الغارة على العالم الإسلامي

ألفريد لوشاتليه

الغارة على العالم الإسلامي

الغارة على العالم الإسلامي (*) La Conquète du Monde Musulman تأليف: أ. ل. شاتليه A. Le Chatelier لخَّصها ونقلها إلى اللغة العربية مساعد اليافي ومُحِبُّ الدين الخطيب منشورات العصر الحديث ¬

_ (*) اسم الكتاب كاملاً باللغة الفرنسية: (يحتوي على 327 صفحة). La conquête du monde musulman: les missions évangéliques anglo-saxonnes et germaniques, 1911, 327 p.

منشورات العصر الحديث الطبعة الأولى: القاهرة: 1350 هـ الطبعة الثانية: جدة: 1387 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب هام وخطير، يتحدَّث فيه أعداء الإسلام بصراحة عن كل مخططاتهم لهدم هذا الدين واستعباد أهله، قام بنشره منذ سبعة وثلاثين عاماً أستاذنا الفاضل الحبيب السيد محب الدين الخطيب وصدر عن (المطبعة السلفية ومكتبتها) التي أنشأها الرجل الكبير في القاهرة لما يعلمه من خطورة الفكر والثقافة التي أصبحت اليوم من أفتك أسلحة العمل السياسي ... واليوم، يسعد هذه (الدار السعودية للنشر) أنْ تصدر الطبعة الثانية لهذا الكتاب من مهبط الوحي ومهد القداسات لتُذّكِّر الغافلين وتُوقظ النائمين، ولتردِّد من جديد صرخة أستاذنا الجليل السيد محب الدين الخطيب جزاه الله خيراً عن الإسلام والمسلمين.

[مقدمة الطبعة الأولى]

بسم الله الرحمن الرحيم [مقدمة الطبعة الأولى]: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيد الهُداة والدُعاة والمصلحين، سيدنا محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. في يوم من أيام سنة 1330 هـ - وكنتُ أشتغل في تحرير " المؤيد " - أقبل عليَّ زميلي السيد مساعد اليافي وقال: شيء جديد لم أكن أتوقعه! قلت: وما هو؟ قال: إنَّ (" مجلة العالم الإسلامي " la Revue du monde musulman ) التي كانت إلى الآن مجلة اجتماعية أدبية، تحولت

في هذا الشهر إلى مجلة تبشيرية. انظر، إنها أصدرت عددًا ضخمًا ليس فيه غير بحث واحد، وهو بحث تبشيري يدور حول ما تقوم به إرساليات التبشير البروتستانتية في العالم الإسلامي وما قيل في المؤتمرات التي عقدتها تلك الإرساليات في أوقات مختلفة. وقد جعلت المجلة عنوان هذا البحث (الغارة على العالم الإسلامي) أو (فتح العالم الإسلامي). قلت له: إنَّ المجلة الفرنسية بنشرها هذا العدد الخاص بأعمال المُبَشِّرِينَ البروتستانت تقول للمبشرين الكاثوليك: أنظروا كيف سبقكم الآخرون إلى الغارة والفتح، فيجب أنْ تضاعفوا جهودكم وتنظروا في أساليبهم فتستفيدوا منها. ونحن أيها الأخ - بصفتنا مسلمين - يجب علينا أنْ نعلم ما يكيده لنا هؤلاء وأولئك، وأنْ نجعل أمتنا على علم بما يُنصب لها من شراك وما يبيَّتُ لها من شر. فأقترح عليك أنْ تترجم فصول هذا البحث فصلاً بعد فصل وتنشره في " المؤيد " تباعًا فيقف المسلمون على ما يُكاد لهم به من هذه الناحية. فقال لي صديقي السيد مساعد، ولكن البحث طويل، والوقت الذي نعمل فيه هنا مشغول بالواجبات الأخرى. قلت: نتعاون أنا وأنت على هذا الخير، ولا نعد هذا من واجباتنا في قلم التحرير، بل من واجباتنا نحو الإسلام والشرق. وأرى أننا عندما نفرغ كل يوم من عملنا اليومي تملي عَلَيَّ ترجمة فصل من الفصول بأي الألفاظ شئت وأنا أصوغ ما تمليه عَلَيَّ.

بعبارة عربية، فنتمكن من أداء هذا العمل بنصف الوقت اللازم له. قال: حسن! وفي نفس ذلك اليوم دفعنا للمطبعة مقدمة المسيو ل. شاتليه Le Chatelier رئيس تحرير "مجلة العالم الإسلامي " بعد أنْ وطأنا له توطئة باسم قلم تحرير " المؤيد ". وما كادت هذه المقالات المتسلسلة تنتشر في مصر والعالم الإسلامي حتى كان لها وقع عظيم جدًا وبعثت اليقظة في كثير من الناس. ونقلتها عن " المؤيد " مجلات وصحف متعددة - منها مجلة " المنار " في القاهرة، وجريدة " الإخاء العثماني " في بيروت، وضاق صدر كُتَّاب "مجلة العالم الإسلامي " نفسها وأمثالهم من أنصار التبشير والاستعمار من ذيوع هذه الفصول بين المسلمين، لأنهم يَوَدُّونَ أنْ يقوم التبشير بأعماله والمسلمون نيام. فدارت مناقشة بينهم وبين " المؤيد " حول هذا الموضوع، تولى كاتب هذه السطور الإجابة عليها. وقد جاءت مناسبات ذكرتُ فيها مقالات " الغارة على العالم الإسلامي " لكثير من أصدقائنا فكنت أراهم لا علم لهم بها، لأنَّ هذا شيء مضى عليه نحو عشرين سَنَةٍ، فاقترحوا عَلَيَّ أنْ أعيد نشر ذلك في " الفتح "، وأنْ أضعه بين أيدي الناس في كتاب مستقل، فأجبتُ سُؤْلَهُمْ محب الدين الخطيب.

توطئة من " المؤيد "

تَوْطِئَةُ مِنَ " المُؤَيِّدِ ": عن عددها الصادر في 20 ربيع الثاني 1330 هـ. في فرنسا جمعة إسمها (الإرسالية العلمية المغربية) مؤلفة من المستشرقين الذين درسوا الكتب الإسلامية والعادات الشرقية واللغة العربية وغيرها من لغات المسلمين خدمة لجامعات فرنسا السياسية والدينية والاقتصادية. وقبل خمس سنوات أخذت هذه الجمعية تنشر في باريس مجلة كبرى مُصَوَّرَةً في كل شهر اسمها " مجلة العالم الإسلامي " يكتب فيها كبار المستشرقين، كالمُسيو ل. شاتليه رئيس تحريرها، وهو أيضًا أستاذ المسائل الاجتماعية الإسلامية في إحدى جامعات فرنسا، وكالمسيو لويس ماسينيون المستشرق الذي كان في مصر منذ سنتين، وغيرهما من المشتغلين بالموضوعات الإسلامية. ويذكر القُرَّاءُ أننا كنا ترجمنا بعض أبحاث هذه المجلة منذ صدورها ليطلع القراء على آراء الكُتَّابِ الفرنساويين في آدابنا

وعاداتنا. وآخر ما ترجمناه عنها فصول للمسيو شاتليه عن (المركز الاقتصادي للعالم الإسلامي). ولقد كانت هذه المجلة قبل الآن ظاهرة بمظهر علمي تكون الغايات السياسية فيها بالدرجة الثانية، إلى أنْ تم لفرنسا احتلال المغرب أولاً ثم دخلت [فاس] في طورها الأخير، وحلَّ بعد ذلك ما حل بطرابلس فظهرت هذه المجلة كغيرها بمظهرها الحقيقي الذي تكون فيه الدروس العلمية ذريعة لغايات سياسية ودينية. من ذلك أنَّ " مجلة العالم الإسلامي " نشرت في أحد أجزائها الأخيرة بحثًا مطولاً أو كتابًا مفصلاً عنوانه (الغارة على العالم الإسلامي) أو (افتتاح العالم الإسلامي) سيطلع القراء على ترجمة هذه الفصول واحدًا بعد واحد، فيعلموا كيف تتبدل اللهجات بتبدل الحالات، وتتبين المقاصد مع انكشاف الحوادث.

مقدمة المسيو شاتليه عن إرساليات التبشير البروتستانتية

مُقَدِّمَةُ المُسْيُو شَاتِلِيهْ عَنْ إِرْسَالِيَاتِ التَّبْشِيرِ البْرُوتِسْتَانْتِيَّةِ:

مقدمة المسيو شاتليه عن إرساليات التبشير البروتستانتية: قلنا في سنة 1910 عندما كنا نخوض على صفحات هذه المجلة في موضوع السياسة الإسلامية: «ينبغي لفرنسا أنْ يكون عملها في الشرق مبنيًا قبل كل شيء على قواعد التربية العقلية (¬1) لتسنى لها توسيع نطاق هذا العمل والتثبت من فائدته. ويجدر بنا لتحقيق ذلك بالفعل أنْ لا نتقتصر على المشروعات الخاصة التي يقوم الرهبان المُبَشِّرُونَ وغيرهم بها لأنَّ لهذه المشروعات أغراضًا اختصاصية ثم ليس للقائمين بها حول ولا قوة في هيئتنا الاجتماعية التي من دأبها ¬

_ (¬1) التأثير على عقول أبناء الشرق وقلوبهم.

الاتكال على الحكومة وعدم الإقبال على مساعدة المشروعات الخاصة التي يقوم بها الأفراد فتبقى مجهوداتهم ضئيلة بالنسبة إلى الغرض العام الذي نحن نتوخاه، وهو غرض لا يمكن الوصول إليه إلاَّ بالتعليم الذي يكون تحت الجامعات الفرنساوية، نظرًا لما اختص به هذا التعليم من الوسائل العقلية والعلمية المبنية على قوة الإرادة». «وأنا أرجو أنْ يخرج هذا التعليم إلى حَيِّزِ الفعل ليثبت في دين الإسلام التعاليم المستمدة من المدرسة الجامعة الفرنساوية!». هذا ما ارتأيناه يومئذ وسيظهر ما يؤيده في الفصول التالية المتعلقة بإرساليات التبشير البروتستانتي الأنجلو سكسونية والجرمانية الدائبة على العمل في العالم الإسلامي حتى أصبحت أهميتها تفوق بكثير ما اعتاد الفرنساويون أنْ يتصوروه، لأنَّ النشاط وقوة الجأش التي يظهرها

القائمون بأعمال هذه الإرساليات تختلف عن التي تمتاز بها أُمَّتنا. وكنا منذ أمد بعي نود أنْ نخوض في ذكر تفاصيل أعمال هذه الإرساليات التي اشتهرت بخطتها ووفرة الوسائل التي أعدتها وتوسلت بها لمقاومة دين الإسلام. وحسبنا أنْ نستشهد بإرسالية التبشير الكاثوليكية في بيروت لتكون موضوع التفكير والتأمل في فرنسا، إذ بالرغم من كون (كلية القديس يوسف اليسوعية) التي تدير أعمالها هذه الإرسالية لا تأثير لها على النشوء الفكري في المحيط الإسلامي، فإنَّ التعاليم التي تنشرها وتبثها كان لها الحظ الأوفر في انتشار الأفكار الفرنساوية في سورية والقطر المصري. نعم، إنَّ غاية المدرسة اليسوعية وطريقة التعليم فيها تختلفان عن غاية وطريقة المدرسة الكلية الفرنساوية.

في غلطة (الأستانة) إلاَّ أنَّ النتائج كانت متقاربة من حيث تعميم التعاليم والأفكار التي تنشرها اللغة الإفرنسية. ومن هذا يتبين لن أنَّ إرساليات التبشير الدينية التي لديها أموال جسمية وتدار أعمالها بتدبير وحكمة تأتي بالنفع الكثير في البلاد الإسلامية من حيث أنها تبث الأفكار الأوروبية. إلاَّ أنَّ لإرساليات التبشير مطامع أخرى كما يتبين من الجملة الآتية التي استخرجها من رسالة أرسلها إلى جزيرة البحرين (قرب عمان) في 2 أغسطس سَنَةَ 1911 حضرة القسيس المحترم صموئيل زويمر منشيء " مجلة العالم الإسلامي " الإنكليزية وهو يبني فيها صروح آمال شامخة على أعمال المُبَشِّرِينَ البروتستان قال: «إنَّ لنتيجة إرساليات التبشير في البلاد الإسلامية مزيتين: مزية تشييد ومزية هدم، أو بالحري مزيتي

تحليل وتركيب. والأمر الذي لا مرية فيه هو أنَّ حظ المُبَشِّرِينَ من التغيير - الذي أخذ يدخل على عقائد الإسلام ومبادئه - الخُلُقِيَّةِ في البلاد العثمانية والقُطر المصري وجهات أخرى هو أكثر بكثير من حظ الحضارة الغربية منه. ولا ينبغي لنا أنْ نعتمد على إحصائيات (التعميد) في معرفة عدد الذين تَنَصَّرُوا رسميًا من المسلمين، لأننا هنا واقفون على مجرى الأمور ومتحققون من وجود مئات من الناس، انتزعوا الدين الإسلامي من قلوبهم، واعتنقوا النصرانية في طرف خفي» اهـ. ولا شك في أنَّ إرساليات التبشير من بروتستانية وكاثوليكية، تعجز عن أنْ تزحزح العقيدة الإسلامية من نفوس منتحليها، ولا يتم لها ذلك إلاَّ ببث الأفكرا التي تتسرب مع اللغات الأوربية فبنشرها

اللغات الإنجليزية، والألمانية والهولندية والفرنسية، يتحكك الإسلام بصحف أوروبا، وتتمهد السبل لتقدم إسلامي مادي، وتقضي إرساليات التبشير لبانتها من هدم الفكرة الدينية الإسلامية، التي لم تحفظ كيانها وقوتها إلا بعزلتها وانفرادها. أما ما يقوله حضرة مكاتبنا (زويمر) عن وجود مئات المسلمين اعتنقوا النصرانية سرًا وينتظرون فرصة للجهر بها، فذلك أمر لا يمكننا البَتُّ فيه مع حضرة الكاتب. على أنه ليس من الحوادث الغريبة أن ينتصر بعض أفراد ينتمون إلى أصل فارسي أو هندي، لأن اختلاف النِحَلِ والاعتقادات في هذه العناصر هو من مزاياها الاجتماعية، وكذلك الحال في الوسط السامي المتصل بالأصل العبرانين، ولكن من النادر المستغرب أن تقع حوادث التنصير في بيوت السادة العلوية وبين الباتان

(الأفغانيين) الخُلَّص الموجودين في بلاد الهند أو مشايخ الهند وجيرانهم الأفغانيين، والأتراك والتركمانيين والعرب الحقيقيين والبربر. ولا ينبغي لنا أن نتوقع من جمهور العالم الإسلامي أن يتخذ له أوضاعًا وخصائص أخرى إذا هو تنازل عن أوضاعه وخصائصه الاجتماعية، إذ الضعف التدريجي في الاعتقاد بالفكرة الإسلامية، وما يتبع هذا الضعف من الانتفاض والاضمحلال الملازم له سوف يُفْضِي - بعد انتشاره في كل الجهات - إلى انحلال الروح الدينية من أساسها لا إلى نشأتها بشكل آخر. على أن المناقشة في هذه المسألة لا طائل تحتها، لأن الآراء تنبعث من وجهة التفكير، فلنقتصر إذن على القول بأن سير العالم الإسلامي تدرج نحو انحلال أفكاره الدينية وزوالها، وذلك أمر طبيعي

ممكن التحقيق. أما فرض تدرج المسلمين إلى اعتناق المسيحية، فخارج عن حد الإمكان لأن المسلم كالمسيحي واليهودي لا تجذبه التعاليم العصرية إلى الاعتقادات الدينية. ولكننا نعود فنقول: إنه مهما اختلفت الآراء في نتائج أعمال المُبَشِّرِينَ، من حيث الشطر الثاني من خطتهم وهو (الهدم) فإن نزع الاعتقادات الإسلامية ملازم دائمًا للمجهودات التي تبذل في سبيل التربية النصرانية. والتقسيم السياسي الذي طرأ على الإسلام سيمهد السبل لأعمال المدنية الأوروبية، إذ من المحقق أن الإسلام يضمحل من الوجهة السياسية، وسوف لا يمضي غير زمن قصير حتى يكون الإسلام في حكم مدينة محاطة بالأسلاك الأوروبية. قد يظهر لإخواننا المسلمين أننا نتصرف في مستقبلهم بحرية وبدون تكليف، ولكن من منهم ينكر

أن العالم الإسلامي أصبح هدفًا لغلطات فتيان جمعية " الاتحاد والترقي "، الذين ورثوا عبد الحميد واستعانوا بوسائله السياسية بعد أن خلعوه، ولم تكن أمامهم وسيلة لانقاذ السلطنة العثمانية والخلافة الإسلامية، غير تنظيم حكومة مؤلفة من ولايات إسلامية متحدة، وكل وسيلة غير هذه كانت تؤدي إلى نتيجة لا بُدَّ منها وهي تقسيم المملكة. ولم نر الكلام على عواهنه، ولم نقصد غير تقرير حقيقة راهنة، عندما نَبَّهْنَا المسلمين من قُرَّاءِ مجلتنا - قبل احتلال طرابلس الغرب بستة أشهر - إلى ما تخبئه الأيام للآستانة، التي ستقع بين مخالب ألمانيا وروسيا. إن إرساليات التبشير البروتستانية الأنجلوسكسونية تعلق أهمية كبرى على الحال الجديدة التي ظهر بها العالم الإسلامي، وقد رأينا أن نذكر معها

إرساليات التبشير الألمانية لما عقد بينهما من الأواصر والروابط في مؤتمري سَنَة 1906 وَسَنَةِ 1911، ولم يبق ارتباطهما متقصرًا كسابق عهده على تناوب كرسي الأسقفية البروتستانية في بيت المقدس. وليس من المستغرب - ونحن نبدي إعجابنا بأعمالها - أن نلح بمزاحمتها ومسابقتها، خصوصًا وأن السيطرة على أهم الأسواق البشرية صارت متفوقة على هذه المزاحمة والمسابقة. وكنا نود لو كان في الوقت متسع لبسط القول، وإيضاح مجرى الأمور في هذه المسألة بحذافيرها لأنها جديرة باهتمام رجال فرنسا بلا إضاعة وقت. إلا أننا اضطررنا إلى الاقتصار على جمع بعض أمور وقفنا عليها وسنبينها هنا على قدر الإمكان. ونحن نكتفي بعرض هذه الأمور من غير تعليق عليها، لأننا اقتطفناها من مؤلفات وفصول شتى ونظمناها

على الترتيب المتبع في هذه الظروف وأن المسألة التي تهمنا سوف تبدد شكوك ذوي البصيرة والروية لدى اطلاعهم على ما نعرضه أمام أنظار قُرَّاءِ مجلة " العالم الإسلامي ". ونؤمل من ذوي الشأن في إرساليات التبشير البروتستانية، أن لا ينكروا علنًا انتهاج هذه الخطة التي هي بالطبع خطة مجلتنا، وهم أعلم الناس بعواطفنا وشعورنا نحو عملهم الذي لا يمكننا أن نذكر أهميته المقرونة بإلحاحنا في ذكر الضرورات التي تقتضيها السياسة الفرنساوية الوطية، كيما تحول مجهوداتها إلى التعليم التابع لطريقة المدارس الجامعة الفرنساوية، وذلك أشد العوامل تأثيرًا على بلادنا لتدخل في بلادنا لتدخل في حلبة المسابقة لنشر التعليم العقلي

تاريخ التبشير:

تاريخ التبشير

تَارِيخُ التَّبْشِيرِ: اقتصرت مجلة " العالم الإسلامي " في هذا الفصل على تلخيص كتاب " مشروع التبشير " الذي ألفه المستر (أدوين بلس) البروتستاني، ثم أعاد طبعه قبل عشر سنوات، فزاد عليه زيادات أخرى وسماه " ملخص تاريخ التبشير " ذكر فيه إرساليات التبشير البروتستانية على اختلاف نزعاتها منذ نشأتها في القرون الغابرة إلى أيام الطبعة الثانية للكتاب، مع بيان ما بين هذه الإرساليات من ارتباط وتضامن. وقالت مجلة " العالم الإسلامي ": إن هذا السِفْرَ

نفيس في بابه، يتسنى لقارئه أن يقف على حقيقة أعمال الإرساليات البروتستانية، في بلاد الشام حتى أواخر القرن التاسع عشر، إلا أننا ننكر على مؤلفه عدم إشارته إلى الإرساليات الكاثوليكية، وهذا موضع الضعف في كتابه في أعمال إرساليات التبشير جميعًا على اختلاف نزعاتها. ولو كان المُبَشِّرُونَ الكاثوليك والبروتستان الذين يجتمعون في بلاد إسلامية، ينتبوهون إلى أن انقسامهم يحط من قدرهم ويقلل هيبتهم ويوطد أركان الإسلام، لكانوا على الأقل يوهمون بأنهم متفقون ظاهرًا، خصوصًا وأن انقسامهم هذا يمهد للإسلام السبيل لاستمداد مبادئ الحضارة من إرساليات المُبَشِّرِينَ من غير أن يقتبسوا أفكارها الدينية. ولا ريب أن نخبة الأذكياء المسلمين في مصر وسوريا - عندما يقفون على هذه التفرقة الموجودة بين الإرساليات الكاثوليكية والبروتستانية والعلمانية التي

تتجاهل كل منهن الأخرى - لا يترددون في الحكم على مذاهب النصرانية بأنها قد فقدت التوازن بالرغم من الخدم التي تأتي بها الحضارة الأوروبية. واستأنفت مجلة " العالم الإسلامي " بعد هذا الاستطراد كلامها على كتاب المستر بلس، فقالت: إنه ينقسم إلى قسمين، الأول في تاريخ التبشير العام وطرائقه، والثاني في موقف الإرساليات البروتستانية وأعمالها في البلاد. ويقول المؤلف: إن تاريخ التبشير المسيحي، يرجع إلى صدر النصرانية ومبتدأ تأسيسها. ثم ذكر الذين قاموا بوظيفة التبشير بالنصرانية في القرون الوسطى فقال: إن «ريمون لول» الإسباني هو أول من تولى التبشير بعد أن فشلت الحروب الصليبية في مهمتها، فتعلم لول اللغة العربية بكل مشقة، وجال في بلاد

الإسلام وناقش علماء المسلمين في بلاد كثيرة. وفي الفصل الثالث ذكر المؤلف المُبَشِّرِينَ الكاثوليك والدور الذي لعبوه في ثورة البوكسر الصينية وتدخلهم في شؤون القضاء. وهنا انتقدت مجلة " العالم الإسلامي " الكاثوليكية على هذا المؤلف البروتستاني، اقتصاره على ذكر تاريخ المُبَشِّرِينَ الكاثوليك، في ثماني صفحات فقط وقوله: إن المسلمين ينظرون إلى الطقوس والاحتفالات الكاثوليكية باشمئزاز. ووصفت المجلة هذا القول بأنه لا يشف عن محبة مسيحية ... وفي الفصل الرابع: وصف المؤلف تنظيم إرساليات التبشير في القرون الوسطى، في الهند وجزائر السند وجاوه، واختلاط المُبَشِّرِينَ بالمسلمين منذ ذلك الحين وأشار إلى «بترهِيْلِنغ» الذي احتك بمسلمي سواحل أفريقيا وإلى اهتمام هولنده بالتبشير في جاوة في أوائل

القرن الثامن عشر حتى قسمت جاوه لهذه الغاية إلى مناطق، لكل منها كنيسة ومدرسة، وقال: إن عدد الذين تنصروا سَنَةَ 1721 بلغ 100000 وكان النصارى في سيلان سَنَةَ 1722 (وكانت يومئذ تحت سلطة هولندة) يبلغ عددهم 424000 وتساءل عما بقي منهم الآن وقال: إن المسلمين كانوا فيها قليلين فصاروا الآن فئة كثيرة. ثم ذكر تحريك البارون «دو ويتز» ضمائر النصارى سَنَةَ 1664، إلى تأسيس مدرسة كلية تكون قاعدة لتعليم التبشير المسيحي، وتعلم فيها لغات الشرق للطلاب الذين يناط بهمه أمر التبشير. فارتأى أحد أحبار الكنيسة أن يعهد إلى الأروام بمسؤولية تبشير الأتراك، ثم فشل البارون في مشروعه. وسرد المؤلف تاريخ تنظيم الإرساليات البروتستانية من دانمركية وإنجليزية وألمانية وهولندية، وأخبار اتصال

بعضها ببعض، وأسماء الملوك والأمراء الذين كانوا عضدًا لها وَمُؤَيِّدِينَ لأعمالها في القرن السابع عشر وما بعده في كل أقطار العالم. وانتقل إلى البحث في أعمال هذه الإرساليات في القرنين الأخيرين فقال: إن المستر كاري هو الذي فاق أسلافه في مهنة التبشير، فدرس لغة اللاَّتِينِ واليونان والفرنسيس والهولنديين والعبرانيين، كما تعلم كثيرًا من العلوم. ولما نشر كتبه في التحريض على التبشير قوبلت بالاستحسان، ففتح له باب الاكتتاب وذهب إلى الهند لهذا الغرض وصارت الأموال ترسل إليه ثم طلب أن يرسل له رجال يؤازرونه في التبشير، فتأسست سَنَةَ 1795 «جمعية لندن التبشيرية» وما [تمت] أن تأسست جمعيات على شاكلتها في «اسكوتلندة» و «نيويورك» وانتشرت هذه الفكرة في ألمانيا

والدانمرك وهولندة والسويد ونروج وسويسرا وغيرها، وتعذر على الإفرنسيين أن يقوموا بشيء من هذا القبيل لانشغالهم بالثورة التي آلت إلى الانقلاب المشهور. وتأسست جمعيات فرعية كثيرة مثل «جمعية التبشير في أرض التوراة العثمانية». وبلغ الشغف بهذا العمل، إلى أن تأسست إرساليات تبشير طبية على سبيل التجربة، لتلحق بالإساليات العامة فنجحت نجاحًا باهرًا، لذلك أخذت تنمو وتزداد وتألفت لها أقسام نسائية وأرسل بعضها إلى الهند والأناضول. وفي سَنَةِ 1855 أسست «جمعية الشبان المسيحيين» من الإنكليز والأمريكان، ووظيفتها إدخال ملكوت المسيح بين الشبان، وعقد تلاميذ المدارس النصرانية في

نورثفيلد مؤتمرًا، اجتمع فيه 250 مندوبًا عن 80 مدرسة، تكلفت بتقديم 100 شاب للتطوع في نشر الدين المسيحي، ومن هؤلاء تألفت «جمعية الشبان المتطوعين للتبشير في البلاد الأجنبية». ويقول المؤلف أنها لعبت دورًا مُهِمًّا في تبشير المسلمين على الخصوص، لأن شعارها كان نشر الإنجيل بين أبناء الجيل الحاضر. ثم تبع ذلك تأسيس جمعيات التبشير في كل بلاد البروتستان. وفي سَنَِةِ 1895 تأسست «جمعية إتحاد الطلبة المسيحيين» في العالم، وهي تهتم بدرس أحوال التلاميذ في كل الأقطار وببث روح (المَحَبَّةِ) بينهم، فالتحق بها 100.000 طالب وأستاذ يمثلون أربعين قومًا، فنشأ عن وجود هذا العدد العظيم ميل إلى الانتفاع به، ولذلك تأسست سَنَةَ 1902 «جمعية تبشير الشبان». ومن وظائف هذه الجمعيات الأخيرة استماله النساء والبنات والشبان والطلبة

أفريقيا

إلى استماع صوت المبشرين. ثم تقرر سَنَةَ 1907 أن تؤسس جمعية أخرى، لتبشر الكهول فأسست وأخذت تباشر أعمالها، وترفع التقارير بهذا الشأن. هذا ملخص القسم الأول من كتاب المستر «بلس»، فيما يتعلق بتاريخ إرساليات التبشير وأعمالها في بلاد الإسلام. وأما القسم الثاني، فخاص بذكر مراكز تنظيم هذه الإرساليات، وإدراة أعمالها في كل قطر على حدة. وإلى القارئ ملخص هذا القسم. أَفْرِيقْيَا: قال المستر «بلس»: «إن الدين الإسلامي هو العقبة القائمة في طريق تقدم التبشير بالنصرانية في أفريقيا والمسلم

هو العدو اللَّدُودُ لنا، لأن انتشار الإنجيل لا يجد معارضًا لا من جهل السكان، ولا من وثنيتهم، ولا من مناضلة الأمم المسيحية وغير المسيحية. وليس خصمنا هو العربي الذي يرتاد البلاد للاتجار بالرقيق - لأن هذه التجارة صارت صعبة - بل إن هذا الخصم المعارض، هو الشيخ أو الدرويش صاحب النفوذ في أفريقيا، أكثر مما هو كذلك في فارس، فالشيخ والدرويش يجوبان شواطئ البحر الأحمر والنيجر، والمغرب، وواداي، ويبثان في الأهالي أن المهدي ينتظر ظهوره، وسينشر الإسلام في كل الأقطار. وقد ظهر مهدي منذ سنين فحارب الإنكليز ثم توفي فتولى الأمر بعده خليفة غُلِبَ على أمره. أما الشيخ السنوسي، العدو الألد للنفوذ الفرنسي والإنكليزي فله تقاليد أخرى». ويقول المستر «بلس»: «إن طلبة الأزهر، يعتقدون

بالمهدي. وأما المغاربة، فلا يزال يدور في خلدهم إمكان الجهاد، وهو يرى أن الملحمة الكبرى بين أوروبا والإسلام ستنشب في غربي أفريقيا أو في شمالها. ولا ينبغي أن نستدل على حقيقة هذه الملحمة المنتظرة بالقتال الذي حدث في السودان. دخل المُبَشِّرُونَ الكاثوليك ربوع أفريقيا منذ القرن الخامس عشر، أي في أثناء الاكتشافات [البرتغالية] وبعد ذلك بكثير أخذت ترد إرساليات التبشير البروتستانية إنكليزية وألمانية وكذلك إرساليات التبشير الفرنسوية. ولم تهتم جمعية الكنيسة البروتستانية بالتبشير في أفريقيا الغربية إلا منذ سَنَةِ 1804، حيث تعاونت إرسالياتها وانكفأت على الكونغو، وهذه الجمعية تقاتل الآن بمؤازرة الأسقف «صموئيل كروتز» الزنجي سلطة الإسلام المتدفق في النيجر الغربية. وفي سَنَةِ 1819 اتفقت هذه الجمعية مع الأقباط

وألفت في مصر إرسالية عهدت إليها نشر الإنجيل في أفريقيا الشرقية، وقررت إرسال مبشرين إلى الحبشة، ولكنها فشلت على أثر المنافسة بين اليسوعيين والبروتستان. ثم أخذ المُبَشِّرُونَ السويديون والإنكليز يرتادون غربي أفريقية، وتبعهم مبشرو المدرسة الجامعة فهبطوا مدينة «ممباسة» ثم عززت ألمانيا إرسالياتها عقب اتساع مستعمراتها لكن سرعان ما ظهرت المنازعات بين الكاثوليك والبروتستان وكان أهم ذلك في «أوغندة» بين مبشريها الوطنيين والرهبان البيض الذين ألف إرساليتهم الكاردينال «لافيجري». وتوفد المُبَشِّرُونَ على أفريقية الوسطى عقب بعثة «لفنستون» و «ستانلي» سَنَةَ 1878، فاقتسموا مناطقها مع اختلاف جنسياتهم بين ألماني واسكتلندي وإنكليزي ومورافي، وهؤلاء انتشرت إرسالياتهم بدون انقطاع من

آسيا الغربية

شرقي أفريقية إلى أواسطها حتى الخرطوم والحبشة وبلاد الجلا، وجاءت هذه الإرساليات بنتائج حسنة. أما بلاد المغرب، فلها مبشرون خاصون بها ترسلهم «جمعية تبشير شمال أفريقية» وهم منشرون في الغرب والجزائر وتونس وسائر بلاد المغرب، ومنهم المُبَشِّرُونَ والأطباء التابعون لهم. ولقد شاع أن ذوي الأمر في فرنسا وإيطاليا حانقون على رجال التبشير! إلا أن حاكم الجزائر طمأن بال الأسقف «هارتزل» في الأيام الأخيرة وصرح له بأنه ينظر إلى أعمال المُبَشِّرِينَ ببعض الاستحسان. وقبل الانتهاء من الكلام على أفريقية، لا نرى بُدًّا من الإشارة إلى جزيرة مدغشقر التي يقوم فيها المُبَشِّرُونَ البروتستانت بخدمة مهنتهم بكل جد ونشاط. آسْيَا الغَرْبِيَّةِ: كان للمبشر «هنري مارتن» يَدًا طولى في إرسال

المُبَشِّرِينَ إلى بلاد آسيا الغربية، فبعد أن أقام في الهند مدة، عَرَّجَ على فارس والبلاد العثمانية، وتوفي سَنَةَ 1812، وهو الذي ترجم التوراة إلى الهندية والفارسية والأرمنية، ومن بعده أخذت إرساليات التبشير تشد الرحال إلى الأناظول وفلسطين، واتخذت لها مراكز في إزمير والقسطنطينية وبيت المقدس، وتصدرت للتبشير في صفوف النسطوريين على حدود فارس والسلطنة العثمانية، وفي صفوف اليعقوبيين فيما بين النهرين. وفي مقدمة هذه الجمعيات لجنة التبشير الأمريكية، إلا أن جمعيات اليهود الإنكليزية سبقتها إلى بعض البلاد العثمانية مثل إزمير والآستانة وسلانيك، فافتتحت فيها مدارس دينية ومعابد. ومنذ سَنَةِ 1849 أخذت ترد إرساليات أخرى على هذه البلاد فقسمتها إلى مناطق وأصابت لجنة التبشير الأمريكية منطقة قبائل النصيرية في سوريا فأخذت على عاتقها تنصير هذه القبائل وذهب قسم من هذه الجمعية إلى بلغاريا لِيُنَفِّذَ

خطته هناك. ولما حدثت حوادث سَنَةِ 1860 في سوريا توجهت الأنظار إلى جبل لبنان، وبعد عشر سنوات انتشرت لجنة التبشير الأمريكية، في البلاد العثمانية عدا سوريا. وعلى أثر تأسيس الكنيسة البروتستانية في الآستانة سَنَةَ 1846، صارت الآستانة مركزًا عَامًّا آمنًا لأعمال المبشرين. أما موقف الحكومات الإسلامية أمام إرساليات التبشير، فكان يختلف باختلاف البلاد، فالقبائل المستقلة في بلاد العرب عَدُوَّاتٌ لَدُودَاتٌ لِلْمُبَشِّرِينَ، وبلاد الفرس سائد عليها نفوذ روسيا، والسلطة الإسلامية في القطر المصري اسمية فقط. وكانت الحكومة العثمانية تبدي ضروب الاستبداد نحو المُبَشِّرِينَ على اختلاف مذاهبهم، بسبب الدور السياسي الكبير الذي يمثله نفوذ المبشرين.

الهند

على مسرح المسألة الشرقية. وكانت معاملة الحكومة العثمانية للمبشرين تتحسن بواسطة سفراء الولايات المتحدة. ولقد شَمَّرَ المُبَشِّرُونَ عن ساعد الجد في ترجمة الكتاب المقدس " التوراة " و " الإنجيل " إلى كل لغات الشرق بأسلوب سهل يتسنى فهمه لكل الطبقات. وأكبر ما يثير قلق المستر " بلس "، مؤلف هذا الكتاب، هو الدور الذي ستقوم به الدولة العثمانية في الحوادث المقبلة! .. ما دامت أنظار القبائل السنوسية الشديدة البأس متجهة نحو السلطنة العثمانية، التي يحكمها أمير المؤمنين وفيها بيضة الإسلام. ومثل السنوسيين الأمم الأخرى البعيدة عن الأستانة مثلى بخارى وخيوة والهند والبلاد الإسلامية الشاسعة. الهِنْدُ: انتشرت إرساليات التبشير في الهند عقب إرسالية

جمعية لندن التبشيرية، التي قام بها (كاري) ثم تبعتها الإرساليات الأمريكية والإسكتلندية والهولندية والنروجيه وغيرها، وكلها تؤدي وظيفتها بنشاط وتقوم بأعمالها بكل دقة. وكان كل هؤلاء في بادئ الأمر قد وقعوا في الحيرة لأنهم لم يعلموا بمن يبدأون في التبشير، وهل يسهل بث النصرانية في البرهمي أو المسلم المتنور أو الهندي العامي؟ ثم اهتدوا إلى التقاط الأطفال، الذين يعضهم ناب الفاقة والفقر، فيحسنون إليهم ويستجلبونهم نحوهم، ومؤتمر التبشير الذي عقد في شيكاغو، قرر أن ينظر في وسائل تعميم التبشير في الهند ونشر النصرانية وتفسير تعاليمها بين كل طبقات الأهالي.

جزائر الملايو

جَزَائِرُ المَلاَيُو: يوجد في شبه جزيرة الملايو وجزائرها المجتمعة عقائد ونزعات سقيمة، لأن أهالي هذه البلاد اعتنقوا الإسلام في القرن الثالث عشر، وموجوا به ما علق من عقائدهم القديمة، ثم اقتبسا شيئًا من مذهب الكاثوليك عقب ظهور البرتغاليين ومن مذهب البروتستان بعد استيلاء الهولنديين على هذه البلاد، والهولنديون أبدوا قسوة وعدم تسامح في القرون الوسطى لنشر عقيدتهم، وفي هذه الأيام ذهبت إرساليات كثيرة إلى الملايو لتبشيرهم بالنصرانية. الصِّينُ: في هذه المملكة مسلمون كثيرون بعددهم قليلون بالنسبة إلى مجموع سكان البلاد. وتاريخ ذهاب إرساليات

التبشير إلى الصين يرجع إلى سنة 1813 م، ولما افتتحت الثغور الصينية بعد ذلك انتشر فيها المُبَشِّرُونَ والأطباء والممرضون التابعون لهم انتشارًا هائلاً واتسع نطاق أعمالهم وجاء بثمرات كثيرة.

