الغفلة
سعيد بن وهف القحطاني
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم (¬1) المقدمة إن الحمد لله، نحمده, ونستعينه, ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله, وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: فهذه رسالة مختصرة في: ((الغفلة: خطرها، وعلاماتها، وأسبابها، وعلاجها)) بيَّنت فيها بإيجاز: مفهوم الغفلة، والفرق بينها وبين النسيان، وخطر الغفلة، وأنها مرض فتَّاك مهلك، وبيَّنت علاماتها التي من اتَّصف بها فهو من الغافلين، وذكرت أسبابها، ¬
وعلاجها، بإيجاز، والله تعالى أسأل أن ينفعني بما فيها في حياتي، وبعد مماتي، وأن ينفع بها من انتهت إليه، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم؛ فإنه خير مسؤول وأكرم مأمول وهو حسبنا ونعم الوكيل. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أبو عبدالرحمن سعيد بن علي بن وهف القحطاني حرر عشية الثلاثاء الموافق 13/ 3/1427هـ.
المبحث الأول: مفهوم الغفلة لغة واصطلاحا
المبحث الأول: مفهوم الغفلة لغة، واصطلاحاً: الغفلة لغة: مصدر غَفَل يغفل غفولاً وغفلةً: تركه وسهى عنه، وأغفلتَ الشيء: تركته غَفَلاً وأنت له ذاكراً، والتغافل والتغفّل: تعمُّد الغفلة، والغُفلُ: من لا يرجى خيره ولا يخشى شره، وما لا علامة فيه (¬1)، وفي الحديث: ((من اتبع الصيد غفل)) (¬2)، أي: يشتغل به قلبه ويستولي ¬
عليه, حتى يصير فيه غفلة (¬1). ¬
الغفلة اصطلاحا:
وقيل: الغفلة: سهو يعتري الإنسان من قلة التحفظ والتيقظ (¬1) (¬2). والغفلة اصطلاحاً: قيل: متابعة النفس على ما تشتهيه. وقيل: إبطال الوقت بالبطالة. وقيل الغفلة عن الشيء: هي أن لا يخطر ذلك بباله (¬3). وقيل: غيبة الشيء عن بال الإنسان وعدم تذكره له، وقد استعمل فيمن تركه إهمالاً وإعراضاً كما قال تعالى: {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} (¬4). وقد جاء هذا المعنى في آيات كثيرة (¬5). ¬
المبحث الثاني: الفرق بين الغفلة والنسيان
المبحث الثاني: الفرق بين الغفلة والنسيان: * الغفلة: ترك باختيار الغافل. * أما النسيان: فهو ترك بغير اختيار الإنسان. * أما الذكر: فهو التخلص من الغفلة والنسيان (¬1)؛ ولهذا قال الله تعالى: {وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} (¬2)، ولم يقل ولا تكن من الناسين؛ لأن النسيان لا يدخل تحت التكليف فلا ينهى عنه؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه)) (¬3). وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إن الله تجاوز لي عن أمتي: الخطأ, والنسيان, وما استكرهوا عليه)) (¬4). ¬
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله تجاوز لأمتي عما توسوسُ به صدورها، ما لم تعمل به أو تتكلم به، وما استكرهوا عليه)) (¬1). ¬
المبحث الثالث: خطرالغفلة
المبحث الثالث: خطر الغفلة: الغفلة مرض فتَّاك من أمراض القلوب، وقد حذر الله منها، وبيَّن عقاب من وقع فيها، ومما يدل على هذا ما يلي: أولاً: توقع في الهلاك، قال الله تعالى في قوم فرعون: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (135) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} (¬1)، فأسباب هلاك قوم فرعون كثيرة، ولكن منها سببان: تكذيبهم بآيات الله، وتغافلهم عنها (¬2). ثانياً: من أصيب بالغفلة الكاملة خُتِمَ على قلبه، وسمعه، وبصره، وكان أضل من الحيوان، والأنعام، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (¬3). فهم لا ينتفعون بشيء من هذه الجوارح التي جعلها الله سبباً للهداية، فقلوبهم لا يصل إليها فقه ولا علم، وأعينهم لا ينتفعون بها فلا يبصرون آيات الله، وآذانهم لا يسمعون بها ما ينفعهم، كما قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} (¬4). وقال تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ} (¬5). وقال تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} (¬6). ولم يكونوا صمّاً، ولا بكماً، ولا عمياً إلا عن الهدى، كما قال تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} (¬7). وقال ¬
ثالثا: الغفلة قرينة التكذيب بآيات الله
تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} (¬1). وقال تعالى: {لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (¬2). ثالثاً: الغفلة، قرينة التكذيب بآيات الله تعالى: قال تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} (¬3)، فالسبب التكذيب والغفلة، فالغفلة قرينة التكذيب بآيات الله تعالى. قال العلامة السعدي رحمه الله: ((فردهم لآيات الله وغفلتهم عما يُراد بها، واحتقارهم لها، هو الذي أوجب لهم ¬
رابعا: لعظم خطر الغفلة نهى الله عنها رسوله - صلى الله عليه وسلم -
من سلوك طريق الغي، وترك طريق الرشاد ما أوجب)) (¬1). رابعاً: لعظم خطر الغفلة نهى الله عنها رسولَه - صلى الله عليه وسلم -، فقال تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} (¬2). والغافلون الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم؛ فإنهم حُرِموا خير الدنيا والآخرة، وأعرضوا عن من كل السعادة والفوز بذكره، وعبوديته، وأقبلوا على من كلِّ الشقاوة، والخيبة، والاشتغال به)) (¬3). خامساً: الغفلة صفة من صفات أهل النار، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (¬4). فهذه حال الأشقياء الذين ¬
