العلمانيون العرب وموقفهم من الإسلام

مصطفى باحُّو

تقديم

تقديم بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين. بعد الكتاب الأول من سلسلة بحوث في العلمانية: «العلمانية: المفهوم والمظاهر والأسباب». الذي طبع في الرباط، ونشرته جريدة «السبيل» المغربية غشت 2011. هذا هو الكتاب الثاني، الذي خصصته للحديث عن حقيقة نظرة العلمانيين للإسلام وموقفهم منه، بعيدا عن التمويه الإيديولوجي والتزييف الإعلامي الذي يمارسه الخطاب العلماني. وأبين فيه أن الموقف العلماني من الإسلام مضمر برؤية استشراقية دونية، فهو في نظرهم يقوم على أسس خرافية أسطورية لا عقلانية، وهو مرحلة من مراحل تطور الفكر البشري نحو الفكر العقلاني الوضعي الذي يرى الأديان مجموعة من الأوهام التي صنعها البشر البدائيون لتبرير عجزهم أمام ظروف الطبيعة القاهرة، وأن الإسلام دين البداوة والخيمة والقبيلة (¬1). وبالتالي لم يعد صالحا لمجتمعات الطاقة النووية والخلايا الجذعية والانترنيت. وتنطلق رؤيتهم تلك من أساس دهري، وهو أن الإسلام دين بشري أو لِنَقُل: محمدي، ويتغافلون عن كون صاحب الشرع هو من يعلم الطاقة النووية والخلايا الجذعية وغيرها. فالله شرع شرعا مع علمه بمتغيرات الأحوال والأزمان والأماكن، شرعا صالحا لحضارة الجمل وحضارة الانترنيت، وهو الذي خلق ¬

(¬1) الحركات الإسلامية للربيعو (83).

الإنسان ويعرف ما يصلح له وما لا يصلح. لكن الخطاب العلماني يقف على أرض إلحادية لا تؤمن بوجود إله ولا تعترف بدين، ويتظاهر بكونه لا مشكلة له مع الدين، وأنه يكفل حرية الاعتقاد للجميع. وهدفنا في هذا الكتاب تعرية تلك الأقنعة وهتك تلك الأستار التي يتمترس خلفها الخطاب العلماني، وتفكيكها وطحنها وسحقها إلى الأبد. وأغلب رموز العلمانيين يصرحون بعلمانية صارخة لادينية، كأركون وعادل ضاهر وعزيز العظمة وهاشم صالح وطيب تيزيني ونصر أبي زيد، ويرفضون التمسح بالدين بأي شكل من الأشكال، بل ينتقدون علمانيين آخرين يحاولون البحث عن جذور إسلامية للعلمانية أو الاحتجاج بالنصوص الدينية، ويعتبرون هذا تنازلا خطيرا وانبطاحا لا مبرر له. بينما يفضل آخرون الهجوم مرة والتراجع أخرى في انتظار تهيؤ الأجواء للهجوم النهائي، يمثل هذا الاتجاه حسن حنفي وخليل عبد الكريم والعشماوي وآخرون. ولا خلاف بين الطائفتين إلا في التكتيك، وهل حان نقد الدين الإسلامي ونقضه وتجاوزه؟، أم أن الجو العام والخشية من ردود أفعال جماهيرية غاضبة ترجع على المشروع العلماني بالضعف؟ تحتم اعتبار المرحلة وظروفها وملابساتها في الحسبان. وعموما يستحيل وجود علماني يؤمن إيمانا حقيقيا بالدين أو الغيب أو المقدسات إلا إذا لم يكن علمانيا حقيقيا أو يفهم العلمانية فهما ساذجا طفوليا. لأن الدين يقوم على اعتبارات ميتافيزيقية وأصول غيبية، والعلمانية ما جاءت إلا لمحاربة الغيبيات باعتبارها مقومات خرافية أسطورية تنتمي إلى عصر

سيطرة الخرافة واللاعقل (¬1). فالعلمانية = سيادة العقل وحده. والدين يقوم على مقومات غيبية لا عقلانية حسب النظرة العلمانية نفسها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالعلمانية، لا تؤمن إلا بما دلت عليه التجربة والحواس. والدين تدور قواعده على الله والرسل والجنة والنار والشياطين، وكلها مفاهيم خرافية أسطورية لا يثبتها العلم التجريبي الحديث، وبالتالي فهي غير علمية ولا تتمتع بأية مصداقية. وعليه فالعلمانية والدين الإسلامي نقيضان لا يجتمعان. وأما مسألة أن العلمانية تكفل حرية الاعتقاد، نعم هي تكفل حرية اعتقاد أيّ شيء كان دينا أم إلحادا أم وثنية أم عبدة شياطين. فهي لم تعط للدين امتيازا ما، فهي ترى أن الإنسان حر في اعتقاد ما يشاء ولو كان خرافيا وتافها في نظرها وتقديرها. ولذلك فتحوير المسألة من الموقف من الدين إلى الموقف من التدين محاولة للفت الأنظار فقط، بمعنى ما هو موقف العلمانية من الدين نفسه؟ وما هي نظرتها إلى الغيبيات والماورائيات؟ بغض النظر عن سماحها بالتدين. فهي ترى أن هذه خرافات تافهة لا عقلانية، تنتمي إلى حيز الأوهام التي ¬

(¬1) سمى زكي نجيب محمود كتابه «خرافة الميتافيزيقا» الذي عدله فيما بعد إلى «موقف من الميتافيزيقا»، واعتبر أن كل ما لا يدخل تحت الحس فهو ميتافيزيقا مرفوضة (3)، وأن العبارات الميتافيزيقية أقوال فارغة من المدلول والمعنى (12). أي: هي أشياء خرافية لا حقيقة لها. ويعني بها كل الغيب: الله الملائكة الروح الجن الجنة النار ... وهي لا تنفع السامع شيئا لأنها لا تدل على شيء (104). ولهذا دعا إلى حذف الميتافيزيقا من دائرة المعارف الإنسانية (

هل يمكن للمسلم المحافظة على دينه في ظل العلمانية؟

تكونت عبر الزمن. وقد بيَّن العلماني محمد الشيخ أن المجتمع العلماني مجتمع مادي يلغي كل الأديان والقيم من اعتباراته. قال: إن المجتمع الحداثي استحال مجتمعا ماديا، بمعنى أنه مجتمع صار لا يُحَكّم في مبادراته المتعددة الاعتبارات التقليدية روحية كانت أو خلقية، وإنما صار يحتكم إلى العوامل المادية وحدها دون سواها (¬1). فالدين يتحول إلى شيء متجاوز وملغى، ثم بعد هذا، من شاء أن يتدين بشيء ما فله ذلك. يعني يتحول إلى مسألة شخصية مرتبطة بالضمير. إن الإسلام هو صاحب الدار، فلا يعقل أن يستجدي العلمانية لتخصص له ركنا أو لتسمح هي له بأن يتحول من حضارة عظيمة ودين يحكم كل مفاصيل الحياة إلى مسألة شخصية يؤمن بها من شاء ويكفر من شاء. والإسلام في داره (دار الإسلام) كما قال القرضاوي لا يكتفي بأن تكون عقيدته مجرد شيء مسموح به، وليس محظورا كالمخدرات والسموم البيضاء إنه يريد أن تكون عقيدته روح الحياة، وجوهر الوجود ومُلْهِم أبناء المجتمع، وأن تكون أساس التكوين النفسي والفكري لأفراد الأمة، وبعبارة أخرى تكون محور التربية والثقافة والفن والإعلام والتشريع والتقاليد في المجتمع كله (¬2). هل يمكن للمسلم المحافظة على دينه في ظل العلمانية؟ إذا كان يمكن للمسيحي المحافظة على دينه في ظل العلمانية، لأن المسيحية مجموعة وصايا وآداب تمارس داخل الكنيسة، فإن الإسلام بتشريعاته المتعددة ¬

(¬1) ما معنى أن يكون المرء حداثيا (38). (¬2) التطرف العلماني (29).

والمتداخلة والشاملة لكافة مناحي الحياة يستحيل تطبيقه في ظل نظام علماني. فالعلمانية تؤطر المجتمع وتوجهه بطريقة لا تمكن المسلم من ممارسة دينه في جو مطمئن. فلا يستطيع المسلم أكل الحلال وفق مفهوم الشريعة، لأن الشريعة كما ترى العلمانية لا دخل لها في التحليل والتحريم، فذبح الحيوان هو طقوس دينية لا تلزم العلمانية، وتحريم الخنزير والميسر والربا فروض دينية لا ترى فيها العلمانية إلا كوابح دينية يجب تجاوزها وإلغاؤها، وبالتالي فلن يجد المسلم أين يضع ماله ولا حلالا يأكله. وتبيح العلمانية للمرأة كشف مفاتنها وعورتها، وتبيح لها ممارسة الفاحشة برغبتها، فيتعرض المسلم للتحريش والإغواء والفتنة. ولا يسمح في ظل النظام العلماني للمسلم منع ابنته من الاختلاط والتبرج، بل والعري التام، واتخاذ صديق لها تدخله معها منزل والدها المسلم، والويل للأب المسلم المسكين إن اعترض، فقوانين العلمانية صارمة في ردعه وتركه عبرة لأمثاله. وللابن في ظل العلمانية اتخاذ الخليلات ومشاهدة أفلام الإباحة في منزل والده، الذي هو ملزم بالنفقة عليه. وليس أمام المسلم إلا طاعة المبادئ العلمانية والانصياع لها. فكيف يقال إن حرية التدين مكفولة في ظل العلمانية؟ وأما الإعلام فسواء عرض أفلام الجنس أم عروضا نسائية عارية تماما فلا يحق للمسلم أن يعترض أو ينكر، وللإعلام الدفاع عن الدعارة باعتبارها نشاطا اقتصاديا مربحا، أو عرض أصناف الخمور والتحريض على شربها أو بيان أصناف طهي الخنزير. وما على المسلم إلا الإذعان والاستسلام، وكل ما يمكنه فعله أن يردد: لا حول ولا قوة إلا بالله، إن تركت له العلمانية إيمانا يستطيع به فعل ذلك. وأما الحديث عن تغيير المنكر فأحد المستحيلات العشر في دين العلمانية.

لا حجة في الوحي

هذا فضلا عن أن هناك أركانا وواجبات دينية شرعية لا يمكن القيام بها إلا في ظل دولة إسلامية تحمي هذه الواجبات، وإلا يستحيل القيام بهذه الشعائر دون وجود السلطة السياسية التي تحميها، بل وتقوم بها. كالزكاة، والجهاد، والشورى، والعدل الاجتماعي، وإقامة الحدود، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحريم الربا، وتحريم الخمر، وتحريم الخنزير، ومنع التبرج، وغيرها. وهل السياسة العلمانية التي تحلل الحرام الشرعي مثل الزنا والخمر والربا والعري والتفسخ والأفلام الإباحية والشذوذ، وتدافع عنها وتنشرها بشتى الوسائل وتحرض عليها إعلاميا وإشهاريا، وتذوذ عنها أمنيا وتحميها عسكريا وقانونيا تعتبر محايدة ضد الدين ولا تسعى لتهميشه؟ لا حجة في الوحي. نصوص القرآن والسنة لا حجة فيها عند العلمانيين، وتَنازُل بعض العلمانيين للاحتجاج بها تنازل خطير في نظر عادل ضاهر. وقد أخذ على إخوانه الاحتجاج بالنصوص الدينية لتسويغ وجهة نظرهم، وأنهم بذلك ينخرطون في حرب النصوص، واعتبره تنازلا خطيرا للخصم، لأن القضية الأساسية للعلماني هي قضية استقلالية العقل الإنساني (¬1). وهكذا قال نصر أبو زيد، فقد لام صديق دربه زكي نجيب محمود كيف أنه أعطى لمعارضيه فرصة للنيل منه، بل ولاغتياله (أي: فكريا) من جانبين على حد تعبيره. الجانب الأول هو تسليمه بحجية النصوص الدينية وخاصة القرآن، وهي في نظر أبي زيد لا تستحق ذلك، ولولا طول كلامه لنقلته برمته، لكن أكتفي بقوله ¬

(¬1) الأسس الفلسفية للعلمانية (399).

الذئب الوديع

في آخره: وإذا كان زكي نجيب محمود بذلك الإقرار والإعلان قد كرس مرجعية النصوص الدينية، فإنه قد منح بذلك خصمه سلاحا فتاكا للنيل منه، هذا هو الجانب الأول، والجانب الثاني الذي مكن للخصم من اغتيال خطاب زكي نجيب محمود إقراره لا بالفروق النوعية بين الرجل والمرأة فقط، بل وتسليمه بالنتائج المترتبة على هذه الفروق اجتماعيا وثقافيا ونفسيا (¬1). واعتبر بعد أن الخطاب الديني يزيف قضية المرأة حين يصر على مناقشتها من خلال مرجعية النصوص (¬2). وهو نفس ما أكده فرج فودة أنه لا حجة في القرآن والسنة بل الحجة في الدستور والقانون (¬3). وأكد القمني أن الأديان برمتها موضوع للبحث فقط لا وسيلة للمعرفة، قال: والأديان بالنسبة لمثلي هي موضوع درس ومعرفة، وليست وسيلة لأي نوع من أنواع المعرفة (¬4). فالأديان موضوع للبحث، لا وسيلة للمعرفة. الذئب الوديع: يظهر أغلب العلمانيين أنفسهم بمثابة الناصح الأمين الذي يريد فهما أوسع للدين وأشمل وأكثر حضارية وعقلانية على حد تعبير بعضهم. ونص آخرون على أن العلمانية مرادها وضع الدين في موضعه الذي وضعه الله ¬

(¬1) دوائر الخوف (113). (¬2) دوائر الخوف (123). (¬3) حوار حول العلمانية (22 - 23 - 24). (¬4) شكرا ابن لادن.

فيه، فالدين مكانه المسجد ودوره تهذيب الأخلاق والقيم الروحية التي ينحصر أثرها داخل المسجد. وادعى آخرون أن هدفهم هو الوفاء للإسلام وإعطاء ديناميكية جديدة وحقنة حيوية جديدة في شرايينه. وحاول العلمانيون المغاربة وغيرهم أصحاب «المفاهيم الملتبسة» و «قدر العلمانية في العالم العربي» جاهدين إيهام قرائهم بأن علمانيتهم ليست ضد الدين، بل هي في خدمة الدين. بل أكد أحد كُتابهم -وهو محمد سبيلا- بأن العلمانية هي أحسن حاضن للدين (¬1). وعند عبد العلي بنعمور: العلمانية تكريم للدين. هكذا بكل صفاقة وجه!!!. وكتابي هذا إن شاء الله لطحن هذه التفاهات وذرها في الهواء. وزعم عبد المجيد الشرفي أنه يهدف لمصالحة المسلم المعاصر مع دينه (¬2). وكأن المسلم في خصام مع دينه، لكن كما يقال: كل إناء بما فيه ينضح. ونصحنا بعدم التمسك بحرفية النص وأنه لا بد من البحث عن روح النص ومغزاه ومقصده حتى تكون العبادة لله وحده (¬3). هكذا قال. لكن لا تلبث هذه الوداعة إلا أن تكشف عن حقيقتها وتسفر عن شراستها، فضرب لنا الشرفي مثلا، بأن ما ورد في القرآن عن آدم وحواء وإبليس والجن والشياطين والملائكة ومعجزات الأنبياء ليست إلا تماشيا مع الذهنية الميثية ¬

(¬1) قدر العلمانية في العالم العربي (41). (¬2) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (59). (¬3) نفس المرجع (61).

استحالة اجتثاث الدين من المجتمع

الأسطورية، وأنها رموز وأمثال لا حقائق تاريخية (¬1). إنما يتحاشى الشرفي ذكر الله مع ما تقدم، مع أن الباب واحد، تجنبا لردود الأفعال التي قد تؤثر سلبا على تقبل مشروعه. فكل الغيب -الذي هو أس الدين والإيمان- خرافات وهمية في نظر الشرفي، آمن الناس بها في عصر سيادة الخرافة، أما وقد تحررنا من كل ذلك فلم نعد بحاجة إليها وأصبح تجاوزها أمرا لازما وحتميا. استحالة اجتثاث الدين من المجتمع: رغم الهجمة العلمانية الشرسة على الأديان، ورغم كونها مدججة بقوة الدولة وجبروتها، ورغم تسخيرها كافة الوسائل الأمنية والإعلامية والثقافية لتحقيق ذلك، لم تفلح في استئصال الدين من المجتمعات. في ندوة لندن (يونيو 1994) حول سقوط العلمانية والتحدي الإسلامي للغرب أكد البروفيسور جون كين أن الدين لا يمكن أن يجتث نهائيا من حياة الناس، وإنما الذي نجحت العلمنة (¬2) في تحقيقه هو إخضاعها الدين لنظم مدنية أوجدها البشر صارت لها السلطة العليا والكلمة الأخيرة، غير أن ظهور الأصولية الدينية في الغرب اتخذ أشكالا عدة في مقدمتها: بروز الحديث عن «السباسة المسيحية» والجدل المتجدد حول الدين والإجهاض، ومطالبة 80% من البريطانيين بتدريس الدين في المدارس، هذه المؤشرات وغيرها كثير تثير تساؤلات عدة حول مدى نجاح العلمنة في إقصاء الدين عن الحياة، الأمر الذي يستدعي إعادة النظر في المسألة برمتها. من زاوية مراجعة موقف العلمانية من ¬

(¬1) نفس المرجع (61). (¬2) طبعا في الغرب.

العلاقة بين الدين والمجتمع (¬1). وكذا أكد أركون أن بوادر الانفراج بين الديني والعلماني في تصاعد في أوربا (¬2). وذكر عالم الاجتماع الألماني وأستاذ اللاهوت الإنجليزي الدكتور جوتفرايد كونزلن: ولأن الاهتمام الإنساني بالدين لم يتلاش، بل تزايد .. وفي ظل انحسار المسيحية، انفتح باب أوربا لضروب من الروحانيات وخليط من العقائد الدينية لا علاقة لها بالمسيحية ولا بالكنيسة من التنجيم .. إلى عبادة القوى الخفية .. والخارقة .. والاعتقاد بالأشباح .. وطقوس الهنود الحمر .. وروحانيات الديانات الآسيوية .. والإسلام، الذي أخذ يحقق نجاحا متزايدا في المجتمعات الغربية (¬3). وها قد حان الشروع في الكتاب بعون الله، نوثق فيه لنظرة العلمانيين للتدين عموما والإسلام خصوصا، فالعلماني يحاول دائما أن يظهر بمظهر الباحث النزيه والناقد البريء من أية أفكار مسبقة وأية إيديولوجيا. وهو دوما يرمي مخالفيه بتلك التهم المجانية، بينما لو تمعنا قليلا لا كثيرا لرأيناه في صورته الحقيقية: مثقف تسممت أفكاره بالدراسات الاستشراقية الغربية، حتى غدت قناعاته واختياراته منسجمة تماما مع الطرح الغربي والبحث الاستشراقي فأصبحت له مواقف متطرفة من الدين والتدين يغلفها بستار البحث العلمي أو النقد التاريخي. ولو أزحت الستار لرأيت خلفه: أفكارا مسبقة، وإيديولوجيا متخفية، وأهدافا مسطرة يبحث لها عن سَنَد ودعم. وبعبارة أوضح: لرأيت مخالب تحت قفازات من حرير. ¬

(¬1) المفترون (247). (¬2) قضايا في نقد العقل الديني (258 - 259 - 275). (¬3) مأزق المسيحية والعلمانية في أوربا (18 - 33 - 34).

العلمانية ومحاربة التدين

العلمانية ومحاربة التدين يلجأ العلمانيون إلى تأسيس خطاب خداعي تمويهي مخاتل ومراوغ لموقفه من الدين، فيخفى ذئبيته تحت ستار الحمل الوديع، وقد يتمسح بعضهم بالدين، وربما يعلن أنه مسلم (¬1) يسره ما يسرنا ويحزنه ما يحزننا، ويتظاهر بالحرص على إبعاد الدين عن مجال السياسة، لكي لا يتلوث -وهو الطاهر النقي- بحممها الملتهبة وتقلباتها المتناقضة، محاولا تجميل صورته وتلميعها، ويناور لعله يرضى قارئه المسلم. فهذا سعيد لكحل تأسف لاعتبار الإفطار في رمضان جنحة وعدم فتح حانة قرب مسجد، ثم في رمشة عين أخذ يتمسح بالدين ويثرثر، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويشرح الآيات والأحاديث (¬2). ورغم محاولة بعض العلمانيين إظهار أنفسهم أنهم ليسوا ضد الدين وأنهم يقفون منه موقفا محايدا، إلا أنه بالتأمل في تصرفاتهم وأطروحاتهم يتبين أنهم يقفون منه موقف المعاند والمحارب له، ولا يعدو الأمر أن يكون مرحلة من مراحل التحذير والمواجهة. بل لا يعدو الأمر أن يكون شراكا خداعيا يتمترس به الخطاب العلماني بقصد التمويه والمخاتلة من باب ذر الرماد في العيون. ¬

(¬1) وقد يطلق بعضهم كونه مسلما وهو لا يقصد إلا أنه يعيش في مجتمع مسلم نشأ فيه وترعرع، كما صرح أركون نفسه. الأنسنة والإسلام (146). أي: مسلم باعتبار النشأة لا باعتبار العقيدة، أي: أو بعبارة أخرى: الإسلام الجغرافي لا الإسلام العقا (¬2) العلمانية مفاهيم ملتبسة (275).

وسنثبت بحمد الله في هذا الكتاب بما لا يدع مجالا للشك أن العلمانية مناقضة للدين باعتراف العلمانيين أنفسهم، وسنبين أن العلمانية كنظرية وتصرفات العلمانيين في كتبهم ومؤلفاتهم تناقض أصول الدين وفروعه. وقد يتستر بعض العلمانيين خلف مناهضة الدولة الدينية، ومرادهم الدين نفسه. ومع أن الإسلاميين كرروا آلاف المرات أنهم ضد الدولة الدينية التي تحكم بالحق الإلهي إلا أن العلمانيين أصروا على اتهامهم بها. والعقل يقتضي أن سبب هذا الإصرار العلماني: - إما أن الإسلاميين يدعون لدولة دينية. - وإما أن دولة الخلافة الإسلامية كانت دولة دينية تحكم بالحق الإلهي. ولكن لا هذا كان ولا ذاك. والذي حصل هو أنه كان في أوربا دولة دينية يسيطر عليها رجال الدين ويحكمون فيها بالحق الإلهي، فعارضت فلسفة الأنوار هذه الدولة الدينية، فردد العلمانيون عندنا كالببغاوات ما قالوا، وحاولوا إسقاط التاريخ الغربي برمته وتفاصيله وأبعاده، فوقعوا في مغالطة مفضوحة ومهزلة مضحكة. وقد بينت في الكتاب الأول وسأبين إن شاء الله تعالى في هذا الكتاب أن العلمانية ليس فقط ضد الدين، ولكنها أسوأ من ذلك، إنها تسعى إلى أن تحل محله وتعمل على إقصائه عن واقع الحياة، وتحويله إلى نوع من الفولكلور. وسيأتي معنا قريبا تصريح العلمانيين بأن هدفهم الحقيقي هو إقصاء الدين والإجهاز عليه، أو لنقل بعبارة مهذبة حسب أركون: تهدف إلى التخلص من البعد

الديني عن طريق امتصاصه داخل النموذج العلماني المهيمن (¬1). وقال عن مشروعه النقدي ومشروع المستشرقين: فإنه يمكننا أن نعتقد بأن الطفرات الذهنية العميقة الجارية حاليا سوف تتكفل بجعل كل تلك الصراعات الدائرة حول المسألة الدينية بشكل عام، والإسلام بشكل خاص، شيئا باليا ولا معنى له. إن كل هذا سوف يتبخر ويذهب مع الريح، ولن يبقى إلا الدين من أجل الذاكرة (¬2). إلى أن قال: هذا هو المشروع الذي أريد أن أقوم به بشكل استباقي انطلاقا من المثال الإسلامي (61). بهذه الصراحة يتحدث أركون. وهكذا فعل كثيرون كالقمني والمؤدب وآخرون. بينما يكتب آخرون وخاصة الجابري بحذر شديد ولف ودوران. وعند التحقيق فمشروعهم واحد، أو كما قال أركون عن الجابري نفسه: لأن العقل العربي نفسه هو عقل ديني. قضايا في نقد العقل الديني (331). يتفقان في ضرورة نقد التراث لتجاوزه، ويختلفان في الأسلوب، يقول أركون حاثا صديقه الجابري على توجيه لكمات قوية للتراث: باختصار ينبغي الدخول في صلب المشاكل الحقيقية وعدم تحاشيها بحجة مراعاة الشعب أو الجماهير أو العامة ... الخ ينبغي أن يصل النقد إلى جذور الأشياء لا أن يكتفي بدغدغتها أو مسها مسا خفيفا (¬3). ¬

(¬1) قضايا في نقد العقل الديني (209). (¬2) قضايا في نقد العقل الديني (60). (¬3) قضايا في نقد العقل الديني (331).

وإمعانا في ذر الرماد في العيون كتب العلماني المغربي أحمد عصيد: لأنه لم يوجد قط مثقف علماني واحد كتب ليمس بالدين الإسلامي في جوهره أو بالحق في الإيمان والتدين، وإنما التوجه العام هو نقد أشكال القراءة والفهم المنحرفة للدين وأنواع توظيفه السياسية المغرضة (¬1). وكل جملة في هذه الفقرة تمارس تزييفا ومغالطة مكشوفين. وسنبين له في هذا الكتاب أن أكثر العلمانيين كتبوا يطعنون في الدين الإسلامي عشرات النصوص التي سوف نريحك من تتبعها في مظانها، وهي كافية لإقناع حمار جدك إن شاء الله. بل عصيد نفسه نقض كلامه كله، بل ومن الأصل، فصرح قبل هذا بقليل (338) تقليدا لعلماء الاجتماع الغربيين أن الدين مرحلة من مراحل التطور العقلي للبشرية، بدأت بالأسطورة ثم بتعدد الآلهة، ثم التوحيد، ثم العقل العلماني المعاصر (¬2). فالدين تشكل عبر التطور البشري للعقل البشري، وليس إلا مرحلة خرافية من مراحل التطور، وتسمح العلمانية لمن شاء أن يؤمن بمثل هذه الخرافات، لأن له الحق في أن يؤمن بما شاء. وسيأتي معنا مزيد بسط لهذه القضية. وأما أن العلمانية تنتقد أشكال القراءة لا الدين نفسه، فهذا ما سنخصص له فصلا خاصا لنبين فيه تهافته وتفاهته. ويكفينا الآن قول رفيقي دربه هشام جعيط وعلي حرب، وأولياء نعمته الفرنسيين. ¬

(¬1) العلمانية مفاهيم ملتبسة (3 (¬2) وكرر نحوه في قدر العلمانية في العالم العربي (149).

قال هشام جعيط: إن كل أصناف النخب في العالم العربي بعيدة كل البعد ليس فقط عن التيارات الإسلامية، بل عن الإسلام ذاته (¬1). وقال علي حرب في الممنوع والممتنع (222): فالنقد ينبغي أن يتجه إلى تفكيك تلك الترسانة التراثية التي فقدت فاعليتها في الفكر والعمل، ولهذا ينبغي للنقد أن يشمل كل شيء الأصول والفروع، أنظمة المعارف ومنظومات العقائد، الشروحات والتفاسير. انتهى. وورد في توجيهات وزارة التعليم الفرنسية في إطار قانون تعميم التعليم الصادر يوم 28 مارس سنة 1882 ما يلي: يجب ألا نذكر للطفل البالغ من العمر سبع سنوات شيئا عن الله، ليشعر هذا الطفل من تلقاء نفسه على امتداد ساعات الست التي يتلقاها يوميا أن الله غير موجود أصلا، أو أننا في أحسن الأحوال لم نعد بحاجة إليه (¬2). فهذا ثلاثة نقول نزفها لعصيد، فلعلها تكفيه. وأما أنها تعطي اعتبارا للدين بسماحها بالتدين، فلا، لأن الدين واللادين والكفر والشرك والانحلال الخلقي كلها تصير مسائل شخصية لا دخل للمجتمع ولا الأديان فيها، وعليه فلم تعط العلمانية للدين أيّ امتياز، بل خنقته وألغته من المجتمع ومنعته من ممارسة نشاطه ومهامه داخل المجتمع، وسوته بالكفر والضلال وعبادة الأوثان والانحلال الخلقي والدعارة واللواط، وجعلتهم مسائل شخصية ترجع للضمير. ¬

(¬1) مجلة اليوم السابع، باريس عدد 11 يناير 1988. نقلا عن المفترون (18). (¬2) في العلمانية والدين والديمقراطية (186).

ولنأخذ نموذجا علمانيا آخر يمارس تزييف الوعي والمغالطة. حاول العلماني السوداني عبد الله أحمد النعيم أن يستغفل عقولنا فألف كتابا ضخما ليبين لنا أنه يدعو إلى علمانية الدولة فقط لا علمانية الإنسان والمجتمع (19)، أي: يدعو إلى العلمانية في شقها السياسي والقانوني. محاولا الاستدلال بأن الأنظمة العلمانية الغربية لا تزال تحتفظ للدين بمجموعة من المواقع وتُؤَمن له دورا ما في المجتمع. مع أن كل ما أورده بنفسه هناك ليس إلا فتاتا بسيطا جدا جدا حول المائدة التي تتفضل العلمانية بالإبقاء عليها للدين، بل العجيب أن كل النصوص التي أوردها شاهدة عليه لا له. فذكر مثلا (13) أن الديانة البروتستانية واليهودية تتمتع في فرنسا بحق تنظيم علاقتها بالدولة في حين لا يتمتع المسلمون بأي شيء باعترافه. بل يقابلون بالتهميش والتمييز والإقصاء ومحاربة الشعائر (لا الرموز) الدينية كالحجاب ونحوه. أليست علمانيته هي السبب في هذا التمييز والعنصرية؟ وذكر كذلك (14) نفس التمييز العنصري ضد المسلمين ونحوهم في إيطاليا، وذكر أن الجماعات الدينية في إيطاليا لها نظام هرمي طبقي، يتكون من ثلاث طبقات، أعلى الهرم تقف الكنيسة الكاثوليكية تعامل البروتستانتية واليهود، وتتمتع بامتيازات مالية وتعليمية. ثم قال: وهذه الامتيازات غير متوفرة للجماعات الدينية في الطابق الأدنى من الهرم. وذكر منها المسلمين. والعجيب كذلك أنه ذكر أن القانون الإيطالي يحظر على رجال الدين تولي مناصب عامة مثل القضاء والمحاماة والخدمة المدنية في جباية الضرائب وغيرها (15).

وأين حقوق الإنسان؟ وأين المساواة؟ أليست العلمانية هي السبب في كل ذلك؟. ثم زاد العلماني السوداني فأكد أن الدولة ملزمة بتدريس الديانة الكاثوليكية، وأما البروتستانت واليهود فيمكنهم توفير معلمين لدينهم في المدارس، وأما المسلمون فاسمع إلى عبارة النعيم: فلا يحق لهم توفير أساتذة لدينهم في المدارس إطلاقا (15). وزاد (16) أن المسلمين محرومون خلافا لغيرهم من تمويل منظماتهم من خلال الضريبة. وذكر أن في أمريكا (18) يمنع طلاب المدارس التي تمولها الدولة من الصلاة الجماعية. فأين كفل العلمانية للحرية الشخصية وحرية التدين؟. وقد كان أركون أكثر صراحة، فاعتبر في كتابه تاريخية الفكر العربي (292) مفهوم الدين متضادا مع مفهوم العلمانية. وقد كرر هذا أركون في كافة كتبه، حيث ميز بين النظرة الدينية القائمة على الأساطير والتعالي والتقديس، والنظرة العلمانية القائمة على العقلانية والنقد وإبعاد كل مفاهيم غيبية ماورائية. وهذا تمييز واضح بين المذهبين، لكن بعض العلمانيين لأهداف إيديولوجية وخاصة بعض المغاربة يتمسحون بالدين نزولا عند رغبة الجماهير. وهذا الموقف الانتهازي الرجعي يهدف إلى التراجع خطوة إلى الخلف من أجل خطوتين إلى الأمام. وفضل علمانيون آخرون الوضوح والصراحة، ولهذا يتحاشى أركون مجرد التمظهر ومجرد الانتساب للدين أو الاعتراف بوجود الله، كما يفعل بعض

يجب نقد الإسلام في حد ذاته، وهو واجب مقدس

المنافقين عندنا (¬1). وهذا شبلي شميل -أحد كبار الرواد العلمانيين العرب الأوائل- ذكر أنه نفى الأديان لا لغرض في النفس ولا غيره، بل لأنه التزم جانب العلم. آراء الدكتور شبلي شميل (19). وقال عن الأديان: وهي في اعتقادي نفعت كثيرا وأضرت كذلك (19). ثم ذكر أنها لم تعد تصلح الآن (19). وأنها أضرت كثيرا بجمودها وجمود أتباعها بها (20). فما رأي عصيد في هذه العصيدة. وعلى كل حال فلنشرع الآن في سرد مواقف العلمانيين العرب من الإسلام حسب الفقرات التالية: يجب نقد الإسلام في حد ذاته، وهو واجب مقدس. لأن الإسلام كما قال خليل عبد الكريم في الإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية (8 - 9) بدأت تظهر على وجهه علامات الشيخوخة كتجاعيد وتشققات وجفاف. والسبيل الوحيد عنده لتجاوز هذه الشيخوخة هو الانعتاق من قيود المسلمات والمقدسات الزائفة. وحقيقة نقد الفكر الديني عند العلمانيين هو نقض له وإدانة، وهذا خلاف ما يوجبه البحث العلمي النزيه والمحايد. وجل تلك الكتابات تنطلق من مواقف أيديولوجية مسبقة. أغلبها ماركسي مشبع بموقف ماركس العدائي ضد الدين. ¬

(¬1) وأركون حسب معرفتي به من خلال كتبه المنشورة أجزم بأنه لم يكن يؤمن بإله ولا دين ولا نبي ولا إسلام ولا أي شيء إلا العقل الغربي المحض.

ويوضح لنا سيد القمني في هذه الفقرة أنه لا دليل على صدق الإسلام، وبالتالي فلا يجوز استثناء شيء من النقد، قال: إن شرط العلمانية هو السماح بالنقد الموضوعي دون حدود ولا سقوف حمراء، لذلك أفهم أن تكون مسلما أو مسيحيا وأن تكون أيضا علمانيا، أي أنك لا تفرض دينك على غيرك، وتقبل نقد دينك لأنه لا دليل على صدقه. لذلك لا نصدقه إنما نؤمن به، والفرق عظيم في آليات الموقفين. فكل دين يزعم المؤمنون به أنه الصدق المطلق، وهو ما يعني عدم الصدق بالمرة، لتناقض الأديان تناقضا تاما والمصدر واحد إذا سلمنا بالإيمان. انتكاسة القمني، عفوا انتكاسة المسلمين (315). وزاد في انتكاسته (315): إن من يزعم العلمانية وينزعج من نقد دينه هو منافق يرتد عند أول ناصية ويبيعنا جميعا عند أول موقف. وكل العقائد والمسلمات هي تحت مطرقة نقد العلمانيين، فأركون مثلا يهدف إلى إعادة التفكير الجذري بالرؤيا الأخلاقية والسياسة في الإسلام عن طريق وضع القيم العقائدية والإيمانية التكرارية على محك التاريخ وجعلها إشكالية ( Problematique) لا مطلقة أو نهائية تتجاوز التاريخ. ويتأسف على عدم ظهور هذا المشروع الكبير الواسع في العالم الإسلامي (¬1). وأكد على مشروعه حول ما سماه تحرير الفكر الإسلامي من سياجاته العقائدية الخاصة به (¬2). وكيف سيتم ذلك؟ أجاب أركون على الفور: لا يمكن أن ينجح ما دامت ¬

(¬1) الإسلام الأخلاق والسياسة (17). (¬2) الأنسنة والإسلام (34).

الأطر والأسس التاريخية القصصية للإيمان غير مهدمة، كما هدمت أسس الإيمان المسيحي منذ القرن الثامن عشر (¬1). وبعبارة أكثر صراحة حسب أركون: تهدف العلمانية إلى بناء مجتمع بدون إله، كما عبر «جيل فيري» (¬2). وفي كتاب آخر له يقول أركون: وهكذا نلمح تلك الاستمرارية المحزنة إن لم تكن المحبطة للآمال والتي ارتكبتها الأديان عن طريق تشكيل امبراطوريات مرتكزة على الكيل بمكيالين (¬3). واتهم الأديان بالتعصب وأنها أقوى من المحبة والتسامح والإخاء. وأنها تتميز بالنظرة الاحتقارية للآخر وأنها فعلت مجازر في حق الأقليات (¬4). إلى آخر كلامه. وفي كتاب آخر له اسمه «العلمنة والدين» (72) بين أركون أن العلمانية تحذف كليا الموقف الديني وتعتبره شيئا قديما باليا. لكن عند أركون فالعلمانية لا تهمل الدين كعامل مؤثر في الدراسة لا لصدقه في نفسه، يقول عن العلمانية: وهي تحاول أن تعيد دمج العامل الديني في الدراسة وليس استبعاده وإهماله. قلت العامل الديني وليس الأديان أو العقائد بحد ذاتها أو بمضامينها التفصيلية (81). بمعنى أن العامل الديني مُعطى أثر في الظاهرة الإنسانية فلا يهمل كعامل ¬

(¬1) نفس المرجع (¬2) نفس المرجع (61). (¬3) نحو نقد العقل الإسلامي (178). (¬4) نفس المرجع.

مؤثر في الدراسات التاريخية والسوسيولوجية، وليس لأن له قيمة في حد ذاته، أي: هو مادة للدراسة العلمية كما قال مترجمه وظله هاشم صالح (109). فالدين مادة للدراسة لا شرع يُتبع ويتدين به وليست له أية قيمة معيارية. وفي كتاب ثالث «الإسلام الأخلاق والسياسة» تحدث أركون عن الحاجة والضرورة الملحة لإعادة التفكير بتراث الإسلام بدءا من أسسه وجذوره (171). وفي كتاب رابع يرى أركون أنه لا بد من النقد التاريخي الصارم الذي لا هوادة فيه لكل المنظومة الإسلامية، وأنه لا بد من الحل الجذري الراديكالي أي: المتطرف، كما بين مترجمه وتلميذه هاشم صالح. نحو نقد العقل الإسلامي (12 - 19). وزاد مجنون أركون: وذلك لأن الفلسفة العقلانية التنويرية الحديثة (أي: العلمانية) تخترق كل الأديان والمذاهب وتتعالى عليها (14). فالعلمانية فوق الأديان وتتعالى عليها كما قال هاشم صالح. الذي تساءل في كتابه الإسلام والانغلاق اللاهوتي (30): لماذا لا يحق لنا أن ننقد الدين ونصول ونجول في كل القضايا الدينية من دون أن يزعجك أحد. ويطمئننا هاشم صالح أن علمانيته لا تريد بتفكيك الدين عملا سلبيا ولا تخريبيا، بل هو عمل إبداعي خلاق لا يمكن لأي ثقافة أن تنهض بدونه (43). هكذا بهذه الكلمات الثعلبية المعسولة يخاطب عواطفنا لعل تمائمنا تستسلم لسحره، ويزيد مضغضغا تلك العواطف مبينا أنه لا يريد تدمير الإسلام، وإنما من أجل التوصل إلى فهم عقلاني حر لدين الإسلام (44).

يقصد فهما عقلانيا يتم فيه تجاوز وإقصاء كل المفاهيم الدينية ذات البنية الغيبية: الله، الملائكة، الجن، إبليس، الجنة، والنار ... إلخ، وتجاوز كل التشريعات الإسلامية المختلفة تحريم الربا والميسر والخنزير وإيجاب الحجاب والحدود وغير ذلك. لأن كل هذه العقائد والتشريعات كانت استجابة لظروف تجاوز التطور الطبيعي للعقل البشري لها. وفي مقابل طعن أركون في القرآن والسنة وعلوم الإسلام دافع أركون عن عقائد منحرفة عديدة عن الدين، بل عدها العلماء خارج إطار الإسلام، فقال عن البهائية والإسماعيلية: إنها حققت مكانة عالمية محترمة بفضل جهود الآغاخان وانفتاحه الإنساني المعروف (¬1). وقال عن رجال الكنيسة: وهكذا تغير وجهها من رجعي ظلامي ومحاكم تفتيش إلى تقدمي عقلاني مستنير نسبيا (¬2). بعد أن سردنا ما يكفي من النصوص العلمانية المؤكدة على ضرورة نقد الإسلام نقدا لا هوداة فيه كما قال هاشم صالح نخصص الفقرات التالية لذكر نماذج موثقة لهذا النقد، بل النقض والطعن والسخرية والاستهزاء بالدين وأحكامه، عسى أن نبين لعصيد أن (عصيدته) طعمها مُر حنظل لا يستساغ إلا من أمثاله. ¬

(¬1) نحو نقد العقل الاسلامي (323). (¬2) نفس المرجع (324). ودافع كذلك من العلمانيين عن التبشير المسيحي: العفيف الأخضر اعتبر أن صدور قانون يمنع التبشير في الجزائر وفي المغرب يمثل انتهاكا مرفوضا لحرية التدين المقدسة. الحوار المتمدن العدد: - 2006/ 3

نقض أصول الإسلام وطعن في الدين

نقض أصول الإسلام وطعن في الدين: نبدأ هذه الفقرات بعلماني قمامي من الدرجة الممتازة، حيث اعتبر سيد القمامة القمني أن سبب نكبتنا وتخلفنا هو رجوعنا واعتمادنا على كتاب واحد (أي: القرآن) أو كتابان (أي القرآن والسنة). شكرا ابن لادن (159). وصرح اللعين أن عجز الإسلام كمشروع ومعه النبي والقرآن والبخاري وجبريل والملائكة ورب الأكوان والمؤمنون في المشارق والمغارب عن إقامة دولته المنشودة عبر تجربة ألف وأربعمائة عام. شكرا ابن لادن (159). وعرَّى عاشق القمامة عن سوأته مباشرة وبغير حياء ولا خجل، وأكد أن المشكلة ليست في الخطاب الديني كما مر في (عصيدة) عصيد وغيره، بل في الدين نفسه. وهذه عبارته بحروفها: هذا رغم أن المشكلة في الخطاب الديني لا يمكن ألا تكون إلا بمشكلة أعظم في الدين نفسه. خاصة أن في تكوين الإسلام مفردات تكوينية يتفرد بها عن معظم الأديان الأخرى، كانت سببا مباشرا في احتواء الدين على كثير من التناقضات الداخلية، سواء في المفاهيم أو في الأحكام ... شكرا ابن لادن (160). وصرح أن كتابه أهل الدين والديمقراطية مع الوطن والتاريخ والجغرافيا وليس مع وطن هلامي اسمه الإسلام (9). وأنه رد وتفنيد لكثير من المسلمات ونقد للثوابت وخروج عن الخطوط الحمراء (9). وقال: وسنفرض وجودنا وشروطنا على خريطة مستقبل سنشارك في رسمه وتخطيطه بأيدينا، ولن يرسمه لنا بعد ذلك أحد كان في الأرض كان أو في السماء (10).

وللقمني طعون أخرى في الإسلام وأحكامه وتشريعاته ستأتي معنا في هذا الفصل قريبا وفي الفصول التالية عبر تسلسلها وتتابعها. علما أن القمني يلجأ أحيانا للمناورة، فقد كثرت عليه الضغوط والتحدي من قبل المسلمين في بلاده، فأعلن الشهادتين في التلفزيون المصري، كما ذكر في كتابه انتكاسة المسلمين (316). وزاد أن بعض العلمانيين أخذوا عليه هذه التصريحات الإيمانية، بل حاربوه في موقع الحوار المتمدن. لكنه سارع إلى طمأنتهم وتبديد مخاوفهم (¬1) فقال: ومن ثم تتغير مواقفي أحيانا بدرجة أو بأخرى حسب طبيعة الضغوط ونوع المعركة، فأمارس أحيانا التقية المشهورة لديهم لأتقي شرهم، وأحيانا آخذ خطوة إلى الخلف لآخذ بعدها خطوتين إلى الأمام (315). هذه الكلمات تلخص في نظري استراتيجية العلمانيين العرب في موقفهم من الدين. ولقد أحسن صديق القمني نادر قريط العلماني في «محنتي مع سيد القمني» حيث قال: القمني كما أراه الآن تحول من مفكر إلى مفكر بأمره، ومن صاحب مشروع إلى سجال بدون موضوع (¬2). وقال: لغة سجال القمني ليست أكاديمية كثيفة دالة، ترضي المثقف اللماح، ولا ميسرة أنيقة تبهر الذواق، إنها للأسف لغة عربية متثائبة تتحرك ببطء على إيقاع سيارات وسط البلد في القاهرة، وتنفث عوادمها في وجوه الناس، ولا تصل إلى ¬

(¬1) كما قال تعالى: {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} البقرة 14. (¬2) انتكاسة المسلمين (307).

مبتغاها إلا بشق الأنفس (¬1). لنتابع حديثنا وننتقل لعلماني آخر اسمه عزيز العظمة، قال: وليس الدين والتراث أفيونا للشعوب لأنه مخدر لها بأفكار أخروية ووعود سماوية فحسب، بل أيضا وأساسا لأنه اغتصاب للواقع وتغييب للآن (¬2). واعتبر أن ما سماه «منطق تاريخي أدبي» كفيل بإيصالنا اليوم إلى نقض أساطير القرآن والحديث والتراث بعمومه (¬3). فالدين أفيون للشعوب ومخدر واغتصاب للواقع وتغييب للحاضر وأساطير. فما رأي أحمد عصيد في كل هذا؟ لنتابع مع عزيز العظمة، قال عن الله سبحانه: والذي يرد كل ما يلتحق به مباشرة إلى اللاشكل واللامعنى والفوضى التامة (74). وقال عن ما يتفرع عن فكرة الألوهية التي تشكل الإسلام: يولد مواضيع خاصة ذات مرتبة أدنى: من لاهوت متجمد مهووس وتشريع شعائري غير متميز مهووس وتشريع شعائري غير متميز نموذجيا عن اللاهوت وعن العبادات عامة (74). وقال: أضحى الإسلام وأضحت رموزه فولكلورا يعتاش في ثنايا المجتمع المدني (59). يؤكد العظمة على ضرورة قطع أيّ اتصال مع التراث، بل يرى أن التواصل العضوي مع الماضي أو ماتبقى منه سر وهن الحاضر (13). ¬

(¬1) انتكاسة المسلمين (312). (¬2) التراث بين السلطان والتاريخ (25). (¬3) نفس المرجع (31).

بل يرى أن مفهوم الأصالة الذي ينادي بعضهم به مستعار من مجال العشائرية ومجال تربية البهائم (13). والأصالة عنده تعني إلغاء التاريخ، بل والمجتمع (14). والواجب هو تجاوز ما يسمى أصالة. واعتبر أن القول بأن الأمة ذات هوية قومية وكينونة ذاتية مستقلة استبدادي المآل أسطوري المحتوى في اعتماده على التراث والإرادة (15). فحسب العظمة لا ينبغي التمسك بهوية الأمة، أو اعتبار الإسلام هويتها، فكلها عقائد بالية يجب تجاوزها بل يدعو العظمة إلى قطيعة تامة مع الدين، فهو ينتقد العلمانيين الذي يحاولون العمل من داخل التراث أو الربط بين الأصالة والمعاصرة كالجابري وحسن حنفي، ولو كان في هذا الربط طبعا إفراغ للأصالة (التراث) من محتواها. (18 - 19 - 20). واعتبر هو أنه إما الأصالة وإما المعاصرة ولا واسطة بينهما، وسمى أصحاب هذا الاتجاه بالمنهج التلفيقي (21). أما أركون فينهج سياسة تدريجية في نقد الدين، مع أن المتتبع لكتبه يقتنع بما لا يدع مجالا للشك أن الرجل ملحد لا يؤمن بدين أصلا، لكنه يراوغ في الكلام ولا يفصح، ولهذا فهو ينصح بعدم مهاجمة العقائد الدينية مباشرة إلا بعد التمهيد الطويل وتحضير الأذهان والعقول لاستقبال الدين الجديد، قال: لا ينبغي أن نفكك هذه العقائد وتلك اليقينيات إلا أن نكون قد قمنا بعمل تمهيدي طويل يحضر الأذهان والعقول لاستقبال الفكر الحديث عن الدين. نحو نقد العقل الإسلامي (315). فالمشكلة عنده ليست في نقد العقائد من أجل تجاوزها، وإنما في التدرج للوصول لهذا الهدف. ولهذا فهو يتحفظ في كلامه كثيرا ويغلف أفكاره الأساسية بالكثير من أساليب

الحذر والاحتياط (¬1)، واعتبر أنه نظرا للضغوط التي تلاحقه فهو مضطر لممارسة الرقابة الذاتية على نفسه وعلى كتاباته لتقديم تنازلات عن خطه النقدي. قضايا في نقد العقل الديني (25). واستمر في حديث طويل (من 22 إلى 32) عن معاناته مع الغرب ومفكريه وعلمائه، وكيف أنهم لا يقبلون منه إلا الكفر الصريح والإلحاد الصريح عوض اللف والدوران. وليست العقائد الإسلامية هي التي تستحق الاحترام، وإنما مشكلة التواصل من أجل نشر أفكاره هي التي تحتم عليه الحذر والاحتياط في اختيار العبارات المناسبة، قال: وأعترف بأني أنا شخصيا أمارس الرقابة الذاتية على نفسي. وذلك في كتاباتي ومحاضراتي ليس من أجل حماية قناعاتي الشخصية أو إخفائها، وإنما من أجل الحفاظ على خيط التواصل مع الآخرين (¬2). واعتبر أن لحظة الغربلة النهائية وإقامة الحساب الختامي التاريخي والمحصلة النهائية للأديان التوحيدية لم تحن بعد (¬3). وأنا أقرأ في هذه المراوغات قوة الإسلام التي لا تقاوم، فإن له جبروتا عظيما حتى على أعدائه والحاقدين عليه ومن يريد كسر قوته وإضعاف شوكته تحت ستار النقد التاريخي. ولما أصدر أركون كتابه من أجل نقد العقل الإسلامي بالفرنسية سنة ¬

(¬1) قضايا في نقد العقل الديني (313). (¬2) نفس المرجع (58). (¬3) نحو نقد العقل الإسلامي (2

الإسلام عند أركون سلسلة من التلاعبات والاستخدامات الاستغلالية

1984، وترجمه إلى العربية سنة 1986 غيَّر اسمه: إلى تاريخية الفكر العربي الإسلامي. قال المعجب به وبفكره علي حرب في نقد النص (61): وقد عمد أركون إلى هذا التغيير تخفيفا لوطأة المصطلح النقدي على القارئ المسلم الذي لا يتقبل عقله بعد نقد ما يندرج تحت اسم الإسلام من الصفات والمحمولات. ثم بين حرب أن خشية أركون هذه قد زالت بعد فأصدر كتيبا باسم: من الاجتهاد إلى نقد العقل الإسلامي. وليس هذا خاصا بأركون فأغلب العلمانيين يحاولون انتقاء الألفاظ المناسبة لعدم إثارة المشاعر الإسلامية، ولكي لا يفتضحوا من أول وهلة. لكن الحقيقة مهما حاولنا حجبها والتستر عليها فهي واضحة بين الأسطر، وأحيانا في داخل الأسطر نفسها، كما هو واضح من خلال هذا الكتاب. الإسلام عند أركون سلسلة من التلاعبات والاستخدامات الاستغلالية. قال: ونحن نعلم أن كلمة إسلام هي كليا وبدون أيّ تردد أو حصر عبارة عن سلسلة من التركيبات المصطنعة والتلاعبات والاستخدامات الاستغلالية التي يقوم بها البشر (الإنسان) بصفتهم فاعلين حاسمين وشبه حصريين للتاريخ الأرضي المحسوس (¬1). فالإسلام عنده ليس إلا تلاعبات للفاعلين، أي: اختراع بشري محض. والله في نظره في حاجة بذاته إلى شهادة الإنسان له (¬2). ¬

(¬1) نحو نقد العقل الإسلامي (214). (¬2) الإسلام الأمس والغد (183).

والإسلام متعصب ويحتكر الحقيقة

والإسلام متعصب ويحتكر الحقيقة. قال أركون: ثم يزداد الطين بلة فيما يخص الإسلام، فهو يزيد إلى هذه العاهة المشتركة مع الدينين الآخرين، أقصد عاهة التعصب واحتكار الحقيقة الإلهية المطلقة، عاهة أخرى إذ يرفض مناهج ونتائج علوم الإنسان والمجتمع بحجة أنها ولدت في الغرب ومن أجل الغرب فقط ... ثم إن الإسلام يذهب إلى أبعد من ذلك في نسيان العقل والتشكيك به ثم رفضه في نهاية المطاف (¬1). واعتبر أن مفهوم الإسلام في قوقعة انغلاقية، هي مدعاة الإشكال وسوء الفهم، ولذلك حاول هو أن يزيل عنه طابع التناقض والغموض الشديد الذي يلفه ويحيط به، كما قال (¬2). وقال في صدد حديثه عما تعانيه الشعوب العربية والإسلامية من مآس: ... واجترار مقدس متفكك ومدنس بألف طريقة وطريقة في نفس اللحظة (¬3). يقصد الإسلام. وأكد أن هدفه في أبحاثه هو نزع الأسطرة عن الأديان التوحيدية الغارقة في ضباب التقديس الأسطوري بسبب قدمها وغوصها في أعماق الزمن السحيق (¬4). وبسبب مواقف أركون هذه وغيرها كثير مما سنقرأه في هذا الكتاب كان الطلبة المسلمون في السربون وغيره يرفضون أفكاره في نقد الدين، كما صرح ¬

(¬1) نحو نقد العقل الإسلامي (252). (¬2) نحو نقد العقل الإسلامي (250). (¬3) نفس المرجع (242). (¬4) نفس المرجع (317).

بنفسه (¬1)، بل بعضهم كانوا يخرجون من قاعة المحاضرات في الجامعة احتجاجا على ما سماه هو نقدا تاريخيا للدين، وحكى أنه كان كثيرا ما يهاجم مباشرة ويشتم في بعض المحاضرات العامة (¬2). وزاد أركون أنه إلى جانب ما تعرض له في الأوساط الإسلامية، فقد تعرض للإعراض واللامبالاة في الأوساط العلمانية العربية والغربية (¬3). وهكذا لم يجن أركون من نقده للإسلام إلا الحسرة والندم، فالأوساط الإسلامية لفظته ورفضته، كما صرح بنفسه، والأوساط الغربية لم تهتم به ولم تعبأ به. كما تقدم في الكتاب الأول. وهي طبعا لم تفعل ذلك اعتباطا، بل لأسباب عقلانية وجيهة في نظرها: إما لأن أبحاثه لا ترقى إلى مستوى البحث الأكاديمي الجيد في نظرها. وإما أن هذه الأبحاث لا تقدم شيئا سوى جعجعة من غير طحن. فمع أنه ركع للغرب وانبطح إلى الأرض مُقبِّلا أعتابه إلا أنه همشه ولم يعترف به. وذلك جزاء من يجعل القرآن تحت مطرقة نقده، عوض أن يكرس جهوده لنقد الغرب وفكره وفلسفته، وبالأخص فرنسا التي دفعتها هذه الفلسفة إلى استعمار بلده الجزائر وقتل أبناء وطنه واستغلال خيراته، ولا تزال إلى الآن تتحكم في مصائره وتغذي الطغم الفاسدة فيه. وليت منهج النقد التاريخي الذي عاش حياته من أجله قاده إلى إدراك أنه لا ¬

(¬1) نفس المرجع (343). (¬2) نفس المرجع (3 (¬3) نحو نقد العقل الإسلامي (252).

يعدو هو نفسه أن يكون من مخلفات الاستعمار الفكرية، وأنه ليس أكثر من جندي مجند خلف السياسة التغريبية المحاربة لحضارته وإرثه الثقافي والديني. {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} البقرة120. وأغلب العلمانيين يتهمون الإسلام بالتعصب والعنف، وقد تقدم كلام أركون، وكذا فعل علي حرب قال: إن الإسلام في حد ذاته يؤول إلى التعصب والضيق والإلغاء والإرهاب (¬1). وعند الشرفي ليس الإسلام فقط، وإنما جميع الأديان تشترك في عدم التسامح والركون إلى العنف (¬2). وسيأتي معنا كلام القمني وآخرين. أما العلماني السوري طيب تيزيني فهو أحد أكثر العلمانيين الماركسيين تطرفا، ولنترك تركي علي الربيعو يشرح لنا حقيقة الدين عند طيب تيزيني، قال: حيث يظهر لنا مشروع الدكتور تيزيني أن الدين في النهاية هو نسق معرفي بسيط، لنقل لعبة معرفية جاء بها كبار الكهنة، وهذا ما حذر منه ماركس (¬3). والدين وهم إيديولوجي كبير ابتدعه كبار الكهنة (¬4). والدين في المفهوم الماركسي العربي انعكاس لعلاقات اجتماعية اقتصادية إنتاجية (¬5)، وهو تعبير حي عن علاقات طبقية (¬6). ومن بني بلده علماني آخر ذو أصل شيعي، لكنه ملحد لا يؤمن بدين ويهاجم ¬

(¬1) الممنوع والممتنع (178). (¬2) الإسلام والحرية (194). (¬3) أزمة الخطاب التقدمي العربي (86). (¬4) نفس المرجع (91). (¬5) نفس المرجع (87 - 91). (¬6) نفس المرجع (87).

جميع الأديان ويسخر منها في كل تعليقاته على كتب أركون، وكذا في كتبه التي ألف. قال معلقا على كتاب أركون نحو نقد العقل الإسلامي (6) بعد تأكيده على ضرورة إجراء عملية جراحية خطيرة للإسلام كي يوافق الحداثة. قال عن المسلمين: وصلوا إلى مفترق طرق: فإما أن ينخرطوا في هذه العملية الجراحية الخطيرة الضرورية لمصالحة الإسلام مع الحداثة، وإما أن يستسلموا للمقادير وينقطعوا عن حركة التاريخ كليا في عصر العولمة الكونية ويصبحوا مهمشين ومرميين في مؤخرة كل الأمم. ومقصوده بالعملية الجراحية الخطيرة طبعا تطويع أحكام الإسلام لترضى عنها العلمانية الغربية أو بالأحرى بترها والبراءة منها وجعلها شيئا من الماضي فقط تدرس تاريخيا ومعرفيا كما تدرس باقي الثقافات. وتأمل كيف يستعمل لغة دينية لا يؤمن بها: يستسلموا للمقادير. مع أن الذي يستحق البتر والقطع هو علمانيته الغربية. وزاد مجنون أركون فكرته الإستئصالية وضوحا وتأكيدا فقال (6): لو لم تخض أوروبا معركتها مع نفسها، لو لم تُصَفِّ حساباتها مع ذاتها التاريخية- أي: مع تراثها المسيحي القديم بكل رواسبه- لما استطاعت أن تقلع حضاريا وأن تسيطر على العالم. هنا يكون هاشم صالح واضحا وصريحا، إنها تصفية حسابات مع الإسلام، الذي يخيف أوروبا وفي طليعتها عملاؤها وروادها العرب. وزاد (7 - 6) فأكد أن الوعي الإسلامي وصل إلى درجة خطيرة من التفاقم حتى ظهر للأمة المهدي والمنقذ من الضلال محمد أركون.

يجب تفكيك كل العقائد والثوابت الإسلامية والإطاحة بها

وأركون وحده عند هاشم صالح من يستطيع فعل ذلك، بل حتى الجابري في نظره لا يملك التكوين المنهجي ولا العدة المفهومية والمصطلحية للقيام بذلك (7). وهكذا فلتكن عبادة الأشخاص. يرفض هاشم صالح أن يُحكَم بالإسلام وفقهه، قال في الإسلام والانغلاق اللاهوتي (44): نحن لسنا محكومين بالماضي وقيمه ومعاييره إلى أبد الآبدين، إذا كان الماضي محكوما بفقه القرون الوسطى وتقسيم الناس إلى مؤمنين وكفار بحسب أماكن ولادتهم وغصبا عنهم، فإنا نرفضه. وبيَّن أن الهدف هو الإطاحة بكل العقائد الدوغمائية التي تفرض نفسها عن طريق الهيبة الفوقية للنصوص التراثية أو لرجال الدين لا عن طريق المحاجة والإقناع (44). يجب تفكيك كل العقائد والثوابت الإسلامية والإطاحة بها. هكذا يقول هاشم صالح قال: هذا ما فككه ديكارت وأطاح به، يمكن أن نقول الشيء ذاته عن العقائد اللاهوتية الإسلامية التي لم تتعرض لأي تفكيك حتى الآن والتي تفرض نفسها كحقائق مطلقة لا تقبل النقاش. الإسلام والانغلاق اللاهوتي (45). وزاد: هناك ركام هائل من اليقينيات المطلقة المعصومة التي تنتظر أن تفكك ويطاح بها، نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر: كل التصورات المثالية العذبة ولكن اللاتاريخية التي يحملها عامة المسلمين عن بدايات الإسلام الأولى وعن كيفية تشكل المصحف وكتب الحديث والسيرة النبوية وشخصيات الأئمة والصحابة والسلف والتابعين وتابعي التابعين .. إلخ إن كل هذا ينبغي أن يغربل غربلة شديدة على ضوء منهج الشك الديكارتي أو المنهجية التاريخية النقدية التي طبقت على التراث المسيحي من قبل، وأثبتت فعاليتها،

وأدت إلى تحرير الوعي المسيحي الأوروبي من كل تلك التصورات التبجيلية والأسطورية الموروثة عن العصور القديمة (45). فكل الدين بجميع أصوله وفروعه وعلومه ورجاله يجب تفكيكه من أجل تجاوزه كما فعل الغرب مع مسيحيته. واعتبر أنه لا فرق بين المذاهب، بل والأديان، وزاد: فالمنظور القروسطي الظلامي للدين يهيمن على كل فرق السنة والشيعة دونما استثناء: التخويف من النار وعذاب القبر ومنكر ونكير وكره الحياة الدنيا والشعور بالإثم والخطيئة والذنب وكل الرعب الذي يلف الدين موجود لدى كل الطوائف والمذاهب، نحن جميعا غاطسون في غياهب العصور الوسطى (22). بل الدين كله مرعب، قال: إن التدين القروسطي مرعب فعلا، وقد تربيت عليه منذ نعومة أظفاري، قارن بينه وبين التدين المسيحي في أوروبا، هذا التدين المبتسم المتفائل الحر الخالي من كل الإكراهات القمعية والصور الإرهابية التي لا يمكن أن يعلموها للأطفال (24). ومواقف هاشم صالح هذه تنم عن كونه يعاني أزمة نفسية أكثر من موقف فكري تحرري. وقد تحدث عن هذه الأزمة في مستهل كتابه هذا، حيث تحدث عن الرعب والخوف الذي انتابه وهو صغير من تربية والده وتحدث عن الكوابيس بسبب ملك الموت ومنكر ونكير وأفكار الخوف والرعب التي لقنها له والده الشيعي، بل هاجم والده مهاجمة شديد وتحدث عن «موقفه اللامسؤول الذي لا أستطيع أن أغفره له مهما حاولت»، هكذا قال: (22 - 23 - 24 - 26). وقال قبل هذا: وكنت طفلا صغيرا تملؤه هذه الحكايات (منكر ونكير)

بالوسواس والرعب واليقين المطلق بصحتها في ذات الوقت، وكنت أتساؤل متحيرا: كيف يمكن أن يستجوبناني وأنا في القبر تحت الأرض، ألا تكفيني ملاحقات في حياتي حتى ألاحق بعد موتي؟ وهل سأنتقل من كابوس إلى كابوس؟ وما هذا التدين المظلم البائس؟ وكنت أشعر برعب لا يوصف، وحتى الاسم منكر ونكير أرعبني فعلا، وحتى عزرائيل كنت أخاف منه خوفا شديدا بعد أن وصفوه لي (23). إذن المسألة أزمة نفسية حادة نتيجة تربية منحرفة أكثر منها قناعة فكرية، ويزيدها قوله بعد أن حكى قصة حكاها له والده أن رجلا دفن وهو حي بعد أن ظنوا أنه ميت، فاستيقظ في القبر محاولا رفع التراب فوقه. وقال: هذه القصة الكابوسية انغرست في ذهني إلى درجة أنني لا أستطيع التخلص منها حتى الآن، إنها تشكل أكبر رعب في حياتي (23). الرجل مكانه مستشفى الأمراض النفسية، فيريحنا ويريح نفسه. والدين في نظره رمز للقتل والإبادة، فزعم أن الفلسفة ما قتلت شخصا واحدا في حين قتل الملايين باسم الاهوت الديني. (356) هكذا بكل صفاقة وجه!! ومن قتل ملايين المسلمين والغجر والسلاف في سيبيريا وألبانيا؟ أليست الفلسفة الماركسية، وباسم من قتل النازيون الملايين والفرنسيون في البلدان المستعمرة؟ ولا يَقِل صادق جلال العظيم في التطرف عمن سبقه، فعنده: الإسلام يتعارض مع العلم ومع المعرفة العلمية قلبا وقالبا، روحا ونصا. وهما على طرفي نقيض (¬1) ¬

(¬1) نقد الفكر الديني (15).

تجاوز الدين والمفاهيم الدينية وإقصاؤها

و «الدين بديل خيالي عن العلم» (¬1). وجعل الإسلام الإيديولوجية الرسمية للقوى الرجعية المتخلفة في الوطن العربي (¬2). والإسلام المصدر الرئيس لتبرير الأنظمة الرجعية وأنه مؤهل لأن يلعب هذا الدور، وقد لعبه في جميع العصور بنجاح (¬3). تجاوز الدين والمفاهيم الدينية وإقصاؤها. قال أركون مبينا موقف العلمانية من الدين: أما الموقف العلماني فيتميز بإحداث القطيعة الجذرية مع كل ما يشرط الموقف الديني ويتحكم به. وهو يفترض - متسرعا- أن فرضية الله أو وجود الله ليست ضرورية من أجل العيش، وبالتالي فالوحي يشكل بالنسبة له ظاهرة أو معطى، مثله في ذلك مثل أيّ معطى آخر، ويمكننا أن ندرسه كمؤرخين وكعلماء اجتماع. ولكن لا يمكننا التقيد به وقبول ما يدعوه الفيلسوف الفرنسي بول ريكور: بالاختيار المُسْتَعْبَد، المقصود بهذا المصطلح خضوع العقل لمعطى خارجي عليه، إن الموقف العلماني يذهب في توجهه حتى هذه النقطة ... وإذن فيوجد بالفعل هنا قطيعة أساسية وجذرية مع الوحي أو معطى الوحي، لكي ينتقل المرء إلى تحقيق الاستقلالية الكلية للعقل. العلمنة والدين (71 - 72). وهذا كلام في غاية الوضوح أن مراد العلمانية إهمال الدين ومفاهيمه كالله ونحوه من المفاهيم الدينية وإحداث قطيعة نهائية معها. ويزيد أركون هذا المعنى وضوحا في كتاب آخر له عن الأنسنة والإسلام (160): ¬

(¬1) نفس المرجع (17). (¬2) نفس المرجع (16). (¬3) نفس المرجع (17).

إن السلوك الأنسني (¬1) الذي أدافع عنه في كتابي هذا لا يهدف إلى إصلاح ما هو داخل في إطار الانغلاق العقائدي فحسب، بل إلى الخروج من هذا الإطار بالمعنى الذي يقصده مارسيل جوشيه وغيره من المفكرين كجياني فاتيمو عندما يتحدثون عن الخروج من الدين أو عن مسيحية غير دينية. وهذا كلام واضح كذلك، ويزيده تأكيدا قوله في نفس الكتاب (144): ذلك لأن المواضيع المطروحة في هذا الكتاب وخاصة في هذا الفصل تهدف إلى فتح الطرق وإلى اقتراح أدوات تفكير تقود إلى الخروج نهائيا وبغير رجعة من التكراريات العقائدية والمنتجات الفكرية للعصور الوسطى. وتحدث قبل هذا (71) عن فهم الخلاص ومعايشته، وتحدث عن ما بعد الغيبية، وما بعد اللاهوت، بل تحدث عن ما بعد الإسلام وإسلام غير ديني. مراده بما بعد الغيبية نهاية الغيبية، وما بعد الإسلام: نهاية الإسلام. وإسلام غير ديني يقصد إسلام يتحدث عن بعض الروحانيات وبعض الأخلاق الفاضلة التي ترضى عنها العلمانية، لا إسلام طقوسي شعائري كما يعبر أركون في بعض كتبه. وإذا كان مشروع أركون وكذا غيره من العلمانيين يهدف إلى تجاوز الدين، فلابد عنده من تطبيق العمليات التفكيكية التالية: الانتهاك، فالزحزحة، فالتجاوز والتخطي. قال: هذه العمليات ينبغي تطبيقها بالطبع على التراث الديني (¬2). وقال: ¬

(¬1) أي: العلماني. والأنسنة هي العلمانية نسبة إلى الإنسان. إذ مرجع العلمانية هو العقل الإنساني فحسب، وتبعد كل ما هو خارج عنه كالغيب والماورائيات التي هي عمدة الدين. (¬2) نحو نقد العقل الإسلامي (321).

نحن نهدف من خلال هذه الدراسة كلها إلى زحزحة مفهوم الوحي وتجاوزه (¬1). بهذا الوضوح رغم الرقابة الذاتية التي يمارس على نفسه على حد تعبيره السابق لكي لا يثير حفيظة الجماهير المسلمة. بل ذهب أركون إلى وجوب تخطي الحوار بين الأديان وبين الثقافات إلى تجاوز هذه الأديان نفسها، قال: ينبغي الانطلاق من الحوار بين الأديان وبين الثقافات أو من تحالف الحضارات بصفته أسطورة معاصرة، لكي نصل إلى تجاوز كل المواريث أو التراتاث العتيقة البالية التي عفى عليها الزمن من أجل الإعلاء من شأن التراث العام المشترك للبشرية (¬2). فحوار الأديان أو الحضارات أسطورة في نظر أركون، بل المطلوب هو تجاوز هذه الأديان من أجل ما سماه التراث العام المشترك للبشرية. أي: سيقوم بعملية دمج بين الأديان الثلاثة، واستخراج دين مشترك ترضى عنه العلمانية يدعو المساواة والعدل وحقوق الإنسان، قال: وبما أن اليهودية هي السابقة زمنيا فإنها تصبح عندئذ مرجعية إجبارية بالنسبة للمسيحية والإسلام (¬3). إذن فقاعدة الأديان هي اليهودية فهي المرجع لباقي الأديان. ولا يعني هذا الاعتراف بشرعية أيّ دين، فمشروعه يهدف إلى أرخنة الأصول الأولى للأديان التوحيدية، أي: الكشف عن تاريخيتها أو المغطاة بستار كثيف من ¬

(¬1) القرآن من التفسير الموروث (76). (¬2) نحو نقد العقل الإسلامي (322). (¬3) نفس المرجع.

التقديس والتعالي (¬1). يقصد بتاريخيتها بشريتها، وإبعاد أيّ صبغة إلهية متعالية مقدسة عنها. وبالتالي سيقطع أركون مع: 1 - المحرمات العتيقة. 2 - الميثولوجيات (أي: الأساطير) البالية. 3 - الإيديولوجيات الناشئة (¬2). لا مكان للأساطير: الغيبيات والأنبياء والجن والملائكة والقبر والآخرة. هنا يبدو منهج طه حسين والعقاد وهيكل غير كاف في نظر أركون، لأنه منهج اعتذاري تبريري، لابد عنده من قفزة أكبر، بل موقف أصرح وأكثر حدة (¬3). ونقل عن آن ماري بليتي: هكذا حكم على التوراة بالتجاوز لا حين تستنفد قراءاتنا المتعددة المستلهمة معناها، بل حين يغدو هذا المعنى مكتملا تماما. أما الغوص في سر هذا الاكتمال عن طريق النفاذ إلى ما وراء الكتاب الذي بين أيدينا اليوم. فذلك هو غاية الأبدية. ثم قال: وما تقوله آ. م. بليتي عن الكتاب المقدس ينطبق تماما على القرآن. ولكن هناك فارقا جوهريا. إذ إن عمل الهدم الذي أدعو إليه في مجال الخطاب القرآني يمس جميع النصوص المسماة بالنصوص المؤسسة، بينما لا تعير الدراسات في مجال التوراة والأناجيل أيّ اهتمام لوضعية القرآن إلا بمحض ¬

(¬1) القرآن من التفسير الموروث (84). (¬2) تاريخية الفكر العربي الإسلامي (58). (¬3) نفس المرجع (60).

الصدفة في تعليقات بعض الباحثين (¬1). يريد أركون أن عملية الهدم التي سيقوم بها لن تخص القرآن وحده، بل ستشمل جميع الكتب المقدسة التي أسست لهذا القرآن. أما برهان غليون العلماني السوري فحدثنا أن هدف العلمانية هو إقصاء التراث وإبعاده عن مناحي الأنشطة الاجتماعية والفردية (¬2). وأما زكي نجيب محمود فقال في تجديد الفكر العربي (110): هذا التراث كله بالنسبة إلى عصرنا قد فقد مكانته، لأنه يدور أساسا على محور العلاقة بين الإنسان والله (¬3). ودعا العلماني التونسي عبد الوهاب المؤدب إلى تجاوز الشريعة وإلغاء الجهاد كليا بما فيه الجهاد الدفاعي وإلى إحداث قطيعة مرة مع التراث وأن نقوم بالحداد على الماضي (¬4). واعتبر أن تحريم الخمر والاختلاط يحول المجتمع إلى سجن أو قبر (¬5). ويحدثنا هاشم صالح بصراحة أكبر فيقول: إن كل التراث الموروث عن القرون الوسطى سوف نجد أنفسنا مضطرين لتفكيكه حجرة حجرة، وقطعة قطعة، ثم الإطاحة به، عشرات أو مئات الأفكار الراسخة واليقينيات المعصومة سوف تنهار كصرح من كرتون ... حقا لقد حان زمن التفكيك والتكنيس والتعزيل الكبير (¬6). ¬

(¬1) الأنسنة والإسلام (141 - 143). (¬2) اغتيال العقل (173). (¬3) ونقله عنه محمود أمين العالم في الوعي والوعي الزائف في الفكر العربي المعاصر (19). (¬4) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (107). (¬5) نفس المرجع. (¬6) نفس المرجع (24).

وزاد: لا أقصد إطلاقا بأن الدين سينتهي، وإنما سيبقى منه الجوهر، أي: القيم الروحية والأخلاقية العليا، كل ما عدا ذلك من حشو وتعصب مذهبي أو طائفي سوف ينتهي يوما ما مثلما انتهى في البلدان المتقدمة في أوربا (¬1). وزاد: وهذا يعني أن التطور ممكن حتى في الشؤون العقائدية وعلم الاهوت، وبالتالي أرجوكم كفوا عن اتهامنا بالمس بثوابت الأمة (¬2). وهذا كلام في غاية الوضوح، الهدف هو تجاوز عقائد الإسلام وثوابته وتطويعها لخدمة الحداثة العلمانية، فما وافقت سيادتها عليه قبل، وما لم تقبله فإلى الجحيم. ولن تترك لنا علمانية هاشم صالح من إسلامنا إلا القيم الروحية كالمحبة والمساواة والعدل واحترام الآخر (¬3). أما البومسهولي فأكد على وجوب رفض كل وصاية إلهية على الإنسان، لأنها تحد من حركيته وحريته وانفتاحه. فلا بد في نظره من إحداث قطيعة مع تمجيد فكرة «الله» اللامتناهية، لأنها رمز للذل والخضوع والعبودية، وهذا طبعا يتنافى مع مشروعه العلماني (¬4). وليست الصلة بالله هي العبودية والذل والخضوع كما عبر ابن تيمية، بل على العكس من ذلك التحرر من أيّ عبودية، بما فيها عبودية الله وتحقيق إرادة الإنسان (¬5). ¬

(¬1) نفس المرجع (25). (¬2) نفس المرجع (25). (¬3) وهذا ما دعا له عبد الوهاب المؤدب كذلك أنه لن يبق إلا التراث الروحاني والأخلاقي المتجسد في كبار المتصوفة كابن عربي. الإسلام والانغلاق اللاهوتي (106). (¬4) العلمانية مفاهيم ملتبسة (295 فما بعدها). (¬5) نفس المرجع (300).

وهذا ما يعبر عنه كثير من العلمانيين بالأنسنة، أي: تأليه الإنسان، أو أنسنة الإله. وعليه فإن نظام الفتوى في البلاد الإسلامية سيتم تجاوزه لأنه يقدم نفسه كنظام للوقاية والحجر، وهذا يعارض ثقافة التسامح والحرية والكرامة (¬1). عندما يتحول مفكر إلى صُنبور وقِمْع لأفكار غيره فعلى الفكر السلام. وأما حسن حنفي فدعا إلى الكف عن ترقيع التراث، بل الواجب هدمه بأكمله. والدفاع عن التراث في نظر حسن حنفي جريمة لا تغتفر، وعنوان الهزيمة وسبيل لكسب المال، ومما قال: الدفاع رفض للعقل، ينشأ عن جهل أو تعصب ... تستخدمه السلطة السياسية لتغطية الواقع ومآسيه ... وعادة ما يكون الدفاع هو دفاع عن النفس ودفاع عن المنصب ورغبة في الشهرة ودخول في المزايدة، فأشد المدافعين حمية هو الذي يحصل على الغنيمة، ومن ثم ينقلب الفكر إلى تجارة والأمانة إلى خيانة، وكثيرا ما يكون الدفاع عن نفاق لا عن إيمان واقتناع (¬2) .... إلى آخر تفاهته. ولهذا أخذ على إخوانه العلمانيين بأنهم يبنون فوق بنيان متهدم قائم، دون أن يكملوا الهدم ليعيدوا البناء من جديد (¬3). وفي ظل مشروع «التراث والتجديد» يجب التخلي عن لغة اللاهوت الإسلامي: إله، رسول، ثواب وحساب وعقاب وملاك وشيطان ... إلى آخره، ¬

(¬1) نفس المرجع (300). (¬2) التراث والتجديد (100). والنقاط علامة على حذفي لبعض كلامه. وهكذا أفعل مع غيره. (¬3) نفس المرجع (29).

فهذه اللغة في نظره مغلقة خاضعة للرمز الديني (¬1)، وبالتالي يجب تجاوزها لأنها لم تعد تعبر عن متطلبات العصر، نظرا لطول مصاحبتها للمعاني التقليدية الشائعة التي نريد التخلص منها. ولأنها أصبحت لغة عاجزة عن أداء مهمتها في التعبير والإيصال (¬2)، واستعمال لغة أخرى أكثر عقلانية وانفتاحا وإنسانية مثل الإنسان والعقل والنظر والعمل والفضيلة (¬3). لا يكتفي حسن حنفي بتجاوز المفاهيم والمضامين، وإنما يريد تجاوز المصطلحات كذلك، لأنها حجر عثرة أمام مشروعه التجديفي عفوا التجديدي. وشرح لنا في كتابه من العقيدة إلى الثورة مشروعه التجديدي هذا. فذكر أن علم الكلام أو علم أصول الدين سيتحول إلى علم جديد اسمه: الإنسان والتاريخ. وبدل الإلهيات: الإنسان. وبدل السمعيات: التاريخ. وبدل الذات: الوعي الخالص. وبدل الصفات: الوعي المتعين أو الشخصية الإنسانية. وبدل خلق الأفعال: الحرية. وبدل النبوة: تطور الوحي. وبدل المعاد: مستقبل الاإنسانية. وبدل الأسماء والأحكام: النظر والعمل. وبدل الإمامة: الحكم والثورة (¬4). وهكذا نكون قد جددنا كل القديم، وليس الأمر مقتصرا على تغيير مصطلحات، بل تغيير مضامين ومفاهيم، فعوض الحديث عن المعاد والآخرة، في مشروع «التراث والتجديد» سنتحدث عن المستقبل البشري، وعوض الحديث عن الله وأسمائه وصفاته، سنتحدث عن الإنسان ووعيه. ¬

(¬1) نفس المرجع (157). (¬2) نفس المرجع (110). (¬3) نفس المرجع (157). (¬4) من العقيدة إلى الثورة، المجلدات الخمسة، ونقد الخطاب الديني (164 - 165).

وعوض الحديث عن النبوة سنتحدث عن تطور الوحي، أي: دراسة تاريخية مقارنة لتطور الوحي عبر العصور. بل الأكثر من هذا حوَّل حسن حنفي الوحي إلى الطبيعة والميتافيزيقي إلى الفيزيقي، وكل إنجاز بشري في مجال معرفة الطبيعة والواقع إضافة للوحي واستمرار له، بل قال أبو زيد: وفي هذا الفهم لا يكون الوحي مجرد واقعة حدثت في الماضي عدة مرات ثم توقفت، تاركا شأن البشرية سدى، بل الوحي اسم يطلق على النشاط الذهني للإنسان في كل زمان ومكان (¬1). ومع أن هذا المشروع يهدف إلى زعزعة العقائد الإسلامية وطحنها وعجنها في صورة مناقضة لها، فهو في نظر مَنْ حكمتْ محكمةُ القاهرة بردته نصر حامد أبي زيد عمل ناقص، بل يريد هو اجتثاث هذه العقائد من الأصل. فمشروع حسن حنفي في نظره مجرد طلاء، ومشروع تلفيقي وتلويني (¬2)، أقرب إلى الإخفاق منه إلى النجاح (¬3)، وأنه تحويل تجديد التراث إلى تجاور بين القديم والجديد (¬4). وهذا طبعا لا يرضي أبا زيد، إنه يريد الجديد فقط، وأما القديم فالمكنسة له بالمرصاد. وأبو زيد وإن انتقص عمل صديقه ورفيق دربه حسن حنفي إلا أنه قال عنه: إنها محاولة مشروعة لتحويل اللاهوت إلى انتروبولوجيا والإلهيات إلى إنسانيات (¬5). وزاد أبو زيد في إطار إظهار إيجابيات مشروع حسن حنفي أن ¬

(¬1) نقد الخطاب الديني (188). (¬2) نفس المرجع (158 - 159 - 163). (¬3) نفس المرجع (183). (¬4) نفس المرجع (183). (¬5) نفس المرجع (184).

العقائد الإسلامية مجرد تصورات ذهنية، أكثر من كونها عقائد دالة على وجود مفارق، وأن الله ليس ذاتا موجودة مفارقة للوعي الإنساني، بل هو مبدأ معرفي خالص (¬1). أي: العقائد الإسلامية تصور ذهني لا أقل ولا أكثر. فالله والجنة والنار والمعاد والحساب والعقاب وغيرها تصورات يتصورها الذهن لا أنها موجودة في نفس الأمر. وعوض مشروع حسن حنفي التلفيقي كما يقول نصر أبو زيد فله مقاربة أخرى لتجاوز التراث نحو التجديد: فدلالات النصوص عند أبي زيد ثلاثة: 1 - شواهد تاريخية لا تقبل التأويل المجازي أو غيره. 2 - دلالات قابلة للتأويل المجازي. 3 - دلالات قابلة للاتساع على أساس المغزى (¬2). فالنصوص عنده إما تاريخية تجاوزها الزمن، وإما مجاز، وإما مغزى. فنصوص الحجاب مغزى للعفة، والعفة متغيرة حسب الزمان والمكان، وقد يكون من العفة لبس (الشورت) للمرأة في الرياضة في هذا الزمان. وضرب لنا أبو زيد أمثلة عديدة لهذه الدلالات فذكر من النصوص ذات دلالة تاريخية التي يجب تحويلها إلى متحف التاريخ ولم يعد لها معنى في زمان أبي زيد: ملك اليمين (215) والجزية والموقف من الكفار (216) ونصوص السحر والحسد والجن والشياطين (218). فكل هذه المفاهيم كانت مناسبة لبيئة بدوية تقليدية، وبعبارة سَيِّدِه سوسير: ¬

(¬1) نقد الخطاب الديني (1 (¬2) نفس المرجع (214 - 215).

