخلاف النطق فإنه يمكن تعلقه به. وعن الرابع: أن المطلوب متعين، من حيث هو مطلوب، وهو واحد من الثلاثة، لا من كل الوجوه. أدلة موجب الكل واحتج موجب الكل: (أ) بأنها إذا تساوت فيما يقتضي الوجوب لزوم وجوب كلها، وإلا: لم يجز التخيير بينهما. (ب) وبأن عدم وجوب شيء منها باطل وفاقًا، وكذا وجوب واحد معين، بالتخيير، وكذا غير معين، لأنه إن لم يكن لتعيينه طريق فباطل وفاقًا، أو يكون، وليس هو غير اختيار المكلف وفاقًا - فهو - إذا - لكنه باطل، قياسًا على غيره من الواجبات ولأن نظر العبد وعقله قاصر عن معرفة المصالح الموجبة، فلا يفوض إلى اختياره تعيينه كأصله. وإذا بطلت هذه الأقسام تعين وجوب كلها. (ج) لو كان الواحد - لا بعينه - واجبًا، لكان ما عداه غير واجب، فلو كفر ثلاثة بثلاثة، لكان الواحد هو المكفر دون غيره. وهو خلاف الإجماع، فكان باطلًا. (د) لو كان الواجب واحدًا - لا بعينه - فالتخيير إن كان فيه وجب أن لا يكون واجبًا، وإن كان بينه، وبين غيره لزم التخيير بين الواجب وغيره. وأجيب: عن (أ) بأنه مبني على قاعدة التحسين والتقبيح، سلمناه لكنه منقوض بالصالحين

أدلة المخالفين على فساد مذهب الجمهور من الأشاعرة، والفقهاء

للإمامة وبالكفأين الخاطبين. وعن (ب) أنه يتعين باختيار المكلف فعله بمعنى: أنه وقع واجبًا، وسقط الفرض به، لا بمعنى أنه يصير واجبًا، أو بعرفنا أنه المتعين للوجوب في نفسه، وعلى هذه لا يرد شيء مما ذكرتم. وعن (ج) أن الواجب واحد - لا بعينه - بالنسبة إلى كل واحد لا للكل، فلم يلزم ما ذكرتم. وعن (د) أن ما هو واجب - وهو الواحد لا بعينه - لا خيرة فيه، وما خير فيه لم يجب، لعدم تعيينه، فمتعلق أحدهما غير الآخر، ثم هو منقوض بالخاطبين، والصالحين للإمامة. للمعين: أنه إذا أتى بواحد، سقط الفرض، وعلم الله تعالى ما يفعل، فهو الواجب. وأجيب: بأنا نسلم أنه هو الواجب، لكن لعموم كونه واحدًا منها، لا لخصوصه، كما إذا علم الله تعالى من زيد أنه يصرف زكاته إلى عمرو فيسقط عنه، مع أنه غير واجب عينًا. أدلة المخالفين على فساد مذهب الجمهور من الأشاعرة، والفقهاء واحتج على فساد مذهبنا: (أ) بأنه إذا أتى بالكل دفعة واحدة سقط عنه الفرض، وأتى بالواجب، واستحق ثواب الواجب، وفي تركه عقابه، وذلك لا يجوز أن يكون للكل، وكل واحد منها، لعدم وجوبه، ولئلا يجتمع على الأثر الواحد مؤثرات مستقلة، ولا لواحد غير معين؛ لعدم وجوده، ولواحد معين، وإذ ليس هو عندنا، فهو عند الله تعالى. (ب) وبأنه ينوي أداء الواجب في الإتيان، فإن نوى ذلك في كله، أو في كل واحد منها

فرع حكم بيع قفيز من صبرة

وجب ذلك، أو في واحد - لا بعينه - وهو باطل. لعدم إمكان أدائه، لأن يؤدي معين. وأجيب: عن (أ) أنه يسقط بكل واحد منها، بطريق البدل، وكل واحد منها واجب كذلك، ثم هما لازمان عليكم، إذ الواجب عندكم: ما يختاره المكلف، فإذا أتى بالكل فقد اختاره. وأنه يستحق الثواب على فعل أمور, كل منها واجب على البدل، وكذا في العقاب. وقيل: يستحق الثواب على فعل أكثرها ثوابًا، والعقاب على ترك أدناها عقابًا. وعن (ب) أنه ينوي في كله أداء الواجب المخير. فرع حكم بيع قفيز من صبرة إذا بيع قفيز من صبرة، فالمبيع كل واحد من القفزان على البدل، وهو المعنى: من واحد لا بعينه، إن لم ينزل على الإشاعة. وكذا إذا طلق إحدى نسائه، أو أعتق أحد عبيده. لا يقال: المطلقة في علة الله - تعالى -، هي بعينها، لما تقدم، ولا أن كل واحدة منها مطلقة، وإنما يخرج عنه سوى المعينة للطلاق بالتعيين، لأن تعيين محل له لا يوجب نفيه عن آخر، ولأنه غير محتمل لكل واحدة. فروع المأمورات على الترتيب أو البدل قد يحرم الجمع بينها، كأكل المباح والميتة، وتزويج المرأة من كفأين، وقد يباح

مسألة الواجب الموسع

كالوضوء، والتيمم، وستر العورة بثوبين، وقد يستحب، كما في الكفارتين. مسألة الواجب الموسع حكم التكليف بالفعل الزائد عن وقته تكليف الفعل الزائد عن وقته تكليف ما لا يطاق، إن لم يقصد منه إيجاب القضاء كمن زال عذره آخر الوقت. الفعل المساوي: والمساوي له لا نزاع فيه، كالصوم، ويسمى بـ (المعيار). والفعل الناقص عنه يسمى بالموسع. يجوز التأخير إلى أن يضيع الوقت 1 - واعترف به الجمهور، وجوزوا التأخير إلى أن يضيق، أو يغلب ظن فواته بعده، لكن بشرط العزم عند الأكثر منهم. 2 - وقيل: مطلقًا. 3 - وأنكره الباقون.

أدلة الجمهور

4 - فقيل: يختص الوجوب بأوله، فإن أخره فقضاء. 5 - وقيل: بآخره. فإن قدمه فنفل مانع وجوبه، أو يسقط عنده. 6 - وقيل: ما قدمه موقوف. إن بقي على صفة التكليف فواجب. 7 - وقيل: إن اتصل الأداء بجزء اختص وجوبه وإلا فآخره. أدلة الجمهور: لنا: أن الأمر يتناول جميع الوقت من غير تخصيص بجزء دون جزء. إذ الكلام مفروض فيه. فكان التعيين تحكمًا، ولأنه لو كان معينًا لكان التقديم غير صحيح، والتأخير عصيانا وقضاء، وكله خلاف إجماع السلف. فإن قلت: (أ) التحكم ممنوع، لأن العقل دلَّ عليه بواسطة أن الواجب يذم تركه، وتارك الموسع في أول الوقت لا يذم، فلا يكون واجبا فيه، بل في آخره، لأنه يذم تاركه فيه، وتعجيله كتعجيل الزكاة، أو هو نفل يسقط عنده. فإن قلت: النفل يجو تركه مطلقًا، وهذا لا يجوز إلا بشرط العزم. قلت: سيأتي بطلانه، سلمناه لكن يختص بأول الوقت لآيتي الاستباق والمسارعة.

(ب) جواز تأخيره عن لا إلى بدل - يقدح في وجوبه فيه - أو ببدل يقتضي سقوطه به. (ج) أنه متكرر وفاق، لكنه باطل، لأن المبدل غير متكرر. (د) أنه يقتضي تقييده بحالة العجز، كغيره من الإبدال. (هـ) النص لا إشعار له به فيجب نفيه. (و) لو أخره مع الذهول عنه لكان عاصيًا. وأجيب: عن (أ) أن الواجب: (ما يذم تاركه على بعض الوجوه) وهو حاصل فيه، وكون تاركه في آخر الوقت يذم، إنما يذم على تضييقه فيه، ولو أداه بنية التعجيل لما صحَّ. وعن (ب) أنه تعارض، خلاف الأصل، ولأن آية المسارعة، إنما تدل بطريق الاقتضاء، ولا عموم له، سلمناه، لكن الأمر فيهما ليس للوجوب للإجماع، ولعدم تخصيصات كثيرة. وعن (ج) بمنع أنه يقدح في الوجوب، وسنده ما سبق، سلمناه لكن لا نسلم فساد الثاني، وهذا لأنه إنما هو بدله في الوجوب الجزء المعين، لا مطلقًا، وقد سقط عنه فيه. وعن (د) أنه يدل على التقديم، وهو يتكرر. وعن (هـ) أنه ليس من الإبدال المرتبة حتى يلزم ما ذكرتم. وعن (و) أنه لا يلزم من عدمه الدلالة مطلقًا. وعن (ز) منع الملازمة، فإن الغافل لا يكلف.

فرع لو أخر الموسع حيث يجوز له ذلك فمات قبل فعله

والحق: أنه لا حاجة إلى العزم، فإن (الموسع) بالنسبة إلى أجزاء الزمان كالمخير في الخصال. فرع لو أخر الموسع حيث يجوز له ذلك فمات قبل فعله 1 - لم يلق الله عاصيًا، لأن جواز التأخير لا يجامع المعصية. 2 - وقيل: يعصى، لأنه إنما يجوز له التأخير بشرط سلامة العاقبة كما في التعازير. 3 - والأظهر: أنه يعصى فيما وقته العمر، دون الصلاة. فرع الأداء والإعادة العبادة: إن أديت في وقتها المحدود سميت (أداء)، فإن سبقه أداء بخلل سميت (إعادة). وقيل: يعتبر في الأداء أن لا يسبقه أداء يخلل، ولا يعتبر في الإعادة أن تكون في الوقت. تعريف القضاء وإن أديت خارج وقتها المعين نصًّا، سميت (قضاء)، وجبت أو لم تجب، ولا يصح عقلًا، أو شرعًا، أو يصح، لكنه سقط المانع من جهة الله تعالى، أو من جهته.

(حكم الواجب الموسع إذا تضيق بسبب غلبة الظن بعدم البقاء)

حكم ما لا يوجد فيه السبب وما لا يوجد فيه السبب لا يسمى (قضاء) كالصبي والمجنون وفاقًا. وقيل: إنما سمى به، لأنه وجب تركه، فعلى هذا إطلاقه فيما تقدم مجازًا، إذ لا وجوب مع جواز الترك. حكم ما تعين وقته بالاجتهاد وبمطلق الأمر: وما تعين وقته بالاجتهاد كالزكاة على رأينا، والواجب بمطلق الأمر على الفور عند من يقول به. (حكم الواجب الموسع إذا تضيق بسبب غلبة الظن بعدم البقاء) (والموسع) إذا تضيق بسبب غلبة الظن بعدم البقاء، لمرض، أو كبر لو أخبره عنه فهو (أداء) على الأظهر، إذ هو في وقته، والتعيين لظنه ولما ظهر خطؤه زال حكمه. وقال القاضي: (قضاء) لأنه يعصى وفاقًا، فهو كما لو أخره عن المعين نصًّا. ورد: بأنه يعصى لو أخره عن أول وقته، من غير عزم عنده ولا قضاء، ولأنه لو أخر مع ظن انقضاء الوقت بتأخيره - عصى ولا قضاء، وفورية الزكاة إنما هي للمصلحة، وفواتها لا يوجب القضاء بل العصيان.

مسألة الفرض على الكفاية

مسألة الفرض على الكفاية ما لو أتى به البعض وسقط عن الباقين، وذلك فيما يحصل به الغرض، ولو بفعل البعض. قيل: هو فرض على الجميع. وهو فرض على الجميع، لأنهم يأثمون بالترك، وقالوا: لا عهد بسقوط الفرض بفعل الغير. وقيل: يتعلق بطائفة مبهمة. قلنا: استبعاد، ولا يمكن فرضه على بعض مبهم، لعدم تأثيمه، فإن قلت: {فلولا نفر} [التوبة: آية 122] ظاهر في الوجوب عليه. قلت: محمول على الإسقاط، جمعًا بين الدليلين. والتكليف في فرض الكفاية منوط بالظن. والتكليف فيه منوط بالظن، فإن ظن قيام غيره به سقط عنه، وإن أدَّى ذلك إلى أن لا يقوم به أحد، وإلا: تعيَّن عليه. وإطلاق الواجب عليه، وعلى المعين بالتواطؤ، لأنه

مسألة ما لا يتم الواجب إلا به واجب

يشملها حده، فإن قيل: بالاشتراك اللفظي، لاختلافهما. قلنا: بالعوارض. مسألة ما لا يتم الواجب إلا به واجب 1 - إن كان مقدورًا، وإيجابه مطلقًا. 2 - وقيل: لا. 3 - الواقفية: إن كان سببًا. إمام الحرمين: إن كان شرطًا شرعيًا: لا وجودية، كصوم جزء من الليل، إذ قد لا يخطر بالبال، ولأنه لا تجب نيته. أدلة الأول: - واحتج الأول: (أ) بأنه أوجب على كل حال، فلو لم يقتض إيجابه لزم تكليف ما لا يطاق. ومنع ذلك، لأنه إنما يلزم لو أوجب عند عدمه، لا عند عدم وجوبه، سلمناه لكنه يقتضى أن لا يجوز التكليف به إلا: عند وجوبه، وحينئذ - لا يجب لامتناع تحصيل الحاصل، سلمناه لكنه لا زم عليه، إذ من أحواله حالة العدم. والأولى: أن يقال: الإيجاب المطلق لو يفيد بحال وجود ما يتوقف عليه لزم التخصيص، ويقتضي وجوبه إجماعًا. فإن قلت: التخصيص، وإن كان خلاف الظاهر، فإيجابه أيضًا كذلك، فلم كان هذا أولى؟ قلت: بمنع أنه خلاف الظاهر، إذ هو عبارة عن: نفي ما يثبته اللفظ، وإثبات ما

أدلة النافي

ينفيه، نعم: هو خلاف الأصل، لكنه أولى من خلاف الظاهر. (ب) السيد إذا أمر عبده بسقيه، وكان الماء على مسافة، فإنه يذم لو تركه، وإن لم يقطعها. واستدل: بأن الأمة مجمعة على إطلاق القول بوجوب تحصيل ما أوجبه الشارع، وهو بتعاطي ما يمكن به إتيانه. فإن قيل: وجب التحصيل بما لا يكون واجبًا، كان متناقضًا. وهو ضعيف: إذ إجماعهم عليه مطلقًا ممنوع، وغيره لا يفيد. واستدل: بأنه لو لم يجب الشرط لم يكن شرطًا، وهو كذلك، لأن معناه: أنه لا يوجد بدونه، لا أنه لا يجب بدون وجوبه. أدلة النافي واحتج النافي: (أ) بأن إيجابه زيادة على النص، وهو نسخ، فلا يثبت بدليل العقل. (ب) لو وجب لأثيب، وعوقب على فعله وتركه، وليس كذلك. (ج) ولكان مقدرًا كغيره. (د) ولزم تعقل الموجب له. (هـ) ولامتنع التصريح بغيره. (و) لوجبت نيته. (ز) ولصح قول الكعبي: في نفي المباح. وأجيب: عن (أ) بمنع أنه نسخ.

فرع ما لا يتم الواجب إلا به

وعن (ب) بمنع انتفاء اللازم. وعن (ج) أنه خال عن الجامع، سلمناه لكنه طردي، سلمناه لكن لا نسلم انتفاء اللازم، فإنه مقدر - عندنا- بما ينطلق عليه الاسم في الشرط الوجودي. وعن (د) بمنع الملازمة، فإن ذلك لازم في الواجب بالذات، سلمنا ذلك من حيث الجملة، لكنه حاصل، لا من حيث التفصيل. وعن (هـ) بمنع انتفاء اللازم، سلمناه لكنه محمول على أنه ليس بواجب بالذات. وعن (و) بمنع الملازمة، وسنده ظاهر. وعن (ز) فيه كلام يعرف في تلك المسألة. فرع ما لا يتم الواجب إلا به: أ- إن تقدمه سبب أو شرط: إن تقدمه - ويلزم وجوده وجوده - فسبب، وإلا: فشرط، وجودي. إن كان وجوده أقرب المجاورة، كصوم جزء من الليلة المتقدمة. وإلا فشرط: أمكن تحصيله، أولا، من كل المكلفين، أو من بعضهم، استقل العقل بمعرفته، أو لا. وإن لم يتقدمه لضرورة أو لاشتباه. وإن لم يتقدمه: فإما وجوبه لضرورة الوجود مع وجوب تأخيره، كصوم جزء من الليلة، أو لا مع وجوبه كغسل جزء من الرأس والعضد. أقسام ما لا يتم الواجب إلا به في جانب الفعل وإما لاشتباه الواجب به، كوجوب صلاة نسيت من صلاتين. أقسام ما لا يتم الواجب إلا به في جانب الترك

فرع الزيادة على أقل ما ينطلق عليه الاسم

وأما في الترك، فعلى أضرب: (أ) أن ما يجب تركه اختلط بغيره، كالماء المتغير بالنجاسة فيجب تركه. (ب) أن لا يتغير، وفيه اختلاف. (ج) أن يشتبه كالماء، أو الثوب النجس بغيره, وفيه ايضًا اختلاف. (د) أن يختلط من يحرم نكاحه كأمه بأجنبيات، فإن حصرن في العادة. حرم الكل، وإلا: فلا. (هـ) أن تختلط منكوحته بها وجب الكف عنها، لكونها أجنبية، وللاشتباه، وقيل: الحرام هي الأجنبية دونها، وهو جمع بين المتنافيين. وكذا لو طلق معينة ثم نسيها، أو غير معينة: فيحتمل حلهما إذ الطلاق معين فيستدعي محلًّا معينًا، والموجود قبله ما له صلاحيته عند البيان، ويحتمل حرمتها، تغليبًا للحرمة، وعليه الأكثر، ولا يقال: إن ما يعنيه هي المطلقة في علم الله تعالى، لما تقدم. فرع الزيادة على أقل ما ينطلق عليه الاسم فيما لا يتقدَّر بمعيَّن - ليس بواجب، لجواز تركه. وقيل: الكل واجب. إذ ليس البعض أولى من البعض، وعدم اتصاف الكل به، باطل وفاقًا، فتعين الأوَّل. وأجيب: بمنعه، فإن ما ينطلق عليه الاسم أولى لذم تاركه.

مسألة (الحكم فيما إذا نسخ الوجوب)

مسألة (الحكم فيما إذا نسخ الوجوب) إذا نسخ الوجوب بقي الجواز، بمعنى: لا حرج في فعله، ولا في تركه، واختاره الإمام. وقيل: لا، بل يرجع إلى ما قبل الوجوب، واختاره الغزالي. قيل: مأخذه: أن الجواز داخل في الواجب، أم لا، وهو نزاع في معناه، ولا يتصور فيه نزاع بعد تحقيق معناه، فإنه إن عنى به، رفع الحرج عن، وعن الترك كان غير داخل فيه، بل هو مناف له قطعًا، فلا ينبني عليه الخلاف. ما احتج به الأول: أن ما يقتضي الوجوب يقتضي رفع الحرج عن الفعل، لأنه جزؤه، والنسخ لا يعارضه، لجواز أن يكون برفع المنع من الترك، فإذا ضم إلى الأول حصل الجواز المشترك بين الندب والمباح. ونقض بالندب، إذ يقتضيه. ما احتج به الآخر أن نسخه بجواز الترك، وبوجوبه، ولا ترجيح، فيجب الرجوع إلى ما قبله. وبأن الفصلة علة لحصة النوع من الجنس، فجواز الوجوب غير جواز المباح، ويزول بزوال علته، فلم يبق الجواز بعد نسخه.

مسألة

وأجيب: عن الأوّل: بمنع أنه لا ترجيح، وسنده ظاهر. وعن الثاني: بمنع أن الفصل علة، سلمناه لكن في الحقيقة لا في الاعتبارية. مسألة ليس بواجب ما يجوز تركه مطلقا لأنه ينافيه وأكثر الفقهاء: 1 - على أن الصوم واجب على المريض، والمسافر، والحائض. 2 - وقيل: يجب على المسافر دونهما. 3 - وقيل: يجب عليه لصوم أحد الشهرين على البدل. (أ) لقوله تعالى: {فمن شهد} [البقرة: آية 185]. (ب) ولنية القضاء. (ج) ولأنه لا يزيد عليه، ولا ينقص فهو بدله. مناقشة الأدلة إجمالًا وتفصيلًا وأجيب: (إجمالًا): بأنه استدلال في مقابلة الضوررة. وتفصيلًا: بأن (أ): مخصوص، صير إليه جمعًا بين الدليلين. وعن (ب): أن القضاء يعتمد على سبب الوجوب، لا على الوجوب. وعن (ج): أنه بدل ما وجد سبب وجوبه، لا ما وجب، ولا فرق بين المريض والمسافر، إلا: أن المانع منه، لأن سببه اختياري، دون المريض، لكن ذلك لا يوجب

فصل في المحظور

الإيجاب. ومنع الفقهاء: أن جواز الترك لمانع ينافيه، بل منافيه ما هو لعدم المقتضى المانع، وهو غيره، لأنه لا يجامع المقتضى، وهو يجامعه. فصل في المحظور تعريفه لغة وشرعًا - وهو الممنوع - وفي الشرع: (ما يذم فاعله شرعًا، من حيث هو فعل) وتقييده بـ (بعض الوجوه) يحتاج إليه من قال: بوقوع التحريم على التخيير. وأسماؤه: المغتصبة، وهو: (فعل ما نهى الله عنه). وعند المعتزلة: (فعل ما كرهه الله). وأصله: (خلق الأعمال) وإرادة الكائنات. والمحرم، والذنب، والمزجور عنه، والمتوعد عليه، والقبيح، والمنهي عنه.

مسألة أطبقوا على أن الواحد بالشخص لا يكون حراما وواجبا من جهة واحدة

مسألة أطبقوا على أن الواحد بالشخص لا يكون حرامًا وواجبًا من جهة واحدة إلا: عند من يجوز تكليف المحال لذاته وإنما اختلف في الواحد بالنوع، بمعنى: أن بعض أفراده واجب وبعضه حرام، كالسجود. فجوزه الجماهير. (أدلتهم): لتغاير محل الوجوب، والتحريم بالشخصية ولوقوعه. فإن السجود لله واجب، وللصنم حرام. قال الله تعالى: {لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله} [فصلت: آية 37]. وهو نواع واحد، والوقوع دليل الجواز وزيادة. دليل منع أبي هاشم له ومنعه أبو هاشم. بناء على أصله، وهو أن النوع الواحد لا يختلف في الحسن والقبح فالسجود لله تعالى لما كان واجبًا استحال أن يكون السجود للصنم - من حيث إنه سجود - حرامًا وإلا: لزم اجتماع الوجوب، والتحريم في واحد، فالمحرم، إنما هو قصد تعظيم الصنم.

اختلافهم في الواحد بالشخص إذ كان له اعتباران

[تزييفه] وهو مزيف: فإن السجود له، سجود مقيد بقصد تعظيمه، وإيجابه يقتضي إيجاب أصل السجود. والمحرم: إنما هو سجود مقيد بقصد تعظيم الصنم، وهو غيره وتحريمه لا يقتضي تحريم أصل السجود، فلا يلزم منه اجتماع النفي والإثبات بوجه ما ألبته، فصحَّ اجتماعهما في النوع الواحد. قال إمام الحرمين: إنه يقتضي خروج الأفعال على أن تكون قربًا، وفيه نظر. اختلافهم في الواحد بالشخص إذ كان له اعتباران وفي الواحد بالشخص إذا كان له اعتباران كالصلاة في الدار المغصوبة فجوزه الأكثرون. ومنعه الجبائيان، والقاضي - منا، والإمام أحمد، والظاهرية، والزيدية وهو رواية عن الإمام مالك.

أدلة القائلين: جواز الصلاة في الأرض المغصوبة

قال القاضي: إن صح الإجماع على أن لا قضاء، قلنا: سقط عندها، لا بها، جمعا بين الدليلين، وإلا: وهو الأصح - وجب القضاء. وغيره: بوجوبه مطلقًا. أدلة القائلين: جواز الصلاة في الأرض المغصوبة للأولين. أنه لا اتحاد بين متعلقهما، فجاز كغيره. ولأن العبد إذا أمر بالخياطة، ونهى عن دخول الدار، فإذا أتى بهما فهو متمثل، وعاص للجهتين. وللإجماع عليه، إذا لم يأمروا الظلمة بقضاء ما أدوا في الدور المغصوبة، مع كثرة الوقوع. ومنع الإجماع، لمخالفة مالك وأحمد، ولو كان ممن سبقهما لما خالفا. أدلة القائلين بعدم صحة الصلاة في الدار المغصوبة وأجيب: بأنه يمنع من التمسك به على الخصم. وأيضا: نحو: {أقيموا الصلاة} [البقرة: آيات 43، 83، 110، الأنعام: آية 72]، والتخصيص خلاف الأصل، ولأنه إن جاز الأمر بكلي، والنهي عن جزئي منه، جاز هذا، وإلا لوقع التعارض، ولأن الأصل عدمه، وإلا: لما جاز النهي عن فعل ما ضرورة أنه فرض من مطلقه المأمور به، في ضمن جريانه. ولأنه لو لم يصح لما ثبت صلاة مكروهة، وصيام مكروه، لتضاد الأحكام. فإن قلت: إنه لأمر منفك. قلت: نعم، لكن عن الماهية، لا عن الشخصية، وهذا - أيضًا - كذلك.

وللآخرين: "من أدخل في ديننا ما ليس منه فهو رد". وأجيب: بأنه دور، لتوقف دلالته على أنها ليست من الدين، من حيث إنها صلاة، وإن كان كذلك من حيث الغصب. ولأن أحد الاعتبارين: إن كان عين الآخر، أو ملازم - لزم المحال وإلا: جاز وفاقًا. وأجيب: بأنه غيره، وغير ملازم له نوعًا، وإن لازمه شخصًا بعد وقوعه، وبالنقض بالخياطة مع الملازمة الشخصية، الحاصلة بعد الوقوع. وبأنه يقتضي كون الكون الواحد محرمًا، وواجبًا. وأجيب: باعتبار الجهتين، إذ الجزء مطلقة، لا هذا وهذا، وإن كان جزء هذه الصلاة، لكنه للمقارنة، ومثل هذا الجزء لا يجب، وإلا لوجب جميع السننن والهيئات، التي فعل الواجب معها. وبأنه لو صحت لصح صوم يوم النحر، للجهتين. وأجيب: بأن صوم يوم النحر غير منفك عن النهي. وعورض بمثله. وبأن مقتضى الدليل: فسادهما، لكن ترك للإجماع، ولا إجماع في الصوم، وهو مبني على صحته، وفيه ما تقدم.

فرع (حكم الصلاة في الثوب المغصوب والحرير)

وجوابه: أن النهي عن الصوم فيه لمعنى مختص به، وليس النهي عن الصلاة فيها كذلك. فرع (حكم الصلاة في الثوب المغصوب والحرير) القائلون بعدم صحتها في الصلاة في الثوب المغصوب والحرير، والتوضؤ والتيمم بالماء والتراب المغصوبين، والحج على الجمل المغصوب. 1 - فمنهم من زعم: المنع. 2 - ومنهم من خصه: بما إذا كان المنهي عنه جزءًا، أو لازمًا. واعلم أنه إن أخذ مقيدًا فالكل كذلك، وإلا فلا شيء منه كذلك. فرع آخر الذين جوزوا أن يكون الواحد واجبًا ومحرمًا باعتبارين، إنما جوزوا ذلك إذا أمكن إتيان الواجب بدونه، كـ (الصلاة في الدار المغصوبة). فأما إذا لم يمكن ذلك فلا، إلا: إذا جوزوا ما لا يطاق، فعلى هذا: من توسط أرضًا مغصوبة ثم تاب، وتوجه للخروج، فخروجه واجب لا تحريم فيه، وإن كان فيه اعتباران: التفريغ والشغل، لأنه لا يمكن إتيانه بدونه.

مسألة

وقال أبو هاشم: خروجه ولبثه حرام، بناء على أصله: وهو أن التصرف في ملك الغير بغير إذنه قبيح لذاته، وهو نوع واحد، فلا يختلف في الحسن والقبح. لكنه ناقَضَ أصلًا آخر؛ وهو: عدم جواز تكليف ما لا يطاق. وقيل: بتعصيته بحكم الاستصحاب. وهو بعيد، لأنه مأمور بالخروج فكيف يستحصب معه التعصية. تنبيه: لا يجوز أن يكون الواحد بالشخص واجبًا مكروهًا، أو مباحًا، أو مندوبًا باعتبار واحد، ويجوز باعتبارين ينفك أحدهما عن الآخر كما في المحرم، إذ يمتنع اجتماع الشيء مع منافي أحد جزئيه، كما يمتنع ذلك مع منافيه. مسألة تحريم شيء من الأشياء: لا يقتضي تحريم الكل، بل المحرم واحد لا بعينه، ويتعين بكله عنه، إذا فعل غيره، كما في الوجب وقالت المعتزلة: كلها محرم. ونقل بعضهم أن النزاع - هنا - في المعنى، وإن لم يكن فيه في الوجوب، إذ يجب

فصل في المباح

عندهم الكف عن الجميع، ولا يجب فعل الجميع في الوجوب. وفيه نظر: إذ القياس التسوية، إذ التحريم كما يتبع القبح الخاص، فكذا الوجوب يتبع الحسن الخاص، فإن وجب الكف عن الجميع للاستواء في المعنى الموجب للتحريم - فليجب فعل الجميع في الواجب كذلك. لنا: القياس على الوجوب، بجامع دفع الضرر. لهم: {ولا تطع منهم ءاثما أو كفورا}. وجوابه: أن ذلك لأن (أو) بمعنى الواو، لا نزاع فيه، سلمناه لكنه لمنفصل. فصل في المباح تعريف المباح لغة: - وهي من الإباحة، وهي: الإظهار، ومنه: باحة الدار لساحتها، ولظهورها، وأبحت له كذا أي: أذنت. تعريفات المباح شرعًا: - وأما في الشارع: 1 - فقيل: (هو ما خيّر فيه بين فعل وتركه). وجه قصور هذا التعريف: وهو غير مانع، لدخول الواجب المخيّر فيه. التعريف الثاني للمباح: 2 - وقيل: (ما استوى جانباه في عدم الثواب والعقاب). قصور هذا التعريف: وهو - أيضًا - كذلك، لدخول فعل الله تعالى فيه، والصبي والمجنون. التعريف الثالث للمباح: 3 - وقيل: (ما أعلم فاعله، أو دلَّ على أنه لا ضرر عليه في فعله، ولا في تركه، ولا نفع له في الآخرة). - وما أورد عليه فقد زيفناه في النهاية.

مسألة المباح من الشرع

مسألة المباح من الشرع وقيل: لا. والنزاع لفظي، لأنه إن عنى به ما تقدم فهو حكم شرعي، وإن عنى به: ما انتفى عن فعله وتركه الحرج، أو عنى بالحكم الشرعي: ما يخالف حكم العقل الذي كان ثابتًا قبله، فليس كذلك، لتحققه قبل الشرع. وهو ليس من التكليف، لأنه لا طلب فيه ولا كلفة. خلافًا للأستاذ، لأنه كلف باعتقاد إباحته. والنزاع لفظي. وهو حسن إن عني به ما لا حرج في فعله، وإن عني به ما يثاب فاعله فلا، وإن عني به ما يلائم غرض فاعله فبعضه حسن. وهو ليس بمأمور به عند الأكثرين. وقيل: هو كذلك. وهو مبني على الأمر حقيقة في ماذا؟

مسألة

مسألة أنكر الكعبي المباح، وخالف فيه عصا المسلمين. ويحتمل وجهين: - أحدهما: وهو ظاهر ما نقل عنه - أنه ليس فعل من أفعال المكلفين بمباح أصلًا، وهو ظاهر الفساد، غني عن الإفساد. وثانيهما: - وهو ما أشعر به دليله - وهو أن كل ما هو مباح باعتبار ذاته، فإنه واجب باعتبار أنه يترك به الحرام. وهذا قريب، إذ ليس فيه مخالفة الإجماع صريحًا، لإمكان حمله على ذات الفعل، وبه أوّل جمعًا بين الأدلة، إذ به يترك الحرام فيجب غايته: أنه لم يتعين لذلك، فيجب على التخيير. وهو: وإن اقتضى وجوب المحرم من حيث إنه يترك به محرم آخر - لكنه قد يلتزمه. ويتعذر: بأنه لا امتناع في أن يحكم بمتنافين باعتبارين كما تقدم. ولا خلاص عنه إلا بأن ما لا يتم الواجب إلا به فليس بواجب مطلقًا، أو في جانب الترك، والفرق عسر، وإن لم يكن على رأي من يقول: إن متعلقه هو نفس أن لا يفعل.

فصل في المندوب

فصل في المندوب تعريف المندوب لغة: وهو من الندب، وهو الدعاء إلى أمر. تعريف المندوب شرعًا: وفي اشرع: عبارة (عما يكون فعله راجحًا على تركه في نظره) وتركه جائز مطلقًا. وأسماؤه: 1 - (النفل)، أي الزيادة على الواجبة. 2 - (والتطوع) أي: الانقياد في قربة بلا حتم. 3 - والمرغب فيه. 4 - والمستحب. 5 - (والإحسان) إذا كان نفعًا للغير قصدًا. 6 - و (السنة) لأنها تذكر في مقابلة الواجب. والأصح: أنها أعم منه أو أخص. وهي: (ما علم وجوبه، أو نبدبته بأمره - عليه السلام -، أو إدامة فعله). إذ يقال: الختان من السنة، وما علم ندبته بقوله، أو إدامة فعله - عليه الصلاة والسلام - لأنها مأخوذة من الإدامة.

مسألة

مسألة المندوب المأمور به، عند القاضي، والغزالي، وأبي هاشم، وأنكره الباقون. والحق: أنه إن قيل: الأمر حقيقة في الندب، أو في المشترك بينه وبين الوجوب، فالمندوب مأمور به، وإلا: فلا، وقد أشعر كلام بعضهم بخلاف فيه - حينئذ - ولا وجه له. ومن توقف في أنه للوجوب، أو للندب، أو لهما بالاشتراك اللفظي، أو المعنوي، كالغزالي: لا يحسن منه الجزم بكون المندوب مأمورًا به. مسألة المندوب حسن، لا يعرف فيه الخلاف. والأصح: أنه من التكليف. خلافًا لإمام الحرمين.

مسألة

إذ معناه طلب ما فيه الكلفة، وهو حاصل في المندوب، وقد يكون أشق من الواجب، وليست المشقة منحصرة في الممنوع عن نقيضه حتى يلزم أن لا يكون منه. لأنه لو لم يكن، لم يكن المكروه منه إجماعًا، وفيه خروج أكثر الأحكام منه. ولأن المكلف فيه بين مشتقين: مشقة العمل، ومشقة حرمان الثواب. وفيه نظر، إذ ليست تلك المشقة في نفس الفعل والترك. للمنكر: أنه خير فيه فلم يكن فيه كالمباح، وكونه راجح الفعل لتعلق الثواب به لا يقتضي كونه منه، لأنه سبب اليسر، لا الكلفة. وأجيب: بعدم اتحاد الجامع، إذ التخيير غير التخيير، والسهولة للثواب لا يقدح فيه، وإلا: لقدح في كون الواجب منه، لجزالة عوضه، لا سيما الذي لا كلفة فيه. مسألة المندوب لا يلزم بالشروع، إلا: في الحج، خلافًا للحنفية. لنا: "الصائم المتطوع أمير نفسه، إن شاء صام، وإن شاء أفطر"، ولأنه لو نوى كذلك لصح، للنص، وفيه نظر، إذ يمنع صحة الشروع به، لأنه على مضادته، ولا

فصل في المكروه

يقاس عليه الحج، لأنه على خلاف القياس. فصل في المكروه التعريف اللغوي للمكروه: وهو من الكراهة والكراهية، وهي ضد الإرادة. والتعريف الشرعي للمكروه: ويطلق في الشرع: (على ما جاز فعله، وترجح تركه شرعًا). وهو منهي عنه إن لم يكن النهي للتحريم فقط، وعلى المحظور، وترك الأولى، وإن لم يرد النهي عن تركه فاستعماله فيه منكر، وهو من التكليف على الأصح، كالمندوب. وهو قبيح، إن لم يختص القبح بالمحرم. تقسيم آخر معنى صحة العبادة وإجزائها: - أ- موافقة الشرع عند المتكلمين. ب- وعند الفقهاء: إسقاط القضاء. فصلاة من ظن أنه متطهر: - - صحيحة مجزئة عند المتكلمين دونهم. - وصلاة من صلى خلف خنثى، ثم تبين خلافه، وقلنا: لا يجب عليه القضاء - على عكسه. ويختص الإجزاء: بالعبادة التي يمكن وقوعها، بحيث يترتب عليها أثرها، وأن لا يترتب، لا كمعرفة الله، ورد الوديعة. وقيل: يختص بالواجب منها، إذ لا يقال في المندوبات: إنها مجزئة وفيه نظر. واستدل على فساد قول الفقهاء: بأن القضاء يجب بأمر جديد، على ما نبينه، فحينئذ لا قضاء وإجزاء. - وبأن سقوط القضاء معلل بالإجزاء، والعلة غير المعلول، وبأنه يسقط بالموت، مع عدم الإجزاء، بأن يأتي الفعل بدون شرطة والكل ساقط إذا فسر بالفعل الذي يسقط القضاء، وإنما يرد على ظاهر قول الفقهاء.

تقسيم للوضعي

ومعنى الصحة في العقود: ترتب آثارها عليها، والبطلان والفساد يقابلانها فيهما. وخصت الحنفية الباطل: بما لا ينعقد بأصله كبيع الحر. والفاسد: بما لا ينعقد بوصفه كالربا. وأورد: أنه إن أريد به الكل لم ينعكس، أو البعض معينًا فباطل، للإجماع، وللجهالة، إذ ليس في اللفظ والمعنى ما يعينه، أو غير معين: لم يضطرد، لدخول الكتابة الفاسدة، والوكالة والقراض الفاسدين. وأجيب: بالكل، ويعكس إذ المراد منه الكل، إلا: ما فقد شرطه أو وجد مانعه، بحيث إنه لو وجد أو زال لوجد. وقيل: (الصحيح) ما استجمع أركانه وشروطه، و (الفاسد): عكسه. وهو متناول للعبادة والمعاملة، لكن لا ينبئ عن محل الخلاف بين الفقهاء والمتكلمين، لأنه متناول لما في نفس الأمر، أو في الاعتقاد. وقيل: هو ما أذن في الانتفاع بالمعقود عليه. وزيف: بالبيع في زمن الخيار، وفيه نظر، وببعض العقود الفاسدة. تقسيم للوضعي وهو بالسببية، والشرطية، والمانعية، وغيرها، فإذا رتب حكم على وصف، ففيه

حكمان: السببية، ونفس الحكم. وأريد بكونه سببًا: أن الحكم متعلق به، أو أنه معروف له، أو موجب له لا لذاته، ولا لصفة ذاتية، بل بجعل الشارع إياه موجبًا وهو اختيار الغزالي. وأورد: بأنه إن أريد به المؤثر فباطل، إذ الحادث لا يؤثر في القديم. ولأن حقيقته إن بقيت بعد الجعل كما قبله لم يؤثر كما قبله وإلا: فالمعدوم لا يؤثر. ولأن الصادر بعد الجعل: إما الحكم، فلم يكن الوصف مؤثرًا، أو موجبه وهو قول المعتزلة، وسنبطله، أو غيرهما فلم يكن له، تعلق بالحكم. وأجيب: بأن المعنى من جعله موجبًا: أنه قال الله في الأزل: جعلت الوصف الفلاني موجبًا لكذا، وأنه لا يقتضي تأثير الحادث في القديم، وهذا لأن السببية من جملة الأحكام الشرعية، فيرجع إلى الخطاب. وبأنه يؤثر لطريان المؤثرية مع بقاء الحقيقة، والمؤثرية غير داخلة في الماهية، حتى يمتنع ذلك، وبأن ما حصل بعد الجعل يؤثر، لا المعدوم ويمنع أن ذلك من قولهم، فإن الصفة عندهم: حقيقة ذاتية، موجبة بالذات، وما هو يجعل الشارع عكسه، سلمناه لكن الصادر منه هو المؤثرية، ولها تعلق بالحكم. والسبب: ما يضاف إليه الحكم، وهو: إما متكرر يتكرر الحكم بتكرره، كالدلوك للصلاة ورؤية هلال رمضان للصوم، وكالنصاب للزكاة بتكرره - مع اتحاد النصاب لكن لا يضاف إليه. أو لا يتكرر الحكم بتكرره، كوجوب معرفة الله تعالى. عند تكرر الأدلة الدالة على

تقسيم آخر

وجوده وتوحيده، وكوجوب الحج عند تكرر الاستطاعة، على رأي من يجعلها سببًا. أو لا يتكرر السبب كالبيت، عند من يجعله سببًا له وهو الأظهر، لأنه يضاف إليه، فيمتنع التكرر. ثم السبب إنما هو سبب في الفرع دون الأصل، وإلا: لزم الدور، وسببية السبب: إن كانت حكمًا شرعيًا فليست من آخر، دفعًا للدور والتسلسل بل للنص، أو غيره. والمانع إما مانع الحكم: وهو كل وصف وجودي يقتضي نقيض الحكم كالأبوة في القصاص. أو مانع السبب: كالدين في الزكاة. وشرط السبب: ما كان عدمه يخل بحكمة السبب، كالقدرة على التسليم. وشرط الحكم: ما كان عدمه يخل بحكمة الحكم، كالطهارة. تقسيم آخر العزيمة: (ما جاز فعله أو تركه بلا مانع منه). والرخصة: ما هو كذلك، مع قيام ما يمنع منه. وقيل: (ما لزم العباد بإيجابه تعالى). وهما: غير جامعين، لخروج الترك، وغير الواجب. وقيل: الرخصة (ما أبيح مع كونه حرامًا)، أو (ما رخص فيه مع كونه حرامًا). وهو مزيف، للتناقض. وقيل: ما غير عن الوضع الأصلي في حق المعذور - لعارض - إلى سهولة، وهو كذلك، غير مانع، إذ يدخل فيه نحو قوله تعالى: {الآن حفف الله عنكم} [الأنفال: آية 66].

وشكك في الرخصة: - بأن المرخص غن كان راجحًا على المحرم كان عزيمة، وإلا: كل حكم ثبت براجح رخصة. أو مساويًا: فإن قيل: فيه بالتساقط فلا رخصة، وإلا: لكان كل ما ثبت بالبراءة الأصلية رخصة، وإلا: فإما التوقف إلى ظهور المرجح، وهو عزيمة، لا رخصة. أو التخيير: وهو ليس برخصة، وإلا: أكل الميتة حالة الاضطرار ليس رخصة لعدم التخيير. أو مرجوحًا: و- حينئذ - يلزم العمل بالمرجوح، ومخالفة الراجح. ثم قال: وهو في غاية الإشكال، وإن كان الأشبه بالرخصة: إنما هو هذا القسم، لما فيه من اليسر بالعمل بالمرجوح، ومخالفة الراجح. وسقوطه بيّن إذ لا يلزم من كون كل المرخص راجحًا: أن يكون كل راجح مرخصًا، إذ الموجبة الكلية لا تنعكس كلية، لصدق العام على كل الخاص، من غير عكس، بل جزئه، ونحن نقول به. ثم دليل أن المرخص راجح: هو أنه خاص بالنسبة إلى النص الدال على الحكم الأول - ضرورة - أنه واقع على وجه خاص. والاستقراء يحققه، والخاص راجح على غيره. وبه عرف فساد القسم الثاني. ثم قد يعمل بالمرجوح مع الاحتمال الراجح، كما في إسلام اللقيط، وحريته، حيث يكون الغلبة للكفار والعبيد. ثم التيسير: إنما هو من العمل بمقتضى العذر، لا بمقتضى المرجوح. ثم حصر الرخصة في العمل بمقتضى المرجوح باطل، إذ قد يقطع أن بقاء الإنسان راجح على أكل الميتة. والرخصة: قد تكون واجبة، وندبًا، ومساوية، وراجحة الترك. وإطلاق الرخصة على ما حطّ عنا من الأغلال: مجاز.

تقسيم آخر (للحكم من حيث الحسن والقبح)

تقسيم آخر (للحكم من حيث الحسن والقبح) والفعل: إن نهى عنه فهو القبيح، وإلا: فهو الحسن فتناول فعله تعالى، وغير المكلف، لا المأذون فيه، فيخرجه عنه. وقيل: ما مدح فاعله شرعًا، والقبيح: ما ذم، فلم يكن فعل غير المكلف، والمباح والمكروه منهما. وقيل: هو ما يصح من فاعله أن علم أنه غير ممنوع عنه شرعًا. فتناول فعله تعالى: وغير المحرم، دون فعل غير المكلف، إذ الصحة لا تنافي الوجوب. والقبح عند المعتزلة: (هو ما ليس للمتمكن منه، والعلم بحاله: أن يفعله ويتبعه، أنه يستحق الذم فاعله. و: (أنه على صفة يؤثر في استحقاق الذم). والحسن: ما يقابله. وهو للمنع العقلي، لا الحسي والشرعي، ولا للعجز، والنفرة الطبيعية، والمشترك بينهم. وقوله: (يستحق) هو معنى قوله: (المؤثر يستحق الأثر)، لا العكس، ولا بمعنى: يحسن للدور. و(الذم): ما ينبئ عن اتضاع حال الغير. ثم هما عقليان، بمعنى: ملائمة الطبع، ومنافرته، وصفة النقص والكمال. وبمعنى ترتب الذم عاجلًا، والعقاب آجلًا: شرعي

عندنا خلافًا للمعتزلة، وبعض فقهاء الخنفية. والكرامية، والخوارج، والتناسخية. والبراهمة، والثنوية، ثم اختلفوا. فالأوائل: من غير صفة، والأكثر: بصفة، وقيل: بصفة في القبيح فقط. واتفقوا على أن: منه ما يعلم ضرورة، كحسن الصدق النافع، والكذب الضار، ونظرًا: كحسن الصدق الضار، أو قبحه، أو قبح الكذب النافع، أو حسنه، فإنه يختلف باختلاف المضرة والنفع. ومنه ما يُعلم بواسطة الشرع: كقبح صوم يوم العيد إذ لولاه لما عرف. لنا: أن فعل المكلف اضطراري، إن لم يتمكن من تركه، أو تمكن منه لكنه يجب لمرجح

من غير، وإلا: فاتفاقي، إذ التسلسل محال، وهما لا يقبحان عقلًا إجماعًا. وزيف: بأن وجوبه به لا ينافي إمكانه، وقدرته عليه، وإلا: لزم نفي قدرة الله تعالى، ولا يفرق بأن مرجح فاعليته تعالى منه، لأن الكلام في فاعليته لذلك المرجح، كما في الأول، فيلزم التسلسل في أفعاله تعالى، أو الاعتراف بالمنع المذكور. وهو ضعيف: لأنا لا ندعي منافاته، لإمكانه، بل لقدرته بمعنى: التمكن من الفعل والترك، ولا يلزم منه نفي قدرة الله تعالى للفرق المذكور، وذلك المرجح قديم غني عن الفاعل، فلا يلزم التسلسل. وأورد: بأنه يقتضي أن لا يوصف بحسن وقبح. وسقوطه بيّن، ومنعه بمنع الثانية، إذ فعل العبد اضطراري بالمعنى المذكور، عند أبي الحسن، واتفاقي بالمعنى المذكور عند أكثرهم، مع أنهم قائلون: بحسنه وقبحه عقلًا. - وأيضًا -: لو كان ذاتيًا لما اختلف، وقد يقبح الصدق ويجب الكذب، ولكان المؤثر فيهما هما، لأن لازم الماهية معلولها، لكنه باطل، لأن مجموع الحروف لا وجود له، والآحاد ظاهر الفساد. ونقض: باتصافه بالصدق والكذب. ولأن الكذب ليس مقتضيًا له لنفس اللفظ، وإلا: لكان غيره كذلك، ولا لعدم المطابقة، ولا لمجموعهما، وإلا: لكان العدم علة، أو جزء علة، ولا لأمر لازم له، لأن الكلام فيه كالكلام في الأوّل، ولا لمفارق وإلا: لم يكن لازمًا له، فلم يكن مقتضيًا له. وأورد عليه: بأن القبح عدمي فيعلل به. وأجيب: بأن العلية ثبوتية، لكونها نقيض اللا علية، فلم يجز أن تكون العلة عدمية. ولأنه يقتضي تعليل أفعاله تعالى. وسيأتي في القياس بطلانه. ولأن حسن الفعل زائد على مفهومه، وإلا: لتعقّله من تعقله، وهو وجودي، لكونه يقتضي الأحسن المحمول على العدم، والفعل عرض فيلزم قيام العرض بالعرض، وهو ممتنع ولا ينقض باتصافه شرعًا،

لأن الحسن الشرعي أمر اعتباري، فلا يلزم ذلك. اعترض: بإجزائه في الممتنع، وبأن الاستدلال بصورة النفي على الوجود دور، وبمنع امتناع اللازم. ونقضه: بوجود الأعراض، وبكون الحركة بطيئة، أو سريعة. ولأنه لو كان ذاتيًا، لاجتمع النقيضان في صدق من قال: لأكذبن غدًا، وكذبه. ولا يجاب عنه: بأنه باعتبارين، لأن الذاتي لا يختلف بالاعتبارات. ولأنه لو كان ذاتيًا للفعل، أو لصفته: لم يكن الباري مختارًا في الحكم، إذ الحكم بالمرجوح ممتنع عقلًا. وأجيب: بالتزامه، إذ كلهم مطبقون على امتناع صدور ذلك منه، لكن لعدم القدرة عند النظام، ولعدم الداعي عند غيره. وادعوا: العلم الضروري بحسن الصدق النافع والإيمان، وقبح الكذب الضار، والكفران، وأنه غير مستفاد من الشرائع، لحصوله لمنكريها. ولا يعارض: بأنه لو كان كذلك، لما كان مختلفًا فيه - لأنه لا اختلاف فيه، بل في المأخذ، ولا يبعد الالتباس فيه كما في المتواتر، وأن المقتضى له هو كونه كذلك بالدوران. وأجيب: بمنعه بالمعنى المتنازع فيه، والدوران غير مفيد للقطع، والظن لا يفيد. إذ المسألة علمية. ثم المفهوم من الظلم: أنه إضرار غير مستحق، والعدم لا يكون علة وجزء علة

الوجود، ولا شرطها إذ العلية دور معه، ولا سبب سواه، فيعلل به، فيكون العدم علة. واستدلوا - أيضًا - بأن ما وجب لو لم يختص بما يقتضيه: لزم الترجيح بلا مرجح. وأجيب: بمنعه، إذ ليس المرجح منحصرًا في صفة الفعل، ويمنع امتناع اللازم في حق المختار، وبأنه إن لم يجز لزم الجبر - كما سبق - وبطل التحسين والتقبيح العقلي، وإلا بطل الدليل. - وأيضًا - لو لم يثبت عقلًا، لحسن من الله خلق المعجزة على يد الكاذب، والكذب، لزم التباس النبي بالمتنبي، وأن لا يعتمد على إخباره، ولحسن منه الأمر بالكفر، والنهي عن الإيمان، ولكان الوجوب متوقفًا على السمع، فيلزم إفحام الأنبياء على ما يأتي. وأجيب: عن الملازمة الأولى: بأنه إن وجب تعليل خلق المعجزة للتصديق، لزم الخبر، وإلا: جاز، خلقه لا لغرض، أو لغرض غير التصديق، فيرد عليكم. وزيف: بأن توقيف فاعليته تعالى على المرجح لا يوجب الجبر على ما تقدم، بل جوابه: أن حسن الشيء لا يوجب وقوعه، بل قد يحرم بانتفائه. وعن الثانية: أنه وارد عليكم، لأن الكذب قد يحسن للمصلحة كما في إنقاذ الشيء والمتوعد ظلمًا، وبأنه صفة نقص ممتنع على الله تعالى. وعن الثالثة: بمنع امتناع اللازم. وعن الرابعة: بمنع لزومه على ما يأتي. و- أيضًا - العاقل يختار الصدق على الكذب عند تساويهما، في غير الصدق، والكذب، لحسنه.

مسألة

وأجيب: بأنه كذلك، لكن بالمعنى المتنازع فيه. وأيضًا - ما لا يعلم قبل الشرع، لا يرد به الشرع. وأجيب: تصورًا لا تصديقًا بهما، بطل: ولم يجب شكر المنعم، ولا حكم قبل الشرع لكن زيف: مأخذهم فيهما بناء عليه. مسألة شكر المنعم: لا يجب عقلًا. خلافًا للمعتزلة، وبعض الحنفية. قيل: المراد منه: تجنب المستقبحات، وفعل المستحسنات العقليتين، ولا يبعد أن يراد منه ما يراد منه في الشرع. لنا: {وما كُنَّا} [الإسراء: آية 5]. وأورد: بأنه لا يلزم من نفي التعذيب: نفي الوجوب، إذ ليس من لوازم تركه، سلمناه لكن ما نفي مطلقًا، بل إلى البعثة، فيقع بعدها، وإن استحق قبلها، سلمناه لكنه محمول على ما لا يعلم عقلًا. وأجيب: بأن صحة وقوعه من لوازمه، فلو صح، وفرض وقوعه لزم خلاف النص فلم يصح. وعن الثاني: بأنه خلاف ما فهم من الأمة، وظاهره، وبأنه حمل معنى غير مناسب، إذ

البعثة لا تناسب وقوع العذاب بعدها بسبب استحقاق قبلها. وعن الثالث: أنه تخصيص، خلاف الأصل. و- أيضًا - قوله تعالى: {رسلا مبشرين ومنذرين} [النساء: آية 165]، ولأن وجوبه لا لفائدة ممتنع، لأنه عبث، ويحل معناه، فكذا الفائدة لله تعالى، لتنزهه عنها, وللعبد، لأنها: - إما جلب نفع: وهو غير واجب عقلًا، فوسيلته أولى، ولأن أداء الواجب لا يقتضي غيره، ولأن توسطه عبث، لإمكان نفعه في جميع المنافع بدونه. أو دفع ضرر عاجل؛ لأنه ضرر عاجل، فلا يزال به، أو آجل، والله تعالى لا يضره تركه، ولا يسره فعله، فلا يقطع به، بل يحتمل العقاب على فعله: - لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه بلا ضرورة. ومكافأة للمولى على نعمه. وشكر لنعمه، هي بالنسبة إلى خزانة الله تعالى أقل من كسرة بالنسبة إلى خزانة ملك. ولأنه قد لا يليق به تعالى. واستدلوا بوجه آخر: وهو أنه لا يجب لفائدة آجلة، لأنه لا طريق إلى معرفتها إلا: بأخبار الشارع، ولا العاجلة، لأنه مشقة، ولا حظ للنفس في. فإن قلت الثلاث الأوّل ممنوعة، إذ المنافع تختلف في الوجوب، فإن عنى به الزائد على الضروري منعنا الحصر، وأداء الواجب يقتضي الثواب، وهو غيره، وتلك المنفعة قد تكون نفس الشكر، لأن وجوب الشيء قد يكون لنفسه، وإلا: لزم التسلسل، و - حينئذ - يمتنع حصولها بدونه. وكذا الرابع:

إذ العاجل قد يدفع عاجليا فوقه، وضرر خوف العقاب لدفعه، والعقاب: على تركه ربما يترجح على ضرر فعله، وضرر خوف العقاب عليه. وكذا الخامس: فإنه، وإن لم يقطع به لكنه يظن أو يحتمل فيجب لدفعه، والعقاب: وإن احتمل على الفعل لما ذكرتم، لكنه احتمال مرجوح إذ الشاكر أحسن حالًا من تاركه. وأما الطريقة الثانية: فضعيفة، لأنا نمنع أنه لا طريق إلى معرفة الفائدة الآجلة إلا: بأخبار الشارع، إذ العقل يقضي بحصول الثواب على ما يوجبه في الجملة، وإن لم ندركه مفصلًا، وكونه مشقة لا حظ للنفس فيه لا يقتضي عدم وجوبها لفائدة عاجلة، لما سبق، ثم إنه ينفي وجوبه شرعًا، وهو في مقابلة ما علم بالبديهة. وأجيب: عن الأول: بأن تاركه لا يذم وفاقًا، والضروري - وإن وجب تحصيله لكنه غير متوقف على الشكر، فلا يجب له. والثاني: منقدح، لا جواب له. وعن الثالث: أن علة الشيء غيره، والتسلسل مندفع، لوجوب الانتهاء إلى الحكم المطلوبة لذاتها، وإلا: لزم التسلسل. وعن الرابع: الأصل أنه لا يزال بمثله، إلا: إذا ثبت أن المزال فوقه، وهو ممنوع. وعن الخامس: منع، ورجحانه على احتمال العقاب على فعله بالنسبة إلى الله تعالى. وضعف الطريقة الثانية حق. وعن النقص: بمنعه، وأنه غير آت بعينة في نفس الوجوب الشرعي يعرف بأدنى تأمل، سلمناه لكن المدعى أن التقبيح العقلي ينفي الوجوب العقلي، وإن نفى معه الشرعي. وعن الأخير: بمنعه، سلمناه لكن بالنسبة إلى من يسرّه الشرك، ويسوؤه الكفران، لا مطلقًا.

وعورض: بأنه طريق آمن، فاقتضى العقل وجوب سلوكه. وأجيب: بمنعه، لما سبق، سلمناه لكن إذا لم يكن فيه مشقة، أما مطلقًا فممنوع. وبأنه لو لم يجب عقلًا، لما وجب النظر كذلك وفاقًا، وفيه إفحام الأنبياء - عليهم السلام -، إذ يقول: لا أنظر ما لم يجب، ولا يجب إلا: بنظري. وأجيب: بأنه لازم عليكم، لأن وجوبه نظري - أيضًا - عندكم، لتوقفه على وجوب معرفة الله تعالى، وأنه طريق إليها، وأنه متعين لذلك، وأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وهي نظرية، فيقول: ذلك. وأورد: بأنه غير لازم، لإمكان معرفة وجوبه قبل دعوى النبوة بخلاف ما إذا كان شرعيًّا. وأجيب: بأنه قادح في الإفهام عمومًا، لا في أصله، فيعود المحظور بالنسبة إلى البعض الآخر. وبمنع أنه لا يجب إلا: بالنظر، فإن وجوب الشيء لا يتوقف على العلم به، وإلا: لزم الدور، بل التمكن منه، وهو حاصل، وهو عناد لا إفحام، كما لو قيل: اتق الأسد وارءك، فيقول: مثله، فإنه يعد عنادًا. والأصح: أن المسألة كأصلها. وقيل: ظنية.

مسألة لا حكم قبل الشرع مطلقا

مسألة لا حكم قبل الشرع مطلقًا واختلفت القدرية فيما لا يقضي العقل فيه بحسن وقبح بخصوصيته: فمعتزلة البصرة، وبعض الفقهاء - منا - ومن الحنفية: على الإباحة. ومعتزلة بغداد، وبعض الإمامية، وابن أبي هريرة - منَّا - على الحظر. ومنهم من توقف عن الحكم وعدمه، ولو قدر فعن أنواعه. وقيل: بالإباحة بطريق التبيين بأدلة شرعية. أدلة القائلين بأنه لا حكم قبل ورود الشرع لنا: ما سبق. وبأنه عبارة عن الخطاب، ولا خطاب قبل الشرع فلا حكم.

للمبيح: أنه انتفاع خال عن أمارة المفسدة، لا يضر المالك، فيباح كالاستظلال بحائط الغير، ونحوه، وعليته بالدوران، واحتمال المفسدة بدون الأمارة لا يضر، إذ لا يترتب عليها حكم. وجوابه: منع أن الدوران يفيد العلية، سلمناه لكن لا يفيد قطعها، والمسألة علمية، سلمناه لكنها شرعية، لأنها مستنبطة من الحكم الشرعي. - وأيضًا - خلق الله تعالى الطعوم، مع إمكان أن لا يخلقها لمنفعة العبد وإلا: لزم العبث، أو عود النفع إليه تعالى، أو خلاف الإجماع، وهو بإدراكها، أو باستحقاق الثواب على اجتنابها، لكون تناولها يفيد مفسدة، أو الاستدلال بها الموقوفين على إدراكها، فالإدراك مطلوب. وأجيب: بمنع الإمكان، ثم بمنع امتناع العبث، ثم بمنع الحصر، ثم بمنع لزوم الإدراك حالة التكليف، ثم بالنقض بالطعوم المهلكة. ودفع: بأنه يمكن الانتفاع بالمؤذي مع ما يصلحه. وأجيب: بمنع إمكان ذلك في الكل. - وأيضًا - لو لم تكن مباحة لكانت محظورة، فلو فرضنا ضدين لكلف بالمحال. وأجيب: بمنع الملازمة، ثم بإمكان الخلو عن الضدين، فلو فرضنا كالحركة والسكون، فبمنع مثلهما فيما نحن فيه، ثم بمنع امتناع اللازم، كما في لبث وخروج من توسط أرضًا مغصوبة - على رأي بعضهم - وأما على رأينا فهو ظاهر. و- أيضًا - إذ ملك جواد بحرًا لا ينزف، وأحب مملوكة فطرة، فإنه يقبح منه المنع، فكذا في حقه تعالى، بل أولى.

وأجيب: بأنه قياس الغائب على الشاهد، ثم بمنع لزوم الإباحة، لعدم المنع، ثم بالفرق. إذ قد يقبح منا ما لم يقبح منه تعالى. - وأيضًا - خلق الله تعالى الشفع، وخلق فينا الشهوة له، والقدرة على الانتفاع به مع العلم بنفعه وأنه لا يتضرر، وهو قرينة الإذن. وأجيب: بمنعه إذ يجوز أن يكون الابتلاء للصبر، ثم إنه معارض بأنه ملك غيره، وهو دليل عدم جواز التصرف. للحظر: بأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه، فحرم كما في الشاهد. وأجيب: بأنه سمعي، ثم بأنه يتضرر، أو في مظنته. ولا يزيف: بأنه لو كان كذلك، لما جاز وأذن، لأنه مشروط به، ثم بمنع عدم الإذن من جهة العقل، وبأنه قياس الغائب على الشاهد. واحتجا على فساد الثالث: بأن التصرف إن كان ممنوعًا عنه فحظر، وإلا: فبماح. وأجيب: بمنع لزوم الإباحة، على تقدير عدم المنع. واحتجوا على فساد قولنا: لا حكم بأنه حكم، فكان متناقضا. وأجيب: بأنه لا تناقض بين نفي الخاص، وإثبات العام. للمبيح بطريق التبيين: قوله تعالى: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا} [البقرة: آية 29]. واللام للاختصاص بجهة النفع. وقوله تعالى: {قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق} [الأعراف: آية 32].

خاتمة

وبأنه تعالى خلقنا للعبادة، للنص، ومن ضرورته الإذن في الانتفاع بما تقوم به البنية، ولازم المطلوب مطلوب. وأجيب: بمنع لزوم الإذن منه، وسنده ظاهر، ولو سلم فمن وقت القول. وعن المقول: أنه لا يلزم من خلقه للعبادة وجوبها، وطلبها منهم، لتوقفه على الإيجاب والطلب، و - حينئذ - لا يعلم أن بقاءهم قبل الطلب، هل هو مطلوب أم لا؟ فلا تعلم مطلوبية لازمة. خاتمة: معرفة أصول الفقه واجبة، لتوقف معرفة الله تعالى، التي هي واجبة إجماعًا - عليه، إذ السؤال لا يتسلسل، وليس هو فرض عين، لما نبين من جواز الاستفتاء، فهو فرض كفاية. الأمر الأمر: حقيقة القول المخصوص، ومعناه: كالكلام. وقيل: في الفعل أيضًا. البصري: في الشيء والصفة، والشأن، والطريق. لنا: النافي للاشتراك، وتكثيره، والتواطؤ خلاف الإجماع إذ هو حقيقة في غيرها، لخصوصه إجماعًا، ولا يقدح فيه الخلاف الحاجث، وسبقه إلى الفهم، فإنه ينفي اشتراكه وتواطؤه.

وبأنه لو كان حقيقة في الفعل لاطرد، وعدم اطراده، في كل قول: إنما هو لأنه ليس حقيقة في الفعل لاطراد، وعدم اطراده في كل قول: إنما هو لأنه ليس حقيقة في مطلقه، بخلاف الفعل، وإلا لبين. والاستدلال: بصحة نفي الأمر، ولوازمه عنه، وبأنه لا يشتق للفاعل والمفعول: آمر ومأمور ضعيف. للفقهاء: أطلق عليه، فيكون حقيقة فيه. وأجيب: بمنعهما، إذ ليس ذلك لخصوصه، والاستعمال مع لزوم الاشتراك ليس دليلًا عليهما. وبأنه لو كان مجازًا فيه لتحقق جهة من جهاته. وأجيب: بمنع لزوم المجاز عند انتفاء الحقيقة، ثم بمنع نفي اللازم، فإن إطلاق اسم الدليل على المدلول من جهاته. وبأنه: بمعنى الفعل يجمع على أمور، والاشتقاق دليل الحقيقة. وأجيب: بمنع الأوّل، إذ قيل: هما لفظان بمعنى، ثم بمنع الثانية، وأسند بالحمر للبلد. لمن قال بالتواطؤ: هما مشتركان في عام، فيجعل اللفظ له دفعًا للمحذورين.

مسألة حد الأمر

وأجيب: بأنه ليس في ذلك في كل ما يمكن أن يقال ذلك فيه، وإلا: لزم نفي الاشتراك والتجوز، بل فيما يمكن ذلك، وهو حيث يوافقه الدليل ولا يخالفه، وبأن ذلك العام حاصل في جميع أنواع القول. وللبصري: تردد الذهن عند سماعه بين الكل. وجوابه: منعه، بل السابق إليه القول. مسألة حد الأمر "بالقول المقتضي طاعة المأمور، بفعل المأمور به". وهو دور، لتوقف معرفتها عليه. وأجيب عن الطاعة: بأنها بالمعنى اللغوي. وقيل: "طلب الفعل على وجه بعد فاعله مطيعًا". وهو دور، أو غير مانع، لدخول قوله: أطلب منك كذا. والإشارة - تحته. وقيل: "اقتضاء فعل، غير كف، على جهة الاستعلاء". وقيل: طلب الفعل على وجه الاستعلاء. ونقض بما تقدم، إذ الإشارة قد تكون استعلاء. وزيف: باتْرُكْ، فإنه أمر، وإن كان كفًّا. وقيل: خبر عن الثواب على الفعل، وقيل: عن استحقاق الثواب عليه، فرارًا عن الخلف في خبره تعالى.

وزيف: بأن الخبر يحتمل التصديق والتكذيب بخلاف الأمر، وبأنهما غير مانعين، لدخول المندوب، وقوله: من فعل كذا فله الثواب، أو استحق الثواب - تحته. وقال كثير من المعتزلة: "هو قول القائل لمن دونه: افعل، أو ما يقوم مقامه في الدلالة على طلب الفعل". فلا يرد التهديد، ونحوه، إذ لا طلب، ودفعه. بمنع اتحاد الصيغة فيما: مكابرة. ولا ما إذا صدر عن نائم، أو ساه، أو حاك، لأن نمنع صدقه عليه. وزيف: بما إذا صدر من الأدنى، والأعلى، استعلاء وشفاعة. وقال بعضهم: هو صيغة أفعل، لتجردها عن القرائن الصارفة عن الأمر. وهو تعريف الشيء بنفسه، ولأنه ليس أولى من عكسه، ولو حذف القيدين: نقض بالتهديد، أو الأخير - لزعمه أنها فيما ليس بأمر - ليست مجردة عنها: لزم أن لا تكون أمرًا، مع قرائن الوجوب. وقيل: "هو صيغة أفعل، بشرط إرادات ثلاث: إرادة أحداث الصيغة، والدلالة بها على الأمر والامتثال". وهو، متناقض، إذ يقتضي أن يكون الأمر: الصيغة، ومدلولها. والأصح: أنه اللفظ الدال على طلب الفعل بالوضع على وجه الاستعلاء. وإخراج: "أطلب منك الفعل"، "أو طلبت منه" - بقولنا: "بالوضع أولى" من قوله: "بالإنشاء"، لأنه لو قصد به الإنشاء: لزم أن يكون أمرًا، والطلب أولى، للتفرقة الضرورية بين طلب الفعل والترك، وبينهما وبين مفهوم الخبر، ويعلم ضرورة: أن ما يصلح لأحدهما جوابًا، لا يصلح للآخر، وهو غير الصيغة، لاختلافها دونه.

مسألة الأمر غير الإرادة، وغير مشروط بها

مسألة الأمر غير الإرادة، وغير مشروط بها خلافًا للقدرية. إذ المعاتب من السلطان على ضرب عبده - إذا أمره، لتمهيد عذره بتمرده، فإنه لا يريده، لاستحالة إرادة العقل مضرة نفسه. واعترض عليه: بمنع وجود الأمر، وإن تصور بصورته، وبأنه يقتضي أن يكون عين الطلب. وأجيب: بأن التمهيد بالأمر لا يغيره، وبمنع امتناع طلب مضرة نفسه، إذ هو غير مستلزم للوقوع، بخلاف الإرادة. و-أيضًا- يصح إثبات الإرادة مع نفي الأمر، وبالعكس. ولأن الله تعالى أمر من علم أنه يموت على الكفر بالإيمان إجماعًا، وهو منه محال، فهو غير مراد وفاقًا، ولأن معناه: أنه مخصص حدوثه بوقت دون وقت، وبوجه دون وجه، وهو غير معقول في المحال. فإن قلت: معنى أنه أمره به: أنه أعلم إرادة عقابه في الآخرة، ثم لا نسلم أنه محال، وأنه يلزم من وقوعه انقلاب العلم جهلًا، وهذا فإن العلم والمعلوم متلازمان، فإذا فرض الإمان بدلًا عن الكفر - كان الحاصل في الأزل العلم بالإيمان، وأن المحال غير مراد مطلقًا. قلت: لو كان كذلك لاحتمل التصديق والتكذيب، ولكان قسمًا من الخبر، لا قسيمًا له.

مسألة

وعن الثاني: أنه يلزم منه الانقلاب، وهو محال، والممكن هو الذي لا يلزم، من وقوعه محال بوجه ما. وعن الثالث: أنه غير وارد على ما حررناه. وعن الأخير: ما تقدم عن الوجهين، إذ لا فرق بين المستحيل لذاته، ولغيره في ذلك وفاقًا. واستدل: لو كان إرادة لوقعت المأمورات كلها، لأن معنى الإرادة: تخصيصه بحال حدوثه، فإذا لم يوجد لم يخصص. وضعفه بيِّن. وبأنه يجوز نسخ الشيء قبل حضور وقت عمله، وهو يدل على التغاير، لاستحالة الجمع بين الإرادة والكراهة في فعل واحد، في وقت واحد، من وجه واحد. وفيه نظر. للمخالف: أن الطلب الذي وضع الأمر له معلوم للعقلاء، وغير الإرادة غير معلوم. ولأنه لو لم تعتبر الإرادة فيه، لصح الأمر بالمحال، إذ يصح طلبه - حينئذ -. ولجاز الأمر بالماضي والحال، كالخبر. وأجيب: بمنع أنه غير معلوم، وبمنع امتناع اللازم في الباقين، بعد المطالبة بالجامع. مسألة أكثر القائلين بالنفسي: على أن للأمر صيغة تخصه.

مسألة صيغة الأمر تدل على الطلب بالوضع

وعن الأشعري، التوقف فيه، ونقل الإنكار عنهما. واستبعد إمام الحرمين، والغزالي ما نقل بإطلاقه، لأن أمرتك، وأنت مأمور مختصَّة به وفاقًا، فقالا: لعل ذلك في صيغة: أفعل، لتردده بين محامل كثيرة. واستبعد قولهما: أن أمرتك وأنت مأمور: صيغة مختصة به لأن ذلك إخبار عن الأمر، وعن كونه مأمورًا، لا أنه صيغة الآمر. وفيه نظر: لأنه يجوز أن يكون إنشاء، فتكون مختصة به، ولقائل أن يمنع اختصاصه به - أيضًا - لأنه - حينئذ - مشترك بينه وبين الخبر. مسألة صيغة الأمر تدل على الطلب بالوضع وقال أبو علي وأبو هاشم: لا بد معه من إرادة الدلالة بها على الطلب. لنا: القياس على غيره، ولأن توقيف دلالتها عليه يخل بمقصود. لهما: أنها ترد لغيره، ولا مميز إلا: الإرادة فتكون مشروطة بها كدلالة المشترك على معين من مفهوماته، متوقفة على القرينة.

مسألة يعتبر الاستعلاء في الأمر

وأجيب: بأنها حقيقة في الطلب مجاز في غيره، فلا تحتاج إلى مميز كغيره. ثم الأمر به: نفس الصيغة. وقالا: صفة زائدة عليها حاصلة لها بسبب إرادة المأمور به، وإرادة الدلالة بها على الطلب. واستدل: بأنها ليست صفة لمجموع الحروف، لعدم وجودها، ولا لآحادها، لأنها ليست بأمر. قيل عليه: يجوز أن تكون صفة للأخير، أول الأول بشرط المسبوقية والملحوقية. وبأن الإرادة مدلولها، فلا تكون علة، ولا جزء علة، لحصول صفة لها قياسًا على غيرها. مسألة يعتبر الاستعلاء في الأمر على الثالث النافي: قوله تعالى حكاية عن فرعون: {فماذا تأمرون} [الشعراء: آية 35]. وقال عمرو بن العاص لمعاوية:

أَمَرتُكَ أَمرًا حَازِمًا فَعَصَيتَنِي ... وقال دريد بن الصمة لنظرائه، ولمن هو فوقه: أَمَرْتُهُمُ أَمْرِي بمُنْعَرَج اللِّوَى

مسألة أوجه استعمال صيغة أفعل

وقال حباب بن المنذر لأمير خراسان: أمرتُك أمرًا حازمًا فعصيتني ... فأصبحت مسلوب الإمارة نادما ولأنه يقال: "أمر فلان على وجه الرفق واللين". والأصل في الاستعمال الحقيقة. المعتبر: الناس يفرقون بين الصادرة من الأعلى وغيره، على ما تقدم في التقسيم. ولأنه يستقبح: أمرت الأمير، والأصل: التقدير. والثالث: أن من قال لغيره - استعلاء -: افعل كذا، يقال: إنه أمره، وإن كان أعلى رتبة منه، ولهذا يوصف بالجهل والحمق، وإن قال - على وجه التضرع والخشوع - لا يقال ذلك، وإن كان أعلى رتبة منه. مسألة أوجه استعمال صيغة أفعل 1 - "الوجوب"، كقوله تعالى: {وأقيموا الصلاة} [البقرة: آية 43]. 2 - و"الندب" كقوله تعالى: {فكاتبوهم} [النور: آية 33] و {وأحسنوا} [البقرة: آية 195].

3 - و"التأديب" كقوله - عليه السلام -: "كل مما يليك". والفرق بينهما، ما بين العام والخاص. 4 - "الإرشاد"، كقوله تعالى: {واستشهدوا} [البقرة: آية 282] وهو لمنافع، والندب والتأديب أعم. 5 - "الإباحة": {فاصطادوا} [المائدة: آية 2]. 6 - "الامتنان": {وكلوا مما رزقكم الله} [المائدة: آية 88]. 7 - "الإكرام": {ادخلوها} [الحجر: آية 46]. 8 - "التهديد": {اعملوا ما شئتم} [فصلت: آية 40]. 9 - "الإنذار": {قل تمتعوا} [إبراهيم: آية 30] وهو مقرون بالتهديد، والوعيد أعم، ولأنه في ظاهر التحريم والبطلان، والإنذار أعم.

10 - "التسخير": {كونوا قردة خاسئين} [البقرة: آية 65]. 11 - "التعجيز": {فأتوا بسورة من مثله} [البقرة: آية 23]. 12 - "التعجب": {كونوا حجارة أو حديدا} [الإسراء: آية 50]. 13 - "الإهانة": {ذق} [الدخان: آية 49]. 14 - "التسوية": {فاصبروا أو لا تصبروا} [الطور: آية 16]. 15 - "التكوين": {كن} [يس: آية 82]. 16 - "الدعاء": {ربنا افتح} [الأعراف: آية 89]. 17 - "التمني": ألا أيها الليل الطويل ألا اِنْجَل

18 - "الاحتقار": {ألقوا ما أنتم ملقون} [الشعراء: آية 43]. وهو أعم من الإهانة، إذ قد يحصل بمجرد الاعتقاد. ثم إنها ليست حقيقة في كلها وفاقًا، لكن قيل هي مشتركة بين الوجوب، والندب، والإباحة والتهديد. وقيل: بين الثلاثة الأول. وقيل: للمشترك بينها. واستدل على فساده بالتفرقة الضرورية بين: "افعل"، و "لا تفعل"، و "إن شئت افعل"، "وإن شئت لا تفعل"، وإن قدر انتفاء القرائن كلها. وهو ضعيف، لحصول التفرقة - أيضًا - على تقدير كون صيغة "افعل" مشتركة، لكونها خاصة به، وأفعل مشترك بينهما وغيره. والأولى: التمسك بمبادرة الفهم إلى معنى الطلب، عند سماعه مجردًا عن القرينة، والتغيير خلاف الأصل. ولأنا أجمعنا على أنه حقيقة في غير الإباحة، والتهديد، فوجب أن لا يكون حقيقة فيهما دفعًا للاشتراك، أو تكثيره. الجمهور: هي حقيقة في الوجوب.

أبو هاشم: في الندب. المرتضى: مشترك بينهما. أبو منصور: للمشترك بينهما. الأشعري، والقاضي، وإمام الحرمين، والغزالي، وبعض فقهائنا: التوقف: التوقف في هذه الأقسام. للأولين: قوله تعالى: {ما منعك ألا تسجد} [الأعراف: آية 12] وهو ذم لا استفهام لامتناعه عليه.

ونحوه: {وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون} [المرسلات: آية 48]. واستحقاقهم الويل بسبب التكذيب، لا ينفي استحقاق الذم بترك الركوع، إذ الكافر مخاطب بالفروع. وقوله تعالى: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول} [التغابن: آية 12]. وهذا الأمر للوجوب إجماعًا، ولأنه هدد على مخالفته، والطاعة: موافقة الأمر، فتكون موافقته واجبة، ولا يرد على هذا: أنه استدلال بالشيء على نفسه. وقوله: {انفروا في سبيل الله أثَّاقلتم إلى الأرض} [التوبة: آية 38]، هددهم وذمهم على ترك ما أمروا به، وإحالته إلى فرضية الجهاد يوجب التعارض، أو خلاف الأصل. وقوله تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره} الآية، ووجه التمسك به: أن تارك المأمور به مخالف للأمر، إذ هي موافقته، وهي: الامتثال، وهو مستحق للعذاب، لأنه أمر بالحذر منه، وهو إنما يحسن بعد وجود المقتضى له. وإحالته: إلى غير مخالفة لما يسمى أمرا خلاف الظاهر، والدلالة - وإن كانت ظنية لكن المسألة - أيضًا - كذلك، وإن قيل: إنها قطعية، فالمقصود القطع الحاصل من مجموع الأدلة. فإن قلت: (أ) موافقته اعتقاد حقيقته، أو الإتيان بمقتضاه كما يقتضيه. (ب) ثم إنه أمر بالحذر عن المخالفة، لا أنه أمره بالحذر، وفائدته: اتقاء شره، كقوله

تعالى: {واتقوا فتنة لا تصيبن} [الأنفال: آية 25]. (ج) ثم إنه أمر للمخالف عن الأمر، لا لمخالف الأمر، وجعل كلمة "عن" صلة: خلاف الأصل. (د) ثم إنه يحسن الأمر بالحذر، للاحتمال، والمسألة اجتهادية. ثم لفظ "الأمر" مفرد، فلا يعم. قلت: عن (أ) ذلك موافقة لدليل حقيقته، لا له، وسبق الذهن إلى ما ذكرناه يلغي ما ذكرتم. وعن (ب) أن الأمة فهمت منه ما ذكرنا، لا ما ذكرتم، ولأن المأمور غير متعين - حينئذ - إذ ليس في الآية سوى المتسللين لواذًا، وهم المخالفون، وحذر الإنسان عن نفسه محال، ولأن فيه إضمار الفاعل، وإسناد الفعل في اللفظ إلى المفعول. ولا يضيع قوله: {أن تصيبهم} [النور: آية 63] كما زعم الإمام، لإمكان جعله مفعولًا لأجله. وعن (ج) أنهما بمعنى، لكن البعد والمجاورة في الأول مدلول عليه مطابقة، وفي الثاني التزامًا، فلا تكون عن صلة. وعن (د) أنه يقبح في العرف بدون المقتضى. وعن الأخير: أنه عام، لصحة الاستثناء، ولترتب الحكم على الوصف، وبالقياس، وبأنه إذا ثبت في البعض: وجب أن يعم، لعدم القائل بالفصل، على أنا نمنع أن المفرد المعرف بالإضافة لا يفيد العموم كالمعرف باللام.

ولأن تارك المأمور به عاص نقلًا - وهو ظاهر - واستعمالًا لقوله: {أفعصيت أمري} [طه: آية 93]، وهو وإن كان حكاية لكنه رتب المعصية على مخالفة الأمر فيهم، {لا يعصون الله ما أمرهم} [التحريم: آية 6]، وهو محمول على الماضي، لئلا يلزم التكرار في قوله: {ويفعلون ما يؤمرون}، {ولا أعصي لك أمرًا} [الكهف: آية 69] واشتقاقًا: لأن تركيبه يدل على الامتناع، قال عليه السلام: "لولا أنا نعصي الله لما عصانا". أي: لم يمتنع من إجابتنا، والعصا إنما سمي به، لأنه يمتنع بها، وكذا الجماعة: يقال: شققت عصا المسلمين، وهذا كلام يستعصي على الحفظ، وحطب يستعصي على الكسر، والعاصي يستحق النار بالنص. فإن قلت: لو صحَّ ما ذكرتم لما صح تقسيم الأمر: إلى إيجاب وندب، وآية العقاب

مختصة بالكفار، لقرينة الخلود. قلت: جعل ذلك مجازًا محافظة على عموم آية الخلود، أولى من جعل المستحب مأمورًا به، محافظة على صيغ الأوامر، لأنه أحوط، ولأن الاستحباب لازم الوجوب، من غير عكس، ولقلة مخالفة الأصل إذ يلزم على الثاني التجوز والتخصيص، والخلود ليس بمعنى الدوام حتى يكون قرينة. وقوله تعالى: {وما كان لمؤمن ولما مؤمنة إذا قضى الله} [الأحزاب: آية 36]. ووجه التمسك به: أنه نفى الخيرة من أمر قضاء الله ورسوله، أي: عينه، ووجهه نحو المكلف، وهو بالوجوب. ولأنه ترك ممن أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأمر مخالفيه وقوله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون} [الناس: آية 65]. المراد بقوله: {مما قضيت} أي: أمرت، نقلًا عن أئمة التفسير، ويشهده القضية

التي نزلت فيها، وإذا لم يوجد فيها سوى الأمر، وهو يفيد المبالغة في الوجوب. وفيه نظر بين. وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله} [الأنفال: آية 24]. ووجه التمسك به: أنه فهم الرسول والصحابة منه الوجوب، إذ روى أنه صلى الله عليه وسلم: دعا أبا سعيد فلم يجبه، لأنه كان في الصلاة، فقال له: "ما منعك أن تستجيب وقد سمعت النص".

فلولا أن الأمر للوجوب، لما صح ذلك، إذ الصلاة عذر في ترك كلام لا يجب، فهو إذا ذم، أو سؤال عن عذر يسوغ ترك واجب، وعلى التقديرين يفيد الوجوب، ويجوز التمسك بخبر الواحد، لما سبق، ولكونه وسيلة إلى العمل. وإحالة الوجوب إلى قرينة التعظيم: يقتضي وجوب كل أمر لله ورسوله، وإلى قرينة قوله: {لما يحييكم} [الأنفال: آية 24] أيضًا كذلك وإن كان ذلك لازمًا لكل أوامره، وإلا: كان للمدعي أن يقول: الوجوب بشرط، ولم أعلم تحققه. وأيضًا قوله صلى الله عليه وسلم: "لولا أن أشق ... " الحديث. وهي لانتفاء الشيء لوجود غيره، والسواك مندوب مع وجود المشقة. فلا يكون المندوب مأمورًا به.

وأورد: (أ) بأنه لا يلزم منه نفي أمر الله تعالى إلا بعد تلازمهما. (ب) ثم إنه يفيد أن بعض المندوب ليس بمأمور به، لأنه قياس من الثالث، والخصم يقول به، إذ هو أعم منه مطلقًا، أو من وجه. (ج) ثم إنه لقرينة المشقة، لأن فيه المشقة، دون الندب. وأجيب: عن (أ): بتلازم الطاعتين والمعصيتين إجماعًا. وعن (ب) أن عمومه باعتبار اللفظ، لثبوت الندبية بغير صيغة الأمر، دون المعنى، لأن معناه عند من يقول: إنه للندب، وظاهر أن المنفي - لوجود المشقة - ليس هو الصيغة، بل معناها، وذلك يفيد أنها ليست للندب. وعن (ج) أن إطلاقه يقتضي انتفاء مطلق الأمر، لوجود المشقة وإحالته إلى قرينة المشقة يقتضي تقييده بأمر وجوب، وهو خلاف الأصل. وأيضًا قوله صلى الله عليه وسلم لبريرة: "إنَّما أَنَا شَافِعٌ ... ".

مع نفي الأمر يدل عليه. وأورد: "أ" أن سؤالها عن الأمر طلبًا للثواب بطاعته، فلما نفى الأمر علمت أن لا ثواب، والشفاعة لمصلحة دنيوية، ولهذا قال: "أبو أولادك". "ب" ثم إنه بقرينة نفي الأمر، وإثبات الشفاعة. وأجيب: عن (أ): أن إجابة شفاعته عليه السلام مندوب، وإن كان لمصلحة دنيوية. وعن (ب): ما تقدم. والأقوى: إجماع الصحابة، إذ التمسك بمطلقه على الوجوب شائع متكرر فيما بينهم، من غير نكير، كما في أخبار الآحاد، والقياس: تمسك الصديق، بـ {وءاتوا الزكاة} [البقرة: آية 43]. والفارق بقوله: "سنوا ... ".

ولتمسكهم بقوله: "فليصلها إذا ذكرها". "فليغسلها سبعًا ... " "وابدءوا بما بدأ الله". "إلا من لم يأكل فليصم، ومن أكل فليمسك".

فكان إجماعًا. فإن قلت: يعتقدوه في مثل قوله: {فاصطادوا} [المائدة: آية 2]، {واستشهدوا} [البقرة: آية 282]، {فانكحوا} [النساء: آية 3]، وحينئذ ليس إحالة عدم الوجوب إلى القرينة أولى من إحالة الوجوب إليها، بل الثاني أولى لعدم التعارض. قلت: بل الأول أولى، وإلا: لكان الدليل في أخذ الجزية عن المجوس غير الخبر، فكان يجب اشتهاره، إذ العادة تحيل إخفاء مثله ولأنه حينئذ أمكن جعله مجازًا في غيره، من غير عكس، وللاحتياط. و-أيضًا- الوجوب معنى تمس الحاجة إليه، فكان له لفظ مفرد، إذ هو أخف، لما سبق. ومثله مندفع لأن الترجيح معنا. وكذا النقض: بأنواع الروائح، والاعتمادات، والحال، والاستقبال، لحصول الفرق، واشتهاره بحيث يعرف كل واحد إنما يجب لو سلم، عن المعارض الشديد الالتباس به. و-أيضًا- حسن ذم السيد عبده بترك ما أمره به - يدل عليه. فإن قلت: لعله لقرينة، أو لأن الشارع أوجب طاعة السيد، ولهذا لا يذم في معصيته. ثم إنه معارض: بما أنه لا يذم تارك المندوب المأمور به. قلت: تقليل حسن الذم بمجرد ترك ما أمر به ينفيه، والشارع إنما يوجب طاعته فيما

يوجبه السيد دون غيره، وإنما لا يذم في معصيته لانتفاء شرط الوجوب، ولا نسلم أن المندوب مأمورًا به حقيقة، و-أيضًا- لو كان للندب فقط، لزم أن لا يكون الواجب مأمورًا به، وهو خلاف الإجماع. والمثل مندفع، لأنا نمنع نفي اللازم إجماعًا، لأن كثيرا منهم حرصوا: بأن المندوب غير مأمور به، أو كان له، وللوجوب باشتراك لفظي، وهو خلاف الأصل، أو معنوي، فلا يمكن جعله مجازًا في الوجوب، لأنه غير لازم له، أو وإن أمكن كان عكسه أولى، فتعين أن يكون للوجوب فقط. و-أيضًا- يفيد رجحان مصلحة الوجود على مصلحة الترك وإلا: لزم العبث، أو الأمر بالمفسدة، فكان مانعًا منه، وإلا: لزم الإذن في ترك المصلحة الخالصة، وأنه قبيح عرفًا، فكذا شرعًا، للحديث، ترك العمل به في المندوبات، فيبقى فيما عداها. ولا يقال: إلزام المكلف استيفاء المصلحة لنفسه قبيح عرفًا، فكذا شرعًا، لأنا نمنع ذلك مطلقًا، وهذا لأنه لا يقبح ذلك، ولأن هذا ينفي أصل التكليف. وأورد عليه: لما انتقض كل منهما وجب الترجيح. وأجيب: بأن أعمال العرف الأوّل، أولى، لانتقاضه ببعض التكاليف الفرعية، بخلاف الثاني، فإنه منتقض بجميعها والأصولية. و-أيضًا- يفيد رجحان الوجود وفاقًا، والمنع من الترك أفضى إليه، المفضي إلى الراجح راجح، فالمنع منه راجح، فيجب العمل به نصًا، وقياسًا على الفتوى،

أدلة القائلين بالندب والتوقف والاشتراك

والشهادة وقيم المتلفات وأروش الجنايات لأن العمل بالمرجوح ممتنع عقلًا. و-أيضًا- طريقة الاحتياط، دليل وجوبها قوله عليه السلام: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك". ولأن ترجيح الأمن على الخوف من مقتضيات العقول، ومحذور الاعتقاد مشترك. و-أيضًا- القياس على النهي بجامع تكميل مقصود المتكلم والخلاف في عدم تحريمه شاذ. و-أيضًا- الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده، فيكون الترك محرمًا، والفعل واجبًا، وهو دور. أدلة القائلين بالندب والتوقف والاشتراك واحتجوا:

أن العلم بكونه للوجوب ليس عقليًّا، إذ لا مجال له في اللغة. ولا نقليًّا: متواترًا، وإلا: لارتفع الخلاف، ولا آحادًا، إذ المسألة علمية، وهو لمن نفى الدراية، وإلا: فكل من ادعى الوضع لمعين فهو وارد عليه. وأجيب: أنه يعلم بالمركب - كما سبق -، ثم يمنع أن المسألة علمية و -أيضًا- قوله عليه السلام: "إذا أمرتكم ... " الحديث. وجه الأمر، وفوضه إلى الاستطاعة، فدلّ على أنه للندب. وأجيب: بمنعه، بل يفيد المبالغة التامة في الإتيان، وهو دليل الوجوب. و-أيضًا- قالوا: لا فرق بين السؤال والأمر، إلا: الرتبة، والسؤال لا يفيده. وأجيب: لعله من لوازم الصيغة والرتبة. وما قيل: إنه يفيد الإيجاب - أيضًا- وإن لم يفد الوجوب إذ السائل قد يقول: "أعطني ألبتة ولا تخيب رجائي" فعضفه بين.

الدليل الثالث للقائلين بالندب

الدليل الثالث للقائلين بالندب و-أيضًا- ورد في الكتاب وغيره بمعنى الوجب، والندب، والأصل الحقيقة الواحدة. وأجيب: بأن المجاز قد يصار إليه لقيام الدلالة، عليه، وبأنا لو جعلناه حقيقة في الوجوب لأمكن جعله مجازًا في المشترك بينهما من غير عكس، فكان أولى. و-أيضًا- لو جعل للوجوب فاستعماله في المشترك ترك لمعناه من غير عكس، فكان أولى. الدليل الرابع للقائلين بالندب وأجيب: بأن حمله على الوجوب أكثر فائدة، وأوفق لعمل الصحابة، وأحوط وإعمالًا لأكثر الأدلة، فكان أولى. و-أيضًا- استعمل فيهما، فكان حقيقة فيهما، ولأن الذهن متردد بينها عند سماعه مجردًا عن القرينة، فكان مشتركًا بينهما. وأجيب: بمنع كونه دليل الحقيقة مطلقًا، وبمنع تردد الذهن، بل المتبادر: الوجوب، بدليل: حسن ذم السيد لعبده بمجرد مخالفته.

مسألة الأمر بعد الحظر كقبله

مسألة الأمر بعد الحظر كقبله وقيل: للإباحة. وقيل: إن علقت الصيغة بزوال علة الحظر فهو كرفعه، فيترجح إلى ما قبله في العرف، وإلا فللوجوب. لنا: ما سبق وتقدم الحظر ليس بمعارض، إذ يجوز التصريح بالوجوب معه بلا تناقض، ولا مخالفة دليل. لهم: نحو: {وإذا حللتم} [المائدة: آية 2]، والعرف، إذ لا يفهم منه إلا: إزالته. وجوابه: أن الحمل على التجوز أولى من مخالفة الأدلة، ثم هو معارض بقوله تعالى: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم} [التوبة: آية 5]، {ولا تحلقوا رءوسكم} [البقرة: آية 196]. وقوله عليه السلام: "نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها" وهي مندوبة.

تنبيه

وعن العرف: بمنعه، وأسند باخرج إلى المكتب، واقصد بعد النهي عنهما، ثم بإحالته إلى القرينة. تنبيه: النهي بعد الأمر كالأمر بعده. وقيل: مرتب عليه، فإن الأصح فلعله؛ لأن النهي استعمل في الإباحة. مسألة الأمر لا يدل على التكرار فقيل: يدل على الواحد لفظًا, والأصح: معنى. وقال الغزالي وإمامه: إنه للواحدة معنى، وما زاد فمتوقف فيه.

وقال الأستاذ وبعض الفقهاء: إنه للتكرار بحسب ما يمكن. وقيل: مشترك بينهما. وقيل: بالتوقف. وقيل: للتكرار فيما له غاية يمكن إيقاعه في جميع العمر، دون غيره. المكرر: الاستعمال فيه، لا سيما كثيرًا، وتمسك الصديق بلا نكير من غيره. وأنه لو لم يحمل عليه لزم الإجمال، إذ ليس بعض الزمان أولى من الآخر. وقياس الأمر على النهي بجامع تكميل الغرض، وقياس الفعل على الاعتقاد. وأن ضده منهي عنه على التكرار، وهو يقتضي تكرره. ولأنه لو لم يدل عليه لما جاز النسخ، والاستثناء للبداء، واستحالة استثناء الواحد، ولكان قوله: "صل مرة واحدة أو مرارًا": تكرارًا أو نقصًا. أو أحوط. وقوله عليه السلام: "فأتوا منه ما استطعتم" والتكرار بحسب ما يمكن مستطاع، وسؤال عمر رضي الله عنه للنبي عليه السلام لما رآه قد جمع بطهارة واحدة بين الصلوات: أعمدًا فعلت يا رسول الله؟ فقال: "نعم".

ولولا أنه فهم تكرار الطهارة من النص، لما كان للسؤال معنى. وأيضًا - أُتيَ بشارب الخمر: قال صلى الله عليه وسلم: "اضربوه". فكرروا عليه الضرب، ولولا فهموا منه التكرار، لما كرروا عليه الضرب، ولأنكر عليهم. -وأيضًا- يدل على التكرار عرفًا، كما في قولهم: خالط الناس بحسن السيرة. وأجيب: عن الأوّل: بمنع استعماله فيه مجردًا عن القرينة سلمنا، لكنه مجاز، جمعًا بين الدليلين. وعن الثاني: منع أن ذلك بمجرده. وعن الثالث: منعه، لأنه محمول على أول الزمان، ... أو على ما شاء، ولا إجمال على التقديرين. وعن الرابع: منع حكم الأصل، ثم بمنع القياس في اللغات، ثم بالفرق، وهو أن الانتهاء متيسر من غير مشقة، ولا تعطيل الحوائج، بخلاف امتثال الأمر. وبه خرج الجواب عن القياس الآخر، و- أيضًا - فإن ذلك ليس مقتضى الأمر، بل غيره، ولأن النهي يقتضي عدم إدخال الماهية في الوجود، وهو بالكف عنه دائمًا، والأمر يفيد إدخال الماهية في الوجود، وهو لا يقتضي ذلك، ولأن الأمر نقيض النهي، ونقيض الكلي للجزئي.

وعن الخامس: منع أنه نهى عن ضده، سلمناه، لكن بحسب ما يقتضي الإيجاب، فهو إذا فرعه، فإثباته به دور. عن السادس: بمنع الملازمة، فإن نسخ الشيء قبل فعله جائز، والاستثناء إنما هو بمنع فعله في وقت يصح فعله فيه، سلمناه، لكن التكرار لقرينة النسخ والاستثناء. وعن السابع: بمنعه، فإنه تأكيد دافع لاحتمال التجوز، وقرينة دالة على إرادة المجاز، ثم إنه معارض بعكسه. وعن الثامن: بمنعه، فإن ترك التكرار قد يكون أحوط، ثم إنه معارض بما فيه من الأضرار، وتكثير مخالفة البراءة الأصلية. وعن التاسع: أنه إنما يدل أن لو ثبت أن التكرار مأمور به، فإثبات أنه كذلك به دور. وعن العاشر وما يليه: أنه لقرينة المداومة على ذلك. والحد: فإنه للزجر، ولا يحصل بمرة واحدة. وعن الأخير: أنه لقرائن، وهي ظاهرة. ولمن قال: إنه للمرة الواحدة: أنه استعمل فيها فيكون حقيقة. وأن صيغة الماضي والمضارع كقوله: "صام"، أو "تصوم" لا يفيد إلا المرة الواحدة، وإن كانت إنشاء فكذا الأمر، لأن نسبة المصدر إليهما، وإلى الأمر سواء. وإنه لو لم يفد المرة - وقد ثبت أنه لم يفد التكرار - فيكون للقدر المشترك بينهما، فيكون مجملًا، وهو خلاف الأصل والإجماع. وأنه لو قال لغيره: طلق زوجتي، لم يملك إلا: "طلقة" واحدة، وذلك يدل على أنه حقيقة فيها. وأجيب: عن "الأوّل": بأنه حقيقة فيها بحسب المشترك، لا الخصوصية، وإن ادعى ذلك فممنوع، ولو سلم فمعارض بمثله، والترجيح معنى، لأنه متواطئ. وعن الثاني: أنا نسلم ذلك، لكن لا بحسب الوضع، ولذلك لو فسره بالتكرار لم يعد مناقضًا، بل لأن صدقه يتوقف عليه، والأصل عدم غيره.

وعن الثالث: بمنع أنه خلاف الأصل نظرًا إلى الوضع، والإتيان بالمرة الواحدة، إنما وجب - وإن لم يكن هناك قرينة - لما مرَّ، وإذا لم يكن مانعًا من العمل، لم يكن خلاف. وبه خرج جواب الرابع. وللغزالي وإمامه: بأن الصيغة مشتقة من المصدر، وهو محتمل للقليل والكثير، ولا بد من المرة الواحدة على التقديرين، فيجب الإتيان بها، والتوقف في الزائد عليها. وأجيب: بأن الأصل براءة الذمة، وذلك يمنع من التوقف في الزائد عليها، وإلا: لزم تكليف ما لا يطاق. ولمن قال بالاشتراك: "أنه سئل - عليه السلام -: أحجنا لعامنا هذا أم للأبد". الحديث، وحسن السؤال دليل الاشتراك، ولأن قوله صلى الله عليه وسلم: "لو قلت نعم: لوجبت" إنما هو بطريق البيان، وإلا: لزم النسخ، فيكون محتملًا لها. و-أيضًا- استعمل فيهما، فيكون حقيقة.

مسألة مطلق الأمر

ولأنه يحسن الاستفهام من الأمر، وهو دليل الاشتراك. و-أيضًا- الماضي مشترك بين الدعاء والخبر، والمضارع بين الحال والاستقبال. فيكون الأمر -أيضًا- مشتركًا بين المرة والتكرار، وإلحاقًا للفرد بالأعم والأغلب. وأجيب: بمنع أن حسن السؤال دليل الاشتراك، سلمناه، لكنه معنوي لا لفظي، وبه خرج جواب التقدير الثاني. وعن الثاني: أن الاستعمال دليل الحقيقة بشرط عدم الاشتراك. وعن الثالث: بمنعه، على ما ستعرف سنده. وعن الرابع: بمنع الحكم في المقيس عليه، ثم بمنع الاشتراك فيما ذكره. والمختار: أنه للمشترك بينهما، وأن المرة الواحدة لا بد منها، من جهة المعنى، وخصوصية التكرار محتمل تجوزًا، فإن اقترن به ما يدل عليه، وإلا: وجب نفيه ظاهرًا. لأنه ورد فيهما، والاشتراك والمجاز خلاف الأصل. و-أيضًا- قالوا: لا فرق بين افعل، ويفعل، إلا: أن الأوّل طلب دون الثاني، وصدقه ولو بمرة، دون التكرار، فكذا الأمر، وإلا: يحصل فرق آخر. -وأيضًا- كونه لتكرار يقتضي النسخ، وللمرة الواحدة أن لا يجوز استعماله في التكرار، لكونه غير لازم لها، أو وإن جاز، لكن العكس أولى، ولهما خلاف الأصل، فتعين أن يكون للمشترك بينهما، وإلا: لزم إهماله، وهو خلاف الإجماع. مسألة مطلق الأمر إذا لم يفد التكرار بقى الأمر المعلق بشرط أو صفة أو المضاف إلى وقت عند تكرره. ثالثا: أنه يفيد معنى.

وقيل: إن عرف أنه علة إفادة إجماعًا، وإلا: فالأصح أنه لا يفيده من جهة أنه أمره، لما سبق، ولا في جهة التعليق، إذ قد يكون لغير علة فلا يلزم من تكرره تكرره، ولا من حيث المجموع وإلا: لزم التخلف في مثل قوله: إن دخلت السوق فاشتر اللحم, وإن دخلت الدار فأنت طالق، وأنه خلاف الأصل، ولأن إجراءه غير مناسب لذلك. -وأيضًا-: لا يدل عليه بلفظه، إذ لا يدل إلا: على تعليق وجوده بوجوده، وهو أعم منه، ولا بمعناه، لإمكان تحققه بدونه، من غير مخالفة ظاهر، إذ الأصل عدمه. و-أيضًا-: لا يدل عليه بلفظة، إذ لا يدل إلا: على تعليق وجوده بوجوده، وهو أعم منه، ولا بمعناه، لإمكان تحققه بدونه، من غير مخالفة ظاهر، إذ الأصل عدمه. و-أيضًا-: الخبر المعلق بالشرط أو الصفة لا يفيده، فكذا الأمر، بجامع دفع الضرر الناشئ من التكرار. واحتجوا: بالاستعمال فيه: وبأن الحكم يتكرر بتكرر العلة باتفاق القائمين، فالمعلق عليه، إن كان علة فظاهر، وإن كان شرطًا فكذلك، لأن علل الشرع علامات، والشروط - أيضًا - علامات. وبقياس الأمر المعلق على النهي المعلق. ولأن المعلق بالشرط نسبته إلى جميع أفراد الشرط على السواء، فعدم ثبوته في شيء منها باطل وفاقًا، فتعين ثبوته في كله. وبأن تعليقه على الشرط الدائم موجب لدوامه، كما لو قال: "إذا جاء العام الفلاني فصمه"، فإنه يدوم بدوام العام، فكذا في المتكرر، لأنه بمعناه. وأجيب: بمنع استعماله في خصوص التكرار، وهذا التواطؤ خير من الاشتراك، والمجاز والتكرار إنما هو منفصل. وعن الثاني: بمنع أنها علامات، بل هي موجبات بجعل الشارع، سلمناه، لكن لا بذلك المعنى، بل بغيره، سلمناه، لكن اشتراكهما في ذلك لا يوجب اتحداهما في الماهية. وعن الثالث: بمنعه إن لم يقل: بتكرره قبل التعليق، ثم إنه قياس في اللغة.

مسألة بعض من لم يقل بالتكرار قال بالفور

وعن الرابع: بمنع استواء النسبة فإن الشرط الأول أولى: إن قيل: بالفوز وإلا: فالذي يغلب على الظن أنه لو لم يشتغل به عند لغاته. وعن الخامس: بمنع أنه بمعناه. مسألة بعض من لم يقل بالتكرار قال بالفور بعض من لم يقل بالتكرار: كالحنفية، والظاهرية والحنابلة، وبعض المعتزلة، وأبي حامد المروروذي. والصيرفي - منا - قال: بالفور. وقال الشافعي، ومعظم أصحابه، كابن أبي هريرة، وابن خيران، وأبي

علي الطبري، والقفال، والغزالي، والإمام، والقاضي أبو بكر. والجبائيان، والبصري - بجواز التأخير عن أول الوقت، والمبادر ممتثل كالمؤخر - وهو المختار -. وقيل: إنه للتراخي، فالمبادر ليس بممتثل، قيل: هو خرق للإجماع. وقيل: بتوقف الاشتراك. وقيل: باللادراية مطلقًا فيتوقف في المبادر.

وقيل: في امتثال المؤخر مع تأثيمه. وقيل: بعدمه. وقيل: بالتوقف فيه. لنا: أنه ورد فيهما، ولأصل الحقيقة الواحدة. و-أيضًا- دلالته على أصل الطلب متيقنة، والأصل عدم دلالته على غيره. و-أيضًا- دليل التناقض والتكرار. -وأيضًا- لم يدل عليه، لمصدره، لعدم دلالته، وما اشتق منه عليه، ولا لخصومة مطابقة، ولا تضمنًا، لما عرف معناه في حده، ولا التزامًا، لأن ذلك المعنى لا يستلزم الفور، ولا التراخي، فلم يدل عليه أصلًا. و-أيضًا- صحة تقسيمه إليهما يدل على أنه لمشترك بينهما. للفور: قوله تعالى: {ما منعك} [الآية: آية 12]. ذمه على تركه في الحال، إذ تركه بالكلية لم يتحقق ما دام باقيًا. -وأيضًا-: "اسقني الماء" يفهم منه الفور. و- أيضًا -: قياس الفعل في الاعتقاد، فإنه يجب على الفور وفاقًا بجامع تحصيل المصلحة الناشئة من المسارعة، وقياسه على النهي بالجامع المذكور. و- أيضًا - طريقة الاحتياط. و-أيضًا- آيتا الاستباق، والمغفرة. ولأن التأخير لو جاز، فإما: إلى بدل، أو لا إلى بدل، وهما باطلان، لما سبق في

الموسع. و-أيضًا-: لو جاز فإما "لا" إلى غاية، أو غاية غير معلومة، أو معلومة غير زمان يظن المكلف أنه لو لم يشتغل به لفاته - باطل إجماعًا، فهو إذن، فإن لم يكن لأمارة فلا عبرة به، أو لها كانت هي: المرض الشديد، أو الكبر وفاقًا - لكن كم من شاب يموت فجأة، وذلك ينفي الوجوب، مع أن ظاهر الأمر يقتضيه. ولأن الأمر: استدعاء فعل بقول، فيقتضي التعجيل، كالإيجاب في البيع. وأجيب: عن الأوّل: بأنه حكاية حال، فلعله كان مقرونًا بما يدل عليه. وزيف: بما سبق في الوجوب، وبمنع أنه ذم عليه، بل على الثاني، والاستكبار. وزُيِّف: بأن الظاهر يدل على ترتيب الذم على تركه، لا على ما ذكرتم، وبأنه صدر منه أمران: الترك والاستكبار، ورتب عليه أمران: الذم والكفر، فإحالتهما إلى واحد خلاف الظاهر. وصححه: أنه كان مقرونًا بما يدل على الفور، قال الله تعالى: {فإذا سويته} [الحجر: آية 29]. جعل جزءًا للشرط، وهو يقع عقيبه. وعن الثاني: لقرينة السقي، فإنه لو أمر بما لا يظن حاجته إليه حالًا لا يفهم منه ذلك. وعن القياسين: ما سبق في الوجوب، ثم الأول منقوض بما لو صرح بجواز التأخير والنذر والكفارة.

وعن الرابع: المعارضة بالضرر الناشئ عن إيجابه فورًا. وقد أجيب عنه: بالنقض بقوله: "افعل في أي وقت شئت". وبأن الاحتياط في اتباع المكلف ظنه، لا في الفور، فإنه لو فعله فورًا مع ظن تراخيه كان حرامًا. وتزييف الأوّل ظاهر، وكذا الثاني, إذ لا يلزم من عدم كونه احتياطًا - إذ ذاك - عدم كونه احتياطًا مطلقًا، ولأنه يقدح في طريقة الاحتياط بأسرها. وعن الخامس والسادس: ما سبق في الموسع، ويخص الخامس أنها دلالة خارجية عن نفس اللفظ. وعن السابع: النقض بما لو صرح بجواز التأخير، وبالنذر والكفارة. وعن الأخير: أنه قياس في اللغة، سلمناه لكن الجامع طردي، ثم بالفرق: فإنه استدعاء قول يقول، والفور معتبر فيه ليعد جوابًا. للتراخي: ووجوبه في آخره مقطوع به، وفي غيره مشكوك فيه، فيحمل عليه أخذًا بالمقطوع، وطرحًا للمشكوك. وأجيب: بمنعه فإنه واجب في جزء منه: كان، أوسطًا، أو آخرًا، وتقضيه إنما هو فيه، فلا يتعين له قبل التضييق. ثم هو في مقابلة الإجماع، ثم إنه قد يفضي إلى تركه بالكلية، ثم إنه منقوض: "افعل أي وقت شئت".

أدلة من قال إنه للاشتراك

أدلة من قال إنه للاشتراك للاشتراك: الاستعمال، وحسن الاستفهام وقد سبق جوابهما. فرع إذا لم يفعل فورًا وقيل: لا يجب، ما لم يرد آخر. وقيل: يجب آداء كالرازي. وقيل: قضاء كالمؤقتة إذا أفاتت. أدلة الرازي ومناقشتها للرازي: أنه لو قال: "افعل في أوله، وإلا: ففيها بعده" فإنه ليس بقضاء فيه، فكذا هذا، إذ هو في معناه. وأجيب: بمنعه، ولو سلم ففي أصل الفعل دون وصفه. وحجة الآخرين يعرف من بعد. مسألة المؤقتة إذا فاتت فالقضاء بأمر جديد وقيل: الأوّل.

أدلة المخالف ومناقشتها

وقيل: بالقياس على الفوائت المقضية. لنا: إيجابه الأوّل: يستلزم الترك بالدليل كما في الجمعة وبالثاني: لا، فكان أولى. ولأنه لا يدل على وجوب الفعل فيما بعده بطريق المطابقة، ولا التضمن، وهو ظاهر، ولا بطريق الالتزام، إذ شرطه أن يستلزمه المعنى بحيث لو صرّح به بنفيه معه لما صحَّ، وليس كذلك، لأنه لا منافاة في قوله: "صم يوم الجمعة؛ فإن فات عنك لمرض أو نسيان فال يجب عليك صوم يوم آخر". و-أيضًا- لو كان بالأمر الأول، لكان مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "من نام عن صلاة" الحديث. محمولًا على التأكيد، ولو كان بأمر جديد، كان محمولا على التأسيس، فكان أولى. و-أيضًا-: القياس على المقيدة بالمكان والأشخاص، وببعض المختص بالزمان، والنهي بجامع دفع ضرر وجوب القضاء. ولأن تخصيص الفعل بوقت مانع من إيقاعه قبله، فكذا بعده، مقتضى هذا أن لا يشرع القضاء أصلًا، لكن ترك العمل به للتصريح فيبقى معمولًا به في غيره. ولأن أفعاله وأحكامه إن كانت معللة بالمصالح: لم يجب القضاء بالأوّل، لعدم القطع بحصول تلك المصلحة فيما بعده، وإلا: فكذلك لأنه يجوز أن يكون مراده فيه دون غيره. أدلة المخالف ومناقشتها احتجوا: بقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم ... " الحديث، والفعل في غيره مستطاع، فيجب. وأجيب: بأنه دور. -وأيضًا-: الوقت للعبادة كالأجل للدين، فلا يسقط بفواته. وأجيب: بمنعه، وهو ظاهر. و-أيضًا-: الأمر الأول دل على أصل الفعل، وعلى كونه في ذلك الوقت، ففوات

مسألة الإتيان بالمأمور به يقتضي الإجزاء

خصوصه لا يوجب فوات عمومه. وأجيب: بأن العبادة إن شرعت فيه لمعنى لا يوجد في غيره: وجب أنه لا يشرع القضاء في غيره، وإلا: وجب أن لا يختص، ثم هو منقوض بالمقيد بالمكان والأشخاص والجمعة. و-أيضًا-: لو كان بأمر آخر لكان أداء لا قضاء. وأجيب: بمنع الملازمة، فإنه إذا شرع لاستدراك مصلحة الفائت كان قضاء، لا أداء. و- أيضًا -: الوقت من ضرورات الفعل المأمور به، فلا يوجب فواته. وأجيب: بأن مطلقه من ضروراته، وفواته غير متصور دون مخصوصه، بل هو جزء مقتضاه. مسألة الإتيان بالمأمور به يقتضي الإجزاء خلافًا للجبائين، والقاضي منهم. تحرير محل النزاع في هذه المسألة: قيل: الخلاف فيه: بمعنى سقوط القضاء، وهو الأظهر، وهو مصرح به في كلام القاضي والغزالي وغيره، وقالوا: لا خلاف فيه بمعنى سقوط التعبد.

أدلة الجمهور

وقيل: الخلاف فيه بهذا المعنى، وعليه يدل كلام إمام الحرمين والإمام. أدلة الجمهور لنا: أنه أتى بما أمر به، فيجب أن يسقط القضاء، إذ هو لاستدراك ما فات من مصلحة الفائتة، وهو فيما نحن فيه محال. ولأنه لو قال السيد لعبده: افعل هذا، فإذا فعلته لا يجزئ عنك، عد مناقضًا. أدلة المخالف احتجوا بأن النهي لا يقتضي الفساد، فالأمر لا يقتضي الإجزاء. ولأنه يجب إتمام الحج والصوم الفاسدين بلا جزاء. و-أيضًا-: كونه سببًا لسقوط القضاء زائد على مدلول الأمر. وأجيب: أنه قياس في اللغة، وبالفرق، وهو: أن النهي لا ينفي كون المنهي عنه سببًا لغيره، والأمر يقتضي فعل المأمور به، فاستحال بقاؤه مقتضيًا بمثل فعله، ثم إنا نقول به فإن الأمر ما اقتضى ذلك، بل امتثاله على ما قدمناه. وعن الثاني: أنه يجزئ عن الأمر بإتمامها دون الأمر بهما. وعن الأخير: أنه وإن كان كذلك، لكنه يدل عليه بواسطة الامتثال، على ما تقدم تقريره. مسألة الأمر بالماهية الكلية ليس أمرًا بشيء من جزئياتها عينًا لأنها ليست هي هي، ولا لازمة لها، فلم يدل عليها لا مطابقة، ولا تضمنًا، ولا التزامًا.

مسألة الأمر بالأمر بالشيء ليس أمرا به

نعم: لو دلت القرينة على بعض منها عينًا حمل اللفظ عليه، وإلا: تخير فيها، لأنه لا بد من تحصيل الماهية، ولا يمكن ذلك إلا: في تضمن جزئي، وليس البعض أولى من البعض فتعين التخيير. مسألة الأمر بالأمر بالشيء ليس أمرًا به وإلا: لزم التخلف في قوله - عليه السلام - "مروهم بالصلاة لسبع" فإن الصبي غير مأمور بها وفاقًا. ولأنه لا يمتنع من السيد أن يأمر أحد عبديه بأن يأمر الآخر بشيء، ويأمره هو بعصيانه إذا أمره، ولو كان الأمر أمرًا به لعد مناقضًا، كما لو كان ذلك في أمر نفسه، نعم لو ضم إليه قوله: كل من أمرته بأمري بشيء فقد أمرته به، كان أمرًا به، لكنه من قول الثاني، لا بمجرد الأمر بالأمر بالشيء. ومنه يعرف أن قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة} [التوبة: آية 103] ليس أمرا لهم بالإعطاء له. والأمر بالشيء: هو أمر بما يتوقف عليه، لكنه إذا كان مقدورًا للمأمور، سلمناه مطلقا، كن المراد من الأخير: الطلب سلمنا أنه التناول، لكنه لا يتوقف على التسليم الواجب، نعم لو وجب ذلك فإنما يجب لتعظيم الرسول، لا لكونه أمرًا.

مسألة في دخول الآمر تحت الأمر

مسألة في دخول الآمر تحت الأمر والحق أنه يمكن قول القائل لنفسه: "افعل" مريدًا من نفسه. تحرير محل النزاع: لكنه لا يسمى أمرًا إن شرط التغاير، وإلا: جاز، لكنه بعيد، ولا يسحن أيضًا. إذ فائدته: إعلام طلب الفعل، وإعلامه نفسه عبث، ولو حكى أمر الغير بلفظه، أو بلفظ نفسه: فإن تناوله دخل فيه وإلا: فلا، ولو أمر بأمر نفسه بلفظ يتناوله: فالأشبه أنه محل النزاع. والأصح دخوله: تحته، لعموم اللفظ، وضعف قرينة كونه أمرًا، ولهذا دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت كثير من أوامره، والتغاير لو شرط ففي الخاص. مسألة "رأى الجمهور وبعض المعتزلة في أن" الأمر بمعين نهي عن ضده الوجودي استلزامًا وعليه البصري، والكعبي، وعبد الجبار، والقاضي أخيرًا. وقال أولًا، وبعض المتكلمين: وهو عينه. وقال كثير - منا - كإمام الحرمين، والغزالين ومنهم: إنه ليس عينه، ولا يستلزمه.

أدلة من قال عينه

وقيل: بمعنى الوجوب يستلزمه - فقط -، وعكسه على الخلاف. وقيل: بأنه لا يكون أمرًا. أدلة من قال عينه لمن قال عينه: أنه لو لم يكن كذلك لكان ضدًّا، او مثلًا، أو مخالفًا، ضرورة انحصار التغاير فيها، -وحينئذ- لم يجتمع معه، ويجوز وجود أحدهما بدون الآخر، ومع ضده. وأجيب: إن جواز الأمر بالمحال بطل، وإلا: - أيضًا - بطل، إذ قد يمتنع وجود أحد المخالفين، بدون الآخر. كما في المتلازمين والمتضايفين. لنا: أن ترك ضد المأمور به من ضروراته، فيجب على ما تقدم، ولأنه يمتنع الإذن في فعل الضد عند الطلب، لتنافيهما. فإن قلت: يجوز الأمر بالمحال. قلت: يمنع ذلك في المحال لذاته، سلمناه، لكن لا يتصور الإيجاب الجازم مع الإذن في فعل الضد، سلمناه، لكن الكلام فيه، وفي أمثاله ليس تفريعًا عليه. أدلة الجمهور واحتجوا: بجواز ذهول الآمر، وهو عن معنى الكف، وامتناع النهي معه. وبأن عكسه إن لزم: لزم نفي المباح، وإلا: فتحكم محض.

مسألة "الحكم فيما إذا اختلفت معنى الأمرين"

و-أيضًا- لو كان له أضداد فإما بأن يكون نهيًا عن واحد منها بعينه، أو لا بعينه، وهما ظاهرًا الفساد، أو عنها بأسرها، وهو - أيضًا- فاسد، وإلا: لزم أن لا يعصى إذا فعل الضد الواحد المتضمن لترك المأمور به. وأجيب: بمنع ذهوله عن طلب ترك ما يمنع من فعل المأمور به من حيث الجملة، ونحن لا نجعله نهيًا عن أضداده على التفصيل. وعن الثاني: أنه لا يقتضي نفي المباح باعتبار ذاته، وباعتبار غيره لا يضر كما سبق. وعن الثالث: أنه نهي عنها باعتبار كل واحد منها، لا باعتبار المجموع، فلم يرد ما ذكرتم. مسألة "الحكم فيما إذا اختلفت معنى الأمرين" إذا اختلف معنى الأمرين: وجبا متفرقين، إن لم يصح اجتماعهما عقلًا، أو شرعًا. وإن صح جاز الأمران، إلا: لمنفصل، وإلا: فإن صح فيه الزيادة، والثاني غير معطوف، ومعرف بلام الجنس، والعادة غير مانعة من الزيادة "كاسقني اسقني" فهو غير الأوّل وهو قول عبد الجبار. وقيل: تأكيد للأوّل، وهو قول الصيرفي. وقال البصري: الوقف.

"أدلة القاضي عبد الجبار ومن معه وهو ما اختاره المصنف"

"أدلة القاضي عبد الجبار ومن معه وهو ما اختاره المصنف" لنا: حمله على الأوّل تحصيل للحاصل، ولأن التأسيس أولى من التأكيد. قالوا: يحتمل التأكيد، والأصل براءة الذمة. "أدلة أبي بكر الصيرفي والبصري ومناقشتها" وأجيب: بأنه مرجوح، فلا يحمل عليه، والبراءة تترك بالظاهر, وبمعارضة طريقة الاحتياط. وإن كان معطوفًا غير معروف، فهو كذلك وفاقًا. أو معرفًا: فكذلك. إذ اللام قد تكون لتعريف الماهية، أو لمعهود آخر، أو لتحسين اللفظ، فلا تعارض "واو" العطف. وقال البصري: الوقف لتعارضهما. أو معرفًا غير معطوف: فتأكيد وفاقًا، وإن كانت العادة مانعة، ولم تكن معطوفًا: فتأكيد وفاقًا. أو معطوفًا غير معرف: فتعارض بين "الواو" والعادة، ولعل اعتبار "اللفظ" أولى. أو معرفًا: فإن قيل: بتساويهما، حمل الثاني على الأول للعادة، وإلا: احتمل هذه للعادة. والتعريف والتوقف، لقوة دلالة "الواو" على المغايرة، والحمل على المغايرة قبل ظهور دليل آخر بعيد. وإن لم تصح الزيادة فيه عقلًا كـ "كقتل زيد"، أو شرعًا كـ "عتق عبد"، والثاني تأكيد في عامين وخاصين: فإن كانا مختلفين، ولم يعطف الثاني على الأوّل فتأكيد، وإن عطف قبل الوقف لمعارضة ظاهر العموم للواو، والأشبه، أنه يفيد غير الأوّل، إذ ترك مقتضى العموم للواو، أولى من العكس، إذ التخصيص أكثر منه.

مسألة يجوز الأمر بالمحال عند الأشعري وأكثر أصحابه

مسألة يجوز الأمر بالمحال عند الأشعري وأكثر أصحابه يجوز الأمر بالمحال، ولو أنه لذاته عند الشيخ، وأكثر أصحابه. وهو واقع، ونقل عنه أنه لم يقع، وغلط إمام الحرمين ناقله، وقال: التكاليف بأسرها بغير ممكن عنده، ولأن فعل العبد بقدرة الله تعالى -وأيضًا-: الاستطاعة مع الفعل، والتكليف به متوجه قبله. واعترض عليه: بأنه متلبس بضده، والأمر بالشيء نهي عن ضده. وأجاب: بمنع كون الأمر نهيًا عن الضد، ولو سلم فالقدرة لم تقارن الفعل، وإن قارنت الضد. وزيفا: بأن الأمر نهي عن الضد عند الشيخ: والإلزام إنما هو مذهبه، وبأن فيه تسليم، أن كله ليس كذلك. والحق: أن الثاني غير لازم إن صح عنه أن التكليف مع الفعل، لا قبله، وسيأتي. لا يجوز التكليف بالمحال عند المعتزلة وقالت المعتزلة: لا يجوز، وهو قول الشيخ أبي حامد،

أدلة من قال بالجواز

والغزالي، وإمامه، لكن لغير التحسين والتقبيح. وقيل: بالمحال لذاته فقط. وقال الأستاذ: لا يجوز، وما يقع منه ليس تكليفًا، بل آية العذاب. أدلة من قال بالجواز وقيل: يجوز مطلقًا، لكنه لم يقع. ونقل إجماع كلهم عل جواز تكليف خلاف علم الله تعالى من الممكن عقلًا، ووقوعه سمعًا، إلا: بعض: الثنوية فإنه قال: بامتناعه أيضًا - فحينئذ محل الخلاف: ما استحالته لغير تعلق العلم الأزلي. واعلم أن من نفى الاختيارية جوزه، ومن أثبتها وقال: بالتحسين. والتقبيح - إحالة، وإلا: فيحتمل الوجهين. لما سألوه، ولما ذكر في معرض المدح. مناقشة أدلة من قال بالجواز للمجوز: (أ) قوله تعالى: {لا تحملنا} [البقرة: آية 286] الآية، ولو لم يكن ممكنا لما سألوه، ولما ذكر في معرض المدح. فإن قلت: التحميل: وضع الحمل حقيقة، والمراد: نفيه برفع العذاب، ومحن الدنيا، سلمناه، لكنه إنما يحمل عليه لو كان ممكنا، فإثبات إمكانه به دور؛ سلمنا، لكنه يؤول، فيحمل على ما يقل ويشق، لئلا يلزم التعارض، سلمناه، لكن الواجب قد يطلب كقوله: {رب احكم} [الأنبياء: آية 112]، {ولا تكونن من المشركين} [الأنعام: آية 14]، {ولا

تخزني} [البقرة: آية 286]، سلمناه، لكنه ظني والمسألة علمية. قلت: التحميل في عرف الشرع: التكليف، والتبادر والاستعمال، قال تعالى: {إنا عرضنا الأمانة} [الأحزاب: آية 72] الآية، وقوله: {فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم} [النور: آية 54] أي: كلفتم، سلمناه، لكنه لا يختص بما ذكرتم، بل هو عام في الكل فيتناول التكليف وغيره. وعن الثاني: أنا لا نستدل عليه بالحمل، بل بالدلالة، فلا دور. وعن الثالث: أنه خلاف الأصل، والتعارض مندفع، لما نجيب عن تلك الأدلة، كيف وحمله على ذلك تكرار لنفي الأمر قبله. وعن الرابع: بمنع دلالته عليه، إذ المراد من الحق: العذاب، والشرك، والخزي ممكن عقلًا، سلمناه، لكن لا يلزم من مخالفة الأصل في صورة: مخالفته في غيره، بل يمتنع ذلك، لئلا يلزم تكثير المخالفة. وعن الخامس: بعض ما سبق في الأمر، ثم هو لازم عليكم، فإنكم تتمسكون بالظنية. (ب): ما سبق في التحسين والتقبيح. (ج): أمر بالإيمان من علم أنه يموت على الكفر، وصدوره منه محال لإفضائه إلى انقلاب علم الله جهلًا. وأن يكون أمر الكافر بالإيمان أمرًا له بإعدام علمه تعالى، إذ لا يعتبر - حينئذ - أن ما يتوقف عليه المأمور به ممكن. ولأنه إن علم أنه يموت على الكفر - وهو مختار في الإيمان - لم يكن علمه بذلك مانعًا من الإيمان، وإلا: لزم أن يكون جهلًا، وإلا: لزم أن لا يكون ذلك علمًا بل جهلًا، لأن العبد - عندنا - مختار في فعله وتركه، فلو علم على خلاف هذا، لكان ذلك جهلًا لا علمًا، فلم يكن العلم مانعًا، وأن يجوز أمر الجماد، ثم النزاع في الممتنع لغير العلم، أو في الممتنع

لذاته. قلت: (أ) لا نزاع فيما ذكرتم، لكن من مات على الكفر علمنا أن العلم كان متعلقًا بكفره، وقد كان مأمورًا بالإيمان إجماعًا في حياته، مع أن صدوره منه محال، و - حينئذ - لا يرد عليه ما ذكرتم. وطريقة الجبائي ضعيفة جدًا، لأنه إن عنى به أن كلا القولين خطأ، فهو فاسد، وإن عنى به أن أحدهما حق لكن لا نعرفه بعينه، فنمسك عن الحكم لئلا نخطئ، فحق، لكنه غير دافع للدليل. وعن (ب): بمنعه فإن وجوبه به، فلا يمنع منه. وعن (ج): بمنعه -أيضًا-، فإن العلم بوقوعه، أو لا وقوعه: إنما هو على وجه الاختيار، ليكون مطابقًا للمعلوم، فيكون تابعًا له، فلا يمنع منه، ثم بمنع امتناع اللازم. وعن (د)، (و)، (هـ)، و (و): بمنعه إذ اللازم منه وجوبه، فأما به فلا. وعن (ز): أنا نقول به. وعن (ح): بمنع امتناعه، فإنه من جملة صور النزاع. وعن (ط): إذا علم الله تعالى انه يترك الإيمان، ويتلبس بالكفر في جميع عمره، وإن كان ذلك اختيارًا: وجب أن يمتنع صدور الإيمان منه، وإلا: لزم الجهل، وهو ممتنع، وجوابه من حيث التقصي: أنه لما علم دوام اختياره للكفر استحال أن يوجد منه اختيار الإيمان، وإن كان ممكنًا نظرًا إلى الاختيار، ولا امتناع في اجتماع الاستحالة والإمكان في واحد نظرًا إلى شيئين مختلفين. وعن (ي): أن الأمر: إعلام، وهو في الجماد غير متصور. وعن (يا): أنه يرجع إليه. (د): أمر بالإيمان من أخبر عنه أنه لا يؤمن، وهو منه محال، وإلا: لزم جواز

الكذب عليه تعالى، وأن يكون مأمورًا بالتصديق وعدمه. (هـ) التكليف حال استواء الداعي: ترجيح حال الاستواء، وحال الترجيح أمر بالواجب والممتنع. (و) لا قدرة للعبد حال وجود الفعل، لامتناع بقاء الأعراض. (ز) الأمر قبل الفعل، والقدرة معه، وإلا: لزم أن يكون العدم متعلقه، وهم منقوضان بقدرة الله تعالى، ومناقضته: أن الأمر قبل الفعل، سيأتي. (ح) فعل العبد ليس بخلقه، وإلا: لعلمه بتفاصيله، وأن يكون مقدورًا بين قادرين، وأن يقدر على كل ممكن، و- حينئذ - يلزم تكليف ما لا يطاق. (ط) النظر مأمور به، وهو غير مقدور له، وهو تكليف بالمحال، وهو مبني على امتناع اكتساب التصور والتصديق، وفساده ظاهر. (ي) أمر بمعرفة الله تعالى، فالمأمور: إما العارف به، فتحصيل الحاصل، أو غيره، فلا يعلم أمره، فتكليفه به - إذ ذاك - تكليف بما لا يطاق، وهذا مندفع إنه قيل العلم بوجود الصانع ضروري. (يا) معنى الأمر: الطلب، على ما تقدم، وهو ليس مؤثر في المطلوب، حتى يستدعي إمكانه كالقدرة، والإرادة، والعلم، بل هو كالعلم، إذ يتعلق بالمعين وغيره، فجاز تعلقه بالمحال كالعلم. (يب) امتناعه ليس بنفسه، وإلا: فكل من عقله عقل امتناعه، ولا لورود صيغة الأمر

أدلة من قال: لا يصح التكليف بالمحال لذاته.

فيه، إذ يعلم ضرورة أنه لا يمتنع ذلك، ولا للتحسين والتقبيح، إذ مضى إبطالهما، ولا للإضرار، لأنه جائز، لسابقة جريمة أو تعقب لذة، ولا لعدم الفائدة إذ لا سبيل إلى الجزم به، فإن الفائدة غير منحصرة في الامتثال، وإذا لم تمتنع هذه، وجب ألا يمتنع، إذ لا مأخذ لامتناعه إلا: هذه، بدليل الدوران الوجودي والعدمي، ولأن الأصل عدم ما عداها. (يج) الأمر قبل الفعل والقدرة الحادثة معه، إذ لو تقدمت لانعدمت عنده لأنها عرض، والعرض لا يبقى زمانين على ما يبين ذلك في موضعه، فيكون الفعل عند عدم القدرة، وهو محال، و - حينئذ - يكون الأمر حال عدم القدرة، وهو التكليف بالمحال. أدلة من قال: لا يصح التكليف بالمحال لذاته. احتجوا: (أ) بقوله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [البقرة: أية 86]، {لا يكلف الله نفسا إلا ما ءاتها} [الطلاق: آية 7]، و {ما جعل} [الحج: آية 78]، {يريد الله} [البقرة: آية 185]. وقوله - عليه السلام -: "بعثت ... " الحديث. (ب) الأمر بالمحال سفه وعبث، وهو على الحكيم محال. (ج) لو جاز ذلك لجاز إظهار المعجزة على يد الكاذب، وإنزال الكتب عليه، ولا يمتنع منه الكذب، ولجاز أمر الجماد، وبعثة الأنبياء إليه، وإنزال الكتب عليه، لأنه سفه مثله. (د) أن تكليف الأعمى بنقط المصحف، والمقعد بالمشي، والإنسان بالطيران، والجمع بين السواد والبياض - قبيح عرفًا، فكذا شرعًا للحديث. (هـ) التكليف: طلب وهو فيما لا يتصور لا يتصور، وإنما شرط ذلك: ليتصور منه الطاعة، فإن التكليف اقتضاء الطاعة، فإذا لم يتصور في الفعل الطاعة، لم يتصور فيه

مناقشة الأدلة

التكليف، كما في الجماد (و) أو نقول المحال غير متصور، لأن كل متصور متميز، وكل متميز ثابت فما ليس بثابت ليس بمتصور، وكل مكلف به متصور، فالمحال غير مكلف به. (ز) وأما ما يدل عليه باعتبار الجبر فهو معارض: بأنه لو كان بخلقه تعالى: لم يبق فرق بين الاختيارية والضرورية، وبين القوي والضعيف، ولكان قدرة العبد متعلقة بالجواهر كالألوان، إذ الكل بقدرة الله تعالى، وهي متعلقة بهما ولما انقسم إلى طاعة ومعصية، لأن فعله تعالى لا ينقسم إليهما، ولكان الكفر والإيمان بقضائه وإرادته، إذ لا قائل بالفصل؛ ولأن الخلق لا يتم إلا بالقضاء واجب، لكن الرضا بالكفر كفر فهو - إذن - بغير قضائه، ولكان راضيًا به، ولكان لا يحسن ذم العبد ومدحه على كفره وإيمانه. ولكان ضرر الله تعالى أكثر من ضرر إبليس، لأنه تعالى خالق دونه، واللوازم باطلة، فالملزومات كذلك. (ح) وبأن فعله منسوب إليه في استعمال القرآن والسنة، وأهل العرف، وهو ما يدل على أنه من خلقه. مناقشة الأدلة وأجيب: عن (أ) بأنها تدل على عدم الوقوع، لا الجواز، ولو سلم فيجب تأويلها، إذ النقلي لا

يعارض العقلي. وعن (ب) و (ج) أن التحسين والتقبيح باطل، ولو سلم فما سبق فيه، وأمر الجماد، وبعثة الأنبياء، إنما لا يصح لأنه لا إعلام، ومقصودهما الإعلام. وعن (د) ليس معناه أن ما رأوه قبيحًا بالنسبة إليهم فهو قبيح عند الله بالنسبة إليه، فإنه مرفوض إجماعًا، بل معناه: - إن شاء الله تعالى - أن ما رأوه قبيحًا بالنسبة إليهم فهو قبيح عند الله بالنسبة إليهم، أو مثله بالنسبة إليه سبحانه وتعالى، و - حينئذ - التمسك به دور. وعن (هـ) بمنع اشتراط التصور له للطاعة، بل للطلب والإعلام، وعدم تصورهما في المحال محال، إذ نحكم بأنها ممتنعة في المحال، ولو كان غير متصور لما صح ذلك. واقتضاؤه الطاعة باق، وإنما لم يكون وجودها، وعدم صحته في الجماد، لما سبق. وعن العبارة الثانية: يمنع أن المحال غير متصور، وهذا: فإننا نحكم بأن الجمع بين الضدين والنقيضين ممتنع، ولو لم يكن متصورا لما صح الحكم، ولأن التمييز بين مفهومات المحالات حاصل. فإن قلت: المتصور جمع المختلفات، وهو المنفي، ولا يلزم من تصوره منفيًا عنهما تصوره مثبتًا. قلت: معنى الجمع واحد فيهما، بدليل صحة تقسيمه إليهما، وتبادر الفهم إلى اتحاد معناه فيهام، ولأنه مثبت، ولو كان مخالفا منفيا لما توارد النفي والإثبات على واحد، فيلزم من تصوره منفيًا تصوره مثبتًا. وعن (ز) بمنع الملازمات، وسنده: سرعة زوال سبب الاختياري دونه، وكثرة ما يخلق الله تعالى من القدرة، والمقدور في القوى، ويجوز أن خصص الله تعالى قدرته بنوع من مقدوراته، وأن ذلك من خواص المكتسب.

فرع: إن جواز التكليف بالمحال

والرضا في قولنا: "الرضا بالقضاء واجب"، وفي النص بمعنى: ترك الاعتراض، والرضا في قولنا: "الرضا بالكفر كفر" بمعنى الإرادة والمحمدة، و - حينئذ - لا يلزم المحذور المذكور سلمنا اتحادهما، لكن الكفر ليس نفس القضاء، بل هو القضاء، فلا يلزم من الرضا بالقضاء: الرضا به. وإنما لا يحسن ذمه ومدحه - حينئذ - أن لو لم يكن كسبًا له، وهو ممنوع، ثم هو بناء على التحسين والتقبيح. والإلزام بالضرر لازم عليكم، فإن التمكين التام بخلق القدرة والداعية إلى المعصية إنما هو بخلق الله تعالى دونه، والجواب مشترك. وعن (ح) بمنعه، فإن النسبة تصدق بالخلق أو الكسب، ومن لم يقل به، بل بالنسبة والإسناد إنما هو بالخلق، فنقول: تلك النسب والإسنادات مجازات عقلية، وبمنع أنه خلاف الأصل، سلمناه، لكنه يصار إليه لقيام الدلالة. فرع: إن جواز التكليف بالمحال: قيل: لا يجوز بالممكن المشروط بالمحال، إذ لا فائدة للامتثال، ولا إعلام بنزول العقاب. وقيل: يجوز بالأولى، إذ لا يصير مأمورًا إلا: بوجود شرطه، وهو محال، فلا حرج ولا ضرر فيه. مسألة: "يرى الأكثرون من الأشاعرة والمعتزلة أنهم مخاطبون بالفروع" قال الأكثرون - منا - ومن المعتزلة: الكافر مخاطب بالفروع بمعنى: أنه يعاقب على تركها. وقال أكثر الحنفية، وأبو حامد الإسفراييني وعبد الجبار: لا يجوز.

[أدلة الجمهور]

وقيل: يجوز، ولم يقع. وقيل: يجوز في النواهي والمعاملات، دون الأوامر. [رأي المصنف في ترجمة هذه المسألة] وفي ترجمتها: بأن حصول الشرط الشرعي، هل هو شرط في التكليف أم لا؟ نظر: فإن المحدث، مكلف بالصلاة إجماعًا. لنا: أنه ليس بمستحيل بضرورة العقل، ولا بنظره، إذ لا امتناع في قول الشارع للمكلف: أمرتك بالصلاة، والإيمان قبلها، وهو ضروري، ولأنه أهل للتكليف، فجاز أن يكلف بها، كالأصول. [أدلة الجمهور] وأما الوقوع: (أ) فقوله: {وما أمروا} [البينة: آية 5]، وهو ضمير الكفار، والواو للجمع، لما تقدم، والأصل عدم دلالة أخرى على تقديم بعضها على البعض. وقوله: {ما سلككم} [المدثر: الآيات 42 - 44]، وتعذيبهم على ترك الصلاة والإطعام بدون تكليفهم بهما ممتنع، وهو وإن كان حكاية قولهم، لكن عدم تكذيبهم فيه، مع عدم استقلال العقل بمعرفته: يدل على صدقهم فيه، وحمل المصلي على المؤمن كما في قوله - عليه السلام -: "نهيت عن قتل المصلين" مجاز، وحمله على حقيقته، لا يوجب

كذبه في أهل الكتاب منهم، إذا كانوا يصلون، لأن الصلاة في عرف شرعنا: عبارة عن هذه الأعمال المخصوصة، ثم إنه لا يتأتى في قوله: {ولم نك نطعم المسكين} [المدثر: آية 44]، وإحالة الحكم المذكور إلى التكذيب لكونه مستقلًا بذلك يلغي بقية القيود، واستقلاله بدخول سقر ممنوع، وإن استقل بدخول النار، فلعل ذلك بالمجموع. وقوله تعالى: {فلا صدق ولا صلى} [القيامة: آية 31]، و: {وويل للمشركين} [فصلت: آية 6]، و: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم} [البقرة: آية 21]، و: {لله على الناس} [آل عمران: آية 97]، و: {والذين لا يدعون} [الفرقان: آية 68]، والاستدلال بها ظاهر. (ب) قياس الأمر على النهي بجامع تحصيل المصلحة المتعلقة بهما، فإن سلم الحكم في النهي فلا كلام وإلا: فيستدل عليه بوجوب حد الزنا عليه، فإنه لتحريمه عليه، وهو بتناول الخطاب، والزنا وإن حرم في كل الشرائع، لكن لا نسلم اتحاد حده فيها فوجوب حد شرعا عليه يدل على تناول خطابه له.

