العمدة من الفوائد والآثار الصحاح في مشيخة شهدة

شُهْدة

مقدمات

مقدمات مقدمة الكتاب ... بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة: الحمد لله رب العالمين، حمدًا كثيرًا طبيًا طاهرًا مباركًا فيه، سبحانك لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيتَ على نفسك، تباركتَ تعاليتَ، ذا الجلال والإكرام. لك الحمد الدائم السرمد، حمدًا لا يحصيه العدد، ولا يقطعه الأبد، كما ينبغي لك أن تحمد، وكما أنت له أهل، وكما هو لك علينا حق. اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وسلِّم تسليمًا كثيرًا. وبعد ... فهذا كتاب "العمدة" في مشخية شُهْدَة بِنْتُ أَحْمَدَ بْنِ الْفَرَجِ الديِّنَوَرِي الإِبَرِي، وكما قال الذهبي: الجِهَة، المُعَمَّرة، الكاتبة، مسندة العراق فخر النساء1. وهذا الكتاب -كما يبدو من قراءته- يهدف إلى أمور هامة، بعضها عام، بعضها خاص: 1- فهو في حديث رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- في جملته وتبليغه، تيمنًا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "نضر الله امرءًا سمع منا شيئًا، فبلغه كما سمع، فربَّ مُبَلَّغ أوعى من سامع" 2.

_ 1 سير أعلام النبلاء "20/ 542" ترجمة رقم "344"، ومعنى الجهة: سيدة القوم. 2 ت "5/ 34" " 42" كتاب العلم "7" باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع من طريق محمود بن غيلان، عن أبي داود، عن شعبة، عن سماك بن حرب، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه به. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

2- وهو -وهذا خاص- في بيان ما روته هذه المحدِّثة الفضلى عن بعض شيوخها، وهذا ما يسمى "بالمشيخة"، وإذا كانت هذه المشيخات كثيرة للرجال؛ كمشيخة ابن طهمان، ومشيخة ابن الجوزي وغيرهما، فمشيخات النساء المحدِّثات قليلة؛ بل نادرة، وهذا الكتاب منها. والمشيخات تدل على مدى العناية بحديث رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سلم- وهي تدل كذلك على اتصال الأسانيد في كل عصر؛ في الحديث عامة، وفي الكتب خاصة؛ إذ يُنْقَل هذا وذاك جيلًا عن جيل؛ بحيث تستمر هذه الخصيصة للأمة المحمدية؛ اتصال أسانيد علمها وعلمائها. والمشيخات مظهر من مظاهر هذا الاتصال، وقد قامت صاحبة هذه المشيخة بجهد وافر في هذين المجالين: فالشيوخ الذين روت عنهم شُهْدَة هم من أصحاب المصنفات، وقد أعطتنا في هذه المشيخة نماذج من حديث هؤلاء الذي أودعوه في كتبهم. 3- ومن فوائد هذا الكتاب وأهدافه: تقديم الأسانيد العالية، فشهدة قد عُمِّرت حتى قاربت المائة -كما يقول الذهبي وغيره- حتى ألحقت الصغار بالكبار؛ أي: تساوى الصغار مع الكبار في أخذ الأحاديث عن الشيوخ نتيجة لعلو أسانيدها1. وما من شيخ من الشيوخ الذين أخذت عنهم إلا وعُمِّر في الغالب الأعم، وكانت تبين هذا في إثبات التاريخ الذي أخذه الشيخ عن الآخر، فهذه زيادة توثيق، وهو أيضًا بيان لعلو الإسناد. ومن أمثلة علو الإسناد في هذه المشيخة أن إسناد شهدة علا حتى تساوى

_ 1 وفيات الأعيان لابن خلكان "2/ 477".

بمسلم -رحمة الله عليه- وهو في القرن الثالث، وهي في القرن السادس. "انظر رقم 43 من هذه المشيخة". وكانت تبين ذلك أحيانًا وتترك للقارئ -وهو متخصص غالبًا- أن يتنبه إلى ذلك. والإسناد العالي إذا كان رواته موثَّقين -ورجال شهدة كذلك- فيه شرف الاقتراب من رسول لله -صلى الله عليه وسلم- وكثير من الفوائد الأخرى التي بينتها كتب علوم الحديث. 4- ومن أهداف هذه المشيخة وفوائدها: تقديم طائفة من العلم النبوي الشريف، من حديث رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- فغالب أحاديث هذا الكتاب صحيحة، وهي إما متفق عليها؛ أخرجها الشيخان أو أخرجها أحدهما، أو هي على شرط أحدهما. وهي تبين ذلك في آخر كل حديث، وتبين من الفوائد الحديثية التي تكون في الإسناد أو المتن. ترجمة شُهْدَة: ويجدر بنا أن نقدم ترجمة لهذه العالمة الفضلى تضفي عليها وعلى كتابها هذا وضوحًا وبيانًا: هي -كما قال الذهبي- بنت المحدث أبي نصر أحمد بن الفجر الدينوري الإبَرِيّ "نسبة إلى عمل الإبر"1، وهو من مشاهير بغداد ومحدثيها2، وقد قدمنا له ترجمة في التعليق على الحديث رقم "102". وأبوها له تأثير واضح على شهدة؛ فقد أسمعها الحديث وهي بنت ثماني سنوات، فهي تقول في الحديث رقم "102": إنه أسمعها في سنة تسعين وأربعمائة، وهي قد ولدت ببغداد سنة "482هـ"، فتكون سنها حنيئذ ثماني سنوات؛ بل وقد أجيز لها وهي أقل من هذه السن "انظر رقم 96".

_ 1 سير أعلام النبلاء "20/ 542". 2 الأنساب للسمعاني "1/ 118".

وبفضل دعائه لها، وبركته -كما تقول- وعت في هذه السن، وسجلت كثيرًا من السماعات في مشيختها هذه في تلك السن. وما زالت تَسْمَعُ وتُسْمِعُ إلى أن توفيت سنة "574"1، وقد قاربت المائة. سمعت من: أبي الْخَطَّابِ نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ البَطِر2 القارئ المحدث "494هـ"، وأبي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بن طلحة النَّعَّالي، وطِرَاد بن محمد الزينبي -وهو أكثير شيوخها رواية في هذه المشيخة وقد ابتدأت به- وغيرهم مثل: أبي الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أيوب، وأبي الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْقَادِرِ بن يوسف، وفخر الإسلام أبي بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الحسين الشاشي، وطلحة بن محمد الزينبي، وثابت بن بندار، وجعفر السَّرَّاج، وغيرهم كثيرًا، مما هو ثابت في هذه المشيخة وما ليس فيها، وكل هؤلاء من أكابر علماء عصرها. وحدث عنها: ابن عساكر، والسمعاني، وابن الجوزي، وعبد الغني المقدسي، وعبد القادر الرهاوي، وابن الأخضر - مُخَرِّج هذه المشيخة- والشيخ الموفق، والشيخ العماد، الشهاب بن راجح، والبهاء بن عبد الرحمن، والفخر الإربِلِي، وتاج الدين عبد الله بن حَمُّويه، وأعز بن العُلَّيْق، وإبراهيم بن الخَيِّر، وبهاء الدين بن الجميزي، ومحمد بن المنِّي، وأبو القاسم بن قميرة، وخلق كثير3، وآخر من رَوى عنها ابن قميرة، وتوفي سنة ستين وخمسمائة؛ أي: بين وفاتيهما ستة وثمانون عامًا4.

_ 1 سير أعلام النبلاء "20/ 543". 2 ترجم له الذهبي في سير أعلام النبلاء "19/ 46-48" قال: الشيخ المقرئ الفاضل، مسند العراق، أَبُو الْخَطَّابِ نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْبَطِرِ البغدادي البزاز القارئ، ولقد سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة ... قال ابن سُكَّرَة: شيخ مستور ثقة ... وقال السمعاني: وكان صالحًا صدوقًا، صحيح السماع، وهو آخر من حدث عن ابن البَيَّع وابن رِزْقويه وابن بِشْرَان. مات سنة "494" وله ست وتسعون سنة. 3 سير أعلام النبلاء "20/ 542" وابن الدبيثي، انظر هامش تكملة الإكمال "84". 4 هامش تكملة الإكمال ص84، 85، وقيل: إن آخر من حدَّث عنها بالإجازة محمد بن عبد الهادي بن قدامة المقدسي.

مكانتها: وأثنَى عليها العلماء كمحدِّثة عالمة، قال ابن نقطة: سماعها صحيح1. وقال الشيخ الموفق: انتهى إليها إسناد بغداد، وعُمِّرَت حتى ألحقت الصغار بالكبار "أي: بأسانيدها العالية". وقال ابن الجوزي: عاشت مخالطة العلماء. وقرئ عليها الحديث سنين2. ولقبها الذهبي "بمسندة العراق"، وابن الدبيثي "بأسند أهل زمانها"، وقال: وكان سماعها صحيحًا. وقال ابن العماد: "المُسْنِدَة، فخر النساء، كانت ديِّنَة عابدة صالحة، سمعها أبوها الكثير، وصارت مسندة العراق"3. ومن مكانتها عند العلماء أنهم اعتمدوا عليها في رواية الكتب؛ ومن ذلك كتاب "الأموال لأبي عُبيد"؛ ففي أوله: "قرئ على الشيخة الصالحة الكاتبة فخر النساء شهدة بنت أبي نصر أحمد بن الفرج عن عمر الإبري الدينوري بمنزلها ببغداد في الحادي عشر من شعبان سنة أربع ستين وخمسمائة، أخبركم النقيب الكامل أَبُو الْفَوَارِسِ طَرَّادُ بْنُ مُحَمَّدِ بن علي الزينبي في ثاني ذِي الْحِجَّةِ مِنْ سَنَةِ تِسْعِينَ وأربعمائة"4. وهذه هي السنة التي أسمعها أبوها الحديث، وكان عندها ثماني سنوات من عمرها، ثم سُمِعَ منها بعد أربع وسبعين سنة من سماعها له من شيخها طراد، وهذا ما يؤدي إلى العلو في الإسناد، وإلحاق الصغار بالكبار، كما قال العلماء عنها. كما روت كتبًا لابن أبي الدنيا؛ منها كتاب الشكر له، ففيه: "حدثنا الشيخ الفقيه الإمام الأجل العالم العامل، الصالح المتقن، بقية السلف الصالح،

_ 1 التقييد "ص501". 2 المنتظم "10/ 288". 3 شذارت الذهب "4/ 248". 4 الأموال "ص9".

أبو الحسن علي بن خلف بن معزوز بن فتوح المالكي التلمساني، المعروف بالكومي -أدام الله توفيقه- قراءة مني عليه بمصر ... قال الكومي: وقرئ على الشيخة العالمة فخر النساء شهدة بن أبي نصر أَحْمَد بْن الفرج بْن عمر الإبري -رضي الله عنها- وأنا أسمع أخبركم أبو الحسن أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْقَادِرِ بْنِ محمد بن يوسف في رمضان سنة تسعين وأربعمائة ... "1. ويلاحظ أنها سمعت هذا الكتاب أيضًا وهي بنت ثماني سنوات تقريبًا، وهي السنة نفسها التي سمعت فيها من أبيها، والتي سمعت فيها كتاب الأموال لأبي عبيد. وروت أيضًا كتاب الصمت وآداب اللسان له. ففي إسناده: "أخبرنا الشيخ الصالح المُعَمَّر أبو الحسن بن أبي عبد الله بن المقَيِّر البغدادي الحنبلي، قراءة عليه، وأنا أسمع، قيل له: أخبرتكم الشيخة الكاتبة فخر النساء شهدة بنت أبي نصر أحمد بن أبي الفرج الإبري قراءة عليها وأنت تسمع"2. ويقول ابن نقطة: ولها رواية في مسند مُسدَّد عن ثابت بن بندار3. وروت أيضًا مصارع العشاق لابن السراج، وذم المسكر، واليقين، وكتاب محاسبة النفس والإزراء، والفرج بعد الشدة، وكلها لابن أبي الدنيا. وروت وسمعت من أبي الْفَوَارِسِ طَرَّادُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ علي الزينبي كتاب الوجد والوجل والتوثق بالعمل لابن أبي الدنيا، وستة مجالس من أمالي أبي جعفر البختري، والجزء الأول من الفوائد المنتقاة والغرائب الحسان العوالي تخريج أبي الفتح بن أبي الفوارس. وروت وسمعت من الحسين بن أحمد بن طلحة النعالي الجزء الثاني والرابع من أمالي الحسين بن إسماعيل المحاملي، والجزء الثالث من كتاب الديباج لإسحاق بن إبراهيم الختلي، والجزء الأول من كتاب الجامع عن عبد الرزاق بن همام الصنعاني، وروت عن الحسين بن أحمد الباقلاني الجزء الثاني والخامس من

_ 1 كتاب الشكر "ص61، 63، 64". 2 كتاب الصمت، وآداب اللسان "ص171". 3 التقييد "ص501".

منتقى حديث الحسين بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ. وسمعت من الحسن بن أحمد الدقاق الجزء الأول من غرائب حديث مالك بن أنس. وروت عن جعفر بن أحمد السراج جزءًا من كرامات الأولياء للحسن الخلال، وحضرت على إبراهيم بن عثمان بن يوسف الكاشغري الجزء الثالث والرابع من مشيخة يعقوب بن سفيان. وروت وسمعت من أبي المعالي ثابت بن بندار البقال جزءًا فيه قراءات النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقطعة من كتاب الخيل. وسمعت من أبي الخطاب نصر بن أحمد البطرواني الجزء السادس من أمالي المحاملي. وروت الجزء الرابع من حديث أبي سهل أحمد القطان عن الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بن شاذان عن العلاف كتاب التصديق بالنظر إلى الله -عز وجل- وما أعد لأوليائه لمحمد الآجري، وعن عبد الرحمن بن نجم الحنبلي الجزء الثاني من حديث المحاملي. وروى عنها ابن الجوزي كتاب التصديق بالنظر إلى الله -عز جل- وما أعد لأوليائه لمحمد الآجري، وسمع منها علي بن هبة الله الشافعي الجزء الأول من غرائب حديث مالك بن أنس، وعبد الله بن عمر بن أبي بكر المقدسي الجزء الخامس من المنتقى من حديث ابن شاذان، والحسن بن عمر بن نصر الجزء الأول والرابع من أمالي المحاملي، وروى عنها عبد الرحمن بن عبد الوهاب الحنبلي الجزء الرابع من أمالي المحاملي. وسمع عليها يونس بن سعيد بن مسافر بن جميل القطان المقري كتاب محاسبة النفس لابن أبي الدنيا. ويحيى بن أبي السعود بن القميرة التاجر كتاب الفرج بعد الشدة لابن أبي الدنيا. وروى عنها عبد اللطيف بن محمد سبط التعاويذي ستة مجالس من أمالي البختري وضوء الصباح عجيبة بنت الباقداري كتاب الوجد والوجل لابن أبي الدنيا. وسمع منها بهاء الدين عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي كتاب ذم المسكر لابن أبي الدنيا، وعثمان بن أبي نصر بن منصور الواعظ المسعودي، ومحمد بن إبراهيم الإربلي جزءًا من حديث القطان، وأبو بكر عبد الله الرياني المتوفَّى سنة 627هـ. وروت كتاب المحبة لله سبحانه وتعالى لإبراهيم بن عبد لله بن الجنيد

الختلي، والجزء التاسع من فوائد عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الله الدقاق، والجزء الثاني من حديث محمد بن عبد بن خلف الدقاق عن شيوخه، وحديث الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَيَّاشٍ القطان عن شيوخه. كما روت مشيخة ابن شاذان الكبرى، وهو الحافظ أبو علي الحسين بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شاذان البزاز، وهي ترويها عن أبي غالب محمد بن الحسن الباقلاني، عن أَبِي عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بن إبراهيم بن شاذان، وقد سجلت منها بعض هذه المرويات في هذا الكتاب "67-70"1. وكل هذا وغيره يعطينا مدى إسهامها في أداء حديث رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- كما يعطينا هنا مدى ثقة العلماء بها، وبما عندها من العلم، فنقلوه عنها. ونلحظ هنا أنها لقبت بالكاتبة، وكما يقول ابن الجوزي: كان لها خط حسن2، وتحلت مع ذلك بالدين والصلاح والأخلاق الفاضلة والأعمال البارَّة الخيِّرة. قال ابن الجوزي: كان لها بِرٌّ وخير3. وقال ابن الدبيثي: امرأة جليلة صالحة، ذات دين وورع وعبادة4. وظلت كذلك إلا أن توفيت ببغداد سنة أربع وسبعين وخمسمائة، في ليلة الإثنين رابع عشر المحرم كما أرَّخ ذلك لها تلميذها أبو الفرج بن الجوزي، وقال: وصلى عليها بجامع القصر، وأزيل شباك المقصورة لأجلها، وحضرها خلق كثير، وعامة العلماء، ودفنت بمقبرة باب أبرز5. والمُحَدِّثة العالمة شهدة وغيرها يعطين مثلًا رائعًا وقدوة حسنة صالحة للسيدات المسلمات؛ كي يسهمن في رواية الحديث النبوي، ونقل العلم الإلهي، مثلهن في ذلك مثل الرجال سواء بسواء؛ كي تستقيم الحياة بما يحملن من هدى

_ 1 أعلام النساء "2/ 309-312". 2 فهرس الفهارس "2/ 626". 3 المنتظم "10/ 288"، ومشيخة ابن الجوزي "202". 4 هامش تكملة الإكمال "ص84". 5 المنتظم "10/ 288"، ومشيخة ابن الجوزي، وفيه "بيرز" بدل "أبرز".

نبوي كريم للنشء والأجيال، فتأثيرهن كبير في هذا الشأن. تعريف بالكتاب: والكتاب -كما قلنا- هو في مشيختها، خرَّجه في حياتها تلميذها عبد العزيز بن محمود بن المبارك بن الأخضر أبو محمد الحافظ، وهو من الحفاظ المكثرين الأثبات المأمونين، وهو واسع الرواية، صحيح الأصول، بيَّن ذلك ابن نُقْطَة، ثم قال: منه تعلمنا واستفدنا وما رأينا مثله1. وكان مولده سنة أربع وعشرين وخمسمائة، وتوفي في سادس شوال من سنة إحدى عشرة وستمائة. وكان هذا التخريج في حياة شهدة بدليل أن الكتاب سمع عليها ونقله غير ابن الأخضر -كما يتضح من الإسناد- ومن صفحة العنوان: رواية شمس الدين عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّشِيدِ بْنِ علي بن بُنيمان "548-624" فقد قرأه عليها في حياتها، وكما يتضح من السماع بآخر هذه المشيخة. وتبلغ هذه المشيخة "114" رواية، جُلُّها أحاديث مرفوعة، والقليل منها موقوف على الصحابة، أو بعض التابعين، أو تابعي التابعين. وتأتي لكل شيخ من شيوخها بروايات تختلف قلة وكثرة من شيخ إلى شيخ، وأكثر الروايات عن طِرَاد الزينبي التي ابتدأت به؛ إذ بلغت الروايات عنه إحدى عشرة رواية. ومجموع شيوخها هنا "27" شيخًا. وغالبًا ما تعقب على الحديث بذكر من أخرجه من الصحيحين، أو تبين درجته وعلو إسناده. والمخطوط الذي اعتمدت عليه في تحقيق الكتاب هو في مكتبة كوبريلي

_ 1 التقييد "ص364".

بتركيا، ويتكون من "36" لوحة ومسطرته "17" سطرًا، وفي كل سطر ثنتا عشرة كلمة تقريبًا، وهو بخط النسخ. وفي الصفحة الأولى من المخطوط بعد العنوان ما يبين أن هذه النسخة هي ملك لأبي محمد عبد الرحيم بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الزجاج المقري عفيف الدين1، وكانت قراءته لها على أبي مظفر النهراوني بحضور جماعة في يوم الأحد ثالث عشر من جمادى الآخرة من سنة سبع وأربعين وستمائة بمسجد الشيخ بالمأمونية. هذا يوضح أن هذه النسخة كُتبت في حياة هذا الشيخ أو قبله، وهو عاش ما بين "612-685"، ولا يستبعد أنها كتبت في حياة شهدة نفسها. والله أعلم. وفي هذا المخطوط ما يدل على صحة نسبته إلى شهدة، فقد روت شهدة معظم نسخة جعفر بن نسطور الرومي في هذه المشيخة "أرقام 96-101". وقال ابن حجر في الإصابة عندما تكلم عن هذه النسخة: "وسمعت من حديثه أيضًا -أي: حديث جعفر بن نسطور- في آخر مشيخة شهدة بنت الإبري" "الإصابة 1/ 551". وكذلك ذكرها في لسان الميزان، وساق حديث جعفر الذي يرويه منها. وقد ذكر الشيخ عبد الحي الكتاني هذا الكتاب وسنده إليه، فقال: "مشيخة شهدة الكاتبة: هي ست الكتبة بنت أحمد، تخريج أبي محمد بن الأخضر، به -أي: بسنده الذي ذكره في أول كتاب فهرس الفهارس- إلى السيوطي، عن البُلْقِيني، عن أبي إسحاق التنوخي، عن المزي، عن ست الأهل بنت علوان، عن البهاء عبد الرحمن بن إبراهيم المقدسي، عن شهدة بنت أحمد بن عمر. "ح" وبأسانيدنا إلى الحجار، عن أبي الفضل عبد العزيز بن داود الزاهد عنها "فهرس الفهارس 2/ 655". أقول: أروي عن الشيخ عبد الحي الكتاني هذا الكتاب وغيره بالإجازة عن

_ 1 شذرات الذهب "5/ 391" وفيه: "فقيه حنبلي زاهد، سني، أثري، عارف بمذهب أحمد، ولد سنة اثنتي عشرة وستمائة، وتوفي سنة 685".

شيخي محمد الحافظ بن عبد اللطيف، عنه، وعن غيره عنه. والله الموفق. عملي في هذا المخطوط: واتبعتُ في تحقيق هذا المخطوط الخطوات التالية: 1- نسخت المخطوط ورقَّمت رواياته، وقد بلغت "114" رواية كما ذكرت. 2- خرجت هذه الروايات بقدر الطاقة، وقد روعي في هذا التخريج أن يتبين منه ما إذا كان الحديث صحيحًا أو غير صحيح، وبحمد الله تعالى فإن معظم الأحاديث في البخاري ومسلم أو في أحدهما. 3- قد تكون الرواية التي ساقتها شهدة مختصرة، فأجتهد في إثباتها كاملة من كتب التخريج، وأثبت ذلك في الهامش بطبيعة الحال. 4- أُعقِّب بشرح للحديث أو بيان أحكامه بقدر الطاقة تتميمًا لفائدة الكتاب -إن شاء الله تعالى- وذلك من كتب شروح الحديث وغيرها. هذا وقد ساق الله -عز وجل- نسخة أخرى لهذه المشيخة؛ ولكنها منقولة عن أصل لا أعرف مصدره وكثيرة الأخطاء وناقصة قليلًا من أولها وكثيرًا من آخرها؛ ولكنها أفادت في التنبيه على بعض ما أبهم في النسخة الأصل، ورمزت لها بـ"ب". نسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى ما فيه رضاه، وأن يغفر زلاتنا، ويقيل عثراتنا، وأن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم. وصلى الله تعالى وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين. القاهرة في: 25 من ربيع أول 1414هـ 12 من سبتمبر 1993م الدكتور رفعت فوزي عبد المطلب أبو شهبة

المخطوطات

المخطوطات:

الشيخ الأول

بسم الله الرحمن الرحيم [1] أخبرنا القاضي الإمام العالم أَقْضَى الْقُضَاةِ شَمْسُ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّشِيدِ بن علي بُنَيْمَان1 بِالْمَوْصِلِ، قَدِمَ عَلَيْنَا رَسُولا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلاةِ سَلْخَ شهر الله رجب من سنة ستمائة، قراءة عليه هو يَسْمَعُ، قِيلَ لَهُ: أَخْبَرَتْكُمْ شُهدة بِنْتُ أَحْمَدَ بْنِ الْفَرَجِ الإِبَرِيُّ. [الشيخ الأول] : قَالَتْ: أنا الشَّرِيفُ أَبُو الْفَوَارِسِ طَرَّادُ بْنُ مُحَمَّدِ بن علي الزَّيْنَبي2 بقراءة

_ [1] خ "2/ 424" "59" كتاب بدء الخلق - "6" باب ذكر الملائكة - من طريق الحسن بن الربيع عن أبي الأحوص عن الأعمش به. م "4/ 2036" "46" كتاب القدر - "1" باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أمه، وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاته وسعادته - من طريق أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وغيره، عن أبي معاوية ووكيع، عن الأعمش به. 1 انظر ترجمته في التكملة لوفيات النقلة (3/ 117، 118) وفيه: "الهمذاني المقرئ الحداد سبط الحافظ أبي العلاء الهمذاني، بتُسْتَر، ودفن بها، قرأ القرآن الكريم على جده لأمه الحافظ أبي العلاء بهمذان، وسمع بها من أبي الخير محمد بن أحمد الباغبان، وجده أبي العلاء، وحضر أبا الوقت عبد الأول بن عيسى السِّجْزِي، ودخل بغداد في صباه وتفقه بها بالمدرسة النظامية على مذهب الإمام الشافعي -رضي الله عنه- على أبي الخير أحمد بن إسماعيل القَزْوِيني، وسمع منه، واستملى عليه. وسمع أيضًا من أبي الفرج محمد بن أحمد بن نبهان، وأبي الفتح عبيد الله بن شاتيل، وأبي السعادات نصر الله بن عبد الرحمن القزَّاز، وأبي حفص عمر بن أبي بكر بن التبان، وجماعة كبيرة. ومضى إلى الشام، وإلى ديار مصر، وكتب في سفره هذا عن جماعة، وعاد إلى همذان، وتولى القضاء بها من الديوان العزيز -مجده الله تعالى- وقدم بغداد وتولى أيضًا قضاء الجانب الغربي منها، ثم توجه إلى تستر وولي القضاء بها سكنها إلى حين وفاته". وحدَّث ببغداد، وغيرها. ولد سنة ثمان وأربعين وخمسمائة بهمذان، وتوفي سنة 621 في التاسع والعشرين من صفر منها. 2 هو طراد بن محمد بن علي بن حسن بن محمد، قال الذهبي: الإمام الأنبل، مسند العراق، نقيب النقباء، الكاملُ، أبو الفوارس بن أبي الحسن القرشي، الهاشمي، العباسي، الزينبي، البغدادي. ولد سنة ثمان وتسعين، وسمع أبا نصر بن حسنُون النَّرْسي، وأبا الحسن بن رِزْقويه، وهلالًا الحفار، وأبا الحسين بن بِشْران، والحسين بن بَرْهان، وأبا الفرج بن المسلمة، وأبا الحسن بن الحمَّامي، وطائفة، وأملى مجالس عدة، وخُرِّج له "العوالي" المشهورة، و"فضائل الصحابة". =

الْبَلْخِيِّ، وَأَجَازَ لِي فِي سَنَةِ تسعين وأربعمائة، وَأَنَا أَسْمَعُ، أنا الشَّرِيفُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ بْنِ عِيسَى بْنِ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قِرَاءَةً فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ سنة إحدى عشرة وأربعمائة، ثنا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الدَّقَّاقُ إِمْلاءً، نا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَنْصُورٍ الْحَارِثِيُّ، سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، ثنا الأَعْمَشُ، نا زَيْدُ1 بْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه سلم- وهو الصادق المصدوق2:

_ = حدث عنه ولداه: علي الوزير، ومحمد، وابن ناصر، وعمر بن عبد الله الحربي، وأحمد بن المقرب، ويحيى بن ثابت، وشهدة الكاتبة، وكمال بنت أبي محمد السمرقندي، وعمها إسماعيل، وهبة الله بن طاوس، وتَجَنِّي الوهبانية، وأبو الكرام الشَّهْرَزُوري، وعبد الله بن علي الطامَذِي الأصبهاني، وخلق، آخرهم موتًا خطيب الموصل أبو الفضل الطوسي. قال السمعاني: ساد الدهر رتبة، وعلوًّا، وفضلًا، ورأيًا، وشهامة، ولي نقابة البصرة، ثم بغداد، ومُتِّعَ بسمعه وبصره وقوته، وترسل عن الديوان، فحدث بأصبهان، وكان يحضر مجلس إملائه جميع أهل العلم، لم يُرَ ببغداد مثل مجالسه بعد القَطيعي. وقد أملى بمكة سنة تسع وثمانين وبالمدينة، وألحق الصغار بالكبار. قال أبو علي بن سُكَّرة: كان أعلى أهل بغداد منزلة عند الخليفة. وقال السلفي: كان حنفيًّا من جِلَّة الناس وكبرائهم، ثقة، ثبتًا، لم ألحقه. مات في سلخ شوال، سنة إحدى وتسعين وأربعمائة، ودفن بداره حولًا، ثم نُقل. "سير أعلام النبلاء 19/ 37-39". وقال السلفي في الوجيز "ص77": ولم أرَ ببغداد من أهل العلم أجل رتبة منه، ولم يكن يتقدم عليه أحد في مجلس الخليفة. وكان جليل القدر والخطر متواضعًا إلى غاية. 1 في الأصل: يزيد، وهو خطأ، والتصحيح من كتب التخريج ومن كتب الرواة. 2 الصادق المصدوق معناه: الصادق في قوله، المصدوق فيما يأتي من الوحي الكريم. قال في شرح المشكاة: الأولى أن تجعل الجملة اعتراضية لا حالية؛ لتعم الأحوال كلها، وأن يكون من عادته ودأبه ذلك، فما أحسن موقعها! وقال الحافظ في الفتح: الصادق معناه: المخبر بالقول الحق، وتطلق على الفعل، يقال: صدق القتال، وهو صادق فيه، والمصدوق معناه: الذي يُصدق له في القول، يقال: صدقته الحديث، إذا أخبرته به إخبارًا جازمًا، أو معناه: الذي صدقه الله تعالى وعده.

"إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجمع خلقُه فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا -أَوْ قَالَ: أَرْبَعِينَ لَيْلَةً- ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرسِل اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- الملَك، فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ". قَالَ: "فَيُكْتَبُ رِزْقُهُ، وَأَجَلُهُ، وَعَمَلُهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ، فَوَالَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ الْجَنَّةِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فيُختم لَهُ بِعَمَلِ النَّارِ، فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ النَّارِ، حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلا ذِرَاعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، فيُختم لَهُ بِعَمَلِ الْجَنَّةِ، فيكون من أهلها"1.

_ 1 في الحديث أن الأعمال -حسنها وسيئها- أمارات، وليست بموجبات، وأن مصير الأمور في العاقبة إلى ما سبق به القضاء، وجرى به القدر في الابتداء، وفيه القسم على الخبر الصدق تأكيدًا في نفس السامع. وفيه التنبيه على صدق البعث بعد الموت؛ لأن مَن قدر على خلق الشخص من ماء مهين، ثم نقله إلى العلقة، ثم إلى المضغة، ثم ينفخ فيه الروح، قادر على نفخ الروح بعد أن يصير ترابًا، ويجمع أجزاءه بعد أن يفرقها. ولقد كان قادرًا على أن يخلقه دَفْعَةً واحدة؛ ولكن اقتضت الحكمة بنقله في الأطوار رفقًا بالأم؛ لأنها لم تكن معتادة، فكانت المشقة تعظم عليها، فهيأه في بطنها بالتدريج إلى أن تكامل. وإذا تأمل الإنسان في أصل خلقه من نطفة، وتنقله في تلك الأطوار إلى أن صار إنسانًا جميل الصورة، مفضلًا بالعقل والفَهْم والنطق كان حقًّا عليه أن يشكر من أنشأه وهيأه، ويعبده حق عبادته، ويطيعه ولا يعصيه. وفيه الحث على الاستعاذة من سوء الخاتمة، وقد عمل به جمع جم من السلف وأئمة الخلف. وفيه أن الله يعلم الجزئيات كما يعلم الكليات لتصريح الخبر بأنه يأمر بكتابة أحوال الشخص مفصلة. وفيه أنه سبحانه مريد لجميع الكائنات بمعنى أنه خالقها ومقدرها لا أنه يحبها يرضاها. وفيه أن الأقدار غالبة، فلا ينبغي لأحد أن يغتر بظاهر الحال؛ ومن ثم شرع الدعاء بالثبات على الدين وبحسن الخاتمة. وقال ابن رجب في شرح الجزء الأخير من الحديث: وقد رُوي هذا الحديث عن النبي -صلى الله عليه سلم- من وجوه متعددة، وخرَّجه الطبراني من حديث علي بن أبي طالب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وزاد فيه: "صاحب الجنة مختوم له بعمل أهل الجنة، وصاحب النار مختوم له بعمل أهل النار وإن عمل أي عمل، وقد يسلك بأهل السعادة طريق أهل الشقاوة حتى يقال: ما أشبههم بهم بل هم منهم وتدركهم فتستنقذهم، وقد يسلك بأهل الشقاوة طريق أهل السعادة =

أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الأَعْمَشِ عَنْ زَيْدٍ أَبِي سُلَيْمَانَ الجهني.

_ = حتى يقال: ما أشبههم بهم بل هم منهم وتدركهم الشقاة، من كتبه الله سعيدًا في أم الكتاب لم يخرجه من الدنيا حتى يستعمله بعمل يسعده قبل موته ولو بفواق ناقة"، ثم قال: "الأعمال بخواتيمها، الأعمال بخواتيهما". وخرج البزار في مسنده بهذا المعنى أيضًا من حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وفي الصحيحين عن سهل بن سعد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- التقى هو والمشركون، وفي أصحابه رجل لا يدع شاذة وفاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هو من أهل النار"، فقال رجل من القوم: أنا صاحبه فاتبعه، فجرح الرجل جرحًا شديدًا، فاستجعل الموت، فوضع نصل سيفه على الأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أشهد أنك رسول الله، وقص عليه القصة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة". زاد البخاري رواية: "إنما الأعمال بالخواتيم". وقوله: "فيما يبدو للناس" إشارة إلى أن باطن الأمر يكون بخلاف ذلك، وأن خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس، إما من جهة عمل سيئ ونحو ذلك، فتلك الخصلة الخفية توجب سوء الخاتمة عند الموت، وكذلك قد يعمل الرجل عمل أهل النار وفي باطنه خصلة خفية من خصال الخير، فتغلب عليه تلك الخصلة في آخر عمره فتوجب له حسن الخاتمة. قال عبد العزيز بن أبي رواد: حضرت رجلًا عن الموت يلقن الشهادة "لا إله إلا الله"، فقال في آخر ما قال: هو كافر بما تقول، ومات على ذلك، قال: فسألت عنه، فإذا هو مدمن خمر، وكان عبد العزيز يقول: اتقوا الذنوب؛ فإنها هي التي أوقعته. وفي الجملة فالخواتيم ميراث السوابق، فكل ذلك سبق في الكتاب السابق، ومن هنا كان يشتد خوف السلف من سوء الخواتيم، ومنهم من كان يقلق من ذكر السوابق، وقد قيل: إن قلوب الأبرار معلقة بالخواتيم، يقولون: بماذا يختم لنا؟ وقلوب المقربين معلقة بالسوابق، يقولون: ماذا سبق لنا؟ وبكى بعض الصحابة عند موته فسئل عن ذلك فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله تعالى قبض خلقه قبضتين فقال: هؤلاء في الجنة، وهؤلاء في النار، ولا أدري في أي القبضتين كنت؟ "، فقال بعض السلف: ما أبكى العيون وما أبكاها الكتاب السابق. وقال سفيان لبعض الصالحين: هل أبكاك قط علم الله فيك؟ فقال له ذلك الرجل: تركني لا أفرح أبدًا. وكان سفيان يشتد قلقه من السوابق والخواتيم فكان يبكي ويقول: أخاف أن أكون في أم الكتاب شقيًّا، ويبكي ويقول: أخاف أن أسلَب الإيمان عند الموت. وكان مالك بن دينار يقوم طول ليله قابضًا على لحيته ويقول: يا رب، قد علمت ساكن الجنة من ساكن النار، ففي أي الدراين منزل مالك؟ وقال حاتم الأصم: من خلا قلبه من ذكر أربعة أخطار فهو مغتر فلا يأمن الشقاء: الأول: خطر يوم الميثاق حين قال: هؤلاء في الجنة ولا أبالي، وهؤلاء في النار ولا أبالي، فلا يعلم في أي الفريقين كان. والثاني: حين خلق في ظلمات ثلاث، فنادى الملَك بالشقاوة والسعادة، ولا يدري أمن الأشقياء هو أم من السعداء. والثالث: ذكر هول المطلع، فلا يدري أيُبَشَّر برضا الله أم بسخطه. والرابع: يوم يصدر الناس أشتاتًا، فلا يدري أي الطريقين يسلك به. وقال سهل التستري: المريد يخاف أن يبتلى المعاصي، والعارف يخاف أن يبتلى بالكفر. ومن هنا كان =

[2] أَخْبَرَنَا طِرَاد، نا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَان السُّكَّرِي المُعَدِّل، أنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الصَّفَّار قِرَاءَةً في سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، أنا أحمد بن منصور، ونا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ، ثنا مَعْمَرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إني بَنِي أَبِي سَلَمَةَ فِي حَجْرِي1، ليس لَهُمْ شَيْءٌ إِلا مَا أَنْفَقْتُ عَلَيْهِمْ، وَلَسْتُ بِتَارِكَتِهِمْ، أَفَلِي أَجْرٌ إِنْ أَنْفَقْتُ عَلَيْهِمْ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنْفِقِي عَلَيْهِمْ؛ فَإِنَّ لَكِ أَجْرَ مَا أَنْفَقْتِ عَلَيْهِمْ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ، وَعَنْ عَبْدِ الرزاق.

_ = الصحابة ومن بعدهم من السلف الصالح يخافون على أنفسهم النفاق ويشتد قلقهم وجزعهم منه، فالمؤمن يخاف على نفسه النفاق الأصغر، ويخاف أن يغلب ذلك عليه عند الخاتمة فيخرجه إلى النفاق الأكبر، كما تقدم أن دسائس السوء الخفية توجب سوء الخاتمة، وقدكان النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يكثر أن يقول في دعائه: "يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك"، ققيل له: يا نبي الله، آمنا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ فقال: "نعم، إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن -عز وجل- يقبلها كيف شاء" خرجه الإمام أحمد والترمذي من حديث أنس. وخرج الإمام أحمد من حديث أم سلمة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يكثر في دعائه أن يقول: "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"، فقلت: يا رسول الله، أوإن القلوب لتنقلب؟ قال: "نعم، ما من خلق الله من بني آدم من بشر إلا أن قلبه بين أصبعين من أصابع الله -عز وجل- فإن شاء الله -عز وجل- أقامه وإن شاء أزاغه"، فنسأل الله ربنا ألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ونسأله أن يهب لنا من لدنه رحمة إنه هو الوهاب، قالت: قلت: يا رسول الله، ألا تعلمني دعوة أدعو بها لنفسي؟ قال: "بلى، قولي: اللهم رب النبي محمد صلى الله عليه وسلم اغفر لي ذنبي، وأذهب غيظ قلبي، واؤجرني من مضلات الفتن ما أحييتني"، وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة. وخرج مسلم من حديث عبد الله بن عمرو: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن -عز وجل- كقلب واحد يصرفه حيث يشاء"، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك". "جامع العلوم والحكم 69-71". [2] م "2/ 695" "12" كتاب الزكاة - "14" باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مُشْرِكِينَ - من طريق أبي أسامة، عن هشام به. ومن طريق إسحاق بن إبراهيم وعبد الرزاق عن معمر به. خ "3/ 428" "69" كتاب النفقات - "14" باب {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} وهل على المرأة من شيء - من طريق موسى بن إسماعيل، عن وهيب، عن هشام به. 1 حَجْرِي: أي كنفي وحمايتي.

[3] أَخْبَرَنَا طَرَّادُ، نا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقَوَيْهِ1 قَالَ: أنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ، نا عَلِيُّ بن حرب، نا سفيان ابن عُيَيْنَةَ2، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بن جبير بن مُعْطِم، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يُمحى بِي الكفر، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي أَحْشُرُ النَّاسَ، وأنا العاقب 3 الذي ليس بعده نَبِيٌّ". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ. [4] أَخْبَرَنَا طَرَّادٌ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ رزق البزاز4 في شهر

_ [3] خ "2/ 512" "61" كتاب المناقب - "7" باب ما جاء في أسماء الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طريق إبراهيم من المنذر، عن معن، عن مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ محمد بن جبير به، رقم "3532". م "4/ 1828" "43" كتاب الفضائل - "34" باب في أسماء النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من طريق سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عن محمد بن جبير به، رقم "124/ 2354". 1 له ترجمة في تاريخ بغداد "1/ 351" قال الخطيب البغدادي فيها: "كان ثقة صدوقًا كثير السماع والكتابة، وحسن الاعتقاد جميل المذهب ... وهو أول شيخ كتبت عنه". 2 في الأصل: سفيان بن عيينة، عن محمد بن جبير بن مطعم، وسقط بينهما "الزهري"، من الكاتب كما يتبين من كتب التخريج، ومن نسخة "ب". 3 العاقب: قال أبو عبيد: كل شيء خلف بعد شيء فهو عاقب؛ ولذا قيل لولد الرجل بعده: هو عقبه، وكذا آخر كل شيء. ورواه ابن وهب عن مالك قال: معنى العاقب: ختم الله به الأنبياء، وختم بمسجده هذه المساجد؛ يعني: مساجد الأنبياء. [4] خ "1/ 209" "10" كتاب الأذان - "11" باب أذان الأعمى - من طريق عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب به، وفيه:"ثم قال: كان رجلًا أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت". رقم "617". م "2/ 766" "13" كتاب الصيام - "8" باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، وأن له الأكل وغيره حتى يطلع الفجر، وبيان صفة الفجر الذي تتعلق به الأحكام، من الدخول في الصوم، ودخول وقت صلاة الصبح، وغير ذلك - من طريق حرملة بن يحيى، عن ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب به، رقم "37/ 1092". وفي بعض روايات مسلم: "ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا". قال العلماء: معناه أن بلالًا كان يؤذن قبل الفجر، ويتربص بعد أذانه للدعاء ونحوه، ثم يرقب الفجر، فإذا قارب طلوعه نزل فأخبر ابن أم مكتوم، فيتأهب ابن أم مكتوم للطهارة وغيرها، ثم يرقى ويشرع في الأذان مع أول طلوع الفجر. 4 هو ابن رزقويه الذي سبقت ترجمته في التعليق على الحديث السابق.

رمضان سنة إحدى عشرة وأربعمائة، نا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة، نا جَدِّي عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، نا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ بِلالا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى تَسْمَعُوا آذَانَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ. [5] أَخْبَرَنَا طَرَّادٌ، أنا أَبُو الْفَتْحِ هِلالُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ سَعْدَانَ بن

_ [5] خ "1/ 294" "11" وكتاب الجمعة - "32" باب إذا رأى الإمام رجلًا جاء وهو يخطب أمره أن يصلي ركعتين - من طريق أبي النعمان، عن حماد بن زيد به. رقم "930". وفي الباب الذي بعده "33" باب من جاء والإمام يخطب صلى ركعتين خفيفتين - من طريق علي بن عبد الله، عن سفيان، عن عمرو به. رقم "931". م "2/ 596" "7" كتاب الجمعة، "14" باب التحية والإمام يخطب - من طريق أبي الربيع الزهراني وقتيبة بن سعيد، عن حماد به. رقم "54/ 875". كما روى مسلم عن طريق الليث، عن أبي الزبير، عن جابر أنه قال: جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاعد على المنبر، فقعد سليك قبل أن يصلي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أركعت ركعتين؟ " قال: لا. قال: "قم فاركعهما". رقم "58/ 875". وروى الترمذي من طريق سفيان بن عيينة عن محمد بن عجلان عن عياض بن عبد الله بن أبي سرح: "أن أبا سعيد الخدري دخل يوم الجمعة ومروانُ يخطب، فقام يصلي، فجاء الحرس ليُجلسوه، فأبَى حتى صلى، فلما انصرف أتيناه، فقلنا: رحمك الله، إن كادوا ليقعوا بك! إن كادوا ليقعوا بك! فقال: ما كنت لأتركهما بعد شيء رأيتُه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم ذكر أن رجلًا جاء يوم الجمعة في هيئة بذة والنبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب يوم الجمعة فأمره فصلى ركعتين، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب". قال ابن أبي عمر: كان سفيان بن عيينة يصلي ركعتين إذا جاء والإمام يخطب، وكان يأمر به، وكان أبو عبد الرحمن المقري يراه. قال أبو عيسى: وسمعت ابن أبي عمر يقول: قال سفيان بن عيينة: كان محمد بن عجلان ثقة مأمونًا في الحديث. قال: وفي الباب عن جابر، وأبي هريرة، وسهل بن سعد. =

عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَاهَوَيْهِ بْنِ مِهْيَارِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ الكَسْكَرِي1، قِرَاءَةً، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَيَّاشٍ الْقَطَّانُ قِرَاءَةً، فِي رَجَبٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وثلاثين وثلاثمائة، ثنا أَبُو الأَشْعَثِ أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ الْعِجْلِيُّ يَوْمَ الاثْنَيْنِ لَسِتٍّ خَلَوْنَ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلا أَتَى الْمَسْجِدَ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَصَلَّيْتَ يَا فُلانُ؟ " قَالَ: لا، قال: "قم فَارْكَعْ". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَمْرٍو.

_ = قال أبو عيسى: حديث أبي سعيد الخدري حديث حسن صحيح. والعمل على هذا عند بعض أهل العلم. وبه يقول الشافعي، وأحمد، وإسحاق. وقال بعضهم: إذا دخل والإمام يخطب فإنه يجلس ولا يصلي. وهوقول سفيان الثوري، وأهل الكوفة. والقول الأول أصح. حدثنا قتيبة، حدثنا العلاء بن خالد القرشي قال: رأيت الحسن البصري دخل المسجد يوم الجمعة والإمام يخطب، فصلى ركعتين، ثم جلس. إنما فعل الحسن اتباعًا للحديث، وهو رَوى عن جابر عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- هذا الحديث. "الترمذي" "2/ 385-387". قال البغوي -رحمه الله- في فقه هذا الحديث: في الحديث دليل على أن الإمام إذا تكلم في أثناء الخطبة لا يعيدها، وذهب بعض الفقهاء إلى أنه يعيد الخطبة. وفيه دليل على أن مَن دخل والإمام يخطب لا يجلس حتى يصلي ركعتين، وهو قول كثير من أهل العلم، وإليه ذهب الحسن، وبه قال ابن عيينة، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وقال بعضهم: يجلس ولا يصلي، وهو قول سفيان الثوري، وأصحاب الرأي، وفيه: أن التطوع ركعتان ليلًا ونهارًا. "شرح السنة 4/ 266". 1 له ترجمة في تاريخ بغداد "14/ 75". وقال الخطيب: كتبنا عنه وكان صدوقًا ... وسألته عن مولده، فقال: ولد في شهر ربيع الآخر من سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة ... ومات سنة أربع عشرة وأربعمائة.

[6] أَخْبَرَنَا طَرَّادٌ، أنا هِلالٌ، أنا الْحُسَيْنُ بْنُ يَحْيَى، ثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، ثنا أَبُو دَاوُدَ، ثنا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ الله بن الحارث،

_ [6] خ "2/ 82" "34" كتاب البيوع - "19" باب إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا - عن طريق سليمان بن حرب، عن شعبة، عن قتادة به. رقم "2079". "أطرافه في: 2082، 2108، 2110، 2114". م "3/ 1164" "21" كتاب البيوع - "11" باب الصدق في البيع - من طريق محمد بن المثنى، عن يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن عمر بن علي، عن يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي، عن شعبة، عن قتادة به. رقم "47/ 1532". والحديث بظاهره يدل على خيار المجلس. قال الإمام البغوي مبينًا آراء العلماء في ذلك: اختلف أهل العلم في ثبوت خيار المكان للمتبايعين؛ فذهب أكثرهم إلى أنهما بالخيار بين فسخ البيع وإمضائه ما لم يتفرقا بالأبدان، يُروى فيه عن ابن عباس، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمرو، وحكيم بن حزام، وهو قول عبد الله بن عمر، وأبي بَرْزَة الأسلمي، وإليه ذهب شريح، وسعيد بن المسيَّب، والحسن البصري، والشعبي، وطاوس، وعطاء بن أبي رباح، وبه قال الزهري والأوزاعي، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور. وقال النخعي: لا يثبت خيار المكان، ويلزم اليبع بنفس التواجب وهو قول مالك، والثوري، وأصحاب الرأي، وحملوا التفرقَ المذكور في الحديث على التفرق في الرأي والكلام. والأول أصح؛ لأن العلم قد استقر بين العامة على أن ملك البائع لا يزال إلا بقبول من جهة المشتري، فتأويل الحديث على أمر معلوم عند العامة إخلاء الحديث عن الفائدة، والدليل على أن المراد منه هو التفرق بالأبدان ما رُوي أن ابن عمر كان إذا ابتاع الشيء يعجبه أن يجب له، فارق صاحبه، فمشى قليلًا، ثم رجع فحمل التفرق على التفرق بالأبدان، وراوي الحديث أعلم بالحديث من غيره. وروي عن أبي الوضيء قال: كنا في غزاة، فباع صاحب لنا فرسًا له من رجل، وباتا ليلة، فلما أردنا الرحيل خاصمه إلى أبي برزة، فقال أبو برزة: لا أراكما تفرقتما، سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "البيعان بالخيار مالم يتفرقا". ورُوي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا، إلا صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله". ففيه دليل على أن المراد من التفرق الأبدان، وقوله: "خشية أن يستقيله" أراد: خشية أن يفسخ العقد، فيكون بمنزلة الاستقالة؛ لأن الإقالة لا تعلق لها بمجلس العقد؛ بل يجوز بعد التفرق كما يجوز قبله، وقوله في الحديث: "إلا بيع الخيار" معناه: أن يقول أحدهما لصاحبه: اختر، فقول: اخترت، فيكون هذا إلزامًا للبيع منهما، وإن كان المجلس قائمًا، ويسقط خيارهما، وتأوَّله بعضهم على خيار الشرط، وقال: هذا استثناء يرجع إلى مفهوم مدة الخيار، معناه: كل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا، فإذا تفرقا لزم البيع إلا أن يتبايعا بشرط خيار ثلاثة أيام، فيبقى خيار الشرط بعد التفرق، وهذا تأويل بعيد؛ لأن الاستثناء يرجع إلى ما ظهر من الكلام، وظاهر الكلام إثبات الخيار، والاستثناء من الإثبات نفي، ومن النفي إثبات. وفي الحديث بيان أن على البائع إذا علم بما باع عيبًا ألا يكتمه. "شرح السنة 8/ 39-41، 45".

عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَالبَّيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وبيَّنا بُورك لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا مُحق بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ وَغَيْرِهِ عَنْ قَتَادَةَ. [7] أَخْبَرَنَا طَرَّادٌ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بَرْهَان الغزَّال1 الشَّيْخُ الصَّالِحُ، ثنا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقُ إِمْلاءً، نا أَبُو قِلابَةَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّقَاشِيُّ، ثنا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ السَّمَّانُ، ثنا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبِيدَة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي 2، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ" 3. وَلا أَدْرِي أَذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلاثَةً. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَوْنٍ وَغَيْرِهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ. [8] أَخْبَرَنَا طَرَّادٌ، ثنا أَبُو الْفَرَجِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْحَسَنِ بن

_ [7] خ "2/ 251" "52" كتاب الشهادات - "9" باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد - من طريق محمد بن كثير، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم به. رقم "2652". "أطرافه في: 3651، 6429، 6658] . م "4/ 1963" "44" كتاب فضائل الصحابة - "52" باب فضل الصحابة، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يلونهم - من طريق الحسن بن علي الحلواني، عن أزهر بن سعد السمان به. رقم "212/ 2533". 1 له ترجمة في تاريخ بغداد "8/ 82، 83" قال الخطيب: وكان شيخًا ثقة صالحًا كثير البكاء عن الذكر. توفي سنة اثنتي عشرة وأربعمائة. 2 المراد بقرنه -صلى الله عليه وسلم- أصحابه، ثم الذين يلونهم: يعني أتباعهم، ثم الذين يلونهم: يعني أتباع التابعين، وهذا يقتضي أن الصحابة أفضل من التابعين، والتابعون أفضل من أتباع التابعين. والقرن مأخوذ من الاقتران في الأمر الذي يجمعهم، قيل: والقرن ثمانون سنة، أو أربعون، أو مائة، أو غير ذلك. 3 في الأصل: "ثم الذين يلونهم" الثالثة، وهي ليست في "ب" وليست في كتب التخريج. [8] م "4/ 2119" "49" كتاب التوبة - "8" باب قبول توبة القاتل، وإن كثر قتله - من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، عن عفان بن مسلم به. "50/ 2766". =

الْمُسْلِمَة الْمُعَدِّل1 قِرَاءَةً فِي سَنَةِ اثنتي عشرة وأربعمائة، ثنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ يوسف بن خَلادٌ، ثنا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ، ثنا عَفَّانُ، ثنا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عَوْنًا وَسَعِيدَ بْنَ أَبِي بُرْدة حدثاه أَنَّهُمَا شَهِدَا أَبَا بُرْدَةَ يُحَدِّثُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لا يَمُوتُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلا أَدْخَلَ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مَكَانَهُ النَّارَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا". قَالَ: فَاسْتَحْلَفَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ2 بِاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: فَحَلَفَ لَهُ. فَلَمْ يُحَدِّثْنِي سَعِيدٌ أَنَّهُ اسْتَحْلَفَهُ، وَلَمْ ينكر على عون قوله.