سادسا: الحذر من الغفلة
كفروا بلقاء الله يوم القيامة، ولا يرجون في لقائه شيئاً، ورضوا بهذه الحياة الدنيا واطمأنت إليها نفوسهم، وهم غافلون عن آيات الله الكونية، فلا يتفكرون فيها، وعن آياته الشرعية فلا يأتمرون بها (¬1). سادساً: الحذر من الغفلة؛ لأن أكثر الناس وقعوا في الغفلة، قال الله تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} (¬2). سابعاً: الغفلة تغلق على العبد أبواب الخير، وتفتح له أبواب الشر، قال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ ¬
ثامنا: من أعظم خطر الغفلة أن من غفل عن الله عاقبه بأن يغفله عن ذكره
وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (¬3). ثامناً: من أعظم خطر الغفلة أن مَن غفل عن الله عاقبه بأن يغفله عن ذكره، ويتبع هواه ويكون أمره ضائعاً معطلاً، قال الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (¬4). تاسعاً: أهل الغفلة لهم الحسرة يوم الحسرة، قال الله تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (39) إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} (¬5)، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ¬
عاشرا: اقتراب الساعة والموت للناس وهم في غفلاتهم
((إذا صار أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم ينادي منادٍ: يا أهل الجنة لا موت، ويا أهل النار لا موت، فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حُزناً إلى حزنهم)) (¬1)، وعند مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ثم ((قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} وأشار بيده إلى الدنيا)) (¬2). عاشراً: اقتراب الساعة والموت للناس وهم في غفلاتهم، قال الله تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} (¬3)، فهم في غفلة عما خُلِقُوا له، ¬
الحادي عشر: حذر الله تعالى الناس عن الغفلة
وإعراض عما زجروا به، كأنهم للدنيا خلقوا، وللتمتع بها وُلِدُوا، وقلوبهم غافلة معرضة، لاهية بمطالبها الدنيوية، وأبدانهم لاعبة، قد اشتغلوا بتناول الشهوات، والعمل بالباطل (¬1). وقد نقل ابن كثير رحمه الله أن أشعر الناس أبو العتاهية حيث قال: الناس في غفلاتهم ورحا المنية تطحنُ (¬2) الحادي عشر: حذر الله تعالى الناس عن الغفلة، وبين سبحانه خطرها, فقال تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} (¬3). ¬
الثاني عشر: ذم الله تعالى الغافلين عن الآخرة
الثاني عشر: ذم الله تعالى الغافلين عن الآخرة، فقال تعالى: {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} (¬1). الثالث عشر: لخطر الغفلة فقد أرسل الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - لإنذار الناس عن الغفلة، قال تعالى: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} (¬2). الرابع عشر: توبيخ الغافل يوم القيامة، وتقريعه، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي ¬
الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (¬1). ¬
المبحث الرابع: علامات الغفلة
المبحث الرابع: علامات الغفلة الغفلة لها علامات كثيرة وأعراض عديدة، منها ما يأتي: أولاً: التكاسل عن الطاعات، وهذه العلامة من أهم العلامات: 1 - قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى} (¬1). 2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه: ((إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزمٌ من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)) (¬2). ¬
ثانيا: استصغار المحرمات
ثانياً: استصغار المحرمات والتهاون بها، قال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: (إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقطع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذُباب مرّ على أنفه فقال به هكذا) فقال أبو شهاب: بيده فوق أنفه (¬1). ثالثاً: ألف المعصية ومحبتها؛ لأدلة كثيرة، منها ما يأتي: 1 - حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((كل أمتي معافىً إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعملَ الرَّجلُ بالليل عملاً ثم يُصبحُ وقد ستره الله فيقول: يا فلان، عملتُ البارحةَ كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه)) (¬2). 2 - وحديث حذيفة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ¬
قال: ((تُعرضُ الفتنُ على القلوب كالحصير عُوداً عودا، فأيُّ قلبٍ أُشر بها نَكت فيه نكتةٌ سوداءُ، وأيُّ قلبٍ أنكرها نُكت فيه نكتةٌ بيضاءُ حتى تصيرَ على قلبين: على أبيضَ مثل الصَّفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخرُ أسودُ مربادًّا كالكوزُ مجخِّياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أُشرب من هواه)) (¬1) (¬2). ¬
رابعا: تضييع الوقت