أدلة المخالف ومناقشتها

وفرق بينهما: بأن الإتيان بالمأمور به - لكونه مفتقر إلى النية - غير ممكن مع الكفر بخلاف النهي، فلا يصح معه القياس. وأجيب: أن قصد الامتثال إذا اعتبر بالإقدام كالإحجام في الامتناع، وإلا: فكذلك في الإمكان. قيل عليه: افتراقهما في حق المسلم في اشتراط النية وعدمه، يدل على افتراقهما في الحكمة. أدلة المخالف ومناقشتها احتجوا: (أ) بأنه لا يجب بعد الإسلام وفاقا، ولا قبلهن إذ لا يصح منه. (ب) لو وجب لوجب قضاؤه كالمسلم، بجامع تدارك المصلحة. (ج) التكليف: تعظيم، والكافر ليس أهلًا له. وأجيب: عن (أ) بأنه غير وارد على محل النزاع. وعن (ب) القضاء بأمر جديد، فليس بين الوجوب والقضاء ربط، سلمناه، لكنه منقوض بالجمعة، سلمناه، لكن لا قياس مع قوله: "الإسلام يجب ما قبله". سلمناه، لكن الفرق أنه تنفير له عن الإسلام.

مسألة: "إن فرع على استحالته فلا تكليف إلا: بمقدوره أو مكتسب، فلا تكليف بفعل الغير ولا به".

وعن (ج) النقض بتكليفه بالإيمان، إذ التعظيم فيه أكثر. مسألة: "إن فرع على استحالته فلا تكليف إلا: بمقدوره أو مكتسب، فلا تكليف بفعل الغير ولا به". ولذات الأفعال على رأي الأكثر. وقال بعض المعتزلة: يجوز بناء على أنها مقدورة للمكلف، فنفس القتل مأمور به كالفعل الذي يتولد منه القتل، ولكن الأول بطريق الكسب، والثاني بطريق المباشرة، ولا بالعدم الأصلي، فلهذا: قال الأكثرون: إن متعلق النهي فعل الضد، وقال أبو هاشم: هو نفس أن لا يفعل، وفرق الغزالي بين الكف والترك. أدلة الجمهور: لنا: أنه حاصل قبله، فليس هو منه، والمقارن لقدرته هو الأول بعينه بسبب استمراره، فامتنع إسناده إليه - أيضًا - ولأنه نفي صرف فامتنع أن يكوهن مقدورًا أو مكتسبًا. واحتج: بأنه يمدح بمجرد تركه. وأجيب: بمنعه، إذ فعل الضد مخطور بالبال إجمالًا، وإن لم يخطر مفصلًا، وإنما يمدح به دونه، ولأنه المقصود بالذات. للغزالي: أن الكف يثاب عليه فوجب أن يكون من سعيه للنص، وهو يمنع النفس عنه، وفعل ضده، بخلاف الترك، فإنه قد يكون الضد مع الغفلة عنه.

مسألة: "يجوز دخول النية في المأمور به"

مسألة: "يجوز دخول النية في المأمور به" وإن كان بدنيًّا، لأنه يمتنع لنفسه، ولا لمعنى التكليف، إذ هو طلب ما فيه الكلفة، وهو حاصل في النيابة، وإن قلت: بالنسبة إلى المباشرة، ولا لمفسدة ينشأ منها، إذ الكلام مفروض فيه فوجب أن يجوز لعدم مانع آخر استقراء، أو أصلًا. وقيل: لا يجوز، إذ المقصود منه الابتلاء والامتحان، وهو غير حاصل فيهما. وأجيب بمنعه لما تقدم. مسألة: "لا تكليف بدون استعداد الفهم وفاقًا، ولا بدونه" خلافًا لبعض من جوزه بالمستحيل. أدلة الأولين: لنا: أنه مثله في عدم الفهم، فلا فعل ولا إعلام، كالبهيمة، وقوله صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم ... " الحديث. ووجوب ما يجب من مال الصبي والمجنون كالزكاة، لا يدل على تكليفهما، لكون الولي مأمورًا بإخراجه عنه، وكذا ضربه على ترك الصلاة، فإنه تأديب.

مسألة: "المعدوم مأمور"

فإن قلت: لو لم يجز لم يقع، وقد وجب القضاء على النائم، والساهي والسكران، ويعتبر طلاقه وقتله وإتلافه. قلت: القضاء لوجود سبب الوجوب، لا للوجوب لما سبق، فلم يدل عليه، وكذا اعتبار الطلاق والقتل، لأنه من باب الأسباب، وقوله تعالى: {ولا تقربوا} [النساء: آية 43] خطاب للممتثل، لمنعه التثبت كالغضب، أو هو مثل: لا تتهجد وأنت شبعان، أي: لا تشبع، فيقل التهجد، فهو منع من إفراط الشرب، فيكون ورد في ابتداء الإسلام، أو مثل: لا تمت وأنت ظالم، أي: لا تظلم فربم تموت عليه، وهو - وإن كان تأويلًا - لكنه يصار إليه دفعًا للتعارض. مسألة: "المعدوم مأمور" بمعنى أنه يجوز ورود الأمر حال العدم ثم إذا وجد وبلغ وعقل يصير كذلك. خلافًا للمعتزلة. أدلة الجمهور: لنا: (أ) أن كلامه قديم، لما بين في الكلام، ويلزم منه حكم المسألة. (ب) يجوز مثله في الشاهد، كما في أمر الوالد لولده قبل وجوده، فكذا في الغائب للحديث، والقياس. (ج) الواحد منا يصير مأمورًا بأمر النبي - عليه السلام - وهو حاصل قبلنا. وجعله إخبارًا عن أمر الله تعالى لنا عند وجودنا، يقتضي تطرق التصديق والتكذيب إليه، وأن لا يكون قسيم الخبر، وهو خلاف صريح كلامهم، وجعل الشيء مجازًا مع عدم

فرع "إذا جاز فقد اختلف فيما يسمى"

المناسبة الخاصة. وأجيب عنه: بأن أمر الله تعالى - أيضًا - خبر عن نزول العقاب بتركه، وحينئذ تستحيل المسألة. وأورد: أنه لو كان كذلك لتطرق إليه التصديق والتكذيب، ولامتنع العفو، ولأن إخباره تعالى في الأزل لنفسه عبث، ولغيره محال. ومن هذا قال ابن سعيد: إن كلامه تعالى في الأزل واحد، وإنما يتصف بالتعدد في ألا يزال. والقديم: الأمر المشترك بينها، وزيف بأنه لا وجود له بدونها. وأجيب: بأنه في الخارج، لا في الذهن، وكلامه في المعنى القائم بالنفس، وهو ذهني. وفيه نظر: ولا يقال: صحته - هناك لحضور من يسمع، ثم هو معارض بأنه عبارة إن إلزام الفعل عن المأمور، وهو بدون وجوده حال، لأن التحسين والتقبيح باطل، واستحالته بالمعنى المتقدم ممنوع، ولو قيل: عبث وسفه فجوابه ما مر. فرع "إذا جاز فقد اختلف فيما يسمى" إذا جاز، فالثالث: أنه يسمى أمرًا مطلقًا، ولا يسمى خطابًا، إلا إذا وجد المأمور، لكونه مخاطبًا لأنه يحسن أن يقال: أمر ولده الذي سيوجد، ولا يحسن خطابه. مسألة "يجب أن يقصد إيقاع المأمور به طاعة" إلا: ما يجب أولا، ونفس القصد، دفعًا للتسلسل لقوله تعالى: {ليس للإنسان} الآية، وقوله - عليه السلام -: "إنما الأعمال بالنيات". والتمسك بالإجماع: ضعيف، لوجود الخلاف في نحو الوضوء والغسل.

مسألة

مسألة إن انتهى الإكراه إلى الإلجاء فالتكليف به وبضده كتكليف ما لا يطاق، لكنه غير واقع، للحديث، وإن قيل: بوقوعه. وإلا جاز: (أ) لأنه عاقل بالغ متمكن فعلًا وتركًا كغيره. (ب) اختياره إياه لدفع ما به الإكراه: يدل على أنه مختار فيه. (ج) وصف أفعاله بالحل والحرمة إجماعًا. وقيل: لا، لأن في الإكراه يؤتى الفعل لدفع محذور، لا طاعة للشارع، وهو مقصود التكليف، والخاطئ غير مكلف للحديث، وجواز تكليفه لجواز تكليف ما لا يطاق. مسألة: "المأمور إنما يصير مأمورًا حال حدوث الفعل، لا قبله" خلافًا لمعتزلة فيهما، واختاره إمام الحرمين، وهو اللائق بأصل الشيخ وأصحابه، وهو: أن الاستطاعة مع الفعل، لكن أصله الآخر، وهو تجويز تكليف ما لا يطاق بنفيه، فلعله لم يفرع عليه، أو لم يقل بوقوعه.

وقيل: الخلاف في دوام التكليف إلى حدوثه فقط: فعندنا يدوم، خلافًا لهم، ويؤيد هذا النقل المسألة التي تأتي بعد هذا، فإنها تنافي المسألة على النقل الأول منافاة ظاهرة. لنا: لو أمر قبل زمان وقوعه، فإن أمكن فيه لزم الخلف، وكونه مأمورًا قبل أول الوقت، وإلا: الأمر بالممتنع لغيره لو جاز عند الخصم، فهو في الممتنع للعلم لا غيره. لا يقال: إنه أمر فيه بأن يوقعه في الزمان الثاني، لأن مفهومه إن لم يرد على الأول سقط، وإلا: فالترديد المذكور آت فيه، ووجوب الفعل في حال حدوثه لكونه وجوبًا بشرط المحمول لا ينافي التكليف به، وإلا: لامتنع قبله. ولأن القدرة الحادثة لا تتقدم المقدر، وإلا: لانعدمت عنده، لأنها عرض فيلزم وجوده بدونها. ونقض بالقديمة، ودفع بمنع اتحاد المعنى، وسنده اختلاف اللوازم. قالوا: فلا ذم لتارك المأمور به، إذ لا ذم قبل الأمر، وأجيب: بأنه ترك المباشرة لتمكنه منها، وفيه نظر. مسألة الأكثرون: أن المأمور يعلم أنه مأمور قبل التمكن من الامتثال، وإن كان الأمر يعلم عدم بقائه إليه، خلافًا للمعتزلة وإمام الحرمين فيما لو علم، وعليه تنبني صحة ورود الأمر الخاص منه، والعام حيث يعلم. انقراض "الكل"، وإلا: فجائز وفاقًا، وكلام بعضهم يشعر بالخلاف فيه. ولينبني عليه - أيضًا -: صحة ورود الأمر المقيد بشرط، علم الأمر أنه لا يوجد، ولهذا: قطعوا باستحالة الشرط في أمره تعالى، لعلمه بعواقب الأمور. لا يقال: إنه يؤدي إلى فوات الواجب المضيق، والصوم، إذ لا يجب الشروع ما لم يعلم أنه مأمور به، ولا يعلم ذلك ما لم تمكن منه، ويفوت الوقت - لأن الشروع في أول الوقت

واجب بناء على استمرار "التمكن". وإن قيل: بعدم بقاء الأعراض بتجدد الأمثال عادة، فعلى هذا لو مات في أثناء الصوم تبين أنه ما كان واجبًا عليه، وعلى رأينا تبيَّن عدم لزوم الإتمام، وعدم وجوب الكفارة على من أفسد الصوم بالوقاع، ثم جن على رأي لنا: لا يدل عليه، لاحتمال أنه من خصائص ما يجب إتمامه، فلو علمت المرأة بالعادة، أو بإخبار نبي، أو ولي أنها تحيض في يوم معين من رمضان فعلى رأينا "على" الأظهر: أنه يجب عليها الشروع، لتحقق الأمر في الحال، وعدم مبيح الإفطار فيه. واتفق الكل على أنه المأمور لا يعلم كونه مأمورًا لو علم عدم تمكنه منه، إلا: على رأي من يقول بتكليف ما لا يطاق. لنا: (أ) أنه يثاب بمجرد عزمه على فعله عند تمكنه منه إجماعًا، ولا يثاب كذلك على ما ليس بمأمور وفاقًا. فإن قلت: قد يثاب على عزم فعل ما ظن أنه مأمور به، وإن لم يكن كذلك فلا يدل على تحققه. قلت: نمنع أنه ليس كذلك - إذ ذاك - فإنه يوجه الأمر نحوه باتباع ظنه، وكونه مأمورًا فرعه، سلمناه، لكنه لا سلم أنه يثاب على عزم فعل ما هو مأمور به في نفس الأمر، بل على ما هو كذلك في ظنه، وهو كذلك فيه. (ب) أجمع من تقدم المخالف على أنه يجب على الصبي حين يبلغ أن يعتقد أنه مأمور بأركان الشريعة. (ج) اعتبار نية الفرد وفاقًا في الصلاة المفروضة ينفيه، وفيه نظر، إذ التصريح به مُختلف، ونية الظهر والعصر لا تتضمنه، إذ الصبي ينوي ذلك ولا فرض. (د) أجمعوا على أن من منع المكلف عن الصلاة في أول الوقت آثم بمنعه عن الصلاة الواجبة، وهو يمنع كون التمكن شرط تحقق الأمر. (هـ) أن الأمر قد يحسن لمصلحة تنشأ من نفس الأمر على ما يأتي في النسخ، فلو كان التمكن من الفعل شرطه لما حسن.

فصل في النهي

قالوا: (أ) إنما يعلم أنه مأمور به حقيقة: أن لو كان كذلك في نفس الأمر، وإلا: لزم الجهل، لكنه ليس كذلك في نفس الأمر، وإلا فإن كان بشرط بقاء التمكن: لزم صول الشيء بدون شرطه، أو بدونه فيلزم تكليف ما لا يطاق. (ب) الأمر: طلب الفعل، فيمتنع قيامه بذات من يعلم امتناع حصوله. وأجيب: عن (أ) بمنع لزوم تكليف ما لا يطاق على التقدير الثاني، فإنه إنما يلزم أن لو لزم من تحقق الأمر الامتثال. وعن (ب) بمنع الثانية، فإنها غير بديهية، ولا برهان. تنبيه: من لم يجوز نسخ الشيء قبل حضور الوقت، شرط في تحقق الأمر: التمكن في وقت الوجوب، وإلا: فلا وأما الجواز مع الاشتراط فمشكل، لعسر الفرق في حق من لا يجوز عليه البدا. فصل في النهي مسألة صيغته مستعملة في التحريم، والكراهية، والتحقير، كقوله تعالى: {ولا

تمدن عينيك} [طه: آية 131]، والتحذير كقوله تعالى: {ولا تموتن} [آل عمران: آية 102]، وبيان العاقبة: {ولا تحسبن الله غافلا}، واليأس: {لا تعتذروا}، والإرشاد: {لا تسألوا عن أشياء} [المائدة: آية 101]، والدعاء: "لا تكلنا إلى أنفسنا". وليست حقيقة في الكل وفاقًا، بل في البعض، وهو التحريم والكراهية، والمذاهب الخمسة التي في الأمر آتية فيه، والدليل الدليل. مسألة: أكثر من قال بعدم التكرار في الأمر، قال بالتكرار هاهنا. وقيل: بالتسوية، وهو اختيار الإمام، فعلى هذا في فوريته ما في الأمر. وقيل: إنه يفيد التكرار إجماعًا. لنا: (أ) أنه المتبادر إلى الفهم عند سماع الصيغة مجردة عن القرينة، ولهذا لو فعل في وقت ما عدا مخالفًا واستحق الذم. (ب) أنه يفيد المنع من إدخال الماهية في الوجود، وأنه بالامتناع عن جميع أفرادها في جميع الأوقات. وفيه نظر، إذ الامتناع عن جميع الأفراد أعم من أن يكون في وقت أو في جميعها. (ج) أنه أحوط، ولا مشقة فيه، فيصار إليه للحديث.

(د) أكثر النواهي للتكرار، للاستقراء، ولو لم يكن للتكرار لزم كثرة التجوز، ولو كان له لزم التجوز في مثل قوله للمريض: لا تقصد، ولا تأكل كذا، لكن هذا أولى لقلته. قالوا: (أ) قد استعمل في الدوام، وفي غيره والأصل الحقيقة الواحدة. (ب) لو كان "له" فحيث استعمل في غيره: لزم الترك بالدليل، ولو لم يكن له فحيث استعمل فيه: لزم إثبات أمر لا يثبته اللفظ، ولا ينفيه، فهو - إذن - أولى. (ج) دليل النقض والتكرار. وأجيب: عن (أ): "أن" التواطؤ وإن كان خيرًا من المجاز، لكن حيث لا يلزم منه مخالفة الدليل، فأما معها فلا، و - أيضًا - لا شك في استعماله في التكرار والمرة الواحدة، بحسب الخصوصية، فلو جعل متواطئًا: لزم مجازان، فكان "جعله" حقيقة في أحدهما، مجازًا في الآخر أولى منه، وحيث قلنا: التواطؤ أولى فإنما هو باعتبار الاستعمال في القدر المشترك بين الصورتين، لا بحسب الخصوصية، و - حينئذ - جعله في التكرار مجازًا في المرة الواحدة أولى من العكس، لما سبق غير مرة. وعن (ب) المعارضة بالفائدة المذكورة، وفيه نظر، إذ لا يعارض ذلك لمفسدة مخالفة الدليل، فالأولى: أن يعارض مخالفة ما ذكرنا من الأدلة. وعن (ج) أنه تأكيد، وتخصيص يجب المصير إليهما، لما سبق. مسألة: مطلق نهي التحريم يفيد الفساد عند الشافعي، وكثير من الفقهاء والمتكلمين،

وأهل الظاهر، لكنه لفظًا، أو معنى فيه خلاف. وقيل: في كونه كذلك لغة أو شرعًا، فالأول أخص، ولا يفيد عند أبي حنيفة، ومحمد بن الحسن، والكرخي، وأكثر أصحابه والقفال، والجبائيين وأبي عبد الله البصري، وعبد الجبار. وقال البصري، والغزالي، والإمام: يفيده في العبادة دون المعاملة. والظاهر من جهة النقل: أن من قال بالفساد في العبادة أراد به المعنى المقابل للصحة فيها عنده. ومن جهة الدليل: أنه أريد به عدم سقوط القضاء، لا عدم موافقة أمر الشرع، فإن

النهي إذا كان للتحريم لم يكن فعله موافقًا للشرع قطعًا. لمن قال بالفساد: (أ) قوله - عليه السلام -: "من أدخل في ديننا ما ليس منه فهو رد عليه". أ] مردود، وهو ما ليس بصحيح؛ لأنه أخص ما استعمل فيه فيحمل عليه، لزيادة الفائدة. وأورد: (أ) أنه يتوقف على إثبات أنه ليس من الدين، من حيث السببية فإثباته به دور. (ب) وبأن الضمير عائد على الفعل، ومعناه أنه غير مثاب. (ج) أو وإن رجع إلى الفعل لكن معناه أنه غير مثاب عليه. وأجيب: وعن (أ) بأنه يقتضي رده مطلقًا، فتقييد بوجه خلاف الأصل، ولأن المعنى: لو كان على ما ذكرتم لم يكن في النص فائدة، إذ من المعلوم أن البيع - مثلًا - إذا لم يكن من الدين من حيث إنه سبب لإفادة الأحكام، فهو رد عليه من هذا الوجه. وعن (ب) أنه يعود إلى الأقرب. وعن (ج) ما سبق في الاستدلال. (ب) الإجماع: إذ الصحابة استدلوا عليه بالنهي: تمسك ابن عمر على فساد نكاح المشركات بقوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات} [البقرة: آية 221]. وعنه - أيضًا -: كنا نخابر أربعين سنة حتى روى لنا رافع نهيه - عليه السلام -

عن المخابرة. واستدلوا على فساد "ربا الفضل" بحديث أبي سعيد الخدري وغيره. ومنه محاججة أبي الدرداء مع معاوية - رضي الله تعالى عنهما -، وعلى فساد نكاح المتعة بنهيه - عليه السلام - عنه. وأمثاله كثيرة، ولم ينكر عليهم فكان إجماعًا، ومن عوَّل على إجماعهم على أن الأمر للوجوب، وجب أن يعول على هذا، بل هذا أولى، إذ التمسك بالنهي عن الفساد أكثر منه.

أوجه دليل القائلين بأنه يقتضي الفساد في المعقول

فإن قيل: لو كان للنهي لزم الترك بالدليل، إذ حكموا بالصحة في كثير منها، ولو كان لغيره لم يلزم منه هذا، فكان أولى. قلنا: لو كان لغيره لعرف، سيما في مثل المخابرة، وفيه التصريح بأنه للنهي، ثم هو آت حيث تمسكهم بمثل هذا الإجماع، والجواب واحد. أوجه دليل القائلين بأنه يقتضي الفساد في المعقول (ج) أنه لم يشرع وفاقًا، فلم يصح، ومنع ملازمة الثاني للأول إن عنى به الجواز، وإن: فليبين. (د) المنهي راجح المفسدة، أو خالصها، وإلا: لما نهى عنه، و - حينئذ - لا يصح قياسا على المناهي الفاسدة بجامع إعدام المفسدة، ولأن ما يفضي إلى المرجوع مرجع. ونقض: بالصلاة في الدار المغصوبة، وبالمناهي التي لا تدل على الفساد. وأجيب: بأن مخالفة الدليل في صورة بمعنى، لا يوجد مخالفته في غيرها. (هـ) النهي مقابل الأمر، فيدل على الفساد، فالأمر يدل على الإجزاء، قدح بمنع لزوم ذلك، بل لو لزم فإنما يلزم أن "لا" يدل على الإجزاء، إلا: أنه يدل على الفساد. (و) أن فعل المنهي عنه معصية، والملك نعمة، فلا يناط به، وقدح: بأنه إن أريد به أنه لا يحصل إلا: به فسلم، لكن لم يقل به أحد، وأنه يحصل به، فلا يلزم من عدم المناسبة عدمه. (ز) أنه لم يأت بما أمر به فيبقى في العهدة، ونقض: بالصلاة في الدار المغصوبة، والتوضؤ بالماء المغصوب. مناقشة الوجوه السابقة والرد عليها وأجيب: بتقدير تسليم الحكم أنه للإجماع، على خلاف الدليل ولا إجماع هنا.

قالوا: بأنه لا يدل عليه لفظًا لغة، إذ هو حكم شرعي غير معلوم له، فيمتنع الوضع له، ولأنه لا يفهم منه عند الإطلاق، ولا شرعا، لنقل، ولئلا يلزم الترك بمقتضاه، حيث لم يترتب عليه، ولا معنى، إذ الفساد غير لازم له، لأنه لو صرح بالصحة مع صريح النهي لم يعد مناقضًا. وأجيب: بأن النقل وترك مقتضاه، وإن كان خلاف الأصل، لكن يصار إليه عند "عدم" قيام الدلالة عليه سلمناه، لكن لا نسلم أنه مناقضة، بل قرينة دالة على إردة التجوز منه. ولمن فصل: أنه لم يأت بما أمر به، فيبقى في عهدة التكليف، وهو المعنى بالفساد فيها، وهو غير آت في المعاملة، ولا يفيد في المعاملة لما سبق، فإذا نقض بالعبادة أجيب باختلاف معنى الفساد فيهما. وفيه نظر: لأن عدم تركيب ثمراته معنى واحد فيهما، وهو المعنى بالفساد، والأولى: أن يقال: إن مقتضاه عدم الفساد، "فيهما لكن الفساد" في العبادة لما يخصه، وهو ما تقدم. وليس هو بتعارض، فإنه دليل عدم اقتضائه الفساد، لا دليل اقتضائه عدم الفساد، والتعارض إنما هو بالثاني. فرع: فإذا لم يدل على الفساد: فالأكثرون: أنه لا يدل على الصحة. ونقل عن أبي حنيفة ومحمد: أنه يدل على الصحة، ولهذا قالا: بحصة صوم يوم

النحر، وانعقاد عقد الربا، للنهي الوارد فيهما. المنافي: أنه لو اقتضاه لزم الترك بمقتضاه في مثل: "دعي الصلاة أيام أقرائك"، وفي نهيه عن المضامين والملاقيح، وأنه محذور وإن كان لدليل، ولأنه لا يدل بلفظه وهو ظاهر، ولا بمعناه، إذ الصحة غير لازم التحريم، ولأن الصحة تضاد مقصود التحريم، والواضع حكيم، فلم يجمع بينهما قالوا: النهي "عن" غير المقدور عبث وقبيح، كقوله للأعمى: "لا تبصر"، وللزمن: "لا تمش"، فلا يجوز من الحكيم. أجيب: بأنه مبني على التحسين والتقبيح، ومنقوض بالمناهي المحمولة على الفساد، وبأن المراد منه المعنى اللغوي، وبأن النهي محمول على النسخ. تنبيه: المراد بالفساد الذي يقتضيه النهي: الفساد الذي هو مرادف الباطل، لا الذي تقوله الحنفية. مسألة: ما نهي عنه لوصفه فهو كما نهي عنه لعينه، فليفسر بأصله خلافًا للحنفية،

كطواف المحدث، وصوم يوم النحر، وبيع الدرهم بالدرهمين، وإنما قضوا ببطلان صلاة المحدث لمنفصل دل على شرطية الطهارة، لا بمجرد النهي. لنا: أنه لا فرق بين النهي عن صوم يوم العيد، وبين النهي عن إيقاعه فيه، لأنه بمعنى نهيه عن أن يصوم فيه، وهو بمعنى الأول، ولأن المقتضى لذلك هو الماهية، لما ثبت أن لازم الماهية معلولها، فيكون كالنهي عنها. قالوا: (أ) الماهية مأمور بها فيختص بالنهي به، فيصح نظرًا إلى الماهية، ويفسد نظرًا إلى الوصف. (ب) ولأن التصريح غير مناقض كما في طلاق الحائض، وذبح المغصوب، ولو دل لناقض. وأجيب: بأنها كذلك بشرط العرا عن ذلك الوصف لا مطلقًا. وعن (ب) أن التصريح بخلاف الظاهر ليس مناقضة، بل بيان لاحتمال مرجوع. تنبيه: النهي عند الشافعي - رضي الله عنه - مقتض للفساد، ما لم يعرف له متعلق خارج الماهية، فيدخل تحته الأقسام الأربعة: ما متعلقه العين، أو الجزء، أو الشرط، أو الصفة، أو لم يعرف له متعلق. مسألة: النهي على الجمع معناه: لا تفعل هذا، ولا ذاك، وعن الجمع: لا تجمع بينهما، وعلى

العموم

البدل: لا تفعل هذا إن فعلت ذلك، وعن البدل: النهي "عن" أن تجعل بدلًا، ويفهم منه - أيضًا - النهي عن أن يفعل أحدهما بدون الآخر. العموم مسألة: حد العام: العام "هو اللفظة المستغرقة بجميع ما يصلح له بحسب وضع واحد". وفيه احتراز: عن المعاني العامة والألفاظ المركبة، والنكرة: إفرادا، وتثنية، وجمعًا، والألفاظ المشتركة، والذي له حقيقة ومجاز. وأورد: بأن المشترك: إن عم فلا يحترز عنه، وإلا: خرج بالمستغرق. وأجيب: بأنه حد للعام المتواطئ لا لمطلقه. واعترض عليه: بأن المستغرق مرادف للعام، والتعريف معنوي، فلم يجز تعريفه به. وأجيب: بمنعه اصطلاحًا، ولغة لا يضر، وبأنه غير ما نع لدخول مثل: ضرب زيد عمرًا. وأجيب: بمنعه فإنه مركب، وبأنه غير صالح لغيره، فلم يصدق عليه، إذ الاستغراق

ينفي التعدد. وقيل: "إنه اللفظة الدالة على شيئين فصاعدًا من غير حصر"، وفيه احتراز: عن النكرة جمعًا، وتثنية، وإفرادًا، وعن العدد. وهو غير جمع، لخروج المعدومات والمستحيلات عنه. وقال الغزالي - رحمه الله تعالى -: "هو اللفظ الواحد، الدال من جهة واحدة على شيئين فصاعدًا". واحترز "بجهة واحدة" عن مثل: ضرب زيد عمرًا. وزيف: بأنه إن أراد به دلالة "ضرب" عليهما فباطل، لأنها التزامية، ودلالة العام على معناه بالمطابقة، وإن عنى به دلالتهما على ذاتهما فكذلك، لخروجه عنه باللفظ الواحد. ثم هو غير جامع للمستحيل، وغير جامع لدخول أسماء العدد، وما ذكره يتناول عموم الشمول والبدل، كالنكرة في الإثبات إذا كان أمرًا، فلا تناقض بين عدة ذلك من العموم، وبين هذا الحد. وقيل: ما استغرق جميع ما يصلح له"، وهو غير مانع لدخول غير اللفظ تحته، والأظهر أن الاستغراق ظاهر في الشمول دون البدل، وهو يصلح أن يكون فرقًا بينه وبين العام، إذ هو مستعمل فيهما. مسألة: العموم من عوارض الألفاظ، وقيل: والمعاني - أيضًا - لغة.

للأول: أن العموم متحد شامل لمتعدد، وهو في مثل: عم المطر، والخير، والقحط، وعم بالعطاء ممتنع، لأن ما اختص بأرض، وقوم غير الذي اختص بآخرن والأصل عدم دليل آخر. واستدل: بأنه لو كان حقيقة في المعنى لاطرد، ونقض باللفظ. وتمسكوا بالاستعمالات المتقدمة، والأصل فيه الحقيقة، وأجيبوا بما تقدم، فأجابوا بمنع قدح ذلك في عمومه لغة. والحق أن المعنى الذهني عام، إذ لا تخصيص فيه، دون الخارجي. تنبيه إن اللفظ الدال على الماهية الكلية من غير تخصيص بوجه ما هو: المطلق، والدال على الجزئيات الداخلة تحتها هو: العام، ولو كان المعنى الكلي عاما لكان اللفظ الدلا عليه عاما بالعرض. مسألة: ما عم لغة على الجميع: بنفسه، لا يختص بالعقلاء، كـ "كل"، و"جميع"، و"أي" استفهاما ومجازاة، أو يختص بهم كـ "من" فيهم، أو بغيرهم كـ "ما"، وقيل: يتناولهما، لقوله تعالى: {والسماء ومابناها} [الشمس: آية 5]، {ولا أنتم عابدون ما أعبد} [الكافرون: 3] او مختص ببعضها: كـ "متى"، و "مهما"، و"أين"، و"حيث". أو لا بنفسه، بل بغيره: إما إثباتا كـ "الجمع المعروف باللام والإضافة"، وفي المفرد كذلك خلاف بين. أو نفيا: كـ "النكرة" في النفي، أو على البدل كالنكرة في الأمر والمضاف إليهما المصدر، كقوله تعالى: {فتحرير رقبة} [النساء: آية 92].

أو عرفًا: كقوله تعالى: {حرمت عليكم أمهاتكم} [النساء: آية 23] إذ أفادته تحريم جميع أنواع الاستمتاعات، إنما هو عرفًا لا لغة، أو عقلا: كتعميم الحكم لعموم علته، وتعميم الجواب الوارد على سؤال عام، ومفهوم المخالفة، وإن لم يقل بعلية الوصف فيه. مسألة: ذهب الشافعي وأكثر الفقهاء والمتكلمين على أن للعموم صيغًا حاصة به، وأنكره المرجئة، والواقفية، وأرباب الخصوص، والوقف: إما وقف الاشتراك وعليه الأكثر منهم، أو لا ندري، وعليه القاضي، ومنهم من قال: بالعموم في الأمر والنهي، وبالوقف في الأخبار، والوعد، والوعيد. وقال أرباب الخصوص: ما يظن للعموم نص في أقل الجمع محتمل له. لنا: (أ) العموم - لمسيس الحاجة إليه، وزوال المانع عنه ظاهرًا - له لفظ كغيره، ومنعت الأولى والثانية، وأسند إلى قلة الحاجة إلى جميع من بالمشرق والمغرب، أو ما فيهما، وبأن اللغات توقيفية، فهو كأنواع الروائح، ثم هو إثبات للغة بالدلالة، وهي إما تثبت توقيفيًّا، ثم لا يلزم منه أن يكون له لفظ مفرد على الانفراد. وأجيب:

بأن الحاجة إلى ألفاظ تدل على العموم في الأمر والنهي، والأخبار عن جميع المجودات، والمعدومات، والممكنات، ونحوها ظاهرة سيما في الشرعيات، والعلوم، وإن كانت دون ما يضطر إليه الإنسان بخلاف أنواع الروائح، وليس من شرط مسيس الحاجة أن تكون ضرورية. وعن (ب): زوال المانع ظاهرًا بالأصل، والاستقراء جلي، والتوقيف غير مانع، إذ يدعى الوضع للعموم اصطلاحًا، أو توقيفًا لحاجة العباد، ولأنه لو كان مانعًا لما صحلت الألفاظ العرفية. وعن (ج): أن الاستدلال بالعلة على المعلول جار في كل شيء، والحاجة علة الوضع، فيحسن الاستدلال بها عليه. وعن (د) و (هـ): ما سبق في الأمر. (ب) إجماع الصحابة وأهل اللغة عليه، إذ تمسكوا بألفاظ العموم على الوقائع، شائعا ذائعا على ما ذكرناه من غير نكير، إذ لو وجد لنقل، واشتهر فكان إجماعًا. مسألة: "من" و"ما" و"أين" و"متى" للعموم في الاستفهام، والخبر والجزاء، وكذا "كل" و"جميع". إذ لو كانت للخصوص لكانت إذا ذكرت بلا قرينة لما حسن الجواب بذكر العموم، لا الجري على موجب الأمر بفعله، لعدم المطابقة. ولا تعارض بمثله، إذ السؤال عن العام بالمطابقة سؤال عن الخاص بالتضمن فيحسن الجواب به عند عدم العام، ولهذا يجب على المدعى عليه نفي مدلول الدعوى مطابقة وتضمنًّا، والسؤال عن الخاص ليس سؤالًا عن العام، فلا يحسن الجواب به إذا كان للخاص، ولا يقال: الجواب به يفيد المطلوب جزمًا، لأنه يقتضي حسنه.

مسألة: ما اختص بالذكور لا يتناول الإناث، وبالعكس، وغير المختص يتناولهما - إن لم يجب دخول علامة التأنيث سواء جاز دخولها فيه كـ "من" أو لا كالناس، لدخولهما فيه لو ذكر وصية أو توكيل أو تعليق. وقيل: لا، إذ يقول العرب: "من" و"منه". وجوابه: أنه جائز، إذ أجمعوا على صحة استعماله بغير علامة فيهما. وإن وجب: فما فيه العلامة: لا يتناول الذكور وفاقًا، وما لا علامة فيه: لا يتناول الإناث إلا: لمنفصل خلافًا للحنابلة، والظاهرية. وقيل الخلاف في خطاب الشرع، لغلبة الاشتراك في أحكام الشرع. لنا: (أ) {المسلمين والمسلمات} [الأحزاب: آية 35] والتأسيس أولى من غيره. (ب) ما روي في سب نزول الآية، وحمله على "صراحة الذكر خلاف الأصل".

(ج) سمعت عائشة - رضي الله عنها - قوله صلى الله عليه وسلم: "ويل للذين يمسون فرجهم ثم يصلون ولا يتوضئون"، فقالت: هذا للرجال فما للنساء؟ ولم يرد صلى الله عليه وسلم عليها، بل أجاب عنه. (د) الجمع تضعيف الواحد، وهو لا يتناول الإناث، فكذا الجمع. (هـ) أجمعنا على أنه حقيقة في المذكر، ولو كان حقيقة في غيره - أيضًا - لزم الاشتراك. لهم: (أ) التذكير يغلب. (ب) دخولهن في أكثر أوامر الشرع. (ج) العرف، إذ يقال لأهل القرية كيف أنتم، وأنتم آمنون، ولم يخص السؤال بالذكور. وجواب: (أ) أنه يدل على صحة إرادتهن منه، لا على الظهور. (ب) و (ج) أنه لمنفصل. مسألة: نحو {يا أيها الناس} [البقرة: آية 21] يعم العبد والكافر، لعموم اللفظ، والأصل عدم

التخصيص. وقيل: لا، أما الكافر فلما سبق، وأما العبد: (أ) فلأن منافعه مستغرقة للسيد، لأن ما يدل على وجوب خدمته للسيد لا إشعار له بوقت دون وقت فيعم، والتخصيص خلاف الأصل. (ب) أنه يشبه البهائم، من حيث إنه يباع ويشترى، وجناياته تضمن بما نقص من قيمته، فلا يدخل تحت الخطاب كالبهيمة. (ج) لو قيل بدخوله، فحيث لم يدخل لزم الترك بمقتضى الدليل، وأنه خلاف الأصل، ولا محذور في عكسه، فكان أولى. وجواب: (أ) منعه، ويصار إلى تخصيصه لئلا يلزم تخصيص الأخص بالأعم، فإن النصوص الدالة على العبادات أخص منه. لنا: (أ) القطع بأن خطاب المفرد لا يتناول غيره لغة وعرفًا. (ب) أنه لا يعم لغة، وهو ظاهر، ولا شرعًا من جهة نقله إلى العموم، إذ الكلام مفروض فيه، ولأن النقل خلاف الأصل، ولا مجازًا لأن دلالته على العموم - حينئذ - تتوقف على القرينة المعممة فيه، والتعميم لمنفصل لا نزاع فيه. وقال إمام الحرمين: لا معنى للخلاف فيه، إذ ليس بعام لغة، وعام شرعًا. (ج) أنه لازم عليكم، فإن عدم دخوله تحته عندكم بطريق أن الرق مخصوص، لا أن اللفظ غير متناول له، فإن ذلك جهالة بينة.

مسألة: ما اختص بواحد من الأمة ليس بخطاب للباقين، خلافا لبعض الظاهرية. لنا: (أ) القطع بأن خطاب المفرد لا يتناول غيره لغة وعرفًا. (ب) أنه لا يعم لغة وهو ظاهر، ولا شرعًا من جهة نقله إلى العموم، إذ الكلام مفروض فيه، ولأن النقل خلاف الأصل، ولا مجازًا لأن دلالته على العموم - حينئذ - تتوقف على القرينة المعممة فيه، والتعميم لمنفصل لا نزاع فيه. وقال إمام الحرمين: لا معنى للخلاف فيه إذ ليس بعام لغة، وعام شرعًا، وفيه نظر إذ العموم في مقتضاه لا فيه. لهم: (أ) "حكمي على الواحد حكمي على الجماعة". (ب) لو كان الحكم مختصًا لذكر، كما خص أبا بكرة بقوله: "زادك الله حرصًا ولا تعد"،

وعبد الرحمن بن عوف بلبس الحرير، وأبا بردة بإجزاء التضحية بعناق، وخزيمة بقبول شهادته وحده، والأعراب بسقوط

الكفارة إلا سكت، فلو لم يفد التعميم لذكر، إذ السكوت لا يستفاد منه التعميم. وجواب: (أ) أن النزاع في عموم اللفظ لا في الحكم. (ب) أنه إنما لم يذكره، لوجود سبب تعميم الحكم، وهو علة الحكم، أو ما ذكرتم من الخبر ونحوه. مسألة: خطاب المشافهة يختص بالحاضرين، وإنما ثبت الحكم لمن بعدهم لمنفصل. خلافًا لبعض الفقهاء، والسلفيين، والحنابلة. لنا: (أ) أن من يحدث بعده لم يكن مؤمنًا، ولا إنسانا - إذ ذاك - فلا يتناوله. (ب) يشترط أن يكون المخاطب فاهمًا، ولهذا يشترط فيه البلوغ والعقل، وهو في المعدوم ممتنع

وأورد عليهما: أنه لا ينفي تناوله بعد وجوده وبلوغه، ولعل الخصم يقول بالتناول بهذا الاعتبار، كما يجوز خطاب المعدوم بهذا الاعتبار. وأجيب: بأن تناوله بهذا الاعتبار يخرجه عن أن يكون خطاب مشافهة، وجواز خطاب المعدوم بالتفسير المذكور إنما هو في غيره، سلمناه، لكنه يرفع النزاع. فإن قلت: فما الذي يدل على ثبوت الحكم في حقهم؟ قلت: الحق أنه معلوم بالضرورة من دين محمد صلى الله عليه وسلم ولأن ما يدل على دوام شرعه إلى قيام الساعة يدل عليه، والتمسك عليه بنحو قوله تعالى: {وما أرسلناك} [سبأ: آية 28]، وقوله صلى الله عليه وسلم: "بعثت إلى الأحمر والأسود" و "حكمي على الواحد، حكمي على الجماعة"

ضعيف إذ الألفاظ المذكورة في النصوص - أيضا - تختص بالموجودين. (أ) أيضًا لهم النصوص المذكورة، ووجه التمسك بها: أنه لو لم يكن خطاب القرآن وقت النزول خطابًا لهم لم يكن مبلغًا لهم، ولا رسولًا، ولا مبعوثًا إليهم، وهو "باطل" وفاقًا. (ب) الإجماع، فإن الصحابة والعلماء في كل عصر يتمسكون بالآيات والأخبار الواردة "إليهم" شفاها في إثبات الأحكام على من وجد في زمانهم، وإن لم يكن موجودًا وقت نزولها. (ج) أنه - عليه السلام - إذا أراد التخصيص ببعض الناس ذكر ذلك - كما سبق - ولو لم يكن الخطاب عامًّا في الكل لما احتيج إليه، وإن خص الخاص بالذكر، وهو باطل، وفاقًا، ولأنه جواب عما لم يسأل عنه بوجه ما، وهو قبيح، ولأن السكوت عنه قد يكون غرضًا، فذكره مناقض للغرض. ولو كانت مشتركة بينهما لوجب الاستفهام عن جميع مراتب الخصوص، إذ ليست مشتركة بين بعضها وبين العام وفاقًا، ولا يجب، لقبحه لغة، وتعذره، أو تعسره عقلًا، ولا يعارض بحسن بعضه، لأن حسنه ليس دليل الاشتراك، لما يأتي من فوائد الاستفهام. فإن قلت: إنما لم يجب الاستفهام، لأن مسماه أحدهما لا بعينه، فإذا أجيب بأيها كان، فقد أجيب عما سأل عنه. قلت: اللفظ - حينئذ - يكون متواطئًا، لا مشتركًا، ولأنه لو كان مدلوله ذلك لما توقف العمل على وجود القرينة المعينة وهو باطل وفاقًا، ولو وجب تبادره إلى الفهم عند السماع بلا قرينة، وهو خلاف الوجدان، ولوجب أن لا يحسن الجواب بالكل إذ هو جواب عما لم يسأل عنه وهو باطل إجماعًا. (ب) أنه يصح استثناء كل فرد منهما، أما في الاستفهام ففي جوابه، وأما في غيره ففي أصله، وهو يخرج من الكلام ما لولاه لدخل على ما يأتي.

(ج) سقوط الاعتراض عمن جرى على موجب العموم، وتوجهه على من ترك دليل العموم. (د) الإجماع على حرية كل من دخل داره من عبيده، لو علق العتق عليه. (هـ) لما نزل: {إنكم وما تعبدون} [الأنبياء: آية 98]، قال ابن الزبعري لأخصمن محمدًا به ثم أتاه - عليه السلام - وقال: "أليس قد عُبدت الملائكة، أليس قد عُبد عيسى؟ " تمسك بالعموم، ولم ينكره عليه، وترك جوابه بالتخصيص، وهو قوله تعالى: {إن الذي سبقت لهم منا الحسنى} [الأنبياء: آية 101]، ورده - عليه السلام - "عليه" بقوله: "ما أجهلك بلغة قومك، أما علمت أنَّ (ما) لما لا يعقل"، لم ثبت، ويؤيده نزول الآية المخصصة في جوابه، على ما ذكره المفسرون، ولو كان السؤال خطأ لما احتيج إلى جواب، ولأن ابن الزبعري من أهل اللسان فجهله به بعيد، ويؤكده قوله تعالى: {والسماء وما بناها والأرض وما طحاها ونفس وما سواها} [الشمس: أيات 5 - 7]، {ولا أنتم عابدون ما أعبد} [الكافرون: آية 3، 5] وحمل (ما) على المصدرية ضعيف، إذ القسم بالثاني أبلغ من البناء ولأن السماء دل عليه، لأنه جزؤه الصوري، فكان الحمل على غيره أولى. (و) اتفقنا على أنها للعموم، فلا يكون للخصوص النافي للاشتراك.

(ز) "جاءني كل فقيه" يناقضه "ما جاءني كل فقيه"، ورفع الكل لا ينافي ثبوت البعض، ومنع تناقضهما مطلقًا، وأسند إلى أنه لو فسره بالغالب صح، ولا ناقض. وأجيب: بأنه لا يلزم من عدم إفادته الكل إذ ذاك: عدم إفادته له عند الإطلاق، وهو بين. وأورد: بأنه يكفي في تناقضهما دلالتهما على شيء واحد. وأجيب: بأن ذلك الواحد لما لم يكن معلومًا ... لا من اللفظ، ولا من القرينة - إذ الكلام مفروض فيه، فتعين أن يكون ذلك هو الكل وعدمه. (ح) إذ قال: "أعتقت كل من في الدار من عبيدي" عتق الكل إجماعًا، وإذ قال: "أعط كل من دخل داري درهمًا" فإنه مطيع ممتثل بالاستيعاب، وعاص بالتخصيص، ولهذا يستحق اللوم عليه. (ط) الكل مقابل البعض على الإطلاق، ولهذا يستعمل كل واحد منهما في نفي الآخر، ولولا أنه للعموم لما كان كذلك. (ي) فرق أهل اللغة بين قوله "جاءني كل الفقهاء"، وبين قوله "جاءني فقهاء" ولو لم يكن الكل يفيد العموم لما حصلت التفرقة، وهذا لا ينتهض حجة على من قال بالاشتراك، لحصول الفرق - حينئذ - أيضًا. (يا) أنه مسمى بالتأكيد إجماعًا، وليس لتأكيد غير المعارف العامة، فيلزم أن يكون للعموم. (يب) كذب عثمان قائل:

............. ... وكل نعيم لا محالة زائل بأن نعيم أهل الجنة لا يزول، ولو لم يكن للعموم لما توجه. (يج) نعلم - ضرورة - بالاستقراء من عادة أهل اللسان: أنهم إذا أرادوا التعبير عن الشيء عموما فزعوا إلى الاستعمال لفظ "كل" و "جميع"، وما يجري مجراهما، ولو لم يكن للعموم لما كان كذلك. مسألة: الجمع المعرف باللام، أو الإضافة للعموم عند عدم العهد خلافًا لأبي هاشم، وإن أشكل فكذلك، خلافًا لإمام الحرمين. لنا: (أ) تمسك الصديق على الأنصار لما طلبوا الإمامة بقوله صلى الله عليه وسلم: "الأئمة من قريش"،

وتمسك عمر عليه لما هم بقتال مانعي الزكاة بقوله صلى الله لعيه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله" ولم ينكر عليهما. واعترض عليهما: (أ) بأن التعميم في الأول مستفاد بما عرف من قصده - عليه السلام - بذلك تعظيم قريش، وميزهم عن غيرهم. (ب) وفي الثاني: من العلة الموجبة لعصمة النفس والمال، وهي كلمة التوحيد، فإنها مناسبة لذلك، ولأن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية، ولا عصمة مرتبة عليها، فهي علتها. وأجيب: - عن (أ) أن الأصل إحالة الفهم إلى اللفظ، دون القرائن، لأن مطلق التعظيم لا يفيده، والتعظيم الخاص يمنع أنه معلوم من قصده، وهذا لأن ادعاء معرفته ادعاء معرفة اختصاص الإمامة بهم من قصده - عليه السلام - ومعه لا يتصور النزاع، سلمناه، لكن بالنسبة إلى البعض، دون الكل فلم يجز إحالة فهمه إلى القرينة. وعن (ب) أنه فهم منه الحكم على العموم من أرباب اللسان من لم يعرف القياس، وشرائطه، وإحالة الجلي على الخفي غير جائز، ولأن قوله - عليه السلام -: "إلا بحقها" ينفي ما ذكرتم من حيث أن عود الاستثناء إلى المذكور لفظًا أولى من المذكور معنى.

(ب) أنه مؤكد بما يفيد العموم، فوجب أن يفيده، وإلا: لم يكن مؤكدًّا به، ولا ينقض بقوله: قد صرت البكرة يومًا أجمعا ... ........................ لأنه شاذ يمنع صحته على رأي البصريين، سلمناه، لكنه يفيد تعميم أجزائه، وللمؤكد دلالة عليه. (ج) أنه يصح الاستثناء كل فرد منه وهو ضروري بعد الاستقراء، وهو: من الكلام ما لولاه لدخل فيه. فإن قيل: الثانية ممنوعة، وسنده الاستثناء من غير الجنس كقوله تعالى: {إلا إبليس} [الكهف: آية 50]، وهو ليس منهم لقوله تعالى: {كان من الجن} [الكهف: آية 50]، وقوله: {إلا قيلا سلاما} [الواقعة: آية 26]، {إلا اتباع الظن} [النساء: آية 157]، وقول الشاعر: ..................... .... وما بالربع من أحد إلا الأواري .............. ... .....................

قلنا: الدليل عليها: ما نقل عنهم، الاستثناء: "يخرج من الكلام ما لولاه لوجب دخول فيه"، والاستثناء من غير الجنس مجاز، وإن تصور بصورته، إذ هو مشتق من الثني، وهو الصرف، وهو إنما يعقل فيما يتصور فيه الدخول. وعورض ذلك بما نقل عنهم - أيضًا -: أنه يخرج من الكلام ما لولاه لصح دخوله، والترجيح معنا: إذ الصحة أعم منه، وجعله حقيقة في العام أزلي، ولأنه يصح الاستثناء من الجمع المنكر قلة أو غيرها. و- أيضًا - يصح: صل إلا: اليوم الفلاني، وهو ليس للتكرار وأبطل: بأنه لو كان عبارة عنه لما بقي فرق بين الاستثناء عن الجمع المعرف والمنكر، ولكنه معلوم ضرورة، وهو بالدخول وعدمه لأنه غير منتف بالإجماع. ولأنه نقل عنهم: أنه إخراج جزء عن كل، والأصل الحقيقة الواحدة، و- أيضًا - لو كان عبارة عنه لصح قول القائل: رأيت رجلًا إلا: زيدًا، لصلاحية دخوله تحته، لكنه باطل إجماعًا فإن قلت: لعله لمانع. قلت: الأصل عدمه، فإن بين وهو أن المرئي متعين في نفس الأمر، والإيهام إنما هو عند السامع، واستثناء المعين لا يصح، فنحن نمنعه، سلمناه، لكن إسناد انتفاء الصحة إلى عدم المقتضي أولى من إسناده إلى وجود المانع. سلمنا عدم بطلانه، لكن ترجيحكم الأول معارض بما أنه لو جعل حقيقة في الوجوب لأمكن جعله مجازًا في الصحة من غير عكس، ولو أمكن فالأول أولى، لما تقدم. وعن الثاني: أنه يجب حمله على التجوز جمعًا بين الدليلين، هذا إن سلم عدم تعميمه، وإلا: فهو ساقط. وأجيب عنه: هب أن الاستثناء من الجمع المنكر عبارة عن ذلك، فلم قلتم: إنه في سائر الصور

كذلك، وضعفه بيِّن، للزوم الاشتراك والدور. وعن الثالث: أن الاستثناء قرينة التكرار. (د) يصح انتزاع المنكر من المعرف من غير العكس، والمنتزع منه أكثر، وهو إما الكل وإما دونه، والثاني باطل إجماعًا، فتعين الأول، لا يقال: إنه لقرينة الانتزاع، لأن الأصل، إحالته إلى اللفظ دون القرينة. (هـ) أنه لو لم يحمل على العموم: فإن حمل على جمع معين فباطل، إذ ليس في اللفظ، ولا في غيره ما يشعر به، إذ الكلام مفروض عند عدم المعهود السابق، أو غير المعين، وهو - أيضًا - باطل: أما أولا: فبالاتفاق، وأما ثانيًا: فلأنه لا يبقى فرق بينه والمنكر، وأما ثالثا: فلأنه لا يكون لدخول اللام فائدة. فإن قلت: الفرق، والفائدة أنه صالح للعموم والخصوص، بخلاف المنكر. قلت: فحينئذ يلزمكم محذور الإجمال، أو لا يحمل على شيء وهو باطل إجماعًا، وحينئذ يلزم حمله على العموم. (و) اللام للتعريف وفاقًا، والمعرف به ليس هو الماهية لتعرفهما بالجمع، ولا البغض، لما سبق، فهو الكل. وبهذا يتمسك من يقول: المفرد المعرف يعم، وإلا: فيرد على ذلك نقضًا. فإن أجيب عنه أنه لتعيين الماهية المشتركة بين كل فرد، أجيب بمثله - هنا - فإنه لتعيين الجمع المشترك بين كل جمع. فرع: - الكناية تابعة للمكني في عمومه وخصوصه، وإلا: لزم التخصيص والإجمال، أو عود الضمير إلى غير المذكور، ولأن السيد إذا قال: افعلوا - بعد أن ذكر لفظ العبيد - فإن

مسألة

المخلف منهم يستحق اللوم. مسألة في أن النكرة في سياق النفي تعم: لصحة الاستثناء، وكلمة التوحيد فإنه يصح بها الإسلام إجماعًا وإن لم يعلم قصد التعميم من المتلفظ بها. وبقوله تعالى: {قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى} [الأنعام: آية 91]، لقولهم: {ما أنزل الله على بشر من شيء} [الأنعام: آية 9]، ولتسميتهم "لا" لنفي الجنس، وهو بانتفاء كل فرد منه. فإن قلت: إنه ينفي الماهية، لا الأفراد، وإن لزم منه ذلك الغاية منه دلالة على الأفراد مطابقة. قلت: مرادنا من أن النكرة في سياق النفي تعم: عموم النفي لا نفي العموم، وهو تارة ينفي ما يلزم منه نفي الأفراد، وتارة ينفيها ومتى ثبت الخاص ثبت العام. مسألة: المفرد المعرف باللام يفيد العموم عند عدم العهد عند الفقهاء والمبرد، والجبائي، خلافًا للمتكلمين، وقيل: إن كان واحدة كـ "التمر" عم، وإلا: فإن تشخيص مدلوله، وتعدد كـ "الدينار" احتمل العموم، كقوله: "لا يقتل مسلم بكافر"،

وتعريف الماهية: وهو الأشبه كقوله: الإنسان نوع، وإن لم يكن كذلك عم كالتراب والذهب، وهو اختيار الغزالي. للفقهاء: (أ) أن اللام للتعريف، و"قد" تقدم تقريره وجوابه. (ب) أنه ينعت بما ينعت به الجمع المعرف، كقوله: {والنخل باسقات} [ق: آية 10] و"أهلك الناس الدينار الصفر". وأجيب: بأنه مجاز لعدم الاطراد، ولو سلم فالمراد الجنس، لا جميع الأفراد. وما قيل بأن الدينار الصفر لو كان حقيقة لكان الدينار الأصفر مجازًا، أو خطأ كما في الجمع، فضعيف جدًّا. (ج) أنه يصح منه استثناء الآحاد والجمع، كما في قوله: {إلا الذين آمنوا} [العصر: آية 3]. وأجيب: بأنه مجاز، لعدم الاطراد. (د) أنه ليس البعض أولى من البعض فيعم كما إذا كان المعهود جمعًا. وأجيب: بأنه لتعريف الماهية إذ ذاك. (هـ) ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية، فيعم الحكم لعموم علته. وأجيب: بأنه تمسك بغير اللفظ. للمتكلمين: - (أ) أنه لا يؤكد بما يؤكد به الجمع، ولا ينعت بما ينعت به الجمع، وما جاء منه فمجاز، لعد الاطراد.

مسألة

(ب) أنه لا يفهم من قوله: لبست الثوب، وشربت الماء والأصل عدم التخصيص، ونقض بالجمع المعرف، إذ مثله آت فيه. وأجيب: بأنه تخصيص للجمع بين الدليلين، وليس كذلك - هنا - لأنا نجيب عن أدلتهم. (ج) أن إحلال هذا البيع إحلال البيع، لكونه جزأه، فلو أفاد إحلال البيع العموم، لأفاده إحلال هذا البيع، ولا نجعل عدوه هنا شرطًا لعمومه، ولا تقييده به مانعًا منهن لأن العدم لا مدخل له في التأثير والتعارض خلاف الأصل. وأجيب: عن (أ) بأن العموم أعم من أن يكون عموم جمع أو آحاد، ولا يلزم من نفي الخاص نفي العام. وعن (ب) أن اعتقاد كونه دليلًا على العموم يوجب التعارض، وهو خلاف الأصل. وعن (ج) النقض بالجمع المشار إليه، وبما أنه جعل "عدا" لفظ الجمع عن البعض شرطًا لإفادته العموم، وعند هذا يجب فيه التوقف. مسألة الجمع المنكر لا يعم، ويحمل على أقل الجمع. خلافًا للجبَّائي، والخلاف في جمع القلة أبعد، لو كان. لنا: أنه يمكن نعته بأي عدد أريد، فكان للمشترك بين الكل.

الجبائي: (أ) أنه يصح منه الاستثناء. وأجيب: بأنه يعتمد فيه على صحة الدخول، لا وجوبه كما سبق. (ب) أن حمله على العموم حمل له على جميع حقائقه، فكان أولى. وأجيب: أنه لا حقيقة له إلا: القدر المشترك بين الجموع، لكن أقل الجمع لا بد منهن فتعينه لذلك. (ج) لو لم يحمل على العموم لزم الإجمال، إذ ليس البعض أولى من البعض. وأجيب: بمنعه إذ أقل الجمع أولى، والأصل براءة الذمة عن الزائد. احتج منكرو العموم: (أ) بأن العلم بعموم ما عم ليس ضروريًّا، ولا نظريًّا عقليًّا، إذ لا مجال له في اللغات، ولا نقليًّا متواترًا، لوجود الخلاف، ولا آحادا، لأنها لا تفيد العلم، والمسألة علمية، وبأن الأدلة متعارضة والاحتمالات متقاومة، والجزم بواحد ترجيح من غير مرجح، فيجب التوقف، وبهما يتمسك من ينفي الدراية. (ب) أنه استعمل فيهما فيكون حقيقة فيهما، وليس هو متواطئًا فيهما إجماعًا، فيكون مشتركًا. (ج) حسن استفهامه دليل اشتراكه إلا لزم تحصيل الحاصل. (د) دلالته على الخصوصية متيقنة، وعلى العموم مشكوكة، والأخذ بالمتيقن أولى. (هـ) لو كان العموم لكان دخول "كل" و "بعض" عليه تكرارًا ونقضًا، ولكان الاستثناء نقضًا، كتعدد الأشخاص واستثناء واحد منهما. ولزم تكثير المجاز، لأن استعمال في الخصوص أكثر، ولزم الكذب حيث لا عموم، ولا عكس لحصول الخصوص حيث حصل العموم، ولما جمع "من"، لأن فائدة الجمع أكثر، وليس بعد العموم كثرة، لكنه يجمع، قال الشاعر: أتوا ناري، فقلت منون أنتم؟

وجواب: (أ) ما تقدم في الأمر. وعن (ب): منع أنه ترجيح من غير مرجح، لأنه إذا كان حقيقية في العام أمكن جعله مجازًا في الخاص من غير عكس، ولأن جعل اللفظ حقيقة في العام أولى لكثرة الحاجة إليه. وعن (ج): أنه دليل الحقيقة بشرط أن لا يستلزم الاشتراك كما سبق. وعن (د): بمنعه، وإلا: لوجبت الاستفهامات المذكورة، ولامتنع أن يجاب عنه بغير ما منه الاستفهام، و- أيضًا - فإنه قد يحسن الاستفهام مع اتحاد الحقيقة وسببه من الذي لا يجوز عليه السهو والمجازفة تقوية الظن بالعموم، وإبعاد التخصيص، وفي الخص بتقوية الظن بالحقيقة وإبعاد التجوز، وتوثيق السمع احتراز عن الاشتباه بما يناسب، ومن الذي يجو عليه السهو ما تقدم واستبانة تحفظه وتيقظه، ونفي المجاز عن كلامه. وعن (هـ): أنه لا يدل على أنه مجاز في الزائد عليه وفاقًا، وإلا: لزم النقض بالجمع المنكر، فإن دلالته على الثالثة متيقنة، مع أنه ليس في الزائد عليه مجازًا "وفاقا ثم هو معارض بما أن الحمل على العموم محصل الغرض يقينًا"، دون الحمل على الخاص. وعن (و): أنه تأكيد وتخصيص، ويمنع أن الاستثناء نقص، والفرق بينه وبين ما قيس عليه ظاهر جدًّا، وبمنع لزوم الكذب، فإن إرادة المجاز ليس بكذب وأن المكان قد يصار

مسألة

إليه لقيام الدلالة عليه، ويمنع الملازمة، فإن العموم بصفة الوجدان غير العموم بصفة الجمع، ليس كل عام يمتنع جمعه، فإن المفرد المحلى باللام لا يمتنع جمعه، وإن قيل بعمومه، سلمنا الملازمة لكن نمنع انتفاء اللازم، فإنه ليس بجمع، بل تؤكد "الواو" بسبب إشباع الحركة، سلمناه، لكنه شاذ، فلا يحتج به. تذنيب: من فرق بين الأمر والنهي والأخبار قال: الإجماع منعقد على أن تكاليف الشرع عامة متناولة لجميع المكلفين، ونحن مكلفون باعتقاد تعميمها، والحاجة ماسة إلى ما يدل فيها بصفة التعميم، لعموم التكليف بخلاف الأخبار. وأجيب: بأن من الأخبار ما كلفنا باعتقاد تعميمه، والحاجة ماسة إلى الأخبار عنه على وجه التعميم، كقوله تعالى: {والله بكل شيء عليم} [النساء: آية 176]، فلا فرق بينهما إذا. مسألة أقل الجمع ثلاثة عند عثمان وابن مسعود، وابن عباس، والشافعي، وأبي حنيفة، وأصحابهما، وأكثر المتكلمين.

وعند زيد, ومالك، والظاهرية، والقاضي، والأستاذ، والغزالي، اثنان، ونسب إلى الأشعري. وقيل: لم يثبت النقل عن زيد، وإنما نسب إليه لأنه يرى أن الاثنين من الأخوة والأخوات يردان الأم من الثلث إلى السدس. للأولين: قول ابن عباس لعثمان: "ليس الأخوان أخوة في لسان قومك" ولم ينكر عليه، وعدل إلى الاعتذار عنه، وعورض بقول زيد: "الأخوة أخوة". وأجيب: بأنه يحتمل الاجتهاد دون الأول، ولو سلم فيرجح الأول لكونه إجماعًا، ولكثرة. وأن الجمع ينعت بالثلاثة، وهي تضاف إليه، دون التثنية وأن أهل اللغة فصلوا بين التثنية والجمع وكذا بين ضمائرهما، وأورد: بأن الفصل لتمييزه عن غيره. وأنه يصح سلب الجمع عنه، وأورد: بأنه أريد منه إذ ذاك غيره، لقرينة السلب. وأجيب: بأن فتح هذا الباب ينفي أن تكون صحة السلب علامة التجوز، ولأنه لو كان للقرينة لزم التعارض. وأنه لو نذر، أو وصى بلفظ الجمع لزمه الثلث.

وأجيب: بمنعه، بل هو على الخلاف، وهو أن حمل الجمع المنكر على الاثنين، وجواز تخصيص العام إليه مبني على هذا. واحتجوا: (أ) بقوله تعالى: {وكنا لحكمهم شاهدين} [الأنبياء: آية 78] وأراد داود وابنه. (ب) وقوله: {إنا معكم مستمعون} [الشعراء: آية 15] وأراد موسى وأخاه. (ج) و {إذ تسوروا المحراب} [ص: آية 21] وكانونا اثنين لقوله تعالى: {خصمان} [ص: آية 22]. (د) وقوله تعالى: {عسى الله أن يأتيني بهم جميعا} [يوسف: آية 83] وأراد يوسف وأخاه. (هـ) وقوله: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} [الحجرات: آية 9]. (و) وقوله: {فقد صغت قلوبكما} [التحريم: آية 4]. (ز) وقوله: {فإن كان له إخوة} [النساء: آية 11]، "والاثنان يردان" إلى السدس، والأصل دليل آخر. (ح) وقوله صلى الله عليه وسلم "الاثنان فما فوقهما جماعة". (ط) ولأن الاجتماع حاصل في الاثنين. (ي) و- أيضًا - يقال لمن تبرجت لواحد بعد واحد: أتتبرجين للرجال؟ ورد: (أ) بأن الأنبياء مراد، وذكرهما مشعر بذكرهم، أو المحكوم عليهما معهما.

مسألة

و (ب) بأن فرعون مراد معهما. و(ج) بأن الخصم يطلق على الواحد والجمع، كالضيف، وأورد عليه: أن ظاهر قوله تعالى: {إن هذا أخي له تسع} [ص: آية 23]، يدل على أن كلا من الخصمين واحد. و(د) بأن الأخ الثالث مراد معهما. و(هـ) بأن طائفة تطلق على الجمع والتثنية. و(و) بأن المراد الدواعي، جمعًا بين الأدلة، ولأنه وصف بالعضو، والعضو لا يوصف به وبأنه إنما جمع استقلالًا، للجمع بين التثنيتين. و(ز) بأن ذلك للإجماع، وشهره مستندًا لإجماع غير واجب. و(ح) بأنه محمول على إدراك فضيلة، أو جواز السفر. و(ط) بأنه غير وارد على محل النزاع. و(ي) بالنقض، إذ يقال مثله لمن تبرجت لواحد، فلعل ذلك لاعتقاده بأن ذلك دأبها مع الكل. مسألة نحو {لا يستوي} [الحشر: آية 30] يعم عند أكثر أصحابنا. قالت الحنفية، والغزالي، والإمام: لا يعم. لنا: (أ) أنه نفي يستوي، وهو أعم من أن يكون في الكل، أو في البعض، لصحة تقسيمه إليهما، ونفي العام ينفي كل فرد منه.

مسألة

(ب) أنه لا فرق بينه وبين المساواة إجماعًا، وأنه يعم كغيره من النكرات "المنفية". (ج) أنه لو لم يعم لكفى فيه نفي المساواة، ولو من وجه، و - حينئذ - يجب أن يصدق على كل شيئين، فلا يصدق عليه مثبتة، لأنهما متناقضان عرفًا، لكنه باطل لغة وعرفًا، ولأن كل شيئين يصدق عليهما أنهام يستويان في الوجود، أو في الشيئية، ومتى صدق المقيد صدق المطلق. لهم: (أ) ضد هذا. (ب) نفي الاستواء أعم من نفيه من كل الوجوه، ومن بعض الوجوه، لصحة تقسيمه إليهما، والدال على المشترك بين القسمين لا إشعار له بهما ولا بأحدهما. (ج) أنه لو عم لما صدق في صورة "ما"، لكنه باطل. فإن قلت: يصدق مجازًا. قلت: أنه خلاف الأصل، فما يستلزمه - أيضًا - كذلك. وأجيب: أنه لما تعارضت الدلائل، كان الترجيح معنا؛ لأن التعميم أولى من الإجمال. مسألة المقتضى لا عموم له، خلافًا لبعضهم. لنا: أن تعليل الإضمار أوفق للأصل. له: (أ) أنه يقتضي رفع نفس الخطأ، ولما تعذر حمله عليه وجب حمله على رفع جميع أحكامه، لأنه أقرب المجاز إليه.

(ب) ليس إضمار البعض أولى من البعض، فإما أن لا يضمر شيء أصلًا، وهو باطل وفاقًا، أو يضمر الكل، وهو المطلوب. (ج) أنه في العرف محمول على العموم، إذ يقال: ليس في البلد قاض والمراد منه: نفي جميع الصفات المطلوبة منه. وأجيب: عن (أ) أن الحمل عليه إنما يجب لو لم يستلزم محذورًا. وعن (ب) أنا نضمر حكما ما، والتعيين لدليل خارجي، وهذا وإن لزم منه إجمال، لكن التعميم يلزم منه إضمارات كثيرة، فلم قلت: إنه أولى "منه". فإن قلت: الإضمار خير من الاشتراك. قلت: لا يلزم منه أنه خير من الإجمال. وعن (ج) بمنعه، بل هو محمول على نفي كل صفاته المطلوبة منه. وهو قد يكون بنفي واحد منها. مسألة المتعدي إلى مفعول عام في مفعولاته عند الشافعي وأصحابه، وأبي يوسف، فيقبل فيه التخصيص. وأنكره الحنفية. لنا: (أ) اعتباره بما لو أكده بالمصدر، لوجود المصدر في الفعل ضمنًا، وما ضمن كالملفوظ،

بدليل أنه لو قال لامرأته: طلقي نفسك، ونوى ثلاثًا - صح وفاقًا. وما قيل: إن "أكلا" ليس بمصدر، لأنه يفيد: أكلًا واحدًا منكرًا، والمصدر هو ماهية الأكل فقط، فضعيف جدًّا. (ب) قوله: "أكلت" يستدعي مأكولًا مطلقًا، وإرادة المقيد من المطلق جائز، فيقبل نية التخصيص فيه، ومنه يعرف أنه ليس من ضرورة قبول نية التخصيص عمومه. (ج) أن "لا آكل" ينفي ماهية الأكل، ونفي الماهية ينفي كل فرد من أفرادها، فهو إذا يقتضي "نفي" أفرادها، وهو معنى العموم، فتقبل نية التخصيص، كالنكرة في سياق النفي. لهم: (أ) أنه لا يصح نية التخصيص باعتبار لفظه، وهو ظاهر، ولا باعتبار غيره، ولا يصح في المفعول فيه بجامع تعظيم اليمين. (ب) أن تعميمه تعميم المقتضى، إذ المأكول مضمر فيه للضرورة، كالملك في قوله: اعتق عني عبدك بألف. (ج) المحلوف عليه هو الأكل الكلي الصادق على كل أكل، وهو معنى واحد لا تعدد فيه، فلا يقبل نية التخصيص. وأجيب: عن (أ) بمنع انتفاء اللازم، ثم بالفرق وهو: أن تعلق بالفعل بالمفعول به أقوى من تعلقه به، بدليل وجوب إقامته مقام الفاعل مع وجوده، ولأنه يمكن انفكاك الفعل عن الزمان والمكان، كما في فعله تعالى، ولا يمكن انفكاك فعل متعد إلى مفعول به عنه. وعورض: بأنه لازم للمتعدي وغيره، بخلاف المفعول به. وأجيب: بمنعه، وسنده ما تقدم، سلمناه لكن لا يلزم منه عموم قبول نية التخصيص باعتبار غير اللفظ لأنه أعم منه، ففساده لا يوجب فساده. وعن (ب) بمنعه، إذ دلالة الفعل على المفعول به من جهة الوضع دونه.

وعن (ج) أنه يقبل التقييد، وإن لم يقبل التخصيص. مسألة نحو: {يا أيها النبي} [التحريم: آية 1] لا يتناول الأمة، فإن يثبت ذلك الحكم في حقهم فللمنفصل. خلافًا للحنفية والحنابلة، فإذا خروجهم عنه لمنفصل. وما اختص بهم لا يتناوله وفاقًا. أدلة الجمهور لنا: أنه لا يدل عليه بلفظه، إذ لم يوضع لهم، ولا بمعناه، لأن ثبوته في حقه - عليه السلام - لا يستلزمه ثبوته في حقهم قطعًا، ولا ظاهرًا لئلا يلزم مخالفته حيث لم يثبت. ولأن ثبوت الحكم في حقه قد يكون مصلحة دونهم، ولهذا اختص الرسول بأحكام، فلا يلزم من الثبوت الثبوت. لهم: (أ) بأنه يفهم عرفًا من خطاب المقدم على قوم خطابهم معه، ولهذا من تخلف منهم يستحق الذم. (ب) كانت الصحابة تعتقد دخولهم تحت الخطاب المختص به - عليه السلام - ولهذا كانوا يتسارعون إلى فعله بمجرد سماعه.

(ج) الغالب الاشتراك في الأحكام، وهو يغلب ظن الدخول. وجواب: (أ) أنه غير مطرد، وحيث يفهم ذلك فالقرينة دالة. و(ب) منعه، ولو سلم فمنفصل. و(ج) أنه لدليل آخر، لا من نفس الخطاب. مسألة: ما تناول الرسول والأمة، كقوله: {يا أيها الناس} [البقرة: آية 21]. ثالثها: قال الصيرفي والحليمي. لا يدخل إن كان معه "قل". لنا: (أ) عموم اللفظ. (ب) دخوله في كثير من الخطاب الذي شأنه ما ذكرنا، بدليل ثبوت حكمه في حقه، والأصل عدم دليل آخر. (ج) فهمت الصحابة دخوله تحته، لأنه إذا كان لم يفعل سألوه فيذكر موجب تخصيصه، فكان إجماعًا. وأورد عليه: بأنه لقرينة التسوية، إذ يقل مثله في الخطاب الخاص بهم. لهم: (أ) أن منصبه يقتضي إفراده بالذكر، لما فيه من التعظيم.

(ب) له خصائص في الأحكام، فليخص بكل ما يعني به. (ج) لو كان داخلًا تحت الخطاب لكان مبلغًا ومبلغًا إليه، وهو ممتنع. وجواب: (أ) منعه، ووجوب رعاية كل ما فيه التعظيم البالغ بالنسبة إلى الله تعالى ممنوع. (ب) منع لزوم الثاني للأول. (ج) أنه غير ممتنع باعتبارين مختلفين. وجواب: (أ) و (ب) المنع، إذ التبليغ قد يحصل بغيره، والتمسك بها وبغيرها. (ج) المعهود إنما هو التخصيص ببعض الحاضرين، وهو عام فيهم. مسألة: المخاطب يدخل تحت خطابه إذا كان صالحا له، وخروجه عنه لمنفصل. خلافًا لبعض الشاذين. لنا: اللفظ عام وكونه مخاطبًا ليس بمانع منه، إذ لو صرح به لم يعد متهافتًا، ولأن الأصل عدمه، ويؤكده الاستعمال كقوله تعالى: {والله بكل شيء عليم} [البقرة: آية 282، النور: أيات 35، 46، الحجرات: آية 16، التغابن: آية 11]. لهم: (أ) قوله تعالى: {والله على كل شيء قدير} [البقرة: آية 248، آل عمران: آية 29، المائدة: آية 17، الأنفال: آية 4]. و {الله خالق كل شيء} [الزمر: آية 62]، ولم يدخل هو تعالى تحته.

مسألة

(ب) لو لم نقل به فحيث دخل فلمنفصل، ولو قلنا به فحيث لم يدخل يلزم الترك بالدليل. وجواب: (أ) أنه لمنفصل. (ت) ما سبق. مسألة قول الصحابي: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر. (وقضى بالشفعة).

أو (قضى بالشاهد واليمين، ونحوه) لا يعم إذ الحجة هو المحكي، ولعله وقع في صورة خاصة تظن عمومه وقيل: يعم، إذ هو عدل عارف فالظاهر الصدق، فوجب الاتباع، واحتمال الخصوص خلاف الظاهر.

وأجيب: بأن عدالته إنما تمنع من التقول لا من الاجتهاد، فلعله قال اجتهادًا. وقوله عليه السلام: "قضيت بالشفعة للجار" يعم ظاهرًا، ويحتمل أن يكون في جار معين، واللام للعهد، ويقل هذا الاحتمال عند سماعه شفاها، إذ المعهود يعلمه السامع ظاهرًا. وقوله: "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الشفعة للجار" وقوله - عليه السلام -: "قضيت بأن الشفعة للجار" أظهر في العموم من المتقدمين، لظهور بيان شرعية الحكم. مسألة: لا عموم للفعل بالنسبة إلى أحواله، إلا: لمنفصل لأنه إن لم يقع إلا: على وجه واحد كقوله: (صلى داخل الكعبة) فظاهر.

وإن أمكن وقوعه على غيره كقوله: (صلى بعد الشفق). فكذلك، وإن قيل: يحمل المشترك على المهفومين، لأنه محتمل لهما، فلا يثبت العموم مع الشك، نعم لو قيل: بعد الشفقين عملهما، للصراحة بكيفية الوقوع. وكذلك قوله: "كان الرسول - عليه السلام - يجمع بين صلاتين" لا يعم وقتيهما، ولا سفر النسك وغيره، وإن قيل: بأنه يفيد التكرار، وإلا ظهر أنه

مسألة

لا يفيده لغة، ويفيده عرفًا، إذ لا يقال: كان يتهجد إذا فعله مرة. ولا عموم له - أيضًا - بالنسبة إلى الأشخاص، ودخول الأمة في فعله - عليه السلام - لمنفصل مسألة قال الشافعي رضي الله عنه: ترك الاستفصال في حكاية الحال، مع قيام الاحتمال، ينزل منزلة العموم في المقال. كقوله عليه السلام - لابن غيلان حين أسلم على عشرة: "أمسك أربعًا وفارق سائرهن".

مسألة

من غير سؤال عن كيفية عقدهن جمعا وترتيبًا، لأن إطلاقه القول يدل على أنه لا فرق بينهما. وتقدير احتمال معرفة الحال خلاف فرض المسألة. مسألة إذا علق الشارع حكمًا على علة عم قياسًا شرعًا. وقيل: صيغة. وقال القاضي والغزالي: لا يعم. لنا: أن المتبادر إلى الفهم من قوله: "فإنه يحشر يوم القيمة ملبيًّا".

مسألة

علته الإحرام، والحكم يعم، لعموم علته وفاقًا ولا يعم صيغة، إذ ليس في اللفظ ما يفيد العموم لغة أو عرفًا وقوله: "حرمت الخمر لإسكارها" مثل "حرمت المسكر" ممنوع. ولأنه لو قال: أعتقت غانما لسواده، لا يعتق جميع عبيده السود. قالا: يحتمل أن يكون لخصوصية ما ورد فيه مدخل. قلنا: يعم لكنه مرجوح والراجح ما تقدم، ولأنه عليه السلام جعل علة الحكم خاصة الإحرام. مسألة مفهوم الموافقة إذا لم يكن دلالته لفظية -، ومفهوم المخالفة ليسا بعامين، إذ العام: لفظ تتشابه دلالته بالنسبة إلى مسمياته". وقيل: بعمومه، لثبوت الحكم به في جميع الصور ولا نزاع فيه. مسألة العطف على العام لا يقتضي العموم، إذ مقتضاه الجمع، قال الله تعالى: {وبعولتهن أحق

بردهن} [البقرة: آية 228] وهو خاص مع أن ما تقدمه عام. التخصيص وحده (إخراج بعض ما يتناوله الخطاب عنه). وعند الواقفية، والقائلين بالاشتراك "إخراج بعض ما يصح أن يتناوله". وأورد على الأول: بأن الحقيقة إن كانت مرادة فلا إخراج، وإلا: فلدليل، و - حينئذ - لا يتناول. وضعفه بين. والتقييد بالوضع غير محتاج إليه في كونه مانعًا، لأن اللفظ وحده لا يتناول المعنى المجازي. والعام المخصوص: ما استعمل في بعض ما تناوله، وعلى الرأي الآخر: ما استعمل في بعض ما يصح تناوله. والمخصص حقيقة: قصد المتكلم. ويقال مجازًا: لدليله، ولإقامة الدلالة، ولمن اعتقده، أو قال به. مسألة: فرق بين التخصيص والنسخ: بأنه يختص بالزمان، والتخصيص بالأعيان، وأن النسخ يرد على حكم ثابت بطريق ما،

والتخصيص يختص بالثابت لفظًا، وأنه يرد على حكم الخاص، والتخصيص يختص بالعام - وأنه إبطال دونه، فإنه بيان. وأن الناسخ يجوز تأخيره عن وقت العمل بالمنسوخ، بل يجب على رأي، دونه. وأنه يجوز نسخ شريعة بشريعة، ولا يجوز تخصيص شريعة بأخرى، وهو فرع ما تقدمه. وأن النسخ رفع، أو انتهاء بعد ثبوت، دونه، وأن الناسخ يجب تراخيه، دونه، وأنه لا يثبت بالإجماع والقياس، بخلاف التخصيص. وأنه لا يجوز نسخ المقطوع بالمظنون، وتخصيصه به جائز، ونسخ الخبر غير جائز على الأظهر، وتخصيصه جائز، وأن الناسخ يجب أن يكون طريقًا شرعيًّا، دونه. وقيل: التخصيص عام، والنسخ خاص، وفرق ما بينهما ما بين العام والخاص. وفيه نظر، إذ لا يصح ذلك لغة، ولا شرعًا، لما تقدم. مسألة يجوز إطلاق العام وإرادة الخاص، أمرًا كان أو خبرًا. لنا: قوله تعالى: {فاقتلوا المشركين} [التوبة: آية 5]، {الله خالق كل شيء} [الزمر: آية 62]، {والله على كل شيء قدير} [المائدة: آية 17، الأنفال: آية 41] وهو تعالى شيء. ولقوله تعالى: {قل أي شيء أكبر شهادة قل الله} [الأنعام: آية 19] وقوله: {كل شيء هالك إلا وجهه} [القصص: آية 88]. ولأن الشيء: إما أن يصح أن يعلم، ويخبر عنه، أو ما له وجود في الخارج، ولأن النزاع في التسمية.

فإن قلت: التناول ممنوع، إذ اللفظ لا يوضع لما يخالف المعقول، سلمنا صحة الدليل لكنه معارض: بما أن تجويزه في الأمر يوهم البداء، وفي الخبر الكذب، وإيهام القبيح قبيح. قلت: الدليل عليه: أنه لو فرض صدوره، أو ما يجري مجراه، نحو قوله: كل شيء يفنى أو يموت، عمن لمن يثبت صدقه، فإنه يتوجه نحوه التكذيب، ولولا التناول لما توجه، وفناء الواجب لذاته محال، كخلق الشيء نفسه، والإبهام زائل، بدليل امتناعهما عليه. ومن الخبر المخصوص قوله تعالى: {تدمر كل شيء} [الأحقاف: آية 25]، {وأوتيت من كل شيء} [النمل: آية 23]، {يجبى إليه ثمرات كل شيء} [القصص: آية 57]، {وأوتينا من كل شيء] [النمل: آية 16]، ونحوه كثير. مسألة: ما عم معنى تابعًا للفظ، كالمفهوم: يخص إذا لم يعد نقضًا على اللفظ. أو غير تابع، كالقياس، ففي تخصيصه خلاف. وما عم لفظًا: يخص (إلى) الواحد وقيل: في الجمع إلى ثلاثة وقال البصري، وإمام الحرمين، والإمام: إلى أن يبقى كثرة يقرب من مدلوله في الكل. وقيل: بالاستثناء والبدل إلى واحد، وبالصفة، والمنفصل - في المحصور القليل - إلى اثنين، وهو تحكم، وفي غيره لا بد من الكثرة.

أدلة القائلين بالتخصيص إلى الواحد

أدلة القائلين بالتخصيص إلى الواحد فاستدل للأول: بقوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر} [الحجر: آية 9] ونحوه: وهو للتعظيم وهو في غير محل النزاع. وبقوله: {قال لهم الناس} [آل عمران: آية 173] والمراد نعيم بن مسعود. وأجيب: بأنه للعهد. وقوله: {إنما وليكم الله ورسوله والذين ءامنوا الذين يقيمون الصلاة} [المائدة: آية 55] والمراد علي- رضي الله عنه. وأجيب: بمنعه، ثم بأنه للإبانة على أنه جار مجرى العدد الكثير. وبه سقط تمسكهم بأثر عمر، وهو قوله: "قد نفذت إليك ألفي فارس" حين نفذ إلى سعد ألف فارس، والقعقاع. وبالقياس على الاستثناء، والبدل. وبأنه ليس البعض أولى من البعض بالتخصيص إليه، فجاز إلى الواحد.

وبأن امتناعه ليس لعدم استعماله في حقيقته، ولا لصيرورة الخطاب مجازًا، وإلا: لزم أن لا يجوز التخصيص أصلًا (ولا) لبطلان دلالة صفة الصيغة، إذ لا يزيد على أصل الصيغة، ولأن ذلك ليس حاصلًا في كل الألفاظ، بل اختص بصيغ الجموع. وأجيب وعن (أ) بمنع الحكم، ثم بمنع القياس في اللغة، ثم بالفرق، وهو أن في الاستثناء والبدل يتغير الإسناد، دون غيره، ويخص الاستثناء: أن مع المستثنى منه كالشيء الواحد. وعن (ب) بمنعه. وعن (ج) بمنع أسباب عدم الجواز فيما ذكروه، فإن التخصيص إلى الواحد ونحوه من جملة أسبابه. للبصري: أنه يقبح قوله من قال: "أكلت (كل) ما في الدار من الرمان" وكان قد أكل واحدة من ألف فيها، وكذا قول من قال: (من دخل داري فله درهم) وقال: أردت زيدًا بعينه، أو أقل الجمع. وقوله: (أكلت اللحم، وشربت الماء)، للمعهود الذهني، فليس هو مما نحن فيه. وللمفصل: أن رد الجمع للواحد إبطال لدلالته بالكلية، فيكون كالنسخ، فلا يقبل فيه ما يقبل في التخصيص، بخلاف غيره، فإنه ليس فيه إبطال دلالة هيئة الصيغة. وأجيب: بمنعه، فإن دلالته على بعض مدلوله باقية، سلمناه لكن لا يوجب ذلك ما ذكرتم، وإلا: لزم أن لا يقبل في حمل اللفظ على المجاز الخارجي، إلا: ما يقبل في النسخ.

مسألة: المخصوص مجاز في الباقي عند الأكثر. حقيقة عند الحنابلة، وبعض أصحابنا والحنفية. وقال البصري، والكرخي، والإمام: إن خص بمنفصل. وقيل: إن خص بلفظي. وقال الرازي: إن بقي بعد التخصيص جمع، وعنه: إن كان الباقي غير منحصر. وكلام الغزالي: صريح في أنه مجاز بلا خلاف، إن لم يبق جمع. وقيل: حقيقة في تناول ما بقي، مجاز في الاقتصار عليه، وهو اختيار إمام الحرمين، وهو أجود المذاهب بعد الأول. لنا: أنه مستعمل في غير ما وضع له، إذ الغرض أن موضوعه العموم، فيكون مجازًا، إذ هو معناه. و- أيضًا - لو كان حقيقة فيه، مع أنه حقيقة في العموم - لزم الاشتراك. و- أيضًا - الحمل عليه لقرينة، وأنه آية التجوز. فإن قلت: العام وحده حقيقة في العموم، ومع القرينة المستقلة في الخصوص، سلمناه لكنه مع المتصلة التي هي كالجزء، ولا يفيد إلا: ذلك البعض، و - حينئذ - لا يكون حقيقة في غيره، فيكون حقيقة فيه، وهو في الاستثناء أظهر، إذ هو مع المستثنى منه ككلمة واحدة.

وأجيب: عن (أ) بأنه ينفي وجود المجاز أصلًا. وعن (ب) منع اقتضاء ذلك، لأنه مقيد كغيره، وإنما يغير إفادته سبب تلك الزيادة، ثم إنه منقوض: بـ "رأيت أسدًا يرمي" وظهوره في الاستثناء لكونه ككلمة واحدة: ممنوع. لهم: أن اللفظ كان متناولًا له حقيقة، وهو باق. وأجيب: بمنع بقاء التناول، إذ كان مع الغير. قالوا: يسبق إلى الفهم. قلنا: بقرينة مجموع التخصيص والعموم. للقاضي: أن الاستثناء مع المستثنى منه كـ (كلمة واحدة) والشرط لم يخرج، وإنما قيد الحكم ببعض أحواله، واللفظ ليس بعام في الأحوال حتى يصير بسببه مخصوصًا. وجوابه: في الاستثناء ما سبق، وفي الشرط أنه يلزم من التقييد خروج بعض الأفراد عنه، فيكون مجازًا. للرازي: أنه إن بقي غير منحصر، أو جمع، فقد بقي معنى العموم. وأجيب: بمنعه، إذا كان للجميع. وللبصري: لو كان التغير - بسبب ما لا يستقل - يوجب تجوزًا، لكان نحو (مسلمون) للجمع،

والمسلم للجنس مجازا. وأجيب: بمنعه، إذ الدلالة للمجموع، ولم يعقل منها معنى أصلا، بخلاف المتصلة، فإنه يعقل منها الإخراج لفظا، أو معنى. للإمام: أنه كان متناولا له حقيقة، ولم يدل سوى عدم الاقتصار، فهو مجاز من هذا (الوجه). وأجيب: بأنه إن أراد به أنه سبب التجوز في الباقي فمسلم، وإن أراد أن فيه التجوز دون تناوله الباقي - فممنوع -. تنبيه: أدلة من قال بالانفصال ومناقشته إذا قال الله تعالى: {فاقتلوا المشركين} [التوبة: آية 5] فقال الرسول عقيبه، إلا فلانا: فهو منفصل للتعدد، ولأنه كالجزء، فلا يفرد، فلا يقبل، فإن قبل فلا أقل من أن يقبل منفصلا. وقيل: متصل لاتحاد الشارع، وإنما الرسول مبلغ. مسألة: يجوز التمسك بالعام المخصوص.

أدلة الجمهور

وقال عيسى بن أبان ومحمد بن شجاع، وأكثر المعتزلة. الكعبي والكرخي: إن خص بمتصل. وقيل: إن كان المخصوص معلومًا. وقيل: لا يجوز وفاقًا في مجهوله، وهو الأظهر. أبو عبد الله البصري: إن كان التخصيص لا يمنع من التعلق به - لا، كتخصيص (السارق) و (السارقة) بالشرط، والنصاب. وعبد الجبار: إن كان بحيث لو عمل بظاهره، بعد التخصيص. لعمل بالمراد وغيره - لا، كقوله: {وأقيموا الصلاة} [البقرة: آية 43] فإنه مفتقر إلى البيان قبل إخراج الخاص. وقيل: يجوز في أقل الجمع، لا ما زاد عليه، ولعله قول من لا يجوز التخصيص إليه. أدلة الجمهور لنا: (أ) الإجماع: إذ التمسك بالمخصوص شائعًا ذائعًا في كل عصر من غير نكير.

(ب) المقتضي للحكم في هذا البعض قائم، وهو اللفظ الدال على الحكم في كل فرد، وعدم الحكم في البعض الآخر لا يعارضه، إذ لا يستلزم نفيه لا قطعًا ولا ظاهرًا. (ج) لو لم يكن حجة فيما بقي لزم: إما التعطيل، أو الإجمال. (د) كونه حجة في كل بعض: إن توقف على كونه حجة في الآخر لزم الدور، وإلا: لزم الترجيح من غير مرجح، أو حصل الغرض، وهو دور معية لا امتناع فيه. واحتجوا: بأن العموم إن لم يرد لم يكن البعض أولى من البعض. وبأنه بعد التخصيص كقوله: "اقتلوا المشركين إلا بعضهم" وبأن أقل الجمع متيقن دون غيره. وأجيب: بأن الباقي أولى، وبمنع أنه مثله، إذ المخرج معلوم فيما نحن فيه، وبمنع التيقن (فيه) ولو سلم فمناط التكليف الظن، لا التيقن، وهو حاصل فيما بقي. مسألة: مذهب جمهور الأصوليين والفقهاء لا يجوز التمسك بالعام قبل البحث عن المخصص خلافًا للصيرفي، وقيل: وفاقًا، والأول أليق بأصله. وإذا حضر وقت العمل وجب العمل به إجماعًا: لكن مع الجزم بعدم المخصص عند

جمع كالقاضي. ومع ظنه عند الآخرين، كابن سريج، إمام الحرمين، والغزالي، وهو الأولى، إذ عدم الوجدان - ولو بعد البحث الشديد - لا يدل على العدم جزمًا، والقياس على طلب المتاع في البيت، وسلم الحكم فيه - فضعيف، لانضابطه، دون ما نحن فيه، وكذا التمسك بوجوب إيصاله إلى المكلف، إزالة للبس، والخطأ عنه في عمله، لأنه لا يصح مع القول بالتحسين والتقبيح، فكيف مع بطلانه. للصيرفي: (أ) أن احتمال وجود المخصص مرجوح، فلا يترك به ظاهر العموم. (ب) الأصل عدمه، فيغلب ظن عدمه، وهو كاف في ظن إثبات الحكم. (ج) لو لم يجز هذا، لم يجز التمسك بالحقيقة قبل البحث عما يصرفه إلى مجازه، بجامع تعليل الخطأ. وأجيب عنها: بمنع مرجوحيته، وغلبة ظن عدمه، وبمنع الملازمة، إذ العمومات كلها مخصوصة، إلا ما قل جدًّا، للأثر والاستقراء. لابن سريج: (أدلة) أن حجية اللفظ في كل صورة متوقفة على عدم المخصص، وهو مشكوك فيه قبل الطلب، والترجيح بأن الأصل عدم المخصص، وعدم المعارض - معارض بأن الغالب وجوده، وأن الأصل عدم حجيته.

فرع: ثم طلقه إلى أن يقطع بعدمه متعذر، فيطلب إلى أن يبلغ ظن عدمه، بحيث لو طلب ثانيًّا لما أجداه نفعًا. والمخصص المتصل أربعة - وبدل البعض منه، ولم يذكر -: الأول - الاستثناء: وهو استفعال من الثني، وهو الصرف، وثني الثوب: ما عطف من أطراف الأذيال. وحده: (إخراج بعض الجملة عنها، بلفظ: إلا أو أحد أخواتها). وقيل: (ما لا يدخل في الكلام إلا: لإخراج بعضه بلفظ، ولا يستقل بنفسه). خرج عنه التخصيص بالعقل، والقياس، والمنفصل، والصفة، والشرط، والغاية، فإنها قد تدخل. واعترض عليه: (أ) بأنه غير جامع، إذ لا يتناول نحو: (جاء القوم غير زيد) وهو استنثناء وفاقًا. (ب) وبأنه ليس لإخراج بعض الكلام، بل مدلوله. (ج) وبأنه تعريف للاستثناء بالاستثناء. وأجيب: عن (أ): بأن غير أصله للصفة، واستعماله في الاستثناء مجاز. وعن (ب) بأن الضمير عائد إلى مدلوله، والكلام دل عليه، ولو سلم لكن المراد: مدلوله تجوزًا.

وعن (ج) أنه منقدح، ويندفع هو والأول: لو قيل: (ما يدخل في الكلام ... ) إلى آخره. مسألة: يجب اتصاله بالمستثنى منه عادة. خلافا لابن عباس. واستبعد: فحمل على ما إذا نوى متصلا، ثم أظهره ولو بعد مدة، فإنه يدين بينه وبين الله تعالى، وهو (مذهب) بعض المالكية. وقيل: بقوله ظاهرا. وقيل: يجوز في كتاب الله خاصة، لأنه أزلي، فلا يتصور فيه التقدم والتأخر، وإنما هو في الأصول، فلا يضر. وعن عطاء بن أبي رباح: أنه يجوز في المجلس. لنا: (أ) الإجماع على أن الطلاق ونحوه إذا نفذ لا مرد له، ولو صح الاستثناء منفصلا

لكان له مرد. ورد: بأنه يبين عدم النفوذ، لا أنه يرد بعده. (ب) القياس على خبر المبتدأ والشرط، "بجامع" عدم الاستقلال، بل هو أولى بعدم الاعتبار، لما فيه من إبطال الكلام الأول. (ج) مقتضى الدليل أن يصح الاستثناء أصلا؛ لأنه رفع وإنكار بعد الإثبات، والإقرار ترك العمل به في المتصل للحاجة، فيبقى ما عداه على الأصل. (د) أرشد عليه السلام الصحابي الذي كان يخدع في البيع إلى اشتراط الخيار، ولو صح منفصلا لأرشد إليه. ونحوه في قوله - عليه السلام - "من حلف على شيء فرأى غيره خيرا منه فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه".

له: (أ) قوله - عليه السلام -: "لأغزون قريشًا" ثم سكت، وقال: " إن شاء الله تعالى". (ب) أنه قال: "إن شاء الله تعالى" بعد نزول قوله: {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله} [الكهف: آيات 23، 24] الآية، قصد به الاستثناء عما روي في سبب نزوله. (ج) الاستثناء رافع لحكم اليمين، فجاز تأخيره. كـ (الكفارة). (د) القياس على النسخ والتخصيص. وأجيب: عن (أ) بأنه محمول على سكتة يسيرة لعذر، جمعًا بين الدليلين.

وعن (ب) بمنع عوده إليه، بل هو عائد إلى قوله: {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا} [الكهف: آية 23]. أو إلى قوله: {واذكر ربك إذا نسيت} [الكهف: آية 24]. وعن (ج) يمنع الجامع، ثم بالفرق، وهو أنه رافع لأصل اليمين، والكفارة رافعة لحكمهما، في التأثيم بعد تحققها. وعن (د) منع الجامع، والقياس في اللغة، ثم إنه منقوض بخبر المبتدأ. أو الشرط وهو واضح. مسألة: الاستثناء من غير الجنس يصح مجازا، وما نقل جوازه عن الشافعي، ومالك، وأبي حنيفة، محمول عليه، إذ الحمل على الحقيقة بعيد. وقيل: حقيقة متواطئا. وقيل: مشتركا. لنا: (أ) أن المتبادر منه إلى الفهم معنى الصرف، وهو غير معقول فيه، ولو حمل اللفظ على المشترك بين المستثنى منه، والمستثنى: لزم جواز استثناء كل شيء من كل شيء. (ب) أنه حقيقة في الجنس وفاقا، فلا يكون حقيقة في غيره دفعا للاشتراك، والحمل على التواطؤ يوجب فهم معنى واحد مشترك بين الصورتين، وكون حكم المستثنى مخالفا لما قبله، أو أن له حكما آخر مخالفا له بوجه، مثل: (ما زاد إلا ما نقص)، وإن كان مشتركا، لكن الصرف المفهوم من الجنس غير مفهوم من غيره، فلم يتحد المعنى. (ج) أجمع فقهاء الأمصار في الأعصار على أنه لا يحمل على المنقطع، إلا: بعد تعذر حمله على المتصل، وأنه آية التجوز. لهم:

أنه استعمل فيه، قال الله تعالى: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا} [النساء: آية 92]، وقوله: {إلا إبليس} [الحجر: آية 30، 31]، {إلا أن تكون تجارة} [النساء: آية 29]، {إلا اتباع الظن} [النساء: آية 157]، {إلا قيلا سلاما} [الواقعة: آية 26]، وقول الشاعر: وبلدة ليس بها أنيس ... إلا اليعافير وإلا العيس وقوله: وما بالدار من أحد إلا أوارى ... فيكون حقيقة فيه.

وأجيب: بالمنع، إذ يحتمل أن يكون المعنى: إلا: أن يكون قتل خطأ. وكون إبليس من الجن، لا ينفي أن يكون من الملائكة، سلمناه لكن إنما حسن الاستثناء لكونه مأمورا بالسجود. ومعنى الثالثة: إلا: أكل مال التجارة، والمراد من العلم: القدر المشترك بين العلم والظن، وهو حقيقة لغوية. والمراد من اللغو: القول تجوزا، أو مأخوذا من لغا يلغو إذا لهج، ومنه اللغة. واليعافير والعيس: من الأنيس، سواء كان بمعنى المؤنس، (أو) المبصر، وبمعنى اختصاص (الأحد) بالعقلاء، سلمناه لكن أريد منه الواحد تجوزا، فيكون الاستثناء من الجنس. والحق: أنه لا سبيل إلى إنكار استعماله في غير الجنس، لكنه إنما يدل على كونه حقيقة فيه، لو لم يستلزم الاشتراك والحمل على التواطؤ بعيد جدا، لعد اتحاد المعنى. مسألة: اختلفوا في تقدير الدلالة من الاستثناء: قال جمع - كالقاضي -: عشرة إلا: ثلاثة، بمعنى سبعة، فله اسمان: مركب ومفر. وهو ضعيف، لأنه يقطع بدلالة المستثنى منه على جميع مدلوله، وبالمستثنى، والاستثناء على مدلوله بطريق الإخراج، ولأنه يعد مضاد للأول، ومخالفاله، ولو كان بمعنى (السبعة) لم يكن كذلك. وقيل: إنه يبين المراد من المستثنى منه، فهو كالتخصيص، إلا أنه يجب أن يكون بصيغ مخصوصة، متصلا بالمستثنى منه. وهو - أيضا - كذلك، إذ العدد نص في مدلوله، فلا يجوز إطلاق عدد وإرادة بعض

منه، ولأنه يفهم منه معنى الإخراج من الأول. والاستدلال على فساده بمثل: (اشتريت الجارية إلا نصفها) فإنه لم يرد استثناء نصفها من نصفها، ولأنه كان يتسلسل. - ضعيف، إذ الاستثناء قرينة لإرادة النصف، فلم يلزم ذلك، ولا التسلسل. والصحيح: أن المستثنى منه مراد بتمامه، ثم أخرج المستثنى عنه، ثم حكم بالإسناد بعده تقديرا، وإن كان قبله ذكرا، ولذلك لا يحكم عالم بلغة العرب بالإسناد قبل تمامه، لتوقع التغيير قبله باستثناء أو غيره. وعلى هذا لا يلزم شيء مما ورد على المذهبين السابقين، ولا كونه إنكارا بعد الإقرار ولا التناقض، ولا الكذب، فلا يمتنع من الشارع ( ... إلا خمسين عاما ولا ما يقال: إنه لو كان جميعه مرادا، لكان مقرا بكماله، لا بما بعد الاستثناء. فعلى الأول: ليس الاستثناء تخصيصا، وعلى الثاني: تخصيص قطعا، وعلى الثالث: محتمل. والأظهر: أنه تخصيص خاص لعدهم إياه من المخصص المتصل، ولتطرفه إلى النصوص. مسألة: الاستثناء المستغرق فاسد، والأقل صحيح وفاقا. واستقبح بعضهم استثناء عقد صحيح. والأصح: جواز المساوي والأكثر.

خلافا للقاضي والحنابلة. ومنع بعض أئمة العربية الثاني، وعزي إلى مالك، ولم يثبت. وقيل: إن كان العدد صريحا، لا غير. للمجوز: (أ) أنه لو قال: علي عشرة إلا: تسعة، لا يلزمه إلا: درهم إجماعا. ومنع للخلاف، فقيل: إنه حاصل. وأجيب: بأن العصر الأول أعرف بالمنقول، فلو كان، لما خالفوا، سلمناه لكن الإجماع المعتبر في كل فن بإجماع أهله، والفقهاء ليسوا من أئمة العربية، فلا يكون حجة فيه. والاستدلال بقول الشاعر: أدوا التي نقضت تسعين من مائة ... ثم ابعثوا حكما بالحق قوالا وبقياسه على التخصيص - ضعيف، لعدم الاستثناء، وتحقق الفرق. (ب) قوله تعالى: {إلا من اتبعك من الغاوين} [الحجر: آية 42]، وقوله: {ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين} [الحجر: آية 40] فإنه ينفي وجوب كون

الاستثناء أقل، وإلا: لزم أن يكون كل واحد من الغاوين وغيرهم أقل من الآخر. وأجيب: بأن النزاع في العدد صريح، ثم بمنع اتحاد المستثنى منه، إذ الغاوين مستثنى من العباد، وهم أقل منهم لأنه يتناول الثقلين والملائكة، والمخلصين مستثنى من بني آدم، وهم أقل منهم، وحينئذ لا يلزم ما ذكرتم، وهو على الحنابلة والقاضي. (ج) واستدل بالآية الأولى، ثم ببيان أن الغاوي أكثر - بقوله تعالى: {وقليل من عبادي الشكور} [سبأ: آية 13]، {وما أكثر الناس} [يوسف: آية 103]، {ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} [الرعد: آية 1، هود: آية 17، غافر: آية 59]، {ولا تجد أكثرهم شاكرين} [الأعراف: آية 17]، والاستقراء يحققه. وأجيب: بأن المراد منها الناس، والعباد - وإن كان عاما في الأولى لكن يجب تخصيصه بهم، إذ لا يليق وصف الملائكة بذلك، لعصمتهم، والاستقراء إنما يحققه فيهم دون الملائكة. (د) "كلكم جائع، إلا: من أطعمته". وأجيب: بأنه ليس عددا صريحا، وبأنه لم يقصد منه معنى الاستثناء، بل الحصر. (هـ) (قم الليل إلا قليلا نصفه} [المزمل: الآيات 2، 3] وهو بدله، والنصف قليل بالنسبة إلى الكل. وأجيب: بمنعه بل هو يدل على الليل، وتقديره قم الليل نصفه إلا: قليلا. قيل عليه: بأن التخصيص والتقديم والتأخير خلاف الأصل. والأقوى: أنه لا يمنع معنى

الاستثناء، إذ لا ينافيه على التقديرات كلها، ولا لغيره بالاستقراء والأصل، فوجب جوازه. للمانع: (أ) الدليل يمنع قبول الاستثناء، لكونه رجوعا عن الإقرار، ترك في القليل، لأنه في معرض النسيان، لقلة التفات النفس إليه، وهو معلوم - هاهنا - فلا يصح. (ب) قوله: (على عشرة إلا تسعة ونصف وثلث درهم)، مستقبح ركيك وأجيب: عن (أ) بمنع أنه إنكار بعد الإقرار، وسنده بين فيما سبق. وعن (ب) بأن الاستقباح لا يستلزم عدم الصحة، كعشرة إلا دانقا ودانقا إلى دوانق. مسألة: الاستثناء من النفي إثبات، ومنه نفي. خلاف للحنفية فيهما. والنفي لازم له وفاقا، لكن بالاستثناء - عندنا - وعنده بالبقاء على النفي الأصلي، ومنه ظن عدم خلاف فيه. لنا: (أ) الكافر إذا قال: (لا إله إلا الله) حكم بإيمانه، وإن كان دهريا، ولو لم يكن، وبه يعرف اندفاع ما يقال عليه: إن الغرض من الكلمة نفي الشركاء، وأما العلم بإثبات الصانع فحاصل في الطباع، كقوله تعالى: {ولئن سألتهم} [العنكبوت: آية 61] إذ هذا العلم غير حاصل للدهري، وأما الضمير فعائد إلى بعض الكفار، لا إلى كلهم، لقوله تعالى: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر} [الجاثية: آية 24]. (ب) يسبق إلى الفهم من قوله (لا عالم في المدينة إلا: زيد) كونه عالما، دون غيره، وهو دليل

الحقيقة، وإحالته إلى قرينة المدح (أو العرف) خلاف الأصل. لهم: (أ) بأنه لا يفيد في نحو: "لا صلاة إلا بطهور". "ولا نكاح إلا بولي". والأصل الحقيقة الواحدة. (ب) لو كان حقيقة في الإثبات فحيث لم يفد يلزم الترك بمقتضى اللفظ، ولو كان حقيقة في الإخراج فقط، فحيث أفاد لم يلزم ذلك، بل إثبات حكم لا تعرض اللفظ له لا

بنفي ولا إثبات، فكان أولى. (ج) أنه استعمل فيهما فوجب أن يكون حقيقة في القدر المشترك بينهما، دفعا للاشتراك، والتجوز. وأجيب: عن (أ) أنا ندعي ذلك حيث يصدق اسم النفي على المثبت، فإن قدر ذلك فيما ذكر أفاد، و - أيضا - النزاع في غير صيغة الشرطية. وعن (ب) المعارضة: بما أنه لو جعل حقيقة في الإثبات أمكن جعله مجازا في الإخراج من غير عكس. وعن (ج) بمنع استعماله في غير الإثبات، إذا كان على الشرط المذكور، سلمناه، لكن يجب المصير إلى التجوز، جمعا بين الدليلين. مسألة: الاستثناء المعطوف على الأول عائد إلى المستثنى منه، فإن استغرقناه فيحتمل أن يفسدا، لأن العطف يجعلهما كالشيء الواحد، والأظهر: أن يخص الثاني به، لأنه منشأ منه، وإن كان أقل من الأول: يقع التعارض بين (الواو) العطف، وبين ما يقتضي حمل كلام العاقل على الصحة. وغير المعطوف يختص بالأول، إذ لا يعود إلى المستثنى منه، لبعده، ولا إليهما للتناقض واللغو، ولا إليهما للتعطيل، فإن استغرقه دون ما بقي من المستثنى منه، عاد إليه، حملا على الصحة. مسألة: الاستثناء بعد جمل معطوفة: للكل عند الشافعية. ولأخيرها عند الحنفية.

ولهما عند المرتضى. وتوقف فيه القاضي والغزالي، وجمع - منا -. وقال إمام الحرمين: إن تباعدت معانيها واختلفت مقاصده فللأخيرة، وإلا فالتوقف. وهو المختار، وآية القذف - وإن كان كذلك - لكن لا يتوقف فيها، بل يعود إلى الكل، لأن الأخيرة كالعلة لما قبلها. عبد الجبار: إن كانت لغرض واحد كما في الآية عاد إلى الكل وإلا: فإلى الأخيرة. وقيل: إن ظهر الاتصال أو الانقطاع فإلى الكل، أو الأخيرة. البصري: إن تنوعتا: كأمر، ونهي، أو خبر، واتحدتا، ولم يضمر اسم الأولى، أو حكمها في الأخرى - اختص بالأخيرة، وإلا: فلا، إذ الظاهر عدم الانتقال من جملة مستقلة قبل إتمامها إلى جملة (أخرى) مستقلة. للمعمم: (أ) القياس على الاستثناء بمشيئة الله تعالى، والشرط بجامع عدم الاستقلال. وأجيب: بأنه للقرينة، وهي: ما علم من توقيف وجود الأشياء على مشيئة، والشرط متقدم في المعنى، وإن تأخر لفظا، فكل ما بعده مشروط به، وهو آت في الاستثناء، فإنه شرط وإن سمي به. وزيف: بأنه إن اعتبر الواقع نجب أن لا يثبت شيء من الطلاق والعتاق، وغيرهما، ما

لم يعلم تحقق مشيئة الله تعالى، وإن اعتبر اللفظ وحده أو معه، وجب أن لا يعلق حكم كل ما تقدم بمشيئة، ما لم يعلم عوده إليه فإثبات، عوده إليه به دور، وتقدم الشرط على الكل يتوقف على كونه شرطا له، إلا: ما يليه. (ب) (واو) العطف تصير الجمل كالواحدة، كقولهم: (هي في المختلفات) كـ (واو الجمع في المتفقات) فعاد الاستثناء إليها. (ج) أنه يصح أن يعود إليها، وليس البعض أولى من البعض فعاد إليها. (د) أنه قد يراد عوده إليها، ويقبح تعقيب كل جملة باستثناء، فلا طريق إلا: تعقيب الكل بواحد، والأصل الحقيقة الواحدة. (هـ) لو قال: علي خمسة وخمسة إلا: سبعة (عاد إليهما، والأصل الحقيقة الواحدة). (و) إذا قيل: "العلماء والشرفاء، أكرموهم إلا: الفاسق منهم"، عاد إليهما، فكذا لو قال: "أكرموا العلماء والشرفاء إلا الفاسق منهم" لعدم الفرق. (ز) عوده إليهما يحصل المراد قطعا، دون عوده إلى الأخيرة، فكان أولى. للحنفية: (أ) أنه خلاف الأصل، وتعليقه بواحدة للضرورة، فلا يتعلق بغيرها، وتلك هي الأخيرة للإجماع والقرب فإنه مرجح، كما في أعمال أقرب العاملين عند البصريين، وكما في عود الضمير إلى أقرب المذكورين، وفي أن ما يلي الفعل من المقصورين هو الفاعل، وإن لم تكون قرينة تدل عليه، وفي أن ما يلي الفاعل هو المفعول الأول عند عدم القرينة في نحو (أعطى ... ). (ب) لو عاد إلى الكل فحيث لا يعود إليه كما في آية الجلد، فإنه لا يسقط بالتوبة وفاقا - يلزم الترك بالدليل، وأنه خلاف الأصل، فما يوجبه كذلك أيضا. (ج) ما تقدم، ويضم إليه: ولو عاد إلى الأخيرة، فحيث يعود إلى الكل لم يلزم ذلك، بل إثبات ما لا يتعرض له اللفظ المنفصل فكان أولى. (د) الاستثناء من الاستثناء (يختص بالأخيرة، والأصل الحقيقة الواحدة).

(هـ) لو عاد إلى الكل: فإن أضمر عقيب كل جملة استثناء، لزم الإضمار والتقبيح، وإلا لزم اجتماع عاملين على معمول واحد إذ العامل في نصب ما بعد الاستثناء هو ما قبله من فعل أو تقديره وهو باطل، لنص سيبويه، وامتناع اجتماع مؤثرين على أثر واحد). (و) المتناول معلوم، وخروج بعض الأفراد عما قبل الجملة الأخيرة بالاستثناء مشكوك، وهو لا يزال به. (ز) لو عاد إلى الكل لزم جواز المنفصل، لأن الفصل بكلام أجنبي كالسكوت، بل أشد كما في الأذان وغيره. (س) لو قال: أنت طالق ثلاثا وثلاثا إلا: أربعة يقع ثلاثا ولو عاد إلى الكل لوقع ثنتان. للمرتضى: (أ) حسن الاستفهام. (ب) الاستعمال فيهما. (ت) قياسه على الحال، وظرفي الزمان والمكان، بجامع كون كل منهما فضلة تأتي بعد تمام الكلام. والجواب: عن (أ) بمنع الحكم، سلمناه لكن الجامع لا يناسبه، ثم هو قياس في اللغة. ولا يجاب عنه: بأنه لا يلزم من اشتراكهما في عد الاستقلال، أو في اقتضاء التخصيص: اشتراكهما في كل الأمور، لأنه يقدح في أصل القياس. وعن (ب) بمنع أنها كالجملة الواحدة، وقولهم محمول على عطف المفرد، لقرينة قوله: (كواو الجمع في المتفقات) وقياسه على المفرد قياس في اللغة، ثم الفرق: إن اشتراك المفردين في الفعل المذكور واجب، وهو يوجب الاتحاد، وفائدة (الواو) في الجمل إنما هو تحسين الكلام. وعن (ج) بمنع صحة العود بطريق الحقيقة، وأنه ليس البعض أولى من البعض. وعن (د) منعه، فإن الاقتصار على الاستثناء الواحد مع التنبيه على عوده إلى الكل طريق إليه، والمعارضة بمثله، وفيه نظر.

وعن (هـ) أنه لتعذر عوده إلى الأخيرة. وعن (و) بمنع أنه لا فرق، فإن الاستثناء في الأول: عن ضميرها، وفي الثاني: عنهما. وعن (ز) بمنعه، فإنه يجوز أن يكون مراده عوده إلى الأخير فقط. وعن أول أدلة الحنفية: بمنع أنه خلاف الأصل، فإنه مع المستثنى منه كاللفظ الواحد, سلمناه، لكنه منقوض بالشرط، والاستثناء بمشيئة الله تعالى، بل هما أولى بذلك، لأن الأول رفع مقتضى الكلام بالكلية، والشرط قد يرفعه، وما ذكرتم من الفرق فضعيف، لما تقدم. وعن (ب) أنه لازم عليكم، حيث يعود إلى الأخيرة، كما في قوله تعالى: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا} فإنه لا يعود إلى الأخيرة، لفساد المعنى. وعن (ج) المعارضة، بما أنه لو جعل حقيقة في العود إلى الكل أمكن جعله مجازا في العود إلى الأخيرة، من غير عكس، فكان أولى، سلمناه، لكن يصار إليه جمعا بين الدليلين. وعن (د) أن ذلك للفساد المذكور في مسألته. وعن (هـ) بمنع أن العامل ما ذكرتم، بل هو الفعل المقدر، وهو أستثني، وإلا نائب عنه، سلمناه، لكن لا نسلم امتناعه، ونص سيبويه معارض بنص غيره، واجماع المعرفات جائز، ثم هو منقوض بما إذا عاد إلى المنفصل، فإن ما ذكروه آت فيه. وعن (و) أنه إزالة بالظاهر، ولا بعد فيه كما في البراءة الأصلية، ثم هو منقوض بالجملة الأخيرة، إذ يجوز عوده إلى غير الأخيرة، وبالاستثناء بمشيئة الله تعالى، وبالشرط. وعن (ز) بمنع أنه كالسكوت، إذ يمكن أن يأتي بعده بما يرجع إليه، فلا يعد منفصلا عنه، فإن منع ذلك فهو أو المسألة، والفرق بينه وبين الأذان، قراءة الفاتحة - ظاهر جدا. وعن (ح) بمنع الحكم، وبأن ذلك لو عاد إلى الكل، هو غير المدعي، أما لو عاد إلى كل واحد منهما فلا، بل يقع ثلاثة، لأنه مستغرق، ولأنه يقع ثلاثا سواء رجع إليهما، أو غلى الأولى، أو إلى الأخيرة.

وعن أول أدلة المرتضى: ما سبق في العموم. وعن (ب) أنه دليل الحقيقة، إذا لم يستلزم الاشتراك. وعن (ج) بمنع الحكم، ثم الكلام على الجامع، وهو ما سبق، ثم هو قياس في اللغة. الشرط: تعريفه عند الغزالي قيل: (هو ما لا يوجد المشروط دونه، ولا يجب وجوده عند وجوده). وهو دور، ولا يجاب عنه: بأن المعرف الشرط الشرعي، والمشروط مشتق من اللغوي، لأن الأصل عدم التغيير. وهو غير مانع، لدخول جزء العلة، فإن التزم فهو خلاف الاصطلاح ولا يبعد كما قيل في دلالة الالتزام والتضمن. وقيل: (ما يقف عليه تأثير المؤثر، لا ذاته). خرج به العلة وجرؤها، وشرط ذاتها. وأورد: بأنه غير جامع، فإن الحياة شرط العلم، ولا تأثير ولا مؤثر. وهو غير وارد لأنه تعريف للشرعي، لتصريح قائله بذلك، نعم لا يشمل كله. وقيل: (هو ما يلزم من نفيه نفي أمر ما على وجه لا يكون سببًا لوجوده، ولا داخلا فيه). وهو غير مانع، لدخول المضاف واللازم. والأولى: (هو ما يلزم من وجوده وجود آخر، مع أنه لا يلزم من عدمه عدمه، ولا يكون جزء سببه). وهو: يعم الشرعي والعقلي واللغوي، مما علق عليه الحكم (إن) أو إحدى أخواتها. وتختص (إن) بالمحتمل، و (إذا) يدخل عليه وعلى المحقق.

ثم الشرط: إما أن يوجد دفعة، أو متدرجا، أو يختلف، فإن كان الشرط وجود: حصل المشروط في الأول، والثالث عند وجوده دفعة، لإمكان اعتبار وجوده حقيقة، وفي الثاني عند وجود آخر جزء منه، وإن كان عدمه: حصل المشروط في أول زمان عدمه في الثلاثة، إذ المركب ينعدم بانعدام أحد أجزائه. مسألة: في أقسام الشروط والمشروط باعتبار التعدد والاتحاد الشرط متحد أو متعدد، على البدل أو على الجمع، والجزاء، كذلك فيكون تسعة، وحيث كان الجزاء متعددا على البدل، فالخيرة للقائل، وحيث كان الشرط متعددا على الجمع فلا يحصل الجزاء، إلا: عند حصول كله وإن تعدد. مسألة: الشرط كالاستثناء في الاتصال، لا يعرف فيه خلاف، وتعقبه الجمل مرتب عليهن فإن تقدم اختص بما يليه، عند من خصه بجملة. واتفقوا على جواز التقييد - بشرط علم خروج الأكثر به، وإلا: فبالمجهول يجوز وإن لم يبق شيء. ويجوز التقديم وهو الأولى، لتقدمه طبعا خلافا للفراء، وفي هذا النقل نظر، فإن صح فضعفه بين. التخصيص بالصفة: نحو: (أكرم العلماء الزهاد) ثم إن كانت كثيرة، وذكرت على الجمع عقيب جملة تقيدت

فصل في التخصيص بالمنفصل

بها، أو على البدل فبواحدة غير معينة، وإن ذكرت عقيب جمل: ففي عودها إلى كلها الخلاف المتقدم. التخصيص بالغاية: غاية الشيء نهايته، ولفظها: (حتى)، و (إلى)، كقوله: {ولا تقربوهن حتى يطهرن} [البقرة: آية 222]، {ثم أتموا الصيام إلى الليل} [البقرة: آية 187] وحكم ما بعدها مخالف لما قبلها. وفي عودها إلى الجمل المذكورة قبلها الخلاف فإن تعددت: فإما على الجمع، أو البدل عقيب جملة أو جمل، وأحكامها لا تخفى مما سبق. فصل في التخصيص بالمنفصل مذهب جمهور العلماء في جواز تخصيص العموم بالدليل العقلي ضروريا كان أو نظريا يجوز التخصيص بضرورة العقل، كتخصيص الله تعالى عن قوله: {خالق كل شيء} [الأنعام: آية 102، الرعد: آية 16، الزمر: آية 62، غافر: آية 62]، وبنظره كتخصيص الصبي والمجنون عن خطاب التكليف، لعدم الفهم. قيل: لا.

ثم قيل: النزاع لفظي، إذ مقتضى العقل ثابت دون اللفظ إجماعا، لفساد الأقسام الثلاثة، لكن الخصم لا يسميه تخصيصا. (أ) لأن المخصص هو المؤثر في التخصيص، وهو الإرادة لا الفعل. (ب) المخصص مبين، وهو متأخر بالرتبة عن المبين. (ج) التخصيص بيان، وكلام الله تعالى لا يبنيه إلا: كلامه وكلام الرسول آيل إليه، لأنه مخبر عنه. (د) قياسه على النسخ، فإن العقل لا ينسخ. وأجيب: عن (أ) بالنقض بالسمعية. وعن (ب) أنه متقدم ذاتا متراخيا صفة. وعن (ج) بمنع انحصار المبين في كلامه تعالى مطلقا، بل في المحتمل. وعن (د) طلب الجامع، ثم الفرق، وأن الناسخ طريق شرعي، دون المخصص، فإن ادعى ذلك فيه فباطل، إذ الحس مخصص وفاقا، ثم هو أول المسألة. والصحيح: أن النزاع معنوي، لأن عند من لا يقول به - اللفظ غير موضوع (له) لأنه لا يوضع لغير المعقول، فيكون انتفاء الحكم لعدم المقتضى، وهو حجة وحقيقة عنده، من غير خلاف، وهو (على) رأي المخصص بخلافه. ويجوز التخصيص بالحس، كقوله تعالى: {يجبى إليه ثمرات كل شيء} [القصص: آية 57]، {تدمر كل شيء} [الأحقاف: آية 25]، {وأوتيت من كل شيء} [النمل: آية 23]. مسألة: يجوز تخصيص الكتاب بالكتاب.

خلافا لبعض أهل الظاهر. أدلة جمهور الأصوليين على جواز تخصيص الكتاب بالكتاب. لنا: قوله (تعالى): {وأولات الأحمال أجلهن} [الطلاق: آية 4] الآية مخصص لقوله: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} [البقرة: آية 228] وقوله: {والذين يتوفون منكم} [البقرة: آية 234]، {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب} [المائدة: آية 5]، مخصص لقوله: {ولا تنكحوا المشركات} [البقرة: آية 221]. ولأن العام والخاص منه إذا اجتمعا، لا يمكن إعمالها، ولا إهمالها، ولا إعمال العام، لأنه ترك للخاص بالكلية، فتعين عكسه، وهو: إما تخصيص، أو نسخ، ومن جوز النسخ جوز التخصيص. ولأن دلالة الخاص على ذلك الفرد قاطعة، فلا تبطل بالمحتمل. لهم: {تبين للناس ما نزل إليهم} [النحل: آية 44]. وأجيب: بأنه لا يلزم منه أن لا يحصل من غيره، ثم المراد منه إظهاره، وإبلاغه، وحمله عليه أولى، لأنه لا يلزم منه التخصيص ولئلا يلزم منه التعارض بينه وبين قوله: {تبيانا لكل شيء} [النحل: آية 89]. مسألة: يجوز تخصيص السنة بالسنة، كيف ما كانتا.

لنا: أنه وقع، كتخصيص قوله - عليه السلام -: "فيما سقت السماء العشر". وبقوله: "لا زكاة فيما دون خمسة أوسق". وقيل: لا، لأنه مبين، فلا يحتاج كلامه إلى (ما) بينه وضعفه بين. مسألة: يجوز تخصيص الكتاب بالسنة المتواترة، قولا كان أو فعلا، إجماعا. وكذا العكس.

أدلة جمهور الفقهاء

خلافا لبعضهم. أدلة جمهور الفقهاء لنا: {تبيانا لكل شيء} [النحل: آية 89]، والمعقول المتقدم. قالوا: {لتبين للناس} [النحل: آية 44]، (وقد سبق جوابه). ولأن المخصص بيان، وهو يوهم التبعية، وموهم القبيح قبيح. وأجيب: بمنع إيهامه ذلك، وسنده: {تبيانا لكل شيء} [النحل: آية 89] ثم هو زائل بالدلالة القاطعة. مسألة: يجوز تخصيص عموم الكتاب بخبر الواحد عند الأئمة الأربعة وأكثر المتكلمين. وقيل: لا. وقيل: إن خص بقاطع. وقيل: بمنفصل. وتوقف القاضي فيه. لنا: إجماع الصحابة، إذ خصوا قوله: {يوصيكم الله في أولادكم} [النساء: آية 11].

بقوله صلى الله عليه وسلم: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة". وقوله: "القاتل لا يرث". وقوله: "لا يتوارث أهل ملتين" وخصوا: {وأحل لكم ما رواء ذلكم} [النساء: آية 24] بقوله: "لا تنكح المرأة على عمتها ... " وخصصوا قوله تعالى: {حتى تنكح زوجا غيره} [البقرة: آية 230]

بقوله عليه السلام: "لا حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك". وخصوا قوله تعالى: {وأحل الله البيع} [البقرة: آية 275] بنهيه - عليه السلام - عن "بيع الدرهم بالدرهمين". وفي هذه الصورة نظر. وخصوا قوله تعالى: {وقاتلوا المشركين كافة} [التوبة: آية 36] بقوله - عليه السلام - في المجوس: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب". وخصوا: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} [المائدة: آية 38] بقوله: "لا قطع إلا في ربع دينار".

فلم ينكر عليهم، فكان إجماعا. وأورد: (اعتراض الإمام الرازي على دليل الجمهور من الإجماع). (أ) بأن الإجماع إن حصل فالتخصيص به، وإلا: سقط، ولا يجب ظهور مستنده. (ب) ثم الأخبار لعلها كانت متواترة. وأجيب: وعن (أ) أنه فرق بين الإجماع على التخصيص، وبين التخصيص بالإجماع، واللازم هو الأول. وعن (ب) أن الأصل عدم التغيير، سلمناه، لكنه معلوم الانتفاء في بعضها، كخبر المجوس، ثم إنه آت في كل باب، كخبر الواحد، مع أن المعترض تمسك به فيه، ولأنهما دليلان، فيقدم الخاص، لئلا يلزم إلغاؤه. له: (أ) رد عمر خبر فاطمة بنت قيس في أنه لم يجعل لها سكنى، ولا نفقة - لما كان

مخصصا لقوله تعالى: {أسكنوهن} [الطلاق: آية 6] وقال: (ندع كتاب ربنا وسنة نبينا، بقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت) ولم ينكر عليه فكان إجماعا. (ب) قوله - عليه السلام -: "إذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافق فاقبلوه، وإن خالف فردوه". (ج) الكتاب قطعي والخبر ظني. (د) المخصص بيان، وهو مقارن للمبين، فوجب أن يبلغه الرسول إلى أهل التواتر، لتقوم الحجة به. (هـ) القياس على النسخ. وأجيب: عن (أ) أنه رد للتهمة بالكذب، ولو كان كونه مخصصا للكتاب موجبا للرد، لما علل به، إذ لا يعلل بالمفارق مع وجود اللازم، (فهو) بأن تكون حجة لنا أولى من أن تكون حجة

علينا. وبأنه إنما رد لأنه يرفع حكم الكتاب بالكلية، وهو إنما يستقيم لو كان الضمير في قوله: {أسكنوهن} [الطلاق: 6] خاصا بالمبتوتات، وهو ممنوع بل هو راجع إلى المطلقات كلها، وقوله تعالى: {وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن} [الطلاق: آية 6] إنما يدل على أن لو قيل بمفهوم الشرط، وبتخصيص العام بتعقيب حكم يختص ببعضه. وعن (ب) النقض بالمتواتر. فإن قلت: إنه ليس على خلاف الكتاب. قلنا: كذلك - هاهنا - يؤكده: أن التخصيص بيان، وهو لا يوصف به. وعن (ج) أن الكتاب مقطوع المتن، دون الدلالة، والخبر بالعكس فاستويا من جهة القطع، فترجع الخبر بخصوصية، ولأن القاطع لما دل على وجوب العمل به، كان وجوب العمل به قطعيا، فاستويا. وعن (د) منع وجوب مقارنة البيان للمبين، ومنع وجوب إبلاغه إلى أهل التواتر. وعن (هـ) بمنع حكم الأصل، سلمناه لكن الفرق (أن) التخصيص أهون. للقاضي: أنهما يتساويان في القطع، فيجب التوقف. وعرف جوابه. ولهما: أن دلالة العام قبل التخصيص قطعية، فكان راجحا على الخبر، كقطع المتن والدلالة، وبعده تصير ظنية، فجاز تخصيص به، وهو مبني على أن دلالة العام قطعية، وضعفه بين.

مسألة: وفي بناء العام على الخاص إذا تعارض نصان: عام، وخاص، فإن تقارنا فالخاص يخصص العام: (أ) لبطلان الأقسام الثلاثة. (ب) الخاص أقوى دلالة، إذ يجوز إطلاق العام بدون إرادة ذلك الخاص، بخلافه. (ت) إذا قال السيد: (اشتر كل ما في السوق من اللحم) ثم قال عقيبه: (لا تشتر لحم الجمل) فهم إخراجه منه. وقيل: بتعارضهما في قدر الخاص، كما إذا تعارض نصان. وأجيب: بأنه للتساوي. فإن قلت: يحمل أحدهما على الندب، والآخر على الوجوب. قلت: لا يتأتى ذلك في نحو قوله: "فيما سقت السماء يجب العشر"، وقوله: "لا زكاة فيما دون خمسة أوسق" لأن فيه ترك الظاهر في غير محل الضرورة. وإن تأخر الخاص: فإن ورد قبل وقت العمل به كان مخصصا. وعن بعض الحنفية: أن التأخر عن وقت اعتقاد عمومه كالتأخر عن وقت العمل. وعمن لم يجوز تأخير بيان التخصيص والنسخ عن وقت الخطاب أحال المسألة.

وإن ورد بعد حضور وقت العمل بالعام فهو ناسخ لذلك القدر من العام وفاقا. وإن تأخر العام: فيبنى عليه - عندنا - وأهل الظاهر، وبعض الحنفية، والبصري. وقال أبو حنفية وأكثر أصحابه، وعبد الجبار: إنه ناسخ له. فالإطلاق يدل على أنه لا فرق بين أن يكون بعد حضور وقت العمل به، أو قبله فلا يليق بأصل من لم يجوز النسخ قبل حضور وقت العمل "به" فيقيد به، ولعله يقول: بالبناء قبله. لنا: (أ) ما تقدم. (ب) البناء أقل مفسدة من النسخ. (ت) الخاص أقوى دلالة، كما تقدم. لهم: (أ) ما روي عن ابن عباس - رضي الله عنه -: "كنا نأخذ بالأحدث فالأحدث".

(ب) العام كخبرين بالنسبة إلى مدلول الخاص، وما عداه ولو كان كذلك كان المتأخر ناسخًا فكذا العام. (ج) لفظان تعارضا، فقدم الأخير كما في عكسه. (د) الخاص المتقدم دائر بين أن يكون مخصصا ومنسوخا، فلا يكون مخصصا، إذ البيان لا يحتاج إلى بيان آخر. وأجيب: عن (أ) بأنه محمول على ما إذا كان خاصا، جمعا بين الدليلين. وعن (ب) بمنع أنه كذلك، فإن العام يقبل التخصيص والاستثناء والخاص ليس كذلك. وعن (ج) المعارضة: لفظان تعارضا، فيكون المتقدم مخصصا للمتأخر، دفعا للتناقض فإنه مندفع - أيضا - على هذا، ثم الفرق. وعن (د) منع كونه دائرا على السوية، والظهور كاف في البيان، ثم منع امتناع كون البيان قد يحتاج إلى بيان آخر. ولابن العارض على التوقف: (أ) أن الخاص أخص في الأعيان وأعم في الأزمان، لتناوله ما بين وروده والعام، فاستويا. (ب) ولأن خصوصه يوجب الرجحان، وتقدمه المرجوحية فاستويا.

وأجيب: عن (أ) بأنه لا يصح فيما إذا كان الخاص أمرا، والعام نهيا. فإنه عام مطلقا، إذ الأمر لا يفيد التكرار، ثم بمنع الاستواء، فإن الخصوص راجح. وعن (ب) بمنع أن التقدم يوجب المرجوحية مطلقا، بل بشرط تساوي الدلالة. وإن لم يعلم التاريخ: فالعام يبنى عليه - عندنا - وعبد الجبار، وبعض الحنفية - وتوقف فيه أبو حنيفة إلى ظهور التاريخ أو المرجوح، إذ الخاص منسوخ أو مخصص أو ناسخ، مقبول، أو مردود، إن كان آحادا، والعام متواترا. وهذا الاحتمال بين ضعف ما تمسك به أصحابنا: من أنه يبنى عليه في الأحوال الثلاثة، فكذا في حالة الجهل. وتمسكوا - أيضا - بأنه يجوز التخصيص بالقياس مطلقا، فخبر الواحد أولى. وهو ضعيف، إذ الأول: ممنوع، وأن أصله إن كان مقدما على العام (أو جهل ذلك لم يصح على القياس وغيره). فالمعتمد: أن علماء الأمصار في الأعصار، يقدمون الخاص على العام (مع الجهل بالتاريخ). ولا يدفع بعدم تخصيص ابن عمر قوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات} [البقرة: آية 221]، وقوله تعالى: {وأمهاتكم التي أرضعنكم} [النساء: آية 23] بقوله: {والمحصنات من الذين

أوتوا الكتاب} [المائدة: آية 5] وقوله عليه السلام: "لا تحرم الرضعة والرضعتان" مع خصوصهما - لاحتمال أن يكون لغير الجهل بالتاريخ، نحو النسخ ولو سلم فقد حصل الإجماع بعده، والإجماع بعد الخلاف حجة. فرع: من توقف إلى وجود المرجع، قال: إن عمل الأمة بأحدهما، أو أكثرهم مع عيبهم على من لم يعمل به - وشهرة روايته، وكونه بيانا للآخر، أو متضمنا الحكم الشرعي - مرجح. قال البصري: هذه الأمور أمارة تأخيره. مسألة: يجوز تخصيص الكتاب والسنة بالإجماع: (أ) للإجماع عليه.

(ب) وقوعه في آية القذف والزنا، إذ هو دليل الجواز وزيادة. (ت) دليل قاطع، فجاز تخصيصه به كالسنة المتواترة، بل أولى لأنه غير قابل للتأويل. وتخصيص الإجماع بهما غير جائز، لامتناع كونه خطأ. مسألة: يجوز تخصيص الكتاب والسنة المتواترة بفعله عليه السلام. وتحقيقه: أن العام إن تناوله كان فعله مخصصا له ولغيره، إن دل دليل على تسويته له فيه، إن بقي من مدلول العام شيء، وإلا: فنسخ، فيعتبر في ذلك الدليل، والفعل ما يعتبر في الناسخ، إذ الناسخ والمخصص هو مجموعهما، وإلا: اختص بالأمة. فإن دل دليل على تسوية غيره له فيه: كان تخصيصا، أو نسخا على ما سبق. ومنهم من منع التخصيص والنسخ به مطلقا، لأن المخصص هو ما يوجب متابعته، وهو أعم من العام. وأجيب: بأنه هو والفعل، وهما أخص منه، وهو غير آت في النسخ، إذ نسخ العام بما هو أعم منه جائز. وقيل: إن ثبت اتباعه في ذلك الفعل بخاص كان نسخا، وإن ثبت بعام كان تخصيصا. وقيل: بالوقف. مسألة: علمه - عليه السلام - بفعل مخالف لمقتضى عام مع عدم إنكاره على فاعله - تخصيص له عنه.

فإن كان بعد وقت العمل به كان نسخا في حقه، وإن ثبت مساواة غيره له كان نسخا مطلقا. لنا: أنه لا يسكت عن منكر، والإنكار السابق إنما يكفي لو لم يكن محتملا للتخصيص والنسخ كالعام. مسألة: مفهوم الموافقة يخص وفاقا. وكذا المخالفة على الأظهر، وإن ضعف دلالته، للجمع بين الدليلين. مسألة: يجوز تخصيص العموم بالقياس عند الأئمة الأربعة، والأشعري، وأكثر المعتزلة: كأبي هاشم - في رواية - والبصري، والقاضي وقيل: لا. وقيل: بالجلي وهو: ما تتبادر علته إلى الفهم (كما في) قوله عليه السلام -: "لا يقضي القاضي وهو غضبان".

والخفي ضده، وقيل: (هو قياس المعنى، والخفي قياس الشبه)، وقيل ما ينقض القضاء وهو بخلافه، والخفي: ضده) وهو دور. الغزالي: إن تعادلا توقف، وإلا: رجح القوي. عيسى بن أبان: إن خص بغيره جاز. الكرخي: إن خص بمنفصل. وقيل: التوقف، هو كالتخصيص من حيث إنه لا يحكم بمقتضى العموم فيه، وبيانه من حيث إنه لا يحكم فيه بمقتضى القياس. ثم إن كان أصل القياس مخالفا للعام في القوة والضعف، فالخلاف في جوازه وعدمه مرتب على المساوي. لنا: أنه خاص، فوجب أن يقدم، لما سبق. لهم: حديث معاذ.

(ب) العلة: إما راجحة، أو مساوية أو مرجوحة، وعلى الآخرين لا مخصص، ووقوع واحد من أمرين أقرب من وقوع واحد بعينه، ويمكن تقريره من جهة العام أيضا. (ج) العام معلوم، والقياس مظنون، فلم يقدم عليه. (د) القياس فرع النص، فلا يقدم عليه. (هـ) شرطه أن لا يرده النص إجماعا. (و) جهة الضعف في القياس أكثر، فكان مرجوحا. (ز) قياس التخصيص على النسخ. وجواب: (أ) النقض بالسنة. ودفع: بأنه لدليل يخصها. وأجيب: بأنه للجمع بين الدليلين: لئلا يلزم الترك، وفيه التعارض. وعن (ب) بمنع ذلك مطلقا، بل في المتساوية، أما إنه آت في كل تخصيص. وعن (ج) أنه - أيضا - مقطوع المتن، مظنون الدلالة، كالعام وزاد عليه بالخصوص، سلمناه لكن الجمع بين الدليلين أولى من إلغاء المظنون. وعن (د) أنه فرع نص آخر. فإن قلت: النصوص متساوية المقدمات، واختص القياس بزيادة قلتك نمنع الأولى. وعن (هـ) أن ذلك حيث يدفع كل مقتضاه. وعن (و) بمنعه، فإن كميات المقدمات قد تصير معارضة بكيفياتها، سلمناه، لكن الجمع بين الدليلين أولى من ترك الضعيف بالكلية، ثم إنه منقوض بتخصيص المقطوع بخبر الواحد.

وعن (ز) بالفرق. لمن فرق بين الجلي والخفي: أن الجلي أقوى لتبادر فهم العلة، والعموم غير متبادر منه، لكثرة تطرق التخصيص إلى العمومات، فوجب التقديم. ولمن توقف: أن مقتضى الدليل التوقف في خبر الواحد - كما تقدم في حجة القاضي - لكن ترك العمل به للإجماع، وهو غير حاصل في القياس فوجب التوقف. وأجيب: بأن ما لأجله أجمعوا - وهو الجمع بين الدليلين - حاصل. مسألة: عطف الخاص على العام لا يخصصه. خلافا للحنفية. وقيل: بالتوقف. كقوله عليه السلام: "لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده". أي: بكافر - والمراد منه: الحربي وفاقا، فكذا الأول.