مؤتمر القاهرة عام 1906

مؤتمر القاهرة التبشيري عام 1906 م

مُؤَتَمَرُ القَاهِرَةَ التَّبْشِيرِيُّ عَامَ 1906 م: كان القسيس " زويمر " رئيس إرسالة التبشير العربية في البحرين أول من ابتكر فكرة عقد مؤتمر عام يجمع إرساليات التبشير البروتستانية للتفكير في مسألة نشر الإنجيل بين المسلمين وفي سنة 1906 أذاع اقتراحه وأبان الكيفية التي يكون بها فوضعت هذه الفكرة على بساط البحث في (مسيور) من ولاية (أكرا) في الهند، لأن هذه الولاية ذات أهمية كبرى من حيث المسائل الإسلامية لوجود مدرسة (عليكر) هناك ثم عرض الاقتراح على مؤتمر التبشير الذي ينعقد في مدينة (مدراس) الهندية كل عشر سنوات فأجاز عقده. وإن اتخاذ الهند قاعدة لتأسيس النظامات الخاصة

بتبشير المسلمين بالنصرانية أمر طبيعي وبديهي، لأن [مسلمي] الهند أخذوا على عاتقهم منذ القرن التاسع عشر تأييد السياسة الإنكليزية للتغلب على الهندوس. ولما تقرر عقد المؤتمر شرع القسيس (زويمر) وزميل له يعدان المعدات لتأليف لجنة مؤقتة تضع برنامج مذكرات المؤتمر وتدعو المُبَشِّرِينَ المنتشرين في كل البلاد للاشتراك به. وفي يوم 4 أبريل من سنة 1906 افتتح المؤتمر في القاهرة في منزل عرابي باشا في باب اللوق وبلغ عدد مندوبي إرساليات التبشير 62 بين رجال ونساء. وكان عدد مندوبي إرساليات التبشير الأمريكية التي في الهند وسوريا والبلاد العثمانية وفارس ومصر واحدًا وعشرين ومندوبو إرساليات التبشير الإنكليزية خمسة واشتركت في المؤتمر الإرساليات الأسكتلندية والإنكليزية المنفرجة والألمانية والهولندية والسويدية وإرسالية التبشير الدانماركية الموجودة في بلاد العرب.

وسائل لتبشير المسلمين بالنصرانية

انتخب القسيس (زيمر) رئيسًا للمؤتمر، وعين معه نائب رئيس وكتبة، وحددت أيام الجلسات. وهذا برنامج المسائل التي تفاوضوا فيها: ملخص إحصائي عن عدد المسلمين في العالم، الإسلام في أفريقيا، الإسلام في السلطة العثمانية، الإسلام في الهند، الإسلام في فارس، الإسلام في الملايو، الإسلام في الصين، النشرات التي ينبغي إذاعتها بين المسلمين المتنورين والمسلمين العوام، التنصر، الارتداد، وسائل إسعاف المُتَنَصِّرِينَ المضطهدين، شؤون نسائية إسلامية، موضوعات تتعلق بتربية المُبَشِّرِينَ والعلاقات بينهم وكيفية التعليم في الإسلام. وهذه الموضوعات جمعت على حدة في كتاب كبير [اسمه] " التبشير بالنصرانية بين المسلمين " ثم صنف القسيس زويمر كتابًا جمع فيه بعض تقارير عن التبشير وسماه " العالم الإسلامي ". وَسَائِلٌ لِتَبْشِيرِ المُسْلِمِينَ بِالنَّصْرَانِيَّةِ: جمع هذا الكتاب ونشره القسيس (فليمنغ)

الأمريكي وكتب عليه هذه الكلمة «نشرة خاصة» بمعنى أنه طبع ليتنقل في أيدي فئة خاصة من رجال التبشير لا ليطلع عليه كل الناس. وقد ضمنه المباحث التي دارت في مؤتمر القاهرة واختتمه بندائين استنهض بإحداهما همم رجال النصرانية ليجمعوا أقواهم ويتضافروا بأعمال مشتركة وعمومية فيستولوا على أهم الأماكن الإسلامية والنداء الثاني خاص بأعمال نسائية. أما الفصل الأول من الكتاب فيبحث في الطريقة التي ينبغي إنتاجها في التبشير وعما إذا كان مفيدًا ضم إرساليات تبشير المسلمين إلى إرساليات تبشير الوثنيين وفضل بقاءهما منفصلتين. وفي البحث أيضًا عما إذا كان الإله الذي يعبده المسلمون هو إله النصارى واليهود أم لا؟ وقد صرح (الدكتور لِبْسِيُوسْ) في مؤتمر القاهرة بأن إله الجميع

واحد إلا أن القسيس زويمر خالفه في هذا الرأي فقال: إن المسلمين مهما كانوا موحدين فإن تعريفهم [لإلاههم] يختلف عن تعريف المسيحيين، لأن إله المسلمين ليس إله قداسة ومحبة .. وفي الفصل الثاني والثالث بحث الصعوبات التي تحول دون تبشير المسلمين وذكر الوسائل التي يمكن استجلابهم بها وتحبيب المُبَشِّرِينَ إليهم. وأهم هذه الوسائل العزب بالموسيقى الذي يميل إليه الشرقيون كثيرًا، وعرض مناظر الفانوس السحري عليهم، وتأسيس الإرساليات الطبية بينهم، وأن يتعلم المُبَشِّرُونَ لهجاتها العامة واصطلاحاتها نظريًا وعمليًا، وأن يدرسوا القرآن ليقفوا على ما يحتويه، وأن يخاطبوا العوام المسلمين على قدر عقولهم ومستوى علمهم، ويجب أن تلقى الخطب عليهم بأصوات رخيمة وبفصاحة، وأن يخطب المبشر وهو جالس ليكون أشد على السامعين، وأن لا تتحلل خطاباته كلمات أجنبية عنهم، وأن يبذ عنايته في اختيار الموضوعات، وأن يكون واقفًا على آيات القرآن والإنجيل عارفًا بمحل المناقشة، وأن يستعين قبل كل شيء بالروح القدس والحكمة الإلهية، ومن

الضروري أن يكون خبيرًا بالنفس الشرقية وأن يستعمل التشبيه والتمثيل أكثر مما يستعمل القواعد المنطقية التي لا يعرفها الشرقيون. وختم المؤلف هذين الفصلين بأن أكثر المسلمين الذين تنصروا إنما هم من العامة والأميين. وفي الفصل الرابع يأتي ذكر الصعوبات التي تقف في سبيل تبشير المسلمين المتنورين وهذه الصعوبات هي التي جعلت المؤتمر يترك المذاكرة في بادئ الأمر بمسألة التنصير، فخاض في البحث عن الوسائل التي يكون لها تأثير - ولو قليلاً - على الناشئة الإسلامية لتدرك الأمور الاجتماعية والخلقية والأدبية. وهنا قال سكرتير المؤتمر: «إن الخطة العدائية التي انتهجها الشبان المسلمون المتعلمون اضطرت المُبَشِّرِينَ في القطر المصري إلى محاولة إعادة ثقة الشبان المسلمين بهم، فصار هؤلاء المُبَشِّرُونَ يلقون محاضرات في موضوعات اجتماعية وخلقية وتاريخية لا يستطرون فيها إلى مباحث

الدين، رغبة في جلب قلوب المسلمين إليهم». وأنشأوا بعد ذلك في القاهرة مجلة أسبوعية اسمها " الشرق والغرب " افتتحوا فيها بَابًا غير ديني يبحثون فيه بالشؤون الاجتماعية والتاريخية، وأسسوا أيضًا مكتبة لبيع الكتب بأثمان قليلة والغرض من ذلك استجلاب الزبائن ومحادثتهم في أثناء البيع. وقد مضى على ذلك ثلاث سنوات تسنى فيها للمبشرين أن يتوصلوا إلى النتائج الآتية: الأولى - أنهم عرفوا أحوال البلاد وأفكار المسلمين وشعورهم وعواطفهم وميولهم. الثانية - أنهم حصلوا على ثقة عدد من المسلمين بهم. الثالثة - أن المُبَشِّرِينَ تحققوا أنهم بتظاهرهم في وداد المسلمين وميلهم إلى ما تطمح إليه نفوسهم من الاستقلال السياسي والاجتماعي والنشأة القومية يمكنهم أن يدخلوا إلى قلوبهم. وبناء على هذا ساعد المُبَشِّرُونَ الشبان المسلمين في

تأسي جمعية الغرض منها إيجاد صلة وتقرب بين الطبقة المتعلمة والطبقات المتعددة التي تتألف الأمة منها وإنماء روح الاتفاق. هذه هي الطريقة التي استحسنها المُبَشِّرُونَ بعد أن علموا أن الأمور التي يتذرعون بها وتكون صبغتها دينية لا ريب أن عاقبتها الفشل. ولكن المُبَشِّرِينَ الذين هم على شيء من الجرأة يقولون إنهم سمعوا بعض المسلمين يشكون من الزواج في الإسلام وتعدد الزوجات وتربية المرأة وعدم وجود التسامح الديني. وكل ما خاض فيه المؤتمر من هذه المباحث يختص بالمجهودات التي يبذلها المُبَشِّرُونَ لتبشير الشبيبة الإسلامية التي تعلمت على الطريقة الأوروبية وفي مدارس الحكومة وما يلقونه من الصعوبات والفشل في تنصيرها.

أما الذين تعلموا على الطريقة الشرقية في الأزهر وما يماثله فلم يتكلم أعضاء المؤتمر عنهم إلا بعض اقتراحات ونظريات: من ذلك أن أحد أعضاء المؤتمر أفاض في وصف ما للجامع الأزهر القديم من النفوذ وإقبال الألوف عليه من الشبان المسلمين في كل أقطار العالم. وتساءل عن سر نفوذ هذا الجامع منذ ألف سنة إلى الآن ثم قال: «إن السنيين من المسلمين رسخ في أذهانهم أن تعليم العربية في الجامع الأزهر متقن ومتين أكثر منه في غيره والمتخرجون من الأزهر معروفون بسعة اطلاعهم على علوم الدين وباب التعليم مفتوح في الأزهر لكل مشايخ الدنيا خصوصًا وان أوقاف الأزهر الكثيرة تساعد على التعليم فيه مجانًا لأن في استطاعته أن ينفق على 250 أستاذًا. ثم تساءل عما إذا كان الأزهر يتهدد كنيسة المسيح بالخطر، وعرض اقتراحًا يريد به إنشاء مدرسة جامعة نصرانية

تقوم الكنيسة بنفقاتها وتكون مشتركة بين كل الكنائس المسيحية في الدنيا على اختلاف مذاهبها لتتمكن من مزاحمة الأزهر بسهولة وتتكفل هذه المدرسة الجامعة بإتقان تعليم اللغة العربية». ثم قال: «إن في الإمكان مباشرة هذا العمل في دائرة صغيرة وهي أن تخص أولاً بتعليم المسلمين المُتَنَصِّرِينَ وتربيتهم تربية إسلامية ليتمكن هؤلاء من القيام بخدم جليلة في تنصير المسلمين الآخرين». وختم كلامه قائلاً: «ربما كانت العزة الإلهية قد دعتنا إلى اختيار مصر مركز عمل لنا لنسرع بإنشاء هذا المعهد المسيحي لتنصير الممالك الإسلامية». وفي الباب الخامس: ذكر المؤلف ما دار في المؤتمر عن النشرات التي ينبغي للمبشرين إذاعتها لتنصير

المسلمين. وقد ظهر للمؤتمر أن التوراة مترجمة إلى معظم اللغات الإسلامية وأكثر لهجاتها، أما أدبيات التبشير ومؤلفاته فمترجمة إلى اللغات الإسلامية المهمة فقط. وقد اقترح أحد المندوبين أن تراجع المؤلفات التي قدم عليها العهد لإصلاحها واستخدامها في تبشير المسلمين المتنورين الذين اقتبسوا علومهم في المعاهد العصرية مثل مدرسة أكسفورد وبرلين، وأشار إلى وجوب تخفيف اللهجة في المجالات الدينية. وقال مندوب آخر: «إن الحاجة شديدة إلى نشر كتب في الموضوعات الدينية الآتية: أسماء وألقاب المسيح التي في الأناجيل، طبيعة الخطيئة الأصلية، ضرورة الغفران، الجنة وكيفية الحصول عليها، الروح القدس وأعماله، عقيدة سر

إرساليات التبشير الطبية

التجسد، الإنسان فرد اجتماعي وخالقه ليس كذلك، وأن الإله الاجتماعي يشمل الثالوث، الشيطان وكيفية الخلاص منه». إِرْسَالِيَاتِ التَّبْشِيرِ الطِبِّيَّةِ: خاض المؤتمر بعد ذلك في مسألة إرساليات التبشير الطبية، فقام المستر (هاربر) وأبان وجوب الإكثار من الإرساليات الطبية لأن رجالها يحتكون دائمًا بالجمهور ويكون لهم تأثير على المسلمين أكثر مما للمبشرين الآخرين. وهنا ذكر المستر هاربر حكاية طفلة مسلمة عني المُبَشِّرُونَ بتمريضها في مستشفى مصر القديمة ثم ألحقت بمدرسة البنات البروتستانية في باب اللوق، وكانت نهاية أمرها أن عرفت كيف تعتقد بالمسيح بالمعنى المعروف عند النصارى. وذكر أيضًا عن رجل مسلم كان يحضر محاضرات المُبَشِّرِينَ لإثارة

الجلبة والضوضاء، واتفق أنه مرض فدخل مستشفى المُبَشِّرِينَ وبعد أن لبث فيه مدة شفي وخرج منه فصار يحضر المحاضرات في هذه المرة ولكن بخشوع زائد وبعد ذلك بقليل تعمد وأصبح نصرانيًا على مذهب البروتستان. ثم قام الدكتور أراهارس طبيب إرسالية التبشير في طرابلس الشام فقال: «إِنَّه قَدْ مَرَّ عَلَيْهِ اثْنَانِ وَثُلاثُونَ عَامًا وَهُوَ فِي مِهَنَتِهِ فَلَمْ يَفْشَلْ إلاَّ مَرَّتَيْنِ فَقَطْ وَذَلِكَ عَقِبَ مَنْعِ الحُكُومَةِ العُثْمَانِيَّةِ أَوْ أَحَدِ الشُّيُوخِ لاثْنَيْنِ مِنْ زَبَائِنِهِ مِنَ الحُضُورِ إِلَيْهِ». وأورد إحصاء لزبائنه فقال: «إِنَّ 68 فِي المِائَةِ مِنْهُمْ مُسْلِمُونَ وَنِصْفُ هَؤُلاَءِ مِنَ النِّسَاءِ. وَفِي أَوَّلِ سَنَةِ مَجِيئِهِ إِلَى حَيْثُ يُبَشِّرُ بَلَغَ عَدَدُ زَبَائِنِهِ 175 وَفِي آخِرِ سَنَةٍ كَانَ عَدَدُهُمْ2500» وختم كلامه قائلاً:

«يَجِبُ عَلَى طَبِيبِ إِرْسَالِيَاتِ التَّبْشِيرِ أَنْ لاَ يَنْسَى وَلاَ فِي لَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ أَنَّهُ مُبَشِّرٌ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ ثَمَّ هُوَ طَبِيبٌ بَعْدَ ذَلِكَ». وقام بعده الدكتور تمباني وذكرالصعويات التي يلقاها الطبيب في التوفيق بين مهنتي التبشير والطب كما حدث معه هو. إلا ان ما بذله من المجهودات قد أعانه على النجاح حتى تمكن من تأسيس مستشفى التبشير من طريق الاكتتابات. وكان أول مكتتب لهذا المستشفى التبشيري رجلاً مسلمًا. وخطب الأستاذ سمبسون بعد ذلك - في بيان فضل الإرساليات الطبية - ومما قاله: «إِنَّ المَرْضَى الذِينَ يُنَازِعُهُمْ المَوْتُ بِوَجْهِ خَاصٍّ لاَ بُدَّ لَهُمْ مِنْ مُرَاجَعَةِ الطَّبِيبِ، وَحَسَنٌ أَنْ يَكُونَ هَذَا الطَّبِيبُ (المُبَشِّرَ) فِي جَانِبِ المَرِيضِ عِنْدَمَا يَكُونُ فِي حالَةِ الاِحْتِضَارَ التِي لاَ بُدَّ أَنْ يَبْلُغَهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَفُرَادِ البَشَرِ».

الأعمال النسائية في التبشير

ثم خطبت المس (أناوستون) فتكلمت عن إرسالية التبشير الطبية في مدينة طنطا قائلة: «إِنَّ 30 فِي المِائَةِ مِنَ الذِينَ يُعَانُونَ فِي مُسْتَشْفَى هَذِهِ الإِرْسَالِيَّةِ هُمْ مِنَ الفَلاَّحِينَ المُسْلِمِينَ وَأَكْثَرُهُمْ مِنَ النِّسَاءِ. أَمَّا طَرِيقَةَ التَّبْشِيرِ فِي هَذَا المُسْتَشْفَى فَهِيَ أَنْ يُذْكَرَ الإِنْجِيلُ لِلْمَرْضَى بِأُسْلُوبٍ بَسِيطٍ لاَ يَدْعُو إِلَى التَّطَرُّفِ فِي المُنَاقَشَةِ إِذْ المُسْتَشْفَى يَجْمَعُ بَيْنَ جُدْرَانِهِ نِسَاءً وَرِجَالاً». الأَعْمَالُ النِّسَائِيَّةُ فِي التَّبْشِيرِ: كان لهذا الموضوع اهتمام كبير من أعضاء المؤتمر لأنه خاص بنصف مسلمي العالم فقالت المس (ولسون): «إِنَّ النِّسَاءَ المُبَشِّرَاتِ يَسْتَعِنَّ فِي الهِنْدِ بِالمَدَارِسِ وَبِالعِيَادَاتِ الطِبِّيَّةِ وَزِيَارَةِ قُرَى الفَلاَّحِينَ لِيَنْشُرْنَ النَّصْرَانِيَّةَ بَيْنَ طَبَقَاتِ النَّاسِ».

وخطبت المس (هلداي) في حث المُبَشِّرِينَ على الرفق بالمرأة المسلمة. وتناوبت السيدات المبشرات الخطابة في أخبار نجاحهن في المناطق التي انتدبن للتبشير فيها. فقالت إحداهن: «إِنَّ المُسْلِمَاتِ الفَارِسِيَّاتِ يُظْهِرْنَ مَيْلاً شَدِيدًا لِلْعِلْمِ بِالرَّغْمِ مِنْ جَهْلِهِنَّ بِاِتِّسَاعِ نطاقِهِ وَهُنَّ يَعْتَقِدْنَ أَنَّ الذِي يَعْرِفُ جُغْرَافِيَّةَ البِلادِ نَابِغَةً. وَلِقُصَّةِ الاِبْنِ المُسْرِفِ فِي الإِنْجِيلِ وَلِلْمِزْمَارِ الحَادِيِ وَالخَمْسِينَ تَأْثِيرٌ شَدِيدٌ عَلَى النَّفْسِ المُسْلِمَةِ». وَقَالَتْ مُبَشِّرَةٌ أُخْرَى: «إِنَّ مَدْرَسَةَ البَنَاتِ البْرُوتِسْتَانِيَّةِ التِي فِي الخُرْطُومِ فِيهَا مِنْ 80 إِلَى 90 تِلْميذَةً مُسْلِمَةً. وَلأَهْلِهِنَّ الحُرِّيَّةُ فِي السَّمَاحِ لَهُنَّ بِقِرَاءَةِ العَهْدِ الجَدِيدِ (الإِنْجِيلُ وَذُيُولِهِ) أَوْ فِي مَنْعِهِنَّ مِنْ ذَلِكَ إلاَّ أَنَّ المَدْرَسَةَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ لَمْ يَرِدْ عَلَيْهَا طَلَبُ اِسْتِثْنَاءِ وَاحِدَةٍٍٍٍ

المتنصرون والمرتدون

مِنَ التِّلْمِيذَاتِ مِنْ قِرَاءَةِ الإِنْجِيلِ». وانتقل المؤتمر بعد ذلك الى موضوع تربية ألنساء اللاتي يتطوعن للتبشير. المُتَنَصِّرُونَ وَالمُرْتَدُّونَ: ٍٍ تساءل القس (جون فان إيس) عن الأركان التي يشترط توفرها في الشخص المتنصر أو النصراني الشرقي الذي يدخل في المذهب البروتستاني. وبعد أن بحث في ذلك قال: «إِنَّ المَحَبَّةَ التِي يَعْرِفُهَا نَصَارَى الشُّرْقِ تُشُوبُهَا نَزْعَةُ الاِعْتِقادِ بِالقَضَاءِ وَالقَدَرِ وَعَقِيدَةُ الشَّرْقِيَّينَ عُمُومًا ضَرْبٌ مِنَ الخُرَافَاتِ وَإِنْ تَكُنْ مَبَادِئُ الإِيمَانِ مَوْجُودَةٌ لَدَيْهِمْ جَمِيعًا». ثم تساءل عما إذا كان المسلم المتنصر أهلاً لنشر النصرانية، وأجاب على ذلك بأن هذا الأمر هو محك

شروط التعميد

إخلاصه لأن نشر الدعوة أمر تقتضيه روح الإسلام، وبهذا كان الإسلام دين دعوة وتبشير وكم بالحري لو انتفعنا بهذه المزية وأدخلناها في النصرانية. ونناقش المؤتمر بعد ذلك بشأن المُتَنَصِّرِينَ المضطهدين ووسائل استخدام المخلصين منهم وإدخال الأطفال الذين اعتنقوا المذهب البروتستاني في المدارس العادية والصناعة. شُرُوطُ التَّعْمِيدِ: بسط القسيس «جصب» القول في هذا البحث وسأل عن الشروط التي يجب أن تتوفر في المسلم المتنصر ليكون أهلاً للتعميد ثم قال: إن المُبَشِّرِينَ الكاثوليك يعمدون الناس ليجعلوهم مسيحيين، أما نحن فنعمدهم لأنهم مسيحيون. وذكر بعد ذلك أيام التجربة

كيف يتقرب المسلمون؟

والمعلوهات الدينية التي يجب علي المتنصر معرفتها وبحث فيما إذا كان يحق له أن يتلقى سر التناول. واستطرد المؤتمر إلى مسألة تعدد الزوجات عند المسلمين، وعن موقف المرأة التي تعمد زوجها هل يفرق الإسلام بينها وبينه أم لا؟ وعما إذا كان يجوز للمتنصر أن يتزوج ثانية أم لا؟ فتقرر أن هذه المسائل عويصة وقد سبق الخوض فيها في مؤتمر (لمبث) سنة 1888 وأن الظروف تقضي باعتبار المسلم المتنصر وهو ذو زوجات متعددة بأنه تحت التجربة إلا إذا كان تنصره في ساعة الاحتضار. أما هذه المسائل نفسها فقد تركت بدون حل. كَيْفَ يَتَقَرَّبُ المُسْلِمُونَ؟: خطب القسيس هاريك في هذا الموضوع فعرض

على المؤتمر نتيجة أبحاثه التي أجراها في بلاد السلطنة العثمانية فمنها أنه عرف أن لا فائدة لطريقة المناظرة والجدل التي وضعها الدكتور «بفندر» المبشر ولم يكن من نتائجها غير وقوف الحكومة العثمانية في وجه المُبَشِّرِينَ والذين ينتمون إليهم. أما ترجمة الإنجيل وكتب التبشير إلى اللغة التركية بدون مناقشة ومجادلة فكانت أكثر فائدة وأعم نفعًا وقد تبين أنه بمجرد اشتراء المسلمين لهذه الكتب ومطالعتهم لها صارت تتبدد أوهامهم القديمة. ثم قال: إن الجدل والمناظرة يبعدان المحبة التي لها وقع كبير على قلوب الأغيار وتأثير عظيم في نشر النصرانية، فالمحبة والمجاملة هما آلة المبشر لأن طريق الاعتقاد غايته دائمًا هي قلب الإنسان. وقال بعد ذلك: يرى بعضهم أن الموازنة بين حياة وأخلاق الأمم النصرانية

وحياة وأخلاق الأمم الإسلامية تنتج دائمًا رجحان النصرانية على الإسلام. وأنا أيضًا أوافق على رأي هؤلاء ولكن من الوجهة المادية. وفي هذه الأيام نجد جمهورًا عظيمًا من متنوري المسلمين يرغب في المناظرة والجدل. والعثمانيون يشيرون بازدراء إلى ما حدث في بلاد الروس النصرانية في السنة الماضية خصوصًا في أوروبا - يريد اضطهاد نصارى روسيا ليهودها - ويقولون لنا: هذه نصرانيتكم وأنتم الذين كنتم قبل زمن قليل تتهموننا بلا شفقة بأنا أرقنا قليلاً من الدماء أثناء اشتغالنا بقمع الفتنة .. وعلق القسيس على ذلك بوجوب تحلي حياة المبشر بمبدإ المسيحية قبل أن يُعْنَى بالأمور النظرية كما يظهر للمسلم أن النصرانية ليست عقيدة دينية ولا دستورًا سياسيًا بل هي الحياة كلها. وإنها تحب العدل

موضوعات تبشيرية

والطهر وتمقت الظلم والباطل: نفتح للمسلم مدارسنا ونتلقاه في مستشفياتنا ونعرض عليه محاسن لغتنا ثم نقف أمامه منتظرين النتيجة بصبر وتعلق بأهداب الأمل إذ المسلم هو الذي امتاز بين الشعوب الشرقية بالاستقامة والشعور بالمحبة ومعرفة الجميل. بهذه الطريقة فقط يمكن للمبشر أن يدخل إلى قلوب المسلمين ولو أن أحدًا أظهر لنا شغفًا وميلاً عظيمًا إلى طرد كل العثمانيين من أوروبا ومن جهة الأرض كلها يجب أن نجيبه قائلين بل سنتحد إن شاء الله مع العثمانيين وندعوهم بكل إخلاص للاشتراك معنا في اقتباس أنوار النصرانية. مَوْضُوعَاتٌ تَبْشِيرِيَّةٌ: خاض المؤتمر بعد إتمامه الموضوع السابق في موضوعات كثيرة منها كيفية عرض العقيدة النصرانية

والمناظرة فيها والوسائل التي يجب التذرع بها لنشر مبادئها والتحكك بالنفوس الإسلامية والوقوف أمام صبغة الإسلام والصفات التي ينبغي أن يتصف بها مبشر المسلمين بالنصرانية والإنجيل. ثم قال القسيس (ثرونتن) وعرض على المؤتمر هذه النظريات الأولية: 1 - الشعب البسيط يلزمه إنجيل بسيط. 2 - الشرق سئم المجادلات الدينية. 3 - الشرق يحتاج إلى دين خلقي روحي. واستنتج من هذه النظريات الأولية القواعد الآتية: 1 - يجب أن لا نثير نزاعًا مع مسلم.

2 - يجب أن لا يحرض مسلم على الموافقة والتسليم بمبادئ النصرانية إلا عرضًا وبعد أن يشعر المبشر بأنا الشروط الطبيعية والعقلية والروحية قد توفرت في ذلك المسلم. 3 - إذا حدث سوء تفاهم حول الدين المسيحية فيجب أن يزال في الحال ولو أفضى الأمر إلى المناقشة. أما (لفروا) أسقف مدينة لاهور فيرى أن المبشر الذي يعد نفسه لمجادلة المسلمين في أمور الدين يجب أن تتفوق فيه الصفات الخلقية والاستقامة التامة على المزايا العقلية، وأن يكون مقتنعًا بصحة البراهين التي يحتج بها وأن يكون صحيح المجاملة وأن يضع الأمل بالفوز على خصمه نصب عينيه ويحاول حمل خصمه على الرضوخ للحقيقة. وهذا الأسقف يستنكر قسوة التعاليم القديمة ويرى أنها كانت ترمي إلى التغلب

على العدو لا إلى اكتساب مودته. ثم قال: ويظهر لي أن كثيرًا من إخواننا المُبَشِّرِينَ يريدون أن يبشروا الناس برشقهم بالحجارة لا بعرض الحقيقة عليهم. نعم إن هذه الطريقة قد تفيد ولكني أشك في موافقتها للتبشير وبما ينتج عنها من الحالات النفسية. وختم كلامه قائلاً: «يجب على المبشر أن يتذرع بالصبر والسكينة وأن يكون حاكمًا على عواطفه إلى الغاية القصوى. وأن لا يخالج نفسه أقل ريب في أنه هو الذي سيفوز». وهذا كان آخر مناقشات المؤتمر. ثم قام القسيس زويمر رئيس المؤتمر وقال: «إن انعقاد هذا المؤتمر كان بالتقريب نتيجة لأعمال (شأن التبشير المتطوعين) أما البحث في أحوال العالم الإسلامي وتشيره بالنصرانية فقد سبق الخوض فيه

في مؤتمر كلفلند. هذه الخريطة التي نراها أمامنا الآن موسومة باسم (خريطة تنصير العالم الإسلامي في هذا العصر) قد بعثت الأمل في قلوب ألوف من الطلبة في مؤتمر ناشفيل الذي انعقد في شهر فبراير (شباط) الماضي والتبشير متوقف على وجود زمرة من المُبَشِّرِينَ المتطوعين الذين يقفون حياتهم ويضحونها في هذا السبيل ثم ختم كلامه راجيًا أن يكون لندائه صدى في المدارس الجامعة في أوروبا وأمريكا».

العالم الإسلامي اليوم

العَالَمُ الإِسْلاَمِيُّ اليَوْمَ:

العالم الإسلامي اليوم: " العالم الإسلامي اليوم " عنوان كتاب نشره القسيس زويمر رئيس إرسالية التبشير في البحرين بمؤازرة زملاء له جمعوا فيه تقارير ومباحثات تاريخية واجتماعية كتبها المُبَشِّرُونَ عن حال المسلمين القاطنين في مناطقهم التبشيرية. وتتلو هذه التقارير خلاصة من أعمال المُبَشِّرِينَ التي قاموا بها في الأصقاع المختلفة وما نتج عنها من انتشار الدين المسيحي. وقد أنشأ جامعو هذا الكتاب مقدمة له ألحوا فيها بضرورة تنصير المسلمين الذين أهمل المُبَشِّرُونَ أمرهم وهذه الفكرة قد

توسع بها أخيرًا امبراطور أهم إمبراطورية أوروبية في خطاب ألقاه على بعض المُبَشِّرِينَ فكانت تشف عن الحكم على الإسلام من الوجهة الخلقية عامة والدينية خاصة. أما هذه الفكرة فهي أنه لم يسبق وجود عقيدة مبنية على التوحيد أعظم من عقيدة الدين الإسلامي الذي اقتحم قارتي آسيا وأفريقيا الواسعتين وبث في مائتي مليون من البشر عقائده وشرائعه وتقاليده وأحكم عروة ارتباطهم باللغة العربية فأصبحوا كالأنقاض والآثار القديمة المتراكمة على جبل المقطم أو هم كسلسلة جبال تناطح السحاب وتطاول السماء مستنيرة ذرواتها بنور التوحيد، ومسترسلة سفوحها في مهاوي تعدد الزوجات وانحطاط المرأة. تلك هي الفكرة التي أشار إليها ناشرو الكتاب في المقدمة وأردفوها بقولهم: إن الكنيسة المسيحية ارتكبت خطأ كبيرًا بتركها المسلمين وشأنهم إذ ظهر لها أن أهمية الإسلام

في الدرجة الثانية بالنسبة إلى ثمانمائة مليون وثني رأت أن تشتغل بهم. رأت هذا وهي لم تعرف عظمة الإسلام وحقيقة قوته وسرعة نموه إلا منذ ثلاثين سنة فقط على أن أبواب التبشير صارت مفتوحة الآن في ممالك الإسلام الواقعة تحت سلطة النصرانية مثل الهند والصين الجنوبية الشرقية ومصر وتونس والجزائر وأن في العالم 140000000 مسلم يرتقون الخلاص. وفي هذه المقدمة بعض ملاحظات ونصائح للمبشرين، منها: 1 - يجب إقناع المسلمين بأن النصارى ليسوا أعداء لهم. 2 - يجب نشر الكتاب المقدس بلغات المسلمين لأنه أهم عمل مسيحي. على أنه قد تم جزء من هذه المهمة بعد أن طبع في بيروت 46 مليون صفحة من الكتب المقدس.

الإسلام في مصر

3 - تبشير المسلمين يجب أن يكون بواسطة رسول من أنفسهم ومن بين صفوفهم لأن الشجرة يجب أن يقطعها أحد أعضائها. 4 - ينبغي للمبشرين أن لا يقنطوا إذا رأوا نتيجة تبشيرهم للمسلمين ضعيفة إذ من المحقق أن المسلمين قد نما في قلوبهم الميل الشديد إلى علوم الأوروبيين وتحرير النساء، وأن تنصير أمثال كامل في بيروت وعماد الدين في الهند وميرزا إبراهيم في تبريز وأعمالاً أخرى من هذا القبيل من شأنها أن تولد لنا مجهودات جديدة يجب علينا أن نحمد بسببها نعمة الله علينا. الإِسْلاَمُ فِي مِصْرَ: هذا الفصل من كتاب "العالم الإسلامي اليوم " يتضمن ملخص أعمال المُبَشِّرِينَ البروتستانت في مصر، والوسائل التي يتذرعون بها، والنتيجة التي توصلوا إليها. وأهم معاهد التبشير في مصر هو الذي أسسته

" جمعية إتحاد مبشري أمريكا الشمالية " سنة 1854. وكان المُبَشِّرُونَ قد وضعوا نصب أعينهم تبشير المسلم واليهودي والنصراني اسمًا، وقد استطاعوا أن يتحككوا بالمسلمين بواسطة مؤلفاتهم ومدارسهم. فنشروا منذ 35 سنة كتاب " شهادة القرآن " ووزعوا بعض نسخ من كتاب (الكندي) وكتاب " ميزان الحق " المطبوعين في إنكلترا. ووضعوا في الأيام الأخيرة " الهداية " وهو في أربعة أجزاء ألف في الرد على الذين طعنوا في النصرانية. والمحاضرات العامة التي يقيمها المُبَشِّرُونَ مرتين في كل أسبوع للموازنة والمناظرة بين الإسلام والنصرانية يحضرها عدد عظيم من المسلمين ويسمح لهم أن يتكلموا. وفي مدارس المُبَشِّرِينَ في القطر المصري 3000 طالب مسلم وَخُمُسُ هؤلاء من البنات المسلمات.

وكانت نتيجة هذه [المجهودات] منذ بداية التبشير إلى أيامنا هذه أن تَنَصَّرَ مائة وخمسون مسلمًا، وأهم ما وقع من ذلك سنة 1903 وسنة 1904 فقد تَنَصَّرَ في الأولى 14 شخصًا وفي الثانية 12. وفي سنة 1882 تأسس في مصر معهد علمي للتبشير تابع لـ «جمعية تبشير الكنيسة» وله أربعة فروع: الأول - قسم طبي، والثاني - مدرسة للصبيان، والثالث - للبنات، والرابع - لنشر الإنجيل. وينشر مُبَشِّرًا المعهد مجلة أسبوعية وكراسات ولهم مكتبة خاصة بهم. والنتيجة الأولى لمساعي هؤلاء هي تنصير قليل من الشبان والفتيات، والثانية تعويد كل طبقات المسلمين أن يقتبسوا بالتدريج الأفكار المسيحية. وبعد المعهدين السابق ذكرهما تأتي «جمعية تبشير شمال إفريقيا» وهذه الجمعية أسست معهدًا في مصر سنة 1892.

