العقود المضافة إلى مثلها

عبد الله بن طاهر

تقديم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أمابعد فإن الشيخ الأخ عبد الله بن عمر بن طاهر أحد من أكثر القراءة عليّ في فنون مختلفة، ما يقارب العشر سنوات، وقد درسته في ثلاث مستويات، في كلية الشريعة، كما درسته في المعهد العالي للقضاء، كما تدارست معه في المسجد في عدد من المتون، كفتاوى شيخ الإسلام ابن تيميّة، وقواعد ابن رجب، وغيرهما، وقد عرفت عنه عددًا من الصفات الجميلة، من أهمها: حرصه الشديد على التعلم والتعليم، وجودة فهمه، وحسن معتقده وخلقه وسؤاله وأدبه وسمته، كما أشرف على طبع شرحي على المنظومة السعدية في القواعد الفقهية، والتي نظمها الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله. وقد رغب مني أن أقدم لرسالته في الماجستير، وعنوانها (العقود المضافة إلى مثلها)، فقرأت أولها، وتصفَّحت بعض معلوماتها؛ ولذا فإني مرتاح لطبع هذه الرسالة. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. كتبه سعد بن ناصر الشثري 12/ 11/1432

مقدمة اللهم لك الحمد السَّرمد، الذي لا يحصيه العدد، ولا يبلغه الأمد، حمدًا كما ينبغي أن تحمد، أنت له أهل، وهو علينا حق، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد، أمَّا بعد. فقد خصّ الله - سبحانه وتعالى - هذه الأمة ممتنًا عليها بأن أنزل عليها أفضل كتبه، وأرسل إليها خاتم رسله وسيد خلقه، وشرع لها أكمل شريعة لا يشذُّ فعلٌ عن حكمها، وجعلها بين غلو الغالين وتفريط المفرطين، إنه حكيم عليم، ومما مَنّ به علي أن وفقني للالتحاق بالمعهد العالي للقضاء لدراسة المرحلة العليا (الماجستير)، وله الحمد والمنة، وقد اخترت هذا الموضوع ليكون بحثًا تكميليًا لهذه المرحلة، راجيًا منه - سبحانه وتعالى - أنه يكون عملًا مقبولًا وأن يعين -بفضله ورحمته- على تمامه كما وفق لاختياره، وذلك في الفصل الدراسي الثاني من العام الجامعي 1430 - 1431، بإشراف الشيخ د. أحمد بن عبد الرحمن آل الشيخ، وعنوان البحث (العقود المضافة إلى مثلها) (¬1)، ومرادي من ذلك جمع ودراسة المسائل الفقهية المتعلقة بالعقود التي أضيف فيها العقد إلى عقدٍ آخر من جنسه ونوعه وإن خالف عينه، كمضاربة المضارب وإعارة المعار وإجارة المؤْجَر، وهذه الإضافات تأتي على ثلاثة أضرب: الأول: إضافة المصدر لفاعله، وذلك نحو توكيل الوكيل، أي أن يوكل الوكيلُ غيرَه، وربما تكون التسمية بما هو أشهر، فتأمين المؤمِّن أشهر منه: إعادة التأمين. الثاني: إضافة المصدر إلى مفعوله، ومثاله بيع المبيع ورهن المرهون، والمراد أن تُرهَن العين المرهونة مرة أخرى. الثالث: إضافة المصدر إلى نفسه، وهذا راجع لأحد الضربين السالفين، كمبحث إقالة الإقالة والجعالة على الجعالة. وهذا المعنى الجامع لمباحث البحث لا يستلزم اتحادَها في الحكم، شأنه في ذلك شأن سائر الدراسات العلمية المبنية على السبر والفحص وجمع الأشباه والنظائر، فلا يلزم أن تتفق حكمًا، بعد أن تنتظم في عقد واحد اسمًا ورسمًا. واجتمع لي -ولله الحمد- بعد استقراء عددٍ من المطولات جملة صالحة للبحث، وقد قمت ببعض التعديلات والإضافات بعد تسليم البحث ونيل الدرجة بحمد الله تعالى. ¬

_ (¬1) أو ترتيب العقود على مثلها، أو بناء العقود على مثلها أو توارد العقود المتفقة على محل واحد.

أهمية الموضوع وأسباب اختياره تظهر أهمية الموضوع وأسباب اختياره في النقاط الآتية: 1 - الانتشار، فإن هذه العقود يتعامل بها كثيرٌ من الأشخاص: الأفراد والاعتباريين، والثاني أكثر، واعتبر ذلك بأمثلة، وهي: استصناع الصانع، (الاستصناع الموازي) وكذلك مقاولة المقاول (المقاولة بالباطن) وكذلك مضاربة المضارب، فإن كثيرًا من العقود الكبيرة -التي يكون فيها العمل كثيرًا والتكلفة باهظة وتستدعي كفاءات متنوعة- ترسى في مناقصة ما -مثلًا- على جهة تقوم بدورها بإبرام عقود مع جهات أخرى؛ لإنجاز العمل المتفق عليه، فهذا وأمثاله -وما هو أقل منه من صور العقود الفورية- يُعدُّ من المعاملات المنتشرة في العصر الحاضر، مما يحتاج إلى جمع ودراسة وتحرير. 2 - الحاجة لجمع ودراسة هذه الصور من العقود، والتوصل لحكمها من خلال العرض المنهجي والأسلوب العلمي؛ لتكميل الجهود العلمية الأخرى المتعلقة ببعض جوانب البحث. 3 - اشتمال البحث على موضوعات عصرية ومسائل حديثة وقضايا مستجدة هي من قبيل النوازل الفقهية، والمساهمة بما يمكن أن يفيد في النظر والعمل بهذه النوازل، من ضوابط أو شروط أو إثراءات علمية. 4 - أنني لم أجد بحثًا يجمع هذه المسائل كلها، ويخصها بالبحث، مما يدعو للقيام بذلك، ومن جانب آخر: دعوة الباحثين في جميع التخصصات لمثل ذلك في ما يتعلق بفنونهم، فقد وجدت أثناء استقرائي مسائل من هذا القبيل، لكنها ليست محلًا لدراستي؛ لأنها ليست من العقود، مثل: السهو في سجود السهو، الشهادة على الشهادة، والسرقة من السارق، والغصب من الغاصب، وقتل القاتل بلا ولاية دم، والإكراه على الإكراه، والاستثناء من الاستثناء في باب الإقرار، والخِطبة على خطبة أخيه، والسوم على سومه، والمسألة السريجية، وهي من مسائل تعليق الطلاق على الطلاق، وكذلك في أصول الفقه: تقليد المقلد، والقياس على ما ثبت بالقياس، ومثلها في القواعد الفقهية: المشغول لا يشغل، وغيرها، وفي الفرائض توريث الغرقى والهدمى والمناسخات، وفي السنة الإجازة بالمجاز، وفي العربية مانع المانع من الإمالة، وعدم تكبير المكبَّر أو تصغير المصغَّر أو تعريف المعرَّف، ونحوه مما ينبه هذا البحث على مثله. 5 - ظهور ألقاب جديدة، لم تكن معروفة في الزمان الأول، لعقود معروفة لديهم حقيقةً وحكمًا، كالسلم الموازي.

الدراسات السابقة تنقسم الدراسات السابقة التي تحوم في موضوع البحث وتقاربه إلى قسمين:- الأول: البحوث الاستقرائية العامة، وهي التي تناولت جانب تداخل العقود وتركيبها بشكل عام، دون التوافق مع موضوع البحث في شيء من فصوله، ورسائل هذا القسم: 1 - العقود المالية المركبة، دراسة فقهية تأصيلية وتطبيقية، للشيخ د. عبد الله بن محمد العمراني -وفقه الله-، وهي رسالة دكتوراة من قسم الفقه بكلية الشريعة بجامعة الإمام بالرياض. وقد تناول فضيلة الشيخ حكم اشتراط عقدٍ في عقدٍ وحكم اجتماع عقدين مختلفي الحكم في عقد واحد كالبيع والقرض، وأثر ذلك في الخيار والقبض والجهالة وغيرها، وَوَضَعَ ضوابط للعقود المركبة، ودرس التطبيقات المعاصرة لذلك كالإجارة المنتهية بالتمليك والمشاركة المتناقصة والمرابحة المركبة من مواعدة وبيع والتأمين المركب من تأمين وإجارة أو تأمين ومضاربة وعقود الخيارات المركبة في الأسواق المالية المعاصرة والبطاقات المصرفية الائتمانية. وهو بحث قيم بيد أن موضوع بحثي في نوعٍ خاص من التركيب مع استقراء صوره، وليس هناك اشتراك في أي مسألة من مسائل البحثين. 2 - التداخل بين الأحكام في الفقه الإسلامي، للشيخ د. خالد بن سعد الخشلان -وفقه الله-، وهي رسالة ماجستير، في قسم الفقه من كلية الشريعة بجامعة الإمام بالرياض. وهو بحث قائم على جمع المسائل التي اجتمع فيها أسباب لها حكم واحد فتداخلت واستغني بحكم أحدها، وهو بحث مهم غير أنه لم يذكر في فصل التداخل في العقود إلا مسألة التداخل في عوض لبن المصراة عند تعددها واختيار ردها، علاوةً على أنه مغاير لموضوع هذا البحث وفكرته. الثاني: البحوث الجزئية الخاصة، وهي دراساتٌ في مبحثٍ من مباحث هذا البحث أو في عدد منها، وقد وجدت من ذلك بعد البحث في عناوين الرسائل الجامعية بمكتبة المعهد العالي للقضاء ومكتبة كلية الشريعة بقسميها: الفقه والأصول ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية وبعض المكتبات التجارية العناوين الآتية:- 1 - عقد الإجارة من الباطن، دراسة مقارنة، بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير، للباحث: فهد بن سواد العقيلي-وفقه الله-، في المعهد العالي للقضاء، قسم الفقه المقارن، ضمن بحوث عام 1422.

2 - عقد المقاولة من الباطن في الفقه والنظام، بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير، للباحث: محمد بن عبد العزيز الماجد -وفقه الله-، في المعهد العالي للقضاء، قسم السياسة الشرعية، ضمن بحوث عام 1416. فحصل الاشتراك في هاتين المسألتين، وهما يشكلان عُشر هذا البحث، ولكلٍّ منهجه وطريقته ومن ثم نتيجته الخاصة. 3 - العقد الباطن في الفقه الإسلامي، للشيخ د. سامي بن عبد العزيز الماجد -وفقه الله-، وهي رسالة دكتوراة من قسم الفقه بكلية الشريعة، وهذا البحث فيه بابان: الأول في تعريف العقد الباطن وحكمه العام وأسبابه وأركانه، وهذا لا علاقة لبحثي به، والثاني في ذكر العقود من الباطن، وذكر فيها 9 عقود، اشتركت معه في 7 منها، وانفرد باثنين، ومجموع العقود المذكورة في هذا البحث الذي بين يديك 25 عقدًا، ومن العقود المشتركة العنوان السابقان: المقاولة والإجارة من الباطن، كما أن هذه الرسالة لا تتفق مع هذا البحث في تقسيم المباحث والمطالب في المسائل المشتركة، وذلك أنني جمعت المسائل ورسمت هذه الخطة بجميع مباحثها قبل الاطلاع على هذه الرسالة ثم وقعت لي فعرضتها على ما قمت به فظهرت النتيجة السابقة، وهي أن هذا البحث امتاز بـ 18 عقدًا. والعقدان اللذان امتاز بهما بحث الدكتور: التوريد من الباطن والصيانة من الباطن. منهج البحث المنهج المتبع في هذا البحث هو المنهج الآتي: أولًا: أصوِّر المسألة المراد بحثها تصويرًا دقيقًا قبل بيان حكمها؛ ليتضح المقصود من دراستها. ثانيًا: إذا كانت المسألة من مواضع الاتفاق فأذكر حكمها بدليله مع توثيق الاتفاق من مظانه المعتبرة. ثالثًا: إذا كانت المسألة من مسائل الخلاف، فأتبع ما يلي: أ- أحرّر محل الخلاف إذا كانت بعض صور المسألة محل خلاف، وبعضها محل اتفاق. ب- أذكر الأقوال في المسألة، وأبين من قال بها من أهل العلم. ج- أقتصر على المذاهب الفقهية المعتبرة، مع العناية بذكر ما تيسر الوقوف عليه من أقوال السلف الصالح، وإذا لم أقف على الحكم في مذهب ما للمسألة فأسلك بها مسلك التخريج. د- أوثِّق الأقوال من مصادرها الأصلية. هـ- أستقصي أدلة الأقوال مع بيان وجه الدلالة عند الحاجة، وأذكر ما يرد عليها من

مناقشات وما يجاب به عنها إن وجد، وأذكر ذلك بعد الدليل مباشرة. و- أرجح مع بيان سبب الترجيح، وأذكر ثمرة الخلاف إن وجدت، والترجيح يشمل القول الراجح والصواب والحق، وأعبر عن جميع ذلك بالقول الراجح دون تمييز في التعبير ... –إن وجد-. رابعًا: أعتمد على أمَّات المصادر والمراجع الأصلية –إن وجد فيها ما يغني عن غيره-، في التحرير والتوثيق والتخريج والجمع، وإذا لم يكن العزو نصيًّا أقول: ينظر. خامسًا: أركز على موضوع البحث وأتجنب الاستطراد، إلا نادرًا في الحواشي، فأضع فيها بعض الفوائد المناسبة، ومنها ما أذكره لإزالة توهم الخطأ (¬1). سادسًا: أعتني بضرب الأمثلة، خاصةً الواقعية. سابعًا: أتنكب ذكر الأقوال الشاذة. ثامنًا: أعتني بدراسة ما جَدَّ من القضايا مما له صلة واضحة بالبحث. تاسعًا: أنقل الآيات برسمها من مصحف المدينة النبوية وأرقمها وأبين سورها مضبوطة الشكل، وذلك في صلب البحث. عاشرًا: أخرِّج الأحاديث من مصادرها الأصلية، وأثبت الكتاب والباب ورقم الحديث والجزء والصفحة، وأبين ما ذكره أهل الشأن في درجتها، إلم تكن في الصحيحين أو أحدهما، فإن كانت كذلك فأكتفي حينئذ بعزوها إليها. حادي عشر: أخرج الآثار من مصادرها الأصلية. ثاني عشر: عندما يستدعي الأمر أضع تنبيهًا أو أكثر في نهاية المبحث أو الفرع، وأذكر فيه ما له علاقة بالبحث وليس من صلبه. ثالث عشر: أعرف بالمصطلحات من كتب الفن الذي يتبعه المصطلح أومن كتب المصطلحات المعتمدة. رابع عشر: أوثق المعاني من معاجم اللغة المعتمدة، وتكون الإحالة عليها بالمادة والجزء والصفحة. خامس عشر: أعتني بقواعد اللغة العربية والإملاء، وعلامات الترقيم، ومنها علامات التنصيص للآيات الكريمة، وللأحاديث الشريفة وللآثار ولأقوال العلماء، مع تمييز العلامات أو الأقواس فيكون لكل منها علامته الخاصة. ¬

_ (¬1) أصل مادة ركز بمعنى غرز، والرِّكاز الثبوت، ونقله للمعنى الشائع المذكور في السياق مناسب، واستعمال هامش بمعنى حاشية مولَّد، كما في القاموس المحيط، مادة همش.

وأضع علامة " " لأسماء الكتب المذكور في أثناء الكلام في المتن أو الحاشية، تمييزًا لها عن الكلام، وإن تميزت بنفسها لم أضعه، كأن يكون اسم الكتاب مذكورا في الحاشية للتوثيق. سادس عشر: إذا ورد في البحث ذكر أماكن أو قبائل أو فرق أو أشعار أو غير ذلك فأضع له فهارس خاصة إن كان لها من العدد ما يستدعي ذلك. سابع عشر: أترجم للأعلام غير الأئمة الأربعة بإيجاز بذكر اسم العلم ونسبه وتاريخ وفاته ومذهبه العقدي أو الفقهي والعلم الذي اشتهر به، وأهم مؤلفاته ومصادر ترجمته، في ثبت خاص آخر البحث. ثامن عشر: أضع خاتمة متضمنة أهم النتائج، وتعطي فكرة واضحة عما يتضمنه البحث. تاسع عشر: أُتبِع ذلك بالفهارس الفنية المتعارف عليها، وهي: - - فهرس الآيات القرآنية. - فهرس الأحاديث والآثار. - فهرس الأعلام. - فهرس المصادر والمراجع. - فهرس الإجماعات. - فهرس الفوائد. - فهرس الموضوعات. خطة البحث ينقسم البحث إلى ثلاثة فصول، يقدمها تمهيد، يكتنفها مقدمة -هي هذه- وخاتمة، ويلي الجميع الفهارس العلمية ومنها سرد المصادر والمراجع، وذلك على هذا النحو: المقدمة: وتشتمل على عنوان البحث وأهمية الموضوع وأسباب اختياره والدراسات السابقة ومنهج البحث وخطته. تمهيد: تعريف العقود والأصل في حكمها وقواعد في إضافة العقود إلى مثلها، وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: تعريف العقود. المبحث الثاني: الأصل في العقود. المبحث الثالث: القواعد والضوابط المتعلقة بالعقود المضافة إلى مثلها، وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: الأصل في العقود التي يجوز أن يقوم فيها غير المعقود معه مقامه. المطلب الثاني: قاعدة نقل الملك بنفس العقد المستفاد به المملوك. المطلب الثالث: قاعدة نفي الضرر. المطلب الرابع: قاعدة سد الذريعة. المطلب الخامس: ضابط فقهي.

الفصل الأول: عقود المعاوضات المضافة إلى مثلها، وفيه أحد عشر مبحثًا: المبحث الأول: بيع المبيع، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف البيع وحكمه. المطلب الثاني: حكم بيع المبيع، وفيه فرعان: الفرع الأول: بيع البائع للمبيع. الفرع الثاني: بيع المشتري للمبيع، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: بيع المشتري المبيع بعد قبضه. المسألة الثانية: بيع المشتري المبيع قبل قبضه. المبحث الثاني: الإجارة على الإجارة، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: تعريف الإجارة وحكمها. المطلب الثاني: حكم إجارة المؤجِر العين المؤجَرة وإجارة الأجير من يقوم بالعمل المطلوب منه في عقد الإجارة، وفيه فرعان: الفرع الأول: إجارة المؤجِر العين المؤجَرة. الفرع الثاني: إجارة الأجير مَن يقوم بالعمل المطلوب منه في عقد الإجارة. المطلب الثالث: حكم إجارة المستأجر العينَ المؤجَرة، وفيه ثلاثة أفرع: الفرع الأول: إجارتها لغير المؤجِر، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: إجارتها بمثل أجرتها أوأقل. المسألة الثانية: إجارتها بأزيدَ من أجرتها. الفرع الثاني: إجارتها للمؤجِر. الفرع الثالث: إجارة المستأجر منافع الأجير. المبحث الثالث: إقالة الإقالة (¬1)، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الإقالة وحكمها. المطلب الثاني: حكم إقالة الإقالة. المبحث الرابع: مضاربة المضارب، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف المضاربة وحكمها. المطلب الثاني: حكم مضاربة المضارب، وفيه فرعان: ¬

_ (¬1) الإقالة من الفسوخ، ووجه إدخالها مع العقود أنها محل خلاف، فمن العلماء من جعلها بيعًا، كمالك وأبي يوسف.

الفرع الأول: مضاربة المضارب (العامل) بدفع رأس المال لآخر. الفرع الثاني: مضاربة المضارب (العامل) بتقبل رأس المال من أجنبي. المبحث الخامس: مزارعة المزارع ومساقاة المساقي، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف المزارعة والمساقاة وحكمهما، وفيه فرعان: الفرع الأول: تعريف المزارعة وحكمها. الفرع الثاني: تعريف المساقاة وحكمها. المطلب الثاني: حكم مزارعة المزارع ومساقاة المساقي، وفيه فرعان: الفرع الأول: مزارعة المزارع ومساقاة المساقي بدفع الأرض أو الزرع لآخر ليقوم بذلك. الفرع الثاني: مزارعة المزارع ومساقاة المساقي بتقبل أرضٍ أو زرعٍ من أجنبي. المبحث السادس: استصناع الصانع (الاستصناع الموازي)، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الاستصناع وحكمه. المطلب الثاني: حكم استصناع الصانع. المبحث السابع: مقاولة المقاول (المقاولة من الباطن)، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف المقاولة وحكمها. المطلب الثاني: حكم المقاولة من الباطن. المبحث الثامن: الجعالة على الجعالة، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الجعالة وحكمها. المطلب الثاني: حكم الجعالة على الجعالة. المبحث التاسع: إحالة المحال، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الحوالة وحكمها. المطلب الثاني: حكم إحالة المحال. المبحث العاشر: السلم الموازي (المتوازي)، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف السلم وحكمه. المطلب الثاني: حكم السلم الموازي، وفيه فرعان: الفرع الأول: حكم إسلام المسلَم فيه بعينه. الفرع الثاني: حكم الإسلام في مثل المسلَم فيه. المبحث الحادي عشر: تورق المتورق (إعادة التورق)، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف التورق وحكمه.

المطلب الثاني: حكم تورق المتورق (إعادة التورق). الفصل الثاني: عقود التبرعات المضافة إلى مثلها، وفيه أحد عشر مبحثًا: المبحث الأول: استدانة المدين وإقراض القرض، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الدين وحكمه. المطلب الثاني: حكم استدانة المدين، وفيه أربعة أفرع: الفرع الأول: استدانة المدين غير المعسر. الفرع الثاني: استدانة المدين المعسر لحاجة نفسه ومن يمون، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: استدانة المدين المعسر لحاجة نفسه ومن يمون قبل الحجر عليه. المسالة الثانية: استدانة المدين المعسر لحاجة نفسه ومن يمون بعد الحجر عليه. الفرع الثالث: استدانة المدين المعسر لقضاء دين الغرماء. الفرع الرابع: إقراض القرض. المبحث الثاني: توكيل الوكيل، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الوكالة وحكمها. المطلب الثاني: حكم توكيل الوكيل، وفيه ثلاثة أفرع: الفرع الأول: حكم توكيل الوكيل إذا نهاه موكِّله عن التوكيل. الفرع الثاني: حكم توكيل الوكيل إذا أذن له موكله في التوكيل. الفرع الثالث: حكم توكيل الوكيل إذا أطلق موكله الوكالة، وفيه ثلاث مسائل: المسألة الأولى: أن يكون العمل مما لا يقوم الوكيل بمثله. المسألة الثانية: أن يكون العمل مما يقوم الوكيل بمثله ولكنه يعجز عنه بنفسه. المسألة الثالثة: أن يكون العمل مما يقوم الوكيل بمثله ولا يعجز عنه بنفسه. المبحث الثالث: إبضاع المبضَع، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الإبضاع وحكمه. المطلب الثاني: حكم إبضاع المبضَع. المبحث الرابع: إعارة المعار، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الإعارة وحكمها. المطلب الثاني: حكم إعارة المعار. المبحث الخامس: إيداع الوديعة، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الوديعة وحكمها.

المطلب الثاني: حكم إيداع الوديعة. المبحث السادس: وقف الوقف، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الوقف وحكمه. المطلب الثاني: حكم وقف الوقف من قبل الموقوف عليه. المبحث السابع: هبة الموهوب، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الهبة وحكمها. المطلب الثاني: حكم هبة الموهوب. المبحث الثامن: إيصاء الوصي (الموصَّى) وتوصية الموصى له والموصي، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الإيصاء وحكمه. المطلب الثاني: حكم إيصاء الوصي وتوصية الموصى له والموصي، وفيه ثلاثة أفرع: الفرع الأول: حكم إيصاء الوصي. الفرع الثاني: حكم توصية الموصى له. الفرع الثالث: حكم توصية الموصي بالوصية. المبحث التاسع: إعتاق الرقيق، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف العتق والرق وحكمهما. المطلب الثاني: حكم إعتاق الرقيق (¬1)، وفيه خمسة أفرع: الفرع الأول: إعتاق القن. الفرع الثاني: إعتاق المبعض. الفرع الثالث: إعتاق المكاتب. الفرع الرابع: إعتاق أم الولد. الفرع الخامس: إعتاق المدبر وتدبيره. المبحث العاشر: مكاتبة المكاتب، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف المكاتبة وحكمها. المطلب الثاني: حكم مكاتبة المكاتب. المبحث الحادي عشر: إقطاع المقطَع، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الإقطاع وحكمه. ¬

_ (¬1) المراد وقوع العتق من الرقيق.

المطلب الثاني: حكم إقطاع المقطع. الفصل الثالث: عقود التوثقة المضافة إلى مثلها، وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: رهن المرهون، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الرهن وحكمه. المطلب الثاني: حكم رهن المرهون، وفيه فرعان: الفرع الأول: رهن المرهون من طرفٍ ثالثٍ. الفرع الثاني: رهن المرهون من المرتهن (الزيادة في الدين). المبحث الثاني: كفالة الكفيل وضمان الضمين (الضامن)، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الكفالة والضمان وحكمهما، وفيه فرعان: الفرع الأول: تعريف الكفالة وحكمها. الفرع الثاني: تعريف الضمان وحكمه. المطلب الثاني: حكم كفالة الكفيل وضمان الضمين. المبحث الثالث: إعادة التأمين، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف التأمين وحكمه. المطلب الثاني: حكم إعادة التأمين. الخاتمة. الفهارس: - فهرس الآيات القرآنية. - فهرس الأحاديث والآثار. - فهرس الأعلام. - فهرس المصادر والمراجع. - فهرس الإجماعات. - فهرس الفوائد. - فهرس الموضوعات. وقد تكون بعضُ المسائل أطولَ من بعض نظرًا لطبيعة المسألة خلافًا وتحريرًا، فربما كان المطلب الأول محل إجماع فيبدو قصيرًا، كما هو حاصلٌ في مبحث البيع ومبحث التوكيل، وربما كان محل خلاف عريض وليس في المطلب الثاني بحث طويل، كما في المساقاة والمزارعة، ففي أحكام بعض العقود من التفصيل ما ليس في حكم إضافته لمثله، ولا يصح الخوض في حكم العقد المضاف قبل تحرير حكم أصله، وأهل الشأن يقدرون المسائل قدرها، ويدركون أوجه الفرق بينها.

وأختم المقدمة بحمد الله على ما هدى، ثم بالشكر ودعاء الله العلي القدير لوالديَّ على ما ربياني عليه صغيرًا، فاللهم أطل أعمارهما على طاعتك واكفهما همومهما وغمومهما وارزقهما السعادة والهداية، ولزوجي وأختي الكبيرة على ما بذلوه لي من مساعدة، فاللهم جازهم عني خير الجزاء واصرف عنهم الهم والبلاء يا رب الأرض والسماء، ولكل من ساعدني في طباعته وإخراجه أو نصح لي فيه، بكثير أو يسير، فاللهم وفقهم واهدهم وسددهم واجزهم عني خيرًا، وللمشرف بخاصة والمعهد العالي للقضاء وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بعامة على إتاحة فرصة الالتحاق بهذا القسم، فاللهم اكشف لهم وجوه الحقائق وخذ بأيديهم في المضائق، هذا ومن الله أستمد العون والتوفيق، والهداية والسداد، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. للتواصل: [email protected]

تمهيد تعريف العقود والأصل في حكمها وقواعد إضافة العقود إلى مثلها

تمهيد تعريف العقود والأصل في حكمها وقواعد إضافة العقود إلى مثلها وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: تعريف العقود. المبحث الثاني: الأصل في العقود. المبحث الثالث: القواعد والضوابط المتعلقة بالعقود المضافة إلى مثلها.

المبحث الأول: تعريف العقود.

المبحث الأول: تعريف العقود. العقود لغةً جمع عقد، والعقد مصدر عَقَدَه يعقِده عقدًا وتَعقادًا، وهو نقيض الحَلِّ (¬1)، قال في "مقاييس اللغة": (العين والقاف والدال أصلٌ واحدٌ يدلُّ على شدٍّ وشدّةِ وثوقٍ، وإليه ترجع فروع الباب كلها ... والعقدة في البيع إيجابه) (¬2) سواءٌ كان العقد حسيًّا كعقد الحبل والعسل أو معنويًا كعقد اليمين والعهد والبيع (¬3). والعقد عند علماء الشريعة له إطلاقان: الأول: إطلاقٌ عام، والعقد بالإطلاق العام معناه الالتزام. والالتزام كون الشخص مكلَّفًا بفعل أو امتناع عن فعل لمصلحة غيره (¬4). ومن ذلك قوله - سبحانه وتعالى -: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} المائدة: (89)، فكل التزام ولو كان من طرف واحد يكون عقدًا بهذا المعنى، كاليمين والإبراء والأمان والوقف (¬5). الثاني: إطلاق خاص، ولا بد فيه من إرادتين متفقتين، والعقد بالإطلاق الخاص هو ارتباط الإيجاب بالقبول أو ما يقوم مقامهما بمثله. فالارتباط جنسٌ عامٌّ في حقيقة العقد، فهو الجامع بين المتعاقدين، وأما الالتزام فهو أثرٌ للعقد، فالمتعاقدان يلتزمان بمقتضى العقد وبشروطه بعد إبرامه وحصول الارتباط بين الإرادتين؛ لذا كان جنس الارتباط أولى في التعريف من جنس الالتزام، وبعض العقود جائزة يحق للطرفين فسخها، وهذا ينافي الالتزام. والإيجاب ما صدر من المالك المُملِّك كالبائع في عقد البيع سواءٌ كان صدوره قبل الطرف الثاني أو بعده، وهذا مذهب المالكية (¬6) والشافعية (¬7) ¬

_ (¬1) المحكم والمحيط الأعظم، مادة عقد 1/ 165، لسان العرب، مادة عقد 4/ 289. (¬2) مقاييس اللغة، مادة عقد 4/ 86. (¬3) مفردات ألفاظ القرآن ص 576، الجامع لأحكام القرآن 6/ 32، فائدة: حذف همزة التسوية (الاستفهامية) مع أو وأم المعادلة سائغ، وله شواهد من قراءة أبي جعفر وابن محيصن، وينظر للاستزادة القرارات النحْوية والتصريفية ص 350 - 358، وإن كان ما بعد (سواء) فعل من غير استفهام كان العطف بأو. الأشباه والنظائر في النحو 4/ 101. (¬4) المدخل الفقهي العام 1/ 514، ويلاحظ أن مصلحة الالتزام (كالعقد) تشمل كلا المتعاقدين غالبًا، وليست خاصة بغير الملتزم منهما. (¬5) ينظر مجموع الفتاوى 33/ 47 - 51، 35/ 274 - 275، فائدة: في "المدخل المفصل" لبكر أبو زيد 1/ 210: (الفتاوى-مجموع الفتاوى ... ومنذ تاريخ طبعها حتى الآن والمتأخرون بل أهل العصر ينقلون عنها، ويعزون إليها بواحد من الألفاظ المذكورة، ولا يكاد ينصرف إلى غيره عندهم). (¬6) حاشية الدسوقي 3/ 3. (¬7) البيان للعِمراني 5/ 15.

والحنابلة (¬1)، وعند الحنفية (¬2) الإيجاب ما يُذكر أولًا من كلام أحد المتعاقدين سواءٌ كان هو المالك المملِّك أو المتملِّك. والقَبول على رأي الجمهور ما صدر من المتعاقد الثاني، وهو المتملك، وعلى رأي الحنفية ما يُذكر ثانيًا. وجاء في التعريف (أو ما يقوم مقامهما بمثله) ومعناه: أو ارتباط ما يقوم مقام الإيجاب والقبول كالمعاطاة أو التعاطي بمثله من المتعاقد الآخر، فأخذ السلعة من المشتري يقوم مقام القبول وأخذ الثمن من البائع أو مده السلعةَ هو المِثل المقابل لفعل المشتري، ويقوم مقام الإيجاب، على اصطلاح الجمهور (¬3). ولا يصح أن يضاف في آخر تعريف العقد (على وجه مشروع يظهر أثره في محله) أو (يترتب أو يثبت أثره في المعقود عليه)؛ لأن هذا تعريف للعقد الصحيح، والمعرَّف هو العقد المطلق، فهو بإضافة هذا القيد تعريف غير جامع، والأصل في الحقائق العقلية والمصطلحات الشرعية أن تشمل الصحيح والفاسد؛ لذا يقال: بيع فاسد ونكاح باطل. فصح إطلاق مسمى العقد مع عدم حصول الأثر الشرعي عليه بلا تردد، وينفرد الثاني بورود الدور. وقد يَرِدُ ذكر عقدٍ من العقود في النصوص الشرعية أو في ألفاظ المكلفين مطلقًا مرادًا به الصحيح من جنسه، بل هذا هو الأصل في الإطلاقات، كالوكالة بالبيع يحمل على البيع الصحيح، لكن بيان حقيقة العقد لا يتقيد بالصحة، فبينهما فرقٌ ظاهرٌ (¬4). والمقصود بالعقود المضافة إلى مثلها العقود بالإطلاق العام. وللعقود تقسيمات متعددة بناءً على اختلاف الاعتبارات (¬5)، ومن ذلك تقسيم العقود باعتبار المقصود منها، وأقسامها بهذا الاعتبار ثلاثة: ¬

_ (¬1) الشرح الكبير 11/ 8 - 9. (¬2) الدر المختار مع حاشيته 7/ 16، المدخل الفقهي العام 1/ 382. (¬3) يرى الجمهور أن مسمى الإيجاب والقبول خاص بالصيغة القولية ولا يطلق على المعاطاة، خلافًا للمالكية ورواية عند الحنابلة اختارها أبو العباس ابن تيمية. بدائع الصنائع 5/ 224، المجموع 10/ 244، المغني 6/ 7، الإنصاف 11/ 14، الإيجاب والقبول بين الفقه والقانون ص 41، صيغ العقود في الفقه الإسلامي ص 189 - 190. (¬4) من تعريفات العقد: ربط أجزاء التصرف بالإيجاب والقبول شرعًا. التعريفات ص 155، ومنها: التزام المتعاقدين وتعاهدهما أمرًا، أو عبارة عن ارتباط الإيجاب بالقبول. درر الحكام 1/ 105 مادة 103، وفي أولهما دور ظاهر، ومنها: كل ما يتوقف على إيجاب وقبول. حاشية الدسوقي 3/ 5. (¬5) أوصلها د. مصطفى الزرقا إلى اثني عشر تقسيمًا. المدخل الفقهي العام 1/ 631 - 647.

الأول: عقود معاوضات، ويدخل فيها تبعًا عقود المشاركات؛ لاشتراكهما في معنى المعاوضة العام، ويمكن جعلها قسمًا مستقلًا لتميز أحكامه عن المعاوضات، بل من العلماء من ألحق المشاركات بالتبرعات (¬1)، ولا مشاحة في هذا كله إذا فُهم مأخذه. الثاني: عقود تبرعات، ومنهم من يميز عنها عقود الإرفاق، والإرفاق معنى يشمل العقود وغيرها، ومنهم من يميز عنها عقود الإباحات والأمانات المحضة، كما أن التبرعات تشمل التبرعات المحضة والمعلقة بالموت (¬2). والثالث: عقود التوثقات. وبعض العقود غير المالية يكون فيها معاوضة، لكنها قصدٌ ثانٍ في العقد، كالنكاح، وليس في مسائله وما يلحق به ما يدخل في العقود المضافة إلى مثلها، حسبما توصلتُ إليه، ولو كان لشغلتْ قسمًا رابعًا، ومن أسباب تباين المناهج في تقسيم العقود بهذا الاعتبار أن من العقود ما لا مرية في كونها معاوضة، ومنها ما لا مرية في كونها تبرعًا، وكذلك في التوثقات، ومن العقود ما تُردد فيها؛ لأنها آخذة بنصيب من كل قسم، فيتجاذبها نوعان أو أكثر، كالعبد في الأحكام، هل يلحق بالبهيمة لأنه يباع ويشترى ويوهب ويوقف، أو يلحق بالحر لأنه مكلف ومتصرف؟ وكالحلي من النقدين، هل يُزكّى؛ لأن جنسه ذهب أو فضة فيلحق بهما، أو لا يُزكّى لأنه يُستعمل كالأثاث والمركوب والملبوس والعبد والفرس؟ فعلى سبيل المثال: الحوالة فيها معنى الإرفاق والتوثقة، وفيها شوب معاوضة، والقرض: هو ابتداءً تبرع وانتهاءً معاوضة. ولا يعدو الأمر كونه اصطلاحًا ومردُّه إلى الاجتهاد. لذا لم يخصّه المتقدمون في دوواين الفقه بكبير عناية، من حيث التوسع في التقسيم والتعريف بها. ¬

_ (¬1) تقرير القواعد وتحرير الفوائد لابن رجب 2/ 418، القاعدة الخامسة بعد المائة. (¬2) تقرير القواعد وتحرير الفوائد لابن رجب 2/ 418، القاعدة الخامسة بعد المائة.

المبحث الثاني: الأصل في العقود.

المبحث الثاني: الأصل في العقود. قواعد الأصل في العقود كثيرة، فالأصل فيها اللزوم، والأصل فيها الفورية والتنجيز أو المناجزة، والأصل فيها السلامة، والأصل فيها تنزيلها على المتيقن أو الظاهر القريب، ولكن المقصود هنا الأصل في العقود من حيث حكمُها، والأصل فيها بهذا الاعتبار الجواز والصحة، في مذهب جمهور العلماء (¬1)، بل نصَّ ابن حزم على ما يوافق ذلك فقال: (إن ما سكت عنه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فلم يأمر به ولا نهى عنه فهو مباح، وليس حرامًا ولا فرضًا) (¬2)، لكن العبرة بما صرَّح به، وهو ما عزاه أبو العباس ابن تيمية إلى أهل الظاهر، أنهم لا يصحِّحون عقدًا ولا شرطًا إلا ما ثبت جوازه بنصٍّ أو إجماعٍ (¬3). ودليل الصحة والإباحة قوله جل جلاله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} المائدة: (1)، وعدد من الآيات التي فيها حصر المحرمات وتَعدادها (¬4) مما يُفهم إباحة ما سواها، من ذلك قوله - عز وجل -: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} الأنعام: (151) الآيات، وقوله - سبحانه وتعالى -: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} الأنعام: (145) الآيات، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن من أعظم المسلمين جرمًا من سأل عن شيء لم يحرَّم فحُرِّم من أجل مسألته» (¬5). ويظهر أثر هذا الأصل في البحث من جانبين: أحدهما: أن من وافق قوله الأصل لا يُطالب بالدليل؛ لأن دليله أدلة أصله، فإذا استدلّ فجانبه متقوٍّ بالأصل، والثاني: أنه من المرجحات في محل النزاع. ¬

_ (¬1) المبسوط 18/ 134 قال: (وأبو حنيفة - رحمه الله - يقول الأصل في العقود الشرعية الصحة واللزوم)، الذخيرة 4/ 398، 19/ 336 - 337، الأشباه والنظائر للسبكي 1/ 253، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 166، القواعد الكلية (النورانية) ص 212، 273، 393، إعلام الموقعين 3/ 107، تقرير القواعد لابن رجب 3/ 170. (¬2) المحلى 1/ 64. (¬3) القواعد الكلية ص 365، المحلى 8/ 412، الإحكام لابن حزم 2/ 3، 30. (¬4) روى ثعلب عن الكوفيين والمبرد عن البصريين أنهم قالوا: لم يأت من المصادر على تِفعال إلا حرفان: تبيان وتلقاء، فعلى هذا يجب أن تكون المصادر التي جاءت على تفعال كلها مفتوح التاء كالتيسار والتذكار والتكرار والتهذار والتلعاب، وأن يكون ما هو مكسور التاء غير التبيان والتلقاء أسماء، نحو التمساح والتمثال. أدب الكاتب ص 604، الغرر على الطرر 1/ 224. (¬5) رواه البخاري، كتاب الاعتصام، باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه (9/ 95) (ح 7289)، ومسلم، كتاب الفضائل (7/ 93) (ح 6116)، قال ابن حجر في الفتح (17/ 160): (وفي الحديث أن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يرد الشرع بخلاف ذلك).

المبحث الثالث: القواعد والضوابط المتعلقة بالعقود المضافة إلى مثلها

المبحث الثالث: القواعد والضوابط المتعلقة بالعقود المضافة إلى مثلها، وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: الأصل في العقود التي يجوز أن يقوم فيها غير المعقود معه مقامه. الأصلُ في العقود اللازمة على عمل معين تحصيلُ العمل، فيجوز أن يقوم به غير المعقود معه، والعقود غير اللازمة (الجائزة) لا يجوز للمعقود معه أن يقيم غيره مقامه فيها. والعقود اللازمة هي التي لا يستقل أحد الطرفين فيها بالفسخ دون رضا الآخر، والعقود الجائزة بعكسها، فقد يستقل بفسخها أحد الطرفين أو كلاهما. قال ابن رجب: (العقد الوارد على عمل معين إما أن يكون لازمًا ثابتًا في الذمة بعوض كالإجارة فالواجب تحصيل ذلك العمل، ولا يتعين أن يعمله المعقود معه إلا بشرط أو قرينة تدل عليه، وإما أن يكون غير لازم وإنما يستفاد التصرف فيه بمجرد الإذن فلا يجوز للمعقود معه أن يقيم غيره مقامه في عمله إلا بإذن صريح أو قرينة دالة عليه، ويتردد بين هذين من كان تصرفه بولاية إما ثابتة بالشرع كولي النكاح أو بالعقد كالحاكم وولي اليتيم) (¬1). وتوجيه ذلك أن مقصود العقود اللازمة تحصيل المعقود عليه من عين أو عمل، وليس مباشرة ذلك العمل إلا إذا قامت قرينة على قصد مباشرة المعقود معه، أما العقود الجائزة فهي عرضة للفسخ من الطرفين، وهذا يجعلها أضعف من أن يستند فيها إلى طرف ثالث. أمثلة ذلك: أولًا: العقود اللازمة: الأجير المشترك يجوز له الاستنابة في العمل من حيث الأصل؛ لأنه ضمن تحصيله لا عمله بنفسه (¬2)، والصانع يجوز له الاستنابة من حيث الأصل؛ لأن المعقود عليه تسليم العمل لا مباشرته (¬3). ثانيًا: العقود الجائزة: الوكيل في ما يقوم به مثله ولا يعجز عنه لا يجوز له التوكيل من حيث الأصل؛ لأنه عقد جائز (¬4)، والعامل المضارب ليس له أن يضارب برأس المال من حيث الأصل؛ لأنها عقد جائز (¬5). والمراد بكونها من حيث الأصل أن تخلو من شرط أو قرينة تقتضي خلاف الأصل. وأما العقود اللازمة من طرف والجائزة من الطرف الآخر، كالرهن والكفالة والضمان ¬

_ (¬1) تقرير القواعد (2/ 23)، القاعدة التاسعة والستون. (¬2) المرجع السابق. (¬3) بدائع الصنائع 5/ 7، حاشية ابن عابدين 7/ 502. (¬4) بدائع الصنائع 6/ 60، المدونة 4/ 382، الأم 3/ 232، المغني 7/ 209. (¬5) بدائع الصنائع 6/ 170، الذخيرة 6/ 55، نهاية المحتاج 5/ 169، المغني 7/ 172.

المطلب الثاني: قاعدة نقل الملك بنفس العقد المستفاد به المملوك

والمكاتبة فهي كالعقود اللازمة في ما سبق، غير أنه لا أثر لها على مباحث هذا البحث، كما سيتبين في المباحث المتعلقة بالرهن والكفالة والضمان والمكاتبة. المطلب الثاني: قاعدة نقل المِلك بنفس العقد المستفاد به المملوك. الأملاك التامة قابلة للنقل بالعوض وغيره في الجملة، ومِلك المنافع إن كان بعقدٍ لازم جاز نقل الملك بمثل الذي ملك به أو دونه، دون ما هو أعلى منه ومَلَك المعاوضة عليه (¬1). وتوجيه ذلك أن الملك التام يخوِّل صاحبه التصرف المباح المطلق كالاستعمال والاستغلال والمعاوضة، فيملك أن يهب الموهوب له وأن يوصي بالموصى له بعد القَبول الحاصل عقب موت الموصي، أما الملك غير التام كملك منفعة العين المستأجرة فله أن ينقل الملك فيها بمثل العقد الأول بشرط أن يكون المعقود معه بمنزلته أو أقل في استيفاء المنفعة، كالإجارة والإعارة عند من يرى أنها تمليكُ منفعةٍ؛ لأنه إنما ملك المنفعة، واستيفاؤها يكون بقبض العين، ونفيًا للضرر عن مالك العين. المطلب الثالث: قاعدة نفي الضرر. إذا تضمن العقد الثاني المضاف إلى مثله ضررًا بالمتعاقد الأول الذي لم تنقطع عُلَقه بالمعقود عليه لم يجز ولم ينفذ إلا بإذنه أو بتدارك الضرر بالضمان ونحوه. ودليل ذلك عموم أدلة نفي الضرر وتحريمه (¬2)، والنهي يقتضي الفساد (¬3)، فإذا أذن فقد أسقط حقه، فإلم (¬4) يأذن إلا بمقابل (تعويض) فله ذلك، وهذا التدارك لا يرفع الحكم بعدم الجواز والفساد ولكنه يجبر الضرر بعد وقوعه. قال الزركشي والسيوطي: (واعلم أن إيراد العقد على العقد ضربان: أحدهما: أن يكون قبل لزوم الأول وإتمامه فهو إبطالٌ للأول إن صدر من البائع، وإمضاءٌ للأول إن صدر من المشتري بعد القبض. الثاني: أن يكون بعد لزومه، وهو ضربان: الأول: أن يكون مع غير العاقد الأول، فإن كان فيه إبطال لحق الأول لغا، وإلم يكن فيه إبطال للأول صح. الثاني: أن يكون مع العاقد الأول، فإن اختلف المورد صح قطعًا، وإن اتحد المورد فقال العراقيون: لا ¬

_ (¬1) تقرير القواعد 2/ 290، القاعدة السابعة والثمانون، بدائع الصنائع 4/ 315،، الفتاوى الهندية 4/ 425، المدونة 5/ 414، مواهب الجليل 7/ 536، المهذب مع تكملة المجموع 17/ 331، المنهاج مع مغني المحتاج 2/ 449 - 450، المغني 8/ 55،57، الروض المربع 7/ 103 - 104. (¬2) ينظر جامع العلوم والحكم ص 561 - 576، ح 32. (¬3) شرح الكوكب المنير 3/ 84 - 96. (¬4) إن الشرطية وأن المصدرية -إذا كانت ناصبة- إذا جاء بعدهما (لا) أو (لم) أدغمتا ولم تظهر النون. أدب الكاتب ص 239، درة الغواص ص 706.

المطلب الرابع: قاعدة سد الذريعة

يجوز، والأصح أنه يجوز) (¬1). أمثلة ذلك: 1 - لو آجر إنسانًا للخدمة شهرًا لم يجز أن يُستأجر تلك المدة لعمل آخر (¬2). 2 - لو ضارب المضارب (العامل) بتقبل رأس المال من طرفٍ ثالثٍ وكان ذلك يدخل ضررًا على رب المال الأول لم يجز (¬3). 3 - لو أعار المستعير العارية فقد تصرف في ملك غيره، كما أنه يحتمل تعريضها للتلف أو العيب؛ لذلك لم يجز (¬4). ومثال انقطاع علق الأول أن يهب هبة لشخص، فيجوز للثاني أن يستعملها أو يبيعها أو يهديها؛ لانقطاع عُلق الواهب. المطلب الرابع: قاعدة سد الذريعة. كل عقد أضيف إلى مثله وكان حيلةً على المحرم كالربا أو بيع العينة فهو محرم. ودليل ذلك قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «قاتل الله اليهود إن الله - عز وجل - لما حرم عليهم شحومها جملوه ثم باعوه وأكلوا ثمنه» (¬5)، فلما أكلوا ثمن ما حُرِّم عليهم بالتحايل استحقوا اللعن، ويشهد لذلك من القواعد: قاعدة الأمور بمقاصدها (¬6)، وقاعدة الوسائل لها حكم المقاصد (¬7)، وقاعدة العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني (¬8). وهذه العقود لم يُنص على حكمها حال كونها وسيلةً لغيرها؛ لذا أخذت حكم ما هي وسيلة إليه. أمثلة ذلك: 1 - لو استصنع من مصرف يعلم يقينًا أنه لن يباشر العمل، وطلب من المصرف أن ¬

_ (¬1) المنثور 2/ 131 - 132، الأشباه والنظائر ص 334 - 335 باختصار، والمراد بالتقسيم الأخير أن يختلف محل ورود العقد أو يتحد. (¬2) المرجع السابق. (¬3) مواهب الجليل 7/ 456 - 457، الإنصاف 14/ 96. (¬4) الوسيط 3/ 367، كشاف القناع 9/ 218. (¬5) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الميتة والأصنام (3/ 84) (ح 2236)، ومسلم، كتاب البيوع (5/ 41) (ح 4048) كلاهما قال: حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-، إلا أن مسلمًا قال: (ثنا قتيبة بن سعيد ثنا ليث)، فهذه متابعة تامة بين الشيخ وتلميذه. (¬6) الموافقات 3/ 7، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 65. (¬7) الموافقات 5/ 177 - 186، قواعد الوسائل ص 223 - 237. (¬8) المبسوط 22/ 22، نهاية المطلب 5/ 389، 8/ 498، 13/ 353، 14/ 61،334، 18/ 319، المغني 6/ 200.

المطلب الخامس: ضابط فقهي

يكون عقد الاستصناع الثاني (الموازي) بين المصرف ومؤسسته أو طرف ثالث يتفق معه بحيث يكون المصرف هو المستصنع في العقد الجديد مع الطرف الثالث؛ ليتسلم المصرفُ السلعةَ ثم يسلمها بموجب العقد الأول للمستصنع الأصلي، وقَصَد بذلك الحيلة على القرض الربوي لم يجز؛ لأنه حيلة على الربا. 2 - لو تقدم صاحب أرض لشركة تمويل بطلب بناء مركز تجاري على أرضه، واشترط أن يكون هو المقاول من الباطن -بمعنى أن يتقاول مع الشركة على مشروع على أن تتقاول معه في ذلك المشروع- لم يجز؛ لأنه من بيع العينة. المطلب الخامس: ضابط فقهي. كل عقدٍ أضيف إلى مثله يُشترط لصحته ما يُشترط لصحة العقد الأصلي، وقد يستقل العقد المضاف بشروط. ومثال ذلك: يشترط في الهبة كون الواهب أهلًا للتبرع مالكًا للموهوب وكون الموهوب موجودًا متقومًا متميزًا مع قبض الموهوب له (¬1)، فيشترط في هبة الموهوب كل ما سبق من الشروط، وهكذا في سائر العقود. تنبيهان: الأول: جاء في "الأشباه والنظائر" لابن نجيم: (كل عقدٍ أُعيد وجُدِّد فإن الثاني باطل) (¬2) وليس هذا من العقود المضافة لمثلها؛ لأن المقصود منه إعادته مع الطرف الأول، ومحل البحث أعم من ذلك فأحيانًا يكون إبرام العقد مع العاقد الأول كرهن المرهون من المرتهن، وأحيانًا -وهو الغالب- يكون مع طرفٍ ثالثٍ، قال بعدها: (فالصلح بعد الصلح باطل، كما في جامع الفصولين، والنكاح بعد النكاح كذلك، كما في القنية، والحوالة بعد الحوالة باطلة، كما في التلقيح إلا في مسائل: الأولى: الشراء بعد الشراء صحيح، أطلقه في جامع الفصولين وقيده في القنية بأن يكون الثاني أكثر ثمنًا من الأول أو أقل أو بجنس آخر وإلا فلا، الثانية: الكفالة بعد الكفالة صحيحة لزيادة التوثيق، بخلاف الحوالة فإنها نقل فلا يجتمعان، كما في التلقيح، وأما الإجارة بعد الإجارة من المستأجر الأول فالثانية فسخ للأولى، كما في البزازية). ¬

_ (¬1) بدائع الصنائع 6/ 184 - 186، بداية المجتهد 8/ 208 - 210، المهذب 17/ 282 - 303، كشاف القناع 10/ 121 - 122. (¬2) ص 176.

الثاني: جاء في "بدائع الصنائع": (الشيء لا يستتبع مثله) (¬1) وذلك في معرِض التعليل للمنع من مضاربة المضارب بغير إذن رب المال؛ لذا قال بعدها: (ولهذا لا يملك الوكيل التوكيل بمطلق العقد كذا هذا) وفي "الاختيار" أن الشريك ليس له أن يشارك؛ لأن الشيء لا يستتبع مثله (¬2)، وفي "حاشية ابن عابدين" أنه لو اشترى بيتًا وفوقه آخر لم يدخل العلو ما لم ينص عليه؛ لأن الشيء لا يستتبع مثله (¬3). ومعنى القاعدة أن العقد المطلق المتضمن للتصرف كالمضاربة والوكالة والمقاولة ليس من مقتضاه إبرام مثل العقد مع آخَر بصفته طرفًا في العقد الأول، إذن لا بد من شرطٍ أو إذن يسوِّغ ذلك، وعليه فالقاعدة لا تؤيد الحكم الذي ذكره ابن عابدين، وهذا كما يظهر ليس شاملًا لكل العقود المضافة إلى مثلها، وإلا لما جاز منها شيء، فمنها ما يكسب مطلق التصرف، ومنها ما يشترط فيه إذن الطرف الآخر، وسيتضح أن المباح من هذه العقود أكثر من الممنوع. وحجية القواعد الفقهية يرجع لكونها نصًّا بذاتها أو مستنبطة من عدة نصوص أو من فروع المذاهب الفقهية، ولا شك في حجية الأول والثاني متى صح المستند، أما النوع الثالث –وهذه منها- فليس بلازم الحجية، والله أعلم. ¬

_ (¬1) 6/ 150. (¬2) 3/ 17، 4/ 71. (¬3) 7/ 444.

الفصل الأول عقود المعاوضات المضافة إلى مثلها

الفصل الأول عقود المعاوضات المضافة إلى مثلها، وفيه أحد عشر مبحثًا: المبحث الأول: بيع المبيع. المبحث الثاني: الإجارة على الإجارة. المبحث الثالث: إقالة الإقالة. المبحث الرابع: مضاربة المضارب. المبحث الخامس: مزارعة المزارع ومساقاة المساقي. المبحث السادس: استصناع الصانع (الاستصناع الموازي). المبحث السابع: مقاولة المقاول (المقاولة من الباطن). المبحث الثامن: الجعالة على الجعالة. المبحث التاسع: إحالة المحال. المبحث العاشر: السَّلم الموازي. المبحث الحادي عشر: تورق المتورق (إعادة التورق).

المبحث الأول: بيع المبيع

المبحث الأول: بيع المبيع، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف البيع وحكمه. تعريف البيع البيع لغة: مطلق المبادلة، وهو من الأضداد مثل الشراء (¬1). والبيع اصطلاحًا: 1 - عند الحنفية: مبادلة المال المُتَقومِ بمالٍ مُتَقوم تملكًا أو تمليكًا (¬2). 2 - عند المالكية: عقد معاوضة على غير منافع ولا متعة لذة (¬3). 3 - عند الشافعية: مقابلة مالٍ بمال على وجه مخصوص تمليكًا (¬4). 4 - عند الحنابلة: مبادلة مال ولو في الذمة أو منفعة مباحة بمثل أحدهما على التأبيد غير ربا وقرض (¬5). وهذه التعاريف مؤداها واحد، والبيع معروف. حكم البيع البيع جائز بالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فلأدلة كثيرة أصرحها قوله - سبحانه وتعالى -: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} البقرة: (275)، وأما السنة فلأدلة كثيرة منها: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبًا» (¬6)، وقال لجابر - رضي الله عنه -: «بِعْنِيه» (¬7) أي الجمل، إلى غير ذلك من الأدلة التي لا حصر لها، وأجمع المسلمون على جوازه في الجملة (¬8)، وقد يعرِض للبيع الأحكام الخمسة (¬9)، وفي "الموافقات" أنه مطلوب وجوبًا بحسب الكلية؛ لأنه من ¬

_ (¬1) مقاييس اللغة، مادة بوع 1/ 318، تهذيب اللغة، مادة باع 1/ 259، لسان العرب، مادة بوع 9/ 359، المُطلع ص 270، المصباح المنير، مادة بيع ص 67، التعريفات ص 52. (¬2) الاختيار 2/ 3. (¬3) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 3/ 2. (¬4) مغني المحتاج 2/ 5. (¬5) الروض المربع 6/ 8. (¬6) رواه البخاري، كتاب البيوع باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه (3/ 76 - 77) (ح 2201)، ومسلم، كتاب البيوع (5/ 47 - 48) (ح 4082). (¬7) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب شراء الدواب والحمير (3/ 62) (ح 2097)، ومسلم، كتاب البيوع (5/ 51) (ح 4098). (¬8) خلاصة الدلائل 1/ 325، الاختيار 2/ 5، الإشراف لابن المنذر 6/ 131، نهاية المطلب 5/ 5، المجموع 10/ 221، فتح الباري 5/ 499، مغني المحتاج 2/ 6، المغني 6/ 7، المحلى 9/ 5، وغيرها. (¬9) الفواكه الدواني 2/ 112.

المطلب الثاني: حكم بيع المبيع

الضروريات (¬1)؛ لذلك نصَّ بعض المالكية على كون المزارعة فرض كفاية (¬2)، أي من هذه الحيثية، وليس هو المذهب عندهم. المطلب الثاني: حكم بيع المبيع، وفيه فرعان: الفرع الأول: بيع البائع للمبيع. صورة المسألة: أن يبيع بائعٌ سلعة ثم يقوم بإعادة بيعها لمشترٍ آخر، وقد يكون البيع الأول ناجزًا، أي تم بلا شروط وحصل التفرق بين المتبايعين، وقد يكون غير ناجز، فيحصل البيع الثاني في أثناء مدة خيار الشرط أو خيار المجلس. الحكم: إذا تمَّ البيع واستقرَّ فقد انقطعت عُلَق البائع عن المبيع وعُلَق المشتري عن الثمن، فليس للبائع أن يبيع ما لا يملك -إلا إذا تمت الإقالة بين البائع والمشتري الأول، فله أن يبيع السلعة لآخر بعد قبضها من الأول- وهذا مقتضى الفقه في المذاهب الأربعة (¬3)، بل نقل أبو العباس ابن تيميّة إجماع المسلمين على عدم جواز بيع البائع لما قد باعه (¬4)، وقال ابن حزم: (واتفقوا على أن بيع المرء ما لا يملك ولم يُجِزْه مالكه ولم يكن البائع حاكمًا ولا مُتَنَصِّفًا من حق له أو مجتهدًا في مالٍ قد يئس من ربه فإنه باطل) (¬5) والبائع أصبح أجنبيًّا مما باعه، فدخل في هذا الحكم، فهذان إجماعان، أحدهما على تحريمه، والآخر على بطلانه. وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أيما رجل باع بيعًا من رجلين فهو للأول منهما» (¬6). ¬

_ (¬1) 1/ 208، قال: (والبيع والشراء ووجوه الاكتسابات الجائزة كقوله تعالى: {وأحل الله البيع وحرم الربا} [البقرة: 275] {أحل لكم صيد البحر وطعامه} [المائدة: 96] {أحلت لكم بهيمة الأنعام} [المائدة: 1] وكثير من ذلك، كل هذه الأشياء مباحة بالجزء، أي: إذا اختار أحد هذه الأشياء على ما سواها فذلك جائز، أو تركها الرجل في بعض الأحوال أو الأزمان أو تركها بعض الناس لم يقدح ذلك, فلو فرضنا ترك الناس كلهم ذلك لكان تركًا لما هو من الضروريات المأمور بها، فكان الدخول فيها واجبًا بالكل). (¬2) مواهب الجليل 7/ 152. (¬3) قال ابن هبيرة في "اختلاف الأئمة الأربعة" (حُقِّق باسم الإجماع عند أئمة أهل السنة الأربعة) ص 104: (واتفقوا على أنه إذا وجب البيع وتفرقا عن المجلس من غير خيار فليس لأحدهما الرد إلا بعيب) وعليه فليس له التصرف في ما خرج عن يده بالبيع. (¬4) مجموع الفتاوى 29/ 228. (¬5) مراتب الإجماع ص 151، وقال في حد البيع التام الناجز: (واتفقوا أن البيع كما ذكرنا، وقد تفرقا عن موضع التبايع بأبدانهما افتراقًا غاب كل واحد منهما عن صاحبه مغيبَ تركٍ لذلك الموضع، وقد سلَّم البائع ما باع إلى المشتري سالمًا لا عيب فيه، دلَّس أو لم يدلس، وسلم المشتري إليه الثمن سالمًا بلا عيب، فإن البيع قد تمَّ) ص 150. (¬6) رواه أبو داود، كتاب النكاح، باب إذا أنكح الوليان (3/ 23) (ح 2081)، والنسائي، كتاب البيوع، الرجل يبيع السلعة فيسحقها مستحق (7/ 314) (ح 4682)، والترمذي، أبواب النكاح، باب ما جاء في الوليين يزوجان (2/ 403) (ح 1110)، وابن ماجه، أبواب التجارات، باب إذا باع المجيزان فهو للأول (3/ 310) (ح 2190)، وأحمد (33/ 276) (ح 20085)، قال الترمذي: (حسن)، قال ابن حجر: (وصححه أبو زرعة وأبو حاتم والحاكم ... وصحته متوقفة على ثبوت سماع الحسن من سمرة، فإن رجاله ثقات لكن اختلف فيه على الحسن)، وبين أنه أصح ممن رواه عن الحسن عن عقبة. التلخيص الحبير 5/ 2301، المستدرك 2/ 175، وينظر كتاب العلل لابن أبي حاتم 4/ 10.

أما إذا تم البيع الثاني أثناء مجلس البيع الأول وقبل التفرق أو في مدة خيار الشرط -أي قبل استقرار البيع الأول- فهذا نوع من التصرف في المبيع في مدة الخيار، وهو تصرفٌ ناقلٌ للملكية، وفي ذلك خلاف يرجع للخلاف في ملك المبيع في مدة الخيار-وهو سبب الخلاف في حكم التصرف-، وفي ذلك أقوال (¬1): القول الأول: أنه إذا كان الخيار لهما فملك المبيع للبائع وملك الثمن للمشتري، وإذا كان الخيار للبائع وحده فملك المبيع له، والثمن يخرج عن ملك المشتري ولا يدخل في ملك البائع، وإذا كان الخيار للمشتري وحده فملك الثمن له، والمبيع يخرج عن ملك البائع ولا يدخل في ملك المشتري، وهو مذهب الحنفية (¬2)، وعليه فبيع البائع للمبيع فسخٌ للبيع الأول، وليس له ذلك إذا كان الخيار للمشتري وحده (¬3). القول الثاني: أن ملك المبيع للبائع وملك الثمن للمشتري، سواء كان الخيار لهما أو لأحدهما، وهو مذهب المالكية (¬4)، وعليه فبيع البائع للمبيع فسخ للبيع الأول. القول الثالث: أن ملك المبيع لمن له الخيار منهما، فإن كان الخيار لهما فملك المبيع والثمن موقوف، وهو مذهب الشافعية (¬5)، وعليه فبيع البائع للمبيع فسخ للبيع الأول وبيع المشتري إجازةٌ وإمضاءٌ (¬6). القول الرابع: أن ملك المبيع للمشتري وملك الثمن للبائع سواء كان الخيار لهما أو لأحدهما، وهو مذهب الحنابلة (¬7)، وعليه فيحرم ولا يصح بيع المبيع إلا بإذن الطرف الآخر أو يكون التعاقد معه إلا المشتري فمتى كان الخيار له وحده فإن بيعه إمضاءٌ للبيع وفسخٌ وتركٌ ¬

_ (¬1) وبه يعلم حكم بيع المشتري للمبيع في مدة الخيارين. (¬2) بدائع الصنائع 5/ 427، العناية 5/ 115. (¬3) حاشية ابن عابدين 7/ 111 - 129. (¬4) حاشية الدسوقي 3/ 103، مواهب الجليل 6/ 319 - 320، 323، وهو قول الصاحبين محمد بن الحسن وأبي يوسف، كما في "بدائع الصنائع" 5/ 427 و"العناية" 5/ 115. (¬5) نهاية المطلب 5/ 40، البيان 4/ 196، المجموع 10/ 305 - 307. (¬6) نهاية المطلب 5/ 47، نهاية المحتاج 4/ 12 - 15، وسبق ص 23 - 24. (¬7) المغني 6/ 20، الإنصاف 11/ 302 - 303، الروض المربع 6/ 135 - 138.

للخيار (¬1). الأدلة: دليل القول الأول: إن كان الخيار لهما فالملك باق لصاحب المحل؛ لأن المانع من الانعقاد في حق الحكم موجودٌ في الجانبين جميعًا، وهو الخيار، وإن كان لأحدهما فلا يدخل الملك في حق من ليس له الخيار؛ لأن البيع أصبح تامًّا في حقه، ومن كان الخيار له فملكه باق في محله، ولا يمكن مع ذلك أن يثبت للآخر؛ لأنه لا يجوز في عقد المبادلة الجمع بين البدل والمبدل (¬2). المناقشة: أن هذا القول يفضي إلى وجود ملكٍ لا مالك له، وهو محال، ويفضي إلى ثبوت الملك للبائع من غير حصول عوضه للمشتري أو يفضي إلى نقل ملكه عن المبيع من غير ثبوته في عوضه، وكون العقد معاوضة يأبى ذلك (¬3). الجواب: عدم التسليم، فالنصيب الموقوف من الميراث للحمل وللمفقود لا مالك له (¬4). الرد: ثبوت الملك في ما ذُكر ليس عن معاوضة، ففارق ما نحن فيه. دليل القول الثاني: أن البيع مع الخيار عقد قاصر لا يفيد التصرف فأشبه الهبة قبل القبض. المناقشة: عدم التسليم بالقصور، وجواز الفسخ لا يلزم منه القصور، وامتناع التصرف إنما هو لحق الطرف الثاني، فلا يمنع ثبوت الملك، كالمرهون والمبيع قبل القبض (¬5). دليل القول الثالث: قصْر التصرف على مَن له الخيار، والتصرف دليل الملك (¬6)، ولذلك إذا منع من التصرف تبين أن الملك موقوف. المناقشة: انتقال الملك إنما ينبني على سببه الناقل له، وهو البيع، وذلك لا يختلف بإمضائه وفسخه فإن إمضاءه ليس من المقتضي ولا شرطًا فيه، إذ لو كان كذلك لما ثبت الملك قبله، وقد أثبته المستدل حين كون الخيار لأحدهما، والفسخ ليس بمانع، فإن المنع لا يتقدم المانع كما أن الحكم لا يسبق سببه ولا شرطه (¬7). أدلة القول الرابع: الدليل الأول: عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من ابتاع نخلًا ¬

_ (¬1) المغني 6/ 24، الإنصاف 11/ 312، الروض المربع 6/ 138 - 141. (¬2) بدائع الصنائع 5/ 427. (¬3) المغني 6/ 22. (¬4) ينظر المغني 9/ 177،186. (¬5) ينظر: المغني 6/ 22. (¬6) نهاية المحتاج 4/ 13، وينظر نهاية المطلب 5/ 40 - 41. (¬7) المغني 6/ 22.

بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع، ومن ابتاع عبدًا وله مالٌ فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع» (¬1). وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الملك في المال للمشتري بمجرد شرطه، فدل على أن المبيع دخل في ملك المشتري بمجرد العقد. المناقشة: التسليم بأن مجرد العقد يقتضي دخول المبيع في ملك المشتري، وأن الشرط -عند من يصححه- لا يضرُّ في ذلك، ولكن محل الخلاف في بيع فيه خيار الشرط، وهو يفيد وجود مدة بين العقد وإمضائه أو فسخه. الجواب: إذا انتقل الملك بالعقد مع وجود الشرط فينتقل مع خيار الشرط. الدليل الثاني: أن البيع مع الخيار سببٌ يثبت الملك عقيبه إذا لم يفسخ، فوجب أن يثبت وإن فسخ، كبيع المعيب (¬2). الدليل الثالث وهو دليل صحة بيع المشتري إذا كان الخيار له دون البائع: أن هذا التصرف دليل الرضا من المشتري، ويلزم منه إمضاء البيع الأول، ولأنه لا حقَّ لغيره فيه، وثبوت الخيار له لا يمنع تصرفه فيه كالمعيب، أما البائع فإن ملك المبيع انتقل عنه، فبيعه تصرف في ملك غيره بغير ولاية شرعية ولا نيابة عرفية، فلم يصح (¬3). الترجيح الراجح أن ملك المبيع للمشتري وملك الثمن للبائع مدة الخيارين، وعليه فلا يجوز ولا يصح بيع البائع للمبيع فيهما، فإن استأذن المشتري فأذن فهذا فسخ للبيع الأول، بخلاف بيع المبيع إذا كان الخيار له فإن هذا إمضاء للبيع الأول. أسباب الترجيح: 1. أن الملك أثرٌ لازم للعقد الصحيح، وقد وُجد الملزوم، ووجود الخيار لا ينافيه إنما ينافي استقرار المِلك وتمامه، كوجود العيب في المبيع، فإنه يُثبت للمشتري الخيار، فدل على مِلكه للمبيع. 2. ولما ذكره أصحاب هذا القول من دليل وتعليل. والترجيح في هذه المسألة ظني؛ لوجاهة الأقوال الأخرى، والترجيح أيضًا نسبي. ¬

_ (¬1) رواه البخاري، كتاب الاستقراض، باب الرجل يكون له ممر أو حائط في شرب أو نخل (3/ 115) (ح 2379) واللفظ له، ومسلم، كتاب البيوع (5/ 17) (ح 3905) وليس فيه (وله مال). (¬2) المغني 6/ 22. (¬3) المغني 6/ 24 - 25، الروض المربع 6/ 141.

الفرع الثاني: بيع المشتري للمبيع

الفرع الثاني: بيع المشتري للمبيع، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: بيع المشتري المبيعَ بعد قبضه. صورة المسالة: إذا اشترى شخص سلعة شراءً تامًّا، وقبض السلعة، فهل يحق له أن يبيعها لطرفٍ ثالثٍ؟ الحكم: لا تردُّد في جواز ذلك، فإن البائع قد انقطعت عُلَقه من المبيع، ومقتضى عقد البيع انتقال السلعة من البائع إلى المشتري وانتقال الثمن من المشتري للبائع، وتمامُ ملك المشتري للسلعة وتمام ملك البائع للثمن (¬1)، ويلزم منه إطلاق التصرف المباح لهما في ما آل إليهما، ولا يخالف في ذلك أحد، وعموم أدلة جواز البيع تشمله، والاستدلال لمثل هذا بآحاد الأدلة لا حاجة له. وليس يصح في الأذهان شيءٌ ... إذا احتاج النهار إلى دليل المسألة الثانية: بيع المشتري المبيع قبل قبضه. صورة المسألة: إذا اشترى شخص سلعة ولم يقبضها، فهل يجوز له أن يبيعها سواء كان المشتري الجديد هو البائع أو طرفٌ ثالثٌ؟ تحرير محل النزاع: أجمعوا على تحريم بيع الطعام قبل قبضه (¬2)، واختلفوا في بيع المشتري غير الطعام قبل قبضه، وذلك على صورتين: الصورة الأولى: بيع غير الطعام على بائعه قبل قبضه، وفيه قولان: القول الأول: أنه لا فرق بين بيع المبيع قبل قبضه لبائعه أو لغيره، فما حرم بيعه لغير البائع حرم للبائع، وعليه فقهاء المذاهب الأربعة (¬3). ¬

_ (¬1) ينظر مثلًا: المغني 6/ 39، 166 - 167. (¬2) نقله ابن المنذر والخطابي وابن عبد البر وابن رشد الحفيد، ونقله عن ابن المنذر جمع منهم النووي وابن قدامة وابن تيمية. الأوسط 10/ 146، الإشراف 6/ 50، معالم السنن 5/ 130، التمهيد 16/ 520 - 521، بداية المجتهد 7/ 228، المجموع 10/ 413، المغني 6/ 183، تهذيب السنن 5/ 131، ونُسب لعثمان البتي جواز بيع المبيع قبل قبضه مطلقًا، وعُدَّ ذلك شذوذًا وخرقًا للإجماع. المعلم بفوائد مسلم 2/ 165، التمهيد 16/ 530، المنهاج شرح صحيح مسلم 6/ 21، بداية المجتهد 7/ 228، تهذيب السنن 5/ 131، فتح الباري 5/ 598، ونُسب لعطاء. المحلى 8/ 520، ولم أجده عند غيره. (¬3) بدائع الصنائع 5/ 296 - 297،494، حاشية ابن عابدين 7/ 384، التمهيد 16/ 521،531 - 532، الكافي ص 319، المنهاج مع نهاية المحتاج 4/ 45 - 46، مغني المحتاج 2/ 90، المغني 6/ 191، الشرح الكبير 11/ 509، شرح منتهى الإرادات 3/ 320 - 321.

القول الثاني: جواز ذلك، وهو وجه عند الشافعية (¬1) ورواية عن أحمد (¬2) واختيار أبي العباس ابن تيمية (¬3) وابن قيم الجوزية (¬4). وأطلقوا القول بالجواز ولم يخصوه بغير الطعام. وقبل ذكر الأدلة ما موقف أصحاب القول الثاني من الإجماع المنقول السابق؟ يحتمل أحد أمرين: الأول: تخصيص جواز بيع المبيع من بائعه بغير الطعام؛ لمحل الإجماع، فجميع من نقل الإجماع من المتقدمين لم يخصّوا المنع بكون البيع لغير البائع. الثاني: أن محل الإجماع هو بيع الطعام قبل قبضه لغير بائعه؛ لأن علة المنع ألا يربح المشتري في ما لم يضمن، وبيعه على بائعه بمثابة الإقالة، والاحتمال الثاني هو المذكور في كلام أبي العباس ابن تيمية: (... وكذلك نقل غير هؤلاء عن أحمد، وهذه الرواية أكثر في نصوص أحمد، وهي أشبه بأصوله، فإن علته في منع بيع دين السلم كونه مبيعًا فلا يباع قبل القبض، وأحمد في ظاهر مذهبه لا يمنع من البيع قبل القبض مطلقًا، بل له فيه تفصيل وأقوال معروفة، ولذلك فرق بين البيع من البائع وغيره، وكذلك مذهب مالك يجوِّز بيع المسلم فيه إذا كان عوضًا من بائعه بمثل ثمنه وأقل، ولا يجوز بأكثر، ولا يجوز ذلك في الطعام، وقال ابن المنذر: ثبت أن ابن عباس قال: (إذا أسلفت في شيء فحل الأجل، فإن وجدت ما أسلفت فيه، وإلا فخذ عوضا بأنقص منه) وهذا ابن عباس لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه نهى عن بيع الطعام قبل قبضه. قال: ولا أحسب كل شيء إلا بمنزلة الطعام) (¬5) ثم قال: (ومالك لم يجوِّز بيع دين السلم إذا كان طعامًا؛ لأنه بيع، وأحمد جوَّز بيعه، وإن كان طعامًا أو مكيلًا أو موزونًا من بائعه، إذا باعه بغير مكيل أو موزون؛ لأن النهي عن بيع الطعام قبل قبضه هو في الطعام المعين، وأما ما في الذمة فالاعتياض عنه من جنس الاستيفاء ... فنهيه عن بيع الطعام قبل قبضه يريد به بيعه من غير البائع، فيه نزاع. وذلك أن من علله بتوالي الضمان يطرد النهي، وأما من علل النهي بتمام الاستيفاء وانقطاع علق البائع حتى لا يطمع في الفسخ والامتناع من الإقباض إذا رأى ¬

_ (¬1) نهاية المحتاج 4/ 46، قال: (ومحل الخلاف إذا باعه بغير جنس الثمن أو بزيادة أو نقص أو تفاوت صفة، وإلا فهو إقالة بلفظ البيع ... فيصح). (¬2) الإنصاف 11/ 497. (¬3) الأخبار العلمية (الاختيارات) ص 188، الإنصاف 11/ 497، وينظر: مجموع الفتاوى 29/ 513، وسيأتي. (¬4) تهذيب السنن 5/ 137. (¬5) مجموع الفتاوى 29/ 505 - 506.

المشتري قد ربح فيه: فهو يعلل بذلك في الصبرة قبل نقلها، وإن كانت مقبوضة، وهذه العلة منتفية في بيعه من البائع، وأيضًا فبيعه من البائع يشبه الإقالة، وفي أحد قولي العلماء تجوز الإقالة فيه قبل القبض، والإقالة هل هي فسخ أو بيع؟ على قولين، هما روايتان عن أحمد، فإذا قلنا: هي فسخ لم يجز إلا بمثل الثمن، وإذا قلنا: هي بيع ففيه وجهان، ودين السلم تجوز الإقالة فيه بلا نزاع، فعلم أن الأمر في دين السلم أخف منه في بيع الأعيان، حيث كان الأكثرون لا يجوزون بيع المبيع لبائعه قبل التمكن من قبضه، ويجوزون الإقالة في دين السلم، والاعتياض عنه يجوز كما تجوز الإقالة، لكن إنما يكون إقالة إذا أخذ رأس ماله أو مثله، وإن كان مع زيادة، أما إذا باعه بغير ذلك فليس إقالة، بل هو استيفاء في معنى البيع لما لم يقبض، وأحمد جوز بيع دين السلم من المستسلف؛ اتباعًا لابن عباس، وابن عباس يقول: (نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الطعام قبل قبضه. ولا أحسب كل شيء إلا بمنزلة الطعام) فابن عباس لا يجوِّز البيع قبل القبض، وجوز بيع دين السلم ممن هو عليه إذا لم يربح، ولم يفرق ابن عباس بين الطعام وغيره، ولا بين المكيل والموزون وغيرهما؛ لأن البيع هنا من البائع الذي هو عليه، وهو الذي يقبضه من نفسه لنفسه، بل ليس هنا قبض، لكن يسقط عنه ما في ذمته، فلا فائدة في أخذه منه ثم إعادته اليه، وهذا من فقه ابن عباس، ومالك جعل هذا بمنزلة بيع المعين من الأجنبي، فمنع بيع الطعام المسلف فيه من المستلف، وأحمد لم يجعله كبيع الطعام قبل القبض من الأجنبي، كما قال مالك، بل جوزه بغير المكيل والموزون، كما أجازه ابن عباس، وأما بالمكيل والموزون، فكرهه؛ لئلا يشبه بيع المكيل بالمكيل من غير تقابض إذا كان لم توجد حقيقة التقابض من الطرفين) (¬1). ولذات العلة أجاز بيع المبيع قبل قبضه توليةً (¬2). ¬

_ (¬1) مجموع الفتاوى 29/ 512 - 514. (¬2) وهي البيع برأس المال بلا ربح ولا خسارة. الروض المربع 6/ 166، واختيار ابن تيمية في "الإنصاف" 11/ 499، و"الأخبار العلمية" ص 187 - 188، وقد وافقه ابن عثيمين في جواز بيع المبيع قبل قبضه لبائعه، ولم يوافقه في جوازه توليةً. الشرح الممتع 8/ 368 - 370، وجوازه توليةً هو مذهب سعيد بن المسيب وعطاء وقتادة ومالك. مصنف ابن أبي شيبة (11/ 148)، القبس 16/ 519.

الأدلة: أدلة القول الأول: أدلة الجمهور بالإضافة للإجماع السابق هي النصوص المانعة من بيع المبيع قبل قبضه، فإنها بعمومها تشمل البيع للبائع، وهي: الدليل الأول: عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يقبضه» قال ابن عباس: (وأحسب كل شيء بمنزلة الطعام) (¬1) وفي رواية عنه: (ولا أحسب كل شيء إلا مثله) (¬2). الدليل الثاني: عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من ابتاع طعامًا فلا يبيعه حتى يقبضه» (¬3) وفي لفظ: «فلا يبعه حتى يستوفيه ويقبضه» (¬4). الدليل الثالث: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من اشترى طعامًا فلا يبعه حتى يكتاله» (¬5). وعنه - رضي الله عنه - قال: وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الطعام حتى يستوفى (¬6). الدليل الرابع: عن جابر - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا ابتعت طعامًا فلا تبعه حتى تستوفيه» (¬7). أدلة القول الثاني: استدل من أجاز ذلك بأدلة أبرزها ما تقدم في كلام أبي العباس ابن تيمية، وهي: ¬

_ (¬1) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الطعام قبل أن يُقبض وبيع ما ليس عندك (3/ 68) (ح 2135)، ومسلم، كتاب البيوع (5/ 7) (ح 3838). (¬2) وهو لفظ البخاري. (¬3) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب ما يُذكر في بيع الطعام والحكرة (3/ 68) (ح 2133)، ومسلم، كتاب البيوع (5/ 8) (ح 3845) بالرفع. (¬4) رواية لمسلم، الموضع السابق (5/ 9) (ح 3844). (¬5) رواه مسلم، كتاب البيوع (5/ 8 - 9) (ح 3848). (¬6) رواه مسلم، الموضع السابق (5/ 9) (ح 3849). (¬7) رواه مسلم، الموضع السابق (5/ 9) (ح 3850).

الدليل الأول: عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (إذا أسلفت في طعام فحلَّ الأجل فلم تجد طعامًا فخذ منه عرضًا بأنقص ولا تربح عليه مرتين) (¬1)، وعنه -كما سبق- مرفوعًا: «من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يقبضه» ثم قال: (ولا أحسب كل شيء إلا مثله). وجه الدلالة: أنه - رضي الله عنه - منع بيع المبيع قبل قبضه وأجازه في دين السلم؛ لأنه على بائعه، وليس في ذلك محذورٌ أصلًا؛ لأن علة النهي الربح في ما لم يضمن وتعلُّق البائع بالمبيع الذي لم يقبض، فإنه يطمع في الفسخ والامتناع من الإقباض إذا رأى المشتري قد ربح فيه. المناقشة: التسليم بكون هذه العلة هي علة الحكم أو جزء العلة، ولكن بعض الأصوليين يقول: إن العلة المستنبطة إذا عادت على أصلها بالتخصيص بطلت (¬2)، فإن فائدة تخريج المناط (استنباط العلة) إلحاق المسكوت عنه بالمنطوق في الحكم، وليس تقييد محل الحكم وإخراج بعض أفراده، وأما أثر ابن عباس فقد خالفه ابن عمر - رضي الله عنهم - فقال: (إذا أسلفت في شيء فلا تأخذ إلا رأس مالك أو الذي أسلفت فيه) (¬3)، والإسناد إليهما صحيح، ومعنى أثر ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه ليس له إلا إنجاز السلم أو الإقالة منه، أما بيع المسلم فيه قبل قبضه لبائعه بعرض ونحوه فلا. الدليل الثاني: أن بيع المبيع قبل قبضه من بائعه يشبه الإقالة، والإقالة جائزة في الجملة، أي سواء كان بالثمن الأول أم أكثر. المناقشة: أن الإقالة فسخ ورجوع للعقد الأول -على ما سيأتي (¬4) - والبيع عقد، وقال ابن عبد البر: (ولم يختلف فقهاء الأمصار غير مالكٍ وأصحابه في أن الشركة والتولية في الطعام لا تجوز قبل أن تستوفى) (¬5)، فمن جعل الإقالة بيعًا فهو أولى بالمنع لدخوله في عموم أدلة المنع السابقة. الصورة الثانية: بيع المبيع من غير الطعام على غير بائعه قبل قبضه، والبيع على غير البائع ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق، كتاب البيوع، باب السلعة يسلفها في دينار، هل يأخذ غير الدينار؟ (8/ 16) (ح 14120)، واللفظ له، وابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية، من كره إذا أسلم السلم ان يصرفه في غيره (11/ 32) (ح 21243). (¬2) ينظر: البحر المحيط 5/ 152، شرح الكوكب المنير 4/ 82. (¬3) رواه عبد الرزاق، كتاب البيوع، باب الرجل يسلف في الشيء هل يأخذ غيره؟ (8/ 14) (ح 14106)، وابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية، من كره إذا أسلم السلم أن يصرفه في غيره (11/ 32) (ح 21245)، والبيهقي، كتاب البيوع، باب من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره (6/ 30 - 31) قال ابن حجر: (بإسناد جيد) الدراية 2/ 160، وجاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عند ابن أبي شيبة في الموضع نفسه. (¬4) ص 73 (¬5) التمهيد 16/ 533، وينظر سياق كلامه، وقد سبق عزو هذا القول لبعض التابعين.

هو المقصود عند إطلاق بيع المبيع قبل قبضه، وفي المسألة أقوال كثيرة (¬1)، أشهرها ما يلي: القول الأول: لا يصح ولا يجوز بيع المبيع قبل قبضه إلا العقار، وهو مذهب الحنفية (¬2). القول الثاني: صحة وجواز بيع المبيع قبل قبضه إلا في الطعام -لأنه محل إجماع في الجملة-، وهو مذهب المالكية (¬3)، والأوزاعي في قولٍ (¬4)، وأبي ثور وابن المنذر (¬5). القول الثالث: لا يصح ولا يجوز بيع المبيع قبل قبضه مطلقًا، وهو قول ابن عباس (¬6) وجابر (¬7) - رضي الله عنهم -. ¬

_ (¬1) سبقت الإشارة لقولٍ شاذٍّ بالجواز مطلقًا. (¬2) المبسوط 13/ 10 - 11، بدائع الصنائع 5/ 296 - 298، تبيين الحقائق 4/ 79، البحر الرائق 6/ 193 - 194، حاشية ابن عابدين 7/ 383. (¬3) الموطأ (2/ 169 رواية يحيى) قال مالك رحمه الله: (الأمر المجتمع عليه عندنا الذي لا اختلاف فيه أنه من اشترى طعامًا ... فإن المبتاع لا يبيع شيئًا من ذلك حتى يقبضه ويستوفيه)، التمهيد 16/ 521،531، شرح الخرشي 5/ 163، الفواكه الدواني 2/ 120، وهذا يعم المأكولات والمشروبات، وفي رواية عن مالك استثناء الماء. التمهيد 16/ 521، 531، الفواكه الدواني 2/ 120. (¬4) التمهيد 16/ 521 - 522. (¬5) الإشراف 6/ 51. (¬6) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الطعام قبل أن يُقبض وبيع ما ليس عندك (3/ 68) (ح 2135)، ومسلم، كتاب البيوع (5/ 7) (ح 3836). (¬7) رواه عبد الرزاق، كتاب البيوع، باب الرجل يشري الشيء مما لا يكال ولا يوزن هل يبيعه قبل أن يقبضه؟ (8/ 44) (ح 14235) من رواية أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -، وأحاديث أبي الزبير عن جابر صحيحة حيث وُجدت سواء صرَّح بالسماع والتحديث أو لم يصرِّح حتى يثبت أنه دلّسه عن غير مقبول، وقال عنه في "مراتب المدلسين": (مشهور بالتدليس) والصحيح قوله في "التقريب": (صدوق إلا أنه يدلس)، والمنهج الراجح في التعامل مع أحاديث المدلسين: أن المدلس إذا لم يكن محتجًا به لم يقبل حديثه؛ لضعفه وتدليسه، وإذا كان محتجا به، كقتادة والأعمش، فإلم يكن مكثرًا من تدليس الإسناد -بمعنى الإرسال وإسقاط الرواة- فإن حديثه عمن عُرف بالرواية عنه مقبول محمول على الاتصال، ولو لم يصرِّح بالسماع، إلا في ما دلَّسه فعلًا، فيرد ولو صرَّح فيه بالسماع، ويعرف تدليسه بالفعل بالاعتبار -جمع الطرق وسبرها- أو نصِّ أهل الشأن، وإنما ينظر في الصيغة والتصريح بالسماع: 1.إذا كان مكثرًا من التدليس 2.لمعرفة ثبوت اللقي بمن يروي عنه، وهذا الثاني يشمل جميع الرواة، والراجح اشتراطه وعدم الاكتفاء بالمعاصرة وإمكان اللقي خلافًا لمسلم، وهو مذهب الجمهور والمحققين، منهم الشافعي وأحمد وابن المديني والبخاري وأبو حاتم وأبو زرعة وحكاه ابن عبد البر عن العلماء، واختاره ابن الصلاح والنووي والذهبي وابن حجر ينظر: شرح علل الترمذي 1/ 365 - 377، صيانة صحيح مسلم ص 61 سير أعلام النبلاء 12/ 573، والمنهج المذكور في أحاديث المدلسين هو مذهب أهل هذه الصنعة كابن المديني وابن معين، فقد سألهما يعقوب بن شيبة السدوسي: أفيكون المدلس حجة في ما روى أو حتى يقول حدثنا وأخبرنا؟ قال ابن معين: (لا يكون حجة في ما دلس) وقال ابن المديني: (إذا كان الغالب عليه التدليس فلا، حتى يقول حدثنا) الكفاية ص 400، وقال أحمد عن هشيم: (ثقة إذا لم يدلس) بحر الدم ص 441 ولم يقل إذا لم يعنعن، وقال مسلم في مقدمة صحيحه (1/ 26): (وإنما كان تفقُّد من تفقد منهم سماع رواة الحديث ممن روى عنهم إذا كان الراوي ممن عرف بالتدليس في الحديث وشهر به فحينئذ يبحثون عن سماعه في روايته ويتفقدون ذلك منه كي تنزاح عنهم علة التدليس) وهو قول عبد الله بن الزبير الحميدي وابن حزم وغيرهم. الكفاية ص 412، الإحكام 1/ 136 وإن كان ابن حزم وافق في التأصيل وخالف في التفريع، وأدلة ترجيحه تُذكر في موطنها. أما أبو الزبير فالأدلة على قبول ما رواه عن جابر بالعنعنة كثيرة، ألخص أهمها: 1.أنه معروف بالرواية عنه بل جاء في الجامع للخطيب البغدادي (1/ 238،233) عن أبي الزبير قوله: (كان عطاء يقدمني إلى جابر أحفظ لهم الحديث) وعن عطاء قوله: (كنا نكون عند جابر بن عبد الله فيحدثنا، فإذا خرجنا من عنده تذاكرنا حديثه. قال: فكان أبو الزبير أحفظنا للحديث) ورواه الدارمي (ح 639)، فينبغي أن يكون حديثه عن جابر أصح حديثه. 2.أنه لم يصفه بالتدليس إلا النسائي وصفًا مجملًا، وقد ترجم له البخاري ومسلم وابن معين والعجلي وابن سعد وابن أبي حاتم والعقيلي والدولابي وابن حبان وابن عدي، ومنهم من هو قبل النسائي ومنهم من هو بعده، ولم يصفوه بالتدليس مطلقًا، وكان شعبة يقول: (لا يحسن يصلي) (رأيته يزن ويسترجح في الميزان) تهذيب الكمال 26/ 407، ولو علمه مدلسًا لما سكت عن ذلك، مع كونه لا يستحل السكوت عمن علم فيهم ضعفًا ومع قوله: (لأن أسقط من السماء أحب إلي من أن أدلس) الكفاية ص 393، ورد على شعبة جمع منهم ابن حبان في "الثقات" وابن عبد البر في "الاستغناء" والذهبي-كما سيأتي-، وكل من قدح في أبي الزبير غير النسائي لم يذكر فيه تدليسًا غير المتأخرين، بل قال أبو عبد الله الحاكم: (معرفة الأحاديث المعنعنة وليس فيها تدليس، وهي متصلة بإجماع أئمة النقل على تورع رواتها عن أنواع التدليس، مثال ذلك) ثم أسند حديثًا مرفوعًا من رواية غير الليث عن أبي الزبير عن جابر وقال: (هذا حديث رواته بصريون ثم مدنيون ومكيون وليس من مذاهبهم التدليس، فسواء عندنا ذكروا سماعهم أولم يذكروه، وإنما جعلته مثالًا لألوفٍ مثله) معرفة علوم الحديث ص 188 - 190، وذكره الذهبي في "ذكر أسماء من تُكلم فيه وهو موثوق" وقال: (تكلم فيه شعبة، وقيل: يدلس) (ص 170) وهذا من دقته (ومن دقته تعليقه في السير عن عنعنة أبي الزبير 5/ 383). 3.أن النسائي نفسه روى له في سننه الصغرى 89 حديثًا بالعنعنة ونحوها عن جابر - رضي الله عنه - من أصل 102 حديثًا رواها عنه، وهو مشهور بشدة شرطه وببيان علل الحديث، ولم يُعلَّ منها حديثًا. 4.رواية مسلم لأبي الزبير عن جابر ما صرَّح فيه بالتحديث وما لم يصرِّح اعتمادًا واعتضادًا دون تفريق، حتى بلغ عدده 191 حديثًا، مع اشتراطه الصحة، ولم يكن ذلك محل استشكال عند المتقدمين -غير ابن حبان في مقدمة صحيحه-؛ لذلك صحح الترمذي وابن خزيمة وغيرهم هذه السلسلة، وإنما استشكلها من جاء بعدهم فقالوا: إنها ثبتت من طرق أخرى بالسماع، وهذه كما قال ابن المرحل: (دعوى لا دليل عليها) ونحو ذلك لابن دقيق العيد. النكت على ابن الصلاح 2/ 635. 5.أن الدارقطني لم يستدرك في ما استدركه على مسلم حديثًا واحدًا من هذا الطريق بل قال: (وبقي على مسلم من تراجم أبي الزبير حديث كثير) التتبع ص 370، وقد جاء الأثر المذكور مصرحًا فيه بالسماع عند عبد الرزاق (8/ 43) (ح 14229).

والشعبي وعطاء (¬1) وزفر (¬2) والثوري (¬3) ومحمد بن الحسن (¬4) وابن حبان (¬5)، وهو مذهب الشافعية (¬6)، ورواية عن أحمد (¬7)، ¬

_ (¬1) رواه عنهما ابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية، من قال إذا ابتعت بيعًا فلا تبعه حتى تقبضه (11/ 151 - 152) (ح 21748،21750). (¬2) بدائع الصنائع 5/ 298. (¬3) التمهيد 16/ 526. (¬4) الموطأ برواية محمد بن الحسن ص 270، تبيين الحقائق 4/ 79، البحر الرائق 6/ 193 - 194. (¬5) صحيحه 11/ 360،358. (¬6) الأم 3/ 69 - 70، المجموع 10/ 405، المنهاج مع نهاية المحتاج 4/ 45 - 46، حاشيتا قليوبي وعميرة 2/ 211. (¬7) المغني 6/ 189، قال في "مجموع الفتاوى" 29/ 506: (وهي رواية ضعيفة عن أحمد).

واختارها ابن عقيل (¬1)، وهو قول ابن حزم (¬2) وابن العربي (¬3) وابن تيمية (¬4) وابن قيم الجوزية (¬5). القول الرابع: لا يجوز ولا يصح بيع المبيع قبل قبضه إذا كان مكيلًا أو موزونًا، وهو قول عثمان - رضي الله عنه - والنخعي وسعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين، وعطاء في قولٍ، والحكم وحماد ابن أبي سليمان (¬6)، والأوزاعي في قولٍ (¬7)، وإسحاق (¬8)، وهو مذهب الحنابلة، وزادوا المذروع والمعدود (ضابطه عند الحنابلة ما بيع بتقديرٍ: كيل أو وزن أو عدٍّ أو ذرع) (¬9). الأدلة: دليل القول الأول: استدلوا على المنع في المنقول -غير العقار- بما سبق من أدلة، واستدلوا للجواز في العقار بأن الأصل في ركن البيع إذا صدر عن الأهل في المحل الصحة، والمنع لعارض الغرر، وهو غرر انفساخ العقد بهلاك المعقود عليه، ولا يُتوهم هلاك العقار، فلا يتقرر الغرر، فبقي بيعه على حكم الأصل، وهو الجواز (¬10). المناقشة: أن المنع لما في ذلك من ربح ما لم يضمن، ومن استياء البائع إذا رأى الربح في سلعته يؤول لغيره (¬11)، وهذا موجود في العقار. أدلة القول الثاني: الدليل الأول: أن النصوص والإجماع محلهما الطعام، فدل على أن ما عدا الطعام يجوز بيعه قبل قبضه. المناقشة: ¬

_ (¬1) المغني 6/ 189، تقرير القواعد 1/ 376. (¬2) المحلى 8/ 518، وعزاه لعمر - رضي الله عنه - 8/ 520. (¬3) القبس 16/ 519. (¬4) الأخبار العلمية (الاختيارات) ص 187. (¬5) تهذيب السنن 5/ 132. (¬6) رواه عنهم إلا الحسن: ابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية، في بيع ما لا يكال ولا يوزن قبل أن يقبض (11/ 463 - 465) (ح 22919 - 22927)، ورواه عن الحسن وغيره ممن ذُكر عبد الرزاق، كتاب البيوع، باب الرجل يشري الشيء مما يكال ويوزن هل يبيعه قبل أن يقبضه؟ (8/ 43 - 44) (ح 14230 - 14236). (¬7) الإشراف 6/ 51، معالم السنن 5/ 133. (¬8) الإشراف 6/ 51، المغني 6/ 181. (¬9) المغني 6/ 181 - 182، الإقناع 2/ 234 - 235، شرح منتهى الإرادات 3/ 320 - 321، الروض المربع 6/ 185 - 187 (¬10) بدائع الصنائع 5/ 298، العناية 5/ 266. (¬11) مجموع الفتاوى 29/ 508 - 513،511، تهذيب السنن 5/ 136 - 137.

1. أن هذا من الاستدلال بمفهوم اللقب، وهو ضعيف (¬1)، أو بالبراءة الأصلية في المسكوت عنه، وقد ذكر المخالف أدلةً ترفع حكم البراءة الأصلية. 2. أنه إذا نهي عن بيع الطعام قبل قبضه مع كثرة الحاجة إليه وعمومها، فغير الطعام بطريق الأولى، وهذا من مفهوم الموافقة الأولوي، وهو أقوى من مفهوم اللقب (¬2). 3. أن تخصيص الطعام بالذكر في هذه الأحاديث مع وجود الأحاديث العامة من باب ذكر فردٍ من أفراد العام بما يوافق حكم العام، وذلك لا يقتضي التخصيص. 4. أن ذكر الطعام خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له؛ لأن غالب التجارة حينئذ بالمدينة كانت فيه، فليس المراد تخصيص الحكم به (¬3). الدليل الثاني: القياس على العتق، فقد أجمعوا على أنه لو اشترى مملوكًا فأعتقه قبل أن يقبضه أن ذلك جائز (¬4)، وذلك أن السلعة ليست من الطعام فكذلك البيع، ويدل عليه كون الملك للمشتري بمجرد العقد وقبل القبض في غير الطعام. المناقشة: 1. تشوف الشارع إلى العتق يقتضي ذلك، ولا يوجد مثل هذا المعنى في البيع (¬5). 2. أن الشارع جعل للعتق من القوة والسراية والنفوذ ما لم يجعل لغيره (¬6). 3. أن البيع من المعاوضات التي من شأنها الربح، فيقع بذلك في ربح ما لم يضمن، وفي إضرار البائع الأول، وليس كذلك العتق. أدلة القول الثالث: الدليل الأول: عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: ابتعت زيتًا في السوق فلما استوجبته لقيني رجل فأعطاني به ربحًا حسنًا فأردت أن أضرب على يده فأخذ رجل من خلفي بذراعي فالتفت فإذا زيد بن ثابت فقال: لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تباع ¬

_ (¬1) التحبير شرح التحرير 6/ 2945، ومفهوم اللقب من أنواع مفهوم المخالفة (دليل الخطاب)، فالطعام لقب، قال ابن قدامة –كما في التحبير-: (ولو كان مشتقًّا، كالطعام)، ومعنى مفهوم المخالفة: المعنى المستفاد من حيث السكوت اللازم للفظ، المخالف لحكمه. شرح الكوكب المنير 3/ 489،473، وينظر الإحكام للآمدي 3/ 83 - 84، 89. (¬2) تهذيب السنن 5/ 133، وينظر في مفهوم الموافقة المراجع السابقة. (¬3) تهذيب السنن 5/ 133، وينظر ما بعدها. (¬4) الإشراف 6/ 51 - 52. (¬5) فتح الباري 5/ 598. (¬6) تهذيب السنن 5/ 134.

السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم (1). وجه الدلالة: أن السلع تشمل المطعوم والمكيل والموزون والعقار والمنقول وغيرها، وقد نهي عن بيعها بنص الحديث قبل الحيازة. المناقشة: 1. أن ابن عمر -رضي الله عنهما- ممن روى أحاديث الباب فكيف يخفى عليه الحكم، فلا يخلو إما أنه خاص بالطعام؛ لأن المبيع كان زيتًا لذلك رواه ابن عمر بلفظ الطعام وإما أن الحديث ضعيف. الجواب: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والسبب هنا سبب الرواية لا سبب الورود، أي سبب إيراد راوي الحديث واستشهاده به لا سبب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - له، واللفظ الذي نقله زيد س عام، والصحابي قد ينسى فإذا ذُكِّر تذكّر. 2. تخصيص «السلع» بالطعام لما في الأحاديث الأخرى، وهي أصح. الجواب: نفي التعارض الداعي للترجيح بالأصحية، أو للجمع بالتخصيص، فإنه -كما سبق- ذكر فردٍ من أفراد العام بما يوافق حكم العام لا يقتضي التخصيص. الدليل الثاني: عن حكيم بن حزام - رضي الله عنهما - قال: قلت: يا رسول الله، إني أشتري بيوعًا فما يحل لي منها وما يحرم عليَّ؟ قال: «فإذا اشتريت بيعًا فلا تبعه حتى تقبضه» (2). ¬

_ (¬1) رواه أبو داود، كتاب البيوع، باب في بيع الطعام قبل أن يستوفى (5/ 358) (ح 3499)، والدارقطني، كتاب البيوع (2/ 580) (ح 2794)، والحاكم، كتاب البيوع (2/ 40)، والبيهقي، كتاب البيوع، باب قبض ما ابتاعه جزافًا بالنقل والتحويل (5/ 314)، وبنحوه رواه أحمد (35/ 522) (ح 21668)، وابن حبان، كتاب البيوع، ذكر الخبر المصرح أن حكم الطعام وغيره من الأشياء المبيعة فيه سواء (11/ 360) (ح 4984)، والدارقطني، كتاب البيوع (2/ 580) (ح 2792 - 2793)، صححه ابن حبان والحاكم والنووي، وقال ابن عبد الهادي: (إسناده جيد)، وقد أعله ابن حزم بجهالة أحمد بن خالد الوهبي، راويه عن ابن إسحاق، وجوابه من وجهين: أن أحمد قد وثقه ابن معين وغيره، وقد توبع، تابعه إبراهيم بن سعد الزهري، كما عند أحمد وابن حبان. وأعل بعنعنة ابن إسحاق، وجوابه من أوجه: أولًا أنه صرَّح بالسماع عند أحمد وابن حبان، ثانيًا أنه متابع، تابعه جرير بن حازم وغيره، كما عند الدارقطني، ثالثًا لو لم يفرض شيء من ذلك فالعنعنة بذاتها لا تقتضي تضعيف حديث ابن إسحاق حتى ينفرد بما يستنكر، والأصل أن حديثه حسن، ينظر سير أعلام النبلاء (7/ 48،41)، وأعله بعض المشايخ من المعاصرين بأن عبيد بن حنين لم يسمع من عبد الله بن عمر، ولم يعزه إلى أحد، ولم أجد من ذكر ذلك غيره. المحلى 8/ 524، المجموع 10/ 420، تنقيح التحقيق 4/ 56. (¬2) رواه عبد الرزاق، كتاب البيوع، باب النهي عن بيع الطعام حتى يستوفى (4/ 39) (ح 14214)، وأحمد (24/ 32) (ح 15316)، وابن الجارود (ح 602 المنتقى مع غوث المكدود)، وابن حبان، كتاب البيوع، ذكر الخبر الدال على أن كل شيء بيع سوى الطعام حكمه حكم الطعام (11/ 358) (ح 4983)، والدارقطني، كتاب البيوع (2/ 576) (ح 2783)، والبيهقي، كتاب البيوع، باب النهي عن بيع ما لم يقبض وإن كان غير طعام (5/ 313)، فيه عبد الله بن عصمة الجشمي، قال عنه ابن حزم: (متروك) وقال عبد الحق الإشبيلي: (ضعيف جدًا) وضعفه ابن القطان، ولكن قال ابن عبد الهادي: (وكلاهما مخطئ في ذلك، وقد اشتبه عبد الله بن عصمة هذا بالنصيبي أو غيره ممن يسمى عبد الله بن عصمة، والله أعلم) وقال ابن حجر: (وهو جرح مردود، فقد روى عنه ثلاثة واحتج به النسائي) والحديث قال عنه البيهقي: (إسناد حسن متصل) واستدركه ابن التركماني بما سبق عن عبد الحق ومن معه، وتقدم ما فيه، كما حسنه النووي، واحتج به ابن حزم، فقد أجاب عن علله، ومن منهجه ألا يحتج إلا بالحديث الصحيح عنده، وقال ابن عبد البر: (وهذا الإسناد وإن كان فيه مقال ففيه لهذا المذهب استظهار). التمهيد 16/ 528، المحلى 8/ 524،519، المجموع 10/ 420، بيان الوهم والإيهام 2/ 323، تنقيح التحقيق 4/ 55، التلخيص الحبير 4/ 1728، الجوهر النقي 5/ 313، نصب الراية 4/ 32، وينظر في عبد الله بن عصمة النصيبي: الكامل 5/ 352.

وجه الدلالة: أن (بيعًا) نكرة في سياق النهي فيعم كل بيع. الدليل الثالث: عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعتاب بن أسيد: «إني قد بعثتك إلى أهل الله وأهل مكة فانههم أن يبيعوا ما لم يقبضوا» (¬1). الدليل الرابع: ما ثبت من النهي عن بيع ما لم يُضمن، وسيأتي ذكره وتخريجه -إن شاء الله- (¬2)، وما لم يقبضه المشتري فهو من ضمان البائع (¬3)، إلا إذا مكّنه من القبض وفرَّط المشتري في ذلك، وما لم يدخل في ضمان المشتري فليس له أن يربح فيه، والبيع مظنة الربح. الدليل الخامس: قال ابن عبد البر في "التمهيد": (ومن حجة من ذهب هذا المذهب أن عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله رويا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من اشترى طعامًا فلا يبعه حتى يقبضه» وأفتيا جميعًا ألا يباع بيعٌ حتى يقبض، وقال ابن عباس: (كل شيء عندي مثل الطعام) فدلَّ على أنهما فهما من النبي - صلى الله عليه وسلم - المراد والمعنى) (¬4). المناقشة: أن عثمان - رضي الله عنه - خالفهما في هذا الفهم. الجواب: أنه - رضي الله عنه - لم يرو النهي مرفوعًا، وقول ابن عباس وجابر - رضي الله عنهم - قرينة على صحة فهم العموم، وليس حجةً على غيرهما من الصحابة. أدلة القول الرابع: الدليل الأول: عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يبيع أحدٌ طعامًا اشتراه بكيل حتى يستوفيه (¬5)، وفي رواية: قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من اشترى طعامًا بكيل أو وزن فلا يبيعه حتى ¬

_ (¬1) رواه البيهقي، كتاب البيوع، باب النهي عن بيع ما لم يقبض وإن كان غير طعام (5/ 313) وقال: (تفرد به يحيى بن صالح الأيلي، وهو منكر بهذا الإسناد). (¬2) ص 57. (¬3) التمهيد 16/ 528، ومراده ببيع ما لم يضمن أي الربح في ما لم يضمن. (¬4) المرجع السابق. (¬5) رواه أبو داود، كتاب البيوع، باب في بيع الطعام قبل أن يستوفى (5/ 356) (ح 3495)، والنسائي، كتاب البيوع، النهي عن بيع ما اشترى من الطعام بكيل حتى يستوفى (7/ 286) (ح 4604)، وفيه المنذر بن عبيد المديني، قال عنه ابن القطان: (مجهول الحال) وقال الذهبي: (وُثق) وقال ابن حجر: (مقبول). تقريب التهذيب مع الكاشف (رقم 6889 وينظر أصله).

يقبضه» (¬1). وجه الدلالة: أن مفهوم الحديث أن من ابتاع الطعام بغير الكيل أو الوزن فإنه لا يشترط قبضه. المناقشة: أننا نقول بهذا الحديث وبما استدللنا به من أدلة، وإعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما، مع كون أحاديث المنع المطلق من هذا القيد أصح من هذا الحديث وأكثر، وهذه الزيادة يمكن حملها على الغالب والمعتاد، فلا يكون إعمال مفهوم المخالفة فيها صحيحًا، بدليل فهم ابن عباس وجابر - رضي الله عنهم - وأغلب التابعين والفقهاء. الدليل الثاني: عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: (ما أدركت الصفقة حيًّا مجموعًا فهو من مال المبتاع) (¬2). وجه الدلالة: أن معنى الأثر أن ما وقع عليه العقد وهو لم يتغير عن حالته فهو من ضمان المشتري، وعليه فتملُّكه له حصل قبل قبضه، فجاز له بيعه. المناقشة: 1. أن هذا يدل على عدم اشتراط القبض مطلقًا، والمستدل يشترطه في المكيل والموزون. 2. أن دخول المبيع في ملك المشتري لا يلزم منه جواز بيعه له قبل القبض؛ لذا سبق ذكر الإجماع على جواز عتق المملوك المشترى قبل قبضه. 3. أنه لو تلف لكان من ضمان البائع عند المستدل (¬3)، وهذا ترك لظاهر الأثر مع الاستدلال به في غير محله. كما أنه لا ملازمة بين جواز التصرف والضمان (¬4). الدليل الثالث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى من جابر - رضي الله عنه - جمله ووهبه له قبل القبض (¬5). ¬

_ (¬1) رواه أحمد (10/ 139) (ح 5900)، وفيه ابن لهيعة، والراجح ضعفه مطلقًا، لكنه يعتبر به، وهوقول أحمد وابن معين وأبي زرعة وأبي حاتم والقطان والجوزجاني وابن حبان والنسائي وغيرهم، تهذيب الكمال 15/ 487. و (لا) نافية بمعنى النهي. (¬2) رواه البخاري تعليقًا بلفظ: (من المبتاع)، كتاب البيوع، باب إذا اشترى متاعًا أو دابة فوضعه عند البائع أو مات قبل أن يقبض (3/ 69)، ووصله الدارقطني، كتاب البيوع (2/ 652) (ح 2973). (¬3) المراد الحنابلة: المغني 6/ 184،181، الروض المربع 6/ 189، وينظر فتح الباري 5/ 602. (¬4) مجموع الفتاوى 30/ 276. (¬5) حديث جمل جابر - رضي الله عنه - رواه البخاري في مواضع، منها: كتاب البيوع، باب شراء الدواب والحمير (3/ 62) (ح 2097)، ومسلم، كتاب الرضاع (4/ 177) (ح 3641)، وتأتي بعض ألفاظه.

وجه الدلالة: أن الجمل ليس موزونًا ولا مكيلًا؛ لذا جاز التصرف فيه قبل القبض. المناقشة: 1. عدم التسليم بأن هذا التصرف كان قبل القبض، فقد استلم جابر الثمن وقال: (فانطلقتُ حتى ولَّيتُ) وفي رواية: (فجعل -يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - يطيف بالجمل ويقول: «الجمل جملنا») ثم وفاه الثمن (¬1). 2. أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبع ما اشتراه بل وهبه، وإنما النهي عن بيع ما لم يقبض. الترجيح الراجح أنه لا يصح ولا يجوز بيع المبيع قبل قبضه مطلقًا. أسباب الترجيح: 1 - ما تقدم من أدلة ومناقشات. 2 - أن حديث ابن عمر مع زيد - رضي الله عنهم - يتقوى بحديث حكيم بن حزام - رضي الله عنه - وبعموم النهي عن ربح ما لم يضمن، فيترجح الأخذ بدلالتهما. 3 - أن إعمال كل الأدلة أولى من إهمال بعضها، وبهذا القول يتحقق ذلك. 4 - أن الخروج من الخلاف في هذه المسألة يحصل بهذا القول، وهو من الخلاف المعتبر، فالبائع بعد القبض مسلَّم بصحة بيعه، والبائع بعد القبض معرَّض بيعه للبطلان على قول، ولا أحد يوجب عليه البيع قبل القبض ولا يستحبه. تنبيهات: الأول: المرجع في تحديد القبض إلى العرف، فقبض كل شيء بحسبه عند الجمهور (¬2)، وعند أبي حنيفة بالتخلية (¬3). ¬

_ (¬1) ينظر ما رواه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من ضرب دابة غيره في الغزو (4/ 30) (ح 2861). (¬2) المجموع 10/ 425، المغني 6/ 186 - 188، فائدة: قال القرافي: (العوائد لا يجب الاشتراك فيها بين البلاد خصوصًا البعيدة الأقطار، ويكون المفتي في كل زمان يتباعد عما قبله يتفقد العرف، هل هو باقٍ أم لا؟ فإن وجده باقيًا أفتى به وإلا توقف عن الفتيا، وهذه هي القاعدة في جميع الأحكام المبنية على العوائد ... فتأمل ذلك، فقد غفل عنه كثير من الفقهاء، ووجدوا الأئمة الأُوَل قد أفتوا بفتاوى بناءً على عوائد لهم، وسطروها في كتبهم بناء على عوائدهم، ثم المتأخرون وجدوا تلك الفتاوى فأفتوا بها وقد زالت تلك العوائد فكانوا مخطئين خارقين للإجماع، فإن الفتيا بالحكم المبني على مدرك بعد زوال مدركه خلاف الإجماع) الفروق 3/ 958، الفرق 161، وينظر نهاية المطلب 11/ 388، وقريبٌ من هذا قاعدةُ الفتوى التي نبَّه الأستاذ ابن لُب عليها الشاطبيَّ كما في "الإفادات والإنشادات" ص 152 - 154. (¬3) بدائع الصنائع 5/ 394 - 395، وعليه فالفرق بين قول الحنفية والشافعية في بيع المبيع قبل قبضه يسير؛ لأنه محصور في العقار، وقبض العقار عند الجميع بالتخلية والتمكين، وهو مشترط عند الجمهور.

فعلى القول الأول -وهو قول الجمهور- فالقيد المصرفي قبض للمبلغ المقيَّد، وقبض السلع البحرية بقبض بوليصة الشحن، وقبض الأسهم بدخولها في المحفظة، وقبض المعادن الدَّولية بقبض شهادات التعيين، وقبض السيارة إما أن يكون قبضًا تامًّا حقيقيًّا بإخرجها من مكانها إلى حوزة المشتري، وإما أن يكون قبضًا حكميًا بأحد هذه الأمور: 1: قبض استمارتها أو قبض عقد بيعها أو نقل ملكيتها، ولو بقيت في مكانها. 2: استلام البطاقة الجمركية الأصلية. 3: التعيين التام بإرسال مندوب أو نحوه من طرف المشتري مع امتناع المالك الأول بعد التعيين من التصرف فيها ولو كانت بحوزته حسًّا. الثاني: الشراء والبيع الموازي للعملات: إجراء عمليات مؤقتة بين عملتين في السوق الحاضرة أو إجراء عمليات متزامنة في الوقت نفسه في السوق الآجلة لبيع العملة التي سبق شراؤها بسعر يتفق عليه حاضرا، أو شراء العملة التي سبق بيعها في السوق الحاضرة مع تحديد السعر للعملة العاجلة وفقا للسعر النقدي السائد، وللآجلة وفقا لسعر الفائدة بين العملتين، وهو غير جائز؛ لأنه لا يخلو من أمور: عدم التقابض بين العملتين، وهو شرط في صحة بيع وشراء العملات؛ لاتفاقها في علة الربا، أو المواعدة الملزمة بين طرفي عقد الصرف (¬1). الثالث: بيع المشتري المبيع بثمن حالٍّ، وقد كان اشتراه بثمن مؤجل: يأتي في مبحث مستقل -بإذن الله-، وهو تورق المتورق (¬2). ¬

_ (¬1) المعايير الشرعية، معيار المتاجرة في العملات ص 13،6، البند 2/ 9. (¬2) ص 163.

المبحث الثاني: الإجارة على الإجارة

المبحث الثاني: الإجارة على الإجارة، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: تعريف الإجارة وحكمها. تعريف الإجارة الإجارة لغة: من أجر أجرًا وآجر، والاسم الإجارة والإيجار والمؤاجرة، والأجر هو الجزاء على العمل (¬1). تعريف الإجارة اصطلاحًا: 1 - عند الحنفية: عقد على المنافع بعوض (¬2). 2 - عند المالكية: بيع المنافع (¬3)، وقال ابن عرفة: بيع منفعة ما أمكن نقله غير سفينة ولا حيوان لا يعقل بعوض غير ناشئ عنها بعضه يتبعض بتبعيضها (¬4). 3 - عند الشافعية: تمليك منفعة بعوض بشروط (¬5). 4 - عند الحنابلة: عقد على منفعة مباحة معلومة من عين معينة أو موصوفة في الذمة مدة معلومة أو عملٍ معلوم بعوض معلوم (¬6). وهذه تعاريف -من حيث حقيقتُها، بغض النظر عما ذكر فيها من شروط- متقاربة مبنية على أن الإجارة عقد على المنافع فقط. 5 - التعريف الراجح: عقد على كل ما يحدث ويتجدد مع بقاء العين، سواءً كان عينًا أو منفعة مباحة معلومة من عين معينة أو موصوفة في الذمة -مع تأقيت معلوم- أو عملٍ بعوض معلوم (¬7). حكم الإجارة الإجارة جائزة بالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله - سبحانه وتعالى -: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ ¬

_ (¬1) مقاييس اللغة، مادة أجر 1/ 62، تهذيب اللغة، مادة أجر 1/ 23، المحكم والمحيط الأعظم، مادة أجر 7/ 484، المطلع ص 316, المصباح المنير، مادة أجر ص 16. (¬2) خلاصة الدلائل في تنقيح المسائل 1/ 430. (¬3) الذخيرة 5/ 371. (¬4) مواهب الجليل 7/ 493، الفواكه الدواني 2/ 170، وهو القائل: (ما يشق علي فهم شيء ما يشق من كلام عياض في الإكمال) نقله عنه تلميذه الأُبيّ. كشف الظنون 1/ 557 - 558. (¬5) نهاية المحتاج 5/ 187. (¬6) الروض المربع 7/ 80 - 81. (¬7) مجموع الفتاوى 30/ 198،230، زاد المعاد 5/ 731، الروض المربع 7/ 80، الموسوعة الكويتية 1/ 252 مادة أجر، والتعريف المذكور مستفاد من هذه المراجع.

المطلب الثاني: حكم إجارة المؤجر العين المؤجرة وإجارة الأجير من يقوم بالعمل المطلوب منه في عقد الإجارة

فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} الطلاق: (6)، وقوله - عز وجل -: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)} القصص: (26)، وأما السنة فأحاديث عديدة من أصرحها ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قال الله - عز وجل -: «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة -ذكر منهم-: رجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يوفه أجره» (¬1)، وأجمع المسلمون على جوازها في الجملة، واعتراض عبد الرحمن بن الأصم المعتزلي وغلامه إبراهيم بن عُلية الجهمي لا أثر له في الخلاف؛ لأنه غير معتدٍ بهما، وكذلك القاساني الظاهري؛ لأنه وإياهم مسبوقون بإجماع مُنعقد (¬2). المطلب الثاني: حكم إجارة المؤجِر العين المؤجرة وإجارة الأجير من يقوم بالعمل المطلوب منه في عقد الإجارة، وفيه فرعان: الفرع الأول: إجارة المؤجِر العين المؤجَرة. صورة المسألة: إذا أجر إنسان عينًا من الأعيان كعقارٍ فهل يجوز له أن يؤجرها لغير المستأجر الأول في نفس مدة الإجارة، سواءٌ مضى من مدة الإجارة الأولى زمنٌ أو لم يمضِ، وسواءٌ قصد المستأجر الثاني الانتفاع أم استيفاء الأجرة من الأول؟ الحكم: أولًا: الحكم التكليفي: فيه قولان: القول الأول: لا يجوز ذلك، وهو مذهب الحنابلة (¬3)، حيث نصوا على أن المنفعة تنتقل للمستأجر بالإجارة ولا يملك المؤجر التصرف فيها (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب إثم من باع حرًا (3/ 82) (ح 2227). (¬2) الإشراف لابن المنذر 6/ 286، الإشراف للقاضي عبد الوهاب البغدادي ص 260 مسألة 590 مع الإتحاف، المغني 8/ 6، نهاية المطلب 8/ 65 المجموع 16/ 191، وينظر: المحلى 8/ 182، مراتب الإجماع ص 105، وقال أهل السنة: لا يعتبر في الإجماع وفاق القدرية والخوارج والرافضة. شرح الكوكب المنير 2/ 227، والمعتزلة من القدرية. (¬3) المغني 8/ 25، شرح الزركشي 4/ 228، والفصل بين الحكمين التكليفي والوضعي خاص بهذه المسألة؛ لأن الأقوال في المسألة غير متواردة، فمن ذكر الحكم التكليفي نصًّا لم يذكر الوضعي، وكذا العكس. وتسمية الحكم التكليفي بهذا الاسم لأنه الغالب والأشهر، ولابن تيمية نظر في هذه التسمية. مجموع الفتاوى 1/ 25. (¬4) وجعله بعض المشايخ المعاصرين مذهب الحنفية وقياس مذهب الشافعية في أحد القولين، وذكر أن القول الثاني قياس مذهب المالكية (اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية الفقهية 7/ 293 - 294) استنادًا لما جاء في مواهب الجليل (7/ 523): (وكل تصرف لا يبطل حق المستأجر لا يُمنع أصله)، وذكر بعض المعاصرين أن القول الأول عليه عامة الفقهاء، وهذا أوجه من السابق.

القول الثاني: يجوز، ويقوم المستأجر الثاني مقام المالك في استيفاء الأجرة من المستأجر الأول، وهو اختيار أبي العباس ابن تيمية (¬1)، وحقيقته بيع الدين على غير من هو عليه. ثانيًا: الحكم الوضعي: فيه قولان: القول الأول: أن الإجارة الثانية تكون موقوفة على إجازة المستأجر الأول، فإن أجازها جازت وإن أبطلها بطلت، وهو مذهب الحنفية (¬2) وقول الشافعي في القديم (¬3). القول الثاني: إذا أجر المؤجر العين لغير المستأجر الأول ففيه حالتان: الأولى: إن أجرها قبل تسليم العين للمستأجر الأول: فتنفسخ الإجارة الأولى (¬4). الثانية: إن أجرها بعد تسليم العين للمستأجر الأول: ففيه احتمالان عند الحنابلة: الأول: لم تنفسخ الإجارة، وعلى المستأجر جميع الأجرة، فإذا منعه بالعقد الثاني من الانتفاع فله على المالك أجرة المثل في المدة التي يؤجرها لغيره، وهو الصحيح من مذهب الحنابلة (¬5). الثاني: تنفسخ الإجارة في المدة التي عقد عليها المؤجر مع غير المستأجر (¬6). الأدلة: أدلة القول الأول في الحكم التكليفي: الدليل الأول: أن المستأجر يملك المنافع بالعقد، كما يملك المشتري المبيع بالبيع، ويزول مِلك المؤجر عنها، كما يزول مِلك البائع عن المبيع، فلا يجوز له التصرف فيها؛ لأنها صارت مملوكة لغيره، كما لا يملك البائع التصرف في المبيع (¬7). ¬

_ (¬1) الأخبار العلمية في الاختيارات الفقهية للبعلي ص 221، وفيه: (ويجوز للمُؤْجِر إجارةُ العينِ المُؤْجَرَة من غير المستأجر في مدة الإجارة، ويقوم المستأجر الثاني مقام المالك في استيفاء الأجرة من المستأجر الأول) ا. هـ، اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية للبرهان ابن قيم الجوزية ص 129 - 130، الإنصاف 14/ 359 - 360. (¬2) بدائع الصنائع 4/ 317،271، 5/ 248 - 250، حاشية ابن عابدين 7/ 318 - 319. (¬3) في نهاية المحتاج 3/ 354 أن بيع الفضولي في القديم موقوف، وقال: (وشراؤه وسائر عقوده)، المجموع 10/ 397 - 404 (¬4) قال في المغني 8/ 26 والإنصاف 14/ 436: (وجهًا واحدًا). (¬5) الإنصاف 14/ 435، كشاف القناع 9/ 115. (¬6) الاحتمالان في: المغني 8/ 25 - 26، شرح الزركشي 2/ 228، وفي "المعايير الشرعية"، معيار الإجارة، ص 137،148، البند 4/ 2/2 عدم صحة إجارة المؤجر للعين المؤجرة لمدة معينة في تلك المدة، ما دام العقد الأول قائمًا. (¬7) المغني 8/ 25، الشرح الكبير 14/ 437.

الدليل الثاني: عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يبيع بعضكم على بيع بعض» (¬1). وجه الدلالة: أن الإجارة نوعٌ من البيع عند جمهور العلماء خلافًا لابن حزم (¬2)، فلا يجوز لمن أجر عينًا أن يؤجرها لغيره؛ لأن المعنى الذي من أجله نهي عن البيع على بيع أخيه في الأعيان موجود في البيع على بيع أخيه في المنافع. الدليل الثالث: أن المشغول لا يشغل (¬3)، وهذه العين مشغولة بالعقد الأول مع المستأجر الأول فلا يجوز شغلها في نفس المدة بما ينافي ما هي مشغولة به، ومن ذلك إعادة إجارتها. الدليل الرابع: أن المستأجر الثاني لا يقصد العين ولا منفعتها؛ لأنها تحت يد غيره إن كانت مقبوضة، فلم يبق إلا قصد الأجرة، وهي دين في ذمة المستأجر الأول، وهذا من ربا النسيئة، ومع تفاوت الأجرتين يكون ربا فضل ونسيئة. المناقشة: أن هذا من بيع الدين على غير من هو عليه، وليس من الربا، وأيضًا هو لن يأخذ ممن دفع له حتى يكون من الربا، بل هو بالحوالة أشبه. الجواب: بيع ما في ذمة غيره بيعٌ لما لا يملك، والربح فيه ربحٌ لما لم يضمن. أدلة القول الثاني: الدليل الأول: أنه تصرف من المؤجر في ما استحقه على المستأجر، وهو الأجرة، قال أبو العباس ابن تيمية: (وغلط بعض الفقهاء فأفتى في نحو ذلك بفساد الإجارة الثانية ظنًا منه أن هذا كبيع المبيع، وأنه تصرفٌ في ما لا يملك، وليس كذلك بل هو تصرف في ما استحقه على المستأجر) (¬4). الدليل الثاني: قياسه على جواز تصرفه في العين بالبيع، بجامع التصرف الناقل للملك في كلٍّ من البيع والإجارة. المناقشة: أولًا: أن الأصل محل خلاف، فمحمد بن الحسن يمنع صحة البيع للعين المؤجرة في ¬

_ (¬1) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب لا يبيع على بيع أخيه (3/ 69) (ح 2139)، ومسلم، كتاب البيوع (5/ 3) (ح 3811) المتفق عليه عن ابن عمر - رضي الله عنهما - بالرفع، وورد الجزم في رواية لمسلم وفي بعض نسخ البخاري. (¬2) فتح القدير 7/ 146، مختصر المزني ص 126، المهذب مع المجموع 16/ 246، المغني 8/ 7، المحلى 8/ 183. (¬3) الأشباه والنظائر للسيوطي 1/ 334. (¬4) الأخبار العلمية في الاختيارات الفقهية ص 221.

قول (¬1). ثانيًا: أن البيع وارد على العين والإجارة على المنفعة، والمنفعة مملوكة للمستأجر الأول. الدليل الثالث: أنه تصرف لا يمنع حق المستأجر ولا يعود عليه بالضرر وفيه منفعة للمالك وللمستأجر الثاني، فجاز. المناقشة: أولًا: عدم التسليم بأنه لا يمنع حق المستأجر، فلو أراد المستأجر الثاني السكنى في العقار أو ركوب واستعمال السيارة المؤجرة لترتب عليه منع أحد المالكَين من استيفاء ملكه. ثانيًا: أن المؤجر لا يخلو إما أن يكون مالكًا للمنفعة بعد إجارتها أو غير مالك، فإن كان مالكًا فما معنى عقد الإجارة مع المستأجر الأول وما أثره؟! وإلم يكن مالكًا فكيف يؤجر ما لا يملك، والإجارة بيع للمنافع، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تبع ما ليس عندك» (¬2). أدلة الحكم الوضعي: أدلة القول الأول: الدليل الأول: عن عروة البارقي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاه دينارًا يشتري له به شاة، فاشترى له به شاتين، فباع إحداهما بدينار وجاءه بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه (¬3). وجه الدلالة: إقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - لعروة في تصرفه الذي لم ينشأ عن إذنٍ في شراء شاتين وفي بيع إحداهما، فإذا جاز اعتبار الإجازة في بيع الأعيان فكذلك في بيع المنافع، قال أبو العباس ابن تيمية: (وهذا -أي وقف العقود على الإجازة- في النكاح والبيع والإجارة وغير ذلك) ثم قال: (والقول بوقف العقود عند الحاجة متفق عليه بين الصحابة ... مع أن القول بوقف العقود مطلقًا هو الأظهر في الحجة، وهو قول الجمهور، وليس ذلك إضرارًا أصلًا) (¬4). ¬

_ (¬1) بدائع الصنائع 4/ 317. (¬2) رواه من حديث حكيم بن حزام - رضي الله عنه - أبو داود، كتاب البيوع، باب في الرجل يبيع ما ليس عنده (4/ 181) (ح 3503)، والنسائي، كتاب البيوع، باب بيع ما ليس عند البائع (7/ 289) (ح 4613)، والترمذي، أبواب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك (2/ 514) (ح 1232)، وابن ماجه، أبواب التجارات، باب النهي عن بيع ما ليس عندك (3/ 308) (ح 2187)، وأحمد (24/ 25 - 26) (ح 15311)، وله شاهد عند الخمسة من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -، وحديث حكيم قال عنه الترمذي: (حسن) وقال البيهقي: (إسناد حسن متصل). السنن 5/ 313، وصححه ابن حبان وابن حزم وابن الملقن وابن القيم والألباني. المحلى 8/ 519، زاد المعاد 5/ 716، البدر المنير 6/ 448، التلخيص الحبير 4/ 1727، إرواء الغليل 5/ 132. (¬3) رواه البخاري، كتاب المناقب، بابٌ، (4/ 207) (ح 3642) والبخاري يذكر أبوابًا دون تراجم في صحيحه أحيانًا. (¬4) مجموع الفتاوى 20/ 577 - 580، 29/ 249، إعلام الموقعين 3/ 250 - 256، الأشباه والنظائر للسبكي 1/ 238.

المناقشة: التسليم بصحة تصرف الفضولي لكن هذا ليس منه؛ لأن الفضولي يتصرف لصالح المالك، كمن يبيع سيارة شخص بغير إذنه ليكون الثمن للمالك، وهنا المؤجر تصرف لصالح نفسه في ما لا يملك، وليس لصالح المالك (المستأجر الأول). الدليل الثاني: أنه لا ضرر على المستأجر الأول مع تخييره في إمضاء الإجارة أو فسخها. أدلة القول الثاني: أولًا: دليل انفساخ الإجارة وفساد العقد الأول إذا أجرها المؤجر قبل تسليم العين: أن العاقد (المؤجر) قد أتلف المعقود عليه (المنافع) قبل تسليمه فانفسخ العقد، كما لو باع طعامًا فأتلفه قبل تسليمه (¬1). المناقشة: عدم التسليم بأن الإجارة إتلاف للمنافع، والإجارة عقد لازم لا يشترط له القبض. ثانيًا: دليل عدم انفساخ الإجارة وفساد العقد الثاني إذا أجرها بعد تسليم العين: أن المؤجر تصرف في ما ملكه المستأجر بغير إذنه، فأشبه ما لو تصرف في المبيع بعد قبض المشتري له، وقبض العين يقوم مقام قبض المنافع (¬2). المناقشة: عدم التسليم بحكم الأصل، فإذا باع إنسانٌ ملك غيره فإنه يكون موقوفًا على إجازة المالك ولا يبطل البيع؛ لما أبداه أصحاب القول الآخر من أدلة. ثالثًا: دليل انفساخ الإجارة وفساد العقد الأول إذا أجرها بعد تسليم العين: أن المستأجر لم يقبض المنافع بعد، فأشبه التصرف في العين المباعة قبل قبضها أو تلف المكيل قبل تسليمه. المناقشة: أن المنافع تحدث شيئًا فشيئًا وقبض العين بمثابة القبض الحكمي للمنافع المتجددة. منشأ الخلاف في الحكم التكليفي: يرجع الخلاف في هذه المسألة لحكم بيع الدين على غير من هو عليه بثمن حال أو مؤجل، فجمهور العلماء على تحريمه مطلقًا (¬3)، وذهب المالكية (¬4) والشافعية في الأصح عندهم (¬5) ¬

_ (¬1) المغني 8/ 26، الأشباه والنظائر للسيوطي 1/ 334. (¬2) المغني 8/ 25. (¬3) بدائع الصنائع 5/ 300، تبيين الحقائق 4/ 83، العزيز شرح الوجيز 4/ 300 - 304، الأشباه والنظائر ص 309، شرح منتهى الإرادات 3/ 316 الروض المربع 6/ 351. (¬4) التاج والإكليل 6/ 523، حاشية الدسوقي 3/ 63، ولهم شروط. (¬5) البيان 5/ 71، حاشيتا قليوبي وعميرة 2/ 215، مغني المحتاج 2/ 94.

الفرع الثاني: إجارة الأجير من يقوم بالعمل المطلوب منه في عقد الإجارة

وابن تيمية (¬1) إلى جوازه إذا كان الثمن حالًّا. الترجيح الراجح أن إجارة المؤجر غير جائزة وباطلة. سبب الترجيح: ما ذكر من الأدلة على المنع وعلى البطلان. الفرع الثاني: إجارة الأجير من يقوم بالعمل المطلوب منه في عقد الإجارة. صورة المسألة: إذا استأجر إنسانٌ أجيرًا ليقوم له بعملٍ معيَّنٍ -وهو الأجير المشترك- فهل للأجير أن يستأجر غيره ليقوم عنه بهذا العمل أو لا؟ الحكم: اختلف العلماء في ذلك على أقوال: القول الأول: جواز ذلك، إلا إذا شُرط عليه أن يعمل بنفسه فلا يجوز، فإن أطلق فله أن يستأجر من يعمل عنه، وهو مذهب الحنفية (¬2) والحنابلة (¬3) وابن حزم (¬4). القول الثاني: ليس له ذلك إلا إذا شَرَطَ هو ذلك أو جرى به العرف، وهذا تخريجٌ على قول المالكية: (لا يجوز للراعي أن يأتي براع بدله حيث كان معينًا) فإنه لا يأتي براع بدله ولو كان أجيرًا له (¬5). القول الثالث: إن كانت الإجارة على عملٍ معينٍ-مثل أن يستأجر رجلًا ليخيط له ثوبًا- فيلزمه أن يعمل بنفسه، وإن كانت الإجارة على عملٍ في الذمة-مثل أن يستأجر رجلًا ليحصِّل له خياطة ثوب- فله أن يستأجر غيره، وهو مذهب الشافعية (¬6). الأدلة: أدلة القول الأول: الدليل الأول: أن الأصل الجواز، ولم يقم دليل من نص أو إجماع أو معنى صحيح يمنع مِن إجارة الأجير مَن يقوم بعمله. الدليل الثاني: القياس على جواز الوكالة في سائر ما تدخله النيابة من العبادات والعقود ¬

_ (¬1) مجموع الفتاوى 19/ 506، الأخبار العلمية ص 193، ونص على تحريمه بثمن مؤجل خلاف ما نسبه إليه بعضهم: مجموع الفتاوى 29/ 429 - 430. (¬2) فتح القدير 7/ 163، خلاصة الدلائل 1/ 446، البحر الرائق 7/ 516. (¬3) نص على الجواز في: المغني 8/ 56 - 57، 10/ 103، كشاف القناع 9/ 73، وذكرُ الشرط في "فتح الملك العزيز" 4/ 114، و"التنقيح المشبع" ص 278. (¬4) المحلى 8/ 197. (¬5) المدونة 5/ 307، الذخيرة 5/ 440، 500، الفواكه الدواني 2/ 180. (¬6) المهذب مع تكملة المجموع 16/ 221، وينظر: نهاية المطلب 8/ 74، العزيز شرح الوجيز 6/ 143 - 144.