هي مفاهيم ذهنية، لأن اللغة قد تشير إلى مفردات ليس لها وجود عيني (219). وهكذا نصوص الربا (220)، فكلمة «الربا» تجاوزتها اللغة في الاستعمال لاختفاء الظاهرة التي تدل عليها من المعاملات الاقتصادية (220). وعليه أردف قائلا: والحقيقة أن النظم البنكية لا تتعامل بالربا، بل تمنح أرباحا للمودعين وتجني فوائد من المقترضين (221). وأما المغزى: فالمعنى عنده يمثل المفهوم المباشر لمنطوق النصوص، والوقوف عند المعنى تجميد النص في مرحلة محددة وتحويله إلى أثر أو شاهد تاريخي. وأما المغزى فهو محصلة لقراءة عصر غير عصر النص، وضرب لنا مثلا بميراث البنات. فلما حلل أبو زيد عصر النص وجد أن النص أحدث حركة تتجاوز الوضع المتردي للمرأة وتسير في اتجاه المساواة المضمرة والمدلول عليها في الوقت نفسه (236). 1 إذن فالمغزى من تشريعات القرآن حول ميراث البنات وكونه على النصف من الذكور هو التحرك نحو المساواة تدرجا من وضع أكثر ترديا إلى وضع أعلى زمن النص. ولكن الهدف النهائي هو المساواة. بل ما قيل هنا يقال حسب أبي زيد دائما في وضعية المرأة عموما التي نقلها النص من وضع جاهلي منحط إلى وضع أعلى منه. وهذا هو المعنى، ولكن أبو زيد يريد المغزى، أي: المساواة مطلقا. فالنصوص القرآنية تعتبر الأنصبة طبقا لعلاقات العصبية الأبوية. وهذا طبيعي في المجتمع القائم على تلك البنية العصبية. وأما المغزى النَّصْري البوزيدي فهو العدل وتوزيع الثروة (237). وهذا ما سماه أبو زيد في كتابه الآخر الإمام الشافعي (190) بالتحرر من سلطة النصوص.

قادت أبو زيد تحليلاته إلى مستوى أعلى، فاستند في كتابه النص والسلطة والحقيقة (109) إلى ما سماه: المسكوت عنه في بنية الخطاب، وأكد لنا أن هذا المسكوت عنه ليس هو الفحوى أو لحن الخطاب المذكورين في أصول الفقه. بل هو سياق أعمق، بحيث يمكن لنا أخذ دلالة معكوسة لدلالة النص. وضرب لنا أبو زيد مثلا: فذكر أن القرآن تحدث عن الجن بناء على الثقافة السائدة آنذاك، أي: البيئة الثقافية في جزيرة العرب، حيث الإيمان بالجن هو الشائع، لكن بتحليل السياق اللغوي في القرآن على مستوى أنسنة الجن بتقسيمهم إلى مؤمنين وكافرين، وعلى مستوى مرجعية الضمائر (أي: الغائب)، وعلى مستوى مصادرة حق الجن في الاستماع إلى أخبار السماء عن طريق محاصرتها بالشهب الحارقة الراصدة للجن، ليستخلص أبو زيد بجزم تام وخفة وطيش كبيرين: أمكننا القول: إن النص يلغي وجود الجن بدلالة المسكوت عنه المستخرجة من تحليل السياق اللغوي (¬1). ما شاء الله، ما شاء الله!! يا لها من تحليلات دقيقة، تدل على البراعة التامة والعمق المعرفي!!! إنها حقا الإيديولوجية النفعية التي نعاها على غيره. هذه هي دائرة الصمت والمسكوت عنه في بنية الخطاب كما قال العلامة الهمام أبو زيد!. والأكثر من هذا أن هذه القراءة النصرية تتعدد إلى ما نريد قراءته، قال: ولا شك أن تحليل مستويات السياق اللغوي في بنية النصوص الدينية بإدخال مستوى المسكوت عنه- ناهيك بمستويات هذا المسكوت عنه المتعددة بتعدد مستويات القراءة، يمكن أن تساعدنا إلى حد كبير في فهم أعمق- وأكثر علمية- للنصوص (¬2). هذا هو مشروع أبي زيد لتجاوز الدين وإقصائه. وقال ¬

(¬1) النص والسلطة والحقيقة (109). (¬2) النص والسلطة والحقيقة (109 - 110).

محمد خلف الله في الأسس القرآنية للتقدم (41): تبقى بعد ذلك عملية تحرير العقل البشري من السلطة الدينية المتمثلة في نظام النبوة (¬1). وقال علي حرب في الممنوع والممتنع (219): فإنني لا أتعامل مع هويتي القومية أو الدينية كجوهر ما ورائي أو كعنصر نقي أو كبنية ثابتة أو كحقيقة متعالية أو كشعار مقدس، بل أتعامل معها كشرط يمكن تغييره أو تجاوزه. وأول الطريق عنده (222) هو التحرر من أيّ تقليد أو نموذج، من كل مسبق يتحكم فيما نرى التفكير فيه أو عمله. ولا مقصود من هذا الكلام إلا الدين. وزاد (215) أن خطاب الهوية لا معنى له وسلاح تقليدي لا فعالية له. وطالب بالتحرر من النص الديني واعتبره شرطا لقراءته قراءة جديدة مغايرة خلاقة (218). وحضور التراث فينا -عنده- ليس الحضور الأغنى والأبهى، بل يحضر كأثقال نجرها وراءنا كسلاسل تكبل حركتنا (218). وطالب جورج قديس باستبدال التعاليم الدينية في المدارس بتعاليم أخرى إنسانية تبحث فيما هو مشترك بين البشر من حيث هم بشر (¬2). يريد منا جورج قديس تجاوز وإقصاء تعليم الدين من المدارس وأن نستبدله بتعاليم إنسانية مشتركة بين البشر. وقال خليل حيدر: القرآن والسنة إن صلحا لعصر فلن يصلحا لنا الآن. وقال: إنني مع الرأي القائل بأن مزج الدين بالسياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع أو الثقافة يعرقل التطور كما وكيفا، ويسبب آلاما لا آخر لها بدون مبرر (¬3). ¬

(¬1) تهافت العلمانية (265). (¬2) العلمانية مفاهيم ملتبسة (370). (¬3) تهافت العلمانية (87).

السخرية والتكذيب والتشكيك بعقائد وشرائع وثوابت دينية

السخرية والتكذيب والتشكيك بعقائد وشرائع وثوابت دينية. ولنبدأ بسيد القمامة، فذكر في انتكاسة المسلمين (167) أن الله قام بإبادة جماعية بطوفان نوح. وقال كذلك مستهزءا بالأديان (250): لقد نجحت القيم الإنسانية في توحيد البشرية وتوجيهها نحو قرية واحدة، بينما لم يتمكن أيّ دين من ذلك، وعندما أرسل الله نوحا وأحدث الطوفان، كان الهدف من هذا القرار الرهيب في حق الإنسانية كلها هو التخلص من الآخرين غير المؤمنين لتوحيد البشرية، ومع ذلك لم تتوحد البشرية، فجاء بعد نوح من خرجوا على الدين مرة أخرى. إلى أن قال في انتكاسته (251): بينما القيم الإنسانية (¬1) هي التي أدت للإنجاز الذي يتحقق اليوم تدريجيا لتوحيد البشرية بالعولمة، دون دمار وطوفان وخراب ديار وإبادة الإنسانية على الأرض، إنما بمؤتمرات وحوارات بين الثقافات وما تقوم به اليونسكو الآن في حوارات القرن الحادي والعشرين. فالله رغم طوفانه لم يستطع توحيد البشرية حسب القمني، بينما العلمانية استطاعت ذلك بفعل العولمة التي تقوم على الحوار والمؤتمرات لا بالطوفان. هكذا يتم اختزال العولمة الامبريالية الرهيبة المتوحشة حسبما تقول الأدبيات الماركسية التي كان يدين بها القمني في يوم من الأيام. وهكذا يسخر من الدين وإلهه!!. وكرر سيد القمامة مرارا في كتابه انتكاسة المسلمين إلى الوثنية (153) أن الفراعنة والبابليون أسسوا حضارات ودولا عريقة، بينما الإسلام في نظره لم ينشأ دولة ولا حضارة كما تقدم عنه. بل يرى أن تلك الحضارات الفرعونية والبابلية ¬

(¬1) أي: العلمانية.

وغيرها كنت متحضرة وتتمتع بالخلق الرفيع. وأما تاريخ الإسلام فدماء وأشلاء وقتل وسلب ونهب لا غير. ومن أعجب ما رأيته لهذا الزنديق في معرض بيانه فضل القيم الوضعية على القيم الدينية: تفضيله قيم فرعون على قيم نبي الله إبراهيم، والقيم الوضعية لملك مصر على قيم الأسباط الكرام. وكيف أن نبيا من أولي العزم من الرسل لم تمنعه قيمه الدينية من التفريط في زوجته سارة، بينما قيم فرعون مصر دفعته إلى إرجاعها له وتزويدها بخير عظيم (153). وزاد: «القيم السماوية لم تمنع الأسباط الكرام من بيع أخيهم يوسف طفلا في سوق النخاسة، بينما القيم الوضعية المصرية هي التي أعطت الفرصة ليوسف عندما أثبت المهارة ليتبوأ منصب وزير خزانتها، وهو غير مصري، وهو المبيع لها عبدا» (153). ولا أظن أن في تاريخ الزندقة منذ ظهور إبليس إلى يومنا هذا أن زنديقا تفوه بكلام يشبه هذا الكلام. فهنيئا للقمامي باختراعه العجيب. يزيد اللعين فيؤكد أن القيم الدينية «نتج عنها من تفشي جرائم التحرش والاغتصاب بنسب غير معهودة في بلادنا، وتفشي التقوى ومعها الفساد والنصب والاحتيال بشكل لم يسبق أن عرفه تاريخنا سوى أيام المماليك والهكسوس» (154). واعتبر أن القيم الإنسانية أي: العلمانية هي الأصدق من القيم الدينية (146 - 147). ومدح مرارا القيم الإنسانية أي: العلمانية مدحا منقطع القرين، وأنها هي القيم المعتبرة والتي يجب الأخذ بها، وأن القيم الإسلامية قيم ذاتية خاصة.

ونص (250 - 251) أن القيم الإنسانية حققت للبشرية السعادة التي لم تحققها لها الأديان. وهذا ازدراء للأديان وطعن فيها وكفر بالله العظيم. وأنكر على من يتحدث عن القيم والأخلاق وقال: بينما لديه زنى شرعي بألوان زواج لا تشكل أسرة، ولديه اغتصاب شرعي لركوب ملك اليمين والإماء والزوجة الطفلة (¬1)، ولديه الجنة وإن زنا وإن سرق، وله ارتكاب كل المعاصي بشرط غسلها بالحج أو بالتوبة أو باحتمال بعض العذاب الأخروي الذي سيدخل بعده الجنة حتما، فقط لأنه شهد للإله بأنه الإله وأن محمدا نبيه ورسوله، وهو كله ما لا علاقة له بقيم أو بأخلاق (39). ولا أدري ما دخل القمني في القيم الإسلامية؟ وبنو جلدته العلمانيون تجاوزوا هذا الخطاب البدائي المرتكز على التراث، إن العلمانية التي ينادي بها أسيادك تعني القطيعة التامة مع القيم والأخلاق الإسلامية قطعا باتا نهائيا، فدعنا وديننا وقيمنا، وإنه بإمكانك الحديث مثلا عن أصناف العاهرات وأشكال الخنا واللواط وأصناف الشقروات المليحات، وكيف السبيل إليهن، وأنواع الخمور الجيدة. وعوض حديثك عن ركوب ملك اليمين في الإسلام لك أن تتحفنا بالحديث عن ركوب الشواذ والأطفال، لأن علمانيتك تبارك هذا وتدافع عنه، بل وركوب المحارم ما داموا موافقين، وتبادل الزوجات، وعلمانيتك تبارك كل هذا. وأما قوله عن ارتكاب العبد للمعاصي ما دام سيغسله بالحج، مما يؤكد أن الرجل في حاجة لمن يرحمه لينقله إلى جناح العناية المركزة في مستشفى الأمراض العقلية. ومع أنني لست في حاجة إلى تبيين المبين، ولكني أذكر بأن القاعدة الإسلامية ¬

(¬1) يَعتبِرُ الزواج بملك اليمين اغتصابا، لأن العلمانية لا ترضى عنه، وكذا الزواج بالبالغة شرعا إذا لم تبلغ السن القانوني يعتبره اغتصابا.

تقول: إن العبد إذا ابتلي بذنوب ومعاصي لا يرضاها الشرع، بل ينهى عنها ويحرمها، فحج بعدها فإن الله لسعة رحمته ورفقه بعباده العصاة يكفر عنهم سيئاتهم ويغفر لهم. وهذا منطق مفهوم عند كل من له عقل مستقيم يفهم الخطاب العربي. لكن من أَلِف القمامة سيقرأ هذا قراءة معكوسة تناسب منطقه القمامي. وسخر القمني من سنة الأضحية والرجم وتقبيل الحجر والطواف بالكعبة فقال: فإن طقس الذبح في الحج هو قربان للإله، بينما هو في نظر القيم الإنسانية إهدار بلا ثمن لثروة حيوانية هائلة، وعملية وحشية بلا معنى، تجز ملايين الخراف دون أيّ عائد سوى تركها لتتعفن، وظل أمرها طويلا محل أخذ ورد حتى أمكن التصريح بتعليبها وتصنيعها. ناهيك عن رجم إبليس الحجري وتقبيل حجر نيزكي وتقديسه والطواف حول بناء حجري، كلها طقوس دينية يقبلها المؤمن ويسلم ويطيع، لا مجال فيها لمناقشة أو حوار، لذلك يجب ترك الدين دينا، وعدم خلطه بغيره يصيب العقل بالاضطراب ويصيب الواقع بالكوارث، ويصيب الدين بما لا نحب ولا نشتهي (¬1). يعني أن هذه الطقوس لا يقبلها عقل ولا علم، فلهذا يجب ترك الدين دينا كما قال لخرافيته وبعده عن كل منطق. واستهزأ بقصة ابني آدم التي ذكرها الله في القرآن، ومما قال: قابيل عندما رفض الرب خضرواته التي قدمها له قربانا، واستطاب اللحم قربان أخيه هابيل، لم يحاول أن يسأل نفسه عن سبب رفض الرب لقربانه، ولم يحاول أن يطرح على نفسه وسائل أخرى قد يقبلها الرب فيجرب ويحاول مرة تلو أخرى حتى يحقق ¬

(¬1) انتكاسة المسلمين (2

مراده، إنما على الفور قتل ربع الإنسانية حينذاك ممثلة في أخيه هابيل ... (211). فالله استطاب اللحم وأباد ربع البشرية في نظر القمامي!!!. وبعد صفحتين (213) تعجب من كون الشريعة التي هي من عند الله لم يستشرنا ربنا عندما وضعها لنا ولا أخذ رأي أحد فيها ولا حتى أنبياءه ... وفي كتابه الآخر أهل الدين والديمقراطية (79) قال: لأن لدينا الكثير في تراثنا يستحق منهم السخرية بينما هو عقائد عزيزة علينا ونؤمن بها عن يقين كالتداوي ببول الجمل وناقة صالح التي ولدتها صخرة والحصان الطائر المعروف بالبراق. وذكر في انتكاسة المسلمين أن الأوامر الدينية والاملاءات هي السبب الأول في ظهور الشر (267 - 268). وختمه بقوله: كلما زادت القيود والفتاوى والخطوط الحمراء، قلَّت الحرية، واستفحل الشر (269). من هنا وفي ظل قمامة القمني حتى نقول بوجود قيم حقيقية لا أوامر مفروضة يجب أن يكون الخمر والماء في السوق، عندها يمكن القول إننا أصحاب قيم عندما نختار، وحيث لا توجد سوى سلعة واحدة فلا (272). في مقطع آخر يصور القمني نبينا - صلى الله عليه وسلم - كزعيم عصابة، وكيف أنه قام باتخاذ إجراءات متتالية لا تهدأ، عبر القيام بمجموعة من الاغتيالات لرؤوس المعارضة (المنافقين) إعلانا على أن السيف المحمدي ما زال قويا مقتدرا عنيفا، وأن الدولة مستمرة مهما كلف من أرواح (¬1). يتخيل إليك كأنك تقرأ لمستشرق صهيوني عنصري متطرف حاقد على الإسلام والمسلمين. بل الأكثر من هذا والأخطر أنه -خلافا للعالمين- فإن نبينا ¬

(¬1) انتكاسة المسلمين (182).

- صلى الله عليه وسلم - أول ناقض للعهد مع معاهديه اليهود (¬1). وأن الإسلام نقض عهود الأسرة فقتل الابن أباه كما فعل أبو عبيدة والأخ أخاه (¬2). وأن نقض النبي - صلى الله عليه وسلم - للعهد انتهى بمجزرة قريظة (¬3)، واعتبر أن ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - في حق قريظة لما نقضوا العهد جريمة في حق الإنسانية (¬4)، وأنه مجزرة بكل المعاني (¬5). هكذا يدافع عن إخوانه الصهاينة، وسيأتي معنا مغازلته لهم، وتنديده بقوى المقاومة. لا يرى القمني في ديننا وتاريخنا إلا ما هو بئيس وحقير ومخز، ولهذا يستسهل ركوب أية موجة شاذة، لا يهم صدقها المنطقي ولا ظهور ضعفها، المهم ما دامت تؤدي غرض التحقير والسخرية والازدراء، فهذا هو الهدف المنشود والمشروع. فخلافا لكافة الباحثين الغربيين والعرب، كرر القمني من غير ملل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينشئ دولة، وإنما كانت له كونفدرالية قبلية (¬6). وتجمعا قبليا يحتشد حول فكرة وإيديولوجيا (¬7). ¬

(¬1) نفس المرجع (181 - فما بعد - 188 - 189 - 190). (¬2) نفس المرجع (188 - 1 (¬3) نفس المرجع (190). (¬4) نفس المرجع (195). (¬5) نفس المرجع (196). (¬6) انتكاسة المسلمين (126 - 133). (¬7) نفس المرجع (72).

وكان رعيا خراجيا طفيليا (¬1). ومجتمعا بدويا بدائيا عصابيا (¬2). قام على مبدأ عنصري طائفي (¬3). بينما الروم والفرس كانت لهم دول قائمة (¬4). وكذلك كان العهد في خلافة الخلفاء الراشدين حكم قبلي لا دولة (¬5). وأكد هذا فيما بعد (¬6) حين قال: فاكتفى الراشدون في إدارة شؤون الناس بعادات القبيلة. وقال: هي إذن قبيلة كبيرة يديرها مزاج كبرائها ولم تكن دولة قط (¬7). غيره من العلمانيين يقولون: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفاءه أقاموا دولة. لكن الظروف تغيرت ونحن في حاجة إلى مفاهيم عصرية للدولة المدنية بشروط ديمقراطية معروفة. وهذا قول أعقل من قمامة القمني التي تنكر المحسوسات وتكفر بالبديهيات. فأنت ترى كيف سخر من الله والنبي - صلى الله عليه وسلم - ودينه، وسيأتي معنا أشياء لا تعد ولا توصف من ازدراء للشريعة ولأحكامها ولعقائد الإسلام ولصحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين، بل سخر من عمر ومن عدله، مما يثير شبهات وتساؤلات عديدة حول ما يبطنه الرجل ويتستر به. ¬

(¬1) نفس المرجع (73). (¬2) نفس المرجع (117). (¬3) نفس المرجع (119). بينما أكد أركون أن الدولة التي أنشأها النبي في المدينة كانت نموذجا جديدا للدولة مستعارا من دولة أثينا أولا ثم من الدولة الامبراطورية الرومانية بعد تشكل الخلافة ثانيا. العلمنة والدين (49). (¬4) نفس المرجع (133). (¬5) نفس المرجع (134 - فما بعد). (¬6) نفس المرجع (137). (¬7) نفس المرجع (80 - 1

أصل الدين والإسلام

أصل الدين والإسلام بعد أن تحدثنا عن موقف العلمانية من الدين، سواء بالطعن فيه، أو بالدعوة لتجاوزه وإقصائه، أو بالاستهزاء بأصوله وقواعده، رأيت أن أفرد هذا المبحث وإن كان يمثل لونا من ألوان الطعن، ولكنه طعن في الصميم، أو لنقل: إنه نقض للدين من أساسه وجذوره، واعتباره مجرد وهم، من صنع بعض الكهنة. فقد أجمع علماء الاجتماع الغربيين على أن الأديان صنع بشري محض، أي: إفراز تاريخي اقتضاه التطور البشري. بدأ أولا في شكل أساطير، أملاها الخوف من القوى المجهولة والظواهر الطبيعية الكبيرة، ثم تطور الأمر إلى تعدد الآلهة، واتخاذ كل قبيلة أو مجموعة قبائل إلها خاصا بها، ثم تطور الأمر إلى توحيد الآلهة على يد الأديان التوحيدية الثلاثة، ثم تطور الأمر نحو العقلانية. وعندهم الظواهر الاجتماعية هي التي شكلت الدين وصنعته وطورته. وعند فرويد: الأديان مجرد وهم من أوهام الجماهير، نشأت نتيجة لضرورة حماية الإنسان لنفسه من قوى الطبيعة. والدين عصاب وسواسي يصيب البشر كافة، وإن الله ابتكار بشري يمجد الأب المثالي ويصبح ملجأ خارقا للطبيعة يعتصم به كل من أفزعته الحياة (¬1). وعند ماركس: الدين أوهام وخيالات انعكست عن الوضع الاقتصادي، وضعه المحتكرون البورجوازيون لتخدير الطبقة الكادحة والسيطرة عليها (¬2). وأما ¬

(¬1) علم الأديان (29). (¬2) أكد أركون في العلمنة والدين (74) أنه بمجيء الماركسية زادت وأكدت أن العامل الديني ليس إلا قشرة سطحية أو بنية فوقية قليلة الأهمية، وأن القوى الحقيقية للتاريخ هي نظام التبادل والإنتاج، وبالتالي فهناك إذن طبقة تملك هذا النظام وتسيطر عليه، وهي تخترع إيديولوجيا تبشيرية من أجل أن تجعله مقبولا من قبل بقية المواط

الله والآخرة والأسرة والأخلاق والفضيلة فكلها هراء برجوازي. والدين عند ماركس كذلك مرحلة من مراحل التطور البشري، بل بشَّر ماركس بهزيمة الآلهة وإبطال الأساطير وهزيمة القدسي أمام التقدم العلمي والتكنولوجي (¬1). تلقف العلمانيون هذا الكفر البواح الذي يكذب القرآن والسنة، بل والأديان كلها وروجوا له: منهم عبد المجيد الشرفي في الإسلام بين الرسالة والتاريخ (12)، بل اعتبر الدين ظاهرة مرضية يمكن تجاوزها. ومنهم فرح أنطون، فقد رفض الدين باعتباره طفولة البشرية (¬2). ومنهم أبو القاسم حاج حمد وزكي نجيب ونوال السعداوي (¬3). ومنهم العلماني المغربي أحمد عصيد، قال: لقد تطور العقل البشري من الإيمان بالخوارق والأساطير إلى التنظيم المعقلن للحياة وعبر ذلك انتقل من الآلهة المتعددة إلى الحاكم والإله، ثم التوحيد السماوي ليستقر عند اكتشاف قدراته العقلية والتمتع بمغامرة البحث عن الحقيقة خارج الثوابت المطلقة (¬4). ومنهم رفعت السعيد، فالدين عنده هو مرحلة من مراحل التطور الاجتماعي (¬5). ومنهم شبلي شميل، والدين عنده أصله الخوف (¬6). ومنهم محمد أركون قال عن تفضيل المسيحية على غيرها من الأديان: وذلك لأن تفضيل دين ¬

(¬1) أزمة الخطاب التقدمي (60). (¬2) نقد الفكر الديني (62) والتفكير في العلمانية (63). (¬3) العلمانيون والقرآن (322). (¬4) العلمانية مفاهيم ملتبسة (337 - 338). (¬5) الإسلام السياسي (16 - 17) نقلا عن الحركات الإسلامية (42). (¬6) آراء الدكتور شبلي شميل (18).

معين على بقية الأديان بشكل مسبق يولد ردود فعل هائجة، وينبغي ألا نسقط في هذا المطب. فالمسألة هي مسألة تطور تاريخي ليس إلا (¬1). ومنهم عبد الخالق حسين، الذي ذكر أن الفكر البشري مر بثلاث مراحل: المرحلة اللاعقلانية (الخرافات والغيبيات والأساطير)، والمرحلة العقلانية (الفلسفة والأديان السماوية (¬2))، والمرحلة العلمية أو الحداثة (¬3). ومنهم فالح مهدي، الذي قال في البحث عن منقذ (219 - 239) عن النظرية الدينية في تعليل الظواهر والأحداث الفكرية والتحولات الاجتماعية الهامة: وهي في النهاية وليدة عجز فكري وخوف ووهم عند الإنسان البدائي، عندما أراد تعليل تلك الظواهر ... فعجز الإنسان وضعفه أمام قوى الطبيعة جعله يلجأ إلى الخيال الساذج ليطلق له العنان وليغذيه بالخوارق (¬4). ومنهم عصام الدين حفني ناصف الماركسي في اليهودية بين الأسطورة والحقيقة (11 - 12)، حيث قرر أن الدين نشأ من الدهشة والرعب إزاء قوى الطبيعة، تم توهم الإنسان وجود أرواح لهذه القوى، تم عزا ما يحدث في الكون لهذه الأرواح ثم قاده ذلك إلى عبادة الطوطم وإلى نشوء التابو (الحرام) (¬5). فالدين ليس أكثر من وهم ومجموع تابوات، كما يرى عصام الدين حفني ناصف (¬6). ¬

(¬1) نحو نقد العقل الإسلامي (179). (¬2) هذا وهم لا شك فيه، فالأديان السماوية لم يعدها علماني واحد ضمن العقلانية. إلا إن كان يقصد العقل بالمعنى العام، ومنه: العقل اللاهوتي. (¬3) العلمانية مفاهيم ملتبسة (181). (¬4) أزمة الخطاب التقدمي (75). (¬5) أزمة الخطاب التقدمي (68 - 69). (¬6) نفس المرجع (71).

تنطلق هذه النظرية من قاعدة إلحادية تقوم على عدم وجود إله للكون، وتفسر ظهور الدين في المجتمعات بمثابة استجابة لظروف خرافية معينة، قبل أن يتطور العقل البشري فيفهم الظواهر فهما علميا. وكل هذه العقائد الدينية والتشريعات تكونت وترسخت مع مرور الزمن لأسباب يذكرونها. وإذا كانت النصوص الدينية تنطلق من قاعدة إيمانية على وجود الله. وأن في الكون خيرا وشرا. والله يرسل رسله لهداية الناس وإرشادهم لطريق الخير وتحذيرهم من طريق الشر. ورتب جزاء في الآخرة لمن سلك طريق الخير أو الشر. وهذا هو لب جميع الأديان وعليه تدور. وتلقف العلمانيون النظرية الملحدة السابقة وروجوها كأنها حقائق مستنتجة في ضوء التحليل المخبري، مع أنها لا تعدو أن تكون آراء شخصية لها خلفيات إيديولوجية وإلحادية. فخلفها عقيدة مسبقة تتحكم فيها. «بالرغم من ادعاءاتها بأنها ترتكز إلى منهج التحليل العلمي، فمنهج التحليل العلمي يصبح هنا، ليس أكثر من شعار زائف من بين الشعارات الزائفة العديدة التي عاشتها الساحة التقدمية العربية في العقود الأخيرة». كما يقول تركي علي الربيعو في أزمة الخطاب التقدمي (70). وللأسف لا توجد بحوث إسلامية رائدة في هذا الباب، وكثير من علمائنا المعاصرين مشغلون بتكرار الشروحات والبحوث والتحقيقات لما حقق مرارا، وهذا أصل إلحادي كبير، يدعي أصحابه ارتكازه على أصول علمية، لم يتفرغ أحد لدراسته دراسة وافية. ولا زال علماؤنا على مر التاريخ هم الحامي الأول للأمة ومجاهد أعدائها في الصف الأول. حتى غدى فقهاؤنا المرجع الوحيد لكافة العقائد والفلسفات والنظريات السابقة، عرضا ونقدا وتاريخا.

وللأسف خَفَت دورهم اليوم وتقلص إلى علوم شرعية معينة، بينما تركت أبواب العلوم الإنسانية لفلاسفة الفكر الغربي ومقلديهم العرب. ومنهم سيد القمامة القمني، فقد حكى في كتابه الأسطورة والتراث (24) أن هناك شبه اتفاق على أن الدين الابتدائي في ظهوره مثل الأسطورة، نشأ نتيجة الجهل المعرفي والأمل فيما هو أفضل من الحادث فعلا، مع بعض الخيال اللازم بالضرورة عن الجهل والأمل. ثم حكى اتفاق العلماء (¬1) تقريبا على ترتيب مراحل الاعتقاد الرئيسة، بدءا من عبادة ظواهر الطبيعية، ثم عبادة الأجداد أو العكس في بعض المدارس، ثم عبادة أرواح نصف مادية، ثم عبادة آلهة متعددة، ثم إله قومي واحد، ثم إله عالمي. كما اتفقوا على أن ضعف الإنسان جسديا وعقليا اتجاه الطبيعة وامتنانه لعطائها كان الثغرة التي دخلت منها التصورات الدينية (¬2). وذكر قبل أن هذا ما قاله العلماء الثقات (¬3). وفي كتابه انتكاسة المسلمين إلى الوثنية (157) ذكر أن تطور الفكر البشري جاء على مراحل أولها الاستعانة بالسحر والتعاويذ والقرابين، ثم تعدد الآلهة، ثم توحيد الآلهة في إله واحد، إلى أن جاء التفكير العلمي مع الثورة الفرنسية (¬4). وفي مقال «العلمانية ليست ضد الدين وهي مفتاح الحداثة المعاصرة» قال ¬

(¬1) طبعا الغربيون الملاحدة، أولياء نعمته في أساطيره. (¬2) الأسطورة والتراث (25). (¬3) نفس المرجع (25). مع أنه بعد هذا (27 - 28) اعترف بأن هناك ست مدارس لدراسة الأساطير، واعترف أنها متنافرة ومتعارضة. (¬4) وكرر نحو هذا مختصرا في انتكاسة المسلمين (290) وأهل الدين والديمقراطية (39).

العفيف الأخضر: معك الحق. الدين، كما تعلمنا سسيولوجيا الأديان، هو مجموعة من المعتقدات والشعائر تجيب عن حاجة الإنسان الهش اجتماعيا ونفسيا إلى الحماية الأبوية وإلى العزاء والسلوى كما يستجيب لحاجة نرجسية عميقة في اللاشعور هي الرغبة في قهر الموت بالخلود، إن لم يكن في هذه الحياة ففي حياة ثانية (¬1). فالدين عند العفيف الأخضر هو حاجة نرجسية للإنسان الهش اجتماعيا ونفسيا كنوع من العزاء والسلوى للأوضاع التي يعيشها، أو لنقل بعبارة أوضح: إنه حالة مرضية يلجأ إليها العاجز والمقهور للتعويض عن بؤسه وحرمانه. وهذا يقودنا إلى حقيقة مهمة، وهي التالية: الأسطورة جزء أصيل من بنية الخطاب الديني. تقدم معنا أن جل العلمانيين على أن الأديان مرحلة فقط من مراحل تطور العقل البشري، بعد الأسطورة. وفي ظل الأديان تمت إعادة صياغة الأساطير بأساليب مختلفة. وما الإسلام إلا دعوة ناجحة من دعوات أخرى سبقته في توحيد العرب، تم مزج الأساطير القديمة فيه مع الموروث الديني الموجود في جزيرة العرب أو المحيط بها. لكن ما هي الأسطورة عند العلمانيين العرب أنفسهم؟. ¬

(¬1) الحوار المتمدن - العدد: 691 - 2003/ 12 / 23.

حقيقة الأسطورة

حقيقة الأسطورة: الأساطير حسب القمني المتخصص في دراسة الأساطير خرافات وتلفيقات بدائية لا أساس لها (¬1). وهي مجموعة خرافات وأقاصيص (¬2). وترتبط باللامعقول عادة (¬3). وهي مجهولة الأصل والمؤلف، بل وأحيانا المنشأ والتاريخ (¬4). وموضوعها: الآلهة والأبطال (¬5). وهي حسب الربيعو: مرادفة للبدائية والسذاجة والتخلف (¬6). وهي وهم وخيال ابتدعه الإنسان لمواجهة مشكلاته الكبرى (¬7). والأسطورة عند فالح مهدي هي مجموعة حكايات لا عقلانية وخرافية (¬8). وعرفها ماركس بـ: سذاجة الطفل (¬9). وهي تتضمن الخيال والوهم السحري غير المترابط أو غير المعقول أو غير المرتبط فيه السبب بنتيجته (¬10). والأسطروة هي الميث، والميثولوجيا هي دراسة الأساطير. الدين الإسلامي مليء بالأساطير. الأساطير السومرية والبابلية والكنعانية والأشورية والمصرية والفنيقية هي ¬

(¬1) الأسطورة والتراث (20). (¬2) نفس المرجع (21). (¬3) نفس المرجع (20). (¬4) نفس المرجع (22). (¬5) نفس المرجع (21). (¬6) أزمة الخطاب التقدمي (144). (¬7) نقد الفكر الديني (57 - 58). (¬8) أزمة الخطاب التقدمي (77). (¬9) نفس المرجع (1 (¬10) أهل الدين والديمقراطية (39).

الأصل الذي بنيت عليه الأديان. قال سيد القمامة القمني عن الأساطير: إنها تسربت إلى الأديان الكبرى، وضمنها الإسلام لتصبح مقدسات (¬1). وزاد: كل الأديان مليئة بالأساطير وليس الإسلام وحده (¬2). وقد انتقلت إليها ومنها الإسلام من الأساطير القديمة المصرية والبابلية والفينيقية (¬3). وزاد أن التراث الأسطوري جزء لا يتجزأ من الدين، وأصبح لبنات ضمن البنية الدينية (¬4). وكان السحر والدين ممتزجين، كما ذكر أركون (¬5) وخليل عبد الكريم (¬6) ثم تطور الدين والسحر فصار كل في طريقه وانفرد بطقوس وشعائر خاصة به (¬7). ومن الأساطير في الإسلام حسب القمني التي انتقلت إليه من المصريين القدماء: فكرة البعث والحساب والجنة والنار والصراط والميزان وشهادة الجوارح على الميت (¬8). وقصة سليمان والإسراء والمعراج وناقة صالح (¬9). ومنها دابة البراق ويأجوج ومأجوج وقصة شعيب ونوح وغيرها (¬10). ¬

(¬1) أهل الدين والديمقراطية (305). (¬2) نفس المرجع (318). (¬3) نفس المرجع (317). (¬4) الأسطورة والتراث (26). (¬5) تاريخية الفكر العربي (292). (¬6) الأعمال الكاملة (192) نقلا عن علماء الأنتروبولوجيا. (¬7) نفس المرجع. (¬8) نفس المرجع (317). (¬9) نفس المرجع (318). (¬10) الأسطورة والتراث (22).

عيد الفطر وعيد الأضحى ما هما إلا تجسيد لأساطير قديمة

ومن الأصول الأسطورية للإسلام كذلك حسب القمني كما سيأتي: الحج والطوفان وخلق الكون والحجر الأسود والأضحية والأعياد وغيرها. ومنها تقديس كوكب الزهرة، عن طريق تقديس يوم الجمعة الذي هو مكرس في الرافدين لعبادة الزهرة (¬1). ومنها تقديس الكواكب الخمسة السيارة، وهي المشار إليها في القرآن بالخنس. {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ} التكوير15 (¬2). وذكر أن في التفاسير الإسلامية صدى لما اعتقده البابليون في قدرات الزهرة الجنسية (¬3). بل لم يستبعد سيد القمامة أن الولي الخضر ليس إلا أسطورة الإله تموز عشيق الإلَهة الزهرة. وذلك ببساطة وخفة لا يحسد عليها لأن الخضر مشتق من الخضرة. والخضرة هي الخصب خاصية تموز والزهرة (¬4). لذلك قلنا مرارا إن القمني مشتق من القمامة، وقلبت الميم الثانية نونا لكراهة تولي حرفين وحذفت الألف تخفيفا. عيد الفطر وعيد الأضحى ما هما إلا تجسيد لأساطير قديمة. فالفطير عند القمني قربان نباتي كان يقدمه الزراعيون في العصور القديمة أصحاب النظام الأمومي إلى الزُّهْرة من أجل زيادة الخصب. وسر أكل الفطير في نظره (¬5) أن ينال الإله نصيبه من المحصول الجديد في أسرع وقت ممكن. والأضحية قربان حيواني كان يذبحه الرعويون أصحاب النظام الأبوي ¬

(¬1) الأسطورة والتراث (72). (¬2) نفس المرجع (73). (¬3) نفس المرجع (73). (¬4) نفس المرجع (74). (¬5) الأسطورة والتراث (99).

للآلهة، خاصة إله القمر. ولاحظ بثاقب نظره الحاد أن قرني الكبش تشبه الهلال، ولهذا ارتبطت الأضحية بالقمر (¬1). ثم اجتمع العيدان في عيد الفصح المسيحي، فتذبح الذبائح بشروط معروفة هي نفس الشروط في الدين الإسلامي، ويؤكل الفطير (¬2). وأكد على استمرار هذه العقائد إلى اليوم، أي: إنبات الأرض واستنزال المطر وعودة فصل الخصب مرهون بسفك الدماء وبالأضاحي (¬3). وقد أكد على هذه القمامة نصر أبو زيد في مداخلته آخر الكتاب فقال: فإن أعيادنا في مصر مثلا تنقسم إلى عيد الفطر (يقدم الكعك والفطائر) وعيد الأضحى (لتقديم الأضاحي وإسالة الدماء). وماذا عن نظام الزواج وتحريم الأقارب والختان؟ يؤكد دكتور الأساطير أو أسطور الدكاترة واعتمادا على سيده فرويد أن المجتمع البدائي الأول كان فيه الأب طاغيا جدا، يقتل أبناءه لأتفه الأسباب، وكان يخصي الابن ويقطع ذكره لئلا يقرب نساءه. فتضافر الأبناء للتمرد فقتلوا أباهم، فندموا وصرفوا النظر عن نسائه وأقاموا نظام الزواج الخارحي، فنشأ التابو أو التحريم، تم اختاروا حيوانا ليكون طوطما للأب المقتول. ومنع قتله أو مسه إلا في اجتماع كامل لمأدبة يأكلونه فيها جماعة (¬4). والطوطم حيوان كان يقدس باعتبار حلول الأب المقتول فيه. وليست عادة الختان المستمرة حاليا عندنا في الإسلام إلا بديل رمزي عن الخصي الذي كان ¬

(¬1) نفس المرجع (113). (¬2) نفس المرجع (99). (¬3) نفس المرجع (1 (¬4) الأسطورة والتراث (100).

الأب يعاقب به أبناءه (¬1). وفي مكان آخر بين القمني أن الختان ذبح جزئي بديل عن الذبح الكلي الذي كان يمارس في غابر الأيام (¬2). وقال: وظل للقمر دوره واحترامه في الإسلام بعد أن تحول من (إل) أو الله إلى آية من آيات (¬3) الله، فوضع فوق المآذن مع النجمة رمزا للزهرة. وظلت الشهور قمرية والحج قمريا والصيام قمريا .... فالعلة في صيام الأيام البيض لأن لياليها مقمرة (¬4). وأكد عبد المجيد الشرفي أن استعمال الأساطير (الميث) في الخطاب النبوي لأن الذهنية الميثية كانت مسيطرة على ثقافة ذلك العصر، قال: وإن الذهنية الميثية التي من أبرز خصائصها الحدس والتمثل كانت مسيطرة على طرق التفكير آنذاك لدى جميع الشعوب وفي كل الثقافات، فلن نستغرب أن نجد آثار هاتين الخاصيتين في ما يبلغه إلى قومه وإلى المسلمين (¬5). وبيّن الشرفي أن استعمال الخطاب الأسطوري شيء طبيعي، لأن الله يخاطب الناس بما يفهمون، وأن النبي مضطر إلى استعمال ما هو متوافر لديه شائع معروف في بيئته (¬6). وهذه مراوغات ومغالطات مكشوفة، إذ كيف يحتج الله ورسوله بالأساطير، التي هي مجموعة من الخرافات والقصص الخيالية المكذوبة نزولا عند رغبة الجماهير أو سيرا مع ما هو متعارف لديها، ولو كان باطلا في نفسه. ¬

(¬1) نفس المرجع (101) وانظر الطوطم والحرام لفرويد (9 - 10). (¬2) الأسطورة والتراث (113). (¬3) في المطبوع: آياته. والتصويب مني. (¬4) نفس المرجع (129). (¬5) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (40). (¬6) نفس المرجع.

الدين وشرائعه مجرد تخيلات للبشرية

ألم يجئ القرآن إلا لإبطال الباطل وتزييف الخرافات ومحاربة الأساطير؟. وكيف يعجز الله عن إيجاد حجج لدينه إلا بالأكاذيب؟ وهل هذا يتناسب مع وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - بكونه الصادق الأمين؟ وأشاد حسن حنفي بأساطير القمني في خاتمة تقريظه لكتابه قال: انتهى الأخ سيد من دراساته العديدة في علم تاريخ الأديان إلى نتائج علمية يشهد لها سواء فيما يتعلق بالحج أو بالنبوة أو ببعض الأساطير القديمة حول الشمس والقمر، لكنه لم ينته إلى أبعد نتائج ممكنة، وكأنه يقول: الكلام لك واسمعي يا جارة، وكأنه يقول: الآن القارئ الذكي يستطيع بنفسه أن يستنتج أشياء عديدة مما قلت أنا، وهو يعلم الحالة الراهنة للثقافة السائدة في مجتمعه (¬1). الدين وشرائعه مجرد تخيلات للبشرية. أسلفنا أن الدين عند العلمانيين صنع بشري وضعه الإنسان جوابا لاحتياجات آنية لتفسير الظواهر الطبيعية، وبعد فهم العلم الحديث لهذه الظواهر بطرق علمية لم يعد هناك مكان لأي تفسير ديني. لكن من أين جاءت كل هذه الشرائع: الله، الملائكة، الأنبياء، الجنة، النار، الحساب، العقاب، وغيرها؟. تجيبنا العلمانية: إنه الخيال البشري، الذي كون كل هذا الرصيد المعرفي عبر تراكمات كثيرة عبر قرون عديدة. ذكر أركون في قضايا في نقد العقل الديني (133) أن كل العقائد والأديان ¬

(¬1) الأسطورة والتراث (281).

والغيبيات كلها من صنع البشر، وهي مجرد تخيلات أوجدها الفاعلون الاجتماعيون. أحيانا يعبر أركون عن هذا الخيال بالمخيال الديني أو المتَخَيَّل الديني، وهو كما قال هاشم صالح بوق أركون: الفضاء العقلي المليء بالصور والمشحون بالأخيلة والأفكار الموروثة أبا عن جد (¬1). قال أركون في الإسلام الأخلاق والسياسة (10): هكذا يقدم المتخيل الديني ذاته بصفته مجمل العقائد المفروضة والمطلوب إدراكها وتأملها، بل وعيشها وكأنها حقيقة، والتي لا تقبل أيّ نقاش أو تدخل للعقل النقدي المستقل. ثم زاد موضحا في الصفحة الموالية: بهذا المعنى يمكننا القول بأن كل الدلالات التي لا تتعلق بشيء ملحوظ واقعيا ولا بفكر عقلاني هي دلالات خيالية أو مخيالية بالمعنى العلمي والمليء للكلمة (11). يقصد أركون بـ «شيء ملحوظ واقعيا» كل الغيبيات الإسلامية، فهي متخيل وخيال ليس إلا، بل كل ما خرج عن ما سماه فكر عقلاني فهو داخل في مسمى الخيال. أي: كل العقائد الدينية الغيبية هي تصور ذهني لا أقل ولا أكثر، بمعنى أن الذهن يتصور وجودها لا أنها موجودة في نفس الأمر. هذا المتخيل الديني يتحول إلى متخيل اجتماعي يهيمن على الفكر والثقافة وكل شيء داخل المجتمع. هذا المتخيل هو الذي يشكل المحرك الديناميكي والفعال للتاريخ. كما يقول أركون دائما (11). ¬

(¬1) الفكر الإسلامي (44). وانظر تاريخية الفكر العربي (188 - 239) والإسلام الأخلاق والسياسة (8).

وفي كتابه الآخر نحو نقد العقل الإسلامي (222) نصح أركون -وهو الناصح الأمين للغرب وفلسفته- بكتاب التوليد الخيالي للمجتمعات البشرية، وكتاب التشكيل الاجتماعي للواقع: وزاد: وكذلك ينبغي الاطلاع على مؤلفات فرويد وأتباعه الذين لا يحصون ولا يعدون عن الدين بصفته الوهم الكبير. أي: الدين في نظر أركون وَهْم ولَّده وشكَّله خيال المجتمعات. ولهذا جزم بعدم جواز التفريق بين الأديان الوثنية وأديان الوحي (¬1). فالمصدر واحد. فليس في الوجود إله أرسل رسولا ليهدي عباده، إنما خيال المجتمعات المتراكم عبر القرون هو الذي أنتج ذلك في نظر أركون. وإذا كانت مثلا سورة التوبة تحدثت عن أحداث تاريخية أرضية حصلت بالفعل، ولكن الخطاب القرآني خلع عليها صبغة التعالي والتقديس بربطها بالله وبمشيئته والدار الآخرة. وبيّن لنا مترجم أركون بإشرافه أن هذه الأحداث بهذا الربط فقدت طابعها الأرضي أي: التاريخي، وأن أركون يريد أن يرجع إلى الوراء لكي يتموضع في لحظة القرآن ليكشف عن تاريخية كل ما كان قد فقد تاريخيته وأصبح يبدو متعاليا كليا، إنه منهج الحفر الأركيولوجي في الأعماق (¬2). ويحدثنا أركون أن الجماعة لها يد طولى في تشكيل مجمل التراث، وأنها تقوم بعملية انتقاء وانتخاب للتراث (أي: الاحتفاظ بعناصر معينة وحذف أخرى) ثم دمجه في ذاكرتها الأسطورية التاريخية. ثم بين أن مفهومي الانتقاء والذاكرة الأسطورة التاريخية يدخلان ضمن دائرة اللامفكر فيه داخل التراث (¬3). ¬

(¬1) العلمنة والدين (23). (¬2) القرآن من التفسير الموروث (50). (¬3) الفكر الإسلامي (175 - 1

وبالتالي: فالتراث الإسلامي ذو منشأ تاريخي ولا علاقة له بسلطة متعالية أي: الله أو الوحي في نظر مؤرخ الفكر الإسلامي (!!). قال: وعلى الرغم من أن تراثا كهذا هو ذو منشأ تاريخي واضح ويمكن تحديده بدقة، فإنه يدعي صفة التعالي على التاريخ أو تخطي التاريخ لأنه منغرس (متجذر) داخل الوعي ويعبر عن تعاليه وتنزيهه. لكن الواقع التاريخي يناقض هذا الزعم التيولوجي (اللاهوتي) (¬1). وهكذا مسألة وجود الله، فإن البشر هم الذين أوجدوه، وليس العكس في نظر سيادة المؤرخ، ولذلك فالله هو بحاجة دائما إلى وساطة بشرية ليحصل تصوره (¬2). وعلماء الدين هم الذين كانوا يبلورون تصورا عن الله ويفرضونه فرضا على المجتمع، وبالتالي فلا يمكن الوصول إلى الله إلا عن طريقهم هم (¬3). وتوهم البشر طيلة أجيال وأجيال سواء المسلمون أو المسيحيون أن الله حاضر بينهم (¬4). وفي نظر أركون إن الوسطاء (الأنبياء وأتباعهم) هم الذين فرضوا وجود الله وهم الذين حكوا ذلك بلغة معينة قابلة للتأويل والتفسير. ثم شرح لنا أركون كيف أنه إذا رددنا مسألة وجود الله إلى أصلها ظهرت تاريخيته، قال: فلكي تتحرر من شيء ما ينبغي أن تكشف عن أصله أو جذره الأول (أي: كيف تشكل وانبنى لأول مرة). ومن المعلوم أن الشيء يخفي سره أو أصله بكل الوسائل، وذلك لكي يقدم نفسه بشكل طبيعي بدهي، لا يقبل النقاش، ثم لكي يقدم نفسه وكأنه كان دائما ¬

(¬1) نفس المرجع (24). (¬2) قضايا في نقد العقل الديني (276). (¬3) قضايا في نقد العقل الديني (277). (¬4) نفس المرجع (277 - 278).

موجودا هكذا منذ الأزل، وسوف يظل موجودا هكذا إلى الأبد، بمعنى آخر فإنه يفعل كل شيء لكي يغطي على لحظة انبثاقه التاريخية، لكي يخفي تاريخيته. هذا ما تفعله كافة العقائد والتصورات الدوغمائية في جميع الأديان (¬1). ثم تحدث أركون عن كيف ولدت فكرة الإيمان بالله وكيف صنع العرب إلههم الواحد لأول مرة (¬2). ولذلك فمسألة «موت الله» التي تحدث عنها نيتشه ورغم كونها عبارة قاسية وصادمة للحساسية الجماعية لجماهير المؤمنين، إلا أنها كما قال أركون: ينبغي ألا تخيفنا كثيرا، وإنما تعني موت طريقة معينة للتعبير عن وجود الله، ولهذا فلا بد من البحث عن إله رحيم بدل إله الأديان الذي يقمعنا والذي اتفقنا أنه قد مات. من هو إذن إله أركون الجديد؟ إنه الأمل، لنترك أستاذ تاريخ الفكر الإسلامي (!!) يحدثنا عن إلهه الجديد، قال (282): إن التصور القروسطي المظلم والقمعي عن الله والتأله قد مات، أو ينبغي أن يموت، لماذا؟ لكي يفسح المجال لتصور آخر أكثر رحابة ومحبة وغفرانا ... وهكذا محل التصور الذي يقمعنا ويسحقنا يحل التصور الآخر الذي يسامحنا ويحررنا. ويمكن القول بأن التصور الحديث لله يتجلى في الأمل، في الانفتاح على أفق الأمل: الأمل بالخلود، الأمل بالحرية، الأمل بالعدالة، الأمل بتصالح الإنسان مع ذاته. هذا هو الله بالنسبة للعالم الحديث والتصور الحديث. انتهى. هكذا يقول، وقد مات أركون ودفن في مقبرة الشهداء، إنه شهيد العلمانية، لقد عاش حياته كلها مسفها للأديان ساخرا من خالقه كافرا به وبرسله وبدينه، فإنا لله وإنا إليه راجعون. ¬

(¬1) نفس المرجع (280). (¬2) نفس المرجع (281).

ولنصبر قليلا ولنتابع مع أركون مزاعمه، فقد قال في نفس الكتاب (132 - 133): ينبغي أن نعلم أن الدوائر الخاصة بما هو خارق للطبيعة، وبالتعالي الإلهي أو الميتافيزيقي، وبالآلهة الناشطة والمهيمنة، أو بالإله الواحد الحي، ولكن البعيد، وبالعقائد السحرية أو الأسطورية أو الشعبية أو الخرافية أو الدينية، هذه العقائد المرتبطة جميعها بالمتخيل ... أقول: إن ذلك كله هو أيضا من صنع الفاعلين الاجتماعيين (أي: البشر) فلو لم يخلق البشر هذه التصورات أو لو لم يؤمنوا بها لما وُجدت. وهذا كلام في غاية الوضوح والظهور، فالدين والله والآخرة والملائكة والشياطين كلها تخيلات بشرية وهمية من صنع البشر. إذا كانت كل هذه العقائد خيالات وهمية ماذا عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -؟ وهل وجد يوما ما رجل اسمه محمد دعا قومه لعبادة الله وحده؟ عند أركون ببساطة وبتحليله السيميائي هناك فئة اجتماعية اجتمعت حول النبي في الحجاز ذات أهداف إيديولوجية سياسية انتصرت ورسخت مفاهيم جديدة أو حورتها مثل النبي رسول الله وهكذا، وحولتها إلى مثال أعلى متعال، أو قامت بما يسميه أركون الأسطرة والتقديس والتعالي (¬1). هناك عوامل تاريخية اجتماعية في نظر أركون هي التي شكلت ما يسمى عندنا نحن المسلمين السذج الغافلين عن التحليل السيميائي الدلالي، هذه المفاهيم: الله، دين، رسول، ملائكة ... أو بعبارة أركون: حولت أو صورت هذه المفاهيم الدينية الموروثة عن ديانات أخرى إلى مفاهيم جديدة ذات رمزية جديدة. وحسب ¬

(¬1) تاريخية الفكر العربي (264 - 265).

التحليل التاريخي عند أركون لا يعدو الأمر أن يكون صراعا على السلطة بين فئة تسمى «المؤمنون»، وقوى تقليدية حُط من قدرها اسمها «الكفار والمنافقون والمشركون» (¬1). في ظل التحليل التاريخي الأركوني لابد أن نعيد الاعتبار للمشركين والكفار، وهذه عبارته في صدد حديثه عن قيام فئة المؤمنين بقيادة النبي بالسيطرة على السلطة التي كانت عند المشركين والكفار: نجد من الناحية التاريخية أنه ينبغي أن نعيد للعصبية الثانية التي حُوربت وقلص من شأنها من قبل الدولة الرسمية أبعادها الواقعية والحقيقية. لقد حصل تهميش هذه العصبة القبلية أو البدوية، إما عن طريق الخطاب المسيطر، وإما عن طريق التصفية الجسدية لركائزها الاجتماعية والثقافية (¬2). فليس هناك غير السلطة والصراع على السلطة عند أركون من قبل النبي ومعارضيه، ويجب عنده رد الاعتبار للمعارضين. ولا نجد تفسيرا لهذا الانحياز لكفة أبي جهل إلا في المثال العربي الذي يقول: وكل إناء بما فيه ينضح. أما نصر حامد أبو زيد الذي حكمت بردته محكمة القاهرة: فالله والملائكة والشياطين والجن واللوح المحفوظ كلها تصورات أسطورية مجازية، وليست حقائق في نفس الأمر. فقد تعجب كيف أن المسلمين ما زالوا يؤمنون باللوح المحفوظ والله بعرشه وكرسيه وجنوده الملائكة، وبالإيمان بالشياطين والجن والسجلات التي تدون فيها الأعمال. قال: والأخطر من ذلك تمسكه بحرفية صور العقاب والثواب ¬

(¬1) نفس المرجع (265). (¬2) تاريخية الفكر العربي (266).

الإسلام ليس إلا عقائد يهودية ومسيحية وجاهلية وإغريقية، ألفها محمد وجمع بينها في إخراج من نوع خاص

وعذاب القبر ونعيمه ومشاهد القيامة والسير على الصراط ... إلى آخر ذلك كله من تصورات أسطورية (¬1). وفي صفحات لاحقة عند حديثه عن المجاز تعجب من الإيمان بحرفية الدلالات التي وردت في النصوص الدينية عن الله كالعرش والكرسي والملائكة، وما ورد عن الآخرة كالصراط والحوض وعذاب القبر وناكر ونكير، وما ورد عن المسيح الدجال وغير ذلك من أشراط الساعة. في حين هي لا تعدو في نظره مجازا وليس حقائق موجودة (¬2). وبالجملة فالأمر كما قال حسن حنفي: إن النصوص الدينية التي تظن أنها -ستقول ذلك مجازا- هابطة من السماء، إنما هي في الحقيقة نابتة في الأرض (¬3). الإسلام ليس إلا عقائد يهودية ومسيحية وجاهلية وإغريقية، ألفها محمد وجمع بينها في إخراج من نوع خاص. تلك هي حصيلة افتراءات العلمانيين حول أصل الإسلام أو الإسلام المحمدي كما يعبر طيب تيزيني. وكما قال نصر حامد أبو زيد: فالإسلام نفسه لم ينبثق من فراغ، بل له جذور (¬4). وإن الكثير مما هو إسلامي أصله غير إسلامي، كما يرى عبد المجيد الشرفي (¬5). وعند أركون «إن الإسلام جزء من التراث الإغريقي السامي وليس من أيّ ¬

(¬1) النص والسلطة والحقيقة (135). (¬2) نفس المرجع (211). (¬3) مداخلة حسن حنفي حول كتاب القمني الأسطورة والتراث (282). (¬4) العلمانية مفاهيم ملتبسة (238) وقدر العلمانية في العالم العربي (52). (¬5) تحديث الفكر الإسلامي (30).

تراث معرفي آخر» (¬1). وإن القرآن أعاد صياغة الميتافزيق التوراتي على حد تعبيره (¬2)، والقصص القرآني مأخوذ من التراث اليهودي والمسيحي (¬3). إن القرآن كما الأناجيل ليس إلا مجازات عالية تتكلم عن الوضع البشري، إن هذه المجازات لا يمكن أن تكون قانونا واضحا (¬4). وذكر أركون أن القرآن استعار قصصه من غيره، ووظفها ضمن منظوره وغيَّر وجهتها وغائيتها لكي تتطابق مع وجهته هو (¬5). هذا هو القرآن الكريم في نظر مؤرخ الفكر الإسلامي (!!): توظيف وتغيير وجهة قصص من غيره. وزاد مؤكدا أن القرآن دمج في الدين الجديد بعض شعائر الدين العربي الجاهلي السابق عليه كشعيرة الحج مثلا، أو قانون العِرض والشرف، كما يأخذ العديد من التعاليم والوصايا والحكايات عن التوراة والإنجيل على الرغم من أنه يتهم أصحابهما بممارسة التحريف. إذن هو قرآن ملفق حسب أركون. والقيم المدعوة إسلامية ليست سوى قيم جاهلية تم توظيفها ودمجها في الدين الجديد. ¬

(¬1) قضايا في نقد العقل الديني (269). (¬2) الفكر الإسلامي (77). (¬3) نحو نقد العقل الإسلامي (78). (¬4) تاريخية الفكر الإسلامي (2 (¬5) نحو نقد العقل الإسلامي (149).

وحسب عزيز العظمة: «الواقع التاريخي أن الإسلام لم يولد جاهزا، بل الأصح أن أكثر عناصره تسربت إليه، وطوعت معاني القرآن، وعملت على تشكل الحديث بموجب الأوضاع السائدة في الشام والجزيرة والعراق وفارس وخراسان» (¬1). أو كما قال سيد القمامة: فالمعلوم لكل باحث في الإسلام أنه قد استمد معظم شرائعه إن لم يكن كلها من شرائع العرب قبل الإسلام بعد أن هذب بعضها القليل جدا وشذبه (¬2). أو كما قال هاشم صالح: إن القرآن متأثر أيضا بالإنجيل وليس فقط بالتوراة على عكس ما يظن البعض (¬3). وقال محمود إسماعيل: بل إن الإسلام نفسه اعتمد الكثير من التقاليد والنظم الجاهلية في صياغة شريعته (¬4). أو كما قال طيب تيزيني: بحيث يمكن القول بأن الإسلام أخذ الكثير من الأعراف العربية الوثنية والمسيحية والنصرانية واليهودية إلخ ... التي كانت سائدة في المرحلة السابقة عليه (¬5). وقال عن الموروث الإغريقي والهليني والفارسي والهندي والصيني وغيره: بل يمكن القول إن النص القرآني نفسه كان قد تأثر بذلك الموروث (¬6). ¬

(¬1) التراث بين السلطان والتاريخ (140). (¬2) أهل الدين والديمقراطية (79). (¬3) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (169). (¬4) العلمانية مفاهيم ملتبسة (96). (¬5) مقدمات أولية (226). (¬6) النص القرآني (80).

وأكد أن القرآن وإن نفى تعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - من قوم أجانب فلم ينف الاتصال معهم، ليخلص من بعدها إلى ما يلي: كما أن تعبير (قوم آخرون) والذي يتبادر إلى الذهن أن الكفار لم يكونوا ليقولوا ما قالوه مما حكته الآية، لو لم يروا أو يعرفوا أنه كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - حلقة أو رفاق يجتمعون إليه ويجتمع إليهم، ويتحدثون في الأمور الدينية، وليس من المستبعد إن لم نقل من المرجح أن هذا كان قبل البعثة ثم امتد إلى ما بعدها .... إلى أن قال: ما أتى به محمد، ما هو إلا استنساخ لما قدم سابقوه ومعاصروه: {هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} الجاثية 29 (¬1). وزاد مؤكدا أن الإسلام المحمدي تبنى الألفاظ والأفكار التي كانت في الجاهلية، ومثل لذلك بـ: القرآن والسورة والآية، والتيمم والفسق وتحريم الخمر وقطع يد السارق وتحريم القمار والحج والاغتسال والصلاة إلى القبلة (مكة والقدس) وصوم عاشورا والدعاء والإيمان بالله الواحد والختان وحف الشارب مع ترك اللحية، والإيمان بالشياطين والجان والإيمان باليوم الآخر والحساب ... إلى آخر كلامه (¬2). وزاد في مكان آخر: تقبيل الحجر الأسود والاهتمام به، والطواف حول الكعبة وصوم عاشوراء وذبح الأضاحي والعمرة (¬3). إذا فالإسلام نسخة كربونية للجاهلية في نظر طيب تيزيني. ليس هذا فقط، فقد ذكر أن الإسلام خرج من اليهودية والمسيحية (¬4). ¬

(¬1) نفس المرجع (246). (¬2) مقدمات أولية (36). (¬3) نفس المرجع (154). (¬4) نفس المرجع (313).

ويتحاشى ذكر أية علاقة لهذا الدين بقوى غيبية أو بالله والوحي ونحو ذلك. إنه حركة سياسية ذات منزع ديني، استوعبت الحركات الدينية المعاصرة لها والأفكار والمعتقدات السائدة في بيئتها، بل بتخطيط وتدبير وإشراف نصراني كما سيأتي عن طيب تيزيني وآخرين. يريد العلمانيون من هذا كله إثبات تاريخية الإسلام، وكونه نبع من الأرض لا نزل من السماء، أي: هو بشري المنشأ والمصدر، ابن بيئته الحجازية، نشأ فيها وتأثر بأوضاعها وبمحيطها، بل هي ولدته، ومن رحمها خرج. ونصل بعد كل هذا إلى متولي كبر هذه الفرية: إنه مفتي الماركسية الشيخ الأحمر خليل عبد الكريم، فقد ألف كتابا خاصا لبيان الاستنساخ الإسلامي للجاهلية وباقي الديانات، سماه: الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية. قال: إن الإسلام ورث الكثير من عرب الجزيرة واستعار العديد من الأنظمة التي كانت سائدة بينهم في شتى المجالات: الأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية (= الحقوقية) والسياسية واللسانية. وزاد: فالكثير من القراء قد يدهش عندما يعرف أن الإسلام قد أخذ من الجاهلية كثيرا من الشؤون الدينية أو التعبدية (¬1). وذكر منها الحج والعمرة وتعظيم الكعبة وتقديس شهر رمضان وحرمة الأشهر الحرام وثلاثة حدود الزنا والزنا وشرب الخمر والقصاص والدية والقسامة والعاقلة (¬2). وزاد: وتعظيم إبراهيم وإسماعيل والاجتماع العام يوم الجمعة (¬3). ثم قال: هذه بعض الشعائر الدينية أو التعبدية التي استعارها الإسلام من القبائل ¬

(¬1) الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية (14). (¬2) نفس المرجع. (¬3) نفس المصدر (23).

العربية (¬1). وقال: .. يدل دلالة أكيدة على أن التقاليد العربية التي كانت سائدة في الفترة السابقة على البعثة المحمدية تركت آثارا واضحة لا على النصوص المقدسة فحسب، بل سلوكيات المسلمين من ذوي السابقة (¬2). وذكر أن الإسلام ورث كذلك من ديانة الحنيفية: النفور من عبادة الأصنام، وتحريم ما ذبح عليها، وتحريم شرب الخمر وحد شاربها، وتحريم الزنا، وحد مرتكبيه، والاعتكاف في غار حراء، وقطع يد السارق، وتحريم أكل الميتة، والدم، ولحم الخنزير، والنهي عن وأد البنات، والصوم، والاختتان، والغسل من الجنابة، والإيمان بالبعث والنشور، والحساب، والإيمان بالله وحده والدعوة إلى عبادته (2 - 25 - 26) ومنها صلاة الخوف وصلاة الكسوف والخوف (194)، والعتق والولاء (194). وأما تقاليد العرب القديمة، فقال الشيخ الأحمر مفتي الماركسية: يمكننا أن نؤكد ونحن على ثقة شديدة بأن الإسلام ورث من العرب الشيء الوفير، بل البالغ الوفرة في المناحي كافة التعبدية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والحقوقية .... الخ (¬3). فأما الشعائر الاجتماعية فمنها الرقى والتعاويذ (29)، والعناية بالإبل والأنعام (32)، وتعدد الزوجات (34)، والتفرقة بين العرب والعجم (43) والتمييز بين العرب والأعراب (46)، والنظرة إلى الزراعة وأهلها (49) والجزية (50)، وأكل العشور أي: الزكاة (53)، والاستجارة والجوار (56)، وحرمة ¬

(¬1) نفس المصدر. (¬2) نفس المصدر (39). (¬3) نفس المرجع (16).

النسب (59) والاسترقاق (64) وأن الإسلام تأثر بتقاليد العرب وأنه ورث منهم هذا التقليد أو العرف (65). وأما الشعائر الجزائية: فالعاقلة (69) والقسامة (72). وأما الشعائر الحربية: خمس الغنائم (77) والسلب (79) والخمس (80). وأما الشعائر السياسية: الخلافة (83)، ولهذا لم يعين النبي - صلى الله عليه وسلم - خليفة لأنه متبع للتقاليد العربية القديمة، والشورى (94)، نسخها الإسلام ونقلها بنفس الصورة والملامح، وقال: هل بعد ذلك شك في أن الشورى هي ميراث من القبائل العربية السابقة على الإسلام (98). بل زاد وأكد أن الجاهلية المسودة للأنظمة الإسلامية (¬1). وما عليك إذا أردت أن تفهم عبارة في المبيضة (أي: الإسلام) إلا أن ترجع للمسودة (¬2). وكرر هذه التهم في كتابه الآخر الإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية، فذكر أن الإسلام ورث مجموعة من الطقوس والشعائر من الجاهلية، مثل الحج والعمرة، وتقبيل الحجر الأسود، وصلاة الاستسقاء (185). وبيّن أن صلاة الاستسقاء تعلمها النبي - صلى الله عليه وسلم - من جده عبد المطلب لما أقامت قريش طقوسا تشبه صلاة الاستسقاء، وهو غلام (182 - 183). وطبعا لا يهم العلمانيين هذه القصة صحيحة أم لا، لأن المهم هو تأديتها للغرض، وإذا ما احتججت بأحاديث البخاري ومسلم والمجمع على صحتها قالوا آحاد وربما شككوا فيها جملة وتفصيلا. وزاد كذلك أن صلاة الكسوف والخسوف طقوس وشعائر ورثها النبي من عصره، قال: إذا راقبنا أثر كسوف ¬

(¬1) نفس المرجع (14). (¬2) نفس المرجع (15).

الشمس وخسوف القمر على محمد صاحب الشريعة (¬1) وما يلم به أو يعتريه خلالهما، وما كان يقوم به من طقوس وشعائر لانجلائهما يتوثق لدينا أنه ابن مجتمعه الذي تربى فيه وعاش في تلافيفه أربعين عاما قبل البعثة واثني عشر بعدها (186). يريد أن يقول لنا: إن الإسلام ليس إلا نسخة معدلة من الجاهلية. فلماذا كل هذا الضجيج والشغب أيها المسلمون؟ ها هو أبو جهل القرن العشرين التقدمي قد بين لنا أننا نسخة كربونية لأبي جهل القرن السابع. ولا بأس أن نجيب هنا ولو باختصار شديد عن هذه الشبهة التافهة: كان دين إبراهيم عليه السلام الذي هو الإسلام نفسه عقيدة وشريعة مع اختلافات بين شرائع الأنبياء، لكنها متفقة في أصول العقيدة والأخلاق الفاضلة وكثير من العبادات والفضائل. كانت موجودة في الجزيرة العربية. وكانت تنتشر اليهودية والمسيحية فيها وفي أطرافها، والتي تشترك مع الإسلام في عدة أمور. تركت هذه الأديان آثارا واضحة على سكان الجزيرة، وبقيت كثير من دين إبراهيم باقيا حتى بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - كالحج والعمرة وتعظيم الكعبة والأضحية والختان وغيرها كثير. ولهذا كان يقال لمن اتبع النبي - صلى الله عليه وسلم - في بداية الدعوة: صابئ، أي: صبأ وعاد لدين إبراهيم. ودين إبراهيم وكافة الأنبياء هو الإسلام كما قرر القرآن الكريم: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} آل عمران67. وبالتالي فلما بعث الله نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - أرسله بتجديد الدين الذي كانت بعض بقاياه ¬

(¬1) تنبه!!.

الإسلام حزب هاشمي أسسه جد النبي عبد المطلب وأكمله محمد

موجودة في جزيرة العرب وغيرها كالشام واليمن. فطبيعي جدا أن يتفق الشرع الجديد مع الشرائع السابقة التي بقيت موجودة في المجتمعات. ومفتي الماركسية يعرف بعض هذا لكنه يتجاهل فقد نقل بنفسه (19) عن ابن الكلبي قوله في كتاب الأصنام: كان العرب يعظمون الكعبة ويسيرون على إرث أبيهم إسماعيل من تعظيم الكعبة والحج والاعتمار. فالإسلام لم يرث من الأديان السابقة بل من الوثنيات القديمة أو غيرها شيئا (¬1). ولم يخرج العروي عن السياج العلماني فقد قرر أن النبي جاء العرب بما عهدوه وألفوه مثل الختان والتضحية وتقديس البيت والتبرك بزمزم، ولو أقدم على تجاهلها لكذبوه (¬2). فمحمد في نظر العلمانيين ليس صاحب رسالة يبلغها عن الله، وإنما هو زعيم سياسي يستثمر التناقضات المختلفة لتأسيس مشروعه العربي. وسيأتي معنا مزيد بسط لهذه المسألة في المبحث الخاص بموقف العلمانيين من النبوة، فقرة: «الإسلام ليس إلا نسخة معدلة من اليهودية والنصرانية، خطط لها مسيحيون وحنفاء». الإسلام حزب هاشمي أسسه جد النبي عبد المطلب وأكمله محمد. الإسلام في نظر العلمانيين ليس إلا وحدة سياسية عربية، تحت غطاء ديني، وهو مركب من الأديان السابقة، وقف خلفها مجموعة من المسيحيين، أو حسب ¬

(¬1) تنبيه: نقل خليل عبد الكريم عن كفار قريش زعمهم بأن بعض الناس يمدون النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمعلومات ليصوغ منها آيات وسور. وأطال في بيان الخلاف فيمن هو، ثم ذكر أنه بسبب هذا نزلت: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ} النحل103. الجذور التاريخية (44). وسكت ولم يفند ولم يضعف ولم يبد رأيا ما، مما يدل على أنه وراء الأكمة ما وراءها. (¬2) السنة والإصلاح (101).

تعبير القمني الإسلام حزب هاشمي. والحزب الهاشمي عنوان كتاب للقمني بين فيه أن هذا الحزب الوحدوي العربي أسسه عبد المطلب، وأكمله النبي - صلى الله عليه وسلم -. وسيأتي معنا الحديث عنه عند حديثنا عن الأنبياء في نظر العلمانيين. وقال حسن حنفي: وبيَّن (أي: القمني) أن هناك محاولات عديدة قبل الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولكن الرسول ربما هو آخر صياغة ناجحة لتأسيس وحدة العرب بعد شعراء الصعاليك وقصي بن كلاب الذي وضع له فصلا خاصا، ومثل كثير من المتنبئين ومن الذين خاطبوا السماء، لذلك فإنه في بعض النصوص التي يأتي بها نص لعبد المطلب وهو يخاطب السماء، يسجعه ويشبه نصوص القرآن الكريم، ونجد بالفعل أن الخلاف بين ما أتى به الرسول وبين ما كان سابقا عليه كان خلافا في الدرجة وليس في النوع. وهذا فتح وكشف كبير (¬1). ولم يكن -في نظر نصر أبي زيد- ظهور الإسلام إلا تجاوبا مع واقع عربي يبحث عن إيديولوجيا لتوحيد العرب (¬2). والنبي محمد شخصية تجسدت فيها أحلام العرب (¬3). واعتبر طيب تيزيني أن شخصيات كبرى نصرانية أثَّرت فيه عن كثب مثل ورقة بن نوفل (¬4). وأكد على أن زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بخديجة كان زواجا سياسيا خطط له على نحو محكم أكثر من عشرين سنة (¬5). ¬

(¬1) مداخلة لحنفي في آخر كتاب القمني الأسطورة والتراث (280). (¬2) مفهوم النص (65). (¬3) مفهوم النص (65). (¬4) مقدمات أولية (292). (¬5) نفس المرجع (300).

وبيّن أن بحيرى الراهب من الشخصيات التي أثرت في تكوين خديجة ومحمد (¬1). ينثر الجابري سموما بطرق بالغة في الغور، فلنقرأ مثلا عند حديثه عن فرقة الأبيونية النصرانية المناهضة للتثليث: بعد هذا التحديد الذي كان لا بد منه (خصوصا وقد ذهب بعض الكتاب العرب المعاصرين إلى حد القول بأن هذه الفرقة هي التي حضرت لظهور محمد عليه السلام في صورة نبي بتخطيط وتدبير من القس ورقة بن نوفل عم خديجة زوج الرسول، الشيء الذي يضعنا إزاء نظرية المؤامرة مرة أخرى!) (¬2). ثم تحدث عن عبد الله أريوس وفرقته الأريوسية، وهي فرقة نصرانية حسب زعمه مناهضة لألوهية المسيح، ثم قال: ونحن إذا كنا هنا نولي أهمية كبرى لهذا الرجل وفرقته فلأننا نجد في السيرة النبوية ما يدل بالقطع على أن الرسول عليه السلام كان مهتما بأتباع هذه الفرقة كما سنرى لاحقا (¬3). وكل هذه أباطيل ومغالطات وتحميل للنصوص ما لا تحتمل. ومن سمومه التي نفثها أن تبشير بعض الرهبان بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والحديث عن العودة إلى دين إبراهيم ليست إلا دعاية سياسية ضد الإمبراطوريتين المتحاربتين، والتبشير بقرب سقوطهما موظفة الدين (¬4). ولفرط عشق العلمانيين للسلطة صاروا لا يرون في أيّ نشاط يقوم به غيرهم إلا أنه يندرج في الصراع عليها. ¬

(¬1) نفس المرجع. (¬2) مدخل إلى القرآن الكريم (32). (¬3) مدخل إلى القرآن الكريم (¬4) نفس المرجع (38).

هكذا يرون النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما تقدم قريبا وسيأتي قريبا كذلك عن أركون ونصر أبي زيد، وسيأتي عنهم وعن غيرهم في الفصل الذي خصصته لطعنهم في النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة. وزعم الجابري أن النجاشي كان على مذهب الأريوسية، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد علم ذلك ولذلك أرسلهم إلى هناك (¬1). وهكذا يتم نسج شبكة بتلفيقات من هنا وهناك، ثم يزعمون أن هذا هو البحث العلمي. بل ذهب أبعد من هذا فجعل أنه كان لأجداد النبي - صلى الله عليه وسلم - علاقة بملوك الحبشة (¬2). وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أخواله من اليمن (¬3). وأنه كانت هناك مراسلات بين النبي - صلى الله عليه وسلم - والنجاشي (¬4). وذكر قبل هذا حركة الحنفاء الذين يبحثون عن دين إبراهيم كزيد بن عمرو بن نفيل وغيره. ليخلص من كل هذا إلى أن الأمر ليس تبشيرا بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، «بل إن المسألة كانت تتعلق في الواقع بوجود تيار ديني توحيدي قام في وجه نظرية التثليث التي رسمته المجامع الكنسية برعاية أعلى السلطات في الامبراطورية البيزنطية، تيار توحيدي اكتسى طابع المعارضة الفكرية والسياسية، وبالتالي الدينية لدولة الاحتلال البيزنطي ومذهبها الديني، من طرف شعوب الضفة الجنوبية والشرقية للبحر الأبيض المتوسط» (¬5). هذا هو المصرح به، والمسكوت عنه في خطاب الجابري هو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وما جاء به من قرآن وإسلام هو امتداد لهذا التيار المعارض لا أقل ولا أكثر. ¬

(¬1) نفس المرجع (52). (¬2) نفس المرجع (52 - 53). (¬3) نفس المرجع (55). (¬4) نفس المرجع (55). (¬5) نفس المرجع (62).

إنها معارضة سياسية تتقمص الدين كغطاء، إنه التفسير الماركسي الطبقي الكامن في لاشعور الجابري، وقد كان يوما ما من أبرز دعاته في المغرب. ونختم هذه التحليلات العلمانية التي تصب في نفس الاتجاه بقول نصر حامد أبي زيد وقول أركون. أما نصر أبو زيد فقال: إن العقائد الدينية ليست في الحقيقة سوى صياغة إيديولوجية للصراع الاجتماعي الذي يخوضه البشر على الأرض (¬1). فالنبي - صلى الله عليه وسلم - خاض صراعات إيديولوجية مع خصومه فولدت هذه الصراعات عقائدَ دينية معينة. وواضح أن هذا الطرح يندرج في الإطار الماركسي كذلك. يقصد الماركسيون أن الطرح الديني بأن إلها بعث نبيا، وهذا النبي دعا قومه فعارضوه، من تفاهات القرون الوسطى، وأن الأمر لا يعدو دعوات سياسية إيديولوجية تتقمص الدين غطاء. وأما أركون فقال: كان الشيعة والسنة قد تنافسوا في صراعهم المتبادل على الإخراج المسرحي للتراث الذي خلفه محمد، وذلك من أجل تحديد وإيجاد سلطة مقبولة من قبل كل المسلمين، ثم ممارسة هذه السلطة. إن دراسة تركيباتهم الإيديولوجية وألاعيبهم واعتبارها بمثابة إخراج سينمائي أو مسرحي، وليس نقلا أمينا وصحيحا للحقائق المؤسسة هو شيء أساسي جدا من أجل القيام بنقد فلسفي وبالتالي تاريخي لمفهوم السلطة في الإسلام (¬2). إنها السلطة وليس هناك غير السلطة، وما التراث الإسلامي إلا ألاعيب ومسرحية بإخراج سينمائي بامتياز!! ¬

(¬1) مداخلته في آخر كتاب الأسطورة والتراث (290). (¬2) تاريخية الفكر العربي (268).

ثم بين أركون كيف أن ظهور النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنشاءه للدولة ليس إلا تجسيدا للصراع على السلطة بين عائلته (بنو هاشم) وعائلة بني سفيان، ثم تعقد الصراع أكثر لظهور طرف ثالث هم الأنصار ولهم طموحاتهم السلطوية أيضا حسب تعبير أركون (¬1). والصراع بين السنة والشيعة حسب أركون ليس دينيا، وإنما صراع على السلطة بين هذين العائلتين المتصارعتين: عائلة النبي وعائلة أبي سفيان، لتحسمه عائلة بني سفيان لصالحها (الدولة الأموية) لتعود عائلة النبي مرة أخرى في عهد العباسيين (¬2). ¬

(¬1) تاريخية الفكر العربي (282). (¬2) نفس المصدر (282 - 2

العقائد الإسلامية

العقائد الإسلامية نبدأ أولا بجملة من النصوص التي تكذب أو تسخر من العقائد الإسلامية المجمع عليها، ثم نخص بالذكر مجموعة من العقائد القطعية الثابتة كوجود الله والملائكة ورسله واليوم الآخر وغير ذلك مما سيأتي إن شاء الله. قال محمد أركون: ولا نريد أن نحمي بأي ثمن تلك القيم أو العقائد الموروثة عن الماضي كما يفعل بعض المحافظين الذين يحنون رجعيا إلى الوراء، لا نريد أن نحمي من سلاح النقد تراثا قدسته الأزمنة المتطاولة، كما ولا نريد أن نحمي الهوية الدينية أو القومية ونضعها بمنأى عن كل تفحص نقدي (¬1). وأكد على ضرورة إعادة النظر في كل المسلمات والعقائد الدينية حول القرآن والوحي والتحريف وكون الله حكما في قضايا البشر (¬2). القيم والعقائد والهوية الدينية تحت رحمة مطرقة محمد أركون. في حين اعتبر صادق جلال العظيم في نقد الفكر الديني (50) أن المعتقدات الدينية كالإيمان بالقضاء والقدر والثواب والعقاب والإيمان بعدل الله فيها تناقضات عقلية صريحة لا يسعنا إلا رفضها. ¬

(¬1) قضايا في نقد العقل الديني. (¬2) الإسلام الأخلاق والسياسة (185 - 188).

أما عبد المجيد الشرفي فيرى أن كثيرا من عقائد المسلمين ما هي إلا أساطير فقط، لا أنها حقائق واقعية، قال: واعتبارا للغاية الكامنة وراء حديث القرآن عن آدم وحواء وعن إبليس والجن والشياطين والملائكة وعن معجزات الأنبياء لا يضير المؤمن أن يرى في كل هذا الذي ينتمي إلى الذهنية الميثية رموزا وأمثالا، لا حقائق تاريخية (¬1). الذهنية الميثية أي: الأسطورية. فلم يوجد في الواقع آدم وحواء وإبليس والملائكة والأنبياء، إنما هي أساطير محكية ترمز إلى أشياء معينة، وهي لضرب المثل فقط. وهكذا يُكذِّب القرآن والسنة والإجماع بأتفه الشبهات، ويبدو أن الشرفي خُدر إلى درجة رهيبة. وفي مكان آخر يحدثنا أن هذه العقائد الموروثة ليست معلومة من الدين بالضرورة، لكنها أشياء ارتأتها الفئة الغالبة. فقد أكد على أنه لا يجب على المسلم التسليم بأن العقائد الموروثة المتعلقة بعدم خلق القرآن والإيمان بالقدر خيره وشره ورؤية الله وعذاب القبر ومنكر ونكير وعصمة الصحابة وغيرها معلومة من الدين بالضرورة، وإنما هي أشياء ارتأتها الفئة الغالبة تاريخيا (¬2). وكذا اعتبر صادق العظم في نقد الفكر الديني (25) أن كلام القرآن عن خلق آدم وسجود الملائكة له وامتناع إبليس وطرده من الجنة أسطورة تناقض تناقضا صريحا المعارف العلمية. واعتبر (26) الجن والملائكة وإبليس وغيرها مجرد كائنات أسطورية خرافية لا أساس لها من الصحة. ولا مكان عنده للإيمان بآدم ¬

(¬1) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (61). (¬2) نفس المرجع (124).