_ = قال ابن حجر: "ورواه البخاري في تاريخه عن طريق محمد بن إسحاق بن طلحة التيمي، وعمارة القرشي، وعبد الملك بن عمير، وعمرو بن قيس السكوني - كلهم عن أبي بردة به. "ثم ذكر علله والاختلاف فيه على أبي بردة، قال: والحديث في الشفاعة وأن قومًا يعذبون، ثم يخرجون أكثر وأبين". قلت -أي ابن حجر: يجوز تخصيص هذا بحديث الشفاعة، فيحتمل أن الطائفة المعذبة من العصاة لا يحصل لهم هذا النداء ابتداء. والله أعلم. "الإمتاع بالأربعين المتباينة بشرط السماع ص287، 288". وروى القطيعي في جزء الألف دينار "ص144" ما يبين فكاك المؤمن من أمة محمد بغيره من أهل الأديان -روى من طريق بشر "بن موسى الأسدي" عن عبد الرحمن القرى، عن سعيد بن أبي بن أيوب، عن أبي القاسم -رجل من أهل حمص، عن عمرو بن قيس السكوني، عن أبي بردة الأشعري، عن أبيه، عن النبي- صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أمتي مرحومة، مغفور لها، جعل عذابها بينها في الدنيا، فإذا كان يوم القيامة أعطي كل رجل من أمتي رجلًا من أهل الأديان، فقثيل: هذا فداؤك من النار". أقول: إن كثيرًا من النكبات التي يصاب بها المسلمون من كيد بعض اليهود والنصارى من الأجانب غير المصريين، فلعل الله -عز وجل- يعوض المسلمين خيرًا في الآخرة بما جاء في هذا الحديث الشريف. والله أعلم. 1 له ترجمة في تاريخ بغداد "5/ 67، 68" قال الخطيب: كتبت عنه وكان ثقة، وبلغني أنه ولد في آخر ذي القعدة من سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة ... مات سنة خمس عشرة وأربعمائة. 2 "فاستحلفه عمر بن عبد العزيز" إنما استحلفه لزيادة الاستيثاق والطمأنينة، ولما حصل له من السرور بهذه البشارة العظيمة للمسلمين أجمعين، ولأنه إذا كان عنده فيه شك وخوف غلط، أو نسيان أو اشتباه، أو نحو ذلك، أمسك عن اليمين، فإذا حلف تحقق انتفاء هذه الأمور، وعرف صحة الحديث. وقد جاء عن عمر بن عبد العزيز والشافعي -رحمهما الله- أنهما قالا: هذا الحديث أرجى حديث للمسلمين.

أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَفَّانَ، وَمِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ هَمَّامٍ. [9] أَخْبَرَنَا طَرَّادٌ، ثنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ قِرَاءَةً، أنا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصفَّار، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادي، ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَى رِجَالا، وَلَمْ يعطِ رِجَالا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطَيْتَ فُلانًا، وَتَرَكْتَ فُلانًا، فَلَمْ تُعْطِهِ، وَهُوَ مُؤْمِنٌ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَوَ مُسْلِمٌ؟ ". فَأَعَدْتُهَا ثَلاثًا، وَهُوَ يَقُولُ: "أَوَ مُسْلِمٌ؟ ". قَالَ: "إِنِّي لأُعْطِي رجالًا وأدع من أهو أَحَبُّ إليَّ مِنْهُمْ 1 مَخَافَةَ أَنْ يُكَبُّوا فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ"، أو قال: "على مناخرهم" 2.

_ [9] خ "1/ 25" "1" كتاب الإيمان - "19" باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة، وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل - من طريق أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري به. رقم "27". "طرفه: 1478". م "1/ 132" "11" كتاب الإيمان - "66" باب تألف من يخاف على إيمانه لضعفه، والنهي عن القطع بالإيمان من غير دليل قاطع - من طريق ابن أبي عمر، عن سفيان، عن الزهري به. رقم "236". ومن طريق زهير بن حرب، عن يعقوب بن إبراهيم، عن ابن شهاب به. رقم "237". 1 "إني لأعطي رجلًا، وأدع ... " إلخ، معناه: أعطي مَن أخاف عليه لضعف إيمانه أن يكفر، وأدع غيره ممن هو أحب إليَّ منه؛ لما أعلمه من طمأنينة قلبه وصلابة إيمانه. 2 قال الإمام النووي في فقه هذا الحديث: وأما فقهه ومعانيه ففيه الفرق بين الإسلام والإيمان، وفي هذه المسألة خلاف وكلام طويل، وفيه دلالة لمذهب أهل الحق في قولهم: إن الإقرار باللسان لا ينفع إلا إذا اقترن به الاعتقاد بالقلب، خلافًا للكرامية وغلاة المرجئة في قولهم: يكفي الإقرار، وهذا خطأ ظاهر يرده إجماع المسلمين والنصوص في إكفار المنافقين وهذه صفتهم، وفيه الشفاعة إلى ولاة الأمور فيما ليس بمحرم، وفيه مراجعة المسئول في الأمر الواحد، وفيه تنبيه المفضول الفاضل على ما يراه مصلحة، وفيه أن الفاضل لا يقبل ما يشار عليه به مطلقًا بل يتأمله؛ فإن لم تظهر مصلحته لم يعمل به، وفيه الأمر بالتثبت وترك القطع بما لا يعلم القطع فيه، وفيه أن الإمام يصرف المال في مصالح المسلمين الأهم فالأهم، وفيه أنه لا يقطع لأحد بالجنة على التعيين إلا من ثبت فيه نص كالعَشَرة وأشباههم، وهذا مجمع عليه عند أهل السنة، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "أو مسلم؟ " فليس فيه إنكار كونه مؤمنًا؛ بل معناه النهي عن القطع بالإيمان وأن لفظة الإسلام أولى به؛ فإن الإسلام معلوم بحكم الظاهر، وأما الإيمان فباطن لا يعلمه إلا الله تعالى، وقد زعم صاحب التحرير أن هذا الحديث إشارة إلى أن الرجل لم يكن مؤمنًا، وليس كما زعم؛ بل فيه إشارة إلى إيمانه؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في جواب سعد ... "شرح النووي على مسلم 1/ 540، 541".

الشَّيْخُ الصَّالِحُ قِرَاءَةً، أنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ البَخْتَرِي الرَّزَّاز1 إِمْلاءً.... "ح" وَأَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْبُنْدَارُ قِرَاءَةً فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وتسعين وأربعمائة، أَنْبَأَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ2 قِرَاءَةً فِي رَبِيعِ الأَوَّلِ سنة اثنتي عشرة وأربعمائة قَالَ: قُرِئَ عَلَى أَبِي عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ صَالِحٍ الصفَّار فِي الْمُحَرَّمِ سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة قَالا: ثنا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرِ بْنِ مَنْصُورٍ الْبَزَّازُ. "ح" وَأَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَيُّوبَ قراءة في سنة تسعين وأربعمائة، أَنْبَأَ أَبُو طَاهِرٍ عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ المؤدِّب بِقِرَاءَةِ ابْنِ النَّحْوِيِّ فِي سَنَةَ ثمان وعشرين وأربعمائة، أنبا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بن الحسن بن إسحاق الصواف قراءة في منزله، ثنا أَبُو عَلِيٍّ بِشْرُ بْنُ مُوسَى بْنِ صَالِحِ بْنِ شَيْخِ بْنِ عُمَيْرَةَ3، ثنا الْحُمَيْدِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، ثنا سُفْيَانُ، عَنِ

_ = وأما النسائي فأخرجه في التفسير "الكبرى 6/ 391، 392 رقم 11311" عن عبيد الله بن سعيد "عن سفيان". وأما ابن ماجه فأخرجه في الفتن "3953" من حديث أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ به. وخالف هؤلاء مالك بن إسماعيل وعمرو الناقد، فروياه عن سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بإسقاط حبيبة. وطريق مالك خرجها البخاري "7059"، وطريق الناقد خرجها مسلم "2880"، وخالف سفيان بن عيينة جمهور الرواة عن الزهري، فرواه عقيل وابن أبي عتيق وشعيب -وهذه الثلاثة في البخاري- ويونس وصالح -وهاتان في مسلم- ليس في شيء منها ذكر حبيبة "هامش الرباعي ص24، 25". 1 له ترجمة في تاريخ بغداد "3/ 132"، قال الخطيب: كان ثقة ثبتًا. مات سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة. وفي المخطوط: "البزاز" وما أثبتناه هو الصواب. انظر: تاريخ بغداد، وسير أعلام النبلاء "15/ 385"، وتوضيح المشتبه 4/ 166، 167. 2 له ترجمة في تاريخ بغداد "10/ 199" "قال الخطيب: كتبنا عنه وكان صدوقًا، مات سنة سبع عشرة وأربعمائة". 3 له ترجمة في تاريخ بغداد "7/ 86-88"، وفيه قال الدراقطني:.... ولد سنة 191، ومات سنة 288.

الشَّيْخُ الصَّالِحُ قِرَاءَةً، أنا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ البَخْتَرِي الرَّزَّاز1 إِمْلاءً.... "ح" وَأَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْبُنْدَارُ قِرَاءَةً فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وتسعين وأربعمائة، أَنْبَأَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ2 قِرَاءَةً فِي رَبِيعِ الأَوَّلِ سنة اثنتي عشرة وأربعمائة قَالَ: قُرِئَ عَلَى أَبِي عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ صَالِحٍ الصفَّار فِي الْمُحَرَّمِ سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة قَالا: ثنا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرِ بْنِ مَنْصُورٍ الْبَزَّازُ. "ح" وَأَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَيُّوبَ قراءة في سنة تسعين وأربعمائة، أَنْبَأَ أَبُو طَاهِرٍ عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ المؤدِّب بِقِرَاءَةِ ابْنِ النَّحْوِيِّ فِي سَنَةَ ثمان وعشرين وأربعمائة، أنبا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بن الحسن بن إسحاق الصواف قراءة في منزله، ثنا أَبُو عَلِيٍّ بِشْرُ بْنُ مُوسَى بْنِ صَالِحِ بْنِ شَيْخِ بْنِ عُمَيْرَةَ3، ثنا الْحُمَيْدِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، ثنا سُفْيَانُ، عَنِ

_ = وأما النسائي فأخرجه في التفسير "الكبرى 6/ 391، 392 رقم 11311" عن عبيد الله بن سعيد "عن سفيان". وأما ابن ماجه فأخرجه في الفتن "3953" من حديث أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ به. وخالف هؤلاء مالك بن إسماعيل وعمرو الناقد، فروياه عن سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بإسقاط حبيبة. وطريق مالك خرجها البخاري "7059"، وطريق الناقد خرجها مسلم "2880"، وخالف سفيان بن عيينة جمهور الرواة عن الزهري، فرواه عقيل وابن أبي عتيق وشعيب -وهذه الثلاثة في البخاري- ويونس وصالح -وهاتان في مسلم- ليس في شيء منها ذكر حبيبة "هامش الرباعي ص24، 25". 1 له ترجمة في تاريخ بغداد "3/ 132"، قال الخطيب: كان ثقة ثبتًا. مات سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة. وفي المخطوط: "البزاز" وما أثبتناه هو الصواب. انظر: تاريخ بغداد، وسير أعلام النبلاء "15/ 385"، وتوضيح المشتبه 4/ 166، 167. 2 له ترجمة في تاريخ بغداد "10/ 199" "قال الخطيب: كتبنا عنه وكان صدوقًا، مات سنة سبع عشرة وأربعمائة". 3 له ترجمة في تاريخ بغداد "7/ 86-88"، وفيه قال الدراقطني:.... ولد سنة 191، ومات سنة 288.

الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبِ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ حَبِيبَةَ، عَنْ أُمِّهَا أُمِّ حَبِيبَةَ، عَنْ زينب زوج النبي قالت: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ نَوْمٍ مُحْمَرٌّ وَجْهُهُ وهو يقول: "لا إلله إِلا اللَّهُ" ثَلاثَ مَرَّاتٍ "وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ 1، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ 2 مِثْلَ هَذِهِ"، وَحَلَّقَ حَلَقَةً3. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَهْلَكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ 4 قَالَ: "نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ" 5. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ مِنْ عزيز المُدَبَّج6 ومحاسنه، وأربع صَحَابِيَّاتٍ: رَبِيبَتَانِ وَزَوْجَتَانِ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَرْوِي بَعْضُهُنَّ عَنْ بَعْضٍ7. [11] أَخْبَرَنَا طَرَّادٌ بِانْتِقَاءِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ الْبَرَدَانِيُّ رَحِمَهُمُ الله، أنا

_ 1 "وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقترب": خص العرب بذلك لأنهم كانوا حينئذ معظم من أسلم. والمراد بالشر: ما وقع بعده من قتل عثمان، ثم توالت الفتن حتى صارت العرب بين الأمم كالقصعة بين الأكلة. قال القرطبي: ويحتمل أن يكون المراد بالشر ما أشار إليه في حديث أم سلمة: "ماذا أنزل الليلة من الفتن، وماذا أنزل من الخزائن"، فأشار بذلك إلى الفتوح التي فتحت بعده، فكثرت الأموال في أيديهم، فوقع التنافس الذي جر إلى الفتن، وكذا التنافس على الإمارة، فإن معظم ما أنكروه على عثمان تولية أقاربه من بني أمية وغيرهم حتى أفضى ذلك إلى قتله، وترتب على قتله من القتال بين المسلمين ما اشتهر واستمر. 1 "فتح اليم من ردم يأجوج": المراد بالردم السد الذي بناه ذو القرنين. 3 حلق حلقة: أي حلق بإصبعه الإبهام والتي تليها. 4 "أنهلك وفينا الصالحون": كأنها أخذت ذلك من قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} . 5 قال: "نعم إذا كثر الخبث": فسروه بالزنا أو بأولاد الزنا، وبالفسوق والفجور، وهو أولى؛ لأنه قابله بالصلاح. قال النووي: "ومعنى الحديث أن الخبث إذا كثر فقد يحصل الهلاك العام وإن كان هناك صالحون". 6 التدبيج: رواية الأقران كل واحد عن صاحبه، وهو واضح في هذا الحديث. 7 قال الإمام النووي: ولا يعلم حديث اجتمع أربع صحابيات بعضهن عن بعض غيره. شرح مسلم "18/ 219". [11] خ "1/ 190" "9" كتاب مواقيت الصلاة "16" باب فضل صلاة العصر - من طريق الحميدي، عن مروان بن معاوية، عن إسماعيل، عن قيس، عن جرير به. وفيه: "فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا"، ثم قرأ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} قال إسماعيل: افعلوا، ولا تفوتنكم. رقم "554". "أطرافه في: 573، 4851، 7434، 7435، 7436". م "1/ 439" "5" كتاب المساجد ومواضع الصلاة - "37" باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما - من طريق زهير بن حرب، عن مروان بن معاوية الفزاري، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير به. وفيه ما في رواية البخاري من الزيادة. والحديث في جزء الحسن بن عرفة رقم "68"، ص"80".

أَبُو الْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ يَعْقُوبَ الْقَطَّانُ "ح". وَأَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ أحمد بن محمد بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ النَّعَّالي بقراء إِسْمَاعِيلَ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي جُمَادَى الآخِرَةِ سنة تسعين وأربعمائة، أنا الشَّيْخَانِ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ رِزْقَوَيْهِ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ. "ح" وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ خُشَيْش قِرَاءَةً، وَأَنْبَأَ أَبُو الْحَسَنِ1 مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَخْلَدٍ؛ أَرْبَعَتُهُمْ قَالُوا: أَنْبَأَ أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصفَّار2 قَالَ ابْنُ الْفَضْلِ: فِي مَنْزِلِهِ قَطِيعَةَ بَنِي خُزَيْمَةَ سنة أربعين وثلاثمائة مِنْ آخِرِهَا، نا الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ الْعَبْدِيُّ3 أَبُو عَلِيٍّ يَوْمَ الثُّلاثَاءِ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الله بن الْبَجَلِيِّ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَطَلَعَ الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَا إِنَّكُمْ تَرَوْنَ رَبَّكُمْ -عَزَّ وَجَلَّ- كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لا تُضَامُون 4 فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنْ قَدرتُم أَلا تُغْلَبوا 5 عَنْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ.

_ 1 كذا في الأصل، وفي سير أعلام النبلاء "أبو الحسين" "15/ 440". 2 له ترجمة في تاريخ بغداد "6/ 302"، وسير أعلام النبلاء "5/ 440"، وفي الثاني قال الدراقطني: كان ثقة متعصبًا للسنة. وقال الذهبي: انتهى إليه علو الإسناد. مات سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة. 3 انظر ترجمته في مقدمة جزئه، ومصادرها للمحقق الفريوائي "150-257هـ". 4 "لا تضامون": روي: "لا تُضَامُون" أي: لا ينالكم ضيم في رؤيته؛ أي: تعب أو ظلم فيراه بعضكم دون بعض بأن يدفعه عن الرؤية ويستأثر بها؛ بل تشتركون في الرؤية، فهو تشبيه للرؤية بالرؤية، وروي: "لا تُضَامُّون" أي: لا ينضم بعضكم إلى بعض وقت النظر لإشكاله وخفائه، كما تفعلون عند النظر إلى الهلال ونحوه. 5 "فإن قدرتم ألا تغلبوا": بأن تستعدوا لقطع أسباب الغلبة النافية للاستطاعة كنوم وشغل مانع. وجواب الشرط محذوف تقديره: فافعلوا.

الشيخ الثاني

[الشيخ الثاني] : [12] أَخْبَرَنَا الشَّرِيفُ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلامِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الأَنْصَارِيُّ قِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي رَبِيعٍ الأَوَّلِ من سنة تسع وتسعين وأربعمائة، أَنْبَأَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَاذَانَ، قِرَاءَةً، أنا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَاتِي2 فِي مَنْزِلِهِ برَبَضِ حُمَيْدٍ سَنَةَ أربع وأربعين وثلثمائة يَوْمَ الاثْنَيْنِ لأَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً بَقِيَتْ مِنْ رَجَبٍ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْسِيُّ3، ثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُدعى نُوحٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغَتْ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فيُدعى قَوْمُهُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ بلَّغكم؟، فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ، وَمَا أَتَانَا مِنْ أَحَدٍ"، قَالَ: "فَيُقَالُ لِنُوحٍ: مَن يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ"، قَالَ: "فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} "، قال: "والوسط العدل 4 ".

_ 1 "فإن قدرتم ألا تغلبوا": بأن تستعدوا لقطع أسباب الغلبة النافية للاستطاعة كنوم وشغل مانع. وجواب الشرط محذوف تقديره: فافعلوا. [12] نسخة وكيع عن الأعمش "ص84، 85 رقم 26" بهذا الإسناد واللفظ. خ "3/ 193، 194" "65" كتاب التفسير - "13" باب {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]- من طريق يوسف بن راشد، عن جرير، وأبي أسامة واللفظ لجرير، عن الأعمش به. رقم "4487". 2 له ترجمة في تاريخ بغداد "12/ 32". قال الخطيب: كان ثقة "249-347هـ". 3 قال الحافظ المزي: هو آخر مَن رَوى عن وكيع. وله ترجمة في ثقات ابن حبان "8/ 88" وهو إبراهيم بن عبد الله بن عمر القصار. 4 يقول الأستاذ سيد قطب في هذا المعنى "ظلال 1/ 130-132": إنها الأمة الوسط التي تشهد على الناس جميعًا، فتقيم بينهم العدل والقسط، وتضع لهم الموازين والقيم، وتبدي فيهم رأيها فيكون هو الرأي المعتمد، وتزن قيمهم وتصوراتهم وتقاليدهم وشعاراتهم فتفصل في أمرها، وتقول: هذا حق منها وهذا باطل. لا التي تتلقى من الناس تصوراتها وقيمها وموازينها. وهي شهيدة على الناس، وفي مقام الحكم العدل بينهم ... وبينما هي تشهد على الناس =

.......................................................................

_ = هكذا، فإن الرسول هو الذي يشهد عليها؛ فيقرر لها موازينها وقيمها، ويحكم على أعمالها وتقاليدها، ويزن ما يصدر عنها، ويقول فيه الكلمة الأخيرة، وبهذا تتحدد حقيقة هذه الأمة ووظيفتها.. لتعرفها، ولتشعر بضخامتها، ولتقدر دورها حق قدره، وتستعد له استعدادًا لائقًا.. وإنها للأمة الوسط بكل معاني الوسط، سواء من الوساطة بمعنى الحسن والفضل، أو من الوسط بمعنى الاعتدال والقصد، أو من الوسط بمعناه المادي الحسي.. "أمة وسطًا" ... في التصور والاعتقاد ... لا تغلو في التجرد الروحي ولا في الارتكاس المادي. إنما تتبع الفطرة الممثلة في روح متلبس بجسد، أو جسد تتلبس به روح. وتعطي لهذا الكيان المزدوج الطاقات حقه المتكامل من كل زاد، وتعمل لترقية الحياة ورفعها في الوقت الذي تعمل فيه على حفظ الحياة وامتدادها، وتطلق كل نشاط في عالم النوازع، بلا تفريط ولا إفراط، في قصد وتناسق واعتدال. "أمة وسطًا" ... في التفكير والشعور ... لا تجمد على ما علمت وتغلق منافذ التجربة والمعرفة ... ولا تتبع كذلك كل ناعق، وتقلد تقليد القردة المضحك.. إنما تستمسك بما لديها من تصورات ومناهج وأصول، ثم تنظر في كل نتاج الفكر والتجريب، وشعارها الدائم: الحقيقة ضالة المؤمن أنَّى وجدها أخذها في تثبت ويقين. "أمة وسطًا".. في التنظيم والتنسيق.. لا تدع الحياة كلها للمشاعر والضمائر، ولا تدعها كذلك للتشريع والتأديب.. إنما ترفع ضمائر البشر بالتوجيه والتهذيب، وتكفل المجتمع بالتشريع والتأديب، وتزاوج بين هذه وتلك، فلا تكل الناس إلى سوط السلطان، ولا تكلهم كذلك إلى وحي الوجدان.. ولكن مزاج من هذا وذاك. "أمة وسطًا".. في الارتباطات والعلاقات.. لا تلغي شخصية الفرد ومقوماته، ولا تلاشي شخصيته في شخصية الجماعة أو الدولة، ولا تطلقه كذلك فردًا أثرًا جشعًا لا هم له إلا ذاته.. إنما تطلق من الدوافع والطاقات.. ما يؤدي إلى الحركة والنماء، وتطلق من النوازع والخصائص ما يحقق شخصية الفرد وكيانه. ثم تضع من الكوابح ما يقف دون الغلو، ومن المنشطات ما يثير رغبة الفرد في خدمة الجماعة، وتقرر من التكاليف والواجبات ما يجعل الفرد خادمًا للجماعة، والجماعة كافلة للفرد في تناسق واتساق. "أمة وسطًا".. في المكان.. في سرة الأرض، وفي أوسط بقاعها، وما تزال هذه الأمة التي غمر أرضها الإسلام إلى هذه اللحظة هي الأمة التي تتوسط أقطار الأرض بين شرق وغرب، وجنوب وشمال، وما تزال بموقعها هذا تشهد الناس جميعًا، وتشهد على الناس جميعًا، وتعطي ما عندها لأهل الأرض قاطبة، وعن طريقها تعبر ثمار الطبيعة وثمار الروح والفكر من هنا إلى هناك؛ وتتحكم في هذه الحركة ماديها ومعنويها على السواء. "أمة وسطًا".. في الزمان.. تنهي عهد الطفولة البشرية من قبلها، وتحرس عهد الرشد العقلي من بعدها، وتقف في الوسط تنفض عن البشرية ما علق بها من أوهام وخرافات من عهد طفولتها، وتصدها عن الفتنة بالعقل والهوى، وتزاوج بين تراثها الروحي من عهود الرسالات، ورصيدها العقلي المستمر في النماء؛ وتسير بها على الصراط السوي بين هذا وذاك. =

[13] وَبِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا تَسُبُّوا أصحابي، فواللذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُد ذَهَبًا مَا أدرك مُدَّ أحدهم وَلا نَصِيفَهُ" 1. أَخْرَجَهُ2 الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الأَعْمَشِ. [14] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، أنا الْحَسَنُ، أنا عَلِيٌّ، ثنا إبراهيم، ثنا وكيع، عن

_ = وما يعوق هذه الأمة عن أن تأخذ مكانها هذا الذي وهبه الله لها، إلا أنها تخلت عن منهج الله الذي اختاره لها، واتخذت لها مناهج مختلفة ليست هي التي اختارها الله لها، واصطبغت بصبغات شتى ليست صبغة الله واحدة منها! والله يريد لها أن تصبطغ بصبغته وحدها. وأمة تلك وظيفتها، وذلك دورها، خليقة بأن تحتمل التبعة وتبذل التضحية، فللقيادة تكاليفها، وللقوامة تبعاتها، ولا بُدَّ أن تفتن قبل ذلك وتبتلى؛ ليتأكد خلوصها لله وتجردها، واستعدادها للطاعة الملطقة للقيادة الراشدة. [13] نسخة وكيع بن الجراح عن الأعمش "ص81، 82 رقم 24" بهذا الإسناد واللفظ. خ "3/ 12" "62" كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - "5" باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت متخذًا خليلًا" - من طريق آدم بن أبي إياس، عن شعبة، عن الأعمش به. رقم "3683". م "4/ 1967" "44" كتاب فضائل الصحابة - "54" باب تحريم سب الصحابة رضي الله عنهم - من طريق يحيى بن يحيى التميمي وأبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء، عن أبي معاوية، عن الأعمش به. رقم "221/ 2540". 1 "ولا نصيفه" قال أهل اللغة: النصيف النِّصْف. وفيه أربع لغات: نِصْف ونُصْف ونَصْف ونَصِيف. حكاهن القاضي عياض في المشارق عن الخطابي. وفي رواية لهذا الحديث ما يبين سببه؛ وهو أنه كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء. فسبه خالد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أحدًا من أصحابي ... " إلى آخره. ومعنى الحديث: أن جهد المقل واليسير من النفقة الذي أنفقوه في سبيل الله مع شدة العيش والضيق الذي كانوا فيه -أوفَى عند الله وأزكى من الكثير الذي ينفقه من بعدهم. 2 هذا الحديث هو الذي أخرجه البخاري ومسلم، أما الذي قبله فلم يخرجه إلا البخاري، وفي الأصل "أخرجه" ولكن أصلحت إلي "أخرجهما"، وهو وهم كما قد رأيت. والله تعالى أعلم. [14] نسخة وكيع عن الأعمش "ص63، 64 رقم 10" بهذا الإسناد واللفظ. =

الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ 1 -عَزَّ وَجَلَّ- وَمَنْ أَطَاعَ الإِمَامَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عصى ال له -عَزَّ وَجَلَّ- وَمَنْ عَصَى الإِمَامَ فقد عصاني".

_ = خ "4/ 328" "93" كتاب الأحكام - "1" باب قول الله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} . من طريق عبدان، عن عبد الله، عن يونس، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة به. رقم "7137". وفيه: "أميري" بدل "الإمام". م "3/ 1466، 1467" "33" كتاب الإمارة - "8" باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصية - من طريق يحيى بن يحيى عن المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة به. رقم "32/ 1835". ومن طريق حرملة بن يحيى، عن ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة به. ومن طريق محمد بن حاتم، عن مكي بن إبراهيم، عن ابن جريج، عن زياد، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة به. ومن طريق أبي كامل الجحدري، عن أبي عوانة، عن يعلى بن عطاء، عن أبي علقمة، عن أبي هريرة، ومن طريق عبيد الله بن معاذ، عن أبيه، عن محمد بن بشار، عن محمد بن جعفر، عن شعبة، عن يعلى بن عطاء به. ومن طريق محمد بن رافع، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة به. رقم "33/ 1835". ومن طريق أبي الطاهر، عن ابن وهب، عن حيوة، عن أبي يونس، عن أبي هريرة به. رقم "34/ 1835". 1 "من أطاعني فقد أطاع الله....": وقال في المعصية مثله؛ لأن الله تعالى أمر بطاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأمر هو -صلى الله عليه وسلم- بطاعة الأمير، فتلازمت الطاعة، وهذا تأكيد لقول الله تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} . وقد ذكر الخطابي سبب اهتمام النبي -صلى الله عليه وسلم- بشأن الأمراء، حتى قرن طاعتهم إلى طاعته فقال: كانت قريش ومن يليهم من العرب لا يعرفون الإمارة، ولا يدينون لغير رؤساء قبائلهم، فلما كان الإسلام، وولي عليهم الأمراء، أنكرت ذلك نفوسهم، وامتنع بعضهم عن الطاعة، فأعلمهم أن طاعتهم مربوطة بطاعته ومعصيتهم بمعصيته؛ حثًّا لهم على طاعة أمرائهم؛ لئلا تتفرق الكلمة. =

[15] وَبِهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ أَثْقَلُ الصَّلاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلاةُ الْعِشَاءِ وَالْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا" 1. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الأَعْمَشِ.

_ = وبَيَّن الإمام النووي أن هذه الطاعة ليست على عمومها، وكذلك المعصية، وأن ذلك إنما في غير المعصية للخالق جل وعلا. قال: "قال العلماء: معناه تجب طاعة ولاة الأمور فيما يشق وتكرهه النفوس وغيره مما ليس بمعصية، فإن كانت لمعصية فلا سمع ولا طاعة، كما صرح في الأحاديث الباقية، فتحمل هذه الأحاديث المطلقة لوجوب طاعة ولاة الأمور على موافقة تلك الأحاديث المصرِّحة بأنه لا سمع ولا طاعة في المعصية". ويؤيد ذلك أن الله تعالى قال: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} ولم يقل: أطيعوا أولي الأمر منكم؛ ليؤذن بأنه لا استقلال لهم في الطاعة استقلال الرسول، ودلت الآية على أن طاعة الأمراء واجبة إذا وافقوا الحق فإذا خالفوه فلا طاعة لهم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق". كما بين الإمام البغوي اختلاف العلماء فيما يأمر به الولاة من العقوبات فقال: اختلف الناس فيما يأمر به الولاة من العقوبات؛ قال أبو حنيفة وأبو يوسف: ما أمر به الولاة من ذلك غيرهم يسعهم أن يفعلوه فيما كانت ولايته إليهم. وقال محمد بن الحسن: لا يسع المأمور أن يفعله حتى يكون الذي يأمره عدلًا، وحتى يشهد عدل سواه على أن على المأمور ذلك، وفي الزنا حتى يشهد معه ثلاثة سواه. وحكي أن عمر بن هبيرة كان على العراق قال لعدة من الفقهاء منهم الحسن والشعبي: إن أمير المؤمنين يكتب إليَّ في أمور أعمل بها، فما تريان؟ قال الشعبي: أنت مأمور، والتبعة على آمرك، فقال للحسن: ما تقول؟ قال: قد قال هذا. قال: قل. قال: اتق الله يا عمر، فكأنك بملَك قد أتاك، فاستنزلك عن سريرك هذا، فأخرجك من سَعَة قصرك إلى ضيق قبرك، فإياك أن تعرض لله بالمعاصي؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ورُوي عن أبي برزة أنه مر على أبي بكر وهو يتغيظ على رجل من أصحابه، وقيل: إن الرجل كان يسب أبا بكر، فقال أبو برزة: قلت: يا خليفة رسول لله، مَن هذا الذي تتغيظ عليه؟ قال: فلِمَ تسأل عنه؟ قلت: لأضرب عنقه. وفي رواية: قال أبو بكر لأبي برزة: لو قلت لك ذلك أكنت تقتله؟ قال: نعم. قال: ما كان ذلك لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويعقب البغوي على هذا بقوله: "فهذا يؤيد ما قلنا؛ وهو أن أحدًا لا تجب طاعته في قتل مسلم إلا بعد أن يعلم أنه حق إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه لا يأمر إلا بحق، ولا يحكم إلا بعدل، وقد يتأول هذا أيضًا على أنه لا يجب القتل في سب أحد إلا في سب رسول الله صلى الله عليه وسلم. [15] نسخة وكيع بن الجراح عن الأعمش "ص65 رقم 11" بهذا الإسناد واللفظ. خ "1/ 218" "10" كتاب الأذان - "34" باب فضل العشاء في الجماعة - من طريق عمر بن حفص، عن أبيه، عن الأعمش به. رقم "657". م "1/ 451" "5" كتاب المساجد ومواضع الصلاة - "42" باب فضل صلاة الجماعة، وبيان التشديد في التخلف عنها - من طريق ابن نمير، عن أبيه، عن الأعمش به، ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب، عن أبي معاوية. رقم "252/ 650". 1 وقد روى أبو داود وغيره ما يبين سبب هذا الحديث: عن أبي بن كعب قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومًا الصبح، فقال: "أشاهد فلان؟ " قالوا: لا، قال: "أشاهد فلان؟ " قالوا: لا، قال: "إن هاتين الصلاتين أثقل الصلاة على المنافقين ... " إلخ "أبو داود" رقم "454".

الشيخ الثالث

[الشيخ الثالث] : [16] أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْقَادِرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ قِرَاءَةً، أَنْبَأَ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ دَوَسْتَ الْعَلافُ2، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الشَّافِعِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو يَعْقُوبَ إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مَيْمُونٍ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ، أنا مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِيمَا خَلا مِنَ الأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلاةِ الْعَصْرِ إِلى مَغِيبِ الشَّمْسِ". وَإِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَرَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالا فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلْ لِي إِلَى نَصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ إِلَى نِصْفِ النهار على قيراط قِيرَاطٍ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صلاة العصر على قيراط، قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ النَّصَارَى عَلَى قِيرَاطٍ، قِيرَاطٍ، ثُمَّ أَنْتُمْ تَعْمَلُونَ مِنْ صلاة

_ 1 وقد روى أبو داود وغيره ما يبين سبب هذا الحديث: عن أبي بن كعب قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا الصبح، فقال: "أشاهد فلان؟ " قالوا: لا، قال: "أشاهد فلان؟ " قالوا: لا، قال: "إن هاتين الصلاتين أثقل الصلاة على المنافقين ... " إلخ "أبو داود" رقم "454". [16] خ "2/ 493" "60" كتاب الأنبياء - "50" باب ما ذكر عن بني إسرائيل - من طريق قتيبة بن سعيد، عن ليث، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ به. رقم "3459". ومن طريق إسماعيل بن أبي أويس عن مالك به. م "2/ 132" "37" كتاب الإجارة - "9" باب الإجارة إلى صلاة العصر - من طريق إسماعيل بن أبي أويس، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر به. رقم "2296". 2 له ترجمة في تاريخ بغداد "11/ 314". قال الخطيب: كتبنا عنه وكان صدوقًا. ولد سنة 342 أو 343، وتوفي سنة 428.

الْعَصْرِ إِلَى مَغِيبِ الشَّمْسِ عَلَى قيراطين قِيرَاطَيْنِ، فَغَضِبَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَقَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلا وَأَقَلُّ حَظًّا، قَالَ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئًا؟ قَالُوا: لا، قَالَ: فَإِنَّ فضلي أوتيه من أشاء"1.

_ 1 وقد روى البخاري من حديث أبي موسى -رضي الله عنه- في هذا المعنى، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- قال: "مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر قومًا يعملون له عملًا يومًا إلى الليل على أجر معلوم، فعملوا له نصف النهار، فقالوا: لا حاجة لنا إلى أجرك الذي شرطت لنا وما عملنا باطل، فقال لهم: لا تفعلوا، أكملوا بقية عملكم وخذوا أجركم كاملًا، فأبوا وتركوا. واستأجر آخرين بعدهم فقال: أكملوا بقية يومكم هذا؛ ولكن الذي شرطت لهم من الأجر فعملوا، حتى إذا كان حين صلاة العصر قالوا: لك ما عملنا باطل، ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه، فقال لهم: أكملوا بقية عملكم فإنما بقي من النهار شيء يسير، فأبوا. فاستجر قومًا أن يعملوا له بقية يومهم، فعملوا بقية يومهم، حتى غابت الشمس، واستكملوا أجر الفريقين كليهما. فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من هذا النور". قال ابن حجر في شرح حديث أبي موسى ومقارنته بحديث ابن عمر: هذا مغاير لحديث ابن عمر؛ لأن فيه أنه استأجرهم على أن يعملوا إلى نصف النهار، وقد تقدم ذكر التوفيق بينهما في المواقيت، وأنهما حديثان سيقا في قصتين، نعم وقع في رواية سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه الماضية في المواقيت الآتية في التوحيد ما يوافق رواية أبي موسى، فرجحها الخطابي على رواية نافع وعبد الله بن دينار؛ لكن يحتمل أن تكون القصتان جميعًا كانتا عند ابن عمر فحدث بهما في وقتين وجمع بينهما ابن التين باحتمال أن يكونوا غضبوا أولًا فقالوا ما قالوا إشارة إلى طلب الزيادة، فلما لم يعطوا قدرًا زائدًا تركوا فقالوا: لك ما عملنا باطل. انتهى. وفيه مع بعده مخالفة لصريح ما وقع في رواية الزهري في المواقيت وفي التوحيد؛ ففيها: "قالوا ربنا أعطيت هؤلاء قيراطين وأعطيتنا قيراطًا قيراطًا، ونحن كنا أكثر عملًا". ففيه التصريح بأنهم أعطوا ذلك، إلا أن يحمل قولهم: "أعطيتنا" أي: أمرت لنا أو وعدتنا، ولا يستلزم ذلك أنهم أخذوه، ولا يخفى أن الجمع بكونهما قصتين أوضح. وظاهر المثل الذي في حديث أبي موسى: أن الله تعالى قال لليهود آمنوا بي وبرسلي إلى يوم القيامة، فآمنوا بموسى إلى أن بعث عيسى فكفروا به، وذلك في قدر نصف المدة التي من مبعث موسى إلى قيام الساعة. فقولهم: "لا حاجة لنا إلى أجرك" إشارة إلى أنهم كفروا وتولوا واستغنى الله عنهم، وهذا من إطلاق القول وإرادة لازمه؛ لأن لازمه ترك العمل المعبر به عن ترك الإيمان. وقولهم: "وما عملنا باطل" إشارة إلى إحباط عملهم بكفرهم بعيسى؛ إذ لا ينفعهم الإيمان بموسى وحده بعد بعثة عيسى، وكذلك القول في النصارى إلا أن فيه إشارة إلى أن مدتهم كانت قدر نصف المدة فاقتصروا على نحو الربع من جميع النهار. وقوله: "ولكم الذي شرطت" زاد في رواية الإسماعيلي: "الذي شرطت لهؤلاء من الأجر" يعني: الذين قبلهم. وقوله: "فإنما تبقى من النهار شيء يسير" أي: بالنسبة لما مضى منه، والمراد ما بقي من الدنيا. وقوله: "واستكملوا أجر الفريقين" أي: بإيمانهم بالأنبياء الثلاثة، وتضمن الحديث الإشارة إلى قصر المدة التي بقيت من الدنيا "فتح الباري 4/ 524".

[17] وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ، أنا عُثْمَانُ، أَنْبَأَ مُحَمَّدٌ، نا إِسْحَاقُ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "أَلا كُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ راعٍ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالرَّجُلُ راعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَامْرَأَةُ الرَّجُلِ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهَا، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ راعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، فَكُلُّكُمْ راعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" 1. أَخْرَجَهُمَا الْبُخَارِيُّ من حديث مالك.

_ [17] خ "4/ 328" "93" كتاب الأحكام - "1" باب قوله الله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} - من طريق إسماعيل، عن مالك به. م "3/ 1459" "33" كتاب الإمارة - "5" باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر، والحث على الرفق بالرعية، والنهي عن إدخال المشقة عليهم - من طريق قتيبة بن سعيد، عن ليث، ومن طريق محمد بن رمح، عن الليث، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ به. رقم "20/ 1829". 1 معنى الراعي هاهنا: الحافظ المؤتمن على ما يليه، وأمرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالنصيحة فيما يلونه، وحذرهم الخيانة فيه بإخباره أنهم مسئولون عنه، فالرعاية: حفظ الشيء، وحسن التعهد، فقد استوى هؤلاء في الاسم؛ ولكن معانيهم مختلفة، فرعاية الإمام: ولاية أمور الرعية، والحياطة من ورائهم، وإقامة الحدود والأحكام فيهم، ورعاية الرجل أهله: بالقيام عليهم بالحق في النفقة, وحسن العشرة، ورعاية المرأة في بيت زوجها: بحسن التدبير في أمر بيته، والتعهد لخدمه وأضيافه، ورعاية الخادم: حفظ ما في يده من مال سيده، والقيام بشغله. والله أعلم "شرح السنة 10/ 62".

الشيخ الرابع

[الشيخ الرابع] : [18] أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بن محمد بن طلحة

_ [18] خ "2/ 351" "56" كتاب الجهاد والسير - "119" باب الجعائل والحملان في السبيل - من طريق مسدد، عن يحيى بن سعيد نحوه. رقم "2972". م "3/ 1497" "33" كتاب الإمارة - "28" باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله - من طريق محمد بن المثنى، عن عبد الوهاب، وعن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي معاوية، وعن ابن أبي عمر، عن مروان بن معاوية، عن يحيى بن سعيد به. رقم "106/ 1876". =

النِّعَالِيُّ1 قِرَاءَةً، أنبا أَبُو عُمَرَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَهْدِيٍّ فِي رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ وأربعمائة، ثنا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَحَامِلِيُّ2 إِمْلاءً يَوْمَ الأَحَدِ لِسَبْعٍ خَلَوْنَ مِنْ جُمَادَى الأُولَى مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ وعشرين وثلاثمائة، ثنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَدَنِيُّ، ثنا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَحْبَبْتُ أَلا أَتَخَلَّفَ خَلْفَ سَرِيَّة تخرج في سبيل الل هـ -عَزَّ وَجَلَّ- وَلَكِنْ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ، وَلا يَجِدُونَ مَا يَتَحَمَّلُونَ عَلَيْهِ، وَيَشَقُّ عليَّ أَنْ يَتَخَلَّفُوا بَعْدِي، ووَدِدْت أَنِي أُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فأُقتل، ثُمَّ أَحْيَا فأُقتل، ثُمَّ أَحْيَا فأُقتل". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حديث يحيى.

_ = هذا وقد رواه قاضي القضاة ابن جماعة من طريق شهدة بهذا السند المذكور، ثم قال: هذا حديث صحيح من حديث أبي سعيد يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري المدني القاضي عن أبي صالح ذكوان السمان الزيات. أخرجه البخاري عن مسدد، عن يحيى بن سعيد القطان، وأخرجه مسلم عن محمد بن المثنى، عن عبد الوهاب الثقفي، وعن أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عن أبي معاوية الضرير، وأخرجه النسائي عن محمد بن سلمة والحارث بن مسكين، كلاهما عن ابن القاسم عن مالك، كلهم عن يحيى بن سعيد الأنصاري، ووقع لنا عاليًا "مشيخة قاضي القضاة 1/ 183، 184". قال النووي: في هذا الحديث الحض على حسن النية، وبيان شدة شفقة النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على أمته ورأفته بهم واستحباب طلب القتل في سبيل الله، وجواز قول: وددت حصول كذا من الخير وإن علم أنه لا يحصل. وفيه ترك بعض المصالح لمصلحة راجحة أو أرجح أو لدفع مفسدة، وفيه جواز تمني ما يمتنع في العادة، والسعي في إزال المكروه عن المسلمين، وفيه أن الجهاد على الكفاية؛ إذ لو كان على الأعيان ما تخلف عنه أحد. "فتح الباري" "6/ 21". 1 ذكره الحافظ السلفي في كتابه الوجيز "ص74، 75" على أنه ممن أجازوا له. قال: أجاز لي جميع ما يرويه سنة إحدى وتسعين وقبلها أيضًا ... وتوفي في صفر سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة. وترجم له الذهبي في سير أعلام النبلاء "19/ 101، 103". 2 انظر ترجمة موسعة في مقدمة كتاب أمالي المحاملي، وولد في سنة 235، وتوفي سنة 330. من ص"16-29".

[19] وَبِهِ ثنا الْمَحَامِلِيُّ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَدَنِيُّ، ثنا مَالِكٌ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوْسَطِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَاعْتَكَفَ عَامًا حَتَّى إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْ صَبِيحَتِهَا مِنِ اعْتِكَافِهِ فَقَالَ: "مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفْ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَقَدْ رَأَيْتُ 1 هَذِهِ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ أُنسيتُها، وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي صَبِيحَتِهَا فِي مَاءٍ وَطِينٍ، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْر". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَأَمْطَرَتِ السَّمَاءُ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ، فوَكَف، فَأَبْصَرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انْصَرَفَ وَعَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ أَثَرُ الْمَاءِ2 وَالطِّينِ، من صبيحة إحدى وعشرين.

_ [19] خ "2/ 63" "32" كتاب فضل ليلة القدر - "3" باب تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر - من طريق إبراهيم بن حمزة، عن ابن أبي حازم والدراوردي، عن يزيد، عن محمد بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ به. رقم "2018". م "2/ 842" "13" كتاب الصيام" - "40" باب فضل ليلة القدر، والحث على طلبها، وبيان محلها وأرجى أوقات طلبها - من طريق قتيبة بن سعيد، عن بكر، عن ابن الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرحمن به. رقم "213/ 1167". 1 كذا في الأصل، وفي "ب": أريت. 2 قال الإمام البغوي في شرح السنة: فيه دليل على وجوب السجود على الجبهة، ولولا ذلك لصانها عن الطين. وفيه: استحباب ترك النفض بما علق بجبهته من الأرض في السجود. وفيه: أن ما رآه في النوم فقد يكون تأويله أن يرى مثله في اليقظة. وقال الترمذي: وأكثر الرويات عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "التمسوها في العشر الأواخر من كل وتر". ورُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في ليلة القدر: "أنها ليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وآخر ليلة من رمضان". قال أبو عيسى: قال الشافعي: كأن هذا عندي -والله أعلم- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يجيب على ما يُسأل عنه. يقال له: نلتمسها في ليلة كذا، فيقول: "التمسوها في ليلة كذا". قال الشافعي: وأقوى الروايات عندي فيها ليلة إحدى وعشرين. قال أبو عيسى: وقد رُوي عن أبي بن كعب أنه كان يحلف أنها ليلة سبع وعشرين، ويقول: أخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعلامتها، فعددنا وحفظنا. ورُوي عن أبي قلابة أنه قال: ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر، حدثنا بذلك عبد بن حميد. أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة بهذا. السنن "3/ 150".

أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ. [20] وَبِهِ نا الْمَحَامِلِيُّ، نا أَحْمَدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَدَنِيُّ نا مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنِي عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: بايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ1 فِي الْيُسْرِ وَالْعُسْرِ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَأَلا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُولَ -أَوْ نَقُومَ- بِالْحَقِّ حَيْثُ مَا كُنَّا، لا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ2، 3. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حديث الوليد.

_ [20] الموطأ "2/ 445" "21" كتاب الجهاد - "1" باب الترغيب في الجهاد - من طريق يحيى بن سعيد به. رقم "10". خ "4/ 343" "93" كتاب الأحكام - "43" باب كيف يبايع الإمام الناس - من طريق إسماعيل، عن مَالِكٌ، عَنْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ به. رقم "7199، 7200". م "3/ 1470" "33" كتاب الإمارة - "8" باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصية - من طريق أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عن عبد الله بن إدريس، عن يحيى بن سعيد وعبيد الله بن عمر، عن عبادة بن الوليد بن عبادة به. رقم "41/ 1709". وفي بعض روايات الحديث: "وألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان". ومعناه: كفرًا ظاهرًا، والمراد بالكفر هنا المعاصي، ومعنى عندكم من الله فيه برهان: أي تعلمونه من دين الله تعالى. 1 قوله: "بايعنا على السمع" المراد بالمبايعة: المعاهدة، وهي مأخوذة من البيع؛ لأن كل واحد من المتبايعين كان يمد يده إلى صاحبه، وكذا هذه البيعة تكون بأخذ الكف، وقيل: سميت مبايعة لما فيها من المعاوضة لما وعدهم الله تعالى من عظيم الجزاء، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} الآية. "شرح مسلم 12/ 471". 2 قوله: "أن نقول أو نقوم بالحق حيث ما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم" معناه: نأمر =

[21] وَبِهِ حَدَّثَنَا الْمَحَامِلِيُّ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَدَنِيُّ، ثنا مَالِكٌ بن

_ = بالمعروف وننهى عن المنكر في كل زمان ومكان الكبار والصغار لا نداهن فيه أحدًا، ولا نخافه ... ففيه القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأجمع العلماء على أنه فرض كفاية، فإن خاف من ذلك على نفسه أو ماله أو على غيره سقط الإنكار بيده ولسانه، ووجبت كراهته بقلبه، هذا مذهبنا ومذهب الجماهير، وحكى القاضي هنا عن بعضهم أنه ذهب إلى الإنكار مطلقًا في هذه الحالة وغيرها. شرح مسلم للنووي "12/ 471، 472". 3 ومعنى الحديث: لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم، ولا تعترضوا عليهم؛ إلا أن تروا منهم منكرًا محققًا تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم، وقولوا بالحق حيث ما كنتم. وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته، وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق. وأما الوجه المذكور في كتب الفقه لبعض أصحابنا أنه ينعزل، وحكي عن المعتزلة أيضًا -فغلط من قائله مخالف للإجماع. قال العلماء: وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن وإراقة الدماء وفساد ذات البين، فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه. قال القاضي عياض: أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل قال: وكذا لو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها. قال: وكذلك عند جمهورهم البدعة. قال: وقال بعض البصريين: تنعقد له وتستدام له؛ لأنه متأول. قال القاضي: فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج عن حكم الولاية وسطقت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر ولا يجب في المبتدع إلا إذا ظنوا القدرة عليه، فإن تحققوا العجز لم يجب القيام، وليهاجر المسلم عن أرضه إلى غيرها ويفر بدينه. قال: ولا تنعقد لفاسق ابتداء فلو طرأ على الخليفة فسق قال بعضهم: يجب خلعه إلا أن تترتب عليه فتنة وحرب، وقال جماهير أهل السنة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين: لا ينعزل بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق ولا يخلع ولا يجوز الخروج عليه بذلك؛ بل يجب وعظه وتخويفه للأحاديث الواردة في ذلك. قال القاضي: وقد ادعى أبو بكر بن مجاهد في هذا الإجماع، وقد رد عليه بعضهم هذا بقيام الحسن وابن الزبير وأهل المدينة على بني أمية، وبقيام جماعة عظيمة من التابعين والصدر الأول على الحجاج مع ابن الأشعث، وتأول هذا القائل قوله: "ألا ننازع الأمر أهله" في أئمة العدل. وحجة الجمهور: أن قيامهم على الحجاج ليس بمجرد الفسق؛ بل لما غير من الشرع وظاهر من الكفر. قال القاضي: وقيل: إن هذا الخلاف كان أولًا ثم حصل الإجماع على منع الخروج عليهم. والله أعلم. "شرح النووي على مسلم 12/ 469، 470". [21] الموطأ "2/ 464" "21" كتاب الجهاد - "18" باب الترغيب في الجهاد - من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس به. رقم "39". خ "2/ 303" "56" كتاب الجهاد - "3" باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء من طريق عبد الله بن يوسف، عن مالك به. "رقم 2788، وأطرافه في: 2799، 2877، 2894، 2682، 7001". "رقم 2789، وأطرافه في: 2800، 2878، 2895، 2924، 6283، 7002". م "3/ 1518" "33" كتاب الإمارة - "49" باب فضل الغزو في البحر - من طريق يحيى بن ييحيى، عن مالك بن. رقم "160/ 1912".

أَنَسٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ فتُطعمه، وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا فَأَطْعَمَتْهُ، ثُمَّ جَلَسَتْ تُفلي رَأْسَهُ، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ اسْتَيْقَظَ، وَهُوَ يَضْحَكُ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرضوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَرْكَبُونَ ثَبَجَ الْبَحْرِ 1 مُلُوكًا عَلَى الأَسِرَّة، أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ" يَشُكُّ أَيُّهُمَا قَالَ. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادعُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ، فَدَعَا لَهَا، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَامَ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ قَالَتْ: فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ ... " كَمَا قَالَ فِي الأَوَّلِ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: ادعُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ: "أنتِ مِنَ الأوَّلين". فركبت أم حرام بن ملحان البحر زَمَنَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، فصُرعت عند دَابَّتِهَا2، حِينَ خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ فهلكت3.

_ 1 "ثبج البحر" قيل: وسطه، وقيل: ظهره، وقيل: متنه. 2 في "ب": فصرعت بها راحلتها. 3 قال ابن حجر في فتح الباري "11/ 79-81": وفي الحديث من الفوائد: الترغيب في الجهاد والحض عليه، وبيان فضيلة المجاهد، وفيه جواز ركوب البحر الملح للغزو، وقد تقدم بيان الاختلاف فيه، وأن عمر كان يمنع منه وأذن فيه عثمان، قال أبو بكر بن العربي: ثم منع منه عمر بن عبد العزيز، ثم أذن فيه من بعده واستقر الأمر عليه، ونقل عن عمر أنه إنما منع ركوبه لغير الحج والعمرة ونحو ذلك، ونقل ابن عبد البر أنه يحرم ركوبه عند ارتجاجه اتفاقًا، وكره مالك ركوب النساء مطلقًا الْبَحْرِ =

أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مالك.