وغيرها. الدليل الثالث: عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «المسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا» (¬1). وجه الدلالة: أن الأصل في العقود والشروط الجواز، وإجارة الأجير غيرَه جائزة ما لم يوجد شرط يخالفها. الدليل الرابع: أنه إذا شرط أن يعمل بنفسه لم يرضَ إلا بعمله، وإذا لم يشرط ذلك جاز؛ لأن العادة قد جرت أن الصناع يعملون بأنفسهم وبأجرائهم (¬2). الدليل الخامس: أنه إذا شرط أن يعمل بنفسه صار المعقود عليه العمل في محل بعينه فيستحق عينه كالمنفعة في محل بعينه، وإذا لم يشرط صار المستحق العمل، ويمكن إيفاؤه بنفسه وبالاستعانة بغيره، فهو بمنزلة إيفاء الدين (¬3). دليل القول الثاني: يمكن الاستدلال لهم على جواز إجارة من يقوم مقامه في حال الشرط بما استدل به أصحاب القول الأول، وعلى جوازه في حالة دلالة العرف بعموم أدلة إعمال العرف، كقوله ¬

_ (¬1) رواه الترمذي، أبواب الأحكام، باب ما ذكر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصلح بين الناس (3/ 27 - 28) (ح 1352)، وابن ماجه، كتاب الأحكام، باب الصلح (3/ 440) (ح 2353)، والدارقطني، كتاب البيوع (2/ 607) (ح 2856)، وأعلَّ بكثير، وله شاهد من حديث أبي هريرة رواه أبو داود، كتاب الأقضية، باب في الصلح (4/ 216 - 217) (ح 3594)، وأحمد (14/ 389) (ح 8784) والدارقطني، كتاب البيوع (2/ 606) (ح 2855)، واختلف في تصحيحه وتضعيفه، فرواه البخاري معلقًا بصيغة الجزم في صحيحه، باب أجر السمسرة (3/ 92) وقال الترمذي عن الأول: (حسن صحيح). وصححه الحاكم (4/ 101)، والثاني صححه ابن حبان (ح 5091) والحاكم (4/ 101)، وقال ابن كثير: (إسناده جيد). واختلف في قول عبد الحق الإشبيلي ففي "الإرواء" أنه صححه وفي "بيان الوهم" و"التلخيص" أنه ضعفه، وأعل الثاني بكثير بن زيد، قال الذهبي: (منكر). وقال عن الأول: (واه). وضعفه ابن حزم، وقال ابن الملقن عن الأول: (واه بمرة بسبب كثير هذا). وضعفه ابن حجر، وأكثر العلماء على تضعيف كثير، ولكن قال ابن رجب في جامعه (ح 32): (كثير هذا يصحح حديثه الترمذي، ويقول البخاري في بعض حديثه: هو أصح حديث في الباب. وحسَّن حديثه إبراهيم بن المنذر الحزامي وقال: هو خير من مراسيل ابن المسيب. وكذلك حسنه ابن أبي عاصم وترك حديثه آخرون منهم الإمام أحمد وغيره ... وقد قال البيهقي في بعض أحاديث كثير بن عبدالله المزني: إذا انضمت إلى غيرها من الأسانيد التي فيها ضعف قويت). السنن 6/ 65، وقال ابن تيمية: (وهذه الأسانيد -وإن كان الواحد منها ضعيفًا- فاجتماعها من طرق يشد بعضها بعضًا) وقال الشوكاني: (لا يخفى أن الأحاديث المذكورة والطرق يشهد بعضها لبعض، فأقل أحوالها أن يكون المتن الذي اجتمعت عليه حسنًا). وصححه الألباني. مجموع الفتاوى 29/ 147، بيان الوهم والإيهام 3/ 526 البدر المنير 6/ 688، التلخيص الحبير 4/ 1788، فتح الباري 6/ 44، نيل الأوطار 4/ 156، الإرواء 5/ 143. (¬2) خلاصة الدلائل 1/ 446. (¬3) فتح القدير 7/ 163.

: - صلى الله عليه وسلم - (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) (¬1) وهو الدليل الثاني للقول الأول، ويستدل لهم على المنع فيما عدا ذلك بأن المستأجر الأول إنما تعامل مع هذا العامل أو الصانع لا مع أجيره. المناقشة: إذا عُلم من دلالة الحال أن مقصود المستأجر العمل لا العامل، كما لو كانت الإجارة على عمل في الذمة أو دل العرف على أن العامل يؤاجر غيره فلا معنى لقولنا: (تعامل مع هذا العامل)؛ لأنه لم يقصده لذاته، ولعدم الدليل السليم على المنع من ذلك، وقياسًا على حالة وجود العرف أو الشرط. دليل القول الثالث: يُمكن أن يستدل لهم على المنع إذا كانت الإجارة على عملٍ معينٍ بما استدل به أصحاب القول الأول أن المعقود عليه حينئذٍ العمل في محل بعينه فيستحق عينه كالمنفعة في محل بعينه، أما إذا كانت الإجارة على عمل في الذمة فاستدلوا على جوازه بأن معنى ذلك في التحقيق: استحققت عليك هذا العمل، فقد طلب أن يوقع المخاطب عملًا في عينٍ له إما بنفسه وإما بغيره (¬2). المناقشة: أولًا: كل إجارة لا تكون على منفعة عينٍ فهي إجارة على عمل في الذمة، وجائز في هذه الحالة عندكم أن يؤجر الأجيرُ غيرَه. ثانيًا: إذا كانت الإجارة على عملٍ معينٍ فلا نُسلِّم قياسه على إجارة العين، لأن المستأجر قد لا يكون له قصدٌ في تخصيص عامل العمل المعيَّن، بل مقصوده حصول العمل، فيكون كالإجارة على عملٍ في الذمة. الترجيح الراجح جواز إجارة الأجير من يقوم بالعمل المطلوب منه في عقد الإجارة إلا إذا شُرِط خلاف ذلك أو دل العرف أو القرينة على خلاف ذلك، كالنسخ، فإن الخطوط تختلف فليس له أن يؤاجر غيره إلا بإذن المستأجر، وهذا قول الجمهور، فإنّ من لم يذكر حالة الشرط أو قيام دلالة العرف في المسألة نصًا يوافق عليها حكمًا (¬3). ¬

_ (¬1) رواه البخاري، كتاب النفقات، باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه (7/ 65) (ح 5364)، واللفظ له، ومسلم، كتاب الأقضية (5/ 129) (ح 4477). (¬2) نهاية المطلب 8/ 74. (¬3) المغني 8/ 36، 10/ 105.

المطلب الثالث: حكم إجارة المستأجر العين المؤجرة

سبب الترجيح: 1. أن الأصل في العقود الجواز والصحة. 2. عدم ثبوت ما يقتضي المنع من نص أو إجماع أو معنى صحيح. 3. مراعاة أدلة اعتبار الشروط الصحيحة في العقود وأدلة اعتبار العرف. 4. ما ذُكر من الأدلة الأخرى. تنبيه: الأجير الخاص، وهو الذي يؤجر نفسه مدة معلومة، يستحق المستأجر فيها نفعه، ليس له أن يستأجر غيره (¬1). المطلب الثالث: حكم إجارة المستأجر العين المؤجرة، وفيه ثلاثة أفرع: الفرع الأول: إجارتها لغير المؤجر، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: إجارتها بمثل أجرتها أو أقل. صورة المسألة: إذا استأجر إنسانٌ بيتًا-مثلًا- لمدة سنة فهل يحق له أن يؤجرها لغيره مدة سنة أو أقل بنفس قدر الأجرة الأولى أو أقل من ذلك؟ فقد يتبين له أن البيت لا يناسبه وأن المؤجر لا يقيله فلا يملك إلا أن يؤجرها ولو بأقل من أجرتها. الحكم: في هذه المسألة قولان: القول الأول: جواز ذلك وصحته، وهو مذهب العلماء كافةً، ومنهم فقهاء المذاهب الأربعة (¬2). القول الثاني: لا يجوز للمستأجر إجارة العين مطلقًا، وهو رواية عن أحمد، ذكرها القاضي أبو يعلى (¬3). ¬

_ (¬1) فتح القدير 7/ 207، الإنصاف 14/ 472، 474. (¬2) ورد عن بعض التابعين كراهة أن يؤجرها بأزيد من أجرتها، ولم أقف على من منع من الإجارة بمثل أجرتها أو أقل: ينظر مصنف عبد الرزاق، كتاب البيوع، باب الرجل يستأجر الشيء هل يؤاجر بأكثر من ذلك؟ (8/ 222 - 223) (ح.14970 - 14972) ومصنف ابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية، في الرجل يستأجر الدار يؤجر بأكثر (11/ 691 - 695) (ح 23746 - 23772)، وبدائع الصنائع 4/ 315، حاشية ابن عابدين 9/ 152، الاستذكار 17/ 416، مواهب الجليل 7/ 521،537 تكملة المجموع 16/ 335، الأوسط 11/ 164، المستوعب 2/ 331، الإنصاف 14/ 338، صرّح بعضهم بجواز الإجارة بمثل الأجرة وأقل، وصرح آخرون بجواز الزيادة ففهم منه جواز الأقل، ومنع الحنفية من الزيادة فقط، وصرح بعضهم بجواز الإجارة بأقل. (¬3) المغني 8/ 54، الإنصاف 14/ 339، وفي رواية: لا يجوز إلا بإذنه.

الأدلة: أدلة القول الأول: الدليل الأول: قال أبو العباس ابن تيمية: (يجوز للمستأجر أن يؤجر ما استأجره بمثل الأجرة بلا نزاع) (¬1)، فإما أن هذا الاتفاق المستفاد من قوله: (بلا نزاع) يعني به الصحابة والتابعين أو أن الرواية عن أحمد المخالفة لهذا القول لم تثبت عنه أو هي مجرد تخريج، وليست برواية. الدليل الثاني: أن المنفعة مملوكة للمستأجر بالإجارة فله أن يتصرف فيها بما شاء كالعين المبيعة المقبوضة، ويكفي أن يقبض الأصل الذي تطرأ منه المنفعة (¬2). الدليل الثالث: أن المؤجر ملك الأجرة بعقد الإجارة وجاز له أن يتصرف فيها كيف شاء، فكذلك المستأجر يملك العوض المقابل بالعقد نفسه، ويستفيد جواز التصرف وإطلاقه. الدليل الرابع: أن قبض العين قام مقام قبض المنافع، بدليل جواز التصرف فيها بسكنى الدار-مثلًا-، فجاز العقد عليها (¬3). أدلة القول الثاني: الدليل الأول: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيعتين في بيعة وعن بيع وسلف وعن ربح ما لم يُضمن وعن بيع ما ليس عندك (¬4). وجه الدلالة: أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ربح ما لم يضمن، والمنافع لم تدخل في ضمان المستأجر. المناقشة: أولًا: يجاب بالمنع، فالمنافع دخلت في ضمانه بقبضه للعين، فلو تلفت المنافع تلفت من ضمانه، والنبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ربح ما لم يضمن، وهذا قد ضمنه فله ربحه. ثانيًا: أن إجارتها بمثل أجرتها أو أقل ليس فيه ربح أصلًا. ¬

_ (¬1) مجموع الفتاوى 29/ 508. (¬2) الاستذكار 17/ 417. (¬3) المغني 8/ 54. (¬4) رواه أبو داود، كتاب البيوع، باب في الرجل يبيع ما ليس عنده (4/ 182) (ح 3504)، والنسائي، كتاب البيوع، باب سلف وبيع (7/ 295) (ح 4629)، والترمذي، كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك (2/ 515) (ح 1234)، وابن ماجه، أبواب التجارات، باب النهي عن بيع ما ليس عندك (3/ 308 - 309) (ح 2188) مختصرًا، وأحمد (11/ 203) (ح 6628)، واللفظ له، صححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن حزم وعبدالحق الإشبيلي والمنذري وابن القيم وابن تيمية والألباني. صحيح ابن حبان (ح 4321)، المستدرك 2/ 17، المحلى 8/ 520، مجموع الفتاوى 29/ 334، السلسلة الصحيحة (ح 1212)، الإرواء (ح 1305).

الدليل الثاني: أنه بيع لما لم يدخل في ضمانه فلم يجز؛ قياسًا على بيع المكيل والموزون قبل قبضه (¬1). المناقشة: أولًا: أنه لا محظور في بيع المكيل والموزون قبل قبضه توليةً؛ لأنه لن يربح فيه، كما ذكر أبو العباس ابن تيميّة (¬2). ثانيًا: عدم التسليم بأنه لم يدخل في ضمانه؛ لأنه بقبض العين أو التمكن من قبضها يكون قابضًا للمنفعة، وإن تلفت تلفت في ضمانه. الترجيح الراجح جواز إجارة المستأجر للعين المؤجرة بمثل أجرتها أو أقل. سبب الترجيح: 1. ما سبق من أدلة هذا القول، ويتقوّى بالقياس على المبيع وعلى الأجرة. 2. أن أدلة القول الثاني ليست متوافقة مع صورة المسألة، وفي بعضها ضعف ظاهر. 3. أن هذا القول أطبق عليه العلماء، حتى قيل فيه: (بلا نزاع)، وهو المعتمد عند الحنابلة خلافًا للرواية التي حكاها القاضي. 4. أن هذا القول متأيد بموافقة الأصل في المعاملات، ولا يوجد دليل يقوى على نقله. ¬

_ (¬1) فائدة: وجه ذكر الدليل القياسي الموافق للدليل النصي في كتب الخلاف تقوية الدليل النصي، وبيان أنه موافق للقياس؛ لأن بعض الأدلة مختلف فيها وفي بعضها الآخر ضعف، وبعض المخالفين يرد ما خالف القياس من أخبار الآحاد، ومن جنس ذلك استشكال القول بأن المرسل يقبل إذا عضده مسند، وأجابوا بأجوبة منها أن المسند دليل برأسه والمرسل بالاعتضاد يكون دليلًا آخر، كما في فتح المغيث 1/ 266. (¬2) مجموع الفتاوى 29/ 505.

تنبيه: للقول بالجواز في هذه المسألة وجميع مسائل هذا المبحث القادمة شروط، وهي: الشرط الأول: قبض المستأجر للعين المؤجرة إذا كانت الإجارة لغير المؤجر (¬1). وقد اشترطه الحنفية (¬2) والشافعية (¬3)، وهو وجه عند الحنابلة (¬4)، خلافًا للمالكية (¬5) والحنابلة (¬6)، وهو قول للحنفية (¬7) وبعض الشافعية (¬8). الشرط الثاني: أن يكون المستأجر الثاني أمينًا. ذكره المالكية (¬9) والشافعية (¬10). الشرط الثالث: أن يكون المستأجر الثاني مثله أو دونه في الانتفاع والضرر، فلا يستأجر الأول بيتًا للسكنى ويؤجره لمن يتخذه مصنعًا، وقد يكون الثاني أمينًا ولكن يخالف جهلًا. وهو شرط متفق عليه (¬11). الشرط الرابع: عدم اشتراط المؤجر على المستأجر أن يستوفي المنفعة بنفسه. فإن اشترط المؤجر ذلك فعند الحنفية تفصيل: إن كان الشيء مما يتفاوت الناس في استعماله كالركوب واللبس صح الشرط، وإلم يكن كالدخول للعقار واللبث فيه لم يصح الشرط (¬12)، وفي وجه عند الشافعية يصحَّ الشرط وتجوز الإجارة، وفي وجه يبطل الشرط وتصح الإجارة، ¬

_ (¬1) أما إذا كانت الإجارة للمؤجر فجمهور العلماء على عدم اشتراط القبض إلا في وجه عند الحنابلة ويأتي في الفرع الثاني -إن شاء الله-. (¬2) الدر المختار مع حاشية ابن عابدين 9/ 152، وعزاه لهم ابن عبد البر في "الاستذكار" 17/ 418. (¬3) نهاية المطلب 8/ 83، المهذب مع تكملة المجموع 17/ 331. (¬4) المغني 8/ 56، الإنصاف 14/ 340. (¬5) الكافي لابن عبد البر ص 370، المنتقى للباجي 6/ 550. (¬6) المغني 8/ 55، الإنصاف 14/ 340. (¬7) الدر المختار 9/ 153، الفتاوى الهندية 4/ 425. (¬8) نهاية المطلب 8/ 83، المهذب مع تكملة المجموع 17/ 331. (¬9) التاج والإكليل 7/ 521، الفواكه الدواني 2/ 181. (¬10) مغني المحتاج 2/ 449. (¬11) بدائع الصنائع 4/ 315،، الفتاوى الهندية 4/ 425، المدونة 5/ 414، مواهب الجليل 7/ 536، المهذب مع تكملة المجموع 17/ 331، المنهاج مع مغني المحتاج 2/ 449 - 450، المغني 8/ 55،57، الروض المربع 7/ 103 - 104، فتاوى اللجنة الدائمة 15/ 88. (¬12) فتح القدير 7/ 168.

وفي وجه يبطل الشرط والإجارة (¬1)، ونصَّ الحنابلة على بطلان الشرط لمنافاته مقتضى العقد (¬2)، ونصَّ ابن حزم على صحة الشرط والعقد (¬3)، وهو قولٌ للحنابلة (¬4)، وقال أبو العباس ابن تيمية: (قياس المذهب فيما أراه أنها شروط صحيحة) (¬5). المسألة الثانية: إجارتها بأزيد من أجرتها. صورة المسألة: إذا استأجر إنسان سيارة -مثلًا- بـ 100 يوميًا فهل يجوز له أن يؤجرها لغيره بـ 120 يوميًا؟ الحكم: في هذه المسألة أقوال (¬6): القول الأول: يجوز للمستأجر إجارة العين لغير المؤجِر بأكثر من أجرتها، وهو قول عروة بن الزبير (¬7) وطاوس (¬8) وسليمان بن يسار (¬9) والحسن (¬10) ومكحول (¬11) وعطاء (¬12) والحكم (¬13)، والزهري (¬14) ¬

_ (¬1) المهذب مع تكملة المجموع 17/ 331 - 332، مغني المحتاج 2/ 449. (¬2) كشاف القناع 11/ 98، شرح منتهى الإرادات 4/ 44. (¬3) المحلى 8/ 197. (¬4) فتح الملك العزيز 4/ 99، وسبق أنه وجه للشافعية. (¬5) الأخبار العلمية في الاختيارات الفقهية ص 222. (¬6) في "بدائع الصنائع "4/ 315 قال: (أما جواز الإجارة فلا شك فيه؛ لأن الزيادة في عقد لا يعتبر فيه المساواة بين البدل والمبدل لا تمنع صحة العقد، وههنا كذلك، فيصح العقد) فمراده بالجواز في أول الكلام الصحة كما في آخره، وفهم بعضهم منه عدم الخلاف في صحة العقد، لكن سيأتي أن ممن قال بالتحريم من علل بأنه ربا، وهذا يقتضي الفساد. (¬7) المحلى 8/ 198. (¬8) رواه عبد الرزاق، كتاب البيوع، باب الرجل يستأجر الشيء هل يؤاجر بأكثر من ذلك؟ (8/ 222) (ح 14970) وابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية، باب: من رخص في ذلك إذا عمل فيه بشيء (11/ 694) (ح 23765). (¬9) المحلى 8/ 198. (¬10) رواه عبد الرزاق، الموضع السابق (8/ 222) (ح 14972)، وابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 695) (ح 23769). (¬11) رواه ابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 695) (ح 23772). (¬12) رواه ابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 695) (ح 23770). (¬13) رواه ابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 695) (ح 23771). (¬14) رواه مالك في الموطأ، كتاب البيوع، جامع البيوع (2/ 220) (ح 2006) وفي المحلى 8/ 197: (وكرهه الزهري بعد أن كان يبيحه) وأسنده ابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية، في الرجل يستأجر الدار يؤجر بأكثر (11/ 693) (ح 23755) وقد عزا الجواز للزهري: ابن المنذر في "الأوسط" 11/ 164 وابن عبد البر في "الاستذكار" 14/ 416 - 420 وابن قدامة في "المغني" 8/ 56 ولم يذكروا له رجوعًا.

وأبي ثور (¬1) وابن المنذر (¬2) وابن حزم (¬3) وابن عبد البر (¬4) وابن تيمية (¬5) وابن قيم الجوزية (¬6). ومن الأئمة الأربعة: مالك (¬7) والشافعي (¬8) وأحمد (¬9)، وهو المذهب عند أتباعهم (¬10). القول الثاني: يكره للمستأجر إجارة العين لغير المؤجر بأكثر من أجرتها. وهو قول عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - (¬11) ومسروق (¬12) وهشام بن هبيرة القاضي (¬13) وشريح (¬14) وسعيد بن المسيب (¬15) وأبي سلمة بن عبد الرحمن (¬16) ¬

_ (¬1) الأوسط 11/ 164، المغني 8/ 56. (¬2) الأوسط 11/ 165، الإشراف 6/ 301. (¬3) المحلى 8/ 197 - 198. (¬4) الاستذكار 14/ 420. (¬5) مجموع الفتاوى 20/ 344، 29/ 509، 32/ 308، اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية لابن عبد الهادي ص 34. (¬6) تهذيب السنن مع مختصر سنن أبي داود 5/ 155 - 156. (¬7) الموطأ 2/ 220، المدونة 5/ 414، الكافي لابن عبد البر ص 370. (¬8) الأوسط 11/ 164، المهذب مع المجموع 16/ 331. (¬9) رؤوس المسائل الخلافية 3/ 1006، المغني 8/ 56، تقرير القواعد 2/ 290، الإنصاف 14/ 338. (¬10) وقد أفتت به اللجنة الدائمة 15/ 88 فتوى رقم 19702. (¬11) رواه ابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية، في الرجل يستأجر الدار يؤجر بأكثر (11/ 691، 693) (ح 23746، 23747،23760) من طريقين: 1. قتادة عن ابن عمر، وهو منقطع، وقد قال الإمام أحمد: (ما أعلم قتادة روى عن أحد من الصحابة إلا عن أنس) وزاد الترمذي أبا الطفيل، وصحح أبو حاتم وأبو زرعة سماعه من عبد الله بن سرجس، على خلاف في ذلك. الجامع للترمذي 5/ 57، رواة المراسيل لأبي زرعة العراقي (ص 504 مع التقريب). 2. قتادة عن نافع عن ابن عمر، وقد قال أبوداود: (لم يسمع قتادة من نافع شيئًا) سؤالات أبي عبيد الآجري (ح 567) وقال يحيى القطان: (بينهما يعلى بن حكيم) تهذيب الكمال (27/ 553)، رواة المراسيل، الموضع السابق، ويعلى ثقة، فيكون كرواية حميد الطويل عن أنس، وقد احتج بها مسلم؛ للعلم بالواسطة بينهما وهو ثابت البناني، ونحوه مما ظاهره الانقطاع، ولكن قتادة ليس مشهورًا بالرواية عن يعلى، وقول القطان يحتمل حديثًا بعينه ويحتمل الإطلاق، ففي أثر ابن عمر - رضي الله عنهما - قوة، والله أعلم. (¬12) المحلى 8/ 197. (¬13) رواه ابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 693 - 694) (ح 23761). (¬14) رواه عبد الرزاق، الموضع السابق (8/ 223) (ح 14973). (¬15) رواه بالجزم ابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 693) (ح 23760) وبالتردد عبد الرزاق، الموضع السابق (8/ 222) (ح 14969)، وابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 692) (ح 23749) بسنديهما إلى يحيى بن أبي كثير عن ابن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن وعروة بن الزبير وسليمان بن يسار قال: رخص فيه اثنان وكرهه اثنان، زاد عبد الرزاق: قلت -أي معمر-: من؟ قال: لاأدري. (¬16) الأثر السابق، والمحلى 8/ 197.

والنخعي (¬1) والشعبي (¬2) ومجاهد (¬3) وابن سيرين (¬4) وميمون بن مهران (¬5) ومحمد بن علي الباقر (¬6) وحماد بن أبي سليمان (¬7) وإياس بن معاوية (¬8) والأوزاعي (¬9). القول الثالث: يحرم ذلك، وهو قول عكرمة (¬10) وشهر بن حوشب (¬11) ورواية عن أحمد (¬12). القول الرابع: إن أحدث المستأجر في العين زيادةً جاز أن يؤجرها بزيادة، وإلاّ لم تجز الزيادة. وهو القول الثاني لكلٍّ من: هشام بن هبيرة (¬13) والنخعي (¬14) والشعبي (¬15) ومجاهد (¬16) والحكم (¬17) وهو قول الثوري (¬18) وأبي حنيفة (¬19) ورواية عن أحمد (¬20)، والمذهب عند الحنفية إذا أحدث فيها شيئًا أو أجر معها شيئًا مما يجوز له إجارته طاب له أخذ الزيادة وإلا فلا، وزاد ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق، الموضع السابق (8/ 223) (ح 14973) وابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 693) (ح 23757) وجاء عنه: (هو ربا) رواه عبد الرزاق، الموضع السابق (8/ 223) (ح 14974) وابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 693) (ح 23754) وهذا قول ثان عنه: التحريم. (¬2) رواه عبد الرزاق، الموضع السابق (8/ 223) (ح 14973). (¬3) رواه ابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 692) (ح 23750). (¬4) رواه عبد الرزاق، الموضع السابق (8/ 223) (ح 14973)، وابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 693) (ح 23758). (¬5) رواه ابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 693) (ح 23756). (¬6) المحلى 8/ 197، الاستذكار 14/ 419. (¬7) رواه عبد الرزاق، الموضع السابق (8/ 223) (ح 14973). (¬8) رواه ابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 692) (ح 23751). (¬9) الأوسط 11/ 164. (¬10) رواه ابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 692) (ح 23753) وعزا ابن المنذر في "الأوسط" 11/ 164 وتبعه ابن قدامة في "المغني" 8/ 56 إلى عكرمة القول بالكراهة. (¬11) رواه ابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 692) (ح 23752). (¬12) الإنصاف (14/ 339). (¬13) رواه ابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية، من رخص في ذلك إذا عمل فيه بشيء (11/ 694) (ح 23766). (¬14) رواه عبد الرزاق، الموضع السابق (8/ 222) (ح 14971). (¬15) رواه عبد الرزاق، الموضع السابق (8/ 222) (ح 14971)، وابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 695) (ح 23768). (¬16) رواه عبد الرزاق، الموضع السابق (8/ 222) (ح 14971). (¬17) رواه ابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 694 - 695) (ح 23767). (¬18) الأوسط 11/ 164، المغني 8/ 56. (¬19) الأوسط 11/ 164، المغني 8/ 56 فيها العزو إلى الإمام وينظر: المراجع الحنفية الآتية. (¬20) الفروع 7/ 169، المستوعب 2/ 331، الإنصاف 14/ 339.

بعضهم: أو أجرها بغير جنس الأجرة الأولى (¬1). بيان هذا القول: إحداث الزيادة مثل أن يبني في الدار ما يزيد أجرتها أو يصقل السيف أو يحبك -أي يجلد- الكتاب، وإجارتها بغير جنس الأجرة الأولى مثل أن يستأجر سيارة بريالات فيقوم بإجارتها بدينارات، وأن يؤجر معها ما يجوز له إجارته مثل أن يستأجر ثوبًا فيؤجره مع عمامةٍ من عنده، ففي هذه الحالات يجوز أن يأخذ الزيادة وإلا فلا تطيب له. القول الخامس: إذا أذن له المالك في الزيادة جاز وإلا فلا، وهو رواية عن الإمام أحمد (¬2). الأدلة: أدلة القول الأول: الدليل الأول: أن الأصل الجواز ولم يأت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهيٌ عن ذلك (¬3). الدليل الثاني: أن المستأجر قد ملك بالعقد منافع الأصل الذي استأجره، فله التصرف فيه كيف شاء، قياسًا على مِلك المؤجر للأجرة (¬4). المناقشة: أن ملك المستأجر أضعف من ملك المؤجر، فالأول ملكه ناقص (للمنفعة دون العين) والثاني ملكه تام (للعين والمنفعة)، فلا يتم القياس (¬5). الجواب: أن هذا الفرق غير مؤثر في هذا الحكم؛ لأن مِلك المستأجر للمنفعة في ذاتها مِلك صحيح تام، والاصطلاح على تسميته ناقصًا لا يغير حقيقته. الدليل الثالث: أنه عقدٌ يجوز برأس المال فجاز بالزيادة، قياسًا على بيع المبيع بعد قبضه (¬6). الدليل الرابع: أن المنافع مضمونة على المستأجر، فلو عطّل المكان المستأجَر -مثلًا- وأتلف منافعه بعد قبضه لتلفت من ضمانه (¬7)، والغنم بالغرم، فكما أنه غرمه جاز أن يربح فيه؛ لحديث: «الخراج بالضمان» (¬8). ¬

_ (¬1) بدائع الصنائع 4/ 315، حاشية ابن عابدين 9/ 47 - 48، الفتاوى الهندية 4/ 425. (¬2) المغني 8/ 56، الإنصاف 14/ 339. (¬3) ينظر المحلى 8/ 197. (¬4) الأوسط 11/ 165، الاستذكار 14/ 417. (¬5) ينظر: مجموع الفتاوى 29/ 178 - 180، الموسوعة الفقهية الكويتية 39/ 33 - 34 مادة مِلك. (¬6) المغني 8/ 56. (¬7) مجموع الفتاوى 20/ 344، 29/ 509، تهذيب السنن 5/ 156. (¬8) رواه أبو داود، كتاب البيوع، باب فيمن اشترى عبدًا فاستعمله ثم وجد به عيبًا (4/ 183 - 184) (ح 3508 - 3510)، والنسائي، كتاب البيوع، الخراج بالضمان (7/ 254 - 255) (ح 4490)، والترمذي، كتاب البيوع، باب ما جاء فيمن يشتري العبد ويستغله ثم يجد به عيبًا (2/ 261) (ح 1285 - 1286)، وابن ماجه، أبواب التجارات، باب الخراج بالضمان (3/ 352 - 353) (ح 2242 - 2243)، وأحمد (41/ 59) (ح 24514) استنكره البخاري، وقال أبو داود: (هذا إسناد ليس بذاك) وعلته مسلم بن خالد الزنجي، وله طريق آخر علته مَخلد بن خُفَاف الغفاري، قال ابن حزم: (لا يصح؛ لأنه من رواية مخلد بن خفاف، وهو مجهول) وفي تهذيب التهذيب 4/ 41 - 42 توثيق ابن وضاح وابن حبان له، وضعفه أبوحاتم والعقيلي ومغلطاي، وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وابن القطان وقال الذهبي: (حسن غريب). علل الترمذي الكبير ص 191، صحيح ابن حبان (ح 4927 - 4928)، الضعفاء للعقيلي 4/ 1374، المحلى 5/ 250، بيان الوهم والإيهام 5/ 211، الدر المنظوم ص 432، سير أعلام النبلاء 14/ 123، التلخيص الحبير 4/ 1783.

الدليل الخامس: أن مِلك المنافع كمِلك الأعيان، فكما يجوز له أن يربح في كل ما يتملكه من الأعيان بشراءٍ أو هبةٍ أو إرثٍ فكذلك يجوز له أن يربح في ما يتملكه من المنافع تملكًا صحيحًا. أدلة القولين الثاني والثالث (¬1): الدليل الأول: أنه صح عن ابن عمر - رضي الله عنهما -، فيلزم من يرى حجية قول الصحابي، وأيضًا لم يُعلَم له مخالف، قال ابن حزم: (والمالكيون يشنعون بخلاف الصاحب الذي لا يعرف له مخالف، وهذا مما تناقضوا فيه؛ لأن ابن عمر لم يجزه، ولا يعرف له مخالف من الصحابة - رضي الله عنهم -) (¬2) وهذا لازمٌ للحنابلة أيضًا (¬3)، وإنما لم يلزم ابن حزم لأنه لا يرى حجية قول الصحابي (¬4). المناقشة: 1. أن الأثر من رواية قتادة عن نافع وعن ابن عمر ولم يسمع من واحدٍ منهما. ¬

_ (¬1) مصطلح الكراهة عند السلف قد يراد به التحريم. القبس 16/ 559، روضة الناظر 1/ 143، إعلام الموقعين 2/ 75، منح الجليل 3/ 751، وهذه الأدلة مشتركة في الدلالة على المنع، والأصل دلالتها على التحريم، ومَن نسب الكراهة لمن سبق من التابعين استدل لهم بأدلة تقتضي التحريم، ولم يذكروا صارفًا، فالله أعلم، وإنما نسبتُ لهم الكراهة؛ لأنه اللفظ الوارد في بعض الآثار؛ ولأنه ما فهمه العلماء عنهم، فهو احتمال قائم. (¬2) المحلى 8/ 198. (¬3) لأنهم يرون حجية قول الصحابي، وينظر في ذلك: إعلام الموقعين 5/ 548 وما بعدها، الموافقات 4/ 290،132، وقد قال ابن قيم الجوزية عن مسألةٍ كهذه: (وقاعدة الإمام أحمد أن ما أفتى به الصحابة لا يخرج عنه إذا لم يكن في الباب شيءٌ يدفعه، فعلى أصله الذي بنى عليه مذهبه يلزمه القول بهذا الأثر؛ لصحته وانتفاء علته) إعلام الموقعين 4/ 439، وقال أبو العباس ابن تيمية: (وإلى ساعتي هذه ما علمت قولًا قاله الصحابة ولم يختلفوا فيه إلا وكان القياس معه، لكن العلم بصحيح القياس وفاسده من أجلِّ العلوم، وإنما يعرف ذلك من كان خبيرًا بأسرار الشرع ومقاصده ...) مجموع الفتاوى 20/ 583، ونقله في "إعلام الموقعين" 3/ 256، وفي "العدة" للقاضي أبي يعلى 4/ 1193 - 1197: (إذا قال الصحابي قولًا مخالفًا للقياس ... فإنما يحمل ذلك على أنه قاله على جهة التوقيف، وهو قول أصحاب أبي حنيفة، وقال أصحاب الشافعي: لا يحمل على التوقيف، وإنما هو اجتهاده) وإنما لم يتوجه الإلزام في مسألتنا للحنفية؛ لأنهم لم يخالفوا الأثر مخالفة تامة، وإنما خصصوه وأخذوا به في الجملة. (¬4) وهذا كثير في "المحلى" وسائر تصانيفه كالتلخيص، ومن أصرحه قوله: (والموقوف والمرسل لا تقوم بهما حجة ... وليس فضل الصاحب عند الله بموجب تقليد قوله وتأويله؛ لأن الله-تعالى- لم يأمر بذلك لكن موجَب تعظيمه ومحبته قبول روايته فقط؛ لأن هذا هو الذي أوجب الله-تعالى-) المحلى 1/ 51 - 52، في الأصل: (وقبول روايته).

الجواب: أنه عُلمت الواسطة في روايته عن نافع، وهي واسطة سليمة. 2. أن عدم العلم بالمخالف لا يلزم منه حجية هذا القول من جهة كونه إجماعًا؛ لأن من شروط ذلك أن ينتشر، وليس في الأثر ما يدل على انتشاره. الجواب: تكفي حجية الأثر من جهة كونه قول صحابي صح عنه وليس له مخالفٌ من النصوص أو من الصحابة. 3. أنه مخالف لعموم (الخراج بالضمان). الجواب: أن العمل بالخاص في محل الخصوص وبالعام في سائر الموارد لا يعد مخالفةً، بل إعمالًا لكلا الدليلين، هذا على فرض صحة الحديث. الدليل الثاني: أنه ربا، كذا قال النخعي. ووجهه أنّ المستأجر دفع أجرةً وأخذ أكثر منها. المناقشة: 1. عدم التسليم بأنه ربا، بل هي إجارة صحيحة، فالزيادة إنما أُخذت من طرف ثالث. 2. أن هذا يلزم فيمن اشترى شيئًا وباعه بأكثر مما اشتراه به، ولا محرِّم لذلك، والمنافع كالأعيان، وهذا نقضٌ لدليلهم. الدليل الثالث: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ربح ما لم يضمن (¬1). وجه الدلالة: أن منافع العين المستأجرة لم تدخل في ضمانه فلا يجوز أن يربح فيها (¬2). المناقشة: 1. بقلب الدليل: فهذه المنافع إذا تلفت كانت من ضمان المستأجر، فجاز أن يربح فيها بدلالة مفهوم الحديث. 2. أن قبض العين قائم مقام قبض منافعها المستحدثة؛ لذا قال ابن قدامة: (أما الخبر فإن المنافع قد دخلت في ضمانه من وجهٍ، فإنها لو فاتت من غير استيفائه كانت من ضمانه) (¬3). الجواب: أن الضمان فرعٌ عن القبض، وهذا القبض حكمي وليس حقيقيًا، فالضمان ثابت من وجه غير ثابت من وجه، وعليه فتحل الزيادة من وجه ولا تحل من وجه، فنغلب جانب ¬

_ (¬1) سبق تخريجه ص 57. (¬2) بدائع الصنائع 4/ 315. (¬3) المغني 8/ 56.

التحريم احتياطًا (¬1). الرد على الجواب: عدم التسليم بجعل الضمان فرعًا عن حقيقة القبض بل التمكين من القبض أولى بذلك من حقيقة القبض، كما أطال في تقريره أبو العباس ابن تيمية (¬2). الدليل الرابع: أنه يربح في ما لم يضمن فلم يجز، كما لو ربح في طعامٍ قبل قبضه. المناقشة: 1. تبين بطلان العلة المذكورة مما سبق في مناقشة الدليلين السابقين. 2. لا يصح القياس على بيع الطعام قبل قبضه، فإن البيع هنا ممنوع منه بالكلية سواءٌ ربح أو لم يربح إلا عند بعضهم (¬3). دليل القول الرابع: استدلوا على المنع من الزيادة أو عدم طيبها -في الأصل- بالأدلة السابقة، واستدلوا على الجواز إذا أحدث عملًا أو زيادةً أو إذا أجر معها ما يجوز له بأن الزيادة في مقابلة ما زاده من ماله أو عمله (¬4). المناقشة: أن كنس الدار وتنظيفها عملٌ يزيد في أجرها عادةً (¬5)، ورغم ذلك لا تطيب معه الزيادة عندكم كما في "المبسوط" (¬6) وغيره، ومن جهة أخرى فإن الإحداث في غير ملكه بلا إذن لا يجوز، فالمستأجر لم يملك العين إنما ملك المنفعة. دليل القول الخامس: يمكن أن يستدل له في المنع من الزيادة بالأدلة السابقة، وفي الجواز مع إذن المالك بأن هذه الزيادة متعلقة بملكه؛ لأن سببها أصل ماله، والمنع من الزيادة مراعاةً للمالك حتى لا يضيق صدره عندما يرى المستأجر منه يؤجر بأكثر مما أجره به، وهو يرى أنه أولى بهذه الزيادة، كالنهي عن البيع قبل القبض. المناقشة: أن المالك لا يحق له التصرف في المنفعة بعد إجارته لها، ونقل ملكها للمستأجر، ولذا فلا عبرة بإذنه في أن يؤجر بزيادة، وإنما الجواز مستفاد من أدلة الشرع استنادًا لتمام الملك. الترجيح الراجح -والله أعلم- القول بجواز إجارة المستأجر للعين المؤجرة على غير المؤجر بأكثر ¬

_ (¬1) المحيط البرهاني 9/ 125. (¬2) مجموع الفتاوى 20/ 342 - 345، 29/ 398 - 404، 30/ 276. (¬3) المغني 8/ 56، وسبق أن من العلماء من يجيزه إذا كان توليةً. (¬4) المبسوط 15/ 87، حاشية ابن عابدين 9/ 48. (¬5) المغني 8/ 56. (¬6) 15/ 87

الفرع الثاني: إجارتها للمؤجر

من أجرتها. سبب الترجيح: قوة الأدلة وتعددها، وما ورد من مناقشة على أدلة الأقوال المخالفة. الفرع الثاني: إجارتها للمؤْجِر. صورة المسألة: أن يستأجر إنسانٌ مكتبًا لمدة سنة- مثلًا- ثم يؤجره على المؤجر نفسه لمدة سنة أو أقل سواء قبضه أو لم يقبضه (¬1). الحكم: اختلف العلماء في ذلك على أقوال: القول الأول: لا يجوز ذلك، وهو مذهب الحنفية (¬2). القول الثاني: يجوز ذلك، وهو قول المالكية (¬3) والشافعية (¬4) وقول عند الحنفية (¬5). القول الثالث: يجوز ذلك إلا إذا كان حيلة على العينة أو عكسها، وهو مذهب الحنابلة (¬6). بيان ذلك: جاء في "المعايير الشرعية" الصادرة عن هيئة المحاسبة والمراجعة: (ولا يجوز ذلك إذا كان يترتب عليه عقد عينة، بتغيير في الأجرة أو في الأجل، مثل أن تقع الإجارة الأولى بمائة دينار حالة ثم يؤجرها المستأجر إلى نفس المؤجر بمائة وعشرة مؤجلة، أو أن تقع الإجارة الأولى بمائة وعشرة مؤجلة ثم تقع الإجارة الثانية بمائة نقدًا، أو تكون الأجرة في الإجارتين واحدة غير أنها في الأولى مؤجلة بشهر وفي الثانية بشهرين) (¬7). القول الرابع: يجوز إذا قبض العين المستأجرة، وهو قولٌ عند الحنابلة (¬8). الأدلة: أدلة القول الأول: الدليل الأول: أن المستأجر في حق المنفعة قائمٌ مقام المؤجر، فيلزم من إجارته للمؤجر ¬

_ (¬1) القبض في العقار يكون بالتخلية، كما سبق ص 45. (¬2) الدر المختار مع حاشيته 9/ 152 - 153، المغني 8/ 55. (¬3) عقد الجواهر الثمينة 2/ 863، مواهب الجليل 7/ 537، منح الجليل 3/ 755. (¬4) المهذب مع تكملة المجموع 16/ 331، مغني المحتاج 2/ 462، الأشباه والنظائر للسبكي 1/ 302، وسبق ص 23 - 24. (¬5) حاشية ابن عابدين 9/ 473، وهو ما جاء في "المعايير الشرعية"، معيار الإجارة ص 135، البند 3/ 4. (¬6) الإنصاف 14/ 338 - 341، كشاف القناع 9/ 72، والمراجع التالية في القول الرابع، وقد نصَّ الدردير في "الشرح الكبير" 4/ 9 على نفي الحيلة بقوله: (وجاز استئجار المالك المؤجِر لداره أو دابته مثلًا -أي من المستأجر- إلا لتهمة سلف جر منفعة لإيجاره بعشرة لأجل واستئجاره بثمانية نقدًا) فيمكن أن يكون مذهب المالكية أيضًا. (¬7) المعايير الشرعية، المعيار الشرعي للإجارة، ص 135، البند رقم 3/ 4. (¬8) المغني 8/ 55، الفروع 7/ 169 - 170.

تمليك المالك (¬1). المناقشة: لم يَعُد المؤجر مالكًا للمنفعة فلا يلزم منه تمليك المالك، وإن أريد تمليك المنفعة لمالك عينها فلا محظور من ذلك؛ لما سيأتي من أدلة، وهو محل النزاع. الدليل الثاني: أن ذلك يؤدي إلى تناقض الأحكام؛ لأن التسليم مستحَقٌّ على المؤجر، فإذا استأجر صار مستحِقًا، فيصير مستحِقًا لما يُستحق عليه، وهذا تناقض (¬2). المناقشة: 1. أن التسليم من المؤجر قد حصل بالتمكين أو القبض للعين، والاستحقاق الثاني له تسليمٌ آخر. 2. يبطل ما ذكروه بالبيع، فإنه يُستحق على البائع تسليم العين، فإذا اشتراها استحق تسليمها (¬3) في ما لا يشترط قبضه لبيعه على الخلاف فيه. دليل القول الثاني: أن كل عقدٍ جاز مع غير العاقد جاز مع العاقد كالبيع، إذ يجوز بيع المبيع من البائع وغيره (¬4)، ما لم يكن عينة. دليل القول الثالث: الأصل في الجواز ما تقدم في دليل القول الثاني، ويُستدل لهم على الاستثناء بأدلة تحريم الحيل، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «قاتل الله اليهود، إن الله لما حرم عليهم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه» (¬5) وغيرها من الأدلة (¬6). دليل القول الرابع: أنه إذا عقد عليها قبل قبضها لم يجز؛ لأن المنافع مملوكة بعقد معاوضة، فاعتبر -أي اشترط- في جواز العقد عليها القبض كالأعيان (¬7). المناقشة: 1. أن قبض العين لا ينتقل به ضمان العين إلى المستأجر؛ لأنه أمين، فلم يقف جواز ¬

_ (¬1) حاشية ابن عابدين 9/ 153. (¬2) الشرح الكبير على المقنع 14/ 340 - 341. (¬3) الشرح الكبير 14/ 340 - 341. (¬4) المهذب 16/ 331، المغني 8/ 55 مِن عند المتقدمين في مثل هذا بمعنى على في لسان أهل العصر. (¬5) رواه البخاري، كتاب التفسير، (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) (6/ 57) (ح 4633)، ومسلم، كتاب البيوع (5/ 41) (ح 4048) جملوه أي أذابوه. (¬6) صحيح البخاري، كتاب الحيل (9/ 22)، المغني (6/ 116) (7/ 485)، إغاثة اللهفان (1/ 470 - 530)، كتاب الحيل الفقهية لصالح بوبشيش. (¬7) المغني 8/ 55.

التصرف عليه. 2. أن القبض لا يتعذر على المؤجر؛ لأن العين التي تعلقت بها هذه المنافع مقبوضة له قبل الإجارة (¬1). منشأ الخلاف: منشأُ الخلافِ وسببُه الخلافُ في مسألة بيع الطعام قبل قبضه هل يصح من بائعه أم لا؟ يرى أبو محمد ابن قدامة والشارح بناء الخلاف على هذه المسألة، وظاهر كلام ابن مفلح عدم بنائه، وقال المرداوي في "تصحيح الفروع": (وظاهر كلام المصنف عدم البناء، وهو ظاهر كلام الأكثر، والله أعلم، وهو الصواب) (¬2) وقال في "الإنصاف": (الصواب البناء) (¬3). ومذهب الأئمة الأربعة عدم جواز بيع الطعام قبل قبضه من بائعه (¬4). وفي وجه عند الشافعية (¬5) ورواية عن أحمد (¬6)، وهو اختيار أبي العباس ابن تيمية (¬7) وابن قيم الجوزية (¬8): يجوز ذلك. الترجيح الراجح جواز ذلك إلا إذا كان حيلةً على العينة. أسباب الترجيح: 1. ما ذكر من أدلة الجواز. 2. أن الأصل في المعاملات الصحة والجواز. 3. أنه إن كان حيلة على العينة فذلك من الحيل الممنوعة المحرمة، والمقاصد لها أثر في صحة المعاملات. 4. إباحة الجمهور مع منعهم من البيع للبائع قبل القبض قرينة على عدم بناء الخلاف عليه ¬

_ (¬1) المغني 8/ 55. (¬2) تصحيح الفروع مع الفروع (7/ 170). (¬3) الإنصاف 14/ 341. (¬4) أما بيع الطعام قبل قبضه لغير بائعه فمحرم بالإجماع، نقله ابن المنذر في "الأوسط" 10/ 146 وغيره، ومذهب الجمهور التحريم مطلقًا وعدم التفريق بين البائع وغيره: تبيين الحقائق 4/ 79، البحر الرائق 6/ 126 - 127، الموطأ 2/ 169، التمهيد 16/ 530، الأم 3/ 69 - 70، المنهاج مع نهاية المحتاج 4/ 45 - 46، الإقناع 2/ 234 - 235، الروض المربع 6/ 185 - 187، وسبق تفصيل المسألة ص 33. (¬5) روضة الطالبين 3/ 509، نهاية المحتاج 4/ 46. (¬6) الإنصاف 11/ 497. (¬7) مجموع الفتاوى 29/ 513، الإنصاف 11/ 497. (¬8) تهذيب السنن 5/ 137.

الفرع الثالث: إجارة المستأجر منافع الأجير

الفرع الثالث: إجارة المستأجر منافع الأجير. صورة المسألة: إذا استأجر مستأجرٌ أجيراً؛ ليعمل له، فهل له أن يؤجره لغيره؟ المسألتان السابقتان في منافع العين، وسبب إفراد منافع الأجير بالبحث أنّ بعضَ من يجيز إجارة المستأجر منافع العين يمنعه من إجارة منافع الأجير، أما على القول بالجواز فيدخل في الخلاف السابق من حيث تأجيره بمثل أجرته أو أقل أو أكثر، وهذه الصورة تشمل الأجير المشترك، وهو الأجير على عمل، والأجير الخاص، ويسمى الأجير الواحد، وهو الذي يؤجر نفسه مدةً معلومةً يستحق المستأجر النفع في جميعها. الحكم: في هذه المسألة قولان: القول الأول: جواز إجارة منافع الأجير، وهو مذهب المالكية (¬1)، وأكثر الشافعية (¬2) وابن حزم (¬3) وأجازه الحنفية في العبد، ولم أجد لهم نصًّا في الحر (¬4). القول الثاني: المنع من إجارة منافع الأجير، وهو مذهب الحنابلة (¬5) وبعض الشافعية (¬6). الأدلة: أدلة القول الأول: الدليل الأول: عدم الدليل المانع من ذلك، والأصل الجواز (¬7). الدليل الثاني: أن منافع الأجير مملوكة للمستأجر بمقتضى عقد الإجارة، فجاز له التصرف المباح فيها، كسائر ما يملكه. المناقشة: التسليم بذلك في الأجير المملوك؛ لأنه مملوك ومنافعه مملوكة، أما الأجير الحر فلا تدخل منافعه في يد المستأجر وضمانِه إلا عند وجودها (¬8). الجواب: أن مراد الفقهاء بذلك أن منافع الحر لا تضمن بالتفويت، بل تضمن بالاستعمال ¬

_ (¬1) المدونة 5/ 275، 300، البيان والتحصيل 8/ 464 - 465، التاج والإكليل 7/ 522. (¬2) العزيز شرح الوجيز 5/ 417، روضة الطالبين 4/ 104 - 105، الأشباه والنظائر للسبكي 1/ 352 - 354. (¬3) المحلى 8/ 197 (¬4) البحر الرائق 7/ 517، حاشية ابن عابدين 9/ 46، وينظر المبسوط 16/ 29 - 30. (¬5) التنقيح المشبع ص 275، كشاف القناع 9/ 72، الشرح الممتع 10/ 5. (¬6) العزيز شرح الوجيز 5/ 417، روضة الطالبين 4/ 104 - 105، الأشباه والنظائر للسبكي 1/ 352 - 354. (¬7) ينظر المحلى 8/ 197. (¬8) ينظر الأشباه والنظائر للسبكي 1/ 352.

والتناول، كأن يستخدمه في عملٍ كُرهًا، مع أن في أصل المسألة خلافًا (¬1). الدليل الثالث: أنه لا يلزم مستأجر العين أن يستوفي المنفعة بنفسه، فكذلك منافع الأجير، له أن يستوفيها بنفسه أو بمن يقوم مقامه، كأن يؤجرها. المناقشة: أن الناس يتفاوتون في استخدام الأجير تفاوتًا كثيرًا، ومن شروط إجارة المستأجر للعين أن يكون الثاني مثله أو دونه في الانتفاع والضرر. الجواب: قال في "المبسوط": (الاستخدام له حدٌّ معلومٌ بالعرف، فإذا كلَّفه فوق ذلك امتنع العبد منه، سواء كان المستأجر هو الذي يستخدمه أوغيره) (¬2)، ولا فرق بين الحر والعبد في ذلك. أدلة القول الثاني: الدليل الأول: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قال الله - عز وجل -: «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة -ذكر منهم-: ورجلٌ باع حرًّا فأكل ثمنه» (¬3). وجه الدلالة: أنه كما لا يجوز أن يبيعه فيأكل ثمنه، فكذلك لا يجوز أن يؤجره فيأكل أجرته. المناقشة: أن بيع الحر محرَّمٌ لذاته، ولما فيه من الكذب والخداع، وظلم الحرِّ المباع، وجعله عبدًا بذلك، وإجارة منافع الأجير ليس فيها شيءٌ من ذلك، وإنما هي إجارة لمنفعة ملكها المستأجر بطريقٍ مباحٍ. الدليل الثاني: كراهة ابن عمر - رضي الله عنهما - لذلك وقوله: (الفضل للأول) (¬4). المناقشة: أثر ابن عمر - رضي الله عنهما - خاص بما لو آجره بأكثر مما استأجره به، ويدل مفهومه على الجواز إذا آجره بمثل أجرته أو أقل. الدليل الثالث: أن الحر لا يدخل تحت اليد، أو لا تثبت يد غيره عليه (¬5)، وعليه فالأجير الحر لا تدخل منافعه في تصرف المستأجر، فلا يملك أن يتصرف فيه بإجارته لغيره. المناقشة: أن هذه القاعدة ليست محل اتفاق؛ لذا قال بعض الشافعية: (صرح به الأصحاب في مواضع كثيرة، ولم أجد في كلام الأصحاب ولا في الشريعة دليلًا عليه) ثم قال: (فالأرجح ¬

_ (¬1) المرجع السابق، المغني 7/ 429 - 430، الروض 6/ 197. (¬2) 16/ 30. (¬3) سبق تخريجه ص 48. (¬4) سبق تخريجه ص 61. (¬5) الأشباه والنظائر للسيوطي 1/ 284، كشاف القناع 9/ 72.

عندي -والعلم عند الله- أن الحر يدخل تحت اليد) (¬1)، وقال بعض الحنابلة: (وإن قلنا تثبت صح) (¬2)، وقال بعضهم: (وحكى صاحب "التلخيص" وجهًا بثبوت اليد على منافع الحر دون ذاته، ورتّب عليه صحة إجارة المستأجر للأجير الخاص، وجزم الأزجي في "النهاية" بصحته) (¬3)، وعلى القول بصحة القاعدة فاليد إنما تثبت على منافع الحر فقط. الدليل الرابع: أن العين المستأجرة جاز للمستأجر إجارتها؛ لأن أصلها مملوك، وكذلك العبد، أما الحر فليس مملوكًا، فكذلك منافعه. الترجيح الراجح جواز إجارة المستأجر منافع الأجير بالشروط السابقة في إجارة العين (¬4). سبب الترجيح: الموازنة بين أدلة القولين وما ورد من مناقشات عليها. تنبيهان: الأول: من الصور المعاصرة لهذه المسألة إجارة الخدم والسائقين والعمّال؛ لأنهم أجراء خاصّون. الثاني: مصطلح الإجارة المضافة مغاير للإجارة المضافة إلى مثلها، وصورتها أن تكون مدة الانتفاع بالعين المؤجرة لا تلي عقد الإجارة، مثل أن يستأجر بيتًا يسكنه في شهر رمضان، ويكون العقد بين الطرفين قد تم في شهر محرم من ذلك العام (¬5). ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر للسبكي 1/ 352 - 354 (¬2) تصحيح الفروع 7/ 229 - 230، الإنصاف 14/ 339 - 340. (¬3) تقرير القواعد 2/ 327، القاعدة الحادية والتسعون. (¬4) ص 59. (¬5) مجموع الفتاوى 30/ 158، مغني المحتاج 20/ 435.

المبحث الثالث: إقالة الإقالة

المبحث الثالث: إقالة الإقالة، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الإقالة وحكمها. تعريف الإقالة الإقالة لغةً الفسخ، يقال قاله البيع قيلًا، وأقاله يُقيله إقالةً وتقايُلًا، وقد تقايلا البيع أي تتاركا (¬1). والإقالة اصطلاحًا مختلف فيها للخلاف في حقيقتها، وذلك على أقوال: القول الأول: أنها فسخٌ، وهو مذهب الشافعية (¬2) والحنابلة (¬3) وداود (¬4) وزفر (¬5). القول الثاني: أنها بيعٌ، وهو مذهب المالكية (¬6) وابن حزم (¬7). القول الثالث: أنها فسخ في حق المتعاقدين بيع في حق غيرهما، وهو مذهب أبي حنيفة (¬8). القول الرابع: أنها بيع إلا إذا تعذر جعلها بيعًا فهي فسخ، وهو مذهب أبي يوسف (¬9). القول الخامس: أنها إن كانت بجنس الثمن الأول أو مثله فهي فسخ وإلا فهي بيع، وهو مذهب محمد بن الحسن (¬10). القول السادس: أنها فسخ قبل القبض بيعٌ بعده، وهو قولٌ لأبي حنيفة وأبي يوسف (¬11). الأدلة: أدلة القول الأول: الدليل الأول: أن الإقالة في لسان الشارع -كما هي في لغة العرب- الرفع والإزالة والفسخ، يقال: أقال الله عثرتك أي أزالها، وفي الحديث: «من أقال مسلمًا عثرته» (¬12). المناقشة: لا نسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمى فعل من باع آخر بيعًا ثم استقاله فرد إليه ما ابتاع ¬

_ (¬1) المحكم والمحيط الأعظم، مادة قيل 6/ 504، القاموس المحيط، مادة قيل ص 1051، لسان العرب، مادة قيل 14/ 98. (¬2) الأم 3/ 77،76، نهاية المطلب 5/ 503، المجموع 10/ 304، تكملته 13/ 359. (¬3) المغني 6/ 199، الروض المربع 6/ 199. (¬4) المحلى 9/ 3. (¬5) بدائع الصنائع 5/ 492، خلاصة الدلائل 1/ 359. (¬6) التمهيد 16/ 533، 17/ 280 - 281، الذخيرة 5/ 151. (¬7) المحلى 9/ 2 - 5. (¬8) خلاصة الدلائل 1/ 359، حاشية ابن عابدين 7/ 346. (¬9) فتح القدير 5/ 247، حاشية ابن عابدين 7/ 346. (¬10) خلاصة الدلائل 1/ 359، حاشية ابن عابدين 7/ 347. (¬11) بدائع الصنائع 5/ 492، خلاصة الدلائل 1/ 359. (¬12) يأتي تخريجه ص 77.

وأخذ ثمنه إقالة، إنما فيه الحض على الإقالة فقط، وليس فيه أن الإقالة لا تسمى بيعًا (¬1). الجواب: 1. عموم الحديث المستفاد من اسم الشرط (مَن) يشمل من أقال في بيعٍ كما يشمل من أقال في سائر العقود، وما لم ينقله الشارع إلى معنى خاص يبقى على معناه المعروف في اللغة. 2. أنه لو سلم أن الحديث ليس فيه أن الإقالة تسمى بيعًا أو لا تسمى فإنه ينبغي حمل اللفظ على المعنى المتعارف عليه. الدليل الثاني: قال ابن المنذر: (وفي إجماعهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الطعام قبل قبضه مع إجماعهم على أن له أن يقيل المسلم جميع المسلم فيه دليلٌ على أن الإقالة ليست بيعًا) (¬2)؛ لأنها لو كانت بيعًا لباع عليه ما لم يقبضه. المناقشة: عدم التسليم بدعوى إجماعهم على جواز إقالة المسلم فيه قبل قبضه (¬3). الدليل الثالث: مجموعةٌ من المعاني القياسية ذكرها ابن قدامة بقوله: (ولأنها تجوز في المسلم فيه قبل قبضه فلم تكن بيعًا كالإسقاط، ولأنها تتقدر بالثمن الأول ولو كانت بيعًا لم تتقدر به، ولأنه عاد إليه المبيع بلفظ لا ينعقد به البيع فكان فسخًا كالرد بالعيب) (¬4) الدليل الرابع: أن البيع والإقالة اختلفا اسمًا فيختلفان حكمًا، على الأصل، فإذا كانت رفعًا لا تكون بيعًا؛ لأن البيع إثبات والرفع نفي وبينهما تنافٍ (¬5). أدلة القول الثاني: الدليل الأول: أن البيع مبادلة مالٍ بمالٍ، وقد وجد ذلك في الإقالة، والعبرة بالحقائق والمعاني، ولهذا تبطل بهلاك السلعة (¬6). المناقشة: ¬

_ (¬1) المحلى 9/ 3 - 4. (¬2) المغني 6/ 199 - 200، والإجماع على المنع من بيع الطعام قبل قبضه ذكره ابن المنذر في "الإشراف" 6/ 50، والإجماع على جواز الإقالة في جميع المسلم فيه أيضًا في "الإشراف" 6/ 109، وما في كتاب "الإجماع" له ص 132،135 أضافه المحقق من "الإشراف" وليس في أصل الكتاب. (¬3) المحلى 9/ 4 - 5. (¬4) المغني 6/ 200. (¬5) بدائع الصنائع 5/ 492. (¬6) بدائع الصنائع 5/ 493، العناية على الهداية 5/ 247.

1. لو كانت بيعًا أو محتملةً له لانعقد البيع بلفظ الإقالة، وليس كذلك (¬1)؛ لأن اللفظ لا يحتمل هذا المعنى عرفًا. 2. أن اتفاق الإقالة مع البيع في بعض الأحكام لا يوجب اتحاد ذاتيهما. 3. قال في "البدائع": (لو تقايلا البيع في المنقول ثم باعه البائع من المشتري ثانيًا قبل أن يسترده من يده [وهي إقالة الإقالة] جاز ... وبيع المبيع المنقول قبل القبض لا يجوز بلا خلاف بين أصحابنا، فكان هذا الفعل حجة على أبي يوسف إلا أن يثبت عنه الخلاف فيه) (¬2). 4. أن البيع ما كان مفيدًا لمبادلة المال بالمال ابتداءً لا تراجعًا بطريق الرفع (¬3). الدليل الثاني: أن البيع عقد صحيح بالقرآن والسنة والإجماع المقطوع، ولا يحل فسخ عقدٍ صححه الله -تعالى- في كتابه وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - إلا بنص آخر ولا نص في جواز فسخه مطارفة بتراضيهما (¬4). المناقشة: 1. هذا مبني على أن الأصل في المعاملات والفسوخ المنع حتى يرد دليل على الإباحة، وهذا الأصل باطل بالكتاب والسنة، وقد قرر ابن حزم أن ما سكت عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يأمر به ولا نهى عنه فهو مباح وليس حرامًا ولا فرضًا (¬5). 2. أن دليل جواز الفسخ قائم، وهو الحديث السابق، وقد صححه ابن حزم. 3. أن اعتبار الإقالة بيعًا يلزم منه فسخ العقد الأول بهذا البيع الثاني، فيرد عليه ما أورده على الجمهور من عدم الدليل على جواز فسخ البيع الأول، وهذا قلبٌ لدليله عليه. دليل القول الثالث: كونه فسخًا لما سبق في أدلة القول الأول، وكونه بيعًا لما سبق من أدلة القول الثاني، إلا أنه لا يمكن إظهار معنى البيع في الفسخ في حق العاقدين للتنافي فأظهرناه في حق الثالث (¬6)، فكان فسخًا في حقهما بيعًا في حقه، فلو كان لأحدهما شريك ثبت له حق الشفعة؛ لأنها في حقه بيعٌ. المناقشة: ¬

_ (¬1) العناية على الهداية 5/ 247. (¬2) بدائع الصنائع 5/ 494. (¬3) فتح القدير 5/ 248. (¬4) المحلى 9/ 5. (¬5) المحلى 1/ 64. (¬6) بدائع الصنائع 5/ 493.

1. ما كان فسخًا في حق المتعاقدين كان فسخًا في حق غيرهما كالرد بالعيب والفسخ بالخيار. 2. أن حقيقة الفسخ لا تختلف بالنسبة إلى شخص دون شخص، والأصل اعتبار الحقائق (¬1). دليل القول الرابع: أن الأصل في الإقالة الفسخ إلا أنها إذا لم يمكن أن تجعل فسخًا تجعل بيعًا ضرورة (¬2). المناقشة: يرد على اعتبارها بيعًا ما ورد على أصحاب القول الثاني، وعلى عدم إمكان اعتباره فسخًا ما ورد على القول الثالث. دليل القول الخامس: يمكن أن يستدل له بأن وقوع الإقالة بغير الثمن الأول جنسًا وقدرًا يعدُّ استئنافَ عقدٍ جديدٍ؛ لذا اعتبر بيعًا. المناقشة: أن هذا يؤيد كونها فسخًا؛ لأنها لو كانت بيعًا لجازت عند الجمهور بأكثر من الثمن كسائر البياعات، وقد قال ابن قدامة: (ولا تجوز إلا بمثل الثمن سواء قلنا: هي فسخ أو بيع ... وبهذا قال الشافعي) (¬3). قال ابن عبد البر: (لا خلاف بين العلماء أن الإقالة إذا كان فيها نقصان أو زيادة أو تأخير أنها بيع) (¬4) فبما أنه لا يجوز أن يزيد على الثمن الأول إذن الإقالة فسخ للعقد -أي البيع- الأول. دليل القول السادس: أن الأصل اعتبارها بيعًا لما تقدم من أدلة القول الثاني، وإنما تعتبر فسخًا قبل القبض لعدم جواز بيع المنقول-عند الحنفية- قبل قبضه. المناقشة: يرد عليه ما يرد على القول الثاني. الترجيح الراجح أن الإقالة فسخٌ بشرط كونها بالثمن نفسه. سبب الترجيح 1. قوة الأدلة. 2. استنادها إلى الأصل، وهو حمل اللفظ على مقتضاه. 3. مناقشة أدلة الأقوال الأخرى. ¬

_ (¬1) المغني 6/ 200. (¬2) بدائع الصنائع 5/ 492 - 493. (¬3) المغني 6/ 200، نهاية المطلب 5/ 503. (¬4) الاستذكار 17/ 280.

وعليه فالراجح في تعريف الإقالة: رفع العقد وإلغاء حكمه وآثاره بتراضي الطرفين (¬1). حكم الإقالة الإقالة جائزة، والأصل فيها السنة والإجماع، أما السنة فقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من أقال مسلمًا أقال الله عثرته» (¬2). وأما الإجماع فقال في "نتائج الأفكار": (الإقالة جائزة في البيع بمثل الثمن الأول: عليه إجماع المسلمين) (¬3). وقال في "نهاية المطلب": (الإقالة لا خلاف في جوازها) (¬4). ونص بعض الحنفية (¬5) والحنابلة (¬6) على أنها مندوبة، للحديث السابق. وذكر الحنفية أنها تجب في العقد المكروه والفاسد (¬7). ¬

_ (¬1) الموسوعة الفقهية الكويتية 5/ 324 مادة إقالة، المدخل الفقهي العام 1/ 624، وعرَّفه أيضًا بـ: عقدٌ يرفع به عقدٌ سابق. 1/ 626. وينظر في ثمرة الخلاف: بدائع الصنائع 5/ 293، نهاية المطلب 5/ 505، تقرير القواعد لابن رجب 3/ 309 - 322. وذكر 21 فائدة للخلاف، لخصها المرداوي في "الإنصاف" 11/ 521 - 528. (¬2) رواه أبو داود، كتاب البيوع، باب في فضل الإقالة (4/ 168) (ح 3460)، ورواه ابن ماجه بزيادة: (يوم القيامة) أبواب التجارات، باب الإقالة (3/ 318) (ح 2199)، ورواه عبد الله بن الإمام أحمد ضمن زوائد المسند (12/ 400 - 401) (ح 7431) ولفظه: (من أقال عثرةً أقاله الله يوم القيامة) ورواه ابن حبان، كتاب البيوع، باب الإقالة (11/ 404 - 405) (ح 5030،5029) بلفظ ابن ماجه، وبلفظ: (من أقال نادمًا بيعته أقال الله عثرته يوم القيامة) صححه ابن حبان والحاكم وابن حزم والمنذري وابن الملقن والألباني، وقال أبو الفتح القشيري-ابن دقيق العيد-: (على شرطهما). المستدرك 2/ 45، المحلى 9/ 4، البدر المنير 6/ 556، التلخيص الحبير 4/ 1789 - 1790، الإرواء 5/ 182، وأعله بعض المعاصرين بأنه من أفراد يحيى بن معين عن حفص بن غياث، ولعله قلَّد في ذلك أبا بكر ابن أبي شيبة، فقد تكلم في يحيى وقال: (من أين له حديث حفص بن غياث عن الأعمش -يعني: (من أقال مسلمًا) -؟) وقال: (هو ذا كتب حفص بن غياث عندنا، وهو ذا كتب ابنه عمر عندنا، وليس فيها شيء من هذا) رواه عنه بسنده ابن عدي (الكامل ترجمة 129)، ويجاب من ثلاثة أوجه: 1. أن هذه القصة ضعفها الذهبي بالحسين بن حميد. سير أعلام النبلاء 11/ 76. 2. أن الحديث له طرق، وليس مدارها عليهما، قال الذهبي: (ويحيى أوثق وأجل من أن ينسب إليه شيء من ذلك، وبه يُسبر أحوال الضعفاء. قلت: فحاصل الأمر أن يحيى بن معين مع إمامته لم ينفرد بالحديث، ولله الحمد). 3. أنه لو سُلم تفرد يحيى به لقبل منه؛ لإمامته المشار إليها وضبطه، وهذا أرجح من قرينة عدم وجود الحديث في كتاب الراوي، فهذه لا يُرَدُّ بها في كل حال، فليس كل حديث الراوي في كتبه. (¬3) 5/ 246. (¬4) 5/ 503. (¬5) الدر المختار مع حاشيته 7/ 345. (¬6) الروض المربع 6/ 198. (¬7) فتح القدير 5/ 246، حاشية ابن عابدين 7/ 346.