وحواء والجحيم والنعيم وأن موسى شق البحر الأحمر بعصاه (20). واعتبر القمني الجن والعفاريت مجرد خرافات (¬1). بينما صرح حسن حنفي في تجديده (61) أنه ليس للعقائد صدق داخلي في ذاتها، بل صدقها هو مدى أثرها في الحياة وتغيير للواقع. وكل العقائد الإسلامية ومصطلحاتها يجب تجاوزها في دين «التراث والتجديد» فأكد أن ألفاظا مثل: الله والجنة والنار والآخرة والحساب والعقاب والصراط والميزان والحوض كلها ألفاظ يجب تجاوزها وزاد: فألفاظ الجن والملائكة والشياطين، بل والخلق والبعث والقيامة كلها ألفاظ تُجاوز الحس والمشاهدة، ولا يمكن استعمالها لأنها لا تشير إلى واقع، ولا يقبلها كل الناس، ولا تؤدي دور الإيصال (¬2). وذكر قبل (119) أن ألفاظا مثل الإيديولوجية والتقدم والحركة والتغير والتحرر والجماهير والعدالة ألفاظ معبرة لها رصيد عند الجماهير خلافا للألفاظ الدينية. وسيتحول علم أصول الدين إلى علم الإنسان، فبدل الحديث عن الله والشياطين والملائكة، سنتحدث عن الإنسان (¬3). ¬

(¬1) انتكاسته (315). (¬2) التراث والتجديد (121). (¬3) نفس المرجع (122).

وقال: وبالتالي يمكن نقل عصرنا من مرحلة التمركز حول الله، وهي المرحلة القديمة إلى مرحلة التمركز حول الإنسان، وهي المرحلة الحالية (¬1). ويمكن في شريعة «التراث والتجديد» تبديل اسم الله بالإنسان الكامل مثلا (124). وقال: فكل ما وصفوه (أي علماء التوحيد) على أنه الله إن هو إنسان مكبر إلى أقصى حدوده. وماذا عن أسماء الله وصفاته؟ أجاب صاحب «التراث والتجديد» على الفور: فكل صفات الله مثل العلم والقدرة والحياة والسمع والبصر والكلام والإرادة كلها هي صفات الإنسان الكامل، وكل أسماء الله الحسنى تعني آمال الإنسان وغاياته التي يصبو إليها (124). ثم قال بكل خفة وطيش: فالإنسان الكامل أكثر تعبيرا عن المضمون من لفظ الله (124). فحسن حنفي يريد أنسنة كل ما هو إلهي، وهذا هو جوهر العلمانية. وعلى ضوء ما تقدم فالإيمان والإلحاد لا مكان لهما في دين «التراث والتجديد»، قال: إن مقولتي الإلحاد والإيمان مقولتان نظريتان لا تعبران عن شيء واقعي لأن ما يظنه البعض على أنه إلحاد قد يكون جوهر الإيمان، وما يظنه البعض الآخر على أنه إيمان قد يكون هو الإلحاد بعينه (61). وقال: فالإلحاد هو المعنى الأصلي للإيمان لا المعنى المضاد (62). وقال: الإيمان هو الحفاظ على الموروث والإبقاء على الوضع الراهن والدفاع عن التقليد وحماية مصالح الطبقة ... ويكون الإلحاد هو كشف القناع وفضح النفاق وتعرية الواقع وعود ¬

(¬1) التراث والتجديد (1

إلى المعنى الأصلي ورفض للتواطئ وقبول للشهادة (62). وهكذا في أشياء كثيرة من هذا العبث والتلاعب الدال على المراهقة الفكرية، والموقف العدائي المتشنج من كل ما هو موروث. لا يكتفي حسن حنفي بإحداث قطيعة معرفية ابستمولوجية مع مفاهيم العقيدة الإسلامية (الله، النبي، الجنة، النار، الثواب، العقاب ... )، بل يتعدى ذلك إلى حذف هذه المصطلحات من التداول العلمي والشعبي واستبدالها بمفاهيم أخرى ذات حمولة تقدمية ماركسية. إذن نحن أمام طمس للتراث وتجديد للغنوصية، لقد جرت عادة العرب بحذف المضاف وإبقاء المضاف إليه مقامه، والعكس، لدلالة السياق أو الحال عليه. وهذا ما فعل صاحب التراث والتجديد. فهو يقصد بالتراث: طمس التراث والإجهاز عليه، ويقصد بالتجديد: تجديد الغنوصية. من هنا -حسب إلياس قويسم- تحولت العقائد التي هي جوهر النص القرآني إلى مجرد تصورات ذهنية موجهة للسلوك بعد أن كانت دليلا على وجود إله مفارق رقيب ... (¬1) فالعقل هو الذي يتصور وجود هذه العقائد، لا أنها موجودة في الواقع. وقال إلياس قويسم كذلك: اعتبار أن كل المفاهيم ذات البعد الماورائي ليست ¬

(¬1) استبدال هويّة النصّ القرآني، نسخة رق

الله سبحانه

إلا محض خيال تغذّت بها الذاكرة القروسطية ذات النزعة التقليدية (¬1). الله سبحانه. تقدم معنا دعوة حسن حنفي إلى تجاوز هذا المصطلح بمفهومه إلى مفهوم الإنسان الكامل. وقد استند حسن حنفي إلى مجموعة من الأسباب في دعوته لتغيير اللغة التقليدية إلى لغة تقدمية، منها: إنها لغة إلهية تدور الألفاظ فيها حول الله (¬2). وهذا يغضبه ويزعجه. ومنها أن لفظ «الله» يحتوي على تناقض داخلي في استعماله (¬3). وهذا لا يمكن قبوله. ثم استمر في تحقير لفظ الجلالة والاستهزاء به، فالله حسب شريعة «التراث والتجديد» عند الجائع هو الرغيف، وعند المستعبد هو الحرية، وعند المظلوم هو العدل، وعند المحروم عاطفيا هو الحب، وعند المكبوت هو الإشباع ... فإذا كان الله هو أعز ما لدينا وأغلى ما لدينا فهو الأرض والتحرر والتنمية والعدل، وإذا كان الله هو ما يقيم أوَدَنا وأساس وجودنا ويحفظنا فهو الخبز والرزق والقوت والإرادة والحرية، وإذا كان الله ما نلجأ إليه حين الضرر. وما نستعيذ به من الشر فهو القوة والعتاد والاستعداد (¬4). ¬

(¬1) تشتت النص القرآني، نسخة رقمية. (¬2) التراث والتجديد (112). (¬3) نفس المرجع (112). (¬4) نفس المرجع (113).

ولسان حال حسن حنفي يقول كما قال مشركو قريش: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} ص5. ومن أدلته كذلك قوله: ولا يمكن إيصال أيّ معنى بلفظ «الله» لأن اللفظ حوى كثرة من المعاني لدرجة أنه يدل على معاني متعارضة (¬1). وقال: فإذا كان لفظ «الله» يحتوي على تناقض داخلي في الإيصال، بالإضافة إلى تضارب معانيه (¬2). وكما أثار غضبه واشمئزازه لفظ الله، كذلك لفظ «دين» فزعم أن له معاني متناقضة (¬3). ولفظ إيديولوجيا أولى منه، لأن الأول يشير إلى مقدس وما وراء الطبيعة، وهذا ما لا يحب حسن حنفي، بينما الثاني يشير إلى أفكار بشرية لا عقائد سماوية (¬4). وهكذا لفظ «الإسلام» نفسه فلفظ «السلام» خير منه. وفي الحقيقة فحسن حنفي عنده أزمة حقيقية اتجاه الإسلام، لا مجرد محاولة تجديد. فهو يكره كل ما يمت إلى الإسلام بصلة ولو كان مجرد ألفاظ، ويريد أن يقطع مع الماضي ولو كان لغة معبرة. ومشيئة الله وإرادته عند حسن حنفي ليست إلا نظام الطبيعة لا ما يظنه العامة (¬5). وعنده كذلك لم يعد الإنسان الحديث في حاجة إلى الإيمان بقوى علوية تتحكم فيه وتحميه، فلا يحميه إلا الوعي الفردي وتجنيد الجماهير، والجماهير ¬

(¬1) نفس المرجع (114). (¬2) نفس المرجع (115). (¬3) نفس المرجع (115). (¬4) نفس المرجع (1 (¬5) مقدمته لرسالة اللاهوت والسياسة (68).

هي الدرع الواقي لا قوى سماوية (¬1). واعتبر أن أكبر آفاتنا هو انتظار العطاء والمن من الله. وأننا لسنا في حاجة إلى حمد الله على نعمه، بل نحن في حاجة للتضجر والغضب (¬2). وعوض بسم الله الرحمن الرحيم سيبدلها حسن حنفي إلى: بسم الأمة. وعوض الدفاع عن الله كما عند القدماء، سيدافع حسن حنفي عن الأرض (¬3). وإذا كان القدماء يريدون ثوابا في الجنة أو إنقاذا من النار فهو يريد صلاح الأمة وتحرير أراضيها وإعادة توزيع ثرواتها (¬4). والحديث عن الله اغتراب لا ينبغي وتعمية تدل على نقص، بل الواجب هو الحديث عن المجتمع والعالم (¬5). واعتبر أن إثبات إله موجود قبل الأجسام مصادرة على المطلوب. ولا معنى في نظره للسؤال عن النشأة والمصدر والأصل (¬6)، وتساءل: لماذا لا نتعبر الإنسان علة كل شيء؟ وأن يكون غيره أقدر منه على الفعل؟ (¬7) ووصف حجج الفلاسفة حول إنكار حدوث العالم بكونها حججا منطقية ¬

(¬1) من العقيدة إلى الثورة (1/ 10 - 11). (¬2) من العقيدة إلى الثورة (1/ 11). (¬3) من العقيدة إلى الثورة (1/ 30). (¬4) من العقيدة إلى الثورة (1/ 43). (¬5) من العقيدة إلى الثورة (1/ 84). (¬6) من العقيدة إلى الثورة (2/ 30). (¬7) من العقيدة إلى الثورة (2/ 31).

وواضحة وقوية يسهل اقتناع الإنسان بها (¬1). ودافع عن الدهريين الملاحدة، واعتبر أن تصور الفلاسفة والطبائعيين أقرب إلى التصور العلمي من تصور المتكلمين (¬2). وهكذا ينتصر حسن حنفي للمنكرين لوجود الله تحت ستار التجديد. واعتبر أن إثبات صُنعِ الله للكون وخلقه له له مخاطر وآثار سلبية عظيمة على الحياة الاجتماعية والسياسية، إذ يتم تصوير العالم فيه في حالة ضياع وأن الله هو الماسك له (¬3). وأننا لم نعد بحاجة إلى الدفاع عن عقيدة خلق الله للكون، وأن عقيدة قدم العالم لم تعد تشكل خطرا على الأمة، بل الخطر الذي يهددها هو الاعتقاد بخلق العالم من عدم (¬4). بل تؤدي عقيدة الخلق من عدم في نظره إلى تدمير العالم (¬5). والواجب والقديم والموجود بذاته ليس هو الله، بل الواجب هو الواجب الأخلاقي، والقديم هو العمق التاريخي للإنسان، والموجود بذاته هو الشعور بالاستقلال، ويكشف أي دليل على إثبات وجود الله على وعي مزيف (¬6). وبراهين وجود الله ليست فقط افتراضات ذهنية، وتعبير إنشائي لا حقائق علمية (¬7). ¬

(¬1) من العقيدة إلى الثورة (2/ 34). (¬2) من العقيدة إلى الثورة (2/ 36 - (¬3) من العقيدة إلى الثورة (2/ 39). (¬4) من العقيدة إلى الثورة (2/ 40). (¬5) من العقيدة إلى الثورة (2/ 41). (¬6) من العقيدة إلى الثورة (2/ 44). (¬7) من العقيدة إلى الثورة (2/ 60).

وذكر أبو زيد في إطار إظهار إيجابيات مشروع حسن حنفي أن العقائد الإسلامية مجرد تصورات ذهنية، أكثر من كونها عقائد دالة على وجود مفارق، وأن الله ليس ذات موجودة مفارقة للوعي الإنساني، بل هو مبدأ معرفي خالص (¬1). فالله ليس إلا مجرد افتراض ذهني محض ومبدأ معرفي خالص. وتقدم عن عبد المجيد الشرفي وصادق جلال العظم أن الله مفهوم أسطوري فقط لا دليل على وجوده حقا. والله سبحانه في نظر إلياس قويسم تبعا لنصر أبي زيد مجرد مجاز وأسطورة يتوهم الإنسان الخرافي وجوده. قال: بمعنى أيّ العالميْن «عالم الإله» أو «عالم الإنسان-الهنا» يمثّل الحقيقة والآخر يمثّل المجاز ... وقال: واعتبار العالم الفوقي الكامن في الوعي عالما مجازيا ... وقال: هذا يؤكد التصور الجديد القاضي بإقرار الوجود في الـ «هنا» لا في عالم آخر غير عالمنا هذا، فـ «أسطورة» العالم الفوقي وجب تجاوزها،) فحركة التشخصن ... تخوّلنا من التفكير في تعال، دون التجاء إلى عالم الغيبيات ... (¬2). وحسب إلياس قويسم دائما تهدف العلمانية إلى تحويل الإلهيات إلى إنسانيات واللاهوت إلى أنثروبولجيا والانخراط في نسق تأويل العقائد على أساس أنها جهد من الإنسان لتجاوز اغترابه في هذا العالم فيخلق في شعوره كائنا من داخله لا آتيا من الخارج المتعالي، ويضفي عليه صفات الكمال التي يفتقر إليها، ومن ثم يحوّل الإله من ذات مشخصة لها وجود مفارق للوعي إلى مجرد حضور ¬

(¬1) نقد الخطاب الديني (184). (¬2) استبدال هويّة النصّ القرآني، نسخة رق

معرفي يجسد جهد الإنسان للوصول إلى النموذج أو المثال الذي يطمح إليه (¬1). فالله صنع بشري محض يهدف به لتجاوز اغترابه في هذا العالم فيخلق في شعوره كائنا من داخله لا آتيا من الخارج المتعالي. بمعنى كما يقول العلماني إلياس قويسم عن صديق دربه نصر أبي زيد أن الأشياء المؤلهة ذات أصول واقعية-طبيعية، والناس بوهمهم «يُغدقون» عليها صفة التعالي والقداسة (¬2). فلا وجود لإله مفارق، وإنما الإنسان هو الذي يخلق الإله ويصبغ عليه رداء التعالي والتقديس. لا يمل أبو زيد من ترديد مقالات سيده ماركس في كون الأفكار والتصورات والاعتقادات مجرد انعكاس للأوضاع الاقتصادية. فالحرمان والعجز والقهر والخوف هو الذي ولّد عند الإنسان البدائي فكرة الله والتدين عموما، والذي تطور عبر الزمن من الخرافة إلى تعدد الآلهة إلى التوحيد. وقال: وبهذا نصل إلى نتيجة أخرى، وهي أن نصر حامد يريد الكشف عن زيف التعالي الذي أضيف إلى الظواهر المادية ... (¬3) وقال صادق جلال العظم في نقد الفكر الديني (19): فهل من عجب إذن أن نسمع نيتشه يعلن في القرن الماضي أن الله قد مات، وهل باستطاعتنا أن ننكر أن الإله الذي مات في أوروبا بدأ يحتضر في كل مكان. فهل بعد هذا يقول لنا علماني كعصيد ولكحل إن العلمانيين مسلمون ¬

(¬1) نفس المرجع. (¬2) نفس المرجع. (¬3) نفس الم

يؤمنون بالله ولا يتعرضون للدين بشيء وأنهم يكنون له كل الاحترام والتقدير، وأنهم إنما ينتقدون التوظيف السياسي للدين؟ وزاد العظم قائلا: إن الاشتراكي الحقيقي لن يكون مسرورا عندما يكتشف أن أهم مبدأ في عقيدته هو الإيمان بالله (32). وذكر أن وجود الله وعدمه بالنسبة له سيان (49). وأنه لا توجد أدلة وبينات ترجح وجود الله من عدمه (53). واعتبر أن الله ناقض نفسه بصورة مباشرة ومفضوحة عندما أمر إبليس بالسجود لآدم مع أمره بتوحيده (69). وأكد أركون أننا لم نعد في حاجة إلى الله، وأصبح فرضية لا جدوى منها. قال في نحو نقد العقل الإسلامي (267): ينبغي العلم بأنه فيما يخص الحداثة فإن الخيار لم يعد بين القبول بالدين أو رفضه، وإنما الله نفسه أصبح فرضية لا جدوى منها أو لا حاجة إليها. وقال (267): وبعد انتصار الحداثة فلم يعد هذا الشيء ضروريا لأننا وكما قلنا أصبحنا قادرين على الاستغناء عن الله إذا شئنا من دون أن يجبرنا أحد على ذلك بالطبع. فالإنسان في عصر الحداثة أصبح يتحمل مسؤولية نفسه وقدره ومصيره بنفسه، أصبح مستقلا بذاته عن القدرة الفوقية. وذلك بعد أن أحل مخيال التقدم بواسطة العلم محل مخيال النجاة الأبدية في الدار الآخرة بواسطة الدين. ونعى أركون (269) على المسلمين كيف أنهم لا زالوا يعتقدون بوجود إله أو ما سماه المشروعية الإلهية أو الحاكمية التي تتحكم بالبشر على الأرض. وذكر أنهم يستندون إلى القرآن والسنة، ثم قال: أما المؤرخ الحديث أو علماء الاجتماع والانتربولوجيا والألسنيات فإنهم يتحدثون عن الموضوع بطريقة أخرى إنهم يعتقدون على العكس بوجود قطيعة ثقافية وروحانية وعقلية مع ذلك الخيار المقدم للإنسان في معاهدة الميثاق المعقود بين الله والإنسان.

ولهذا فالفاعل الحقيقي في الإسلام هو محمد وليس الله. قال في الفكر الإسلامي (105): ذلك الفاعل المعقد الذي دعوناه سابقا بالبطل المغير أو بطل التغيير (أي الله بحسب المؤمنين ومحمد بحسب المؤرخ النقدي). وذكر في الفكر الإسلامي (102) أن مفهوم الله لا ينجو من ضغط التاريخية وتأثيرها، وزاد شارحا: أقصد أنه خاضع للتحول والتغير بتغير العصور والأزمان. أي: لكل زمان إلهه، وهذا يلتقي مع كلامه السابق عن أن إله العصر هو الأمل. فالإله الموصوف في الأديان تجاوزه الزمن. ويستطيع الإنسان خلق كائنات حية في أنبوب الاختبار، وبالتالي هُجر عندئذ الفضاء الساحر والخلاب الذي ولدت فيه الآيات القرآنية المتعلقة بقضية خلق الوجود، كما أكد أركون كذلك (¬1). ولذلك سيكون من المضحك كما يقول أشرف عبد القادر أن نأخذ بنظرية خلق الكون التوراتية التي تبنتها آيات القرآن الكريم، بينما العلم يقدم لنا نظرية الانفجار الكبير الذي لم يدم سبعة أيام، كما تقول الأسطورة التراثية، نقلا عن الأسطورة البابلية، بل دام أقل من ثانية (¬2). ثم سخر من كون آدم وحواء هما أصل البشرية، بل الصواب أن الحياة تكونت من بكتريا وحيدة الخلية (¬3). وكل هذا تكذيب للقرآن والسنة ثم يزعمون أن العلمانية هي فقط عدم إقحام الدين في السياسة؟ ¬

(¬1) الفكر الإسلامي (1 (¬2) العلمانية مفاهيم ملتبسة (10). (¬3) نفس المرجع (10).

ثم نقول لهذا المكذب: إن نظرية الخلق لا تعارض نظرية الانفجار الكبير، فالخلق له أسباب طبيعية وقد يكون منها الانفجار الكبير، ألا ترى أن الطفل تلده أمه وفق أسباب بيولوجية معروفة، مع أن الله هو الذي خلقه، لأنه هو الذي هيأ له أسباب الوجود. ثم الانفجار الكبير وإن وقع في لحظة فتكوُّن الكواكب وتخلقها مر بأزمنة أطول. ثم وبعد هذا كله، ما رأيك فيما يقوله علماء الإعجاز العلمي في القرآن والسنة أن الانفجار الكبير أشار الله إليه في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} الأنبياء30. فالسماوات بما فيها من كواكب ونجوم ومجرات كانت مجتمعة مع الأرض، ففتق الرتق، أي: انفصل كل جزء منها بمفرده. وهذا هو الانفجار الكبير. أم أن أسلوب السخرية والاستهزاء بالإعجاز العلمي هو الأسلوب الأمثل للتهرب من الجواب؟. وليكن في علم جهلكم أن مؤتمرات هذا العلم يحضرها عدد من كبار العلماء الغربيين الذين تدينون لهم بالولاء. أما طيب تيزيني فالله تطور هو الآخر من آلهة أخرى وله جذور وثنية. لنتابع جهالات تيزيني التي حسبها تحليلات علمية، قال: وجدير بالتبصر أن الله إذ أخذ يحقق حضورا كثيفا متزايدا في مكة وغيرها من مناطق الجزيرة العربية فإنه كان في الوقت نفسه يحصد ثمار تطور آلهة أخرى لصالحه ... والهام أن نشير إلى أن الله حيث كان سائرا باتجاه الهيمنة، لم يُزل الآلهة الأخرى من طريقه بصيغة إقصائها كلا وجزءا من الساحة وإنما بمعنى تمثلها وظيفيا (¬1). أي قام بأدوارها، ¬

(¬1) مقدمات أولية (134).

كأنك تقرأ مسلسلا كارتونيا للأطفال، على كل حال لنتابع تحليلات تيزني الماركسية: ولقد استمدت الإلهات الإناث ألوهيتهن من أنهن كن بنات الله والشفيعات عنده. ولكنهن يبدأن بفقد تلك الصفة إطلاقا بعد هيمنة الله، بمثابة الإله الذكري الأعظم. ولنلاحظ أن تصورات البنوة والأبوة والأمومة التي هيمنت طويلا ضمن مراحل الاختلاط القرابي الجنسي في مجتمع يجعل من الخصب الزراعي والطبيعي عموما على ضحالته خصبا جنسيا، تنحل لصالح تصور واحد، هو الألوهية الذكرية الأحادية، وإن لم يصف نهائيا. وهذا ما سنلاحظه ضمنا في النص القرآني الذي يتحدث عن روح الله وكلمة الله. لقد كان على الآلهة الأنثوية أن تخلي- مع الآلهة الأخرى- الساحة أمام الله الأعظم، ولكن بعد عملية استبدال بنيوي ووظيفي، تطرأ على هؤلاء جميعا. فحفاظا على التوحيد الإلهي الجديد نلاحظ أن قسما كبيرا من الآلهة السابقة يتحول إلى ملائكة، خاضعة لهيمنة الرب- السيد الجديد .. (¬1). إلى أن قال: وعلى هذا يمكن القول إن الله الإسلامي اللاحق لم يفقد جذوره الوثنية المكية بصورة تامة (¬2). وصور لنا محمد الشرفي الله والنبي والإسلام تصويرا بأسلوب تهكمي فقال: ولقد خضع الأصوليون لعمليات تمذهب مارسها عليهم منظروهم ومرشدوهم بحيث حُشيت أدمغتهم بتاريخ مشوه غاية التشويه ومثالي موغل في المثالية، فالله في زعمهم قد خلق الإنسانية لأجل أن تطيعه، واختار النبي محمدا، وهو رجل كامل ليبلغ أوامره إلى هذه الإنسانية، وقد تبعته قلة قليلة من المخلصين، وجميعهم ¬

(¬1) مقدمات أولية (136 - 137). (¬2) نفس المرجع (143).

خيرون كرماء متفانون وقد حارب النبي جيشا عرمرما من الأشرار الكافرين الذين كانوا جميعا متعاظمين كذابين مفسدين جشعين ... ولكن تغلبت بعون الله قوى الخير رغم قتلها على قوى الشر رغم عددها وعتادها. وبهذه الصورة يتحول التاريخ الإسلامي إلى ملحمة مانوية (¬1). ولا تدري ما الذي يثير شكوك السيد الوزير في حكومة الديكتاتور الطاغية شين العابدين بن علي. وحسب عبد الله العروي فهناك علاقة وثيقة بين التوحيد الإسلامي وبين الاستبداد: فالله في نظره يجلس على عرشه يحيط به أعوان وموال حسب ترتيب محكم ومراسيم دقيقة (¬2). فالله في نظره حاكم مستبد!!. أما القمني فقد اعتبر في انتكاسته (158) أن القول بإله غيبي ميتافيزيقي تصور وهمي وأنه لما جاء العلم الإنساني الحديث «خرج الرب وأنبياؤه وكهنته من الموضوع. وحل العلماء (¬3) محل الأرباب بعد أن أثبتوا بالآيات البينات الواضحات مساندتهم الحقيقية لبني الإنسان في مواجهة الطبيعة القاسية التي ظلوا رهن نزواتها وكوارثها وجوائحها وأوبئتها طول الأزمنة الخوالي». وخَلْق الله للكون ليس إلا أسطورة في نظر دكتور الأساطير (¬4). قال مستهزئا بخالقه: دون تفسير واضح لعدم تدخل الله لصالح أمته التقية، رغم تدخله من قبل في أمور أهون مثل دفاعه بالطير الأبابيل عن مكة ... ومع ذلك ¬

(¬1) الإسلام والحرية (51). (¬2) السنة والإصلاح (165 - 166). (¬3) أي الغربيون. (¬4) الأسطورة والتراث (155).

فإن الله لم يتدخل حتى تاريخه لحماية أولى القبلتين ومسرى النبي وثالث الحرمين، ولم يدافع عن عاصمة الرشيد أمام الأمريكان (¬1). بهذه اللغة الاستهزائية يتهكم على خالقه ولكن ماذا نفعل مع من لا مبدأ له إلا افتراس القمامة. وقريب منه خليل عبد الكريم، فقد قال آخذا على الكتب الإسلامية: ... والاعتماد على الغيبيات والماورائيات واللامحسوسات. وضرورة ربط كل ما يدور على الأرض إن على المستوى الفردي أو المجتمعي وفي كل الشؤون بدون تفرقة، ربطها على بكرة أبيها بقوى غير منظورة وأنه لن ينصلح أيّ معوج إلا إذا كانت العلاقة مع هذه القوى الجبارة على أحسن ما يرام ولتصبح القوى في ذروة الرضا!! (¬2). وعلامات التعجب منه. وزاد بعدها مباشرة: فإذا سألت أحدهم وفيهم أكاديميون وأساتذة جامعات وحاملو إجازة الدكتوراه من أرقى جامعات أوروبا وأمريكا، ما بال أمم أخرى علاقتها مع هذه القوى (¬3) بالغة السوء، بل وبعضها ينكر وجودها ويسخر ممن يؤمن بها. ومع ذلك فهي في القمة؟ رد عليك بثقة تغبطه عليها: هذه الأمم لا تدخل في حساب القوى ولا تعبأ بها، فلذا تتركها تستوفي حظها الآن، ولكن فيما بعد ستوفيها ما تستحقه من جزاء!! مع أن المنطق يحتم أن تكون الأمة التي ترعاها القوى وتكلأها بعنايتها وتفضلها على غيرها من الأمم هي الأقوى والأرقى (¬4). ¬

(¬1) شكرا ابن لادن (1 (¬2) الأسس الفكرية (117). (¬3) أي: الله. (¬4) الأسس الفكرية (117 - 118).

الملائكة

وأما علي حرب فيرى أن الله يمارس امبريالية واستبدادا بخلقه، فقال: أما في اللاهوت فالعنصر الغالب هو خضوع الإنسان للأمر الإلهي لكائن أعلى يمارس امبرياليته واستبداده بخلقه (¬1). الملائكة. الاعتقاد بوجود الملائكة والشياطين والجن والعفاريت وغيرها خرافات يجب التخلص منها كما يرى صادق جلال العظم في نقد الفكر الديني (52). واستهزأ هاشم صالح بمنكر ونكير وملك الموت، ودعا إلى التخلص من هذه الكوابيس المرعبة (¬2). وقال: أكاد أقول بأن العالم الإسلامي كله مقبور الآن تحت ركام من التصورات القروسطية والكوابيس العقائدية وعذاب القبر وأفكار الخوف والرعب التي تمنعه من التحرر والانطلاق، فمتى سنخرج من هذا القبر الجماعي لكي نرى النور لأول مرة ونتنفس الهواء الطلق، متى سنفهم الدين بطريقة أخرى مختلفة تماما أو حتى معاكسة؟ (¬3). وسخر القمني من دعم الملائكة للمؤمنين (¬4). وزعم عبد المجيد الشرفي بأن ما ورد في القرآن عن آدم وحواء وإبليس والجن والشياطين والملائكة ومعجزات الأنبياء ليست إلا تماشيا مع الذهنية الميثية الأسطورية، وأنها رموز وأمثال لا حقائق تاريخية (¬5). أي: هي أشياء غير موجودة ¬

(¬1) نقد الحقيقة (144). (¬2) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (22 - 23 - 24). (¬3) نفس المرجع (¬4) الأسطورة والتراث (15). (¬5) الإسلام بين الرسالة والتاريخ

إبليس

في الواقع، وإنما تصورات ذهنية خرافية. إبليس: الشيطان في عرف العلمانيين شخصية أسطورية خرافية لا وجود لها. فهذا صادق جلال العظم اعتبر في كتابه نقد الفكر الديني أن إبليس كائن أسطوري غير موجود ولا حقيقي وشخصية ميثولوجية أبدعتها ملكة الإنسان الخرافية (57 - 58). وقال: كذلك عندما نقول «طرد الله إبليس من الجنة» يجب ألا نظن بأن مثل هذه الحادثة وقعت في تاريخ هذا الكون، لأن مغزى هذا الكلام ومعناه يكمن في كونه رمزا، لا في كونه وصفا لأحداث وقعت بالفعل (59). لكن نبهنا إلى أن معالجته لقصة إبليس إنما هو في إطار التفكير الميثولوجي الأسطوري لا أنه يؤمن بهذه الخرافة، كما يدرس الباحثون أساطير اليونان والسومريين والساميين وغيرهم (92). وكذا أن كلامه عن الله وإبليس والجن والملائكة والملأ الأعلى لا يفهم منه أنه يؤمن بهذه الأشياء (59). ولنستمع قليلا لشيء من التهريج الفكري مع صادق جلال العظم. ولنتابع جهالات الرجل التي سطرها في كتابه المذكور: قال عن امتناع إبليس من طاعة أمر الله في السجود لآدم: نستنتج إذن أن موقف إبليس يمثل الإصرار المطلق على التوحيد في أصفى معانيه وأنقى تجلياته (61). واعتبر أن احتجاج إبليس بقوله: أنا خير منه. تعني من نور وخلقته من طين، بأنه تبرير منطقي واضح (62). واعتبر أن هذا ليس تكبرا ولكنه حقيقة أساسية في الفرق بين الأشياء ومراتبها (62). وأن النار بطبيعتها وجوهرها أفضل من الصلصال، ثم استمر مهرجنا في تحليلاته الدقيقة فقال: تنطوي مفاضلة إبليس بين جوهره وبين جوهر آدم على نظرة فلسفية معينة لنظام الكون وترتيب الطبائع وفقا لدرجات الكمال التي تتصف

بها، لذلك كان إبليس على حق في جوابه، لأن الخالق جعل الأشياء على ما هي عليه من درجات الكمال والسمو (62). ودافع عن جده إبليس في عدم سجوده لآدم، وأنه محق في هذا (62 فما بعدها). وقال: إن إبليس اجتاز التجربة التي ابتلاه الله بها بنجاح تام (75). وزاد: وبما أن الله كافأ إبراهيم وأيوب على صبرهما ونجاحهما وتمسكهما بواجبهما المطلق نحوه يجوز لنا أن نستنتج بأنه سيكافئ إبليس على نجاحه وتضحيته ويعوض عليه ما تكبده من خسارة مفجعة وما عاناه من شقاء وبلاء وغربة (77). هكذا بكل جرأة ووقاحة. واعتبر أن إبليس أول بطل مأساوي في الكون، وأن آدم أول انتهازي في الكون (83). وجزم بأن نهاية حبيبه إبليس ستكون نهاية سعيدة ومرضية (84). ودعا إلى رد الاعتبار لإبليس، وتغيير نظرتنا التقليدية له، والكف عن كيل السباب والشتائم له، بل ويجب أن نطلب منه الصفح ونوصي الناس به خيرا، بعد أن اعتبرناه زورا وبهتانا مسؤولا عن جميع القبائح والنقائص (85). ليخلص المهرج إلى النتيجة التي رسمها منذ البداية، وهي: إذا ثبتت براءة إبليس، فلا حاجة ولا فائدة من وجود جنة ونار ولا دين، بل ولا إله كذلك، وبطلت العقائد الدينية جملة وتفصيلا (85 - 86 - 87). ولقد أحسن العلماني تركي علي الربيعو في قوله عن قراءة العظم هذه لمأساة إبليس: إنه يساهم في إنتاج دين جديد، لنقل إنه دين الشيطان هذه المرة ... أو بصورة أدق: فإنه يساهم في بعث اجتهادات إحدى الفرق الباطنية في الإسلام من عبدة الشيطان إلى الواجهة من جديد (¬1). أما القمني فيرى في كتابه الأسطورة والتراث أن إبليس أسطورة (33) ¬

(¬1) أزمة الخطاب التقدمي (

تحول مع مرور الزمن من إله للشر عند المصريين القدماء (33) والفرس (34) واليهود (37) ليتحول بفضل تطور العقل البشري من تعدد الآلهة إلى التوحيد في المسيحية إلى مخلوق متمرد (39). وهكذا في الإسلام (40) تحول إلى مخلوق يمتلك قدرات خارقة يقترب فيها من كونه إلها (43). وقال: وإذا كان إبليس في العقائد القديمة إلها للشر تحول مع التطور العقلي إلى ملاك عاص أو إلى جني (42). إذن فإبليس أسطورة اخترعها الإنسان تفسيرا للخوف من الظواهر الطبيعية، تحولت وتطورت مع مرور الزمن، وليس كما يعتقد المسلمون السذج حقيقة واقعية. وأكد على هذا المعنى كذلك حسن حنفي في مداخلته آخر كتاب الأسطورة والتراث، حيث قال بعد أن تحدث عن أسطورة الشيطان في الثقافات والديانات القديمة إلى عهد الإسلام: أي: إن الأسطورة موجودة ولكنها تتشكل طبقا للثقافة وطبقا للظرف والعصر (287). ونصَّ القمني في انتكاسته (268) أن إبليس لما امتنع من السجود إنما مارس حريته، تمسكا منه بتوحيد الله وتنزيهه، بل هو موافق لتركيب إبليس الخلقي. وكذا أنكر عبد المجيد الشرفي وجوده، واعتبره أسطورة غير حقيقية، كما تقدم (¬1). وكل هذا تكذيب للقرآن والسنة وإجماع المسلمين. ¬

(¬1) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (61).

اليوم الآخر

اليوم الآخر: لا تؤمن العلمانية إلا بالحياة الدنيا، واليوم الآخر أو الآخرة مجرد معتقدات دينية أسطورية. وهي تهدف إلى استبدال الخلاص الديني الأخروي بالخلاص الأرضي الوضعي، ويريد العلمانيون تحقيق جنتهم وفردوسهم في هذه الدنيا بدل الآخرة. قال أركون في القرآن من التفسير الموروث (74): في نظام الحداثة لا توجد إلا حياة واحدة هي التي نعيشها. وفي كتاب تاريخية الفكر العربي (81) جعل قبول العقل المؤمن بوعود الحياة الأبدية في الآخرة قبولا ساذجا. وكان شلبي شميل ينكر الخلق والمعاد. آراء الدكتور شلبي شميل (64 - 69). وقال شاكر النابلسي عن العلمانية: ولا تعير انتباها كثيرا للحياة الآخرة الغائبة والمجهولة، وتطلب من الناس ألا يشغلوا بالهم بها (¬1). وعند خليل عبد الكريم استبدلت العلمانية خلاص الآخرة بخلاص الأرض (¬2). وقال القمني في رب الثورة أوزيريس (10): كما أن العالم الآخر عالم غيبي لا دليل عليه سوى ما ورد عنه في بعض السطور في بعض الصحائف المقدسة، دون بعضها في ديانات أخرى، فأصبح موضوعا مختلفا عليه وعلى ماهيته ومواصفاته، بل وعلى وجوده أصلا بين الغيبيين أنفسهم، مما يجعله موضوع تصديق وتكذيب ليستمر قلقا بين الوجود والعدم. ¬

(¬1) العلمانية مفاهيم ملتبسة (141). (¬2) التفكير في العلمانية (

هكذا يقول من يزعم أنه مسلم، يكذب باليوم الآخر ويزعم أنه ورد في بعض السطور في بعض الصحف المقدسة دون بعضها. ثم هو مختلف فيه. هكذا يقول دكتور الأساطير. وفي كتابه «الأسطورة والتراث» اعتبر أن الإنسان هو الذي اخترع فكرة اليوم الآخر، قال القمني: وفي هذا الزمان البعيد (عهد السومريين) لم يكن الإنسان قد وصل بعد إلى اختراع فكرة عالم آخر فيه بعث ثم ثواب أو عقاب، ترغيبا وترهيبا (57). وعَدَّ من الأساطير في الإسلام التي انتقلت إليه من المصريين القدماء: فكرة البعث والحساب والجنة والنار والصراط والميزان وشهادة الجوارح على الميت (¬1). وعند مراد وهبة نشأ الاعتقاد باليوم الآخر مع عبادة الشمس عند المصريين القدامى ونشأت فكرة الخلود مع الدين الرسمي أو دين الدولة (¬2). لهذا الاعتبار لما عرفت دائرة المعارف البريطانية (9/ 19) العلمانية تحت مادة ( Secularism) قالت: هي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها. وذلك أنه كان لدى الناس في العصور الوسطى رغبة شديدة في العزوف عن الدنيا والتأمل في الله واليوم الآخر، وفي مقاومة هذه الرغبة طفقت ( Secularism) تعرض نفسها من خلال تنمية النزعة الإنسانية، حيث بدأ الناس في عصر النهضة يظهرون تعلقهم الشديد بالإنجازات الثقافية والبشرية، وبإمكانية تحقيق مطامعهم في هذه الدنيا القريبة، وظل هذا الاتجاه يتطور باستمرار خلال التاريخ الحديث كله، باعتبارها ¬

(¬1) السؤال الآخر (317). (¬2) ملاك الحقيقة (299).

حركة مضادة للدين ومضادة للمسيحية (¬1). وأما حسن حنفي فيقول: فقد لا يكون البعث واقعة مادية تتحرك فيها الجبال وتموج فيها البحار وتخرج لها الأجساد، بل يكون البعث هو بعث الحزب وبعث الأمة وبعث الروح، فهو واقعة شعورية تمثل لحظة اليقظة في الحياة لحظة الموت والسكون (¬2). فالبعث في هذه الدنيا لا في دنيا أخرى مفارقة. ولا خلود عند حسن حنفي إلا في الأرض، قال في فقرة الخلود في الأرض: والحقيقة أن أمور المعاد كلها خطأ في تفسير النصوص وتحويل للصور الفنية إلى وقائع حادثة، فأمور المعاد لا تشير إلى وقائع مادية وحوادث فعلية وعوالم موجودة بالفعل في مكان ما يعيشها الإنسان في زمان ما، بل هي بواعث سلوكية ودوافع للفعل للتأثير على السلوك، والحث على الطاعة ترغيبا تارة وترهيبا تارة أخرى (¬3). فلا وجود لعالم آخر يحاسب الناس فيه وتوزن أعمالهم حسب حسن حنفي، بل هو انعكاس لحالة العجز والظلم والقهر، فيتمنى العاجز والمظلوم والمقهور أو يتصور وجود يوم ينعم فيه ويُنتقم من ظالميه. قال: إن أمور المعاد في نهاية الأمر ما هي إلا تعبير عن عالم بالتمني عندما يعجز الإنسان عن عيشه بالفعل في عالم يحكمه القانون ويسوده العدل. لذلك تظهر باستمرار في فترات الاضطهاد وفي لحظات العجز وحين يسود الظلم ويعم القهر كتعويض عن عالم مثالي يأخذ فيه الإنسان حقه، ويرفع الظلم عنه، أمور المعاد في أحسن الأحوال تصوير فني يقوم به الخيال تعويضا عن حرمان في الخبز أو الحرية، في القوت أو الكرامة، في الرزق أو الحق في عالم يحكمه القانون ¬

(¬1) نفس المصدر (43). (¬2) من العقيدة إلى الثورة (4/ 508). (¬3) من العقيدة إلى الثورة (4/ 599).

ويتحقق فيه العدل (¬1). وأمور المعاد عند حسن حنفي إنما تعبر على طريقتها الخاصة وبالأسلوب الفني الذي يعتمد على الصور والخيال عن أماني الإنسان في عالم يسوده العدل والقانون ... إنها تعبير عن مستقبل الإنسان في عالم أفضل (¬2). ولا تعدو الجنة الموعودة عنده أن تكون عبارة عن نعيم الدنيا، والنار ما يصيب الإنسان من شر فيها. قال: فهناك دنيا واحدة وآخرة واحدة هي نفسها الدنيا، فالجنة والنار هما النعيم والعذاب في هذه الدنيا وليس في عالم آخر يحشر فيه الإنسان بعد الموت، الدنيا هي الأرض، والعالم الآخر هو الأرض، الجنة ما يصيب الإنسان من خير في الدنيا، والنار ما يصيب الإنسان من شر فيها (¬3). وزاد مؤكدا أن أمور المعاد هي الدراسات المستقبلية بلغة العصر والكشف عن نتائج المستقبل ابتداءا من حسابات الحاضر (¬4). أما صادق النيهوم فالعالم الآخر عنده عالم مجهول من ابتداع الكهنة (¬5). وعند العروي: فكرة الرب الديان الذي يحاسب خلقه ويجازي المحسن ويعاقب المسيء إنما عادت للواجهة تحت ضغط واقع إنشاء الدولة الجديدة في المدينة (¬6). ¬

(¬1) من العقيدة إلى الثورة (4/ 600). (¬2) دراسات إسلامية (104) نقلا عن قراءة النص الديني لعمارة (71). (¬3) من العقيدة إلى الثورة (4/ 601). (¬4) من العقيدة إلى الثورة (4/ 605). (¬5) الإسلام في الأسر (80). (¬6) السنة والإصلاح (122 - 123).

الصراط ونعيم الجنة

فعقيدة اليوم الآخر ليست إلا فكرة تم استثمارها في إبانها لتحقيق أهداف سياسية. وحسب عزيز العظمة فالحور العين من صنع أشخاص ذوي عقلية اغتصابية لا غير، قال: «إن أخبار الحور العين في الجنة إنما هي بنات أفكار وتصور مخيلة اغتصابية، تزيح عن صاحبها الرغبة لتضع مكانها الشهوة» (¬1). الصراط ونعيم الجنة. أنكر القمني الصراط واعتبره شأنا فسيفسائيا مجهولا (¬2). واعتبر أن ذكر الحور والخمور في الجنة: الرشوة المقدمة في عالم الأبدية (¬3). وعَدَّ من الأساطير في الإسلام التي انتقلت إليه من المصريين القدماء: فكرة البعث والحساب والجنة والنار والصراط والميزان وشهادة الجوارح على الميت (¬4). أما نصر حامد أبو زيد الذي حكمت بردته محكمة القاهرة، فكل الغيب عنده بما في ذلك اليوم الآخر تصورات أسطورية، وليست حقائق في نفس الأمر: فقد تعجب كيف أن المسلمين ما زالوا يؤمنون باللوح المحفوظ والله بعرشه وكرسيه وجنوده الملائكة، وبالإيمان بالشياطين والجن والسجلات التي تدون فيها الأعمال. قال: والأخطر من ذلك تمسكه بحرفية صور العقاب والثواب وعذاب القبر ونعيمه ومشاهد القيامة والسير على الصراط ... إلى آخر ذلك كله من ¬

(¬1) العنف والمقدس والجنس (132) نقلا عن عزيز العظمة: سمفونية الملذات، مجلة الناقد العدد 61 ص 20 - 30. (¬2) أهل الدين والديمقراطية (104). (¬3) السؤال الآخر (12). (¬4) نفس المرجع (317).

الطعن في الأنبياء

تصورات أسطورية (¬1). وتعجب من الإيمان بحرفية الدلالات التي وردت في النصوص الدينية عن الله كالعرش والكرسي والملائكة، وما ورد عن الآخرة كالصراط والحوض وعذاب القبر وناكر ونكير، وما ورد عن المسيح الدجال وغير ذلك من أشراط الساعة. في حين هي لا تعدو في نظره مجازا وليس حقائق موجودة (¬2). وكل العقائد الإسلامية ومصطلحاتها يجب تجاوزها في نظر حسن حنفي، فأكد أن ألفاظا مثل: الله والجنة والنار والآخرة والحساب والعقاب والصراط والميزان والحوض كلها ألفاظ يجب تجاوزها وزاد: فألفاظ الجن والملائكة والشياطين، بل والخلق والبعث والقيامة كلها ألفاظ تُجاوز الحس والمشاهدة، ولا يمكن استعمالها لأنها لا تشير إلى واقع، ولا يقبلها كل الناس، ولا تؤدي دور الإيصال (¬3). الطعن في الأنبياء. أكد فالح مهدي في البحث عن منقذ (150 - 162) على أن الولادة لا يمكن أن تتم إلا من خلال اتحاد بويضة بحيوان منوي، وبالتالي فالمسيح ابن زنا ومريم زانية (¬4). وجعل تركي علي الربيعو أن مريم مارست البغاء المقدس (¬5)، وأن جبريل أو الله نفسه هو القائم بالعملية مستندا إلى ورود ثلاث عبارات في المصادر الإسلامية ¬

(¬1) النص والسلطة والحقيقة (135). (¬2) نفس المرجع (211). (¬3) التراث والتجديد (121). (¬4) أزمة الخطاب التقدمي العربي (74) والعنف والمقدس والجنس (178 - 179). (¬5) العنف والمقدس والجنس (90 - 93 - فما بعد -98 - 100).

تؤكد ذلك: وهي «النفخ» وهو الجماع، و «ولج» و «الفرج» (¬1). وهو يندرج حسب الربيعو في ممارسة الآلهة للجنس المقدس، وهو تراث قديم يجد أصداء له في كافة الحضارات القديمة. وهذا كفر بالله العظيم بإجماع علماء الأمة. وتزخر المصادر الإسلامية بألوان من الجنس المقدس حسب الربيعو، منها قصة آدم وحواء، وقصة لوط، وقصة مريم، وقصة هابيل وقابيل، والحور العين في الجنة وغيرها. بل إن الجنس المقدس في الميثولوجيا الإسلامية هو صيغة العلاقة بين الخلود والألوهية (¬2). وذكر هاشم صالح أن موسى قام بمجزرة حقيقية (¬3). وهذا سب واتهام لنبي كريم. واعتبر القمني أن الاعتقاد بوجود نبي اسمه إبراهيم أسطورة خرافية. فقد نقل عن بعض الباحثين ساكتا أنه اعتبر قصة إبراهيم بأكملها قصة خرافية أسطورية، لأننا لم نعثر من الناحية التاريخية ما يؤكد ذلك (¬4). وأنها أصل الأسطورة (براما) كانت واسعة الانتشار قبل ظهور العبريين، وعرفت في بلاد إيران والهند وما حولها، وأنها أصل عقيدة (براهما) الهندية (¬5). ثم نقل كلام «فلهلم رودلف» وكلام «طه حسين» المشكك في وجود هذه الشخصية وأن النبي محمدا إنما مال إليه وذكره ليتألف قلوب يهود المدينة مع القوة الإسلامية الطالعة. يقول طه حسين: للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا أيضا، لكن ورود هذين الاسمين في التوراة لا يكفي لإثبات وجودهما ¬

(¬1) العنف والمقدس والجنس (97 - 98). (¬2) العنف والمقدس والجنس (84). (¬3) الإسلام والانغلاق واللاهوتي (3 (¬4) النبي إبراهيم والتاريخ المجهول (16). (¬5) نفس المرجع (17).

التاريخي ونحن مضطرون إلى أن نرى في هذه القصة نوعا من الحيلة في إثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة، وبين الإسلام واليهودية والقرآن والتوراة من جهة أخرى (¬1). أي أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - اخترع هذه القصة أو بالأحرى نقلها من التوراة والإنجيل من باب الحيلة فقط، أو المناورة السياسية. ثم يسفر القمني عن وجهه ويعلنها مدوية تأسيسا كما قال على عدم وجود أية مصادر تاريخية تشير إلى إبراهيم سواء في مصر أوالرافدين، من ثم ستكون أية محاولات هي مجرد تخمينات وافتراضات، تنتهي بدعم أولئك أو هؤلاء، حقيقة نحن مضطرون هنا إلى الاعتراف بعدم وجود الأدلة المباشرة (¬2). وذكر عبد الوهاب المؤدب العلماني التونسي وتابعه عشيقه هاشم صالح أن إبراهيم الخليل ليس شخصية تاريخية موجودة، وإنما حقيقة ذهنية أسطورية (¬3). ولا يفتأ القمني من الاستهزاء بعفاريت سليمان في كتبه (¬4). كما استهزأ من اعتقاد أن إبراهيم تحدى النمرود بتحويل مسار الشمس (¬5). وكل هذا تكذيب للقرآن الكريم. وقال في صدد بيانه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: أنا ابن الذبيحين: وإسماعيل جده (أي: جد النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -) البعيد الذي كاد يكون ضحية للإله (إيل)، والذي انتسب إليه إسماعيل باسمه: (سمع-إيل)! (¬6). ¬

(¬1) نفس المرجع (17). (¬2) نفس المرجع (17). (¬3) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (136) وانظر نحو نقد العقل الإسلامي (326). (¬4) منها السؤال الآخر (52). (¬5) انتكاسة المسلمين (291). (¬6) النبي إبراهيم والتاريخ المجهول (80).

وذكر قبل أن جبريل وبقية الملائكة تنسب إليه: جبر-إيل، وهكذا. وذهب إلى أن آمين التي يختم بها المسلمون الصلوات أصلها آمين أو أمون، أشهر الآلهة المصريين القديمة. قال: ولا تختم الصلوات في أيّ ديانة شرقية حتى اليوم دون التأمين عليها باسم الواحد الخفي (آمين) (¬1). فالمسلمون في نظر سيد القمامة عندما يقولون آمين فهم يشيرون وربما يحيون الإله المصري القديم «أمون». وأما مكة فبيت الإله إيل، حسب حفريات أجراها سيد القمامة في أعماق أعماق القمامة. كيف ذلك؟ لنتابع: (المقة) إله القمر عند اليمن، أصله: إل مقة، أي: رب مقة. وبعض اليمنيين يقلبون القاف كافا، فيكون رب مكة. أي: رب البيت، أو بيت الرب (¬2). فحقيقة مكة ماهي إلا معبد لإله اسمه إل. إذن فالمقة الإله اليمني هي مكة البيت الإلهي الحجازي (¬3). ونقل عن المسعودي أن البيت الإلهي الحجازي خطط أصلا لعبادة الكواكب السيارة (¬4). علما أن الآيات القرآنية حسب القمني جاءت بتقديس واضح للكواكب الخمسة السيارة، في قولها: {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} التكوير15 - 16 (¬5). وهكذا تكتمل المسرحية. لكن كيف انتقل تقديس الإله إيل إلى مكة؟. يجيب القمامي بأن خزاعة قبيلة يمنية، انتقلت إلى الحجاز حاملة معها معتقداتها. بهذه السهولة؟ نعم بهذه السهولة. وماذا عن آيات القرآن التي تحدثنا عن بناء إبراهيم وإسماعيل للبيت لعبادة الله وحده؟ دعنا من هذا. وما دخل الدين في الأبحاث التاريخية؟ ¬

(¬1) النبي إبراهيم (93). (¬2) النبي إبراهيم (116) والأسطورة والتراث (118 - 119). (¬3) الأسطورة والتراث (123). (¬4) الأسطورة والتراث (123). (¬5) الأسطورة والتراث (73).

عقائد مختلفة

عقائد مختلفة: يجب قلب العقائد الدينية رأسا على عقب: قال هاشم صالح: مفهوم كافر وزنديق وهرطقة مفاهيم قروسطية ينبغي تفكيكها أو قلبها رأسا على عقب، بل ينبغي تفكيك لاهوت القرون الوسطى كليا، وإلا يستحيل التعايش بين أناس ينتمون إلى أديان ومذاهب مختلفة (¬1). وهذا إلغاء للدين كليا وهدم له. الوحي ليس حقيقة بل مجاز فقط. اعتبر أركون أن الوحي ونزوله مجاز فقط (¬2). وعده رمزا فقط سماه الرمزانية المتعالية (¬3). بل يرى أن الله وكُلُّ الوحي تركيب مجازي فسيح واسع في القرآن (¬4). وأن هدف مشروعه التاريخي هو: زحزحة إشكالية الوحي من النظام الفكري والموقع الابستمولوجي الخاص بالروح الدوغمائية إلى فضاءات التحليل والتأويل (¬5). وعند حسن حنفي لا يفهم من الوحي وجود إله أوحى بشيء ما، وإنما هو وسيلة لتطوير الواقع. قال: ليس المقصود من الوحي إثبات موجود مطلق غني لا يحتاج إلى الغير، ¬

(¬1) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (231). (¬2) تاريخية الفكر العربي (198). (¬3) قضايا في نقد العقل الديني (269). (¬4) نفس المرجع (40). (¬5) القرآن من التفسير الموروث (58).

بل المقصود منه تطوير الواقع في اللحظة التاريخية التي نمر بها والتي تحتاج إلى من يساعدها على التطور (¬1). وحوَّل حسن حنفي الوحي إلى الطبيعة والميتافيزيقي إلى الفيزيقي، وكل إنجاز بشري في مجال معرفة الطبيعة والواقع إضافة للوحي واستمرار له، بل قال أبو زيد: وفي هذا الفهم لا يكون الوحي مجرد واقعة حدثت في الماضي عدة مرات ثم توقفت، تاركا شأن البشرية سدى، بل الوحي اسم يطلق على النشاط الذهني للإنسان في كل زمان ومكان (¬2). هكذا يقول صديقه أبو زيد، وهذه عبارة حنفي في كتابه من العقيدة إلى الثورة (4/ 152 - 153): فالطبيعة هي الوحي، والوحي هو الطبيعة، وكل ما يميل الإنسان إليه بطبعه هو الوحي، وكل ما يتوجه به الوحي هو اتجاه في الطبيعة، الوحي والطبيعة شيء واحد، ولما كانت الطبيعة مستمرة فالوحي بهذا المعنى مستمر، والنبوة دائمة ولكنا أنبياء يوحى إلينا من الطبيعة، وصوت الطبيعة هو صوت الله. ينكر حسن حنفي الوحي، ويحوله إلى ما تجود به الطبيعة لنا، والطبيعة عنده تحل محل الله. فهي إله حسن حنفي الذي يعبد وبنعمه يسبح. وكل العيب في نظر حسن حنفي في جعل الوحي مطلقا خارج الزمان والمكان أو حرفا في نص مدون (¬3). يقصد جعله إلهيا، فالوحي أرضي لا سماوي. وقال إلياس قويسم: لذلك يغدو الوحي ظاهرة ثقافية خاضعة لقوانين الواقع ¬

(¬1) التراث والتجديد (61). (¬2) نقد الخطاب الديني (188). (¬3) «هموم الفكر والوطن» له (1/ 23) بواسطة «العلمانيون والقرآن» (660).

باعتبارها أصبحت متخارجة منه لا مفارقة له. إن هذا التفسير لظاهرة الوحي هو تفسير ظهوراتي، بمعنى أنه يقف على أرضية الإمبيريقية وهذا يفضي به إلى الالتحام بالمنهج الديالكتيكي الماركسي، فنصر حامد قد استثمر هذه المقولات لأجل تفسير ظاهرة كانت تعتبر في الفكر السلفي/المحافظ ظاهرة ميتافيزيقية، تفسيرا ماديا في حركتها وتحولاتها وتغيراتها وفي علاقاتها المتميزة (¬1). والوحي في نظر أبي زيد شكل من أشكال الكهانة والسحر التي كانت شائعة في عصر النبي. يقول صديق دربه إلياس قويسم: إن أولى المسوغات التي توسل بها نصر حامد لأجل إثبات واقعية الوحي وتاريخيته، هي الأوضاع والمؤثرات الفكرية والعقدية التي كانت سائدة في مكة قبل الإسلام، من هذه المؤثرات شيوع ظاهرة الكهانة والإيمان بالجن. فهذا القول بوجود جدليّة بين آلهة العرب وآلهة القرآن -لو استعملنا مصطلح خليل أحمد خليل- قد اتخذ شكل سيرورة في خط تصاعدي، فليس التالي بناف للسابق، بل على النقيض من ذلك، فهو يرى وجود ترابط وجدلية على مستوى المفاهيم، فلولا وجود تصور سابق في الذهنية العربية عن إمكانية الاتصال بين البشر والجن، لاستحال الإيمان بإمكانية وقوع الوحي، هكذا نعود إلى المقولة الرئيسية في فكر نصر حامد وهي أولوية الواقع، فالواقع أولا والواقع ثانيا والواقع أخيرا-كما يصرح هو في كتبه-. هنا يكمن المعنى الحقيقي في منظومة نصر حامد حول الوحي، فهو يطالب بالتخلي عن أيّ افتراض متعال مسبق، ومن ثم يدفع بتحليلاته نحو إيقاع تصور مناقض للسائد حول النص ¬

(¬1) استبدال هويّة النصّ القرآني، نسخة رقمية.

الإسلام دين عربي ومحمد لم يبعث للناس كافة

القرآني، أي: القول بدنيوته بدل مفارقته (¬1). وقال: وفي الوقت ذاته يريد إبانة هذا المنظور الدنيوي-الدهري الذي يصدر عنه مفهوم الوحي ومن ثم يحرر النص القرآني من إهابه القديم «التعالي» قصد دفعه إلى الظهور في صفته الجديدة وهي النص الدنيوي-الواقعي (¬2). الإسلام دين عربي ومحمد لم يبعث للناس كافة: كتب محمد أحمد خلف الله مقالا في جريدة الأهرام يوم 16/ 09/1987 تحت عنوان الإسلام هو البدائل الإلهية للمتغيرات العربية، أنكر فيه عالمية الإسلام وجعله خاصا بالعرب (¬3). وقال في ندوة العروبة والإسلام، علاقة جدلية، المنعقدة في بيروت سنة 1978: إن الإسلام قد جرب أولا في جزيرة العرب، وحين نجحت التجربة خرج به الذين جربوه إلى أمم أخرى غير العرب. إذن تجربة نجحت، فلما نجحت صُدرت. وفات الجهول أن آيات عالمية الإسلام أغلبها نزل في مكة، وهي: الأنبياء (107) والأنعام (19 - 90) وسبأ (28) والفرقان (1) ويوسف (104) وص (87) والتكوير (27) والقلم (52) وعاشرة في الأعراف (158) وهي مدنية (¬4). فالقول بعروبة الإسلام تكذيب للقرآن ولله وللرسول - صلى الله عليه وسلم - وللصحابة والتابعين وعلماء المسلمين على مر التاريخ. فخلفُ اللهِ خالفَ اللهَ. ¬

(¬1) نفس الم (¬2) نفس المرجع. (¬3) المفترون (171). (¬4) نفس المرجع.

وقال في نفس الندوة (ص 242 كتاب الندوة): الله معبود عربي، وأول بيت له بني بأرض العرب، من قبل أن يكون الإسلام ....... وهكذا نستطيع أن نذهب إلى عروبة المرسل للرسالة، التي تعرف باسم الإسلام (!) (¬1). يقصد بالمرسل للرسالة: الله تعالى، فهو عربي كذلك. وهو لا يقصد طبعا الإيمان بوجود إله، يتكلم العربية، لا، يقصد أن العرب هم الذين اخترعوا لهم إلها عربيا، وجعلوا له صفات معينة. وقال في محاضرة في رابطة الأدباء بالكويت حول العروبة والإسلام: إن الإسلام ليس إلا النظام الديني للأمة العربية أولا وقبل كل شيء. وقال: إن العروبة هي الأصل وإن الإسلام هو الفرع (ص 47). وقال: إن العروبة هي القاعدة والأساس وإن الإسلام هو بعض أجزاء المقام على هذه القاعدة (ص 66). وخلف الله الذي خالف الله ليس هو هنا إلا بوقا لحزب البعث القومي، الذي هو بدوره قِمْع لأفكار المستشرقين (¬2). وكذا اعتبر عبد المجيد الشرفي في الرسالة والتاريخ (89) أن النبي محمدا - صلى الله عليه وسلم - رسول العرب. ¬

(¬1) المفترون (181). (¬2) المفترون (185) وراجع أسماء المستشرقين المشار إليهم فيه.

اعتقاد أن الإسلام هو الصحيح وباقي الأديان محرفة فكرة عنصرية

اعتقاد أن الإسلام هو الصحيح وباقي الأديان محرفة فكرة عنصرية: هكذا قال أحمد عصيد، فقد اعتبر أن اعتبار دين الشخص مثلا هو الصحيح، وباقي الأديان محرفة: فكرة عنصرية تغذي العنف والكراهية (¬1). إذن الكل صحيح، فعزير ابن الله صحيح، والله ثالث ثلاثة صحيح، وقل هو الله أحد ... صحيح. جميع هذه المتناقضات في سلة واحدة، يسمى ما يشبه هذا عندنا في المغرب: (العصيدة). فهذه (عصيدة) عصيد. وهو يعرف من يغذي العنصرية والطائفية في المغرب. ويقرب هذا المنزع في الدفاع عن اليهود والنصارى ما قال أركون: لقد رموا (أي: المشركين) كليا ونهائيا وبشكل عنيف في ساحة الشر والسلب والموت دون أن يقدم النص القرآني أيّ تفسير أو تعليل لهذا الرفض والطرد (¬2). ما هو يا ترى سر دفاعه عن هذا الصنف من البشر؟ وأما المسلمون عنده فدوغمائيون متطرفون. وقال: فقد جرى رميهم جميعا وبكل قسوة في ساحة الشر والسلب والموت من دون تقديم أيّ تبرير لهذه الإدانة في السياق المباشر على الأقل (¬3). وذكر أن الخطاب القرآني يمارس دوره بصفته ديكتاتورية النهاية (¬4). ¬

(¬1) العلمانية مفاهيم ملتبسة (355). (¬2) الفكر الإسلامي (96). (¬3) القرآن من التفسير الموروث (64). (¬4) نفس المرجع (64).

وقال: فإن تلك الآية (أي: آية السيف) تشكل ذروة العنف الموظف في خدمة حقوق الله، والله ذاته يقدم نفسه هنا كحليف أعظم للجماعة المختارة (¬1). الشهيد يذهب للجنة والكافر للنار ليس حقيقيا، بل رمز فقط. اعتبر هاشم صالح أن القول بأن الشهيد في المعركة يذهب إلى الجنة وأن الكافر يذهب إلى النار وأن الله يعين المسلمين في معركتهم ضد الكفار مجرد إضفاء ترميز على المعركة والشهداء (¬2). ونظرة الإسلام إلى كون الأديان السابقة محرفة وخاطئة ليست عنصرا مرحبا به عند أركون لسبب بسيط أن المنهج النقدي التفكيكي الموضوعي التاريخي الغربي لم يقل كلمته في هذه المسألة، فهو دين أركون الجديد (¬3). ¬

(¬1) نفس المرجع (56). (¬2) الإسلام والانغلاق واللاهوتي (247). (¬3) نحو نقد العقل الإسلامي (268).

القرآن الكريم

القرآن الكريم تدور أطروحة العلمانيين حول القرآن على ما يلي: 1 - القرآن ليس إلهي المنشأ، بل هو بشري المصدر. 2 - كل الدلائل تدل على تاريخية القرآن، أي: كونه إفرازا ثقافيا لمرحلة معينة انتهت وانقضت. 3 - يقدم القرآن خطابا أسطوريا خرافيا. 4 - المعلومات التاريخية القرآنية غير دقيقة ويجب مناقشتها على ضوء المعارف التاريخية الأخرى، وكثير منها وخصوصا قصص الأنبياء ليست وقائع تاريخية حدثت، بل كلها مجاز وضرب أمثلة. 5 - وقع في القرآن زيادة ونقص من قبل جماعات لها مصالح معينة، بل هناك شك في ثبوت القرآن. هذا فضلا عن طعون أخرى كثيرة وجهها العلمانيون العرب لكتاب الله تعالى، كما سنقف على ذلك مفصلا بإذن الله. ونظرا لخطورة المسألة ودقتها وجوهريتها فسأعمد إلى تكثير الشواهد والنصوص العلمانية الدالة على كل هذه الأمور. وما على القارئ إلا أن يتحلى معنا بصبر إن حدث تكرار ما. لأن قصدنا بذلك واضح وظاهر.

بشرية القرآن

1 - بشرية القرآن. أغلب العلمانيين العرب على أن القرآن بشري المصدر، تشكَّل في الواقع وخرج من الواقع، وليس نصا مفارقا نزل من السماء. فالعلماني التونسي عبد الوهاب المؤدب اعتبر أن كون القرآن يحتوي على الكلام الإلهي الذي لا يتغير ولا يتبدل أسطورة سيتم تحطيمها (¬1). وأكد عبد الوهاب كذلك أنه ينبغي الخروج من القفص الدوغمائي الذي يجبره على الاعتقاد بأن القرآن هو من تأليف الله ذاته، ولم يتدخل البشر أو المسلمون الأوائل في عملية التأليف وتشكيل النص على الإطلاق (¬2). وأكد على بشرية القرآن قائلا: ونفهم كيف أن اليد البشرية تدخلت في فبركته وصنعه (¬3). وهذا الكلام في غاية الصراحة والوضوح. وقال هاشم صالح: هذا في حين أن المسلمين يعتبرون القرآن كلام الله الحرفي الأزلي غير المخلوق. هذا هو التابو. أي: المحرم الأعظم الذي ينبغي كسره وتحطيمه (¬4). وذكر أركون أن القراءة التاريخية للقرآن أو التفسير التاريخي لآياته يؤدي إلى التشكيك في كونه منزلا من عند الله على النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬5). ¬

(¬1) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (135). (¬2) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (134). (¬3) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (135). (¬4) نفس المرجع (133). (¬5) نحو نقد العقل الإسلامي (69).

ونقل هاشم صالح محتجا عن «هانز كونغ» الذي نقل بدوره عن المسيحيين ومؤرخي الغرب العلمانيين وعلماء الأديان أن القرآن ليس كلام الله كما يعتقده المسلمين، وإنما كلام محمد (¬1). ولا أظن أنه يوجد علماني عربي على وجه الأرض يجرأ على مخالفة أسياده الغربيين وعلماء الأديان في هذا. كيف وقد صرحوا هم أيضا بما صرح به أولئك. واعتبر هاشم صالح أن القرآن قد شاخ وتراكمت عليه الشروحات وشروحات الشروحات، وأنه للخروج من هذه الأزمة لا بد من إجراء عملية جراحية خطيرة للتراث برمته، وطبعا ومنه القرآن (¬2). وأكد على ضرورة تطبيق المنهج التاريخي النقدي على القرآن كما طبق على التوراة والإنجيل وبان تهافتهما. وزاد: لقد ابتدأت الشكوك تظهر حول أطروحة الكتاب الهابط من السماء بقضه وقضيضه (¬3). وأكد أبو زيد على بشرية النصوص الدينية فقال: وإذا كنا هنا نتبنى القول ببشرية النصوص الدينية، فإن هذا التبني لا يقوم على أساس نفعي إيديولوجي، يواجه الفكر الديني السائد والمسيطر بل يقوم على أساس موضوعي يستند إلى حقائق التاريخ وإلى حقائق النصوص ذاتها (¬4). والنصوص الدينية عند أبي زيد هي القرآن والسنة. ثم استمر أبو زيد مؤكدا هذه الحقيقة رابطا بين كونها بشرية وكونها تاريخية، فقال: وإذا كانت النصوص الدينية نصوصا بشرية بحكم انتمائها للغة والثقافة في فترة تاريخية محددة، هي ¬

(¬1) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (74). (¬2) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (74). (¬3) نفس المرجع (76). (¬4) نقد الخطاب الديني (209).

فترة تشكلها وإنتاجها، فهي بالضرورة نصوص تاريخية، بمعنى أن دلالتها لا تنفك عن النظام اللغوي الثقافي الذي تعد جزءا منه (¬1). ولا تظنن أن هذه التحليلات من رحم أبي زيد، لا طبعا، فالفضل راجع لسيده دي سوسير الذي فرق بين اللغة والكلام، كما بين قبل هذا (204). أما كيف ستتم عملية القراءة هذه، فقد تفضل علينا أبو زيد بمثال موضح فذكر أن القرآن تحدث عن الله بوصفه ملكا له عرش، وكرسي وجنود، وتحدث عن القلم واللوح، وتحدث الحديث النبوي عن القلم والروح والكرسي والعرش، وكلها تساهم إذا فهمت فهما حرفيا في تشكيل صورة أسطورية عن الله وعالم الملكوت (¬2). إذن فما الحل يا أبا زيد، وخصوصا وأن معك ترسانة سوسيرية ضخمة؟. الحل كما يلي: ذكر أن المعاصرين لهذه النصوص أي: الصحابة كانوا يفهمون هذه النصوص فهما حرفيا كما يقول أبو زيد، ثم يزيد قائلا: ولعل الصور التي تطرحها النصوص كانت تنطلق من التصورات الثقافية للجماعة في تلك المرحلة (¬3). ثم يردف مستنكرا التشبث بهذه المفاهيم الأسطورية لله: لكن من غير الطبيعي أن يصر الخطاب الديني في بعض اتجاهاته على تثبيت المعنى الديني عند العصر الأول، رغم تجاوز الواقع والثقافة في حركتها لتلك التصورات ذات الطابع الأسطوري (¬4). ¬

(¬1) نفس المرجع (2 (¬2) نقد الخطاب الديني (210). (¬3) نفس المرجع (210). (¬4) نفس المرجع (211).

إذن هذا الفهم القديم: «ملك له عرش وكرسي وجنود» أصبح في عصر أبي زيد يعتبر أسطوريا لا يتناسب مع فهمنا المعاصر وعلوم العصر. والفهم الذي فهمه الصحابة كان انعكاسا لتصورات ثقافية تاريخية معينة كما وضح بعد ذلك (211). ثم يضيف: والتمسك بالدلالة الحرفية للصورة- التي تجاوزتها الثقافة وانتفت من الواقع- يعد بمثابة نفي للتطور وتثبيت صورة الواقع الذي تجاوزه التاريخ، وعلى النقيض من الموقف التثبيتي يكون التأويل المجازي نفيا للصورة الأسطورية وتأسيسا لمفاهيم عقلية تحقيقا لواقع إنساني أفضل (¬1). ومن هذا المنطلق أخذ أبو زيد على الأشاعرة تمسكهم بصورة الملك المتسلط الذي يعذب ولا يبالي، والذي {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} الأنبياء23. هذه عبارة أبي زيد (¬2). وفي كتابه النص والسلطة والحقيقة (103) ذكر أبو زيد أن النص القرآني نص مجزأ، أي: نص تكون في فترة زمنية تربو على العشرين عاما. وذكر أن النص القرآني يمثل انحيازا لنصوص الصعاليك حيث تمثل المرأة الزوجة مخاطبا في بعض نماذجه. (103). ما دام القرآن خاطب المرأة الزوجة، إذن فقد انحاز لنصوص صعاليك الجاهلية الشعراء!!! ولا شك أن هذا التحليل هو أشبه بأسلوب الصعاليك في زماننا منه بدكتور متخصص. ¬

(¬1) نفس المرجع (211). (¬2) نفس المرجع.

على كل حال لنتابع لنفهم ماذا يريد أن يقول لنا أبو زيد: قال: هذه التعدية النصية في بنية النص القرآني تعد في جانب منها نتيجة للسياق الثقافي المنتج للنص (105). كما لاحظ أبو زيد أن القرآن يتشابه مع نصوص الثقافة السائدة آنذاك التي أنتجت النص، ولم يَرَ وجها للمغايرة بينهما إلا من جهتين فقط: من حيث الحجم أو من حيث المدى الزمني الذي استغرقه النص في تشكله النهائي (105). وفي كتابه مفهوم النص تكلم بلغة أوضح، حيث قال (24): إن النص في حقيقته وجوهره منتج ثقافي، والمقصود بذلك أنه تشكل في الواقع والثقافة خلال فترة تزيد على العشرين عاما. وقال (25): وحين نقول تشكلت فإننا نقصد وجودها المتعين في الواقع والثقافة بقطع النظر عن أيّ وجود سابق لهما في العلم الإلهي أو في اللوح المحفوظ. انتهى. وهذا علماني معجب بنصر أبي زيد اسمه إلياس قويسم يقرر بكلام لا لبس فيه أن هدف أبي زيد هو أَنْسَنَة النص القرآني وأنه نص دنيوي وليس ظاهرة غيبية مفارقة، أي: بيان بشريته، يقول: بهذا نقول إنّ نصر حامد قد اتّجه صوب أَنْسَنَة النص القرآني من خلال الفصل في مجال البداية، بحيث يغدو نمط التعامل معه على أساس أنه نص لغوي أو منتج ثقافي تماما كما فهمه أدونيس (¬1). وقال: من ثم يغدو النص القرآني نصا دنيويا وليس ظاهرة غيبية مفارقة أو خارقة، بل بصفته ظاهرة مشروطة محايثة، بمعنى جعله ممارسة خطابية هي في المنتهى فعالية بشرية تاريخية دنيوية دهرية تحمل شروط إمكانها الثقافية ¬

(¬1) استبدال هويّة النصّ القرآني، نسخة رقمية.

مع محمد أركون

والاجتماعية والمعرفية، بهذا الاستبدال يتسنى نقل النص من حقل التوجيه الإيديولوجي إلى حقل الوعي العلمي به، بعد أن تبددت كل مفاهيم التعالي التي تشوش على هذا الوعي (¬1). وقال: وهذا المبدأ لو طبقناه على الإلهي لتحول إلى إنساني، ولما عاد هناك إله، هذا ما يريده نصر حامد بالضبط، نظرا لأنه مرتَكَز المنظومة السلفية، وهو يريد نسخها وإغفالها، وذلك من خلال تحويل الإلهي إلى إنساني، وجعل الأحكام والعقائد الإلهية تعبر عن تصورات ذهنية تسيّر الإنسان وتوجه السلوك أكثر من كونها تعبر عن وجود مفارق (¬2). هذا، وقد عرف تاريخ الإسلام أصنافا من الزنادقة أغلبهم من دعاة المانوية والمذاهب الفارسية القديمة، ومع هذا لم يشكك زنديق في نص القرآن، ولم يزعم ملحد ولا مرتد بوجود أخطاء في آياته الكريمة (¬3). مع محمد أركون. يظهر من خلال تتبع كتب أركون أن الرجل يرى أن القرآن صنفه محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا علاقة له بالسماء، بل الله نفسه خرافة وأسطورة في نظر أركون. يسوق أركون كل هذا مرة بالتصريح ومرة بالتلويح. ولنبدأ بهذا النص الواضح: قال: ودون أن نعتبر القرآن كلاما آتيا من فوق، وإنما فقط كحدث واقعي تماما كوقائع الفيزياء والبيولوجيا التي يتكلم عنها العلماء، إن القرآن يتجلى ¬

(¬1) نفس المرجع. (¬2) رؤية معاصرة لعلوم القرآن، نسخة رقمية. (¬3) سقوط الغلو العلماني (29 - 30).

لنا كخطاب خاص له ماديته وبنيته (¬1). من عادة أركون أن يتحدث عن القرآن بمفردات خاصة لها أبعادها وأهدافها، فيقول: الحدث القرآني (¬2)، والظاهرة القرآنية (¬3). لا حديث عنده عن الله ووحي وإنزال قرآن، فهذه مفاهيم قروسطية (¬4)، الأمر لا يعدو أن يكون حدثا وظاهرة. وبيَّن ما يعني بالظاهرة القرآنية بقوله: ظهور القرآن كحدث في لحظة محددة تماما من لحظات التاريخ (¬5). وقال: أي: القرآن كحدث يحصل لأول مرة (¬6). ويعبر أحيانا بـ: لحظة ظهور القرآن (¬7). وبيّن صديق أركون ومترجمه بإشرافه قصد أركون فقال: يستخدم أركون مصطلح الظاهرة القرآنية أو الحدث القرآني، وليس القرآن للدلالة على تاريخية هذا الحدث، المقصود أنه حدث لغوي وثقافي وديني يستخدم مرجعيات تعود إلى القرن السابع الميلادي في الجزيرة العربية ... والحدث القرآني هو انبجاس لغوي رائع وأخاذ ومفتوح على العديد من المعاني والدلالات لأنه يستخدم لغة رمزية مجازية في معظم الأحيان (¬8). ¬

(¬1) تاريخية الفكر العربي (284). (¬2) نحو نقد العقل الإسلامي (257 - 270). (¬3) تاريخية الفكر العربي (284). (¬4) نسبة للقرون الو (¬5) قضايا في نقد العقل الديني (87). (¬6) قضايا في نقد العقل الديني (186). (¬7) نحو نقد العقل الإسلامي (270 - 317). (¬8) قضايا في نقد العقل الديني (29).

وأحيانا يعبر أركون بلُفِظَت فيه الآيات (¬1). وقال: فإنني أفضل التحدث عن الدين المنبثق الصاعد في لحظة الخطاب القرآني الذي كان في طور التلفظ والتشكل والبلورة (¬2). لا وحي ولا هم يحزنون، كما يقال: تلفُظٌ وتشكُلٌ وتبلوُرٌ، ولهذا عبر مرة بـ: ما يدعى بالوحي (¬3). وتحدث في مكان آخر عن التجسد اللغوي (¬4). وأحيانا عبر بانبثاق القرآن (¬5). وقال: فهذا الخطاب الشفهي أولا تلفظ به متكلم ما، بلغة ما هي هنا اللغة العربية، في بيئة ما هي الجزيرة العربية، ثم استقبله لأول مرة في التاريخ جمهور ما هو الجمهور العربي القرشي في مكة (¬6). وللقرآن عند أركون مراحل: 1 - تلفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - به. ولا حديث عنده عن وحي، أو إبلاغ جبريل، فكل هذه من خرافات القرون الوسطى يستحيل على الناقد التاريخي الحديث عنها. ويزعم أن الكيفية التي تلفظ بها النبي - صلى الله عليه وسلم - مجهولة له. قال: ونحن لا يمكن ¬

(¬1) تاريخية الفكر العربي (86). (¬2) نحو نقد العقل الإسلامي (276). (¬3) العلمنة والدين (28). (¬4) نفس المرجع (271). (¬5) الفكر الإسلامي (167). (¬6) قضايا في نقد العقل الديني (186 - 187).

أن نتوصل إلى معرفة هذه الحالة الأولية والطازجة للخطاب مهما حاولنا، فقد انتهت بوفاة أصحابها، لقد ضاعت إلى الأبد (¬1). 2 - انتقاله من المرحلة الشفاهية إلى المرحلة المكتوبة، وحصل أثناء الانتقال حسب أركون تلاعبات وحذف في النص. وهذه عبارته: إن الانتقال من مرحلة الخطاب الشفهي إلى مرحلة المدونة النصية الرسمية المغلقة (أي: إلى مرحلة المصحف)، لم يتم إلا بعد حصول الكثير من عمليات الحذف والانتخاب والتلاعبات (¬2) اللغوية التي تحصل دائما في مثل هذه الحالات. فليس كل الخطاب الشفهي يُدَون، وإنما هناك أشياء تُفقد أثناء الطريق. نقول ذلك ونحن نعلم أن بعض المخطوطات قد أتلفت كمصحف ابن مسعود مثلا، وذلك لأن عملية الجمع تمت في ظروف حامية من الصراع السياسي على السلطة والمشروعية، وهذا ما أثبته النقد الفيلولوجي الاستشراقي، وهنا تكمن ميزته الأساسية. فليس هدفي أن أنكر ميزات الاستشراق الجاد والخدمات العلمية التي قدمها للتراث الإسلامي (¬3). جعل المفلسُ الطعنَ في القرآن والتشكيك فيه من مميزات الاستشراق الجاد، بل من الخدمات العلمية التي قدمها للتراث الإسلامي. وقال: إن عملية الانتقال من مرحلة النص الشفهي إلى مرحلة النص المكتوب تصحب حتما بضياع جزء من المعنى (¬4). ¬

(¬1) نفس المرجع (187). ونحو نقد العقل الإسلامي (259). (¬2) تحدث عن هذه التلاعبات في تاريخية الفكر العربي (85). (¬3) قضايا في نقد العقل الديني (188). (¬4) العلمنة والدين (28).

وقال: وفي أثناء عملية الانتقال من التراث الشفهي إلى التراث الكتابي تضيع أشياء، أوتحور أشياء، أو تضاف بعض الأشياء (¬1). وقال: إنه لمن الصعب تاريخيا إن لم يكن من المستحيل التأكيد على القول بأن كل ناقل قد سمع بالفعل ورأى الشيء الذي نقله على الرغم من هذه الحقيقة فالنظرية التيولوجية المزعومة قد فرضت بالقوة فكرة إن كل الصحابة معصومون في شهاداتهم ورواياتهم (¬2). وقال: وهذا انتقال معقد وذو أهمية قصوى بالنسبة لفهم موضوعنا، فهو يشكل تلك اللحظة الحاسمة التي تشكل فيها مصحف ما وأُعلن بأنه المصحف الوحيد الصحيح الذي ينبغي أن يرجع إليه منذ الآن فصاعدا كل المسلمين (¬3). وكل هذه نصوص واضحة في وقوع التحريف والتزوير في القرآن حسب أركون، لا تحتاج إلى أدنى تعليق. فالقرآن حسب كاتبنا كتاب ثقافي وعادي وليس متعاليا وإلهيا، تلفظ به النبي أي: قاله ونقل عنه. ولا شك أنه في هذا ليس سوى صدى للمشركين الأوائل، كما قال تعالى عنهم: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ} الأنفال31. {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} الأنعام25. {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} الفرقان5. ¬

(¬1) قضايا في نقد العقل الديني (232). (¬2) الفكر الإسلامي (174). (¬3) العلمنة (74).

{إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} القلم15. وقال أركون: لأني أهدف إلى هدم النصوص الثانوية (أي: السنة) والتفاسير والشروحات اللامتناهية التي تحول النصوص الأولى (أي: القرآن) إلى سجن للعقل البشري. هذه النصوص التي قرر الفاعلون الاجتماعيون أن قِدَمها التاريخي سبيل إلى اعتبارها لحظة تدشين نظام جديد للإنتاج وبسط النفوذ وفرض حقيقة دون أخرى وإدارة واحدة للقانون والمشروعيات (¬1). فالفاعلون الاجتماعيون أي: النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته حولوا القرآن إلى سجن للعقل البشري من أجل بسط النفوذ والسيطرة. رغم أن أركون يغلف مشروعه النقدي للقرآن بستار القراءة السيميائية الألسنية وغيرها إلا أنه رسم هدفا مسبقا مبينا لمشروعه، يبرز هذا الهدف في تأسفه لعدم وجود وثائق علمية تثبت مشروعه التشكيكي، لنقرأ النص معا: وإنما أيضا محاولة البحث عن وثائق أخرى ممكنة الوجود كوثائق البحر الميت التي اكتشفت مؤخرا. يفيدنا في ذلك أيضا سبر المكتبات الخاصة عند دروز سوريا أو إسماعيلية الهند أو زيدية اليمن أو علوية المغرب، يوجد هناك في تلك المكتبات القصية وثائق نائمة متمنعة، مقفل عليها بالرتاج، الشيء الوحيد الذي يعزينا في عدم إمكانية الوصول إليها الآن هو معرفتنا بأنها محروسة جيدا! (¬2). وثائق البحر الميت!!!، وثائق نائمة ممتنعة مقفل عليها ومحروسة جيدا!!!. نسيج من الأوهام التي يخجل الطالب المبتدئ التفوه بها، لكن ابن السربون ¬

(¬1) الأنسنة والإسلام (142). (¬2) تاريخية الفكر العربي (290 - 291).