قلنا: نمنع أن معناه ذلك، إذ هو كلام تام، فلا يضمر مع الاستغناء عنه. قالوا: فيمتنع قتله مطلقا. قلنا: تخصيص: للدليل، وهو خير من الإضمار، سلمناه لكن العطف لا يقتضي الاشتراك من كل الوجوه. ولأن جعله مخصصا يقتضي الاشتراك، أو المجاز، لأنه استعمل في غيره كما في قوله تعالى: {والمطلقات} [البقرة: آية 228]، فوجب جعله حقيقة في القدر المشترك. ولأنه لو أفاد فحيث لا يفيد يلزم الترك بالدليل، وعكسه لا يستلزم ذلك، فكان أولى. لهم: أن حرف العطف يجعلهما كالشيء الواحد، وهو يقتضي التسوية لا الحكم، وتفاصيله. ولأنه لا بد في المعطوف من إضمار، فإن أضمر ما تقدم - وهو فيه خاص - فوجب أن يكون في الأول كذلك، وإن أضمر غيره، أو بعضه المعين أو غير المعين - فباطل، وعلته ظاهرة. وأجيب: عن (أ) بمنع أن ذلك يقتضي ما ذكرتم. وعن (ب) بمنع أنه لا بد من الإضمار، سلمناه لكن بعض المذكور، ولا نسلم عدم الدلالة عليه. مسألة: لا يخص الخبر بمذهب الراوي الصحابي.

خلافا للحنفية والحنابلة. عبد الجبار: إن وجد ما يقتضي تخصيصه به، لم يخص بمذهب الصحابي، بل به، وإلا: خص بمذهبه. إمام الحرمين: إن احتمل النسيان، أو الاحتياط لم يخص، وإلا: لم يجز التعلق بالحديث. مثال قوله - عليه السلام -: "من بدل دينه فاقتلوه". مذهب ابن عباس - وهو رواية - أن المرتدة لا تقتل. فلذلك اختلفوا فيه، وخبر أبي هريرة لا يصح مثاله، إذ العدد نص فلا يقبله.

العموم ظاهر، وفعله محتمل، فلا يترك به. لهم: مخالفته لا عن طريق يقدح في عدالته، وعن طريق ظني يوجب بيانه، إزالة للتهمة، والشبهة، وعن قطعي يوجب اتباعه. وأجيب: بأنه لو كان لقطعي لبينه، لئلا يخالف، ولوجب على مثله موافقته، ولم يخف عن غيره، ثم الظني يجب إظهاره لو اتفق فيه الكلام، فلعله لم يتفق، ثم لا يلزم من إظهاره اشتهاره. فإن لم يخصص بفعل الراوي، فبفعل غيره أولى، فإن خص به: فإن قيل بعدم حجية قول الصحابي لم يخص به، وإلا: فيحتمل الأمرين، والأظهر: التخصيص للجمع بين الدليلين. مسألة: الجواب: إن لم يستقل دون السؤال للمادة أو غيرها - تبعه في عمومه، وخصوصه. وإن استقل فالمساوي ظاهر. والخاص جائز إن نبه في المذكور على حكم غيره، والسائل مجتهد، لا يفوت باجتهاده الوقت، وحكمه - حينئذ - كحكم السؤال، لكن لا يسمى عاما لدلالة التنبيه. والأعم في غير ما سئل عنه لا خلاف فيه، كقوله عليه السلام - "هو الطهور ماؤه الحل

ميتته". وفيما سئل عنه كقوله - عليه السلام: - "خلق الماء ... " الحديث لا يخص به عند المعظم. خلافا للشافعي - فيما نسب إليه - والمزني، وأبي ثور، والقفال،

والدقاق. وعلى الخلاف: العام الوارد على سبب خاص، من غير سؤال، كقوله - عليه السلام - "أي إهاب دبغ ... " الحديث. لنا: (أ) ظاهر العموم، وخصوص السبب لا يعارضه، لجواز التصريح به معه. (ب) لو كان خصوصه مانعا لزم التعارض، وأنه خلاف الأصل. (ج) لو كان خصوصه مخصصا: فحيث لم يخصص - كما في أكثر العمومات - لزم الترك بمقتضى الدليل، وعكسه لا يستلزم ذلك، فكان أولى. لهم: (أ) لو كان عاما لجاز تخصيص السبب كغيره، ليساوي دلالة العام على مدلوله، واللازم باطل، فالملزوم مثله. (ب) لو كان الحكم عاما لما تأخر البيان إلى ذلك الوقت ظاهرا. (ج) قياسه على غير المستقل، بجامع عدم إلغاء فائدة السؤال. (د) لو كان عاما لما كان مطابقا للسؤال، فكان غير جائز كالخاص.

(هـ) السبب كالعلة، لأنه المثير للحكم، فيختص به، ولو (لم) يختص به لم يكن في معرفته ونقله فائدة، فكان يمتنع إطباق الأمة على جوازه. وجواب: (أ) بمنع الملازمة، والتساوي ممنوع، وسنده العام المشكك، ثم بمنع امتناع اللازم، إذ نقل عن الحنفية جوازه، إذ لم يثبت للأمة فراشا مع ورود قوله - عليه السلام - "الولد للفراش" فيها - وإحالته إلى عدم معفرفة صحة الحديث، وصحته - بعيدة. (ب) بمنع الملازمة - أيضا - إذ الحاجة ربما لم تتفق قبله، ثم هو منقوض بذلك الشخص والزمان والمكان. (ج) بالفرق. (د) بمنع الملازمة، وإذ المعنى منها أن لا يعدل عن السؤال إلى غيره، ولا يغادر منه شيئا كما في الخاص، لا أنه لا يزيد عليه، لا سيما من جنسه، وإلا: لما صح "هو الطهور ماؤه الحل مستته". (هـ) بمنعه، إذ الجامع وصف طردي، ثم بالفرق، ثم هو منقوض بالسائل، فإنه مشير له، مع أنه لا يختص به وفاقا. (و) بمنعه إذ الفائدة غير منحصرة في الاختصاص، إذ نفس العلم فائدة، كيف وفيه

فائدة عدم جواز تخصيصه. مسألة: لا يخص العام بذكر بعضه. خلافا لأبي ثور. لحديث: (الإهاب، وشاة ميمونة)، لأن المخصص مناف، وذكر البعض غير مناف. له: أن تخصيص الشيء بالذكر يدل على نفي الحكم عما عداه. وجوابه: منعه، فإن مفهوم اللقب ليس بحجة، سلمناه، لكنه ضعيف جدا، فالعموم أولى. مسألة: (جواز التخصيص بالعادات) لا يخص بالعادة، إلا: إذا علم وجودها في زمن الرسول، وعدم إنكاره لها، أن يكون مجمعا عليها، لكن المخصص إنما هو تقرير الرسول أو الإجماع. ونقل عن الحنفية التخصيص بها مطلقا.

وهو ضعيف، إذ أفعال الناس ليست بحجة على الشارع. ومنه: ما إذا نهى الرسول عن أكل الطعام مثلا، وكانت العادة جارية بأكل الطعام معين. والفرق في اللفظ مؤثر في التخصيص وفاقا، وليس هو مما نحن فيه في شيء. مسألة: قصد المدح والذم من العام لا يخصصه، لأنه غير مناف له، إذ التصريح به معه لا يعد منفيا، فيجب التعميم. وكونه سيق لقصد المبالغة في الحث أو الزجر، لا ينافي أن يقصد معه العموم، بل ثبوته بصفة العموم أبلغ. مسألة: إذا عقب عام باستثناء، أو صفة، أو حكم - لا يتأتى في كله: - فعام عند المعظم، وعبد الجبار. وخاص عند الحنفية.

وتوقف فيه إمام الحرمين، والبصري، والإمام. كقوله: {إلا أن يعفون} [البقرة: آية 237]، وقوله: {لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا} [الطلاق: آية 1] أي: الرغبة في مراجعتهن، قوله: {وبعولتهن أحق بردهن} [البقرة: آية 228]. للمعمم: أن اللفظ عام: وكون الضمير عائدا إلى بعضه لا ينفيه، فوجب إجراؤه على العموم، و - أيضا - لفظان فلا يلزم من مجازاته أحدهما مجازاته لآخر. ولمن خص: الأصل مطابقة الكناية للمكنى. وأجيب: بأنه إذا لم يستلزم مخالفة أصل آخر. ولمن توقف: أن تخصيص الكناية لإعمال العموم، ليس أولى من العكس فوجب التوقف. وأجيب: بمنعه، فإن أعمال العموم أولى، لكونه مسوغا، وأظهر دلالة. ولا يجاب: بأن تخصيص الأول يوجب تخصيصهما من غير عكس - لأن الثاني - حينئذ - ليس بمخصص، لعوده إلى ما تقدم، وهو معنى عمومه.

فصل تقسيم المطلق والمقيد

فصل تقسيم المطلق والمقيد المطلق الحقيقي: لفظ دال على ماهية الشيء فقط والإضافي: مختلف. نحوه (رجل) و (رقبة) فإنه مطلق بالإضافة إلى رجل عالم، ورتبة مؤمنة، ومقيد بالإضافة إلى الحقيقي، لأنه يدل على واحد شائع، وهما قيدان زائدان على الماهية. والمقيد مقابلهما. مسألة: لا يحمل المطلق على المقيد إن اختلف حكمهما. وإن اتحدا، والسبب واحد، وكانا مثبتين - حمل عليه إجماعا. وإن تأخر - إلا: إذا تأخر بعد وقت العمل به - فإنه نسخ، لامتناع حمله على البيان. ونقل بعضهم الخلاف فيما إذا تأخر المقيد بحمله على النسخ لعل المراد منه: ما إذا تأخر بعد وقت عمله، وإلا: فالحمل على النسخ مع إمكان حمله على البيان بعيد، ثم يلزم عكسه. لنا: المطلق جزء مقيد فالعامل به عامل بالدليلين من غير عكس فكان أولى. لا يقال: لا نسلم أن المطلق جزؤه، بل ضده، سلمناه، لكن حمل المقيد على الندب، والمطلق على الوجود جمع - أيضا -، ويزيد أنه لم يلز حكم واحد منهما - لأن مفهوم {رقبة مؤمنة}

[النساء: آية 92] هو مفهوم (رقبة) مع زيادة، فكان جزءا منه، التضاد إنما هو باعتبار الحكم، فإن وجوب الجزء وحده مناف لوجوب المركب منه ومن غيره. وبمنع أنه لم يزل حكم الواحد منهما، لأن ظاهر المقيد وجوبه، - حينئذ - ما ذكرنا أولى، للخروج عن العهدة بيقين، ولعدم ترك مدلول اللفظ فيه، وعدم الترك في غير محل التعارض، دون ما ذكرته. فإن كانا منفيين كقوله: "لا يعتق مكاتبا" و"لايعتق مكاتبا كافرا"، فلا منافاة بينهما إلا: من جهة المفهوم فإن لم يقل به عمل بهما، وإن قيل (به) فالثاني بمفهومه ينافي عموم الأول فيقيد به، كالتخصيص به. وإن كان أحدهما: أمرا والآخر نهيا، كقوله: "اعتق رقبة"، "ولا تعتق رقبة كافرة" أو عكسه، كان المطلق مقيدا بضد الصفة المذكورة. وإن اختلف السبب كالقتل والظهار. فثالثها: وهو قول الشافعي والمحققين - حمله عليه، لقياس أو غيره، إذ القياس حجة شرعية غير مختص بصورة دون صورة، فإذا دل على حمل المطلق على المقيد: وجب المصير إليه. وأورد: بأن من شرطه أن لا يكون على خلاف النص.

وأجيب بأن المراد منه: المخالفة المانعة من الجمع، وإلا: لما جاز التخصيص به. و- أيضا - القياس على تخصيص العام بالقياس، والجامع صيانته عن الإلغاء، بل التقييد أولى، لأنه ليس فيه إبطال دلالة اللفظ، بخلاف التخصيص. وفرق: بأن النص بعد التخصيص يبقى معمولا به في بقية الأفراد، وفي صورة التقييد يبطل بالكلية، فكان نسخا، وهو غير جائز بالقياس وخبر الواحد في المقطوع. ورد: بأنه بطريق البيان، لا بطريق الإزالة، ولهذا كان الحكم كذلك لو كانا مقترنين، أو المقيد متقدما مع امتناع النسخ فيه. قيل عليه: فكان يجب أن لا يثبت بالقياس، وإلا: لكان الثابت به ثابتا بالنص بطريق (البيان) لإمكان مثله في كل قياس، وهو منقدح. للمانع: ما تقدم: وأجيب: بما تقدم، وقد عرف ما فيه، وبالنقض باشتراط السلامة عن العيوب، وهو لازم إن كان طريقه القياس، أو خبر الواحد، وإن كان طريقه قطعيا، أو كان من نفس الرقبة - إذ تكريرها في النص يدل على كمالها، والمعيوب ليس كذلك فمندفع. والثالث: أن تقييد أحدهما يوجب تقييد الآخر لفظا: (أ) إذ القرآن كالكلمة الواحدة. (ب) أن الشهادة أطلقت مرارا، وقيدت بالعدالة مرة، وحمل الملطق على المقيد. (ت) أن الذاكرات محمول على قوله: {والذاكرين الله كثيرا} [الأحزاب: آية 35]

لفظا من غير دليل آخر، إذ الأصل عدمه. وأجيب: عن (أ) بمنع ذلك في كل شيء، بل في أنه لا تناقض فيه. وعن (ب) بأنه للإجماع، وقوله: {إن جاءكم فاسق} [الحجرات: آية 6]. والقياس على محمل التقييد بجامع حصول الثقة. وعن (ج): بأنه للعطف، وقرينة المدح، وحكم المنفين، أو المختلفين - في هذا بالتقسيم - غير خاف مما سبق. فرع: إذا أطلق في موضع، وقيد في موضعين بقيدين متضادين فإن (كان) السبب واحدا، كما في حديث (الولوغ)، فإنه روي "إحداهن"، و"أولاهن" و"أخراهن" - فالمطلق على إطلاقه، إذ ليس إلحاقه بأحدهما أولى من الآخر، فيتعارضان ويبقى المطلق على إطلاقه. وإن كان السبب مختلفا، كما في صوم (التمتع)، وصوم (الظهار) وإطلاق قضاء رمضان؛ فمن قال: بالتقييد لفظا، فالحكم عنده كما سبق. ومن قال: به قياس، فيلحقه بأكثرهما شبها.

فصل

وعند التعارض: يجب إجراء المطلق على إطلاقه، لما سبق. تنبيه: المطلق كالعام، والمقيد كالخاص، فما ذكر في التخصيص: من متفق، ومختلف، ومختار، ومزيف - جار هاهنا من غير تفاوت. فصل المجمل: المبهم، من أجمل الأمر، أي أبهم. وقيل: المجموع، من أجمل الحساب، إذا جمع وجعل جملة واحدة. وقيل: المحصل، من أجمل الشيء إذا حصله. وفي الاصطلاح: قيل: (لفظ تمس الحاجة إلى بيانه في حق السامع، دون المتكلم) وهو: غير جامع ومانع: لخروج الفعل، ودخول اللفظ الذي أريد منه المجاز المرجوح. وقيل: (ما لا يطاق العمل به إلا: ببيان يعتريه). وهو: غير مانع لما تقدم. وقيل: (هو اللفظ الذي لا يفهم منه عند الإطلاق شيء) وفساده بين. وقيل: (ما لم تتضح دلالته). وهو: غير مانع لدخول المهمل. الغزالي: (هو اللفظ الصالح لأحد معنيين، الذي لا يتعين معناه، إلا بوضع اللغة، ولا بعرف الاستعمال).

وهو: غير جامع ومانع، لخروج الفعل، ودخول نحو: "اعتق رقبة"، إن عنى بـ (معنيين): معنيين كيف ما كانا، وإن أراد مختلفين فغير جامع من وجهين: ماتقدم، وخروج المتواطئ. البصري: "ما أفاد شيئا من (جملة) أشياء، هو متعين في نفسه، واللفظ لا يعينه". وأورد: بأن ذكر اللفظ بعد (ما) يشعر بإرادته منه، فيكون غير جامع، لما سبق، فالأولى: أن يحذف عنه فيصح. والبين: ما ورد عليه البيان، والمستغني عنه: إما للوضع كالنص، والظاهر أو للمعنى: كالمفهومين والإيماء. والأظهر: أن الأول هو الحقيقة. والبيان: اسم مصدر بين، وهو عبارة عن الدلالة. وفي الاصطلاح: قال الصيرفي: هو التعريف، فحده: بأنه (إخراج الشيء من حيز الإشكال إلى حيز التجلي). وقال القاضي، والغزالين والإمام، وأبو هاشم والبصري: هو الدليل، فحدوه بأنه الدليل الموصل بصحيح النظر فيه إلى العلم، أو الظن بالمطلوب.

مسألة

وقال أبو عبد الله البصري: هو نفس العلم أو الظن، الحاصل من الدليل، فقال: إنه عبارة عن تبيين الشيء، فهو والبيان عنده (شيء) واحد. والأشبه: قول القاضي. ثم لا يقال ذلك - في الاصطلاح - لكل دليل، بل لما دل على المراد بخطاب لا يستقل في الدلالة عليه والمفسر: كالمبين. أما النص، والظاهر، والمؤول، والمحكم، والمتشابه - فقد تقدم تفسيرها. مسألة: الدليل: إما عقلي، ولا إجمال فيه، وإما شرعي: وهو إما أصل، أو مستنبط منه، وهو القياس، ولا إجمال فيه. والأصل: إما قول، أو فعل، والقول: إما مفرد أو مركب والمفرد: إما علم كـ (زيد)، المتردد بين شخصين سميا به. أو غير علم: ظاهر: حكم عليه بالإجمال: حال استعماله في موضوعه، كالمشترك والمتواطئ. أو في (بعض) موضوعه، كالعام إذ خص بمجهول: من صفة أو استثناء، أو

مسألة

دليل منفصل، كقوله: {وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم} [الحج: آية 30]، {وأحل لكم ما وراء ذلكم} [النساء: آية 24]، وكما إذا قيل في عام: المراد منه البعض. أو خارج موضوعه كالمنقولات الشرعية، والخاصة، والمستعمل في مجاز غير متعين. أو اسم إشارة أو موصول - عند صلاحية كل منها لأمور - أو معطوف يصلح أن يكون مبتدأ. والمركب كالنفي الداخل على غير المنفي ذاته، وله صفات يصلح كل منها أن يكون هو المنفي وكإتباع الصفات، بما يصلح أن ترجع إلى كلها، أو بعضها، كـ (طبيب) و (أديب) و (خياط) (ماهر)، وكالمتردد بين جمع الأجزاء، وبين جمع الصفات نظرا إلى اللفظ - وإن تعين أحدهما لمنفصل - كقوله: الثلاثة: زوج وفرد. وأما الفعل: فمجمل ما لم يقترن بما يدل على وجه وقوعه. ثم المجمل: واقع في كتاب الله وسنة رسوله، لما تولنا من الآيات، ولما سبق في المشترك. ودليل المخالف قد مضى بجوابه فيه. مسألة لا إجمال في التحريم والتحليل المضافين إلى الأعيان.

خلافا للكرخي، والبصري. لنا: (أ) تبادر الذهن إلى تحريم ما يقصد منها. (ب) قوله - عليه السلام -: "لعن الله اليهود: حرمت عليهم الشحوم، فجمولها، وباعوها، وأكلوا أثمانها" - يفيد: أن تحريم الشحوم يفيد تحريم ما يقصد منها. وأورد: بأن حكاية حال، فلعله كان مقترنا بما يعم، ثم اللعن لعله للعمل به قبل البيان، فإن ما فعلوه يحتمل أن يكون مرادا منه. وأجيب: بأنه اختلاف الأصل والظاهر، ولو كان اللعن لما ذكرتم لوجب أن ينبه عليه، دفعا للظن الباطل. (ج) التعميم أكثر فائدة من الإجمال، فكان الحمل عليه أولى ولزوم كثرة الإضمار له ممنوع، لنقله إلى تحريم ما يقصد منه ثم هو خير من الإجمال. (د) يفهم من (ملك الدار والجارية) حل السكنى والإجارة والبيع، وحل الوطء والاستخدام والبيع، فإذا جاز ذلك فيه جاز أيضا فيه التحريم.

مسألة

لهما: (أ) أن العين لا تحرم، وإضمار الكل، إضمار بلا حاجة، وليس البعض أولى من البعض، فوجب التوقف. (ب) لو أفاد معينا لأفاده في كل المواضع. وأجيب: بأن الفعل المطلوب منه أولى، وبما سبق، وبأنه يفيد الفعل المطلوب منه في كل المواضع. مسألة: قال: بعض الحنفية: مثل {وامسحوا برءوسكم} [المائدة: آية 6]- مجمل. لتردده بين الكل والبعض، وإنما أوجب مسح الناصية للحديث وقال الباقون: بنفيه فمالك، والقاضي، وابن جني، أنه يفيد الكل.

مسألة

وأصحابنا البعض. والشافعي، وعبد الجبار، والبصري: القدر المشترك بينهما والكلام فيه مر في اللغات. مسألة لا إجمال في مثل: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب" "لا نكاح إلا بولي"

خلافا للقاضي، وأبي عبد الله والجبائيين في رواية. واختار الأكثرون: أنه إن دخل على شرعي انتفى، لإمكان حمله عليه، فلا إجمال. وقوله: هذه صلاة فاسدة يحمل على اللغوي، للتوفيق أو غيره، وله حكم واحد كـ (الشهادة) و (الإقرار)، فيما يسن ستره - حمل عليه، لتعينه فلا إجمال. أو أكثر كـ (الجواز) و (الفضيلة) - يتحقق الإجمال لعدم الأولوية. وأجيب: بمنعه، إذ حمله على عدم الجواز أولى، لأن نفي جميع الصفات لازم لنفي الذات، فإذا تعذر حمله عليه وجب حمله على لازمه، ولأن مشابهته بالحقيقة أكثر، ولأن عدم حمله عليه يقتضي الإجمال: أو خلاف الإجمال، أو التعطيل. للنافي: أنه دخل على مسمى شرعي انتفى لما سبق أو غيره فلا، لئلا يلزم الكذب فيحمل على نفي ما له من الصفات لما سبق ولأن العرف في مثل نفي الفائدة، نحو: (لا علم إلا ما نفع، ولا بلد إلا بسلطان، ولا سلطان إلا بعدل) والأصل تطابقه والشرع، وبتقدير المخالفة: وجب حمله على العرف الشرعي فلا إجمال - أيضا -. و-أيضا- (هذا لفلان) عود نفعه إليه، والنفي يرفع مقتضى الإثبات وهو بعدم

الصحة. للمثبت: (أ) أنه استعمل فيهما، كقوله عليه السلام: "لا صلاة إلا بطهور". و- "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد". فيكون حقيقة فيهما بالاشتراك اللفظي أو المعنوي، والإجمال لازم لهما. (ب) صرف النفي إلى الذات كذب، وإلى بعض حكمه عينا ترجيح بلا مرجح، وغير عين خلاف الإجماع، وإلى الكل إضمار بلا ضرورة (ت) صرف النفي إلى الجواز أولى، لما سبق، وإلى الكمال أولى، من وجه أنه متيقن فيتساويان، فيتحقق الإجمال. وأجيب: عن (أ): بأنه حقيقة في أحدهما مجاز في الآخر وهو أولى منهما، لاستلزامهما الإجمال. وعن (ب): بمنع أنه كذب فيما له مسمى شرعي، ثم لا نسلم لزوم الإضمار، لاحتمال نقله إلى نفي الفائدة، ثم لا نسلم لزم الترجيح بلا مرجح، فإن نفي الجواز (أرجح) لما سبق. وعن (ج): أن صرفه إلى نفي الجواز أولى، لما سبق، ولتقليل مخالفة الدليل، ومراعاة زيادة المشابهة، ونفي الإجمال. تنبيه نحو: "إنما الأعمال بالنيات".

مسألة

"لا عمل إلا بالنية". كما تقدم في نفي الإجمال. وبعض من وافق فيما تقدم خالف في هذا، لزعمه أنه ليس للشارع في العمل عرف، حتى يمكن نفي نفسه و - حينئذ - لا ندري إلى ماذا يرجع. وجوابه: أن حمله على نفي الفائدة أولى، لما تقدم. مسألة لا إجمال في مثل: "رفع عن أمتي ... " الحديث.

خلافا للبصريين لنا: التبادر إلى نفي المؤاخذة والعقاب، حيث لا ينتفي نفسه، ولأنه لو قال ذلك ثم عاقب عليه: عد مناقضا، ولم يسقط الضمان والكفارة؛ لأنه ليس بعقاب لتحققه بدون تحريم أو بطريق التخصيص. ولهما: ما سبق بجوابه فيما قبله. مسألة قيل: آية السرقة مجملة إذ اليد للعضو من: المنكب والمرفق والكوع، لاستعمالهما فيها، والقطع: للإبانة والشق، لأنه استعمل فيهما. و- أيضا - يحتمل الاشتراك والتواطؤ، وحقيقة في أحدهما، ووقوع واحد من اثنين أقرب من واحد معين. والحق خلافه، وهو مذهب الجماهير. بأن اليد حقيقة في العضو إلى المنكب، ولما دونه بطريق التجوز، لصحة: بعض اليد.

ولفهم الصحابة: إذ مسحوا إلى الآباط، لما نزلت آية التيمم ولما أن التجوز خير من الاشتراك، ولصحة السلب. والقطع للإبانة، وإطلاقه على الشق لوجودها فيه، إذ التواطؤ خير من الاشتراك، أو هو مجاز فيه، إذ هو خير منه، ولصحة نفيه عنه، و - حينئذ - يلزم انتفاؤه إذ لا يتوهم إجمال فيهما في غيرهما. وأجيب عن الأخير بأنه ينفي الإجمال بالكلية. وأورد: بأن مقتضاه ذلك، لكن ترك مقتضاه في بعض الصور، فيبقى فيما عداه على الأصل. وجوابه: أن ذلك عند تساوي الاحتمالات، وبأنه ثابت الإجمال، لا من جهة اللغة. مسألة: ما له معنى شرعي، ولغوي: غير مجمل. وقال القاضي: به ولعله تفريعا على الحقيقة الشرعية، إلا: فهو منكر لها. وقال الغزالي: إن ورد مثبتا فللشرعي، كقوله: "إني إذا أصوم ... "

ليستفاد منه صحته بنية النهار، وإن ورد منفيا فمجمل، لتردده بينهما كالنهي عن: "صوم يوم النحر وأيام التشريق" فلا يستفاد منه صحة صومهما من جهة: أن النهي عن الممتنع ممتنع. وقيل: في النهي اللغوي. لنا: أنه حقيقة شرعية فيقدم، لما سبق في اللغات، (فإن فرض أنه لم ينته إلى حد الحقيقة، فهو، أيضا - أولى للغلبة). له: أنه يصلح، وكان عليه السلام يناطقهم بعرفهم، كما كان يناطقهم بعرفه، كما قال عليه

مسألة

السلام - "دعي الصلاة أيام أقرائك"، ونهيه عن: "المضامين والملاقيح". وأجيب: بأنه في النفي وبأن الغالب الاستعمال في عرفه، ولو سلم فالحمل عليه أولى؛ لأنه بعث لبيانه ولدفع الإجمال ولا يعارض بمثله لأنه خلاف الإجماع. الغزالي: لو كان في النهي له - لزم لصحته، أو التعارض، لتعذر النهي عن الممتنع. وأجيب: بمنع امتناع النهي عنه، كما سبق في فصله، وبالنقض بـ "دعي الصلاة أيام أقرائك" ونحوه فإن اللغوي غير منهي عنه فيلزم المحذور المذكور. وبه خرج جواب متمسك الرابع، وهو أنه في النهي لو كان للشرعي لزم صحته. مسألة: ما يفيد معنى تارة، ومعنيين أخرى - مجمل، وهو اختيار الغزالي. وقيل: لا. لنا: أنه محتمل من غير ظهور، إذ الكلام فيه. وأورد: بأنه ظاهر في المعنيين، لتكثير الفائدة، كالدائر بين التأسيس والتأكيد،

والتباين. وأجيب: بأنه إثبات له من غير جهة اللغة، ثم بمنع حكم الأصل لما ذكر، بل للقلة، ثم بالمعارضة بالغلبة، فإن ما يفيد واحد أغلب. لهم: أن المقصود من الكلام الإفادة فكل ما فيه الإفادة أكثر فالحمل عليه أولى. وبأن المفيد للواحد كالمهمل بالنسبة إليه، والمفيد راجح على المهمل فكذا ما يشبهه. وبأنه يحتمل الثلاثة، ووقوع واحد من اثنين أقرب من واحد معين. وأجيب: بما سبق. وفي الأوليين بالنقض بالاشتراك، والنقل، فإن صلاحية الإفادة لكل منهما، فائدة زائدة يخص الأخير بما سبق في السارق. مسألة: ما له محمل في حكم شرعي، ومحمل لغوي مثل: "الطواف بالبيت صلاة" "الأذنان من الرأس".

أو في حكم شرعي متجدد، وحكم عقلي أصلي، كقوله تعالى: {قل لا أجد في ما أوحي إلي} [الأنعام: آية 45]- فإنه يقتضي نفي التحريم عن غير المذكور فيها، وهو إما بالبقاء على حكم الأصل أو بإثبات الحل فيه وهو حكم شرعي متجدد، دون البقاء فإنه غير متجدد - ليس بمجمل -. وقال الغزالي وغيره: به. لنا: أن حمله على الشرع أولى؛ لأنه أمس، وأخص به وأغلب في كلامه ولا يتضمن تعريف المعرف، إذ اللغوي يعرفه أهل اللسان، والتقرير يعرف (بعدم) النقل. له: أنه وإن ترجح بما ذكرتم، لكن اللغوي يترجح بعدم الإضمار، أو قلته، وأن الحمل عليه وعلى البقاء لا يستلزم النقل، فيتساويان، فيتحقق الإجمال. ثم هو معارض: بأنه صالح لهما، ولم يتضح إذ الرسول كان ينطق بهما نحو: "ليس في الكسعة ولا في النخة ولا في الجبهة صدقة"

مسألة

"كل مسكر خمر" وأجيب: بأنه لو سلم ذلك لكان محذور الإجمال أشد منهما، وعن الأخير: منع عدمه، إذ هو يتضح بما ذكرنا، وما ذكرتم من الاستعمال النادر، على أنه نمنع أن قوله: "كل مسكر خمر" بيان للتسمية. مسألة روي عن الشافعي - رضي الله عنه - أنه تردد في إجمال قوله تعالى: {وأحل الله البيع} [البقرة: آية 275] وتعميمه. وإلى كل منهما ذهب قوم. وقال إمام الحرمين: مجمل فيما اشتمل على جهة من جهات الزيادة دون ما ليس كذلك. ومأخذه يحتمل. أن لام التعريف في المفرد للعموم، أو للجنس الصادق على الكل والبعض. أو أنه - وإن كان للعموم لكن قوله تعالى: {وحرم الربا} [البقرة: آية 275] جار مجرى

الاستثناء منه، وهو مجهول، إذ الربا هو الزيادة لغة وكالزيادة لا تحرم، فما هو المراد منه مجهول، فيصير العام (بسببه) مجملا، وبه يشعر تفصيل الإمام. وكلام الشيخ الغزالي يشعر: بأنه لتردده بين العهد والعموم. وهو باطل، لأنه لا يعم إلا عند عدمه، ويلزمه ذلك في الجمع المعرف، ثم هو جزم بالإجمال. وكذلك ترددوا في نحو: {وافعلوا الخير} [الحج: آية 77] حتى استدل به على وجوب الوتر. الأظهر: أنه قصد به الماهية لا التعميم، فلا إجمال ولا تعميم. ونحو: {لا يستوي} [الحشر: آية 20] مجمل عند من لا يقول بعمومه. مسألة: قيل: لم يبق مجمل في كتاب الله تعالى، بعد وفاة الرسول - عليه السلام. وقيل: به. والحق: التفصيل بين ما كلفنا بمعرفته تفصيلا، ولا طريق إليها إلا ببيان الرسول، وبين ما ليس كذلك، إذ تجويزه في الأول يوجب تكليف ما لا يطاق، وأما الثاني فلا إحالة فيه: (فوجب جوازه). للمانع: {اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة: آية 3] وهو: ببيان ما فيه. وأن الدليل ينفي اشتماله عليه، ترك العمل به في أصل الوقوع لاشتماله عليه، فيعمل به في الدوام. وأجيب: بمنعه عموما، بل ببيان ما يحتاج إليه، وبمنع اقتضاء الدليل ذلك، كما سبق في

مسألة

الاشتراك، سلمناه، لكن الموجب متحد، وهو أن بيان الشيء على الإجمال قد يكون مقصودا. مسألة: الجمهور: على أن الفعل يقع بيانا. خلافا لبعض الشاذين. ومن قال من المعتبرين كالغزالي وغيره: إن البيان مخصوص بالدليل القولي - فالمراد منه التسمية اصطلاحا - كما في العموم. لنا: أنه - عليه السلام - بين الصلاة والحج والوضوء بفعله، وقال "صلوا". و"خذوا ... " و"هذا وضوء لا يقبل الله صلاة امرئ بدونه" الحديث.

ولأنه مرشد إلى كيفية الفعل كالقول، بل هو أدل وأشد ترسيخا في الخاطر، ولذا قيل: "ليس الخبر كالعيان". لهم: البيان متعلق بالمبين، ليعلم أنه بيان له، والفعل لا ينبئ، عنه. وأنه تطويل فيتأخر البيان عن وقت الحاجة. وأنه يجب اتصاله به، وهو في الفعل غير متصور وأجيب: بأن البيان بالفعل، والتعلق يعلم بصريح القول وغيره. وبأن ادعاء الطول كليا ممنوع، وجزئيا منقوض بالقول، فإنه قد يكون أطول. وبمنع وجوب اتصاله به على رأينا، ولو سلم فالاتصال العرفي كاف وهو متصور فيه. والبيان به: إما بالكتابة أو بعقد الأصابع، كما بين الرسول الشهر به.

مسألة

أو بالإشارة. (كما بين تحريم الذهب والحرير بها). أو بأن يفعل فعلا يلعم بالضرورة أنه قصد به بيانا، أو بالنظر: كما يفعل في وقت الحاجة إلى العمل بالمجمل ما يصلح بيانا له. والترك كالفعل - لكن لا يبين به صفة الفعل، بل عدم الوجوب، والاشتراط، كما بين الرسول عدم وجوب التشهد الأول بتركه متعمدا. وعدم الحكم، كما إذا علم بحادثه وسكت عن حكمها، وكونه غير مراد من خطاب عام كما إذا لم يفعل ما اقتضاه الخطاب، ونسخ الحكم (كما) إذا تركه عمدا بعد فعله، وكون الفعل غير محرم بترك الإنكار، مع عدم تقديم بيانه، وإن تقدم بيانه فلا، إلا: إذا علم أنه قصد به نسخه. مسألة: البيان للمتقدم من القول أو الفعل، والثاني تأكيد. (وقيل: إن كان الفعل أضعف دلالة منه، لم يحمل على تأكيده، إذ يمتنع التأكيد). ورد: بمنعه، وسنده بين.

مسألة

وقيل: إن جهل التاريخ فالمرجوح هو المتقدم ورودا، وإلا لزم التأكيد بالأضعف. ورد - بعد تسليم امتناعه - بمنع الملازمة، لا مكان غرض آخر وإن تنافيا وجهل التاريخ، كقوله: "من قرن الحج إلى العمرة فليطف لهما طوافا واحدا، ويسعى سعيا واحدا". وروي أنه - عليه السلام -: "قرن فطاف لهما طوافين" فالقول بيان، وقدر وروده متقدما، لأنه مستقل بنفسه، وبعدم استلزامه الإجمال، أو النسخ أو التخصيص، أو الحكم بخلاف الغالب، لإمكان حمل الفعل على الندب أو غيره مما يليق به من المحامل، التي ينتفي منها الثاني. مسألة: البيان يجوز بالأدنى. خلافا للكرخي. ولا نزاع في قوة الدلالة وضعفها، وإلا: لزم أن يكون البيان كالمجمل في الدلالة، أو أقل، بل في المتن، فلا يتجه نقل الخلاف في كونه أقوى، إذ اشتراطه في المتن، فلا يتجه نقل الخلاف في كونه أقوى، إذ اشتراطه في المتن يقتضي أن لا يجوز بيان مقطوع المتن، إذ ليس

مسألة

شيء أقوى منه. لنا: ما تقدم من جواز تخصيص القرآن بخبر الواحد، وبالقياس وفي غيره القياس عليه، بل أولى، لعدم المنافاة. و- أيضا - الإجماع على بيان مجملات القرآن بأخبار الآحاد. له: أنه كالزيادة في النص، من حيث إنه يدل على ما لا يدل عليه المبين، وهي غير مقبولة. وأجيب: بأنه (قد) يدل عليه دلالة متساوية، أو مرجوحة، وبمنع حكم الأصل. مسألة: (قيل) المبين إن كان واجبا كان بيانه واجبا، وهو يدل مفهومه: أنه لا يكون واجبا، إن لم يكن واجبا وهو باطل، لأن بيان المجمل واجب مطلقا، وغلا: فقد كلف بالمحال. وما قيل فيه من التأويل: بأن المراد منه أنه بيان لواجب، أو أنه يدل على الواجب كالمبين، أو أنه دل على وجوب ما تضمنه من صفاته - فهو بعيد، مع أن أكثره باطل. مسألة: تأخير البيان عن وقت العمل ممتنع إجماعا، إلا: إن جواز تكليف المحال. إلى وقته جائز عند الأكثر - منا - ومن الحنفية.

وقال أكثر المعتزلة، والظاهرية، وبعض - منا - كالصيرفي، وأبي حامد المروروزي، وأبي إسحاق المروزي - في رواية - ومن الحنفية: بامتناعه مطلقا، إلا: في تأخير بيان النسخ. وجوز الكرخي، وجمع في المجمل دون غيره. البصري، والقفال، والدقاق، والمروزي، في أخرى - مطلقا، إلا: الإجمالي، فيما له ظاهر أريد خلافه، كبيان التخصيص، والنسخ، والاسم الشرعي، والنكرة إذا أريد بها معين. وفيه نظر من حيث: إن إثبات أو نفي ما لا يتعرض له (اللفظ) لا نفيا ولا إثباتا، ليس خلاف الظاهر، والنكرة ليس فيها دلالة على التعين، لا أن فيها دلالة على عدم التعين، وخلاف الظاهر: إنما يلزم من الثاني، والإجمالي: (هو أن يقول): هذا العام مخصوص. لنا: (أ) {ثم إن علينا بيانه} [القيامة: آية 19] وهو للتراخي. فإن قلت: المراد منه، إظهاره وإشهاره، ولا نسلم أنه خلاف الظهار، إذ هو في اللغة: عبارة عنه. ولو سلم، فعود الضمير إلى بعض القرآن تخصيص، خلاف الظاهر - أيضا -.

ثم المراد: البيان التفصيلي. ثم المراد: جمعه في اللوح المحفوظ. ثم الآية تقتضي وجوب تأخير البيان، إذ كلمة (على) للوجوب، ولا قائل به وحمله على الجواز مجاز، وليس هذا أولى، من حمل (ثم) على (الواو) كما في قوله تعالى: {ثم الله شهيد على ما يفعلون} [يونس: آية 46]، {ثم ءاتينا موسى الكتاب} [الأنعام: آية 154]، {ثم كان من الذين ءامنوا} [البلد: آية 17]، وعليكم الترجيح. قلت: إنه خلاف الظاهر، لأنه ظاهر في الإظهار، المتضمن لإزالته الإشكال، والإبهام، بدليل التبادر، والاستعمال فيه والتغيير خلاف الأصل، فليس في اللغة عبارة عما ذكرته. وعن (ب) أن التخصيص خير من المجاز، هذا إن سلم لزومه. وعن (ج) أنه تقييد، وهو خلاف الظاهر. وعن (د) أنه احتمال بين (فساده). وعن (هـ) أنا نقول به - وهذا لأنه أخبر عنه بـ (ثم) فلو امتنع أن يكون شيء من بيانه متراخيا (عنه) لزم الخلف في خبره تعالى، سلمناه، لكن لا نسلم صحة حمل (ثم) على (الواو) إذ شرط التجوز السماع، و (ثم) في الآيات المتلوة لتأخير الحكم، سلمناه لكنه أولى إذ إطلاق الوجوب على الجواز أولى من ذلك، نقله التجوز في الحروف، ولأن جهته التضاد، وإطلاق الكل على الحرف أولى منه. (ب) قوله تعالى: {الر كتاب أحكمت ءايته ثم فصلت} [هود: آية 1] وهو: تبيين معانيها، فيكون المبين متراخيا عنها، وهو يفيد المطلوب. ومنع الأول: بجواز تفصيل نفس الآيات، بتبيين مواقفها ومقاطعها، ولا يصار إلى المجاز مع إمكان الحقيقة. سلمنا امتناعها، لكن يجوز أن يراد تفصيلها في الإنزال، فلم يتعين ما ذكروه من المجاز.

والثاني: لأنها تفيد - حينئذ - أن تبيين معانيها متأخر عن أحكامها، ولا يفيد تأخره عن نزولها، فلعل الأحكام قبل نزولها، وهو معه. وأجيب: عن (أ) بأنها تقتضي أن يكون آية حالة الفصل، وهو ينفي ما ذكرتم. وعن (ب) أن المجاز خير من الإضمار سلمناه لكن ما ذكرناه أولى، لإفادته إفادة شرعية، ولكونه غير معلوم بالضرورة. وعن (ج) التراخي عن أحكامها أعم من أن يكون قبل نزولها، أو بعده، والتقييد خلاف الأصل، وتقييده بما قبل حضور وقت العمل - خلاف الإجماع. (ج) وهو المعتمد - أن وقوعه معلوم بالضرورة بعد الاستقراء، فإنا نعلم قطعا - بعد الاستقراء أن الرسول عليه السلام - ما بين جميع ما يرفع الإجمال عن آية الصلاة والحج، والزكاة والبيع، والربا، والنكاح، والإرث، والغنائم، والقصاص، والسرقة، والزنا - وقت نزولها، (فإن) كثيرا منه إنما بين عند السؤال عنه. (د) بأن امتناعه لذاته، أو لإفضائه إلى محال بالضرورة - باطل قطعا، ومعارض بمثله، وبالنظر - أيضا - باطل، إذ ليس في أدلة الخصم ما يعول عليه، لما نبين، والأصل عدم غيره، وهو مسلك القاضي في كثير من المسائل. وأورد: بأن التمسك بالأصل في العلمية ضعيف، وعدم الوجدان لا يدل على العدم، سلمناه، لكن عدم الدليل لا يدل على عدم المدلول. (هـ) أنه لو امتنع، لامتنع البيان بكلام وفعل طويل، وامتنع تأخيره بزمان قصير، وبجمل معطوفة للتجهيل، والعبث المحذور (عنه). وزيف: يمنع الملازمة، فإنه إنما يجوز بذلك إذ لم يمكن بأقصر منه، أو لمصلحة ظاهرة فيه، وإنما يجوز بزمان أقصر إذا لم يعد ذلك انقطاعا عن الأول، و - حينئذ - لا يجوز للسامع أن يعتقد ظاهره، فلا يوجد فيه المحذور، والجمل المعطوفة كالجملة الواحدة، فالاستثناء عقبها استثناء عقيب كل منها.

ولو لم يجز، فإنما لم يجز لعدم التبيين فيقبح الخطاب الذي لا يبين للمكلف المراد منه، إذا تبين له. وفرق: بأنه منسوب إلى تقصير المخاطب، فناسب قبح خطابه الذي هو فعله. ولنا: في المخصص - خاصة -: (أ) قوله تعالى: {إنكم وما تعبدون} [الأنبياء: آية 98]، فقال ابن الزبعري: (فقد عبدت الملائكة والمسيح) فنزل: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى} [الأنبياء: آية 101] و (ما) يتناول من يعقل: لنزوله بسبب السؤال، وما يقال: إنه زيادة بيان، لجهل المعترض، فهو مجرد احتمال بلا دليل. ولقوله تعالى: {وما خلق الذكر والأنثى} [الليل: آية 3]، {والسماء وما بناها والأرض وما طحاها} [الشمس: الآيات 5، 6]، {ولا أنتم عابدون ما أعبد} [الكافرون: آية 3]. ولاتفاقهم على وروده بمعنى "الذي". ولفهم ابن الزبعري. ولتقريره - عليه السلام - إياه على سؤاله، وما روي أنه قال له: "ما أجهلك بلغة قومك" لم يثبت وأن العرب ما كانت تعبد الملائكة ولا المسيح، بل الأصنام. ممنوع، إذ روي أن منهم من كان يعبدهما. ولكون قوله: {من دون الله} [الأنبياء: آية 98] مفيدا ولتناوله الرقيق وغيره لو قال: (ما لي صدقة) ولو قال: (ما في بطن جاريتي حر) عتق عليه، وإحالته إلى القرينة خلاف الأصل. فإن قلت: المخصص العقل المقارن، وهو: أنه لا يجوز تعذيب الغير المتألم به بفعل الغير، وسكوته - عليه السلام - عن الجواب لو صح، فإنما هو لتأكيده بالنقلي، والراضي إنما يعذب برضاه.

سلمنا عدمه، لكن السمع حاصل لقوله: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [الأنعام: آية 164] ونحوه في مواضع، وتقدير تراخي الكل عنه بعيد، ولأنه علم من دينه - عليه السلام - تعظيم الملائكة والمسيح، وأنهم من المكرمين، وينفي احتمال إرادتهم منه. سلمناه، لكنه خبر واحد، والمسألة علمية. قلت: جواب (أ) منعه، إذ العقل لا يحسن ولا يقبح، سلمناه، لكن قد يتوهم ورضاهم، ولذلك قال الله تعالى: {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم} [المائدة: آية 116]، وبه يخرج الجواب عن السمع، وكونهم مكرمين لا ينفي احتمال توهم ذلك من متوهم. وجواب (ب) مر. (ب) قوله تعالى: {قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك} [هود: آية 40] وابنه من أهله ولم يبن له أنه غير مراد منه حتى سأل، وما كان عقيب الوعد كما في قصة لوط فذلك سقط الاحتجاج بها، لا؛ لأن قوله: {وإن أهلها كانوا ظالمين} [العنكبوت: آية 31] بيان، وإلا: لما قال عليه السلام: {إن فيها لوطا} [العنكبوت: آية 32]، فإن عدم تبيينه ذلك وطلب التأكيد - بعيد. لا يقال: إنه ليس من أهله، للنص، لأنه مجاز، كقولك للمشاقق: إنه ليس "من" ولدك لصراحة قوله: {ابن ابني من أهلي} [هود: آية 45] ولو سلم، لكن لما كان كواحد منهم عد منهم، ولذا قال عليه السلام: (سلمان من أهل البيت).

(ج) تأخير: {ليس على الضعفاء ولا على المرضى} [التوبة: آية 91] عن قوله تعالى: {وجاهدوا في سبيل الله} [الأنفال: آية 4]، إذ نزوله لسبب شكايتهم، وليس كل ضعيف ومريض ممتنع منه ذلك، حتى يكون خروجهم بالعقل. (د) نزل قوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم} الآية ثم بين: "أن السلب للقاتل" وأن ذوي القربى: (بنو هاشم، وبنو المطلب، دون بني أمية، ونوفل).

وتقديرا: إجمالي معه خلاف الأصل، على أنه لو كان النقل. (هـ) القياس على النسخ عكسا، بجامع نفي إبهام العموم والجهل، وهو على من جوزه خاصة. وفرق: بأن زوال حكم الخطاب بالموت معلوم. وأن احتماله في المستقبل لا يمنع من العمل في الحال. وأن احتماله لا يشكك في إرادة كل فرد من الزمان، فإن الزمان الأول للفعل مراد جزما، إذ لا يجوز نسخ الشيء قبل حضور وقت العمل به. وزيف: بأنه غير آت في نحو (صم كل يوم إلى الموت)، فإن زوال حكمه عما تناوله غير معلوم، سلمناه لكن المحذور المذكور قائم فيه. و- أيضا - لما كان عاما في الدوام لغة - مع أنه يقيد الحياة والممكنة - جاز أن يكون عاما في الأفراد، مع أنه متقيد بشرط أو صفة، فلا يمكن القطع بعمومه، والخصم لا يقول به، وأنه لا عمل قبل الموت، فلا يضر المنع منه (فيه). ولا نسلم أن احتمال التخصيص يشكك، فإنه ظاهر في العموم معه، وحصول الاحتمال - هنا - بالنسبة إلى كل فرد، دون النسخ، فلو سلم الحكم فيه، لا يناسب الحكم، على أنه معارض بكثرة احتمال التخصيص، فإنه يمنعه من اعتقاد العموم فلا يقع في الجهل، بخلاف النسخ. (و) موت كل مكلف بالخطاب العام قبل وقت الفعل جائزا إجماعا وهو تخصيص لم يتقدمه بيان.

وهو نقض - أيضا - للفرق الثالث. وفيه نظر: إذ يجوز موتهم جميعا، قبل وقت الفعل وفاقا، ولو كان تخصيصا لما جاز. وأما ما يدل على جوازه في النكرة، قوله تعالى: {أن تذبحوا بقرة} [البقرة: آية 67] وكانت معينة: لعود ضمائر السؤال إليها إذ لا يجوز أن يكون ضمير القصة والشأن؛ لأنها مع صريحه في الطلب، ولأن القصة غير مذكورة بعدها، ولا ضمير غيرها، لأنه غير مذكور، وهو - أيضا - ينفي أن يكون ضمير القصة، إذ هي غير مذكورة وضمائر الجواب كذلك لوجوب مطابقتها، ولأنها إن كانت ضمائر القصة والشأن لزم الإضمار، لأن ما بعدها ليس بكلام، أو غيرها لزم عود الضمير إلى غير المذكور، وأنه إن وجب تحصيل كل ما ذكر من الصفات فالمطلوب حاصل وإلا: وجب الاكتفاء بما ذكر أخيرا، وهو خلاف الإجماع. وما قيل: إن المطلقة نسخت بالمتصفة بالصفات المذكورة أولا، ثم أوجب اعتبار بقية الصفات - فضعيف، للزوم النسخ، ولمخالفة ظواهر السؤال والجواب، ثم هو آت فيما ذكر من الصفات أولا فلا حاجة إلى التزام النسخ. فإن قلت: حكم الإطلاق زال باعتبارها. قلت: وكذلك زال في اعتبار الصفات المذكورة ثانيا وثالثا، فإن المتصفة بما ذكرتم أولا، مطلقة بالنسبة إلى المتصفة بما ذكرتم ثانيا وثالثا. و- أيضا - لو كانت البقرة مطلقة لما سألوا تعيينها سؤالا بعد سؤال، إذ اللفظ بظاهره يدل عليه، والأصل عدم وجوب غيرها، كيف ومقتضى الإطلاق - عليهم - أسهل وهذا يشعر بأنهم قد أشعروا بأنها معينة، فلا يدل على البصري - ثم إنه تعالى لم يبينها لهم حتى سألوا سؤالا بعد سؤال، وهو ظاهر من القصة. فإن قلت: الآية تقتضي جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة ثم إطلاق

النص. وإنهم ذموا على السؤال بقوله: {وما كادوا يفعلون} [البقرة: آية 71]. وأثر ابن عباس ينفي التعيين. سلمنا، لكن البيان لعله مقارن، لكن لم يتبينوا لبلادتهم، سلمناه، لكن البيان الإجمالي بقول موسى - عليه السلام - لعله كان معه، ولم ينقل. قلت: بمنع ذلك، إذ الأمر لا يفيد الفور، والحاجة إليه بمعنى آخر لا يضر، سلمناه، لكن ما دل عليه دل على جوازه عن وقت الخطاب قطعا، فإذا ترك مقتضاه بالنسبة إليه للإجماع - وجب أن يبقى معمولا به بالنسبة إلى الجواز عن وقت الخطاب. وعن (ب) أن المراد خلاف مقتضى الإطلاق، لما تقدم، وذمهم يجوز أن يكون لتوقفهم عن الفعل، بعد البيان التام، والأثر لا يعارض الكتاب. وعن (ج) كان من حقهم - حينئذ - طلب التفهم لا البيان. وعن (د) أنه لو كان النقل، ولذكره الله تعالى إزالة للتهمة، ولأن الأصل عدمه. ويدل على جوازه في الأسماء: ما يعلم قطعا - بعد الاستقراء - أن الرسول ما بين جميع ما ورد منه في الكتاب، وفي كلامه عقيبه، بل بالتدريج، بحسب الحاجة، في مسمى كثير، قال بعد ورود آية الصلاة، والحج: "صلوا كما رأيتموني أصلي" و"خذوا عني مناسككم". ويدل (على) جوازه في النسخ: أن كثيرا من أحكام الكتاب والسنة نسخ، مع أنه لم يبين قبله أنه سينسخ، إذ لم ينقل عن أحد من السلف والخلف ذلك، لا في معرض الاحتجاج، ولا في (غيره) مع عادتهم بذكر

المخصصات وما يتعلق بالآية من القصص وغيرها. و- أيضا - البصري مسبوق بإجماع من قبله، فإن الكل - قبل ظهوره - مطبقون على جواز تأخير بيان النسخ. وإذا ثبت جواز تأخير بيان هذا النوع من الخطاب، وعموما وخصوصا: ثبت جواز تأخير بيان المجمل، لعدم القائل بالفصل، ولأن التكلم في المجمل من غير بيان قد يكون غرض المتكلم، لما تقدم. للمخالف: (أ) أنه إن قصد الشارع به إفهام ظاهره، فقد قصد الجهل، أو غيره، ولا سبيل لنا إليه، وإن لم يقصد به الإفهام لزم العبث، وأن لا يكون خطابا لنا، وأن يغرينا على الجهل. (ب) لو جاز ذلك لتعذر معرفة وقت العمل، لأنه ما من لفظ صريح في تعيينه نحو: (الآن)، و (الغد) إلا: ويحتمل أن يراد منه غير ظاهره بطريق التجوز، وفي ذلك إبطال التكاليف كلها. (ج) لو جاز مخاطبة العرب بالزنجية، ثم بينه بعد مدة، ومخاطبة النائم والمغشي عليه، ثم يبينه بعد زوالهما. وعن (أ) بأن الغرض الإفهام، بمعنى إفادة ظن الظاهر، لا اليقين. وزيف: بلزوم الكاذب. فزيد: (بشرط عدم ورود المخصص) فاندفع. وبالنقض: بما لا يعتقد العموم قبل التفتيش عن المخصص، ولا يرد على أبي الهذيل، والجبائي والصيرفي، إذ لا يسلمون الحكم.

فإن فرق: بأن علم المكلف بكثرة السنين، والأدلة كالإشعار بالتخصيص. قلنا: تجويز وجد أن المخصص فيما معه من الأدلة في ثاني الحال، كتجويز حدوث مخصص في ثاني الحال، فمنع أحدهما من اعتقاد العموم في الحال، كمنع الآخر منه، ومنع التساوي، فإن الثاني متوقف على الحدوث والوجدان، والأول على الوجدان، وما يتوقف على الأقل أرجح. ونقض - أيضا - بجواز موت كل مكلف قبل الفعل، وبتأخير بيان النسخ، وهو على غير البصري. ونقض - أيضا - بالبيان بكلام طويل، وفعل طويل، وبتأخيره بزمان قصير، وبتأخير بيان الجملة المعطوف عليها إلى الفراغ من المعطوف لكن الفرق واضح. وبأن اللفظ مع المخصص يفيد الخاص، ومع عدمه العام، واحتمالها سواء، فصار كالمجمل، وهو على البصري وموافقيه خاصة، وقد عرف جوابه في مسألة جواز التمسك بالعام قبل تفتيش المخصص. وعن (ب) اللفظ العين للوقت قد يفيد اليقين بقرائن، فإن لم يوجد عمل في وقت دل عليه اللفظ ظاهرا، إذ الظن يكفي في وجوب العمل، وظن عدم المخصص لا يكفي في القطع بالعموم، ثم هو منقوض بالنسخ. وعن (ب) الفرق: إما بينه وبين المجمل فواضح. وإما بينه وبين الآخر فهو: أن الظاهر يشترط علم ما يصرف عنه مفهوم منه، وهو

مسألة

يجهل ولا ظن كاذب، و- أيضا - التكلم بالزنجية مع العربي يعد عبثا دون ما نحن فيه. مسألة: أطبق أكثر المجوزين لتأخير البيان على جواز تدريج البيان إلى وقت العمل. لأن الذي دل على جواز تأخير دل على جواز التدرج قطعا. و- أيضا - لو لم يجز لزم التعارض. ولأنه وقع ذلك، فإن الاستقراء يحقق: أن أكثر العمومات والمطلقات ما يبين تخصيصها وتقييدها بالتدريج، بحسب الوقائع، وهو دليل الجواز (وزيادة). وأنكره الباقون: محتجين: بأن الاقتصار على البعض يوهم انحصار التخصيص فيه، وهو تجهيل وإلباس. وجوابه: أن الإيهام في تأخير البيان أكثر فإذا لم يمنع ذلك لم يمنع هذا. مسألة: ذهب أكثر من منع تأخير البيان: إلى أنه يجوز للرسل تأخير تبليغ ما أوحي إليه من الأحكام إلى وقت الحاجة. متمسكين: بأن وجوب معرفتها إنما هو لوجوب العمل، ولهذا لا تجب معرفة الأحكام التي لا يجب العمل بها، ولا عمل قبل الوقت، فلا يجب تبليغها، إذ الأصل عدم علة أخرى. ولأن تقديم الإعلام في الشاهد قد يكون قبيحا، وقد يكون تركه قبيحا، وقد يستويان ووقوع واحد من اثنين أقرب من واحد بعينه فلا يجب. و- أيضا - قد يعلم الله اختلاف مصلحة المكلف في التقديم والتأخير، فلا يجب

مسألة

التقديم مطلقا. وذهب الأقلون: إلى المنع منه. تمسكا بقوله تعالى: {بلغ ما أنزل إليك} [المائدة: آية 67]. وأجيب: بمنع أنه للفور، ثم بأن المراد منه القرآن، إذ هو المتبادر إلى الفهم من المنزل. مسألة: يجوز إسماع المخصوص بدون مخصصه تفريعا على المنع من تأخير البيان. خلافا لأبي الهذيل، والجبائي في المخصص السمعي. لنا: (أ) أن فاطمة وكثيرا من الصحابة - رضي الله عنهم - سمعوا: {يوصيكم الله} [النساء: آية 11]، ولم يسمعوا قوله عليه السلام: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث"، إلا بعد وفاته، وكذا سمعوا: {فاقتلوا المشركين} [التوبة: آية 5]، ولم يسمعوا: (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) إلا بعد مدة، والعلم بوقوع ذلك في السلف والخلف بعد الاستقراء -

ضروري. (ب) القياس على جواز إسماع المنسوخ بدون ناسخه، بل أولى، إذ المحذور فيه أقل، وحكم الأصل ثابت وفاقا، فإن منع على الشذوذ، فيستدل بسماعهم قوله: "إنما الماء من الماء".

التأويل

بسم الله الرحمن الرحيم التأويل مقدمة (تفسير النص والظاهر والمؤول) النص: (لغة): الظهور، ومنه منصة العروس. وفي الاصطلاح: لمعان: أحدها: ما تقدم في اللغات في تفسيره. فقيل في حده على هذا: (إنه اللفظ الذي يفيد معنى، لا يحتمل غيره، كالعدد). وهو غير جامع، إذ لا يشمل مفهوم الموافقة، إن قيل: دلالته ليست لفظية. وغير مانع، لدخول المجمل والمبين تحته، مع أنه لا يسمى نصا، فقيل، إنه ليس بنص، وقيل: إنه نص؛ لأنه لما استفيد من اللفظ فهو: كاللفظ، بخلاف الفعل، فإنه وإن لم يدل إلا: بواسطة اللفظ، لكنه غير مستفاد منه، وغير تابع لفحواه وفيه تكلف، فالأولى أن يقال: (إنه الخطاب الواحد - أو المستفاد منه - المفيد لمعنى، ولا يحتمل غيره. وثانيهما: بمعنى الظاهر، وقد تقدم تفسيره، وكثيرا ما يريد الشافعي بالنص (الظاهر). وثالثها: (أنه اللفظ الذي يفيد معنى، مع أنه لا يحتمل غيره احتمالا يعضده دليل)، وهذا أعم من

الأول، وبينه وبين الثاني مباينة، وبين الثاني والثالث عموم وخصوص من وجه. والظاهر: الواضح. واصطلاحا: ما تقدم في اللغات، وحده على هذا: (أنه اللفظ الذي يفيد معنى، مع أنه يقبل غيره إفادة مرجوحة)، فاندرج تحته ما دل على المجاز الراجح. وبه يبطل قول من قال: (الظاهر: ما دل على معنى بالوضع الأصلي أو العرفي، مع أنه يحتمل غيره احتمالا مرجوحا). ويطلق على: (اللفظ الذي يفيد معنى)، سواء أفاد معه غيره إفادة مرجوحة، أو لم يفد، وهو: أعم من كل ما تقدم. والتأويل: الترجيع، آل إليه الأمر، أي رجع. واصطلاحا: قيل: (إنه عبارة عن احتمال يعضده دليل، يصير به أغلب على الظن، من المعنى الذي دل عليه الظاهر). هو: غير جامع، إذ لا يتناول الفاسد، واليقيني، ثم إنه جعله عبارة عن: نفس الاحتمال، وليس كذلك. فالأولى: أن يقال: (إنه عبارة عن صرف اللفظ عما دل عليه بظاهره إلى ما يحتمله). فلا يتطرق التأويل إلى النص، والمجمل، ثم ليس كل احتمال يعضده دليل فهو: تأويل صحيح مقبول، بل يختلف ذلك باختلاف ظهور المأول، فإن كان دلالة المؤول عليه - مع الخارجي - تزيد على دلالته على ما هو ظاهر فيه - قبل، وإلا: فلا. وقد جرت عادة الأصوليين بذكر ضروب من التأويلات - هنا - لتمييز الصحيح منها

عن الفاسد، حتى يقاس عليه ويتمرن الناظر فيه، ويتيقظ. مسألة: أول الحنفية قوله - عليه السلام - لغيلان، وقد أسلم على عشرة نسوة: "أمسك أربعا وفارق سائرهن" بتأويلات ثلاثة: (أ) أي: ابتدى العقد، إطلاقا لاسم المسببية على السبب. (ب) أي: امسك الأول، ولعل النكاح وقع على التفريق. (ج) لعله كان قبل حصر (عدد) النساء، وقبل تحريم الجمع بين الأختين، فيكون العقد على وفق الشرع. وهي بعيدة: أما الأول: وإن قيل بعدم توقف المجاز على السمع - فلأنه فوض الإمساك والفراق إلى الزوج، ولخلائه عن القرينة المعينة له، والإحالة إلى القياس غير جائز، لعدم أهلية السائل له؛ لحداثة عهده بالإسلام. ولأنا نمنع اقتضاء القياس ذلك في حق مثله، لأنه تغليظ في حقه، وحاله يناسب الرخصة. ولعدم فهمهم ذلك، إذ (لو) فهموا منه ذلك، لجددوا العقد، ولنقل - (وإن ندر) -، ولا يعارض بمثله، لأن ذلك ظاهر اللفظ، وعلى وفق الاستصحاب، فلا ينقل اكتفاء بهما. ولعدم ذكر شرائط النكاح، والإحالة إلى البيان السابق غير جائز، لحداثة عهده بالإسلام. ولأنه إنما سأل عن الإمساك والفاق بمعنى استدامة النكاح وانقطاعه، فيحمل في الجواب عليهما للمطابقة. ولأن ظاهر الأمر للوجوب أو الندب أو المشترك بينهما. وابتداء التزوج من العشرة من غير متصف به، والموافقة (بمعنى): الإنكاح: ليس بفعل، ولا يعارض بمثله، لأنا نمنع أن الإمساك من العشرة غير متصف بذلك، ولأن ذلك يوهم تخصيص ابتداء النكاح

منهن. أما الثاني: فلأنه إطلاق للنكرة وإرادة المعين من غير قرينة ولأن حديث فيروز - بصراحته - ينفيه. ولأنه روى أنه أسلم واحد على خمس، فقال له - عليه السلام -: "اختر أربعا منهن"، قال الزوج: فعمدت إلى أقدمهن عندي ففارقتها، ولو كان المراد منه الأول لما خفي عليه ظاهرا إذ هو المقصود بالفهم، وأنكر عليه. ولأن تقدير علم الرسول بذلك - بعيد. وأما الثالث: فهو - أيضا - كذلك لأن تقدير صدور كل ما روى من هذا الجنس قبله بعيد. ولأن الظاهر أن ذلك كان ثابتا في ابتداء الإسلام، يؤكده قول المفسرين في قوله تعالى: {إلا ما قد سلف} [النساء: آية 23]، أي: زمان الجاهلية. ولأنه لم ينقل عن أحد من الصحابة أنه تزوج بأكثر من أربع، أو جمع بين الأختين، سيما هم الناكحون، ولم ينقل مفارقته عند نزول آية الحصر، كما نقل التحول إلى الكعبة، وكما نقل

كسر جرار الخمر عند تحريمها، سلمناه، لكن إسلامهم بعد نزول آية الحصر، وإلا: لما أمروا بمفارقة الزائدة. وعند هذا نقول: إن اعتبرتم في صحة أنكحة الكفار حصول الشرائط وارتفاع الموانع في ابتداء العقد - فقط - وجب أن لا تحكموا بصحة أنكحتهم إذا تزوجوا بشهود، أو في العدة، فلا يقروا عليها بعد الإسلام. وإن اعتبرتم حصولها في التبداء العقد، وفي حالة الإسلام معا، أو في حالة الإسلام - فقط - وجب أن لا يجوز لهم اختيار الأربع بعد الإسلام، الواقع بعد نزول آية الحصر، سلمنا سلامته عن المناقضة، لكن يجب - حينئذ - بطلان نكاح الكل، كما لو طرأ في أخوة الرضاع على زوجتيه. فإن قلت: القياس يقتضي ذلك، لكنه ثبت جواز الاختيار على خلافه - رخضة. قلت: مثله، ولو كان النكاح بعد ثبوت الحصر، فلا حاجة إلى ذلك التقدير، إذ المحذور لازم على التقديرين. مسألة أو الحنفية قوله: (أيما امرأة ... ) الحديث، يحمله على الصغيرة أو الأمة، أو المكاتبة.

أو بأنه تؤول إلى البطلان غالبا، لاعتراض الولي، وعدم إجازته، لقصور نظرهن في مصالح النكاح، لأنها مالكة البضع فكان كبيعها. والكل ضعيف: إذ البطلان مصرح به، مؤكد بالتكرار، وتسمية الشيء بما يؤول إليه إنما يجوز إذا كان يؤول إليه كائن لا محالة، كقوله: {إنك ميت} [الزمر: آية 30]. وكتسمية (العصير) بالخمر فإنه لو آل إليه لا محالة. سلمنا إطلاقه بناء على الغالب، (لكن) لا نسلم عليه البطلان، سلمناه. لكنه خلافا الأصل، لا يصار إليه إلا: لقرينة تعارض ما ذكرنا، والعموم ظاهر جدًا، فإنه أتى بصيغة (أي) في معرض الشرط والجزاء، ثم أكده بـ "ما" المزيدة المؤكدة للعموم، ثم رتب الحكم عليه بـ "انتفاء" المشعرة بالتعليل، هذا مع أنه ذكره ابتداء تمهيدا لقاعدة، لا في معرض السؤال عن شيء حتى يظن تخصيصه (به). ويخص الأول: بأنه لا يطلق عليها المرأة، وبأنها لو زوجت نفسها بغير إذن وليها فالعقد غير باطل عندكم، بل هو موقوف على إجازته، وفي الحديث الجزم بالبطلان. وهذا آت في الأمة، ويخصها: أنه قال - عليه السلام -: "فإن مسها فلها المهر بما استحل من فرجها"، ومهرها ليس لها، و - أيضا - نكاح الإماء من غير إذن الولي نادر جدًا، فيمتنع حمل

مثل هذا العموم عليها. ويخص الثالث: أن المكاتبة بالنسبة إلى عموم النساء نادرة، فإرادتها من المرأة وما معها من القرائن المعممة - دخول في الألغاز والتلبيس، والتأويل المقبول هو: الذي ينساغ من ذي الخبر أن يريد ذلك، لا ما يعد لغزا وهزلا. وقياس التخصيص على الاستثناء - لو سلم الحكم فيه -: قياس في اللغة غير مفيد، وهو: أن الاستثناء مع المستثنى منه كالكلمة الواحدة، وأنه ليس فيه، لأنه مصرح به. مسألة أول من جوز إبدال الزكاة قوله عليه السلام: "في أربعين شاة شاة" بمقدار قيمة الشاة، إقامة للمضاف إليه مقام المضاف، إذا المقصود دفع حاجة الفقراء، وتخصيص الشاة بعينها غير معقول المعنى فيصح الإبدال لحصول المقصود. وقال منكروه: محتمل لكن الظاهر معنا، وهو ظاهر. وهو: الحق: لا ما زعمه بعضهم: أنه نص في الباب، فلا يقبل التأويل، لأن إيجاب الشيء أعم من إيجابه بعينه، أو مع إيجاب بدله، لكنه ظاهر في إيجابه بعينه، من حيث إن إيجاب بدله معه يحتاج إلى الإضمار، وإن إيجاب شيء آخر غير المذكور خلاف الأصل. وسد خلة الفقراء - وإن كان مقصودًا - لكنا نمنع أن يكون كل المقصود، فلعل مشاركة الفقراء مع الأغنياء في جنس ماله مقصود معه - أيضًا - إما تعبدًا، أو لأن الحاجة قد تتعلق بخصوصية ذلك النوع من المال، وقد تعذر وجوده، فلا يقدر على تحصيله، أو إن كثر لكن

مؤنة التحصيل، و- حينئذ - المصير إلى ما ذكرنا أولى، للجمع بين ظاهر الحديث والتعليل. و- أيضا - العلة في الأصل فرع الحكم، فلا تستنبط على وجه تبطله، إذ العلة ملائمة للحكم والفرع، غير منافية للأصل. ومنه يعرف بطلان تأويلهم آية الصدقات، إلى بيان جهة الصرف، فجوزوا صرفها إلى واحد من الأصناف، لأن المقصود: إنما هو دفع الحاجة إلى جهة من هذه الجهات، بدليل سياق الآية، فإنه تعالى ذكر أولا: من ليس أهلا لها، ثم ذكر من هو أهل لها. لأن ظاهر الآية يقتضي استيعابهم، والتشريك بينهم، لأنه أضافها إليهم بـ (لام) التمليك، و (واو) العطف المقتضي للاشتراك بين المعطوف والمعطوف عليه. وما استنبط من العلة يبطله، فكان باطلا. على أنا نمنع (أن) ما ذكروه هو المقصود، ولم لا يجوز أن يكون استيعابهم على وجه التشريك مقصودا - أيضا - معه -، وبل هذا أولى، لأنه جمع بين ظاهر اللفظ والتعليل، وكونه ذكر بعد ذكر من ليس أهلا لها لا ينافي وجوب الصرف إليهم على وجه التشريك، إذ فيه بيان الأهلية، وزيادة. ومنه تأويلهم آية الكفارة، فإنهم أولوه بإطعام طعام ستين مسكينًا، على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه.

فجوزوا الاقتصار على واحد، لظنهم أن المقصود إنما هو دفع حاجة المسكين، ولا فرق بين دفع حاجة الستين في يوم، وبين دفع حاجة واحد في ستين يوما. لأن هذه العلة مبطلة لما دل عليه ظاهر النص من وجوب الصرف إلى الستين. على أن ما ذكروه من المقدمتين ممنوع، إذ دفع حاجة العدد مقصودًا، لا مجرد دفع الحاجة، وليس الواحد كالستين، فيما يرجى منهم من الدعاء واجتماع الهمم على صلاح حال المكفر مبدءا وميعادا. - و - أيضا - الإطعام متعد إلى مفعولين، والأصل في نحوه: إذا اقتصر على أحدهما أن يقتصر على الأهم، فذكر عددهم يشعر باعتبار الشارع به إشعارا ظاهرا فترك اعتباره، واعتبار متروكه - خلاف مقصود الكلام. مسألة ومنه تأويلهم قوله تعالى: {ولذي القربى} [الأنفال: آية 41]. فإنهم صرفوه عن عمومه، باعتبار الحاجة فيهم. وهو خلاف ظاهر ما يقتضيه (لام) التمليك، وترتيب الحكم على الوصف المناسب و - أيضا - الحاجة زيادة على النص، وهو نسخ عندهم، لا يثبت بخبر الواحد، فكيف بالقياس. وكونه مذكورا مع اليتامى والمساكين، مع قرينة إعطاء المال ليس قرينة فيه، وإلا: لزم النقض في حق الرسول، لوجودها (فيه). و-أيضا- لو كان مثل هذه القرائن مانعا من أن يكون زيادة على النص - لكان تيسير الفاتحة مانعا من أن يكون إيجابها في الصلاة زيادة على النص، هذا لو اعتبروا القرابة مع الحاجة، أما إذا لم يعتبروا ذلك - وهو الظاهر من مذهبه، إذ الخمس عنده مقسوم على ثلاثة أسهم، ويعطي ذوي القربى من سهم المساكين، لفقرهم - فذكر القرابة كالعجم الطماطم،

وهو تعطيل للنص. لا يقال: فائدته أنه لا يظن عدم جواز الصرف إليهم، كما في الصدقة - لأنه ليس فيه ما يحيله، وفيه إبطال دلالة (اللام)، و (واو العطف) لأنه عطف على الرسول، وعطف عليه اليتامى والمساكين، وكله للاستحقاق، وفيه عطف العام على الخاص، مع تخلل الفصل، وهو غير معهود منه فإن قلت: ما ذكرتم لازم عليكم في اليتامى. قلت: لا نسلم، فإن الأظهر عدم اعتبار الحاجة فيهم، سلمناه، لكن لا يلزم جميعه بل بعضه، وهو تخصيص لفظ اليتيم لكونه مشعرا به. ومنه تأويلهم قوله عليه السلام: "لا يقتل مؤمن بكافر" - تخصيصه بالحربي خلاف عمومه، وما أشعر به من ترتيب الحكم على الوصف، وكون الخاص معطوفا عليه لا يصلح أن يكون قرينة فيه، لما سبق في العموم مسألة تأويل بعض أصحابنا قوله - عليه السلام - "من ملك ذا رحم محرم عتق عليه"، فإنهم خصصوه بالأصول والفصول:

مع أنه من ألفاظ الشرط والجزاء، ورد ابتداء لتأسيس قاعدة لا في حكاية حال وسؤال، حتى يتوهم تخصيصه به وهو خلاف ما أشعر به ترتيب الحكم على الوصف. و-أيضا- إرادتهم من اللفظ من غير قرينة: ألغاز وتلبيس. و-أيضا- لا يفهم عمومه بالنسبة إليهم في العرف، كما لا يفهمون باللفظ القريب، لاختصاصهما بقرب القرابة، وشرف النسب، حتى يندردون تحته في الوصية - على قول - فكيف يختص بهم؟ ولأنه سلك فيه مسلك الحدود، من حيث إنه بدأ بالأعم، وختم بالأخص، فيجب أن يكون جامعا. والشافعي إنما لم يقل بمقتضاه؛ لأن الحديث موقوف على الحسن بن عمارة. مسألة أولت الحنفية قوله - عليه السلام -: "لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل":

بحمله على القضاء والنذر. وهو بعيد، لأن النكرة المنفية من أدل ألفاظ العموم، سيما ورد ابتداء للتأسيس، (فحمله) على القضاء والنذر النادرين بدون قرينة - بعيد -. وبحمله على نية صوم الغد قبل الغروب، وكان الطحاوي يتبجح (به)، وهو أبعد من الأول: لأن سياقه للنهي من تأخير النية عن الليل، والحث على تقديمها على اليوم الذي يصومه، وهذا كالفحوى له، وهو مضاد لما ذكره. ولأن حمل النهي على المعتاد أولى، وتقديم النية غير معتاد ولأن عدم التبييت قد يكون بالتقديم، وقد يكون بالتأخير، واللفظ عام فيحمل عليهما. ولأن فيه دفع الإجمال، وتكثير الفائدة، فكان أولى وبحمله على نفي الكمال. والكلام فيه - على ما تقدم في الإجمال - وهو أقرب مما سبق، وضعفه: بأنه مستعمل في القضاء، والنذر لنفي الصحة، فلو استعمل في غيره لنفي الكمال - أيضا - لزم الاستعمال في مفهومين مختلفين. لا يقال: إنما يلزم ذلك لو كانا مرادين منهن وهو ممنوع لما ذكرتم - لأن اللفظ عام، والحكم ثابت فيهما على وفقه، والأصل عدم دليل (آخر) وندرتهما إنما (ينفي) الاقتصار لا الاندراج.

مسألة ضعف التأويل: لقوة ظهور اللفظ، ولضعف دليله، وأولهما. فمن الثاني: منع عموم نحو: قوله - عليه السلام -: "فيما سقت السماء العشر، وفيما سقي بنضح أو دالية نصف العشر"، حتى لا يتمسك به في الخضروات؛ لأن المقصود منه الفصل بين واجب الجنس، لا العموم - لأن كونه مقصودا لا يمنع من أن يكون غيره مقصودا معه مسألة منه ما يقتضي حمل كلامه تعالى، أو كلام رسوله، على شذوذ اللغة والإعراب. مثاله: من قال بوجوب مسح الرجلين عينًا، كالشيعة، وتخييرا بينه وبين الغسل كالحسن البصري، أو جمعا بينهما كالظاهرية. لما تمسكوا عليه بقراءة الكسر، فإنها تقتضي وجوب المسح، للعطف على مسح

الرأس. منع بعض النفاة العطف عليه، بل هو عطف على ما قبله لتقدير الحكم إلى الغاية، والكسر للجواز. فأجيب: بأنه يقتضي حمل كلامه تعالى على نوادر الإعراب، فإن الكسر على الجوار من نوادره التي لا يعدل بها عن محل السماع، إلا: لضرورة الشعر، سلمناه، لكن إنما يجوز فيما لا لبس فيه كقولهم (جحر ضب خرب) وقوله: كبير أناس في بجاد مزمل.

ليس منه، إذ كسرته للقافية، سلمناه، لكن فيما لا فصل فيه، وحرف العطف فصل. فإن قلت: فما وجه مذهب الجمهور على قراءة الكسر؟ قلت: جهه: أنه معطوف على المشترك بين المسح والغسل، وهو مذكور تضمنًا، وهو غير شاذ، بل فصيح. قال سيبويه: (الكلام الجزل الفصيح، يسترسل في الأحايين استرسالًا، ولا تختلف مبانيه لأدنى تغير في معانيه) ومنه: علفتها تبنا وماء باردا ...

ولقد رأيتك في الوغى ... متقلدا سيفا ورمحا وأطفلت ... بالجهلتين ظباؤها ونعامها وهذا إن لم يكن تأويلا فظاهر، وإن كان فهو أولى من جعله معطوفا على مسح الرأس، وتأويل قراءة النصب بجعله عطفا على المحل، لما فيه من الجمع بين الأدلة.

المفهوم

المفهوم المسألة معنى المنطوق: اللفظ إن دل في محل النطق: فمنطوق، فإن دل بالوضع: فصريح. أو غيره إن دل بغيره: فإن قصد، وتوقف وجوده عليه عقلا، أو شرعا، أو صدق الكلام: فاقتضاء. أو لا يتوقف عليه، فإن اقترن بحكم لو لم يكن أو نظيره للتعليل كان لغوا، فتنبيه وإيماء. أو لا يقصد: فإشارة [معنى المفهوم]: أو يدل فيه غير محل النطق: فمفهوم. فإن وافق وافق حكمه حكمه: فمفهوم الموافقة، وإلا: فمفهوم المخالفة. وقيل: المنطوق ما دل بطريق الوضع، ولعله الأولى، وما عداه فمفهوم. وفيه نظر: وعليه يدل كلام إمام الحرمين. ثم المفهوم إنما خص به - وإن كان غيره مفهوما - تمييزا بينهما. ويسمى مفهوم الموافقة بـ (فحوى الخطاب)، و (لحن الخطاب)، والشافعي - رضي الله عنه - يسميه بـ (القياس الجلي) - أيضا -، والحنفية بـ (دلالة النص).

مسألة

ومنع بعضهم من جعله من القياس الجلي. ومن شرطه أن يكون الحكم فيه ثابتا بالطريق الأولى. وقيل: بشرط أن لا يكون دونه. وقولهم: إنه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى - إنما يحسن على الرأي الأول، ويحتمل على الثاني - أيضا - باعتبار الغالب. وتسميته بالجلي مشعر بالثاني، إذ ليس من شرط الجلي أن يكون الحكم في الفرع أولى. وهو ينقسم إلى: قطعي: كقوله تعالى {فلا تقل فهما أف} [الإسراء: آية 23]. وقوله تعالى: {ومن أهل الكتاب} الآية [آل عمران: آية 57]. وأطبق الكل على حجيته، حتى المنكرون للقياس، وإنما اختلفوا في أن دلالته لفظية أم لا؟ وإلى ظني كقوله: {ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة} [النساء: آية 92]. فوجوبها في القتل العمد العدوان أولى، لكنه ظني، إذ لم يعلم قطعا أن الكفارة وجب على الخاطئ تغليظا عليه، حتى يكون العمد أولى بذلك، بل جاز وجوبها عليه نظرا له، لتكفير تقصيره، وترك تحفظه، ولا يلزم مثله في العمد العدوان، لعظم الجريمة. وهذا اختلف في حجيته. مسألة دلالة النص على الحكم في مفهوم الموافقة: معنوية عند المحققين. وقال الأكثرون: لفظية. لنا:

(أ) أنه لا يدل لغة، إذ الكلام مفروض فيما لم يوضع اللفظ لمفهومه، ولا هو جزء منه، هذا لو قيل: بأن دلالة التضمن لفظية، ولا عرفا، إذ النقل خلاف الأصل. (ب) أن دلالته لو كانت لفظية لما توقفت على معرفة سياق الكلام. (ج) لو كان النهي عن التأفيف نهيا عن جميع أنواع الأذى لما حسن مع الأمر بالقتل، ولا حسن هو معه، لكنه يحسن، إذ يحسن من السلطان المستولي على مثله أن يأمر بقتله وينهى عن ضربه وتأفيفه. لهم: (أ) أن صيغ التنبيه بالأدنى على الأعلى موضوعة لثبوت الحكم في المذكور، وأوليته في المثبوت عنه، بدليل التبادر. (ب) سلمناه، لكن عرف نقلها إليه بدليل فهمهم ذلك. (ج) لو كان بطريق القياس لما قال به منكروه. (د) لو كان بالقياس لأثر فيه منع الشارع منه. (هـ) أن الأصل في القياس غير مندرج تحت الفرع، والمنطوق قد يكون مندرجا، فلا يكون قياسا. (و) لا يشترط في القياس أن يكون المعنى أشد مناسبة في الفرع، وهذا بخلافه. (ز) أن الفحوى أسبق إلى الذهن، والفرع ليس كذلك. وأجيب: عن (أ) بأنه دعوى من غير دليل، والتبادر لفهم المعنى، فإن فرض بدونه فممنوع، ثم هو خلاف المعلوم قطعا، إذ التأفيف غير موضوع للضرب قطعا. وعن (ب) أن النقل خلاف الأصل، والفهم لما سبق. وعن (ج) أنه لا يلزم من عدم كونه لفظيا أن يكون بالقياس لجواز أن يكون بالمعنى، سلمناه، لكنه يقيني، والخلاف في الظني. وهو الجواب عن (د). وعن (هـ) بعض ما سبق، وبأنه حيث يكون مندرجا، فدلالته من جهة الاقتضاء، لا

مسألة

الفحوى. وعن (و) بمنعه، لما تقدم من الخلاف فيه. وعن (ز) ما سبق. أما مفهوم المخالفة: فهو الذي دل اللفظ من جهة المعنى، على أن حكم السكوت عنه مخالف للمنطوق، كقوله عليه السلام: "زكوا عن سائمة الغنم". ويسمى بـ (دليل الخطاب) - أيضا -، وهو أصناف تأتي في مسائل. مسألة مفهوم الاسم كـ (زيد) و (رجل) و (مطعوم) و (تبر) و (نخل) - ليس بحجة. خلافا للدقاق والحنابلة. لنا: (أ) لو كان، لزما أن لا يكون القياس حجة، أو التعارض. (ب) إذا قيل: (زيد آكل)، لم يفهمه منه اللسان عدمه من غيره، فلا يضر منع عدم فهم من اعتقده. (ج) لو كان، لزم الكذب في كل خبر، إذ اثبت مثله في غيره. ومنع امتناع اللازم، فإنما الاجتماع على نفي اسمه، لعدم القصد، ثم نقض بمفهوم الصفة. (د) لو كان، لكان قوله: {محمد رسول الله} [الفتح: آية 29]. كفرا، لأنه يدل بمفهومه على أن غيره ليس برسول. وأورد: بأنه لم يقصد للقرينة. وأجيب: بأنه وإن لم يلزم الكفر - حينئذ - لكن يلزم التعارض. لهم: (أ) أنه إذا قيل في خصومة: (ليس أمه زانية) فهم منه نسبة الزنى إلى أم صاحبه، ولذلك يجب

مسألة

الحد على رأي بعض العلماء. (ب) التخصيص لا بد له (من) قائدة، ولا فائدة إلا النفي. وأجيب: عن (أ) بأنه لقرينة الخصومة، ولو فرض في غيرها فيمنع فهمه منه، سلمناه، لكن لقرينة المدح. وعن (ب) بمنعه. مسألة مفهوم الصفة حجة عند الشافعي، ومالك، والأشعري، والمتكلمين وهو قول معمر بن المثنى. خلافا للحنفية، والمعتزلة، والقاضي، وابن سريج، والقفال والغزالي، والأخفش. وقال أبو عبد الله: إن ورد للبيان كقوله: "زكوا عن سائمة الغنم" أو للتعليم كالتخالف، أو كان ما عدا الصفة داخلا تحتها، كالحكم بالشهادين، فإن الواحد مندرج تحتهما -

فحجة. وقال إمام الحرمين: حجة في المناسبة. وقال الإمام: في العرف. للأولين: (أ) أنه فهم ابن عباس من قوله تعالى: {ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك} [النساء: آية 176]. عدم توريثها النصف مع البنت وحالته إلى التمسك بالأصل ينفيه تمسكه في ذلك بالنص. (ب) الشافعي ومعمر قالا به، وقولهم في العربية حجة. وأجيب: بمنعه إذا كان اجتهاده، سلمناه، لكن لو سلم عن معارضة قول مثله، والترجيح بكثرة المجتهد وزيادة علمه إنما هو في حق المقلد في العمليات. (ج) لا شك في أنه موهم لنفي الحكم عن غير المذكور، فلو قيل به كان ذلك صونا للكلام عن إيهام الباطل، فكان أولى. وأورد: بأنه آت في كل مختلف فيه. وأجيب: بأن عموم دلالته، وترك مقتضاها في بعض الصور - لمنفصل - لا يقدح فيه. (د) أن التخصيص لا بد له من فائدة صونا عن لغوه، فيحمل على نفي الحكم عما عداه صونا عن اللغو، أو تكثيرا للفائدة أو لأنه أسبق إلى الذهن.

(هـ) أنه يفيده عرفا، إذ يضحك من قوله: (الإنسان الطويل لا يطير). ويعلل: بأن القصير لا يطير - أيضا - فيفيده لغة، إذ النقل خلاف الأصل. (و) قالوا: تعقيب العام بالصفة كتعقيبه بالاستثناء، وكذا الخلاف في رجوعه إلى الجمل المتقدمة كالخلاف فيه، فيفيد النفي كالاستثناء. (ز) إن ترتب الحكم على الوصف يشعر بالغلبة، وتعليل الواحد بعلتين - لو جاز خلاف الأصل. للنفاة: (أ) لا دليل عليه، إذ العقل والنقل المتواتر ظاهر، والآحاد - بتقدير صحته، وسلامته عن المعارض- لا يفيد القطع. (ب) أنه لا يفيده لفظا وهو ظاهر، ولا معنى، إذ شرطه اللزوم قطعا أو ظاهرا، ولا قطع للتخلف ولا ظهور للزوم تركه حيث لم ينتف. فإن قلت: فما سبب التقييد؟ قلت: يحتمل عدم خطران ذلك القسم بالبال، وهو في حق الله تعالى - محال، وبعيد جدا في غيره في العام المردف بالصفة، كـ (الغنم السائمة). أو لأنه بينه بخاص. أو بذلك النص بالطريق الأولى، كقوله تعالى: {ولا تقتلوا أولادكم} الآية [الإسراء: آية 31]. أو أحال بيانه إلى اجتهاد المكلف، بالإلحاق إلى المذكور لينال الثواب، أو إلى العقل بالاستصحاب. أو وجوب المذكور لسؤال، أو حدوث واقعة. (ج) الإخبار عن ثبوت الحكم في صورة لا يستلزم ثبوته ولا نفيه في أخرى، لكونهما مختلفين، والمختلفان يجوز اشتراكهما في الحكم وعدمه. (د) لو دل لما حسن معه الاستفهام، كما في مفهوم الموافقة، لكن يحسن (في المعلوفة زكاة)، إذ

قيل: (في السائمة زكاة). (هـ) لو دل لما حسن التصريح بالثبوت معه، كما لا يحسن التصريح بنفي المنطوق معه. (و) لو دل فإنما يدل لأن التخصيص لا بد له من فائدة، ولا فائدة إلا: النفي، أو لجهة أخرى، إذ الدلالة بصراحة الخطاب باطلة وفاقا، لكن الأول باطل لما تقدم من فوائده، ولأنه منقوض بالتخصيص بالاسم والثاني كذلك، إذ الأصل عدمها. (ز) أنه ورد مع الاستثناء، ومع الثبوت، كقوله: {لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة} [آل عمران: آية 130]. والأصل الحقيقة الواحدة. (ح) لو دل فحيث ثبت الحكم فيه يلزم التخلف، ولو لم يدل فحيث انتفى فلدليل، والأول خلاف الأصل دون الثاني، فكان أولى. (ط) لو دل المقيد بالاسم، مجامع صيانة التخصيص عن الإلغاء، أو تكثر الفائدة. (ي) لو دل لوجب أن يبقى، وإن بطل المنطوق قياسا على مفهوم الموافقة والمنطوق، لكنه لا يبقى وفاقا. وأجيب: عن (أ) بما مر غير مرة. وعن (ب) بمنع الحصر، إذ قرينة التخصيص غيرهما، سلمناه لكن التخلف في الظاهري، لدليل غير ممتنع. وعن (ج) بمنع عدم الاستلزام الظاهري في الخبر المقيد بالصفة والظهور لا ينفي الجواز. وعن (د) يمنع الملازمة، وسنده ما مر في العموم. وعن (هـ) النزاع في التخصيص، وعنده لم يبق، سلمناه، لكن عنده يعلم عدم إرادته، والقياس على الصريح ضعيف، للفرق. وعن (و) أنه يدل من حيث إن التخصيص لا بد له من فائدة، وهذه الفائدة أسبق، فكان أولى، ولأن الحمل على الجميع أولى. وعن (ز) المعارضة بتكثير الفائدة، ثم بأن المجاز قد يصار إليه لقيام الدلالة عليه.

وعن (ح) المعارضة بتكثير الفائدة، وربما تقدم في جواب الثاني. وعن (ط) بمنع القياس في اللغة، ثم بالفرق، وهو أن التعبير عن الشيء باسمه ضروري، فلا يدل على التخصيص، بخلاف التعبير عنه بصفته. وعن (ي) بمنع الملازمة، وسنده: أنه تابع فيزول بزواله، والقياس: قياس في اللغة، سلمناه، ولكن حكم الأصل ممنوع سلمناه، لكن الحكم فيه ثابت بالطريق الأولى، أو التساوي، بخلاف ما نحن فيه، وأما قياسه على المنطوق: فالفرق واضح. تنبيهات: (أ) مفهوم نحو: (الغنم السائمة)، أقوى من: (السائمة ... ) إذ يحتمل أن يكون الباعث على التخصيص خطرانه بالبال، وذهوله عن غيره، بخلاف الأول. (ب) أنه إنما يكون حجة، إذا لم يكن التقييد للعادة، كـ (آية الخلع) وكقوله: "أيما امرأة نكحت نفسها" الحديث. (ج) أنه إنما يدل على النفي من جنسه، لا مطلقا. وقيل: مطلقا، ولعله مبني على علية الوصف. للأول: أنه تابع للمنطوق، فلا يزيد عليه، ولا يجاوزه، ولأنه يقتضيه، وشرطه: اتحاد المضوع. للآخر: أنه يفيد علية الوصف، فإذا انتفى انتفى، إذ الأصل اتحاد العلة. وأجيب: بأنه يفيد عليته فيه، لا في غيره، سلمناه، لكن في المناسبة، والدعوى مطلقة.

مسألة

مسألة (أ) مفهوم الشرط حجة عند من يقول بمفهوم الصفة، وبعض منكريه كابن سريج، والكرخي، والبصري، والإمام. خلافا للباقين. لنا: حديث القصر. لا يقال: التعجب إنما هو لأن الأصل الإتمام، وحالة الخوف مستثناة، لأنه - حينئذ - لم يكن لذكر آية القصر معنى، ولا للتعجب من مخالفة حكمها، إذ لا مخالفة لحكمها، بل كان المناسب ذكر ما يدل على الإتمام.

وأجيب عنه: بمنع أن الأصل (الإتمام)، لحديث عائشة، رضي الله عنها. وهو ضعيف: لأن معظم القائلين به، لم يقولوا بهذا الأصل، فلا يصح عليه مذهبهم، نعم يصلح للإلزام على من يقول به. سلمناه، لكنه نسخ، فلم يبق أصل، ويمتنع تقدير نزول الآية قبله، وإلا: لقصرت الصلاة إلى ركعة. (ب) سموا كلمة (إن) بحرف الشرط، والأصل عدم النقل والمجاز، وظاهر أن ذلك ليس باعتبار ما دخلت عليه، وهو ما ينتفي الحكم لانتفائه، لأنه عام في موارد استعماله، فهو حقيقة فيه، دفعا للاشتراك والمجاز. لا يقال: إن عدمه إنما يقتضي عدمه لو لم يكن - هناك - شرط آخر بدله، فإن لم يثبت ذلك لم يقع، لأن الأصل عدم ذلك. (ج) (أكرم الرجل إن كان صالحا)، يقابل: (إن كان فاسقا)، ولو تضمنه النفي، وإلا: لم يكن كذلك، والأصل عدم التغيير. لهم: (أ) {واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون} [البقرة: آية 172]. {وإن كنتم على سفر} [البقرة: آية 283]. الآية، {أن تقصروا من الصلاة إن خفتم} [النساء: آية 101]. {ولا تكرهوا} [النور: آية 33] الآية، {فكاتبوهم إن علمتم} [النور: آية 33] الآية، وإحالته إلى

منفصل يوجب التعارض. (ب) جواز التنجيز بعد التلعيق. وجواب الآية: أن المراد من العبادة التوحيد، كما في قوله: {وما خلقت} [الذاريات: آية 56] الآية، وعند انتفائه ينتفي الشكرن سلمنا إرادة المتعارف منها، لكن الشكر القول والفعل والاعتقاد، وهو ينتفي عند انتقائها، سلمنا أنه القول فقط، لكن الظاهر من حال من لا يعبد أن لا يشكر، والشرطية أعم من أن يكون بطريق القطع أو الظهور. والثاني: أن الحامل على التقييد شدة الحاجة، ولا مفهوم لمثله. والثالثة: أن مقتضى الشرط ذلك، لكن خولف لدليل، كقوله "صدقة ... " الحديث، والإجماع. وأورد: لم كانت مخالفة هذا الظاهر أولى من مخالفة (ظاهر) قولهم: إن كلمة (إن) للشرط، أو أن الشرط ما ينتفي الحكم عند انتفائه؟ ورد: بأنها أولى، لأنها لدليل، وما ذكرتم لا لدليل. وما يقال: التعجب محتمل، لما سبق، فقد سبق بطلانه. وأما المعارضة: بأنها لا توجب مخالفة الدليل، بخلاف ما ذكرتم - ممنوع، فإنه يلزم منه مخالفة ما يدل على حمل الألفاظ - العرفية - واللغوية - على مدلوليهما. وقد أجيب عنه: بأنه خرج مخرج الغالب، ولا مفهوم لمثله، وهذا يعكر على الاستدلال بها. والرابعة: بمنع التحريم عند إرادة التحصن، فإنهن ذا لم يردن التحصن بدون البغاء، والإكراه على المراد - ممتنع.

مسألة

لا يقال: الملازمة ممنوعة، لجواز الخلو عن الإرادتين - لأن التحصن إنما يكون عند الداعي إلى قضاء الشهوة، لأن من لا داعي له. لا يوصف به، ولأنه ينبئ عن التكلف كالتحكم، ولا تكلف في حالة عدم الداعي، والمفهوم مقيد بحال المعطوف، فمعنى مفهومه: نفي نهي الإكراه حالة عدم التحصن، مع الداعي إلى قضاء الشهوة، وهو بإرادة البغاء، فيمتنع الإكراه عليه - حينئذ - فيمتنع النهي عنه، وبأنه خرج مخرج الغالب، وبأن مقتضى الشرط: العدم، ترك للإجماع. والخامسة: أن نقول بمفهومه، فإن الكتابة لا تكون مندوبة، إلا: إذا عرف فيه الخير. وعن (ب) أن المنجز غير المعلق، بدليل وقوعه معه لو وجد شرطه. مسألة مفهوم الغاية حجة عند من يقول بمفهوم الشرط، وبعض منكريه كالقاضيين. خلافا للباقين. لنا: (أ) أن ما بعده ليس كلاما، فيضم ضد ما قبله، لأن غيره باطل، أما عينا فتحكم، أو غيره فإجمال، أو كلا بدلا فتشهي أو شمولا فتكثير من غير حاجة. لا يقال: يضمر كونه مسكوتا عنه، وهو ما دل عليه، من حيث إنه أن لا حكم إلا: بخطاب، ولا خطاب فيما بعده فينتفي، فيكون مسكوتا عنه؛ لأن إضمار الضد أولى، لسبق الفهم إليه، وإشعاره من جهة اللفظ، وكثرة الفائدة. (ب) أن غاية الشيء: هو منقطعة، وإنما يكون كذلك لو لم يكن الحكم ثابتا فيه. لا يقال: لا نزاع فيه، إلا: من جهة اللفظ، بل بالأصل بـ لأن: اللفظ - حينئذ - لم يكن غاية، بل الفعل، إذ الانقطاع فيه. (ج) لو قال: (لا تعط زيدا درهما حتى يقوم) فهم منه الأمر (بالإعطاء) عند القيام، ولذا يستقبح الاستفهام عنه بعده. فإن قلت: لا نسلم ذلك، والقبح محتمل، لكونه مسكوتا عنه كما لو استفهم عنه ابتداء.

مسألة

قلت: التقييد - وإن لم يكن موجبا - فلا شك في أنه موهم، والاستفهام يحسن عنده، بخلاف الابتداء، فهو - إذا - لما قلنا. للمخالف: (أ) أنه لا يدل بصراحته، ولا بتقييده، كما فرق في الصفة، لأن معرفة بقائه على ما كان فائدة تحصل منه، إذ لو أطلق لعم الحكم الجميع. (ب) أنه ورد مع نفيه وثبوته، والأصل الحقيقة الواحدة. وأجيب: عن (أ) أنه معلوم عقلا، واللفظ للقطع، فلم تكن لفظية، وإلا: لوجب مثله في كل لفظ. وعن (ب) ما تقدم عن مثله. مسألة وجوب عدد مخصوص يقتضي وجوب ما دونه، وندبيته رجحانه وإباحته جوازه، ومفهومه نفيه عن الزائد، والكراهية عكسها. وإن لم يكن داخلا كالحكم بالشاهد والشاهدين: فعكسه، وفي النفي والتحريم والكراهية فيهما: عكس ما سبق. المثبت: (أ) - عليه السلام -: "والله لأزيدن على السبعين"، لما نزل: {إن تستغفر لهم سبعين

مرة فلن يغفر الله لهم} [التوبة: آية 80]. فعقل - عليه السلام - نفيه عن الزائد. (ب) جعل: {فانكحوا ما طاب لكم} [النساء: آية 3] الآية، وقوله: {فإن أتين بفاحشة} [النساء: آية 25] الآية، وقوله - عليه السلام -: "في أربعين من الغنم السائمة شاة" - مخصصا لقولة تعالى: {وأحل لكم} [النساء: آية 24] الآية. وقوله: {الزانية والزاني} [النور: آية 2] الآية وقوله: (في الغنم صدقة)، إذ الأصل عدم دليل آخر. (ج) عقلت الأمة من قوله: {فاجلدوهم ثمانين جلدة} [النور: آية 4] نفي وجوب الزائدة. وكذا عقل ابن عباس من قوله: {وله أخت فلها نصف ما ترك} [النساء: آية 176]- المنع من الرد، ولذلك احتج به عليه. وأجيب: عن (أ) بأنه خبر واحد، وإثبات اللغة به ممنوع. سلمناه، لكنه مطعون من جهة المعنى، فإن ذكر السبعين لقطع الطمع في الغفران، ومبالغة اليأس عنه، على ما عرف ذلك من عادتهم في التقييد بالسبعين في مثله، والرسول - عليه السلام - أعرف الناس بمعاني كلامه - تعالى -، ويؤكده قوله تعالى: {سواء عليهم أستغفرت لهم} [المنافقون: آية 6] الآية، وقوله: {إن الله لا يغفر أن يشرك به} [النساء: آية 48] الآية، فكيف قال: والله لأزيدن طمعا فيه. سلمناه، لكن لعلة قال لاستمالة قلوبهم، وترغيبهم في الإسلام، وهذا يضعف الطعن. وبمنع تعقله ذلك، بل لعله على الجواز الأصلي ويضاعفه ما تقدم.

مسألة

وبأنه قول، والمعنى - إن شاء الله تعالى - لأزيدن لو علمت أن الزيادة تنفع، ويجب المصير إليه - وإن كان خلاف الأصل - جمعا بين الدليلين، كيف وقد روى ذلك عنه - عليه السلام - مصرحا به. وعن (ب) و (ج): بالمنع، فإن التخصيص بالإجماع، وظهور مستنده غير لازم، ونفي الزيادة بالبراءة الأصلية، وبأنه بين عند الحاجة ما عليه، وما هلها، فلو كان ثمة شيء آخر: لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة. مسألة مفهوم الاستثناء، و (إنما): اعترف به أكثر منكري المفهوم، كالقاضي والغزالي. وأصرت الحنفية على الإنكار وقد تقدم الكلام فيهما نفيا وإثباتا. وقيل: دلالة الاستثناء على الحصر - منطوق. مسألة نحو: "تحريمها التكبير وتحليلها التسليم"، و"الأعمال بالنيات". و"الشفعة فيما لم يقسم"

والعالم زيد، وصديقي زيد - تدل على الحصر عند من يقول بالمفهوم، وبضع منكريه كالغزالي. خلافا للحنفية، والقاضي. وقيل دلالة الأخيرين على الحصر منطوق. للمثبت: (أ) أنا ندرك التفرقة بين (صديقي زيد) و"تحريمها التكبير" وبين عكسها، وهي: بإفادة الحصر وعدمها وفاقا. (ب) لو لم يفده لكان الخبر أخص من المبتدأ. فإن قلت: إنما يلزم ذلك لو عم، فإنه إن لم يعم يصير جزءا، فيصح. قلت: بينا عمومه، سلمناه، لكنه منقوض بمثل إن الحيوان إنسان. للنافي: لو أفاد لكان العطف عليه نقضا. وأجيب: بمنعه، وسنده بين.

مسألة

مسألة لا عصمة قبل الأإنباء، حتى عن الكفر. وأثبتها الشيعة كما بعده. وبعده يمتنع ما يناقض المعجزة، كالجهل بوجود الله تعالى، ودعوى الرسالة كذبا. وما ليس كذلك: فما يكفر به يمتنع، إلا عند الفضيلية، فإنهم يجوزون الذنب عليهم، وكل ذنب يكفر والأزارقة، إذ يجوزون بعث من يكفر. وأجازت الشيعة الكفر تقية. وما عداه: (أ) أنواع الاعتقاد الخطأ: قيل: بجوازه، وقيل: لا سيما المبدع. (ب) الخيانة في التبليغ. قطعوا بامتناعها، لزوال الوثوق منهم. وقيل: يجوز سهوا، ولا يخل به، لندرته. (ج) والخطأ في الفتوى عن اجتهاد:

والأكثرون على عصمتهم منه. وقيل: يجوز، لكن ينبهون عليه عن قرب وقيل بل لا يقرون عليه. (د) الذنب الفعلي: والأكثرون على عصمتهم من الكبائر عمدا للسمع، وقيل: والعقل - أيضا -. والحشوية قالو: بوقوعها. وقيل: يمتنع سهوا وتأويلا ونسيانا. والصغائر المنفردة كالتطفيف. تعمدا: ممتنع وفاق، وقيل: الخلاف فيه. وأما سهوا: فعلى الخلاف. وغيرها:

مسألة

جائز عمدا وسهوا عند الأكثرين - منا - ومن المعتزلة. الشيعة: عكسه. الجبائي: جوازه تأويلا وسهوا فقط. وقيل: سهوا فقط، ويؤاخذون به، لأن معرفتهم أتم، وقوتهم على التحفظ أقوى من غيرهم. والمختار: امتناع الكبائر عمدا وسهوا وتأويلا، والصغائر عمدا، ولكن لا يقرون عليه. وقيل: المختار: امتناعهما عمدا لا سهوا. وأدلة هذه المذاهب مذكورة في الكلام. ووجوب الاقتداء به - عليه السلام - وغيره إنما يتفرع على امتناع صدور الذنب عمدا مطلقا، إذ السهو نادر، وهو لا يقدح في الغالب، ويحتمل أن يتفرع على امتناعه، لا يقال: احتمال التعمد نادر - أيضا - لأنه يبطل الثقة. مسألة مجرد فعله للوجوب عند ابن سريج، والأصطخري، وابن خيران، وابن أبي هريرة، والحنابلة، وكثير من المعتزلة. وقيل: للندب، ونسب إلى الشافعي، واختاره إمام الحرمين وقال مالك - رضي الله عنه -: للإباحة.

أدلة القائلين بالتوقف

وقيل: بالتوقف، وهو اختيار المحققين. وقيل: للحظر، وهو تفريع على تجويز المعاصي. وقيل: إن علم قصد القربة فوجوب، أو ندب، وإلا: فإباحة، أو التوقف. أدلة القائلين بالتوقف لنا: أنه يحتمل الوجوب، والندب، والإباحة، والتخصيص وعدمه، فيمتنع الجزم بواحد منها. فإن قلت: التخصيص نادر، فلا يمنع من الحكم على وجه غلبة الظن. قلت: بماذا؟ فإن الاحتمالات الثلاثة على التسوية. أدلة القائلين بالوجوب من القرآن والسنة والإجماع والمعقول للوجوب: (أ) قوله تعالى: {فليحذر} [النور: آية 63] الآية، والأمر مشترك بين القول والفعل، فيحمل عليهما لما سبق، أو مجازا لقرينة التعظيم. (ب) {واتبعوه} [الأعراف: آية 158]، وهو يعم قوله وفعله، لصدق (فلان متبع للرسول) فيهما. (ج) {فاتبعوني يحببكم الله} [آل عمران: آية 31]، ولازم الواجب واجب.

(د) {وما ءاتكم الرسول فخذوه} [الحشر: آية 7]، وإذا فعل فعلا فقد أتانا به. (هـ) {لقد كان لكم} [الأحزاب: آية 21] الآية، وهو وعيد على ترك التأسي به، وهو فعل مثل فعله. (و) {فلما قضى زيد} [الأحزاب: آية 37] الآية، علله بالتساوي. (ز) {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} [النور: آية 54]، والإتيان بمثل فعله عليه، لأجل أنه فعله، طاعة له، فيكون واجبا. (ح) رجعت الصحابة إلى فعله - عليه السلام - في: "التقاء الختانين"، و (الوصال)، و (الحلق والذبح)، و (خلع الخاتم)، و (النعل)، وكان عمر - رضي الله عنه - يقبل الحجر

الأسود، ويقلو: (إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) وقال لأم سلمة - حين سئلت عن قبلة الصائم - (ألا أخبرتيه أني أقبل، وأنا صائم)، وقال في جواب سؤالها عن بل الشعر في الغسل: (أما أنا فيكفيني أن أحثو على رأسي ثلاث حثيات من الماء)، وهو يدل على تقرير وجوب العود إلى أفعاله

عندهم. (ط) حمله على الوجوب أحوط، فوجب المصير إليه، للحديث. (ي) تعظيمه - عليه السلام - واجب، وفعل مثال فعله تعظيما له، للعرف، فيجب. (يا) الظاهر أنه لا يختار لنفسه إلا: الأفضل، والواجب هو الأفضل، فما فعله واجب، فيكون واجبا في حق الأمة، لعدم القائل بالفصل. (يب) قياسه على القول، بجامع كونهما حجة في التخصيص وغيره. وأجيب: عن (أ) بمنع عود الضمير إليه، إذ عوده إلى الأقرب أولى، وكونه وارادا في الحث على طاعته لا ينافيه، بل يؤكده ثم بمنعهما، لما سبق، سلمناه، لكن وجد قرينة إرادة القول، وهو تقدم ذكر الدعاء، سلمناه، لكن المخالفة اسم ذم، فيختص بترك الواجب، و - حينئذ - الاستدلال به دور، وقرينة التعظيم ممنوعة، لما يأتي، على أنها معارضة بقرينة تقدم الدعاء. وعن (ب) أنه للندب، لئلا يلزم التخصيص، سلمناه، لكن لا ابتاع قبل معرفة وجه الفعل، و - حينئذ - يلزم الدور، سلمناه، لكنه محمول على ما وجب من أقواله وأفعالهن لئلا يلزم إيجاب ما ليس بواجب، و - حينئذ - الاستدلال به دور.

وعن (ج) بعض ما سبق. وعن (د) بعض ما سبق، ويخصه: أن المراد منه الأمر لمقابلة النهي. وعن (هـ) بأنه عبارة عن إثبات الفعل على الوجه الذي فعله، لا عما ذكرتم، و - حينئذ - يلزم الدور، وبأن قوله: {لكم} [الأحزاب: آية 21] ينفي الوجوب. وعن (و) أنه معلله بنفي الحرج، وهو الإباحة، لا الوجوب. وعن (ز) أنه إنما يكون طاعة لو كان مأمورا به، فإثبات كونه مأمورا به بالطاعة دور، وفيه نظر، تقدم في الأمر. وعن (ح) أنها أخبار آحاد. سلمناه، لكن القرائن تقدمت، كقوله: "صلوا كما ... "، و"خذوا ... "، وأما في الغسل، فلقوله - عليه السلام -: "إذا التقى الختانان وجب الغسل"، أو لأنه بيان قوله: {وإن كنتم جنبا} [المائدة: آية 6] أو لأنه شرط للصلاة، أو لفهم الوجوب. وهو ضعيف، لأنه إن كان من نفس الفعل فهو المقصود، أو من غيره، فالأصل عدمه. وأما الوصال فلعله على سبيل الندب، وهو جواب عام لأكثر ما ذكروا، وظنوا لأنه - عليه السلام - قصد به بيان الصوم الواجب. سلمناه، لكن من المعلوم أنهم لم يتبعوه في الجميع، فليس جعل اتباع البعض: دليل الوجوب، أولى من جعل عدم التباع الكل: دليل على عدمه، بل هذا أولى، وهو بين.

دليلهم من المعقول

وعن (ط) بمنع أنه أحوط، فإنه يحتمل أن يكون حراما على الأمة. وعن (د) بمنع كلية الثانية، إذ الإتيان ببعض أفعال المعظم قد يكون إخلالا بتعظيمه. وعن (يا) بمنع إنتاج الموجبتين في الثاني. وعن (يب) أن الجامع وصف طردي، سلمناه، لكن الفرق وهو: أن القول صريح الدلالة، وأن حجية القول، ولا يجب مساواة الفرع للأصل. دليلهم من القرآن للندب: (أ) آية الأسوة. ووجه الدلالة: أنه قال: {لكم}، وهو ينفي الوجوب، إذ يقال: وجب لكم، بل عليكم وينفي الإباحة، لأن اللام للاختصاص بجهة النفع، ولأنه وصف الأسوة بالحسنة. (ب) تطابق الناس على التأسي به. دليلهم من المعقول (ج) فعله راجح، لئلا يلزم الذنب والعبث، والأصل عدم الوجوب، ولأنه يوجب الحرج والمشقة، ولأن الندب أكثر، فحمله عليه أولى. وأجيب: عن (أ) بما سبق في تفسير التأسي. وعن (ب) بمنعه بمجرد الفعل، بل للقرائن معه.

وللإباحة

وعن (ج) بمنع لزوم ما ذكر، فإن الفعل لغرض عاجل ليس بعبث. وللإباحة (أ) أن رفع الحرج معلوم قطعا، (أو ظاهرا) والأصل عدم الزائد. (ب) المباح أكثر، فحمله عليه أولى. وأجيب: عن (أ) بأن الأصل معارض بما دل على رجحانه. وعن (ب) بمنع أن المباح كثر من أفعاله، التي هي غير الجبلية، والعادية. مسألة يجب التأسي به، أي: إذا عرف وجه فعله تعبدنا بفعله على ذلك الوجه. وقيل: (لا) ما لم يعرف دليل تسويتنا له فيه. وفصل ابن الخلاف: بين العبادات وغيرها دليل الجمهور لنا: (أ) آيتا الاتباع، والأسوة، وزيد.

وأورد: بأن آية الأسوة لا تفيد التعميم، كما لو قيل لك: (في الدار ثوب حسن)، سلمناه، لكن في الماضي، ومفهومه بنفي الاستقبال، وآية زيد للتعليل، تفيد في معين. وأجيب: بأنه يفيد من جهة المعنى، فكان يأتي للحالة الدائمة، سلمناه، لكن الأصل دوامه، ومفهومه ضعيف سلمناه، لكن غير مراد، لقرينة الحث على الاقتداء به، وهو دليل عمومه - أيضا -، والإحالة إلى التعليل منقدح. وبأن آيتي الاتباع أمر، وهو لا يفيد التكرار. وأجيب: بأنه يفيد من جهة الإيماء، والنقض بـ (اسقني)، ونحوه مندفع، لأنه للقرينة. (ب) أنهم رجعوا إلى تزويجه ميمونة، وهو حلال، أو حرام وتقبيله وهو صائم،

دليل القائل بالتفصيل بين العبادات

وإصباحه جنبا، وغيره كما تقدم، من غير نكير، فكان إجماعا. وأورد: بأنه لقرائن، كما مر. وأجيب: بأن الأصل عدمها، وتعليلهم ذلك بفعله ينفيه. (ج) التشريك غالب، فالإلحاق به أولى. (د) لو كان مختصا به لنصب عليه دليلا، كما في غيره، ودفعا للإيهام الباطل، ولا يعارض بمثله، لأن التشريك ليس خلاف الأصل. دليل القائل بالتفصيل بين العبادات للمفصل: دليل التسوية في العبادات حاصل، للحديثين، دون غيرها، فيبقى على أصله. مسألة إذا وجب التأسي احتيج إلى معرفة وجه الفعل، لتوقف وجوب التأسي به عليه، وهو: بنصه وتخييره بينه وبين ما ثبت أنه على وجه مخصوص، إذ التخيير بين مختلفي الجنس لا يجوز،

مسألة

ولوروده امتثالا أو بيانا لنص دال على ذلك الوجه، وينفي ما عداه. ويعرف نفي الوجوب، والندب بالاستصحاب، ونفي الإباحة بصد القربة، ويختص الوجوب والندب بمعرفة وقوع الفعل، قضاء واجب أو ندب. والوجب: بوقوعه بأمارته، كالصلاة بأذان وإقامة، ووقوعه جزاء لشرط موجب، كالنذر، وأنه (لو) لم يجب لم يجز كزيادة الركوع في صلاة الخوف، وبالإدامة عليه، مع عدم ما يدل على عدم وجوبه، فإنه لو كان غير واجب لنصب عليه دليلا، أو أخل بتركه، لئلا يعتقد وجوبه. والندب: بقصد القربة مع الأصل وإدانة الفعل، والإخلال به بلا نسخ. والمباح: بفعله، مع عدم رجحانه بالأصل. مسألة سكوته - عليه السلام - عن إنكار فعل علم به، مع قدرته عليه، وعدم تقدم بيان تحريمه - يدل على إباحته، إذ لو كان حراما كان سكوته كذلك، ولأنه تأخير البيان عن وقت الحاجة. فإن تقدمه بيان: فإن علم عناد فاعله، وكفره، أو ممتنع نسخه، فلا، وإلا: دل عليه - أيضا -. مسألة لا تعارض بين فعلين لتغاير وقتيهما. نعم: لو فعل فعلا دل دليل على تكرره، ثم فعل ضده فيه، أو أقر عليه - كان نسخا أو تخصيصا، لكنه بالعرض. وإن تعارض قول وفعل في حقه - عليه السلام -: فإن علم تأخر أحدهما: فنسخ. أو

تعقبه: فغير متصور، إلا: إذا جوز الذنب. أو جهل: فثالثها التوقف، للتساوي. وإن لم يدل دليل على تكرر ما فعله، أو تأخر القول، أو تعقب فلا تعارض، أو عكسه: فنسخ، أو تعقب: فغير متصور. أو فينا: بأن كان خاصا بنا، ودل دليل على التأسي به. فإن تأخر القول: فنسخ، أو تخصيص. فإن كان دليل التأسي به خاصا بذلك الفعل: فتعارض، يرجح القول لئلا يلغو، أو لأنه أقوى، لوضعه لذلك، ولكونه غير مختلف فيه، ولخصوص الفعل بالمحسوس، أو تعقبه، فكذلك لما سبق. أو الفعل: فنسخ، أو تعقبه فتعارض يرجح القول، لما سبق، وإن جهل: فثالثها المختار: العمل بالقول لما تقدم. وإن لم يدل دليل على التأسي به، فلا تعارض. أو فيه، بأن يدل دليل على تكرره في حقه، وعلى التأسي به في حقنا، والقول عام فيه وفينا، فالمتأخر ناسخ، وإن تعقب القول الفعل فتعارض، يرجح القول، وعكسه يخصصه عن القول، وإن جهل: فالثلاثة. وإن عم القول - ولا دليل على التكرار والتأسي - فإن تأخر، أو تعقب: فلا تعارض، وإن تأخر القول: فنسخ، أو تخصيص في حقه عليه السلام -، وإن جهل فالقول في حقنا، والثلاثة في حقه - عليه السلام -. فرع: نهى - عليه السلام - عن استقبال القبلة، واستدبارها في قضاء الحاجة، ثم استقبل بيت

فصل في النسخ

المقدس فيه في المدينة، ولا يمكن ذلك إلا: باستدبار الكعبة: فالشافعي: خصص النهي بالصحاري بفعله. والكرخي: جعله من خواصه. وتوقف فيه عبد الجبار. لنا: أن الجمع أولى من إهمال أحدهما. الكرخي: الفعل يحتمل أن يختص، وعدمه، فلا يخص به العموم المتيقن. وأجيب: بأن الظاهر عدمه للغلبة، ولما يدل على التأسي به، والعموم - أيضا - ظاهر، فيخص به، إذ الفعل مع دليل التأسي أخص به. القاضي: لو خص الفعل به لزم تخصيص دليل التأسي به، ولو خص عموم النهي لزم أيضا - ذلك، وليس أحدهما أولى من الآخر، فيجب التوقف. وأجيب: بأن التوقف يوجب التعطيل، والتخصيص أهون منه. فصل في النسخ وهو لغة: الإبطال والإزالة، نسخت الشمس الظل، والريح آثار القوم، والشيب الشباب، ومنه

تناسخ القرون. ووقوع التجوز في الإسناد لا ينفي كونه حقيقة فيه، والأصل الحقيقة الواحدة. وقيل: النقل والتحويل، نسخت الكتاب، ومنه تناسخ الأرواح والمواريث. والأصل: الحقيقة الواحدة، ووقوع التجوز فيه - لأنه ما نقل الكتاب بل مثله - لا ينفي كونه حقيقة في النقل. وأجيب: بأنه أعم من النقل والتحويل، فجعله فيه أولى، لكونه متواطئا في تلك الأفراد بلا تجوز، ولا اشتراك، وكثرة فائدته. لا يقال: إنما نمنع أنه أعم، لأن الإعدام حيث يكون، فإنما هو بالصفة، وهو صفة الوجود، لأن صفة الوجود تارة في الذات، وتارة في الصفة، والنقل بإزالة وجود الصفة، فقط. ومعارضة الوجهين لا يخفى مما سبق في اللغة. القاضي والغزالي: أنه مشترك لفظا، لاستعماله فيهما، وعدم ترجح أحدهما بكونه حقيقة، وتردد الذهن بينهما عند سماعه. وأجيب: بمنع كونه دليل الحقيقة، وعدم الترجيح والتردد - ممنوعان. وفي الاصطلاح: فقال القاضي، واختاره الغزالي: (إنه خطاب دال على ارتفاع حكم ثابت بخطاب متقدم، على وجه لولاه لكان ثابتا مع تراخيه عنه). وزيف: بأنه حد الناسخ لا النسخ، وأن النسخ: انتهاء لا رفع، وأن الناسخ والمنسوخ قد

يكونان فعلا، وبأن الإجماع يرفع جواز الأخذ بكلا القولين، مع أنه لا ينسخ ولا ينسخ به. وأجيب: بأنه يعرف منه حد النسخ، وفيه تسامح، وبمنع أنه انتهاء، بل هو رفع، وأن الناسخ والمنسوخ بالحقيقة إنما هو دليل التأسي، وبمنع أن الإجماع يرفع بل يزل بزوال شرطه. والأولى: أنه (رفع حكم شرعي بطريق شرعي). والرفع ينبئ عن الثبوت، فأغنى عن تقييده به وبالتراخي، وبأنه بحيث لولاه لكان ثابتا، وهذا على رأي القاضي. وأما على ما يشترك به الرأيان فهو: (زوال حكم شرعي، عند حصول طريق شرعي، مثبت للحكم، مناف للحكم (الأول)، لولاه لكان ثابتا). وزوال جواز الأخذ بكلا القولين بالإجماع، غير وارد، إذ الإجماع كاشف لا مثبت. دفع الإمام النقض الغاية. وضعفه بين. وقيل: بالتزام النسخ فيه، إذ إجماعهم دليل على وجود الخطاب، الذي هو النسخ، لا أن خطابهم نسخ. وهو ساقط، لأنه قد ينعقد من غير تضمن نسخ، ولأنه قائم في كل إجماع، والنقض إنما هو على من سلم أنه لا ينسخ، ولا ينسخ به. وقولنا: (لولاه لكان ثابتا) محتاج إليه - ههنا - دون الأول، لأن الرفع فيه إشعار بأنه: لولاه لكان ثابتا، فلا يحتاج إليه، بخلاف الثاني، فإن الزوال عنده، لأنه يحتاج إليه، وإلا: انتقض بما في الأمر المطلق، إذ حصل عقيب امتثاله. وقيد التراخي، وإن ذكر احترازا عن مخصصات المتصل فقط، على ما أشعر به كلامهم - هنا - فلا يحتاج إليه في الحد، لأن الرفع والزوال يشعر بسبق الثبوت، ولا ثبوت في التخصيص.

وإن ذكر احترازا عنهما وعن المتعقب على ما أشعر به كلام بعضهم - في تعارض الفعل والقول - فيحتاج إليه، ويجب إلحاقه بالحد. فإن قلت: فما وجه أن لا يجوز النسخ بالمتعقب. قلت: يقتضي الدليل أن لا يجوز النسخ قبل التمكن وإنما جوز لفائدة التوطين والامتحان. وهو غير حاصل في صورة التعقيب. فرع: بيان الحكم بعد الغاية المجملة نحو قوله تعالى: {فأمسكوهن في البيوت حتى يتوافاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا} [النساء: آية 15] فقال - عليه السلام - "قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيبان يرجمان" - يجعل نسخا للحكم المتقدم، على الأظهر، كما لو قال هذا واجب إلى أن أنسخه. وقيل: لا قياسا على المفصلة. والناسخ: الشارع، وهو الله تعالى - والرسول مبلغ عنه - والطريق الرافع للحكم، وهو حقيقة فهما، وقيل: في الأول، ونفس الحكم، ومن اعتقد النسخ. وجعل النسخ حقيقة في المعنى الثاني - بعيد. والمنسوخ: هو الحكم المرفوع، ومثبته يعني به ما يحصل على المكلف بعد أن لم يكن، فلا يرد أن القديم لا يرفع وحاصله يرجع إلى التعلق، وهو حادث، وفيه نظر، إذ نفسه ليس بحكم.

مسألة القاضي والغزالي وكثيرون: النسخ رفع. الأستاذ، وإمام الحرمين، والإمام؛ انتهاء. وهو: كالخلاف في زوال الأعراض، فإن الانعدم بالضد عند من يقول: ببقائها، وبنفسه عند من لم يقل. للقاضي: (أ) الأصل عدم التغيير (ب) لو كان انتهاء: لم يبق فرق بين المطلق، وبين المغيا بعينه، إلا: في اللفظ، وهو خلاف ما يجده المنصف من نفسه. (ج) أن عدمه ليس ضروريا، وإلا: لما وجد، ولا لعدم الأعراض، وإلا: لما استمر، فهو - إذا - لمزيل، واحتمال اشتراطه بوقت معين خلاف ظاهر اللفظ، كيف والأصل عدمه. الأستاذ: (أ) ليس زوال الباقي بالطارئ أولى من اندفاعه به، لا يقال: الحادث بحدوثه أقوى، لامتناع عدمه حال حدوثه، لأن الباقي مثله، ولأنه إن لم يحصل له شيء زائد على حالة الحدوث: استويا، وإلا: فهو لحدوثه مساو له، فلم يترجح الحادث عليه، وعلى الباقي، وفيهما نظر. (ب) الحادث إن وجد مع وجوده لم ينافه، وإلا: لم يعدمه، لامتناع إعدام المعدوم، وليس كالكسر مع الانكسار الذي (هو) زوال تأليفات هي أعراض غير باقية، فلا يؤثر الكسر فيه. (ج) حصول الطارئ مشروط بزوال الباقي، فتعليله به دور. (د) أن الحكم قديم، فرفعه ممتنع، والتعليق قديم أو عدمي، وإلا: لكان الباري محلا

مسألة الفرق بين النسخ والبداء

للحوادث. (هـ) أن علم الله تعالى به: إما بدوامه، أو إلى وقت معين، و - حينئذ - امتنع زواله بمزيل. (و) الحكم: إما ثابت، وإما منفي، وعلى التقديرين يمتنع رفعه. وأجيب: عن (أ) بأولوية الحادث، إذ العلة التامة - لعدم الشيء - تنافي وجوده، وبالعكس، فلولا الأولوية لامتنع حدوث العلة التامة. وقدح: بمنع العدم والوجود بالعلة التامة، بل هو بالفاعل المختار. وعن (ب) أن تمام الطارئ انعدام الباقي، وهو ليس إعدام المعدوم، كإثبات الوجود ليس إيجاده الموجود. وعن (ج) بأنه دور معية، إن عنى به لا موجود بدونه، وإن عنى به حقيقته فمنع أنه مشروط به. وعن (د) ما سبق، ولا يلزم من كونه حادثا كونه تعالى محلا للحوادث. وعن (هـ) أنه علم زواله به في ذلك الوقت، وهو لا يمنع زواله به كما في العلم بحدوث العالم. وعن (و) النقض بالانتهاء والزوال. والتحقيق: أنه لا استحالة في ارتفاعه بتمامه. مسألة الفرق بين النسخ والبداء البداء هو: (الظهور بعد أن لم يكن كذلك)، قال الله تعالى: {وبدا لهم سيئات ما عملوا} [الجاثية: آية 33]، {وبدا لهم من الله} [الزمر: آية 47] ويقال: بدا لنا وجه الرأي، والنسخ: ما تقدم،

فهو - إذا - غيره، وغير مستلزم (له) لأنه يجوز أن يكون فعل الشيء مصلحة في وقت، ومفسدة في آخر، وجوازه بين، فإن أكثر الأمور العادية كذلك، فينسخ فيه، وهو نسخ، بلا بداء، وقالت الرافضة واليهود: إنه يستلزمهم التسوية في جوازهما وعدمه. فقالت اليهود: لا يجوز النسخ من الله تعالى، لامتناع البداء عليه. وقالت الرافضة: يجوز البداء عليه، لجواز النسخ منه. وكل كفر: والثاني أغلظ، وأقبح وأصرح، إذ يمكن حمل الأول على وجه لا يلزم منه الكفر، بأن يجعل التعبد شرعا مغيا إلى ظهور آخر، وبهذا التأويل أنكر بعض المسلمين النسخ. ثم الرافضة بهتوا في نسبة تجويزه إلى أهل البيت، حيث نقلوا عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: (لولا البداء لحدثتكم بما هو كائن إلى يوم القيامة)، وعن جعفر الصادق - رضي الله عنه - أنه قال: (البداء ديننا ودين آبائنا في الجاهلية)، ونقلوا عنه - أيضا -: (ما بدا الله في شيء كما بدا له في إسماعيل)، أي: في أمره بذبحه، واتخذوا هذه الأحاديث المخترعة، مستندا للمذهب الباطل. واستدلوا عليه: بقوله تعالى: {يمحوا الله ما يشاء} [الرعد: آية 39]. وبأن الفعل إن خلا عن المفسدة حسن الأمر (به) دون النهي، وإلا: فبالعكس، ولم يحسن الأمران إلا: بحسن البداء.

مسألة النسخ جائز عقلا، وواقع سمعا.

وبأنه لو لم يجز لكان فعله كفعل الطبائع، وهو ينفي كونه مختارا وفي هذا المعنى قال قائلهم: لولا البدا سميته غير هايب ... وذكر البدا نعت لمن يتقلب لولا البدا ما كان فيه تصرف ... وكان كنار دهرها يتلهب وكان كضوء مشرق بطبيعة ... وبالله عن ذكر الطبائع يرغب واعلم أن نصوص الكتاب كقوله: {وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء} [يونس: آية 61]، وقوله: {وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين} [الأنعام: آية 59]، وغيرها يدل على إحاطة علمه تعالى بجميع الأشياء، والبراهين العقلية دالة عليه - أيضا - ثم هو معلوم البطلان قطعا من دين الرسل - عليهم السلام -. ولا حجة في الآية، لأن المحو للمشيئة، لا للبداء، بل فيه دلالة على بطلانه. وجواب المعقول: ما تقدم في أول المسألة. وكونه مختارا بنفي ذلك، لأن المختار هو الذي يفعل بمحض الاختيار، لا لأنه بدا له، على أن الملازمة ممنوعة، وسنده بين. مسألة النسخ جائز عقلا، وواقع سمعا. خلافا لليهود غير العيسوية. وأنكر بعضهم الوقوع، وهو مذهب بعض المسلمين. لنا:

أنه لا يمتنع لذاته وصورته، إذ لا يلزم من فرض وقوعه محال ولا لغيره، إذ البداء غير لازم على ما تقدم، ولا إخلال حكمه، إن سلم القول، بها والأصل عدم غيره. ولا دلالة - لقوله تعالى: {ما ننسخ} [البقرة: آية 106]، وقوله: {وإذا بدلنا} [النحل: آية 101] الآية - على جوازه، ولا على وقوعه، إذ الملازمة قد تكون بين الممتنعين. واستدل - أيضا -: بأن القواطع دلت على صحة نبوته - عليه السلام - وهي لا تثبت إلا: مع القول بالنسخ. وضعفه: بما سبق من الاحتمال. وبالإجماع على وقوعه، وهو إنما يصح لو ادعى قبل ظهور المخالف، وإلا: فمعه لا يصح والأولى: أنه صحت نبوته - عليه السلام - بالقواطع، فصحتها إن توقفت على وقوعه لزم وقوعه؛ لصحتها، وإلا: لزم ذلك - أيضا - لأن شريعته مخالفة لشريعة من قبله، ولبعضها، وليس هو بطريق انتهاء الغاية، وإلا: لزم نقل تلك الغاية متواترا كأصل الشريعة. لا يقال: توفر الدواعي على نقل الأصل أكثر، لأنا نمنع ذلك، فهذا لأنه ليس من الأمور الجزئية، بل من الكلية، فهو كأصل الشريعة. وما قيل: لعل موسى وعيسى - عليهما السلام - بينا ذلك، فضعيف، لأنه إن كان متواترا كان معلوما للكل كالشريعة، وإن كان آحادا فلا نثبته. وأما الوقوع: فاستدل بما في التوراة أنه تعالى قال لنوح - عليه السلام - عند خروجه من الفلك: (إني قد جعلت كل دابة مأكلا لك ولذريتك، وأطلقت ذلك لكم كنبات العشب، ما خلا الدم فلا تأكلوه). ثم إنه تعالى حرم على بني إسرائيل كثيرا من الحيوانات. وأباح لآدم أن يزوج الأخت من

الأخ، وقد تواتر ذك في شرعه، ثم إنه تعالى حرم ذلك في شرع موسى. وبما في القرآن من النسخ: نسخ الاعتداد بالحول في حق المتوفى عنها زوجها بأربعة أشهر وعشرا، ونسخ وجوب ثبات الواحد للعشرة بقوله: {الآن خفف الله عنكم} [الأنفال: آية 66] الآية، ونسخ وجوب التوجه. إلى بيت المقدس، وبوجوبه إلى الكعبة. وحمله على التخصيص لثبوته في بعض الأحوال، كما في الحامل، إذا كان مدته حولا، وكما إذا قصد الكفار المسلمين، وهم عشريهم، وكما إذا اجتهد في حال الاشتباه، وأدى اجتهاده إليه - باطل. ونسخ أمر تقديم الصدقة بين يدي الرسول، وبقوله تعالى: {فإذ لم تفعلوا} [المجادلة: آية 13] الآية، وليس زواله لزوال سببه، وهو تميز المنافقين عن المؤمنين، لأنه يقتضي أن من لم يتصدق يكن منافقا، لكنه باطل، لأنه لم يتصدق غير علي - رضي الله عنه -.

ونسخ وجوب الوصية للوارث بآية الميراث، وحمله على التخصيص لصحتها، بقدر أنصبائهم غير وارد، لأن ذلك جائز لا واجب، والوقوع يتضمن الجواز السمعي قطعا. وللمنكر عقلا: (أ) النهي عن الشيء بعد الأمر - إن لم يكن لحكمة - لزم العبث، وإن كان لها: فإن ظهرت لزم البداء، وإن كانت معلومة حالة الأمر: لزم قبحه. (ب) النسخ: بمعنى الانتهاء خلاف الظاهر، إذ ظاهره يفيد الدوام، وبمعنى الرفع: ممتنع لما سبق، ولأن المرفوع إن كان ثابتا: استحال رفعه، وإن كان نفيا: فكذلك؛ لامتناع رفع ما ليس بشيء. (ج) الفعل إن كان حسنا: قبح النهي عنه، وإلا: قبح الأمر به وللمنكر سمعا: (د) ثبت بالتواتر قول موسى - عليه السلام -: "تمسكوا بالسبت ما دامت السموات والأرض". (هـ) أن بين شرع موسى - عليه السلام - بما يفيد الدوام، ولم يضم إليه ما يدل على أنه

سينسخه - لم يجز نسخه، وإلا: لزم الجهل، وأن لا يوثق بوعده ووعيده وأن لا يعرف دوام شرعنا والتمسك عليه بالإجماع والنقل المتواتر: ممتنع، لأنه فرع الآية والخبر، والنقل لا يكون إلا: للفظ، فلعل المراد منه غير ظاهره، وإن ضم ذلك إليه لزم الجمع بين المتناقضين، وأن ينقل بالتواتر، والآحاد مثله في شرعنا، ولأنه مما تتوفر الدواعي على نقله. وإن بين بما يفيد اللادوام: فإن لم يفد تكراره لم يجز نسخه قبل فعله، لما يأتي في مسألته، وبعده وهو ظاهر، وإن أفاد فكذلك، لأنه إن نص على غاية معينة فلا نسخ، أو غير معينة وجب أن ينقل لما سبق. أو بمطلق: فلا يفيد إلا مرة واحدة، فيمتنع نسخه، لما سبق. وأجيب: عن (أ) بمنع قاعدة التحسين والتقبيح، ثم باختلاف المصلحة في الزمانين كما سبق. وعن (ب) بأنا نسلم أنه خلاف الظاهر، لكنه لا يمنع الجواز، سلمناه، لكن نمنع امتناعه، بمعنى الرفع، وجواب ما سبق وما ذكروه: ضرورة بشرط للمحمول، وهو لا ينافي إمكان وقوع ضده، وإلا لامتنع وجود وعدم. وعن (ج) أنه قد يحسن الشيء في وقت، ويقبح في آخر. وعن (د) بمعنى أن قوله - عليه السلام: "بل هو مختلق صريح بعد نبينا، وإذ لم ينقل عن اليهود الذين في زمانه - عليه السلام" حجاجهم به على إبطال دعوته، مع شدة عداوتهم وعنادهم له - عليه السلام -، وقد قيل: إن ابن الراوندي اختلقه ولقنهم بأصفهان.

ثم إن تواتره: ممنوع، فإنه لم يبق في زمان (بختنصر) من اليهود عدد التواتر. ثم إن لفظ التأييد جاء في التوراة للمبالغة: كما في البقرة التي أمروا بذبحها: (يكون ذلك سنة أبدا). وفي قصة (دم الفصح): (بأن يذبحوا الجمل ويأكلوا لحمه ملهوجا، ولا يكسروا منه عظما، ويكون لهم سنة أبدا). وقال: (قربوا إلى كل يوم خروفين، خروف غدوة، وخروف عشية، قربانا دائما، لاحقا بكم)، ثم إنه زال التعبد بها عندهم. وورد في العبد: (أنه يستخدم ست سنين، ثم يعتق في السابعة، فإن أبى العتق فلتثقب أذنه ويستخدم أبدا) وهو مدة حياته. وعن (هـ) ما سبق في مسألة تأخير البيان عن وقت الخطاب، ثم بمنع التناقض، بل هو قرينة على عدم إرادة الدوام مما يفيده، ثم هو منقوض بالتخصيص، ونقله متواترا: إنما يجب أن لو بقى عدد التواتر منهم ثم بمنع عدم جواز النسخ قبل حضور وقت لعمل، وسيأتي تقريره.