وأهم وظائفها تنصير المسلمين، ولهذه الجمعية ثلاثة وكلاء في الإسكندرية واثنان في شبين الكوم، وأعمال هذا المعهد قاصرة على فتح المدارس لتعليم الإنجيل بوجه خاص وأن تزور المبشرات منازل المسلمين ويجتمعن بسيداتهم وأن يوزعن المؤلفات والكتب التبشيرية على المسلمين وأن يلقين المحاضرات الدينية لدرس الإنجيل في أيام الأسبوع وأن تقام الصلاة، وهذا المعهد قد نجح في تنصير خمسة أشخاص. وفي سنة 1898 تأسست «الجمعية العامة لتبشير مصر» وغايتها تنصير المسلمين أيضًا، ولها معاهد في الدلتا والسويس، وتدير مدارس للصبيان والبنات وتبث فيهم مبادئ النصرانية، ولها خزائن كتب تحوي كتبًا عربية ذات علاقة بالإسلام، ولها مجلة شهرية منتشرة جدًا وخاصة بين المسلمين، وفي كل

الإسلام وإرساليات الهند

يوم سبت يطوف المُبَشِّرُونَ للتفتيش. وأقل إرساليات التبشير أهمية في القطر المصري الإرسالية الهولندية التي توطنت في قليوب وفي مدارسها المتعددة تلاميذ من كل المذاهب وهي تنشر الإنجيل في القرى بواسطة بائعي الكتب ومن أعمالها أنها أنشأت ملجأ للأيتام، وعنايتها متوزعة بين الأولاد: المسلمين والنصارى على السواء. أما العقبة الوحيدة التي تقف في سبيل إرساليات التبشير فهي أنه ليس لديها قوة تزيل الضرر الذي يحفها من مقاطعة المسلمين للمتنصرين وعدم إصغائهم لهم. الإِسْلاَمُ وَإِرْسَالِيَاتِ الهِنْدِ: من الذين ألفوا في هذا الموضوع المستر (م. هوري) فإنه تكلم عن حالة التبشير في شمالي

الهند وعن انتشار الإسلام ووسائط نشره وأشار إلى دراويش جمعة «انجمنِ الإسلام»، وذكر التقدم الفكري والاجتماعي الذي حدث في هذه الجهات وأن الإسلام عرقل سير هذه الميول. ثم لخص هذا المبشر تاريخ التبشير في الهند فقال إنه ابتدأ منذ مائة سنة عندما نال (جيروم كزافيه) اليسوعي إذنًا بالتبشير في لاهور ففتح باب الجدال في مسائل التوحيد والتثليث وألوهية المسيح وصحة الكتب المقدسة فتسبب في ذلك قيام (أحمد بن زين العابدين) وتأليفه كتاب " الأنوار الإلهية في دحض خطأ المسيحية ". إلا أن المبشر البروتستاني الذي يتكلم في تاريخ التبشير في الهند لم ترق له الأعمال التي قام بها المُبَشِّرُونَ الكاثوليك وقال إن دفاعهم عن عقيدة

عبادة العذراء والآثار والصور وعن الأماكن المقدسة كان من شأنه إظهار النصرانية بغير مظهرها الحقيقي. ثم جاء المبشر «هنري مارتين» فوضع أساسًا قويًا للتبشير بالإنجيل فترجمه إلى الفارسية والأوردية. ثم جاء بعده «بفندر» فترجم كتابه " ميزان الحق " من الفارسية إلى الأوردية؛ وزاد عليه ترجمة كتاب " طريق الحياة " و" مفتاح الأسرار "، وبهذا أثار «بفندر» مجادلات شديدة مع علماء الإسلام في «دهلي» و «أكرا» و «لكنو» وزلزل بذلك إيمان كثير من المسلمين وإن يكن الذين تنصروا منهم قليلاً عددهم. وأعان المُبَشِّرِينَ في هذه المجادلات المسلمون المُتَنَصَّرونَ مثل السيد مولوي صفدر علي ومولوي عماد الدين وسيد عبد الله أثيم ومنشي محمد حنيف والدكتور بَرْخُدَارْ خَانْ.

وفي شمال الهند الآن ما لا يقل عن 12 جمعية تبشيرية بين إنكليزية وأمريكية وأسترالية وكلها ترمي إلى غاية واحدة. واجتهدت هذه الجمعيات بتنصير المسلمين منذ وطئت البلاد؛ ويتبين من تقارير هذه الإرساليات أن من المسلمين المُتَنَصِّرِينَ من وصل إلى درجة المبشر. وقد اختصت هذه الجمعيات المسلمين بكتب يطالعونها وهي معروضة لهم في مكتبات التبشير. وقد اشتد انتباه المُبَشِّرِينَ إلى مكافحة الإسلام في الأيام الأخيرة فنمت فيهم فكرة الاختصاص بتبشير المسلمين على أثر كتابات الدكتور «مُرْدُوتش» وبادرت جمعيات متعددة إلى إرسال مبشرين اختصاصيين لهذا الغرض. أما عدد المسلمين المُتَنَصِّرِينَ فلا تمكن معرفته

من الاعتماد على الإحصائيات ولكنا عثرنا في تقارير سنة 1904 على أسماء إسلامية صار أصحابها قسيسين مبشرين. وعدد المُبَشِّرِينَ الذين من هذا القبيل 194، ويرى القارئ أن أسماء إسلامية في قوائم أعضاء اللجان الدينية في بشاور وغيرها. وقرأ المولوي عماد الدين في «برلمان الأديان» في شيكاغو سنة 1893 أسماء خمسين من المسلمين المُتَنَصِّرِينَ الذين امتازوا بإخلاصهم للتبشير. أما ثمرة التبشير في أواسط الهند فهي أضعف بكثير من ثمرة التبشير في شمالي الهند بالرغم من اجتهاد جمعية «تبشير الكنيسة» التي في مدراس وحيدر آباد، وبالرغم من تفاني إرسالية زناته التبشيرية التابعة للكنيسة الإنكليزية. وكل المُتَنَصِّرِينَ في أواسط الهند عدد قليل في جهتين أو ثلاث وفوق ذلك فإنه يكثر في

هذه الجهات انتقال النصارى إلى الإسلام لأسباب مالية ومصالح شخصية، وجمعية «انجمن إسلام» تنجح دائمًا بما لها من النشاط في حمل عدد كبير من الهندوس والمسيحيين على اعتناق الإسلام، ومؤتمر المُبَشِّرِينَ الذي عقد في القاهرة لم يفته البحث في حركة الإصلاح التي دخلت في مسلمي الهند والإشارة إلى «السير سيد أحمد خان» زعيم تلك النهضة وما تبذله مدرسته الإسلامية في «عليكر» ومؤتمر التربية الإسلامية. ولقد خطب القسيي «وِيْتْبْرِ تْشْتْ» في مؤتمر القاهرة بموضوع «الإسلام الجديد» فذكر أن تعاليم أوروبا تقرب المسلمين من النصرانية. ثم قال: 1 - يجب علينا أن ننشئ جسرًا فوق الهاوية التي تفصل بين العناصر، وللتوصل إلى ذلك يجب أن ننتفع من وجود الطلبة المسلمين في إنكلترا. 2 - أن يدرس الإنجيل على حدة أو على

بلاد الترك العثمانية

جماعات قليلة العدد. 3 - أن تلقى محاضرات ودروس منظمة بمراقبة رجال ممتازين، وأن تصرف العناية إلى المناقشات. 4 - توسيع نطاق المطبوعات بالأوردية مثل مجلة " ترقي " وأن يترجم تاريخ التوراة للدكتور بْلاَكِي وأن يتذرع لترويج ذلك بنشر الجرائد والكتب الإنكليزية التي يأنس بها المسلمون المتعملون. بِلاَدُ التُّرْكِ العُثْمَانِيَّةِ: وضع القسيس «أناتوليكوس» تقريرًا في هذا الموضوع لخص فيه أعمال وحركة التبشير في بلاد الترك العثانية ولم يتوسع في تقريره لأن هناك أسبابًا سياسية وغير سياسية تمنعه من ذلك ومما قاله: إن الكتاب المقدس راجت نسخ ترجمته التركية رواجًا حسنًا وهي

سوريا وفلسطين

تباع بالألوف وبنى على ذلك أن الأتراك الذين يحترمون القرآن احترام القروي الكاثوليكي في أواسط أوروبا للإنجيل يعرفون قدر مطالعة الكتاب المقدس. سُورِيَا وَفِلِسْطِينَ: تقف في طريق تبشير هذه البلاد عقبات خاصة بعضها من الحكومة والبعض الآخر ناشئ عن حالة البلاد وموقفها الحاضر فسوريا وفلسطين مملوأتان بالمذاهب المختلفة التي يستخدمها المُبَشِّرُونَ لتذليل هذه الصعوبات هي: 1 - توزيع نسخ الكتاب المقدس. 2 - التبشير من طريق الطب لأن ذلك في مأمن من مناوأة الحكومة له، والمسلمون يلجأون بأنفسهم

إلى مستشفيات المُبَشِّرِينَ ومستوصفاتهم. 3 - الأعمال التهذيبية كالمدارس والكليات التي تقبل أبناء المسلمين وكان في مدارس «صيدا» فقط في السنوات الأخيرة 250 تليمذًا من كل الطوائف فوصل عدد المسلمين في السنوات الثلاث الفائتة إلى 98 بعد أن كانوا 45 وهذه الزيادة ناشئة عن إقبال مسلمي مصر على مدارس المُبَشِّرِينَ في سوريا. 4 - الأعمال النسائية مثل زيارة المبشرات لمنازل المسلمين وإلقائهن المحاضرات الخاصة. 5 - توزيع الكتب والمؤلفات التبشيرية. وختم صاحب التقرير آراءه بقوله: إننا إذا سئلنا عن نتائج مجهودات مبشري المسلمين بالنصرانية في سوريا وفلسطين، لا نجد جوابًا

الجزيرة العربية

غير القول بأن الله وحده هو المطلع على مستقبل أعمالنا بين المسلمين، وعلى نتائجها. وإن الله لم يبارك داود النبي لكثرة عدد قومه. أجل إذا تصفحنا الإحصائيات يتبين لنا أن عدد المسلمين الذين تنصروا وتعمدوا هو عدد غير مسر وَغَيْرُ مُرْضٍ إلا أن هذا العدد مهما يكن قليلاً بذاته فإن أهميته أعظم مما يتصور المتصورون. وصفوة القول أننا حصلنا على نتيجة واحدة جوهرية وهي أننا أعددنا آلات العمل فترجمنا الإنجيل، ودربنا الوطنيين على مهنة التبشير. وأتمما تهيئة الأدوات اللازمة وهي الكنائس والمدارس والمستشفيات والجرائد والكتب، ولم يبق علينا إلا أن نستعمل هذه الأدوات. الجَزِيرَةُ العَرَبِيَّةُ: قال وِلْيَامْ جِيفُّورْدْ [بلجريف] (*): «متى توارى القرآن ¬

_ [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: • بلجريف: ولد وليام بلجريف ( William Gifford Palgrave) سنة 1826م لأب عالم مشهور جداً، لعب دوراً هاماً في تأسيس " دائرة المعارف العامة البريطانية "، وبلجريف كان يعرف بين أفراد عائلته بـ «جفي»، التحق بالجيش البريطاني في بومباي، ووقعت عينه على العرب لأول مرة أثناء مروره بمصر في يناير عام 1848م عندما كان في طريقه إلى الهند. ولم تمر سنة على سفره حتى ترك السلك العسكري. وانضم إلى جماعة الآباء اليسوعيين المسيحية. وقد اعترف بلجريف فيما بعد أنه كان يهدف من خلال انضمامه إلى هذه الجماعة للعمل كمبشر بالنصرانية بين العرب. تعلم بلجريف اللغة العربية وأتقنها إتقان جيداً حتى كانت تكون لغته الأم مما ساعده كثير في تنقلاته. وكان يجيد اللغات الفرنسية والألمانية والايطالية واللاتينية اليونانية وأيضاً القديمة. يقول عنه د. روبن بدول [1] «بلجريف جندي وراهب يسوعي وعميل سري (جاسوس) وأخيراً دبلوماسي». ويقول عنه أسعد عيد الفارس [2] ربما كان من جواسيس الفرنسيين في الوطن العربي، روائي حالم. ورحلة بلجريف إلى الجزيرة العربية عام 1862/ 1863م كانت رحلة يكتنفها الغموض فيغايتها وبقيت أيضاً غايتها سرية، ولم يكن لدى الأوربيين في ذلك الوقت معلومات حديثة ودقيقة عن نجد، وقد استطاع بلجريف إقناع رؤسائه الدينيين أنه ربما ينجح في تحويل الوهابيين إلى النصرانية. ولكن يذكر بلجريف في مقدمة كتابه؛ أن الغرض من الرحلة هوالأمل في تأدية بعض الخدمات الاجتماعية لشعب تلك المنطقة الواسعة ورغبته الملحة فيتوصيل مياه الحياة الشرقية الراكدة بمياه أوربا الجارية!!!!! ولكني أعتقد بأنهارحلة جاسوسية متقنه ومعده لها جيداً. وعند وصول بلجريف إلى أوروبا قدم تقريره إلى الإمبراطور نابليون الثالث والذيتضمن خطة لضم مصر وسوريا ووضعهما تحت الحماية الفرنسية. وتوفي في عام 1888م ودفن في ضاحية فولهام البريطانية. في عام 1865م ظهر كتاب بلجريف «مذكرات رحلة كاملة في وسط الجزيرة العربية وشرقها» وقد أهداه إلى الرحالة «نيبور» [3] وقد ترجم بعد سنة إلى الفرنسية. [ترجمة أخرى] • ويليام جيفورد بلغريف ( William Gifford Palgrave) عاش في الفترة ما بين (1826م - 1888م) ويعدّ من أشهر الرحالة الذين زاروا جزيرة العرب، ولد في ويستمنستر بإنجلترا، والده هو المؤرخ الإنجليزي السير فرانسيس بلجريف. حصل على الشهادة الجامعية من كلية الثالوث المقدس في جامعة أكسفورد عام 1846م. وألتحق بعد تخرجه بالجيش البريطاني في الهند عام 1847م، وفي الهند تحوّل من البروتستانتية إلى الكاثوليكية فاستقال من الجيش وقرر أن يكون راهبا وانضم إلى جماعة اليسوعيون (جماعة يسوع)، حيث خدم الجماعة في الهند وروما حيث ودرس علم اللاهوت في كلية رومانو في إيطاليا، ثم انتقل إلى لبنان لأغراض تبشيرية عام 1857م، وبعد وقت قليل أصبح مسؤولا عن المدارس الدينية والبعثات التبشيرية المسيحية في البلدان العربية ومنطقة الشرق الأوسط.، وحين اندلعت حرب أهلية في لبنان عام 1860 م، غادرها بلجريف إلى بريطانيا ومارس مهامه الدينية في محاضرات حول بعثاته في الشرق، اقنع رؤسائه بدعم رحلة إلى داخل الجزيرة العربية التي كانت حينها تمثل (أرضا مجهولة Terra incognita) ، ثم غادر بريطانيا إلى فرنسا وألتحق بالكلية الجزويتية بـ نيس. ومن فرنسا عاد بلجريف نحو مناطق شمال الجزيرة العربية في بعثة تبشيرية مدعومة من الأمبراطور الفرنسي نابليون الثالث الذي اقنعه بلجريف بان المعرفة الجيدة بأحوال الجزيرة العربية ستفيد الاطماع الامبريالية لفرنسا في أفريقيا والشرق الأوسط، وبدأ رحلته عن طريق القاهرة ثم نحو بيروت ثم نحو الجزيرة العربية، متنكرا فيها بشخصية طبيب سوري يرافقه خادم له، وزار فيها معان والجوف وحائل وبريدة والرياض والهفوف والقطيف والبحرين وقطر وعمان في رحلة استغرقت منه حوالي عام كامل. الكتاب في عام 1865م قام بلجريف بنشر كتابه عن هذه الرحلة في جزئين بعنوان: Narrative of a year's journey through central and eastern Arabia 1862 - 63 ( قصة عام من الرحلات عبر وسط الجزيرة العربية وشرقها 1862م-1863م) [1] [2] [3] وقد اهدى الكتاب إلى ذكرى (كارستن نيبور) حيث قال عنه (في تكريم الذكاء والشجاعة التي فتحت أبواب الجزيرة العربية لأوروبا). الجدير بالذكر أن رحلة بلجريف هذه أحدثت صدىً واسعاً بين المستشرقين، فممن أنكر رحلة بلجريف منهم بادجر والسير هاري سانت جون فلبي المعروف بـ (عبد الله فيلبي) وجاكلين بيرين وغيرهم، وأكَّدها آخرون، والذي يظهر أنَّ أسلوب بلجريف النرجسي ومبالغاته الأدبيَّة وعدم التزام الدقة العِلميَّة، كل هذا مع ما عُرف عنه من تقَلُّبات سياسيَّة ومذهبية أجلبت عليه أقلام بعض زملائه اليسوعيين، وانظر (مسائل من تاريخ الجزيرة العربيَّة) لأبي عبد الرحمن بن عقيل الظاهري صـ 196، ومع ذلك يتميز كتاب بلجريف هذا عن غيره من كتب الرحالة الأوائل بالتوصيف الاجتماعي والفروقات النفسية والجسدية لسكان المناطق التي مر بها، فتجده يعقد المقارنات بين سكان الشمال وبين سكان نجد ومقارنات بين المناطق داخل نجد نفسها وو مقارنات باهل الاحساء والقطيف والصراعات المذهبية والحضارية بين السكان ومن يمر فوق اراضي الجزيرة العربية. له كتاب " وسط الجزيرة العربية وشرقها " في جزأين، ترجمة صبري محمد حسن، المجلس الأعلى للثقافة - مصر، 2001

ومدينة مكة عن بلاد العرب يمكننا حينئذٍ أن نرى العربي يتدرج في سبيل الحضارة التي لم تبعده عنها إلا محمد وكتابه». قال مؤلف كتاب " العالم الإسلامي اليوم ": وقد أدرك أهمية هذه الفكرة القسيس «يانغ» صاحب التقرير عن التبشير في جزيرة العرب فجعلها نصب عينية في كل الأعمال ولكننا نتساءل عما إذا كان قد حان الوقت للعمل بها وعما تكون نتيجة التبشير حينئذٍ. وقد سبق للقسيس «زويمر» رئيس إرسالية التبشير في البحرين أَنْ أَلَّفَ كتابًا سماه " مهد الإسلام " وسيأتي الكلام على هذا الكتاب بعد أن أتى فيه على تاريخ إرساليات التبشير في جزيرة العرب وما تطمع به هذه الإرساليات وأشار بوجه خاص إلى إرسالية التبشير العربية وهي الابنة الممتازة لكنيسة

الإصلاح الأمريكية ولها فروع أربعة أقدمها عهدًا «جمعية تبشير الكنيسة» التي تفرع عنها فرع آخر في فارس سنة 1882 وقد استقلت هذه الجمعية بأعمالها باسم «جمعية التبشير العربية العثمانية»، ولها في بغداد أربع إرساليات، وفي الموصل واحدة. وفي سنة 1885 ذهب إلى عدن «إيون كيث فالكونر» وهو الابن الثالث للكونت «كنتور» فأسس هناك إرسالية تبشير أسكوتلندية سماها باسمه وهي مؤلفة من طبيبين مبشرين وتبعتها «إرسالية التبشير العربية» التي أسست سنة 1889 وهي تابعة لكنيسة الإصلاح الأمريكية فانتشرت في البصرة والبحرين ولها في البحرين خمسة مبشرين، اثنان منهم طبيبان واثنان امرأتان ولها في البصرة أربعة مبشرين أحدهم طبيب وفي «الشيخ عثمان» إرسالية تبشير دانماركية كان

سلطان «مكلا» طردها من بلاده (¬1). وتوجد في الجزيرة إرسالية أخرى تمدها جمعياتها بالمال والاعانات. وانتقل المؤلف بعد هذا البيان إلى ذكر النفقات الجسيمة التي تتكبدها إرسالية التبشير في جزيرة العربي، ومما قاله: إن مرتبات المُبَشِّرِينَ والموظفين عندهم وبائعي كتبهم تساوي ثلاثة أضعاف مرتبات أمثالهم في الهند. ومما يخفف أمر هذه النفقات أن المُبَشِّرِينَ في بلاد العرب اتخذوا لهم مراكز تمهد لهمه سبيل التوغل في داخل الجزيرة. وكل الإرساليات هناك على اختلاف نزعاتها وأشكاله ومعاهدها الطبية والتهذيبية والأدبية ترمي إلى غاية واحدة. والمرضى يشدون الرحال من أصقاع بعيدة إلى مستشفيات المُبَشِّرِينَ في الموصل وبغداد والبصرة والبحرين والشيخ ¬

_ (¬1) «الشيخ عثمان» اسم مكان في جوار عدن. و «المكلا» ثغر في حضرموت شرقي عدن.

عثمان وعدن وعندما يرحل الأطباء جائبين البلاد ينثرون في النفوس بذورًا يمكن للمبشرين وبائعي الكتب أن يحصدوها بعد ذلك وينمو غراسها. والتعليم المدرسي والتربية الأخلاقية اللذين يعنى بهما المُبَشِّرُونَ قد أسفرا عن نتائج جمة وأثمرا ثمرات نافعة في الأطفال والمراهقين على السواء. وقال القسيس «زويمر» إنه جمع تلاميذه المسلمين مرة ووضع بين أيديهم كُرَةً تمثل الكرة الأرضية ثم حول عليها نوراً قويًا وبرهن لهم بذلك على أن الأمر بصيام شهر رمضان ليس آتيًا من عند الله لأنه يتعذر أداء هذه الفريضة في بعض البلاد. وقال أيضًا: إن المحاضرات التي يلقيها القسس المُبَشِّرُونَ على الحاضرين من المسلمين أثناء تمثيل حوادث التوراة بالفانوس السحري والخرائط الإحصائية عن ارتقاء

فارس

ممالك النصرانية وانحطاط ممالك الإسلام كل ذلك تتمة لوسائل التعليم البروتستاني. وقال المؤلف عن نتائج أعمال المُبَشِّرِينَ في بلاد العرب: إن من المتعذر تعيين نتائج هذه الأعمال الخيرية إلا أن مما يدعو إلى الاغتباط والسرور أننا اقتطفنا ثمرات أعمالنا في كل منطقة من مناطق التبشير. فالأوهام تبددت وحل محلها التسامح والاهتمام الحقيقي بالتعاليم النصرانية، وفي كل سنة تباع ألوف من نسخ الكتاب المقدس وكميات وافرة من الكتب والكراسات والمجلات. ويهتم المُبَشِّرُونَ الآن بإقامة مستشفى في الشيخ عثمان، لأنه بينما كان عدد المرضى الذين عرضوا أنفسهم على أطباء المُبَشِّرِينَ يبلغ 2000 فقط فقد صاروا الآن 20.000. فَارِسْ: أنشأ القسيس «سان كلير تيسدال» تقريرًا عن التبشير

في فارس وهو لا يختلف عن التقارير المتعلقة بتبشير البلاد العثمانية من حيث قلة مادته. بذلت إرساليات التبشير جهدها في بلاد فارس ونجحت في تبديد ما يعتقدونه في النصارى من أنهم مشركون بالله ويعبدون آلهة ثلاثة. وهذا الاعتقاد وقر في نفوس المسلمين لما يشاهدونه في الكنائس الشرقية والكاثوليكية إلا أنهم عادوا الآن فصاروا يفرقون بين الفرقتين النصرانيتين وتبين لديهم أن البروتستانية خالية من الوثنية فارتاحوا لها. قال صاحب التقرير إنه لما عين سنة 1892 سكرتيرًا لجمعية تبشير الكنيسة كان الاعتقاد السائد هو أنه يستحيل أن يتنصر المسلم ويتعمد إلا إذا عَرَّضَ نفسه للموت. ولكن الاضطهاد قد خف الآن وصارت أبواب فارس مفتوحة للمبشرين بالإنجيل أكثر من

غيرها. واكتسب المُبَشِّرُونَ محبة الناس لهم بسبب الأعمال الطيبة التي تصدر عن المُبَشِّرِينَ فتجعل الأعداء أيضًا يعترفون بأن النصرانية مصدر عمل صالح. ومهما يكن عدد المُتَنَصِّرِينَ لا يزال قليلاً فإن هنالك جمعيات صغيرة مسيحية اندمج فيها المُتَنَصَّرونَ الفارسيون من نساء ورجال. وهذه الجمعيات الصغيرة منتشرة في كل مكان وصل إليه المبشرون، وفوق ذلك فإن عددًا عظيمًا من المسلمين ينتمي إلى النصرانية سِرًّا ويقال إن بينهم من لا يتأخر عن إعلان نصرانيته عندما تنتشر حرية الأديان في فارس. والوسائل التي يتذرع بها المُبَشِّرُونَ هنا هي الإرساليات الطبية من نساء ورجال ورحلات المُبَشِّرِينَ والأعمال النسائية ورجال التبشير يتحككون بالمسلمين ويحاولون الحصول على مودتهم ويستخدمون فريقًا منهم

مكاتب التبشير ويدخلون معهم في المناقشات الدينية إلا أنهم لا يجرحون عواطفهم. والهمة لنشر الإنجيل والتوراة وسائر كتب التبشير باللغة الفارسية والاعتناء بتعليم الذين تنصروا ولا يزالوا في دور التجربة. وأنكر القسيس زويمر على صاحب هذا التقرير إغفاله ذكر المدارس وما لها من التأثير إذ أن المدارس أحسن مَا يُعَوِّلُ عليه المُبَشِّرُونَ في التحكك بالمسلمين. وقد قال أحد المبشرين: المدارس هي من أحسن الوسائل لترويج أغراض المُبَشِّرِينَ وقد كان عدد التلاميذ في المدرسة التبشيرية في طهران قبل سنتين فقط 40 إلى 50 فصاروا الآن 115 وكلهم يتلقون التربية النصرانية بكل إتقان. وكذلك الحال في مدرسة تبريز التي يديرها هذا القسيس، فقد كان فيها 3 تلاميذ من المسلمين ثم صاروا 50 ومثل ذلك مدرسة أوروبية

صومطرا

فإن فيها 50 طالبًا وفي مدرسة البنات 35 تلميذة وفي مدرسة البنات في طهران 25 تلميذة. وأنكر مبشر آخر على صاحب التقرير قوله: إن البهائيين يتقربون من التوراة أكثر من غيرهم، وزاد على ذلك أنه لا يوجد من يعتبر البهائيين أسمى أخلاقًا من المسلمين، بل الحقيقة على عكس ذلك. صُومَطْرَا: يمتاز التقرير الذي وضعه القسيس الألماني سيمون عن مبشري هذه البلاد بدقته في الكلام عليهم وبيان أعمالهم بالأرقام. ومما قاله: إن جمعية المُبَشِّرِينَ الألمانية نصرت مائة شخص منذ تأسست سنة 1871 إلى وقت كتابته التقرير ولجمعية التبشير الهولندية فقط أن تبشر على الساحل الشرقي من الجزيرة، والذين نصرتهم لجنة تبشير جاوا 500 شخص من سنة 1860،

وأما جمعية «ينش» الألمانية فتفوق على تلك باتساع نطاق أعمالها لأن لها 36 فرعًا أربعة منها لتبشير المسلمين بوجه خاص وقد تمكنت من تنصير 6000 مسلم ولديها الآن 1150 مُسْلِمًا في دور التجربة، ولجمعية التبشير بالتوراة وهي إنكليزية مندوبون في مناطق أعمال الإرساليات الألمانية يبيعون الكتاب المقدس. وقد تحسنت خطة هولندة مع المُبَشِّرِينَ عما كانت عليه في أواسط القرن الماضي فصارت تشد أزر المُبَشِّرِينَ وتساعد مدارسهم وإرسالياتهم الطبية وتعد ذلك من عوامل نشر المدنية. وللمبشرين هنا ثمانون كنيسة وأدخلوا بينهم من الوطنيين خمسة قسس وسبعين مُبَشِّرًا هذبوهم في مدارس خاصة بهم. وإرساليات التبشير تجبي من المسيحيين في صومطرا ضريبة وضعتها على الأرز للاستعانة بها على

جاوا

التبشير! وتستوفيها نقدًا أو من عين المال. ويقول واضع التقرير: إن مَيْلَ المسلمين إلى النصرانية قد ظهر جَلِيًّا وقوي تياره واتفق أنه في بعض الأوقات يتنصر العريس وقرينته المسلمة في وقت واحد. ويتقرب المُبَشِّرُونَ الألمان إلى المسلمين بالمدارس والإرساليات الطيبة، وهذه الإرساليات الطيبة - كما يقول عنها صاحب التقرير - مثل الشوك في أجسام زعماء المسلمين الذين يسلون أنفسهم قائلين: إن الله أرسل هؤلاء الأطباء ليخدمونا. إلا أن للإرساليات الطبية بالرغم من ذلك تأثيرًا شديدًا على المسلمين لأنها تظهر الفرق بين أغراض الزعماء الشخصية وبين خدمة الأطباء المُبَشِّرِينَ الذين لا غرض لهم في النفس. جَاوَا: لا يختلف موقف المُبَشِّرِينَ في هذه الجزيرة عن

موقف زملائهم في «صومترا» من حيث الوسائل التي يتذرعون بها، ومن حيث خطة الحكومة في معاملتهم، وفي جاوا 46 مُبَشِّرًا و150مساعدًا لهم و20 من مجموع هؤلاء اختصوا بتبشير المسلمين دون غيرهم. وفي الإحصائيات أن عدد المسلمين المُتَنَصِّرِينَ بلغ 1800 شخصًا. وآخر ما جاء في هذا التقرير أن اعتقاد المسلمين بالله دون أن يعتمدوا فيه على الكتاب المقدس لا يعد خطوة نحو النصرانية ولا ابتعادًا عن الهوة التي تفصل الوثنيين عن النصرانية وأن هنالك سلطة قوية يهيئها الشيطان!! ليهلك بها النفوس ويبعدها عن نور العالم يسوع المسيح.

مؤتمر إدنبرج سنة 1910

مُؤْتَمَرُ إِدِنْبَرْجْ سَنَةَ 1910: عقد هذا المؤتمر في شهر سبتمبر سنة 1910 وكان للمسائل الإسلامية حظ كبير من مداولات أعضائه، بل أن لجنتين من أهم لجانه تفرغت إلى البحث في أمر الإسلام والمسلمين. وقد نشرت أعمال هذا المؤتمر ومناقشاته في تسعة مجلدات لم نتمكن من الحصول عليها، إلا أننا عثرنا على مجلات ثلاث تكلمت عن هذا المؤتمر: واحدة ألمانية وهي "مجلة الشرق المسيحي" التي تصدرها «جمعية التبشير الشرقية الألمانية»، والثانية إنكليزية

أقوال المجلة الألمانية

وهي "مجلة العالم الإسلامي" المعروفة، والثالثة سويسرية وهي " مجلة إرساليات التبشير البروتستانية " التي تصدرها جمعية التبشير في مدينة بَالْ في سويسرا. وأعمال مؤتمر إدنبرج لم يكن حِبْرًا على ورق بدليل أن المؤتمر الاستعماري الألماني الذي عقد عقب مؤتمر إدنبرج التبشيري اهتم بأمر إرساليات التبشير الجرمانية حتى خيل إلى الناس أن هذا المؤتمر الاستعماري السياسي تحول إلى مؤتمر تبشيري ديني. أَقْوَالُ المَجَلَّةِ الأَلْمَانِيَّةِ: مجلة " الشرق المسيحي " هي التي تنشرها جمعية التبشير الشرقية الألمانية منذ سنة 1910 ولهذه الجمعية إرساليات تبشير وملاجئ للأيتام في السلطنة العثمانية وفارس وبلغاريا وروسيا. قالت هذه المجلة في مقالة عنوانها «الشرق المسيحي

وإرساليات تبشير المسلمين»: إن أعمالنا قد ازدادت أهمية بين مسلمي البلغار بنعمة الله تعالى الساطعة، وذلك بنشاط وإقدام القسيس «أفتارنيان» الذي كان اسمه من قبل «أمير زاده محمد شكري» وازدياد أهمية التبشير كان بوجه خاص عقب تأسيس المدرسة الدينية الإسلامية وما يأتيه هذا القسيس من الأعمال بمساعدة الشيخ أحمد كاشف والمدرس نسيمي أفندي بقصد مقاومة الإسلام، يبرهن لنا على أنه قد أزف الوقت الذي يزعزع فيه الإسلام من أركانه وينتشر الإنجيل بين الشعوب الإسلامية! وأن هذا الارتقاء التاريخي وما نعمله في أرمينيا وسوريا وروسيا قد جعلنا نزيد في اسم مجلتنا " الشرق المسيحي" وندعوها بعد الآن "الشرق المسيحي وإرسالية التبشير الإسلامية " وسيعهد بتحرير

القسم الإسلامي فيها إلى قسيس أفتارنيان. ونشرت هذه المجلة مقالة أخرى بقلم «فون لبسيوس» الألماني عنوانها " دخول التبشير العام في طور جديد " ذكر فيها أهمية مؤتمر إدنبرج وأنه أبان عن ارتقاء في أعمال المبشرين. ومن هذه المقالة نعلم أن مؤتمر إدنبرج كان فيه 1200 مندوب بينهم 502 من الإنكليز و505 من الأمريكان ومن مندوبي التبشير الأمريكيين «المستر روزفلت» رئيس جمهورية الولايات المتحدة السابق لكنه أرسل رسالة اعتذار عن عدم تمكنه من الحضور. إلا أن المستر براين استطاع أن يحضر - وهو خطيب أمريكا المشهور وقد رشح نفسه لرئاسة جمهورية الولايات المتحدة مِرَارًا - وعلى هذا فالمندوبون الذين يتكلمون الإنكليزية كانوا أكثر من ألف، والذين

يتكلمون الألمانية كانوا 98 والآخرون يتكلمون بلغات مختلفة، ولذلك تقرر أن تكون الإنكليزية لغة المؤتمر. وتقول هذه المجلة: إن إرساليات التبشير الإنكليزية والإيرلندية تنفق في السنة 2.100.000 جنيه في سبيل التبشير. وجمعيات التبشير الأمريكية والكندية تنفق 2.000.000 جنيه، وجمعيات التبشير الأسترالية والأفريقية والآسيوية والهولندية تنفق 300.000 جنيه وما تنفقه جمعيات التبشير البروتستانية في باقي القارة الأوروبية يبلغ 700.000 جنيه. واقتبس صاحب هذه المقالة من مستندات مؤتمر إدنبرج عدد جيش المُبَشِّرِينَ البروتستانت فقال إنه يبلغ 98.388 مُبَشِّرًا تعضدهم لجان يبلغ عدد أعضائها 5.500.000 شخص ويبلغ عدد النساء والرجال الوطنيين وغير الوطنيين من موزعي التوراة الذين

يشتركون في التبشير والوعظ 92.913 وعدد المعاهد الكنسية 16.671 وعدد إرساليات التبشير العامة 3.478 والتي في الدرجة الثانية 32.009 وعدد الأساتذة والتلاميذ الذين هم تحت إشراف المُبَشِّرِينَ 1.190.602 وتوجد تحت سلطتهم 81 مدرسة دينية لتعليم لاهوت النصرانية وتخريج المعلمين والمُبَشِّرِينَ وفيها 12.543 طَالِبًا وهي تهيمن أيضًا على 1.594 مدرسة ثانوية فيها 155.420 طَالِبًا و28.901 مدرسة ابتدائية يبلغ عدد تلاميذها 1.165.212 وعدا ذلك فالمُبَشِّرُونَ يديرون 113 مدرسة من النوع الذي يُسَمَّى روضة الأطفال وفيها 4.703 أطفال. وأسست هذه الإرساليات 550 مستشفى و 1024 صيدلية لها 4.000.000 من الزبائن، ولديها 111 مجلسًا طبيًا و92 جمعية للممرضات و265 ملجأ للأيتام و88 ملجأ للبرص و21 ملجأ للبرص أيضًا وهي خاصة بالأطفال وتدير 25 مدرسة للعميان

و21 معهدًا للإسعاف و103 مستوصفات لمدمني الأفيون و15 ملجأ للأرامل. هذا كله سنة 1902. ومن يقارن بينه وبين ما وصل إليه هذا الإحصاء سنة 1911 يرى أن هناك ارتقاء بَاهِرًا لأن عدد إرساليات التبشير العامة بلغ 3838 والإرساليات التي في الدرجة الثانية 34719 وعدد الأساتذة والتلاميذ 1.412.044 أما الجامعات والكليات فصار عددها 88 وفيها 8628 طَالِبًا ولدى المُبَشِّرِينَ 522 مدرسة دينية لتخريج المُبَشِّرِينَ والمعلمين، فيها 12.671 طَالِبًا وعدد المدارس العالية 1714 فيها 166.447 طَالِبًا وعندهم 30.185 مدرسة ابتدائية عدد تلاميذها 1.920.357 أما المستشفيات فصار عددها 576 والصيدليات 1077 والمجالس الطبية لا تزال 111 وفيها 830 طَالِبًا و98 معهدًا للممرضات فيها 663 طالبة ويشرف على إرساليات التبشير 520 جمعية

أقوال المجلة الإنكليزية

عمومية عاملة و433 جمعية لإعانتها و22 جمعية مختلفة. وترد على صناديق إرساليات التبشير أموال كثيرة منها 60.500.000 فرنك في السنة تدخل في صناديق جمعيات التبشير البريطانية والإيرلندية و 67.000.000 فرنك في صناديق الجمعيات الأمريكية والكندية و 7.200.000 في صناديق الجمعيات الأسترالية والأفريقية. ولغة هذه الجمعيات كلها الإنكليزية. وأما إرساليات التبشير الأخرى فيرد على صناديقها 20.100.000فرنك. أَقْوَالُ المَجَلَّةِ الإِنْكِلِيزِيَّةِ: أما المجلة الثانية فهي مجلة " العالم الإسلامي " الإنكليزية التي تصدر منذ شهر فبراير سنة 1911 ويتولى إدارتها القسيس زويمر رئيس إرسالية البحرين. وقد استهل

عددها الأول بما يأتي: تبين لنا من مراجعة مجلة " العالم الإسلامي" الفرنساوية و" مجلة الإسلام " الألمانية ومن " دائرة المعارف الإسلامية " الجديدة المحررة بثلاث لغات: أن زيادة العناية والاهتمام بأمر الإسلام تستدعي إصدار مجلة إنكليزية خاصة بالأبحاث الإسلامية ودرس أفكار المسلمين وعلاقاتهم بالكنيسة والخطة التي ينبغي انتهاجها مع المسلمين وإذا كانت الكنائس المسيحية تحاول التحكك بالإسلام فيجب عليها قبل كل شيء أن تعرف مركز الإسلام. دخلنا بعد مؤتمر القاهرة في دور جديد ظهرت فيه أهمية تنصير المسلمين، وشعر زعماء التبشير بأن الكنيسة لا بد لها من سبر غور المسألة الإسلامية، وأن تحسن العناية بتربية المُبَشِّرِينَ وتتوقع خيرًا من أعمالهم.