لا يهمه تفاهتها ما دامت تحقق هدف الطعن في القرآن والتشكيك فيه. وأنكر أركون على المسلمين تكرارهم إلى حد الهوس أن القرآن كلام الله (¬1). وقال علي حرب المعجب بأركون وبمشروعه: ذلك أن هاجس أركون الأصلي هو تفكيك النص القرآني لتعرية آلياته في الحجب والتحوير والتحويل .. هاجسه هو خرق الممنوعات وانتهاك المحرمات التي سادت فيما مضى وتسود اليوم والتي أقصت كل الأسئلة التي كانت قد طرحت في المرحلة الأولية والبدائية للإسلام ثم سكرت وأغلق عليها (¬2). ثم يزيدنا حرب المسألة وضوحا قائلا: فمطمح أركون هو نبش تلك الأسئلة والاعتراضات والمواقف التي جرى قمعها أو طمسها في عهد البنوة. وفي هذا إعادة اعتبار للذين أسكتهم خطاب الوحي من المشككين والمنكرين (¬3). إذن فأركون يريد رد الاعتبار للمشركين المشككين في القرآن: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ} الأنفال31. {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} الفرقان5. وفي كتاب آخر بيَّن علي حرب أن مشروع أركون هو نزع الهالة الأسطورية وتعرية الهيبة القدسية عما في التراث من التعالى (¬4). ¬

(¬1) نحو نقد العقل الإسلامي (258 - 259). (¬2) الممنوع والممتنع (120). (¬3) نفس المرجع (1 (¬4) نقد النص (86).

عبد المجيد الشرفي

نزع الهالة الأسطورية وتعرية الهيبة القدسية أي: إسقاط الصبغة الإلهية عنه وبيان بشريته. وبعبارة أخرى لحرب دائما: تبيان تاريخية المتعالي ودنيوية المقدس (¬1). تاريخية المتعالي أي: تحويل الإلهي والمقدس إلى حدث تاريخي أرضي دنيوي بشري. عبد المجيد الشرفي. يعزف الشرفي نفس ما يعزفه إخوانه، وكرر كلام أركون كأنه مُحْدِثه. فقد أكد على اشتمال القرآن على عناصر ثقافة القرن السابع الميلادي كالجن والهبوط من الجنة ودور إبليس والشياطين والملائكة والطوفان وعمر نوح وغير ذلك من الظواهر الميثية حسب تعبيره (¬2). الظواهر الميثية أي: الأسطورية الخرافية. وانطلق كالمسعور في حملة تشكيكية في القرآن، فذكر أننا لا نعرف الظروف الدقيقة الحافة بالخطاب القرآني أول مرة قبل تحوله إلى نص مكتوب، وأما أسباب النزول فلم تجمع إلا بعد جيلين أو ثلاثة مع ما دخلها من وضع واضطراب. وكذلك افتقدنا كما يقول النبرة التي استعملت فيه والدالة على الرضا أو الغضب على النصح أو التنبيه أو التقريع، على رفع الصوت أو خفضه، وما يصاحبه من قسمات الوجه مما لا تدل عليه الألفاظ وحدها. ومثل لنا بأن المرء قد يقول صباح الخير وهو منشرح، وقد يقولها وهو متبرم وغاضب (¬3). ¬

(¬1) نفس المرجع (86). (¬2) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (45). (¬3) نفس المرجع (48).

ليستنتج لنا- وهذا هو الهدف المقصود- أن لفظ القرآن لا يصح أن يطلق حقيقة إلا على الرسالة الشفوية التي بلغها الرسول إلى الجماعة التي عاصرته، أما ما جمع بعد وفاته فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر بهذا الجمع ولم يتفق عليه الصحابة، وترددوا حتى في الاسم الذي سيطلقونه على هذه الظاهرة حسب تعبيره (¬1). ليؤكد في النهاية أن توحيد رواية هذه المدونة جاء بقرار سياسي في عهد عثمان (¬2). إذن فالمسألة سياسة بامتياز، وهذا المصحف الموجود بين أيدينا نتاج سياسي لسلطة سياسية يخدم مشروعا سياسيا معينا. وهذا يلتقي مع كلام أركون تماما في تشكيكه في نص المصحف وأنه زِيد ونقص منه حسب رغبات الفاعلين الاجتماعيين. لكن ماذا عن تكفل الله بحفظ القرآن الكريم؟ ما رأي علامة تونس الشرفي؟ يجيب على الفور: إن الذكر الذي وعد الله بحفظه هو المحتوى وليس الظرف، هو مضمون الدعوة بما انطوت عليه من تبشير وإنذار ومن توجيه وإرشاد، وليس الألفاظ والتعابير التي صيغت فيها تلك الدعوة والتي دونت في ظرف معين وتنتسب إلى قوم بأعيانهم ولها نحوها وصرفها وقواعدها ولا تختلف في هذا المستوى عن أية لغة أخرى (¬3). يريد الشرفي أن يقول إن الله لم يحفظ القرآن من التغيير والتبديل، بل حفظ مضمون الشريعة فقط، ثم زادنا من تحليلاته الباهرة المبهرة التي سرقها من كتب المستشرقين، ¬

(¬1) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (49). (¬2) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (49). (¬3) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (50).

فأكد أن الله لما تحدى الكفار عن الإتيان بمثله فليس لأنه معجز بل لمصدره. لنتابع: وعندما تحدى القرآن الكافرين بأن يأتوا بعشر سور أو حتى بسورة واحدة من مثله فليس ذلك لأنه معجز ببلاغته بقدر ما هو راجع إلى مصدره إلى أصله الإلهي الذي ليس في متناول عامة البشر ... إلى آخر كلامه. ليؤكد أن كل الآثار الفنية الراقية من شعر ونثر وغيره معجز بطريقته الفريدة، ولا سبيل إلى الإتيان بمثلها (¬1). أي: لم يتفرد القرآن بهذه الخاصية، بل هو نص كباقي النصوص الشعرية وغيرها. والقرآن إنما تحدى الكفار لا لبنيته وتركيبه وفصاحته وبلاغته، بل لمصدره، أي: لا يستطيع أحد أن يأتي به من عند الله. ولا أحد طبعا يستطيع أن يأتي بشيء من عند الله. أي: إن الله تحداهم بما ليس في طاقتهم أصلا، وبالتالي فلا قيمة لهذا التحدي. قال عبد المجيد الشرفي: ذلك أن المسلمين آنذاك أدركوا صعوبة إثبات المصدر الإلهي للرسالة المحمدية من دون الوقوع في التجسيم أو التشبيه (¬2). أي: إما بشرية الرسالة وإما التجسيم!!. والثاني مستحيل فصح الأول. ¬

(¬1) نفس المرجع (51). (¬2) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (54).

تاريخية القرآن

2 - تاريخية القرآن (¬1). هذا الفرع مندرج في الذي قبله ورأيت إفراده بالبحث لأن العلمانيين يحاولون من خلال هذا المصطلح التعمية على مقصدهم بالتاريخية. وقد أفرد الدكتور أحمد الطعان هذا البحث بمؤلف ضخم، وهو كتاب جيد جدا في بابه. وما ذكرته هنا من اجتهادي الشخصي والحمد لله رب العالمين. لكن ماذا يقصدون بتاريخية القرآن أو تاريخية النصوص الدينية؟ وما هي آلياتها؟ وما الهدف منه؟ تلك هي المباحث التي سنحاول عرضها هنا إن شاء الله. المراد بتاريخية القرآن. تاريخية القرآن أو تاريخية النصوص لها بُعدان اثنان: 1 - تاريخية القرآن من حيث بِنيته، وكونه إفرازا ثقافيا لمجتمع معين أو بعبارة أوضح: كونه منتجا بشريا بعيدا عن التعالي والتقديس. 2 - تاريخية القرآن من حيث أحكامه وتشريعاته أي: كونه استجابة لظروف وملابسات اجتماعية واقتصادية وسياسية معينة. ومع تغيرها لم تعد هناك حاجة لها. وقد أكد أركون ونصر أبو زيد وتيزيني والمؤدب على هذين البعيدين، كما سيأتي. وقد يقتصر بعضهم على الثاني كالعشماوي في تحديث العقل الإسلامي. قال أركون: التاريخية تخص بنية الحقيقة المطلقة ذاتها، كما وتخص الشروط أو الظروف السياسية والثقافية لإنتاجها ولبلورتها ولاندماجها في فكر وسلوك كل مؤمن. هذا يعني أن كل مجتمع يصوغ الوجه المتغير بالضرورة ¬

(¬1) انظر علاوة على ما سأشير له من مراجع أثناء البحث: تحديث الفكر الإسلامي (95) ورب الزمان (225).

تاريخية القرآن نفسه

لحقيقته (¬1). وأكد تيزيني أن البعد التاريخي في القرآن ليس تأويلا فقط ولكن تنزيلا (¬2). فالقرآن تاريخي تنزيلا وتأويلا. 1 - تاريخية القرآن نفسه. يقف أركون وتلميذه هاشم صالح ونصر أبو زيد على رأس المدافعين بقوة عن هذه المسألة، بل يمكن اختزال مشاريعهم (¬3) في إثبات هذه التاريخية. ولنبدأ بأركون: فقد أكد على تاريخية القرآن، وأن هذا شيء غير مفكر فيه أي: غير مسموح بالتفكير به (¬4). وحسب أركون فالقرآن برع في التغطية على هذه التاريخية عن طريق ربط نفسه باستمرار بالتعالي التي يتجاوز التاريخ الأرضي كليا أو يعلو عليه (¬5). وذكر في الصفحة قبلها خطأ الاعتقاد أن الوحي كما يزعم المسلمون إلهي سماوي لا علاقة له بالشؤون الأرضية، ولكن علم التاريخ الحديث كشف عن علاقة بين الكتب المقدسة وبين الحضارات التي وجدت فيها. وذكر أن هذا الاكتشاف الهام لا يقل خطورة عن اكتشافات داروين وكوبرينكوس (¬6). يقصد أن للبيئة دخلا في إنشاء القرآن وإحداثه، وليس هو بالضرورة شيئا علويا مفارقا. ¬

(¬1) الإسلام الأخلاق والسياسة (179). (¬2) الإسلام والعصر (135). وانظر (104) منه. (¬3) مع أن هاشم صالح لا مشروع له إلا ممارسة «التبشير» العلماني. (¬4) القرآن من التفسير الموروث (21 - 37 - 47 - (¬5) القرآن من التفسير الموروث (21). (¬6) القرآن من التفسير الموروث (20).

وباختزال شديد هذا الكشف العلمي الهام (!!) هو ما قاله المشركون من قبل: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} الفرقان5. وبيَّن تلميذه ومترجمه بإشرافه أن مفهوم التاريخية يعني أن البشر هم الذين يصنعون التاريخ وليس القوى الغيبية، والتاريخ كله بشري من أقصاه إلى أقصاه، كما قال (¬1). وأكد أركون أنه في ظل ما سماه التاريخوية الوضعية «وحدها الأحداث أو الوقائع أو الأشخاص الذي وُجدوا حقيقة والذين دلت على وجودهم وثائق صحيحة» يمكن أن يقبلوا كمادة للتاريخ الحقيقي الفعلي (¬2). يعني استبعاد الماورائيات والغيبيات، أي: استبعاد مسألة «الله» «والوحي» و «جبريل» وما إلى ذلك. وهو ما عبر عنه أركون بغير وجل بعد كلامه السابق مباشرة فقال: وهذا يعني استبعاد كل العقائد والتصورات الجماعية التي تحرك المخيال الاجتماعي أو تنشطه من ساحة علم التاريخ (¬3). وهذا كلام في غاية الوضوح. لكن أركون ومع إعجابه بهذه المنهجية إلا أنه أخذ عليها إهمالها أن هذه العقائد رغم تاريخيتها فلا يمكن تجاهل دورها الحاسم في تغذية الديناميكية التاريخية، وبالتالي تجاهلت المكانة الانتربولوجية للخيال (¬4). فالخيال في نظره هو مصدر كل هذه الأساطير والماورائيات والغيبيات، ¬

(¬1) نفس المرجع (47). (¬2) نفس المرجع (49). (¬3) نفس المرجع (49). (¬4) نفس المرجع (

وأحيانا يسميه المخيال. والفرق بين المدرستين أن الوضعية تعتبر الخيالات والتصورات والعقائد أشياء وهمية لا تستحق الاهتمام، بينما يرى الآخرون أن لها أهمية في مسار التاريخ مع اتفاقهما جميعا على خرافيتها. وقال عن القرآن بعد أن سماه الموديل النموذجي: يمكننا الكلام عن إنتاج هذا الموديل النموذجي وليس عن إنتاجيته، أقصد يمكننا التحدث عن توليده واللحظة التي ولد فيها. باختصار يمكننا التحدث عن تاريخيته (¬1). وقال هاشم صالح: لقد آن الأوان للكشف عن تاريخية النص القرآني وإنزاله من تعاليه الفوقي إلى الواقع الأرضي المحسوس، آن الآوان للكشف عن علاقته بظروف محددة تماما في شبه الجزيرة العربية وفي القرن السابع الميلادي (¬2). ونقل عن هانز كونغ (78 - ووافقه هو مؤكدا ص 80) تشكيكه في نزول القرآن من عند الله، وأن تأتير اليهودي والمسيحي واضح فيه، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن أميا. قال هاشم معلقا: هذا في حين أن القرآن مفعم بأصداء اليهودية والمسيحية وقصص عيسى وموسى ومريم وزكريا ويوسف وداوود ويعقوب والأسباط ... إلخ. يريدون تنظيف التراث من الإسرائيليات والقرآن نفسه مليء بالإسرائيليات (78). وأكد تبعا للمستشرق هانز كونغ أن أخبار أنبياء اليهود والمسيحيين المذكورة في القرآن تلقاها النبي - صلى الله عليه وسلم - شفاهيا في مكة، وأن هذا ما يؤكد تاريخية القرآن طبقا لمنهج النقد التاريخي وإن صدمت الوعي الإسلامي. ¬

(¬1) الفكر الإسلامي (107). (¬2) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (248).

هكذا يصطف المرعوب طول حياته -كما قال عن نفسه- في صف أعداء الإسلام وملاحدة الغرب طاعنا في دينه وقرآنه. أما أبو زيد فطرحه قريب من طرح أركون. يقول: الواقع إذن هو الأصل ولا سبيل لإهداره، من الواقع تكوَّن النص، ومن لغته وثقافته صيغت مفاهيمه، ومن خلال حركته بفعالية البشر تتجدد دلالته، فالواقع أولا والواقع ثانيا والواقع أخيرا (¬1). وبإهمال الواقع الذي تكَوَّن منه النص القرآني سنكون أمام كارثة حقيقية كما يقول أبو زيد، قال: إهدار الواقع لحساب نص جامد ثابت المعنى والدلالة يحول كليهما إلى أسطورة، يتحول النص إلى أسطورة عن طريق إهدار بعده الإنساني والتركيز على بعده الغيبي (¬2). فالقرآن حسب نصر أبي زيد تشكل من الواقع وخرج منه، لا أنه نزل من السماء. وقد غفل علماء الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وعلماء القرآن وآلاف العلماء في شتى التخصصات عن كل هذا حتى أنقذنا الله بمن حكمت محكمة القاهرة بردته من هذا الضلال المبين!!. وإذا كان القرآن خرج من الواقع الثقافي المعرفي للوعي العربي في القرن السابع، ما هي أهم المؤثرات التي كانت خلف تشكله؟. يجيبنا أبو زيد بأن الحنيفية كدين سائد وشعر شعراء الصعاليك لا يمكن ¬

(¬1) نقد الخطاب الديني (106). وانظر مفهوم النص له (67). (¬2) نقد الخطاب الديني (106).

التغافل عن مدى تأثيرها في النص القرآني (¬1). وكذا نصوص الكهانة والسحر، فقد وظف آليات تعبيرية وأسلوبية تنتمي لها (¬2). وأما القصص الشفاهية فقد قام القرآن باستيعابها، وإعادة توظيفها وتأويلها تأويلا ناطقا بإيديولوجية النص. وأما النصوص الدينية الأخرى فقد اعتمد القرآن والسنة الانتقائية وإعادة التوظيف والتأويل (¬3). إذن فالقرآن حسب أبي زيد تتداخل فيه مؤثرات معاصرة له كثيرة: الدين القرشي السائد، وشعر الصعاليك، وثقافة الكهانة والسحر، والحكايات الأسطورية، ونصوص الديانات الأخرى كالتوراة والإنجيل. فالقرآن خليط من كل هذا. ولا حديث عند نصر أبي زيد عن الله والوحي وجبريل. فكل هذه المفاهيم تنتمي إلى الخطاب الميثي الأسطوري يتَرَفع الناقد الحديث عن التعريج عليها أو الحديث عنها كقوى غيبية متعالية تقف خلف القرآن. وإذا كنا نحن المسلمون نعتقد أن الإسلام جاء ليحارب الكهانة ويقطع معها أية صلة، فإن نصرا أبا زيد له رأي آخر، قال بعد أن ذكر أن العرب كانوا يعتقدون بالكهانة والاتصال بالجن: ظاهرة الوحي -القرآن- لم تكن ظاهرة مفارقة للواقع أو تمثل وثبا عليه وتجاوزا لقوانينه، بل كانت جزءا من مفاهيم الثقافة ونابعة من مواضعاتها وتصوراتها (¬4). ¬

(¬1) النص والسلطة والحقيقة (100). (¬2) النص والسلطة والحقيقة (101). (¬3) النص والسلطة والحقيقة (101). (¬4) مفهوم النص (34).

ويستنتج أبو زيد أن الإسلام لم يلغ الكهانة، بل استند إليها لسببين: الأول: إن إلغاء الكهانة يستلزم إلغاء أساس النبوة الوجودي، ومن ثم تصبح ظاهرة النبوة ذاتها في حاجة إلى تفسير جديد. والثاني: إن الكهانة والعرافة كانتا معيارا لدى العرب ما قبل الإسلام لإثبات حقيقة النبوة من جهة، وكانت وسيلة للتنبؤ بالنبي الجديد المرتقب من جهة أخرى (¬1). وهكذا تقلب الحقائق رأسا على عقب، وكل هذا لا يهم في نظر أبي زيد ما دام يحقق الهدف المطلوب، إنه ما سماه بعض العلمانيين بإرادة الإيديولوجيا، بدل إرادة المعرفة. لكن لا بأس أن نقف على شهادات لثلاثة علمانيين في أطروحة نصر أبي زيد هذه، لنؤكد من خلالها مذهب الرجل الذي ناضل طول حياته لنصره والذوذ عنه، وهو بشرية القرآن الكريم. الأولى: يبين لنا إلياس قويسم في النص التالي كيف حاول أبو زيد رفع الصبغة الإلهية عن الوحي وربطها بأنساق مادية تاريخية، قال: نجد أن نصر حامد من خلال السيميوطيقا ينظر إلى البعد الأول «الوحي» على أنه تجربة إنسانية، وأنه مجموعة من العناصر تتآلف وتتسق طبقا لقوانين منضبطة، فلا بد من تحليل تلك العناصر الكامنة وراء ظاهرة الوحي، وهذا التحليل يؤدي إلى استخلاص العلاقات التي تربط هذه العناصر ببعضها، ومن ثم معرفة النظام الكامن وراء الوحي، ونعني به الثقافة: الكهانة والعرافة والشعر ¬

(¬1) مفهوم النص (39).

والسحر ... ومن ثمّ لم تعد غاية نصر حامد البحث في ظاهرة الوحي ذاتها بل أصبحت له غاية أعمق، وهي الكشف عن النظام المادي الذي يحكم الظاهرة، إنه سعي وراء التجريد، وراء البحث عن النظم الخفية التي تسير الظواهر والتي يعتقد العامي أو الفقيه السلفي أنها ظواهر عُلوية مفارقة (¬1). وقال: ممّا ورد ندرك أن نصر حامد بتشبثه بمقولة الواقع وتقديمها على مقولة المتعالي المفارق يبتغي تسطيح تعالي الوحي، وهذا نقيض النظرية المتداولة، وهذا الهجوم على النظرية التقليدية في نظره أساسي لتحرير الفكر الديني من التعالي الزائف والوهمي والرجوع به إلى أرض الواقع، أرض الحقيقة (¬2). والثانية: يشرح لنا فيها العلماني اللبناني علي حرب مقصد أركون بتاريخية القرآن، وأنه يريد أنه نص بشري لا إلهي. قال عنه: وذلك بتعامله مع النص القرآني على أنه نتاج ثقافي، أنتجه الواقع الذي تشكل فيه، أي: واقع العرب اللغوي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي في زمن النبوة (¬3). وقال عن ترديده عبارات قد يفهم منه اعترافه بألوهية مصدره: بيد أن هذا التصريح هو ضرب من التقية، أي: آلية دفاعية يلجأ إليها أبو زيد بوعي أو بغير وعي، لكي يدرأ عنه تهمة الإنكار (¬4). ¬

(¬1) تشتت النص القرآني. نسخة رق (¬2) نفس المصدر. (¬3) الممنوع والممتنع (173). (¬4) نفس المرجع (173).

وقال: فالباحث المصري يتعامل في النهاية مع النص القرآني كنتاج ثقافي مرتبط بالثقافة التي تشكل من خلالها، تماما كما يتم التعامل مع أيّ خطاب بشري (¬1). وقال: يعتبر أبو زيد أن القرآن نتاج ثقافي لا يفارق قوانين الواقع ولا يسبق بوجوده وجود هذا الواقع، أي: لا يوجد على نحو مسبق ذلك الوجود الغيبي الماورائي في اللوح المحفوظ (¬2). والثالثة: لتركي علي الربيعو فقد رد على نصر أبي زيد ادعاءاته حول القرآن (¬3). ومما استدل به أن الأبحاث الحديثة في علم الإناسة التي طالت النصوص المقدسة أنه نص مقدس وليس نصا أدبيا يماثل النصوص الشعرية، إنه أكثر من نص حسب تعبير كلود ليفي ستروس (¬4). وليس القرآن انعكاسا لواقع أو أنه ثمرة تفاعل جدلي بين اللغة والواقع، كما يحلو للدكتور أبو زيد الركض وراء هذا الصنم الفكري (¬5). وقال عن ادعاءات أبي زيد أن النص القرآني ثمرة لتفاعل جدلي بين النص والواقع: تفضح الخلفية المرجعية للباحث، وتثبت بالمقابل هيمنة قَبْليات المعرفة وغياب كل شروط وإمكانيات انبعاث الفكر. إن اتكاء أبو زيد على الدراسات ¬

(¬1) نفس المرجع (173). (¬2) نفس المرجع (173). (¬3) الحركات الإسلامية (150 - 151). (¬4) الحركات الإسلامية (150). (¬5) الحركات الإسلامية (151).

الألسنية عند جاكبسون وسوسير مع إعادة توظيفها لصالح ماركسوية هرمة وشائخة تظهر بصورة مضمرة في خطاب أبو زيد مرة، وعلنية مرات عديدة، عندما يتحدث عن جدلية العلاقة بين النص والواقع التي هي بمثابة صنم فكري لما يمل الفكر العربي المعاصر من عبادته. وهذا ما قاده إلى الابتعاد عن المفاهيم الحديثة وأقصد المنظومات الجمالية في عصر ما بعد الحداثة تحت وطأة إرادة الإيديولوجيا ببعدها السياسي المكشوف الحاضر بكل عريه في خطاب أبو زيد (¬1). ¬

(¬1) الحركات الإسلامية (153).

تاريخية الأحكام

2 - تاريخية الأحكام. المراد بتاريخية أحكام القرآن أن أحكام القرآن كانت استجابة لواقع معين، وبالتالي فهي صالحة لذلك العصر بشروطه التاريخية والمعرفية والثقافية، لكن التطور التاريخي نسخ هذه الصلاحية، ولم تعد أحكام القرآن صالحة لهذا الزمان ويتعين تجاوزها وإهمالها. بل عمم العلمانيون هذه التاريخية لتشمل العقيدة ومنظومة القيم ودلالات القصص القرآني (¬1). وهذه التاريخية مبنية على التاريخية الأولى، لأن القرآن لما كان منتجا ثقافيا للواقع، والواقع متغير دائما وأبدا، فإن أحكام القرآن العقدية والتشريعية والأخلاقية متغيرة ومتبدلة (¬2). فسر أركون مرة التاريخية بقوله: بمعنى أن كل شيء يتغير أو يتطور مع التاريخ أو مع مرور الزمن، ولا شيء ثابتا أو معطى بشكل جاهز مرة واحدة وإلى الأبد كما يتوهم المؤمن التقليدي (¬3). وقال هاشم صالح: تعني كلمة التاريخية دراسة التغير من خلال الزمن، أي: التغير الذي يصيب الأفكار والأخلاق والمؤسسات بحسب اختلاف العصور والمجتمعات (¬4). أغلب العلمانيين يصفون الشريعة الإسلامية بشريعة البداوة، إشارة ¬

(¬1) انظر الشريعة الإسلامية والعلمانية الغربية (60). (¬2) نفس المرجع (62). (¬3) نحو نقد العقل الإسلامي (347). (¬4) تاريخية الفكر العربي (74). وانظر الإسلام والانغلاق اللاهوتي (148).

لتاريخيتها، أي: تجاوزها التطور التاريخي الذي تجاوز مجتمعات البداوة (¬1). وواضح أن كل هذه التفاهات تتساقط إذا أكدنا على البعد الإلهي للقرآن وللنصوص الدينية، لأنه ما دام أن الله هو مشرعها ومنشؤها فهو أعلم بما يصلح لعباده، وهو أعرف بالثوابت والمتغيرات، ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير. لكن لما كانت هذه المقاربة تكر على الطرح العلماني بالإبطال وتجتثه من أصله تسارع العلمانيون إلى التأكيد على بشرية القرآن وكونه ابن بيئته، ووليد ثقافة عصره. ولهذا فأنا أقول: إن العلمانية تدور على الإلحاد لا غير، ويستحيل وجود مؤمن علماني، إلا إذا كانت تجتمع فيه المتناقضات، وإلا فإن من يكون علمانيا يستحيل أن يكون مؤمنا. لأن الإيمان ذو مرجعية غيبية ما ورائية، أو لنقل لا عقلانية (¬2)، والعلمانية تناقض هذه المبادئ مناقضة تامة لا وساطة بينهما، فإما الإيمان وإما الإلحاد. وأغلب العلمانيين ملاحدة، وبعض العلمانيين الذين قد يصرحون بإسلامهم وإيمانهم لا يخرجون عندي عن أحد أمور: أولا: أن يكون ذلك من باب التقية فقط، لكي لا يصدم الجماهير المؤمنة وبالتالي يكون لذلك آثار سلبية عليه أو على دعوته. فالحاجة للتواصل مع الجماهير تكون مقدمة على الاصطدام معها، وبالتالي الإضرار بالعلمانية. وقد صرح القمني وأركون وغيرهما بهذا. ¬

(¬1) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (109). (¬2) العقل هنا بمفهومه العلماني.

الهدف من التاريخية

وثانيا: إطلاق لفظ الإسلام أو الإيمان على غير المعنى الذي نفهمه نحن، بمعنى مسلم باعتبار البلدة والنشأة لا اعتقادا. وهذا قد يفعله أركون أحيانا وعلي حرب. وثالثا: من باب الجهل إما بالعلمانية أو بالإسلام أو كليهما. فيتعامل مع الأمر تعاملا ساذجا بغير قصد. وهذا حال كثير من العلمانيين البسطاء وبعض السياسيين والصحفيين الذين لا يفهمون من العلمانية غير فصل الدين عن الدولة. الهدف من التاريخية. لا يخفي معظم العلمانيين أن هدفهم من التأكيد على تاريخية القرآن هو تجاوز المفاهيم والتشريعات والأحكام التي يدل عليها القرآن من جهة ومن جهة أخرى نزع القداسة عنه حتى يعامل كباقي النصوص نقدا ونقضا. أو لنقل بعبارة أوضح: إنهم يريدون وضع القرآن في خانة الفلكلور أو كجزء من الحفريات التي يدرسها المختصون بعلم الآثار، لا أنه كتاب يقود ويسود ويحكم. قال علي حرب مبينا مقصد أركون بتاريخية الفكر الإسلامي: فالتعامل مع الفكر الإسلامي بوصفه نتاجا تاريخيا معناه نزع هالة القداسة عن ذلك الفكر، أي: تمزيق الحجاب وهتك السر، هذا هو صلب القضية، كيف نقرأ التراث والقرآن تحديدا (¬1). يقصد بتمزيق الحجاب وهتك السر، نزع صفة الألولهية عنه، وإحلال البشرية عليه. وشرح هاشم صالح ذلك بقوله: أي: وضعها ضمن سياقها التاريخي، ¬

(¬1) نقد النص (76).

وربطها بظروف قديمة مضت وانقضت ولم تعد هي ظروفنا. وبالتالي فهذه الآيات لم تعد ملزمة في العصر الحالي (¬1). وقال: فالشيء ما إن تنكشف تاريخيته حتى يصبح من السهل تجاوزه (¬2). وبيّن أن معنى أرخنة القرآن هو موضعته ضمن سياقه التاريخي ليبطل مفعوله بالنسبة لعصرنا، لأن الظروف اختلفت (¬3). وقال أركون: عملي يقوم على إخضاع القرآن لمحك النقد التاريخي المقارن (¬4). وبيّن علي حرب أن أركون يهدف إلى الكشف عن تاريخية القرآن الأكثر مادية ودنيوية وأكثر يومية وعادية، بل الأكثر شيوعا (¬5). وزاد أن هدفه من قراءة القرآن ليس تقويم المعنى ولا إعادة الاعتبار إلى الظاهرة المعجزة التي يمثلها الوحي القرآني، وإنما هدفه تفكيك المعنى بالبحث عن أصوله وتبيان كيفية إنتاجه (¬6). أي: بلغة واضحة بينة: يريد أركون بيان بشريته وأنه منتج بشري أرضي في ظل شروط تاريخية. وليس هدف العلمانيين من إعادة القراءة هو فهم أكثر للنص أو رد الاعتبار له إن الهدف بكل بساطة هو التحرر من النص نفسه بغية تجاوزه، يقول نصر أبو زيد: ولا خلاص من تلك الوضعية إلا بتحرير العقل من سلطة النصوص الدينية ¬

(¬1) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (350). (¬2) نفس المرجع (48). (¬3) نفس المرجع (354). (¬4) الثقافة الجديدة عدد 26 - 27/ 1983 نقلا عن الممنوع والممتنع (119). (¬5) الممنوع والممتنع (119). (¬6) نفس المرجع (120).

وإطلاقه حرا يتجادل مع الطبيعة والواقع الاجتماعي والإنساني، فينتج المعرفة التي يصل بها إلى مزيد من التحرر فيصقل أدواته ويطور آلياته (¬1). فالهدف مرسوم وواضح، لكنهم أحيانا ومن باب التكتيك الهجومي يقولون إنهم يريدون من إعادة القراءة فهما أعمق للنص، وأكثر تعبيرا عن روح الشريعة، أو يقولون إنهم ليسوا ضد النص ولكن ضد فهم العلماء للنص. وبيَّن نصر أبو زيد هدفه من التأكيد على تاريخية النص فقال: نزع قناع القداسة عن وجهه، وهو ما يؤدي في نهاية الشوط إلى طرح كل الأسئلة الممكنة بلا خوف ولا تردد ولا تواطئية تبريرية. وزاد: إن ممارسة هذه الحرية في نقد التراث تعد شرطا ضروريا في مشروع النهضة سعيا لتغيير بنية العقل من حالة الإذعان والتقبل السلبي إلى حالة التساؤل وإنتاج المعرفة (¬2). يعني التعامل مع القرآن كنص بشري لا يحظى بأي احترام أو تقديس، وعدم التعامل معه كنص له حرمة ما أو قداسة ما. وليس المقصود بتاريخية النصوص أو البعد التاريخي للنصوص: أسباب النزول وعلم الناسخ والمنسوخ وتغير الأحكام لتغير الظروف والملابسات كما أكد أبو زيد بنفسه (¬3). ثم استطرد مبينا المراد بها بقوله: فإن البعد التاريخي الذي نتعرض له هنا يتعلق بتاريخية المفاهيم التي تطرحها النصوص من خلال منطوقها وذلك نتيجة طبيعية لتاريخية اللغة التي ¬

(¬1) مقال: ثقافة التنمية وتنمية الثقافة. الإمام الشافعي لنصر أبي زيد (43). (¬2) النص والسلطة والحقيقة (48). (¬3) نقد الخطاب الديني (87).

صيغت بها النصوص (¬1). ثم يزيد: ولا خلاف في أن تاريخية اللغة تتضمن اجتماعيتها الأمر الذي يؤكد أن للمفاهيم بعدها الاجتماعي الذي يؤدي إهداره إلى إهدار دلالات النصوص ذاتها (¬2). وهدفه طبعا من كل هذه التعقيدات واضح جدا، وهو ما يؤكده لنا بقوله: وليس ثمة عناصر جوهرية ثابتة في النصوص، بل، لكل قراءة- بالمعنى التاريخي الاجتماعي- جوهرها الذي تكشفه في النص (¬3). بمعنى أن النص يصبح نصا مطاطا يتشكل فيه كل ما يريده القارئ. فالشيوعي سيقرؤه قراءة ماركسية، والليبرالي كذلك، بل والمسيحي واليهودي. ليس هناك شيء ثابت في النصوص، وليس هناك ثوابت، الكل متحرك ومتغير كالحديد المنصهر، يمتد حسب الرغبة والطلب. هذه هي أهداف تاريخية النصوص، أو بعبارة أوضح: نصوص القرآن والسنة كانت استجابة لبيئة بدوية صحراوية ذات خصائص معينة، ذات بعد تاريخي واجتماعي معين. أما في عصرنا فلم تعد تلك الأحكام تناسب عصر الصواريخ وعلم الجينات والطاقة النووية. فلا بد من تجاوزها وإلغائها. ولا يقتصر أبو زيد على النصوص التشريعية، بل يتعداها إلى العقائد والقصص القرآني، كما صرح بنفسه (¬4). بل اعتبر الجانب التشريعي شريحة رقيقة من ¬

(¬1) نقد الخطاب الديني (87 - 88). (¬2) نفس المرجع (88). (¬3) نفس المرجع (88). (¬4) نفس المرجع (88).

النصوص (¬1). أي: الشريحة الأغلظ التي ستطالها ترسانة أبي زيد النقدية ليتم تجاوزها وتحويلها إلى متحف التاريخ هي العقائد والغيبيات والقصص القرآني. وهذا علماني آخر يقول: نحن نؤمن بتاريخية النصوص وبربطها بأسباب ورودها وبالفترة الزمنية التي ظهرت فيها وبالبيئة التي انبعثت منها وبالمجتمع الذي ولدت فيه، بل وبالظروف الجغرافية التي واكبتها وبالدرجة الحضارية للمخاطبين بها وبمداهم المعرفي وأفقهم الثقافي (¬2). هكذا يقول الشيوعي الملتحي أو الشيخ الأحمر خليل عبد الكريم. وهو يقصد بالدرجة الحضارية والمدى المعرفي والأفق الثقافي أن جيل الصحابة الذين ظهر فيهم القرآن كان له مستوى حضاري وثقافي ومعرفي معين، يؤمن بالخرافة والأساطير والغيبيات بل والكهانة كما تقدم عن أبي زيد، وبالتالي يجب تجاوز مسألة الله والوحي والملائكة والجن والشياطين، بل والجنة والنار، لأن هذه المفاهيم تتناسب مع الفكر الميثي الأسطوري الذي كان غالبا في ذلك العصر. أما في عصر الطاقة الذرية والانترنيت فلا حاجة للحديث عن هذه المفاهيم لأنها لا تناسب الدرجة الحضارية لمجتمعنا. بل حديثنا سيكون عن المساواة بين الجنسين وحقوق الإنسان والديمقراطية وحقوق الشواذ والدعارة والتنمية والمنفعة. أما القيم والأخلاق فضلا عن العقائد والأديان فلم تعد مناسبة لدرجة الوعي الحضاري لمجتمعنا. ¬

(¬1) نفس المرجع (89). (¬2) الأسس الفكرية (108).

وطبعا يتسلح كل من أبي زيد وخليل عبد الكريم بالسلاح الماركسي العتيق فيما طارحاه من تاريخية. فالأديان والأفكار والمعتقدات هي انعكاس للأوضاع الاقتصادية. فلما كانت البيئة صحراوية بدوية لها نمط إنتاج بدائي يعتمد على الرعي، جاء الدين الإسلامي بعقائده وتشريعاته انعكاسا لهذه الأوضاع. ومع تغير وسائل الإنتاج من الزراعة إلى الصناعة ومن الإنتاج البدائي إلى الإنتاج اللآلي المتطور ومن المجتمع القبلي إلى المجتمع المدني الحديث، فلم يعد الدين ولا أحكامه مناسبة لهذه الأوضاع. وهذه هي التاريخية. وقد ضرب لنا الشيخ الأحمر مثالا لاعتماد التاريخية في نقض الأحكام الشرعية، باعتماد ما سماه: المغزى من الأحكام، واعتبره هو الجوهر واللب والعصارة (¬1). فالحجاب مثلا في نظر الشيوعي الملتحي مفتى الماركسية شُرِع للفصل بين الحرائر والإماء لكي لا يتعرض لهن الفساق. أما وقد تحررنا من الرق، فلم يعد لهذا الحجاب من معنى. وزاد مؤكدا: فإذا انتهى هذا التمايز وأصبحت النسوان كلهن حرات، ليست بينهن عبدات غدا التمسك بالحجاب فهما مغلوطا للنصوص يتعين المسارعة إلى تصحيحه حرصا على النصوص ذاتها، لأن عافيتها لن تستمر إلا بمعرفة المغزى الذي جاءت به (¬2). ¬

(¬1) الأسس الفكرية (110). (¬2) نفس المرجع (1

الطعن في ثبوت القرآن والزيادة والنقص فيه

3 - الطعن في ثبوت القرآن والزيادة والنقص فيه. عند أركون حصل أثناء انتقال القرآن من المرحلة الشفاهية إلى المرحلة المكتوبة تلاعبات وحذف في النص. وهذه عبارته: إن الانتقال من مرحلة الخطاب الشفهي إلى مرحلة المدونة النصية الرسمية المغلقة (أي: إلى مرحلة المصحف)، لم يتم إلا بعد حصول الكثير من عمليات الحذف والانتخاب والتلاعبات (¬1) اللغوية التي تحصل دائما في مثل هذه الحالات. فليس كل الخطاب الشفهي يدون، وإنما هناك أشياء تُفقد أثناء الطريق. نقول ذلك ونحن نعلم أن بعض المخطوطات قد أتلفت كمصحف ابن مسعود مثلا، وذلك لأن عملية الجمع تمت في ظروف حامية من الصراع السياسي على السلطة والمشروعية، وهذا ما أثبته النقد الفيلولوجي الاستشراقي وهنا تكمن ميزته الأساسية. فليس هدفي أن أنكر ميزات الاستشراق الجاد والخدمات العلمية التي قدمها للتراث الإسلامي (¬2). جعل الطعن في القرآن والتشكيك فيه من مميزات الاستشراق الجاد، بل من الخدمات العلمية التي قدمها للتراث الإسلامي. وقال: إن عملية الانتقال من مرحلة النص الشفهي إلى مرحلة النص المكتوب تصحب حتما بضياع جزء من المعنى (¬3). وقال: وفي أثناء عملية الانتقال من التراث الشفهي إلى التراث الكتابي تضيع ¬

(¬1) تحدث عن هذه التلاعبات في تاريخية الفكر العربي (85). (¬2) قضايا في نقد العقل الديني (188). (¬3) العلمنة والدين (28).

أشياء، أوتحور أشياء، أو تضاف بعض الأشياء (¬1). والحاصل كما يقول الطعان في العلمانيون والقرآن (793) عن مسألة تحريف القرآن عند أركون: حتى لكأنه وُظف لهذا الغرض بالذات، فهي القضية المحورية والجوهرية، بل الوحيدة التي يذهب ويعود إليها في كل مؤلفاته، وهو يجتر كل ما تفوه به المستشرقون القدماء والمحدثون بالإضافة إلى التخرصات التي يعثر عليها في كتابات المؤرخين والباحثين الوضعيين لتاريخ الأديان. وهذا علماني كبير مثل علي حرب يؤكد أن صادق جلال العظم ونصر حامد أبا زيد يشككان بمصداقية الخطاب النبوي أو ينقضان ظاهرة الوحي الإلهي (¬2). وذكر أن ممن ينتقد الأصل أي: الله والنبوة والوحي، ويشكك في مصداقية النص: إسماعيل مظهر وطه حسين ونصر حامد أبو زيد (¬3). وأما أركون فهو يقوم بنفس الدور وله نفس الهدف لكن بطرق ملتوية. قال علي حرب: أما أركون فإنه يحاول متسلحا بمنهجيته ذات القدرة الهائلة على الحفر والسبر أن يلج إلى القلعة، لكي يقوم بتلغيمها أو تفكيكها من الداخل. وزاد أن محاولته هي الأكثر خطورة وأهمية، أي: الأكثر فاعلية ومردودية (¬4). وشهد شاهد من أهلها. نقل هاشم صالح في الإسلام والانغلاق اللاهوتي (78) عن هانز كونغ ¬

(¬1) قضايا في نقد العقل الديني (232). (¬2) الممنوع والممتنع (121). (¬3) الممنوع والممتنع (173). (¬4) الممنوع والممتنع (121).

ووافقه مؤكدا (80) تشكيكه في نزول القرآن من عند الله. واعتبر نصر أبو زيد أن اعتبار (القرآن نزل به الوحي الأمين على محمد - صلى الله عليه وسلم - من عند الله تعالى وأنه نص قديم أزلي) من أخطر الأفكار الراسخة والمهيمنة (¬1). بل اعتبرها ليست جزءا من العقيدة، وأن القرآن ليس محفوظا في السماء في اللوح المحفوظ، وما ورد في القرآن من ذلك يجب فهمه مجازيا (¬2). وأن قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} لا يعني أن الله يتدخل بحفظ كتابه كما يظن المسلمون جميعا، بل هو تدخل بالإنسان المؤمن بالبشارة والحض والحث والترغيب على أهمية هذا الحفظ. بل اعتبر أن الظن بأن الله يتولى حفظ كتابه وعي يضاد الإسلام ذاته (¬3). ولا يهم أبو زيد تفاهة هذا الطرح وتهافته، بل همه كما قال تعالى عن أمثاله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} فصلت26. فالمهم هو اللغو والمهاترة والمغالطة، بغض النظر عن حظ ذلك من المصداقية والعقل. ثم بيَّن علامة الزمان أبو زيد أن اللوح المحفوظ والأمر الإلهي ما هي إلا مجازات فقط وليس حقيقة واقعة موجودة (¬4). ويرى سيد القمامة القمني أن القرآن سقطت منه آيات كثيرة، بل وسورا مثل سور الحفد والخلع والرجم ورضاع الكبير (¬5). ¬

(¬1) النص والسلطة (67). (¬2) النص والسلطة (69). (¬3) النص والسلطة (70). (¬4) النص والسلطة (72). (¬5) شكرا ابن لادن (1

وشكك تيزيني في صحة القرآن، مؤكدا أنه سيأتي «في الجزء الثاني من هذا المشروع من شأنه أن يضع يدنا على أن بعض التغييرات التي لم تكن ضئيلة أو التي لا يجوز إهمالها، من حيث المبدأ البحثي التاريخي، طرأت على البنية المتنية للقرآن» (¬1). ثم مضى مشككا في كون القرآن مصدرا موثوقا به تاريخيا في التأريخ لحياة البني، وأن الحماسة الدينية مع الجهل بتحقيق النصوص وبقواعد البحث العلمي التاريخي والتراثي هي السبب وراء تلك الإطلاقات (¬2). وفي كتابه النص القرآني (52 - 55) ذكر أن القرآن خضع لعملية تحول من لفظ شفاهي إلى لفظ مكتوب، وأثناء العملية فُقدت أشياء وأضيفت أشياء وتصحفت أشياء. وأنه وقعت تغييرات في القرآن عند كتابته (63). وأنه بتأثير من المصالح السياسية المتصارعة أدت لعمليات اختراق متنه زيادة ونقصانا (65). وكثير من السور والآيات زيدت أو أنقصت أو أبعدت (253). ولهذا لاحظ غياب الاتساق التاريخي والبنيوي المنطقي في ترتيب سوره وآياته وموضوعاته (253). وشكك عادل ضاهر في صحة النصوص المنقولة عن الأنبياء والمنسوبة لله، وقال: فلا توجد ضمانات مطلقة في أنها غير محرفة أو غير منحولة (¬3). وتقدم كلام أركون المشكك في نقل القرآن من الحالة الشفهية إلى الحالة ¬

(¬1) مقدمات أولية (157). (¬2) مقدمات أولية (158). (¬3) الأسس الفلسفية للعلمانية (283).

المكتوبة، ونزيد هنا قوله عن هذا الانتقال مشككا في نزاهته: فإنه سيحصل بالضرورة نوع من التبعثر للقداسة بسبب التكرار. هذا إن لم يحصل نوع من الابتذال والانحطاط لها (¬1). وذكر رشيد الخيون أن القرآن -ولأنه ينسخ باليد- لم يسلم من التحريف (¬2). وزعم الجابري أن من تلقوا القرآن من القبائل الأخرى كانوا يقرأونه حسب لهجاتهم ولغاتهم فيقولون مثلا بدل «قال» «كال» بالقاف المعقوفة (الجيم المصرية) أو «غال» بالغين أو «آل» بالهمزة إلخ كما تفعل شرائح اجتماعية كثيرة في جميع الأقطار العربية تقريبا. وقس على هذا نطق أهل الخليج بالكاف شينا، خصوصا أهل العراق والكويت، ونطق المصريين بالذال زايا الخ. ليس هذا فحسب، بل من الممكن أن يترجم أهل قبيلة معينة بعض ألفاظ القرآن المنطوقة بلغة قريش إلى ما يرادفها في لغتها الخاصة، فيقولون مثلا: «هلم» بدل «تعال» أو «أقبل» بدل «إئت» (¬3). فالقرآن حسب الجابرى حَوَّرت فيه القبائل وزادت ونقصت. ¬

(¬1) نحو نقد العقل الإسلامي (229). (¬2) جدل التنزيل (8 - 50). (¬3) مدخل إلى القرآن الكريم (153 - 154).

تكذيب نصوص القرآن

4 - تكذيب نصوص القرآن. تكذيب خلق الله للكون: قال القمني: الطالب يدخل إلى حصة الفيزياء أو حصة البيولوجي فيدرس أن الخلية الأولى والسائل المنوي والنواة تكونت خلال ملايين السنين بكذا وتتفاعل كذا إلخ، يخرج من هذه الحصة يدخل إلى حصة التربية الإسلامية أو المسيحية ليقال له: إن الدنيا قد تكونت في ستة أيام ثم استوى الله على العرش كما في القرآن أو استراح في اليوم السابع، كما في العهد القديم أو في المسيحية واليهودية، هذه الشيزو فرينيا تجاوزها العالم (¬1). وخلق الله للكون ليس إلا أسطورة في نظر دكتور الأساطير (¬2). قال مستهزئا بخالقه: دون تفسير واضح لعدم تدخل الله لصالح أمته التقية، رغم تدخله من قبل في أمور أهون مثل دفاعه بالطير الأبابيل عن مكة ... ومع ذلك فإن الله لم يتدخل حتى تاريخه لحماية أولى القبلتين ومسرى النبي وثالث الحرمين، ولم يدافع عن عاصمة الرشيد أمام الأمريكان (¬3). بهذه اللغة الاستهزائية يتهكم القمني على خالقه ولكن ماذا نفعل مع من لا مبدأ له إلا افتراس القمامة. والوجود البشري عند حسن قبيسي في «رودنسون ونبي الإسلام» (ص215) في ماضيه وحاضره يظهر في إطار الفكر التاريخي على أنه وجود زمني دنيوي ¬

(¬1) رب الزمان (21). (¬2) الأسطورة والتراث (155). (¬3) شكرا ابن لادن (157).

أرضي، لا شأن للآلهة والأنبياء والأبطال وأرواح الأجداد الأولين بابتداعه (¬1). وهذا تكذيب صريح للقرآن. ووصف عبد المجيد الشرفي الخلق بالأسطورة (¬2). وكذا جعلها تركي علي الربيعو أسطورة في كتابه «الإسلام وملحمة الخلق والأسطورة» وكتابه «العنف والمقدس والجنس» (28). وهي -أي: أسطورة الخلق الإسلامية- تشبه باقي الأساطير القديمة للخلق، مثل ملحمة الخليقة البابلية وملحمة أتراحاسيس (¬3). واستهزأ صادق جلال العظم في نقد الفكر الديني (17 - 18) بما ذكره القرآن من قصة خلق الكون وخلق آدم. واعتبر (25) أن كلام القرآن عن خلق آدم وسجود الملائكة له وامتناع إبليس وطرده من الجنة أسطورة تناقض تناقضا صريحا المعارف العلمية. وكان شلبي شميل ينكر الخلق والمعاد. آراء الدكتور شلبي شميل (64 - 69). ولذلك سيكون من المضحك كما يقول أشرف عبد القادر أن نأخذ بنظرية خلق الكون التوراتية التي تبنتها آيات القرآن الكريم، بينما العلم يقدم لنا نظرية الانفجار الكبير الذي لم يدم سبعة أيام، كما تقول الأسطورة التراثية، نقلا عن الأسطورة البابلية، بل دام أقل من ثانية (¬4). وخلق آدم من صلصال -عند العفيف الأخضر- أصلها أسطورة سومرية ترجمها أحبار اليهود في القرن السادس قبل الميلاد خلال الأسر البابلي في سفر التكوين، وكذلك أسطورة خلق العالم في سبعة أيام، وأسطورة طوفان نوح، ¬

(¬1) أزمة الخطاب التقدمي (¬2) التراث بين السلطان والتاريخ (144). (¬3) العنف والمقدس والجنس (31). (¬4) العلمانية مفاهيم ملتبسة (10).

التكذيب بقصص القرآن

وأسطورة لوط، ترجموها من ملحمة جلجامش (¬1). التكذيب بقصص القرآن. تولى كبر هذه المسألة محمد أحمد خلف الله، في كتابه الفن القصصي في القرآن الكريم. وخلاصة ما ذهب إليه أن القصص القرآني «أنساق من السرد الموظف توظيفا دينيا، وليست حقائق تاريخية»، كما قال نصر أبو زيد (¬2). أي: القصص القرآني مجموعة من الحكايات الشعبية أو لنَقُل: الأساطير الخرافية، وليست حقائق تاريخية، فلم يوجد نبي اسمه نوح أو إبراهيم أو أصحاب الكهف، وإنما هي حكايات سردية للعبرة والموعظة. وتابع محمد أحمد خلف الله في افتراءاته هذه واحد ممن يوصف بالعلماني المعتدل، وهو محمد عابد الجابري. قال الجابري بعد أن بين أن القصص القرآني لضرب المثل والعبرة، لا للرواية التاريخية: وهكذا فكما أننا لا نسأل عن صحة القصة التي وراء الأمثال التي تضرب لموقف أو حال إلخ، لأن المقصود بالمثل ليس أشخاصه بل مغزاه، فكذلك القصص القرآني في نظرنا. والصدق في هذا المجال سواء تعلق الأمر بالمثل أو بالقصة لا يلتمس في مطابقة أو عدم مطابقة شخصيات القصة والمثل للواقع التاريخي، بل الصدق فيه مرجعه مخيال المستمع ومعهوده، فإذا كنا نعجب بمثل وننفعل له فهو صادق بالنسبة لنا، أما صدقه في نفسه فلا يكون موضوع سؤال ما دام يثير فينا ذلك الانفعال المعبر عن الإعجاب والتصديق (¬3). ¬

(¬1) الحوار المتمدن - العدد: 690 - 2003/ 12 / 22. (¬2) النص والسلطة والحقيقة (¬3) مدخل إلى القرآن الكريم (238).

وهذا كلام موافق لخلف الله في غاية الوضوح والصراحة. فقصة يوسف مثلا ليست واقعية حقيقية، وصدقها هو فيما تحدثه فينا من انفعال وإعجاب، لا أنها صادقة في نفس الأمر. ثم يزيد مؤكدا: وبما أن الهدف من القصص القرآني هو ضرب المثل واستخلاص العبرة فلا معنى لطرح مسألة الحقيقة التاريخية (¬1). ثم يبدي مراوغة ذكية لكنها مكشوفة فيقول: نعم إن القصص القرآني ليس قصصا خياليا، بل هو قصص يتحدث عن وقائع «تاريخية» تدخل ضمن معهود العرب (¬2). ثم ذكر أن العرب كانت لهم خبرة بأخبار الأمم وقصص الماضين. ووضع «تاريخية» بين مزدوجتين ليبين أنها ليست تاريخية حقيقية، وأكد ذلك بتقييده ذلك بمعهود العرب. أي: القصص القرآني في نظره لا يدل على وقائع تاريخية حقيقية، ولكنه حسب ما كان شائعا ومعهودا في الحكايات الشعبية لدى العرب، فهي ليست خيالا محضا، ولكنها حكاية لما كان شائعا في الأوساط العربية. وهذا ليس استنتاجا مني، بل هو منطوق كلامه. وزاده تأكيدا بقوله: من الذين كتبوا في هذا الموضوع وأثارت آراؤهم جدلا في الخمسينات من القرن الماضي كتاب المرحوم محمد خلف الله: الفن القصصي في القرآن. وقد انتهى فيه إلى أن القصة القرآنية لم يكن هدفها التاريخ بل العظة والاعتبار. وأن هناك أقوالا جاءت على لسان بعض الشخصيات في القصة أنطقها القرآن على لسانهم. وأن مضمون القصة القرآنية هو ما يعرفه المعاصرون للنبي من تاريخ، ومع أننا لا نختلف كثيرا حول هذه النتائج إلا أن طريقنا إليها يختلف عن طريق خلف ¬

(¬1) نفس المرجع (239). (¬2) نفس المرجع.

الله (¬1). فالخلاف هو في طريقة العرض لا النتائج نفسها. وقال في مكان آخر بعد سرده لعدد من القصص القرآني: أما مسألة ما إذا كان محتوى هذه القصص يحكي وقائع تاريخية فهي مسألة لا معنى لها في نظرنا (¬2). وممن يميل إلى هذا عبد المجيد الشرفي، فقد أكثر في كتبه من الحديث عن بنية القرآن والسنة الأسطورية وقال: كما يحسن بنا أن لا نغتر بخصائص الخطاب الميثي (¬3) فنأخذها على أنها تنتمي إلى الخطاب المفهومي وتتماهى معه تماهيا كاملا، على غرار ما دأب عليه مفسرو النص القرآني حين سعوا إلى تفصيل ما هو مجمل، وتعيين المشار إليه، وترجمة الرمز عموما إلى وقائع تاريخية حسية (¬4). وهذا نص واضح عند من يفهم الخطاب العلماني وتمرس به. فالشرفي يقول لنا: إن القصص الأسطورية المذكورة في القرآن ما هي إلا رموز تهدف إلى إيصال مفاهيم معينة، لا أنها وجدت فعلا في التاريخ. واعتبر صادق جلال العظم أن قصص القرآن مثلها مثل أية أساطير خرافية في عالم الأدب (¬5). وقال القمني مشككا ومستهزءا بناقة صالح وقصة الطوفان: ثم لاشك أن أيّ مؤمن وأي شاك ستطيب نفسه إن تمكن من تفسير الحكمة الإلهية في إهلاك شعب مقابل ناقة تلدها صخرة!! كما لا جدال أن إيجاد تفسير معقول لإفناء قوم نوح في ¬

(¬1) نفس المرجع (243). (¬2) نفس المرجع (249) (¬3) أي: الأسطوري. (¬4) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (55). (¬5) نقد الفكر الديني (66 - 67 - 68 - 69).

ضوء المعقول الآني يفرض حرية الاعتقاد (¬1). ووصف أركون القصص القرآني بالأسطرة الساذجة (¬2). وذكر أن القصص القرآني مأخوذ من التراث اليهودي والمسيحي (¬3). وأن القرآن استعار قصصه من غيره، ووظفها ضمن منظوره وغيَّر وجهتها وغائيتها لكي تتطابق مع وجهته هو (¬4). وينحو هذا المنحى كذلك: تركي علي الربيعو، فالقصص القرآني ينتمي إلى الفكر الأسطوري الميثي (¬5)، والواجب على الباحث «القيام بنقد تاريخي لتحديد أنواع الخلط والحذف والإضافة والمغالطات التاريخية التي أحدثتها الرواية القرآنية بالقياس إلى معطيات التاريخ الواقعي المحسوس» كما قال (¬6). وزاد الربيعو أن الرواية القرآنية هي الإطار المرجعي لتاريخ قديم تحل فيه الأسطورة محل التاريخ (¬7). أي: القصص القرآني ذو بنية أسطورية خرافية لا تاريخية وغير واقعية. وقصة آدم وحواء (¬8) وقصة صالح (¬9) وغيرها قصص أسطورية. ¬

(¬1) الأسطورة والتراث (22). (¬2) نحو نقد العقل الإسلامي (¬3) نحو نقد العقل الإسلامي (78). (¬4) نحو نقد العقل الإسلامي (149). (¬5) العنف والمقدس والجنس (52 - 54 - 78). (¬6) العنف والمقدس والجنس (52). (¬7) العنف والمقدس والجنس (54). (¬8) العنف والمقدس والجنس (78). (¬9) العنف والمقدس والجنس (55).

تكذيب قصة الطوفان والسخرية منها

تكذيب قصة الطوفان والسخرية منها. قصة الطوفان كباقي القصص القرآني تندرج عند العلمانيين في القصص الأسطوري الخرافي. قال عصام الدين حفني ناصف في اليهودية بين الأسطورة والحقيقة (111) عن قصة الطوفان: لا يسلم بصحتها في الوقت الحاضر إلا رجل يفكر في القرن العشرين بعد الميلاد تفكير الذين كانوا يعيشون في القرن العشرين قبل الميلاد، رجل يتمتع بعقل كعقول الأطفال وتصديق ساذج كتصديق العجائز (¬1). وسخر (104 - 105) من قصة الطوفان، وتساءل كيف استطاع نوح أن يميز بين الذكر والأنثى عند الحشرات مع أنه لم يكن مزودا بمجهر، وكيف قفزت تلك الحيوانات التي لا تحسن السباحة من قارة إلى أخرى وجاءت إلى السفينة؟ وكم سنة أمضاها الحيوان الكسلان من أمريكا الجنوبية إلى العراق، وهو لا يستطيع أن يقطع أكثر من خمسة عشر مترا في اليوم (¬2). وهذا تكذيب للقرآن. التكذيب بقصة أصحاب الكهف. اعتبر صادق النيهوم العلماني الليبي أن قصة أصحاب الكهف حادثة رمزية (¬3). أي: ليست قصة حقيقية، بل هي رمز فقط لأشياء معينة. وهي مليئة بالرموز، فالرقيم رمز واضح محدد للنشاط التجاري الذي تميزت به الأمم المسيحية في العصور الحديثة، والكهف رمز آخر محدد للنشاط ¬

(¬1) أزمة الخطاب التقدمي العربي (72). (¬2) نفس المرجع (72). (¬3) الرمز في القرآن (51).

الكهنوتي في الأديرة المتوحدة وبقاع النساك في الجبال. وترتيب وضع الكلمتين في النص (الكهف والرقيم) يبدو بمثابة تلخيص مذهل لتاريخ المسيحية بأسرها التي بدأت في كهوف الرهبان وانتهت في بورصات المدن الكبيرة والبنوك (¬1). ويستمر مفسرنا العبقري قائلا: وهنا تصبح الآية: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ}، رمزا لحال الركود المعروفة في تاريخ المسيحية بين ميلاد عيسى المسيح وبين عصر الإمبراطور قسطنطين، وهي فترة تميزت بحالة حادة من الخمود الكلي في جميع مناطق الدين الجديد. وتصبح الآية {وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ} رمزا لحالة التيه التي عاشها أتباع المسيحية في تلك الفترة ملتمسين طريقهم لنشر تعاليم المسيح بين أوروبا وبين أثيوبيا ... وتصبح آية {وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} إشارة أكثر وضوحا إلى أن الدين الجديد كان يواصل انتشاره في مناطق مأهولة بالشعوب التي تحترف الرعي (¬2). قادت مفسرنا العبقري حماقاته إلى شيء أخطر وأخطر، فزعم أن عيسى له أب واسمه يوسف النجار. والعجيب أنه استدل بالقرآن على ذلك، لقوله تعالى: {أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} أي: يتزوجها (¬3). وحماقات هذا الرجل شبيهة بحماقات قائده الملهم القذافي، الذي طار بحماقاته وطرائفه الركبان، والناس على دين ملوكها، فلا عجب. منها مثلا ما زعمه أن معجزات عيسى ليست حقيقية ولكنها رمز فقط، كيف؟ ¬

(¬1) نفس المرجع (56 - 57). (¬2) نفس المرجع (63 - 64). (¬3) نفس المرجع (89).

شفاء الأكمة والأبرص معناها: الأعمى هو الذي لا يستطيع أن يرى آيات الله. وأما الموتى فهم العاجزون كلية عن الارتباط (¬1). والحروف المقطعة في القرآن هي علامات في مذهب صوفي عند اليهود يعرف بالقبّالة، وهو عبارة عن نظام تدريبي تربوي يتبعه المريدون في مسالكهم نحو المقامات التي يسعون إلى بلوغها، وكل حرف منها يشير إلى مسلك من تلك المسالك (¬2). وللتذكير فأهم مراجع النيهوم هو تفسير باللغة الإنجليزية لمحمد علي الهندي القادياني (¬3). علما أن أول من أحدث فرضية الرمز في القرآن هو المستشرق الإنجليزي المتحامل على الإسلام مرجليوت المتوفى سنة 1940 (¬4). ¬

(¬1) نفس المرجع (113). (¬2) الممنوع والممتنع (59). (¬3) الرمز في القرآن (50). (¬4) نفس المرجع (151).

الطعن في القرآن

5 - الطعن في القرآن: وجه العلمانيون طعونا عديدة للقرآن الكريم، تقدم بعضها وستأتي أخرى. ونذكر هنا جملة من تلك الطعون لم تذكر في الفقرات السابقة أو اللاحقة، ولنبدأ بمحمد أركون. فقد ذكر أن سورة الكهف تعرضت لتحويرات أو لتغييرات، وأن الآية 25 منها مكانها بعد الآية 11 (¬1). وأن في السورة شذوذا لغويا (¬2). وقال عن مواضيع سورة الكهف: مجرد تجاور بين عبارات لغوية ومعنوية متبعثرة (¬3). وأن الخطاب القرآني خطاب سلطوي (¬4)، وديكتاتوري (¬5). واتهم القرآن بالتناقض مرارا، منها قوله: قد أدت إلى ظهور تناقض تأسيسي شامل على مدار الخطاب القرآني كله (¬6). واتهم القرآن بألوان من التهم الرخيصة، قال: فأولا ينبغي القيام بنقد تاريخي لتحديد أنواع الخلط والحذف والإضافة والمغالطات التاريخية التي أحدثتها الروايات القرآنية بالقياس إلى معطيات التاريخ الواقعي المحسوس (¬7). ووصف ¬

(¬1) القرآن من التفسير الموروث (148). (¬2) نفس المرجع (148). (¬3) نفس المرجع (149). (¬4) تاريخية الفكر العربي (166). (¬5) القرآن من التفسير الموروث (64). (¬6) الفكر الإسلامي (148). (¬7) الفكر الإسلامي (203).

الخطاب القرآني بـ: متملص موارب سريع تلميحي (¬1). ووصف القرآن بأن فيه تناقضا تأسيسيا شاملا على مدار الخطاب القرآني كله (¬2). وقال: فالقرآن لا يعرض الأمور على هيئة خطاب هادئ يوصل الحقائق والمعارف إلى الناس بطريقة رصينة رزينة، على العكس فإنه مليء بالمماحكات الجدالية الساخنة ضد الأعداء والمناقشات الخلافية الهائجة وكل أنواع الدحض لأقوال الخصوم والمحاجات الإلحادية المعادة مرارا وتكرارا، هذه هي طريقته في إيصال حقيقته إلى الناس. وهذه الأساليب المتوترة تهيمن على عدد كبير من الآيات القرآنية ... إلى قوله: فالخصوم المستهدفون من قبل هذه الآيات القرآنية العنيفة والحادة اللهجة (¬3). وقال عن التضحية بالنفس في القرآن: ولكن هذه التضحية بالذات تبدو في القرآن مشبوهة أو تنطوي على ازدواجية أو تناقض (¬4). وقال هاشم صالح: في الواقع إن الفقهاء استغلوا تناقض القرآن أو غموضه وعدم وضوحه فيما يخص هذه النقطة ... (¬5). واتهم القرآن في موطن آخر بالتناقض (¬6). واعتبر عبد الوهاب المؤدب أن في القرآن جوانب عتيقة بالية فيها استيلاب ¬

(¬1) نحو نقد العقل الإسلامي (258). (¬2) الفكر الإسلامي (148). (¬3) نحو نقد العقل الإسلامي (266). (¬4) نحو نقد العقل الإسلامي (273). (¬5) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (221). (¬6) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (209).

القرآن عنيف ووحشي

ووحشية ظالمة وعنف، مثل نجاسة المرأة، وتعدد الزوجات، والتطليق عن طريق الطرد التعسفي، ونظام الرق، وقانون القصاص العين بالعين والسن بالسن (¬1). والقرآن والسنة حسب عزيز العظمة: أخبار فيها اختلافات كثيرة وكبيرة (¬2). وشكك أركون في اتهام القرآن لأهل الكتاب بتحريف كتبهم، وسماها تهمة رهيبة (¬3). وكذا شكك حسن حنفي في مقدمته لرسالة إسبينوزا (22) في كون القرآن محفوظا من التغيير والتبديل. ونظرة الإسلام إلى كون الأديان السابقة محرفة وخاطئة ليست عنصرا مرحبا به عند أركون لسبب بسيط أن المنهج النقدي التفكيكي الموضوعي التاريخي الغربي لم يقل كلمته في هذه المسألة، فهو دين أركون الجديد (¬4). القرآن عنيف ووحشي وقاس. هكذا صرح جماعة من العلمانيين. سيأتي أنه وحشي وعنيف في فقرة «القانون الجنائي الإسلامي قانون همجي وحشي». ووصف أركون آية «فإذا نقر في الناقور» بالمقطع العنيف والملتهب (¬5). وقال: فالعنف الذي نظَّر له القرآن في سورة التوبة (¬6). وذكر أن القرآن ¬

(¬1) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (113). (¬2) التراث بين السلطان والتاريخ (54). (¬3) نحو نقد العقل الاسلامي (338). (¬4) نحو نقد العقل الإسلامي (2 (¬5) الفكر الإسلامي (148). (¬6) قضايا في نقد العقل الديني (102 - 103).

تحدث بقسوة وسلبية عن البدو (¬1). ووصف في مواطن أخرى القرآن بالعنف (¬2). وقال الجابري: لأن ما احتفظت به السورتان (أي: الأحزاب وبراءة) كان عنيفا وقاسيا (¬3). وعند محمد الشرفي القرآن وضع أحكاما قاسية تحط من الكرامة (¬4). وللقرآن عند عبد الرحيم لمشيشي لهجة شديدة العنف (¬5). وله حسب عبد الوهاب المؤدب موقف هجومي عنيف (¬6). وله موقف متقلب، ونصوصه لا تخضع لمنهج متماسك محكم في التأليف (¬7). ولهجته مع اليهود أكثر قسوة وتشددا (¬8). وربط النص بالرصاص، والعنف بالمقدس هو قراءة رسمية، «بمعنى أدق إنها تدين بمرجعيتها إلى نظرة السلطة، ولذلك بقيت محكومة بهواجس إيديولوجية وشواغل ظرفية جامحة، ولم تساهم إلا في إذكاء خطاب نظري سوسيولوجي سطحي وفي زيادة الطين بلة»، كما قال الربيعو (¬9). وزاد أنها تجسد نزعة أمنية وسياسية تتبنى وجهة نظر الدولة في ظاهرة الإسلام السياسي (¬10). ¬

(¬1) الفكر الإسلامي (41). (¬2) نحو نقد العقل الإسلامي (268) والفكر الإسلامي (93). (¬3) مدخل إلى القرآن (209). (¬4) الإسلام والحرية (92). (¬5) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (100 - 101). (¬6) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (147). (¬7) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (147). (¬8) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (148). (¬9) الحركات الإسلامية (92). (¬10) نفس المرجع (101).

اشتمال القرآن على الأساطير

اشتمال القرآن على الأساطير. تقدم في فقرة «الدين الإسلامي مليء بالأساطير» أن الأساطير السومرية والبابلية والكنعانية والأشورية والمصرية والفنيقية هي الأصل الذي بنيت عليه الأديان. وفيه نقول عدة في ذلك. وذكر أركون أنه فضلا عن الأساطير القديمة فللتوراة والأناجيل والصابئين والحكايات العربية القديمة أصداء واضحة في القرآن (¬1). والقرآن ذو بنية أسطورية عند أركون (¬2)، وتركي علي الربيعو (¬3). وزاد الربيعو أن الرواية القرآنية هي الإطار المرجعي لتاريخ قديم تحل فيه الأسطورة محل التاريخ (¬4). أي: القصص القرآني ذو بنية أسطورية خرافية لا تاريخية وغير واقعية. وقال علي حرب: لأن الأسطورة هي القوة المحركة للمشروع الديني وللدعوات التي تتم باسم الدين (¬5). وقال عن النص الديني: إنه نص ذو بنية أسطورية (¬6). وكذا قال نصر أبو زيد (¬7). بل الأسطورة عنده هي القوة المحركة للمشروع الديني (¬8). ¬

(¬1) الفكر الإسلامي (84). (¬2) الإسلام الأخلاق والسياسة (172) وتاريخية الفكر العربي (210). (¬3) العنف والمقدس والجنس (33 - 54 - 55). (¬4) العنف والمقدس والجنس (54). (¬5) نقد النص (211). (¬6) نقد النص (211). (¬7) نقد النص (211). (¬8) نقد النص (211).

العجيب المدهش

ونعود مرة أخرى إلى أركون ليقول لنا: إن الحكايات التوراتية والخطاب القرآني هما نموذجان رائعان من نماذج التعبير الميثي أو الأسطوري (¬1). ووصف القصص القرآني بالأسطرة الساذجة (¬2). وقال: إن أساطير غلغاميش والاسكندر الكبير والسبعة النائمين في الكهف تجد لها أصداء واضحة في القرآن (¬3). العجيب المدهش: العجيب المدهش عند أركون وغيره هو مجموعة من الأساطير والخرافات والحكايات الشعبية التي تحكيها الجدات للأطفال، وتنتشر في مجال الأدب بالخصوص، والأدب الشعبي كحكايات سندباد والغول وطرزان، ويدخل ضمنها: عالم الساحرات والعفاريت والجن (¬4) والملائكة، بل وكل الغيب. واستعمال العجيب والمدهش في الخطاب القرآني يتناسب مع البيئة الثقافية للحجاز في القرآن السابع، وهو ركيزة من ركائز الفكر الديني. والعجيب المدهش الأركوني موجود في القرآن كثيرا، كما بين في بحث طويل في كتاب الفكر الإسلامي (187)، ومثلت قصص الأنبياء مجالا خصبا لاكتشاف هذا العجيب المدهش في القرآن الكريم، أو الساحر الخلاب كما يسميه أحيانا. قال (203): هذا مع العلم أنه يمكننا أن نحدد نمط وجود العجيب المدهش ¬

(¬1) تاريخية الفكر العربي (210). (¬2) نحو نقد العقل الإسلامي (78). (¬3) الفكر الإسلامي (84). (¬4) الفكر الإسلامي (216).

القرآن نص مفتوح على جميع المعاني

ووظيفته بشكل دقيق إلى حد ما في الحكايات (كذا) العديدة وأحيانا الطويلة الموجودة في القرآن، إننا نفكر هنا مثلا بسورة يوسف المشهورة وبحياة موسى ... ثم بمختلف الحكايات المتعلقة بالأنبياء السابقين على محمد أو بالشعوب القديمة. وقال: نلاحظ أن العجيب المدهش يلعب في القرآن دورا مهما جدا جدا. ويبدو لي أننا نستطيع أن نرى فيه الفضاء الحيوي للوعي الديني. نجد أن في هذا العجيب المدهش كما بلورته وحددته (أو كما حاولت ذلك) ينتعش الوعي الديني ويزدهر (¬1). وفي الوقت ذاته أكد على غياب مفهوم العقل من القرآن (¬2). إذن أساطير وخرافات وغياب العقل، هكذا يصور أركون كتاب الله المبين!! مع أن هذه الشبهة الأركونية لا تحمل من الجدة إلا المصطلح، وإلا فهي شبهة قديمة، أثارها المشركون ضد القرآن {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} الفرقان5. فلا تعدو محاولاته كونها إعادة صياغة لشبه الزنادقة على مر التاريخ بمنهجيات علم الألسنيات وعلم النقد التاريخي وغيرها. القرآن نص مفتوح على جميع المعاني. حاول العلمانيون وسعيا للتفلت من دلالة القرآن إلى اتهامه بكونه محتملا لكل شيء، يقول أركون: إن القرآن هو عبارة عن مجموعة من الدلالات والمعاني الاحتمالية المقترحة على كل البشر، وبالتالي فهي مؤهلة لأن تثير أو تنتج خطوطا واتجاهات عقائدية متنوعة بقدر تنوع الأوضاع والأحوال التاريخية التي ¬

(¬1) الفكر الإسلامي (211). (¬2) الفكر الإسلامي (211).

تحصل فيها أو تتولد فيها (¬1). وقال: القرآن نص مفتوح على جميع المعاني. وقد يبدو هذا الكلام بريئا على غير المتمرس بفكر أركون، ولكن العارف به سيعرف جيدا أنه يقصد أن القرآن يحتمل جميع المذاهب والأفكار، بل حتى الإلحاد والكفر إن شئت أن تستخرجه منه فممكن، لأن القرآن مفتوح على جميع الاحتمالات. فليس القرآن هدى للناس، بمعنى أنه يهديهم من الضلال إلى النور، لكنه منتج لكل العقائد ومولد لجميع المذاهب. وهكذا يرى علي حرب أن القرآن مفتوح على كل المعاني وكافة التأويلات بحيث يمكن أن تتمرأى فيه كل الذوات وأن تقرأ فيه مختلف العقائد والشرائع (¬2). وهكذا يقول عبد المجيد الشرفي، قال عن النص القرآني والحديثي: إنه مفهوم فضفاض وغير دقيق، ذلك أن هذا المفهوم قد وظف توظيفات مختلفة ... يستعمل في اتجاهات مختلفة ومتعارضة وأحيانا متناقضة، فنفس النص يمكن أن يؤول لفائدة الشيء ونقيضه، ولذلك فإن الاحتجاج بالنص ليس احتجاجا بريئا (¬3). ¬

(¬1) تاريخية الفكر العربي (1 (¬2) نقد النص (87). (¬3) تحديث الفكر الإسلامي (9).

نقد القرآن لا فهم القرآن

6 - نقد القرآن لا فهم القرآن. تنوعت أساليب العلمانيين وتعددت مشارعهم في نقد التراث الإسلامي وتفكيكه بغية زحزحته وتجاوزه. فهذا أركون سمى مشروعه نقد العقل الإسلامي، ويعني به القرآن والسنة وما تفرع عنهما. وهذا الجابري سمى مشروعه نقد العقل العربي، متحاشيا ذكر صفة «الإسلامي» مغازلا الإسلاميين، كما قال بعض نقاده. وهذا حسن حنفي سمى مشروعه التراث والتجديد، وجمع علي حرب بحوثه تحت مسمى نقد النص. والعقل الإسلامي والعقل العربي والتراث والنص كلها مصطلحات لمعنى واحد، هو القرآن والسنة وما تفرع عنهما من علوم. وإن كان الغالب على أركون نقد القرآن والسنة في حد ذاتهما، في حين رأى آخرون التترس خلف مفهوم النص من أجل نقد النص نفسه، كما فعل نصر حامد أبو زيد وآخرون. والهدف طبعا للجميع هو النقد من أجل التجاوز، كما سيأتي شرحه. وقد أفصح نصر حامد أبو زيد عن حقيقة مشروعهم قائلا: الاتجاه الثاني هو اتجاه القطيعة مع التراث، وهو اتجاه يرى أن للتراث وجودا ضارا مسؤولا عن بعض جوانب الأزمة الراهنة، ويرى أن الحل يكمن في ضرورة تحليل هذا التراث أو تفكيكه سعيا لإحداث قطيعة معرفية تُحررنا منه ومن تأثيراته الضارة. دوائر الخوف (194). وذكر قبله الاتجاه الإسلامي، والثالث: اتجاه تجديد التراث، واعتبره منهجا تلفيقيا، منهج حسن حنفي ومن معه (194). وهذا كلام في غاية الوضوح.

وغالبا ما يعرض العلمانيون أنفسهم على أنهم متحررون من كافة الإيديولوجيات والمؤثرات الخارجية والمسبقة. لنقرأ مثلا قول أركون في الفكر الإسلامي (213): وإنما كل ما أسعى إليه هو محاولة فرض قراءة تاريخية للنص القرآني، قراءة تمتنع منذ الآن فصاعدا عن أية عملية إسقاط إيديولوجية على هذا النص. وغير خاف على أمثالنا أن النقد التاريخي الذي يتسلح به أركون هو إفراز غربي حداثي، له قيم وإيديولوجيا تقف خلفه، وله فلسفة للحياة ورؤية للكون تتحكم فيه. يحاول أركون أن يوهمنا أن العلوم الإنسانية والنقد التاريخي شأنها شأن العلوم التجريبية كالفيزياء والكيمياء والرياضيات فكما استقبلنا هذه بدون تحفظ، فعلينا استيراد الأولى كذلك. مع أننا نفهم الفرق بين هذا وهذا جيدا، وأن العلوم الطبيعية تجريبية تخضع لمعطيات محسوسة شبه ميكانيكية ولهذا لا تكاد تجد بينها خلافات جوهرية، فما يكتشفه المتدين الصيني أو المسيحي يطابق ما اكتشفه العلماني الفرنسي مثلا. أما العلوم الإنسانية وعلوم الاجتماع والنقد التاريخي فهي فلسفات أكثر منها علوم، تختلف نتائجها حسب المدارس الفلسفية التي تتباها. والنقد التاريخي مثلا ليس رجلا منزها معصوما ينطق، بل الذين يقرأون وينقدون هم بشر لهم أفكارهم وقناعاتهم ونسقهم الإيديولوجي والفلسفي وخلفياتهم المعرفية. قال أركون في الكتاب المتقدم نفسه (230): أعتقد أن الألسنيات هي علم

في طور التكوين والبحث عن مناهجه الخاصة، وأعرف عن طريق التجربة أن هناك خلافات كثيرة وصراعات عديدة بين علماء الألسنيات، وأنهم يجدون صعوبة كبيرة في التوصل إلى اتفاق ما. وحدثنا أركون كذلك بأن علم الفيلولوجيا كان علما رائدا في زمن ما ثم تجاوزه الباحثون، قال: ينبغي العلم بأن علم الفيلولوجيا أوفقه اللغة التاريخي كان قد تربع لفترة طويلة على عرش العلوم الإنسانية، كانت الفيلولوجيا ملكة العلوم المستخدمة في المنهجية التاريخية النقدية والطباعة النقدية للنصوص القديمة. ثم بيَّن أركون أن هذه المنهجية أفل نجمها بعد مجيء البنيوية. نحو نقد العقل الإسلامي (67). وحكى أركون مرارا أن المستشرقين الألمان يرفضون إلى الآن وبعد ظهور البنيوية ترك الفيلولوجيا، وأكد أنه تحدث معهم مرارا حول هذا ورفضوا. والنقد التفكيكي الذي أسسه نيتشه ثم تلاه هيدغر، وهو واضع الاسم، ثم ميشيل فوكو وجاك دريدا وجيل دولوز (¬1). وإذا كان التفسير والتأويل ينظران في مراد المؤلف، فإن التفكيك يقطع الصلة مع المؤلف ومراده، ومع المعنى واحتمالاته (¬2)، وهو يتجاوز منطوق الخطاب إلى ما يسكت عنه ولا يقوله إلى ما يستبعده ويتناساه (¬3). مثال على ذلك: لا حكم إلا لله. فالمؤول يتجه إلى معرفة القصد منها كأن يقول: ¬

(¬1) الممنوع والممتنع (23). (¬2) الممنوع والممتنع (150) والمرايا المحدبة، من البنيوية إلى التفكيك (91). (¬3) الممنوع والممتنع (150).

لا سلطة لأحد على أحد لأن الله هو صاحب السلطة الحقيقية. وأما المفكك فيرى أن القول المذكور يتأسس على حجب مضاعف إذ هو يخفى سلطته على سامعه بقدر ما يخفي إرادة قائله بالسيطرة على سواه (¬1). ونفى التفكيكيون كل الفلسفات التي تقدمتهم، واعتبر مخالفوهم كهابرماس التفكيكية عبثا ونزعة عدمية (¬2). في حين يرى الماركسيون أن المنهج الجدلي الديالكتيكي هو أرقى المناهج التي عرفها الفكر البشري. فكيف نترك كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - بين أنياب ومخالب المناهج الغربية التي ينقض بعضها بعضا ويسفه أكثرها أقلها. مع أننا في غنى عن هذه المناهج المحدثة المضطربة، بمناهج علمائنا المعروفة كعلوم القرآن وأصول الفقه وفقه اللغة وغيرها. ينسج أبو زيد نسجا غريبا وشاذا في محاولاته اليائسة لقطع الطريق أمام النص. فدندن مرارا في كتبه حول أنه لا يوجد منهج إلهي أو شرع إلهي مقابل منهج بشري أو شرع بشري، بل هو بشري مقابل بشري، لأن الشرع الإلهي إنما يفهمه البشر، فينقلب من إلهي إلى بشري، ويعتبر أن الخطاب الديني يتجاهل هذه الحقيقة الكبرى. نقد الخطاب الديني (67). مع أن الخطاب الديني كما يعبر هو، والخطاب الإسلامي كما نعبر نحن، لا يتجاهل هذه الخرافة الكبيرة والزعم الباطل. لأنه يعرفها ويعرف تهافتها وتفاهتها، ¬

(¬1) نفس المرجع (54). (¬2) الممنوع والممتنع (45).