مسألة

مسألة يجوز النسخ قبل مضي مقدار الفعل من وقته خلافا للمعتزلة، والصيرفي وكثير - منا -، ومن الحنفية والحنابلة. وعن الكرخي: لا يجوز قبل فعله. فعلى هذا يترجم بالنسخ قبل الفعل، كما وقع في كلام إمام الحرمين وغيره. تنبيه من قال: المأمور لا يعلم كونه مأمورا قبل التمكن - لزمه عدم جواز النسخ قبل وقته، إذ لا يمكن قبل الوقت، فلا أمر، والنسخ يستدعي تحققه. ومن لا يقول بذلك: جاز أن يقول به، وأن لا يقول فليست هذه فرع تلك مطلقا، كما أشعر به كلام الغزالي - (رحمه الله تعالى) -. واستدل: (أ) بقوله تعالى: {يمحوا الله ما يشاء} [الرعد: آية 39]، وهو دور، لتوقف مشيئته على جوازه. (ب) قصة إسماعيل، فإن إبراهيم - عليه السلام - أمر بذبحه: - للنص، فإن رؤيتهم - فيما يتعلق بالفعل والترك - وحي معمول به. ولأنه لو لم يكن كذلك لما جاز له العزم على ذبحه، وإذعانه بإظهار مقدماته. ولقوله: {افعل ما تؤمر} [الصافات: آية 102] إذ حمله على غيره يوجب ركاكة النظم. ولقوله: {وفديناه بذبح عظيم} [الصافات: آية 103]، لأن المقدمات قد حصلت بتمامها، فلا يحتاج إلى الفدا، ولما سمى به. وجعله فدا عما يتوقعه من الأمر به بعيد، إذ هو عدم صرف،

والفدا يشعر بوجوده، ولأنه غير مناسب ونفس المتوقع وإن كان موجودا لكن لا يحسن جعله فدا منه، لما سبق. ولقوله: {إن هذا لهو البلاء المبين} [الصافات: آية 106]، والمقدمات مع الظن الغالب يكون الذبح مأمورا به، وإن كان كذلك، لكنه بناء على الظن، لا في نفسه، والذبح أشد بلاء منه مطلقا، فكان الحمل عليه أولى. لا يقال: قوله: {قد صدقت الرءيا} [الصافات: آية 105]، ينفي كونه مأمورا به - لأنا نمنع ذلك، إذ تصديقه يجعلها صادقة، ويكفي في ذلك العزم والتصميم عليه، سملناه، لكن العازم على الشيء كالفعل له، فيحمل عليه جمعا بين الدليلين. ثم إنه نسخه قبل وقت فعله. فإن قلت: بمنع نسخه: لما روى: (أنه كلما قطع موضعا، وتعداه إلى غيره، وأوصاه الله تعالى)، وبطلان الحياة ليس جزءا من مسمى الذبح، لصحة قوله: "ذبح الحيوان"، وإن لم تبطل حياته بعد. ولما روى: (أنه تعالى جعل (على) عنقه صفحة من حديد أو نحاس مانعة من تأثيره)، والمقدور منه إنما هو إمرار السكين، دون غيره. سلمناه، لكن نمنع أنه قبل وقته، فلعله بعد مضي زمان يمكن فعله فيه. قلت: الدليل عليه: أنه زال التكليف به وفاقا، فإن كان قبل فعله: فهو بالنسخ قطعا، وإن كان بعد فعله: لما احتيج إلى الفدا، ولما سمي الذبح به. وما ذكر من السندين: فضعيف، لأنه لو وقع لنقل متواترا لإعجازه، ولأن ظاهر قوله:

{فلما أسلما} [الصافات: آية 103] الآية، ينفيه، ولأنه لو وقع لحكاه الله تعالى كغيره، ويختص الثاني. بأنه غير جائز عندهم، لأنه تكليف ما لا يطاق. وفيه نظر: وعن (ب) أن مطلق الأمر: إن اقتضى الفور لم يجز التأخيرن وإن لم يقتضه - فإنه وإن جاز التأخير - لكن الظاهر من حالهم المسارعة إلى الامتثال بعد دخول الوقت، والسهو والنسيان بعيد، والمسألة ظنية، فيجوز التعويل على الظاهر. (ج) أوجب خمسين صلاة ليلة الإسراء، ثم نسخ وأورد: بأنه خبر واحد. وجوابه سهل. وأنه نسخ قبل علم المكلف بالأمر، وهو غيرجائز وفاقا ومنع في حقه - عليه السلام - وهو يفيد المطلوب. قيل عليه: إنه غير مقتصر عليه، والجواز لا يستلزم ما لا يجوز، و - أيضا - لعله دخل وقت بعضها، ومثله جائز، كقوله: (واصلوا الفعل سنة)، ثم ينسخه بعد شهر. والأستاذ بالغ وقال: كل نسخ قبل الفعل. وضعفه بين. وأجيب: بأنه (في) غير المختلف، أما هو فمنفصل، فدخول وقت البعض غير مؤثر في الآخر، والفرق بينهما واضح. (د) قد بينا في الأمر أن التمكن من الامتثال ليس من شرط تحقق الأمر، والنسخ لا يعتمد

إلا عليه فيجوز. والتمسك (بنسخ وجوب تقديم الصدقة) وبنسخ وجوب رد المهاجرات إلى المشركين وفاء بالشرط. ضعيف: لأنا نمنع أنه قبل حضور وقت العمل، إذ روى أن عليا عمل بمقتضاه. وبمنع أنه قبل مجيئهن، وزمان يمكن ردهن فيه، سلمنا أنه قبل مجيئهن (لكن المعتبر مقدار زمان المجيء والرد، لا مجيئهن) وردهن، لأن ذلك قد لا يتفق، واعتباره يوجب عدم جواز نسخ الأمر المعلق على شرط قبول حصوله. (هـ) وهو عقلي: أنه يحسن مثله شاهدا، كما في امتحان السيد عبده، فيحسن غائبا، الحديث. لهم: (أ) أنه يقتضي الأمر بالقبيح، أو النهي عن الحسن، أو البداء. (ب) أنه يقتضي كون الشخص الواحد في الوقت الواحد مأمورا ومنهيا عن فعل واحد، من وجه واحد، إذ الكلام مفروض فيه. (ج) إذا قالوا: (صلوا)، أو (لا تصلوا)، لا يصح وفاقا، فكذا ما نحن فيه، بجامع استلزام

مسألة

البداء أو العبث، أو كونه نسخا قبل التمكن. (د) إن كان الأمر والنهي غير الإرادة والكراهة، أو مستلزمها: استحال ذلك، لاستحالة اجتماعهما، ولعدم القائل بالفصل، وإلا: فهما من كلام النفس، إذ هو مفروض في الكلام القديم، فلا يمكن أن يكون المعنى الآخر، وهو عندكم صفة واحدة، فيلزم أن يكون الكلام الواحد في وقت واحد أمرا ونهيا معا. وأجيب: عن (أ) أنه مبني على التحسين والتقبيح، سلمناه، لكن حسن الأمر بالشيء يعتمد على اشتمالها على المصلحة، فلعل الأمر لم يبق مشتملا عليها في الزمان الثاني، وإن بقي الشيء مشتملا عليها فيه. وعن (ب) أنه إن عنى به أنه يلزم ذلك معا: فممنوع، وسنده بين، وإن عنى به أنه يصير منهيا عنه (في) الوقت الذي كان مأمورا فيه: فمسلم، لكن نمنع امتناعه، فإنه أول المسألة، وإن عنى به أنه يلزم أن يكون مشتملا على المصلحة والمفسدة معا فيه، فهو مبني على التحسين والتقبيح، ولو سلم فجوابه ما سبق، وبه نمنع أن يكون من وجه واحد. وعن (ج) أنه لعدم حصول التراخي. وعن (د) بمنع اجتماع الإرادة والكراهة معا، ثم بمنع أنه صفة واحدة، ثم إنه إشكال وارد على هذا القول لا تعلق (له) بالمسألة، ثم بمنع لزوم كون الواحد أمرا ونهيا معا، لأنه إنما يصير أمرا ونهيا عند التعلق، فلا يزال. مسألة يجوز النسخ لا إلى البدل. خلاف لبعض الظاهرية. لنا: أنه لا يمتنع عقلا، بديهة ونظرا، إذ الأصل عدم ما يقتضيه، ولأنه لو كان فإنما هو مخالفة

مسألة

المصلحة، إذ لا تعلق لغيرها بالمسألة، لكنه باطل، إذ قد يكون الإسقاط مصلحة. و- أيضا - نسخ: (تقديم الصدقة)، و (تحريم ادخار لحوم الأضاحي)، و (الإمساك بعد الإفطار في ليالي الصيام) - من غير بدل، وهو دليل الجواز وزيادة. لهم: (أ) {ما ننسخ} [البقرة: آية 106] الآية. (ب) أنه في اللغة عبارة عن: النقل والتحويل، والأصل عدم التغيير. وأجيب: عن (أ) أنه خاص بالآية، فيجوز في مدلولها، والخير. ودفع: بعدم القائل بالفصل. وأنه خص منه ما ذكرنا، وأن إسقاطه قد يكون خيرا. ودفع: بأنه يكون حجة في الباقي. وزيف: بعدم القائل بالفصل بين صورة وصورة، وبأن العدم لا يصح فيه: {نأت بخير منها} ولأن الإسقاط حصل بالنسخ، فيكون: {نأت} غيره، وبأنه ينفي الوقوع، لا الجواز. وزيف: بما سبق. وعن (ب): بمنع أنه حقيقة فيه، سلمناه، لكنه حاصل، لكونه نقلا من الوجود إلى العدم. مسألة يجوز النسخ بأثقل.

ومنع بعض الظاهرية، وبعض - منا - سمعا، وقيل: عقلا. لنا: نسخ صوم عاشوراء بصوم رمضان، والتخيير بين الفدا والصوم بتعيينه، وحبس الزاني بالجلد والرجم، وعدم جواز التعرض

مسألة

للكفار، بوجوب القتال مع التشديد العظيم، وجواز تأخير الصلاة عن الوقت في حالة القتال، بوجوب إقامتها فيها. لهم: (أ) {نأت بخير منها} [البقرة: آية 106]، و {يريد الله بكم اليسر} [البقرة: آية 185]، ونحوه. (ب) وبأن فيه زيادة التنفير من الانفياد. وأجيب: عن (أ) بمنع أن الأثقل ينفيه، إذا الخير ما هو أصلح في المعاد، وآية اليسر ونحوه مخصوصة بجواز شرعيته ابتداء. وعن (ب) أنه مبني على قاعدة التحسين والتقبيح، ثم هو منقوض بالنقل من الصحة والغنى إلى السقم والفقر المدقع ثم بأن المعتبر إنما هو المصالح الدينية، فلعلها في الأثقل. مسألة يجوز نسخ ما أكد بالتأييد في الإنشاء. خلافا لبعضهم. لنا: (أ) قياسه على التخصيص المؤكد بـ (الكل)، و (أجمع). والفرق: بأن التخصيص أهون منه، لا يعنى في هذا المقام، لأنه لا تعلق له بخصوصية

مسألة

المسألة، وبأن تخصيص المؤكد مسموع كثير. قلنا: ومثله في الزمان: إذ يقال: عمر الله المنزل أبدا، وأدام لك الدولة أبدا، وقد جاء وعيد السارق مقرونا به، مع انقطاعه باعتراف الخصم. (ب) أن دلالة التأييد على الزمان كله: إما بطريق الظهور، أو النص، وعلى التقديرين يجوز نسخه، إذ بينا (نسخ) مثل: (صم غدا) قبل مجيئه، وهو لا يزيد عليه. لهم: (أ) أنه جار مجرى التنصيص على كل واحد من الزمان بخصوصه. (ب) أنه لو قيل بعده لم يكن لاقترانه به فائدة. (ج) لو قيل، لم يبق لنا طريق إلى العلم بدوام الحكم. وأجيب: عن (أ) بمنعه، ثم بالنقض بالتخصيص، ثم بمنع (أن) ذلك لا يقبله. وعن (ب) بمنعه، وهذا لأن فائدة إبعاد احتمال النسخ كما في التخصيص، ثم هو منقوض (به). وعن (ج) بمنعه، إذ القرائن وخلق العلم الضروري طريق إليه. مسألة يجوز نسخ التلاوة والحكم معا. وقيل: لا يجوز نسخ التلاوة. لنا: ما روت عائشة - رضي الله عنها -: "كان فيما أنزل عشر رضعات محرمات، نسخت بخمس محرمات"،

أدلة المخالفين ومناقشتها

وروي: أن سورة الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة. أدلة المخالفين ومناقشتها وأورد: بأنه خبر واحد، لا يثبت به القرآن، فلا يثبت به نسخ تلاوة ما هو منه، لأنه فرع تحققه. وأجيب: بأن المثبت بين الدفتين لا يثبت به، وأما المنسوخ الذي لا يثبت فلا نسم، ثم إن الشيء قد يثبت بالشيء ضمنا، وإن كان لا يثبت به استقلالا، كالنسب بشهادة القوابل على الولادة، وكقبول قول الراوي - في أحد الخبرين المتواترين - أنه قبل الآخر على رأي ويجوز نسخ التلاوة دون الحكم وعكسه. خلافا لبعض المعتزلة

لنا: عبادتان منفصلتان فجاز نسخ إحداهما، دون الأخرى، لصيرورتها مفسدة. وأيضا - وقع كذلك، كـ (الشيخ والشيخة ... )، وما روي أنه نزل في قتلى بئر معونة: (بلغوا إخواننا أنا لقينا ربنا، فرضي عنا وأرضانا)، وعن الصديق: (كنا نقرأ من القرآن: لا ترغبوا عن آبائكم، فإنه كفر بكم)، وكـ (آية الوصية) للأقربين، والاعتداد بالحول والحبس في البيوت. لهم: (أ) أن التلاوة دليل الحكم، فنسخها يوهم نسخه. (ب) نسخ التلاوة مع بقاء الحكم سعي في إخفاء دليل الحكم، وهو قبيح لإفضائه إلى إخفائه. (ج) المقصود من الآية الحكم، وزواله يغلب ظن زوالها. وأجيب: عن (أ) بأنه موهم الباطل إنما يكون كذلك إذا لم يكن - هناك - ما يدل على زواله، وأما معه فعلا، كما في إنزال المتشابهات. وعن (ب) بمنع أنه يفضي إليه في الدوام، إذ الأصل يصير دليلا عليه، وصحته لا تخفى. وعن (ج) بمنع أن الحكم هو المقصود الأصلي، بل كلاهما، ثم إنه (إنما) يغلب أن لو لم يكن

مسألة

مثبتا بين الدفتين. مسألة اختلف في ثبوت حقيقة النسخ وحكمه في حق من لم يبلغه الخبر. المثبت: الرافع للحكم أو المبين لأمده إنما هو: الناسخ، لا العلم، وإنما تعذر فيه لعدم علمه. النافي: أنه مأمور بالعمل بالمنسوخ - إذ ذاك - ولا خلاف فيه، وإلا: لزم تكليف ما لا يطاق، ومعه يمتنع ثبوت حكمه وحقيقته. وفائدته: تظهر في وجوب القضاء بعد العلم به. والخلاف بعد وصوله إلى الرسول، فأما قبله فلا، وإن وصل إلى جبريل - عليه السلام -. مسألة كل حكم شرعي قابل للنسخ. خلافا للمعتزلة، فيما يكون حسنه ذاتيا، أو لازما (له)، وهو فرع قاعدة التحسين والتقبيح. واتفق الكل على جواز زوال التكاليف بأسرها، لزوال شرطه، وأنه لا يجوز أن ينهي الله تعالى المكلف عن معرفته، إلا: جوز تكليف ما لا يطاق، لأن فيه تكليف معرفته. واختلفوا في جواز زوالها بالنسخ: المعتزلة والغزالي: لا يجوز، لأنه يتضمن التكليف بمعرفة الناسخ والنسخ. وأورد: أنا وإن قلنا: بأن النسخ لا يحصل بدون علم المكلف به - لكن جاز أن يعلمه قبل

مسألة

أن يشعر به، فلم يبق في حقه تكليف. وزيف: بأن زواله ليس بالنسخ، بل بالامتثال مسألة الخبر: إن كان خبرا عما لا يجوز تغيره، فلا يجوز نسخه وفاقا وبمعنى الأمر أو النهي، يجوز نسخه كذلك. وما نقل من الخلاف في الخبر عن حكم شرعي فمحمول على ما كان خبرا لفظا ومعنى. وإن كان خبرا عما يجوز تغييره ماضيا كان أو مستقبلا، وعدا أو وعيدا أو خبرا عن حكم شرعي: جاز نسخه عند البصريين، وعبد الجبار، والإمام. خلافا للأكثر، كأبي علي وأبي هاشم. وجوز بعضهم نسخ المستقبل. ولا يتجه الخلاف إن فسر النسخ بالرفع، إذ نسخه - حينئذ - يستلزم الكذب، بل إن فسر بالانتهاء، فإنه لا يمتنع حينئذ - أن يراد من الدال على ثبوت الحكم في كل الأزمنة: بعضها. للمجوز: إرادة الخاص من العام جائز - تخصيصا أو نسخا - في الأمر، فكذا في الخبر. وأجيب: بأنه مبني على أنه انتهاء، سلمناه، لكنه لا يتأتى، في العدد الصريح، إذ لا يجوز ذلك فيه، لنصوصيته. للنافي: (أ) أنه يوهم كونه كذبا.

مسألة

(ب) ولجاز مثل: (أهلكت عادا)، و (ما أهلكت عادا)، وهو كذب، أو تخصيص. وأجيب: عن (أ): بأنه في الأمر يوهم البداء، فإن منع ذلك لقيام الدليل على امتناعه، أو لأن الناسخ دل على أن ذلك الزمان غير مراد من المنسوخ - منعنا كذلك. وعن (ب) أن إهلاكهم لم يتكرر. مسألة يجوز نسخ القرآن بالقرآن، لما سبق في إثبات النسخ ... قالوا: {لتبين للناس} [النحل: آية 44]، والنسخ بيان. قلنا: ممنوع، بل هو إبطال، سلمناه، لكنه لا يقتضي أن يكون كله منه، ثم هو معارض بقوله: {تبيانا لكل شيء} [النحل: آية 89] ويجوز نسخ المتواتر بمثله، والآحاد مثلها وبالمتواتر وفاقا. أما نسخ المتواتر بالآحاد: فجائز غير واقع. خلافا للظاهرية. وقال الغزالي: بوقوعه في زمان الرسول فقط. لنا: (أ) إجماع الصحابة، قال عمر - رضي الله عنه - في خبر فاطمة بنت قيس: (لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا بقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت)، وقال علي في خبر الأشجعي: (لا ندع كتاب

أدلة القائلين بعدم الوقوع

ربنا وسنة نبينا) بقول أعرابي بوال على عقبيه، ولم ينكر عليهما مع الاشتهار، فكان إجماعا. أدلة القائلين بعدم الوقوع (ب) خبر الواحد لا يفيد إلا الظن، فنسخ به رفع للأقوى بالأضعف، وهو غير جائز. وأجيب: عن (أ) بأن الرد لعدم تحفظ الراوي، وسقوط مروءته لظاهر الحديث، لا لإزالة حكم الكتاب والسنة المعلومة، وإلا: لعلل به، فهو لنا لا علينا، ولو سلم منقوض بالتخصيص. فإن قلت: ليس فيه رفع. قلت: النسخ كذلك على قولنا: إنه انتهاء، والاعتراض منقدح، والنقد مندفع، إذ التخصيص أهون من النسخ، فلا يلزم من قبوله فيه. وعن (ب) أن ما يفيد القطع والظن متساويان في وجوب العمل، ثم هو منقوض بالجواز. وأجيب: - أيضا - بأن الكتاب مقطوع المتن مظنون الدلالة، وخبر الواحد بالعكس، فاستويا، بل يترجح خبر الواحد، لأن احتمال التخصيص والتجوز، أكثر من احتمال الكذب والغلط على الراوي المتحفظ. وبالنقض بالتخصيص. وزيف: بأنه ليس يجب أن يكون الناسخ خاصا، والمنسوخ عاما، فلا يتأتى في الأقسام الثلاثة، وإذا لم يجوز فيها لم يجز في غيرها، لعدم القائل بالفصل، ولا يعارض بمثله، لأن الترجيح معنا، إذ إلحاق الفرد بالأكثر أولى. وبأنه لا يلزم من تقديمه، للزوم القوة المذكورة، ولكونه جمعا بين الدليلين، وتقديمه حيث لا يكون كذلك. لهم:

(أ) أنه - عليه السلام - كان ينفذ آحاد الولاة، ويبلغون الناسخ والمنسوخ. (ب) قبل أهل قباء خبر الواحد في نسخ القبلة، ولم ينكر عليهم. (ج) نسخت آية الوصية بقوله: (ألا لا وصية لوارث) إذ لم يوجب ما يصلح أن يكون ناسخه، ويمكن الجمع بينهما وبين آية الميراث، فلا تكون ناسخة لها. (د) نسخ قوله تعالى: {قل لا أجد} [الأنعام: آية 145] الآية، بما روي عنه عليه السلام: (أنه حرم كل ذي ناب من السباع، وذي مخلب من الطير). (هـ) نسخ قوله تعالى: {وأحل لكم ما وراء ذلكم} [النساء: آية 24]، بقوله - عليه السلام -: (لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها). وأجيب: عن (أ) أنه للفتوى، إذ الحاجة إليه أمس لكثرة العوام سلمناه، لكن فيما هو مثله. وعن (ب) أنه خبر واحد، فلا يثبت به مثل هذه القاعدة سلمناه، لكن لقرائن كإخبار الرسول عنه قبل وقوعه، أو منادى الرسول أو ارتفاع ضجة. وعن (ج) أنها نسخت بآية الميراث، وكذلك قال - عليه السلام - عند نزولها: "إن الله تعالى أعطى كل ذي حق حقه، ألا لا وصية لوارث" وإمكان الجمع بينهما ممنوع، إذا كانت الوصية

مسألة

بجميع المال واجبة. سلمنا أنه نسخ، فلعله كان متواترا إذ ذاك، ثم ضعف نقله، لحصول الإجماع على مقتضاه، وهو وإن كان خلاف الأصل، لكن يجب المصير إليه جمعا بين الدليلين. وعن (د) أنه يتناول الوحي إلى تلك الغاية، فلا ينسخه ما بعده، سلمناه، لكنه مخصص، إذ لم تبطله بالكلية. وعن (هـ) أنه مخصص لا ناسخ، إلا: إذا بينوا أنه ورد بعد العمل به، وهو متعذر، سلمناه؛ لكنه لتلقي الأمة إياه بالقبول. مسألة يجوز نسخ الكتاب بالخبر المتواتر عند الجمهور: كمالك، وأبي حنيفة، وأحمد في إحدى الروايتين، وأكثر المتكلمين من الفريقين، وقالوا: بوقوعه. ونقل عن الشافعي وأكثر أصحابه، والظاهرية منعه، وهو الرواية الأخرى عن الإمام أحمد، وهو اختيار القلانسي، والحارث المحاسبي، وعبد الله بن سعيد القطان،

والأستاذ أبي إسحاق وأبي منصور. قال ابن سريج: يجوز، لكنه لم يقع. ونقل الإمام عن الشافعي - رضي الله عنه - مشعر بهذا، وهو خلاف نقل الجماعة عنه. للمجوز: أنهما متساويان في معلومية المتن، والدلالة، لو فرضنا كذلك، فيجوز كما في نسخ الكتاب بمثله، والخبر بمثله. واستدل على الوقوع. بأنه نسخ قوله تعالى: (ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام) بما روي: (أنه أمر بقتل ابن خطل وإن كان متعلقا بأستار الكعبة)، ونسخت آية الجلد بما ثبت في السنة: من الرجم للمحصن. وأجيب: بمنعه، بل نسخ بقوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: آية 5]، فلو

كان منسوخا لزم نسخه بالآحاد، إذ هو متواتر. وعن (ب): أنه نسخ بما كان قرآنا، وهو: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله)، إذ روي أنه كان قرآنا. فإن قلت: كونه قرآنا لا يثبت بخبر الواحد، وبأنه لو كان قرآنا لما قال عمر: (لولا أن يقول الناس: أن عمر زاد في كتاب الله شيئا، لألحقت ذلك بالمصحف). قلت: سبق جواب الأول. وجواب الثاني: أنه لما نسخ تلاوته، وحكم بإخراجه من المصحف، كفى ذلك في صحة قوله - رضي الله عنه. للنافي: (أ): {نأت بخير منها} [البقرة: آية 106]، وأن الثاني من جنس الأول، كقوله: (ما آخذه من ثوب آتيك بخير منه) وأنه خير من الأول. (ب) قوله تعالى: {قل نزله روح القدس} [النحل: آية 102] ورد لإزالة تهمة الافتراء، عند تبديل الآية بالآية فما لا ينزله روح القدس لا يزيلها. (ج) {لتبين للناس} [النحل: آية 44] الآية، والنسخ رفع وإبطال، فهو ضد البيان. (د) {قل ما يكون لي أن أبدله} [يونس: آية 15] الآية، وهو ينفي جواز تبديل القرآن بغيره. (هـ) أنه يوجب التهمة والنقرة. (و) السنة فرع الكتاب، إذ وجوب العمل بها إنما هو به، والفرع لا يرفع الأصل. وأجيب: عن (أ) بأنه نسخ تلاوتها، أو بنسخها مع حكمها، فلم قلت: إن في نسخ الحكم كذلك، سلمناه، لكن لا يفيد أن ذلك الخير ناسخ، بل يفيد أنه غيره، لأنه رتبه على النسخ،

مسألة

فامتنع ترتبه عليه، و - حينئذ - لا يلزم أنه تعالى هو المنفرد بالإتيان بالناسخ، بل بذلك الخير. وبه خرج الجواب عن قوله: {ألم تعلم} [البقرة: آية 106] الآية. وفيهما نظر، والأولى: أن يقال: إنه تعالى هو المنفرد بالإتيان بذلك الحكم، والرسول إنما هو مبلغ. ولا نسلم دلالته على أن الثاني من جنس الأول، والمثال معارض بآخر، كقوله: (من لقيني بحمد وثناء لقيته بخير منه) فإنه قد يكون عطاء ومنحة، سلمناه، لكن الثاني من جنس الأول من حيث الحكم إذا المراد من نسخها: نسخ حكمها، والسنة قد تكون خيرا منه، وأن أريد بالخير ما هو الأصلح في التكليف، وأجزل في الثواب. وعن (ب) أن التهمة لا تزول إلا: بالمعجزة، سواء نسخ الكتاب بمثله أو بالسنة، على أن مضمون السنة قد يكون نزله روح القدس. وعن (ج) بمنعه بل هو بيان الانتهاء، سلمناه، لكنه لا يدل على أن غير البيان ليس إليه، سلمناه لكن المراد منه: إظهاره على الناس. وعن (ج) بمنعه بل هو بيان الانتهاء، سلمناه، لكنه لا يدل على أن غير البيان ليس إليه، سلمناه لكن المراد منه: إظهاره على الناس. وعن (د) بمنعه، إذ نسخه بالوحي، لا من تلقاء النفس. وعن (هـ) أنها زائلة بالمعجزة. وعن (و) أنه لا ينسخ ما ثبت به حجيته، بل غيره، ثم هو منقوض بالتحصيص. فإن قلت: هو بيان لا رفع. قلت: النسخ - أيضا - كذلك، إذ هو بيان الانتهاء. مسألة يجوز نسخ السنة بالكتاب. لما سبق، بل أولى، لعدم التهمة والنفرة. وللوقوع: نسخ تحريم المباشرة، ووجوب التوجه إلى البيت المقدس، وجواز تأخير الصلاة إلى انجلاء القتال، وصلح

الحديبية، ووجوب صوم عاشوراء - الثابتة بالنسبة - بالكتاب، إذ ليس فيه ما يدل عليها. واحتمال ثبوتها بما نسخ تلاوته أو نسخها بمثلها، والقرآن موافق له - خلاف الأصل والظاهر، ومانع من تعيين الناسخ. ومنعه الشافعي - رضي الله عنه - في قول. لقوله تعالى: {لتبين للناس} [النحل: آية 44] الآية، والنسخ إبطال، أو بيان الانتهاء، وعلى كل لا يجوز نسخها به، لأن المبين لا يبطل مبينه (به). ولا يبينه لكونه يوهم عدم رضا الله (تعالى) بما سنه الرسول - عليه السلام -. ولكونه ليس من جنس القرآن، فلم يجز نسخه به، كما لا يجوز نسخ الخبر بالقياس، وحكم العقل بالكتاب والخبر. وأجيب: عن (أ) بأن المراد منه الإبلاغ، دفعا للإجمال والتخصيص، سلمناه، لكن لا يبين، ولا يبطل مبينه، بل غيره، ثم إنه لا يقتضي أن يكون كلامه بيانا، سلمناه، لكنه لا يقتضي أن يكون كل كلامه بيانا.

مسألة

وعن (ب) أنه زائل بقوله: {وما ينطق عن الهوى} [النجم: آية 3] الآية، ثم إنه حاصل في نسخ الكتاب بالكتاب، والسنة بالسنة. وعن (ج) أن ذلك ليس للاختلاف، بل لضعفه، وحكم العقل يزال بهما، وغايته أنه لا يسمى نسخا اصطلاحا، وإن سمي به لغة. مسألة الإجماع لا ينسخ: لأنه لا ينعقد دليلا في حياة الرسول، أما بدون قوله فظاهر، وأما معه فلأنه مستقل بالحجة، فيلغو قول غيره. و- حينئذ - لا ينسخ بنص يرد، لامتناعه، ولا بظهوره لامتناع كونه خطأ، وتقدم الناسخ. ولا بإجماع آخر، لاقتضائه خطأ أحدهما، إن أفاد المتقدم الحكم مطلقا، وإن أفاد مؤقتا إلى وقت ورود المتأخر، لم يكن ذلك نسخا، فلا يرد حصول الإجماع بعد الخلاف، لأن جواز الأخذ به مشروط بعدم الإجماع. ولا بالقياس لما سبق، لأن شرط العمل به أن لا يكون مخالفا للإجماع. ولا ينسخ النص، وإلا: لكان خطأ، لمخالفته الإجماع والقياس لما سبق وجوز عيسى بن أبان، وبعض المعتزلة النسخ بالإجماع. محتجا: بحصول الإجماع بعد الخلاف، وقد مضى (بجوابه) وبأن الإجماع دليل شرعي لفظي، فجاز النسخ به كغيره. وأجيب: بأنه إثبات النسخ بالقياس، ثم بمنع أنه لفظي، وهذا لأنه لو علم اتفاق اعتقاد الجميع بالفعل كان إجماعا، ولا لفظ، وإن عنى به أن اللفظ يدل على حجيته، كان الفعل

مسألة

والقياس دليلا لفظيا سلمناه، لكن النسخ به يلزم منه المفسدة المذكورة، بخلاف غيره. مسألة القياس ينسخ في زمانه - عليه السلام - بالنص على ضد حكمه في الأصل (والفرع)، أو الأصل، لإبطال علته المبني عليه. خلافا للحنفية، إذ جوزا صوم رمضان بنية النهار، قياسا على صوم عاشوراء، مع نسخه. أو الفرع خلافا لعبد الجبار، إذ العلة كالفحوى بالنسبة إلى الأصل، فلا يجوز، كنسخه بدونه. وأجيب: بمنعه، لأن نسخه مع بقاء أصله ضد الغرض، وليس كذلك فيما نحن فيه، ثم بمنع حكم الأصل - على رأي. وبالقياس، لكن في الأخيرة، إذ لا يجوز في الأوليين، لأنه لا يجوز نسخ حكم النص بالقياس، إلا: إذا كان قطعيا، وهو بالنص على ضد حكمه، في صورة يكون القياس عليه أقوى. لا بالإجماع، لما سبق. وبعده: لا، إذ لا يتصور حدوث، قياس، ومستند إجماع، وظهوره يزيل شرط جواز العمل به، وهو ليس بنسخ. وقال البصري: ينسخ معنى، لا لفظا، إن قلنا، كل مجتهد مصيب وينسخ به في حياته - عليه السلام - حكم قياس آخر.

مسألة

وقيل: لا ينسخ بالقياس. وقيل: يجوز بالجلي دون غيره. وأما بعده - عليه السلام - فلا، لما سبق. المجوز: (أ) (نسخ) تنبيه {الآن خفف الله عنكم} [الأنفال: آية 65] آية التشديد، وهو نسخ بالقياس. (ب) قياس على التخصيص. وأجيب: عن (أ) بمنع أنه قياس، بل هو مستفاد من نفس التخفيف أو مفهومه. وعن (ب) الفرق، ثم هو منقوض بالإجماع وخبر الواحد ودليل العقل. مسألة يجوز أن ينسخ بمفهوم الموافقة، ما يجوز أن ينسخ بمنطوقه، ويجوز نسخه معه، وبدونه غير جائز. وتردد عبد الجبار فيه لنا: أنه مناقض للغرض. قال: إن كان تابعا فرفعه لا يرفع أصله، وإلا: فظاهر، كما في تحريم شيئين. وأجيب: بأن المتبوع إذا كان لازما، فلا نسلم ذلك فيه، ونسخ الأصل مستلزم نسخه، لأنه تابع فيزول بزواله. وأورد: بأنه في ثبوته لا في دوامه، ثم هو منقوض بما إذا نسخ الوجوب وبقي الجواز.

مسألة

وقالت الحنفية: لا، لأنه أولى بالثبوت منه، فلا يكون رفعه مستلزما لرفعه، وهو متجه. وكذا لو صرح بنفي تحريم التأفيف - تحريم الضرب، لم تكن متناقضا، وهو على من يقول: نسخ الوجوب لا يستلزم نسخ الجواز، وبنوا عليه: أن نسخ قوله: - عليه السلام - (من قتل عبده قتلناه) - لا يقتضي نسخ مفهومه، وهو أنه يقتل بقتل (عبد غيره بالطريق الأولى. ويجوز نسخ مفهوم المخالفة مع أصله وبدنه، إذ لا نقض، وهو كقوله - عليه السلام -: "إنما الماء من الماء"، فإنه نسخ مفهوم بحديث: "التقاء الختانين"، مع بقاء حكم أصلهن ونسخ أصله يستلزم نسخه - على الأظهر - لأن دلالته باعتبار ذلك القيد، فإذا بطل تأثيره بطل ما ينبني عليه، ووجه الاحتمال المرجوح غير خاف مما سبق. مسألة زيادة العبادة المستقلة ليست نسخا لها وفاقا. وإنما جعل بعضهم زيادة صلاة على الصلوات نسخا، لقوله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا} [البقرة: آية 238] لأنها تجعلها غير الوسطى.

ويلزمهم زيادة عبادة على العبادة (الأخيرة)، فإنها تجعلها غير الأخيرة، وتغير عددها. و- أيضا - كونها وسطى أمر حقيقي، فلا يكون إزالته نسخا، وزوال وجوب المحافظة عليها تبعا لزواله، فلا يكون نسخا، لما ستعرف. وما يقال: بأن الأمر الحقيقي إذا قرره الشرع يصير شرعيا، فيكون نسخا - ضعيف، لأن ذلك فيما يتصور أن يرد الشرع بخلافه، دون غيره وما ليس كذلك - كزيادة الركعة، والتغريب، والإيمان - كذلك عندنا، والحنابلة، والجبائيين ... خلافا للحنفية. وقيل: إن كانت جزءًا. وقيل: إن نفت الزيادة شيئا مما أفاده النص، ولو بدليل الخطاب. عبد الجبار: إن كانت بحيث لو فعل المزيد عليه بدونها، لم يعتد به. الغزالي: إن كانت متصله به، رافعة للانفصال والتعدد: لا، كزيادة الشرط، وهي على ما قبله نسخ. الكرخي، وأبو عبد الله البصري: إن غيرت حكم المزيد عليه في المستقبل: لا، كقطع رجل السارق بعد قطع يده. البصري: أنها تزيل شيئا، وأقله عدمها، فالزائل بها إن كان حكما، شرعيا: فنسخ، إلا: فلا، وحيث كان نسخا لا يجوز إثباته بالقياس، والإجماع، وخبر الواحد، وإن كان المزال ثبت

بقطعي. لنا: أنه ليس من ضرورة الزيادة، أن تزيل حكما شرعيا، فلا تكون الزيادة على النص نسخا. فروع لهذا الأصل: (أ) زيادة التغريب إنما تزيل نفي الزائدة على جلد مائة. لأن إيجابه أعم من إيجابه، مع وجوب غيره، أو نفيه، لصحة تقسيمه إليهما، ومورده مشترك، والعام لا يدل على الخاص. ولأنه يصح أن يقال: أوجبه معه وبدونه، من غير نقص ولا تكرار. ولأنهما ماهيتان لا تعلق لإحداهما بالأخرى. فلو دل على نفي التغريب ما دل على ثبوت الجلد بطريق الحقيقة - لزم الاشتراك. ولأنه خلاف الإجماع، ولأنه لا نزاع في مثله. أو بالتجوز فباطل، لفقد العلاقة، لأنه خلاف الأصل، ولأنه استعمال في معنيين مختلفين، فلا يكون إيجابه نسخا للنص. وكونه وحده مجزئا، وكل الحد، وكونه جزاء، إذ الجزاء ما يكون كافيا، ونحوه من الأحكام - تبع لنفي وجوب الزائد، فلا تكون إزالته نسخا، كما في إيجاب المستقلة، فإنه يرفع - أيضا - نحوه من الأحكام وكالموت والجنون، وفوات المحل. (ب) إذ قيل بالمفهوم، كان إيجاب الزكاة في معلوفة الغنم نسخا لقوله - عليه السلام -: "في سائمة الغنم زكاة"، إذا ثبت بدليل: أن المفهوم مراد منه، لأن رفع حكم الدليل إنما يكون نسخا بعد ثبوته. (ج) اشتراط النية في الطهارة ليس نسخا لنصها، لأن إيجابها أعم من إيجابها معها أو بدونها، فالدال عليها ليس نسخا لنصها. (د) تقييد الرقبة بالإيمان ليس نسخا للنص الدال على وجوبها مطلقا لما سبق، فالدال عليه ليس نسخا (له)، بل هو كالتخصيص.

وفيه نظر، لأن النص في صورة التخصيص يبقى معمولا به بعده، في بعض مدلولاته، بخلاف المطلق، فإنه لم يبق معمولا به في مطلقه في صورة ما، فكان أشبه بالنسخ. (هـ) إذا أمر بقطع يد السارق، وإحدى رجليه على التعيين، فإباحة قطع الأخرى إنما يرفع عدم إباحة قطعها الثابت بالأصل، فلا يكون ما يدل عليه نسخا له. (و) التخيير بين الواجب وغيره، أو زيادته، ليس بنسخ للأول، لأنه إنما يزيل تعينه، وهو تابع لعدم وجوب غيره وهو عقلي، ولأن حد الواجب يصدق عليه بعده، إذ يذم تاركه على بعض الوجوه. فإيجاب المسح بدلا عن الغسل، والحكم بالشاهد واليمين - ليس نسخا للقرآن. ومن زعم أنه نسخ له، يلزمه أن يقول: الوضوء بالنبيذ نسخ لآية التيمم. لا يقال: إنه ماء، فلم يكن الخبر رافعا لمقتضى النص، لأنه لم يفهم من إطلاقه معرفا أو منكرا، وقوله - عليه السلام - "ثمرة طيبة، وماء طهور" محمول على ما قبل القيد، للإجماع على أنه ليس كذلك - مطلقا -، ولأنه لو كان ماء لزم نسخ إطلاق: {فاغسلوا وجوهكم} [المائدة: آية 6]، إذ لا يجوز التوضؤ به عند وجود الماء. فإن قلت: خبر (الشاهد واليمين) يرفع مفهوم شرطية قوله: {فإن لم يكونا رجلين} [البقرة: آية 282]، فيكون نسخا. قلت: لم ثبت إرادته منه، والنسخ إنما يتطرق إلى مقتضى الخطاب بعد ثبوته، ولو سلم

فنسخ لمفهومه، وهو غير مقطوع به، فيمتنع نسخه بخبر الواحد، ولو سلم فالخصم لم يقل به. (ز) زيادة ركعة على ركعتين ليست نسخا، وإن كانت قبل التشهد، إذ ليست نسخا لوجوبهما، وإجزائهما لبقائهما، وزوال وصف كونهما كذلك - فقط - تابع لنفي وجوب غيرهما، ولا لوجوب التشهد عقيبهما، لأنه تابع كذلك، ولا لوجوب السلام عقيبه، لما سبق. ومن جعلها نسخا لوجوب التشهد عقيبهما يلزم أن يقول به في كثير من الفروع. وإذا أوجب في الطهارة غسل عضو آخر، لم يكن نسخا لها، إن قيل بعدمه في السابقة، وإلا: فنسخ عند الغزالي، خلافا لعبد الجبار، والفرق ما تقدم، ومأخذهم غير خاف مما تقدم. (ج) اشتراط شرط أو زيادته، ليس نسخا لوجوب المشروط وصحته، لما سبق، فقوله - عليه السلام -: "الطواف بالبيت صلاة" ليس نسخا لقوله: {وليطوفوا بالبيت} [الحج: آية 29] وإن قيل بعدم صحته بدونها، ولا شرطية شرط سابق عليه، وهو ظاهر. (ط) إيجاب الصوم إلى غيبوبة الشفق، ليس بنسخ لإيجاب صوم النهار، ونسخ له إذا قال: (إلى الليل) لأنه يزيل كون أوله ظرفا له، فلا يقبل فيه خبر الواحد، وهو: إنما يتجه لو كان مفهوم المقطوع مقطوعا، وليس هو كقوله: (صم صوما آخره أول الليل)، لأن دلالته على أنه ظرف لفظية. تنبيه: لو علم وجود المزال بها بالضرورة من دينه - عليه السلام - لم يقبل فيه خبر الواحد والقياس.

مسألة

مسألة نقصان العبادة نسخ لما سقط. ونقصان ما لا يتوقف عليه صحتها، ليس بنسخ لها، ولكلام الغزالي مشعر بخلاف فيه. وكذا نقصان ما يوقفعليه صحتها جزءا كان أو شرطا، عند البصري، والكرخي. وقيل: نسخ. عبد الجبار: نسخ في الجزء دون الشرط وتردد الغزالي في الشرط. والشرط المنفصل: لا خلاف فيه، لأنهما عبادتان منفصلتان. وقيل: به مطلقا، لزوال أجزائهما بدونه. البصري: إن مقتضى الكل مقتضى الجزئين، فخروج أحدهما لم يخرج الآخر، كالتخصيص، ولأن الإجماع منعقد على وجوب إتيان ما بقي، وبهذا فارق الجواز في الوجوب إذا نسخ، فإنه لا يبقى إذا قبل بنسخه. وأورد: بأن نسخ العبادة قد تكون بزوال صفتها، فبقاء بعضها لا يدل على عدم نسخها. للخصم: (أ) أن خصوصية الأربعة غير باقية، فيكون نسخا لها. (ب) أنه يرفع نفي أجزائها بدونهما، ووجوب تأخير التشهد، وضم المنسوختين إليهما، وأجزائهما معهما. وأجيب:

مسألة

عن (أ) أنه إن عني بنسخها: تغيرها عما كانت عليه، فحق لا نزاع فيه، وإن عني به: رفع حكمها بالكلية، فباطل، لأن ما بقي يجب الإتيان به، وليس نص يدل على شرعه ابتداء، وهو الجواب عن الثاني، ويخصه: أنها أحكام تابعة للدليل، فزوالها غير زوال الباقي. مسألة قالت الحنقية: لو كان نسخ الأصل نسخ الفرع، لكان ذلك بالقياس على الأصل، إذ لم يرد ناسخ للفرع. وأجيب: بمنعه، إذ لا جامع، وهو لا يتم بدونه، بل هو لزوال حكم الأصل، إذ العلة مبنية عليه. وهذا يبين: أن النزاع في زول الحكم، لا في أنه نسخ حقيقة، إذ وزال الحكم - لزوال علته - ليس نسخا وفاقا. فإن قلت: افتقار الحكم إلى علته دواما: ممنوع، فلا يلزم ما ذكرتم. قلت: زوالها يفيد زواله، للاستقراء، وذلك يفيد افتقاره إليها دواما. خاتمة يعرف الناسخ: بأن يصرح به: أو أنه متأخر عنه، أو ورد في سنة كذا، أو غزوة كذا، وذاك في كذا، أو قبل الهجرة، وذاك بعدها، أو بتقدم صحبة الراوي، وتأخرها بعد انقطاع الأولى. لا بكونه من أحداث الصحابة، ومتأخر الإسلام. ولا بقوله: كان هذا الحكم ثم نسخ، أو هذا الخبر نسخ هذا الحكم، أو هذا الخبر منسوخ، لجواز أنه قاله اجتهادا. وخالف الكرخي في الأخير، لأنه لولا ظهوره لما أطلق، وهو ضعيف، لاحتمال أنه أطلق لقوة ظنه، ثم هو منقوض بالأول.

الإجماع

ولا بكون إحدى الآيتين مثبتة في المصحف بعد الأخرى، لأن ترتيبها فيه ليس على ترتيب النزول. وإذا قال الصحابي - في أحد المتواترين - إنه قبل الآخر. لا يقبل منه لتضمنه نسخ المعلوم بالمظنون. وقبله عبد الجبار، وإن لم يقبل قوله فيه صريح، كما يثبت النسب في ضمن شهادة القوابل على الوالدة، وكما يثبت الرجم بقول اثنين في ضمن شهادتهما على الإحصان، وكما ثبت هلال شوال بشهادة الواحد ضمن شهادته على هلال رمضان - على رأي. قال البصري: هذا يقتضي الجواز العقلي، دون الوقوع والنزاع إنما هو فيه، إذ بينا: أن نسخ المعلوم بالمظنون جائز. الإجماع وهو: العزم لغة، قال الله تعلى: {فأجمعوا أمركم} [يونس: آية 71] وقال عليه السلام: "لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل". ولاتفاق: يقال: أجمع إذا صار ذا جمع، كـ (ابن) و (أتمر). واختلف فيه اصطلاحا. الغزالي: هو (اتفاق أمة محمد صلى الله عليه وسلم خاصة، على أمر من الأمور الدينية).

(أ) وزيف: بأنه غير جامع، إذ لو أجمعوا على غيره كان مثله، وبأن قوله: (خاصة) مستدرك، إذ لو حذف لم يدخل غيرهم - أيضا -. وأورد: بأنه يقتضي أن لا يكون اتفاق أهل العصر إجماعا إذ أمته من يوجد إلى القيامة. (ب) وحجية إجماع العوام عند خلو العصر عن المجتهد. وأجيب: وعن (أ) بأن المعدوم ليس بأمة، فلم يدخل فيه من يوجد. وعن (ب) إن اعتبر قولهم في الإجماع منعنا عدم حجيته وإلا: منعنا إمكانه، إذ لا يخلو العصر عمن يقوم بالحق. النظام: هو (كل قول قامت حجته). وقصد به الجمع بين مذهبه، ومذهب السلف والنزاع لفظي. والصحيح: أنه (اتفاق المجتهدين في فن ما، الموجودين في كل عصر، من أمة محمد - عليه السلام - على ما أمر ما من ذلك الفن). ثم قيل: هو محال. لأن ما لا يعلم ضرورة، يمتنع اتفاقهم عليه، كاتفاقهم على مأكول واحد، وكلمة واحدة. وأجيب: بمنعه فيما فيه الرجحان، كاتفاقهم على فساد بيع المضامين والملاقيح، وأسند باتفاق الشافعية والحنفية على قوليهما. وفيه نظر، لأنه إن فسر بحيث يتحد فيه المحمول والموضوع، فليس مما نحن فيه، وإلا: فممنوع، ولو سلم في الظني، ففي القطعي ممنوع. وقيل: ممكن، لكن لا يعلم وجدانا وعقلا - وهو بين - ولا حسا ولا خبرا، لتوقفه على

مسألة

معرفتهم، وهو متعذر، لتفرقهم شرقا وغربا، ولو سلم فكيف نعلم اتفاقهم دفعة واحدة، بل غايته سماع الفتوى منهم، فلعل بعضهم أفتى به خوفا وتقية، سلمنا رضاهم لكن لا يعلم دفعة واحدة، فلعل بعضهم رجع عنه بعد ما أفتى، وقبل موافقة الباقين، ولو جمعهم سلطان في مكان واحد - مع امتناعه، لجواز شذ بعضهم - ورفعوا أصواتهم بالفتوى، لم يعلم - أيضا - لأنه ربما سكت بعضهم أو أفتى خوفا منه، أو صوت بالنفي فخفي. ولا يبطل بما يعلم من اتفاق المسلمين على نبوة محمد - عليه السلام - واليهود والنصارى على الإنكار، كما سبق، ولا بما يعلم من استيلاء بعض المذاهب والملل، وعلى بعض النواحي، لأن ذلك بخبر التواتر في أكثر أهل تلك البلاد، بناء على رؤية الشعار والعلامة، وإنما في الكل فلا. وأجيب: إن إمكانه مع القلة كما في زمان الصحابة ظاهر، ومع الكثرة فبسماع ونقل أهل كل قطر عمن فيه من المجتهد بالتواتر وخموله - بحيث لا يعرفونه - بعيد عادة، وإفتاؤه خوفا وتقية خلاف الظاهر، وقد يعلم ذلك قطعا بالقرائن. مسألة وهو حجة قطعية وقيل: ظنية الخوارج، والنظام، والشيعة: ليس بحجة وقول الإمام أحمد: (من ادعى الإجماع فهو كاذب) استبعادا لوجوده. لنا:

قوله: {ومن يشاقق الرسول} [النساء: آية 115] الآية. جمع بين المشاققة والاتباع في الوعيد، فلم يكن الاتباع جائزا، وحينئذ يجب اتباع سبيل المؤمنين. فإن قيل: لا نسلم أن (من) للعموم، وسنده ما سبق في العموم، إثبات حكمه بتقدير خصوصه في حق غيره بعدم الفصل - لو سلم - إثبات الإجماع بأضعف أنواعه. ثم: حرمته مشروطة بالمشاقة، وإنما لم يجز الجمع بينهما في الوعيد، لو كان جائزا مطلقا، والعكس غير لازم حتى يلزم من انتفاه انتفاؤه، سلمناه لكنه بشرط تبين الهدى، للعطف، وهو عام، فتناول دليل الإجماع، فسقط اعتبار الإجماع. ثم لفظ (الغير) و (السبيل) مفرد فلا يعلم، ولو عم لم يفد، إذ حرمة الكل لا تستلزم حرمة البعض، ونحن نحرم اتباع بعض، أو كل ما غاير بعض سبيل المؤمنين، أو كل سبيلهم، وهو الكفر، وهذا التبادر الفهم إليه وسبب نزوله. ولو قيل: ترك الإجماع كفر، فدور. ثم حقيقة السبيل غير مراد (و) ليس بعض المجازات أولى: ثم لا مناسبة بينها وبين الإجماع، وبينها وبين دليل أهل الإجماع مشابهة الإفضاء إلى المطلوب، فكان أولى. ثم لا يلزم من حرمته: وجوب اتباع سبيلهم: لا من جهة المفهوم، إذ ليس مفهومه التواعد على عدم اتباع سبيل المؤمنين، بل عدم التواعد عليه، وفرق بين التوعد على العدم، وبين عدم التواعد. ولا من جهة أنه لا واسطة بينهما، إذ عدم الاتباع واسطة، وجعل (غير) بمعنى (إلا) خلاف الأصل. وترك اتباع سبيلهم، ليس اتباعا لغير سبيلهم، إذ هو فعل مثل فعل الغير، ولأن ذلك الغير

فعله. ثم وجوب اتباعهم في كل الأمور، يقتضي وجوب الفعل وعدمه فيما فعلوه معتقدين إباحته، وجواز الاجتهاد وعدمه، حيث أجمعوا بعده. وجعل عدم الثاني شرطا في الأول، يوجب مثله في غيره من الإجماعات، وما يقال: إن أهل الإجماع حذفوا هذا الشرط في غيره فبين ضعفه. ووجوب إثبات الحكم بدليل أهل الإجماع وعدم وجوبه، وفي بعضها لا يفيد: لجواز أن يكون هو الإيمان، ويتأكد بأنه يفهم من سبيل الصالحين الصلاح، ومن قول السلطان: من يشاقق وزيري، ويتبع غير سبيل فلان، وهو متظاهر بطاعته سبيله طاعته. وبأنه حاصل في الحال، والإجماع يحصل بعد وفاته - عليه السلام فيتعطل في الحال. ثم المراد كل المؤمنين، وهم الذين يوجدون إلى يوم القيامة، وإجماعهم ممتنع، أو إن أمكن لبقاء القول للميت، لكنه لا يفيد، إذ لا تكليف بعده. لا يقال: المعدوم ليس بمؤمن، لأنه يقتضي أن لا يكون إجماع أهل العصر الأول حجة في الثاني، إذ ليسوا مؤمنين فيه، وأن يختص النص بالصحابة، لكن مات بعضهم قبل وفاة الرسول - عليه السلام - وإن أريد البعض فمجاز، خلاف الأصل. سلمنا أن المراد مؤمنو كل عصر، لكن لا كلهم لخروج غير المكلف والعوام، بل بعضهم، ولعله الإمام المعصوم، وقد جاء في الكتاب العزيز ما هو للعموم، والمراد واحد. ثم الإيمان أمر باطن، فلا يمكن معرفة المؤمنين، فكيف يجب اتباعهم، وحمله على الصدق باللسان، كما في قوله: {حتى يؤمن} [البقرة: آية 221]- مجاز، ثم الحمل عليه ليس أولى من حمل السبيل على ما من شأنه أن يكون سبيل المؤمنين.

ثم دلالة النص ظنية، والمسألة قطعية، ولهذا كفر أو فسق مخالف حكم الإجماع. وشنع الإمام على الفقهاء بذلك إثباتهم الإجماع بالعمومات والظنيات، واعتقادهم أن مخالفها - للتأويل - لا يكفر ولا يفسق، وهو ترجيح للفرع على الأصل. والجواب: عن (أ) ما سبق في العموم. وعن (ب) وهو مشكل، وأجيب عنه بوجوه: ف (أ) للبصري: لو كان كذلك لوجب اتباع الإجماع حال الكفر بالرسول، إذ المشاقة عبارة عنه، إذ لا يقال للفاسق: إنه مشاقق للرسول، لكنه محال، لأن العلم به يتوقف على صحة النبوة. فإن قلت: إنه لازم عليكم، لأنه إذا كان حراما مطلقا في بعض الأحوال، كان حراما عندها، فيجب اتباع الإجماع عندها، والجواب مشترك. قلت: التقييد أهون من التعطيل. وأورد: (بمنع) أنه - حينئذ - يجب اتباع الإجماع، إذ لا يلزم من حرمته - إذ ذاك - وجوبه، إذ عدم الاتباع واسطة. وبمنع أن المشاقة عبارة عن الكفر، وما ذكرتم معارض بما أنها مشتقة من كون أحد الشخصين في شق، والآخر في آخر، ويكفي فيه أصل المخالفة. سلمناه لكن الكفر المنافي له إنما هو التكذيب، دون غيره، كشد الزناد، وحينئذ لا يمتنع ذلك، إذ بينا أن الكفار مخاطبون فروع الإسلام. سلمناه لكن التكليف بما لا يطاق جائز. وأجيب: عن (أ) أنه يلزم ذلك لما سيأتي. وعن (ب) أنه وإن لم يفده - نظر إلى الاشتقاق - لكنه يفيده عرفا، لتبادر الفهم إليه. وعن (ج) بمنعه، فإن التكفير به يتضمن التكذيب، سلمناه لكن إيجاب اتباع سبيل المؤمنين

- وإن كان فعليا - باطل لمساعدة الخصم عليه، ولأنه يتقضي عدم وجوب اتباع سبيلهم عند عدم المشاقة، ووجوبه عندها، وبطلانه بين. وعن (د) أنه وإن كان جائزا، لكنه غير واقع، سلمناه لكن لا تفريع (عليه)، وإلا: تعذر تقرير أكثر الأدلة. (ب) وهو ما ذكره الإمام: أن المعلق بالشرط، إن لم يكن عدما - عند عدمه حصل الغرض، وإن لم تكن حرمة اتباع غير سبيل المؤمنين مشروطة بمشاقة الرسول، وإلا: لزم جواز اتباع غير سبيل المؤمنين مطلقا، وهو باطل لأن مخالفة الإجماع وإن لم تكن خطأ فلا شك في أنها لا تكون صوابا مطلقا. ومنع حصول الفرض من الأول لجواز أن يكون له ذلك من خصوصه، لا من القاعدة الكلية، وهو مندفع بالترديد فيه. ثم بمنع لزوم الجواز كليا إن عنى بقول: (مطلقا) ذلك، لأن نفي السالبة الكلية لا يوجب صدق الموجبة الكلية، وإن عنى به الجواز في الجملة فلا نسم امتناعه، ولا نسمل أنه ليس بصواب إن عنى به الجواز. ثم إنه متناقض، لأنه يقتضي عدم الجواز على تقدير الجواز، وإن عنى به أمرا زائدا عليه لم يلزم من نفيه نفي الجواز. (ج) وهو ما ذكره بعضهم أن الوعيد إذا ترتب على أمرين اقتضى ذلك ترتبه على كل واحد منهما، وعليهما بقوله تعالى: {والذين لا يدعون مع الله} [الفرقان: آية 68] الآية، إذ الإثم مرتب عليها وعلى كل واحد منها. ومنع أنه منه، بل لمنفصل، إذ التضعيف غير مترتب على (كل) منها. وإحالة هذا إلى منفصل ليس أولى من إحالة ما ذكرنا إليه، بل ما ذكرنا أولى لعدم اقتضائه التعارض، ثم هو منقوض بمثل: إن دخلت الدار وأكلت فأنت طالق. (د) الوعيد مرتب على المشاقة وحدها وفاقا، فكذا على قرينة، لأن دلالة النص على ترتب الوعيد عليها على السواء. وأجيب: بأنه لمنفصل، لا منه. (هـ) لا خلاف في التوعد على اتباع غير سبيل المؤمنين، فإن لم يكن لمفسدة فيه لم يجز، أو

كان لها من جهة المشاقة فذكرها كاف، أو من جهة فيترتب الوعيد عليه، وإن لم توجد المشاقة. وأورد: بأنه لمفسدة فيه بشرط المشاقة، وما ذكره لا ينفيه. والأولى فيه وجهان: (أ) المشاقة من جملة غير سبيل المؤمنين، فلو كانت شرطا في حرمته لزم أن تكون حرمة الشيء مشروطا بوقوعه، (وهو مناقض لمفهوم التحريم، لأن الفعل بعد وقوعه) لم يبق متعلق التكليف. فإن قلت: هي تحرم بخصوصها - أيضا - فلم يلزم ما ذكرتم. قلت: حرمتها - لخصوصها - لا تنفي حرمتها لعموم الاتباع، و - حينئذ - يلزم ما تقدم. (ب) الآية سيقت لتعظيم الرسول، ومجموع الأمة، وهو بتحريم كل منها بانفراده، لأن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بعليته، وجعل تعظيم الرسول هو المقصود - يوجب تخصيص الاتباع. وعن (ج) بمنع أن العطف يقتضيه، سلمناه، لكن ذاك بعينه لا غير، ثم كونه مدح المؤمنين ينفيه، إذ لا ينفيه في الموافقة للدليل، على أن المتمسك به لا يكون متبعا. وعن (د) أن نحوه يفيد العموم، للإضافة، ولصحة الاستثناء، ولدفع الإجمال، ولأن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية، والحمل على العموم إنما لا يفيد لو حمل على الكل، لا على كل واحد، والمفهوم من مثله الثاني، ولو حمل على الكفر لزم التكرار، لإرادته من المشاقة، على أن التبادر ممنوع، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وعن (هـ) بمنع أن حقيقة غير مرادة، وهو حقيقة للمشترك بين ما يمشي فيه، وبين ما يختاره الإنسان لنفسه من طريق الدين والمذاهب، لاستعمال القرآن. سلمناه، لكن عدم الأولوية ممنوع، فإن ما ذكرناه مجازا، والأصل عدم غيره، والمناسبة ظاهرة.

وقوله: (بينه وبين دليل الإجماع مشابهة الإفضاء). قلنا: لكن وجد ما يمنع من حمله عليه، إذ المشترك ليس يمتنع، سلمناه لكنه يقتضي حقيقة كل ما أجمعوا عليه. وعن (و) أنه يلزم ذلك، إذ يفهم من قول القائل: (لا تتبع غير سبيل الصالحين): الأمر بمتابعة سبيلهم، حتى لو نهى عنه عد مناقضا، نعم: لا يفهم ذلك لو قدم (السبيل) على (غير)، حتى لا يعد بالنهي عنه مناقضا، إذ النهي في الأول: عما هو غير سبيلهم، والتوقف غير، وفي الثاني: عن (سبيل) موصوف بأنه: غير، والتوقف ليس بسبيل ولأن (غير) بمعنى (إلا)، وإلا: لزم الإضمار، وهو مجاز خير منه، و- حينئذ - يفيد وجوب اتباعه. وعن (ز) أنه يفيد الوجوب في كل الأمور، لصحة الاستثناء، ولما ثبت من عمومحرمة اتباع غير سبيلهم، إلا: ما خصه الدليل، وما ذكرتم خصه ما ذكرتم، ولا نسلم أنه يفهم منه الصلاح، إذ هو جزء الصالح، وسبيله خارج عنه، ولأنه يذم على ترك سيرهم المرضية، والصلاح بفعل الواجبات وترك المنهيات، وسلمناه لكن لا يمكن الحمل على (الإيمان) لأنه لا يحصل تقليدا، وللتكرار كما سبق، وفهمه من قول السلطان لقرينة عرفية، واتباع اللفظ أولى وكونه حاصلا في الحال - وإن أوجب حمله عليه - لكنه ممتنع لما سبق. و(ح) المراد: كل المؤمنين - قوله: (الكل من يوجد إلى يوم القيامة) ممنوع (لما سبق، و -أيضا- وروده زجرا عن مخالفتهم، وترغيبا في الأخذ بقولهم يمنع منه). قوله: (كون المعدوم ليس بمؤمن يقتضي أن لا يكون إجماع أهل العصر الأول حجة في الثاني). قلنا: إذا اتفقوا على حكم لم يجز لأحد في عصر ما مخالفتهم فيه، لكونه حقا في ذلك العصر، وكون الحق في عصر حقا في غيره. قوله: (وأن يختص بالصحابة). قوله: لما امتنع ذلك - لما سبق غير مرة - وجب حمله على مؤمني كل عصر دفعا للتعطيل. وعن (ط) المراد: كل مؤمني كل عصر، إلا: ما خصه الدليل، وحمله على الإمام تخصيص

للجمع إلى واحد، وهو غير جائز، سلمناه لكنه خلافا الأصل، ووروده لا ينفي ذلك. وعن (ي): يمنع أنه لا يمكن معرفتهم - حينئذ - إذ يجوز أن عرف بالقرائن، كالحب والبغض، ثم بمنع أنه مجاز فيه، سلمناه لكن يحمل عليه لتعذر حمله على حقيقته، وحمله عليه أولى مما ذكروه، لعدوله عن الظاهر بلا ضرورة ولما سبق. وعن (يا): بمنع أنها عملية، سلمناه لكن المقصود إثبات القطع منه، ومن غيره، ومنه يعرف اندفاع التشنيع. (ب) {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} [البقرة: آية 143] أي: عدولا، وقال تعالى: {قال أوسطهم} [القلم: آية 28]، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسط قريش نسبا، و (عليكم بالنمط الأوسط)، وقيل: هم وسط يرضى الأنام بحكمهم ... وهو ينفي إتيانهم بالمحرم. فإن قلت: (أ) ظاهره متروك، وليس البعض أولى من البعض فيبقى مجملا، سلمناه لكنه الإمام المعصوم. (ب) ثم لا نسلم: أن الوسط العدل، إذ كونهم وسطا فعل الله تعالى، وعدالتهم (من) فعلهم. (ج) ولأنه ما يتوسط بين الشيئين، فجعله حقيقة في العدالة يوجب الاشتراك.

(د) ثم إن الصغائر لا تقدح فيها، كما في عدول القضاة، فالخطأ أولى. (هـ) ثم إنه للشهادة على الناس في الآخرة في تبليغ الرسالة إليهم فيقتضي عدالتهم فيه لا غير. (و) ثم إنه يقتضيها فيها، لاشتراط العدالة حالة الأداء. (ز) ثم إنه خطاب مشافهة، فيختص بالحاضرين، ولم يعلم بقاؤهم بعد الرسول وأجيب: وعن (أ) منعه، إذ هو ظاهر في الكل، كما هو في كل واحد، ثم بمنع الثاني، إذ حمله على الكل أولى، للزومه إياه، والحمل على الإمام المعصوم: مرجوا به. وعن (ب) بمنع أن العدالة بفعلهم، ولو قيل: هي من كسبهم، وكونهم وسطا ليس كذلك، منعنا الثانية، إذ لا يمتنع كونه من جعل الله: أن يكون من كسبهم. وعن (ج) أنه حقيقة فيهما بحسب مشترك بينهما. وعن (د) أنه قيل: لا صغيرة إلا: بالنسبة، ومن سلمها قال: الله - تعالى - يعلم الظاهر والباطن، فحكمه بالعدالة يقتضي المطابقة بخلاف شهود الحاكم، إذ لا تعلم الباطن. وهو مصادرة على المطلوب، إذ هو مبني على أن الصغائر تنافيها، ثم لو كانت كذلك لما بقي فرق بينها وبين العصمة. والفرق لجواز الوقوع وعدمه: ضعيف، فإن ما يجوز لم يلزم من فرض وقوعه محال، و - حينئذ - يبطل قوله: (لا يقع)، وإن جاز أن يقع. والأقوى: أن وحدها يقتضي ملازمة التقوى والصغائر تخل (بها)، وعلى التقديرين لا ينفي الخطأ والسهو، لأنه لا يخل بالتقوى. وعن (هـ) أنه تقييد ثم إن العدالة لا تتجزأ، وقوله: {جعلناكم} [البقرة: آية 143] بنفيه، ولأن الأمم عدول في الآخرة، وإن صدر من بعضهم الكذب، كقوله: {والله ربنا ما كنا مشركين} [الأنعام: آية 23] لعدم التكليف. وعن (و)، و (ز) سبق.

و (ح) {كنتم خير أمة} [آل عمران: آية 110] الآية، واللام للعموم، ولأن عدمه إجمال، إذ لا عهد، والحمل على أركان الدين أو الماهية، أو بعض ما يلغي فائدة التخصيص بهذه الأمة، فيمتنع إجماعهم على الخطأ. فإن قيل: إنه مبني على أنه للمدح على وجه الاختصاص، وهو ممنوع، بل المراد: الإخبارية، وإن شاركهم فيه غيرهم. ثم هو في الماضي، أو إن كان في الحال لكنه باعتباره، ثم لا يجب تحققه في الاستقبال، والتمسك بعدم الفصل، دور. وكونه متروك الظاهر، وخطاب مشافهة، وحجة ظنية، قد عرف جوابها ويخص الأول: بأن تسمية الواحد أمة مجاز، وكل واحد لا يكون خيرا من صاحبه. وأجيب: وعن (أ) أنه معلوم من صراحة الآية، وسياقها. وعن (ب) أن (كان) زائدة أو تامة، سلمناه، لكن تأمرون يتناول الحال والاستقبال، فيثبت مدلولهما، إذ لا منافاة، ولا مفهوم لكان، سلمناه لكن لا يعار من المنطوق، وهو جواب الثالث. وعن (ج) أنه إن قيل بجواز الاستعمال في مختلفين، أو هو كالعام بالنسبة إلى الحال والاستقبال - فظاهر، وإلا: فيتمسك بالاستصحاب. (د) قوله تعالى: {وكونوا مع الصادقين} [التوبة: آية 119] أي: في كل الأمور. لئلا يلزم (الأمر) بموافقة كلا الخصمين، وبموافقة كل منهما للآخر، ثم المراد: مجموع الأمة في كل الأمور دفعا لتكليف ما لا يطاق، والإجمال. وزيف بأنه إنما يجب الكون معهم لو علم صدقهم، فلو استفيد صدقهم بذلك لزم الدور، ثم المراد (فيما صدقوا) فيه، فلم قلت: إنهم صادقون في كل الأمور؟ . (هـ) قوله تعالى: {فإن تنازعتم} [النساء: آية 59] الآية، شرط في إيجاب الرد إلى الله (تعالى) والرسول: التنازع، فعند عدمه لا يجب، بل اكتفى فيه بالاتفاق.

وزيف: بأنه متناقض، إذ الاكتفاء به رد إلى الله والرسول وبأنه لا مفهوم للشرط إذا كان للعادة والغلبة، والعادة أن الدليل إنما يطلب عند التنازع، ثم إن التنازع قد يتصور برجوع بعضهم، أو بمخالفة من بعدهم. (و) قوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} [آل عمران: آية 103]. التفرق منهي عنه، خص عنه ما قبل الاتفاق، فيبقى غيره على الأصل. وتقييده بالتفرق في الاعتصام خلاف الأصل، والتأكيد والتأسيس أولى، وتبادر الفهم في مثله إلى مثله في بعض الصور للقرينة، واعتبار اللفظ أولى. ومنع أنه منهي عنه مطلقا، بل بغير دليل، لئلا يلزم تخصيصه كما قبل الاتفاق، و - حينئذ - إن بين أن لا دليل مع مخالفة الإجماع فدور، وإلا: فلا يتم. (ز) التمسك بالسنة، وهو المعتمد، قوله: (لا تجتمع أمتي على خطأ). فقيل: معنى هذا متواتر، إذ نقل بألفاظ مختلفة بلغت التواتر: في (أ) (لا تجتمع أمتي على ضلالة). (ب) (سألت الله أن لا تجتمع أمتي على خطأ فأعطانيه). (ج) (لم يكن الله بالذي يجمع أمتي على الضلالة)، وروي ... (على الخطأ)، وهو من مراسيل الحسن.

(د) (يد الله مع الجماعة، ولا يبالي بشذوذ من شذ). (هـ) (ما رآه المسلمون حسنا، فهو عند الله حسن). (و) (من سره بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، فإن دعوتهم لتحيط من ورائهم، وأن الشيطان (مع الواحد)، وهو من الاثنين أبعد). (ز) (عليكم بالسواد الأعظم)، ونهى عن الشذوذ. (ح) (من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه). (ط) (من فارق الجماعة ومات، مات ميتة جاهلية).

(ي) (ثلاث لا يغل عليهن قلب المؤمن: إخلاص العمل لله، والنصح لأئمة المسلمين، ولزوم الجماعة فإن دعوتهم تحيط من ورائهم). (يا) (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا فرقة) قيل: يا رسول الله ومن تلك الفرقة؟ قال: (هي الجماعة). (يب) (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، حتى يقاتلوا الدجال). (يج) (لا تزال طائفة من أمتي على الحق، حتى أتي أمر الله).

(يد) (لا تزال طائفة من أمتي على الحق، لا يضرهم من ناوأهم إلى يوم القيامة). (به) (من شذ شذ في النار). لا يقال: بلوغ مجموع رواتها حد التواتر منموع، ثم المنقول بالتواتر إن كان نفس أن الإجماع حجة لزم العلم (به) متواترا كغزوة (بدر)، وشجاعة (علي)، وسخاوة (حاتم)، ووقوع الخلاف فيه ينفيه، أو ملزومه، لزم بيانه، وبيان استلزامه والقطع بكون الكل لم ينقل كذبا لم يفد، إلا: إذا كان كل واحد منها يفيد المطلوب، أو لازمه - قطعا، وهو ممنوع. واستدلالكم - بعد تصحيح المتن - بواحد منها، ينفيه لأنه ليس للتواتر عدد معين يقطع به عنده. وإن عنى به أنه ليس عددا يمكن حصول العلم بذواتهم - فباطل، إذ ليس فيه عدد معين فيما زاد على الأربعة وفاقا، و - حينئذ - المرجع فيه إلى العلم، ومن خالط اهل الأخبار، وتتبع كتب الأحاديث - علم أن مجموعها يفيد عصمة كل الأمة عن المعصية والخطأ، ووقوع الخلاف فيه من قليل - مع الاشتراك في سببه لو سلم ذلك لا يقدح فيه، كما في المحسنات، وهو الجواب عن (ب). وعن (ج): أن كل واحد منها يفيد تعظيم الأمة تعظيما ينافي جواز إقدامهم على المعصية والخطأ.

والاستدلال بواحد منها: إما على غير هذه الطريقة، أو لإزالة إشكال على لظفه، لا أن العلم يتوقف عليه. وقيل: بالاستدلال بها: بأن التابعين أجمعوا على موجبها، مستدلين بها، وقد علم من عادتهم: أنهم لا يجمعون على موجب خبر لم يقطعوا بصحته. وهذا ضعيف، غذ مقدماتها ممنوعة. وقيل: يجعلها آحادا، والتمسك بها، أو بأحدها كالحديث الأول وهذا لا يفيد إلا: الظن. وأورد: المراد من الأمة: من يؤمن إلى يوم القيامة، وإن اختص بالموجود فالمراد الصحابة، فلا يحصل الغرض، لما سبق. ثم المراد م الخطأ، أو كبيرة، إذ روى: (على ضلالة ... ). أو السهو، إذ هو ممتنع على الجمع العظيم، بل لعله نهي، فاشتبه على الراوي أو هو خبر بمعنى: النهي، ثم لا يلزم من إصابتهم: وجوب اتباعهم. وأجيب: عن (أ) بما سبق، وبأنه مدفوع بمثل قوله: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق). وعن (ب): أنه عدول عن ظاهره من غير دليل، وحمل المطلق أو العام على المقيد أو الخاص بدونه لا يجوز، ثم الضلالة لا يقتضي الكفر، للآية، وحمله على السهو ينفي مدحهم به. وعن (ج) أن عدالة الراوي تنفيه وبقية الأحاديث، ولأن فتح هذا الباب يسد باب

الاستدلال بأكثر النصوص. وعن (د) أنه خلاف الأصل، ومدفوع بأحاديث أخر. وعن (هـ) أن كل من ثبت إصابته بدليل يخصه، أو من غير معارضة مثله يجب اتباعه، كالنبي خرج عنه المجتهد، إذ ليس إصابته كذلك، وبأن الأمة أجمعت على أن الإجماع ليس صوابا تجوز مخالفته، فلو جاز ذلك لأجمعت الأمة على الخطأ، والحديث ينفيه. (ح) صدوره عن دلالة، يقتضي منع مخالفته، وعن أمارة كذلك، إذ التابعون أجمعوا على المنع من مخالفته، (قاطعين به، وذلك كاشف عن دلالة مانعة من مخالفته). أولا عنهما: فممتنع عادة من الجمع العظيم. وهذه إن صحت اقتضت أن لا يختص الإجماع بأمتنا، لأن حاصله يرجع إلى أنه كاشف - عن قطع - على نفس الحكم، أو على المنع من مخالفته، وأن يكون عددهم عدد التواتر. وأورد: أنه يجوز أن يكون لشبهة، كإجماع المبطلين مع كثرتهم، ثم جاز أن يكون الثاني لإمارة، كالأول، فهذا لو سلم إجماعهم عليه. الأول: قادح. والثاني: مندفع، إذ هو معلوم بعد البحث والاستقراء. وكذا الثالث بعد فهم القطع، بالمنع من مخالفة الحكم الصادر عن الأمارة دون غيره. وقيل: لا يرد الأول، لو جوز الدليل هكذا: بأن العادة تحيل إجماع العدد الكثير - من العلماء المحققين - على قطع في شرعي، من غير قاطع.

وهو دور، إن عنى به كونهم مصيبين في كل الأمور، وإلا: فممنوع، ثم هو منقوض بإجماعهم على أخذ الجزية من المجوس، و (أن لا تنكح المرأة على عمتها وخالتها)، مع أن دليلهما ظني. (ط) أجمعوا على تقديمه على القاطع، فدل أنه قاطع. وأورد: بأنه إن عنى به قاطع المتن والدلالة، فممتنع، أو المتن فمسلم، لكنه لا يدل عليه، إذ خبر الواحد يقدم على عموم الكتاب. (ي) كونه - عليه السلام - خاتم الأنبياء يقتضي ذلكن وإلا: لجاز أن يتفقوا على الباطل، والكفر، فيحتاج إلى البعثة. للمنكر: قوله تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل} [البقرة: آية 188]، {فإن تنازعتم} [النساء: آية 59] الآية، أوجب الرد إلى الكتاب والسنة، وهو يدل على عدم اعتبار الإجماع، وإلا: لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، وقوله: {تبيانا لكل شيء} [النحل: آية 89] تدل على عدم الحاجة إليه. وحديث معاذ، وقوله: (لا ترجعوا بعدي كفار).

وقوله: (لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة ... ). و (لا تقوم الساعة إلا على شرار أمتي ... ) و"إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ... " الحديث "تعلموا الفرائض .. " الحديث و (من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويكثر

الجهل) وقوله: (بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا). فهذه الأحاديث ونحوها، تدل على خلو الزمان عمن يقوم بالحق و- أيضا - أن كل واحد غير معصوم، فكذا الكل، وأن كل واحد من الزنج لما كان أسود كان الكل كذلك. ولأنه لا لدلالة وإمارة باطل، ولدلالة (يوجب) اشتهارها، لكونها واقعة عظيمة ولإمارة ممتنع، لامتناع اتفاق الخلق العظيم، لما يختلف مقتضاه، ولأنه اختلف في حجتها. وأجيب: عن (أ): أنه نهي لكل واحد، لتبادر الفهم إليه، ثم إنه لا يقتضي إمكان المنهي عنه مطلقا، بدليل: {ولا تكونن من المشركين} [الأنعام: آية 14، والقصص: آية 87]، سلمناه لكنه لا يقع، لما ذكرنان فيجمع بينهما إذ لا منافاة. وعن (ب): أنه لا يدل على وجوب الرد إليهما عند التنازع، بل يدل على عدمه بمفهومه، ولا نزاع فيما اتفق عليه، سلمناه، لكن الرد إلى الإجماع رد إليهما. وعن (ج): أن ما يبينه الإجماع يبينه الكتاب بواسطته. وعن (د) أن عدم ذكره في حديث معاذ، لعدم حجيته إذ ذاك. وعن (هـ) ما سبق في جواب الآية، ثم لعله خطاب مع معينين، ثم المدعي عصمتهم عند بقائهم بصفة الإيمان، وهو الجواب عند بقية الأحاديث، ثم هي محمولة على غلبة الشر والجهل

مسألة

والعصيان، لقوله - عليه السلام - "لا تزال طائفة ... " الحديث. وعن (و) بمنعه، والمثال الواحد لا يدل عليه، ثم الفرق بينهما معلوم بالضرورة. وعن (ز) لعله لم ينقل اكتفاء بالإجماع، ثم لا نسلم امتناع الاتفاق على مقتضى الإمارة، وقد تقدم سنده، والخلاف في حجية الإمارة حادث. مسألة قالت الشيعة: لا يخلو زمان التكليف عن إمام معصوم: لأنه (لطف) لأن حال الخلق على تقدير رئيس قاهر يمنعهم عن القبائح، ويحثهم على الطاعات، أحسن الاستقراء. لأن الفعل مع المعاون والمعارف، ليس كحال عدمهما، وهو واجب: لأنه كالتمكين الواجب في إزاحة العذر، إذ ترك التواضع للضيف الذي علم من حاله أنه يتناول الطعام عند تركه كرد الباب. ولأنه لو لم يجب فعل اللطف، لم يقبح فعل المفسدة، لعدم الفرق. وعصمة الإمام واجبة دفعا للتسلسل، وهذا يقتضي أن يكون إجماع كل الأمة حجة. وأن العلم بحجيته لا يتوقف على العلم بالنبوة، فإن قيل: لا نسلم أنه لطف، والتفاوت ممنوع، والاستقراء غير متصور فيه، لأنه ما خلا زمان عنه عندهم، بل المستقرأ ظهور هذه المفاسد، عند خوف الإمام، وتقيته وتستره ثم التفاوت بالقاهر دون الذي لا يعرف. وبه اندفع الثاني، إذ المعاونة، والتعويق لا تحصل به، ثم إما يجب نصبه لو خلا عن جهات المفسدة، وهو ممنوع، وعدم وجدان دليلهما بعد البحجث الشديد لا يدل على عدمه، ولو دل

لكن لا يجب نفي ما لا دليل عليه، وإلا: لزم نفي الباري تعالى في الأزل. ودعوى انحصار جهاتها في الظلم والكذب والجهل، دعوى بالتقسيم المنتشر، ثم هي منقوضة بقبح صوم العيد. لا يقال: لو قدح هذا في كون الإمام لطفا، لقدح في كون المعرفة لطفا، ولتعذر القطع بوجوب شيء على الله تعالى - لأنا نمنع امتناعهما، إذ هو بناء على التحسين والتقبيح العقلي، وقد تقدم بطلانه. ثم الفرق: أن الإمامة لطف يجب على الله تعالى، وهو عالم بكل الأشياء، فلا يجب مع احتمال جهة قبح، والمعرفة تجب علينا، فقام الظن مقام العلم، والتعذر في معين، لا ما هو لظف. سلمناه، لكنه يشتمل على مفسدة ترك المكلف الفعل القبيح، لا لقبحه بل لخوف الإمام، وترك المكلف القبيح لخوف العقاب على فعله، ليس منه، لأنه لازم ماهيته، وهو كتركه لقبحه، ولأنه لو كان قبيحا لما كان لازما لتكره، سملناه، لكنه لا يمكن الاحتراز عنه. والاستدلال بورود الشر عبه على عدم قبحه مشترك بينه وبين الإمام، ولا يصير به شرعيا، لأنه بطريق التبيين ويشتمل على نفي زيادة المشقة في فعل الطاعة، وترك المعصية المقتضية لزيادة الثواب ويشتمل على أنه ربما يكون سببا لعدم الانقياد والطاعة، وكذا قيل: {لولا نزل هذا القرءان على رجل من القريتين عظيم} [الزخرف: آية 31] سلمناه لكن لا في كل زمان، إذ رب زمان يستنكف الناس فيه عن طاعة الريس، ويعلم الله تعالى منهم أن فعلهم الطاعة، وتركهم المعصية - عند عدم الإمام - أكثر، وهو وإن كان نادرا، لكنه محتمل في كل زمان، فلم يجب القطع بوجوبه في زمان ما. والاستنكاف كما يقع عن معين يقع عن مطلق الإمام، كيف وهو عندهم إنما يقع عن معين، سلمناه، فلم لا يجوز أن يكون له بدل، كما أن الإمام لطفا غيره، سلمناه لكن في المصالح الدنيوية أو الدينية الشرعية، كإقامة الصلاة، وأداء الزكاة، على التقديرين لا يجب عقلا. لا يقال: إنه لطف في الدينية العقلية، لأنه إذا حثهم على فعل الواجب، وترك القبيح

العقليين، تمرنت نفوسهم عليها، فأتوا بذلك، لوجه الوجوب والقبح، لأنا نمنع ذلك، إذ ربما يبغضونه، فيأتون بذلك بمجرد الخوف. وقيل: الإنسان حريص على ما منع، ثم لا نسلم أن كل لطف واجب، ولا نسلم أنه كالتمكين، إذ ترك التواضع عند إرادة تناول الضيف الطعام، لا يقدح فيها، إلا: إذا بلغت الغاية، وبلوغ إرادة الله تعالى الطاعة إلى تلك الغاية ممنوع، بخلاف رد الباب: إذ المتفضل لا يجب عليه التفضل إلى الغاية، ثم إن ترك التواضع قد لا يشق، بخلاف الرد وليس الفعل مع عدم المعارض بدونه، ثم القياس لا يفيد العلم، والملازمة ممنوعة في الوجه الثاني، للفرق، إذ فعل المفسدة إضرار، وترك اللطف ترك النفع، وهذا قد لا يون قبيحا. ثم إنما يجب لطف محصل لا مقرب، والإمام منه، ثم إنما يجب لو أمكن قرب زمان علم الله كفر كل من يخلقه فيه، أو فسقه، فلم يكن خلق المعصوم فيه. ثم هو منقوض بعدم عصمة القضاة والأمراء والجيوش، وبعدم الإمام في كل بلدة، وبكونه عالما بالغيوب، وقادرا على الاختفاء عن العيون، والطيران في الهواء. وعدم وجوبها لاحتمال مفسدة لا يعلمها فيها، يقدح في وجوب الإمام. لا يقال: قد يجب أصل اللطف، دون المكمل، (لأن) دليلهما واحد، فتجب التسوية، ثم هو مبني على التحسين والتقبيح، ثم لا نسلم عصمته، والتسلسل (فيه) غير لازم، بل غايته. أنه يفتقر إلى لطف آخر، ولم لا يجوز أن تكون الأمة لطفا له، وهو لطف لهم، والدور إنما يمتنع فيما له تقدم بالرتبة على الآخر. سلمنا لكنه لطف لكل واحد واحد منهم، ومجموعهم لطف له: ولا دور. ولا يكفي في ذلك القدح في أدلة الإجماع، لأن ذلك ينفي الجزم، لا الاحتمال، ولا نسلم أن الإجماع يشتمل على قوله، وأن قوله صواب، إذ يجوز عندهم: فتوى الإمام بالكفر والفسق، خوفا وتقية فلعله خاف مخالفة الخلق، فأفتى به خوفا، أو لعله أفتى به سهوا، ونسيانا - أو وإن كان ذنبا لكنه صغيرة، وهي تقدح في العصمة. لا يقال: هي منفرة، لأن العجز الشديد، والفتوى بالكفر والفسق مع الأيمان المغلظة، أكثر تنفيرا مع تجويزكم إياه.

مسألة

مسألة إذا أجمع على قولين في مسألة: ثالثها: إن رفع ما أجمع عليه، فلا. كرد البكر الموطوءة، وكتوريث الأخ دون الجد، وإلا: جاز كأكل متروك التسمية، إن نسيت لنا: أنه لا يرفع ما أجمع عليه، فلا حجر. للمانع: (أ) أن تجويز الثالث يرفع وجوب الأخذ بهما بدلا، ولا يستلزم بطلانهما المستلزم لإجماعهم على الخطأ. (ب) أنه لا لدليل، أو لدليل معلوم للأولين راجح، أو مساو أو مرجوح: باطل، أو غير معلوم فكذلك، إذ يقتضي واتفاقهم على خلافه ذهولهم عن الحق واتفاقهم على خلافه. (ج) إن كان خطأ وجب أن لا سوغ، أو لا، وجب بطلان الأولين. للمجوز: (د) أن الشافعي - رضي الله عنه - أحدث الثالث، في رد الثيب الموطوءة مجانا، ولم ينكر عليه، فكان إجماعا. (هـ) وبأنه لم يحصل إجماع على حكم واحد، فلم يكن حجة كما قبل الاستقرار. وأجيب: عن (أ) أنه مشروط بعدم الثالث، وهو محذوف في غيره، وتجويزه لا يستلزم ذلك، إذ كل مجتهد مصيب، سلمناه لكن نمنع امتناعه، إذا الممتنع عندنا - تخطئة كل الأمة فيما اتفقوا عليه،

مسألة

لا مطلقا، ثم لا يلزم من تجويزه عدم خطئه، إذ الاجتهاد الخطأ قد يعمل به، وبه خرج جواب الثالث. وعن (ب) جاز أن يكون لا عن دليل ظنه دليلا، أو لمرجوح ظنه راجحا. وعن (د) أنه لم يثبت اتفاق كلهم على الرأيين السابقين. وعن (هـ) منع الصغرى، إذ اتفقوا على أن للجد قسطا من المال، فالقول بحرمانه خلاف الإجماع، فكان ممنوعا. مسألة إذ لم يفصلوا بين مسألتين: فإن نصوا عليه، لم يجز الفصل. وإلا: فالمختار. ثالثها: أن المأخذ إن كان واحدا - كتوريث الخال والخالة - أو يلزم منه رفع ما أجمعوا عليه كعدم النية في الطهارات كلها لم يجز، لأنه كالنص على عدم الفصل، والإيجاز، إذ ليس فيه مخالفة الإجماع، لا في الحكم ولا في علته. ولأن عدم جوازه يوجب كل من وافق مجتهدا في مسألة لدليل أن يوافقه في جميعها. للمجوز: (أ) ما سبق من لزوم وجوب الموافقة. (ب) الإجماع على أن كل ما ليس مجمعا عليه، يجوز الاجتهاد فيه. (ج) أن ابن سيرين، قال: (في زوج وأبوين، للأم ثلث ما بقي) (وفي زوجة وأبوين لها ثلث

مسألة

جميع المال)، وقال سفيان: (الجماع ناسيا يفطر دون الأكل) ولم ينكر عليهما، فكان إجماعا. للمانع: أنه لا خلاف ما أجمعوا عليه، من عدم الفصل، ووجوب الأخذ بأحد القولين، والحكم بدلا. وأجيب: عن (أ) بمنع لزوم وجوب الموافقة كليا وجزئيا، بمنع امتناعه. وعن (ب) أنا نقول به، ولا نسلم أن ما علته واحدة - ليس كذلك. وعن (ج) أنه ليس طريق الحكم فيه واحدا، سلمنا، لكن لم يثبت خصوص الجميع فيه، ثم الخلاف لعلة في حالة الاتفاق، أو قبل انقراض عصرهم. وعن (د)، و (هـ)، و (و): ما سبق في المسألة السباقة. مسألة يجوز حصول الإجماع بعد الخلاف خلافا للصيرفي. لنا:

إجماع الصحابة على دفنه، وإمامة الصديق، وقتال مانعي الزكاة، والتابعين على منع بيع أم الولد بعد اختلافهم فيها. له: (أ) ما مضى بجوابه. (ب) قياسه على ما استقر الخلاف فيه. وجوابه: منع حكم الأصل، ثم بالفرق على ما ستعرف

مسألة

مسألة اتفاق أهل العصر الثاني على أحد قولي، أهل العصر الأول إجماع. خلافا للكثيرين، كالأشعري، والإمام أحمد، والصيرفي، وأبي علي بن أبي هريرة، وأبي علي الطبري، وأبي حامد المروذي وإمام الحرمين، والغزالي، وكثير من الحنفية، ثم منهم من منع إمكانه، ومنهم من منع حجيته. للمجوز: (أ) أنه لا يلزم من فرض وقوعه محال، وحينئذ يكون حجة، لاندراجه تحت أدلة الإجماع. (ب) القياس على المسألة السابقة، والمحذور واحد. (ج) الإجماع على منع بيع أمهات الأولاد، مع الإنكار على من يرى جوازه مع أنه كان مخالفا فيه. لهم: (أ) قوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء} [النساء: آية 59] الآية، والاتفاق الحادث لا ينفي التنازع السابق، فوجب الرد. (ب) (أصحابي) الحديث. (ج) حجته تقتضي حجية قول إحدى الطائفتين. إذا متت الأخرى فكان قولهم حجة بالموت. (د) ولكان عن دليل لا يخفى على الأولين.

مسألة

(هـ) أنه إحداث لقول ثالث، وبطلانه سبق. (و) لا يموت القول بموت المجتهد، إذ تحفظ أقوالهم، ويحتج بها ولها، فلا إجماع معها. (ز) لو كان حجة لنقض القضاء بخلافه، وأهل العصر الأول أجمعوا على عدمه. (ح) ما سبق للصيرفي بجوابه. وأجيب: عن (أ) أنه لا نزاع في الحال، فلا يجب الرد، ثم مفهومه يدل على عدم وجوب الرد عند عدمه، ثم إن الرد إلى الإجماع رد إليهما. وعن (ب) أنه خطاب مع العوام. و- حينئذ - وجوب الاقتداء به مشروط لجواز الإفتاء به، فلو استدل به على جواز الإفتاء به لزم الدور، وأيضا - خص عنه الاقتداء بهم في التوقيف، فكذا هذا جمعا بين الدليلين، أو هو محمول على ما يرويه عن الرسول دفعا للتخصيص. وعن (ج) أنه يلزم حجيته عنده لاندراجه تحت الأدلة، لا به. وعن (د) أنه ما خفي على كلهم، بل على بعضهم. وعن (هـ) بمنع أنه ثالث، بل هو أحد القولين السابقين، وحصول صفة القطع (له) لا يدل المغايرة، سلمناه، لكن بينا أنه غير ممنوع عنه مطلقا، سلمناه، لكن مع بقائهما وهو ممنوع، لأنه مشروط بعدم القطع بعدهما. وعن (و) أن بقاءه على وجه يمنع من انعقاد الإجماع: ممنوع، بمعنى آخر لا يضر. وعن (ز) أن ما وقع على خلاف الإجماع، إنما ينقض لو وقع بعده، فأما قبله فلا، واستدلالهم بأن أهل العصر الثاني بعض المؤمنين، فلا يكون إجماعهم حجة، كبعض أهل العصر، وبالقياس على امتناع حصول الإجماع بعده - ضعيف جدا. مسألة إذا انقسموا قسمين فمات أحدهما، أو كفر، يصير الثاني مجمعا عليه لاندراجه تحت أدلة الإجماع، والخلاف فيه كما تقدم. ولو رجع أحدهما إلى قول الآخر: فمن شرط انقراض العصر في الإجماع، أو جوز ذلك فيما سبق، وقال بحجيته، قال بحجية هذا، بل أولى، لكونه قول كل الأمة، وكون الأول مرجوحا

مسألة

عنه. ومن لم يقل بذلك: فمنهم من جوزه، وقال بحجيته. ومنهم من جوزه فقط. ومنهم من أحاله مطلقا. ومنهم من فصل بين ما يكون دليل الخلاف الإمارة والاجتهاد، وبين أن يكون القاطع. والمختار: أنه حجة لاندراجه تحت الأدلة. مسألة انقراض العصر ليس بشرط. خلافا للإمام أحمد، وابن فورك. الأستاذ، والجبائي في السكوتي. إمام الحرمين: إن كان عن أمارة. لنا:

أدلة الإجماع. واستدل: (أ) أنه لو اعتبر لم ينعقد إجماع للتلاحق. (ب) أنه بعد الانقضاء حجة وفاقا، فإن كان لنفس كونه إجماعا، فيكون حجة قبله - أيضا - أو للانقضاء، فيكون انقراض العصر حجة بدون الاتفاق، أو له بشرطه، فيقتضي أن يكون الموت شرطا في حجية قولهم، وهذا باطل، لأن الموت لا يكون شرطا في حجية قول هو حجة، كقول الرسول عليه السلام. ورد: (أ) بأنه لا يرجع فائدته إلا: إلى المجمعين، سلمناه (لكن) المراد عصر المجمعين الأولين. (ب) وبأن الجامع طردي، ثم بمنع لزوم كون الموت شرطا، بل هو كاشف عما به تتحقق حجيته، ثم إنه شرط لاستقرار حجية قول الرسول، فكذا في الإجماع. وفيه نظر، إذا يقتضي جواز التمسك به قبل موتهم. للمخالف: (أ) قوله تعالى: {لتكونوا شهداء على الناس} [البقرة: آية 143] وهو يقتضي كونهم شهداء على أنفسهم. (ب) سئل علي عن بيع أمهات الأولاد، قال: (كان رأيي ورأي عمر أن لا يبعن، فرأيت الآن بيعهن) فقال له عبيدة السلماني: (رأيك مع الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك) فدل على أن

عليا خالف الإجماع، وما ذاك إلا لعدم انقراض العصر. (ج) خالف عمر الصديق في التسوية في القسم ولم ينكر عليه فكان إجماعا (د) حد عمر شارب الخمر ثمانين، وخالف ما كان عليه الصحابة. (هـ) الإنسان ما دام حيا يتفحص عن الدليل، فلا يستقر إجماع. (و) القياس على قول الرسول، فإنه لا يستقر كونه حجة في حياته. (ز) لو لم يعتبر لحصل الإجماع بموت المخالف لهم حالة الحكم، فيكون حجة بالموت، ولأنه يلزم منه بطلان قول الميت. (ح) أن دليله جاز أن يكون ظنيا، فلو لم يعتبر لزم أن يكون الاجتهاد مانعا من الاجتهاد. (ط) السكوت عن حكم الحادثة ليس دليلا على الرضى، لاحتماله للتروي والفكر، فإذا مات على ذلك، دل على الرضا، إذ لا يتمادى النظر إليه غالبا. وأجيب: عن (أ) أنه لا منافاة بين الشهادتين ولأنه يتناول شهادتهم على أنفسهم لفظا لعموم الناس، وإقرار الرجل على نفسه يسمى شهادة ومعنى لأنه إذا قبل في حق غيره، فأولى (أن يقبل في حق نفسه، ولوجود - علة قبوله في حق غيره - في حق نفسه، وهو أن ما) أجمعوا عليه صواب. وعن (ب) أنه أراد به العهد لا العموم، إذ كان بعضهم يرى - إذ ذاك - جواز بيعهن، كجابر بن عبد الله، وابن عباس، وابن

مسألة

الزبير، ولأنه روي أنه قال: (رأيك مع عمر أحب إلينا من رأيك وحدك)، وهو يوجب حمل الجماعة عليهما، وهذا لتطابق الكلامين. وعن (ج) بمنع أنه بعد موافقته إياه، بل نازعه فيه. وعن (د) بمنع حصول الإجماع فيه، إذ لم يثبت خوض الل فيه، سلمناه، لكنه لمصلحة مختصة بالوقت، فزوال لزوالها. وعن (هـ) بمنع أنه لا يستقر، وإنما يتفحص عن غيره، فأما عنه فممنوع، ثم إنه لتقويته. وعن (و) بمنع الجامع، ثم الفرق أنه قابل للنسخ، دون الإجماع، ولا ينعقد على خلاف دليل راجح، ليقال زال الحكم للاطلاع عليه. وعن (ز) بالتزامه، وحجيته بالموت ممنوع، لما سبق، وبالتزام بطلان، قول الميت، ثم إنه لازم عليه بعد الانقراض، والجواب واحد. وعن (ح) منع الملازمة، إذ المانع الاتفاق على الاجهاد، لا هو وحده. وعن (ط) أن السكوت إن دل على الرضا دل عليه في الموضعين وإلا: فلا، لاحتمال أن يكون مات على ما كان عليه. وفيه نظر، لأنه وإن احتمل لكن الأغلب أنه لا يتمادى إليه. فالأولى: أن يقال: إنه لو دل على اعتبار الانقراض، فإنما يدل في حق الساكت، دون الناطق، ومن شرط لم يفرق بينهما فيه. مسألة قول بعضهم وسكوت الباقين قبل استقرار المذهب: ليس بإجماع ولا حجة، عند الشافعي، وداود، وبعض

الحنفية. خلافا للإمام أحمد، وكثير - منا - ومن الحنفية والمعتزلة وهو مروي عن الشافعي - أيضا -. وقال أبو هاشم: إنه حجة، وليس بإجماع، وعكسه لم يقبل به أحد، وإن كان يتصور كالإجماع المروي بالآحاد، عند من لم يقل بحجيته. ابن أبي هريرة: إجماع إن كان فتيا لا حكما. وعكس الأستاذ. لنا: أنه محتمل من الراضي والساخط والمجتهد، والذي لم ظهر له صواب بعده، أو لم يشرع فيه بعد، أو لم ير الإنكار جائزا، إذ كل مجتهد مصيب، أو فرضا لظنه أنه لم يقع، أو يلحقه مضرة، أو لقيام غيره مقامه، أو ينتهز فرصة، أو يرى أن غيره أولى به، أو يرى تركه صغيرة غير قادحه في العدالة لو تركه خوفا، أو مهابة، فلا يدل على الرضا، وهو معنى قول الشافعي - رضي الله عنه - "لا ينسب إلى ساكت قول". وأورده: أنه ظاهر في الرضا، وغيره خلافه، فلا يقدح في كونه ظنيا.

وأجيب: بمنعه، ثم بمعارضة الكمية للكيفية. المثبت: (أ) الإجماع على التمسك بما انتشر، ولم يعرف له مخالفة، ولا عهد بحجته غير المدارك المعروفة، فهو - إذن - إجماع، وإن اقتصر على حجيته (فالأول كاف). (ب) العادة أن من اعتقد خلاف ما بتنشر أظهر، إل لا تقية، ولو كان هناك - تقية لا تنشر. وأجيب: عن (أ) بمنع الإجماع عليه، بل لعله ممن يعتقد حجيته، أو على وجه الإلزام على من يعتقده، أو للاستيناس به في المضائق. وعن (ب) بمنع العادة مطلقا، بل إذا لم يكن - هناك - أحد. ما ذكر من الاحتمال وأجيب: إن أحدنا قد يحضر مجلس الحاكم، ولا ينكر عليه إذا حكم بخلاف مذهبه، ولأن في الإنكار عليه افتياتا. ابن أبي هريرة: بأنه بعد تقرر المذهب، والنزاع قبله، والرد على وجه النصح والمباحثة لا يعد افتياتا. فرع: في المنتشر الذي لم يعرف له مخالف تفريعا على الإجماع السكوتي: ثالهما: أنه كهو إن كان فيما تعم به البلوى، لأن الانتشار مع البلوى يقتضي علمهم به، وإلا: فلا.

مسألة

مسألة إذا تمسك الأولون بدليل، أو استنبطوا منه وجه دلالة، أو ذكروا تأويلا والآخرون تمسكوا بآخر، أو استنبطوا غيره، أو ذكروا تأويلا آخر - لم يجز إبطال الأول وفاقا، إذ في إبطاله إبطال ما أجمعوا عليه. والجديد إن نفاه - ولو بوجه ما - لم يقبل، لما سبق، وأنه يقتضي ذهولهم عن الحق وإلا: قبل إذ أهل كل عصر تستخرج أدلة وتأويلات جديدة، ولا ينكر أحد، فكان إجماعا. وقيل: لا يقبل مطلقا: (أ) لأنه ليس سبيل المؤمنين، فكان مندرجا تحت الآية. (ب) أنه ليس بمعروف، لأنهم لم يأمروا به، فكان منكرا. (ج) أنه لو صح لما ذهل الأولون عنه. (د) لو جاز ذهولهم عنه - وهو صواب - لكان عدم العلم به سبيلا لهم، و - حينئذ - يلزم حرمة طلب العلم به. وأجيب: عن (أ) أن ما لا يتعرض له المؤمنون نفيا، ولا إثباتا لا يقال فيه اتباع لغير سبيلهم، ثم بالمعارضة بمثله. وعن (ب) أنه ليس بمنكر لعدم نهيهم عنه، فكان معروفا، ولأنه لعدم شرطه، وهو الشعور به. وعن (ج) بمنع الملازمة، لاستغنائهم عنه بما عندهم، ثم إنه منقوض بتحصيل ما لم يعلمه الأولون.

مسألة

وعن (د) ما تقدم في الأول، وهنا. مسألة قال مالك: إجماع أهل المدينة حجة. فقيل: محمول على إجماع الصحابة والتابعين فقط. وقيل: إن روايتهم راجحة. وقيل: على المنقولات المشتهرة كالأذان والإقامة. وقيل: إن الموافقة إجماعهم أولى، وإن جاز تركه. والصحيح ظاهر خلافا للباقين ثم ممن خالفه قال: بإجماع أهل الحرمين، والمصريين: الكوفة والبصرة. فقيل: في العصر الأول، لاجتماع العلماء فيهما. وقيل: بإطلاقه، وهو الصحيح. لنا: إنه لو كان، لكان الدليل غير أدلة الإجماع، والأصل عدمه، ولأنهم بعض الأمة والمؤمنين، كغيرهم. واستدل: بأن أدلة الإجماع لا تشعر به، بل تنفيه، بطريق المفهوم، وليس البعض في معنى الكل.

(ب) الأماكن لا تؤثر في حجية قول ساكنيها، للاستقراء. (ج) أنه لو كانت أقوال أهلها حجة فيها، لكانت حجة إذا خرجوا منها، كالرسول. وهي ضعيفة: لأنه لا يثبت بها، بل بغيرها، ومفهومها ضعيف، ولو سلم فالمنطوق أولى، والوصفان طرديان، ثم إنه في مقابلة النص. والمثبت: قوله - عليه السلام - "إن المدينة طيبة تنفي خبثها، كما ينفي الكير خبث الحديد"، والخطأ خبث فينتفي عن أهلها، وإلا: لما نفي خبثها. فإن قلت: ظاهره يقتضي أن من خرج منه كان خبثا، وهو باطل، إذ خرج منها علي وعبد الله، وغيرهما من الصحابة إلى العراق والشام، وهو أمثل ممن بقي فيها، و -حينئذ- ليس بعض الاحتمالات أولى من البعض، فلا يتمسك به لاحتماله. ثم هو محمول على الكفار، إذ لا يسكنها، أو من كره المقام بها، إذ كراهته مع ما فيه من الشرف يدل على ضعف الدين. ثم إنه خبر واحد، مع دلالة خفية، وعدم ما يعضده. قلت: نمنع أن ذلك ظاهره، وهو ظاهر، بل لا يلزمه، إذ الموجبة الكلية لا تنعكس كنفيها. وعن (ب) أنه تخصيص خلاف الأصل. وعن (ج) الطلوب أصل الظن لا العلم، والظن الغالب، والاعتراض القادح انتقض، بقول بعضهم، فإن دلالة الخبر لا تختص بالكل، إذ ليس فيه إشعار به، ثم لا يلزم من الإصابة الحجية والإجماع، سيما على قولنا: (كل مجتهد مصيب).

مسألة

والتمسك بمثل قوله: "إن الإسلام ليأزر إلى المدينة، كما تأرز الحية إلى جحرها"، وقوله - عليه السلام -: "لا يكاد أحد أهل المدينة إلا: إنماع كما ينماع الملح في الماء" - فساقط جدا. واستدل بأن العادة تقضي بأن مثل هذا الاجتماع من العلماء اللاحقين بالاجتهاد - لكونهم أعرف الناس بالأدلة، وأحوالها - لا يجمعون إلا: عن راجح. وبالقياس على الرواية. وأجيب: بمنعه بالنسبة إلى نفس الأمر، لجواز ذهولهم عنه. قيل: غلبة العادة تقضي باطلاع الأكثر، والأكثر كان فيها. قلنا: نمنع اطرادها، إذ الغالب قله أهل الحق، ثم من يقول بحجيته لا يخصه بالزمان الأول. وعن (ب) بمنع الجامع، ثم بالفرق، وهو أن الرواية يجب فيها الاتباع، وترجح بالكثرة، وبزيادة الاطلاع، دون الاجتهاد، وأن النظر فيها لتصحيح المتن، فكان القرب والبعد، ولزيادة الاطلاع على أحوال المروي عنه فيه مدخل، بخلاف الاجتهاد. مسألة اجتماع العترة ليس حجة. خلافا للشيعة.

لنا: ما سبق. ولأنه مبني على عصمتهم، وهو باطل. ولأن عليا خولف في الحالة التي يعلم أنه لم يكن غيره من العترة بصفة الاجتهاد، وفيها موافقة الباقين له، كالإمامة، إذ لم ينكر عليهم. لهم: (أ) قوله تعالى: {ليذهب عنكم الرجس} [الأحزاب: آية 33] والخطأ رجس. وقوله عليه السلام: "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي". (ب) إنهم مهبط الوحي، والنبي منهم وفيهم، فالخطأ عليهم أبعد. وأجيب: عن (أ) أن أزواجه مراده بسياق الآية، وسابقها، والتذكير لا ينفي إرادتهن، بل حصرها فيهن، وما روي: أنه - عليه السلام - لما نزلت الآية لف كساء على علي وفاطمة والحسين وقال: (هؤلاء أهل بيتي) فهو بيان إرادتهم منه، لا الحصر فيهمن جمعا بينه وبين سياق الآية، وظاهر أهل البيت. وما روي أن أم سلمة قالت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم. وأجيب: بأن أدلة الإجماع تنفي اتفاقهم على الخطأ مطلقا، وخطؤهم فيها لازم، ويلزم المانع إصابة المصيب في البعض في الكل.

مسألة

مسألة يجوز اتفاقهم على عدم العلم بما لم يكفلوا به، لأنه ليس بخطأ. وقيل: لا، لئلا يحرم تحصيل العلم به. وأجيب: بمنع لزومه، لأن سبيل القوم ما كان من الاختيارية بدليل التبادر، ولو سلم، فمخصوص بالعقل لبعض سبيلهم. فرع: اتفاقهم على عدم العلم بخبر أو دليل لا معارض له، مرتب على الخلاف السابق. وقيل: إن علموا بمقتضاه جاز، وإلا: فلا، لأنه لا يجوز ذهولهم عما كلفوا به. ووجه كونه مرتبا: أن عدم التكليف به لعدم العلم، وأما في السابقة فبالأصلة. مسألة جاحد المجمع عليه من حيث أنه كذلك، لا يكفر. خلافا لبعض الفقهاء في القطعي. فلا يرد بكفر جاحد الصلاة ونحوه. لنا: أن العلم به ليس داخلا في الإيمان، إذ لم يعلم مجيء الرسول به ضرورة وإلا: لما وقع الخلاف فيه. ولأن الرسول كان يحكم بصحة الإسلام، من غير تعريف أن الإجماع حجة، بل لم يذكر هذه المسألة طول عمره - عليه السلام - صريحا، ولو كان داخلا لما كان كذلك، كغيره، وإذا لم يكفر منكر أصله، فمنكر تفاريعه أولى.

مسألة

واستدل: بأن أصله ظني، فكذا هو، ومنكر المظنون لا يكفر إجماعا. وفيه ما سبق. الإخبار مسألة الخبر حقيقة في ماذا؟ الخلاف فيه كما في الكلام، وإطلاقه على ما ينبئ من القرائن وغيرها مجازا وفاقا، لعدم التبادر، كقوله: تخبرني العينان ما القلب كاتم ... . وكقوله. وكم بظلام الليل عندي من يد ... تخبر أن المانوية تكذب ثم قال: إنه ضروري، فمطلقه أولى. ولأن كل أحد يميز بالضرورة بين معنى الأمر والخبر، وبين موضع حسنهما. وأورد: بأنه لفظ، فلا يعلم ضرورة، ولأن الضروري لا يستدل عليه. وأجيب: بأنه إن عنى به المعنى فظاهر، وإلا: فالمراد منه: أن المعنى لما كان ضروريا، (كان مطلق اللفظ

الدال عليه - أيضا) - بديهي التصور. ويمنع أن الضروري لا يستدل على حصول العلم به، بل لا يستدل على حصوله، سلمناه، لكن ينبه عليه. وزيفا: بأن كل واحد يعلم بالضرورة أنه موجود، لا أنه خبر، ويمكن تعلقه بدونه يؤكده: اختلافهم في أن الموجود عين الماهية، أم لا؟ ، فلو كان كونه خبرا معلوما بالضرورة، لما كان كذلك، للتغاير المعلوم بالضرورة بين المخبر عنه، والمخبر به. ثم لا يلزم من بداهته بداهة مطلقة، لجواز أن تكون بداهته بعد تصوره، ولو بالكسب، والتمييز الضرروري بعد تعرفهما كسب، وإلا: لزم أن لا يحد الأمر، وهو خلاف مذهب قائله. ثم السؤال قوي والجواب ضعيف جدا، (إذ لا يعلم بالبديهة أن لكل معنى - ولو مست الحاجة إليه - لفظا). وقيل: لا يعرف بغيره، لا لأنه ضروري. وقيل: يعرف: فقال الجبائيان، وعبد الجبار، وأكثر المعتزلة: (إنه الكلام الذي يدخله الصدق والكذب). (أ) بأنه تعريف للجنس بالنوع، وهو دور. (ب) إنه يشعر كونه صدقا وكذبا معا، وجعله معنى، أو يوجب الترديد المنافي للحد. (ج) خبر الله ورسوله لا يكون كذبا.

(د) قوله: (محمد ومسيلمة كاذبان)، خبر، ليس بصدق لا كذب ومثله: قول من كذب في جميع أخباره: (كل أخباري كذب). والأول: منقدح. والباقي مندفع، لأن المراد دخول أحدهما، ولا إبهام فيه، ويخص الثالث: أن يتعين خبر الله ورسوله للصدق لمنفصل، والرابع: خبران، أحدهما صدق والآخر كذب، أو واحد كذب، والخامس: صدق، وليس هو من أخباره المخبر عنه، لامتناع اتحاد الخبر والمخبر عنه. أبو الحسين: بنفسه، ليخرج الأمر، فإن إفادة الوجوب بواسطة استدعاء الفعل، وهذا يقتضي أن يكون دلالته على الوجوب - مجازا، ويجوز أن يحترز به عن نحو: قائم فإن دلالته على النسبة بواسطة الموضوع له. لا يقال: إنه ليس بكلام، فلا يدخل تحته، لأنه كلام على رأيه، فلا يخرج به. والنقض بالنسبة التقييدية: غير وارد، لأن المعنى من الكلام: (ما يحسن السكوت عليه)، ولا ما يفيد مفهومه أو مفهوم الخبر، حتى يلزم الدور. وأورد: بأن قولنا: السواد موجود، خبر مع عدم إضافة أمر إلى إذا لوجود عين الماهية. لا يقال: إنه أعم من أمر هو نفسه، أو غيره، لأن الإضافة تشعر بالمغايرة، لامتناع إضافة الشيء إلى نفسه. وأحيب: بأن المباحث اللغوية لا تبنى على الحقائق العقليةن والتغاير حاصل في اللفظ، أو

مسألة

لعله حده تفريعا على المغايرة. وأورد: أن قوله: (بنفي أو إثبات) يفضي إلى الدور، لأنهما نوعا الخبر. وأجيب: بمنعه، إذ المراد منه تحقق الإضافة، أو نفيها، وهو لا يتوقف على معرفة الخبر، ولو لزم منه دور لزم من قوله: (إضافة أمر إلى أمر) فلا معنى للتخصيص. والأولى أن يقال: (الخبر: هو الكلام الذي يفيد نسبة معلوم إلى معلوم آخر، محكوم عليه، نفيا أو إثباتا، ع قصد المتكلم الدلالة عليها). والمراد من الكلام: ما هو عند النحاة، دون الأصوليين. وفيه احتراز عن نحو: (قم) فإنه وإن أفاد نسبة، لكن لا بالنسبة إلى محكوم عليه، وعن الساهي والنائم، والوارد بمعنى الأمر. مسألة قيل: لا بد في الخبر من الإرادة. فإن أريد به إرادة إصدار الصيغة له فحق، لما تقدم، وإلا: فباطل. وكذا كون الخبرية صفة معللة بتلك الإرادة لما تقدم في الأمر. ومدلوله: أما بالنسبة الخارجية، أو الذهنية، فعلى ما سبق. مسألة الخبر: إما صدق إن طابق المخبر عنه، وإما كذب إن لم يكن كذلك. وقال الجاحظ: الخبر بدون العلم مطابقته، وعدم مطابقته واسطة بينهما، طابق أو لم يطابق.

والنزاع لفظي. لنا: اتفاق الكل على تكذيب الكفرة في عقائدهم، مع القطع بعدم عناد كلهم. وأورد: بأنه لظهور أدلة الإسلام. ورد: بأن إقامة السبب مقام المسبب مجاز، والأصل الحقيقة. له: (أ) قوله تعالى: {أفترى على الله كذبا أم به جنة} [سبأ: آية 8]، وجعلوا إخباره عن نبوته حال حياته مقابلا للكذب، ولم يعتقدوا صدقه، فلا يكون صدقا ولا كذبا، لما أن الإخبار حال الجنون لا يكون عن اعتقاد. (ب) قوله: {إذا جاءك المنافقون} [المنافقون: آية 1] الآية، كذبهم مع المطابقة، فلو كان الصدق هو المطابق، كيف كان، لما حسن ذلك، ويلزم منه أن لا يكون الكذب هو الغير المطابق، كيف كان، ضرورة أنه لا قائل بالفصل، وأما إن جعل الصدق عبارة عن المطابقة، مع العلم بها حسن ذلك، لعدم اعتقادهم المطابقة. (ج) أن من أخبر عن شيء ظانا به، ثم تبين خلافه لم يكذب، ولهذا لم يأثم، ومن أخبر بخلاف ما اعتقده يكذب، وإن تبين مطابقته. (د) أنه يلزم منه كذب أكثر العمومات والمطلقات لتقييده وتخصيصه. (هـ) الصدق والكذب كالعلم والجهل، وبينهما واسطة، وهو اعتقاد المقلد، فكذا بين الصدق والكذب. وأجيب: عن (أ) أن المقابلة بينهما من حيث القصد وعدمه، و - حينئذ - لا يلزم الواسطة. وعن (ب) بمنع الملازمة إذ الشاهدة هي الإخبار مع العلم به، ثم هو لازم عليكم، لأنه

مسألة

ليس الكذب عندكم عبارة عن عدم الصدق، حتى يحسن ذلك، ما اعتبرتم فيه غير حاصل فيما نحن فيه، لأنه مطابق، والجواب واحد. وعن (ج) بمنع الملازمة بينهما، وعدم تأثيمه لعدم قصد المعصية. وعن (د) بمنعه - أيضا - فإن إرادة المجاز ليس بكذب. وعن (هـ) كذلك، و -أيضا- لا ننزاع في أن الصادر لا عن اعتقاد - مطابقا كان أو غير مطابق - واسطة بين المطابق وعدمه، الصادرين عنه، وإنما النزاع في أن الصدق، والكذب هل هما بهذين المعنيين أم لا؟ وما ذكرتم لا يفيده. مسألة التواتر: (مجيء واحد بعد واحد بفترة)، قال الله تعالى: {ثم أرسلنا رسلنا تترا} [المؤمنون: آية 44]، أي رسولا بعد رسول بفترة. واصطلاحا: (خبر جمع يحصل العلم بخبرهم لكثرتهم). وهو يفيد العلم. ألست من أهل البيت، فقال (بلى إن شاء الله تعالى)، وإنما بينهم الرسول دونهن، لئلا يتوهم خروجهن عنه. ولا يقال: لو كان (أهل البيت) ظاهرا فيهن - لملازمتهن البيت - لكان دخول غيرهم تحته خلاف الظاهر، وجمعا بين الحقيقة والمجاز، ولأن إنما للحصر، وهو - وإن دخلت على الإرادة لكنها غير منحصرة فيه، فيحصل على زوال الرجس عنهن، حملا للسبب على المسبب، وهو باطل، فالمستلزم له كذلك. لأن ظهوره فيهن لا يمنع من ظهوره في غيرهن - أيضا - لاحتمال ظهوره فيهما، بحسب مشترك بينهما، وبه يعرف اندفاع الثاني ويحتمل أن يكون مشككا، فلا يلزم ما ذكرتم، ثم هو لازم عليه، هذا إن سلم دلالة الآية على زوال جميع أنواع الرجس، وهو ممنوع، إذ المفرد لا يعم، ولو عم لم يلزم - من كونه صوابا - كونه حجة، لما سبق.

مسألة

والخبر من باب الآحاد، لا يقبل عند الخصم في العمليات فكيف في العمليات. والاستدلال يكون الكل فيه، لكن البعض في إجماعهم والآخر في فضيلتهم - لا يفيد القطع بصحته، على أنه يفيد وجوب التمسك (بهما لا بالعترة وحدها ووجوب التمسك) بالكتاب وحده غير مستفاد منه حتى يلزم مثله في العترة، ثم لا يلزم من وجوب التمسك به أن يكون إجماعا، لاحتمال أن يكون حجة لعموم كونه قولي الصحابة، ثم هو محمول على ما طريقة الرواية والمقصود الأخذ بروايتهم دون غيرهم عند التعارض، وهذا وإن لم يكن خلاف الظاهر، فظاهر، وإن كان، وجب المصير إليه جمعا بين الدليلين. وعن (ب): أنه إنما يكون إجماعا بالقطع بانتفاء الخطأ لا بالبعد، ثم إنه منقوض بأزواجه عليه السلام. مسألة إجماع الأئمة ليس بحجة. خلافا لأبي خازم، والإمام أحمد في رواية. وكذا إجماع الشيخين، خلافا لبعض الناس. لنا: ماسبق. لهم: قوله عليه السلام - "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ".

مسألة

وقوله: اقتدوا باللذين من بعدي، أبي بكر وعمر، ولا يمكن ذلك إلا عند اتفاقهما، و - حينئذ - يلزم حجيته على وجه الإجماع. ومنع انحصار الخلفاء الراشدين في الأربعة، وبأنهما كقوله: أصحابي كالنجوم ... الحديث، ولا يفيد أن قول كل واحد إجماعا. وأجيب: بأنه يفيد عرفا، والأصل عدم النقل، ولقوله - عليه السلام - الخلافة بعدي ثلاثون، ثم تصير من بعدي ملكا. وعن (ب) بأنه لما تعذر حمله على الفتيا، للتقييد، وكونه حجة كما هو في "أصحابي"، الحديث - وجب حمله على كونه إجماعا دفعا للتعطيل. وجواب الأول: النقض بقوله "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر"، وبأنه محمول على الترجيح عند التعارض، جمعا بين الدليلين، وهو جواب الثاني مسألة إجماع الصحابة مع مخالفة غيرهم، ليس بحجة. خلافا لقوم. لنا:

(أ) أنهم ليسوا مجموع الأمة، فلا يكون إجماعهم حجة، لما سبق. (ب) أنهم سوغوا اجتهاد التابعين، ورجعوا إليه: روي أن ابن عمر سئل عن فريضة، فقال: (اسألوا سعيد ببن جبير، فإنه أعلم بها مني) وسئل أنس عن شيء، فقال: (اسألوا مولانا الحسن، فإنه سمع وسمعنا، وحفظ ونسينا)، وسئل الحسن بن علي - رضي الله عنهما - عن مسألة، فقال: (اسألوا الحسن البصري) وهذه تحتمل السؤال عنها تنصيصا. وروي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال: (تذاكرت أنا وابن عباس في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها، فقال: أطول الأجلين، وقلت: أنا بوضع حملها، فقال أبو هريرة: (أنا مع ابن أخي). وسئل ابن عباس عن نذر ذبح الولد، فقال: (اسألوا مسروقا)، فلما أتاه السائل بجوابه تبعه وأمثاله كثيرة، فلا ينعقد الإجماع بدونه. وأورد: بأنه في حال اختلافهم دون إجماعهم.

السمنية والبراهمة: الظن. وقيل: العلم فيما لم ينقض. لنا: جزمنا به لجزمنا بالشاهد. ولا يقال: بمنعه مطلقا إذ الخصم لا يجده من نفسه، و- حينئذ - فليس الاستدلال بوجدانه عليه أولى من العكس، بل هو أولى لوجوب اشتراك العقلاء في الضروريات، ثم لا نسلم تساوي الجزمين، لأنه اختلف فيه وفي ضرورته ونظره لأنه ليس كالواحد نصف الاثنين، ثم هو معارض: (أ) بأنه لا يفيد الضروري، لأنه مختلف فيه، ولا النظري، لما سلمتم فلا يفيده، وهو ظاهر. (ب) أن جزمنا به ليس بأقوى من جزمنا بـ (أن زيدا) الذي رأيته الآن هو الذي رأيته بالأمس (وأنه ليس يقينا)، لاحتمال وجود مثله للمختار أو التشكل الغريب. لا يقال: إفضاؤه إلى الشك في المشاهدات، ووجود التلبيس من الله تعالى يمنع منه، لأنا نمنع الإفضاء، إذ الشاهد هو (زيد) لا لكونه هو المرئي، وحديث التلبيس مبني على التحسين والتقبيح، سلمناه، لكن الجزم لو كان بناء عليه لما حصل لمن لا يعرفه. (ج) أن خبر كل واحد لا يفيد فكذا الكل، لأن كل واحد من الزنوج لما كان أسود، كان

الكل أسود. (د) لو أفاد خبر جمع العلم، فإن لم يفد معه خبر مثلهم بنقيضه 9 لزم الترجيح من غير مرجح، وإن أفاد لزم اجتماع النقيضين. (هـ) فساد بعض تواتر اليهود والنصارى يقتضي عدم إفادته العلم. وإحالته إلى فقد شرط التواتر مع ادعاء الخصم حصوله فيه، كادعاء غيرهم في تواترهمن يوجب تطرق الطعن فيه، وفناء اليهود إلى أن لم يبق منهم عدد التواتر بعيد عادة، سلمناه، سيما مع قرب الزمان، لابتداء الملة، وكون النصارى قليلين في ابتداء الأمر يقتضي عدم قيام الحجة بشرعه. (و) حصوله العلم عقيبه: إن كان بالإمكان لزم الترجيح من غير مرجح، وأن لا يقطع به في تواتر أو بالوجوب، وليس الموجب له قول كل واحد وفاقا، وبالضرورة، لامتناع اجتماع المؤثرات على أثر واحد، إن وجدت تلك الإخبارات معا، وإلا: فلنقض العلة، أو تحصيل الحاصل، أو اجتماع المثلين، بل الكل و- حينئذ - إن اشتراط في إفادته حصولها دفعه لزم خلاف الإجماع، وإلا: لزم إسناد الوجودي إلى المعدوم، ولأن الموجبة ثبوته، فيمتنع قيامها بالمجموع المتعاقبة، والحاصل دفعه، لامتناع قيام الوجودي بالمعدوم، وامتناع قيام الواحد بالمحال الكثيرة، ولأنه (إن) لم يحصل عند الاجتماع أمر زائد على حالة الإفراد لم يفده كحالة الإفراد، وإن حصل فالكلام فيه كما سبق، ولزم التسلسل. لا يقال: الموجب الهيئة الاجتماعية، والكلام فيه لو تأتى غير مقبول، لأنه معلوم بالضرورة، لأن الهيئة الاجتماعية الخارجية غير لازم الحصول، والذهنية عدمية. (ز) لو حصل فالموجب له ليس آحاد الحروف وهو ظاهر، ولا مجموعها لعدم وجودها، ولا الأخير بشرط المسبوقية، لأنها عدمية فيمتنع أن يكون جزئا أو شرطا لوجودي، ولا بشرط وجود سائر الحروف قبلهن لأنها عدمية فيمتنع أن يكون جزءا أو شرطا لوجودي، ولا بشرط وجود سائر الحروف قبله، لأنها تبقى عنده والشرط يجب مقارنته للشروط. (ح) لو حصل العلم الضروري به لما اختلف فيه جمع (عظيم)، لوجوب الاشتراك في الضروريات، والمكابرة غير لائق مع العقلاء، وحمله عليها كذلك. وأجيب:

إجمالا: أنه تشكيك في الضروريات، فلا يستحق الجواب. وتفصيلا: عن (أ) أنا ندعي ذلك بالنسبة إلى كل واحد من العقلاء، وإن لم يعتقد إفادته العلم، لحصوله لمن لا يعرف شيئا من العلوم وقوانينها، وكذلك لم يجد العامي في نفسه فرقا بين ما رآه، وبين ما سمعه بالتواتر، والخصم إن صدق فيما قال فلعله لاعتقاد عدم إفادته، وفرق بين عدم الاعتقاد، واعتقاد العدم ونحن إنما ندعي بالنسبة إلى الأول دون الثاني فإنه ربما يمنع منه. وعن (ب) ما تقدم من عدم التفاوت بين العلمين بالنسبة إلى العقلاء الذين ليس لهم مانع منه، وكونه مختلفا فيه لا يدل عليه، كما في المحسنات، ولا يلزم من كونه ضروريا (أن يكون العلم به ضروريا) إذ يجوز أن يكون أصله كذلك، دون وصفه، واليقينيان يتفاوتان، فإن لم يجوز ذلك، فالتفاوت إنما هو لكون العلم في التواتر بالعادة، والعلوم العادية تحتمل النقيض بحسب العقل، بخلاف البديهي. وعن (ج) أنه ضروري وسبق جواب الاختلاف. وعن (د) أنه ليس يقينا بحسب العقل، دون العادة، والتواتر كذلك. وعن (هـ) أن المجموع قد يخالف الآحاد، والعلم به ضروري. وعن (و) أنه فرض محال. وعن (ز) أنه لفقد شرطه، وادعاؤهم حصوله فيه كذب صريح، ثم إنه منقوض بالظن، والجواب واحد. وعن (ح) أنه بالعادة، وامتناع الترجيح بالنسبة إلى المختار ممنوع، ولا نسلم امتناع القطع به عادة، سلمناه، لكن لم لا يجوز أن يكون بالوجوب؟ ، وما ذكر من المحذور، إنما يلزم أن لو قيل بالوجوب الذاتي، أما على الوجوب العادي بخلق اله تعالى فلا، وبه خرج الجواب عن (ط). وعن (ي) ما سبق أن وقوع الاختلاف لا يمنع من الضرورة.

مسألة

مسألة العلم الحاصل بالتواتر ضروري. وقال الكعبي والبصري والدقاق وإمام الحرمين: نظري. الغزالي: إن عنى به ما يحصل من غير توسط مقدمتين فليس بضروري، لأنه لا بد فيه منهما، وإن عنى به ما يحصل من غير تشكيل الواسطة، - وإن كانت حاضرة في الذهن - فضروري. وتوقف المرتضى فيه. لنا: (أ) حصوله لمن لا نظر له، كالصبيان والبله، والعامة. فإن قيل: النظر فيه سهل، وهو ترتيب أحوال المخبرين، ولعله حاصل. قلنا: سنبين عمومه. (ب) أنه لا يتشكك فيه، وإن شكك، والنظري بخلافه. وأورد: بمنع قبول اللازم من الضرورية ذلك. وأجيب: أن منتجه ليس بضروري لما سيأتي، وأنه يقتضي أن لا يقبله النظرية، لحصولها فيما لا يقبل التشكيك، على الوجه الذي كذلك في المراتب كلها. (ج) علمنا بوجود مكة أجلى من علمنا بمقدمات التواتر، وبناء القوي على الضعيف غير جائز. (د) لو كان نظريا لما حصل عند الإضراب عن تحصيله، والنظر في مقدماته.

مسألة

لهم: (أ) أنا لا نعلم في (التواتر) ما لم نعلم أنهم يخبرونعن محس لا لبس فيه، ولا داعي لهم إلى الكذب، وكل خبر يكون (كذلك) يمتنع كذبه، فهو نظري. (ب) لو كان ضروريا لعلم أنه كذلك ضرورة، ولما كان مختلفا فيه. (ج) لو جاز أن يعلم ما غاب عن الحس بالضرورة، لجاز أن يعلم المحس بالنظر. (د) المتواتر لا يزيد على خبر الله تعالى ورسوله. وأجيب: عن (أ) بمنع توقف العلم على ما ذكروه بدليل حصوله للصبيان والبله ولا يظن أنه حاصل لهم، وإن لم يشعروا به، لأن عدم تنبههم بعد التنبه عليه: يدل على فساده. وعن (ب) ما سبق، وبالمعارضة بمثله، وفيه نظر. وعن (ج) بمنع الملازمة. وعن (د) أنه ليس أقوى منه في عدم احتمال النقيض، ولا يلزم منه أن لا يكون ضروريا كالضروري مع خبر الله تعالى مسألة استدل أبو الحسين على صدقه: بأن أهل التواتر لا يكذب مع علمه بكذبه لا لغرض، لامتناع الفعل من غير غرض، ولو سلم لكنه يمتنع عادة من جمع كثير كالاتفاقي ولو سلم لكنه يمتنع مع مانعه، والكذب جهة منع وفاقا (ولا لغرض هو كونه كذبا). لما سبق، ولا غيره، لأنه إما ديني أو دنيوي، اتفق غرض لالكل، أو اختلف (فيه) حصلت الدواعي، أو لا ديني، لأن الكذب صارف ديني، وفاقا، ولا رغبة دنيوية، لأنها رجاء عوض، أو لسماع غريب، وكثير منهم لا يرضى بالكذب لهما، ولا رهبة دنيوية، لما تقدم، ولأنها من السلطان، وهو يعجز عن جمعهم على الكذب، يؤكده أنه أنه قد يخوفهم عن حديث ثم يشتهر، ولأنه لا غرض للسلطان في بعض ما يتواتر، ولم تختلف أغراضهم لما سبق إذ سبق الكلام في

جماعة عظيمة، أبعاضها جماعات عظيمة، ولا مع عدم علمه بكذبه وصدقه، لأن ذلك لا يمكن فيما شرط فيه أن يكون المخبر عنه محسا معلوما بالضرورة، ولأنا نقطع بامتناعه عادة مع جمع كثير، ويخص فيما إذا كانت الدواعي معا: امتناعه عادة، فإن وصل بواسطة فشرطه استواء الطرفين والواسطة ويعلم ذلك بإخبار كل لاحق عن أهلية السابق للتواتر وأن كل ما ظهر بعد خفاء، وقوي بعد ضعف، وحب اشتهار حدوثه، ووقت حدوثه كمقالات الجهمية وغيرها - ضعفه بين لعدم انحصار تقسيماته، وقاطع بنفي كل قسم. قوله: (لا بد للفعل من غرض) ممنوع مطلقا، إذ يختار أن يرجح من غير مرجح، والعبد مختار - عنده - سلمناه لكن العلم به نظري، لا يعلم برهانه العوام والبله والصبيان، مع علمهم بالمتواترات، ولا نسلم امتناعه من الجمع، إذ حكم الشيء حكم مثله، ومن اعتاد الكذب لا يصبر عنه، وإن اعتقد تحريمه، ثم لا نسلم عدد الغرض الديني، إذ كثير منهم يجوزون الكذب للمصلحة، حتى وضعوا الأحاديث في فضائل الأوقات ترغيبا في العبادات، لنيل المثوبات وكون البعض لا يرضى بالكذب لهما، لا ينافي رضا البعض الآخر. وإن عني به أن كثيرا ممن يثبت التواتر به لا يرضى بالكذب لهما: ممنوع، إذ جوازه من العشرة والعشرين يوجب جوازه من المائة، يؤكده أنه يجوز أن يكذب أهل بلد فيه، وبما إذا علموا أن غيرهم إذا سمح به لم يقصده واختلت معيشتهم، وإن كثروا جدا، ولا أنه لم يختلف أغراضهم، إذ ليس من شروط التواتر أن يكون بعض عدده أهلا له، للتسلسل. ثم الاشتباه جائز في المحسنات، وغلط الناظر مشهور، والمسيح اشتبه بغيره، وإلا: لما صلب، ومن اشتبه علهيم كانوا قريبين منه، والنصارى يروون بالتواتر أنه بقي بعد الصلب قبل الموت مدة طويلة) رآه جمع عظيم في النهار). وجبريل - عليه السلام - كان يتنزل على صورة دحية، وجوازه لزمن النبوة: يوجب

مسألة

جوازه بعده، لحقية الكرامات بعده، على ما سلمه أبو الحسين. ولو سلم امتناعها فإنما يعرف بالبرهان، فكان يجب أن لا يعلم بالتواتر من لم يعلمه، ولا نسلم امتناعه عادة من جمع كثير، وسنده يعرف مما تقدم. وادعاء إخبار كل لاحق عن أهلية السابق للتواتر في كله بهت صريح، إذ العوام لا يتصورون هذه الدعوى، فكيف يعملون بها. ولا نسلم أن ما ظهر قعد خفاء، وقوي بعد ضعف: يجب اشتهار حدوثه ووقته، والمثال والمثالين يصحح الدعوى. ثم إنه منقوض بالأراجيف، ووقائع الأنبياء، مع كونها من الأصول. وإحالته إلى تطاول الزمان، وعدم الداعي يقدح في تواتر الأمور الماضية ولو سلم صحة الدليل، لكنه لا يعلمه الصبيان والعوام، مع حصول العلم بالتواتر (لهم). سلمناه، لكنه أضعف من علمنا بوجود بغداد، وبناء الواضح على الخفي غير جائز. تبنيه: إن قيل: العلم به نظري، فهو بطريق التولد عند القائلين به، وإلا: ففيه خلاف عندهم، لترتبه على فعل اختياري، ووجه الآخر: القياس على سائر الضروريات. مسألة في شروطه: (أ) علم المخبرين به حسا، لأن غيره يحتمل الغلط. وقال إمام الحرمين، والإمام: ضرورة، فلو علموا بالقرائن كفى. (ب) بلوغهم في الكثرة إلى حد يمتنع تواطؤهم على الكذب، فلا بد من عدد، لكنه غير معين، لا نفيا ولا إثباتا، بل المرجع فيه إلى حصول العلم للسامع، فإن علم قطع بحصوله

وغيره، وإلا: قطع بانتفائه أو غيره خلافا للقاضي أبي بكر - رحمه الله - نفيا، وإذ قطع بأنه لا يحصل بقول الأربعة، وما دونه، وتوقف في الخمسة. واستدل عليه: بأنه لو أفاد قول أربعة صادقين، لأفاد قول كل أربعة صادقين، وإلا: لزم الترجيح من غير مرجح، ولجاز مثله فيما كثر، فلزم استغناء القاضي عن التزكية في شهادة الزنا، لأنه إن علم بصدقهم. وإلا: بكذبهم، وهذه الدلالة لا تتأتى في الخمسة، إذ لا يلزم من كذبهم كذب الأربعة، فجاز طلب التزكية. فإن قلت: الملازمة ممنوعة، فإن حصول العلم فيه بخلق الله تعالى، فجاز أن يرجح من غير مرجح، لأنه مختار، وجاز أن يطرد في الكثير، ويختلف في غيره، كحفظ البيت، عقيب التكرار الكثير والقليل، ثم لو لزم فإنما يلزم في لفظ الخبر دون الشهادة، كيف والشهادة مظنة الإجماع، وهو يوهم الاتفاق على الكذب. ثم هو منقوض بعدد أهل القسامة. قلت: الأول قوي، والثاني مندفع، إذ يقطع بأن تغاير اللفظ غير قادح فيه. وأيضا - يلزم مثله في الكثير، والإيهام زائل، إذ فرض أن الذين شهدوا هم الذين أخبروا مع اتحاد الأحوال، من التفرق وغيره، إذ ليس من شرط الشهادة الاجتماع، والنقض مندفع لعد اتحاد المخبر عنه. واعلم أنه إن عني بالتوقف في الخمسة التوقف في حصول العلم وعدمه، مع جواز حصوله فحق، لكن لا يختص بها، وإن عنى به التوقف في جوازه وعدمه فباطل، إذ الدليل غير آت فيها، فهي كغيرها. ويمكن - أيضا - مع قوله: (فلزم استغناء القاضي عن التزكية) على قولنا: (القاضي لا يحكم بعلمه). وخلافا للآخرين إثباتا:

فقيل: اثنا عشر لقوله تعالى: {وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا} [المائدة: آية 12] أبو الهذيل: عشرون، لوقهل تعالى: {إن يكن منكم عشرون} وقيل: أربعون، لقوله: {ومن اتبعك من المؤمنين} [الأنفال: آية 64] وكانوا أربعين، لاعتباره في الجمعة. وقيل: سبعون، لقوله: {واختار موسى قومه سبعين رجلا} [الأعراف: آية 155]. وقيل: عدد بيعة الرضوان. وقيل: عدد أهل بدر، ثلاثمائة وثلاثة عشر. والاستدلال بها أنه إنما خصوا بذلك لحصول العلم بخبرهم. وسقوطه بين، فعلى هذا يتعذر الاستدلال بالتواتر على من لم يعترف به. (ج) استواء الطرفين والواسطة في الكثرة، وحصول العلم إن كان الخبر من غير المشاهدين.

(د) أن لا يعلم السامع المخبر به ضرورة، لأن تحصيل الحاصل محال، وكذا تقوية الضرورية محال. (هـ) قال المرتضى: أن لا يكون السامع معتقدا نقيضه لشبهة أو تقليد، إذ النص على إمامة علي - رضي الله عنه - متواتر .. عنده، وإنما لم يحصل للمخالف لاعتقاده نفيه لشبهة. واحتج عليه: بأن إفادته للعلم بالعادة، فجاز أن يختلف باختلاف الاعتقاد، بخلاف الإخبار عن البلدان، والحوادث العظيمة، إذ لا شبهة في نفيها ولا داعي يدعو العقلاء إلى اعتقاد نفيها. ولا يشترط في المخبرين أن لا يحصرهم عدد، ولا يحويهم بلد، إذ خبر أهل الجامع عن سقوط المؤذن من المنارة - قد يفيد العلم. ولا اختلاف أديانهم وأنسابهم وأوطانهم، لأن إخبار القبيلة المتفقة في ذلك قد يفيد العلم، خلافا: لقوم، لتهمة الاتفاق، وهو باطل، إذ لو حصلت لم يحصل العلم مطلقا، وإلا: حصل مطلقا. ولا وجود المعصوم فيهم، لأنه مبني على وجوده في كل زمن، ولأن المفيد قوله، لا خبر التواتر. خلافا للشيعة، وابن الراوندي، كيلا يتفقوا على الكذب. وجوابه: قد سبق. ولا إسلامهم، ولا عدالتهم، (لحصول العلم ببعض أخبار الكفرة والفسقة). خلافا: لقوم، لعدم حصوله بما نقلته اليهود والنصارى، ولكون الكفر والفسق مظنة

مسألة

التحريف والكذب. وسقوطه بين. ولا يشترط أن يكونوا محمولين على الإخبار بالسيف. خلافا لقوم، للتهمة. وهو باطل، لأنه إن حملوا على الصدق لم يمتنع حصول العلم بخبرهم، أو على الكذب لم يحصل العلم به، لفوات شرطه. ولا أن يكون فيهم أهل الذلة والمسكنة. خلافا لليهود فإنه لم يؤمن من التواطؤ على الكذب عند عدمهم، بخلاف ما إذا كانوا فيهم - فإن خوف مؤاخذتهم بالكذب يؤمن منه. وغرضهم منه أن لا تثبت معجزة نبينا وعيسى - عليهما السلام - إذ ليس في ناقليها منهم. وهم إن عنوا بأهل الذلة والمسكنة أنفسهم، فسقوطه بين. وإن عنوا به الفقراء الأخساء، والمساكين الضعفاء، والذين لا مطمع لهم في الشرف والغني، فهذا لو سلم لم يحصل منه غرضهم لأنه وجد في ناقلي معجزتهما منهم خلق كثير، ثم هو باطل، لأن احتراز الأكابر والأشراف عن الكذب أكثر وبما سبق، ثم ما ذكروه غير آت في الكل. مسألة القاضي والبصري: يجب اطراد العلم به، وإلا: لزم الترجيح من غير مرجح، ولأنه لو جاز لجاز مثله في إخبارهم بالنسبة إلى الواحد.