المطلب الثاني: حكم إقالة الإقالة

المطلب الثاني: حكم إقالة الإقالة. صورة المسألة: هي إلغاء الإقالة والعودة إلى العقد، مثال ذلك: لو تقايلا البيع ثم تقايلا الإقالة وعادا إلى البيع فما حكمه؟ لم أجد مَن نصَّ على هذه المسألة إلا الحنفية. قال في "الأشباه والنظائر": (إقالة الإقالة صحيحة إلا في السلم) (¬1). قال في "الدر المختار" (¬2) وفي "البحر الرائق" (¬3): (وتصح إقالة الإقالة، فلو تقايلا البيع ثم تقايلاها، أي الإقالة، ارتفعت وعاد البيع). وقال في "بدائع الصنائع": (ولو تقايلا البيع في المنقول ثم إن البائع باعه من المشتري ثانيًا قبل أن يسترده من يده يجوز البيع، وهذا يطرد على أصل أبي حنيفة ومحمد وزفر ... وأما على أصل أبي يوسف فلا يطرد) (¬4). وقال في "حاشية ابن عابدين": (باع زيد من عمرو شيئًا منقولًا كثوب وقبضه ثم تقايلا ثم باعه زيد ثانيًا من عمرو قبل قبضه منه جاز البيع) (¬5). ومقتضى مذهب الجمهور الجواز؛ لأنهم يعدونه فسخًا، ولا محظور في ترك الفسخ وإلغائه، ومقتضى مذهب المالكية عدم جوازه في الطعام قبل القبض؛ لأن بيع المبيع يشترط فيه القبض إذا كان طعامًا، وقد سبق، والإقالة عندهم بيع. ويمكن أن يُخرَّج للحنابلة قولٌ بالمنع مما جاء في "المغني": (ولا يفتقر الخلع إلى حاكم ... ولأنه قطع عقد بالتراضي أشبه الإقالة) ثم ذكر كون الخلع فسخًا ثم قال: (والخلع في نفسه فسخٌ فلا يُفسخ) (¬6). أدلة الجواز: الدليل الأول: أن الإقالة فسخ إما مطلقًا أو في حق العاقدين، وعلى كلا القولين فقد عاد ¬

_ (¬1) الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 179. (¬2) 7/ 355. (¬3) 6/ 170. (¬4) 7/ 494. (¬5) 7/ 351. (¬6) المغني 10/ 319،274،268، وكون الخلع فسخًا مقيد عندهم بألا يكون الخلع بلفظ الطلاق أو نيته، وفي رواية عن أحمد اختارها ابن تيمية وابن القيم أنه فسخ مطلقاً، ودليله قول ابن عباس: (ما أجازه المال فليس بطلاق) رواه عبد الرزاق (ح 11770) والبيهقي (7/ 316)، فلا يصح ما حكي فيه من إجماع، وعند الجمهور هو طلاق مطلقًا. المدونة 3/ 83، مجموع الفتاوى 32/ 315، زاد المعاد 5/ 181 - 182، فتح الباري 12/ 86، الإنصاف 22/ 29 - 32.

إلى البائع مِلكه السابق فلم يكن بائعًا ما اشتراه قبل قبضه (¬1). الدليل الثاني: أن الأصل في الأفعال والتصرفات الحل والنفوذ، ولا يوجد دليل يمنع من إقالة الإقالة والعودة إلى العقد، بخلاف ما لو اعتبرنا الإقالة بيعًا فإن المانع حينئذٍ الإجماع على تحريم بيع ما لم يقبضه إذا كان طعامًا، والأدلة الواردة في المنع من ذلك إذا لم يكن طعامًا (¬2). تنبيهان: الأول: استثنى الحنفية من إقالة الإقالة: إقالة السلم قبل قبض المسلَم فيه، ففي إقالة الإقالة من السلم إقالتان، فأما الإقالة الأولى فسبق الإشارة إليها وأن ابن المنذر نقل الإجماع على جواز الإقالة من السلم في جميع المسلَم فيه، وكذلك نقله ابن عبد البر (¬3) وابن القطان (¬4) وابن تيمية (¬5)، ونقضه ابن حزم (¬6)، أما الإقالة في بعض المسلم فيه فمحل خلاف، فذهب إلى جوازه ابن عباس (¬7)، وروي عن ابن عمر - رضي الله عنهم -، ولا يصح عنه (¬8)، ومحمد بن علي بن أبي طالب (¬9) وشريح (¬10) وحميد بن عبد الرحمن (¬11) وعطاء (¬12) والحكم (¬13) وعمرو بن دينار (¬14) ¬

_ (¬1) حاشية ابن عابدين 7/ 351. (¬2) ولم أذكر أدلة القول بالمنع من إقالة الإقالة واكتفيت بالإشارة السابقة؛ لأنني لم أجد قائلًا به، وإنما ذكرته تخريجًا، والترجيح في هذه المسألة فرعٌ عن الترجيح في حقيقة الإقالة. (¬3) الاستذكار 17/ 282. (¬4) الإقناع 2/ 240. (¬5) مجموع الفتاوى 29/ 513. (¬6) سبق ص 74. (¬7) رواه عبد الرزاق، كتاب البيوع، باب السلف في شيءٍ فيأخذ بعضه (8/ 12) (ح 14101)، وابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية، باب في رجل أسلف في طعام ... إلخ (10/ 491) (ح 20355)، والبيهقي، كتاب البيوع، باب من أقال المسلم إليه بعض السلم وقبض بعضًا (6/ 27). (¬8) رواه عبد الرزاق، الموضع السابق (8/ 13) (ح 14105)، وابن أبي شيبة، الموضع السابق (10/ 492) (ح 20359)، والبيهقي، الموضع السابق (6/ 27) وعلته جابر الجعفي، وقال البيهقي: (والمشهور عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أنه كره ذلك). (¬9) هو ابن الحنفية، رواه عنه عبد الرزاق، الموضع السابق (8/ 13) (ح 14103)، وابن أبي شيبة، الموضع السابق (10/ 492) (ح 20358). (¬10) رواه عبد الرزاق، الموضع السابق (8/ 13) (ح 14104)، وابن أبي شيبة، الموضع السابق (10/ 492) (ح 20357) وروى عنه أنه كرهه (ح 20376). (¬11) رواه ابن أبي شيبة، الموضع السابق (10/ 493) (ح 20364). (¬12) رواه ابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية، من كره أن يأخذ بعض سلمه وبعضًا طعامًا (10/ 495) (ح 20374). (¬13) رواه عبد الرزاق، الموضع السابق (8/ 13) (ح 14103). (¬14) الإشراف 6/ 109، المغني 6/ 417.

والثوري (¬1) وابن المنذر (¬2) وهو مذهب الحنفية (¬3) والشافعية (¬4) والحنابلة (¬5). وذهب إلى كراهته عبد الله بن عمر (¬6) وعبد الله بن عمرو (¬7) - رضي الله عنهم - وعبد الله بن معقل (¬8) وسعيد بن المسيب (¬9) وسعيد بن جبير (¬10) والنخعي (¬11) ومجاهد (¬12) والشعبي (¬13) وطاوس (¬14) وسالم والقاسم (¬15) والحسن (¬16) وابن سيرين (¬17) وربيعة وابن أبي ليلى (¬18) وإسحاق (¬19). وفي مذهب مالك (¬20)، ورواية عن أحمد (¬21): أنه لا يجوز. هذا في حكم الإقالة من عقد السلم، ومنع الحنفية من إقالة الإقالة فيه؛ لأن المسلم فيه دينٌ، وقد سقط بالإقالة الأولى، فلو انفسخت لعاد المسلم فيه الذي سقط، والساقط لا يعود (¬22). ¬

_ (¬1) الإشراف 6/ 109، المغني 6/ 417. (¬2) الأوسط 10/ 301 - 302، الإشراف 6/ 109. (¬3) عزاه لأبي حنيفة وأصحابه ابن المنذر، الإشراف 6/ 109 وابن قدامة، المغني 6/ 417، ويفهم مما في فتح القدير 5/ 350. (¬4) الأم 3/ 77، تكملة المجموع 13/ 361. (¬5) شرح منتهى الإرادات 3/ 317، كشاف القناع 8/ 121 - 122. (¬6) رواه ابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية، من كره أن يأخذ بعض سلمه وبعضه طعامًا (10/ 494 - 495) (ح 20373). (¬7) رواه ابن أبي شيبة، الموضع السابق (10/ 493) (ح 20365). (¬8) رواه ابن أبي شيبة، الموضع السابق (10/ 494) (ح 20369)، (10/ 495) (ح 20380). (¬9) المغني 6/ 417. (¬10) رواه ابن أبي شيبة، الموضع السابق (10/ 495) (ح 20377). (¬11) رواه عبد الرزاق، الموضع السابق (8/ 12) (ح 14097 وما بعده). (¬12) رواه ابن أبي شيبة، الموضع السابق (10/ 495) (ح 20374). (¬13) رواه عبد الرزاق، الموضع السابق (8/ 12) (ح 14096). (¬14) رواه ابن أبي شيبة، الموضع السابق (10/ 494) (ح 20371) وعزا له ابن المنذر وتبعه ابن قدامة: الجواز. الأوسط 10/ 302، المغني 6/ 417. (¬15) رواه عنهما ابن أبي شيبة، الموضع السابق (10/ 495) (ح 20378). (¬16) رواه عبد الرزاق، الموضع السابق (8/ 12) (ح 14099)، وابن أبي شيبة، الموضع السابق (10/ 495) (ح 20380). (¬17) رواه ابن أبي شيبة، الموضع السابق (10/ 495) (ح 20379). (¬18) عزاه لهما في الأوسط 10/ 302، المغني 6/ 417. (¬19) الإشراف 6/ 109، المغني 6/ 417. (¬20) المدونة 4/ 415. (¬21) المغني 6/ 417. (¬22) حاشية ابن عابدين 7/ 356.

الثاني: اعتبار إقالة الإقالة رجوعًا للعقد الأول يعني أنه فسخ للفسخ، وليس إبرامًا للعقد من جديد، لكن متى ما تفرقا من مجلس الإقالة الأولى فإنه لا تتصور إقالة الإقالة، ويكون إبرامًا لعقد جديد، فيشترط له شروطه وتسري فيه أحكامه.

المبحث الرابع: مضاربة المضارب

المبحث الرابع: مضاربة المضارب، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف المضاربة وحكمها. تعريف المضاربة المضاربة في اللغة مفاعلة من الضَّرْب، فحقيقته اللغوية إيقاع الضرب (¬1)، وله معانٍ أخرى أوفقها للمعنى الاصطلاحي معنيان: أولهما: الضرب بمعنى الكسب، وثانيهما: ضَرَبَ في الأرض أي خرج تاجرًا أو غازيًا، وقيل: سار في ابتغاء الرزق، قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} المزمل: (20) وقال - عز وجل -: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} النساء: (101) أي سافرتم، وضارب له: اتجر له في ماله، كما عُرفت المضاربة في المعاجم اللغوية تعريفًا اصطلاحيًا، كما في "اللسان" وغيره: أن تعطي إنسانًا من مالك ما يتّجرُ فيه على أن يكون الربح بينكما، أو يكون له سهمٌ معلومٌ من الربح (¬2)، وقد يكون معناه اللغوي هو الشرعي. والمضاربة في الاصطلاح: 1 - عند الحنفية: عقد شركةٍ في الربح بمالٍ من جانب وعملٍ من جانب (¬3). وبيّن ابن عابدين أن المال من جانب ربه والعمل من المضارب (¬4). 2 - عند المالكية: توكيلٌ على تَجْرٍ في نقدٍ مضروبٍ مسلمٍ بجزءٍ من ربحه (¬5). وقال ابن عرفة: تمكينُ مالٍ لمن يتجر به بجزءٍ من ربحه لا بلفظ الإجارة (¬6). 3 - عند الشافعية: أن يدفع إليه مالًا؛ ليتجر فيه والربح مشترك (¬7). 4 - عند الحنابلة: أن يدفع ماله إلى آخر يتجر فيه والربح بينهما (¬8) كالشافعية، وعرفها به ابن جزي الكلبي (¬9)، وأُورد على هذين التعريفين في قولهم (أن يدفع) أن المضاربة ليست ذات ¬

_ (¬1) مقاييس اللغة، مادة ضرب 3/ 398. (¬2) لسان العرب، مادة ضرب 2/ 32، القاموس المحيط، مادة ضرب ص 108، المطلع ص 312، فائدة: في حاشية ابن عابدين 6/ 398 أنه اشتهر أن صاحب القاموس يذكر المعاني العرفية مع المعاني اللغوية. (¬3) خلاصة الدلائل 1/ 481، حاشية ابن عابدين (التكملة) 12/ 349، واختاره بعض المعاصرين. السلم والمضاربة ص 159. (¬4) حاشية ابن عابدين (التكملة) 12/ 349. (¬5) مختصر خليل مع مواهب الجليل 7/ 439، وينظر: عقد المضاربة، دراسة في الاقتصاد الإسلامي ص 31،32، المضاربة في الشريعة الإسلامية ص 28. (¬6) الفواكه الدواني 2/ 190. (¬7) المنهاج مع نهاية المحتاج 5/ 157، ومع مغني المحتاج 3/ 376. (¬8) المقنع مع الشرح الكبير 14/ 54، الكافي 2/ 267. (¬9) القوانين الفقهية ص 305، قال: (وصفته)، قد لايريد به الحد.

الدفع للمال، بل هي العقد المقتضي للدفع (¬1). وقد اتفقت هذه التعاريف في ما يلي: - وجود طرفين متعاقدين. - وجود مال من أحد الطرفين. - وجود عمل من الطرف الآخر. - الاشتراك في الربح. وبهذا يكون التعريف الراجح كل تعريفٍ بأنه عقد أو شركة مشتمل على هذه الأمور الأربعة. ويرادف كلمة المضاربة عند السلف ومن بعدهم من العلماء لفظان: أولهما: القِراض والمقارضة، وفي اشتقاقها لغةً أقوال، فقيل: هي من القرض، وهو قطع الأرض بالسير، وقيل: من المقارضة، وهي المساواة، وقيل: من القرض، وهو القطع، كقرضتِ الفأرة (¬2). ثانيهما: المعاملة، وهذه تسمية العراقيين، وهو لفظ يشتمل على البيع والشراء، وهذا معنى المضاربة، لكنّ هذا اللفظ لا يكاد يذكر في كتب الفقه بمعنى المضاربة إلا عند تعداد أسمائه، ولا يُبّوب به (¬3)، بل يسمى هذا العقد باسمين في كلام أهل العلم: الأول: التسمية بالمضاربة، وهي طريقة الحنفية (¬4) والحنابلة (¬5). الثاني: التسمية بالقِراض، وهي طريقة المالكية (¬6) والشافعية (¬7). ¬

_ (¬1) مغني المحتاج 3/ 375، حاشية ابن عابدين (التكملة) 12/ 349. (¬2) المطلع ص 312 - 313، المصباح المنير ص 406. (¬3) الإشراف لابن المنذر 6/ 208، بدائع الصنائع 5/ 109، منتهى الإرادات مع شرحه 3/ 564، السلم والمضاربة ص 162، عقد المضاربة ص 30. (¬4) المبسوط 22/ 16، بدائع الصنائع 5/ 108، حاشية ابن عابدين (التكملة) 12/ 348. (¬5) المغني 7/ 132، الشرح الكبير مع الإنصاف 14/ 54، الفروع 7/ 82، شرح منتهى الإرادات 3/ 563، الإقناع 2/ 454، واختاره بعض المعاصرين. السلم والمضاربة ص 164، عقد المضاربة ص 30. (¬6) الموطأ 2/ 221، المدونة 3/ 629، الذخيرة 6/ 23، مواهب الجليل 7/ 438، الفواكه الدواني 2/ 189. (¬7) الأم 4/ 5، المهذب 2/ 226، نهاية المحتاج 5/ 157، مغني المحتاج 3/ 375، كفاية الأخيار ص 321. فائدة: وجه الاسم الأول أنه الموافق للفظ القرآن, وأن العامل يضرب في الأرض، أي يسافر للتجارة، وأنه من جهة أن كل واحدٍ من المتعاقدين يضرب بسهمٍ في الربح، وهي تسمية أهل العراق، وأورد عليه بعض أصحاب القول الثاني أن رب المال ليس له من اسم المضاربة نصيب بخلاف القِراض، ووجه الثاني أن المعنى اللغوي -وهو القطع- موجود فيه؛ لأن صاحب المال اقتطع من ماله قطعة وسلّمها للعامل واقتطع له قطعة من الربح، وعلى القول باشتقاقه من المساواة والموازنة فقد بذل العامل العمل وربُّ المالِ المالَ فتوازنا، واستخدمه الصحابة -كما في الموطأ-: (لو جعلته قِراضًا)، وقالوا: (الصحابة - رضي الله عنهم - هم أهل اللسان وأرباب البيان، وإذا كان يحتج في اللغة بقول امراء القيس والنابغة فالحجة بقول هؤلاء أولى وأقوى) قاله ابن رشد الجد في "المقدمات الممهدات" 3/ 6، وينظر "مواهب الجليل" 7/ 439، ولا مشاحّة في الاصطلاح إذا فُهم المعنى؛ لأن العبرة بالحقائق والمعاني لا بالألفاظ والمباني، خاصّةً في باب العقود والمعاملات، وأصحاب القول الأول قد نصّوا على انعقاد العقد باللفظ الثاني (بدائع الصنائع 5/ 109، الشرح الكبير 14/ 54 - 55) وأشار إلى ذلك بعض أصحاب القول الثاني (مغني المحتاج 3/ 375)، والحمد لله.

حكم المضاربة لا خلاف بين المسلمين في جواز شركة المضاربة، ولكن اختلفوا في نوع الدلالة على هذا الحكم على قولين: القول الأول: أنه لا دليلَ عليه من الكتاب ولا من السنة المرفوعة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما دلت عليه الآثار والإجماع، وممن ذهب إلى هذا ابن المنذر وابن حزم، قال ابن المنذر: (لم نجد للقراض في كتاب الله - عز وجل - ذكرًا ولا في سنة نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، ووجدنا أهل العلم قد أجمعوا على إجازة القراض بالدنانير والدراهم) ثم أشار إلى أصل في هذه المسألة وما شابهها مما كان ثبوت أصله بالإجماع فقال: (فوجب إذا كان الأمر كذلك: نجيز منه ما أجمعوا عليه، ونقف عن إجازة ما اختلفوا فيه منه) (¬1) وقال ابن حزم: (كل أبواب الفقه ليس فيها بابٌ إلا وله أصلٌ في القرآن والسنة نعلمه-ولله الحمد- حاشا القراض، فما وجدنا له أصلًا فيهما البتّة، ولكنه إجماعٌ صحيحٌ مجرَّدٌ) ثم نقض ذلك فقال: (والذي نقطع عليه أنه كان في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلِمه فأقره، ولولا ذلك ما جاز) (¬2) وهذه سنة إقرارية، فيحمل كلامه الأول على السنة القولية أو الفعلية، ثم وجدت لأبي العباس ابن تيمية نصًّا في هذا، وهو قوله: (وقد كان بعض الناس يذكر مسائل فيها إجماع بلا نص، كالمضاربة وليس كذلك، بل المضاربة كانت مشهورة بينهم في الجاهلية لا سيما قريش، فإن الأغلب كان عليهم التجارة، وكان أصحاب الأموال يدفعونها إلى العمال، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد سافر بمال غيره قبل النبوة، كما سافر بمال خديجة، والعِيرُ التي كان فيها أبو سفيان كان أكثرُها مضاربة مع أبي سفيان وغيره، فلما جاء الإسلام أقرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان أصحابه يسافرون بمال غيرهم مضاربة ولم يَنْهَ عن ذلك، والسنة: قوله وفعله وإقراره، فلما أقرها كانت ثابتة بالسنة ... وعلى هذا، فالمسائل المجمع عليها قد تكون طائفة من المجتهدين لم يعرفوا فيها نصًّا فقالوا فيها باجتهاد الرأي الموافق للنص، لكن كان النص عند ¬

_ (¬1) الإشراف 6/ 206 وقوله: (ونقف عن إجازة ما اختلفوا فيه) إن أراد التوقف فلا يلزم منه خلو ما اختلفوا فيه عن حكم صحيح، وإن أراد التوقف عن الإجازة، أي المنع والحظر، فلا يسلَّم، بل ينظر في أدلة المختلفين بطرق الترجيح. (¬2) مراتب الإجماع ص 162، فائدة: ومن الأصول الثابتة بالإجماع دون النصوص الصريحة الشهادة على الشهادة.

غيرهم) (¬1). القول الثاني: أن في الكتاب والسنة أدلة على جواز المضاربة إضافةً لما ذُكر، وهذا موجود في كتب الفقهاء من أغلب المذاهب (¬2) وهذه الأدلة هي: 1 - من الكتاب: قول الله -عز وجل-: {ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم} البقرة: (198). قول الله -سبحانه وتعالى-: {وأحل الله البيع} البقرة: (275)، والمضاربة بيع منافع بجزء من الربح. قول الله -جل جلاله-: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله} الجمعة: (10). قوله- عز مِن قائلٍ-: {وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله} المزمل: (20). 2 - من السنة المرفوعة: - عن صهيب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثٌ فيهن البركة البيعُ إلى أجلٍ والمقارضة وأخلاطُ البر بالشعير للبيت لا للبيع» (¬3). - عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان العباس بن عبد المطلب إذا دفع مالًا مضاربةً اشترط على صاحبه ألّا يسلك به بحرًا ولا ينزل به واديًا ولا يشتري به ذات كبدٍ رطبةٍ فإن فعل فهو ضامن، فرفع شرطه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -فأجازه (¬4). - أن خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- كانت امرأة تاجرةً، تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم إياه، ¬

_ (¬1) مجموع الفتاوى 19/ 195 - 196، وينظر 30/ 269. (¬2) المبسوط 22/ 17، بدائع الصنائع 5/ 108، الذخيرة 6/ 24 - 25، نهاية المطلب 7/ 437 - 439، مغني المحتاج 3/ 375، تكملة المجموع 16/ 10 - 11. (¬3) رواه ابن ماجه أبواب التجارات، باب الشركة والمضاربة (3/ 390) (ح 2289)، قال البخاري: (موضوع) وقال الذهبي: (حديثه يستنكر) وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات" وضعفه البوصيري والألباني، وعلته صالح بن صهيب ونصر بن قاسم مجهولان، وعبد الرحيم بن داود حديثه غير محفوظ. تهذيب الكمال 29/ 366، الموضوعات 3/ 27، ضعيف سنن ابن ماجه (ح 2289)، ولعلها: إخلاط بكسر الهمزة. (¬4) رواه الدارقطني كتاب البيوع، (2/ 685) (ح 3048)، والبيهقي كتاب القراض 6/ 111 وضعفاه وضعفه الهيثمي (مجمع الزوائد 4/ 164)، ورواه الطبراني في "الأوسط" (1/ 231) (ح 760) وأعله، وعلته أبو الجارود زياد بن المنذر ضعيف، كذّبه ابن معين وضعّفه الباقون، وجاء عن حكيم بن حزام أنه كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالًا مقارضةً يضرب له به: ألاّ تجعل مالي في كبدٍ رَطْبةٍ، ولا تحمله في بحرٍ، ولا تنزل به في بطنٍ مسيلٍ، فإن فعلتَ شيئًا من ذلك فقد ضمنتَ مالي. رواه الدارقطني، كتاب البيوع (2/ 664) (ح 3000) والبيهقي، كتاب القراض (6/ 111) قال ابن حجر: بسندٍ قوي. التلخيص 4/ 1928، وجاء عن عائشة أنها كانت تدفع مال بني أخيها محمد مضاربةً، فبارك الله فيه. هذا سبك للحديث من الفقهاء، وهو عند ابن أبي شيبة (ح 10210،10214) بنحوه.

وأنها عرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يخرج في مالٍ لها إلى الشام تاجرًا فقبل -عليه الصلاة والسلام- (¬1). - أن المضاربة كانت من عقود الجاهلية وبُعث النبي - صلى الله عليه وسلم - والناس يتعاملون بها ولم يرد دليلٌ على المنع منها، فكان إقرارًا منه - صلى الله عليه وسلم - (¬2). - ذكر بعضهم حديث عروة البارقي دليلًا على المضاربة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاه دينارًا يشتري به شاةً، فاشترى له به شاتين، فباع إحداهما بدينار وجاءه بدينار وشاة فدعا له بالبركة في بيعه (¬3). ولكنه إلى تصرف الفضولي أقرب منه إلى المضاربة؛ لعدم وجود الإذن المسبق في العمل، فلم ينعقد بذلك عقد المضاربة. على هذا يكون نفي أصحاب القول الأول محمولٌ على نفي دليلٍ ينص على المضاربة أو نفي سنةٍ صحيحةٍ بخصوصها، أما الآثار فقد استدل بها الجميع. 3 - الآثار الموقوفة: ما جاء عن عمر وابنيه - رضي الله عنهم -: روى مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال: خرج عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب في جيش إلى العراق فلما قفلا مرّا على أبي موسى الأشعري، وهو أمير البصرة، فرحب بهم وسهَّل، ثم قال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى، ههنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين، فأسلفكماه فتبتاعان به متاعًا من متاع العراق ثم تبيعانه بالمدينة فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون الربح لكما. فقالا: وددنا. ففعل، وكتب إلى عمر بن الخطاب أن يأخذ منهما المال، فلما قدما باعا فأُربحا، فلما دفعا ذلك إلى عمر قال: أكلَّ الجيش أسلفه مثلما أسلفكما؟ قالا: لا. فقال عمر بن الخطاب: ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما، أدِّيا المال وربحه. فأما عبد الله فسكت وأما عبيد الله فقال: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين هذا، لو نقص المال أو هلك لضمِنَّاه. فقال عمر: أدِّياه. فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله، فقال رجلٌ ¬

_ (¬1) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/ 129، وابن إسحاق (السيرة النبوية لابن هشام 1/ 224 - 225) واللفظ له مختصرًا. (¬2) مراتب الإجماع ص 162، بدائع الصنائع 5/ 109، بداية المجتهد 3/ 449، الفواكه الدواني 2/ 189، المغني 7/ 133، أحكام الشركات ص 171. (¬3) رواه البخاري (ح 3642) تقدم تخريجه ص 51.

المطلب الثاني: مضاربة المضارب

من جلساء عمر (¬1): يا أمير المؤمنين، لو جعلته قراضًا. فقال عمر: قد جعلتُه قراضًا. فأخذ عمر رأسَ المال ونصف ربحه، وأخذ عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب نصف ربح المال (¬2). ووجه دلالة الأثر على الحكم فيه ثلاثة أوجه: الأول: قول عبد الرحمن (لو جعلته قراضًا) مع إقرار عمر، ولو علم عمر فساده لرد قوله، وإنما أخذ نصف الربح تورعًا؛ خشيةً من محاباة أبي موسى لابنيه - رضي الله عنهم - جميعًا. الثاني: أن عمر - رضي الله عنه - أجرى عليهما حكم القراض الصحيح، وإلّم يتقدم معهما عقد؛ اكتفاءً بقول أبي موسى - رضي الله عنه - لأن له ولاية على هذا المال. الثالث: أنه أجرى عليهما في الربح حكم القراض الفاسد، فأخذ منهما جميع الربح وعاوضهما على عملهما بأجرة المثل، وقَدَّره بما يعادل نصف الربح (¬3)، وفيه آثار كثيرة. المطلب الثاني: مضاربة المضارب، وفيه فرعان: الفرع الأول: مضاربة المضارب (العامل) بدفع رأس المال لآخر. صورة المسألة: أن يعطي رب المال للعامل مالًا ليعمل به، فيأخذ العامل المال ويدفعه لطرف ثالث بعقد مضاربة بربحٍ جديدٍ، مثال ذلك: إذا أعلنت شركة عن مشروع صناعي -مثلًا- يحتاج تمويلًا، فدفع الأفراد من التجار وعامة الناس لها أموالهم مضاربةً، فهل لها أن تدفع هذه الأموال لشركة صناعية أخرى تعمل في مثل هذا المشروع وتكسب فرق ما بين العقدين؟ أي هل يملك المضارِب (العامل) أن يضارب برأس المال؟ تحرير محل النزاع: لا يخلو ذلك من حالين أن يأذن المالك أو لا يأذن، وإن أذن فلا يخلو من أن يكون الإذن صريحًا أو غير صريح، فإلم يأذن المالك فاتفق الفقهاء على أنه لا يجوز للمضارب أن يضارب غيره (¬4). واختلفوا في حال الإذن: ¬

_ (¬1) هو عبد الرحمن بن عوف، كما قاله جماعة، وكان المال 100000 درهم. التلخيص الحبير 4/ 1926. (¬2) الموطأ، كتاب القراض، باب ماجاء في القراض (رواية يحيى 2/ 221، ح 2007، ورواية أبي مصعب 2/ 289، ح 2429)، ورواه الدارقطني، كتاب البيوع (2/ 664) (ح 2999) من غير طريق مالك: عن عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه، وعبد الله ضعيف، ورواه البيهقي، كتاب القراض (6/ 110)، وقال ابن حجر: (إسناده صحيح) وصححه الألباني، من طريق مالك. التلخيص 4/ 1926، الإرواء 5/ 290 - 294. (¬3) تكملة المجموع 16/ 11 - 12. (¬4) المبسوط 22/ 90، بدائع الصنائع 6/ 150، المدونة 6/ 26 - 28، التاج والإكليل 7/ 455، المهذب مع تكملة المجموع 16/ 44، نهاية المطلب 7/ 494، المغني 7/ 158، كشاف القناع 8/ 505،485.

أإذا كان الإذن صريحًا ففيه قولان: القول الأول: الجواز، وهو مذهب الحنفية (¬1) والمالكية (¬2) والحنابلة (¬3). القول الثاني: التفصيل: إن أراد المالك بالإذن أن ينسلخ العامل من حكم القراض ويكون وكيلًا عنه جاز، وإن أراد بالإذن أن يشاركه العامل الآخر في العمل والربح لم يجز، وهو مذهب الشافعية (¬4). ب- إذا كان الإذن غير صريح، كأن يقول رب المال للعامل: اعمل فيه برأيك. ففيه قولان: القول الأول: يجوز ذلك، وهو مذهب الحنفية (¬5) والحنابلة (¬6) ووجهٌ عند الشافعية (¬7). القول الثاني: لا يجوز ذلك، وهو مذهب الشافعية (¬8) وروايةٌ عند الحنابلة (¬9). الأدلة: أولًا: أدلة المنع إذا لم يأذن المالك -محل الاتفاق-: الدليل الأول: أن رب المال إنما دفع له المال ليضارب به، ودفعه لغيره بلا إذن يخرجه عن كونه مضاربًا وعاملًا (¬10). الدليل الثاني: أنه بذلك يُوجِب في المال حقًا لغيره، ولا يجوز إيجاب حق في مال إنسان بغير إذنه (¬11)، وفيه ضررٌ على رب المال. الدليل الثالث: أن المضاربة مثلُ المضاربة، والشيءُ لا يستتبع مثله، فلا يستفاد بمطلق عقد المضاربة مثله، ولهذا لا يملك الوكيل التوكيل بمطلق العقد، فكذلك هنا (¬12). ثانيًا: دليل الجواز بالإذن الصريح: أن الحق دائرٌ بين رب المال والعامل، وقد أذن رب المال ¬

_ (¬1) خلاصة الدلائل 1/ 485، مجمع البحرين وملتقى النيرين ص 416. (¬2) المدونة 6/ 28، التاج والإكليل 7/ 455، حاشية الدسوقي 3/ 526. (¬3) المغني 7/ 158 وقال: (نص عليه أحمد، ولا نعلم فيه خلافًا) وكذا في "الشرح الكبير" 14/ 94. (¬4) نهاية المطلب 7/ 495، مغني المحتاج 2/ 405، نهاية المحتاج 5/ 163. (¬5) بدائع الصنائع 6/ 150. (¬6) المحرر 2/ 15 - 16، الشرح الكبير 14/ 94. (¬7) مغني المحتاج 2/ 405، نهاية المحتاج 5/ 163. (¬8) المضاربة للماوردي (تحقيق كتاب المضاربة من الحاوي، طبع مستقلًا بهذا الاسم) ص 199. (¬9) الشرح الكبير 14/ 94، تقرير القواعد 2/ 26، وهو مقتضى قول المالكية، بيد أنهم لم ينصوا على الإذن غير الصريح. (¬10) الشرح الكبير 14/ 91 - 92، ونحوه في "المبسوط" 22/ 90. (¬11) الشرح الكبير 14/ 91 - 92، ونحوه في "المبسوط" 22/ 90. (¬12) بدائع الصنائع 6/ 150، وينظر ما سبق ص 26.

في حقه، والمضاربة جائزة في الأصل. ثالثًا: دليل القائلين بالتفصيل: أن توكيل رب المال للعامل أن يقارض غيره مستندٌ لجواز التوكيل، وتكون المقارضة بين رب المال بالأصالة والمضارب الثاني الذي سيعمل في المال، أما إن أراد أن يشاركه في العمل والربح فلا يجوز لأمرين: 1 - أن القراض على خلاف القياس، وموضوعه أن يكون أحد العاقدين مالكًا لا عمل له، والآخر عاملًا ولو متعددًا لا ملك له، فلا يعدل إلى أن يعقد عاملان (¬1). 2 - أنه لو جاز ذلك لكان العامل الثاني فرع الأول، والأول ليس مالكًا لشيءٍ من رأس المال في المضاربة الثانية -إذا فُرض أن العامل سيضارب بما شُرط له من الربح في المضاربة الأولى (¬2) -. المناقشة: 1. عدم التسليم بأن المضاربة على خلاف القياس، وإن كان هو قول جمع من فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية (¬3)، ووجه ذلك أنه استئجار بأجر مجهول، بل معدوم، ولعمل مجهول، ووجه عدم التسليم أن من جعلها خلاف القياس ظن أنها من جنس الإجارة التي يشترط فيها العلم بالعوض والمعوَّض، والصحيح أنها من جنس المشاركات، والمشاركات جنسٌ غير المعاوضات، وإن كان فيها شوب المعاوضة، قال ابن قيم الجوزية: (بيان أنه ليس في الشريعة شيء على خلاف القياس، وأن ما يظن مخالفته للقياس أحد الأمرين لازم فيه ولابد: إما أن يكون القياس فاسدًا أو يكون ذلك الحكم لم يثبت بالنص كونه من الشرع. وقد سألت شيخنا-قدس الله روحه- عما يقع في كلام كثير من الفقهاء من قولهم: هذا خلاف القياس لما ثبت بالنص أو قول الصحابة أو بعضهم وربما كان مجمعًا عليه، كقولهم: ....) وعدّد مسائل وأبواب منها المضاربة (كل ذلك على خلاف القياس فهل ذلك صواب أم لا؟ فقال: ليس في الشريعة ما يخالف القياس ....) (¬4). 2. المضارب وإلم يملك رأس المال إلا أنه مأذون له في التصرف فيه، أولًا بالعقد وثانيًا ¬

_ (¬1) نهاية المطلب 7/ 495، مغني المحتاج 2/ 405، نهاية المحتاج 5/ 163. (¬2) نهاية المطلب 7/ 495. (¬3) ينظر مثلًا: بدائع الصنائع 6/ 125، بداية المجتهد 3/ 449، مواهب الجليل 7/ 440، نهاية المطلب 7/ 495، مغني المحتاج 2/ 405، نهاية المحتاج 5/ 163. (¬4) إعلام الموقعين 3/ 165 - 172، وينظر: مجموع الفتاوى 19/ 176، 20/ 504 - 585، 21/ 1 - 23، 30/ 226 - 228، والقواعد الكلية ص 328 - 335، وينظر قول الليث في المساقاة والمزارعة ص 104.

بالإذن، وكونه يضارب بما شُرِط له من الربح هذا فَرْضٌ من صاحب "نهاية المطلب"، ولا يلزم أصحاب القول الأول. رابعًا: أدلة الجواز إذا قال له: اعمل برأيك، أو بما أراك الله، وكذلك الإذن غير الصريح في المضاربة: الدليل الأول: أنه قد يرى أن يدفعه لمن هو أبصر منه (¬1). الدليل الثاني: الاستناد للإذن، كما لو صرح له بالإذن بالمضاربة. الدليل الثالث: القياس على ما لو نصب رب المال عاملين من أول العقد. خامسًا: دليل المنع إذا قال له: اعمل برأيك، والمنع مع الإذن غير الصريح: أن قوله: اعمل برأيك يقتضي أن يكون عمله موكولًا إلى رأيه؛ لأن الأمر بالعمل موجه إليه، فلا بد له من أن يعمل، فإذا قارض به كان العمل لغيره (¬2). الترجيح الراجح عدم جواز مضاربة المضارب بدفع رأس المال لآخر إلا بإذن المالك إذنًا صريحًا أو حكميًا. أسباب الترجيح: 1. الأدلة المذكورة. 2. أنه يوافق مقاصد الشريعة، من حيث قطع النزاع، وحفظ المال، وعدم التصرف في مال الآخرين إلا بإذنهم، وغير ذلك. 3. أن الضابط في تصرفات المضارب التي له عملها بغير إذن رب المال: ما كان من عمل التجار عادةً، فيرجع في المضاربة إلى عرف التجار، ومن ذلك عدم المضاربة إلا بإذنه، لذا وقع اتفاق الفقهاء من المذاهب الأربعة على المنع إذا لم يأذن (¬3). تنبيه: إذا ضارب المضارب برأس المال فما حكمه من حيث الضمان؟ ولمن يكون الربح؟ الأصل في المضارب أن يده يد أمانة، فلا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط (¬4)، فإذا ضارب ¬

_ (¬1) الشرح الكبير 14/ 94. (¬2) المضاربة للماوردي (الحاوي) ص 199، الشرح الكبير 14/ 94. (¬3) حاشية ابن عابدين (التكملة) 12/ 366. (¬4) بدائع الصنائع 6/ 137، الفواكه الدواني 2/ 192، المهذب 16/ 100، كشاف القناع 8/ 524، تقرير القواعد 1/ 323.

الفرع الثاني: مضاربة المضارب (العامل) بتقبل رأس المال من أجنبي

غيره بغير إذن المالك فهو ضامن، وللمالك أن يرجع على المضارب الأول أو الثاني (¬1)، وقال الإمام مالك: (إنه ضامن للمال ...) (¬2) ولكن نصّ الشافعية والحنابلة على أن قرار الضمان على الأول إلا إذا كان الثاني عالمًا بالحال (¬3)، ويكون الضمان بالدفع عند الجمهور وزفر، وعند أبي حنيفة ومحمد وأبي يوسف بعمل المضارب الثاني (¬4). ويكون الربح بين المالك والعامل الثاني، وفي قولٍ الربح كله للمالك وليس للعاملين شيء، وفي قول الربح كله للمالك وللعامل الثاني أجر مثله يرجع به على العامل الأول (¬5). أما إذا أذن المالك فلا يضمن ويكون الربح بين المالك والعامل الثاني ولو شرط العامل الأول لنفسه في المضاربة الثانية شيئًا، وفي قول الشافعي في القديم للمالك ما اشترطه والباقي بين العاملين (¬6). الفرع الثاني: مضاربة المضارب (العامل) بتقبل رأس المال من أجنبي. صورة المسألة: أن يعطي رب المال العامل مالًا؛ ليعمل به، فيأخذ العامل مالًا من طرف ثالث ويعمل بالمالين جميعًا، بحيث يتعدد رب المال والعامل واحد، مثال ذلك: إذا أعطيت رجلًا 1000 ر. س ليتجر به مضاربةً فذهب لآخر وقال له: أعطني مالك مضاربة. يريد أن يكثر رأس المال أو يريد النفع للثاني؛ لقرابةٍ أو مصلحةٍ أو غير ذلك. تحرير محل النزاع: إن أذن رب المال جاز، وإلم يأذن ولم ينه ولم يكن عليه ضررٌ جاز أيضًا، قال ابن قدامة: (بغير خلاف) (¬7)، فإن كان فيه ضررٌ على رب المال الأول ففيه أقوال: ¬

_ (¬1) نتائج الأفكار 7/ 70 - 71، المدونة 6/ 28، المضاربة للماوردي (الحاوي) ص 198 - 208، نهاية المطلب 7/ 494 - 496، الشرح الكبير 14/ 92. (¬2) الموطأ 2/ 229. (¬3) نهاية المطلب 7/ 496 - 497، المغني 7/ 156 - 157. (¬4) المراجع السابقة، نتائج الأفكار 7/ 70 - 71، خلاصة الدلائل 1/ 484 - 485. (¬5) المبسوط 22/ 92 - 93، حاشية ابن عابدين (التكملة) 12/ 379، حاشية الدسوقي 3/ 526، المضاربة للماوردي (الحاوي) ص 198 - 208، المهذب 16/ 45، المغني 7/ 157، الشرح الكبير 14/ 92. (¬6) نهاية المطلب 7/ 494 - 495، الشرح الكبير 14/ 92 - 93، الإنصاف 14/ 99، فائدة: أقوال العلماء المرجوع عنها لا تنسب إليهم إلا مع بيان ذلك، أما أقوال الإمام الشافعي القديمة ففيها تفصيل. ينظر: نهاية المطلب 1/ 29، المجموع 1/ 507، إعلام الموقعين 6/ 168، الموافقات 5/ 213. (¬7) المغني 7/ 159، الشرح الكبير 14/ 96.

القول الأول: يجوز مطلقًا، عزاه ابن قدامة وتبعه الشارح لأكثر الفقهاء (¬1)، وجعله بعض الباحثين (¬2) مقتضى مذهب الحنفية والشافعية (¬3)؛ لأنهم نصوا على تقبل مالين من اثنين، ولكن ليس في هذا تقدم أحدهما على الآخر، كما في صورة المسألة. القول الثاني: لا يجوز ذلك، وهو مذهب المالكية (¬4) والحنابلة (¬5). القول الثالث: أنه متى اشترط النفقة على رب المال لم يجز وإلم يتضرر، وهي رواية عن الإمام أحمد، نقل الأثرم عنه قوله: إذا اشترط النفقة صار أجيرًا له، فلايضارب لغيره. قيل: فإن كانت لا تشغله؟ قال: لا يعجبني لابد من شغل (¬6). قال في "الفائق": (ولو شرط النفقة لم يأخذ لغيره مضاربة، وإلم يتضرر، نص عليه) (¬7). الأدلة: أدلة القول الأول: الدليل الأول: أن المضاربة عقدٌ لا يملك به منافعه كلها، فلم يمنع المضاربة كما لو لم يكن فيه ضرر (¬8). المناقشة: أن الضرر وصف مؤثر في الحكم، فلايستوى حال وجوده بحال عدمه. الدليل الثاني: أن المضاربة عقد لا يملك به منافعه كلها، فلم يمنع المضاربة، كالأجير المشترك (¬9). دليل القول الثاني: أن المضاربة قائمة على الحظ والنماء فإذا فعل ما يمنعه لم يجز، كما لو أراد التصرف بالعين (¬10). دليل القول الثالث: يمكن أن يُستدل له بأنه إذا أعطاه النفقة أصبح كالأجير الخاص، وقته مملوك لرب المال. ¬

_ (¬1) المغني 7/ 160، الشرح الكبير 14/ 96. (¬2) المضاربة في الشريعة الإسلامية ص 124،126، عقد المضاربة ص 226. (¬3) قلت: ينظر فيه العناية مع نتائج الأفكار 7/ 62، حاشية ابن عابدين (التكملة) 12/ 399، نهاية المطلب 7/ 543، مغني المحتاج 2/ 406. (¬4) المدونة 6/ 31، مواهب الجليل 7/ 456 - 457. (¬5) الإنصاف 14/ 96، هداية الراغب 3/ 34. (¬6) المغني 7/ 161، الفروع 7/ 91، الإنصاف 14/ 96 - 97. (¬7) الإنصاف 14/ 97. (¬8) المغني 7/ 160. (¬9) الشرح الكبير 14/ 96. (¬10) هداية الراغب 3/ 34.

الترجيح الراجح جواز مضاربة المضارب بتقبل رأس المال من أجنبي إلا إذا ترتب عليه ضرر، كأن يكون رأس مال الأول كثيرًا متى اشتغل عنه بغيره انقطع عن بعض تصرفاته. أسباب الترجيح: 1. الجواز؛ لأنه محل اتفاق. 2. المنع في صورة الضرر؛ لأن قاعدة الشريعة المستقرة رفع الضرر وإزالته ودفعه وتقليله. 3. أن الأسبق أحق، فإذا كان سيتضرر فلا سبيل عليه. تنبيهان: الأول: على القول بالمنع لو خالف وضارب ففيه قولان عند الحنابلة: القول الأول: نأخذ نصيب العامل من المضاربة الثانية ونضيفه إلى أرباح المضاربة الأولى ويتقاسمه مع رب المال حسب ما اتفقا عليه، هذا هو المذهب، وهو من المفردات (¬1). القول الثاني: أنه لا حق لرب المال في ربح المضاربة الثانية، وتعدي العامل إنما هو بترك العمل وهذا لا يوُجب عوضًا، ولأنها ليست من ماله فلا تحلّ له، وممن اختاره ابن رزين (¬2) وابن قدامة (¬3) وأبو العباس ابن تيمية (¬4) وتلميذه ابن قاضي الجبل (¬5) وعبد الرحمن الضرير صاحب "الحاوي الصغير" (¬6). الثاني: من الصور المعاصرة لمضاربة المضارب: المضاربة المشتركة، وهي أن يعهد مستثمرون إلى شخص طبيعي أو معنوي باستثمار أموالهم، فالأصل فيها أنها من مضاربة المضارب بتقبل رأس المال من عددٍ، فالمستثمرون: أرباب المال، والمتعهد كالمصارف أو المؤسسات المالية: العامل، وفي بعض صورها يجمع بين مضاربة المضارب بنوعيها: مضاربة المضارب بتقبل رأس المال من عدد، ومضاربة المضارب بدفع رأس المال، وذلك إذا قام العامل بدفع رأس المال لطرف ثالث؛ لأن المصارف لا تباشر ¬

_ (¬1) المغني 7/ 161، الإنصاف 14/ 96 - 97، الفروع 7/ 91. (¬2) الإنصاف 14/ 98. (¬3) المغني 7/ 160، الشرح الكبير مع الإنصاف 14/ 98. (¬4) الإنصاف 14/ 98، الفروع 7/ 90. (¬5) الإنصاف 14/ 98. (¬6) ص 356.

الاستثمار بنفسها، بل تقوم بالوساطة بين المستثمرين وجهات الاستثمار، فالإذن بدفع رأس المال مضاربةً متعارف عليه في هذه الصورة، فلا يستدعي إذنًا خاصًّا (¬1). ¬

_ (¬1) ينظر: قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة رقم 122 (5/ 13) في عام 1422، بحوث في فقه البنوك الإسلامية 2/ 532، الخدمات الاستثمارية في المصارف 1/ 266 - 267، 2/ 121 وما بعدها.

المبحث الخامس: مزارعة المزارع ومساقاة المساقي

المبحث الخامس: مزارعة المزارع ومساقاة المساقي، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف المزارعة والمساقاة وحكمهما، وفيه فرعان: الفرع الأول: تعريف المزارعة وحكمها. تعريف المزارعة المزارعة لغةً مفاعلة من الزرع، والزرع ما استُنبت بالبذر، وهو النبات، وقال في "مقاييس اللغة": (الزاء والراء والعين أصلٌ يدل على تنمية الشيء) وعرّفت تعريفًا اصطلاحيًا: المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها (¬1). والمزارعة اصطلاحًا: 1 - عند الحنفية: عقد على الزرع ببعض الخارج (¬2)، زاد في "البدائع": بشرائطه الموضوعة له شرعًا (¬3). 2 - عند المالكية: شركة في الحرث (¬4). 3 - عند الشافعية: استئجار الزارع ببعض ما يخرج من الزرع (¬5). أو: أن يعامل مالك الأرض رجلًا على أن يزرعها ببذرٍ لرب الأرض (¬6). 4 - عند الحنابلة: دفع أرضٍ وحبٍّ لمن يزرعه أو يقوم عليه، أو دفع حبٍّ مزروعٍ لمن يعمل عليه، بجزءٍ مشاعٍ معلومٍ من المتحصل (¬7). والراجح تعريف الحنفية والحنابلة -وتعريف المالكية كذلك سليمٌ في الجملة-؛ لأمرين: 1 - أن المزارعة من جنس المشاركات، وليست من المؤاجرة المطلقة (¬8)، فإما أن تعرف بالجنس القريب: شركة، أو البعيد: عقد أودفع، أما تعريفها بالاستئجار فلا يُسلّم (¬9). 2 - أن البذر لا يشترط كونه من رب الأرض، فقد يكون من العامل. ¬

_ (¬1) مقاييس اللغة، مادة زرع 3/ 50، القاموس المحيط، مادة زرع ص 724 - 725، المصباح المنير، مادة زرع ص 209، المطلع ص 315، فائدة: في تهجي حرف (ز) لغات: الزاء-الزاي-الزِّي، والزين لحن. لسان العرب 19/ 86، حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي 1/ 130. (¬2) نتائج الأفكار 8/ 32، الدر المختار مع حاشية ابن عابدين 9/ 456 - 457، وبنحوه في طلبة الطلبة ص 524 ط. القدس. (¬3) 6/ 372. (¬4) شرح حدود ابن عرفة ص 513، مواهب الجليل 7/ 152، وبنحوه في الفواكه الدواني 2/ 198. (¬5) نهاية المطلب 8/ 6. (¬6) نهاية المطلب 8/ 6، تكملة المجموع 16/ 173. (¬7) منتهى الإرادات 1/ 336، كشاف القناع 9/ 5 - 6. (¬8) القواعد الكلية (النورانية) ص 328 - 331. (¬9) القواعد الكلية (النورانية) ص 328 - 331.

حكم المزارعة تحرير محل النزاع: أجمعوا على فساد المزارعة التي تكون حصة أحدهما فيها أو حصة كل واحد منهما منفردة بالتعيين بوجه من الوجوه، إما بالنسبة إلى الأرض-مثل أن يقول: زارعتك على أن لك ما على الجداول ولي ما عداه- أو بالنسبة إلى الزرع -مثل أن يقول: على أن لي القمح ولك الشعير- أو بالنسبة إلى السقي-مثل أن يقول: على أن لي ما سقي بالنواضح ولك ما سقي بالمطر- أو بالنسبة إلى الحصة -مثل أن يقول: على أن لي 100 كلغ ولك ما بقي-. ونقل الإجماع عليه ابن المنذر (¬1) والماوردي (¬2) وابن قدامة (¬3) وابن تيمية (¬4) وابن جماعة الكناني (¬5). واختلفوا في المزارعة بنصيبٍ معلومٍ مشاعٍ مما يخرج من الأرض المزروعة على أقوال: القول الأول: جواز المزارعة مطلقًا، وهو قول عمر (¬6) وعلي (¬7) وسعد (¬8) وابن مسعود (¬9) ومعاذ بن جبل (¬10) وابن عمر (¬11) وأنس (¬12) وعمار بن ياسر وابن عباس - رضي الله عنهم - (¬13)، ¬

_ (¬1) الأوسط 11/ 68. (¬2) الحاوي الكبير 7/ 450. (¬3) المغني 7/ 558، 566. (¬4) القواعد الكلية (النورانية) ص 339. (¬5) تنقيح المناظرة في تصحيح المخابرة ص 30 - 31. (¬6) رواه البخاري تعليقًا مجزومًا به، كتاب الحرث والمزارعة، باب المزارعة بالشطر ونحوه (3/ 104)، وعبد الرزاق، كتاب البيوع، باب المزارعة على الثلث والربع (8/ 101) (ح 14477)، وابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية، من لم ير بالمزارعة بالنصف وبالثلث وبالربع بأسًا (11/ 25) (ح 21642). (¬7) رواه البخاري تعليقًا مجزومًا به، الموضع السابق (3/ 104)، وعبد الرزاق، الموضع السابق (8/ 99) (ح 14471)، وابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 26) (ح 21645). (¬8) رواه البخاري تعليقًا مجزومًا به، الموضع السابق (3/ 104)، وعبد الرزاق، الموضع السابق (8/ 99) (ح 14470)، وابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 24) (ح 21637). (¬9) رواه البخاري تعليقًا مجزومًا به، الموضع السابق (3/ 104)، وعبد الرزاق، الموضع السابق (8/ 99) (ح 14470)، وابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 24) (ح 21637). (¬10) رواه عبد الرزاق، الموضع السابق (8/ 99 - 100) (ح 14472)، وابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 25) (ح 21640). (¬11) رواه عبد الرزاق، الموضع السابق (8/ 101) (ح 14479)، وابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 26) (ح 21644). (¬12) رواه ابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 26) (ح 21646). (¬13) ذكره عنهما ابن جماعة في تنقيح المناظرة ص 35 - 36.

وغيرهم (¬1). ومن التابعين: علقمة (¬2) والأسود النخعي (¬3) وعبد الرحمن بن أبي ليلى (¬4) وابنه محمد (¬5) وعبد الرحمن بن يزيد (¬6) وسعيد بن المسيب (¬7) وعروة (¬8) وعبد الرحمن بن الأسود (¬9) وعمر بن عبد العزيز (¬10) وموسى بن طلحة (¬11) وطاوس (¬12) وسالم (¬13) والقاسم (¬14) وابن سيرين (¬15) والحسن (¬16) والزهري (¬17). وجمع من المحدثين منهم: سفيان الثوري والليث وسليمان بن داود الهاشمي وأبو خيثمة زهير بن حرب النسائي وأبو بكر بن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه والبخاري وأبو داود (¬18). ¬

_ (¬1) المراجع السابقة والمحلى 8/ 211 - 217. (¬2) رواه ابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 127) (ح 21650). (¬3) رواه ابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 127) (ح 21650). (¬4) رواه ابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 126) (ح 21661). (¬5) المحلى 8/ 217، الإشراف للقاضي عبد الوهاب (3/ 1257 مع الإتحاف بتخريج أحاديث الإشراف)، الأوسط 11/ 75، المغني 7/ 555، قدمته لذكر أبيه وليس هو من التابعين. (¬6) المحلى 8/ 217، المغني 7/ 555، وينظر صحيح البخاري، الموضع السابق. (¬7) الإشراف 6/ 261، معالم السنن 5/ 54، المغني 7/ 555. (¬8) رواه البخاري تعليقًا مجزومًا به، الموضع السابق (3/ 104)، وابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 127) (ح 21654). (¬9) رواه ابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 126) (ح 21649). (¬10) رواه البخاري تعليقًا مجزومًا به، الموضع السابق (3/ 104)، وابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 127) (ح 21651). (¬11) الأوسط 11/ 75، المحلى 8/ 217، المغني 7/ 555. (¬12) رواه البخاري، كتاب الحرث والمزارعة، باب، (3/ 105) (ح 2330)، ومسلم، كتاب البيوع (5/ 25) (ح 3985)، وابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 126) (ح 21648). (¬13) رواه ابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 126) (ح 21647). (¬14) رواه البخاري تعليقًا مجزومًا به، كتاب الحرث والمزارعة (3/ 104)، وعبد الرزاق، الموضع السابق (8/ 100) (ح 14473)، وابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 127) (ح 21653). (¬15) رواه البخاري تعليقًا مجزومًا به، الموضع السابق (3/ 104)، وابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 127) (ح 21653). (¬16) رواه البخاري تعليقًا مجزومًا به، الموضع السابق (3/ 104)، وذكره في المغني 7/ 555. (¬17) ذكره البخاري في الموضع السابق (3/ 104)، ورواه عبد الرزاق، الموضع السابق (8/ 100) (ح 14473). (¬18) عزاه لهم ابن تيمية في القواعد الكلية (النورانية) ص 322 - 324، أما الليث فقال في "المحلى" 8/ 217: (واختلف فيها عن الليث) والاستذكار 17/ 567، وعزا له الجواز القاضي عياض (الإكمال 5/ 209) وابن جماعة (تنقيح المناظرة ص 39). وينظر صحيح البخاري، كتاب المساقاة (3/ 108)، وأما البخاري فقال في فتح الباري (6/ 123): (والحق أن البخاري إنما أراد بسياق هذه الآثار الإشارة إلى أن الصحابة لم ينقل عنهم خلاف في الجواز ...).

وهو مذهب أحمد وجميع أصحابه المتقدمين والمتأخرين (¬1)، وقال به من الحنفية أبو يوسف ومحمد بن الحسن (¬2)، ومن المالكية يحيى بن يحيى الليثي وأبومحمد الأصيلي والداودي (¬3)، ومن الشافعية ابن سريج وابن خزيمة وابن المنذر والخطابي والماوردي (¬4) والنووي (¬5) وابن جماعة (¬6) وأبو بكر الحصني الدمشقي (¬7) والجوري (¬8)، وهو مذهب ابن حزم (¬9). القول الثاني: عدم جواز المزارعة مطلقًا. ونُسب لعبد الله بن عمر (¬10) وجابر (¬11) ورافع بن خديج (¬12)، وهو القول الثاني لابن عباس (¬13) - رضي الله عنهم - ولطاوس (¬14) وسعيد (¬15) وقول سعيد بن جبير (¬16) والنخعي (¬17) وعكرمة (¬18) ¬

_ (¬1) رؤوس المسائل الخلافية للعكبري 3/ 1024، المغني 7/ 555 - 561، القواعد الكلية (النورانية) ص 322، الإنصاف 14/ 230، ونقل عن أبي العباس ابن تيمية قوله: (هي أحل من الإجارة؛ لاشتراكهما في المغنم والمغرم) وكذا في "الطرق الحكمية" 2/ 655، و"كشاف القناع" 9/ 24،6. (¬2) بدائع الصنائع 6/ 289، خلاصة الدلائل 1/ 596، وعزاه ابن تيمية لأكثر أصحاب أبي حنيفة (القواعد الكلية ص 323)، وفي "الدر المختار": (وعندهما يصح، وبه يُفتى) 9/ 458، و"الهداية" 8/ 34. (¬3) تنقيح المناظرة ص 42، ينظر حاشية الدسوقي 3/ 372. (¬4) تنقيح المناظرة ص 41 - 42، كفاية الأخيار ص 359، القواعد الكلية ص 323، معالم السنن 5/ 54، الإشراف 6/ 260 - 262، فتح الباري 6/ 125. (¬5) المنهاج بشرح صحيح مسلم 6/ 58. (¬6) تنقيح المناظرة في تصحيح المخابرة ص 85 - 86. (¬7) كفاية الأخيار ص 359. (¬8) فتح الباري 6/ 125. (¬9) المحلى 8/ 211 - 219. (¬10) تنقيح المناظرة ص 42 - 43، وروى البخاري، كتاب المساقاة (3/ 108) (ح 2343)، ومسلم، كتاب البيوع (5/ 22 - 23) (ح 3935 - 3944) عنه أنه رجع لحديث رافع بن خديج - رضي الله عنه -، وهذا لا يدل على عدم الجواز فقد يرجع عن الفعل احتياطًا مع اعتقاد الجواز، ولم أر مَن عزا له عدم الجواز غير ابن جماعة. (¬11) رواه ابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية، من كره أن يعطي الأرض بالثلث والربع (11/ 133) (ح 21671). (¬12) تنقيح المناظرة ص 42 - 43، ولم أر مَن عزاه له غيره، وهو راوي حديث المنع، ومروي الصحابة يعتبر -عند بعض العلماء- مذهبًا له، كما يفهم من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - السابق أنه قول رافع - رضي الله عنه -. (¬13) رواه ابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 132) (ح 21667). (¬14) رواه ابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 133) (ح 21672). (¬15) رواه عبد الرزاق، الموضع السابق (8/ 100) (ح 14475). (¬16) رواه عبد الرزاق، الموضع السابق (8/ 100) (ح 14475)، الأوسط 11/ 76. (¬17) رواه عبد الرزاق، الموضع السابق (8/ 100) (ح 14475)، وابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 133) (ح 21669). (¬18) رواه ابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 132) (ح 21668).

ومجاهد (¬1) والضحاك بن مزاحم (¬2)، وهو قول أبي حنيفة (¬3) وزفر (¬4) ومالك (¬5)، ومذهب أصحابه، وأبي ثور (¬6)، ونُسب للشافعي (¬7). القول الثالث: جوازها تبعًا للمساقاة، وهو مذهب الشافعي (¬8). القول الرابع: أن المزارعة فرض كفاية، وهو قول عند المالكية (¬9). الأدلة: أولًا: مستند الإجماع في صورة المنع: حديث رافع بن خديج - رضي الله عنه - قال: «كنا أكثر الأنصار حقلًا، كنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه، فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه فنهانا عن ذلك، وأما الورق فلم ينهنا» (¬10) وفي روايةٍ لمسلم: «إنما كان الناس يؤاجرون على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - على الماذيانات (¬11) وأقبال الجداول (¬12) وأشياء من الزرع، فيهلك هذا ويسلم هذا، ويسلم هذا ويهلك هذا، فلم يكن للناس كراء إلا هذا؛ فلذلك زجر عنه، فأما شيء معلوم ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق، الموضع السابق (8/ 100) (ح 14475)، وابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 134) (ح 21676). (¬2) رواه ابن أبي شيبة، الموضع السابق (11/ 134) (ح 21674). (¬3) مصنف ابن أبي شيبة، كتاب الرد على أبي حنيفة (20/ 210 - 211) (ح 37666 - 37671)، نتائج الأفكار 8/ 32، خلاصة الدلائل 1/ 596. (¬4) نخب الأفكار 16/ 303، تنقيح المناظرة ص 87. (¬5) الإشراف للقاضي عبد الوهاب (3/ 1257 مع الإتحاف)، الفواكه الدواني 2/ 198 - 199، إكمال المعلم للقاضي عياض 5/ 209، حاشية الدسوقي 3/ 372، وينظر: التمهيد 16/ 368 - 375، 17/ 574 - 598، وممن عزاه لمالك: الخطابي (معالم السنن 5/ 54) وابن جماعة (تنقيح المناظرة ص 45) وابن حجر (فتح الباري 6/ 125)، وفي الموسوعة الفقهية الكويتية (37/ 50 مادة مزارعة) أن المالكية ذهبوا لجواز عقد المزارعة، وفي تحقيق الروض المربع 7/ 71 أن مذهب مالك: لا يجوز إعطاء الأرض مزارعة إلا أن تكون أرضًا وشجرًا ومقدار البياض من الأرض ثلث مقدار الجميع. وهذا إنما قاله مالك في المساقاة (الموطأ مع التمهيد 17/ 572 - 574، الأوسط 11/ 76 - 77). (¬6) الأوسط 11/ 77. (¬7) سنن الترمذي مع تحفة الأحوذي 4/ 731، الأوسط 11/ 77، الإشراف 6/ 261، معالم السنن 5/ 54، كفاية الأخيار ص 359، فتح الباري 6/ 125. (¬8) الأم 4/ 12 - 13، مختصر المزني ص 123 - 124، المهذب مع تكملة المجموع 16/ 171، الإعلام لابن الملقن 7/ 484، نهاية المطلب 8/ 16، نهاية المحتاج 5/ 176 - 177، ومعنى التحريم المنسوب إليه ما كان في الأرض البيضاء، أي بلا مساقاة. (¬9) مواهب الجليل 7/ 152، وينظر ما سبق ص 28. (¬10) رواه البخاري، كتاب الحرث والمزارعة، باب، (3/ 104) (ح 2327) ومسلم، كتاب البيوع (5/ 24) (ح 3953) واللفظ له. (¬11) الأنهار الكبار، أو ما نبت حول السواقي. (¬12) الجدول النهر الصغير، وأقبالها أوائلها أو رؤوسها.

مضمون فلا بأس به» (¬1). ثانيًا: أدلة الأقوال: أدلة القول الأول: الدليل الأول: عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمرٍ أو زرع (¬2)، وفي روايةٍ: أعطى خيبر اليهود على أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر ما خرج منها (¬3). المناقشة: 1. حديث ابن عمر منسوخ بما ورد من أحاديث النهي عن المزارعة وعن المخابرة، كحديث رافع وجابر وزيد وأبي هريرة - رضي الله عنهم - وتأتي ألفاظها في أدلة القول الثاني. الجواب: 1/عدم التسليم بدعوى النسخ لأمرين: أولهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عمل بها إلى أن مات، وعمل بها خلفاؤه الراشدون من بعده وعامة أصحابه، قال أبو جعفر محمد الباقر: (ما بالمدينة أهلُ بيتِ هجرةٍ إلا يزرعون على الثلث والربع) (¬4) وقال: (عامل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل خيبر على الشطر، ثم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، ثم أهلوهم إلى اليوم، يعطون الثلث والربع) (¬5) قال ابن قدامة: (ومثل هذا لا يجوز أن ينسخ؛ لأن النسخ إنما يكون في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأما شيء عمل به إلى أن مات ثم عمل به خلفاؤه بعده وأجمعت الصحابة -رضوان الله عليهم- عليه وعملوا به ولم يخالف فيه منهم أحدٌ فكيف يجوز نسخه ومتى كان نسخه؟ فإن نسخ في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكيف عمل به بعد نسخه؟ وكيف خفي نسخه فلم يبلغ خلفاءه مع اشتهار قصة خيبر وعملهم فيها؟ فأين ¬

_ (¬1) رواه مسلم، كتاب البيوع (5/ 24) (ح 3952). (¬2) رواه البخاري، كتاب الحرث والمزارعة، باب إذا لم يشترط السنين في المزارعة (3/ 105) (ح 2329)، ومسلم، كتاب البيوع (5/ 26) (ح 3962). (¬3) رواه البخاري، كتاب الحرث والمزارعة، باب المزارعة مع اليهود (3/ 105) (ح 2331) واللفظ له، ومسلم، كتاب البيوع (5/ 27) (ح 3966). (¬4) رواه البخاري معلقًا مجزومًا به، كتاب الحرث والمزارعة، باب المزارعة بشطر ونحوه (3/ 104)، ورد ابن حجر على من أنكره. فتح الباري 6/ 123. (¬5) رواه عبد الرزاق، الموضع السابق (8/ 101)، وابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية، من لم ير بالمزارعة بالنصف وبالثلث وبالربع بأسًا (11/ 125) (ح 21642،21643) واللفظ له.