ويعلم أنها حيلة تكتيكية وعباءة إيديولوجية لا غير لا تمت إلى العلم والحقيقة بصلة. وقد تحدث الخطاب الإسلامي مرارا أن الشرع منه قطعيات معلومة من الدين بالضرورة، اتفق عليها السلف والخلف، بل وفي كثير منها سائر الفرق، بما فيها الفرقة التنويرية حسب المنظور العلماني: المعتزلة، وابن رشد وغيره ممن يسبح بحمده التيار العلماني، مثل الصلاة والصيام والحج والزكاة والحجاب والولاء والبراء من الكفار والمشركين وإقامة الحدود الشرعية، وتطبيق الشريعة، وتحريم الربا والخمر، وعشرات المسائل. وعلى ضوء تحليلات أبي زيد إن هناك فرقا بين هذه الثوابت القطعية وبين شرع الله. انظر إلى حجم السفسطة والتهافت التي يهذي بها أبو زيد. فإذا قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} المائدة90. فإذا قلنا: إن الله في هذه الآية يحذرنا من شرب الخمر والميسر والأنصاب والأزلام. يكون قد انقلب بشريا بعدما كان إلهيا. أليست هذه قمة السفسطة والتخرص والجعجعة من غير طحن. بل العكس هو الصحيح تماما، عندما يقول أبو زيد: إن مراد الله بهذه الآيات البيئة العربية البدوية في الجزيرة، فهذا مجاز ورمز فقط، والميسر أصبح من أصول الاقتصاد الحر، والخمر يعد بطريقة طبية عالية الجودة. هنا ينقلب الإلهي بشريا. فانظر كيف يقلب الحقائق ويزور الاتهامات، ثم ما دخل أبي زيد -الذي حكمت بردته وتطليقه من زوجته محكمة قضائية مصرية محترمة مشهود لها بالنزاهة- بفهم الدين وعلومه، وهو متخصص في الأدب العربي. لا بد من «تحطيم أصنامكم وكسر المحرم القرآني الأعظم، لا يحق لكم أن

تنصبوا كتابكم المقدس ككتاب لا يناقش ولا يمس، لا يحق لكم أن تعتبروه حاملا لكلام إلهي أزلي أبدي غير مخلوق، يتضمن الحقيقة الكلية والنهائية ولا يخضع لأي تساؤل، ما أشد سذاجتكم أيها المسلمون» (¬1). هكذا يخاطب الحقير التونسي عبد الوهاب المؤدب في كتابه «مرض الإسلام» (16) المسلمين، يجب نقد القرآن ونقضه وإسقاط قداسته. ولأنه يصعب الآن تجاوزه كليا، فالحيلة في نظره هو ضرب القرآن بعضه ببعض على طريقة السم والترياق على حد تعبير هاشم صالح (¬2). والقرآن حسب العروي كمصحف يتصفح، كمجموع حروف وكلمات وعبارات، وثيقة مادية كباقي الوثائق، لا اعتراض على إخضاعها لجميع أنواع النقد المعاصر. الأمر مشروع ... (¬3) وعادة ما يقوم العلمانيون بتغطية مشروعهم لنقد الوحي ونقد القرآن والسنة بالدعوة إلى نقد فهم الوحي أي: الفصل بين الوحي والتاريخ وبين المثال والتطبيق، وهي لا تعدو أن تكون حيلة كما سماها علي حرب (¬4)، تحاشيا للاصطدام وأملا في خلق فضاء معين ينطلقون من خلاله إلى الفضاء الأسمى والأهم هو نقد النص نفسه لا نقد فهمه. وهذا مشروع أركون كما نص عليه علي حرب (¬5). ¬

(¬1) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (131). (¬2) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (354). (¬3) السنة والإصلاح (124). (¬4) نقد النص (64). (¬5) نقد النص (65).

لا يكتفي أركون بتفكيك الانساق الفقهية والمنظومات العقائدية، بل يتوغل في نقده وتفكيكه وصولا إلى الأصل أي: إلى الوحي القرآني أو الحدث القرآني، على ما يسميه أحيانا (¬1). فهو «يستهدف بالنقد الجانب اللاهوتي القدسي، ممثلا بالوحي القرآني والممارسة النبوية ... أما الجابري فإنه يستبعد خطاب الوحي والنبوة من مجال النقد، لأنه يرى أن النقد اللاهوتي لم يحن أوانه بعد في العالم العربي» كما قال علي حرب (¬2). وأكد هاشم صالح أنه لا مفر من تطبيق المنهج التاريخي عليه كما فعل المسيحيون في أوروبا بالتوراة والإنجيل، وكما فعل المستشرقون بالقرآن ذاته. وزاد: هذا يعني أن التعرية الأركيولوجية سوف تصل هذه المرة إلى القرآن نفسه ولن تكتفي بتفكيك السنة أو السيرة النبوية أو الحديث النبوي أو كلام الفقهاء الكبار أو كتب الملل والنحل ... إلخ. فالتفكيك إما أن يكون عاما شاملا أو لا يكون (¬3). «إذن لا يستبعد أركون خطاب الوحي من مجال النقد التاريخي» (¬4). وهذا رأي أغلب العلمانيين، فعلي حرب مثلا يرى أنه لا بد من نقد النص القرآني والنبوي وتشريحه وتحليله وتفكيكه، فلا ينبغي لشيء أن يقف حائلا دون حرية البحث والنقد (¬5). فليس كونه من عند الله مانعا من نقده وتفكيكه، في نظر علي حرب، وعليه فلا ¬

(¬1) نقد النص (62). (¬2) نقد النص (116). (¬3) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (314). (¬4) نقد النص (¬5) نقد النص (71 - 203).

بأس بتوجيه ضربات موجعة له لأنه نص من النصوص، ولأنه نص تاريخي (¬1). فالنصوص عنده سواء بغض النظر عن قائلها أو كاتبها (¬2) ولأن النص يتصف بالخداع والمخاتلة، وله ألاعيبه السرية وإجراءاته الخفية كما قال (¬3)، التي يمارس من خلالها آلياته في الحجب والتبديل (¬4)، فلا ينبغي في نظره التعامل مع النصوص بما تقوله وما تخفيه وتستبعده (¬5). وهكذا يرى نصر أبو زيد، فالقرآن عنده نص لغوي، مثله مثل أيّ نص أدبي آخر، يقرأ كما يقرأ أيّ نص شعري أو نثري وينقد بل ينقض ويزيف، ولا تحفظ له أيّة حرمة أو قداسة، أو بمعنى آخر: إن دراسته إنما تخضع لمعطيات الدرس الأدبي (¬6). وعلي حرب يرى في منهج نصر أبي زيد هذا أنه في منتهى الخفة والتهور (¬7). لا لأنه ينقد كلام الله، ولكن لأنه يكتفي باستخدام منهج واحد في الدراسة والنقد، وكان عليه في نظر حرب استخدام كافة الأدوات والمناهج الحديثة كالمنهج السيميائي والأركيولوجي والتحليل السوسيولوجي والنقد التاريخي كما يفعل أركون. كان علماؤنا المتقدمون يقرأون القرآن بمناهج ابتكروها وأنشأوها دون أية ¬

(¬1) نقد النص (71). (¬2) نقد النص (11 - 12). (¬3) نقد النص (16 - 18). (¬4) نقد النص (18). (¬5) نقد النص (15 - 20). (¬6) نقد النص (208). (¬7) نقد النص (208).

مؤثرات خارجية، ودون الحاجة إلى استيراد مناهج معينة من دول معادية للأمة، وقفت على مدار تاريخها ضد مصالحها. زد على هذا أن المناهج الغربية ليست مناهج بريئة، وليست كالعلوم التجريبية كالطب والجيولوجيا وغيرها. لأنها مناهج مرتبطة بثقافة غربية وإفراز ثقافي في ظل أوضاع كنيسية معينة وفي وسط شروط ولدت من رحم الصراع الكنيسي العلمي، من هنا جاءت الحاجة إلى قراءة الإنجيل قراءة تفكيكية. ولم يبلور رجال الدين المسيحي مناهج دقيقة وعلمية لقراءة تراثهم، بل كانت مناهج البحث تشكلت خارج التراث المسيحي منذ القديم مع الفلسفة، وقبل ظهور العلمانية. أما في تجربتنا فالأمر مختلف تماما، فأوضاعنا مختلفة، وحضارتنا مختلفة، ولعلمائنا عبر قرون متباعدة مناهج علمية راقية وقواعد منضبطة اعترف الغرب بكفاءتها وقدرتها على التحليل. فكيف نهجر هذه المناهج العلمية النابعة من تراثنا وثقافتنا ونستبدلها بمناهج ولدت في بيئة مغايرة وأوضاع مغايرة، إنها الهزيمة النفسية لا غير، والاستلاب الحضاري والانبهار الحضاري. ثم العلمانيون الذين ينتهجون هذه المناهج الغربية ذوو خلفية إلحادية مغرضة، أي: ليس همهم المعرفة، بل الإيديولوجيا. وبالتالي فالقراءة ليست علمية، بل إيديولوجية. أي: هي غير بريئة، وليس هدف العلمانيين إعادة قراءة النص القرآني والنبوي بالمناهج العلمية التي أسسها علماء الإسلام استجابة لمتطلبات العصر، كعلم أصول الفقه، وعلوم اللغة، وعلوم القرآن، وعلم الحديث، بل هذه في نظرهم قراءة تراثية تقليدية، بل هدفهم كما بين علي حرب استخدام المناهج الغربية الحديثة في التحليل بدل المناهج الإسلامية.

وبيّن حرب أنه عوض مفاهيم العموم والخصوص والمحكم والمتشابه والظاهر والباطن والناسخ والمنسوخ سنستخدم مفاهيم جديدة كالدلالة والرمز والمجاز والمخيال والأسطورة والبنية وشبكة العلاقات (¬1). فقصص الأنبياء مثلا سننظر إليها في ظل المناهج الغربية الجديدة على أنها مجموعة من الأساطير القابلة للتفكيك والنقد وإعادة القراءة وُظفت دينيا لأغراض سياسية وإيديولوجية معينة. والحدود الشرعية في القراءة الجديدة رمز للعقوبات فأي عقوبة تيسرت كالسجن مثلا فهي معبرة عن هدف القرآن. والجمود على النص دوغمائية تعود لثقافة القرون الوسطى. والحجاب دلالة ورمز للعفة، والعفة مفهوم اجتماعي يتغير بتغير الأوضاع والثقافات والمفاهيم. والعفة في زماننا تعني التسامح والتعايش، فلا معنى لثوب أو غطاء أو حجاب، لأنه رمز للتمييز ضد المرأة في الثقافة القروسطية. بل مفهوم البكارة والزنا كلها ستغدو في القراءة الجديدة مفاهيم متجاوزة في ظل المساواة والحرية. بل كثير من العلمانيين يريدون تجاوز حتى المصطلحات الإسلامية ولو بعد تفريغها من محتواها الديني، وقد تقدم عن حسن حنفي ذلك. وهذا أركون يسمي القرآن المدونة النصية، ويسمي الآية: المنطوقة أو العبارة اللغوية. وبيَّن مترجمه سبب ذلك فقال: وسبب ذلك هو أنه يريد تحييد الشحنات اللاهوتية التي سرعان ما تستحوذ على وعينا عندما نتحدث عن القرآن، فالقداسة ¬

(¬1) نقد النص (78).

أهداف النقد

اللاهوتية أو الهيبة اللاهوتية العظمى التي تحيط بالقرآن منذ قرون تمنعنا من أن نراه كما هو: أي: كنص لغوي مؤلف من كلمات وحروف وتركيبات لغوية ونحوية وبلاغية ... القرآن من التفسير الموروث (119). كان علي حرب صريحا مع نفسه ومع قرائه، فهو يتحدث بلغة صريحة ولا يركب على عواطف الجماهير، وليس في حاجة إلى التصريح بأنه يستلهم القيم الروحية للإسلام، أو بأنه لا يهدف إلى نزع صفة القداسة على النصوص، قال متعجبا من اللف والدوران الذي يحاول إيهامنا به بعض العلمانيين: فكيف نقرأ النصوص قراءة نقدية تاريخية ونزعم أننا لا ننزع عنها صفة التعالي والقداسة؟ لا مجال إذا للمداورة والالتفاف، بل الأحرى والأولى مجابهة المشكلة بدلا من الدوران حولها (¬1). أهداف النقد: النقد العلماني للقرآن ليس نقدا بريئا، فهو تغلب عليه إرادة الإيديولوجيا على إرادة المعرفة. وهو مشبع بترسانة من الأفكار المسبقة والجاهزة والمهيمنة، يدور الباحث حولها ويبحث عن سبل نصرها. وطبعا ليس أمام العلماني العربي إلا ما شيده ذاك الآخر من مناهج وأدوات للقراءة. ولهذا بدت أهداف العلمانيين من قراءتهم للتراث بادية للعيان، بل مصرح بها من قبلهم منصوص عليها في كتبهم. ويمكن إجمالها فيما يلي: أولا- نزع القداسة عن القرآن والسنة واعتبارهما نتاجا ثقافيا كباقي النصوص، تنقد وتساءل كما تنقد نصوص الشعر والنثر والأساطير والخرافات. ¬

(¬1) نقد النص (

في ظل النقد التاريخي لا ينظر للقرآن والسنة باعتبارهما وحيا مفارقا أو لهما علاقة ما بجهة متعالية مقدسة، فكل هذه المفاهيم من ثقافة الماضي التي تجاوزها النقد الحديث. قال علي حرب: لا مراء أن النقد كما يمارسه أركون والآخرون يؤدي إلى نزع هالة القداسة عن الوحي بتعريته آليات الأسطرة والتعالي التي يمارسها الخطاب في تعامله مع الأحداث والوقائع التاريخية أو مع التجارب والممارسات الإنسانية (¬1). والعلمانيون يعبرون عن هذا الهدف إما: بنزع القداسة أو نزع الأسطرة، أو تاريخية القرآن والسنة. وأحيانا من باب التعمية يزعمون أنهم يحاولون فهم النص علميا لا فهما غيبيا أسطوريا، كما يفعل نصر أبو زيد، وذلك بالتعامل معه باعتباره منتجا ثقافيا كما قال علي حرب (¬2). في ظل النقد التاريخي لن تكون للقرآن أية قداسة أو اعتبار، فالبحث العقلي التاريخي هو الأول والآخر والظاهر والباطن. فسورة التوبة مثلا في نظر أركون مستخدما ترسانته المعرفية لها لهجة جدالية حادة، كما قال (¬3). وقال: تبين لنا هذه السورة كيف أن الطائفة الجديدة الوليدة (يقصد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه) قد انخرطت بعد فتح مكة في عملية بناء المؤسسات، وهي تستطيع أن ¬

(¬1) نقد النص (203). (¬2) نقد النص (209). (¬3) القرآن من التفسير الموروث (49).

تنقض العهود أو الاتفاقيات الموقعة سابقا مع الفئات المعارضة وتفرض عليها شروطها الجديدة تحت التهديد بإشعال الحرب ضد كل هؤلاء المشركين الذين يرفضون شرع الله ورسوله (¬1). هكذا يصور نبينا - صلى الله عليه وسلم - كرجل سياسي متغطرس ديكتاتوري متعطش للدماء ينقض العهود ويفرض الشروط. وزاد أن الأعراب قد أدينوا بقسوة في تلك السورة (¬2). وأن من تاب بعد ذلك فلا يتمتع بنفس الحقوق السياسية داخل الجماعة الجديدة المنتصرة (¬3). ثانيا- إعادة النظر في المسلمات العقائدية الإسلامية. أو كما قال علي حرب: خلخلة الاعتقادات وزحزحة القناعات (¬4). ذلك أنه يلامس بنقده مناطق محرمة وبطَرْق أبواب يصعب طرقها (¬5). ويكشف بل يفضح المسلمات (¬6). وتتم فيه إعادة النظر في المعتقد (¬7) ... سيتم من خلال هذا النقد تجاوز مفاهيم مترسخة في أذهان المسلمين مثل وجود الله، والملائكة والجن واليوم الآخر والوحي وغير ذلك. ثالثا- غربلة التراث من أجل حذف كل العناصر الضارة منه، والإبقاء على الصالح في نظر العلمانية مثل الحرية والعقل والمساواة. ¬

(¬1) نفس المرجع (49). (¬2) نفس المرجع (49 - 50). (¬3) نفس المرجع (50). (¬4) نقد النص (72). (¬5) نقد النص (76). (¬6) نقد النص (74). (¬7) نقد النص (73).

يقول أركون: المهمة العاجلة تتمثل في ما يلي: إعادة قراءة كتب التراث الإسلامي على ضوء أحدث المناهج اللغوية والتاريخية والسوسيولوجية والأنتربولوجية (أي: المقارنة مع بقية التراثات الدينية، وبخاصة ما حصل في الغرب المسيحي) ثم القيام بعدئذ بتقييم فلسفي شامل لهذا التراث لطرح ما أصبح ميتا فيه ومعرقلا لحركة التطور والإبقاء على العناصر الصالحة من أجل استخدامها في البنيان الجديد (¬1). إخضاع القرآن والسنة لمناهج النقد الغربية المحملة بالمضامين الفلسفية الغربية، مع مقارنتها بباقي الديانات اليهودية والمسيحية والبوذية، لنستخلص دينا جديدا ترضى عنه العلمانية وتباركه. وماذا عن سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسيرة الصحابة في نقد أركون؟ يجيب: كما وتنبغي دراسة سيرة النبي وشخصيات الصحابة الأساسيين على ضوء علم التاريخ الحديث، وذلك لفرز العناصر التاريخية فيها عن العناصر التبجيلية التضخيمية (¬2). أي: سنحصل على سيرة فيها وقائع تاريخية محضة، أما كل ما يدل على تبجيل النبي أو احترامه وتعظيمه، فنقد أركون كفيل بحذف هذه العناصر الضارة والتي لا ترضى عنها العلمانية. رابعا- تفكيك الهوية وضياع المشروع الحضاري، ومن ثم الإلحاق بالحضارة الغربية. ¬

(¬1) قضايا في نقد العقل الديني (292). (¬2) قضايا في نقد العقل الديني (2

ولذلك فإننا نقول دوما: إن العلمانيين هم طلائع الاستعمار وآليات الهيمنة الغربية وامتداد للسيطرة الغربية. والمفكر عندما يقع تحت تأثير الاستيلاب الثقافي، ويسبح في بحوره، يحس بتحرر وهمي وباستقلال في التفكير، ويشعر في قرارة نفسه أنه يمارس مشروعا فكريا أو نقدا علميا من خلال مناهج البحث في علوم الاجتماع والنقد التاريخي، وهو ينسى أن هذه المناهج إفراز ثقافي إيديولوجي غربي، ذو حمولة فلسفية غربية، وبالتالي فهو ينخرط في المشروع الامبريالي شعر بذلك أم لم يشعر.

نماذج من النقد التاريخي للقرآن

نماذج من النقد التاريخي للقرآن: يرى أركون أن في سورة التوبة وسور أخرى في القرآن مفاهيم «دين الحق» «الدين القويم» «الإسلام» محركة من قبل فاعلين ذوي مصالح مباشرة، يقومون بالمزايدة على نفس رهانات الحقيقة والنجاة لدى فئات أخرى كاليهود والمسيحيين والمشركين والكفار والمنافقين (¬1). هكذا يصور أركون النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام: أصحاب مصالح يقومون بالمزايدة على مخالفيهم. ثم زادنا من تحليلاته النقدية التي تغوص إلى أعماق المفاهيم ولا تقف عن الظواهر والشكليات كما هو شأن الفقهاء والأصوليين الدوغمائيين فقال: ونلاحظ أن مفهوم الله الواحد مبلور ليس من أجل مضامينه الخاصة، وإنما أولا وقبل كل شيء من أجل تسفيه طريقة استخدامه من قبل أهل الكتاب، تقول السورة: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} التوبة30 (¬2). إذن الهدف هو تسفيه الآخرين، وليس المقصود إيضاح معنى الألوهية وما يجب لله من التنزيه. ونقرأ في كتاب آخر له نموذجا آخر من تشكيكاته في القرآن تحت ستار القراءة التاريخية، ولننقل النص بتمامه قال: نضرب على ذلك مثلا كلمة «عزير» الواردة في الآية الثلاثين من سورة التوبة المذكورة آنفا، فالآية تقول بأن اليهود يعترفون به ¬

(¬1) القرآن من التفسير الموروث (70). (¬2) نفس المرجع.

كابن لله. فما هي حقيقة الأمر يا ترى؟ ينبغي الاعتراف هنا بأن المفسرين المسلمين القدامى كانوا جديين، وكانت لهم ميزة التساؤل عن هوية عزير هذا. بل ويصل الأمر بالطبري إلى حد القول بأنه ليس من المعتاد أن يعبر اليهود عن اعتقاد كهذا. أما البحث الأكاديمي الحديث فيقول لنا بعد طول تنقيب وتبحر (¬1) في الموضوع بأن عزير هذا ما هو إلا الحاخام الأكبر عزرا الذي ساهم في إعادة بناء المعبد اليهودي بعد عودة اليهود من منطقة وادي الرافدين إلى أورشليم (القدس) في فلسطين. ولكن هذه المعلومة التاريخية لم تعد تخطر على بال أغلبية المسلمين المعاصرين. لماذا لا يهتم المسلمون المعاصرون بمثل هذه المعلومات الدقيقة عن الآية؟ (¬2) لأن القراءة التاريخية للقرآن أو قل التفسير التاريخي لآياته يؤدي إلى التشكيك بذلك التصور الأرثوذكسي المرسخ في الوعي الجماعي عن القرآن بصفته كلام الله الحرفي النازل من السماء على الأرض والمنقول من فم الله كلمة كلمة إلى البشر عن طريق النبي. هذه الصورة المرسخة في الوعي الجماعي الإسلامي تهتز إذا طبقنا التفسير التاريخي على القرآن. ولذلك فإنهم يتحاشونه بأي شكل ويتهمون المستشرقين الفيلولوجيين بمحاولة تدمير الإسلام (¬3). وهذا كلام في غاية الوضوح، فهو يريد أن يقول إن قول الله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ}، كذب على اليهود فلم يقولوا هذا أبدا، وقد أثبت البحث التاريخي أن عزيرا حاخام كبير فيهم فقط. إلى هذه الدرجة ¬

(¬1) هكذا يضخم الأمر، وكأن الموضوع مراقب بمجهري ضخم أو تحت تحليل مخبري معقد. (¬2) لأنها لا دليل على صحتها في نظرهم. وعلى فرض صحتها لا مناقضة بينها وبين ما ذكره المفسرون ومنهم الطبري أن عزيرا هذا كان عابدا فيهم كتب التوراة بيده كاملا من حفظه فلما عارضوه بنسخ كانت عندهم وجدوها مطابقة لها، فزعموا أنه لابد أن يكون ابنا لله. (¬3) نحو نقد العقل الإسلامي (68 - 69).

يسلب الرجل عقله واعتداله. وما المانع أن يكون اليهود اعتقدوا في هذا الحاخام أنه ابن الله؟ هذا إذا سلمنا بهذه المعلومة التاريخية!!. أما وكُل المعلومات التاريخية عن العصور ما قبل الإسلام في موضع الشك لأنها لم تنقل بالأسانيد الصحيحة، بل كلها بين ناقلها وأصلها عشرات السنوات بل القرون. فكيف يكذب كلام الله وتصحح تلك الروايات البعيدة كل البعد عن الصحة والصدق؟. أم مادامت تخدم المشروع العلماني فهي صحيحة وصادقة؟ بينما إذا تعلق الأمر بما نقله المسلمون عن ربهم أو نبيهم فتلك أخبار مشكوك فيها دخلها الوضع والكذب. وفي كتابه الفكر الإسلامي (94) ذكر نموذجا آخر للقراءة السيميائية الدلالية لأية أخرى من سورة التوبة، صور فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - بطلا عربيا يستفيد من التناقضات الموجودة في البيئة العربية لتكريس سلطته من خلال خلق ما سماه العصبية المقدسة (103 - 105) وأن صراعه مع مخالفيه صراع إيديولوجي (104). وهكذا في تفاهات من هذا الشكيلة، كلها تدور على نزع صفة النبوة عن النبي والتعامل معه على أساس أنه قائد سياسي همه الصراع وتحقيق مآرب سياسية.

السنة

السنة إذا كان أغلب العلمانيين يشككون أو يطعنون في القرآن الكريم أو في بعض نصوصه وأحكامه فما بالك بالسنة النبوية؟. وعموما لا يعبأ العلمانيون بالسنة رأسا ولا يقيمون لها وزنا ولا يلتفتون إليها، ويشككون في نسبتها للنبي - صلى الله عليه وسلم - بما فيها أحاديث الصحيحين. بينما طاروا بحديث واحد أيما مطار، ونسبوه للنبي - صلى الله عليه وسلم - من غير تردد، وإن كان حديثا آحادا. ولم يشكك فيه واحد منهم مادام يخدم في نظرهم المشروع العلماني. ألا وهو حديث «أنتم أعلم بأمور دنياكم». حتى قال نصر أبو زيد: الدنيا التي كرر الرسول في أكثر من مناسبة أننا أدرى بشؤونها (¬1). مع أن له مناسبة واحدة لا غير، وهي قصة تأبير النخل. وهي مسألة داخلة في تقنية الزراعة، فلا علاقة لها بتحليل ولا تحريم، فأمور دنياكم التي في الحديث بحسب المنطق الطبيعي للأشياء يجب أن تفهم على ضوء ما دل عليه الحديث نفسه، لا أن نجتزئ من الحديث بعضه ونترك بعضه، من باب «ويل للمصلين». هذا ولم أعتن بتتبع أقوالهم في السنة النبوية، لأنهم مجمعون على التشكيك في نصوصها، وأنها غير جديرة بالاهتمام أو الاستدلال أو الاحتجاج، لكني اخترت عينات قليلة هي عنوان على غيرها: ¬

(¬1) الإمام الشافعي (

أكد عبد المجيد الشرفي أن علم الحديث فيه تعارض وتناقض ومجانبة للمعقول ومخالفة للتعاليم القرآنية، وهو ركيك التعبير، واعتراه الوضع، بل زاد وقال: إنه غير جدير بالثقة إلا بضروب من التأويل المتعسف (¬1). وشكك في صحة كل الروايات المنسوبة للنبي - صلى الله عليه وسلم - بما فيها البخاري ومسلم (¬2)، وأن التواتر لا قيمة له في إثبات صحة خبر ما (¬3). وقريب منه سيد القمني، فقد اعتبر السنة النبوية مادة للمعرفة وليست وسيلة للمعرفة (¬4)، وأن المسلمين اختلقوا أحاديث مكذوبة ونسبوها للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وزاد: بل وحازت تلك الأحاديث قدسية في المذهب السني ترفعها فوق القرآن كرامة وفعلا وقدسية (¬5)، وأن البخاري جمع الأحاديث في صحيحه وفق انشراحات مزاجية (¬6). هكذا يفتري الرجل بدون أدنى وجل. أما محمد أركون الذي يتحدث عن نبي الإسلام بعبارات مثل: تجربة محمد (¬7)، والسنة التي ابتكرها محمد (¬8)، فقد ذكر أن الوثائق التي يمتلكها تثبت أن أول استخدام لتعبير السنة لم يحصل إلا عام 80هـ/700م (¬9). وذلك من قبل ¬

(¬1) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (180). (¬2) نفس المرجع (111 - 112 - 113 - 114 - 159). (¬3) نفس المرجع (160). (¬4) شكرا ابن لادن (207). (¬5) انتكاسة المسلمين (15 - 16). (¬6) شكرا ابن لادن (251). (¬7) الفكر الإسلامي (22). (¬8) نفس المرجع (22). (¬9) أما الشرفي فزعم أنها تبلورت مع منتصف القرن الثاني. تحديث الفكر الإسلامي (37).

عمر بن عبد العزيز، وسوف يتم اجتياز خطوة أخرى مع الشافعي الذي فرض السنة بكونها مجموعة الأحاديث النبوية الصحيحة، وبصفتها المصدر الموضوعي الثاني أو الأصل الثاني للشريعة بعد القرآن (¬1). يريد أركون التشكيك في أصل السنة برمتها وأنه لم يعرف هذا المصطلح إلا في 80هـ. وأن أول من فرضها هو الشافعي. فالسنة حادثة بعد النبي ومفروضة. يخلص أركون من هذا إلى النتيجة التالية: هذا يعني أن جمع المعلومات والأخبار الخاصة بالقرآن والسيرة والحديث النبوي قد تم داخل مناخ ثقافي كانت فيه الأهداف الدنيوية (من شعر وتاريخ وسياسة ومغازي (أو حملات عسكرية) ووقائع اقتصادية ... ) في أهمية الأهداف الدينية نفسها. ونلاحظ أن الدولتين الأموية ثم العباسية كانتا بحاجة لهذه الأخبار من أجل تشكيل أرثوذكسية دينية وتشكيل تراث ثقافي ضروري لترسيخ شرعية السلطة الإسلامية والحفاظ على وحدتها (¬2). إذن فالسنة والسيرة صنيعة من قبل السلطة السياسية لترسيخ سلطتها. أما أبو زيد فهو على خطى أركون، فالسنة في نظره كانت فاقدة للمشروعية حتى جاء الشافعي فأسس لها مشروعية وقلده كل من جاء بعده. قال: من الواضح (عنده طبعا) أن السنة في عصر الشافعي كانت في حاجة إلى تأسيس مشروعيتها بوصفها مصدرا ثانيا من مصادر التشريع (¬3). ¬

(¬1) الفكر الإسلامي (22). (¬2) الفكر الإسلامي (22 - 23). (¬3) الإمام الشافعي (117).

والمقصود عنده بطاعة الرسول الواردة في القرآن مقرونة بطاعة الله هو طاعته فيما يبلغه من الوحي الإلهي، وليست السنة في نظر العلامة الهمام أبي زيد -الذي حكم قضاء مصر النزيه بردته- (¬1). ولا يستحق هذا الهراء الرد عليه لسقوطه كسقوط قائله. وأما هاشم صالح فله رأي مختلف، فهو يرى أن علماء الحديث يختلقون الأحاديث التي تناسبهم، قال: وهناك نقطة أخرى تلفت الانتباه وتكشف عن تاريخية الحديث النبوي ومدى ارتباطه بالظروف والحيثيات والحاجات. فمثلا نلاحظ أن البخاري يكرس بابا للأحاديث الخاصة بالجهاد ضد الأتراك، لأن المنطقة التي كان يعيش فيها كانت على حرب معهم. هذا في حين أن أبا داود يكرس فصلا للأحاديث التي تمجد فضائل الجهاد ضد البيزنطيين، لأن منطقته كانت على تماس معهم. وأما النسائي فيكرس فصلا للأحاديث الخاصة بالجهاد في الهند. وابن ماجة يكرس فصلا لفتح الديلم ... إلخ. وبالتالي فكل واحد يركز على الأحاديث التي تناسبه، وأكاد أقول يفبرك الأحاديث التي تلبي حاجات زمانه ومنطقته. وهذا أكبر دليل على تاريخية الحديث (¬2). وقريب منه ما أكده فرج فودة، قال رادا الاحتجاج بالسنة: إن عهد الرسول مرتبط به، وأنه لا يقوم حجة على اللاحقين (¬3). ¬

(¬1) الإمام الشافعي (1 (¬2) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (238). (¬3) حوار حول العلمانية (12).

والسنة في نظر العروي سبيلها التلاشي والانقراض (¬1)، وأنها ساعدت على إحياء طغيان كسرى وقيصر، وكذبت بتصرفها ما تردده بلسانها (¬2). والأمر بطاعة الله ورسوله عنده هو الأمر باتباع العقل والعدل (¬3). وبسبب الصراعات السياسية التي واكبت جمع الحديث أصبح -حسب طيب تيزيني- من المستحيل الوصول إلى النص الحديثي الأصلي (¬4). بل أصبح الحديث الصحيح في الحديث الموضوع كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود (¬5). هذه هي السنة النبوية باختصار شديد في نظر العلمانيين. ¬

(¬1) السنة والإصلاح (199 - 200 - 201). (¬2) السنة والإصلاح (203). (¬3) السنة والإصلاح (125). (¬4) النص القرآني (65). (¬5) النص القرآني (66).

النبوة

النبوة أغلب العلمانيين لا يعظمون النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يصلون عليه ولا يترضوا عن الصحابة كباقي المسلمين، مثل أركون وعبد الوهاب المؤدب وحسن حنفي وهاشم صالح وعزيز العظمة وعلي حرب وعبد الله العروي وطيب تيزيني وغيرهم. والقليل جدا منهم من يخالف هذا كمحمد سعيد العشماوي والقمني أحيانا، ولا أراه إلا من باب ذر الرماد في العيون أو ركوب الموجة واستغلال مرحلي للدين في انتظار انتهاز الفرصة المناسبة للقطيعة التامة مع النبي وطقوسه. وهذا منهج القمني قطعا لدلالات كثيرة ليس هذا محل بسطها، بل قد اعترف بذلك. ويتحاشى بعض العلمانيين التصريح بإنكار الوحي اعتبارا للأوضاع السائدة وخوفا من ردود الأفعال، وحتى عندما يطلق بعضهم لفظ الوحي في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - ففي الأغلب يقصدون معنى خاصا به، أو تماشيا مع اللغة الدينية لا غير. فطيب تيزيني مثلا يرى أن حقيقة الوحي هو صوت باطني يسمعه النبي - صلى الله عليه وسلم - من داخله نتيجة لعملية اختزان ذهني كبير عبر التردد على غار حراء. ولننقل عبارته بتمامها: وجدير بالذكر أن السنوات التي قضاها مترددا على غار حراء كانت هامة بالنسبة إلى تحقيق عملية اختزان ذهني كبير، أسهمت في بلورة شخصيته الثقافية عموما، وجعلت -من ثم- الانتقال إلى حلقة نوعية جديدة أمرا محتملا. وهذا ما قد يضعنا بحسب أصحاب التحليل النفسي وجها لوجه أمام ما يرونه من أن الصوت الذي يوحي للإنسان في حالة الاستغراق الروحي الذاتي، في اتباع طريق ما هو ظاهرة تتحدر من خافية الإنسان أو وعيه الباطن. مع الإضافة بأن هذه الخافية تكمن خارج حقل مراقبته المباشرة، مما يقود إلى أن الوحي الذي تلقاه محمد

(ومن قبله أنبياء التوراة بصورة خاصة) يرتد -وفق منطوق أولئك- إلى الخافية المذكورة التي فعلت فعلها المكثف على امتداد سنوات طويلة (على صعيد حياة محمد المفردة)، وطوال قرون (على صعيد حيوات الأنبياء المتتالين) وفي المحصلة يظهر الوحي بمثابته كلمة الله الممتدة عبر تلك القرون ومن ثم عبر حيوات أولئك الأنبياء (¬1). إذن لايعدو الوحي أن يكون حديثا باطنيا تفاعل عبر تجارب معينة وتاريخ معين. أمَّا أن الله أرسل ملكا اسمه جبريل بوحي منه إلى رسله لهداية خلقه، فتلك خرافة تجاوزها العلم الحديث في رأي العلمانيين. فنحن إذن أمام عداء سافر للدين ولأساسه، وليس كما ينعق من لا يفهم أن العلمانية هي فصل الدين عن الدولة، بل هي إقصاء للدين وإبطال له. وكل العقائد حول المصير والمآل، ويوم الحساب، وغيرها التي جاء بها النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ما هي إلا تبلور لمفاهيم تراكمت وتكثفت عبر مراحل معينة كما يقرر تيزيني (¬2). ولهذا فهو يتحدث في كتابه الضخم «مقدمات أولية في الإسلام المحمدي الباكر» عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كزعيم سياسي ومعلم ديني وصاحب مشروع، لا بوصفه رسولا موحى إليه بوحي من عند الله ويتحاشى الحديث عن هذا الجانب بمرة، فهذه ميتافيزيقا خرافية يرفضهما نظر الماركسي العتيد. وتحدث تيزيني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بكونه مثقفا مطلعا كبيرا على الأديان والأفكار ¬

(¬1) مقدمات أولية (535). (¬2) نفس المرجع.

الدينية الأخرى (¬1). ووصفه كذلك بكونه أستاذا محاضرا من طراز مرموق (¬2). هكذا يقول!!. وينظر أركون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بصفته بشرا عاديا تماما، تاريخيا حسب عبارته، ولكن السيرة النبوية والأجيال المتعاقبة حولته إلى صورة أسطورية، فذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تحول بشكل تدريجي إلى شخصية رمزية مثالية فوق تاريخية عن طريق عمليات التحوير والتضخيم الأسطوري الذي قامت به السيرة النبوية لابن إسحاق وابن هشام (¬3). وذكر أركون أن ابن إسحاق ضخَّم سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وذكر الجاهلية مُمَوهة أو مُقدَمة بشكل سلبي لكي تظهر عظمة الإسلام وحقيقته بشكل أنصع وأوضح (¬4). كأنه يريد منه أن يبجل الجاهلية ويذم الإسلام ونبيه. وقد أكثر أركون الطعن في السيرة النبوية لابن هشام، ولما جاء ذكر كتب المستشرقين التي تعرضت لحياة النبي - صلى الله عليه وسلم - أثنى عليها ووصفها بأنها أبحاث جديدة وغزيرة ومبتكرة، ثم وصفها بالعلمية والأبحاث الريادية، إلى آخر كلامه (¬5). وفي كتاب آخر له حدثنا أركون أن التاريخ النفسي أو الخيالي للبيئات الاجتماعية المختلفة ساهمت في تحويل شخصية محمد التاريخية إلى شخصية ¬

(¬1) مقدمات أولية (410). (¬2) مقدمات أولية (411). (¬3) نحو نقد العقل الإسلامي (78). (¬4) نحو نقد العقل الإسلامي (113). (¬5) نفس المرجع (113). وانظر (151) منه.

رمزية مثالية عليا تتجاوز معطيات الواقع والتاريخ أي: الانتقال من مرحلة محمد الحقيقي أو التاريخي إلى مرحلة محمد المثالي الذي يتجاوز التاريخ. ثم أصبحت هذه الصورة الأسطورية المضخمة التي شكلتها الأجيال المتتالية من المسلمين تحجب عنا الصورة الحقيقية أو التاريخية (¬1). أي: محمد الحقيقي بشر كباقي البشر، فقامت الأجيال المتتابعة بصنع هالة ضخمة عليه، أي: كونه نبيا يأتيه الوحي من السماء، وله معجزات أي: أشياء خارقة للعادة ويتصف بصفات عالية ... إلخ فهذه أشياء صنعها التاريخ. في حين يرى نصر أبو زيد أن النبوة مجرد تخيل، قال: فإن الأنبياء والشعراء والعارفين قادرون دون غيرهم على استخدام فاعلية المخيلة في اليقظة والنوم على السواء (¬2). وسوّى بين حالة الوحي والرؤية المنامية (¬3)، ليخلص إلى النتيجة التالية: وفي ظل هذا التصور لا تكون النبوة ظاهرة فوقية مفارقة، بل تصبح ظاهرة قابلة للفهم والاستيعاب (¬4). وهكذا يرى محمد أركون أن الوحي بل الدين كله مجرد أشياء متخيلة تحولت مع مرور الزمن إلى مقدسات. وبيّن أركون أن «جورج دوبي» و «كاستر ياديس» قد بينا دور الخيال (أو المخيال) في تأسيس نظام معين ورؤية معينة ترسخان كالإسمنت المسلح وحدة ¬

(¬1) قضايا في نقد العقل الديني (145). (¬2) مفهوم النص (49). (¬3) مفهوم النص (51). (¬4) مفهوم النص (52).

جماعية بشرية محددة أو شعب أو أمة. إن الخيال إذ يتلقى كل التصورات والدلالات الشغالة ذهنيا على الرغم من أنها ليست محسوسة أو واقعية، وليست من نمط عقلي منتظم، أقول: إذ يتلقى ذلك يبدو أكثر واقعية من الواقع لأنه يحرك الممارسات الفردية والجماعية الحاسمة (¬1). وبيّن أن مقولات مثل الخير/الشر، الصحيح/الخطأ، المؤمن/الكافر، وغيرها ما هي إلا أشياء مرتبطة بالخيال لا غير. ثم أردف قائلا: ينبغي إعداة النظر في كل العلوم الدينية الناجزة في الإسلام ضمن هذا الاتجاه لتبيان نشأتها ومكانتها. وهذا هو المشروع الذي انخرطت فيه عندما تحدثت عن نقد العقل الإسلامي (¬2). ثم ذكر مثالا لما يستحق إعادة القراءة هو سيرة محمد حسب تعبيره، مستنجدا بنظرية الخيال عند المستشرقين ودورها في تشكل الأديان والعقائد والمقدسات، نقتصر على قوله: في الواقع إن الجزء الخرافي من سيرة النبي هو الأكثر إضاءة وأهمية. ثم ذكر السمات الرئيسة لإعادة القراءة هذه، نقتصر منها على التالي: فن القصص أو أسلوب السرد مأخوذ كموقع (أو كوسيلة) لإنتاج كل دلالة تغذي الخيال بشكل خاص، أقصد بذلك سيميائية القص والإخراج المسرحي للحكاية ونسج حبكة من الأحداث الواقعية من أجل تشكيل رؤيا معينة أو تقوية بعض العقائد أو إعلاء قيم معينة أو تحوير الماضي من أجل دمجه في النظام الجديد ¬

(¬1) الفكر الإسلامي (75). (¬2) الفكر الإسلامي (75).

للعقائد والممارسات التاريخية. وهذا ما فعلته السيرة النبوية بعد القرآن بالنسبة للجاهلية (¬1). والنبي - صلى الله عليه وسلم - في نظر أركون إنما قلد نموذجا نبويا راسخا في ذاكرة شعوب الشرق الوسط قال: ولكن هذه التجربة تصبح ضمن المنظور الانتربولوجي الواسع الذي نتبناه عبارة عن تقليد محاكاتي للنموذج النبوي المحفوظ في ذاكرة شعوب الشرق الأوسط القديم، ولكن بعد إرفاقه ببعض التعديلات الملائمة واللازمة لكي تتناسب مع الوسط العربي (¬2). فالنبي - صلى الله عليه وسلم - ليس إلا مقلدا يحاكي من تقدمه. وحسب حسن حنفي لا يجوز تصديق الأنبياء في الأمور النظرية لأنهم جهلوا أشياء كثيرة، وكثير من أقوالهم تناقض العلم (¬3). بل لا يجوز عنده تصديقهم في غاية الوحي وجوهره (¬4). والوحي المكتوب عند حسن حنفي قابل للتغيير والتبديل، وخاضع للتحريف والتزييف (¬5). وقال إلياس قويسم: فالنبوة عنده (أي: أبو زيد) ليست شيئا مفارقا لقوانين المادة والطبيعة والواقع، كما يعتقد السلفي، إنما هي درجة عالية من درجات الخيال الناشئة عن قوة المُخيلة الإنسانية ... (¬6) ¬

(¬1) الفكر الإسلامي (76). (¬2) نحو نقد العقل الإسلامي (1 (¬3) مقدمته لرسالة إسبينوزا: في اللاهوت والسياسة (50). (¬4) نفس المرجع (51). (¬5) نفس المرجع (73). (¬6) تشتت النص القرآني، نسخة رقمية.

لم ينفع الأنبياء بشيء

وقال: بهذا المعنى تصبح النبوة ومن وراءها الوحي ظاهرة ثقافية-بشرية تستمد شرعيتها من الموروث المترسخ في المخيال الجمعي للمجتمع الذي ظهرت فيه، لا كما يعتقد الخطاب السلفي أنها ظاهرة مفارقة للوجود التاريخي ... (¬1) أي: النبوة والوحي لا علاقة لهما بقوى علوية كما يعتقد الخطاب الديني، بل هي نابعة من الأرض استنادا للموروث المترسخ في المخيال الجمعي للمجتمعات العربية. وزاد مؤكدا: انطلاقا من إنزال ظاهرة الوحي من تعاليها إلى أرض الواقع، يصبح الفارق بين النبي والكاهن والشاعر فارق في الدرجة لا في النوع (¬2). يريد أبو زيد رفع الصبغة الإلهية عن الوحي وربطه بأنساق مادية تاريخية واقعية. وقال: نجد أن نصر حامد من خلال السيميوطيقا ينظر إلى البعد الأول «الوحي» على أنه تجربة إنسانية، وأنه مجموعة من العناصر تتآلف وتتسق طبقا لقوانين منضبطة ... (¬3) لم ينفع الأنبياء بشيء. قال القمني في أهل الدين والديمقراطية (32): يبدو أن سيدي الشيخ زغلول (أي: النجار) ورفاقه لا يلتفتون إلى أن كل معجزات الأنبياء السابقين لم تخدم البشرية في شيء، فالريح التي سخرها الله لحمل بساط الريح السليماني لم تخدم البشرية في شيء. وجن سليمان بكل حشدهم لم يقوموا بإنتاج مَصْل مضاد ¬

(¬1) نفس المرجع. (¬2) نفس المرجع. (¬3) تشتت النص القرآني. نسخة رقمية.

بل أضر الأنبياء بالبشرية

لأي مرض، ولم يطوروا إنتاج النبات والحيوان لإطعام مزيد من الأفواه الجائعة كما فعل العلم، ولم يقيموا مصنعا للطائرات في وجود بساط الريح، بل إنهم لم يقيموا لسليمان نفسه صروحا شاهدة كما لرمسيس وخوفو وأمنحتب، ولم يقم المسيح بتعليم تلاميذه كيفية شفاء المرضى حتى يتم تعميمها للحد من آلام البشر توفيرا لوقت طويل استغرق ألفي سنة بعده. بهذا الأسلوب التهكمي يتحدث القمني عن أنبياء الله تعالى. بل أضر الأنبياء بالبشرية. هكذا يقول حسن حنفي، وهذه عبارته: دفع الأنبياء الناس إلى التطرف بدلا من تقويمهم، في حين استطاع الملوك استمالتهم دون أدنى مقاومة، لم يتسامح الأنبياء معهم حتى مع أكثر الملوك إيمانا إذا كان سلوكهم مناقضا للدين، أي أن الأنبياء أضروا بالدين أكثر مما نفعوه (¬1). فالملوك أرحم بالعباد من الأنبياء في نظره!!!، ولم تجن البشرية من الأنبياء إلا الضرر، بل الضرر الكثير!!!. هكذا يقول حبر كبير من أحبار العلمانيين!!!. النبي محمد زعيم حزب سياسي هاشمي. هكذا يصور القمني النبي - صلى الله عليه وسلم - في كتابه «الحزب الهاشمي» لنتابع معه القصة من أولها وإن طال بنا المقام. حسب القمني نظرا للأوضاع القبلية التي كانت تحكم الجزيرة العربية لم يوجد إمكان لنشوء ملك أو زعامة سياسية واحدة نظرا للطابع القبلي لها. فلهذا لما أراد بعض زعماء العرب تحقيق حلمهم الوحدوي رأوا أنه لا يمكن أن يتم لهم ¬

(¬1) مقدمته لرسالة إسبينوزا: في اللاهوت والسياسة (96).

أمر إلا بنبي مثل داود. وعندما وصلوا إلى هذا فشا الأمر بسرعة هائلة بين العرب وأخذوا يسعون للتوطئة للعظيم اللآتي (¬1). وماذا عن الكعبة والحجر الأسود؟ يجيب القمني تحت فقرة كعبات أن العرب كان البناء المكعب (الكعبة) هو الشكل المعماري المفضل لبيوت أرباب الجاهلية، فكانت كل قبيلة تتخذ لها كعبة لذلك، ويجعل فيها الحجر الأسود، وهي أحجار بركانية أو نيزكية كانت العرب نظرا لشكلها وغرابتها تظن أنها قادمة من عالمم غيبي مجهول. والحجر النيزكي كان أكثر جلالا لكونه كان يصل الأرض وسط مظاهر احتفالية سماوية تخلب لب البدوي المبهور، فهو يهبط بسرعة فائقة محتكا بغلاف الأرض الغازي، فيشتعل مضيئا ومخلفا وراءه ذيلا هائلا، لذلك كان هول رؤيته في التصور الجاهلي دافعا لحسبانه ساقطا من عرش الآلهة في السماء، حاملا معه ضياء هذا المكان النوراني، ثم كان طبيعيا أن يحاط بالتكريم والتبجيل (¬2). هكذا يصور القمني العربي وكأنه كان يعلم بحقيقة الأحجار النيزكية، مع أن رؤيتها مباشرة أمر جد ناذر بل متعذر على أغلب الناس. ولكنه يحاول نسج المسرحية بتمامها. ومع تعدد هذه الأحجار القادمة من الأرض أو من السماء تعددت الكعبات، وسميت بيوت الله، وهكذا كان للكعبة المكية حجرها الأسود الذي يظن أنه قادم من السماء (¬3). ¬

(¬1) الحزب الهاشمي (54). (¬2) نفس المصدر (65). (¬3) نفس المصدر (66).

فساعد هذا التفرق العقائدي في زيادة الفرقة القبلية بحيث أصبح عائقا في سبيل توحيد العرب، إضافة للطابع القبلي الذي ينفر من فكرة سياسية واحدة (¬1). لكن استطاع المكيون نظرا لتسامحهم الديني كما يقول القمني استضافة باقي الأرباب في كعبتهم، لتضمحل بعد ذلك باقي الكعبات لكعبة مكية واحدة (¬2). ثم جاءت حادثة الفيل لترتفع بها أسهم المكيين وكعبتهم (¬3). وأسس قصي دار الندوة مكانا للاجتماعات السياسية، وحلت الندوة محل الديمقراطية البدوية (¬4). فلما مات قصي خلفه ولده عبد الدار، فغضب أخوه عبد مناف فتوارث الأحفاد هذه الأحقاد (¬5). ليقوموا بعدها باقتسام السلطة: السقاية والرفادة والقيادة لبني عبد مناف، والحجابة واللواء لبني عبد الدار، ودار الندوة بينهم بالاشتراك (¬6). ثم استقرت ألوية السيادة بعد ذلك في بيت عبد الدار عند هاشم الذي استطاع بكرمه وسياسته تقوية الحزب الهاشمي، وبموته تولى أخوه المطلب، ليموت بعد زمن يسير ليتولى قيادة الحزب عبد المطلب (¬7). وكان عبد المطلب ذا وعي سياسي وحس قومي مما دفعه إلى وضع ¬

(¬1) نفس المصدر. (¬2) نفس المصدر (74). (¬3) نفس المصدر (81). (¬4) نفس المصدر (82). (¬5) نفس المصدر (89). (¬6) نفس المصدر (¬7) نفس المصدر (97 - 98).

إيديولوجيا متكاملة لتحقيق أهداف حزبه، كما يقول القمني (¬1). وهكذا استمر القمني في فبركة هذه المسرحية، ليخبرنا أن هذه الإيديولوجيا الهاشمية تقوم على أساس فهم جديد للاعتقاد أي: التوجه نحو إله واحد ورفض الوسائط والشفاعات (¬2). ثم قام عبد المطلب سعيا لتقوية حزبه بحفر بئر زمزم بأمر غيبي في حلم ليستقطب القبائل العربية وجذبا للقوافل التجارية (¬3). إنه الاقتصاد ولاشيء غير الاقتصاد. تبدو المفاهيم الماركسية حاضرة بقوة في تحليلات القمني: وسائل الإنتاج، المجتمع البدائي، المجتمع الطبقي، الإيديولوجيا، السيطرة على الاقتصاد. إنه التحليل الماركسي للنبوة. ثم زاد القمني أن عبد المطلب كان مؤسسا لملة واعتقاد، ودعا الناس إلى الحنيفية ملة إبراهيم، وتبرأ من أرجاس الجاهلية، وأنه كان يصعد إلى حراء متحنفا وأنه حرم على نفسه الخمر وكل ضروب الفسق، وأنه كان حاثا على مكارم الأخلاق، داعيا الناس لاتباعه، مؤمنا بالبعث والحساب والخلود (¬4). لاحظ كيف يحاول المطابقة بين عقائد الإسلام وعباداته وبين عقائد عبد المطلب، ليقول لنا: إن النبي لم يعدو أن يكون مؤسسا ثانيا للحزب الهاشمي الذي وضع نظريته وإيديولوجيته عبد المطلب. ¬

(¬1) نفس المصدر (99). (¬2) نفس المصدر (99). (¬3) نفس المصدر (100). (¬4) نفس المصدر (100 - 101).

ثم زاد القمني أن عبد المطلب كان ينظر إليه في العرب بمثابة من يأتيه خبر السماء (¬1). وهكذا تنجز المسرحية بإحكام. وانضم لهذا الحزب مجموعة من الحنفاء على رأسهم: زيد بن عمرو بن نفيل وأمية بن عبد الله بن أبي الصلت، وأحسوا أنه لابد لهم من ديانة تكون رمزا لقوميتهم، ديانة تعبر عن روح العروبة وتكون عنوانا لها حسبما يؤكد القمني (¬2). ثم أخذ هؤلاء الحنفاء يتنافسون في الترفع عن صغائر الأفعال، لتتحول فيما بعد إلى محرمات (¬3). فليس الأمر كما يزعم المسلمون: الله بعث نبيا وفرض عليه فرائض وحرم محرمات، إنه إيديولوجيا الحزب الهاشمي لا غير. فلما جاء النبي محمد أخذ يتبع خطى جده عبد المطلب في الذهاب إلى غار حراء (¬4). وكان للنبي - صلى الله عليه وسلم - هدف سياسي وتكتيك إيديولوجي، فقام بتأليب العبيد على أسيادهم ووعدهم بكنوز كسرى وقيصر (¬5). وتعاطف مع أصحاب الأخذوذ اليمنيين مع كونهم مسيحيين مضطهدين لأن اليمن أخطر محطة تجارية على خطوط العالم القديم. وزاد: ثم أبدى تعاطفه مع الروم بحسبانهم امتدادا طبيعيا للخط التجاري المكي (¬6). فالاقتصاد ووسائل الإنتاج وراء كل المشروع المحمدي. ¬

(¬1) نفس المصدر (102). (¬2) نفس المصدر (116). (¬3) نفس المصدر (117). (¬4) نفس المصدر (132). (¬5) نفس المصدر (134). (¬6) نفس المصدر (149).

وجزم في خفة وتهور لا يحسد عليهما: فالأمر كان نزعة قومية واضحة ترتبط بمصالح اقتصادية أشد وضوحا (¬1). ثم أردف القمني مبينا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن مجرد مقلد لجده، ونستسمح القارئ الكريم في نقل القمامة التالية، رغم رائحتها الكريهة جدا الباعثة على الغثيان. قال: المهم أن الأحداث تتابعت في مكة واستمرت المنعة الهاشمية للنبي - صلى الله عليه وسلم - الذي اتبع خطى جده -كما اتبع خطواته إلى حراء من قبل- وأعلن أنه نبي الفطرة الحنفية التي نادى بها الأولون السابقون، ونادى بها عبد المطلب، ومثلما أتي جده الرئي وغته ثلاثا ليحفر زمزم فقد أتاه جبريل وغته ثلاثا، وكما اهتم عبد المطلب بتأكيد التحالف مع الأخوال من أهل الحرب في يثرب، اهتم حفيده أيضا بالأمر ... إلى أن قال: في الوقت الذي كان فيه لجده عبد المطلب مكانة خاصة وأثر لا يمحى من نفسه، تبرره حميته القتالية عند المعارك التي كانت تدعوه لأن يهتف: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب، كأني به ينادي طيف جده: أي: جدي، ها أنذا أحقق حلمك (¬2). أي: في إنشاء الدولة الهاشمية. في كتابة الآخر «حروب دولة الرسول» ذكر القمني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهض بإتمام التطور العربي إلى نهاية نضجه لصالح الطبقة التجارية (¬3). أو ما سماه قبل هذا الطبقة الارستقراطية التي ركزت التجارة ورشوة القبائل الأخرى عن طريق الإيلاء واستضافة أرباب القبائل. ¬

(¬1) نفس المصدر (149). (¬2) الحزب الهاشمي (151). (¬3) حروب دولة الرسول (24).

فلما جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أتم المهمة، لكن بشكل أكثر توسعا، ليشمل التوحيد العرب جميعا. وانطلاقا من صنمه المعبود التفسير الديالكتيكي للتاريخ فإن الأمر لا يعدو في نظره عن صراع طبقي على الثروة والسيطرة، فلما جاء النبي اليتيم الفقير الكادح، كما عبر القمني قاد الثورة. والذي عمل راعيا ثم تاجرا لأثرياء مكة، الذي هو بحسب الأدبيات الماركسية من الطبقة الكادحة: البروليتاريا، التي ستقوم بالثورة للإطاحة بالبرجوازية المكية. وذكر بعدها -وفاء لنبيه ماركس- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توجه نحو المستضعفين، وهم دوما مادة الانتقال الثوري، إلى امتلاك كنوز كسرى وقيصر (¬1). كما قام النبي بتكثيف هجومه على الطبقة البرجوازية المكية لكنزها المال واستغلالها للطبقة الضعيفة الكادحة عن طريق أكل الربا وأكل أموال اليتامى والمساكين واحتكار مواد المعيشة (¬2). فكل شيء دائر على الاقتصاد، ولاشيء غير الاقتصاد والمال والثروة والسيطرة على وسائل الإنتاج لتحقيق أهداف سياسية. على الأقل هكذا قال ماركس ومريده القمني. ثم وعد النبي الطبقة المستضعفة الكادحة بميراث الطبقة البرجوازية حسب القمني مستشهدا بقوله تعالى: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ} القصص5. وهذا هو السبب في نظره الذي جعل هؤلاء المستضعفين يتتابعون في الدخول ¬

(¬1) نفس المرجع (29). (¬2) نفس المرجع (29).

للدين الجديد (¬1). فليس إيمانا بالله والمحبة لطاعته هي السبب بل الأهداف الاقتصادية والسياسية. وأما هجرة الرسول إلى المدينة واستقبال أهل المدينة له، فله في التحليلات القمامية نظر آخر: فليس الأمر دعوة ورجال آمنوا بدعوة فاستقبلوا نبيهم لنصرة الدين والنبي - صلى الله عليه وسلم -، تأمل ما يقوله القمني: ومن هنا كان التحالف بالمصاهرة بين الخزرج والهاشميين، ثم استقبال الخزرج لابن أختهم الهاشمي وصحبه، ردا لجرح تؤججه ذكرى معبس ومضرس واستشفاء نفسيا، واستجلابا لوضع أهملته قريش، وأسقطته من حسابات الإيلاف، واستشرافا لوعد نبوي استقبله الوعي اليثربي النفاذ بوحدة تلم الشمل، لتقف يثرب كمنافس له شأن أمام الملأ المكي، وربما كعاصمة لدولة كبرى مع مداولة الأيام (¬2). فالأنصار إنما نصروا النبي انتقاما سياسيا فقط من غرائمهم بمكة، وبحثا عن وحدة قومية عربية عاصمتها المدينة. هذا عن المستقبلين للدعوة، وماذا عن صاحب الدعوة نفسها؟ ماهي دوافعه الحقيقية للهجرة؟ أو ما هو التفسير الماركسي للهجرة؟ كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في نظر القمني يطمح إلى إيجاد بيئة فيها اكتفاء ذاتي مائي غذائي. أي: المسألة الاقتصادية دائما تطاردنا. وكانت يثرب المكان المناسب لاحترافهم للزراعة، زيادة على خبرتهم الحربية وقدرتهم على صناعة الأسلحة. فلهذا اختار النبي - صلى الله عليه وسلم - يثرب (¬3). ¬

(¬1) نفس المرجع (30). (¬2) نفس المرجع (32). (¬3) نفس المرجع (32 - 33).

لا لأن الأنصار آمنوا بالدعوة إيمانا خالصا لله دون أية أهداف سياسية، فوجد النبي - صلى الله عليه وسلم - البيئة المناسبة لنشر دعوته وهروبا من القمع المكي. وأما عن موقف النبي - صلى الله عليه وسلم - من اليهود فالأمر لا يعدو أن يكون تكتيكا سياسيا لكسب وُد اليهود فقط، ولهذا كان في حاجة إلى أن يكسبهم سياسيا فجاءت الآيات تتحدث عن التاريخ السياسي لليهود، ومكانتهم في التاريخ الديني (من نوح إلى إبراهيم وإسحاق ويوسف وموسى ... إلخ) بصياغة تكريمية عظيمة، كما يقول القمني (¬1). زد على هذا احترام التوراة اليهودية واحترام التفاصيل التراثية كالثابوت وكتابة الألواح لموسى، ثم الموقف العملي للنبي عند وصوله يثرب، حيث استقبل قبلة اليهود، بل وصام الغفران، وعقد الصحيفة مع اليهود (¬2). ¬

(¬1) نفس المرجع (36). (¬2) نفس المرجع (36).

والإسلام ليس إلا نسخة معدلة من اليهودية والنصرانية، خطط لها مسيحيون وحنفاء

والإسلام ليس إلا نسخة معدلة من اليهودية والنصرانية، خطط لها مسيحيون وحنفاء: هذا ما حاول التأكيد عليه مجموعة من العلمانيين، على رأسهم القمني، وبشكل أكثر عمقا طيب تيزيني في كتابه «مقدمات أولية في الإسلام المحمدي الباكر». وقد تقدم معنا حديث طويل عن هذه المسألة في مبحث «أصل الدين والإسلام» فقرة: «الإسلام ليس إلا عقائد يهودية ومسيحية وجاهلية وإغريقية، ألفها محمد وجمع بينها في إخراج من نوع خاص». ونضيف هنا تأكيدات علمانية أخرى على نفس الموضوع. وقد استند تيزيني إلى مجموعة من الأخبار في التواريخ أغلبها لا يصح، ولكن لجهلهم بأصول نقد الأخبار الحديثي لا يميزون بين ما صح من عدمه، ولهذا تعين علي إفراد هذه المسألة برسالة مستقلة تحت عنوان: الأخبار الواردة في الحنفاء: دراسة نقدية. والغريب هنا حقا أن العلمانيين يكيلون بمكيالين: فإذا تعلق الأمر بأحاديث البخاري ومسلم المجمع على صحتها والمتلقاة بالقبول وقفوا منها موقف التشكيك والتكذيب، وإذا تعلق الأمر بأخبار لا سند لها ولا مصداقية لها طاروا بها فرحا وأشاعوها كما لو كانت نصوصا ثابتة مقطوعا بها مادامت تخدم أغراضهم الإيديولوجية. فطيب تيزيني مثلا أيُّ نص وجده يخدم مشروعه في أيّ كتاب كان ولو كان مشهورا برواية الأخبار الباطلة والساقطة، فلا يتردد في الإشادة به والتأكيد على أهميته، وكأنه عثر على كنز ثمين وصيد مكين.

يجزم تيزيني بدون خجل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان متأثرا بقوة في مراحل حياته باليهودية والمسيحية وربما كذلك بالزرداتشية، وأعلن في مرحلة النضج قطيعة معها، إلا أنها قطيعة نسبية (¬1). أما الحنفاء مثل ورقة بن نوفل وزيد بن عمرو بن نفيل وغيرهم، فقد ذكر أن محمدا (حسب تعبيره) انتفع كثيرا بالحنفاء، بل قال عن ورقة: المعلم الأول الذي أضاء له الطريق وفك له أسرار الوحي (¬2)، وقدم إليه من الحوافز الأخلاقية المعنوية ما جعله يثبت (¬3). وبيَّن قبل أن الوثنية وُجه لها نقد إيديولوجي من قبل أناس ليسوا بأقل شهرة من محمد (¬4). يريد تيزيني أن يبرهن لنا أن النبي لم يأت بكبير جديد، إنما استثمر مواقف فكرية إيديولوجية كانت سائدة في زمانه، بل الأكثر من هذا فالنبي محمد يمثل إيديولوجية كانت متواجدة قبل بزمان، بل إن الحنفاء كورقة ونحوه هم المصدر المركزي والهام للإسلام المحمدي. أو بلغة الماركسيين: الإسلام هو إيديولوجية تقدمية انبثقت من الوضع الاقتصادي الاجتماعي للجزيرة عبر تطور وصراع طبقي معين. لنستمع لتيزيني: ذلك لأن ورقة ... كان بالنسبة إلى النبي المنتظر أكثر من مجرد شخصية دينية نقدية وإصلاحية رافقته في بعض سني حياته في مكة. لقد كان ¬

(¬1) مقدمات أولية (424). (¬2) ولا تظنن أنه يؤمن بالوحي، فقد تقدم عنه أن الوحي حديث باطني ليس إلا. (¬3) مقدمات أولية (260). (¬4) مقدمات أولية (259).

-بما مثّله من آراء وتصورات ومواقف- المصدر أو أحد أهم المصادر وأحسمها ذهنيا (إيديولوجيا) للشخصية المحمدية. إلى أن قال: يمكن القول بترجيح قوي مشدد بأن العلاقة بينهما (أي: النبي وورقة) كانت مبنية على أسس إيديولوجية عقيدية، مهدت لها وقادت إليها رابطة مصاهرة نمت وأحيطت بالرعاية والاهتمام على نحو مخطط ومقصود وناجح (¬1). ثم يستمر تيزيني ليبين لنا أن ورقة النصراني وخديجة هما اللذان خططا ودبرا لوجود الإسلام، قال بعد تأكيده على نصرانية ورقة وعلاقاته باليهودية، وانتشار آلاف النصارى العرب وآلاف الرهبان والقسيسين ومئات الكنائس والأديرة العربية في الجزيرة: ونحن في هذا السياق نميل إلى ترجيح أن ورقة وخديجة مثلا نقطتين حاسمتين في تكوين الشخصية المحمدية: باستدراجها محمدا الشاب -عبر تعيينه مدير أعمال لتجارتها ثم الزواج به- إلى دائرة الفكر النوفلي، وابن نوفل في فتح قلبه وعقله له وتقديم العون له بوسائله الممكنة ... إلى أن قال: بيد أنه يبدو أن دائرة معارف خديجة من النصارى كانت واسعة ومتنوعة في مكة (¬2). إذن فالإسلام ذو أصول نصرانية، بل هو نسخة نصرانية معدلة. مع أننا نقطع الطريق على تيزيني منذ البداية فنقول له: اثبت العرش ثم انقش، اثبت صحة الأخبار التي تستند إليها في استنتاجاتك ثم استنتج. ثم يمضي باحثنا ¬

(¬1) مقدمات أولية (2 (¬2) نفس المرجع (270).

المغوار في تحليلاته فيقول: إن النوافلة هم الذين استشرفوا نبوة محمد (أمُّ قتال أخت ورقة)، وهم الذين هيؤوا لها ورافقوها وأظهروا أسرارها لصاحبها، وهم الذين آمنوا بها ودافعوا عنها وأحاطوا صاحبها بالحماية المعنوية والمادية (خديجة)، وهم الذين ظلوا أوفياء لها في مراحل انتصارها وعزها (أم ورقة) ... (¬1) يلغي تيزيني أيّ اعتبارات غيبية من طرحه، أي: كونه - صلى الله عليه وسلم - نبيا مرسلا من عند الله. فلا يعدو محمد في نظره أن يكون صنيعة نصرانية بامتياز. وخديجة لم تكن إلا وسيطا عند هؤلاء (¬2). ويزيد مؤكدا أن العلاقة بين خديجة والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم تكن علاقة حب عاطفي أو زواج عادي، بل كان شيئا مخططا له من قبل ورقة بن نوفل ونسطاس النصرانيين، وإن مراقبة محمد استمرت 15 سنة منذ عودته من الشام تمت فيها عملية تأهيله الثقافي الديني اللازمة. وإذا، إذا أسفر الموقف عن هذه الوضعية العمومية لم لا تكون خديجة بنت عم ورقة قد هُيئت هي بدورها للقيام بمهمة الزوجة لمحمد أو بتعبيرها أمرت بذلك؟ (¬3). وتكلم تيزيني بكلام طويل حول تأثر النبي - صلى الله عليه وسلم - بنصارى زمانه وخاصة الفرقة النسطورية والعلاقات التي كانت تربطه بهم (¬4). في جهد حثيث لإحياء اتهامات كفار قريش {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ}. وأكد تيزيني على جملة ¬

(¬1) نفس المرجع (272). (¬2) نفس المرجع (273). (¬3) نفس المرجع (274). (¬4) نفس المرجع (283).

أمور من بينها: إن الإسلام في بواكيره الأولى مثَّل تواصلا مع النصرانية (¬1) وارتباطا عقائديا وسياسيا وعسكريا معها (¬2). واعتبر النبي - صلى الله عليه وسلم - تلميذا لورقة بن نوفل النصراني (¬3). وقال: أما ورقة بن نوفل فقد يكون الشخصية الأكثر تأثيرا وحسما في حياة النبي الجديد (¬4). وقال: وإذا ما استبقينا ورقة بمثابته القس الضليع والذي تتلمذ محمد على يديه في طور التلمذة (¬5). وقال عن ورقة وقس بن ساعدة: إذا كنا حتى الآن قد تعرفنا إلى شخصيتين انتمتا بوضوح كاف إلى النصرانية الحنيفية، وأسهمتا على نحو مباشر في بلورة الشخصية الذهنية الدينية للفتى محمد (¬6). وقال عن ورقة وزيد بن عمرو بن نفيل: إن هذين الرجلين أثرا تأثيرا عميقا ومباشرا وصريحا في تكوين الشخصية الثقافية الاعتقادية المحمدية إلى درجة لا يمكن غض النظر عنها منهجيا نظريا وتاريخيا (¬7). وقال عن أمية بن أبي الصلت وورقة وزيد بن عمرو بن نفيل: فهؤلاء جميعا كونوا قاعا تاريخيا عميقا للحركة الإسلامية المحمدية، كما أسهموا في ضبط إيقاعها على نحو أولي (¬8). وقال: إن محمدا يمثل الوريث الشرعي الأكثر حزما ووضوحا لرواد ¬

(¬1) نفس المرجع (287). (¬2) نفس المرجع (289). (¬3) نفس المرجع (340). (¬4) نفس المرجع (317). (¬5) نفس المرجع (522). (¬6) نفس المرجع (351). (¬7) نفس المرجع (357). (¬8) نفس المرجع (377).

الحنيفية النصرانية الكبار والصغار، والمشهورين والمغمورين، الذين كان الحجاز يعج بهم في النصف الثاني من القرن السادس ومطالع القرن السابع على الأقل (¬1). وقال عن مواعظ النصارى مثل قس بن ساعدة، فمثل هذه المواعظ كانت تترك أثرا عميقا في شخصية محمد، خصوصا وأنها تمحورت حول التحذير من يوم الحساب، بأهواله على المذنبين وبمتعه على المؤمنين، كما تمحورت حول جهنم والجنة والصراط ... إلخ (¬2). بل الأكثر من كل ما تقدم فقد جزم تيزيني في خفة لا يحسد عليها بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في بداية أمره وإلى فترة تالية نصرانيا حنيفيا (¬3). وبعد صفحتين أكد على أنه تأثر بالتلمود أي: باليهودية وخصوصا في مسألة تعدد الزوجات والطلاق (¬4). ¬

(¬1) نفس المرجع (375 - 376). (¬2) نفس المرجع (588). (¬3) نفس المرجع (3 (¬4) نفس المرجع (329).

طعون حقيرة في النبي - صلى الله عليه وسلم -

طعون حقيرة في النبي - صلى الله عليه وسلم -. وجه العلمانيون وخاصة طيب تيزيني طعونا كثيرة لنبينا - صلى الله عليه وسلم -، ومثلها لا يصدر عادة إلا من الصهاينة الحاقدين على الإسلام وأهله. قال المفتري: بيد أنه يبدو أن محمدا -في الإرهاصات الأولى من حركته- مر بأحوال من الشك والارتياب فيما نيط به من مهمات تبشيرية إنذارية (¬1). وقال بعد إيراده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان به مس من الجنون: إذا، بدا الأمر وكأن الرجل يعاني من فقدان التوازن النفسي والعضوي والعقلي، أو أنه يعيش حالما في يقظته، وأنه من ثم يريد أن يجعل من هذا الحلم نبوة، بينما هو أجدى به أن يؤخذ إلى من يعالجه (¬2). إلى أن قال اللعين: ومن الملفت أن يكون محمد قد وصل -في تطوره الدرامي- إلى أن يضيق ذرعا برسالته ويشعر بثقلها عليه ... (¬3). ووصف طيب تيزيني النبي - صلى الله عليه وسلم - متحدثا عن قريش بـ: خليعهم الآبق (¬4). وقال المأفون: ويبقى هاما أن يشار إلى أن النبي محمدا وهو الذي عاش بعض مظاهر الاضطراب ... (¬5). ووصفه بأنه يتحرش بالجميع (¬6). وأنه منغمس ¬

(¬1) نفس المرجع (522). (¬2) نفس المرجع (523). (¬3) نفس المرجع (524). (¬4) نفس المرجع (527). (¬5) نفس المرجع (559). (¬6) نفس المرجع (565).

طورا فطورا وعلى نحو مباشر في المصالح الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتلبسة دينيا (¬1). وقال: نلاحظ أن بعض عناصر الشك الذاتي تطرأ على بعض قناعات الرسول (¬2). وقال: يبدو أن حدة المواقف كانت تتعاظم إلى درجة تقود محمدا إلى الشك والارتياب في ما يطرحه على الناس، وإلى أن يضيق ذرعا من دعوته ويشعر بالإحباط والوحدة (¬3). وقال: ما عاشه محمد من قلق وتوتر عاطفي وعقلي (¬4). ووصف بعض مواقفه - صلى الله عليه وسلم -: بالضعف والقلق والتردد (¬5). وقال الخبيث قبحه الله وأخزاه: وقد زاد من تعقيد الأمر أن محمدا كان يعاب بشيء من مظاهر الاضطراب النفسي التي تصل أحيانا إلى درجة الفصام الشخصي (¬6). وشبه استمهال النبي - صلى الله عليه وسلم - القرشيين واليهود لما سألوه عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح بفعل العرافات اللواتي كن يستمهلن سائليهم بغية العودة إلى تابعيهن واستخلاص الأجوبة منهم. ثم قال: ومن الواضح أن هذا وغيره كان مصدرا للقولة التي أطلقها القرشيون ضد النبي، وهي أنه يعود إلى تابعه تحت اسم «الوحي» (¬7). ثم قال ¬

(¬1) نفس المرجع (566). (¬2) نفس المرجع (594). (¬3) نفس المرجع (595). (¬4) نفس المرجع (472). (¬5) نفس المرجع (4 (¬6) نفس المرجع (446). (¬7) نفس المرجع (454).

تيزيني: ومن الملاحظ أن محمدا استخدم كلمة ربي في إحدى المرات التي استمهل فيها خصومه في إجابتهم ... وقد يكون المكيون -ومعهم أو من ورائهم اليهود- نظروا إلى هذه الكلمة مقرونة بما قد تشير إليه من علاقة مع نظيرتها في العبرية «رابين»، فاستنبطوا ما يدل على علاقة سيادة بين محمد وربه، ومن ثم فهم رأوا أن هذه العلاقة قائمة بين العراف وتابعه من الجن الذي يمكن أن يغلبه ويسود عليه (¬1). وقال عن لغته - صلى الله عليه وسلم -: ليس لغة الحوار الهادئ والمنظم، إنها لغة مشحونة بالتوتر واللهاث وراء التخويف من أهوال جهنم (¬2). وقال: إنها لغة الهجوم على هؤلاء بصيغة متوترة ولاهثة ومتقطعة وحذرة (¬3). وقال: فقد انطوت (أي لغته) على خطاب رؤياوي يتعايش فيها الغموض مع الوضوح (¬4). ولا أظن أنه وجد في تاريخ الزنادقة من قال كلاما في نبينا كهذا. وذكر أن النبي كان أحيانا يشعر بالتعاسة الزوجية (¬5) ووصف نظرته بالسوداوية المتشائمة (¬6). وقال: مما يعني أن حالة التشاؤم بل اليأس من الحاضر والمستقبل كان لها ¬

(¬1) نفس المرجع (454). (¬2) نفس المرجع (426). (¬3) نفس المرجع (426). (¬4) نفس المرجع (426). (¬5) نفس المرجع (481). (¬6) نفس المرجع (501).

حضور كثيف في حياته (¬1). وكتاب تيزيني مليء بالطعون والغمز واللمز في حق نبينا - صلى الله عليه وسلم -، لكني اقتصرت على عينات منه فقط، فيها غنية وكفاية. ولنذكر طعونا أخرى لغيره: حسب عبد الله العروي فالنبي الذي لجأ إلى المدينة واحتمى بأهلها مدفوع دفعا بعامل الكبرياء والغطرسة عند البعض، بعامل الطموح والمكر عند البعض الآخر إلى الانغماس في دوامة التاريخ (¬2). يعني إما هذا أو هذا. إما الغطرسة وإما المكر. ذكر القمني أن العرب في جاهليتهم الأولى سادت فيهم قيم الغزو والسلب والنهب، وفي جاهليتهم الثانية سادت فيهم قيم النخوة والمروءة والأمانة والنجدة والإجارة والكرم والوفاء بالعهد. فلما جاء الإسلام ماذا فعل يا ترى؟ قال القمني: والذي انتهى العصر الجاهلي الثاني، بظهور الإسلام والعودة بالعرب إلى قيم الجاهلية الأولى حيث الغزو والسلب والنهب والسبي والحرب (¬3). كأنه يقول: ليت الإسلام أبقى على خلق الجاهلية الثانية لكنه عاد بالبشرية إلى الجاهلية الأولى، هل هذا الكلام يقوله مسلم؟. واتهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه لما ذهب لخطبة خديجة أُشرب أبوها خمرا فزوجها له، فلما أفاق من سكره رفض الزواج، فلحق بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فلما رآه تراجع عن رد تزويجها وقبل الزواج. انتكاسة المسلمين (342). وقد أدانته جبهة علماء ¬

(¬1) نفس المرجع (503). (¬2) السنة والإصلاح (120 - 121). (¬3) انتكاسته (169).

الأزهر بهذه المسألة. ومن اعتاد القمامة فيصعب عليك إقناعه بغيرها. وقال غامزا زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -: رغم أن رُقِي حاضرنا علما وخلقا وإنسانية وتحضرا عن تلك الأزمان البدائية (أي: زمن النبي) حقيقة ساطعة كالشمس لا ينكرها إلا العميان أو فاقدو الرشد والتمييز بالمرة (¬1). واتهم القمني النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقتال من أجل المال والسيطرة: فقد حارب الرسول والصحابة من أجل السيطرة والسيادة والغنائم المادية البحتة، إضافة بالطبع إلى نشر الدعوة، وحارب الصديق من أجل الزكاة، وحارب خالد بن الوليد وعمرو بن العاص والقعقاع وخيرة الصحابة الأجلاء (¬2) من أجل الفيء والجزية، بل وتصارع كبار الأجلاء منهم على عرض الدنيا المادي، كما حدث بين الزهراء وبين الصديق بشأن ميراثها (¬3). واتهم أركون النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه يعامل مخالفيه معاملة قاسية جدا وسلبية تماما (¬4). وأن الهدف من صراع النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الكفار هو السيطرة على السلطة الكاملة (¬5). ووصف تصرف النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتمييزي المتحيز (¬6). وساق صادق جلال العظم في «ذهنية التحريم» (246) تساؤلات مشبوهة مضمنة بطعون حقيرة، في سياق دفاعه عن نقد الدين والألوهية وعن سلمان رشدي، منها مثلا قوله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: هل كان مجرد الأمين اليتيم والفقير الذي ¬

(¬1) شكرا ابن لادن (177). (¬2) هذا من باب الطنز طبعا. أي هكذا هم مَنْ تصفونهم بالأجلاء. (¬3) انتكاسة المسلمين (2 (¬4) القرآن من التفسير الموروث (75). (¬5) نفس المرجع (75). (¬6) القرآن من التفسير الموروث (74).

الدفاع عن سلمان رشدي الذي طعن في النبي - صلى الله عليه وسلم -

تحكي عنه روايات التقوى والورع أم كان تاجر ترانزيت محنكا حيسوبا؟ هل كان بانيا لمثل روحية عليا ومجسدا لها أم كان زير نساء؟ وزاد: ماذا يعني من منظور علم النفس والتحليل النفسي زواج النبي لأول مرة من امرأة تصلح لأن تكون والدته، ومن ثم ولعه اللاحق بفتيات هن في سن بناته؟ وزاد (246) أنه يقرأ في إحاطة النبي بالحريم علامة من علامات السلطان ومظهرا من مظاهر الدولة وقوتها على غرار ماكان سائدا في البلاطات الإمبراطورية المجاورة. أي: لا يعدو أن يكون النبي امبراطورا يستمتع بالحسناوات ويمارس استبدادا شائعا في زمانه. الدفاع عن سلمان رشدي الذي طعن في النبي - صلى الله عليه وسلم -. مع اعتراف محمد الشرفي في الإسلام والحرية (106) بأن سلمان رشدي مس الرسول - صلى الله عليه وسلم - في كتابه الآيات الشيطانية، إلا أنه قال عن الذين هاجموه وردوا عليه (107): إنه سلوك مخز من جميع الجهات، وإنه انتهاك لمبادئ حرية الرأي وحرية التعبير، وأنه راجع إلى الطغيان والجهل. ودافع عنه بقوة، بل بكل ما أوتي من قوة صادق جلال العظم في كتابه ذهنية التحريم (165) وسخر من كل من انتقده. ونقل بيانا أصدره ما يزيد على (40) علمانيا سوريا ينددون فيه بما تعرض له سلمان رشدي ويؤكدون على حقه في التعبير، من أبرز الموقعين فيه: صادق جلال العظم، وطيب تيزيني، وفيصل دراج. ثم عاد فأصدر كتابا كبيرا سماه «ما بعد ذهنية التحريم» رد فيه على من انتقد كتابه الأول. يقاوم على التفاهات حتى آخر رمق.

نفي أمية النبي - صلى الله عليه وسلم -

نفي أمية النبي - صلى الله عليه وسلم -. هذه المسألة من ركائز العلمانيين لإبطال الوحي والرسالة، وأن الإسلام مجرد دعوة محمدية دينية، استغلت ظروفا وتناقضات معينة من أجل إنشاء مشروع توحيد عربي قبائلي. لهذا رأيت إفرادها برسالة مفردة، وخصوصا وعندي مخطوطة أو أكثر في نفس الموضوع. ولا تفسير لهذا الشرع المعجز إذا كان صاحبه أميا إلا أنه منقول عن مصدر أعلى هو أعلم وأقدر على ذلك. وهذا ما يهرب العلمانيون من الاعتراف به، ولهذا جعلوا من هذه المسألة هدفا استراتيجيا. فالنبي في نظرهم كان يقرأ ويكتب، وتعلم من اليهود والنصارى والحنفاء أشياء كثيرة صاغها في مشروعه صياغة تناسب المرحلة. وقد دافع عن عدم أميته الجابري في كتابه مدخل إلى القرآن الكريم، ونصر حامد أبو زيد في مفهوم النص (66) وطيب تيزيني في مقدمات أولية (390 - 400 - 408). ولنا عودة إلى كلامهم في الرسالة المذكورة آنفا إن شاء الله. ختم النبوة. نختم مبحث النبوة بخاتمها بالمفهوم العلماني. بيَّن عبد المجيد الشرفي في الإسلام بين الرسالة والتاريخ (91) أن المفهوم الصحيح لختم النبوة، هوختم لها من الخارج، أي: أن النبي أغلق باب بيت النبوة، وختمه من الخارج. وأذن بحرية الإنسان في أن يسكن البيوت التي يبنيها بجده الخاص بما يدل عليه عقله، كما قال مجدد القرن العشرين. أي: ختم النبوة وأغلق بابها بمعنى أنهى عهدها

وأسقط حكمها إلى الأبد. وزاد مؤكدا (93): هكذا يكون محمد بن عبد الله قد ختم النبوة ليقضي على التكرار والاجترار، وليفتح المجال للمستقبل الذي يبنيه الإنسان مع أبناء جنسه في كنف الحرية الذاتية والمسؤولية الفردية والتضامن الخلاق. أي: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ختم النبوة لتحل محلها العلمانية. هذه هي خلاصة طرح الشرفي، لا شرفه الله بخير. ثم رأيت حسن حنفي يكرر نفس الطرح في كتابه من العقيدة إلى الثورة (1/ 17/18).