_ = لما يخشى من اطلاعهن على عورات الرجال فيه؛ إذ يتعسر الاحتراز من ذلك، وخص أصحابه ذلك بالسفن الصغار، وأما الكبار التي يمكنهن فيهن الاستتار بأماكن تخصهن فلا حرج فيه. وفي الحديث: جواز تمني الشهادة، وأن من يموت غازيًا يلحق بمن يقتل في الغزو، كذا قال ابن عبد البر وهو ظاهر القصة؛ لكن لا يلزم من الاستواء في أصل الفضل الاستواء في الدرجات، وقد ذكرت في "باب الشهداء" من كتاب الجهاد كثيرًا ممن يطلق عليه شهيد وإن لم يقتل. وفيه مشروعية القائلة لما فيه من الإعانة على قيام الليل، وجواز إخراج ما يؤذي البدن من قمل ونحوه عنه، ومشروعية الجهاد مع كل إمام لتضمنه الثناء على مَن غزا مدينة قيصر، وكان أمير تلك الغزوة يزيد بن معاوية ويزيد يزيد، وثبوت فضل الغازي إذا صلحت نيته. وقال بعض الشراح: فيه فضل المجاهدين إلى يوم القيامة؛ لقوله فيه: "ولست من الآخرين"، ولا نهاية للآخرين إلى يوم القيامة. والذي يظهر أن المراد بالآخرين في الحديث الفرقة الثانية، نعم يأخذ منه فضل المجاهدين في الجملة لا خصوص الفضل الوارد في حق المذكورين. وفيه ضروب من أخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- بما سيقع فوقع كما قال، وذلك معدود من علامات نبوته؛ منها: إعلامه ببقاء أمته بعده وأن فيهم أصحاب قوة وشوكة ونكاية في العدو، وأنهم يتمكنون من البلاد حتى يغزوا البحر، وأن أم حرام تعيش إلى ذلك الزمان، وأنها تكون مع من يغزو البحر، وأنها لا تدرك زمان الغزوة الثانية. وفيه جواز الفرح بما يحدث من النعم، والضحك عند حصول السرور لضحكه -صلى الله عليه وسلم- إعجابًا بما رأى من امتثال أمته أمره لهم بجهاد العدو، وما أثابهم الله تعالى على ذلك، وما ورد في بعض طرقه بلفظ التعجب محمول على ذلك. وفيه جواز قائلة الضيف في غير بيته بشرطه كالإذن وأمن الفتنة، وجواز خدمة المرأة الأجنبية للضيف بإطعامه والتمهيد له ونحو ذلك، وإباحة ما قدمته المرأة للضيف من مال زوجها؛ لأن الأغلب أن الذي في بيت المرأة من مال الرجل، كذا قال ابن بطال؛ قال: وفيه أن الوكيل والمؤتمن إذا علم أنه يسر صاحبه ما يفعله من ذلك جاز له فعله، ولا شك أن عبادة كان يسره أكل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مما قدمته امرأته ولو كان بغير إذن خاص منه. وتعقبه القرطبي بأن عبادة حينئذ لم يكن زوجها كما تقدم. قلت: لكن ليس في الحديث ما ينفي أنها كانت حينئذ ذات زوج، إلا أن في كلام ابن سعد ما يقتضي أنها كانت حينئذ عزبًا. وفيه خدمة المرأة الضيف بتفلية رأسه، وقد أشكل هذا على جماعة؛ فقال ابن عبد البر: أظن أن أم حرام أرضعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو أختها أم سليم، فصارت كل منهما أمه أو خالته من الرضاعة؛ فلذلك كان ينام عندها، وتنال منه ما يجوز للمحرم أن يناله من محارمه، ثم ساق بسنده إلى يحيى بن إبراهيم بن مزين قال: إنما استجاز رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تفلي أم حرام رأسه؛ لأنها كانت منه ذات محرم من قبل خالاته؛ لأن أم عبد المطلب جده كانت من بني النجار. ومن طريق يونس بن عبد الأعلى قال: قال لنا ابن وهب: أم حرام إحدى خالات النبي -صلى الله عليه وسلم- من الرضاعة؛ فلذلك كان يقيل عندها ينام في حجرها وتفلي رأسه. قال ابن عبد البر: وأيهما كان فهي محرم له. وجزم أبو القاسم بن الجوهري والداودي والمهلب فيما حكاه ابن بطال عنه بما قال ابن وهب قال: وقال غيره: إنما كانت خالة لأبيه أو جده عبد المطلب =

[22] وَبِهِ ثنا الْمَحَامِلِيُّ، ثنا أَحْمَدُ بن إسماعيل، ثنا مالك، عن ابن

_ = وقال ابن الجوزي: سمعت بعض الحفاظ يقول: كانت أم سليم أخت آمنة بنت وهب أم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الرضاعة. وحكى ابن العربي ما قال ابن وهب، ثم قال: وقال غيره: بل كان صلى الله عليه وسلم معصومًا يملك أربه عن زوجته، فكيف عن غيرها مما هو المنزه عنه، وهو المبرأ عن كل فعل وقول رفث، فيكون ذلك من خصائصه. ثم قال: ويحتمل أن يكون ذلك قبل الحجاب، ورد بأن ذلك كان بعد الحجاب جزمًا، وقد قدمت في أول الكلام على شرحه أن ذلك كان بعد حجة الوداع، ورد عياض الأول بأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال، وثبوت العصمة مسلم؛ لكن الأصل عدم الخصوصية، وجواز الاقتداء به في أفعاله حتى يقوم على الخصوصية دليل. وبالغ الدمياطي في الرد على مَن ادعى المحرمية فقال: ذهل كل مَن زعم أن أم حرام إحدى خالات النبي -صلى الله عليه وسلم- من الرضاعة أو من النسب، وكل من أثبت لها خئولة تقتضي محرمية؛ لأن أمهاته من النسب واللاتي أرضعنه معلومات ليس فيهن أحد من الأنصار ألبتة، سوى أم عبد المطلب وهي سلمة بنت عمرو بن زيد بن لبيد بن خراش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، وأم حرام هي بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر المذكور، فلا تجتمع أم حرام وسلمى إلا في عامر بن غنم جدهما الأعلى، وهذه خئولة لا تثبت بها محرمية؛ لأنها خئولة مجازية، وهي كقوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: "هذا خالي"؛ لكونه من بني زهرة وهم أقارب أمه آمنة، وليس سعد أخًا لآمنة لا من النسب ولا من الرضاعة. ثم قال: وإذا تقرر هذا فقد ثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه، إلا على أم سليم، فقيل له فقال: "أرحمها قتل أخوها معي" يعني: حرام بن ملحان، وكان قد قتل يوم بئر معونة. قلت: وقد تقدمت قصته في الجهاد في "باب فضل من جهز غازيًا"، وأوضحت هناك وجه الجمع بين ما أفهمه هذا الحصر وبين ما دل عليه حديث الباب في أم حرام بما حاصله أنهما أختان كانا في دار واحدة كل واحدة منهما في بيت من تلك الدار، وحرام بن ملحان أخوهما معًا، فالعلة مشتركة فيهما. وإن ثبتت قصة أم عبد الله بن ملحان التي أشرت إليها قريبًا، فالقول فيها كالقوم في أم حرام، وقد انضاف إلى العلة المذكورة كون أنس خادم النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد جرت العادة بمخالطة المخدوم خادمه وأهل خادمه ورفع الحشمة التي تقع بين الأجانب عنهم. ثم قال الدمياطي: على أنه ليس في الحديث ما يدل على الخلوة بأم حرام، ولعل ذلك كان مع ولد أو خادم أو زوج أو تابع. قلت: وهو احتمال قوي؛ لكنه لا يدفع الإشكال من أصله لبقاء الملامسة في تفلية الرأس، وكذا النوم من الحجر، وأحسن الأجوبة دعوى الخصوصية، ولا يردها كونها لا تثبت إلا بدليل؛ لأن الدليل على ذلك واضح. والله أعلم. [22] خ "1/ 73" "4" كتاب الوضوء - "25" باب الاستنثار في الضوء - من طريق عبدان، عن عبد الله، عن يونس، عن الزهري به. رقم "161". م "1/ 212" "2" كتاب الطهارة - "8" باب الإيثار في الاستثنار والاستجمار - من طريق يحيى بن يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب به. رقم "22/ 237". هذا قد رواه ابن جماعة عن شهدة بسند هذا الكتاب، ثم قال: هذا الحديث متفق على صحته من حديث أبي إدريس الخولاني، واسمه عائذ الله بن عبد الله. وأخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى التيمي النيسابوري، عن مالك، وأخرجه النسائي من طرق؛ منها عن هارون بن عبد الله الحمال، عن معن بن عيسى القزاز، عن مالك فوقع لنا عاليا من حديث مالك "مشيخة قاضي القضاة 1/ 180، 181". وقد رواه الحافظ السلفي في كتابه الوجيز "ص75" عن شيخ شهدة الحسين بن أحمد بن طلحة به. ورواه الذهبي بالسند نفسه هذا "سير 4/ 276" وقال: هذا حديث صحيح عالٍ، أخرجاه في الصحيحين من طرق عن الزهري.

شِهَابٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلانِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَن تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْثِرْ 1، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ 2 فَلْيُوتِرْ" 3. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِذِ اللَّهِ أَبِي إدريس4.

_ 1 "فليستنثر" الانتثار: هو إخراج الماء بعد الاستنشاق مع ما في الأنف من مخاط وشبهه. 2 "استجمر" الاستجمار: مسح محل البول أو الغائط بالجمار؛ وهي الأحجار الصغيرة. قال العلماء: يقال: الاستطابة والاستجمار والاستنجاء لتطهير محل البول والغائط، فأما الاستجمار فمختص بالمسح بالأحجار، أما الاستطابة والاستنجاء فيكونان بالماء والأحجار. 3 "فليوتر" الإيتار: جعل العدد وترًا أي: فردًا. 4 يمكن تناول معنى هذا الحديث وأحكامه في نقاط: 1- استدل به أحمد وأبو ثور على جوب الاستنشاق لظاهر الأمر؛ وهو قول ابن أبي ليلى وإسحاق أيضًا، حكاه الخطابي عنهما. وربما كان من جهة هؤلاء -زيادة على ذلك- أنه لم يحك أحد ممن وصف وضوءه عليه الصلاة والسلام على الاستقصاء أنه ترك الاستنشاق. وحمله الجمهور -مالك والشافعي وأهل الكوفة- على الندب؛ لقوله صلى الله عليه سلم للأعرابي: "توضأ كما أمرك الله"، وليس في الآية التي أمر الله بالوضوء فيها ذكر الاسنشاق. والقرينة الحالية والمقالية في قصة الأعرابي ناطقة صريحًا بأن المراد من قوله: "كما أمرك الله تعالى" الأمر المذكور في آية الوضوء، وليس فيها ما يدل على وجوب الاستنشاق، ولا على المضمضة، فلا حجة لمن يقول: إن معنى "كما أمرك الله" أي: في الكتاب والسنة. ومن حجتهم كذلك: أن العلماء اتفقوا على عدم وجوب الانتثار، مع كونه مأمورًا به، ومعطوفًا على أمره بالاستنشاق؛ لأنه أمر في بعض طرق الحديث بالتثليث فيه، وليس بواجب اتفاقًا، فدل على أن أصل الأمر الندب. وفي دفاع صاحب المفهم القرطبي عن رأي الجمهور قال: يحتمل أن يكون أمره -صلى الله عليه وسلم- أمرًا بالوضوء، كما قد جاء مفسرًا في غير رواية مسلم: "فليتوضأ وليستنثر ثلاثًا". =

.....................................................................

_ = ومن حجتهم كذلك أنه لا يُعلم خلاف في أن مَن ترك الاستنشاق لا يعيد، وهذا دليل قوي؛ فإنه لا يحفظ ذلك عن أحد من الصحابة ولا التابعين إلا عن عطاء، وثبت عنه أنه رجع عن إيجاب الإعادة. كما أنه لا حجة لمن ذهب إلى الوجوب في قوله: إنه لم يحكِ أحدٌ ممن وصف وضوءه صلى الله عليه وسلم على الاستقصاء أنه ترك الاستنشاق، فكما يقول العيني: فإنه يلزمه أن يقول بوجوب التسمية أيضًا؛ لأنه لم ينقل ترك التسمية فيه، ومع هذا فهو سنة أو مستحبة عن إمام هذا القائل. 2- قد يستدل به مَن ذهب إلى أن مشروعية الاستنشاق لا تحصل بإيصال الماء إلى الخيشوم؛ بل بالانتثار عقبه؛ لأنه فائدة الاستنشاق، كما اشترط بعضهم مج الماء من الفم في حصول المضمضة. 3- لم يُفرق في حديث أبي هريرة في الاستنشاق بين الصائم وغيره، وقد فرق بينهما في حديث لقيط بن صبرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له: "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا". رواه أصحاب السنن، وصححه الترمذي ابن خزيمة وابن حبان والحاكم. وكذلك ذكر بعض أصحاب الشافعي أنه يكره للصائم المبالغة فيه، وأنه لو بالغ فوصل الماء إلى جوفه بَطَلَ صومه على الأصح؛ لأنه لم تشرع له المبالغة، بخلاف ما وصل مع عدم المبالغة، فإنه لا يضره. والله أعلم. 4- وحكمة الاستنشاق كما ثبت في الصحيحين من رواية عيسى بن طلحة، عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرات؛ فإن الشيطان يبيت على خياشيمه"، فبيَّن سبب الأمر؛ وهو تطهير آثار الشيطان. وقد حكى القاضي عياض احتمالين: أنه محمول على الحقيقة أنه يبيت على الخياشيم جمع خيشوم؛ وهو أعلى الأنف، أو هو على الاستعارة؛ لأن ما ينعقد من الغبار ورطوبة الخياشيم قذارة توافق الشيطان. قال صاحب المفهم: وهذا على عادة العرب في نسبتهم المستخبَث والمستبشَع إلى الشيطان، كما قال تعالى: {كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ} ، ويحتمل أن يكون ذلك عبارة عن تكسيله عن القيام للصلاة؛ كما قال: "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم ... " الحديث. هذا في النوم. أما في اليقظة فيكون لطرد الشيطان أي: تعرضه للمؤمن. وذكر الخطابي حكمة أخرى فقال: وترى أن معظم ما جاء من الحث والتحريض على الاستنشاق في الوضوء، إنما جاء لما فيه من المعونة على القراءة وتنقية مجرى التنفس التي تكون به التلاوة، وبإزالة ما فيه من التفل تصح مخارج الحروف. هذا، وقد ذكر بعضهم أن الحكمة في تقديم الاستنشاق والمضمضة وغسل الكفين على غسل الأعضاء الواجبة حتى يعرف المتوضئ بذلك أوصاف الماء الثلاثة؛ وهي: الرائحة والطعم واللون، هل هي متغيرة أو لا؟ وكما يقول الحافظ العراقي: هذا وإن كان محتملًا فإنه لا دليل عليه، والعلة المنصوصة في الاستنشاق أولى. والله تعالى أعلم. "انظر: صحيفة همام بن منبه "ص358-361" والمصادر بها".

[23] وَبِهِ حَدَّثَنَا الْمَحَامِلِيُّ، نا أَحْمَدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَدَنِيُّ، نا مَالِكٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ عَمْرِو1 بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:

_ [23] الموطأ "2/ 519" "27" كتاب الفرائض - "13" باب ميراث أهل الملل - من طريق يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب به. رقم "10". وفيه: "عن عمر بن عثمان". خ "4/ 243" "85" كتاب الفرائض - "26" باب لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم، وإذا أسلم قبل أن يُقسم الميراث فلا ميراث له - من طريق أبي عاصم، عن ابن جريج، عن ابن شهاب به. رقم "6764". م "3/ 1233" "23" كتاب الفرائض - من طريق يحيى بن يحيى، وأبي بكر بن أبي شيبة، وإسحاق بن إبراهيم، عن ابن عيينة، عن الزهري به. رقم "1/ 1614". وفي رواية لهذا الحديث أن أسامة قال: قلت: يا رسول الله، أين ننزل غدًا؟ وذلك في حجة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "وهل ترك لنا عقيل بن أبي طالب شيئًا؟! " ثم قال: "لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم". يريد صلى الله عليه وسلم: أن عقيلًا وطالبًا هما ورثا أبا طالب؛ لأن أبا طالب مات كافرًا، وكان علي وجعفر مسلمين، فلم يرثا. شرح السنة "11/ 155". 1 هكذا في المخطوط "عن عمرو بن عثمان". ولكن الثابت أن مالكًا سماه "عمر بن عثمان"، وهكذا رواه ابن جماعة من طريق شهدة من كتابها بخطها "انظر مشيخة قاضي القضاة 1/ 181". قال ابن جماعة بعد أن روى الحديث: هكذارواه مالك عن "عمر بن عثمان" بضم العين، وخالفه الناس في ذلك، وقالوا: إنما روى هذا الحديث عمرو بن عثمان. قال مسلم بن الحجاج: كل من روى هذا الحديث من أصحاب الزهري قال فيه: عمرو بن عثمان، وحكم مسلم على مالك بالوهم فيه. وذكر أن مالكًا كان يشير بيده إلى دار "عمر" كأنه علم أنهم يخالفونه. وعدل الشيخان البخاري ومسلم عن إخراج الحديث من طريق مالك، وأخرجاه من حديث غيره من أصحاب الزهري، عن علي بن الحسين، عن عمرو بن عثمان؛ فرواه البخاري عن محمود بن غيلان، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري. ورواه مسلم عن يحيى بن يحيى، ورواه أيضًا أبو داود عن مسدَّد بن مُسَرْهَد. ورواه الترمذي عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي، ومحمد بن يحيى بن أبي عمر العَدَني. ورواه النسائي عن قُتيبة بن سعيد والحارث بن مسكين، ورواه ابن ماجه، عن هشام بن عمار، ومحمد بن الصباح، كلهم عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، ورواه أيضًا عن عُقيل بن خالد، عن الزهري، فوقع لنا عاليًا بحمد الله. "مشيخة قاضي القضاة 1/ 182، 183".

"لا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ". لا يُدْفَع صِحَّةَ سَمَاعِ أَبِي حُذَافَةَ أَحْمَدَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بن نُبَيه السهمي1 من مَالِكٍ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ ثِقَةٌ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ الْبَرْقَانِيُّ، وَقَالَ: أَمَرَنِي أَنْ أُخْرِجَ حَدِيثَهُ فِي الصَّحِيحِ. ومن حمل عليه وشدَّد في حقه لما قيل: أدخلت عليه أحاديث عن مالك، ولم يكن ممن يتعمد الكذب، رحمه اللَّه. تُوفي يوم عيد الفطر سنة تسع وخمسين ومائتين.

_ 1 قال الخطيب البغدادي في ترجمته: أَحْمَدَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بن نبيه أبو حذافة السهمي، من أهل مدينة رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سلم- سكن بغداد، وحدث بها عن مالك بن أنس غيره، وروى عنه القاضي المحاملي وغيره وقال: كان أبو حذافة قد أدخل عليه عن مالك أحاديث ليست من حديثه، ولحقه السهو في ذلك، ولم يكن ممن يتعمد الباطل ولا يدفع عن صحة السماع من مالك، ونقل عن الدارقطني قوله: روى الموطأ عن مالك مستقيمًا. توفي سنة تسع وخمسين ومائتين. تاريخ بغداد "4/ 23، 24". وقال ابن عدي: حدث عن مالك بالموطأ، وحدث عن غيره بالبواطيل. وقال المحاملي: سألت أبا مصعب، عن أبي حذافة قال: كان يحضر معنا العرض على مالك. تهذيب الكمال "1/ 266، 267". "وانظر: الميزان 1/ 33". ومن هذا يتبين أنه لا مطعن عليه في روايته عن مالك في الموطأ، والأحاديث التي معنا هنا من هذه الأحاديث. والله أعلم.

الشيخ الخامس

[الشيخ الخامس] : [24] أَخْبَرَنَا أَبُو الْخَطَّابِ نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ البَطِر1 الْقَارِئُ يَوْمَ الأَحَدِ ثَالِثَ عَشَرَ جُمَادَى الأُولَى سنة ثمان وثمانين وأربعمائة بقراءة الروندشتي، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا البَيِّع2 قِرَاءَةً قَالَ: نا الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ الله الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَحَامِلِيُّ إِمْلاءً، نا حفص بن عمرو الرَّبَّالي3، نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ إسماعيل، عَنْ قيس، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه سلم- قَالَ: "أُنْزِلَ عليَّ آيَاتٌ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} -إِلَى آخِرِ السُّورَةِ- وَ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} " إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ. [25] وَبِهِ حدثنا المحاملي، ثنا سَلْم بْنُ جُنَادَةَ، نا حَفْصٌ، عن الأعمش،

_ [24] م "1/ 558" "6" كتاب صلاة المسافرين وقصرها - "46" باب فضل قراءة المعوذتين - من طريق مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نمير، عن أبيه، عَنْ إِسْمَاعِيلَ "بْنِ أَبِي خَالِدٍ" به. رقم "265/ 814". ت "5/ 170" "46" كتاب فضائل القرآن - "12" باب ما جاء في المعوذتين - من طريق محمد بن بشار، عَنْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ إسماعيل بن أبي خالد به. رقم "2902". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وقيس هو ابن أبي حازم البجلي. 1 له ترجمة في سير أعلام النبلاء "19/ 46". وقد سبقت له ترجمة في هوامش مقدمة التحقيق. 2 له ترجمة في تاريخ بغداد "10/ 39". قال الخطيب: وكان ثقة، وتوفي سنة ثمان وأربعمائة، وعنده سبع وثمانون سنة "انظر شذرات الذهب 3/ 187". 3 له ترجمة في تاريخ بغداد "8/ 204". ونقل الخطيب عن ابن أبي حاتم أنه صدوق، وقال الدارقطني: ثقة مأمون، مات سنة 258. [25] م "4/ 2003، 2004" "45" كتاب البر والصلة والآداب - "23" باب فضل الرفق - من طريق محمد بن المثنى، عن يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن منصور، عن تميم بن سلمة به. رقم "74/ 2592". ومن طريق وكيع وغيره، عن الأعمش، عن تميم بن سلمة به. رقم "74/ 2592". =

عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلالٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ يُحْرَم الرِّفْقَ يُحرم الْخَيْرَ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الأَعْمَشِ. [26] وَبِهِ نا الْمَحَامِلِيُّ، نا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، نا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ: إِنِّي لأَضْرِبُ غُلامًا لِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي: "اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ". قَالَ: فَجَعَلْتُ لا أَلْتَفِتُ إِلَيْهِ مِنَ الْغَضَبِ، حَتَّى غَشِيَنِي، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا رَأَيْتُهُ وَقَعَ السَّوْطُ مِنْ يَدِي مِنْ هَيْبَتِهِ. فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَاللَّهِ، لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ منك من هذا".

_ = وقد ورد عن عائشة أحاديث صحيحة رواها مسلم في هذا الباب؛ منها: قوله صلى الله عليه وسلم: "ياعائشة، إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه". ومنها: قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه". وفي رواية لهذا الحديث: ركبت عائشة بعيرًا فكانت فيه صعوبة فجعلت تردده، فقال لها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "عليك بالرفق". والرفق: هو لين الجانب، وهو خلاف العنف، وهو اللطف أيضًا. [26] م "3/ 1280، 1281" "27" كتاب الإيمان - "8" باب صحبة المماليك، وكفارة من لطم عبده - من طريق أبي كامل الجحدري، عن عبد الواحد بن زياد عن الأعمش نحوه. ومن طريق إسحاق بن إبراهيم، عن جرير به. ومن طريق أبي معاوية عن الأعمش، وفيها زيادة: فقلت: يا رسول الله، هو حر لوجه الله، "أما لو لم تفعل للفحتك النار أو لمستك النار". ت "4/ 335" "28" كتاب البر والصلة - "30" باب النهي عن ضرب الخدم وشتمهم - من طريق محمود بن غيلان، عن مؤمل، عن سفيان، عن الأعمش به. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وإبراهيم التيمي: إبراهيم بن زيد بن شريك. أمالي المحاملي "383" عن يوسف بن موسى به. هذا، وقد رُوي عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه" "مسلم 3/ 1278 في الكتاب والباب السابقين".

فَقُلْتُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لا أَضْرِبُ غُلامًا لِي أَبَدًا. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ عَنْ إبراهيم، وعن أَبِيهِ يَزِيدَ بْنِ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُود عقبة بْن عَمْرو. [27] وَبِهِ ثنا الْمَحَامِلِيُّ، ثنا يُوسُفُ، ثنا جرير بن هِشَامِ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قُلْ لِي قَوْلا فِي الإِسْلامِ لا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ. قَالَ: "قُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ، ثم استقم" 1.

_ [27] م "1/ 65" "1" كتاب الإيمان - "3" باب جامع أوصاف الإيمان - من طريق ابن نمير وجرير وأبي أسامة عن هشام بن عروة به. أمالي المحاملي "353" من طريق يوسف بن موسى به. 1 قال ابن رجب في شرح هذا الحديث: هذا الحديث خرجه مسلم من رواية هِشَامِ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عن سفيان، وسفيان هو ابن عبد الله الثقفي الطائفي له صحبة، وكان عاملًا لعمر بن الخطاب على الطائف، وقد رُوي عن سفيان بن عبد الله من وجوه أخر بزيادات؛ فخرجه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه من رواية الزهري عن محمد بن عبد الرحمن بن ماعز، وعند الترمذي من رواية عبد الرحمن بن ماعز عن سفيان بن عبد الله قال: قلت: يا رسول الله، حدثني بأمر أعتصم به، قال: "قل: ربي الله ثم استقم"، قلت: يا رسول الله، ما أخوف ما تخاف عليَّ؟ فأخذ بلسان نفسه ثم قال: "هذا". وقال الترمذي: حسن صحيح. وخرجه الإمام أحمد والنسائي من رواية عبد الله بن سفيان الثقفي عن أبيه: أن رجلًا قال: يا رسول الله، مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحدًا بعدك، قال: "قل: آمنت بالله، ثم استقم"، قلت: فما أتقي؟ فأومأ إلى لسانه. وقال سفيان بن عبد الله للنبي صلى الله عليه وسلم: قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدك، طلب منه أن يعلمه كلامًا جامعًا لأمر الإسلام كافيًا حتى لا يحتاج بعده إلى غيره، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "قل: آمنت بالله ثم استقم"، وفي الرواية الأخرى: "قل: ربي الله ثم استقم". هذا متنزع من قوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} ، وقوله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} . وخرج النسائي في تفيسره من رواية سهيل بن أبي حزم: حدثنا ثابت عن أنس: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قرأ: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} فقال: "قد قالها الناس، ثم كفروا، فمن مات عليها فهو من أهل الاستقامة". وخرجه الترمذي ولفظه: فقال: "قد قالها الناس، ثم كفر أكثرهم، فمن مات عليها فهو ممن استقام" وقال: حسن غريب، وسهيل تُكلم فيه من قبل حفظه. =

أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ هِشَامٍ، وَلَيْسَ فِي الصَّحِيحِ لِسُفْيَانَ هَذَا غيره.

_ = وقال أبو بكر الصديق في تفسير {ثُمَّ اسْتَقَامُوا} قال: لم يشركوا بالله شيئًا. وعنه قال: لم يلتفتوا إلى إله غيره، وعنه قال: ثم استقاموا على أن الله ربهم. وعن ابن عباس بإسناد ضعيف قال: نص آية في كتاب الله: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} على شهادة أن لا إله إلا الله. ورُوي نحوه عن أنس ومجاهد والأسود بن هلال وزيد بن أسلم والسدي وعكرمة وغيرهم. ورُوي عن عمر بن الخطاب أنه قرأ هذه الآية على المنبر: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} فقال: لم يروغوا روغان الثعلب. وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} قال: استقاموا على أداء فرائضه. وعن أبي عالية قال: ثم أخلصوا له الدين والعمل. وعن قتادة قال: استقاموا على طاعة الله. وكان الحسن إذا قرأ هذه الآية قال: اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة. ولعل من قال: إن المراد الاستقامة على التوحيد، إنما أراد التوحيد الكامل الذي يحرِّم صاحبه على النار؛ وهو تحقيق معنى لا إله إلا الله؛ فإن الإله هو المعبود الذي يطاع فلا يعصى خشية إجلالًا ومهابة ومحبة ورجاء وتوكلًا ودعاء، والمعاصي قادحة كلها في هذا التوحيد؛ لأنها إجابة لداعي الهوى وهو الشيطان، قال الله عز وجل: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} . قال الحسن وغيره: هو الذي لا يهوى شيئًا إلا ركبه، فهذا ينافي الاستقامة على التوحيد. وأما على رواية من روى: "قل: آمنت بالله" فالمعنى أظهر؛ لأن الإيمان يدخل فيه الأعمال الصالحة عند السلف ومن تابعهم من أهل الحديث، وقال الله عز وجل: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} ، فأمره أن يستقيم ومَن تاب معه، وألا يجاوزوا ما أمروا به وهو الطغيان، وأخبر أنه بصير بأعمالكم مطلع عليها، قال تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} . وقال قتادة: أمر محمد -صلى الله عليه وسلم- أن يستقيم على أمر الله. وقال الثوري: على القرآن. وعن الحسن قال: لما نزلت هذه الآية شمر رسول الله -صلى الله عليه سلم- فما رؤي ضاحكًا. خرجه ابن أبي حاتم. وذكر القشيري عن بعضهم: أنه رأى النبي -صلى الله عليه سلم- في المنام، فقال له: يا رسول الله، قلتَ: "شيبتني هود وأخواتها"، فما شيبك منهما؟ قال قوله: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} . وقال عز وجل: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ} . وقد أمر الله تعالى بإقامة الدين عمومًا، كما قال: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} . وأمر بإقامة الصلاة في غير موضع من كتابه، كما أمر بالاستقامة على التوحيد في تينك الآيتين، والاستقامة: هي سلوك الصراط المستقيم، وهو الدين القويم من غير تعويج عنه يمينة ولا يسرة، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات كلها كذلك، فصارت هذه الوصية جامعة لخصال الدين كلها. وفي قوله عز وجل: {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ} إشارة إلى أنه لا بد من تقصير في الاستقامة المأمور بها، فيجبر ذلك الاستغفار المقتضي للتوبة والرجوع إلى الاستقامة، فهو كقول =

[28] وبه ثنا المحاملي، ثنا عَلِيُّ بْنُ شُعَيْبٍ، نا سُفْيَانُ بن عُيينة، سمع

_ = النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن الناس لن يستطيعوا الاستقامة حق الاستقامة. كما خرجه الإمام أحمد وابن ماجه من حديث ثوبان عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن". وفي رواية الإمام أحمد رحمه الله: "سددوا وقاربوا ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن". وفي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "سددوا وقاربوا" فالسداد: هو حقيقة الاستقامة، وهو الإصابة في جميع الأقوال والأعمال والمقاصد كالذي يرمي إلى غرض فيصيبه. وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- عليًّا أن يسأل الله -عز وجل- السداد والهدى، وقال له: "اذكر بالسداد تسديدك السهم، وبالهدى هدايتك الطريق". والمقاربة أن يصيب ما قرب من الغرض إذا لم يصب الغرض نفسه؛ ولكن بشرط أن يكون مصممًا على قصد السداد وإصابة الغرض، فتكون مقاربته عن غير عمد، ويدل عليه قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث الحكم بن حزم الكلبي: "أيها الناس، إنكم لن تعملوا ولن تطيقوا كل ما أمرتكم؛ ولكن سددوا وأبشروا" والمعنى: اقصدوا التسديد والإصابة والاستقامة؛ فإنهم لو سددوا في العمل كله لكانوا قد فعلوا ما أمروا به كله. فأصل الاستقامة استقامة القلب على التوحيد، كما فسر أبو بكر الصديق وغيره قوله: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} بأنهم لم يلتفتوا إلى غيره، فمتى استقام القلب على معرفة الله وعلى خشيته وإجلاله ومهابته ومحبته وإرادته ورجائه ودعائه والتوكل عليه والإعراض عما سواه استقامت الجوارح كلها على طاعته؛ فإن القلب هو ملِك الأعضاء وهي جنوده، فإذا استقام الملِك استقامت جنوده رعاياه، وكذلك فسر قوله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا} بإخلاص القصد لله وإرادته لا شريك له. وأعظم ما يراعى استقامته بعد القلب من الجوارح اللسان؛ فإنه ترجمان القلب والمعبِّر عنه؛ ولهذا لما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالاستقامة وصاه بعد ذلك بحفظ لسانه؛ ففي مسند الإمام أحمد عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه". وفي رواية الترمذي عن أبي سعيد مرفوعًا وموقوفًا: "إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تفكر اللسان فتقول: اتقِ الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا وإن أعوججت أعوججنا". "جامع العلوم والحكم 246-249". [28] د "2/ 496" "5" كتاب المناسك - "63" باب موضع الوقوف بعرفة - من طريق ابن نفيل، عن سفيان به. رقم 1919. ت "3/ 221" "7" كتاب الحج "53" باب ما جاء في الوقوف بعرفات والدعاء بها - من طريق قتيبة عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار به. قال الترمذي: وفي الباب عن علي وعائشة وجبير بن مطعم والشريد بن سويد الثقفي. قال: حديث ابن مربع الأنصاري حديث حسن صحيح، لا نعرفه إلا من حديث ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، وابن مربع اسمه يزيد بن مربع الأنصاري، وإنما يعرف له هذا الحديث الواحد. وقد روى البخاري وغيره عن عائشة ما يُفسِّر هذا الحديث: قالت: كانت قريش ومن كان على دينها وهم الحُمُس يقفون بالمزدلفة، يقولون: نحن قطين الله، وكان من سواهم يقفون بعرفة، فأنزل الله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} . خ "25" كتاب الحج - "91" باب الوقوف بعرفة. م "15" كتاب الحج رقم "151". وبيَّن الترمذي معنى الحديثين فقال: معنى هذا الحديث أن أهل مكة كانوا لا يخرجون من الحرم، وعرفة خارج من الحرم، وأهل مكة كانوا يقفون بالمزدلفة ويقولون: نحن قطين الله؛ يعني: سكان الله، ومن سوى أهل مكة كانوا يقفون بعرفات؛ فأنزل الله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} ، والحُمُس: هم أهل الحرم. "السنن 3/ 222".

عمرٌو عَمْرَو1 بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ يُحَدِّثُ عَنْ يَزَيْدِ بْنِ شَيْبَانَ قَالَ: كُنَّا وُقُوفًا بِعَرَفَةَ فِي مَكَانٍ بَعِيدٍ مِنَ الْمَوْقِفِ يُبَاعِدُهُ عَمْرٌو، فَأَتَانَا ابْنُ مِرْبَع الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: إِنِّي رَسُولُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْكُمْ، يَقُولُ: "كُونُوا عَلَى مَشَاعِرِكُمْ 2 هَذِهِ؛ فَإِنَّكُمْ عَلَى إِرْثٍ مِنْ إِرْثِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ"3.

_ 1 في الأصل: "عمرو بن عمرو" وهو خطأ، وما أثبتناه من كتب التخريج ومن "ب". 2 المشاعر: المعالم، وأصله من قولك: شعرت بالشيء: أي علمته، وليت شعري ما فعل فلان: أي ليت علمي بلغه وأحاط به. 3 بيَّن الخطابي معنى الحديث وسببه فقال: يريد صلى الله عليه وسلم قفوا بعرفة خارج الحرم؛ فإن إبراهيم هو الذي جعلها مَشْعَرًا موقفًا للحاج، وكان عامة العرب يقفون بعرفة، وكانت قريش من بينها تقف داخل الحرم، وهم الذين كانوا يسمون أنفسهم الحُمُس، وهم أهل الصلابة والشدة في الدين والتمسك به، والحماسة: الشدة، يقال: رجل أحمس، وقوم حمس. وكانوا يزعمون ألا نخرج من الحرم ولا نخليه، فرد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك من فعلهم وأعلمهم أنه شيء قد أحدثوه من قبل أنفسهم، وأن الذي أورث إبراهيم من سنته هو الوقوف بعرفة. واختلفوا فيمن وقف من عرفة ببطن عرنة؟ فقال الشافعي: لا يجزئه حجه، وقال مالك: حجه صحيح وعليه دم "معالم السنن 1/ 173، 174".

الشيخ السادس

[الشيخ السادس] : [29] أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ علي بن أيوب

_ [29] خ "1/ 247" "10" كتاب الأذان - "96" باب القراءة في الظهر - من طريق أبي نعيم، عن شيبان عن يحيى به، ولفظه: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين، يطوِّل في الأولى ويقصر في الثانية، ويسمع الآية أحيانًا، وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين، وكان يطول في الأولى من صلاة الصبح، ويقصر في الثانية". =

الْبَزَّارُ1 قِرَاءَةً فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سنة تسعين وأربعمائة، أنا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحُسَيْنِ بن محمد بن شاذان2 البزار بِقِرَاءَةِ ابْنِ النَّحْوِيِّ فِي جُمادى الآخِرَةِ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وأربعمائة، أنا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ بِنْجَابَ الطِّيبِيُّ3 قِرَاءَةً فِي يَوْمِ الاثْنَيْنِ لِسَبْعٍ بَقِينَ مِنْ رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وثلاثمائة، ثنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْعَوَّامِ الرِّياحي بِوَاسِطَ سَنَةَ ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، نا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، نا هِشَامٌ الدَّسْتُوائي، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقْرَأُ فِي

_ = رقم "759" وأطرافه "762 - 776 - 778 - 779". م "1/ 333" "4" كتاب الصلاة "34" باب القراءة في الظهر والعصر - من طريق محمد بن المثنى العنزي، عن ابن أبي عدي، عن الحجاج، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ به، ولفظه نحو لفظ البخاري. رقم "154/ 451". ومن طريق يحيى بهذا الإسناد وفيه: "ويقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب". وقد روى مسلم بعد هذا الحديث حديث أبي سعيد الخدري الذي يبين فيه صلاة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الظهر والعصر، فحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من الظهر قدر قراءة {الم، تَنْزِيلُ} السجدة، وحزرنا قيامه في الأخريين على النصف من ذلك، وحزرنا قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الأخريين من الظهر، وفي الأخريين من العصر على النصف من ذلك. ورواه أبو علي الحسن بن موسى الأشيب، عن أبان بن يزيد "العطار" عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بنا فيقوم، فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بأم الكتاب وسورتين، وكان يسمعنا الآية أحيانًا، ويقرأ في الركعتين الأخريين بأم الكتاب، وكان يطيل عليه السلام أول ركعة من صلاة الفجر وأول ركعة من صلاة الظهر. "جزء فيه أحاديث أبي علي الحسن بن موسى الأشيب، ص35 رقم 8". هذا ويرجع الاختلاف في بعض هذه الروايات إلى أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يطيل في صلاة أحيانًا، ويخفف فيها في أحيان أخرى. والله تعالى أعلم. 1 له ترجمة في شذرات الذهب "3/ 398" - توفي سنة 492 عن اثنتين وثمانين سنة. 2 له ترجمة في شذرات الذهب "3/ 228، 229" - توفي في آخر يوم من سنة خمس وعشرين وأربعمائة، ودفن أول سنة ست وعشرين. 3 له ترجمة في تاريخ بغداد "4/ 35" قال الخطيب: لم أسمع فيه إلا خيرًا، توفي سنة "305".

الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنْ صَلاةِ الظُّهْرِ، وَيُسْمِعُ الآيَةَ أَحْيَانًا، وَيُطِيلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى وَيُقْصِرُ فِي الثَّانِيَةِ، وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنْ صَلاةِ الْعَصْرِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ. [30] أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ، أنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بن عبد لله بْنِ بِشْرَان1 قِرَاءَةً، نا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ بِمَكَّةَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ لِسِتٍّ بَقِينَ مِنْ رَبِيعٍ الأول سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة، نا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِمَكَّةَ فِي سَنَةِ سِتٍّ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ، نا أَبُو نُعَيْمٍ، نا الأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ 2: الصَّوْمُ لِي، وَأَنَا أُجْزِي بِهِ 3، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ من أجلي،

_ [30] خ "4/ 402" "97" كتاب التوحيد - "35" باب قول الله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ} - من طريق أبي نعيم، عن الأعمش به. رقم "7492". م "2/ 807" "13" كتاب ال صيام - "30" باب فضل الصيام - من طريق أبي معاوية ووكيع وغيرهما عن الأعمش به. رقم "164/ 1151". 1 له ترجمة في تاريخ بغداد "10/ 432"، قال الخطيب: كتبنا عنه، وكان صدوقًا ثبتًا صالحًا، ولد سنة 339، وتوفي سنة 430. 2 هذا حديث قدسي، والحديث القدسي هو حديث رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سلم- أضافه إلى الله عز وجل. قال الكرماني: فإن قلت: فهذا قول الله تعالى وكلامه، فما الفرق بينه وبين القرآن؟ قلت: القرآن لفظه معجز ومنزل بواسطة جبريل عليه السلام، وهذا غير معجز، وبدون الواسطة، ومثله يسمى بالحديث القدسي والإلهي والرباني. فإن قلت: الأحاديث كلها كذلك "أي: من الوحي"؟ قلت: الفرق بأن القدسي مضاف إلى الله تعالى ومروي عنه بخلاف غيره. ومعنى القدسي: المنسوب إلى القدوس؛ أي: المنزه سبحانه وتعالى في ذاته وصفاته الجلالية والجمالية. انظر مقال الحديث القدسي للمحقق في مجلة المنهل العدد "484". 3 "الصوم لي وأنا أجزي به" قيل: إن هذا بيان لكثرة ثوابه: أي أنا أجازيه لا غيري، بخلاف سائر العبادات؛ فإن جزاءها قد يفوض إلى الملائكة. قال أبو عبيد: قد علمنا أن أعمال البر كلها له -سبحانه وتعالى- وهو يجزي بها، فنرى -والله أعلم- أنه إنما خص الصوم بأن يكون هو الذي يتولى جزاءه؛ لأن الصوم ليس =

وَالصَّوْمُ جُنَّة1، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ إِفْطَارِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَخَلُوفُ فِيه أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ من رائحة المسك"2.

_ = يظهر من ابن آدم بلسان ولا فعل، فيكتبه الحفظة، إنما هو نية في القلب، وإمساك عن المطعم والمشرب، فيقول: أنا أتولى جزاءه على ما أحب من التضعيف لا على كتاب له. وقيل معناه: إن الصوم عبادة خالصة لا يستولي عليه الرياء والسمعة ليس كسائر الأعمال التي يطلع عليها الخلق، فلا يؤمن معها الشرك، كما جاء: "نية المؤمن خير من عمله"؛ لأن النية محلها القلب فلا يطلع عليها غير الله؛ تقديره: أن نية المؤمن مفردة عن العمل خير من عمل خالٍ عن النية، كما قال الله سبحانه وتعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} أي: ليس فيها ليلة القدر. قال القرطبي: لما كانت الأعمال يدخلها الرياء، والصوم لا يطلع عليه بمجرد فعله إلا الله فأضافه إلى نفسه سبحانه وتعالى؛ ولهذا قال في الحديث: "يدع شهوته من أجلي". وقال ابن الجوزي: جميع العبادات تظهر بفعلها، وقَلَّ أن يسلم ما يظهر من شوب بخلاف الصوم. وسئل سفيان بن عيينة عن قوله تعالى: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي" فقال: إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عز وجل عبده، ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله، حتى لا يبقى إلا الصوم فيحتمل ما بقي عليه من المظالم، ويدخله بالصوم الجنة. ويُحكى عن سفيان أيضًا في قوله: "الصوم لي" قال: لأن الصوم هو الصبر؛ يصبر الإنسان عن المطعم والمشرب والنكاح، وثواب الصبر ليس له حساب. ثم قرأ: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} . 1 "الصوم جنة" أي: وقاية وسترة؛ قيل: من المعاصي؛ لأنه يكسر الشهوة ويضعفها، وقيل: من النار؛ لأنه إمساك عن الشهوات، النار محفوفة بالشهوات، وعند الترمذي وسعيد بن منصور: "جنة من النار"، ولأحمد من حديث أبي عبيدة بن الجراح: "الصيام جنة ما لم يخرقها"، وزاد الدارمي: "بالغيبة". ولا مانع من إرادة الأمرين، وتحقيق كل منهما يلزم منه تحقق الآخر؛ لأنه إذا كف نفسه عن المعاصي في الدنيا كان سترًا له من النار. وأشار ابن عبد البر إلى ترجيح الصيام على غيره من العبادات فقال: حسبك بكون الصيام جنة من النار فضلًا، والمشهور عند الجمهور ترجيح الصلاة. 2 "ولخلوف فيه أطيب عند الله عز وجل من رائحة المسك": الخلوف: تغير طعم الفم وريحه لتأخر الطعام، يقال: منه خلَف فمه يخلُف خُلُوفًا، ومنه =

أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الأعمش. [31] أخبرنا علي بقراءة الرُّوَنْدَشْتِي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ سَنَةِ تسعين،

_ = حديث علي حين سئل عن القبلة للصائم قال: وما أربك في خلوف فمها، ويقال: نومة الضحى مخلفة للفم: أي مغيرة. وقيل: معنى كون الخلوف أطيب عند الله من ريح المسك الثناء على الصائم، والرضا بفعله؛ لئلا يمنعه من المواظبة على الصوم الجالب للخلوف؛ كأنه قال: إن خلوف فم الصائم أبلغ في القبول عند الله من ريح المسك عندكم. وقيل: وهو مجاز؛ لأنه جرت العادة بتقريب الروائح الطيبة منا فاستعير ذلك للصوم لتقريبه من الله تعالى، فالمعنى: أن أطيب عند الله من ريح المسك عندكم؛ أي: يقرب إليه أكثر من تقريب المسك إليكم. وقيل: المراد أن ذلك في حق الملائكة، وأنهم يستطيبون ريح الخلوف أكثر مما تستطيبون ريح المسك. وقيل: المراد أن الله تعالى يجزيه في الآخرة فتكون نكهته أطيب من ريح المسك، كما يأتي المكلوم وريح جرحه تفوح مسكًا. وقيل: المراد أن صاحبه ينال من الثواب ما هو أفضل من ريح المسك لا سيما بالإضافة إلى الخلوف. وقد اختلف الشيخ تقي الدين بن الصلاح، والشيخ عز الدين بن عبد السلام في طيب رائحة الخلوف: هل هي في الدنيا أو في الآخرة؟ فذهب ابن عبد السلام إلى أن ذلك في الآخرة كما في دم الشهيد، واستدل بما رواه مسلم وأحمد والنسائي من طريق عطاء، عن أبي صالح: "أطيب عند الله يوم القيامة"، وذهب ابن الصلاح إلى أن ذلك في الدنيا، واستدل بما رواه ابن حبان: "فم الصائم حين يخلف من الطعام"، وبما رواه ابن شعبان في مسنده، والبيهقي في الشعب من حديث جابر في فضل هذه الأمة: "فإن خلوف أفواههم حين يسمون أطيب عند الله من ريح المسك"، وقال المنذري: إسناده مقارب. وهذه التفسيرات والاختلافات مؤسسة على ألا يكون اللفظ في ظاهره. ولكننا نقول: ينبغي أن نُمِرَّ مثل هذا -كما جاء- إذ هو من صفات الخالق جل وعلا، دون تأويل أو تشبيه أو تعطيل، ونَكِل أمر معناها إلى الله عز وجل، ونؤمن بها على معنى يليق بالباري جل وعلا. [31] خ "1/ 72" "4" كتاب الوضوء - "34" الوضوء ثلاثًا ثلاثًا - من طريق عبد العزيز بن عبد الله الأويسي، عن إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن عطاء بن يزيد، عن حمران مولى عثمان رأى عثمان بن عفان دعا بإناء فأفرغ على كفيه ثلاث مرار فغسلها ثم أدخل يمينه في الإناء فمضمض واشتنشق، ثم غسل وجهه ثلاثًا، ويديه إلى المرفقين ثلاث مرار، [ثم] مسح برأسه ثم غسل رجليه ثلاث مرار إلى الكعبين، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه سلم: "من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، غفر له ما تقدم من ذنبه". رقم "159" "أطرافه في:160، 164، 1934، 6433] . =

نا أَبُو طَاهِرٍ عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ المؤدِّب فِي صَفَرٍ مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ وعشرين وأربعمائة، أنا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ الصَّوَّاف قِرَاءَةً، نا أَبُو عَلِيٍّ بِشْرُ بْنُ مُوسَى بْنِ صَالِحِ بْنِ شَيْخِ بْنِ عَمِيرَة الأَسَدِيُّ، نا عَبْدُ لله بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ، أَبُو بَكْرٍ الْقُرَشِيُّ، نا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حُمْرَان مَوْلَى عُثْمَانَ قَالَ: تَوَضَّأَ عُثْمَانُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَلَى الْمَقَاعِدِ ثَلاثًا ثَلاثًا، وَقَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَوَضَأُّ. ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَا مِنْ رَجُلٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ، ثُمَّ يُصَلِّي إِلا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلاةِ الأُخْرَى حَتَّى يُصَلِّيَهَا" 1. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ من طرق عن هشام.

_ = وعن إبراهيم، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن عروة، عن حمران: فلما توضأ عثمان قال: ألا أحدثكم حديثًا لولا آية ما حدثتكموه؟ سمعت النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "لا يتوضأ رجل يحسن وضوءه يصلي الصلاة إلا غفر لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلاةِ حتى يصليها". قال عروة: الآية {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} [البقرة: 159] . رقم "160". م "1/ 204" "2" كتاب الطهارة - "4" باب فضل الوضوء والصلاة عقبه - من طريق قتيبة بن سعيد وغيره، عن جَرِيرٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ به. رقم "5/ 227". ومن طريق سفيان وغيره، عن هسام به. وفيه: "فيحسن ضوءه ثم يصلي المكتوبة" ومن طريق يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن صالح، عن ابن شهاب، عن عروة به. 1 قال ابن حجر في شرح هذا الحديث: ظاهره يعم الكبائر والصغائر؛ لكن العلماء خصوه بالصغائر لوروده مقيدًا باستثناء الكبائر في غير هذه الرواية، وهو في حق من له كبائر وصغائر، فمن ليس له صغائر كفرت عنه، ومن ليس له إلا كبائر خفف عنه منها بمقدار ما لصاحب الصغائر، ومن ليس له صغائر ولا كبائر يزداد في حسناته بنظير ذلك. وفي الحديث التعليم بالفعل لكونه أبلغ وأضبط للمتعلم، والترتيب في أعضاء الوضوء للإتيان في جميعها بثم، والترغيب في الإخلاص، وتحذير من لها في صلاته بالتفكير في أمور الدنيا في عدم القبول، ولا سيما أن كان في العزم على عمل معصية فإنه يحضر المرء في حال صلاته ما هو مشغوف به أكثر من خارجها، ووقع في رواية المصنف في الرقاق في آخر هذا الحديث: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تغتروا" أي: فتستكثروا من الأعمال السيئة بناء على أن الصلاة تكفرها؛ فإن الصلاة التي تكفر بها الخطايا هي التي يقبلها الله، وأنَّى للعبد بالاطلاع على ذلك. فتح الباري "1/ 313، 314".

الشيخ السابع

[الشيخ السابع] : [32] أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَلْمَانَ الدَّقَّاقُ قِرَاءَةً فِي رَجَبٍ من سني إِحْدَى وَتِسْعِينَ، نا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَاذَانَ قِرَاءَةً، نا أَبُو مُحَمَّدٍ دَعْلَج بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دَعْلَجٍ السِّجِسْتَانِيُّ1 قِرَاءَةً، نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الأَزْهَرِ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُلُّ مُسْكِر خَمْرٌ2.