كان راوي النسخ حتى لم يذكره ولم يخبرهم به؟) (¬1). ثانيهما: أن هذه الأحاديث المشار لها محمولة على محل الاتفاق السابق، وسيأتي الجواب عنها مفصّلًا، ولا يصار إلى النسخ إلا عند تعذر الجمع، وقد أمكن. 2/أنه لو تعذر الجمع وامتنع التأويل وتعين المصير إلى النسخ لكان نسخ حديث رافع - رضي الله عنه - وما في معناه أولى وأقوى؛ لأنه لابد من نسخ أحد الخبرين ويستحيل القول بنسخ حديث خيبر مع ما تقدم في الوجه الأول (¬2). 2. أن اليهود كانوا عبيدًا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذه المعاملة مخارجة بين العبد والسيد. الجواب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صالحهم ولم يسترقهم حتى أجلاهم عمر - رضي الله عنه -، وقد شرط عليهم - صلى الله عليه وسلم - أن يقرّهم ما شاء، ولو كانوا رقيقًا ما صلح ذلك، ثم إن معاذًا - رضي الله عنه - عامل أهل اليمن بذلك، أفكانوا عبيدًا له؟ وكان الصحابة يتعاملون به، كما سبق (¬3). الدليل الثاني: قال أبو العباس ابن تيمية: (فإذا كان جميع المهاجرين كانوا يزرعون والخلفاء الراشدون وأكابر الصحابة والتابعين من غير أن ينكر ذلك منكر لم يكن إجماع أعظم من هذا، بل إن كان في الدنيا إجماع فهو هذا) (¬4) وقال ابن قيم الجوزية بعد أثر محمد الباقر السابق: (فهذا -والله- هو العمل الذي يستحق تقديمه على كل عمل خالفه، والذي مَن جعله بينه وبين الله فقد استوثق، فيا لله العجب، أي عمل بعد هذا يقدم عليه، وهل يكون عمل يمكن أن يقال: إنه إجماع. أظهر من هذا وأصح منه) (¬5) ولكن يشكل عليه مخالفة رافع وجابر - رضي الله عنهما - وبعض التابعين، ولكن إن قلنا: إن الإجماع ينعقد على أحد القولين المتقدمَين فإنه قد يصح، لما قاله الخطابي: (وهي عمل المسلمين في بلدان الإسلام وأقطار الأرض شرقها وغربها، لا أعلم أني رأيت أو سمعت أهل بلدٍ أو صقعٍ من نواحي الأرض التي يسكنها المسلمون يبطلون العمل بها) (¬6). الدليل الثالث: القياس على المساقاة في أنها معاملة على الأصل ببعض نمائه، وهذا يلزم ¬

_ (¬1) المغني 7/ 557 - 558. (¬2) المغني 7/ 559، تنقيح المناظرة ص 74 - 75. (¬3) القبس 17/ 500 - 501، الذخيرة 6/ 94، تكملة المجموع 16/ 134، القواعد الكلية ص 327 - 328. (¬4) القواعد الكلية ص 327، مجموع الفتاوى 30/ 81،269. (¬5) إعلام الموقعين 4/ 246 - 248، فهذا عمل أهل المدينة وغيرهم، فيلزم من يقول بذلك. (¬6) معالم السنن 5/ 54، وصححتُ كلمة (في) من تنقيح المناظرة ص 81، وينظر في رفع الخلاف وانعقاد الإجماع باتفاق العصر الثاني على أحد القولين: التحبير للمرداوي 4/ 1652، شرح الكوكب المنير 2/ 272، قوادح الاستدلال بالإجماع ص 293 - 310، وينظر في كون نفي الخلاف إجماعًا أو لا: إجماعات ابن عبد البر في العبادات 1/ 52 - 55.

مالكًا والشافعي دون أبي حنيفة؛ لأنه يمنع من المساقاة أيضًا. الدليل الرابع: القياس على المضاربة بجامع أنه عقد على عمل في المال ببعض نمائه، وأن المضارب يعمل في المال بجزءٍ من نمائه، وهو معدوم مجهول، فكذلك هاهنا. الدليل الخامس: القياس على الإجارة من حيث إنها عقد على منافع معدومة (¬1). الدليل السادس: أن القواعد المصلحية وقياس النصوص تشهد للمزارعة بالصحة، فإن الأرض عين تنمى بالعمل وتقاس على الأصول المذكورة؛ ولأن الحاجة ماسة إليها جدًا؛ لأن أصحاب الأرض قد لا يحسنون العمل أو لا يقدرون عليه والعمال قد لا يكون لهم أرض، وحكمة الشارع تقتضي الرفق بالطائفتين وتحصيل مصلحة الجهتين، كما في المضاربة، بل الحاجة هنا أمس؛ لضرورة الناس إلى القوت، ولأن الأرض الزراعية لا تصلح لغير العمل عليها بخلاف المال والشجر، وقد قال الشافعي: (الأمر إذا ضاق اتسع) (¬2). أدلة القول الثاني: الدليل الأول: حديث رافع بن خديج - رضي الله عنهما - وجاء بألفاظ عديدة منها: عن عمه ظُهير بن رافع قال: لقد نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أمرٍ كان لنا رافقًا. قلت: ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حق. قال: دعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما تصنعون بمحاقلكم» قلت: نؤاجرها على الربع وعلى الأوسق من التمر والشعير. قال: «لا تفعلوا ازْرَعوها أو أزْرِعوها أو أمسكوها». قال رافع: قلت سمعًا وطاعة (¬3). المناقشة: قد أجاب العلماء عن هذا الاستدلال بأجوبة عديدة (¬4)، أقتصر -مختصرًا- منها على ما ذكره ابن قدامة (¬5): 1.أنه قد جاء عن رافع - رضي الله عنه - تفسير المنهي عنه في حديثه بما لا يختلف فيه، وهو ما سبق في موطن الاتفاق، فيحمل المجمل على المفسر. 2.أن خبره ورد في المؤاجرة والكراء بالربع ونحوه ومحل النزاع في المزارعة، وما ورد من ¬

_ (¬1) ينظر في الأدلة القياسية: الأوسط 11/ 75، القواعد الكلية ص 328 - 335، فتح الباري 6/ 127 ذكرها ابن حجر دليلًا لصحة المساقاة، والمزارعة في معناها. (¬2) تنقيح المناظرة ص 85 - 86، تهذيب السنن 5/ 61، وهذه المقولة أجاب بها الشافعي في ثلاثة مواضع. الأشباه والنظائر للسيوطي 1/ 208. (¬3) رواه البخاري، كتاب الحرث والمزارعة، باب ما كان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يواسي بعضهم بعضًا في الزراعة والثمرة (3/ 107) (ح 2339)، ومسلم كتاب البيوع، (5/ 23 - 24) (ح 3949). (¬4) صحيح ابن حبان 11/ 594 - 612، الإشراف 6/ 260، سنن البيهقي 6/ 128 - 130، نصب الراية 4/ 180. (¬5) المغني 7/ 558، تهذيب السنن 5/ 58.

روايات بلفظ المزارعة يحمل على المؤاجرة أيضًا حملًا لأحد اللفظين على الآخر، وإن كان جمهور العلماء على جواز الإجارة أيضًا. 3.قال الإمام أحمد: (حديث رافع ألوان) (¬1)، ومعناه أن حديث رافع - رضي الله عنه - مضطرب جدًا. 4.أنه قد أنكره فقيهان من فقهاء الصحابة وهم زيد بن ثابت (¬2) وابن عباس (¬3). الدليل الثاني: عن جابر - رضي الله عنه - قال: كانوا يزرعونها بالثلث والربع والنصف فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها فإلم يفعل فليمسك أرضه» (¬4). الدليل الثالث: عن زيد - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المخابرة قال ثابت بن الحجاج: قلت: وما المخابرة؟ قال: أن تأخذ الأرض بنصف أو ثلث أو ربع (¬5). الدليل الرابع: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه فإن أبى فليمسك أرضه» (¬6). الدليل الخامس: عن ثابت بن الضحاك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المزارعة (¬7). الجواب عن الاستدلال بهذه الأحاديث من أوجه: 1. أنها محمولة على محل الاتفاق، وليس هذا من التكلُّف أو ليّ أعناق النصوص، بل إن حديث جابر جاء من روايات تفسّر المراد كما في حديث رافع - رضي الله عنهما -، فمن ألفاظ حديث جابر - رضي الله عنه -: «كنا في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نأخذ الأرض بالثلث أو الربع بالماذينات» (¬8) وجاءت روايات كثيرة عنه تفسّره بالكراء -أي الإجارة- (¬9)، وكذلك المزارعة المنهي عنها في حديث ¬

_ (¬1) ونقله عنه ابن المنذر والخطابي في المراجع السابقة والنووي في المجموع (4/ 434 - 435) وغيرهم، ومن ألفاظ الحديث هذا اللفظ واللفظان المذكوران في مستند الإجماع السابق، وغيرهما مما يأتي، وعليه يكون من الأحاديث اليسيرة المستثناة في قول المحدثين بأن أحاديث الصحيحين تفيد القطع واليقين إلا أحرفًا يسيرة. تدريب الراوي 1/ 145 - 153. (¬2) رواه أبو داود، كتاب البيوع، باب في المزارعة (5/ 271) (ح 3390)، والنسائي، كتاب المزارعة، النهي عن كراء الأرض بالثلث والربع (7/ 50) (ح 3927)، وابن ماجه، كتاب الرهون، باب ما يكره من الزراعة (3/ 522) (ح 2461)، وأحمد (35/ 464) (ح 21588)، حسنه ابن عبد الهادي، وينظر: نصب الراية 4/ 181 تنقيح التحقيق 4/ 199، غاية المرام ص 169. (¬3) رواه البخاري، كتاب الحرث والمزارعة، بابٌ، (3/ 105) (ح 2330)، ومسلم، كتاب البيوع (5/ 25) (ح 3958). (¬4) رواه البخاري، كتاب الحرث والمزارعة، باب ما كان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يواسي بعضهم بعضًا في الزراعة والثمرة (3/ 107) (ح 2340)، واللفظ له، ومسلم، كتاب البيوع (5/ 19) (ح 3917 - 3927). (¬5) رواه أبو داود، كتاب البيوع، باب في المخابرة (3/ 286) (ح 3407)، وأحمد (35/ 496) (ح 21631). (¬6) رواه البخاري، الموضع السابق (3/ 107) (ح 2341)، ومسلم، كتاب البيوع (5/ 21) (ح 3931). (¬7) رواه مسلم، كتاب البيوع (5/ 25) (ح 3955). (¬8) رواه مسلم، كتاب البيوع (5/ 20) (ح 3925). (¬9) رواه مسلم، كتاب البيوع (5/ 19) (ح 3919 - 3928).

ثابت هي المزارعة المحرمة، وهي المخابرة، ودليل ذلك الجمع بين هذه النصوص الثابتة وما ورد من حديث خيبر وعمل الصحابة. 2. أنها تدل على استحباب أن يزرع الأرض بنفسه أو يدفعها دون مقابل لأخيه، والحث على ذلك، وأن كراهية المعاملة لما حصل من نزاع وخلاف، وليس على التحريم، كما في حديث زيد وابن عباس - رضي الله عنهم - السالفين. 3. نسخها بحديث خيبر (¬1). 4. أن هذا يمكن أن يكون في أول الإسلام؛ ليتعاون الصحابة - رضي الله عنهم -، من جنس المؤاخاة المقتضية للتوارث ثم نسخت، والنهي عن لحوم الأضاحي لدفع حاجة الدافة ثم زال (¬2). الدليل السادس: أنها أصول تصح إجارتها فلا تصح المعاملة عليها ببعض كسبها (¬3). المناقشة: هذا قياس فاسد الاعتبار؛ لمخالفته فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وسائر أصحابه، وهو معارض بالأصول السابقة في أدلة الجواز (¬4). دليل القول الثالث: الجمع بين أدلة القولين السابقين، وحمل حديث خيبر على أنها كانت مساقاة، وأن البياض المتخلل بين النخيل كان يسيرًا (¬5). المناقشة: 1. أن خبير كانت بلدًا كبيرًا، يأتي منها أربعون ألف وسق أو أكثر، وخلو مثل هذا البلد من أرض بيضاء منفردة بعيد جدًا، ويبعد أن يكون عاملهم على بعض الأرض دون بعض فينقل الرواة كلهم القصة دون تفصيل مع الحاجة إليه. 2. أن ما يذكرونه من التأويل لا دليل عليه سوى الجمع بين الحديثين، والجمع بينهما بحمل بعضها على ما فسره راويه أولى من التحكم بما لا دليل عليه. ¬

_ (¬1) المغني 7/ 559، وقال الليث: (وكان الذي نهي عن ذلك ما لو نظر فيه ذوو الفهم بالحلال والحرام لم يجيزوه؛ لما فيه من المخاطرة) صحيح البخاري (الجامع الصحيح) 3/ 108. (¬2) فائدة: قد يظن الناظرُ الفعلَ أو الحكم من السنة المطلقة، ويغفل عن كونه متعلقًا بسببٍ، ولهذا أمثلة متعددة، أذكر منها قول أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت بعد الركعة في صلاةٍ شهرًا ... ثم رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الدعاء بعدُ. قال: فقيل: وما تراهم قد قدموا؟ رواه مسلم (2/ 135) وأصله متفق عليه، والجملة الأخيرة مرفوعة، رواها كذلك ابن خزيمة (1/ 316،314) (ح 621)، وابن حبان (5/ 323 - 324) (ح 1986). (¬3) الموطأ مع الاستذكار 17/ 556 - 567. (¬4) ومما يدلّ على بُعد هذا القول عن التطبيق قول ابن تيمية (مجموع الفتاوى 30/ 81): (ولهذا كان أبو حنيفة يفتي بأن المزارعة لا تجوز ثم يفرع على القول بجوازها ويقول: إن الناس لا يأخذون بقولي في المنع؛ ولهذا صار صاحباه إلى القول بجوازها كما اختار ذلك من اختاره من أصحاب الشافعي وغيره). (¬5) الأم 4/ 12 - 13، إحكام الأحكام لابن دقيق العيد ص 297.

3. أن قولهم يفضي إلى تقييد كل واحد من الحديثين، وما ذكره أصحاب القول الأول تقييدٌ لأحدهما وحده (¬1). دليل القول الرابع: يمكن أن يستدل له بعموم الحاجة إلى المزارعة في كل حين وكل مكان، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ويكون الواجب كفائيًا؛ لأنه مما يطلب تحصيله في الجملة لا على كل مكلف (¬2). المناقشة: أن المزارعة من المباحات، وهي من جملة الحرف والصنائع، فمتى استغنى الناس عنها بالاستيراد -مثلًا- أو أنواع التجارات الأخرى فلا يمكن تأثيمهم بغير دليل صريح. الترجيح الراجح جواز المزارعة مطلقًا (¬3). أسباب الترجيح: 1. ما ذكر من الأدلة الصريحة. 2. تتابع عمل الصحابة والتابعين عليه. 3. مناقشة أدلة المخالفين. 4. أن إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما، وبهذا القول تجتمع النصوص وتأتلف. 5. أن كون نصيب العامل مشاعًا يُظهِر اجتهاده في العمل، وهذا أنفى للغرر وأقرب للعدل. تنبيه: المخابرة المنهي عنها هي المزارعة المنهي عنها، ومن أسمائها المحاقلة، وذهب بعض العلماء إلى التفريق بينهما (¬4)، قال ابن تيمية: (والصحيح أنه نهى عن المزارعة، كما نهى عن المخابرة، وكما نهى عن كراء الأرض، وهذه الألفاظ في أصل اللغة عامة لموضع نهيه وغير موضع نهيه، وإنما اختصت بما يفعلونه لأجل التخصيص العرفي لفظًا وفعلًا، ولأجل القرينة اللفظية، وهي لام العهد وسؤال السائل، وإلا فقد نقل أهل اللغة أن المخابرة هي المزارعة والاشتقاق يدل على ذلك) (¬5). ¬

_ (¬1) وفيه أوجه أخرى: المغني 7/ 559 - 560، تنقيح المناظرة لابن جماعة الشافعي ص 80 - 81. (¬2) ينظر: الموافقات 1/ 206 - 210. (¬3) المراد في محل الخلاف وبتحقق شروطه. (¬4) نهاية المطلب 8/ 6 - 7، تنقيح المناظرة ص 28، كفاية الأخيار ص 358 - 359. (¬5) القواعد الكلية ص 351.

الفرع الثاني: تعريف المساقاة وحكمها

الفرع الثاني: تعريف المساقاة وحكمها. تعريف المساقاة المساقاة لغة مفاعلة من السقي (¬1) قال في "مقاييس اللغة": (السين والقاف والحرف المعتل أصلٌ واحدٌ، وهو إشراب الشيء الماء وما أشبهه) (¬2). وعرفها في "لسان العرب" تعريفًا اصطلاحيًا: (والمساقاة في النخيل والكروم على الثُّلُثِ والرُّبُع وما أَشبهه، يقال: ساقى فلان فلانًا نخله أو كرْمَه إذا دفعه إليه واستعمله فيه على أَن يَعْمُرَه ويَسقِيَه ويقومَ بمصلحته من الإبارِ وغيره، فما أَخرج الله منه فللعامل سهمٌ من كذا وكذا سَهْمًا مما تُغِلُّه والباقي لمالِكِ النخل وأَهل العراق يُسَمُّونَها المعاملة) (¬3). قال في "نتائج الأفكار": (ومفهومها اللغوي هو الشرعي) (¬4). والمساقاة اصطلاحًا: 1 - عند الحنفية: عقد على دفع الشجر إلى من يصلحه بجزءٍ من ثمره (¬5). 2 - عند المالكية: عقد على مؤنة النبات بقدرٍ لا من غير غلته لا بلفظ بيع أو إجارة أو جعل (¬6). 3 - عند الشافعية: معاملة مالك النخيل والكروم (¬7) من يحسن العمل فيها؛ ليقوم بسقيها وتعهدها، ويشترط للعامل جزاءً معلومًا مما يخرج من الثمر (¬8). 4 - عند الحنابلة: دفع شجر له ثمر مأكول -ولو غير مغروس- لآخر ليقوم بسقيه وما يحتاج إليه بجزءٍ معلومٍ من ثمره (¬9). وتعريف الحنفية والمالكية والحنابلة بمعنى واحد، أما تعريف الشافعية ففيه قصر المساقاة على النخل والكرم، وهذا من مفرداتهم. ¬

_ (¬1) المطلع ص 314. (¬2) مادة سقي 3/ 84. (¬3) لسان العرب، مادة سقى 19/ 118. (¬4) 8/ 46. (¬5) نتائج الأفكار 8/ 46، الدر المختار 9/ 476 - 477، التعريفات ص 211. (¬6) التاج والإكليل 7/ 467، الفواكه الدواني 2/ 193. (¬7) جمع كرم، وهو العنب، وجاء في الحديث: (لا يقولنَّ أحدكم للعنب الكرم، فإن الكرم الرجل المسلم) وفي رواية: (الكرم قلب المؤمن) رواه البخاري (8/ 42) (ح 6183)، ومسلم (7/ 45 - 46) واللفظ الأول لمسلم. (¬8) نهاية المطلب 8/ 5، تكملة المجموع 16/ 129، كذا: (جزاء). (¬9) الشرح الكبير 14/ 181، الروض المربع 7/ 57.

حكم المساقاة تحرير محل النزاع: اتفق فقهاء المذاهب الأربعة -وقال ابن قدامة: (بغير خلاف) (¬1) - على أن المساقاة إذا كانت معينة بالنسبة إلى الأرض أو السقي أو الحصة تكون محرمة كالمزارعة والمضاربة (¬2). واختلفوا في المساقاة على قدرٍ مشاعٍ معلومٍ من الخارج، وذلك على قولين: القول الأول: جواز المساقاة، وهو قول الخلفاء الراشدين (¬3)، وسعيد المسيب وسالم والثوري والأوزاعي وإسحاق وداود وأبي ثور (¬4)، والليث والحسن بن حي وابن أبي ليلى ومن الحنفية أبو يوسف ومحمد بن الحسن (¬5)، وهو مذهب مالك (¬6) والشافعي (¬7) وأحمد (¬8) وأصحابهم. القول الثاني: عدم جواز المساقاة، وهو قول أبي حنيفة وزفر (¬9)، ونقلت كراهته عن النخعي والحسن (¬10). الأدلة: أدلة القول الأول: الدليل الأول: عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمرٍ أو زرع، وفي روايةٍ: أعطى خيبر اليهود على أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر ما خرج منها (¬11). وجه الدلالة: أن خيبر واسعة، ومعاملة النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت مزارعة ومساقاة، ولهذا استدل به ¬

_ (¬1) المغني 7/ 533، 551. (¬2) المبسوط 23/ 102، المدونة 5/ 487، الذخيرة 6/ 103، نهاية المطلب 8/ 20، المهذب 6/ 145، الشرح الكبير 14/ 196، 294، وعزاه في "الأوسط" 11/ 125 للأوزاعي وأبي ثور. (¬3) الإشراف 6/ 273 - 274، المغني 7/ 527، وتقدم تخريجها ص 100. (¬4) الإشراف 6/ 273، المغني 7/ 530، وتقدم تخريج الآثار عن بعضهم ص 100. (¬5) بدائع الصنائع 6/ 289، خلاصة الدلائل 1/ 602، العناية على الهداية 8/ 46، وهو المفتى به. حاشية ابن عابدين 9/ 477. (¬6) المدونة 5/ 477، الإشراف للقاضي عبد الوهاب مع الإتحاف 3/ 1256، الفواكه الدواني 2/ 193. (¬7) الأم 4/ 11، نهاية المطلب 8/ 5، المهذب مع تكملة المجموع 16/ 128. (¬8) المغني 7/ 527، الإنصاف 14/ 182، كشاف القناع 9/ 6. (¬9) بدائع الصنائع 6/ 289، خلاصة الدلائل 1/ 602، العناية على الهداية 8/ 46، التمهيد 17/ 536. (¬10) الأوسط 11/ 109، المحلى 8/ 229. (¬11) سبق تخريجه ص 100.

جل العلماء على جواز المساقاة أيضًا (¬1). الدليل الثاني: الإجماع، ونقله ابن قدامة (¬2). الدليل الثالث: أن الحكمة والمصلحة الشرعية تقتضي جوازه، فإن كثيرًا من أهل النخيل والشجر يعجزون عن سقيه، ولا يمكنهم الاستئجار عليه، وكثير من الناس لا شجر لهم ويحتاجون إلى الثمر، ففي تجويز المساقاة دفعٌ للحاجتين وتحصيل لمصلحة الفئتين (¬3). الدليل الرابع: القياس على المضاربة بالأثمان، وهي جائزة بالاتفاق، كما سبق (¬4)، بجامع أنهما عقدٌ على العمل في مال ببعض نمائه. أدلة القول الثاني (¬5): الدليل الأول: عن رافع بن خديج - رضي الله عنهما - أنهم كانوا يؤاجرون محاقلهم على الربع وعلى الأوسق من التمر والشعير فقال - صلى الله عليه وسلم -: (لا تفعلوا) (¬6). وجه الدلالة: في الحديث نص على النهي عن مؤاجرة الأرض، والمساقاة استئجار للأرض ببعض الخارج منها. المناقشة: 1. أن المساقاة من المشاركات وليست من المؤاجرات، فهي أشبه بالمضاربة. 2. أن حديث رافع - رضي الله عنه - محمولٌ على محل الاتفاق، وسبقت أجوبة أخرى في المزارعة. الدليل الثاني: أن المساقاة استئجار للأرض ببعض الخارج منها، وهذا منهي عنه؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قفيز (¬7) الطحان (¬8)، وهو دفع شيءٍ للطحان ليطحنه مقابل جزءٍ منه ¬

_ (¬1) بدائع الصنائع 6/ 289، خلاصة الدلائل 1/ 602، المدونة 5/ 477، التمهيد 17/ 536 - 537 وقال: (الأحاديث في المساقاة متواترة)، الإشراف 6/ 273، المهذب مع تكملة المجموع 16/ 128، المغني 7/ 527، كشاف القناع 9/ 6، المحلى 8/ 229. (¬2) المغني 7/ 527، ويرد عليه ما سبق من مخالفة من ذُكر. (¬3) المغني 7/ 529، القواعد الكلية ص 328 - 337، الشرح الممتع 9/ 444 - 445. (¬4) ص 84. (¬5) ينظر نخب الأفكار 16/ 289 - 342. (¬6) سبق تخريجه ص 100. (¬7) القفيز: مكيال يتواضع الناس عليه، وهو عند أهل العراق ثمانية مكاكيك. النهاية، مادة قفز، ص 764، والمكوك كتنور: مكيال يسع صاعًا ونصف. القاموس المحيط، مادة مكك، ص 954، مرقاة الصعود 1/ 165. (¬8) رواه الدارقطني، كتاب البيوع (2/ 643) (ح 2953)، والبيهقي، كتاب البيوع، باب النهي عن عسب الفحل (5/ 339) مرفوعًا متصلًا، ورواه مسددٌ مرسلًا كما في "المطالب العالية" (7/ 313) (ح 1407)، قال ابن قدامة: (هذا الحديث لا نعرفه، ولا يثبت عندنا صحته). (المغني 7/ 118) وقال ابن تيميّة: (حديث باطل). (مجموع الفتاوى 18/ 63، 28/ 88) وقال الذهبي: (منكر). (ميزان الاعتدال 5/ 431)، وقال ابن حجر في "الدراية" (ح 868): (وفي إسناده ضعف)، وفي "بيان الوهم والإيهام" لابن القطان (2/ 271، 5/ 771) أنه موقوف وقال عنه في "المطالب العالية": (مرسل حسن)، وصحح الحديث عبد الحق الإشبيلي والسبكي والألباني. التلخيص الحبير 4/ 1939، لسان الميزان 6/ 239، فيض القدير 6/ 335، إرواء الغليل 5/ 295 - 297.

بعد طحنه (¬1). المناقشة: 1. أن الحديث متكلم فيه، وأحاديث الجمهور عالية الصحة. 2. أن القفيز لم يكن معروفًا في المدينة في العهد النبوي، وإنما كانوا يتعاملون بالصاع والمد، وهذا مما يقوي قول المضعفين للحديث. الدليل الثالث: عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المخابرة (¬2). قال ابن الأعرابي: (هي تتناول المعاملة والمزارعة جميعًا) (¬3). المناقشة: التسليم أن المخابرة تتناولهما جميعًا في اللغة، ولكن يقال: إن المخابرة المنهي عنها ما كان فيه غرر، وهو محل التحريم. الدليل الرابع: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الغرر (¬4). وجه الدلالة: أن غرر المساقاة التردد في ظهور الثمرة وفي كميتها. المناقشة: 1. عدم الغرر في المساقاة، فإن الحكم للأغلب، والأغلب في الثمرة حدوثها قي وقتها، والاحتمال الوارد لا يقتضي تحريم العقد، كالمضاربة يحتمل ألا تربح فلا يحصل المضارب على شيء مقابل عمله، ولا أحد يقول بتحريمها. 2. لو قيل على فرض التسليم والتنزل بدخول المساقاة في الغرر فهي مستثناة بالنص الخاص في جوازها. الدليل الخامس: أنه استئجار ببدل مجهول وعلى ثمرة لم تخلق، فوجب أن يكون باطلًا كالإجارة بأجرة مجهولة. المناقشة: المساقاة من المشاركات وليست من المؤاجرات. الترجيح ¬

_ (¬1) شرح مشكل الآثار 2/ 188، النهاية ص 764، المغني 7/ 118. (¬2) سبق تخريجه ص 103. (¬3) خلاصة الدلائل 1/ 602، والمعاملة المساقاة. (¬4) رواه مسلم، كتاب البيوع (5/ 3) (ح 3808).

المطلب الثاني: حكم مزارعة المزارع ومساقاة المساقي

الراجح جواز المساقاة. أسباب الترجيح: 1. ما ذكر من الأدلة ومن مناقشة أدلة الطرف الآخر. 2. أنه متأيد بقول جمهور العلماء وبموافقة الأصل في باب المعاملات. 3. ما سبق في ترجيح جواز المزارعة. المطلب الثاني: حكم مزارعة المزارع ومساقاة المساقي، وفيه فرعان: الفرع الأول: مزارعة المزارع ومساقاة المساقي بدفع الأرض أو الزرع لآخر ليقوم بذلك. صورة المسألة: أن يدفع رجلٌ لعاملٍ أرضه ليزرعها أو ليسقيها، فيقوم العامل بدفعها بعقدٍ جديدٍ لثالث. الحكم: اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: جواز ذلك إذا كان العامل الآخر أمينًا، وهو قول مالك وأصحابه (¬1). القول الثاني: عدم جواز ذلك، وهو مذهب الحنابلة (¬2). القول الثالث: عدم جواز ذلك إلا إذا قال للعامل: اعمل فيه برأيك أو أذن له، وهو مذهب الحنفية (¬3)، وقول أبي يوسف ومحمد بن الحسن وأبي ثور (¬4). الأدلة: أدلة القول الأول: يمكن أن يُستدل له بأن الأصل الجواز، والمساقاة الأصلية جائزة -وكذا المزارعة- فكذلك الثانية، وأدلة الجواز تشمل الثاني بعمومها، ولا يوجد دليل على المنع. المناقشة: أن المنع عليه أدلة ولو لم تكن من نص الكتاب والسنة، لكنها لا تنافيهما وترجع ¬

_ (¬1) المدونة 5/ 486، 6/ 28، مواهب الجليل 7/ 484، وهذا في المساقاة خاصة، فقد سبق رأي الإمام مالك في المزارعة. (¬2) المغني 7/ 551، الإنصاف 14/ 223. (¬3) المبسوط 23/ 111 - 112، حاشية ابن عابدين 9/ 488، وذكر في مزارعة المزارع وجهين: 1.أن يكون البذر من رب الأرض فكما سبق. 2.أن يكون البذر من المزارع فله الدفع ولو بلا إذن، قلت: نص عليها في "المبسوط" 23/ 74. ونقل ابن عابدين بيتًا في المساقاة: وما للمساقي أن يساقي غيره ... وإن أذن المولى له ليس ينكر قلت: (ما) نافية، أي: ليس للمساقي أن يساقي غيره، و (ليس ينكر) جواب الشرط، أي: يجوز بالإذن. فإن قيل: إن الإمام أبا حنيفة يخالف في أصل المعاملتين قيل: التفريع على قول الصاحبين والمفتى به عند الحنفية، وهو موافقة الجمهور في الجواز. ينظر حاشية اين عابدين 9/ 458، 477. وما للمساقي أن يساقي غيره ... وإن أذن المولى له ليس ينكر قلت: (ما) نافية، أي: ليس للمساقي أن يساقي غيره، و (ليس ينكر) جواب الشرط، أي: يجوز بالإذن. فإن قيل: إن الإمام أبا حنيفة يخالف في أصل المعاملتين قيل: التفريع على قول الصاحبين والمفتى به عند الحنفية، وهو موافقة الجمهور في الجواز. ينظر حاشية اين عابدين 9/ 458، 477. (¬4) الأوسط 11/ 118 - 120، المغني 7/ 551.

إلى عموم أدلة الشرع وقواعده، وهي الأدلة الآتية. أدلة القول الثاني (¬1): الدليل الأول: أن رب المال دفع الأرض للمساقي أو المزارع ليعمل بنفسه، ودفعه لغيره بلا إذن يخرجه عن كونه مساقيًا ومزارعًا وعاملًا. الدليل الثاني: أنه بذلك يوجب في الأرض حقًا لغير مالكها، ولا يجوز إيجاب حق في مال إنسان بغير إذنه، وفيه ضرر على رب الأرض. المناقشة: أن المساقي سيعطي الطرف الجديد من حقه في العقد الأول وليس من نصيب رب الأرض. الدليل الثالث: أنه عاملٌ في المال بجزءٍ من نمائه فلم يجز أن يعامل غيره فيه، قياسًا على المضارب. المناقشة: أن المضاربة تخالف المساقاة والمزارعة بأن العامل فيها مقصودٌ؛ لتفاوت العاملين في التجارة وما إليها، أما فيهما فالمقصود هو العمل أيًا كان العامل. الجواب: عدم التسليم فالتفاوت فيهما بالنظر للعامل موجودٌ تمامًا كوجوده في المضاربة. أدلة القول الثالث: يستدل لهم على المنع بما استدل به أصحاب القول الثاني، وعلى الجواز إذا قال له: اعمل برأيك، ومن باب أولى إذا أذن له أن يساقي غيره أو يزارعه بأن ذلك تفويض له أن يعمل برأيه، ومساقاته لغيره أو مزارعته لغيره يدخل في العمل برأيه. الترجيح الراجح عدم جواز مساقاة المساقي ولا مزارعة المزارع بدفع الأرض لآخر إلا بإذن المالك صريحًا أو حكميًا. أسباب الترجيح: 1. الأدلة آنفة الذكر. 2. أنه موافق لمقاصد الشريعة من حيث قطع النزاع وحفظ المال وعدم التصرف في مال الآخرين بغير إذنهم. 3. أن مزارعة المزارع ومساقاة المساقي دائرة بين مؤاجرة الأجير أجيرًا -وسبق ترجيح جوازه- وبين مضاربة العامل -وسبق ترجيح منعه-، وهو بالثاني أشبه؛ لأن المزارعة والمساقاة من المشاركات وليستا من المؤاجرات، كما تقرر؛ ولأن سلطة الشريك العامل في عقد المضاربة ¬

_ (¬1) يُنظر المغني 7/ 551.

الفرع الثاني: مزارعة المزارع ومساقاة المساقي بتقبل أرض أو زرع من أجنبي

على المال والعمل وطول زمن التعامل معه مما يؤثر في اختيار رب المال له وقصده إياه دون غيره من العمال، وهذا المعنى موجود في المزارعة والمساقاة. الفرع الثاني: مزارعة المزارع ومساقاة المساقي بتقبل أرض أو زرعٍ من أجنبي. لم أجد في هذه المسألة نصًا، ويمكن تخريجها على مضاربة المضارب بتقبل رأس المال من أجنبي، فيكون حكمها الجواز إذا أذن رب المال أو إذا لم يأذن ولم ينه ولم يلحق ضرر بذلك، فإلم يكن كذلك ففيه احتمالان: الاحتمال الأول: الجواز، وهو قول أكثر الفقهاء تخريجًا. الاحتمال الثاني: عدم الجواز، وهو مذهب المالكية والحنابلة تخريجًا. وأدلة هذه المسألة والترجيح فيها كمسألة مضاربة المضارب (¬1). ¬

_ (¬1) ص 91.

المبحث السادس: استصناع الصانع (الاستصناع الموازي)

المبحث السادس: استصناع الصانع (الاستصناع الموازي)، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الاستصناع وحكمه. تعريف الاستصناع الاستصناع لغةً استفعال من الصنع، جاء في "مقاييس اللغة": (الصاد والنون والعين أصلٌ صحيحٌ واحدٌ، وهو عمل الشيء صنعًا) (¬1) وصَنَع عَمِل، ويقال: اصطنع فلانٌ خاتمًا إذا سأل رجلًا أن يصنع له خاتمًا (¬2). والاستصناع في الاصطلاح مختلف فيه؛ للخلاف في حقيقته على أقوال: القول الأول: أن الاستصناع وعدٌ وليس بعقد، وهو قول بعض الحنفية (¬3)، منهم الحاكم الشهيد (¬4) والصفار ومحمد بن سلمة (¬5)، ومن المعاصرين د. علي بن أحمد السالوس (¬6). القول الثاني: أن الاستصناع نوع من السلم، وهو مذهب المالكية (¬7) والشافعية (¬8) والحنابلة (¬9). القول الثالث: أن الاستصناع بيع، وهو مذهب الحنفية (¬10) واختاره من المعاصرين د. يوسف بن عبد الله الشبيلي (¬11)، إلا أنه بيع خاص له تعريفه وأحكامه؛ لذا جعله بعضهم عقدًا مستقلًا. القول الرابع: أن الاستصناع إجارة (¬12). القول الخامس: أن الاستصناع إجارة ابتداءً بيع انتهاءً (¬13). فعلى القول الأول ليس الاستصناع بعقد، وعلى سائر الأقوال يكون عقدًا، ثم على القول ¬

_ (¬1) مادة صنع 3/ 313. (¬2) لسان العرب، مادة صنع 10/ 76 - 77، القاموس المحيط، مادة صنع ص 738 - 739، المحكم، مادة صنع 1/ 442. (¬3) بدائع الصنائع 5/ 342، الاختيار 2/ 38. (¬4) فتح القدير 5/ 355، مجمع الأنهر 2/ 106. (¬5) فتح القدير 5/ 355. (¬6) موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة ص 834،842 - 843. (¬7) المدونة 4/ 336 - 337، مواهب الجليل ومعه "التاج والإكليل" 6/ 517، حاشية الدسوقي 3/ 217. (¬8) الأم 3/ 133، المهذب 13/ 220 - 221، موسوعة القضايا الفقيهة المعاصرة ص 822 - 825. (¬9) الفروع 6/ 147، 319 - 321، الإنصاف 11/ 105. (¬10) بدائع الصنائع 5/ 2، فتح القدير 5/ 355، مجمع الأنهر 2/ 106. (¬11) الخدمات الاستثمارية في المصارف 2/ 516. (¬12) فتح القدير 5/ 355. (¬13) فتح القدير 5/ 356، حاشية ابن عابدين 7/ 502 - 503.

بأنه نوعٌ من البيع أو عقدٌ مستقلٌّ فاختلف في تعريفه: 1 - عقدٌ على مبيع في الذمة، وهو تعريف بعض الحنفية (¬1). 2 - عقدٌ على مبيع في الذمة شرط فيه العمل، وهو تعريف العلاء السمرقندي (¬2)، وصححه الكاساني (¬3). 3 - طلب العمل من الصانع في شيء خاص على وجه مخصوص، وهو تعريف ابن عابدين (¬4)، وبنحوه تعريف العيني وزاد (بثمن معلوم) (¬5). 4 - عقد مقاولة مع أهل الصنعة على أن يعملوا شيئًا، وهو تعريف مجلة الأحكام العدلية (¬6)، وقيل: إن تعريف الاستصناع بالمقاولة خطأ من مترجم المجلة من اللغة العثمانية إلى العربية. وبينهما تقارب ولكن غلب استعمال المقاولة في العقار والاستصناع في المنقول. 5 - عقدٌ يشترى به في الحال شيءٌ مما يصنع صنعًا يلتزم به البائع بتقديمه مصنوعًا بمواد من عنده، بأوصاف معينة، وبثمن محدد، وهو تعريف د. مصطفى الزرقا (¬7). 6 - عقد على عين موصوفة في الذمة مما تدخله الصنعة بثمن معلوم، وهو تعريف د. سامي ابن عبد العزيز الماجد (¬8). والراجح هو التعريف الأخير؛ لسلامته من القصور والغموض ولشموله لأفراد المعرّف. ومحل الاستصناع العين التي في الذمة والعمل تابعٌ لها، فيمتاز بذلك عن البيع الذي محله العين، وعن الإجارة التي محلها العمل، وعن السلم الذي لا يشترط فيه العمل ومحله الذمة أو العين الموصوفة في الذمة، وعن الجعالة التي قد يكون العمل والعامل فيها مبهمًا (¬9). حكم الاستصناع تحرير محل النزاع: ¬

_ (¬1) بدائع الصنائع 5/ 2. (¬2) تحفة الفقهاء 2/ 538. (¬3) بدائع الصنائع 5/ 2، زاد د. عبد الله بن ناصر السلمي: (على وجه مخصوص) الغش وأثره في العقود 1/ 364 - 365. (¬4) حاشية ابن عابدين 7/ 500. (¬5) رمز الحقائق 2/ 56. (¬6) المادة 124، درر الحكام 1/ 114. (¬7) مجلة الفقه الإسلامي ع 7 ج 2 ص 230. (¬8) العقد من الباطن ص 230. (¬9) قرار مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة التعاون (المؤتمر سابقا) الإسلامي بجدة رقم 67 (7/ 3)، عام 1412، الغش وأثره في العقود 1/ 366، الخدمات الاستثمارية في المصارف 2/ 511 - 512.

اتفق أهل المذاهب الأربعة على جواز الاستصناع إذا توفرت فيه شروط السلم (¬1)، واختلفوا فيما عدا ذلك على قولين: القول الأول: جواز وصحة عقد الاستصناع، وهو مذهب الحنفية عدا زفر (¬2) وبعض الحنابلة (¬3)، وبه صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي الدَّولي (¬4). القول الثاني: عدم جواز عقد الاستصناع وعدم صحته إذا لم تكتمل فيه شروط السلم، وهو مذهب المالكية (¬5) والشافعية (¬6) والحنابلة (¬7) وزفر من الحنفية (¬8). الأدلة: أدلة القول الأول: الدليل الأول: قول الله - سبحانه وتعالى -: {قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} الكهف: (94). وجه الدلالة: أن أولئك القوم أرادوا أن يجمعوا لذي القرنين مالًا على أن يجعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج سدًا، وهذه حقيقة الاستصناع، وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يَرِد شرعنا بنسخه (¬9)، ولم يرد شرعنا بذلك، ولو كان غررًا لما أجابهم ذو القرنين لذلك (¬10). المناقشة: أن الاستصناع يشترط فيه أن تكون العين -محل الصنع- والعمل من الصانع، ومتى كانت العين من المستصنع فهي إجارة، وفي بناء ذي القرنين للسد كانت المواد وبعض ¬

_ (¬1) بدائع الصنائع 5/ 5 - 6، فتح القدير 5/ 355، مواهب الجليل 6/ 517، حاشية الدسوقي 3/ 217، الأم 3/ 133، المهذب 13/ 220 - 221، الفروع 6/ 319، الإنصاف 11/ 105، وعليه فيكون إجماعًا؛ للإجماع على جواز السلم. (¬2) الاختيار 2/ 38، تحفة الفقهاء 2/ 538، والمراجع السابقة للحنفية. فائدة: مذهب الفراء أن كلا من كلمتي (جواز) و (صحة) مضاف إلى (عقد)، ولا حذف في الكلام ولا تقدير، ومذهب سيبويه أن ما أضيف إليه الثاني محذوف، ثم أقحم الثاني بين المضاف (جواز) والمضاف إليه (عقد)، ومذهب المبرد وابن مالك أن المحذوف هو ما أضيف إليه الأول، ولا خلاف عندهم في جواز العطف قبل ذكر المضاف إليه في العربية. ينظر شرح ابن عقيل 3/ 78 - 81. (¬3) الإنصاف 11/ 105. (¬4) قرار مجمع الفقه الإسلامي، رقم 67 (7/ 3)، عام 1412، فائدة: الأصل في النسبة أن تكون للمفرد، وعليه تُفتح الدال. (¬5) مواهب الجليل 6/ 517، حاشية الدسوقي 3/ 217. (¬6) الأم 3/ 133، المهذب 13/ 220 - 221. (¬7) الفروع 6/ 319، الإنصاف 11/ 105. (¬8) الاختيار 2/ 38، فتح القدير 5/ 355، وممن رأيته عزا المنع في عقد الاستصناع تصريحًا -لا بلفظ السلم في المصنوعات ونحوه- للأئمة الثلاثة وزفر: داماد أفندي الحنفي ت 1078 صاحب "مجمع الأنهر" (2/ 106)، والاستصناع ليس من العقود المسماة عند غير الحنفية غالبًا، ويسمى بالسلم في المصنوعات. (¬9) البحر المحيط 6/ 39 - 41، التحبير 8/ 3767 - 3787. (¬10) بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة لمجموعة من الباحثين 1/ 228.

العمل من القوم، وليس منه؛ لقوله - سبحانه وتعالى - مخبرًا عن ذي القرنين أنه قال: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} الكهف: (96) (¬1)، ويحتمل أن تكون جعالةً على إقامة السد، ثم إن ذا القرنين كان ملكًا عظيمًا (¬2) وفي القصة ما يدل على أنه لم يأخذ أجرًا على ذلك {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} الكهف: (95). الدليل الثاني: الإجماع العملي على جوازه، كما نقله غير واحد (¬3). المناقشة: عدم تسليم الإجماع، بدليل مخالفة الجمهور (¬4). الجواب: أن الإجماع المقصود هنا هو الإجماع العملي، كما نص عليه من نقله، ولا يكاد يخلو أحد من أهل العلم في هذا العصر من أن يكون تعاقد بطريق الاستصناع (¬5). الدليل الثالث: عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - اصطنع خاتمًا من ذهب وجعل فصه في بطن كفه إذا لبسه، فاصطنع الناس خواتيم من ذهب، فرقي المنبر فحمد الله وأثنى عليه فقال: (إني كنت اصطنعته وإني لا ألبسه) فنبذه فنبذ الناس (¬6). وجه الدلالة: قال في "النهاية": ((اصطنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتمًا من ذهب) أي: أمر أن يصنع له، كما تقول اكتتب أي أمر أن يكتب له، والطاء بدل من تاء الافتعال لأجل الصاد) (¬7)، وهذا نص في جواز الاستصناع؛ لأن الافتعال والاستفعال جنسٌ واحدٌ في الأفعال. المناقشة: 1. لا يلزم أن يكون النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - اصطنع الخاتم بطريقة الاستصناع التي قال بها الحنفية؛ لاحتمال أن يكون أعطاه الثمن في مجلس العقد، وأخذ منه الخاتم في المجلس أيضًا، واحتمال أن يكون النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أعطاه مادة الخاتم فيكون العقد إجارة لا استصناعًا، وهو عقد جائز عند الجميع، ومع ورود الاحتمال يبطل الاستدلال. ¬

_ (¬1) العقد من الباطن ص 243. (¬2) فائدة: ورد عن مجاهد: ملك الأرض أربعة أنفس، مؤمنان وكافران، فأما المؤمنان فسليمان بن داود وذو القرنين، وأما الكافران فبختنصر ونمرود. ينظر المنتظم لابن الجوزي، باب ذكر من ملك الأرض كلها 1/ 171. (¬3) المبسوط 12/ 165، أصول السرخسي ص 203، بدائع الصنائع 5/ 5،342، فتح القدير 5/ 355، الاختيار 2/ 38، فواتح الرحموت 2/ 374، البحر المحيط في أصول الفقه 6/ 50. (¬4) موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة ص 829 - 834. (¬5) مجلة مجمع الفقه، عقد الاستصناع للشيخ مصطفى الزرقا ع 7 ج 2 ص 233. (¬6) رواه البخاري، كتاب اللباس، باب من جعل فص الخاتم في بطن كفه (7/ 157) (ح 5876) واللفظ له، ومسلم، كتاب اللباس (6/ 149) (ح 5473). (¬7) ص 528.

الجواب: أنه ليس كل احتمال يُبطل الاستدلال، إنما يبطله الاحتمال المتأيد بدليل، ولو كان شيء من هذه الاحتمالات واردًا لنُقل. 2. أن الاستصناع لا يصح في الذهب إلا يدًا بيدٍ؛ لاشتراط القبض في المصارفة، والأصل أن يكون ثمن الخاتم من أحد النقدين، ولا بد من التقابض في مبادلة الذهب بأحد النقدين (¬1). الدليل الرابع: عن سهل بن سعد - رضي الله عنهما - قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى امرأة: «مري غلامك النجار يعمل لي أعوادًا أجلس عليهن» (¬2). وجه الدلالة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استصنع منبرًا من المرأة فدل على جواز الاستصناع. المناقشة: أن صنع المرأة للمنبر كان تبرعًا، كما في رواية جابر - رضي الله عنه - أن امرأة قالت: يا رسول الله، ألا أجعل لك شيئًا تقعد عليه فإن لي غلامًا نجارًا. قال: «إن شئتِ» فعملت المنبر (¬3). فيحتمل الجمع بينهما بأن تكون المرأة ابتدأت السؤال متبرعة فلما فوض إليها الأمر بقوله لها: «إن شئت» كان ذلك سبب البطء فأرسل إليها يستنجزها إتمامه (¬4). الدليل الخامس: أن الأصل في العقود الإباحة والصحة، ولا يوجد دليل صريح مسلّمٌ يقتضي المنع والبطلان. الدليل السادس: أن الاستصناع له أصولٌ صحيحةٌ في الشرع يُحمل عليها، فالمعقود عليه في السلم معدومٌ حال العقد والمنافع المعقود عليها في الإجارة معدومة حال العقد، وفي العقود الثلاثة يؤول المعقود عليه إلى الوجود ومن ثَم إلى العلم؛ لذا قال في "البدائع": (ولأن فيه معنى عقدين جائزين، وهو السلم والإجارة؛ لأن السلم عقد على مبيع في الذمة، واستئجار الصانع يشترط فيه العمل، وما اشتمل على معنى عقدين جائزين كان جائزًا) (¬5) وقال في "العناية": (المعدوم قد يعتبر موجودًا حكمًا كالناسي للتسمية عند الذبح، فإن التسمية جعلت موجودة لعذر النسيان، والطهارة للمستحاضة جعلت موجودة لعذر جواز الصلوات؛ لئلا ¬

_ (¬1) ينظر الخدمات الاستثمارية في المصارف 2/ 519، 549. (¬2) رواه البخاري، كتاب الصلاة، باب الاستعانة بالنجار والصُّناع في أعواد المنبر والمسجد (1/ 97) (ح 448) واللفظ له، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة (2/ 74) (ح 1216). (¬3) رواه البخاري، الموضع السابق (1/ 97) (ح 449). (¬4) شرح صحيح البخاري لابن بطال 2/ 100، فتح الباري لابن حجر 2/ 191، عمدة القاري 4/ 315، إرشاد الساري 2/ 110. (¬5) بدائع الصنائع 5/ 6.

تتضاعف الواجبات، فكذلك المستصنَع المعدوم جعل موجودًا حكمًا للتعامل) (¬1) وزاد في "فتح القدير" مما اعتبر فيه المعدوم موجودًا: (والرهن بالدين الموعد وقراءة المأموم) (¬2). إذا تقرر هذا فلا داعي للاستدلال على جواز الاستصناع بالاستحسان (¬3)؛ لأن القياس لا يأباه، فمخالفته لبعض الأصول ليس أولى من موافقته لأصول أخرى، شأنه في ذلك شأن سائر المسائل الموسومة بمخالفة القياس وليست كذلك، وسبقت الإشارة إليها (¬4). أدلة القول الثاني: الدليل الأول: أن الصانع باع ما ليس عنده على غير وجه السلم (¬5)، وقد نهى - صلى الله عليه وسلم - عن بيع ما ليس عندك (¬6)، وقد استثني منه السلم لثبوته نصًا، فلا يصح الاستصناع إلا على وجه السلم. المناقشة: 1. أن الحديث محمول على معنيين: بيع العين المعيّنة غير المملوكة للبائع، وبيع ما لا يقدر على تسليمه وإن كان في الذمة، أما بيع موصوفٍ في الذمة مضمونٍ مقدورٍ على تسليمه عند حلول الأجل فلا محظور ولا غرر فيه (¬7). 2. أن عدم جواز بيع ما ليس عند البائع خاص في ما كان فيه المبيع حالًّا، أما إذا تم البيع على تأجيل التسليم فهو جائز جمعًا بين هذا الحديث وأدلة جواز السلم (¬8). الدليل الثاني: أنه بيع معدوم، وبيع المعدوم منهي عنه. المناقشة: أن حديث (نهى عن بيع المعدوم) قال عنه في "زاد المعاد": (لا يعرف في شيء من كتب الحديث، ولا له أصل) (¬9)، وقال في "إعلام الموقعين": (ليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولا في كلام أحد من أصحابه أن بيع المعدوم لا يجوز، لا بلفظ عام ولا بمعنى عام، وإنما في السنة النهي عن بيع بعض الأشياء التي هي معدومة، كما فيها النهي عن بيع ¬

_ (¬1) 5/ 355. (¬2) 5/ 355. (¬3) الاستحسان: العدول في المسألة عن مثل ما حكم به في نظائرها. روضة الناظر 1/ 500، الاستحسان د. يعقوب الباحسين ص 41، معجم مصطلحات أصول الفقه ص 20. (¬4) ص 89. (¬5) الفروع 6/ 147، الإنصاف 11/ 105. (¬6) تقدم من حديث عمرو بن شعيب ص 57، وله شاهدٌ عند الخمسة من حديث حكيم بن حزام - رضي الله عنه -. (¬7) زاد المعاد 5/ 718 - 720، العقد من الباطن ص 241 - 242. (¬8) الخدمات الاستثمارية في المصارف 2/ 523، وفيه أوجه أخرى من المناقشة. (¬9) زاد المعاد 5/ 716 وينظر ما بعده.

المطلب الثاني: حكم استصناع الصانع

بعض الأشياء الموجودة، فليست العلة في المنع لا العدم ولا الوجود، بل الذي وردت به السنة النهي عن الغرر، وهو ما لا يقدر على تسليمه) (¬1). الدليل الثالث: أنه من بيع الكالاء بالكالاء (الدين بالدين)؛ لأن المجيزين له لا يشترطون كون الثمن معجلًا ولا كون المعقود عليه غير مؤجل، فصح تعجيل العوضين وتأجيلهما (¬2)، وبيع الكالاء بالكالاء مجمع على تحريمه (¬3)، والكالئ: المؤجَّل المؤخَّر، وهو أخص من بيع الدين بالدين المطلق، وهو محل الإجماع على قول. المناقشة: 1. أن هذا الإجماع معارض بالإجماع العملي على جواز الاستصناع (¬4)، فيخصِّصه. 2. أنه لا دين في الاستصناع؛ لأن المعقود عليه متعين، وليس مضمونًا في الذمة. الترجيح الراجح جواز الاستصناع إذا كان الثمن معجلًا، وإذا أريد تأجيل الثمن يُجعل عقد إجارة، ويكون الصانع فيها أجيرًا مشتركًا مع توكيله في شراء المواد (¬5)، وهذا أولى من جعله عقد استصناع من جهتين: الأولى أن الاستصناع عقد جائز عند الحنفية خلافًا لأبي يوسف والمتأخرين، أما الإجارة فلا خلاف في لزومها، والثانية أنه لا يوجد دليل على إجازة تأخير البدلين إذا كان المعقود عليه من صنعة الصانع أو العامل البائع، فيدخل في عموم المنع. سبب الترجيح: ما تقدم من الأدلة ومناقشة أدلة القول الآخر، ومن تعليل في الترجيح. المطلب الثاني: حكم استصناع الصانع (¬6). صورة المسألة: أن يعقد الطرف الأول مع المصرف -مثلًا- عقد استصناع طائرة، فيعقد المصرف مع جهة أخرى عقد استصناع بمواصفات الطائرة المطلوبة في العقد الأول، فالمصرف صانعٌ في العقد الأول مستصنِعٌ في العقد الثاني، فإذا تسلم المصرفُ الطائرةَ من الجهة الأخرى بمقتضى العقد الثاني قام بتسليمه للطرف الأول بمقتضى العقد الأول. ¬

_ (¬1) إعلام الموقعين 3/ 206 - 207. (¬2) الخدمات الاستثمارية في المصارف 2/ 524. (¬3) الإجماع لابن المنذر ص 132، بداية المجتهد 7/ 158، ونقله عن الإمام أحمد: ابن قدامة (المغني 6/ 106) وابن حجر (التلخيص الحبير 4/ 1798) وغيرهم. (¬4) الخدمات الاستثمارية في المصارف 2/ 524 - 526، العقد من الباطن ص 239 - 240، قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي ص 116 - 120. (¬5) ينظر في الفرق بين الاستصناع والإجارة "المعايير الشرعية"، المعيار الشرعي للاستصناع ص 190. (¬6) ويسمى الاستصناع الموازي أو المتوازي أو الاستصناع من الباطن.

الحكم: ينبني الحكم في هذه المسألة على محل عقد الاستصناع، هل هو العين أو العمل، وللحنفية في ذلك قولان: القول الأول: أن محل العقد العين المستصنَعة والعمل تابعٌ له، وهو مذهب الحنفية عدا البردعي (¬1)، وعلى هذا القول للصانع أن يستصنع بشروط يأتي ذكرها. القول الثاني: أن محل العقد العمل، وهو قول أبي سعيد البردعي من الحنفية (¬2)، وعلى هذا القول ليس للصانع أن يستصنع؛ لأن العقد وقع على عمله لا على مجرد توفير العين المستصنعة. وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي: (أن عقد الاستصناع واردٌ على العمل والعين في الذمة). وهذا يحتمل أن يكون قولًا جامعًا بين القولين، ويحتمل أن يكون على العين والعملُ تابعٌ كما في القول الأول، وهذا أقرب. الأدلة: أدلة القول الأول: الدليل الأول: أن الاستصناع فيه شبهٌ بالإجارة من حيث طلب الصنع، وهو العمل، وفيه شبه بالبيع من حيث إن المقصود منه العين المستصنعة، والأصل قصد العين المستصنعة المملوكة للصانع قبل التسليم وبعد الصُّنْع فيكون بيعًا، لكن لما لم يكن له وجود من حيث وصفه إلا بالعمل أشبه الإجارة في حكم واحد لا غير، وهو أنه يبطل بموت أحدهما، كما هو مذهب الحنفية (¬3) والشعبي (¬4) والثوري (¬5) والليث (¬6)، وذهب مالك (¬7) والشافعي (¬8) وأحمد (¬9) ¬

_ (¬1) الاختيار 2/ 38، فتح القدير 5/ 355 - 356، حاشية ابن عابدين 7/ 503، مجمع الأنهر 2/ 107. (¬2) فتح القدير 5/ 355، حاشية ابن عابدين 7/ 503، مجمع الأنهر 2/ 107. (¬3) العناية 5/ 355 - 356. (¬4) رواه عبد الرزاق، كتاب البيوع، باب البيع يقطع الإجارة (8/ 191) (ح 14837). (¬5) رواه عبد الرزاق، الموضع السابق (8/ 191) (ح 14837)، المغني 8/ 43. (¬6) المغني 8/ 43. (¬7) المدونة 5/ 362، الإشراف للقاضي عبد الوهاب مع الإتحاف 3/ 1262. (¬8) الأم 4/ 36، المهذب مع تكملة المجموع 16/ 385. (¬9) المغني 8/ 43، الإنصاف 14/ 455.

وإسحاق والبتي وأبو ثور وابن المنذر (¬1) إلى أن الإجارة لا تنفسخ بموت أحد المتعاقدين، وعليه فليس للاستصناع امتياز عن البيع من هذه الجهة، وليس العمل مقصودًا بدلالة العرف في عقد الاستصناع. الدليل الثاني: أن الأصل الجواز، وليس في عمل الصانع هذا حيلةٌ ولا ضررٌ ولا معنى يقتضي التحريم، ومباشرته للصنعة ليست مقصودة في كل الحالات، فمتى كانت مقصودة فإنه لا بد من إذن المستصنع، ويُعرف ذلك بالشرط أو القرينة، ويبقى حكم الأصل الجواز. الدليل الثالث: أن الاستصناع ثبت له أحكام بيع العين، كثبوت خيار الرؤية، وأنه متى جاء الصانع بالعين على الصفة المشروطة صح العقد، وأنه إذا جاءه بالعين من صنعته قبل العقد جاز، وهذه الفروع تدل على أن محل العقد العين لا العمل (¬2). الدليل الرابع: أن العقد وقع على ضمان تسليم العمل وتحصيله لا على المباشرة (¬3). أدلة القول الثاني: الدليل الأول: أن الاستصناع مشتق من الصنع، وهو العمل، فاسم العقد دليل على محله وأن المعقود عليه هو العمل (¬4). المناقشة: أن العمل تابعٌ للعين في هذا العقد، وكون الصنع هو العمل لا يدل على أن العمل مقصودٌ في العقد، فالبيع أيضًا عملُ البائع والمقصود بالاتفاق المبيع، وهو المعقود عليه، وليس لمد البائع باعه أثرٌ في محل العقد، مع أن اسم العقد مشتق من ذلك، وقال في "مجمع الأنهر": (وذكر الصنعة لبيان الوصف والجنس) (¬5) بدليل الفروع السابقة. الدليل الثاني: أن في الاستصناع شبهًا بالإجارة من حيث طلب الصنع؛ لذا قيل ببطلانه بموت أحد المتعاقدين. المناقشة: عدم التسليم بحكم الأصل فالجمهور على أن الإجارة لا تبطل بموت أحد المتعاقدين إلا إن تعذّر الاستيفاء، ومن جهة أخرى فشبهه بالبيع أكثر، وما تردد بين أصلين ألحق بالأغلب شبهًا. ¬

_ (¬1) الإشراف لابن المنذر 6/ 301 - 302، المغني 8/ 43. (¬2) ينظر في هذه الفروع: المبسوط 12/ 167، الهداية 5/ 355 مع فتح القدير والعناية، الاختيار 2/ 38، حاشية ابن عابدين 7/ 503، المعايير الشرعية، المعيار الشرعي للاستصناع ص 176 - 177، البند رقم 2/ 2/1، 3/ 1/5. (¬3) مستفاد من تقرير القواعد 2/ 24. (¬4) فتح القدير 5/ 355، مجمع الأنهر 2/ 107. (¬5) 2/ 107.

الترجيح الراجح جواز استصناع الصانع بالشروط الآتية: 1. توفر شروط البيع. 2. توفر شروط عقد الاستصناع في العقدين، وهي: أـ أن يكون المستصنَع معلومًا، وذلك ببيان الجنس والنوع والقدر. ب ـ أن يكون مما يجري تعامل الناس فيه عرفًا، مع مراعاة تبدل الأعراف زمانًا ومكانًا. ج ـ اشترط أبو حنيفة عدم ذكر الأجل وإلا صار سلمًا، وذهب الصاحبان إلى عدم اشتراطه، وفي قرار مجمع الفقه الإسلامي اشتراط أن يحدد فيه الأجل (¬1). 3. ألا يشترط المستصنع عمل الصانع بنفسه، وألا يشترط كون التصنيع بعد العقد. 4. ألا تكون هناك قرينة عرفية على قصد عمل الصانع أو كون التصنيع بعد العقد، كأن يقصده لما امتاز به عن غيره، كما أنه قد تقوم القرينة على الإذن في استصناع الصانع بأن تكون الصنعة أو السلعة ليست من شأنه، كمن يتقدم للمصرف بطلب إنشاء مبنى سكني أو تجاري. 5. أن يكون المستصنع الصانع مستقلًا عن المستصنع الأصلي صاحب المشروع، وكذلك عن الصانع الثاني، سواء كان شخصية حكمية أو حقيقية، حتى لا يكون مجرد وسيط صوري بين المستصنع الأصلي والصانع الثاني (¬2). ووجود قسم مختص بدراسة العقود التي من هذا النوع وتقدير أرباحها وخاطرها لدى المصارف ونحوها: من وسائل تلافي الصورية. 6. الانفصال التام بين العقدين: عقد الاستصناع بين المستصنع الأصلي والمستصنع الصانع، وعقد الاستصناع بين المستصنع الصانع والصانع الثاني. 7. أن يتملك المستصنع الصانع السلعة تملكًا حقيقيًا لا صوريًا ويقبضها قبل أن يدفعها للمستصنع الأصلي بالقبض المعتبر، وقبض كل شيء بحسبه؛ لتلافي التمويل المحرم. 8. أن يكون ضمان السلعة على المستصنع الصانع في العقد الأول فيتحمل تبعات تملك العين المستصنعة وقبضها ونفقات صيانتها قبل تسليمها للمستصنع الأصلي (¬3). ¬

_ (¬1) بدائع الصنائع 5/ 6،343، فتح القدير 5/ 356، الموسوعة الفقهية 3/ 328 - 329، قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 67 (7/ 3)، عام 1412، الخدمات الاستثمارية في المصارف 2/ 529 - 531. (¬2) المعايير الشرعية، المعيار الشرعي للاستصناع ص 176 - 177، البند رقم 2/ 2/4، عقد المقاولة للعايد ص 256، العقد من الباطن ص 251. (¬3) المعايير الشرعية ص 182، البند رقم 7/ 3، قرارات الهيئة الشرعية لشركة الراجحي 1/ 96، 142، 205، 484، 2/ 1254، فتاوى الهيئة الشرعية للبركة ص 124، فتاوى ندوات البركة ص 36، الخدمات الاستثمارية في المصارف 2/ 535، العقد من الباطن ص 247،250.

أسباب الترجيح: 1. ما ترجح من أن محل عقد الاستصناع العين، والعمل تابعٌ له بناء على الأدلة السابقة ومناقشة أدلة الطرف الآخر. 2. موافقة هذا القول للأصل في العقود، وهو الجواز والصحة، وعدم قيام حجج صريحة تنقل الحكم عن هذا الأصل. 3. موافقة هذا القول لمقصد الشارع في رفع العسر والحرج، وفي دفع الحاجة التي أبيح الاستصناع من أجلها.

المبحث السابع: مقاولة المقاول (المقاولة من الباطن)

المبحث السابع: مقاولة المقاول (المقاولة من الباطن)، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف المقاولة وحكمها. تعريف المقاولة المقاولة في اللغة مفاعلة من القول، وتقاولا أي تفاوضا (¬1)، والمعنى الثاني للمقاولة المجادلة (¬2). والمقاولة في الاصطلاح لها تعاريف، منها: 1 - عقد يتعهد بمقتضاه أحد المتعاقدين أن يصنع شيئًا أو يؤدي عملًا مقابل بدل يتعهد به المتعاقد الآخر (¬3). 2 - عقد بين طرفين يصنع فيه أحدهما -وهو المقاول- شيئًا لآخر أو يقدم له عملًا في مقابل مبلغ معلوم (¬4). 3 - عقد يلتزم المرء بمقتضاه إتمام عمل معين لشخص آخر مقابل بدل مناسب لأهمية العمل (¬5). 4 - عقد على اصطناع شيء معين بالوصف المنضبط في مقابلة أجر معين أيضًا (¬6). 5 - عقد يقصد به أن يقوم شخص بعمل معين لحساب شخص آخر في مقابل أجر دون أن يخضع لإشرافه أو إدارته (¬7). 6 - عقد يلتزم بمقتضاه أحد الطرفين أن يؤدي عملًا للطرف الآخر مقابل عوض دون أن يكون تابعًا له أو نائبًا عنه (¬8). وهذه التعاريف متقاربة. حكم المقاولة عقد المقاولة من العقود الحادثة من حيث الاصطلاح؛ لذا لم ينص عليه الأئمة المتقدمون، ¬

_ (¬1) لسان العرب، مادة قول 14/ 95، مختار الصحاح، مادة قول ص 482. (¬2) المصباح المنير، مادة قول ص 424. (¬3) قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 129 (3/ 14)، عام 1423، وهو موافق لمواد القانون المصري والسوري والليبي والعراقي كما في "عقد المقاولة" للعايد ص 49، الغش وأثره في العقود 1/ 418 - 419، (¬4) مناقصات العقود الإدارية ص 25. (¬5) من مواد القانون اللبناني، عقد المقاولة ص 50. (¬6) من مواد القانون التونسي، عقد المقاولة ص 50. (¬7) عقد المقاولة ص 50، والمراجع الثلاثة السابقة والمرجع التالي بواسطته. (¬8) عقد المقاولة للشهاوي ص 244. ويرى د. مصطفى الزرقا أن تسميته بالمقاولة غير موفقة. المدخل الفقهي العام 1/ 634

المطلب الثاني: حكم المقاولة من الباطن

ولكنه من حيث التكييف الفقهي دائرٌ بين أن يقدم المقاول العمل فقط ويقدم رب العمل الأدوات، فتكون المقاولة في هذه الحالة عقد إجارةِ الأجير المشترك، وبين أن يقدم المقاول العمل والأدوات، فتكون المقاولة في هذه الحالة عقد استصناع (¬1)، فعقد المقاولة دائر بين عقدين جائزين، وليس مشتملًا عليهما في آنٍ واحدٍ معًا، وقد قال الكاساني: (وما اشتمل على معنى عقدين جائزين كان جائزًا) (¬2)، وهذا الاشتمال إذا كان على سبيل البدلية -كما هنا- كان بالجواز أولى، وقد نص قرار مجمع الفقه الإسلامي على جوازه (¬3)، ولم أر مخالفًا من العلماء والباحثين المعاصرين (¬4)، وأدلة جواز عقد المقاولة هي قاعدة الأصل في العقود وأدلة جواز الإجارة وجواز الاستصناع باعتباره عقدًا مستقلًا عن السلم. المطلب الثاني: حكم المقاولة من الباطن. صورة المسألة: أن يتعاقد الطرف الأول مع مقاولٍ أصلي على عملٍ كإنشاء مبنى، فيتعاقد المقاول الأصلي مع مقاولٍ ثانٍ أو مقاولين على إنشاء المبنى كاملًا دون أن يقوم المقاول الأصلي بجزءٍ من العمل، أو يتعاقد المقاول الأصلي مع غيره على إنجاز جزء من العمل كأن يتعاقد مع مقاول للقيام بأعمال الكهرباء أو السباكة، ومع آخر للقيام بأعمال التجصيص والتلييص، وهكذا، فهذا العقد الثاني بين المقاول الأصلي والمقاول الثاني هو عقد المقاولة من الباطن سواءً كان كليًا أو جزئيًا. الحكم: المقاولة من الباطن جائزة بشروط، وأصدر مجمع الفقه الإسلامي قرارًا فيه جواز ذلك (¬5)، وقال في "عقد المقاولة": (والمقاولة من الباطن جائزة باتفاق الفقهاء) (¬6). شروط جواز المقاولة من الباطن: 1. توفر شروط الإجارة إذا قدم المقاول العمل فقط، وشروط الاستصناع إذا قدم العمل والمواد. ¬

_ (¬1) قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 129 (3/ 14)، عام 1423، عقد المقاولة ص 101 - 120. (¬2) بدائع الصنائع 5/ 6، وينظر: في فقه المعاملات المالية والمصرفية المعاصرة ص 181 - 182. (¬3) قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 129 (3/ 14)، عام 1423. (¬4) ينظر مثلًا: أبحاث المجمع، عقد المقاولة للعايد ص 161 - 162، الخدمات الاستثمارية في المصارف 2/ 560 - 561، الغش وأثره في العقود 1/ 422. (¬5) قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 129 (3/ 14)، عام 1423. (¬6) ص 249، وينظر: الخدمات الاستثمارية في المصارف 2/ 561، العقد من الباطن ص 285 - 290.