العبادات

العبادات فَرْضُ العبادات كان استجابة للبيئة الحجازية البسيطة، ولم يعد ذلك صالحا لعص هذا ما قرره عبد المجيد الشرفي في كتابه الإسلام بين الرسالة والتاريخ، حيث قال (61): «ما فرض من تفاصيل العبادات والمعاملات -متى وجدت وهي قليلة جدا- سوى أثر لمقتضيات الاجتماع في عصر الرسول وفي البيئة الحجازية البسيطة في طرق عيشها وفي العلاقات بين أفرادها دون غيرها من البيئات ولاسيما الحديثة منها في مشارق الأرض ومغاربها». وبعد أن لاحظ الشرفي أن القرآن لم ينص على عدد الصلوات ولا كيفياتها ولا شروطها، ثم لاحظ أن تحديد كيفياتها ومقاديرها حصل في قصة المعراج، وهي حسب قوله: إنما تنتمي إلى الذهنية الأسطورية، وليست جديرة بأية ثقة (62). ثم خلص إلى هدفه النهائي من كل هذه الشبكة العنكبوتية: والمهم أن النبي كان يؤدي صلاته على نحو معين، فكان المسلمون يقتدون به، إلا أن ذلك لا يعني أن المسلمين مضطرون في كل الأماكن والأزمنة والظروف للالتزام بذلك النحو، على فرض أنه كان فعلا موحدا ولم يطرأ عليه أيّ تغيير أثناء فترة الدعوة (62). وفي مكان آخر من كتابه اعتبر أن تفاصيل الصلاة والصوم والحج وغيرها لم تكن ملزمة في عهد الرسول، بل لم تكن ثابتة في حياته، بل كانت متغيرة بحسب عوامل عدة، وممكن أن يكون الرسول قام بها أو تصور المسلمون أنه قام بها (121).

هكذا تحولت الصلاة المفروضة المجمع عليها على مر السنين والمعلومة من الدين بالضرورة إلى صلاة مشكوك في فرضها وفي كيفيتها، وهي غير ملزمة لنا في هذا العصر. وزاد فذكر أن المجتمعات المعاصرة بما أنها مجتمعات صناعية مخالفة للمجتمعات الرعوية والزراعية القديمة لم تعد تلائمها الصلوات الخمس (62). وعليه فوجوب الصلوات عنده خاص بمن يعتقد وجوبها أو من تسمح له ظروفه بأدائها، وأما بقية الناس فالأمر لا يعنيهم (63). والصلاة حسب عبد الهادي عبد الرحمن في سلطة النص (110 - 111) فرضت لتليين عريكة العربي، وتعويده على الطاعة للقائد. هكذا يختزل هذا العلماني الصلاة ويقزمها. وحسب عبد المجيد الشرفي فالصلاة قد حصل فيها تغيير وتطوير في طقوس أدائها، حتى استقرت على الكيفية التي وصلتنا الآن. تحديث الفكر الإسلامي (53). وأما الزكاة فمصيرها عند فقيهنا النوازلي أو التنازلي عبد المجيد الشرفي مصير الصلاة، بل أكثر، فالقرآن حث عليها ولم يحدد لها كيفية ولا نوعا، فالهدف هو حفظ حقوق الفقراء، وفي الوقت المعاصر هناك طرق عديدة لهذا الحفظ، بل دخلت في صلب حقوق الإنسان. الإسلام بين الرسالة والتاريخ (63 - 64). وبالتالي لم تعد هناك حاجة لمقاديرها وأصنافها. وأما الصوم فالقرآن حث على الصوم إلا أنه ترك الباب مفتوحا لعدم صومه والتعويض عنه بإطعام مسكين أو مساكين (64). وأكد على وجوب ترك الناس على حريتهم من شاء أن يصوم فليصم، ومن لم

يشأ فله ذلك (160). وفي كتابه الآخر تحديث الفكر الإسلامي انتهى إلى أن القرآن لا يلزمنا بصوم رمضان {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ}، فالأمر فيه خيار (56 - 57 - 58). وأن الأمر بالصيام معناه: صم، إن في هذا الصوم فوائد بالنسبة إليك وستجازى عليه، وإذا ما أردت أن تصومه فعليك -إن كنت قادرا على الصوم- أن تطعم عوض الصوم (58). وزعم أن الناس كانوا يصومون على وجه التخيير قبل فتح مكة، وفي فتح مكة جاء النص ليؤكد هذه الحقيقة. ولكن بعد الفتنة ودخول عناصر جديدة في الإسلام قام الصحابة بفرض هذا السلوك الموحد (60). فالصوم حسب فقيهنا الميمون إنما فرضه الصحابة بعد دخول عناصر جديدة في الإسلام. وقريب منه بلديه محمد الشرفي فالعبادات من صلاة وصوم غير صالحة لكل زمان ومكان. الإسلام والحرية (158). وأن القرآن عنده جاء حسب ما يفهمه سكان الجزيرة العربية قبل أربعة عشر قرنا، وأن معناه الحرفي غير ملائم خارج ظروف نزوله، وأحيانا يكون مستحيل التطبيق (159). وقرر أن العبادات فضلا عن المعاملات يجب أن تحمل على ملائمة الظروف (159). والظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية سرعان ما تتغير فلا بد أن تتبع القوانين نسق تغيرها. (160). والصوم عند عبد الهادي عبد الرحمن في سلطة النص (109) مفروض على

الكعبة المشرفة وطقوس الحج رمز للجنس، بل ولعبادة الجنس

العربي فقط لأنه مشروط بالبيئة العربية، ولذلك فالصوم بالنسبة للمسلم غير العربي مجرد دلالة وعبرة دينية. فهو لا يعني المسلم المعاصر في شيء. الكعبة المشرفة وطقوس الحج رمز للجنس، بل ولعبادة الجنس: بحث سيد القمامة القمني هذه المسألة في كتابه الأسطورة والتراث في فقرة تحت عنوان: عبادة الجنس (124). وخلص إلى وجود عبادة جنسية في الكعبة، واستند إلى أمور منها: أولا: إن إسافا فجر بنائلة داخل الكعبة، وهو فعل جنسي مقدس (125). وثانيا: آدم جامع حواء في موضع الكعبة (126). وثالثا: هناك رواية إسلامية (كذا قال) تقول إن آدم وحواء لما هبطا من الجنة نزلا متفرقين وظلا هائمين حتى التقيا بجبل عرفة، وجامع آدم حواء فيها. قال. ومن هنا تقدس الوقوف بعرفة (¬1). وأن تَجَمُّع الناس ليبيتوا بعرفات من طقوس الجنس الجماعي (126). وإن اسم عرفات هكذا على صيغة الجمع للمجتمعين على الجبل في حالة جماع يماثلون به الفعل الأول الذي قام به إساف ونائلة وآدم وحواء، وإله القمر (إِلْ) عندما جامع الشمس (إلات) (126). ورابعا: إن طقوس الحج الجاهلي كان الرجال والنساء يطوفون عراة، ففيه إشارة جنسية. فلما جاء الإسلام جعل للإحرام زيا لا يستر إلا العورة، بل وحرم ¬

(¬1) وذكر نحو هذا تركي علي الربيعو في العنف والمقدس والجنس (89). بل عنده طقوس الحج برمتها إحياء لتجربة الجنس المقدس.

لبس المخيط ونحوه (127). بل وطقوس الشرب من زمزم من احتفالات الجنس، وكذا حلق الشعر وبالذات عند المروة من طقوس الخصب الجنسية القديمة. والتضحية كذلك طقس جنسي، واستدل بأن غنم وغلم متقاربان. والغلم هو الجنس والشهوة (128). والحاصل أن الحج طقوس جنسية قديمة انتقلت إلى الإسلام من الحضارات القديمة. وهو نفس ما قرره عبد المجيد الشرفي، حيث قال في الإسلام بين الرسالة والتاريخ (65) عن الحج: هو من الطقوس التي كانت تمارسها العرب قبل الإسلام، فتبناها الإسلام وأضفى عليها معنى جديدا منسجما مع التوحيد، ومع ذلك، لا يمكن إنكار ما بقيت تحتوي عليه مناسك الحج من رواسب الذهنية الميثية الضاربة جذورها في القدم، ونقصد بالخصوص ما فيها من رجم للشياطين ومن هدي. الذهنية الميثية: أي: الأسطورية. والحج سنة جاهلية ورثها الإسلام منها. كما تقدم عن أركون وعبد المجيد الشرفي (¬1) وخليل عبد الكريم (¬2) والقمني. ويغني عن الحج عند أركون ما يسميه بالحج العقلي أو الحج الروحي (¬3). ¬

(¬1) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (121). (¬2) الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية (14) والإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية (185). (¬3) مجلة الكرمل العدد 34/ 1989م ج1/ص23. العلمانيون والقرآن (835).

المعاملات

المعاملات إذا كانت العبادات استجابة لظروف صحراوية معينة أصبحت متجاوزة الآن، فما هو موقفهم من المعاملات؟ تدور مجمل مواقف العلمانيين من أحكام المعاملات الشرعية على الاستهزاء والتحقير تارة، والدعوة إلى التجاوز تارة أخرى. قانون الإرث. حسب محمد الشرفي فيه حيف واضح (¬1). وفيه خلل (¬2). وآياته على سبيل البيان فقط، لا الإلزام، وأنها ذات طابع اختياري (¬3). وأن عهده قد ولى وانقضى (¬4)، ويجب تجاوزه اليوم وإقرار المساواة (¬5). وأحكام الإرث عند صادق جلال العظم كانت نظرا لواقع اجتماعي واقتصادي كانت تعيشه الجزيرة العربية، كانت فيه المرأة لا أهلية لها بالمرة، فشكل الإسلام قفزة نوعية من هذا الوضع إلى الوضع الجديد (¬6). وبالتالي ففي عصرنا يجب تسوية ميراثها بميراث الرجل لتغير الظروف والأحوال، وخاصة مع وجود غرب مهيمن مسيطر، هكذا يريد منا. ¬

(¬1) الإسلام والحرية (116). (¬2) الإسلام والحرية (117). (¬3) الإسلام والحرية (116 - 117). (¬4) الإسلام والحرية (116). (¬5) الإسلام والحرية (120 - 121). (¬6) نقد الخطاب الديني (113).

ولهذا تمنى القمني من أوباما لما زار القاهرة أن يضغط على الفضائيات الإسلامية والمعاهد الدينية من أجل إيقاف العمل بميراث المرأة وولاية الولي عليها وعقيدة الولاء والبراء والجهاد، ووقف تدريسها في المعاهد الدينية (¬1). ولا يخرج تحليل الجابري عن كون نظام الإرث كان استجابة لظروف معينة تم تجاوزها اليوم. وهكذا فبعد أن طالب بالفهم الحداثي للتراث بدل الفهم التراثي للتراث (¬2). ودعانا إلى التحرر من سلطة التراث علينا، وأن نمارس سلطتنا عليه (¬3). كيف ذلك؟ ذكر أن قوله تعالى {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} النساء11، شرع لأسباب قبلية محضة لم يعد لها وجود في عصرنا (¬4). ولكي يخلص إلى هذه النتيجة وضع عدة مسلمات في نظره لا حقيقة لأكثرها. فزعم أن المجتمع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان مجتمعا قبليا ذو ملكية مشاعة، فالقبيلة هي التي تملك وليس الفرد. وكون المجتمع قبليا لا غبار عليه، وما بعده مغالطة يعلمها الرجل العادي قبل المتخصص في دراسة القبائل. وثانيا: العلاقة بين القبائل هي علاقة نزاع حول المراعي ووسائل العيش. وهذه مغالطة ثانية، لها جذور في نظرية الصراع الطبقي الماركسية. ¬

(¬1) انتكاسته (373 - 374). (¬2) التراث والحداثة (15). (¬3) التراث والحداثة (47). (¬4) التراث والحداثة (54) ومقال التأهيل الثقافي لحقوق الإنسان. مواقف (66) ص 93.

وثالثا: المصاهرة لدى القبائل العربية تقوم على تحريم الزواج بالمحارم وتفضيل الأباعد على الأقارب. وهذه مغالطة ثالثة، بل العكس هو الصحيح، لكن مادامت تخدم مشروع الجابري «الفهم الحداثي للتراث» فلا بأس بها. ثم زاد قائلا: والزواج من القبائل البعيدة مطلوب في إطار التحالفات التي يفرضها المجتمع القبلي: إن الحفاظ على العلاقات السلمية وتنميتها بين القبائل يقتضي نوعا من «تبادل النساء» بعبارة كلود ليفي ستراوس الشيء الذي يعني تزويج البنت خارج قبيلتها. غير أن تزويج البنت لشخص من قبيلة غير قبيلتها كثيرا ما يثير مشاكل تتعلق بالإرث في حال وفاة أبيها. ذلك لأنه إذا كان لها أن تأخذ نصيبا مما ترك فإن هذا النصيب سواء أكان ماشية أو مجرد الحق في المرعى المشترك سيؤول إلى زوجها، أي: إلى قبيلته. وهذا شيء غير مقبول وكثيرا ما يؤدي إلى خصومات وحروب تهدد المجتمع القبلي بالفناء. أما الولد الذكر فمفهوم أن ما يرثه من أبيه يبقى في قبيلته كما كان من قبل فكأنها هي التي ورثته. ومن هنا كان المجتمع العربي في الجاهلية لا يعطي للبنت نفس الحق الذي للولد في الميراث وكانت هناك قبائل تحرم البنت من الإرث تماما اتقاء المشاكل التي ذكرنا. وإذا أضفنا إلى ما تقدم محدودية المال المتداول في المجتمع العربي القبلي في الجاهلية سهل علينا إدراك كيف أن توريث البنت قد يؤدي إلى الإخلال بالتوازن على المستوى الاقتصادي خصوصا مع تعدد الزوجات (¬1). ثم استمر في كلامه مبينا أن حرمان البنت من الإرث كان تدبيرا يفرضه المحيط الاجتماعي، فلما جاء الإسلام بالدولة أقر نوعا من الحل الوسط يتناسب مع المرحلة ¬

(¬1) التراث والحداثة (54).

الجزية ليست إسلامية

الجديدة. فبدلا من حرمانها من الإرث منحها النصف. يعني نصف ظلم بدل ظلم كامل!! لا يستحي هو وأشياعه من تسطير هذا، إذا كان هذا خافيا على النبي كمخلوق فأين الخالق؟ وهل يا ترى يشرع الله الظلم؟ هذا من نوع من أسميه بأفكار الهلوسة مثل حبوب الهلوسة التي تحدث عنها القذافي هذه الأيام، واصفا الثائرين عليه بتعاطيها. الجزية ليست إسلامية. ذكر نصر أبو زيد في دوائر الخوف (10) أن الجزية لم تكن إنشاء إسلاميا بل كانت متابعة لتقليد راسخ في العلاقات الدولية، حيث تدفع الشعوب المغلوبة للغزاة الغالبين ضريبة الرأس. وذكر في مكان آخر (131) أن من بين حيثيات حكم محكمة استئناف القاهرة سنة 1995 وأيدته محكمة النقض سنة 1996 بردة أبي زيد ما قاله في كتاب نقد الخطاب الديني (205) في إنكاره للجزية. وقال القمني في انتكاساته (129) عن الجزية: تمس الكرامة وتعني الخضوع والمذلة. وسمى الفيء نهبا. أهل الدين والديمقراطية (263). الجهاد طائفي عنصري همجي ذو أغراض دنيوية محضة. قال القمني في أهل الدين والديمقراطية (319): أما مفهوم الجهاد فهو مفهوم طائفي عنصري. وقال (320): يحمل مفهوم الجهاد قوة دفع استعمارية لحوحة لاحتلال البلاد الأخرى ونفل ثرواتها وتغيير ثقافتها.

وقال (320): بل إن ما فعله المجاهدون عبر تاريخنا غير الجميل يحتاج من العرب اعتذارا واضحا عما ارتكبوه من فوادح الآثام العظام في حق الشعوب المفتوحة في تلك الأزمان البربرية. وزاد فأكد (146) أن الجهاد ليس هدفه تحرير الأرض إنما الحور العين وأنهار الخمر وليس هدفه الوطن وأبناء الوطن، وهو يقع اليوم موقع الهمجية المجرمة. ويحمل ضمنا العداء المسبق لشعوب العالم، وهو يقوم على الإغارة والسلب والنهب والسبي وركوب نساء العدو، وهدفه هو التدمير لذاته، بل تحول إلى قدرة عاجزة هي إرهاب فصيح صريح. واعتبر هاشم صالح في الإسلام والانغلاق اللاهوتي (185 - 186) تبعا لروجيه أرنالديز أن الجهاد الإسلامي ما هو إلا قتال الجاهلية بجميع أصوله إلا تغييرات في الشكل فقط. وذكر أن بعض آيات الجهاد إنما تعبر بالدرجة الأولى عن مزاج الرسول وتقلباته طبقا لظروف النضال المتواصل والعنيد الذي خاضه من أجل فرض رسالته وهيمنته على محيطه العربي داخل الجزيرة العربية وليس خارجها. وقال عبد المجيد الشرفي في الإسلام بين الرسالة والتاريخ (115): إن الأغراض الدنيوية المحض هي الدافع الحقيقي للحروب التي شنها المسلمون الأوائل على البلدان المجاورة لهم، واستنكف عن استعمال الأوصاف الموضوعية التي تنطبق عليها كالاحتلال والغزو والاستعمارحسب المفهوم الحديث. وجعل العفيف الأخضر الجهاد بما فيه جهاد المحتل يجب تجاوزه، وسمى حركة حماس جماعة إرهابية، وقال: الجهاد الذي يقدم به الإسلاميون الإسلام للعالم هو الآن كالدواء الذي انتهت صلاحيته منذ القرن السادس عشر، عندما

لا داعي للخوف من الزنا

امتلكت أوربا السلاح الناري، لم يعد ناجعا سواء كجهاد دفاعي أو جهاد هجومي وحسب، بل غدا سببا لهزائم المسلمين. من هزيمة الأمير عبد القادر في الجزائر، وهزيمة عرابي في مصر إلى هزائم ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، وهزيمة الانتفاضة الفلسطينية الثانية في مطلع القرن الحادي والعشرين. مع ذلك مازال شعار الجهاد ملازما للإسلاميين وجمهورهم الواسع كوسواس قهري يدرك المصاب به عبثيته ولكنه عاجز عن التخلص منه (¬1). بهذا الأسلوب الانهزامي يكتب العفيف الأخضر، فالدفاع عن الأوطان والأعراض وسواس قهري يدرك المصاب به عبثيته ولكنه عاجز عن التخلص منه. هذا ولم نسمع بهزيمة الانتفاضة الفلسطينية إلا في الصحف الإسرائيلية ومراكز القرار الصهيوني، بل هذا الخطاب كله ليس شائعا إلا فيها. إلى هذه الدرجة يبلغ حقد العلمانيين لأحكام الشريعة. لا داعي للخوف من الزنا. اعتبر محمد الشرفي في الإسلام والحرية (89 - 90 - 91) أن الزنا هو العلاقة الجنسية بين رجل وامرأة أحدهما متزوج بشرط أن يقترن بخيانة أحد الطرفين، وأما إذا كان بين غير متزوجين فلا. ودافع عن الزنا في صور راقية مثل معاشرة خليلة قبل الزواج أو خطيبين قبل الزواج (125 - 126 - 127). واعتبر أن منع ولد الزنا من الانتساب لأبيه ومنعه من الإرث ظلم وجور. واعتبر أن معاشرة خليلة خير وأرقى أخلاقيا من معاشرة ملكة اليمين. (127) ¬

(¬1) الحوار المتمدن - العدد: 1500 - 2006/ 3 / 25.

الربا حلال حلال

واعتبر أن ابن الزنا خير من الطفل المنجب من ملكة يمين (127). هكذا يدافع عن أطفال الدعارة وزير التربية والتعليم في حكومة الطاغية ابن علي الذي أطاح به الشعب التونسي البارحة يوم 14/ 01/2011 (¬1). وستتم الإطاحة إن شاء الله بمسخه ومسخ سلفه بورقيبة للشريعة. وتعجب من كون الشريعة تدين الدعارة مع ما يكون فيها من حب واحترام ومنطق (127). قبحه الله. وأخزاه في قبره، فقد غادر الدنيا غير مأسوف عليه سنة 2008. أما أركون فقد جعل مراقبة الحياة الجنسية بالعديد من المحظورات والمحرمات التي تقيد المرأة والشباب، والسلطة التي يتمتع بها الأب داخل الأسرة والطاعة العمياء من الابن لأبيه ومن البنت لأخيها ومن المرأة لزوجها ومن الابن الأصغر للابن الأكبر كل ذلك ينتج الانغلاق العقائدي الذي يجب تجاوزه والخروج منه. الأنسنة والإسلام (162 - 163). وأكد عبد المجيد الشرفي في الإسلام بين الرسالة والتاريخ (85) على أخذ التحولات التي طرأت على العلاقة بين الرجال والنساء بالاعتبار، وهي التي قلصت من البعد الميثي المرتبط بها، ومكنت المرأة لأول مرة في التاريخ من أن تتحكم في جسدها وأن لا تحمل إلا بإرادتها. الربا حلال حلال. أكد العشماوي في جوهر الإسلام (85) أن الربا المحرم في القرآن هو نظام قديم، كانت فيه الفائدة مرتفعة جدا، يهدف إلى إعسار المدين أو إفلاسه واسترقاقه (¬2)، أما الربا المالي فيحدد الفائدة في 4% إلى 7% على أصل الدين، فهو ¬

(¬1) كتبت هذا يوم 15/ 01/2 (¬2) لا بأس بالمغالطات والأكاذيب إذا كانت تحقق أهداف العلماني

شهادة المرأة

نظام آخر اقتضاه التطور الاجتماعي والتقدم الاقتصادي والتقارب العالمي وتحول النظام السياسي من نظام مجتمع القرية إلى نظام الدولة الحديثة. وزاد (87) أن الربا القديم كان بين فرد وفرد، وأما في عصرنا. فبين فرد ومؤسسة. وزاد: فشبهة استغلال المؤسسة منتفية تماما. هكذا يكذب الرجل جهارا نهارا. وكرر عبد المجيد الشرفي في الإسلام بين الرسالة والتاريخ (71) كسابقه أن الربا لا معنى لتحريمه في عصرنا، لأن المحرم هو الربا الذي كان بين شخصين وكان أضعافا مضاعفة، أما في عصرنا فيتم بين شخص مادي أو معنوي من جهة ومؤسسة مصرفية من جهة ثانية، والمؤسسات المصرفية لم تكن موجودة في عهد النبي، فلا يجوز تحريم شيء غير موجود. وذكر مبررات أخرى. وانظر كتاب «البحث عن العقل» لمحمد نور فرحات (256) في دفاعه عن ربا البنوك. وكذا «الإسلام والحرية» لمحمد الشرفي (132). شهادة المرأة. ذهب العلمانيون خلافا للشريعة الإسلامية إلى أن شهادة المرأة مثل شهادة الرجل. هكذا قال نصر أبو زيد في دوائر الخوف (235)، وزاد: إن ما ورد بالقرآن بشأن شهادة المرأة كان وصفا لحالها وليس تشريعا أزليا لوضعيتها. ونحوه للجابري، فقد جعل ذلك استجابة لظروف معينة تتمثل في الوضعية الاجتماعية والتعليمية للمرأة التي لم تكن تأملها للقيام بهذه المهمة، لا أن الخطأ والنسيان من طبيعتها، واليوم وقد تحسنت أوضاع المرأة التعليمية فالمساواة هي الأصل (¬1). ¬

(¬1) مقال التأصيل الثقافي لحقوق الإنسان. مواقف (66). ص92 - 93.

القانون الجنائي الإسلامي قانون همجي وحشي

وعند سيد القمني كيف نجعل شهادة عالمات الذرة والمهندسة والطبيبة والمحامية تساوي نصف شهادة بائع الملوخية، وكيف تجعل عالمة الانتروبولوجيا أو البيولوجيا عورة يجب أن تستتر، وأنها للسيد للذكر مجرد متاع (¬1). هكذا يستهزئ بأحكام الشريعة ويصورها بصورة مشوهة وحقيرة. القانون الجنائي الإسلامي قانون همجي وحشي. نالت الحدود الشرعية ما نال باقي أحكام الشريعة من تهجمات العلمانيين وسخريتهم. فاعتبر محمد الشرفي القانون الجنائي الإسلامي قانونا همجيا. بل في غاية الهمجية (¬2). وأنه يحط من الكرامة (¬3). وأن القرآن وضع أحكاما قاسية (¬4). وأن قطع يد السارق أمر همجي بغيض، وحكم فظيع ومروع ووحشي (¬5). وأن حد قتل المرتد ورجم الزاني: أشد الحدود قسوة وأقلها إنسانية، وزاد عن الأخير أنه فظيع وشنيع (¬6). وأن الرجم والجلد حكمان لا إنسانيان ووحشيان (¬7). وأن الرسول إنما امتثل في الرجم لعادة قديمة كانت سائدة في عصره (¬8). وقال: إن الفقهاء قد أخذوا عادة قديمة (أي: الرجم) ووظفوها بما يوافق ¬

(¬1) رب الزمان (165). (¬2) الإسلام والحرية (86). (¬3) الإسلام والحرية (92). (¬4) الإسلام والحرية (92). (¬5) الإسلام والحرية (95). (¬6) الإسلام والحرية (87). (¬7) الإسلام والحرية (130). (¬8) الإسلام والحرية (89).

أهواءهم، وألحقوها بالإسلام إلحاقا مفتعلا، شأنهم في هذا الحكم شأنهم في جل القواعد التي وضعوها (¬1). وأن حد الردة ابتدعه الفقهاء، وهي فكرة لا مثيل لها سوءا وشناعة وتدميرا لحرية المعتقد (¬2). ولعل محمد الشرفي يريد أن يكفر كما يشاء، ويسب الله ورسوله والدين كما يحلو له، ويعاقر الباغيات ويعربد معهن كما يهوى، ولذلك فهو غضبان جدا من هذه الحدود التي ستمنعه من شهواته وتحقيق نزواته. وإذا كانت الحدود وحشية وهمجية في نظر الشرفي، ماذا عن رئيسه ابن علي الدكتاتور الذي كان وزيرا عنده، ولم سكت عنه؟ مع أنه عمل معه بل وحظي برضى سيده. أم أن أحكام الشريعة مستباحة لكل ناعق؟ وإضافة إلى تحالف منظري العلمانية مع الدكتاتوريات، هناك تحالف آخر أو قل محرك مركزي آخر يقف خارج المسرحية، فقد طبع كتاب الشرفي الذي نقلنا عنه هذه التهم الرخيصة بمساهمة القسم الثقافي للسفارة الفرنسية بالمغرب ونحن نعلم ما هو دور القسم الثقافي هذا، إنه باختصار لتجنيد أمثال الشرفي لخدمة المشروع الامبريالي العالمي التغريبي. هذا عن محمد الشرفي، وماذا عن غيره؟ اعتبر العفيق الأخضر الحدود الشرعية فظاعات وجذورا متعفنة يجب علينا أن نقطعها ونقطع معها (¬3). ورجم الزانية عنده لا وجود له في القرآن، وإنما استعاره الفقهاء وأعداء المرأة من سفر التثنية التوراتي (¬4). ¬

(¬1) الإسلام والحرية (89). (¬2) الإسلام والحرية (¬3) العلمانية مفاهيم ملتبسة (199). (¬4) الحوار المتمدن - العدد: 690 - 2003/ 12 / 22.

وزاد أن العقوبات البدنية الشرعية «القصاص» التي ترجمها اليهود خلال الأسر البابلي من مدونة حامورابي تتعارض مع قيم حقوق الإنسان، وكذلك اللامساواة بين المسلم وغير المسلم وتعدد الزوجات والطلاق خارج المحكمة واعتبار المرأة قاصرة أبدية و «تناكحوا تناسلوا» وتحريم التعامل بالفوائد المصرفية تتعارض مع مصالح المرأة والمواطن والناس وحقوق الإنسان. وتكفير نظرية التطور والفلسفة والعلوم الإنسانية والجغرافيا والفيزياء الفلكية ونظرية تكون الجنين والتاريخ لأنها مناقضة لما جاء في القرآن دعوة تجهيلية للعودة بالمسلمين إلى ما قبل العلم الحديث الذي ظهر في القرن السابع عشر (¬1). وسمى الرجم: الطريقة الوحشية ... وقال متهكما: هذا العقاب السادي حتى العبث، مثل باقي الحدود الشرعية، هو الذي رصدته الشريعة «السمحاء» للزاني والزانية! (¬2). واعتبر أن سبب انحطاط المسلمين هو شريعتهم الدموية المستنسخة من مدونة حامورابي، وأن ضحاياها بالآلاف. قال: السبب الأول لانحطاط المسلمين هو تشبثهم الذُهاني بهذه الشريعة الدموية التي تعامل الإنسان كحشرة ضارة. شريعة القصاص اليهودية، التي استنسختها الشريعة الإسلامية، مُستلهَمة من مدونة حامورابي في القرن 18 ق. م. أي: أن عمرها اليوم 38 قرنا ومازالت حية تسعى وضحاياها في أرض الإسلام - في أرض الإسلام فقط - بالألوف! (¬3). ¬

(¬1) الحوار المتمدن - العدد: 690 - 2003/ 12 / 22. (¬2) الحوار المتمدن - العدد: 3252 - 2011/ 1 / 20. (¬3) نفس المرجع.

والحدود الشرعية عند العفيف الأخضر تشكل اليوم جريمة موصوفة وانتهاكا استفزازيا لشريعة حقوق الإنسان العقلانية والإنسانية الكونية (¬1). واستنكر العفيف الأخضر ذبح الحيوان على الطريقة الإسلامية وسخر منها محبذا طريقة أسياده ومربيه، قال عن الشريعة الإسلامية بعد أن سماها «شريعة حامورابي»: وتحرم وتجرم القتل الرحيم للحيوانات المعمول به في جميع مسالخ العالم تقريبا إلا مسالخنا حيث نذبح الحيوانات وهي تصرخ وتتبوّل من شدة الألم!. وقسوة الشريعة الإسلامية على الإنسان والحيوان عنده هي إحدى تجلّيات العنف العتيق الذي أنزله الإنسان بالإنسان وحيوان الصيد. فقد أكل الإنسان الإنسان لملايين السنين كما برهنت على ذلك الباليونتولوجيا [= علم الأحافير] (¬2). ولقد أحسن العلماني نادر قريط حيث قال معقبا على مقال العفيف الأخضر: لا أنكر صدمتي بالمقال ليس حبا بالشريعة القروسطية (¬3) وقطع الأيدي والإرجل من خلاف، بل لأمر آخر، فقد كنت أنتظر من المثقف التونسي الأبرز واليساري السابق رأيا فيما حدث ويحدث في تونس .. الشريعة والسودان والترابي أشبه بطبخة بائتة تثير التقيؤ .. أما تونس فنموذج للأمل والحرية .. أستغرب أن يمتلك المرء في شبابه عاطفة يسارية نقعها حب الشعب، ثم يُلقي خريفه في صقيع العقل وبروده .. في كل قراءاتي المتأخرة للعفيف لمست تبجيله للنظام التونسي واعتباره نموذجا للعلمنة وحرية المرأة وهذا حق (يُراد به حق) لكنه كان لا يرى ¬

(¬1) نفس المرجع. (¬2) الحوار المتمدن - العدد: 3252 - 2011/ 1 / 20. (¬3) أي: القرون الوسطى. وهنا يلتقي العلمانيان لا مساهم الله بخير.

الوجه الآخر للعملة .. وكلاعب يحترف لعبة اللغة كان يُلمع بشطارة صورة الاستبداد المافيوزي .. العفيف ويا للعنة كان طبالا لغزو وتمزيق العراق وقيام دولة حثالات الطوائف وفرق الموت، بحجة القضاء على ديكتاتورية بغيضة .. في كلا الحالتين مفارقة عجيبة .. والأعجب برأيي أن يخسر الإنسان عقله وقلبه بآن معا، في هذه الحالة يصبح موت المثقف أمرا مؤكدا (¬1). قلت: وهذا غير خاص به فكل العلمانيين التونسيين كانوا يباركون خطوات الطاغية ابن علي، ونفس الشيء فعله علمانيو سوريا ومصر وغيرها. وقال هاشم صالح عن القانون الجنائي: كلها قوانين لا يمكن المحافظة عليها في هذا العصر، إنها مضادة للنزعة الإنسانية ولكرامة الإنسان في الصميم (¬2). وأكد عبد المجيد الشرفي أن حد الردة لا وجود له في القرآن، والحديث الوارد فيه ضعيف (¬3). وأما القصاص بالقتل فقد كان مناسبا لمجتمع قديم قبلي بسيط. أما بعد وجود مؤسسات الدولة الحديثة فلم يعد له مبرر (¬4). وقطع يد السارق كان مناسبا لظروف مجتمعات بدائية، وليس حكما مقصودا لذاته، فكلما حقق الردع فهو هدف القرآن (¬5). ¬

(¬1) الحوار المتمدن - العدد: 3252 - 2011/ 1 / 20. (¬2) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (66). (¬3) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (67). والحديث الذي أشار إليه رواه البخاري (6/ 6524) وغيره عن ابن عباس. (¬4) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (68 - 69). (¬5) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (70).

وجلد الزاني كان مناسبا لمجتمع بدوي يعير نقاوة النسب أهمية بالغة (¬1). فنقاوة الأنساب لا عبرة بها عنده. وقال عادل ظاهر عن الحدود الشرعية: هي موجهة لجماعة معينة في ظل ظروف تاريخية واجتماعية معينة ولا تجد بحكم طبيعتها تطبيقا لها إلا في ظل ظروف مماثلة، إذن فهي لا تعنينا ولا يجوز أن تعنينا الآن، خصوصا وأننا قد تجاوزنا بما لا يقاس الظروف التي قد تكون قد جعلت العمل بموجب هذه الأحكام أمرا مناسبا (¬2). وسخر فرج فودة في كتابه «نكون أو لا نكون» (78) من الحدود. واعتبر أن الرجم حد مستحيل التطبيق (¬3)، وأن شروط الشريعة في الزنا قاسية، بل ومستحيلة، وفضل القوانين الوضعية عليها (¬4). واعتبر القمني أن حكم حد الردة لم يعرفه الإسلام والمسلمون إلا زمن أبي بكر وقد وضعه لتحقيق هدف سياسي لصالح خلافته وبهدف القضاء على المعارضين لخلافته باسم الإسلام، والإسلام منه بريء (¬5). وقال في انتكاسته: الموجود في كل هذه المصادر (أي: القرآن والحديث والفقه والسيرة) هو نظام عقابي لا نظام قانوني حقوقي، والموجود لدينا هوفقه عبودية وجهاد وحرب وسبي وجزية وتقطيع أوصال البشر أحياء، نظام عقابي انتقامي لا نظام تهذيبي تأديبي. ¬

(¬1) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (83 - 84). (¬2) الأسس الفلسفية للعلمانية (282). (¬3) الحقيقة الغائبة (57). (¬4) الحقيقة الغائبة (58). (¬5) أهل الدين والديمقراطية (103).

الدية

الدية. الدية في نظر العشماوي كانت سببا وجيها في بداية عهد المؤمنين أي: الإبقاء على حياة رجل مؤمن إن عفا عنه المعتدى عليه أو ولي دمه فيتكاثر المؤمنون في مواجهة الكفار. وأما في العصر الحالي فإن تطبيقه يؤدي إلى خلل رهيب إذ يستهين من يملك المال بأرواح الناس ونفوسهم مادام يستطيع أن يدفع الدية. ولذلك فالأوفق في نظره هو ما عليه القوانين الوضعية (¬1). موقف الإسلام من المرأة عنصري. ذكر نصر أبو زيد في دوائر الخوف (29) أن الخطاب الديني حول المرأة طائفي عنصري. وذكر محمد الشرفي في الإسلام والحرية (103) أن قواعد الفقه الإسلامي منافية لحقوق الإنسان وهي قواعد معادية لمبادئ الحرية الفردية والمساواة بين جميع البشر من جهة وبين الرجل والمرأة من جهة أخرى. وذكر في موضع آخر من كتابه (127) أنه لا مساواة فيه، وأنه قانون تمييز في أساسه، وأن قوانين الفقه الإسلامي جائرة، وبالغة القسوة. واعتبر القمني عدم المساواة بين الرجل والمرأة ظلما (¬2). الحجاب والعورة والعفة مفاهيم بالية، يجب تجاوزها. لا معنى للحجاب والعفة والحياء والحشمة في نظر العلمانيين، فهذه مفاهيم ¬

(¬1) جوهر الإسلام (¬2) أهل الدين والديمقراطية (313).

ارتبطت بتاريخها وبيئتها، وكانت تعتبر تقدما ورقيا في زمانها، أما الآن فالأمور تغيرت وتبدلت. وشرائع الإسلام وأحكامه بل وعقائده كانت مرتبطة بواقع تاريخي معين، وبالتالي يجب تجاوزها وإحلال النظم الغربية معها لأنها الأقدر على التعبير عن هموم العصر وملابساته. فنصر أبو زيد مثلا يرى في كتابه دوائر الخوف (237) أن العورة ليست مفهوما مفارقا لبنية الثقافة في سياقها السوسيوتاريخي. وقال (125): إن حبس المرأة في زي الحجاب تجسيد رمزي للتغطية على عقلها ووجودها الاجتماعي هو عملية قتل شبيهة بعملية الانتحار الشعائري المؤقت المشار إليها في حداد المرأة المصرية. وسمى الحجاب سجنا (116). واعتبر أركون الحجاب قيما عتيقة بالية عفا عليها الزمن (¬1). وجعله محمد الشرفي غلا من الأغلال (¬2). وأما محمود محمد طه العلماني السوداني فيرى أن الحجاب ليس أصلا في الإسلام، وإنما الأصل هو السفور (¬3). وإنما كان الأصل في الإسلام السفور لأنه حرية، والأصل في الإسلام هو الحرية (¬4). وكتاب طه المذكور هنا مليء بالسفه والحمق والجهالات التي تتدافع ¬

(¬1) نحو نقد العقل الإسلامي (313). (¬2) الإسلام والحرية (8). (¬3) الرسالة الثانية من الإسلام (165). (¬4) نفس المرجع (166).

كموج البحر، وهو لا يقر على حال ولا رأي، تارة إسلامي، وتارة علماني، وتارة غنوصي، وتارة زنديق، وتارة صاحب هوى، يقول كل ما بدا له، ولم أر في العلمانيين أكثر تخليطا منه. ومن أغبى جهالاته زعمه أن المسلمين أمة لم يجيئوا بعد، ولقد تنبأ النبي بمجيئهم في آخر الزمان. وأما الموجودون حاليا فهم المؤمنون (¬1). في حين لا معنى للحديث عن العورة والحجاب حسب علي حرب، قال: إنه في ظل انتشار أفلام البورنو والمجلات الإباحية لا يجدي أن نقول إن الجسد عورة وأن الحجاب ستر وأنه لا ينبغي أن نغلق الحانات والبارات (¬2). وغضب عبد الوهاب المؤدب كثيرا لعودة الحجاب، قال في أوهامه: علي أن أعترف بأنني أصبت بما يشبه الصدمة حين عادت النساء إلى التحجب أمام عيني في أحد حصون الحرية والثقافة الغربية، أعني فرنسا، وفي باريس بالذات (¬3). وعند خليل عبد الكريم انتقل الحجاب إلى المسلمين من الدولة الساسانية الفارسية (¬4). وفي كتاب آخر له قرر أن الحجاب والنقاب وغيرها من الشعائر الإسلامية التالية هي عادات عربية تسربت إلى الإسلام، كالحجاب والنقاب وعمل المرأة وحبسها في البيت، والفصل بين الجنسين في معاهد التعليم ومنع الآلات الموسيقية خلا الدف والذهاب إلى الجامعة على ظهر ناقة (كذا قال المهرج) والذهاب إلى قضاء الحاجة في الخلاء (الصحراء) في جماعة متشابكة ¬

(¬1) نفس المرجع (170). (¬2) الممنوع والممتنع (97). (¬3) أوهام الإسلام السياسي (42). (¬4) الأعمال الكاملة (279).

الأيدي (كذا قال المهرج)، والاستجمار بثلاثة أحجار بدل الماء (كذا قال المهرج)، وتحريم الفنون الجميلة: الموسيقى، المسرح، السينما، الأوبرا ... إلخ، ولبس شورت للرياضة للرجال تحت الركبة ... ولعب الفتيات الرياضة في الخفاء بعيدا عن عيون الناظرين، وتحريم الربا ما لم يتحول اسمها من فوائد إلى عوائد أو أرباح ... إلى آخره تهريجه (¬1). كل هذا في نظر مهرجنا أعراف قبلية سابقة على الإسلام (¬2). فليس الإسلام في حسبانه إلا دين الجاهلية والسلام. وممن يجيد التهريج من المصريين كذلك، بل هو سيدهم في ذلك كله: سيد القمني، فالحجاب عادة لا تعرفها المصريات إلا عند بعض الطبقات المصرية المالكة، والأكثر ثراء، ومع ثورة 1919 قرر المجتمع المصري المساواة بين مواطنيه، فخلعت المرأة المصرية الحجاب (¬3). ومع ما أسموه الصحوة كما يقول القمني عاد الحجاب والنقاب عابقا برائحة النفط الصحراوي الجافة القاسية (¬4). وهكذا تحول الشعب المصري إلى شعب مسلوب الإرادة وخاضع للأوامر (¬5). وهدف السعودية في نظر سيد التهريج طبعا هو الثأر لهزيمتها زمان محمد ¬

(¬1) الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية (102). (¬2) نفس المرجع (1 (¬3) انتكاسة المسلمين (387 - 388). (¬4) نفس المرجع (389). (¬5) نفس المرجع (390).

علي. وهدفها نشر الفوضى والدمار الأخلاقي (¬1). وهكذا حسب سيد التهريج دفعت السعودية لهذا الغرض 70 مليار دولار (مثل ثروة مبارك، ما أدري ما للمصريين وهذا الرقم). وبالتالي تم اختراق مفاصل الدولة المصرية العريقة ومؤسساتها ونخرها بالسوس الوهابي، كما قال (¬2). وسمى الحجاب الأداة القامعة (¬3). في حين أكد طيب تزيني أن منع سفور المرأة له علاقة بهيمنة المجتمع الذكري تاريخيا، بل زاد أن هذه المسألة أصلها من العقيدة النصرانية (¬4). وأيد العفيف الأخضر قرار فرنسا منع الحجاب واعتبر أنه لا يوجد مبرر موضوعي لهذا القطاع من المثقفين لكي يؤيد الحجاب، واعتبر أن منع الحجاب يجعل المرأة أكثر كرامة (¬5). ولما سأله مناحم ميلسون: كيف يجعل منع الحجاب المرأة أكثر كرامة؟ قال العفيف الأخضر: لأنه يرد لجسدها الاعتبار. لماذا؟ لأن جسد الرجل عورة جزئية: من السرة إلى الركبة. أما جسد المرأة فكله عورة - عدا الوجه والكفين - حتى في قيمة جسدها ليست المرأة المسلمة مساوية للرجل المسلم! يري محلل نفسي فرنسي أن الإسلاميين الفرنسيين يطالبون بالحجاب لأن شعر المرأة يذكرهم بشعر لها في مكان آخر [= شعر العانة] فتهيج غرائزهم. وهذا اختزال ¬

(¬1) نفس المرجع (395). (¬2) نفس المرجع (396). (¬3) نفس المرجع (413). (¬4) مقدمات أولية (320). (¬5) الحوار المتمدن - العدد: 2037 - 2007/ 9 / 13.

الاختلاط

للمرأة إلى جنس. ويكون الحجاب في هذه الحالة «حلا» سخيفا لكبت الإسلاميين الجنسي. وهذا معناه لا شعوريا أن كل امرأة سافرة بغيّ يحق لكل مسلم أن يغتصبها. لذلك منع فقهاء الإسلام على الجارية المسلمة أن تتحجب. وكذلك منعوا على المرأة غير المسلمة أن تتحجب ... أي: أنه يحق للمسلم أن يغتصبها متى شاء. وهذا كان مدلول الحجاب عند كهنة بابل في القرن 18 قبل الميلاد! المرأة المتحجبة حرة مملوكة لرجل بابلي حر لا يجوز لأي رجل آخر أن يغتصبها. أما المرأة السافرة فهي امرأة سافلة اغتصابها مشروع!. وهكذا فدلالات الحجاب التاريخية والسوسيولوجية، الأنثروبولوجية والسيكولوجية (¬1) ... كلها تشير إلى الحط من كرامة المرأة (¬2). ولعلي في غنى عن التعليق على هذا السفه. فهو كما قال صديقه القمني عن غيره: لا يمكن تصنيفه ضمن أبواب النقد المثمر بقدر ما كان لونا من السفه والبذاءات المتكررة الدائمة (¬3). الاختلاط. الاختلاط حسب محمود طه هو الأصل في الإسلام (¬4). وحسب محمد الشرفي أمر أساسي (¬5). ¬

(¬1) والحمقلوجية والسفهلوجية. نسبة إلى الحمق والسفه الذين لزما علمانيي الدكتاتور ابن علي. (¬2) الحوار المتمدن - العدد: 2037 - 2007/ 9 / 13. (¬3) شكرا ابن لادن (54). (¬4) الرسالة الثانية (166). (¬5) الإسلام والحرية (257).

المساواة التامة بين الرجل والمرأة

المساواة التامة بين الرجل والمرأة. ذكر عادل الجندي أن من أهداف العلمانية المساواة التامة بين الرجل والمرأة وبين المؤمنين وغير المؤمنين وبين المعتقدات (¬1). في حين أكد محمود محمد طه على أن عدم المساواة بين الرجال والنساء ليس أصلا في الإسلام، وإنما الأصل هو المساواة، لكن نظرا للظروف التي وجد فيها فرق في بعض الأحكام، مع أن مراد الدين هو المساواة (¬2). من صور التمييز ضد المرأة: عدد محمد الشرفي في الإسلام والحرية من صور التمييز ضد المرأة والحيف لصالح الرجل: تعدد الزوجات للرجل بينما لا يسمح للمرأة بمثل ذلك (60)، وإلزام المرأة بالعدة (62)، وإلزام الرجل بالغيرة على زوجته (63) وحق الزوج في ضرب زوجته (66)، وإسناد ولاية الأبناء للأب في حالة الطلاق (66)، والحضانة للأم وتوزيع الإرث على أساس للذكر مثل حظ الانثيين ولبس النقاب والحجاب وغيرها (66). أحكام الزواج والطلاق. اعتبر محمد الشرفي في الإسلام والحرية (124) أن الأحكام الواردة في القرآن كالزواج والطلاق ونحوها مجرد توجيه ونصيحة عامة، وعلى المشرع وضع القوانين الصالحة لكل مجتمع بما يراه أهله وفق انتخابات ديمقراطية. ¬

(¬1) العلمانية مفاهيم ملتبسة (321). (¬2) الرسالة الثانية (1

تعدد الزوجات

وأن آية الطلاق {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} مجرد توصيات (122)، أملتها الظروف (123). واعتبر أن تعليق الطلاق بيد الرجل أملته ظروف مجتمع يسيطر عليه الرجال (123). والواجب تعليق الطلاق بيد القاضي (122 - 123). أما بلديه ورفيق دربه عبد المجيد الشرفي فعدة المطلقة أو المتوفى عنها زوجها يغني عنها في عصرنا الوسائل العلمية للتأكد من حمل المرأة من عدمه (¬1). وعليه فلا ينبغي الركون إلى الوسائل البدائية والتمسك بحرفية النصوص من غير محاولة فهم الغرض منها على ضوء تقدم العلم (¬2). وأما نكاح ملك اليمين، فقال عنه القمني في انتكاسته (92): اغتصاب يعاقب عليه بالإعدام. تعدد الزوجات. حسب عبد المجيد الشرفي في الإسلام بين الرسالة والتاريخ (82 - 158) لم يكن إلا تكريسا لما كان معهودا في الجاهلية، سعيا لزيادة عدد المسلمين. وتهجم بلديه محمد الشرفي في الإسلام والحرية (7 - 102 - 144) على تعدد الزوجات مرارا. واعتبر محمود محمد طه في الرسالة الثانية (162) أن تعدد الزوجات ليس أصلا في الإسلام وما حدث منه كان استجابة لظروف معينة. ¬

(¬1) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (84). (¬2) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (85).

شرب الخمر وأكل الدم ولحم الخنزير شأن خاص

شرب الخمر وأكل الدم ولحم الخنزير شأن خاص. قال القمني في انتكاسته (161): ومن تَعِفْ نفسه شرب الخمر أو أكل الدم أو لحم الخنزير فلا يفرضها على غيره، فهي شؤون ذاتية تتعلق بالذوق الخاص جدا، ولا تلزم الآخرين بها. أحكام أخرى مختلفة. سخر القمني في انتكاسته (159) مكذبا بكون الأدعية تأتي بالمراد، أو أن الصلاة سبب لسقوط المطر، أو أن رجم إبليس له قيمة خاصة لأن على طول مدة الرجم على مر العصور فإنه بحسب أهل الدين لم يرتدع عن إغوائه المؤمنين. وأنكر في كتابه أهل الدين والديمقراطية (14) الرقية بالقرآن، بل جعلها سبيلا إلى مزيد من المرض واستفحاله وأذى الناس والتجارة بأمراضهم وعللهم وهي أسوأ تجارة ممكنة وأكثرها نكارة وبشاعة. وأنكر أن يكون المرض سببه الابتلاء أو العقاب من الله (14). وتساءل في انتكاسته (97) مستهزءا: كيف لم توجد آية الدستور؟ أليست أهم من الفيل والبقرة والنمل والجن؟ ولماذا لا توجد سورة الإرادة الشعبية؟ ولماذا لا يوجد باب في صحاح الحديث بعنوان حقوق الإنسان مثله مثل باب النكاح؟ في حين اعتبر مفتي الشيوعية خليل عبد الكريم أن صلاة الاستسقاء والكسوف ودعاء الريح وكف الصبيان والماشية بعد الغروب كلها معطيات تاريخية تأثرت بالبيئة التي ظهرت فيها والمجتمع الذي وردت فيه، أي أنها تسربت للإسلام من بيئته ومن الأعراف والتقاليد العربية البدوية (¬1). ¬

(¬1) الإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية (186 - 188).

لكن يبقى فرج فودة هو ألد أعداء تطبيق الشريعة، كما هو واضح من خلال كتبه، بل برنامجه ومشروعه مختصر في نقطة واحدة هي: عدم تطبيق الشريعة. وهو يعتبر الدعوة إلى تطبيق الشريعة دعوة إلى قلب نظام الحكم (¬1). وقد كتب منددا بما فعله مستثمر سعودي لما أشرف على فندق في مصر ومنع تقديم الخمر. وأغضب هذا كثيرا فرج فودة، واستعدى بالدولة لمنع التلاعب بقوانين الدولة المصرية ناصحا إياه بالتراجع عن هذه الفعلة الشنيعة، وأن مصر ليست في حاجة إلى ريالاته وطالب وزير السياحة بسحب التراخيص منه ومن أمثاله. وطالب السعودي بالتأدب والرحيل لبلده لتحقيق مشاريعه (¬2). لهذه الدرجة يكره القوم الشريعة وأحكامها. ¬

(¬1) نكون أو لا نكون (53). (¬2) نفس المرجع (68 - 72 -

الأخلاق

الأخلاق تنظر العلمانية إلى الأخلاق كقيم نسبية تتغير من عصر إلى عصر، ومن مكان إلى مكان. وأن القيم الدينية يجب تجاوزها بل هي أصبحت بالية، ويجب فصل الدين عن المنظومة الأخلاقية، فأخلاق كل زمان بحسبه، فإذا كان مفهوم العفة الديني يناهض الزنا والشذوذ الجنسي وزنا المحارم والسفور، فإن العلمانية تربط الأخلاق والقيم لا بالثوابت، ولكن بالتاريخ والزمن كما يقول عزيز العظمة (¬1). والأخلاق كما يقول عادل ظاهر: نشاط معرفي مستقل منطقيا عن الدين (¬2). وقد خصص الفصل السابع في كتابه «الأسس الفلسفية للعلمانية» لبيان أن أساس الأخلاق ومرجعها المعرفي هو الإنسان والطبيعة، لا الله والدين (¬3). يقصد أن الأخلاق شيء يصنعه ويبدعه الإنسان بعقله وتجاربه، ويجب عدم إقحام الدين في هذا المجال، وأن المعايير الخيرية الأخلاقية مستقلة منطقيا عن الله. وهذا ما أكد عليه القمني حيث جعل الأخلاق مسألة معيارية ومجموعة قيم متغيرة دوما بتغير البنى التحتية (¬4). وقال: فالمعروف هو ما تعارفت عليه قيم وعادات زمانه، والمنكر هو ما أنكره العرف الاجتماعي وقيم زمانه (¬5). وأطال القمني في فصل خاص في انتكاسته (142 - 143) بيان أن القيم هي ¬

(¬1) العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة (بعد 91). (¬2) الأسس الفلسفية للعلمانية (53). (¬3) نفس المرجع (191). (¬4) شكرا ابن لادن (21). (¬5) انتكاسته (31).

أحكام بشرية يصدرها الفرد أو المجتمع كناتج لعلاقة تفاعلية بين الفرد والمجتمع. وذكر أنها متغيرة ومتطورة حسب الزمان والمكان، وزاد: إن القيم التي وضعتها الحضارة الإنسانية هي الأصدق من القيم المحكية عن الفقهاء والكتب التراثية في شكل كتالوغات غير حقيقية (146 - 147). بل الأدهى من هذا إن القول بالقيم الدينية في نظر القمامي لا يترتب عليها إلا الضرر (148). أو بعبارة محمد أركون الذي أكد على تاريخية القيم الأخلاقية وأن إلغاء هذه التاريخية وتحويل هذه المعطيات الاجتماعية إلى نوع من المعايير المثلى والأحكام المتعالية والمقدسة مشكلة جذرية (¬1). وبالتالي فالأخلاق الدينية مفاهيم متجاوزة، حسب أركون، يقول: فالروحانية والأخلاق التقليدية عفا عليها الزمن ولم تعد بقادرة على التأثير في الحياة الحديثة. ثم ذكر أن الغرب منخرط الآن في إيجاد مفاهيم جديدة للأخلاق (¬2). ودعا إلى الخروج من منظومة الأخلاق الإسلامية بتأسيس علم سماه: ما فوق الأخلاق، أي: علم يدرس كل الأنظمة الأخلاقية المختلفة من نقطة خارجها لفهم أوجه تشابهها واختلافها وآليات اشتغالها (¬3). هذا المشروع يقوم على نقد القيم الأخلاقية الإسلامية المرتكزة على القرآن، وبيان أن القيم تتغير وتتبدل وتخضع لتقلبات التاريخ (¬4). ¬

(¬1) الإسلام الأخلاق والسياسة (173). (¬2) قضايا في نقد العقل الديني (218). (¬3) الإسلام الأخلاق والسياسة (84). (¬4) الإسلام الأخلاق والسياسة (84).

وتحدث أركون عما سماه تفسخ القيم القديمة وحلول قيم جديدة محلها (¬1). من هنا لاحظ أركون كيف أن الفكر الإسلامي يخلط بين ما هو ديني بما هو أخلاقي، فمثلا قيم القناعة والكفاية والكفاف والصبر والزهد والضيافة والكرم والحرص والشره والبخل يعرض لها الذهبي في كتاب الكبائر على أن الإخلال بها خطيئة في حق الله. وهذا ما لا ترضاه علمانية أركون، ولابد في نظره من التمييز بين الديني والدنيوي (¬2). حتى مفاهيم مثل القناعة والصبر والضيافة والكرم يرغب العلمانيون في فك ارتباطها بالدين، مما يؤكد أن العلمانية هي الوجه الحديث للإلحاد بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. بينما اعتبر القمني أن القيم الوضعية هي الأصل لا القيم الأخلاقية الإلهية البدائية. قال القمني عن القيم الإسلامية زمن الدعوة الإسلامية: لا يعني أنها كانت قيما دينية، بقدر ما كانت مغرقة في ذاتيتها وبدائيتها وغرائزيتها، بحكم زمنها وطبيعة بيئتها القاسية (¬3). ونقل عن العلمانيين أن القيم الوضعية الإنسانية التي تعارف الناس عليها، وتوافقوا بشأنها في مجتمع بعينه في زمن بذاته، هي التي تشرح لنا القيم الإلهية وتفسرها (¬4). فالقيم العلمانية الوضعية هي التي تفسر القيم الإلهية، ولنضرب مثلا لذلك مفهوم العفة في عصرنا يعني تحرير المرأة من كل الأحكام المسبقة والفروض ¬

(¬1) نفس المرجع (89). (¬2) نفس المرجع (96 - 97). (¬3) انتكاسة المسلمين (162). (¬4) انتكاسته (34).

الدينية الأخلاقية، وعليه فالعلاقات الثنائية، بل التواصل الجنسي بين الرجل والمرأة لا غبار عليه، وهذا المفهوم هو الذي يفسر لنا مراد الله بأخلاق المرأة والعفة بمفهومها الإسلامي. وهكذا يسحب القمني قمامته على الدين الحنيف الطاهر العفيف المنزه عن القمامات. ونقل مؤيدا عن جَرْو علماني اسمه راضي عاقل قوله: بينما الدين عموما والإسلام خصوصا هو نقيض الأخلاق، ويساهم بشكل فعال في تشويه نفسية المؤمنين به وقتل حسهم الأخلاقي (¬1). والحاصل أن الأخلاق في المفهوم العلماني تقطع مع أية ثوابت أو أديان أو مطلقات، فهي مسألة اجتماعية نسبية، تخضع للتطور والتحول، وكل مجتمع يرسم الأخلاق التي تناسبه. فما قد يكون فضيلة هنا، قد لا يكون كذلك في مجتمع آخر. أو بعبارة فلسفية: فالأخلاق لا علاقة لها بالفضيلة أو الاحتياجات الروحية أو المعنى، وإنما لها علاقة بالسعادة (اللذة) والمنفعة، وبالتالي عُرِّف الخير والشر تعريف ماديا كميا، فالخير هو ما يدخل السعادة (اللذة) والشر هو عكس ذلك هو ما يسبب الألم والضرر (¬2). فإن أدى الفرد واجبه على أكمل وجه فهو مواطن خير صالح جيد (حتى ولو كان هذا الواجب هو إبادة المعوقين والمرضى والعجزة وأعضاء الأقليات). وإن تقاعس في الأداء وانخفضت الكفاءة فهذا هو الشر. كما يقول المسيري (¬3). هنا يتم قطع أية صلة بين الدين والقيم. وتتحول القيم إلى منفعة مادية. ¬

(¬1) نفس المرجع (166). (¬2) العلمانية الجزئية والشاملة (315). (¬3) العلمانية الجزئية والشاملة (317).

وعليه فأنا أرى أن العلمانية تختزل في المادية أو بحسب عبارة ماركس: لا إله والحياة مادة، هذا هو جوهر العلمانية من أولها إلى آخرها. ولا يبقى للقيم الدينية أية قيمة معيارية، ولهذا تجاوزت الحضارة الغربية العلمانية كل المفاهيم الدينية الأخلاقية، فمسألة الشذوذ الجنسي تعتبر حقا من حقوق الإنسان، بل سيطر الشواذ على لجان تابعة للأمم المتحدة (¬1). والتوقيع على وثيقة إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة cedaw يجعل معارضة الشذوذ الجنسي ولو برسم كاريكاتوري عملا يعرض صاحبه للمساءلة القانونية، لكونه معارضة لحقوق الإنسان (¬2). واتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل تنص على أن للطفل حرية الشذوذ الجنسي مع الكبار، والاعتراف بحرية الشذوذ شرط من شروط الدخول إلى الاتحاد الأوربي على تركيا (¬3). ولأن الأخلاق الدينية كالعفة متجاوزة كان أوجست كونت صاحب الفلسفة الوضعية أعانته بغي على صياغة المذهب أثناء احترافها البغاء، ثم تزوجها ثم انفصل عنها، ليهيم بامرأة متزوجة من رجل هارب من مطاردة الشرطة (¬4). وأصبح في ألمانيا منذ عام 2001 يحصل المتزوجون الشواذ من نفس الجنس على التسجيل المدني ويتمتعون بمعظم امتيازات المتزوجين (¬5). وأصبح تبادل الزوجات والجنس المثلي والدعارة ونقابات البغاء وعاملات الجنس شيئا شائعا في الغرب. ¬

(¬1) الغرب والإسلام (2 (¬2) نفس المرجع (239). (¬3) نفس المرجع. (¬4) الإسلام بين التنوير والتزوير (207). (¬5) العلمانيون والقرآن (104). نقلا عن خواء الذات والأدمغة المستعمرة لمراد هوفمان (78).

علوم الإسلام

علوم الإسلام علم الفقه الإسلامي: توالت طعون العلمانيين وسخريتهم من علم الفقه الإسلامي، وإلصاق كل نقيصة به، والتشكيك في فعاليته وقدرته على مواجهة المستجدات، بل الطعن في إسلاميته. فهذا القمني يستهزئ في كل وقت وحين بعلوم الإسلام دون استثناء، وسماها أساطير وامتنع من تسميتها علوما، قال في انتكاسته (40): في أساطير تسمى علوما كعلوم الفقه وكتب الفتاوى والموقعين عن رب العالمين. وهذا محمد الشرفي اعتبر في الإسلام والحرية (127) أن الفقه الإسلامي قانون تمييزي في أساسه، وأن قوانينه جائرة وبالغة القسوة ولا مساواة فيها. وهو مجرد إنجاز بشري محض قد تجاوزه الزمن تجاوزا كليا (124). واتهمه بالتمييز ضد المرأة، وأكد على أهمية فضح هذا التمييز والتنديد به (60). ووصف تشريعات الإسلام بخصوص المرأة بالحيف الصارخ المفضوح، وأن الفقه الإسلامي فيه تمييز ضد المرأة وفيه قواعد كبرى مكرسة لدونية المرأة وتكريس اللامساواة (66). وشكك أركون في كون الشريعة الإسلامية ذات أصل إلهي، واعتبره وهما كبيرا (¬1)، وأنها قانون وضعي كامل (¬2) وقال: في الواقع إنه في خلال النصف الأول ¬

(¬1) تاريخية الفكر العربي (296 - 297). (¬2) نفس المرجع (297).

من القرن الهجري التأسيسي الأول كان عمل القضاة (¬1) يستوحي أساسا الأعراف المحلية السابقة على الإسلام، والتي كانت تختلف حسب الأماكن. وكان الرأي الشخصي للقضاة هو الذي يفصل في المسائل المطروحة في نهاية الأمر. وأما الرجوع إلى القانون القرآني فلم يحدث إلا بشكل متقطع، وليس بشكل منتظم كما حاولت الرواية الرسمية أن تشيعه (¬2). فالمرجع النهائي حسب أركون للفقه هو الأعراف الجاهلية. أما الرواية الاستشراقية لغولد زيهر وشاخت فهي الرواية الصحيحة القائمة على النقد التاريخي حسب أركون (¬3). والملاحظ في كتابات العلمانيين في خصوص هذا العلم خلطهم بين النصوص الشرعية متمثلة في الكتاب والسنة التي هي تشريع رباني عادل وحق. وبين اجتهادات الفقهاء، ممثلة في الفقه الإسلامي المحتملة للخطأ والصواب. وبين الواقع التاريخي، وخاصة للأمراء والخلفاء في الإماء والعبيد وغيرها، التي يغلب فيها الانحراف عن الشريعة عموما من جهة ثالثة. والخلط بين هذه الأمور سنة سيئة للقمني في سائر كتبه ومحمد الشرفي في كتبه وغيرهم. فالأخير مثلا عند حديثه عن التمييز ضد المرأة في الإسلام خلط بين هذه العناصر الثلاثة، واستند إلى الواقع التاريخي للخلفاء في اعتدائهم على النساء وجعله حجة لإظهار تمييز الفقه ضد المرأة (¬4). واعتبر عبد المجيد الشرفي في تحديث الفكر الإسلامي (62) أن ¬

(¬1) أي: قضاة الصحابة. (¬2) تاريخية الفكر العربي (297). (¬3) نفس المرجع. (¬4) الإسلام والحرية (60 - 61 -

علم التفسير

المنظومة الفقهية فقدت مصداقيتها. علم التفسير: وصف العلمانيون علم تفسير القرآن بأوصاف تنقيصية منها: - تسييج الفهم وحصره فيما ترتضيه الفرقة العقدية والمذهب الفقهي المعترف بهما. - لا يقبل على التفسير إلا من تقدم به السن. - اتسم بالوثوقية المفرطة والإقصاء. - له صبغة تاريخية، وارتبط بأوضاع وقيم بعيدة عن أوضاع المسلم المعاصر. - أصبح عبئا ثقيلا على الفكر الإسلامي. - هو استجابة لظروف معينة وأوضاع اجتماعية معينة. - يتسم بنظرة مثالية. - لسنا في حاجة إلى تفسير النبي للقرآن والسنة ولا تفسير الصحابة (¬1). علم السيرة النبوية: سيرة ابن إسحاق تصور خيالي وضعه ابن إسحاق حسب محمد أركون، قال: منذ أن كان ابن إسحاق قد شكل لكل المسلمين إطارا من التصور الخيالي - وليس من المعرفة - للسيرة النبوية ثم شكل أنماط الإدراك الحسي للعصر الافتتاحي الأول، فإن الفكر الإسلامي لم يحاول أبدا أن يفكك البناء الإيديولوجي ¬

(¬1) هذه الطعون في الإسلام بين الرسالة والتاريخ: (174 - 175 - 176 - 170 - 171).

(أو القصر) المشاد بمساعدة العناصر والأساليب المتداخلة التي تنتمي إلى الأسطرة والتقديس والتعالي والأدلجة (¬1). وأكد على ضرورة تجاوز هذه الحكايات التبجيلية التضخيمية وكذا تجاوز الشخصيات الرمزية الكبرى لهذه الحكايات (¬2). ولهذا أكد على ضرورة إعادة صياغة السيرة النبوية وسيرة الصحابة وفق منهجية المدرسة التاريخية الحديثة (¬3)، وليس على الطريقة التبجيلية التقديسية الموروثة (¬4). وقال عن ابن إسحاق الذي هو المصدر الأهم للسيرة النبوية: ... يتمترس ويختبئ وراء المشروعيات أو السيادات التي تفوقه وتتجاوزه (¬5)، وزاد: لقد وقع ابن إسحاق تحت ضغط وتأثير الحكايات الشعبية المنقولة عن طريق القصاصين والوعاظ وحكايات الأولياء والصلحاء والاستشهادات الشعرية، كما أنه ساهم في عملية التمويه والتعمية الموضوعية ضد الجاهلية التي كان القرآن قد افتتحها. لقد مُوهِّت الجاهلية أو قُدمت بشكل سلبي من أجل تبيان الحقيقة الساطعة للإسلام بشكل أفضل (¬6). ثم بيّن مَن صنعه الغرب على عينه أن ابن إسحاق كان هدفه تشكيل صورة رمزية مثالية مقدسة عن طريق ذكر المعجزات والأعمال الخارقة وأشجار الأنساب والأوضاع الدرامية، ثم قال: إن هذه الصورة المثالية موجهة لملازمة ¬

(¬1) تاريخية الفكر العربي (260). (¬2) نفس المرجع (260). (¬3) التي تستبعد كل عناصر غيبية أو خرافية أو مضامين مقدسة. (¬4) نحو نقد العقل الإسلامي (19). (¬5) يقصد الله تعالى. (¬6) تاريخية الفكر العربي (82).

علم العقيدة وعلم الكلام

المخيال الجماعي وتحريكه وتنشيطه أكثر مما هي موجهة لتركيب أو كتابة سيرة إنسان يدعوه غالبا برسول الله (¬1). ثم ختم أركون اتهاماته باتهام ابن إسحاق بالتلاعب بالحكايات، والمقدرة على الاختراع (¬2). هكذا قزّم السيرة النبوية وحامل لوائها ابن إسحاق تحت ستار النقد التاريخي: ابن إسحاق يتمترس ويختبئ، واقع تحت ضغط الحكايات الشعبية التي نقلها القصاصون، يقوم بعملية التمويه والتعمية، متلاعب. واتهم عبد المجيد الشرفي العلماء بالسعي إلى فرض سيرة متحجرة (¬3). ولا نفهم من الطعن في السيرة إلا الطعن في صاحبها. علم العقيدة وعلم الكلام. لا يخرج هذا العلم عن النظرة التحقيرية لباقي علوم الإسلام، فهو علم ليس إسلاميا صرفا، بل هو إسلامي ويوناني بالدرجة ذاتها (¬4). وهو انعكاس لمعارف طبيعية وفلكية وجغرافية لزمان معين لم تعد لها أية قيمة تاريخية وثائقية (¬5). يدافع عن مواقف عقدية في ظاهرها، سياسية اجتماعية في حقيقتها، تشرع ¬

(¬1) نفس المرجع (83). (¬2) نفس المرجع. (¬3) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (81). (¬4) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (185). (¬5) نفس المرجع (186).

علم أصول الفقه

للخنوع وتخدم مصالح السلطة القائمة (¬1). علم أصول الفقه. هذا العلم إضافة لعلوم القرآن ونظرا لأنهما يمثلان آلية منهجية علمية إسلامية لفهم وقراءة النص الديني حسب عبارة العلمانيين، وبالتالي فهما ينافسان المناهج النقدية الغربية، فقد مثلا حجرة عثرة أمام المشروع العلماني، ولهذا حظيا باهتمام العلمانيين العرب كثيرا ووجهوا لهما طعونا وانتقادات كثيرة، لا سعيا لإصلاحهما أو تجديدهما، بل لإزاحتهما وتجاوزهما. ولهذا انطلق أغلب العلمانيين في حملة مسعورة ضد هذين العلمين الشامخين تشكيكا وتهوينا وتحقيرا. قاد هذه الحملة نصر أبو زيد من مصر وعبد المجيد الشرفي من تونس ومحمد أركون من الجزائر، ونعق الباقي خلفهم. إلا أن الشرفي حاول أن يظهر مشروعه في زي الناصح الأمين، فصاغه في قالب تحديث الفكر الإسلامي، يقصد علمنته وتطويره من أجل تجاوزه والإجهاز عليه. وذكر أركون أن وحده نقد العقل بالمعنى التفكيكي والأركيولوجي هو القادر على مواجهة المشاكل المطروحة على المجتمعات العربية والإسلامية ليتحرروا مما أسماه أغلال أصول الفقه (¬2). فعلم أصول الفقه أغلال تكبل السير في نظر أركون، والواجب في نظره فك الأغلال وتجاوزها، وإحلال أغلال غربية مكانها. ونقل أركون عن شفيق شحاتة قوله: كان يحب القول بأن علم الأصول ليس ¬

(¬1) نفس المرجع (1 (¬2) نحو نقد العقل الإسلامي (238).

إلا ثرثرة حول نظريات مجردة لا تهم رجال القانون المختصين (¬1). وأصول التشريع الإسلامي حسب أركون غير قابلة للتطبيق، فأولا قراءة القرآن كانت قد أثارت اختلافا تفسيريا كبيرا. وأما الأمر مع الحديث فإن القضية أشد عسرا، ذلك أن الحديث ليس إلا اختلافا مستمرا فيما عدا بعض النصوص القليلة التي يصعب تحديدها وحصرها (¬2). وأما فيما يخص الإجماع الذي نادرا ما تحقق فهو عبارة عن مبدإ نظري طبق على بعض المسائل الكبرى فقط (¬3). وأما عبد المجيد الشرفي فيرى أن علم أصول الفقه شوه وحرف الخطاب القرآني (¬4). ووصف عمل الأصوليين بـ: الخلل الواضح، وأنهم فصلوا آيات القرآن بعضها عن بعض، وفصلوها عن سياقيها الخاص والعام (¬5). وتعسفوا تعسفا واضحا، وخالفوا أبسط قواعد اللغة والمنطق، وتجاهلوا آيات أخرى، وعملهم ليس إلا تبريرا لسلوك اجتماعي شائع (¬6). ودافعوا عن قيم لا نتردد في القول إنها نقيض القيم القرآنية (¬7). وتأويلهم يتشبث ¬

(¬1) الأنسنة والإسلام (214). (¬2) تاريخية الفكر العربي (297). (¬3) نفس المرجع (298). (¬4) تحديث الفكر الإسلامي (42). (¬5) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (157). (¬6) نفس المرجع (158). (¬7) نفس المرجع (158).

بحرفية النصوص ويتصرف على هواهم (¬1). وأدى اعتماد أصولهم إلى نتائج خطيرة. منها عدم تحقيق العدل والحرية والمسؤولية، والوقوع في ادعاءات لا تصمد أمام النقد التاريخي (¬2). وهدفهم الدفاع عن حلول الأجيال الأولى والبحث عن مبررات لها. ويتسمون بالوثوقية، وأنهم يعكسون على النص مشاغلهم وموازينهم ويقولونه ما لم يقله (¬3). ولهذا أكد على إمكانية تجاوز هذا العلم. بل هو غير ذي جدوى في نظره (¬4). يلاحظ على العلمانيين التونسيين جرأة كبيرة وخبيثة على النصوص، نظرا للحماية اللامتناهية لهم التي وفرها الدكتاتور ابن علي الذي أطاح به الشعب التونسي يوم 14/ 01/2011. ويلاحظ على هؤلاء التونسيين أنهم بينما يوجهون الطعون الرخيصة لدينهم ويتلذذون بالسخرية من أحكامه، ويتشفون من علمائه ورموزه، نراهم صموتا كالأصنام فيما يتعلق بابن علي وزبانيته، بل كانوا جزءا من المنظومة القمعية، فقد كان محمد الشرفي وزيرا للتعليم، وباقيهم كعبد المجيد الشرفي والعفيف الأخضر وعبد الوهاب المؤدب وغيرهم يشيدون بمسيرة العلمنة التي أنجزها الدكتاتور. لا يفتأ العلمانيون من ادعاء الحق في الاجتهاد في نصوص الشريعة، وأن الفقهاء رجال، وهم رجال. أكد على هذا جل العلمانيين، منهم مثلا عبد المجيد الشرفي (¬5) ¬

(¬1) نفس المرجع (159). (¬2) نفس المرجع (1 (¬3) نفس المرجع (157). (¬4) نفس المرجع (9). (¬5) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (8).

والقمني، وخليل عبد الكريم (¬1)، وحسن حنفي (¬2)، ونصر أبو زيد (¬3). وكأن نصوص الشريعة مستباحة لمن هب ودب من أساتذة الفلسفة والأدب العربي وغيرهم. فمحمد شحرور مهندس، والعشماوي مستشار قانوني، وخليل عبد الكريم محام، ونصر أبو زيد دراسات أدبية، وحسن حنفي والجابري وفؤاد زكريا تخصص فلسفة. وهذا الزعم لا يخلو منه كتاب من كتب العلمانيين، أعني ادعاء الحق في الاجتهاد، وأن العلماء رجال وهم رجال، وخاصة دكتور الأساطير القمني وأبو زيد الذي حكمت محكمة القاهرة بردته. لكن للاجتهاد ضوابطه وشروطه وأصوله وقواعده، وهذه سنة متبعة في كافة العلوم، وليس خاصا بعلم الشريعة، وما أظن علمانيا واحدا يجرؤ على ادعاء الاجتهاد في الطب أو البيولوجيا أو الفلك، ولو فعل لحوكم وسجن وترك عبرة لمن يعتبر، أما الشريعة فمستباحة لكل رعديد، يتفنن فيها في اختلاق الشبهات وكيل التهم والطعون. كما يقول المثال المغربي (يتعلم الحسانة فريوس لتاما). أي: يتعلم الحلاقة في رؤوس اليتامى. واعتبر عبد المجيد الشرفي أن كل فرد حر في أن يفهم النص كما يشاء، فالنص يخاطبه مباشرة ولا وصاية لأحد في فهم الدين (¬4). واعتبر أن النظام القديم كان متناسقا مع مجتمع قبلي، أما في مجتمع الحداثة ¬

(¬1) الأسس الفكرية لليسار الإسلامي (112). وخليل عبد الكريم يؤكد على رجولته لا نظن إلا أنه يقصد ذكورته، لكي لا نظن- وإن بعض الظن إثم- أنه غير ذلك، وعلى كل حال من حقه أن يدفع عن نفسه الشبهات والظنون. (¬2) من العقيدة إلى الثورة (1/ 34). (¬3) الإمام الشافعي (10). (¬4) تحديث الفكر الإسلامي (64 - 66).

الإجماع

فالمسؤولية فردية (¬1). وبيّن أنه لا حاجة لنا للمرور عبر فهم العلماء وشروط أصول الفقه في إتقان العربية وعلم أصول الفقه وغيرها، بل كل فرد مسؤول عن نفسه، يفهم الإسلام كما يريد، وأكد أن هذا ما تؤكده قيم الحداثة المعاصرة (¬2). والاجتهاد العلماني لا يخشى معارضة المسلمات بدعوى أنها معلومة من الدين بالضرورة، كما يقول عبد المجيد الشرفي في الإسلام بين الرسالة والتاريخ (9). الإجماع. الإجماع عند القمني وضعه الفقهاء وهو باطل يقوم على القهر، ولم يستعمل حسب عبد المجيد الشرفي إلا لإقصاء المخالفين. قال القمني: وضعوا (أي: الفقهاء) له حديثا نبويا يقول: لا تجتمع أمتي على باطل. رغم أن هذا الإجماع ذاته هو الباطل نفسه فصيحا سافرا علينا (¬3). وزاد: لأنك مهما بحثت وراء هذا الإجماع فلن تجد سوى القهر وحده للناس لموافقة الرأي أو الاجتهاد السلطاني وحده (¬4). وقال: إنما كان رأي الجماعة دون مناقشة هو رأي السلطان أو الخليفة ومصالحه (¬5). ¬

(¬1) تحديث الفكر الإسلامي (66). (¬2) نفس المرجع (67). (¬3) شكر ابن لادن (260). (¬4) نفس المرجع. (¬5) نفس المرجع.

وقال عبد المجيد الشرفي: الإجماع استعمل في الغالب لإقصاء المخالفين أكثر مما استعمل لإيجاد ملائمة بين الدين والحياة (¬1). وتعجب من كون الأصوليين لا يعتدون بإجماع العامة والعبيد والنساء، بحيث أصبح حكرا على من نصبوا أنفسهم ناطقين باسم الله (¬2). وزاد مستنكرا: وهو وجه مفضوح من وجوه الإقصاء الأوسع الفئات الاجتماعية وضرب من الوصاية عليها (¬3). وأكد أن الإجماع لا عبرة به، إلا إذا كان على الطريقة الديمقراطية، أي: أغلبية كل عصر (¬4). وإذا تركنا نعيق الشرفي جانبا، فنحب أن نوضح أن الاجتهاد الشرعي هو عملية استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة التفصيلية. هذا الاستنباط له قواعد وضوابط منصوص عليها في علم أصول الفقه كأي فن أو علم في الدنيا. لا يوجد فن أو علم دنيوي إلا له آليات وضوابط لابد من احترامها والرجوع إلى أهل الاختصاص فيها، وإلا تحول الأمر إلى فوضى وسفسطائية لا نهاية لها. فلهذا لسنا في حاجة إلى بيان تهافت إشراك العامة والعلمانيين ممن لا دراية لهم بالأدلة ولا درجتها ولا بطرق الاستنباط واستخراج الأحكام الشرعية في الاجتهاد. ¬

(¬1) تحديث الفكر الإسلامي (18). (¬2) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (165). (¬3) نفس المرجع. (¬4) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (166).

القياس

القياس. القياس بعيد عن روح القرآن ومنطوقه، كما يقول عبد المجيد الشرفي (¬1). وزاد: فالقياس بعيد أن يكون عملية محايدة كما هو بعيد عن أن يكون ملتزما بمقاصد الرسالة الإسلامية. إن الخلل كامن في طبيعته (¬2). النسخ. النسخ غير خاص بزمن النبوة، فإذا استجد أيّ أمر ولو في عصرنا يمكن له نسخ الأحكام التي جاء بها النبي - صلى الله عليه وسلم -. ذكر عبد المجيد الشرفي أن النسخ لا معنى له إلا إذا راعى الأحوال المستجدة زمن الوحي وبعد زمن الوحي (¬3). والأخبار الواردة في النسخ ليست جديرة بثقة المؤرخ (¬4). وقال إلياس قويسم: بهذا أصل إلى الرأي الآتي: إن العقل ناسخ للنص، بمعنى أن أحكام القرآن قد تكيفت مع واقع ثقافي مرتبط بمكان وزمان معينين، ومع تجدد الواقع وأحكامه وجب تجديد النص، وبما أن النص ثابت وجب نسخ بعض عناصره التي لا تتجاوب وروح العصر، نظرا لأن الإنسان قد خرج من بيئة إلى أخرى، من بيئة ميتافيزيقية إلى بيئة علمية عقلية، وبما أن اللاحق ينسخ السابق إن تعارض معه فإن الواقع الحديث ينسخ كل الأحكام والشرائع المسلطة عليه، ¬

(¬1) نفس المرجع (167). (¬2) نفس المرجع (168). (¬3) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (56). (¬4) نفس المرجع (157).

قاعدة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب

وبما أنه وصل إلى قدر من العقلانية التي تخول له رفع الوصاية الشرعية عليه، فإنه ارتأى التحرر، بل لنقل التحلل من سلطة النص والتحول إلى سلطة العقل، وفي هذا نسخ لسلطة الإله وتثبيت لسلطة الإنسان، إنه نسخ للثوابت بالتيه والتحول، نسخ لسلطة السلف-النقل- بسلطة الخلف-العقل-إنه إلغاء للماضي بما هو سلطة، وهذا الرفض يفضي إلى رفض النص القرآني، ومن ثم إهدار له. إنها رغبة ممن يزعمون حماية النص القرآني إلى إهداره وسلبه صفة القدسية حتى نفعل فيه ما نشاء، وكل ذلك باسم التقدمية والإصلاح (¬1). هكذا يكتب، بل يكذب قويسم. العقل ناسخ للنص، والعلمانية ناسخة لأحكام الشريعة. قاعدة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. هذه القاعدة الفقهية أغضبت جل العلمانيين، حتى جعلها القمني وضعت في عصر التخلف لخدمة السلاطين، وأنها تفتح الاستخدام الانتهازي الصريح للدين، بل وتبرر للسلاطين آراءهم واتجاهاتهم، بل ونزواتهم (¬2). مقاصد الشريعة. حذلق معظم العلمانيين حول مقاصد الشريعة لا بالمعنى الذي ذكره الشاطبي ومن تبعه، بل بمعنى: إمكانية تجاوز الفهم الحرفي للنصوص والنظر إلى ما وراء هذه النصوص من حكمة ومن مقاصد (¬3). ¬

(¬1) رؤية معاصرة لعلوم القرآن. (¬2) رب الزمان (236). (¬3) تحديث الفكر الإسلامي (75).