_ [32] م "3/ 1587" "36" كتاب الأشربة - "7" باب بيان أن كل مسكر خمر، وأن كل خمر حرام - من طريق أبي الربيع العتكي وأبي كامل، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وفيه: "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حرام، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يتب؛ لم يشربها في الآخرة". رقم "73/ 2003". ومن طريق إسحاق بن إبراهيم وأبي بكر بن إسحاق، عن روح بن عبادة، عن ابن جريج، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام". رقم "74/ 2003". 1 انظر ترجمة موسعة له في مقدمة تحقيق كتاب المنتقى من مسند المقلين "ص7-19"، وتوفي سنة 351. 2 قال الخطابي: قوله: "كل مسكر خمر" يتأول على وجهين؛ أحدهما: أن الخمر اسم لكل ما وجد فيه السكر من الأشربة كلها، ومَن ذهب إلى هذا زعم إلى أن للشريعة أن تحدث الأسماء بعد أن لم تكن، كما لها أن تضع الأحكام بعد أن لم تكن. والوجه الآخر: أن يكون معناه أنه كالخمر في الحرمة، ووجوب الحد على شاربه، وإن لم يكن عين الخمر، وإنما ألحق بالخمر حكمًا إذ كان في معناها، وهذا كما جعل النباش في حكم السارق والمتلوط في حكم الزاني، وإن كان كل واحد منهما يختص في اللغة باسم غير الزاني وغير السرقة. معالم السنن "4/ 245". وقال الإمام البغوي في شرح هذا الحديث وغيره مما في معناه: في هذه الأحاديث دليل واضح على بطلان قول مَن زعم أن الخمر إنما هي عصير العنب، أو الرطب النيئ الشديد منه، وعلى فساد قول من زعم أن لا خمر إلا من العنب، أو الزبيب، أو الرطب أو التمر؛ بل كل مسكر خمر، وأن الخمر ما يخامر العقل. وقد روى عن الشعبي، عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من العنب خمرًا، وإن من التمر خمرًا، وإن من العسل خمرًا، وإن من البر خمرًا، وإن من الشعير خمرًا". فهذا تصريح بأن الخمر قد يكون من غير =

قَالَ دَعْلَج: وَلا أَعْلَمُ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ حَدِيثًا غَيْرَ هَذَا، وَقَدْ رَوَى أَخُوهُ يَحْيَى بْنُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً، رَوَاهَا عَنْهُ الصَّنْعَانِيُّونَ. [33] أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ، أنا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ، أنا دَعْلَجٌ، حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ1 الدَّوْلابِيُّ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ2، ثنا مَالِكٌ،

_ = العنب والتمر، وتخصيص هذه الأشياء بالذكر ليس لما أن الخمر لا تكون إلا من هذه الخمسة؛ بل كل ما كان في معناها من ذُرة، وسُلت، وعصارة شجر، فحكمه حكمها، وتخصيصها بالذكر؛ لكونها معهودة في ذلك الزمان. وقد رُوي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "الخمر من هاتين الشجرتين: النخلة، والعنبة". وهذا لا يخالف حديث النعمان بن بشير، وإنما معناه: أن معظم الخمر يكون منهما، وهو الأغلب على عادات الناس فيما يتخذونه من الخمور. وفي قوله: "ما أسكر كثيره، فقليله حرام" دليل أن التحريم في جنس المسكر لا يتوقف على السكر؛ بل الشربة الأولى منه في التحريم ولزوم الحد في حكم الشربة الآخرة التي يحصل بها السكر؛ لأن جميع أجزائه في المعاونة على السكر سواء، كالزعفران لا يصبغ القليل منه حتى يُمدَّ بجزء بعد جزء، فإذا كثر وظهر لونه، كان الصبغ مضافًا إلى جميع أجزائه لا إلى آخر جزء منه، وهذا قول عامة أهل الحديث، وقالوا: لو حلف ألا يشرب الخمر، فشرب شرابًا مسكرًا، يحنث. قال السائب بن يزيد: إن عمر قال: إني وجدت من فلان ريح شراب، وزعم أنه شرب الطلاء، وأنا سائل عما شرب، فإن كان يسكر جلدته، فجلده الحد تامًّا. والطلاء: ما طبخ من عصير العنب حتى ذهب ثلاثًا. وقال علي: لا أُوتَى بأحد شرب خمرًا ولا نبيذًا مسكرًا إلا جلدته الحد. وقال ابن عمر: كل مسكر خمر، وهذا قول مالك والشافعي. وقال عبد الله بن مسعود: السَّكَر خمر، ومثله عن إبراهيم، والشعبي، وأبي رزين قالوا: السكَر خمر، وقال ابن المبارك في رجل صلى وفي ثوبه من النبيذ المسكر بقدر الدرهم أو أكثر: إنه يعيد الصلاة. وقال معن: سألت مالكًا عن الفقاع، فقال: إذا لم يسكر، فلا بأس به. وسئل طلحة بن مصرف عن النبيذ، فقال: هي الخمر، هي الخمر. والسَّكَر: كل ما يسكر من خمر وشراب، ونقيع التمر الذي لم تمسه النَّار، والفُقَّاع: شراب يتخذ من الشعيرِ يخمر حتى تعلوه فقاعاته. [33] انظر تخريج الحديث السابق. 1 كذا في الأصل، وأظن أن الصواب: أبو جعفر محمد بن الصباح، ومحمد بن الصباح له ترجمة في تاريخ بغداد "5/ 365" وتهذيب الكمال "25/ 388-392" وهو من رجال الكتب الستة، وهو ثقة. توفي سنة "227". 2 له ترجمة في تهذيب الكمال "9/ 238"، وهو من رجال الكتب الستة، وأثنَى عليه جمهور النقاد. توفي سنة "207".

عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ". [34] أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ، أنا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ، نا دَعْلَجٌ، نا مُوسَى بْنُ خُزَيْمَةَ، نا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ مِسْكِينَة مَرِضَتْ، فأُخبر رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُ الْمَسَاكِينَ وَيَسْأَلُ عَنْهُمْ، فَقَالَ: "إِذَا مَاتَتْ فَآذِنُونِي بِهَا"، فخُرج بِجَنَازَتِهَا لَيْلا، فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُخبر بِالَّذِي كَانَ مِنْ شَأْنِهَا، فَقَالَ: "أَلَمْ آمُرْكُمْ أَنْ تُؤْذِنُونِي بِهَا؟ " قَالُوا: كَرِهْنَا أَنْ نُخْرِجَكَ لَيْلا أَوْ نُوقِظَكَ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى صفَّ النَّاسَ عَلَى قَبْرِهَا، فكبَّر أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ1.

_ [34] الموطأ "1/ 226" "16" كتاب الجنائز - "5" باب التكبير على الجنائز من طريق ابن شهاب به. قال ابن عبد البر: لم يختلف عن مالك في الموطأ في إرسال هذا الحديث. وقد جاء معناه موصولًا عن أبي هريرة. خ "1/ 164" "8" كتاب الصلاة - "72" باب كنس المسجد، والتقاط الخرق والقذى والعيدان - من طريق سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، عن زيد، عن ثابت، عن أبي رافع، عن أبي هريرة أن رجلًا أسود -أو امرأة سوداء- كان يَقُمُّ المسجد، فمات، فسأل النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنه فقالوا: مات. قال: "أفلا كنتم أذنتموني به، دلوني على قبره -أو على قبرها" فأتى قبره فصلى. رقم "458"، طرفاه في: 460، 1337. م "2/ 659" "11" كتاب الجنائز - "23" باب الصلاة على القبر - من طريق أبي الربيع الزهراني وأبي كامل فضيل بن حسين الجحدري، عن حماد، عن ثابت البناني، عن أبي رافع، عن أبي هريرة: أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد "أو شابًّا" ففقدها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسأل عنها "أو عنه" فقالوا: مات، قال: "أفلا كنتم آذنتموني"، قال: فكأنهم صغروا أمرها "أو أمره". فقال: "دلوني على قبره"، فدلوه. فصلى عليها، ثم قال: "إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله عز وجل بنورها لهم بصلاتي عليهم". رقم "71/ 956". 1 قال الإمام البغوي في الاستدلال بهذا الحديث على جواز الصلاة على القبر - قال: وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فمن بعدهم أن يجوز أن يصلَّى على القبر، وهو قول =

قَالَ دَعْلَجٌ: لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي كِتَابِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ. [35] أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ1، نا الْحَسَنُ2، أنا دَعْلَجٌ، نا أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّاماني، نا أَحْمَدُ بْنُ الْخَلِيلِ النيسابوري بينسابور، نا قُرَاد أَبُو نُوحٍ، نا

_ = ابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وذهب قوم إلى أنه لا يُصلَّى على القبر، وبه قال مالك. واختلفوا في أنه إلى متى يجوز الصلاة على القبر، فذهب قوم إلى أنه يُصلَّى إلى شهر، وهو قول أحمد وإسحاق؛ لما رُوي عن سعيد بن المسيب أن أم سعد بن عبادة ماتت والنبي -صلى الله عليه وسلم- غائب، فلما قدم صلَّى عليها، وقد مضى لذلك شهر. ورُوي عن عكرمة عن ابن عباس موصولًا. ورُوي عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى على قبر بعد ثلاثة أيام، ورُوي أنه صلى على قتلى أُحُد بعد ثماني سنين. وفي الحديث دليل على أنه لا يكره الدفن بالليل. قال جابر: رأى ناس نارًا في المقبرة فأتوها، فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في القبر يقول: "ناولوني صاحبكم". وقال أيضًا: فيه دليل على أن الميت إذا كان في البلد إنما يُصلَّى عليه بمقبرته بخلاف الغائب. "شرح السنة 5/ 361-364". 1، 2 انظر اسمهما كاملًا في رقم 32. [35] المسند للإمام أحمد "6/ 280" - من طريق أبي نوح قراد به. وعن بعض شيوخهم أن زيادًا مولى عبد الله بن عباد بن أبي ربيعة حدثهم عمن حدثه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحوه. ت "5/ 320، 321" "48" كتاب تفسير القرآن " - "22" باب "ومن سورة الأنبياء عليهم السلام" - من طريق مجاهد بن موسى والفضل بن سهل الأعرج وغير واحد، عن عبد الرحمن بن غزوان أبي نوح به. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن غزوان، وقد روى ابن حنبل عن عبد الرحمن بن غزوان هذا الحديث. رقم"3165". وقد ذكر هذا الحديث الذهبي في ميزان الاعتدال في ترجمة قراد قال: وسئل أحمد بن صالح عن حديث لقراد، عن الليث، عن مالك، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: أن رجلًا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: لي مماليك أضربهم، فقال: هذا حديث موضوع. ثم قال الذهبي وقال يحيى: ليس به بأس، وقد وثقه علي وابن نمير. =

اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَلَسَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِي مَمْلُوكَيْنِ1 يَعْصُونِي وَيُكَذِّبُونِي وَيُخَوِّنُونِي، فَأَضْرِبُهُمْ وَأَشْتِمُهُمْ، فَأَيْنَ أَنَا مِنْهُمْ؟ قَالَ: تَنْظُرُ فِي عِقَابِكَ إِيَّاهُمْ وَذُنُوبِهِمْ، فَإِنْ كَانَ عِقَابُكَ دُونَ ذُنُوبِهِمْ كَانَ لَكَ الْفَضْلُ، وَإِنْ كَانَتْ ذُنُوبُهُمْ وَعِقَابُكَ سَوَاءً، فَلَيْسَ عليك ولا عليهم، وإن كان ذُنُوبُهُمْ دُونَ عِقَابِكَ اقْتُصَّ لَهُمْ مِنْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ: فَجَعَلَ يَهْتِفُ وَيَبْكِي بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال رسول لله صلى الله عليه وسلم: ما له! لا يَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ عَزَّ جل: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} 2. فقال رجل: ما لي شَيْءٌ خَيْرٌ مِنْ فِرَاقِهِمْ، أُشْهِدُكَ أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ كُلُّهُمْ. قَالَ دَعْلَجٌ: لَمْ يُحدِّث بِهِ إِلا قُراد عَنِ اللَّيْثِ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ وَهِمَ فِي إِسْنَادِهِ، وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ مِصْرَ عَنِ اللَّيْثِ بِغَيْرِ هَذَا الإسناد.

_ = وقال ابن حبان: كان يخطئ، يتخالج في القلب منه لروايته عن الليث، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائشة قصة المماليك. قال الذهبي: الحديث في معجم أبي سعيد بن الأعرابي، حدثنا عباس الدوري، حدثنا قراد ... فذكره. قال قراد: وحدثنا الليث عن بعض شيوخه، عن زياد مولى ابن عباس حدثهم عن ابن عمر أن رجلًا جلس بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم ... وذكر نحوه. اهـ الذهبي. وقال الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب بعدما ذكر الحديث، وذكر كلام الترمذي، قال: وإسناد أحمد والترمذي متصلان ورواتهما ثقات، عبد الرحمن هذا يكنى أبا نوح ثقة، احتج به البخاري وبقية رجال أحمد ثقات احتج بهم البخاري ومسلم "الترغيب والترهيب 4/ 402، 403". 1 في الأصل: "مملوكان"، وعليه علامة تمريض وما أثبتناه من "ب" وهو الصواب. والأصح: مملوكِين. 2 سورة الأنبياء: "47".

[36] أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَلْمَانَ، أَنْبَأَ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَاذَانَ، أنا دَعْلَجٌ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّايِغُ، نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، نا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي الْقَبْرَ فَيُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. قَالَ دَعْلَجٌ: هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عن ابن عمر.

_ [36] الموطأ "1/ 166" "9" كتاب قصر الصلاة في السفر - "22" باب ما جاء في الصلاة عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- من طريق عبد الله بن دينار قال: رأيت عبد الله بن عمر يقف على قبر النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيصلي عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ. رقم "68".

الشيخ الثامن

[الشيخ الثامن] : [37] أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ

_ [37] الخطيب في تاريخ بغداد "8/ 428" - من طريق الحسن بن عمر بن بَرْهان الغزال، عن إسماعيل بن محمد الصفار، عن عباس بن عبد الله الترقفي به. والكامل لابن عدي "1/ 377" - من طريق طريف بن عبد الله، عن علي بن الجعد، عن الربيع بن بدر، عن أبان، عن أنس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من خلع جلباب الحياء فلا غيبة له". السنن الكبرى للبيهقي "10/ 210" - من طريق أبي محمد عبد الله بن يحيى بن عبد الجبار السكري به. قال: وهذا ليس بقوي. قال العراقي في تخريج الإحياء "تخريج أحاديث الأحياء 2/ 577، 578": رواه ابن عدي وابن حبان في الضعفاء من حديث أنس بسند ضعيف. اهـ. وقال الزبيدي: قلت: ولفظ ابن عدي في الكامل "من خلع"، وأخرجه أيضًا الخرائطي في مساوئ الأخلاق وأبو الشيخ في الثواب والبزار والبيهقي والخطيب وابن عساكر والديلمي والقضاعي وابن النجار والقشيري في الرسالة، كلهم من حديث أنس. وقال البيهقي: في إسناده ضعف وإن صح حمل على فاسق معلن بفسقه. اهـ. قال الذهبي في المهذب: أحد رواته أبو سعد الساعدي مجهول، وفي الميزان ليس بعمدة، ثم أورد له هذا الخبر. اهـ. ورواه الهروي في ذم الكلام وحسنه. وقد رد عليه الحافظ السخاوي في المقاصد، والحاصل أن جميع طرق هذا الحديث ضعيفة، فطريق أبي الشيخ والبيهقي فيه ابن الجراح عن أبي سعد الساعدي وقد ذكر حاله، وطريق ابن عدي فيه الربيع بن بدر عن أبان، وهذا أضعف من الأول؛ ولكن للحديث شواهد تقويه من غير هذه الطرق؛ فقد أخرج الطبراني وابن عدي في الكامل والقضاعي من =

البُسْرِي1 البُنْدَار بِقِرَاءَةِ أَبِي نَصْرٍ الأَصْبَهَانِيِّ فِي جُمَادَى الأُولَى مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ السُّكَّرِيُّ2، قِرَاءَةً فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسَ عشرة وأربعمائة، قَالَ: قُرِئَ عَلَى أَبِي عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارِ فِي الْمُحَرَّمِ مِنْ سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وثلثمائة، ثنا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ التَّرْقُفِي3، نا رَوَّاد بْنُ الْجَرَّاحِ، أَبُو عَاصِمٍ الْعَسْقَلانِيُّ، نا أَبُو سعد الساعدي،

_ = حديث جُعْدُبة بن يحيى عن العلاء بن بشر عن ابن عيينة عن بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه عن جده مرفوعًا ليس لفاسق غيبة. قال الدراقطني وابن عيينة: لم يسمع من بهز، وأورده البيهقي في الشعب ونقل عن شيخه الحاكم أنه غير صحيح ولا يعتمد، وأخرجه أبو يعلى والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والعقيلي وابن عدي وابن حبان والطبراني والبيهقي من طريق الجارود بن يزيد عن بهز بهذا الإسناد بلفظ: انزعوا عن ذكر الفاجر، اذكروه بما فيه يحذره الناس. وهذا أيضًا لا يصح؛ فإن الجارود ممن رمي بالكذب، وقال الدراقطني: هو من وضعه، وقد روى أيضًا من طريق يعمر عن بهز بهذا الإسناد، أخرجه الطبراني في الأوسط من طريق عبد الوهاب الصغاني عنه، وعبد الوهاب كذاب، وللحديث طرق أخرى عن عمر بن الخطاب. قال السخاوي: وبالجملة فقد قال العقيلي: ليس لهذا الحديث أصل من حديث بهز، ولا من حديث غيره، ولا يتابع عليه عن طريق تثبت. وأخرج البيهقي في الشعب بسند جيد عن الحسن أنه قال: ليس في أصحاب البدع غيبة. ومن طريق ابن عيينة أنه قال: ثلاثة ليس لهم غيبة: الإمام الجائر، والفاسق المعلن بفسقه، والمبتدع الذي يدعو الناس إلى بدعته. ومن طريق زيد بن أسلم قال: إنما الغيبة لمن يعلن بالمعاصي. ومن طريق شعبة قال: الشكاية والتحذير ليسا من الغيبة. والحديث رواه مؤمل بن إهاب -كما في جزئه- عن رواد بن الجراح به. ثم قال: فلما اختلط رَوَّاد رفع هذا الحديث ودلسوا عليه. "ص99، وانظر تخريجه في 99، 100". 1 له ترجمة في سير أعلام النبلاء "19/ 185". قال الذهبي: بقية المشايخ، وآخر من حدث عنه عبد الله بن يحيى السكري ... وقال: لم يروِ لنا عن السكري سواه. ولد سنة تسع وأربعمائة أو نحوها، ومات سنة سبع وتسعين وأربعمائة. 2 له ترجمة في سير أعلام النبلاء "17/ 386، 387" قال الذهبي: الشيخ المعمر الثقة ... سمع من إسماعيل الصفار عدة أجزاء انفرد بعلوها ... وقال الخطيب: كتبنا عنه وكان صدوقًا، مات في صفر سنة سبع عشرة وأربعمائة. 3 له ترجمة في تاريخ بغداد "12/ 143" قال الخطيب: كان ثقة دينًا، صالحًا عابدًا ...

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ أَلْقَى جِلْبَابَ الْحَيَاءِ فَلا غِيبَةَ لَهُ". حسنٌ عالٍ. [38] أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، أنا إِسْمَاعِيلُ، نا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرِ بْنِ مَنْصُورٍ الْمَرْوَزِيُّ الْبَزَّارُ، نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أبي شريح العدوي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ" 1.

_ [38] خ "4/ 95" "78" كتاب الأدب - "31" باب مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر فلا يؤذِ جاره - من طريق عبد الله بن يوسف، عن الليث، عن سعيد المقبري، عن أبي شريح العدوي قال: سمعت أذناي وأبصرت عيناي حين تكلم النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر فليكرم جَارِهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته"، قيل: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: "يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام، فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت". "رقم 6019 - طرفاه في: 6135، 6476". م "3/ 1352" "31" كتاب اللقطة - "3" باب الضيافة ونحوها - من طريق قتيبة بن سعيد، عن ليث، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي شريح العدوي، أنه قال: سمعت أذناي وأبصرت عيناي حين تكلم رسول الله -صلى الله عليه سلم- فقال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته"، قالوا: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: "يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام، فما كان وراء ذلك فهو صدقة عليه". وقال: "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت". رقم "14/ 48". 1 قدم ابن حجر شرحًا طيبًا لهذا الحديث في فتح الباري، وشرحه كما ورد في الصحيحين، وهو أكمل مما عندنا فقال: قوله: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر" المراد بقوله: الإيمان الكامل، وخصه بالله واليوم الآخر إشارة إلى المبدأ أو المعاد؛ أي: من آمن بالله الذي خلقه وآمن بأنه سيجازيه بعمله فليفعل الخصال المذكورات. قوله في حديث أبي شريح: "جائزته يوم وليلة" قال السهيلي: رُوي جائزته بالرفع على الابتداء وهو واضح، وبالنصب على بدل الاشتمال: أي يكرم جائزته يومًا وليلة. =

أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ زُهَيْرٍ، وَابْنِ نمير عن سفيان.

_ = قوله: "والضيافة ثلاثة أيام فما بعد ذلك فهو صدقة" قال ابن بطال: سئل عنه مالك فقال: يكرمه ويتحفه يومًا وليلة وثلاثة ضيافة. قلت: واختلفوا هل الثلاث غير الأول أو يعد منها؟ فقال أبو عبيد: يتكلف له في اليوم الأول بالبر الإلطاف، وفي الثاني والثالث يقدم له ما حضره ولا يزيده على عادته، ثم يعطيه ما يجوز به مسافة يوم وليلة وتسمى الجيزة، وهي قدر ما يجوز به المسافر من منهل إلى منهل، ومنه الحديث الآخر: "أجيزوا الوفد بنحو كا كنت أجيزهم". وقال الخطابي: معناه أنه إذا نزل به الضيف أن يتحفه ويزيده في البر على ما بحضرته يومًا وليلة، وفي اليومين الأخيرين يقدم له ما يحضره، فإذا مضى الثلاث فقد قضى حقه، فما زاد عليها مما يقدمه له يكون صدقة. وقد وقع في رواية عبد الحميد بن جعفر عن سعيد المقبري عن أبي شريح عند أحمد ومسلم بلفظ: "الضيافة ثلاثة أيام، وجائزته يوم وليلة"، وهذا يدل على المغايرة، ويؤيده ما قال أبو عبيد. وأجاب الطيبي بأنها جملة مستأنفة بيان للجملة الأولى، كأنه قيل: كيف يكرمه؟ قال: جائزته، ولا بد من تقدير مضاف أي زمان جائزته أي بره والضيافة يوم وليلة، فهذه الرواية محمولة على اليوم الأول، ورواية عبد الحميد على اليوم الأخير أي قدر ما يجوز به المسافر ما يكفيه يوم وليلة، فينبغي أن يحمل على هذا عملًا بالروايتين. انتهى. ويحتمل أن يكون المراد بقوله: "وجائزته" بيانًا لحالة أخرى؛ وهي أن المسافر تارة يقيم عند من ينزل عليه، فهذا لا يزاد على الثلاث بتفاصيلها، وتارة لا يقيم فهذا يعطى ما يجوز به قدر كفايته يومًا وليلة، ولعل هذا أعدل الأوجه. والله أعلم. واستدل بجعل ما زاد على الثلاثة صدقة على أن الذي قبلها واجب، فإن المراد بتسميته صدقة التنفير عنه؛ لأن كثيرًا من الناس خصوصًا الأغنياء يأنفون غالبًا من أكل الصدقة. واستدل ابن بطال لعدم الوجوب بقوله: "جائزته" قال: والجائزة تفضل وإحسان ليست واجبة. وتعقب بأنه ليس المراد بالجائزة في حديث أبي شريح العطية بالمعنى المصطلح وهي ما يعطاه الشاعر والوافد، فقد ذكر في الأوائل أن أول من سماها جائزة بعض الأمراء من التابعين، وأن المراد بالجائزة في الحديث أنه يعطيه ما يغنيه عن غيره كما تقدم تقريره قبل. قلت: وهو صحيح في المراد من الحديث، وأما تسمية العطية للشاعر ونحوه جائزة فليس بحاديث؛ للحديث الصحيح "أجيزوا الوفد" كما تقدمت الإشارة إليه، ولقوله صلى الله عليه وسلم للعباس: "ألا أعطيك، ألا أمنحك، ألا أجيزك؟ " فذكر حديث صلاة التسبيح، فدل على أن استعمالها كذلك ليس بحادث. قوله: "فلا يؤذِ جاره" في حديث أبي شريح "فليكرم جاره". وقد أخرج مسلم حديث أبي هريرة من طريق الأعمش عن أبي صالح بلفظ: "فليحسن إلى جاره". وقد ورد تفسير الإكرام والإحسان للجار وترك أذاه في عدة أحاديث أخرجها الطبراني من حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، والخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وأبو الشيخ في "كتاب التوبيخ" من حديث معاذ بن جبل، قالوا: يا رسول الله، ما حق الجار على الجار؟ قال: "إن استقرضك أقرضته، وإن =

[39] أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ البُنْدَار قِرَاءَةً فِي سَنَةِ سَبْعٍ وتسعين "ح".

_ = استعانك أعنته، وإن مرض عدته، وإن احتاج أعطيته، وإن افتقر عدت عليه، وإن أصابه خير هنيته، وإن أصابته مصيبة عزيته، وإذا مات اتبعت جنازته، ولا تستطيل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه، ولا تؤذيه بريح قِدْرك إلا أن تغرف له، إن اشتريت فاكهة فأهدِ له، وإن لم تفعل فأدخلها سرًّا ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده" وألفاظهم متقاربة، والسياق أكثره لعمرو بن شعيب. وفي حديث بهز بن حكيم: "وإن أعوز سترته"، وأسانيدهم واهية؛ ولكن اختلاف مخارجها يشعر بأن للحديث أصلًا، ثم الأمر بالإكرام يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، فقد يكون فرض عين وقد يكون فرض كفاية وقد يكون مستحبًّا، ويجمع الجميع أنه من مكارم الأخلاق. قوله: "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت" بضم الميم ويجوز كسرها، وهذا من جوامع الكلم؛ لأن القول كله إما خير وإما شر إما آيل إلى أحدهما، فدخل في الخير كل مطلوب من الأقوال فرضها وندبها، فأذن فيه على اختلاف أنواعه، ودخل فيه ما يئول إليه، وما عدا ذلك مما هو شر أو يئول إلى الشر فأمر عند إرادة الخوض فيه بالصمت. وقد أخرج الطبراني والبيهقي في "الزهد" من حديث أبي أمامة نحو حديث الباب بلفظ: "فليقل خيرًا ليغنم، أو ليسكت عن شر ليسلم". واشتمل حديث الباب من الطريقين على أمور ثلاثة تجمع مكارم الأخلاق الفعلية والقولية، أما الأولان فمن الفعلية وأولهما يرجع إلى الأمر بالتخلي عن الرذيلة، والثاني يرجع إلى الأمر بالتحلي بالفضيلة، وحاصله من كان حامل الإيمان فهو متصف بالشفقة على خلق الله قولًا بالخير وسكوتًا عن الشر وفعلًا لما ينفع أو تركًا لما يضر، وفي معنى الأمر بالصمت عدة أحاديث: منها حديث أبي موسى وعبد الله بن عمرو بن العاص: "المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه". وللطبراني عن ابن مسعود: قلت: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟ فذكر فيها: "أن يسلم المسلمون من لسانك". ولأحمد وصححه ابن حبان من حديث البراء رفعه في ذكر أنواع من البر قال: "فإن لم تطق ذلك فكف لسانك إلا من خير". وللترمذي من حديث ابن عمر: "من صمت نجا". وله من حديثه: "كثرة الكلام بغير ذكر الله تقسي القلب". وله من حديث سفيان الثقفي: قلت: يا رسول الله، ما أكثر ما تخاف عليَّ؟ قال: "هذا" وأشار إلى لسانه. وللطبراني مثله من حديث الحارث بن هشام. وفي حديث معاذ عند أحمد والترمذي والنسائي: "أخبرني بعمل يدخلني الجنة" فذكر الوصية بطولها وفي آخرها: "ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ كف عليك هذا" وأشار إلى لسانه، الحديث. والترمذي من حديث عقبة بن عامر: قلت: يا رسول الله، ما النجاة؟ قال: "أمسك عليك لسانك". "فتح الباري 10/ 460، 461، 549، 550". [39] خ "1/ 98، 99" "14" كتاب الوضوء - "75" باب فضل من بات على الوضوء - من طريق محمد بن مقاتل، عن عبد الله، عن سفيان، عن منصور، عن سعد بن عبيدة، عن البراء بن عازب به. وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع =

.....................................................................

_ = على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ منك إلا إليك، اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت، فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تتكلم به". قال: فرددتها على النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما بلغت: "اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت" قلت: ورسولك. قال: "لا، ونبيك الذي أرسلت". رقم "247" - أطرافه في "6311، 7313، 6315، 7488". م "4/ 2081" "48" كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار - "17" باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع - من طريق عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم، عن جرير، عن منصور، عن سعد بن عبيدة، عن البراء بن عازب به، وهو على نحو ما عند البخاري. رقم "56/ 2710". قال ابن حجر في شرح هذا الحديث عند البخاري: قوله: "وقل: اللهم أسلمت وجهي إليك" كذا لأبي ذر وأبي ولغيرهما "أسلمت نفسي" قيل: الوجه والنفس هنا بمعنى الذات والشخص: أي أسلمت ذاتي وشخصي لك، وفيه نظر للجمع بينهما في رواية أبي إسحاق عن البراء الآتية بعد باب ولفظه: "أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك ووجهت وجهي إليك"، وجمع بينهما أيضًا في رواية العلاء بن المسيب وزاد خصلة رابعة ولفظه: "أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك"، فعلى هذا فالمراد بالنفس هنا الذات، وبالوجه القصد، وأبدى القرطبي هذا الاحتمالًا بعد جزمه بالأول. قوله: "أسلمت" أي: استسلمت وانقدت، والمعنى: جعلت نفسي منقادة لك تابعة لحكمك؛ إذ لا قدرة لي على تدبيرها ولا على جلب ما ينفعها إليها ولا دفع ما يضرها عنها، وقوله: "وفوضت أمري إليك" أي: توكلت عليك في أمري كله، وقوله: "وألجأت" أي: اعتمدت في أموري عليك لتعينني على ما ينفعني؛ لأن من استند إلى شيء تقوى به واستعان به، وخصه بالظهر لأن العادة جرت أن الإنسان يعتمد بظهره إلى ما يستند إليه، وقوله: "رغبة ورهبة إليك" أي: رغبة في رفدك وثوابك " ورهبة" أي: خوفًا من غضبك ومن عقابك. قال ابن الجوزي: أسقط "من" مع ذكر الرهبة وأعمل "إلى" مع ذكر الرغبة، وهو على طريق الاكتفاء كقوله الشاعر: "وزجَّجن الحواجب والعيونا" والعيون لا تزجج؛ لكن لما جمعهما في نظم حمل أحدهما على الآخر في اللفظ، وكذا قال الطيبي، ومثل بقوله: "متقلدًا سفيًا ورمحًا". قلت: ولكن ورد في بعض طرقه بإثبات "من" ولفظه: "رهبة منك ورغبة إليك" أخرجه النسائي وأحمد من طريق حصين بن عبد الرحمن عن سعد بن عبيدة. قوله: "لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك" أصل ملجأ بالهمز ومنجا بغير همز؛ ولكن لما جمعا جاز أن يهمزا للازداج، وأن يترك الهمز فيهما، وأن يهمز المهموز ويترك الآخر، فهذه ثلاثة أوجه، =

أخبرنا أَبُو سَعْدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ خُشَيش1 قِرَاءَةً فِي سنة ثمان

_ = ويجوز التنوين مع القصر فتصير خمسة. قال الكرماني: هذان اللفظان إن كانا مصدرين يتنازعان في "منك" إن كانا ظرفين فلا؛ إذ اسم المكان لا يعمل، تقديره: لا ملجأ منك إلى أحد إلا إليك ولا منجا منك إلا إليك. وقال الطيبي: في نظم هذا الذكر عجائب لا يعرفها إلا المتقن من أهل البيان، فأشار بقوله: "أسلمت نفسي" إلى أن جوارحه منقادة لله تعالى في أوامره ونواهيه، وبقوله: "وجهت وجهي" إلى أن ذاته مخلصة له بريئة من النفاق، وبقوله: "فوضت أمري" إلى أن أموره الخارجة والداخلة مفوضة إليه لا مدبر لها غيره، وبقوله: "ألجأت ظهري" إلى أنه بعد التفويض يلتجئ إليه مما يضره ويؤذيه من الأسباب كلها. قال: وقوله: "رغبة ورهبة" منصوبان على المفعول على طريق اللف والنشر أي: فوضت أموري إليك رغبة وألجات ظهري إليك رهبة. قوله: "آمنت بكتابك الذي أنزلت" يحتمل أن يريد به القرآن، ويحتمل أن يريد اسم الجنس فيشمل كل كتاب أنزل. قوله: "ونبيك الذي أرسلت" وقع في رواية أبي زيد المروزي "أرسلته" و"أنزلته" بزيادة الضمير فيهما. قوله: "فإن مت مت على الفطرة" في رواية أبي الأحوص عن أبي إسحاق: "من ليلتك"، وفي رواية المسيب بن رافع: "من قالهن ثم مات تحت ليلته". قال الطيبي: فيه إشارة إلى وقوع ذلك قبل أن ينسلخ النهار من الليل وهو تحته، أو المعني بالتحت: أي مت تحت نازل ينزل عليك في ليلتك. وكذا معنى "من" في الرواية الأخرى: أي من أجل ما يحدث في ليلتك. وقوله: "على الفطرة" أي: على الدين القويم ملة إبراهيم؛ فإنه عليه السلام أسلم واستسلم، قال الله تعالى عنه: {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} وقال عنه: {قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} وقال: {فَلَمَّا أَسْلَمَا} . وقال ابن بطال وجماعة: المراد بالفطرة هنا دين الإسلام، هو بمعنى الحديث الآخر: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة"، قال القرطبي في "المفهم": كذا قال الشيوخ وفيه نظر؛ لأنه إذا كان قائل هذه الكلمات المقتضية للمعاني التي ذكرت من التوحيد والتسليم والرضا إلى أن يموت كمن يقول: لا إله إلا الله ممن لم يخطر له شيء من هذه الأمور، فأين فائدة هذه الكلمات العظيمة وتلك المقامات الشريفة؟ ويمكن أن يكون الجواب أن كلا منهما وإن مات على الفطرة فبين الفطرتين ما بين الحالتين، ففطرة المقربين وفطرة الثاني فطرة أصحاب اليمين. قلت: وقع في رواية حصين بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن سعد بن عبيدة في آخره عند أحمد بدل قوله: مات على الفطرة "بني له بيت في الجنة". وهو يؤيد ما ذكره القرطبي، ووقع في آخر الحديث في التوحيد من طريق أبي إسحاق عن البراء: "وإن أصبحت أصبت خيرًا"، وكذا لمسلم والترمذي من طريق ابن عيينة عن أبي إسحاق: "فإن أصبحت أصبحت وقد أصبت خيرًا"، وهو عند مسلم من طريق حصين عن سعد بن عبيدة ولفظه: "وإن أصبح أصاب خيرًا" أي: صلاحًا في المال وزيادة في الأعمال. "فتح 11/ 114، 115". 1 له ترجمة في سير أعلام النبلاء "19/ 240" قال الذهبي: الشيخ الصالح الْمُعَمَّر الصدوق، سمع أبا علي بن شاذان ... وسماعه صحيح، وهو من رواة جزء ابن عرفة ... وسماعه صحيح. مات في 502، وله تسع وثمانون سنة.

وَتِسْعِينَ قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَاذَانَ، أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ بْنِ الْحَسَنِ النِّجَاد1 قِرَاءَةً فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الآخر سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْقَاضِي، ثنا أَبُو حَنِيفَةَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَان، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِرَجُلٍ وَهُوَ يُعَلِّمُهُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ مَنَامِهِ: "اللَّهمُ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، ووجهت وجهي إليك، ووفوضت أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رغبة ورهبة إليك، لا منجا مِنْكَ إِلا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ". ثُمَّ قَالَ: "إِنْ مَاتَ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَإِنْ عَاشَ أَصَابَ خَيْرًا". [40] أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ وَمُحَمَّدٌ قَالا: أَنْبَأَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ الْفَقِيهُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ النقلِيُّ2، نا حُبَيِّبُ بْنُ حَبِيبٍ، أَخُو حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلا أُعَلِّمُكَ دَعَوَاتٍ تَقُولُهُنَّ إِذَا أَخَذْتَ مضجعك ... " ثم ذكر نَحْوَهُ. [41] وَأَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ، وَأَبُو سَعْدٍ قَالا: أنا أَبُو عَلِيٍّ، أنا أبو بكر، نا أَحْمَدُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُلاعِبٍ، ثنا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ السَّيْلَحِينِيُّ، ثنا شَرِيكٌ، وَسَلامٌ، وَيَزِيدُ بْنُ عَطَاءٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قال لرجل وهو يعمله أَنْ يَقُولَ عِنْدَ مَنَامِهِ ... وَذَكَرَهُ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ عن أبي إسحاق.

_ 1 له ترجمة في تاريخ بغداد "4/ 189، 190". قال الخطيب: الفقيه الحنبلي، وكان صدوقًا عارفًا، ولد سنة ثلاث وخمسين ومائتين، وتُوفي سنة 348. [40] انظر الحديث السابق وتخريجه وشرحه. 2 في "ب": النعلي. [41] انظر الحديث رقم "39" وتخريجه وشرحه.

الشيخ التاسع

[الشيخ التاسع] : [42] أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْمَعَالِي ثَابِتُ بْنُ بُنْدَار بْنِ إِبْرَاهِيمَ الدِّينَوَري بِقِرَاءَةِ أَبِي نَصْرٍ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الآخَرِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ، أنا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَاذَانَ قِرَاءَةً، نا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْقَطَّانُ، نا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزِّبْرِقَانِ، أنا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مثل المنافق مثل الشاة العَائِرَة 1؛ لا إِلَى هَذِهِ، وَلا إِلَى هَذِهِ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ. [43] أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، أنا الْحَسَنُ، نا أَبُو سَهْلٍ، ثنا أحمد بن عبد الجبار،

_ [42] م "4/ 2146" "50" كتاب صفات المنافقين وأحكامهم - من طريق مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نمير، عن أبيه، ومن طريق أحمد أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عن أبي أسامة، ومن طريق محمد بن المثنى، عن عبد الوهاب الثقفي، جميعًا عن عبيد الله، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- قال: "مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين، تعير إلى هذه مرة، وإلى هذه مرة". ومن طريق قتيبة بن سعيد، عن يعقوب بن عبد الرحمن القاري، عن موسى بن عقبة، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- بمثله، غير أنه قال: "تكر في هذه مرة، في هذه مرة" رقم "17/ 2784". 1 "العائرة": يريد بالعائرة المترددة لا تدري أيها تتبع. [43] خ "4/ 122" "78" كتاب الأدب - "95" باب ما جاء في قول الرجل ويلك - من طريق عمر بن عاصم، عن همام، عن قتادة. عن أنس نحوه. ومن طريق عبدان، عن أبيه، عن شعبة، عن عمرو بن مُرَّة عن سالم نحوه. "97 - باب علامة الحب في الله عز وجل". ومن طريق عثمان بن أبي شيبة، عن جرير، عن منصور، عن سالم به "93 - كتاب الأحكام، 10- باب القضاء والفتيا في الطريق". ومن طريق سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس نحوه. وفي هذه الطرق بعض الزيادات: "قال أنس: فأنا أحب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم، =

ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ1 إِلَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: "وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا"، قَالَ: لا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلاةٍ وَلا صِيَامٍ، إِلا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَقَالَ: "أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ" 2. قَالَ: فَكَانَ يُعْجِبُهُمْ حَدِيثَ الأَعْرَابِيِّ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مَنْصُورٍ. وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي إِحْدَى رِوَايَاتِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ اليَّشْكُرِيِّ، عَنْ عَبْدَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّة عَنْ سَالِمٍ. فَأَكُونُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ كَأَنِّي سَمِعْتُهُ مِنْ مُسْلِمٍ نَفْسِهِ، وَصَافَحْتُهُ3 به.

_ = وإن لم أعمل بمثل أعمالهم". فقلنا: ونحن كذلك قال: "نعم". م "4/ 2032" "45" كتاب البر والصلة - "50" باب المرء مع من أحب - من طريق عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم، عن جرير، عن منصور به. ومن طريق مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ العزيز اليشكري، عن عبد الله بن عثمان بن جبلة [عَبْدَانَ] ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سالم بن أبي الجعد. رقم "164/ 2639". 1 قال ابن حجر في الفتح "10/ 571": هو ذو الخويصرة اليماني الذي بال في المسجد، وأن حديثه بذلك مخرج عند الدارقطني، وأن من زعم أنه أبو موسى أو أبو ذر فقد وهم؛ فإنهما وإن اشتركا في معنى الجواب، وهو أن المرء مع من أحب فقد اختلف سؤالهما، فإن كلًّا من أبي موسى وأبي ذر إنما سألا عن الرجل يحب القوم ولم يلحق بهم، وهذا سأل متى الساعة. 2 "أنت مع من أحببت" أي: ملحق بهم حتى تكون في زمرتهم، وبهذا يندفع إيراد أن منازلهم متفاوتة، فكيف تصح المعية، فيقال: إن المعية تحصل بمجرد الاجتماع في شيء ما، ولا تلزم في جميع الأشياء، فإذا اتفق أن الجميع دخلوا الجنة صدقت المعية، وإن تفاوتت الدرجات. الفتح "10/ 571". 3 المصافحة: أن تقع مساواة في عدد رجال الإسناد بين شيخ الراوي وأحد الأئمة مثل مسلم أو غيره، فهنا وقعت المساوة بين شيخ شهدة -وهو ثابت- وبين مسلم، فكل منهما بينه وبين سالم بن أبي الجعد خمس رواة، فكأن شهدة صافحت مسلمًا وأخذت منه الحديث؛ لأنه يتساوى مع شيخها، والله أعلم.

وَلَيْسَ لِسَالِمِ بْنِ رَافِعٍ، وَهُوَ أَبُو الْجَعْدِ عَنْ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ. [44] أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، أنا الْحُسَيْنُ، نا أَبُو سَهْلٍ، نا يَحْيَى، أَنْبَأَ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلا يَرْفَعُ صَوْتَهُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ الله -صلى الله عليه سلم- فَقَالَ: "مِمَّنْ أَنْتَ؟ " قَالَ: أَنَا مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ، قَالَ: "لَوْ كُنْتَ مِنْ هَذَا الْبَلَدِ لأَوْجَعْتُ لَكَ رَأْسَكَ، إِنَّ مَسْجِدَنَا هَذَا لا تُرْفَعُ فِيهِ الأَصْوَاتُ". حسنٌ عالٍ. [45] أَخْبَرَنَا ثَابِتُ بْنُ بُنْدَار بِقِرَاءَةِ أَبِي نَصْرٍ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ، أنا الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ الْبَرْقَانِيُّ، الْخَوَارِزْمِيُّ، بِقِرَاءَةِ الْخَطِيبِ فِي جَامِعِ الْمَنْصُورِ فِي جُمَادَى الأُولَى مِنْ سَنَةِ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ وأربعمائة، أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الإِسْمَاعِيلِيُّ، أَخْبَرَنِي أَبُو يَعْلَى وَالْحَسَنُ قَالا: ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ، ثنا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى الله عليه وسلم- كان إذ قَفَلَ كَبَّرَ ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ: "لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وحده".

_ [44] خ "1/ 168" "8" كتاب الصلاة - "83" باب رفع الصوت في المسجد، من طريق السائب بن يزيد، عن عمر نحوه. رقم: "470". روى ابن شبة في تاريخ المدينة "1/ 22" عن عمر مثله. وكذلك رواه السمهودي في وفاء الوفا "ص353". [45] خ "1/ 382" "56" كتاب الجهاد - "197" باب ما يقول إذا رجع من الغزو - من طريق موسى بن إسماعيل، عن جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ الله به. رقم "3084". م "2/ 980" "15" كتاب الحج - "76" باب ما يقول إذا قفل من سفر الحج وغيره - من طريق أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عن أبي أسامة، عن عبيد الله، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. ومن =

أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُوسَى، عَنْ جُوَيْرِيَةَ كَذَلِكَ. [46] أَخْبَرَنَا ثَابِتُ بْنُ بُنْدَارٍ، بِقِرَاءَةِ أَبِي نَصْرٍ أَيْضًا في سَنَةِ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ، أنا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دُومَا قِرَاءَةً فِي صَفَرٍ سَنَةَ إحدى وثلاثين وأربعمائة قَالَ: قُرِئَ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَزَّازِ1 فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسِتِّينَ وثلاثمائة، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ إِسْحَاقَ أَبُو الْحَسَنِ الصُّوفِيُّ، سَنَةَ إِحْدَى وَثَلاثِمِائَةٍ، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ رَاشِدٍ الأَدَمِيُّ، ثنا دَاوُدُ بْنُ مِهْرَان، نا سُفْيَانُ، عَنْ مسعر، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كان رسول

_ = طريق عبيد الله بن سعيد، عن يحيى القطان، عن عبيد الله عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله عليه وسلم- إذا قفل من الجيوش أو السرايا أو الحج أو العمرة، إذا أوفى على ثنية أو فدفد، كبَّر ثَلاثًا، ثُمَّ قَالَ: "لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ". رقم "428/ 1344". "الفدفد: هو الموضع الذي فيه غلظ وارتفاع، وقيل غير ذلك". [46] ت "5/ 503" "49" كتاب الدعوات - "49" باب ما يقول إذا هاجت الريح - من طريق عبد الرحمن بن الأسود أبي عمرو البصري، عن محمد بن ربيعة، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى الريح قال: "اللهم إني أسألك من خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به". قال أبو عيسى: وفي الباب عن أبي كعب -رضي الله عنه- وهذا حديث حسن. رقم "344". عمل اليوم والليلة للنسائي "522" - ما يقول إذا عصفت الريح - من طريق أحمد بن عمرو بن السرح، عن ابن وهب، عن ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، عن عائشة قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا عصفت الريح قال: "اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به". رقم "940". مسند أبي يعلى الموصلي "7/ 82" - من طريق أبي هشام الرفاعي، عن ابن فضيل، عن الأعمش، عن أنس قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أبصر الريح فزع، قال: "اللهم إني أسألك من خير ما أمرت به، اللهم إني أعوذ بك من شر ما أرسلت به". رقم "1257/ 4012". قال الحافظ الهيثمي "مجمع 10/ 135": رواه أبو يعلى بأسانيد ورجال أحدها رجال الصحيح. 1 له ترجمة في تاريخ بغداد "2/ 211" - قال ابن الفرات: ثقة، وقال البرقاني: حسن الحديث ثقة، تُوفي سنة 367.

اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُو: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا أُمِرَت بِهِ" 1 يَعْنِي: إِذَا رَأَى الرِّيحَ. حَدِيثٌ صَحِيحٌ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سَلَمَةَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. [47] أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، أَنْبَأَ الْحَسَنُ، أنا مُحَمَّدُ، نا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمٍ الْحَلَبِيُّ، نا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ، نا أَبُو الْمُنْذِرِ، نا سُفْيَانُ، نا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "الشُّؤْمُ فِي الدَّارِ، والمرأة، والفرس" 2.

_ 1 في "ب" زيادة: "وخير ما تفعل". [47] خ "2/ 320" "56" كتاب الجهاد والسير - "47" باب ما يذكر من شؤم الفرس - من طريق أبي اليمان، عن شعيب، عن الزهري، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ به. ومن طريق عبد الله بن مسلمة عن مالك، عن أبي حازم بن دينار، عن سهل الساعدي: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- قال: "إن كان في شيء ففي المرأة والفرس والمسكن". م "4/ 1747" "39" كتاب السلام - "34" باب الطيرة والفأل، وما يكون فيه من الشؤم - من طريق عبد الله بن مسلمة بن قعنب، عن مالك بن أنس به. رقم "115/ 2225". ومن طريق أبي طاهر وحرملة بن يحيى، عن ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن حمزة وسالم، عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا عدوى ولا طيرة، وإنما الشؤم في ثلاثة: المرأة والفرس والدار". قال ابن حجر في شرح هذا الحديث: قوله: "إنما الشؤم" بضم المعجمة وسكون الهمزة وقد تسهل فتصير واوًا. قوله: "في ثلاثة" يتعلق بمحذوف تقديره كائن، قاله ابن العربي، قال: والحصر فيها بالنسبة إلى العادة لا بالنسبة إلى الخلقة. انتهى. وقال غيره: إنما خصت بالذكر لطول ملازمتها، وقد رواه مالك وسفيان وسائر الرواة بحذف "إنما"؛ لكن في رواية عثمان بن عمر: "لا عدوى ولا طيرة، وإنما الشؤم في الثلاثة". قال مسلم: لم يذكر أحد في حديث ابن عمر: "لا عدوى" إلا عثمان بن عمر. قلت: ومثله في حديث سعد بن أبي وقاص الذي أخرجه أبو داود، لكن قال فيه: "إن تكن الطيرة في شيء ... " الحديث، والطيرة والشؤم بمعنى واحد. وظاهر الحديث أن الشؤم والطيرة في هذه الثلاثة. قال ابن قتيبة: ووجهه أن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون فنهاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وأعلمهم ألا طيرة، فلما أبوا أن ينتهوا بقيت الطيرة في هذه الأشياء الثلاثة. قلت: فمشى ابن قتيبة على ظاهره، ويلزم على قوله: أن من تشاءم بشيء منها نزل به ما يكره. =

....................................................................

_ = قال القرطبي: ولا يظن به أنه يحمله على ما كانت الجاهلية تعتقده بناء على أن ذلك يضر وينفع بذاته، فإن ذلك خطأ؛ وإنما عَنَى أن هذه الأشياء هي أكثر ما يتطير به الناس، فمن وقع في نفسه شيء أبيح له أن يتركه ويستبدل به غيره. قلت: وقد وقع في رواية عمر العسقلاني -وهو ابن حمد بن زيد بن عبد الله بن عمر- عن أبيه عن ابن عمر بلفظ: ذكروا الشؤم فقال: "إن كان في شيء ففي ... "، ولمسلم: "إن يك من الشؤم شيء حق ... "، وفي رواية عتبة بن مسلم: "إن كان الشؤم في شيء ... "، وكذا في حديث جابر عند مسلم وهو موافق لحديث سهل بن سعد، وهو يقتضي عدم الجزم بذلك بخلاف رواية الزهري. قال ابن العربي: معناه إن كان خلق الله الشؤم في شيء مما جرى من بعض العادة، فإنما يخلقه في هذه الأشياء، قال المازري: مجمل هذه الرواية إن يكن الشؤم حقًّا فهذه الثلاث أحق به، بمعنى أن النفوس يقع فيها التشاؤم بهذه أكثر مما يقع بغيرها. وجاء عن عائشة أنها أنكرت هذا الحديث، فروى أبو داود الطيالسي في مسنده عن محمد بن راشد عن مكحول قال: قيل لعائشة: إن إبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشؤم في ثلاثة ... " فقال: لم يحفظ، إنه دخل وهو يقول: "قاتل الله اليهود، يقولون: الشؤم في ثلاثة" فسمع آخر الحديث ولم يسمع أوله. قلت: ومكحول لم يسمع من عائشة فهو منقطع؛ لكن روى أحمد وابن خزيمة والحاكم من طريق قتادة عن أبي حسان: أن رجلين من بني عامر دخلا على عائشة فقالا: إن أبا هريرة قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الطيرة في الفرس والمرأة والدار"، فغضبت غضبًا شديدًا وقالت: ما قاله، وإنما قال: "إن أهل الجاهلية كانوا يتطيرون من ذلك". انتهى. ولا معنى لإنكار ذلك على أبي هريرة مع موافقة من ذكرنا من الصحابة له في ذلك، قد تأوله غيرها على أن ذلك سيق لبيان اعتقاد الناس في ذلك، لا أنه إخبار من النبي -صلى الله عليه وسلم- بثبوت ذلك، وسياق الأحاديث الصحيحة المتقدم ذكرها يبعد هذا التأويل. قال ابن العربي: هذا جواب ساقط؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يبعث ليخبر الناس عن معتقداتهم الماضية والحاصلة؛ وإنما بعث ليعلمهم ما يلزمهم أن يعتقدوه. انتهى. وأما ما أخرجه الترمذي من حديث حكيم بن معاوية قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا شؤم، وقد يكون اليمن في المراة والدار والفرس"، ففي إسناده ضعف مع مخالفته للأحاديث الصحيحة. وقال عبد الرزاق في مصنفه عن معمر: سمعت من يفسر هذا الحديث يقول: شؤم المرأة إذا كانت غير ولود، وشؤم الفرس إذا لم يغز عليه، وشؤم الدار جار السوء. وروى أبو داود في الطب عن ابن القاسم عن مالك أنه سئل عنه فقال: كم من دار سكنها ناس فهلكوا. قال المازري: فيحمله مالك على ظاهره، والمعنى: أن قدر الله ربما اتفق ما يكره عند سكنى الدار فتصير في ذلك كالسبب فتسامح في إضافة الشيء إليه اتساعًا. وقال ابن العربي: لم يرد مالك إضافة الشؤم إلى الدار؛ وإنما هو عبارة عن جري العادة فيها، فأشار إلى أنه ينبغي للمرء الخروج عنها صيانة لاعتقاده عن التعلق بالباطل، وقيل: معنى الحديث أن هذه الأشياء يطول تعذيب القلب بها مع كراهة أمرها =

.....................................................................