2. ألا يشترط رب العمل على المقاول أن يقوم بالعمل بنفسه (¬1). 3. ألا تقوم قرينة عرفية على قيام المقاول بالعمل نفسه، كأن يكون العمل مما يختلف باختلاف الأجراء (¬2)، أو أن تكون شخصية المقاول الأصلي محل اعتبار لدى رب العمل لما يأنسه فيه من تميز، كما أنه قد يحصل العكس -وهو الأصل-، فقد جرى عرف المقاولين على الالتزام بتسليم العمل حسب المواصفات المطلوبة سواء قام بالعمل بنفسه أو بغيره، فالأصل بقاء هذا العرف إلا إذا قامت قرينة أخرى بخلافه. 4. ألا يكون العقد الثاني حيلةً على الربا (¬3)، وذلك بتحقيق الشروط الآتية: أ- أن يكون المقاول الثاني مستقلًا عن رب العمل؛ لئلا يكون المقاول الأصلي وسيطًا صوريًا في القرض الربوي، كما لو تقدم صاحب أرض طالبًا من المصرف بناءها سكنًا بشرط أن يكون هو المقاول من الباطن، فيبنيها للمصرف بثمنٍ حالٍّ يأخذه من المصرف بصفته مقاولًا ثانٍ -من الباطن-، ويتسلمها -بموجب العقد الأول- من المصرف مَبنيةً بثمن مقسط بصفته رب العمل وطالب الاستصناع، وهذا من بيع العينة. ب- الانفصال التام بين العقد الأصلي والعقد الثاني، فلا يحق للمقاول الأصلي التحلل من تسليم الثمن للمقاول الثاني إلا بشرط تسلمه من رب العمل. ج- أن يكون الضمان في العقد الأول على المقاول الأصلي، فيتحمّل تبعات تملُّك العين وقبضها ونفقات صيانتها قبل تسليمها لرب العمل، ويضمن المقاول الثاني أمام المقاول الأصلي -لا أمام رب العمل- في مثل الحالات التي يضمن فيها المقاول الأصلي (¬4). أدلة جواز المقاولة من الباطن: 1 - أن عقد المقاولة الثاني عقد توفرت فيه شروط الجواز فيكون جائزًا كالعقد الأول مع المقاول الأصلي، ولم يترتب عليه ضرر بالمتعاقد الأول ولا فيه معنى يقتضي المنع. 2 - أن استصناع الصانع، جائز وكذلك إجارة الأجير المشترك، إلا عند وجود شرط أو قرينة تخالف ذلك، كما سبق في مبحث الإجارة ومبحث الاستصناع، والمقاولة من الباطن دائرة بين هذين العقدين فيأخذ حكمهما، وهو الجواز. إيراد: ¬

_ (¬1) قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 129 (3/ 14) عام 1423 هـ، عقد المقاولة ص 249، العقد من الباطن ص 291. (¬2) المراجع السابقة. (¬3) الخدمات الاستثمارية في المصارف 2/ 561، العقد من الباطن ص 291. (¬4) العقد من الباطن ص 291 - 292، عقد المقاولة ص 263.

إن مما عمّت به البلوى بين المقاولين في هذا العصر أن يتقبّل بعضهم مشروعات، ثم يقبِّلها برمتها لمقاولين من الباطن، وذلك يستوجب إعادة النظر في حكمه، وإعادةَ النظر -كذلك- في حكم أرباح الشركات التي تمارس هذا العمل، حتى أصبحت مجرد وسيط بين رب العمل -وغالبًا ما يكون مؤسسةً من المؤسسات الحكومية- وبين المقاولين من الباطن، الذين يباشرون -في الحقيقة- تنفيذ أعمال المقاولات، وكان من مفسدة هذا أن صار كثير من المشروعات الحكومية التي يُعهد تنفيذُها برمتها إلى مقاولين من الباطن يُلحظ عليها خللٌ في التنفيذ، وقصورٌ في العمل، وافتقاد تلك المشروعات لمعايير الجودة والإتقان حتى مع وجود الإذن الرسمي الصريح. الجواب: أنه مهما قيل عن قصور أداء المقاولين من الباطن، وتواطؤ المقاولين الأصليين معهم فإن مردّ الخلل لا يمكن قصره على توسع المقاولين في المقاولة من الباطن، من حيث كونهم يقبِّلون أعمال المقاولة كلها، دون أن يكون لهم مباشرة لبعض العمل، حتى نحصر الحل في إعادة النظر في حكم المقاولة من الباطن لجميع أعمال المقاولة. وإنما السبب الأصلي لهذا القصور والخلل هو ضعف الإدارات الرقابية في المؤسسات الحكومية وتساهلُها في معايير الجودة وقبولها لأعمال تلك الشركات على علاتها ورداءتها، وقد يكون سبب ذلك التساهل قلة المراقبين، أو إغراءات الرشوة التي لا تكاد تصمد لها أمانة بعض المراقبين ووطنيتهم، كما أن ضعف التنفيذ والإخلالَ بالمواصفات ومعايير الجودة المشروطة ملحوظٌ -كذلك- في الأعمال التي يباشرها المقاول الأصلي، فليس الخلل محصورًا في أعمال المقاول من الباطن، حتى نَقْصُر الحل على منع عقود المقاولة من الباطن التي تتقبّل أعمال المشروع كلها، وسيظل الخلل موجودًا ما لم تكن الإدارة الرقابية على المشروعات الحكومية صارمة في رقابتها ومعاييرها، وفي إلزامِها المقاولين بشروط العقود، فما أُبرمت عقود المقاولات من الباطن في مشروعاتها الحكومية إلا بإذن تلك الجهات المسؤولة (¬1). ومتى خشيت هذه الجهات من ضعف المشروع أو تأخر إنجازه بسبب العقد من الباطن فلها أن تشترط على المعقود معه مباشرته للعمل، والواقع أن عقود المشاريع الكبيرة تتضمن بنودًا للمقاولة من الباطن. ولا يختلف الحكم فيما لو تكررت المقاولة من الباطن، بأن يقوم المقاول من الباطن بالتعاقد مع طرف ثالث، والثالث مع رابع، وهلمّ جرّا. ¬

_ (¬1) العقد من الباطن ص 289 - 290.

المبحث الثامن: الجعالة على الجعالة

المبحث الثامن: الجعالة على الجعالة، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الجعالة وحكمها. تعريف الجعالة الجعالة مثلثة الجيم (¬1)، وهي في اللغة: ما جعل للإنسان على فعل شيءٍ (¬2). والجعالة اصطلاحًا: 1 ـ عند الحنفية: التزام التصرف المطلق في عمل معلومًا كان أو مجهولًا لشخص معينًا كان أو غير معينٍ (¬3). 2 ـ عند المالكية: عقد معاوضة على عمل آدمي بعوضٍ غير ناشاءٍ عن محله به، لا يجب إلا بتمامه لا بعضه ببعض (¬4). 3 ـ عند الشافعية: التزام عوض معلوم على عمل معين أو مجهول عسر علمه (¬5). 4 ـ عند الحنابلة: جَعْلُ شيءٍ معلومٍ لمن يعمل له عملًا معلومًا أو مجهولًا، مدة معلومة أو مجهولةً (¬6). وهذه التعاريف متقاربة، والجعل بمعنى الجائزة. حكم الجعالة تحرير محل النزاع: اتفقوا -في الجملة- على جواز وصحة الجعالة في رد العبد أو الأمة إذا أبقا -أي هربا- (¬7)، واختلفوا في حكم الجعالة فيما عدا ذلك على قولين: ¬

_ (¬1) الإعلام بمثلث الكلام لابن مالك ص 34. القاموس المحيط، مادة جعل ص 977، المطلع ص 340، المصباح المنير، مادة جعل ص 93. (¬2) لسان العرب، مادة جعل 13/ 117، مختار الصحاح، مادة جعل ص 105، المطلع ص 340. (¬3) درر الحكام 1/ 503، ويظهر في السياق أنه تعريف منقول من كتب الشافعية، وقد عُرف تعريفًا لغويًا في "فتح القدير" و"العناية" 3/ 421 وفي "حاشية ابن عابدين" 5/ 444، وليس للجعالة في كتب الحنفية بابٌ مستقلٌّ وإنما يذكر في كتاب العتق، في العتق على جعل؛ لذا قال في "دستور العلماء" 1/ 276: (الجعل -بالضم- اسمٌ لما يجعل شرطًا للعتق). (¬4) شرح حدود ابن عرفة ص 529، مواهب الجليل 7/ 595، الفواكه الدواني 2/ 171. (¬5) مغني المحتاج 2/ 554، تكملة المجموع 16/ 466، وعرف في "المهذب" تعريفًا أشبه باللغوي، وفي "مختصر شجاع": أن يشترط على رد ضالته عوضًا معلومًا. كفاية الأخيار ص 357. (¬6) زاد المستقنع 10/ 344 مع الشرح الممتع، وينظر: الإنصاف 16/ 162، شرح منتهى الإرادات 4/ 280، كشاف القناع 9/ 478 - 479، الروض المربع 7/ 369 - 371. (¬7) بدائع الصنائع 6/ 320 - 321، الاختيار 3/ 35 - 36، المدونة 5/ 336، مواهب الجليل 7/ 599، المهذب 16/ 495 مع التكملة، مغني المحتاج 2/ 554، المغني 8/ 323، قال: (الجعالة في رد الضالة والآبق وغيرهما جائز، وهذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي، ولا نعلم فيه مخالفًا) وقد خالف أبو حنيفة في رد الضالة، وينظر: المحلى 8/ 206، رؤوس المسائل الخلافية 3/ 1089 - 1090.

القول الأول: جواز الجعالة وصحتها، وهو مذهب المالكية (¬1) والشافعية (¬2) والحنابلة (¬3) وابن حزم (¬4). القول الثاني: عدم جواز الجعالة وعدم صحتها، وهو مذهب الحنفية (¬5). الأدلة ورد في محل الوفاق أدلة خاصة؛ لكنها لا تخلو من مقال، ويدل له أدلة القول الأول الآتية، أما أدلة محل الخلاف فهي: أدلة القول الأول: الدليل الأول: قول الله - سبحانه وتعالى -: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} يوسف: (72). وجه الدلالة: أنه التزم بجعلٍ لمن يقوم بهذا العمل ولم يذكر المدة ولا صفة العمل، قال ابن كثير: ({وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} وهذا من باب الجعالة {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} وهذا من باب الضمان والكفالة) (¬6). المناقشة: 1. أن هذا من شرع مَن قبلنا، وقد قال- سبحانه وتعالى -: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} المائدة:48 (¬7). الجواب: أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه، كما هو مقرر في علم الأصول (¬8). 2. أن حمل البعير مجهول ونوع البعير أيضًا مجهول، فمن الإبل ما يحمل الحمل العظيم ومنها ¬

_ (¬1) المدونة 2/ 274، 5/ 334، الفواكه الدواني 2/ 171. (¬2) نهاية المطلب 8/ 495، كفاية الأخيار ص 357. (¬3) المغني 8/ 323، فتح الملك العزيز 4/ 309. (¬4) المحلى 8/ 204 - 205، ويلاحظ أن مناقشة ابن حزم لجمهور الفقهاء وإجابته عن الأدلة المذكورة إنما هو في مسألة الحكم والقضاء على الجاعل بدفع الجعل عند تمام العمل، ويرى أنه يستحب له ذلك ولا يلزمه، كما نص على إباحة أخذ ما أعطى الجاعل على الرقية فقط، وسأشير لبعض اعتراضاته؛ لاتفاق الأدلة في المسألتين. (¬5) بدائع الصنائع 6/ 320 - 321، الاختيار 3/ 35 - 36. (¬6) تفسير القرآن العظيم 4/ 401. (¬7) المحلى 8/ 205. (¬8) التحبير 8/ 3777، مجموع الفتاوى 1/ 258، زاد المعاد 3/ 135، وقد تكرر الاستدلال به في البحث، وتحرير محل النزاع فيه: أن شرع من قبلنا المأخوذ عن طريقهم ليس دليلاً بالإجماع -ولكن يجوز التحدث به إن كان لا يخالف شرعنا-، وما ورد في شرعنا أنه شرع من قبلنا فإن ورد في شرعنا ما يخالفه أو يوافقه فالعبرة بشرعنا، وإلم يرد فهذا لا مثال له في الحقيقة ولكن يجوز الاستدلال به بالإضافة للأدلة الواردة في شرعنا؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها، فإن الله عز وجل يقول: (وأقم الصلاة لذكري)) رواه البخاري (ح 597) ومسلم (ح 1569) واللفظ له، وهذه الآية إنما خوطب بها موسى - عليه السلام -.

الهزيل الذي يعجز عن أقل من ذلك، ولا بد في الجعالة من العلم (¬1). الجواب: أن حمل البعير كان معلومًا عندهم، وهو الوسق، وهو ستون صاعًا (¬2)، وعلى فرض عدم ثبوت التحديد فإن حمل البعير محمول على عرفهم مما يدل على العلم بقدره وإلا لما جعله جعلًا إن كان يحتمل كونه شيئًا يسيرًا. الدليل الثاني: عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: (انطلق نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم فلُدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعله أن يكون عند بعضهم شيء. فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا له بكل شيء لا ينفعه، فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال بعضهم: نعم، والله إني لأرقي، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جعلًا. فصالحوهم على قطيع من الغنم فانطلق يتفل عليه ويقرأ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الفاتحة: (2). فكأنما نشط من عقال فانطلق يمشي وما به قَلَبَة. قال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه فقال بعضهم: اقسموا. فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا فقدموا على رسول الله فذكروا له فقال: «وما يدريك أنها رقية») (¬3)، فهذا جعل مقابل الرقية فيجوز مقابل عمل آخر كذلك. المناقشة: يجوز أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرهم على ذلك؛ لاستحقاقهم إياه بالضيافة فأجاز لهم استخلاص ذلك بالرقية (¬4). الجواب: في قوله: (حتى تجعل لي جعلًا) رد على هذا الإيراد، كما يردُّه قوله - صلى الله عليه وسلم -: «وما يدريك أنها رقية» مع قوله: «إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله» فإن هذا يقتضي أن ما أخذوه في مقابل الرقية لا الضيافة (¬5). الدليل الثالث: عن أبي قتادة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من قتل قتيلًا له عليه بينة فله ¬

_ (¬1) المحلى 8/ 205. (¬2) تفسير القرطبي 9/ 197، مغني المحتاج 2/ 554. (¬3) رواه البخاري، كتاب الإجارة، باب ما يعطى في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب (3/ 92 - 93) (ح 2276) واللفظ له، ومسلم، كتاب السلام (7/ 19 - 20) (ح 5733)، ومعنى (وما يدريك أنها رقية) أيُّ شيء أعلمك أنها رقية؟ وهذا تعجب منه لأنه لم يكن عنده علم متقدم أن الفاتحة رقية. فتح الباري 6/ 52 - 53، وقَلَبة: ألم وعلة. النهاية ص 767، والراقي هو الراوي، وهو أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه -. فتح المغيث 4/ 351 - 353. (¬4) مواهب الجليل 7/ 595. (¬5) الفواكه الدواني 2/ 172، والحديث جزء من حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - السابق في روايةٍ عند البخاري (ح 5737).

سلبه» (¬1). وجه الدلالة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل جعلًا لمن قتل قتيلًا يوم حنين، فدل على الجواز بمنطوق الحديث. الدليل الرابع: الإجماع العملي، قال في "الفواكه الدواني": (وقد مضى عمل المسلمين على ذلك في سائر الأقطار على توالي الأمصار) (¬2). الدليل الخامس: أن الحاجة تدعو إلى الجعالة، فإن العمل قد يكون مجهولًا، ولا تنعقد الإجارة فيه، وقد لا يجد متبرعًا بالعمل (¬3). أدلة القول الثاني: الدليل الأول: أن في الجعالة تعليق التملك على الخطر، وهو التردد بين الوجود والعدم (¬4). المناقشة: الجعالة عقدٌ جائزٌ، ولا خطر مع الجواز، ثم إن الجعالة تباح لمسيس الحاجة لها، وللأدلة السابقة (¬5). الدليل الثاني: أن الجعالة لم توجه إلى معين، والعقد مع مجهول لا ينعقد فانتفى العقد. المناقشة: الجعالة على قسمين: جعالة معلقة بمخاطب معين أو مخاطبين، وجعالة مبهمة، وهذا الإيراد على أحد القسمين، ثم هو غير مسلم ففي الآية {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} يوسف: (72) وفي الحديث: «من قتل قتيلًا فله سلبه» والمخاطب به غير معين، ثم كون الجعالة من العقود الجائزة يُسوغ مثل هذا، ولا دليل على المنع حينئذٍ. الترجيح الراجح جواز وصحة الجعالة. أسباب الترجيح: 1. ما سبق من الأدلة مع مناقشة أدلة الطرف الآخر. 2. أن هذا القول متأيد بالأصل، وهو الجواز والصحة. ¬

_ (¬1) رواه البخاري، كتاب فرض الخمس، باب من لم يخمس الأسلاب ومن قتل قتيلًا فله سلبه (4/ 92) (ح 3142)، ومسلم، كتاب الجهاد والسير (5/ 148) (ح 4568). (¬2) 2/ 172، ونقل الرملي الشافعي الإجماع عليها. نهاية المحتاج 5/ 339. (¬3) المغني 8/ 323، نهاية المطلب 8/ 495. (¬4) حاشية ابن عابدين 9/ 664، الموسوعة الفقهية 15/ 209. (¬5) وهو مذهب كل القائلين بجواز الجعالة-في الجملة-: أنه عقد جائز غير لازم. الذخيرة 6/ 17، الفواكه الدواني 2/ 174، المهذب 16/ 476، نهاية المحتاج 5/ 347، الشرح الكبير 16/ 171 وقال: (لا نعلم في ذلك خلافًا)، الروض المربع 7/ 377، المحلى 8/ 204.

المطلب الثاني: حكم الجعالة على الجعالة

المطلب الثاني: حكم الجعالة على الجعالة. صورة المسألة: أن يقول: من وجد ضالتي أو حاجتي فله كذا، أو يقول: إذا رد زيد حاجتي فله كذا. فيقول زيد -في الثانية- أومن سمعه-في الأولى- لشخصٍ: إذا رددت حاجة فلان أو ما وَصْفُه كيت وكيت فلك كذا. فهل يصح وهل يرجع الواجد على صاحب الحاجة أو على زيد؟ ومثاله: أن يكون لزيد على حسن مبلغ 1000000 ريال فيقول زيد لصالح: إذا استخلصت لي ديني من حسن فلك 200000، فيذهب صالح إلى صديقٍ لحسن ويقول له: إذا أقنعت حسنًا أن يؤدي الدين لزيد ففعل فلك مني 100000 ريال. الحكم: لم ينص العلماء-فيما أعلم- على هذه المسألة؛ لذا أذكر احتمالات مخرجة على ما نصوا عليه: الاحتمال الأول: جواز وصحة جعالة الجاعل مطلقًا، ويرجع العامل على الجاعل الثاني، ويرجع الجاعل الثاني على الأصلي. وجه الاحتمال: تخريجًا على جعالة الفضولي، فقد نص الجمهور على أن الجاعل الفضولي يصح التزامه وتكون الجعالة في ماله، فإذا ضُم إلى ذلك جعالة أصلية من رب المال فإنها جائزة بحكم الأصل، ويكون الراد هو الجاعل الثاني في الجعالة الأصلية. قال في "المنهاج": (ولو قال أجنبي: من رد عبد زيد فله كذا. استحقه الراد على الأجنبي) (¬1). وقال في"كشاف القناع": (وإن نادى غير صاحب الضالة فقال: من ردها فله دينار. فردها رجل أو امرأة فالدينار على المنادي؛ لأنه ضمن، أي: التزم العوض، ولا شيء على ربها؛ لأنه لم يلتزمه) (¬2).فإذا التزم ربها بعوضٍ لزمه، فإذا سلمها له المنادي استحقه. الاحتمال الثاني: فساد جعالة الجاعل وعدم جوازها مطلقًا، فإن عَمِلَ عاملٌ بناء عليها ففيه احتمالات: الأول: ألا يستحق شيئًا. الثاني: أن يستحق الجعل من الجاعل الأصلي. الثالث: إن كان من عادته طلب الأُبَّاق فله جعل المثل، وإلا فلا جعل له وله النفقة. وجه الاحتمال: أن الجعالة الأصلية إن كانت لمعين فلا يستحقها بعمل غيره، كما جاء في ¬

_ (¬1) 5/ 341 مع نهاية المحتاج. (¬2) كشاف القناع 9/ 481.

"كشاف القناع": (سواء جعله لمعين بأن يقول من تصح إجارته -وهو جائز التصرف- لزيد مثلًا: إن رددت لقطتي فلك كذا، فيستحقه إن ردها، ولا يستحقه من ردها سواه، أي: سوى المخاطب بذلك) (¬1) سواء عمل بجعل أولا، فإذا جاعل المخاطب المعيَّن غيره فإنه لم يعمل العمل الذي يستحق به الجعل. وإن كانت لغير معين فإنّ من شروط العمل عند الشافعية ويفهم مثله عند الحنابلة أن يكون مما فيه تعب ومشقة، وليس في عمل الجاعل الثاني مشقة؛ لأنه إنما رصد جعلًا لمن يعمل، والمشقة في عمل غيره. جاء في "نهاية المحتاج": (لا بد من كون العمل فيه كلفة أو مؤنة، كرد آبق أو ضال أو حج أو خياطة أو تعليم علم أو حرفة ...) (¬2). وجاء في "كشاف القناع": (وإن كانت بيد إنسانٍ فجعل له مالكها جعلًا ليردها لم يبح له أخذه) (¬3). فإن عمل عاملٌ بناءً على جعالة الجاعل -وهي فاسدة- ففيه احتمالات: 1 - لا يستحق شيئًا؛ لأنه يشترط في استحقاق الجعل أن يسمع إذن الجاعل أو يبلغه، وهذا العامل لم يسمع إذن الجاعل الأصلي ولم يبلغه؛ لأن الجاعل الثاني لم ينقل إذن الجاعل الأصلي بل استحدث إذنًا من عنده. جاء في "المهذب": (فإن نادى فقال: من رد عبدي فله دينار فرده من لم يسمع النداء لم يستحق الجعل) (¬4). ولأن ما بني على فاسد فهو مثله في الفساد، واستحقاق العامل فرع صحة جعالة الجاعل. 2 - أن يستحق الجعل الأصلي؛ لأمرين: 1. أنه لم يقدم على العمل إلا طلبًا للعوض. 2. أن المقصود للجاعل الأصلي قد تم بحصول مطلوبه، وتحقق شرط استحقاق الجعل في العامل، وهو القيام بالعمل. 3 - جاء في "حاشية الدسوقي": ((قوله: ولمن لم يسمع الجاعل) أي لا مباشرة ولا ¬

_ (¬1) 9/ 479، وفي "المغني"13/ 58: (ويستحق الجعلَ بفعل ما جُعل له الجعلُ فيه). (¬2) 5/ 343، مغني المحتاج 2/ 556،554، فائدة: في مؤنة 3 لغات: مُؤنة بسكون الهمزة، والجمع مُأن، مثل غرفة غرف، ومَؤونة، على وزن فَعولة، والجمع مَؤُنات، ومُونة بالواو، والجمع مُوَن. المصباح المنير، مادة مون. ص 479. (¬3) 9/ 479. (¬4) 16/ 470.

بواسطة، وإلا استحق المسمى بتمام العمل، وحاصله أنه إذا قال المالك: من أتى بعبدي الآبق فله كذا. فجاء به شخص لم يسمع كلام ربه لا مباشرة ولا بواسطة ... فإنه يستحق جعل المثل، سواء كان جعل المثل أكثر من المسمى، أو أقل منه، أو مساويا له، بشرط كون ذلك الشخص الآتي به من عادته طلب الأُبّاق، فإن لم يكن عادته ذلك فلا جعل له وله النفقة فقط) (¬1). الاحتمال الثالث: التفصيل، فإن كان الجعل الأصلي لمعيَّن، فتصح جعالة الجاعل إذا كان المعين معذورًا في ترك العمل، بأن يكون لا يليق بمثله أو يعجز عنه وعلم به الجاعل الأصلي، وإن كان الجعل الأصلي لغير معيَّن فتجوز وتصح جعالة الجاعل مطلقًا. وجه الاحتمال: أن جعالة الجاعل نوع استنابة وقد قال في "نهاية المحتاج": (العامل المعين لا يستنيب فيها إلا إن عذر وعلم به الجاعل حال الجعالة) (¬2)، هذا في المعين، وإذا جاز له أن يستنيب بغير جعل جاز أن يستنيب به، أما إذا كان الجعل الأصلي بغير تعيين فيقاس على تبليغ الجعالة، فإنه إذا قال: قال فلان من رد ضالتي فله كذا، أو قال: من رد ضالة فلان فقد جعل له كذا. فإنه يصح ويلزم الجاعل الأصلي (¬3)، فإذا اختلف الجعل الثاني عن الأصلي فإن العامل يستحق الجعل الثاني؛ لأنه الذي سمعه أو بلغه ويرده على الجاعل الثاني، ويستحق الجاعل الثاني الجعل الأصلي برده أو بتسليم العمل المطلوب. الاحتمال الرابع: التفصيل، فإن كان العمل المتعاقد عليه يراد به استحداث نتيجة جديدة، كتعليم علم وبناء حائط وخياطة مخيط فإن كان لمعيَّن تعيينًا مقصودًا فلا تصح الجعالة على الجعالة على هذا العمل، وإن كان لغير معين أو كان التعيين غير مقصود فتصح، وإن كان العمل المتعاقد عليه مما يراد إيجاده من غير تعيين فاعل، كرد ضائع من مال أو مركوب أو غيره، فتصح الجعالة على الجعالة فيه. الأدلة: دليل الاحتمال الأول: أن الجعالة جائزة، وليس في هذه المسألة إلا جعالتان، جعالة من رب المال لمن يرد ماله الضائع-مثلًا-، وجعالة من الجاعل الثاني لمن يقوم بنفس العمل، فإذا قام رجل بنفس العمل وردها للجاعل الثاني استحق الجعالة الثانية، وإذا ردها الجاعل الثاني لرب المال استحق الجعالة الأولى، والعبرة بمراد الجاعل الأصلي-رب المال- لا بألفاظه، فسواءٌ عمم لفظ الجعالة أو خصصه لم يضر، قال الجويني: (فإذا قال القائل لمن يخاطبه: إن رددت ¬

_ (¬1) 4/ 64. (¬2) 5/ 342. (¬3) ينظر نهاية المحتاج 5/ 342، كشاف القناع 9/ 481.

عبدي الآبق فلك دينار. فهذا في ظاهره يقتضي استدعاء العمل من المخاطَب دون غيره، وهذا يتأكد في صيغة الشروط، فإن المطلق منها ما يقع التعرض له على التعيين حتى يمتنع قيام غيره مقامه، ولكن المعاملات تبنى على مقاصد الخلق، لا على صيغ الألفاظ، لاسيما إذا عم العرف في بابٍ فهو المتبع، ومما نعلمه من مقصود الخلق في هذه المعاملة أن من قال لمعيَّن: إن رددت عبدي فلك كذا. فقد لا يستمكن المعين من تعاطي ذلك بنفسه على الانفراد، والغالب أن حاجته تمسّ إلى الاستعانة بغيره، فلا معنى لحمل اللفظ على قصر العمل في المخاطب، ولكن يتعين حمله على تحصيل المقصود والسعي فيه بأي وجه أمكن، حتى لو استعان العامل بمن أراد بأجرة يبذلها أو بأن يتبرع عليه المستعان بالإعانة، فإذا حصل المقصود فلا نظر إلى جهات العمل بناءً على مقصود الباب) (¬1). وقال الغَزالي: (لا يتعين على العامل المعين العمل بنفسه، فلو قال لشخص معين: إن رددت عبدي الآبق فلك كذا. لم يتعين عليه بنفسه، بل له الاستعانة بغيره، فإذا حصل العمل استحق الأجرة) (¬2). المناقشة: 1. أن الفقهاء اشترطوا لصحة الجعالة أن يتضمن العمل منفعةً للجاعل (¬3)، ومنفعة العمل هنا إنما تعود لرب المال، وهو الجاعل الأصلي، ولا تعود على الجاعل الثاني؛ لأن المال الضائع ليس له، بل هو أجنبي. الجواب: لا يتصور أن أحدًا من الناس يقدم على عمل ما لا منفعة له فيه أصلًا، والمنفعة في مثل هذا أن يحصل على الجعل الأصلي؛ لأن العامل سيقوم بتسليم المال للجاعل الثاني، وغالبًا سيكون جعله أقل من الجعل الأصلي، فإلم يكن فهذا أولى بالجواز؛ لأن الجاعل الثاني متبرعٌ بالزيادة حينئذٍ ومحسن للجاعل الأصلي، وربما كان بينهم-مما يقتضي ذلك- ما هو أعظم من الجعل كمودة أو قرابة أو نحوهما. 2. أن تخريجه على جعالة الفضولي غير مسلَّم؛ لأن الفضولي يقصد النيابة عن غيره، وجعالة الجاعل إنشاء عقد من تلقاء نفسه متعلق بمال غيره. 3. أن هذا الدليل مسلَّمٌ في ما لم يكن مقصودًا بالتعيين كبناء حائط وحياكة ثوب ووجدان ضائع، أما ما كان العامل فيه مقصودًا فهو كاستصناع الصانع ومقاولة المقاول، والقرينة ¬

_ (¬1) نهاية المطلب 8/ 498. (¬2) مغني المحتاج 2/ 558. (¬3) التاج والإكليل 7/ 600، الموسوعة الفقهية 15/ 216.

العرفية تقتضي أن تكون الجعالة للمعيَّن إذا باشر العمل بنفسه، فإن قامت قرينة أخرى على عدم قصد التعيين فصحيح. دليل الاحتمال الثاني: أما عدم صحتها إذا كانت الجعالة الأصلية لمعين فلأن رب المال لم يجاعل العامل على ردها إنما جاعل معينًا ولم يعمل، وأما عدم صحتها إذا كانت الجعالة الأصلية لغير معيَّن فلأن الجاعل الثاني لا مشقة عليه لعدم مباشرته العمل فلا يستحق الجعالة الأصلية، وإنما يستحقها العامل على أحد الاحتمالين المتقدمين. المناقشة: إذا كان مقصود الجاعل الأصلي تحصيل العمل، فلا فرق عنده فيمن يباشره، واستحقاق الجاعل الثاني بناءً على تسبُّبه في حصول العمل، واشتراط المشقة غير مسلَّم؛ لعدم الدليل عليه. دليل الاحتمال الثالث: القياس على توكيل الوكيل، فإنه يجوز في ما يعجز عنه الوكيل أو ما لا يليق بمثله مباشرتُه، واشتراط علم الجاعل؛ لأنه الملتزم بدفع الجعل. دليل الاحتمال الرابع: الجمع بين أدلة القولين الأولين، فما دل على عدم صحة الجعالة على الجعالة فمحله إذا كان المخاطب بالجعالة الأصلية معينًا تعيينًا مقصودًا، بحيث يختلف العمل المطلوب إحداثه من عاملٍ لآخر، وهذا كما تقدم في استصناع الصانع ومقاولة المقاول، وما دل على صحة الجعالة على الجعالة -وهي أدلة القول الأول- فمحمولٌ على سائر الحالات الأخرى، وإذا كان المقصود العمل دون العامل فالعبرة بالمقاصد ولو كان في اللفظ تعيين. الترجيح الراجح الاحتمال الرابع فإن كان العمل المتعاقد عليه يراد به استحداث نتيجة جديدة، كتعليم علم وبناء حائط وخياطة مخيط فإن كان لمعيَّن تعيينًا مقصودًا فلا تصح جعالة الجاعل على هذا العمل، وإن كان لغير معين أو كان التعيين غير مقصود فتصح، وإن كان العمل المتعاقد عليه مما يراد إيجاده من غير تعيين فاعل، كرد ضائع من مال أو مركوب أو غيره، فتصح الجعالة على الجعالة فيه. سبب الترجيح: أن فيه جمعًا بين الأدلة المذكورة. تنبيه: إذا حَلَّ مكان الجاعل الأصلي جاعل آخر فهذه ليست جعالة جديدة، إنما هو توكيل واستنابة في دفع الجعل، وقد يكون توكيلا مطلقًا أو بعوض.

المبحث التاسع: إحالة المحال

المبحث التاسع: إحالة المحال، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الحوالة وحكمها. تعريف الحوالة الحوالة في اللغة مشتقة من التحول، قال في "فتح الباري": (بفتح الحاء وقد تكسر) (¬1)، وهو التنقل من موضع إلى موضع؛ سميت بذلك لأنها تنقل الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه (¬2). والحوالة في الاصطلاح: 1 - عند الحنفية: نقل الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه (¬3). 2 - عند المالكية: طرح الدين عن ذمة بمثله في أخرى لامتناع تعلق الدين بما هو له (¬4). أو نقل الدين من ذمة بمثله إلى أخرى تبرأ بها الأولى (¬5). 3 - عند الشافعية: عقد يقتضي نقل دين من ذمة إلى ذمة (¬6). 4 - عند الحنابلة: انتقال مال من ذمةٍ إلى ذمةٍ بلفظها أو معناها الخاص (¬7). وهذه تعاريف متقاربة في الجملة، وكلها تدور حول النقل. وقد اختلف الفقهاء في حقيقة الحوالة هل هي بيع ومعاوضة أو استيفاء أو عقد إرفاق مستقل؟ على أقوال (¬8): القول الأول: أن حقيقة الحوالة أنها بيع دين بدين جُوِّز للحاجة، وهو مذهب المالكية (¬9) والشافعية (¬10). ¬

_ (¬1) 6/ 63. (¬2) مختار الصحاح، مادة حول ص 155، لسان العرب، مادة حول 13/ 202، المطلع ص 299، المصباح المنير، مادة حول ص 136. (¬3) اللباب 3/ 399، وزاد في التعريفات ص 98 نقل الدين وتحويله ... إلخ، درر الحكام 2/ 5 مادة 673 من مجلة الأحكام العدلية. (¬4) شرح حدود ابن عرفة ص 423، مواهب الجليل 7/ 21. (¬5) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 3/ 325. (¬6) مغني المحتاج 2/ 251، نهاية المحتاج 4/ 267، تكملة المجموع 14/ 311 - 315. (¬7) المبدع 4/ 270، شرح منتهى الإرادات 3/ 398، كشف المخدرات 1/ 325. (¬8) ومعرفة حقيقة العقد جزء من تعريفه الاصطلاحي. (¬9) الذخيرة 9/ 250،242، حاشية الدسوقي 3/ 325، التاج والإكليل 7/ 21. (¬10) المهذب مع التكملة 14/ 318 - 319، كفاية الأخيار ص 315، مغني المحتاج 2/ 251. وقد عزوا هذا القول للحنفية في "الموسوعة الفقهية" 18/ 172 - 175 وللظاهرية في تحقيق "الروض المربع" 6/ 450، وقد قال ابن نجيم: (وخرج عن تمليك الدين لغير من هو عليه الحوالة، فإنها كذلك مع صحتها، كما أشار إليه الزيلعي). الأشباه والنظائر ص 309.

القول الثاني: أنها عقد إرفاق مستقل بنفسه، وهو مذهب الحنابلة (¬1). القول الثالث: أنها استيفاء أو استيفاء وقرض، وهو قول للشافعية (¬2). القول الرابع: أنها عقد توثقة، وهو قول للحنفية (¬3). القول الخامس: أنها بيع عينٍ بعينٍ. القول السادس: أنها بيع عينٍ بدينٍ. القول السابع: أنها ضمانٌ بإبراء. وهذه أقوال للشافعية (¬4). القول الثامن: أنها مركبة من الاستيفاء والمعاوضة، وهو قول بعض الشافعية: كالبغوي (¬5) والجويني (¬6) والغزالي (¬7)، وهو قول أبي العباس ابن تيمية (¬8). الأدلة (¬9): دليل القول الأول: أن الدين الذي في ذمة المحيل يعتاض به عن الدين الذي في ذمة المحال عليه، فيسقط عنه الدين الذي للمحال بإسقاط الدين الذي له في ذمة المحال عليه، وكلاهما دينٌ، ولكنه جوِّز رخصة للحاجة وإن كان القياس منعه، ومن جهة أخرى أن المحال يبذل ما له في ذمة المحيل بما للمحيل في ذمة المحال عليه، وذلك حقيقة البيع. دليل من قال إنها ليست معاوضة (¬10): أن الحوالة لو كانت بيعًا لما جازت لكونها بيع دين بدين ولما جاز التفرق قبل القبض؛ لأنه بيع مال بجنسه، ولجازت بلفظ البيع، ولجازت بين جنسين كالبيع كله، ولأن لفظها يشعر بالتحول لا بالبيع، فعلى هذا لا يدخلها خيار، وتلزم ¬

_ (¬1) المغني 7/ 56، شرح منتهى الإرادات 3/ 386، كشف المخدرات 1/ 325. (¬2) نهاية المطلب 6/ 511 - 512، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 793، مغني المحتاج 2/ 251، وعزاه الأخير لمنصوص "الأم" ولم أجده فيه، ينظر "الأم" 3/ 228 - 229، بل نص على القول الأول، كما في " الأم" 3/ 73. (¬3) بدائع الصنائع 6/ 30، الهداية مع فتح القدير 5/ 446، مجمع الأنهر 2/ 146. (¬4) نهاية المطلب 6/ 512، الأشباه والنظائر ص 793، وجعل الأقوال عشرة. (¬5) تكملة المجموع 14/ 319. (¬6) نهاية المطلب وعزاه لوالده 6/ 512 مع المقدمة ص 179. (¬7) تكملة المجموع 14/ 319. (¬8) مجموع الفتاوى 20/ 512 - 513، وأشار في شرح منتهى الإرادات 3/ 398 لشبه الحوالة بالمعاوضة والاستيفاء. (¬9) وأقتصر على أدلة أشهر الأقوال. (¬10) كالإبراء والإرفاق.

بمجرد العقد (¬1)، قال أبو العباس ابن تيمية: (وصاحب الحق إذا استوفى من المدين ماله كان هذا استيفاءً، فإذا أحاله على غيره كان قد استوفى ذلك الدين عن الدين الذي له في ذمة المحيل، ولهذا ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - الحوالة في معرض الوفاء، فقال في الحديث الصحيح: (مطل الغني ظلم وإذا أُتبِع أحدكم على مليء فليتبع)، فأمر المدين بالوفاء ونهاه عن المطل، وبين أنه ظالم إذا مطل، وأمر الغريم بقبول الوفاء إذا أحيل على مليء، وهذا كقوله تعالى: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} البقرة: (178) أمر المستحق أن يطالب بالمعروف وأمر المدين أن يؤدي بإحسان، ووفاء الدين ليس هو البيع الخاص، وإن كان فيه شوب المعاوضة، وقد ظن بعض الفقهاء أن الوفاء إنما يحصل باستيفاء الدين بسبب أن الغريم إذا قبض الوفاء صار في ذمته للمدين مثله، يتقاص ما عليه بماله، وهذا تكلف أنكره جمهور الفقهاء، وقالوا: بل نفس المال الذي قبضه يحصل به الوفاء، ولا حاجة أن نقدر في ذمة المستوفي دينًا، وأولئك قصدوا أن يكون وفاء الدين بدين، وهذا لا حاجة إليه، بل الدين من جنس المطلق الكلي والمعين من جنس المعين، فمن ثبت في ذمته دين مطلق كلي فالمقصود منه هو الأعيان الموجودة، وأي معين استوفاه حصل به المقصود من ذلك الدين المطلق) (¬2). الترجيح الراجح أنها عقدٌ فيه معنى الاستيفاء ومعنى الإرفاق ومعنى التوثقة، ولا تنافي بينها، وفيها شوب معاوضة، كما في القول الأخير. سبب الترجيح: أن عقد الحوالة على وفق القياس كسائر العقود (¬3)، وهذا يستبعد اعتبارها من بيع الدين بالدين، وإن كان منه صورٌ جائزةٌ، ولا يخفى تضمنه لهذه المعاني، بل قال الجويني: (وحاصل الخلاف أن الغالب على الحوالة معنى المعاوضة ومعنى الاستيفاء، فأما تضمنها المعنيين فلا خلاف فيه) (¬4). حكم الحوالة الحوالة جائزة، والأصل في جوازها الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقد استدل في "الذخيرة" لها بأدلة عامة فقال: (قوله-تعالى-: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} المائدة: (2)، وهي ¬

_ (¬1) المغني 7/ 56، وينظر تكملة المجموع 14/ 319. (¬2) مجموع الفتاوى 20/ 512 - 513. (¬3) إعلام الموقعين 3/ 172. (¬4) نهاية المطلب 6/ 512، وينظر في ثمار الخلاف الأشباه والنظائر للسيوطي ص 366.

المطلب الثاني: حكم إحالة المحال

بِرٌّ، وقوله -تعالى-: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} الحج: (77) وهي خير، ونحو ذلك من النصوص الدالة على المعروف) (¬1). وأما السنة فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «مطل الغني ظلم وإذا أتبع أحدكم على مليءٍ فليتبع» (¬2)، وفي رواية: «مطل الغني ظلم ومن أحيل على مليءٍ فليحتل» (¬3)، وأما الإجماع فقد حكاه غير واحد (¬4)، وقال في"المبدع"و"كشاف القناع": (ولا عبرة بمخالفة الأصم) (¬5). المطلب الثاني: حكم إحالة المحال. صورة المسألة: إحالة المحال له احتمالان كلاهما مراد: الأول: أنه من باب إضافة المصدر إلى فاعله، فالمحال يحيل دائنه على دين الحوالة، وصورتها حينئذٍ: أن يكون لصالح دينٌ على الطرف الأول وعلى صالح دين للطرف الثاني، فصالح دائن للأول مدين للثاني، فيطالب صالحٌ الأولَ بدينه فيحيله على طرف ثالث، فبذلك ثبت دين صالح بالإحالة في ذمة الثالث، فيجيء الطرف الثاني ويطالب صالحًا بدينه فيحيله صالح على الطرف الثالث، فالمحال-وهو صالح- أحال دائنه على دين الحوالة، فهو محال محيل. الثاني: أنه من باب إضافة المصدر إلى مفعوله، فالمحال عليه يحيل المحال، وصورتها حينئذٍ: أن يكون لصالح دينٌ على زيد فيحيله زيد على حسنٍ، فيحيله حسنٌ على ثالث، وهكذا، فهنا حصلت الإحالة لصالح مرارًا فهو محال من ذمة إلى ذمة في كل مرة. ومن الصور المعاصرة لإحالة المحال بالمعنى الأول تظهير الشيك إذا كان المظهر إليه دائنًا للمظهر، وذلك أن الشيك يحرره الساحب -وهو محيل- إلى المصرف المسحوب عليه -وهو محال عليه- لدفع مبلغ لحامله وهو المستفيد-وهوالمحال-، فإذا قام المستفيد بتظهير الشيك- ¬

_ (¬1) 9/ 241. (¬2) رواه البخاري، كتاب الحوالات، باب في الحوالة ... (3/ 94) (ح 2287)، ومسلم، كتاب البيوع (5/ 34) (ح 4002). (¬3) رواه أحمد (16/ 48) (ح 9973)، وابن أبي شيبة (11/ 442 - 443) (ح 22844)، والبيهقي (6/ 70)، وغيرهم، قال في البدر المنير (6/ 702): (وهو بمعنى اللفظ الأول)، أي المتفق عليه، وقاله في التلخيص الحبير (4/ 1869 - 1870)، وزاد: (وهي رواية لأحمد صحيحة). (¬4) مراتب الإجماع ص 112، الإقناع في مسائل الإجماع 2/ 171، مجمع الأنهر 2/ 146، الذخيرة 9/ 241، الفواكه الدواني 2/ 374، نهاية المطلب 6/ 511، كفاية الأخيار ص 315، نهاية المحتاج 4/ 267، المغني 7/ 56، الشرح الكبير 13/ 89. (¬5) المبدع 4/ 270، كشاف القناع 8/ 262، والأصم هو عبد الرحمن المعتزلي ويقال له ابن الأصم.

أن يكتب على ظهره عبارة تفيد نقل الملكية إلى حامل جديد أو توكيله أو رهنه، والمراد هنا نقل الملكية- لطرف آخر دائن له - وهو المظهر إليه- فإنه يحيله على دين الحوالة (¬1). الحكم: الحكم في الصورتين واحد، وقد نص الفقهاء من الشافعية والحنابلة على جواز ذلك. وأقدمُ مَن رأيته نص على المسألة المزنيُّ في"مختصره" حيث قال: (هذه مسائل تحريت فيها معاني جوابات الشافعي في الحوالة ... ولو كان لرجل على رجل ألف درهم فأحاله المطلوب بها على رجل له عليه ألف درهم ثم أحاله بها المحتال عليه على ثالث له عليه ألف درهم براء الأولان، وكانت للطالب على الثالث) (¬2). وقال الجويني في"نهاية المطلب": (ذكر المزني صورًا ظاهرةً في الحوالة نذكرها على وجهها، قال: لو أحال زيد عمرًا على بكرٍ بماله عليه من الحق ثم أحال بكرٌ عمرًا على خالدٍ ثم أحاله خالد على جعفر فذلك جائز، ولو أحال زيد عمرًا على بكرٍ ثم عمرو أحال خالدًا على بكر ثم خالد أحال عبد الله على بكر فهذا جائز، وتعدَّدَ المحتال في هذه الصورة والمحال عليه واحد، وفي الصورة الأولى تعدَّد المحال عليه والمحتال واحد) (¬3)، والمحتال هو المحال، وهذا النص فيه التصريح بالجواز، والأول متضمن ومستلزم للجواز، فهذا منطوق وذاك مفهوم، وقد يفسَّر اختلاف النصين بتعدد النسخ للمختصر. وفي"مغني المحتاج": (خاتمة: للمحتال أن يحيل غيره وأن يحتال من المحال عليه على مدينه) (¬4). وقال ابن قدامة في"المغني": (فصل: إذا أحال رجلًا على زيد بألف فأحاله زيد بها على عمرو فالحوالة صحيحة؛ لأن حق الثاني ثابت مستقر في الذمة فصح أن يحيل به كالأول، وهكذا لو أحال الرجل عمرًا على زيد بما ثبت له في ذمته صح أيضًا لما ذكرنا، وتكرر المحتال والمحيل لا يضر) (¬5). وفي"شرح منتهى الإرادات": (ولمشترٍ أن يحيل محالًا عليه من قبل بائع على بائع) (¬6). ¬

_ (¬1) أبحاث هيئة كبار العلماء 5/ 361 - 372، أحكام الأوراق التجارية ص 134 - 137، 186. (¬2) مختصر المزني ص 107. (¬3) 6/ 529، وقال: (ومنصوصات المزني في مجال التحري معدودة من متن المذهب، وهي عند المصنفين كنصوص الشافعي) 6/ 519. (¬4) 2/ 257. (¬5) 7/ 63، وينظر الشرح الكبير 13/ 111 - 112. (¬6) 3/ 404، وينظر الإنصاف 13/ 110 - 112، كشاف القناع 8/ 273 - 274، الروض المربع 6/ 462.

وللحنفية نصٌّ قريبٌ من المسألة فقد جاء في "البناية" في أن الحوالة إذا حصل الإبراء منها لا تعود إلا بسبب جديد، ومَثَّل للسبب الجديد بمثال: (... أن يحيل المحتال عليه المحتال على المحيل) (¬1). الأدلة: الدليل الأول: أن الأصل في المعاملات الجواز والصحة. الدليل الثاني: أن حق الثاني ثابت مستقر في الذمة فتجوز وتصح الحوالة عليه، قياسًا على جوازها وصحتها في حق الأول، وكذلك الثالث والرابع. الدليل الثالث: أن صحة إحالة المحال فرعٌ عن صحة الأصل، وقد ثبتت صحة الأصل بالإجماع. تنبيه: ورد في "الأشباه والنظائر" لابن نجيم: (والحوالة بعد الحوالة باطلة، كما في التلقيح) (¬2). وصورة ذلك أن يتكرر عقد الحوالة بنفس أطرافه، فيحيل زيد صالحًا على حسنٍ ثم يحيله عليه مرةً أخرى، كما يدل عليه سياق كلامه، حيث قال قبلها: (كل عقدٍ أُعيد وجُدِّد فإن الثاني باطل)، وعليه فليس هذا مما نحن فيه، على أنه لو قيل بالجواز والصحة لم يَعْدُ أن يكون تأكيدًا للعقد الأول، وعلى قوله فيبطل الثاني ويبقى العقد الأول على الصحة، فالنتيجة واحدة، والحمد لله رب العالمين. ¬

_ (¬1) 7/ 626. (¬2) ص 176.

المبحث العاشر: السلم الموازي (المتوازي)

المبحث العاشر: السَّلَم المُوَازي (المتوازي)، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف السَّلَم وحكمه. تعريف السلم السَّلَم لغةً هو السَّلَف، ومعنى السلف التقدُّم والسَّبْق، وعقد السلم فيه هذا المعنى؛ لأن الثمن فيه مقدَّمٌ (¬1)، وقال الماوردي: (السلف لغة عراقية، والسلم لغة حجازية) (¬2)، ولكن يأباه لفظ حديث الباب الآتي-بمشيئة الله-، فإن فيه (من أسلف)، ولكنهما بمعنى واحد عند جميع أهل اللغة (¬3)، ومن العلماء من استعمل لفظ السلم (¬4)، وهو لقب خاص لهذا العقد، ومنهم من استعمل لفظ السلف (¬5)، وهو مستعمل فيه وفي القرض، لكنه إذا عُدّي بإلى أو في أريد به هذا العقد. والسلم اصطلاحًا: 1 - عند الحنفية: شراءُ آجلٍ بعاجلٍ (¬6). 2 - عند المالكية: عقد معاوضة يوجب عمارة ذمة بغير عين ولا منفعة غير متماثل العوضين (¬7). 3 - عند الشافعية: عقد على موصوف في الذمة ببدل يُعطى عاجلًا (¬8). 4 - عند الحنابلة: عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض بمجلس العقد (¬9). حكم السلم السلم جائز بالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله - سبحانه وتعالى -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ (282)} البقرة: (282)، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (أشهد ¬

_ (¬1) مقاييس اللغة، مادة سلف 3/ 95 - 96، ومادة سلم 3/ 90، تهذيب اللغة، مادة سلم 2/ 1743، المصباح المنير، مادة سلم، ص 235، التعريفات، ص 123، القاموس المحيط، مادة سلم، ص 1121. (¬2) الحاوي الكبير 5/ 388. (¬3) المطلع ص 293. (¬4) صحيح البخاري 3/ 85، المبسوط 12/ 146، الذخيرة 5/ 223، مغني المحتاج 2/ 134، المغني 6/ 384، المحلى 9/ 105. (¬5) مصنف عبد الرزاق 8/ 4 - 19، المدونة 4/ 313 وما بعدها، الأم 3/ 95. (¬6) فتح القدير 5/ 323، التعريفات ص 123، حاشية ابن عابدين 7/ 478 - 479، درر الحكام 1/ 114. (¬7) شرح حدود ابن عرفة ص 395، مواهب الجليل 6/ 476، الفواكه الدواني 2/ 152. (¬8) نهاية المطلب 6/ 5، العزيز شرح الوجيز 4/ 391، كفاية الأخيار ص 297. (¬9) المطلع ص 293، الإنصاف 12/ 217، كشاف القناع 8/ 85.

المطلب الثاني: حكم السلم الموازي (المتوازي)

أن السلف المضمون إلى أجل قد أحله الله وأذن فيه) وقرأ هذه الآية (¬1). وأما السنة فقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «من أسلف في شيء، ففي كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم» وفي لفظ: «فليسلف في كيل معلوم، إلى أجل معلوم» (¬2). ونُقل الإجماع على جوازه في الجملة (¬3)، وهو بيعٌ عند الجمهور خلافًا لابن حزم (¬4). المطلب الثاني: حكم السلم الموازي (المتوازي). صورة المسألة: أن يعقد صفقة سلم مع طرف، ويعقد صفقة سلم أخرى مع طرف ثالث، مع اتفاق المسلم فيه في العقدين، ويكون مسلِمًا في أحدهما ومسلَمًا إليه في العقد الآخر، ويضاف قيدٌ في صورة السلم الموازي الصحيح، فيقال: دون ربطٍ بينهما. والطرف المشترك بين العقدين إما أن يسلم في العقد الثاني في عين السلعة التي كانت محل العقد الأول، وإما أن يسلم في مثلها، فهاتان صورتان: الصورة الأولى: أن يعطي زيدٌ 1000 ريال نقدًا لمزارع مقابل 50 صاعًا من التمر بعد سنة، بالصفات والشروط اللازمة، فالمسلَم فيه هو التمر، ثم يسلم زيد في هذا التمر، بأن يبيعه على ثالث بـ 1100 ريال نقدًا على أن يسلمه له بعد سنة ونصف من تاريخ العقد الأول، فيكون زيد مسلمًا في العقد الأول ومسلمًا إليه في العقد الثاني، ومحل السلم واحد. الصورة الثانية: أن يسلم المسلم إلى طرف ثالث في مثل المسلم فيه أولًا، وليس فيه بعينه، بمعنى أن يعقد زيد مع مزارع عقد سلم في تمر موصوف في الذمة، ويعقد مع طرف ثالث سلمًا في تمر موصوف في الذمة بمثل الأوصاف السابقة، فيكون زيد مسلمًا في العقد الأول ومسلمًا إليه في العقد الثاني، ومحل السلم متماثل الصفات، وقد يكون مسلمًا في الثاني مسلَمًا إليه في ¬

_ (¬1) رواه البخاري تعليقًا، ولم يصرح بلفظه، كتاب السلم، باب السلم إلى أجل معلوم (3/ 86)، ووصله عبد الرزاق، كتاب البيوع، باب لا سلف إلا إلى أجل معلوم (8/ 5) (ح 14064)، وابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية، السلف في الطعام والتمر (11/ 419) (ح 22758)، والبيهقي، كتاب البيوع، باب جواز السلف المضمون بالصفة (6/ 18)، وصححه الحاكم والألباني. المستدرك 2/ 286، الإرواء 5/ 213. (¬2) رواه البخاري، كتاب السلم، باب السلم في وزن معلوم (3/ 85) (ح 2240)، واللفظان له، ومسلم (5/ 55 - 56) (ح 4119). (¬3) الإشراف 6/ 101، الاستذكار 16/ 578، الإقناع في مسائل الإجماع 2/ 237 - 238، الذخيرة 5/ 224، مواهب الجليل 6/ 476، الفواكه الدواني 2/ 152، نهاية المطلب 6/ 5، مغني المحتاج 2/ 134، المغني 6/ 384، الروض المربع 6/ 306، ولا تصح نسبة مخالفة الإجماع لسعيد بن المسيب، كما في "تكملة المجموع" 13/ 186 - 187، ووردت عنه آثار تدل على عدم المخالفة في "مصنف ابن أبي شيبة" (ح 20387، 21821، 22749). (¬4) المبسوط 12/ 146، الفواكه الدواني 2/ 152، حاشيتا قليوبي وعميرة 2/ 244، الشرح الكبير على المقنع 12/ 217، المحلى 9/ 105.

الفرع الأول: إسلام المسلم فيه بعينه

الأول. وعند تناول مجمع الفقه الإسلامي التابع للمنظمة لموضوع السلم وتطبيقاته المعاصرة تطرق العلماء المشاركون والأعضاء لمسألة السلم الموازي تطرُّقًا جزئيًّا؛ لذا خلا القرار الصادر في ذلك، من تعريف للسلم الموازي أو بيان حكمه، وجاء في آخره: (يوصي المجلس باستكمال صور التطبيقات المعاصرة للسلم بعد إعداد البحوث المتخصصة) (¬1)، والمقصود الأول بذلك السلم الموازي، فقد قال مقرر جلسة المناقشة: (فكمقرر أرجو من الإخوة العلماء أن يولوا هذه المسائل المختلفة بالذات: (السلم الموازي) الجهد اللازم لهذه المسألة حتى تستبين الصورة في أذهاننا، وأن يقعِّدوها التقعيد اللازم حتى نستطيع أن نصدر فيها قرارًا سليمًا، وأراه من المسائل المعاصرة التي تحتاج إلى قرار من مجمعنا هذا إن شاء الله. وبالله التوفيق والهداية) (¬2). ويأتي حكم كل صورة من الصورتين في فرع مستقل: الفرع الأول: إسلام المسلَم فيه بعينه. للعلماء في ذلك ثلاثة أقوال، ومن لم ينص على السلم نص على بيع المسلم فيه: القول الأول: عدم جواز إسلام المسلم فيه مطلقًا، وهو مذهب الحنفية (¬3) والشافعية (¬4) والحنابلة (¬5)، وهو قولٌ لأبي العباس ابن تيمية (¬6). القول الثاني: جواز إسلام المسلم فيه إلا أن يكون طعامًا، وهو مذهب المالكية (¬7). ¬

_ (¬1) قرار رقم 85 (2/ 9) بتاريخ 1 - 6/ 11/1415. فقه النوازل 3/ 234. (¬2) ينظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي، السلم وتطبيقاته المعاصرة للدكتور نزيه حماد ع 9، ج 149، ص 603، قرارات الهيئة الشرعية بمصرف الراجحي 1/ 79 - 85، المعايير الشرعية المعيار الشرعي للسلم، البند 6/ 1، ص 162،170، يلاحظ أن بعض العقود التي يظهر لها اسم جديد تجعل بعض الناظرين في حكمها يصنفها ضمن العقود المستحدثة، والنوازل المعاصرة، وهذا يرجع أولًا لتعيين المقصود بمسمى العقود المعاصرة، ثم للتصور الصحيح لها، ثم لسعة الاطلاع على المدونات المتقدمة، وبالنظر لهذا العقد نجد أن صورته الأولى منصوص عليها في مسألة إسلام المسلم فيه، أو بيع المسلم فيه، وأن صورته الثانية نصَّ عليها الإمام الشافعي - رحمه الله - وغيره من المصنفين، وإن كانت الصورة الأولى أشهر وأظهر، ولكن تخصيص السلم الموازي بالصورة الثانية عند المعاصرين أكثر. (¬3) بدائع الصنائع 5/ 299،349، خلاصة الدلائل 1/ 378، فتح القدير 5/ 345، حاشية ابن عابدين 7/ 394. (¬4) نهاية المطلب 6/ 21، البيان 5/ 444، مغني المحتاج 2/ 92. (¬5) المستوعب 2/ 167، الإنصاف 12/ 292، كشاف القناع 8/ 118، وفي رواية عن أحمد جوازه من بائعه، وهو المسلم إليه. المغني 6/ 416، واختارها ابن قيم الجوزية بشرط أن يكون بقيمته أو أقل. تهذيب السنن 5/ 111 - 117. (¬6) مجموع الفتاوى 29/ 500. (¬7) الموطأ 2/ 189، المدونة 4/ 429 - 430، الكافي ص 342، التاج والإكليل 6/ 523، شرح الخرشي 5/ 227، واشترطوا: أن يعجل البدل، وأن يكون مما يباع المسلم فيه يدًا بيد، ومما يجوز أن يسلم فيه رأس المال، وألا يكون طعامًا.

القول الثالث: جوازه إذا كان بقيمته أو أقل، وهي رواية عن أحمد (¬1)، واختيار أبي العباس ابن تيميّة (¬2). الأدلة: أدلة القول الأول: الدليل الأول: عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره» (¬3). وجه الدلالة: أن بيع المسلم فيه مِن صرفه إلى غير عقد السلم، أما إذا قبضه وتم عقد السلم جاز له ذلك؛ لأنه حينئذ لم يصرفه إلى غيره. المناقشة: قال أبو العباس ابن تيمية: (عنه جوابان: أحدهما: أن الحديث ضعيف، والثاني: المراد به ألا يجعل السلف سلمًا في شيء آخر، فيكون معناه النهي عن بيعه بشيء معين إلى أجل، وهو من جنس بيع الدين بالدين؛ ولهذا قال: «لا يصرفه إلى غيره» أي لا يصرف المسلم فيه إلى مسلم فيه آخر) (¬4). الدليل الثاني: الإجماع، قال ابن قدامة: (أما بيع المسلم فيه قبل قبضه) يعني على غير المسلَم إليه (فلا نعلم في تحريمه خلافًا) (¬5). المناقشة: قال أبو العباس ابن تيميّة: (وأما ما ذكره الشيخ أبو محمد في مغنيه ... فقال - رحمه الله - بحسب ما علمه، وإلا فمذهب مالك أنه يجوز بيعه من غير المستسلِف كما يجوز عنده بيع سائر الديون من غير من هو عليه، وهذا أيضًا إحدى الروايتين عند أحمد) (¬6) وقال ابن قيم الجوزية: ¬

_ (¬1) الإنصاف 12/ 292. (¬2) مجموع الفتاوى 25/ 513، الإنصاف 12/ 292. (¬3) رواه أبو داود، كتاب البيوع، باب من أسلف في شيء ثم حوَّله إلى غيره (5/ 339) (ح 3468)، وابن ماجه، أبواب التجارات، باب من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره (3/ 385) (ح 2283)، والدارقطني، كتاب البيوع (2/ 640 - 641) (ح 2945)، قال ابن حجر: (وفيه عطية بن سعد العوفي، وهو ضعيف، وأعله أبو حاتم والبيهقي وعبد الحق وابن القطان بالضعف والاضطراب). وإنما أعله أبو حاتم بالوقف، وممن ضعفه المنذري وابن تيميّة وابن قيم الجوزية والألباني، وقال عنه الترمذي: (وهو حديث حسن). علل الترمذي الكبير ص 195، كتاب العلل لابن أبي حاتم (ح 1158)، مختصر السنن وتهذيب السنن 5/ 113،117، مجموع الفتاوى 29/ 519، التلخيص الحبير 4/ 1794، الإرواء 5/ 215، وجاء موقوفًا على ابن عمر - رضي الله عنهما -، كما سيأتي ضمن أدلة القول الثالث. (¬4) مجموع الفتاوى 29/ 517،519، والجواب الثاني يؤيد القول الأول. (¬5) المغني 6/ 415، الشرح الكبير 12/ 292 - 293، وينظر نهاية المطلب 6/ 21. (¬6) مجموع الفتاوى 29/ 506، ثم قال ص 511: (ومالك استثنى الطعام؛ لأن من أصله أن بيع الطعام قبل قبضه لا يجوز، وهي رواية عن أحمد).

(وأما قولكم: إن المنع إجماع. فكيف يصح دعوى الإجماع مع مخالفة حبر الأمة ابن عباس وعالم المدينة مالك بن أنس؟ فثبت أنه لا نص في التحريم ولا إجماع ولا قياس) (¬1). الدليل الثالث: أحاديث النهي عن بيع ما ليس عندك وعن ربح ما لم يضمن (¬2)، وأحاديث النهي عن بيع المبيع قبل قبضه (¬3). وجه الدلالة منها: أن المسلَم فيه ثابت في ذمة المسلم إليه داخل في ضمانه، ولا يدخل في ضمان المسلم إلا بعد استيفائه، فلا يجوز أن يسلم فيه قبل ذلك، والسلم بيع، ولا أن يربح فيه؛ لأنه لم يضمنه. المناقشة: أن النهي عن بيع المبيع قبل قبضه إنما هو في المعين أو المتعلق به حق توفية، أما ما في الذمة فالاعتياض عنه من جنس الاستيفاء (¬4). الجواب: هذا صحيح فيما لو كان بيع دين السلم على مَن هو عليه، أي على المسلَم إليه المدين، ولكن محل البحث في بيع دين السلم على غير مَن هو عليه، والجمهور يمنعون الأمرين. الدليل الرابع: أن المشغول لا يُشغل (¬5)، ومحل العقد مشغولٌ بالعقد الأول فلا يشغل بالثاني. الدليل الخامس: نهيُ النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الغرر (¬6)، وبيع دين السلم من بيع الغرر؛ لأنه غير مستقر، ذلك أن وجوده محتمل وليس متحققًا، والمدين -المسلم إليه- غير قادر على تسليمه قبل أجله، كما أنه ليس دينًا في ذمة الطرف الجديد فيكونَ مقبوضًا له حكمًا. دليل القول الثاني: أن أحاديث النهي عن بيع ما لم يقبض خاص بالطعام، فدل على جواز ذلك فيما عداه. المناقشة: 1. ورود أحاديث عامة في النهي عن بيع المبيع قبل قبضه، تشمل الطعام وغيره (¬7). 2. أن النهي عن ربح ما لم يضمن نهيٌ عامٌّ، فيشمل كلَّ مسلَم فيه من طعام وغيره. ¬

_ (¬1) تهذيب السنن 5/ 117. (¬2) سبق تخريجها ص 57. (¬3) سبق تخريجها ص 36. (¬4) تهذيب السنن 5/ 114. (¬5) الأشباه والنظائر 1/ 334. (¬6) سبق تخريجه ص 109. (¬7) سبق تخريجها ص 41 - 43.

أدلة القول الثالث: الدليل الأول: عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (إذا أسلفت في طعام فحلَّ الأجل فلم تجد طعامًا فخذ منه عرضًا بأنقص، ولا تربح عليه مرتين) (¬1). المناقشة: أنه خالفه ابن عمر - رضي الله عنهما - فقال: (إذا أسلفت في شيء فلا تأخذ إلا رأس مالك أو الذي أسلفت فيه) (¬2)، ومعنى أثر ابن عمر أنه ليس له إلا إنجاز السلم أو الإقالة منه، أما بيع المسلم فيه قبل قبضه لبائعه بعرض ونحوه فلا، فغير بائعه بالمنع أولى. الجواب: قد لا يكون هناك تعارض بين الأثرين، فالمقصود عدم الزيادة. الرد: بينهما فرق ظاهر، فالأول يجيز أخذ شيء من غير جنس المسلم فيه تكون قيمته أنقص، والثاني يمنع من ذلك. الدليل الثاني: أن الأصل في المعاملات الجواز والصحة، وليس في المسألة ما يقتضي المنع، كالربا والغرر ونحوهما، كما أنه إذا باع المسلَم فيه بقدر القيمة لم يربح في ما لم يضمن. الدليل الثالث: القياس على العوض الآخر في السلم، وهو الثمن المقدَّم. والقياس على بدل القرض والثمن في المبيع، بجامع أن كلًّا من دين المسلم فيه وهذه الأصول دينٌ ثابتٌ، فيجوز الاعتياض عنه (¬3). المناقشة: أن الثمن المقدم في السلم ليس بدين، بخلاف المسلم فيه، فهو دين السلم، فافترقا، ومن أوجه الحكمة في تجويز السلم الإرفاق بالعامل الذي لا يجد رأس المال، فكان لا بد له من مالٍ للتصرف به، وكذلك ثمن المبيع الآجل والبدل المقبوض قرضًا ليسا دينًا، بل كلٌّ منهما عين، فلا يقاس عليها دين السلم، إذ هو دين، وأما بدل القرض المؤجل فمحل خلاف مقرر في مكانه، ثم هو دين مستقر بخلاف دين السلم. منشأ الخلاف: الخلاف في هذه المسألة فرعٌ عن الخلاف في مسألة بيع المبيع قبل قبضه. ¬

_ (¬1) رواه عبد الرزاق، كتاب البيوع، باب السلعة يسلفها في دينار، هل يأخذ غير الدينار؟ (8/ 16) (ح 14120)، واللفظ له، وابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية، من كره إذا أسلم السلم أن يصرفه في غيره (11/ 32) (ح 21243)، قال عنه ابن المنذر: (وثبت عن ابن عباس). مجموع الفتاوى 29/ 505 - 506. (¬2) رواه عبد الرزاق، كتاب البيوع، باب الرجل يسلف في الشيء هل يأخذ غيره؟ (8/ 14) (ح 14106)، وابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية، من كره إذا أسلم السلم أن يصرفه في غيره (11/ 32) (ح 21245)، والبيهقي، كتاب البيوع، باب من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره (6/ 30 - 31)، قال ابن حجر: (بإسناد جيد). الدراية 2/ 160، وجاء عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عند ابن أبي شيبة في الموضع نفسه. (¬3) مجموع الفتاوى 29/ 519.