وعند القمني الدين يتلخص في مقاصد الشريعة، التي تقدم على كافة النصوص، ومقاصد الشريعة تتلخص جميعا في جملة واحدة هي مصلحة العباد (¬1). فكل ما حقق هذه المصلحة فهو شرع الله عنده، فتجارة الخمور والبغاء تحقق مصالح اقتصادية عظيمة، وتحريمها قديما كان استجابة لظروف معينة. وإذا كان الفقهاء صاغوا نظرية المقاصد لحفظ الشريعة وأحكامها، وأن من مصلحة العباد حفظ الشريعة التي لا قوام للنفوس والأبدان إلا بها. أما العلمانيون فجعلوا نظرية المقاصد تكأة لإفراغ الشريعة من كافة محتوياتها. فمثلا يعتبر العلمانيون أن ما شرعه الإسلام بالنسبة للمرأة من أحكام كان بداية الطريق وفتح الباب، فالمقصد الإسلامي من تلك النصوص هو تحرير المرأة، وبالتالي فكل ما أعان على تحريرها فهو هدف ومقصد إسلامي (¬2). والشورى شرعها الإسلام للحد من الديكتاتورية، إذن المقصد هو تحقيق العدل، فكلما حقق هذا الهدف فهو مطلوب شرعا كالديمقراطية (¬3). ليخلص إلى قاعدة إبليسية نصها: حيث تكون مصالح الناس فثم شرع الله تعالى (¬4). وهكذا قال محمد نور فرحات في البحث عن العقل (103 - 143 - 174). وهكذا يمكن نسخ الإسلام كله بل وقراءة كل المذاهب بما فيها الإلحاد بل والعلمانية فيه، بدعوى تحقيق مصلحة العباد. ¬

(¬1) انتكاسة المسلمين (¬2) الإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية (10 - 11). (¬3) نفس المرجع (11 - 12). (¬4) نفس المرجع (12).

أما العشماوي فقد جعل الشريعة هي الرحمة فقط، وتطبيق الشريعة يعني إعمال مناهجها في الرحمة (¬1). ويربط بعض العلمانيين بين نظرية المقاصد وتاريخية النصوص، بمعنى إذا كانت النصوص تاريخية، أي: كونها مرتبطة بظروف معينة وتستجيب لأوضاع معينة، وبالتالي تحقق مصالح معينة لأناس معينين في ظل ظروف معينة. ومع تغير الوقائع التاريخية تتغير مصالح العباد تبعا ذلك، وبالتالي يتغير فهمنا للنصوص، فما كان حراما قد يعود حلالا، وما كان واجبا أو مستحبا قد يعود ممنوعا. في هذا الإطار يؤكد لنا نصر أبو زيد أن مفهوم المقاصد لا يقف عند الحد الذي سطره الأصوليون، بل يتجاوزه إلى ما هو أوسع من ذلك. فالعدل مثلا مقصد كلي أساسي يستوعب كل الجزيئات والتفاصيل بما فيها العقيدة والأخلاق (¬2). وكل ما حقق العدل فهو إسلامي لاشك فيه في نظر الطاهر الحداد ومقلده أبي زيد، ولو أدى إلى إبطال أصول إسلامية مجمع عليها. وبعد عبارات التأييد والإشادة لطرح الطاهر الحداد يتحفنا أبو زيد بأطروحته الهادفة إلى تقويض الإسلام والإجهاز عليه نهائيا، فلنتابع معه: قال: ومن البديهي أن هذه الأسئلة التي تستهدف الوصول إلى جوهر الإسلام لا تتعلق فقط بالنصوص الخاصة بالمرأة، بل تتعلق بكل ما جاء في النصوص من أحكام، هذا ¬

(¬1) جوهر الإسلام (25). (¬2) دوائر الخوف (69).

من جهة، ومن جهة أخرى فالأسئلة مرهونة بطبيعة الإطار الاجتماعي الثقافي والفكري الذي يحددها، ولذلك يمكن أن تتغير الأسئلة، ويمكن أن تطرح أسئلة جديدة، ومعنى ذلك أن جوهر الإسلام ليس معطى ثابتا، بل هو جوهر قابل دائما للاستنباط وإعادة الاكتشاف بحسب تطور الوعي الإنساني. وهكذا نعود للجذر الأصلي- جذر وحدة المعرفة في خطاب النهضة- الذي يسمح للعقل بالحركة الدائمة الحرة دون حدود فاصلة عازلة بين الثابت والمتغير، أو بين الدنيوي والديني معرفيا ... الخ كلامه بل هرائه (¬1). وهو كلام في غاية الوضوح والظهور، لكن نبسطه باختصار: لا يجب في نظر أبي زيد أن نتقيد بأحكام الإسلام المعروفة، بل يجب أن ننظر في المقصد منها، وهذا المقصد أي: جوهر الإسلام متغير بتغير المجتمعات والظروف، فمثلا جوهر الإسلام يدور حول الحرية والعدل والمساواة (¬2). فكل ما رسخ الحرية والعدل والمساواة هو الإسلام. فالزنا واللواط إذا أصبحت مستساغة في مجتمع ما، فجوهر الإسلام هو الإبقاء عليها والدفاع عنها حسب أصول أبي زيد، لأنها حينئذ حرية شخصية تحقق العدل والمساواة في ظل القراءة النصراوية سيتم تحويل الإسلام اعتمادا على التأصيل إلى نسخة علمانية بامتياز. إنها قراءة للإسلام بعيون علمانية، أو بعبارة أكثر دقة: ستتحول أصول العلمانية إلى مقاصد الشريعة، وبالتالي سيقضى على الإسلام لتحل محله العلمانية. هنا تتكشف حقيقة قراءة أبي زيد إضافة إلى القراءات المختلفة التي يقدمها التيار العلماني (نقد العقل العربي، نقد العقل الإسلامي، نقد النص ... الخ)، إنها ¬

(¬1) دوائر الخوف (70). (¬2) دوائر الخوف (

قراءات نفعية براجماتية، تقوم بقراءة انتقائية لما يخدم مشروعها الإيديولوجي، قائمة على النفعية والانتهازية وتوظيف الدين لخدمة أغراضها وأهدافها. فبدلا من آليات أصول الفقه العبقرية وقواعد الفقه وعلوم القرآن النموذجية، اخترع لنا العلمانيون قراءات مختلفة، ليس هدفها فهم النص وإنما تجاوز النص. وكان لنصر أبي زيد القدح المعلى في هذا فتارة يحدثنا عن المغزى، وتارة عن مقاصد الشريعة وتحقيق مصلحة العباد، وتارة يحدثنا عن ما سماه القراءة السياقية للنصوص. ولنشرح قليلا مراده بالأخيرة: فهو طبعا لا يقصد اعتبار السياق داخل النص، كما يذكر الفقهاء، لكنه شيء آخر أبعد وأخطر، إنه مجمل السياق التاريخي الاجتماعي للقرن السابع الميلادي الذي بواسطته نعرف كما يقول أبو زيد الفرق بين ما هو من إنشاء الوحي وبين ما هو من العادات والأعراف الدينية والاجتماعية السابقة على الإسلام (¬1). ثم يزيدنا توضيحا فيبين أن القراءة السياقية بين الدلالات التاريخية من جهة، وبين المغزى الذي عليه المعنى في السياق التاريخي الاجتماعي (¬2). وكمثال على ذلك فبحسب أبي زيد فالسياق التاريخي والاجتماعي والسياق السجالي والوصفي للنصوص الواردة في حق المرأة يتبين أن مقصد الإسلام هو المساواة بين الرجل والمرأة (¬3). ¬

(¬1) دوائر الخوف (202) (¬2) دوائر الخوف (203) (¬3) دوائر الخوف (207)

فحسب أصول فقه أبي زيد فالمساواة بين الرجل والمرأة هي مقصد الإسلام ومغزاه، وكل ما يعكر صفو هذه المساواة (القوامة الإرث الطلاق) فكان استجابة لسياق اجتماعي معين، أو بعبارة أخرى حسب مفهوم السياق السجالي البوزيدي فالتمييز بين الرجل والمرأة في القرآن هو في إطار السجال القرآني ومساجلات القرآن مع أهل ذلك الزمان الذي يميز بين الرجل والمرأة (¬1). يعني أن القرآن يجاريهم فقط ولا يشرع أحكاما للأمة. وبالتالي فإن المساواة المطلقة هي الإسلام، وعليه تدل نصوص القرآن، إنها عملية تصفية الإسلام باسم القراءة السياقية أو السجالية أو الوصفية تحت ستار تطوير أصول الفقه (¬2). أو بالأحرى تزوير أصول الفقه. وبعبارة ثالثة حسب مفهوم السياق الوصفي البوزيدي: فالقرآن في كل التشريعات كان يصف الأوضاع الاجتماعية العربية لا أنه يشرع لنا شرعا. فالرجال قوامون على النساء معناه أن القرآن يصف واقع حال العرب لا إنشاء تشريع (¬3). فهدف القرآن هو تغيير مفهوم هذه القوامة (¬4). هنا ينقلب المعنى إلى ضده. وماذا عن الميراث؟ يجيبنا أبو زيد أنه بحسب السياق التاريخي ودلالة المعنى والمغزى فكان القرآن يريد وضع حد للفوضى واستئثار الرجل بالميراث بفرض نصيب للمرأة المحرومة بهدف الاقتراب من تحقيق المساواة في أفق الحياة الاجتماعية. وكل اجتهاد في سبيل تحقيق هذه المساواة التي هي مقصد أصلي ¬

(¬1) نفس المرجع (208) (¬2) نفس المرجع (202). (¬3) نفس المرجع (212). (¬4) نفس المرجع (214).

وهدف أسمى للحياة الدينية، إنما هو اجتهاد مشروع، أي: هو اجتهاد في اتجاه المقاصد الكلية للتشريعات كما يقول أبو زيد. وأي اجتهاد مخالف لهذا فهو مرفوض في نظر علامة الماركسية أبي زيد (¬1). ¬

(¬1) نفس المرجع (233).

موقف العلمانيين من علماء الأمة

موقف العلمانيين من علماء الأمة يقدم العلمانيون أنفسهم قاطبة على أنهم أصحاب فكر تقدمي مستنير وعقلاني، بل وحقوقي وإنساني، يقبل الآخر ويتعايش معه. لكن من الناحية العملية نرى أن أفعالهم تتناغم مع أقوالهم إذا تعلق بالآخر الغرب المستعمر قديما والمستبد والمسيطر حديثا. وأما إذا تعلق بالإسلامي ابن البلد والوطن واللغة والدين والهم المشترك فيغلب أسلوب الإقصاء والتهميش والتحقير والإدانة: رجعي متخلف طوبوي ظلامي، بل عنيف عنصري متعطش للدماء وإرهابي. وهذه سمة غالبة على كتاباتهم، كما سنرى في هذا المبحث. بل كثير منهم كأركون والقمني مثلا يسحب هذه القائمة على كافة العلماء والفقهاء على مر التاريخ الإسلامي الطويل مع استثناءات بسيطة جدا كتيار المعتزلة والفلاسفة وخاصة ابن رشد، وبعض الصوفية كابن عربي. وحتى هذه الاستثناءات إنما هي خطة تكتيكية فقط لمواجهة تيار ابن تيمية والحنابلة عموما كما يقول هاشم صالح (¬1). فكل العلماء والفقهاء والإسلاميين المعاصرين دوغمائيون متحجرون ظلاميون حسب أركون. بينما نراه ينعى على غيره النبذ والإقصاء والاستبعاد، داعيا إلى التعايش واحترام حقوق الإنسان (¬2). ¬

(¬1) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (124). (¬2) نحو نقد العقل الإسلامي (45 - 46).

لا فرق بين العلماء الرسميين ولا بين معتدل ومتشدد

والأمر لا يعدو في نظري كونه استراتيجية تمويهية أمام الرأي العام، فثقافة الكراهية ورفض الآخر هي أكثر بروزا وتجليا في الخطاب العلماني كما سنوضح في هذا المبحث. وكل العلمانيين يرون في نخبهم رمزا للحداثة والعقلانية والتحضر، وما عداهم يمثل الرجعية وظلاميون ومتخلفون ودوغمائيون. يقول تركي علي الربيعو عن هذا التصنيف: هو خندق، أو لنقل مع هرسكوفيتز (خبير الإناسة المعروف): راية حرب ضد طرف آخر يوصف بالانغلاق والجمود، ويتم تناوله على أنه فُضْلة تاريخية جامدة (¬1). فتحول العلماني من مفكر يقبل الآخر إلى مُدَّع عام. ولم يعد همه أن يحاور ويتواصل، بل همه أن يتهم، أو بالأحرى يتفنن في إصدار الاتهامات المجانية المبتذلة. ولهذا دعا الباحث الفرنسي جيل كيبيل الباحثين في الحركات الإسلامية المعاصرة إلى خلع نظاراتهما السميكة وإحلال أخرى محلها تسمح برؤية ما لا يريدون رؤيته (¬2). لا فرق بين العلماء الرسميين ولا بين معتدل ومتشدد. لا يفرق العلمانيون في خطابهم بين الدين الرسمي والإسلاميين، فالكل في سلة واحدة. الدين الرسمي ممثلا بوزارة الأوقاف وجهاز الفتوى والمجالس العلمية وغيرها من المؤسسات الدينية التابعة للدولة. والإسلاميون بشتى أطيافهم، كلهم ¬

(¬1) الحركات الإسلامية (114). (¬2) الحركات الإسلامية (260).

في نظر العلمانيين مؤسسات رجعية تغذي التطرف والظلامية. ولكن بعض العلمانيين قد يركزون في المرحلة الراهنة على الإسلاميين أو ما يسمونه بالإسلام السياسي، نظرا لما يتميز به التيار الإسلامي من حركية وديناميكية ومجاهرة بمحاربة التيار العلماني. وتركيز بعض العلمانيين على ما يسمونه التيار المتشدد ما هو إلا مرحلة تكتيكية فقط للإجهاز على كافة التيارات. فلا فرق لديهم بين تيار إسلامي معتدل وتيار متشدد. وقد افتتح نصر أبو زيد كتابه نقد الخطاب الديني بالتأكيد على هذه الحقائق (13). وصب جام غضبه على من يوصفون إعلاميا بالمعتدلين الرسميين أمثال محمد متولي شعراوي والأزهر، أو من هم خارج الدائرة الرسمية كالغزالي، وأكد أنه لا فرق بين الجميع إلا حول مجال تطبيق المبدأ لا حول المبدأ نفسه (19). بل أكد على أنه من الظلم الفادح فضلا عن عدم الدقة العلمية التفريق بين التيار الإسلامي الممثل في الصحوة الإسلامية وبين الخطاب الرسمي (25) (¬1). وكذا أكد هاشم صالح في الإسلام والانغلاق اللاهوتي (329) على أنه لا فرق بين الإسلام الرسمي والإسلام المتطرف، ولا بين المتشدد والمعتدل. وصرح خليل عبد الكريم أنه لا يرى بين الإسلاميين معتدلين ومتشددين، بل جميعهم سواء حسب تعبيره (¬2). ¬

(¬1) وأكد في دوائر الخوف (120) على تطابق خطاب الاعتدال والتطرف. (¬2) الإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية (160).

ومن أشد العلمانيين طيشا وتهورا وتفننا في كيل الشتائم المتنوعة لمخالفيهم سيد القمامة القمني. فالقمامة التي خلفها المستشرقون والصهاينة يتغذى عليها القمني ويقتات بامتياز. ولفرط عشقه للقمامة وشدة غرامه بها لا تقع عينه إلا عليها. فقد ملأ كتبه سبا وشتما وتحقيرا في علماء الأمة على مر الأعصار بدأ بالصحابة الكرام ومرورا بفقهاء الأمة وانتهاء بالمعاصرين. بل لا يرى في الإسلاميين المعاصرين إلا مجموعة من الفاسدين المفسدين الذين هم أحقر من كل حقير وأخبث من كل خبيث. بل استطال على أحد أصدقائه الحقوقيين (¬1) لسبب واحد لأنه طالب بإفساح المجال لجماعة الإخوان المسلمين للمشاركة السياسية. لهذا السبب فقط، ليتضح لك مبلغ الكراهية والحقد التي بلغها الرجل. وكتاباته كما قال هو عن غيره لا يمكن تصنيفها ضمن أبواب النقد المثمر أو الأغراض الإصلاحية بقدر ما كان لونا من السفه والبذاءات المتكررة الدائمة (¬2). فكل علماء الإسلام من لدن الصحابة إلى هذه الأعصار هم في نظره سدنة وكهنة، بل القمني في هذا أعلى كعبا وأرسخ قدما وأغزر مادة من أصناف الحشاشين والحشاشات وسفلة الشوارع والعاهرات المتهتكات، بل أنصح جميع هؤلاء بالمداومة على مطالعة كتبه، وخاصة أهل الدين والديمقراطية وانتكاسة المسلمين، ليتعرفوا على مصطلحات هم في أمس الحاجة إليها، بل ربما لم تخطر لهم على بال. فمعين الرجل لا ينفد في هذا الباب. ¬

(¬1) هو سعد الدين إبراهيم. أهل الدين والديمقراطية (254 - 260). (¬2) شكرا ابن لادن (54).

الصحابة الكرام

ويتقارب أسلوب القمني مع فرج فودة في الإسفاف بالآخر وتحقيره واتهامه وإدانته، بل الكلام على مخالفيه كأنهم مجموعة من الحشرات الضارة، لابد من مبيد حشري بالغ السُّمية للقضاء عليها وإبادتها وإراحة البلاد والعباد منها. وأغلب كتب الرجلين على هذا المنوال كقبل السقوط وحوار حول العلمانية ونكون أو لا نكون والحقيقة الغائبة لفرج فودة وأهل الدين والديمقراطية وانتكاسة المسلمين وشكرا ابن لادن للقمني. فما عدا العلماني فهو شرير وحقير وظلامي ومستبد وسفاك للدماء وخطر يتهدد الأرض والسماء. وقد أصيب بهذه اللوثة بعض المغاربة فكتبوا على صفحات الجرائد العلمانية من هذا العهر الفكري ألوانا، ونشروا من هذا الخنا الثقافي أفنانا. ويغيب عن كتاباتهم وكتابات شيخهم فودة والقمني البحث العلمي الأكاديمي والمقاربة المنهجية، وغالبها تهريج واستهزاء وسخرية، والتقاط قمامات من التاريخ لترويج أن الإسلام لم يجئ إلا بالقتل والدم والهمجية والوحشية. ثم بعد ذلك يطلب العلمانيون من الإسلاميين قبول الآخر والتعايش والحوار بالتي هي أحسن. ولنذكر الآن أصنافا لهذه الدعارة الفكرية لدى التيار العلماني: 1 - الصحابة الكرام: أغلب اتهامات العلمانيين وطعونهم في الصحابة لا تستند إلا لمجرد الهوى والحقد الدفين على الإسلام وأهله. ويستند بعضهم في بعض طعونهم في الجيل الأول الذي رباه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أخبار مذكورة في كتب التواريخ والسير، أغلبها لا يصح.

وقد جرت عادة المؤرخين رواية كل ما سمعوه ووجدوه عند شيوخهم بغض النظر عن صحته، فإذا وقف عليها الناقد الخبير، لا الانتهازي المترصد، ميّز الصحيح منها من الض فإن كان ممن يقتات على القمامة، فلن يسيل لعابه إلا على أكثرها تعفنا وأشدها حموضة. فلا يكفي عند حكاية أية رواية من تاريخ الطبري وابن كثير وابن سعد ونحوها الاحتجاج بها دون النظر في سندها، وإلا صارت من الصحاح المتفق عليها. فالدراسة النقدية تلزم الباحث عند أخذ أيّ نص منها النظر في صحة سنده، ثم في صحة متنه وبعده عن تلفيقات الإخباريين وهوسهم التي مكانها المسامرات والنوادي لا البحث العلمي. نقول هذا للعقلاء كي يميزوا، أما من لا تطيب نفسه إلا بالقمامة، وكلما كانت رائحتها أشد كانت أحلى عنده، فلا ينفع معه كلام. وإذا كانت كتب الحديث والفقه وعلوم القرآن ليس كل ما فيها صحيحا، بل فيها الصحيح والضعيف والساقط والواهي، فما بالك بكتب التواريخ والسير؟ لهذا وقطعا لطريق العلمانيين في هذا الباب رأيت أن أفرد مسألتين هامتين بالتأليف، حاول العلمانيون الولوج منها للتشكيك في قرآننا ونشر الأكاذيب عن صحابة نبينا - صلى الله عليه وسلم -. الأول: نقد الأخبار الواردة في جمع المصحف وتدوينه. دراسة حديثية نقدية. الثاني: نقد الأخبار الواردة في الخلافة الراشدة. دراسة حديثية نقدية. ولحسن الحظ هذا علماني ينكر على إخوانه هذه الفعلة، قال محمد نور فرحات في البحث عن العقل (38 - 39): والذين يستشهدون من التاريخ الإسلامي

بمشاهد الأخطاء أو العثرات لإدانة هذا التاريخ مخطؤون بطبيعة الحال، إذ ينطلقون من استشهاداتهم بتعميمات غير علمية وغير مقبولة. ولنبدأ بسرد اتهامات سيد القمامة. قال القمني عن الصحابة: هؤلاء القوم باعوا الدين مبكرين للسلطان، ولا تعلم كيف يصدقهم المسلمون اليوم ويتبعونهم في خيانة كارثية للإسلام ونبيه .. إلى آخر كوارثه (¬1). وذكر أن الصحابة قاموا باستثمار انتهازي للدين من أجل مكاسب دنيوية بحت يوم السقيفة. وزاد: وكان أول المستثمرين هم صحابة النبي المقربون، وهم من فتح الباب لاستثمار دين الله لأهداف دنيوية بحت (¬2). هكذا يقول القمني عمن قال الله فيهم: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} الفتح18. وقال: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} التوبة100. وقال: {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} الحشر8. وذكر القمني أن أول استثمار انتهازي للدين قام به أبو بكر الصديق لما استغل الموضوع فاحتج بحديث الخلافة في قريش، الذي احتفظ به سرا حتى حان أوانه ¬

(¬1) انتكاسته (210). (¬2) انتكاسته (199).

فأفتى به (¬1). ونزف للجهول أن الحديث لم ينفرد به أبو بكر، فقد ورد حديث الأئمة من قريش من حديث أبي برزة الأسلمي وأنس بن مالك وعلي بن أبي طالب وأبي هريرة وعتبة بن عبد ومعاوية وابن مسعود وابن عمر وأبي هريرة وجابر بن سمرة وغيرهم. كما قد بينت ذلك بتفصيل في كتابي الجامع الصحيح لأحاديث العقيدة 3/ رقم: 1278 - فما بعد. وقال ابن حجر في التلخيص الحبير (4/ 42): وقد جمعت طرقه في جزء مفرد عن نحو من أربعين صحابيا. وقال سيد القمامة عن كبار الصحابة: وكيف كانوا أول من خالف نصوصا واضحة قاطعة ثابتة لا متشابهة ولا منسوخة. بل خرجوا عليها وألغوا العمل بما لم يعد يناسب الزمان منها، حتى إن بعضهم خالفها لمصالحه الشخصية ومكاسبه الدنيوية علنا ودون مواربة. كذلك عطلوا أحكاما وألغوا فرائض وحرموا حلالا دون أن ينظروا قبل القرار في قواعد فقهائنا التي لم تكن قد اخترعت بعد ... ووصل الرأي بكبار الصحابة إلى تعطيل حدود ومخالفة نصوص قاطعة بل والعمل بعكسها دون عبرة بفقه الثبات وقواعده الدموية، فلم يلتزموا شروطا لما يفعلون سوى المصلحة بغض النظر عن قول النص في الأمر (¬2). وقال: أيضا لا تعرف أين تضع العهود التي نكثها الصحابة والرؤوس التي ¬

(¬1) نفس المرجع (199). (¬2) شكرا ابن لادن (104 - 105).

قطعوها وطافوا بها في البلاد (¬1). وقال: إن أفعال الصحابة والتابعين لم تكن كلها لصالح البلاد والعباد فعملوا بالرأي والتأويل إنما لجأوا للرأي أو التأويل أيضا لأغراض شخصية ومنافع دنيوية أوقعوا بسببها المظالم الفادحة بصحابة آخرين، بل وبحق شعوب بكاملها (¬2). وقال: فركبوا (أي: الصحابة) على موازين العدل الإلهي وغشوها لتعمل وفق رغباتهم ومصالحهم وأهوائهم (¬3). ثم وصفهم بالصراعات الدموية والظلم (¬4). وقال: وعلينا ألا ننسى أن الصحابة بشر كان فيهم الصالح والطالح، الصادق والكاذب، صادق الإيمان والمنافق، الأمين واللص النهاب، وكان فيهم سارق بيت المال وهو أمين عليه، ومنهم من تآمر على الآخرين، ومنهم من اغتالوا بعضهم وحاربوا بعضهم على أموال الدنيا وجاهها ووجاهتها، واكتنزوا الذهب والفضة وأثروا ثراء فاحشا بنهب أموال الناس (¬5). وذكر أن الصحابة خالفوا في أحيان كثيرة النصوص القرآنية لمصالح شخصية ومكاسب دنيوية (¬6). ¬

(¬1) شكرا ابن لادن (100) (¬2) شكرا بن لادن (261). (¬3) نفس المصدر (261). (¬4) نفس المصدر (261). (¬5) نفس المصدر 262). (¬6) نفس المصدر (266).

وقال: بينما تصر الدول التي غزاها المسلمون الأوائل واحتلوها احتلالا استيطانيا وارتكبوا في حق أهلها من المظالم فوادحها. ومن التنكيل أفظعه، ونزحوا خيراتها إلى عاصمة الخلافة. وقضوا على لغاتها الأصلية التي وعاء حضارتها وماضيها كله، فانقطعت عن هذا الماضي الذي تم تكفيره واستبعاده بحسبانه تراثا وثنيا كافرا ليبدأ تاريخها مع تاريخ الاحتلال العربي المقدس لبلادها. وتمت أسلمة شعوبها، ولم يعط هذا الإسلام لمن أسلم درجة، بل ظلوا موالي في بلادهم للسادة العرب الفاتحين، أي: مواطنين درجة ثانية أو عاشرة في وطنهم، بينما أصبح المحتل الغازي هو المواطن السيد المتميز الأول (¬1). وكل حرف من هذه الكلمات يشهد بافتراء القمني وكذبه، وليس هذا مجال شرح ذلك. لأن مخازي هذا الحيوان لم يسمع بمثلها في الجنس البشري. وصف سيد القمامة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين زكاهم الله في القرآن بأنهم أصحاب حسابات المصالح والتحاسد والتباغض. وقال عما فعلوه يوم السقيفة لما بايعوا أبا بكر الصديق: فكلها كانت ابتعادا متواترا عن قرارات الإسلام ومسخا لمعنى الشورى وضحكا على ذقون المسلمين وتزييفا لوعيهم (¬2). ولكرهه الشديد في الإسلام وصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضل مسلمي زماننا ممن هم على شاكلته على الصحابة الأوائل، وبيَّن وجه هذه الأفضلية بقوله: فمع كل الحضور القدسي (¬3) في مدينة النبي كان هناك اللصوص والكذابون والمنافقون والأفاقون والغدارون ومن كانوا يغتصبون الصحابيات (انظر ما ورد عن أسباط ¬

(¬1) شكرا ابن لادن (166). (¬2) شكرا ابن لادن (286). (¬3) أي: الإلهي، أي: مع كون الله معهم.

بن نصر في السنن الصغرى للبيهقي) والزناة والذين كانوا يركبون نساء المجاهدين عند خروجهم للغزو (وهي المعروفة بمشكلة المغيبات، انظر السير الكبير للشيباني ج 1 ص 148 - 149) والسيوطي في جميع (¬1) الجوامع ج 3 ص 3103 و2114)، ومنهم من كان يتخابر لصالح المشركين (انظر تخابر حاطب بن أبي بلتعة: البخاري 74/ المغازي) وبعد زمن النبوة أثْرَوا ثراء فاحشا على حساب أرزاق أهالي البلاد المفتوحة وقتلوا بعضهم بعضا بوحشية صراعا على المال والسلطان. وإن آثام بعضنا اليوم بعد طول بعاد عن ذلك الزمن القدسي يجعلها لا تقارن بالمرة مع آثام ذلك الرعيل الأول (¬2). يكفي الصحابة فخرا عدم وجود قمام مثلك فيهم. لأن القَمَّام من طبعه السطو والانتهازية واللؤم والغدر كما نشاهد ذلك في الضبع مثلا. وأكد أن الصحابة كانوا يتحاربون على المال وعلى السيطرة على بيت المال (¬3). وأنهم كانوا سراقا لبيت مال المسلمين لما كانوا خزنته، ولما اكتشفهم عمر قاسمهم إياه، وذكر منهم: سعد بن أبي وقاص وأبو موسى الأشعري وأبو هريرة والحارث بن كعب وعمرو بن العاص، وأنهم ضبطوا متلبسين واعترفوا عمليا بالجرم (¬4). وقال عن كبار الصحابة الأقربين: ولو ذهبنا للزمن الخليفي حيث كبار الصحابة الأقربين بعد موت نبيهم لوجدناهم غير معتدين بالمرة بمبدأ الشورى ¬

(¬1) كذا قال القمني. والصواب جمع. (¬2) شكرا ابن لادن (157). (¬3) انتكاسة المسلمين (361). (¬4) انتكاسة المسلمين (362).

كما لو كان غير مقرر بما نفهمه عنه فتولوا الخلافة بغير شورى بل بمصاحبة العنف عندما لزم الأمر (¬1). وقال: وأفل مبدأ الشورى تماما مذ خالفه صحابة النبي الكبار عندما تعلق الأمر بكرسي الإمارة (¬2). واتهم الأنصار بحسد بعضهم بعضا على تولي الإمارة، وزاد عن الأنصار والمهاجرين الذي حضروا السقيفة: ذهبوا إلى السقيفة يتبارون حول المنصب المأمول، تنابذوا فيها بعضهم مع بعض واستخدموا العنف الكلامي والجسدي ضد بعضهم البعض، وانشغلوا عن نبيهم يومين، وهم في أمرهم لاهون (¬3). وقال عن الصحابة كذلك: إن الشأن كان شأن سياسة ودنيا وإمارة، فيها الصراع والنوازع البشرية، رغم أن كل طرف لبس رداء الإسلام ليمارس به سياسة الدنيا (¬4). وقال عن حكاية إجماع الصحابة على قتال مانعي الزكاة: وأن هذا الإجماع كان لصالح فئات دون فئات ومسلمين دون مسلمين ومصالح دون مصالح وما قصد به وجه الله مما أحاطه بكثير من الشكوك والارتياب (¬5). ولم نر للقمني أدنى اهتمام بالحزب الوطني الحاكم وطاغيته مبارك ونظامه الفاسد، في حين كتب الكثير عن الخلافة الإسلامية في عهد الخلفاء الأربعة وطعن ¬

(¬1) شكرا ابن لادن (121). وانظر (94) منه. (¬2) شكرا ابن لادن (227). (¬3) شكرا ابن لادن (211). (¬4) شكرا ابن لادن (246). (¬5) شكرا ابن لادن (261).

في عشرات الصحابة الأجلاء. وها قد أسقط الشعب ذاك الجلاد الكبير قبل يومين 11/ 02/2011، واليوم الذي أكتب هذا هو 13/ 02/2011، رجعت قنوات إسلامية عديدة منها الرحمة والناس. واتهم عبد المجيد الشرفي الصحابة بأنه نشأت فيهم طبقة من الأثرياء الجدد انحصرت في زعماء البيوتات القرشية التي أشرفت على حركة الفتح قيادة وتنظيما، وفي عدد من الأنصار وتفاقم كنز الذهب والفضة، ووقع تجميع لثراوت ضخمة تستفز الشعور الإسلامي وامتلاك أقلية للأراضي الشاسعة الخصبة التي تدر عليهم أموالا طائلة، وقد ظهر ذلك في تعالي مبانيهم وتأنقهم في اللباس وكثرة عبيدهم وجواريهم ووفرة مواشيهم من أمثال عبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله بينما أغلب العرب والعجم فكانت تعيش ظروفا اقتصادية عسيرة (¬1). وقال: وكان للعامل الاقتصادي دور لا يستهان به في الانحراف الذي لحق بتأويل الجيل الأول من المسلمين للرسالة وتجسيده إياها على أرض الواقع (¬2). وذكر أن السلف أَوَّلوا الرسالة المحمدية بحسب مصالحه والصراعات الدنيوية الصرف التي كان منخرطا فيها انخراطا كليا (¬3). وملأ خليل عبد الكريم كتابه «شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة» بالغمز واللمز والاتهامات الرخيصة في حق الصحابة الكرام رضوان الله عليهم -على رغم أنفه وأنف أمثاله-. ¬

(¬1) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (113). (¬2) نفس المرجع (111). (¬3) نفس المرجع (126).

السفر الأول سماه «محمد والصحابة» أقتصر منه على قوله (183): مثل هؤلاء كانت تسيطر عليهم الغيبيات والماورائيات واللازمانيات والكائنات المستقرة في العوالم العليا، والتي هي بطبيعتها مفارقة للإنسان، والمخلوقات العجيبة المدهشة، مثل الجن والغول والعنقاء، وكانوا يؤمنون بالحسد والعين والنفث في العقد والرقى والتعاويذ والتمائم ... إلخ. ومن كانت تلك حالتهم العقلية والفكرية والثقافية والمعرفية ... تشيع بينهم الأساطير والتوهمات والتخيلات والقيم اللاعقلانية البعيدة عن المنطق أو ارتباط النتيجة بالسبب أو المعلول بالعلة وتتحكم في أفعالهم وإحجاماتهم الخشية الهائلة من المجهول المهيب والرهبة البالغة من غضب قوى لا تعرف كنهها، ولذا نراها تؤمن بالصدفة والحظ والبخت والنصيب. ولانتشار يقينهم في السحر كانوا يمارسون العمل والشبشبة والعكوسات (ج عكس) والنفث في العقد. وتقرأ في سيرهم أخبارا وحوادث مكدسة تؤكد إيمانهم المطلق بهذه الأمور واعتبارها حقائق مؤكدة لا يرقى إليها أي شك. ومثل ذلك المجتمع الساذج لا عجب أن يتشائم أفراده ويتفاءلون ويربطون كافة شؤون حياتهم بتلك المعتقدات. انتهى. هذا هو مجتمع الصحابة في نظر مفتي الماركسية: مجتمع خرافات وسحر وشعوذة وكهانة!!!. وفي السفر الثاني من كتابه المذكور الذي سماه "الصحابة والصحابة" حدثنا في مقدمته أنه كتبه بطريقة موضوعية وعلمية، أتدري ما هو بابه الأول؟ هو الصحابة والسب. خصصه لسجل الصحابة الكرام في سب بعضهم بعضا. والثاني الصحابة والقتل، أي: قتل بعضهم بعضا، والثالث الصحابة والمال، خصصه لبيان تهافت الصحابة على المال والغنائم والفيء وأنهم أثروا ثراءا فاحشا تحوم حوله شكوك،

وأنما يشاع عنهم من الزهد والتقلل من الدنيا غير صحيح بما فيهم العشرة المبشرون بالجنة. والرابع الصحابة وتملك القطاعات. وذكر أبوابا أخرى مثل الصحابة والنكاح، وفيه ما يشيب المؤمن لهوله من السخرية والاحتقار الدنيء لذلك المجتمع الفاضل الطاهر. وفي السفر الثالث الذي سماه «الصحابة والمجتمع» تحدث عن أشياء كثيرة منها الصحابة والخمر. هذا هو البحث الموضوعي لدى الشيوعي الأحمر!!. وفي كتابه «مجتمع يثرب» صور مجتمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام مجتمع زنا واغتصاب ومفاخدة، مجتمع جنس لا أقل ولا أكثر. وكأن مجتمع أحباره الشيوعيين مجتمع طهارة وتقوى!!!. قال في الكتاب المذكور: «ولذلك لم يكن مفاجأة أن تحفل دواوين السنة وكتب السير والتواريخ وعلوم القرآن مثل أسباب النزول والناسخ والمنسوخ وتفسير القرآن ... الخ بكم هائل من أخبار عن علاقات غير مشروعة مثل: الاغتصاب والزنا والدخول على المغيبات؛ وتجاوز الأوامر والنواهي الصريحة مثل الجماع في نهار رمضان وفي الإحرام في الحج وأثناء حيض الزوجة أو استحاضتها. وتلك التي لا تصل إلى حد اللامشروعية ولكنها تتنافى مع الحد الأدنى من الشعور الإنساني السوي مثل مجامعة جارية أو زوجة في ليلة وفاة زوجة أخرى، وفضح الزوجة لزوجها العنين على رؤوس الأشهاد حتى عرفت القرية (يثرب) كلها بالأمر وتصر على طلب الطلاق لأنها لا تطيق الصبر على المجامعة والمفاخذة ولا تضع في اعتبارها أن تظل معه ولو لمدة يسيرة عسى أن تكون عنته أمراً عارضا أو راجعة لعامل نفسي قد يزول بعد قليل!!! واعتراف امرأة أو أكثر أنها رأت في الحلم زوجها ركبها وظل يدعكها حتى

ارتوت وأنزلت فما الحكم: هل تعتبر تلك جنابة فتغتسل منه وأخرى تصيح بأعلى صوتها حتى يسمعها من يسير في الطريق متمنياً أن تغيب في أحضان فتى جميل وبينهما قنينة خمر معتقة لتتضاعف لذتها وتزداد متعتها! وثالثة يروق لها أجير زوجها فترتمي بين ذراعيه ولا تتركه إلا بعد أن يقضي لها وطرها فيكتشف زوجها ذلك فيشكوهما! ورجل تأتيه امرأة تبتاع (تشتري) منه تمرا فيحضنها ويقبلها! وآخر وفي المشاعر المقدسة ينتهز فرصة نوم امرأة فيعتليها غير عابئ بحرمة الزمان أو المكان. وثالث يأتمنه صاحبه على أهل بيته عند سفره ليراعيهم ويقضي حوائجهم فما أن يبعد حتى يهجم الصاحب على الزوجة منتوياً اغتصابه!!! ورابع يقابل امرأة كانت بغياً فتابت وأقلعت فيراودها عن نفسها! وفتى حسن الوجه جميل الطلعة فتن نساء يثرب فأمر به الحاكم فحلق شعر رأسه فازداد بهاء فتضاعف وله اليثربيات به فنفاه. وهكذا وهكذا عشرات الصور التي حملتها كتب تلقتها «أمة الإسلام» بالقبول والتجلة أي: لا مطعن عليها -تقطع بأن «مجتمع يثرب» لم يتغير لا في قليل ولا كثير وأن العلاقة بين الرجل والمرأة هي علاقة ذكر وأنثى وأنها كانت المحور الذي يدور حوله ذلك المجتمع وأن محمداً بذل جهوداً تفوق طاقة البشر ليتسامى ذلك المجتمع بها ولكن لرسوخ ذلك النسق الاجتماعي وتجذره وضربه حتى الأعماق فيه هذا من جانب -ولقصر المدة التي قضاها محمد بين جنباته من جانب- ظل ذلك المجتمع على حاله ولم يتغير إلا بنسبة ضئيلة». وهذه عينات يسيرة من قمامته: وقال: وهذا يؤيد فكرتنا التي قلنا بها من أن اتصال الذكر والأنثى كان لديهم

من الشواغل الأثيرة حتى اللاتي لا يجدن ذلك متحققاً في واقع الحياة يرينه في الحلم. وقال: ولم يقتصر الاحتلام على النسوان بل كان بعض الرجال يحتلم كان ذلك يحدث إذا اضطرته ظروف قاهرة للانفصال عن أنثاه مما يقطع بأن الاتصال بين الجنسين كان طقساً يمارسونه يوميا فإذا لم يتيسر لهم في اليقظة أي: في الواقع رأوه في المنام على سبيل التعويض. ولم تكن كل النساء اليثربيات يكتفين بالمفاخذة التعويضية التي تحدث في الأحلام بل كان بعضهن يمتلك حساً واقعياً لم يرض بما يراه أو حتى يحسه في الرؤية فكان يبحث عن الزواج أو النكاح بحثاً دؤوباً وفي عجلة ولهفة وينق عن الشاب الجلد الذي يروي الظمأ ويعطي المتعة ويعرض عن الشيخ الكبير حتى لو كان ذا مال. وقال: ووقوع اختيار المرأتين على الشابين مؤشر واضح على قوة التماس بين الذكر والأنثى لديهن وهيمنته على وجدانهن وأنه الهاجس الوحيد الذي يتمركز في بؤرة الشعور. وقال: وهو دليل دامغ على أن مسألة الملامسة بين الجنسين في «مجتمع يثرب» مسألة هامة وملحة لدى اليثاربة رجالا ونسوة. وقال: وفي أحيان أخرى كانت المرأة في ذلك المجتمع لا تكتفي بقدرة الرجل على الركوب والمباطنة وكفايته في المجامعة والمفاخذة؛ بل كانت تشترط فيه أن يكون مليحاً وضيئاً حتى تكتمل لها المتعة أثناء الاعتلاء والامتطاء. كانت نزعة معافسة النساء لدى رجال «المجتمع اليثربي» من القوة بحيث دفعتهم إلى تحطيم الحواجز التي أقامتها النصوص المقدسة صراحة وبلا موارية مثل: من يظاهر من امرأته ثم يعتليها قبل التكفير، وآخر يركب زوجته وهي حائض أو

مستحاضة، وثالث يطؤها في نهار رمضان، ورابع ينكح امرأة أبيه أو يعاشرها دون عقدة نكاح وبتعبير الخبر «يدخل عليها»، والمملوك الذي يشرع في مفاخذة جارية سيده بادئاً - كالعادة بتقبيلها وقد يحدث العكس: المرأة تسعى إلى أجير زوجها ليشبعها ويروي لها ظمأها لعجز زوجها عن ذلك .. الخ. كل هؤلاء ذكوراً وإناثاً يعلمون علم اليقين أن الفعل الذي قارفوه حرمته عليهم الشريعة التي بلغها محمد نزعة التلاقي بالآخر تغلبهم وتقهرهم وتملك عليهم نفوسهم وعقولهم ووجدانهم وتعطل ملكة التفكير السديد عليهم فلا يرون في «النصوص المقدسة» إلا قيوداً تحول دون انطلاقهم. وقال: ومما يؤكد أن دافع الالتقاء بالأنثى كان متقداً عند ابن الخطاب. وقال: ولكن أصحاب النوازع المتوهجة في الالتقاء بالجنس الأخر مثل ابن الخطاب لم يعبأوا بهذا التحريم وتجاوزوه. وقال: ونظراً لأن التقاء الذكر بالأنثى والأنثى بالذكر طقس يومي من الطقوس الاجتماعية المعتادة في مجتمع يثرب فقد اضطر محمد دفعاً للحرج عن أصحابه أن يبيح لهم أن يسيروا في المسجد وهم جنب. وقال: إن مفاخذة النسوان كانت لديهم هاجساً ملحاً يشغل عليهم حواسهم حتى في أحرج الأوقات؟ وقال: وهذه أمثلة فحسب تقطع بأن الزنا كان منتشراً في المجتمع اليثربي ولم تفلت منه الشابات حديثات السن، المخدرات في البيوت. وقال: الأمر الذي يدل على انتشار تلك الظاهرة في عوالي المجتمع اليثربي وأسافله ويفسر لنا لماذا كانت الشابة حديثة السن تفعل ذلك لأنها كانت ترى

الخلفاء الراشدون

بعينها أمها وزوجات أبيها وعماتها وخالاتها يفعلن ذلك ... وغمز وهمز في كتابه «النص المؤَسِّس ومجتمَعُه» في النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي زوجاته وصحابته الكرام. مما لا يتسع المجال لذكره. وخصص تركي علي الربيعو كتابا كاملا لبيان أن العنف والمقدس والجنس مترابطون في الإسلام، وأن الجنس أمانة الله في الأرض (¬1)، وأن السياق الذي يحكم النص القرآني جِنْسَانية ترتبط بالسلطة والمعرفة وتنفتح على عنف خالص سماه العنف المقدس (¬2). الخلفاء الراشدون. نخصص هذه الفقرات لما تقيأ العلمانيون به في حق الخلفاء الراشدين خاصة. قال القمني: رغم أن كبار السلف الذين يرجعون إليهم مثل (أبو بكر وعمر وعثمان) كانوا أول من أنكر وأول من بدل وأول من عطل حدودا وأحكاما وفرائض بحسابات مصالح تغير الزمن، وما مضى على رحيل نبيهم سنوات (¬3). وذكر أنه جرى اتفاق بين عائشة وحفصة للعمل على ما في مصلحة والدهما (¬4). وجعل دولة النبي - صلى الله عليه وسلم - ودولة الخلفاء داخلة تحت منظومة الاستبداد الشرقي (¬5). وقال عن تاريخ الخلافة الراشدة: لأنه كان حكما ثيوقراطيا عسكريا، كان ¬

(¬1) العنف والمقدس والجنس (116). (¬2) العنف والمقدس والجنس (116). (¬3) شكرا ابن لادن (228). (¬4) نفس المرجع (243). (¬5) انتكاسته (202).

أبو بكر الصديق

هو الديكتاتورية الكاملة (¬1). وقال: رغم أن هؤلاء الأولين الراشدين بالذات وبالتحديد هم أول من غيّر وبدّل وخالف النصوص مباشرة وبوضوح علني لمصالح الناس أحيانا ولمصالح الخلفاء الشخصية أحيانا أخرى (¬2). وقال عن سياسات أبي بكر وعمر وعثمان: كانت كلها صراعا على الدنيا ولحوقا بمتغيراتها (¬3). وقال: ولذلك لم تكن الخلافة التي يصفونها بالإسلامية منذ فجرها مع أبي بكر وحتى انتهائها سوى خلافة عنصرية لعنصر سيد أضفى على سيادته ثوب الدين كمظلة شرعية لفساده السياسي والديني والإنساني والأخلاقي (¬4). وذكر أن الخلفاء الراشدين لم يفوا بالوعد (¬5). وقال خليل عبد الكريم: وقد بدأ الاتجار بالإسلام مبكرا في سقيفة بني ساعدة، بعدها أخذت هيئات المنتفعين به تتوالى الواحدة إلى الأخرى طوال الأربعة عشر قرنا تحت عناوين مختلفة (¬6). أبو بكر الصديق. كان لأبي بكر الصديق الصحابي الجليل -على رغم أنف سيد القمامة- ¬

(¬1) أهل الدين والديمقراطية (127). (¬2) شكرا ابن لادن (156). (¬3) شكرا ابن لادن (107). (¬4) أهل الدين والديمقراطية (184). (¬5) شكرا ابن لادن (287). (¬6) الأعمال الكاملة (186).

النصيب الأوفر من قمامته. قال القمني: أين تضع فظاعات جيش أبي بكر الصديق مع المسلمين الذين خالفوا بيعته وامتنعوا عن أداء الزكاة إليه والوحشية التي عومل بها الأسرى من تحريق بالنار مقموطين إلى الإلقاء من شواهق الجبال إلى التنكيس في الآبار، وهو من حكم بحسبانه خليفة رسول الله، وباسم الله وحاز من تراثنا قدسية عظمى، حولت مواقفه وتصرفاته وأقواله إلى سنة ... إلى أن قال: لكن الرؤية المتأنية الفاحصة وراء تلك الأهوال التي حدثت للمسلمين على يد حكامهم المقدسين لا يمكنها أن تفهم ما حدث إلا على ضوء متطلبات السياسة، فهي مما لا يبرره أيّ حس أخلاقي ناهيك عن أيّ دين (¬1). ووصف خلافة أبي بكر بالانتهازية المبكرة، وقال: قد سمح بهذه الانتهازية طبيعة النص المقدس نفسه (¬2). وهذا طعن في الدين نفسه. وقال: فقد تولى أبو بكر الخلافة في السقيفة دون شورى وبمصاحبة العنف. وكان العنف أبرز عناصر بيعته (¬3). وأما أهل الردة فهم عند سيد القمامة معارضون سياسيون لخلافة أبي بكر، ولم يجدوا وسيلة للتعبير عن ذلك إلا بمنع الزكاة (¬4). وأنه كان هدف أبي بكر بحروب الردة إخضاع معارضين له بالقوة، وارتكب ¬

(¬1) شكرا ابن لادن (100). (¬2) أهل الدين والديمقراطية (1 (¬3) شكرا ابن لادن (277). (¬4) شكرا ابن لادن (213 - 219) وأهل الدين والديمقراطية (179).

مجازر بشعة كالتنكيس في الآبار والإلقاء من شواهق الجبال والحرق بالنار (¬1). وزاد الكذوب فافترى أن أهل الردة كانوا يجمعون الزكاة ويوزعونها على الفقراء التزاما منهم بهذا الركن الإسلامي. وزاد: كلا لم يعفها ذلك من جز الرقاب والحصد بالسيف والإذلال بالسبي لنساء وأطفال مسلمين ومسلمات (¬2). وذكر سيد القمامة أن أبا بكر فرض نفسه أميرا على العرب ووصف خلافته بديكتاتورية كاملة المواصفات (¬3). وأنه مارس عنفا غير شرعي على المسلمين، وأنه قام بتصفيات آل بيت الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأنه قام بعدة عمليات اغتيال (¬4). ونحا نفس المنحى محمد الشرفي حيث ذكر أن أبا بكر إنما قاد ومعه جل الصحابة حروب الردة من أجل مصالحهم الخاصة ومصالح قبائلهم (¬5). وأن حروب الردة كانت سياسية لا دينية هدفها تركيز سلطة أبي بكر وتثبيت نفوذه وأنها كانت لبوسا دينيا لاختيار سياسي (¬6). وزاد أنه ابتدع هذا الحد لمعاقبة المعارضين السياسيين، وقال: وقد ساند أبا بكر في هذه الحرب ضد المرتدين جل رفاقه (¬7) ويعود السبب في ذلك إلى ¬

(¬1) شكرا ابن لادن (214). (¬2) أهل الدين والديمقراطية (179). (¬3) شكرا ابن لادن (289). (¬4) شكرا ابن لادن (289). (¬5) الإسلام والحرية (76). (¬6) نفس المرجع. (¬7) أي: الصحابة.

عمر بن الخطاب

مصالحهم الخاصة ومصالح قبائلهم وعشائرهم ومصالح الدولة التي كانوا بصدد إنشائها وتكوينها (¬1). ومناقشة هذه الشبهات ليس من همنا الآن، وإنما نقصد عرض آراء العلمانيين في الإسلام وعلمائه، لكني أكتفي هنا بشهادة علماني كبير على هذا، فقد قال الجابري: وقد حارب أبو بكر الصديق المرتدين لأنهم كانوا من هذا النوع (أي: خيانة الوطن) إذ قاموا يهاجمون دولة الإسلام ويرفضون الانصياغ لها (¬2). عمر بن الخطاب. وصف سيد القمامة القمني عمر بكونه أحد المتآمرين على المسلمين (¬3) وأنه حاول رشوة العباس من أجل الموافقة على الخلافة، وفشلت المحاولة (¬4). عثمان بن عفان. قال محمد الشرفي عنه: اتسمت خلافته بمحاباة ذويه وبسوء التصرف في الأموال العمومية، وأنه كان يقترض من بيت المال مبالغ ضخمة لم يكن يسددها في كل مرة (¬5). وأنه أخذ من الخزينة العامة مالا لنفسه وعائلته بلا رقيب أو حسيب (¬6). واتهم فرج فودة عثمان بالاضطراب في حكمه (¬7). واتهمه محمد بو ¬

(¬1) الإسلام والحرية (76). (¬2) مقال التأصيل الثقافي لحقوق الإنسان. مواقف (66)، ص: 72. (¬3) شكرا ابن لادن (288). (¬4) شكرا ابن لادن (288 - 289). (¬5) الإسلام والحرية (185). (¬6) الإسلام والحرية (186) هامش. (¬7) الحقيقة الغائبة (29).

عائشة أم المؤمنين

بكري بأنه تعهد بأنه سيحكم بسنة الله ورسوله، لكنه نقض وعده فتم قتله (¬1). وتكلم فيه القمني واتهمه بدفع الأموال الباهظة لقرابته (¬2)، وأنه طرد الصحابة الفقراء (¬3)، وأنه آوى أعداء النبي (¬4)، وأنه ضرب عددا من الصحابة ضربا شديدا لما خالفوه (¬5). وقال أيضا: لا تعرف أين تضع سلوك الخليفة الراشد عثمان في تحريق المصاحف ولا نهبه مال بيت المسلمين وتوزيعه على أحبائه وأهله، ثم قمعه كل من اعترض على قراراته بكل عنف كما فعل مع عبد الله بن مسعود حبيب رسول الله الذي أوصى بحبه، وكيف سبه علنا سبا قبيحا وضربه حتى كسر أحد أضلاعه، ومنع عنه عطاءه ثم جلده بالسياط عندما قام بدفن صحابي جليل كان معارضا لعثمان هو أبو ذر الغفاري (¬6). عائشة أم المؤمنين. قال القمني: وأيضا لا تعرف أين تصنف سلوك عائشة بنت أبي بكر التي اشتغلت بالسياسة والفتوى كأرملة للنبي، وقامت تحرض الناس ضد الخليفة عثمان عندما أنقص من عطائها واتهمته بالكفر الصريح مستثمرة وضعها كأم المؤمنين تناديهم: اقتلوا نعثلا فقد كفر. ولا موقفها من الإمام علي عندما اتهمته ¬

(¬1) تأملات في الإسلام السياسي (70). (¬2) رب الزمان (192 - 193). (¬3) نفس المرجع (183). (¬4) نفس المرجع (194). (¬5) نفس المرجع (194 - 195). (¬6) شكرا ابن لادن (1

أبو هريرة

بدم عثمان وخوضها ضده حربا مزقت صفوف المسلمين ومات حول جملها ألوف المسلمين وما سلم شأن معاوية معها إلا عندما سدد عنها ديونها ودفع لها ثمانية عشر ألف دينار (¬1). وكل هذه أكاذيب وافتراءات تلائم قمامة القمامي. أبو هريرة. ذكر عبد المجيد الشرفي أن سيرة أبي هريرة زمن معاوية لم تكن رمزا للاستقامة (¬2). ابن عباس. اتهم عبد المجيد الشرفي عبد الله بن عباس بوضع الحديث، وقال: وموقفه حين ولاه علي على الكوفة أبعد من أن يكون مشرفا (¬3). وأكد أنه لم يكن شاهدا موثوقا به على أحداث فترة الوحي (¬4). واتهم فرج فودة ابن عباس باختلاس المال (¬5)، اعتمادا على روايات لم يشغل نفسه بالنظر في صحتها لأنها ما دامت تخدم مشروعه في أن تطبيق الشريعة محال وأنه لا يجلب إلا الفتن والمصائب. بل زاد واتهمه بأنه سرق مال بيت المال واستجار بأخواله حتى عاد إلى مكة وأوسع على نفسه منه (¬6). ¬

(¬1) شكرا ابن لادن (100 - 101). (¬2) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (126). (¬3) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (126). (¬4) نفس المرجع (127). (¬5) الحقيقة الغائبة (27). (¬6) نفس المرجع (27).

وهو ينقل الأفكار المكذوبة من كتب التاريخ كأنها في صحيح البخاري ومسلم بالنسبة لنا نحن المسلمين. وزاد فأكد أنه ليس في قلبه ذرة من إيمان لأنه لم يخشع ولم يتب (¬1). وتساءل الملعون: هل نأتمن على ديننا من لم يؤتمن على دنيانا؟ (¬2). واتهم ابن عباس وعامة الصحابة بأنهم نكصوا عن حمل أعباء العقيدة (¬3). وذكر نصر أبو زيد أن أكثر الروايات المنقولة عن ابن عباس مشكوك في صحتها، بل وموضوعة، وزاد أن وضعه في قائمة الصحابة كانت جزءا من محاولة النظام العباسي الاستناد إلى مشروعية فقهية معرفية إلى جانب مشروعية النسب لمواجهة مشروعية الشيعة التي جعلت عليا هو الوصي والإمام الحقيقي (¬4). فعبد الله بن عباس ليس صحابيا جليلا، بل هو صنيعة سياسية من قبل النظام، ورواياته كلها موضوعة مكذوبة. ثم يقرر في خفة لا يحسد عليها أن مثل هذا النقد الذي سماه بالتاريخي هدفه هو أنه يحفظ للتراث نظارته وحيوته، ويمكنه من استعادة الحيوية والنظارة والتجديد، ويحمي هوية الأمة، هكذا قال أبو زيد (¬5). يتمظهر بالحفاظ على التراث والدفاع عنه: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} الحشر16. ¬

(¬1) نفس المرجع (28). (¬2) نفس المرجع (29). (¬3) نفس المرجع (29). (¬4) الإمام الشافعي (79). (¬5) الإمام الشافعي (81).

أسامة بن يزيد ومن معه من الصحابة

أسامة بن يزيد ومن معه من الصحابة. قال القمني: فهذه حملة أسامة بن زيد لم يكن لها من غرض سوى القتل والتحريق والعودة بالغنائم الممكنة وإرهابا للروم، لأن الإرهاب كان أحد أعمدة الدعوة ووسائلها إلى النصر (¬1). عثمان والزبير وأبو بكر وطلحة وعبد الرحمن بن عوف. اتهمهم فرج فودة بتكديس ثروات ضخمة، مع أنهم لم يكونوا يملكونها حسب زعمه قبل الإسلام (¬2). مع أنهم كلهم كانوا أثرياء في الجاهلية. وقال: وجمع المال على هذا النحو لا يستقيم مع نقاء الإيمان وصفاء السريرة إلا بجهد مجهد وجهيد (¬3). عطارد بن حاجب بن زرارة. وهو خطيب وفد بني تميم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال القمني عنه لما افتخر أمام النبي - صلى الله عليه وسلم - بقبيلته: المضحك الكارثي في تاريخنا الميمون أنهم كانوا يقولون فقط، يعني من يملك فَمًا أكبر وصوتا أعلى هو الفائز ... كان الفخر عند العربي بكثرة الكلام ومن لا يحسن الكلام أعجم أي: حيوان لا يستطيع الكلام، لذلك تسمى الحيوانات عجماوات، فهم أفضل من الحيوان لأنهم يعرفون كيف يتكلمون، بينما الحيوان لا يعرف كيف يتكلم!! ولا ¬

(¬1) شكرا ابن لادن (192). (¬2) الحقيقة الغائبة (24 - 25). (¬3) نفس المرجع (25).

يفوت ملاحظ تركيز آيات القرآن على السمع والاستماع والاحتفاء بالبلاغة والبيان، وكيف أن الكلام هو منحة ربانية للإنسانية وجعلنا له لسانا وشفتين، كانت كل ثروتهم هي الكلام الذي هو كنز حضارتهم. وقال ابن زرارة فخره الكاذب دون أن يوقفه النبي - صلى الله عليه وسلم - أو يقول له كذبت يا هذا، لجأ النبي إلى الأسلوب القبلي ذاته لكنه الحاسم .... إلخ كلامه (¬1). فتوطأ الكل على هذه الجريمة: الله والرسول والصحابة، في نظر القمني. الذي أدهشني في القمني وطار بلبي براعته في اختيار القمامة المناسبة، مما يؤكد ويدل دلالة قاطعة على خبرة واسعة في التقمم، يستحق عليها جائزة نوبل للقمامة. وزاد فقال: كذب التميمون وبالغوا في فخرهم (¬2). إلى أن قال: فأشهر الوفد إسلامه بعد اقتناع بعلو الصوت، أي أنهم انتقلوا من مرحلة المباهاة والمفاخرة إلى انتكاسة لا تريد الاعتراف بالجبن عن المواجهة، بل إعلان الاقتناع بالدين الجديد الذي لم يعلموا عنه شيئا بعد!! (¬3). كذا قال وعلامات التعجب منه. سخر من أولئك الصحابة الكرام لأنهم بزعمه سبب إسلامهم هو علو الصوت فقط، وأنهم إنما أسلموا جبنا عن المواجهة، ومع جهلهم بالدين الذي دخلوا فيه. لم يجد سيد القمامة من يسخر منه إلا أولئك الرجال، الذي تراب حافر حمار أحدهم خير منه، وترك رفاقه الشيوعيين الذين قتلوا ونهبوا وهجَّروا وأبادوا دولا ومجتمعات وعرقيات بأكملها في الاتحاد السوفياتي وألبانيا ويوغوسلافيا وغيرها. ولم نره حرك ساكنا عن التاريخ الأسود لأحباره ورهبانه، ولم يتحفنا بكتاب يحلل فيه نفسية كهنته المتعطشة للدماء والقتل والسلب والنهب. ¬

(¬1) انتكاسته (127). (¬2) انتكاسته (128). (¬3) انتكاسته (1

علماء الإسلام

مع أنه انفض جمع سدنته وافتضحوا وافتضح هو معهم، وكان الواجب على من يرفع شعار العقلانية والتقدم والحرية أن يفسر لنا سر الانقلاب المفاجئ من الماركسية الملحدة السفاكة للدماء إلى الليبرالية الامبريالية الجشعة الانتهازية؟ الجواب نتركه لسيد القمامة. علماء الإسلام. يسمي أركون علماء الإسلام الكهنة والرهبان. إمعانا في الحط من منزلتهم وتحقيرهم (¬1). ويسميهم نصر أبو زيد وخليل عبد الكريم وآخرون عبدة النصوص، وكهنة النصوص. وسخر منهم القمني وسماهم الغوغاء (¬2). وسماهم خليل عبد الكريم: عارضوا السِّلع الدينية (¬3). وقال القمني: بل لقد شارك الفقهاء أنفسهم في الاحتيال على أحكام الدين (¬4). وقال: أما الظلم الاجتماعي والقهر الفكري وسحق المخالف فقد اجتمع عليه كلاهما السلطان والفقهاء (¬5). وقال: إن تجاوب الفقهاء كان مع رغبات السلطان حتى اخترعوا له الأحاديث النبوية ... ولجأوا لكل الحيل الشرعية لتبرير أهواء السلطان ونزواته وأدانوا بالمطلق كل موقف معارض حتى لو انطلق من آيات الله وشرائعه ¬

(¬1) الأنسنة والإسلام (147). (¬2) انتكاسته (38 - 39 - 40 - 41). (¬3) الأعمال الكاملة (204). (¬4) شكرا ابن لادن (107) انظر (160) منه. (¬5) نفس المرجع (107).

ووصموه بالرافض المعطل المرتد الكافر (¬1). وقال عن الفقهاء: فدافعوا عن خلفاء ضربوا الصحابة وجلدوهم وركلوهم بالنعال وأعدموهم حرقا منذ حروب أبي بكر مرورا بدرة عمر وتجسسه على العباد حتى سوط عثمان وتكسيره أضلاع الصحابة إلى تقطيع أوصال المفكرين علنا وسلخ جلودهم بفتاوى فقهية سحقت كرامة بني آدم (¬2). وفي كتابه أهل الدين والديمقراطية صب جام غضبه على العلماء الرسميين وغير الرسميين واتهمهم بأبشع النعوت ووصفهم بأخس الأوصاف، والكتاب يتلاطم كالأمواج من مثل هذا، أقتصر هنا على قوله: إن صناع الحضارة لم يكونوا من رجال الأديان السماوية الثلاثة، بل كانت الحضارة أنشط قبل ظهور إكليروس الأديان السماوية، ثم إن التحضر الحديث لم يحدث إلا بعد التخلص من سطوة الكنيسة، ولم يحدث لبلد إسلامي واحد سوى تركيا (¬3)، التي تحركت مع أتاتورك نحو الحضارة. إن الحضارة والتقدم لم يقم بهما يوما رجال الدين، بل كانوا دوما معطلا وقامعا ومانعا. والموت ضروري للتطور، لأنه لو لم يكن هناك موت لما كان هناك تطور جديد. فالتطور يعني موت القديم ليفسح المكان لمولد الجديد ... (¬4). أي: الدين لا يجلب إلا التخلف، والقطيعة مع الدين تعنى الحضارة والتقدم!!! وقال أركون: دور الفقهاء والعلماء هو تبرير السلطات ¬

(¬1) نفس المرجع (108). (¬2) نفس المرجع (109). (¬3) لم يحدث لتركيا إلا بعد تطليقها لأمثال القمني وصعود حزب العدالة والتنمية الإسلامي. (¬4) أهل الدين والديمقراطية (69).

الإمام الشافعي

الموجودة من أجل الحفاظ على امتيازاتهم (¬1). واتهم الفقهاء بالتلاعب بالخطاب القرآني (¬2). ودعا إلى إزاحة الفقهاء أئمة المذاهب من طريق البحث العلمي لأنهم يمثلون عقبة في اتجاه التقدم (¬3). ووصف العلماء بالخضوع والعجز والانتهازية (¬4). وذكر عبد المجيد الشرفي أن الفقهاء إنما كانوا يدافعون عن مصالحهم (¬5)، وأنهم متعصبون (¬6). الإمام الشافعي. حظي الإمام الشافعي باهتمام نصر أبي زيد كثيرا وخصه بكتاب مفرد، ملأه طعونا في الشافعي رحمه الله. واعتبر أبو زيد أن دفاع الشافعي عن عربية القرآن، وأنه ليس فيه عربية دخيلة انحياز إيديولوجي لقريش فقط، وأنه دفاع عن نقاء لغة قريش وتأكيدا لسيادتها وهيمنتها على لغات اللسان العربي. والحقيقة أن هذا الموقف لا يخلو من انحياز إيديولوجي للقرشية التي أطلت برأسها أول ما أطلت بعد نزول الوحي في الخلاف حول قيادة الأمة في اجتماع السقيفة (¬7). إذن فالمسألة كلها صراع إيديولوجي ¬

(¬1) تاريخية الفكر العربي (179). (¬2) نحو نقد العقل الإسلامي (158). (¬3) نحو نقد العقل الإسلامي (238 - 239). (¬4) الفكر الإسلامي (261). (¬5) الإسلام بين الرسالة والتاريخ (151). (¬6) الإسلام والحرية (73). (¬7) الإمام الشافعي (95).

وسياسي للهيمنة. واتهم الشافعي بالانحياز للقرشية (86) وللعباسيين الذين عرفوا بممارستهم القمعية ضد جماهير المسلمين، ليعود بعد صفحتين فقط ليناقض نفسه فيقرر منافرة الشافعي للنظام العباسي (98). واتهمه بالنزوع العصبي (97). وبالتشدد وتكليف ما لا يطاق (100). وأنه منحاز للعلويين (59). وأنه كان جزءا من النزعة القرشية التي أرادت الهيمنة على المشروع الإسلامي (56). وأنه صاحب نزوع قرشي عروبي (67). بل وشعوبي (108 - 109). وأنه جعل من عادات قريش وأعرافها دينا ملزما للناس كافة (69). واتهمه بالمغالطة. (151). وبخلط المفاهيم واضطراب المصطلح (151). وبالتلفيق (180). وأنه كان يناضل من أجل القضاء على التعددية الفكرية والفقهية (180). واتهم الشافعي بالتناقض حين أسس السنة وحيا (134). وبالعصبية العربية القرشية (135). وقال: والحقيقة أن تناقض الشافعي المشار إليه نابع من سيطرة الإيديولوجيا (135). وأن له فكرا تلفيقيا يتسم بالتردد، يحاول التوفيق بين نهجين على أساس إيديولوجي (129). ويبدو أن أبا زيد يصنف الشافعي انطلاقا من منطلق إيديولوجي حقير ودنيء وخسيس. فالشافعي في نظر العلامة أبي زيد شعوبي يدافع عن الإيديولوجية العلوية. ولقد أنصفت محكمة القاهرة النزيهة الإمام الشافعي وانتقمت له. قد يتساءل القارئ: ولماذا كل هذا عن الشافعي؟ ذلك لثلاثة أسباب رئيسية في نظري: أولا: لأن الشافعي كان ضد علم الكلام، وخاصة المعتزلة، وهذا طبعا شيء يغضب أبا زيد وإخوانه.

ابن تيمية

فلا يفتأ العلمانيون من التعلق بالمعتزلة وابن رشد ويعتبرون أنفسهم امتدادا لتياراهم العقلاني. ولخبرتي -والحمد لله- بمذاهب المعتزلة سأخص هذه المسألة بكتاب مفرد، أعني المعتزلة والتوظيف العلماني. لنبين فيه أن تعلق العلمانيين بالمعتزلة هو كما قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} النور39. وثانيا: لأن الشافعي هو أول من صنف في علم أصول الفقه، الذي يعد آلية منهجية لقراءة النصوص الدينية. وهذا يقطع الطريق على المناهج العلمانية النقدية الحديثة. وثالثا: لأن الشافعي قرر حجية السنة تقريرا موسعا معبرا عن الرأي المستقر عند العلماء كافة بما فيهم الأحناف وأنها المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن. ولفرط جهله ظن أن الشافعي هو صاحب هذه الأطروحة التي سببت أرقا كبيرا لأبي زيد. فهذه ثلاثة أسباب وجيهة، كل واحدة كافية لإزعاج نصر أبي زيد حتى يفقد صوابه واتزانه فينطلق مشككا لافظا التهم هنا وهناك ولو كانت غير منطقية ولا معقولة، المهم أن يقول شيئا ولو كان تافها. ابن تيمية. قال عبد الوهاب المؤدب عنه: الشخص القمعي الفردي العدواني بطبيعته والمسرحي الاستعراضي (¬1). ¬

(¬1) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (116)، وانظر (112) منه.

المجتهدون الجدد

المجتهدون الجدد. إذا كان فقهاؤنا وعلماء الأمة بهذه الأوصاف الشنيعة التي ذكر العلمانيون فهم ليسوا أهلا للتحدث باسم الإسلام، فإن الجدير بهذه المكانة هم العلمانيون حسب ما قال هاشم صالح تبعا لعياض بن عاشور. ذكر منهم محمود طه والعشماوي وأركون وعبد المجيد الشرفي وغيرهم (¬1). ولم نعد حسب العفيف الأخضر بحاجة إلى علماء الفقه والأصول والتفسير ممن وصفوا بالراسخين في العلم، بل هناك راسخون جدد، قال: أما الراسخون في العلم اليوم فهم أخصائيو تاريخ الأديان المقارن والسسيولوجيا الدينية وعلم النفس والهرمنوطيقا (علم التأويل) والأنثروبولوجيا والألسنية وطبعا النحو والبلاغة .. إلخ (¬2). حقا إنهم راسخون، لكن في الضلال والكفر. وقال هاشم صالح تبعا لعياض بن عاشور: ينبغي علينا أن ننزع المشروعية عن طبقة العلماء التقليديين الذي يحتكرون تفسير القرآن، أي: كبار الفقهاء ورجال الدين الإسلامي، فالمجتهدون الجدد في الإسلام من أمثال عبد المجيد الشرفي وسواه ينبغي عليهم أن يحطموا الجدار الكهنوتي، جدار الكلام الرسمي المأذون عن الدين. ففتح باب الاجتهاد من جديد لا يمكن أن يتم بدون ذلك. وعندئذ يمكن لكل مسلم أن يرتفع إلى مكانة المفسر لكلام الله ولا يعود بحاجة للعودة إلى رجل الدين في كل مرة (¬3). ¬

(¬1) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (312). (¬2) الحوار المتمدن - العدد: 690 - 2003/ 12 / (¬3) نفس المرجع (314).

الإسلاميون

الإسلاميون. تتسم أغلب كتابات العلمانيين اتجاه الحركات الإسلامية والصحوة الإسلامية بالأحكام المسبقة وبَهَمٍّ إيديولوجي إقصائي، يترجم عند بعضهم إلى سيل منهمر من الشتائم والسباب التي تنبئ عن ضحالة في الفكر وهشاشة في الدمقرطة والعقلانية التي يدعونها. وحسب العلماني تركي علي الربيعو فإن التيار الذي يمثله كل من رفعت السعيد في مواقفه الإيديولوجية المتشنجة من ما يسميه بـ «الإسلاميوية» ومن فؤاد زكريا وبالأخص كتاب الصحوة الإسلامية في ميزان العقل الذي استفاض فيه بالتهكم على الإسلاميين ولباسهم وسلوكهم المتخلف ... إلخ، كذلك سعيد العشماوي في كتابه عن الإسلام السياسي الذي يندرج في إطار رؤية رسمية وإيديولوجية للحركات الإسلامية، وهذا على سبيل المثال لا الحصر. ما يجمع هذا التيار حسب الربيعو دائما هو الإدانة للحركات الإسلامية، والأحكام المسبقة الجاهزة التي تقوم على نفي الآخر واتهامه وإيداعه المصحات النفسية، وهذا ما يتنافى مع الدعوة إلى الإصلاح والديمقراطية حيث الديمقراطية بأبسط تعريف لها هي الاعتراف بالآخر (¬1). في مكان آخر من كتابه يحدثنا الربيعو عن الفرضيات السائدة حول تفسير الظاهرة الإسلامية، فيذكر: الفرضية التاريخية والفرضية السوسيولوجية. وهي بحسبه «لا تقود إلا إلى الإدانة والنفي، فالفرضية التاريخية التي تسود في أدبيات علم اجتماع المعرفة تعزو انتشار الحركات الإسلامية المعاصرة إلى فشل ¬

(¬1) الحركات الإسلامية (260 - 261).

المشروع القومي العربي اليساري. هذه الفرضية تظل محكومة بالتطورية الثقافية، التي ترى في الدين مأوى للعاجزين، وهي فرضية أقل ما يقال عنها إنها باتت متجاوزة في حقل الإناسة منذ زمن بعيد، إذ كيف نفسر تزامن المشروع الإخواني مع المشروع الناصري في عز مجده». «أما الفرضية السوسيولوجية فهي الأخرى محكومة بإشكالية ماركسية، إشكالية المجتمع الطبقي، فهذه الفرضية تربط انتشار الحركات الإسلامية بغياب المجتمع الطبقي، وتراهن على زوالها بتبلور هذا المجتمع. فالدين عبر هذه الفرضية، هو الآخر وَهْم ينتمي إلى حيز اللامعقول» (¬1). وقال العلماني المغربي عبد الرحيم لمشيشي في كتابه الجهاد (13) عن الإسلاميين: إن كتاباتهم تنضح بالحقد والكره، بل والدعوة إلى ارتكاب الجريمة والقتل. وفي كل خطبهم ومواعظهم لا تسمع إلا دعوات الحقد على الغرب وضرورة قتل اليهودي والمسيحي وكل من هو مختلف عنهم في المذهب أو في الدين (¬2). ووصف أركون الإسلاميين بالإسلام السلفي الراديكالي المغرق في طقوسيته الشعائرية، والإسلام التبسيطي الدوغمائي (¬3)، والأصولية الإطلاقية الإرهابية المعممة (¬4). وقال: لماذا نشهد في نهاية هذا القرن العشرين الصعود الضخم لإسلام مغلق ودوغمائي ومتعصب وأسطوري؟ هذا هو السؤال الضخم الذي لا ¬

(¬1) الحركات الإسلامية (125). (¬2) الإسلام والانغلاق اللاهوتي (95). (¬3) نحو نقد العقل الإسلامي (267). انظر (247 - 312) منه. (¬4) نفس المرجع (269).

ينتبه إليه أولئك المختصون والإيديولوجيون الانتهازيون الذين يملؤون الجو بثرثرتهم عن الإسلام (¬1). وقال: ولكن بما أن رجال الدين يرخون لحاهم وذقونهم فإنهم يوهمون الناس بأن القدرة الإلهية تحكم من خلالهم (¬2). هكذا يقول ابن السربون، فهو ينخرط في المشروع العلماني القائم على خلق المغالطات المكذوبة والمصطنعة ليبني عليها ما بعدها، ولإثبات صحة المشروع العلماني ومصداقيته ولو بالأكاذيب. فليس في يد العلمانيين حجج عقلية اتجاه الإسلاميين إلا الاتهامات المصطنعة والشبه المفبركة، لأنهم عاجزون عن تقديم نقد علمي رصين للمشروع الإسلامي. في ظل الفشل الذريع لمشروعهم لا حيلة أمامهم إلا السب والشتم والطعن والتخوين واصطناع الأراجيف. وقد تحول العلمانيون وخاصة ذوي الأصول الماركسية إلى طابور من المداحين والمتملقين للسلطات لتحريضها على مزيد من التضييق على الإسلاميين، أو لنقل التحريض على نوع من الديكتاتورية، عبر التترس خلف ستار قطع الطريق على أعداء الديمقراطية. أما سيد القمامة فقد ملأ كتبه سبا وطعنا وتحقيرا وسخرية (¬3). ويسمي الصحوة الإسلامية: بالصحوة الإرهابية (¬4)، وصحوة الموت (¬5)، ¬

(¬1) الفكر الإسلامي (78). (¬2) قضايا في نقد العقل الديني (240). (¬3) انظر انتكاسته (41 - 42) والأسطورة والتراث (14 - 15). (¬4) انتكاسته (9). (¬5) انتكاسته (47).

والصحوة لا بارك الله فيها (¬1). ولا فرق عنده بين معتدلين ولا متشددين، فالكل دنيء وحقير ودموي وإرهابي، قال عن الزرقاوي وابن لادن وهاني السباعي والقرضاوي ومهدي عاكف وفهمي هويدي: كلهم في الدموية سلة واحدة (¬2). وقال عن القرضاوي: إن هذا الرجل متاجر بدين الله ضد مصالح عباد الله يفتي بالمطلوب مأجورا في الدنيا وفراديسها وقصورها الغناء الفوارة قبل الآخرة ونعيمها (¬3)، وسماه كاهن الإخوان الأكبر (¬4). وقال عن التيار الإسلامي عموما: كان نكبة على البلاد والعباد (¬5)، وأنه كان تدميرا حقيقيا للعقل المسلم (¬6). وقال عن هيئة علماء المسلمين العراقية المجاهدة تحت عنوان: هيئة علماء الإرهاب: إن هذه الهيئة تحرك خيوط الجريمة المنظمة في العراق، وإن أعضاء تلك الهيئة هم المجرمون الحقيقيون وراء ما يحدث في العراق، وإن محاكمة هؤلاء هي البداية الصحيحة لوقف العنف في العراق (¬7). ¬

(¬1) انتكاسته (33). (¬2) انتكاسته (49). (¬3) انتكاسته (32). (¬4) انتكاسته (69). (¬5) انتكاسته (32). (¬6) انتكاسته (32). (¬7) أهل الدين والديمقراطية (1

في حين دافع عن موقف السستاني (¬1). بل ودافع عن التبشير المسيحي واعتبره حقا لأنه سعي وراء الدعوة الصادقة والثواب الأعظم (¬2). وأما علماء الإسلام فهم أعداؤه الدائمون، قال: إذا كان هؤلاء يصفون أنفسهم بالعلماء فبماذا نصف الحمير؟ (¬3). وأكثر محمد الشرفي من اتهام الإسلاميين بشتى ألقاب التسفيه والتضليل والازدراء في الفصل الذي خصصه للأصولية الإسلامية (¬4). واعتبرهم كارثة حقيقية (¬5). وقال علي حرب: إن الحركات الإسلامية هي بطبيعتها مولدة للعنف، أي أن العنف خاصية بنيوية فيها (¬6). وملأ عبد الوهاب المؤدب (القليل الأدب) كتابه «أوهام الإسلام السياسي» طعنا وسبا وشتما. وكنت أظن أنني سأعثر في هذا الكتاب على الأقل على شبه تحليلات علمية بروح علمية نزيهة إذا بي أفاجأ بقاموس سباب وشتائم وتوزيع الاتهامات هنا وهناك. فكل الشر في الإسلاميين وكل الباطل فيهم، بل هم معدن الباطل والشر وأصله. أكتفي هنا بما وصف به الشيخ الشعراوي: عبر هذا التعليم الظلامي الذي ¬

(¬1) نفس المرجع (148). (¬2) نفس المرجع (129). (¬3) نفس المرجع (138). (¬4) الإسلام والحرية (25). (¬5) نفس المرجع (163). (¬6) الممنوع والممتنع (177).

نشره هذا الشيخ في عملية مسخ إضافية ينتصر فيها أشبه المتعلمين المتجرئين حتى في إظهار حقدهم، فالالتباس يبلغ ذروته، وانعدام المقاييس يشل العقل، والجمهور يؤخذ بالخزعبلات ويتأثر بأعمال القياس الملائمة للعقلية التوفيقية التي يبثها الشيخ، وهي التي ترى أن القرآن بشر بكل المخترعات العلمية خاصة في عصرنا هذا مرفقا كلامه برشاش اللعاب (¬1)، وهو يتكلم بحركات تفخيمية، إنه مربي الفقراء الذي يلعب دوره بشكل مسرحي ويجري تقبله بالرغم (أو بسبب) طريقته البدائية في التعبير (¬2). في حين استشاط غيظا من تدمير طالبان لتمثالي بوذا في أفغانستان، وسب وشتم وأرعد وأبرق، واعتبر الفعلة جريمة شنعاء، وكارثة، وبكى طويلا ونحب نحيبا عظيما على هذا التراث العالمي!!! (¬3). أما سمير أمين فلم يخرج عن نفس الجوقة، وهذه بعض عباراته: لا يقدم الإسلام السياسي المعاصر سوى مركزية أوربية معكوسة (¬4). فالإسلام السياسي يدعو إلى الخضوع لا التحرر (¬5). لقد جرى اختراع الإسلام السياسي الحديث في الهند على يد المستشرقين لخدمة السلطة البريطانية (¬6). ¬

(¬1) لعله يشير به لعلمانيين الحاقدين عليه وعلى دعوته. (¬2) أوهام الإسلام السياسي (102). (¬3) نفس المرجع (127 - 1 (¬4) نقد خطاب الإسلام السياسي (6). (¬5) نفس المرجع (7). (¬6) نفس المرجع (8).

تاريخ الإسلام تاريخ قتل ونهب وإبادة

يكتفي بتكرار الكتابات التي لا طعم لها لابن تيمية، الذي هو أكثر الفقهاء رجعية في العصر الوسيط (¬1). لا فرق عنده بين المعتدل والمتطرف في الإسلاميين (¬2). لا يتعارض خطاب رأس المال الليبرالي للعولمة مع خطاب الإسلام السياسي، بل هما في الواقع يكمل أحدهما الآخر تماما (¬3). الإسلام السياسي في خدمة الامبريالية (¬4). إنه حليف ثمين للامبريالية (¬5). الإسلام السياسي ليس فقط رجعيا في بعض المسائل ... إنه رجعي بأساسه (¬6). إنه يقف إجمالا خلف القوى المهيمنة على الصعيد العالمي (¬7). إن الإسلام السياسي هو من فعل الامبريالية الكامل مدعوما بالطبع من قوى الرجعية الظلامية، ومن الطبقات الكومبرادورية التابعة لها (¬8). تاريخ الإسلام تاريخ قتل ونهب وإبادة. هكذا يصور التاريخَ الإسلامي عدد من العلمانيين منهم القمني. قال: ولأن الدولة لم تكن دولة العدل والإحسان، بل دولة الظلم والطغيان والقهر لآدمية الإنسان وإذلال كرامة الناس والشعوب المقهورة منذ بدء ¬

(¬1) نقد خطاب الإسلام السياسي (10). (¬2) نفس المرجع (12). (¬3) نفس المرجع (13). (¬4) نفس المرجع (14). (¬5) نفس المرجع (16). (¬6) نفس المرجع (17). (¬7) نفس المرجع (19). (¬8) نفس المرجع (30).

الفتوحات حتى سقوط آل عثمان (¬1). وهو تاريخ مجازر ومحارق في فتوح العراق وفلسطين ومصر والشام، مع ذل الرجال بهتك عرض النساء، وظلم العباد وقهر الرجال وذل النساء على موائد السبي بالاغتصاب العلني (¬2). وصور فيما بعد الفتح الإسلامي (¬3) تصويرا قاتما وأنه باختصار احتلال واستعمار واستغلال وسفك دماء وإرهاب وتدمير للحضارات السابقة. وقال في انتكاسته (18): فتاريخ المسلمين كله هو تاريخ فتن وصراع على الجاه والسلطان منذ فجر عصرنا الذهبي منذ الخلفاء الراشدين الهداة المهديين (¬4) الذين ماتوا صرعى القتل رغم حرصهم على الشرع الذي لم يؤد إلى أمن المجتمع ولم يحفظ لرأس الحكم أمنه وحياته. وقريب من خطاب القمني فرج فودة ففي كتابه الحقيقة الغائبة جلب نصوصا كثيرة لأحداث مأساوية مشكوك في كثير منها، عن الخلفاء الأربعة وخلفاء بني أمية وبني العباس ليستدل بها على استحالة تطبيق الشريعة في زماننا، وكيف أنها لما طبقت ما جلبت إلا الدماء والقتل والأشلاء والنهب والإبادة. وفي نفس الوقت يبشرنا بعلمانيته المنقذة لنا من الضلال، والعاصمة لنا من كل الشرور والآثام. ناسيا مخازي أحباره وجرائم رهبانه الذي ملأ الدفاتر، كجرائم هتلر وموسليني وستالين وبوش، وحكام فرنسا مهد العلمانية وما فعلوه بالمستعمرات الإفريقية فلم ¬

(¬1) أهل الدين والديمقراطية (106). (¬2) نفس المرجع. (¬3) نفس المرجع (187 - 188 فما بعدها- 198 فمن بعد (¬4) هذا من باب الاستهزاء طبعا.