مسألة

وقيل: لا، إذ الأخبار تختلف في إفادته وعدمها، بالقرائن، وقوة الفهم فلا يطرد. والحق: أنه إن حصل بمجرد الإخبار وجب، وإلا: فلا. مسألة مهما اشتركت الأخبار الكثيرة في كلي واحد، يصير ذلك الكلي مرويا بالتواتر، لأن راوي الجزئي بالمطابقة راو للكلي بالتمضن، وهو كشجاعة علي، وسخاوة حاتم، لا يستدل عليه بعد كذب كلها، بل لا بد من صدق بعضها، ومتى ثبت ذلك لزم كونه شجاعا وسخيا، لأنا نمنع ذلك، ولو سلم فلا يلزم تواتره وسندهما بين. مسألة ما علم صدقه بغير التواتر أنواع. (أ) ما علم مخبره ضرورة، أو نظرا. (ب) خبر الله تعالى عند الملتين، لأن الكذب نقص، وهو منزه عنه باتفاق العقلاء، ولأن طبيعته عدمية، فلا يتطرق إلى واجب الوجود، لأن الواحد منا لا يكون أكمل منه تعالى بوجه ما، ولخبر الرسول عن امتناعه عليه. وأورد: بأنه دور، لتوقف صدقه على تصديقه تعالى إياه بالمعجزة. وأجيب: بأنه كقوله: أنت رسولي، وهو إنشاء لا يحتمل التصديق والتكذيب، فلا دور. وقدح: بأنه - حينئذ - لا يلزم صدقه في كل ما يقوله، بل في الرسالة خاصة، فلا طريق إليه، إلا: بالتصديق، فيعود الدور. وأجيب: بأنه مشترك الإلزام، والجواب واحد، وما ذاك إلا: أن صدقه في كل الأمور من ضرورة صدقه في الرسالة، وإلا: لما حصل مقصودها. و- أيضا - التصديق بالمعجزة تصديق بالفعل والقرينة، وهو لا يتوقف على الصدق في

المقال. ولأن كلامه نفسي، ويمتنع الكذب منه على من يمتنع عليه الجهل. وأورد: بأنه لا يلزم منه صدق الملفوظ، ثم ما الدليل على الكبرى. وأجيب: عن (أ) بأنه مطابق له، ويعرف ذلك بمنفصل. وعن (ب) أن الكذب في النفسي يستلزم الجهل. وقالت المعتزلة: الكذب قبيح، وهو عليه محال، إما لعدم القدرة عليه كمذهب النظام، أو لعدم الداعي لعلمه به، واستغنائه عنه. وأورد: بأنه لا خبر يخالف المخبر عنه في الظاهر، إلا: ويصح بإضمار أو تغيير، ومثله لا يقبح منه تعالى، إذ أكثر العمومات كذلك، و- حينئذ - يرتفع الوثوق عن الظواهر. لا يقال: لو كان غيره مرادا (لبين إزالة) للتلبيس والعبث، لأنه إنما يكون كذلك لو لم يحتمل غيره، ولم يكن له غرض غيره، فإما معه فلا، بل تقصير من المكلف كما في المتشابهات. فإن قلت: إنزالها مشروط بقيام ما يدل على امتناع ظواهرها. قلت: نعم، لكن لا يشترط على سامعها به، فكذا - هاهنا - فلعله وجد ولم يعلم، ولا يلزم من عدم العلم بالشيء - ولو بعد البحث الشديد - العلم بعدمه، و - حينئذ - يرتفع الوثوق. وهو غير مختص بالقائلين بالتحسين والتقبيح. وقدح: بأنه وارد على الطرق كلها، والجواب واحد، ثم الكذب: هو الخبر الذي لا يطابق المخبر عنه ظاهرا، مع عدم إرادة غير الظاهر تجوزا. (ج) خبر الرسول، وصدقه متفق عليه بين الملتين، قال الغزالي: (دليل صدقه المعجزة، إذ يمتنع ظهورها على يد الكاذب، وإلا: يعجز الله عن تصديق رسوله).

وهو ممنوع، إذ لا يلزم من إمكانه عجزة تعالى عن التصديق، إذ قد يجزم بانتفائه مع إمكانه، و-حينئذ- لا يقع اللبس، فلا يلزم العجز. وأورد الإمام: - أن تصديق الرسول على ذلك التقدير إن أمكن الملازمة، وإلا: لم يلزم العجز، إذ لا يتحقق بالنسبة إلى المستحيل. وإن كان عجزا: فامتناع إظهار المعجزة على يد الكاذب عجز أيضا، فلم كان أحدهما أولى؟ -وأيضا- إذا كانت قدرته على تصديق الرسول فرع عدم قدرته على إظهار المعجزة على يد الكاذب - لم يصح الاستدلال بالأول على الثاني. ثم لا نسلم امتناعه إذا كان ممكنا في نفسه، فلم ينقلب ممتنعا عند دعوى الكاذب. وأجيب: عن (أ) بمنع عدم تحققه بالنسبة إلى ما هو ممكن في نفسه، ممتنع لتقدير مستحيل، ثم المستحيل جاز أن يستلزم المستحيل. وعن (ب) بمنع أن إظهار المعجزة على يد الكاذب عجز، إذ هو مستحيل عندنا من حيث هو هو، لا لتقدير مستحيل. وعن (ج) أنه لو سلم (العجز)، لكن العجز عن المراد (أو) ما هو من لوازمه أشد محذورا مما ليس كذلك. وعن (د) بمنعه، إذ يستدل بنقيض اللازم على نقيض الملزوم، وإن كان فرعا. وعن (هـ) الممكن في نفسه قد يمتنع لغيره. (د) خبر كل الأمة لعصمتهم عن الخطأ. (هـ) من صدقه الله أو رسوله، أو مجموع الأمة. (و) أخبار أهل التواتر المختلفة عن الوجدانيات أو غيرها يوجب صدق بعضها بالضرورة، ولذا انقطع أن بعض ما روي عنه - عليه السلام - بطريق الآحاد صدق.

(ز) خبر من لم يصدق - قط -: (أنا كاذب) فإنه صدق قطعا، إذ لا يجوز أن يكون هذا الخبر (داخلا) في المخبر عنه، وإلا: لزم تقدم الشيء على نفسه، وفيه بحث سيأتي. (ح) المحتف بالقرائن، وهو اختيار إمام الحرمين، والغزالي، والإمام والنظام: لأنا إذا سمعنا أنه غضب السلطان على الوزير، ثم رأيناه خرج من داره في أنحس تقويم مع الترسيم عليه، وتولى عمله غيره، فإنا نقطع بصدقه، ونحوه كثير. المخالف: (أ) أن القرينة - وحدها - تفيد حيث يفيد الخبر معها، فلم يكن المجموع مفيدا. (ب) أنه معها قد يكذب، كما إذا سمع موت إنسان ثم شوهدت قرائنه، ثم تبين أنه مسبوت، أو مغمى عليه، أو أظهر خوف السلطان. (ج) لو أفاد، لأفاد في دعوى النبوة، فيستغني عن المعجز. (د) لو جاز ذلك في خبر الواحد لجاز في المتواتر. (هـ) ولاطرد كالخبر المتواتر. (و) لو أفاد، فلو فرض مثله مضادا له، وأفاد - لزم اجتماع الضدين، وإلا: الترجيح من غير مرجح. وأجيب: عن (أ) بمنعه إذ الأثر إذ أوجد عقيب مجموع أضيف إليه، وإن كان بعض أجزائه مستقلا، لو وجد وحده. و-أيضا- أنا نمنع أن القرينة وحدها تفيد ما يفيده الخبر المحتف بها، إذ القرينة لا تعين نوعا من جنس، وجزءا من نوع وصنف، بخلاف الخبر المحتف بها. ولأنه يفيد أجلى مما تفيده القرينة وحدها.

وعن (ب) أن القدح في البعض لايقدح في كل من صورها. وعن (ج) بمنع الاستغناء عنه، إذ يجوز أن تختص به قرينة خاصة، وهي المعجزة. وعن (د) أنه يفيد، وغيره يفيد، كيف والنظام يقول به - أيضا - في المتواتر. وعن (هـ) بمنعه، إذ العلم فيه بالعادة، فجاز أن يختلف في بعض الصور دون البعض، سلمناه، لكن لا نسلم عدم اطراد ما يفيده. وعن (و) أنه فرض محال. (ط) سكوت جمع عظيم عن تكذيب خبر عن أمر محسوس، يدل على صدقه. خلافا لقوم. إذا يمتنع سكوتهم مع علمهم بكذبه، لقيام الداعي إليه، إذ الصبر عنه مشق، وزوال الصارف، إذ لا يجمعهم رغبة ولا رهبة على كتمانه، لما سبق، ومع علمهم به، إذ يمتنع عادة أن لا يعلمه واحد. وأورد: بمنع امتناع عدم العلم به عادة، إذ لا بعد في ذهول سكان أحد شقي المدينة عما وقع في الآخر، سيما مما لا يحتفل به، ثم العادة لا توجب علم الكل، فلعل بعضهم علم، ولا امتناع في سكوته عنه لرغبة أو رهبة. سلمناه، لكن قد يسكت عنه لشره: من سفاهة، أو سعاية، أو تقول، أو اكتفاء بما سيظهر كذبه. وأجيب: بأنا ندعي العلم العادي فيما لا يخفى ذلك عادة على مثلهم، فلا يقدح الاحتمالات العقلية. وأما سكوت الرسول عن تكذيب خبر ذكر بين يديه - صلى الله عليه وسلم - وعلم عدم ذهوله عنه - عليه السلام - فثالثها: إن كان في ديني - لم يتقدم بيانه - أو إن تقدم لكن يجوز

نسخه، وأن لا يعرف مخبره بمعاندته. أو دنيوي فيشترط أن يعلم علمه به، وأن يستشهد به. وفيه نظر. وأن لا يعلم من المخبر أن لاينفعه الإنكار، وهو تفريع على عدم جواز الذنب عليه. (ي) الإجماع على موجب الخبر: يدل على صدقه عند الكرخي وأبي هاشم، وأبي عبد الله البصري، لأنه علم من عادتهم أنهم لا يجمعون بما لم يقطعوا بصحته. وأباه الجماهير، لجواز أن يكون لدليل آخر، أو لوجوب العمل بالمظنون. وأجابوا عما تمسكوا: بمنع عادتهم، وسنده الاتفاق على خبر عبد الرحمن، وخبر الصديق (الأنبياء يدفنون حيث يموتون)، (الأئمة من قريش). وعمل شطر الأمة بالخبر أو تمسكه به، وتأويل الشطر الآخر. يدل على صدقه - قطعا - عند كثير من الفقهاء، والمتكلمين، لأنه اتفاق على قبوله وصدقه. والحق خلافه، إذ يقبل ما لا يقطع بصحته، كخبر الواحد. ولو قيل: إنه في العمليات، فيقول من أوله، ولم يحج به: طعن فيه بأنه من الآحاد، ثم قد قيل: في العملية خبر الواحد، حيث لم تكن الدلالة منحصرة فيه. وقال بعض الشيعة: بقاء النقل مع توفر الدواعي على إبطاله يدل على صحته، كخبر الغدير، والمنزلة، فإنه سلم نقلهما في زمن بني

أمية، مع توفر دواعيهم على إبطاهلما. وزيف: بأن، الآحاد قد تشتهر بحيث يعجز الخصم عن إخفائها، ولأن صوارفهم عارضها دواعي الشيعة، كيف الإنسان حريص على ما منع، واتفاق الفريقين على قبوله لا يدل على صحته - قطعا - لما سبق. فيما يقطع بكذبه: (أ) ما علم عدم مخبره ضرورة، أو نظرا. (ب) خبر من لم يكذب قط: (أنا كاذب). قيل: إنه مبني على أنه لا يجوز اتحاد الخبر والمخبر عنه بكذبه، وكذا في الصدق، وهو ممنوع، فإن قول من لم يتكلم في يوم قط: (أنا كاذب في هذا اليوم) خبر، اتحد المخبر عنه بكذبه. وأجيب: بأنه ممتنع، لأن المخبر عنه متقدم بالرتبة، لمصلحة دخول (فاء) التعقيب على الخبر، وامتناع دخول ما يقتضي المعية عليهما، و - حينئذ - نمنع الاتحاد. وما ذكر في سنده مكذبه - لأنه لم يوجد منه خبر كاذب متقدم عليه، وذلك قد يكون بانتفاء أصل الخبر، ومنه كل إخبار أتى كاذب، لأنه (إن) صدق خبر ما: كذب هذا، وإلا: كذب هذا - أيضا - وهو مبني على (إن) هذا الخبر من جملة المخبر عنه به. (ج) ما نقل آحادا مما لو وجد لتوفرت الدواعي على نقله، لتعلق الدين به كأصول الشرع، أو لغرابته كسقوط المؤذن من المنارة، أو لهما كالمعجزات.

وجوزت الشيعة في مثله أن لا يظهر لخوف وتقية، كالنص على إمامة علي - رضي الله عنه - فإنه لم يظهر لمانع. لنا: أن تجويزه تجويز لأن يوجد بين بغداد والبصرة مدينة أكبر منهما، ولم تنقل، وأن القرآن عورض ولم ينقل، وأن بعض ما فرض علينا لم ينقل. فإن قلت: (أ) لا رغبة، ولا رهبة، فيما ذكرتم، بخلاف النص على إمامته، فإن المنازعين له فيها مستوليون على الناس وهم راجون منهم، وخائفون منهم. (ب) ثم العلم بعدم تلك الأمور، إن لم يتوقف على تلك المقدمة، فقد تساقط، وإلا: لم يكن ضروريا. (ج) ثم المثال لا يفيد الكلي، والقياس عليه لا يفيد القطعي، ولا الظن، للفرق المذكور. (د) ثم إنه منقوض بكيفية الإقامة، وهيئات الصلاة، وبمعجزات الرسول غير القرآن، ونقل القرآن لا يغني عن نقلها، لأن إعجازه نظري، بخلاف انشقاق القمر، وتسبيح

الحصى. ولو جاز أن يكون اشتهاره موجبا لفتور غيره جاز أن يكون دلالة قوله تعالى: {إنما وليكم الله} [المائدة: آية 55] الآية، وخبر الغدير والمنزلة على إمامة علي - رضي الله عنه - موجبة لفتور نقل النصل الجلي، على إمامته، ودخوله مكة عنوة، أو صلحا، وكلام المسيح في المهد، والنصارى مع كثرتهم ومحبتهم له - عليه السلام - لم ينقلوا ذلك نقلا، متواترا، وكذا معجزات أكثر الأنبياء، ووقائع الملوك المتقدمين. قلت: أجيب: عن (أ) أنه وإن كان كذلك، لكن يستحيل عادة أن تعم الرغبة والرهبة والجمع العظيم، على كتمان ما يعلمونه سيما إذا كان في إظهاره الثواب وفي كتمانه العقاب، والناقلون السلف الصالح. وعن (ب) أنه ضروري: (بمعنى: أن العلم به لا يحتاج إلى اكتساب الواسطة، وتشكلها، وغير ضروري، بمعنى: أنه يحتاج إليها. وعن (ج) أن المثال للتنبيه لاللاستدلال. وعن (د) أنه لاختلاف فعل المؤذن في التثنية والإفراد، وفعله - عليه السلام - في الجهر بالتسمية، ورفع اليدين أو لتساهلهم في النقل، لعلمهم أن تركه لا يوجب كفرا، ولا

بدعة، واشتغالهم بالقتال أنساهم، وسائر معجزات الرسول، لم يشاهد كل واحد منها أهل التواتر، ودخوله - عليه السلام - مكة عنوة، وهو مشهور وخولف فيه لشبهة، ولا يبعد ذلك من آحاد الناس، كما في الضروريات، وكلام المسيح - عليه السلام - إنما لم ينقل متواترا. لأنه - حين جرى - لم يكن عدد أهل التواتر حاضرا، وهو الجواب عن معجزات الأنبياء، ولتطاول المدة فترت الدواعي في النقل، وهو الجواب الأخير، ولأنه لا يتعلق بها أصل شرعي، بخلاف النص على إمامته - رضي الله عنه -. (د) ما نقل بعد استقرار الأخبار، ثم فتش فلم يوجد في صدور الرواة وكتبهم: فأما قبله فلا. (هـ) بعض ما روي عنه آحادا، يقطع بكذبه. لقوله: (سيكذب علي)، فإن كذبه أو غيره لازم. وأورد: لعل المراد منه: نسبته إلى ما ليس فيه، كالجنون والسحر، ثم إنه خبر واحد، فلا يفيد القطع بوجود مدلوله. وأجيب: عن (أ) أنه حاصل في زمانه، بل هو في زمانه، بل هو في زمانه أكثر، فلا معنى لتعليقه بالاستقبال. وعن (ب) أن الكذب عليه لازم على التقديرين، فكان قطعيا.

ولأنه وقع فيما نسب إليه ما يقطع بكذبه، ولأنه قيل: (نصف الحديث كذب)، وهو لا يفيد القطع. ثم الكذب من السلف ليس تعمدهم له لنزاهتهم عنه، بل بتبديل لفظ بآخر يعتقده في معناه، أن نسيان لفظ الرسول - عليه السلام - واعتقاد غيره أنه هو، أو نسيان ما يصح به الخبر، أو اعتقاد أنه من كلامه، وليس كذلك، ومنه "الشؤم في ثلاث: المرأة والفرس والدار"، قالت عائشة - رضي الله عنها - إنما قاله الرسول حكاية عن الغير، أو ترك سبب الحديث الذي لا يصح بدونه، ومنه (التاجر فاجر)، إذ قيل: أنه ورد في تاجر دلس، أو اشتباه كلامه بكلام غيره. ومن الخلف ما تقدم، وتعمد الكذب: لتنفير العقلاء عنه، كما فعلت الملاحدة. وللرغبة في حطام الدنيا، كما وضعوا في ابتداء دولة (بني) العباس أخبارا تدل على إمامة العباس وبنيه. ولترويج المذهب، كمذهب الكرامية، وللترغيب في العبادة كمذهب جمع من الزهاد، كما في (الكذب) للإصلاح. أو لاعتقاد أن قول غيره كقوله، كاعتقاد الأمامية: إنما صح عن أئمتهم يجوز أن يسند إليه - عليه السلام - لزعمهم: أن جعفر الصادق قال:

فصل فيما لا يقطع بصدقه ولا بكذبه وهو خبر الواحد

حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي (حديث) رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا حرج عليكم إذا سمعتم مني حديثا أن تقولوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فصل فيما لا يقطع بصدقه ولا بكذبه وهو خبر الواحد والمراد منه: ما لا ينقله أهل التواتر. فمنه ما يفيد الظن الغالب، كالمشهود، والمستفاض، وأصله كخبر العدل، ولا يفيده أصلا، كخبر الفاسق والصبي. وقيل: (إنه الذي يفيد الظن)، وهو غير مطرد ولا منعكس، للإمارة، ولما تقدم. وقيل: إنه الذي لم ينته ناقلوه إلى حد الاستفاضة والشهرة. وهو غير سديد على رأي أصحابنا، بل على رأي الحنفية. مسألة خبر العدل لا يفيد العلم. خلافا لبعض المحدثين. ثم الإمام أحمد والظاهرية بصفة الإطراء. والباقون خلافه. فإن عنوا به: أنه يفيد العلم بوجوب العمل، أو العلم بمعنى الظن، وبه أشعر كلام بعضهم - فلا نزاع، وغن عنوا به العلم، بمعنى القطع فباطل: (أ) لأنه لا يفيده بالنسبة إلى البعض دون البعض، للاتفاق عليه، والترجيح من غير مرجح، وبالقياس على التواتر، ولا بالنسبة إلى الكل، لأنا لا نجد ذلك من أنفسنا مع كثرتنا. (ب) إن جوز مثله بضده، لزم الترجيح مع غير مرجح أو اجتماع الضدين، وإن لم يجوز فباطل للاستقراء.

مسألة

(ج) لو أفاد لم يكن لاشتراط الشاهدين معنى، ولما احتاج الحاكم إلى التزكية، ولحصل الاستغناء عن المعجزة في دعوى النبوة، ولما حصلت زيادة الظنون بتعاقب الأخبار، ولأفاد نظريا إذ لا يفيد الضروري وفاقا، لكنه باطل، لعدم قاطع يوجبه بالأصل، وعدم الوجدان بعد البحث الشديد، وهو وإن لم يفد العلم بعدمه، لكن يفيد العلم بعدم العلم به من جهة العادة، وهو قادح في كون العلم به نظريا، ولخطأ، وفسق وضلل، كالقطعي، ولعارض القواطع كالتواتر. لهم: (أ) لو كان مفيدا للظن لما جاز اتباعه، للنصوص. (ب) كان علي - رضي الله عنه - يستحلف الرواة، إلا: الصديق، لأنه يفيده العلم، وهو حجة من لم يقل باطراده. (ج) لو لم يفد، لما ثبت به القتل والحدود، المبنية على الاحتياط ولما أفاد التواتر، إذ لم يحصل بكل واحد منهم فكذابا لكل. وأجيب عن الكل: بالمنع، وسنده بين. مسألة يجوز ورود التعبد به عقلا. خلافا لجمع من المتكلمين. لنا: (أ) أنه لا يستحيل لذاته، وهو بين، ولا لغيره، إذ لا يستلزم محالا - لو فرض تصريح الشارع به - بالأصل والاستقراء، ولأنه (ليس) إلا: احتمال كونه كذبا، لكنه يجوز أن يوجب العمل به، لتحصيل المصلحة الناشئة من العمل المظنون، كما في الشاهد، والاجتهاد في القبلة

ودخول الوقت، وشهر رمضان في حق الأسير. (ب) أنه إذا وجب العمل بظن صدقه فمدرك الوجوب معلوم، لأن ظن صدقه معلوم، فلا يحتمل الخطأ والغلط. (ج) أنه وقع لما تبين، فيكون جائزا قطعا. لهم: (أ) النصوص النافية لجواز العمل بالظن. (ب) التكليف، لتحصيل المصلحة ودفع المفسدة، وإلا: لكان عبثا والأمر باتباع ما احتمل الخطأ، أمر لما احتمل المفسدة، مع أنه لا ضرورة في اتباعه، لا مكان إبلاغه إلى عدد التواتر، والعمل بالبراءة الأصلية والأقيسة اليقينية بخلاف الشهادة والفتوى، وأروش الجنايات، وقيم المتلفات. (ج) قياس الفروق على الأصول، بجامع الظن بصدق. (د) أنه قد يتعارض بحيث لا يمكن العمل به، فشرعيته شرعية لما لا يمكن العمل به. (هـ) لو جاز التعبد به في العمليات، لجاز في وجوب تصديق مدعي النبوة، إذ هو عمل بالقاطع في الصورتين، وهو ظن الصدق. (و) لو جاز التعبد بالمظنون كلام الرسول، لجاز بمظنون كلام الله تعالى. وأجيب: عن (أ) بمنع أن العلم بما ظن صدقه عمل بالظن، لما سبق أو المراد منها: ما سبيله العلم جمعا بين الدليلين، ثم إنها لا تدل على عدم الجواز بل على عدم الوقوع، ثم المنع منه لظنين إذ لا قاطع لكم عليه، والجواب واحد. وعن (ب) بمنع أن ذلك عقلا بل شرعا، ثم بمنع أنه أمر بما احتمل الخطأ، فلم يكن أمرا بما احتمل المفسدة - لا يقال: الظن لا يصير ما ليس بمصلحة مصلحة، لأنا نمنع ذلك، لأن مدارك الحكام معرفات، ولا امتناع في أن يجعل الظن معرفا لذلك. وعن (ج) بالفرق، إذ سبيله القطع دونه. وعن (د) بمنع أنه لا يمكن العمل به، إذ فرضه التخيير، أو التساقط والرجوع إلى غيره،

سلمناه، لكن لا يسقط الميسور بالمعمور. وعن (هـ) بمنع عدم جوازه، ثم الدال على النبوة يجب أن يكون قاطعا والعمل بالقاطع في الصورتين إنما هو بالنسبة إلى وجوب العمل والتصديق. وعن (و) بمنع امتناعه، وإنما لم يجز في القرآن لكونه معجزا. مسألة من قال بالجواز اختلف في الوقوع: فقيل: لم يقع، لعدم ما يدل عليه في الشرع. جمع من القدرية، كالقاساني والظاهرية، لوجود ما يدل على المنع منه. والجماهير: على وقوعه، متفقين على أن السمع دل عليه. وقال الإمام أحمد والقفال، وابن سريج، والبصري: والعقل - أيضا - واتفق (الكل) على أنه حجة في الأمور الدنيوية، كالفتوى والشهادة والأغذية والأدوية، والأرباح. لنا: (أ) قوله تعالى: {فلولا نفر} [التوبة: آية 122] الآية. أوجب الحذر بإنذار الطائفة: ولأن لعل للترجي، وهو على الله تعالى - محال، فيحمل على الطلب لأنه لازمه، وهو بمعنى: ميل النفس، ممتنع في حقه تعالى، فهو بمعنى: الاستدعاء المانع من تركه، إذ هو بدونه خلاف الإجماع. و- أيضا - أطبقوا على أنه من الله التحقيق، لامتناع الترجي في حقه تعالى، فإذا دخل على ما هو مضاف إلى الله تعالى، حمل عليه لقوله: {لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا} [الطلاق: آية 1].

أو على ما هو مضاف إلى المكلف، كقوله: {لعلهم يتقون} [البقرة: آية 187]، حمل على سببه، وهو الوجوب، إذ قد لا يتحقق ذلك منه. أو نقول: لعلهم يحذرون يقتضي حسن الحذر أو إمكانه، وهو التوقي عن المضرة، والذي منع الخبر منه، قد لا يضر في الدنيا، فيحمل على مضرة الآخرة. والطائفة: عدد لا يفيد قولهم العلم: لأن كل ثلاثة فرقة بالنقل. ولأنها فعله، من فرق أو فرق، كالقطعة والكسرة، فكل ما هو فرق فهو فرقة، ترك مقتضاه في الاثنين، فيبقى فيما عداه على الأصل والطائفة من الثلاثة دونها. ولأن الطائفة استعملت فيمن لا يفيد قوله العلم: كالثلاثة والأربعة، وفيمن يفيد قوله العلم، فوجب جعله حقيقة في المشترك بينهما. ولأن المراد منها: لو كان عدد التواتر (لوجب) على الفرقة - التي هي عدد التواتر، أو أزيد: أن ينفروا بأسرعهم، أو عدد التواتر، وهو خلاف الإجماع. والإنذار: الخبر المخوف، نقلا واستعمالا -حينئذ- يجب الأخذ بالمخوف، وبغيره، إذ لا قائل بالفصل. لا يقال: عدم مجاز آخر ممنوع، فلا يحصل على ما ذكرتم. ونقل كون الثلاثة فرقة صريحا، ممنوع وغيره مؤول. والثاني: معارض بما يقال: الشافعية فرقة، والمجاز يصار إليه للجمع بين الدليلين. والثالث: معارض بما أنه لا يجب أن يخرج من كل ثلاثة واحد، أو اثنان. ثم المراد مجموع الطوائف، لضمير الجمع، ولعلهم عدد التواتر. ثم المراد من الإنذار: الفتوى لقرينة التفقه، والحمل عليه - وإن خصص القوم بغير المجتهد - لكن الحمل على الرواية يخصصه المجتهد، وتخصيصنا أقل فكان أولى. وإن حمل على المشترك بينهما: كفى في العمل به العمل بالفتوى. ثم المراد: الإنذار بما علم فيه المصلحة أو المفسدة العقليين دون غيره.

ثم المراد منه: الاتعاظ بأخبار الأولين، كقوله: {أولم يسيروا في الأرض} [المائدة: آية 9، فاطر: آية 44، غافر: آية 21] الآية. ثم الحذر للاحتياط لا للخبر، لأنا نجيب: عن (أ) الأصل عدمه، وعدم رجحانه، والتساوي يوجب الإجمال، والأصل عدمه. وعن (ب) أنه نقل ظاهر؛ لقولهم: الفرقة: طائفة من الناس، والطائفة من الشيء قطعة منه. وقال ابن عباس: (الواحد فما فوقه طائفة)، وتأويله تعسف، أو خلاف الأصل. وعن (ج) منعه، إذ الشافعية فرقة بحسب المذهب، فرق بحسب الأشخاص. عن (د) أنه ترك مقتضى الدليل فيه، فيعمل به في غيره. وعن (هـ) أن الرجوع مشروط بالسبق، وضمير الجمع لا يضر، لأنه قابل الكل بالكل فيوزع البعض على البعض. وعن (و) بمنع أنه المراد، وأن التفقة قرينة فيه إذ التفقه في الزمن الأول ليس إلا: حفظ الكتاب والأخبار وروايتها، ثم لزوم التخصيص، إذ الخبر قد يروى لغير المجتهد، ليزجوه عن الفعل، ويدعوه إلى الاستفتاء أو البحث عن معناه. وعن (ز) أنه - حينئذ - يجوز العمل بكل ما فيه المشترك، وإلا: لزم الترجيح من غير مرجح، فيجوز العمل بخبر الواحد، و-حينئذ- يجب العمل به، لعدم القائل بالفصل. ولأن الأمر بقبول الفتوى - إن ورد قبل هذا النص - لم يجز الحمل عليه فقط، وإلا: حمل عليهما دفعا للإجمال، وتكثيرا للفائدة. ولأن ترتيب الحكم على المسمى يشعر بعليته فيعم لعموم علته. وهو الجواب عن (ج)، (ط)، ويخصهما أنه مبني على التحسين والتقبيح العقلي، وأن التفقه في الدين ينفيه. وعن (ي) أنه لا احتياط في ترك ما علم أو ظن جوازه عن سماع ما ليس دليلا. (ب) قوله تعالى: {إن جاءكم فاسق بنبإ} [الحجرات: آية 6] الآية. يفيد عدم قبوله للفسق، لما سبق، فلم يجز إحالته إلى كونه خبر واحد، لأن عليه اللازم يمنع من العرضي، ولأنه لو رد لرد خبر غير الفاسق وهو خلاف النص.

ولأن مفهوم الشرط أن لا يثبت التبيين في غير الفاسق، وهو: إما بالرد، وهو باطل، لأن خبر العدل لا يكون أسوأ حالا من الفاسق، فهو بالقبول. وأورد: أن قوله: {أن تصيبوا قوما بجهالة} [الحجرات: آية 6] يفيد أن المنع لعدم إفادة العلم، وهو عام في جميع خبر الواحد. وأجيب: بمنعه، إذ الجهالة ضد العلم بمعنى الظن، وكل منهما يستعمل في الآخر. ولأن ما روى: أنه - عليه السلام - بعث الوليد بن عقبة مصدقا فرجع إليه، وأخبر أن الذين بعث إليهم ارتدوا وهموا بقتله، فعزم - عليه السلام - على قتالهم، فأنزل الله تعالى الآية تدل عليه. وما يروى: (بأنه بعث غيره ليكشف أمرهم)، فغير قادح، لأنه لم يخرج برواية الاثنين أو الثلاثة - عن كونه خبر واحد. وبالجملة: اعتماد الرسول على أخبار الآحاد وفي الغزوات والأسفار معلوم بالضرورة، وبه يعرف اندفاع ما يقال: إنه إثبات خبر الواحد بخبر الواحد. وفيه نظر، إذ النزاع فيما يثبت شرعا عاما، لا في نحو ما ذكروه. (ج) قوله تعالى: {إن الذين يكتمون} [البقرة: آية 159] الآية، يدل على وجوب إظهار الهدى، وهو لوجوب قبوله. لا يقال: لعل التوعد بعدد التواتر، ثم المراد منه ما يتلى، لأنه المتبادر منه ثم وجوبه للاشتهار، حتى يبلغ إلى حد التواتر، لا للقبول، يؤكده أنه يجب على الفاسق الإظهار وإن لم يجب القبول منه. (أ) لأنه تقييد بما لا إشعار للفظ به.

وعن (ب) بمنعه، فإن الهدى عام، ولم يزل العلماء في كل عصر يستدلون به على حرمة كتمان العلم. وعن (ج) أنه يجب حمله على الفوائد بأسرها دفعا للإجمال، وتكثير الفوائد، وعدم القبول من الفاسق لمانع. (د) قد علم بالضرورة بعد الاستقراء أنه - عليه السلام - كان يبعث رسله إلى القبائل آحادا، لتبليغ الأحكام. وأورد: بأنه للفتوى والقضاء، إذ العوام فيها أكثر. سلمناه، لكن التواتر بإبلاغه وإبلاغ الآخرين من بعده، فإن بعثهم دفعة متعذر أو متعسر. ثم إنه منقوض ببعثه كذلك للدعوة إلى الإيمان. وأجيب: عن (أ): بأن الإفتاء في ذلك الزمان في الأكثر إنما هو برواية الأخبار، لاشتراكهم في العلم بما يتوقف عليه الاستنباط، فلا منافاة. وعن (ب) أنه لو كان (له) لما أنكر عليهم عدم الامتثال قبله. وعن (ج) أن الدعوة معلومة بالتواتر من الواردين عليهم، والعبث إنما للتنبيه على القطعية، والإعلام والاستعلام. (هـ) الإجماع، إذ عمل واحتج به، كخبر الإمامة مع أنه في واقعة عطيمة، ومخصص لقوله: {أطيعوا الله} [النساء: آية 59] الآية، والدفن و (أن الأنبياء لا يورثون) مع أنه مخصص لآية الميراث، ومقادر الزكوات، ونصبها، والديات والجدة، والمجوس، والجنين، وتوريث

المرأة من دية زوجها والطاعون، وعدة الوفاة، والتقاء الختانين، مع أنه ناسخ والربا. والمخابرة، والمذي، وأن الحائض تنفر بلا وداع، وحرمة الخبر، وتحويل القبلة، ولا حصر لأمثاله. ثم إن التابعين، كعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجبر بن مطعم، ونافع بن جبير، وخارجة بن زيد، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار، وعطاء، وطاوس، ومجاهد وسعيد بن المسيب، على ذلك، وكذا فقهاء، الأمصار في كل الأعصار، قبل ظهور المخالف، ولم ينكر عليهم، لعدم نقله واشتهاره، فكان إجماعا. فإن قيل: دعوى الضرورة ممنوعة، لإنكار المخالف العلم والظن بالعمل المذكور. والاستدلال غير مذكور، ولو سلم فضعيف، إذ بلوغ الروايات المذكورة إلى حد التواتر ممنوع، وجعلها من الآحاد دور. ثم العمل لعله بغيرها أو بها، وهي متواترة. أو محتفة بقرائن. ثم عمل الكل به ممنوع، والبعض لا يفيده، ثم عدم الإنكار ممنوع، إذ رد الصديق خبر

المغيرة، حتى شهد له آخر، ورد هو وعمر خبر عثمان في إذن الرسول في رد الحكم بن العاص حتى طالباه بمن شهد له به. ورد عمر خبر أبي موسى في الاستئذان حتى شهد له الخدري، وخبر فاطمة بنت قيس، وقال: (لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا بقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت) ورد على خبر الأشجعي، وكان لا يقبل رواية أحد حتى يحلفه إلا: الصديق، وردت عائشة خبر ابن عمر. ثم السكوت يحتمل غير الرضا. ثم هو إجماع في النوع الذي قبلوه دون غيره، وهو غير معلوم لنا، فلا يتعين حجية نوع ما. ثم لا يلزم من جواز علم الصحابة جواز علمنا به، والإجماع على عدم الفصل بين نوع ونوع ممنوع، إذ لا طريق إلى العلم أو الظن به بعد تفرق العلماء شرقا (وغربا) ثم هو إجماع ظني والمسألة علمية. قلنا: أجيب:

عن (أ) بأنه ضروري بعد الاستقراء، ومعظم المخالف: كالنظام وشيوخ المعتزلة والإمامية، لم ينكر ذلك، وقليلهم: كالمرتضى وأتباعه لا يبعد منهم إنكاره، كمنكر الحسيات، والبديهيات سلمناه لكن نقطع أن الروايات بأسرها ليست كاذبة، وتقرير الإجماع كما سبق. وعن (ب) أنه لو كان كذلك لأظهروا إذ العادة والدين يوجبانه، على أن كون العمل بها مصرح به في بعضها. وعن (ج) أن الأصل عدم التغيير والقرينة. وعن (د) أن عمل البعض مفيد على الوجه الذي سبق، ودليل عدم الإنكار ما سبق، وما ذكر من الرد فليس بقادح، إذ قبلوا خبر الاثنين والثلاثة مع اليمين، فهو منه، ثم التوفيق: أن الرد، والتوقف لفقد الشرط، والتهمة والقبول عند عدمها. وعن (هـ) ما سبق في الإجماع. وعن (و) أنهم قبلوا في أنواع مختلفة، كالعبادات والمعاملات والجنايات، فلا يمكن ضبطه بنوع بعينه. وعن (ز) ما سبق من الإجماع بعدم الفضل، ولا نسلم عدم العلم أو الظن به بعد الاستقراء. وعن (ح) بمنع أنها قطعية، ثم المقصود حصول القطع من مجموع الأدلة لا من كل منها. (و) القياس على الفتوى والشهادة، والأمور الدنيوية، بجامع تحصيل المصلحة، أو دفع المفسدة المظنونتين، بل أولى، إذ الفتوى تتوقف على الرواية، وعلى ما لا تتوقف عليه، والشهادة تتضمن إثبات الحق على تعين المناسب، للاحتياط. لا يقاس: القياس لا يفيد اليقين، ثم قبولها يوجب شرعا عاما دونهما، وهما ضروريان: (أ) لتميز الحق على الباطل، وامتناع تكليف الكل بالاجتهاد دونها، إذ يمكن العمل بالبراءة الأصلية، لأنا ندعي الظن. وعن (ب) أن شرعهما شرع عام. ورد: بأنه مشترك، وتزيد الرواية بأن مضمونها كذلك. وعن (ج) بمنعه، إذ البراءة الأصلية مشتركة.

وزيف: بأنه يسد باب المعاملة، وإثبات الحقوق. (د) أن لا يثبت حكم في حق العامي، إذ عدد التواتر فيهما متعسر، أو متعذر. (هـ) أن العمل به يدفع ضررا مظنونا، إذ رواية العدل الأمر بالفعل، يوجب ظن العقاب، بتقدير تركه، فوجب العمل به لتعين العمل بالراجح. لا يقال: إنما يجب العمل به وإذا لم يمكن تحصيل العلم به. أو ظن أقوى منه، فأما مع إمكانه فلا، لاحتمال الخطأ مع إمكان الاحتراز عنه وللاكتفاء بالأدنى مع القدرة على الأعلى. ثم هو مقوض بشهادة الواحد والاثنين في الزنا، والفاسقين الذين يغلب على الظن صدقهما. وإن شرط فيه عدم قيام الدليل على فساده، وجب عليكم بيانه فيما نحن فيه، على أنه وجد ما يمنع من العمل بالظن مطلقا: (أ) لأنا نمنع اشتراطه به، ولا نسلم احتماله الخطأ، وسنده غير خاف، ثم لا نسلم امتناعه، إذ العقلاء يقدمون على الاحتمالات الرجحة، مع إمكان الخطأ، سلنماه لكن قبل تحصيل العلم (به) لا بد له من ترجح طرف. وعن (ب) أن الأصل عدم ما يدل على فساده، وستعرف الجواب عما يمنع من العمل بالظن. (ح) ذم العقلاء من يترك العمل بخبر الواحد كالمريض والمسافر وهو العلم بعلة وجوبه، وهو أنهم ظنوا به تفصيل ما عملوه جملة وعقلا، وهو وجوب الاحتراز عن المضاد وحسن اجتلاب المنافع، ودليل عليته الدوران: وهو حاصل في الرواية. (ط) طريقة الاحتياط.

مسألة

(ي) الظاهر صدق الراوي، فكان الحكم به واجبا، للحديث. (يا) أن حصر الحكم بالقاطع يوجب تعطيل أكثر الوقائع عن الحكم الشرعي. (يب) أو لم يقبل إلا: المتواتر لتعسر إبلاغ الشرائع، لتعسر بعث عدد التواتر إلى كل ناحية، بل يتعذر. للمنكر: (أ) الآيات المانعة من اتباع الظن، وقد تقدمت بأجوبتها. (ب) توقفه - عليه السلام - في خبر ذي اليدين. (ج) البراءة الأصلية معلومة، وخبر الواحد ظني، فلا يعارضه. (د) قبوله تقليد لرواية، فلا يجوز للمجتهد، للمانع منه. وأجيب: عن (أ) أنه للتهمة بدليل أنه قبله بعد شهادة الصديق والفاروق، ولم يخرج بها عن الآحاد. وعن (ب)، و (ج) بالمنع، إذ هي في الدوام ظني، وهو تقليد للمروي عنه. مسألة يشترط فيه التكريف، فلا يقبل من مجنون، ومراهق. (أ) لعدم الوازع. (ب) لا يقبل قولهما عليهما - لا لحق الغير، وصيانة المال - فأولى أن لا يقبل في شرع عام. (ج) أنه لا يحصل الثقة بقولهما، فلا يقبل، كالأمور الدنيوية. وإنما يقبل إخباره عن طهارته، حتى جاز الاقتداء به، إما لأن صحة صلاة المأموم لا

مسألة

تتوقف على صحة صلاة الإمام، أو لأنه لا يعرف ذلك إلا: من جهته، أو للاحتياط في الرواية. وكذا يصح الاقتداء بالفاسق، ولا تقبل روايته. لا يقال: هب أن صلاة المأموم لا ترتبط بصحة صلاة الإمام، لكن ظن كونه متطهرا أو تحققه شرطا: لصحة صلاته، فلو لم يحصل ظنه بقوله عند عدم الآخر، لما صح الاقتداء به - لأن الظن المعتبر فيه دون الظن في الرواية، على أن التحري بمثله غير معهود من أولاد المسلمين، بخلاف الكذب. وقبول الإمام مالك شهادتهم على بعضهم في الجنايات، قبل التفرق إنما هو للضرورة، أو لمسيس الحاجة. وأداء تحمل في الصبي، وروى في البلوغ، قبل: (أ) الإجماع الصحابة على قبول رواية ابن عباس، وابن الزبير والنعمان بن بشير من غير بحث عن المتحملين. (ب) إجماع السلف والخلف على إحضارهم مجالس السماع. (ج) القياس على الشهادة. (د) روايته في كبره يدل على ضبطه ظاهرا، فتقبل كغيره. مسألة لا تقبل رواية من ليس من أهل القبلة مطلقا وفاقا. وكذا من كفرناه من أهلها كالمجسم إن كان مذهبه جواز الكذب وإلا: قبل عند البصري، والإمام. خلافا للقاضيين والغزالي: (أ) لان الكافر فاسق وزيادة، فلا يقبل، للنص. (ب) الإجماع على عدم قبول رواية الكافر. (ج) قياسه على من ليس من أهل القبلة، بجامع المنع من تنفيذ قول الكافر على المسلم، ومن إكرام المستحق للإهانة، وجهله بكفره لا يعذره، لأنه ضم جهلا إلى الكفر. وأجيب:

مسألة

عن (أ) الفاسق في عرف الشرع: هو المسلم المقدم على الكبيرة. وعن (ب) بمنعه مطلقا، بل في غير أهل القبلة. وعن (ج) بالفرق، إذ كفر المخالف أغلظ. للبصري: (أ) أن اعتقاده تحريم الكذب يمنعه عنه، فيظن صدقه. (ب) أن كثيرا من المحدثين قبلوا خبر الحسن، وقتادة، وعمرو بن عبيد، مع علمهم بمذهبهم وكفر الصائر إليه. وأجيب: عن (أ) أن علة القبول الإسلام، مع ظن الصدق، بدليل عدمه مع ظن الصدق، كما في غير أهل القبلة. وعن (ب) أنه لا حجة في إجماع البعض، ثم لا نسلم الإجماع على كفرهم. وعن الرابع: بمنع دلالته عليه، إذ المراد من الحق: العذاب، والشرك، والخزي ممكن عقلا، سلمناه، لكن لا يلزم من مخالفة الأصل في صورة: مخالفته في غيره، بل يمتنع ذلك، لئلا يلزم تكثير المخالفة. مسألة العدالة شرط فيه وفاقا. لكن في معناها خلاف: فعند الحنفية: الإسلام، مع أن لا يعرف فسق. وعندنا: عبارة عن (هيئة راسخة في النفس، تحمل على ملازمة التقوى، والمروءة جميعا) فمعرفتها بمعرفة أثرها، وهو الملازمة، فكل ما يخل بالتقوى: من كبيرة، أو الإصرار على صغيرة، أو المروءة: من صغيرة - كسرقة باقة بقل والتطفيف، أو مباح كالبول والأكل في الشارع، وصحبة الأراذل، وإفراط المزاح - قادح فيها. فإن أقدم على فسق، ولم يعلم كونه فسقا، فثالثها: الفرق بين المظنون والمقطوع. قال الشافعي: أقبل شهادة الحنفي إذا شرب النبيذ، وأحده، وأقبل شهادة أهل الأهواء إلا: الخطابية من الرافضة، لشهادة الزور لموافقيهم.

وفي كون الخطابية من قبيل ما نحن فيه - نظر، إذ المحكي عنهم في المقالات ما يوجب تكفيرهم قطعا. لمن قبل كالغزالي والإمام والبصري: (أ) (أفضى بالظاهر)، وصدقه ظاهر. (ب) إجماع الصحابة والتابعين على قبول رواية قتلة عثمان والخوارج. (ج) أنه مظنون الصدق، ولا معارض، فيقبل، للمقتضى. (د) قياسه على العدل بجامع رجحان الصدق. وأجيب: عن (أ) بأنه منقوض بصور كثيرة، فإن أحيل ذلك إلى ما يدل على عدم اعتباره، فلم قلت: أنه ليس كذلك؟ والتمسك بالأصل معارض بمثله، وبيان صحته دور. وعن (ب) ما سبق. وعن (ج) بمنع عدم المعارض، إذ فسقه معارض. وعن (د) بالفرق المذكور. للمانع: (أ) آية التبيين، وجهله به ضم جهل إلى فسق. (ب) ترك العمل بالنافي للظن، في محل الوفاق، فيبقى في غيره إلى الأصل. (ج) أنه لا دليل على قبوله، فيبقى على الأصل. وأجيب: عن (أ) أنه معلل بالجرأة، وبالنقض بالمظنون. وعن (ب) بمنعه، ثم بوجود موجبة فيه.

مسألة

وعن (ج) بمنعه، وعدم الوجدان لا يدل على العدم. تنبيه: من ظهر عناده فيما ذهب إليه لا تقبل روايته، لأنه كذب مع علمه به. مسألة لا تقبل روايته المستور. خلافا (للحنفية). لنا: (أ) النافي للعمل بالظن، ترك العمل به في ظاهر العدالة، لقوته، وفيه ما سبق، ثم لا نسلم أنه عمل بالظن. (ب) عدم الفسق شرط القبول بالآية، والجهل بالشرط يوجب الجهل بالمشروط، والتقريب ما سبق. (ج) أنه مجهول الحال، فلا يقبل دفعا لاحتمال مفسدة الكذب، كالشهادة في العقوبات. (د) قياسه على المفتي، بجامع اشتراط العدالة والاجتهاد. (هـ) قياسه على مجهول الصبي، والرق، والكفر، وكونه محدودا في القذف. (و) رد عمر خبر فاطمة بنت قيس، ورد علي خبر الأشجعي في المفوضة ولم ينكر، فكان إجماعا. وأورد: على (ب) بأنه شرط ظنا لا علما، وإلا: لزم الترك بالدليل في ظاهر العدالة، وهو حاصل، والزيادة تلغي، لقوله: "نحن نحكم بالظاهر". وعلى (ج) أنه غير قادح، وإلاك لقدح في ظاهر العدالة، ثم الفرق - لو سلم الحكم - أنه يحتاط في الشهادة ما لا يحتاط في الرواية سيما في العقوبة. وعلى (د) أنه ليس للاجتهاد سبب ظاهر ينطا به الحكم، بخلاف الفتوى فإن الإسلام سبب ظاهر.

وعلى (هـ) بالفرق، وبما تقدم في القياس على الاجتهاد. على (و) أنه للتهمة، لدلالة الكلام عليه. لهم: (أ) علق التبين بالفسق، فينعدم عند عدمه، وليس هو بالرد، إذ المستور لا يكون أسوأ حالا منه، فهو بالقبول. (ب) الأصل والظاهر يدلان على عدم الفسق، فيقبل للحديث. (ج) أنه - عليه السلام - قبل شهادة الأعرابي بمجرد الإسلام، فالرواية أولى. (د) قبلت الصحابة قول العبيد والنسوان بمجرد علمهم بإسلامهم. وأجيب: عن (أ) بأنه معلق بعدم الفسق، لا بعدم العلم، به فيجب البحث عنه، لتحقق عدمه، فيقبل. وعن (ب) بمنع دلالة الظاهر عليه، بل الظاهر خلافه، للاستقراء، ورجحان الأصل عليه ممنوع، سلمناه، لكن آية التبيين تشير إلى خلافه، على ما تقدم بيانه، وإيماء النص وإشارته مرجح عليه، ثم إن الحديث مخصوص لمشترك بينه وبين ما نحن فيه، وهو دفع مفسدة الكذب، ثم إنه معارض بما يدل على عدم قبول الظني، وليس أحد التأويلين إلى من العكس، فعليكم الترجيح. ثم إنه معنا، لتواتره. وعن (ج)، و (د) بالمنع، والقياس على خبره في كون اللحم لحم المذكى وطهارته، وطهارة ماء الحمام، وفي كون المبيعة رقيقة له، وكون المنكوحة غير مزوجة، ولا معتدة - غير صحيح، لوجود الفرق، وهو أنه يقبل فيما ذكرته، مع الفسق، وأن الرواية تثبت شرعا عاما، بخلاف ما ذكرتم.

مسألة

وقبول رواية من روى عقيب إسلامه ممنوع، ولو سلم فالفرق: بأن احتمال الفسق فيه أقل من المستور، إذ يحتمل فيه كما يحتمل في ذاك، مع زيادة، ولتصميم العزيمة في الابتداء. مسألة في اعتبار عدد المزكى والجارح: ثالثها: - المختار - يعتبر في الشهادة، إذ شرط الشيء لا يزيد عليه، بل قد ينقص، كالإحصان. والتزكية - وإن كانت شهادة - بدليل ثبوت أحكامها، لكن في الشهادة دونها، فتقبل فيها ممن يقبل منه الرواية، بل جعلهما إخبارا فيهما أقرب من جعلهما شهادة فيهما، لعدم اشتراط لفظ الشهادة والطلب، ولمخالفة القاعدة وطريقة الاحتياط معارض (بما) فيه من التضييق والتضييع. مسألة في ذكر سبب الجرح والتعديل: ثالثها: قال الشافعي: يشترط ذكر سبب الجرح، لاختلاف المذاهب فيه، ولسهولة ذكر سببه، دون التعديل. وقيل: بعكسه، إذ مطلق الجرح يبطل الثقة، ومطلق التعديل لا يحصلها. للشارط: مجموع كلام الفريقين. للنافي: كالقاضي: أنه لا معنى لسؤال البصير بهذا التبيان. وغيره لا يصلح له. وفيه نظر: إذ العدل الجاهل لو عين ما به الجرح - قبل. والصحيح: ما اختاره الغزالي: أنه إن علم أسبابهما لا يجب، وإلا: وجب. مسألة الجرح مقدم على التعديل، لاطلاعه على ما لا ينفيه المعدل، ولو نفياه بطلت عدالته، لمجازفته، وجزمه فيما لم يكن فيه، إذ المنفي لا يعلم، نعم لو جرح بقتل مسلم معين فقال:

مسألة

(رأيته حيا)، تعارضا. وقيل: إن زاد عدد المعدل قدم. وزيف: أن سبب تقديم الجرح لا ينتفي بكثرة العدد. مسألة الحكم بشهادة تعديل، وإن رأى الحكم بشهادة الفاسق الصدوق وإلا: قدح ذلك في عدالته، وهو راجح على التعديل بالقول، وإن ذكر سببه لأنه يعقل اجتماعه، مع ما يمنع قبول قوله، ولما فيه من إلزام الغير. والعمل بالرواية تعديل، وإن علم أنه لا دليل له سوى تلك الرواية، وإلا: قدح في عدالته، وهو مرجوح بالنسبة إلى الشهادة والتعديل بالقول مع ذكر السبب، وتساوى التعديل من غير ذكر السبب. وفي كون الرواية تعديلا: ثالثها: - المختار - أنها تعديل إن عرف من عادته، أو من صريح قوله أنه لا يروي إلا: عن عدل وإلا: فلا، لأن كثيرا منهم يروي عمن لو سئل عنه لسكت، وليس يوجب العمل على غيره، بل ينقل، ويكل البحث عن العدالة إلى من يريد القبول. وهو مرجوح بالنسبة إلى ما تقدم، وراجح على مطلق التعديل. مسألة الأصل في الصحابة العدالة عند الجماهير، وتقبل روايتهم من غير بحث أحوالهم. وقيل: حكمهم فيها كغيرهم. وقيل: بذلك قبل ظهور الفتن فيما بينهم، أما بعده فكغيرهم. وقيل: من قاتل عليا لا تقبل روايته وشهادته.

وقيل: به في الفريقين، لعدم تمييز المحق عن المبطل، مع أنه نعلم أن أحدهما مبطل. وقال واصل بن عطاء: إن انفرد أحدهما بها من قبل، إذ الأصل عدالته وفسقه مشكوك فيه، وإن اجتمعا لم يقبل، لتعارض القطعيين. ومنهم من شك في فسق عثمان - رضي الله عنه وأرضاه -، وقتلته. لنا: ثناء الله ورسوله عليهم. قال الله تعالى: {والسابقون الأولون} [التوبة: آية 100]، {لقد رضي الله عن المؤمنين} [الفتح: آية 18]، {والذين تبوءو الدار} [الحشر: آية 9]. وقوله - عليه السلام - "خير القرون قرني"، "أصحابي كالنجوم" و"لو أنفق أحدكم ملء الأرض ذهبا ... ". "إن الله اختار لي أصحابا وأصهارا وأنصارا". ثم ما اشتهر من أحوالهم في الهجرة

مسألة

والقتال، وبذل المهج والأموال في مولاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقوية الدين - فيه الكفاية-. ومطاعنهم مروية بالآحاد، غير مشتملة على شرائط القبول، ولو سلم فلا يعارض الكتاب، وما تواتر من سيرهم، وما جرى بينهم من القتال والفتن فغير قادح، إذ كان اجتهادا، فإما مصيب أو مخطئ معذور أو جاهل بخطئه. ثم الصحابي من رأى الرسول - عليه السلام - وصحبه، ولو ساعة، روى أو لم يرو، اختص به اختصاص المصحوب أو لم يختص، لصحة تقسيمه إليهما، ولصحة الاستفهام عنهما، وهو مقتضى الوضع. وقيل: من رأى وصحب مدة، واختص به، وإن لم يرو، وهو مقتضى العرف. وقيل: إنه شرط - أيضا-. وثبت الصحبة بالنقل، تواترا وآحادا، وبقوله: رأيت الرسول، وصحبه ساعة. وفي ثبوتها بالمعنى الثاني بالأخيرة نظر للتهمة، مع إمكان إثباتها بالنقل، ويؤكد بمسألة ادعاء المودع الهلاك. مسألة قال الجبائي: لا يقبل خبر الواحد، ما لم يعضد ظاهر أو عمل بعض الصحابة، أو انتشار، ويقبل خبر الاثنين مطلقا. وعنه وعبد الجبار: اشتراط الأربعة في الزنا. لنا: إجماع الصحابة كما سبق، والمعقول المتقدم. فإن قلت: فقد نقل عنهم رد خبر الواحد، رد الصديق خبر المغيرة حتى شهد له محمد بن

مسلمة، وعمر خبر أبي موسى حتى شهد له الخدري، ورد خبر فاطمة بنت قيس، وردا خبر عثمان في رد الحكم، وطالباه بمن يشهد له به. والجمع: أن ذاك على ما ليس بمتواتر، أو على ما كان على أحد الشرائط المذكورة، وهذا على حقيقته. قلت: هنا جمع آخر، وهو: أن الرد للتهمة، والقبول عند عدمها وعليكم الترجيح، ثم إنه معنا، وهو عدم التعارض - حينئذ - إذا روى أنهم عملوا بخبر الواحد، بمعنى الحقيقة: عمل الصديق بخبر بلال وحده، وعمر بخبر حمل بن مالك، وبخبر عبد الرحمن في المجوس والطاعون، وبخبر الضحاك، وعلي بخبر المقداد، وكان يقبل من الصديق بغير حلف، وعثمان بخبر فريعة، والصحابة بحبر عائشة والربا بالمخابرة. وما شرط من المعاضدة فمشق - أيضا - في بعضها. له: (أ) عدم قبول الرسول خبر ذي اليدين، حتى شهد له الصديق والفاروق. (ب) الدليل ينفي جواز العمل بخبر الواحد، ترك العمل به في العدلين لقوة الظن، فيبقى ما عداه على الأصل. (ج) القياس على الشهادة، بل أولى، لأنه لا يثبت شرعا عاما. وأجيب: عن (أ) أنه للتهمة، إذ الاشتهار في مثله واجب، و - أيضا - لو دل فإنما يدل على اعتبار

مسألة

الثلاثة. وعن (ب) ما تقدم غير مرة. وعن (ج) الفرق والنقض. مسألة تقبل رواية مجهول النسب، بل من لا نسب له. وقيل: لا. لنا: قبول الرسول شهادة الأعرابي، وإجماع الصحابة، والمعقول المتقدم. ولا يقاس على جهالة العين، لأن ذلك لمعرفة الفسق. ولا يشترط فقه الراوي، وإن كان على خلاف القياس. خلافا للحنفية فيه. لنا: (أ) ما تقدم. (ب) قوله - عليه السلام - "نضر الله امرءا سمع مقالتي، فوعاها، وأداها كما وعاها، فرب حامل فقه ليس بفقيه". لهم: (أ) الدليل ينفي العمل بالظني، وقد مضى بجوابه، ويخصه - هنا - أنه يقتضي اعتباره مطلقا. (ب) ظن عدم وروده للتعارض، لا يترك إلا: بظن قوي.

مسألة

(ج) الأصل صدق الراوي، وعدم التعارض، فإذا تعارضا تساقطا، والأصل عدم القبول. وجواب (ب) ما سبق قبيله، إذ لا يخلو خبر عن معارضة أصل، كبراءة أصلية. وعن (ج) أن التعارض بعد القبول. ولا تقبل رواية المتساهل في حديث الرسول وفاقا. أما المتساهل في غيره دونه، فتقبل روايته لغير العالم بهما. ثم إن أكثر - ولم يعرف بكثرة مخالطتهم - لم يقبل، وإلا: قبل. مسألة الأصل إن كذب الفرع سقط وفاقا، لكذب أحدهما، وعدالة واحد منهما باق، لأنه غير معين، فلا يرفع بالشك، كالبينتين المتنافيتين وكالطلاق في مسألة الغراب، فتقبل شهادة كل (واحد) منهما، إذا انفرد. وإن شك أو ظن والفرع جازم: قبل عند الشافعي ومالك وأحمد - في رواية - والقاضي وأكثر المتكلمين. خلافا لأكثر الحنفية وأحمد - في الأخرى. ولذا لم يقبلوا حديث "القضاء بالشهاد واليمين"، لأنه روي عن سهيل بن أبي صالح، وقال: لا أعرفه، و"أيما امرأة نكحت

نفسها" الحديث، لأنه روي عن الزهري، وقال: مثله وإن شك الأصل، والفرع ظان - فالأشبه أنه من صور الخلاف، وإن ظنا فمن الوفاق. لنا: (أ) أنه قبل بعض التابعين، فإن سهيلا كان يروي حديث: "القضاء بالشاهد واليمين" عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن نفسه، ولم ينكر عليه، مع شيوعه، فكان إجماعا، وفيه نظر، فإن أبا حنيفة تابعي، فكيف ينعقد مخالفته، فإن ثبت أن خلافه بعده فينبني على انقراض العصر. (ب) المقتضى لقبول قوله موجود، وما عرض غير معارض، لاحتمال أنه نسي، فظنه لا يعارض قطعه. (ج) تصديقه إياه غير معتبر، وإلا: لما قبل عمن سكت عنهم، وحينئذ - يقبل إذا قال: لا أدري، فإنه ليس منه سوى عدم التصديق، وهو من صور الخلاف، والقياس على من روى عمن جن أو مات بعد الرواية غير صحيح، للفرق. للمخالف: (أ) أن عمر لم يقبل من عمار ما ذكره من حديث التيمم للجنب.

مسألة

لا يقال: إنه ليس مما نحن فيه، فإنه لم يرو عن عمر، بل عن النبي، لأنه إذا لم يقبل هذا فما نحن فيه أولى. (ب) أن الدليل ينفي العمل به إلى آخره، وقد مضى بجوابه. (ج) قياسه على الشهادة، والحاكم إذا شهد عليه شاهدان ونسي. (د) أنه ليس للشيخ أن يعمل به، والراوي فرعه، وغير فرعه. وأجيب: عن (أ) بأن اللازم منه عدم قبوله، لا عدم قبوله مطلقا. وعن (ج) المطالبة بالجامع، ثم بالفرق، وتخص صورة الحاكم: أن عدم تذكره يوجب ريبة. وعن (د) بمنعه، ثم بما تقدم. مسألة خبر الواحد: إن خالف قاطعا أول إن قبله قريبا، وإلا: رد، فإن علم تقدمه على السمعي: فبطريق النسخ، ومن جوز نسخ المقطوع بالمظنون حمله عليه في السمعي - إن علم تراخيه عنه. وإن خصص السمعي أو قيده، فعلى ما تقدم من الخلاف وغن خالف - مثله - لنسخ أو تأويل أو ترجيح أو توقف أو تخييرن وإن خالف قياسا: فإن ثبت أصله به ترجح عليه، وإلا: ترجح القياس عليه، وإن علمت مقدماته، وإلا: فإن علم حكم الأصل، والباقيتان ظنيتان، أو إحداهما وهي تعليليه بتلك، إذ القطع بذلك، مع ظن حكم الأصل لا يتصور: ترجح الخبر عليه مطلقا عند الشافعي وأحمد والكرخي، وكثير من الفقهاء. وعكس مالك. وتوقف القاضي.

عيسى بن أبان: إن كان الراوي عالما ضابطا - رجح الخبر، وإلا: فمحل الاجتهاد. البصري: إن نصت بقاطع رجح على الخبر - وإن كانت الثالثة ظنية - وإلا: فإن علم حكم الأصل فمحل الاجتهاد، وإلا: رجح الخبر - وإن علمت الثالثة. وعن الحنفية: أن الخبر إذا خالف قياس الأصول - لم يقبل كخبر المصراة، والقرعة في العتق، والتفليس، فإن عنوا به المقطوع فحق، وإلا: فالنزاع معهم - أيضا -. لنا: (أ) حديث معاذ، خص (عنه) بعضها، لمنفصل، فيبقى فيما عداه على ظاهره.

(ب) ترك الصديق رأيه لما سمع خبر بلال على خلافه، والفاروق في الجنين، وتوريث المرأة من دية زوجها، وفي دية زوجها، وفي دية الأصابع لما سمع أخبارها، وقال: "أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها، فقالوا بالرأي، فضلوا وأضلوا"، ولم ينكر عليهما فكان إجماعا. لا يقال: ردوا، قال ابن عباس - رضي الله عنهما - "كيف نصنع بمهراسنا" لما سمع ما روي عنه - عليه السلام - "إذا استيقظ أحدكم من منامه ... " الحديث، وقالت عائشة: "رحم الله أبا هريرة لقد كان رجلا مهذارا، فما نصنع بمهراسنا". وردا - أيضا - ما روي: "الوضوء مما مسته النار"، بالقياس وقال: "ألسنا نتوضأ بالماء الحميم، فكيف نتوضأ بما عنه نتوضأ". وردت - أيضا - خبر ابن عمر: "أن الميت ليعذب ببكاء أهله"، لمخالفة القياس فإنه يقتضي أن لا يؤاخذ شخص بذنب غيره.

مسألة

- لأنا نمنع أنه رد، بل وصف العمل بموجبه بالمشقة، لعظم المهراس ثم لا نسلم أنه للقياس، إذ ليس من الأصول ما يقتضي القياس عليه (جواز) غسل اليدين من ذلك الإناء، حتى يقال رده لذلك، بل لأنه لا يمكن الأخذ به، ثم إنه قطعي. ولا نسلم رد حديث الوضوء بالقياس، بل بطريق النسخ، أو الترجيح وما ذكره فهو استبعاد له وترجيح لما ليس كذلك. ولا نسلم رد حديث البكاء بالقياس، بل بصريح النص، لقوله تعالى: {ولا تزر} [الأنعام: آية 164]. (ج) أنه أقل احتمالا للخطأ، إذ التمسك به متوقف على ثبوته ودلالته ووجوب العمل به، والأولى: ظنية، والثالثة: قطعية، والثانية: قد تكون وقد لا تكون. وجزم الإمام بظنية الأوليتين - مناقض ما ذكره في تخصيص المعلوم بخبر الواحد. والتمسك بالقياس يتوقف على ثبوت حكم الأصل، مع المقدمات الثلاث وتعليله بمعينة، وحصلها في الفرع، وحصول الشرائط، وعدم المانع - عند من يرى تخصيص العلة - ووجوب العمل به فظنية أكثر من ظنية، وقطعية كذلك، فكان احتمال الخطأ فيه أقل، فكان الظن فيه أكثر، فكان أرجح. لا يقال: قد يكون ظني القياس أقوى منه، بحيث تتعادل الكمية بالكيفية فوجب الترجيح بالاجتهاد - لأن الدليلين السابقين منعا منه. وفيه نظر، لأن ظني عدالة الراوي، وهي في غاية الظهور في الصحابة سيما بالنسبة إليهم، وقبل ظهور الفتنة، فجاز أن يكون تركهم لظهور أمارة صدق الخبر، فلم يكن ذلك مانعا من الترجيح بالاجتهاد. مسألة فعله - عليه السلام - إن خالف موجب الخبر: فإن أمكن الجمع بينهما بتخصيص أو تأويل صير إليه، وإلا: فالترجيح.

مسألة

وعمل أكثر الأمة بخلاف الخبر، لا يوجب رده، إلا إذا قيل: بأنه إجماع، لكن يرجح به. مسألة زيادة الثقة مقبولة مطلقا إن لم يعلم اتحاد المجلس. وإلا: فثالثها: التوقف. وقيل: إن السكوت من عدد لا يغفل مثلهم عن مثلها عادة - لم تقبل، وإلا قبلت. والخلاف في انفراد الواحد عن الواحد مرتب على انفراد الواحد عن الجماعة، فإن كان الساكت أضبط، أو صرح بنفي الزيادة على وجه يقبل - فتعارض. فإن غيرت الزيادة إعراب الباقي: كقوله: (أدوا عن كل واحد حر أو عبد صاعا، والآخر (نصف صاع) - فتعارض، للتنافي، فيصار إلى الترجيح بخلاف ما إذا لم تغير، فإنه زيادة علم من غير تناف. وقال أبو عبد الله البصري: كالأول، لتلك العلة، واختلاف الإعراب تابع للاختلاف

مسألة

في الزيادة، فلا يمنع من القبول. لمن قبل: أنه عدل، جازم بالرواية، فتقبل، كما لو انفرد بحديث عن جماعة النقلة، وتحمل على أنه - عليه السلام - ذكر الحديث في المجلس مرتين، ولم يحضر في مرة الزيادة غيره، أو أنه وإن ذكر مرة (واحدة) لكن الساكت دخل في أثناء الكلام. وهذا يبعد إن كانت الزيادة في آخر الحديث، أو إن حضر من أوله، لكن ربما حدث ما أوجب ذهوله عنها، أو عقل أو نسي، وهي وإن كانت بعيدة لكن تكذيب العدل، أو حمله على ما يوهم سماعه، أو سماعه منه - عليه السلام - مع أنه ليس كذلك - أبعد. ولمن رد: أن سهو الواحد ونسيانه أقرب من الجماعة، فيحمل على أنه سهى في سماع ما لم يسمع، وهو إن كان أبعد من السهو في عدم سماع ما سمع، لكنه يترجح بأن سهو الجماعة أبعد، ولو سلم عدمه فيتعارضان والأصل عدم وجوب القبول، وعدم صدوره منه - عليه السلام. وأجيب: بأصالة صدق الراوي، والاحتياط. وبتعارض هذه الاحتمالات يتمسك المتوقف. وإن اختلفت رواية الواحد في ذلك: فإن أسند ذلك إلى اختلاف المجلس - قبلت، وإلا: فإن غيرت إعراب الباقي فتعارض، إلا: فإن كانت مرات روايته للزايدة أقل، لم تقبل، لأن حمل الأقل على السهو أولى، إلا: أن يصرح بسهوه في تلك المرات، وإن لم تكن أقل - قبلت، لما سبق. مسألة إذا وجد خبر الواحد مخصصا، أو مقيدا لمقطوع - ولم يعلم التاريخ - قبل، وبه قال عبد الجبار؛ لأن الصحابة رفعت كثيرا من أحكام الكتاب به، من غير علم بالتاريخ.

مسألة

ولأن حمله على كونه مخصصا أولى من حمله على كونه ناسخا مردودا. فإن علم التاريخ: وأحكامه تقدمت في مواضعها. مسألة مخالفة الراوي ظاهر الحديث لم تقدح في وجوب الأخذ به. خلافا للحنفيةن ولذلك حملوا خبر أبي هريرة في: "ولوغ الكلب" على الندب. وقال البصري وعبد الجبار: إن لم يكن لو وجه غير العلم الضروري بمراده صير إليه، وإلا: صير إلى ظاهر الحديث. لنا: أن الحجة كلام الرسول، لا مذهب الراوي، وبتقدير أنه حجة: فأضعف منه، فلا يجوز الأخذ به معه. ومخالفته - لدليل ظنه دليلا، مع أنه ليس كذلك - لا يقدح في عدالته، ولا يدل على نسخه، وضعفهن لما سبق. ثم إنه معارض بما أنه لو كان كذلك لبينه، وإلا: لكان ملبسا. وكونه عدلا عالما بشرائط الاجتهاد لا يمنع من خطئه سهوا وغلطا، ولو سلم أن الظاهر خلافه لكن ظاهر الحديث أولى منه، ثم إنهم لم يجروا عليها في خبر بريدة، إذ روى ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه - صلى الله عليه وسلم - "خيرها لما أعتقتها عائشة بعد شرائهاـ وهي مزوجة"، ومن مذهبه أن بيع المزوجة يفسخ النكاح، والنكاح بعيد عن الفسخ، فالظاهر أنه

مسألة

أخذه توقيفا. وإن حمل الراوي الحديث على أحد محتملاته: فهو أولى إن كان بطريق التفسير، أو إذا لم ينقدح فيه الاجتهاد، وإلا: فتردد. مسألة خبر الواحد: إن أفاد علما وفي الدلالة ما يفيده قبل، لاحتمال أنه - عليه السلام - قاله لآحاد الناس اكتفاء بذلك الدليل، وإلا: رد، وإن أفاد معه العمل، إذ التكليف به مع أنه لا يفيده تكريف ما لا يطاق، ولا يقطع بكذبه، لجواز أن قصد به علم من يشافهه به. وإن أفاد عملا تعم به البلوى: قبل. خلافا للحنفية، ولذلك لم يقبلوا خبر المس، ورفع اليدين في الرفع من الركوع، والجهر بالتسمية، والترجيع والإفراد في الإقامة. لنا: ما سبق.

وقبلوا خبر (القيء)، و (الرعاف) و (القهقهة في الصلاة) و (وجوب الوتر)، و (الغسل من غسل الميت). لهم: (أ) إجماع الصحابة، رد أبو بكر خبر المغيرة في الجدة، ورد عمر خبر أبي موسى في الاستئذان. (ب) لو صح لأشاعه، وأوجب نقله بالتواتر مخافة أن لا يصل إليهم.

مسألة

(ج) الدليل ينفي قبول خبر الواحد، وقد مضى جوابه. وأجيب: عن (أ) بما تقدم. وعن (ب) بمنعه، لأن وجوبه فرع عدم قبوله، فلا يستدل بانتفائه على أصله. مسألة يجوز نقل الخبر بالمعنى عند عامة الفقهاء والمتكلمين، كالأئمة الأربعة والحسن البصري، بشرط مساواة الترجمة للأصل في إفادة المعنى، بحيث لا يحتاج فيه إلى نظر واجتهاد، وفي الجلاء والخفاء، إذ يقصد الخطاب بالمتشابه والمحكم، ومعرفة الراوي بدلالة الألفاظ، واختلاف مواقعها. خلافا لابن سيرين وبعض المحدثين، ونسب إلى الشافعي ومالك إذا روى أنه كان يشدد في الياء والتاء. وحمل على المبالغة في الأولى. لنا: (أ) قوله - عليه السلام - "إذا أصبتم المعنى فلا بأس". (ب) إجماع الصحابة، إذا نقلوا ما ذكر في مجلس واحد بألفاظ مختلفة من غير نكير. (ج) كانوا يروون بعد الأعصار من غير تكرار وكتابة، وهو بالمعنى ضرورة. (د) كان بعضهم إذا حدث قال: كذا أو نحوه. (هـ) قيل لواثلة بن الأسقع: (حدثنا حديثا ليس فيه تقديم ولا تأخير، فغضب وقال: لا

بأس إذا قدمت أو أخرت إذا أصبت المعنى). (و) قياسه على شرح الشرع للعجم بلسانهم، بل أولى، لقلة التفاوت بين عربيين، وفيه نظر، إذ لا يتعلق بذلك الشرح نظر واجتهاد، بل هو إعلام كالإفتاء. (ز) اللفظ غير مقصود بالذات كما في القرآن، لكونه معجزا، فإذا حصل المعنى بتمامه لم يضر اختلافه. للمخالف: (أ) قوله - عليه السلام -: "رحم الله امرءا سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمع" الحديث، والضمير: يرجع إلى المقالة، فلايتناول غير اللفظ، و-أيضا- قوله: "رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه" إشارة إلى تأدية الألفاظ المسموعة. (ب) تجويزه يؤدي إلى تفاوت عظيم، إذ يجوز للثاني وللثالث، واعتقاده عدم التفاوت: لا يوجب عدمه. (ج) قياسه على القرآن، وكلمات الأذان والتشهد والتكبير بجامع وقوع التعبد باتباعه. وأجيب: عن (أ) بأنه لا يدل على عدم الجواز، بل على أنه أولى، إذ ليس فيه إلا: الدعاء، وهو لا يدل على الوجوب، بلعلى الندب، كما ورد في سنة العصر وغيرها، و- أيضا - فإن تعليله يدل على أن ذلك لاختلاف، ونحن لانجوزه عند احتماله، بل فيما نقطع بانتفائه، و - أيضا - أن

مسألة

من أدى تمام المعنى فقد أدى كما سمع، وإن اختلف اللفظ، ولذلك يوصف المترجم والشاهد به. وفيه نظر، لأنا نسلم ذلك لو لم يكن في الخبر ما يدل على تعيين اللفظ. وعن (ب) ما سبق في شرطه، واحتمال ظهور الخطأ فيما يجزم به الإنسان، يوجب عدم الوثوق باليقينيات. وعن (ج) أنه يتوقف على إثبات التعبد بلفظه، فإثبات التعبد بلفظه به دور. مسألة نقل بعض الخبر غير جائز إن تعلق المحذوف به، تعلقا لفظيا أو معنويا وفاقا، ولأنه موقع في الخطأ، ويعد تحريفا. وإلا: فإن جوز نقله بالمعنى جاز، إذ لا محذور، كنقل أحد الخبرين، وإن لم يجوز، فالأكثر على منعه، للحديث المتقدم. وقبل: بجوازه لعدم علة المنع. مسألة لا يقبل المرسل عند الشافعي والإمام أحمد في رواية خلافا لمالك وأبي حنيفة وأحمد - في أخرى - والمعتزلة وعيسى بن أبان: إن كان من الصحابي، أو أئمة النقل. وهو: أن يقول: قال فلان: وهو لم يعاصره. فإن قال الصحابي: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فليس بمرسل لا يقبل على الأظهر، إذ روايته عن غير الرسول ممن لا صحبة له بعيدة، وفي مثله عن غيره الخلاف مرتب، وأولى بعدم القبول. لنا: (أ) أن عدالته لم تعلم، إذ العدل قد يروي عمن لو سئل عنه، لسكت عنه، أو جرحه، أو جرحناه، والجهل بالشرط جهل بالمشروط.

فإن قيل: عدم العلم بعدالته بمعنى الظن ممنوع، وبغيره لا يضر، إذ روايته عن العدل أرجح، فإن عدالته تمنع من قوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما لم يعلم أو يظن أنه قوله، ولا ذلك إلا: لعلمه أو ظنه بعدالته، ولأنها تمنعه من إيجاب شيء على عامة المكلفين، ما لم يعلم أو يظن ذلك. قلنا: الدليل عليه: أنه لم يكن حاصلا قبل الرواية، ولم يوجد سواها، وهي لا تدل عليها، لما سبق. ولأنها لو دلت عليها، لكان الجرح بعدها نقضا، وما ذكر في سند المنع ممنوع، لأنها إنما تمنع لو كان موجبا للظن، فإن بتقدير أن يكون معناه سمعت أنه قال سمعت رسول الله، لا يمنعه منه، فإثبات كونه موجبا للظن به دور، وهو جواب للثاني، فإنه إنما يكون موجبا لو ثبت عدالته، فإثباتها به دور. (ب) قياسه على ما إذا لم يذكر الفرع شاهد الأصل بجامع عدم معرفة عدالة الأصل، التي هي شرط القبول، بل الشهادة أولى بالقبول، لأن إرساله فيها مع أنها يحتاط فيها ما لا يحتاط في الرواية يدل على جزمه أو غلبة ظنه بها. وبه يعرف اندفاع ما يذكر من الفرق بينهما، وهو: أن الشهادة تتضمن إثبات الحق على معين، فتتطرق إليها التهمة، فاحتيط فيها بما لا يحتاط به في الرواية. ثم إنه معارض بأن الخبر يثبت شرعا عاما، فكان أجدر بالاحتياط وليس تقديم الأصل بالرجوع لازما في كل صورة، ليجب ذكره لأجله، ولأن الغالب والأصل عدم الرجوع، ولا يترتب حكم كلي بجواز طريان احتمال مرجوح للاستقراء. واستدل: (أ) أنه لو قيل: لم يكن لذكر أسماء الرواة والبحث عن عدالتهم معنى. وأجيب: بمنعه، إذ فائدته حصول ظن عدالته للراوي ليرسل وتمكن المجتهد من البحث عنها لزيادة الظن، إذ ليس البحث كالتزكية، وبأن وجود طريق لا ينفي آخر، سيما إذا كان أحوط وأولى. (ب) قياسه على التواتر، فإنه لايثبت بقوله. وزيف: بأن القطع لا يحصل بقول الواحد، بخلاف الظن، ولأن شرطه استواء الطرفين

والواسطة، وهو مفقود فيه. (ج) لو قبل: لقبل في زماننا. وأجيب: بمنع الملازمة فيه، لكثرة الخلاف والسائط، وانتفاء اللازم إذ لم يكذبه الحفاظ والكتب الصحاح. للمخالف: (أ) آيتا الإنذار والتبيين. (ب) والإجماع. قال البراء بن عازب: (ليس كلما حدثناكم به عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمعناه منه، غير أنا لا نكذب)، وروى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "إنما الربا في النسيئة"، ثم أسنده إلى أسامة، وروى - أيضا - "أنه ما زال يلبي حتى رمى جمرة العقبة"، فلما روجع فيه أسنده إلى أخيه الفضل، وروى أبو هريرة "من

أصبح جنبا فلا صوم له"، ثم أسنده إلى الفضل بن عباس، وروى ابن عمر "من صلى على جنازة فله قيراط"، فلما روجع فيه أسنده إلى أبي هريرة. وعن الأعمش قلت لإبراهيم النخعي: إذا حدثتني (فأسنده، فقال: إذا قلت لك حدثني فلان عن عبد الله بن مسعود، فهو الذي حدثني عنه، وإذا قلت لك: حدثني عبد الله فقد حدثني) به جماعة. وكان سعيد بن المسيب يرسل الأخبار، ومراسيله مقبولة عند أكثر المنكرين وكذلك الحسن البصري، وروجع في بعض مراسيله، فقال: أخبرني به سبعون بدريا، ونحوه عن الشعبي، وغيرهم من غير نكير، فكان إجماعا.

فروع

(ج) والقياس على ما جاز أن يكون مرسلا، كقوله: عن فلان. وأجيب: عن (أ) أن الرواية مخصوصة عنهما كالشهادة، بجامع الاحتياط وكما إذا ذكر شيخه ولم يعدله، بجامع الجهالة، بل هو أولى بالقبول، لقلتها. وعن (ب) أنه لا إجماع مع الخلاف، واتفاق كل الساكتين عليه، أو البعض، مع سكوت الباقين - ممنوع، إذ باحثوا ابن عباس وابن عمر، وأبا هريرة مع جلالة قدرهم، وظهور عدالتهم، لو كان مقبولا لم يكن للبحث عنه معنى. لا يقال: إنه لزيادة الظن، لأن المرسل يفيد أكثر عندهم، ولذلك رجحه بعضهم على المسند عند التعارض، ثم لا نسلم إجماع التابعين، لتفرقهم شرقا وغربا، ولإنكارهم، قال ابن سيرين: (لا تقبلوا مراسيل الحسن وأبي العالية فإنهما لا يباليان عمن رويا). ولا يقال: إنه للتهمة، فإن التهمة قائمة في كل إرساله، فإنه إذا جاز للعدل أن يرسل، وإن لم يكن المروي عنه عدلا، لم يمكن الاستدلال على عدالته، إلا: إذا عرف من عادته أنه لا يروى إلا: عن عدل، وذلك لا نزاع فيه، ثم لا يلزم من قبول مراسيلهم قبول مراسيل غيرهم، ودعوى الإجماع عل عدم الفصل ممنوع، إذ بعضهم قبل مراسيل أئمة النقل. وعن (ج) أنه ظاهر في الرواية عنه لصحبته، فإن لم يعلم ذلك، أو علم أنه لم يسمعه منه لم يقبل. فروع: (أ) قال الشافعي - رضي الله عنه - لا أقبل (المرسل) إلا: إذا أسنده المرسل أو غيره، وهذا

إذا لم تقم الحجة بإسناده، وإلا: فلا وجه له. (أو أرسله راو آخر يعلم أن رجال أحدهما غير الآخر). وأورد عليه وعلى ما قبله: أن ما ليس بحجة لا يصير حجة بإضافة مثله إليه، إذا كان المانع منه حاصلا حالة الضم، وهو احتراز عن الشاهد الواحد. وأجيب: أن الأصل (عدم جواز العمل عند الجهل بعدالة المروي عنه، ترك العمل به فيه) لقوة الظن بالإجماع، فتبقى حالة الانفراد على الأصل. (أو عضده قول صحابي، أو فتوى أكثر أهل العلم). وما تقدم من الإشكال وارد عليهما. (أو يعلم أنه لو نص، لنص على من يقبل خبره)، قال الشافعي - رضي الله عنه - (وأقبل مراسيل سعيد بن المسيب، لأني وجدتها بهذه الشرائط). (ب) إذا أسند الحديث إسنادا تقوم الحجة به قبل، وإن أرسله غيره، وقلنا لا يقبل، إذ المرسل ربما سمع كذلك، (أو سندا لكن نسي نسخه وهو يعلم أنه ثقة جملة، أو إن ذكره لكن أرسله)، لقوة ظنه، أو إن روى عن فاسق مع علمه به، فهو يقدح في روايته، ولا في غيره. فإن أسنده المرسل فكذلك - وإن كان إرساله أكثر - لبعض ما سبق خلافا لبعضهم. (ج) (إذا ألحق الحديث بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ووقفه غيره على الصحابي، فهو متصل، لجواز أن الصحابي) روى عنه - عليه السلام - مرة، وذكر عن نفسه أخرى، أو وأنه سمعه متصلا لكن نسي وظن أنه ذكره عن نفسه. وكذا لو وقفه الملحق، خلافا لبعض المحدثين. فإن أوقف أو أرسل زمانا طويلا، ثم أوصل وأسند، فيبعد جعله كذلك، إذ يبعد حسابه في تلك المدة الطويل، ثم تذكره، إلا: أن يكون له كتاب يرجع إليه. (د) من دأبه الإرسال إذا أسند خبرا: قبله كثيرا ممن لم يقبل المرسل، لأن إرساله لا يقتضي خللا في إسناده. ورده الأقلون، لأن إرساله لضعف الراوي، فسرته له خيانة. وهو ضعيف،

مسألة

إذ يحتمل أنه سمعه كذلك، أو لقوة الظن، أو آثر الاختصار في الأكثر، نعم لو علم ذلك منه لم يقبل مرسله ولا مسنده وفاقا. (هـ) من قبل حديث المرسل، إذا أسنده، كيف يقبله: قال الشافعي: إنما يقبل ما قال فيه حدثني، أو سمعت، ولا يقبل لفظ موهم، كقوله: أخبرني عن فلان. وقيل: إنما يقبل إذا قال سمعت فلانا. فحدثني عند الأولين للمشافهة، وأخبرني متردد بينها وبين الإجازة والكتابة، وهو اصطلاح، وإلا: فمن جهة اللغة لا يظهر ذلك. مسألة أخفاء ذكرى المروي عنه لضعفه، تدليس قادح في الرواية، أو نصغره فلا، أو لاختلاف في قبول روايته كأهل البدع، وهو يعتقد قبول روايته، فكذلك في غير ذلك الخبر، فأما فيه: فمن يكتفي بالعدالة الظاهرة، أو لم يكتف بها لكن قبل المرسل: فكذلك، وإلا: فلا. مسألة في مراتب نقل الصحابي، وهي سبع: (أ) قول سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (يقول) كذا، أو أخبرني، أو شافهني، أو حدثني. (ب) قوله: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا، ظاهرة النقل عنه. خلافا للقاضي. وليس قوله نصا فيه، إذ يحتمل أن يكون بواسطة، وهو مقبول على التقديرين، لما سبق، وليس بظاهر من غيره ممن عاصره - عليه السلام -. (ج) قوله: أمر الرسول بكذا، أو نهى، وفيه الأول، مع احتمال أنه حكاية لفظ الرسول،

واختلاف الناس في صيغ الأوامر والنواهي، وهو حجة. خلافا لداود وبعض المتكلمين. لأن الظاهر من حاله أنه لا يطلقه إلا: إذا تيقن مراده، وإنما قيد به إذ لا يجوز ذلك بناء على الظن الغالب، لا لأن إيجابه يقتضي إيجاب ما ليس بواجب، لأنه مبني على حجيته، فلو أثبت حجيته به: لزم الدور، بل لأن ظنه حجة في حقه ومقدلته، لا غير، فلو أطلق ما ظاهره أنه حجة على العموم لكان مدلسا، وظاهر عدالته ينفيه. وأما احتمال أنه أمر الكل أو البعض دائما أو غير دائم: فمدفوع بما يعلم بالضرورة دوام الشرع عموما. (د) قوله: أمرنا بكذا، ونهينا عن كذا، ونحوه: أوجب وأبيح، محمول على أمر الرسول. خلافا للصيرفي والكرخي. لنا: أن المتبادر من قول من التزم طاعة ملك: أمرنا بكذا - أمره. ولأن غرضه تعليم الشرع، فيحمل عليه، لا على أمر الله، لأنه ظاهر للكل، فلا يستفاد منه، ولا على أمر الولاة والأئمة، لأنه لا يستفاد منهم، ولا على أمر مجموع الأمة، لأنه منهم، ولا على ما فهمه من الدليل، وكان الدليل هو الأمر، لأن فهمه إنما هو حجة على من قلده، لا غير. لهما: أنه متردد بين المحال المذكورة، فلا يكون حجة، للإجمال والأصل. وجوابه: منعه، ومسنده: بين مماتقدم. (هـ) قوله: من السنة كذا، محمول على سنته - عليه السلام - لما سبق. خلافا لهما، لما سبق، وقد مضى جوابهما.

مسألة في مراتب رواية غير الصحابي

قالوا: لفظ السنة غير مختص بالرسول، للحديث، والاشتقاق، فلا يكون حجة. قلنا: منعه نظرا إلى العرف، وما ذكرتم نظرا إلى اللغة، فلا منافاة، و- أيضا - النزاع في مطلقه، وليس كذلك في الحديث. (و) قوله: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ظاهره سماعه منه - عليه السلام - فيكون حجة. وقيل: ليس بحجة، إذ يجوز أن سمع من غيره من صحابي وغيره. وجوابه: أن الاحتمال المرجوح لا يعارض الراجح. (ز) قوله: كنا نفعل كذا، أو كانوا يفعلون كذا، حجة، لأنه محمول على أنهم يفعلونه مع علمه وعدم إنكاره عليهم، أو على فعل جميع الأمة، لأنه بعلمنا الشرع، وكونه يسوغ فيه الاجتهاد، ويجوز مخالفته عن طريق لا ينفيه، لوجوده في الظنيات، فإذا قال قولا لا مجال فيه للاجتهاد، فهو سماع منه - عليه السلام -. مسألة في مراتب رواية غير الصحابي: (أ) قوله: حدثني، أو أخبرني، أو سمعت فلانا، أو قال فلان، فالسامع يلزمه العمل، وله أن يقول: حدثني، أو أخبرني فيما قرأ الشيخ عليه، وقصد إسماعه، أو غسماع جمع هو فيهم، وإلا: لم يقبل، إلا: سمعته يقول: أو يحدث يخبر، أو قال. (ب) قوله للراوي: هل سمعت هذا الحديث، فيقول: نعم، أو يقرأ عليه كتاب، فيقول: الأمر كما قرئ علي فيلزم السامع العمل به، وله أن يقول: أخبرني وحدثني وسمعت قراءة عليه.

فلو أطلق لم يجز. وقيل بجوازه. وقيل: لا يجوز إطلاق سمعت وفاقا. فلو سكت وغلب على الظن أنه إنما سكت، لأن الأمر كما قرئ عليه، فهو كتصريحه، ويجب على السامع العمل. ويجوز له الرواية. خلافا لبعض أهل الظاهر، والمتكلمين - فيقول: أخبرني وحدثني قراءة عليه. وقيل: لا يقول إلا: قرأت عليه، أو قرئ عليه وأنا أسمع. وكذا الخلاف لو قرأه عليه، وقال: أرويه عنك، فيقولك نعم. المجوز: الإخبار ما يفيد الخبر والعلم، وهذا كذلك، أو يشبهه في ذلك فلما استقر عرف المحدثين عليه صار حقيقة (عرفية)، أو مجازا راجحا، فجاز استعماله فيه، ولأن قوله قراءة عليه: قرينة دالة على إرادة التجوز من قوله: حدثني وأخبرني، ومنه يعرف أنه لا يصح أخبرني أو حدثني وحده. المانع: أنه لم يحدثه ولم يخبره ولا سمع منه شيئا، فيكون كذبا. وأجيب: بمنعه، تجوزا وعرفا. (ج) قوله: هل سمعت هذا بعد القراءة عليه، فيشير برأسه أو بأصبعه فيجب عليه العمل، وفي الرواية يحدثني وأخواته الخلاف المتقدم، وأولى بالجواز. وذكر الإمام في الأول الخلاف، وجزم بالعدم في الثانية، وناقض في تعليلهما. (د) أن يكتب إلى غيره سمعت كذا من فلان، فله أن يعمل به إن ظن أنه خطه، ويقول: أخبرني دون أخواته. وقيل: أخبرني وحدثني كتابة، لا مطلقا. وقال الشيخ الغزالي: (لو رأى خط الشيخ: سمعت كذا عن فلان لا يجوز له الرواية، لأنها شهادة عليه بأنه قاله، والخط لا يعرف ذلك، نعم يجوز له أن يقول: رأيت مكتوبا في كتاب بخط ظننت أنه خط فلان، إذ الخط يشبه الخط، ولو قطع به لم يجز - أيضا - ما لم يسلطه على

الرواية بصريح قوله أو بقرائن، إذ يجوز أن يكون قد سمعه ثم يتشكك فيه، ولا يرى روايته عنه). وفي جعله الرواية شهادة وتسليطه عليها بالقرائن - نظر، إذ القرائن لا تسلط على الشهادة، ثم لا منافاة بين كلاميهما، إن جعل كتابته إليه قرينة دالة على تسليطه عليها، وإلا: فهي حاصلة لا محالة. (هـ) المناولة: وهي أن قول: خذ هذا الكتاب، سمعته من فلان وحدث به عني، فيجب على السامع أن يعمل بما فيه، وله أن يروي عنه، بقوله: ناولني، أو أخبرني، أو حدثني مناولة. وإن أطلق لم يجز على الأظهر. وقيل: بجوازه، كما في السكوت، بل أولى. ولو اقتصر على القيد الأول، أو ناوله بالفعل لم يجز له الرواية، ولا العمل. وعلى الباقيين فله ذلك، فالمناولة زيادة أحدثها بعض المحدثين. أو على سمعت فكالأول، على الأظهر، لجواز التشكيك فيه بعده، وقيل: كالثاني. أو على حدث عني، فلا، إذ شرطه السماع، وإنما تجوز المناولة للشيخ إذا علم أن النسخة المشار إليها هي النسخة التي سمعها، أو موافقة لها. تنبيه: إذا ظل أصل السماع، أو من معين لم يجز له روايته، ولا العمل به، لأنه شهادة عليه، فلا يجوز بدون العلم كالشهادة، هذا إذا رواه مسندا أو مرسلا، فيجز إن قطع بسماعه من عدل عند من يقبله، فلو قطع في مائة حديث مثلا أن واحدا منها سمعه من غير الذي سمع الباقي منه، لكن لم يعرفه بعينه - لم يجز له رواية شيء منها مسندا. وقيل: يجوز إذ الاعتماد في هذا الباب على الظن، ولذلك كانت الصحابة تعمل بكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للظن. وزيف: بأنه ليس مما نحن فيه، إذ لو سلم أالحامل لم سمعه لكنه قاطع بأن ما فيه: كلامه،

لتناوله منه، وقد أخبرهم به، فليس فيه ظن أصل السماع، ولا من معين. (و) والإجازة: وهو أن يقول: (أجزت لك أن تروي عني الكتاب الفلاني). وما صح عندك أني سمعته، ففي جواز الرواية به: ثالثها للرازي: إن علم ما فيه من الأحاديث، فعلى هذا لا يجوز بالإجازة العامة. والمنع مطلقا: نسب إلى أبي حنيفة - رضي الله عنه -. المجوز: إجماع المحدثين عليه. ومنع للخلاف فيه - قديما وحديثا. - وأيضا - ليس معناه أنه أجاز له أن يحدث عنه بما لم يحدثه به، بل معناه: أني سمعت هذا الكتاب، فحدث عني، وهو وإن كان غير مستفاد منه بالوضع اللغوي، بل يفيده عرفا أو تجوزا، لقرينة أن الثقة لا يجيز أن يروى عنه إلا: ما سمعه، فهو كقله: سمعت الكتاب الفلاني فحدثه عني، وقد تقدم أنه جائز. فعلى هذا ينبغي أن لا يجوز الإجازة العامة، لأنه لم يعلم سماع كل ما صح عنده أنه سماعه فيؤدي إلى كذبه. ويمكن أن يقال: أنه وإن لم يعلم ذلك، لكنه يظن، إذ الظاهر أنه لا يصح بطريقة، إلا: ما سمعه، والظن كاف. للمانع: (أ) أنه لو جازت الرواية لها لبطلت فائدة الرحلة وضعفه بين. (ب) أن الرواية حق الشرع لا حق الشيخ، فإن حصل مقتضاها وشرطها جاز، (أجاز) أو لم يجز، وإلا: فلا. (ج) أنه لا طريق إلى الرواية عنه، إذ لا يقول أخبرني وكذا أخواته لأنه كذب، فلا يصح لعدم فائدته. وأجيب: عن (ب) بمنعه، لجواز أن تكون إجازته متضمنة، لحصول شرط الرواية. وعن (ج) بمنعه، إذ تجوز به الرواية عند بعضهم، لما سبق، سلمناه، لكنه يقول أجازه أو أجازني، ثم لا يلزم منه انتفاء الفائدة مطلقا، لجواز أن يجب به العمل.

القياس ومعناه لغة: التقدير والمساواة، ولا يتحقق ذلك إلا بشيئين. واصطلاحا: اختلف فيه: فقيل: (إنه الدليل الموصف إلى الحق). وهو غير مانع، لدخول النص والإجماع تحته، ولا جامع، لخروج القياس الفاسد عنه، وأنه قياس إلا: أن يراد به حد الصحيح منه. وقيل: (إنه العلم الواقع بالمعلوم على النظر). وهو غير جامع لخروج الظني، وغير مانع لدخول ما علم من غيره نظرا، ثم إنه نتيجة القياس، لا نفسه. وقيل: (هو إصابة الحق). وهو فاسد لما تقدم، ويخصه إصابته تبخيتا، ثم هو مشعر بتقدم الحق، فلا يستقيم على رأي المصوبة. وقيل: (هو بذل الجهد في استخراج الحق). وهو فاسد بما تقدم، ويخصه أن يخرج عنه الجلي، وهو لازم القياس لا نفسه. وقيل: (هو التشبيه). وهو غير مانع، إذ يدخل تحته التشبيه في الصفة أو المقدار، ثم لو صح فهو رسم ناقص. وقال القاضي: (حمل معلوم على معلوم في إثبات حكم لهما أو نفيه عنهما بجامع حكم أو صفة، أو نفيهما). فالمعلوم يتناول المعدوم، دون الشيء، والفرع والأصل يوهم اختصاصهما، بالموجود، ولا بد من المعلوم الثاني، لامتناع القياس بدون الاصل والفرع، وهو يتناول الوجودي والعدمي، الجامع قد يكون صفة أو حكما، أو نفيهما.

وأورد: إن أريد بالحمل (إثبات الحكم فتكرار، وإلا: فمجهول، ثم هو خارج عن القياس إذ يتم) بإثبات حكم معلوم، مع باقي القيود. ثم إنه يشعر بإثبات حكم الأصل به. و- أيضا - الصفة تثبت بالقياس كالحكم، كقولنا: الله عالم فله علم كما في الشاهد، فإن شملهما الحمك تكرر في ذلك الجامع، وإلا: فناقض. ثم المعتبر في القياس، لا أقسامه، فذكره مستدرك. ثم إنه لم يتناول الفاسد. ولأن (أو) للإبهام، والحد للإيضاح، فلم يجز استعماله فيه. و - أيضا - إثبات الحكم في الفرع ثمرته، فلم يجز أخذه في حده للدور. وأجيب: عن (أ) أن المراد منه الاعتبار، وقوله: (في إثبات حكم لهما) بيان ما فيه الاعتبار. وعن (ب) بمنعه، إذ هو قدر مشترك بينه وبين غيره، فهو كالجزء الجنسي الذي لا يستغنى عنه، و (إثبات حكم معلوم ... ) إلى آخره، وإن تضمنه لكنه تضمنا أو التزما، وعلى الآخر فاسد، إذ الالتزامية لا تستعمل في الحدود، فكان ذكره بالمطابقة أولى. وعن (ج) أن ثبوت الحكم في المجموع به، لا في كل واحد منهما. وعن (د) أنه حد للشرعي لالمطلقه، والصفة لا تثبت به، والصفة والحكم يكون جامعا فيه. و(عن) (هـ) أنه ليس بمفسد، بل تطويل لفائدة التفصيل، و- أيضا - إنما ذكر لئلا يتوهم اختصاصه بالصفة فإنها المتبادر من الجامع. وعن (و) بمنع أنه لم يتناوله، إذ ليس فيه إشعاره بكونه جامعا في نفس الأمر- بل هو صالح لذلك. وبكونه جامعا في اعتقاد المجتهد، ثم إنه حد للصحيح منه. وعن (ز) ما سبق غير مرة. وعن (ج) بمنعه، فن ثبوت الحكم ثمرته، دون الإثبات. وبينهما فرق ظاهر. وقال البصري: (هو تحصيل حكم الأصل في الفرع، لاشتباههما في علة الحكم، في ظن المجتهد).

مسألة

وأورد: أنه لا يحصل حكم الأصل، بل مثله. وأنه غير جامع لقياس العكس، مثل: لو لم يكن الصوم شرطا لصحة الاعتكاف، لم يكن شرطا له بالنذر، كالصلاة. وأجيب: عن (أ) بأنه تسامح في اللفظ، لدلالة الحال. وعن (ب) بمنع أنه قياس حقيقة، لعدم تبادره إلى الفهم من إطلاقه وخاصيته، وهي الإلحاق بالأصل في حكمه، سلمناه، لكن بالاشتراك اللفظي، والمحدود هو القياس، بمعنى الطرد، سلمناه، لكن المثبت الملازمة بالقياس الطرد. فالأولى: أن يقال: (هو تحصيل مثل حكم معلوم لمعلوم آخر لاشتباههما في علة الحكم، في ظن المجتهد). فلا ينتقض بالقياس المنطقي، لأنا نمنع كونه قياسا، وكون النتيجة مساوية للمقدمتين غير كاف في تسميته قياسا، وإلا: لكان إثبات الحكم بالنص ويغره قياسا سلمناه، نظرا إلى اللغة، لكن لا يسمى به في اصطلاحهم. وقال بعض المتأخرين: (هو الاستواء بين الأصل والفرع في العلة المستنبطة من حكم الأصل). وفيه نظر من جهة الأصل والفرع، وأنه لايتناول القياس الذي فيه العلة المنصوصة، أو مومى إليها، وأنه يتناول الصور التي ساوت الأصل في العلة لكنها اختصت بوجود مانع أو فقد شرط، مع أنه لا قياس فيها، وهو بناء على تخصيص العلة، و- أيضا - الاستواء في العلة ليس من فعل الملكف، والقياس (فعله). مسألة الأصل: محل الحكم المشبه به عند الفقهاء. المتكلمون: دليله.

المحققون منهما: حكمه. للفقهاء: الأصل ما يبنى عليه غيره، بنى هو على الغير أو لا، أو ما لا يبنى على الغير بني الغير عليه أو لا، والأول: كتحريم الربا في البر، والثاني: تحريمه في النقدين، فيكون المحل أصلا لحصولهما فيه. ولأنه بالأصالة أولى من الحكم، لافتقاره إليه من غير عكس، ومن الدليل لأنه لو علم تحريم الربا فيه ضرورة - أمكن قياس غيره عليه، ولو علمدليله من غير تخصيص بصورة لم يمكن ذلك، فكان أولى. للمحققين: أنه لا يقاس عليه بدونه، ولو وجد في غيره أمكن ذلك، ولا الدليل لما تقدم، ولأنه طريق إلىأثبات الحكم، فلو كان أصلا، لكان قول الراوي أصلا فإذا - أصل قياس الذرة على البر هو الحكم لا البر. وأجيب: بأنا لانقول: إنه أصل بمجرده، بل بشرط وجود الحكم. لا يقال نفس هذا أولى من العكس، لأن المحل مفتقر إليه، فكان أولى. للمتكلمين: توقف الحكم على النص توقف المعلول على العلة، وتوقفه على المحل توقف المشروط على الشرط، فكان الأول أولى. واعلم أن أصالة الحكم بغير واسطة، وأصالتها بواسطة، وهو آية التجوز، فكان الحكم أصلا حقيقة، وهما كذلك مجازا، وتسمية الدليل به أولى من المحل لما سبق. والفرع: محل الحكم المشبه أو حكمه، ومقتضى قول المتكلمين العلة، لكنه باطل، فإنها أصل

مسألة

في الفرع، وفرع في الأصل، فلم يمكن جعلها فرعا في الفرع. ثم تسمية محل الوفاق بالأصل، أولى من محل الخلاف بالفعر، لأن أصل الأصل أصل، وليس أصل الفرع فرعا، . والنزاع آيل إلى اللفظ، ولنجر على عرف الفقهاء في الأصل والفرع. مسألة إذا علم علية الوصف في الأصل، وعلم حصوله في الفرع مع جميع ما يعتبر في اقتضائه الحكم، فهو حجة وفاقا. وإن ظنا أو أحدهما: فإن كان في الأمور الدنيوية فكذلك. أو في الشرعية: - قال الإمام: فهو محل الخلاف. وفرق الغزالي بين ما إذا ظنا أو أحدهما، فإنه يجعل الثاني مما لاخلاف فيه، كوجوب التوجه عند الاشتباه إلى جهة القبلة، وكوجوب المثل في ضمان الصيد، والقيمة في ضمان المتلف، وحاصل كلامه أنه إن علم أن الحكم يعلل بعلة معينة في محل، وظن حصولها في آخر فهو حجة - أيضا - وفاقا، وسمي هذا بتحقيق المناط، وسمي الإلحاق بإلغاء الفارق، (بتنقيح المناط)، وباستخراج الجامع (بتخريج المناط)، ونعني بكونه حجة: وجوب العمل به والفتوى بغيره. تنبيه: إن عنى بتحقيق المناط: ما يكون النظر فيه متعلقا بتحقيق العلة في صورة النزاع فقط، فهو مباين لهما، وإلا: فهو لازم لهما، من غير عكس وتخريج المناط لازم للتنقيح من (غير) عكس، لأنه تخريج خاص.

مسألة

مسألة يمتنع التبعد بالقياس مطلقا - عقلا - عند جمع من الشيعة والمعتزلة، والظاهرية: فقيل لأنه ليس طريقا إلى العلم والظن، وقيل: لأنه لا يجوز العمل بالظن. وقيل: بجوازه حيث يتعذر التنصيص، كقيم المتلفات، وعليه الظاهرية. النظام: في شرعنا. القفال والبصري: يجب التعبد به عقلا. وقيل: يمكن عقلا، ووقع سمعا، وعليه المعظم. النهراوني والقاشاني: بعض أنواعه، كقياس الضرب على التأفيف، وما نص على علته، أو أومئ إليه. والأكثر: على أن دلالة السمع عليه قطعية. وقيل: ظنية. وقيل: ممكن لكن لم يقع، إذ ليس فيه ما يمنع منه. وقيل: بل وجد ما يمنع منه. والمختار جازه عقلا، ووقوعه سمعا: أما الأول: (أ) فلأنه لا يستحل لذاته لانحصارها في معدود، وهو ليس منه ولا لغيره، لأن التصريح به

لا يستلزم محالا، وليس بقبيح، للعلم الضروري بذلكن ومنعه يوجب منع الضروريات، ولأن الأصل عدم ما يوجبه. (ب) امتناعه ليس ضروريا قطعيا، ولا نظريا، لعدم وجدان دليله، فإثباته باطل. (ج) أنه يفيد دفع ضرر مظنون، فإن ظن تعليل حكم الأصل بموجود في الفرع يوجب ظنه فيه، وهو يعلم أن مخالفة حكم الله سبب للعقاب فيظن أن مخالفته سبب له، فيجب العمل لأن ترجيح الراجح على المرجوح مقرر في بدائه العقول، والوجوب يقتضي الجاز وزيادة، ولأن العقل لا يمنع من فعل ما يتساوى مصلحته ومفسدته، وإلا امتنع المباح - فكيف ما فيه المصلحة. (أ) أنه مبني على حصول الظن بالمقدمتين، وهو ممنوع، لتوقفه على تعليل أفعال الله تعالى، ولتحقيق العلة الشرعية، وعدم اختصاص الحكم بمحله، وسيأتي الكلام فيها، ثم وجوبه أو جوازه مطلقا ممنوع، بل بشرط عدم قطعي. ثم إن العقل يمنع من سلوك ما يحتمل الخطأ مع القدرة على سلوك ما لا يحتمله و - حينئذ - يتوقف على بيانه، ثم إنما يلزم ذلك لو لم يكن هناك ما هو أرجح منه، وهو ممنوع، إذ الظن الحاصل من النص والبراءة الأصلية أرجح من الظن والحاصل من القياس، نقلة المقدمات. ثم إنه منقوض بظن صدق الفاسق والشاهد الواحد، والعبيد والنسوان والمراهقين، ومدعي النبوة، وبالظن الحاصل من المصالح المرسلة والأمارات فيما إذا اختلطت أخته بأجنبيات محصورات، وفي اختلاط المذبوحة بالميتة. (ب) ولو امتنع الظن فيها لدلالة شرعية على فساد تلك المظان، لصار عدم الدلالة على فساد المظنة جزءا من المقتضى للظن، فلا يفيد القياس الظن، إلا: إذا بين ذلك. - لأن قبل التمكن منه لا بد له من ترجيح طرف، لئلا يلزم الجمع بين النقيضين، أو الخلو عنها - وأيضا - لو كان مشروطا بذلك لم يجز ورود التعبد بالنصوص الظنية مع إمكان القطعية، وخلق العلم الضروري. - وأيضا - لما أوجب عليه اتباع ظنه كان مصيبا في اتباعه قطعا، وبه ظهر الفرق بينه وبين ما

ذكره في سند المنع، إذ السلامة غير حاصلة قطعا في المحتمل. وعن (ب): ليس كل ما يتوقف عليه الاقتضاء جزءا، وإلا: لكان عدم المانع جزءا من الثقيل، والعدم لا يكون جزء علة الوجود. المخالف: (أ) أن البراءة معلومة القياس ظني فلا يعارضها، وإن كان على وفقها ففيها غنية عنه. (ب) القياس (يتوقف) على استصحاب ما كان، فهو أصله. فحكمه إن وافق حكمه: ففيه غنية عنه، وإلا: فهو مرجح عليه. ولا ينقض بنصب دليلين على واحد، لأن كلا منهما مستقل، بخلاف ما نحن فيه. (ج) لا قياس بدون العلة، ولا علة لما يأتي، فلا قياس. (د) القياس - لكونه ضد العلم الذي هو حسن - قبيح، فيقبح ورود التعبد به. (هـ) أنه يقتضي أن تكون العلة أصلا للحكم لعدم ثوبته بدونها، لكنها فرعه، لما سبق. (و) أنه يخطئ ويصيب، فالأمر به أمر بما لا يؤمن أن يكون خطأ، وهو غير جائز على الحكيم. (ز) أنه اقتصار على أدنى البيانين، مع القدرة على أعلاهما، إذ التنصيص على كليات الأحكام ممكن، وأنه غير جائز، لأن في زيادة البيان إزاحة عذر المكلف، فهو كاللطف الواجب، خرج عنه ما لا يمكن التنصيص عليه كالفتوى والشهادة. (ح) أن حكم الله تعالى خطابه، ولا خطاب على الفروع. (ط) العلة متفرعة عن الحكم، فلو تفرع عنها لزم الدور. (ي) الأصلح لهم أن يبين لهم ما كلفوا به بالنص، كيلا يخطئوا ورعاية الأصلح واجبة. (يا) أن ما جعل علة في القياس حاصل قبل الشرع، فلزم ثبوت الحكم قبله، أو تخلف المعلول عن العلة. (يب) احتمالات عدم صحته أكثر، فكان أغلب على الظن. (يج) جوازه مع تصويب الكل باطل، لما سيأتي، أو واحد معين ترجيح من غير مرجح. وخلاف الإجماع، أو غير معين باطل - أيضا - لأنه لا وجود له. (يد) لو جاز، لجاز الإخبار عن العلة، بأنها علة الحكم، أو أنه حكم الله (تعالى)، لكنه بناء

على الأمارة غير جائز. (يو) الأحكام مصالح وألطاف، فلا يهتدى إليها بالأمارات. (يز) لو جاز التعبد به في حقنا، لجاز في حق الرسول، ومع النص، ودليل العقل عند منيقول به، ولجاز النسخ به، وبجامع كونه مدركا شرعيا، ولكن بعض الأحكام من فعلنا، إذ القياس فعلنا، ولا شيء من الأحكام فعلنا. وأجيب: عن (أ)، (ب) النقد (بالشرعية الظنية، ويخص الأول: منع أنها قطعية. وعن (ج) ما سيأتي) من تفسير العلة. وعن (د) أنه مبنيى على التحسين والتقبيح، ثم يمنع أنه ضده، إذ تعتبر فيه غاية المخالفة، ثم إنه من جهة عدم القطع لا مطلقا، فلا يجب قبحه، ثم النقد بما تقدم، ثم إنه تعالى خالق أضداد العلم وفاقا. وعن (هـ) أنه أصل في الفرع، وفرع في الأصل. وعن (و) بمنع إمكان الخطأ وسنده بين، ثم نقضه بما تقدم، ثم إنه مبني على التحسين والتقبيح. وهو جواب (ز) ثم بمنع عدم جوازه، إذ فيه فائدة زيادة الثواب، ثم بمنع وجوب اللطف، ثم النقض بما سبق. وعن (ج) منعه، إذ نص وجوب التعبد بالقياس وحكم الأصل نصه ضمنا. وعن (ط) أنه لادور، مع تعدد المحل والحكم. وعن (ي) بمنع المقدمتين ثم بنقضه بما تقدم. وعن (يا) أنها أمارة أو موجبة بجعل الشارع فلا يلزم ما ذكرتم. وعن (يب) بمنع تعدد الاحتمالات، إذ مناط جواز التعبد ظن مخصوص، وعدمه انخرامه،

ثم إنه منقوض بما سبق. وعن (يج) بمنع أنه مع التصويب باطل، وسيأتي الكلام فيه، ثم تعينه عندنا باطل، لما سبق، لا عند الله، فإنه ممنوع، ثم إنه منقوض بالاجتهاد بالظنية. وعن (يد) بمنع انتفاء اللازم، ثم ذلك في الأمارات الغير المعتبرة شرعا. وعن (ية) منع انتفاء اللازم، إذ جوازه عقلا ثاب، ثم بالفرق، وهو: أن مطالبة محصورة وأدلته قاطعة. وعن (يو): بمنعهما، ثم النقض بالظنية. وعن (يز) بمنع الملازمات، ثم بمنع انتفاء اللازم، وسنده مذكور في النهاية. واللنظام: أن شرعنا جمع بين المختلفات وفرق بين المتماثلات، ومعه لا يصح القياس وهو بين. بيان الأول: أنه فرق بين الأزمنة والأمكنة في الشرف والأحكام، مع الاستواء في الماهية. وأوجب الغسل من بول الصبية دون الصبي. والغسل من المني مع أنه طاهر، دون الرجيع. وأبطل الصوم بإنزاله، دون البول والمذي. وجوز قصر الرباعية دون غيرها. وأوجب قضاء الصوم على الحائض دون الصلاة، مع أنها أعظم قدرا. ونهى عن إرسال السبع على مثله وأقوى، وإباحته على البهيمة الضعيفة. وجعل الحرة الشوهاء تحصن، وحرم النظر إليها دون الجواري الحسان. وقطع سارق القليل، دون غاصب الكثير مع أنه أولى بالزجر. وحد بالقذف بالزنا، دون الكفر. وقبل شاهدين في الكفر والقتل، دون الزنا، مع أنها أعظم جريمة.

مسألة

وحد قاذف الحر الفاجر، دون العبد الضعيف. وفرق بين عدة الطلاق والموت، وبين عدة الحرة والأمة، والاستبراء مع عدم اختلاف حال الرحم في ذلك. وأوجب بخروج الريح غسل غير (ذلك) الموضع، دونه مع أنه أولى به. وأثبت الفراش بمجرد ملك النكاح دون ملك اليمين مع أنه أقوى. وجعل كفارة الظهار مرتبة مع تغليظها، وكفارة اليمين مخيرة مع تخفيفها، وجعل الصيام بدلا عن الخصال الثلاث عند العجز، مع أن الجريمة في اليمين أعظم، ولأن التخيير بين الإعتاق والإطعام يدل على استوائهما في الحكمة والمصلحة، والترتيب بينهما في الظهار مع زيادة العدد يدل على رجحان العتق. وسوى بين كفارة القتل والإفطار والظهار، وزنا المحصن والردة في القتل، وقتل الصيد عمدا وخطأ في الجزاء، مع تفاوت الجريمة. وجوابه: أنه لا ينفي جواز التعبد بالقياس، حيث وجدت أركانه وشرائطه، وهو ممنوع فيها لعدم تعقل الأدلة، أو لعدم الاشتراك فيها، أو لوجود المانع، أو لأن الفرق غير قادح، سلمناه لكنها نادرة، فلا يقدح في الغالب الذي هو رعاية المصالح المعلومة أو المظنونة. مسألة لا يجب التعبد بالقياس عقلا. خلافا للقفال والبصري. لنا: أنه مبني على التحسين والتقبيح وقد سبق إبطاله، ثم إنا لا نجد في العقل ما يدل عليه، مع أن الأصل عدمه. لهما: (أ) الوقائع غير متناهية، فالتنصيص غير ممكن، والوحي منقطع، والتكليف باق، فلا بد من طريق، وهو القياس، إذ البراءة الأصلية غير وافية بجميعها. (ب) العقل علم أو ظن العلل الشرعية بواسطتها مداركها، وذلك يفيد العلم أو الظن

مسألة

بالحكم، وإلا لزم تجويز التخلف ومستلزم الممتنع ممتنع. (ج) أنه يفيد دفع الضرر كما سبق، فيجب عقلا، كما يجب القيام من تحت حائط يظن سقوطه. وأجيب: عن (أ) بمنع أن التنصيص على وجه كلي، بحيث تندرج تحته الجزئيات، غير ممكن، ولا نسلم عدم تناهي الأجناس، سلمناه، لكن ما فيه الحكم المثبت متناه، ثم ما كلفنا بمعرفة الحكم فيه متناه. وعن (ب) منع معرفة العقل ذلك بغير مدرك شرعي، ومعه لا يفيد وجوبه عقلا. وعن (ج) منع حكم الأصل عقلا. مسألة التعبد بالقياس واقع سمعا. خلافا لقوم. لنا: (أ) قوله تعالى {فاعتبروا} [الحشر: آية 2]، وهو المجاوزة نقلا وهو ظاهر، واستعمالا كقوله: عبر الرؤيا والنهر، وعبر عليه، والمعبر، والعبرة، وهو في القياس فيدخل تحته. فإن قلت: الأمر للإذن لا للطلب، ثم إنه قد يرد له مجازا، ثم الاعتبار: (الاتعاظ): لسبق الفهم إليه. واستعماله فيه، كقوله تعالى: {لكم في الأنعام لعبرة} [النحل: آية 66] ويقال (السعيد من اعتبر بغيره)، فلا يكون حقيقة في القياس، دفعا للاشتراك. ولأنه يصح سلبه عن القياس دونه. ثم سياق الآية، وسياقها يمنعانه من الحمل عليه.

ثم المجاوزة مشتركة بينه وبين غيره، والدال على العام لا يدل على الخاص. لا يقال: لا بد من نوع، وليس البعض أولى من البعض، فيجب الكل، لأن المتفق عليه أولى. ثم إنه لا يلزم من كونه مأمورا به أن يكون جميع أنواعه كذلك. ثم الحمل على العموم يقتضي قياس الفرع على الأصل في الحكم وفي أن لا يستفاد حكمه إلا: من النص، وليس تخصيص أحدهما إبقاء للآخر أولى من العكس، بل الأولى احتياطا واحترازا عن العمل بالظن، ثم إنه مخصوص بالأحكام التعبدية، وفيما تتعادل فيه الأمارات والأقيسة وفي اليقيني، وفيما لا دليل عليه كمقادير الثواب، وما عرف مرة حكمه بالنص أو بالقياس، وفيما إذا قال: (أعتقت غانما لسواده)، والعام المخصوص ليس بحجة، ثم إنه حجة ظنية والمسألة قطعية، ثم إنه أمر، فلا يفيد التكرار، وهو خطاب مشافهة، فاختص بالحاضرين. قلت: بمنع أن الأمر له، بل هو للوجوب، كما سبق، ولأن جوازه بدون وجوبه منتف إجماعا. وهو جواب الثاني، ويخصه: أن المجاز خلاف الأصل. وعن (ح) بمنعه، وسنده بين، والتبادر من غير قرينة ممنوع، والاستعمال دليل الحقيقة، إذ لم يستلزم الاشتراك. وصحة سلبه عن القائس مطلقا ممنوع، إذ يقال: فلان يعتبر الأشياء العقلية بغيرها، ومعتبر في هذا الباب، ثم عدم إطلاقه عليه لا يدل على عدم حقيقته فيه باعتبار القدر المشترك كالحيوان بالنسبة إلى الإنسان، ثم الحقيقة قد تهجر لمانع، ثم ذلك لأنه لم يأت ما هو المقصود الأعظم من الاعتبار. ثم إن جعله حقيقة في المجاوزة أولى، إذ يقال اعتبر فاتعظ، ولأنها حاصلة فيه وفي غيره، فجعله حقيقة فيها يدفع الاشتراك والمجاز. وعن (د) بمنعه، وركاكة قوله: (فقيسوا) في الفروع، مكان: (فاعتبروا) وإنما جاءت الركاكة في قوله: (فقيسوا الذرة على البر)، لأنه لا نسبة بينه وبين ما قبله، إذ الجزئي لا يناسبه

جزئي بخلاف الكلي. وعن (هـ) أنه يفيده من جهة ترتيب الحكم على المسمى، وإن لم يفده من جهة اللفظ. وزيف: أنه إثبات للقياس بالقياس. وأجيب: بأنه علم فيه العلة بالإيماء، وقد اعترف به من أنكر غيره، فينتهض حجة في حقه، دون من أنكره مطلقا، ولأن الأمر بالكلي يقتضي التخيير في جزئياته عند عدم المخصصة، وهو يقتضي جواز العمل بأي فرد شاء، وهو يفيد الوجود، وبصحة الاستثناء. ونقض بصحته في الأمر، ولا عموم، فإن منع لقرينة الاستثناء لم يفد، لعدم الاستثناء فيما نحن فيه من جهة الشارع. وعن (و) التسوية في الحكم أسبق إلى الفهم، ولأن ذلك المعنى مناف لمقصود الآية. وعن (ز): ما سبق أنالعام المخصوص حجة. وعن (ح) ما تقدم غير مرة. وعن (ط) أنه يلزمه من وجوبه مرة وجوبه دائما لعدم الفصل إجماعا، ولأنه لما كان عاما في جميع الأقيسة كان عاما في جميع الأوقات. وعن (ي) أنه إذا ثبت لهم ثبت لغيرهم إجماعا، ولأنه إذا جاز لهم ذلك مع مراجعة الرسول جاز لغيرهم بالطريق الأولى. (ب) خبر معاذ، وهو مشهور. وروي أنه أنفذ معاذا وأبا موسى الأشعري إلى اليمن، فقال - عليه السلام - "بم تقضيان؟ " فقالا: (إذا لم نجد الحكم في الكتاب ولا في السنة نقيس الأمر بالأمر، فما كان أقرب إلى الحق عملنا به)، فقال - عليه السلام -: "أصبتما". وقال - عليه السلام - لابن مسعود: (اقض بالكتاب والسنة إذا وجدتهما، فإن لم تجد الحكم

فيهما فاجتهد برأيك). والاستدلال بها ظاهر، إذ القياس صريح في الباب، والرأي هو القياس على ما يأتي، والاجتهاد: استفراغ الوسع، فلا يحمل على البراءة الأصلية، إذ هي معلومة من غير الاستفراغ، ولا على دليل العقل، لبطلان التحسين والتقبيح، ولا على النصوص الخفية، لأن قوله: "فإن لم تجد" عام، لصحة الاستثناءن ولما ثبت أن النكرة في سياق النفي تعم. لا يقال: الحديث مرسل، سلمناه، لكنه مسند إلى مجاهيل. ثم إنه روى أنه قال - عليه السلام -: "اكتب إلي، أكتب إليك"، والجمع غير ممكن، لاتحاد الواقعة. ثم إنه يناقض قوله تعالى {ولا رطب ولا يابس} [الأنعام: آية 59].، {ما فرطنا في الكتاب} [الأنعام: آية 38]. ثم إنه ورد فيما تعم به البلوى، وشرطه الاشتهار. ثم إنه يقتضي سؤاله عما يقضي به بعد نصبه له. وجواز اجتهاده في زمانه - عليه السلام -. وعدم تخصيص الكتاب والسنة به. ثم إنه خبر الواحد والمسألة علمية. ثم لعل المراد منه مدارك أخر، كالمصالح المرسلة، والقياس اليقيني، أو ما نص على علته، أو أومي إليها، أو كقياس تحريم الضرب على تحريم التأفيف. ثم إنه يدل على جوازه في زمانه، وما بعده ليس في معناه، لقوله تعالى: {اليوم أكملت} [المائدة: آية 3]، وتكميلة بالتنصيص على كليات الأحكام، وشرط القياس عدمه. - لأن إرساله ممنوع، ثم تلقته الأمة بالقبول، وتأكد بغيره، وبمنعه، فإنه أسند إلى أصحاب معاذ، وهم مشهورون باتباعه. ثم إنه روي بطريق أخرى، تثبت بها الحجية، ثم الأمة تلقته بالقبول، فلا يضر كون رواته

مجاهيل، الزيادة لم تثبت. ويقتضي التأخير فيما لا يحتمل، ثم الأخذ بالمشهور أولى، ثم هي محمولة على ما يمكن تأخيره. والمراد اشتمال الكتاب على ما يحتاج إليه شرعا، ابتداء أو بواسطة. والمراد من عدم وجدانه في الكتاب عدمه صريحا، لأن ما في السنة في الكتاب بواسطة. ووجوب الاشتهار فيما تعم به البلوى ممنوع، سلمناه، لكنه حاصل. وأريد من (بعثه) أي عزم على بعثه، والاجتهاد جائز في زمانه سيما فيما تفوت به المراجعة. والمراد من عدم وجدانه في الكتاب عدمه من غير تعارض، أو أنه ترك للمفهوم لمنفصل، هذا إن قيل بالمفهوم، وتخصيصهما بالقياس وإلا: فساقط. ومنع أن المسألة علمية، ولو سلم فما سبق. وحمله على مدرك آخر خلاف الإجماع، إذ كل من قال: إن المراد من غير الكتاب والسنة والبراءة الأصلية - قال بأنه القياس. ولأنه لا اجتهاد في بعضها لظهوره، وبعضها ليس بمدرك على ما نبينه، والأقيسة المذكورة غير وافية ببيان الأحكام، وسكوته - عليه السلام - على قوله (اجتهد)، يدل على أنه واف. ولا نسلم أن الإكمال لا يحصل إلا: بالتنصيص، بل قد يحصل ببيان مدارك ما يحتاج إليه، ثم لا قائل بالفصل. (ج) حديث عمر في قبلة الصائم. استعمل القياس مع عدم حصول المقصود من المقدمتين، فكان حجة، لوجوب التأسي به. وأيضا قوله: "أرأيت ... "، خرج مخرج التقرير، وهو إنما يصح أن لو تقرر عنه عمر أن القياس حجة، ولو سلم صحته عند عدم تقرره عند المخاطب والمخاطب. ولأنه إذا أجاز له العمل بالقياس، مع إمكان تلقي الحكم بالوحي، جاز لغيره بالأولى، ولعدم الفصل. ومثله حديث الخثعمية.

وإحالته إلى التنبيه على العلة، أو أنه بطريق التنصيص - ممنوع، إذ العلة مستفادة من استعمال القياس، فلو استفيد منها لزم الدور، وذكر الجامع بنفي التنصيص. وقيل: إن حديث عمر ليس بقياس، بل هو نقض لما توهمه من إفساد مقدمة الإفساد، لا تعليل بمنع الإفساد، إذ ليس فيه ما يتخيل مانعا، بل غايته أن لا يفسد. وفيه نظر، إذ لا تنحصر الأمارة في التخيل، ثم قصور الوسائل يناسب أن لا يناط بها ما نيط بالمقاصد. (د) أنه - عليه السلام - علل أحكاما كثيرة، كما في (بيع الرطب بالتمر). وفي المحرم الذي وقصت به راحلته، وفي شهداء أحد، وفي قوله: "إذا استيقظ أحدكم"، الحديث.

وقوله: "إنها ليست بنجسة"، وقوله في الصيد: "فإن وقع في الماء فلا يأكل منه. لعل الماء أعان على قتله"، وأمثاله كثيرة، والفائدة إما القياس، أو الاطلاع على الحكمة في تلك الصور فقط، والتعليل بالقاصرة، فرع القياس. (هـ) معتمد الجمهور وهو: أن بعض الصحابة عمل بالقياس: كتب عمر إلى أبي موسى: (اعرف الأشباه والنظائر، وقس الأمور برأيك). وقال ابن عباس: "ألا لا يتقي الله زيد بن ثابت، يجعل ابن الابن ابنا، ولا يجعل أب الأب

أبا"، وليس مراده التسمية، لعلمه بأنه لا يسمى أبا حقيقة، بل في الحكم، وشبه على الأخ والجد بغصني شجرة، وجدولي نهر، وشرك بينهما في الميراث. وقال الصديق - حين سئل عن الكلالة -: "أقول فيها برأيي، فإن يكن صوابا فمن الله، وغن يكن خطأ فمني ومن الشيطان". والرأي هو: القياس، لأنه يقابل النص، ولتسمية أصحاب القياس بأصحاب الرأي، وجعله مقابلا لأصحاب الحديث. وروي عنه أنه قال لأم الأب. "لا أجد لك في كتاب اله، ولا في سنة رسوله شيئا"، فقال له بعض الأنصار: "لقد ورثت امرأة من ميت لو كانت هي الميتة لم ترثها، وتركت امرأة لو كانت هي الميتة ورثتها" فشرك بينهما في السدس، وهو بالقياس. و- أيضا - كان يسوي في القسمة، وعمر فضل فيهان وليس هو إلا: بالقياس. وقال: عمر (أقضي في الجد برأيي، وأقول فيه برأيي) وروي أنه قضى فيه بآراء مختلفة، وأوصى أن لا ينقل عنه فيه شيء).

وروي أنه لما سمع حديث الجنين، قال: "لولا هذا لقضينا فيه برأينا". واختلاف قوله في الحمارية، ليس إلا: للقياس. وأنكر على سمرة أخذه الخمر من تجار اليهود في المشهور وتخليلها وبيعها، وقال: قاتل الله سمرة، أما علم قوله - عليه السلام - "لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها وأكلوا أثمانها"، قاس الخمر على الشحم، وقوله: "هذا ما رأى عمر، وهذا ما أرى الله عمر" - مشهور. وكذا توريث عمر وعلي وعثمان المبتوتة بالرأي. وروي أنه تردد في قتل الجماعة بالواحد، فقال له علي - رضي الله عنهما - (أرأيت لو اشترك جماعة في سرقة أكنت تقطعهم؟ ، فقال: نعم، قال: فكذا هذا). فرجع إليه.

وقال له عثمان - رضي الله عنهما - "إن اتبعت رأي فرأيك رشيد، وإن اتبعت رأي من قبلك، فنعم الرأي". ولو كان في المسألة نص لما صوبهما. وكان يوصي من يلي القضاء، بالرأي، وقال: "لا ضير في القضاء بالكتاب والسنة، وقضاء الصالحين، فإن لم يكن شيء من ذلك فاجتهد برأيك". وحديث علي من عمر في شارب الخمر مشهور. وسأل عليا عن قوله: "اختاري"، فقال: "إن اختارت زوجها فهي واحدة، وزوجها أحق بها، وإن اختارت نفسها فهي واحدة باين"، فقال - رضي الله عنهما - لا، بل إن اختارت نفسها فهي واحدة وزوجها أحق بها)، فتابعه علي، ولما أفضى الأمر إليه عاد إلى قوله، فقيل له (رأيك مع رأي غيرك أحب إلينا من رأيك وحدك). وقول أبي عبيدة له في بيع أمهات الأولاد: "رأيك مع الجماعة أحب إلينا من رأيك وحدك" - مشهور. وقال علي لعمر في المجهضة: "أما المأثم فأرجو أن يكون منحطا عنك، وأما الدية فأرى عليك غرة عبد أو أمة". وقال عبد الله بن مسعود - في قصة بروع بنت واشق، بعد أن استمهل شهرا: (أحكم

فيها برأيي ... ) الحديث. وقال ابن عباس لعلي - رضي الله عنهم - حين أوجب دية الأصابع مختلفة: (ألا اعتبرها بالأسنان). وقال زيد لابن عباس - حيث قال له أنت وجدت في كتاب الله ثلث ما يبقى: "أقول فها برأيي وتقول برأيك". واختلفوا في مسألة الحرام: أو يمين، أو طلاق ثلاث، أو واحد باين، أو رجعي، أو إظهار، أو إيلاء، أو ليس بشيء أقوال. والجد مع الإخوة: قيل: إنه يحجبهم، وقيل: يقاسمهم ما لم ينقص حقه من الثلث، إن لم يكن معه ذو فرض، فإن كان معه فله خيار الأمور الثلاثة: من المقاسمة أو ثلث ما يبقى، أو سدس جميع المال، وقيل بغيره. واختلافهم في فروع الفرائض مشهور. وكذا اختلفوا في الخلع: هل هو طلاق، أو فسخ. ولا يمكن إسناد ذلك إلى التشهي ولا إلى العقل، لبطلان التحسين والتقبيح، ولا إلى

النص، إذ لم يظهر مع اشتهار النزاع فيها. ولأنه لو كان كل وحد منها له، لزم انسخ غير مرة، ولا إلى البراءة الأصلية، إذ مقتضاها النفي، ولا إليهما، لكثرة تلك الأقوال، فبعضها عن قياس، ثم لم ينكر عليه، مع شيوعه، فكان إجماعا. فإن قيل: هذه الروايات لا تبلغ (حد) التواتر، والاستدلال بقوة البعض وتأويل البعض ضعيف. ثم لا نسلم أن الرأي هو: القياس، والمقابلة تدل على المخالفة، فلعله مدرك آخر، والتسمية المذكورة عرف طارئ خاص أو عام. ثم هو معارض بأن الرأي: الرؤية، فلو كان للقياس لزم الاشتراك أو النقل، ولأن يرى ليس معناه أنه يقيس، وإلا: لم يجز استعماله في مدلول النص، ثم دلالته ظنية، فلا يفيد. واختلافهم في المسائل يحتمل وجوها من الدلالات، كمفهوم النص وإشارته، واقتضائه، وحمل مطلقه على مقيده، وعامه على خاصه، وحمل اللفظ على أقل مفهوماته، أو أكثر والمصالح المرسلة، وطريقة الاحتياط، والبراءة الأصلية. والإظهار إنما يجب عند حاجة المناظرة، وظهور دلالته، إذ الانتفاع إنما هو به. ثم إنه لو كان لقياس لأظهروه، وعليكم الترجيح. ثم لا نسلم أن عدم اشتهاره يدل على عدم الإظهار، إذ ليس من الأمور العظيمة التي تتوفر الدواعي على نقلها، وشدة اهتمامهم بنقل النصوص يدل على أولوية النقل، لا على وجوبه. ثم إنه يدل على وجوبه على السلف، إذا الاهتمام معلوم منهم دون غيرهم، فلعل غيرهم أخل به. ولا ينقض بنقل ما لا يتعلق به غرض، لأنا لا ندعي امتناعه، بل عدم وجوبه، ثم توفر الدواعي على نقله، يوجب نقله في الجملة، لا تواتره وإلا: لا تنقض بسائر المعجزات و-حينئذ- لا يجب وصوله إلينا. ثم لا يلزم من عدم النص القياس، لما سبق من الوسائط ثم الإنكار وجد، إذ روي عن

الصديق: "أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله برأيي"، وقال عمر: "إياكم وأصحاب الرأي، فإنهم أعداء السنن: وعنه: "إياكم ولمكابلة" وفسرها (بالمقايسة). وكتب إلى شريح: (اقض بما في كتاب الله، فإن جاءك ما ليس فيه فاقض بسنة رسول الله، فإن جاءك ما ليس فيه فاقض بما اجتمع عليه أهل العلم فإن لم تجد فما عليك أن لا تقضي)، وعن علي: "لو كان الدين يؤخذ قياسا لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره". وعنه وعن ابن عباس: (من أراد أن يقتحم جراثيم جهنم، فليقل في الجد برأيه)، وعن ابن عباس: (يذهب قراؤكم وصلحاؤكم ويتخذ الناس رؤساء جهالا، يقيسون الأمور برأيهم)، وقال: (إذا قلتم في كتاب الله بالرأي أحللتم كثيرا مما حرم الله، وحرمتم كثيرا مما أحل الله)، وأمثاله كثيرة. من الكتاب بنحو: {وأن تقولو على الله ما لا تعلمون} [البقرة: آية 169]، {ولا تقف} [الإسراء: آية 36]، و {إن الظن لا يغني} [يونس: آية 36]، و {لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} [الحجرات: آية 1، الأنعام: آية 38]، {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} [المائدة: آية 49]، و {لتحكم بين الناس بما أراك الله} [النساء: آية 105]، {فردوه إلى الله والرسول} [النساء: آية 59].

ومن السنة (مثل): "ستفترق أمتي على بعض وسبعين فرقة أعظمهم فتنة قوم يقيسون الأمور برأيهمن فيحرمون الحلال، ويحللون الحرام". و"تعمل هذه الأمة برهة بالكتاب ... "، الحديث. وبالإجماع، وتقريره كما سبق في الاستدلال، ومن المشهور إجماع أهل البيت على إنكار القياس. ومن المعقول: بما أن التعبد به يقتضي أن لا يكون الاختلاف منهيا عنه، وأن الرجل لو قال: أعتقت غانما لسواده فقيسوا عليه، لم يعتق غيره من السود. قلنا: الجواب: عن (أ) بمنعه، فإن الروايات عن النبي - (صلى الله عليه وسلم) - وأصحابه كثيرة جدا، فمن خالط أهل الأخبار والفقه، وطالع (كتبهم) علم ذلك منها قطعا، يؤكده: أن الخصم ما نازع في عمل بعضهم به، بل في أن الإجماع حجة، وبعضهم منع عدم الإنكار عليه، وبعضهم منع أن الإجماع السكوتي حجة، سلمناه لكن المسألة ظنية، وهي تفيد الظن، وهو كاف في وجوب العمل به. وعن (ب) ما سبق، وحمله على مدرك آخر غير القياس، خلاف الإجماع، والنقل خلاف الأصل، وقد يصار إلى النقل أو الاشتراك عند قيام الدلالة عليه وهو الإجماع. وعن (ج) بمنعه، ثم إن المسألة ظنية. وعن (د) أنه لو كان كذلك لأظهروه، لشدة إنكارهم على مخالفة صرائح النص، ومقتضياته، وبقية الطرق غير وافية بتلك الأقاويل المختلفة. وعن (هـ) بمنع انحصار الحاجة عند المناظرة، بل شهرة النزاع كاف فيه، كما يحققه

الاستقراء، والدليل إذا لم يكن ظاهر الدلالة لم يجز التمسك به. وعن (و) بمنع أنهم لم يظهروه، فإن ذلك مصرح به في بعض ما رويناه، ثم الفرق: أن النص يجب اتباعه ومخالفه مخطئ وفاقا. وحسن المناظرة لا يوجب اتباع القياس، فإن ما لا يجب (قد يحسن)، وأن مخالفة النص أشد، ولا يستقل العقل بمعفرته وتمكن الإشارة إلى النص، دون الإمارة، ولذلك لا يقدر المقوم عن تعبير كل ما يفيده ظن القيمة، إشارة المتأخرين إلى العلل القياسية إنما أمكنت، لأنها تلخصت بعد أن لم تكن. وعن (ز) بمنعه، فإن شدة الحاجة إلى معرفة حكمها حاملة على النقل ظاهرا، ونحن لا ندعي تواتره، والقول بأولوية الفعل دون وجوبه ثبت فساده. وعن (ح) أنه لو أطبق الخلق على كتمانه، لزم إجماعهم على الباطل، ودليله ينفيه على أن مثله ممتنع في العادة. وعن (ط) أنا لا ندعي تواتره كما سبق، والمعنى من نقله إلينا أن يوجد في صدور الرواة، أو بطون الدفاتر. وعن (ي) أن إثبات مدرك آخر لها غير النص ومقتضياته وغير البراءة الأصلية والقياس خلاف الإجماع. وعن (يا) التوفيق المذكور، وصريح الرد معارض بصريح الدلالة، ولا ترجيح بين المعلومين، والتوفيق الآخر لو وقع لنقل، لغرابته، ولأنه يقتضي التعبير مرتين. وعن (يب) أن شدة انقيادهم للحق ينفيه ظاهرا. وما ذكره النظام: لو منع من الخلاف لمنع في غيره. وما ذكروه من سبب العداوة حاصل في الكل، على أنه إنما يصير سببا للعداوة، إذا كان الغرض التخطئة، وإظهار المزية، دون الإرشاد والنصح، وزيادة الخوف منتفية بما انتفى به أصله، على أن العموم من حالهم أن كلما كان المنكر أعظم كان إنكارهم عليه أكثر، وهمتهم لإزالته أشد، على أن الكيفية معارضة بالكمية. وعن (يج) ما سبق في الإجماع. وعن (يد) أن الأصل بقاؤه، ثم إنه يقدح في أصل الإجماع، والكلام في هذا فرع عليه.