الفرع الثاني: الإسلام في مثل المسلم فيه

الترجيح الراجح عدم جواز إسلام المسلم فيه. سبب الترجيح: أن بيع المبيع قبل قبضه ممنوع على الراجح؛ لما عُلم من أدلة (¬1)، وما ذكره أصحاب القول الثالث ليس ببعيد، والترجيح في هذه المسألة ظني. الفرع الثاني: الإسلام في مثل المسلَم فيه. نصَّ الفقهاء على هذه المسألة صورةً وحكمًا، وأنها جائزة. قال الشافعي في "الأم": (ومن أسلف في طعامٍ ثم باع ذلك الطعام بعينه قبل أن يقبضه لم يجز) كما في الصورة السابقة (وإن باع طعامًا بصفة ونوى أن يقضيه من ذلك الطعام فلا بأس؛ لأن له أن يقضيه من غيره ...) (¬2)، وفي السلم الموازي المعقود عليه موصوف في الذمة، والمعقود عليه في السلم الآخر يشبهه في الصفة، فله أن يقضيه منه أو من غيره، كما قال الإمام. وكذلك نصَّ الحنابلة على صورته، وهي أن يكون لرجل سلم وعليه سلم من جنسه (¬3). وإن كان المالكية يجيزون السلم في عين المسلم فيه ففي مثله أولى، وقد أشار بعضهم إلى نحو ذلك (¬4). وعامة المعاصرين على الجواز بشرط عدم الربط بين العقدين (¬5)، وبمعرفة أوجه الربط يتبين أن هذا الشرط مشترط عند من أجازه من غير المعاصرين، وأوجه الربط بين عقدي السلم الموازي هي: أولًا: أن يحيل الطرف المشترك بين عقدي السلم على دين السلم الأول، ومثاله: أن يحيلَ المسلمُ في العقد الأول -وهو المسلم إليه في العقد الثاني- الطرفَ الثالث -وهو المسلم في ¬

_ (¬1) ص 41 - 43، ومما يرجح به أيضًا أن السلم في المعين باطل عند الجمهور، جاء في المغني 6/ 406: (ولا يجوز أن يسلم في ثمرة بستان بعينه، ولا قرية صغيرة؛ لكونه لا يؤمن تلفه وانقطاعه. قال ابن المنذر: إبطال السلم إذا أسلم في ثمرة بستان بعينه كالإجماع من أهل العلم، وممن حفظنا عنه ذلك الثوري ومالك والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي وإسحاق) ونقل قول أبي إسحاق الجوزجاني: (أجمع الناس على كراهة هذا البيع) وعليه فقد يلحق مالك بالقول الأول في هذه المسألة من هذه الجهة، والله أعلم. (¬2) 3/ 72. (¬3) الشرح الكبير 12/ 305 - 308، كشاف القناع 8/ 122 - 123، أما حكمه بهذه الصورة فلم يذكروه إنما ذكروا ما سيأتي بعد قليل في أوجه الربط بين عقدي السلم. (¬4) شرح الخرشي 5/ 227، والمراجع السابقة في قول المالكية. (¬5) مجلة مجمع الفقه الإسلامي، السلم وتطبيقاته المعاصرة للدكتور نزيه حماد ع 9، ج 149، ص 603، قرارات الهيئة الشرعية بمصرف الراجحي 1/ 79 - 85، المعايير الشرعية المعيار الشرعي للسلم، البند 6/ 1، ص 162،170.

العقد الثاني- على الطرف الأول -وهو المسلم إليه الأصيل-، وهذا فرع عن الحوالة على دين السلم، وهو غير جائز عند الجمهور (¬1)؛ لأنه دين غير مستقر، وأجازه الحنفية (¬2) وبعض الحنابلة (¬3). ثانيًا: أن يُوكِّل المسلمُ الذي هو مسلمٌ إليه الطرفَ الثالثَ في القبض من الطرف الأول، ثم يعطيه إياه، وهذا جائز صحيح عند الشافعية (¬4) والحنابلة (¬5)، وفي رواية عن أحمد أنه لا يصح (¬6). الدليل: الدليل لجواز السلم الموازي بهذه الصورة هو الدليل لجواز عقد السلم؛ لأن السلم الموازي عقد سلمٍ مستوفٍ لشروطه، وتصرف المسلم، وهو الدائن، في السلم، أي المسلم فيه، بعد قبضه بإسلامه لطرف آخر لا أثر له على العقد الأول؛ لأن ملكه صحيح ويخوله أن يتصرف فيه بكل تصرف مباح، أو يقال: عقدان مع طرفين، لا علاقة لأحد العقدين بالآخر، فيباح كمن اشترى سلعةً من زيد فباعها لسعدٍ، واشتراط عدم الربط بين العقدين يفيد السلامة من الحيلة على التمويل الربوي أو على بيع ما لم يقبض، ومهما كان الراجح في الحوالة على دين السلم أو في الوكالة المذكورة فينبغي المنع منهما في السلم الموازي؛ اعتبارًا للمآلات وسدًّا للذرائع، فقد يعطي المصرف تمويلًا لعميل في صيغة سلم، فإذا جاء وقت تسليم المسلم فيه طلب من العميل إحالته على الجهة التي أسلم إليها العميل، فيؤول إلى التمويل الربوي؛ لذا يشترط لجواز وصحة هذا العقد ما سبق من شروط في استصناع الصانع، والله أعلم. ¬

_ (¬1) مواهب الجليل 7/ 25، الذخيرة 5/ 302، ونص فيه على المنع من إحالة سلم من سلم، حاشية الدسوقي 3/ 154، البيان للعمراني 5/ 447، المهذب 14/ 318، كفاية الأخيار ص 316، المغني 7/ 57، الإنصاف 12/ 305. (¬2) بدائع الصنائع 5/ 333،349، حاشية ابن عابدين 7/ 490. (¬3) الإنصاف 12/ 295، الشرح الممتع 9/ 91. (¬4) الحاوي الكبير 5/ 232. (¬5) الإنصاف 12/ 306. (¬6) المرجع السابق.

المبحث الحادي عشر: تورق المتورق (إعادة التورق)

المبحث الحادي عشر: تورُّق المتورِّق (إعادة التورُّق)، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف التورق وحكمه. تعريف التورق التورق لغة مصدر تورَّق، وهو تفعُّلٌ من الورق، وفي "مقايس اللغة": (الواو والراء والقاف أصلان يدل أحدهما على خير ومال، وأصله ورق الشجر، والآخر على لون من الألوان) (¬1) وذكر في "القاموس المحيط" أن الوَرْق مثلَّثةً والوَرِق والوَرَق: الدراهم المضروبة، ويطلق الورّاق على الكثير الدراهم، ويقال: أورق: كثُر ماله ودراهمه (¬2). هذه أقرب المعاني اللغوية للمعنى الاصطلاحي، وجاء في أثر عن إياس بن معاوية - رحمه الله - ذكر التورق، كما سيأتي، علاوةً على أنه لا يشترط في استعمال اللفظ في المعنى الاصطلاحي الحادث أن يسبقه استعمالٌ في اللسان لذلك المعنى، ولا تأثير لذلك في الحكم؛ لأن هذاه المعاملة معروفة ومنصوص على حكمها بأسماء مختلفة، والعبرة بالحقائق لا بالألفاظ، وقد أجاز بعض العلماء إحداث الاسم للشيء من طريق الاشتقاق (¬3). والتورق اصطلاحًا أن يشتري محتاجُ النقدِ سلعةً بثمنٍ مؤجَّل فيبيعها على آخر بثمن حالّ، وهذه المعاملة ذكرها بعض الأئمة والفقهاء، نصًّا أو ضمنًا، ووردت تسميتها بالتورق لدى الحنابلة (¬4)، وسماها بعض الشافعية بالزَّرْنَقة (¬5)، وبالعينة الجائزة (¬6)، وذكرها بعض الحنفية (¬7) والمالكية (¬8) في صور العينة، وفرقوا بينهما في الحكم، والعينة أن يشتري من شخصٍ سلعةً بنقد ويبيعها عليه بثمن مؤجل أو حالّ لم يقبض (¬9)، ولها صور فروع. ¬

_ (¬1) مادة ورق 6/ 101. (¬2) مادة ورق ص 928. (¬3) الإعلام 10/ 199، وينظر: الصاحبي ص 6،57، روضة الناظر 2/ 5، 7. (¬4) مجموع الفتاوى 29/ 302، تهذيب السنن 5/ 108، الفروع 6/ 316، الإنصاف 11/ 195 - 196، كشاف القناع 7/ 383، الروض المربع 6/ 88. (¬5) النهاية، مادة زرنق ص 397، لسان العرب، مادة زرنق 12/ 6، والمرجع التالي. (¬6) الزاهر ص 143، مع ملاحظة أن العينة جائزة عند الشافعية. (¬7) المبسوط 11/ 229. (¬8) مواهب الجليل 6/ 294. (¬9) هذا تعريف العينة في جميع المذاهب، عند من حرمها -وهم الجمهور- ومن أباحها، ينظر -مثلا-: المبسوط 19/ 93، المدونة 4/ 432، مواهب الجليل 6/ 293، العزيز شرح الوجيز 4/ 135 - 137، تكملة المجموع للسبكي 11/ 151، الروض المربع 6/ 81، لكن المالكية يوسِّعون تعريف العينة ويقسمونها إلى جائزة ومحظورة ومكروهة، ينظر -مثلا-: البيان والتحصيل 7/ 86، الذخيرة 5/ 16.

حكم التورق التورق بهذه الصورة يسمى أيضًا التورق الحقيقي أو العادي أو الفقهي، تمييزًا لها عن التورق المصرفي -المشهور بالتورق المنظَّم-، ويأتي بيانه -بإذن الله-، وقد اختلف العلماء في التورق الحقيقي على ثلاثة أقوال: القول الأول: جواز التورق مع الكراهة، وهو قول الحنفية (¬1) والمالكية (¬2) ورواية عن ¬

_ (¬1) المبسوط 11/ 229 ولم يذكر كراهةً، ونص على العينة المحرمة وأنها البيع على البائع الأول -كما سبق- في 19/ 93، حاشية ابن عابدين 7/ 655، ونص في "العناية" (5/ 424) على كراهة العينة -وليس التورق-، وفي "فتح القدير" (5/ 424) على صورة العينة الثلاثية. (¬2) في "الموطأ" 2/ 130 جواز شراء العبد بالأعبد إلى أجل معلوم، وجواز بيعه نقدًا لغير البائع، وهذه صورة التورق، ولفظه: (قال مالك: والأمر عندنا أنه لا بأس بأن يبتاع العبد التاجر الفصيح بالأعبد من الحبشة، أو من جنس من الأجناس، ليسوا مثله في الفصاحة، ولا في التجارة والنفاذ والمعرفة، لا بأس بهذا، أن يشتري منه العبد بالعبدين، أو بالأعبد إلى أجل معلوم، إذا اختلف، فبان اختلافه، فإن أشبه بعض ذلك بعضًا، حتى يتقارب، فلا تأخذن منه اثنين بواحد، إلى أجل، وإن اختلفت أجناسهم. ولا بأس بأن تبيع ما اشتريت من ذلك، قبل أن تستوفيه، إذا انتقدت ثمنه من غير صاحبه الذي اشتريته منه) وكذلك 2/ 185 - 186، أما الكراهة فقد قال ابن تيمية: (والكراهة قول عمر بن عبد العزيز، ومالك فيما أظن) الظن في النسبة لمالك فقط، وقال في موضع آخر: (فكرهه عمر بن عبد العزيز وطائفة من أهل المدينة من المالكية وغيرهم) مجموع الفتاوى 29/ 30، 302، وهو قول ابن مزين منهم، في "مواهب الجليل" 6/ 294: (وذكر ابن مزين: لو كان مشتري السلعة يريد بيعها ساعتئذ فلا خير فيه، ولا ينظر إلى البائع كان من أهل العينة أم لا، قال: فيلحق هذا الوجه بهذه الصورة على قوله بالمكروه ا. هـ، فيكون على ما ذكره عياض هذا الوجه مختلفا فيه، والمشهور أنه جائز، وقول ابن مزين إنه مكروه، ولم يحك ابن رشد في جوازه خلافا)، وبعض الباحثين نسب للمالكية القول بالمنع وليس كراهة التنزيه أخذًا من نصٍّ في "البيان والتحصيل" 7/ 85 - 86، 102، 212، و"عقد الجواهر الثمينة" 2/ 453، و"الذخيرة" 5/ 18 في رجل عَيّن رجلًا فباعه طعامًا بثمن إلى أجل، على أن ينتقد من ثمنه دينارًا أنه لا خير في ذلك إن كان البائع من أهل العينة، وكذلك رجل باع طعامًا أو زيتًا أو غير ذلك، وهو ممن يعين، فباعه متاعًا بثمن إلى أجل، فباعه الذي اشتراه، ثم جاءه بعد ذلك، فقال: إني قد وضعت فيما بعت وضيعةً كثيرةً، فخفف عني من الثمن الذي بعتني به، فوضع له من ذلك، ومن نصٍّ في مختصر خليل: (وكره خذ بمائة ما بثمانين)، وكل هذه النصوص ليست في محل البحث، فالمعاملة الأولى مشروط فيها أن ينقده شيئًا من الثمن، وفي التورق الثمن مؤجل أو منجم، والمعنى الذي لأجله كرهه مَن كرهه نص عليه في "البيان والتحصيل" 7/ 212: (إنما كرهه كأنه قال له: بع من هذا الطعام بدينار فأعطني، وما بقي من الطعام فهو لك بما بقي من الثمن إلى أجل) وفي 7/ 102: (وذلك غرر، إذ لا يدري ما يبقى له من الطعام إذا باع منه بدينار) وهذا المعنى غير موجود في التورق، وفي المعاملة الثانية مراوضة على ثمن اتفقا عليه وحيلة على الربا كما في "البيان والتحصيل" 7/ 85، وهذا قدر زائد على صورة التورق، وهي محل الكراهة عندهم بتصريحهم؛ لذا اختص المنع بأهل التهم والريبة من أهل العينة، بل قال أبو إسحاق التونسي المالكي: (وكأنه إنما عقد معه على أنه ما صح لك فيها ربحتُ عليك فيه الدرهم درهمًا أو نصفًا، فصار أصل المبيع الأول لا يعلم ما ثمنه إلا بعد بيعه، وهذا لمن يشتري ليبيع، ويجوز هذا لمن أراد أن يأكل أو ينتفع). تكملة المجموع للسبكي 11/ 159، وهذا المعنى غير موجود في التورق، وأما النص الثالث فهو مبتور، وتمامه: (وكره خذ بمائة ما بثمانين -أو اشتره- ويومئ لتربيحه) فليست الكراهة في بيع شيء بأكثر من ثمنه سواء حالا أو مؤجلا، وإنما في الصورة كلها وهي من صور العينة التي نص عليها ابن رشد، وتتابعوا على نقلها منه، وينظر "مواهب الجليل" 6/ 294، وما في "المدونة" 4/ 593 - التي هي أصل عامة المتون والشروح للمالكية وعنها تفرعت-: (قلت: أرأيتَ من اشترى سلعةً بدينٍ إلى أجلٍ أيجوز له أن يبيع مرابحةً نقدًا؟ قال: قال مالك: لا يصلح له أن يبيعها مرابحة إلا أن يُبيِّن ... قلت: فإن كانت القيمة أكثر مما باعها به؟ قال: فليس له إلا ذلك يُعجِّل له ولا يؤخر) فهذه مرابحة وليست تورقًا محضًا. وينظر في نسبة المنع للمالكية: موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة ص 914، قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي ص 333 - 334.

الإمام أحمد (¬1). القول الثاني: جوازه بلا كراهة، وهو قول إياس بن معاوية (¬2) والشافعية (¬3) والحنابلة (¬4) وأبي يوسف (¬5) وبه صدر قرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع للرابطة (¬6) وفتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (¬7)، وغيرهم (¬8). القول الثالث: تحريمه، وهو قول عمر بن عبد العزيز (¬9)، ورواية عن أحمد (¬10)، وقول ابن تيميّة (¬11) وظاهر قول ابن قيم الجوزية (¬12) وبعض المعاصرين (¬13). ¬

_ (¬1) الفروع 6/ 316، الإنصاف 11/ 195 - 196. (¬2) رواه ابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية، مَن كره العينة (10/ 526) (ح 20525)، ولفظه: (أنه كان يرى التورق. يعني العينة) وفسره ابن القيم وغيره بالمعنى الاصطلاحي للتورق. تهذيب السنن 5/ 108، وقد ينازع في ذلك. (¬3) الأم 3/ 78 - 79، والشافعية يبيحون العينة فالتورق من باب أولى -بالإضافة للنص على التورق في الأم-، ينظر -مثلا: نهاية المطلب 5/ 311، تكملة المجموع للسبكي 11/ 148 - 157. (¬4) الفروع 6/ 316، الإنصاف 11/ 195 - 196، كشاف القناع 7/ 383، الروض المربع 6/ 88. (¬5) حاشية ابن عابدين 7/ 655. (¬6) في دورته الخامسة عشر، بتاريخ 11/ 7/1419، فقه النوازل للجيزاني 3/ 252. (¬7) فتاوى اللجنة الدائمة 13/ 161، فتوى رقم 16402، 19297. (¬8) فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ 7/ 61، إرشاد أولي البصائر والألباب لابن سعدي ص 99، مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز 19/ 93، 245، في فقه المعاملات المالية والمصرفية المعاصرة لنزيه حماد ص 175 - 176، بحوث في الاقتصاد الإسلامي للقره داغي ص 13، بيع التقسيط وأحكامه ص 72 - 73، وقيده آخرون بالحاجة: المعايير الشرعية، المعيار الشرعي للتورق، البند 5/ 1، ص 493، الشرح الممتع 8/ 220. (¬9) رواه ابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية، مَن كره العينة (10/ 527) (ح 20528)، ولفظه: (جاء كتاب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد: أن انْهَ مَن قِبَلك عن العينة، فإنها أخت الربا) وفسره ابن تيمية وابن القيم وغيرهما بالمعنى الاصطلاحي للتورق. مجموع الفتاوى 29/ 30، 303، 500، تهذيب السنن 5/ 108. (¬10) الفروع 6/ 316، الإنصاف 11/ 195 - 196. (¬11) مجموع الفتاوى 29/ 302، 303، 431، 434، 496، ومراده بالكراهة في بعض هذه المواطن التحريمية، كما تفسره المواطن الأخرى، وكما في الأخبار العلمية ص 190، وفي "إعلام الموقعين" 5/ 86: (وكان شيخنا - رحمه الله - يمنع من مسألة التورق، وروجع فيها مرارًا وأنا حاضر، فلم يرخص فيها، وقال: المعنى الذي لأجله حُرم الربا موجود فيها بعينه، مع زيادة الكلفة بشراء السلعة وبيعها والخسارة فيها، فالشريعة لا تحرم الضرر الأدنى وتبيح ما هو أعلى منه). (¬12) إعلام الموقعين 5/ 86، 130. (¬13) موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة ص 897 - 949، قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي ص 340 - 341.

الأدلة: دليل القول الأول: يدل على الجواز أدلة القول الثاني، أما الكراهة فدليله ما في التورق من الإعراض عن مبرة القرض (¬1)؛ لأن التورق يقضي حاجة المقترض ويحقق ربحًا بالبيع الآجل للمقرض، فيعدلان عن القرض إليه. أدلة القول الثاني: الدليل الأول: أن التورق فيه بيع بالأجل أو بالتقسيط، وذلك جائز؛ لقوله - سبحانه وتعالى -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} البقرة: (282) وفيه بيع حالٌّ على طرف ثالث، غير البائع الأول، وذلك جائز؛ لقوله - سبحانه وتعالى -: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} البقرة: (275)، وليس بين العقدين ارتباط يمنع الجواز أو الصحة. المناقشة: 1. التورق معاملة تجمع عقدين، وحكم الجمع يخالف حكم التفريق، ولفظ البيع في الآية لا يتناول صورة التورق (¬2). الجواب: أن الأصل جواز اجتماع عقدين أو اشتراط أحدهما في الآخر، إلا أن يكون الجمع بينهما محل نهي، كما في العينة، أو أن يكون أحدُ العقدين معاوضةً والآخر تبرعًا مع اشتراط أحدهما في الآخر، كالقرض بشرط الهبة، أو يكون العقدان متعارضان، كاجتماع البيع والإجارة في زمن واحد على طرف واحد، أو يكون اشتراط أحدهما في الآخر وسيلةً إلى محرم، كبيع الوفاء، فهو وسيلة إلى ربا الديون، وليس شيءٌ من ذلك موجودًا في التورق، والحاصل أن اجتماع العقدين لا يقتضي المنع لذاته، والمنع من اشتراط أحد العقدين في الآخر قول مرجوح (¬3). 2. أن آية البقرة ردٌّ على شبهة المشركين القائلين: إن زيادة الثمن مقابل الأجل في البيع كزيادة الدين مقابل الزيادة في الأجل في الربا، والجواب أن منفعة التبادل الموجودة في البيع تجبر هذه الزيادة، فإذا لم تكن السلعة مقصودة للمشتري إلا لمجرد التحايل على التمويل انتفت منفعة التبادل (¬4). ¬

_ (¬1) الهداية 5/ 424، الدر المختار 7/ 655. (¬2) قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي ص 365 - 366. (¬3) ينظر الموافقات 3/ 477 - 483. (¬4) قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي ص 367.

الجواب: أولا: الزيادة في الربا لازمة للبائع على المشتري، وفي التورق محتملة، وليست للبائع الأول. ثانيا: القول بالموجب، سلمنا أن الفرق منفعة التبادل، ولكنها موجودة في محل الخلاف، فإن البيع في التورق ليس صوريًا، بل مشروط في البيعين جميعًا جميع شروط البيع وزيادة، مثل اشتراط ألا يكون المشتري الثاني هو البائع الأول أو وكيله أو كل من يعتبر البيع له في حكم إعادة للسلعة للأول، وقصد المشتري للسلعة كقصد التاجر والمضارب لها، كلهم يقصد منها قصدًا جائزًا، وهو ثمنها. الدليل الثاني: أحاديث النهي عن بيع السلع حتى تُقبض (¬1)، فدلت بمفهوم الغاية على جواز بيعها إذا تم القبض، فمثلا في حديث حكيم - رضي الله عنه - قال: قلت: يا رسول الله، إني أشتري بيوعًا فما يحل لي منها وما يحرم عليَّ؟ قال: «فإذا اشتريت بيعًا فلا تبعه حتى تقبضه» فالشراء في هذا الحديث وغيره مطلق، يشمل الحالَّ الثمنِ والمؤجَّلَهُ، كما لم يعلق النهي بكون البيع الأول مؤجلا والثاني معجلا، مع أن المقام يستدعي بيان ذلك لو كان منهيًا عنه، مع عدم ورود النهي عنه في نص آخر، حتى لا يظن ظان أن حكيمًا - رضي الله عنه - كان عالمًا بالحكم. الدليل الثالث: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمل رجلا على خيبر، فجاءه بتمر جنيب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أكل تمر خيبر هكذا؟» قال: لا والله يا رسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تفعل، بع الجمع بالدراهم، ثم ابتع بالدراهم جنيبًا» (¬2). وجه الدلالة: أن المحظور في واقعة الحديث بيع التمر بالتمر متفاضلا، وذلك عين الربا، والمخرج الصحيح من ذلك هو ما دلَّ إليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، والمحظور في مسألتنا بيع السلعة على البائع الأول بأقل من الثمن الأول، وتلك العينة، التي هي من الربا، أما التورق السليم فليس البيع فيها على البائع الأول ولا من يقوم مقامه، وكأني بمن يحرم التورق -لو لم يرد هذا الحديث- يقولون من ابتاع الجمع بالدراهم واشترى بالدراهم جنيبًا محتال على الربا، والبيع صوري، والدراهم التي توسطت غير مقصودة لصاحب التمر، ونحو ذلك، وهذا ما قالوه في التورق، وكأنَّ هذا الحديث تعبدي غير معقول المعنى فلا يتعدى محله! المناقشة (¬3): ¬

_ (¬1) سبقت ص 41 - 43. (¬2) سبق تخريجه ص 28. (¬3) قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي ص 370 - 375.

1. أن هذا الحديث يُستدل به على جميع صور العينة: الثنائية والثلاثية والتورق، وجمهور مجيزي التورق لا يوافقون على الباقي، فما كان جوابًا لهم كان جوابًا لمانعي التورق. الجواب: الذي أخرج العينة الثنائية من هذا الحديث ورود النهي عنها، والذي أخرج العينة الثلاثية أنها حيلة على الثنائية، وليس في التورق نصٌّ ولا معنى يقتضي إلحاقه بالعينة، ففي العينة ترجع السلعة للبائع ويكون أعطى نقودًا ليأخذ أكثر منها مؤجلة، وهذا ربا النسيئة والفضل، فأين هذا في التورق؟ 2. أن الحديث فيه بيع وشراء بثمن حاضر، فكيف يقاس عليه ما هو في الذمة غير مقبوض؟ وفيه بيع بمال حاضر، ومن يبيع بمال حاضر مستغن، أما من يشتري بدين فمحتاج، فكيف يقاس مستغن على محتاج؟ وفي الحديث الأمر بالبيع ثم بالشراء، وفي التورق بالعكس، فكيف يقاس عليه؟ الجواب: أما وجه القياس فقد تقدم، وأما ما ذُكر فكلها أوصاف طردية، لم يعتبرها الشارع، ولا علق عليها حكمًا ما، فأين في الشريعة تحريم البيع بالدين؟ وأين في الشريعة التفريق بين المستغني والمحتاج في البيع والشراء بمثل هذا المنطق؟ وما هو المعنى المؤثر في تقديم البيع على الشراء أو تأخيره؟ 3. أن المقصود في الحديث التخلص من التمر الرديء والحصول على الجيد، وهذا مقصود جائز، والمحذور مبادلة تمر بتمر مع التفاضل؛ لما يخشى من إفضائه إلى تأخير أحد البدلين، وهذا يحصل من تَكرار المبادلة لا من المبادلة بعينها، والمقصود في التورق شغل الذمة بلا مقابل، وهو المقصود المحذور في ربا النسيئة. الجواب: إذا كان المقصود من التورق هو شغل الذمة بلا مقابل فالمقصود ببيع الجمع وشراء الجنيب مبادلة تمر بتمر، وليس الأمر كذلك، ثم إن المحذور هو عين المبادلة المشتملة على التفاضل، وليس المحذور هو تأخير أحد البدلين فقط، وقياس التورق على ربا النسيئة خطأ؛ لأن النسيئة التأخر بين بدلين وجد فيهما العلة الربوية، وفي التورق السليم البدلان لا يتحدان في العلة الربوية، كمن يشتري سيارة بنقود، فالتأخير هنا من البيع الآجل، ورحم الله ابن قيم الجوزية حين قال: (ولأرباب المقالات أغراضٌ في سوء التعبير عن مقالات خصومهم، وتخيُّرهم لها أقبح الألفاظ، وحسنِ التعبير عن مقالات أصحابهم، وتخيُّرهم لها أحسن الألفاظ، وأتباعُهم محبوسون في قيود تلك العبارات، ليس معهم في الحقيقة سواها، بل ليس مع المتبوعين غيرها، وصاحبُ البصيرة لا تهوله تلك العبارات الهائلة، بل يجرِّد المعنى عنها، ولا يكسوه عبارةً منها، ثم يحمله على محل الدليل السالم عن

المعارض، فحينئذٍ يتبين له الحق من الباطل، والحالي من العاطل) (¬1). الدليل الرابع: نُقل الاتفاق على جوازه، جاء في "الزاهر": (وأما الزَّرْنَقة فهو أن يشتري الرجل سلعة بثمن إلى أجل ثم يبيعها من غير بائعها بالنقد وهذا جائز عند جميع الفقهاء) (¬2) وفي "المصباح المنير": (فلو باعها المشتري من غير بائعها في المجلس فهي عينةٌ أيضًا، لكنها جائزة باتفاق) (¬3). المناقشة: هذه مراجع لُغَوية لا يحتج بها في نقل الاتفاق الشرعي، والخلاف قديم محفوظ. الجواب: صاحب الزاهر فقيه قيل فيه: (وكان رأسًا في اللغة والفقه، ثقة ثبتًا دينًا) (¬4)، (أحد أئمة الشافعية) (¬5) (وكان إمامًا في اللغة، بصيرًا بالفقه، عارفًا بالمذهب، عالي الإسناد) (¬6)، وصاحب المصباح كذلك، قيل فيه: (وكان فاضلًا عارفًا باللغة والفقه) (¬7)، وإن كان العالم ثقة في ما ينقله في اللغة فهو ثقة في ما ينقله في غيره. الدليل الخامس: أن الأصل في العقود والمعاملات الحل والصحة حتى يدل دليل على المنع، سواء كان الدليلُ نصيًّا أم قياسيًّا، وقد ذكر صاحب "القبس" سبعًا وثلاثين من البيوع المنهي عنها (¬8)، ويضاف لها الربا والعينة، ليس في التورق ما يشبه شيئًا منها، ولا هو حيلةٌ على شيء منها. الدليل السادس: استصحاب الإجماع، فقد نُقل الاتفاق على جواز الشراء لأجلٍ بغرض التجارة أو الانتفاع أو القنية (¬9)، ومن جهة أخرى فيه إلحاق التورق بمحل الإجماع بنفي الفارق (¬10)، فالشراء للانتفاع بالثمن داخلٌ في ذلك. المناقشة: عدم التسليم بحجية هذا النوع من الاستصحاب (¬11). الجواب: بقي الاستدلال بنفي الفارق. ¬

_ (¬1) مفتاح دار السعادة 2/ 1027. (¬2) للأزهري، ص 143. (¬3) للفيومي، ص 259. (¬4) سير أعلام النبلاء 16/ 316. (¬5) طبقات الفقهاء الشافعيين 1/ 288. (¬6) طبقات الشافعية الكبرى 3/ 64. (¬7) الدرر الكامنة 1/ 314. (¬8) 16/ 111. (¬9) مجموع الفتاوى 29/ 30. (¬10) ينظر فيه روضة الناظر 2/ 285 - 287. (¬11) ينظر فيه روضة الناظر 1/ 481.

الدليل السابع: قياس المتورق على التاجر الذي يشتري سلعةً بالآجل ويبيع بالنقد، وكما يشتري بالجملة ويبيع بالتفرقة، ولا يوجد فارقٌ مؤثرٌ بينهما. المناقشة: التاجر يقصد الربح والمتورق يقصد الخسارة؛ لأنه يبحث عن النقد، ومن مقاصد الشريعة حفظ المال، ومن إضاعة المال شراء سلعة بثمن مرتفع وبيعها بثمن منخفض (¬1). الجواب: عدم التسليم بأن المتورق يقصد الخسارة، بل هو يقصد الربح، ولو وجد السلعة تباع بالثمن الذي اشتراها به أو أكثر نقدًا لباع، فكيف يخالف قصده لو كان يقصد الخسارة؟ ولكن من المتيقن أن أي سلعة لا تباع نقدًا بالثمن الذي تباع به إلى أجل. أدلة القول الثالث: الدليل الأول: عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سَلَّط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم» (¬2)، والعينة لغةً وشرعًا تشمل كل معاملة يراد بها الحصول على النقد الحاضر مقابل مال في الذمة أكثر منه، وقد سمى الفقهاء التورق عينةً. المناقشة: جمهور العلماء من أهل اللسان والفقه يفرقون بين العينة والتورق صورةً وحكمًا، وإطلاق اسم العينة على التورق من جنس إطلاق الحسد على الغبطة والمتعة على القران ونحو ذلك، بدليل أن الذين استعملوا هذا الإطلاق خصوا التورق بحكم غير حكم العينة. الدليل الثاني: عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع المضطر (¬3)، والمتورق مضطر للحصول على النقد، وإلا لما لجأ إلى التورق، والنهي يقتضي التحريم، فدل على تحريم التورق، وقال الخطابي: (وفي إسناد الحديث رجل مجهول لا ندري من هو، إلا أن ¬

_ (¬1) قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي ص 354 - 375،355 - 376. (¬2) رواه أبو داود، كتاب البيوع، باب في النهي عن العينة (5/ 332) (ح 3462)، واللفظ له، وأحمد (9/ 51، 8/ 440) (ح 5007، 4825)، قال أبو نعيم: (غريب من حديث عطاء عن نافع، تفرد به حيوة عن إسحاق) لكنه متابع، وأعله ابن حجر، وصححه ابن القطان وحسنه وجود إسناده ابن تيمية وحسنه ابن القيم وقال ابن عبد الهادي: (رجال إسناده رجال الصحيح)، وله شواهد أقواها حديث نهى عن بيعتين في بيعة. حلية الأولياء 3/ 319، بيان الوهم والإيهام 5/ 294 - 296، 772، مجموع الفتاوى 29/ 30، [إعلام الموقعين 5/ 78، تهذيب السنن 5/ 104: نقل فيهما كلام شيخه ابن تيمية متابعًا له]، الداء والدواء ص 115، المحرر (ح 890)، الدراية 2/ 151، التلخيص الحبير 4/ 1775. (¬3) رواه أبو داود، كتاب البيوع، باب في بيع المضطر (5/ 263) (ح 3382)، واللفظ له، وأحمد (2/ 252) (ح 937)، قال الخطابي والمنذري: (في إسناده رجل مجهول) وأعله ابن حزم والبيهقي والنووي والذهبي، وقال ابن القطان: (منقطع وإسناده ضعيف). معالم السنن مع مختصر السنن 5/ 47 - 48، المحلى 9/ 22، سنن البيهقي 6/ 16 - 17، المجموع 10/ 242، بيان الوهم والإيهام 2/ 157، 3/ 64، 5/ 771، ميزان الاعتدال 2/ 296.

عامة أهل العلم قد كرهوا البيع على هذا الوجه). المناقشة: أولا: الحديث ضعيف، ولا يتم الاستدلال به؛ لذلك. ثانيا: قد بيَّن الخطابي قبل كلامه السابق أن بيع المضطر له وجهان، الإكراه والإلجاء إلى البيع، وهذا بيع فاسد، والاضطرار بسبب كالدين ونحوه، وهذا ينبغي أن يعان ولا يُبَايع على هذا الوجه، فإن اضطر وباع جاز ولم يُفسخ، ولم يقل بالتحريم في هذه الصورة. ثالثا: ليس كل متورق مضطرًا. الدليل الثالث: عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: (إذا استقمت بنقد وبعت بنقد فلا بأس به، وإذا استقمت بنقد فبعت بنسيئة فلا، إنما ذلك ورق بورق) قال ابن عيينة: فحدثت به ابن شبرمة، فقال: (ما أرى به بأسا)، قال عمرو بن دينار: إنما يقول ابن عباس: (لا يستقيم بنقد ثم يبيع لنفسه بدين) (¬1)، والبائع في التورق يبين للمتورق أن سعر السلعة كذا، وأبيعها لك نسيئة بزيادة كذا، فدل على أن مقصوده دراهم بدراهم. المناقشة: أولاً: معنى الأثر الصحيح: إذا وكلت شخصًا في بيعٍ، وحددت له الثمن نقدًا، وجعلت الزيادة له، فباع بها نقدًا فلا بأس، وإن زاد فالزيادة له، فإن باعه -من نفسه أو غيره بذلك الثمن أو أكثر- نسيئةً فلا خير فيه، ودليل هذا التفسير أمور: أولها: قول عمرو بن دينار -وهو راوي هذا الأثر عن عطاء عن ابن عباس-: إنما يقول ابن عباس: (لا يستقيم بنقد ثم يبيع لنفسه بدين) فإن ذلاك الفعل مخالفة صريحة لعقد الوكالة. ثانيها: قول عطاء-وهو راوي هذا الأثر عن ابن عباس-: في الرجل يدفع إلى الرجل الثوب فيقول: بعه بكذا وكذا، فما استفضلت فهو لك، قال: (إن كان بنقد فلا بأس، وإن كان بنسيئة فلا خير فيه) (¬2). ثالثها: تبويب عبد الرزاق لهذا الأثر: (باب الرجل يقول: بع هذا بكذا، فما زاد فلك. وكيف إن باعه بدين؟). رابعها: في "غريب الحديث": (قوله: (إذا استقمت) يعني قوَّمتَ، وهذا كلام أهل مكة يقولون: استقمت المتاع يريدون: قومته، فمعنى الحديث أن يدفع الرجل إلى الرجل الثوب ¬

_ (¬1) مصنف عبد الرزاق، كتاب البيوع، باب الرجل يقول: بع هذا بكذا، فما زاد فلك. وكيف إن باعه بدين؟ (8/ 236) (ح 15028)، ومعنى استقمت: قومت. مجموع الفتاوى 29/ 442، 496. (¬2) رواه ابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية (10/ 582) (ح 20778).

فيقومه بثلاثين ثم يقول: بعه بها فما زدت عليها فلك. فإن باعه بأكثر من ثلاثين بالنقد فهو جائز، ويأخذ ما زاد على الثلاثين، وإن باعه بالنسيئة بأكثر مما يبيعه بالنقد فالبيع مردود لا يجوز، وقد كان هشيم يحدثه بقريب من هذا التفسير إلا أنه كان يحدثه بغير لفظ سفيان بن عيينة، قال: حدثناه هشيم قال أخبرنا عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس: أنه كان لا يرى بأسًا أن يدفع الرجل إلى الرجل الثوب فيقول: بعه بكذا وكذا فما زدت فهو لك) (¬1). خامسها: أنه جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه لا بأس أن يقول للسلعة: هي بنقد بكذا ونسيئة بكذا. ولكن لا يفترقا إلا عن رضا (¬2). أي رضا بأحد الخيارين، وفيه أنه قومها بالنقد ابتداءً فإذا اختار شراءها بثمن النسيئة يكون استقام بنقد وباع بنسيئة. ثانيًا: إذا ثبت هذا فليس في التورق توكيل ولا مخالفة، كما أنه لا مقتضي لتحريم التقويم بالنقد والبيع بالنسيئة أصلًا، فإن كانت الكراهة في بيع النسيئة مطلقًا دخل فيه بيع الأجل بغرض الانتفاع والتجارة. الدليل الرابع: أن التورق فيه المعنى الذي لأجله حُرم الربا مع زيادة الكلفة بشراء السلعة وبيعها والخسارة فيها، والشريعة لا تحرم الضرر الأدنى وتبيح ما هو أعلى منه (¬3)، والمعنى شغل ذمة المدين بالزيادة بلا مقابل، وهو الظلم الذي لأجله حرم الربا. المناقشة: أولا: المعنى الذي لأجله حرم الربا شغل ذمة المدين بزيادة الدين الأول بلا مقابل، وهذا يتضح بما يلي: إذا أقرض شخصٌ شخصًا ألفًا على أن يردها ألفًا ومائة بعد شهر، فهذا من ربا الفضل والنسيئة، وفيه شغل ذمة المدين بزيادة على قدر الدين بمقدار مائة، بلا مقابل، وإذا اشترى سلعة بخمسين يدفعها بعد عشرة أيام، وكلما تأخر يومًا زاد عليه خمسًا، فهذا كذلك. ثانيًا: ليس في التورق هذا المعنى، فالشراء من بائع إلى أجل في ما لا يشترط فيه التقابض، بلا زيادة في السعر مقابل التأخير بيعٌ جائزٌ، ثم المشتري يتصرف في السلعة بما يلبي حاجته ما لم ¬

_ (¬1) غريب الحديث لأبي عبيد 4/ 232، والنهاية ص 778، وأثر ابن عباس الثاني رواه البخاري تعليقاً مجزومًا به، كتاب الإجارة، باب أجر السمسرة (3/ 92)، ووصله عبد الرزاق (ح 15020)، وابن أبي شيبة (ح 20770)، والجواز مذهب ابن سيرين وشريح والشعبي والزهري والحكم وأحد قولي عطاء والحنابلة، وذهب الحسن والنخعي لكراهته، ومنع الجمهور وجعلوا له أجرة المثل. المراجع السابقة، فتح الباري 6/ 43، المغني 7/ 261. (¬2) رواه ابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية (10/ 592) (ح 20826). (¬3) إعلام الموقعين 5/ 86.

يبعها على البائع الأول؛ لأنه ببيعها على البائع الأول بثمن أقل يكون قد وقع في المحظور من شغل الذمة بالزيادة في الدين الأول بلا مقابل. ثالثًا: لو فُرض جدلًا أن هذا المعنى موجود في التورق، ففيه معنى آخر هو به ألصق وأشبه، وهو الشراء بالأجل بقصد القنية أو التجارة، فكذلك قصد الثمن. الترجيح الراجح جواز التورق، وله شروط: الأول: توفر شروط البيع. الثاني: أن تكون السلعة مما لا يشترط في بيعها التقابض، فلا يصح التورق في العملات ولا الذهب ولا الفضة. الثالث: أن يكون البائع الأول مالكًا للسلعة وقابضًا لها قبضًا حقيقيًّا أو حكميًّا. الرابع: أن يقبض المتورق السلعة من البائع الأول قبل بيعها للطرف الآخر. الخامس: أن يكون المشتري من المتورق غير البائع الأول، ولا يقوم مقامه، فلا يكون وكيلًا عنه ولا موزعًا لمبيعاته ولا نحو ذلك. السادس: ألا يشترط البائع على المتورق غرامات تأخيرية. • إذا تقرر ذلك فمن صور التورق: التورق المصرفي، وهي تسمية حديثة وإن كانت المعاملة قديمة، وصورته أن يشتري العميل السلعة من المصرف، مع توكيله المصرفَ في بيعها. وأشهر صوره أن تكون هذه السلعة غالبًا متعسرة النقل، كالمعادن الدَّوْلية، ويكون قبضها الحكمي بتسلُّم إيصالات المخازن المتضمنة للبيانات الكاملة عن السلعة، فيشتريها المصرف بطلب من المتورق -وهذه مرابحة للآمر بالشراء- ثم يبيعها على المتورق بالأقساط، ويوكل المتورق المصرف ببيعها له، كل هذا يتم في مجلس واحد، بعد دراسة الحالة المالية للمتورق يقوم بتوقيع هذه العقود جملةً (¬1). وعامة العلماء على تحريمه، فمنهم سعيد بن المسيب (¬2) والحسن (¬3) ¬

_ (¬1) ينظر: موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة ص 930 - 933، قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي ص 380، 420. (¬2) عن ابن أبي عاصم أنه باع من أخته بيعًا إلى أجل، ثم أَمَرَتْه أن يبيعه، فباعه، قال: فسألت ابن المسيب، فقال: (أبصر أن يكون هو أنت؟) قلت: أنا هو، قال: (ذاك هو الربا، ذاك هو الربا، فلا تأخذ منه إلا رأس مالك). رواه عبد الرزاق، كتاب البيوع، باب الرجل يعين الرجل هل يشتريها منه أو يبيعها لنفسه؟ (8/ 294 - 295) (ح 15273)، وابن أبي شيبة، كتاب البيوع والأقضية (11/ 642) (ح 23561) واللفظ له. (¬3) سئل الحسن: إني أبيع الحرير، فتبتاع مني المرأة والأعرابي يقولون: بعه لنا فأنت أعلم بالسوق، فقال الحسن: (لا تبعه، ولا تشتره، ولا ترشده، إلا أن ترشده إلى السوق). رواه عبد الرزاق، كتاب البيوع، باب الرجل يعين الرجل هل يشتريها منه أو يبيعها لنفسه؟ (8/ 295) (ح 15274 - 15275).

ومالك (¬1) وبه صدر قرار المجمع الفقهي الإسلامي (¬2) وغيرهم (¬3)، وذلك لعدد من الأدلة: الدليل الأول: اشتمال التورق المصرفي على العينة من جهتين: الأولى أن المتورق يشتري السلعة من المصرف بثمن آجل ثم يبيعه على طرف له علاقة بالمصرف، وغالبًا ما يتعامل المصرف مع سمسار معين، إما في الداخل وإما في الخارج، وهذه الصورة تسمى العينة الثلاثية، (وسئل مالك: عن رجل ممن يعين يبيع السلعة من الرجل بثمن إلى أجل، فإذا قبضها منه ابتاعها منه رجل حاضر، كان قاعدا معهما، فباعها منه؛ ثم إن الذي باعها الأول اشتراها منه بعد، وذلك في موضع واحد، قال: لا خير في هذا، ورآه كأنه محلل فيما بينهما، وقال: إنما يريدون إجازة المكروه. قال سحنون: وأخبرني ابن القاسم عن ابن دينار أنه قال: هذا مما يضرب عليه عندنا، وهو مما لا يختلف فيه أنه مكروه، وأرى أن يزجر عنه، وأن يؤدب من فعله، قال ابن القاسم: ورأيتها عند مالك من المكروه البين) (¬4)، والثانية أن السلعة إلم تكن عند المصرف ففي شرائه من السمسار ثم بيعه له عينة ثنائية أو شبه بها، وذلك محرم، وسبق دليله. الدليل الثاني: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم (¬5)، والمتورق يبيع السلعة دون قبضٍ لها، وغالبًا ما تكون السلع المعدَّة لهذا الغرض غير معينة ولا متميزة؛ لعلم جميع الأطراف بأن بيعها وقبضها غير مقصود لأحد منهم. الدليل الثالث: أن في ذلك حيلةً ظاهرةً على الربا، فإن المتورق يوقع على الأوراق ويحصل في وقت يسير على المال مقابل أقساط مضاعفة تستقر في ذمته، وهذه قرينة ظاهرة على صورية العقود التي لو أُخذت على الانفراد كانت مباحةً. الدليل الرابع: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ربح ما لم يُضمن (¬6)، ولم تدخل السلعة في ضمان المتورق؛ لأنه لم يقبضها. ¬

_ (¬1) سئل مالك عن الرجل يبيع السلعة بمائة دينار إلى أجل فإذا وجب البيع بينهما قال المبتاع للبائع: بعها لي من رجل بنقد فإني لا أبصر البيع. قال: (لا خير فيه ونهى عنه). المدونة 4/ 481. (¬2) في دورته السابعة عشر في 19 - 23/ 10/1424. فقه النوازل 3/ 254. (¬3) المعايير الشرعية، المعيار الشرعي للتورق، البند 4/ 6، 7، 8، 9، 5/ 2، ص 493، وفي "قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي" ص 427 - 429 نقولٌ عن الحنفية لكنها لا تدل على المطلوب، وهو تحريم هذا النوع من التورق. (¬4) البيان والتحصيل 7/ 89 - 90. (¬5) سبق تخريجه ص 41. (¬6) سبق تخريجه ص 57.

المطلب الثاني: حكم تورق المتورق (إعادة التورق)

المناقشة: أن المتورق لم يربح في السلعة، بل باعها بخسارة. الجواب: أن سعر السلعة في البيع بالثمن الحاضر أقل من سعرها في البيع بالآجل، وربح كل شيء بحسبه، وعلى كلٍّ لا خلاف في أنها لم تدخل في ضمانه. الدليل الخامس: قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تبع ما ليس عندك» (¬1)، والمتورق يوكل المصرف في بيع ما ليس عنده. المناقشة: أن التوكيل ببيع ما سيملكه جائز، وليس فيه بيعٌ لما لا يملكه، ثم متى حصل الملك جاز للوكيل أن يبيع كما للأصيل. هذا الحكم على واقع العقد في الوقت الحاضر، وذهب بعض الباحثين إلى الجواز بشروط وضوابط تنتفي معها المحظورات السابقة (¬2). المطلب الثاني: حكم تورق المتورِّق (إعادة التورق). صورة المسألة: من احتاج نقدًا فاشترى سلعةً بالآجل، بقصد بيعها بثمن حال، فهل له أن يشتري سلعةً أخرى من البائع الأول أو من غيره بأجل جديد ويبيعها على غير البائع الأول بثمن حالّ أيضًا؟ ومن المسائل المتعلقة بالتورق وقد تشتبه بهذه المسألة مقلوب التورق، ويسمى المرابحة العكسية، وليس هذا محل بحثه؛ لأنه ليس من شرط البحث (¬3). الحكم: لإعادة التورق حالتان: الأولى: ألا يكون سبب التورق الثاني الحصول على نقد من الدائن الأول لسداد الدين الأول والاستفادة مما يبقى من النقد، مثاله: شخص أراد أن يتزوج فأجرى عملية تورق مع ¬

_ (¬1) سبق تخريجه ص 51. (¬2) في فقه المعاملات المالية والمصرفية المعاصرة لنزيه حماد ص 178 - 185، وفهم بعضهم الإباحة من فتوى للشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - أنه سئل عن رجل استدان من آخر، ولما قبض المستدين البضاعة منه استقرض من التاجر بقدر ثمن البضاعة أو أكثر أو أقل، ثم بعدئذ أمر المستدين التاجر أن يسلم البضاعة لمحرج يبيعها، نظراً إلى أنه في بلد نائي عن بلد التاجر، وكان الدافع أن يستقرض قبل بيع البضاعة هو حاجته العاجلة، ثم بعد البيع يأخذ التاجر قيمة البضاعة تسديداً للقرض الذي أقرضه المستدين. فما حكم هذا النوع؟ فقال: (العقود التي ذكرتم من البيع والقرض والوكالة صحيحة) فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ 7/ 64، ولكن المعنى الذي لأجله منع من التورق المصرفي منتف عن هذه الصورة، فالملك والقبض حاصل، والسلعة داخلة في ضمان المتورق، مع انتفاء التواطؤ -كما هو ظاهر الحال- على التوكيل في البيع الذي يؤول بالعقد إلى الصورية، والله أعلم. (¬3) ينظر فيه قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي ص 437.

مصرف ما وحصل على مبلغ يُسدَّد خلال سنتين، وبعد سنة أراد أن يشتري سيارة فأجرى عملية تورق أخرى مع المصرف الأول أو مع غيره وحصل على مبلغ يسدده على مدى سنة، ولا يدفع شيئًا منه للمصرف الأول عن دين التورق الأول. والحكم في هذه الحالة الجواز؛ لأن تكييف المسألة يرجعها إلى مسألة الشراء بالآجل من بائع واحد مرتين، كمَن يأخذ حاجاته من محل ويسدد قيمتها في آخِر الشهر، أو الشراء من أكثر من بائع، ولا يوجد دليل يقتضي تحريم ذلك أو كراهته إلا من جهة ذم الدَّين عمومًا وسعي الشريعة إلى إبراء الذمم، والأصل في العقود الجواز والصحة، ولأنه إذا جاز التورق الأول فيجوز الثاني؛ لأنه لا علاقة بينهما حينئذٍ تستلزم المنع. الثانية: أن يكون التورق الثاني بقصد سداد الدين الأول، فإن كان البائع في التورق الثاني أجنبيًّا عن البائع الأول، وليس بين البائعين تواطؤ، فذلك جائز؛ لما تقدم من أنه لا يوجد دليل يقتضي تحريم ذلك أو كراهته إلا من جهة ذم الدَّين عمومًا وسعي الشريعة إلى إبراء الذمم، والأصل في العقود الجواز والصحة، وإذا جاز التورق الأول فيجوز الثاني؛ لأنه لا علاقة بينهما حينئذٍ تستلزم المنع، أما إن كان البائع الثاني هو البائع الأول ففي ذلك قولان: القول الأول: المنع، وبه صدر قرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع للرابطة (¬1) والهيئة الشرعية بمصرف الراجحي (¬2) وغيرهم (¬3). القول الثاني: الجواز، وقال به بعض المعاصرين (¬4). الأدلة: أدلة القول الأول: ¬

_ (¬1) في دورته الثامنة عشر بتاريخ 10 - 14/ 3/1427 قرار رقم 104 (3/ 18) ونصه: (يعد من فسخ الدين في الدين الممنوع شرعًا كل ما يفضي إلى زيادة الدين على المدين مقابل الزيادة في الأجل أو يكون ذريعة إليه، ويدخل في ذلك: فسخ الدين في الدين عن طريق معاملة بين الدائن والمدين تنشأ بموجبها مديونية جديدة، ومن أمثلتها شراء المدين سلعة من الدائن بثمن مؤجل ثم يبيعها بثمن حال من أجل سداد الدين الأول كله أو بعضه، فلا يجوز مادامت المديونية الجديدة من أجل وفاء المديونية الأولى بشرط أو عرف أو مواطأة أو إجراء منظم، وسواء في ذلك أكان المدين موسرًا أم معسرًا، وسواء أكان الدين الأول حالا أم مؤجلا يراد تعجيل سداده من المديونية الجديدة، وسواء كان بين المدين وطرف آخر غير الدائن إذا كان بترتيب من الدائن نفسه أو ضمان منه من أجل وفاء مديونيته). (¬2) قرارات الهيئة الشرعية بمصرف الراجحي 1/ 460، 544. (¬3) موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة ص 942 - 946، وسئل عنها ابن تيمية فأفتى بالكراهة بناء على وجود التورق ابتداءً. مجموع الفتاوى 29/ 301 - 302. (¬4) موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة ص 942 - 946، وينظر: في فقه المعاملات المالية والمصرفية ص 137 ذكر شرطين للجواز.

الدليل الأول: أن ذلك من ربا النسيئة؛ لأنه بمعنى إما أن تقضي وإما أن تربي، وذلك أن مآل عقد التورق الثاني لسداد دين التورق الأول: أن المدين قد استقر في ذمته دين أكثر من الدين الأول مع زيادةِ مدةِ السداد، فكأنه زاده في الدين ليزيد في الأجل. الدليل الثاني: ما ورد من الإجماع في تحريم بيع الدين بالدين (¬1). المناقشة: محل الإجماع ابتداء الدين بالدين، ومسألتنا من فسخ الدين في الدين، ومعنى ابتداء الدين بالدين، وهو الواجب بالواجب، بيع ما في الذمة بشيء في الذمة كتأجيل رأس مال السلم (¬2). الجواب: أن ابتداء الدين داخل في الإجماع، وكذلك هذه الصورة من فسخ الدين داخلة فيه، جاء في "تكملة المجموع": (... يؤول هذا إلى تفسير بيع الدين بالدين المجمع على منعه -يعني ما نحن فيه- وهو أن يكون للرجل على الرجل دين فيجعله عليه في دين آخر مخالف له في الصفة أو في القدر، فهذا هو الذي وقع الإجماع على امتناعه، وهو في الحقيقة بيع دين بما يصير دينًا) (¬3). أدلة القول الثاني: الدليل الأول: أن الأصل في المعاملات الجواز والصحة، وليست هذه المعاملة من قلب الدين المحرم شرعًا، بل هي وسيلة تُيسِّر على المدين سداد دينه وبراءة ذمته مقابل دين جديد مؤخر إلى أجل آخر، دون أن يحصل الدائن على زيادة من استبدال الدين الساقط بالدين الواجب الجديد. المناقشة: الواقع حصول الزيادة، وبذلك تدخل المسألة في قلب الدين، ومما يدعو للتهمة وقصد الزيادة في الدين أن يكون التورق الثاني من البائع الأول، فإن المتورق إذا لم يرد إلا التخلص من الدين فلا فرق عنده بين أن يكون من البائع الأول أو غيره، كما أن الواقع أن ذمة المتورق لا تبرأ بل تزداد شغلا، ومتى أمكن عدم الزيادة انتفى المحظور. ¬

_ (¬1) نقله جمع منهم أحمد وابن المنذر وابن رشد وابن قدامة وابن تيمية وابن قيم الجوزية وغيرهم. العلل المتناهية (ح 988) 2/ 111 - 112، الإجماع ص 132، بداية المجتهد مع الهداية 7/ 241، المغني 6/ 106، مجموع الفتاوى 20/ 512، إعلام الموقعين 3/ 172 - 173، 5/ 308، التلخيص الحبير 4/ 1798. (¬2) ينظر في قصر الإجماع على هذه الصورة: التاج والإكليل 6/ 232، مجموع الفتاوى 20/ 512، 29/ 472، إعلام الموقعين 3/ 172 - 173، 5/ 308. (¬3) تكملة المجموع للسبكي 11/ 114.

الدليل الثاني: أن الاستدانة لسداد دين سابقٍ متقررٍ جائز (¬1)، وإعادة التورق بهذه الصورة من الاستدانة لسداد الدين. المناقشة: يشترط لجوازها إذا كانت الاستدانة من الدائن الأول ألا يترتب عليها زيادة في الدين الأول. الدليل الثالث: القياس على الحوالة، فإن الحوالة اقتضت نقل الدين وتحويله من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، فقد عاوض المحيل المحتال من دينه بدين آخر في ذمة ثالث، فإذا عاوضه من دينه على دين آخر في ذمته كان أولى بالجواز (¬2). المناقشة: أن الحوالة استيفاء للحق ولا زيادة فيه، وبيع الدين على من هو عليه بثمن مؤجل معاوضة، وفيها زيادة. الدليل الرابع: القياس على بيع العين بالدين، فأحدهما يعجل براءة ذمته -وهو المتورق- والآخر ينتفع بما يربحه، وإذا جاز أن يشغل أحدهما ذمته والآخر يحصل على الربح -وذلك في بيع العين بالدين- جاز أن يفرغها من دين ويشغلها بغيره، وكأنه شغلها به ابتداء إما بقرض أو بمعاوضة، فكانت ذمته مشغولة بشيء، فانتقلت من شاغل إلى شاغل (¬3). المناقشة: أن بيع العين بالدين فيه قبض من أحد الطرفين، فكيف يقاس عليه بيع مؤجل البدلين، ولا يسلَّم بجواز الربح في محل البحث؛ لأن الدين في ذمة المدين وليس مقبوضًا للدائن فكيف يربح الدائن فيه ولما يدخل في ضمانه. منشأ الخلاف: يرجع الخلاف في الصورة الأخيرة من هذه المسألة إلى حكم قلب الدَّين، وهل الصورة المذكورة داخلة فيه أو لا؟ وتسمى مسألة قلب الدين: بفسخ الدين في الدين، أو الاستبدال، أو بيع الدين لمن هو عليه، أو الساقط بالواجب (¬4)، وهو ممنوع عند جمهور العلماء، أما المالكية (¬5) والظاهرية (¬6) فمنعوه مطلقًا، وأما الحنفية فأجازوا بيع الدين لمن هو عليه بعين لا ¬

_ (¬1) كشاف القناع 8/ 147: (ولو أقرض غريمه المعسر ألفا ليوفيه منه -أي: الألف- ومن دينه الأول كل وقت شيئا جاز، والكلُّ حالٌّ). (¬2) إعلام الموقعين 3/ 173 - 174. (¬3) إعلام الموقعين 3/ 173. (¬4) وصورته أن يحل الدين فيبيع الدائنُ الدينَ المستحَق سداده على المدين نفسه إلى أجل جديد بمقابل من غير جنس الدين أو بمقابل أكثر منه من جنسه. (¬5) الموطأ 2/ 177،189،205، التاج والإكليل 6/ 232، حاشية العدوي 2/ 181 - 182، الفواكه الدواني 2/ 156 - 157. (¬6) المحلى 9/ 6.

بدين، وبشرط ألا يتضمن ربا النسيئة؛ لذا نصوا على استثناء الصرف والسلم (¬1)، وأما الشافعية فالجديد جواز الاستبدال إلا عن الدين الحال بمؤجل، واشترطوا في البدل الموافق للدين في علة الربا القبض في المجلس (¬2)، وأما الحنابلة فأجازوا بيع الدين المستقر بشرط قبض عوضه في المجلس (¬3)، فتحصل منع بيع الدين لمن هو عليه بثمن مؤجل في المذاهب الخمسة، وهو منصوص ابن تيمية (¬4). وذهب للجواز ابن قيم الجوزية ونسبه لشيخه ابن تيمية (¬5). الترجيح الراجح أن إعادة التورق من غير البائع الأول جائز مطلقًا، ولو كان بترتيب من البائع الأول، وأنه إذا كان ذلك مع البائع الأول فيجوز إلا إن كان بقصد سداد الدين الأول وترتب على ذلاك زيادة في الدين فلا يجوز. أسباب الترجيح: 1. أنه متأيّد بالأصل في هذا الباب. 2. أن مسألة الشراء بالآجل من بائع واحد مرتين أو الاستدانة من قبل المدين جائز. 3. أن الصورة الممنوعة من باب بيع الدين على من هو عليه بثمن مؤجل (قلب الدين)، والراجح منعها؛ للأدلة السابقة، كما أنه قول جمهور العلماء وجملة من محققيهم. 4. أن ترتيب البائع الأول للتورق الثاني ليس فيه محظور شرعي؛ لأن الدين الثاني سيكون في ذمة المدين لدائن أجنبي عن الأول، وليس في ذلك قلبًا للدين ولا عينةً ولا ربا، ولا معنى آخر يقتضي المنع. ¬

_ (¬1) المبسوط 12/ 150، بدائع الصنائع 5/ 248، 299، 382، البحر الرائق 5/ 435، 437، الدر المختار 7/ 349. (¬2) نهاية المحتاج 4/ 48 - 49، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 612، وينظر: نهاية المطلب 5/ 193 - 195، تكملة المجموع للنووي 10/ 4210425. (¬3) الإنصاف 12/ 296 - 299، كشاف القناع 8/ 119 - 120، الروض المربع 6/ 345. (¬4) مجموع الفتاوى 29/ 302، 418، 419،438،519،517. (¬5) إعلام الموقعين 3/ 172 - 173، ونسبه له بعض المعاصرين. الربا والمعاملات المصرفية ص 293 - 294، الروض المربع (في الحاشية) 6/ 347، اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية الفقهية 6/ 472،485.

الفصل الثاني عقود التبرعات المضافة إلى مثلها

الفصل الثاني عقود التبرعات المضافة إلى مثلها، وفيه أحد عشر مبحثًا: المبحث الأول: استدانة المدين وإقراض القرض المبحث الثاني: توكيل الوكيل المبحث الثالث: إبضاع المبضَع المبحث الرابع: إعارة المعار المبحث الخامس: إيداع الوديعة المبحث السادس: وقف الوقف المبحث السابع: هبة الموهوب المبحث الثامن: إيصاء الموصَّى وتوصية الموصى له والموصي المبحث التاسع: إعتاق الرقيق المبحث العاشر: مكاتبة المكاتب المبحث الحادي عشر: إقطاع المقطَع

المبحث الأول: استدانة المدين وإقراض القرض

المبحث الأول: استدانة المدين (¬1) وإقراض القرض، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الدين وحكمه. تعريف الدين الدَّين لغةً ما له أجلٌ (¬2)، والدَّين والاستدانة والتداين والمداينة ترجع إلى أصلٍ واحدٍ، وهو جنسٌ من الانقياد والذل، ويقال: داينتُ فلانًا إذا عاملتَه دينًا، إما أخذًا وإما إعطاءً (¬3)، ودان الرجل إذا استقرض، وهو فعلٌ لازم عند جماعةٍ (¬4)، وعليه فلا يقال فيه: مدين ومديون، ومتعد عند آخرين (¬5)، وعليه فيقال فيه: مدين ومديون على اسم المفعول، قال في "المصباح المنير": (وقوله -تعالى-: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} البقرة: (282) أي إذا تعاملتم بدين من سلم وغيره، فثبت بالآية وبما تقدم أن (الدَّيْنَ) لغة هو القرض وثمن المبيع، فالصداق والغصب ونحوه ليس بدين لغةً، بل شرعًا على التشبيه لثبوته واستقراره في الذمة) (¬6). والدين اصطلاحًا له إطلاقان: الأول: إطلاق عام، وهو المستعمل في كثير من نصوص الكتاب والسنة، وهو كل ما ثبت في الذمة من الأموال والحقوق المحضة كسائر الواجبات من صلاة وحج ونذر وغيرها، ويمكن أن يؤخذ لهذا الإطلاق تعريف اصطلاحي من كلام العلماء فيقال: - الدين لزوم حقٍّ في الذمة (¬7). - الدين وصف شرعي في الذمة يثبت أثره عند المطالبة (¬8). الثاني: إطلاق خاص، وهو ما يقابل العين، والعين الشيء المعيَّن المشخص، وتعريف الدين بهذا الاصطلاح هو ما ثبت في الذمة من مالٍ، وهذا القدر متفق عليه بين الفقهاء، إلا أن الجمهور عمموا فاعتبروه بأي سببٍ يقتضي ثبوته (¬9)، والحنفية خصصوا فقالوا: بعقدٍ أو ¬

_ (¬1) وضعت هذا المبحث في هذا الفصل؛ لأن أوضح صور الدين: القرض الحسن، والدين يشمل القرض وغيره. (¬2) القاموس المحيط، مادة دين ص 1198. (¬3) مقاييس اللغة، مادة دين 2/ 319 - 320. (¬4) منهم أبوزيد الأنصاري وابن السِّكِّيت وثعلب وابن قتيبة. المصباح المنير، مادة دين ص 172. (¬5) منهم أبو عبيد القاسم بن سلام. المفردات ص 323. (¬6) المصباح المنيرص 172. (¬7) فتح الغفار بشرح المنار 3/ 22. (¬8) العناية 5/ 444. (¬9) الموسوعة الفقهية الكويتية 21/ 103 وما بعدها، القاموس الفقهي ص 133، دراسات في أصول المداينات ص 16، وقد جعل للدين اصطلاحًا شكليًا وآخر موضوعيًا، وللموضوعي معنى أعم وأخص، وعند النظر فالمعنى الأخص موافق للاصطلاح الشكلي حسبما ذكر، والأمر في ذلك واسع.

المطلب الثاني: حكم استدانة المدين

استهلاكٍ أو قرضٍ (¬1)، وبعضهم قال: هو عبارة عن مال حكمي يحدث في الذمة ببيع أو استهلاك أو غيرهما (¬2)، وقيل: كل معاملة كان أحد العوضين فيها نقدًا والآخر في الذمة نسيئة (¬3)، والدين أعم من القرض، فإن القرض يشغل الذمة فهو من الديون، وهناك ديون أخرى ليست بقروض كدين السلم وثمن المبيع المؤجل وغير ذلك. حكم الاستدانة الاستدانة جائزة؛ لقوله - سبحانه وتعالى -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} البقرة: (282)، ولأدلة أخرى. المطلب الثاني: حكم استدانة المدين، وفيه أربعة أفرع: الفرع الأول: استدانة المدين غير المعسر. صورة المسألة: إذا كان على رجلٍ موسرٍ دَينٌ من الديون الثابتة في ذمته فهل يجوز له أن يستدين؟ الحكم: لا يوجد في الأدلة الشرعية ولا في قواعد الشريعة ومقاصدها ولا في نصوص العلماء - فيما أعلم- ما يمنع من استدانة المدين الموسر، وعموم الأدلة الدالة على جواز الاستدانة تشمله، ومما يمكن أن يُستدل به على الجواز ما رواه عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن النّبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من مسلم يقرض مسلمًا قرضًا مرتين إلا كان كصدقتها مرة» (¬4)، فإنه يعم ما لو قضى وأدى القرض الأول وما لو لم يقضه، فيكون المقترض مدينًا للمقرض قبل القرض الثاني، ولكن ينبغي ألا يرهق نفسه بالدين ويعتاده وألا يماطل وهو قادرٌ على الوفاء، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان كثيرًا ما يستعيذ من المغرم وهو الدين فسئل عن ذلك فقال: «إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف» (¬5)، والغُرم الدين، وورد في التشديد في الدين نصوص أخرى، وقد يؤول به ¬

_ (¬1) حاشية ابن عابدين 7/ 400، وينظر دستور العلماء 2/ 84. (¬2) الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 305. (¬3) أحكام القرآن لابن العربي 1/ 247. (¬4) رواه ابن ماجه، أبواب الصدقات، باب القرض (3/ 499 - 500) (ح 2430)، والبيهقي، كتاب البيوع، باب ما جاء في فضل الإقراض (5/ 353 - 354)، وقال: (رفعه ضعيف)، وقال الدارقطني: (الموقوف أصح) العلل 5/ 157 - 158، وضعفه البوصيري، وعلته قيس بن رومي: مجهول، وسليمان بن يُسير: ضعيف. ورواه ابن حبان، كتاب البيوع، باب الديون (11/ 418) (ح 5040) بنحوه من طريق أخرى وصححه، وحسنه الألباني. الإرواء 5/ 225 - 229. (¬5) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب الدعاء قبل السلام (1/ 166) (ح 832)، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة (2/ 93) (ح 1325).