رابعاً: تضييع الوقت من غير فائدة؛ فإن الوقت نعمة، ولا يضيعه إلا غافل؛ ولهذا والله أعلم يستقصرون الوقت يوم القيامة، كما جاء في الأدلة الآتية: 1 - قال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} (¬1). 2 - وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} (¬2). 3 وقال الله عز وجل: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} (¬3). 4 - وقال الله جل وعلا: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ} (¬4). 5 - وقال الله سبحانه وتعالى: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ ¬
الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا (103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا} (¬1). 6 - وقال الله تعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} (¬2). 7 - وقال الله عز وجل: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ} (¬3). 8 - وقال الله تبارك وتعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} (¬4). 9 - وقال الله عز وجل: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا} (¬5). 10 - وحديث المستَوْرِد، رضي الله عنه قال: سمعت
النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ما مثل الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم، فلينظر بما يرجع)) (¬1). 11 - وحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)) (¬2). 12 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لِرَجُلٍ وهو يَعِظُهُ: ((اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغِناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)) (¬3). ¬
13 - وقال الإمام البخاري رحمه الله: اغتنم في الفراغ فضل ركوع ... فعسى أن يكون موتك بغتة كم صحيح رأيت من غير سقم ... ذهبت نفسه الصحيحة فلتة (¬1) 14 - وما أحسن قول القائل: تزوَّد من التُّقَى فإنَّك لا تدري ... إذا جنَّ ليلٌ هل تعيش إلى الفجر فكم من صحيحٍ مات من غير علةٍ ... وكم من عليلٍ عاش حيناً من الدهر ¬
المبحث الخامس: أسباب الغفلة
المبحث الخامس: أسباب الغفلة الغفلة لها أسباب كثيرة، ولكن من أبرزها ما يأتي: أولاً: الجهل بالله تعالى، وبأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وبدينه؛ للأدلة الآتية: 1 - قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (¬1). 2 - قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ} (¬2). ثانياً: المعاصي من أعظم أسباب الغفلة، للأدلة الآتية: 1 - قال الله عز وجل: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (¬3). ¬
ثالثا: الإعراض واتباع الهوى
2 - وقال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: ((إن للحسنة ضياء في الوجه، ونوراً في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ووهناً في البدن، ونقصاً في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق)) (¬1). ثالثاً: الإعراض واتباع الهوى يسببان سد أبواب الهداية وفتح أبواب الغواية، لما يأتي: 1 - قال الله تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} (¬2). 2 - وقال عز وجل: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (¬3). 3 - وقال الله عز وجل: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} (¬4). 4 وقال الله جل وعلا: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} (¬5). 5 - وعن أبي واقد الليثي رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينما هو جالس في المسجد والناس معه، إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذهب واحد، قال: فوقفا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهباً، فلما فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ألا ¬
رابعا: صحبة الغافلين
أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فآوى إلى الله تعالى، فآواه الله إليه، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه)) (¬1). رابعاً: صحبة الغافلين: جلساء السوء، للأدلة الآتية: 1 - قال الله تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} (¬2). 2 - وحديث أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك ¬
وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد [منه] ريحاً خبيثة)) (¬1). 3 - وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)) (¬2). 4 - وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي)) (¬3). 5 وقال الله عز وجل: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} (¬4). 6 - وما أحسن ما قال القائل: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينة ... فكل قرين بالمقارن يقتدي 7 - وقال الشاعر: صُحبة الأخيار للقلب دَوَى ... تزيد في القلب نشاطاً وقِوَى وصحبة الجُهَّال داءٌ وعمى ... تزيد في القلب السقيم سقماً 8 - وما أجمل قول القائل: إذا ما صحبتَ القومَ فاصحبْ خيارَهم ... ولا تصحب الرَّدِيء فتردَى مع الرديء 9 - وقد نهى الله عز وجل عن موادة من حاد الله ورسوله، فقال عز وجل: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (¬5). ¬