مسألة

وعن (يه) أن الإجماع حاصل - ظاهرا 0 على حجية القياس المناسب، على أنه معارض بما أنه إذا ثبت حجية نوع ما، ثبتت حجيته مطلقا، لئلا يلزم خرق الإجماع، وما نص على عليته، وقياس تحريم الضرب على تحريم التأفيف - غير حاصل في المسائل المختلفة. وعن (يو) أنه لا قائل بالفصل. وعن (يز) ما سبق، أنه حجة. وعن (يج) ما سبق غير مرة. وعن آيات الظن، وما بعدها من الآيتين، ما سبق في خبر الواحد، وخبر معاذ. وعن البواقي: أنها تتوقف على عدم كونه متعبدا به، فإثباته بها دور. وعن الأخبار والإجماع: ما سبق من التوفيق، وإجماع العترة عليه ممنوع، ثم بمنع أنه حجة ثم التوفيق المذكور. وعن المعقول: بمنع أن مطلق الاختلاف منهي عنه، إذ قد روي عنه - عليه السلام -: (اختلاف أمتي رحمة)، ثم إنه منقوض بالتمسك بالظنيات. وبمنع عدم الحكم، وبمنع تعدية الحكم بتعدية ما جعل العبد علة. ثم الفرق: أن حقوق العبادة مبنية على الشح، والظنة، لكثرة حاجاتهم وسرعة رجوعهم عن دواعيهم. وأن الوقائع كثيرة، والتنصيص متعذر، والوحي منقطع، فتمتنع المراجعة، والتكليف بالبراءة الأصلية، ينفي الابتلاء. ثم بالنقض في حالة التصريح. مسألة النص على الحكم ليس أمرا بالقياس عند المحققين - منا - كالأستاذ والغزالي، والإمام

وأهل الظاهر، وجمع من المعتزلة. خلافا للإمام أحمد، وجمع من فقهائنا، والحنفية كالكرخي، وأبي بكر الرازي، والبصري، والقاشاني، والنهرواني، والنظام، ونقل الغزالي عنه: أنه يفيد تعميم الحكم لفظا. وقال أبو عبد الله البصري، أمر به في الترك. لنا: أن قوله: (حرمت الخمر لأنها مسكرة) غير متناول لغيرها لفظا، وهو ظاهر. ولأن قوله: (أعتقت غانما لسواده)، ليس كقوله: (أعتقت عبيدي السود)، ولا قياسا، لجواز أن تكون العلة إسكارها. لا يقال: يفيده عرفا لا لغة، وكذا لو قال: حرمت السم لأنه قاتل، ثم أباح قاتلا آخر غيره، عد مناقضا، وعدم العتق إنما هو لعدم صراحته، فلو نوى عم على رأي، ثم عدم الالتزامية ممنوع، إذ المعنى منه: أن التعميم يتوسط اللفظ، ثم الاحتمال المذكور ينفي تعميم العلة العقلية ثم العرف أسقط اعتباره. إذ يفهم من قول الأب لابنه: لا تأكل هذا الطعام لأنه مهلك منعه من كل مهلك. ثم إنه خلاف الغالب والظاهر والأصل، إذ الغالب في العلل - منصوصة كانت أو مستنبطة - التعدية، والأصل والظاهر مناسبتها. ثم إنه مندفع غير أت في قوله: علة حرمة الخمر الإسكار، ثم إنه ينفي القياس، لأنه إذا كان آتيا مع تصريح العلة، فبدونه أولى. ثم إنه معارض: بأنه لا فائدة فيه، - حينئذ -.

مسألة

وأنه رتب الحرمة على الإسكار، فيشعر بعليته. وأن التنبيه على العلة كما في قوله تعالى: {فلا تقل لهما أف} [الإسراء: آية 23]- تعميم، فالتصريح أولى، لأن النقل خلاف الأصل. والتناقض للقرينة لا غير، وهي ممنوعة بالنسبة إلى الشارع، وحصول العتق بالنية باطل عندكم وعندنا، فلا يخرج الصحيح عليه، وشرط الإلتزامية اللزوم، وتحريم كل مسكر غير لزم له. والعلة العقلية: إن فسرت بما يتأتى فيه الاحتمال، فعتعميمه ممنوع، وإلا: اندفع، وإسقاطه عرفا لما سبق. وكونه خلاف الغالب والظاهر مسلم، لكن لوجوب التعبدية والتعميم فيما ذكر ليس من جهة القياس، لعدم تمييز الفرع عن الأصل، بل لأن العلم بالعلة يوجب العلم بالمعلول، والإجماع لما دل على وقوع التعبد به دل على سقوط ذلك الاحتمال. ولا نسلم عدم الفائدة، إذ يفيد زوال الحكم لزواله فإن كان لخصوصية الحل مناسبة، ففيه أخرى، والحرمة مرتبة على إسكارها لا على مطلقه، وتعميم التنبيه لمنفصل، وإلا: فالاحتمال آت فيه. وللبصري: أن من ترك أكل رمانة لحموضتها لزمه ترك أكل كل رمان حامض، ولو أكلها لحموضتها لا يلزمه أكل كل رمان حامض. وأجيب: بمنعه، إذ يجوز أن يكون لحموضته، ثم لا فرق بينه وبين الفعل، إنما لا يجب أكل كل رمانة، لأنه مشروط بالاشتهاء، وخلو المعدة، وعدم الظن بتضرر به. مسألة الفرع قد يكون أولى بالحكم من الاصل، كتحريم الضرب، وتأدية الدينار. وقد يكون مثله كالأمة والمرأة في حديثي العتق،

والإفلاس، كالبول في الكوز وصبه في الماء الدائم. هي تسمى (القياس في معنى الأصل). وكل من الأولى والمثل ينقسم إلى: قطعي، كما سبق في المثال منهما. وإلى ظني، كوجوب الكفارة في القتل العمد والعدوان، ويمين الغموس، لوجوبها في الخطأ، وغير الغموس. كرد شهادة الكافر، لرد شهادة الفاسق، ووجوب أخذ الجزية منغير أهل الكتاب، لوجوبه منهم. ومن المثل: كوجوب الحد في اللواط، وتحريم شرب النبيذ لوجوبه في الزنا، وتحريم شرب الخمر، إذ ما بينهما من الفرق المتخيل يمنع من القطع بالإلحاق. وقد يكون دونه كأكثر الأقيسة، واتفقوا على أنه لا مستند للإلحاق في النوع الأخير إلا: القياس. واختلفوا في السابقين: فقال المحققون - منا -: إنه بالقياس - أيضا -. وقال كثير - منا -: إنه بالدلالة اللفظية في الأول، دون الثاني. وقالت الحنفية: إنه في الثاني بالاستدلال، دون القياس، أي هو استدلال على تحرير المناط، وحذف الخصوصية عن درجة الاعتبار، ولذا أثبتوا به الحدود والكفارات مع أنها لا تثبت بالقياس. لنا: (أ) أنه لا يدل عليه لغة، وهو ظاهر، والنقل خلاف الأصل.

(ب) أنه لو كان لفظيا لما توقف الإلحاق على معرفة مقصود الكلام. ولما حسن من الملك المستولي على عدوه منع الجلاد من سبه وإهانته دون قتله. لهم: (أ) تبادر تعميم الحكم عند إسماع نصه. (ب) أنهم يفرعون على صيغته عند إرادة التاعبير عنه، فقالوا: في الفرس السبيق: لا يلحق غباره، وفي الفقير: لا سبد له ولا لبدا، ولا يملك النقير ولا القطمير، فهي مفيدة. (ج) أنه قال به من لم يقل بالقياس. (د) أنه معلوم الثبوت، ولو منع الشارع من القياس. (هـ) أنه لا يشترط في القياس أن تكون العلة أشد مناسبة للحكم في الفرع، والفرع في القياس غير مشتمل على الأصل، ولا الأصل جزء منه. (و) قولهم: فلان مؤتمن على القنطار، ولا يملك حبة، يفيد أنه مؤتمن مطلقا، وأنه لا يملك شيئا. فكذا غيرهما، إذ الأصل الحقيقة الواحدة. وأجيب: عن (أ) و (ب) بأنه للمعنى والقصد، لا اللفظ، وستعرف سنده. وعن (ج) أن الخلاف ليس في القياس اليقيني. وعن (د) منع أنه معلوم، بتقدير المنع عن اليقيني، وبتقدير المنع عن الظني لا يضر تسليمه. وعن (هـ) و (و) أن ذلك في مطلق القياس، وما نحن فيه قياس خاص، فإن ادعى ذلك في كل فرد منه: منعناه. وعن (ز) بمنعه، إذ يمنع إفادته لما فوقه ودونها، ثم النقل خلاف الأصل، فيقتصر في محل الضرورة. والحق: أن يقال: إنه إن أريد بدلالته لفظا أنه يدل عليه مطابقة أو تضمينا فباطل، لما سبق، وإن أريد به أنه يدل عليه بفحواه فحق، والوجوه الثالثة لا تنفيه. وهو لا ينافي كونه قياسا، إذ الخاص لا ينافي العام

مسألة من شروط حكم الأصل

ولنا: على الحنفية: أن حد القياس منطبق عليه، فهو منه. لهم: القياس شرعا لتسوية خاصة، وهي لا تعقل إلا: بين الشيئين، وما نفي فيه الفارق شيئا واحدا، فلا يعقل فيه القياس. وأجيب: أنه إن نظر إلى اتحاد العلة فجميعه كذلك وإلا: فهما مختلفان قطعا. ولا ننزاعهم في التسمية، بل في المعنى، إذ أجروه في الحدود والكفارات دون القياس. مسألة من شروط حكم الأصل: أن يكون ثابتا، فلو زال بنسخ لم يصح القياس عليه، لفساد الجامع. وأن يكون شرعيا، فلو كان لغويا أو عقليا، لم يكن القياس شرعيا، وكلامنا فيه. وإن يكن طريق معرفته شرعيا، إذ لو كان عقليا لكان طريق معرفته في الفرع - أيضا - كذلك، فيكون القياس عقليا. ورد: بمنع الثانية، إذ معرفة حكم الفرع لا تتوقف على معرفة حكم الأصل فقط، بل عليه، وعلى غيره، فلم يلزم ذلك. وأن يكون ثابتا بالقياس. خلافا للبصري، وبعض المعتزلة، والحنابلة. لنا: أنه تطويل من غير فائدة، أو تعليل الحكم بمستنبطين، أو عمل بمناسبة من غير اقتران في محل الوفاق.

ولأن الحكم في أصل الفرع إنما ثبت بالموجودة فيه وفي أصله، و - حينئذ - يمتنع تعليله بالموجودة فيه، وفي الفرع لأن عليتها إنما تعرف بعد ثبوت ذلك الحكم فيه بعلة أخرى، فلا أثر له. هذا إذا كان حكمه ممنوعا عند الخصم، مقبولا عند المستدل فإن انعكس الأمر صح القياس، إن كان الغرض منه الإلزام، وإلا: فلا. وقيل: لا يصح مطلقا، لأن حاصل الإلزام يرجع إلى إلزام الخصم فالتخطئة في الفرع بإثبات خلاف حكمه، ضرورة تصويبه في تعليل حكم الأصل بالوصف المذكور، وليس هذا أولى من العكس. و- أيضا - يتضمن اعترافه بالخطأ في الأصل. وأجيب: عن (أ) أن إبطال عدم الحكم في الفرع على تقدير تعليل حكم أصله بالوصف بعدم القائل بالفصل - غير آت في الأصل. سملناه، لكن الكلام الآن في الفرع، دونه، وإن كان دليل الإبطال مشتركا. وعن (ب) أن اعترافه بالخطأ في نفسه ممنوع، إذ الكلام حيث يكون المقصود الإلزام، وفي زعم الخصم لا يضر. وأن لا يكون دليل الأصل دليل الفرع، لئلا يلزم الترجيح من غير مرجح. وفيه نظر، لأن كونه متفقا عليه يوجبه فالأولى: أن يعلل باستدراك زيادة المقدمات. وأن لا يكون حكم الأصل متأخرا عن حكم الفرع، كقياس الوضوء على التيمم في اشتراط النية. وهذا حق إن لم يكن للفرع دليل سواه، للزوم تكليف ما لا يطاق، وإلا: فجائز، لجواز ترادف الأدلة. وأن يكون حكمه متفقا عليه، لئلا يلزم الانتقال. وشرط بعضهم: أن يكون كذلك بين الأئمة. والمتفق عليه بين الخصمين - فقط - سموه بـ (القياس المركب). والأصح: أن القياس المركب أخص منه، وهو ما يكون كذلك لعلتين، كعدم الوجوب في حلي الصبية.

وأن لا يكون حكمه خارجا عن قاعدة القياس. ونعني به تارة: كونه غير معقول المعنى، وتارة: كونه مقتطعا عن أصول أخر، ومستثنى عنها. وإن عقل معناه فالذي وجد فيه الأمران: فهو خارج عن القياس، باعتبارين، وأن ما لم يوجد فيه شيء منهما لم يكن منه بوجه ما. ثم الذي يعقل معناه، ولم يقتطع من أصول أخر، قد يوجد معناه في غيره، فيقاس عليه، وتارة لم يوجد فيتعذر القياس عليه لفقد الفرع، لا لخروجه عن قاعدة القياس. وكلام الغزالي يشعر بكونه منه، وهو تجوز بعيد، لما ستعرف. أقسام ما يقاس عليه وغيره خمسة: (أ) ما شرع ابتداء من غير أن يقتطع عن أصول أخر، ولا يعقل معناه كأعداد الركعات، ونصب الزكاة. قال الغزالي: وتسميته بالخارج عن القياس مجازا، إذ لم يسبقه عموم قياس يمنع منه، ولا استثني عن أصول أخر (بل) معناه أنه ليس بمنقاس. (ب) ما شرع على وجه الاستثناء، والاقتطاع، ع القاعدة العامة ولا يعقل معناه فيمتنع عليه القياس، ولا شك أن تسميته به حقيقة، وهو كتخصيص خزيمة بقبول شهادته وحده، وأبي بردة بجواز التضحية بالعناق. (ج) مثله، لكنه معقول المعنى، كتجويز بيع الرطب بالتمر في العرايا، فإنه للحاجة،

فيقاس العنب عليه، وكرد المصراة ورد صاع من التمر معها بدل اللبن، فيقاس عليه لو ردها بعيب غير التصرية، وهذا القسم يشبه أن يكون هو المختلف فيه: فالأكثرون - منا - وبعض الحنفية: على جواز القياس عليه مطلقا. ومنع الكرخي منه، إلا: أن تكون علته منصوصة كقوله: (إنها من الطوافين والطوافات)، أو أجمع على تعليله، وإن اختلف في علته، ويلزمه أن يجوز قياس الكلام ناسيا على الأكل ناسيا، للإجماع على تعليله بعذر النسيان، أو يكون القياس عليه موافقا لأصول أخر، كالتخالف في البيع، ولذلك قيس الإجازة عليه. والإمام ذكر في ذلك تفصيلا، وقال: الحق أن دليل ما ورد بخلاف قياس الأصول، إن كان مقطوعا به، جاز القياس عليه، كالقياس على غيره، ثم يرجح المجتهد أحدهما. ويؤكده: أنه إذا لم يمنع العموم من قياس يخص فأولى، أن لا يكون عموم القياس مانعا، إذ العموم أقوى منه. فإن قيل: الخبر يخرج من القياس ما ورد فيه، فيبقى الباقي. قلنا: إذا علم خروجه، خرج ما يشاركه، وليس شبهة الأصل أولى من شبهة لآخر، لا المنفصل. وإن لم يكن مقطوعا به، ولا العلة منصوصة، ترجع القياس على الأصول للعلم بطريق حكمه، فلا معارضة، وإن كانت تساويا إن كان النص قطعيا، إذ العلم بطريق حكمه، فلا معارضة، وإن كانت تساويا إن كان النص قطعيا، إذ العلم بطريق حكمه يعارضه العلم بطريق

مسألة

العلة، ولا ترجح القياس على الأصول، لما سبق. وفيه نظر، ذكرناه في (النهاية). والأولى: أن يقال في ذلك: إن ما ثبت على خلاف الأصول، أو عقل معناه جاز القياس عليه، إن لم يظهر قصد التخصيص بالمحل، ولم يترجح قياس الأصول عليه، لأنه حكم شرعي معقول المعنى، معلل به، كغيره، وإلا: فلا، لعدم الصلاحية أو لوجود المعارض الراجح. (د) ما شرع ابتداء، وهو غير منقطع عن الأصول، معقول المعنى، لكنه عديم النظير، فلا تعليق عليه، لتعذر الفرع كرخص السفر المعللة بمشقة السفر، وكشرعية القسامة، المعللة بشرف الدم، لا لكونه خارجا عن القاعدة. نقول من يقول: إن تأقيت الإجازة على خلاف قياس الأصول، كالبيع والنكاح، إذ ليس جعل أحدهما أصلا والآخر خارجا عنه أولى من العكس - ضعيف، إلا: إن أريد به أنه خلاف الغالب، فلا شك أنه كذلك. (هـ) ما شرع ابتداء من غير اقتطاع عن آخر، وهو معقول المعنى، وله نظير، فهذا يجري فيه القياس وفاقا. مسألة ليس من شرط الأصل أن يقوم دليل على جواز القياس عليه لأدلة القياس، ولأنه ينفي القياس مطلقا، لعدم وجدان دليله في الشرع. وقيل: به، فإن أريد به خصوصية الشخصية، فباطل قطعا، أو النوعية، فيقتضي الترجيح من غير مرجح. ولا الإجماع على تعليل حكمه، أو التنصيص على علته. خلافا للمريسي.

ولا لعدم كونه محصورا. خلافا لقوم. لنا: أدلة القياس. قالوا: الدليل ينفي اتباع الظن، ترك العلم به فيما بعض مقدماته قطعي، لقوته، فيبقى الباقي على الأصل. والقياس على المحصور يبطل الحصر. أو لأن العدد حجة، وهو كقوله: "خمس يقتلن في الحل والحرم ... " لا لحديث (الربا). في الأشياء الستة. وأجيب: عن (أ) بما سبق غير مرة. وعن (ب) بمنع أن الحصر مدلوله.

مسألة

وعن (ج) بمنع أنه حجة. مسألة شرط الحكم أن يكون شرعيا، لم يتعبد فيه بالعلم، لما سبق، ولئلا يلزم تكريف ما لا يطاق. مسألة اختلفوا في إثبات النفي الأصلي بالقياس. والحق: جوازه بقياس الدلالة دون غيره، إذ السابق لا يعلل باللاحق، وهو إنما يتم، إذا لم يجعل عدم العلة علة العدم، وأن لا تكون العلة مفسرة بالمعرف. والطارئ يثبت بكل وفاقا. وأجيب: عن (أ) التأخر لا ينافي العلة، بمعنى المعرف، ثم إن التعليل بالحاجة إليها. وعن (ب) ما سيأتي: وعن (ج) بمنعه، إذ يجوز أن تكون معللة بالوصف، والتسلسل غير الزم، لأنا لا نوجب التعليل، سلمناه، لكن الاستدراك ممنوع، إذ التعليل بها، وإن كان جائزا، لكن التعليل بالوصف، لكونه أظهر وأضبط أولى إجماعا، ثم لا يلزم من عدم جواز تعليل الحم بها للاستغناء عنها بالوصف، عدم جواز تعليل السببية بها، لعدم الاستغناء عنها، سلمناه، لكن لا يلزم ذلك إذا كان المراد من الحكم غير السببية. وعن (د) يمنع لزوم أن لا يبقى السبب سببا، بل اللازم منه أن المشترك سبب السبب، ولا يلزم منه ذلك، سلمناه، لكن إذا كان المراد من كونه سببا أنه مشتمل عليه، لم يمتنع ذلك، ثم لا يلزم من عدم مناسبته للحكم أن لا يصلح لعلية السببية.

مسألة

مسألة يجري القياس في الحدود والكفارات والرخص والمقدرات خلافا للحنفية. لنا: (أ) ما تقدم. (ب) اجتهدت الصحابة في حد شارب الخمر من غير نكير. لا يقال: مسائل هذه الأبواب لا يعقل معناها، فتكون الأدلة مخصوصة بالنسبة إلها، كما فيما لا يوجد فيه أركانه وشرائطه. لأنا لا نقول به إلا: بعد حصوله، فإن أنكرتم إمكانه ففساده بين، وإن أنكرتم حصوله، فهو يرفع النزاع الأصولي، إذ هو لا يجوزه فيها وفي غيرها، إلا: بعد حصول أركانه وشرائطه، فلا فرق بينهما ولأن المناسبة مع الاقتران دليل العلية، وقد يجد في بعضها ذلك، فيغلب على الظن عليته. لهم: (أ) قوله - عليه السلام - (ادرؤوا الحدود بالشبهات). والقياس لا يفيد اليقين، فتحصل الشبهة. (ب) مدار القياس على الجمع بين المتماثلات، والفرق بين المختلفات، كما سبق، والحدود والكفارات على خلافه، إذ القذف بالزنا يوجب الحد، دون الكفر، والسرقة توجب القطع، دون مكاتبة الكفار بما يطلع على عورات المسلمين، والقتل يوجب الكفارة دون الكفر، والظهار يوجبها، وهو دونه ودون الشهادة بالزور في الفروج والدماء، وهي لا توجبها. (ج) الرخص منح من الله تعالى، فلا يعدل بها عن مواضعها. (د) الحدود والكفارات خلاف الأصل، فلا يقاس عليها. وأجيب:

مسألة

عن (أ) بالنقض بخبر الواحد وبالقصاص، فإنه يسقط بالشبهة، مع أنه يجوز إثباته بالقياس، ثم إن العمل بالقياس لما كان معلوما، لم يحتمل الخطأ فيه. وعن (ب) ما تقدم في شبهة النظام. وعن (ج) بمنعه، إذا عقل معناها، ثم النقض بالشرائع بأسرها، فإنها منح من الله تعالى. وعن (د) بمنعه، ثم بمنع أنما يكون على خلاف القياس لا يجري فيه القياس. اعلم أن الشافعي - رضي الله عنه - بين مناقضتهم في هذا الباب بما أنهم أوجبوا الرجم بشهود الزوايا بالاستحسان، مع أنه مخالف للعقل. وقاسوا الإفطار بالأكل على الوقاع، وقتل الصيد ناسيا على قتله عامدا، مع تقييد النص به. وفيه نظر، إذ الاستحسان والاستدلال عندهم أقوى من القياس. وأما المقدرات: فكنصب الزكاة، وقياسهم في تقدير الدلو والبئر مشهور. وأما الرخص: فقاسوا فيها، حتى انتهوا في الاستنجاء إلى نفي استعمال الأحجار، وحكموا بأن مقدار محل الاستنجاء معفو من كل النجاسات، وقاسوا العاصي بسفره على المطيع مع أن القياس ينفي ترخصه، إذ الرخصة إعانة، والمعصية لا تناسبها، هذا إن أثبتوه بالقياس وإلا لم يرد عليهم ذلك. مسألة يجوز إثبات أصول العبادات بالقياس. خلافا للحنفية والجبائي، وبنوا عليه أنه لا يجوز إثبات الصلاة بإيماء الحاجب بالقياس. لنا: أدلة القياس، والقياس على سائر الأحكام، بجامع المصالح الناشئة من القياس، ولأنه (إن) لم يجز، لأن المعتبر فيه القطع، فممنوع، ومنتقض بالوتر وبخبر الواحد، وعدم قبوله بعيد، وإنما يجب على الرسول - عليه السلام - إبلاغه إلى حد التواتر، أن لو شرط فيه القطع، وهو ممنوع أولا له، بل يكتفي فيه بالظن: فتحكم.

مسألة

لا يقال: لو اكتفى بالظن في أصول العبادات لم يمكن القطع بعدم وجوب ركن آخر - لأن القطع للعادة، والجواز العقلي غير مناف له، ولأنه يمكن بالإجماع. قالوا: جواز القياس فيها يقتضي جواز إثبات عبادة، قياسا على غيرها، بجامع المصالح الناشئة من فعلها. قلنا: هو تشريع لا قياس. مسألة الأمور العادية والخلقية، كأقل الحيض وأكثره، وأقل مدة الحمل وأكثره، وما يطلب فيه العلم، وما لا يتعلق به عمل - لا يجري فيها القياس، إذ لا يفيد إلا: الظن، وهو غير مطلوب في بعضها وغير محصل له في البعض الآخر. مسألة يمكن إثبات أحكام الشرع بأسرها النص على الكليات، بحيث لا يشذ جزء منها, دون القياس، إذ لا بد فيه من الأصل، فحكمه: إن ثبت به فدور أو تسلسل، وإلا: فبنص. و- أيضا - فيها تعبديات فيمتنع ذلك. قالوا: الأحكام متماثلة، وحكم الشيء حكم مثله. قلنا: تماثلا جنسيا، وهو غير لازم فيه. مسألة القياس مأمور به، لما سبق، وليس بمباح إجماعا. وإن قيل: الأمر حقيقة فيه، فهو واجب، إما عينا كما في حق مجتهد تعين عليه الاجتهاد بالنسبة إلى نفسه، أو غيره، أو كفاية كما في حق مجتهدين نزل بمكلف بينهم الواقعة، أو ندب كما هو فيحقهم قبل نزول الواقعة. وهل يوصف القياس بكونه دينا: - ثالثا: الجبائي: أنه يوصف به إذا كان واجبا، دون ما إذا كان ندبا. والحق: أنه إن عني به أن اعتقاد التعبد به معتبر في الدين، كما في الأركان الخمسة فليس كذلك، إذ لا يكفر جاحده، وإن عنى به أنه مشروع فيه، فهو كذلك.

خاتمة

خاتمة: الأكثر على صحة القياس في العقليات. خلافا للحشوية والظاهرية، ومنكر النظر. ومنه إلحاق الغائب بالشاهد. ولا بد فيه من جامع، وإلا: تحكم، كقوله المشبه: فاعل، فهو على شكل وصورة، كما في الشاهد، وكقياس المعطلة ليس في جهة ولا مكان ولا متصل ولا منفصل، ولا داخلا ولا خارج، فوجب أن لايكون كما في الشاهد. وهو: أما العلة: كقولنا: علة صحة الرواية شاهدا الوجود، فكذا غائبا. أو الحد، كقولنا: حد العالم شاهدا من له العلة. أو الشرط، كقول المعتزلة: شروط صحة الرؤية شاهدا المقابلة أو حكمها. أو الدليل: كقولنا: الأحكام شاهدا دليل العلم، وما مثل به الإمام في الأول والثالث: فغير صحيح، إذ هو جمع بالمعلول والمشروط لا بالعلة والشرط. ثم المحققون: على أنه ظني، إذ الجمع بالعلة أقوى الكل، وهو غير مفيد للقطع، لتوقفه على القطع بالعلة، وبحصولها في الفرع مع ما لا بد منه في الحكم، وحصوله متعذر لاحتمال أن ما به يمتاز الفرع عن الأصل - شرط او مانع وله فرض على الندور حصل القطع. ثم عينوا بالعلة: - بالدوران الذهني، كالعلم بكون الخطاب أمرا بالمحال، مع العلم بقبحه، ومنعت إفادته الفطع، إذ ليس بديهيا، فلا بد من إقامة الدليل عليه، ثم إنه منقوض الإصافات، ثم لا نسلم أنه يفيد العكس، ثم لا نسلم أنه يفيد عدم علية تلك الصفات. وما قيل: إن العلم بالعلة علة العلم بالمعلول، ففيه نظر عرف في موضعه وبالخارجي، وقد سبق الكلام فيه. وبالتقسيم المنتشر، وهو بناء على أن عدم الوجدان بعد البحث الشديد يدل

مسألة

على العدم، كالمبصر إذ نظر بالنهار في (جميع جوانب) الدار، فلم يبصر، فإنه يجزم بعدمه. وأورد: بأن عدم الوجدان لا يدل على العدم، ثم هو قياس من غير جامع، ثم بالفرق، ثم إنه إثبات للقياس بالقياس. مسألة القدح في العلة بأنها بمعنى (المؤثر لذاته) - باطل: لبطلان التحسين والتقبيح. ولقدم الحكم وحدوثها. ولامتناع أن يكون العدم علة الوجود، مع أن ترك الواجب سبب للعقاب. ولا نسلم ملازمة فعل الضد له، إذ يجوز خلو القادر عن فعل الشيء وضده على رأي، ثم المستلزم له بالذات الترك. وبالعرض الفعل، والعلة هو المستلزم بالذات، ولجواز اجتماع العلل الشرعية على معلول واحد، وكذا بمعنى: (الباعث): لأن ذلك في حق الله (تعالى) محال، لأن كل من فعل فعلا لغرض، فلا بد وأن يكون حصوله أولى له، وإلا كلميكن غرضا، والعلم به ضروري و- حينئذ - حصول تلك الأولوية لله تعال متوقفا، على أمر خارجي، وهو ممتنع. وما يقال: بأنه أولى بالنسبة إلى غيره لا يدفعه، لأن التقسيم المذكور آت فيه. وأيضا - العلم الضروري حاصل بعد الاستقراء: إنه لا غرض إلا: للذة، أو دفع الألم. أو ما يكون إليهما، وما امتنع ذلك على الله تعالى امتنع الغرض في حقه تعالى. ولأن فعله لو كان لغرض، لم يكن قادرا عليه بدونه، لأن العلة الغائبة علة لعلة الفاعلية، فيلزم من عدمها عدمها. وكذا بمعنى: (المعرف). إذ لا تعرف حكم الأصل، لأنه معرف بالنص، وحكم الفرع معلل بالمشترك بينهما. ودفع: بأنه بمعنى: (الموجب)، لا لذاته، بل بجعل الشارع. وقد عرف جواب ما اعترض عليه الإمام. أو بمعنى: (المعرف للحكم في الفرع)، وهو وإن كان معللا بالمشترك بينهما لكن يعرف

مسألة

الحكم في الفرع دون الأصل ولا امتناع فيه. مسألة تعرف عليه الوصف: بالإجماع. وبالنص: صريحا: كقولنا العلة كذا أو لسبب، أو لموجب، أو لمؤثر أو من أجل كذا، أو ظاهرا: كـ (اللام) قال الله: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات: آية 56]. ومجيئها لغيره مجازا، كما في قوله: {ولقد ذرأنا لجهنم} [الأعراف: آية 179]. وقول الشاعر: لدوا للموت وابنوا للخراب ... . وقوله: (أصلي لله). ودخولها على العلة، كقوله: لعلة كذا- لا نيفيه. لا يقال: الاستعمال معارضن فليس جعله حقيقة في التعليل، مجازا في غيره أولى من العكس - لأن الأول أولى لتصريح أهل اللغة، ولتبادر الفهم إليه، ولإمكان جعله مجازا في الصيرورة، والتخصيص - حينئذ - للزومهما إياه من غير عكس. و(الباء) كقوله تعالى: {ذلك بما عصوا} [البقرة: آية 61]، و {ذلك بأنهم شاقوا الله} [الحشر: آية 4]. وقول الإمام يشعر بأنها مجاز فيه، لأنها للإلصاق، ولما حصل ذلك بين العلة والمعلول، حسن دخولها في التعليل مجازا. وهو مخالف لنقل غيره. و(إن) كقوله - عليه السلام - (إنها من الطوافين والطوافات) و (إنها دم عرق

انفجرت). و(كي): قال الله تعالى: {كي لا يكون دولة بين الأغنياء} [الحشر: آية 7]، والإيماء والتنبيه: وهو يدل من جهة المعنى، فتكون دلالته التزامية، وهو أنواع: (أ) ذكر الحكم مع (الفاء) بعد الوصف، كقوله تعالى: {فاقطعوا} [المائدة: آية 39]، {فاجلدوا} [النور: آية 2]. وقوله - عليه السلام - (من أحيا أرضا ميتة فهي له). ويأتي في كلام الراوين كقوله: (سهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسجد)، وزنا ماعز فرجم. (ب) عكسه، قوله: (لا تقربوه طيبا، فإنه يحشر يوم القيامة ملبيا). والأول أقوى، لأن إشعار العلة بالمعلول أقوى من العكس. وما كان منه في النص أقوى

من الذي في كلامه الراوي، إذ يتطرق إليه ما لا يتطرق إلى النص، وكلام الراوي الفقيه أولى من غيره. واستدل على عليته: بأنه يثبت الحكم عقيبه بـ (الفاء) التعقيب، فيكون سببا له، إذ لا معنى له إلا: ذلك. وأورد: بأن كل سبب تعقبه الحكم، ولا عكس، إذ المحجية الكلية، لا تنعكس كنفسها، ويؤكده: أنه يعقب ما يلزم السبب ولا علية. ودلالتهما ظاهرية، لتخلف الحكم عنه، (حيث تكون الفاء بمعنى (الواو). (ج) أن يحكم الرسول - عليه السلام - على السائل بعد علمه بوصف فيه، فيظن أنه علة الحكم، كما في حديث كفارة الوقاع، لأنه يصلح أن يكون جوابا له، فيكون جوابا له، إلحاقا بالأعم والأغلب ولأنه لو لم يكن جوابا له لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، و - حينئذ - يكون السؤال معادا في الجواب، فهو كما لو ذكر وصفا ورتب عليه حكما، لكنه أضعف منه. واحتمال علمه بعدم احتياجه - إذ ذاك - بعيد، وما يذكر عقيب السؤال قد يكون جوابا آخر، وقد يكون زجرا عنه، وابتداء كلام منه، ولكنه نادر. وما يقع منه في كلام الراوي فهو حجة، لأن كون الكلام جوابا عن السؤال أمر ظاهر، فالظاهر من حاله: أنه لا يجزم به ما لم يعرف كونه جوابا قطعا، لكنه أضعف مما يقع منه في كلام الشارع لما سبق. (د) ذكر الحكم مع وصف لو لم يكن علة، لما كان في ذكره فائدة - يفيد ظن عليته، صيانة لكلام الشارع عن أن يكون (لغوا) وهو: - كقوله: "إنها من الطوافين أو الطوافات عليكم"، وكقوله: "تمرة طيبة وماء طهور". وقوله: "أينقص الرطب إذا جف؟ " فقالوا: نعم، فقال: "فلا إذا"، وهو يزيد على ما قبله من حيث إنه ترتيب الحكم بـ (الفاء)، ولاقترانه بـ (إذا)، وهو من حروف التعليل. وقوله: "أرأيت لو تمضمضت". الحديث، وقوله: "أرأيت لو كان على أبيك على ... " الحديث. وقيل: حديث القبلة ليس منه، إذ ليس فيه ما يتخيل مانعا، بل غايته أن لا يفسد، بل هو

فروع

نقض لما توهمه عمر - رضي الله عنه - من إفساد مقدمة الإفساد. وفيه نظر. وما ذكرناه من النصوص أمثله الأقسام النوع المذكور. (هـ) التفريق بين الشيئين في الحكم بذكر صفة، يدل على عليته، لما سبق، وهو: إما في خطابين، كقوله تعالى: {يوصيكم الله} [النساء: آية 11]، وقوله - صلى الله عليه وسلم - "القاتل لا يرث". أو في خطاب: بلفظ الشرط، كقوله: (إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم يدا بيد). أو الغاية: (حتى يطهرن) [البقرة: آية 222]. أو الاستثناء كقوله: {إلا أن يعفون} [البقرة: آية 237]. أو الاستدراك، كقوله {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان} [المائدة: آية 89]. أو بلفظين مستقلين كقوله: (للراجل سهم وللفارس سهمان). (و) منع فعل ما يمنع الواجب الذي سبق الكلام له - يشعر بأن علة منعه كونه مانعا منه، صيانة لركاكة الكلام، كقوله: {فاسعوا إلى ذكر الله} [الجمعة: آية 9]. (ز) ترتيب الحكم على المشتق يدل على علية المشتق منه. فروع: (أ) في اشتراط المناسبة في علية المومى إليه. ثالثها: الاشتراط في الأخير. المشترط:

(أ) لو لم يكن الخالي عنها علة، فيلزم عدمها مطلقا، أو علية غيره، وهما باطلان، إذ الحكم لا لغرض عبث، وهو على الشارع محال، ولأن الحكم مع علته أكثر فائدة، فيحمل عليه تصرفه، والأصل عدم علية غيره. وأورد: بأنه منقوض بالنسبة إلى الشرائط المتفق عليها. وأجيب: بأنه ترك مقتضاه للإجماع، فيبقى في غيره على أصله. (ب) أنه يقبح: أكرم الجاهل، وأهن العالم، ولا ذاك إلا: لفهم عليتهما لهما، إذ الجاهل يستحق الإكرام لنسب وغيره، والعالم يستحق الإهانة لفسق أو غيره، وجعلهما مانعين يقتضي أن لا يجوز التصريح بهما كغيرهما. (ج) أنه يفهم السببية في مثل: (من مس ذكره فليتوضأ) مع عدم تعقل المناسبة. ثم ظاهر الإيماء قد يترك لمانع، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - (لا يقضي القاضي وهو غضبان)، لتخلف الحكم عن مسماه، وحصوله في غيره، لكن حسن إطلاقه لإرادة ما يشوش فكره، تسمية للمسبب باسم السبب. (ج) يكون للنص إيماء فيما ذكر الحكم والوصف صراحة. فإن ذكر الحكم صراحة والوصف مستنبط، فلا إيماء له وفاقا. وقيل: بخلاف فيه، وهو بعيد. أو عكسه، كالصحة المستنبطة من حل البيع والنكاح، فالأظهر: أن له إيماء، إذ الصحة لازمة للحل، فالدال عليه مطابقة دال عليها التزاما، فيكون للنص إيماء إليه، كالمذكورين صراحة. وقيل: بنفيه قياسا على عكسه. وأجيب: بمنع الجامع، ثم بالفرق، وهو: أن وجود الصف غير لازم من الحكم ولا مناسبة له، لثبوته قبل الشرع فلم يكن للدال على الحكم دلالة عليه، لا مطابقة ولا التزاما.

مسألة

وفيه نظر إذ الدلالة الالتزامية خاصلة من الجانبين، لما بينهما من ملابسة العلية والمعلولية. مسألة المناسبة الملائمة، يقال: هذه اللؤلؤة تناسب هذه اللؤلؤة، وهذه العمامة تناسب هذه الجبة. وفي الاصطلاح: (إنه الملائم لأفعال العقلاء عادة). ومن علل أفعال الله تعالى عرفها: (بأنه الذي يفضي إلى ما يوافق الإنسان تحصيلا وإبقاء). وهو للمناسب، فيعم اللذة والألم، ووسائلهما. وتصورهما بديهي، لأنهما أظهر ما يجده الحي من نفسه، ويفرق بالضرورة بينهما وبين كل واحد منهما، وبين غيرهما. وقيل: اللذة: إدراك الملائم والألم ضده، وفيه نظر. وقيل: (المناسب: ما لو عرض على العقول، تلقته بالقبول). وأورد: أنه إن أريد به القبول في كل شيء لم يثبت، أو البعض معينا: لزم الإجمال، أو مطلقا: لزم مناسبة كل شيء لكل شيء. وأجيب: بأنه كذلك بالنسبة إلى المطلوب. وأورد: العقول مختلفة، ليس البعض أولى من البعض. وبنى عليه قائله تعذر إثبات العلة على الخصم، وقال: المناسبة تفيد الناظر، إذ لا يكابر

مسألة

نفسه، دون المناظر، إذ قد يكابر، ولا يظهر حتى لا يخرج عن أهليته. وأجيب: أن ذلك لا يوجب الرد، كما في أكثر الأدلة، ثم المعتبر العقول السليمة عن الزيع، كما في غيره، ثم كونه بحيث يتعذر إثباته على الخصم لا يوجب رده (كما) في اعتبار التواتر بحصول العلم. وقيل: (المناسبة: مباشرة الفعل الصالح لحكمة، أو مصلحة). وعلى رأي من لا يعلل: (صلاحية الفعل لحكمة أو مصلحة). وقيل: (المناسب وصف ظاهر منضبط، يلزم من ترتيب الحكم على وفقه حصول ما يصلح أن يكون مقصودا من شرع ذلك الحكم نفيا أو إثباتا). ونقض: يلازم المناسب، ثم هو دور، إذ ترتيبه على وفقه لا يعرف إلا: بالمناسبة. ثم هو غير جامع، إذ التعليل بالحكمة الظاهرة المنضبطة جائز، ولا وصف. مسألة إذا ثبت الحكم للمناسبة، لمصلحة أو دفع مفسدة: إما قطعا، كصحة البيع للملك، وفساده لجهالة الثمن، لدفع المنازعة. أو ظنا: كوجوب القصاص بالقتل العمد العدوان، لبقاء النفوس ووجوب حد الزنا لدفع مفسدته. أو يستوي فيه الأمران: كوجوب حد الشرب، لصيانة العقل، ووجوب التعازير في الصغائر، التي تدعو النفس إليها، لتقاوم الفريقين، وهذا لو سلم، فللتهاون في إقامة الحد والتعازير. أو الحصول، أو الاندفاع مرجوح، كشرعية نكاح الآيسة، لمصلحة التوالد، والحكم يرد الشهادة، بتكثير اللعب بالشطرنج، لدفع المفسدة الناشئة من قليله. ولا تخفى مراتبها في القوة والضعف. ولا خلاف بين القائسين في الأولين، واختلفوا في الباقين. والأصح: الجواز إذا كان الحكم في أكثر أفراده مفضيا إلى المقصود، لوجوده في الشرع، كنكاح الآيسة، والترخيص برخص

مسألة في تقسيم المناسب

السفر للمترفة. فأما إذا قطع بنفيه: فلا. خلافا للحنفية. وهو كلحوق النسب بالمشرقي من زوجته التي بالمغرب من غير اجتماع، ولا مظنة، وكوجوب الاستبراء على التي اشتريت في مجلس بيعها، لعدم مظنة الإفضاء. مسألة في تقسيم المناسب: (أ) وهو إما إقناعي، وهو: (ما يظهر مناسبته في أول الوهلة، لا عند التفتيش)، كما يقال: لا يصح بيع الأعيان النجسة لأنها تناسب الإذلال، وتجويز البيع إعزاز، فالجميع بينهما تناقض، لكن معنى النجاسة: أنه لا تصح الصلاة معها، ولا مناسبة بينه وبين المنع من البيع. إما حقيقي لا يختلف، وهو: إما لمصلحة دنيوية: في محل الضرورة، كحفظ النفس والمال والنسل والنسب والدين، والعقل، بتحريم القتل، والغصب والسرقة والاختلاس، واللواط والزنا، والارتداد وقتال الكفار، والمسكر، وترتيب الزواجر عليها. أو مكملة لها: كتحريم البدعة، وشرب قليل المسكر، والنظر واللمس، وترتيب الزواجر على ذلك. أو في محل الحاجة كتمكين الولي من تزويج الصغيرة وكتقييد الكفو، أو مكملة لها، كرعاية الكفاءة، ومهر المثل في تزويجها. أولا لهمان كالتحسينات، كتحريم تناول القاذورات، والمستقبحات، وسلب أهلية الشهادة عن العبيد، لا كسلب ولايته على من يلي أمره، لو كان حرا. ومنه ما يعارض قاعدة معتبرة، كشرعية الكتابة. أو دينية: كرياضة النفس، وتهذيب الأخلاق، لتزكية النفوس عن الرذائل، وتحليتها

بالفضائل. أولهما: كإيجاب الكفارات، إذ يحصل به الزجر، وتكفير الذنب، وتلافي التقصير. ثم من هذه الأقسام: ما يظهر أنه منه، أو ليس منه، أو لا يظهر واحد منهما، كوجوب القصاص بالمثقل ووجوبه بغرز إبرة لا تعقب ألما، ولا ورما، وقطع الأيدي بيد. (أ) المناسب ثلاثة: معتبر، وملغي، ومجهول الحال والمعتبر: إما بحسب خصوصه، أو عمومه، أو هما، في خصوص الحكم، أو عمومه أو فيهما، تسعة، وجد منها خمسة: (أ) ما عرف اعتبار خصوصه وعمومه، في خصوصه وعمومه كالقتل بالمثقل في وجوب القصاص، ويسمى بـ (الملائم). (ب) ما عرف اعتبار خصوصه في خصوصه، كتحريم النبيذ بإسكاره، ويسمى: بـ (الغير الملائم)، و (الغريب)، وهو مختلف فيه بين القائسين، دون الأول. (ج)، (د) ما ختلف اعتباره، كتقديم الأخ من الأبوين على الأخ من الأب في النكاح، وكإسقاط القضاء عن الحائض بالمشقة لاعتبارها في سقوط قضاء الركعتين في السفر. (هـ) ما عتبر جنسه في جنسه فقط، كتعليل وجوب الثمانين في حد الشرب لكونه مظنة القذف، وترجح بكثرة الخصوص وبكونه في جانب العلة. والملغي: كقول بعضهم لبعض الملوك - لما سأله عن كفارة إفطاره بوقاعه في نهار رمضان - (صم شهرين متتابعين)، تغليظا عليه، وهو غير متلفت إليه، لمخالفة صريح النص، ولأنه يؤدي إلى عدم الثقة بالعلماء. وما جهل حاله: فهو (ما لا يشهد له أصل بحسب وصف أخص من كونه مصلحة). ويسمى بـ (المصالح المرسلة). وإذا ضربت أقسام هذا التقسيم في ما قبل، تحصل أقسام كثيرة، يحصل فيها التراجيح.

مسألة

(ج) المناسب: مؤثر: وهو ما عرف تأثير عين الوصف في عين الحكم، أو جنسه بطريق غير عقلي، وقيل: وبغير إيماء وتنبيه. أو غير مؤثر: ملائم هو: ما عرف تأثير جنسه في عينه، أو في جنسه، أو بطريق عقلي غير المناسب، فإن ما يثبت بها هو (المناسب الغريب). أو غير الملائم: وهو إمام ملغي أو مرسل، فإن ثبت عدم مجانسة جنسه القريب، فمردود وفاقا، وإلا: فمختلف فيه. (د) المناسب: لعاجلية، أو آجلية أولهما معا. والعاجلية: إما تحصل أصل المقصود: ابتداء، كالبيع والنكاح، أو دواما، كشرعية القصاص بالقتل، والقطع العمد العدوان. أو تكميلية: ابتداء، كاشتراط الطهارة وتوجه القبلة، وستر العورة، أو دواما، كاشتراط عدم الكلام في دوام الصلاة. مسألة المناسبة تنخرم بمفسدة تلزم، راجحة أو مساوية. خلافا لقوم، منهم الإمام. لنا: (أ) أنه لو لم تبطل لكان تحكما، أو جمعا بين الأحكام المتضادة. (ب) لا يعد في العقل فعل ما فيه مفسدة، أو راجحة - مصلحة، بل عبثا أو مفسدة، وهو ينفي كونه مناسبا. (ج) صريح العقل حاكما بأن دفع المفسدة أهم من جلب المصلحة، واستقراء الشرع يحققه، وهو يغلب ظن انخرامها. (د) القياس على الدليل المعارض، براجح أو مثله، بجامع عدم إفادة الظن. (هـ) بديهة العقل حاكمة بأنه لا مصلحة مع مفسدة راجحة عليها أو مثلها. لهم: (أ) إن تساويا امتنع إبطال إحداهما بالأخرى، فإن بطلا لزم أن لا يبطلا أو يبطلا، وهو

المطلوب. (ب) لو لزم من وجود إحدهما بطلان الأخرى لتنافتا وقد بين جواز اجتماعهما في الأول. (ج) إن لم يبق من الراجحة شيء بسبب المرجوحة لزم استواء حالتي التعارض وعدمه، وإن انتفى فهو بقدرها، وإلا: لزم النتفاء بلا سبب، أو الترجيح بلا مرجح، و - حينئذ - يلزم ما سبق، ولأن ما زال ليس أولى به مما بقي، بأن لم ينتف منه شيء، فخلف، على أنه يحصل الغرض، أو ينتفي الكل، فيلزم ما سبق. (د) ترتيب الشارع الأحكام المختلفة على الشيء الواحد، كالصلاة في الدار المغصوبة يفيده. (هـ) أن يحسن في العرف، فيحسن في الشرع، للحديث. (و) العقلاء يقولون في معين: فعله مصلحة، لولا ما فيه من المفسدة، وهو يفيد اجتماعهما. (ز) قد يظهر في الشيء جهتا الحكم وعدمه، وبأيهما حكم المناظر من غير ترجيح، لا يعد خارجا عن مقتضى المناسبة، ولو كانت تبطل بالمعارضة، لما كان كذلك. وأجيب: عن (أ) بمنعه، إذ دفع المفسدة مقدم عن جلب النفع. عن (ب) أن بينهما منافاة الإفضاء إلى المقصود، لا الحصول، وبه وبما سبق خرج الجواب عن (ج). وعن (د) بمنعه، وما ذكر من الصورة ليس مما نحن فيه، فإن النزاع فيما لا ينفك الشيء عنهما. وعن (هـ) بمنع حسنه مطلقا، بل إذا عمل بمقتضى الراجح. وعن (و) أنه لا يفيد أن لا يبطل بالمعارضة، بل يفيد جواز الاجتماع، ولا نزاع فيه. وعن (ز) ما سبق في الخامس. اعلم أن من قال بتخصيص العلة، قال ببقاء المناسبتين ومن لم يقل به اختلفوا فيه. تنبيه: من قال ببطلانها عند التعارض فيعمل بأحديهما بالترجيح، وهو: إما تفصيلي، وليس هذا

مسألة المناسبة دليل علية الوصف

موضعه، أو إجمالي، نحو أن يقال: حكم الأصل معلل بالمصلحة الفالنية، وهي راجحة على عارضها من المفسدة، والإلزام أن يكون مضافا إلى المرجوحة أو إلى غير تلك المرجوحة، أو يكون تعبديا، ولا يخفى وجه بطلانها. لا يقال: عدم وجدان وصف آخر بعد البحث والفحص إن دل على عدمه، فعدم وجدان ما به يترجح على معارضها، يدل على عدم رجحانها، وليس أحدهما أولى من الآخر، لأن بحثنا أولى، لانضباط محلة، بخلاف الترجيح، فإنه قد يكون خارجيا. فإن قلت: ظن عدم المرجح: إما مساو له، أو مرجوح، أو راجح، وما يقع على التقديرين من الثلاثة أغلب مما يقع على واحد منها. قلت: بمنع ذلك مطلقا، بل يشترط تساوي تلك التقديرات، وهو ممنوع الحصول. مسألة المناسبة دليل علية الوصف: (أ) لأن الله تعالى شرع الأحكام للمصالح، وهذه مصلحة، فيحصل ظن شرعيته. بيان الأول: (أ) أنه تعالى حكيم إجماعا، والحكيم هو: الذي يكون فعله لمصلحة. (ب) التخصيص بحكم معين، لا لمرجح، أو لمرجح يعود إلى الله، أو لمفسدة تعود إلى العبد، أو لا لمصلحة، ولا لمفسدة ممتنع، فتعين أن يكون لمصلحة تعود إلى العبد. فإن قلت: ففعله لمصلحة البعد، إن لم يكن لغرض، لزم الترجيح من غير مرجح، وإلا: لزم الاستكمال. قلت: لا يعد القعلاء فرض الإحسان إلى المحتاج نقصا. (ج) لو لم يكن فعله لمصلحة تعود إلى العبد، لكان عابثا أو ظالما - تعالى الله عن ذلك - إجماعا، وللنص. (د) كونه تعالى رحيما رؤوفا ينفي أن لا يكون فعله لمصلحة العبد. (هـ) التمسك بنحو {يريد الله بكم اليسر} [البقرة: آية 185]، {وما جعل عليكم في} [الحج: آية 78]. وقوله - عليه السلام - "بعثت بالحنيفية السهلة السمحة"، وما خلى عن المصلحة ليس كذلك.

(و) الله تعالى خلق الإنسان للعبادة، للآية والحكيم إذا أمر عبده بشيء حصل مصالحه، ليفرغ باله ويتمكن من الإتيان به. (ز) خلقه مكرما مشرفا للآية، وهو ينافي تكليفه بما لا فائدة فيه. بيان الثاني: ظاهر. بيان الثالث. (أ) أنه إذا لم ينفك الحكم عن المصلحة، فالموجبة له ليس إلا: الموجودة، إذ الأصل عدم إضافته إلى أخرى ولئن عورض بمثله، فدفعه سهل. (ب) أنه إذا اعتقد في ملك أنه لا يحكم إلا: لمصلحة ثم علم أنه حكم في محل فيه مصلحة، فيغلب ظن أنه إنما حكم لها للدوران. (ج) في أن المناسبة تفيد ظن العلية، وإن (لم) تعلل أفعاله تعالى: أنا لما تأملنا وجدنا الأحكام والمصالح متقاربين فالعلم بوجود أحدهما يقتضي ظن وجود الآخر، لأن وقوع الشيء على وجه مرارا كثيرة يقتضي ظن أنه متى وقع وقع على ذلك الوجه، للاستقراء وإذا ثبت أنه يفيد العلية لزم العمل بها. فإن قيل: الحكيم: من يكون فعله متقنا، لا ما ذكرتم، والترجيح بغير مرجح إن جاز بالنسبة إلى المختار، فقد سقط تعليل الأفعال، وإلا: لزم الجبر، فيمتنع. ولا نسلم لزوم العبث أو الظلم، على تقدير خلوه عن المصالح، سلمناه لكن لا نسلم لزوم كونه عابثا، إذ أسامي الله توقيفية، كونه ظالما يقصد إضرارهم، إذ لا يتصور منه التصرف في ملك الغير. ثم هو معارض: (أ) بما أنه لو كان معللا: (بالمصالح لزم أن لا يكون مختارا)، وفيه نظر يأتي. (ب) ما سبق من الأدلة الدالة على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى في مسألة تكليف ما لا

يطاق، وقد عرف ما عليه. (ج) لو كان معللا بالغرض: فإن كان قديما لزم قدم الفعل والمفعول وإلا: فإن توقف حدوثها على حدوث شيء آخر لزم التسلسل، وإلا: فهو المطلوب. ورد: بمنع حصول المطلوب - حينئذ - فإن القول بالتعليل لا يقتضي تعليل كل شيء بشيء آخر، بل لابد وأن ينتهي إلى ما هو مطلوب لذاته. (د) الحكم قديم، والغرض حادث، وإلا: لزم تعدد القدماء، غير الذات والصفات، و -حينئذ- يمتنع تعليله به. (هـ) تخصيص اتحاد العالم بوقت معين، وتقدير الكواكب والسماوات والأرضين بمقادير مخصوصة، ليس لمصلحة العباد. فإن الزيادة والنقصان بجزء لا يتجزأ لا يغير مصالحهم. وأورد: أن هذه وأمثالها لا يدل على عدم تعليل الأحكام الشرعية. وأجيب: بأنه لا قائل بالفصل. (و) الحكم والمصالح متأخرة عن الحكم، فلا تكون علة. وزيف: بأن تأخر العلة الغائية في الوجود الخارجي، لا يقدح في علته. (ز) كل ما يفرض غرضا من الحكم فالله تعالى قادر على تحصيله بدونه، فيكون توسيطه عبثا، وزيادة تعب، وهو ينفي أصل التكليف. (ح) خلق الكافر الفقير الذي في المحنة - إلى الموت، ليس لمصلحته. (ط) خلق الخلق، وركب فيهم الشهوة والغضب، حتى يقتل بعضهم بعضا مع قدرته على خلقهم بدونهما فيالجنة ابتداء، وإغنائهم بالمشتهيات الحسنة عن القبيحة. وأورد: بأنه للابتلاء والتعويض. ولا نسلم أن إعطاء ذلك ابتداء أولى، إذ قاعدة التحسين والتقبيح تنفي جوازه، والقول بوجوب التعليل إنما هو "مبني عليها، وأما القول به تفصيلا، كما هو مذهب الفقهاء، فإنما هو" في الأحكام دون غيرها، فلا يرد ما ذكر. (ي) أنه لو كان معللا بحيث يمتنع الفعل بدوها، لزم أن يكون الباري تعالى مضطرا،

وإلا: أمكن خلوه، عنها، و-حينئذ- يكون عبثا، لأن ما علل بالمصالح يوصف به عند خلوها عنها، لكنه محال، ففرض خلوه عنها محال. وقدح: بأن المعنى من المضطر أنه لا بد له من الفعل (شاء) أم أبى. وهو غير لازم (من) الدليل، بل اللازم منه أنه لو فعل، لما فعل بدوها وهو لا ينافي الاختيار. (يا) تعليليه مع وجوبه يقتضي توجه السؤال إليه على تقدير تركه، وهو مني عنه، لقوله: {لا يسئل عما يفعل} [الأنبياء: آية 23] أو لا معه و- حينئذ - أمكن خلوه عنها، فيكون عبثا. وأورد: بأن التقدير محال، والمحال جاز أن يستلزم المحال. (يب) أنه مكنهم من فعل المعاصي، مع علمه تعالى به، وقدرته على منعهم منها، وهو ينفي التعليل بالمصالح، وفيه ما سبق. (يج) لو كانت معللة لما وجد شر وفساد في العالم، فضلا عن أن يكون غالبا، لأن كل ما في العالم بقدرته تعالى، أو بإقدار غيره عليه. (يد) أمات الأنبياء والخلفاء الراشدين، وأنظر إبليس، وسلطه وأعوانه على بني آدم، فيرونهم من حيث لا يرونهم، ولم يمكن الأنبياء والصالحين، بمثل تمكنهم، ولا مصلحة لهم في شيء من ذلك، وإن كانت، لكنها مرجوحة، ثم لا نسلم أنه يغلب على ظننا أنه شرع هذا الحكم لهذه المصلحة. أما الاستصحاب والدوران فسيأتي الكلام عليهما - وأيضا - الدوران إنما يفيد لو سلم عن المزاحم، والمزاحم أن العبد يميل طبعه إلى جلب المصلحة، ودفع المضرة، والله منزه عنه. ولأن المعتاد دفع الحاجة الخاصة، والملك يراعي النوع، والله تعالى عادته مختلفة في رعاية المصالحن جنسا ونوعا وكذلك قد يحسن شيء عند الله ويقبح عندنا، وبالعكس، وكذلك تستقبح الشرائع المتقدمة. ثم ما ذكرتم معارض: (أ) بما أنه لو كان لدفع الحاجة لدفع الحاجات كلها، لأنها مشتركة في نفس الحاجة،

مسألة قيل في حد الشبه

ومتمايزة بحسب خصوصياتها، وما به الاشتراك غير ما به الامتياز، فلا يكون ما به الامتياز حاجة. (ب) تعليل الأحكام بالمصالح يستلزم خلاف الأصل لأن بعض أحكام الشرائع المتقدمة قبيح الآن، وهو: إما لفقد شرط، أو لوجود مانع، وتوقيف المقتضى على (ذلك) خلاف الأصل. (ج) لو علل فإم أن يعلل بالحكمة، وهو باطل، لخفائها، وعدم ضبطها، أو بالوصف، وهو كذلك لأن عليته باشتماله عليها، فهي العلة. (د) لو كانت مشروعة لها لحصلت قطعا، إذ الحكيم لا يسلك ما يحتمل أن لا يؤدي إلى المقصود. وأجيب: عن المعارضة: بتقدير صحتها، فإنه قد بان ضعفها، بأنها تنفي أصل التكليف، والقول بالقياس وفرعه، وبأنها تعارض الدليل الأول، دون الثاني، والاعتماد إنما هو عليه. وعن قوله: بمنع أن الاستصحاب والدوران حجة، قلنا: سيأتي ما يدل على حجيتها. والفرقان المذكوران إنما يردان على من قال بالعليل وجوبا، دون من قال به تفضلا. وعن أول الأخيرة: أن المراد من الحاجة المذكورة في الدليل الحاجة المخصوصة، ثم إنه منقوض بأفعالنا. وعن (ب) أنه مبني على التحسين والتقبيح، ثم النقض المذكور. وعن (ج) بمنع لزوم الخفاء، وعدم الضبط لها، ثم الوصف علة لاشتماله عليها، وما ذكر من المفاسد غير حاصل فيه. وعن (د) أنه ليس المقصود من شرع الحكم لمصلحة ترتيبها عليه في كل صورة، بل في الأكثر، وهو حاصل قطعا، و- أيضا - الترتيب الظاهري مقصود، وهو حاصل قطعا. مسألة قيل في حد الشبه: (إنه إلحاق الفرع المتردد بين أصلين لمشابهته لهما بأحدهما لكثرة مشابهته له). وهو كقياس (العبد) على الحر في وجوب كمال قيمته، يقطع ما يوجب كمال الدية في الحر،

لأن مشابهته له أكثر من مشابهته لما يملك. ويسميه الشافعي: (قياس غلبة الأشياء). وهو غير مانع، لدخول بعض المناسب تحته، مع (أنه) قسيمه و - أيضا - اعتبار كثرة المشابهة مشعر بأن ذلك من باب الترجيح وهو خارج عن ماهية القياس. وقيل: (عبارة عما عرف مناط الحكم فيه قطعا، إلا: أنه يحتاج إلى النظر في تحققه في آحاد الصور). وهو كطلب المثل في جزاء الصيد. وزيف: بأن تحقيق المناط متفق عليه بين القائسين، بل اعترف به أكثر منكريه، لما سبق، والشبه مختلف فيه، فهو كغيره. و - أيضا - النظر في الشبه ظنية، والنظر فيه: في أصلها واستنباطها وتحققها، والنظر في التحقيق: إنما هو في تحققها إذ العلة فيه معلومة. وقيل: (ما اجتمع فيه مناطان مختلفان، لا على سبيل الكمال إلا: أن أحدهما أغلب من الآخر). فالحكم بالأغلب حكم بغلبة الأشباه، كالخلع والكتابة وهو غير مانع، لما سبق في الأول. وقال القاضي: (الوصف إن ناسب الحكم لذاته، فهو المناسب ومستلزمه هو الشبه وغيرهما: الطرد). وهو - أيضا - غير مانع، لدخول قياس الدلالة تحته. وقيل: الشبه (ما لا يناسب الحكم، لكن عرف تأثر جنسه القريب في الجنس القريب للحكم، لأنه متردد بين الاعتبار وعدمه، لتأثير الجنس، وعدم المناسبة، لكن اعتباره أغلب)، فلذا سمي بـ (غلبة الأشباه). وقيل: (ما يوهم المناسبة من غير اطلاع عليها بعد البحث التام، ممن هو من أهل الاطلاع)، وذلك لأن الوصف: إن ظهر مناسبته فهو المناسب، وإلا: فإن عهد من الشارع الاتفات إليه بوجه ما، فهو الشبه، وإلا: فهو الطرد، ولا يخفى وجه مشاركته لهما، فهو مرتبة بينهما، دون المناسب فوق الطرد، وفيه شبه من كل واحد منهما، ولعله السبب في تمسيته به. مثاله: قولنا في إزالة النجاسة: طهارة تراد للصلاة، (فلا تجوز بغير الماء، كطهارة الحدث، والجامع كونه طهارة للصلاة)، ومناسبتها لتعين الماء فيها، غير ظاهرة، بعد البحث الشديد، لكن عهد التفات الشارع إليها في بعض الأحكام، كمس المصحف، والطواف، وذلك يوهم

مسألة

اشتمالها على المناسبة. ثم هو حجة. خلافا للقاضي. لنا: الحكم لا بد له من علة، والمناسب لم يوجد، لعدم الاطلاع عليه بعد الفحص التام والطردي معه لم يصلح وفاقا. ولأن الشبه مستلزم للمناسب، أو موهم له، أو ما عرف تأثير جنسه القريب في الجنس القريب للحكم، والطردي لم يوجد فيه شيء من ذلك، فكان ظن عليته أغلب والعمل بالظن واجب، لما سبق. له: (أ) الدليل بنفي جواز التمسك بالعلة المظنونة ... إلى آخره. (ب) الوصف إن كان مناسبا فمقبول، وإلا: فهو الطرد المردود. (ج) حجية القياس إنما هو لإجماع الصحابة، ولم يوجد ذلك في الشبه. وجواب: (أ) ما سبق مرارا. (ب) أن غير المناسب ينقسم إليهما. (ج) أنه لا يلزم من نفي مدرك خاص نفيه مطلقا. مسألة لا يشترط في الوصف الشبهي تأثير عينه في عين الحكم، بل له عرف تأثير جنسه في جنس الحكم كفى. خلافا لقوم. وهو على تقدير أن لا يفسر به، وإلا: فهو الشبه، فلا يتجه فيه الخلاف. لنا:

مسألة

أنه يفيد ظنا ما بخلاف ما ليس كذلك، فكان حجة، لما سبق. لهم: (أ) أن الشبه ضعيف بتقدير تأثير عينه في عينه، ولذلك لم يقل به كثير منهم، فإذا انحط عن هذه المرتبة، لم يحصل ما يعول عليه، كالظن الحاصل من أدنى مرتبة. (ب) الظن الحاصل من تأثير الجنس في الجنس، أضعف من الحاصل في المناسب المرسل، فلا يكون معتبرا. وأجيب: عن (أ) بمنع المقدمتين، ولا نسلم أن كونه مختلفا فيه يدل عليه. وعن (ب) بمنعه، ثم بمنع أن لا يكون معتبرا - حينئذ -. مسألة الدوران: ويسمى: بالطرد والعكس. ومعناه: (أن يوجد الحكم عند وجود الوصف، وينعدم عند عدمه). ويسمى بالدوران الوجودي، والعدمي، والمطلق، فإن دار وجودا فقط فبالوجودي والطرد، أو عدما فبالعدمي، والعكس. وهو: إما في صورة واحدة، كالتحريم مع السكر في العصير، أو في صورتين وهو كثير، والأول أقوى. وهو يفيد الظن العلية عند عدم المزاحم. وقيل: يفيد يقين العلية. وقيل: لا يفيدهما، وهو اختيار الغزالي. لنا: (أ) إطباق العقلاء عليه في أمر الأدوية والأغذية. (ب) الحكم لا بد له من علة، وليست غير المدار، إذ لم يوجد قبل الحكم، وإلا: لزم التخلف، والأصل بقاؤه، ولأنه إن لم يصلح فظاهر، وإن صلح لم تكن مسألتنا، إذ الكلام عند

عدم المزاحم. فإن قلت: المزاحم حاصل قطعا، فإن تعينه وحصوله في المحل المخصوص أو الوصف مع ما ذكرنا مزاحم. قلت: ما ذكر أمر عدمي للتسلسل، فلم يصلح للعلية، ولا لجزئها، وهو ممنوع إن فسرت (بالمعرف). (ج) دوران الغضب بالدعاء باسم مخصوص وجودا وعدما يفيد ظن عليته له، ولذلك لو سئل عنه لعلل به، والصبيان يتبعونه به في السكك عند إرادة إغضابه، ولأنه إذا أفاد في تلك الصورة، أفاد في غيرها، لقوله تعالى -: {إن الله يأمر بالعدل}، وعملا بالمقتضى. لهم: (أ) الطرد لا يقبل، العكس غير معتبر في الشريعة، فمجموعها كذلك. (ب) أن الدوران كما حصل في المشترك، حصل مع الخصوصية فلو دل على العلية، فإنما يدل على علية المجموع. (ج) أن بعض الدورانات لا تفيد ظن العلية، كدوران العلة مع المعلول، وأحد المعلولين المتساوين مع الآخر، والفصل مع لوازم النوع، والعلية مع جزء العلة وشرطها، وذات الله وصفاته على رأينا، والجوهر مع العرض، وأحد المتلازمين والمتضايفين مع الآخر، والحوادث مع الزمان والمكان، فكذا الباقي، (للنص) ولأن التخلف لمانع يوجب التعارض، وبدونه يقدح في كونه مقتضيا للعلية، (ولأن اقتضاءه لها في بعض الصور دون البعض من غير مرجح. (د) أنه لا يتم إلا: بمدرك مستقل كالأصل، أو السبر والتقسيم إذا منع عليته لمدار آخر. كلازم العلة. وأجيب: عن (أ) حكم المجموع قد يخالف الآحاد. وعن (ب) أن الخصوصية والتعين لا يصلح للعلية، ولا لجزئها، لأنه أمر عدمي، و - أيضا

مسألة السبر والتقسيم

- إنما به الخصوصية إن لم يصلح كذلك فظاهر، وإلا: فجعل المشترك علة أولى. لأنه أكثر فائدة، ولا خلاف في علية المركب، وتعليل الحكم بمختلفين. وعن (ج) أن المدعي: إفادة ظن العلية في دوران لم يقم عليه دليل عدم العلية. وعن (د) أنه لو قدح ذلك في عليته لقدح ذلك في المناسبة وغيرها. مسألة السبر والتقسيم: إن دار بين النفي والإثبات، وكان الدليل على نفي غير المعين قطعيا، فحجة قطعية، وإلا: فظنية، وصورته: الحكم له علة أو لا، وهي إما هذا أو غيره، ثم يبطل القسمين بقطعي، وهو عسر في الشرعيات. وصورة المنتشر: الحكم له علة، وهو إما هذا أو هذا، أو دليل ما نفاه: ليس بقاطع وإن كان الترديد منحصرا. فإن قلت: حصر الصفات فيما ذكره ممنوع، ولا نسلم أنه بحث وطلب، ولم يجد غيره، فلعله لم يصدق فيه للغلبة، أو ترويجا للباطل، ثم لا نسلم أن عدم الوجدان يدل على العدم، سلمناه. لكن بالنسبة إليه دوران غيره، ثم لا نسلم فساد عين ما عين، ثم لا نسلم فساد المركب من الاثنين أو الثلاثة منه، ثم لا نسلم علية ما عين، فلعله بلا علة، أو أنه ينقسم إلى قسمين والعلة أحدهما. قلت: الأصل عدم الوجدان بعد البحث يدل عليه ظاهرا، والكذب والترويج منفي عن الثقة ظاهرا، لا سيما من المجتهد من الدين. وعن (ب) أنه يدل عليه ظاهرا، للاستقراء. وعن (ج) أنه إذا أخبر به أفاد لغيره - أيضا - ظن عدمه، لغلبة ظنه بصدقه.

مسألة

وعن (د) أنه يدل على بطلان ما ذكر غير المعين بدليل، ويستدل بالأصل على عدم غيره. قال الإمام: لا يستدل بعدم المناسبة، لأنه يحتاج إلى بيانها فيما عين و - حينئذ - يستغني عن السبر والتقسيم. وفيه نظر، ذكر بجوابه في (النهاية). وكذا في طريقة الإلغاء. وعن (هـ) أنه منتف بالإجماع. وعن (و) أنه لو لم تكن علة، لزم أن لا يكون له علة، أو العلة غيره، وهو باطل لما سبق، أو أحد قسمي المذكور، وهو خلاف الإجماع. مسألة الوصف الذي لا يناسب الحكم، ولا يستلزم ما يناسبه، إذ قارنه الحكم في جميع صور الحصول، غير صورة النزاع - هو: الطرد. وقيل: تكفي المقارنة في صورة واحدة. وفي حجيته أن قيل بحجية المطرد المنعكس: ثالثها: أنه حجة بالأول. النافي: (أ) أنه يستدل على الاطراد بالعلية، فلو عكس لزم الدور. (ب) أن اعتباره بالعلة، فلو عكس لزم الدور. (ج) أن اطراده يتوقف على ثبوت الحكم في صورة النزاع، فلو أثبت الحكم باطراده لزم الدور. (د) الاطراد حاصل في الجوهر والعرض، والحد مع الحدود، والذات مع الصفات، والحوادث مع الزمان والمكان ولا علية. (هـ) الطرد فعل الطارد، ولا شيء من العلل بفعله. (و) سلامة الشيء عن مفسد واحد لا يوجب صحته في نفسه، وليس في الاطراد سوى السلامة عن التخلف. وأجيب:

عن (أ)، و (ب) بمنع أنه دور باطل، وسنده بين. وعن (ج) بمنع الأولى، وسنده تفسيره. وعن (د) ما سبق في الدوران، و - أيضا - التخلف عن الدليل الظاهري لا يقدح فيه. وعن (هـ) بمنعه، بل هو فعل الشارع. وعن (و) أنه لا يستدل عليه من تلك الجهة، بل من جهة أن السلامة من النقض من أمارات العلية، وفيه نظر، لأنا نسلم أن العلة سالمة عن النقض وهو لا يستلزم عكسه. المثبت: (أ) الحكم لا بد له من علة، وغيره ليس بعلة، إذ الأصل عدمه، وعدم عليته. (ب) العلم بكون الحكم لا بد له من علة، وعدم الشعور بغيره، يوجب ظن كونه علة. وأجيب: عن (أ) أنه إنما يوجب ذلك، لو كان صالحا للعلية، وهو ممنوع. وعن (ب) بمنع عدم الشعور بالغير جملة وتفصيلا لا يضر. المفصل: (أ) إذا رؤي فرس القاضي على باب دار: ظن فيه، وما ذاك إلا: للاطراد. (ب) النادر يلحق بالغالب. وأجيب: عن (أ) بمنع أنه له، بل بقرائن أخر. وعن (ب) أنه لا يدر على العلية، لحصوله فيما لا علية فيه وأما أنه لا يكون علة بالتفسير الثاني: فلأن القول به يفتح باب الهذيانات، كقوله: مائع لا تبنى القنطرة على جنسه، فلا تجوز الإزالة به كالدهن، وكقوله في وطئ الثيب: شروع في نافذ، فلا يمنع الرد، كالشروع في الدرب النافذ. وأجيب: بمنع لزومه، فإنه لا يدعي عليته بمجرد المقارنة، بل بشرط أن لا يحصل هناك ما هو أولى

مسألة

بها، ثم لا يجب على المستدل بيانه، لأنه من قبيل المعارض. مسألة إلحاق المسكوت بالمنطوق بإلغاء الفارق، يسمى (تنقيح المناط). والحنفية تسمية: بـ (الاستدلال) ويفرقون بينه وبين القياس، فخصصوا القياس بما يكون بذكر الجامع، وبأنه يفيد الظن، وهو يفيد الظن، وهو يفيد القطع، حتى يجوز نسخ القطعي به، وأن لا ينسخ إلا: به. وجوزوا الزيادة على النص به. والحق: أن الفرق بينهما فرق ما بين العام والخاص، نعم حصول القطع في التنقيح أكثر منه للاستقراء. وطريقة: الحكم لا بد له من علة، وليست هي الفارق، فيتعين المشترك. وأورد بوجه آخر: الحكم لا بد له من محل ... إلى آخره وهو ضعيف، إذ لا يلزم من وجود المحل وجود الحال. مسألة قيل: عجز الخصم عن إفساد العلة، دليل صحته، وهو باطل، لأنه ليس أولى من العكس، بل هذا أولى، إذ لا يلزم منه إثبات ما لا نهاية له، و - حينئذ - يلزم اجتماع العلية وعدمها في شيء واحد والتعارض في الظني وإن جاز لكنه خلاف الأصل، و- أيضا - إنه خلاف الإجماع. مسألة قيل: يجوز الإلحاق بالاشتراك في وصف عام. وهو فاسد، لأنه يقتضي ثبوت أحكام متضادة في الفرع، والتسوية بين المجتهد والعامي.

مسألة في النقض

لهم: (اعرف الأشباه والنظائر، وقس الأمور برأيك). وجوابه: منع تحقق المشابهة والنظارة بمجرد الاشتراك في العام ثم إن التخصيص بالإجماع جائز، وقد أجمع السلف على عدم الاكتفاء به، وهو دليل في المسألة ابتداء. ومنه يعرف فساد ما قيل: إن هذا عبور من حكم الأصل إلى حكم الفرع، وتسوية بينهما، فاندرج تحت قوله تعالى: {فاعتبروا} [الحشر: آية 2] {إن الله يأمر بالعدل} [النحل: آية 90]. و - أيضا - ليس مجرد التسوية والعبور مأمورا به، (بل) ما سوغه الشرع، فإثباته به دور. مسألة في النقض وهو تخلف الحكم عن الوصف. ثالثا: إنه إن كان على سبيل الاستثناء، أو المانع، أو لفقد شرط: لم يقدح. وقيل: يقدح في المستنبطة دون المنصوصة. وقيل بعكسه. وقيل: لا يقدح في المستنبطة، وإن لم يكن لمانع، وفقد شرط. وللغزالي فيه تفصيل آخر، ذكرناه في النهاية. والمختار: أن التخلف لمانع، أو لفقد شرط، لا يقدح منصوصة كانت أو مستنبطة، معلومة أو مظنونة، فإن كان على وجه الاستثناء: ففي المنصوصة المعلومة. لنا: (أ) أن حالة التخلف إلى المانع إعمال الأصلين، وإلى عدم المقتضى إعمال الأصل، فكان الأول أولى. (ب) العرف والعقل يتطابقان عليه، فهو في الشرع كذلك، للحديث. (ج) أنه ليس فيما يدل على العلية من نص أو إيماء، أو طرق عقلية، ما ينافي تخصيصها

لمانع، ولو كان ذلك غير جائز لكان بينهما منافاة، أو بينه وبين العلية التي هي مدلولها ولو من وجه. ولا ينقض بالتخلف لا لمانع، لأنه ينافي معنى العلية. (د) عن ابن مسعود وابن عباس: "هذا حكم معدول عن القياس"، ولم ينكر عليهما، فكان إجماعا. قيل عليه: هب أنهم قالوا ذلك، لكنهم لم يقولوا: بأنه يجو التمسك به، وفيه النزاع. ورد: بأنه أطلق عليه القياس، والأصل فيه الحجية، وإحالته إلى ما كان عليه تجوز، والفاسد والمنسوخ وإن سمي به، لكن مقيدا. (هـ) ما ذكر من لزوم الدور في أن العام المخصوص حجة، وقد عرف ما فيه، ويزيد هنا: أنه يقتضي جواز التخصيص وإن لم يكن لمانع. والمناسب بعد التخصيص لمانع يفيد ظن ثبوت الحكم فيجب العلم به، لما سبق. (و) لو كان ينعطف من الفرق بين الأصل وصورة التخصيص قيد على العلة، لما حصل الظن به، وخطرانه بالبال. (ز) استقراء الشريعة يدل على جواز التخصيص بمعنى يقتضيه، كما في المصراة، والعرايا، وبيع الحفنة بالحفنتين على رأي الحنفية ووجوب الدية على العاقلة، والعتق تحت الحر على رأينا، مع أن ظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم - "ملكت بضعك فاختاري". - يدل على سببيته. (ج) لو امنتع لكان العدم جزء العلة، حيث يتوقف الحكم عليه، وهو ممتنع، لأن العلة ثبوتية لما سبق، وما جزؤه العدم عدمي، ولأنها منبئة عن التأثير، والعدمي لا يؤثر. فإن قتل: العدم لا يمتنع أن يكون معرفا، فلا يمتنع أن يكون جزؤه، كما في انتفاء معارض المعجزة، ثم لا نسلم لزومه لاحتمال أن يكون كاشفا عن وجودي، ينضم إلى العلة، ويكون

المجموع علة. قلت: (أ) البحث في جواز تخصيصها فرع أنها مفسرة بغيره، إلا: لم يمتنع ذلك فيه، كالعام المخصوص، وكلامهم في الفرق بين العلل الشرعية، والعقلية يشعر بذلك، ثم العدم لا يكون جزء العلة، وإن فسرت بالمعرف، وإلا: لوجب ذكره في المناظرة، إذ لا بد من ذكر العلة. وهو بدون الجزء محال. لا يقال: إنه يتعلق بالاصطلاح، وإلا: فالتمسك بالعام لا يجوز، (إلا: ) بعد ظن عدم المخصص، لأن الأصل تطابق الاصطلاح والواقع. ثم لا نسلم لا يجوز التمسك به إلا: بعد ظن عدمه وهذا "لأنا" بينا أنه يجوز التمسك بالعام ابتداء. فإن قلت: ذلك لظن عدمه بالأصل. قلت: مثله حاصل في ظن عدم المعارض، مع أنه ليس جزءا من الدليل. وعن (ب) أن الأصل عدم ذلك الوجودي، سيما بصفة كونه ملازما لذلك العدم، ولأن ما لا دليل عليه، وإن لم يجب القطع بنفيه، لكن لا شك في ظنه، والمسألة ظنية. فإن قلت: لا نسلم عدم الدلالة عليه إجمالا، وتفصيلا لا يضر، وهذا لأن الدليل لما دل على عدم جواز تخصيص العلة، وعدم جواز العدم علة أو جزء علة، ورأينا الحكم يتوقف على العدمي في كثير من الصور علمنا أن كاشف عن وجودي ينضم إليه، ويصير المجموع علة. قلت: إنه دور، لأن ثبوت الاحتمال يتوقف على عدم جوازه، وهو يتوقف على ثبوت الاحتمال، سلمنا عدم لزومه، لكن لا نسلم الدلالة عليه، وسنجيب عن أدلته ثم لو لم يجز لزم الترك بالدليل - أيضا - كما تقدم في الوجه الأول، وليس أحدهما أولى من الآخر، وعلكم الترجيح، ثم إنه معنا، لأن ترك دليلنا يقتضي ذا العلة وترك دليلكم يقتضي رفع صفة الاطراد، وهو أقل محذورا منه. لهم:

(أ) أنه إن لم يعتبر في اقتضاء العلة الحكم عدم المعارض، لزم حصوله معه، وهو ممتنع، وإلا: فالحاصل قبله جزؤها. (ب) إن تخصيص العلة يبطل فائدة العلة، وهي العلم أو الظن بثبوت الحكم، حيث ثبتت، لأنه إذا علم انتفاء ذلك الحكم في صورة التخصيص، لعلة أو نص ثم علم حصول العلة في صورة لم يعلم ثبوت الحكم، ما لم يعلم عدم تلك العلة أو النص، فلم تكن تلك العلة علة الحكم، بل المجموع. (ج) إن بين اقتضاء العلة بالفعل، ومنع المانع بالفعل منافاة، وشرط أحد الضدين عدم الآخر، فشرط كون المانع مانعا: أن لا تكون العلة مقتضية، فلو كان عدم اقتضائها لذلك، لزم الدور، فعدم اقتضاء الشيء لذاته ومثله، لا يصلح للعلية وفاقا. (د) الحكم قد وجد مع الوصف في الأصل، ومع عدمه في النقض، والأول لا يقتضي القطع بثبوت العلية، والثاني يقتضي القطع بنفيها، فلو كان إلحاقه بأحدهما أولى، لكان بالثاني أولى، فإذا تعارضا فالأصل عدم العلية، والأصل في المناسبة مع الاقتران، وإن كان هو العلية، لكن الأصل في العلية ترتب الحكم عليها. لا يقال: لو عمل بأصلكم ترك أصلنا من كل وجه، ولا ينعكس فالعمل بأصلنا أولى، ولأن أصلكم معارض: بما أن الأصل إسناد انتفاء الحكم إلى المانع الموجود في صور النقض، للمناسبة والاقتران، دون عدم المقتضى، لأنا لا نسلم أن المناسبة مع الاقتران دليل العلية، بل هو مع الاطراد، والإسناد إلى المانع متعذر، فإن المتقدم لا يضاف إلى المتأخر. (هـ) التعليل بالمانع يتوقف على وجود المقتضى، لما سيأتي، ووجود المقتضى فيها يتوقف على وجوده، إذ لولاه لم يكن المقتضى موجودا وإلا: لكان الحكم حاصلا، و - حينئذ - يكون العدم مضافا إلى عدم المقتضى، لا إلى المانع، وإذا توقف كل منهما على الآخر، لزم الدور، وهو لازم من التعليل بالمانع. (و) القياس على العلل العقلية، بجامع تعلق الحكم بكل واحد منهما. (ز) طريقة صحة العلة بالشرعية اطرادها. (ح) العلة وجدت في الفرعين، فلا تكون طريقا إلى العلم بحكم أحدهما دون الآخر، كما في الإدراكات والأدلة العقلية.

(ط) أنه يجب حصول الحكم حيث حصلت، وإلا: لزم أن لا يحصل أصلا، وهو باطل وفاقا، أو في البعض دون البعض فكذلك، لامتناع الترجيح من غير مرجح. (ي) أن النزاع فيه آيل إلى اللفظ، فإن من لا يجوز التخصيص يسمى ما يتوقف عليه الحكم: علة أو جزؤها، ومن جوزها لم يحصر فيهما، وهو غير لائق بذوي التحصيل. وأجيب: عن (أ) بمنع لزوم الجزئية منه، فإن عندنا ما يعتبر فيه ينقسم إليه وإلى الشرط، وعدم المانع، وعدم جواز كون العدم شرطا ممنوع، ثم إن الجزء - أيضا - كذلك، واحتمال كونه كاشفا عن وجودي مشترك. وعن (ب) بمنعه، وسنده ما سبق، ولا نسلم أنه فائدة العلة، بل العلم أو الظن بثبوت الحكم عند حصولها، وحصول شرائطها، وارتفاع موانعها. وعن (ج) أن اشتراطه به بمعنى التقدم ممنوع، لامتناع كون أحد النقيضين شرط نفسه، وبغيره لا يضر. وعن (د) بمنع أنه يفيد ظن عدم العلية، فضلا عن القطع (به)، فإنه لما جوز الانتفاء لمانع لم يفد ذلك، لما لم يظن أو يقطع بانتفائه. ثم الدليل على أنه مجرد المناسبة والاقتران يفيد ظن العلية: أنا إذا رأينا وصفا مناسبا مقارنا للحكم غلب على ظننا عليته، وإن لم يشعر بالاطراد، والعلم به جلي بعد الاستقراء، وهو ينفي كونه جزءا. و- أيضا - حاصله يرجع إلى السلامة عن النقض المعارض لدليل العلية، وعدم المعارض غير داخل في ماهية الآخر، والمانع ليس علة للانتفاء الحاصل قبله، بل هو علة منع دخول الحكم في الوجود بعد أن كان لمعرضيته. وما قيل عليه: بأن المعلل بالمانع ليس إعدام شيء لاستدعائه سابقة الوجود، والحكم - هنا - لم يوجد البتة، بل العدم السابق - فضعيف، لأنه لا يلزم أن يكون المعلل به هو: ما ذكرنا من المفهوم والمعبر عنه بالنفي، وهو غيرهما. وعن (هـ) بمنع أن التعليل بالمانع يتوقف على وجود المقتضى ثم يمنع أن وجود المقتضى يتوقف على وجوده، إذ يمكن معرفته بالمناسبة والاقتران، مع قطع النظر عن وجوده، سلمناه،

مسألة

لكنه دور معية. وعن (و) بمنع حكم الأصل، ثم بالفرق. وعن (ز) بمنع أنه بمجرد طريق، ثم بمنع الانحصار فيه، و - أيضا - أن عنى به جريان حكمها في جميع صور وجودها، وأن هناك - مانعا، فممنوع أنه طريق لهذا التفسير، وإن عنى به مع عدم المانع فمسلم، لكن لا نسلم أنها لم تطرد بهذا التفسير. وعن (ح) و (ط) أن بين الحصولين فرقا، فلم يلزم ما ذكرتم. وعن (ي) بأن النزاع في المعنى - أيضا - فإن المجوز يجوز أن يكون عدم المانع شرطا، والشرط عدميا، وإن فسرت العلة بالموجب، أو الداعي، ولا يشترط فيه المناسبة، ولا ذكره ابتداء، والمانع منه على ضده، وأما أن التخلف لا لمانع يقدح، فلامتناع الترجيح من غير مرجح ولأن المناسبة مع الاقتران - وإن دل على العلية - لكن التخلف من غير سبب يدل على عدم العلية، وإذا تعارضا فالأصل عدم العلية. قالوا: (أ) علل الشرع أمارات، فلا يقدح منها التخلف في بعض الصور كالغيم الرطب. (ب) ولأنه لو لزم لكان قطعيا. (ج) ولأن المستنبطة أمارة، فجاز تخصيصها كالمنصوصة. وأجيب: عن (أ) بمنع حكم الأصل مطلقا، بل عند حصول ما يصلح أن يكون مانعا. وعن (ب) أن القاطع هو الذي لا يجوز أن ينفك عنه، ولو لمانع، وإلا: لكان الانفكاك شرط كونه أمارة، وهو باطل قطعا، ولأن خلاف دليل كونه، أمارة مطلقا. وعن (ج) بمنع حكم الأصل، إذا كان التخلف لا لمانع ولا على وجه الاستثناء. مسألة من قال: بأن التخلف عن الوصف يقدح في عليته اختلفوا في أن تخلفه عن حكمته هل يقدح فيه أم لا؟ فالأكثرون: على عدمه:

مسألة

(أ) لأن علية الوصف قد تحققت بدلالئلها، والتخلف عن المقدار الموجود في ضمن الوصف غير متحقق، فلا يزال به. (ب) لو كان (ذلك) يقدح، لكان التخلف عن الوصف يقدح في علية الحكمة، لو جوز التعليل بها، لتساويهما في ذلك، لكنه باطل، إذ يجوز أن يكون الوصف مظنة الحكمة، فيمكن عراه عنها فيتخلف الحكم عنه. وفيهما نظر، إذ تحققهما ممنوع، قبل سلامته عنالتخلف عن الوصف وحكمته، وكذا (التخلف) عن المظان. وذهب الأقلون: إلى أنه يقدح، لأن التخلف عن الوصف إذا قدح في عليته، مع أنه غير مقصود، فالتخلف عن المقصود أولى أن يكون قادحا فيه. لا يقال: لو تخلف عنها في ضمنه لزم ما ذكرتم، أما إذا لم يكن كذلك، فيحتمل أن تكون المنفردة مثل الموجودة، أو أزيد أو أنقص، و - حينئذ - لا يترجح التخلف عن المقصودة في ضمن الوصف - لأن المنفردة: إن كانت مثلها أو أزيد لزم ذلك، أو أقل: فلا، لكن وقوع واحد من اثنين أغلب من وقوع واحد بعينه. وهذا إنما يتوجه لو كانت المنفردة من نوع المقصودة في ضمن الوصف، فأما مع اختلافه - كما يذكر مثال لهذه المسألة، وهو: أن الترخصفي السفر للمشقة، فيترخص العاصي، فنوقض بالجمال، وأرباب الصنائع الشاقة - فلا، إذ لا يمكن اعتبار المقدار مع اختلاف النوع. والأولى: أن يقال: المنفردة إن كانت من نوع ما وجد في الوصف ولم يظهر نقصان مقدار المنفردة عنها - قدح، وإلا: فلا. مسألة فال أكثر من جوز التخصيص لمانع: أنه لا يجب على المستدل التعرض لنفي المانع: (أ) لأنه من قبيل نفي المعارض، ولا يجب ذلك على المستدل. (ب) أنه لا يجب نفي المانع المتفق عليه، لعدم الفائدة للعلم بانتفائه عن صور النزاع، ولعدم حصول الغرض، إذ لا يلزم من نفيه ثبوت الحكم ولا غيره، للعسر والضرر، ولأنه خلاف الإجماع. وقال الأقلون: بوجوبه، لأن المستدل مطالب بما يعرف الحكم وهو بالوصف، وعدم المانع، ترك مقتضاه بالنسبة إلى نفي جميع الموانع، للعسر، فيبقى معمولا به في الموانع المتفق

مسألة

عليها. وأجيب: بالنقض بنفي مخصص العام، وغيره من المعارض. مسألة بعض من قال بعدم تخصيص العلة، قال: إن النقض إذا كان واردا على سبيل الاستثناء لا يقدح فيها، وإن كانت مظنونة وإنما يعلم كونه كذلك إذا كان واردا على جميع المذاهب، فهو كالوارد على المعلومة. وقيل: إنه يقدح فيها. ثم في وجوب الاحتراز عنه لفظا خلاف. الأظهر: وجوبه، لئلا ترد عليه تلك الصورة نقضا، فيجب الواجب. وقيل: لا، كالمانع، ولأنه خارج عن العلة، فلا يجب ذكره كغيره من الأجنبي، والوارد على سبيل الاستثناء، قد لا يعقل معناه. فلا تغني الأولى عن هذه. مسألة الكسر: نقض بعض أوصاف العلة، كقولنا: طهارة عن حدث، فتجب النية فيها، كالتيمم، فينقض بإزالة النجاسة، لاعتقاد أنه لا أثر لقيد كونه حدثا، وكقولنا: صلاة يجب قضاؤها فيجب أداؤها كصلاة الآمن، فينقض بصوم الحائض، إذ لا أثر لخصوص كونه صلاة. وقيل: هو النقض المكسور، فأما الكسر: فهو نقض الحكمة المقصودة، كما سبق من قبل، وهو أخص من الأول. وهو مردود عند المحققين، إلا: إذا بين أنه لا تأثير له في الحكم وحده ومجموعا، فحينئذ - إن بقي مستمرا على التعليل بالمجموع كان ذلك قدحا في تمام العلة بعدم التأثير، وإلا: يكون نقضا على العلة.

مسألة

لا يقال: وإن لم يكن له مدخل فيها، لكن إنما يذكر لدفع النقض، لأنه لا يندفع بالأجنبي، بل بقيد معتبر في العلية. وقد أجيب عنه: بلزوم الدور، إذ إمكان الاحتراز عنه يتوقف على كونه جزءا، وهو يتوقف عليه، وهو دور معية لم يلم لزومه. مسألة دفع النقض بمنع وجود الوصف، أو (بمنع) عدم الحكم فيها. فإذا منع الأول: فليس له إقامة الدليل عليه، للانتقال وقلب القاعدة، إذ يصير المعترض مستدلا، والمستدل معترضا. فلو قال: دليلك على وجوده في الفرع يقتضي وجوده فيها، فهذا لو صح كان نقض دليل وجوده في الفرع، وانتقالا إلى سؤال آخر، فلو قال ابتداء: يلزم أحد الأمرين، نقض العلة أو دليل وجودها في الفرع، كان متجها يجب الجواب عنه. وقيل: له ذلك، كيلا تبطل فائدة المناظرة، ولا يؤدي إلى المكابرة، إذ المستدل قد يستمر على منع وجود العلة فيها مع ظهوره، فلا سبيل إلى دفعه، إلا: بإقامة الدليل عليه، ولأن فيه تحقيق النقض، فكان من متممات غرضه. وقيل: إن تعين ذلك طريقا في قدح كلام المستدل. وقيل: إن لم تكن العلة حكما شرعيا، إذ الكلام ينتشر فيه. ثم منع وجوده فيها، لقيد مناسب أو مؤثر في الوصف معناه واحد ظاهر أو خفي، أو متعدد بالتواطؤ أو الاشتراك: كقولنا: مال معد لاستعمال مباح، فلا تجب الزكاة فيه، كثياب البذلة، ونقضه: بحلي الرجل، فإنه ليس بمباح. وكقولنا: عقد معاوضة، فيجوز حالا كالبيع، ونقضه بالكتابة، إذ هي عقد أرفاق، وكقولنا في قصر الصلاة: رخصة شرعت للتخفيف، فلا يجب الأخذ به كالإفطار ونقضه باكل الميتة حال المخصمة، فإنه للضرورة. وكقولنا في الصوم: عبادة متكررة، فيفتقر إلى تعيين النية كالصلاة، ونقضه بالحك، فإن المراد

التكرار في الأزمان، وهو متكرر بالأشخاص. وكقولنا: جمع الثلاث في قرء واحد فلم يحرمن كما لو حلل الرجعة بينها. ونقضه بالجمع في الحيض، والمراد: هو الظهر. ولا يجوز دفع النقض بالطردي، إن لم يجوز التعليل به، إذ الجزء له مدخل في المناسبة، و - أيضا - لو دفع به لدفع بنعيق الغراب، وصرير الباب، والوقت والزمان. وقيل: بجوازه، إذ الشيء قد لا يؤثر وحده، ويؤثر مع غيره. وجوابه: أنه لو حصل شرطه. وأما الباقي: فانتفاء الحكم إن كان مذهب الخصمين، أو المستدل بوجه: النقض، وإلا: فلا، لأنه إذا لم يف بمقتضى علته لم يجب ذلك على غيره. ثم إن منع عدم الحكم، ففي تمكنه من إقامة الدليل عليه بما يدل عليه من مذهبهما، أو من مذهبه: الخلاف. ثم المنع قد يكون ظاهرا: وهو ظاهر، ومن جملته أن يكون ثابتا على أحد قولي إمامه، أو أحد أصحابه، المستخرج على قواعد مذهبه المشهور، أو غير المرجوع عنه، أو لا يعرف له فيه قول، لا بنفي ولا إثبات، فإن ظاهر ما ذكر من العلة يقتضي ثبوت الحكم فيها. فله التمسك بها ما لم يتحقق النقض، وليس له أن يلتزم الحكم فيها، لأنه ليس له إثبات المذهب قياسا. وقيل: إن اقتضى علته ذلك، ولم يجد نصا لإمامه فيها - توقف. وقيل: له إن ثبت الحكم بظاهر العلة، وعليه العمل. وقد يكون خفيا: كقولنا في السلم: (عقد معاوضة، فلا يشترط فيه الأجل كالبيع). فنقض: بالإجازة. ودفع بأنه تقدير للمعقود عليه، لا تأجيل له، وإلا: لما جاز استيفاء شيء منه عقب العقد. وكقولنا في الإجارة: عقد معاوضة، فلا تنفسخ بالموت كالبيع. فنقض: بالنكاح. ودفع: بأنه ينتهي به، وكذا يتقرر المهر به. ثم إثبات الحكم في صورة معينة: الإثبات المفصل. أو غير معينة: فهو الإثبات المجمل، ونفيه عن كل منها نفي مجمل، وهو بخلاف الإثبات المجمل، أما للاصطلاح، أو لأنه يفهم من قوله: نفي الشيء مجملا ما يفهم من قوله: نفاه مطلقا، وهو يفيد عموم النفي. وعن معينة منها: نفي مفصل، ولا يخفى أي واحد منها

مسألة

يناقض الأخرى. ثم الإثبات في كل الصور قسم من الأقسام، ولم يذكروه، ولم يعينوا له اسما. مسألة الحكم التقديري بدفع النقض على الأظهر، إذ المقدر كالمحقق في الأحكام. مثاله: ملك الأم علة لرق الولد، ولا ينقض بولد المغرور لان رقه ثابت تقديرا، بدليل وجوب قيمته. مسألة قيل: عدم التأثير: تخلف الوصف عن الحكم ابتداء، ودواما. والعكس: وجود الحكم لعلة أخرى، وهو باطل، لأنه - حينئذ - إن لم يكن له علة أخرى لزم وجوده وبقاؤه بلا علة أو لأخرى فلا فرق بينه وبين العكس. لا يقال الفرق: التخلف ليس بعلة في عدم التأثير بخلاف العكس، لأنه إنما يعرف عدم عليته بعدم التأثير، فلو انعكس لزم الدور. فالأولى أن يقال: إنه عبارة عن جعل ما يستغني الحكم عنه علة (أو جزءها)، والعكس: عبارة عن انتفاء الحكم، لانتفاء ما جعل علة له، ولا يقال لانتفاء علته، لأنه يشعر بانتفاء جميعها، ولا نزاع في اعتبار العكس بهذا المعنى. قيل: المعنى به انتفاء العلم أو الظن به، إذ لا يلزم من انتفاء الدليل على الصانع انتفاؤه، وفيه نظر، لأن ذلك في الدليل لا في العلة، ويعرف الاستغناء بفقد أمارة العلة، كالمناسبة والتأثير والشبه، وتمامه في الأسئلة. ثم الدليل عليه: أن الحكم حاصل قبله، لأنه قديم، وبعده إذ لا ينعدم بعدمه، فيمتنع أن تكون علة له. لا يقال: لا يمتنع ذلك في العلة، بمعنى المعرف، فإن العالم بالنسبة إلى الله تعالى كذلك، مع أنه معرف لوجوده تعالى، لأنه وإن جاز ذلك في مطلق المعرف، لكنه غير جائز في الأحكام الشرعية، لئلا يلزم تكليف ما لا يطاق، فإن الحكم إذا بقي ولا دليل عليه

مسألة

لزم ذلك. وأورد: بأنه لا يلزم من انتفاء العلة انتفاء الدليل. الأولى: أنه إذا لم يوجد فيه أمارة العلية لم يجز جعله علة، لامتناع الترجيح من غير مرجح. وأما العكس: فاشتراطه مبني على التعليل بمختلفتين وسيأتي. واستدل على عدم اعتباره في العقلية: أن المخالفة من لوازم المتخالفين. وزيف: بمنع أنها واحدة، فيكون المعلل بكل واحد منهما مخالفته، وإطلاق المخالفة عليهما بالاشتراك اللفظي. ثم بمنع أن لوازم الماهية معلولاتها، وما ذكر من الأدلة عليه فضعفه عرف في موضعه. مسألة قيل: (القلب عبارة عن بيان أن ما ذكره المستدل يدل عليه). وهو غير مانع، إن لم يعتبر فيه اتحاد المسالة، ووجه الدلالة، وإن أضمر فيه فإضمار في التعريف. وقيل: (هو تعليق نقيض الحكم المذكور بالوصف المذكور بالرد إلى الأصل المذكور). وإنما اعتبر هذا، لأنه لو رد إلى غيره فحكمه: إن وجد في المذكور فالرد إليه أولى، إذ لا يمكن للمستدل منعه منه، وإلا: كان نقضا على الوصف. وإنما يمكن القلب عند اشتمال الأصل على حكمين، امتنع اجتماعهما في الفرق، فيلزم من رد كل واحد منهما إلى الأصل انتفاء الآخر عن الفرع، وفيما تكون مناسبته لأحد الحكمين إقناعا، لامتناع مناسبة الواحد للمتنافيتين. وإنما يفارق المعراضة في عدم إمكان الزيادة، وعدم إمكان منع وجود الوصف في الفرع،

فيبطل بما تبطل به المعراضة، حتى بالقلب إذا لم يناقض الحكم. وقيل: (هو إفساد العلة)، فليس للمستدل أن يتكمل على قلبه بكل ما للقالب أن يتكلم على دليله، لما سبق في النقض). وقد ثبت بالقلب والدليل بطلان مذهب صاحبه صريحا، دون صحة مذهبه كذلك، كقولنا: عضو من أعضاء الوضوء، فلا يتقدر بالربع كغيره، فيقول القالب: فلا يكفي أقل ما ينطلق عليه الاسم كغيره. وقد يدلان عليهما كذلك: كقولنا: طهارة ترد للصلاة، فلا تجوز بغير الماء كطهارة الحدث، فيقول القالب: طهارة تراد للصلاة، فتجوز بغير الماء كطهارة الحدث. وقد يدلان على بطلان مذهب صاحبه بواسطة، كقول الحنفي: عقد معاوضة مع عدم رؤية المعقود (عليه)، فوجب أن يتمكن المشتري من الفسخ، إذا وجد به برصا، أو جنونا كما في النكاح، فيقول القالب: فوجب أن لا تثبت فيه خيار الرؤية كالنكاح. وقد يدل أحدهما بغير واسطة، والآخر بها، كقولنا: عقد معاوضة، فينعقد مع عدم رؤية المعقود عليه كالنكاح، فينفي القالب الخيار، كما سبق. وأما إجمال الحكمين في الدليل والقلب: فغير ممكن لاستحالة اجتماع النفي والإثبات، كقولنا: لبث في مكان خاص، فاحتاج إلى معنى يصير به قربة، كالوقوف، فيقول القالب: فلم يحتج إليه كالوقوف فإن الحكمين غير حاصلين في الأصل، فإن عين في أحدهما صح. وقيل: هذا وما ينفي بواسطة لا يقبل في معارضة ما ليس كذلك. (وهو حق، وإن قيل: القلب معارضة، فإنما يدل بغير واسطة راجح على ما ليس كذلك). ومن القلب: نوع يسمى قلب التسوية. كقوله: مكلف مالك للطلاق، فيقع طلاقه كالمختار، فيقول القالب: فيستوي إيقاعه وإقراره كالمختار. وفي قبوله ما سبق من الخلاف. وقدح فيه: بأن الثابت في الأصل اعتبارهما، والمثبت في الفرع عدم اعتبارهما. ورد: بأن عدم الاختلاف حاصل فيهما، وهو المراد بالاستواء. وأعلى مراتب القلب: ما

مسألة

يدل على الإبطال والصحة صريحا، ثم ما يبطل صريحا، ثم ما يصحح كذلك، ثم ما يدل ضمنا على المراتب الثلاث. مسألة القول بالموجب: (تسليم موجب الدليل مع بقاء الخلاف). وهو: غما على دليل من يثبت مذهبه عاما أو خاصا، أو يبطل مذهب خصمه، فهذه أقسام: الأول: لا يتصور فيه نفيا كان أو إثباتا، إذ لا بد فيه من التزام موجب الدليل، عموما أو خصوصا، فلا يتصور بقاء الخلاف، أو لا يكون قولا بالموجب. كقولنا: القيام فرض يجب في غير السفينة (فيجب في السفينة) كالقراءة، فالقول به في حالة وقوفها ليس قولا بالموجب إذ موجبه أن يجب مطلقا. وفي النفي: وكقولنا: مائع لا يرفع الحدث، فلا يزيل الخبث وكالدهن، فالقول به في المانع النجس ليس قولا بالموجب. والثاني: يتوصر فيه ذلك نفيا كان أو إثباتا. كقوله: حيوان تجوز المسابقة عليه، فتجب فيه الزكاة كالإبل، فيقول: أقول بموجبه، إذ يجب فيه زكاة التجارة، والنزاع في العين، هذا لو صدق في زكاة التجارة ذلك. وكقولنا في الملتجي: أنه وجد سبب جواز استيفاء القصاص، فكان استيفاؤه جائزا، كما في حق الغير، فيقول: أقول بموجبه إذ استيفاؤه جائز، وإنما النزاع في هتك حرمة الحرم، وما ذكر لا يقيده. وفي النفي: كقولنا في القهقهة: إنما غير ناقضة خارج الصلاة، فكذا فيها كغيرها، فيقول: أقول بموجبة: إنها لا تنقض في صلاة الجنازة وفيه نظر. والثالث: على قسمين: أحدهما: أن يكون المطلوب نفي الحكم، واللازم من دليله نفي موجبه معين له، كقولنا: التفاوت في الوسيلة لا يمنع وجوب القصاص، كالتفاوت في المتوسل إليه، فيقول: أقول

مسألة

بموجبه. فلم لا يمتنع لغيره؟ وثانيهما: أن يكون المطلوب نفي عليه ما هو علة الحكم عند الخصم، واللازم من الدليل ففي علية ملزوم علته، كقولنا: الموت معنى يزيل التكليف، فلا تنفسخ به الإجارة كالجنون، فيقول: أقول بموجبه، إذ لا تنفسخ به، بل تنفسخ عنده، لزوال الملك، ولهذا لو باع العين المستأجرة، ورضي المستأجر بالبيع، انفسخت الإجارة. والقول بالموجب غير متصور في الأصل. ولا يجب على المعترض إبداء سنده، لعدم الفائدة، إذ لا يمكن من الاعتراض عليه، للانتشار وقيل: يجب لئلا يقدم عليه عاندا، أو قصدا، لإبطال كلامه. وجوابه: أن يبين أن الذي التزمه المعترض هو صورة النزاع، أو من جملة صورها بالنقل الصريح عن كتاب أو إمام لهم، أو أنه مشهور بالخلاف، أو أن ما أخذه يدل عليه. أو أنه وإن لم يكن محل الخلاف، لكن يلزم منه الحكم فيه، كما يلزم من نفي الجواز نفي الوجوب. أو أن هذا ليس تمام مدلول الدليل لفظا أو معنى. مسألة الفرق: إبداء وصف في الأصل يصلح أن يكون علة، أو جزء علة. وقبوله فرع امتناع تعليل الحكم الواحد بعلتين. مسألة الواحد بالنوع المختلف (بالشخص يجوز تعليله بمختلفه وفاقا) وفي تعليل الواحد شخصا بمختلف نوعا. ثالثها: يجوز في الشرعية.

وقيل: في المنصوصة، وهو اختيار الغزالي. والإمام والقاسم في رواية. وفي الأخرى: الجواز مطلقا. وقال إمام الحرمين: يجوز عقلا، ولم يقع شرعا. وقيل: بعكسه. للمانع: (أ) إن استقل كل منها عند الاجتماع لزم أن يكون واحد منها علة، إذ معناه أنه علة دون غيره، وإلا: لزم الترجيح من غير مرجح، أو حصول الغرض. (ب) أن تعليله بكل وحد منها يقتضي اسغناءه عنه، لوجوب ثبوت المعلول مع العلة المستقلة، أو استغناءه عن غيرها. (ج) أنه يؤدي إلى اجتماع المثلين أو نقص العلة. (د) أنه يؤدي إلى مناسبة الواحد لمختلفين. (هـ) أنه لو جاز، فإن أثر كل (واحد) منها في تمام الحكم، لزم تحصيل الحاصل، أو في بعضها لزم تبعيض الحكم، وأن يكون معلول كل غير الآخر. (و) الإجماع: إذ الصحابة تعلقوا بالترجيح بعد تصحيح العلة، وليس فيه ما يفسد علة الآخر، فهو لامتناع الإجماع. وأجيب: عن (أ) بمنع أن ذلك معنى الاستقلال، بل معناه: كونه بحيث لو وجد منفردا لكان مقتضيا له، من غير احتياج إلى غيره فلا يرد ما يقال عليه: بأن الكلام حالة الاجتماع، لا حالة الانفراد، لأن الحيثية متحققة فيه. وعن (ب) أنه لا يتأتى فيما يوجد دفعة واحدة، ثم مبنع امتناع حصوله باللاحقة إذا فسرت بالمعرف، ثم بمنع امتناع النقض لمانع. وعن (د) بمنع اشتراط المناسبة في العلة، إذ الطرد والشبه من طرقها، ثم بمنع امتناع

مناسبة الواحد لمختلفين باعتبار مشترك بينهما. وعن (هـ) لا يخفى مما سبق. وعن (و) بمنع أن ذلك من كلهم، بل من القائسي، منهم ثم إن ذلك لأن العلم بالمرجوح مع وجود الرجح لا يجوز. وفيه نظر، من حيث إن التمسك بالدليل الراجح والمرجوح على وجه واحد جائز، والمعتمد: لعله فيما اتفق أو علته واحدة بطريق البدلية. للمجوز: (أ) أنه إذا اجتمع القتل والزنا والردة، فإما أن لا يثبت الحكم فيه، وهو باطل قطعا، أو يثبت ببعضها فترجيح من غير مرجح، أو بمجموعها فيكون كل منها جزء علة، وليس كلامنا فيه، أو بواحد غير معين فكذلك، لأن ما لا تعين له ولا وجود له، فهو بكل واحد منها. لا يقال: وجودها معا ممنوع، وإن ترتبت فالحكم بالسابق، ولا شيء فيه مما ذكرتم من المفاسد - لأن جوازه معلوم بالضرورة، فإنه لو زنا مستحلا، أو تلفظ بالكفر في حالة الزنا، كان زنا وردة، وكذا لو مس فرج امرأة كان لمسا ومسا. والأقوى: أنك لو جمعت لبن أختك، وزوجة أخيك وأوجرت المرتضعة فإنها تحرم (عليك)، لأنك خالها وعمها. فإن قلت: الأحكام متعددة - إذ ذاك - لسقوط البعض وبقاء البعض، واختلاف آثارها. قلت: حياة الشخص الواحد واحد، والنكاح امر واحد، ومقابل الواحد واحد، فلو تعدد عند تعدد الأسباب، لزم اختلاف الشيء في نفسه لعارض، على أن ذلك لا يظهر في بعض ما تقدم، نعم الإضافة متعددة، لا الحكم، وهي تزول بزوال ما هي مضافة إليها، وجعل المشترك بين الأسباب علة، يقتضي خروج تلك الأسباب عن أن تكون علة لخصوصياتها، وهو خلاف الإجماع، ولأنها قد لا تشترط إلا: فيما لا يصلح للعية كطرده وانتفاضه. (ب) علل الشرع معرفات، ولا امتناع في اجتماعها. (ج) لو امتنع، فلا يمتنع لوجودها دفة، ولا لمقارنة الحكم العلل، لما سبق، ولا لانفراده مع اجتماعهما، لأنه ليس بذاتي له، وإلا: لكان كل من تصوره تصور امتناعه، فيكون لغيره والأصل عدم ذلك الغير، فيكون جائزا.

ولمن منع في المستنبطة: (أ) أنه إن أعطى فقيها فقيرا قريبا، احتمل أن يكون كل واحد منها علة، أو المجموع، أو مجموع اثنين، وهي متنافية، إذ قولنا: الداعي إلى الإعطاء الفقر فقط، ينافي أن يكون غيره علة أو جزءها، فإن بقيت على حد التساوي امتنع ظن علية شيء منها، وإلا: فالراجح علة. وزيف: أن التنافي إنما هو لصراحة نفي العلية عن الغير، وهو بدونه ممنوع، يؤكده أن يصح تقسيمه إلى القسمين. والتغيير خلاف الأصل، والتكاذب بين الاحتمالين لو سلم فحيث عرف المقصود، سلمناه، لكنه نزاع في معنى اللفظ، لا أنه لا يجوز ذلك. والأولى في تجويزه أن يقال: إن الاحتمالات إن تساوت امتنع حصول ظن علية واحد منها، لامتناع الرتجيح من غير مرجح، وظن علية كل واحد منها للتنافي، فإن علية المجموع تقتضي أن يكون كل واحد منها جزء علة، ولعية كل واحد منها يقتضي استقلاله، وإلا: فالترجيح لمنفصل غير المناسبة والاقتران لوجوده في الكل، فهو - إذا - العلة. (ب) الإجماع على قبول الفرق، شاور عمر في قصة المجهضة عبد الرحمن، فقال له: "إنك مؤدب، ولا أرى عليك شيئا"، وشاور عليا، فقال له: "إن لم يجتهد فقد غشك، وإن اجتهد فقد أخطأ، أرى عليك الغرة". ووجه الاستدلال: أن عبد الرحمن - رضي الله عنه - شبهه بالحدود، لكونه مستحقا، وعلي - رضي الله عنه - فرق بينه وبينها، ولم ينكر ذلك فكان إجماعا. وأورد: لعله فيما اتفق علته واحدة. (ج) أنا نجد من أنفسنا اختلال ظن علية الوصف عند الشعور بآخر مناسب للحكم، ولو جاز التعليل بكل واحد منهما، لما كان كذلك، كما في المنصوصة. ولمن جوز في المستنبطة دون المنصوصة: أن المنصوصة قطعية، فأشبهت العقلية، والمستنبطة ظنية، فجاز أن يتعدد كالأمارات، ولوجود سببها في كل واحد منها. وأجيب: بمنع حكم الأصل، ثم بمنع لزوم القطع، للتنصيص، ثم الفرق: أن العقلية موجبة.

مسألة

مسألة من قال الفرق يقدح: منهم من أوجب على الفارق نفيه عن الفرع، ليحصل مقصوده. وقيل: (لا)، لأنه إن لم يوجد فيه، فلا معنى لإجابه عليه، وإن وجد فيجب على المعلل بيانه، ليصح الإلحاق، وإلا: انقطع الجمع، وفيه نظر. وقيل: إن صرح بالاقتران بينهما فتجب، وإلا: فلا، إذ يجوز أن يقصد به بيان أن دليله غير تام، لأن الفرق إن لم يكن موجودا في الفرع فظاهر، وإلا: كان الحكم بالمجموع، لا بالذي ذكره المعلل. مسألة قيل: لا يجوز تعدد الأصل، لإفضائه إلى النشر مع إمكان حصول المقصود بواحد منه. وقيل به، لتكثير الأدلة، لتقوية إفادة الظن. ثم لو فرق بينه وبين أصل منها: اكتفى به، لأن إلحاقه بتلك الأصول كلها فرضه، وإلا: لم يعدده وهو غير حاصل. قيل: لا، لأن كل واحد منها مستقل في إفادة المطلوب، فلا بد من القدح في كلها بالفرق. والأظهر: أنه إن عدد للرجحان: فيقدح بالفرق، لأن دليل الثبوت - حينئذ - إنما هو واحد منها، وإلا: فلا. ثم من أوجب تعميم الفرق: منهم من أوجب أن يكون فرقا واحدا بين كلها، لئلا ينتشر الكلام، وليكون موافقا (للجامع) فإنه واحد بين كلها. ومنهم من جوز تعدده، وهو الأولى، لتعسر الأول، فيفسد باب الفرق. ثم المعلل: إن أجاب عنه بالنسبة إلى أصل واحد اكتفى به، كما لو اقتصر عليه أبدا. وقيل: لا، لأنه التزم صحة القياس، على (كل) تلك الأصول، فيجب تصحيحها. ولو فرق بين الفرع وبين بعضها: ففي وجوب الجواب الخلاف. ثم جواب الفرق: بمنع وجوده لا الأصل. وتأثيره إن ثبتت عليته بغير السبر والتقسيم. وبالغاية وبالنسبة إليه عموما أو خصوصا، وإن ناسب كالذكورة في العتقن وببيان أن وصفه استقل بالحكم في صورة بدون الفارق، فإن بين المعترض في تلك الصورة وصفا آخر، فلا بد من إبطاله حتى يتم استقلاله. وبرجحان علته على علة المعترض.

مسألة تقسيم العلة من وجه

مسألة تقسيم العلة من وجه: (أ) علة الحكم: محله، أو جزؤه، أو خارج عنه: وهو: إما عقلي، أو عرفي، أو شرعي، أو لغوي. والعقلي: إما حكمه، أو أمارتها، كالجهالة في فساد البيع لتعذر التسليم، أو صفة حقيقية، أو إضافية، أو سلبية، أو ما يتركب منها، أو بعضها. والعرفي كبعض العيوب. والشرعي: كقولنا: يجوز بيعه، فيجوز رهنه. واللغوي كقوله في النبيذ: إنه يسمى بالخمر، فيحرم كالمعتصر من العنب. والتعليل بالمحل وجزئه الخاص لا يكون إلا: في القاصرة، ويجزئه العام في المتعدية. (ب) العلة: أما فعل المكلف، كقتله وردته، أو جمع ككون البر قليلا أو لا، وهو: إما لازم ككون البر مطعوما، أو لا، وهو: إما أصلي كالبكارة، أو طارئ بحسب العادة كانقلاب العصير خمرا وهي خلا. (ج) الحكم والعلة: إما ثبوتيان، كالطعم وتحريم الربا، أو عدميان: كعدم صحة البيع، لعدم الرضا، أو الحكم عدمي والعلة ثبوتية كعدم وجوب الزكاة للدين، وهذا القسم تسمية الفقهاء: (التعليل بالمانع)، أو بالعكس كاستقرار الملك بعدم الفسخ. وما فيه العلة عدمية: فيه نظر، إذ العلة ثبوتية، فيمتنع قيامها بالمعدوم، وهذا آت، وإن كان الحكم عدميا. (د) العلة مركبة أو بسيطة، وكل واحد منها: إما مظنون أو معلوم ضرورة، أو نظرا. مسألة إن جوز التعليل بالقاصرة جوز بمحل الحكم وجزئه الخاص، إذ لا بعد في أن يقول الشارع: حرمت الراب في البر، لكونه برا، أو بعرف مناسبة المحل للحكم. ولا يلتفت إلى ما يقال: إنه يلزم أن يكون الواحد فاعلا وقاتلا، وهو ممتنع، لأن امتناعه

مسألة وفي التعليل بالحكمة

ممنوع، وقد عرف ضعف دليله في موضعه ثم إنه لا يتأتى في الموكب. مسألة وفي التعليل بالحكمة: ثالثها: إن كانت ظاهرة منضبطة بنفسها جاز، وهو المختار: (أ) لأن ظن كون الحكم معللا بحكمة، وظن حصولها في آخر يوجب ظن ثبوت الحكم فيه، والظن واجب العمل، وهو غير آت فيما لا ينضبط. (ب) أنها علة لعلية العلة، فأولى أن تكون علة الحكم ترك العمل به في الخفية وفيما لا ينضبط، فيبقى فيما عداه على الأصل. (ج) التعليل بها جائز عرفا، إذ يقال: أعطى الأمير لدفع الحاجة وفعل لمصلحة كذا، أو لدفع مفسدة كذا، فوجب أن يجوز شرعا، للحديث. ولا يجوز أن يعلل بها مطلقا: - وإلا: لما جاز التعليل بالوصف، لزيادة مقدمة لا حاجة إليها، وتكثير إمكان الغلط والحرج والمشقة بسببها. ولأنها إذا كانت خفية غير منضبطة، لم يحصل العلم أو الظن بالمقدمتين، فلا يصح، لفقد شرطه، وكذلك علق الشارع الأحكام بالمظان. فإن قيل: حصول الظن بالمقدمتين ممنوع، وما الدليل عليه؟ ثم ما ذكرتم معارض: بما أن التعليل بمطلق الحاجة، فيقتضي ثبوته حيث ثبتت وبمخصوصها يقتضي الوقوف عليها ومقاديرها، يستدعي امتيازها عن غيرها، وهو في الخفي متعذر، سلمناه لكنه بعسر وحرج، وهو منفي بالنصوص النافية له. ثم إنه معارض: (أ) بأنه لو جاز التعليل بها لوجب طلبها، وهو منفي للمشقة والحرج. (ب) استقراء الشرع يدل على تعليل الأحكام بالأوصاف دونها، وذلك يفيد ظاهرا امتناعه.

(ج) النافي للقياس قائم، ترك العمل به في الوصف، لظهوره وضبطه. (د) الحكمة متأخرة الحصول، وليست العلة كذلك. وأجيب: عن (أ) أن علية الوصف للحكمة، فإن امتنع الإطلاع عليها وعلى مقاديرها امتنع الحكم بعلية الوصف، وعسر ضبطها زائل في الظاهرة المنضبطة. وبه خرج الجواب عن (ب)، و (ج). وعن (د) بمنعه، فإنها معللة بالحكم - أيضا - كوجوب التوسط بين المهلك، وغير الزاجر في الحد، ووجوب إقامة التعزير وإسقاطه وقدره، والفرق بين العمل القليل والكثير في الصلاة، والأكل (اليسير) والكثير ناسيا في الإفطار، نعم الغالب ما ذكرتم، لكنه لا يدل على عدم جوازه. وعن (هـ) ما سبق مرارا. وعن (و) أن تأخرها في الخارج والعلية في غيره، ولو فسرت بـ (المعرف) منعت الثانية. تنبيه: من المجوزين من إذا قيل له: التفاوت بين الحاجات غالب، فلم قلتم إن الموجود في الأصل موجود في الفرع؟ أجاب: بأنا نعلل بالمشترك بينهما. فإذا نقض ذلك لحاجة غير معتبر في الحكم: لا نسلم وجوده فيه. وزيفه الإمام: بأن الأصل والفرع قد لا يشتركان إلا: في مسمى الحاجة، فيتحقق النقض. وزيف: بأنه احتمال، والمنع لا يندفع به، فلو قيل: تعليله بمشترك زائد على مسمى الحاجة: ممنوع، وبالمسمى فقط، منتقض كان ألزم.

مسألة

مسألة جمع: على جواز التعليل بالعدم مطلقا. ومنع منه الأكثر في الثبوتي. لمن جوز: (أ) العلة بمنع الـ (معرف)، وهو لا ينافي العدم، فإن عدم امتثال العبد أمر سيده يعرف سخطه عليه، وعدم اللازم والشرط يعرف عدم الملزوم والمشروط، و - حينئذ - يجوز قيامها بالعدم كالوجود. (ب) الدوران قد يفيد ظن عليته. (ج) العلية ليست ثبوتية، وإلا: لكانت واجبة، فلا تفتقر إلى معروضها، أو ممكنة فتفتقر إلى علة، والكلام في عليته كالكلام في الأول، ولزم التسلسل. و- أيضا - فإما قديمة: فيمتنع قيامها بالمحدثات، ولزم - أيضا - قدم المعلول، أو حادثة، فيلزم التسلسل. ولأنها من النسبية، وهي عدمية. ولأن الخصم والعرف يساعدان على أن العدم علة العدم، ويمتنع قيام الثبوتي والعدمي، و - حينئذ - يجوز قيامها بالعدم، إذ الأصل عدم مانع آخر، وهي عندنا معرفة لا موجبة، حتى يجعل الإيجاب مانعا من علية العدم. للمانع: (أ) أن العلية ثبوتية، لأنها نقيض اللاعلية، المحمولة على العدم، فيمتنع قيامها بالعدم. (ب) أنه يطلب بحدوث الأشياء وجودها، ولو كان التعليل بالعدم جائزا لما كان كذلك. (ج) العلة متميزة ولا شيء من العدم بمتميز، فلا شيء من العلة عدم. (د) العلة له نسبة خاصة إلى الحكم، وإلا: لم يكن باقتضائه أولى من العكس، والنسبة نقيض للانتساب المحمول على العدم، فيمتنع قيامها به. (هـ) يجب على المجتهد سبر ما يصلح للعلية، ولا يجب عليه سبر الإعدام، لعدم تناهيها. (و) العدم ليس سعي الإنسان فلا يترتب عليه حكم، لقوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [النجم: آية 39]. و(ز) العلة في الأصل بمعنى (الباعث)، وضابط الغرض يجب أن يكون مقدورا للمكلف

إيجادا أو عدما، والعدم ليس كذلك، فلا يكون علة. وأجيب: منع أن العلة ثبوتية، والاستدلال بصورة النفي على الوجود دور، ثم إنه منقوض باللاامنتاع، ثم الدليل منقوض بالعدم، فإنه يجوز أن يكون علة العدم وفاقا. وعن (ب) بمنع أن ذلك لخصوصية الوجود، بل لعموم الحدوث. وعن (ج) بمنع الثانية. وعن (د) ما سبق، سلمناه، لكنه معارض بما يدل على أن السب والإضافات لا وود لها في الأعيان. وعن (هـ) بمنع الثانية، فإنه يجب عندنا سبر ما يصلح لها ثم لا نسلم عدم تناهيها، ثم إنه لتعذره أو تعسره. وعن (و) بمنع أن لا يترتب الحكم على ما ليس فعله، ثم إن العدم الطارئ قد يكون من فعله. (وقد) أجيب عنه: بالنقض بالمناهي، ولو كان اللامتناع فعلا، لكان الممتنع عن الفعل فاعلا. وهو ضعيف، لأن متعلق النهي فعل الضد، ولا بعد في أنه ممتنع عن فعل الفاعل لفعل آخر، ثم إنه مناقض لما اختاره المجيب: من أن متعلق النهي فعل الضد. وعن (ز) بمنعه في مطلق العدم، بل ذلك في العدم الأصلي، ثم إنه ينفي تعليل حكم الأصل به، دون حكم الفرع، فإن العلة فيه قد تكون بمعنى الإمارة. تنبيه: التعليل بالإضافي جائز إن قيلك بوجودها، أو بجواز التعليل بالعدم، وإلا: فلا.

مسألة

مسألة التعليل بالحكم الشرعي جائز. وقيل: لا. لنا: (أ) الدوران. (ب) أنه لا بعد في أن يعرف حكم حكما. للمانع: (أ) الحكم ليس بعلة، بمعنى: الموجب والباعث، وهو ظاهر، ولا بمعنى: المعرف، لأن حكم الأصل معرف بالنص. (ب) الحكم المجعول علة، إن تقدم على الآخر أو تأخر عنه لم يكن علة، وإن قارنه فكذلك، إذ يحتمل عليته معلولية الآخر، وبالعكس، والنادر من الاحتمالات يلحق بالغالب. (ج) حكم الأصل إما أن لا يكون لعلة أو لعلة، وهي صفة، أو حكمة، أو حكم غير المجعول علة، وهو: إما معلولة أو غيره، والنادر من التقديرات ملحق بالغالب. (د) شرط العلة التقدم، وهو مجهول فيما نحن فيه. (هـ) إذا أثبت الشارع حكمين معا، فليس جعل أحدهما علة الآخر أولى من العكس، فإما أن لا يكونا علتين، وهو المطلوب أو يكونا علتين، فيلزم الدور. وأجيب: عن (أ) بمنع أنه لا يكون علة بمعنى: الداعي، لأن أحد الحكمين قد يدعو إلى الآخر لمناسبته من غير عكس، ثم بمنع أنه لا يكون علة بمعنى (المعرف)، فإنه معرف لحكم الفرع دون الأصل. وعن (ب) بمنع أن المتأخر لا يكون علة للمتقدم، ثم بمنع تساوي احتمالين وسنده ما سبق، ثم لا نسلم أن النادر من الاحتمالات ملحق بالغالب مطلقا، وإن عني بالنادر ما يوجد على بعض التقادير، وإن عني به ما يندر وجوده، فلا نسلم أنه نادر بهذا المعنى، وهو الجواب

مسألة

عن (ج). وعن (د) بمنع الأولى، وسنده لا يخفى، ثم بمنع الثانية، فإنه وإن كان مجهول التقدم من جهة النقل، لكن وجوده أمارة العلية أمارة تقدمه. وعن (هـ) بعض ما سبق، ثم بمنع امتناع الدور في الـ (معرف). فرع: من جوز ذلك جوز تعليل الحكم الحقيقي به، إلاك بعضهم، إذ لا امتناع في أن الشرعي يعرف الحقيقي، وهذا إن فسرت بـ (المعرف) لا غير. مثاله: الشعر يحرم بالطلاق، ويحل بالنكاح، فيكون حيا ولعل مأخذ المانع بعض ما سبق. مسألة يجوز التعليل بالوصف العرفي، كالشرف والخسة، والكمال والنقصان، إن انضبط واطرد في جميع الأزمان، ليعلم حصوله في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحصول الإجماع عليه، وإلا: فلا. مسألة التعليل بالوصف المركب جائز. خلافا لبعضهم. لنا: مسالك العلة من الدوران وغيره. للمانع: (أ) أنه يفضي إلى نقض العلة العقلية. ولا ينقض بالماهية المركبة، لأن الماهية مجموع تلك الأجزاء، فلم يكن عدم شيء من أجزائها علة لعدم شيء آخر، والعلية زائدة، عدمها معلل نفيها، كعدم الأجزاء. وفيه نظر. (ب) إن لم يحدث عند اجتماع تلك الأجزاء زائد، ولم يكن علة لحالة الانفراد، وإن حدث عاد الكلام في المقتضى له وتسلسل.

(ج) العلية زائدة على ذات العلة، لا مكان تعقله بدونها، ولأن العلية معنى من المعاني، والذات جوهر أو جسم، فلو اتصفت المركبة بها: فإن قامت بكل جزء لزم كون جزء علة، وقيام الواحد بمحال كثيرة، وإن قام بكل جزء جزء انقسمت العلية، فيكون لها نصف وثلث، وإن قامت بجزء واحد لزم كونه علة دون المجموع. (د) لو كانت المركبة علة، لزم اجتماع العلل على معلول واحد، لأن تلك الأجزاء لو انعدمت معا، مع أن عدم كل واحد منها علة لعدم العلية، لزم ذلك. (هـ) إن ناسب كل واحد من تلك الأوصاف للحكم، كان كل واحد منها علة للمناسبة والاقتران، وإلا: لم يكن المجموع مناسبا، لأن ضم ما لا يناسب إلى مثله أو غيره، لا يوجب مناسبة المجموع، فلم يكن المجموع علة. وأجيب: عن (أ) بمنع أن عدم كل واحد من تلك الأجزاء علة، لعدم العلية، وهذا لأن العلية العدم ممنوع، ثم لا يلزم من انتفاء العلة أن يكون العدم علة، لأنه يجوز أن يكون لعدم الشرط، وهذا لأن وجود تلك الأجزاء والتئامها شرط لقيام العلة بها، فانتفاؤها عند انعدام واحد منها، لانتفاء شرطها، ثم كون العلية زائدة ممنوع، وهذا لأنها لو كانت زائدة لزم التسلسل، ثم إنه منقوض بما للمركبة من الصفات، فإن الدليل ينفيها. وعن (ب) النقض بالهيئة الاجتماعية، ثم إنها حصلت بالاجتماع الحاصل بالفاعل. وعن (ج): (بمنع) أنها زائدة، وسنده سبق، - أيضا - لو كانت زائدة لزم قيام العرض بالعرض، إذ بعض المعاني يتصف بها، ولأنها إضافية، ولا وجود لها في الأعيان، ولأن معناها (المعرف)، وهو لا ينقضي قيام صفة حقيقية. بها ثم إنه منقوض بالألفاظ المركبة كالخبرية. والتحقيق: أن بالتأليف حصل وحده مجموعته، فقامت بها. وعن (د) ما سبق - هنا - وفيما تقدم. وعن (هـ) بمنع عدم مناسبة المجموع، على تقدير عدم مناسبة آحادها، إذ يجوز أن يثبت للمجموع ما ليس لآحاده، ثم يجوز أن يكون لكل واحد منها مدخل في المناسبة ويستقل بها المجموع.

فرع

واعلم أن استقراء الشرع يفيد القطع بجوازه، إذ وجوب القصاص مقدر بقتل عمد عدوان، ومثله كثير. فرع: عن بعضهم: أنه لا يجوز أن تزيد الأوصاف على تسعة ولا وجه له. مسألة التعليل بالقاصرة جائز، وهو اختيار القاضيين والبصري خلافا للحنفية وأبي عبيد الله البصري. لنا: (أ) أن توقيف الصحة على التعدية دور. أورود: (أ) أنه لا يلزم من عدم توقفها عليها صحتها بدونها، لجواز توقفها على وجودها في الفرع، ولا دور. (ب) ثم إنه دور معية. وأجيب: عن (أ) بأن الحاصل في الأصل وغيره مثلان، فكل ماله من الصفات بتقدير وجود مثله في غير الأصل ممكن له، بتقدير عدم مثله فيه، لأن حكم الشيء حكم مثله، فيكون علة، لأن عليتها باعتبار تلك الصفات. ورد: بمنعه بل بها، وبجودها في الفرع، فإن لم يعتبر هذا، فهو أول المسألة. وأجيب عنه: بأن المحصول في المحل عدمي، فيمتنع أن يكون له مدخل في العلية، ولأن القاصرة ليست علة، بمعنى (المعرف) إذ حكم الأصل معرف بالنص، ولا فرع لها، بل بمعنى: (الباعث)، أو (الموجب)، ومعلوم أنه لا تأثير لحوصلها في العلية على التقديرين. وعن (ب) أنه ليس دور معية، بدليل أنه يصح أن يقال: صحت العلة ثم عديت، أو عديت بعد أن صحت، ولو كان معا لما صح هذا، إذ لا يجوز إدخال كلمة ثم ما بين المتلازمين. (ب) القياس على المنصوصة، بل أولى، إذ التنصيص على العلة يقتضي، أو يوهم الأمر

مسألة

بالقياس، وهو غير متصور في القاصرة. (ج) طرق العلية من المناسبة والسبر والتقسيم وغيرها، قد تكون حاصلة فيه. (د) أنه لا يمتنع لذاته، وإلا: لتعقل امتناعه كل من تعقله، ولا لامتناع مدركها لما سبق، وإلا: لعدم فائدتها لو سلم أنه يقتض الامتناع، لأن لها فوائد كمعرفة الباعث، ومطابقة وجه الحكمة، والعلم به، والمنع من القياس عليه. لا يقال: هذه الفائدة حاصلة بعدم التعليل بمعتدية، وهو أعم منه فلم يختص بها - لأنها تفيد المنع منه، وإن وجد في الأصل متعدية لمعارضتها إياها، ولو لم يجز التعليل بها بقيت المتعدية سالمة عن المعارض. فإن قلت: التعليل بالقاصرة مشروط بعدم التعدية، فلم يتصور ما ذكرتم. قلت: لا نسلم ذلك، وهذا لأنهم نصوا على التعارض بينهما لكن قوم رجحوا المتعدية، وقوم سوو بينهما، ولو كان الأمر كما ذكرتم لما كان كذلك. ولا لشيء آخر، إذ الأصل عدمه، وعدم اقتضائه لذلك، فيصح. لهم: (أ) الدليل ينفي القول بالعلة المظنونة .. إلى آخره، وقد مضى جوابه. (ب) فائدة العلة معرفة الحكم، وهي مفقودة في القاصرة، فنصبه عبث. (ج) العلة كاشفة عن شيء، لأنها أمارة القاصرة، والقاصرة لا تكشف عن شيء. وأجيب: عن (ب) بمنع انحصار الفائدة فيه، لما سبق، ثم بمنع أن نصبه عبث ممتنع، إذ يجوز أن يكون عابثا على الحكم، ومؤثرا فيه، وإن لم ينتفع الطالب بها، ثم لا يعلم أنها قاصرة، إلا: بعد الوقوف عليها، والتعليل بها، ثم إنه منقوض بالمنصوصة. وعن (ج) بمنع الأولى والثانية، والسند غير خاف. مسألة التعليل بمجرد الاسم غير جائز وفاقا. وهو: كالتعليل وجوب حد الزنا، وتحريم الخمر،

مسألة

بمجرد الاسمية، حتى يثبت الحد في اللواط وحرمة النبيذ، وإن لم يسم به. لأنا نعلم بالضرورة أنه لا أثر بمجرد الاسمية في إثبات الحكم ونفيه، والتعليل بكونه مخامرا للعقل، تعليل بالمسمى لا بالاسم. مسألة حكم الأصل ثابت بالعلة، حيث يكون المعنى معقولا. خلافا للحنفية. لنا: المعنى بها أمر مناسب، يغلب الظن أن الشرع أثبت الحكم لأجله، ولا سبيل إلى إنكاره. لهم: (أ) الحكم معلول، فلا يثبت بالمظنون. (ب) لو كان ثابتا فيه بها، لكانت أصلا له، كما في الفرع، لكنها فرع له. (ج) الحكم الثابت بالمظنونة لا يكفر جاحده، والثابت بالنص قد يكفر جاحده. وأجيب عنها: بأنه غير وارد على ما حررناه. والخلاف لظفي، فإنه عنى بالعلة (المعرف) فليس بثابت بها إذ عرف حكمه بالنص، وإن عنى بها (الباعث) فلا شك في أنه ثابت بها. مسألة لا يجوز التعليل بالصفات المقدرة. خلافا لبعض المتأخرين. كقولهم: الملك معنى مقدر شرعي، جواز التصرف معلل به. وقولهم: لاملك الحادث يستدعي شيئا حادثا، وهو قوله: بعت واشتريت ولا وجود لهما، لكن الشرع قدر وجودهما، لوجوب السبب عند وجود المسبب وقد يذكر التقدير في جانب الأثر كالدين، فإنه أثر سبب

مسألة

من الأسباب، فيقدر له وجود في ذمة المديون، لتمكن الدائن من طلبه، وطلب ما لا يجوز له محال. وزيف: بأن الوجوب مفسر: إما بتعلق الخطاب، كما هو رأينا، أو يكون الفعل متصفا بصفة لأجلها يستحق الذم تاركه. والأول لا حاجة به إلى سبب محدث، إذ القديم لا يحتاج إليه، ولا الثاني، إذ المؤثر في الحكم جهة المصلحة والمفسدة. لأن التقدير يجب كونه موافقا للواقع، وتلك الحروف لو وجدت معا لم يكن كلاما. ولا معنى لتقدير الحال في الذمة، بل معنى الدين في الذمة تمكين الشارع للدائن من المطالبة حالا أو مآلا. وفيه نظر: من حيث إن الوجوب ليس هو نفس تعلق الخطاب لما سبق، ثم لا نسلم أنه لا حاجة به إلى سبب حادث، لأنه حادث فيفتقر إلى سبب حادث، ثم إنه منقوض بالأحكام المعللة، والأسباب والعلل الحادثة، فإنما ذكره ينفي الجواز، لا الحاجة فقط. ولو قيلك التعليل - هناك - بمعنى التعريف، قيل: مثله - هنا - وحينئذ - يقال: إذا جاز التعليل بالعدم بمعنى (المعرف) جاز بالأمر الاعتباري بطريق الأولى. وكون الحكمة مؤثرة في الحكم لا بنفي تعليله بالغير، وإلا: لما صح بالوصف. وكون التقدير على وفق الواقع، ليس معناه، أن المقدر يعطي حكمه لو كان موجودا، بل معناه: أنه يعطي حكم مؤثر موجود. مسألة (أ) العلة قد تقتضي حكما، أو أحكاما كثيرة: إما متماثلة - بشرط اختلاف المحل وإلا لزم اجتماع المثلين كالقتل الصادر من اثنين، فإنه يوجب القصاص عليهما. وإما مختلفة غير متضادة، كاتقضاء الحيض تحريم الإحرام والصوم والصلاة. أو متضادة، وهو في ذاتين أو في واحد بشروط متضادة، وإلا: لزم إمكان اجتماع الضدين،

مسألة

كذبح المحرم، فإنه في الصيد محرم دون غيره، وذبح المسلم الصيد بشرط كونه حلالا ومحرما. (ب) شرط العلة اختصاصها بمن له الحكم، وإلا: لزم الترجيح من غير مرجح، أو تعميم الحكم، أو التعطيل، وقد يتوقف اقتضاؤها على شرط، كالزنا للرجم، بشرط الإحصان، وقد لا يتوقف كالزنا للجلد. وقد يثبت ابتداء لا دواما، كالعدة في منع النكاح، وقد يثبته فيهما كالرضاع في إبطاله. مسألة قد يستدل بذات العلة، كقوله: قتل عمد عدوان، فيجب القصاص وهو صحيح، وقد يستدل بعليتها، وهو فاسد، لأن عليتها للحكم يتوقف على كونه مرتبا عليها، فلو استدل على الترتيب بها، لزم الدور. واستدل: بأن العلية إضافي يتوقف ثبوتها على ثبوت المضافين، فيتوقف على ثبوت الحكم، فإثبات الحكم بها دور. وزيف: بأن النسبية لا تقتضي وجود المنتسبين في الخارج، بل في الذهن، فلا يتوقف صدق قوله: القتل سبب لوجوب القصاص على وجود القتل، ولا على ووجود القصاص. ثم الدور في العلة بمعنى (المعرف) - غير ممتنع. لا يقال: كونه مترتبا عليها هو نفس العلية - لأنا نمنع ذلك. وسنده بين. ثم نقول: إن كان علينه كان الاستدلال بالعلية على الحكم استدلالا بالشيء على نفسه، أو غيرها فدور، كما تقدم، وهو كما يقال: سببية القصاص حاصل في القتل، فيجب، أن يقال: قتل سبب لوجوب القصاص حاصل. مسألة تعليل العدمي بالوجودي يسمى تعليلا بالمانع. ولا يشترط فيه، وفي تعليل العدم بفقد

الشرط، - وجود المقتضى. خلافا لقوم. والخلاف إنما يتصور إن جوز تخصيص العلة. للمشارط: (أ) الأحكام لمصالح، لما سبق، فينتفي لانتفائها، وإن وجد - هناك - ما يقتضي عدمه، ولا يلزم من عدم الحكم - لعدم المقتضى - عدمه لمقتضى العدم. (ب) ليس المعلل بالمانع العدم المستمر، لأنه أزلي، ولا هو حكم الشرع، بل المتجدد، وهو إما بالموجود، أو بعرضيته، وهو بقيام المقتضى. (ج) عدم الحكم معلل بعدم المقتضى وفاقا، فلو علل بالمانع ذلك العدم أو مثله لزم تحصيل الحال، أو اجتماع المثلين أو غيره، وهو المطلوب. (د) إسناد انتفاء الحكم إلى عدم المقتضى أظهر عند العقل منه إلى المانع، لأنه أعلم وأغلب، ولعدم توقفه على شيء متجدد كالوجود والمناسبة والاقتران، فإن ترجح ظن عدمه على ظن وجود المانع أو ساواه، لم يعلل بالمانع، لأنهما وإن تساويا لكن اختص عدم المقتضى بما أن ظن عدم الحكم إلى عدم المقتضى أظهر، وإلا: فظن وجوده راجح، فالتعليل بالمانع عند ظن رجحان وجوده. (هـ) التعليل بالمانع يتوقف في العرف على وجود المقتضى، إذ قولنا: الطير لا يطير، لأن القفص يمنعه، إنما يصح إذا علم كونه حيا قادرا فكذا في الشرع، للحديث. وأجيب: عن (أ) بأنه لا يلزم منه أن لا يكون معللا بالمانع (ولزوم) تحصيل الحاصل ممنع, وهذا لأن علل الشرع معرفات، ثم عدم تعليله به يستلزم الترك بالمناسبة والاقتران. وعن (ب) بمنع امتناع تعليل المتقدم بالمتأخر، وتعليل الواجب، لما سبق، ونعني بكون العدم حكم الشرع: أنه لا يعرف إلا: منه، ثم بمنع أن يتجدد العدم لا يكون إلا: بالظن يقين، بل جاز بتجدد صفة له. نحو أنه مستفاد من الشرع.