_ = لملازمتها بالسكنى والصحبية ولو لم يعتقد الإنسان الشؤم فيها، فأشار الحديث إلى الأمر بفراقها ليزول التعذيب. قلت: وما أشار إليه ابن العربي في تأويل كلام مالك أولى، وهو نظير الأمر بالفرار من المجذوم مع صحة نفي العدوى، والمراد بذلك حسم المادة وسد الذريعة؛ لئلا يوافق شيء من ذلك القدر فيعتقد مَن وقع له أن ذلك من العدوى أو من الطيرة، فيقع في اعتقاد ما نُهي عن اعتقاده، فأشير إلى اجتناب مثل ذلك. والطريق فيمن وقع له ذلك في الدار مثلًا أن يبادر إلى التحول منها؛ لأنه متى استمر فيها ربما حمله ذلك على اعتقاد صحة الطيرة والتشاؤم، وأما ما رواه أبو داود وصححه الحاكم من طريق إسحاق بن طلحة عن أنس قال رجل: يا رسول الله، إنا كنا في دار كثير فيها عددنا وأموالنا، فتحولنا إلى أخرى فقل فيها ذلك، فقال: "ذورها ذميمة". وأخرج من حديث فروة بن مسيك بالمهملة مصغرًا ما يدل على أنه هو السائل، وله شاهد من حديث عبد الله بن شداد بن الهاد أحد كبار التابعين، وله رواية بإسناد صحيح إليه عند عبد الرزاق، قال ابن العربي ورواه مالك عن يحيى بن سعيد منقطعًا قال: والدار المذكورة في حديثه كانت دار مكمل -بضم الميم وسكون الكاف وكسر الميم بعدها لام- وهو ابن عوف أخو عبد الرحمن بن عوف، قال: وإنما أمرهم بالخروج منها لاعتقادهم أن ذلك منها، وليس كما ظنوا؛ لكن الخالق جل وعلا جعل ذلك وفقًا لظهور قضائه، وأمرهم بالخروج منها لئلا يقع لهم بعد ذلك شيء فيستمر اعتقادهم. قال ابن العربي: وأفاد وصفها بكونها ذميمة جواز ذلك، وأن ذكرها بقبيح ما وقع فيها سائغ من غير أن يعتقد أن ذلك كان منها، ولا يمتنع ذم محل المكروه وإن كان ليس منه شرعًا كما يذم العاصي على معصيته وإن كان ذلك بقضاء الله تعالى. وقال الخطابي: وهو استثناء من غير الجنس، ومعناه إبطال مذهب الجاهلية في التطير، فكأنه قال: إن كانت لأحدكم دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس يكره سيره فليفارقه. قال: وقيل: إن شؤم الدار ضيقها وسوء جوارها، وشؤم المرأة ألا تلد، وشؤم الفرس ألا يغزى عليه. وقيل: المعنى ما جاء بإسناد ضعيف رواه الدمياطي في الخيل: "إذا كان الفرس ضروبًا فهو مشئوم، وإذا حنت المرأة إلى بعلها الأول فهي مشئومة، إذا كانت الدار بعيدة من المسجد لا يسمع منها الأذان فهي مشئومة". وقيل: كان قوله ذلك في أول الأمر، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ} الآية، حكاه ابن عبد البر، والنسخ لا يثبت بالاحتمال، لا سيما مع إمكان الجمع، ولا سيما وقد ورد في نفس هذا الخبر نفي التطير ثم إثباته في الأشياء المذكورة. وقيل: يحمل الشؤم على قلة الموافقة وسوء الطباع، وهو كحديث سعد بن أبي وقاص رفعه: "من سعادة المرء: المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الهنيء. ومن شقاوة المرء: المرأة السوء، والمسكن السوء، والمركب السوء" أخرجه أحمد. وهذا يختص ببعض أنواع الأجناس المذكورة دون بعض، وبه صرح ابن عبد البر فقال: يكون لقوم دون قوم، وذلك كله بقدر الله. وقال المهلب ما حاصله: إن المخاطب بقوله: "الشؤم في ثلاثة" من التزم التطير ولم يستطع صرفه عن نفسه، فقال لهم: إنما يقع ذلك في هذه الأشياء التي تلازم في غالب الأحوال، فإذا كانت كذلك فاتركوها عنكم ولا تعذبوا أنفسكم بها. ويدل على ذلك تصديره الحديث بنفي الطيرة. واستدل لذلك بما أخرجه =

[48] وَأَخَبْرَنَا ثَابِتٌ بِقِرَاءَةِ الْبَلْخِيِّ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الآخِرِ مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ، أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، المعروف بابن الجندي، ثنا

_ = ابن حبان عن أنس رفعه: "لا طيرة، والطيرة على من تطير، وإن تكن من شيء ففي المرأة" الحديث، وفي صحته نظر؛ لأنه من رواية عتبة بن حميد عن عبيد الله بن أبي بكر عن أنس، وعتبة مختلَفٌ فيه. "تكميل": اتفقت الطرق كلها على الاقتصار على الثلاثة المذكورة، ووقع عند ابن إسحاق في رواية عبد الرزاق المذكورة: قال معمر: قالت أم سلمة: "والسيف". قال أبو عمر: رواه جويرية عن مالك عن الزهري عن بعض أهل أم سلمة. قلت: أخرجه الدارقطني في "غرائب مالك"، وإسناده صحيح إلى الزهري، ولم ينفرد به جويرية بل تابعه سعيد بن داود عن مالك أخرجه الدارقطني أيضًا قال: والمبهم المذكور هو أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة، سماه عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري في روايته. قلت: أخرجه ابن ماجه من هذا الوجه موصولًا فقال: عن الزهري عن أبي عبيدة بن عبد الله بن زمعة عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة أنها حدثت بهذه الثلاثة فيهن: "والسيف"، وأبو عبيدة المذكور هو ابن بنت أم سلمة أمه زينب بنت أم سلمة، وقد روى النسائي حديث الباب من طريق ابن أبي ذئب عن الزهري، فأدرج فيه "السيف"، وخالف فيه في الإسناد أيضًا. قوله: "عن أبي حازم" هو سلمة بن دينار. قوله: "إن كان في شيء ففي المرأة والفرس والمسكن" كذا في جميع النسخ، وكذا هو في الموطأ؛ لكن زاد في آخره "يعني الشؤم" وكذا رواه مسلم، ورواه إسماعيل بن عمر بن مالك ومحمد بن سليمان الحراني عن مالك بلفظ: "إن كان الشؤم في شيء ففي المرأة ... " إلخ، أخرجهما الدارقطني؛ لكن لم يقل إسماعيل: "في شيء" وأخرجه أبو بكر بن أبي شيبة والطبراني من رواية هشام ابن سعد عن أبي حازم قال: "ذكروا الشؤم عند سهل بن سعد فقال" فذكره، وقد أخرجه مسلم عن أبي بكر لكن لم يسق لفظه "فتح 6/ 61-63". [48] لم أعثر على الحديث بهذا اللفظ: "البركة في ثلاث"؛ ولكن روى الترمذي، عن حكيم بن معاوية سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا شؤم، وقد يكون اليمن في الدار والمرأة والفرس". وقد ضعفه الحافظ ابن حجر في الفتح كما تقدم في التعليق على الحديث السابق. "سنن الترمذي 5/ 127" - "44" كتاب الأدب - "58" باب ما جاء في الشؤم. قال ابن عبد البر في التمهيد "9/ 279": "وهذا أشبه بالأصول". وذكر الغزالي في الإحياء، قال: قال صلى الله عليه وسلم: "اليمن والشؤم في المرأة والمسكن والفرس". فيُمْن المرأة: خفة مهرها، ويسر نكاحها، وحسن خلقها، وشؤمها: غلاء مهرها، وعسر نكاحها، وسوء خلقها. ويمن المسكن: سَعَته، وحسن جوار أهله، وشؤمه: ضيقه، وسوء جوار أهله. ويمن الفرس: ذله، وحسن خلقه، وشؤمه: صعوبته، وسوء خلقه. قال العراقي: رواه مسلم من حديث ابن عمر: "الشؤم في الدار والمرأة والفرس". وفي رواية له: "إن يكن من الشؤم شيء حقًّا". وله من حديث سهل بن سعد: "إن كان ففي الفرس والمرأة والمسكن". وللترمذي =

أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفٍ، ثنا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ، ثنا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ، ثنا سُفْيَانُ، نا الزُّهْرِيُّ، ثنا سَالِمٌ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "الْبَرَكَةُ فِي ثَلاثٍ: فِي الْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ وَالدَّارِ". قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ: سَأَلْتُ يُوسُفَ بْنَ مُوسَى: مَا مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ؟ وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "الْبَرَكَةُ فِي ثَلاثٍ: فِي الْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ، وَالدَّارِ"؟. فَقَالَ لِي يُوسُفُ: سَأَلْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "الْبَرَكَةُ فِي ثَلاثٍ: فِي الْفَرَسِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالدَّارِ"، فَقَالَ سُفْيَانُ: سَأَلْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "الْبَرَكَةُ فِي ثَلاثٍ"، فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: سَأَلْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ، وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: "الْبَرَكَةُ فِي ثَلاثٍ: فِي الْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ وَالدَّارِ"، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا كَانَ الْفَرَسُ ضَرُوبًا فَهُوَ مَشْئُومٌ، وَإِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ قَدْ عَرَفَتْ زَوْجًا قَبْلَ زَوْجِهَا فَحَنَّتْ إِلَى الزَّوْجِ الأَوَّلِ فَهِيَ مَشْئُومَةٌ، وَإِذَا كَانَتِ الدَّارُ بَعِيدَةً عَنِ الْمَسْجِدِ لا يُسْمَعُ فِيهَا الأَذَانُ فَهِيَ مَشْئُومَةٌ، وَإِذَا كُنَّ بِغَيْرِ هذا الوصف فهن مباركات".

_ = من حديث حكيم بن معاوية: "لا شؤم، وقد يكون اليمن في الدار والمرأة والفرس" رواه ابن ماجه، فسماه عمر بن معاوية، وللطبراني من حديث أسماء بنت عميس قالت: يا رسول الله، ما سوء الدار؟ قال: "ضيق ساحتها وخبث جيرانها"، قيل: فما سوء الدابة؟ قال: "منعها ظهرها وسوء خلقها"، قيل: فما سوء المرأة؟ قال: "عقم رحمها وسوء خلقها" كلاهما ضعيف. ورويناه في كتاب الخيل للدمياطي من حديث سالم بن عبد الله مرسلًا: "إِذَا كَانَ الْفَرَسُ ضَرُوبًا فَهُوَ شؤم، وَإِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ قَدْ عَرَفَتْ زَوْجًا قَبْلَ زَوْجِهَا فَحَنَّتْ إِلَى الزَّوْجِ الأَوَّلِ فَهِيَ مَشْئُومَةٌ، وَإِذَا كانت الدار بعيدة من الْمَسْجِدِ لا يُسْمَعُ فِيهَا الأَذَانُ والإقامة فهي مشئومة" وإسناده ضعيف. اهـ. قال الحافظ الزبيدي: قلت: أما حديث سهل بن سعد فقد رواه أيضًا مالك وأحمد والبخاري وابن ماجه بلفظ: "إن كان الشؤم في شيء ... " الحديث، وحديث ابن عمر متفق عليه، ورواه كذلك مسلم والنسائي من حديث جابر، وفي لفظ لمسلم: "إن كان في شيء ففي الربع والخادم والفرس". ورواه النسائي مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدٍ بن زيد بن قنفذ عن سالم مرسلًا، وزاد فيه "السيف". ورواه الطبراني في الكبير من حديث عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده بلفظ: "لا شؤم فإن يك شؤم ففي الفرس والمرأة والمسكن". وأما حديث معاوية بن حكيم عن عمه حكيم بن معاوية النميري قال البخاري =

قَالَ الشَّيْخُ: قَالَ لِي يُوسُفُ: وَأَنَا أُمْلِي هَذَا الْحَدِيثَ مُنْذُ سِنِينَ، مَا سَأَلَنِي إِنْسَانٌ عَنْ مَعْنَاهُ، وَالْفَائِدَةُ فِي السُّؤَالِ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سَالِمٍ وَحْدَهُ، وَفِي مَوَاضِعَ مَقْرُونًا بِأَخِيهِ حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ مَالِكٍ وغيره، عن الزهري.

_ = في صحبته نظر. وروى أحمد والحاكم والبيهقي من حديث عائشة: "إن من يمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها وتيسير رحمها". واختلف العلماء في هذا على أقوال؛ أحدها إنكاره، وأنه عليه السلام إنما حكاه عن معتقد الجاهلية، وهو قول عائشة، رواه ابن عبد البر في التمهيد الثاني أنه على ظاهره، وأن هذه الأمر قد تكون سببًا في الشؤم، فيجري الله الشؤم عند وجودها بقدره الثالث ليس المراد بشؤمها ما يتوقع بسبب اقتنائها من الهلاك؛ بل شؤم الدار والمراة والفرس ما ذكر في سياق المصنف. وقال معمر: سمعت من يفسر هذا الحديث ويقول: شؤم المرأة إذا كانت غير ولود، وشؤم الفرس إذا لم يغز عليه في سبيل الله، وشؤم الدار الجار السوء. واستحسنه ابن عبد البر. وقد أشار البخاري إلى هذا التأويل الرابع المراد بالشؤم في هذه الأحاديث عدم الموافقة. "انظر: تخريج أحاديث الإحياء 3/ 1230، والإحياء ط درا الجيل 2/ 310، 311".

الشيخ العاشر

[الشيخ العاشر] : [49] أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو ياسر أحمد بُنْدَارِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، أَخُو شَيْخِنَا ثَابِتٍ -رَحِمَهُمَا اللَّهُ- بِقِرَاءَةِ أَبِي نَصْرٍ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الآخَرِ مِنْ سَنَةِ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بن بكير1 النجار المقري، أنا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ عمر

_ [49] الكامل لابن عدي "4/ 1547" - في ترجمة عبد الله بن كيسان أبو المجاهد المروزي - من طريق القاسم بن محمد بن عباد، عن محمد بن عبد العزيز به. قال ابن عدي: ولعبد اللَّهِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عن ابن عباس أحاديث غير ما أمليت غير محفوظة غير ما ذكرت. الضعفاء للعقيلي "2/ 291" في ترجمة عبد الله بن كيسان، قال: وحدث عن محمد بن واسع، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة بأحاديث لا يتابع عليها، وعن عكرمة عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمى سجدتي السهو: المرغمتين. 1 له ترجمة في تاريخ بغداد "3/ 39" قال الخطيب: كتبت عنه، وكان شيخًا مستورًا ثقة من أهل القرآن. ولد سنة 346. وتوفي سنة 432. وفيه: "محمد بن عمر بن بكر".

ابن خَفِيفٍ1، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رِزْمة، نا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَمَّى سَجْدَتَيِ السَّهْوِ: المرغِمَتَين2. حَسَنٌ مَشْهُورٌ. [50] أَخْبَرَنَا أَبُو يَاسِرٍ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ بُكَيْرٍ3 قِرَاءَةً فِي سَنَةِ إِحْدَى

_ 1 له ترجمة في تاريخ بغداد "11/ 350" قال الخطيب: وكان ثقة. توفي سنة "361". 2 في الأصل و"ب": المرغمتان. وعليها علامة تمريض، وما أثبتناه من كتب التخريج. ومعناها -كما جاء في بعض الأحاديث- ترغم أنف الشيطان في كيده للمصلي، فيبطل هذا الكيد. 3 انظر موضع ترجمته في التعليق على الحديث السابق. [50] م "4/ 2074" "48" كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار - "11" باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر - من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح به في حديث طويل: هذا جزء منه، ولفظه: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر عن معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه". هذا الحديث -كما قال الإمام النووي رحمه الله: حديث عظيم جامع لأنواع من العلوم والقواعد والآداب. ولهذا سنقدم له شرحًا وافيًا لابن رجب -رحمه الله تعالى- كما جاء متنه عند مسلم -رحمه الله- "جامع العلوم والحكم 409-423". قال حول رواياته: هذا الحديث خرجه مسلم من رواية الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة. واعترض عليه غير واحد من الحفاظ في تخريجه؛ منهم: الفضل الهروي والدارقطني، فإن أسباط بن محمد رواه عن الأعمش. قال: حُدِّثنا عن أبي صالح، فتبين أن الأعمش لم يسمعه من أبي صالح ولم يذكر من حدثه عنه، ورجح الترمذي وغيره هذه الرواية، وزاد بعض أصحاب الأعمش في متن الحديث: "ومن أقال لله مسلمًا أقال الله عثرته يوم القيامة". وخرجه في الصحيحين من حديث ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، من ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة". وخرج الطبراني من حديث كعب بن عُجزة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من نفَّس عن =

وثلاثين وأربعمائة، أنا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، نا حَامِدٌ، نا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حماد،

_ = مؤمن كربة من كربه نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنَ كرب يوم القيامة، ومن ستر على مؤمن عورته ستر الله عورته، ومن فرج عن مؤمن كربة فرج الله عنه كربته". وخرج الإمام أحمد من حديث سلمة بن مخلد عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن نجى مكروبًا فك الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته". 1- "من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة": هذا مما تكاثرت النصوص بمعناه. وخرج ابن ماجه من حديث ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته". وخرج الإمام أحمد من حديث عقبة بن عامر سمع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: "من ستر على المؤمن عورته ستره الله يوم القيامة". وقد رُوي عن بعض السلف أنه قال: أدركت قومًا لم يكن لهم عيوب، فذكروا عن عيوب الناس فذكر الناس لهم عيوبًا، وأدركت قومًا كانت لهم عيوب، فكفوا عن عيوب الناس فنسيت عيوبهم، أو كما قال. وشاهد هذا الحديث حديث أبي بردة عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان في قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته" خرجه الإمام أحمد وأبو داود. وخرج الترمذي معناه من حديث ابن عمر. واعلم أن الناس على ضربين: أحدهما: من كان مستورًا لا يعرف بشيء من المعاصي، فإذا وقعت منه هفوة أو زلة؛ فإنه لا يجوز هتكها ولا كشفها ولا التحدث بها؛ لأن ذلك غيبة محرمة، وهذا هو الذي وردت فيه النصوص، وفي ذلك قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ} والمراد: إشاعة الفاحشة على المؤمن فيما وقع منه واتهم به مما هو بريء منه كما في قضية الإفك. قال بعض الوزراء الصالحين لبعض من يأمر بالمعروف: اجتهد أن تستر العصاة، فإن ظهور معاصيهم عيب في أهل الإسلام، وأولى الأمور ستر العيوب، ومثل هذا لو جاء تائبًا نادمًا وأقر بحده لم يفسروه ولم يستفسر؛ بل يؤمر أن يرجع ويستر نفسه، كما أمر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- ماعزًا والغامدية، وكما لم يستفسر الذي قال: "أصبت حدًّا فأقمه عليَّ". ومثل هذا لو أوخذ بجريمته ولم يبلغ الإمام فإنه يشفع له ما لا يبلغ الإمام. وفي مثله جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم" خرَّجه أبو داود والنسائي من حديث عائشة. والثاني: من كان مشتهرًا بالمعاصي معلنًا بها ولا يبالي بما ارتكب منها ولا بما قيل له هذا هو الفاجر المعلن، وليس له غيبة، كما نص على ذلك الحسن البصري وغيره، ومثل هذا لا بأس بالبحث عن أمره لتقام عليه الحدود. وصرح بذلك بعض أصحابنا، واستدل بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها". ومثل هذا لا يشفع له إذا أخذ ولو لم يبلغ السلطان؛ بل يترك حتى يقام عليه الحد؛ ليكشف ستره ويرتدع به أمثاله. قال مالك: من لم =

نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ محمد بن وساع وَأَبِي سَوْدَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، عن

_ = يعرف منه أذى للناس، وإنما كانت منه زلة، فلا بأس أن يشفع له ما لم يبلغ الإمام. وأما من عرف بشر أو فساد فلا أحب أن يشفع له أحد؛ ولكن يترك حتى يقام عليه الحد، حكاه ابن المنذر وغيره. وكره الإمام أحمد رفع الفساق إلى السلطان بكل حال، وإنما كرهه لأنهم غالبًا لا يقيمون الحدود على وجوهها؛ ولهذا قال: إن علمت أنه يقيم عليه الحد فارفعه، ثم ذكر أنهم ضربوا رجلًا فمات؛ يعني: أنه لم يكن قتله جائزًا، ولو تاب أحد من الضرب الأول كان الأفضل له أن يتوب فيما بينه وبين الله تعالى ويستر على نفسه. وأما الضرب الثاني فقيل إنه كذلك، وقيل: بل الأولى له أن يأتي الإمام ويقر على نفسه بما يوجب الحد حتى يظهره. 2- "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة": هذا يرجع إلى أن الجزاء من جنس العمل، وقد تكاثرت النصوص بهذا المعنى؛ كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنما يرحم الله من عباده الرحماء"، وقوله: "إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا". والكُرْبَة: هي الشدة العظيمة التي توقع صاحبها في الكرب، وتنفيسها أن يخفف عنه منها، مأخوذ من تنفس الخناق كأنه يرخى له الخناق حتى يأخذ نفسًا، والتفريج أعظم من ذلك، وهو أن يزيل عنه الكربة فتفرج عنه كربته ويزول همه وغمه، فجزاء التنفيس التنفيس، وجزاء التفريج التفريج، كما في حديث ابن عمر، وقد جمع بينهما في حديث كعب بن عجرة. وخرج الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا: "إيما مؤمن أطعم مؤمنًا على جوع أطعمه الله يوم القيامة من ثمار الجنة، وأيما مؤمن سقى مؤمنًا على ظمأ سقاه الله يوم القيامة من الرحيق المختوم، وأيما مؤمن كسا مؤمنًا على عري كساه الله من خضر الجنة". وخرجه الإمام أحمد بالشك في رفعه، وقيل: إن الصحيح رفعه. وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن ابن مسعود قال: "يحشر الناس يوم القيامة أعرى ما كانوا قط، وأجوع ما كانوا قط، وأظمأ ما كانوا قط، وأنصب ما كانوا قط، فمن كسا لله كساه لله، ومن أطعم لله أطعمه الله، ومن سقى لله سقاه الله، من عفى لله أعفاه الله". وخرج البيهقي من حديث أنس مرفوعًا: "أن رجلًا من أهل الجنة يشرف يوم القيامة على أهل النار، فيناديه رجل من أهل النار: يا فلان، هل تعرفني؟ فيقول: لا والله ما أعرفك، من أنت؟ فيقول: أنا الذي مررت به في دار الدنيا فاستسقيتني شربة من ماء فسقيتك، قال: قد عرفت، قال: فاشفع لي بها عند ربك، قال: فيسأل الله تعالى فيقول: شفعني فيه فيأمر به فيخرجه من النار". وقوله: "كربة من كرب يوم القيامة" ولم يقل: من كرب الدنيا والآخرة كما قيل في التيسير والستر. وقد قيل في مناسبة ذلك: إن الكرب هي الشدائد العظيمة، وليس كل أحد يحصل له ذلك في الدنيا، بخلاف الإعسار والعورات المحتاجة إلى الستر، فإن أحدًا لا يكاد يخلو من ذلك ولو بتعسر الحاجات المهمة. وقيل: لأن كرب الدنيا بالنسبة إلى كرب الآخرة كلا شيء، فادخر الله جزاء تنفيس الكرب عنده لينفس به كرب الآخرة. ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، فيسمعهم الداعي وينفذهم =

أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ سَتَرَ أخاه المسلم ستره

_ = البصر وتدنو الشمس منهم، فيبلغ الناس من الكرب والغم ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقول الناس بعضهم لبعض: ألا ترون ما بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم عند ربكم" وذكر حديث الشفاعة، خرجاه بمعناه من حديث أبي هريرة، وخرجاه من حديث عائشة عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "تحشرون حفاة عراة غرلًا"، قالت: فقلت: يا رسول الله، الرجال والنساء ينظر بعضهم بعضًا؟ فقال: "الأمر أشد من أن يهمهم ذلك". وخرجه من حديث ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في قوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} قال: "يقوم أحدهم في الرشح إلى أنصاف أذنيه". وخرجاه من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعًا، ويلجمهم حتى بلغ آذانهم" ولفظه للبخاري. ولفظ مسلم: "إن العرق ليذهب في الأرض سبعين ذراعًا، وإنه ليبلغ إلى أفواه الناس أو إلى آذانهم". وخرج مسلم من حديث المقداد عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "تدنو الشمس من العباد حتى تكون قدر ميل أو ميلين فتصهرهم الشمس فيكونون في العرق قدر أعمالهم، فمنهم من يأخذه إلى عقبيه، ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من يأخذه إلى حقويه، ومنهم من يلجمه إلجامًا". وقال ابن مسعود: الأرض كلها يوم القيامة نار، والجنة من ورائها ترى أكوابهاوكواعبها، فيعرق الرجل حتى يرشح عرقه في الأرض قدر قامة، ثم يرتفع حتى يبلغ أنفه وما مسه الحساب، قال: فممَّ ذلك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: ما يرى الناس ما يصنع بهم. وقال أبو موسى: الشمس فوق رءوس الناس يوم القيامة، فأعمالهم تظلهم أن تصحبهم. وفي المسند من حديث عقبة بن عامر مرفوعًا: "كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس". 3- قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة": هذا أيضًا يدل على أن الإعسار قد يحصل في الآخرة، وقد وصف الله يوم القيامة بأنه عسير وأنه على الكافرين غير يسير، فدل على أن يسره على غيرهم، وقال: {وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا} والتيسير على المعسر في الدنيا من جهة المال يكون بأحد أمرين: إما بإنظاره إلى الميسرة، وذلك واجب كما قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} ، وتارة بالوضع عنه إن كان غريمًا، وإلا فبإعطائه ما يزول به إعساره. وكلاهما له فضل عظيم. وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وآله سلم- قال: "كان تاجر يداين الناس، فإذا رأى معسرًا قال لصبيانه: تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه". وفيهما عن حذيفة وأبي مسعود الأنصاري سمعا النبي -صلى الله عليه وآله سلم- يقول: "مات رجل فقيل له: بِمَ غفر الله لك؟ فقال: كنت أبايع الناس فأجاوز عن الموسر وأخفف عن المعسر" وفي رواية قال: "كنت أنظر المعسر وأتجوز في السكة -أو قال: في النقد- فغفر له". وخرجه مسلم من حديث أبي مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله سلم. وفي حديثه: "قال الله: نحن أحق بذلك منه تجاوزوا عنه". وخرج أيضًا من حديث أبي قتادة عن النبي -صلى الله عليه وآله سلم- قال: "من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه". وخرج أيضًا من حديث أبي اليسر عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "من أنظر معسرًا أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله". وفي المسند عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وآله سلم- قال: "من أراد أن تستجاب دعوته أو تكشف كربته فليفرج عن معسر". =

اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ نفَّس عَنْ أَخِيهِ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنَ الآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عون أخيه".

_ = 4- "وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كان العبد في عون أخيه": وفي حديث ابن عمر: "ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته". وخرَّج الطبراني من حديث عمر مرفوًعا: "أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن: كسوت عورته، أو أشبعت جوعته، أو قضيت حاجته". وبعث الحسن البصري قومًا من أصحابه في قضاء حاجة لرجل وقال لهم: مروا بثابت البناني فخذوه معكم، فأتوا ثابتًا فقال: أنا معتكف، فرجعوا إلى الحسن فأخبروه فقال: قولوا: يا أعمش، أما تعلم أن مشيك في حاجة أخيك المسلم خير لك من حجة بعد حجة؟ فرجعوا إلى ثابت، فترك اعتكافه وذهب معهم. وخرج الإمام أحمد من حديث بنت لخباب بن الأرت قالت: خرج خباب في سرية، فكان النبي -صلى الله عليه وآله سلم- يتعاهدنا حتى يحلب عنزة لنا في جفنة لنا فتمتلئ حتى تفيض، فلما قدم خباب حلبها فعاد حلابها إلى ما كان. وكان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- يحلب للحي أغنامهم، فلما استخلف قالت جارية منهم: الآن لا يحلبها، فقال أبو بكر: بلى وإني لأرجو ألا يغيرني ما دخلت فيه عن شيء كنت أفعله، أو كما قال. وإنما كانوا يقومون بالحلاب؛ لأن العرب كانت لا تحلب النساء منهم وكانوا يسقبحون ذلك، وكان الرجال إذا غابوا احتاج النساء إلى من يحلب لهن. وقد رُوي عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال لقوم: "لا تسقوني حلب امرأة". وكان عمر يتعاهد الأرامل يستقي لهن الماء بالليل، ورآه طلحة بالليل يدخل بيت امرأة، فدخل إليها طلحة نهارًا، فإذا هي عجوز عمياء مقعدة فسألها: ما يصنع هذا الرجل عندكِ؟ قالت: هذا مذ كذا وكذا يتعاهدني يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى، فقال طلحة: ثكلتك أمك يا طلحة، أعورات عمر تتبع؟ وكان أبو وائل يطوف على نساء الحي وعجائزهن كل يوم فيشتري لهن حوائجهن وما يصلحهن. وقال مجاهد: صحبت ابن عمر في السفر لأخدمه فكان يخدمني. وكان كثير من الصالحين يشترط على أصحابه أن يخدمهم في السفر. وصحب رجل قومًا في الجهاد فاشترط عليهم أن يخدمهم، وكان إذا أراد أحد منهم أن يغسل رأسه أو ثوبه قال: هذا من شرطي فيفعله، فمات فجردوه للغسل فرأوا على يده مكتوبًا: من أهل الجنة، فنظروا فإذا هي كتابة بين الجلد واللحم. وفي الصحيحين عن أنس قال: كنا مع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في السفر فمنا الصائم ومنا المفطر، قال: فنزلنا منزلًا في يوم حار أكثرنا ظلا صاحب الكساء، ومنا من يتقي الشمس بيده، قال: فسقط الصوَّام وقام المفطرون وضربوا الأبنية وسقوا الركاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم: "ذهب المفطرون اليوم بالأجر". ويروى عن رجل من أسلم: أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أُتي بطعام في بعض أسفاره، فأكل منه وأكل أصحابه، وقبض الأسلمي يده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما لك؟ " قال: إني صائم، قال: "فما حملك على ذلك؟ " قال: كان معي ابنان يرحلان لي ويخدماني، فقال: "ما زال لهم الفضل عليك بعد". وفي مراسيل أبي داود عن أبي قلابة أن ناسًا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قدموا يثنون على صاحب لهم خيرًا. قالوا: ما رأينا مثل فلان قط، ما كان في =

.......................................................................

_ = مسير إلا وكان في قراءة، ولا نزلنا منزلًا إلا كان في صلاة، قال: "فمن كان يكفيه ضيعته"، حتى ذكر: "ومن كان يعلف جمله أو دابته؟ " قالوا: نحن، قال: "فكلكم خير منه". 5- "ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة": وقد روى هذا المعنى أبو الدرداء عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وسلوك الطريق لالتماس العلم يدخل فيه سلوك الطريق الحقيقي، وهو المشي بالأقدام إلى مجالس العلماء، ويدخل فيه سلوك الطرق المعنوية المؤدية إلى حصول العلم مثل حفظه ومدارسته ومطالعته وكتابته والتفهم له، ونحو ذلك من الطرق المعنوية التي يتوصل بها إلى العلم. وقوله صلى الله عليه وآله سلم: "سهل الله له طريقًا إلى الجنة" قد يراد بذلك أن الله يسهل له العلم الذي طلبه وسلك طريقه وييسره عليه، فإن العلم طريق يوصل إلى الجنة، وهذا كقوله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} . وقال بعض السلف: هل من طالب علم فيعان عليه. وقد يراد أيضًا أن الله ييسر لطالب العلم إذا قصد بطلبه وجه الله تعالى والانتفاع به والعمل بمقتضاه فيكون سببًا لهدايته ولدخول الجنة بذلك. وقد ييسر الله لطالب العلم علومًا أخر ينتفع بها وتكون موصلة إلى الجنة، كما قيل: من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم، وكما قيل: إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها. وقد دل على ذلك قوله تعالى: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} . وقد يدخل في ذلك أيضًا تسهيل طريق الجنة الحسنى يوم القيامة وهو الصراط وما قبله وما بعده من الأهوال فييسر ذلك، وعلى طالب العلم للانتفاع به؛ فإن العلم يدل على الله من أقرب الطريق إليه، فمن سلك طريقه ولم يعوج عنه وصل إلى الله تعالى وإلى الجنة من أقرب الطرق وأسهلها، فسهلت عليه الطرق الموصلة إلى الجنة كلها في الدنيا والآخرة، فلا طريق إلى معرفة الله وإلى الوصول إلى رضوانه والفوز بقربه ومجاورته في الآخرة إلا بالعلم النافع الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه، فهو الدليل عليه، وبه يهتدى في ظلمات الجهل والشبه والشكوك؛ ولهذا سمى الله كتابه نورًا يهتدى به في الظلمات، قال الله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} . ومثل النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- حملة العلم الذي جاء به بالنجوم التي يهتدى بها في الظلمات؛ ففي المسند عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماء يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة". وما دام العلم باقيًا في الأرض فالناس في هدى، وبقاء العلم ببقاء حملته، فإذا ذهب حملته ومن يقوم به وقع الناس في الضلال، كما في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من صدور الناس؛ ولكن يقبضه بقبض العلماء، فإذا لم يبقَ عالم اتخذ الناس رؤساء جهالًا فسُئلوا فأفتوا بغير علم فضَلُّوا وأَضَلُّوا". وذكر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يومًا رفع العلم، فقيل له: كيف يذهب العلم وقد قرأنا القرآن وأقرأناه نساءنا أوبناءنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى فماذا تغني عنهم". فسئل عبادة بن الصامت عن هذا الحديث فقال: لو شئت أخبرتك بأول علم يرفع =

.....................................................................

_ = من الناس: الخشوع. وإنما قال عبادة هذا لأن العلم قسمان؛ أحدها: ما كان ثمرته في قلب الإنسان، وهو العلم بالله تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله المقتضي لخشيته ومهابته وإجلاله والخضوع له ومحبته ورجائه ودعائه والتوكل عليه ونحو ذلك، فهذا هو العلم النافع، كما قال ابن مسعود: إن أقوامًا يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم؛ ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع. وقال الحسن: العلم علمان: علم على اللسان، فذاك حجة الله على ابن آدم، كما في الحديث: "القرآن حجة لك أو عليك"، وعلم في القلب، فذاك العلم النافع. والقسم الثاني: العلم الذي على اللسان وهو حجة لك أو عليك، فأول ما يرفع من العلم العلم النافع وهو الباطن الذي يخالط القلوب ويصلحها، ويبقي علم اللسان حجة فيتهاون الناس به ولا يعملون بمقتضاه لا حملته ولا غيرهم، ثم يذهب هذا العلم بذَهَاب حملته فلا يبقى إلا القرآن في المصاحف، وليس ثم من يعلم معانيه ولا حدوده ولا أحكامه، ثم يسرى به في آخر الزمان فلا يبقى في المصاحف ولا في القلوب منه شيء بالكلية وبعد ذلك تقوم الساعة، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس". وقال: "لا تقوم الساعة وفي الأرض أحد يقول: الله الله". 6- "ما جلس قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده": هذا يدل على استحباب الجلوس في المساجد لتلاوة القرآن ومدارسته، وهذا إن حمل على تعلم القرآن وتعليمه فلا خلاف في استحبابه. وفي صحيح البخاري عن عثمان عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه". وقال أبو عبد الرحمن السلمي: فذلك الذي أقعدني في مقعدي هذا، وكان قد علم القرآن في زمن عثمان بن عفان حتى بلغ زمن الحجاج بن يوسف، فإن حمل على ما هو أعم من ذلك دخل فيه الاجتماع في المسجد على دراسة القرآن مطلقًا. وقد كان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أحيانًا يأمر من يقرأ القرآن ليسمع قراءته، كما كان ابن مسعود يقرأ عليه، وقال: "إني أحب أن أسمعه من غيري". وكان عمر يأمر من يقرأ عليه وعلى أصحابه وهم يستمعون، فتارة يأمر أبا موسى، وتارة يأمر عقبة بن عامر. وسئل ابن عباس: أي العمل أفضل؟ قال: ذكر الله، وما جلس قوم في بيت من بيوت الله يتعاطون فيه كتاب الله فيما بينهم ويتدارسونه إلا أظلتهم الملائكة بأجنحتها، وكانوا أضياف الله ما داموا على ذلك حتى يخوضوا في حديث غيره، ورُوي مرفوعًا والموقوف أصح. ورَوى يزيد الرقاشي عن أنس قال: كانوا إذا صلوا الغداة قعدوا حلقًا حلقًا يقرءون القرآن ويتعلمون الفرائض والسنن ويذكرون الله تعالى. وروى عطية عن أبي سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "ما من قوم صلوا صلاة الغداة ثم قعدوا من مصلاهم يتعاطون كتاب الله ويتدارسونه إلا وكل الله بهم ملائكة يستغفرون لهم حتى يخوضوا في حديث غيره". وهذا يدل على استحباب الاجتماع بعد صلاة الغداة لمدارسة القرآن، ولكن عطية فيه ضعف. وقد روى حرب الكرماني بإسناده عن الأوزاعي أنه سئل عن الدراسة بعد صلاة الصبح فقال: أخبرني حسان بن عطية أن أول من أحدثها في مسجد دمشق هشام بن إسماعيل المخزومي في خلافة عبد الملك بن مَرْوان فأخذ الناس بذلك. وذكر حرب أنه رأى أهل دمشق وأهل حمص وأهل مكة وأهل البصرة يجتمعون =

....................................................................

_ = على القرآن بعد صلاة الصبح؛ ولكن أهل الشام يقرءون القرآن كلهم جملة من سورة واحدة بأصوات عالية، وأهل البصرة وأهل مكة يجتمعون فيقرأ أحدهم عشر آيات والناس ينصتون، ثم يقرأ آخر عشر آيات حتى يفرغوا. قال حرب: وكل ذلك حسن جميل. وقد أنكر مالك ذلك على أهل الشام. قال زيد بن عبيد الدمشقي: قال لي مالك بن أنس: بلغني أنكم تجلسون حلقًا تقرءون، فأخبرته بما كان يفعل أصحابنا، فقال مالك: عندنا كان المهاجرون والأنصار ما نعرف هذا، قال: فقلت: هذا طريف، قال: وطريف رجل يقرأ ويجتمع الناس حوله، فقال: هذا من غير رأينا. قال أبو مصعب وإسحاق بن محمد الفروي: سمعنا مالك بن أنس يقول: الاجتماع بكرة بعد صلاة الصبح لقراءة القرآن بدعة، ما كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- ولا العلماء بعدهم على هذا، كانوا إذا صلوا يخلو كل بنفسه ويقرأ ويذكر الله تعالى، ثم ينصرفون من غير أن يكلم بعضهم بعضًا اشتغالًا بذكر الله، فهذه كلها محدثة. وقال ابن وهب: سمعت مالكًا يقول: لم تكن القراءة في المسجد من أمر الناس القديم، وأول من أحدث في المسجد الحجاج بن يوسف. قال مالك: وأنا أكره ذلك الذي يقرأ في المسجد في المصحف. وقد روى هذا كله أبو بكر النيسابوري في كتاب مناقب مالك رحمه الله. واستدل الأكثرون على استحباب الاجتماع لمدارسة القرآن في الجملة بالأحاديث الدالة على استحباب الاجتماع للذكر، والقرآن أفضل أنواع الذكر. ففي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله تعالى تنادوا: هلموا إلى حاجتكم، فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا، فيسألهم ربهم هو أعلم بهم: ما يقول عبادي؟ " قال: يقولون: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك، فيقول: هل رأوني؟ فيقولون: لا والله ما رأوك، فقال: كيف لو رأوني؟ فيقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأكثر لك تحميدًا وتمجيدًا وأكثر لك تسبيحًا، فيقول: فما يسألوني؟ قالوا: يسألونك الجنة، فيقول: وهل رأوها؟ فيقولون: لا والله يا رب ما رأوها، فيقول: كيف لو رأوها؟ فيقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد حرصًا عليها وأشد لها طلبًا وأشد فيها رغبة، قال: فممَّ يتعوذون؟ فيقولون: من النار، قال: فيقول: هل رأوها؟ فيقولون: لا والله يا رب ما رأوها، فيقول: كيف لو رأوها؟ فيقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد منها فرارًا وأشد لها مخافة، فيقول الله تعالى: أشهدكم أني قد غفرت لهم، فيقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجته، قال: هم الجلساء لا يشقى جليسهم". وفي صحيح مسلم عن معاوية أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- خرج على حلقة من أصحابه فقال: "ما أجلسكم؟ " قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده لما هدانا للإسلام ومنَّ علينا به، فقال: "آلله ما أجلسكم إلا ذلك"، قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذلك، قال: "أما إني لم أستحلفكم لتهمة لكم؛ ولكن أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة". وخرج الحاكم من حديث معاوية قال: كنت مع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يومًا فدخل المسجد فإذا هو بقوم في المسجد قعود، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "ما أقعدكم؟ " =

...................................................................

_ = فقالوا: صلينا الصلاة المكتوبة ثم قعدنا نتذاكر كتاب الله وسنة نبيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا ذكر شيء تعاظم ذكره". وفي المعنى أحاديث أخر متعددة. وقد أخبر صلى الله عليه وآله وسلم أن جزاء الذين يجلسون في بيت الله يتدارسون كتاب الله أربعة أشياء؛ أحدها: تنزل السكينة عليهم. وفي الصحيحين عن البراء بن عازب قال: كان رجل يقرأ سورة الكهف وعنده فرس فتغشته سحابة فجعلت تدور وتدنو، وجعل فرسه ينفر منه، فلما أصبح أتى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فذكر ذلك له، فقال: "تلك السكينة تنزل للقرآن". وفيهما أيضًا عن أبي سعيد أن أسيد بن حضير بينما هو ليلة يقرأ في مربده إذ جالت فرسه فقرأ، ثم جالت أخرى فقرأ، ثم جالت أيضًا، قال أسيد: فخشيت أن يطأ يحيى -يعني ابنه- قال: فقمت إليها فإذا مثل الظلة فوق رأسي فيها مثل أمثال السُّرُج عرجت في الجو حتى ما أراها، فغدا على النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فذكر ذلك له، فقال: "تلك الملائكة كانت تسمع لك، ولو قرأت لأصبحت تراها الناس ما تستتر منهم" واللفظ لمسلم فيهما. وروى ابن المبارك عن يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زَحْر عن سعد بن مسعود: أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كان في مجلس فرفع بصره إلى السماء ثم طأطأ بصره ثم رفعه، فسئل رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- عن ذلك فقال: "إن هؤلاء القوم كانوا يذكرون الله تعالى -يعني أهل مجلس أمامه- فنزلت عليهم السكينة تحملها الملائكة كالقبة، فلما دنت منهم تكلم رجل منهم بباطل فرفعت عنهم"، وهذا مرسل. والثاني: غشيان الرحمة، قال الله تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} . وخرج الحاكم من حديث سلمان أنه كان في عصابة يذكرون الله تعالى، فمر بهم رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال: "ما كنتم تقولون، فإني رأيت الرحمة تنزل عليكم فأردت أن أشارككم فيها". وخرج البزار من حديث أنس عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "إن لله سيارة من الملائكة يطلبون حلق الذكر، فإذا أتوا إليهم حفوا بهم ثم بعثوا رائدهم إلى السماء إلى رب العزة تعالى فيقولون: ربنا أتينا على عباد من عبادك يعظمون آلاءك ويتلون كتابك ويصلون على نبيك ويسألونك لآخرتهم ودنياهم، فيقول الله تعالى: غشوهم برحمتي، فيقولون: ربنا إن فيهم فلانًا الخطاء إنما اعتنقهم اعتناقًا، فيقول تعالى: غشوهم برحمتي". والثالث: أن الملائكة تحف بهم، وهذا مذكور في الأحاديث التي ذكرناها. وفي حديث أبي هريرة المتقدم: "فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا". وفي رواية الإمام أحمد: "علا بعضهم على بعض حتى يبلغوا العرش". وقال خالد بن معدان يرفع الحديث: "إن ملائكة في الهواء يسيحون بين السماء والأرض يلتمسون الذكر، فإذا سمعوا قومًا يذكرون الله تعالى قالوا: رويدًا زادكم الله، فينشرون أجنحتهم حولهم حتى يصعد كل منهم إلى العرش" خرجه الخلال في كتاب السنة. والرابع: أن الله يذكرهم فيمن عنده، وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "يقول الله: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم". وهذه الخصال الأربع لكل مجتمع على ذكر الله تعالى، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد كلاهما عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "إن لأهل ذكر الله تعالى أربعًا: تنزل عليه السكينة، وتغشاهم الرحمة، وتحف بهم الملائكة، ويذكرهم الرب فيما عنده"، وقد قال الله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} ، وذِكْرُ الله لعبده هو ثناؤه عليه في الملأ الأعلى بين ملائكته ومباهاته به =

....................................................................

_ = وتنويهه بذكره، قال الربيع بن أنس: إن الله ذاكر من ذكره وزائد من شكره ومعذب من كفره. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} وصلاة الله على عبده ثناؤه عليه بين ملائكته وتنويهه بذكره، كذا قال أبو العالية، ذكره البخاري في صحيحه، وقال رجل لأبي أمامة: رأيت في المنام كأن الملائكة تصلي عليك كلما دخلت وكلما خرجت وكلما قمت وكلما جلست، فقال أبو أمامة: وأنتم لو شئتم صلت عليكم الملائكة، ثم قرأ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا، هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ} خرجه الحاكم. 7- "ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه": معناه أن العمل هو الذي يبلغ بالعبد درجات الآخرة، كما قال: {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} ، فمن أبطأ به عمله أن يبلغ به المنازل العالية عند الله لم يسرع به نسبه فيبلغه تلك الدرجات؛ فإن الله تعالى رتب الجزاء على الأعمال لا على الأنساب، كما قال تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} ، وقد أمر الله تعالى بالمسارعة إلى مغفرته ورحمته بالأعمال، كما قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} ، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ، وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} . قال ابن مسعود: يأمر الله بالصراط فيضرب على جهنم، فيمر الناس على قدر أعمالهم زمرًا زمرًا، أوائلهم كلمح البرق ثم كمر الريح ثم كمر المطر ثم كمر البهائم حتى يمر الرجل سعيًا حتى يمر الرجل مشيًا وحتى يمر آخرهم يتلبط على بطنه، فيقول: يا رب، لم أبطأت بي؟ فيقول: إني لم أبطئ بك إنما أبطأ بك عملك. وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "حين أنزل عليه {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} : "يا معشر قريش، اشتروا أنفسكم من الله، لا أغني عنكم من الله شيئًا. يا بني عبد المطلب، لا أغني عنكم من الله شيئًا. يا عباس بن عبد المطلب، لا أغني عنك من الله شيئًا. يا صفية -عمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم- لا أغني عنك من الله شيئًا. يا فاطمة بنت محمد، سليني ما شئت لا أغني عنك من الله شيئًا". وفي رواية خارج الصحيحين: "إن أوليائي منكم المتقون تأتي الناس بالأعمال وتأتوني بالدنيا تحملونها على رقابكم تقولون: يامحمد يا محمد، فأقول: قد بلغت". وخرج ابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "إن أوليائي المتقون يوم القيامة، وإن كان نسب أقرب من نسب يأتي الناس بالأعمال وتأتوني بالدنيا تحملونها على رقابكم تقولون: يا محمد يا محمد، فأقول: هكذا وهكذا فأعرض في كلا عطفيه". وخرج البزار من حديث رفاعة بن رافع أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال لعمر: "اجمع لي قومك" يعني قريشًا، فجمعهم، فقال: "إن أوليائي منكم المتقون، فإن كنتم أولئك فذاك وإلا فانظروا، يأتي الناس بالأعمال يوم القيامة وتأتوني بالأثقال فيعرض عنكم". وخرجه الحاكم مختصرًا وصححه. وفي المسند عن معاذ بن جبل أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لما بعثه إلى اليمن خرج معه يوصيه، ثم التفت وأقبل بوجهه إلى المدينة فقال: "إن أولى الناس بي المتقون من كانوا حيث كانوا". وخرجه =

[51] أَخْبَرَنَا أَبُو ياسرٍ، أنا أَبُو بَكْرٍ، أنا أَبُو عَمْرٍو، نا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، نا أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ حَفْصٍ، نا خَلادُ بْنُ يَحْيَى، نا يَاسِينُ الزَّيَّاتُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وآله وَسَلَّمَ: "لا تَحَاسَدُوا 1، وَلا تَبَاغَضُوا 2، ولا تدابروا 3، ولاتناجشوا 4،

_ = الطبراني وزاد فيه: "إن أهل بيتي هؤلاء يرون أنهم أولى الناس بي وليس كذلك، إن أوليائي منكم المتقون من كانوا وحيث كانوا"، ويشهد لهذا كله ما في الصحيحين عن عمرو بن العاص: أنه سمع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: "إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء، وإنما وليي الله وصالحو المؤمنين" يشير إلى أن ولايته لا تنال بالنسب وإن قرب؛ وإنما تنال بالإيمان والعمل الصالح، فمن كان أكمل إيمانًا وعملًا فهو أعظم ولاية له، سواء كان له نسب قريب أو لم يكن، وفي هذا المعنى يقول بعضهم: لعمرك ما الإنسان إلا بدينه ... فلا تترك التقوى اتكالا على النسب لقد رفع الإسلام سلمان فارس ... وقد وضع الشرك النسيب أبا لهب [51] خ "4/ 103" "78" كتاب الأدب - "58" {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا} - من طريق عبد الله بن يوسف، عن مالك بن عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إياكم الظن فإنه الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا ولا تجسسوا، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا". م "4/ 1985" "45" كتاب البر والصلة والآداب - "9" باب تحريم الظن والتجسس والتنافس والتناجش ونحوها - من طريق إسحاق بن إبراهيم، عن جرير، عن الأعمش به. وليس فيه: "ولا يغتب بعضكم بعضًا". 1 "لا تحاسدوا" يعني: لا يحسد بعضكم بعضًا، والحسد مركوز في طباع البشر، وهو أن الإنسان يكره أن يفوقه أحد من جنسه في شيء من الفضائل، ثم ينقسم الناس بعد هذا إلى أقسام؛ فمنهم من يسعى في زوال نعمة المحسود بالبغي عليه بالقول والفعل، ثم منهم من يسعى في نقل ذلك إلى نفسه، ومنهم من يسعى في إزالة نعمته عن المحسود فقط من غير نقل إلى نفسه وهو شرهما وأخبثهما، وهذا هو الحسد المذموم المنهي عنه، وهو كان ذنب إبليس حيث حسد آدم عليه السلام؛ لما رآه قد فاق على الملائكة بأن الله خلقه بيده وأسجد له ملائكته وعلمه أسماء كل شيء وأسكنه في جواره، فما زال يسعى في إخرجه من الجنة حتى أخرج منها، ويروى عن ابن عمر أن إبليس قال لنوح: اثنتان أهلك =

....................................................................

_ = بهما بني آدم الحسد وبالحسد لعنت شيطانًا رجيمًا، والحرص، أبيح لآدم الجنة كلها فأصبت حاجتي منه بالحرص. خرجه ابن أبي الدنيا. وقد وصف الله اليهود بالحسد في مواضع من كتابه "القرآن" كقوله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} وقوله: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} . وخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث الزبير بن العوام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، والبغضاء: هي الحالقة حالقة الدين لا حالقة الشعر، والذي نفس محمد بيده لا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم". وخرج أبو دواد من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "إياكم والحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب" أو قال: "العشب". وخرج الحاكم وغيره من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "سيصيب أمتي داء الأمم"، قالوا: يا نبي الله، وما داء الأمم؟ قال: "الأشر والبطر والتكاثر والتنافس في الدنيا، والتباغض والتحاسد حتى يكون البغي ثم الهرج". وقسم آخر من الناس إذا حسد غيره لم يعمل بمقتضى حسده ولم يبغِ على المحسود بقول ولا بفعل. وقد روي عن الحسن أنه لا يأثم بذلك، وروي مرفوعًا من وجوه ضعيفه، وهذا على نوعين؛ أحدهما: ألا يمكنه إزالة ذلك الحسد عن نفسه، ويكون مغلوبًا على ذلك، فلا يأثم به. والثاني: من يحدث نفسه بذلك اختيارًا ويعيده ويبدئه في نفسه مستروحًا إلى تمني زوال نعمة أخيه، فهذا شبيه بالعزم المصمم على المعصية، وفي العقاب على ذلك اختلاف بين العلماء؛ لكن هذا يبعد أن يسلم من البغي على المحسود بالقول فيأثم؛ بل يسعى في اكتساب مثل فضائله، ويتمنى أن يكون مثله، فإن كانت الفضائل دنيوية فلا خير في ذلك، كما قال الله تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ} ، وإن كانت فضائل دينية فهو حسن، وقد تمنى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم الشهادة في سبيل الله، وفي الصحيحين عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: قال: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار". وهذا هو الغبطة، وسماه حسدًا من باب الاستعارة. وقسم آخر إذا وجد في نفسه الحسد سعى في إزالته، وفي الإحسان إلى المحسود بإبداء الإحسان إليه والدعاء له ونشر فضائله، وفي إزالة ما وجد له في نفسه من الحسد حتى يبدله بمحبته أن يكون المسلم خيرًا منه وأفضل، وهذا من أعلى درجات الإيمان، وصاحبه هو المؤمن الكامل الذي يحب لأخيه ما يحب لنفسه. "جامع العلوم والحكم ص396-398". 2 "ولا تباغضوا" نهى المسلمين عن التباغض بينهم في غير الله تعالى؛ بل على أهواء النفوس، فإن المسلمين جعلهم الله إخوة، والإخوة يتحابون بينهم ولا يتباغضون. وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم: أفشوا السلام بينكم" خرجه مسلم، وقد ذكرنا فيما تقدم أحاديث في النهي عن =

....................................................................

_ = التباغض والتحاسد. وقد حرم الله على المؤمنين ما يوقع بينهم العداوة والبغضاء، كما قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} ، وامتن على عباده بالتأليف بين قلوبهم، كما قال تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} ، وقال: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} . ولهذا المعنى حرم المشي بالنميمة لما فيها من إيقاع العداوة والبغضاء، ورخص في الكذب في الإصلاح بين الناس، ورغب الله في الإصلاح بينهم، كما قال تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} ، وقال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} ، وقال: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} . وخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي من حديث أبي الدرداء عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ " قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "إصلاح ذات البين؛ فإن فساد ذات البين هي الحالقة". وخرج الإمام أحمد وغيره من حديث أسماء بنت يزيد عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "ألا أنبئكم بشراركم؟ " قالوا: يا رسول الله، قال: "المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون البراء العيب". وأما البغض في الله فهو من أوثق الإيمان عرى، وليس داخلًا في النهي، ولو ظهر لرجل من أخيه شر فأبغضه عليه وكان الرجل معذورًا فيه في نفس الأمر أثيب المبغض له وإن عذر أخوه كما قال عمر: "إنا كنا نعرفكم إذ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- بين أظهرنا، وإذ ينزل الوحي، وإذ ينبئنا الله من أخباركم، ألا وإن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قد انطلق به وانقطع الوحي، وإنما نعرفكم بما نخبركم، ألا من أظهر منكم لنا خيرًا ظننا به خيرًا وأحببناه عليه، ومن أظهر منكم شرًّا ظننا به شرًّا وأبغضناه عليه، سرائركم بينكم وبين ربكم تعالى". وقال الربيع بن خثيم: لو رأيت رجلًا يُظهر خيرًا ويسر شرًّا أحببته عليه آجرك الله على حبك الخير، ولو رأيت رجلًا يظهر شرًّا ويسر خيرًا بغضته عليه، آجرك الله على بغضك الشر. ولما كثر اختلاف الناس في مسائل الدين وكثر تفرقهم كثر بسبب ذلك تباغضهم وتلاعنهم، وكل منهم يظهر أنه يبغض لله، وقد يكون في نفس الأمر معذورًا، وقد لا يكون معذورًا؛ بل يكون متبعًا لهواه مقصرًا في البحث عن معرفة ما يبغض عليه، فإن كثيرًا من البغض كذلك إنما يقع لمخالفة متبوع يظن أنه لا يقول إلا الحق، وهذا الظن خطأ قطعًا، وإن أريد أنه لا يقول إلا الحق فيما خولف فيه، فهذا الظن قد يخطئ ويصيب، وقد يكون الحامل على الميل مجرد الهوى والألفة أو العادة، وكل هذا يقدح في أن يكون هذا البغض لله، فالواجب على المؤمن أن ينصح لنفسه ويتحرز في هذا غاية التحرز، وما أشكل منه فلا يدخل نفسه فيه خشية أن يقع فيما نهي عنه من البغض المحرم. "جامع العلوم والحكم ص399-401". 3 قوله: "ولا تدابروا" قال أبو عبد الله: التدابر: المصارمة والهجران، مأخوذ من أن يولي الرجل صاحبه دبره ويُعرض عنه بوجهه، وهو التقاطع. وخرج مسلم من حديث أنس عن النبي -صلى الله =

....................................................................