خامسا: ترك صلاة الجمعة أو التهاون بها
10 - ونهى عن طاعة من أغفل قلبه، فقال سبحانه وتعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (¬1). خامساً: ترك صلاة الجمعة أو التهاون بها، للأدلة الآتية: 1 - حديث عبدالله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنه: ((لينهينَّ أقوامٌ عن وَدْعِهِمُ الجُمُعاتِ أو ليختمنَّ الله على قلوبهم ثم ليكونُنَّ من الغافلين)) (¬2). 2 - وحديث أبي جعد الضمري رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من ترك ثلاث جمع تهاوناً بها طبع الله على قلبه)) (¬3). ¬
سادسا: ترك صلاة الجماعة
سادساً: ترك صلاة الجماعة: لحديث عبدالله بن عباس، وابن عمر رضي الله عنهم أنهما سمعا النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لينتهينَّ أقوامٌ عن ودعهم الجماعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونُنَّ من الغافلين)) (¬1). سابعاً: طول الأمل؛ لأدلة كثيرة منها: 1 - قال الله تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} (¬2). 2 - وحديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: خط النبي - صلى الله عليه وسلم - خطاً مربعاً، وخط خطّاً في الوسط خارجاً ¬
منه، وخطَّ خُطُطاً صغاراً إلى هذا الذي في الوسط، فقال: ((هذا الإنسانُ وهذا أجله محيط به، - أو قد أحاط به - وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخُطَطُ الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا)) (¬1). 3 وقال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنكبي فقال: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) (¬2). 4 - وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يهرم ابن آدم وتشبُّ منه اثنتان: الحرص على المال, والحرص على العمر)) (¬3). ¬
ثامنا: كثرة الضحك
5 وما أحسن ما قال الشاعر: إنا لنفرح بالأيام نقطعها ... وكلُّ يوم مضى يُدني من الأجل فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً ... فإن الربح والخسران في العمل (¬1) 6 - وقال عليٌّ بن أبي طالب رضي الله عنه: (ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحدةٍ منها بنون، فكونوا من أبناء الآخرةِ ولا تكون من أبناء الدنيا؛ فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل) (¬2). ثامناً: كثرة الضحك؛ للأدلة الآتية: 1 - حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يُعلِّمُ من يعمل بهن؟)) فقال أبو هريرة: قلت: أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فَعدَّ خمساً، وقال: ((اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارضَ بما قسم الله لك ¬
تاسعا: كثرة الكلام في غير ذكر الله تعالى
تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمناً، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلماً، ولا تكثر الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب)) (¬1). 2 - وحديث أنس رضي الله عنه قال: خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - خطبة ما سمعت مثلها قط، قال: (( ... لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً)) الحديث وفيه قصة عظيمة مخيفة (¬2). تاسعاً: كثرة الكلام في غير ذكر الله تعالى: لما رُوِيَ من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما يرفعه: ((لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله تعالى قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله تعالى القلب القاسي)) (¬3). ¬
المبحث السادس: علاج الغفلة
المبحث السادس: علاج الغفلة أولاً: العلم: وهو معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة، وهو لغة: نقيض الجهل: وهو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكاً جازماً. وفي الاصطلاح: صفة ينكشف بها المطلوب انكشافاً تاماً. ومما يدل على أهمية العلم ومكانته في صلاح القلوب وإزالة غفلتها ما يأتي: 1 - قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (¬1). 2 - وقال الله عز وجل: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (¬2). 3 - وحديث معاوية رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ¬
قال: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) (¬1). 4 - وحديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)) (¬2). 5 - وقال الله عز وجل: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (¬3). 6 - ولم يأمر الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - بالازدياد إلا في العلم: قال الله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (¬4). 7 - وحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ¬
ثانيا: ذكر الله تعالى على كل حال