وعن (ج) ما سبق. وعن (د) أن نفس ظن المانع كاف في التعليل بدون الأقسام المذكورة. وعن (هـ) بمنع اطراد العرف فيه، إذ يجوز أن يعلل عدم حضور زيد بكون السبع في طريقه، وإن لم يخطر بالبال سلامة أعضائه، وهو صالح لأن يجعل دليلا على المسألة مع الحديث المذكور. للنافي: (أ) المقتضى معارض له، فإذا جاز التعليل به معه، فعند عدمه أولى. (ب) المانع مقتضى لعدم الحكم، فتوقيفه على شرط خلاف الأصل، لا سيما إذا كان الشرط معارضا، هذا لا بأس به. (ج) المناسبة والاقتران والدوران، إذ يفرض حيث دارالعدم معه، وجودا وعدما دليلا للعلية. وأجيب: عن (أ) بمنع عدم الجواز عند عدمه، فضلا عن أن يكون أولى، وهذا لأنه شرط عندنا، وضعفه وقوته - إذ ذاك - ممنوع، على أن المأخذ فيه غير الضعف والقوة، فلا يفيد ما ذكرتم. وعن (ج) بمنع أنهما دليلا العلية مطلقا، بل بشرطه، فلم قلتم: إنه ليس بشرط؟ ، وهو ببيان أن وجود المقتضى ليس بشرط، فإثباته به دور. فرع: إذ شرط ذلك لم يجب عليه بيان وجوده، بل يكفي أن يقول: إن لم يوجد المقتضى انتفى الحكم، وإن وجد فكذلك للمانع، وبينته بطريقه. تنبيه: قيل: وجود الوصف المقتضى (للحكم) في الأصل، فيجب أن يكون متفقا عليه. وهو ضعيف، لأنه ليس شرط ذلك فيه أولى من شرطه في بقية مقدمات القياس.

مسألة

والحق: أنه إذا ثبت وجوده، ولو بأمارة، كفى. مسألة العلة يجوز أن تثبت حكمين مختلفين. لأنها إن فسرت بـ (المعرف) أو (الداعي) فظاهر، إذ يجوز أن يكون الواحد باعثا على مختلفين، لمناسبته لهما بمشترك بنهما كمناسبة الزنا لتحريمه، ووجوب الحد، ومناسبة القتل العمد العدوان لوجوب القصاص، وحرمان الميراث، ووجوب الكفارة على رأينا. ولو صح تفسيرها بـ (الموجب) فكذلك مركبة كانت أو بسيطة، إذ لا منافاة بينه وبين مفهوم العلية بالمعنى، والأصل عدم مناف غيره. و - أيضا - القياس على العقلية، والقول: بأن الواحد لا يصدر عنه إلا: الواحد باطل، لما عرف في موضعه. و - أيضا - وقع بالاستقراء، وهو دليل الجواز وزيادة وقيل: لا. (أ) لامتناع مناسبة الواحد لمختلفين، إذا المعنى من مناسبة الوصف للحكم أن ترتبه عليه كاف في حصول مقصوده، فلو كان مناسبا لمختلفين، لزم حصول الاكتفاء بواحد وعدمه. (ب) و - أيضا - لا يناسبهما بجهة واحدة، إذ هو ممتنع، بل بجهتين، فيلزم اختلاف علتهما، إذ كل واحد من تينك الجهتين هو العلة بالحقيقة. وأجيب: عن (أ) بمنع أنه المعنى منه مطلقا، بل إذا كان ما يترتب عليه كل المناسب. وعن (ب) أنه لا ينتفي مناسبتها بأمر مشترك بينهما. مسألة ضابط (الباعث) يجب أن لا يكون بمثابة تلزم منه إثبات الحكم، أو نفيه مع القطع بانتفاء الحكمة، أو تحققها. كضابط الحنفية حكمة وجوب القصاص بالجرح: إذ القصاص إنما يجب صيانة للنفس المعصومة عن الفوات، فلو ضبط الوجوب به لزم وجوبه فيمن جرح ولم يقتل، أو قتل بما يقتل قطعا أو غالبا بدونه وهو على خلاف مقتضى الحكمة.

مسألة

فإن قلت: ليس مجرد الجرح ضابطه، بل جرح يؤدي إلى القتل، فلا يرد. قلت: منكم من أطلق ذلك، فيرد عليه، ومن قيده بما ذكرتم يرد عليه جرح يؤدي إليه، لكنه لا يقتل غالبا، والتزامه بعيد جدا. لا يقال: مثله وارد عليكم في الاستبراء، إذ أوجبتموه وإن كانت الجارية بكرا، أو صغيرة، أو آيسة - لأنا نمنع الحكم على رأي، ثم إنه لإطلاق الحديث الوارد فيه. سيما قد تأكد بالإيماء، وهو ترتيب الحكم على الوصف، ولذلك لم يجز أن يستنبط منه معنى يخصص الحكم، وإن جوز ذلك في غيره، وقد تترك المناسبة لقوة الإيماء، فعند تأكده بالإطلاق أولى، فلو خلينا والمناسبة لما ضبطنا به. و- أيضا - إذا ظهر تأثير الوصف في الحكم، فإنه يثبت به الحكم في الفرع، وإن لم تظهر مناسبته وترجحه على ما ظهر مناسبته، فإذا ترك المناسبة لأجل التأثير في الفرع، مع أنه لا يتناوله النص، فلأن يترك فيما تناوله النص بإطلاقه أولى. واحتمال كونه ضابطا لحكمة أخرى في تلك الصورة خلاف الأصل، وخلاف الفرض، إذ يفرض الكلام فيما إذا لم يكن كذلك، ولأنه يقتضي تعليل الحكم بعلتين مختلفتين. مسألة قيل: ما ضبط به الحكمة يجب أن يكون بمثابة لا توجد الحكمة بدونه وإلا: فإن ترتب الحكم عليها في تلك الصورة لزم أن تكون هي العلة دون الضابط، وإلا: لزم إلغاء المقصود الأصلي واعتبار غيره. وهو يلتفت إلى التعليل بعلتين مختلفتين، والتعليل بالحكمة. مثاله: ضبط الحنفية العمدية باستعمال الجارح، فإنه يقتضي ترك العمد به، مع تيقن وجودها، كما إذا أصاب رأس إنسان بصخرة عظيمة أو ألقاه في ماء مغرق، أو نار محرقة. مسألة قيل: إن فسرت العلة بـ (الباعث) أو (الموجب) لم يجز تعليل الحكم بمتأخر عن وجوده، وإلا: جاز. لكن في غير الأصل، إذ لا يجوز تعليل حكمة بالعلة بمعنى (الإمارة). وقيل: لا، لأنه إنما جوز أن تكون العلة بمعنى (المعرف)، لأنها تعرف الحكم في الفرع، وهو مفقود، إذ الحكم معلوم قبلها. وأجيب: بالنقض، لجواز اجتماع المعرفات على معرف واحد، وبجواز اجتماع الأدلة على مدلول واحد وعند هذا يظهر: أنه لا يمتنع ذلك في الأصل، إذ غايته أن يكون حكمه معرفا بالنص

مسألة

والعلة. لا يقال: إنه يمتنع، لأنه يقتضي بثبوت الحكم لا لسبب، أو بعلتين مختلفتين، ثم إنه يقتضي تقييد المسألة بما إذا كان له علتان - لأنا نمنع لزومه إذ يجوز أن يكون الحكم معلوما بالبقاء على العدم الأصلي، ثم إنه يعلل بمناسب يوجد بعد، وهو: كتعليل ولاية الأب على الصغير الذي عرض له الجنون - به، إذ الولاية ثابتة قبله. مسألة ما (إذا) استنبط من الحكم يجب أن لا يبطله بالكلية، لأنه فرعه فإبطاله له إبطال لنفسه. أما إن اقتضى تخصيصه، ففيه احتمالان: جوازه كتخصيص العلة، وعدمه، لأن المخصص مناف، والفرع لا ينافي أصله، وأما القياس: فالفرق يدفعه، وهو أن تخصيصها لا يبطل أصله. مثاله: تعليل الحنفية وجوب الزكاة بدفع حاجة الفقيرمطلقا، فيجوز دفع القيمة، فإنه يرف وجوب الشاه بعينها، وهو الحكم المدلول عليه بصريح النص. لا يقال: استنبط ذلك من مثل قوله {وءاتوا الزكاة} [البقرة: آية 43] لا من مثل قوله: (في كل شاة أربعين شاة شاة). فلم يرجع عليه بالإبطال. قلت: فعلى هذا لا يجوز دفع القيمة، فيما يجب فيه شاة، أو بنت مخاض، ونحوه من المقدرات المعينة، على أن دفع الحاجة بقدر مخصوص من النصوص المطلقة غير ممكن. مسألة (قيل): المستنبطة يجب أن لا تكون مخصصة للكتاب والسنة المتواترة وهو بناء على أنه لا يجوز تخصيصهما بالقياس، وقد بينا صحته، وأن لا تكون معارضة لعلة أخرى، وهو فاسد، لأنها إن كانت راجحة فظاهر، وإن كانت مرجوحة فكذلك: لأن ذلك يمنع من العمل، لا من الاستنباط. وأن لا يكون متضمنا لإثبات زيادة على النص، وهذا بناء على أن الزيادة على النص نسخ، وقد عرف حيث يكون ناسخا، وحيث لا يكون. وأن تكون مستنبطة من حكم معلوم، وهو فاسد، إذ يجوز القياس على أصل ثبت حكمه بظني. وأن يعلم وجوده في الفرع، وهو كذلك، إذ لا مزية لهذه المقدمة على غيرها، فجاز أن تكون ظنية كغيرها. وأن لا تكون مخالفة لمذهب الصحابي، وهو كذلك، إذ ليس بحجة، ولو سلم فيمتنع رجحانه على القياس المعارض له.

مسألة في شرائط الفرع

مسألة في شرائط الفرع: (أ) العلة الموجودة في الفرع يجب أن تكون مثل ما في الأصل في الماهية، ولا أنقض منه، ويندرج تحته قياس نوع على نوع، وقياس العكس. (ب) حكمه مثل حكمه نوعا أو جنسا، كقياس المثقل على المحدد وقياس ولاية النكاح (على التقديم في الصلاة)، واعتبار هذا القيسد فيه من حد القياس ظاهر. وكونه ركنا في القياس لا ينفي أن يكون شرطا في الفرع، وأعني بالشرط ههنا - ما يعمه والركن. واستدل على اعتباره: بأن الأحكام للمصالح، فإذا كان حكم الفرع مثل حكم الأصل علمنا حصول ما يحصل منه في الأصل، فيجب إثباته لتحصيل مقصود الشارع. وفيه نظر، ذكرناه في (النهاية). (ج) خلوه عن راجح يقتضي نقيض ما اقتضته علة القياس، وهذا إن جوز تخصيص العلة، وإلا: فلا يتصور وجودها معه. (د) أن لا يكون حكمه المخالف لحكم القياس منصوصا عليه وإلا: لزم تقديم القياس على النص، فإن وافق فلا يمتنع ذلك. لأن ترادف الأدلة لزيادة الظن جائز، لكن بشرط أن النص الدال عليه غير النص الدال على الأصل، أما إذا اتحدا فلا، لعدم الفائدة. وقيلك باشتراطه مطلقا: لقصد معاذ. وبأن الدليل ينفي العمل بالقياس، ترك العمل به في صورة فقد النص، فيبقى فيما عداه على الأصل. وبالقياس على ما إذا كان الحكم على خلافه. وأجيب: عن (أ): بمنع مفهوم الشرط. ثم بأن المراد منه وجوب الحكم، لقرينة تولية القضاء، وقوله: "فإن لم تجد في كتاب الله قال: بسنة رسوله"، فإن الحكم بالسنة جائز مطلقا، وبالإجماع، و - حينئذ - لا يبقى فيه دلالة على المطلوب إذ النزاع في الجواز دون الوجوب. ثم إن المفهوم معارض بأدلة القياس من المنطوق والمعقول والترجيح معنا، إذ هما راجحان على المفهوم.

خاتمة في تقسيم القياس

وعن (ب) ما سبق غير مرة. وعن (ج) بالفرق، وهو ظاهر. وأن لا يكون حكمه (ثابتا) قبل الأصل، وإلا: لزم ثبوته بلا دليل، إذ الكلام مفروض مفروض، فيما لا دليل عليه (سواه)، فأما إذا وجد فلا يمتنع ذلك. وشرط: أبو هاشم: أن الحكم في الفرع يجب أن يكون معلوما بالنص من حيث الجملة، حتى يفصله القياس، كما في توريث الإخوة مع الجد وهو باطل: بأدلة القياس، وإجماع الصحابة، إذ قاسوا مسألة الحرام على الظهار والطلاق واليمين، وليس فيه الشرط. خاتمة في تقسيم القياس (أ) جامعية. إن كان علة فـ (قياس العلة). أو لازمها، أن أثرها، أو حكمها، أو خاصية الشيء - وإن لم يعقل المعنى فـ (قياس الدلالة)، كالرائحة الفائحة، والإثم في إلحاق القتل بالمثقل بالجارح في وجوب القصاص، ووجب الدية في إلحاق القطع بالقتل، وجواز أداء الوتر على الرسالة في إلحاقه بالنوافل. وإن كان بإلغاء الفارق، فهو (القياس في معنى الأصل)، كقياس البول في الكوز، وصبه في الماء على البول فيه، ويسمى - أيضا (تنقيح المناط). (ب) القياس: إما مؤثر، وفسر بتفسيرين: أحدهما: (ما أثر عين الوصف في عين الحكم أو جنسه أو جنسه في عينه. وثانيهما: (ما كانت العلة فيه منصوصة صريحا أو إيماء، أو مجمعا عليه). وبين التفسيرين عموم وخصوص من وجه. وإما ملائم: قيل: هو: (ما أثر الوصف في جنس الحكم). قيل: هو هذا، والثاني والثالث من أقسام المؤثر، والمؤثر، إنما هو الأول.

(ج) ثبوت الحكم في الفرع: إما مساو لثبوته في الأصل، وهو: (القياس في معنى الأصل)، أو أولى منه، (وهو القياس بالطريق الأولى، أو لا)، وهو (القياس بلا قيد). وينقسم: - أيضا - إلى: جلي وخفي. قيل: الجلي القسمان الأولان، وما نص فيه على علته، والخفي: القسم الثالث، وقد تقدم لهما تفاسير أخر، بينهما تضاد واختلاف. (د) القياس: إما منصوص علته، وهو (القياس المنصوص علته) أو مستنبط. فإن كان طريقة المناسبة: فقياس المناسب والإخالة. أو السبر والتقسيم: فقياس السبر والتقسيم. أو الشبه: فقياس الشبه. أو الطرد والعكس: فقياس الدوران والطرد والعكس. أو لطرد: فيسمى به. (هـ) القياس: إما تلازم، وهو ما صرح فيه بصيغة الشرطية. أو غيره وهو ما ليس كذلك، وأقسامه تستفاد مما سبق. (و) القياس: إما مركب، وهو: ما ثبت حكم أصله بعلتين مختلفتين. كعدم الوجوب في حلي الصبية، سمى به، لأن الاتفاق عليه بمجموعهما، وهو في النفي تارة، كما سبق، وفي الإثبات أخرى، كولاية الإجبار على البكر الصغيرة. واختلف في حجيته: فالأكثر، على عدم حجيته: لعدم الفائدة، إذ الخصم يمنع ثبوت الحكم بالموجود في الفرع و - حينئذ - يحتاج المستدل إلى إثبات علته، فإن بين ذلك في صورة أخرى، لا يتأتى للخصم مثله فيها، فليقس عليه أولا، لئلا يطول الكلام بلا فائدة. و - أيضا - المعتمد في القياس إنما هو إجماع الصحابة، ولم ينقل عنهم التمسك بها. وقيل بحجيته، وعليه الخلافيون، لإطلاق أدلة القياس. وللمركب تفسير (آخر) ذكره بعضهم. وأما غيره، وهو: ما ليس كذلك، ويسمى بـ (القياس البسيط) و (القياس مطلقا).

الاعتراضات

الاعتراضات وهي: إما منع أو معارضة، وإلا: لم تسمع. (أ) الاستفسار: وهو: (طلب الشرح اللفظ)، لا جمال أو غرابة، دون عدم فهمه، مع ظهوره. ولذا قيل: (كل ما فيه الاستبهام صح عنه الاستفهام). وهو متجه، خلافا لبعض الجدليين، لأن التصديق فرع التصور، لتقدمه بالرتبة، قدم على غيره من الأسئلة وضعا. وصيغة: (ما) وما يجري مجراها في السؤال عن التصور. لا يقال: اللفظ غ، لم يكن فيه إجمال، فالاستفسار باطل، وإن كان فيجب إزالته في المستدل، إذ التمسك بالمجمل غير جائز، ونحوه في الغريب لأن الأصل عدم الإجمال. فله أن يقول عليه ما لم يبينه المعترض. ولذا للمستدل دفع هذا السؤالن فإنه يقتضي تحقق الإجمال، والأصل عدمه، فلو بينه المعترض بصحته على متعدد، وإن لم يبين التساوي لعسره، أو لأن الأصل عدم الترجيح. فعلى المستدل - إذ ذاك - بيان عدمه، بأن يقول: أحدهما راجح لكونه حقيقة، أو لغلبته في الاستعمال عرفا أو شرعا، أو بيان مراده منهما. ولا يكفي في ذلك أن يقول: يجب اعتقاد رجحان أحدهما دفعا للإجمال، لأنه لا يعين المراد، ولو عين فكذلك، لأنه معارض بمثله في الآخر. ولو قال: يجب ظهوره فيما يصدقه، لأنه غير ظاهر في الآخر وفاقا، وإلا: لزم الإجمال - كفى، وتفسيره بما لا يحتمله لغة لا يقبل. وفي صورة الغرابة: دفعه ببيان المراد، أو بمنع غرابته لكونه مشهورا وكذا بما ذكر أخيرا في الإجمال. (ب) منع إثبات المدعي بالقياس: وهذا السؤال إذا توجه فلا دافع له، وتعين انقطاعه. وهو على أنحاء: (أ) أن لا يكون للقياس فيه مدخل، قطعيا كان أو ظنيا، ككون التسمية آية من الفاتحة. والمراد من هذا القياس: (قياس المعنى)، أما (قياس الدلالة) فلا يمتنع، لكن (لا) يفيد القطع. وهو كاستدلالنا: بكونها مكتوبة في أوائل القرآن بخط المصحف، من غير نكير، مع

نكيرهم على من يكتب من غيره فيه، وقوة الشبهة فيها منعت من القطع، والتكفير من الجانبين. (ب) أن يكون الحكم مما يراد فيه القطع، والقياس لا يفيده، كما يقال: الفعل لا لغرض، أو لغرض الإيلام قبيح في الشاهد، فكذا في الغائب، بجامع كون الفاعل مختارا، فيلزم أن لا يكون الله تعالى فاعلا للكفر والمعاصي، فهذا وأمثاله من الكلامية يراد فيها القطع. (ج) أن يكون المثبت بالقياس قاعدة من قواعد أصول الفقه، كحجية خبر الواحد قياسا على قبول الفتوى والشهادات. فإن طلب فيها القطع كما هو مذهب الأقدمين: فالقياس بالط، أو الظن - كمذهب البصري - فلا. (د) ما طريقة الخلقة والعادة، كإثبات الحيض للحامل قياسا على الحايل، بجامع جواز الاستحاضة عليهما، وقد سبق أنه لا يجري فيها القياس، لأن أسبابها غير معلومة، ولا مظنونة، فيتعدد فيها القياس. وبالجملة: كل ما يمتنع فيه القياس وفاقا، أو عند المستدل، لا يجري فيه القياس، إلا: إذا قصد الإلزام، وإن امتنع عند الخصم، فلا يمتنع، فإنه إذا منعه فله أن يستدل عليه كغيره من المخلفات. (ج) فساد الاعتبار: وهو: بمخالفة القياس - أو حد مقدماته - للنص أو الإجماع أو كان الحكم يمتنع إثباته به كما تقدم. أو بفساد التركيب: بأن يكون مشعرا بنقيض الحكم، ويخص هذا بفساد الوضع. وإلحاق الفرع بالأصل: الفرق بينهما ظاهر، ليس منه على الأصح، لأن سؤال الفرق (سؤال) يقدح في أحد مقدماته، وما نحن فيه ليس كذلك، فإنه لا يعتبر بعد صحة مقدماته. وهو يحتمل التقديم على سؤال المنوعات، لأن فساد اعتباره أغنى من منع مقدماته، ويحتمل التأخير عنها، لأن المستدل مطالب، بتصحيح مقدمات ما ادعاه فإذا قام به، فبعد ذلك ينظر إن أمكن إثباته به أثبت، وإلا: رد. وجوابه: بالطعن في تلك النصوص، أو بمنع ظهور دلالة ما يلزم منه فساد اعتبار القياس، أو القول بالموجب، أو معارضته بنص آخر، أو إن تبين أن القياس في قوة النص، كمفهوم الموافقة، ولهذا

جاز النسخ به كالنص، فيصار إلى الترجيح. (د) فساد الوضع: صحة وضع القياس: أن يكون بحيث يترتب عليه الحكم، ففساده ضده، هو أعم من أن يكون بحيث يترتب عليه ضد الحكم لمناسبة، أو باعتبار نص أو إجماع أو لا. وكلام بضعهم يشعر بتخصيص فساد الوضع بالأول، لكن مظنة كونه ضد صحة الوضع يقتضي ما ذكرنا. وهو كقولنا في المعاطاة: بيع لم يوجد فيه سوى أرض، فلا ينعقد كغير المحقرات، فإن الرضا يناسب الانعقاد لا عدمه. وكقول الحنفية في القتل العمد العدوان: كبيرة محضة وجناية عظيمة فلا يجب فيه الكفارة، كالردة والفرار من الزحف، فإن ما ذكره يناسب التغليظ، لا التخفيف. ويجعل ما لا يصلح للعلية علة. وهذا أخص مما قبله، لاستلزام الأول إياه من غير عكس. وقدح في كونه سؤالا مستقلا، لأنه إن أثبت نقيضه بالوصف بالرد إلى أصله فهو قلب، أو ببيان مناسبته له بعين جهة المستدل، (لزم هدم مناسبة الحكم المستدل)، لامتناع مناسبة الواحد لمختلفين من جهة واحدة، وهو سؤال عدم التأثير، أو بغيرها، فلا منافاة. و - حينئذ - إن كانتا معتبرتين، فهو سؤال المعارضة أو غير معتبرتين، فلزم عدم دلالتهما، أو أحدهما فلم يكن الآخر مشعرا بنقيض الحكم. وأجيب: بمنع انحصار فساد الوضع فيما يشعر بنقيض الحكم، حتى يكون القدح فيه قدحا في فساد الوضع، ثم إنما يمتنع مناسبة الواحد لمختلفين في الحقيقتين فجاز ان يكون أحدهما إقناعية، ولا نسلم رجوعه إلى سؤال المعارضة عند اختلاف جهة المناسبة، بل هي منه، والعام غير الخاص. ومثله وارد عليه، فهو سؤال القلب، فإنه أعم من القلب. ويختلف جوابهما، فإن سؤال المعارضة يجاب بالترجيح، والمعارضة والقدح دونه، ثم يجوز أن تكون مناسبة المعترض حقيقة معتبرة دون المستدل فإنه قد يشعر بنقيضه، فحينئذ - يتبين فساد وضعه. (هـ) المنع:

وهو أعم الاعتراضات، لتطرقه إلى جميع مقدمات القياس، ولا تخفى كيفية توجهه إليها، والجواب عنه: فإن طريق ذلك مشهور. لكن في انقطاع المستدل عنه توجه المنع إلى حكم الأصل. ثالثها: اختار الأستاذ: أنه إن كان ظاهرا: لا، كمنع أن النكاح يبطل بموت الزوجين، لو قيس الإجارة عليه، فإنه انتهاؤه عندنا وعندكم - أيضا - استحسانا، إذ الفرق بين البطلان والانتهاء خفي، فلم يعد انقطاعا. وقال الغزالي: يتبع في ذلك عرف مكان المناظرة. ونقل عن الشيخ أبي إسحاق الشيرازي: أنه لا يصير منقطعا، ولا يجب عليه ذكر الدلالة على الحكم. وهذا لا يتجه إلا: إذا فرع على مذهب نفسه، فله أن يقول: إنما قست على أصلي، لكن لا يتصور منه منع وتسليم، أو يقل: إنما قست لظني أن الحكم في الأصل ثابت عندكم، فإذا هو غير ثابت، فلا أقيس عليه، فلا يعد منقطعا، بناء على ظنه. ولمن قال بانقطاعه مطلقا: أنه عدل عما شرع فيه ابتداء، وهو ذكر الدلالة على حكم الفرع، فكان كالإنتقال إلى غيره. ولمن قال بعدمه مطلقا: أنه من لوازم المطلوب، فكان ذكر الدلالة عليه، كذكر الدلالة على غيره من المقدمات، بخلاف العدول إلى الأجنبي، فإنه يعد إعراضا عن المطلوب فكان انقطاعا. فإن قلت: ما دل على حكم الأصل، إذا كان عاما والحكم غير ثابت، فإذا منع بناء على ذلك - وليس للمستدل دليل على - ثوبته في كله - فهل يصير منقطعا، أم له أن يقول: إنما قست على ما ثبت فيه الحكم. قلت: الأشبه أنه لا ينقطع به، وغايته أنه أطلق عاما، وأراد خاصا. وقيل: بانقطاعه نطر إلى ظاهر اللفظ، وما ذكر وإن كان جائزا، لكنه خلاف الأصل، فلعله بدا له ذلك بعد المنع. وإذا كان في المسألة روايتان عن إمام الخصم، أو عن بعض أصحابه فله أن يمنع الحكم بناء على أحد الروايتين، وللمستدل ان يجيب عنه: بأن الأشهر أو المفتي به ما قست عليه، والأخرى

غريبة، لا يقاس عليها. ثم إذا ذكر المستدل الدليل عل الحكم: فقيل: بانقطاع المعترض لتبين فساد المنع، وتعذر اعتراضه على الدليل، لإفضائه إلى التطويل فيما هو خارج عن المقصد الأصلي أو في النظري. وأجيب: بأنه لازم له، فيعترض على دليله كما في غيره. وقيل: لا يعد منقطعا، ولا يمنع من الاعتراض عليه، وإلا: لزم أن يكتفي بما يدعيه دليلا عليه، و - حينئذ - لا فائدة في قبول المنع. ومن المنوع القوية: منع وصف العلة. كقولنا: الكفارة شرعت زجرا عن ارتكاب الجماع، الذي هو محذور الصوم، فيختص به كالحد، فيمتنع ذلك، بل زجرا عن فيمنع أنه غير مكاف، إذ هي غير معتبرة في جميع الأمور وفاقا، الإفطار، الذي هو محذور. وكقولنا: قتل غير مكاف له، فلا قصاص، كما لو قتل حربيا، فلم قلت: إن الإسلام مما يجب رعايته فيها؟ . وجوابه: أن تبيين اعتباره بطريق، كترتيب الحكم عليه والمناسبة. (و) التقسيم: وهو (كون) اللفظ مترددا بين أمرين متساويين، أحدهما ممنوع. واعتبار القيد الأول للفظ التقسيم، فإنه ينبئ عنه. والثاني والثالث: ليكون له فائدة، فإنه لو كان ظاهرا في أحدهما حمل عليه، ممنوعا كان أو مسلما، لوجوب حمل الألفاظ على ظواهرها. ولو كانا مسلمين، أو ممنوعين، لم يكن للتقسيم معنى، إذا المقصود حاصل، أو غير حاصل على التقديرين. ويلتحق بهذا ما إذا كانا محصلين للغرض، ولكن يرد على أحدهما من القوادح والاعتراضات خلاف ما يرد على الآخر، : لأن له - حينئذ - غرضا صحيحا في التقسيم، وهو إيراد تلك الاعراضات عليه، فربما ينقطع عن بعضها. كقولنا في مسألة الخيار: وجد سبب ثبوت الملك للشتري، فوجب أن يثبت ويبين السبب بصدور البيع (من أهله المضاف إلى محله فيقول: السبب مطلق البيع، أو البيع المطلق، الذي لا شرط فيه، والأول أعم، لكنه مفقود في صورة النزاع. ثم لو منع المعترض في سؤال التقسيم -

بناء على أن اللفظ غير محتمل لمعنيين - فيكفيه أن يبين إطلاقه عليهما، ولا يجب بيان تساويهما لتعسره، وبيان التساوي إجمالا متيسر، بأن يقال: التفاوت يستدعي ترجح أحدهما على الآخر، والأصل عدمه. لكنه معارض: بأن الغالب إنما هو التفاوت، ولأنه يحصل بطريقين، والتساوي بواحد، ووقوع واحد من اثنين أغلب على الظن من وقوع واحد بعينه. وسؤال التقسيم بالنسبة إلى وجود المانع، بعد وجود المقتضى باطل، إذ ليس على المستدل بيان انتفاء المعارض. ثم جواب سؤال التقسيم: يكو ن اللفظ موضوعا لمراده لغة أو شرعا، أو عرفا، نقلا أو استعمالا، فلا يكون لغيره دفعا للاشتراك والنقل، وإن كان خلاف الأصل، لكنه خير من الإجمال. وبكونه ظاهرا في أحد الأمرين، لقرينة لفظية أو عقلية، إن كان هناك. وبأنه يجب اعتقاد ظهور هذا المعنى، وإلا: لزم الإجمال، أو خلاف الإجماع. (ز) المطالبة بتصحيح العلة: وهو منع كون المدعي علة. وهو: وإن كان من جملة المنوعات، لكن إنما أفراد لأن بعضهم زعم أن هذا السؤال ليس بصحيح. (أ) إذ لو قيل المنع فيه، لقبل في دليله، ودليله، وتسلسل. (ب) أن حاصله يرجع إلى طلب المناسبة والإخالة، وهي شرط العلية ولا يجب على المعلل بيان الشرائط. (ج) القياس: رد فرع إلى أصل يجامع، وقد أتى به، فلا يطالب بغيره، وعلى المعترض القدح إن أراد. (د) الأصل أن كل ما ثبت معه الحكم، فهو علة، فمن ادعى أن ما ذكر ليس بعلة، فعلية بيانه. (هـ) أنه بحث فلم يوجد سواه، والأصل عدم غيره. (و) أن علة الأصل لا بد وأن تكون متنازعا فيها، ليتصور الخلاف في الفرع إذ ليس الكلام في وجودها في الفرع، وذلك إنما يكون بعدم الاتفاق على ما في الأصل، ولو ظهرت مناسبته مع الاقتران لحصل الاتفاق عليه. (ز) عجز المعترض عن الاعتراض دليل سلامته عنه، كالمعجزة. (ح) عدم تخلق الحكم عنه دليل صحته.

(ط) إلحاق الفرع بالأصل بمشترك بينهما، تسوية بينهما، فيكون مأمورا به. (ي) القياس، تشبيه الفرع بالأصل، وقد يحصل ذلك بما ذكر من الشبه، وهو حجة. وأجيب: عن (أ) بمنع لزوم ما ذكره، فإنه إذا ذكر دليل على عليته كالمناسبة أو الإيماء أو الدوران، لم يمكنه منع عليته، لا يمكن منع دلالة الدليل، إذ تقدم أن المناسبة وغيرها دليل العلية. وعن (ب) بمنع أن المناسبة شرط العلية، بل جزؤها، ويجب ذكر أجزائها، ثم إنه شرط ذات العلة، ويجب ذكره دون شرط التأثير، للحرج والمشقة لكثرتها. وعن (ج) أن المعتبر: الجامع المعتبر، لا مطلقه. وعن (د) بمنعه مطلقا، بل فيما وجد فيه شرائط العلية، كالمناسبة والدوران. وعن (هـ) أنه من طرق إثبات العلة، فيكون جوابا عن سؤال المطالبة، لا ردا له. وعن (و) بمنع انحصار النزاع فيما ذكره، بل جاز مع المناسبة والاقتران، لحصول وصف آخر كذلك. وعن (ز) المعارضة بعجز المستدل عن التصحيح، ثم لا نسلم عجزه، وعدم شروعه في ذلك - لكون المنع أسهل من المعارضة - لا يدل عليه. وعن (ح) أنه إن اكتفى بالطرد ردا له، فهو جواب عن السؤال وإلا: لم يصلح للرد. وعن (ط) ما سبق في القياس. وعن (ي) بمنع أن مجرد الشبه غير كاف فيه، وإلا: لوجد في الواحد نقيضان. للمصحح: (أ) أنه لو لم يصح لصح الإلحاق لمطلق الأوصاف، لعلمه أنه لا يطالب بتصحيحه، فلا يشترط في العلة المناسبة أو غيرها من شرائط العلية. (ب) سؤال المطالبة: طلب تأثير الوصف وهو: إما شرط، أو جزء وعلى التقديرين يصح كسائر الأسئلة المتضمنة بيان الأركان والشرائط. (ج) الدليل ينفي العمل بالقياس، ترك العمل به في المناسبة والمؤثر، لإجماع الصحابة ولزيادة الظن، فيبقى في غيره على الأصل.

ثم جواب سؤال المطالبة: بمناسبته، وإخالته، أو تأثيره، أو بكونه مومئ إليه، أو خاصة أو أثرا للحكم، أو بنفي ما عداه. (ح) سؤال عدم التأثير: والتأثير: عبارة عن ظهور مناسبة العلة في نفسها، أو في اعتبار الشرع في غير محل النزاع. ومنه: ظهر أنه لا يعترض على المنصوصة، أو المجمع عليها إببذ الحكم يزول بزوالها، فعدم التأثير: عبارة عن جعل ما ليس بعلة، ولا جزء علة - لعدم ظهور علامتها - كذلك. وعند هذا ظهر الفرق بينه وبين العكس، وإن زعم بعضهم أنه لا فرق بينهما، لأن في العكس: تنتفي العلة والحكم، وإن لم يجب انتفاؤه فيه، لكن لوجود علة أخرى، وفي عدم التأثير: ما انتفى ليس بعلة ولا جزئها، والحكم باق لبقاء علته. فله أقسام عدة: عدم التأثير في الوصف: وهو: جعل ما لا يصلح للعلية ولا لجزئها كذلك. ويلزمه: عدم الإنعكاس قطعا، كقولنا في أذان الصبح: صلاة لا يجوز قصرها، فلا قصرها، فلا يجوز تقديم أذانها على وقتها، كصلاة المغرب، فإن عدم القصر لا يصلح لذلك. وعدم التأثير في الأصل والفرع جميعا: كقولنا: عبادة متعلقة بالأحجار، لم يتقدمها معصية، فيعتبر فيها العدد، كرمي الجمال، ثم يجب أن تكون ثلاثا، لعدم القائل بالفصل. فقولنا: لم يتقدمها معصية عديم التاثير في الأصل والفرع معا.

وعدم التأثير في الأصل فقط: كقولنا في الأمة الكتابية: أمة كافرة فلا تنكح، كالأمة المجوسية فالرق، لا أثر له في المجوسية، وله تأثير في الفرع. وهو مردود عند بعضهم كالأستاذ، لجواز تعليل الواحد بمختلفين. وأكثرهم على قبوله في بيان عدم التأثير، لامتناع الأصل المتقدم وقد سبق الكلام فيه. وعدم التأثير في الفرع فقط، وهو على قسمين: أحدهما: أن يذكر فيه وصف يتحقق الخلاف بدونه، كقوله: نوى صوم رمضان قبل الزوال فيصح، كما لو نوى من الليل، فإن الخلاف متحقق لو نوى مطلقه، وقد اختلف فيه، وهو مبني على جواز الفرض وعدمه، ولما كان المختار جواز الفرض في الدليل كان المختار قبوله. وثانيهما: أن يلحق الفرع بالأصل بوصف لا تأثير له على إطلاقه في الفرع وفاقا. كقولنا في العيوب الخمسة: عيب ينقص الرغبة في المعقود عليه، فوجب أن يثبت به ولاية الفسخ كالبيع، فالوصف المذكور في الإلحاق لا تأثير له في الفرع على إطلاقه، إذ لا تثبت ولاية فسخ النكاح بكل عيب وفاقا. وعدم التأثير في الحكم: وهو: أن يذكر في الدليل وصفا لا تأثير له في الحكم المعلل به، كقوله: في المرتدين: طائفة مشركة، فلا يجب عليهم الضمان بتلف أموالنا في دار الحرب، كأهل الحرب، فالإتلاف في دار الحرب لا تأثير له فيه نفيا أو إثباتا وفاقا. والفرق بين هذا وبين الثاني، فرق ما بين العام والخاص، لاستلزامه الثاني، من غير عكس. وزعم بعضهم اتحادهما، ولذا لم يذكر القسم الثاني، ويحتمل أن يكون ذلك لكونه أعم منه، فذكره يغني عن الخاص. ثم ليعلم أن عدم التأثير في الوصف يرجع إلى سؤال المطالبة، فالواجب واحد. وأما عدم التأثير في الأصل، والفرع معا، فجوابه: ببيان تأثيره فيهما، أو في أحدهما، وإلا: ففائدته في دفع النقض، كما سبق في المثال فإنه لو لم يقل: لم يتقدمها معصية لورد الرجم نقضا،

وإن لم يتيسر له ذلك فقد لزم سؤال عدم التأثير، و - حينئذ - يصير منقطعا. وقيل: إن تبين تأثيره ولو في أصل آخر، غير ما قاس عليه، كفى وعد مجيبا وأم عدم التأثير في الأصل، فجوابه: جواب المعارضة في الأصل، من غير تفاوت. وقيل: ببيان جواز تعليل الواحد بمختلفين. وهو ضعيف: إذ لو جاز هذا بطل سؤال عدم التأثير في الأصل بالكلية، لجواز أن يكون الزائل علة. ويكون الحكم ثابتا بعده بعلة أخرى، فهو دفع له من أصله، لا أنه جوابه بعد قبوله. وأما عدم التأثير في الفرع، فجوابه: بفوائد الفرض في الدليل. ويخص القسم الثاني منه: أن يقال: إنا وإن أجمعنا على أنه لا تأثير له في الفرع على عمومه، لكن تأثيره فيه بحسب خصوصه محتمل، فاللفظ العام يجوز أن يراد منه الخاص، إما بطريق التجوز، أو الإضمار، نحو أن يقال في مثالنا: عيب ينقص الرغبة في المعقود عليه، لفوات معظم المقصود منه، فوجب أن يثبت به ولاية الفسخ، كما في البيع. ولو ذكره ابتداء منع السؤال، فإن ذكره بعد ورود السؤال، فالظاهر أن يعد منقطعا، لأنه ظهر أن ما ذكره أولا ليس بعلة. وأما عدم التأثير في الحكم: فهو راجع: إما إلى عدم التأثير في الوصف، أو إلى سؤال الإلغاء، لأنه إن كان طرديا لزم الأول، وإن كان مؤثرا لزم الثاني، فجوابه: جوابه. (ط) القدح في مناسبة الوصف المعلل به، بكونها غير مناسبة أو مناسبة لضده، أو أنها إقناعية، أو إلغاء الشارع لها، أو عدم اقترانها بالحكم، أو استلزامها مفسدة، راجحة أو مساوية. وجوابه: القدح فيها، وبيان أضدادها، والترجيح إجمالا وتفصيلا. (ي) القدح في صلاحية إفضاء الحكم إلى ما علل به من المصلحة المقصودة. وهو ببيان عدم إفضائه إليه، أو ببيان إفضائه إليه، أو ببيان إفضائه إلى ضده. كما لو علل حرمة المصاهرة على التأييد بالحاجة إلى ارتفاع الحجاب، المؤدي إلى الفجور، فإذا تأبد انسد باب الطمع، المفضي إلى مقدمات الهم والنظر، المفضي إلى الفجور. فيعترض: بأن سد باب النكاح أفضى إليه، لأن الإنسان حريص على ما منع، ولأنه يتعين طريقا إليه، فكان وقوعه - إذ - أغلب.

وأجيب: بأن التأييد يمنع - عادة - بما تقدم ذكره، فيصير كالطبيعي، كالأمهات. (يا) ما علل به الحكم خفي، كالرضي، والقصد في المعاطاة، وضمان الوديعة، بقصد الخيانة. فطريقة أن يقال: العلل معرفات، فتكون جلية، وإلا: لما حصل الغرض، وهو يغلب ظن سلوكه المسلك. و - أيضا - الحكم خفي، والخفي لا يعرف الخفي. وجوابه: ضبطه بما يدل عليه من الصيغ والأفعال، والقرائن الظاهرة. وقريب منه: التعليل بما لا ينضبط كالحكم والمصالح، والزجر والحرج والمشقة، وقد سبق الكلام فيه، وفي الاعتراض بالنقض والكسر والعكس والفرق والقلب، والقول بالموجب في القياس. (يب) سؤال المعارضة. وهو: إما في الأصل، وقد سبق، إذ الفرق عبارة عنه، ويندرج تحته سؤال التعدية، وهو: أن يعين المعترض في الأصل ويعارض به، ويقول للسمتدل ما عللت به وإن تعدى إلى فرع مختلف فيه، فكذا ما عللت به يتعدى إلى آخر، وليس أحدهما أولى من الآخر. وهو: كتعليل ولاية الإجبار بالبكارة أو الصغر، لتعديهما إلى البكر البالغة، والثيب والصغيرة. وقيل: إن سؤال الفرق معارضة في الأصل والفرع. وقيل: هو عبارة عنهما، حتى لو اقتصر على أحدهما لا يكون فرقا. وهما ضعيفان، إذ المعارضة في الفرع: إن كان لمعنى فيه يقتضي الحكم، فهو التعليل بالمانع، وليس هو من الفرق في شيء. وإن كان لمنفصل فكذلك، لأنه لا يقتضي القدح في اشتراك الأصل والفرع في المعنى الذي لأجله ثبت الحكم في الفرع فلا يجوز أن يجعل عبارة عنهما. وأما في الفرع، فهو أن يعارض حكم الفرع بما يقتضي نقيضه لدليل أو بفوات شرط ثبوت الحكم فيه، لكونه غير مجمع عليه، فيحتاج إلى تقرير وجه دلالته كالمستدل.

واختلف في قبوله: لمن رد: أن المستدل أتى بما التزم، فلا يلزم بسماعها كالمستأنف، ولأن المعرتض ما دام لابان، وهي في الفرع بناء، والأصل هدم. ولمن قبل كأكثر المتقدمين: أنها تستلزم هدم ما بناه المستدل، فتقبل كالمعارضة في المقدمة. و - أيضا - قد يتعين ذلك طريقا إليه، حيث كانت المقدمات صحيحة، فلو لم تقبل، لبطلت فائدة المناظرة. وجوابها: القدح بكل ما يقدح فبه دليل المستدل، وبالمعارضة، وبالترجيح على الأصح. وقيل: لا يقبل، لأن أقل درجاته أن يكون اعتراضا على الدليل، فيحتاج إلى جواب عنه. وزيف: بأنه لا يجب جواب الاعتراض الضعيف، اكتفاء بظاهر الدليل، والترجيح واجب على المجتهد، فكذا المناظرة، لأنه تلوه. وقيل: يجب ذلك، لأن الترجيح كجزء الدليل، وهذا إنما يتصور عند ظهور المعارض، فإن خفي فلا. وقيل: لا يجب، فما فيه من المشقة والحرج. وقيل: إن كان الترجيح بخارجي فلا، لعدم توقف الدليل عليه، وللحرج. (يج) اختلاف ضابط الأصل والفرع، مع اتحاد حكمهما. كقولنا في شهود الزور: تسببوا إلى القتل عمدا وعدوانا، فلزمهم القصاص كالمكره، فيعترض عليه: بأن ضابط الحكمة في الأصل الإكراه، وفي الفرع الشهادة، وهما وإن اشتركا في مقصود الزجر، لكن لا يمكن تعدية الحكم به وحده، لاحتمال رجحان تسبب ضابط الأصل، ولا بنفس الضابط، لعدم الاشتراك فيه. وجوابه: ببيان أن التعليل إنما هو لعموم ما يشترك فيه الضابط أو ببيان أن ضابط الفرع مثله، أو أرجح كالشهادة، فإنها أفضى إلى القتل من الإكراه للتشفي والانتقام، مع جوازه عقلا وشرعا، من غير خوف وإنكار، واستدعاء قدرة تامة.

(يد) اختلاف جنس المصلحة مع اتحاد الضابط فيهما. كقولنا: أولج فرجا في فرج مشتهي طبعا، محرم شرعا، فيجد كالزنا. فيعترض: بأن الحكمة في اللواط إنما هو صيانة النفس عن رذيلة اللياط، وفي الزنا مع اختلاف المياه واشتباه الأنساب المفضي إلى هلاك المولود، المؤدي إلى انقطاع النسل، فلا يلزم من اعتبار ضابط الأصل لحكمة مخصوصة، اعتباره في الفرع لحكمة أخرى، لجواز أن لا يقوم أحدهما مقام الآخر في نظر الشارع. وجوابه: ببيان أن حكمة الفرع مثل حكمة الأصل، أو أشد محذورا منها، كما في مسألتنا، فإن اللواط يقتضي عدم الولادة بالكلية. وهو أفضى إلى انقطاع النسل من الزنا، فكان أولى بالجد منه. وببيان مناسبة المشترك بين الحكمتين للحكم، فيكون معللا به. ولو فرق بينهما فجوابه حذفه عن درجة الاعتبار بطرقه. (يب) اختلاف حكم الأصل والفرع. حكم يقال: حكم الفرع مخالف لحكم الأصل، فلا يصح معه القياس، إذ اتحاد الحكم فيه ركن. وجوابه: ببيان اتحاده نوعا أو جنسا، كقياس صحة بيع الغائب على النكاح، وتعين فيه الصوم على الصلاة، وكقياس قطع الأيدي باليد الواحدة على القتل، فإن الحكمين متحدان بجنس الجراح دون النوع، إذ القتل نوع، والقطع نوع. وإن لم يمكن بيان اتحادهم، كما إذا كانا إثباتا أو نفيا أو إيجابا وتحريما، فالسؤال لازم. تنبيه: الاعتراضات كلها واردة على المناسب، وأما غيره كالشبه فلا، بل بعضها، ولا يخفى ذلك على الفطن. ثم هذه الأسئلة مترتبة، وهو بين، ثم ما كان منها من نوع واحد كالنقوض والمعارضات يجوز الجمع بينهما وفاقا، وما لا فلا. إلا: إذا كانت غير مترتبة، كالنقض مع عدم التأثير، فإنه يجوز عدم الترتيب. وقيل: لا، للانتشار، وهو منقوض بالأول. وقيل: يجوز الجمع وإن كانت مترتبة، وهو اختيار الأستاذ وعليه العمل في إيرادها في

الكتب، لأن الشروع في المتأخر، وإن أشعر بتسلم متعلق الأول، إذ لو بقي مصرا على الأول، لم يتوجه إليه الذي بعده في المرتبة، فلا يستحق الجواب، لكن تقديرا لاتحقيقا، كما هو الدأب في الإيراد، فإن صرح به كما لو قال: ولئن سلمنا ذلك، لكن لا نسلم كذا، فلا شك فيه، وإلا: نزل عليه للاحتمال والعادة. وسؤال الاستفسار مقدم على غيره، لأنه إذا لم يعرف مدلول اللفظ، استحال منعه أو معارضته، فالأسئلة كلها ترجع إليهما. ثم فساد الاعتبار، لأنه إفساد الدليل من حيث الجملة، وهو مقدم على ما يفضي إليه تفصيلا، لسهولة الإفضاء إلى الغرض، ولأنه يبطل الدليل بالكلية. ثم النقض وعدم التأثير والعكس - وإن قيل: بأنه يقدح فيه - والكسر مؤخر عن النقض. ثم المعارضة في الأصل: لأن النقض معارض لدليل العلية، وهي معارضة لنفس العلية، فكان متأخرا عنها. وفيه نظر: لأن النقض، وإن كان كذلك، لكن المعارضة في الأصل - أيضا - كذلك، فإنها تنفي عليه ذلك الوصف، فتكون معارضة للدليل الدال على عليته، فلا فرق من هذا الوجه. وأيضا - النقض لإبطال العلة، والمعارضة في الأصل لإبطال استقلالها. وهو - أيضا - ممنوع، إذ ليس في النقض ما يدل على أنه لا يصلح لجزء العلة، فكل منهما دال على عدم عليته، وهو أعم منهما، والدال على العام غير الدال على الخاص، لا مطابقة ولا تضمنا، فلا فرق، ثم إنه يقتضي تقديم المعارضة في الأصل عليه، لأنه أعم، وهو أعرف. وإذا بطل هذا، فالحق: (إما) أنه لا ترتيب بينهما، لأن كل واحد منهما قادح في عليته استقلالا، أو أن المعارضة في الأصل مقدم عليه، لأن المعارضة في الأصل: إبطال العلية في محله الأصلي، والنقض إبطال لها في غيره، ومعلوم أن الأول أقدم. ثم المعارضة قد تكون في الأصل، وقد تكون في الفرع، والأول أقدم، والقلب والقول بالموجب فمؤخران عما تقدم، لأنهما بعد تمام الدليل، وما قبله قبله، والقلب مقدم عليه، ولا يخفى مما تقدم ترتيب بقية الأسئلة بعضها على بعض.

التعادل والترجيح

التعادل والترجيح مسألة تعادل القاطعين غير جائز قطعا، لامتناع الجمع بين النقيضين. وكذا في الأمارتين عند الإمام أحمد، والكرخي، وجمع من الفقهاء. خلافا للأكثر. وحكمه: التخيير عند القاضي - منا - وأبي علي وأبي هاشم. والتساقط والرجوع إلى البراءة الأصلية عند الفقهاء. وقيل: إن وقع في الواجبات: فحكمه التخيير، إذ هو فيه غير ممتنع، كما في وجوب الحقاق وبنات اللبون وإن وقع في الواجب والإباحة، أو التحريم: فالتساقط والرجوع إلى البراءة الأصلية. وكلام الغزالي: يشعر أن من قال: المصيب واحد - منع منه والمصوبة اختلفوا فيه. وهذا إلينا غير مشهور. واختار الإمام جوازه في فعلين متنافيتين والحكم واحد، كوجوب التوجه إلى جهتين مختلفتين، غلب على الظن أنهما جهتا القبلة، دون ما إذا كان الفعل واحدا، والحكمان متنافيان، كوجوب الشيء وتحريمه. للمانع: (أ) أنه لو جاز: فإن وقع لم يعمل بهما، لامتناع الجمع بين المتنافيين. ولا تركهما، لامتناعه، ولترك العمل بالدليلين، ولأن نصبهما عبث. ولا بأحدهما عينا، لأنه تحكم، وقول في الدين بالتشهي، وترجيح من غير مرجح. ولا غير عين، بل على التخيير: لأن التخيير بين أمارتي

المباح وغيره - ترجيح لأمارة الإباحة عينا. و - أيضا - يلزم أن يكون المكلف مخيرا في الاجتهادية، وهو باطل إجماعا. و- أيضا - يلزم أن يكون الأمر بالنسبة إلى الحاكم والمفتي كذلك، فتدوم المنازعة، ولزم تخيير العامي. وأورد: أن الأخذ بأحدهما للاحتياط، أو لكونه أقل - ليس بتحكم، ولا بترجيح من غير مرجح. ثم لا نسلم أن العمل بأحدهما تخييرا - ترجيح لأمارة الإباحة، إذ هي تخيير بين الفعل والترك مطلقا، لا التخيير في الأخذ بدليلها أو التخيير في الفعل وتركه عند الأخذ بأمارة الإباحة. وهو كركعتي المسافر، فإنه خير في الأخذ بالعزيمة والرخصة، ولا إباحة، وكمن استحق أربعة دراهم على شخص، فقال له: تصدقت عليك بدرهمين، وإلا: قبلت الكل عن الدين، فالكل واجب مع وجود التخيير في الدرهمين. ثم إنه غير آت في أمارتي الوجوب والتحريم. ثم لا نسلم امتناع تخيير المجتهد في الاجتهادية مطلقا، (بل) عند الترجيح، ثم لا نسلم لزوم كون الأمر كذلك بالنسبة إلى الحاكم والمفتي، ولما سيأتي ثم امتناع العبث مبني على قاعدة التحسين والتقبيح، ثم يجوز أن يكن فيه حكمة خفية، لا يطلق عليها، ثم هو منقوض بالتعادل الذهني، وبما أفتى مفتيان، أحدهما: بالحل والآخر: بالحرمة، ولم يظهر له رجحان أحدهما بالحل، والآخر بالحرمة، ولم يظهر له رجحان أحدهما على الآخر. وأجيب: عن (أ) بأن النزاع في المتعادلين، وهو ينفي ما ذكرتم. وعن (ب) أن الأمارتين تناولتا فعلا واحدا من وجه واحد، وإلا: لم تكن مسألتنا و - حينئذ - يمتنع أن يقال: يحرم عند الأخذ بأمارتها، لأنهما - حينئذ - ما قامتا على شيء واحد من وجه واحد، بل على شيئين غير متلازمين. و - أيضا - إن عنى بالأخذ اعتقاد الرجحان: فباطل، لما سبق، أو العزم على الإتيان جزما: فيجب الفعل بلا إذن، ولا منع أو غير جزم: فيجوز الرجوع عنه، وهو ممتنع.

ورد: بمنع لزومه، وهذا لأن الأخذ بالأمارة بعد دلالتها على الشيء حرمة كان أو إباحة، فلو كانت دلالتها عليه معتبرة في الأخذ بها - لزم الدور. ولا نسلم أن معنى قولنا: إنه يحرم حال الأخذ بأمارة الحرمة - أن دلالتها قائمة حال الأخذ بها، حتى يلزم ما ذكرتم. والثاني: يمنع عدم التكليف عند وجوب الفعل، وهذا لأن تكليف ما لا يطاق جائز، ثم المأمور إنما يصير مأمورا حال المباشرة لاقبله، مع وجوب الفعل، ثم الجزم على الفعل لقصد الامتثال لا ينافي التكليف به. ثم لا نسلم امتناع الرجوع، وإنما يلزم أن يكون ذلك الذي عزم عليه من الفعل أو الترك - حراما أو مباحا، وإن فعل غيره، أو ترك لقصد الامتثال. أن لو لم يشترط فيه أن يتصل به الفعل أو الترك، لقصد الامتثال. وعن (ج) أنه إذا ثبت ذلك فيه - لزم مثله في غيره، لعدم القائل بالفصل. و- أيضا - الإباحة منافية للوجوب والحظر، فعند تعادل أمارتيهما - لو قيل بالإباحة - لزم تساقطهما، وإثبات ما لا دليل عليه. وهو ضعيف، لأنه بناء على ما سبق. وأجيب عن قوله: (لعل فيه حكمة خفية): أن المقصود منها: أن يتوصل بها إلى مدلولها، فإذا امتنع ذلك منها كان خاليا عن المقصود الأصلي، وهو معنى العبث، بخلاف التعادل الذهني، فإنه لقصورنا. وهو الجواب عن الأخير، ويخصه: أنه للضرورة، إذ لا طريق له سواه، لجهله بطرق التراجيح. (ب) أنه سنبين أن لله في كل واقعة حكما، فلو تعادلت الأمارتان على النفي والإثبات - لزم التضليل والحيرة في إصابة الحق، وهو ممتنع على الشارع الحكيم. ورد: بمنعه، فإنه غير مأمور بإصابة حكم الله - عينا - بل به، أو بما ظنه كذلك، فإن لم يظن فحكمه التخيير أو التساقط والرجوع إلى غيرهما، وهو حكم الله في حقه - إذ ذاك. (ج) أن حكمه التساقط، وهو ترك بالدليلين أو التخيير، وهو مخالف لمقتضى الأمارتين فكان ممتنعا.

ورد: بمنع أن التخيير مناف لأمارة الوجوب، وهذا لأن المنع من خلال الواجب بعينه موقوف على عدم الدلالة على عدم قيام غيره مقامه. للمجوز: (أ) أنه لا يمتنع لذاته، إذ لا يلزم من فرض وقوعه محال لذاته، (ولا) لمنفصل عقلي، أو نقلي، إذ الأصل عدمه، فمن ادعى فعليه بيانه. (ب) القياس على التعادل الذهني. (ج) أن ثبوت الحكم في الفعلين المتنافيين، أو ثبوت الحكمين المتنافيين في واحد يقتضي إيجاب الضدين بطريق البدلية، ولا امتناع فيه، ولا معنى للتخيير إلا: ذلك. وأجيب: عن (أ) أنه استدلال على الجواز بعدم ما يدل على الفساد، وأنه ليس أولى من عكسه. وعن (ب) أنه قياس خال عن الجامع، ثم الفرق المتقدم. وعن (ج) أنه لا نزاع فيه، وإنما في نصب إمارتين متعادلتين على حكمين متنافيين، والفعل واحد، أو فعلين متنافيين والحكم واحد، وهو لا يغيره وإذ قد ظهر ضعف المأخذين: وجب التوقف، وإن كان الأقرب هو القول بالجواز. قال الإمام: تعادلهما في متنافيين، والفعل واحد - جائز غير واقع، إذ يجوز أن يخبرنا رجلان بشيء وعدمه، مع تساويهما في كل ما يوجب الصدق، لكنه غير واقع. واستدل عليه: بما تقدم، وهو غير مختص به، بل يدل على عدم جوازه شرعا. وأما تعادلهما في فعلين متنافيين - والحكم واحد - فجائز، ومقتضاه التخيير. كما في إيجاب الحقاق وبنات اللبون، والمصلي داخل الكعبة، والولي إذا وجد من اللبن ما يسد رمق أحد

فرع

الرضيعين ولو قسم عليهما، أو منعهما لماتا. وفيه نظر، إذ ليس الحكم بواحد بحسب متعلقه، وإن اتحد بحسب نوعه، والباقيتان من صور الواجب المخير - لا مما نحن فيه. فرع: التعادل: إن حصل للمجتهد في نفسه تخير، أو يرجع إلى غيرهما ويتساقطان. ونقل فيه التوقف كما في التعادل الذهني، وهو بعيد جدا. وإن استفتي خير، وقيل: عين، لدفع التخيير عنه، وهو بعيد إذ لا تخير في مقتضى التخيير، والأظهر: أنه بالخيار بين أن يخير أو يعين. وإن حكم: عين ليقطع الخصومة. وإذ حكم بإحدى الأمارتين لم يمتنع عقلا أن يحكم بالأخرى في وقت آخر كالمصلي، ولكن منع منه قوله - صلى الله عليه وسلم - (لا تقض شيء واحد بحكمين مختلفين)، وما روى عن عمر في الحمارية - فهو من باب تغير الاجتهاد. مسألة تعادل الحكمين المتنافيين في واحد، ووقت واحد - على البدلية من مجتهد: على الخلاف والتعادل الذهني. وإن جاز وفاقا، لكن حكمه التوقف، أو التساقط والرجوع إلى غيرهما. والتخيير فيه - بعيد، لعلمه برجحان أحدهما، وقصوره عن معفرته، فلم يمكن تخريجه عليه. ثم إذا نقل عن المجتهد قولان في كتابين، وعلم التاريخ - كان الثاني رجوعا عن الأول ظاهرا، وإلا: جب نقل القولين من غير رجوع وترجيح. وإنما قلنا: ظاهرا - لاحتمال أن يكون الراجح عنده هو الأول، وأبدى الثاني على وجه

الاحتمال. وإن كان في كتاب واحد: فإن كان في موضعين: فهو على ما سبق. أو في واحد، فإن بذكر ما يدل على رجحان أحدهما، أو فرع عليه: فهو قوله، فإن قول المجتهد: هو ما يترجح عنده، وإلا: فإن ذكرهما في معرض الحكاية، فلايكونان له، وإلا: فهما له ظاهرا. ثم الأمارتان إذا تعارضتا، ولم يجد المجتهد ما يرجح أحدهما بعد الطلب الشديد - فلا سبيل إلى الجزم بكونهما متعادلتين خارجا، لاحتمال إطلاعه عليه، ألعدم التنبيه لوجه دلالته عليه، بل قد يغلب على ظنه ذلك، فإن غلب كان حكمه حكم المتعادلين خارجا، وإلا كالمتعادلين ذهنا، فلا يتطرق إليه التخيير. ثم من المعلوم: أن القولين إنما هو على البدلية، فليس له في الحقيقة إلا: قول واحد، وإنما يقال: له قولان - باعتبار البدلية تمييزا له عما له فيه قول بعينه. وما قيل: إن إطلاق القولين يدل على التوقف، ولا قول للمتوقف فهو بناء على امتناع التعادل خارجا، وأن للتخيير ترجيحا لأمارة الإباحة بعينها. وإن نص على أحدهما دون الآخر، بل نقل عن نظريتها: فإن كان بينهما فرق يجوز أن يذهب إليه ذاهب - لم يكن قوله في تيك قوله في الأخرى، وإلا: فهو قوله فيها ظاهرا، وإنما قيد به لجواز الذهول عنها - إذاك. وإن نقل القولان عن نظريتيهما: فالحكم فيهما على ما ذكرنا، وكذا حديث التاريخ. وأكثر أقوال الشافعي - رضي الله عنه - من القسم الأول. ومما ذكر معه ما يرجع أحدهما، (وأما) على غيرهما - فلم يصح ذلك إلا: في سبع عشرة مسألة، على ما قاله الشيخ أبو حامد الأسفراييني - رحمه الله تعالى - وهما يدلان على رجحان علمه ودينه: أما الأول: فلأنه يدل على اشتغاله بالعلم وطلبه الحق أبدا، والرجوع إليه، وترك التعصب لمهذبه. وأما الثاني: فلأن من كان أغوص نظرا، وأدق فكرا، وأكثر إحاطة، بالأصول والفروع، وشرائط الاستدلال - كانت الإشكالات عنده أكثر، وكان التوقف به أجدر. وأما دلالته على كمال الدين: فلأنه لما لم يظهر له في المسألة وجه الرجحان - لم يستنكف من الاعتراف بعدم العلم، ولم يشغل بالترويج والمداهنة، بل صرح بعجزه، ولهذا عد مثله من

مسألة

مناقب الصحابة إجماعا. و- أيضا - لم يعترف به اقتداء حتى يتوهم تقصيره في طلب دليله، بل بين أن حكمها دائر بين الاحتمالين، ليقطع ما عداهما عن أن يكون حكما فيها. هذا كله على التعادل الذهني، وأما على الخارجي: فما يليق به إلا: إطلاق القولين، إذ الجزم بأحدهما خطأ. مسألة قيل: الترجيح (تقوية طريق على آخر، ليعلم الأقوى، فيعمل به، ويطرح الآخر). وزيف: بأن التقوية فعل الشارع، أو المجتهد حقيقة، أو ما به التقوية مجازا - والترجيح اصطلاحا ليس كذلك، بل هو: نفس ما به الترجيح. وبأن ما يظن قوته خارج عنه، وبأن ما ذكر في آخره مستدرك - إذ العلة الغائية غير داخلة في الحد. وقيل: (هو عبارة عن: اقتران أحد الصالحين للدلالة على المطلوب، مع تعارضهما بما يوجب العمل به، وإهمال الآخر). وهو دور، إذ لا يعرف كونه موجبا للعلم ما لم يعرف كونه مرجحا. وأيضا - جعله عبارة عن نفس الاقتران. وقيل: (زيادة وضوح ترجع إلى مأخذ أحد الدليلين، مما لا يستقل دليلا). ورد: بأن زيادة الوضوح أثره، لا نفسه، وبأنه يحرج عنه الترجيح بكثرة الأدلة - على رأينا -. وأسده: أنه شيء يحصل به تقوية أحد الطريقين المتعارضين على الآخر، فيعلم أو يظن الأقوى، فيعمل به، وهذا أثر الحد غير داخل فيه. مسألة الأكثر على وجوب العمل بالراجح معلوما كان أو منظوما. ولم يجوز القاضي

بالمظنون. محتجا: (أ) بأن الدليل ينفي العمل بالمظنون، لأنه في عرضه الغلط، والخطأ، ترك في أصل الدليل لإجماع الصحابة، فيبقى في غيره على أصله. (ب) أن كل مجتهد مصيب لما سيأتي، ولا يتحقق الترجيح فيه بخلاف المقطوع، فإن الحق فيه واحد. للجماهير: (أ) إجماع الصحابة، إذ رجحوا خبر عائشة - رضي الله عنها - على خبر أبي هريرة، (الماء من الماء)، وخبر من روت من أزواجه إنه كان يصبح جنبا، على ما روى عنه - عليه السلام - "من أصبح جنبا فلا صوم له"، وقوى أبو بكر - رضي الله عنه - خبر ميراث الجدة، لموافقة محمد بن مسلمة، وعمر خبر الاستئذان بشهادة الخدري، ورجح على خبر الصديق على غيره، حيث لم يحلفه، مع تحليفه لغيره، وهذه الصور الأخيرة وإن لم يكن فيها التعارض، لكن المقصود أنهم عملوا يظن لا يستقل، كما عملوا بالمستقل. (ب) أن العمل بالراجح متعين عرفا، وإذا يعد العادل عنه سفيها، فكذا في الشرع، للحديث. ولأن التطابق هو الأصل، ضرورة أن الأصل عدم التغيير. (ج) أن العمل بهما، وترك كل واحد منهما - ممتنع، للجمع بين الضدين، وترك الدليلين، والعمل بالمرجوح ترجيح المرجوح على الراجح، فتعين عكسه.

مسألة الترجيح لا يجري في القطعية

واحتج: بحديث معاذ. وبأنهم ما كانوا يعدلون إلى الأقيسة والآراء إلا: بعد اليأس عن النصوص. وهو غير وارد على محل النزاع، إذ هو من التراجيح المقطوع به. مسألة الترجيح لا يجري في القطعية: (أ) لأنه إنما يتطرق إلى الدليل بعد التعارض، وهو غير واقع فيها. وأورد: بأن التعارض الذهني يقع فيها، والترجيح إنما يتطرق بحسبه، أما بحسب الخارجي فغير ممكن. (ب) القطعي لا يقبل التقوية، لأن احتمال النقيض ينفي اليقين، وعدمه ينفي التقوية. وأورد: بأن أحد اليقينين قد يكون راجحا. ورد: بمنعه بحسب الجزم أو غيره، فلا يضر. مسألة المشهور أن العقليات لا يتطرق الترجيح إليها، وهو غير جار على إطلاقه، فإنه يجري في الظني والتقليدي، إن جوز ذلك فيه. نعم: القطعي منها لا يقبل، لكنه غير مختص بها. مسألة الترجيح بكثرة الأدلة جائز. خلافا للحنفية. ومن صورها الترجيح بكثرة الرواة. لنا: (أ) أن الظن بقول الأكثر أقوى، لأنه روى أنه - عليه السلام - لم يعمل بخبر ذي اليدين، حتى شهد له غيره، وما ذاك إلا: لغلبة الظن بصدقهم. (ب) التواتر يفيد العلم، فالعدد الأقرب إليه أقوى إفادة له. (ج) قول الواحد يفيد قدرا من الظن، فإذا انضم إليه غيره وجب أن يفيد زيادة عليه، وإلا:

لزم أن يكون الشيء مع غيره، كهو لا مع غيره، وأن يجتمع على الأثر الواحد مؤثران مستقلان، وجواز أن لا يفيد التواتر القطع. (د) الغلط والنسيان وتعمد الكذب على الأكثر أبعد. (هـ) احتراز العاقل عن كذب يعرفه غيره: أكثر، والمجموع أعظم من كل واحد منهما، فهو أعظم من ذلك الواحد. والأقوى يجب العمل به، كما في القوة المستفادة من الأدلة المختلفة. وكالترجيح بالقوة: (أ) ولا أثر للإجماع المزيد مع المزيد عليه في محل واحد بالضرورة. (ب) إجماع الصحابة على الترجيح بكثرة الرواة: رد الصديق خبر المغيرة في توريث الجدة حتى شهد له محمد بن مسلمة، ورد مر خبر أبي موسى في الاستئذان، حتى شهد له الخدري، وردا خبر عثمان فيما رواه من إذنه - عليه السلام - في رد الحكم بن أبي العصا، حتى طالباه بمن شهد معه، ولم ينكر عليهم، فكان إجماعا. ومنع دلالته على صورة النزاع، لاحتمال أن يكون للتهمة. (ج) مخالفة الدليل: خلاف الأصل، فتكثيرها أولى. (د) العقلاء يذمون من عدل عن مقتضى الدليلين إلى مقتضى الواحد، فكذا في الشرع للحديث. لهم: (أ) قوله: (نحن نحكم بالظاهر). بأن إيماءه يلغي الزيادة ترك مقتضاه في الترجيح بالقوة للإجماع، أو لإجماع المزيد مع المزيد عليه، وإفادته قوة الظن. (ب) قياسه على البنية والفتوى. (ج) لو رجح بكثرة الأدلة: لما قدم خبر الواحد على الأقيسة. وأجيب: من (أ) أنه بما لأجله خص عنه الترجيح بالقوة، وهو زيادة الظن، حاصل - ههنا - فإن

مسألة

قول الواحد يفيد قدرا من الظن، والثاني يفيد قدرا، وهكذا حتى يحصل العلم، وأما كون المؤثرين مجتمعين في صورة الترجيح بالقوة فلا أثر له بالضرورة. وعن الثاني: بمنع حكم الأصل، ثم بالفرق: وهو أنه يؤدي إلى عدم فصل الخصومات، وأنه يعسر على العامي الترجيح، وكذا يجوز له تقليد المفضول، ولا يجوز للمجتهد العمل بالمرجوح. وعن (ج) بمنع الملازمة إن كان أصولها متحدة، وإلا: فيمنع انتفاء اللازم. مسألة إذا تعارض دليلان: فإن أمكن العلم بهما بوجه بدون وجه، صير إليه، إذ إعمال الدليلين - ولو من وجه - أولى من إهمال أحدهما بالكلية، وأن ترك الدلالة التبعية - وإن تعدت - أولى من ترك الأصلية وإن اتحدت، وهو: إما بالتوزيع: أو بإثبات بعض الأحكام دون البعض. أو يصرف أحدهما إلى شيء، والآخر إلى شيء. كقوله: "ألا أنبئكم بخبر الشهداء؟ " قيل: بلى يا رسول الله فقال: - عليه السلام -: "أن يشهد الرجل قبل يستشهد" إلى حقوق الله تعالى وصرف قوله: "ثم يفشو الكذب حتى يشهد الرجل قبل أن يستشهد" - إلى حقوق

الآدميين وإن لم يكن ذلك: فهو على أقسام: (أ) أن يكونا معلومين عامين أو خاصين: فإن علم التارخي: فإن تأخر أحدهما نسخ المتأخر المتقدم إن قبله، وإلا: تساقطا، ويرجع إلى غيرهما، ومن لا يرى نسخ الكتاب، وبالعكس: فيمتنع النسخ عده فيه، و - حينئذ - يحتمل عنده التخيير أو التساقط والرجوع إلى غيرهما، كما سبق - فيما لا يقبله. وإن تقارنا فحكمه التخيير، إذ تعذر الجمع، والترجيح إذا المعلوم لا يقبله، وإن كان بحسب الحكم، لكونه شرعيا أو خطرا. (ب) أن لا يعلم التاريخ: فإن قيل الحكم النسخ: رجع إلى غيرها، إذ لا يحتمل التخيير، لأن كل واحد منهما يحتمل أن يكون منسوخا، فتعين الرجوح إلى غيرهما. وإن لم يقبله فحكمه التخيير. (ج) أن يكونا مظنونين: فإن علم تأخر أحدهما: نسخ المتأخر المتقدم - إن قبله - إلا: فالترجيح. وإن لم يعلم ذلك: فالترجيح، فيعمل بالأقوى، فإن تساويا فما سبق في التعادل. (د) أن يكون أحدهما معلوما، والآخر مظنونا، فالعمل بالمعلوم بكل حال). (هـ) أن يكون أحدهما عاما والآخر خاصا، وكانا معلومين أو مظنونين: فإن علم تأخر الخاص عن وقت العمل بالعام: نسخ الخاص العام. أو قبله فمخصصه. ومن لا يجوز تأخير البيان عن وقت الخطاب فحكمه عنده: كما سبق فيما تأخر عن وقت العمل. وإن

علم تأخر العام: فعندنا: يبنى عليه. وعند الحنفية بنسخه. وإن علم تقارنهما: اختص العام به وفاقا، إذ لا سبيل إلى النسخ، لانتفاء شرطه، ولا إلى التخيير والتساقط، لاستلزامهما الترك بالدليل فتعين. إن لم يعلم شيء: فعندنا: يبنى العام على الخاص. وعندهم يتوقف. (و) أن يكون أحدهما عام، والآخر خاصا، وكان أحدهما معلوما والآخر مظنونا. فالعمل بالمعلوم، إلا: إذا كان المعلوم عاما، والمظنون خاصا، وردا معا، أو تقدم الخاص عليه، أو تأخر عنه، ولكنه ورد قبل حضور وقت العمل به: فإن الخاص يخصصه على ما سيأتي من الخلاف. والصورة الأخيرة لا تستثني من الحنفية، لما سبق. (ز) أن يكون كل واحد منهما عاما من وجه دون وجه، وكانا معلومين أو مظنونين: فإن علم تأخر أحدهما: نسخ المتأخر المتقدم عند من يقول: العام المتأخر ينسخ الخاص المتقدم بل أولى، إذ لم يتمخض خصوص المتقدم. ومن لا يقول به فلا يليق بمذهبه ذلك، ولا التخصيص، إذ لم يتمخض خصوص المتأخر، حتى يخرج من المتقدم ما دخل تحته، بل يليق بمذهبه الترجيح على الوجه الذي يأتي. وإن لم يعلم ذلك - سواء علم المقارنة أو جهل -: فاللائق بالمذهبين أن يصار إلى الترجيح، لكن في المظنون بقوة الإسناد، ويكون حكم أحدهما شرعيا أو حظرا، وفي المعلوم بالثاني، إذا الحكم بذلك طريقة الاجتهاد، وليس في ترجيح أحدهما إطراح الآخر بالكلية. بخلاف ما إذا كانا معلومين، وكانا عامين، أو خاصين، كما

مسألة

سبق حكمه، وإن لم يوجد ما يرجح به كما سبق في التعادل. وإن كان أحدهما معلوما والآخر مظنونا: فالعمل بالعلوم بكل حال، لكن بطريق النسخ إذا علم تأخر المعلوم عند من يرى نسخ الخاص بالعام، وحيث قدم المعلوم عليه لا بطريق النسخ، فإنه قد ترجح المظنون عليه بسبب الحكم، فيقع التعارض، والحكم على ما سبق. هذا ما قيل، وفيه نظر، إذ الترجيح الظني لا يعارض القطعي، كما في ترتيب الأدلة، فإنه إذا قدم الخبر على القياس فلا يعارضه القياس يكون حكمه خطرا أو غيره. مسألة يرجح الخبر: بكونه معلوما. وبكثرة الرواة. وعلو الإسناد، فإنه قلة الوسائط تقلل احتمال الكذب والنسيان والسهو ونحوها، لكنه قد يكون مرجوحا لغزة وجوده، فإن كان بحيث لا يعز فيكون راجحا من غير معارضته. ويكون راويه عدلا، إن قبل رواية المستور، وتكون عدالته ظهرت بالاختيار، وتكون الاختيار بحصبة طويلة، ويكون عدالته بتزكية جمع عظيم، وبشهرة عدالته وثبته. فإن وجد في أحدهما الشهرة وفي الآخر الاختيار فتعارض. وتكون تزكيته ممن هو أكثر بحثا عن أحوال الرواة، وبتزكية الرجل الأعلم، والأروع، ويذكر أسباب العدالة في تزكيته ويكون رواية غير مبتدع، وهذا إذا لم تكن بدعته نحو: كون الكذب كفرا، أو كبيرة. وبتزكيته بالعمل بالخبر على تزكيته بالرواية عنه إن جعلت الرواية تزكية، وبعمل رواية، وإن تحققت العدالة بغيره، وبتزكية ذي المنصب العلي، لأنه يمنعه من الكذب كدينه. تنبيهات: (أ) لو علم حصول شيء مثلها في الرواية - بواسطة أو ابتداء - ترجح على ما ليس فيه ذلك. (ب) قد يقع التعارض بين هذه الترجيحات، فيعتمد فيه على ما يغلب الظن.

وبعدم رواية - فقها كان أو أصولا - لأن العالم إذا سمع ما لا يجوز إجراؤه على ظاهر - بحث عنه وسأل عن سبب يزيله، فيطلع على ما يزيل الإشكال. وقيل: إنما يرجح به فيما يروى بالمعنى، وأهميته ظاهرة، والجواب أظهر، إذ الإشكال غير منحصر في المعنى. وبزياداته كالأروع بالنسبة إلى الورع. وبعلمه بالعربية، لتحفظه في مواضع الغلط، وإذا سمع ما لا يسوغ في العربية بحث عنه فيطلع على الإشكال. ويمكن أن يقال: إنه يعتمد على لسانه، فلا يتابع في الحفظ وبزيادته. ويكون الراوي صاحب الواقعة، ولهذا رجح خبر عائشة وأبي رافع (التقاء الختانين) و (تزويج ميمونة، وهو غير محرم)، على ما يعارضهما، لأن أبا رافع كان السفير في النكاح. وبقربه من المروي عنه حاله السماع، كرواية ابن عمر: (إفراد الرسول بالحج)، لأنه كان تحت ناقته، وسمع إحرامه به. وبكثرة مخالطته للمحدثين، وبعلمه بروايته عن شيخه، على رواية من يعتمد على نسخة سماعه. وبقلة الالتباس في المروى، كما إذا روى أنه شاهد زيدا ظهرا والآخر روى أنه شاهده سحرا. وبكونه ذكيا وبزيادته، وبضبطه، وبزيادته، فإن كان أحدهما أسرع حفظا، وأسرع نسيانا، والآخر أبطأ حفظا، أبطأ نسيانا: فهما متعارضان، ويحتمل أن الثاني أولى، لأنه إنما يروى بعد حفظه فبقاؤه أغلب على الظن، ولذا انتفاع هذا الطبع بعلمه أكثر. ومن هو أسرع حفظا، وأبطأ نسيانا أولى، وعكسه آخر المراتب. ثم المراد من قلة الضبط

وكثرة النسيان: أن لا ينتهي إلى حد لا تقبل معه رواية. وبكثرة حفظ ألفاظ الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقوة حفظها، وبجزم الرواية، وبسلامة عقله، دائما، مع احتمال رواية الآخر حال اختلال عقله. وبتعويله على حفظه، وقيل: لا، إذ تطرق الخلل والخلط إلى المحفوظ أكثر من المكتوب. وبكونه من أكابر الصحابة، إذ منصبه العالي يمنع من الكذب - أيضا - وبكونه غير مدلس - إن قبل روايته - وبكونه مشهورا باسم واحد، إذ يحتمل أن الآخر مجروح بالآخر، وبكونه معروف النسب وبكونه غير ذي رجال تلتبس أسماؤهم بأسماء ضعفاء. وبتقدم إسلامه، إذ ظن صدقه أكثر، لأصالته فيه، وباحتمال تقدمه مع القطع بانتفاء التأخر، وبكونه غير راو في الصبي، وبتحمله زمان البلوغ أو الإسلام، وبعد احتمال تحمله في الصبي والكفر. النوع الخامس: الترجيح الراجع إلى زمان الرواية وتحمله الإسلام وبكونه متواترا وإن قيل بإفادته الظن، لغلبته، وبكون رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - متفقا عليه، وبنسبته الحديث إليه قولا لا اجتهادا، كما يقال: وقع بين يديه، فلم ينكر عليه، ويذكر نسب الحكم الذي تضمنه الخبر وبروايته بلفظه - عليه السلام - وبكونه معتضدا بسباقه أو سياقه، أو حديث آخر، وبعدم إنكار راوي الأصل، وبكونه مرويا بالعنعنة والآخر بالشهرة، أو بإسناده إلى كتاب من كتب المحدثين، وهذا أولى من الشهرة، وبكونه مسندا إلى كتاب مشهور، وبكونه مسندا إلى الصحاح، وبقراءة الشيخ عليه ثم بقراءته عليه، ثم المناولة لأنها إجازة وزيادة، ثم الإجازة على الكتابة.

[ترجيح الخبر بكيفية الرواية] وبسماعه من غير حجاب كرواية القاسم بن محمد عن عائشة: أن بريرة عتقت وكان زوجها عبدا، لأنها عمته، بخلاف من روى أنه حر فإنه سمعه من وراء حجاب، وبكون الرواية متفقا عليها. وبكونه مسندا. وقيل: المرسل أولى. القاضي: يتساويان. لنا: أن عدالة المروي عنه في صورة الإرسال معلومة لمن روى عنه فقط، وفي الإسناد لكل الرواة، لتمكنهم من البحث عنه، ورواية من ظهرت عدالته لجمع أولى من راوية من لم تطهر عدالته إلا: لواحد إذ قد يخفى الحال على الواحد ويبعد بذلك على الجمع. لعيسى بن أبان: (أ) أن الثقة لا يجزم بإسناد الحل والحرمة إلى الرسول ما لم يقطع به، أو قريب منه، وليس ذلك في المسند. (ب) قال الحسن - رضي الله عنه -: (إذا حدثني نفر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحديث تركتهم وقلت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -). وأجيب: عن (أ) أن ظاهره الجزم وهو غير مراد قطعا، فيحمل على ظنه وهو حاصل له فقط، بخلاف المسند: فإن الظن فيه حاصل للكل، فكان أولى. وهو الجواب عن (ب)، ويخصه: أنه يقتضي أن تكون مراسيله مقبولة لا غير. وقد يقول به القاضي في الإسناد: العدالة معلومة لكل الرواة وفي الإرسال - حصل الجزم به، أو ظن قريب منه، فيتساويان.

وجوابه: منع التساوي، فإن العدالة معلومة في صورة الإسناد بالبحث والاختيار، فكان الظن فيه أكثر. فروع: (أ) ثم رجحان المرسل إنما يصح لو قال الراويك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما إذا قال: عن رسول الله فلا، على الأظهر، لأنه في معنى قوله: روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو غير مقبول أو مرجوح. وهو إذا كان الراوي ممن يمكن أن يرى المروي عنه، فإن قوله عنه ظاهر في الرواية عنه، على ما سبق في الأخبار، فهو كالمسند. نعم: إذا لم يكن، فلا بد من واسطة، وهو غير معلوم العدالة، فلا يقبل. (ب) مراسيل الصحابة أولى من غيرهم، أن جعل من صور الخلاف إذ الرواية من الأعراب الذين لا صحبة لهم - نادرة. ثم مراسيل التابعين، إذ الظاهر روايتهم من الصحابة. ثم مراسيل أئمة النقل، وما فيه الوسائط أقل وأولى. (ج) إذا علم من حال الراوي أنه لا يروي إلا: عن عدل: فمراسيله كمسنده، وإن علم من حاله أنه لا يرسل إلا: إذا حصل له ظن أكثر من ظن الرواية عن عدل - فمرسله راجح على مسنده. فرع: رجح قوم الخبر بالذكورة والحرية، كالشهادة. وفيه نظر، إذا الحرية فيها شرط، ولا ترجح بالذكورة فيما تسمع فيه شهادة النساء، وفي غيره فهي شرط كالحرية، فلا يتحقق اعتباره بالشهادة. وبكونه مدنيا، إذ الغالب عليه التأخر، وما يحتمل كونه مدنيا راجح على ما لا يحتمله. وبوروده عند قوة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبكونه محتملا لذلك والآخر ورد في حال الضعف. وبتأخير إسلام راويه فيما علم سماعه حال إسلامه، وعلم موت المتقدم قبل إسلام المتأخر، أو علم سماعه له قبل إسلامه، أو أن أكثر ما يرويه قبل إسلامه، وحيث لا تقدم روايته، فرواية المتقدم أولى، لسبق إسلامه. ويكون سماع أحد الروايتين بعد إسلامه، وإسلامه

مع إسلام الآخر، ولم يعلم أن سماعه بعده، وكذلك إذ علم أن أكثر ما يرويه كذلك. وبكونه مؤرخا بتاريخ مضيق كصلاته بالناس قاعد. وهم قيام في مرضه الذي توفي فيه، فيرجح على قوله: "إذا صلى الإمام قاعدا فصلوا قعودا أجمعين". وبكونه خاليا عن التاريخ المتقدم، والآخر مقيد به. وبكونه خبر التخفيف في حادثة كان الرسول يغلظ فيها زجرا لهم عن العادات، لأنه أظهر تأخرا. ويحتمل ترجيح المغلظ، لأنه - عليه السلام - ما كان يغلظ إلا: في قوته، فهو أظهر تأخرا. وأجيب: بمنعه، فإن كثيرا من التغليظات تشرع أولا، وأكثر التخفيفات آخر الأمر. التراجيح الراجعة إلى حال ورود الخبر وبورود أحد العامين على سبب، لأنه إن اختص به فظاهر بخصوصه وإلا: فكذلك لأن دلالته على السبب أقوى، ولذا لم يجز تخصيصه، وهذا يقيد رجحانه بالنسبة إلى السبب دون غيره. وبكونه لفظا والآخر فعلا. وبفصاحة لفظ الخبر - إن قبل الركيك -، وبكونه أفصح، وقيل: لا، لأن الفصيح يتفاوت كلامه، فيها، ولذا نرى آيات القرآن متفاوتا فيها.

وبخصوصه: وبكونه حقيقة، فإن غلب المجاز ففيه خلاف تقدم، وبكون الحقيقة ظاهرة معروفة، وبكون حقيقته متفقا عليها، وبكونه غير مشتمل على ما هو خلاف الأصل، كالاشتراك والإضمار، وبكون الحقيقة شرعية أو عرفية، على ما سبق في اللغات. وهذا في لفظ واحد دل في أحد الخبرين على شرعي، وفي الآخر على لغوي. فأما في لفظين: أحدهما دل على شرعي، والآخر على لغوي لم ينقله الشارع عنه، فهو أولى، لأنه لغوية وشرعية وعرفية معا، وبكونه مجازا أظهر، على ما سبق في اللغات. وبكونه عاما لم يدخله التخصيص، لكونه حقيقة وحجة وفاقا. وأورد: أنه خاص بالنسبة إليه، والخاص راجح. وأجيب: بمنعه مطلقا، فإن الخصوص الأصلي مرجح دون ما ليس كذلك. وبكونه إلا من وجهين، وبكون حكم الخبر مذكورا بعلته، أو بمعنى مناسب. وبالتنصيص على الحكم، واعتباره بمحل آخر، لأنه إشارة إلى علة جامعة كقوله - عليه السلام -: "أي إهاب دبغ فقد طهر"، كالخمر يتخلل فيحل، فيرجح في المشبه على قوله: "لاتنفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب".

وفي المشبه به في تخلل الخمر، وعلى قوله: "أرقها". وبتأكيد دلالته كقوله: (أيما امرأة ... ) الحديث. فيرجح على قوله: "الأيم أحق بنفسها من وليها" - لو سلم صحته، ودلالته على المطلوب بالتنصيص على الحكم مع ذكر المقتضى لضده، كقوله: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور ... " الحديث فإن تقديم ضده عليه يقتضي النسخ مرتين. وبكونه مقرونا بالتهديد كقوله: "من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم". وبزيادته: وبدلالته على الحكم لمنطوقه، أو بغير واسطة، وهو بالنسبة إلى مفهوم المخالفة، وإلا: فمفهوم الموافقة قد يترجح عليه، وهو بشرط أن لا يكون المفهوم خاصا، والمنطوق عاما، وإلا: فيخص به عموم النطق على ما سبق، ومفهوم الموافقة راجح على مفهوم المخالفة، لأن

دلالته قوية. ولذا حجيته متفق عليها، ورجح الآخر، فإنه لا يتوقف على مفهوم المقصود من الحكم، ووجوده في محل السكوت، وبأن فائدته تأسيسية. وبكونه نهيا، لأن دلالته على الترك أشد من دلالة الأمر على الفعل ولذا اتفق على تكراره، ونقل الخلاف شاذ. وقال كثير ممن قال بعدم إفادة الأمر الوجوب، بإفادته التحريم ولأن المطلوب فيه دفع المفسدة، وأنه أهم من جلب المنفعة، ولقلة إجمالة، ولسهوته الإتيان بمقتضاه، قال - صلى الله عليه وسلم -: (بعثت بالسمحة السهلة) الحديث وبكونه مبيحا والآخر أمر: وقيل: بترجيح الأمر. لنا: (أ) أن ترجيح الأمر عليه تعطيل له، وفي عكسه تأويل الأمر، فكان أولى. ورد: بمنع لزوم التعطيل، وهذا لأن حمل الإباحة على جواز الفعل كحمل الأمر عليه، فالتأويل لازم على التقديرين. فإن قلت: المبيح صريح قوله: أجزت لك أن تفعل وأن لا تفعل، ومثله لا يقبل التأويل. قلت: مثله في الأمر، كقوله: أوجبت عليكم الفعل، ولا يجوز لك أن تتركه، والجواب الجواب. (ب) أنه لا إجمال في الإباحة لعدم الاختلاف في معناها، بخلاف الأمر، فكان أولى. (ج) العمل بالمبيح يمكن على تقديرين: مساواته له، ورجحانه عليه فإن بتقدير المساواة يتخير بين الفعل والترك، وهو يرجح المبيح ووقوع واحد من اثنين أرجح من وقوع واحد بعينه. وقد عرف ضعفه في التعادل. (د) المبيح أسهل فكان أولى، للحديث. ولمن رجح الأمر: (أ) أنه أحوط فيجب المصير إليه، للحديث. (ب) العمل بالأمر حمل لكلام الشارع على الحكم التكليفي والشرعي دون العمل بالإباحة، لما سبق، فكان أولى. وبكونه خبرا عندما يكون الآخر أمرا. لبعض ما سبق. ولقوة دلالته. ولأنه لو لم يعمل به لزم الخلف في كلام الشارع، بخلاف الأمر، فإنه لا يلزم هذا

المحذور عند تركه. وبكونه مبيحا أو خبرا عندما يكون الآخر نهيا، لبعض ما سبق وبكونه خبرا عندما يكون الآخر مبيحا. وبكونه غير دال بالاقتضاء، وبكونه دالا بالاقتضاء عندما يكون مجازا أو إضمارا أو إشارة أو إيماء أو تشبيها، أو مفهوم المخالفة، ثم الإشارة، والإيماء والتشبيه راجح على مفهوم المخالفة. وبكونه دالا بالاقتضاء، لضرورة صدق المتكلم عندما يكون الآخر كذلك، لضرورة وقوع الملفوظ، ثم ما يكون لضرورة وقوعه عقلا على ما يكون شرعا. والعام المخصوص راجح على الخاص والعام المؤولين لكثرة التخصيص، وقلة التأويل. والمقيد أولى من المطلق، ولو من وجه، وهو أولى من العام. والعام المخصوص أولى من المطلق المؤول، وبكونه عاما من وجه وخاصا من وجه عندما يكون الآخر عاما مخصوصا، وبكونه مطلقا ومقيدا عندما يكون الآخر مطلقا. وبكونه نكرة منفية، ثم الشرط والجزاء، ثم الجمع المعرف، وعموم البدل أولى من الشمول، لما فيه من الخصوص، واسم الجنس المعرف أولى من المفرد. وبكونه غير مضطرب. وبكونه مشتملا على زيادة لم ينفها الآخر، كما روى أنه - عليه السلام - "كبر في العيد سبعا". "ورُوي أنه كبَّر أربعًا). وبتأكيده بسياقه أو سباقه، وبكونه على قاعدة العربية، وبشهرة لفظه، أو معناه، وبكونه على

لغة قريش أو الحجاز، وبكونه دالا من غير تقديم وتأخير. وبكونه ناقلا وعليه الجمهور. وقيل: بكونه مقررا، وهو اختيار الإمام. للناقل: (أ) أن تقديم المقرر يقتضي النسخ مرتين. وما قال عليه: أن دلالة الأصل مشروطة بعدم دلالة السمع، فيزول لزواله، فلا يكون نسخا، وبأنه لو تقدم المقرر لكان المنسوخ حكما ثبت بدليلين، وأنه نسخ الأقوى بالأضعف ضعيف، لاقتضائه عدم النسخ بالكلية، ولو سلم فلا شك في أنه خلاف الأصل، لأنه تغيير عما كان، فإن منع فيقتضي أن لا تكون البراءة الأصلية حجة. و- أيضا - توقيف دلالة الدليل على الشطر خلاف الأصل، وما ذكر من دلالة العقل مشروطة بعدم دلالة السمع، يقتضي أن لا يكون الحكم ثابتا إلا: بالسمعي، فلز يلزم ما ذكر. ثم إنه إن عنى بكونه أقوى: أنه يقيني فممنوع، أو غيره فلا نسلم امتناعه، إذ يجوز نسخ حكم ثبت بخبرين أو ثلاثة من أخبار الآحاد بخبر واحد وارد بعدها، مع أن الظن - هناك - أقوى. ثم إنه منقوض بما إذا علم تقدم ورود المقرر، ثم المعتبر القوة الحاصلة من الدلالة الشرعية. (ب) الناقل يستفاد من ما لا يعلم من غيره دونه، فكان أولى. وأورد عليه: أنه يقتضي تقديم المقرر، فإنه لو ورد الناقل قبل المقرر كان المستفاد من كل واحد منهما ما لا يعلم من غيره، فكان أولى وستعرف ما عليه. (ج) الناقل فيه زيادة علم فكان أولى. ورد: بأن الفائدة في تقديم المقرر أكثر، لما سبق فكان أولى.

للمقرر: أنه لو تقدم على الناقل لكان وروده حيث يستقل العقل بمعرفة حكمه، ولو تأخر عنه لورد في محل الحاجة، فكان أولى. وأجيب: بمنع استقلال العقل بمعرفته - حينئذ - وهذا لأن العقل لا يستقل بمعرفة كونه شرعيا، وهو إنما يصير شرعيا بتقريره، فلم يكن واردا حيث لا يحتاج إليه، لأن الجواز المكيف بكونه شرعيا غير معلوم بالعقل، وإن كان أصله معلوما به. ثم كونه واردا حيث لا يحتاج إليه لا يعارض مفسدة زايدة النسخ، فكان الناقل أولى، دفعا لزيادة المفسدة. ثم قال القاضي عبد الجبار: هذا ليس من باب الترجيح: (أ) بأنا نعمل بالناقل على أنه ناسخ. (ب) ولأنه لو كان ترجيحا لوجب العمل بالمقرر عند عدم الناقل، والعمل بالأصل - إذ ذاك ... وأجيب: عن (أ) أنا لا نقطع بالتأخر ليكون نسخا. وعن (ب) بمنع انتفاء اللازم، فإن العمل - إذ ذاك - بالمقرر، حتى جعل حكمه شرعيا - لا يصح رفعه، إلا: بما صح به النسخ وبكونه مثبتا عند الفقهاء. وقيل: بكونه نفيا. وقيل: إن ذكر لفظا معناه النفي فهما سواء، وإن نفي العمل أو القول صريحا، كقوله: لم يفعل، أو لم يقل، فالمثبت. عبد الجبار: إذا كانا شرعيين فهما سواء مطلقا، كما إذا اقتضيا الوجوب والإباحة، حيث يقتضي العقل الحظر، أو الحظر والإباحة حيث يقتضي العقل الوجوب، أو الوجوب والحظر، حيث يقتضي العقل والإباحة. وهو غير مستقيم على رأينا، إذ لا حكم

للعقل، ولا على رأيهم إذ فرض حيث يقضي العقل فيه بحكم غير حكمهما، و - حينئذ - ينبغي أن يرجح ما فيه النقل أكثر، أو التقرير على ما يرى من ترجيح الناقل أو المقرر. نعم يستقيم ذلك على رأيهم في المثال الأخير، لتساوي جهتي النقل والتقرير فيه، ويستقيم - أيضا - الحكم بتساويهما، حيث لا يقضي العقل فيه بشيء كما هو على رأينا. وفي الأمثلة نظر من وجه آخر، وهو أنه ليس المراد من كونه خبر نفي: أن يبقى مقتضاه الآخر، وإن كان ضمنا، وإلا: لكان خبرين مختلفين كذلك، بل المراد منه: أن ينفي الحكم بصراحته، كما أورد لذلك مثالا: من أنه عليه السلام - "صلى داخل الكعبة". وروى الآخر: "أنه ما صلى"، ودليله على المسألة - على ما يذكر - يشير إلى هذا، و- حينئذ - لا تصح الأمثلة. ثم احتج القاضي على تساويهما: أن المبعث معه زيادة علم، والثاني متأكد بالأصل فاستويا. وأجيب: بمنع التساوي، فإن اشتماله على زيادة علم راجح، إذ نسيان ما جرى، والذهول عنه، أقرب من تخيل ما لم يجر جاريا. ولمن قدم النافي: أن تقدير وروده بعد المثبت يفيد فائدة تأسيسية، وعسكه يفيد تأكيدية، فكان الأول أولى.

وأجيب: بمنع أنه تأكيدية، فإنه كون النفي شرعيا وهو غير حاصل قبل. ولمن فصل: فإنه: إن نفى صريحا - قولا أو فعلا - فالمثبت أولى، لزيادة العلم، وإلا: فهما سواء، لأن كل واحد منهمامثبت. ولمن قدم المثبت: بأنه: مفيد للحكم الشرعي إجمالا، والنافي ليس كذلك، فكان أولى، لما سبق غير مرة. وعورض: بأن تقرير ماكان على ما كان من الشارع أكثر، فكان الإلحاق به أولى. وأجيب: - أيضا -: بأن التقرير على العدم الأصلي حكم شرعي. وبأن الحكم غير مقصود بالذات، بل الحكمة التي تتربت عليه، وكذلك الحكمة التي تتربت على النفي مقصودة بالذات، فلا فرق. وفيهما نظر، من حيث إن ذلك غير لازم في جميع صور النفي، وبأن عدم الفرق بينهما من ذلك الوجه لا يقتضي عدمه من وجه آخر، وهو حاصل يعرف بأدنى تأمل. وبكونه خبر حظر عندما يكون الآخر إباحة، إذا كان شرعيين عند الإمام أحمد والكرخي والرازي، وكثير من الفقهاء. قال أبو هاشم وعيسى بن أبان: إنهما سواء. للألين: (أ) قوله - عليه السلام -: (ما اجتمع الحلال والحرام إلا: وقد غلب الحرام الحلال). وقوله: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك). فإن قلت: المراد منه ما اجتمع فيه جهة الحل والحرمة، كالمتولد بين ما يؤكل وبين ما لا

يؤكل، أو ما جهل حاله، ككونه مذبوحا أو ميتة، وما نحن فيه ليس كذلك. قلتك كون ذلك مرادا لا يقتضي عدم إرادة غيره، وإن عنى به أنه كل المراد: فممنوع، ثم لا نسلم أن ما نحن فيه ليس كذلك، لأن حرمة تينك الجهتين بتحريم الشارع، فإذا كان اجتماعهما في الشيء موجبا للحرمة فكذا اجتماع الخبرين، بل أولى، لأصالتهما. لا يقال: الفرق، وهو: أن جهتي الحل والحرمة حاصلتان معا في الشيء بخلاف الخبرين، لأن ذلك غير حاصل في كل الصور، كما في مجهول الحال، فإنه لم يتحقق فيه الذبح والموت معا. فلو قيل: الموجب لذلك كونه مشكوكا فيه، وهو حاصل فيه - لقيل مثله في الخبرين، فإن الموجب لذلك كونه مقولا فيه بالحرمة والإباحة وهو حاصل فيه. (ب) قال عثمان - رضي الله عنه - في الأختين المملوكتين: (أحلتهما آية وحرمتهما آية، والتحريم أولى)، واشتهر ذلك منه، ولم ينكر فكان إجماعا. (ج) أن من طلق إحدى نسائه، أو أعتق إحدى إمائه، ونسى عينهما - حرم عليه الكل، فكذا ما نحن فيه، بجامع أن تغليب الحرمة على الحل يدفع ظن ضرر العقاب عن النفس. (د) أن ترك المباح أولى من فعل المحرم، فالتحريم أحوط، وأما الخطأ في الاعتقاد فمشترك. للآخرين: (أ) أن في ترجيح خبر الإباحة لم يقطع بفوات مصلحة الحظ، لجواز أن يتركه، بخلاف عكسه، فكان أولى. (ب) كونه مباحا من التخيير معلوم، وحرمته من النهي ليس كذلك، لتردده بين محامله، فكان الإباحة أولى. وأجيب: عن (أ) أنه مبني على وجوب رعاية المصالح، ثم بمنع أنه لم يقطع بفوات مصلحة الحظر،

فإن مصلحته غير مصلحة الترك ثم إنه متناقض، لأنه لا يعمل بمقتضى الإباحة إلا: وليس في الفعل والترك مفسدة ولا مصلحة فيمتنع أن يقال: إنه تحصل تلك المصلحة بتركه. وعن (ب) أنه قد يستفاد التحريم بصراحة لفظه، فلا أولوية وخبر الحظر راجح على خبر الكراهة والندب والوجوب، للاحتياط، ولكون دفع المفسدة أهم من جلب المصلحة، وبكون الترك أسهل من الفعل، فكان أولى، للنصوص النافية للحرج والمشقة. وخبر الوجوب أولى من الثلاثة، للاحتياط ولشدة اهتمام الشارع به ولكون الداعية إلى فعله أكثر، لما في تركه من العقاب، وفي فعله من الأجر الجزيل فكان أفضى إلى الوقوع. وخبر الكراهة أولى من الندب. وخبر الندب أولى من المباح، لبعض ما سبق. وقيل: المباح لتأييده بالأصل وكثرته، وسهولته. وبكونه معقول المعنى؛ لأنه أفضى إلى الوقوع، وغير معقول المعنى، وإن كان أكثر ثوابا؛ لكونه أشق على النفس، لكن اعتبار كونه أفضى إلى الوقوع أولى، لكونه مقصود الشارع؛ وبكونه مفيدا للحكمين، لزيادة الفائدة. وبكونه مثبتا للطلاق والعتاق، وهو اختيار الكرخي، لكونه موافقا الأصل. وقيل يتساويان، لأن الآخر ناف. وقيل: الثاني أولى، لأنه على وفق الدليل الشرعي، المقتضى لصحة النكاح، وثبوت ملك اليمين. وبكونه مفيدا للحكم الوضعي بالنسبة إلى التكليفي، لأنه لا يتوقف على ما يتوقف هو عليه، من أهلية المخاطب وتمكنه من الفعل. وقيل: التكليفي أولى، لأنه أكثر، ومقصود بالذات. وبكونه نافيا للحدود والقصاص. (أ) لقوله - عليه السلام -: "لا ضرر ... ". (و) "ادرأوا الحدود بالشبهات".

لا يقال الدرء بعد الثبوت، أو بعد وجوب المقتضى له، والنفي أعم، فالدليل خاص والمدعي عام، - لأنا نقيس ذلك عليه بالطريق الأولى. (ب) أنه يسقط بتعارض البينتين مع ثبوته في أصل الشرع، فسقوطه بتعارض الخبرين مع أنه لم يسبق له ثبوت فيه - أولى. وأورد عليه: أنه لا نزاع في سقوطه، لكنه بالبقاء على العدم الأصلي عند تعارض الخبرين، فليس ليه دلالة على تقديم النافي، وإنما يتكون تقديما له أن لو صار ذلك النفي شرعيا، لا يرفع (إلا: بما يرفع الشرعي، وهو ممنوع. (ج) أنه متأيد بالأصل فكان أرجح. وبكونه أخف، للنصوص النافية للحرج، والمشقة، والإلحاق بالأغلب، ولكونه تعالى رحيما ورؤوفا غنيا عن العبيد وطاعتهم، فإنه ينفي أن يكلفهم بالشاقة. وقيل: بعكسه. لقوله: (الحق ثقيل قوي، والباطل خفيف وبي). وبأن ثوابه أكثر، وأنه أظهر تأخرا. أجيب: بأن الكلية الموجبة لا تنعكس كنفسها، وأن اعتبار غرض الشارع أولى، فإن الأخف أفضى إلى الوقوع. وبمنع أنه أظهر فإنه كان - عليه السلام - يشدد في الأمر. لقطع المألوف. وبكونه مما لا تعم به البلوى بالنسبة إلى ما تعم به البلوى، لأنه متفق عليه، وأبعد من الكذب. وبكونه موافقا لدليل آخر، من كتاب أو سنة أو قياس.

وبكونه غير متروك العمل من الصحابة، أو من راويه، أو من أهل المدينة، أو أكثر الأمة، والخبر لا يجوز أن يخفى عليهم، لأن هذه الأمور إن لم توجب الرد، فلا أقل من المرجوحية. وقيل: لا يرجح به، لأن ما ليس بدليل لا يرجح به. وبكونه معتضدا براجح، وبكونه غير مؤول بتأويل مرجوح. وبكونه دالا على الحكم وعلته، أو على الحكم بالنسبة إلى ما ذكر فيه العلة فقط. وقيل: بتساويهما، لما لكل واحد منهما من المرجحية. وبكونه دالا على الحكم بصيغة الإخبار، وبخطاب مشافهة، لكن بالنسبة إلى المخاطبين، أما بالنسبة إلى غير المشافهة أولى، لأنه غير مختلف في تخصيصه. وبكونه غير مختلف فيه في تطرق النسخ إليه، وبكونه غير قابل له، وبكونه لو لم يعمل به لتعطل بالكلية. وبكونه قصد به بيان الحكم، كقوله: (أيما إهاب دبغ فقد طهر) فإن دلالته على الطهارة راجحة على دلالة قوله: (نهى عن افتراش جلود السباع)، على نجاسته، وكقوله تعالى: {وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد س} [النساء: آية 23] {إلا ما ملكت أيمانكم} [النساء: آية 24]. وبكونه على وفق الاحتياط أو أقرب منه. وبكونه لا يوجب غضا من منصب الصحابة، كمعارض حديث (القهقهة). وبكونه متضمنا لما ظهر تأثيره في الحكم، كما روى أن بريرة أعتقت تحت عبد، وروى أنها أعتقت تحت حر، فإن ضرر الرق قد ظهر تأثيره في الاختيار. وبكونه مقترنا بتفسير الراوي، وبتلقي الأمة بالقبول. تنبيه: أنه (قد) يقع التعارض بين هذه الوجوه وبين كمياتها وكيفياتها فالمتبع ما أفاد زيادة

الظن. مسألة يترجح الإجماع على النص، لعدم تطرق النسخ إليه. ويمكن ترجيحه عليه، لأصالته. وعلى الإجماع الآخر بكونه قطعيا، وبزيادة إفادته الظن، وبكونه إجماع الصحابة ولميته غير خاف، أو التابعين، لقوله: (خير القرون ... ) الحديث، ولا يخفى الكلام في بقية الإجماعات مما سبق. مسألة يرجح القياس بكون علته وصفا حقييا، لكونه متفقا عليه، ولأنه أشبه بالعلل العقلية. ثم بكونها حكمة، لأنها الداعي إلى الحكم، ولأن التعليل بها علة بنفس المؤثر، والعدم علة لسبب اشتمالها عليها، وهذا وإن اقتضى رجحها على الحقيقي، لكن الحقيقي يترجح عليها بانضباطه، ولهذا كان متفقا عليه، والعدم ينضبط بالنسبة إلى الوجود، والإضافي عدمي، وإن جعل وجوديا فهو كالحكم الشرعي علة بمعنى الأمارة، والتعليل بالعلة بمعنى الحكمة أولى منها بمعنى الإمارة، والتقديري عدمي، ولأنها أشبه بالعلل العقلية. ثم بكونها عدما، لأنه أشبه بالأمور الحقيقية، وبالعلل العقلية ولكونه مناسبا، والحكم الشرعي والإضافي والتقديري ليس كذلك. وقيل: الحكم الشرعي أولى منه، لأنه أشبه بالوجود. وأجيب: بمنعه، لأنه اعتباري، ولهذا أجاز تبدلها بالأشخاص والأزمان وفيه نظر لا من جهة أنه آيل

إلى الكلام، وهو وجودي. ثم الإضافي إن جعل وجوديا، وهذا إن لم يجعل الحكم الشرعي وجوديا وإلا: فلا يظهر ترجحه عليه، بل هو أولى للكثرة، ولتلازم بعضه للبعض. ثم الحكم الشرعي، إذ التقديري عدمي وفاقا، نادر. وتعليل الوجودي بالوجودي أولى من الأقسام الثالثة الباقية، لأن العلمية والمعلومية وجوديتان، ولأنهما أشبه بالعلل العقلية، وللاتفاق عليه. ثم مقابلة للمشهابهة. وفيه نظر، إذ مخالفة الأصل فيه أكثر من الباقين. ثم تعليل العدمي بالوجودي لحصول الأشرف في الأشرف، ولأن في عكسه جعل العدم علة الوجود. وقيل: بتساويهما. وبكونها مفردة للاتفاق عليه، ولكثرة احتمال وجودها، وقلة احتمال تطرق العدم إليها. وبكونها بمعنى الباعث لكونه متفقا عليه، ولكثرة قبول الطباع (له)، ولسهولة فعله - إذ ذاك. وبكونها معلومة الوجود، والترجيح بكونها بديهية أو حسية - فيه خلاف، مبني على تطرق الترجيح إلى اليقينيات. وبكون ظن عليتها أكثر، وقد يكون ذلك لقلة مقدماته. ولرجحان دليل عليتها، فما هو نص في العلية راجح على ما هو ظاهر فيها وهما راجحان على الطرق العقلية. وكذا الإيماءات عند من لا يشترط المناسبة في المومأ إليه، ومن شرط فاللائق بمذهبه ترجح (على) المناسبة عليها، لأنها تستقل دونها.

ونقل الإمام الإجماع في ترجحها على الطرق العقلية مطلقا، لكن أبدى فيه نظرا، يدل (على ما ذكرنا وإن كان، فما أبدى من النظر: نظر) على ما ذكرنا في (النهاية). ثم إن لم تشترط المناسبة في المومأ إليه، فما اتصف بها أولى من غيره، وإنما الراجح بشرط تساويهما وإلا: فتعارض. والنظر في نفس الإيماء أولى من دليله. (أ) لأنها علة لعلية العلة، فتأثيرها لها لا لدورانه، فإنه أمارة العلية، ولأنه يوجد بدونها، كما في سبق في فصله، وتوجد بدونه كما إذا كانت أخفى أو مع المناسبة فالمناسبة أولى. والمناسبة أولى من الدوران. (ب) أن ظن العلية فيها أكثر للاتسقراء، فكانت أولى. وقيل: الدوران أولى. (أ) لأن المضطرد المنعكس أشبه بالعلل العقلية، وصحته مجمع عليها. وأجيب: (ب) علل الشرع معرفات، والطرد والعكس أدخل في التعريف منها عن (أ): بمدى وجوب العكس في العقلية، وقد عرف سنده ثم لا نسلم أن الأشبه بها أولى، فإن العقلية موجهة، والشرعية معرفة أو داعية، ومع الفرق لا يمكن اعتبار أحدهما بالآخر، والإجماع إنما هو في مطرد منعكس مناسب، والكلام في مناسب غير مطرد منعكس، وفي منعكس مطرد غير مناسب، وترجحه عليه ممنوع، وهذا لأن الطرد غير معتبر والعكس غير واجب، ومقتضى هذا: أن لا يكون الدوران حجة، ترك العمل في الخالي عن المعارض فيبقى على الأصل في غيره، لأنه غيره، ثم المناسب - أيضا - مجمع عليه بين القائسين. وعن (ب): بمنعه، فإنه إذا كانت منضبطة بوصف كانت مناسبة ومعرفته، ثم هو معارض لفوائدها. والمناسب أولى من التأثير، لأن تأثيرها لنفسها، وتأثير المؤثر بواسطة، فكانت أولى، ولأنه مفتقر إليها من غير عكس. والمناسبة أولى من السبر الظني الذي جميع مقدماته ظنية فإن كان البعض قطعيا: فذلك

يختلف بحسب كثرة إفادة الظن وقلته، فإن تساويا فيه تساويا. وقيل: المناسبة أولى: نظرا إلى أن نوعها راجح على نوعه. ثم الدليل على رجحانها على الظني: (أ) أنه يفتقر إلى ثلاث مقدمات، وليس الدال عليها قطعيا. وإلا: لكان قطعيا وليس كلامنا فيه، وهو: إما المناسبة أو غيرها. والمناسبة المستقلة أولى من غير المستقلة، وغيرها إما عقلي أو غيره، وهي أولى من العقلي بأسرها، مع أنها وحدها كافية، وكذا من غيره، إيماء كان أو غيره، لقلة مقدماتها وكثرة السبر مع مقدمات ذلك الدليل. (ب) القياس يخص به العام، وإن كان مقطوع المتن، فإذا تقدم على العام، فلأن يقدم السبر بالطريق الأولى. وزيف: بأن ذلك لخصوصه، وما نحن فيه ليس كذلك. (ح) الاستدلال له بالمناسبة على العلية: استدلال بما به العلية عليها، والسبر ليس كذلك، فهي أولى. وقيل: السبر أولى، لأنه يفيد مع ظن العلية نفي المعارض، وهي ليست كذلك. وأجيب: بمنع أن ذلك يوجب الترجيح، وهذا لأنه لا يفيد قوة في العلة بل هو خارج عنها، سلمناه لكن عند تساوي الظن بالعلية، وهو ممنوع، ثم إن هذه الفائدة معارضة بفوائد المناسبة، والترجيح معنا لأنها متعددة. ومنه يعرف أن المناسبة راجحة على بقية الطرق. ثم المناسبات يترجح بعضها على بعض، فأعلاها: التي في محل الضرورة، ثم ما هي من كمالاتها، ثم التي في محل الحاجة، ثم كمالاتها. ثم التي في محل الزينة والتتمة. وفي كل نوع من الأنواع مراتب: فأعلاها: المراتب الضرورية: حفظ الدين: إذ به تحصل السعادة الأبدية، ثم حفظ النفس.

ولا نسلم أن حفظ الدين محض حق الله، بل فيه حق اله وحق العبد، إذ به السعادة الأبدية، وحفظ نفسه وماله. ولو سلم فحق الآدمي إنما يقدم على حق الله تعالى في فروع الشرع، دون أصوله، وإنما يقتل الشخص قصاصا، لا ارتدادا عند المزاحمة لأن المقصود منه - وهو إعدام النفس الخبيثة المرتكبة على الجريمة العظيمة زجرا لغيره عن مثلها - حاصل مع حصول التشفي لأولياء المقتول، ولو قتل ارتدادا لم يحصل هذا المقصود، فكان قتله قصاصا أولى. لا يقال: زجر غيره عن مثلها إنما يحصل لو قتل لردته، لأنه إذا علم أنه مقتول، سواء وجب عليه القصاص (معه) أو لم يجب، حصل ذلك. ثم حفظ الأنساب، ثم حفظ العقل، ثم المال. والوصف المناسب نوعه لنوع الحكم راجح على الأقسام الثلاثة الباقية، ثم المناسب نوعه لجنسه، ثم عكسه، ثم الأخير. وقيل: الثاني والثالث متعارضان. والجنس الأقرب أقدم، والجلي أولى من غيره، وكل ما فيه الحاجة أمس فهو أولى، وكذا مما يقع في القسم الثالث، فإن ما فيه مقصوده أكثر فهو أولى. وترجح المناسبة بكونها متأيدة بغيرها، وخالية عن المعارض ولكنها مناسبة من وجهين، وبكونها غير متخصصة. والسبر راجح (على الدوران وغيره من الطرق، وهو راجح) على بقية الطرق، والدوران في صورة واحدة أولى منه في صورتين، والمقيد بغيره أولى، والوجودي والعدمي أولى من كل واحد منهما، والوجودي أولى من العدمي. والمؤثر والشبه متقاربان، ولو قيل: يرجحانه على الشبه لم يكن فيه بأس، وهما راجحان على البقية. ولاشبه في الصفة أو الصورة أولى منه في الحكم، لأنه أشبه بالعقل والعقلية. وقيل: الحكم الشرعي أولى.

وتقيح المناط القطعي أولى من الظني، وما دليل عليته الإجماع أولى. ويرجح القياس باطراد علته، والمتخصصة لمانع، أو فقد شرط أولى من المتخصصة على سبيل الاستثناء، أو التي لا يعقل في تخصصها ذلك. وبتعديتها، وبكثر تعديتها، وبكونها غير منكسرة، وبانعكاسها فإن اطردت إحداهما وانعكست الأخرى: فالمطردة أولى، وبكونها مقترنة مع الحكم، وما يتقدمها الحكم وما يتأخر عنها - متقاربان. وبكونها متضمنة للحكمة، والأخرى مظنة، وبكونها لا تعكس على أصلها من نص أو حكم، وبكونها لا توجب حكما على خلاف دليل أو مرجح، من تفسير الراوي، وبكونها مستنبطة من أصول عدة. وبكونها غير مناسبة لضد الحكم المطلوب ولو بوجه مرجوح، وبكونها أفضى إلى حصول مقصودها، وبكونها متضمنة مصلحة عامة وبكونها مستنبطة من حكم ليس على خلاف الأصل. وضابط الحكمة إذا كان جامعا مانعا أولى من الذي ليس كذلك وترجيحها سبب حكمها وحكم الأصل، ودليله يعرف ما سبق. ويرجح القياس بكون حكمه في الفرع لا يوجب محذورا، كتخصيص عموم، وتقييد مطلق، وبكونه مثبتا للحكم في جميع الفروع، وبكون فرعه مشاركا لأصله في عين الحك وعين العلة. ثم بمشاركته له في عين العلة وجنس الحكم، ثم عكسه، ثم بالمشاركة في الجنسين. وبالعلم بتأخر فرعه عن أصله، وبالعلم بوجود العلة في الفرع، وبغلبة ظنه. وبكون حكم فرعه مدلولا عليه بالنص جملة، والقياس أصله، وبكون الحكم في فرعه لا يبطل الحصر في أصله، وبكون العلة فيه خالية عن المعارض. وبكثرة فروعه. وقيل: لا: (أ) قياسا على النص، إذ لا ترجيح بكثرة العموم. (ب) التعدية فرع الصحة، فلا يرجح به. وأجيب: عن (أ) بالفرق، وهو: أن تقديم الخاص لا يوجب إلغاء العام، و - ههنا - لا بد من إلغاء

الاجتهاد

أحدهما، فكان إلغاء ما هو أقل فائدة أولى. وعن (ب) بمنعه، إذ كثرته يدل على قوته وبرده الفرع إلى جنسه. الاجتهاد وهو لغة: (استفراغ الوسع في الفعل). واصطلاحا: (استفراغه في النظر فيما لا يلحقه فيه لوم، مع استفراغه فيه). وفيه احتراز: عن الأصولية، ولهذا سمي مسائل الفروع: مسائل الاجتهاد، دون الأصولية. وقيل: (هو استفراغه في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحس من النفس العجز عن المزيد فيه). وهو غير مانع، إذ يندرج تحته ما فيه قاطع من الفروع، ولم يحس الطالب به، وهو: استفراغ وسعه فيه على ما ذكر. والمجتهد فيه: (كل حكم شرعي ليس فيه قاطع). خرج عنه: لعقلي، وما اتفقت عليه من جلياته أبو الحسين: (الاجتهادية: هي التي اختلف فيها المجتهدون في الأحكام الشرعية). وزيف: أن جواز اختلافهم فيها مشروط بكونها اجتهادية، فلو عرف كونها اجتهادية بذلك - لزم الدور. لا يقال: التعريف إنما وقع بوقوع - الاختلاف، لا بجوازه، فلا يرد ما ذكر - لأنه - حينئذ - يرد أنه غير مانع، لوقوعه في الاجتهادية.

مسألة

مسألة الاجتهاد كان جائزا للرسول - صلى الله عليه وسلم - عند الشافعي وأصحابه، والإمام أحمد، وأبي يوسف، وعبد الجبار وأبي الحسين البصري. فقيل: علم وقوع التعبدية، وقيل: لم يعلم ذلك، وقال أبو علي وأبو هاشم: بعدمه. وقيل: به في الآراء والحروب - فقط - وتوقف في الجمهور. لنا: (أ) {فاعتبروا} [الحشر: آية 2]، وتناوله له أولى، لقوة البصيرة، والاطلاع على شرائط القياس، و - حينئذ - لو لم يقع منه لقدح في عصمته ومن لم يقل به نزل الأمر على الإباحة، لأنه حقيقة فيها، أو تنزيلا للفظ على أقل مفهوماته. (ب) قوله تعالى: {لتحكم بين الناس بما أراك الله} [النساء: آية 105] وهو عام أو مطلق في الإرادة بالتنصيص وبالقياس، فيحمل عليهما دفعا للتخصيص والتقييد. (ج) قوله تعالى: {وشاورهم} [آل عمران: آية 159] وهو في غير ما نص فيه، إذ لا فائدة لها فيه، وحمله على الآراء والحروب والأمور الدنيوية - تقييد خلاف الأصل. (د) قوله تعالى: {ففهمناها سليمان} [الأنبياء: آية 79] ومثله لا يتسعمل فيما نص فيه، فهو في القياس - وحينئذ - يلزم جوازه في حق الرسل، لعدم القائل بالفصل. وفيه نظر. (هـ) قوله - عليه السلام -: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي"،

ومثله لا يقال فيما كان بالوحي. وروى أنه - عليه السلام - كان يقضي في القضايا والقرآن ينزل، والحكم بغيره. وفيهما نظر؛ لأن امتناعه في الوحي الغير الصريح، وما يلزم من الصريح ممنوع، ولا يلزم من الحكم بغير القرآن الحكم بالقياس، لاحتمال أن يكون الوحي غير متلو. والتمسك بقوله: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور، وكنت نهيتكم عن ادخار لحوم الضاحي"، - ضعيف جدا، لجواز أن يكون كل واحد منهما بوحي غير متلو، ويؤكده: أن النسخ بالقياس غير جائز، أو وإن جوز ولكنه خلاف الغالب. (و) أن عند الظن بمقدمتي القياس يحصل ظن أن مثل حكم الأصل حكم الله في الفرع، وترجح الراجح متعين في بداية العقول. وأورد: أن تعينه عند القدرة على الأرجح - ممنوع، وعند عدمها لا يضر. (ز) بعض الأحكام مضافة إليه كالسنن، وذلك يشعر بكونه من اجتهاده، إذ لا يقال: مذهب الشافعي وجوب الصلوات الخمس. وأورد: بمنع تعينه طريقا إليه، فإنه يجوز ذلك، لأنه لم يشرع لغيره، وإنما لا يضاف إلى الشافعي ما ذكر، لعدم الاختصاص به، فإنه لو اختص به: يضاف إليه، وإن كان بنص صريح.

(ح) العمل بالاجتهاد أكثر ثوابا، للمشقة فيه، وللحديث، ولأنه يظهر فيه إثر دقة النظر، وجودة الخاطر، فكان أولى به من أمته، واختصاصه بفضيلة الوحي لا يمنع من مشاركته في أخرى. لا يقال: إنه يقتضي أن لا يعمل الرسول إلا: به؛ لأن ذلك غير ممكن، إذ العمل بالاجتهاد مشروط بالتنصيص على حكم الأصل، فكان العمل به في كل الأحكام ممتنعا. فإن قلت: مقتضى الدليل ذلك، لكن ترك العمل به فيه للإجماع، فيبقى فيه غيره على أصله، ولأنه وإن ترجح على الحكم بالوحي من "هذا الوجه لكن يرجح" ذلك عليه بوجه أخر، فلو اتصف به في الأكثر - لزم فوات تلك الفضائل في الأكثر، وهذا - وإن كان آت في أصل المشاركة لكن فيه فوات فضيلة نوعية راجحة بوجه ما مرجوحا بوجه آخر، وأنه أشد محذورا من فاته بالنسبة إلى أكثر الأفراد، ولهذا قد يشتغل الإنسان بفن مرجوح من العلم، مع اتصافه بفن منه راجح، كي لا يفوته ذلك النوع من الفضيلة، لكن لا يجعل دوام اشتغاله فيه، كدوامه بالراجح. (ط) "العلماء ورثة الأنبياء"، وإنما يرثون منهم الاجتهاد، أن لو كان لهم ذلك، وتقييده بأركان الشرع، خلاف الأصل.

وزيف: بأنه لا يقتضي أن ما للوارث فموروث، بل إن ما للموروث: فمورث. فإن قلت: معناه: أن ما ختصوا به من العلم فهو وراثة منهم. قلت: يمنع ذلك، إذ قوله: (زيد وارث عمرو) لا يقتضي أن جميع ما لزيد من المال: فهو وراثة منه، بل عكسه، و - حينئذ - الاستدلال به دور، لأنه يتوقف على أن لهم الاجتهاد، فإثبات ذلك به دور، ثم اللازم منه حصول العلم به لهم، دون جواز العمل به، وفيه النزاع. (ي) أنه وقع منه: إذ روى أنه قال: في مكة: "لا يختلي خلاها، ولا يعضد شجرها"، فقال: العباس: إلا الإذخر، فقال: - عليه السلام - "إلا الإذخر"، ومعلوم أن الوحي لم يتنزل عليه، لعدم أمارته، فكان الاجتهاد. وأمر يوم فتح مكة (بقتل مقيس بن جبابة، وابن أبي سرح، وإن وجدا متعلقين

بأستار الكعبة)، مع تقدم قوله: "منت تعلق بأستار الكبة فهو آمن"، ثم إنه عفى عن أبي سرح بشفاعة عثمان - رضي الله عنه - ولو كان ذلك بالنص: لما عفى، ولأن أمارت الوحي غير ظاهرة. وقال: "لا هجرة بعد الفتح"، ثم قبل شفاعة العباس في مجاشع بن مسعود، فقال: "أشفع عمي، ولا هجرة بعد الفتح"، ولم يكن لوحي، لما سبق. واجتهد في أخذ الفداء عن أسارى بدر، وكان يراجعهم في ذلك، حتى عوتب على

ذلك، قال الله تعالى: {وما كان لنبي أن يكون له أسرى} [الأنفال: آية 67]، ولو كان بالوحي لما كان كذلك، وعوتب على الإذن بقوله تعالى: {عفا الله عنك لم أذنت لهم} [التوبة: آية 43]، هو من غير وحي، لما سبق. وراجعه بعض الصحابة في منزل نزله، فقال: (إن كان هذا وحيا فالسمع والطاعة، وإلا: فليس هو بمنزل مكيدة)، فرحل عنها ولو كان وحيا لما رحل. للمانع: (أ) قوله تعالى: {وما ينطق عن الهوى} [النجم: آية 3]، حصر نقطقه فيما يوحى إليه، وقوله: {أتبع إلا ما يوحى إلي} [الأنعام: آية 50]. (ب) أنه يجوز مخالفة ما صدر عن الاجتهاد، لأنه من لوازمه وتجوز مراجته فيه، لما سبق، ولا يكفر مخالفه، إذ المجتهد المخطئ له أجر واحد، وشيء منه غير ثابت في الأحكام الشرعية، للإجماع. ولقوله: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك} [النساء: آية 65]، فليس فيها ما هو بالاجتهاد.

(ج) لو كان متعبدا به لكان عاملا به، وإلا: لقدح في عصمته، ولو كان كذلك لأظهره، كي لا يوهم شرعيته بطريق الوحي، لأنه الأكثر، فيكون مغريا على الجهل، ولكي يقتدي به كما فعله في غيره، ولما لوقف في الأحكام إلى نزول الوحي، لعلمه بحكم العقل، وطريق القياس وإلا: لكان مؤخرا للبيان عن وقت الحاجة، إذ القدرة على الشيء كحصوله، كالقدرة على تحصيل الماء، كحصوله في عدم جواز التيمم، واللازمان منتفيان إذ لم ينقل منه إظهاره في شيء من الأحكام وتوقف في كثير من المسائل: كالظهار، واللعان، فينتفي الملزوم. (د) لو جاز له جاز لجبريل، و - حينئذ - لا يعرف إنما نزل به نص الله تعالى أو اجتهاده. (هـ) تجويزه له يورث التهمة والنفرة، ويخل بمقصود البعثة. (و) شرطه: عدم النص، وهو مفقود في حقه - عليه السلام - لتوقع نزول الوحي في كل وقت، وهو كوجدان النص في حقنا، فما لم يحصل له اليأس منه، لم يجز له العمل به. (ز) أجمعنا على أنه لا يجوز له أن يخير بما لا يعلم صدقه، فإن غلب على ظنه ذلك، فكذا لا يجوز له أن يحكم بما لا يعلم حقيقته، وصوابه وإن غلب على ظنه. وأجيب: عن (أ): بأنه رد لقهولهم: {افتراه} [يونس: آية 38، هود: آية 13، الأنبياء: آية 5]، ثم إن اجتهاده من فعله، فلم يتناوله النص، ثم دل الوحي على العمل به: كان العمل به عملا بالوحي، وهذا

والأول جواب عن النص الثاني. وعن (ب): أن جواز المخالفة والمراجعة وعدم التكفير مطلقا - ممنوع، بل ذلك في الاجتهادي الظني، وفيما يتعلق بالآراء والحروب. والحكم الاجتهادي - وإن كان مظنونا - لكن الرسول لما أفتى به صار قطعيا، لا تجوز مخالفته، ويكفر مخالفه، كالاجتهادي إذا صار مجمعا عليه. وحديث الأجر محمول على الاجتهاد الظني بدليل عدم ثبوت مقتضاه فيما صار مجمعا عليه، والمراجعة منقولة في الآراء والحروب، دون الاحكام. وعن (ج): بمنع أنه يجب إزالة مثله، وقطع الملكف في غير محله تقصير منه، ثم إنما يجب ذلك فيما لا دليل عليه، فأما معه فلا، كما في إنزل المتشابهات، وما ذكرنا دليل عليه. ولا عبرة بالإيهام الناشئ من آحاد الصور، فإن التكليف بمعرفة ذلك غير واقع. ثم لا نسلم أنه لم يظهره، فلعله أظهره، لكن لم ينقل، إذ ليس مما توافر الدواعي على نقله، أو لندرته، ثم إنه نقل في بعضه، كما في حديث عمر في قبلة الصائم، والخثعمية. فإنه بين فيهما طريق الاجتهاد، فلعله كان طريق معرفة الحكم، فيهما، فلما سئل أجاب عنهما بطريق اجتهاده. وتوقفه فيما لا سبيل للاجتهاد فيه كالظهار واللعان، ثم التوقف لعله بمقدار ما يعرف أنه لا ينزل فيه وحي، فإنه شرطه العجز عن وجدان النص، و - حينئذ - لم يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة. وعن (د): أنه قياس خال عن الجامع، ثم الفرق ظاهر، ثم إنه مدفوع إجماعا. وعن (هـ): أنه إنما يجوز له بوحي من الله، فلا تهمة ولا نفرة، سلمنا، لكنها زائلة بالمعجزة. وعن (و): بمنع أن نزوله في حقه كوجدانه في حقنا، إذ هو معدوم ولا يترتب عليه شيء من الأحكام، كالنسخ وغيره. بخلاف الموجود الذي لم يوجد. ثم لا يشترط في اليأس من نزوله القطع، بل يكفي فيه الظن - فلعله - عليه السلام - ما كان يجتهد في واقعة حتى يغلب

على ظنه عدمه فيها. وعن (ز) بمنع أنه لا يعلم حقية الحكم المجتهد فيه وصوابه، وسنده غير خاف. ثم الفرق إجمالا: أنه لا يجوز للأمة الاجتهاد دونه، والافتراق في الحكم ديل على الافتراق في الحكمة، وتفصيلا: أن الحكم الشرعي يختلف باختلاف الناس والأحوال، فالحكم المجتهد فيه يعلمه المجتهد، أنه حكم الله في حقه، وأنه حق بالنسة إليه - وإن قيل: المصيب واحد - بخلاف الصدق والكذب، فإنهما أمران حقيقيان لا يختلفان باختلاف الناس والأحوال فلا يؤمن فيه من الكذب، فلم يجز الإقدام عليه. فرع: إذا جوز له الاجتهاد فلا يجوز أن يخطئ. والأكثر على تجويزه. لكن لا يقر عليه. لنا: (أ) أنه غض من منصبه، فلا يجوز. (ب) اجتهاده لتشريع الأحكام بإبلاغها، ولم يجز فيه الخطأ وفاقا، فكذا هذا. واستدل بأنا مأمورون باتباعه في الحكم، لقوله تعالى: {فلا وربك} [النساء: آية 65] وذلك ينافي كونه خطأ. هو ضعيف، لأنه إذا لم يقر عليه امتنع الأمر باتباعه فيه. وقيس على مجموع الأمة، بأنه معصوم في اجتهاده، بل أولى، لأن عصمتهم مستفادة من عصمته، ولأنه أكرم عند الله منهم. وفيه نظر، للفرق، فإن عدم التقرير في حقهم غير مقصور، لانقطاع الوحي، فيبقى الخطأ شرعا دائما، بخلاف الرسول، فإن هذا المحذور زائل عن اجتهاده بتقدير كونه خطأ. لهم: (أ) {عفا الله عنك}، وقوله في أسارى بدر: {لولا كتاب من الله سبق} [الأنفال:

آية 68]، وقوله عليه السلام - (لو نزل عذاب من السماء لما نجا إلا ابن الخطاب)، يدل على خطئه في اجتهاده، وقوله: {إنما أنا بشر مثلكم} [الكهف: آية 110]- دل على أنه كغيره في الوحي. (ب) قوله - عليه السلام - (إنكم لتختصمون لدي، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ بهن فإنما أقطع له قطعة من النار). يدل على جواز قضائه لأحد بغير حقه. (ج) أنه يجوز غلطه في فعله، فكذا في قوله كغيره. وأجيب: عن (أ) بمنع أنه كان عن اجتهاد، ثم هو في الآراء والحروب والمصالح الدنيوية، والنزاع في

الأحكام. ثم بمنع أن العفو لا يكون إلا: عن خطأ، فلم لا يجوز أن يكون لترك الأولى؟ فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين، وهو الجواب عن الآية الثانية. وعن الآية الثالثة: أن العصمة من لوازم الوحي إليه، فلم قلت: إنه ليس كذلك؟ وعن (ب): أنه لا تعلق له بالمتنازع فيه. وعن (ج) بمنع حكم الأصل، ثم إنه قياس بلا جامع، ثم الفرق بين القول والفعل: أنه لا يجوز الخطأ في القول فيما يتعلق في الإبلاغ عن الله تعالى والتشريع وفاقا، ويجوز ذلك في الفعل، والافتراق في الحكم يدل على الافتراق في الحكمة.