_ = عليه وآله وسلم- قال: "لا تَحَاسَدُوا وَلا تَبَاغَضُوا وَلا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانًا كما أمركم الله تعالى". وخرجه أيضًا بمعناه من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وفي الصحيحين عن أبي أيوب عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام". وخرج أبو داود من حديث أبي خراش السلمي عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه". وكل هذا في التقاطع للأمور الدنيوية، فأما لأجل الذين فتجوز الزيادة على الثلاثة، نص عليه الإمام أحمد، واستدل بقصة الثلاثة الذين خلفوا، وأمر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بهجرانهم لما خاف منهم النفاق، وأباح هجران أهل البدع المغلظة والدعاة إلى الأهواء. وذكر الخطابي أن هجران الوالد لولده والزوج لزوجته ما كان في معنى ذلك تأديبًا تجوز الزيادة فيه على الثلاث؛ لأن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- هجر نساءه شهرًا. واختلفوا: هل ينقطع الهجران بالسلام؟ فقالت طائفة: ينقطع بذلك. وروي عن الحسن ومالك في رواية ابن وهب وقاله طائفة من أصحابنا. وخرج أبو داود من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يحل لمؤمن أن يهجر مؤمنًا فوق ثلاث، فإن مرت به ثلاث فليلقه فليسلم عليه، فإن رد عليه السلام فقد اشتركا في الأجر، وإن لم يرد عليه فقد باء بالإثم وخرج المسلم من الهجر". ولكن هذا فيما إذا امتنع الآخر من الرد عليه، فأما مع الرد إذا كان بينهما قبل الهجر مودة ولم يعودا إليها ففيها نظر. وقد قال أحمد بن رواية الأثرم: وسئل عن السلام يقطع الهجران فقال: قد يسلم عليه وقد صد عنه، ثم قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "يلتقيان فيصد هذا"، فإذا كان قد عوده أي: أن يكالمه أو يصافحه. وكذلك روي عن مالك أنه قال: لا يقطع الهجران بدون العودة إلى المودة. وفرق بعضهم بين الأقارب والأجانب؛ فقال في الأجانب: يزول الهجر بينهم بمجرد السلام، بخلاف الأقارب؛ وإنما قال هذا لوجوب صلة الرحم. "جامع العلوم والحكم ص499-402". 4 "ولا تناجشوا" فسره كثير من العلماء بالنجش في البيع، وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها إما لنفع البائع لزيادة الثمن له، أو بإضرار المشتري بتكثير الثمن عليه. وفي الصحيحين عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أنه نهى عن النجش". وقال ابن أبي أوفى: "الناجش آكل ربا خائن" ذكره البخاري. قال ابن عبد البر: أجمعوا على أن فاعله عاص لله تعالى إذا كان بالنهي عالمًا. واختلفوا في البيع؛ فمنهم من قال: إنه فاسد، وهو رواية عن أحمد اختارها طائفة من أصحابه، ومنهم من قال: إن كان الناجش هو البائع أو مَن واطأه البائع على النجش فقد فسد؛ لأن النهي هنا يعود إلى العاقد نفسه، وإن لم يكن كذلك لم يفسد؛ لأنه يعود إلى أجنبي، وكذا حُكي عن الشافعي أنه علل صحة البيع بأن البائع غير الناجش، وأكثر الفقهاء على أن البيع صحيح مطلقا، وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى في رواية عنه، إلا أن مالكًا وأحمد أثبتا للمشتري الخيار إذا لم يعلم بالحال وغبن غبنًا فاحشًا يخرج عن العادة، وقد رواه مالك وبعض أصحاب أحمد =

وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا1، وَكُونُوا عباد الله أخوانًا"2.

_ = بثلث الثمن، فإن اختار المشتري حينئذ الفسخ فله ذلك، وإن أراد الإمساك فإنه يحط ما غبن به من الثمن، ذكره أصحابنا. ويحتمل أن يفسر التناجش المنهي عنه في هذا الحديث بما هو أعم من ذلك، فإن أصل النجش في اللغة: إثارة الشيء بالمكر والحيلة والمخادعة، ومنه من سمى الناجش في البيع ناجشًا، ويسمى الصائد في اللغة: ناجشًا؛ لأنه يصيد بحيلته علية وخداعه له، وحينئذ فيكون المعنى: لا تخادعوا ولا يعامل بعضكم بعضًا بالمكر والاحتيال، وإنما يراد بالمكر والمخادعة إيصال الأذى إلى المسلم إما بطريق الاحتيال وإما اجتلاب نفعه بذلك، ويلزم منه وصول الضرر إليه ودخوله عليه، وقد قال تعالى: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} . وفي حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من غشنا فليس منا، والمكر والخداع في النار". وقد ذكرنا فيما تقدم حديث أبي بكر الصديق المرفوع: "ملعون من ضار مسلمًا أو مكر به" خرجه الترمذي. فيدخل على هذا التقدير في التناجش المنهي عنه جميع أنواع المعاملات بالغش ونحوه؛ كتدليس العيوب وكتمانها، وغش المبيع الجيد بالرديء، وغبن المسترسل الذي لا يعرف المماكسة، وقد وصف الله تعالى في كتابه الكفار والمنافقين بالمكر بالأنبياء وأتباعهم، وما أحسن قول أبي العتاهية! ليس دنيا إلى بدين وليـ ... ـس الدين إلا مكارم الأخلاق إنما المكر والخديعة في النار ... هما من خصال أهل النفاق وإنما يجوز المكر بمن يجوز إدخال الأذى عليه وهم الكفار والمحاربون كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "الحرب خَدْعة". "جامع العلوم والحكم ص398، 399". 1 "ولا يغتب بعضكم بعضًا" في صحيح مسلم عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه سئل عن الغيبة، فقال: "ذكرك أخاك بما يكره" قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما يقول، قال صلى الله عليه وسلم: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته". وأصل البهت: أن يقال له الباطل في وجهه، وهما حرام؛ ولكن تباح الغيبة لستة أسباب: أحدها: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه، فيقول: ظلمني فلان، أو فعل بي كذا. الثاني: الاستغاثة على تغيير المنكر ورد العاصي إلى الصواب، فيقول: لمن يرجو قدرته: فلان يعمل كذا فازجره عنه، ونحو ذلك. الثالث: الاستفتاء، بأن يقول للمفتي: ظلمني فلان أو أبي أو أخي أو زوجي بكذا، فهل له ذلك، وما طريقي في الخلاص منه، ودفع ظلمه عني، ونحو ذلك، فهذا جائز للحاجة، والأجود أن يقول في رجل أو زوج أو والد وولد كان من أمره كذا، ومع ذلك فالتعيين جائز لحديث هند وقولها: إن أبا سفيان رجل شحيح. الرابع: تحذير المسلمين من الشر، وذلك من وجوه؛ منها: جرح المجروحين من الرواة والشهود والمصنفين، وذلك جائز بالإجماع؛ بل واجب صونًا للشريعة. ومنها: الإخبار بعيبه عند المشاورة في مواصلته. ومنها: إذا رأيت من يشتري شيئًا معيبًا أو عبدًا سارقًا أو زانيًا أو شاربًا أو نحو ذلك تذكره للمشتري إذا لم يعلمه نصحية لا بقصد الإيذاء والإفساد. ومنها: إذا رأيت =

أَخْرَجَهُمَا مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الأَعْمَشِ. [52] أَخْبَرَنَا أَبُو ياسرٍ، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْمُقْرِي، نا محمد

_ = متفقهًا يتردد إلى فاسق أو مبتدع يأخذ عنه علمًا وخفت عليه ضرره فعليك نصحيته ببيان حاله قاصدًا النصحية. ومنها: أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها لعدم أهليته أو لفسقه، فيذكره لمن له عليه ولاية؛ ليستدل به على حاله فلا يغتر به ويلزم الاستقامة. الخامس: أن يكون مجاهرًا بفسقه أو بدعته؛ كالخمر ومصادرة الناس وجباية المكوس وتولي الأمور الباطلة، فيجوز ذكره بما يجاهر به، ولا يجوز بسبب آخر. السادس: التعريف، فإذا كان معروفًا بلقب كالأعمش والأعرج والأزرق والقصير والأعمى والأقطع ونحوها جاز تعريفه به، ويحرم ذكره به تنقصًا ولو أمكن تعريفه بغيره كان أولى. والله أعلم. "شرح مسلم للنووي 16/ 379". 2 "وكونوا عباد الله إخوانًا" هكذا ذكره النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كالتعليل لما تقدم، وفيه إشارة إلى أنهم إذا تركوا التحاسد والتناجش والتباغض والتدابر وبيع بعضهم على بعض كانوا إخوانًا، وفيه أمر باكتساب ما يصير المسلمون به إخوانًا على الإطلاق، وذلك يدخل فيه أداء حقوق المسلم على المسلم من رد السلام وتشميت العاطس وعيادة المريض وتشييع الجنازة وإجابة الدعوة والابتداء بالسلام عند اللقاء والنصح بالغيب". وفي الترمذي عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "تهادوا؛ فإن الهدية تذهب وحر الصدر". وخرجه غيره ولفظه: "تهادوا تحابوا". وفي مسند البزار عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "تهادوا فإن الهدية تسل السخيمة". ويروى عن عمر بن عبد العزيز يرفع الحديث قال: "تصافحوا فإنه يذهب الشحناء وتهادوا". وقال الحسن: المصاحفة تزيد في المودة. وقال مجاهد: بلغني أنه إذا تراءى المتحابان فضحك أحدهما إلى الآخر وتصافحا تحاتت خطاياهما كما يتحات الورق من الشجر، فقيل له: إن هذا ليسير من العمل، قال: تقولون: يسير، والله يقول: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} . جامع العلوم "ص494، 495". [52] م "4/ 2167" "50" كتاب صفات المنافقين وأحكامهم - "17" باب تحريش الشيطان، وبعثه سراياه لفتنة الناس، وأن مع كل إنسان قرينًا - من طريق عثمان بن أبي شيبة وإسحاق بن إبراهيم، عن جرير، عن منصور به، عن ابن مسعود، ولفظه: "ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن" قالوا: وإياك يا رسول الله! قال: "وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم؛ فلا يأمرني إلا بخير". رقم "69/ 2814". ومن طريق ابن المثنى وابن بشار، عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن منصور به عن ابن مسعود، وفيه: "وقد وكل به قرينه من الجن، وقرينه من الملائكة". وفي مسلم عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- حدثته أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج من عندها ليلًا قالت: فغرت عليه، فجاء فرأى ما أصنع، فقال: "ما لك يا عائشة أغرت"، فقلت: وما لي لا يغار مثلي على مثلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقد جاءك شيطانك"، قالت: يا رسول الله، أومعي شيطان؟ قال: "نعم"، قلت: ومع كل إنسان؟ قال: "نعم"، قلت: ومعك يا رسول الله، قال: "نعم؛ ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم".

ابن الحسن بْنِ بُدَيْنَا، نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عماَرَ الْمَوْصِلِيُّ، نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ1، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلا وَقَدْ وُكِّل بِهِ قَرِينٌ مِنَ الْجِنِّ وَقَرِينٌ مِنَ الْمَلائِكَةِ". قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "وَإِيَّايَ، إِلا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ" 2. حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَمِثْلَهُ عن الْبُخَارِيِّ فِي مُسْنَدِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

_ 1 كذا في الأصل، وفي "ب": "أبي مسعود"، والصحيح "ابن مسعود" كما يتبين من التخريج. والله تعالى أعلم. 2 قوله: "فأسلم" برفع الميم وفتحها، وهما روايتان مشهورتان، فمن رفع قال: معناه أسلم أنا من شره وفتنته، ومن فتح قال: إن القرين أسلم من الإسلام وصار مؤمنًا لا يأمرني إلا بخير، واختلفوا في الأرجح منهما، فقال الخطابي: الصحيح المختار الرفع، ورجح القاضي عياض الفتح، وهو المختار لقوله صلى الله عليه وسلم: "فلا يأمرني إلا بخير"، واختلفوا على رواية الفتح؛ قيل: أسلم بمعنى استسلم وانقاد، وقد جاء هكذا في غير صحيح مسلم: فاستسلم، وقيل: معناه صار مسلمًا مؤمنًا، هذا هو الظاهر. قال القاضي: واعلم أن الأمة مجتمعة على عصمة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- من الشيطان في جسمه وخاطره ولسانه. وفي هذا الحديث إشارة إلى التحذير من فتنة القرين ووسوسته وإغوائه، فأعلمنا بأنه معنا لنحترز منه بحسب الإمكان. "شرح مسلم 17/ 163، 164".

الشيخ الحادي عشر

[الشيخ الحادي عشر] : [53] أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ جَعْفَرُ بْنُ الْحُسَيْنِ السَّرَّاجُ بِقِرَاءَةِ أَبِي نَصْرٍ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ، أنا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَاذَانَ، أنا أَبُو عُمَرَ عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الدَّقَّاقُ، أنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَنْصُورٍ سَنَةَ

_ [53] م "4/ 2215" "52" كتاب الفتن وأشراط الساعة - "5" باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض - من طريق حماد بن زيد، عن أيوب، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي أسماء عن ثوبان به، إلى قوله: "حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا"، ومن طريق معاذ بن هشام، عن أبيه به مثل الأول. وفي "3/ 1523" "33" كتاب الإمارة - "53" باب قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم" - من طريق حماد بن زيد عن أيوب، عن أبي قلابة =

إِحْدَى وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، نا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، نا أَبِي عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ أَنَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- زَوَى 1 لِيَ الأَرْضَ حَتَّى رَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَأَعْطَانِي الْكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ 2، وَإِنَّ مُلْكَ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مَا زُوي لِي مِنْهَا، وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي -عَزَّ وَجَلَّ- أَلا يُهْلَكُوا بسَنَة عَامَّةٍ 3، وَأَلا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ لِيُهْلِكَهُمْ، وَأَلا يُلْبِسَهُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ". فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي إِذَا أَعْطَيْتُ عَطَاءً لا مَرَدَّ لَهُ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لأُمَّتِكَ أَلا يَهْلَكُوا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ، وَأَلا يُسَلَّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوٌّ يَسْبِيهِمْ، وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنَ4 أَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا، وَإِنَّهُ سَيَرْجِعُ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي إلى الشرك وعبادة الأوثان.

_ = عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله، وهم كذلك". أما الجزء الباقي من هذا الحديث فقد رواه الترمذي بهذا الإسناد. ت "4/ 34" "34" كتاب الفتن، باب "23" من طريق قتيبة، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَبِي أسماء، عن ثوبان قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم: "إذا وضع السيف في أمتي لم يرفعى عنها إلى يوم القيامة". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وفي "4/ 499" الكتاب نفسه - "43" باب ما جاء: "لا تقوم الساعة حتى يخرج كذابون" - من طريق قتيبة، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة به. ولفظه: "لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى يعبدوا الأوثان، وإنه سيكون من أمتي ثلاثون كذابون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي". قال أبو عيسى: "هذا حديث حسن صحيح". وهكذا نجد أجزاء منه عند مسلم، وأجزاء عند الترمذي. والله تعالى أعلم. 1 زوى: معناه جمع. 2 الكنزين الأحمر والأبيض: المراد كنزا كسرى وقيصر، ملكي العراق والشام. 3 بسنة عامة: أي بقحط يعمهم. 4 في الأصل: "بني أقطارها". وفي هامشه: صوابه "بين"، وهي كذلك في "ب" ومسلم، وهو ما أثبتناه. والله تعالى أعلم.

وَإِنَّ مِنْ أَخْوَفِ مَا أَخَافُ الأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ، وَإِنَّهُ إِذَا وُضِعَ السَّيْفُ فِيهِمْ لَمْ يُرْفَعْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ وَدَجَّالُونَ1 قَرِيبٌ2 مِنْ ثَلاثِينَ3، وَإِنِّي خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لا نَبِيَّ بَعْدِي. وَلا يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ مَنْصُورَةٌ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ عَنْ مُعَاذٍ. [54] أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ، أنا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ، أنا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَد، نا أَحْمَدَ

_ 1 دجالون: جمع دجال، واشتقاقه من الدجل، وهو التخليط والتمويه، ويطلق على الكذب. 2 قريب: على الرفع صفة، وعلى النصب حال من النكرة الموصوفة. 3 ثلاثين: أي ثلاثين نفسًا كل واحد منهم يزعم أنه رسول الله، وعد منهم عبد الله بن الزبير ثلاثة وهم: مسيلمة، والأسود العنسي، والمختار، ورواه أبو يعلى في مسنده بإسناد حسن، عن عبد الله بن الزبير بلفظ: "لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابًا منهم: مسيلمة، والعنسي، والمختار، ومنهم: طُليحة بن خوليد، وسَجاح التميمية، والحارث الكذاب، وجماعة في خلافة بني العباس". وليس المراد من ادعى النبوة مطلقًا؛ فإنهم لا يحصون كثرة؛ لكون غالبهم من نشوة جنون أو سوداء غالبة؛ وإنما المراد من كانت له شوكة وسول لهم الشيطان بشبهة. وقد خرج مسيلمة في خلافة أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- وخرج طليحة في خلافة أبي بكر، ثم تاب ومات على الإسلام الصحيح في خلافة عمر -رضي الله تعالى عنه- وقيل: إن سجاج تابت. والمختار بن عبيد الله الثقفي غلب على الكوفة في أول خلافة ابن الزبير، ثم ادعى النبوة، وزعم أن جبريل -عليه الصلاة والسلام- يأتيه وقتل سنة بضع وستين. والحارث خرج في خلافة عبد الملك بن مروان فقتل. "صحيفة همام ص81، 82". [54] م "1/ 192" "1" كتاب الإيمان - "89" باب في قوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} - من طريق محمد بن عبد الله بن نمير - عن وكيع ويونس بن بكير، عن هشام بن عروة به. رقم "350 -205". ومن طريق قتيبة بن سعيد وزهير بن حرب، عن جرير، عن عبد الملك بن عمير، عن موسى بن طلحة، عن أبي هريرة؛ قال: لما أنزلت هذه الآية: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قريشًا، فاجتمعوا، فعم وخص فقال: "يا بني كعب بن لؤي! أنقذوا أنفسكم من النار. يا بني مرة بن كعب! أنقذوا أنفسكم من النار. يا بني عبد شمس! أنقذوا أنفسكم من النار. يا بني عبد مناف! أنقذوا أنفسكم من النار. يا بني هاشم! أنقذوا أنفسكم من النار؛ فإني لا أملك لكم من الله شيئًا، غير أن لكم رحمًا سأَبُلُّها ببَلَالِهَا". البلال: الماء، ومعنى الحديث: سأصلها، شبهت قطيعة الرحم بالحرارة، ووصلها بإطفاء الحرارة ببرودة، ومنه: "بلوا أرحامكم" أي: صلوها. رقم "348/ 204".

ابن عَبْدِ الْجَبَّارِ، نا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامِ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} ، قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ محمد، وَيَا صَفِيَّةُ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لا أَمْلِكُ لَكُمْ 1 مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، سَلُونِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتُمْ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ وَكِيعٍ وَيُونُسَ عَنْ هِشَامٍ. [55] أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ، أنا أَبُو الْقَاسِمِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَحْمَدَ بن عثمان

_ 1 "فإني لا أملك لكم" معناه: لا تتكلوا على قرابتي، فإني لا أقدر على دفع مكروه يريده الله تعالى بكم. وخص هؤلاء بالذكر لأنهم أقرب قريش إليه. [55] خ "2/ 419" "59" كتاب بدء الخلق - "1" باب ما جاء في قول الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} - من طريق عبد الله بن أبي شيبة، عن أبي أحمد، عن سفيان، عن أبي الزناد به، وفيه: "قال الله تعالى: يشتمني ابن آدم، وما ينبغي له أن يشتمني، ويكذبني وما ينبغي له؛ أما شتمه فقوله: إن لي ولدًا، وأما تكذيبه فقوله: ليس يعيدني كما بدأني". "رقم 3193 - طرفاه في: 4974، 4975". خ "3/ 334" "112" كتاب سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} . بسم الله الرحمن الرحيم. يقال: لا ينون: {أَحَدٌ} أي: واحد - "1" باب من طريق أبي اليمان، عن شعيب، عن أبي الزناد به. رقم "4974". وفي "2" باب قوله: {اللَّهُ الصَّمَدُ} - من طريق إسحاق بن منصور، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة به. رقم "4975". وانظر مزيدًا من تخريجه في صحيفة همام للمحقق ص498. شرح الحديث: ننقل هنا شرح الحديث من صحيفة همام بن منبه: 1- "كذبني عبدي" المراد هنا: عبيد مخصوصون، وهم منكرو بعث الأجسام، وهم كفرة العرب، وجعلوا مكذبين الله -سبحانه وتعالى- لتكرار إخباره على ألسنة رسله ببعث العباد كلهم، وإعادة الأرواح إلى أجسادها، ومن ذلك قوله تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ، الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ

ابن شَاهِينَ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَيُّوبَ بن ماسي البزاز

_ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ، أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} . 2- "ولم يكن ذلك له" أي: ما ينبغي له أن يكذبني -كما جاء في بعض الروايات- لأن القدرة التي خَلقت من العدم تستطيع أن تعيد ما خلقت قبلًا. 3- "وشتمني عبدي" من الشتم وهو الوصف بما يقتضي النقص، ولا شك أن دعوى الولد لله يستلزم الإمكان المستدعي للحدوث، وذلك غاية النقص في حق الباري سبحانه وتعالى. 4- "ولم يكن ذلك له" أي: ما ينبغي له أن يصفني بصفات النقص. 5- "أما تكذبيه إياي أن يقول: لن يعيدنا كما بدأنا"، وفي حديث ابن عباس: "فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان"، ووقع في رواية الأعرج عن أبي هريرة الرد البليغ من المولى سبحانه وتعالى: "وليس أول الخلق بأهون عليَّ من إعادته". 6- "وأما شتمه إياي أن يقول: اتخذ الله ولدا، وأنا الصمد"، وفي رواية ابن عباس: "فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدًا" أي: أتنزه عن اتخاذ الزوجة والولد، وأنا السيد. قال البخاري: "والعرب تسمي أشرافها: الصمد، وقال أبو وائل: هو السيد الذي انتهى سؤدده". وقال ابن عطية المفسر: الصمد في كلام العرب: السيد الذي يصمد إليه في الأمور، ويستقل بها، وأنشد: ألا بكَّر الناعي بخير بني أسد ... بعمرو بن مسعود السيد الصمد وبهذا تفسر الآية {اللَّهُ الصَّمَدُ} لأن الله تعالى جلت قدرته هو موجد الموجدات وإليه تصمد، وبه قوامها، ولا غَنِيَّ بنفسه إلا الله تبارك وتعالى. وقال كثير من المفسرين: الصمد الذي لا جوف له، كأنه بمعنى المصمت. وقال الشعبي: الذي لا يأكل ولا يشرب. وقال ابن عطية: وفي هذا التفسير كله نظر؛ لأن الجسم في غاية البعد عن صفات الله تعالى. وقال الزمخشري: الصمد فعل بمعنى مفعول من صمد إليه إلى قصده، وهو السيد المصمود إليه في الحوائج. 7- "لم ألد ولم أولد" لما كان الرب سبحانه واجب الوجود لذاته، قديمًا موجودًا قبل وجود الأشياء، وكان كل مولود محدثًا انتفت عنه الوالدية، ولما كان لا يشبهه أحد من خلقه ولا يجانسه حتى يكون لجنسه صاحبة فتتوالد انتفت عنه الولدية، ومن هذا قوله سبحانه وتعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ

الْمَتُّوثِيُّ1، نا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ الْعَنْسِيُّ قَالا: نا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ صَالِحٍ، ثنا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِيُ هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "قَالَ الله عز جل: كذبي ابْنُ آدَمَ، وَمَا 2 يَنْبَغِي لَهُ أن يكذبي، وَشَتَمَنِي ابْنُ آدَمَ، وَمَا 2 يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتُمَنِي؛ وَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إياي فقوله: لن يعدني كَمَا بَدَأَنِي، وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ؛ يَعْنِي بِأَهْوَنِ مَا يَكُونُ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا، وَأَنَا اللَّهُ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُوًا أَحَدٌ". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي الزناد.

_ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} . 8- "وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُوًا أَحَدٌ" أي: لم يكن له مماثلًا ولا مشاركًا ومشاكلًا؛ بحيث ينتفي معه الصاحبة والولد والوالد، ولما كان الكلام مساقًا لنفي المكافأة عن ذات الباري سبحانه قدمت هذه اللفظة على "أحد"، وكان الترتيب "ولم يكن لي أحد كفئًا" أي: قدم الخبر على الاسم. وقرئ: "كفوًا" بضم الكاف والفاء، وهي قراءة الأكثرين، وقرأ حفص بضم الفاء وفتح الواو من غير همز "كفوًا"، وقرأ حمزة بإسكان الفاء مع الهمزة في الوصل "كُفْؤًا"، فإذا وقف أبدل الهمزة واوًا مفتوحة، وقرئ في غير المشهور بكسر الكاف. 1 توفي سنة 369، وبلغ نيفًا وتسعين سنة. 2 في الأصل "لم"، والتصحيح من كتب التخريج.

الشيخ الثاني عشر

[الشيخ الثاني عشر] : [56] أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْفَتْحِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَلوَانَ بْنِ عُقَيْلِ بْنِ قَيْسٍ

_ [56] خ "2/ 532" "61" كتاب المناقب - "25" باب علامات النبوة في الإسلام - من طريق محمد بن بشار، عن غندر، عن شعبة، عن أبي إسحاق به. "رقم 3614 - طرفاه في: 4849، 5011". م "1/ 548" "6" كتاب صلاة المسافرين - "36" باب نزول السكينة لقراءة القرآن - من طريق ابن المثنى وابن بشار، عن محمد بن جعفر، عن شعبة به. رقم "241/ 795".

الشَّيْبَانِيُّ بِقِرَاءَةِ الْبَلْخِيِّ فِي ذِي الحجة من سنة تسعين وأربعمائة، أنا الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَسْنُونٍ النَّرْسِيُّ1 قِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي المحرم سنة ست وأربعمائة وَأَنَا أَسْمَعُ، أنا الْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْنِ عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ الْحَافِظُ، نا الْحَسَنُ بْنُ الْمُثَنَّى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ قَالا: أنا عَفَّانُ، ثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ قَالَ: قَرَأَ رَجُلٌ الْكَهْفَ وَلَهُ دَابَّةٌ مَرْبُوطَةٌ فَجَعَلَتِ الدَّابَّةُ تَنْفِرُ، فَنَظَرَ الرَّجُلُ إِلَى سَحَابَةٍ قَدْ غَشِيَتْ فَفَزِعَ، فَذَهَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: "اقْرَإِ الْقُرْآنَ؛ فَإِنَّ السَّكِينَةَ 2 نَزَلَتْ عِنْدَ الْقُرْآنِ". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. [57] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، أنا أَبُو نَصْرٍ، نا عَبْدُ الْبَاقِي، نا بشير بْنُ مُوسَى، نا خَالِدُ بْنُ خِدَاش، نا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِي، عَنْ أَبِي الْعَلاءِ قَالَ: بَيْنَمَا أُبي جَالِسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ: "أَبَا الْمُنْذِرِ، أَيُّ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل أَعْظَمُ؟ " قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "أَبَا الْمُنْذِرِ، أَيُّ آيَةٍ في كتاب الله عز وجل أَعْظَمُ؟ " قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هو الحي القيوم" 3. قال:

_ 1 له ترجمة في تاريخ بغداد "4/ 371". قال الخطيب: كتبت عنه وكان صدوقًا. توفي سنة "411"، وبلغ إحدى وثمانين سنة. 2 السكينة: هي ما يحصل به السكون وصفاء القلب. وقال النووي: قد قيل في معنى السكينة هنا أشياء المختار منها: أنها شيء من مخلوقات الله تعالى فيه طمأنينة ورحمة ومعه الملائكة. [57] م "1/ 556" "6" كتاب صلاة المسافرين وقصرها - "44" باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي - من طريق أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى، عن الْجَرِيرِيِّ، عَنْ أَبِي السَّلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ الأَنْصَارِيِّ، عن أبي بن كعب به. "رقم "258/ 810". 3 نقل الإمام النووي عن القاضي عياض قوله: وفيه حجة للقول بجواز تفضيل بعض القرآن على بعض، وتفضله على سائر كتب الله تعالى. قال: وفيه خلاف للعلماء؛ فمنع منه أبو الحسن الأشعري وأبو بكر الباقلاني، وجماعة من الفقهاء والعلماء؛ لأن تفضيل بعضه يقتضي نقص المفضل، وليس في كلام الله نقص به، وتأويل هؤلاء ما ورد من إطلاق أعظم وأفضل في بعض الآيات والسور بمعنى عظيم وفاضل، وأجاز ذلك إسحاق بن راهويه وغيره من العلماء والمتكلمين قالوا: وهو راجع إلى عظم أجر قارئ ذلك وجزيل ثوابه، والمختار جواز قول هذه الآية أو السورة أعظم أو أفضل بمعنى أن الثواب المتعلق بها أكثر، وهو معنى الحديث، الله أعلم. قال العلماء: إنما تميزت آية الكرسي بكونها أعظم لما جمعت من أصول الأسماء والصفات من الإلهية والوحدانية والحياة والعلم والملك والقدرة والإرادة، وهذه السبعة أصول الأسماء والصفات، والله أعلم. "شرح النووي 6/ 341".

"لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ 1 أَبَا الْمُنْذِرِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ لَهَا لِسَانًا وَشَفَتَيْنِ تُقدسان الْمَلِكَ عِنْدَ سَاقِ الْعَرْشِ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْجَرِيرِيِّ، عَنْ أَبِي السَّلِيلِ عَنْ عبد لله بْنِ رَبَاحٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أُبي. [58] أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ الشَّيْبَانِيُّ، أنا أَحْمَدُ، أنا عَبْدُ الْبَاقِي، ثنا أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ يَحْيَى مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، ثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، ثنا سَلامُ بْنُ مِسْكِينَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سُورَةٌ فِي الْقُرْآنِ مَا هِيَ إِلا ثَلاثِينَ آيَةً خَاصَمَتْ عَنْ صَاحِبِهَا حَتَّى أَدْخَلَتْهُ الْجَنَّةَ، وَهِيَ سُورَةُ تَبَارَكَ". حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ شَيْبَانَ وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي رَوْح سَلامُ بْنُ مِسْكِينَ، عَنْ ثَابِتٍ، عن أنس غير حديث.

_ 1 "ليهنك العلم" أي: ليكن العلم هنيئًا لك، وفيه منقبة عظيمة لأبي، ودليل على كثرة علمه، وفيه تبجيل العالم فضلاء أصحابه وتكنيتهم وجواز مدح الإنسان في وجهه إذا كان فيه مصلحة ولم يخف عليه إعجاب ونحوه؛ لكمال نفسه ورسوخه في التقوى. "شرح النووي 6/ 341". [58] مجمع البحرين "6/ 97" "29" كتاب التفسير - "67" باب سورة تبارك - من طريق سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ يَحْيَى البصري به. رقم "3405". قال الطبراني: لم يروه عن ثابت إلا سلام. قال الهيثمي في مجمع الزوائد "7/ 127": رواه الطبراني في الصغير والأوسط، ورجاله رجال الصحيح. هذا وقد روى الترمذي وغيره عن ابن عباس قال: ضرب بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر، فإذا فيه إنسان يقرأ سورة تبارك الذي بيده الملك حتى ختمها، فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إني ضربت خبائي على قبر، وأنا لا أحسب أنه قبر، فإذا فيه إنسان يقرأ سورة تبارك الذي بيده الملك حتى ختمها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هي المانعة، هي المنجية تنجيه من عذاب القبر". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وفي الباب عن أبي هريرة. رقم "2890". وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "إن سورة من القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له، وهي سورة تبارك الذي بيده الملك". هذا حديث حسن. رقم "2891". الترمذي "5/ 164" "46" كتاب فضائل القرآن - "9" باب ما جاء في فضل سورة تبارك.

الشيخ الثالث عشر

[الشيخ الثالث عشر] : [59] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ بِقِرَاءَةِ أَبِي نَصْرٍ فِي مُحَرَّمٍ مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ، أنا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ قِرَاءَةً، أنا أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الدَّقَّاقُ قِرَاءَةً فِي مَنْزِلِهِ دَرْبَ الضَّفَادِعِ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ لِتِسْعٍ بَقِينَ مِنْ مُحَرَّمٍ سَنَةَ أربع وأربعين وثلثمائة، نا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ حَنْبَلٍ الشَّيْبَانِيُّ، ثنا حَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، ثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيع، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ الْمُهَاجِرُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ قَدِمْنَا عَلَى قَوْمٍ مَا رَأَيْنَا قَوْمًا أَحْسَنُ مُوَاسَاةً فِي قَلِيلٍ، وَلا أَحْسَنَ بَذْلا فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ، لَقَدْ كَفَوْنا الْمُؤْنَةَ وَأَشْرَكُونَا فِي الْمَهْنَإِ حَتَّى خَشِينَا أَنْ يَذْهَبُوا بِالأَجْرِ كله.

_ [59] الترمذي "4/ 653" "38" كتاب صفة القيامة - "44" باب - من طريق الحسين بن الحسن المروزي، عن ابن أبي عدي، عن حميد به. قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح حسن غريب من هذا الوجه. رقم "2487". د "5/ 185" "35" كتاب الأدب - "14" باب في شكر المعروف - من طريق موسى بن إسماعيل، عن حماد، عن ثابت، عن أنس: أن المهاجرين قالوا: يا رسول الله، ذهبت الأنصار بالأجر كله، قال: "لا، ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم". رقم "4812".

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أمَّا مَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ، وَدَعَوْتُمْ لَهُمْ فَلا". حَدِيثٌ صَحِيحٌ عالٍ. [60] أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ، أنا الْحَسَنُ، أنا عُثْمَانُ، ثنا حَنْبَلٌ، ثنا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، ثنا أَبُو عُقَيْلٍ الْبَاهِلِيُّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ عَلَى سُوقِ الْمَدِينَةِ عَلَى طَعَامٍ أَعْجَبَهُ حُسْنُهُ، فَوَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الطعام، ثم نادى: "يأيها النَّاسُ، إِنَّهُ لا غِشَّ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّنَا" 1.

_ [60] الدارمي "2/ 164" "18" كتاب البيوع - "10" باب في النهي عن الغش - من طريق محمد بن الصلت، عن أبي عقيل يحيى بن المتوكل به. مجمع البحرين "3/ 363" "12" كتاب البيوع - "22" باب كراهية الغش - من طريق أبي مسلم، عن عبد العزيز بن الخطاب، عن أبي معشر، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ نحوه، وفيه: "بع ذا على حدة، وذا على حدة". قال الطبراني: لم يروه عن نافع إلا أبو معشر. رقم "1964". قال الهيثمي في مجمع الزوائد "4/ 79" كتاب البيوع - باب في الغش: رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط، وفيه أبو معشر، وهو صدوق، وقد ضعفه جماعة. "وانظر: المسند 2/ 50، وكشف الأستار 2/ 82". وعبارة: "من غشنا فليس منا" جاءت من حديث أبي هريرة في صحيح مسلم "1/ 99" - "1" كتاب الإيمان - "43" باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا". وذكر نحوه الحاكم من حديث أبي هريرة، ثم قال عليه وعلى أحاديث مثله: هذه الأحاديث كلها صحيحة على شرط مسلم. "المستدرك 2/ 9 - كتاب البيوع". وانظر: تخريج الألباني له في إرواء الغليل "5/ 161-164". وسلسلة الأحاديث الصحيحة "3/ 48" رقم "1058". وقد بيَّن الإمام البغوي بعد ذكره لحديث أبي هريرة معنى هذا الحديث والأحكام التي تترتب على الغش في البيع، فقال: =

صحيح عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. [61] وَبِهِ حَدَّثَنَا حَنْبَلٌ، ثنا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ الْقَطَّانُ، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ،

_ = وقوله: "من غش فليس مني" لم يُرد به نفيه عن دين الإسلام؛ إنما أراد أنه ترك اتباعي؛ إذ ليس هذا من أخلاقنا وأفعالنا، أو ليس هو على سنتي وطريقتي في مناصحة الإخوان، هذا كما يقول الرجل لصاحبه: أنا منك، يريد به الموافقة والمتابعة، قال الله سبحانه وتعالى إخبارًا عن إبراهيم عليه السلام: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} [إبراهيم: 36] والغش: نقيض النصح مأخوذ من الغشش، وهو المشرَب الكَدِر. قال الإمام: والتدليس في البيع حرام مثل أن يُخفي العيب أو يصرِّي الشاة، أو يُحمر وجه الجارية، فيظنها المشتري حسناء، أو يجعد شعرها، غير أن البيع معه يصح، ويثبت للمشتري الخيار إذا وقف عليه، وروي أن عبد الرحمن بن عوف ابتاع وليدة من عاصم بن عدي، فوجدها ذات زوج فردَّها. ولو اطلع المشتري على العيب بعدما هلك ما اشتراه في يده، أو كان عبدًا قد أعتقه، فيرجع بالأرش وهو أن ينظر: كم نقص العيب من قيمته، فيسترجع بنسبته من الثمن. وقال شريح: لا يرد العبد من الادفان، ويرد من الإباق البات، والادفان: أن يروغ عن مواليه اليوم أو اليومين، ولا يغيب عن المصر، وعنه: أنه كان يرد الرقيق من العبَس وهو البول في الفراش، فأما إذا باع عبدًا قد ألبسه ثوب الكتبة، أو زيَّاه بزي أهل حرفة، فظنه المشتري كاتبًا أو محترفًا بتلك الحرفة، فلم يكن، فلا خيار له على أصح المذهب؛ لأن الرجل قد يلبس ثوب الغير عارية، والمشتري هو الذي اغتر به، فلا خيار له. ولو كذب البائع في رأس المال، فكذلك يصح معه البيع، ولا خيار للمشتري إلا في بيع المرابحة، فإنه إذا اشترى شيئًا، ثم باعه مرابحة وكذب في رأس ماله، بأن كان قد اشتراه بمائة، فقال: اشتريته بمائة وعشرة، فالبيع صحيح، وهل تحط الخيانة؟ فيه قولان؛ أحدهما: لا تحط، وللمشتري الخيار، وهو قول ابن أبي ليلى، وأبي حنيفة، والثاني: وهو الأصح، تحط الخيانة ولا خيار للمشتري، وهو قول أبي يوسف، وفيه قول آخر: إن المشتري بالخيار، وإن حُطت الخيانة. ولو اشترى شيئًا فولاه الغير، أو أشركه فيه، يجوز إذا فعله بعد القبض، وبين قدر الشركة وهو بمنزلة عقد جديد يعقده المشتري لا يجوز إلا بعد قبض ما اشتراه، فإن كذب في رأس المال فيهما، لا تصح التولية والتشريك؛ لأن العقد الثاني فيهما ينبني على الأول. "شرح السنة 8/ 167، 168". [61] جه "2/ 725" "12" كتاب التجارات - "2" باب الاقتصاد في طلب المعيشة - من طريق محمد بن المصفى، عن الوليد بن مسلم به. قال البوصيري في مصباح الزجاجة "2/ 159": هذا إسناد ضعيف، الوليد بن مسلم وابن جريج وأبو الزبير، كل منهم يدلس، وقد رووه بالعنعنة. =

ثنا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اتَّقُوا اللَّهَ؛ فَإِنَّهُ لَنْ يَمُوتَ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ رِزْقَهُ فَلا تَسْتَبْطِئُوا الرِّزْقَ. وَاتَّقُوا اللَّهَ أَيُّهَا النَّاسُ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ 1، خُذُوا مَا حَلَّ وَذَرُوا مَا حَرُم". وَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ يَلْزَمُهُ إِخْرَاجُهُ. [62] أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قِرَاءَةً، أنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْبَزَّارُ،

_ = لكن لم ينفرد ابن ماجه بإخراجه من هذا الوجه، فقد روى ابن حبان في صحيحه عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سلم، حدثنا حرملة بن يحيى، حدثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بإسناده ومتنه "موارد الظمآن، ص267 - "11" كتاب البيوع - "1" باب في طلب الرزق". ورواه أيضًا عن محمد بن إسحاق بن إبراهيم مولى ثقيف، عن الوليد بن شجاع، عن ابن وهب، فذكر نحوه. "الموضع السابق". وله شاهد من حديث حذيفة رواه البزار في مسنده. 1 "أجملوا في الطلب" أي: اعتدلوا ولا تُفْرِطوا في طلب الرزق. [62] المطالب العالية "3/ 234، 235": أبو هريرة رفعه عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: "ألا أخبرك بأمر هو حق، من تكلم به في أول مضجعه في مرضه نجاه الله من النار؟ " قال: بلى! بأبي وأمي قال: "اعلم أنك إذا أصبحت لم تمسِ، وإذا أمسيت لم تصبح، وإنك إذا قلت ذلك في أول مضجعك من مرضك نجاك الله به من النار، أن تقول: لا إله إلا الله، يحيى ويميت، وهو حي لا يموت، سبحان رب العباد والبلاد، والحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه على كل حال، الله أكبر، كبرياء ربنا وجلاله، وقدرته في كل مكان، اللهم إن كنت أمرضتَني لقبض روحي في مرضي هذا، فاجعل روحي في أرواح من سبقت لهم منك الحسنى، وباعدني من النار كما باعدت أولياءك الذين سبقت لهم الحسنى، فإن مُتَّ في مرضك ذلك فإلى رضوان الله والجنة، وإن كنت قد اقترفت ذنوبًا تاب الله عليك". وعزاه ابن حجر إلى أحمد بن منيع في مسنده. وسكت عنه البوصيري وقال: تقدم شواهد له.

نا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ السَّمَّاكِ، ثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا مَخْلَدُ بْنُ مَرْوان، حَدَّثَنِي يَحْيَى الأَعْرَجُ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: علَّم جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَذَا الدُّعَاءَ، وعلَّمه النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَا بَكْرٍ وَكَانَ شَاكِيًا، فَقَالَ لَهُ: "إِذَا أَصَابَكَ مَرَضٌ فَقُلْ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُو حَيٌّ لا يَمُوتُ، سُبْحَانَ رَبِّ الْعِبَادِ وَالْبِلادِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، جَلالُ اللَّهِ وَكِبْرِيَاؤُهُ وَعَظَمَتُهُ بِكُلِّ مَكَانٍ، اللهم إِنْ كُنْتَ قَضَيْتَ مَوْتِي فِيهِ فَاغْفِرْ لِي، وَأَخْرِجْنِي مِنْ ذُنُوبِي، وَأَسْكِنِّي جَنَّةَ عَدْنٍ". حَسَنٌ غَرِيبٌ. [63] أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ، أنا الْحَسَنُ، أنا عُثْمَانُ، ثنا حَنْبَلٌ، ثنا عَاصِمٌ بن عَلِيٍّ، ثنا أَبُو هِلالٍ، ثنا أَبُو الْوَازِعِ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي شَيْئًا لَعَّلَ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ، أَوْ عَسَى اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ يَنْفَعَنِي بِهِ، قَالَ: "انْظُرْ مَا يُؤْذِي النَّاسَ فَاعْزِلْهُ عَنْ طَرِيقِهِمْ، أَوْ عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَمْرٍو أَبِي الْوَازِعِ، عَنْ أَبِي بَرْزَةَ نَضْلَةَ بْنِ عُبَيْدٍ.

_ [63] م "4/ 2021، 2022" "45" كتاب البر والصلة والآداب - من طريق زهير بن حرب، عَنْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أبان بن صَمْعَة، عن أبي الوازع به. ومن طريق يحيى بن يحيى، عن أبي بكر بن شعيب بن الحبحاب، عن أبي الوازع بهذا السند نحوه. وفي هذا الحديث فضل إزالة الأذى عن الطريق، سواء كان الأذى شجرة تؤذي، أو غصن شوك، أو حجرًا يعثر به، أو قذرًا، أو جيفة، أو غير ذلك. وإماطة الأذى عن الطريق من شعب الإيمان، كما في الحديث الصحيح: "الإيمان بضع وستون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق". وفي الحديث التنبيه على فضيلة كل ما نفع المسلمين، أو أزال عنهم ضررًا.

الشيخ الرابع عشر

[الشيخ الرابع عشر] : [64] أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هِبَةُ اللَّهُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَوْصِلِيُّ بِقِرَاءَةِ الْحَافِظِ أَبِي مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيِّ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ سَبْعٍ وَتِسْعِينَ، أنا الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عبد لله بْنِ بِشْرَانَ قِرَاءَةً فِي يَوْمِ السَّبْتِ سَابِعِ جُمَادَى الأُولَى مِنْ ثمان وعشرين وأربعمائة، أنا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زياد القطان، ثنا أبو عمارة محمد بن أحمد بن المهدي، ثنا محمد بن عبد الله أبو عبد الله، ثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عليَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا أُوعَك فَقَالَ: "مَا لك يا حُميراء، أو يابنة أَبِي بَكْرٍ؟ ". قُلْتُ: الْحُمَّى، وسببتُها فَقَالَ: "لا تَسُبِّيهَا؛ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ، لكن قُولِي: اللَّهُمَّ ارْحَمْ عَظْمِي الدَّقِيقِ، وَجِلْدِي الرَّقِيقِ، مِنْ شِدَّةِ الْحَرِيقِ، يَا أُمَّ مِلْدَم، إِنْ كُنْتِ آمَنْتِ بِاللَّهِ الأَعْظَمِ فَلا تُصَدِّعِي الرَّأْسَ، وَلا تُنفِّري الْفَمَّ، وَلا تُمضِّي الدَّمَّ، وَلا تَأْكُلِي اللَّحْمَ، وَتَحَوَّلِي مِنِّي إِلَى مَنِ اتَّخَذَ مع آلِهَةً شَتَّى، وَرُبَّمَا قَالَ: آلِهَةً أُخْرَى". قَالَتْ: فَمَا زَالَ يَقُولُهُ عليَّ حَتَّى بَرَأْتُ، وَمَا قُلْتُهُ عَلَى مَوْعُوك قَطُّ إِلا بَرَأَ. حَسَنٌ مَشْهُورٌ. [65] أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ، أنا أَبُو سَهْلٍ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الأَبَّار، ثنا الْحَسَنُ

_ [64] كنز العمال "10/ 98، 99" عن رافع بن خديج، عن أنس قال: دخل النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على عائشة وهي موعوكة ... فذكر نحوه، وفيه: "ولا تفوري على الفم" بدل "ولا تنفري الفم". وعزاه إلى أبي الشيخ في الثواب، وقال: فيه عبد الملك بن عبد ربه الطائي، قال في المغني: حديثه منكر. [65] الكامل لابن عدي "6/ 2391" في ترجمة منصور بن عمار أبو السري - من طريق محمد بن منير، عن عباس الترقفي، عن أحمد بن بشير الواسطي، عن منصور بن عمار به. قال ابن عدي: لا يتعمد الكذب، وإنكار ما يرويه لعله من جهة غيره. كنز العمال "14/ 385" رقم 39033 - ولفظه: "شعار المؤمنين يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي ظُلَمِ الْقِيَامَةِ: لا إله إلا أنت". وعزاه إلى الشيرازي، عن ابن عمرو.

ثنا الْحَسَنُ بْنُ حَمَّادٍ أَبُو عَلِيٍّ الْوَاسِطِيُّ، ثنا مَنْصُورُ بْنُ عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي قَبِيل1، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "شِعَارُ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي ظُلَمِ الْقِيَامَةِ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ". مَعْرُوفٌ مِنْ رِوَايَةِ مَنْصُورِ بْنُ عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ. [66] أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللَّهِ، أنا عَبْدُ الْمَلِكِ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ، ثنا عَبْدُ الكريم بن الهيثم الدير عاقولي، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، ثنا مَعْن بْنُ عِيسَى، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْفَتْحِ فَرَأَى النِّسَاءَ يَلْطُمْنَ وُجُوهَ الْخَيْلِ بالخُمُر، فَتَبَسَّمَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ، كَيْفَ قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ؟ " فَأَنْشَدَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَدِمت بُنيَّتي إِنْ لم تروها ... تثير النَّقْع مَوْعِدُهَا كَدَاءُ يُنَازِعْنَ الأعِنَّة مُسْرجَاتٍ ... يُلطِّمهن بالخُمُر النساءُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ادْخُلُوهَا مِنْ حيث قال حسان".

_ 1 أبو قبيل اسمه: حيي بن هانئ، له ترجمة في تهذيب الكمال "7/ 490-493"، قال عنه غير واحد: ثقة. روى له الترمذي والنسائي. [66] ذكره محمد بن يوسف الصالحي في سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، عن ابن عمر، ثم قال: وفي الصحيح وغيره، عن عروة أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- أمر الزبير بن العوام أن يدخل من كَدَاء من أعلى مكة، وأن يغرز رايته بالحجون، ولا يبرح حتى يأتيه. وفي الصحيح أيضًا، عن العباس أنه قال للزبير بن العوام: يا أبا عبد الله، هاهنا أمرك رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- أن تركز الراية؟ قال: نعم. وانظر ديوان حسان بن ثابت ص12،والبيتان من قصيدة مطلعها: عَفَتْ ذاتُ الأصابع فالجواء ... إلى عذراء منزلها خلاء

الشيخ الخامس عشر

[الشيخ الخامس عشر] : [67] أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْبَاقِلانِيِّ1 قِرَاءَةً فِي شُهُورِ سَنَةِ ست وتسعين وأربعمائة، أَنْبَأَ أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ شَاذَانَ بْنِ حَرْبِ بْنِ مِهْرَان الدَّوْرَقِي الْبَزَّازُ2 بِقِرَاءَةِ ابْنِ الصوَّاف الْمِصْرِيِّ فِي يَوْمِ الأَحَدِ خَامِسَ عَشَرَ جُمَادَى الأُولَى مِنْ سنة خمس وعشرين وأربعمائة، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الأَدَمِيُّ، نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، ثنا أَبُو مُصْعَبٍ، ثنا مَالِكٌ، عَنْ سُمَي مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّان، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رسول الله

_ [67] الموطأ رواية أبي مصعب الزهري المدني "1/ 202" - "75" باب فضل الدعاء: أبو مصعب، عن مالك به. وفي موطأ يحيى "23/ 209" "15" كتاب القرآن - "7" باب ما جاء في ذكر الله تبارك وتعالى. خ "2/ 437" "59" كتاب بدء الخلق - "11" باب صفة إبليس وجنوده - من طريق عبد الله بن يوسف، عن مالك به. "رقم 3293 - طرفه في: 6403". م "4/ 2071" "48" كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار - "10" باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء - من طريق يحيى بن يحيى، عن مالك به. رقم "28/ 2691". 1 له ترجمة في شذرات الذهب "3/ 412". توفي في سنة "500" عن ثمانين سنة. 2 له ترجمة في تاريخ بغداد "7/ 279" قال الخطيب: كتبنا عنه، كان صدوقًا، صحيح الكتاب. توفي سنة "426" وولد سنة "339"، وفيه "الحسن بن إبراهيم بن أحمد"؛ ولكن ما في شذرات الذهب موافق لما هنا: "الحسن بن أحمد بن إبراهيم" "3/ 228" وهو الصواب، إن شاء الله تعالى، والله عز وجل أعلم.

-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ، ومُحيت عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَ حِرْزًا لَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يأتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَمَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهُ وَبِحَمْدِهِ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنْ سُمَيّ. [68] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، أنا الْحَسَنُ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إسحاق بن

_ [68] مجمع البحرين "3/ 45" "6" كتاب الزكاة - "33" باب الحث على الصدقة - من طريق سلامة بن جعفر الرملي، عن عبد الله بن هاني النيسابوري، عن مبارك بن سحيم، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس به. رقم "1401". قال الطبراني: لم يروه عن عبد العزيز إلا مبارك. البزار - كشف الأستار "1/ 442" كتاب الزكاة - باب الحث على الصدقة - من طريق محمد بن بشار، عن محمد بن الفضل "عارم" به. قال البزار: لا نعلم رواه هكذا إلا محمد بن الفضل. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه البزار والطبراني في الأوسط، ورجال البزار رجال الصحيح "3/ 106". هذا وقد روي في الصحيحين من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه: خ "24" كتاب الزكاة - "10" باب: "اتقوا النار ولو بشق تمرة" "1/ 437، 438" رقم "1317". م "12" كتاب الزكاة - "20" باب الحث على الصدقة - "2/ 703" رقم "66/ 1016". والمراد من الحديث: الحث على الصدقة ولو بالشيء القليل الذي يجازي الله عليه صاحبه خيرًا، فيبعده عن النار، والله أعلم.