ذكر الله, وما ولاه, وعالم أو متعلم)) (¬1). ثانياً: ذكر الله تعالى على كل حال، ويدل على ذلك ما يلي: 1 - قال الله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} (¬2). 2 - وقال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} (¬3). 3 - وقال الله سبحانه وتعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (¬4). 4 - وقال الله تبارك وتعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} (¬5). ¬
5 - وحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت)) ولفظ مسلم: ((مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه، مثل الحي والميت)) (¬1). 6 - وحديث أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ألا أنبئكم بخير أعمالكم, وأزكاها عند مليككم, وأرفعِها في درجاتكم, وخيرٍ لكم من إنفاق الذهب والوَرِقِ، وخيرٍ لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟)) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((ذكر الله تعالى)) (¬2). ¬
7 - وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خيرٍ منهم، وإن تقرب إلي شبراً تقرَّبت إليه ذراعاً، وإن تقرَّب إليَّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة)) (¬1). 8 - وحديث عبدالله بن بُسر رضي الله عنه: أن رجلاً قال: يا رسول الله: إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، فأخبرني بشيء أتشبَّثُ به قال: ((لا يزالُ لسانُك رطباً من ذكر الله)) (¬2). ¬
ثالثا: مجالس الذكر
ثالثاً: مجالس الذكر علاج لغفلة القلوب، للأدلة الآتية: 1 - حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)) قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: ((حلق الذكر)) (¬1). 2 - وحديث معاوية رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج على حَلْقةٍ من أصحابه فقال: ((ما أجلسكم؟)) قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنَّ به علينا، قال: ((آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟)) قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: ((أما إني لم أستحلفكم تُهمةً لكم، ولكنه أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة)) (¬2). 3 - وحديث أبي هريرة الطويل في حضور الملائكة حلقات الذكر وأنهم يحفُّونهم بأجنحتهم إلى السماء ¬
رابعا: أعظم الذكر وأعظم العلاج للغفلة قراءة القرآن
الدنيا، وفي الحديث أن الله تعالى يقول للملائكة: ((فأشهدكم أني قد غفرت لهم. فيقول ملك من الملائكة: ربِّ فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة، قال: فيقول: وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم)) (¬1). رابعاً: أعظم الذكر وأعظم العلاج للغفلة قراءة القرآن، للأدلة الآتية: 1 - قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} (¬2). 2 - وقال الله عز وجل: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} (¬3). 3 - وقال الله تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} (¬4). 4 - وحديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (الم) حرف، ولكن: ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)) (¬5). 5 - وحديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يُقال لصاحب القرآن: اقرأ، وارتقِ، ورتِّل، كما كنت ترتِّل في الدنيا؛ فإن منزلتك عند آخر آيةٍ تقرأُ بها)) (¬6). 6 - قال الله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (¬7). 7 - وقال الله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} (¬8). 8 - قال ابن القيم رحمه الله: ((القرآن حياة القلوب، وشفاء لما في الصدور ... ، فبالجملة فلا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر، والتفكر ... وهذا الذي يورث الحبة والشوق، والخوف، والرجاء، والإنابة، والتوكل، والرضى، والتفويض، والشكر، والصبر، وسائر الأحوال التي بها حياة القلب، وكماله، وكذلك يزجر عن جميع الصفات والأفعال المذمومة التي بها فساد القلب، ¬
وهلاكه ... فلو عَلِمَ الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر لاشتغلوا بها عن كل ما سواها ... )) (¬1). 9 - وقال خبَّاب بن الأرتِّ رضي الله عنه: ((تقرّب إلى الله ما استطعت، واعلم أنك لن تتقرب بشيء أحب عليه من كلامه)) (¬2). 10 - وقال عثمان رضي الله عنه: ((لو طهرت قلوبكم ما شبعتم من كلام ربكم)) (¬3). 11 - وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: ((من أحب القرآن فهو يحب الله ورسوله)) (¬4). والذكر نوعان: ذكر مطلق، مثل حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن ¬
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثلَ زبد البحر)) (¬1). وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتب له مائة حسنة، ومُحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك)) (¬2). وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في ¬
الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم)) (¬1). وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة)) (¬2). وحديث جابر رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة؟)) فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: ((يسبح مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة، أو يحط عنه ألف خطيئة)) (¬3). ذكر مقيد: مثل ذكر الصباح، والمساء، وأدبار الصلاة، والاستيقاظ، والنوم، والدخول، والخروج وغير ذلك. ¬
خامسا: من أعظم علاج الغفلة
خامساً: من أعظم علاج الغفلة: التوبة، والاستغفار، للأدلة الآتية: 1 - قال الله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (¬1). 2 - وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (¬2). 3 - وقال الله عز وجل: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} (¬3). 4 - وقال جلا وعلا: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} (¬4). ¬
5وحديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: كُنَّا نُعِدُّ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المجلس الواحد مائة مرة، من قبل أن يقوم: ((رب اغفر لي, وتب علي؛ إنك أنت التواب الرحيم)) (¬1). 6وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)) (¬2). 7 - وحديث رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب إليه وأستغفره في كل يومٍ مائة مرة)) (¬3). ¬
سادسا: الدعاء والتضرع إلى الله تعالى
8 - وحديث زيد مولى النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من قال أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو, الحي القيوم, وأتوب إليه, غفر له وإن فرَّ من الزحف)) (¬1). 9ومدح الله تعالى المستغفرين بالأسحار فقال: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (¬2). سادساً: الدعاء والتضرع إلى الله تعالى، ومن ذلك ما يأتي: 1 - قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ} (¬3). 2 - وقال الله عز وجل: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (¬4). ¬
سابعا: المحافظة على الصلوات الخمس مع الجماعة
وحديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعةُ رحم إلا أعطاه بها إحدى ثلاث: إما أن تُعجَّل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يُصرف عنه من السوء مثلها)) قالوا: إذاً نكثر، قال: ((الله أكثر)) (¬1). 4 - وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من لم يسأل الله يغضب عليه)) (¬2). سابعاً: المحافظة على الصلوات الخمس مع الجماعة، للأدلة الآتية: 1 - حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات لم ¬
يكتب من الغافلين)) (¬1). 2 - وحديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ذكر الصلاة يوماً فقال: ((من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها، لم يكن له نور، ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف)) (¬2). 3 - وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟))، قلنا بلى يا رسول الله! قال: ((إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط)) (¬3). ¬
ثامنا: الحرص على قيام الليل
4 - وحديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من صلى أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كُتِب له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق)) (¬1). ثامناً: الحرص على قيام الليل وقراءة القرآن ولو عشر آيات في قيامه، لما يأتي: 1 - قال الله تعالى مثنياً على أهل قيام الليل: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} (¬2). 2 - وقال الله عز وجل فيمن تتجافى جنوبهم عن المضاجع: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (¬3). ¬
3وقال عز وجل: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (¬1). 4 - وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين)) (¬2). 5وحديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال: جاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت ¬
تاسعا: الصدقة علاج نافع للغفلة
فإنك مجزيٌّ به)). ثم قال: ((يا محمد شرفُ المؤمن قيام الليل, وعزُّهُ استغناؤُه عن الناس)) (¬1). تاسعاً: الصدقة علاج نافع للغفلة؛ للأدلة الآتية: 1 - حديث معاذ رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه: (( ... والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار)) (¬2). 2 - وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من نفس عن مؤمن كُربة من كُرب الدنيا نفس الله عنه كُربة من كُرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبدُ في عون أخيه ... )) (¬3). 3 - وحديث أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ¬
عاشرا: صيام التطوع علاج للغفلة وخاصة عند غفلة الناس
- صلى الله عليه وسلم -: ((صنائعُ المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السرِّ تطفئُ غضبَ الربِّ، وصلةُ الرَّحم تزيدُ في العمر)) (¬1). عاشراً: صيام التطوع علاج للغفلة وخاصة عند غفلة الناس؛ للأدلة الآتية: 1 - حديث أسامة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله لم أرَك تصوم شهراً من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ((ذاك شهرٌ يغفُلُ الناسُ عنه بين رجب ورمضان، وهو شهرٌ تُرفع فيه الأعمال إلى ربِّ العالمين، فأحبُّ أن يُرفع عملي وأنا صائم)) (¬2). 2 - حديث عائشة رضي الله عنها قالت: لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم شهراً أكثر من شعبان؛ [فإنه كان يصوم شعبان كله] وكان يقول: ((خذوا من العمل ما تطيقون؛ ¬