ومهمة تنصير المسلمين تقضي بإيجاد ميدان مشترك للعمل تتضافر فيه الأفكار والأبحاث والمجهودات. ومجلتنا تستحسن الاهتمام الشديد الذي أبداه مؤتمر إدنبرج، وستجتهد هي في متابعة البحث والمداولة في المسائل التي بحث المؤتمر فيها، وتواصل الجهد لجمع كلمة الذين يحبون المسلمين!! ويشتغلون لخيرهم!! وهذه المجلة لا تمثل فرقة أو مذهبًا واحدًا من فرق الكنيسة وأحزابها بل هي ستكون واسعة الصدر سعة تامة. وقد نشرت هذه المجلة مقالة بقلم المستر تشارلس وطسون تحت عنوان «العالم الإسلامي» قال فيها: إن من الخطأ الحكم على مؤتمر إدنبرج بأنه لم يهتم بالمسائل الإسلامية. لأن الغاية من عقد هذا المؤتمر هي البحث في مسائل العالم الخارج عن النصرانية والاهتمام بإيجاد

وحدة وتضامن بين المُبَشِّرِينَ في أعمالهم وإن نظرة واحدة توجه إلى قرارات المؤتمر تظهر لصاحبها الحظ الكبير الذي كان للمسائل الإسلامية من أعمال المؤتمر. فقد كان المؤتمر مُؤَلَّفًا من ثماني لجان اختصت الأولى والرابعة منها بالتوسع في بحث المسألة الإسلامية أما مهمة اللجنة الأولى فهي أن تبحث في المسائل الإسلامية من الوجهة الخارجية وفي إيجاد ميدان عام مشترك لأعمال المُبَشِّرِينَ واختيار خطة «الهجوم» و «الغارة» وتقرير هذه اللجنة يتضمن إحصاء متعلقًا بالمسلمين وعددهم ومبلغ ارتقائهم فِي كُلِّ قُطْرٍ. ومما جاء في هذا الإحصاء أن في جزائر «ماليزيا» والهند الهولندية 36.000.000 مسلم وهم يزداد عددهم يومًا بعد يوم بقدر ما ينقص من عدد الوثنيين. وتبين للجنة أن المُبَشِّرِينَ في الهند وقفوا جُزْءًا من خمسة أجزاء من أعمالهم على تبشير المسلمين فيها. ولهذه

اللجنة فروع بحث بعضها في حال الإسلام في الشرق الأدنى وآسيا الوسطى. وقد جاء في تقارير هذه الفروع أن المُبَشِّرِينَ تعذر عليهم الخوض في المسألة الإسلامية ولكن أعضاء اللجنة يأملون زوال الصعوبات التي تقف في طريق إرساليات التبشير. وجاء في تقرير اللجنة عن حالة الإسلام في إفريقيا: «إن الموقف فيها صار حَرِجًا لسرعة تقدم الإسلام من مركزه الواسع في الشمال ومعاقله التي في السواحل إلى الجنوب والغرب الأفريقي، والمُبَشِّرُونَ كانوا أخطأوا في تقديراتهم السابقة لأنه تبين لهم فيما بعد أن بعض البلاد التي كانوا يحسبونها خالية من الأديان المعروفة هي إما إسلامية محضة وإما أنها على أهبة الدخول في الإسلام». وتقول اللجنة: إن العداء الذي كان يظهره المسلمون للمبشرين قد خفت وطأته بالنسبة لما كانوا عليه. ثم تناولت اللجنة البحث في الأمور الاجتماعية

الإسلامية التي تمهد السبيل لتنصير المسلمين فحضت جمعيات التبشير على توسيع نطاق التعليم الذي يشرف المُبَشِّرُونَ عليه. وحصرت قراراتها بجملتين اثنتين: الأولى: أن ترقي الإسلام الذي يتهدد أفريقيا الوسطى يجعل الكنيسة تفكر في مسألة دقيقة وهي: هل ينبغي أن تكون القارة السوداء إسلامية أو نصرانية؟ الثانية: أن المسائل الإسلامية في الشرق على الخصوص صار لها مكان هام في أعمال المُبَشِّرِينَ عقب الانقلابات التي حدثت في بلاد الدولة العثمانية وفارس مع أنها لم تكن تهم الكنيسة قبل هذه الانقلابات إلا قليلاً، ولذلك أصبح من مقتضيات الظروف أن تقوم إرساليات التبشير بعمل ينطبق على المسائل الإسلامية. هذا شيء من أعمال اللجنة الأولى. أما اللجنة الثانية فهي خاصة بتمهيد ميدان العمل لرجال الإكليروس

في إرساليات التبشير وقد أشارت إلى الإسلام عَرَضًا لأن كل المجهودات التي يبذلها المُبَشِّرُونَ لتأسيس كنائس يقوم بأكثر أعمالها أو بعضها المسلمون المُتَنَصَّرونَ فشلت تَمَامًا إلا في جزء من بلاد الهند الغربية. واللجنة الثالثة خاضت في الأعمال المدرسية التي يقوم بها المُبَشِّرُونَ واكتفت بهذه الكلمة عن المسلمين فقالت: اتفقت آراء سفراء الدول الكبرى في عاصمة السلطنة العثمانية على أن معاهد التعليم الثانوية التي أسسها الأوربيون كان لها تأثير على حل المسألة الشرقية يرجح على تأثير العمل المشترك الذي قامت به دول أوروبا كلها. وقد كان للإسلام الحظ الوافر من مذكرات اللجنة الرابعة لأنها كانت مكلفة بالبحث في علاقات الإنجيل بالديانات الخارجة عن النصرانية والوسائل التي تظهر النصرانية على تلك الديانات المزاحمة لها. وتناولت هذه اللجنة البحث في الإسلام بصراحة ومجاملة فذكرت

ما ترى أنه موضع ضعف فيه وما للنصرانية عليه من المزايا مستندة على أقوال المُبَشِّرِينَ وَالمُتَنَصِّرِينَ. وتداولت اللجنة الخامسة في كيفية تعليم المُبَشِّرِينَ وتربيتهم وألحت بضرورة تعليم المُبَشِّرِينَ في البلاد الإسلامية دين الإسلام ولغة تلك البلاد. وأما اللجنة السادسة فبينت كيف تنظم إرساليات التبشير وذكرت شيئًا عن الإسلام وعلاقاته بإرساليات التبشير المدرسية للأمريكيين. والموضوع الذي بحثته اللجنة السابعة هو علاقات المُبَشِّرِينَ بحكومات البلاد التي يبشرون فيها وموقف المُتَنَصِّرِينَ الوطنيين أمام حكوماتهم، خصوصًا في البلاد العثمانية وفارس. وانتقدت انتقادًا شديدًا على الخطة غير المسيحية التي تنتهجها بعض الدول الأوروبية مثل إنكلترا في النيجر والسودان وقالت: إنها خطة

من شأنها ترويج الإسلام والتزام طرفه. أما اللجنة الثامنة من المؤتمر فقد خاضت في كيفية الاشتراك وتوحيد أعمال التبشير ولم تخض في المسألة الإسلامية إلا قليلاً حيث قالت في تقريرها: الأمر الذي لا مرية فيه أن المهمة الصعبة التي يقوم بها المُبَشِّرُونَ في البلاد الإسلامية لم تظهر في غاية الصعوبة إلا لأنه يعسر على جمعية تبشير واحدة أن تقوم بها ولكن وحدة العمل ستكون أحسن وأسرع حل لهذه المعضلة في إكمال مهمة التبشير. وقد تناقش المؤتمر في المواضيع التي خاضت فيها اللجنة وكان للمعضلة الإسلامية حظ وافر إذ قام الدكتور القسيس «كارل كوم» الذي كان راجعًا من أفريقيا

أقوال المجلة السويسرية

وأوضح بكل بيان الخطر الذي يهدد أفريقيا وأنذر به الدكتور «جورج روسون». وتكلم المبشر «كوغبرغ» عن أحوال تركستان الشرقية. ثم أشار القسيس «لبسوس» إلى عدم وجود مؤلفات مسيحية تختص بالمسلمين. وانبرى القسيس «صموئيل زويمز» فأوضح بكل براعة وبيان المعضلة الإسلامية العمومية. أَقْوَالُ المَجَلَّةِ السَّوِيسْرِيَّةِ: نشرت مجلة إرساليات التبشير البروتستانتية التي تصدر في بلدة (بَالْ) في سويسرا سلسلة مقالات عن تقارير اللجنتين السابعة والثامنة من لجان مؤتمر إدنبرج وتكاد تكون هذه المقالات المتسلسلة تكملة لما نشرته " مجلة العالم الإسلامي " الإنكليزية. أما مقالات المجلة السويسرية فمكتوبة بقلم الأستاذ «شلاتار» صاحب التقرير المقدم إلى مؤتمر إدنبرج عن ضرورة

إعداد الوسائل لتوحيد أعمال التبشير. قال هذا الأستاذ: إن مسألة توحيد أعمال التبشير من أهم ما ينبغي للإرساليات على وجه العموم العناية به ما دامت النصرانية لم تنتشر إلا بين ثلث بني الإنسان وبالتالي ما دام أمام النصرانية عمل جسيم يجب أن تتمه. إذ من المحقق أن الأمم المتجانسة التي لا تدين بالنصرانية قد أخذت تتدرج إلى الأعمال التاريخية وسيقوم بينها وبين المنتمين إلى الإنجيل نزاع ومعارك شديدة. لذلك ينبغي للمبشرين أن يتضافروا ويتعاونوا لتكون ثمرات مجهوداتهم وهم متحدون أربعة أمثالها وهم متفرقون. وهنا استشهد بحوادث اشترك المُبَشِّرُونَ في الفليبين وكوريا بالعمل لها فأدت إلى النجاح. مثال ذلك: أنهم تفاهموا في دهلي فتسنى لهم تحديد مناطق أعمالهم، وفي الصين نجح المُبَشِّرُونَ المنتمون إلى جمعيات متعددة في

تأسيس مجلس لتوزيع الأعمال فكان موضع ثقة الجميع واتحدت اثنتان من الإرساليات المنصرفة إلى طبع الكتب الدينية ونشرها فطبعتا كتابًا جمعت فيه النقط والمسائل التي تتفقان فيها. وانفردتا في نشر ما تختلفان عليه. وكذلك الحال في الجرائد والمجلات والمطبوعات التي تنتشر بمشاركة الإرساليات المختلفة. ثم بنى على ذلك ما لهذا التضامن والاشتراك من المحاسن والتأثير في جمع الكلمة وقال: إن لجنة مؤتمر إدنبرج أقرت على ضرورة تعاون الإرساليات المختلفة ليتسنى لها تأسيس كنيسة واحدة وسط كل أمة غير مسيحية كما فعل المُبَشِّرُونَ في بعض جهات اليابان والصين والهند الوسطى. وقد ختمت لجنة مؤتمر إدنبرج قرارها في هذا الشأن بالجملة الآتية: «إن الميل إلى تثبيت كنيسة المسيح المنشقة

يزداد يوما بعد يوم». ومما يجدر بالذكر أن لجنة مختلطة تألفت للنظر في هذا الأمر. وأشار الأستاذ «شلاتار» إلى أهمية اللجنة السابعة التي كان اللورد بلفور - وزير اسكتلنده السابق وهو الآن عضو في المجلس الأعلى - رئيس شرف لها. نظرت هذه اللجنة في المستندات التي وردت عليها من المُبَشِّرِينَ عن علاقاتهم بحكومات البلاد الموجودين فيها وَعَمَّا إِذَا كَانَ يوجد في سبيل التبشير ونحوه موانع وعقبات. وعلى هذا فاللجنة السابعة بحثت عن حالة التبشير في كل البلاد. امتدحت اللجنة خطة حكومة اليابان مع المُبَشِّرِينَ بمقدار ما استهجنت العداء الذي يظهره الموظفون الصينيون لكل شيء تشتم منه رائحة الأجنبي. أما في الهند فالمُبَشِّرُونَ متمتعون بالراحة لأن الحكومة تساعدهم وتعضدهم بالإعلانات وتشرف على المكان الذي تصرف فيه هذه الإعلانات. إلا أنها مع ذلك واقفة على الحياد في الأمور الدينية. وتساءلت اللجنة عما إذا كان من الممكن أن تخرج حكومة الهند عن حيادها الديني!؟ وحكومة هولندة تشد

أزر المُبَشِّرِينَ أكثر من الحكومة الإنجليزية وهي قد رتبت لهم مرتبات مالية لتصرف على المستشفيات والملاجئ والمدارس. وسبب الاتفاق بين الحكومة الهولندية والمُبَشِّرِينَ وجود (فون بوتزيلر) قنصل المُبَشِّرِينَ والوسيط بينهم وبين الحكومة. أما في آسيا الغربية فأعمال المُبَشِّرِينَ قاصرة على الطب لأن نشر الإنجيل لم يزل محظورًا هناك وَالمُتَنَصِّرونَ عرضه للهلاك في فارس وهدف للأخطار الشديدة في البلاد العثمانية. والمعضلة الإسلامية في أفريقيا أعقد منها في آسيا وكل ما يستطيعه المُبَشِّرُونَ هناك هو منافسة المسلمين في التقرب من الوثنيين والاستيلاء عليهم ليس إلا. والبلاد التي يدخلها الإنكليز يكون باب التبشير فيها مفتوحًا إلا أن أهمية ذلك تقل إذا علم أن سياسة الإنكليز التي يشكو منها المُبَشِّرُونَ مبنية على المجاملة القصوى إلى حد يضر بالمسيحيين، حتى إن الموظف يضطر للخضوع

إلى العادات والتقاليد الإسلامية واعتبار يوم الجمعة يوم راحة والاشتغال في يوم الأحد كما هي الحال في مصر والسودان، ولا حاجة إلى التصريح بأن هذه الخطة التي تعرقل أعمال المُبَشِّرِينَ وتدعو إلى سخطهم وتجعل الأقباط عرضة للظلم كل ذلك احتفاظًا بمصلحة المسلمين. والمسيحيون في مصر كانوا إلى سنة 1907 محرومين من تعلم أمر دينهم في مدارس الحكومة على نفقة كنيستهم بينما الحكومة تعلم القرآن على نفقتها (¬1) فإذا كان الإنكليز يودون أن يروا تعليم الأخلاق النصرانية ظاهرة على غيرها فينبغي لهم أن يساووا بين مسلمي مصر ونصاراها في الحقوق. أما في مدغشقر فقد كان المُبَشِّرُونَ يلاقون صعوبة وشدة في المعاملة. والقسم الثاني من أعمال هذه اللجنة يتعلق بموقف ¬

_ (¬1) راجع خطبة المرحوم السيد علي يوسف في المؤتمر المصري لتعرف قيمة هذه الأقوال.

نتائج مؤتمر إدنبرج

المُبَشِّرِينَ أمام الحكومات من الوجهة الحقوقية. فتقرر أن يبقى المُبَشِّرُونَ على تابعيتهم الأولى ما لم يتجنسوا بجنسية البلاد، وَالمُتَنَصِّرونَ يظلون في تابعيتهم الأولى، لأن علاقتهم بالمُبَشِّرِينَ دينية محضة. ويمكن للمبشرين أن يطلبوا من الحكومات مساعدات وامتيازات ولكن لا يجوز لهم التدخل فيما يتعلق بالمتنصرين. ولما انتهت اللجنة من أعمالها قال (اللورد بلفور) رئيس الشرف: إن المُبَشِّرِينَ هُمْ سَاعِدٌ لكل الحكومات في أمور هامة ولولاهم لتعذر عليها أن تقاوم كثيرًا من العقبات وعلى هذا فنحن في حاجة إلى لجنة دائمة يناط بها التوسط والعمل لما فيه مصلحة المُبَشِّرِينَ فأجيب اللورد إلى اقتراحه وتألفت لجنة مختلطة ولجنة لمواصلة العمل. نَتَائِجُ مُؤْتَمَرِ إِدِنْبَرْجْ: تألفت على أثر انحلال مؤتمر إدنبرج لجنة لمواصلة الأعمال التي بدأ بها، وعمل لها فروع كثيرة بعضها

كثيرة وبعضها للإحصائيات وبعضها للنشر وللمطبوعات، والبعض للتربية والتعليم وآخر لحسم المشاكل بين المُبَشِّرِينَ وواحد لدرس علاقات المُبَشِّرِينَ بالحكومات وخصص أحد الفروع لدرس العقبات التي تَحُولُ دُونَ نشر التبشير بين المسلمين. وفي مايو سنة 1911 اجتمعت لجنة مواصلة أعمال المؤتمر وبحثت في طرائق التربية والتعليم التي ينبغي لِمُبَشِّرِي المسلمين اتباعها وقررت أن تنتهز الفرص وتنتفع بالظروف السانحة وأن تنشر مجلة مختلطة تصدر سنة 1912 مرة في كل ثلاثة أشهر. وتقول مجلة " العالم الإسلامي " الإنكليزية: إن أول ما ينفذ من قرارات مؤتمر إدنبرج إنشاء مدرسة تبشير مشتركة بين كل الفرق البروتستانتية وتكون خاصة بتعليم مبشري الأقطار الإسلامية. وهذه المدرسة يحتفل بافتتاحها في خريف سنة 1911 وتقبل النساء والرجال وتعلم فيها

اللغة العربية والعلوم الإسلامية وتاريخ الأوضاع الإسلامية والأمور الاجتماعية التي اقتبسها المُبَشِّرُونَ من بلاد الإسلام وسيكون لهذه المدرسة مكتبة تحوي أمهات الكتب العربية وغير العربية المتعلقة بالإسلام.

المؤتمر الاستعماري

المُؤْتَمَرُ الاِسْتِعْمَارِيُّ:

المؤتمر الاستعماري: نشرت المجلة السويسرية التي نقلنا عنها المقالة الماضية مقالة ذات شأن عن موقف إرساليات التبشير في المؤتمر الاستعماري الألماني. ومما يزيد في أهمية هذه المقالة أنها مكتوبة بقلم (م. ك. اكسنفلد) صاحب التقرير عن الفرع المختص بالإسلام في المؤتمر الاستعماري وهو أيضًا سكرتير جمعية التبشير في برلين. قال صاحب المقالة: إن المؤتمر الاستعماري امتاز بميزتين: الأولى: أنه بحث في الشؤون الصناعية والاقتصادية. والثانية: إجماعه على وجوب ضم المقاصد

السياسية والاقتصادية إلى الأعمال الأخلاقية والدينية في سياسة الاستعمار الألماني. واستشهد بقول (شنكال) رئيس غرفة التجارة في همبرغ: أن نمو ثروة الاستعمار متوقف على أهمية الرجال الذين يذهبون إلى المستعمرات وأهم وسيلة للحصول على هذه الأمنية إدخال الدين المسيحي في البلاد المستعمرة لأن هذا هو الشرط الجوهري للحصول على الأمنية المنشودة حتى من الوجهة الاقتصادية: وحض السامعين على تقدير عمل المُبَشِّرِينَ وإحلاله في محله اللائق به. وبحث أعضاء المؤتمر الاستعماري في شؤون تتعلق بالتبشير فكفوا المُبَشِّرِينَ مؤنة الكلام عن أعمالهم ولم يشترك هؤلاء المُبَشِّرُونَ في المداولات إلا عندما أخذ المؤتمر يبحث في أعمال فرعه الرابع - الخاص بالمسألة الإسلامية - فأفاض المُبَشِّرُونَ وتوسعوا في

القول حتى خُيِّلَ للجميع أن المؤتمر الاستعماري تحول إلى مؤتمر تبشير. ثم حدث اختلاف بين المُبَشِّرِينَ وأعضاء المؤتمر في وجهة النظر إلى الإسلام فقام (أكسنفلد) كاتب هذه المقالة في المجلة السويسرية ولفت الأنظار إلى الخطر الإسلامي في المستعمرات الألمانية بأفريقيا واقترح على المؤتمر الاهتمام من كل الأوجه بعاقبة الحال الحاضرة سواء في ذلك الوجهة التبشيرية والوجهة الفكرية ووجهة السلطة السياسية. وقام بعده الأستاذ (باكر) العضو في مجلس المستعمرات في همبورج فتوسع في الكلام على الحكومة وإرساليات التبشير وعلاقاتهما بالسياسة الإسلامية، وأبان عن الفارق الذي يفصل مصالح الاستعمار ومقاصده عن إرساليات التبشير. وقال: إن من الخطأ تطبيق

الآراء والأقوال المتعلقة بالتبشير على أمور الحكومة. فرد عليه (أكسنفلد) وقال: إن الأستاذ (باكر) لم يدرك المقصد الذي أراده المبشرون، والخطر الإسلامي صار أمره معروفًا عند الجميع وعند الأستاذ (باكر) أيضًا ونحن المُبَشِّرُونَ لم نقصد أَبَدًا أن نجعل مصالح الحكومة كمصالح الكنيسة. ووافق (أكسنفلد) الأستاذ (باكر) على نقط متعددة، وقال: «إن الحكومة لا بد لها من القيام بتربية الوطنيين المسلمين في المدارس العلمانية ما دام هؤلاء المسلمون ينفرون من المدارس المسيحية ونحن نعترف بهذه الحقيقة بالرغم من اعتقادنا بأن المدارس العلمانية تزيد الإسلام نموًا وارتقاء. وإذا نحن طالبنا الحكومة بتقدير مقاصدنا ومصالحنا فيجب علينا بداهة أن ندرك أهمية هذه المعضلة من حيث واجبات الحكومة ومصالحها أيضًا». وأشار (أكسنفلد) إلى قرار المؤتمر الاستعماري الذي وافق عليه عقب خطاب " الاستصراخ لشن الغارة على

العالم الإسلامي" الذي ألقاه (أكسنفلد) نفسه، يضم إلى ذلك الخطاب المعتدل الذي ألقاه الأستاذ (باكر) وحسبه (أكسنفلد) مَدْحًا وثناء على الإسلام. أما قرار المؤتمر الاستعماري الذي وفق فيه بين خطابي (أكسنفلد) و (باكر) فقد جاء فيه: إن ارتقاء الإسلام يهدد نمو مستعمراتنا بخطر عظيم ولذلك فإن المؤتمر الاستعماري ينصح للحكومة زيادة الإشراف والمراقبة على أدوار هذه الحركة. والمؤتمر الاستعماري - مع اعترافه بضرورة المحافظة على خطة الحياد تمامًا في الشؤون الدينية - يشير على الذين في أيديهم زمام المستعمرات أن يقاوموا كل عمل من شأنه توسع نطاق الإسلام وأن يزيلوا العراقيل من طريق انتشار النصرانية وأن ينتفعوا من أعمال إرساليات التبشير التي تبث مبادئ المدنية خصوصًا بخدماتهم التهذيبية والطبية. ومن رأي المؤتمر أن الخطر الإسلامي يدعو إلى ضرورة انتباه المسيحية الألمانية لاتخاذ التدابير - من

غير تسويف - في كل الأرجاء التي لم يصل إليها الإسلام بعد. هذا ما جاء في مقالة المجلة السويسرية. ونشرت مجلة " العالم الإسلامي " الإنكليزية بعض جمل من خطاب الأستاذ (باكر) الذي ألقاه في المؤتمر الاستعماري الألماني، ومن هذه الجمل قوله: «إن السياسة التي ينبغي الجري عليها في معاملة المسلمين تحتم علينا وضع خطة جديدة في مجرى سياسة حكومتنا. والمُبَشِّرُونَ هم الذين اختصوا وحدهم بالاهتمام في أمر الإسلام والبحث في شؤونه في كل مستعمراتنا الألمانية إلى هذه الأيام الأخيرة. وأنا لا أرى أن تظل الحالة على ما هي عليه، بل من رأيي أن تنتقل أزمة السياسة الإسلامية منذ الآن وبعد الآن إلى يد الحكومة في كل مستعمراتنا، ويجب على حكومتنا في هذه الخطة الجديدة التي أشير إليها أن تستعين بالوجهة

الوطنية لا بالوجهة الدينية كما تتوصل إلى مقاصدها. وعندئذٍ يتسنى لها أن تعلم حق العلم أن الإسلام وإن يكن عَدُوًّا للنصرانية إلا أنه مستعد للارتقاء والتقدم في سبيل المدنية الحاضرة». وقال بعد ذلك: «يجب على إدارة المستعمرات أن تستعين بالإسلام على تربية الوطنيين كما تفعل فرنسا وإنكلترا وهولندا: وينبغي للحكومة أن تقف على الحياد التام في المسائل الدينية. وأنا أقترح على حكومتنا أن تضع خطة موطدة الأركان في الأمور الآتية: - الأول: في الخطة العامة للنظام الإداري والديني. - الثاني: في علاقة الشرع الإسلامي بالقوانين الأوروبية. - الثالث: في نظام التعليم. ومن الضروري أن

تدرس الحكومة الدين الإسلامي وأن تُعْنَى به أشد العناية بواسطة أشخاص تختصهم بتوفية هذا العمل حقه». وختم خطابه بقوله: «يجب علينا - بالرغم من العناية برعاية الإسلام - أن نهتم بمقاومة انتشاره في مستعمراتنا على قدر الإمكان. وليس هنالك واسطة واحدة توصلنا إلى هذه الغاية وهي إنشاء مراكز ثابتة الأركان لدين النصرانية كما تفعل إرساليات التبشير».

مؤتمر لكنو سنة 1911

مُؤْتَمَرُ لَكْنُو سَنَةَ 1911: مُقَدِّمَةُ المَجَلَّةِ الفِرَنْسِيَّةِ: عقد مبشرو البلاد الإسلامية من البروتستان مؤتمرهم الثاني العام في مدينة لكنو الهند يوم 21 يناير سنة 1911 - أي بعد خمس سنوات من انعقاد مؤتمر القاهرة - ومعلوم أن المُبَشِّرِينَ كانوا قد تفاوضوا في مؤتمر إدنبرج بمسألة مقاومة الإسلام، ودرسوا وسائل مناضلته من كل الأوجه. ولما عقدوا مؤتمر لكنو ارتاحوا إلى ما رأوا من نجاحهم واشتركوا مع رئيسهم القسيس (زويمر) في معرفة موقف الإسلام وقوته وأسبابه.

برنامج المؤتمر وترتيبه

وأظهروا استعدادًا لتطبيق أعمالهم على الحالة الحاضرة. والظاهر من مطبوعات البروتستان ومنشوراتهم أنهم يتذرعون بالتؤدة لبذل المجهود لمعرفة موقفهم وميدان عملهم ودرس محاسنهما، وهم لا يفوتون شَيْئًا من هذا القبيل. ومنشأ هذا التضامن في جماعة المُبَشِّرِينَ البروتستان هي المواهب العملية التي امتاز بها الأنجلوسكسوني، والمزايا النظامية التي اختص بها الجرماني. ثم قالت هذه المجلة: طلبنا من القسيس (زويمر) أن يوافينا بملخص أعمال المؤتمر أثناء انعقاده فأجابنا إلى طلبنا وأرسل لنا مجموعة تضمنت أبحاث المُبَشِّرِينَ في ذلك المؤتمر. بَرْنَامَجُ المُؤْتَمَرِ وَتَرْتِيبُهُ: انعقدت جلسات المؤتمر في باحة مدرسة

«إيزابلا ثوربوون» البروتستانية الخاصة بالبنات وامتدت إلى يوم 29 يناير سنة 1911 وهو ثاني مؤتمر خاص بالإسلام - والأول هو مؤتمر القاهرة - والذي يدخل إلى باحة ذلك المؤتمر يرى جدرانه مستورة بالخرائط والإحصائيات التي يتبين منها مبلغ اتساع نطاق الإسلام وارتقائه وتقدمه في الأيام الأخيرة، وعلى المنضدة التي أمام الرئيس كرة أرضية مجسمة وعليها هلال وصليب. أما المقصود من هذا الرمز فظاهر ومفهوم. وفي جانب الباحة غرفتان عرضت فيهما الغرائب المتعلقة بالإسلام مع مطبوعات جمعية التوراة التبشيرية، والمظنون أن هذا المعرض سيبقى تحت مراقبة لجنة مواصلة أعمال مؤتمر القاهرة. واشترك في المؤتمر 168 مندوبًا و113 مَدْعُوًّا من 54 جمعية تبشيرية، ونزل كل هؤلاء ضيوفًا على

مُبَشِّرِي لكنو. وبين المشتركين في المؤتمر القسيس (زويمر) - الذي تقول عنه المجلة الفرنسية: إنه الرجل الذي لا يهزم لأنه داس الإسلام سنين طويلة بعد أن عاش سنين أطول بين الشعوب الإسلامية التي يحبها حُبًّا جَمًّا!؟ - ولم يكن القسيس (زويمر) رئيسًا للمؤتمر فقط بل كان أيضًا مديره الروحي. ومن هؤلاء المشتركين الدكتور (ويتبرخت) الجرماني الإنكليزي المشهور، والدكتور (وهري) صاحب التعليق المعروف على القرآن. ومن المُتَنَصِّرِينَ الذين حضروا المؤتمر (متري أفندي) الشاب المصري الذي يدير جريدة عربية، والقندلفت (إحسان الله) والمبشر (أحمد شاه) الذي يحسن معرفة الإسلام وهو واضع " قاموس القرآن ". ومنع الصحفيون الإنكليز والأمريكان من حضور جلسات المؤتمر ولم ترسل لهم مذكراته إلا بعد أن عنيت

لجنة القرارات بتنقيحها. وكانت مجلة " العالم الإسلامي " الإنكليزية التي يصدرها رئيس هذا المؤتمر قد قالت قبل أن تذكر ما جرى في لكنو: «تمخض الإسلام في السنوات الخمس التي أعقبت مؤتمر القاهرة بحوادث خارقة لم يسبق لها نظير: ففيها حدث الإنقلاب الفارسي والإنقلاب العثماني وما نتج عنهما، وفيها انتبهت مصر لحركتها الحاضرة، وعني المسلمون بمد السكة الحجازية، وتأسست في الهند مجالس إدارية وشورية، وكان في قوانين انتخاباتها امتيازات للمسلمين، ودخلت الأمور الإسلامية في قالب يلائم العصر ازداد به التمسك بمبادئ الإسلام. والمسلمون يحاولون إحياء دينهم في الصين وانتشر الإسلام في أفريقيا والهند الغربية والجزائر الجنوبية». كل هذه الحوادث تحتم على الكنيسة أن تعمل بحزم وجد وتنظر في أمر التبشير وَالمُبَشِّرِينَ بكل عناية. وعلى ذلك فيشمل برنامج مؤتمر لكنو

الأمور الآتية: أولها: درس الحالة الحاضرة. ثانيها: استنهاض الهمم لتوسيع نطاق تعليم المُبَشِّرِينَ والتعليم النسائي. ثالثها: إعداد القوات اللازمة ورفع شأنها. هذا ما نشرته مجلة " الرئيس " عن مواد تضمنها برنامج المؤتمر أما البرنامج نفسه فقد عرض على المؤتمرين بعد قراءة الخطب الافتتاحية وانتخاب اللجنة وتلاوة تقارير لجنة مواصلة أعمال مؤتمر القاهرة، وهذه مواده: - الأولى: النظر في حركة الجامعة الإسلامية ومقاصدها وطرقها والتأليف بينها وبين تنصير المسلمين. - الثانية: النظر في الانقلابات السياسية في العالم الإسلامي وعلاقاتها بالإسلام ومركز المبشرين

خطبة الرئيس الافتتاحية

- الثالثة: موقف الحكومات إزاء إرساليات تبشير المسلمين. - الرابعة: الإسلام ووسائل منع اتساع نطاقه بين الشعوب الوثنية. - الخامسة: تربية المُبَشِّرِينَ على ممارسة تبشير المسلمين، والمزايا النفيسة اللازمة لذلك، والبحث في الدروس الإعدادية ودروس التبشير، وتأليف الكتب للمبشرين والقراء المسلمين. - السادسة: حركات الإصلاح الديني والاجتماعي. - السابعة: الارتقاء الاجتماعي والنفسي بين النساء المسلمات. - الثامنة: الأعمال النسائية. - التاسعة: القرارات العلمية وتقارير اللجان المالية للمطبوعات والمنشورات. خُطْبَةُ الرَّئِيسِ الاِفْتِتَاحِيَّةِ: افتتح القسيس (زويمر) مؤتمر لكنو بخطبة أنيقة تكلم فيها على المسائل الإسلامية التي يتناقش بها الأعضاء، فقسم خطبته إلى أربعة أقسام:

الاحصاءات الإسلامية

الأول: الإحصائيات الإسلامية. الثاني: حالة المسلمين السياسية وارتقاؤها. الثالث: ما طرأ على الإسلام بعد مؤتمر القاهرة من الانقلابات السياسية والفكرية. الرابع: الخطة التي اتبعتها كنائس أوروبا وأمريكا بعد مؤتمر القاهرة. الإِحْصَاءَاتُ الإِسْلاَمِيَّةُ: قال الرئيس (زويمر): «ليست لفظتا "العالم الإسلامي" شَيْئًا اخترعه المُبَشِّرُونَ للإشارة إلى معضلة التنصير العام، بل هي كلمة دقيقة تدل على موقف حقيقي». ثم أشار إلى مجلة " العالم الإسلامي " الفرنسوية وما نشرته عن الإسلام. ودخل بعد هذا في موضوعه فقال: «إن عدد المسلمين يزيد قليلاً على 200 مليون وذلك متوسط الإحصائيات الكثيرة التي يتراوح تقدير المسلمين فيها بين

175 مليوناً و 259 مليوناً ومسلمو روسيا وبخاري وخيوه 20 مليونًا ومسلمو الصين بين 5 ملايين و10 ويزيد عدد مسلمي الهند على 62.468.077 ولاحظ أن المسلمين الذين هم تحت سلطة إنكلترا أكثر من الذين تحت سلطة أية دولة غيرها في هذه العصور أو في العصور المتوسطة ومسلمو المستعمرات الإنكليزية والهند يبلغ عددهم 95 مليونًا أي أنهم يزيدون خمسة ملايين على النصارى الذين يحكمهم الإنجليز». وقد جاء في كتاب " الهند وحياتها وأفكارها " الذي ألفه الدكتور (جونس) أن عدد المسلمين ازداد في السنوات العشر الأخيرة 91 في الألف مع أن زيادة عدد السكان بنسبة 19 للألف. وفي جاوة 24.270.600 مسلم. ومسلمو روسيا 20 مليونًا. وفي السلطنة العثمانية 14.278.000مسلم وعدد المسلمين في كل واحد من أقطار مصر وفارس والمغرب الأقصى والجزائر وبلاد العرب والأفغان وغيرها يتراوح

بين 4 ملايين و9 ملايين ولا تخلو بلدة في آسيا وأفريقيا من سكان مسلمين وقد يكون المسلمون أقل من غيرهم في بعض هذه البلاد إلا أن هذه الأقلية في نمو مستمر. وفي بلاد التبت المقفلة أبوابها في وجوه الأجانب 20 ألف مسلم، والإسلام منتشر في الكونغو وبلاد الكاب وهو في نماء سريع في بلاد الحبشة. ويدور على الألسنة منذ انعقد مؤتمر القاهرة أن كثيرًا من القبائل النصرانية التي في شمال الحبشة دخلت في الإسلام وإن كانت أسماء أفرادها لا تزال كما كانت من قبل. وَالمُبَشِّرُونَ المنتشرون على ضفتي النيل وشرقي أفريقيا وبلاد النيجر والكونغو يرفعون أصواتهم بالشكوى من انتشار الإسلام بسرعة في هذه الأنحاء وبالرغم من أن انتشاره في الهند الهولندية قد لقي موانع من مجهودات جمعيات التبشير الهولندية والألمانية فهو يتوطد ويثبت هناك لأن المسلمين أخذوا يستعيضون عن التقاليد الحشوية والخرافية بعقائد ثابتة قويمة. ففي سومطرة اكتسح الإسلام الأرجاء الوثنية وفي جاوة ظهر بمظهر جديد على إثر تأسيس المدرسة الجامعة الإسلامية وكثرة طبع القرآن وازدياد عدد الدعاة والمرشدين المسلمين وما زال الوطنيون يدخلون في شبكة الإسلام إلى درجة

الانقلابات السياسية

يتعذر فيها على المُبَشِّرِينَ المَسِيحِيِّينَ أن يلقوا لأعمالهم رَوَاجًا. وفي أمريكا عدد كبير من المسلمين لا يستهان به لأنه صار 56 ألفًا، وفي مستعمرة (لاغوبان) الإنجليزية فقط 22ألفًا منهم، وفي أمريكا الوسطى 20 ألفًا. والبلاد الإسلامية التي لم يدخلها المُبَشِّرُونَ البروتستان هي التركستان الروسية وفيها خمسة ملايين من المسلمين، وخيوه فيها 800 ألف، وبخاري وفيها 1.250.000 والأفغان وفيها 5 ملايين، وبرقة (بني غازي) وفيها 100.000، وتونس وفيها مليون، ووهران وفيها 1.300.000، وريف المغرب وفيه 2.260.000، وفي وادي مولويا وصحراء المغرب الأقصى يتنافس الإسلام والنصرانية في الاستيلاء على الوثنية، ونجد والحجاز وحضرموت لا يوجد فيها مبشر واحد، وجزائر ماليزيا وفيها أكثر من مليون مسلم خالية من إرساليات التبشير. الاِنْقِلاَبَاتُ السِّيَاسِيَّةِ: انتقل الرئيس (زويمر) في خطبته الافتتاحية إلى قسمها

الثاني الخاص بالانقلابات السياسية التي حدثت أخيرًا في العالم الإسلامي فشكر الله على حدوث هذه الانقلابات في غرب آسيا فكانت موجبة للإعجاب والاستغراب، وبددت معالم التجسس وأقامت الحرية على أنقاض الاستبداد، وصار التجول في البلاد العثمانية والعربية والفارسية غير ممنوع وأصبح عبد الحميد سجينًا في سالونيك وارتبطت المدينة بدمشق بواسطة السكة الحديد وأنيرت الأنوار الكهربائية على الروضة النبوية. كل هذا يعد عصرًا جديدًا في تاريخ آسيا الغربية وأفريقيا الشمالية. وصار مسلمو روسيا يحاولون تعزيز حقهم في الدوما ويألفون الجمعيات للتدرج في مراقي المدنية. إلا أن النزعة الجديدة في مصر إسلامية محضة يراد بها جعل مصر للمصريين باعتبار أن المصريين مسلمون. ونتيجة ذلك اضطهاد المسيحيين في مصر خصوصًا إذا كانت إنكلترا لا تترك خطتها في ترجيح كفة المسلمين. وإن بوادر الانقلابات قد أخذت تظهر في جزائر

ماليزيا أيضًا فأسس شبان جاوة جمعية الاتحاد العام «بوندي أتومو» الذي يرمون به إلى إحداث ارتقاء اجتماعي واتباع مبادئ التربية والاستقلال الإداري، وقد فسروا القرآن بلغتهم. وفي " طوكيو - اليابان " جريدة باللغة الصينية اسمها " النهضة الإسلامية " منتشرة في كل بلاد الصين وجريدة إنكليزية ينشرها مسلم مصري وآخر هندي وفي ذلك دلالة على مبلغ حركة الجامعة الإسلامية. وإن احتلال الجيش الفرنسي لمقاطعة «واداي» في أفريقيا في العام الماضي أهم حادث سياسي في هذا العصر، لأن «واداي» كانت أهم مركز في أفريقيا للاتجار بالرقيق وانتشار الإسلام وعلى ذلك فإن هذا المركز أصبح تحت سلطة أوروبية تحتفظ به مهما كلفها ذلك وهذه الحادثة جعلتنا في مأمن من أن تكون «واداي» بعد الآن مركزًا للحركات الحربية ضد الحكومات النصرانية وهي أيضًا ستقلل نفوذ مشايخ

الانقلابات الاجتماعية والفكرية

الزوايا السنوسية بحيث لا يستطيعون الوقوف في طريق التقدم الاستعماري والتجاري في الإسلام. والآن لم يبق غير 27.128.800 مسلم تحت سلطة حكومات إسلامية، وانتقلت السلطة السياسية على أكثرية المسلمين من يد الخلافة الإسلامية إلى يد إنكلترا وفرنسا وروسيا وهولندا، وعدد المسلمين الذين تحت سلطة كل واحدة من هذه الدول يفوق عدد المسلمين الموجودين في كل أرجاء السلطنة العثمانية. وأن عدد المسلمين الذين تحت سلطة الدول النصرانية سيزداد كثيرًا عقب إنقلابات قريبة الحصول، وبذلك تزداد مسؤولية الملوك النصارى في مهمة تنصير العالم الإسلامي ... الاِنْقِلاَبَاتُ الاِجْتِمَاعِيَّةُ وَالفِكْرِيَّةُ: قال الخطيب: إن الإسلام قد بدأ ينتبه لحقيقة موقفه ويشعر بحاجته إلى تلافي الخطر، وهو يتمخض الآن بثلاث نهضات إصلاحية: - الأولى: إصلاح الطرق الصوفية. - الثانية: تقريب الأفكار من الجامعة الإسلامية. - الثالثة:

إفراغ العقائد والتقاليد القديمة في قالب معقول. ومصدر هذا الشعور بالحاجة إلى الإصلاح واحد، وهو التغير الذي حدث في الإسلام عندما اكتسحت أهله الأفكار العصرية والحضارة الإفرنجية ولا يمنع هذا أن يكون الشعور مُؤَدِّيًا إلى عاطفة الاحتجاج والحذر، أو إلى التوفيق والتحكيم، لأن كِلاَ العاطفتين تجتمعان عند جعل الإسلام في مستوى الأفكار العصرية. قال إسماعيل بك غصبر نسكي في جريدته " ترجمان ": «إن العالم في تغير وارتقاء مستمر، ولكن المسلمين لا يزالون متقهقرين أشواطًا بعيدة». وقال الشيخ علي يوسف منشئ أهم جريدة إسلامية في خطاب ألقاه على جمهور عظيم: «إن المسيحيين قد سبقونا في كل شيء فالمسلمون ليس لديهم بواخر في البحر وهم غير منتبهين لموقفهم، ومجهوداتهم متشتتة، وكل ما يفعلونه أنهم يمشون وراء مرشديهم ولكن بغير اهتمام ذاتي لإدراك الأمم التي سبقتهم».