إِبْرَاهِيمَ الْخُرَاسَانِيُّ المعدِّل1 فِي جُمَادَى الأُولَى مِنْ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وثلاثمائة، نا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ صَالِحٍ الوزَّان، ثنا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تمرة". [69] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، أنا الْحَسَنُ، أنا عَبْدُ اللَّهِ، ثنا عَبَّاسُ بْنُ أحمد بن ديلس

_ 1 له ترجمة في تاريخ بغداد "9/ 414"، قال الدارقطني: فيه لين، توفي "349"، ويقال: إن مولده "261". [69] خ "2/ 286" "55" كتاب الوصايا - "1" باب الوصايا - من طريق عبد الله بن يوسف، عن مالك، عن نافع به. وقال البخاري: تابعه محمد بن مسلم، عن عمرو، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. رقم "2738". م "3/ 1249" "25" كتاب الوصية - من طريق أبي خيثمة زهير بن حرب ومحمد بن المثنى العنزي، عن يحيي بن سعيد القطان، عن عبيد الله، عن نافع به. رقم "1/ 1627". هذا الحديث يتعارض في ظاهره مع الآية الكريمة: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180] ، فظاهرها فرض الوصية للوالدين والأقربين. أما الحديث فظاهره عدم الفرضية؛ ولذلك اختلف الفقهاء في حكم هذه الآية؛ فقال قوم: كانت الوصية للوالدين والأقربين فرضًا، فنُسخت الوصية للذين يرثون منهم بآية الميراث، وبقيت فريضة للذين لا يرثون من الوالدين والأقارب، وهو قول ابن عباس، به قال الحسن وطاوس وقتادة. قال طاوس: من أوصى لقوم سماهم، وترك ذوي قرابته محتاجين انتُزعت منهم، ورُدت إلى ذوي قرابته. وذهب آخرون إلى أن فريضة الوصية منسوخة في حق الكافة وهي مستحبة. وقوله: "ما حق امرئ" معناه: ما حقه من جهة الحزم والاحتياط إلا ووصيته عنده؛ لأنه لايدري متى يدركه الموت، فربما يأتيه بغتة، فيمنعه عن الوصية. وفيه دليل على أن الوصية مستحبة غير واجبة؛ لأنه فوض إلى إرادته، فقال: "له شيء يوصي فيه" يعني: يريد أن يوصي فيه، وهو قول عامة أهل العلم. وذهب بعض التابعين إلى إيجابها ممن لم يجعل الآية منسوخة في حق الكافة، ثم الاستحباب في حق من له مال دون ما ليس له فضل، وهذا في الوصية المتبرَّع بها من صدقة وبر وصلة، فأما أداء الديوان والمظالم التي يلزم الخروج منها، ورد الأمانات، فواجب عليه أن يوصي بها، وأن يتقدم إلى أوليائه فيها؛ لأن أداء الحقوق والأمانات فرض واجب عليه. =

المعدِّل، ثنا عَفَّانُ، عَنْ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ مَالٌ يُوصي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلا ووصيته مكتوبة عنده". صحيحان من حديث حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، وصخر بن جويرية، عن نافع. [70] أَخْبَرَنَا أَبُو غَالِبٍ قِرَاءَةً، أنا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ قِرَاءَةً، أنا أبو عبد الله

_ = وقد رُوي عن عائشة قالت: ما ترك رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- دينارًا لا درهمًا، ولا بعيرًا ولا شاة، ولا أوصى بشيء. قولها: "ولا أوصى بشيء" تريد به وصية المال؛ لأن الإنسان إنما يوصي في مال يُورَثُ منه، وهو صلى الله عليه وسلم لم يترك شيئًا يورث منه، فيوصي فيه، وقد أوصى بأمور، فكان من وصيته: "الصلاةَ وما ملكت أيمانكم". وقال: "أخرجوا اليهود من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنتُ أجيزهم". واختلفوا في جواز وصية الصبي والسفيه وتدبيرهما، فذهب أكثرهم إلى أنها لا تصح، كما لا يصح منه الإعتاق، رُوي ذلك عن ابن عباس والحسن، وهو قول الزهري والشافعي. وقال قوم: يجوز؛ لما رُوي عن عمرو بن سُليم الزُّرَقِي أنه قيل لعمر بن الخطاب: إن هاهنا غلامًا يفاعًا لم يحتلم من غسَّان، وورثته بالشام، وهو ذو مال، وليس له هاهنا إلا ابنة عم له، فقال عمر: فأوصِ لها، فأوصى لها بمال. وهو قول شريح، وإبراهيم، وعمر بن عبد العزيز، قال شريح: إذا أصاب الغلام في وصيته جازت، وهذا مذهب مالك. "شرح السنة 5/ 276-280". [70] خ "20/ 520" "30" كتاب الصوم - "56" باب صوم الدهر - من طريق أبي اليمان به. رقم "1976" وأطرافه في "1152، 1153، من 1974 إلى 1980، من 3418 إلى 3420، من 5054 إلى 5054، 5199، 6134، 6277". وبعض هذه الطرق عن سعيد وأبي سلمة، وبعضها عن أبي سلمة وحده، وبعضها عن غيرهما، كما ذكرت شهدة، رحمة الله عليها. =

مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْر بْنِ [مُفَضَّلِ بْنِ حَسَّانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ] مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيُّ، صَاحِبُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى أَبُو الْحَسَنِ الجكَّاني الْخُزَاعِيُّ، ثنا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حمْزةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قال:

_ = م "2/ 812، 813" "13" كتاب الصيام - "35" باب النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به، أو فوَّت به حقًّا، أو لم يفطر العيدين والتشريق، وبيان تفضيل صوم يوم وإفطار يوم - من طريق عبد الله بن وهب عن يونس، عن ابن شهاب، عن سعيد وأبي سلمة به. وفيه: "قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: لأن أكون قبلت الثلاثة الأيام التي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- أحب إلَيَّ من أهلي ومالي". ومن طريق عبد الله بن محمد الرومي، حدثنا النضر بن محمد، حدثنا عكرمة، حدثنا يحيى، عن أبي سلمة "بن عبد الرحمن" نحوه. وها هي رواياته كما ساقها القرطبي في تلخيص مسلم بتحقيقنا "1/ 447-450". عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: بلغ نبي الله -صلى الله عليه وسلم- أن أصوم أَسْرُدُ وأصلي الليل، فإما أرسل إليَّ وإما لقيته فقال: "ألم أُخبَر بك أنك تصوم ولا تفطر وتصلي الليل؟ فلا تفعل". وفي رواية قال: "فإنك إذا فعلت ذلك هجمت عيناك ونفهت نفسُك؛ فإن لعينك حظًّا ولنفسك حظًّا ولأهلك حظًّا، فصم وأفطر، وصل ونم، وصم من كل عشرة أيام يومًا ولك أجر تسعة"، وقال: إني أجدني أقوى من ذلك يا نبي الله؟ قال: "صم صيام داود"، قال: وكيف كان داود يصوم يا نبي الله؟ قال: "كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، ولا يفر إذا لاقى"، قال: من لي بهذه يا نبي الله؟ قال عطاء: فلا أدري كيف ذكر صيام الأبد. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صام من صام الأبد، لا صام من صام الأبد". وعنه قال: أُخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه يقول: لأقومن الليل ولأصوم النهار ما عشت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنت الذي تقول ذلك؟ " فقلت له: قد قلته يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإنك لا تسطيع ذلك، فصم وأفطر، ونم وقم، صم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر"، قال: قلت: فإني أطيق أفضل من ذلك، [قال: "صم يومًا وأفطر يومين"، قال: قلت: فإني أطيق أفضل من ذلك يا رسول الله] . قال: "صم يومًا وأفطر يومًا، وذلك صيام داود وهو أعدل الصيام"، قال: قلت: فإني أطيق أفضل من ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا أفضل من ذلك". قال عبد الله بن عمرو: لأن أكون قبلت الثلاثة الأيام التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليَّ من أهلي ومالي. =

أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنِّي أَقُولُ: لأَصُومَنَّ النَّهَارَ، وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ لَهُ. قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُ بِأَبِي وَأُمِّي، قَالَ: "فَإِنَّكَ لا تسطيع ذَلِكَ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَنَمْ وَقُمْ، وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ"، ثُمَّ قَالَ: "الْحَسَنَةُ بِعَشْرَةِ أَمْثَالِهَا، وَمِثْلُ ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ"، قَالَ: فَقُلْتُ: إِنِّي أَطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: "فَصُمْ يَوْمًا، وَأَفْطِرْ يَوْمًا، وَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ، وَهُو أَعْدَلُ الصِّيَامِ". قَالَ: فَقُلْتُ: إِنِّي أَطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ". أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ، وَفِي أَحَدِ طُرُقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي اليَمَان كَذَلِكَ، وَلَهُ طُرُقٌ أُخَرُ فِي الْكِتَابَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ وَحْدَهُ.

_ = وفي رواية قال: "فإن حسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام"، قلت: يا نبي الله، إِنِّي أَطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قال: "فإن لزوجك عليك حقًّا، ولزَوْرِك عليك حقًّا، ولجسدك عليك حقًّا"، قال: "فصم صوم داود نبي الله؛ فإنه كان أعبد الناس"، قال: قلت: يا نبي الله، وما صوم داود؟ قال: "كان يصوم يومًا ويفطر يومًا"، قال: "واقرأ القرآن في كل شهر"، قال: قلت: يا نبي الله، إِنِّي أَطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قال: "فاقرأه في كل عشرين"، قال: قلت: يا نبي الله، إِنِّي أَطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قال: "فاقرأه في عشر"، قال: قلت: يا نبي الله، إِنِّي أَطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قال: "فأقراه في سبع ولا تزد على ذلك؛ فإن لزوجك عليك حقًّا"، قال: فشددت فشدد علي قال، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنك لا تدري لعلك يطول بك عمر"، قال: فصرت إلى الذي قال لي النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما كبرت وددت أني كنت قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم. زاد في رواية بعد قوله: "ثلاثة أيام فإن بكل حسنة عشر أمثالها فذلك الدهر كله". وعنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أحب الصيام إلى الله صيام داود يصوم نصف الدهر، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان يرقد شطر الليل، ثم يقوم ثم يرقد آخره، يقوم ثلث الليل بعد شطره". وفي رواية: "كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه". وعنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له: "صم يومًا ولك أجر ما بقي"، قال: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: "صم يومين ولك أجر ما بقي"، قال: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: "صم ثلاثة أيام، ولك أجر ما بقي"، قال: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: "صم أربعة أيام ولك أجر ما بقي"، قال: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: "صم أفضل الصيام عند الله صوم داود، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا".

الشيخ السادس عشر

[الشيخ السادس عشر] : [71] أَخْبَرَنَا الإِمَامُ فَخْرُ الإِسْلامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ الشَّاشِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- مِنْ لَفْظِهِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ وأربعمائة، أنا الشَّيْخُ الزَّاهِدُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ سَلامَةَ قَالَ: أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ بَحْشَلٍ، ثنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْقَاسِمِ الْمُقْرِي، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ حَيَّانَ، ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ، ثنا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَمَّا أُلْقِيَ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ فِي النَّارِ قَالَ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ"، قَالَ: "فَمَا أُحْرِقَ مِنْهُ إِلا موضع الكِتَاف". حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ مُتَّصِلُ الإِسْنَادِ وَرِجَالِهِ ثِقَاتٌ. [72] حَدَّثَنَا فَخْرُ الإِسْلامِ أبو بكر الشاشي من لفظه وخطه سنة اثنتين وتسعين، أنا الحسين بن سلامة المعروف بابن الجار، نا مُحَمَّد بن علي بن مُحَمَّد بن سليمان، ثنا علي بْنُ الْقَاسِمِ الْمُقْرِي، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ حَيَّانَ، ثنا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن سلمة، ثنا سلمة بْن شبيب، ثنا أَحْمَد بْن حنبل، ثنا

_ [71] مصنف ابن أبي شيبة "11/ 520" كتاب الفضائل - ما ذكر مما أعطى الله إبراهيم عليه السلام - من طريق معتمر، عن أبيه، عن قتادة، عن أبي سليمان، عن كعب قال: ما أحرقت النار من إبراهيم إلا وثاقه. وانظر: الدر المنثور "4/ 323"، وابن جرير "17/ 29". 1 انظر ترجمة موسعة له في مقدمة تحقيق كتابه حلية العلماء "1/ 19-40"، ولد سنة "429هـ" وتوفي سنة "507هـ". [72] الزهد للإمام أحمد "ص431" من طريق عبد الله بن أحمد عن أبي عامر بن براد الأشعري، عن الفضل بن موفق، عن شقيق، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ قال: إن أهل بيت يضعون على مائدتهم رغيفًا حلالًا لأهل بيت غرباء.

الفضل بْن موفق ابْن عم سُفْيَان بْن عيينة قَالَ: أنا سُفْيَان الثوري، أنا الأعمش قَالَ: سمعت أبا وائل يقول: إن أهل بيت يوجد على مائدتهم رغيف حلال لأهل بيت غرباء. [73] حَدَّثَنِي فَخْرُ الإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ الشَّاشِيُّ1، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ سَلامَةَ قِرَاءَةً، أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، ثنا عَلِيٌّ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَانَ، حَدَّثَنِي أَبُو هَمَّامٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الزبيدي، حدثنا نويرة بن الأَسْوَدِ الكِلاعي، عَنْ صَالِحِ بْنِ زُنْبُورٍ قَالَ: سَمِعْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ تَقُولُ: مَنْ وَعَظَ أَخَاهُ سِرًّا فَقَدْ زَانَهُ، وَمَنْ وَعَظَهُ عَلانِيَةً فَقَدْ شَانَهُ. [74] حدثني فخر الإسلام لفظا في سنة اثنتين وتسعين، أنا مُحَمَّد بْن سلامة المعروف بابن الجار قراءة، أنا مُحَمَّد بن علي بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَانَ بْنِ بَحْشَلٍ، ثنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْقَاسِمِ الْمُقْرِي، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بن حيان، ثنا علي بْن عبد اللَّه يعني الدوري من حفظه، ثنا ابن حبيق، ثنا يوسف بْن أسباط قَالَ: سمعت سُفْيَان الثوري يقول: أصل كل عداوة اصطناع المعروف إلى اللئام.

_ [73] لم أعثر عليه. [74] لم أعثر عليه. [75] خ "1/ 263" "10" كتاب الأذان - "133" باب السجود على سبعة أعظم - من طريق آدم، عن إسرائيل، عن إبي إسحاق، عن عبد الله بن يزيد الخطمي، عن البراء بن عازب به. رقم "811". م "1/ 345" "4" كتاب الصلاة - "39" باب متابعة الإمام والعمل بعده - من طريق =

الشيخ السابع عشر

[الشيخ السابع عشر] : [75] أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ هَرِبسَةَ قِرَاءَةً عَلَيْهِ فِي رَبِيعٍ الأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ سِتٍّ وتسعين وأربعمائة، أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ الْحَافِظُ فِي رَبِيعٍ الأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ ثَلاثٍ وعشرين وأربعمائة، أَنْبَأَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الإِسْمَاعِيلِيُّ، أَخْبَرَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَرَقِيُّ1 بِبَابِ الطَّاقِ بِبَغْدَادَ مِنْ شُيُوخٍ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، ثنا الْمُنْذِرُ بْنُ الْوَلِيدِ الْجَارُودِيُّ، ثنا أَبِي، ثنا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ -يَعْنِي ابْنَ جَحَادَة عَنِ الْبَرَاءِ- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَالَ: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ" لَمْ نَزَلْ قِيَامًا حَتَّى تَقَعَ جَبْهَتَهُ إِلَى الأَرْضِ. فَذَكَرْتُ قَوْلَهُ لِلْحَكَمِ فَقَالَ: حَدَّثَنِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْبَرَاءِ. [76] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، أنا أَحْمَدُ، ثنا مُحَمَّدٌ، ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ الآمِدِيُّ

_ = أبي بكر بن خلاد الباهلي، عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيدٍ، عَنْ سفيان، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن يزيد، عن البراء. رقم "198/ 474". ومن طريق زهير بن حرب وابن نمير، عن سفيان بن عيينة، عن أبان وغيره، عن الحكم، عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، عن البراء، قال: كنا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- لا يحنو أحد منا ظهره حتى نراه قد سجد. فقال زهير: حدثنا سفيان قال: حدثنا الكوفيون: أبان وغيره قال: حتى نراه يسجد. رقم "200/ 474". 1 كذا في الأصل، ولعله: الحسين بن عبد الله الخرقي الذي ذكره الخطيب في تاريخ بغداد "8/ 59". [76] جه "2/ 1399" "37" كتاب الزهد - "17" باب الحياء - من طريق إسماعيل بن عبد الله الرقي، عن عيسى بن يونس، عن معاوية بن يحيى، عن الزهري به. رقم "4181". قال البوصيري في مصباح الزجاجة "3/ 288، 289": هذا إسناد فيه معاوية بن يحيى الصدفي أبو روح الدمشقي، وقد ضعفوه. رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده، عن محمد بن عبد الله بن الأنطاكي، عن عيسى بن يونس به، وأورده ابن الجوزي في كتاب العلل المتناهية من طريق معاوية بن يحيى، وضعف الحديث به، وله شاهد من حديث ركانة، رواه مالك في الموطأ. هذا، ونلاحظ أن الحديث هنا عن مالك، عن الزهري. فإذا صح هذا يكون فيه متابعة قوية لحديث ابن ماجه، والله تعالى أعلم.

الْمَالِكِيُّ أَبُو عَلِيٍّ بِبَغْدَادَ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْمٍ1، ثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أنس قال: قال رسول لله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وَخُلُقُ هَذَا الدِّينِ الْحَيَاءُ". [77] أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ، أنا أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ، أنا الإِسْمَاعِيلِيُّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَدَائِنِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ بِبَغْدَادَ، ثنا إِدْرِيسُ بْنُ يُونُسَ الْفَرَّاءُ الْحَرَّانِيُّ، ثنا مُؤَمِّل بْنُ الْفَضْلِ، ثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، ثنا مسَعِر، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ وثَّاب، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ رَاحَ إِلَى الْجُمُعَةِ فليغتسل".

_ 1 له ترجمة في تاريخ بغداد "20/ 310". قال الخطيب: وكان ثقة. [77] خ "1/ 280" "11" كتاب الجمعة - "2" باب فضل الغسل يوم الجمعة، وهل على الصبي شهود يوم الجمعة، أو على النساء؟ - من طريق عبد الله بن يوسف، عن مالك، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر به. ولفظه: "إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل". "رقم "877" - طرفاه في: 894-919". م "2/ 579" "7" كتاب الجمعة - من طريق قتيبة بن سعيد، عن ليث، عن ابن رمح، عن الليث عن ابن شهاب، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ به. رقم "2/ 844". مصنف ابن أبي شيبة "2/ 96" - من طريق غندر، عن شعبة، عن الحكم، عن نافع، عن ابن عمر بهذا اللفظ. وعن حكم غسل الجمعة قال البغوي "شرح السنة 2/ 162، 163": اختلف أهل العلم في وجوب غسل الجمعة مع اتفاقهم على أن الصلاة جائزة من غير الغُسْل، فذهب جماعة إلى وجوبه، يُروى ذلك عن أبي هريرة، وهو قول الحسن، وبه قال مالك، وذهب الأكثرون إلى أنه سُنَّة، وليس بواجب. وقوله في حديث آخر: "غسل يوم الجمعة واجب" أراد به وجوب الاختيار، ولا وجوب الحتم، كما يقول الرجل لصاحبه: حقك عليَّ واجب، ولا يريد به اللزوم الذي لا يسع تركه، والدليل عليه ما رُوي: أن عمر كان يخطب يوم الجمعة؛ إذ دخل عثمان بن عفان، فناداه عمر: أية ساعة هذه؟ فقال: يا أمير المؤمنين، انقلبت من السوق، فسمعتُ النداء، فما زدت على أن توضأت وأقبلت، فقال عمر: والوضوءَ أيضًا، وقد علمتَ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأمر بالغُسْل؟! ولو كان واجبًا، لانصرف عثمان حين نبَّهه عمر، ولصرفه عمر حين رآه لم ينصرف. وفي حديث ابن عمر دليلٌ على أن غسل يوم الجمعة على مَن يحضرها دون من لا يريد حضورها من النساء والصبيان والعبيد، قال ابن عمر: إنما الغسل على مَن تجب عليه الجمعة. قلت: ووقته حالة الرَّواح استحبابًا، فإن اغتسل بعد طلوع الفجر حُسِبَ، وقبله لا يُحسب.

[78] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، أَنْبَأَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ الْخَوَارِزْمِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيلِيُّ، ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُقَيْلٍ الْهِلالِيُّ الْمُكْتِب بَصْرِيٌّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الصَّفَّارُ، نا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ أَبِي الْمُسَاوِرِ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاقَة بْنِ قُطْبَةَ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عَرْفَجَةَ الأَشْجَعِيِّ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ: "وَزَنَ أصحابَنا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، فوُزن أَبُو بَكْرٍ فوَزَن، ثُمَّ وُزِنَ عُمَرُ فَوَزَنَ، ثُمَّ وُزِنَ عُثْمَانُ فخفَّ، وَهُوَ صَالِحٌ". [79] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، أنا أَحْمَدُ، ثنا أَحْمَدُ، ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ دِينَارٍ الْفَارِسِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ بِبَغْدَادَ، نا أَبُو طَالِبٍ الْهَرَوِيُّ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، ثنا عَاصِمٌ قَالَ: قَالَ زَرٌّ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَعَلَّكُمْ تُدْرِكُونَ قَوْمًا يُؤَخِّرُونَ الصَّلاةَ، فَإِنْ أَدْرَكْتُمُوهُمْ فَصَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ لِلْوَقْتِ الَّذِي تَعْرِفُونَهُ، وَصَلُّوا مَعَهُمْ، وَاجْعَلُوهَا عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَة" 1. هَذِهِ التَّرْجَمَةُ كُلُّهَا غَرَائِبُ حَسَّانٍ.

_ [78] مجمع البحرين "6/ 240" "31" كتاب المناقب - "9" مناقب أبي بكر - من طريق أحمد بن يحيى الحلواني، عن سعيد بن سليمان، عن عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ أَبِي الْمُسَاوِرِ به. رقم "3653". قال الطبراني: لا يُروى عن عرفجة إلا بهذا الإسناد، تفرد به عبد الأعلى. وفيه: "ثم وزن عثمان فوزن"، وكذلك في مجمع الزوائد. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ أَبِي الْمُسَاوِرِ، وهو متروك، وثقه ابن معين في رواية، وضعفه في روايات. "9/ 59". ومعنى "فوزن" أي: رجح في الميزان. [79] م "1/ 378، 379" "5" كتاب المساجد ومواضع الصلاة - "5" باب الندب إلى وضع الأيدي على الركب في الركوع، ونسخ التطبيق - من طريق محمد بن العلاء الهمذاني، أبي كريب، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود وعلقمة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ به في حديث طويل هذا جزء منه، وهو موقوف على عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- لكنه في حكم المرفوع. 1 معنى "سُبْحَة": نافلة.

قَوْمًا يُؤَخِّرُونَ الصَّلاةَ، فَإِنْ أَدْرَكْتُمُوهُمْ فَصَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ لِلْوَقْتِ الَّذِي تَعْرِفُونَهُ، وَصَلُّوا مَعَهُمْ، وَاجْعَلُوهَا عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَة"1. هَذِهِ التَّرْجَمَةُ كُلُّهَا غرائب حسان.

_ 1 معنى "سُبْحَة": نافلة. [80] ت "5/ 578" "49" كتاب الدعوات - "129" باب في العفو والعافية - من طريق أبي كريب، عن عبد الله بن نمير، عن سعدان القُبِّي، عن أبي مجاهد، عن أبي مُدِلَّة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، وسعدان القبي هو: سعدان بن بشر. وقد روى عنه عيسى بن يونس، وأبو عاصم، وغير واحد من كبار أهل الحديث، وأبو مجاهد هو سعد الطائي، وأبو مُدلة هو مولى أم المؤمنين عائشة؛ وإنما نعرفه بهذا الحديث. ويُروى عنه هذا الحديث أتم من هذا وأطول. رقم "3598". جه "1/ 557" "7" كتاب الصيام - "48" باب في "الصائم لا ترد دعوته" - من طريق علي بن محمد، عن وكيع، عن سعدان الجهني به، كما عند الترمذي. رقم "1752". ويريد الترمذي بقوله: "ويروى عنه -أي: أبو مدلة- هذا الحديث أتم من هذا وأطول" ما رواه أبو داود الطيالسي، عن زهير بن معاوية، عن سعد الطائي، قال: حدثني أبو المدلة مولى أم المؤمنين أنه سمع أبا هريرة يقول: قلنا: يا رسول الله، إذا كنا عندك رقت قلوبنا وكنا من أهل الآخرة، فإذا فارقناك وشممنا النساء والأولاد أعجبنا الدنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كنتم تكونون أو لو أنكم تكونون =

الشيخ الثامن عشر

[الشيخ الثامن عشر] : [80] أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّبَعِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْعَرَبِيِّ قِرَاءَةً فِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْ سَنَةِ تِسْعِينَ، ثنا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَخْلَدٍ الْبَزَّارُ قِرَاءَةً فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ تسع عشرة وأربعمائة، ثنا أَبُو مُحَمَّدٍ دَعْلَج بْنُ أَحْمَدَ بْنِ دَعْلَجٍ إِمْلاءً فِي رَبِيعٍ الأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ وثلاثين وثلثمائة، نا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ النَّضْرِ قَالا: ثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أنا وَكِيعٌ، عَنْ سَعْدَانَ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِي مُجَاهِدٍ الطَّائِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الإِمَامُ العادل لا ترد دعوته".

_ [80] ت "5/ 578" "49" كتاب الدعوات - "129" باب في العفو والعافية - من طريق أبي كريب، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ سعدان القُبِّي، عَنْ أَبِي مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مُدِلَّة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن، وسعدان القبي هو: سعدان بن بشر. وقد روى عنه عيسى بن يونس، وأبو عاصم، وغير واحد من كبار أهل الحديث، وأبو مجاهد هو سعد الطائي، وأبو مُدلة هو مولى أم المؤمنين عائشة؛ وإنما نعرفه بهذا الحديث. ويُروى عنه هذا الحديث أتم من هذا وأطول. رقم "3598". جه "1/ 557" "7" كتاب الصيام - "48" باب في "الصائم لا ترد دعوته" - من طريق علي بن محمد، عن وكيع، عن سعدان الجهني به، كما عند الترمذي. رقم "1752". ويريد الترمذي بقوله: "ويروى عنه -أي: أبو مدلة- هذا الحديث أتم من هذا وأطول" ما رواه أبو داود الطيالسي، عن زهير بن معاوية، عن سعد الطائي، قال: حدثني أبو المدلة مولى أم المؤمنين أنه سمع أبا هريرة يقول: قلنا: يا رسول الله، إذا كنا عندك رقت قلوبنا وكنا من أهل الآخرة، فإذا فارقناك وشممنا النساء والأولاد أعجبنا الدنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كنتم تكونون أو لو أنكم تكونون =

كَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَبُو مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ليس فيها أَبُو مُدِلَّة. [81] وَالصَّحِيحُ مَا أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، أنا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ مَخْلَدٍ، ثنا دَعْلَج، ثنا بشر بْنُ مُوسَى، ثنا ابْنُ الأَصْفَهَانِيِّ، أنا وَكِيعٌ "ح". وَأَخْبَرَنَا عَلِيٌّ، ثنا مُحَمَّدٌ، أنا دَعْلَجٌ، ثنا ابْنُ شِيرَوَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيُّ، ثنا إِسْحَاقُ -يَعْنِي ابْنَ رَاهَوَيْهِ- أنا وَكِيعٌ، عَنْ سَعْدَانَ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِي مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي مُدِلَّةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الإِمَامُ العادل لا تُرد دَعْوَتُهُ". حَدِيثٌ حَسَنٌ مَشْهُورٌ، وَسَعْدَانُ بْنُ بِشْرٍ الْجُهَنِيُّ الْكُوفِيُّ مَعْرُوفٌ بِرِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي مُجَاهِدٍ الطَّائِيِّ -وَاسْمُهُ سَعْدٌ- عَنْ أَبِي مُدِلَّةَ مَوْلَى عَائِشَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. [82] أَخْبَرَنَا الرَّبَعِيُّ، أنا ابْنُ مَخْلَدٍ، ثنا دَعْلَجٌ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ علي النيسابوري، ثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، أنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي التيَّاح قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَنْبَش: حَدِّثْنِي كَيْفَ صنع رسول الله حِينَ كَادَتْهُ الشَّيَاطِينُ، قَالَ: نَعَمْ، تَحَدَّرَت الشَّيَاطِينُ مِنَ الْجِبَالِ وَالأَوْدِيَةِ يُرِيدُونَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْهُمْ شَيْطَانٌ مَعَهُ شُعْلَةُ نَارٍ يُرِيدُ أَنْ يُحْرِقَ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا رَآهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَزِعَ منهم.

_ = إذا فارقتموني كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة بأكفها ولزارتكم في بيوتكم، ولو كنتم لا تذنبون لجاء الله عز وجل بقوم يذنبون كي يستغفروا فيغفر لهم"، قلنا: يا رسول الله، أخبرنا عن الجنة، ما بناؤها؟ قال: "لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت، وترابها الزعفران، من يدخلها ينعم لا يَبْؤُس، ويدخل لا يموت ولا يبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه". مسند أبي داود الطيالسي "ص337 - رقم 2583". [81] انظر تخريج الحديث السابق. [82] مسند أبي يعلى "12/ 237، 238" من طريق أبي سعيد القواريري، عن جعفر بن سليمان به. حم "3/ 419" - من طريق أبي سلمة سيار بن حاتم وعفان، قالا: حدثنا جعفر بن سليمان بهذا الإسناد. قال الهيثمي في مجمع الزوائد "10/ 127" كتاب الأذكار - باب ما يقول إذا أرق أو فزع، رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني، ورجال أحد إسنادي أحمد وأبي يعلى وبعض أسانيد الطبراني رجال الصحيح، وكذلك رجال الطبراني.

قَالَ: جَاءَهُ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ السَّلامُ- فقال: يا محمد، قال مَا أَقُولُ، قَالَ: قُلْ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لا يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ ولا فَاجِرٌ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ، وَمِنْ شَرِّ مَا نَزَلَ مِنَ السماء، وما شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا، وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمِنْ شر كل طارق إلا طارق يطرق بخير يا رحمان. قَالَ: فَطُفِئَتْ نَارُ الشَّيَاطِينِ، وَهَزَمَهُمُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. حَدِيثٌ حَسَنٌ. وأبو التياح يزيد بْن حميد الضُّبَعِي ثبت ثقة. وأبو سليمان جَعْفَر بْن سليمان البصري نزيل بني ضُبَيْعة غالب حديثه المراسيل والرقائق، روى عنه الأئمة والأعلام. ولا يعرف لعبد الرحمن بن خنبش عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- سوى هذا الحديث.

_ [83] م "4/ 1880" "44" كتاب فضائل الصحابة - "6" باب من فضائل طلحة والزبير رضي الله عنهما - من طريق قتيبة بن سعيد عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي به. رقم "50/ 2417". ت "5/ 624" "50" كتاب المناقب - "19" باب في مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه - من طريق قتيبة بن سعيد، عن عبد العزيز بن محمد "الدراوردي" به. قال أبو عيسى: وفي الباب عن عثمان وسعيد بن زيد وابن عباس وسهل بن سعد، وأنس بن مالك، وبريدة، وهذا حديث صحيح. وقد روى الترمذي بعد هذا حديث أنس: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- صَعِدَ أُحُدًا وأبو بكر وعمر وعثمان فرجف بهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اثبت أُحُد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان". وقال: هذا حديث حسن صحيح. وفي حديث أبي هريرة عند مسلم والترمذي أن الصخرة هي جبل حراء، والله تعالى أعلم.

الشيخ التاسع عشر

[الشيخ التاسع عشر] : [83] أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ الزَّكِيُّ أبو أحمد منصور بن بكر بن محمد بن حَيْد النيسابوري1 بِقِرَاءَةِ الْبَلْخِيِّ فِي مُحَرَّمٍ مِنْ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ، أنا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ الأَصْبَهَانِيُّ فِي يَوْمِ الاثْنَيْنِ ثَامِنِ رَجَبٍ سَنَةَ سِتٍّ وعشرين وأربعمائة، أَنْبَأَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ حَيَّانَ، الْمَعْرُوفُ بِأُبَي الشيخ الحافظ، ثنا بهلول بن إسحاق الأنباري، ثنا إبراهيم بن حمزة الزبيري، ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِي، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ عَلَى صَخْرَةٍ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَطَلْحَةُ، فَتَحَرَّكَتِ الصخرة، فقال رسولا لله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اهْدَأْ، فَمَا عَلَيْكَ إِلا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ". حَدِيثٌ صَحِيحٌ أخرجه مسلم من حَدِيثَ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ. [84] أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مَنْصُورٍ، أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الأَصْبَهَانِيِّ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ محَمْدِ بْنِ جَعْفَرٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ، ثنا أَبُو أَيُّوبَ الشَّاذَكُونِيُّ، ثنا السَّكَنُ بْنُ عَمْرٍو البُرْجُمِي، ثنا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي هِشَامٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ مِنْ نِعْمَةٍ، فَعَلِمَ أَنَّهَا مِنَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ شُكْرَهَا قَبْلَ أَنْ يَحْمَدَهُ عَلَيْهَا. ومن أذنب ذنبًا

_ 1 انظر ترجمة له في سير أعلام النبلاء "19/ 181". [84] الشكر لابن أبي الدنيا "ص87" "رقم 47" - من طريق الحسن بن الصباح البزار، عن محمد بن سليمان عن هشام بن زياد، عن أبي الزناد، عن القاسم بنحوه. ولفظه: "ما أنعم الله -عز وجل- على عبد نعمة يعلم أنها من عند اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلا كَتَبَ الله له شكرها، وما علم الله -عز وجل- من عبد ندامة على ذنب إلى غفر له قبل أن يستغفره، وإن الرجل ليشتري الثوب بالدينار فيلبسه، فيحمد الله -عز وجل- فما يبلغ ركبتيه حتى يُغفر له". قال محقق الكتاب ومخرجه: حديث ضعيف، في سنده هشام بن زياد بن أبي زياد، أبو المقدام، وهو متروك، كما قال الحافظ ابن حجر في "التقريب"، قال الذهبي في "ميزان الاعتدال": ضعفه أحمد وغيره، وقال النسائي: متروك، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الثقات، وقال أبو داود: كان غير ثقة، وقال البخاري: يتكلمون فيه. أقول: وقد جاء بمعناه مختصرًا من حديث أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- عند الطبراني في الكبير بلفظ: "مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ نعمة فحمد الله عليها، إلا كان ذلك الحمد أفضل من تلك النعمة". وله شاهد من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- عند ابن ماجه رقم "3085" في الأدب، باب فضل الحامدين، بلفظ: "ما أنعم الله =

فَعَلِمَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- مِنْ قلبه النَّدَامَةَ غَفَرَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ لَهُ. وَمَنْ كَسَاهُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- ثَوْبًا فَوَضَعَهُ عَلَى رَأْسِهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ، لَمْ يَبْلُغْ عُقَبَيْهِ حَتَّى يَغْفِرَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لَهُ". غَرِيبٌ عَالٍ. [85] أخبرنا منصور، أنا بَكْرُ بْنُ الْحَارِثِ الأَصْبَهَانِيُّ، ثنا أبو الشيخ

_ = على عبده نعمة فقال: الحمد لله، إلا كان الذي أعطاه أفضل مما أخذ"، ورواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم "358"، والخرائطي في "فضيلة الشكر" صفحة 45، وهو حديث صحيح بهذا القدر بطرقه وشواهده. والفقرة الثانية: "وما علم الله من عبد ندامة على ذنب إلا غفر له قبل أن يستغفره" رواه أيضًا الحاكم في "مستدركه" "4/ 253" وسنده ضعيف؛ ولكن له شاهد بالمعنى بلفظ: "الندم توبة" من حديث أنس وغيره، رواه أحمد "1/ 289"، والحاكم "4/ 243"، وابن ماجه. والفقرة الثالثة: "إن الرجل ليشتري الثوب بالدينار فيلبسه فيحمد الله -عز وجل- فما يبلغ ركبتيه حتى يغفر له" رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" رقم "15" من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وإسناده ضعيف. [85] رواه ابن الجوزي، عن محمد بن عمر الأرموي، قال: أنا عبد الصمد بن المأمون قال: نا علي بن عمر الدارقطني، قال: نا أحمد بن إسحاق بن إبراهيم الملحمي، قال: نا الوليد بن العباس بن مسافر الخولاني، قال: نا أبو صالح عبد الله بن صالح، قال: حدثني خالد بن حميد، عن سعيد بن أبي عروبة، عن سعيد بن جبير، عن أبي هريرة أنه سأله، فقال: من أين جئت؟ فقال: من الإسكندرية، قال: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن للمقيم بها -يعني الإسكندرية- ثلاثة أيام من غير رياء، كمن عبد الله -عز وجل- سبعين ألف سنة ما بين الروم والعرب". وقال الدارقطني: هذا منكر بهذا الإسناد، لم نكتبه إلا عن هذا الشيخ. وقال المؤلف: قلت: والوليد قد ضعفه الدارقطني، وأبو صالح قال فيه أحمد بن حنبل: ليس بشيء "العلل المتناهية 1/ 305، 306". قال الذهبي في تلخيص الواهيات: هذا باطل. وقال الحافظ ابن القيم في المنار "ص117": وكل حديث في مدح بغداد أو ذمها، والبصرة، والكوفة، ومرو، وعسقلان، والإسكندرية، ونصيبين، وأنطاكية -فهوكذب. هامش العلل المتناهية ص1/ 306، وانظر تنزيه الشريعة "2/ 57". وأضاف ابن عراق: وقال الحافظ ابن حجر: أخرجه أبو الشيخ، ورجاله مشهورون بالثقة إلا الوزير بن محمد وإبراهيم بن حرب وجابر الجعفي، ولا أعرف الوزير بن محمد، ولا أظن الآفة إلا منه. انتهى والله أعلم. "تنزيه الشريعة 2/ 57".

الْحَافِظُ، ثنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ محمد بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الغزَّال1 إِمْلاءً، أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عِيسَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْعَصَّارُ بِدِمِشْقَ، ثنا الْوَزِيرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَرْبٍ، خَتَنُ آدَمَ، ثنا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، أَبُو عُمَرَ الصَّنْعَانِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "أَلا إِنَّ الْمُقِيمَ بِالإِسْكَنْدَرِيَّةِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ غَيْرِ رِيَاءٍ بِمَنْزِلَةِ مَنْ عَبَدَ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- بَيْنَ الرُّومِ وَالْعَرَبِ سِتِّينَ أَلْفَ سَنَةٍ". حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَإِسْنَادٌ عَجِيبٌ. [86] أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، أنا أَحْمَدُ، ثنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ محمد بن جعفر2

_ 1 له ترجمة في سير أعلام النبلاء "16/ 217". قال الذهبي: الإمام الحافظ المقرئ، شيخ القراء وصاحب التصانيف، توفي سنة "369". 2 له ترجمة في سير أعلام النبلاء "16/ 276"، ولد سنة "274هـ"، وتوفي سنة "369هـ". [86] قال العجلوني في كشف الخفاء "1/ 386" رقم "1036": البزار والطبراني وأبو نعيم عن أنس بسند ضعيف، ورواه الطبراني في الأوسط عن ابن عمر بلفظ: "ثلاث مهلكات، وثلاث منجيات، وثلاث كفارات، وثلاث درجات: فأما المهلكات: فشح مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمُرْءِ بنفسه. وأما المنجيات: فالعدل في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وخشية الله في السر والعلانية. وأما الكفارات: فانتظار الصلاة بعد الصلاة، وإسباغ الوضوء في السَبَرات، ونقل الأقدام إلى الجماعات. وأما الدرجات: فإطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام". وقال العراقي في تخريج الإحياء: رواه الطبراني في الأوسط والبزار وأبو الشيخ في التوبيخ والبيهقي والخطيب في المتفق والمفترق وأبو نعيم في الحلية من حديث أنس بزيادة "من الخيلاء"، ورواه الطبراني في الأوسط أيضًا من حديث ابن عمر، ورواه البزار من حديث أنس بلفظ: "وإعجاب المرء برأيه"، وقد تقدم ذلك مرارًا في كتاب ذم البخل أول ما ذكره المصنف في كتاب العلم. "تخريج أحاديث الإحياء 5/ 2052 - رقم 3245" وقد فصَّل الألباني في تخريج الأحاديث التي رويت عن أبي هريرة وابن عباس وغيره فقال: روى عن أنس بن مالك، وعبد الله بن عباس، وأبي هريرة، وعبد الله بن أبي أوفى، وعبد الله بن عمر. 1- أما حديث أنس، فله عنه طرق: الأولى: عن أيوب بن عتبة قال: ثنا الفضل بن بكر العبدي عن قتادة عنه. =

ابن حَيَّانَ، ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ، ثنا الْزُبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، ثنا سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَخِيهِ، عن

_ = أخرجه البزار "رقم 80" والعقيلي "ص352" وابو بكر الدينوري في "المجالسة وجواهر العلم" "7/ 145/ 1" والسياق له، وأبو مسلم الكاتب في "الأمالي" "261/ 1" وأبو نعيم في "الحلية" "2/ 343"، والهروي في "ذم الكلام" "145/ 1"، والقضاعي "25/ 2"، وقال البزار: "لم يروه إلا الفضل عن قتادة، ولا عنه إلا أيوب بن عتبة". كذا قال، وقد وجدت لهما متابعًا، أخرجه أبو الشيخ في "طبقات الأصبهانيين" عن عكرمة بن إبراهيم عن هشام عن يحيى عن قتادة به. قلت: والطريقان إلى قتادة ضعيفان، فإن عكرمة بن إبراهيم وأيوب بن عتبة ضعيفان. والفضل بن بكر العبدي قال الذهبي: "لا يعرف". وقد أشار العقيلي إلى ما ذكرنا من التضعيف، فقال عقبة: "وقد رُوي عن أنس من غير هذا الوجه، وعن غير أنس بأسانيد فيها لين". الثانية: عن زائدة بن أبي الرقادة عن زياد النمري عن أنس مرفوعًا بلفظ: "ثلاث كفارات، وثلاث درجات، وثلاث منجيات، وثلاث مهلكات: فأما الكفارات: فإسباغ الوضوء في السبرات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، نقل الأقدام إلى الجماعات. وأما الدرجات: فإطعام الطعام، وإفشاء السلام، والصلاة بالليل والناس نيام. وأما المنجيات ... " الحديث مثل حديث الترجمة. وأخرجه البزار "رقم 80"، وابن شاهين في "الترغيب والترهيب" "264/ 2"، والهروي. وزياد وزائدة كلاهما ضعيف. الثالثة: عن حميد بن الحكم أبي حصين قال: جاء رجل إلى الحسن -وأنا جالس- فقال: يا أبا سعيد، ما سمعت أنسًا يقول؟ فقال الحسن: حدثنا أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال، فذكره بنحو لفظ الترجمة. أخرجه الولابي في "الكنى" "1/ 151"، والطبراني في "الأوسط" "5584"، والضياء في "المنتقى من مسموعاته بمرو" "37/ 1". قلت: وحميد هذا قال ابن حبان: "منكر الحديث جدًّا". الرابعة: عن نعيم بن سالم عنه. =

أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

_ = أخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" "1/ 143". قلت: ونعيم هذا كذا وقع في النسخة، والصواب "يغْنم" بياء مثناة من تحت ثم غين معجمة ثم نون، وهو متهم بالوضع، فلا يستشهد به. 2- وأما حديث ابن عباس، فله عنه طريقان: الأولى: عن محمد بن عون الخراساني عن محمد بن زيد عن سعيد بن جبير عنه بالمهلكات فقط. أخرجه البزار "رقم 82". ومحمد بن عون متروك كما في "التقريب". والأخرى: عن عيسى بن ميمون، ثنا محمد بن كعب: سمعت ابن عباس بالمهلكات فقط. أخرجه أبو نعيم في "الحلية" "3/ 219" والهروي. وعيسى بن ميمون الظاهر أنه المدني مولى القاسم، وهو ضعيف. 3- وأما حديث أبي هريرة، فله عنه طريقان أيضًا: الأولى: بكر بن سُليم الصواف عن أبي حازم عن الأعرج عنه بنحو حديث الترجمة. أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" "2/ 382/ 1". قلت: والصواف هذا ذكره ابن حبان في "الثقات". وقال أبو حاتم: "شيخ يكتب حديثه". قلت: فمثله يستشهد به. والله أعلم. والأخرى: عن عبد الله بن سعيد عن أبيه عنه. أخرجه الهروي وأبو موسى المديني في "اللطائف" "83/ 1". وعبد الله هذا متروك. 4- وأما حديث ابن أبي أوفى، فيرويه محمد بن عون عن يحيى بن عقيل عنه. أخرجه البزار "رقم 83". وابن عون متروك كما تقدم. 5- وأما حديث ابن عمر، فقال الهيثمي في "المجتمع" "1/ 91": "رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه ابن لهيعة ومن لا يعرف". قلت: ولفظه نحو لفظ حديث ابن أبي الرقاد المتقدم، وهو عنده "برقم 5884 ترقيمي" من طريق محفوظ بن يحيى الأنطاكي قال: نا الوليد بن عبد الواحد التميمي عن ابن لهيعة عن عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عمر. وقال: =

"إِنَّمَا الْمُهْلِكَاتُ: شحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى متَّبع، وَإِعْجَابُ الْمُرْءِ بِنَفْسِهِ". [87] وَأَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، أنا أَحْمَدُ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي حَسَّانٍ الأَنْمَاطِيُّ1، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دُحَيْمٍ، ثنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: [88] وَأَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ، أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ الْحَافِظُ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رُسْتَهْ، ثنا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، ثنا عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلاثٌ مُهْلِكَاتٌ: شُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وعُجْب كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ". غَرِيبٌ مِنَ الإِسْنَادَيْنِ.

_ = لا يروى عن ابن عمر إلا بهذا الإسناد. قلت: وهو ضعيف لحال ابن لهيعة، وجهالة من دونه. وبالجملة فالحديث بمجموع هذه الطرق حسن على أقل الدرجات إن شاء الله تعالى، وبه جزم المنذري؛ فقد قال في "الترغيب" عقب حديث أنس برواية ابن أبي الرقاد "1/ 162": "رواه البزار والبيهقي وغيرهما، وهو مروي عن جماعة من الصحابة، وأسانيده وإن كان لا يسلم شيء منها من مقال، فهو بمجموعها حسن إن شاء الله تعالى". سلسلة الأحاديث الصحيحة "4/ 412-416، رقم 1802". [87] انظر التعليق على الحديث السابق. 1 له ترجمة في تاريخ بغداد "6/ 384". قال الخطيب: مات سنة "302". وقال الدراقطني: ثقة. [88] انظر التعليق على الحديث رقم "86".

الشيخ العشرون

[الشيخ العشرون] : [89] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ ظَرِيفُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ ابن أَحْمَدَ بْنِ شَاذَانَ الْحِيرِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ الْمُقْرِئُ1، قَدِمَ حَاجًّا بِقِرَاءَةِ عَمُوسَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ ثَلاثٍ وَتِسْعِينَ، أنا الشَّيْخُ الْحَافِظُ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ بِانْتِقَاءِ أَبِي صَالِحٍ المؤذِّن، ثنا أَبُو عَامِرٍ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّاهِدُ، أنا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُقْرِئِ بِأَصْبَهَانَ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ الْقَوَارِيرِيُّ، ثنا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا سَلَّمَ قَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَسْرَفْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ المؤخِّر، لا إله إلا أنت".

_ [89] م "1/ 534-536" "6" كتاب صلاة المسافرين وقصرها - "26" باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه - من طريق محمد بن أبي بكر المقدمي، عن يوسف الماجشون، عن أبيه، عن عبد الرحمن الأعرج به، وفيه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- كان إذا قام إلى الصلاة قال: "وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعًا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك". وإذا ركع قال: "اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري، ومخي وعظمي وعصبي". وإذا رفع قال: "اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد". وإذا سجد قال: "اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوَّره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين". ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت". رقم "201/ 771". ومن طريق عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، عن عمه الماجشون بن أبي سلمة، عن الأعرج به. وفيه: قال: وإذا سلم، قال: "اللهم اغفر لي ما قدمت ... " إلى آخر الحديث، ولم يقل: بين التشهد والتسليم. مسند أبي يعلى "1/ 434" رقم "315/ 575" بسند شهدة؛ إذ قد روته عن أبي يعلى، ومتنه بالطول الذي عند مسلم في روايته الثانية؛ أي: هذا القول بعد التسليم، والله أعلم. 1 له ترجمة في شذرات الذهب "4/ 55". قال ابن العماد: وكان ثقة من أولاد المحدثين. توفي سنة "517" وله ثمان وثمانون سنة.

صَحِيحٌ مِنْ حَدِيثِ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ الْمَاجِشُونِ، عَنْ أَبِيهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنِ المقدَّمي عَنْهُ. [90] أَخْبَرَنَا ظريف، أَنَا الشَّيْخ الزَكِّي أبو عَبْد الرَّحْمَن عَمْرو بْن مُحَمَّد بْن أَحْمَد البَخْتَرِى رحمه اللَّه، أَنَا أبو إِسْحَاق إبراهيم بْن مُحَمَّد المحفوظي، أَنَا أَحْمَد بْن حمدون، ثنا مُحَمَّد بْن يحيي الذُّهْلِي وأَبُو زُرْعَة ومُحَمَّد بْن مُسْلِم ويعقوب بْن سُفْيَان وعباس بن محمد الصَّغاني كلهم قَالُوا: حَدّثَنِي عارم، ثنا حَمَّاد بْن زيد، عَن أبان بْن تغلب، عَن الأعمش، عَن أَبِي عَمْرو الشَّيْباني، عَن أَبِي مَسْعُود قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مِنْ دل عَلِيّ خير كَانَ لَهُ كأجر فاعله". أَخْرَجَهُ مُسْلِم من حديث الأعمش، عَن أَبِي عَمْرو سعد بْن إياس الشَّيْباني، عَن أَبِي مَسْعُود عقبة بْن عَمْرو الْأَنْصَارِيّ. ورواية أبان بْن تغلب، عَن الأعمش تدخل فِي رواية الأقران؛ فإن الأعمش قد روي عَنْهُ. [91] أَخْبَرَنَا ظَرِيفٌ قِرَاءَةً، أنا الشَّيْخُ أَبُو صَالِحٍ مَنْصُورُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الصُّوفِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حمدان، ثنا أبو العباس الحسن بْنُ سُفْيَانَ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا حَفْصٌ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنَ جُدْعَان كان في الجاهلة يَصِلُ الرَّحِمَ وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، أَنَافِعُهُ ذَلِكَ؟ قَالَ: "لا يَنْفَعُهُ؛ إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أبي شيبة كذلك.

_ [90] م "3/ 1506" "33" كتاب الإمارة - "38" باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله بمركوب وغيره، وخلافته في أهله بخير - من طريق أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وأبي كريب وابن أبي عمر، عن أبي معاوية، عن الأعمش به. رقم "133/ 1893". [91] م "1/ 196" "1" كتاب الإيمان - "92" باب الدليل على أن من مات على الكفر لا ينفعه عمله - من طريق أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ به.