مسألة في جواز الاجتهاد في عصر الرسول

مسألة في جواز الاجتهاد في عصر الرسول ثالثا: جوازه لمن بعد ملطقا. وقيل: من الولاة والقضاة. وقيل: بإذن منه: فقيل: سكوته مع علمه بوقوعه إذن، وقيل: يعتبر صريحه. ثم في وقوع التعبد به. ثالثها: التوقف مطلقا. وقيل: به في حق الحاضرين. لنا: (أ) أنه لا يلزم من فرض وقوعه محال، لا عقلا ولا سمعا، لا لذاته، - وهو ظاهر - ولا لغيره، إذ الأصل عدمه، وهو معنى الجواز. (ب) أنه يجوز به الحكم في غير زمانه، فيجوز في زمانه مطلقا كالكتاب والسنة. لهم: (أ) أنه لا يؤمن في الغلط وسلوك المخوف مع القدرة على الآمن قبيح عقلا. (ب) رجوع الصحابة إليه عند حدوث الوقائع - يدل على عدم جوازه. (ج) أنه يعد في حضرته تعاطيا وافتياتا. وأجيب: عن (أ): بمنع الأولى، وسنده سبق غير مرة. ثم بمنع الثانية، إذ ورود النص ليس باختياره ومسألته عند الحاجة، بل جاز أن يؤمر بالاجتهاد - إذ ذاك - ونفي هذا الاحتمال

يتوقف على نفي جواز الاجتهاد، فنفيه بناء على نفي الاحتمال - دور. ثم بمنع ترك العمل بالاحتياط قبيح، ثم قبحه عقلا، بمعنى عدم الجواز: ممنوع وبغيره لا يضر. وعن (ب) لعل ذلك فيما لم يظهر لهم وجه الاجتهاد، ثم سلوك إحدى الطريقتين - لسهولتها - لا يقتضي امتناع الأخرى، ثم لعله بعد اجتهادهم ليتأكد بنصه، وإنما لم ينقل: إما لقلتها، أو لأنهم لم يظهروها أو اكتفاء بالنص. وعن (ج): بمنعه إذا كان بإذنه. ويدل على وقوع التعبد به سمعا: (أ) قول الصديق لأبي قتادة: (لاها الله إذا لا تعتمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله، فيعطيك سلبه)، فقال - عليه السلام - " ... صدق" ولو كان لنص لما كان للتصديق معنى، ولكان الإسناد إليه أقرب إلى الإذعان. (ب) أنه حكم سعد بن معاذ، في بني قريظة، واستصوب

حكمه وأمر عمرو بن العاص، وعقبة بن عامر الجهني: أن يحكما بين خصمين، وهو صريح في جوازه بإذنه وأما ما يدل على جوازه للغائب: فقصد معاذ، وعتاب بن أسيد حين ولاه مكة. لا يقال المسألة علمية، وما ذكرتم أخبار آحاد، ثم لا دليل فيه على من جوز بإذنه، ثم إنه خاص ببعض الناس فلا يثبت به جوازه عموما لأنا نمنع أنها علمية، وقد عرف سنده، والأمة تلقته بالقبول، فصار مجمعا عليه، والمراد حصول القطع من مجموع الأدلة، دون

مسألة

آحادها، ولا نسلم أنه لا دليل فيه مطلقا، فإنه حديث الصديق يدل عليه مطلقا، والقول بالفصل قول لم يقل به أحد، ثم المطلوب جوازه لمن هو بحضرته مطلقا. واستدل بقوله: {وشاورههم} [آل عمران: آية 159] ولا فائدة لها، إلا: الأخذ باجتهادهم. وهو ضعيف، لاحتمال أنها في الآراء والحروب، وفي مصالح الدنيا. مسألة شروط الاجتهاد: المكنة من الاستدلال: وهي بمعرفة: معنى اللفظ بالدلالات الثلاث، بالأوضاع الثلاثة، ومقتضاه: من مفهوم واقتضاء وإشارة وإيماء. وبمعرفة: أن المخاطب بعني باللفظ ظاهره - إن تجرد عن القرينة المعينة - وإلا: فما يقتضيه معها، لأنه لا يحصل الوثوق بشيء من الأحكام والأخبار بدونه. قالت المعتزلة: يعرف ذلك بحكمة المتكلم، أو بعصمته، والأول مبني على تحسين العقل وتقبيحه. وقال أصحابنا: قد يقطع بعدم وقوع جائزة كالعاديات، ونحن - وإن جوزنا منه تعالى فعل كل شيء - لكن نعلم بالضرورة أنه لا يعني بها غير ظواهرها، فلا لبس. ثم معرفة كونه مجردا عن القرينة، أو غير مجرد يتوقف على الطلب، فيجب ذلك على المجتهد إلى غلبة ظنه بوجودها أو عدمها. والقرينة العقلية تميز الجواز دون الوقوع، والسمعية تميزهما، وهي تخصص العام بالأشخاص أو الأزمان المسمى (بالتخصيص)، والنسخ، ونعم الخاص المسمى بالقياس، والقرينة الخالية تميز الوقوع دون الجواز، إذ دلالة بشهادة حال المتكلم على جواز الشيء وعدمه. ثم الدلالئل السمعية وقرائتها قد تكون منقولة، وهو: إما بالتواتر أو الآحاد، فيجب معرفة هذه الأمور وشرائطها. وبمعرفة مدارك الأحكام وطرق استنباطها منها، ووجوه دلالتها وشرائطها.

ثم قال الغزالي: المدارك أربعة: الكتاب والسنة والجماع والعقل، وإنما يشترط من الكتاب والسنة معرفة ما يتعلق بالأحكام، وهو قدر خمسمائة آية من الكتاب، والعلم بمواقعه، ليطلب منها عند الحاجة ويجب العلم بمواقع الإجماع، لئلا يفتي بخلافه. وطريقة: أن لا يفتي إلا: بما يوافق قول أحد المتقدمين أو يغلب على نه عدم خوضهم فيه. والعقل: وهو البراءة الأصلية، فيعرفها ويعرف أنا متعبدون بها، عند عدم الثلاث. ولم يذكر القياس، فإن كان ذلك لكونه مستفادا من الكتاب والسنة فالإجماع والعقل كذلك. وإن كان لعدم كونه مدركا، فكونه حجة ينفيه، فلا بد من معرفته ومعرفة شرائطه. ولا بد مع هذه الأربعة من أربعة أخرى. اثنان مقدمان، وهما علما الحد والبرهان المسمى: بالمنطق، والنحو واللغة والتصريف، إذ الأدلة عربية، ولا يشترط في ذلك البلوغ إلى الغاية القصوى، ولا يكتفى بأول الدرجات. بل المعتبر بالدرجة الوسطى. واثنان متممان، وهما علما (الناسخ والمنسوخ)، و (أسباب النزول)، و (الجرح والتعديل)، وأحوال الرجال، لما تعذر ذلك في زماننا، لطول المدة، وكثرة الوسائط، اكتفي بتعديل الأئمة الذين اتفقوا على عدالتهم. ولا يشترط علم الكلام - إن اكتفي فيه بالتقليد، إذ المقلد قد يتمكن من الاجتهاد، ولا يشترط معرفة جميع مسائله تقليدا، بل ما يصح به الإسلام. ولا يشترط معرفة تفاريع الفقه، وإلا: لزم الدور. وعند هذا ظهر أنه لا بد فيه من أصول الفقه، وما تقدم من ولوازمه، دون غيره، وكل من كان نصيبه منه أوفر كان حظه من الاجتهاد أكمل، وأما ضبط القدر الذي لا تحصل رتبة الاجتهاد بدونه فمتعذر. ثم صفة الاجتهاد قد تحصل في فن دون فن, بل في مسألة دون أخرى. خلافا لقوم. إذ الغالب أن أصول كل فن إنما توجد فيه، فإذا عرفها تمكن من الاجتهاد، واحتمال شذوذ شيء منه نادر، لا يقدح فيه كالمجتهد المطلق، ولأنه لو لم يتجزأ لعلم الجميع.

مسألة

وقد سئل الإمام مالك عن أربعين مسألة، فقال في ست وثلاثين منه: لا أدرين مع أنه في الذروة العليا منه. مسألة الجماهير: المصيب في الأصول واحد، وهو المصادف لما هو الواقع في نفس الأمر، مدركه عقليا كان أو شرعيا، وغيره مخطئ وآثم وكافر - إن كان فما يكفر به - وإن بالغ في الاجتهاد. ونقل عن الجاحظ والعنبري: أن كل مجتهد فيه مصيب، بمعنى نفي الإثم، والخروج عن عهدة التكليف. لا بمعنى: مطابقة الاعتقاد، فإنه لا يقول به عاقل، ومعنى كونه مصيبا: أنه أصاب ما كلف به مما هو تحت وسعه. لنا: (أ) قوله تعالى: {ذلك ظن الذين كفورا فويل للذين كفروا من النار} [ص: آية 27]، وقوله: {وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم} [فصلت: آية 23]، وقوله: {ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون} [المجادلة: آية 18]، ونحوها من النصوص الدالة على ذم الكفار، بسبب عقائدهم من غير فصل بين المعاند وغيره، مع القطع بعدم عناد كلهم. فإن قلت: الذم للكافر، وهو الساتر، إذ الكفر عبارة عنه، نقلا واستعمالا، والأصل عدم التغيير، وهو إنما يتحقق من المعاند، دون غيره، فلا يصدق على الجاهل الذي لم يعرف الحق - أنه كافر، ولو صدق وجب تخصيصه عنه لما سيأتي، ثم لعله للاكتفاء بالظن.

قلت: ما ذكرتم لغة، وفي الشرع: (عبارة عمن انتحل دينا مخصوصا مطلقا)، وهو وإن كان خلاف الأصل - لكن يصار إليه لتبادر الذهن إليه عند سماعه. ولأن كثيرا منهم يعرفون معناه مع عدم علمهم بأنه للستر، ولإجماع الكل على إطلاقه عليه مطلقا. ثم بمنع أنه لا يتحقق إلا: في المعاند، إذ سبر الشيء لا يتوقف على علمه، وكذا لو بسط ثوبا من غير علمه به يقال: ستره بالثوب، والتخصيص خلاف الأصل، وسنجيب عما يأتي، ونعلم بطلان إطباق الكل على الظن عادة. (ب) قوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك} [النساء: آية 48] ونحوه من النصوص الدالة على أن الشرك لا يغفر، من غير فصل بين المعاند والمجتهد الذي لم يعرف حقيته والمقلد، بل بعضهم قاطعون بصحة ما انتحلوه دينا، ويحققه الاستقراء، وما ذاك إلا: للشبهة ثم إنه يقتضي عدم توجيه الذم إليه، إذا كان جازما بحقيته، وهو معلوم الفساد بالضوررة، بل يعلم أن إنكارهم عليه أشد. (ج) نعلم - قطعا - أنه - عليه السلام - أمر الكفار بالإيمان به، وذمهم على إصرارهم على عقائدهم، وقاتلهم، وكان يكشف عن مؤتزرهم ويقتل من بلغ منهم، مع القطع بأن المعاند منهم نادر. وأورد: بأنه لتركهم التعلم والنظر على وجه ما ينبغي، والإصرار على ما اعتقدوه أولا مع أنهم أرشدوا إلى دلائل العقائد الحقة. ورد: بامتناع حمله على ذلك عادة، فإنا نعلم قطعا، أن الكل ليس كذلك، كما أن كلهم ليسوا عرافين معاندين، بل أكثرهم مقلدة، وأقلهم معاندون، وبعضهم مجتهدون، معتقدون حقيته، لشبهة اعتقدوها دلائل. (د) الإجماع عليه من السلف والخلف قبل ظهور المخالف، فإنهم مطبقون على ذم الفلاسفة والمجسمة، بل أهل البدع والأهواء، مع أنهم أصحاب النظر الاستدلال، غير

معاندين. (هـ) أن الله تعالى نصب على هذه المطالب أدلة قاطعة، ومكن العقلاء من معرفتها، فلا يخرجوا عن العهدة إلا: بالعلم، ترك العمل به في حق المقلد، لمطابقة اعتقاده، فيبقى فيما عداه على أصله. فإن قلت: النصب والتمكين ممنوعان، فإن من نظر في أدلتها وأنصف لم يجد فيها قاطعا، ومخالفة معاند مكابر. ثم لا نسلم أنه يقتضي أن لا يخرجوا عن العهدة إلا: بالعلم، وهذا فإنه لو أمكن حصوله فلا يحصل إلا: لآحاد الناس بنظر دقيق، وفكر صعب متعب. وكونه تعالى رحيما رؤوفا، والشريعة سمحة سهلة - ينفي تكليف الكل به، و - حينئذ - نقول: إنهم أمروا بما غلب على ظنهم أنه صواب طابق أو لا، فالآتي به معذور. ويدل عليه: أن الرسول كان يقبل إيمان كل من أتاه بكلمتي الشهادة، ويعلم قطعا أن الكل ما كانوا يعرفون براهين ما بمعرفته حصة الإيمان وشرائطها. ولأن حصول العلم منها لو أمكن فإنه في غاية الصعوبة، ولهذا قل الموقنون، فتكليف الكل به - مع أن فيهم من ليس له صلاحية تعقل أدنى العلوم - تكليف ما لا يطاق، وهو ممتنع، وإن جوز فليس هذا منه عند من يقول به. قلت: الدليل عليه أن العلم بأن للمحدث محدثا ضروري وكونه محدثا قد يكون محسوسا، وعلم بطلان الدور والتسلسل بقاطع، و - حينئذ - يعلم قطعا بأن له محدثا قديما، ووقوع الاختلاف في الشيء لا يقدح في كونه قطعيا، كالالختلاف في المحسات والبديهيات وكذلك العم بكون المخالف ليس مكابرا، الحتمال ان ذلك لشبهة قوية وهي لا تقدح في قطع القاطع. وعن (ب) أنه إنما يلزم لو حصر الخروج عن العهدة على العلم ونحن لا نقول به، بل نقول: يخرج به أو بالتقليد الجازم المطابق، وهو سهل، وبه جواب السند، ولو كانوا مأمورين بالظن الغالب - كيف ما كان - لما توجه الذم إليهم مطلقا، كما سبق تقريره.

مسألة

وأورد: أن التشكيك على دليل امتناع الدور والتسلسل مشهور، ثم ما به صحة الإيمان غير مقتصر على العلم بوجد الصانع، بل لا بد فيه من مطالب أخر، ووجود جلي مثله فيها ممنوع. المخالف: التكليف بالعلم عينا عسر لكل أحد في كل واحد من المطالب، وينفي جواز تقليد المعلوم بالضرورة، وتخييرا بينه وبين ما غلب على ظنه أنه صواب مطلقا، أو بشرط المطابقة بطريق ظني، أو بهذين القسمين - عينا - يحصل الغرض، أو بشرط المطابقة جزما لقطعي، ينفي جواز التقليد، والخروج عما نحن فيه، أو لا لطريق يقتضي كونه تكليفا على عما به. وأجيب: بأنه في مقابلة الإجماع، فكان باطلا، وبأن عسره لا ينفيه، وجواز التقليد ممنوع على رأي، سلمناه، لكن كلف بأحدهما: وهو إما العلم أو التقليد المطابق، وهو سهل، وفيه نظر، إذ معرفة مطابقته بتقليد آخر يوجب التسلسل، أو بنظر يقتضي خروجه عن التقليد. مسألة كل مجتهد مصيب في التي لا قاطع فيها عد الأشعري والقاضي وأبي الهذيل والجبائيين، وأتباعهم، ونسب إلى الشافعي وأبي حنيفة وأحمد. والمشهور عنهم خلافه، فلا حكم لله فيها قبل الاجتهاد، بل هو تابع ثم منهم من يقول: وجد فيها ما لو حكم الله فيها قبل الاجتهاد - لما حكم إلا: به، وهو القول بالأشبه. وقيل: لا, وهو قول الخلص من المصوبين. وقال الجماهير من الفقهاء والمتكلمين: المصيب واحد، أي: لله حكم قبله، والاجتهاد تابع له.

فقيل: لا دلالة له عليه، ولا إمارة، والطالب إن عثر عليه: فمصيب وله أجران، وإلا: فمخطئ وله أجر، لتحمل المشقة. وقيل: عليه دليل، والمجتهد مأمور بطلبه، فإن أصاب فمصيب، وإلا: فمخطئ. والمريسي: آثم يستحق العقاب. والأصم، وابن علية: لا، لخفائه وغموضه. ثم قال الأصم: بنقض القضاء فيه. وقال غيره بعدمه. وقيل: عليه أمارة، وهو اختيار الفقهاء والمتكلمين، كالأئمة الأربعة، والأستاذ وابن فورك. فقيل: هو غير مأمور بإصابته - عينا - لخفائه وغموضه، بل به، وبما غلب على ظنه، أنه حكمه، وإن كان مخطئا إن لم يصبه، لكنه معذور مأجور. وقيل: مأمور بإصابته - عينا - فإن أخطأ - فما غلب على ظنه، ولا إثم ولا عقاب تحقيقا. والتي فيها نص ولم يجده المكلف بعد الطلب والبحث الشديد أو وجده ولكن لم يعثر على وجه دلالته بعد إمعان النظر فيه: فعلى الخلاف، ومتى قصر في ذلك فمخطئ وآثم

على الرأيين جميعا. للمصوبة: (أ) قوله: {وكلا آتينا حكما وعلما} [الأنبياء: آية 79] والمخطئ لا يوصف به. (ب) (أصحابي كالنجوم ... ) الحديث، والاقتداء بالمخطئ ليس اهتداء. (ج) خبر معاذ، ووجه التمسك: أنه صوبه مطلقا. (د) الإجماع، وتقريره: أن الصحابة سوقت مخالفة بعضهم بعضا، مع اعتقاد كل منهم: بأن ما ذهب إليه حق وصواب، وإفتاء المخالفين وتوليتهم في الدماء والفروج، ولو كان المصيب واحدا لما كان كذلك. (هـ) لو كا فيها حكم، وليس عليه دليل وأمارة: لزم تكليف ما لا يطاق، أو كان يمكن الملكف من تحصيل العلم به، أو الظن، فالحاكم بغيره: حاكم بغير ما أنزل الله، فيكون عاصيا وفاسقا وكافرا، للنصوص الدالة عليه، ولو خصت النصوص - هنا - بالنافي للحرج: لخصت في الكلام لأن أدلتها أكثر غموضا، والخطأ فيه كفر وبدعة. (و) لو كان فيها حكم معين لكان عليه قاطع، إذ لو انتفى - بأصله - فتكليف بما لا يطاق، أو بوصفه و - حينئذ - لا بد وأن يستلزمه ظاهرا، إذ هو معناه، و - حينئذ - إن لم يتوقف استلزامه له في صورة على أمر: لزم الترجيح من غير مرجح، أو توقف: كان المجموع دليلا، إلا: ما فرض. أولا. ثم الكلام فيه كما في الأول، ولا يتسلسل فينتهي إلى ما يستلزمه في كل الصور، وهو المعنى من القاطع، لكنه بالط وفاقا، ولأنه يقتضي عدم الوقائع الاجتهادية، وأن يكن المخالف فيها كالمخالف لما فيه النص القاطع. وله تقرير آخر: أنه لو كان حكم لنصب عليه دليل قاطع، إزاحة للعذر، وقطعا للحجة، كما قال تعالى: {لئلا يكون للناس على الله حجة} [النساء: آية 165]، ولأنه تمكين له من الإتيان بما

أمر به، وهو واجب كاللطف، لما سبق. (ز) لو كان، لكان ما عداه خطأ، إجماعا، ولامتناع أن يكون النقيضان حقين في نفس الأمر، فلا يجوز للصحابي تولية مخالفة، لأنه تمكين من العمل بالباطل، ولا تمكينه من الفتوى، لأنه ترويجه، ولزم نقض أحكامه وتفسيقه إذا كان مخالفا في الدماء والفروج، إذ لا فرق بين القتل وبين الفتوى. والإنكار عليه، واللوازم باطلة. فإن قلت: لعل الخطأ فيه صغيرة أو كبيرة، والشبه سبب للعذر، وهو الفرق بين القتل والفتوى به، إذ التمسك بالشبه قد يكون سببا للسقوط. قلت: أجيب: عن (أ) بأن تركه ترك المأمور به فيستحق به النار، فيكون الخطأ فيه كبيرة، سيما في الدم، لقوله - عليه السلام - "من سعى في دم مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله" ونحوه من الأخبار. وهو ضعيف، إذ ليس كل ما يستحق بسببه النار كبيرة، فإن كل واجب محرم بهذه المثابة، وليس بكبيرة وفاقا، بل جواب: منع أن ما ذكر من اللوازم: من لوازم الكبائر. وعن (ب) أن الشبيه وغموض الأدلة في الأصول أكثر، مع الخطأ فيها كفر أو فسق. (ح) المجتهد مأمور بالعمل بما غلب على ظنه وفاقا ولا معنى لكونه حكم الله إلا: أنه أمر به، فإذا عمل به كان مصيبا.

(ط) لو كان مخطئا لما قطع بكون خطؤه مغفورا له، لأنه لا يحصل معه اعتقاد عدم جواز تخطئته، لكونه مضادا له، ولأنه يقتضي أن يكون الخطأ متعينا في الجانب الآخر، وهو غير متعين وفاقا. و- حينئذ - إن لم يجز إخلاله بنظر زائد يلزمه، لم يكن مكلفا به، للغفلة عنه، فلا يكون مخطئا وهو خلف، وإن جوز: فإن علم ما يغفر له إخلاله بنظر ما بعده، فباطل، لأنه لو اقتصر على أول المراتب المغفورة له عن غيرها، ولأن تتميز تلك المرتبة عن غيرها إغراء على الخطأ، وإلا: لم يقطع بكونه خطئه مغفورا له، لكن الإجماع المستمر إلى رماننا يفيد القطع بأنه مغفور به. وأجيب: عن (أ) بمنع أنه وصف به فيما أخطأ فيه، إذ ليس فيه دلالة على التعميم، ولا على التعيين، فلعله في غيره، أو في الجملة. ثم بمنع أنه لا يوصف فيه إذا كان مجدا في الطلب، أو ممعنا للنظر فيه. وعن (ب) بمنعه، فإن العامي لما وجب عليه العمل بقول الصحابي أو على المجتهد - إن قيل بحجية قوله - كان ذلك اهتداء أصاب أو أخطأ. ثم إنه معارض: (من أخطأ فله أجر واحد). ثم إنه خبر واحد، فلا يعارض القاطع وجوابه، فحمله على الرواية بعيد، فإن قولها لا يعد اهتداء. وعن (ج) بعض ما سبق. وعن (د) أن التلكيف يتغير عند الخطأ عندنا فيصير ما غلب على ظنه حكم الله في حقه، ثم الخطأ غير متعين في جهة، فلم يكن ثبوت ما ذكر من الأحكام في جهة معينة. وعن (هـ) ماسبق، ويخصه ما سبق من التخصيص لنفي الحرج والنقض بالأصول مندفع، لأن المطالب الأصولية جليلة محصورة، فيناسب تغليظ الأمر فيه، حتى تتوفر الدواعي

على طلب أدلتها، بخلاف الفروع. وعن (و) النقض بالأدلة الظاهرية. ثم لا نسلم أنه المعنى من القاطع، بل المعنى منه: ما لا يجوز التخلف عنه، ولا يلزم عدم وقوعه عدم جوازه. ثم لا نسلم أن الدليل هو المجموع - حينئذ - لجواز أن يكون المتوقف عليه شرطا لاقتضاء الدليل. ثم الشعور بالمدلول بعد العلم بوجه بدلالة الدليل، إنما هو بخلف الله عندنا، فجاز أن يخلق في صورة دون أخرى، فإن الترجيح من غير مرجح غير ممتنع بالنسبة إلى المختار. وعن التقرير الآخر: بعض ما سبق، ويخصه: أنه مبني على التحسين والتقبيح. ثم الحكمة تقتضي ذلك، فإن طلب ظن الحكم من الأدلة الظنية أشق، فكان أكثر ثوابا. وعن (ز) ما سبق في الجواب عن الأول. وعن (ح) أنه لا يدل على أنه حكم الله تعالى ابتداء، بل يدل على أنه يصير - إذ ذاك - حكمة الله، ولا نزاع فيه. وعن (ط) بمنع الملازمة، فإن المرتبة المغفورة له ما بعدها: أن يأتي ما في وسعه، بلا تقصير. للمخطئة: (أ) قوله: {ففهمناها سليمان} [الأنبياء: آية 79]، ولو كان كل مجتهد مصيبا لم يكن للتخصيص فائدة، وليس يدل على النفي بالمفهوم، بل بسياقها للمدح. وأورد: لعله على الأشبه، أو لوجد أن نص ابتداء أو ناسخ، وهو وإن كان بعيدا، لكنه محتمل. ورد: بأنه باطل على ما يأتي. ثم إن حمل ما بالفعل على ما بالقوة - خلاف الأصل، وحمل

الفهم على الوجدان غير جائز، أو خلاف الأصل. ثم إنه مدفوع بسياق الآية. (ب) قوله: {وما يعلم تأويله إلا الله} [آل عمران: آية 7] {لعلمه الذين يستنبطونه منهم} [النساء: آية 83]، {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا} [آل عمران: آية 105]. كل ما فيه نهي عن الاختلاف. وزيف: بأن الأول: ليس في شيء مما نحن فيه، يؤكده قراءة الوقف على قول (إلا الله) وما بعده، فإن كل ذلك غير لائق بالفروع. والثانية: بأن العلم في الاجتهادية غير متصور، وبأن الضمير عائد إلى المذكور في صدر الآية، وهو ليس حكما شرعيا، ثم لا دلالة فيه على التخطئة، سلمناه، لكن على تخطئة من ليس أهل الاستنباط، ولا نزاع في خطئه. والنهي إنما هو في الاختلاف في أصول الدين، لأن المجتهد مأمور باتباع ظنه إجماعا، ومن ضرورته وقوع الاختلاف، إذ يمتنع الاتفاق في الظنيات عادة، فكيف ينهي عن الاختلاف فيها. (ج) قوله - عليه السلام - (من اجتهد وأصاب ... ) الحديث وهو صريح في التخطئة. وحمل التخطئة فيه على التخطئة في الطريق، او على ما إذا وجد النص، وبالغ في طلبه ولم يجده - تقييد خلاف الأصل، على أن الخطأ في الطريق، أو على ما إذا وجد النص، وبالغ في طلبه ولم يجده - تقييد خلاف الأصل، على أن الخطأ في الطريق إن كان مع العلم بتقصيره، لم يمكن حمل النص عليه، لأنه آثم، وبدونه يمتنع عندهم، إذ مناط التكليف ليس إلا: غلبة الظن، والحمل على الأشبه متعذر، لما سبق، على أن المتبادر من الخطأ، إنما هو عدم مصادفة الواقع، لا عدم مصادفة. ما هو في تقريره. (د) إذا جزم بالحكمين المتقابلين: فإن لم يكن ذلك الدليل، أو لدليل مساو كان ذلك خطأ، فلم يكن كل مجتهد مصيبا، وإلا: فكذلكن لأن الخطأ لازم لهما أو لأحدهما. وأورد هذا على نمط آخر، وهو: أن كل واحد من المجتهدين إذا حزم برجحان أمارته في نفس الأمر على أمارة خصمه - كان اعتقادهما أو اعتقاد أحدهما خطأ، بمعنى عدم المطابقة، وهو من صور الخلاف. ولأن الاعتقاد الغير مطابق جهل، وأنه غير مأمور به وفاقا، فلا يكون إيتاء بما أمر به. وهو

ضعيف، لأنا نمنع لزوم الخطأ في أحد الاعتقادين، وإنما يصح الترديد في خلو الأمارة عن الرجحان وعدمه في نفس الأمر - أن لو كان له وجود في الخارج - وهو ممنوع، بل هو أمر اعتباري شرعي، يؤكده أن القائل به جعله من صور الخلاف، ولو كان أمرا حقيقيا لم يكن منه. ثم هذا الاعتقاد غير لازم للحكم بها، فلم يكن الخطأ لازما، وإن أورد ذلك بالنسبة إلى الظن - فيمتنع لزوم الخطأ في الاعتقادين، أو في أحدهما، بل كل واحد منهما راجح بالنسبة إلى اعتقاده. وما يقال: إن الرجحان في الذهن: إما بنفس اعتقاد الرجحان في الخارج، أوأمر لا ثبت إلا معه، لأن العلم بالضرورة أنا إذا اعتقدنا في الشيء أن وجوده مساو لعدمه، فمعه يمتنع أن يكون اعتقاد وجوده راجحا على عدمه. ضعيف: لأنا نمنع ذلك عند اختلاف متعلقهما من الذهن والخارج. ثم ذلك فيما له وجود في الخارج. ثم كون الشيء لا يبقى عند تعقل غيره، ولا يدل على أنه عينه، أو لا ينفك عنه، فإن الضد قد يعقل مع الذهول عن ضده، فضلا عن عدمه، مع أنه لا ينفي ذلك عند تعقل وجوده. هذا إن أريد به عدم الانفكاك في الذهن، أما في الخارج: فإنما يتأتى فيما له وجود خارجي، وهو ممنوع فيما نحن فيه. ثم إنه معارض بما أنه لو كان نفس اعتقاد رجحانه في الخارج أو أمر لا ينفك عنه لما تصور وجوده بدونه. (هـ) المجتهد مكلف بالحكم بطريق، إذ هو بالتشهي باطل وفاقا، وذلك الطريق: إن خلا عن المعارض- تعين العمل به، وإلا: فبالراجح إن ترجح أحدهما، وإلا فالتخيير أو التساقط، والرجوع إلى غيرهما، وعلى كل تقدير يعين الحكم: فمخالفه مخطئ. لا يقال: إن وجد في المجتهد فيه طريق: فمخالفه مستحق للعقاب، لما سبق، وإلا: فامتناع الحكم فيه بالتشهي ممنوع. ثم إنما يجب العمل بالراجح لو علم، وعلم رجحانه، وقد يعتقد المكلف لعين المرجوح أو رجحانه، لأنه إن عنى بالطريق ما يفيد القطع لم يلزم من عدمه جواز الحكم بالتشهي، وإلا: لم يلزم العقاب لأن مخالفة الظني معتبرة لما سبق. (و) أيضا - فالإجماع منعقد على تحريم القول في الدين بالتشهي مطلقا.

وأجيب عنه بإجماع الأمة على الترجيح بأمور حقيقية، وسنده ما سبق. وعن (ب): أن مقدار الرجحان ممكن الاطلاع عليه، وإلا: لم يكلف إلا: بالمشترك بين الأمارات. و - حينئذ - لا رجحان بالنسبة إلى المكلف - هذا خلف - ثم إن لم يكلف بالوصول إلى أقصى الإمكان، لم تكن التخطئة عند بعض المراتب أولى، فكل من عمل بالظن - ولو مع ألف تقصير - مصيب - هذا خلف - فهو مكلف به، فإذا لم يصل إليه كان مخطئا. وفيه نظر، من حيث إن المكلف به - وإن كان هو أقصى الإمكان - لكن بالنسبة إلى ظنه، لا بالنسبة إلى نفس الأمر، و - حينئذ - لا يلزم الخطأ إذا انتهى إلى أقصى الإمكان بالنسبة إلى ظنه - وإن كان لا يصل إلى أقصى الإمكان بالنسبة إلى ما في نفس الأمر - ثم إنه خطأ في الطريق، ولا نزاع فيه. (و) المجتهد مستدل، والاستدلال بالدليل على المدلول متوقف على وجودهما، فامتنع حصول المدلول بعد الظن الحاصل بعده. فإن قلت: المطلوب ظن الحكم لا الحكم. قلت: إن كان ظن تقتضيه الأمارة: فالمحذور لازم، أو غيره: فباطل وفاقا. (ز) المجتهد طالب، فمتوقف على مطلوب، متقدم على طلبه، فامتنع حصوله بعده، وهو كالأول. والاستدلال عليه: بأن تصويب الكل يقتضي الجمع بين المتنافيين ضعيف جدا، فإن اتحاد النسبة معتبر فيه وفاقا، وهو غير حاصل. (ح) أن تصويب الكل يفضي إلى منازعة لا يمكن قطعها، فإن المجتهد إذا قال لامرأته المجتهدة: (أنت بائن) ثم راجعها، لأنه يرى الرجعة بالكنايات، والمرأة تنكر ذلك، فإنهما يتنازعان في الوطء منازعة لا يمكن قطعها، وكذا نحوها من المسائل، والمنازعة التي يمكن رفعها شرعا محال، فما أفضي إليه - أيضا - كذلك.

وهو ضعيف، لأنه وارد على الخصم، لأنه - وإن لم يقل بتصويب الكل - لكنه يوجب العمل بما غلب على الظن، و - حينئذ - المحذور لازم، والجواب واحد. لنذكر طريق فصل الخصومة، ليعلم أنه غير مختص بأحد المذهبين. فنقول الواقعة إن نزلت بمجتهد أو مقلد، واختصت به، وعمل باجتهاده، أو بفتوى المفتي، فإن استوت الأمارات أو المفتون في العلم والورع تخير. وإن تعلقت بغيره وأمكن الصلح فيه كالمال اصطلحا، أو رجعا إلى حاكم أو حكم، وإلا: فالرجوع إلى حاكم أو حكم. (ط) لو كان كل مجتهد مصيبا: لم يكن للمناظرة فائدة، لأن فائدتها معرفة الصواب عن الخطأ، ليستمر صاحب الصواب عليه، ويرجع الذاهب إلى نقيضه إليه، فإذا كان الكل صوابا - لم تحصل هذه الفائدة. وهو - أيضا - ضعيف، لأن الفائدة غير منحصرة في ذلك، فإن من فوائدها معرفة وجود الدليل القاطع، وانتفائه ليتفرع عليه جواز الاجتهاد وعدمه، والدليل الراجح، ووجوه التراجيح والدلالة، وتشحيذ الخاطر، والتمرين على طريق الاجتهاد - أيضا - كذلك. (ي) الأصل عدم تصويب الكل، والأصل عدم الدليل عليه، سيما بعد البحث الشديد، إذ قد ظهر ضعف أدلتهم. و- حينئذ - يلزم القضاء بالبقاء على الحكم الأصلي، ولا يتأتى مثله في تصويب واحد (غير معين، لأنه وجد الإجماع على تصويب واحد)، لأن من قال به في الكل، فقد قال به في واحد غير معين، لأنه وجد الإجماع. ثم بعينه باطل إجماعا، فهو غير معين، أو نقول: إذا حصل الإجماع على تصويب واحد، وجب أن يكون غير معين لئلا يلزم خلاف الإجماع. (يا) الصحابة صرحوا بالتخطئة، روى ذلك عن الصديق وعمر وعلي وابن مسعود وابن عباس، وعن جماهيرهم في تخطئة ابن عباس في إنكار العول، ولم ينقل في ذلك نكير، وإلا:

لنقل واشتهر، فكان إجماعا. فإن قلت: فقد نقل عنهم تولية المخالف في الدماء والفروج، ونمكنه من الفتوى فيها، وترك البراءة والتفسيق، وهو يدل على تصويبه. قلت: التخطئة مصرح بها، والتصويب مستدل عليه لو سلم - فكان الأول أولى، ولأن الخطأ غير متعين، فلم يمكن المنع من ذلك. لا يقال. بالتوفيق أولى من الترجيح، لأنه يقتضي إعمال أحدهما. دون الآخر، بخلاف التوفيق، فتحمل التخطئة على ما إذا قصر في الاجتهاد أو لم يكن أهلا له، أو فيما نص قاطع لم يجده بعد البحث التام. لأن التوفيق متعذر، لأن الحمل الخطأ على ما ذكرتم من الصور - خلاف الظاهر، إذ الظاهر فهم الاستقصاء فيه، حتى كان الواحد منهم يبقى فيه برهة من الزمان. وأما أهلية الاجتهاد: فقد كان ثابتا لهم بإجماع الأمة. وأما خفاء النص عليهم: فكذلك، لأنه نقلة الشريعة، والباحثون عنه، ثم عدم إظهارهم النص بعد التخطئة ينفيه. فرع: المصوبة: منهم من قال بالأشبه. والأشبه نفيه، لأنه إن كان هو العمل بأقوى الأمارات - وهو حاصل - كان الأمر بالعمل به واردا إجماعا، فكان الحكم معينا، وإن لم يكن حاصلا لم يكن العمل بالأشبه حاصلا. وإلا: فإن كان مصلحة العبد - وقلنا بوجوب رعاية مصالحه. على الله تعالى - وجب أن ينص عليه، ليتمكن من الاستيفاء، فيكون الفعل وإن لم نقل به - جاز أن ينص على غيره فيبطل القول به. أو مفسدته - وهو باطل - إذ ليس في الأمة من يوجبها على الله تعالى، أو لا مصلحته ولا مفسدته: فهو كذلك، إذ القول بالوجوب على الله تعالى، مع أنه لا مصلحته ولا مفسدته باطل إجماعا. وقدح فيه: أنه - وإن جاز أن ينص على غيره - لكنه لا ينص لا: على ما هو مصلحته،

خاتمة

ونظام العالم، تفضلا على ما أجرى عادته به، فلا يلزم بطلانه. ولمن قال به: (أ) حديث التخطئة، وإذ هي ليست بحسب الواقع، لما سبق، فهي لمقدر. (ب) المجتهد طالب، فله مطلوب، وليس هو واقعا، لما سبق فهو مقدر. وأجيب: (أ) و (ب): بمنع أن ليس واقعا، أدلة المصوبة ظهر ضعفها. ثم إنه معارض: بأن التكليف بإصابة ما لا دليل عليه ولا أمارة - تكليف ما لا يطاق. خاتمة: لا ينقض حكم الحاكم في مجتهد فيه، وإلا: لبطلت فائدة نصب الحكام، بل إذا وقع على خلاف القاطع والقياس الجلي. إنما ينقض على خلاف الخبر الواحد في مسائل، لقوة أدلتها، وشهرة الخبر. وإن حكم حاكم على خلاف اجتهاده مقلدا لمجتهد آخر فهو باطل، إذ لا يجوز للمجتهد التقليد بعد الاجتهاد، وظهور مقتضاه وفاقا. وإن مقلدا، وحكم على خلاف مذهبه مقلدا لآخر: لم يجز نقضه - إن جوز الحكم للمقلد، وجوز له تقليد غير إمامه، وإلا جاز. وإذا تغير اجتهاد المجتهد - بعد اتصاله بحكم الحاكم - لم ينقض، لما سبق، أو قبله - وهو مستديم عليه - لم يستمر حكمه في حقه، وفيمن عمل بفتواه، كما يجب التحول إذا تغير اجتهاد المتبوع، وفي الأخيرة وجه ضعف. المفتي والمستفتي مسألة إذا أفتى مرة بعد اجتهاده، ثم سئل عنها أخرى: ثالثها: أنه يستأنف، إن لم يذكر طريق اجتهاده، ويعمل به وافق، أو خالف.

مسألة

والأحسن: إعلام المستفتي به أولا، كما فعله ابن مسعود لئلا يبقى عمله عمله بغير موجب. الموجب: أنه يحتمل أن يتغير، ويطلع على ما لم يطلع عليه أولا. للنافي: كان الغالب على ظنه قوة ما تسمك به أولا، والأصل استمراره، والعمل بالظن واجب. مسألة في فتوى غير المجتهد عن المجتهد الميت: ثالثها: يجوز إن عدم، كما في زماننا. وقيل: إن كان الحاكي مجتهدا في مذهبه. للمانع: أنه لا قول للميت، لانعقاد الإجماع مع خلافه. وأيضا - لو جاز، لجاز لعامي، وهو خلاف العامي الإجماع. وإنما صنفت كتب الفقه، لمعرفة المتفق والمختلف، واستفادة طرق الاجتهاد من تصرفهم. وأورد: بمنع انعقاد الإجماع مع خلاف، وقد سبق، وبالفرق بين العالم والعامي، وهو واضح. ولمن جوز: أن قول المجتهد بالنسبة إلى العامي كقول الرسول بالنسبة إلى المجتهد، فإذا نقله الثقة إليه -

مسألة

وجب عليه اتباعه، كقول الرسول. أورد: بمنع الأولى، إذ يجوز العدول عنه إلى غيره، دون قول الرسول سلمناه، لكل في حياته، أما بعد موته: فممنوع، ثم المنقول إليه ليس له تمييز ما نقل إليه، بخلاف المجتهد في قول الرسول. للمفصل: الضرورة - عند عدم المجتهد. و - أيضا - الإجماع منعقد عليه في زماننا. وفيه نظر، إذ لا عبرة بإجماع غير المجتهدين. للأخير: أن المجتهد إذا كان عالما ثقة، والحاكي ثقة، فاهما معنى كلام المجتهد - حصل للعامي ظن أن ما حكاه حكم الله، والظن حجة. وأورد: بأن مطلقه غير معتبر، بل ما يحصل من طريق معتبرة شرعا، فلم قلتم: إنه كذلك؟ والأولى: التعويل على الحاجة والضرورة. وعن المجتهد إلى الجواز إن سمعه منه شفاها، أو أخبره ثقة، أو وجده في كتاب موثوق به إذ يجوز للمرأة أن تعمل في حيضها بنقل زوجها عن المفتي. ورجع علي إلى الحكاية المقداد عن الرسول - عليه السلام - في شأن المذي. وفيه نظر، لجواز أن يكون ذلك بطريق نقل الخبر. ثم لا يعتبر في الحاكي العلم، ورتبة الاجتهاد في مذهب من حكي عنه. وحيث يجوز الفتوى - جاز التحمل، وإلا: فلا. مسألة يجوز خلو الزمان عن المفتي مطلقا. وقيل: لا. لنا: (أ) قوله - عليه السلام - "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا" الحديث، وهو صريح

في المطلوب. (ب) أنه غير ممتنع لذاته، وهو ظاهر، ولا لأمر منفصل، إذ الأصل عدمه. لهم: (أ) قوله - عليه السلام - "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتي أمر الله"، وقوله: "واشوقاه إلى لقاء إخواني، قالوا ألسنا إخوانك؟ فقال عليه السلام: أنتم أصحابي، وإخواني قوم يأتون بعدي يهربون بدينهم من شاهق إلى شاهق، ويصلحون إذا فسد الناس" التمسك بهما ظاهر. (ب) تحصيل مرتبة الإفتاء فرض على كفاية، فيمتنع اتفاق الأمة على تركه. (ج) تجويزه يفضي إلى تجويز اندراس الشريعة والدين، وهو ممتنع، للنصوص الدالة عليه. وأجيب: عن (أ) أنه لا دلالة فيهما على نفي الجواز المتنازع فيه، ثم المراد من الظهور بالنصر والتمكن والذب عن الدين، والمراد من الإصلاح إصلاح أحوال أنفسهم بجليات الدين، والأخذ بالاحتياط فيما اشتبه فيه الأمر، أو بطريق الفتيا ممن كان قبلهم. وإن أريد منه: ما هو أعم منه، فلعل المراد: الإصلاح بالنص، والرغبة عن الدنيا، والامتناع عن المناهي. ثم بالمعارضة بما يدل على خلو الزمان من العلماء، والترجيح معنا، لكثرة وصراحة الدلالة. وعن (ب): أنه قد يحصل بموت العلماء، ثم إنه إنما يجب إذا كان فيهم من صلاحية

مسألة

تحصيله، فإن عمهم البلادة يمتنع حصوله منهم: فلا، فلعل عصرا يتف فيه ذلك. وعن (ج) بمنع أنه يفضي إليه، إذ لا يفضي ذلك إلى اندراس جليات الدين، كالأركان، ثم يجوز أن تنقل إليهم الأحكام من أهل عصر قبلهم ثم يمتنع امتناع اللازم، والنصوص معارضة بما يقابلها. مسألة يجوز للعامي تقليد المجتهد في الفروع. خلافا لمعتزلة بغداد. وفرق الجبائي بين الاجتهادية وغيرها. لنا: (أ) قوله تعالى: {فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} [النحل: آية 43] والأحكام غير معلومة للعامي ولا مظنونة، فجاز له التقليد أو وجب، إذ لا فائدة في السؤال بدون القبول. وامتناع التعليل في الأصول ممنوع، وبتقدير تسليمه: فتخصيصه عنه لمنفصل لا يقتضي تخصيص غيره عنه، وحمل ذلك على السؤال عن أدلة الأحكام تقييد من غير الدليل. (ب) الإجماع قبل حدوث المخالف، إذ العلماء في كل عصر يسوغون للعامة تقليدهم. وادعاء أن ذلك بعد بيان مأخذ اجتهادهم لهم: بهت صريح. (ج) العامي إذا نزلت به واقعة فمأمور بشيء إجماعا، وليس هو البراءة الأصلية وفاقا، ولا الاستدلال بالسمعية، لأنه لا يمكن تحصيل رتبته في ذلك الوقت، ولا يلزم ذلك قبله، إذ السلف ما كانوا يوجبون على المكلفين بأسرهم تحصيل رتبة الاجتهاد والفتيا، بدليل عدم الذم ولأن إيجابه عليهم يخل بنظام العالم وبمعاشهم، فهو - إذا - التقليد. لا يقال: نحن لا نوجب ذلك، وإنما نوجب أحد الأمرين، إما ذلك، أو السؤال عن الحكم ودليله ووجه دلالته، ولا محذور، وهو سهل لأن القائلين به لم يقولوا بحجية الإجماع، وخبر الواحد والقياس، والظواهر المحتملة، بل يقولوا: إن حكم العقل في المنافع: الإباحة، وفي المضار الحظر.

وإنما يترك هذا الأصل لنص قاطع المتن والدلالة. فإن وجد في الواقعة عرفه المفتي للسائل، وإلا: عرفه أنه مأمور بحكم العقل، فإن عرفه عمل به، وإلا: نبهه عليه. ثم إنه منقوض بالتكليف بمعرفة أدلة الأصول - لأنا نقول: إن إجماعهم على عدم ذمهم على ترك تحصيل رتبة الاستدلال، وترك السؤال عن الدليل، ووجه دلالته، وعلى عدم ذم المفتي إذا ترك ذلك عند عقله المستفتي عنه - ينفي ما ذكرتم، ومنع الإجماع عليه: منع مكابرة. ومنع التقليد في الأصول: ممنوع، ثم الفرق: أن مطالب الأصول قليلة، غير متكرره، وأدلتها قاطعة، حاملة للطباع السليمة على الاعتراف بمقتضاها، فلم يمتنع فيه تحصيل رتبة الاستدلال على سبيل الجملة فيها. وعدم الفرق بين العلم الجملي والتفصيلي - ممنوع، وبيانه: أن الجملي بأدنى مناف يضطرب دونه. ولأن الفرق بين علم من علم متن الدليل ووجه دلالته، وبين علم من علم ذلك وعلم الجواب عن جميع قوادحه معلوم بالضرورة. ولأن من شرط العلم في الأصول: اكتفى بأصل الدليل، ولم يشترط العلم بالوجواب عن جميع الشبه والقوادح. لهم: (أ) قوله تعالى: {وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} [البقرة: آية 169]، وآيات ذم التقليد. (ب) قوله عليه السلام -: "طلب العلم فريضة" - الحديث وقوله - عليه السلام -

"اجتهدوا فكل ميسر لما خلق له"، وهما عامان في كل علم وشخص، فإن خصص منه شيء بقي الباقي على أصله. (ج) أنه قد يقلد المخطئ، إذ لا تمييز بينه وبين غيره، وهو أمر باتباع الخطأز (د) جوازه يقضي إلى عدمه، لأنه يقتضي جواز التقليد في المنع منه. (هـ) لو جاز، لجاز في الأصول، بجامع العمل بالظن. للجبائي: بأن الحق في غير الاجتهادية متعين، فلم يؤمن في التقليد من الخطأ، بخلاف الاجتهادية، فإن كل مجتهد مصيب. وأجيب: عن (أ): المراد منه الأصول جمعا بين الأدلة، ولقياس الآية، ويخص نص ذم التقليد: بأنه حكاية حال الكفار. والأول: أنه منقوض بجميع المظنونات، كالبراءة الأصلية، والقياس، وخبر الواحد، إن قالوا بها، وبالعمل بالظن في أمور الدنيا، كقيم المتلفات وأروش الجنايات، والفتوى والشهادات، وبما إذا بين له مستند، وإن كان قطعيا، إذ قوله ليس بمقطوع الصدق. وعن (ب): المراد منه المعرفة والشعور، لا العم الاصطلاحي، ثم المراد منه العلم بالأركان ونحوها جمعا بين الأدلة، ثم إن تحصيل العلم في جميع الفروع غير واجب إجماعا، ولأنه متعذر، والأمر بالعلم أمر بالنظر المفضي إليه، دون الذي يفضي إلى الظن، فليس فيه دلالة على المطلوب، المراد من الاجتهاد: الاجتهاد اللغوي، لقرينة قوله: "فكل ميسر لما خلق له"، ثم إنه يحمل على الكفاية، جمعا بين الدليلين ثم إنه أمر لمن له أهلية الاجتهاد، دفعا

فرع

لتكليف ما لا يطاق، أو الإضمار. وعن (ج): بمنع أنه أمر باتباع الخطأ، فإنه لما أمر باتباع من يغلب على ظنه صدقه - صار ذلك حكم الله في حقه، كالمجتهد، إذا أخطأ ثم إنه حاصل لو اجتهد فإنه لا يأمن من الخطأ. وعن (د) مبنع بطلانه مطلقا، فإنه إذا كان شرط إثباته مخالفا لشرط نفيه جاز، كما في صورتنا، ثم إنه منقوض بوجوب العمل بالظن، فإنه قد يفضي إلى المنع منه، والجواب واحد. وعن (هـ) ما تقدم من الفرق. وعن حجة الجبائي: بمنع أن كل مجتهد مصيب، ثم إنه يجوز أن يقصر في الاجتهاد، ثم إنه لا يميز بينهما غير المجتهد، فيكون جواز التقليد مشروطا بحصول رتبة الاجتهاد. فرع: العامي إذ استفتى في حادثة فأفتى فيها بحكم معين، ثم عادت ونسى الحكم: وجب الاستفتاء ثانيا، وإلا: ففيه احتمالان. مسألة لا يجوز الاستفتاء إلا: عمن يغلب على ظنه كونه مجتهدا ورعا وفاقا. ويعلم ذلك بانتصابه للفتوى واجتماع الناس على سؤاله، وإنما وجب عليه ذلك، لأنه بمنزلة الأمارة بالنسبة إلى المجتهد، وهذا إن اتفق لغير الأهل لجاه اتفق لغير الأهل لجاه اتفق له، لكنه نادر، لا يخفى، ولا طريق للعامي إلى معروفة الأهلية إلا: ذلك. والأصح: أنه لا يجوز الاستفتاء من مجهول الحال. وقياسه على الشهادة والرواية بعيد، إذ الإسلام وازع عن المعاصي ظاهرا، فربما يكتفي به ظاهرا، بخلاف العلم سيما رتبة الاجتهاد، فإن الإسلام غير محصل له ظاهرا، لجواز التقليد فيه، وإن كان فرض عين. ثم إن احتمال العامية غالبة أصلية، بخلاف العالمية، نعم لو علم علمه، وتردد في عدالته، : اتجه الخلاف في جواز الاستفتاء منه. وإن تعدد المفتون واتفقوا: تعين عليه. وإن اختلفوا: فيجب عليه الاجتهادفي أعلمهم وأورعهم عند الإمام أحمد وأبي سريج والقفال، وجمع من

مسألة

الفقهاء والأصوليين: لأن أقوالهم بالنسبة إلى العامي كالأمارات بالنسبة إليهم، ولأن النظر في تقليد الأعم، والأورع أكثر، ويعرف ذلك بالشهرة والتسامح، وبكثرة السؤال من أهل الخبرة، وتعظيم الناس له لعلمه وورعه، واشتغال الناس عليه، والاستفتاء منه، والتجربة: بأن يحفظ مسائل وأجوبتها، ويسألهم عنها، فمن أصاب أو كان أكثر إصابة فهو أعلم. وقال القاضي وجمع من الفقهاء والأصوليين: لا يجب لتعذره عليه، أو تعسره، لقوله - عليه السلام - "أصحابي كالنجوم ... " الحديث، ولأن الصحابة والعلماء في كل عصر، لا ينكرون على العوام بتركهم النظر في أحوالهم، ولأن الخلفاء الأربعة، وكذا الأفاضل في كل عصر ما كانوا ينكرون على المستفتي، إذا ترك أقوالهم، وأخذ بقول المفضول، فإذا لم يجب ذلك مع العلم أو الظن بتحققه، فلأن لا يجب الاجتهاد بالطريق الأولى. فإن لم يوجب، أو أوجب - لكن تخير - يخير، ولا يبعد التوقف إلى ظهور الرجحان في صورة التخيير إن لم يفت المقصود، وتخريجه على تعادل الأمارتين - بعيد، لإمكان حمله على التعادل الذهني. وعند ظن التساوي في الدين، دون العلم: يجب الأخذ بقول الأعلم على الأصح، لكثرة الظن، وقياسا على تقديمه في الصلاة. وقيل: يتخير، وهو بعيد. وفي عكسه: يجب الأخذ بقول الأدين وفاقا، والفرق عسر على فرق. وعند الاختلاف: الأظهر أنه يجب الأخذ بقول الأعلم. وقياس مذهب من خير: يقتضي رجحان قول الأدين. مسألة الأظهر: جواز الاستفتاء لعالم غير مجتهد، لأنه كالعامي بالنسبة إلى الحكم المطلوب.

وقيل: لا، لأن له صلاحية معرفة طرق الأحكام، فيجب عليه أن يعرف الحكم بدليله، ولو بالمراجعة إلى من يعرف ذلك. والمجتهد: إذا اجتهد - ظن ذلك حكما - لم يجز له التقليد وفاقا. وإن لم يجتهد: فثالثها: أنه يجوز تقليد الصحابي، إذا كان مترجحا على غيره في نظره. الشافعي - قديما - أنه يجوز لغير الصحابي تقليدهم، وهو يشعر: أنه لا يجوز لهم تقليد غيرهم، ولا بعضهم بعضا. محمد بن الحسن: يجوز تقليد الأعلم. ابن سريج: بشرط التخيير، أو فوات الوقت. وقيل: فيما يخصه دون ما يفتي فيه. وقيل: بشرط خوف فوات الوقت. ونسبا - أيضا - إليه. للمانع: (أ) {فاعتبروا} [الحشر: آية 2]، والعامي غير مراد منه وفاقا لعجزه، فلو لم يكن المجتهد مرادا - لزم التعطيل. (ب) القياس على الأصول، بجامع القدرة على الاحتراز عن الضرر المحتمل. وفرق: بأن المطلوب في الفروع الظن، وأنه حاصل بالتقليد، فإن أريد به مطلقا: فممنوع، والمستند إلى الإمارة غير حاصل. ولا ينقضي: بقضاء القاضي، إذ لا يجوز خلافه، مع أنه تقليد، ويجوز السؤال عمن يخبر عن الرسول للقادر على سؤاله، لأنا نمنع أنه تقليد، إذ الدليل

لما دل على أن قضاء القاضي لا ينقض، كان ذلك لا بذلك الدليل. ولا يقال: إنه يقتضي أن لا يكون قبول العامي قول المفتي تقليدا، لان العامي لا يعرف الدليل، ووجه دلالته على المطلوب، فكان تقليدا بخلاف المجتهد، وبمنع جوازه، ثم لما دل القاطع على وجوب العمل بخبر الواحد - كان ذلك قطعيا لا ظنيا. (ج) لو جاز قبل الاجتهاد لجاز بعده، كالعامي إذا ظن الحكم من المستفتي - جاز له أن يستفتي من الآخر. وهو ضعيف، لخلوه عن الجامع. ثم الفرق: أن الظن الحاصل من اجتهاده أقوى من اجتهاد غيره، فلا يجوز العمل به معه، بخلاف قول المفتي، فإنه ليس يلزم أن يكون الأول أقوى. (د) لو جاز لغير الصحابي تقليده - لجاز تقليد بعضهم بعضا، و - حينئذ - يلزم أن لا يكون لمناظرتهم فيما بينهم فائدة. وهو كقبله، إذ الملازمة ممنوعة، لوضوح الفرق، ثم بمنع انتفاء اللازمن ثم بمنع أنه لا فائدة - حينئذ - في المناظرة. (هـ) الدليل ينفي التقليد، ترك العمل به في العامي للضرورة فيبقى في غيره على الأصل. (و) لا بد لجوازه من دليل، والأصل عدمه. للمجوز: (أ) قوله تعالى: {فسئلوا أهل الذكر} [الأنبياء: آية 7]. (ب) قوله تعالى: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة} [التوبة: آية 122] أوجب الحذر بإنذار من تفقه في الدين من غير فرق، فيجب عموما. (ج) قوله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} [النساء: آية 59]، والعلماء منهم لنفاذ أمرهم على غيرهم من غير عكس. (د) قوله - عليه السلام - "اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - "، وقوله:

"عليكم بسنتي ... "، الحديث، وقوله "أصحابي كالنجوم ... "، الحديث وهو خاص بالصحابة. (هـ) قال عبد الرحمن بن عوف لعثمان: (أبايعك على كتاب الله وسنة ورسوله، وسيرة الشيخين)، فقبل ولم ينكر عليه، فكان إجماعا، وعلي لم يقبله، لا أنه أنكره، ونحن لا نقول بوجوب قبوله، ويروى رجوع عمر إلى قول علي ومعاذ بن جبل - رضي الله عنهم - من غير نكير. (و) اجتهاد نفسه لا يفيد إلا: الظن، واجتهاد غيره - أيضا - يفيده فكان جائز الاتباع، كاجتهاد نفسه. (ز) إذا أفتاه المجتهد حصل له ظن أنه حكم الله تعالى، وأنه يقتضي ظن حصول العقاب عند عدم العمل به، فكان يجب العمل به دفعا للضرر المظنون. (ح) أنه حكم يسوغ فيه الاجتهاد، فجاز لمن يكون ظانا له أن يتقلده كالعامي بجامع حصول الظن بقوله. (ط) قياسه على قبول خبر الواحد، بل أولى، لأنه أخبر بعد استفراغ وسعه. وأجيب: عن (أ): بالنقض بما بعد الاجتهاد، فإنه - أيضا - غير عالم. ورد: بأنه خرج للإجماع، فيبقى ما عداه على الأصل، وبأن المراد منه: المقلد، إذ المجتهدون لا يصدق عليهم: {إن كنتم لا تعلمون} [الأنبياء: آية 7]، فإن المعتبر في ذلك التمكين منه، لا العلم بالفعل. ولأن المجتهد من أهل الذكر، لكونه متأهلا له، فيكون مسئولا، لا سائلا. ولأن ظاهره وجوب السؤال، وهو غير ثابت في حقه إجماعا، وإنما هو ثاب في حق العوام، فيختص بهم، لئلا يلزم الترك بالظاهر. ثم ما عنه السؤال غير مذكور، فيحمل على السؤال عن

الأخبار، أو عن وجه دلالة الدليل، والحمل على العموم، حتى يندرج تحته الحكم، غير جائز، إذ المقتضى لا عموم له. وعن (ب) المراد منه الراية دون الفتوى، على ما سبق، ثم إنه يقتضي وجوب الحذر، وهو غير ثابت في حقه وفاقا، ثم إن ما بعد الاجتهاد مخصوص عنه، وكذا ما قبله، بجامع التمكن من معرفة الحكم بالنظر. وعن (ج) أن المتبادر منه الأمراء والولاة، ثم المراد العوام لوجوب الطاعة عليهم، دون المجتهد، ثم المراد وجوبها في الأقضية. وعن (د) أن قول الصحابي حجة والخطاب لغيرهم، ثم المخاطبون العوام، لقرينة الوجوب، ثم المراد الاقتداء بسيرتهم، على ما يأتي شرحها، ثم إنه مخصوص بهم. وعن (هـ) المراد سيرتهم في العدل والإنصاف، وحسن الانقياد له. إذ هو المتبادر منها، سلمناه، لكنه يخص به جمعا بين الدليلين. وعن (و) بالفرق، فإن ظن اجتهاده أقوى. وعن (ز) أنه صرف عنه ما ذكرنا م الدليل السمعي، ثم الحذر من مخالفة ظن نفسه أولى. وعن (ح) ما سبق من الفرق. وعن (ط) أن احتمال الخطأ في تمسه بالخبر ابتداء أقل. لا يجوز للعامي تقليد غير مقلده، فما قلد فيه. وفي غيره: ثالثها: يجوز قبل تقرر المذاهب، واختاره إمام الحرمين. للمانع: تجويزه يرفع التكاليف وفوائدها. وهو يقتضي وجوب انتحال مذهب معين ابتداء وفيه خلاف، مرتب على السابق، وأولى بعدم الوجوب. للمجوز: إجماع الصحابة والسلف الصالح، إذ ما كانوا يلزمون العوام بالانتحال بمذهب معين ابتداء ودواما.

مسألة

للمفصل: هذا قبل تقرر المذاهب، فأما بعده: فلا يجوز، للخبط عدم الضبط. وإذا التزم العامي مذهبا معينا: ففي جواز رجوعه إلى غيره في بعض الحوادث: ثالثها: أنه يجوز أن لم يتصل العمل به. مسألة التقليد في الأصول جائز عند أكثر السلف والفقهاء وبعض المتكلمين كالعنبري والحشوية والتعليمية. واختص بعضهم بوجوبه. وأكثر المتكلمين على عدم جوازه. (أ) لأن تحصيل العلم فيه واجب على الرسول، بقوله: {فاعلم} [محمد: آية 19]، فكذا علينا، لآية الاتباع. ولا يرد عليه ما قيل في امتناع العلم بالله، لأنه في الوحدانية. (ب) ما في الكتاب والسنة في ذم التقليد، وفي وجوب النظر، والفكر، ولا يمكن صرفه عنه إلى الفروع، لأنه خلاف الإجماع. (ج) الإجماع منعقد على وجوب معرفة الله وصفاته، وهي غير حاصلة بالتقليد، إذ المقلد غير معصوم عن الكذب، ولأنه لو أفاد العلم بقدم العالم وحدوثه، فيلزم كونه قديما وحادثا. و- أيضا - لا يفيد علما ضروريا، وهو ضروري، ولا نظريا، لأنه لا بد له من دليل، وإلا: لم يكن نظريا، - حينئذ - يخرج عن كونه تقليدا. وأورد: أنه إن أريد به تحصيل اعتقاد مطابق لما هو الواقع في نفسه فمسلم، والتقليد يفيده، وما ذكرتم لا ينفيه، وإن عنى به غيره، فانعقاد الإجماع عليه - ممنوع. (د) أن الواجب تقليد المحق، ولا تعرف حقيقته إلا: بالدليل، فيخرج عن كونه تقليدا. وهو منقوض بالفرع على رأي المصوبة وغيرهم. لا يقال: الظن فيهما كاف، فإن أخطأ كان

الخطأ محطوطا عنه، لأنه يقال مثله في الأصول، بل أولى لغموض الأدلة، وكثر الشبه، وهو على رأي الجاحظ والعنبري، وأما على رأي الجماهير: فهو باطل، لما سبق. للمجوز: (أ) النظر غير واجب، لكونه منهيا عنه، لأنه يفضي إلى الجدل، وهو منهي عنه، لقوله تعالى: {ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا} [غافر: آية 4]، وقوله: {إلا جدلا بل هم قوم خصمون} [الزخرف: آية 58]، ولقوله - عليه السلام -: "إنما أهل من كان قبلكم بخوضهم في هذا"، قاله - حين سمع كلامهم في القدر، وقال: "عليكم بدين العجائز"، وهو للوجوب، فيكون ضده محرما، والمفضي إلى المحرم محرم، و - حينئذ - يلزم جواز التقليد فيها. ورد: بمنع أن النظر منهي عنه، وما ذكرتم من النصوص محمول على الجدال بالباطل، جمعا بينها وبين ما يدل على أنه مأمور به، وهو كثير، وقوله: "عليكم بدين العجائز" - ما صح، سلمناه، لكنه محمول على التسليم لقضاء الله وقدره. (ب) وعليه التعويل: أنه - عليه السلام - كان يحكم بالإسلام لمن تلفظ بكلمتي الشهادة من غير سؤال منه عن معرفة دليل وجود الصانع وتوحيده، وكونه مختارا - مع أن الظاهر عدم معرفتها. من أحلاف العرب والبدو. (ج) أنه لم ينقل عن الصحابة خوضهم فيها لعدم النقل، ولو كانوا مأمورين لما أخلوا به. وأورد عليهما: بمنع أنهم ما كانوا يعلمون ذلك، لامتناع نسبة الجهل المنهي عنه، و - حينئذ - يلزم الدور.

الأدلة التي اختلف فيها

ولا يمكن ادعاء كون العلم مركوزا في النفس بالنسبة إلى بقية المطالب، فيكون الإلزام، والاكتفاء بإخبار الرسول لا يمكن بالنسبة إليها، لأن صحة الرسالة فيها تتوقف على بضعها، فلو اكتفى فيه بإخبار الرسول لزم الدور. (د) الصحابة ومن بعدهم إلى زماننا لم ينكروا على العوام تركهم النظر في المسائل الأصولية، مع أنه كان شائعا ذائعا، وكانوا يحكمون بصحة إسلام كل من تلفظ بكلمتي الشهادة من غير مسألة منهم عن معرفة الدلائل، وهو يدل على صحة التقليد فيها. وفي ادعاء أن ذلك لمعرفتهم بمعرفتهم دلائل ما لابد منه في صحة الإيمان - جملة لا تفصيلا - نظر بين. (هـ) النظر مظنة الوقوع في الشبهات، بخلاف التقليد، فكان أولى. ورد: بأنه لا بد وأن ينتهي إلى النظر، فالمحذور لازم لأصله مع زيادة تخصصه. (و) قياسه على الفروع، بل أولى، لغموض أدلته، وكثرة شبهاته. وقد سبق ما بينهما من الفرق. (ز) الأصول والفروع قد استويا في التكليف بهما، فتستويان في طريق حصولهما. وهو خال عن الجامع، ولو سلم فالفرق. الأدلة التي اختلف فيها مسألة في أنه - عليه السلام - هل كان متعبدا بشرع من كان قبله من الأنبياء، أم لا؟ اختلفوا فيه: فذهب البصري وجمع إلى: نفيه: وجمع إلى: إثباته. وثالثها: التوقف فيه، واختاره الغزالي وعبد الجبار. ثم المثبتون: منهم من قال: إنه كان

متعبدا بشرع نوح، قيل: إبراهيم، وقيل: موسى، وقيل: عيسى - عليهم السلام. النافي: أنه لو كان متعبدا بشرع أحد: ولجب عليه الرجوع إلى علمائه في الوقائع، إذ من المعلوم أنه لم يكن عالما بذلك الشرع، لعدم اشتغاله بشيء من العلوم، ولو راجع، لنقل واشتهر، لتوفر الدواعي على نقل مثله. ولافتخر علماء تلك الشريعة به، ولو وقع ذلك لنقل واشتهر، ولما لم ينقل علمنا أنه لم يوجد. وأجيب: عن الأول: بأن منها ما كان معلوما بالتواتر، لا يحتاج فيه إلى التواتر، وما ليس كذلك، فمراجعتهم غير مقيدة، لعدم الوثوق بهم، ولتطرق التبديل والتحريف إلى شرعهم. و - أيضا - لعل ما وقع فيه المراجعة قليل، فلذلك لم ينقل. وعن (ب) أنهم إنما لم يفتخروا به لأنه يتضمن حقيته، وهو نقيض مقصودهم. للمثبت: (أ) أنه - عليه السلام - كان قبل البعث يتحنث ويحج ويعتمر ويطوف، ويركب البهيمة، ويأكل اللحم، وذلك يدل على أنه كان متعبدا بشرع من قبله. (ب) أن دعوة من تقدمه عامة، فيكون داخلا فيها. وأجيب: عن (أ) بمنع أن ذلك على وجه يتوقف فيه على التوقيف، بل لعله كان تضرعا وابتهالا إلى الله تعالى، وتوقيرا وتعظيما به. وعن (ب) بمنع ذلك، ثم بمنع وصول تل الدعوة إليه على وجه تقوم الحجة به.

مسألة

مسألة في أنه - عليه السلام - هل كان متعبدا بشرع أحد بعد الأنبياء؟ اختلفوا فيه: فنفاه الأشاعرة والمعتزلة وكثير من الفقهاء. وأثبته الحنفية وبعض الشافعية والإمام أحمد - في رواية - وتوقف فيه آخرون، كالغزالي وعبد الجبار. والمثبون اختلفوا في أنه متعبد بشرع من؟ حسب اختلافهم في السابقة، وكون شرع من قبلنا هل هو شرع لنا؟ مبني على هذا. للمثبت: قوله تعالى: {إنا أنزلنا التوراة} [المائدة: آية 44] الآية، ترك العمل بها في الأنبياء الذي كانوا قبل موسى، فيبقى معمولا به في الذين بعده. وأجيب: بأنه متروك الظاهر، إذ لم يحكم جميع النبيين بجميع ما فيها بل الكل، وعلى التقديرين لا تتم الحجة. وقوله تعالى: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتداه} [الأنعام: آية 90] وظاهره الأمر بمتابعهم، وهو يفيد المطلوب. وأجيب: بأن المراد أصول الدين، لأنه الذي يضاف إلى جميعهم، دون الفروع، فإنها مختلف فيها فيما بينهم، ولأن الهدى مطلقا - إنما تستعمل في أصول الديانات. وقوله تعالى: {إنا أوحينا إليك} [النساء: آية 163]. وجوابه: أنه تشبيه للوحي بالوحي، لا تشبيه بالموحى به بالموحى به ولو سلم لما أفاد المطلوب، لأنه يدل على أنه يدل على أنه أوحى غليه بمثل تلك الأحكام، وهو لا يفيد المطلوب. وقوله تعالى: {أن اتبع ملة إبراهيم} [النحل: آية 123].

مسألة

وجوابه: المراد منه أصول الديانات كما يقال: أصحاب الملل، أي أصحاب الأديان، ولقرينة قوله تعالى بعده: {وما كان من المشركين} [البقرة: آية 135]، ولا يقال: أصحاب الشافعي وأصحاب أبي حنيفة: ملتان مختلفتان، مع اختلافهم في الفروع، ولأن شريعة إبراهيم قد اندرست فيمتنع الأمر باتباعها. وقوله تعالى: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا} [الشورى: آية 13]. وجوابه: بعض ما سبق، ولأنه يقتضي اتحادهما في الوصية بإقامة الدين، وعدم التفرق فيه، وهو لا يدل على مطلوبكم. للنافي: حديث معاذ، ووجه التمسك به ظاهر. وعدم مراجعته إليه في أحكام الحوادث، لعدم نقله، مع توفر الدواعي إليه، وانتظاره لنزول الوحي، فيما يسأل عنه من الأحكام، و - حينئذ - يكون مؤخرا للبيان عن وقت الحاجة. وبأن القول به غض من منصبه ومناف لكون دعوته عامة، وكون شرعه ناسخا لما قبله من الشرائع. ولأن تعبده بشرع من قبله من جميع الأحكام باطل قاطعا، أو بعض أحكامه، يعني أنه أوحي إليه، بمثل ما أوحي إلى من تقدمه، فهذا مسلم لكنه ينفي الملة، أو بمعنى أنه مأمور باتباع ما في شرعه، فهذا يقتضي أن لا يكون الشريعة منسوبة إليه على الإطلاق، بل بعضه، وهو خلاف الإجماع. والمسألتان ظنيتان، والمختار في السابق: التوقف، وفي الثانية نفيه. مسألة الأصل في المنافع: الإذن، وفي المضار: الحظر، بعد ورود الشرع. أما الأول: فلقوله تعالى: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا} [البقرة: آية 29] واللام للاختصاص بجهة الانتفاع، لقوله تعالى: {لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} [البقرة:

آية 286]. وقال عليه السلام - "النظرة الأولى لك، والثانية عليك"، وقال: "له غنمه وعليه غرمه"، ويقال: هذا لك، وهذا عليك. فإن قلت: جاءت لغيره، كقوله تعالى: {وإن أسأتم فلها} [الإسراء: آية 7]، {لله ما في السموات وما في الأرض} [البقرة: آية 284]. ولأنه قيل: إنها للملك، أو للاحتصاص مطلقا، ثم لا عموم له فيحمل على الانتفاع بالاستدلال به على الصانع، ثم يعم النفع بالخلق، لأنه داخل عليه. ولا نسلم أن الانتفاع بالخلق غير متصور، إذ يمكن الاستدلال به على وجود الصانع وكمال قدرته، وهو - وإن كان غير محسوس لكنه معقول. ثم إن حمل الخلق على المخلوق مجاز، ولا نسلم عدم مجاز آخر أولى منه. ثم إنه قابل الجمع بالجمع، فيقتضي مقابلة الفرد بالفرد. ثم في للظرفية، فتختص بالمعادن والركاز، وكونها متناولة لما على وجه الأرض - مجازا - في قوله تعالى: {إني جاعل في الأرض خليفة} [البقرة: آية 30] للضرورة، لا يقتضي حملها عليه، حيث لا ضرورة. ثم إنه يدل على حال الخلق، ولا يمكن استصحاب الاختصاص لأنه عرض، فلا يبقى. ثم إنه خطاب مشافهة فاختص بالحاضرين. ثم إنه معارض بقوله: {لله ما في السموات وما في

الأرض} [يونس: آية 55]. قلت: إنه مجاز دفعا للاشتراك والترجيح، لكثرة الاستعمال فيما ذكرنا، ولأنا جعلناها حقيقة في الاختصاص النافع أمكن جعلها مجازا في مطلقه من غير عكس، أو - وإن أمكن - لكن عند التعارض الأول أولى. ودفع بأن جعلها حقيقة في مطلقه أولى، إذ التواطؤ خير من الاشتراك والمجاز، ثم هو موافق لكلام النحاة، وحمله على الاختصاص النافع: تقييد خلاف الأصل. ولقائل أن يقول: لو جعلت لمطلقه فالعرض - أيضا - حاصل لأنه يقال: ثبت بالآية أن الخلق اختص بنا، وهو ليس على غير وجه الانتفاء إجماعا، فهو إذن به، و - حينئذ - يكون تقريره على ما ذكرناه مستدركا. وعن (ب) أن جعلها حقيقة في الاختصاص أولى من الملك لأنه أعم، ولكثرة الاستعمال فيه. وعن (ج) أنه يفيد المسمى، وهو لا يتحقق بدون فرد من أفراده، و - حينئذ - يعم، وإلا: لزم الفصل، وهو خلاف الإجماع، وحمله على غير الاستدلال أولى، لأنه حاصل بنفسه, واختلاف الانتفاع بسبب اختلافه - ممنوع - سلمناه، لكنه اختلاف غير نوعي، والحمل عليه أولى، لأنه أكثر فائدة. وعن (د) أنه يجب حمل هلعيه، لتعذر حمله على حقيقته، كما سبق، والأصل عدم غيره. وعن (هـ) بمنع أنه منه، بل هو كقولهم: الدار لزيد وعمرو، وذلك لا يقتضي اختصاص كل واحد بجزء معين، ثم إنه لما جاز الانتفاع بفرد منه جاز بغيره، وإلا: لزم خلاف

الإجماع. وعن (و) بمنع أنه مجاز، سلمناه، لكن يجب حمله عليه تكثيرا للفائدة، ثم المطلوب حاصل منه، لما سبق من الإجماع. وعن (ز) أن ذلك الاختصاص حكم شرعي، فهو واجب الدوام ثم إن الخلق لنا مطلقا، فيثبت الانتفاع كذلك، كما إذا قيل تثبت لك هذه الدار، ثم المطلوب حاصل، كما سبق، وعدم إمكان الاستصحاب - ممنوع - وسنده يعرف مما سبق. وعن (ح) أنه لا قائل بالفصل، ولأن ما يقتضي تعميم كل خطاب مشافهة حاصل - هنا. (ب) قوله تعالى: {أحل لكم الطيبات} [المائدة: آية 4]، أي: المستلذات وإلا: لزم التكرير. أنه لا يعم، لجواز العهد، والعموم مشروط بعدمه. (ج) قوله تعالى: {قل من حرم زينة الله} [الأعراف: آية 32]، الآية، أنكر تحريم ذلك، ويلزم منه الإباحة، وهو مبني على أن المفرد - المضاف نعم، وأن الطيبات للعموم، ثم لا نسلم أنه يلزم من نفيه الإباحة. (د) خلق الله الأعيان لحكمكة، لقوله تعالى: {أفحسبتم} [المؤمنون: آية 115] وقوله: {وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين} [الدخان: آية 38]، لأن العبث غير لائق به، وتلك الحكمة عود النفع إلى العبد المحتاج، لامتناع عودها إلى الله تعالى، وامتناع أن يكون إضرارا وفاقا، فيلزم الإذن، لأن لازم المطلوب مطلوب. (هـ) أنه انتفاع لا ضرر فيه على المالك - قطعا - ولا على المنتفع - ظاهرا - فيجوز كالاستضاءة بنار غيره، والاستظلال بحائطه، خرج عنه المنهيات، لاشتماله عليه ظاهرا، وهو: العذاب عندنا - والقبح النفسي عندهم. وجوابه في أول الكتاب، غير آت - هنا. لا يقال: منع المالك من الاستضاءة والاستظلال - قبيح، ومنعه تعالى عن الانتفاع ليس

كذلك وفاقا، وهو يدل على افتراقهما في الحكمة، لأن ذلك بسبب الحكم لا المحكوم فيه، بدليل أن منع الله تعالى من الاستضاءة والاستظلال - غير قبيح، وأكثر ما ينتفع به مباح في الشرع، فكذا هذا الفرد، إلحاقا له بالأعم والأغلب. وأما الأصل الثاني: فلقوله - عليه السلام -: "لا ضرر ولا إضرار في الإسلام". وهو: ألم القلب، يقال: أضر به، وأضره، إذا ضربه أو شتمه أو جرحه أو أهانه، أو فوت منفعته، فيجعل حقيقة في مشترك بينهما دفعا للاشتراك والمجاز، والألم مشترك، فيجعل حقيقة فيه، إذ الأصلعدم مشترك آخر. ونعني بألم القلب: حالة تحصل عند الغم والحزن، فإنهما إذا حصلا انعصر دم القلب في الباطن بانعصاره، وانعصاره مؤلم. فإن قلت: تفويت المنفعة مشترك - أيضا - وجعله حقيقة فيه أولى، لأنه مقابلة. ثم إنه معارض بما أن من خرق ثوب غيره، ولم يشعر به: يقال: أضر به، أضره، ولا غم ولا حزن. وأيضا - أخبر الله تعالى أن عبادة الأصنام لا تضرهم، لقوله تعالى: {أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم} [الأنبياء: آية 66]. مع أنها تؤلم قلوبهم يوم القيامة. ولأنه غير متبادر إلى الفهم عند سماعه. قلت: بمنع ذلك، إذ لا يوجد في صورة الشتم والإهانة، ثم إنه حاصل في البيع والهبة. ولا يقال: أضر به، وتوقيفه على شرط خلاف الأصل، على أن ذلك الشرط، أو عدمه من قبيل الحال، فينتقض بالهبة، ومقابلته به لا يضرنا، إذ النفع: هو اللذة، أو ما يكون وسيلة إليها، والضرر مقابلة. وعن (ب) أن ذلك نظرا إلى وجود المقتضى له، وإن لم يوجد شرطه، وهو الشعور. وعن (ج) أن الذي سلب عنه النفع والضر إنما هو الأصنام، والمؤلم عبادتها، فلم تدل على المطلوب، أو المراد نفي المضرة في الدنيا والإيلام في الآخرة.

مسألة

وعن (د) بمنعه، إذ يقال: أضره، ثم طيب خاطره وفرحه. وفيه نظر، إذ التبادر شيء، والفهم للقرينة شيء. والمراد منه: نفي الضرر في أحكامه، إذ لا يتصور الضرر في نفس الإسلام، حتى ينفي، أو أن ما ذكرناه أكثر فائدة، فيحمل عليه، أو أن تحمل في للسببية، فينفي الضرر بسببه، أو هو بمعنى النهي، كقوله: {فلا رفث ولا فسوق} [البقرة: آية 197]، وعلى التقديرين: يقيد المطلوب. مسألة استصحاب الحال حجة عندنا، والصيرفي والمزني، وجميع النظار نفيا كان أو إثباتا. ونقل عن الحنفية وبعض المتكلمين كأبي الحسين: أنه يصح للدفع، لا للاستحقاق. ومنهم من نقل الخلاف عنهم في الوجودي، دون النفي. ومنهم من نقل الخلاف عنهم - مطلقا. والأول: أصح. وهو يفيد القطع، حيث يقطع بعدم الناقل، كنفي وجوب صلاة سادسة والظن حيث يظن ذلك. ثم في الترجيح به خلاف عند عدم حجيته. ثم هو: استصحاب النفي الأصلي، وهو متفق عليه، على ما سبق. واستصحاب العموم والدوام إلى أن يوجد التخصيص والناسخ. واستصحاب حكم الشارع، بعد أن ثبت لسبب، كالملك والدين بعد جريان سببهما. واستصحاب حال الإجماع، على محل الخلاف، وهو كاستصحاب بطلان التيمم برؤية الماء قبل الدخول في الصلاة، على ما إذا رأى في أثنائها. وهو معارض بمثله، بأن يقال: الصلاة صحيحة قبل رؤيته إجماعا، فكذا بعده استصحابا لحكمه. واختار ابن سريج والقفال والغزالي: عدم حجيته. خلافا لأصل الظاهر. لنا: (أ) الإجماع على جواز الصلاة، وأداء الشهادة على الملك إذا شك في انتقاض الطهارة،

وزواله، مع قوله - عليه السلام: - "إذا علمت مثل الشمس فاشهد". (ب) إطباق الكل م كل أمة على استصحاب ما عهدوه موجودا أو معدوما، إلى القطع بتغيره، أو ظنه، ولذلك ينقل المسافر الكتب إلى أهله ويعلم الأحوال ويستعملها، إن ترك خلفه ما يكرهه لم يرجع حتى يسمع بزواله، وحكمه في عكسه، وإذا كان في العرف كذلك، وجب أن يكون في الشرع كذلك، للحديث. (ج) أن العلم بوجود أمر أو نفيه يقتضي ظن بقائه، لأنه لا يتوقف إلا على وجود الزمان الآتي، ومقارنته له، والتغير يتوقف عليه، وعلى تبدل الوجود بالعدم، أو عكسه، وهو يتوقف على وجود علله، وشرائطه، وارتفاع موانعه، والمتوقف على الأقل أغلب على الظن. لأن الحادث مفتقر إلى المؤثر وفاقا، والباقي مستغن عنه، إلا: فأثره إن كان موجودا: لزم تحصيل الحاصل، بمعنى: أن ما صدق عليه انه حاصل قبل: يصدقعليه أنه حصل الآن، وإلا: لزم كونه مؤثرا في الحال، والمستغني راجح. لأنه يجب كون الوجود أولى به، وإلا: افتقر إلى المؤثر والمفقر ليس كذلك، وإلا: لم يكن مفتقرا. ولأنه لو لم يكن راجح الوجود لكان الشيء مع غيره كهو لا مع غيره. ولأن عدم المستغني، للضد أو انتفاء شرط، أو إعدام معدم، وعدم المفتقر له، ولعدم المقتضى، وما ينعدم بطريق واحد راجح الوجود على ما ينعدم بطريقين، والعمل بالراجح واجب إجماعا. ولقوله عليه السلام -: "أقضي بالظاهر"، و"نحن نحكم بالظاهر"، ولأن ترجيح المرجوح على الراجح ممتنع عقلا. وبالقياس على خبر الواحد، والعموم والقياس والشهادة والفتوى، بجامع ترجيح الأقوى على الأضعف. فإن قيل: لو كان ذلك لظن البقاء، لا ينتقض بصورة النوم والإغماء إن لم يجعل النوم حدثا، وبما إذا غلب على ظنه الطهارة من غير استناده إلى القطع بتحققه، واستصحابهم لاحتمال البقاء. وما يحتمل التحصيل - ولا ضرر في فعله - فالعقلاء يباشرونهم، وما ذكروه. منه.

وكون ظن البقاء أغلب: ممنوع، ودليله معارض: بأن البقاء يتوقف على تجدد مثل السابق. ثم المتوقف على أقل المقدمات إنما يكون أغلب إذا لم تكن المقدمة نادرة، ثم لا يلزم منه أن يكون أغلب على الظن، لجواز أن يكونا غير غالبين على الظن، وإن كان أحدهما أغلب من الآخر. واستغناء الباقي عن المؤثر - ممنوع إن عنى به في كونه باقيا، إذ هو حادث وإلا: فيبين. ثم نقول: أثر المنفي هو البقاء، وهو حادث. لا يقال: يلزم أن يكون مؤثرا في الحادث، لا في النافي، ولأنه لا يحصل إلا: بعد تأثير المؤثر وهو بعد احتياجه غليه، فلو احتاج إليه في هذا المفهوم: لزم تقدم الشيء على نفسه بمراتب - لأن المراد من احتياجه إليه ذلك، فلا تضرر العبارة، والمعنى من النافي: الذي عرض له البقاء، فلا يلزم ما ذكرتم. ثم لا نسلم امتناع تحصيل الحاصل، بمعنى: أن ما ترجح في الزمان الأول بالمرجح، وهو بعينه ترجح في الزمان الثاني به ثم هو معارض: بأن الباقي ممكن، إذ هو من لوازم الماهية الممكنة وهو المحوج إلى المؤثر، لا الحدوث لأنه كيفية الوجود، فيتأخر عن الوجود المتأخر عن تأثيرفيه، المتأخر عن احتياجه إليه، المتأخر عن علة الحاجة، وجوبها وشرطها. ثم إن عنى بأولوية الوجود: امتناع العدم، فهو باطل قطعا. وإن عنى به أمرا متوسطا بين الإمكان والوجوب، فكذلك، لأنه غذا صح الوجود والعدم معه، فنرجح أحدهما على الآخر، لا لمرجح: ترجيح من غير مرجح، أوله، فلم تكن تلك الأولوية كافية في الرجحان. ولأن الكلام فيه كما في الأول. وإنما يلزم أن يكون الشيء مع غيره، كهو لا مع غيره: أن لو لم يحصل بينهما امتياز بوجه آخر، وهو ممنوع. ثم لا نسلم أن تعدد طرق العدم يوجب المرجوحية فيه، ثم هو معارض: بأن الحصول في الزمان الثاني حادث، والباقي يتوقف عليه فامتنع رجحانه عليه. ثم معرفة رجحانه يتوقف على معرفة البقاء بالاستدلال برجحان الوجود على البقاء: دور. ثم إنه في الوجود الخارجي، فلم قلت: إنه في الظن كذلك؟ . ثم لو وجب العمل بمطلق الظن: لزم النقض في شهادة العبيد والنسوة الصالحين، والفساق الذين يغلب على الظن

صدقهم. ثم تغليبه للظن بعد ورود الشرع: ممنوع. ثم إنه معارض: (أ) بأن التسوية بين الزمانين في الحكم: إن كان لعلة فقياس، وإلا: فتسوية من غير دليل. (ب) لو كان هو الأصل: لزم خلاف الأصل في حدوث جميع الحوادث، وهو خلاف الأصل. (ج) بينة الإثبات تقدم إجماعا، وهو ينفي أصالته. (د) لو كان أصلا لجاز عتق العبيد، الذين انقطع أخبارهم عن الكفارة. (هـ) لو كان حجة لكان مقدما على كل مدرك ظني، كخبر الواحد لأنه يقيني. (و) لو كان حجة لما جاز رفعه إلا: لمقطوع به، كالكتاب والسنة المتواترة، لأنه شرعي يقيني. قلنا: أجيب: عن (أ) بمنع الطهارة لوجود مظنة الحدث، وتعليق الشرع الأحكام بمظانها، والفرق بين الظنين ظاهر، على أنا نمنع اعتبار ذلك الظن. وعن (ب) أن إقدامهم على ما فيه مشقة وضرر كما في رجوعهم إلى رؤية الأهل والأصحاب، وإن كانت المسافة شاسعة، وفيها خطر - ينفي ما ذكرتم وادعاء إقدامهم على الفعل مطلقا، بمجرد الاحتمال ظاهر الفساد. وعن (ج) ما سبق من دليله، وتوقفه على تجدد الأمثال لا يتأتى فيما هو باق لذاته، ثم إنه يتأتى ليس كتبدل الوجود بالعدم، وبالعكس لأنه مطرد في كل زمن، احتماله دونه. وعن (د) أنا نسلم ذلك، لكن ما نحن فيه ليس كذلك، لأن البقاء لا يتوقف إلا: على وجود الزمن المتسقبل ومقارنته له، وهو حاصل قطعا - عادة - وبه خرج الجواب عن (هـ)، فإن البقاء غالب الوجود. وعن (و) أن المعنى منه أن الذات الحاصلة في الزمانين مستغن عن المؤثر في نفس ذاته في الثاني (ما لم يكن معها في الزمن الثاني و - حينئذ - نقول: إن حصل معها في الزمن الثاني ما لم يكن معها في الزمن الأول، فهو زائد على الذات لأنها حاصلة في الزمانين، والزائد ما كان حاصلا في الأول، فاحتياجه إلى المؤثر لا يقدح في استغناء الذات الباقية عنه، وإن لم يحصل لم يكن كونه باقيا حاثا. وعن (ز) أنه ليس البقاء ثبوتا زائدا على الذات، وإلا: فإن كان باقيا لزم التسلسل، وإن كان حادثا كان تأثير المؤثر في الحادث لا في الباقي، ولأن المعدوم باق، فيلزم قيام الثبوتي بالمعدوم.

وعن (ح) أن لا ندعي امتناعه بذلك المعنى، بل المعنى المتعارف منه، ولا شك في امتناعه، ودليل لزومه - هنا - هو: أن الذات هي النافية الكافية متجددة، فلو كانت مستندة إلى المؤثر - الآن - في حصول وجودها، الذي كان حاصلا من قبل: لزم تحصيل الحاصل بالمعنى المتعارف منه. وعن (ط) أن شرط افتقاره: كونه بحيث لو وقع بالمؤثر لكان حادثا، وهذه الحيثية سابقة. وعن (د) أن الترجيح من غير مرجح إنما يمتنع بشرط الحدوث. وعن (يا) أن الامتياز بغير الاستغناء، والاحتياج لما اقتضى المرجوحية اقتضى الاستغناء الرجحان. وعن (يب) أن ما حصل بطريقين أغلب على الظن مما يحصل بطريق واحد. لتساويهما في الطريق الواحد، وامتيازه بالآخرة، والعلية مظنة الرجحان، ولأن العدم الحادث أكثر من عدم الباقي، لصدقه على ما لا نهاية له، دون الثاني، لتوقفه على الوجود المتناهي، الكثرة مظنة الظن وهو دليل المسألة ابتداء. وعن (يج) أن البقاء ليس أمرا ثبوتيا زائدا، لما سبق، سلمناه لكن الحادث مرجوح من حيث الوجود، وكونه حصوله في الزمن الأول، والباقي مرجوح من حيث حصول الوجود له في الزمن الثاني. وعن (يد) بمنعه، فإنه يعرف رجحان الوجود في الزمن الثاني بمجرد العلم بوجوده في الحال. وعن (يه): أنه لم يكن مطابقا: كان جهلا أو ظنا كاذبا غير معتبر. وعن (يو) أنا ندعي ذلك حيث لم يوجد شرعي يلغيه، ثم إنه يجب المصير إليه جمعا بين الدليلين. وعن (يز) أنه كان مغلبا قبله، لمساعدة الخصم والدليل فكذا بعده، إذ التغير احتمال مرجوح، وهو لا يقدح في الراجح، سلمناه لكن لا نزاع في أنه يفيد الظن، وقد سبق: أن ما يفيده يجب العمل به، ما لم يوجد في الشرع ما يلغيه. وعن (يج) أن التسوية بينهما للدليل الذي سبق. وعن (يط) أنه لدليل دل على خلاف، وهو ليس ببدع. وعن (ك) أنه لزايادة العلم. وعن (كا) بمنع امتناع اللازم، وهذا لأنه يجوز على رأي - لنا - سلمناه، لكن لمعارضته

مسألة

الظاهر للأصل، مع أن شغل الذمة يقيني. وعن (كب) أنه يقيني عند القطع بعدم المغير، أما مع احتماله فلا، وهو الجواب عن (كج). واعلم: أنه ضروري في أصل الشرع، لتوقف إثبات النبوة على خرق العادة، التي معناها: أنه لو وقع الشيء لما وقع إلا: على الوجه الذي عهد من قبل. وفي فروعه لتوقفها على عدم النسخ والتخصيص والمعارض الموقوف على الاستصحاب دفعا للتسلسل. وفي الأمور العادية وهو ظاهر. مسألة وفي وجوب الدليل على النافي: ثالثها: أنه يجب في العقلي. والتحقيق ينفي الخلاف، لأنه إن أريد بهمن يدعي العلم أو الظن بالنفي، فهذا يجب عليه الدليل، لأن النفي إذا لم يكن معلوما. بالضرورة - إذ الكلام فيه - امتنع العلم والظن به من غير دليله. وإن أريد به من يدعي نفي العلم أو الظن: فهذا لا دليل عليه، لأن الجاهل غير مطالب بالدليل.، ولأنه لو طلب الجاهل أو الشاك بالدليل: لوجب ذكر الأدلة التي لا نهاية لها. لهم: (أ) أن من أنكر نبوة شخص، لعدم المعجزة لا يجب عليه الدليل على ذلك إجماعا، وكذا من نفي وجوب صلاة سادسة، وصوم شهر آخر. (ب) أنه لا دليل على المدعى عليه إجماعا. وأجيب: عن (أ) بمنعه، فإن دليله اسصحاب العدم الأصلي، والقطع به، للقطع بعدم المغير. وعن (ب) بمنعه، فإن يمينه كالدليل، سلمنا، لكن البراءة الأصلية، ثم إنه للنص، لا لكونه نافيا، ثم للضرورة، فلا يلزم مثله حيث لا ضرورة. مسألة مذهب الصحابي ليس بحجة على صحابي إجماعا. وعلى غيرهم عند الشافعي - جديدا - والأشاعرة المعتزلة، والإمام أحمد في رواية - والكرخي. وقال المالكية والحنفية - كالرازي

- والثوري وأحمد - في رواية - الشافعي - قديما: إنه حجة مقدم على القياس. وقيل: إن خالف القياس. وقيل: قول الشيخين. وقيل: قول الخلفاء الأربعة. والأشبه: أن هذين من قبيل الإجماع، وقد سبقا فيه. لنا: (أ) {فاعتبروا} [الحشر: آية 2]، وهو ينفي التقليد. وأورد: بأنه ليس بتقليد، بل هو مدرك شرعي كغيره. (ب) قوله تعالى: {فإن تنازعتم في شيء} [النساء: آية 59] أوجب الرد عند الاختلاف إلى الله ورسوله، ولو كان مدركا لذكره، وإلا: لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولأن في الرد إلى الصحابي ترك الرد إلى الله ورسوله. ورد: بمنع الملازمة، وبمنع لزوم تأخير البيان عن وقت الحاجة، إذ لا يلزم من كونه مدركا أن يذكر عقيبهما كغيره لم يذكر، ولا يلزم من كونه وقت الذكر أن يكون وقت الحاجة، وإنما يرد إلى الصحابي عند عدم إمكان الرد إلى الله وإلى الرسول، فلا يلزم ما ذكر، ولأن قول الرسول: لمادل على وجوب الأخذ بقول الصحابي، كان الرد إليه ردا إلى قول الرسول. (ج) إجماع الصحابة على جواز مخالفة كل واحد منهم، ولم ينكر الشيخان على مخالفيهما، ولا الأئمة الأربعة على مخالفيهم، ولا كل واحد منهم على صاحبة. وهو غير وارد على محل النزاع. (د) الصحابي من أهل الاجتهاد، إلى الخطأ عليه جائز وفاقا، ولا يجب الأخذ به كغيره، وكما لا يجب على صحابي آخر. وهو - أيضا - ضعيف، فإن التفاوت فيها غير حاصلة، بخلاف ما نحن فيه، لكثرة علمه، وتأييده بالإصابة، وإحاطته بالناسخ والمنسوخ، والمخصص الحالي والمقالي، ومعرفة مقاصد الكلام، بسبب سياق الكلام، وسياقه والشأن والنزول.

(هـ) المجتهد متمكن من إدراك الحق بطريقه، فيحرم على التقليد، كما في الأصل، وهو كذلك لما سبق أنه ليس بتقليد. (و) أنهم اختلفوا في مسائل اختلافا كثيرا، فلو كان حجة لزم تناقض الحجج، فلم يكن البعض أولى من البعض. وهو كما تقدم، لأن تنافي الشرعية الظنية ليس ببدع. (ز) كونه حجة يستدعي دليلا عليه، والأصل عدمه، وسنجيب عما يذكره الخصم، وهذا مما لا بأس به. لهم: (أ) قوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} [آل عمران: آية 110]، وهو خطاب مشافهة، فيختص بالصحابة، فما يأمرون به معروف، وما ينهون عنه منكر، فيجب الأخذ به. (ب) قوله - عليه السلام -: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم". (ج) قوله عليه السلام -: "اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر". (د) ولي عبد الرحمن بن عوف عثمان بشرط سيرة الشيخين، فقبل ولم ينكر عليه، فكان إجماعا. (هـ) قوله عليه السلام - "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي". (و) أن قوله إذا انتشر، ولم ينكر عليه، كان حجة، فكان حجة وإن لم ينتشر كقول الرسول. (ز) أن مخالفته للقياس لا يكون إلا: الخبر. (ح) أن مستند مذهبه إن كان هو الخبر فظاهر، وإن كان هو الاجتهاد فكذلك، لأن اجتهاده أتم وأرجح. وأجيب: عن (أ) أنه لو اختص بهم فإنما يدل على حجية إجماعهم، كما سبق فيه. وعن (ب) أنه خطاب مع العوام، لأنه ليس بحجة على صحابي مثله، ثم إنه لا دلالة له على عموم الاهتداء في كل ما يهتدي فيه، فيحمل على الرواية.

وفيه نظر، من حيث إن ترتيب الحكم على الوصف بالعلية، فيعم، لعموم علته. وعن (ج) ما سبق، ويخصه أنه أمر للأئمة والولاة في الاقتداء بسيرتهما في العدل والإنصاف. وعن (د) ما سبق، لما تقدمن ولأن حمله على ما ذكرتم يقتضي تخطئة أحدهما، ولأن قبوله معارض، برد علي - رضي الله عنه -. وعن (هـ) ما سبق لما تقدم، ويخصه: أن السنة هي الطريقة وهي: ما تواطأت عليه، فلا تتناول ما يقوله الإنسان أو يفعله مرة أو مرتين، فيشمل على سيرتهم. وعن (و) بمنع الأولى، سلمناه، لكن لكونه إجماعا، ولذلك تختلف الحال فيه بينهم وبين غيرهم من المجتهدين. ثم بمنع الثانية، والقياس خال عن الجامع، ثم إنه منقوض بقول غيرهم من المجتهدين. وعن (ز) لعله لخبر ظنه دليلا، ثم إنه منقوضبقول غيرهم من المجتهدين. وعن (ج) بمنع ظهور حصول المقوصد منهن لما سبق. ثم الظاهر أنه ليس بطريق النقل, وإلا: لأظهره، كما هو دأبهم في المسائل التي وجد النقل فيها، سيما مع وجود المخالف، ولأن عدم إظهاره كتم له، وهو منهي عنه للحديث. ثم بمنعه على الثاني، لأنه لا يجب أن يقلد المجتهد مجتهدا آخر، وإن كان اجتهاده أتم، بل لا يجوز. ثم إنه منقوض بقول التابعي بالنسبة إلى ما بعده. فرع: إن لم يجب الاتباع ففي جواز تقليدهم خلاف، وهو مرتب على جواز تقليد غيرهم. واختلف قول الشافعي - القديم - فيه: فنص في موضع على جوازه مطلقا، وفي موضع بشرط انتشاره، وعدم مخالفته، وفي موضع بشرط مخالفته للقياس.

مسألة في تفاريع القديم

والحق: أنه لا يجوز كغيرهم، وثناء الله تعالى عليهم بقوله، {لقد رضي الله عن المؤمنين} [الفتح: آية 18] و {السابقون الأولون} [التوبة: آية 100] ونحوهما، وثناء وميوله بقوله: "خير القرون قرني" الحديث، وقوله: "أصحابي كالنجوم"، ونحوها، يوجب حسن الاعتقاد فيهم وتعظيمهم، والقطع بحسن حالهم عند الله تعالى. فأما وجوب تقليدهم أو جوازه: فلا، يؤكده: أنه ورد مثله في آحاد الصحابة مع القطع أنه لا يجب على غيرهم من الصحابة تقليدهم، بل لا يجوز. مسألة في تفاريع القديم: (أ) قال الشافعي - رضي الله عنه - نقل عن علي - رضي الله عنه - أنه صلى في ليلة ست ركعات، في كل ركعة ست سجدات، وقال: لو ثبت ذلك عنه لقلت به، لأن الظاهر أنه فعله توقيعا. واعترض الشيخ الغزالي عليه: بأنه لم ينقل فيه حديثا، حتى يتأمل لفظه ومورده، وقرائنه وفحواه، وما يدل عليه، ولم يتعبد إلا: بخبر يروى مكشوفا يمكن النظر فيه، وما كانت الحصابة يكتفون بمثله في صحة الخبر، من غير تصريح به. وهو ضعيف، إذ لا يستدعي ذلك خبرا بلفظ الرسول، أو بلفظ الراوي، حتى يتأتى فيه ما ذكر، لجواز أنه شاهد ذلك منه، ولأن ذلك تفريعا على القديم، فلا يذكر فيه ما ينافيه. (ب) قال في موضع: (قول الصحابي إذا انتشر ولم يخالف حجة)، ولعله تفريع على القديم، الذي يقتضي وجوب الأخذ بمذهبه، لا الذي يقتضي جوازه، فلا يحسن إيراده - هنا -. قال الغزالي: السكوت ليس بقول، فأي فرق بين الانتشار وعدمه قال الإمام: والعجب منه أنه تمسك بمثله في حجية خبر الواحد والقياس. ولا يرد عليه أن حجيته ليس بطريق

مسألة

الإجماع. (ج) نص: أنهم إن اختلفوا فقول الأئمة الأربعة أولى، فإن اختلفوا فقول الشيخين، لما سبق من الخبرين. (د) نص في موضع: أنه يجب الترجيح بقول الأعلم والأكثر قياسا على كثرة الرواة، وزيادة علمه توجب زيادة ظن صحة اجتهاده. (هـ) إذا اختلف الحكم والفتوى: رجح مرة - الحكم، إذ الاعتناء به أشد، وأخرى الفتوى، إذ السكوت عن الحكم للطاعة. (و) يرجح القياس بقوله بزيادة الظن به. وقيل: به، بقول الذي شاهد واقعة أصل القياس، لأنه أدرى بتخصيصه وتعميمه، وعلة حكمه. قيل: بمنعه مطلقا. (ز) إذا حمل الصحابي الخبر على أحد معنييه رجح به مطلقا. وقال القاضي: إن قال علمت ذلك من قصد الرسول لقرينة. مسألة ما شهد الشرع باعتباره حدة إجماعا. وما شهد بإلغائه رد، لذلك. وما لا يوجد فيه الأمران يسمى بـ (المصالح المرسلة): ليس بحجة عند الأكثرين. خلافا لمالك على المشهور. وأنكره بعض أصحابه، ولا يكون كذلك، لعموم كونه وصفا مصلحيا فإن ذلك معتبر، بل لخصوصه.

قال الغزالي: الواقعة في محل الحاجة والزينة: لا يجوز التمسك بها، لأنه يجري مجرى وضع الشرع، والواقعة في محل الضرورة: لا يبعد التمسك بها إذا كانت قطعية كلية، ولعله محل الخلاف. وهو كما إذا تترس الكفار بالمسلمين حيث يقطع باستيلائهم، عند عدم قتالهم فيحتمل الأمران، فإنا لو امتنعنا عنه لقتلونا وقتلوا الترس، ولو قتلنا الترس لقتلنا مسلما بريئا، وهو غير معهود في الشرع، لكن نعلم أن حفظ كل المسلمين أقرب إلى المقصود الشارع من حفظ مسلم واحد. وهذا فيما اجتمع فيه القيود الثلاثة، فلو اختل واحد منها لم يجز، كما لو قاتلوا كذلك دافعين، أو في قلعة، أو كان جماعة في مخمصة لو أكلوا واحدا منهم عاشوا، ولو امتنعوا ماتوا. وفيه نظر، إذ القول بالمصالح المرسلة، إنما هو عن الإمام مالك - رحمه الله تعالى - والمسألة المفروضة مما يوافق عليه غيره، بل لو صح النقل عنه، فهو مجرى على إطلاقه. لنا: أنه لم يعتبر هالشرع، فلا تكون حجة، إذ هي به. المثبت: الحكم إن اشتمل على المصلحة الخالصة أو الراجحة. وجبت شرعيته، لأن ترك الخير الكثير لأجل الشر القليل - شر كثير، وإلاك وجب عدمه دفعا للمفسدة الراجحة، أو العبث، وهو كالمعلوم بالضرورة من دين الأنبياء - (صلوات الله عليهم) - بعد استقراء الأحكام. و- حينئذ - يكون حجة لما سبق من المنقول والمعقول في القياس والإجماع. إذ يعلم بعد استقراء مباحث الصحابة أنهم ما كانوا يراعون إلا: تحصيل المصالح، ودفع المفاسد، وما كانوا يلتفتون إلى الشرائط التي أحدثها المتأخرون. لا يقال: لو كان عموم كونه وصفا مصلحيا يوجب الاعتبار لكونه مفسرا في نظره، لكان ذلك يوجب الإلغاء، لكونه ملغي - أيضا - فيلزم أن يكون الوصف الواحد معتبرا وملغي - لأنا نمنع أن المشتمل على الخالصة أو الراجحة ملغي، وإلغاء غيره لا يضر.

مسألة

وأجيب: بأن تخصيص العلة جائز. وإن كان لمانع - وهو يقتضي ذلك. مسألة قالت الحنفية والحنابلة بالاستحسان. وأنكره الباقون: قال الشافعي: (من استحسن فقد شرع). ولا بد من فهمه قبل الخوض. فنقول: إن عنى به الحكم بما يستحسنه عقل المجتهد، أو بهواه - وهو المتبادر إلى الفهم منه - فبطلانه ظاهر، وإلا: فيبين لننظر فيه. فقيل: (هو دليل ينقدح في نفس المجتهد، لا يقدر على التعبير عنه، لعدم مساعدة العبارة)، كالمقوم، فإنه قد لا يقدر على تعبير ما يفيده ظن زيادة القيمة. وزيف: أن المدارك معينة بتعيين الشارع، وهو لا يتصور فيما لا يمكن أن يعبر عنه، ولأن كل معنى محقق يمكن التعبير عنه بحقيقة أو مجاز أو مركب، بخلاف التقويم، فإن ما يفيد ظن زيادة القيمة غير معين من جهته، ولا هو معنى محقق، ولأنه إ تقطع بكونه دليلا جاز التمسك به وفاقا، وإلا: فهو رد وفاقا، فالنزاع - حينئذ - لفظي. وقيل: (هو العدول عن موجب قياس إلى قياس أقوى منه)، وهذا لا خلاف فيه، ولا يجوز تفسير الاستحسان المختلف فيه به. ثم إنه غير جامع، إذ نصوا على أن القياس في قوله: "مالي صدقة" أن يتصدق بجميع ماله، فالاستحسان أن يختص بمال الزكاة، لقوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة} [التوبة: آية 103]، وليس هو بقياس، وكذا استحسانهم عدم وجوب القضاء على من كان ناسيا. وقيل: (هو تخصيص) قياس بأقوى منه. وهو راجع إلى تخصيص العلة، وقد عرف ما فيه من الخلاف ولأنه يكون لفقد شرط، أو وجود مانع، ودليلهما قد يكون أضعف من القياس. الكرخي: (هو العدول عن الحكم في مسألة بمثل حكمه في نظائرهما إلى خلاف، لوجه

أقوى). وهو ضعيف - أيضا - لما سبق، ولأنه يوجب كون العدول عن العموم إلى الخصوص، والمنسوخ إلى الناسخ استحسانا. وقيل: هو العدول عن حكم الدليل إلى العادة المطردة للمصلحة. كدخول الحمام وشرب الماء من السقاء، من غير تقدير الماء واللبث والأجرة. وهو كذلك، لأنها إن كانت معتبر، فلا خلاف فيه، وإلا: فمردودة، ولأنهم نصوا عليه، حيث لا عادة، كما سبق. أبو الحسين: (هو ترك وجه من وجوه الاجتهاد غير شامل شمول الألفاظ بوجه أقوى منه، وهو كالطارئ على الأول). خرج بالأول: النسخ والتخصيص، وبالثاني: الحكم بأقوى القياسين، لأنه ليس في حكم الطارئ، ولو كان لكان استحسانا. وقيل: احترز به عن استحسان ترك القياس. لا يقال: نص محمد بن الحسن في غير موضع: تركت الاستحسان بالقياس، كما لو قرأ آية السجدة في آخر السورة، فالقياس: الاكتفاء بالركوع والاستحسان أن يسجد ثم يركع. ثم إنه قال بالقياس دونه لأنه انضم إلى القياس شيء آخر، وترجح المجموع عليه، وهو: أنه تعالى أقام الركوع مقام السجود في قوله: {وخر راكعا وأناب} [ص: آية 24]. وقيل: احترز بقوله: (في حكم الطارئ عن الاستحسان الذي ترك بالقياس، الذي ليس في حكم الطارئ، فإنه ليس استحسانا، لعدم طريانه عليه، وهذا يقتضي أن يكون القياس الطارئ أقوى من الاستحسان. والمشهور عندهم: أن الاستحسان أقوى مدركا من القياس مطلقا، وحيث يترك القياس، فإنما يترك لاعتضاده بشيء آخر، ودلالة الفعل على الحكم آيلة إلى اللفظ، فلا ينتقض

بما نسخ منه. وهو يقتضي أن تكون الشريعة كلها استحسانا، فلو زيد في الحد: (غير البراءة الأصلية) - سقط. وأجيب عنه: بأن قوله: ترك وجه من وجوه الاجتهاد، ينبئ عنه، فإن البراءة الأصلية ليست من وجوه الاجتهاد، لكن يحترز في الحد عن إرادة مثل هذه الأدلةز والنزاع في التسمية غير لائق بذي التحقيق، ولو سلم فلا ينبغي فيه، إذ ورد في الكتاب: قال الله تعالى: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله} [فصلت: آية 33]، وقوله تعالى: {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} [الزمر: آية 18]، و {واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم} [الزمر: آية 55]، {وأمر قومك يأخذوا بأحسنها} [الأعراف: آية 145]. وفي السنة: كقوله - عليه السلام - "ما رآه المسلمون" الحديث. وفي الفاظ المجتهدين: كقول الشافعي - رضي الله عنه - في المتعة: (أستحسن أن يكون ثلاثون درهما)، وفي الشفعة: (أستحسن أن تثبت إلى ثلاث أيام)، وفي الكتابة: (أستحسن أن يترك على المكاتب شيء). ونقل عن الأئمة استحسان دخول الحمام من غير تقير الماء، واللبث، والثمن والأجرة، واستحسنوا شرب الماء من السقاء من غير تقديره، وتقدير ثمنه. وحمل الإمام النزاع فيه على تخصيص العلة - بعيد، إذ هو مشهور بالخلاف من كثيرين، بخلاف الاستحسان، فإنه مختص بخلاف الحنفية، ولأن تخصيص القياس بالاستحسان يستدعي معرفته، فتعريفه به دور. وقيل: النزاع في إطلاقهم الاستحسان على العدول عن حكم الدليل إلى العادة. وهو ضعيف لما سبق. فلم يتلخص استحسان مختلف فيه. ولنذكر ما ذكر فيه جريا على العادة. المثبت: (أ) قوله تعالى: {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} [الزمر: آية 18]، والاستحسان

مسألة

اتباع الأحسن، فيكون مأمورا به، ولأنه إذا جاز اتباعه، وجب اتباعهن لئلا يلزم خلاف. (ب) قوله تعالى: {واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم} [الزمر: آية 55]، {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} [الأعراف: آية 145]، فيجب اتباعه. (ج) وقوله عليه السلام - " ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن"، ولو لم يكن حجة لم يكن حسنا. وأجيب: عن (أ) و (ب) أنه دور، لأنه إنما يكون مأمورا به لو كان أحسن في نفس الأمر، أو في ظن المكلف بطريق شرعي، فإثبات كونه كذلك يكون مأمورا به - دور، وتخص الآية الثالثة: أنه شرع من قبلنا. وعن (ج) أنه يفيد حسن ما رآه جميع المسلمين حسنا. ونحن نقول به. ثم إنه خبر واحد. ثم إن كان المراد منه ما يكون ذلك بناء على دليل: لزم الدور المذكور، وإلا: فالحكم بمجرد ما يتسحسنه الإنسان ويميل إليه طبعه باطل بإجماع الصحابة والتابعين بالضرورة من الدين، ويؤكده: حديث معاذ. وأنه لم ينقل عن أحد منهم الرجوع إليه عند حدوث الوقائع. والمراد من قوله: "أجتهد رأيي": القياس وفاقا، فلا يكون متناولا لغيره. واستحسانهم دخول الحمام من غير تقدير الماء واللبث والأجرة وشرب الماء من السقاء، من غير تقديره وعوضه - لا يدل عليه، لجواز أن يكون ذلك للعادة المطردة في زمانه - عليه السلام - ولما سبق من الإجماع. مسألة وفي تجيوز قوله تعالى لنبي أو ولي: (احكم فإنك لا تحكم إلا بالحق). ثالثها: أنه يجوز

للنبي. وقيل: لم يقع. وتوقف فيه الشافعي - رضي الله عنه -. الممتنع: (أ) أنه لم يؤمن من اختيار العبد المفسدة، والأحكام للمصالح. (ب) أنه إن كان مصلحة قبل اختيار المكلف: لزم أن يصيب بالاتفاق في الأمور الكثيرة، إذ لا فرق بين القليل والكثير إجماعا، لكنه غير جائز، وإلا: لجاز أن يقال للأمي: (اكتب المصحف فإنك لا تكتب إلا: ما طابق خطه) وللجاهل: (أخبر ما شئت فإنك لا تخبر إلا: بالصدق)، ولبطل دلالة الاتفاق على علم فاعله. ولكان تكليفا بالفعل قبل العلم أو الظن بحسنه، وهو ممتنع، إذ قصد الفعل إنما يحسن إذا حصل ذلك، وقوله افعل فإنك لا تفعل إلا الحسن)، يقتضي أن يكون المميز بين الحسن والقبيح فعله، وبعده بسقط التكليف. ولجاز في أصول الدين وتبليغ الأحكام بلا وحي وفي تصديق الأنبياء وتكذيب المتنبئ ولجاز في حق العامي، بجامع الأمن من الوقوع في الخطأ. وإلا: فإن حصلت المصلحة باختياره - لم يكن ذلك تكليفا، إذ يصير معناه: إن شئت افعل، وإن شئت لا تفعل، ولأنه لا يمكنه الانفكاك عن الفعل والترك، والتكليف بما لا ينفك عنه غير جائز، وإلا فالتكليف به: تكليف بما لا مصلحة فيه، ولا مفسدة، وهو غير جائز، لما سبق. وأجيب: عن (أ) بمنع وجوب تعليل الأحكام بالمصالح، ثم بمنع جواز الخطأ عليه، لما قيل له ذلك. وعن (ب) ما سبق، ثم بمنع أن الاتفاقي لا يكون أكثريا، وهذا لأن جوازه مرة يفيد جوازه مرارا، لأن حكم الشيء حكم مثله. وما ذكر من الأمثلة - إن لم يكن بينها وبين المنازع فرق - منعنا الحكم فيها، وإلا: امتنع القياس، على أنه لا يفيد اليقين. ثم لا نسلم امتناع ما يكون اتفاقيا من وجه دون وجه، كما هو هنا، فإنه اتفاقي من حيث المصلحة، ومعلوم السبب من حيث إنه لا يتأتى إلا بالمصلحة، على إن الإجماع على عدم الفرق بين القليل والكثير - ممنوع. وبه خرج الجواب عن الملازمة الثانية، فإنه اتفاقي بجميع جهاته ولأنا لا نجوز اتفاقه، ولو مرة

واحدة. وعن الملازمة الثالثة: بمنعها، لأن معناه: أنك إن اخترت الفعل أو الترك فحكم به على الأمة. ثم بالنقض: بما إذا أفتى مفتيان متساويان، أحدهما: بالحظر، والآخر، بالإباحة. وفيه نظر، إذ العامي يجب عليه العمل بما أفتى به المفتي، وإن لم يظن حسنه، مستندا إلى دليل، بخلاف المجتهد. وجوابه ظاهر، بأدنى تأمل. ثم إنما يجب تقديم المميز بين الحسن والقبيح، ليأمن فعل القبيح، وأنه حاصل - هنا - قطعا، بخلاف ما يكون مستندا إلى اجتهاده، فإنه يتبين خلافه. وعن الملازمة الرابعة: بمنع امتناع اللوازم، ثم بالفرق إذ المطلوب في الفروع الظن، ولذلك جاز الاجتهاد فيها، بناء على الأمارات والتقليد، بخلاف الأصول، الاختلاف في الحكم يدل على الاختلاف في الحكمة. وتخص مسألة التبليغ: بأنه لرفع إيهام الباطل، وهو الشك فيما يبلغونه. وعن الخامسة: بمنعها، والإجماع على عدم الفرق: ممنوع، ثم بالفرق، بأنه غير لائق بحاله، لأنه مقلد تابع، فلا يجوز أن يكون مقلدا متبوعا. ثم بمنع القسم الثاني، ولا نسلم أنه ليس بتكليف، وسنده ما سبق، وبه خرج جواب الوجه الثاني، ثم بالنقض المذكور. المجوز: (أ) أنه لا يمتنع لذاته، ولا لأمر خارجي، لما سبق غير مرة. (ب) الواجب من خصال الكفارة واحد، لما سبق في مسألة، ثم إنه تعالى فوضه إلى المكلف، لما علم أنه لا يختار إلا: ذلك الواحد، فكذا ما نحن فيه قياسا عليه. (ج) القياس على ما إذا أفتى مفتيان متساويان، أحدهما: بالحظر، والآخر: بالإباحة، فإن المكلف يختار أيهما شاء، إذ لا فرق بين أن يقال: (اعمل ما شئت، فإنك لا تعمل إلا: الصواب) وبين أن يقال: (اعمل بأيهما شئت، فإنك لا تعمل إلا: الصواب). (د) يعتمد في صحة التكليف: تمكنه من الخروج عن عهدته وهو حاصل في هذا التكليف. (هـ) إذا جاز الحكم بالأمارة الظنية، مع جواز الخطأ فيها - جاز الحكم بما يختاره المكلف

من غير دليل، مع عدم جوازه بالطريق الأولى. وأجيب: عن (أ) أنه تمسك بالأصل، لا يفيد اليقين، سلمناه، لكنه يمتنع لكونه يتضمن النفرة، أو لإخلاله بمقصود الاجتهاد، ثم يفيد إمكانه عقلا، وهو: النافي امتناعه عادة، أو شرعا. وعن (ب) أنه قد مر بطلان أن الواجب واحد معين فيها، ثم لا يلزم من جوازه جوازه، وإلا: لجاز في حق العامي، ضرورة جوازه في حقه، على أن الفرق بينهما قائم. وعن (ج) بمنع عدم الفرق، فإن القولين مبنيان على الدليل بخلاف ما نحن فيه، ثم إنه ينتقض بالعامي، ثم إنه قياس يفيد الظن. وعن (د) بعض ماسبق، ثم المعتمد في صحة التكليف تمكنه من الخروج عن عهدته، بناء على الدليل ليأمن من فعل القبيح قبل الفعل. وعن (هـ) بعض ما سبق، ويخصه: منع عدم جواز الخطأ عليه، بل الخطأ في الطريق لازم، ثم لا يلزم من جواز العمل بالظن المستند إلى الدليل جوازه به من غير استناده إليه. ولمن قال بعدم وقوعه (أ) أنه لو أمر به لما نهى عن اتباع هواه، إذ لا معنى له إلا: الحكم على وفق إرادته. ولا يقال: لما أمر - عليه السلام - بذلك، لم يكن ذلك ابتاعا للهوى - لأنه - حينئذ - لا يتصور ذلك في حقه، فيمتنع نهيه عنه. (ب) ولما قيل له: {لم أذنت لهم} [التوبة: آية 34]. وأجيب: عن (أ) أنه لو دل فإنما يدل في حقه - عليه السلام - فقط، والدعوى عامة، ثم بمنع امتناع النهي عن غير المتصور، ثم لعله قبل أن يقال له ذلك. وبه خرج الجواب عن (ب)، ويخصه: أنه ليس عتابا على ترك الحق، بل على ترك الأحق. واحتج على وقوعه: (أ) بقوله تعالى: {كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل} [آل عمران: آية 93]، أضاف

التحريم إليه، وهو يدل على أنه من جهته. (ب) نادى منادي الرسول يوم فتح مكة: "أن اقتلوا مقبس بن حبابة وابن أبي سرح، وإن وجدا متعلقين بأستار الكعبة"، ثم عفى عن ابن أبي سرح بشفاعة عثمان - رضي الله عنه -. (ج) قال يوم الفتح: "إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، لا يختلي خلاها، ولا يعضد شجرها"، فقال العباس رضي الله عنه: إلا: الإذخر، فقال: "إلا الإذخر"، ولم يكن بالوحي، لعدم ظهور علامته. لا يقال: إنه متروك الظاهر، إذ الاستثناء المنفصل غير جائز، وليس بعض التأويل أولىمن البعض فيكون مجملا - لأن الاستدلال ليس من جهة دلالة اللفظ على المعنى، حتى يتجه ما ذكرتم، بل من جهة أنه شرع الحكم من غير وحي، لعدم علامته، فلا يقدح فيه ما ذكرتم، على أنا نمنع كونه متروك الظاهر، لأن السكوت اليسير لا يقدح فيه، فلعله - عليه السلام - سكت في تلك الساعة اللطيفة، فلما قال العباس ذلك أوصله - عليه السلام - بما قبله. (د) نادى مناديه يوم الفتح: "لا هجرة بعد الفتح"، فأقبل مجاشع بن مسعود بالعباس شفيعا، ليجعله مهاجرا، فقال: "أشفع عمي، ولا هجرة بعد الفتح". (هـ) لما قتل النضر، أنشدت ابنته:

أمحمد ولانت ضنؤ بخيبة في قومه والفحل فحل معرق ما كان ضرك لو مننت وربما من الفتى وهو المغيظ المحنق فقال - عليه السلام -: "أما إني لو كنت سمعت شعرها ما قتلته". (و) قوله - عليه السلام -: "عفوت لكم عن الخيل والرقيق". (ز) قال - عليه السلام -: "يا أيها الناس كتب عليكم الحج"، فقال الأقرع بن حابس: أكل عام؟ فسكت، فلما أعاد، قال: "والذي نفسي بيده لو قلتها لوجبت، ولو وجبت لما قمتم بها، دعوني ما ودعتكم". (ج) أخر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشاء ذات ليلة، فخرج ورأسه يقطر، فقال: "لولا أشق على أمتي جعلت وقت هذه الصلاة هذا الحين"، وكذا قوله: "لأمرتهم بالسواك عند كل

صلاة". وقال في حق ماعز - لما سمع أنه رجم - "هلا تركتموه حتى أنظر في أمره". (ط) قوله - عليه السلام - "كنت نهيتكم ... " الحديث. (ي) "وإن عشت - إن شاء الله تعالى - أن أنهى أمتي أن تسمو نافعا وأفلح وبركة". (يا) قوله - عليه السلام -: "لقد هممت أن أنهي عن الغيلة، حتى رأيت فارس والروم تفعل ذلك، فلا يضر أولادها شيئا".

مسألة

وأجيب: عن (أ) بأنه مختص بإسرائيل، والدعوى عامة، والإجماع على عدم الفصل ظني، ثم يجوز ان يكون بالنذر والتحريم واليمين - على رأي بعضهم أو الاجتهاد. وعن البواقي: بمنع دلالتها على المطلوب، لجواز أن يكون بالوحي. ووجوب ظهور علاماته في كل مرة ممنوع، بل ذلك في الغالب. ثم يجوز تقديم وحي شرطي، كقوله: إن استثنى أحد فاستثن ذلك، ولو قلت في كل عام لوجبت فيه. ثم يجوز أن يكون بالإلهام، وظهور علامته غير واجب وفاقا، يؤكده: قوله: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى}، ثم يجوز أن يكون بالاجتهاد. وإذ قد ظهر ضعف مأخذ الجازمين، وجب التوقف كما هو مذهب الشافعي - رضي الله عنه -. مسألة يجب الأخذ بأقل ما قيل. خلافا للكثيرين. هو بشرط: أن يكون قولا لكل الأمة، ولم يوجد سمعي على الأكثر. وهو: تمسك بالإجماع على الأقل، وبالبراءة الأصلية على نفي الزائد. وهو كدية اليهودي، فإن الثلث أقل ما قيل فيه، فلو فرض أن بعضهم لم يوجب شيئا، لم يكن ذلك قولا بأقل ما قيل. وخرج بالثاني: وجوب غسل ولوغ الكلب سبعا، واشتراط الأربعين في انعقاد صلاة

مسألة

الجمعة، لوجود السمعي على الأكثر ولا يشترط عدم ورود السمعي فيه على ما أشعر به كلام بعضهم. إذ لا امتناع في توارد دليلين على مدلول واحد، ولأن هذا الاحتمال قائم في كل اجتماع، مع أنه لا يقدح حجيته. فإن قلت: لما اشتغلت الذمة بشيء لم تحصل البراءة الأصلية يقينا، إلا: بالأكثر، فيجب، ليحصل الخروج عن العهدة يقينا. وأجيب: بأن احتمال شغل الذمة بالأكثر عند عدم السمعي: ممنوع، وإلا: لزم تلكيف ما لا يطاق، و - حينئذ - يخرج عن العهدة بالأقل. ولأنا لما تعبدنا بالبراءة الأصلية عنده - عرفنا البراءة عن الزائد عنده. مسألة قيل: يجب الأخذ بأخف القولين. للنافي: (أ) للعسر والحرج والضرر، وبقوله: "بعثت بالحنيفية السهلة السمحة". وأورد: بأن نفي الحرج عما شرع لا يقتضي نفي المشروعية عما فيه الحرج، لعدم لزوم العكس كليا. وفيه نظر. ولأن الله تعالى غني كريم، والعبد بخلافه فالتحامل عليه أولى. ومنع ذلك إذا كان في التحامل عليه مصلحة له، يؤكده: أن الشرعيات كلها لمصلحة العباد، وإلا: فالله تعالى غني عنها. وهو يرجع إلى: أن الأصل في المنافع الإذن، وفي المضار المنع. (ب) الأخذ بالأخف أخذ بالأقل، وقد ثبت وجوبه. ورد: بمنعه، إذ ليس من شرط الأخف أن يكون جزءا من الأثقل وإنما يجب الأخذ بالأقل إذا

مسألة

كان جزءا كما سبق. وقيل: يجب الأخذ بالأثقل. لقوله: "الحق ثقيل قوي، والباطل خفيف وبي". ولأنه أكثر ثوابا، فيجب المصير إليه، لقوله تعالى: {فاستبقوا الخيرات} [البقرة: آية 148]. وأورد: بأنه لو صح فالمهملة لا تفيد بالكلية، ولو أفاد لم تنعكس كلية، وكذا كلام في الأخرى. ولا نسلم أن الأثقل أكثر ثوابا مطلقا، فإن الأخف الواجب أكثر ثوابا من الأثقل الغير الواجب، و - حينئذ - لو بين به لزم الدور. ثم الأخف - أيضا - من الخيرات، فلم يكن للنص دلالة على وجوب الأثقل خاصة. وقيل: لا يجب الأخذ بشيء منها، إذ ظهر ضعف دلالتهما على الوجوب. تنبيه: يجب الأخذ بطريقة الاحتياط، لقوله - عليه السلام - "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"، وهي غير خارجة عن الأخذ بأكثر ما قيل أو أثقل ما قيل، فلا تفرد بالذكر. مسألة الاستدلال: طلب دلالة الدليل، كالاستنطاق. واصحطلاحا: (ذكر الدليل غير النص والإجماع والقياس)، وهو المطلوب بيانه، وهو أنواع: (أ) ما يتعلق بالسبب: وطريق إيراده أن يقال: وجد السبب، فيجب وجود الحكم، وإلا لزم التخلف. لا يقال: وجوده وحده غير كاف، بل لا بد من التعرض لوجود الشرط وانتفاء المانع، لأن تخصيص العلة غير جائز، سلمناه، لكن توقيفه على ذلك خلاف الأصل، فلا يجب التعرض لذلك، كما لا يجب التعرض لدفع المجاز والتخصيص. ويقال في العدم: انتفى فينتفي، أو انتفى شرطه، أو جد مانعه فينتفي. لا يقال: عدم الدليل

ليس بدليل - لانا نمنع ذلك مطلقا، بل إذا كان عدم الدليل مطلقا، أما إذا كان عدم دليل خاص فلا، وهذا، لأن المعنى منه ما لو جرد النظر إليه أفاد علما أو ظنا، وما نحن فيه كذلك، فيكون دليلا. لا يقال: الاستدلال بالسبب أو انتفائه راجع إلى القياس - لأنا نمنع ذلك، وسنده بين. (ب) الاستدلال على عدم الحكم بعد ما يدل على الحكم. وطريقه أن يقال: الحكم الشرعي لا بد له من دليل وإلا: لزم أن لا يكون حكما، أو تكليف ما لا يطاق، وهو: إما نص، أو إجماع، أو قياس. (أ) لقصة معاذ، خولف في الإجماع لمنفصل، فيبقى فيما عداه على الأصل. (ب) الاستدلال على عدم الحكم بعدم ما يدل على الحكم. وطريقه أن يقال: الحكم الشرعي لا بد له من دليل وإلا: لزم أن لا يكون حكما، أو تكليف ما لا يطاق، وهو: إما نص، أو إجماع، أو قياس. (أ) لقصة معاذ، خولف في الإجماع لمنفصل، فيبقى فيما عداه على الأصل. (ب) التمسك بالأصل، وهو على نحو ما سبق تقريره. (ج) أنه لو حصل شيء من الأدلة غير الثلاثة، لنقل نقلا متواترا، لتوفر الدواعي على نقله، لمسيس الحاجة إليه، ولو كان كذلك لعرفناه، سيما بعد البحث والطلب الشديد. (د) لو حصل شيء من الأدلة غير الثلاثة: فإن كان من القطعية لوجب أن ينقل نقلا متواترا، وإلا: لم يكن قطعيا، أو الظنية: فلم يجز التمسك به، للنافي العمل به، ترك العمل به في خبر الواحد، والقياس لمنفصل، فيبقى فيما عداه على الأصل. ولا نص: لأنا لم نجده بعد طلبه، وهو يكفي للمجتهد، والمناظر تلوه. ولأنه لو وجد لعرفه الخصم ظاهرا، ولما حكم بخلافه ظاهرا. ولأن الأصل بقاء ما كان على ما كان. ولا إجماع، لوجود الخلاف، وللإجماع عليه، ولأن الأصل عدمه. ولا قياس: لبعض ما سبق. ولأنا لم نجده بعد الطلب إلا: الأصل الفلاني، لكن الفرق الفلاني حاصل، ومعه لا يصح القياس، وهو عذر في حق المجتهد، وكذا في حق المناظر، لأنه تلوه.

وأورد: (أ) أنه مستدرك، إذ بعض مقدماته كاف في حصول المطلوب. (ب) ثم إنه يقتضي أن لا يكون الدليل المذكور دليلا، أو عدم انحصار الأدلة فيما ذكره، وعلى التقديرين يلزم القدح فيه، فإنه إذا بطل بعض مقدمات الدليل بطل الدليل. لا يقال: المدعي حصر أدلة الحكم الشرعي، فيما ذكر، وعدم الصحة مثلا ليس حكما شرعيا، لحصلوه قبله، ثم هو راجع إلى الإجماع - لأنه يلزم من عدم الصحة البطلان، وهو شرعي، ولا نسلم رجوعه إليه، وهذا لأن الإجماع لا يدل على عدم الصحة، بل على دلالة عدم الثلاثة عليه. (ج) لو كان عدم دليل الوجود دليل العدم، لكان عدم دليل العدم دليل الوجود، لاستواء النسبتين، وأنه يبطل الحصر، ويقتضي أن يلزم انتفاء الوجود إلا: ببيان انتفاء عدم دليل العدم، وعدم العدم وجود، فلا يلزم انتفاء الوجود إلا: بوجود دليل العدم، وهو يغني عما ذكرتم. (د) أنه اقتصر في نفي النص على عدم الوجدان، دون القياس، وهو إن صح آت فيه، كما في النص، والخصم كما يعتقد قياسا معينا دليلا، فقد يعتقد نصا معينا دليلا. (هـ) ثم الفرق إنما ينفي صحته إذا لم يجوز التعليل بمختلفين، وهو ممنوع. (و) ثم إنه مقلوب أبدا، فإنه كما ينفي صحة البيع ينفي حرمة أخذ المبيع من البائع، والثمن من المشتري. وأجيب: عن (أ) بمنعه، فإن ما ذكرناه أكثر إفادة للظن، ضرورة أن النفي تفصيلا بعد الحصر آكد من النفي إجمالا. وعن (ب) أن المدعى حصر المغير عن مقتضى الأصل، وما ذكرناه مقرر وفيه تغيير الدعوى، إذ الحكم الشرعي أعم من المغير، فإن ما قرره الشارع على الأصلي حكم شرعي. فالأول: أن يقال: الأصل بقاء ما كان على ما كان، إلا: لدلالة شرعية مغيرة، ولا مغير

سوى الثلاثة، ولم يوجد واحد منها، لما سبق. وإنما لم يكتف بذكر الأصل، لأن المجتهد لا يجوز له التمسك به إلا: بعد الطلب، الذي يغلب ظن عدمه، والمناظر تلوه، إذ لا معنى لها إلا: بيان وجه الاجتهاد. وعن (ج) بمنع الملازمة، إذ الاستدلال بعدم دليل الوجود على العدم أولى منه. (أ) إذ لا يلزم منه إثبات ما لا نهاية، ولا امتناع في عدم ما لا نهاية له. (ب) ولأن عدم ظهور المعجز دليل عدم النبوة، وليس عدم دليل النبوة دليل النبوة. (ج) يصح تعليل عدم جواز التصرف في ملك الغير بعدم إذنه، ولا يصح تعليل جوزه بعدم المنع. (د) دليل كل شيء ما يليق به، فدليل العدم العدم، ودليل الوجود الوجود، سلمنا تساوي النسبتين، لكن ما ذكرناه معتضد بالأصل، فكان أولى، سلمناه، لكن لا يعتبر لمضادته: أن الأصل هو العدم، فإنه يستدل به على عدم دليل العدم، فيلزم الوجود، وهو دليل العدم. وعن (د) أنه يتعلق بالاصطلاح، ثم لعله إنما لم يذكر لأنه علم إتيانه فيه فذكر ما يختص به، وإنما لم يذكر ما يقدح في متن النص ودلالته، لأنه يطول، والفرق كلفته قليلة. وعن (هـ) أنه سبق امتناعه عن المستنبطين. وعن (و) بمنعه، فإن الأصل لا يجب أن يكون مشتركا بين كل دعوتين، على أنا نمنع إمكان نفي النص والإجماع فيه وأمثاله، إذ الإجماع منعقد على تحريم الأخذ منه، على تقدير عدم صحة البيع. (ج) الاستقراء. تام، وهو إثبات الحكم في جزئي، لثبوته في الكلي، وهو القياس المنطقي المقيد للطقع، وهو حجة جزما. وناقض، وهو عكسه، وهو المسمى في اصطلاح المشرعين بـ (إلحاق الفرد بالأعم الأغلب)، ويختلف فيه الظن في القوة والضعف، بحسب كثرة الجزئيات وقلتها. والأظهر: أنه حجة، لأنه يفيد الظن، كقولنا: الوتر ليس بواجب، لأنه يؤدي على الراحلة، ولا شيء من الواجب يؤدى عليها، للاستقراء. فإن قلت: القياس التمثيلي حجة باتفاق الفقهاء القائلين بالقياس، وأنه أقل رتبة من

مسألة

الاستقراء، لأنه حكم على جزئي، لثبوته في أكثرها، فكان أولى بالحجية. قلت: لو سلم ما ذكرتم مع أن فيه نظرا، لكن ذلك بسبب علية المشترك، وهو غير حاصل فيما نحن فيه. مسألة الحكم إن كان عدميا يمكن إثباته بوجوه: (أ) الحكم كان معدوما في الأزل، إذ الحكم بدون المحكوم عبث، والمعنى من الحكم كون الشخص مقولا له: إن لم تفعل في هذه الساعة عاتبتك، والأصل: بقاء ما كان على ما كان، وهذا إنما يتم إذا قيل بحدوث الحكم، أو بأن يعني منه، ما ذكرناه - هنا - أو نحوه. أما على ما ذكر في صدر الكتاب: فلا. (ب) لو ثبت الحكم لثبت لمصلحة عائدة على العبد، لامتناع العبث، وعود النفع إلى الله تعالى، والله تعالى قادر على إيصال جميع المنافع إلى العبد ابتداء، فتوسط الحكم عبث، ترك العمل به فيما اتفق عليه، فبقي في المختلف فيه على أصله، وهو مبني على وجوب تعليل أفعاله وأحكامه بالمصالح. (ج) ثبوته لا لدلالة، ولا لأمارة، أو لدلالة باطل، لتكليف ما لا يطاق، وللإجماع، وكذا الأمارة، للنافي لاتباع الظن، ترك العمل به في القياس وخبر الواحد للإجماع، فيبقى ما عداه على الأصل. (د) هذه الصورة تفارق تلك الصورة في مناسب، فنفارقها في الحكم، وإلا لزم إلغاء المناسب، او تعلي الحكمين المتماثلين بمختلفين وهو بالط، لأن إسناد أحدهما إلى علته: إن كان لذاته، أو لوازم ذاته، لزم ذلك في الآخر، وإلا: امتنع إسناده إليها، لكونه مستغنيا في ذاته عنها. ورد: بمنع الملازمة، لجواز احتياج المعلول إلى مطلق العلة بما ذكرتم، وتعينها لبس منه، بل لما تعينت العلة لأسبابها تعين المعلول. (هـ) لو ثبت - هنا - لتثبت في كذا، للمناسبة أو غيرها من الطرق السالمة عن التخلف، لأنه - حينئذ - ثابت في جميع صور النقض.

مسألة

ورد: بمنع الملازمة، وأسند إلى المانع. وأجيب: بأن الاستدلال بالمقتضى أولى من المانع، لأن التعارض خلاف الأصل. (و) الحكم كان منتفيا في أوقات متعددة غير متناهية، ضرورة أنه كان منتفيا في الأزل، والكثرة مظنة الظن. (ز) أن هذا الحكم مفضي إلى الضرر، لأنه إذا دعاه الداعي إلى خلافه، فإن تبع عوقب، وإلا: وقع في مشقة مخالفة النفس، فيكون منفيا، للنافي له، وهو غير مختص بالوجوب والتحريم، بل يعم كل حكم تكليفي. (ح) إثبات الحكم بلا دليل، أو بدليل قديم - تكليف ما لا يطاق، أو عبث، أو نقض، وبدليل حادث يقتضي أن يكون مسبوقا بالعدم، والأصل في مثله بقاؤه على العدم، ولأن كونه دليلا يتوقف على حدوث ذاته، ووصف كونه دليلا، وما يتوقف على أمرين مرجوح بالنسبة إلى ما يتوقف على حدوث ذاته، ووصف كونه دليلا، وما يتوقف على أمرين مرجوح بالنسبة إلى ما يتوقف على واحد، فكونه دليلا مرجوح بالنسبة إلى عدمه. (ط) لو كان ثابتا لاشتهر دليله، لأنه مما يعم به البلوى، ومسيس الحاجة إليه. (ي) يثبوته يقتضي مخالفة الأصل، والنصوص النافية والقياس، إذ لو ثبت لثبت في صورة النقص، لما سبق. مسألة في الاستدلال على ثبوته، وهو من وجوه: (أ) أن المجتهد الفلاني قال به، بناء على الظن أو العلم، وإلا: لما جاز له أن يقول به إجماعا، فوجب أن يكون حقا، لقوله عليه السلام -: "ظن المؤمن لا يخطئ". ترك العمل في العدمي، لعدم استناد ظنه إلى الدليل. ولا يعارض بقول النافي، لأن المثبت راجح على النافي، لما سبق، ولأن المثبت معه زيادة علم، وظن النافي، بجوز أن يكون الاستصحاب، فكان أولى.

(ب) ثبت الحكم في كذا، فيثبت - هنا - لقوله: {فاعتبروا} [الحشر: آية 2]، وقوله: {إن الله يأمر بالعدل} [النحل: آية 90]. (ج) إثبات الحكم في صورة النزاع، بجامع مشترك بينه وبين محل الوفاق. اتباع الرسول، لأن الرسول فعل مثله، لحديث قبلة الصائم، والخثعمية، فكان واجبا، لقوله: {فاتبعوه} [الأنعام: آية 153]. (د) الصديق (شبه العقد بالعهد)، وعمر: (أمر أبا موسى بالقياس)، فكان واجبا، بوجوب الاقتداء بهما للحديث. (هـ) الحكم في وصورة كذا ثبت لمصلحة كذا، للمناسبة، وهي حاصلة - هنا - وحكم ما ثابت لمصلحة إجماعا. (و) هذا الحكم يحصل محصلحة، فيعلل بالمشترك. (ز) هذا الحكم يتضمن مصلحة المكلف، ودفع حاجته، وأنه ادعى إلى شرعية أولا، ولا يخرج الداعي عن كونه كذلك، إلا: لمعارض، لكن الأصل عدمه. (ح) أن إثبات الحكم لا يقتضي نقض العلة الفلانية، بخلاف النفي فإنه يقتضي ذلك، ضرورة ثبوته في محل الوفاق، فكان أولى. (ي) لو لم يثبت الحكم - هنا - لما ثبت في محل الوفاق بالنافي له، السالم عن معارضته عليه المشترك بينهما، واللازم باطل، فالملزوم مثله. وإذ قد أتينا بالمقصود. فلنختم الكتاب حامدين ومصلين على أنبيائه ورسله، خصوصا محمدا وآله وصحبه أجمعين، اللهم أسعف السؤال، وحقق الأمل، وادفع الخوف والوجل، واذهب الخزي والخجل، واختم بالخير الأجل، وصل على محمد المبجل، قائد العز المحجل، وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين.

§1/1