الحادي عشر: التقوى ورأسها المراقبة لله تعالى
فإن الله لا يملُّ حتى تمَلَّوا)) وأحب الصلاة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما دُووِم عليه وإن قلَّت، وكان إذا صلى صلاةً داوم عليها (¬1). 3 - حديث الأعرابي الصحابي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((صومُ شهر الصبرِ، وثلاثة أيام من كل شهر, يُذهبن وحَرَ الصدر)) (¬2). ووحر الصدر: هو غشه، ووساوسه، وحقده، وغيظه، وحسده، وعداوته، وغضبه (¬3). الحادي عشر: التقوى ورأسها المراقبة لله تعالى: 1 - قال الله تعالى: {إِن الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} (¬4). ¬
2 - وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (¬1). 3- وقال عز وجل: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} (¬2). 4 - وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} (¬3). 5 - قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (¬4). 6 - وقال جلَّ وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (¬5). ¬
7 - وما أحسن ما قاله الإمام أحمد رحمه الله: إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل ... خلوت ولكن قل عليَّ رقيب لا تحسبن يغفل ساعة ... ولا أن ما يُخفى عليه يغيب (¬1) 8 - وما أجمل ما قاله السماك رحمه الله: يا مذنب الذنب أما تستحي ... والله في الخلوةِ ثانيكَا غرَّك من ربِّك إمهالُهُ ... وسترُهُ طُولَ مساويكا (¬2) 9 - وما أحسن ما قاله الإمام الأندلسي القحطاني رحمه الله في نونيته: إذا ما خلوت بريبة في ظُلمة ... والنفس داعيةٌ إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها ... إن الذي خلق الظلام يراني (¬3) 10 - ولله در القائل: يا من يرى مدَّ البعُوضِ جناحه ... في ظلمة الليل البهيم الأليَل ¬
الثاني عشر: الزهد في الدنيا
ويرى نياط عروقها في نحرها ... والمخَ يجري في تلك العظام النُّحَّل امنن عليَّ بتوبة تمحو بها ... ما كان مني في الزمان الأول الثاني عشر: الزهد في الدنيا من أعظم علاج الغفلة؛ للأدلة الآتية: 1 - حديث عامر بن لؤيّ في قصة أبي عبيدة عندما قدم بمالٍ من البحرين فجاءت الأنصار وحضروا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح، فلما صلَّى بهم الفجر تعرَّضوا له، فتبسَّم حين رآهم، وقال: ((أظنكم قد سمعتم أن أبا عبيدة قد جاء بشيء؟)) قالوا: أجل يا رسول الله، قال: ((فأبشروا وأمِّلوا ما يسركم، فوالله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تُبسط عليكم الدنيا كما بسطت على مَن كان قبلكم, فتنافسوها كما تنافسوها, فتهلككم كما أهلكتهم)) وفي لفظ ((وتلهيكم كما ألهتهم)) (¬1). ¬
2 - وقال الله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (¬1). 3 - وقال الله عز وجل: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا} (¬2). 4 - وقال الله سبحانه وتعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (¬3). ¬
5 - وحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتِبَ له، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة)) (¬1). 6 - وحديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماءٍ)) (¬2). ¬
7 - وقد أحسن القائل حين قال: لكل شيء إذا ما تم نقصان ... فلا يغر بطيب العيش إنسان هي الأيام كما شاهدتها دول ... فمن سره زمن ساءته أزمان 8 - وأحسن الإمام البستي حين قال: لا تحسبن سروراً دائماً أبداً ... من سره زمنٌ ساءته أزمان 9 - وقال الله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (¬1). 10 - وقال الله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (¬2). 11 - ودخل عمر رضي الله عنه على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو مضطجع على حصير قد أثَّر في جنبه، ولما استيقظ جعل يمسح جنبه، فقال له عمر: يا رسول الله لو أخذت ¬
فراشاً أوثر من هذا؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ما لي وللدنيا ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها)) (¬1). 12 - وحديث مطرف عن أبيه رضي الله عنه، قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقرأ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} قال: ((يقول ابن آدم مالي، مالي، وهل لك من مالك يا ابن آدم إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت)) (¬2). 13 - وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يقول العبد: مالي، مالي، إنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فأقنى، [و] ما ¬
سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس)) (¬1). 14 - وحديث الحارث بن سويد قال: قال عبدالله: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أيَّكم مال وارثه أحبُّ إليه من ماله؟)) قالوا: يا رسول الله! ما منا أحدٌ إلا مالُهُ أحبُّ إليه، قال: ((فإن مالَهُ ما قدَّم ومالَ وارثه ما أخَّر)) (¬2). 15 - وحديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرَّ بالسوق، فمرَّ بجدي أسكّ (¬3) ميِّت، فتناوله فأخذ بأذنه ثم قال: ((أيكم يحبُّ أن هذا له بدرْهَمٍ؟)) فقالوا: ما نحبُّ أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟ قال: ((أتحبون أنه لكم؟)) قالوا: والله لو كان حيّاً كان عيباً فيه أنه أسكٌّ، فكيف وهو ميِّت؟ فقال: ((فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم)) (¬4). ¬
الثالث عشر: الإكثار من ذكر الموت
الثالث عشر: الإكثار من ذكر الموت، للأدلة الآتية: 1 - حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أكثروا ذكر هاذم اللذات)) (¬1). يعني الموت، وفي لفظ لابن حبان: ((أكثروا ذكر هاذِم اللذات، فما ذكره عبد قط وهو في ضيق إلا وَسَّعَهُ عليه، ولا ذكره وهو في سعةٍ إلا ضَيَّقَه عليه)) (¬2). وفي لفظ لابن حبان أيضاً: ((أكثروا من ذكر هاذم اللذات)) (¬3). وجاء في لفظٍ عند الطبراني في الأوسط: ((أكثروا ذكر هاذم اللذات - يعني الموت - فإنه ما كان في كثير إلا قلَّله، ولا قليل إلا جزأه)) (¬4). فالموت يقطع اللذات ويزيلها، ¬
والحديث دليل على أنه لا ينبغي للإنسان أن يغفل عن ذكر أعظم المواعظ وهو الموت، قال الإمام الصنعاني رحمه الله: ((وقد ورد في آخر الحديث فائدة الذكر بقوله: ((فإنكم لا تذكرونه في كثير إلا قلَّله، ولا قليل إلا كثره)) (¬1). 2 - وحديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، قال: كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءه رجل من الأنصار فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: يا رسول الله! أي المؤمنين أفضل؟ قال: ((أحسنهم خلقاً)) قال: فأي المؤمنين أكيس (¬2)؟ قال: ((أكثرهم للموت ذكراً وأحسنهم لِمَا بعده استعداداً أولئك الأكياس)) (¬3). ¬
الرابع عشر: ذكر القبر والبلى
3 - وقال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (¬1). 4 - وما أحسن ما قاله القائل: الموت بابٌ كلُّ الناسِ داخله ... فليت شعري بعد الباب ما الدار الدار جنة خلد إن عملت بما ... يرضي الإله وإن فرطت فالنار الرابع عشر: ذكر القبر والبلى، للأدلة الآتية: 1 - حديث هانئ مولى عثمان رضي الله عنه، قال: كان عثمان إذا وقف على القبر بكى حتى يَبُلَّ لحيته، فقيل له: تُذكرُ الجنةُ والنار فلا تبكي، وتبكي من هذا؟ فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن القبر أول منازل الآخرة؛ فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينجُ منه فما بعده أشدُّ منه)) قال: وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما رأيتُ منظراً قطُّ إلا ¬
والقبرُ أفظعُ (¬1) منه)) (¬2). 2 - وحديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس شيء من الإنسان إلا يبلى إلا عظماً واحداً، وهو عَجْبُ الذَّنب، ومنه يُركّب الخلق يوم القيامة)) (¬3). 3 - وفتنة القبر؛ لحديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن العبد إذا وُضع في قبره وتولى عنه أصحابه - وإنه يسمع قرع نعالهم - أتاه ملكان، فيقعدانه، فيقولان: ما كنتَ تقول في هذا الرجل؟ لمحمد - صلى الله عليه وسلم -، فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبدالله ورسوله، ¬
فيقال: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة، فيراهما جميعاً)) [قال قتادة، وذكر لنا أنه يفسح له في قبره ثم رجع إلى حديث أنس] وأما المنافق والكافر فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس، فيقال: لا دريت ولا تليتَ، ويضرب بمطارق من حديد ضربة، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين)) (¬1). ويسأل الإنسان في قبره فيقول له الملكان منكر ونكير: ((ما دينك؟ من ربك؟ مَن نبيك؟ فيقول المؤمن: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأما العبد الكافر أو الفاجر فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاهٍ هاهٍ لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاهٍ هاهٍ لا أدري، ¬
فيقولان: فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فلا يهتدي لاسمه، فيقال له: محمد، فيقول: هاهٍ هاهٍ لا أدري، سمعت الناس يقولون ذاك، فيقال له: لا دريتَ ولا تلوتَ ... )) الحديث (¬1)، قال الله عز وجل: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} (¬2). ومما يزيد المؤمن إيماناً ويقيناً: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عن أرواح المؤمنين في البرزخ: ((إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله تبارك وتعالى إلى جسده يوم القيامة)) (¬3). ¬
وما هذه الأسطر إلا نماذج لعلاج الغفلة، والله أسأل أن يصلح قلوبنا وأعمالنا، وأن يعيذنا من عذاب النار, وعذاب القبر، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين (¬1). ¬