الشيخ الحادي والعشرون

[الشيخ الحادي والعشرون] : [92] أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أبو سعد بن مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ خُشَيْش بِقِرَاءَةِ الشَّيْخِ أَبِي نَصْرٍ الأَصْبَهَانِيِّ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ، أنا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَاذَانَ قِرَاءَةً مِنْ أَصْلِهِ. قَالَ لَهُ ابْنُ مَخْلَدٍ: أَخْبَرَكُمْ أبو محمد مَيْمُونِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِيسَى مَوْلَى مُحَمَّدٍ بن الْحَنَفِيَّةِ الْبَصْرِيُّ فِي قَطِيعَةِ الرَّبِيعِ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْمَقْطُوعَةِ بِالْقُرْبِ مِنَ خَنْدَقِ الْكَرِيبِ يَوْمَ الأَرْبَعَاءِ لِسِتٍّ خَلَوْنَ مِنْ جُمادى الآخِرَةِ سَنَةَ أربع

_ [92] خ "1/ 440، 441" "24" كتاب الزكاة - "17" باب من أمر خادمه بالصدقة ولم يناول بنفسه - من طريق عثمان بن أبي شيبة، عن جرير، عن منصور، عن شقيق به، وفيه: "إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت، ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك، لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئًا". "رقم 1425 - أطرافه في: 1437، 1439، 1440، 1441، 2065". م "2/ 710" "12" كتاب الزكاة - "25" باب ثبوت أجر المتصدق، وإن وقعت الصدقة في يد غير أهلها - من طريق يحيى بن يحيى، وزهير بن حرب، وإسحاق بن إبراهيم، عن جرير، عن منصور به. رقم "80/ 1024". ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي معاوية، عن الأعمش به. رقم "81/ 4". هذا الحديث الذي معنا عام غير مقيد بإذن الزوج أو غيره، وقد ورد من الأحاديث الصحيحة قوله صلى الله عليه وسلم: "وما أنفقت -أي: الزوجة- من غير أمره فلها نصف أجره". على أنه قد ورد من الأحاديث ما ظاهره التعارض بينه وبين هذين الحديثين. ومن ذلك ما رواه أبو داود بسنده عن سعد بن أبي وقاص قال: لما بايع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- النساء قامت امرأة جليلة كأنها من نساء مضر، فقالت: يا نبي الله، إنا كَلٌّ على آبائنا وأبنائنا -قال أبو داود: وأرى فيه: وأزواجنا- فما يحل لنا من أموالهم؟ فقال: "الرطب تأكلنه وتهدينه". وأخرج الترمذي وابن ماجه عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في خطبة الوداع يقول: "لا تنفق امرأة شيئًا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها"، قيل: يا رسول الله، ولا الطعام؟ قال: "ذاك أفضل أموالنا". إذا كان ظاهر هذين الحديثين التعارض مع حديثنا؛ فإنه يمكن الجمع بأن المراد بالحديث الذي معنا ما يتسارع إليه الفساد من الطعام، أما غيره فلا يكون الإنفاق منه إلا بإذن الزوج. وقد ذكر الحافظ العراقي كلامًا طيبًا في الجمع بين الأحاديث المختلفة التي وردت في هذا =

وأربعين وثلثمائة، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفسدة كَانَ لَهَا أَجْرُهُ، وَللِزَّوْجِ مِثْلُ ذَلِكَ فِي اكْتِسَابِهِ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الأَعْمَشِ وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ كَذَلِكَ. [93] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، أنا أَبُو عَلِيِّ بْنُ شَاذَانَ، أنا مَيْمُونُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ، ثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إليَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبِي كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَة. [94] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ، أنا الْحَسَنُ، أنا مَيْمُونُ بْنُ إِسْحَاقَ، ثنا أَبُو عَبْدِ الله

_ = الموضوع، قال: وكيفية الجمع بينها أن ذلك يختلف باختلاف عادات البلاد، وباختلاف حال الزوج في مسامحته بذلك، وكراهته له، وباختلاف الحال في الشيء المنفَق بين أن يكون شيئًا يسيرًا يتسامح به، وبين أن يكون له خطر في النفس يبخل بمثله، وبين أن يكون رطبًا يخشى فساده إن تأخر، وبين أن يكون يدخر ولا يخشى عليه. واستشهد بقول الخطابي عقب حديث عائشة "إذ أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غير مُفسدة": هذا الكلام خارج على عادة الناس بالحجاز، وبغيرها من البلدان، في أن رب المال قد يأذن لأهله ولعياله، وللخادم في الإنفاق بما يكون في البيت من طعام وإدام ونحوه، ويطلق أمرهم في الصدقة منه، إذا حضرهم السائل، ونزل بهم الضيف، فحضَّهم رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- على لزوم هذه العادة، واستدامة ذلك الصنيع، ووعدهم بالأجر والثواب عليه ... وليس ذلك بأن تفتات المرأة أو الخازن على رب البيت بشيء لم يؤذن لهما فيه، ولم يطلق لهما الإنفاق منه؛ بل يُخاف أن يكونا آثمين إن فعلا "صحيفة همام ص332، 333". [93] م "4/ 2072" "8" كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار - "10" باب فضل التهليل والتسبيح والدعاء - من طريق أبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب عن أبي معاوية به. [94] خ "2/ 304" "56" كتاب الجهاد والسير - "5" باب الغدوة والروحة في سبيل =

أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ الْبَاهِلِيُّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ الْحِزَامِيِّ، عَنِ ابْنِ مِينَا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لغَدْوَة فِي سَبِيلِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- أَوْ رَوْحَة خَيْرٌ مِنَ الدَّنْيَا وَمَا فِيهَا". حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ مِينَا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ رِوَايَةِ سَلِيمِ بْنِ حَيَّانَ عَنْهُ. [95] أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ، أنا أَبُو عَلِيٍّ، أنا أَبُو مُحَمَّدٍ، أنا أبو علي الحسن بن

_ = الله، وقاب قوس أحدكم في الجنة - من طريق إبراهيم بن المنذر، عن محمد بن فليح، عن أبيه، عن هلال بن علي، عن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن أبي هريرة، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- قال: "لقاب قوس في الجنة خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب". وقال: "لغدوة أو روحة في سبيل الله خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب". ومن طريق مُعلَّى بن أسد، عن وهيب، عن حميد، عن أنس، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها". ومن طريق قبيصة، عن سفيان، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الروحة والغدوة في سبيل الله أفضل من الدنيا وما فيها". م "3/ 1499، 1500" "33" كتاب الإمارة - "30" باب فضل الغدوة والروحة - من طريق عبد الله بن مسلمة بن قعنب، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس به كما عند "خ". ومن طريق يحيى بن يحيى، عن عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه، عن سهل بن سعد نحوه. ومن طريق ابن أبي عمر، عن مروان بن معاوية، عن يحيى بن سعيد، عن ذكوان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولروحة في سبيل الله أو غدوة خير من الدنيا وما فيها". ومن طريق ابن أبي شيبة وغيره، عن عبد الله بن يزيد، عن سعيد بن أبي أيوب، عن شرحبيل بن شريك المعافري، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن أبي أيوب بنحوه. والغدوة: السير أول النهار إلى الزوال، والروحة: السير من الزوال إلى آخر النهار، و"أو" هنا للتقسيم لا للشك، ومعناه أن الروحة يحصل بها هذا الثواب، وكذا الغدوة، والظاهر أنه لا يختص ذلك بالغدو والرواح من بلدته؛ بل يحصل هذا الثواب بكل غدوة أو روحة في طريقه إلى الغزو. وكذلك غدوة أو روحة في موضع القتال؛ لأن الجميع يسمى غدوة أو روحة في سبيل الله عز وجل. [95] م "1/ 347" "4" كتاب الصلاة - "40" باب ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع - من طريق أبي بكر بن أبي شيبة، عن هشيم بن بشير، عن هشام بن حسان، عن قيس بن سعد به. =

الفضل بين السَّمْحِ فِي رَبِيعٍ الآخَرِ مِنْ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، ثنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، ثنا يَزِيدُ بن إبراهيم، ثنا قيس بن سعد، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَالَ: "سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ"، نَقُولُ: رَبَّنَا لَكَ الحمد، ملء السماوات وملء الأرض وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِتَمَامِهِ مِنْ حديث قيس بن سعد.

_ = ولفظه: "اللهم ربنا لك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض وما بينهما، وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بعد، أهل الثناء والمجد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد". كما رُوي عن ابن أبي أوفَى في هذا الباب: "اللهم لك الحمد، ملء السماوات، وملء الأرض، وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بعد، اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد، اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الوسخ". وفي رواية: "كما ينقى الثوب الأبيض من الدرن". كما رُوي عن أبي سعيد الخدري في هذا الباب: "ربنا لك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض وما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد".

الشيخ الثاني والعشرون

[الشيخ الثاني والعشرون] : [96] أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْفَرَجِ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَزْوِينِيُّ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ، أَخْبَرَنَا بِقِرَاءَةِ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بن عطاف

_ = ولفظه: "اللهم ربنا لك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض وما بينهما، وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بعد، أهل الثناء والمجد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد". كما رُوي عن ابن أبي أوفَى في هذا الباب: "اللهم لك الحمد، ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، اللهم طهرني بالثلج والبرد والماء البارد، اللهم طهرني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الوسخ". وفي رواية: "كما ينقى الثوب الأبيض من الدرن". كما رُوي عن أبي سعيد الخدري في هذا الباب: "ربنا لك الحمد، ملء السماوات وملء الأرض وما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد". [96] هذا الحديث وخمسة أحاديث بعده هي من نسخة جعفر بن نسطور الرومي، وقد بيَّن العلماء أنها نسخة موضوعة، قال الذهبي: الإسناد إليه ظلمات، والمتون باطلة، وهو دجال أو لا وجود له. وقال ابن حجر: أحد الكذابين الذين ادعوا الصحبة بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- بمائتين من السنين قرأته بخط مغلطاي مستدركًا على ابن الأثير، وكذا استدركه ابن الدباغ على ابن عبد البر، وكذا استدركه الذهبي في التجريد؛ لكن قال: الإسناد إليه ظلمات ... إلخ. رؤي بناحية فاراب من أرض الترك في سنة 350هـ. قال: لم تطب نفسي بإخراجه في القسم الأول، وقد وقعت لنا نسخة من طريق منصور بن الحكم الزاهر الفرغاني عنه، فمنها: حدثني جعفر بن نسطور الرومي قال: كنت مع النبي في غزوة تبوك فسقط السوط من يده، فنزلت عن جوادي وأخذته فدفعته إليه فقال: مد الله في عمرك مدًّا فعشت بعدها ثلاثمائة وعشرين سنة. =

وَاسْتِجَازَةٍ لِي وَكَتَبَ خَطَّهُ بِالإِجَازَةِ وَسَأَلَهُ عَنْ مَوْلِدِهِ فَقَالَ: فِي سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة بِآمُلَ طَبَرِسْتَانَ، ثنا أَبُو عَلِيٍّ إبراهيم بن محمد الهاني، أنا أَبُو الْقَاسِمِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَحْمَدَ النَّجْمِيُّ الْبِيوَرْدِيُّ، أنا أَبُو القاسم منصور بن الحكيم الأشغارياني قرية من قرى فرغانة مرغينان فِي مَسْجِدِ الْجَامِعِ قَالَ: سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ نُسْطُورٍ الرُّومِيُّ صَاحِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِفَارَابِ ستكند حِينَ بَقَلَ وَجْهِي قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَرْبِ تَبُوكَ آخِرِ غَزَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسقط منه سوطه فرفعته وناولته إِيَّاهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مدَّ اللَّهُ فِي عُمْرِكَ مَدًّا". قَالَ الْمُقْرِي: وحكى لَنَا الْفَقِيهُ أَبُو الْقَاسِمِ، عَنْ جَعْفَرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طُولُ قَوْلِهِ مدًّا، وعاش ثلثمائة وَأَرْبَعِينَ سَنَةً. وَقَالَ الْمُقْرِي: سَأَلْتُ مَنْصُورَ بْنَ الْحَكِيمِ عَنْ سِنِّهِ قَالَ: أَتَتْ عَلَى زِيَادَةِ مِائَةِ سَنَةٍ، وَكَانَ مَعَهُ رُفَقَاؤُهُ فَقَالُوا: سَمِعْنَا أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمِائَةِ قريبة على الْعِشْرِينَ. [97] وَبِالإِسْنَادِ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَذَا الدُّعَاءَ، كَمَا عَلَّمَنِي سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ: "نَبِّهْنِي إِلَهِي لِلْخَطَرِ الْعَظِيمِ، وآمِنِّي من عذابك الأليم".

_ = ثم ساق ابن حجر له بعض الأحاديث، وذكر أن نسخة تروى عنه عدد أحاديثها أحد عشر حديثًا. ونقل ابن حجر عن السلفي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بن خلف القروي، عن علي بن حسين بن إسماعيل الكاشغري، عن أبي داود سليمان بن نوح بن محمد المارغناني، عن منصور بن حكم الفقيه، فذكر النسخة. قال ابن حجر: وسمعت من حديثه أيضًا في آخر مشيخة شهدة بنت الإبري. وهو هذا الكتاب الذي بين أيدينا. وأعاد ابن حجر الكلام عليه في حرف النون، في نسطور، باعتبار أن الصحبة لنسطور وليست لابنه، فقال: أحد الكذابين زعم أنه عاش بعد النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكثر من ثلاثمائة سنة. "الإصابة 1/ 551، 552، 6/ 507". وانظر: "الوضع في الحديث ومصادره 3/ 16، 17، 26، 27". وقد أوردت شهدة هذه الأحاديث؛ لأنها من أوائل ما أجيز لها، وعمرها خمس سنوات. [97] انظر التعليق على الحديث السابق.

[98] وَبِالإِسْنَادِ قَالَ: كُنَّا قِيَامًا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَسْأَلُ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ اليُّمْنَى، ثُمَّ الْيُسْرَى، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا نَرَى أَحَدًا، إِلَى مَنْ تُشِيرُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَانَ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ بَيْنَ يَدَيَّ، فَأَشَرْتُ إِلَى جِبْرِيلَ، فَقَالَ: إِلَى مِيكَائِيلَ؛ فَإِنَّهُ أَكْبَرُ مِنِّي". [99] وَبِهِ قَالَ: كُنَّا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَأْكُلُ الطَّعَامَ، فَسَقَطَ مِنْ مَائِدَتِهِ شَيْءٌ فَرَفَعَ وَأَكَلَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ يَأْكُلُ مَا سَقَطَ مِنَ الْمَائِدَةِ أَوِ الْقَصْعَةِ رُفع عَنْهُ الْجُنُونُ وَالْجُذَامُ وَالْبَرَصُ وَالْحُمْقُ، وَعَنْ أَوْلادِهِ تَغَيُّرُ اللَّوْنِ وَالْجُنُونُ وَالْجُذَامُ". [100] وَبِهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مِنْ مَشَى إِلَى الْخَيْرِ حَافِيًا فَكَأَنَّمَا مَشَى إِلَى أَرْضِ الْجَنَّةِ تَسْتَغْفِرُ لَهُ الْمَلائِكَةُ، وَتُسَبِّحُ لَهُ أَعْضَاؤُهُ، فَإِنْ حَدَثَ لَهُ فِي ذَلِكَ حَدَثٌ كَانَ لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ". [101] وَبِهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مِنْ أَكْثَرَ مِنَ الاسْتِغْفَارِ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ". آخِرُ الأَحَادِيثِ بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَنَحْنُ بَرَاءٌ مِنْ عُهدته، أَثْبَتْنَاهَا تَبَرُّكًا وَتَيَمُّنًا بِحُسْنِ الْقَصْدِ وَالنِّيَّةِ مِنْ خَطِّ مُحَمَّدِ بْنِ عَطَّافٍ وَاسْتِجَازَتِهِ لَنَا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَلَّغَ بِنَا لأَدَاءِ حَدِيثِ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم- صحيحه وغريبه.

_ [98] انظر تخريج الحديث رقم 96. [99] انظر تخريج الحديث رقم 96. [100] انظر تخريج الحديث رقم 96. [101] انظر تخريج الحديث رقم 96.

الشيخ الثالث والعشرون

[الشيخ الثالث والعشرون] : [102] أخبرنا الشيخ الصالح وَالِدِي أبو نصر أَحْمَد بْن الفرج بْن عُمَر الدينوري1 -رحمه اللَّه- بقراءة البونارتي في الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة تسعين وأربعمائة، وكل ذلك ببركاته ودعائه لي، أنا القاضي الإمام أبو يعلى مُحَمَّد بْن الحسين بْن الفرَّاء2 قراءة في سنة خمسين وأربعمائة، أنا أبو القاسم بْن سويد قراءة، أنا أبو علي الحسين بن القاسم بن جعفر الكوكبي سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة، حدثني أبو جَعْفَر أَحْمَد بْن وهب، ثنا علي بْن الحسن الحماني، عن أبيه قَالَ: قيل لجعفر بْن مُحَمَّد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ما الدليل على حدوث الأشياء؟ -وصبي لجعفر يقلب بيضة- فقال له: نجتزئ في هذه المسألة بأيسر الأجوبة، ثم تناول البيضة فقال: هذا حصن ملموم، ثم دون غدقي دقيق المتستشف، فيه مخطة سائلة، ودهنة مائعة تنشق عن مثل الطاوس، أفليس هذا قد دل على أن له صانعا مدبرا وخالقا مقدرا؟ [103] أَخْبَرَنَا أبي -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أنا القاضي مُحَمَّد بْن الحسين الإمام، نا إسماعيل ثنا الحسين بْن القاسم، ثنا الغبري قَالَ: قَالَ أبو سعيد الأشج، قَالَ أبو بكر بْن عياش: قدم هارون الرشيد الكوفة، فأرسل إلَيَّ: حدث المأمون، فحدثته نيفا وأربعين حديثا، فقال لي رجل معه: يا أبا بكر، تريد أن

_ [102] ذكر نحو هذا الكليني الرازي في الكافي، الجزء الأول من الأصول ص"78" من كتاب التوحيد. 1 ترجم له السمعاني في الأنساب "1/ 118" قال: كان من مشاهير بغداد ومحدثيها، رُوي عن أبي يعلى مُحَمَّد بْن الحسين بْن الفراء، وأبي الحسين بن المهتدي بالله، وأبي الغنائم بن المأمون الهاشميين، وأبي بكر أحمد بن ثابت الخطيب، روى لي عنه أبو طاهر السنجي، وعبد الله بن أحمد الحلواني، وسمع منه والدي أجزاء من تاريخ الخطيب، وتوفي سنة "506". 2 انظر ترجمته الضافية في طبقات الحنابلة "2/ 193-230"، ولد سنة "385"، وتوفي سنة "458". [103] تذهيب الكمال "3/ 111".

أعيد عليك ما حَدَّثْتَ. قلت: نعم. فأعادها كلها ما أسقط حرفا. فقلت: من أنت؟ فقال المأمون: هذا إسماعيل بْن صُبيح1. فقلت: القوم كانوا أعلم بك حين وضعوك هذا الموضع. [104] أخبرني أبي -رحمه اللَّه- أنا القاضي أبو يعلي، أنا إسماعيل، أنا الحسين بْن القاسم، حدثني ابن عجلان ابن أخي الأصمعي، عن عمه2 قَالَ: قَالَ أبو عمرو بْن العلاء: رأيت امرأة تطوف بالبيت، بديعة الحسن، وكان ذلك ليلا، وهي تقول: يا رب، أما لك عذاب إلا النار؟ فقلت: يا هذه، ولو كان، ما كنت فاعلة؟ قالت: إذن والله لقضينا أوطارًا.

_ 1 إسماعيل بن صبيح اليشكري من رجال ابن ماجه، وذكره ابن حبان في الثقات، وتوفي سنة سبع عشرة ومائتين "3/ 110-112". وقال ابن حجر في التقريب: من التاسعة، صدوق "التقريب، رقم 453". [104] لم أعثر عليه. 2 انظر ترجمة الأصمعي في تهذيب الكمال "18/ 382"، وسير أعلام النبلاء "10/ 175"، وتاريخ بغداد "10/ 419".

الشيخ الرابع والعشرون

[الشيخ الرابع والعشرون] : [105] أَخْبَرَنَا الشيخ أبو سعد عبد الجليل بْن مُحَمَّد بْن الحسن الساوي بقراءة الحافظ الأنماطي يوم الاثنين سادس رجب سنة اثنتين وتسعين، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عبد الباقي بْن فارس بْن أَحْمَد بْن المقري، أنا أبو أَحْمَد عبد اللَّه بْن الحسين بْن حسنون النَّرْسِي قراءة، أنا أبو بكر مُحَمَّد بْن عُزير السجستاني قَالَ في

_ [105] غريب القرآن لأبي بكر محمد بن عزيز السجستاني "ص76، 77"، الدر المنثور "5/ 347". قال السيوطي: أخرج الفريابي، وعبد بن حميد، ابن جرير، وابن المنذر وابن أبي حاتم، والطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود -رضي الله عنه- موقوفًا. قال: وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- فذكر نحوه موقوفًا. وذكر غير ذلك من الروايات "5/ 348".

قوله تعالى: {أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} مثل قوله: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} فالموتة الأولى كونهم نُطفة في أصلاب آبائهم؛ لأن النطفة ميتة، والحياة الأولى إحياء اللَّه إياهم من النطفة. والموتة الثانية إماتة اللَّه -عز وجل- إياهم بعد الحياة، والحياة الثانية إحياء اللَّه -عز وجل- إياهم للبعث، فهاتان موتتان وحياتان. وقيل: الموتة الأولى التي تقع بهم في الدنيا بعد الحياة، والحياة الأولى إحياء اللَّه -عز وجل- إياهم في القبر لمساءلة منكر ونكير، والموتة الثانية إماتة اللَّه -عز وجل- إياهم بعد المساءلة، والحياة الثانية إحياء اللَّه -عز وجل- إياهم للبعث. [106] وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْجَلِيلِ قِرَاءَةً، أنا عَبْدُ الْبَاقِي، أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ النَّرْسِيُّ، أنا مُحَمَّدُ بْنُ عَزِيرٍ1 السِّجِسْتَانِيُّ قَالَ: ذُكر عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: {أَدْبَارَ السُّجُودِ} الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} الركعتان قَبْلَ الْفَجْرِ، وَالأَدْبَارُ جَمْعُ دُبُر، وَالإِدْبَارُ مَصْدَرُ أَدْبَرَ إِدْبَارًا. [107] أَخْبَرَنَا أبو سعد بْن الساوي، أنا الحسن بْن فارس، أنا أبو أَحْمَد، أنا أبو بكر السجستاني في قوله تعالى: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ} ألقى في نفسه شرا، يقال لما يقع في النفس من عمل الخير: إلهامًا، ولما يقع من الشر وما لا خير فيه: وسواسا، ولما يقع من الخوف: اتجاسًا، لما يقع من تقدير الخير: أملا، ولما يقع من التقدير الذي لا على الإنسان ولا له: خطر.

_ [106] المصدر السابق "ص80، 81"، الدر المنثور "6/ 110". قال السيوطي: أخرج مسدد في مسنده، وابن المنذر، وابن مردويه عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قال: سألت رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- عن إدبار النجوم والسجود، فقال: "أَدْبَارُ السُّجُودِ: الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وإدبار النجوم: الركعتان قبل الغداة". كما ذكر السيوطي عن غير على ذلك أيضًا. المطالب العالية "3/ 377" كتاب التفسير سورة "ق" مرفوعًا عن علي -رضي الله عنه- وعزاه إلى مسدد. 1 "عزير" مختلَف فيه: هل هو بالزاي أو الراء في آخره؟ انظر: "تبصير المنتبه 3/ 948، 949"، وله ترجمة في مقدمة تحقيق كتابه "غريب القرآن"، وتوفي سنة "330هـ". [107] المصدر السابق "ص483".

الشيخ الخامس والسادس والعشرون

[الشيخ الخامس والسادس والعشرون] : [108] أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَيُّوبَ البزاز وابنه الشيخ أبو مُحَمَّد سعد اللَّه بْن علي قراءة عليهما في مجلس واحد سنة تسعين وأربعمائة قالا: أنا القاضي الإمام أبو يعلى مُحَمَّد بْن الحسين بْن الفراء قراءة عليه، أنا إسماعيل بْن سعيد بْن سويد أبو القاسم، أنا أبو علي الحسن بْن القاسم بْن جَعْفَر، ثنا أَحْمَد بْن زهير، أنا علي بْن نضر، عن مُحَمَّد بْن حرب الهلالي قَالَ: قَالَ كثير بْن هراسة لابنه: أَيْ بُني، إن من الناس ناسًا ينقصونك إن زدتهم، وتهون عليهم إذا خاصمتهم، وليس لرضاهم موضع تعرفه، ولا لسخطهم موضع تنكره، فإذا رأيت أولئك بأعيانهم؛ فابذل لهم وجه المودة وامنعهم موضع الخلصة، يكون ما بذلت لهم من المودة دافعا لشرهم، وما منعتهم من موضع الخلصة قاطعا لحرمتهم. [109] أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ وَابْنُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ قَالا: أنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، أنا إِسْمَاعِيلُ قِرَاءَةً، أنا الْحُسَيْنُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنِي أَبُو الْفَضْلِ الرَّبَعِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قِيلَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لِمَ لا تَرْكَبِ الْخَيْلَ؟ قَالَ: الْخَيْلُ لِلطَّلَبِ وَالْهَرَبِ، فلست أطلب مدبرًا ولا أنصرف عَنْ مُقْبِلٍ. [110] أَخْبَرَنَا علي وسعد اللَّه قالا: أنا مُحَمَّد، أنا إسماعيل، أنا الحسين، حدثني أبو العباس الهروي، أنا الرياشي، عن الأصمعي قَالَ: لما حضرت الحجاج الوفاة أنشأ يقول: يا رب قد حلف الأعداء واجتهدوا ... بأنني رجل من ساكني النار أيحلفون على عمياء ويحهم ... ما ظنهم بكثير العفو غفار فأخبر بذلك الحسن فقال: تالله إن نجا فهما1.

_ [108] لم أعثر عليه. [109] لم أعثر عليه. [110] تهذيب تاريخ ابن عساكر "4/ 85". 1 أي: إن نجا فبسبب العفو والغفران من المولى عز وجل.

الشيخ السابع والعشرون

[الشيخ السابع والعشرون] : [111] سمعت القاضي الإمام، أنا أبو المعالي عَزِيزي بْن عبد الملك شَيْذَلَة2 -رحمه اللَّه- من لفظه في شهر رمضان سنة تسعين يقول: إذا أخلص الرجل صدقة، وأحكم عقده، أخذ من علم الشريعة ما لا بد منه، ولا يسع جهله مما يتعين عليه من فروض الأعيان إما علما وتحقيقا، أو سؤالا وتقليدا، والعبد مكلَّف بهذا القدر من العلوم كتكلفة بمقاديره من العلوم3؛ لأن ما لا يُتوصل إلى الواجبات إلا به كان واجبا كسائر الواجبات؛ كوجوب الطهارة في وجوب الصلاة، ووجوب العدد في وجوب الجمعة، ووجوب الزاد والراحلة في وجوب الحج، فيرجع في علم عباداته إلى العالِم تقليدا كما يرجع العالِم إلى علمه تحقيقا؛ فإن العمل بالعلم أصل، وعالم لا عمل له كمثل الحمار يحمل أسفارا، ويجب على العبد أن يكون عالما، أو متعلمًا، أو محبًّا لهما.

_ [111] لم أعثر عليه. 2 ترجمته في طبقات الشافعية الكبرى للسبكي "5/ 235-237" وقال: كان فقيهًا فاضلًا فصيحًا، أصوليًّا متكلمًا صوفيًّا، ومن نوادره أنه كان جيلانيًّا، أشعري العقيدة، وله تصانيف كثيرة، وولي قضاء بغداد نيابة عن قاضي القضاة أبي بكر الشاشي، توفي سابع عشر صفر، سنة أربع وتسعين وأربعمائة ببغداد. 3 كذا في الأصل، وأظن أن الصواب: "من الفروض أو الواجبات" أي: هو مكلف بتعلم هذه الفروض كتكلفه بأدائها، والله تعالى أعلم.

ومن أفنَى بالعلم نفسه، وأحيا بالعلم روحه؛ كان مع المتقين في جنات ونهر. ومعنى التقليد قبول قول المفتى من غير حُجة، ولو أُوجب على الكافة التحقيق دون التقليد أدى ذلك إلى تعطيل المعايش وخراب الدنيا، فجاز أن يكون بعضهم مقلدا، وبعضهم متعلما، وبعضهم عالما، ولن ترتفع درجة في الجنان كدرجة العلماء والمتعلمين ثم درجة المحبين، قَالَ اللَّه سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} 1. [112] سمعت القاضي الإمام عزيزي شيذله من لفظه في سنة تسعين وأربعمائة يقول: اللَّهم يا واسع المغفرة، ويا باسط اليدين بالرحمة، افعل بي ما أنت أهله، إلهي أذنبت في بعض الأوقات، وآمنت بك في كل الأوقات، فكيف يغلب بعض عمري مذنبا جميع عمري مؤمنا؟ إلهي لو سألتني حسناتي لجعلتها لك مع شدة حاجتي إليها، وأنا عبد، فكيف لا أرجو أن تهب لي سيئاتي مع غناك عنها، وأنت رب، فيا من أعطنا خير ما في خزائنه وهو الإيمان به قبل السؤال، لا تمنعنا أوسع2 ما في خزائنك، وهو العفو مع السؤال. إلهي حجتي حاجتي، وعُدَّتي فاقتي، فارحمني، إلهي كيف أمتنع بالذنب من الدعاء، ولا أراك تمتنع3 مع الذنب من العطاء، فإن غفرت فخير راحم أنت، وإن عذبت فغير ظالم أنت، إلهي أنت إلهي سألتك تذللا فأعطني تفضلًا.

_ 1 الأنبياء: 7. [112] طبقات الشافعية للسبكي "5/ 236، 237" رواها السبكي عن أم عبد الله زينب بنت الكمال أحمد بن عبد الرحيم بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي، عن ابن الخيِّر، وابن السِّيدي، وابن العُلَّيق، وابن المنِّي إجازة قالوا: أنبأتنا شُهْدَةُ بِنْتُ أَحْمَدَ بْنِ الْفَرَجِ الإبري سماعًا ... فذكره. 2 "أوسع": ليست في الأصل، وأثبتناها من "ب" وطبقات الشافعية. 3 في الطبقات: تمنع.

الشيخ الثامن والعشرون

[الشيخ الثامن والعشرون] : [113] أَخْبَرَنَا الشيخ أبو البركات مُحَمَّد بْن عبد اللَّه بْن يحيى بْن الوكيل المعروف بابن السطوي بقراءة أبي البركات الغسال في جُمادى الآخرة من سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة، أنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَر بْن بكر النجار بقراءة أبي موسى الأندلسي سنة ثلاثين وأربعمائة، أنا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْن أَحْمَد الهروي الصفَّار سنة اثنتين وستين وثلثمائة، أنا أبو إسحاق مُحَمَّد بْن محمود السمرقندي قَالَ: سمعت يحيى بْن معاذ الرازي1 -رحمه اللَّه- سنة سبع ومائتين يقول: إلهي أدعوك بلسان نعمتك فأجبني بلسان كرمك، يا من رباني في الطريق بنعمه، وأشار لي في الورود إلى كرمه، معرفتي بك دليلي عليك، وحبي لك شفيعي إليك، وأنا واثق في الطريق من الدليل بدلالته، وساكن لدى الورود من شفيعي إلى شفاعته، وإذا كان هذا سرور الطريق لي بنعمتك، فكيف يكون سرور الورود مني بكرمك؟! إلهي وعزتك وجلالك لو جئتك بعمل أهل الأرض والسماء لما استكثرته؛ لما أعرف من شَرَه نفسي، فكيف لا أرجوك ولا استكثر ذنوبي على ما تعرفه من كرم نفسك؟! إلهي إن إبليس ظن بخلقك ظنًّا فأطاعوه جهلًا، وظن خلقك بجودك ظنا فارحمهم فضلا، وليس ما أطاعوه به في الذنوب عصيانا بأكثر مما جاءوك به إيمانا فهب عصيانهم لإيمانك، وأدِّهم بإيمانهم إلى غفرانك، فليس طاعة الملعون طلبوا؛ ولكن حب اللذات، لا له.

_ [113] لم أعثر عليه. 1 له ترجمة في وفيات الأعيان لابن خلكان "6/ 165-168". قال ابن خلكان: أبو زكريا يحيى بن معاذ الرازي الواعظ، أحد رجال الطريقة، ذكره أبو القاسم القشيري في الرسالة، وعده من جملة المشايخ، وقال في حقه: نسيج وحده في وقته، له لسان في الرجاء خصوصًا، وكلام في المعرفة، خرج إلى بلخ، قام بها مدة، ورجع إلى نيسابور، مات بها ... توفي سنة ثمان وخمسين ومائتين رحمه الله تعالى. وانظر: "الحلية 10/ 51-70"، وطبقات الصوفية ص107-112، وطبقات الأولياء ص321، 326، والمصادر المبينة بهوامش هذه الكتب.

إلهي حبي إليك، وذنبي هو إلى نفسي، والحب لك أعتقده طائعا، والذنب آتيه كارها، فهب كراهية ذنبي لطواعية حبي، إنك أرحم الراحمين. [114] أَخْبَرَنَا أبي الشيخ أبو نصر -رحمه اللَّه- وأَبُو الْحَسَنِ علي بْن الحسين بْن أيوب وابنه أبو مُحَمَّد سعد اللَّه في سنة تسعين قالوا: أنا الإمام أبو يعلى مُحَمَّد بْن الحسين بْن الفراء قراءة عليه ويحيى يسمع في سنة خمسين وأربعمائة، أنا أَبُو الْقَاسِمِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ سعيد، أنا الحسن بْن القاسم بْن جَعْفَر سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة، حدثني أبو علي، محرز الكاتب قَالَ: كان سعيد بْن حميد يكثر زيارة إسماعيل بْن إسحاق بْن إبراهيم، فإذا أراد الانصراف تمثل بهذين البيتين: سلام عليكم حالت الكأس بيننا ... ومالت بنا عن كل مرأى ومسمع وما هو إلا أن يميل بنا الكَرَى ... فمجمَعُ سُكْر بين جَنْب ومضجع آخر العمدة من تخريج الحافظ ابن الأخضر لشهدة بنت الإبري رحمة الله عليها. والحمد لله رب العالمين، وصلاته على سيدنا محمد وصحبه أجمعين.

صورة سماع الشيخ: بلغ من أول هذا الجزء سماعًا من الجهة العالمة الكاتبة فخر النساء شُهدة بنت الشيخ أبي الفرج أَحْمَد بْن الفرج بْن عُمَر الإِبَرِي الأشياخ: القاضي الأجل العالم الأوحد شَمْسُ الدِّينِ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بن عبد الرشيد بن علي بن بُنَيْمَان الهمذاني، سبط الحافظ أبي العلاء، وأبو إسحاق إبراهيم بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي، وأخوه أبو محمد عبد الغني، وأبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن عبد الوهاب الأنصاري الدمشقي، وأبو الفتح المبارك بن سعد الله بن وهب، وولده عبد الله، ومحمد بن خلف بن راجح المقدسي، وعبد الله بن عمر بن أبي بكر المقدسي، وعبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد المقدسي، وأبو القاسم عبد الرحيم، وأبو صالح نصر ابنا تاج الدين عبد الرزاق بن عبد القادر بن أبي صالح الجيلي، ويوسف بن سعيد بن مسافر بن جميل المقري، وأخوه يونس، وأبو الفضل أحمد بن أبي الفضائل بن محمد الميهني الصوفي وآخرون -بقراءة عبد العزيز بن محمود بن المبارك الأخضر، وابنته أمة الرحيم آمنة سمعت في غير الطبقة، وذلك في يوم الثلاثاء ثامن عشر مِنْ جُمادى الأُولَى مِنْ سَنَةِ ثلاث وسبعين وخمسمائة، وصح ذلك. نقل ذلك مختصرًا ابن الأخضر من أصل نسخته. نقله على الوجه الحسن بن محمد بن الحسن بن أبي جرويه، ثم نقله من خطه محمود بن مودود بن محمود بن بلدحي حامدًا لله سبحانه، ومصليًا على رسوله محمد وآله، ومسلِّمًا في شعبان من سنة خمس وستمائة، ثم نقله محمد بن مسعود بن أسعد الأصفهاني مالكه فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الآخِرِ مِنْ سنة عشر وستمائة، والحمد لله، وصلى الله على محمد وآله أجمعين.

سماع آخر: قرأت بعض هذا الجزء على القاضي الإمام العالم شمس الدين أقضى القضاة أبي الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّشِيدِ بن علي بن بنيمان -أدام الله توفيقه- وقرأ الباقي الشيخ الإمام العالم برهان الدين جمال الوعاظ المعروف بابن البرني فكمل قراءة عليه فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلاةِ سلخ شهر الله الأرحب رجب من سنة ستمائة بظاهر الموصل، فسمعه جماعة منهم الشيخ العالم محيي الدين أبو القاسم علي بن أبي الفرج بن أبي منصور بن الموصلي اليعقوبي صاحب هذا الجزء، وكانت القراءة من أصل آخر. وكتب محمود بن مودود بن محمود بن بَلْدَحي فِي رَبِيعٍ الآخَرِ مِنْ سَنَةِ عشر وستمائة، حامدًا لله سبحانه، ومصليًا على رسوله محمد النبي وآله وصحبه، ومسلِّمًا تسليمًا.

الفهارس

الفهارس: فهرس الأحاديث والآثار: رقم الحديث: 57 أَبَا الْمُنْذِرِ، أَيُّ آيَةٍ فِي كتاب الله عز وجل أعظم؟ 61 اتَّقُوا اللَّهَ؛ فَإِنَّهُ لَنْ يَمُوتَ أحدكم حتى يستكمل رزقه 68 اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ 66 ادْخُلُوهَا مِنْ حَيْثُ قَالَ حَسَّانٌ 111 إذا أخلص الرجل صدقه 92 إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زوجها 10 استقيظ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من نوم محمر وجهه 74 أصل كل عداوة اصطناع المعروف إلى اللئام 5 أصليتَ يَا فُلانُ؟ قَالَ: لا، قال: قم فاركع اعلم أبا مسعود 26 والله لله أقدَرُ عليك منك من هذا 56 اقْرَإِ الْقُرْآنَ؛ فَإِنَّ السَّكِينَةَ نَزَلَتْ عند القرآن 40 أَلا أُعَلِّمُكَ دَعَوَاتٍ تَقُولُهُنَّ إِذَا أخذت مضجعك 85 ألا إن المقيم بالإسكندرية 17 ألا كلكم رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ 113 إلهي أدعوك بلسان نعمتك 39 اللهم أسلمت نفسي إليك 89 اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وما أخرت 46 اللهم إني أسألك خيرها 112 اللهم يا واسع المغفرة 34 أَلَمْ آمُرْكُمْ أَنْ تُؤْذِنُونِي بِهَا 11 أَمَا إِنَّكُمْ تَرَوْنَ رَبَّكُمْ -عَزَّ جل- كما ترون هذا القمر 80، 81 الإِمَامُ الْعَادِلُ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُ 59 أَمَا مَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ وَدَعَوْتُمْ لهم فلا 15 إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء 1 إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بطن أمه أربعين يومًا

53 إِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- زَوَى لي الأرض 72 إن أهل بيت يوجد على مائدتهم 4 إن بلالًا يؤذِّن بليل 29 أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مِنْ صَلاةِ الظُّهْرِ 76 إن لكل دين خُلقًا 49 أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَمَّى سَجْدَتَيِ السَّهْوِ الْمُرْغَمَتَيْنِ 43 أنت مع من أحببت 24 أُنْزِلَ عَلَيَّ آيَاتٌ لَمْ يُرَ مثلهن 63 انْظُرْ مَا يُؤْذِي النَّاسَ فَاعْزِلْهُ عن طريقهم 2 أَنْفِقِي عَلَيْهِمْ؛ فَإِنَّ لَكِ أَجْرَ ما أنفقتِ عليهم 16 إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِيمَا خَلا مِنَ الأمم 86 إنما المهلكات شح مطاع 3 إِنِّي أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ 9 إِنِّي لأُعْطِي رِجَالا، وَأَدَعُ مَنْ هو أحب إلي منهم 83 اهْدَأْ، فَمَا عَلَيْكَ إِلا نَبِيٌّ، أو صديق، أو شهيد 20 بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ 48 الْبَرَكَةُ فِي ثَلاثٍ: فِي الْفَرَسِ، والمرأة، والدار 6 البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا 35 تَنْظُرُ فِي عِقَابِكَ إِيَّاهُمْ وَذُنُوبِهِمْ 88 ثلاث مهلكات 7 خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يلونهم 109 الخيل للطلب والهرب 95 سمع الله لمن حمده 58 سُورَةٌ فِي الْقُرْآنِ مَا هِيَ إلا ثلاثين آية 65 شعار المؤمن يوم القيامة 47 الشُّؤْمُ فِي الدَّارِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالْفَرَسِ 71 فَإِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فصُم وأفطر

82 فَطُفِئَتْ نَارُ الشَّيَاطِينِ، وَهَزَمَهُمُ اللَّهُ تعالى 55 قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: كَذَّبَنِي ابن آدم 103 قدم هارون الرشيد الكوفة 27 قُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ 98 كَانَ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ بَيْنَ يَدَيَّ 75 كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَالَ: سَمِعَ الله لمن حمده 21 كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حرام بنت ملحان فتطعمه 19 كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوْسَطِ من شهر رمضان 45 كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قفل كبَّر ثلاثًا 33 كل مسكر حرام 28 كونوا على مشاعركم هذه 93 لأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لله 79 لَعَلَّكُمْ تُدْرِكُونَ قَوْمًا يُؤَخِّرُونَ الصَّلاةَ 94 لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وجل 71 لَمَّا أُلْقِيَ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ فِي النار 110 لماحضرت الحجاج الوفاة 44 لَوْ كُنْتَ مِنْ هَذَا الْبَلَدِ لأوجعت لك رأسك 18 لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَحْبَبْتُ أَلا أَتَخَلَّفَ خَلْفَ سَرِيَّةٍ تخرج في سبيل الله 84 مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ من نعمة 102 ما الدليل على حدوث الأشياء؟ 31 مَا مِنْ رَجُلٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ الوضوء 52 مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلا وقد وُكِّل به قرين 42 مثل المنافق مثل الشاة العائرة 96 مَدَّ اللَّهُ فِي عُمْرِكَ مَدًّا 14 مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ عز وجل

101 من أكثر من الاستغفار 37 مَنْ أَلْقَى جِلْبَابَ الْحَيَاءِ فَلا غيبة له 22 من توضأ فليستنثر 90 من دل عَلِيّ خير كَانَ له كأجر فاعله 77 مَنْ رَاحَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ 50 من ستر أخاه المسلم 67 مَنْ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ 38 مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر فليكرم ضيفه 100 مَنْ مَشَى إِلَى الْخَيْرِ حَافِيًا 73 من وعظ أخاه سرًّا 99 مَنْ يَأْكُلُ مَا سَقَطَ مِنَ المائدة 25 مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الْخَيْرَ 78 وَزَنَ أَصْحَابَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ 10 وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقترب 62 لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شريك له 51 لا تَحَاسَدُوا، وَلا تَبَاغَضُوا، وَلا تدابروا 13 لا تسبوا أصحابي 64 لا تسبيها؛ فإنها مأمورة 23 لا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ 8 لا يَمُوتُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلا أَدْخَلَ الله مَكَانَهُ النَّارَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا 91 لا يَنْفَعُهُ إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يومًا: رب اغفر لي 60 يأيها الناس، إنه لا غش بن المسلمين 104 يا رب، أما لك عذاب إلا النار 54 يا فاطمة بنت محمد 12 يُدعى نوح يوم القيامة 30 يقول عَزَّ وَجَلَّ: الصَّوْمُ لِي، وَأَنَا أجزي به

فهرس شيوخ شهدة

فهرس شيوخ شُهْدَة: 3 أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْقَادِرِ بْنِ محمد بن يوسف 23 أَحْمَد بْن الفرج بْن عُمَر الدينوري 10 أَحْمَدُ بْنُ بُنْدار بْنِ إِبْرَاهِيمَ 9 ثَابِتُ بْنُ بُنْدَارِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الدينوري 11 جعفر بن الحسين السراج 7 الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَلْمَانَ الدقاق 80 الْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ البُسْرِي الْبُنْدَارُ 4 الحسن بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طلحة النَّعَّالي 26 سعد الله بن علي بن الحسين 1 طِرَاد بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الزينبي 20 ظَرِيفُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ شَاذَانَ الْحِيرِيُّ النيسابوري المقرئ 24 عبد الجليل بْن مُحَمَّد بْن الحسن الساوي 12 عبد الواحد بن عاهان بْنِ عُقَيْلِ بْنِ قَيْسٍ الشَّيْبَانِيُّ 27 عزيزي بْن عبد الملك شيذلة 18 عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّبَعِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ العُربي 6 عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بن أيوب البزاز 13 الْمُبَارَكُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ أحمد بن القاسم 15 مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَلِيٍّ الْحَسَنُ بن أحمد بن الباقلاني 16 مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ الشاشي 17 مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ هَرِبسَةَ 28 مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يحيى بْن الوكيل المعروف بابن السطوي

2 مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلامِ بْنِ أحمد بن عمر الأنصاري 21 مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ خشيش 22 مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ الْحَسَنِ القزويني 19 منصور بن بكر بن محمد بن حيد الينسابوري 5 نَصْرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الله بن البَطِر القارئ 14 هِبَةُ اللَّهُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ محمد الموصلي

قائمة مصادر التحقيق

قائمة مصادر التحقيق والشرح: - الإصابة في تمييز الصحابة: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني "773-852هـ" دار النهضة مصر - القاهرة. - الأعلام: خير الدين الزركلي - دار العلم للملايين. - أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام: عمر رضا كحالة - مؤسسة الرسالة. ط"5" "1409هـ-1989م". - أمالي المحاملي: الحسين بن إسماعيل القاضي البغدادي "235-330هـ" تحقيق د/ إبراهيم إبراهيم القيسي - دار ابن القيم - المكتبة الإسلامية - في المملكة العربية السعودية والأردن - ط"1" "1412هـ-1991م". - الإمتاع بالأربعين المتباينة بشرط السماع: أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق صلاح الدين مقبول أحمد - الدار السلفية - الكويت. - الأموال: أبو عبيد القاسم بن سلام "157-224هـ" مؤسسة ناصر للثقافة - بيروت. - الأنساب: أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني "ت562هـ-1166م" نشره أمين دمج - بيروت - لبنان. - تاريخ بغداد: أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي "ت463هـ" الخانجي والسعادة "1349هـ-1931م". - تاريخ المدينة: عمر بن شبة - المدينة المنورة. - تخريج أحاديث إحياء علوم الدين: للعراقي وابن السبكي والزبيدي - دار العاصمة للنشر بالرياض. - تنزيه الشريعة: أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بن عراق الكناني "ت963هـ" تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف وعبد الله بن محمد بن الصديق - مكتبة القاهرة.

- تهذيب الكمال: الحافظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف المزي "654-742هـ" مؤسسة الرسالة - بيروت. - تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر: عبد القادر بن بدران "ت1346هـ" دار المسيرة - بيروت. - التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد: أبو بكر محمد بن البغدادي المعروف بابن نقطة الحنبلي "ت629" د. ت - بيروت. - تكملة الإكمال: جمال الدين أبو حامد محمد بن الصابوني، المكتب الإسلامي - بيروت. - التكملة لوفيات النقلة: زكي الدين أبو محمد عبد العظيم المنذري "581-656هـ" تحقيق د/ بشار عواد معروف - مؤسسة الرسالة - بيروت. - الجامع الصحيح: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إسماعيل البخاري "194-256هـ" المكتبة السلفية بالقاهرة - الطبعة الأولى "1400هـ". - جامع العلوم والحكم: أبو الفرج عبد الرحمن بن شهاب الدين بن أحمد بن رجب الحنبلي "795" ط"5" دار الحديث - القاهرة. - جزء الحسن بن عرفة "150-257" تحقيق عبد الرحمن الفريوائي - مكتبة دار الأقصى - الكويت. - جزء المؤمل بن إهاب "ت254" رواية أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نصر بن هلال السلمي الدمشقي "ت334" خرج أحاديثه أبو الفداء عماد بن فره - نشر وتوزيع دار البخاري - بريدة - المدينة. - جزء الألف دينار: أبو بكر أحمد بن جعفر بن القطيعي "274-368هـ" دار النفائس - الكويت. - جزء فيه أحاديث أبي علي الحسن بن موسى الأشيب، تحقيق خالد بن قاسم الردادي - دار علوم الحديث - الإمارات العربية - دبي - الفجيرة. - حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء: أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشاشي

"429-507هـ" تحقيق د/ ياسين أحمد إبراهيم - دار الباز - مكتبة الرسالة الحديثة - ط"1". - الرباعي في الحديث: عبد الغني بن سعيد الأزدي "ت409هـ" تحقيق علي حسن علي عبد الحميد - دار عمار - الأردن - ط"1" "1408هـ- 1988م". - الزهد: أحمد بن حنبل الشيباني "164-241هـ" دار الميسرة - بيروت. - سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد: محمد بن يوسف الصالحي الشامي "ت942هـ" المجلس الأعلى للشئون الإسلامية -القاهرة. - سلسلة الأحاديث الصحيحة: محمد ناصر الدين الألباني - المكتب الإسلامي- بيروت - دمشق. - سلسلة الأحاديث الضعيفة: محمد ناصر الدين الألباني - المكتب الإسلامي- بيروت - دمشق. - سنن الترمذي: أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة "209-279هـ" مصطفى البابي الحلبي - مصر - الطبعة الأولى. - سنن أبي داود: سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي "202-275هـ" تعليق عزت عبيد الدعاس وعادل السيد - ط"1" "1388-1969م". - سنن ابن ماجه: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يزيد القزويني "207-275هـ" عيسى البابي الحلبي - القاهرة. - السنن الكبرى للبيهقي: أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بن علي "ت458هـ" حيدر أباد بالهند "1344هـ". - سنن النسائي "المجتبى": أحمد بن شعيب "215-303هـ" نشر عبد الفتاح أبو غدة - مكتب المطبوعات الإسلامية. - السنن الكبرى: للنسائي - دار الكتب العلمية - بيروت "1406هـ-1986م". - سير أعلام النبلاء: شمس الدين محمد بن أحمد بن علي الذهبي "748هـ- 1374م" مؤسسة الرسالة - بيروت. - شذارات الذهب: أبو الفلاح عبد الحي بن العماد "1089هـ" دار المسيرة - بيروت. - شرح السنة: أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي "436-516هـ" المكتب الإسلامي - بيروت - دمشق.

- الشكر لله عز وجل: أبو بكر عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أبي الدنيا القرشي البغدادي "208-281هـ" دار ابن كثير - دمشق. - شفاء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل: ناصر الدين الألباني - المكتب الإسلامي - بيروت. - صحيح مسلم: أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري "206-261هـ" دار الكتب العربية - عيسى البابي الحلبي - القاهرة. - صحيفة همام بن منبه: د/ رفعت فوزي عبد المطلب - مكتبة الخانجي - القاهرة. - الصمت وآداب اللسان: أبو بكر عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عبيد بن أبي الدنيا البغدادي "ت281هـ" دار الغرب الإسلامي - بيروت. - الضعفاء للعقيلي: أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بن موسى بن حماد "ت322هـ" دار الكتب العلمية - بيروت. - طبقات النساء المحدثات: عبد العزيز سيد الأهل - القاهرة "1401هـ- 1981م" المجلس الأعلى للشئون الإسلامية. - العلل المتناهية: عبد الرحمن بن علي بن الجوزي "ت597هـ" دار نشر الكتب الإسلامية. - عمل اليوم والليلة لابن السني: أحمد بن محمد بن إسحاق "364هـ" مكتبة التراث - القاهرة. - عمل اليوم والليلة للنسائي: أحمد بن شعيب "303هـ" تحقيق د/ فاروق حمادة - مؤسسة الرسالة - بيروت. - غريب القرآن: أبو بكر مُحَمَّد بْن عزير السجستاني "ت330هـ" تحقيق محمد أديب عبد الواحد - دار قتيبة "1416هـ-1995م". - فتح الباري: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني "773-852هـ" المطبعة السلفية ومكتبتها - القاهرة ط"2". - فهرس الفهارس والأثبات: عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني - دار الغرب الإسلامي - الطبعة الثانية "1402هـ-1982م". - في ظلال القرآن: سيد قطب - دار الشروق.

- الكامل في ضعفاء الرجال: أبو أَحْمَد عبد اللَّه بْن عدي الجرجاني "ت365هـ" دار الفكر - بيروت. - الكافي: الكليني الرازي "قسم الأصول". - كشف الأستار عن زوائد البزار: نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي "735-807هـ" مؤسسة الرسالة - بيروت. - كشف الخفاء ومزيل الإلباس: إسماعيل بن محمد العجلوني الجراحي "ت1162هـ" دار إحياء التراث العربي - بيروت. - مجمع البحرين في زوائد المعجمين؛ المعجم الأوسط والصغير للطبراني: نور الدين الهيثمي "735-807هـ" مكتبة الرشد بالرياض. - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: نور الدين علي بن أبي بكر "ت807هـ" دار الكتاب العربي - بيروت. - المستدرك: أبو عبد الله الحاكم النيسابوري "ت405هـ" حيدر أباد - الهند - دار الفكر - بيروت. - المسند: أحمد بن حنبل - المكتب الإسلامي - دار صادر- بيروت. - مسند الحميدي: أبو بكر عبد الله بن الزبير "ت219هـ" عالم الكتب - بيروت - مكتبة المتنبي - القاهرة. - مسند الطيالسي: سليمان بن داود بن الجارود "ت204هـ" دار المعرفة - بيروت. - مشيخة ابن الجوزي: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي "597هـ-1200م" تحقيق محمد محفوظ - دار الغرب الإسلامي- بيروت. - مشيخة قاضي القضاة: محمد بن إبراهيم بن جماعة "ت733هـ" تخريج القاسم بن محمد بن يوسف البرزالي "ت739هـ" تحقيق د/ موفق بن عبد القادر - دار الغرب الإسلامي- بيروت. - مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه: أحم بن أبي بكر البوصيري "762-840هـ" دار الكتب الحديثة بالقاهرة. - المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني "773-852هـ" تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي.

- المنتظم في تاريخ الملوك والأمم: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي "ت597هـ" دار المعارف - حيدر أباد - الهند. - المنتقى من مسند المقلِّين: دعلج بن أحمد أبو محمد السجزي "ت351هـ" تحقيق عبد الله بن يوسف - مكتبة دار الأرقم. - ميزان الاعتدال: شمس الدين محمد بن أحمد بن علي الذهبي "748هـ-1374م" عيسى البابي الحلبي - مصر. - موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي "ت807هـ" دار الكتب العلمية. - الموطأ: رواية يحيى بن يحيى الليثي - دار إحياء الكتب العربية - القاهرة. ورواية أبي مصعب الزهري - مؤسسة الرسالة - ط"1" "1412هـ-1992م". - نسخة وكيع عن الأعمش: وكيع بن الجراح "ت197هـ" تحقيق عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي - الدار السلفية - الكويت. - وفيات الأعيان: أبو العباس شمس الدين أحمد بن أبي بكر بن خلكان "608-681هـ" دار صادر - بيروت. - وفاء الوفاء، للسمهودي: نور الدين علي بن جمال الدين - مطبعة الآداب والمؤيد بمصر "1326هـ". - الوجيز في ذكر المجاز والمجيز: أبو طاهر أحمد بن محمد السلفي الأصبهاني "474-476هـ/ 1083-1180م" تحقيق محمد خير البقاعي - دار الغرب الإسلامي - بيروت. - الوضع في الحديث: د/ عمر حسن فلاتة - بيروت - دمشق - مكتبة الغزالي - مؤسسة مناهل العرفان "1401هـ-1981م".

§1/1