ومثل كلام هذين الرجلين ما سمعناه مِرَارًا في الهند وغير الهند. ثم قال القسيس (زويمر): وإن نهضة الشعوب الإسلامية وانتباهها لمعرفة مركزها يدعوانها إلى التساؤل عن طريقة التوفيق بين المبادئ الدستورية والمبادئ الدينية، وتاريخ الدستور الفارسي وحركة الارتجاع في البلاد العثمانية يؤيدان وجود تباين بين الأفكار الديمقراطية ونصوص القرآن! ويمكننا أن نرتاب في صحة التصريح الصادر من شيخ الإسلام عن انطباق تأسيس مجلس المبعوثان العثماني على النصوص القرآنية. ومما يؤيد ارتيابنا وقوف المبعوثين المسلمين المعروفين بالتقى في وجه كل إصلاح يعرض على مجلس المبعوثان والصحف المصرية تدافع عن الفظائع التي أمر بها سلطان المغرب، والبدو يخربون السكك الحديدية الحجازية بدعوى أن العربات المخصصة فيها للصلاة تنافي الشعائر الإسلامية!

وفي العالم الإسلامي الآن حركتان متناقضتان: يحمل لواء الحركة الأولى رجال الصوفية والمشايخ في اليمن والصومال والبوادي، وشعارهم الرجوع إلى التعاليم المحمدية. والحركة الثانية يتولى زعامتها أنصار الإصلاح ومبشرو الإسلام الجديد في مصر والهند وجاوة وفارس وهؤلاء يبنون أساسهم على رسم الطرق المعقولة. والصحف الإسلامية في باكو تتبع رجال الحزب الثاني الذي يقول: إن الجمود والخرافات مما طرأ على الإسلام وهو غريب عنه، كما أن فظائع دواوين التفتيش في القرون الوسطى ليست مما يأمر به المذهب الكاثوليكي. ثم أشار إلى كتاب " حقيقة الإسلام " الذي ألفه محمد بك بدر المتخرج من جامعة إدنبرج فقال: «إِنَّ هَذَا الكِتَابَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَشْيَاعَ الإِسْلاَمِ الجَدِيدِ! يُرِيدُونَ أَنْ يَرْمُوا مِنَ السَّفِينَةِ مُشْحِونُهَا لِيُنْقِذُوهَا مِنَ الغَرَقِ». وقال القسيس (زويمر) بعد ذلك: «إِنَّ تَأْوِيلَ سُورَةَ

الكَهْفِ وَسُورَةَ النِّسَاءِ وَتَطْبِيقَهُمَا عَلَى مُقْتَضَى العَقْلِ أَمْرٌ مُسْتَحِيلٌ، وَلَوْ اِقْتَصَرْنَا عَلَى مُطَالَعَةِ مَا كُتِبَ عَنْ الحِجَابِ وَتَعَدُّدِ الزَّوْجَاتِ فِي الصُّحُفِ الإِسْلاَمِيَّةِ يَتَّضِحُ لَنَا أَنَّ مَا يَظْهُرُ لَنَا مِنْ وَحْدَةِ الأَفْكَارِ فِي الإِسْلاَمِ غَيْرَ صَحِيحٍ، وَهَذِهِ الوَحْدَةُ مُهَدَّدَةٌ بِالنّزَاعِ وَالتَّنَاقُضِ. وَلاَ رَيْبَ أَنَّ فِي فَارِسَ وَالسَّلْطَنَةِ العُثْمَانِيَّةَ بَلْ وَالبِلاَدِ العَرَبِِيَّةِ أُلُوفًا مِنَ المُسْلِمِينَ مُقْتَنِعُونَ بِصِحَّةِ النَّصْرَانِيَّةِ وَمُخَالِفَتِهَا لِلإِسْلاَمِ». وأشار إلى قول الدكتور (و. شيد) من أن الإسلام يتحكك فِي كُلِّ قُطْرٍ بالمدنية العصرية ومبادئها وملاحظته لهذه الانقلابات يتوقف عليها بقاؤه، فتساءل عن نتيجة ذلك وعما إذا كان في الإمكان مجاراة تيار الحضارة مع الاحتفاظ بمبادئ القرآن وتعاليمه وعما إذا كان التقدم الاجتماعي والعقلي المجرد من كل صبغة دينية كافيًا لسد الحاجة الروحية في الملايين من المسلمين أو أن العالم الإسلامي رجاله ونساءه ينهض من كبوته ليتسلق معالم

خطة الكنائس بعد مؤتمر القاهرة

المجد الذي أبقاه على الأرض يسوع المسيح ابن الله!؟ خِطَّةُ الكَنَائِسِ بَعْدَ مُؤْتَمَرِ القَاهِرَةِ: وانتقل (زويمر) بعد هذا إلى القسم الرابع من خطابه وهو الكلام على الخطة التي اتبعتها كنائس أوروبا وأمريكا بعد مؤتمر القاهرة، فذكر أن المؤتمر كان فاتحة عصر جديد لتنصير المسلمين، لأنه كشف الحجاب عن أمور كثيرة كانت مهملة ومنسية، وحث الكتاب على وصف أعمال المُبَشِّرِينَ في بلاد الإسلام، واستنجد بالكنائس واستصرخها. فخاضت الجرائد والمجلات في مسألة الانقلاب العثماني والانقلاب الفارسي والنهضة المصرية وحركة الجامعة الإسلامية ومكانها من الحالة السياسية الحاضرة وكل هذه الكتابات التي نشرتها الجرائد أبانت عما يجب أن تعمله في العالم الإسلامي وصنفت الكتب الكثيرة التي يراد بها تعريفنا ببلاد الإسلام وحالات المسلمين مثل كتاب "الشرق الأدنى والشرق الأقصى" الذي طبع منه 45.000 نسخة، ومثل كتاب " أخواتنا المسلمات "، وكتاب " العالم الإسلامي " الذي طبع منه 50.000 نسخة وأكثر هذه الكتب نشر بلغات متعددة. وكتب المُبَشِّرُونَ في هذه المدة مقدار عشرين كتابًا بحثوا بها في المعضلة الإسلامية

من كل أوجهها وكلها مبنية على بحث واستقصاء. ومن هذه الكتب كتاب " دين الإسلام "، و" الشعائر الدينية الإسلامية "، و" الإسلام والنصرانية في الهند والشرق الأقصى"، و" صليبيو القرن العشرين "، و" مصر والحرب الصليبية "، و" الإسلام في الصين". وختم القسيس (زويمر) خطابه الافتتاحي بقوله: «إذا نظرنا إلى البلاد التي يحكمها هذا الدين الكبير المخاصم لنا وإلى البلاد التي يتهددها بحكمه إياها يظهر لنا أن كل واحدة من هذه البلاد هي رمز لعنصر من المعضلة الكبرى: فالمغرب الأقصى في الإسلام مثال الانحطاط، وفارس مثال للانحلال وجزيرة العرب مثال للرقود، ومصر مثال لمجهودات الإصلاح والصين مثال للإهمال، وجاوة مثال للتغير والانقلاب والهند مركز التحكك بالإسلام، وأفريقيا الوسطى مكان الخطر الإسلامي. والإسلام يحتاج قبل كل شيء إلى المسيح فهو الذي يرسل أشعة النور إلى المغرب، ويعيد الوحدة لفارس، والحياة لجزيرة العرب، والنهضة

أعمال اللجان بعد مؤتمر القاهرة

لمصر، ويرد إلى الصين ما أهمله الإسلام فيها. وهو الذي يبقي لأهالي ماليزيا بلادهم، ويزيل الخطر العظيم من أفريقيا». أَعْمَالُ اللِّجَانِ بَعْدَ مُؤْتَمَرِ القَاهِرَةِ: رأى القائمون بمؤتمر لكنو أن تُقْرَأَ قبل الخوض في موضوعات هذا المؤتمر تقارير اللجان التي تألفت بعد مؤتمر القاهرة فقرأ الدكتور (ويتبرخت) الألماني تقريرًا عن حالة المؤلفات التي صنفت لتبشير المسلمين، وأبان أن دائرة انتشار هذه المؤلفات قد اتسعت جِدًّا باللغات الثلاث التي هي أهم اللغات الإسلامية ويعني بها العربية والفارسية والأوردية. وأن قسمًا كبيرًا من هذه المطبوعات خاص بالبلاد العثمانية ومنها ما تكرر طبعه مثل مؤلفات القسيس (بفندر) ومنها ما هو مكتوب بأسلوب عصري صار يفيد التبشير منذ أخذ العالم الإسلامي يتحكك بالعلوم العصرية. وأهمية هذه المؤلفات كبيرة في الهند لأن الذين

يكتبونها هم مسلمو الهند المُتَنَصِّرونَ مثل (عماد الدين) الذي حصل من مدارس إنكلترا على لقب دكتور في اللاهوت. وبهذه اللغات الثلاث صار يمكن للمبشرين أن يتحككوا بثلثي المسلمين في العالم، أما الثلث الثالث فمؤلف من 10 ملايين صيني و20 مليون من الصقلبيين و 25 مليون من السود وهؤلاء لا توجد في لغاتهم كتب تبشير. ثم تليت تقارير أخرى في بيان ضرورة نشر مؤلفات في المناظرات الدينية التاريخية التي تكون مكتوبة بأسلوب عصري على ما تقتضيه حالة المسلمين في مصر والهند وسائر أقطار الشرق ثم أشاروا إلى مساعدة صحف أوروبا الكبرى للمبشرين لاهتمامها بالأمور الإسلامية ومن أدلة هذا الاهتمام إنشاء مجلة " العالم

الجامعة الإسلامية

الإسلامي " الفرنسوية ومجلة " الإسلام " الألمانية، و" دائرة المعارف الإسلامية " التي نشرت بثلاث لغات. الجَامِعَةُ الإِسْلاَمِيَّةِ: وبعد أن تليت التقارير الكثيرة في موضوعات مختلفة بدأ المؤتمرون بالمسائل التي عقدوا مؤتمرهم لأجلها وافتتحوا ذلك بمسألة الجامعة الإسلامية فتقدم عنها ثلاثة تقارير: الأول: من القسيس (نلسن) عن حركة الجامعة الإسلامية في السلطنة العثمانية، والثاني من القسيس (ورنر) السويسري عن الجامعة الإسلامية في ماليزيا. قال القسيس (نلسن) عن الجامعة الإسلامية في السلطنة العثمانية: إن حركة هذه الجامعة قد ضعفت جِدًّا بعد خلع السلطان عبد الحميد ولكن لا تزال في الأهالي روح تضامن مع ملازمة للإسلام وهي سائدة بين مسلمي سوريا إلى درجة تدعو للتبصر في علاقاتها بزعماء الفكرة

الإسلامية. ثم قال: إن الألوف من مسلمي الأرض يتجهون في كل سنة إلى مكة ويشربون ماء زمزم إلا أنه بالرغم من وجود كل أسباب الارتباط الخارجي وبالرغم من وجود الاتحاد الذي يجعل لفكرة الجامعة الإسلامية قوة حقيقية إلى حد يستدعي اهتمام المُبَشِّرِينَ النَّصَارَى والحكومات النصرانية، بالرغم من ذاك وهذا فإنه يستحيل أن يكون من المسلمين عنصر حي حقيقي في استطاعته أن يجمع شمل السنيين والشيعة مَعًا، ويضم الأتراك والفرس والهنود إلى العرب، ليكافحوا ويدافعوا يَدًا واحدة على اتفاق وثقة متبادلة. وختم القسيس (نلسن) تقريره بقوله: اسمحوا لي أن أقول لكم إنه يظهر لي أن اجتماع المسلمين بجامعة إسلامية بكل المعنى الذي يدل عليه هذا اللفظ هو أمر وهمي لا ثمرة له غير توليد أحلام تقلق رجال السياسة الذين يغلب عليهم الخوف ويعتريهم المزاج العصبي. وقال القسيس (وَرْتْزْ) عن الجامعة الإسلامية في

أفريقيا: إن مدينة مكة والطرق الصوفية هما من أكبر العوامل على بث شعور الوحدة بين المسلمين والنفرة من كل شيء غير إسلامي. وهذا ما يسمونه بالجامعة الإسلامية. وإذا كان في إفريقيا عوامل أخرى توجب تقدم الإسلام فيها فهي الأحوال المساعدة التي يتصف بها الإسلام ومركز بلاده الجغرافي وارتقاء الشعوب الإسلامية في السودان عن الشعوب الزنجية. ثم إن للحالة الاقتصادية وللتجارة الداخلية تأثيرًا كبيرًا على النيجر وبانوية ومقاطعة تشاد لأن التجارة في هذه الأصقاع كلها بيد القبائل الإسلامية. وأما التجار الأوروبيون فيهتمون ببلاد الساحل على الأكثر مع أن تجارة الذهب والملح والحديد والجلود وجوز الهند ونقل هذه المحصولات يستخدم فيه ألوف من الوطنيين الذين يحتك بهم التجار. ومن المحقق أن التاجر المسلم يبث في هؤلاء الوطنيين مع بضاعته التجارية دينه الإسلامي وحضارته الراقية. وكما هي كذلك الحال في السودان

الغربي فهي هكذا أيضًا في السودان الشرقي. وللإسلام في إفريقيا صديق أخر يساعده على انتشاره، ولعلكم تستغربون إذا قلت لكم: إن هذا الصديق هو الاستعمار الأوروبي، فإن الذي يفعله الاستعمار بعد أن يسلب من الأمراء المسلمين سلطتهم السياسية هو أنه يقرر الأمن ويمهد السبيل للمسلمين فبعد أن يكونوا منفورين من الوطنيين الوثنيين قبل الاستعمار الأوروبي بسبب الاتجار بالرقيق يصبحون بعد أصدقاء لهم فيتعامل الفريقان ويتفاهمان بكل حرية ومحبة. ومن هذا يتبين أن الاستعمار يسلب عن المستعمرات السلطة الإسلامية السياسية لكنه يزيد الإسلام نُفُوذًا فيها. ثم أسف صاحب التقرير على أن المنافع الإسلامية تتم بإرادة المستعمرين لأنهم يفضلون استخدام المسلمين وتوظيفهم، واستشهد على هذا بقول (أكسنفلد) مفتش إرساليات التبشير إذ صرح في المؤتمر الاستعماري الألماني بأن الإسلام يتبع خطوات الأوروبيين حيثما ذهبوا، فلا

توجد نقطة عسكرية أوروبية بدون جنود مسلمين ولا توجد مصلحة استعمارية أوروبية بدون مستخدمين مسلمين. ولا تكاد توجد مزرعة خالية من حانوت لمسلم يبيع فيه ويشتري. وتكلم (ورنز) عن المدرسة التي أسستها إنكلترا في (سيراليون) بغرب إفريقيا لتعليم أطفال القبائل الإسلامية والوثنية باللغة العربية وعدم تعليمهم الديانة النصرانية احتفاظًا بمبدئها في الحياد الديني. ثم قال: ولو اتفق أن المسلمين غضبوا للصور الموجودة في كتب دروس الأشياء فلا تتأخر إدارة المستعمرات الإنكليزية عن استفتاء علماء الإسلام في الآستانة ومصر والهند استرضاء لآباء التلاميذ وأقاربهم. ثم أشار إلى تقدم الإسلام في إفريقيا فتساءل عما إذا كان هنالك عمل مرتب ويد عاملة على نشره أم أنه ينتشر بطبعه؟ وأجاب بأن من الصعب حل هذه المسألة لأن القوات العملية التي ينتشر بها الإسلام تختلف عن قوات

المُبَشِّرِينَ بالنصرانية. ولكن يظهر أن النظام في نشر دين الإسلام أقل مما نتصوره لأن المسلمين يجهل بعضهم أخبار البعض الآخر وأحواله وإذا اتفق أنهم اشتركوا في أمر فإنما يكون ذلك بدون قصد. ومن الخطأ أن يقال إن الجامع الأزهر يرسل ألوف المُبَشِّرِينَ إلى إفريقيا الوثنية للدعوة إلى الإسلام لأن الأزهر ليس معهد تبشير كما هي مدارس اللاهوت في أوروبا. ويقال مثل ذلك عن كل المدارس الإسلامية في شمال إفريقيا. ويستثنى من ذلك المدارس التي يديرها مشايخ الطرق في الصحاري وفي السودان. وعاد قبل أن يختم تقريره فقال: إلا أن هنالك قرائن كثيرة تدل على وجود يد تعمل بقصد لنشر الإسلام. فإنه يظهر في ربوع إفريقيا من وقت إلى آخر مبشرون متنقلون يدعون المهدوية ويثيرون الفتن الشديدة ومن الذي يمكنه أن يبين لنا علاقة أصول الدين بهؤلاء المُبَشِّرِينَ المُتَنَقِّلِينَ؟ ولا ريب أن بين ناشري القرآن

الكثيرين في إفريقيا أناسًا هم أعضاء سريون ينتسبون إلى طرق دينية. وتكلم بعده القسيس سيمون عن حركة الجامعة الإسلامية في ماليزيا فقال: يزعم بعضهم أن الإسلام في الهند تنقصه الحياة وأنه غير مرتب وأنه صبياني. ولكن يجب علينا أن لا ننسى ارتباط الإسلام في الهند بمكة، وهذا الارتباط يدعو سكان جزائر ماليزيا إلى الاعتقاد بأنهم جزء من مجموع كبير. وبأن سلطة النصارى عليهم شيء مؤقت وسيأتي يوم يجيئهم فيه السلطان العثماني الذي هو أكبر أمير في أوروبا ومرتبط بأواصر المودة مع إمبراطور ألمانيا فينقذهم من يد النصارى عقب حرب دينية. ونحن نرى البوجيين يبيعون الآن كرات سحريه لتستعمل في محاربة هولندة يوم تنشب المعركة المنتظرة. ولكن عَبَثًا يبني هؤلاء آمالهم على الجامعة الإسلامية لأن التربية النصرانية قد انبثت في دمائهم بفضل مدارس التبشير وباحتياطات استمدتها حكومة هولندة

من أصول الدين النصراني ومن شأنها أن تزعزع آمال المسلمين الباطلة. وقال بعد هذا في ختام تقريره: إن العامل الذي جمع هذه الشعوب وربطها برابطة الجامعة الإسلامية هو الحقد الذي يضمره سكان البلاد للفاتحين الأوروبيين ولكن المحبة التي تبثها إرساليات التبشير النصرانية ستضعف هذه الرابطة وتوجد روابط جديدة تحت ظل الفاتح الأجنبي. وقام بعد ذلك القسيس (كَانُونْ سِلْ) المبشر في مَدْرَاسْ فَتَلاَ تَقْرِيرًا عن مشايخ الطرق والدراويش في إفريقيا وقدم له مقدمة تاريخية اقتبسها من المؤلفات الفرنساوية. والمعلومات التي تضمنها هذا التقرير هي ملخص كتاب ألفه هذا القسيس اسمه " الطرق الصوفية في الإسلام " ثم قال:

إن الإسلام أخذ ينتشر في الحبشة، وسيصبح شمال الحبشة عما قريب بلدًا إسلاميًا، أما ممباسة وشرقي إفريقيا البريطانية فلا أثر فيهما للدراويش المُبَشِّرِينَ وليس عظيمًا نجاح الإسلام في شمال نيجيريا حتى الأيام الأخيرة، وذلك لما كان يلقاه هذا الدين من مقاومة القبائل الوثنية له إلا أن الاستعمار الانكليزي قد وطد الأمن العام ومهد السبيل لسياحة المسلمين وانتشار الإسلام على يد التجار الهوسيين. وفي نيجيريا مسلمون تربوا تربية إسلامية وهم على مذهب مالك بن أنس، وقد درسوا " تفسير البيضاوي " و" صحيح البخاري " وكتب الغزالي. والإسلام في جنوب هذه البلاد قد انتشر انتشارًا سريعًا بفضل الهوسيين وقسم من هؤلاء ينتمي إلى الطريقة التيجانية منذ 80 سنة وهذه الطريقة قد اتسع نطاقها حتى جهة البيدة، ومشايخها هم الذين شدوا أزر أمير سكوتو أثناء اقتتاله مع الإنكليز وعلى كل حال فالظواهر تدل على أن الإسلام

يتقدم بانتظام في مقاطعة (سيراليونة) وهو ينتشر أيضًا في (نياسالند) منذ 12 سنة بفضل عرب زنجبار. والبلاد الممتدة من بحيرة نياسا حتى الشاطئ الأفريقي الشرقي لا تكاد تخلو من مسجد ورجل يدعو إلى الإسلام، وبالعكس من ذلك مقاطعة (رودزيا) فإن الإسلام لا يكاد يكون له فيها أثر. وقام بعده الأستاذ (مِينْهُفْ) فذكر بعض دواعي انتشار الإسلام مثل انقطاع تجارة الرقيق وانتشار الأمن ونفوذ المسلمين من الوجهة الاقتصادية والتجارية. ومما قاله: إن بين الأوروبي والأفريقي هوة تفرق بينهما، والمسلمون قد تمكنوا من إزالة الهاوية التي كانت بينهم وبين الزنوج بأن جعلوا لهم إلى هؤلاء سلمًا فأهالي الساحل الشرقي في إفريقيا والهاوسيون في السودان الغربي هم الآلة العاملة لانتشار مدنية الإسلام في أفريقيا بلغة البلاد التي هي مزيج من العربية والبربرية والإفرنجية

(لانغو فرانكا) وهذه اللغة هي واسطة التعارف في الأقاليم الكبرى، وشدد النكير على القائلين بأن الإسلام أكثر موافقة للشعوب الأفريقية وقال: إن من شأن هذه الفكرة أن تحبب المسلم إلى الأوروبيين وتحملهم على مجاملته مع أن أساس هذه الفكرة وَاهٍ إلا إذا كان معناه أن الإسلام يبيح تعدد الزوجات المنتشر في أفريقيا وقد أظهرت التجارب الكثيرة في الاستعمار الأوروبي أن الأوربيين لا يختلفون في شيء عن الأفريقيين من الوجهة العملية، أما أن الإسلام في مستوى أرقى من مستوى الشعوب الأفريقية فذلك لأن هؤلاء يعيشون على طريقة القرون القديمة ومدنية الإسلام هي بدرجة مدنية القرون المتوسطة ولذلك يسهل على الإفريقيين اقتباسها. وأما مدنية أوروبا فهي أرقى من المدنيتين الأفريقية والإسلامية، ولذلك يصعب على الأفريقي الوصول إليها والاحتكاك بها. والأوروبيون لم يثبتوا في نشر مدنيتهم على الإفريقيين

الانقلابات السياسية

إلا في الجنوب ولذلك أصبح القيام بهذا الأمر واجبًا على المُبَشِّرِينَ كي تعلو النصرانية على الإسلام. وقد صار ينبغي لإرساليات التبشير أن تتحكك بالمسلمين وتتسلح بالمعدات الكافية لقتالهم وأن لا تخشى ذلك كما كانت تفعل حتى الآن. وينبغي لهم أن لا تكون أعمالهم لاهوتية فقط بل أن يطرقوا أبواب الطب والصناعة وكل الأعمال التي يتفوق فيها الأوروبي على الشرقي. الاِنْقِلاَبَاتُ السِّيَاسِيَّةُ: ومن المسائل التي عقد مؤتمر لكنو للبحث فيها الانقلابات السياسية في ممالك الإسلام فابتدأوا بالبلاد العثمانية وتقدمت ثلاثة تقارير عن الحالة السياسية في البلاد العثمانية: الأول من الأستاذ (استورد كروفورد) عن الانقلابات العثمانية، والثاني من القسيس (ينغ) عن

الانقلابات السياسية في جزيرة العرب، والثالث من القسيس (تْرُوبْرِيدْجْ) عن النظام الجديد والنظام القديم في السلطنة العثمانية مع ملاحظة موقف إرساليات التبشير في كل ذلك. تساءل (استورد كروفورد) في أول تقريره عن الموقف الذي يجب أن تكون فيه إرساليات التبشير المسيحية تجاه قوات الإسلام الجديدة بعد الانقلابات العثمانية. ثم قال: إن الأمة العثمانية بحصولها على بعض الحقوق الوطنية العصرية قد أخذت تتدرج في مدارج نهضة عظيمة وتظهر إحساسًا وطنيًا جديدًا أمام المسؤولية الديمقراطية. وهذا الأمر لا يقتصر على الرعايا المسلمين بل يشترك معهم فيه العثمانيون من غير المسلمين وهؤلاء قد بدأوا ينصرفون عن فكرة الاستعانة بالدول الأجنبية. وحدث بين المسلمين والنصارى تقارب محسوس بالرغم من حدوث بعض حوادث مزعجة إلا أن الإسلام قد ظهر في

قالب جديد وذلك لأن الانقلاب الذي تمخضت به الأمة العثمانية إنما كان إسلاميًا بل إن فكرة الدفاع عن الإسلام هي التي أعانت على حدوث الانقلاب. وعلى هذا فواجب المُبَشِّرِينَ مزدوج أمام هذا المزيج الغريب، المتكون من الرغبة في الارتقاء والتمسك بالتقهقر، وبهذا الواجب المزدوج يمكن لهم أن يعينوا مركزهم إزاء المسلمين العثمانيين أما الواجب الأول فهو إظهار المجاملة للقوة الجديدة التي انتبهت بالعثمانيين بعد انعدامها بالرغم من أن الشعور الإسلامي الحقيقي يعرقل سيرها. وبهذه المجاملة يمكن تنشيط المسلمين لاقتباس الأوضاع الجديدة وترقيتها على وجه يشبه الأوضاع التي تباهي النصرانية بها. ولم يسبق لنا أننا رأينا الإسلام لَيِّنًا وَمُلاَئِمًا إلى حد تقدير المبادئ النصرانية بقدرها. وهذه فرصة ثمينة ينبغي لنا انتهازها للتحكك بالعالم الإسلامي وهدايته إلى الإنجيل الذي هو أرقى وحي هداه الشرق

للغرب. وما علينا إلا أن نستصرخ المسلمين ليستردوا إليهم بضاعتهم الطبيعية فيطبقوا مبادئها على أعمالهم الضرورية من اجتماعية وقومية ويفسروها بأنفسهم على ما يوافق هواهم، ووقتنا أضيق من أن يتسع للطعن على عقائدهم. وإذا ثبتنا على تلك الطريقة الفاسدة في إظهار المسيحية بمظهرها أيام الحروب الصليبية فإنما نكون قد خُنَّا المسيح الفاتح. أما الواجب الثاني فهو الصبر الذي يعرفه من عرف حكمة الإنجيل في النمو التدريجي وهي تبتدئ بالعشب ثم بالسنبلة ثم يتبعها انتظار طويل ريثما ينضج الحَبُّ، إلا أن النمو الأخلاقي طويل العهد، خصوصًا إذا كان متعلقًا بأمة. ثم قال: إن المسلمين يقتبسون من حيث لا يشعرون شطرًا من المدنية النصرانية ويدخلونه في ارتقائهم الاجتماعي، وما دامت الشعوب الإسلامية تتدرج إلى غايات ونزعات ذات علاقة بالإنجيل فإن الاستعداد لاقتباس النصرانية يتولد فيها على غير قصد منها.

وقد علقت مجلة " العالم الإسلامي " الفرنساوية على هذا القول بأنها تكتفي في بيان أهمية ما يقوله (استورد كروفورد) بتذكير القراء بالجملة التي اتخذتها جمعية الطلاب المتطوعين للتبشير شعارًا لها منذ سنة 1905 وهي: تنصير العالم قاطبة في هذا العصر. فإن في هذا الشعار ما يدل على أن أقوال المُبَشِّرِينَ تتدرج نحو الحقيقة. أما تقرير القسيس (ينغ) عن الانقلابات السياسية في جزيرة العرب فلم تذكر منه مجلة " العالم الإسلامي " الفرنساوية إلا ما يتعلق بحالة المُبَشِّرِينَ ومما قاله صاحب التقرير إن اليمن وسائر بلاد العرب يوجد فيها دائمًا متعصبون يرون أن في المساواة بين المسلمين والنصارى ضررًا وقضاء على الإسلام ولكن علماء الإسلام المتنورين يقولون إن الشريعة الإسلامية تأمر بالمساواة ثم هم من الوجه الشخصية لا تمكنهم الموافقة على أن المسيحي يساوي نصف المسلم وإن

كان المسيحيون مساوين للمسلمين في الحقوق السياسية والشرعية. وهو يرجو أن يكون إنشاء الطرق والسكك الحديدية وتشييد المدارس أبوابًا ومنافذ بين المسلمين والنصرانية. وختم تقريره بقوله: إنه قد أزف الوقت لارتقاء العالم، وسيدخل الإسلام في شكل جديد من الحياة والعقيدة، ولكن هذا الإسلام الجديد سينزوي في النهاية ويتلاشى بالنصرانية. وبعد أن فرغ الخطيبان السابقان من تلاوة تقريريهما قام بعدهما القسيس (تروبريدج) فألقى على مسامع زملائه تقريره عن النظامين الجديد والقديم في السلطة العثمانية فقال: إن المُبَشِّرِينَ كانوا منذ ابتداء أعمالهم التبشيرية قبل 80 سنة مظهرًا لتسامح الحكومة العثمانية كما هو شأنها مع الرعايا الأجانب الذين تحميهم الامتيازات الأجنبية أما المُتَنَصَّرونَ الوطنيون فهم على نقيض ذلك لأنهم كانوا دائمًا عرضة للسجن والطرد كما أن المُبَشِّرِينَ من وجه آخر كانوا

يلاقون الصعاب والعقبات في سبيل تشييد المدارس والكنائس ونشر المطبوعات. ثم أشار بعد ذلك إلى ملخص البند العاشر من القانون الأساسي الذي يحظر خرق حرية الأفراد أو القبض على أي شخص ومعاقبته بلا مسوغ منصوص عليه في الأحكام الشرعية الإسلامية والنظامات القانونية. ثم قال: ومع ذلك يتعذر الوقوف على حقيقة خطة الحكومة بالاستناد على أقوال الكثيرين التي ترمي على عواهنها بل إن ذلك يتطلب التنقيب والاختبار الشخصي، ولذلك قسم الخطيب الكلام على أعمال المُبَشِّرِينَ بالنسبة إلى موضوعها ليسهل الوقوف على موقف الحكومة إزاء كل منها. فقال عن الأعمال المدرسية: إن في استطاعة المسلمين التردد على مدارس وكليات التبشير، وبين جدران الكلية الإنجيلية في بيروت (¬1) 104 من المسلمين وفي كلية الآستانة ¬

_ (¬1) هي الجامعة الأمريكية وكانت تسمى (الكلية السورية الإنجيلية) ويرمزون لها بهذه الحروف S.P.C.