تعصم علمانيتهم ملايين البشر من السحق والإبادة، بل ركب جواد ضلالته فزعم أن عصرنا أرقى بكل المقاييس من عصور الإسلام السالفة، وعلى رأسها مقاييس الأخلاق، وهو مدين في هذا لعلمانيته التي سماها ثقافة إنسانية (65). بل في نظر القمني: مستوى قمة زمانهم (أي: الفقهاء المسلمون المتقدمون) المعرفي أدنى من المراحل التعليمية الابتدائية في زماننا .... لذلك نحن اليوم (أي: القمني ومن معه) أقدر وأفقه بالرأي الذي تحتاجه الأمة ومصالح الناس عن رأي مضى عليه ألف عام (¬1). فأعلى مستوى عند الفقهاء المتقدمين هو أدنى من المراحل الابتدائية في زماننا. ولا أدنى من المراحل الابتدائية إلا مرحلة الحضانة، ففي نظر سيد القمامة أعلى مستوى الفقهاء المتقدمين = مرحلة الحضانة. وبالمناسبة فقد خالف حسن حنفي جل إخوانه العلمانيين وأكد أن الدولة العربية كانت امبراطورية تحريرية وليست استعمارية، حررت المنطقة من ربقة الاستعمار الروماني والفارسي المترامي الأطراف ومن الاضطهاد الوثني وابتزازه المادي، وأنها قامت ضد الدولة العنصرية مفتوحة الألوان في وسط حضاري متجانس للجميع دون نواة منروبوليتية كما هو الحال في الاستعمار الأوروبي (¬2). وقد جلب له هذا الاعتراف بالحقيقة التاريخية غضب عدد من العلمانيين، فقد ردوا عليه بقسوة، منهم القمني (¬3) وعلي حرب (¬4). ¬

(¬1) شكرا ابن لادن (262). (¬2) مجلة القاهرة عدد أيار 1993. (¬3) شكرا ابن لادن (188). (¬4) الممنوع والممتنع (212).

وشهد شاهد من أهلها

ملحق وشهد شاهد من أهلها هذا الفصل ليس من صلب الكتاب ولا من موضوعه، وإنما ألحقته به استطرادا، ولم يكن في تصوري وتقديري عندما بدأت جمع مادة هذا الكتاب أن أجمع هذا البحث، لكن ومع تتابع المطالعة بدأت ألاحظ أنه «فَسَا ظربان» بين العلمانيين، حتى تواتر نقد العلماني لرفيق دربه نقدا شبيها بما يكيله العلمانيون لمخالفيهم الإسلاميين. فرأيت من باب العبرة من جهة، ومن باب الطرافة من جهة أخرى أن أجمع بعض تلك المواقف والتصريحات أو ما يمكن أن أسميه نقد العلماني للعلماني. مما يجلي بوضوح اضطراب المفاهيم العلمانية وتناقضها وتعارضها حتى بين حملتها ودعاتها، فهذا يثبت شيئا على أنه محض العقلانية والتنوير، وذاك يبطله بل لا يرى فيه إلا العقلانية والظلامية والتحجر. ولاحظت من خلال هذه النقول التي سنأتي عليها تمثيلا ناصعا لقوله تعالى: {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ} الحشر14.

العلماني صنيعة الغرب

العلماني صنيعة الغرب. قال العلماني علي حرب عن إخوانه العلمانيين: المثقف العربي هو صنيعة الغرب بمعنى من المعاني (¬1). وقال: هكذا فإن المثفق العربي الحداثي يقع في المطب، أعني أنه يلعب اللعبة التي يفرضها عليه الغرب (¬2). وقال: ولذا فهو (أي: المثقف العربي الحداثي العلماني) إذ يجابه الغرب مدافعا عن هويته فإنه يتحدث غالبا بلغة الغرب، ويستعير وجهه أو يضرب بيده، أعني يستخدم أدواته، ولكنه لا يفيد في النهاية من هذا الغرب ما يبني به قوته ويفرض حقيقته ويصنع عالميته، وإنما يأخذ منه ما يعيد به إنتاج عزلته وهشاشته وضيق أفقه (¬3). وقال تركي علي الربيعو: ثمة شكوى عند أغلب المثقفين العرب، من أن الغرب هو الحاضر الغائب في خطاباتهم، فقد أصبح الغرب نموذجا للقياس وليس للاستئناس كما يرى الجابري. وقد انتبه غليون إلى ذلك في بحثه عن مأزق الدولة العلمانية التي تقيس على الغرب في سعيها إلى علمنة الدولة والمجتمع، والتي تهمل دور الدين في بناء الدولة والجماعة. وهذا ما فعله على أكمل وجه الدين الإسلامي. وهذا ما حذر منه هشام جعيط كما مر معنا (¬4). ¬

(¬1) الممنوع والممتنع (213). (¬2) الممنوع والممتنع (214). (¬3) الممنوع والممتنع (214). (¬4) الحركات الإسلامية (204).

فقدت العلمانية مصداقيتها حسب العلماني علي حرب

فقدت العلمانية مصداقيتها حسب العلماني علي حرب. قال علي حرب: إن مقولات التنوير والتقدم والتحديث والعلمانية لم تؤت ثمارها، بل هي فقدت مصداقيتها وغدت مجرد أسماء يتعلق بها الدعاة المحدثون كما يتعلق المؤمن باسم ربه (¬1). وشاهد شاهد من أهلها. وزاد: خاصة وأن هذا الخطاب فقد مصداقيته بعد أن أمست المقولات التي يطرحها مجرد أسماء بلا مسمى، بل شعارات خادعة ترجمت إلى مضاداتها: فالوحدة تترجم فرقة، والعلمانية أصولية، والعقلانية خرافة، والعلم جهالة، أليست هذه محصلة الأدلوجة التقدمية التحديثية على ما ترجمت في المجتمعات العربية؟ (¬2). وذكر أن فشل مفاهيم مثل العقلنة والتقدم والحرية والعلمنة والديمقراطية ليست لخطأ في الواقع والتطبيق، بل لمشكلة في الفكر نفسه (¬3). وقال عن المعارضة العقلانية: إنها فقدت فاعليتها وأصبحت هي التي تحتاج إلى النقد والفحص. بل زاد في اعتراف قل نظيره وعز مثيله: فأية عقلانية نقصد؟ عقلانية ديكارت أم كنط؟ عقلانية ماركس أم نيتشه؟ سارتر أم فوكو؟ إن العقلانيات ليست واحدة، بل هي تختلف وتتنوع، فمنها التقليدي ومنها الحديث، منها ما يتصف بالضيق والتبسيط والإحكام، ومنها ما يتصف بالبناء والتركيب والانفتاح (¬4). ¬

(¬1) نقد النص (218). (¬2) نقد النص (219). (¬3) أوهام النخبة (165). (¬4) الممنوع والممتنع (167).

وقال علي حرب: ولا مبالغة في القول بأن المثقفين العرب دعاة الحرية والثورة والوحدة والتقدم والاشتراكية والعلمانية كانوا قليلي الجدوى في مجريات الأحداث والأفكار، فتاريخ تعاملهم مع قضاياهم ومع الواقع يشهد على فشلهم وهامشيتهم ... إنهم مارسوا أدوارهم التحريرية أو التنويرية بعقلية سحرية وبآليات طقوسية (¬1). ثم ذكر أنهم غارقون في سباتهم الإيديولوجي، وأنهم يسعون لمطابقة الواقع لمقولاتهم المتحجرة، أو لقولبة المجتمع حسب أطرهم الضيقة أو تصنيفاتهم الجاهزة. وقال: بهذا المعنى مارس المثقفون ديكتاتوريتهم الفكرية أو عنفهم الرمزي باسم الحقيقة أو الحرية أو تحت شعار الديمقراطية. ثم ذكر أنهم تحولوا شرطة للأفكار (¬2). وقال: بهذا المعنى أمسى المثقف هو نفسه جزءا من مشكلة المجتمع بدغمائيته العقائدية أو بطوباويته المستقبلية بالمشكلات الوهمية التي يثيرها أو بالوعي الزائف للموضوعات التي يعالجها (¬3). وزاد: إن علاقة المثقف بالواقع حيث جُربت أفكاره كانت علاقة سلبية عقيمة، بل مدمرة في معظم الأحيان (¬4). فحقيقة المثقف عنده أنه نخبوي مركزي اصطفائي، وهو مثالي طوباوي أو ¬

(¬1) أوهام النخبة (42). (¬2) أوهام النخبة (43). (¬3) أوهام النخبة (47 - 48). (¬4) أوهام النخبة (48).

دفاع العلمانيين عن أنظمة دكتاتورية

أكاديمي مدرسي أو حزبي فئوي (¬1). وذكر أن المثقفين (أي العلمانيين) شكلوا نخبا تدعي القبض على الحقيقة أو المعرفة بأسرار التغيير أو امتلاك مفاتيح النجاة والخلاص مآله اتخاذ الجماهير كاحتياطي بشري للتعبئة والتجيش والتنظيم، أو كحقل اختبار للمشاريع العقائدية والأحلام الثورية أي: اتخاذها آلة لتحقيق استراتيجية النخبة للاستيلاء على الدولة والمجتمع (¬2). دفاع العلمانيين عن أنظمة دكتاتورية. قال علي حرب: إن أكثر المثقفين العرب (¬3) قام نضالهم بوجه من وجوهه على الدفاع عن أنظمة ودول كان هاجسها نفي أو تصفية أمثالهم أو زملائهم. ولهذا لا أفتئت على الحقيقة عندما أقول: إن المثقف العربي أعني به المثقف التقدمي الطليعي كان -وربما لا يزال- يرى بعين واحدة، وأما المثقف اللبناني وأعني به بالطبع من انخرط في مشاريع التغيير والتحرير فقد كان أعمى لأنه كان يطالب بالحرية حيث ينعم بها، ويؤكد وجودها حيث تنعدم (¬4). فالعلماني حسب علي حرب: إما أعمى وإما أعور، والحق ما شهدت به الأعداء. ¬

(¬1) أوهام النخبة (51). (¬2) أوهام النخبة (52). (¬3) يعني العلمانيين. (¬4) الممنوع والممتنع (168).

مشاريع العلمانيين أسطورية ووهمية

مشاريع العلمانيين أسطورية ووهمية. تحت فقرة أسطورة التحرير الكبير بين علي حرب أن مشاريع العلمانيين الكبار كأركون ذات مزاعم أسطورية سحرية، وأن الزعم بامتلاك مشروع لتحديث عالم متعدد كالعالم الإسلامي أو تراث ضخم كالتراث العربي، وهم من أوهام الماورائية، إنهم أسيروا وَهْم القطيعة الجذرية، وَهْم المراجعة الشاملة، وهم التحرير الكبير، وهم القبض على الحقيقة الساطعة (¬1). وذكر أن كل واحد منهم يرى مشروعه هو الأكثر شمولية وجذرية، والأكثر قابلية للتحقيق، وكلها أوهام زرعتها في العقول الحداثة والأنوار وعقيدة التقدم (¬2). وذكر أن المثقف تحول إلى مناضل فاشل، وأن الأفكار تحولت إلى مجرد هوامات أو تهويمات إيديولوجية لا علاقة لها بما يجري على أرض الواقع (¬3). وقال: إن تعثر العقلانية وتراجع الاستنارة وفشل العلمانية كل ذلك إنما مرده أن أصحاب الشعارات الحديثة قد تعاملوا مع علمانيتهم بصورة لاهوتية، وتعلقوا بالعقل على نحو أسطوري، وتعاطوا مع عصر التنوير بطريقة تقليدية أصولية غير تنويرية (¬4). وذكر أن العلمانية آلت إلى احتكار السلطة ومصادرة المشروعية، وذلك تحت حجج وذرائع تحيل في الغالب إلى مبادئ غيبية كداعي المصلحة العليا وسيادة ¬

(¬1) الممنوع والممتنع (135). (¬2) الممنوع والممتنع (135). (¬3) أوهام النخبة (209). (¬4) أوهام النخبة (112).

الخطابات العلمانية محكومة بسلف

الأمة والحرص على الهوية (¬1). الخطابات العلمانية محكومة بسلف. ينطلق معظم العلمانيين في قراءاتهم وخطاباتهم من منظور سلفي مسبق، فعوض أن يكون سلفهم هو النبي والصحابة والتابعون فسلفهم ماركس ولينين (¬2). فحسب تركي علي الربيعو فالعلماني مثل صادق جلال العظم وطيب تيزيني وعزيز العظمة وناصر حامد أبي زيد وآخرين ينطلقون في تحليلاتهم من قاعدة ماركسية متخشبة ترى أن الحق المطلق في ما أبدعه ماركس في المادية الجدلية التاريخية والصراع الطبقي، وكل الفلسفات في نظرها هي فلسفات رجعية تستخدمها الطبقة البورجوازية للسيطرة على الطبقات المسحوقة. فكل ماركسي عندما يحلل الأوضاع والأفكار ينطلق من هذه العقيدة المطلقة التي تدعي العصمة لتحليلات الماركسية وتعد بجنة الفردوس على هذه الأرض لا في مكان آخر (¬3). وأكد الجابري في الخطاب العربي المعاصر (184) أن الخطاب العربي المعاصر بتفرعاته العديدة هو خطاب محكوم بسلف، والمطلوب هو تحريره من ربقة السلف الإيديولوجي (¬4). وأكد الربيعو كذلك أن الخطاب العربي المعاصر تطغى عليه سلفية القياس، وليس سلفية الاستئناس، وتجعله يدور حول نفسه وفي حلقة مفرغة مسيجية ¬

(¬1) نقد الحقيقة (70). (¬2) الحركات الإسلامية (117). (¬3) الحركات الإسلامية. (¬4) الحركات الإسلامية (114).

بأوثان الأحكام المسبقة وبزيف الديكورات المستعارة (¬1). وقال عن تفسيرات أجهزة الإعلام ومراكز البحوث العالمية والعربية عن الحركات الإسلامية: ما تزال محكومة بإرادة إيديولوجية هي الأخرى وأسيرة لرؤى مسبقة وجاهزة الصنع (¬2). وقال عما سماه التأويلات التضييقية التي تطال ظاهرة الإسلام السياسي: المحكومة بإرادة عدم معرفة وبالتصورات الجاهزة والمؤدلجة التي تحكم على هذه الظاهرة باللاعقلانية والإرهاب وتطالب بالحجر على هذه الحركات، وتقف إلى جانب الدولة التسلطية في حربها العوان على هذه الحركات والتي تأخذ شكل حرب أهلية عربية عرفتها معظم البلدان العربية (¬3). وقال العروي في الإيديولوجية العربية المعاصرة (65): وراء كل نبي من أنبيائنا الجدد، يختفي جبريل يهمس له بإجاباته ونداءاته، لوثر وراء محمد عبده، ومونتسكيو وراء لطفي السيد، وسبنسر وراء سلامة موسى (¬4). وقال (181): ما من أحد من الكتاب العرب يصف واقعا ما بدون نظرة قبلية (¬5). وذكر أنه لا يوجد مفكر عربي سليم كليا من الأفكار الخارجية (12) (¬6). ¬

(¬1) نفس المرجع (124). (¬2) نفس المرجع (59). (¬3) نفس المرجع (60). (¬4) أزمة الخطاب التقدمي (9). (¬5) نفس المرجع (10). (¬6) نفس المرجع (10).

العلمانية تقوم على إقصاء الآخر ونفيه

العلمانية تقوم على إقصاء الآخر ونفيه. قال الربيعو عن تحليلات المثقفين العرب: هي تحليلات تقوم على نفي الآخر وإقصائه، إنها ثقافة إقصاء لما نتخلص منها بعد. فالإسلاميون عموما تكفيريون ورجعيون ولا فائدة منهم إلا بإقصائهم، بهذا يكشف التنويري العربي عن انحيازه المسبق وعن شعاراته الجوفاء التي تحيلنا إلى نتيجة أن هناك ديمقراطية لم يمل المثقف من رفعها كشعار، ولكن بدون ديمقراطيين (¬1). وأكد أن العنف سمة عامة لكل الحركات الإيديولوجية وليس خاصا بالإسلاميين (¬2). ووصف الخطاب الحداثي بأنه يمتاز بـ نظرة نخبوية واستعلائية تهدف إلى إقصاء الجماهير العريضة عن المشاركة في الحياة السياسية، بحجة من تخلفها التاريخي الذي يرد-هذه المرة- إلى وجود عنصر أبدي يتمثل في سيادة الغيبي (¬3). وأنه يخفي رغبته في ممارسة السلطة أو التعاون مع السلطة الحاكمة للوصول إلى الهدف المتمثل بالحجر على الآخر أو نفيه وتشريده أو سحله عنوة تحت سلاسل دبابات النظم الحاكمة (¬4). العلمانيون سلطويون مصلحيون استبداديون. قال علي حرب عن إخوانه: هكذا فالمثقف يزعم بأنه يعمل على مقارعة السلطة السياسية فيما هو يعمل على منافستها على المشروعية، وهو يدعي القيام ¬

(¬1) الحركات الإسلامية (136). (¬2) الحركات الإسلامية (113). (¬3) الحركات الإسلامية (119). (¬4) الحركات الإسلامية (

الخطاب العلماني يتستر خلف شعارات لتحقيق أهدافه

بتنوير الناس وتحريرهم، فيما العلاقات بين المثقفين ليست تنويرية ولا تحررية، بل هي علاقات سلطوية صراعية سعيا وراء النفوذ أو بحثا عن الأفضلية أو تطلعا إلى الهيمنة والسيطرة، وأخيرا فالمثقف يدعي التجرد والنزاهة والانسلاخ دفاعا عن قضية الأمة ومصالح الناس، فيما هو يمارس مهنته ويدافع عن مصلحته أو يلعب لعبته ويجرب فكرته، إنه يدعوك إلى التحرر من سلطة رأس المال، في حين هو يراكم رأسماله ويثبت سلطته (¬1). ووصفهم بأنهم يزدادون توحشا وظلامية، وأنهم مارسوا علاقتهم مع الحرية على نحو استبدادي، مما أثبت جهلهم بأمر السلطة نفسها (¬2). الخطاب العلماني يتستر خلف شعارات لتحقيق أهدافه. قال علي حرب عن المثقف الحداثي: يتكلم على أشكال التسلط أو على آليات التلاعب بالحقيقة، أعني أنه يخفي حقيقته وسلطته، ويتستر على فعله وأثره، ويتناسى مخاتلته وألاعيبه، وهكذا فالمثقف يعلن انحيازه إلى المقهورين في مواجهة سلطة القهر، فيما هو يشكل سلطته ويمارس سيطرته، أو يعلن أن شاغله هو كشف الحقائق فيما هو يصنع حقيقته عبر نصه وخطابه، أو هو يحدثنا عن حلمه بمجتمع تنويري تحريري قائم على المساواة، فيما هو يمارس نخبويته، ويحجب إرادته في التفرد والتمايز (¬3). ¬

(¬1) أوهام النخبة (58). (¬2) أوهام النخبة (116). (¬3) نفس المرجع (56).

العلمانيون العرب مقلدون مستنسخون

وزاد: طبعا إن المثقف يقدم نفسه عادة بوصفه صاحب رسالة وليس صاحب غاية خاصة أو منفعة مباشرة، فهو يعلن بأنه لا يبتغي سلطة، وإنما يدافع عن القيم والمقدسات. وهنا وجه الخداع والمخاتلة. فمهنة المثقف هي مهنة قوامها أن تخفي حقيقتها، أي: كونها تشكل مهنة ومصلحة أو تعمل على تشكيل سلطة خاصة (¬1). العلمانيون العرب مقلدون مستنسخون. أخذ كمال عبد اللطيف على أصحابه أن كتاباتهم تتضمن كثيرا من الحماسة الإيديولوجية وقليلا من النظر النقدي، أو ما سماه عملية النسخ والاستعادة (¬2). وأكد علي حرب أنه لا يوجد علماني واحد أنتج فكرا ذا أهمية حول المجتمع العربي والبشري (¬3). وقال: إننا لا نجد مثقفا عربيا واحدا نجح في الكلام بصورة جديدة غنية أو فريدة (¬4). وقال: لم نجد مفكرا عربيا واحدا قدم لنا اليوم عملا فكريا فذا حول السلطة (¬5). وأكد أنهم عاجزون عن الابتكار، فهم مقلدون تابعون (¬6). ¬

(¬1) نفس المرجع (57). (¬2) التفكير في العلمانية (16). (¬3) أوهام النخبة (101). (¬4) أوهام النخبة (102). (¬5) أوهام النخبة (116). (¬6) نقد النص (191 - 192).

من صفات العلمانيين

من صفات العلمانيين. وصف علي حرب إخوانه بما يلي (¬1): - النرجسية. - يتعاملون على نحو نخبوي واصطفائي. - منعزلون عن الناس الذين يدعون قيادتهم. - غارقون في أوهامهم، أسيرو أفكارهم. - طالبوا بالحرية لكي يمارسوا الاستبداد. - مشكلتهم مع أفكارهم لا في مكان آخر. - يتعاملون مع العلمانية بعقلية لاهوتية ومارسوا العقلانية بصورة خرافية (¬2). - تحول العلمانيون إلى مجرد باعة للأوهام (¬3). - يتعامل الحداثي مع ذاته بوصفه صاحب مهمة نبوية رسولية (¬4). - وقال: فكم من مطالب بالحرية تعاطى مع هذا الشعار بصورة امبريالية! وكم من ساع إلى تحقيق العقلانية يجعلنا نترحم على السلفية! (¬5). ¬

(¬1) أوهام النخبة (98 - 99). (¬2) الممنوع والممتنع (285). (¬3) أوهام النخبة (97). (¬4) الممنوع والممتنع (137). (¬5) الممنوع والممتنع (181).

العلمانية في شقها الماركسي بشهادة علمانيين ماركسيين وغيرهم

العلمانية في شقها الماركسي بشهادة علمانيين ماركسيين وغيرهم: كانت الماركسية العربية تتميز بثلاث خصائص -حسب الماركسي ياسين الحافظ- الأول: ولاؤها للخارج، والثاني: غياب الديمقراطية في تكوينها، والثالث: عبادة الفرد (¬1). أكد تركي الربيعو أن الخطاب الماركسي سعى لإقامة تضاد مطلق بين الدين والعلم، في حين اعتبرها هو إشكالية مصطنعة لا تنتمي إلى منطق العلم، بل إلى عالم الأدلوجة المتخشبة (¬2). وقال: التيار الماركسوي ومواقفه التشنجية المعادية للدين والتقاليد التي تنم عن مراهقة ثقافية في رؤيتها للمجتمع العربي وحضارته الإسلامية (¬3). وقال علي حرب عن مقولات ماركسية مثل: الفكر التقدمي والقوى الظلامية والمواقف الرجعية والمصالح الجماهيرية والمعارضة العقلانية: إنها مقولات فقدت فاعليتها وأصبحت هي التي تحتاج إلى النقد والفحص (¬4). ووصفها بأنها قروسطية فقدت جاذبيتها ومشروعيتها، وعلل ذلك بما جرى من قمع واستبداد ومصادرة للحريات وانتهاك للحقوق من قبل أحزاب وأنظمة أو منظومات تشكلت وقامت وحكمت باسم الحرية والتقدم والعقل، أو باسم الدفاع عن مصالح الجماهير وقضايا الشعوب (¬5). ¬

(¬1) أزمة الخطاب التقدمي العربي (28). (¬2) نفس المرجع (52). (¬3) الحركات الإسلامية (¬4) الممنوع والممتنع (167). (¬5) الممنوع والممتنع (168).

ووصف الاشتراكية بأنها طوبوية كانت نتائجها سيئة، وأحيانا كارثية (¬1). وقال تركي الربيعو عن معالجة الخطاب التقدمي لظاهرة الحركات الإسلامية: يكشف عن خلل مزمن في طريقة تفكيره، فهو يضحى بالواقع لصالح النص، بالحركة لصالح الإيديولوجيا المتخشبة وأحكامها المسبقة، وبذلك فهو يتمفصل مع العنف، العنف الذي يهدف إلى إلغاء الطرف الآخر وتدميره. وبهذا فهذا الخطاب لا يؤسس نفسه على الحوار لأن خطابه ذو مرجع ذاتي، وبذلك يؤسس للعنف، العنف الذي يتحد بجسد السلطة، والذي يكشف عن خطاب مؤدلج يستعير أدوات التعبير عن نفسه، من ثقافة أخرى أوروبية مركزية، استشراقية، ماركسوية، تحصر السياسي بالطبقي، وبالتالي بالتاريخ الأوروبي وحده، والذي ينظر إليه على أنه سقف التاريخ، وتحججه-أي السياسي- عن كل الأشكال الأخرى، فأشكال الوعي السياسي الأخرى، تدخل فقط في إطار الغرابة السياسية، ولا تزيد عن كونها حركات هستيرية يجب قمعها بالتعاون مع السلطة، أو بالتعاون مع جيوش الغرب العسكرية وطائراته العملاقة، وعبر هذا نرى أن الخطاب السياسي الذي يطغى على الخطاب التقدمي يقف كعائق ابستمي يمنع ويحول دون نظرة شمولية للواقع العربي بكل تجلياته وتعابيره، ومن هنا تكمن أهمية كشف زيفه وتعريته في محاولة لزحزحته عن الواجهة لصالح التحليل الموضوعي الذي من شأنه أن يكون مؤهلا لفهم موضوعي لظاهرة الحركات الإسلامية المعاصرة، كظاهرة مركبة في واقعنا الموضوعي العربي (56 - 57). وقال عن الماركسية: لا يمكن أن تكون إلا مثالية ماورائية. والماركسية تداعت بسبب ذلك، أي: لأنها تعالت على الواقع وأمست ضد ¬

(¬1) الممنوع والممتنع (

التاريخ (¬1). وذكر أن الماركسية ترى أن كل فكر يخالفها فهو فكر لا عقلاني لا علمي دوغمائي (¬2). وقال: فالماركسية لم تسقط لأنها مادية تاريخية واقعية جدلية بل على العكس من ذلك: إنها سقطت لأنها مثالية لاهوتية غيبية طوباوية (¬3). وقال: فالماركسيون يصرحون بأنهم ماديون تاريخيون جدليون ثوريون ... ولكن منطق خطابهم وأجهزتهم المفهومية وطريقة تعاملهم مع الأفكار والنصوص ونظرتهم إلى المراجع والأصول، كل ذلك يقول لنا بأنهم على الضد: تقليديون، دوغمائيون، امبرياليون، مثاليون (¬4). ولهذا فكل فكرة، أو مقولة -حسب نظره- لها طابعها الماورائي الغيبي اللاهوتي (¬5). أي كل فكرة لها حقيقة مطلقة مكتملة نهائية (¬6). وقال: وبالإجمال فقد وعدنا منذ هيغل وماركس وشبلي الشميل بأن التاريخ هو تقدم مستمر نحو المعقولية والحرية، وأن التقدم والرقي قدر المجتمعات المحتوم، فإذا بالمجتمعات التقدمية تنفجر وتشهد بربرية لا نظير لها، كما جرى ويجري في البوسنة حيث المقابر الجماعية التي جرى اكتشافها، تجعلنا نخجل من ¬

(¬1) نقد النص (145). (¬2) نقد النص (142). (¬3) نقد النص (144). (¬4) نقد النص (144). (¬5) نقد النص (131). (¬6) نقد النص (132).

كوننا بشرا، وتفضح زيف ادعائنا بأننا أرقى من جماعات الحيوانات العجماء (¬1). وقال عن الماركسية: الدفاع عن المادية التاريخية ينقلب عند أصحابها إلى غيب ولاهوت ويتحول إلى أدلوجة تتعالى على الواقع والتاريخ، فهذا هو مآل الدفاع عن مقولة ما واعتبارها الحقيقة التي لا يرقى إليها شك، وهذا ما يفضي إليه التحزب لفكرة معينة بصفتها المبدأ الذي يفسر كل شيء، نعني تأليه الأفكار وإنشاء خطاب يحجب ويزيف بدلا من أن يكشف وينير (¬2). وقال الماركسي المصري خليل عبد الكريم: بل يكفيها من التقدمية الشعار الذي ترفعه واللافتة التي تعلقها والرطانة التي تلوكها، ومما لا ريب فيه أن ذلك نوع من الشطارة وضرب من تربيع الدائرة، وهذا من أهم الأدواء وأبرز العلل التي تعيب الحركة التقدمية في مصر والعالم العربي، ولعل هذا يفسر لنا سقوط عدد وفير ممن كانوا يحسبون من قادة التقدم سقوطا مدويا، ويوضح لنا تراجع الحركة التقدمية وانزواءها وخسرانها الكثير من المواقع التي كانت تحتلها (¬3). ثم ذكر أن المشكلة هي في التقدميين أنفسهم الذين فقدوا مصداقيتهم (¬4)، وأنهم تحولوا إلى تقدميين مظهرا ورجعيين معيشة وسلوكا وتصرفا (¬5). وقال علي حرب عن الماركسيين: فهم سعوا إلى تحرير البشر من عبودية الأديان في حين أنهم تعاملوا مع فكرة التقدم كديانة حديثة يدينون بها، قد عصموا ماركس ولينين ¬

(¬1) أوهام النخبة (127)، وانظر (124 - 134 - 136 - 221) ففيه نقد لاذع للماركسية. (¬2) نقد النص (131)، وانظر (181) منه ففيه نقد جيد للماركسية. (¬3) الجذور التاريخية (7). (¬4) الجذور التاريخية (7). (¬5) الجذور التاريخية (8).

رأي العلمانيين في فؤاد زكريا

وماو وأقاموا معهم علاقات لاهوتية تقوم على العبادة والتقديس (¬1). وقال: فالمنطوق في الخطاب الماركسي هو تقدم التاريخ والمجتمع والفكر، أما المسكوت عنه فهو الوقوف عند زمن معين، هو زمن ماركس الذي جرى التعامل معه كالتعامل مع زمن الوحي لدى الإسلاميين، بمعنى أنه شكل نهاية التاريخ وكمال العقيدة ونهاية العلم، ولذا كل من أتى قبله قد مهد له، وكل ما يأتي بعده يكون امتدادا له (¬2). وقال: وبالإجمال لقد ألَّه الماركسيون الأشخاص والمقولات، بما في ذلك فكرة التقدم أو التاريخ، وأقاموا معها علاقات غير تقدمية وغير تاريخية وغير تنويرية، فإذا تقدم الوعي يصبح تراجعا في الفكر وتحجرا في العقيدة، وإذا بتحرير البشر من العبودية والارتهان ينتج ما أنتجته الأنظمة التقدمية من الكبت والمنع والإقصاء والاستئصال (¬3). رأي العلمانيين في فؤاد زكريا. قال تركي علي الربيعو فيه: تحول من فيلسوف إلى شرطي أفكار (¬4). وقال فيه: يزجي انطباعات سطحية في غاية الخفة والتهور واللامسؤولية، فالإسلاميون حمقى من وجهة نظره، لأنهم يتمسكون بملابس عفا عليها الزمن (¬5). ¬

(¬1) أوهام النخبة (122). (¬2) أوهام النخبة (123). (¬3) أوهام النخبة (123). (¬4) الحركات الإسلامية (68). (¬5) نفس المرجع (70 - 71).

وقال بعد أن ذكر تحريض فؤاد زكريا للدولة للتصدي بحزم للإسلاميين: إن خطاب الدكتور زكريا مسكون بالحاجة إلى ممارسة السلطة من خلال تحريضه للسلطة على مواجهة تيار الصحوة الإسلامية، وهذا ما يكشفه التحليل النفسي عن ما يسميه لاكان بـ: «لا شعور الخطاب» عن ميل المخاطِب - بكسر الطاء- إلى ممارسة التفوق والسلطة (¬1). وذكر أنه واقع في براثن العقلية التآمرية في تفسيره للزخم السياسي للحركات الإسلامية المعاصرة التي لا تظهر على أنها حركات وطنية كما يثبت الواقع في فلسطين بل حركات عميلة يساهم الخارج في إيجادها وتغذيتها (¬2). وقال عن خطابه: إنه غير ديمقراطي عندما يقوم بقياس الديمقراطية على مقاس خطابه الفلسفي الاستبدادي الرامي إلى وضع حد -بالقوة- للنشاط السياسي لهذه الحركات، بفرض الوصاية عليها وإعادة توجيه سلوكها بهدف إخراجها من الجمود والانغلاق والتخلف كما يقول (¬3). وقال عن خطابه كذلك: إنه خطاب قناعة واعتقاد لا خطاب نقد ومنهج، وهذه سمات تطبع خطاب الدكتور زكريا وتختمه بخاتم الأصولية العلمانية لتجعل منه خطابا تغذيه الأحكام المبسترة والجاهزة، خطابا تحكمه الدعوة إلى الوصاية وغياب الحوار. وهذا يعني أننا أمام خطاب مأزوم وغير عقلاني وغير ديمقراطي، خطاب ليس من شيمته البحث عن الحقيقة، بل البحث عن دور جديد، دور شرطي الأفكار في عالم عربي يسعى إلى الإكثار من محاكم التفتيش ¬

(¬1) نفس المرجع (73). (¬2) نفس المرجع (73). (¬3) نفس المرجع (74).

موقف العلمانيين من نصر حامد أبي زيد

الجديدة التي تحتمي بالعقلانية والتنوير (¬1). وقال: إلا أن محاولة فؤاد زكريا ظلت غارقة في أوحال الإيديولوجيا والأحكام المسبقة (¬2). موقف العلمانيين من نصر حامد أبي زيد. ذكر تركي علي الربيعو أن أبا زيد في قراءته للخطاب الديني لم يتحر الدقة والموضوعية، بل ظلت أسيرة السياق الذي يحكمها، أي: جو المعركة الذي يدفعنا إليه أبو زيد، لذلك ليس غريبا أن تتصدر أحكام القيمة الكثير من تحليلات أبي زيد، وأن تتوسطه لتحول بينه وبين إصدار المزيد من أحكام القيمة التي تطال مجمل الخطاب الديني معتدله بمتطرفه يمينه بيساره ... فالكل سواسية من وجهة نظره التي تحشر الجميع تحت سقف واحد (¬3). وزاد: إنه يأخذ الكل بجريرة البعض، ويقيس الكل على البعض عبر مسطرة إيديولوجية لا تقبل إلا بنفي الآخر. وزاد واصفا هذا بديكتاتورية فكرية (¬4). وقال: إن الوعي العلمي بالتراث عند الباحث لا يزيد عن كونه وعيا إيديولوجيا أو تجديدا ومبايعة إيديولوجية لإيديولوجيا مضت وانقضت (¬5). قال: إن القراءة الإيديولوجية في خطاب أبو زيد هي التي تدفعه للخفة ¬

(¬1) نفس المرجع (74). (¬2) نفس المرجع (85). (¬3) الحركات الإسلامية (133). (¬4) نفس المرجع (134). (¬5) نفس المرجع (155).

والتهور، على حد تعبير علي حرب، وذلك عندما يقول إن النص منتج ثقافي (¬1). وقال: ولكن خطاب أبو زيد ظل محكوما بتحاليل سائدة في صفوف المتياسرين العرب على حد تعبير محمد عابد الجابري تحليلات حجبت الواقع لصالح الإيديولوجيا اليسراوية المتخشبة التي ما ملت على مدى عقود من عرض بضاعتها المغشوشة (¬2). وذكر أن نصرا أبا زيد محكوم في كتابه مفهوم النص بهاجس سياسي، لنقل بهاجس سحب البساط من تحت أقدام الحركات الإسلامية السياسية ... بمعنى أنه لم يأت بالجديد هنا وظل أسير التصورات الماركسية الأرثوذكسية عن النص التي ترى النص انعكاسا للواقع، وهذا ما تجاوزته العلوم الإنسانية، وكذلك في كتابه التفكير في زمن التكفير، 1995 الذي هو مجموعة من الشتائم لمناوئيه (¬3). وقال: من هنا يمكن القول إن أبو زيد لا يهدف إلى إقناعنا، بل إلى ضرب من التشويش الإيديولوجي الذي لا يستهدف بدوره الوعي، بل التحزب، وهذه هي شيمة الخطاب العربي المعاصر، الذي ما انفك عن توليد المزيد من «الميلشيات الفكرية» بعدتها الجاهزة وأسلحتها المفلولة ومناظيرها النظرية التي تحتاج إلى تغيير (¬4). وقال عن قراءة أبي زيد للخطاب الديني: إن قراءته إيديولوجية وليست تشخيصية تبحث عن نقاط قوة وضعف هذا الخطاب إنه يركز فقط على ضعف ¬

(¬1) نفس المرجع (154). (¬2) نفس المرجع (142). (¬3) نفس المرجع (253). (¬4) الحركات الإسلامية (138 - 139).

الخطاب للقول بأنه متهافت، وهي المفردة التي تحضر كثيرا في القراءات الإيديولوجية، ومنها قراءة نصر حامد أبو زيد (¬1). وقال عن عدم تفريق أبي زيد بين المعتدل في الخطاب الإسلامي والمتطرف وبين المتحزب والمستقل أنه لا يستقيم إلا بالاعتماد على ما سماها إدوارد سعيد ذات مرة بـ «الخردة الإيديولوجية» التي تسوق أمامها اتهامات أكثر منها تحاليل (¬2). وقال: في رأيي إن مفاتيح أبو زيد في مقاربته لآليات الخطاب الديني، هي عموميات تستند في قاعها على أحكام قيمة سلبية وعلى «خردة إيديولوجية» (¬3). وقال علي حرب: إنه يصدر من ماركسية متحجرة (¬4). وقال عن مشروعه: فليس سوى تعامل أسطوري أو إيديولوجي مع الظاهرة الدينية والعقيدة الإسلامية (¬5). يغلب على الخطاب العلماني ما سماه ميشيل فوكو «إرادة الإيديولوجيا» التي نحَّت جانبا إرادة المعرفة لصالح المواقف المجتزأة والمؤدلجة في قراءة التراث، كما قال الربيعو (¬6). وعليه فيمكن إجمالا القول بأن مجمل الدراسات العلمانية محكومة بإرادة سياسية وإرادة إيديولوجية، لا بإدارة المعرفة: الإرادة السياسية القائمة على ¬

(¬1) نفس المرجع (140). وانظر (141) منه. (¬2) نفس المرجع (136). (¬3) نفس المرجع (138). (¬4) الممنوع والممتنع (64). (¬5) أوهام النخبة (103). (¬6) الحركات الإسلامية (144).

الإقصاء والنبذ وكيل أشنع التهم الرخيصة التي تؤول إلى النفي والطرد والإقصاء، وإرادة إيديولوجية مسبقة تتحكم في القراءة وتوجهها وفق أهداف محددة. وقال الربيعو: فقد فرض المتنورون العرب سياجا دوغمائيا من حول خطابهم التنويري، سياجا يحول دون كل نقد أو حفريات في خطاب التنوير، وظل خطابهم مسيجا بالأحكام الإيديولوجية والدوغمائية التي تعتمد التعميم والخطابة المضاعفة (¬1). وقال إلياس قويسم: إنه هاجس يحكم نصر حامد وهو التخلص من سلطة النص حتى يكون حداثيا، لكن هل يكفي للمرء الجهر بذلك حتى يكون كما يدعي؟، لابد من التطبيق، ونصر حامد يفتقر إلى ذلك لأنه يتعامل مع مقولاته التطورية بمنطق دوغمائي، يكشف عن أصوليته، لأنه قد جعل من قواعده المعرفية صنما مقدسا عوض بها غيبة الإله عنده. فهو يريد التشبث بشرعية الواقع وحاكميته على النص، لذلك فهو يريد استفزاز كل العناصر ذات الجذر الواقعي قصد تثوير المنظومة السلفية (¬2). وقال: من ثم أخلص إلى رأي أن نصر حامد يجرم أنصار العودة إلى التراث إلى الماضي، نظرا لأنه يعتبر أن الحركة دائمة إلى الأمام، فالبحث عن النموذج يكون في حقل المستقبل لا في رفوف الماضي، وهذا تشريع منه لنفي الثوابت والتيه في مناكب المستقبل (¬3). ¬

(¬1) نفس المرجع (131). (¬2) استبدال هويّة النصّ القرآني، نسخة رقمية. (¬3) نفس المرجع.

وقال: بذلك نعود ونقول أن نصر حامد قد شرع لفلسفة الضياع تحديا لمشروع السلف القائم على ثوابت مرجعية (¬1) وقال: إن هذه النتيجة تدفعني إلى القول أن نصر حامد، قد استخدم منهجا ألسنيا يتوافق ومراميه الإيديولوجية، فالسيميوطيقية تخفي وراءها قراءتها الإيديولوجية المتجسدة في الماركسية/ المادية، لذلك أعيد القول أن نصر حامد قد وظف آليات هذا المنهج قصد تقويض النظرة الدينية-السلفية من خلال التشكيك في الروايات والأسانيد، بذلك انشد بأصولية مفرطة إلى الواقع وتناسى «وجود النص» حيث عمد إلى تغييبه في غمرة إعلائه لشأن الواقع ودفاعا عن موقفه الإيديولوجي المتيم باكتشاف الواقع المقصى -في نظره-في المنظومة السلفية (¬2). وقال: النتيجة التي نصل إليها بعد هذه الدراسة هي «الأصولية المنهجية» لنصر حامد من خلال تمسكه الدوغمائي بالمنهج الأدبي في تعامله مع النص القرآني، فهو يتعامل مع أصوله ومناهجه كأقانيم معرفية أزلية لا يطالها التغيير أو التحوير، فغدت أصناما لها قداستها، وهنا بالضبط تكمن نقطة ضعفه، لأن مع توظيف منهج واحد في دراسة ظاهرة متشعبة، ستتراءى لنا العديد من الفراغات والنتوءات في نتائج الدراسة (¬3). وقال إلياس قويسم: أما ما عاداها فهي قراءة إيديولوجية-ميتة للنص القرآن! إن نصر حامد لم تسعفه الأدلة العلمية-الموضوعية لتثبيت منهجيته فعرج على الأدلة ¬

(¬1) نفس المرجع. (¬2) استبدال هويّة النصّ القرآني، نسخة رقمية. (¬3) نفس المرجع.

الإيديولوجية-التهجمية قصد اتهام الغير وتبرئة الأنا (¬1). وقال: إن هذا التشكيك في صحة الروايات واتهام السلف بفقدان النهج النقدي، هو دليل على أصولية نصر حامد، فعجز نصر حامد على البحث في الواقعة، وإخضاعها للمنهج التاريخي-المادي والتعامل معها بنفس المنهج الذي يتعامل به مع سائر الوقائع والأحداث، فهذه الواقعة هي واقعة مفارقة لا يستطيع المنهج التاريخي أن يتأكد من صحتها نظرا للاختلاف القائم بين الواقعة والمنهج، إن عجز نصر حامد لا يعدو أن يكون عجزا علميا، أي: عجزا في قدراته وآليات البحث المُتَوَسَل بها، كذلك يعود عجزه إلى وجود هدف خفي يقوده وهو الواقعية، لذلك كان الهدف الذي يسعى إليه هو الانتصار للنزعة الاعتزالية (¬2). وقال: فمنهج نصر حامد هذا في التعامل مع الأحاديث يشبه تعامل المستشرقين معها، إنها إرادة منه للانتصار لموقفه الاعتزالي-المادي، من ثم تسقط دعوة الفهم العلمي للنص (¬3). وقال: بذلك يكون نصر حامد-كما سنرى في الباب الثاني-قد شرّع لدهرية، لواقع التيه والضياع نظرا لعدم وجود ضوابط وثوابت يرتكز عليها الإنسان، هذا نموذج من تنسيب الدلالة، ومازالت النماذج كثيرة في مصنفاته (¬4). وقال: لكن هذا التوظيف من قبل نصر حامد وتأكيده على مبدأ المواطنة، الذي يعوض التصور الديني لمراتب البشر، يتناسى في غمرة الاحتفاء بهذا المبدأ أن هذه المنظومة لحقوق الإنسان والمواطن قد قامت لحماية مصالح البرجوازية، ¬

(¬1) رؤية معاصرة لعلوم القرآن، نسخة رقمية. (¬2) رؤية معاصرة لعلوم القرآن، نسخة رقمية. (¬3) نفس المرجع. (¬4) نفس المرجع.

أي أنها في الأخير حقوق فئوية، بهذا المعنى سيسقط نصر حامد في نفس المأزق الذي اتهم به النسق القرآني وهو النظرة الدونية (¬1). وقال: فنصر حامد ... يجعل كل ما هو متصل بالغيب من قبيل خصوصية الواقع الثقافي السائد في الماضي، أما مع ولادة العقل العلمي فلا وجود لمثل هذه الخرافات والأساطير والغيبيات، بهذا يجوز لنا القول أن نصر حامد ينسف المنظومة الدينية-الغيبية السائدة الآن لأنها تحيل إلى المفارق فالصلاة والحج وغيرهما من العبادات لا مكان لها في واقع حديث يؤمن بالإحداثيّات الإمبيريقية، فهي قد لبّت حاجيات الواقع التاريخي أما الآن فنحن في غنى عنها بهذه الصفة، لأن العقل قد أخذ مكان الإله في هذا العالم الواقعي (¬2). وقال: بذلك أصبح البحث عن الجذور الأنتروبولوجية التاريخية للنص القرآني، وذلك لأجل الخلوص إلى تطورية الواقع، من خلال تجاوز الذهنية القروسطية المؤسسة أساسا على الخرافات والخيال والسحر والحسد والشياطين والجن: الكائنات الخرافية الأسطورية (¬3). وقال: يريد نصر حامد نسف المنظومة السلفية من خلال جعلها تنتمي إلى الماضي، أي أن آلياتها الفكرية لا تستحق أن تسود نظرا لأنها تجذب الفكر والمجتمع إلى الوراء إلى لغة قديمة تؤمن بالسحر والخرافة (¬4). وقال إلياس قويسم كذلك: هذا في نظري تلفيق منهجي من طرفه، نظرا لعداوته ¬

(¬1) نفس المرجع. (¬2) رؤية معاصرة لعلوم القرآن، نسخة رقمية. (¬3) نفس المرجع. (¬4) نفس المرجع.

الصريحة للسلف، وعدم قبوله لمنطقهم، لذلك راح يشكك في مصداقيتهم وإمكانياتهم المنهجية حتى يتسنى له بعد هذه الخلخلة في حقل السلف تنصيب منهجيته كبديل علمي وعقلي لهذه المنهجية المتهافتة التي لم تؤت أكلها (¬1). وقال: هذا خطاب المفكر المعاصر دليل على تأدلج أفكاره وتبعية المغلوب لمنطق الغالب، لذلك يسعى إلى نقض أحكام نصوصه بدعوى التحديث، والحال أنه يسعى إلى اختزال النص من خلال نسخ هذا وإبطال ذاك، وهو يُلبِس هذا الفعل إهاب الإسلام والدفاع عنه، لكن الحقيقة خلاف ذلك، لأن هناك ماهو مصرح به وهذا في حقيقته قناع يحجب المخفي من القول وهو المراد، لكن يتوسل بتقية الخوارج حتى يضمن لرأيه الرواج، فهو في الأخير نوع من المخاتلة (¬2). وقال إلياس قويسم: هذا دليل على غربة المفكر الحديث فهو لم يجد ذاته، فراح يبحث عنها عند «الآخر» فتبنى فكره وأقانيمه وأطروحاته ظنا منه أنه اكتشف ذاته والحال أنه أهدرها باتباعيته له، فهو حينما قام بتصفية حساباته مع الكنيسة فعل المفكر العربي مثله من خلال دراسته للنص القرآني ... (¬3). وقال: تلك هي قراءة نصر حامد لبعض علوم القرآن، إنها دعوة صريحة من طرفه لنسخ النص وتجاوزه بدعوى إلزامية الواقع، من ثم يهدر كينونة النص التي يسعى إلى إرجاعها، نظرا لتمسكه بمقولة الواقع (¬4). ¬

(¬1) نفس المرجع. (¬2) نفس المرجع. (¬3) نفس المرجع. (¬4) نفس المرجع.

موقف العلمانيين من صادق جلال العظم

موقف العلمانيين من صادق جلال العظم. وجه له صديق دربه العلماني علي حرب نقدا لاذعا أبان فيه عن تهافته وتحزبه، بل ودوغمائيته وتناقضه وهزالة مشروعه. بل ما ترك نعتا يدل على الغوغائية واللاعقلانية ويعبر عنها أحسن تعبير إلا وصفه به. بل زاد ووصفه بأنه ماورائي غيبي لاهوتي معاد للواقع والتاريخ (¬1). وطبعا هذه الأوصاف طالما قيلت في الإسلاميين، ولا يقصد علي حرب أن العظم يؤمن بالدين أو الغيبيات، ولكن يقصد غيبا ولاهوتا ماركسيا له مطلقاته ونظرته للوجود. أو لنقل إن علي حرب يقصد بـ «ماورائي غيبي لاهوتي» معناها الفلسفي لا الديني. إن علي حرب قد عرَّى مشروع العظم حتى العظم. واعتبر نقد صادق العظم نقدا تهافتيا، يغلب عليه هاجس التخطئة والتأثيم ومنطق التصنيف والإدانة (¬2). وقال: والحقيقة أن العظم يمارس نوعا من الاستبداد في خطابه (¬3). ونقل عنه أنه دافع في كتابه ذهنية التحريم عن صاحب الآيات الشيطانية (¬4). وقد قدمت ذلك عنه. وقد كفانا حرب شره فقد بين أن همه هو الدفاع عن ماركس وعن ماركسيته، وأنه يفكر بطريقة أصولية عقائدية ولهذا فنقده لا يثمر الجديد والمهم (¬5). ¬

(¬1) نقد النص (131). (¬2) الممنوع والممتنع (167). (¬3) نفس المرجع (169). (¬4) نفس المرجع (163 - 165). (¬5) نفس المرجع (165).

ولعل علي حرب نزعه عِرْق التشييع، فهو وإن كان علمانيا فأظنه شيعيا في الأصل، فلعله في هذا يتماهى مع فتوى الخميني (¬1) حول رشدي. وقال علي حرب عنه كذلك: إنه يتعامل تعاملا عقائديا دوغمائيا (¬2). وقال تركي الربيعو عنه: بالإضافة إلى ذلك فقد ظل مشروع العظم محكوما بالتناقض إلى درجة الفضيحة بين مقدماته ونتائجه (¬3). وقال عنه: والذي يضع نفسه بحق على عتبة عالية، على منصة يطل منها على الجماهير بكثير من اللامبالاة والازدراء والاحتقار لثقافتها السائدة (¬4). وقال أودنيس عنه: كيف يمكن أن تصدر أقوال كهذه عن شخص يطرح نفسه ضمنيا كنموذج عربي للفكر الصحيح والممارسة الصحيحة؟ ألا يتوجب علينا أن نرثي للحياة التي يكون نموذجها في هذا المستوى، ومن هذه الطينة؟ يؤسفني أن أقول إن صادق العظم يقرأ هو أيضا بـ «عقل معتقَل» ... إلى أن قال: أيعرف صادق العظم أن يقرأ، وإذا قرأ هل يفهم ما يقرؤه؟ ... إلى أن قال: بل إن صادق العظم يكتب مقالته هذه بـ «لغة» أولئك الذين لم نسمهم بل اكتفينا بأن نرثي لهم، إنه يجزئ ويبستر، وهو إذن يشوه ويحرف، وليس هدفه أن يناقش، بل أن يتهم. إن مقالته هذه جزء من تلك اللغة الاتهامية الشائعة التي هي علامة من علامات انحطاط الفكر العربي وابتذاليته (¬5). ¬

(¬1) وقد أثنى على الخميني في كتابه هذا بعد صفحات (169). (¬2) نقد النص (132). (¬3) أزمة الخطاب التقدمي (55). (¬4) نفس المرجع (55). (¬5) ذهنية التحريم للعظم (118).

موقفهم من أركون

موقفهم من أركون. قال علي حرب عن خطاب محمد أركون: فالخطاب مخاتل مخادع، فهو يحدثنا عن أشياء ليغيب أشياء، يعدنا بالتحرر من سواه من النصوص فيما هو يقيم سلطته ويحجب أثره، يزعزع الثقة بمرجعيات قائمة لكن يؤسس مرجعيته ... يدعوك إلى ممارسة حريتك في التفكير وحقك في النقد فيما هو يمارس وصايته على الحقيقة والحرية (¬1). وذكر أن خطابه خطاب إيديولوجي بامتياز (¬2). وقال: والحق أن أركون يبدو لي مبشرا (¬3) بقدر ما هو مفكر (¬4). ولمز علي حرب العظم ونصر أبا زيد وأركون بأنهم يدعون امتلاك الحقيقة وتبليغها للناس. فأركون في نظره يصر على أن منهجه هو الذي يتيح له القبض على الحقيقة الحقيقية والكلية للإسلام، وقال: وهذا زعم يتعارض مع تاريخية الحقيقة (¬5). وأخذ على أركون كذلك أنه استخدم مناهج غيره كثيرا وتقمص شخصيات عديدة، بحيث ضاع أركون بينهم (¬6). يريد أن فكره ومشروعه اجتراري لا تأسيسي، أي: لا يعدو أن يكون مرددا لمناهج غيره، بحيث أنه تلاشى في وسطهم وأصبح أسير مناهج الغير ورؤاهم. ¬

(¬1) الممنوع والممتنع (118). (¬2) الممنوع والممتنع (136 - 137). (¬3) إشارة للمبشر الديني الذي يعتمد أسلوب العاطفة والتشويق وإيصال رسالة ما. (¬4) الممنوع والممتنع (137). (¬5) الممنوع والممتنع (175). (¬6) نقد النص (83).

وهكذا كل العلمانيين بدون استثناء بما فيهم علي حرب. ولما سئل أركون عن قراءة حسين مروة للتراث، قال: إنها تعبيرات سيكولوجية أو إيديولوجية تدل على عصرها. أي: لا قيمة فكرية لها، كما قال علي حرب (¬1). وما يقال عن قراءة مروة يقال عن أغلب العلمانيين الماركسيين العرب، إنها قراءات تدل على عصرها، يعني أنها متجاوزة وأصبحت من الماضي (¬2). وهذا ما جعل علي حرب يرشح قراءة أركون لنفس المصير. قال: لعل قائلا يأتي ويقول في قراءة أركون ما قاله أركون أو يقوله في القراءات السابقة أو المختلفة عن قراءته أي: لعلها أن تكون وهما من أوهام الإيديوجيا (¬3). واتهم قراءة أركون بالميوعة، وأنها تفتقر إلى الوحدة المنهجية (¬4). وافتقارها إلى الوحدة المنهجية واضح جدا في كتبه (¬5). وقال علي حرب عن مشروعه: فليس سوى تعامل أسطوري أو إيديولوجي مع الظاهرة الدينية والعقيدة الإسلامية (¬6). ووصف مشروع الجابري وحسن حنفي وأركون بكونها تقفز فوق الوقائع وتطمس الحقائق، وأنهم مثقفون حالمون وأن مشروعا كهذا يؤول إلى الفشل والإحباط أو تترجم مشاريع استبدادية كلانية، بل تعيد إنتاج بنى وممارسات بالية وعقيمة (¬7). حسن حنفي. ذكر نصر أبو زيد أن مشروع حسن حنفي مشروع توفيقي تلويني، وقراءته قراءة مغرضة (¬8). وأنه مجرد طلاء للبناء القديم لا إعادة بناء (¬9)، وأن طموح التجديد عنده تحول إلى مجرد تلوين (¬10). ووصف علي حرب مشروع الجابري وحسن حنفي وأركون بكونها تقفز فوق الوقائع وتطمس الحقائق، وأنهم مثقفون حالمون وأن مشروعا كهذا يؤول إلى الفشل ¬

(¬1) نقد النص (83). (¬2) نقد النص (83). (¬3) نقد النص (83). (¬4) نقد النص (¬5) وليس في كتابه «الإسلام الأخلاق والسياسة» لا إسلام ولا أخلاق ولا سياسة، إنما خليط غير متجانس من الأفكار المكررة والمبعثرة، أو مجموعة من الأصداء المرتدة للأفكار الاستشراقية والاتهامات الغربية. (¬6) أوهام النخبة (103). (¬7) الممنوع والممتنع (62). (¬8) نقد الخطاب الديني (148). (¬9) نفس المرجع (148 - 149). (¬10) نفس المرجع (163).

حسن حنفي

والإحباط أو تترجم مشاريع استبدادية كلانية، بل تعيد إنتاج بنى وممارسات بالية وعقيمة (¬1). حسن حنفي: ذكر نصر أبو زيد مشروع حسن حنفي مشروع توفيقي تلويني، وقراءته قراءة مغرضة. ووصف علي حرب مشروع الجابري وحسن حنفي وأركون بكونها تقفز فوق الوقائع وتطمس الحقائق، وأنهم حالمون وأن مشروعا كهذا يؤول إلى الفشل والإحباط، أو تترجم مشاريع استبدادية كلانية، بل تعيد إنتاج بنى وممارسات بالية وعقيمة. طيب تيزيني. قال الربيعو: لا ينجح تيزيني في قراءة جديدة للنص القرآني، وذلك بسبب من خلفيته المرجعية المؤدلجة حتى أنه لا يأتي بالجديد على هذا الصعيد، ولذلك فهو لا يجد من وسيلة غير الاعتراف بالنص ثم نفيه عندما يسقط عنه مرجعيته ¬

(¬1) الممنوع والممتنع (62).

محمد عابد الجابري

الميتافيزيقية بحسب تعبيره ليجعله أسير ما يسميها تيزيني بالوضعية الاجتماعية المشخصة التي لا ترى النص إلا انعكاسا للواقع، وهذه هي أحد الأصنام الفكرية التي ما زالت تأسر الخطاب العربي المعاصر في فهمه للنص القرآني الكريم (¬1). وقال في أزمة الخطاب التقدمي العربي عنه (92) «حالة اللامبالاة والإهمال التي لقيتها أعماله المحكومة بإرادة ماركسية وليس بإرادة المعرفة». محمد عابد الجابري. اعتبر هاشم صالح أن مشروع الجابري النقدي مجرد قصر من كرتون، إذ برأيه لم يفهم الجابري المنهج الابستمولوجي ولا أحسن تطبيقه (¬2). ووصف علي حرب الجابري أن له عقلانية دوغمائية ضيقة (¬3). ووصف مشروع الجابري وحسن حنفي وأركون بكونها تقفز فوق الوقائع وتطمس الحقائق، وأنهم مثقفون حالمون وأن مشروعا كهذا يؤول إلى الفشل والإحباط أو تترجم مشاريع استبدادية كلانية، بل تعيد إنتاج بنى وممارسات بالية وعقيمة (¬4). وقال الربيعو: وفي رأيي إن الأمر الذي يقودنا إليه الجابري يدفع باتجاه التمويه الأيديولوجي والإدانة، إدانة هذه الحركات لأن تاريخها يرتبط بالعنف، وهذه رؤية إيديولوجية تهدف في النهاية إلى تبرير العنف المضاد، أي: عنف السلطة تجاه هذه الحركات الذي يشكل العنف بنية ثقافتها كما يرى الجابري، والثاني ¬

(¬1) الحركات الإسلامية (170). (¬2) الممنوع والممتنع (70). (¬3) نقد النص (215). (¬4) الممنوع والممتنع (62).

وجود اتصالات خارجية، وهنا يقع الجابري ضحية العقلية التآمرية عندما يربط بين النفط والحركات الإسلامية ليجعل من الأخيرة نتيجة. وانطلاقا من هذه الرؤية المؤدلجة التي تأخذ شكل تمويه أيديولوجي يقع في المتن من إرادة عدم معرفة بتاريخية هذه الحركات (¬1). وقال: لم يتخلص الجابري من شراك الأيديولوجيا وأفخاخها في رؤيته لظاهرة الإسلام السياسي، لا بل، إنه لم يتخلص من النظارات السميكة التي اشتكى منها «جيل كيبيل» والتي بقيت عالقة في سترة قميص الجابري وجاهزة للاستعمال (¬2). وزاد الربيعو: إن رمي الحركات الإسلامية بالتطرف يعني نسيان التطرف المضاد، تطرف السلطة وعماها الأيديولوجي والذي لا يوازيه تطرف، والتي اكتوى الجميع البلاد والعباد بنيران تطرفها، أضف إلى ذلك أن التطرف يسم تيارا معينا (¬3) داخل الجماعات الإسلامية وليس كلها (¬4). وقال عن ما قدمه الجابري من أفكار حول الحركات الإسلامية: إن محاولته بقيت مشدودة إلى ربقة السلف الإيديولوجي (¬5). يشير إلى الماركسية. ¬

(¬1) الحركات الإسلامية (63). (¬2) الحركات الإسلامية (67). (¬3) في المطبوع: تيار معين. والتصويب مني. (¬4) نفس المرجع (67). (¬5) نفس المرجع (

عبد الله العروي

عبد الله العروي. قال الربيعو عن عبد الله العروي: الذي يريد أن يلعب دور الداعية والتنويري، ولكنه يرفد رؤيته الإيديولوجية بسوسيولوجيا سطحية في تناوله لظاهرة الحركات الإسلامية المعاصرة، سوسيولوجيا مفعمة حتى الثمالة بنزعة استشراقية توجهها وتفضي بها إلى طريق مسدود (¬1). وقال هشام جعيط في أوروبا والإسلام (163): إن العروي نفسه شخص غامض: أوربياني/ ضد الأوروبي، عروبي تاريخي/ ضد العروبة، ثقافي ثوري/ ضد الثورية، ماركسي/ ضد الماركسية، واع للاعتراضات التي يمكن أن نوجهها إليه، فإنه يقوم بها هو نفسه (¬2). علمانيون آخرون. ذكر علي حرب أن هاشم صالح يتصرف كداعية وإن الخطاب يتحول عنده إلى ضرب من التبشير العقائدي بالحداثة (¬3). وصف أركون طه حسين وعلي عبد الرزاق بالسذاجة الفكرية (¬4). وأكد أن الجيل الأول من المتغربين كطه حسين وزكي مبارك وبشر فارس إنما كانوا مقلدين لمنهجيات أساتذتهم المستشرقين وأن الإسلام لم يتأثر كثيرا ¬

(¬1) الحركات الإسلامية (60 - 61). (¬2) أزمة الخطاب التقدمي (8). (¬3) الممنوع والممتنع (139). (¬4) تاريخية الفكر العربي (32).

بمحاولاتهم الخجولة (¬1). وقال الربيعو عن عزيز العظمة: لم تفلح مطارحات عزيز العظمة في بحثه عن «العلمانية في منظور مختلف، 1992» في تجاوز الأزمة، لنقل أزمة الدولة العلمانية، ولم يأت مختلفه بالجديد .... ولم ينجح في إعادة الاعتبار للعلمانية ولا لما سماه بالتاريخ الفعلي ... (¬2). وسمى نصر أبو زيد محاولة زكي محمود التأويل النفعي التجديدي (¬3)، واتهمه بالنفعية والاستسلام والهزيمة والتلفيقية (¬4). وقال أبو زيد عن محمد شحرور: إن قراءته من خلال موقف إيديولوجي مسبق، وأنه يقوم بالوثب على كل مستويات السياق السابقة، وتجاهلها تجاهلا شبه تام (¬5). وقال: إنها نموذج فذ للقراءة الإيديولوجية المغرضة، وإنها قراءة تلوينية (¬6). وقال تركي علي الربيعو عن عبد الوهاب المؤدب: فجاءت كتابات عجلى لا تخفى رطانتها الأيديولوجية، داعية إلى إقصاء الآخر والأهم إقصاء تاريخ يمتد من الخليفة الراشدي أبو بكر الصديق إلى ابن تيمية إلى حسن البنا باعتباره أيضا ¬

(¬1) قضايا في نقد العقل الديني (171). (¬2) الحركات الإسلامية (207). (¬3) النص والسلطة (35). (¬4) النص والسلطة (35). (¬5) النص والسلطة والحقيقة (115). (¬6) نفس المرجع (116).

مصدرا لكل الشرور ولكل الرؤى المشوهة عن الغرب، هكذا تقودنا بعض الرطانات الأيديولوجية إلى محاكمة الماضي القريب والبعيد والتي قد يتكفل بها أحد جنود المارينز ممن خدموا في سجن أبو غريب؟ (¬1). ¬

(¬1) الحركات الإسلامية (243).

المراجع

المراجع

المراجع أحمد إدريس الطعان: 1 - العلمانيون والقرآن الكريم. دار ابن حزم الرياض الطبعة الأولى 1428/ 2007. أحمد فرج: 2 - جذور العلمانية. دار الوفاء المنصورة. الطبعة الرابعة 1411/ 1990. 3 - علماني وعلمانية تأصيل معجمي. ملحق جذور العلمانية. دار الوفاء المنصورة. الطبعة الرابعة 1411/ 1990. إلياس قويسم: 4 - استبدال هويّة النصّ القرآني: من القداسة إلى التاريخيّة .. قراءة في فكر نصر حامد أبو زيد. www. almultaka. Net 5 - تشتت النص القرآني بين الثقافة التقليدية والحداثة العلمية. www. liberaldemocraticpartyofiraq. com 6 - رؤية معاصرة لعلوم القرآن. www. almultaka. net إنعام أحمد قدوح: 7 - العلمانية في الإسلام. دار السيرة بيروت الطبعة الأولى 1995.

برهان غليون: 8 - اغتيال العقل. المركز الثقافي العربي الدار البيضاء وبيروت. الطبعة الثالثة 2004. تركي علي الربيعو: 9 - أزمة الخطاب التقدمي العربي في منعطف الألف الثالث الخطاب الماركسي نموذجا. دار المنتخب العربي الطبعة الأولى 1415/ 1995. 10 - الحركات الإسلامية في منظور الخطاب العربي المعاصر. المركز الثقافي العربي الطبعة الأولى 2006. 11 - العنف والمقدس والجنس في الميثولوجيا الإسلامية. المركز الثقافي العربي الدار البيضاء وبيروت. الطبعة الثانية 1995. جبرا الشوملي: 12 - العلمانية في الفكر العربي المعاصر دراسة حالة فلسطين. مركز دراسات الوحدة العربية بيروت الطبعة الأولى 2008. جيب وعادل العوا: 13 - علم الأديان وبنية الفكر الإسلامي. منشورات عوبدات بيروت باريس. الطبعة الأولى 1977. حسن حنفي: 14 - التراث والتجديد. المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع الطبعة الخامسة 2002.

15 - من العقيدة إلى الثورة. من 1 إلى 3 دار التنوير بيروت والمركز الثقافي العربي الدار البيضاء. الطبعة الأولى 1988. و4 و5 مكتبة مدبولي. 16 - رسالة في اللاهوت والسياسة لاسبنوزا. دار التنوير بيروت. الطبعة الأولى 2005. خليل عبد الكريم: 17 - الأعمال الكاملة. دار مصر المحروسة القاهرة الطبعة الأولى 2004. 18 - الإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية. دار مصر المحروسة. القاهرة 2004. 19 - الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية. دار مصر المحروسة القاهرة الطبعة الأولى 2004. 20 - شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة. السفر الأول: محمد والصحابة. سينا للنشر الطبعة الثانية 1998. 21 - شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة. السفر الثاني: الصحابة والصحابة. سينا للنشر الطبعة الأولى 1997. 22 - شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة. السفر الثالث: الصحابة والمجتمع. سينا للنشر الطبعة الأولى 1997. 23 - مجتمع يثرب. العلاقة بين الرجل والمرأة في العهدين المحمدي والخليفي. نسخة إلكترونية. 24 - النص المؤسِّسُ ومجتمَعُه. دار مصر المحروسة. منشورات الجمل,

كولونيا ألمانيا. الطبعة الأولى 2002. رشيد الخيون: 25 - جدل التنزيل مع كتاب خلق القرآن للجاحظ. منشورات الجمل. الطبعة الأولى كولونيا ألمانيا 2000. رفعت السعيد: 26 - المتأسلون ماذا فعلوا بالإسلام وبنا؟ الناشر العباسية مطبعة فضالة المحمدية الطبعة الأولى 2005. رفيق عبد السلام: 27 - في العلمانية والدين والديمقراطية. الدار العربية للعلوم بيروت ومركز الجزيرة للدراسات الدوحة الطبعة الأولى 1429/ 2008. زكي نجيب محمود: 28 - تجديد الفكر العربي. . الطبعة التاسعة دار الشروق القاهرة 1993. 29 - موقف من الميتافيزيقا. الطبعة الرابعة دار الشروق القاهرة 1414/ 1993. سالم البهنساوي: 30 - الإسلام لا العلمانية مناظرة مع د. فؤاد زكريا. دار الدعوة الكويت, الطبعة الأولى 1412/ 1992. 31 - تهافت العلمانية في الصحافة العربية. دار الوفاء المنصورة الطبعة الأولى 1410/ 1990.

سفر الحو 32 - العلمانية نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة. سمسر أمين: 33 - نقد خطاب الإسلام السياسي. مطبعة تيسير الدار البيضاء الطبعة الأولى 2010. سيد محمود القمني: 34 - الأسطورة والتراث. سينا للنشر الطبعة الثانية 1993. 35 - أهل الدين والديمقراطية. دار مصر المحروسة الطبعة الأولى القاهرة 2006. 36 - حروب دولة الرسول. الناشر: مدبولي الصغير. الطبعة الثانية 1416/ 1996. 37 - الحزب الهاشمي. الناشر: مدبولي الصغير. الطبعة الرابعة1416/ 1996. 38 - رب الثورة أوزيريس وعقيدة الخلود في مصر القديمة. المركز المصري لبحوث الحضارة الطبعة الثانية 1999. 39 - رب الزمان. دار قباء الطبعة الثانية 1998. 40 - السؤال الآخر. مؤسسة روز اليوسف الطبعة الأولى 1998. 41 - شكرا ابن لادن. دار مصر المحروسة القاهرة 2004. 42 - النبي إبراهيم والتاريخ المجهول. الناشر: مدبولي الصغير.

43 - انتكاسة المسلمين إلى الوثنية. مؤسسة الانتشار العربي بيروت الطبعة الأولى 2010. سيغموند فرويد: 44 - الطوطم والحرام. ترجمة جورج طرابيشي. دار الطليعة بيروت. صادق جلال العظم: 45 - نقد الفكر الديني. دار الطليعة بيروت الطبعة العاشرة 2009. 46 - ذهنية التحريم. دار مدى للثقافة دمشق الطبعة الثانية 2004. 47 - ما بعد ذهنية التحريم. دار مدى للثقافة دمشق الطبعة الثانية 2004. الصادق النيهوم: 48 - الرمز في القرآن. مؤسسة الانتشار العربي وتالة للطباعة والنشر الطبعة الأولى 2008. 49 - الإسلام في الأسر. الطبعة الثالثة دمشق 1995. طيب تيزيني: 50 - الإسلام والعصر تحديات وآفاق. لتيزيني والبوطي. دار الفكر دمشق الطبعة الثانية 1420/ 1999. 51 - مقدمات أولية في الإسلام المحمدي الباكر نشأة وتأسيسا. دار دمشق الطبعة الأولى 1994. 52 - النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة. دار الينابيع دمشق 1997.

عادل ضاهر: 53 - الأسس الفلسفية للعلمانية. دار الساقي الطبعة الثانية 1998. عاطف أحمد: 54 - الإسلام والعلمنة. دار مصر المحروسة القاهرة الطبعة الأولى 2004. عبد الصبور شاهين: 55 - العلمانية تاريخ الكلمة وصيغتها. ملحق جذور العلمانية. دار الوفاء المنصورة. الطبعة الرابعة 1411/ 1 عبد العزيز حمودة: 56 - المرايا المحدبة، من البنيوية إلى التفكيك. عالم المعرفة 1998. عبد الكريم سروش: 57 - التراث والعلمانية. منشورات الجمل 2009. عبد الكريم مشهداني: 58 - العلمانية وآثارها على الأوضاع الإسلامية في تركيا. المكتبة الدولية الرياض ومكتبة الخافقين دمشق الطبعة الأولى 1403/ 1983. عبد الله أحمد النعيم: 59 - الإسلام وعلمانية الدولة. دار ميريت القاهرة الطبعة الأولى 2010. عبد الله العروي: 60 - السنة والإصلاح. المركز الثقافي العربي الدار البيضاء وبيروت.

الطبعة الثانية 2010. 61 - مفهوم الإيديولوجيا. المركز الثقافي العربي الدار البيضاء وبيروت. الطبعة السابعة 2003. عبد المجيد الشرفي: 62 - تحديث الفكر الإسلامي. نشر الفنك الدار البيضاء 1998. 63 - الإسلام بين الرسالة والتاريخ. دار الطليعة بيروت الطبعة الثانية 2008. عبد الهادي عبد الرحمن: 64 - سلطة النص، قراءات في توظيف النص الديني. سينا للنشر ومؤسسة الانتشار العربي. الطبعة الثانية 2003. عبد الوهاب المؤدب: 65 - أوهام الإسلام السياسي. دار توبقال للنشر الدار البيضاء الطبعة الأولى 2002. عبد الوهاب المسيري: 66 - العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة. دار الشروق القاهرة الطبعة الثالثة 2009. 67 - العلمانية والحداثة والعولمة. دار الفكر دمشق الطبعة الأولى 1430/ 2009.

عدنان الخطيب: 68 - قصة دخول العلمانية في المعجم العربي. ملحق جذور العلمانية. دار الوفاء المنصورة. الطبعة الرابعة 1411/ 1990. عدنان علي رضا النحوي: 69 - المسلمون بين العلمانية وحقوق الإنسان الوضعية. دار النحوي الرياض الطبعة الأولى 1418/ 1997. عزيز العظمة وعبد الوهاب المسيري: 70 - العلمانية تحت المجهر. دار الفكر بيروت ودمشق. الطبعة الأولى 1421/ 2000. عزيز العظمة: 71 - التراث بين السلطان والتاريخ. دار الطليعة الطبعة الأولى 1987. العفيف الأخضر: 72 - الحوار المتمدن - العدد: 690 - 2003/ 12 / 22. 73 - الحوار المتمدن - العدد: 843 - 2004/ 5 / 24. 74 - الحوار المتمدن - العدد: 691 - 2003/ 12 / 23. 75 - الحوار المتمدن - العدد: 3252 - 2011/ 1 / 20. 76 - الحوار المتمدن - العدد: 2037 - 2007/ 9 / 77 - الحوار المتمدن - العدد: 1500 - 2006/ 3 / 25. 78 - الحوار المتمدن - العدد: 843 - 2004/ 5 / 24.

علي حرب: 79 - أوهام النخبة أو نقد المثقف. المركز الثقافي العربي الدار البيضاء وبيروت الطبعة الرابعة 2008. 80 - الممنوع والممتنع نقد الذات المفكرة. المركز الثقافي العربي الطبعة الرابعة 2005. 81 - نقد الحقيقة. المركز الثقافي العربي بيروت والدار البيضاء الطبعة الثالثة 2005. 82 - نقد النص. المركز الثقافي العربي بيروت والدار البيضاء الطبعة الخامسة 2008. علي محمد جريشة ومحمد شريف الزيبق: 83 - أساليب الغزو الفكري للعالم الإسلامي. دار الاعتصام الطبعة الثالثة 1399/ 1979. فادي إسماعيل: 84 - الخطاب العربي المعاصر. دار الوفاء المنصورة. نشر المعهد العالمي للفكر الإسلامي. الطبعة الثانية 1413/ 1993. فرج فودة: 85 - نكون أو لا نكون. دار ومطابع المستقبل. الطبعة الثانية 2004. 86 - قبل السقوط. مطابع الهيئة العامة للكتاب مصر 1992.

فهمي هويدي: 87 - المفترون خطاب التطرف العلماني في الميزان. دار الشروق. الطبعة الثالثة 1426/ 2005. قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي كمال عبد اللطيف: 88 - التفكير في العلمانية. إفريقيا الشرق 2002. لحسن وريغ وأشرف عبد القادر: 89 - العلمانية مفاهيم ملتبسة. رؤية للنشر والتوزيع 2009. 90 - قدر العلمانية في العالم العربي. منشورات الأحداث المغربية. الطبعة الأولى 2009. محمد أركون: 91 - الإسلام الأخلاق السياسة. مركز الإنماء القومي. بيروت الطبعة الأولى 1428/ 2007. 92 - الإسلام الأمس والغد. ترجمة علي المقلد. مركز الإنماء الحضاري حلب الطبعة الأولى 2008. 93 - الأنسنة والإسلام. ترجمة محمود غريب. دار الطليعة بيروت. الطبعة الأولى 2010. 94 - تاريخية الفكر العربي الإسلامي. مركز الإنماء القومي والمركز الثقافي العربي ترجمة هاشم صالح الطبعة الثالثة 1998.

95 - العلمنة والدين الإسلام المسيحية الغرب. دار الساقي بيروت. الطبعة الثالثة 1996. 96 - الفكر الإسلامي قراءة علمية. مركز الإنماء القومي والمركز الثقافي العربي ترجمة هاشم صالح الطبعة الثانية 1 97 - القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني. ترجمة هاشم صالح. دار الطليعة بيروت. الطبعة الثانية 2005. 98 - قضايا في نقد العقل الديني. دار الطليعة بيروت الطبعة الرابعة 2009. 99 - نافذة على الإسلام. ترجمة صياح الجهيم. دار عطية للنشر بيروت. الطبعة الأولى1996. 100 - نحو نقد العقل الإسلامي. ترجمة هاشم صالح دار الطليعة بيروت. الطبعة الأولى 2009. محمد بوبكري: 101 - تأملات في الإسلام السياسي -الإسلام والعلمانية-. منشورات فكر الطبعة الأولى 2007. محمد سبيلا وعبد السلام بنعبد العالي: 102 - الحداثة وانتقاداتها. إعداد وترجمة. دار توبقال للنشر الطبعة الأولى 2006.

محمد سعيد العشماوي: 103 - جوهر الإسلام, سينا للنشر الطبعة الثالثة 1993. محمد الشيخ: 104 - ما معنى أن يكون المرء حداثيا؟ منشورات الزمن النجاح الجديدة 2006. 105 - مسألة الحداثة في الفكر العربي المعاصر منشورات الزمن 2004. محمد الشرفي: 106 - الإسلام والحرية الالتباس التاريخي. دار الجنوب للنشر تونس 2002 - 2009. محمد عابد الجابري: 107 - تكوين العقل العربي. مركز دراسات الوحدة العربية بيروت الطبعة الثامنة 2002. 108 - التراث والحداثة. 109 - حوار المشرق والمغرب مواقف (58). أديما الدار البيضاء الطبعة الأولى 2006. 110 - سلسلة مواقف (34). أديما الدار البيضاء الطبعة الأولى 2004. 111 - فهم القرآن الكريم. مركز دراسات الوحدة العربية بيروت

الطبعة الأولى 2008. 112 - في نقد الحاجة إلى الإصلاح. مركز دراسات الوحدة العربية بيروت الطبعة الثانية 2003. 113 - قضايا في الفكر المعاصر. مركز دراسات الوحدة العربية بيروت الطبعة الأولى 2008. 114 - مدخل إلى القرآن الكريم. دار بدار النشر المغربية الطبعة الأولى 2006. محمد عمارة: 115 - الإسلام بين التنوير والتزوير. دار الشروق القاهرة. الطبعة الثانية 1423/ 2002. 116 - الجديد في المخطط الغربي اتجاه المسلمين. دار الوفاء. 117 - الحوار بين الإسلاميين والعلمانيين. نهضة مصر الطبعة الثالثة 2008. 118 - الدولة الإسلامية بين العلمانية والسلطة الدينية. دار الشروق القاهرة الطبعة الأولى 1409/ 1 119 - سقوط الغلو العلماني. دار الشروق القاهرة الطبعة الثانية 1422/ 2002. 120 - الشريعة الإسلامية والعلمانية الغربية. دار الشروق القاهرة الطبعة الأولى 1423/ 2003.

121 - الغرب والإسلام أين الخطأ؟ وأين الصواب؟. مكتبة الشروق الدولية القاهرة الطبعة الأولى 1424/ 2004. 122 - الغزو الفكري وهم أم حقيقة. الأمانة العامة للجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر. 123 - قراءة النص الديني. مكتبة الشروق الدولية القاهرة الطبعة الأولى 1427/ 2006. 124 - مأزق المسيحية والعلمانية في أوروبا. نهضة مصر 1999. 125 - نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم. نهضة مصر 1998. محمد فاروق الخالدي: 126 - التيارات الفكرية والعقدية في النصف الثاني من القرن العشرين. دار المعالي عمان الطبعة الأولى 1423/ 2002. محمد كامل الخطيب: 127 - آراء الدكتور شبلي شميل. إعداد مطبعة اليازجي دمشق 2005. محمد نور فرحات: 128 - البحث عن العقل. دار الهلال 1997. محمود أمين العالم: 129 - معارك فكرية. 130 - الوعي والوعي الزائف في الفكر العربي المعاصر. نسخة مصورة لم يذكر فيها تاريخ ولامكان الطباعة.

محمود محمد طه: 131 - نحو مشروع مستقبلي للإسلام: 1 - الرسالة الثانية من الإسلام. المركز الثقافي العربي بيروت ودار قرطاس الكويت. الطبعة الثانية 2007. مراد وهبة: 132 - ملاك الحقيقة المطلقة. دار قباء مصر. منى محمد بهي الدين الشافعي: 133 - التيار العلماني الحديث وموقفه من تفسير القرآني الكريم. دار اليسر الطبعة الأولى 1429. نصر حامد أبو زيد: 134 - الإمام الشافعي وتأسيس الإيديولوجية الوسطية. المركز الثقافي العربي الدار البيضاء وبيروت. الطبعة الأولى 2007. 135 - دوائر الخوف. قراءة في خطاب المرأة. المركز الثقافي العربي الدار البيضاء وبيروت الطبعة الرابعة 2007. 136 - فلسفة التأويل. المركز الثقافي العربي بيروت والدار البيضاء الطبعة السادسة 2007. 137 - مفهوم النص. دراسة في علوم القرآن المركز الثقافي العربي بيروت والدار البيضاء الطبعة السابعة 2008. 138 - النص والسلطة والحقيقة. المركز الثقافي العربي الطبعة الخامسة 2006.

139 - نقد الخطاب الديني. المركز الثقافي العربي الدار البيضاء وبيروت. الطبعة الثالثة 2007. هاشم صالح: 140 - الإسلام والانغلاق اللاهوتي. دار الطليعة بيروت الطبعة الأولى 2010. يوسف القرضاوي: 141 - الإسلام والعلمانية وجها لوجه. مكتبة وهبة القاهرة. الطبعة السابعة 1997. 142 - التطرف العلماني في مواجهة الإسلام. دار الشروق. الطبعة الثانية 2006. 143 - الدين والسياسة. دار الشروق الطبعة الثانية 2008.

§1/1