50 وفي كلية المُبَشِّرِينَ في كدك باشا في الآستانة أيضا 80 ومنذ بضع سنين صدر إذن خفي بجواز التردد على الكلية الأولى والثانية. وانتقل إلى قسم التأليف فقال: كان طبع كتب التبشير مُبَاحًا في تركيا منذ مدة طويلة إلا أن مهمة بائعي الكتب المتنقلين كانت محفوفة بأنواع الصعوبات، فأصبح الآن بيع الكتب التبشيرية مُبَاحًا بسبب حرية النشر التي عقبت الدستور، فبيع في السنة الماضية للمسلمين ما يزيد على 9000 نسخة من هذه الكتب وليس هناك صعوبات تقوم في سبيل بيع الكتب المختصة بانتشار التبشير ولكن يجب على المؤلفين عدم الخوض في غمار المناقشات الدينية لأن الحكومة الحاضرة لا تسمح البتة بنشر الكتب التي على شاكلة مؤلفات (فندر). وقال عن الأعمال الطبية والخيرية: إنها منتشرة جِدًّا في

البلاد العثمانية، ومما يجدر ذكره أن القسيس (بيت) التابع لإرسالية التبشير في الآستانة عين رئيسًا للجنة الإسعاف الخيرية التي تأسست تحت رعاية السلطان عقب مذابح أدنة. والتبشير الديني جار بلا صعوبة في المستشفيات التي يدير أعمالها المبشرون. ثم قال عن الأعمال النسائية: إن الحكومة سمحت عقب إعلان القانون الأساسي لخمس فتيات عثمانيات مسلمات أن يتعلمن في كلية البنات الأمريكية ليتهيأن لإدارة الأمور في مدارس الحكومة للبنات كما أن عَدَدًا قليلاً من البنات المسلمات في الولايات يترددن على مدارس إرساليات التبشير. أما الحكومة فتظهر الاحتفاظ التام بحالة تربية المرأة المسلمة وتحظر على النساء التردد على المجتمعات العمومية. وقال عن أعمال التنصير: إن الحكومة العثمانية

تتدخل ولو من طرف خفي عندما يتصل بها خبر اعتناق مسلم للدين المسيحي فتزجه في السجن لأي سبب كان أو تبعده سِرًّا عن وطنه جزاء ارتداده. وكان الإعدام من قبل عقابًا للارتداد عن الإسلام ولم يزل المرتد في أيامنا هذه عرضة للعذاب الأليم. ومما لا مرية فيه أن الموظفين المتنورين يمجون هذه الأعمال. أما التبشير الإنجيلي في الشوارع والأسواق فمحظور. وقد دخل التسامح في شكل جديد عقب قبول اندماج المسيحيين في الجندية لأن ارتداد المسلم عن دينه كان يعتبر خيانة ووسيلة للتخلص من الخدمة العسكرية. أما الآن فأصبحت مسألة اعتناق الدين المسيحي دينية محضة. ثم قال صاحب التقرير: إنه يتعذر إدراك ما يخبئه لنا المستقبل لأن بوادر الأحوال تدلنا على أن الحكومة العثمانية لا ترغب في منح الحرية الدينية الحقيقية لأن الدين الإسلامي هو دين الحكومة الرسمي ولم يخرج القانون

الأساسي إلى حيز الفعل إلا بقدر انطباقه على الشرائع والتقاليد الإسلامية، ومهما يكن من الأمر فإن إرساليات التبشير لا تشكو ضيمًا بعد أن أسفر التحقيق الذي أجري في إرساليات التبشير في الآستانة وسلانيك ووان ومرعش وعين تاب عن أن خطة الحكومة الحاضرة موجبة لاستنهاض هِمَّةَ المُبَشِّرِينَ. وبعد أن انتهى البحث عن الحالة في السلطنة العثمانية انتقل المؤتمر إلى البحث في الانقلابات السياسية في فارس فألقى القسيس (إِسْلِسْتِينْ) الذي مضي عليه 23 سنة في هذه البلاد تقريره في هذا الموضوع فوصف الحالة الحاضرة السياسية والحركة الاجتماعية في فارس وقال: إن عصر الحرية الدينية سيزيد في عدد البابيين أو البهائيين، وأنه يوجد ألوف من الفارسيين ينبذون الإسلام ويندمجون في بعض المذاهب أو يظلون بلا عقيدة دينية فظهر على أثر

ذلك توتر في العقائد الدينية الإسلامية في كل أقاليم فارس وهذه الأمور حملت صاحب التقرير على القول بأن الإسلام ينحط في البلاد الفارسية وقال: إن أعمال التبشير في هذه البلاد توجب مزيد الحيطة والتستر نَظَرًا للأحوال الخاصة التي تمتاز بها فارس وهو يشير على المُبَشِّرِينَ ببذل قصارى الجهد للإقناع واستجلاب القلوب إلا أنه يحذرهم من السب في الإسلام أو ذكر انحطاطه من حيث أصوله الدينية، خصوصًا وأن موقف الفارسيين تجاه المُبَشِّرِينَ هو موقف حسن في الغالب إذ كثيرون منهم يرغبون في تربية أولادهم في مدارس المُبَشِّرِينَ مع علمهم أنهم يتعلمون الإنجيل لكن هذه الرغبة لا تدل على أنهم يودون اعتناق المسيحية بل إن تشوقهم إلى التعليم صادر عن علمهم أنه هو الدواء الناجع لاتقاء الصعاب التي تتخبط فيها فارس الآن فهم لا يرغبون في المسيحية بل جل ما يتوخونه هو اقتباس مبادئ الحضارة العصرية.

وبعد أن فرغ المؤتمر من الخوض في الانقلابات في فارس انتقل إلى أقاليم آسيا الوسطى التي لم تصل إليها إرساليات التبشير مثل الأفغانستان والتركستان الصينية والروسية والأقاليم الروسية الآسيوية فتلا تقرير الكولونيل (ج. ونجت) الذي يشير إلى بعض الأعمال التي بوشرت في آسيا الوسطى. فاتضح منه أنه تعذر على المُبَشِّرِينَ الإنكليز اجتياز الحدود الهندية للدخول في آسيا الوسطى بسبب العراقيل التي توجدها الحكومة الإنكليزية مَنْعًا لهم من اجتياز هذه الحدود. لكن سبقها مبشرون آخرون إلى هذه البلاد إذ هبطت إرسالية تبشير أسوجية بروتستانية مدينة (كاشغر) و (يركند) وتأسست إرسالية تبشيرية مجرية في (له) وعرج مبشرون بلجيكيون كاثوليك إلى (خولجة) وتوجد إرسالية تبشيرية طبية دانمركية في (هوتي مردان) تقوم بها النساء ووظيفتها التبشير بين النساء المسلمات وهي على أهبة الهبوط إلى (كابل) ومما لا شك فيه أن النساء اللواتي يتعاطين الطب يلاقين مزيد الحفاوة لأن المسلمين لا يهتمون

بأعمال النساء المبشرات ولا يضمرون لهن سُوءًا ولكن يعتور أعمال المُبَشِّرِينَ في هذه البلاد صعوبات ويمكننا أن نعرف موقف حكومة الأفغان الرسمي بمراجعتنا نبذة من خطاب ألقاه أمير الأفغان على مسامع الطلبة المسلمين في مدرسة لاهور. إذ قال لهم: «لا خوف عليكم من أن الدين المسيحي أو أي دين آخر ينتزع منكم العقيدة الإسلامية عقب اقتباسكم التعليم الغربي، ولكن ينبغي لكم أن تقوموا قبل كل شيء باقتباس العقيدة الإسلامية وأنتم في مقتبل عمركم» واتضح بعد ذلك أن المبشر (هوغبرغ) التابع لإرسالية التبشير الأسوجية الذي أخذ يبشر بين المسلمين في التركستان الروسية اضطر أن يفر من مقاومة الحكومة الروسية له إلى (كاشغر) حيث لقي مزيد من التسامح من الحكومة الصينية. وقرئ بعد ذلك تقرير المس (جي فون ماير) المبشرة في (تفليس) وهو يحوي أمورًا تاريخية تتعلق بالتبشير

بين المسلمين القاطنين في روسيا. والقسم الأول من هذا التقرير يتعلق بتاريخ تنصير تاتار قازان أفواجًا وإلى المساعي التي بذلها المبشر الأرثوذكسي (إيلمنسكي) لتنصير المسلمين وجعلهم روسيي النزعة، وقد لاقى ما لاقاه من المقاومة في هذا السبيل نظرًا لشدة نفوذ التاتار وتسيطرهم على الشعوب غير النصرانية في روسيا. وتقول صاحبة التقرير إنه مهما كانت درجة مساعي المُبَشِّرِينَ الأرثوذكس فإنها لا تعادل ما يبذله المُبَشِّرُونَ البروتستنت في هذا السبيل. وقد تأسست جمعية التبشير الأرثوذكسي سنة 1870 وهي منتشرة في أكثر الأقاليم الروسية وسيببريا ومركزها في (موسكو) وكلفت حتى الآن ما يربو على خمسة ملايين ريالاً وهي تدبر أعمال 700 مدرسة يتعلم فيها 19.000 تلميذًا وتنصر بواسطتها 44 مسلمًا سنة 1908 وبلغ ما نصرته للآن 1670 مسلمًا. وأخذ التبشير ينتشر في ولاية (توبولسك) بواسطة جمعية التبشير

المركزية المخالفة للإسلام وهي جمعية أرثوذكسية. وتوجد جمعيات تبشير أرثوذكسية كثيرة في ولايات (فولغا) تتضافرن جميعهن في أمر التبشير ويؤسسن المدارس لتعليم أولاد التاتار والتشوفاش. قالت صاحبة التقرير: ولكن الأعمال التي يقوم بها المُبَشِّرُونَ الروس بين التاتار عقيمة لأن التتار متعصبون متمسكون بدينهم وهم أنفسهم مبشرون نشيطون. ثم أشارت إلى جمعية التبشير الكنسية الروسية في القديم وأنها تقوم بعمل مزدوج فتعلم المُبَشِّرِينَ في مدارس تعلم فيها اللغة التركية والعربية. ولها أيضًا مبشر يتنقل من محل إلى آخر فيتنصر على يده كل سنة أربعة أو خمسة من المسلمين. وللمبشرين الروس إرساليات تبشير أخرى منتشرة في الولايات الروسية الأوروبية وبعضها طبية. ولكن مهمة المُبَشِّرِينَ تزداد حيثما وجدت قبائل القرغز والباشكير والتركمان على كثب من التاتار لأن هذه القبائل

تقع تحت نفوذها وهناك يستفحل النزاع بين المُبَشِّرِينَ المسيحيين والتاتار. انتقلت بعد ذلك صاحبة التقرير إلى ذكر الأعمال التي تقوم بها إرساليات التبشير البروتستانتية فاعترفت بعدم اهتمام الكنائس البروتستانتية الروسية بتبشير العشرين مليونًا من المسلمين والخمسة الملايين من الوثنيين القاطنين في روسيا لأنها لم تقم للآن بعمل يذكر. وقالت: إن كنائس بروتستانية أخرى قامت بهذه المهمة ولها مبشرون في تركستان وبين قبائل القرغز. وأهم إرساليات التبشير التي تسعى لتنصير المسلمين في كل أقطار روسيا هي إرسالية التبشير الأسوجية التي لها مركز عام في تفليس وفروع للتبشير في بخارى وأورنبرغ وسمرقند وكاشغر. وبما أن الحكومة الروسية لم تسمح لهذه الإرساليات بالتعليم ولا بالتطبيب فهي تكتفي بتوزيع الكتب التبشيرية

بالفارسي والتركي وبلغ عدد الذين تنصروا بواسطتها 14 شخصًا. أما إرساليات التبشير في بخارى وسمرقند فاضطرت إلى توقيف أعمالها عقب الاضطرابات التي طرأت. وهذه الإرساليات تجد صعوبات شديدة لدى الباشكيريين ولم تحصل على نتائج صريحة. وتقوم جمعية التوراة الإنكليزية والأجنبية بنشر نسخ الإنجيل في كل البلاد الروسية، ولها مركزان، واحد لروسيا الأوروبية والتركستان والآخر لسيبيريا وهما يقومان بنشر الأناجيل بعشر لغات إسلامية ويظهر أن عدد الأناجيل التي تباع للمسلمين ازداد عن ذي قبل. وختمت صاحبة التقرير كلامها بالإشارة إلى بعض إرساليات تبشير صغيرة منتشرة في الأقاليم التي يقطنها المسلمون.

وتليت بعد تقرير المس (جني فون ماير) الطويل ثلاثة تقارير أولها للقسيس (ويلسون) عن أحوال الهند، والثاني للقسيس (جُونْ تَكْلْ) عن تقدم الإسلام في الهند، والثالث للقسيس (وَيتْيْرخت) عن حركات الإصلاح في الهند. وقد جاء في التقرير الأول للقسيس (ويلسون) أن الحركة العصرية التي تتمخض بها الأرجاء الهندية لم تأت بثمرة للآن ولم تظهر إلا بشكل أفكار وميول ونزعات. وليتسنى الوقوف على ما يكون من تأثير هذه الحركة على أعمال التنصير يجدر الانتظار ريثما تتحقق مآرب حاملي لواء الإصلاح في الهند. وليس هناك داع للاستغراب أو الفشل إذا أظهر المسلمون عدم إقبال على اقتباس المبادئ الإنجيلية لأن الاهتمام بالحياة العقلية والسياسية الحديثة يدعو إلى تعليق الآمال بالنهضة التي ترفع شأن الإسلام فلا يبقى ثمة مجال في نفوس المسلمين للتفكير في أمور أخرى. لكن صاحب التقرير لا يشك

في أن التربية الغربية هي من قبيل قوة تنحل بها عُرَى الروابط الإسلامية. وقد قال بعد ذلك: «إن مطالعة التاريخ المجرد من المحاباة والغرض، تميط اللئام عن حقيقة مصادر الإسلام لأن العقل الذي اعتاد التنقيب العلمي لا يقبل الاعتقاد عفواً وبلا روية بالعقائد التقليدية». وهو يعتقد أن انتشار التعليم يساعد على تبديد الخرافات القديمة بخصوص المسيحية. واختتم القسيس (ويلسون) تقريره مؤملاً بالحصول على نتائج حسنة في المستقبل. وتلاه القسيس (جون تكل) فاستهل تقريره بإلقاء نبذة عن تاريخ انتشار الإسلام في الأقاليم الهندية، وقال: «إن الإسلام آخذ في الازدياد وإن تكن المجهودات التي تبذل في سبيل انتشاره تكاد تكون في حكم العدم». وأشار إلى مقاطعة البنغال فقال: «إن عدد المسلمين فيها بلغ سنة 1871 ستة عشر مليوناً ونصف مليون وكان

الوثنيون 17 مليونًا ثم اتضح من إحصاء سنة 1901 أن المسلمين في هذه المقاطعة صاروا 19 مليونًا ونصف مليون والوثنيون 18 مليونًا». ثم تساءل عن أسباب نمو المسلمين، وأجاب إنه لا يمكن أن ينسب هذا النمو إلى تعدد الزوجات لأن 29 في المائة فقط من مسلمي البنغال متزوجون بأكثر من واحدة كما أنه لا يمكن القول إن هذه الأسباب ناشئة في أكثر الأوقات عن التثبت بصحة العقيدة الإسلامية لأنه اتضح له من التحقيق الذي قام به للوقوف على الأسباب التي حملت 40 شخصًا على اعتناق الدين الإسلامي في أوقات متفاوتة أن 23 منهم اعتنقوا الإسلام لأسباب ناشئة عن العواطف، وسبعة منهم لارتباك في أحوالهم والباقون أسلموا لأسباب مختلفة. وقد أسفر التحقيق الذي قام به مُبَشِّرُونَ آخَرُونَ عن نتيجة واحدة من حيث نسبة الأسباب، وقال: «إن الوقوف على أسباب نمو الإسلام يمهد للحصول على وسائل توقيف تياره ولذلك فقد ذكر

لأعضاء المؤتمر بعض اقتراحات تتعلق بالاحتياطات التي يجدر بالمُبَشِّرِينَ اتخاذها وأهمها ضرورة زيادة القوات التبشيرية الاختصاصية». وأيد اقتراحه بقوله: «إن ثلث مسلمي الهند الذين بلغوا في إحصاء سنة 1901 اثنين وستين مليونًا ونصف قاطن في مقاطعة البنغال، ومع ذلك فلا يوجد في هذه البلاد مبشرون اختصوا بتبشير المسلمين». وانبرى بعد ذلك القسيس (ويتبرخت) فتلا تقريره ومما قاله إنه يجدر بالمُبَشِّرِينَ إظهار مزيد اللياقة عندما يتحككون بالمسلمين المتنورين وأن ظهور بعض الجهال بمظهر العظمة والغطرسة قد زال الآن وحل محله احترام حسنات المدنية المسيحية وأعمال الدين المسيحي الخيرية. ثم أوصى المُبَشِّرِينَ بالتواضع وقال لهم: «إذا كان المسلم يبالغ في سؤدد ومجد وحضارة بغداد وقرطبة ودرجة ترقي أفكار علماء العرب فلنذكر نحن أيضًا أن

هذا التاريخ يحوي صحائف مجيدة ولنتذكر أيضًا أنه وإن يكن الإسلام بقي دين الشعوب التي هي دوننا في المدنية فإن أنصاره نجحوا أكثر من المسيحيين بإزالة الحواجز التي تفصل بين الأجناس». ثم جاء بعد ذلك دور المستر (رودس) التابع لجمعية التبشير في الصين الداخلية وهي الجمعية الوحيدة التي توغلت في الصين وبعد أن تكلم عن نسبة المسلمين العددية وأحوالهم الاجتماعية والسياسية تكلم عن أعمال التنصير التي يقوم بها المُبَشِّرُونَ فقال: إن أعمال المُبَشِّرِينَ كانت حتى الآن في زوايا الإهمال إلا أن المجهودات التي بذلها هؤلاء تكللت بالنجاح وأبادت خرافات كثيرة فتوطدت العلاقات بينهم وبين المسلمين واعتنق بعض المسلمين الدين المسيحي وهم منهمكون إلى الآن بنشر الإنجيل ولكن لم يبلغ مسامعه أن عالمًا مسلمًا اعتنق الدين المسيحي، ثم

أشار بعد ذلك إلى العقبات التي يلقاها المُبَشِّرُونَ في الصين وأهمها ضرورة وجود لغتين للمبشرين: اللغة الصينية التي تستعمل مع العامة واللغة العربية لأجل العلماء والطلبة، ويوجد هناك عقبة أخرى وهي صعوبة وجود كلمة في اللغة الصينية للدلالة على اسم الجلالة. واختتم تقريره بلفت أنظار المُبَشِّرِينَ إلى الصين وقال: إن النصر ليس حليف الإسلام في الصين إلا أن العلماء المسلمين ينكفئون على هذه البلاد من الهند وجزيرة العرب وبلاد الدولة العثمانية لأجل توطيد أركانه هناك، وحض الخطيب أعضاء المؤتمر على تعزيز عدد المُبَشِّرِينَ الواقفين على اللغة العربية وإرسال نساء مبشرات للقيام بالتبشير الطبي وسط النساء الصينيات وطلب تأسيس إرساليات طبية ومستشفيات. ثم ألقى على مسامع المُبَشِّرِينَ سؤالاً يتعلق بمسلك الحكومات نحو المُبَشِّرِينَ ويتضمن البحث عن أحوال المسلمين الموجودين تحت سيطرة المسيحيين أو الذين تحت

حكم الوثنيين، وقد اتضح من الخوض في هذا الموضوع أن هولندة هي الحكومة الوحيدة التي تروج أعمال المُبَشِّرِينَ وتستحق رضاهم عليها. ويظهر أن ألمانيا أخذت تقتدي بها منذ مدة قريبة. أما إنكلترا فهي هدف لانتقاد المُبَشِّرِينَ لأنهم يزعمون أن المسلمين في مصر يهتضمون حقوق الأقباط!!! لأن تعليم الدين الإسلامي جبري في المدارس المصرية والحكومة المصرية هي التي تنفق عليه. أما التعليم الديني للتلاميذ الأقباط فاختياري ويتكفل بنفقته المجلس الملي القبطي. وأما في السودان فأعمال المُبَشِّرِينَ معرقلة حتى أن كلية غوردون التي أسستها الأمة البريطانية (¬1) أصبحت ¬

_ (¬1) يتجاهل هذا الخطيب المتعصب أن كلية غوردون مدرسة حكومية تنفق عليها حكومة السودان من ميزانية بلاد أهلها مسلمون. فهل كان يريد أن تأخذ حكومة السودان من المسلمين أموالهم على تعليم أبنائهم تعليمًا نصرانيًا. ومع ذلك فحكومة السودان تساعد دعاة النصرانية إلى أقصى حد.

مدرسة إسلامية محضة. والحكومة الإنكليزية في نظر المُبَشِّرِينَ ملومة على انتهاجها خطة الحياد وشدها أزر المدارس الإسلامية في مقاطعة (سييرا ليونه). كما أن ذوي الأمر من الانكليز في نيجيريا لا يحسنون معاملة إرساليات التبشير المسيحية ولا يسمحون لهم بفتح المدارس العصرية بكل حرية بينما هم يعضدون المدارس التي تعلم القرآن. وأما الحكومة الفرنساوية فتسلك خطة الحذر التي تنطوي على الود والإخلاص نحو المُبَشِّرِينَ لأن علاقاتها مع المُبَشِّرِينَ في مدغشقر لم تتحسن وإن تكن تسمح للمبشرين بارتياد الجزائر وتونس بدون تعضيد، ويخشى أن تحظر عليهم التجول في الصحراء والنيجر وأقاليم بحيرة تشاد وواداي. وقد لام المُبَشِّرُونَ الحكومة الروسية لتباين أعمالها

فقد يتفق في بعض الأوقات أنها تروج أعمال المسلمين التي تضر بالمسيحيين التابعين للكنيسة الرسمية الروسية. أما خطة الحكومات الوثنية نحو المُبَشِّرِينَ فتختلف باختلاف طباع ومزايا الحاكم الوثني. وقد قال المبشرون: إنه مهما بلغ طيش الحاكم الوثني وهمجيته ودرجة اضطهاده فهي لا تبلغ درجة الاضطهادات والأعمال الهائلة التي تخللت تاريخ الإسلام! وهم يفضلون أن يكونوا مرتبطين بعلاقات مع الوثنيين المستقلين لأنه مهما كانت فائدة حلول الحكومة الغربية محل الحكومة الوثنية فإنها تروج تيار الإسلام وتكون مجلبة للعراقيل في وجه المُبَشِّرِينَ من حيث الأعمال التي يقوم هؤلاء بها تجاه المعضلة الإسلامية. وقال المبشر (وَطْسُونْ): إن الواجب الضروري يقضي على المُبَشِّرِينَ بالاهتمام بأمر البلاد الوثنية التي يتهددها الإسلام.

الجلسة النهائية

الجَلْسَةُ النِّهَائِيَّةُ: قالت مجلة " العالم الإسلامي " الفرنساوية: إنه يتعذر عليها أن توفي البحث حقه عن سائر موضوعات هذا المؤتمر لأن هناك كتابًا آخر ظهر في عالم المطبوعات وفيه باقي أبحاث المؤتمر ولكنها لم تحصل عليه. وهي تكتفي الآن بذكر بعض أمور تتعلق بالجلسة النهائية للمؤتمر. ألقى الرئيس خطابًا يشير فيه إلى ارفضاض المؤتمر ثم وزعت على الأعضاء رقاع مكتوب عليها من جهة «تذكار مؤتمر لكنو سنة 1911» ومن الجهة الأخرى العبارة الآتية: «اللهم يا من يسجد لك العالم الإسلامي خمس مرات في اليوم بخشوع انظر بشفقة إلى الشعوب الإسلامية وألهمها الخلاص بيسوع المسيح». أما القرارات التي دَوَّنَهَا المؤتمر في محضر جلساته فهي كما يأتي:

يعقد المؤتمر مرة أخرى في القاهرة سنة 1916 وإذا طرأت هناك سياسة أو أمور أخرى تَحُولُ دُونَ اجْتِمَاعِهِ في هذه المدينة فيعقد في لندن. ومؤتمر لكنو يوافق مؤتمر إرساليات التبشير الذي عقد سنة 1910 على ضرورة حصر المساعي في القارة الأفريقية دون أن تمس المساعي التي تبذل في البلاد الباقية. ولذلك فهو يرى أنه يجدر بالجمعيات التبشيرية أن تتكاتف وتتعاضد لكي تؤلف سلسلة قوية من إرساليات التبشير تطوف كل أفريقيا وتؤسس مراكز قوية في الأماكن التي هي موطن الخطر. ويجب أن يكون إخراج هذه الفكرة إلى حيز الفعل موضع بحث أهم وأوسع مما كان في السابق سواء من حيث تربية المُبَشِّرِينَ أو حسن اختيارهم، الأمر الذي يحتم اتخاذ التدابير بلا تأخير لإتمام المشروعات التي بوشر بها. ويرى المؤتمر أنه من الضروري العاجل تأسيس مدرسة في مصر خاصة بالتبشير تكون عامة لكل الفرق

البروتستانتية ويشدد بلزوم التدقيق التام في انتقاء المُبَشِّرِينَ الأَكْفَاءِ الممتازين بصفاتهم ومواهبهم العقلية ولزوم تعليمهم اللغة العربية بوجه خاص من تاريخ الدين الإسلامي وأهم المؤلفات التي تتعلق به. وأعضاء المؤتمر يدعون اللجنة الدائمة لأن تدرس بمزيد من الدقة أدوار تقدم الإسلام في أفريقيا وجزائر الملايو ليكون بحثها أساسًا للمناقشات في المؤتمر المقبل. ولما كان تنصير النساء المسلمات مع أولادهن ورفع شأنهن يتطلب دخول النساء المسيحيات في العمل فأعضاء المؤتمر يشيرون على إرساليات التبشير بالتشديد على المُبَشِّرِينَ والمبشرات بضرورة الاحتكاك بالرجال والنساء عند قيامهم بأعمالهم التبشيرية وأن توسع الإرساليات نطاق الأعمال التبشيرية التي تقوم بها النساء في أفريقيا بوجه خاص وأن تُعْنَى بتربية النساء المبشرات.

واختتم المؤتمر قراراته مستنهضًا همة الكنائس التبشيرية في الهند لإرسال قسم من المُبَشِّرِينَ الموجودين لديها حتى يشدوا أزر المُبَشِّرِينَ في أفريقيا.

التنظيم المادي لإرساليات التبشير

التَّنْظِيمُ المَادِّيُّ لإِرْسَالِيَاتِ التَّبْشِيرِ: انتقلت بعد ذلك مجلة " العالم الإسلامي " إلى البحث في التنظيم المادي لإرساليات التبشير البروتستانتية الأمريكية والإنكليزية والألمانية فاستهلت بحثها بوصف جمعية التبشير والكنيسة الإنكليزية وقالت: إن هذه الجمعية أهم جمعية بروتستانية. وقد مضى على تأسيسها 110 سنين ويدير أعمالها (145) أسقفًا ينوبون عن الرئيس وهو أسقف كنتربوري الإنكليزي، وقد كانت إيراداتها سنة 1799 خمسة وعشرين ألف فرنك فبلغت سنة 1910 عشرة ملايين من

الفرنكات وهذا غير المبالغ الهامة التي ترد عليها وتصرفها في سبيل التبشير من غير تدوين في سجلات صندوق الجمعية. ومن مراجعة التقارير التي نشرتها هذه الجمعية سنة 1906 اتضح لنا أن مجموع الاكتتابات والإيرادات التي وردت على الجمعية في هذه السنة من البلاد الإنكليزية فقط 228.529 جنيهًا وبلغت الإيرادات الأخرى 100 ألف جنيه وهي مؤلفة من الاكتتابات التي ترد إليها من البلاد الأجنبية ومن المبالغ التي يجمعها المبشرون. ولها فروع عديدة لجمع النقود لا تقع تحت حصر. ولإدارة هذه الجمعية أهمية كبرى تظهر لنا من مراجعة النفقات التي تتكبدها وهي التي أنفقت سنة 1906 مبلغ 16.584 جنيهًا في سبيل إدارة أمورها ومبلغ 27.584 جنيهًا في سبيل تحصيل الاكتتابات والإيرادات. وقد

كانت إيرادات هذه الجمعية في السنة الماضية 403.615 جنيهًا ونفقاتها 394.113 جنيهًا. وبلغ ما أنفق على الأعمال التبشيرية 325.000 جنيه منها 35.000 جنيه صرفت للمبشرين الموجودين في غير البلاد الإسلامية. فيكون مجموع ما تنفقه هذه الجمعية كل سنة للتحكك بالإسلام 7.500.000 من الفرنكات وهي موزعة كما يأتي: 21.521 جنيهًا لأفريقيا الشرقية و33.048 جنيهًا لأفريقيا الغربية و6.234 جنيهًا للتبشير في القطر المصري و82.247 جنيهًا للبلاد العربية والعثمانية والفارسية و122.846 جنيهًا للهند و51.611 للصين. وقد قالت هذه الجمعية في تقريرها عن سنة 1911 إن أعمال التبشير في البلاد الإسلامية ما زالت صعبة وعرضة للنفقات الجسيمة إلا أن نتائج أعمالها أخذت تظهر للعيان. وقالت: إن نطاق الأعمال التبشيرية اتسع عن ذي قبل في فارس.

أما في مصر فكل المجهودات تبذل في نشر التبشير وتوسيع نطاق التعليم في الأرياف وقد كان من شأن السكة الحديدية التي أخذت تجوب شمال نيجيريا أنها مهدت لمبشري هذه الجمعية سبيل تأسيس مراكز تبشيرية في الأمكنة الإسلامية. والإسلام يندفع نحو اقتباس المدنية العصرية وهذه النهضة التي يتمخض بها المسلمون تدعو إلى تنافس حقيقي بينهم وبين المُبَشِّرِينَ للاستيلاء على المراكز التي يتوخونها، وقد ظهرت هذه النهضة أيضًا في أفريقيا الشرقية الألمانية حيث صارت السكة الحديدية منهمكة بنقل بضائع المسلمين إلى أحشاء البلاد. وكذلك الحال في السودان المصري الذي ظهرت فيه حركة إسلامية حقيقية تطرقت إلى داخل البلاد، وتوجد أيضًا في نيجيريا الشمالية بعض أقاليم وثنية على حدود بلاد إسلامية كبيرة وهذه الأقاليم أصبحت عرضة لبحر الإسلام الطامي.

أما في نيجيريا الجنوبية فينتظر حدوث نزاع بين المسلمين والمُبَشِّرِينَ من يوم إلى آخر، ويتفوق المسلمون في أكثر هذه الأقاليم على إرساليات التبشير في المال والنفوذ وبينما كان مسيحيو مدينة (أبايوكوتا) يخصصون مبلغ 75.000 فرنك لأجل بناء مدرسة كان مسلمو مدينة (لاغوس) يخصصون 250.000 فرنك لبناء مسجد جديد. وللجمعية أيضًا إرساليات تبشير في مقاطعة (سييره ليونا) يرجع عهدها إلى سنة 1804 فيها 63 مدرسة و39 معهدًا يتعلم فيها 4500 طالب والمسلمون في هذه المقاطعة كثيرون وأغلبهم في داخل البلاد. وقد كان لمبشري هذه الجمعية القدح المعلى في توسيع نطاق المستعمرات الإنكليزية بأواسط أفريقيا وغربها، لأن المُبَشِّرِينَ كانوا يستعينون بالزنوج المُتَنَصِّرِينَ في ارتياد

البلاد وتأسيس مراكز التبشير وتوطيد النفوذ الإنكليزي. وكذلك هي إرساليات التبشير في (لاغوس) و (أبايوكوتا) و (أبادان) و (لوكوجه). وحاصل القول إن لهذه الجمعية في هذه الجهات ثلاث أسقفيات وهي في (يوروبا) ونيجيريا الجنوبية ونيجيريا الشمالية وفي المقاطعة الأخيرة يجد المُبَشِّرُونَ أنهم في بلاد إسلامية محضة وفي المقاطعة الأولى والثانية لا يوجد من المسلمين إلا التجار وأصحاب القوافل كما هي الحال في لاغوس: والمعاهد والمدارس التي للجمعية في نيجيريا الشمالية قليلة بالنسبة لغيرها للسبب الذي ذكرناه وهو كثرة وجود المسلمين فيها. وتقول الجمعية في تقريرها: إن تقدم المسلمين في مقاطعة (يوروبا) موجب للقلق الشديد، ومما يدل عليه أنهم خصصوا 250.000 فرنك لتشييد مسجد في

(أبايوكوتا). كما أن الإسلام ينتشر انتشارًا هائلاً في مقاطعة (إيجابو) التي كانت سنة 1892 وثنية محضة فأصبحت لا تخلو قرية من قراها من مسجد حتى إن مدينة (إيجابواود) لا يكاد يخلو شارع من مسجد للمسلمين، وقد توطد نفوذ الإسلام في (أود). والمسلمون أحرزوا في المدة الأخيرة حقوقهم المدنية ونالوا الحرية التامة في إقامة الصلاة وشعائر الدين الإسلامي مع أن ملك هذه البلاد كان لا يطيق ذكر المسلمين وكذلك يزداد عدد المساجد في (يوروبا) الغربية التي تؤسس بجانبها المدارس العديدة لتعليم اللغة العربية. ورغمًا عن كون الأهالي في بعض الجهات مثل مقاطعة (أيبوس) يبتعدون عن الإسلام فإن نطاق الإسلام آخذ بالاتساع، ففي (كتسا) مثلاً الواقعة في نيجيريا الشمالية لا تجد محلاً خاليًا من المعلمين المسلمين وآية ذلك أن المسلمين يهبطون على القرى الوثنية ويتحككون بهم ولا يمضي ردح من

الزمن حتى يستعمل الوثنيون الأسماء الإسلامية ويجعلون الآثار الدينية التي يحملها المسلمون ثم يتدرجون في الإسلام. والأمر الذي أوجب انتشار الإسلام في (كوتا) هو الازدواج الذي يحصل بين المسلمين والوثنيين، أما في (بوشي) ففضل انتشار الإسلام عائد إلى التجار (الهوسيين) الذين ينشرون الإسلام ويبيعون بضاعتهم في آن واحد. وقد استفحل أمر المشكلة الإسلامية في أعين مبشري الجمعية في مقاطعة (يوروبا) لدرجة أن المبشرين هناك يطلبون الذهاب للتبشير بين قبائل (بريبري) الوثنية القاطنة في (بورنو) والتي يتراوح بين المليون والمليونين من النفوس. وقد قال القسيس (أوغنيبي) في تقريره عن (يوروبا): إنه أراد التحكك ببعض مسلمي (ايلورن) فطلب منه بعضهم تأسيس مدارس وقال له آخرون: إنهم يأسفون لعدم تمكنهم من

قطع رأسه. وقد ظهر للمبشرين أن نفوذ العناصر الفولانية والبولانية الإسلامية منتشر حتى في الأقاليم الوثنية المحضة. * * * استمرت مجلة " العالم الإسلامي " الفرنسوية في تلخيص الكلام على جمعية التبشير الكنسية فأشارت إلى ما جاء بنصوص أعمال مبشري هذه الجمعية في إفريقيا الشرقية. وقد كان الدكتور (كريف) أول من دخل هذه الديار وذلك أنه طرد من بلاد الحبشة سنة 1844 فهبط إلى ممباسة، ثم تبعه مبشرون آخرون أخذوا يطوفون عرض البلاد فاتسعت أعمالهم على الشواطئ منذ سنة 1874 وكانوا يؤسسون قرى يقطنها الأرقاء المعتوقون وشملت أعمالهم التبشيرية أفريقيا الألمانية وبلاد (أوغندا) ثم أسسوا بعد ذلك إرساليتي تبشير: واحدة على مقربة من جبال (كليمانا جارو) وأخرى في سفح جبل (كانيا) ويبلغ عدد معاهدهم التبشيرية في أفريقيا الشرقية

الإنكليزية فقط 22 ولهم 21 معهدًا علميًا يتعلم بين جدرانها 1072 تلميذًا وتبلغ الإيرادات التي يتناولوها من المُبَشِّرِينَ 70 ألف فرنك. والمُبَشِّرُونَ القاطنون في (ممباسة) وفي (مزيزيمة) يجدون أنفسهم في بلاد إسلامية محضة كما أن المسلمين مسيطرون على كل ولاية (السيدية) وتوجد في الجهة الشمالية من هذه البلاد إرسالية تبشير في (جيلوري) التابعة لبلدة (مالندة) واقعة على مقربة من معهد عربي إسلامي قديم العهد. ويرى مبشرو هذه الجهات أن الإسلام ينتشر في الداخل بين صفوف القبائل الوثنية المدمنة شرب الخمر. وأخذ يتطرق إلى الوثنيين المنتمين إلى قبائل (وادا بيدة) رغمًا عما تمتاز به هذه القبائل من كثرة السحرة والدجالين بينها. ويوجد كثير من وثنيي (واديغو) ينقادون للإسلام بسهولة، ولتجار الساحل المسلمين قرى بنوا فيها مساجد حتى في جوف بلاد (كبارة) الواقعة في سفح جبل (كانيا) على مقربة

من المبشرين. وقد أصبحت الحال موجبة للروية والتفكير لدرجة أن السير (بارسي خيروار) حاكم أفريقيا الشرقية الإنكليزية صرح في المؤتمر الذي أقامه المُبَشِّرُونَ على ظهر الباخرة (غالف) في البحر الأحمر أنه يجب على الحكومة وعلى المُبَشِّرِينَ أن يشتركوا في العمل ضد الإسلام. وقد جاء في تقرير جمعية التبشير أن المسلمين ليسوا إلا قسمًا من أهالي هذه المقاطعة إلا أنهم يؤلفون العنصر التجاري العامل الذي ينتقل من جهة إلى أخرى، ولذلك فإن المُبَشِّرِينَ يوجهون مجهوداتهم لتأليف كتب بالرطانة الساحلية. وَعَدَا بعض الكتب الدينية التبشيرية التي نشرت بهذه الرطانة فإن المُبَشِّرِينَ ينشرون مجلة شهرية يبلغ عدد قرائها 200. ويعلق مبشرو هذه الجمعية أهمية على انتشار الإسلام في أفريقيا الشرقية الألمانية، وقد قالت المبشرة المس (فورسيت) إنها كانت تجد مساجد صغيرة حيثما مرت، وفي بعض الأوقات كانت ترى المساجد بشكل أكواخ صغيرة إلا أن هذه الأكواخ بمثابة مراكز للتبشير

الإسلامي وأشار أحد المُبَشِّرِينَ إلى المجهودات التي يبذلها المُبَشِّرُونَ لأجل انتشار الإسلام. وذكر آخر أن اثنين وثنيين متنصرين اعتنقا الإسلام. ويرى المُبَشِّرُونَ أن الخصم الوحيد لهم في هذه الجهات هو المسلم. ويرون أن بعض المسلمين الذين وزعت عليهم كتب تبشيرية مكتوبة بالرطانة الساحلية طفقوا يشترون التوراة والإنجيل وقالوا إن امرأة مسلمة في ممباسة عني المُبَشِّرُونَ بمعالجتها فاعتنقت النصرانية. ويرجع عهد دخول المُبَشِّرِينَ إلى مقاطعة (أوغندا) إلى سنة 1875 عندما صرح (متيسه) ملك هذه البلاد بارتياحه إلى اقتباس التربية الأوروبية وما ذاع خبر هذا التصريح الذِي فَاهَ بِهِ حتى تبرع اثنان رَغِبَا بإخفاء اسميهما بمبلغ 125 ألف فرنك ريثما يتسنى لجمعية التبشير إنفاذ إرسالية تبشير، وفي الواقع تحركت الإرسالية سنة 1876 ولكنها هوجمت في الطريق وفقدت البعض من المبشرين. ثم بقيت في (أوغندا) وتبعتها إرسالية تبشير كاثوليكية.

وقد أخذت الإرساليتان بتوسيع أعمالها بعد موت (متيسه) دون حصول أدنى منافسة بينهما ترجع فائدتها إلى المسلمين، إلا أن (موانغا) الذي تقلد الملك بعد (متيسه) كان ارتياحه قليلاً لأعمال المبشرين، ولذلك أصبح المسيحيون الوطنيون عرضة للاضطهادات الشديدة. لكن ما عتم أن خلع (موانغا) فأصبح المسلمون أصحاب الحول والطول في البلاد وطردوا المُبَشِّرِينَ من كاثوليك وبروتستانت في سنة 1888. وما مضت سنة واحدة حتى أعيد (موانغا) إلى منصبه بفضل رعاياه المسيحيين فوافق سنة 1890 على رفع العلم الإنكليزي لشركة أفريقيا الشرقية البريطانية أي قبل أن تعلن الحماية البريطانية على بلاده بأربع سنوات. وفي سنة 1896 بارح (موانغا) بلاده فخلفه ابنه (شوا) الذِي تَعَمَّدَ وَسُمِّيَ (داود) رغمًا عن ثورة قامت بها الجيوش السودانية.

ومن ذلك الحين توطدت أحوال مقاطعة (أوغندا) السياسية، ويوجد عدا الأهالي المسلمين في هذه المقاطعة كثير من التجار الهنود والعرب والسوريين الذين يؤلفون كمية وافرة من المسلمين. ثم جاء في تقرير الجمعية أن اثنين من المسلمين اعتنقا النصرانية في (أوغندا) بعد أن عنى المُبَشِّرُونَ بمعالجتهما. ويشعر المُبَشِّرُونَ بالصعوبات التي يثيرها زعيم مسلم في (كبيرا) الواقعة شرقي (أوغندا) حيث الإسلام ينمو ويتقدم سَرِيعًا. وحاصل القول إن للمبشرين في هذه المقاطعة 1010 معاهد أو محطات للتبشير و147 مدرسة يتعلم بين جدرانها 47.424 تلميذًا ويبلغ ما يتناولونه من الإيرادات 500 ألف فرنك. وتقدر ميزانية مبشري هذه المقاطعة بمليون فرنك. وهذا المبلغ الجسيم يؤيد وجود 1010 معاهد.

وقد كان للمنافسة التي حصلت ضد المُبَشِّرِينَ الكاثوليك شأن كبير في توسيع نطاق التبشير أكثر بكثير من فكرة مناوأة الإسلام ومناضلته. وعلى كل فسيرى الإسلام نفسه أمام قوة التربية والحضارة الإنكليزية التي يقوم بها المُبَشِّرُونَ الإنجيليون. وجاء بعد ذلك في التقرير ذكر إرساليات التبشير في مصر والسودان التي يرجع عهد تأسيسها إلى سنة 1815 عقب حروب نابليون حيث هبطت إرسالية التبشير على جزيرة مالطة وأخذ نطاقها يمتد وينتشر حتى بلغ مصر والحبشة واليونان وبلاد الدولة العثمانية وفلسطين. ومن شأن هذه الإرساليات إرجاع كنائس الشرق سيرتها الأولى وتنصير المسلمين. لكن بالرغم مما يبذله المُبَشِّرُونَ من الغيرة في هذه البلاد الإسلامية لم تتكلل أعمالهم بالنجاح حتى أنهم

أقفلوا مدرسة التبشير في القاهرة سنة 1862 بعد أن تخرج فيها بعض المبشرين. ثم تأسست إرسالية تبشيرية في مصر انتقلت إلى القدس عقب الاحتلال الإنكليزي للقطر المصري وعززت سنة 1889 بإرسالية تبشيرية طبية. ولجمعية التبشير الإنكليزية في مصر ستة معاهد للتبشير فيها كثير من النساء المبشرات ولها مدرسة تبشيرية ومدرسة داخلية ومدرستان للبنات في القاهرة، ومدرسة عالية في حلوان ولهذه الجمعية مكتبة هامة في القاهرة. ويقوم مبشروها بنشر مجلة " الشرق والغرب " وتبلغ ميزانيتهم في القطر المصري 160 ألف فرنك. أما الإيرادات التي يتلقاها المُبَشِّرُونَ من الوطنيين فلا تكاد تبلغ 450 فرنكًا. وهذه الجمعية لا تعتبر إرسالياتها التبشيرية في مصر إنها أهم ما لديها كما يتضح من تقريرها السنوي وقد كانت سنة 1910

مهددة بصعوبات وعقبات إذ حملت الصحف الإسلامية في هذه السنة حملة شعواء على المُبَشِّرِينَ عُمُومًا. وقد كانت الصحف الوطنية خصوصًا تمتاز بما كانت تصب عليهم من كلمات السب والشتم وكان الشيخ سكندا (كذا) وامرأته عرضة للاضطهادات الأليمة. وهذه المعاملة لم تمنع بائعة كتب مسلمة متنصرة أن تقوم بواجباتها بمزيد الغيرة والنشاط والأعمال الطبية مستمرة في النمو إلا أنها لا تأتي بفائدة من الوجهة الدينية لأنه لا يكاد الطبيب يظهر بمظهر المبشر حتى تعلو حوله الاعتراضات كما كان شأن الدكتور (هربور) التابع لإرسالية تبشير النيل. وقد قام إمام جامع (حامول) حيث كان مكث الدكتور ستة أشهر فحث الأهالي على عدم حضور مذاكرة هذا الدكتور الذي استطاع مع ذلك إبراز بعض مناظر بالفانوس السحري في قرية (ستريس) وأسس فيها مدرسة صغيرة لتعليم التوراة. وللجمعية أيضًا مدرسة في منوف وأخرى في شبرازنجي

بقرب منوف بين سكان كلهم مسلمون. وقد رصدت الجمعية بعض أموال لإقامة ذكرى (غردون) عقب موته في الخرطوم. وهذه الأموال مكنت الجمعية بعد فشل الخليفة من تأسيس إرساليات تبشير في أم درمان والخرطوم وعطبرة ومليك وفي أواسط السودان مع مدارس بنات، ولها أيضًا ثلاث مدارس للبنات في السودان الشمالية. وأحوال مدرسة (عطبرة) سائرة من حسن إلى أحسن لأنه أصبح في استطاعة المُبَشِّرِينَ في عطبرة أن يطلبوا من التلاميذ الصغار المسلمين أن يصلوا معهم صلاة الصبح. وهم يطلبون أيضًا مثل هذا الطلب من المرضى المسلمين في مستشفى أم درمان. واختتمت الجمعية نبذة تقريرها عن هذه الجهة قائلة: إن على أثر موت (ليوبولد الثاني) ملك بلجيكا أرسلت

الحكومة 500 جندي مسلم إلى مقاطعة اللادو فانتشر هؤلاء الجنود في البلاد وأخذوا يفتحون المدارس الإسلامية وسط القبائل الوثنية. وللجمعية أيضًا إرساليات تبشير عديدة في فلسطين أخذت تنتشر في هذه البلاد منذ سنة 1851 وتفضل الجمعية إرسال مبشرات غير متزوجات لأن لهن تأثيرًا على النساء المسلمات، ولها مدرسة ومعهد للتبشير في بغداد والموصل. ويرجع عهد التبشير في بلاد فارس إلى سنة 1811 وسنة 1834 حيث ابتدأ المُبَشِّرُونَ الأمريكيون بالتبشير بين النسطوريين ثم بين المسلمين، وقد اتضح للمبشر (بروس) سنة 1869 أن المسلمين في أصفهان يميلون إلى المجادلات الدينية فجاء إلى (جولفة) ومكث فيها حيث فتح مدارس، ثم شدت أزره جمعية التبشير الكنسية الإنكليزية واتسع بذلك نطاق التبشير إذ أسست مدارس

ومستشفيات ضمنها مستشفى للبنات. وفتحت مدرسة داخلية للبنات في أصفهان. وقد قالت الجمعية إن الثورة الفارسية مهدت السبل للحصول على حرية الأديان، إلا أن نفوذ العلماء لم يزل ثابتًا والفوضى منتشرة في عرض البلاد حيث بدأت الأشرار والسلابون على قطع طرق المواصلات. وأوسعت جمعية التبشير الكنسية مَكَانًا من تقريرها لمقدمة صغيرة استهلت بها أقوالها عن البلاد الإسلامية، وذكرت فيها مزايا الدين الإسلامي من حيث الاعتقاد بوحدانية الله تعالى، ثم بحثت في هذه الوحدانية فقالت: إنها تحتك من بعض الأوجه بمذهب اللاأدرية ومن وجه آخر بمذهب وحدة الوجود القائل إن الله والكون واحد! وتقرب أيضًا من مذهب تعدد الآلهة والشرك! حتى إن لهذه العقيدة صلة بالمذهب الحيوي القائل بوجود روح في

نفس الحيوان ووجود عامل حي في النبات والجماد وأن هذا هو علة الأعمال الحيوية ولا تأثير للقوى الكيماوية أو المادية، وتقول أيضًا إنه يجب أن ينكر على الإسلام سماحه لكل مسلم أن يعمل ما شاء لأنه سيكون في آخر الأمر مظهرًا للرحمة الإلهية. وقالت: إن في الإسلام عيبًا فاحشًا وهو حطه من شأن المرأة! ودعمت ما عزته إلى الإسلام بذكر نبذة جاء فيها أن امرأتين فارسيتين سميتا ابنتيهما الأولى (غير مطلوبة) والثانية (كفى بنات). ثم انتقلت الجمعية في مقدمتها إلى التساؤل عما إذا كان في الإمكان حمل المسلمين على الدخول في حظيرة المسيح. وافتتحت بابًا خاصًا أتت فيه على صنوف المجاملة التي تظهرها الحكومة الإنكليزية نحو المسلمين وهي لا تنكر أن موقف الحكومة الإنكليزية دقيق نظرًا لكثرة المسلمين الموجودين تحت سيطرتها إلا أنها تنكر على بريطانيا إهمالها مجهودات المُبَشِّرِينَ في القطر المصري والسودان

ونيجيريا وجعلها يوم الجمعة في دوائر الحكومة المصرية يوم بطالة لدرجة أن ذهاب الأقباط المستخدمين في الحكومة في الأرياف للكنيسة يوم الأحد منوط بإرادة رؤسائهم المسلمين. ثم انتقلت الجمعية في تقريرها إلى ذكر أعمالها في الأقطار الهندية، وقد اتضح أنها ليست منتشرة في عرض البلاد وطولها كما يجب رغمًا عن الألفي المحطة التبشيرية التي فيها والألف المدرسة التي يدرس بين جدرانها 65 ألف تلميذ وتبلغ ميزانيتها في هذه البلاد 4 ملايين من الفرنكات منها 500 ألف فرنك تأخذها من الإيرادات المحلية، وقالت إن أعمالها وأغراضها تختلف في هذه البلاد بحسب الأقاليم، ولها إرساليات عديدة في مقاطعة البنغال وأشغال مبشريها ليست مقتصرة على التبشير بين المسلمين، وقد يتفادى حدوث مشاكل بينهم وبين المسلمين كما هو الأمر في (بيحار) حيث قام مشايخ القرى واعترضوا على المُبَشِّرِينَ لكن هذه الأعمال لم تحل دون انتشار التوراة باللغة الأوردية ولها أيضًا معاهد وإرساليات تبشيرية في ولايتي (أوده) و (أكرا) وتقول: إن

أول نائب قام بأعباء التبشير في هذه الأرجاء هو رجل هندي الأصل متنصر اسمه عبد المسيح ثم انكفأ بعد ذلك مبشروها على هذه المقاطعة، ولها معاهد ومدارس في (أكرا) و (الله أباد) ويدرس في مدارسها كثير من المسلمين. ويتفق تنصير بعض أفرادها من وقت إلى آخر إلا أنها رَغْمًا من فتحها بعض مدارس بطلب من المسلمين ومساعدتهم فإن (أريا سماج) توفق إلى إقفال عشر مدارس كانت في (أزمغار) لكن هذا الأمر لم يكن ليثبط هِمَمَ المُبَشِّرِينَ بل هم دائبون على أعمالهم التبشيرية التي تأتي من وقت إلى آخر ببعض الفوائد واضعين نصب أعينهم نشر تعاليمهم وأفكارهم وجل ما يطلبونه مباشرة من الوطنيين أن يدققوا النظر في الدين المسيحي وتعاليمه. وهم ينشرون تعاليمهم التبشيرية بتلاوة التوراة في القرى وإلقاء المذاكرات في المدن وينشرون المطبوعات حتى إن أهم الأشخاص في الكلية الإسلامية في (أكرا) يطالعون التوراة المكتوبة بالعربي.

وقد توفقت اللجنة التبشيرية الكنسية إلى نشر بعض مؤلفات باللغة الأوردية وبحث طويل باسم " الهند والإسلام " وللجمعية إرساليات تبشير في (جابالبار) تهتم بالأمور الإسلامية ولها مدرسة عالية يتردد إليها المسلمون، وإرسالياتها التبشيرية منتشرة في كل مدن (بنجاب) وتبلغ ميزانيتها في هذه الولاية 750 ألف فرنك يضاف إليها مبلغ 50 ألف فرنك إيرادات مدارسها. وحركة أعمالها التبشيرية في هذه البلاد أحسن منها في غيرها نظرًا لما تلقاه من المساعدة والمجاملة من المستر (لورنس) أو السير (منفوماري) أو الكولونيل (مارتين) عندما تقلدوا زمام الأمور في هذه الولاية وقد اتسع نطاق التبشير من حيث التدريس والتطبيب ونشر المطبوعات والمدارس الصناعية وترجمة الكتب التبشيرية إلى اللغة الأوردية والسندية، وقالت إن أسقف (لاهور) عين المحترم إحسان الله أرشمندريتًا على دهلي، ولمدرسة

لاهور التبشيرية قسم صناعي ويدير أعمال مدرسة (بهاولبور) الواقعة في أحد أقاليم بنجاب الإسلامية المحضة مدير وطني وليست أعمال التبشير في كشمير ماشية كما يرام لأن المسلم الذي يتنصر يقع في حيص بيص ويصبح عرضة للتعصب والامتهان. وقد اضطر المُبَشِّرُونَ إلى إقفال مدرستهم التبشيرية في بلوشستان وتقول الجمعية في آخر تقريرها إن الإسلام يقاوم الأعمال التي توجه ضده من حيث أنه عقيدة ودين، أما من جهة حركة الحضارة والمدنية فلا شك أن أعمال مبشري جمعية التبشير الكنسية جارية على محور النشاط والتقدم. وجاء بعد ذلك ذكر الهند الغربية فقالت الجمعية: إن هذه البلاد من الأقاليم التي اتسع فيها الاهتمام بالتبشير بين المسلمين إذ يلقي مبشروها محاضرات باللغة الإنكليزية على المسلمين الذين اقتبسوا العلوم الأوروبية ويحتدم

بخلالها الجدال على الأمور الدينية. كما أن المتنصر المولوي أحمد مسيح يلقي محاضرات تبشيرية في (بومباي) وتتبادل المناقشات الدينية في (أورنك آباد) باللغة الهندية ويقوم بعض المُبَشِّرِينَ بالتبشير في المحطات مثل محطة (سمند) وهي نقطة مهمة تلتقي فيها قطارات عديدة وتظهر الجمعية ارتياحها إلى علاقة المسلمين بالمُبَشِّرِينَ في هذه المقاطعة وإلى رواج مطبوعاتها التبشيرية. وللجمعية أيضًا معاهد تبشيرية في الهند المتوسطة في مثل مدينتي مدراس وحيدر آباد اختصت بالشؤون الإسلامية ليس إلا. وقد ابتدأت الجمعية بإرسال مبشريها منذ سنة1817 إلى جزيرة سيلان التي اتسعت أعمالهم فيها ولهم أكثر من 200 معهد و326 مدرسة يدرس فيها 23 ألف تلميذ وجل ما يصبو إليه المُبَشِّرُونَ هو التحكك بالمسلمين خصوصًا القاطنين منهم في مقاطعة (كندي) وما جاورها لأن هؤلاء الأهالي يتظاهرون بالعداء للمبشرين ولا يدعون

أولادهم يذهبون إلا إلى المدارس الخاصة التي أسسوها لأنفسهم. ولم تذكر الجمعية شيئًا عن المسلمين في الصين إلا أن مبشريها بلا شك يعلقون على المسألة الإسلامية أهمية كما يتضح من مؤلف القسيس (مارشال برومهال) بخصوص الإسلام في الصين، ولهذه الجمعية في بلاد الصين 300 مدرسة ويبلغ ميزانية مبشريها 1.300.000 فرنك. أما جمعية تبشير التوراة الطبية فتختص بالتبشير بين النساء المسلمات والهنديات ويقوم مبشروها ومبشراتها بأكثر من 6000 زيارة في البيوت وتعنى بتعليم 6000 شخص وتعالج 32 ألف امرأة وحسب هذه الجمعية أن تظهر احتياجها لتمطر عليها الدراهم من كل حدب. * * * انتقلت بعد ذلك المجلة إلى الخوض في إرساليات

التبشير الأمريكية فاستهلت البحث بالجمعية التبشيرية الأمريكية التي يرجع عهدها إلى سنة 1810 وقد اتسعت أعمال هذه الجمعية اتساعًا هائلاً حتى إنه بلغ عدد اللجان التي شكلتها من الوطنيين في مناطق التبشير 568 اشترك فيها 73 ألف وطني يدفعون إلى هذه الجمعية مبلغ 1.600.000 فرنك للقيام بنفقات الكنائس والمعاهد وتربية أولادهم ويبلغ عدد التلاميذ الذين يدرسون في مدارسها 70.000 تلميذ، كما أن لديها كثيرًا من النساء المبشرات يزداد عددهن من يوم إلى آخر. ومن جملة المبادىء والأصول التي يروجها مبشرو هذه الجمعية أنهم عندما يهبطون إحدى المدن لأجل التبشير يتركون الحرية التامة للذين يدخلون في مذهبهم في تأسيس وتشكيل كنائس خاصة يدير الوطنيون أعمالها حتى يتسنى للوطنيين الاستقلال في أعمالهم إذا اتفق أن المُبَشِّرِينَ طردوا من البلاد، وازداد عدد المدارس العالية والابتدائية في بلاد الدولة العثمانية والهند.

ويهتم ذوو الشأن في هذه الجمعية بإيجاد مبلغ مليوني دولار ترصد إيراداتها لسد نفقات مدارس التعليم ومدارس التبشير. وتهتم هذه الجمعية في أمر التبشير في البلاد العثمانية خصوصًا سوريا وفلسطين لأنها لا ترغب في ترك البلاد التي كانت مهبطًا للتوراة تحت سيطرة الإسلام. إن الكنائس المسيحية الشرقية الخاملة في هذه البلاد لها أربعة فروع: الأول في البلاد الأوروبية العثمانية ومركزها (سافوكو) في بلغاريا، والثاني في آسيا الصغرى ومركزه (الآستانة)، والثالث في سوريا وله مركزان في (مرعش) و (عينتاب)، والرابع في الكردستان ومركزه (خربوط) وجل ما يتوخاه مبشرو هذه الجمعية استمالة الكنائس الشرقية وتنصير المسلمين بالتدريج وبالوسائط الفكرية والتعليمية، لأنهم يعلمون يقينًا أنه يتعذر تنصيرهم مباشرة.

وأشارت هذه المجلة إلى التعضيد الذي يلاقيه المُبَشِّرُونَ الأمريكيون من أغنياء أمتهم ومتمولي بلادهم الذين يمدونهم بالأموال الطائلة، ثم أتت على ذكر حادثة حصلت إبان انعقاد المؤتمر التبشيري المختلط في (روشستر) إذ انبرى المستر (ألفريد ميرلنغ) الصيرفي والمثري الشهير في نيويورك وتقدم إلى الحاضرين قائلاً: «إن لدي أمرًا أريد أن أبسطه عليكم وهو أننا أصدقاء قديمون اجتمعنا هنا ورأينا أننا كنا في ضلالة لأن السعي الوحيد وراء اقتناء الأصفر الرنان الذي لا يأتي بفائدة أدبية ولذلك يجب أن نعمل مجهوداتنا للتأثير على رجال الكنيسة وعلى الأغنياء الذين يتمتع كل منهم بشيء عن ثروة البلاد التي تربو على 107 مليارات ريثما يستعملوا ثروتهم لأغراض سامية نبيلة لأن العالم كله في حاجة شديدة ليسوع المسيح. ولذا فإننا نقول للقائمين بأعمال لجان التبشير سندر عليكم أموالنا بمزيد من الدقة فهل لكم أن تنضموا إلينا وأنتم في شرخ الشباب؟

ضحوا حياتكم نظير ما نبذله لكم من الأموال، لأننا نحن الآن في سن الشيخوخة وأصبحت أيامنا معدودة، هل لكم أن تقفوا حياتكم على خدمة يسوع المسيح؟ نحن نريد جمعية تبشيرية لا يعطلها على أعمالها غير الموت ولنبرم إذن هذا العقد بيننا». ثم اجتمع متمولو أمريكا وأغنياؤها لأول مرة سنة 1906 بدعوة من أحد أغنياء التجار في واشنطن وهو الذي انبهر بما قام به شبان التبشير في مؤتمرهم في (ناشغيل) سنة 1906 فقرر هؤلاء المتمولون تأليف لجنة منهم للمذاكرة مع رؤساء كل إرساليات التبشير الأمريكية في الأمور الآتية: 1 - بذل المجهودات لأجل تربية المُبَشِّرِينَ العلمانيين. 2 - البحث وإعمال الفكرة لرسم خطة تنصير العالم قاطبة في مدة 25 سنة.

3 - تشكيل لجنة هامة مؤلفة من 60 عُضْوًا أو أكثر بأقرب ما يمكن لكي تتعهد وتزور مراكز إرساليات التبشير وتعمل التقارير عنها. وقد كان من نتيجة هذا الاجتماع الذي أقامه المتمولون الأمريكيون رواج فكرة التبشير وتأسيس لجان لهذا الغرض في كل أرجاء الولايات المتحدة، وصار يرجع أمرها إلى لجنة مركزية مؤلفة من مائة شخص منتشرين في الولايات المتحدة وبلاد كندا. ثم أقيمت اجتماعات صغيرة في 101 مدينة من أمهات مدن الولايات المتحدة، وكذا عقد على أثرها مؤتمر تبشيري وطني في كندا، ومؤتمر آخر في شيكاغو. وهذه المجتمعات والمؤتمرات تقام في أفخم الفنادق فتعمل لها الولائم إبان انعقادها ويحضرها رهط من المثرين الأمريكيين ويستعين كبار المُبَشِّرِينَ بتلاوة الإحصائيات

والتقريرات المالية ليتسنى لهم استمالة الأغنياء واستنداء أكفهم، ومن ذلك أن رئيس حركة التبشير العلماني تلا الإحصاء الآتي فقال: لو فرضنا أن عشرة ملايين من المسيحيين تعهد كل واحد منهم أن يدفع عشرة ريالات في السنة في سبيل التبشير، وتعهد مليون من الأغنياء بأن يدفع كل واحد منهم 200 ريال في السنة لهذا الغرض، لكانت هذه المبالغ تسد نفقات كل جمعيات إرساليات التبشير، ثم لو رأى البروتستانتت الأمريكيون أن من الواجب عليهم أن ينصروا مائة مليون من غير المسيحيين لاحتاجوا إلى 4.000 مبشر و20.000 شخص من الوطنيين لمساعدتهم، هذا إذا فرضنا أن كل 25 ألفًا من غير المسيحيين يفتقروا إلى مبشر أمريكي واحد وخمسة من الوطنيين لمساعدته. وكل ما يتطلبه هؤلاء المُبَشِّرُونَ من النفقات يقدر بأربعة وعشرين مليون ريال، أعني يمكن الحصول عليه إذا اكتتب كل شخص من التابعين للكنيسة بمبلغ سنوي لا

يتجاوز عشرين ريالاً. وقد اعترض أحد المُبَشِّرِينَ الألمانيين على الوسائل التي يستعين بها المُبَشِّرُونَ الأمريكيون، فلم يحفلوا باعتراضه بل أيدوا أعمالهم وبرهنوا على أن هذه الوسائل عززت إيراداتهم التي زادت سنة 1909 ما يقرب من ثلاثة ملايين ريال. وقد حذت إرساليات التبشير النسائية حذوهم وطافت البلاد تستدر الأموال وأقامت الحفلات الشائقة وتتوخى هذه الإرساليات النسائية تحسين أحوال المرأة الشرقية والتحبب إليها. وقد كانت من نتيجة الأعمال التي قامت بها أن إيرادات هذه الجمعيات تعززت بمبلغ مليون ريال أمريكي. وقد أقام المُبَشِّرُونَ معرضًا عامًا لإرساليات التبشير في (بوسطن) في باحة الماكنات الواسعة افتتحه المستر (تفت) رئيس الجمهورية في شهر أبريل سنة 1911، واشترك في ترتيب هذا المعرض 400 رئيس من رؤساء إرساليات التبشير

فعرضت فيه نماذج محصولات البلاد التي يرتادها المُبَشِّرُونَ مع صور محطات التبشير المنتشرة وصور متحركة تمثل أعمال المبشرين، وحاصل القول أنهم جمعوا في المعرض ملاهي عديدة وجعلوا أجرة الدخول نصف ريال أمريكي وأخذت بلدان أخرى أيضًا تعد المعدات لفتح معارض تبشيرية. * * * ثم جاء بعد ذلك ذكر إرساليات التبشير الألمانية التي امتازت فيها جمعية إرساليات التبشير الشرقية الألمانية، وقد كانت هذه الجمعية التبشيرية جمعية صغيرة للصلاة والتوسل من أجل تأسيس إرساليات تبشير في المشرق وذلك عقب مذابح الأرمن سنة 1895 أسسها القسيس (لبسيوس) ثم دخلت هذه الجمعية في دورها العملي إذ نشر مؤسسها منشورًا حماسيًا قال فيه: «إن الشرق يدعو الغرب لشد أزره فجعل ما نتوخاه أن نحرر الشرق بواسطة السيد المسيح ونخلص الكنائس

المسيحية من ظلم الإسلام، ونفتح طريقًا للسيد المسيح لإرجاع هذه الكنائس سيرتها الأولى، هلموا إلى قلب العالم الإسلامي، لنحرر فوز الصليب على الهلال». وطفق بعد ذلك القسيس (لبسيوس) يطوف في بلاد الأناضول وسوريا وينشر تقاريره عن حقيقة حال الأرمن، وتشكلت لجان ألمانية لمساعدتهم وأسس هو بعض محطات تبشيرية وانتهز فرصة انتصار اليابانيين في حربهم الأخيرة وذهب إلى روسيا لأجل تنصير الروسيين الذين يكرعون من المياه القذرة في الكنيسة الروسية، وقد قال هذا القسيس: «إن الاهتمام في صيانة الكنيسة الشرقية لا يكفي للنهوض بالشرق بل يجب مناضلة ومناوأة الإسلام عدو المسيحيين الشرقيين القديم». وعلى أثر ذلك تحولت جمعية إسعافات الأرمن إلى جمعية التبشير الألمانية في سنة 1900 وقال (لبسيوس)

إنه لا يكفي المناضلة والمناوأة، بل يجب شحذ السلاح. قد أدرك مبشرو هذه الجمعية مغزى أقوال رئيسهم وفهموا أن مناضلة الإسلام بصورة جدية حقيقية تفتقر إلى الوقوف عليه تمامًا ولذلك باشروا طبع المؤلفات المتعلقة بالإسلام وأصوله ونشرها بين العالم المسيحي ورأوا من الواجب الاقتداء بإرساليات التبشير الأخرى وذلك بترجمة الكتب الدينية إلى اللغات الإسلامية وتأسيس مدارس للمبشرين واتخاذ التدابير لصيانة المسلمين المُتَنَصِّرِينَ من تعدي بني جلدتهم، وقد تمكنت هذه الجمعية من إخراج خطتها إلى حيز الفعل بفضل القسيس المولا (أفتارنيان) (¬1) الذي اعتنق النصرانية بعد أن قرأ الإنجيل ثم قام بالتبشير في البلاد البلغارية، وأنشأ مجلة أخرى سماها " كونش " أي الشمس ويعني بهذا الاسم أنه ¬

_ (¬1) انظر الصفحة 162.

يرغب في بث الأفكار الدينية المسيحية بين المسلمين وقد انتشرت هذه المجلة في البلاد العثمانية والبلغارية وكانت تلاقي في بعض الأوقات معارضات شديدة. ومما قاله رئيس إرساليات التبشير الألمانية في تقريره عن أعمالها: إن نار الكفاح بين الصليب والهلال لا تتأجج في البلاد النائية ولا في مستعمراتنا في آسيا أوأفريقيا، بل ستكون في المراكز التي يستمد الإسلام منها قوته وينتشر سواء أكان في أفريقيا أم في آسيا، وبما أن كل الشعوب الإسلامية تولي وجوهها نحو الآستانة عاصمة الخلافة فإن كل المجهودات التي نبذلها لا تأتي بفائدة إذا لم نتوصل إلى قضاء لبانتنا فيها. ويجب أن يكون جل ما تتوخاه جمعية إرساليات التبشير الألمانية هو بذل مجهوداتها نحو هذه العاصمة وهي قلب العالم الإسلامي. وقد نشرت مجلة " الشرق المسيحي والتبشير الإسلامي " الألمانية التي هي لسان حال جمعية إرساليات التبشير الألمانية مقالة بخصوص تعيين الدكتور (ريتشر) رئيسًا

لهذه الجمعية ومما قالته: إن أهمية أعمال التبشير بين المسلمين تزداد يومًا بعد يوم وتستغرق أكثر مجهودات ووسائل المُبَشِّرِينَ الألمانيين حتى إن الجمعية اضطرت عقب تأسيس المدرسة التبشيرية لدرس الإسلام وأصوله ومبادئه في (بوتسدام) أن تترك الحرية التامة لرئيسها ريثما يتخصص للتبشير بين المسلمين. وقد فتحت هذه المدرسة سنة 1909 والقصد منها تربية المُبَشِّرِينَ واطلاعهم على الأمور الإسلامية والمؤلفات الدينية لأنه رغمًا من اطلاع المستشرقين الألمانيين وطول باعهم في المؤلفات الإسلامية فإن التعليم والعقائد التي تلقى في المساجد والمعاهد الإسلامية لم تزل خافية علينا. وقد نفح الله الجمعية التبشيرية بأستاذين علامتين اعتنقا الدين المسيحي يقومان بالتدريس في المدرسة وهما بمثابة سيل طام صب على الدين المسيحي الحي، القوتين الإسلاميتين اللتين هما الشريعة والصوفية واسم الأستاذ الأول المدرس نسيمي

أفندي الذي ينتمي إلى عائلة إسلامية عريقة سبق لأحد أعضائها أن تقلد منصب المشيخة الإسلامية، واسم الثاني الشيخ أحمد الكشاف شيخ طريقة صوفية. وانضم إليها القسيس (أفتارنيان) الآنف الذكر الذي كان اسمه المُلاَّ محمد شكري أفندي وهؤلاء الثلاثة يدرسون التفسير والتعاليم الصوفية واللغة العربية والفارسية والتركية ودروسًا تاريخية دينية إسلامية لتلاميذ مدرسة (بوتسدام) وتبلغ ميزانية جمعية التبشير الألمانية 186 ألف مارك.

مقاصد المبشرين وآمالهم في المستقبل

مَقَاصِدُ المُبَشِّرِينَ وَآمالُهُمْ فِي المُسْتَقْبَلِ: لا تكتفي إرساليات التبشير بالنظاميات والأوضاع التي أخرجتها إلى حيز الفعل بمزيد الدقة والنشاط وإجهادها النفس لتوحيد أصولها وأوجهها بل هي تعد المعدات لتوسيع دائرة أعمالها ريثما تشن الغارة على الأراضي الإسلامية المقفلة في وجهها أو تتحفز لمنازعة الإسلام على البلاد التي ترسخ قدمه فيها. وقد ظهر في عالم المطبوعات مؤلفان يتعلقان بالغارات التبشيرية في المستقبل والحظ الذي سيكون للشبيبة المتنورة فيه: أحدهما القسيس زويمر الذي يوجه

تأليفه إلى الطلبة ويذكر لهم الأقاليم الخالية من المبشرين، والآخر بقلم المستر (غوردنر) السكرتير العام لجمعية الطلبة المسيحيين بخصوص الأعمال التبشيرية في أفريقيا الجنوبية، وقد كانت فكرة هذين المؤلفين منطبقة على قرار مؤتمر (إدنبرج) التبشيري الذي جاء فيه: إن القسم الأعظم من العالم الإسلامي خال من التبشير المسيحي وأشير إلى الأقاليم الإسلامية الخالية من التبشير في أفريقيا وآسيا وإلى ضرورة اكتساحها. وقد أشار (زويمر) في القسم الأول من كتابه إلى البلاد الإسلامية الخالية من المُبَشِّرِينَ مثل أفغانستان وعدد سكانها 4 ملايين مسلم والعشرين مليونًا من المسلمين القاطنين في بخارى وخيوه وتركستان الروسية وكلها لا يوجد فيها مبشر بروتستانتي واحد. وهناك بلاد أخرى لا تخلو من المُبَشِّرِينَ إلا أن

مجهوداتهم غير كافية لقضاء لبانتهم. قال: إن أهالي تركستان الصينية يظهرون مزيد الحفاوة بالمُبَشِّرِينَ وهم أقل تعصبًا من سكان البلاد الإسلامية الأخرى، ولفت الأنظار إلى أنه لا يشغل الطريق التي تصل بين الهند والتركستان الروسية وتجتاز جبل (قره قروم) إلا بعض مبشرين متنقلين من جمعية التوراة التبشيرية مع أن هذه السكة يمر بها المسلمون الصينيون الذين يتوجهون من مكة لأداء فريضة الحج. أما الوثنيون في سيبيريا فإنهم يميلون بسهولة إلى اعتناق الدين الإسلامي ولا يوجد بين مسلمي الهند الصينية الفرنساوية الذين يبلغون 232.000 إرسالية تبشيرية بروتستانية واحدة. ثم جاء بعد ذلك ذكر البلاد العربية فقال: إن جزيرة العرب التي هي مهد الإسلام لم تزل نذير خطر للمسيحية. أما المُبَشِّرُونَ القاطنون حول عدن

والشاطئ الشرقي منها فلا يشغلون إلا أربع نقط تبشيرية ووجودهم لم يمنع جزيرة سقطرة التي كانت في سالف أيامها مسيحية أن تصبح إسلامية محضة. والمؤلف يعلل النفس بأن السكة الحديدية الحجازية التي تربط دمشق بمكة والمدينة ستمهد للمبشرين سبيل نشر الإنجيل باللغة العربية التي هي أكثر اللغات الإسلامية انتشارًا. والقسم الوحيد من البلاد العربية التي تتمخض به حركة تبشيرية واقعية هو القسم الواقع بين ولايتي بغداد والبصرة إذ توجد فيه محطتان مهمتان للتبشير وثلاث محطات مساعدة لها. وقبل أن ينتهي المؤلف من البحث في القارة الآسيوية أشار إلى جزر ماليزيا وتساءل عما إذا كانت هذه الجزر تبقى في قبضة الإسلام أم لا؟ وقال: إنه دخل في حظيرة المسيحية 47.729شخصًا من البتاكس القاطنين في غرب

(صومترا) إلا أن الإسلام يتوطد في جزيرة بورنيو ويتوغل في كل الجزر الأخرى عدا (بالي) وينتشر في قسم من (لمبوك)، والمُبَشِّرُونَ كثيرون في سنغافورة وفي الممالك الملازمة المستقلة، إلا أنهم يتحاشون التحكك بالإسلام مع أنهم لا يلاقون أمامهم الصعاب التي يلاقيها المُبَشِّرُونَ المنتشرون في البلاد العربية الفارسية. والمُبَشِّرُونَ في الصين والهند قليلون جِدًّا ولا يهتمون بالمسلمين. ثم انتقل (زويمر) إلى قارة أفريقيا فقال: إنه يوجد في أواسط أفريقيا مجال فسيح للتبشير وأقاليم واسعة الأرجاء واقعة على مسافة مائة ميل من الشاطئ يربو عدد سكانها على الخمسين مليونًا لم تنتشر فيها الآيات الإنجيلية، والإسلام يتقدم وينتشر بهدوء ونظام في أفريقيا ونيجيريا بين القبائل الوثنية. لأن الحكومة الإنكليزية تمنع تبشير

المسلمين! وتحظر على المُبَشِّرِينَ المسيحيين ولوج الأقاليم التي يتوغل فيها الإسلام! أما طرابلس الغرب وتونس والجزائر فليس فيهن سوى أربع محطات تبشيرية! وقد خص (زويمر) القسم الثاني من مؤلفه بالبحث في الأمور الاجتماعية التي تتعلق بالأعمال التبشيرية فقال: إن أكبر حجة كان المُبَشِّرُونَ يدعمون بها أعمالهم التبشيرية منذ مائة سنة كانت لاهوتية دينية محضة، أما الآن فقد أصبحت أعمالهم مشفوعة بأسباب اجتماعية. وكان ينظر في سابق الأيام إلى المُبَشِّرِينَ نظر قوم يشنون حربًا صليبية ترمي إلى التنصير فقط فتحولت الأفكار وصارت الأعمال التبشيرية تشف عن فكرة الإصلاح الاجتماعي وعن رفع شأن الشعوب غير المسيحية لأن احتلال الأقاليم الخالية من المُبَشِّرِينَ ناشئ عن أحوال هذه البلاد الاجتماعية

المحرومة من يسوع المسيح والتي هي بالتالي خالية من كل بارقة أمل. وأتى القسيس (زويمر) على ذكر الأوصاب الاجتماعية التي تلم بالشعوب الإسلامية وأشار إلى المتاجرة بالرقيق والقسوة الملازمة لهذه التجارة، وقال: إنها ليست في خبر كان بل ما زالت منتشرة في البلاد العربية والأفريقية حيث توجد أسواق لهذا الغرض تحميها الشرائع الإسلامية القرآنية بالرغم من الأوروبيين. ثم ذكر بعد ذلك أسباب الانحطاط الاقتصادي في شبه جزيرة العرب ومنغوليا وأفغانستان والغزوات والغارات التي يشتعل لظاها بين القبائل العربية في الصومال وأفريقيا الوثنية والفقر المدقع المنتشر في بعض الجهات وقال: إن تمادي الاعتقاد بالتمائم وتأثيرها يؤخر أحوال الشعوب الإسلامية ويزيدها شقاء.

وختم هذا الباب من كتابه بقوله: إن الخطة الفاسدة الخطرة التي تفضي ببث مبادئ المدنية مباشرة ثم نشر المسيحية ثانيًا عقيمة لا فائدة ترجى منها لأن إدخال الحضارة والمدنية قبل إدخال المسيحية لا تحمد مغبته بل تنجم عنه مساوئ كثيرة تفوق المساوئ التي كانت قبلاً. وأشار في القسم الأخير إلى المزايا والسجايا العقلية التي يجب على المُبَشِّرِينَ أن يتذرعوا بها، وقال: إن المشايخ والرؤساء الروحيين في (بلوشستان) وأفغانستان غير قائمين بوظائفهم وهم على شاكلة الرؤساء الروحيين المنتمين للأديان غير المسيحية. ثم بين أهمية الأقاليم الخالية من المُبَشِّرِينَ وأفاض في شرح الوسائل للتحكك بالشعوب غير المسيحية وجلبها إلى حظيرة المسيح وتناقش طويلاً في الخطط التي يجدر اتباعها. واستنهض همة المُبَشِّرِينَ بخطاب وجيز اختتم به كتابه الذي سماه " مجد المحال ".

أما كتاب المستر (غردنر) فيقع في 212 صفحة مُزَيَّنًا بصور شمسية للمساجد والمعاهد الإسلامية المنتشرة في جنوب أفريقيا ومدغشقر وضعها السكرتير العام لجمعية الطلبة المسيحيين عَمْدًا ليلفت الأنظار إلى التقدم السريع الذي يتمخض به الإسلام في هذه الأقاليم نَظَرًا لأمور سياسية واقتصادية وهذا السفر أشبه باستصراخ وإعلان حرب يحوي كيفية وأدوار النزال الذي ستدور رحاه بين الإسلام وحاملي لواء التنصير في أفريقيا الجنوبية. وقد تساءل المؤلف عن إمكان تنصير سكان البلاد الأصليين وانتقد أقوال الدكتور (رهربك) القائل: إنه يتعذر على الوطني أن يتأثر بنفوذ المسيحية، هذه العقيدة الخاصة بالأجناس الراقية واستصوب أن يعتبروا في بادئ الأمر داخلين تحت حماية المسيحية! وأتى على براهين تنافي أقوال الدكتور وأشار إلى المنصرين في كوريا وأواسط أفريقيا وقال: إنه في الإمكان تنصير الوطنيين ببث

مبادئ المذهب البروتستانتي. ثم قال: إن أفريقيا الجنوبية تتمخض بحركة دينية فيخلق بالمُبَشِّرِينَ أن يسرعوا بأعمالهم ويبذلوا قصارى جهدهم في هذا الأمر إذا كانوا لا يودون أن ينتشر الإسلام في هذه البلاد وترسخ أقدامه. وأشار إلى قول (هرتزل) الذي أفاض في مزايا ومحاسن السكة الحديدية التي تربط القاهرة ببلاد الكاب وقال: غير أن هذا الخط الحديدي يجعل القاهرة مَحَجًّا للمسلمين المنتشرين من جنوب أفريقيا إلى شمالها فيجدر نشر التبشير حينئذ من الكاب إلى القاهرة. ويقول: إن من سداد الرأي منع جامعة الأزهر أن تنشر الطلبة المتخرجين فيها في جنوب أفريقيا اتباعًا لقرار مؤتمر التبشير العام، لأن الإسلام ينمو بلا انقطاع في كل أفريقيا. وأشار إلى جمعية النهضة السياسية الأفريقية التي يرأسها الدكتور عبد الرحمن وهذه الجمعية تضم إليها كثيرًا من الأجناس والعناصر وهي برهان على النهضة التي دبت

روحها بين الوطنيين ولهذه الجمعية جريدة هي لسان حالها تنشر بالإنكليزية والهولندية وهي تبحث في صوالح الوطنيين وتحمل الحملات الشديدة في بعض الأوقات على الكنيسة الهولندية وعلى الحكومة. وقد قالت منذ مدة لقد أزف الوقت الذي يجدر بالوطنيين أن يقولوا للجنس الأبيض إن الدين المسيحي الذي تفتخرون به يباين وينافي تعاليم المسيح. وتهتم هذه الجريدة بنفخ روح النشاط بين السود لتستميلهم إلى اقتناء العقارات والاعتماد على أنفسهم، فعلى المُبَشِّرِينَ أن يحولوا أنظارهم نحو هذه الأعمال والحركات السياسية والاقتصادية. وقد أفاض صاحب التأليف في وصف فرق إرساليات التبشير المنتشرة في أفريقيا الجنوبية وكيفية اتفاقها وأصول تعاليمها والوسائل التي يجدر اتخاذها للم شعث إرساليات التبشير وجعلها كتلة واحدة أمام البحر الإسلامي الطامي. وقال: إن حظ هذه البلاد من المُبَشِّرِينَ أكثر بكثير

من حظ البلاد الأخرى لأن نصف المُبَشِّرِينَ الذين وطئوا أفريقيا للتبشير بين المائة والخمسين مليونًا من الوثنيين موجودون في أفريقيا الجنوبية ليبشروا بين ظهراني ستة ملايين من السكان فيكون حظ كل مبشر 1.300 من الوطنيين بينما حظ المبشر في الجهات الأخرى يبلغ 21.400 وطني. واختتم كتابه بذكر أسماء جمعيات التبشير ولجانها وما أسسته من المعاهد. - تم -

ملحق

مُلْحَقٌ: 1 - نجوى إلى القراء (افتتاحية العدد 6663 من " المؤيد " بقلم السيد محب الدين الخطيب) 2 - حول الغارة على العالم الإسلامي (ترجمة مقالة انتقاديه أنشأتها مجلة العالم الإسلامي الفرنسية) 3 - الجواب على مقالة المجلة الفرنسية (افتتاحية العدد 6770 من " المؤيد" بقلم السيد محب الدين خطيب) 4 - كلمة في أهمية هذا الكتاب (بقلم كاتب الشرق الكبير شكيب أرسلان)

نجوى إلى القراء

نَجْوَى إِلَى القُرَّاءِ: بمناسبة مقالات " الغارة على العالم الإسلامي " افتتاحية العدد 6663 من " المؤيد " الصادر يوم الجمعة 9 جمادى الأولى 1330 هـ (¬1). أخبرني في الأمس زميل لي في قلم التحرير أن فريقًا من الناس ساءهم أن ينشر " المؤيد " مقالات " الغارة على العالم الإسلامي " بدون أن يعلق عليها، وأن بعضهم يرى عدم تعليق الصحف العربية على المقالات التي ترد عليها من الخارج أو التي تترجم فيها عن اللغات يعد موافقة من هذه الصحف على ما تضمنته تلك المقالات. ¬

_ (¬1) 26 أبريل 1912.

وسواء أصاب هذا البعض فيما يرى أو أخطأ فإن تطبيق ذلك على مقالات " الغارة على العالم الإسلامي " التي تترجم في " المؤيد " هو من قبيل وضع الشيء في غير محله، لأن " المؤيد " لما بدأ بنشر هذه المقالات مهد لها بتوطئة أبان فيها عن قصده من نشرها، وذكر لقرائه شَيْئًا عن المجلة التي كتبت تلك المقالات، والجمعية التي تنشر المجلة نفسها، وحالتيهما قبل حوادث مراكش وفارس وطرابلس الغرب وبعدها. ذلك غاية ما كان يقال توطئة لنشرها في " المؤيد ". وأما التعليق عليها بكلمة اعتبار بما ورد فيها فذلك ما لا يحسن إيراده إلا بعد إتمام نشر المقالات ليكون القول فيها أشمل والكلام عليها أعم. على أن مجرد نشر هذه المقالات كان كافيًا في تنبيه القراء إلى مكان العبرة منها والتوسل إلى مقابلتها بمثل

الوسائل الواردة فيها، لأنها ليست من المباحث العلمية أو الجدلية التي تقتضي رَدًّا ومناقشة، ولو كانت كذلك لكان رجال الدين وكتاب المجلات الدينية أولى بمناقشتها والرد عليها بل هي تاريخ وأنباء عن أعمال جرت من قبل وتجري الآن وستجرى من بعد، والأعمال لا تناقش إلا بأعمال مثلها. وكنا نظن أنه لا تنشر بضع مقالات منها حتى يذهب أهل الغيرة لزيارة مدرسة " دار الدعوة والإرشاد " التي هي بنت شهرًا أو شهرين وفيها المصري والمراكشي والجاوي والقفقاسي فيطلعوا على مبلغ نجاحها ويتطوعوا في تعضيدها وتثبيتها ويمدوها بالرأي والمال وكل ما يعد قوة، ليتسع نطاقها ويكمل نقصها. ومن الغريب أنه بينما ينتقد علينا بعض قرائنا الاقتصار على نشر هذه المقالات من غير تعليق عليها ولو كان وقت التعليق لم يحن بعد نرى بعض الجرائد الإفرنجية المتعصبة في القطر المصري تتقول علينا بعض الأقاويل وتنسب

إلينا ما لم يصدر منا وتزعم أننا نعلق على هذه المقالات بما يثير الضغائن، مع أننا لم نعلق بعد شيئًا بهذه المناسبة، فمن ذلك أن جريدة "لا بورص إجبسيان" (*) التي تصدر في الإسكندرية كتبت مقالة قالت فيها: «إن " المؤيد " يترجم مقالات مجلة " العالم الإسلامي " الفرنسية، ويلحقها بتعليقات شخصية يصوغها بقلم تظهر به كأنها لا غبار عليها، والذي يعرف مبدأ " المؤيد " وسجية قرائه يرى أنه إنما يتخذ من هذه المقالات وسيلة لتغذيتهم بالضغائن». فما قاله " المؤيد ": أن الغربي يجيء إلى هذه البلاد بوسيلة الاتجار ودعوى نشر حسنات الحضارة الكاذبة، مع أنه في الحقيقة لا يقصد غير مناوأة الإسلام الذي فشلت الحروب الصليبية في مناوأته. هذا بعض ما قالته " لا بورص إيجبسيان " (*) فهي كذبت علينا أولاً بأننا نعلق على هذه المقالات بتعليقات شخصية، وافترت علينا ثانيًا بأن عزت إلينا قولاً ليس ¬

_ [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]: (*) La bourse Egyptiènne.

لنا، بل هو لرجل أوروبي مبشر، ولو أن كاتب مقالة " البورص " - أو الذي يترجم له عن " المؤيد " - يعرف العربية التي هي لغة البلاد لكان أدرك أن المقالات برمتها ملخصة عن مجلة " العالم الإسلامي "، وتلك الجملة نفسها نقلتها هذه المجلة عن كتاب " ملخص تاريخ التبشير " الذي ألفه المستر (أدوين بلس) ونص الجملة هو قوله: «أن ريمون لول الإسباني هو أول من تولى التبشير بعد أن فشلت الحروب الصليبية في مهمتها» (¬1). وكأنما " البورص إجبسيان " السكندرية لم يكفها ذلك حتى زادت عليه لومها للصحف الإسلامية لأنها تترجم لقرائها المسلمين ما تكتبه الصحف الأوروبية عنهم وعن حالهم ومستقبلهم حتى لو اقتصرت صحفنا على الترجمة فقط. ووجهت " البورص " انتقادها إلى صاحب السعادة ¬

_ (¬1) انظر صفحة 17.

السيد علي يوسف وإلى المرحوم مصطفى كامل باشا لأنهما كانا يفعلان ذلك. واتهمت صحفنا أيضًا بأنها تعنون هذه المقالات بعناوين ذات شأن، وقالت: إن عنوان " الغارة على العالم الإسلامي " من هذا القبيل. على أن " البورص " لو راجعت الأصل الفرنسي أو لو قرأت توطئة " المؤيد " لكانت تعلم أن العنوان العربي هو ترجمة العنوان الفرنسي وكل ما فعله " المؤيد " هو أنه أطلع قراءه على أعمال تجري في بلادهم وهي ذات علاقة بهم. وَلَمْ يُحَدِّثْ القراء بهذه الأعمال من عنده مباشرة بل نقلها لهم عن مصادرها الأصلية. وبعد، فإن إغفال ترجمة هذه المقالات لا يحق لشرقي ولا لإفرنجي أن يطالبنا به ما دام متعلقًا بنا وبأمتنا وبلادنا مباشرة، وإذا كان من الجائز لمجلة فرنسية أن تنشر ذلك، فمن الواجب على جريدة عربية أن تترجمه. هذه الحقيقة قد أدركها الكثيرون في مصر وفي غير

مصر حتى إننا بعد كتابة ما تقدم جاءنا بريد سوريا بجريدة " الاتحاد العثماني " مصدرة بالمقالة الأولى من مقالات " الغارة على العالم الإسلامي " نقلاً عن " المؤيد "، ومما قالته تلك الجريدة: «إننا رأينا السكوت عن نشر هذه المقالة غِشًّا لا يجيزه لنا الدين ولا الوطنية بوجه من الوجوه، فإشفاقًا على عواطف القراء الذين ما اعتادوا حتى اليوم سماع أمثال هذه النغمات المدهشة رأينا أن يكون نشرها مدعاة لتفكر عقلاء المسلمين وتدبرهم في ملاقاة هذا الخطر المحدق بهم، وأن لا يكون حظ هذا الفصل الإغفال والاستهانة بل القيام بما يأمر به الدين من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم وضع أبناء المسلمين في المدارس الأجنبية إلا بعد أن يتمكنوا من دينهم ولغتهم ووطنيتهم». محب الدين الخطيب

حول " الغارة على العالم الإسلامي ": افتتاحية العدد 6768 من " المؤيد " الصادر يوم الأربعاء 15 رمضان 1330 هـ. جاءنا العدد الأخير من " مجلة العالم الإسلامي " الفرنسية وفيه انتقاد علينا وعلى جرائد ومجلات إسلامية أخرى، وهذه ترجمة الانتقاد: هل تتكرم رصيفاتنا: " المؤيد " و" المنار " و" الاتحاد العثماني " وصحف إسلامية أخرى أن توضح لنا جنسية وأصل المحرر الأوروبي الذي أتى بالأقوال التي عَزَتْهَا هذه الصحف إلى مجلة " العالم الإسلامي "؟ لقد كتبت جريدة " المؤيد " في 8 أبريل سنة 1912 تقول (¬1): ¬

_ (¬1) انظر ص 7.

«في فرنسا (لجنة Comité) اسمها الإرسالية العلمية المغربية مؤلفة من المستشرقين درسوا الكتب الإسلامية والعادات الشرقية واللغة العربية وغيرها من لغات المسلمين، خدمة لجامعات فرنسا السياسية والدينية والاقتصادية». اهـ. ولكن من الخطأ الواضح أن يقال عن الإرسالية العلمية المراكشية أنها (لجنة Comité) وإذا كان العلامة مدير " المؤيد " يتتبع الكتب فلا يصعب عليه أن يقف على أصل ما جاء به خصوصًا وأن هذه الإرسالية العلمية لا تشبه اللجنة بوجه من الوجوه وليس من الصواب أن يقال عنها: إن لها مقاصد سياسية أو دينية أو اقتصادية، وكل ما في الأمر أن عملها نتيجة مساعي بعض الخاصة، وترجع هذه المساعي إلى سنة 1889 - 1895 وقد أعطيت الإرسالية منذ ذلك الحين مبلغًا صغيرًا من المال لإدارة شؤونها، أما الآراء التي تنشرها هذه الإرسالية فهي خاصة بها ولا شأن

للحكومة فيها وعلى هذا فإن ما قالته جريدة " المؤيد " بهذا الشأن مخالف للواقع. وتقول جريدة " المؤيد " (¬1): إن هذه اللجنة أخذت قبل خمس سنوات تنشر في باريس مجلة كبرى مصورة تصدر في كل شهر اسمها مجلة " العالم الإسلامي " (*) ولقد كانت هذه المجلة قبل الآن ظاهرة بمظهر علمي تكون الغايات السياسية فيها بالدرجة الثانية إلى أن تم لفرنسا احتلال مراكش أولاً ثم دخلت فارس في طورها الأخير وحل بعد ذلك ما حل بطرابلس فظهرت هذه المجلة كغيرها بمظهرها الحقيقي الذي تكون فيه الدروس العلمية واسطة لغايات سياسية ودينية. اهـ. وقد حذت مجلة " المنار " الدينية التي تصدر في مصر حذو جريدة " المؤيد " فقالت في الصفحة 259 من المجلد الخامس ¬

_ (¬1) انظر ص 7. (*) Le Monde Musulman

عشر ما يلي: «وبعد احتلال مراكش ودخول بلاد فارس تحت النفوذ الروسي الإنكليزي واعتداء إيطاليا على طرابلس الغرب ظهرت - أي مجلة " العالم الإسلامي " - بمظهر جديد تجلت فيه خطتها من التوسل بالعلم إلى المقاصد السياسية والدينية». اهـ. والقول بأن لمجلة " العالم الإسلامي " غاية دينية من شأنه أن يبعث السرور والفرح في قلوب قرائها الأوروبيين الذين لا يدركون وجود هذه الغاية إلا بتفسير وتأويل. اهتمت جريدة " المؤيد " ومجلة " المنار " وغيرهما اهتمامًا زائدًا بعدد مجلتنا الذي صدر في نوفمبر الماضي خاصًا بموضوع (الغارة على العالم الإسلامي) وقامت بترجمة فصوله مواظبة على ذلك، خصوصًا " المؤيد " الذي يصدر بها أعداده بعناية تستوجب إعجابنا واحترامنا، فليتكرم بقبول شكر المجلة له على ذلك. ولكن " المؤيد " لم يختتم

توطئته المنشورة في عدد 8 إبريل (¬1) بدون تبرم بل قد قال في آخرها: إن المقاصد تتبين مع انكشاف الحوادث. إن نشر ترجمة هذه المقالات قد بعث لأول مرة الدهشة في قلوب الجميع كما يتضح مما قالته جريدة " الاتحاد العثماني " وهي جريدة مهمة تنشر في بيروت تحت رعاية جمعية الاتحاد والترقي (¬2) وذلك أن بعض الصحف العربية ندد بلهجة شديدة على ترجمة مقالات " الغارة على العالم الإسلامي " وقال: إن من الغبن نشر كلمة الغارة على صفحات جريدة إسلامية، فردت عليه جريدة " الاتحاد العثماني " قائلة: «إننا رأينا السكوت عن نشر هذه المقالة غِشًّا لا يجيزه لنا الدين ولا الوطنية بوجه من الوجوه، فإشفاقًا على عواطف القراء الذين ما اعتادوا حتى اليوم سماع أمثال هذه النغمات المدهشة رأينا أن يكون نشرها مدعاة لتفكر ¬

_ (¬1) ص 7. (¬2) هذا القول لا يصح على إطلاقه.

عقلاء المسلمين وتدبرهم في ملاقاة هذا الخطر المحدق بهم، وأن لا يكون حظ هذا الفصل الإغفال والاستهانة بل القيام بما يأمر به الدين من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم وضع أبناء المسلمين في المدارس الأجنبية إلا بعد أن يتمكنوا من دينهم ولغتهم ووطنيتهم». ومجلة " المنار " نشرت مقالات " الغارة على العالم الإسلامي " بالعنوان الذي وضعه " المؤيد " وفي 26 أبريل عاد " المؤيد " إلى التعليق على هذه المقالات متأثرًا من استياء القراء بسبب نشرها. وهذا ملخص الانتقادات والإيضاحات الواردة في مقالة " المؤيد " يوم 26 أبريل: 1 - أن بعض المسلمين يعد نشر هذه المقالات من قبيل الموافقة على ما جاء فيها.

2 - والجواب على هذا القول أنه من قبيل وضع الشيء في غير محله، لأن " المؤيد " لما بدأ بنشر هذه المقالات مهد لها بتوطئة أبان فيها عن قصده من نشرها، وذكر لقرائه شيئًا عن المجلة التي كتبت تلك المقالات، والجمعية التي تنشر المجلة نفسها، وحالتيهما قبل حوادث مراكش وفارس وطرابلس الغرب وبعدها. 3 - ليست هذه المقالات من المباحث العلمية أو الجدلية التي تقتضي رَدًّا ومناقشة بل هي تاريخ وأنباء. وكنا نظن أنها ستدفع أهل الغيرة لزيارة مدرسة دار الدعوة والإرشاد التي فيها المصري والمراكشي والجاوي والقفقاسي. اهـ. وهنا نكرر القول بأن إسناد غاية سياسية أو اقتصادية أو دينية إلى مجلة " العالم الإسلامي " هو أمر وهمي تمامًا وبعيد عن الصواب بُعْدَ الإرسالية العلمية المراكشية

عن شكل لجنة Comité . أما ما استنتجته " المؤيد " و" المنار " و" الاتحاد العثماني " مما هو متعلق بالإسلام فهو مهم في بابه وكنا نحب أن نقول: إنها جاءت في أوانها لولا أن هذا القول متعذر علينا، إذ أن العالم الإسلامي ليس مُهَدَّدًا فقط بالغارة والفتح بل هو قد أغير عليه وافتتح وأصبح مغلوبًا على أمره، تلك عاقبة غلطات وهفوات الذين تولوا مهمة إنقاذه فتدهوروا به في هاوية الهلاك وأعينهم في سِنَةٍ وَنَوْمٍ. كانت مكانة الخلافة الإسلامية مشرفة على السقوط في كل الجهات ثم حدث الانقلاب العثماني فخيل إلى الناس أن الخلافة قد عادت سيرتها الأولى عقب استظهار الحرية على الحكومة الحميدية وكان في استطاعة المسلمين يومئذ أن يبذلوا جهدهم لإحياء حضارة إسلامية مستقلة وقد كانت أوروبا الحرة في ذلك الحين تشد أزرهم ولكن الذين أنقذوا

الدولة العثمانية من ربقة الاستبداد وهتفوا بمبدأ المساواة هم الذين أرهقوا الولايات بعد ذلك باستبدادهم الذي فاقوا فيه الاستبداد الحميدى، فنصبت المشانق في دمشق وسفكت الدماء في آسيا الصغرى واندلع لهيب الثورات في ألبانيا، وبموجب سُنَّةِ الكَوْنِ التي تربط الأسباب بمسبباتها سلخت النمسا ولايتي البوسنة والهرسك عن السلطنة في مقابل 53 مليونًا من الفرنكات لم يبق سوى أن نعرف من الذي تناول هذه المبالغ وفي سنة 1911 أنجزت أركان حربية النمسا خريطة بلاد الأرناؤوط. ثم حدثت بعد ذلك إغارة إيطاليا على طرابلس الغرب فلم تلق فيها مقاومة ولم تسفر هذه الحادثة إلا عن طلب الإعانات في الصحف، وتبعها حادث استيلاء الإيطاليين أيضًا على جزر الأرخبيل وتقسيم الأملاك العثمانية في أوروبا. والظاهر أن الجيش العثماني المنظم والقوي أصبح لا وظيفة له إلا المباهاة بشكله بدون أن

يعمل عملاً وهو من هذه الوجهة مثل سفن الأسطول العثماني التي اشتريت بأثمان باهظة لكي تكون ساكنة غير متحركة. وأوروبا تركت هذه الحوادث تجري على مرأى من العرب والترك الأرناؤوط والروم والأكراد والسوريين وكل هؤلاء يميلون إلى الحكم الأجنبي أكثر مما يميلون إلى الاتفاق والائتلاف، وليس بين المشتغلين اليوم بالسياسة من العرب والأتراك من يجهل الاستعدادات العامة التي تجري لأجل التقسيم النهائي. وليس بين الدول الأوروبية العظمى غير الدولة الفرنسية ابتعدت عن هذا التقسيم لأنها لا ترغب أن يكون لها حظ فيه! وهي سوف لا تحصل على شيء! أما الدول الأخرى فدائبة على المساومة والتدقيق في الحساب وهذا الأمر صار غير مجهول البتة وأما الأمل ببقاء الدولة العثمانية فمتوقف على اتفاق عناصرها ولا ترى بين

أصدقاء الإسلام من يقوم فيرفع صوته مُحَذِّرًا من الخطر إلا وتقوم الجريدة العربية الكبرى في القاهرة والجريدة السورية ومجلة العلماء الدينية فيقلن: يا للفظاعة! فأين هي الفظاعة؟ هل هي في التحذير والتنبيه أم في العناد والإصرار على عدم التفكير؟ والآن من هم المدافعون الحقيقيون عن الحضارة الإسلامية؟ هل هم هؤلاء الفقراء كالمراكشيين والطرابلسيين الذين يضحون أنفسهم لأجل باشوات وقواد فاسدين ومرتشين ومشايخ ملئت بطونهم! أم هم نخبة المتعلمين في الجزائر وتونس والقطر المصري وسوريا وتركيا وفارس المنكودة الحظ والبلاد الهندية وجزائر السند الذين هم في مصاف الأوربيين محترمو الأفكار والنزعات؟ في يوم 28 أبريل الماضي قام كاظم بك والي سلانيك يومئذ فتكهن في أمر الحركة السياسية التي تتمخض بها

الجيوش العثمانية في الولايات المقدونية وألقى خطابًا رنانًا بين جدران مسجد القاسمية عقب صلاة الجمعة فأتى على بيان القوات الإسلامية في الصين والهند وأفغانستان وتركستان وطرابلس الغرب ومراكش، وبحث في أسباب الفشل الذي لحق بها. ثم ختم خطابه بشرح برنامج سياسي إسلامي أوسع من برنامج جمعية الاتحاد والترقي ويختلف عنه، حض فيه على توسيع التعليم والتربية بين العنصر العربي المسلم، فهل كانت غاية كاظم بك دينية أو اقتصادية؟ جريدة " المؤيد " ومجلة " المنار " وجريدة " الاتحاد العثماني " ينكرون على مجلة " العالم الإسلامي " أنها بينت للمسلمين كيف أن القوات الأوروبية المختلفة تتهافت لاستدراج الشعوب الإسلامية وإدخالها في طرق أخلاقية واجتماعية وسياسية جديدة، ولو كانت هذه الصحف مدركة سير الأمور التي لا مبدل لها لكانت تشكر مجلتنا على صنيعها، ولما كانت

لتقول: «لترجع إلى التعليم العربي القديم ونكتفي بتغييره سطحيًا» بل كانت تقول: لنفتح مدرسة الغد وهي الكفيلة بخلاصنا، المؤسسة على حضارة إسلامية عصرية. والآن قد وصلنا إلى النقطة التي تتميز بها أراؤنا عن أراء رصفائنا العرب: أولئك مقاصدهم مقتصرة على توطيد استقلال الإسلام والهتاف به مع التأكد من عدم الحصول على هذا الاستقلال، بل مع التأكد من فقده. ونحن نود أن نراهم وطدوا أركان هذا الاستقلال بانتهاج طرق الترقي والفلاح المفتوحة أمام مستقبل الإسلام، ولكنهم يضعون الجامعة الشبيهة بالقديمة التي أسسها السيد رشيد رضا في مستوى الجامعة العصرية التي يدير شؤونها البرنس فؤاد باشا. إنهم لو أعملوا الفكر والروية لمعرفة الصعاب الحقيقية التي تعترض رسوخ الإنكليز في مصر لاتضح لهم - وهم في القاهرة - أنها ليست منوطة بالوطنية الدينية أو الوطنية

السياسية بل النهضة الاجتماعية الكاملة ولا يمكن للمصري المسلم أن يخرج من تحت السلطة البريطانية بتوطيد أركان دينه، بل بإنهاض الفرد المسلم المتنور إلى مستوى الفرد المسيحي المتنور. وبعد، فإذا كان يدور في خلد " المؤيد " و" المنار " و" الاتحاد العثماني " أن يتلافوا الغارة التي شنت على العالم الإسلامي، فالطريقة بسيطة وهي أن يقولوا لقرائهم: لنخرج من عزلتنا ولنقابل الحقيقة الواقعة وَجْهًا لِوَجْهٍ.

جواب " المؤيد " على مقالة مجلة " العالم الإسلامي "

جَوَابُ " المُؤَيِّدِ " عَلَى مَقَالَةِ مَجَلَّةِ " العَالَمِ الإِسْلاَمِيِّ ": أكبرت رصيفتنا مجلة " العالم الإسلامي " الغراء تسمية الإرسالية المراكشية باسم لجنة Comité رغبة منها في الابتعاد عن مظنة الاشتغال لمقاصد سياسية، ولو رجع حضرة الفاضل المسيو ل. م. مرة ثانية إلى ما كتبناه وترجمه عنا لرأى أننا إنما كنا نستعمل لفظ جمعية وهو لفظ عام لا يقصد به بالذات المعنى الذي ذهبت إليه مجلة " العالم الإسلامي " لا سيما وفي القاهرة جمعيات علمية متعددة مثل (الجمعية الجغرافية الخديوية) و (المجمع العلمي المصري) و (الجمعية الخيرية) .... الخ، كلهن يطلق عليهن اسم

جمعية وليس لواحدة منهن مقاصد سياسية. نعم شعرنا بتعرض مجلة " العالم الإسلامي " لبعض المرامي التي كانت تتجنبها من قبل وفي مقالتها الأخيرة التي نحن الآن بصددها ما يزيد شعورنا هذا قوة. على أننا قد سررنا كثيرًا من نفي رصيفتنا حدوث التغير في خطتها ونحن لا ننكر عليها ما تقوله عن نفسها لأن ذلك ما كنا ولا نزال نتمناه لها. أما عنايتها بنشر ما حصلت عليه من المعلومات عن أعمال جمعيات التبشير البروتستانتية فهذا شيء نشكرها عليه كثيرًا وحبذا لو تتفضل رصيفتنا فتكمل هذا البحث التاريخي الجميل بنشر ما لديها من المعلومات عن أعمال جمعيات التبشير الكاثوليكية وغيرها. تقول مجلة " العالم الإسلامي ": إن ملاحظاتنا المتعلقة بالإسلام مهمة في بابها وكانت تحب أن تقول: إنها جاءت

في أوانها، لولا أن القول متعذر عليها، لأن العالم الإسلامي ليس الآن مُهَدَّدًا فقط بالغارة والفتح بل هو قد أغير عليه ... الخ ونحن لسنا على رأي رصيفتنا في هذه النتيجة لأن فرنسا نفسها قد مرت عليها أدوار أصعب من الدور الذي نحن فيه، ووقعت في أزمات أشد من أزمتنا الحاضرة، بل إن الخطر الذي تقول رصيفتنا إنه يتهددنا ليس بأقل من الخطر الذي تشعر فرنسا الآن بأنها مهددة به لأنها صارت لا يقوم لها أمر إلا بفضل حماية غيرها لها، وهي وإن كانت لا تزال حتى الآن تسعى لاستعمار غيرها فإنها تخشى أن تفضي بها الحال إلى أن تكون في يوم ما مستعمرة لغيرها، وإذا كانت هي غير يائسة من تلافي هذا الخطر مع الزمان فنحن أيضًا غير يائسين من المستقبل، والمستقبل بيد الله. وتقول رصيفتنا إن العرب والترك الأرناؤوط والروم

والأكراد والسوريين يميلون إلى الحكم الأجنبي. وهذه فكرة غير صحيحة، ولو تحقق اللبنانيون - مَثَلاً - في يوم من الأيام أن فرنسا الحاكمة على الجزائر وتونس والمحتلة لمراكش ستكون الحاكمة عليهم لتحفزوا حينئذ لقتالها بشدة لا تعدلها شدة مقاومة الطرابلسيين لإيطاليا. وقد صار اللبنانيون وكل مسيحيي الدولة العثمانية يعلمون أن فرنسا لا ترتبط معهم برابطة الدين وأنها تعد من التنور القضاء على الدين المسيحي ومطاردة رجاله، بل إن الأقطار التي هي تحت حكم فرنسا مثل الجزائر وتونس وغيرهما لو تيسر لأهلها التخلص من الحكم الفرنسوي ولو إلى حكم أي دولة أجنبية أخرى ما ترددوا في التخلص منه إلى غيره. وأعجب ما قرأناه في مقالة رصيفتنا - بعد قولها إنه ليس بين المشتغلين بالسياسة اليوم من العرب والأتراك من يجهل الاستعدادات العامة التي تجري لأجل تقسيم الدولة العثمانية تقسيمًا نهائيًا - أنه ليس بين الدول الأوروبية العظمى

غير الدولة الفرنسية ابتعدت عن هذا التقسيم (الخ) ونحن لم نفهم سر هذا الابتعاد، ولم نشأ أن نقول إنه من باب العفة والزهد لأن هذا الباب مفقود من كتاب السياسة، فحبذا لو تفضلت رصيفتنا بإزالة هذا الإشكال وإبانة السبب الموجب لهذا الابتعاد. تتهمنا رصيفتنا بأننا نستفظع من أصدقاء الإسلام! تنبيههم لنا وتحذيرهم إيانا من الخطر، ونحن لا نذكر أننا وقعنا في هذا الخطأ وإذا كانت تعني بهذا التنبيه والتحذير نشرها لمقالات " الغارة على العالم الإسلامي " فنحن قد أحللنا هذه المقالات محلها من الاهتمام وعنينا بنشرها بالعربية كما سررنا من انتشارها بالفرنسية، ولا نزال نستزيد رصيفتنا من هذه المعلومات. أما انتقاد مجلة " العالم الإسلامي " لمشروع دار الدعوة والإرشاد وقولها عنه إنه رجوع إلى الطريقة القديمة فلم يظهر

لنا أنه انتقاد وجيه، لأننا متحققون من فائدة هذه المدرسة لبلادنا. والناس أدرى بكثير من شؤون أنفسهم. ومع ذلك فنحن لا نرى ضررًا من انتشار معاهد العلم بكل أنواعها و" المؤيد " كان في مقدمة الصحف الداعية إلى تأسيس الجامعة المصرية التي يدير شؤونها الأمير فؤاد باشا ولكن هل لرصيفتنا مجلة " العالم الإسلامي " أن تبين لنا الفوائد التي نالتها بلادها من الجامعة المصرية من الوجهة التي هي موضوع بحثنا؟ إنها إذا أبانت لنا ذلك تكون قد استوجبت شكرنا لها مرة ثانية.

كلمة في هذا الكتاب

كَلِمَةٌ فِي هَذَا الكِتَابِ: بقلم كاتب الشرق الأكبر الأمير شكيب أرسلان لما أخذنا في نشر فصول هذا الكتاب في صحيفة " الفتح " كان أول من عرف أهميتها وَقَدَّرَهَا قَدْرَهَا، كاتب الشرق الأكبر الأمير شكيب أرسلان، فكتب إلينا هذه الكلمة القيمة مقترحًا طبعها في كتاب مستقل. قال حفظه الله: «إني أقترح طبع هذه المقالات المترجمة في " الفتح " عن أعمال المُبَشِّرِينَ كتابًا على حدة يطبع منه ألوف من النسخ وعشرات ألوف ويوزع على جميع العالم الإسلامي بدون استثناء ويقتنيه كل مسلم ذي حمية ويقرأ منه الخطباء والمدرسون في الجوامع ولا يبرح بين أيدي المسلمين حتى يستظهروه غَيْبًا لعلهم ينهضون أخيرًا لمقابلة الشيء بمثله ويؤلفون الجمعيات ويتبرعون لها بالأموال ولو بعشر عشر معشار ما يتبرع الإفرنج لجمعياتهم التبشيرية التي لا نحتاج إلى ذكر مآربها الخبيثة بما شرحته لنا تقاريرها وما

فضحته من أسرار أعمالها وما أوضحته من الطرق التي هي سائرة عليها لهدم الإسلام من كل أقطار الأرض. ويجب أن يترجم هذا الكتاب إلى التركي والفارسي ولسان الأورد ولسان الملايو وجميع ألسنة الشعوب الإسلامية. وإننا لنشكر (زويمر) وأقرانه وجميع هؤلاء المُبَشِّرِينَ على هذه التقارير التي لم ُتبق عند أحد شبهة في حقيقة مقاصد هذه الجمعيات وهذه البعثات التبشيرية على اختلاف نحلها، كما أنها لم تبق عند أحد شبهة في تعضيد الحكومات الأوروبية لهذه الجمعيات التبشيرية وهذه البعثات التي تبثها في العالم الإسلامي تارة خفية وتارة عَلَنًا، فإنه ما من سبيل للدفاع عن النفس أحسن من معرفة العدو ما يكيد له عدوه». لوزان شكيب أرسلان

§1/1