الفرع الثاني: استدانة المدين المعسر لحاجة نفسه ومن يمون

إلى الإعسار والحجر، ولكن يشترط إذا كان الدائن الثاني هو الأول عدم قلب الدين (¬1). الفرع الثاني: استدانة المدين المعسر لحاجة نفسه ومن يمون، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: استدانة المدين المعسر لحاجة نفسه ومن يمون قبل الحجر عليه. صورة المسألة: إذا كان ما عند المدين من مالٍ -زائد عن حاجته- لا يفي بديونه فهو معسر، فإذا لم يطالب غرماؤه بمنعه من التصرف فهل يجوز له أن يستدين لحاجة نفسه ومن يمون -أي: يعول ويقوت- كزوجته وأولاده ومن تجب عليه نفقته؟ الحكم: يجوز للمدين المعسر أن يستدين لحاجة نفسه ومن يمون، ولا يجب، فإن النفقة الواجبة متعلقة بذمته؛ لعموم الأدلة الدالة على وجوب النفقة، وهي تعم المدين وغيره كقوله - سبحانه وتعالى -: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} الروم: (38)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك» (¬2)، وعدم وجوبها؛ لعدم تعين مصدر النفقة في الاستدانة، فإنه يمكن أن يتكسب أو يكون له حق في مال عام؛ ولأن نفقته -حال إعساره-تجب على غيره من قرابته الموسرين، وسواء كانت استدانته الثانية من الدائن الأول أو من غيره. المسألة الثانية: استدانة المدين المعسرلحاجة نفسه ومن يمون بعد الحجر عليه. صورة المسألة: إذا طالب غرماء المدين بمنعه من التصرف فحُجر عليه، فهل يحق له أن يستدين لحاجة نفسه ومن يمون؟ الحكم: يجوز للمدين المعسر المحجور عليه أن يستدين مطلقًا باتفاق فقهاء المذاهب الأربعة (¬3) فمنهم من نص على ذلك ومنهم مَن أطلق جواز وصحة التصرف في الذمة دون التصرف في شيءٍ من ماله؛ لأن الحجر إنما يتعلق بماله لا بذمته والاقتراض من التصرف في الذمة، ولكن لا يشارك أصحاب هذه الديون المحدثة الغرماء الحاجرين في استحقاق ماله؛ لأنهم إما أن يكونوا عالمين بالحجر فقد رضوا بذلك أو لا يكونوا عالمين فقد فرطوا، فإن ذلك مظنة ¬

_ (¬1) سبق تفصيله ص 166. (¬2) رواه مسلم، كتاب الزكاة (3/ 78 - 79) (ح 2313). (¬3) حاشية ابن عابدين 9/ 241 - 242، جواهر الإكليل 2/ 88، حاشية الدسوقي 3/ 265، مغني المحتاج 2/ 193 - 194، نهاية المحتاج 4/ 191، المغني 6/ 571، الروض المربع 6/ 525.

الفرع الثالث: استدانة المدين المعسر لقضاء دين الغرماء

الشهرة (¬1). الفرع الثالث: استدانة المدين المعسر لقضاء دين الغرماء. صورة المسألة: إذا كان المدين معسرًا فما حكم استدانته ليؤدي شيئًا من الديون التي صار بسببها معسرًا، فتنتقل ذمته من الاشتغال بدينٍ للاشتغال بدينٍ آخر، وذلك أنه قد يكون المقرض الثاني أصبر عليه من غريمه الأول أو كل غرمائه، أو يكون له في ذلك حاجة أخرى. الحكم: لا يلزم المدين المعسر أن يستدين ليوفي دين الغرماء، ويجوز له ذلك، فإن نصوص الفقهاء المشار إليها في المسألة السابقة تشمل استدانته لحاجة نفسه ومن يمون واستدانته لوفاء دينه، ولكن بعضهم نص على أنه لا يجبر على الاستدانة للوفاء بدينه (¬2). ودليل ذلك قوله - سبحانه وتعالى -: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} البقرة: (280) فأمر غرماءه بإنظاره لا بإجباره على الاقتراض. فإن كانت استدانته من الدائن الأول ليوفيَ دينه الأول بدينه الجديد فإما أن يكون بلا زيادة على الدين الأول فهذا جائز، وجاء في "كشاف القناع": ((ولو أقرض غريمه المعسر ألفًا ليوفيه منه) أي: الألف (ومن دينه الأول كل وقت شيئًا) جاز، والكل حال) (¬3)، وإما أن يكون بزيادة فهذه مسألة قلب الدين، وسبقت في إعادة التورق (¬4). الفرع الرابع: إقراض القرض. مِلك المقترض للقرض تام، كملك المشتري للسلعة شراءً ناجزًا، فله أن يتصرف فيه بما يشاء، ومن ذلك إقراضه، قال ابن حزم: (ومَن استقرض شيئًا فقد مَلَكَه، وله بيعه إن شاء وهبته والتصرف فيه، كسائر مِلكه، وهذا لا خلاف فيه، وبه جاءت النصوص) (¬5)، ولعله يعني عموم النصوص في التصرف في المِلك. ¬

_ (¬1) المغني 6/ 571 - 572. (¬2) جواهر الإكليل 2/ 90، التاج والإكليل 6/ 606، المغني 6/ 582. (¬3) 8/ 147. (¬4) ص 166. (¬5) المحلى 8/ 79.

المبحث الثاني: توكيل الوكيل

المبحث الثاني: توكيل الوكيل، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الوكالة وحكمها. تعريف الوكالة الوكالة في اللغة التفويض والاعتماد، ومن معانيها الحفظ (¬1). والوكالة في الاصطلاح: 1 - عند الحنفية: إقامة الغير مقام نفسه في تصرفٍ معلومٍ (¬2). 2 - عند المالكية: نيابة ذي حق-غير ذي إمرة ولا عبادة- لغيره فيه غير مشروط بموته (¬3). 3 - عند الشافعية: تفويض شخص ما له فعله مما يقبل النيابة إلى غيره ليفعله في حياته (¬4). 4 - عند الحنابلة: استنابة جائز التصرف مثله في ما تدخله النيابة (¬5). حكم الوكالة الوكالة جائزة، والأصل في جوازها الكتاب والسنة والإجماع. أما الكتاب فقوله - سبحانه وتعالى - عن أصحاب الكهف أنهم قالوا: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} الكهف: (19)، وقوله - سبحانه وتعالى - عن يوسف - عليه السلام - أنه قال: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ} يوسف: (93)، ولم يأت في شرعنا ما ينافيه، وغير ذلك من آيات. أما السنة فعن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «الخازن المسلم الأمين الذي ينفذ -وربما قال: يعطي- ما أمر به كاملًا مُوفَرًا طيبٌ به نفسه فيدفعه إلى الذي أمر له به أحد المتصدقين» (¬6). وعن جابر - رضي الله عنه - قال: أردت الخروج إلى خيبر، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلمت عليه وقلت ¬

_ (¬1) مختار الصحاح، مادة وكل ص 629 - 630، المطلع ص 309، المصباح المنير، مادة وكل ص 550. (¬2) اللباب 3/ 341، وفي دخول (ال) على (غير) تجوز. ينظر درة الغواص ص 199. (¬3) مواهب الجليل 7/ 160. (¬4) مغني المحتاج 2/ 281. (¬5) الروض المربع 6/ 563 - 564. (¬6) رواه البخاري، كتاب الزكاة، باب أجر الخادم إذا تصدق بأمر صاحبه غير مفسد (2/ 114) (ح 1437)، ومسلم، كتاب الزكاة (3/ 90) (ح 2363).

المطلب الثاني: حكم توكيل الوكيل

له: إني أردت الخروج إلى خيبر. فقال: «إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقًا فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته» (¬1) في أحاديث أخر. ونَقَلَ الإجماع على جوازه جماعة من أهل العلم (¬2). المطلب الثاني: حكم توكيل الوكيل، وفيه ثلاثة أفرع: الفرع الأول: توكيل الوكيل إذا نهاه موكله عن التوكيل. صورة المسألة: توكيل الوكيل من إضافة المصدر إلى فاعله، إذا وكّل موكِّلٌ وكيلًا فنهاه عن أن يوكِّل غيره بالعمل الموكول إليه فما حكم توكيله؟ كأن يقول زيد لسعدٍ: بع سيارتي، ولا يباشر البيع أحد غيرك، أو وكلتك في تزويج أختي، وليس لك أن توكل غيرك. الحكم: لا يجوز توكيل الوكيل إذا نهاه موكله عن التوكيل، قال في "الحاوي الكبير": (وهذا متفق عليه) (¬3) وقال في"المغني": (بغير خلاف) (¬4). الدليل: أن ما نهاه عنه غير داخل في إذنه، فلم يجز له فعله بالوكالة قياسًا على فعل ما لم يوكله فيه، كما لو وكله أن يشتري له بيتًا فاستأجر له سوقًا. الفرع الثاني: توكيل الوكيل إذا أذن له موكله في التوكيل صورة المسألة: إذا وكل موكِّل وكيلًا وأذن له أن يوكل غيره في القيام بالعمل الموكول إليه فما حكم توكيله؟ وقد يكون الإذن خاصًا في التوكيل كأن يقول للوكيل: وكلتك أن تطلق ¬

_ (¬1) أشار له البخاري في تبويبه، كتاب فرض الخمس، باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين ... وما أعطى جابر ابن عبد الله تمر خيبر (4/ 88 - 89)، ورواه أبو داود، كتاب الأقضية، باب في الوكالة (5/ 475) (ح 3632)، والدارقطني، باب الوكالة (3/ 387) (ح 4226)، والبيهقي، كتاب الوكالة، باب التوكيل في المال .. وغير ذلك (6/ 80) من طريق أبي داود، قال في نصب الراية 4/ 94: (وأعله ابن القطان بابن إسحاق، وأنكر على عبد الحق سكوته عنه، فهو صحيح عنده) وتضعيف الأحاديث بعنعنة ابن إسحاق ليس سديدًا، إنما يضعف من حديثه ما فيه نكارة ومخالفة للأحاديث الصحيحة؛ لذا قال ابن حجر عن هذا الحديث: (بسندٍ حسنٍ). التلخيص الحبير 4/ 1891، والمدلِّس إذا كان ثقة غير مكثر من التدليس -بمعنى إسقاط الرواة أو الإرسال- لا يُردُّ من حديثه إلا ما دلسه فعلًا بالاعتبار وجمع الطرق، وسائر حديثه مقبول، عنعن أو صرح بالتحديث. (¬2) الإقناع في مسائل الإجماع 2/ 156، الدر المختار مع حاشية الطحطاوي 3/ 264، نتائج الأفكار 6/ 3، التمهيد لابن عبد البر 11/ 300،10/ 357، بداية المجتهد مع الهداية في تخريج أحاديث البداية 8/ 121، إرشاد الفقيه لابن كثير 2/ 62، نهاية المطلب 7/ 33، كفاية الأخيار ص 325، المغني 7/ 196. تنبيه: قال أبو العباس ابن تيمية: (الوكالة عقد جائز باتفاق العلماء) مجموع الفتاوى 33/ 120، المراد بالجواز في مقابلة اللزوم لا الحكم التكليفي. (¬3) 6/ 518. (¬4) 7/ 207.

زوجتي تطليقة، وأذنت لك أن توكل في ذلك من تشاء. وقد يكون الإذن عامًا كأن يقول للوكيل: وكلتك أن تراجع مطلقتي فاصنع ما شئت. تحرير محل النزاع: إذا أذن الموكل لوكيله في التوكيل إذنًا خاصًا صريحًا جاز له أن يوكل بالإجماع قال ابن المنذر: (وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الوكيل إذا أراد أن يوكل به غيره، وقد جعل الموكل ذلك إليه في كتاب الوكالة أن له أن يوكل به غيره) (¬1). وقال في"المغني": (لا نعلم في هذين خلافًا) (¬2). أما إذا أذن له إذنًا عامًا ففيه قولان: القول الأول: جواز توكيل الوكيل، وهو مذهب الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4) والحنابلة (¬5) ووجه عند الشافعية (¬6). القول الثاني: عدم جواز توكيل الوكيل، وهو الوجه الأصح للشافعية (¬7). الأدلة: دليل محل الاتفاق قوله - سبحانه وتعالى -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} النساء: (29) والتجارة التي يقوم بها وكيل الوكيل قد رضي بها الموكل، وفيه تنبيه على جوازه في غير التجارة من التبرعات والولايات ونحوها، وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لا يحل مال امراءٍ مسلم إلا بطيب نفس منه» (¬8)، والإجماع المنقول في ذلك. ¬

_ (¬1) الإشراف 8/ 286، وقوله: (في كتاب الوكالة) لا مفهوم له، والله أعلم. (¬2) 7/ 208، والمراد بهذين هذه المسألة والتي قبلها. (¬3) المبسوط 19/ 192 نص عليه القدوري في "مختصره" 3/ 358 مع اللباب، خلاصة الدلائل 1/ 496. (¬4) إذا كان الوكيل مفوضًا إليه في جميع الأشياء-وكالة عامة- مواهب الجليل 7/ 192، حاشية الدسوقي 3/ 388. (¬5) الكافي 2/ 239، المغني 7/ 208. (¬6) المهذب 15/ 266. (¬7) البيان 6/ 412 - 413، المهذب 15/ 266. (¬8) رواه أحمد (24/ 239) (ح 15488)، (34/ 299) (ح 20695)، (34/ 560) (ح 21082)، والدارقطني، كتاب البيوع (2/ 605) (ح 2846 - 2850)، والبيهقي، كتاب الغصب، باب لا يملك أحد بالجناية شيئًا ... (6/ 97) وباب مَن غَصَب لوحًا فأدخله في سفينة أو بنى عليه جدارًا (6/ 100) بهذا اللفظ من حديث حنيفة عم أبي حرة الرقاشي - رضي الله عنه -، وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان، وفيه ضعف، وله شاهد عن جمع من الصحابة - رضي الله عنهم -، فقد قواه البيهقي بضم حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - إليه، كما في "مختصر الخلافيات" 3/ 420، وصححه ابن حبان (13/ 316 - 317) (ح 5978) من حديث أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه -، والحاكم (1/ 93) من حديث ابن عباس، وجود إسناده من حديث عمرو بن يثربي - رضي الله عنه - في "نصب الراية" 4/ 169، و"الدراية" 2/ 201، وألفاظها مقاربة.

الفرع الثالث: توكيل الوكيل إذا أطلق موكله الوكالة

وأدلة الأقوال: أدلة القول الأول: الدليل الأول: أن قوله: اصنع ما شئت وما في معناه لفظٌ عام، فيدخل في عمومه التوكيل (¬1). الدليل الثاني: القياس على التصريح بالإذن في التوكيل بجامع الرضا في كلٍّ، ودليل الرضا اللفظ العام. الدليل الثالث: أن الأصل في المعاملات الجواز والصحة، ولا دليل على المنع. دليل القول الثاني: أن التوكيل يقتضي تصرفًا يتولاه الوكيل بنفسه، وقولُه: اصنع ما شئت. وما في معناه يرجع إلى ما يقتضيه التوكيل من تصرفٍ بنفسه، ولا يشمل توكيل غيره (¬2). الترجيح الراجح جواز توكيل الوكيل المأذون له إذنًا عامًا إذا كان وكيل الوكيل أمينًا (¬3). سبب الترجيح: الموازنة بين الأدلة السابقة، والاستناد للأصل المذكور. الفرع الثالث: توكيل الوكيل إذا أطلق موكله الوكالة، وفيه ثلاثة مسائل: المسألة الأولى: أن يكون العمل مما لا يقوم الوكيل بمثله. صورة المسألة: إذا وكل موكل وكيلًا في القيام بعمل لا يليق بمثل هذا الوكيل في العادة، كأن يكون عملًا دنيئًا يترفع عنه أمثاله عادةً، أو عملًا لا يحسنه، فهل يجوز له أن يوكل غيره؟ الحكم: يجوز توكيل الوكيل في ما لا يعمله مثله. نص على ذلك المالكية (¬4) والشافعية (¬5) والحنابلة (¬6)، واشترط بعض المالكية والشافعية أن يكون الوكيل مشهورًا بالوجاهة التي لا يليق معها مباشرة هذا العمل، والموكِّلُ عالمٌ بذلك (¬7). ¬

_ (¬1) تكملة المجموع 15/ 269، المغني 7/ 208. (¬2) تكملة المجموع 15/ 269، المغني 7/ 208. (¬3) ينظر ص 183. (¬4) مواهب الجليل 7/ 191، حاشية الدسوقي 3/ 388، بلغة السالك 2/ 185 - 186. (¬5) المهذب 15/ 266 - 267، مغني المحتاج 2/ 293، نهاية المحتاج 5/ 28، وللإمامين مالك والشافعي نصوص مطلقة في المنع إلا أن الأتباع -في الغالب- أعلم بمراد الإمام. (¬6) المغني 7/ 208، شرح منتهى الإرادات 3/ 511، تقرير القواعد لابن رجب 2/ 24، قال: (فله الاستنابة بغير خلاف) يحتمل-السياق- بغير خلاف في المذهب. (¬7) مواهب الجليل 7/ 192، بلغة السالك 2/ 186، نهاية المحتاج 5/ 28.

الدليل: أن الإذن المتضمَّن في التوكيل ينصرف في هذه الحالة إلى ما جرت به العادة والعرف من الإذن في الاستنابة (¬1)، والإذن قسمان: إذن لفظي، وهو ما سبق في الفرع الثاني، وإذن عرفي، ومنه هذه المسألة والمسألة اللاحقة، وقد نقل أبو العباس ابن تيمية اتفاق العلماء على جواز توكيل الوكيل (¬2)، ومراده مع وجود الإذن العرفي، وذلك أنه أتبع ذلك بذكر الخلاف في المسألة إذا لم يوجد إذن، وليس في السؤال تصريح بالإذن ولا في السياق، فخرج من قوله صورتان: 1 - عدم الإذن. ... 2 - الإذن اللفظي. فمراده -والله أعلم- الاتفاق على الجواز في الإذن العرفي، كهاتين المسألتين، ومما يؤيده عدم وقوف الباحث على مخالف صريح في هذه المسألة. جاء في "المهذب": (فصل. ولا يملك الوكيل من التصرف إلا ما يقتضيه إذن الموكل من جهة النطق أو من جهة العرف؛ لأن تصرفه بالإذن فلا يملك إلا ما يقتضيه الإذن والإذن يعرف بالنطق وبالعرف) (¬3). وجاء في "إعلام الموقعين": (وقد أُجري العرف مجرى النطق في أكثر من مائة موضع منها ... وتوكيل الوكيل لما لا يباشره مثله بنفسه ... اعتمادًا على الإذن العرفي الذي هو أقوى من اللفظي في أكثر المواضع) (¬4). المسألة الثانية: أن يكون العمل مما يقوم الوكيل بمثله ولكنه يعجز عنه بنفسه. صورة المسألة: إذا وكل موكل وكيلًا بعمل يليق بمثله ولكنه لا يتمكن من القيام به بنفسه؛ لكثرته -مثلًا- فهل يجوز للوكيل أن يوكل غيره؟ الحكم: إذا كان الوكيل في ما يقوم به مثله يعجز عن مباشرة العمل كله بنفسه فيجوز له أن يوكل غيره، نص على ذلك المالكية (¬5) والشافعية (¬6) والحنابلة (¬7). ¬

_ (¬1) المهذب 15/ 267، المغني 7/ 208. (¬2) مجموع الفتاوى 30/ 98. (¬3) 15/ 258. (¬4) 4/ 316 - 317، وفي مجموع الفتاوى: (والتنبيه دليل أقوى من النص) 31/ 173،146، وفيه ما فيه. (¬5) مواهب الجليل 7/ 191، حاشية الدسوقي 3/ 388. (¬6) المهذب 15/ 267، نهاية المحتاج 5/ 28. (¬7) الإنصاف 13/ 459، شرح منتهى الإرادات 3/ 510، وقد عزا بعض المعاصرين هذا القول للحنفية في هذه الصورة، لكن الحنفية لم يذكروا -في المراجع التي ذكرها المعاصر- حكم هذه الصورة، وتنظر المراجع الحنفية التالية.

أما إذا كان الوكيل في ذلك يعجز عن مباشرة بعض العمل بنفسه ويقدر على بعضٍ فهل يجوز له أن يوكل في كل العمل أو في القدر المعجوز عنه خاصة؟ فيه قولان: القول الأول: يجوز له أن يوكل في القدر المعجوز عنه خاصة، وهو مذهب المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، واختاره من الحنابلة أبو يعلى وابن عقيل (¬3). القول الثاني: يجوز له أن يوكل في كل العمل، وهو مذهب الحنابلة (¬4) ووجهٌ للشافعية (¬5). فلو وكل زيد خالدًا أن يبني له بيتًا، وهو قادرٌ على أن يشرف على البناء، كما أنه من المعلوم أنه لن يباشر البناء بنفسه، فعلى القول الأول يلزمه أن يشرف على البناء ولا يوكل غيره في ذلك، وعلى القول الثاني يجوز له أن يوكل غيره في كل عمل. الأدلة: دليل جواز توكيل الوكيل في ما يقوم به مثله ولكنه يعجز عن القيام به كله بنفسه هو دليل المسألة السابقة، أما أدلة ما إذا كان عجزه عن القيام ببعض العمل فهي: أدلة القول الأول: الدليل الأول: أن توكيل الوكيل إنما جاز للحاجة فيختص الجواز بما دعت إليه الحاجة، بخلاف ما لو أذن له في التوكيل فإنه مطلقٌ (¬6). الدليل الثاني: أن التوكيل يقتضي أن يتولى الوكيل بنفسه، وإنما أذن له في ما لا يقدر عليه؛ للعجز، ويبقى في ما يقدر عليه على مقتضى التوكيل (¬7)، والميسور لا يسقط بالمعسور. أدلة القول الثاني: الدليل الأول: أنه مَلك التوكيل في بعض العمل فيملكه في جميع العمل، قياسًا على الموكِّل (¬8). المناقشة: أنه إنما ملك التوكيل في بعض العمل لعجزه، والوكيل أضعف سلطةً من الأصيل. ¬

_ (¬1) حاشية الدسوقي 3/ 388. (¬2) نهاية المحتاج 5/ 28. (¬3) المغني 7/ 208، الإنصاف 13/ 459. (¬4) الإنصاف 13/ 459. (¬5) المهذب 15/ 267. (¬6) المغني 7/ 208. (¬7) المهذب 15/ 267. (¬8) المهذب 15/ 267.

الدليل الثاني: أن الوكالة اقتضت جواز التوكيل؛ لكونها في ما يعجز عنه، فجاز التوكيل في فعل جميعه، قياسًا على الإذن اللفظي (¬1). المناقشة: 1. أن مبنى الوكالة على الخصوص؛ لأن الوكيل يتصرف بولاية مستفادة من قبل الموكِّل، فيملك قدر ما أفاده، ولا يثبت العموم إلا بلفظ يدل عليه (¬2). 2. أن الأصل في الوكيل عدم التوكيل والقيام بالمطلوب بنفسه، وما خالف الأصل للحاجة يتقدر بقدرها، ويبقى ما عدا ذلك القدر على الأصل فلا يصح قياسه على الإذن اللفظي؛ لوضوح الفارق بينهما. الترجيح الراجح جواز توكيل الوكيل، في ما يقوم به مثله ولكنه يعجز عنه، في القدر المعجوز عنه خاصةً. سبب الترجيح: ما ذكر من أدلة ومن مناقشة أدلة القول الآخر. المسألة الثالثة: أن يكون العمل مما يقوم الوكيل بمثله ولا يعجز عنه بنفسه. صورة المسألة: إذا وكل موكل وكيلًا أن يرهن سيارته لزيد، والوكيل قادرٌ على ذلك ولا يأنف مثله عن فعل ذلك، فهل له أن يوكل غيره للقيام بذلك العمل؟ الحكم: اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال: القول الأول: لا يجوز له أن يوكل غيره، وهو مذهب الحنفية (¬3)، وقول مالك وأصحابه (¬4)، وقول الشافعي وأصحابه (¬5)، وهو المذهب عند الحنابلة (¬6)، واختاره ابن المنذر (¬7). ¬

_ (¬1) شرح منتهى الإرادات 3/ 510 - 511. (¬2) بدائع الصنائع 6/ 46. (¬3) بدائع الصنائع 6/ 46، الاختيار 2/ 163، مجمع الأنهر 2/ 240، واستثنى بعضهم ثلاث مسائل: إذا وكل شخصًا في دفع زكاته فللوكيل أن يوكل. إذا وكل شخصًا في قبض دينه فللوكيل أن يوكل أحد عياله. إذا وكل من يبيع له سلعةً فوكل الوكيل من يذهب إلى الموكل ليعلم تقدير الثمن. در المنتقى في شرح الملتقى مع مجمع الأنهر 2/ 240، حاشية ابن عابدين 8/ 302 - 303. (¬4) المدونة 4/ 382، الذخيرة 8/ 12، مواهب الجليل 7/ 191. واستثنوا الوكيل المفوَّض. حاشية الدسوقي 3/ 388. (¬5) الأم 3/ 232، المهذب 15/ 266، نهاية المطلب 7/ 38، وقال: (إذا وكل إنسانًا بتصرفات أو خصومة فإن تيسر عليه تعاطي ذلك لم يملك التوكيل فيه اتفاقًا) الاتفاق داخل المذهب. (¬6) الشرح الكبير 13/ 455 - 458، كشاف القناع 8/ 421، هداية الراغب 3/ 25. (¬7) الإشراف 8/ 286.

القول الثاني: يجوز له أن يوكل غيره إذا أراد أن يغيب أو مرِض، وهو قول محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى (¬1). القول الثالث: يجوز له أن يوكل غيره مطلقًا، وهو رواية عن الإمام أحمد (¬2). الأدلة: أدلة القول الأول: الدليل الأول: قوله - سبحانه وتعالى -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} النساء: (29)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما البيع عن تراضٍ» (¬3) وقوله -عليه الصلاة والسلام-: «لا يحل مال امراءٍ مسلمٍ إلا بطيب نفسٍ منه» (¬4). وجه الدلالة: أن الوكالة المتضمنة لمعاوضة إذا وكّل فيها الوكيل غيره، فإن الموكِّل لم يرضَ به إنما رضي بتصرف الوكيل، فدخل في عدم التراضي، ولا يحل أن يتصرف في مالِ الموكل إلا بطيب نفسٍ منه. الدليل الثاني: أن الموكل لم يأذن له في التوكيل لا لفظًا ولا عرفًا، ولا تضمنه إذنه المستفاد من الوكالة، فلم يجز قياسًا على ما لو نهاه (¬5). الدليل الثالث: أن التوكيل استئمانٌ في ما يمكنه النهوض فيه فلم يكن له أن يوليه مَن لم يأمن الموكل عليه، قياسًا على الوديعة، فإن المستودَع لا يحق له أن يودع الوديعة لغيره- في الأصل-؛ لأن المودِع لم يرض إلا بأمانته، فكذلك الوكالة (¬6). الدليل الرابع: أن الإذن المستفاد من الوكالة لا يتناول تصرفَ غيرِه من جهة النطق ولا من جهة العرف؛ لأنه ليس في العرف إذا رضيه أن يرضى غيره (¬7). ¬

_ (¬1) الإشراف 8/ 286، بدائع الصنائع 6/ 46، المغني 7/ 209. (¬2) الإنصاف 13/ 455، تقرير القواعد 2/ 24. (¬3) رواه ابن ماجه، أبواب التجارات، باب بيع الخيار (3/ 305 - 306) (ح 2185)، والبيهقي، كتاب البيوع، باب ما جاء في بيع المضطر وبيع المكره (6/ 17)، وصححه ابن حبان (11/ 340 - 341) (ح 4967)، وقال ابن كثير: (بإسناد حسن)، وهو عند ابن الملقن صحيح أو حسن، كما اشترط في مقدمة تحفة المحتاج 1/ 129 - 130، 2/ 203، وصححه الألباني. إرشاد الفقيه 2/ 5، إرواء الغليل 5/ 125. (¬4) سبق تخريجه ص 176. (¬5) المغني 7/ 209. (¬6) المغني 7/ 209. (¬7) المهذب 15/ 266، الدليل الأول قياسي وهذا تعليل.

الدليل الخامس: أن الموكِّل فوض إلى الوكيل التصرف دون التوكيل به؛ لأنه إنما رضي برأيه، والناس متفاوتون في الآراء. المناقشة: التسليم بأن الناس متفاوتون في الآراء، ولكن قد يكون الوكيل الثاني أقوى رأيًا من الأول أو مثله، وإلا لما وكله، ثم إن رَدّ الموكِّل توكيلَ الوكيل مع الرضا برأيه تناقض. الجواب: 1. العبرة في معرفة قوة الرأي بظن الموكل؛ لأنه المتصرف الأصيل، والمالك لحق التصرف أو للعين. 2. أن الموكل رضي برأي الوكيل في تصرف خاص كالبيع أو الشراء أو الهبة مما وُكل به، وليس التوكيل داخلًا في هذا التصرف، فلا تناقض، وإنما يقع التناقض لو كان رضا الموكل برأي الوكيل في التوكيل أو برأيه مطلقًا (¬1). أدلة القولين الثاني والثالث: الدليل الأول: يمكن أن يستدل لهم بما جاء عن حُضَين بن المنذر أبي ساسان قال: شهدت عثمان بن عفان وأتي بالوليد قد صلى الصبح ركعتين ثم قال: أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان، أحدهما حمران أنه شرب الخمر، وشهد آخر أنه رآه يتقيأ، فقال عثمان: إنه لم يتقيأ حتى شربها. فقال: يا علي قم فاجلده. فقال علي: قم يا حسن فاجلده. فقال الحسن: وَلِّ حارَّها مَن تولى قارَّها. فكأنه وجد عليه، فقال: يا عبدالله بن جعفر قم فاجلده. فجلده وعلي يعد حتى بلغ أربعين فقال: أمسك. ثم قال: جلد النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعين وجلد أبو بكر أربعين وعمر ثمانين، وكلٌّ سنة وهذا أحب إلي (¬2). وجه الدلالة: أن عثمان وكل عليًا - رضي الله عنهما - وكالةً مطلقةً عن الإذن أو النهي في التوكيل، فوكَّل علي الحسن - رضي الله عنهما - ثم وكل عبدَ الله بن جعفر - رضي الله عنهما -، ويحتمل أن يكون علي وكل الحسن ثم وكل الحسنُ عبدَالله بن جعفر - رضي الله عنهم - (¬3) وكيف ما كان تم الاستدلال. المناقشة: أن هذا التوكيل من الوكيل قد حصل فيه إذن عرفي، فقد وكل علي - رضي الله عنه - وكيله ¬

_ (¬1) نتائج الأفكار مع العناية 6/ 89 - 90. (¬2) رواه مسلم، كتاب الحدود (5/ 126) (ح 4457)، ومعنى (ول حارها من تولى قارها): الحار: الشديد المكروه، والقار: البارد الهنيء الطيب، وهذا مثل من أمثال العرب، قال الأصمعي وغيره: معناه ولّ شدتها وأوساخها من تولى هنيئها ولذاتها، والضمير عائد إلى الخلافة، أي: ليتول هذا الجلد عثمان - رضي الله عنه - بنفسه أو بعض أقاربه. المنهاج للنووي 6/ 275، فائدة: في ألفية السيوطي (بيت 845 ص 352): وليس في الرواة من حُضينِ ... إلا أبو ساسان عن يقينِ. (¬3) المفهم 5/ 135.

أمام عثمان - رضي الله عنه - فأقره، ومثل هذا خارج عن محل النزاع؛ لحصول الإذن فيه. الدليل الثاني: أن الوكيل له أن يتصرف بنفسه، فملك التوكيل نيابةً قياسًا على المالك (¬1). المناقشة: 1. ليس للوكيل أن يتصرف بنفسه تصرفًا مطلقًا، وإنما في حدود ما وكل إليه. 2. أن الوكيل ليس كالمالك، فإن المالك يتصرف بنفسه في ملكه كيف شاء، بخلاف الوكيل. الترجيح الراجح عدم جواز توكيل الوكيل في ما يقوم مثله به ولا يعجز عنه بنفسه. سبب الترجيح: قوة أدلة هذا القول ومناقشة أدلة الطرف الآخر. تنبيهات: الأول: في حالات الجواز يشترط أن يكون وكيل الوكيل أمينًا (¬2). الثاني: اختلف الفقهاء في وكيل الوكيل هل يكون وكيلًا للموكل أو للوكيل، وينظر ذلك في محله (¬3). الثالث: يشكل على صحة الإذن الحكمي أو العرفي حديث: «إني لأجد طعم شاة ذُبحت بغير إذن صاحبها» فقالت صاحبة الدعوة: يا رسول الله، أخي، وأنا من أعزِّ الناس عليه، ولو كان خيرًا منها لم يغيِّر علي، وعلي أن أرضيه بأفضل منها. فأبى أن يأكل منها وأمر بالطعام للأسارى (¬4). وجه الإشكال: أن الإذن الحكمي حاصلٌ لهذه المرأة ولم يقرّها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فدلَّ على عدم اعتباره. والجواب عن ذلك أن وجه اعتباره محكم، وهو قوله - سبحانه وتعالى -: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ} الآية، النور: (61)، وهذا الحديث متشابه، فليُبحث له عن محمل. ¬

_ (¬1) المغني 7/ 209. (¬2) نص عليه جمهور الفقهاء، ينظر-مثلًا-: مواهب الجليل 7/ 193، المهذب 15/ 266، نهاية المحتاج 5/ 29، المغني 7/ 209، الإنصاف 13/ 459، واستثنى الشافعية والحنابلة ما إذا عيّنه الموكل. (¬3) الاختيار 2/ 163، حاشية الدسوقي 3/ 388، نهاية المطلب 7/ 38 - 39، الإنصاف 13/ 459 - 462. (¬4) رواه الدارقطني، الصيد والذبائح والأطعمة (3/ 541) (ح 4679)، وأصل القصة بألفاظ أخرى عند أبي داود (ح 3332) وأحمد (ح 22510) وغيرهما.

المبحث الثالث: إبضاع المبضع

المبحث الثالث: إبضاع المبضَع، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الإبضاع وحكمه. تعريف الإبضاع الإبضاعُ لغةً إفعالٌ من البضاعة، والبضاعة القطعة من المال، وقيل: اليسير منه، والبضاعة ما حمّلتَ آخر بيعه وإدارته (¬1)، وهو عينُ المعنى الاصطلاحي. وعرف الإبضاع اصطلاحًا بتعريفات متفقة في الحقيقة فمن ذلك: 1 - عند الحنفية: دفع المال بضاعةً (¬2). 2 - عند المالكية: دفع مالٍ من مال الشركة لمن يشتري به بضاعة من بلد (¬3). 3 - عند الشافعية: بعث المال مع مَن يتجر فيه متبرعًا (¬4). 4 - عند الحنابلة: أن يعطي من مال الشركة لمن يتجر فيه والربح كله للدافع (¬5). وكونه من مال الشركة وصفٌ طردي ليس بلازم فسواء كان من مال الشركة أو لم يكن فالحكم واحد، وقد ورد الإبضاع بهذا المعنى في كلام المتقدمين وأخبارهم (¬6). حكم الإبضاع الإبضاع عقد جائز (¬7). ودليل ذلك عموم الأدلة الدالة على جواز التجارة فإنه منها، وعلى جواز المضاربة فإنه من جنسها، قال في "المغني": (ولأنه إذا جاز دفعه بجزء من ربحه فدفعه إلى من يوفر الربح أولى) (¬8)، أي بالجواز، وعلى جواز الوكالة، فالإبضاع توكيل بلا جعل (¬9)؛ ولأنه من المعروف والإحسان الذي تدعو إليه الشريعة القويمة؛ ولأن فيه دفعًا للحاجة، فقد لا يحسن رب المال المتاجرة به فيعطيه من يعمل له فيه ويكون ربحه كاملًا مع أصله لرب المال، وقد يحسن التجارة ولا يتفرغ لها أو لا تليق به، ولو ادعى مدعٍ الإجماع على جوازه لما أبعد، وقد يشتبه على بعضٍ ¬

_ (¬1) المحكم والمحيط والأعظم، مادة بضع 1/ 418، لسان العرب، مادة بضع 9/ 361. (¬2) الدر المختار مع حاشية ابن عابدين 12/ 364، وينظر دستور العلماء 1/ 169. (¬3) حاشية الدسوقي 3/ 352، بلغة السالك 2/ 168. (¬4) مغني المحتاج 2/ 403، وينظر نهاية المحتاج 5/ 161. (¬5) الإنصاف 14/ 33، وينظر منتهى الإرادات 1/ 329. (¬6) الأم 4/ 10، مصنف ابن أبي شيبة (ح 21901 - 21902)، ذم الهوى ص 476. (¬7) ورد من فعل عائشة - رضي الله عنها - رواه ابن أبي شيبة (ح 10214،10210)، ومفهوم كلام فقهاء المذاهب الأربعة، وإلم ينصّ غالبهم على الحكم فلأنه من الواضحات، كما في المراجع السابقة. (¬8) 6/ 340. (¬9) مغني المحتاج 2/ 403، نهاية المحتاج 5/ 161.

المطلب الثاني: إبضاع المبضع

قول بعض الفقهاء بعدم جواز إبضاع المضارب برأس المال إلا بإذن رب المال فيظنه عامًا أو في أصل حكم الإبضاع (¬1)، وليس كذلك؛ لأن معناه أن عقد المضاربة لا يُخوِّل العامل أن يبضع رأس المال، لا أن الإبضاع في ذاته ممنوع. المطلب الثاني: إبضاع المبضَع. صورة المسألة: إذا دفع رجلٌ مالًا لعامل ليتجر به ويردَّ المال وربحه له، فهل يجوز للعامل أن يدفع هذا المال لثالثٍ ليتجر به ويرده وربحه أو يلزم العامل أن يتجر بنفسه؟ الحكم: 1. إذا لم يأذن رب المال في إبضاع العامل فيحتمل احتمالان: الاحتمال الأول: عدم الجواز. وهو مقتضى قول فقهاء المذاهب الأربعة، تخريجًا على المضاربة (¬2) والوكالة (¬3). الاحتمال الثاني: الجواز. 2. وإن أذن له أن يبضع إذنًا صريحًا جاز، فإن أذن له إذنًا حكميًا أو عامًا -كأن يطلق له الحرية في التصرف- فيحتمل احتمالان تخريجًا على المضاربة: الاحتمال الأول: الجواز، تخريجًا على قول الحنفية (¬4) والحنابلة (¬5). الاحتمال الثاني: عدم الجواز، تخريجًا على قول الشافعية (¬6). الأدلة: أولًا: دليل عدم الجواز إذا لم يأذن رب المال -سواء صرح بالنهي أو لم ينه ولم يسمح- قول الله - سبحانه وتعالى -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} النساء: (29)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه» (¬7)، وقياسًا على المضاربة. ثانيًا: دليل الجواز مع عدم الإذن: أن العامل متبرع، فإذا لم ينهه رب المال جاز له أن ¬

_ (¬1) الإنصاف 14/ 33، وغيره. (¬2) المبسوط 22/ 9، بدائع الصنائع 6/ 150، المدونة 6/ 26 - 28، التاج والإكليل 7/ 455، المهذب مع تكملة المجموع 16/ 44، نهاية المطلب 7/ 494، المغني 7/ 158، كشاف القناع 8/ 485، 505. (¬3) الحاوي الكبير 6/ 518، المغني 7/ 207. (¬4) بدائع الصنائع 6/ 150. (¬5) المحرر 2/ 15 - 16، الشرح الكبير 14/ 94. (¬6) المضاربة للماوردي (من الحاوي) ص 199.، ويمكن تخريج المسألة على توكيل الوكيل أيضًا، فيجوز بلا خلاف. (¬7) سبق تخريجه ص 176.

يتصرف بما يراه؛ لقوله - سبحانه وتعالى -: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} التوبة: (91)، ولأن الغالب أن المتبرع لا يتصرف إلا بالأحظ لرب المال. المناقشة: 1. كون العامل متبرعًا لا يسقط حق رب المال وحرمة ماله، فإنه إذا لم تطِب نفسه بدفع المال لآخر فإن هذا يكون تصرفًا في مال غير المتصرف بغير ما يقتضيه الإذن. 2. عدم التسليم بأن العامل المتبرع لا يتصرف إلا بالأحظ لرب المال، فإن عدم حصوله على شيء من الربح قد يحمله على التساهل وعدم النصح، فربما أبضعه لمن لا يحسن أو من تضعف أمانته أو لا يتحرى في إبضاعه. ثالثًا: دليل الجواز إذا أذن له إذنًا صريحًا: أن الحق دائرٌ بين رب المال والعامل المتبرع، وقد أذن رب المال في التصرف في حقه بالإبضاع، والإبضاع جائز في الأصل فيجوز في التبع. رابعًا: دليل الجواز إذا أذن له إذنًا حكميًا: القياس على الإذن الصريح بجامع الإذن في كلٍّ. خامسًا: دليل المنع إذا لم يكن الإذن صريحًا: أن الأمانة تتفاوت فقد لا يرضى رب المال بذمة المبضع الثاني، ولا يُعلم رضاه إلا بصريح الإذن؛ لأن التفويض العام تفويض في العمل بنفسه لا بغيره. المناقشة: يشترط للجواز أن يكون المبضَع الثاني أمينًا. الترجيح الراجح جواز إبضاع المبضَع إذا أذن له رب المال إذنًا صريحًا أو حكميًا، بهذه الشروط: 1 - أن يكون المبضَع الثاني أمينًا. 2 - أن يكون العامل أهلًا للتصرف. 3 - أن يكون رأس المال معلومًا. أسباب الترجيح: 1. الأدلة المذكورة. 2. أن الأصل في المعاملات الصحة والجواز، فإذا لم يأذن رب المال فإن الأصل في الأموال المملوكة للآخرين الحرمة والاحترام.

المبحث الرابع: إعارة المعار

المبحث الرابع: إعارة المعار، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الإعارة وحكمها. تعريف الإعارة في اللغة: الإعارة والاستعارة والعارية ترجع لمعنى واحد، وهو تداول الشيء وترديده ذهابًا ومجيئًا (¬1)، والعارية مشدَّدةٌ وقد تخفَّف (¬2). وفي الاصطلاح: 1 - عند الحنفية: تمليك المنفعة بغير عوض (¬3). 2 - عند المالكية: تمليك منفعة مؤقتة لا بعوض (¬4). 3 - عند الشافعية: إباحة الانتفاع بما يحل الانتفاع به مع بقاء عينه (¬5). 4 - عند الحنابلة: إباحة نفع عين تبقى بعد استيفائه (¬6). 5 - قال أبو العباس ابن تيمية: إعطاء العين لمن ينتفع بها ثم يردها (¬7). حكم الإعارة الإعارة والعارية يعرض لها ما يجعلها واجبة أو مكروهة أو محرمة بالنظر إلى المقاصد والمآلات، فتجب إعارة ثوبٍ لدفع حرٍّ أو بردٍ شديدين، وتحرم إعارة صيدٍ لمحرِمٍ أو أمة لأجنبي على تفصيل وخلاف، وتكره إعارة العبد المسلم لكافر، فإذا كانت تُعين على محرَّم فهي محرَّمة، وإذا كانت تُعين على مكروه فهي مكروهة، كما نص عليه جمعٌ من الفقهاء (¬8). أما حكمها من حيث الأصل فأجمع المسلمون على مشروعية الإعارة (¬9)، ولكنهم مختلفون في الوجوب وعدمه على قولين: ¬

_ (¬1) مقاييس اللغة، مادة عور 4/ 184 - 185، لسان العرب، مادة عور 6/ 297. (¬2) القاموس المحيط، ماد عور ص 446، المطلع ص 127. (¬3) المبسوط 11/ 142، بداية المبتدي مع شروحها 7/ 100. (¬4) مواهب الجليل 7/ 297، الفواكه الدواني 2/ 263. (¬5) البيان 6/ 505، تكملة المجموع (الاستقصاء للماراني) 15/ 420. (¬6) الروض المربع 7/ 166، المطلع ص 327. (¬7) مجموع الفتاوى 20/ 550، وتعريفه بجنس الإعطاء يشمل التمليك، كما عند الحنفية والمالكية، والإباحة، كما عند الشافعية والحنابلة، فهو أجمع. (¬8) الذخيرة 6/ 200، الفواكه الدواني 2/ 263، مغني المحتاج 2/ 340، المغني 7/ 346، الفروع 7/ 197، المقنع مع الشرح الكبير 15/ 68 - 69. (¬9) مراتب الإجماع ص 167، الإقناع في مسائل الإجماع 2/ 168، مجمع الأنهر 2/ 346، الفواكه الدواني 2/ 263، البيان للعِمراني 6/ 507، مغني المحتاج 2/ 340، المغني 7/ 340.

القول الأول: أنها مندوبة، وهو مذهب جمهور العلماء (¬1). القول الثاني: أنها واجبة إذا كان السائل محتاجًا ووثق بوفائه، وهو قول ابن حزم (¬2) وابن القيم (¬3)، فالعبرة بحال المستعير. القول الثالث: أنها تجب مع غنى المالك، وهو أحد القولين في مذهب أحمد واختيار أبي العباس ابن تيمية (¬4)، فالعبرة بحال المعير. الأدلة: وهي قسمان أدلة عدم الوجوب -الاستحباب أو الجواز- وأدلة الوجوب. أدلة جواز العارية واستحبابها: الدليل الأول: قول الله - عز وجل -: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} الحج: (77)، وقوله -جل جلاله-: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} النساء: (114)، والعارية من الخير والمعروف والإحسان. الدليل الثاني: عن جابر وحذيفة - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كل معروف صدقة» (¬5). الدليل الثالث: عن طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل نجد ثائر الرأس يُسمع دوي صوته ولا يُفقه ما يقول حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام ... قال: وذكر له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزكاة. قال: هل علي غيرها؟ قال: «لا إلا أن تطوّع» (¬6). وجه الاستدلال: أنه لو كانت العارية واجبة عليه لبيَّنه - صلى الله عليه وسلم -، وأكد عدم الوجوب بقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا إلا أن تطوع» فدل على أنها من التطوع. ¬

_ (¬1) الاختيار 3/ 55، مجمع الأنهر 2/ 346، مواهب الجليل 7/ 296، حاشية الدسوقي 3/ 433، حاشيتا قليوبي وعميرة 3/ 17، البجيرمي على الخطيب 3/ 488، المغني 7/ 340، تجريد العناية ص 92، ونصَّ المالكية على أن الوجوب يعرض لها كغني عنها لمن يخشى بعدمها هلاكه. مواهب الجليل 7/ 297، بلغة السالك 2/ 205، فالأصل استحبابها. (¬2) المحلى 9/ 168 - 169. (¬3) إعلام الموقعين 3/ 286. (¬4) المغني 7/ 340، الأخبار العلمية في الاختيارات الفقهية ص 231، الفروع 7/ 197، الإنصاف 15/ 67. (¬5) رواه البخاري، كتاب الأدب، باب كل معروف صدقة (8/ 11) (ح 6021) من حديث جابر - رضي الله عنه -، ومسلم، كتاب الزكاة (3/ 82) (ح 2328) من حديث حذيفة - رضي الله عنه -، ورواه البيهقي من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - كتاب العارية (6/ 88) وفيه: (وكنا نعد المعروف على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القدر والدلو وأشباه ذلك) ورواه أبوداود -كما سيأتي إن شاء الله- بلفظ: (الماعون) بدل (المعروف). (¬6) الطاء مخففة في "اليونينية" في المواضع الثلاثة من الحديث، وقال في "الفتح" بالتشديد وجواز التخفيف، وقال النووي في التشديد: (وهو المشهور)، وكلاهما صحيح. رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب الزكاة من الإسلام (1/ 18) (ح 46)، ومسلم، كتاب الإيمان (1/ 31) (ح 100).

الدليل الرابع: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أديت زكاة مالك قد قضيت ما عليك» (¬1). الدليل الخامس: عن فاطمة بنت قيس - رضي الله عنها - أنه سمعته -تعني النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ليس في المال حق سوى الزكاة» (¬2). الدليل السادس: قال ابن قدامة: (وأجمع المسلمون على جواز العارية واستحبابها) (¬3). المناقشة: أنه ذكر بعد ذلك بأسطر: (وقيل: هي واجبة) وذكر أدلة من قال بذلك وستأتي -إن شاء الله-. الجواب: نقل غيره الإجماع أيضًا، والمخالف محجوج بإجماع من قبله. الدليل السابع: أن الأصل براءة الذمة، ولا يوجد دليل صريح في إيجاب العارية. المناقشة: محصَّله المطالبة بالدليل، وقد أقامه أصحاب القول الثاني. الدليل الثامن -وهو دال على الجواز-: عن أنس - رضي الله عنه - قال: كان فزعٌ بالمدينة فاستعار النبي - صلى الله عليه وسلم - فرسًا من أبي طلحة يقال له المندوب فركب فلما رجع قال: «ما رأينا من شيء وإن وجدناه بحرًا» (¬4). الدليل التاسع -وهو دال على الجواز أيضًا-: عن صفوان بن أمية - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعار منه أدراعًا يوم حنين فقال: أغصبٌ يا محمد؟ فقال: «لا بل عارية مضمونة» (¬5)، وفي ¬

_ (¬1) رواه الترمذي، أبواب الزكاة، باب ما جاء إذا أديت الزكاة فقد قضيت ما عليك (2/ 6) (ح 618)، وابن ماجه، أبواب الزكاة، باب ما أُدّي زكاته فليس بكنز (3/ 8) (ح 1788)، قال الترمذي: (حسن غريب) وفيه دراج أبو السمح، وهو ضعيف؛ لذا ضعفه الألباني في "ضعيف سنن ابن ماجه"، ولكنه رجع عن تضعيف دراج وحسَّن حديثه آخرًا إلا في أبي الهيثم (السلسلة الصحيحة 7/ 3/1383 ح 3470). (¬2) رواه ابن ماجه، الموضع السابق (3/ 9) (ح 1789)، وهو ضعيف، علته شريك النخعي وأبو حمزة ميمون الأعور، وفي متنه اضطراب، وينظر مجموع الفتاوى (29/ 185 - 196). (¬3) المغني 7/ 340. (¬4) رواه البخاري، كتاب الهبة، باب من استعار من الناس الفرس (3/ 165) (ح 2627)، ومسلم، كتاب الفضائل (7/ 72) (6007)، بحرًا: أي واسع الجري كالبحر. (¬5) رواه أبوداود، كتاب البيوع، باب في تضمين العارية (5/ 414) (ح 3562)، والنسائي في "السنن الكبرى"، كتاب العارية والوديعة (2/ 888) (ح 5747)، وأحمد (24/ 12 - 13) (ح 15302) وغيرهم، قال الترمذي: (سألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: هذا الحديث فيه اضطراب، ولا أعلم أن أحدًا روى هذا غير شريك. ولم يُقَوِّ هذا الحديث) العلل ص 188، وممن أعله بالاضطراب ابن عبد البر وابن التركماني، وأعله ابن حزم وابن القطان وابن عبد الهادي، وقال أبو نعيم: (محفوظ)، وصححه الحاكم، وقواه بمجموع طرقه البيهقي وابن كثير. المستدرك 3/ 48 - 49، المحلى 9/ 174، البدر المنير 6/ 748، الجوهر النقي 6/ 89 - 90، التنقيح 4/ 157، إرشاد الفقيه 2/ 67، التلخيص الحبير 4/ 1902.

حديث يعلى بن أمية - رضي الله عنه - قال: يا رسول الله أعارية مضمونة أو عارية مؤداة؟ قال: «بل مؤداة» (¬1). أدلة وجوب العارية: الدليل الأول: قول الله - سبحانه وتعالى -: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} المائدة: (2). وجه الاستدلال: أن الأمر للوجوب متى كانت العارية برًا وتقوى. المناقشة: أنه ورد صارف له إلى الاستحباب، كما في أدلة القول السابق. الدليل الثاني: قول الله - سبحانه وتعالى -: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)} الماعون: (7). وجه الاستدلال: ذم - عز وجل - مانع العارية، والذم لا يكون إلا على ترك واجب أو فعل محرم، والماعون العارية، كما قاله ابن عباس وابن مسعود وأم عطية - رضي الله عنهم - وسعيد بن جبير والطبري، وقال: (وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب -إذ كان الماعون هو ما وصفنا قبل، وكان الله قد أخبر عن هؤلاء القوم، وأنهم يمنعونه الناس، خبرًا عامًا، من غير أن يخص من ذلك شيئًا- أن يقال: إن الله وصفهم بأنهم يمنعون الناس ما يتعاورونه بينهم، ويمنعون أهل الحاجة والمسكنة ما أوجب الله لهم في أموالهم من الحقوق؛ لأن كل ذلك من المنافع التي ينتفع بها الناس بعضهم من بعض) (¬2)، وكلام الطبري يشعر بأنه يرى الوجوب عند الحاجة. المناقشة: أن عليًا وابن عمر - رضي الله عنهم - والحسن وزيد بن أسلم وسعيد بن جبير ومحمد بن الحنفية والضحاك وقتادة فَسَّروا الماعون بالزكاة، كما عند الطبري. الدليل الثالث: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي حقها إلا أقعد لها يوم القيامة بقاع قرقر تطؤه ذات الظلف بظلفها وتنطحه ذات القرن بقرنها، ليس فيها يومئذ جماء ولا مكسورة القرن» قلنا: يا رسول الله وما حقها؟ قال: «إطراق فحلها وإعارة دلوها ومنيحتها وحلبها على الماء وحملٌ عليها في سبيل الله» (¬3). وجه الدلالة: أن هذا الوعيد لا يكون إلا على ترك واجبٍ، وليس لمعترض أن يحمل الحق في الحديث على الزكاة؛ لأنه لا تفسير بعد تفسير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد ذكر الإعارة في حقها، ¬

_ (¬1) رواه أبوداود، الموضع السابق (5/ 419) (ح 3566)، والنسائي في "الكبرى" (2/ 888) (ح 5744 - 5745)، وأحمد (29/ 471) (ح 17950)، وصححه ابن حبان (ح 4720) وابن الملقن، وقال ابن حزم: (هذا حديثٌ حسنٌ ليس في شيء مما روي في العارية خبرٌ يصح غيره، وأما ما سواه فلا يساوي الاشتغال به) المحلى 9/ 173، وينظر زاد المعاد 3/ 422 - 423. (¬2) تفسير الطبري 24/ 666 - 678، وسنن أبي داود (ح 1657)، وسنن البيهقي 6/ 88، والمحلى 9/ 168. (¬3) رواه مسلم، كتاب الزكاة (3/ 74) (ح 2297).

المطلب الثاني: حكم إعارة المعار

والحق هو الواجب. المناقشة: حمل الحديث على هذه الصورة، ويبقى حكم الأصل على عدم الوجوب؛ جمعًا بين الأدلة. الترجيح الراجح أن العارية مستحبة، ويعرض لها الوجوب، كما في الحالات المذكورة في القولين الآخرين؛ لأنها مقيدة بما يخرجها عن حال الأصل، لا سيما وقد قال الروياني: (وكانت واجبة أول الإسلام؛ للآية السابقة ثم نسخ وجوبها وصارت مستحبة) قال في "مغني المحتاج": (أي أصالةً) (¬1). سبب الترجيح: أن في هذا توفيقًا وجمعًا بين الأدلة. المطلب الثاني: حكم إعارة المعار. تحرير محل النزاع: اتفق العلماء على جواز إعارة المستعير للعارية إذا أذن له المعير (¬2)، وعلى عدم جواز إعارة المستعير للعارية إذا منعه المعير من ذلك (¬3)، واختلفوا في إعارة المستعير للعارية في حال الإطلاق على أقوال: القول الأول: إذا أعاره وأطلق جاز للمستعير أن يعير غيره سواء كان المعار مما يختلف باختلاف المستعمِل أو لا، وإذا قيد الإعارة بأن ينتفع المستعير بنفسه فله أن يعير إذا كان لا يختلف باختلاف المستعمل، وهو قول الحنفية (¬4). بيان هذا القول: إذا كان المعار يختلف باختلاف المستعمِل كإعارة السيارة أو الدابة ليركبها وقال للمستعير: لا يركبها غيرك فليس له أن يعير، وفي غير هذه الحالة له أن يعير. القول الثاني: يجوز إعارة المعار، وهو قول المالكية (¬5). ¬

_ (¬1) 2/ 340. (¬2) مغني المحتاج 2/ 341، نهاية المحتاج 5/ 88، المغني 7/ 348، الإنصاف 15/ 97 وقال: (محل الخلاف إذا لم يأذن المعير له، فأما إن أذن له فإنه يجوز قولًا واحدًا، وهو واضح) يحتمل قولًا واحدًا في المذهب، أما الحنفية والمالكية فالأصل عندهم جواز إعارة المعار كما سيأتي -إن شاء الله-. (¬3) درر الحكام 2/ 367 وجعلها من فروع قاعدة (لا اعتبار للدلالة في مقابلة التصريح)، مواهب الجليل 7/ 297، الفواكه الدواني 2/ 263، أما الشافعية والحنابلة فالأصل عندهم المنع من إعارة المعار كما سيأتي -إن شاء الله-. (¬4) بدائع الصنائع 6/ 340، نتائج الأفكار 7/ 106 - 107، مجمع البحرين ص 485، مجمع الضمانات 1/ 164، وقارن بالروض المربع (تحقيق المشايخ) 7/ 179، والتقييد ليس مثل التصريح بالمنع. (¬5) مواهب الجليل 7/ 297 - 298، الفواكه الدواني 2/ 263، حاشية الدسوقي 3/ 433، بلغة السالك 2/ 205، والمالكية يوافقون الجمهور فيما إذا منع المعير من الإعارة، وليس كما في تحقيق المشايخ للروض المربع: (الجواز مطلقًا).

القول الثالث: لا يجوز إعارة المعار، وهو قول الشافعية (¬1) والحنابلة (¬2) والكرخي من الحنفية (¬3). القول الرابع: للمستعير أن يعير إذا وَقَّت له المعير وقتًا وإلا فلا، وهو قولٌ للحنابلة (¬4). الأدلة: دليل الجواز مع وجود الإذن: عموم الإجماع الذي نقله ابن المنذر: (وأجمعوا كذلك لا اختلاف بينهم أن له أن يستعمل الشيء المستعار في ما أذن له أن يستعمله فيه) (¬5). ودليل المنع مع وجود المنع من المعير: عموم أدلة حرمة مال غيره. وأدلة محل النزاع هي: دليل القول الأول: إذا صدرت الإعارة مطلقة مَلَكَ المستعير ولاية الإعارة بغير تفصيل، لما سيأتي من أدلة القول الثاني، فإذا صدرت مقيَّدة بأن ينتفع بها المستعير بنفسه فلا يملك المستعير ولاية الإعارة إلا في ما لا يختلف باختلاف المستعمل؛ رفعًا لمزيد الضرر عن المعير؛ لأنه رضي باستعماله لا باستعمال غيره (¬6). أدلة القول الثاني: الدليل الأول: عن أنس - رضي الله عنه - قال: لما قدم المهاجرون المدينةَ من مكة وليس بأيديهم -يعني شيئًا- وكانت الأنصار أهل الأرض والعقار فقاسمهم الأنصار على أن يعطوهم ثمار أموالهم كل عام ويكفوهم العمل والمؤنة، وكانت أمه أم أنس أم سليم ... فكانت أعطت أم أنس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عذاقًا فأعطاهن النبي - صلى الله عليه وسلم - أم أيمن مولاته أم أسامة بن زيد (¬7). وجه الاستدلال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استعار العذاق وأعارها لأم أيمن - رضي الله عنها -، واستعارةُ ثمر النخيل تسمى عريّة، وهي في معناها، لذا قال في "الفتح": (وفي الحديث مشروعية هبة المنفعة دون الرقبة) (¬8). ¬

_ (¬1) الوسيط 3/ 367، نهاية المطلب 7/ 144، المهذب 15/ 447، حاشيتا قليوبي وعميرة 3/ 18. (¬2) المغني 7/ 347، الإنصاف 15/ 95، الروض المربع 7/ 179 - 180، كشاف القناع 9/ 218. (¬3) المبسوط 11/ 143، تحفة الفقهاء 3/ 283. (¬4) الإنصاف 15/ 97، تقرير القواعد 2/ 291. (¬5) الأوسط 11/ 353. (¬6) نتائج الأفكار 7/ 107، العناية على الهداية 7/ 107. (¬7) رواه البخاري، كتاب الهبة، باب فضل المنيحة (3/ 165) (ح 2630)، ومسلم، كتاب الجهاد والسير (5/ 162) (ح 4603). (¬8) 9/ 211.

المناقشة: أن ذلك كان بإذن المعير، وهي أم أنس - رضي الله عنها - قطعًا بدلالة الحال. الجواب: لو ثبت عندنا نص ينافي هذا الحكم لساغ لنا أن نحمل الحديث على هذا المحمل، لكن ما ذكره المانعون من حججٍ إنما هي عمومات لا تقاوم هذا الفعل المختص بمحل النزاع والدالِّ على الجواز دون ذكر للإذن أو النهي من المعير. الرد: أن القرائن معتبرة في المعاملات، وهنا قامت قرينة إذن بالإعارة، فالصحابة -رضوان الله عليهم- كانوا يخيِّرون النبي - صلى الله عليه وسلم - في أموالهم ابتداءً فكيف يترددون في الإذن بإعارته المعار؟ وعليه فمتى قامت قرينة تدل على خلاف الأصل الذي دلت عليه النصوص السابقة عُمِل بها، كمن أعدَّ مالًا للإعارة وعُلِم من حاله الإذن لكل أحد، ولو جاءه المستعير الثاني ابتداءً لأعاره. الدليل الثاني: أن العارية تمليك للمنفعة فيجوز أن يعيرها قياسًا على إجارة المستأجر. المناقشة: 1. الإجارة مِلكٌ للمنفعة من كل وجه، أما العارية فملك للاستيفاء على وجه ما أُذن له، فأشبه مَن أبيح له أكل الطعام (¬1). 2. عدم التسليم بأن العارية تمليك منافع بل هي إباحة. أدلة القول الثالث: الدليل الأول: قال الله - سبحانه وتعالى -: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} النساء: (58)، والعارية أمانة، وفي إعارتها تفريط ومنافاة لأدائها لأهلها؛ لأنه أداها لغير أهلها. الدليل الثاني: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه» (¬2)، والمال يشمل الأعيان والمنافع، ولم تطب نفس المالك هنا بإعارة ماله. الدليل الثالث: أن الناس يتفاوتون في الاستعمال، والمعير لم يرض باستعمال غير المستعير للعارية، كما أنهم يتفاوتون في الذمم. الدليل الرابع: أنه يجوز -بإجماع- أن يعير من غير أجل (¬3)، وعليه فيجوز أن يرجع في أي وقت، فدلَّ على أن المستعير لا يملك أن يعير؛ لأنه سيفوت على المعير أخذ حقه متى شاء. الدليل الخامس: قياس العكس على الإجارة، فالإجارة تمليك للمنفعة اشترط فيها الأجل فجاز للمستأجر أن يؤجر، والعارية لم يشترط فيها الأجل، فليست تمليكًا للمنفعة، وعليه فليس للمستعير أن يعير. ¬

_ (¬1) المغني 7/ 347 - 348. (¬2) سبق تخريجه ص 176. (¬3) بدائع الصنائع 6/ 339.

المناقشة: أن بيان الأجل في الإجارة للتحرُّز من الجهالة المفضية إلى المنازعة، ولا يَرِدُ ذلك في العارية؛ لأنها عقد جائز غير لازم (¬1). الجواب: أن قياس العكس يقتضي التنافي في العلة، وليس الاشتراك فيها، وما ذُكر من التفريق بينهما يلزم منه اختلاف حكم الإجارة عن العارية، وهو المطلوب إثباته. الدليل السادس: أن العارية إباحة منافع، وليست تمليكًا، فلم يجز أن يبيحها غيره قياسًا على إباحة الطعام، والحنفية يوافقون في حكم الأصل (¬2). المناقشة: أن في هذا الدليل مصادرةً بالمطلوب، فإن منشأ الخلاف في حقيقة العارية، والحنفية والمالكية يرون العارية تمليك منافع. الدليل السابع: أن في إعارتها تعريضًا لها للتلف أو النقص. الدليل الثامن: أن المعير لم ينقطع حقه في العارية، فلو جاز للمستعير أن يعير لتضرر المعير بذلك، ولا ضرر ولا ضرار. الدليل التاسع: قياسًا على منع المستعير من الإجارة، والحنفية يوافقون على حكم الأصل. دليل القول الرابع: يمكن أن يستدل له بالجمع بين الدليل الرابع للقول الثالث وأدلة الجواز؛ فإذا وقت المعير وقتًا فجاز له أن يعير سواء قلنا: مَلَك المنفعة فيها أو أبيحت له، وإذا لم يوقّت فللمعير أن يرجع متى شاء فليس له أن يعير. منشأ الخلاف: يرجع الخلاف في هذه المسألة إلى حقيقة العارية، وفيها قولان: القول الأول: أنها تمليك للمنافع، وهو مذهب الحنفية (¬3) والمالكية (¬4). القول الثاني: أنها إباحة للمنافع (¬5)، وهو مذهب الشافعية (¬6) والحنابلة (¬7) والكرخي من الحنفية (¬8) وابن حزم (¬9). ¬

_ (¬1) بدائع الصنائع 6/ 339. (¬2) ينظر: المغني 7/ 347، تكملة المجموع 15/ 449. (¬3) خلاصة الدلائل 1/ 562، اللباب 3/ 498. (¬4) مواهب الجليل 7/ 297، الفواكه الدواني 2/ 263. (¬5) وفي معناها: أن العارية هبة منافع. الإنصاف 15/ 65. (¬6) مغني المحتاج 2/ 340، كفاية الأخيار ص 334. (¬7) الشرح الكبير 15/ 63، الروض المربع 7/ 166. (¬8) المبسوط 11/ 143، تحفة الفقهاء 3/ 283. (¬9) المحلى 9/ 168.

فمن قال إنها إباحة منافع منع المستعير من الإعارة بلا إذن أو كان ذلك لازم قوله، ومن قال إنها تمليك أجاز الإعارة للمستعير. وإن كان يَرِد عليه التفريق بين تمليك المنفعة وتمليك الانتفاع (¬1). الأدلة: دليل القول الأول: أن المعير سلّط المستعير على تحصيل المنافع وصرفها إلى نفسه على وجه زالت يده عنها، والتسليط على هذا الوجه يكون تمليكًا لا إباحة كما في الأعيان (¬2). المناقشة: اليد الحكمية للمعير باقية على العارية بدليل ملك استرجاعها وتعلق حقه بالعين؛ لأنه إنما أعطى المنفعة. أدلة القول الثاني: الدليل الأول: أنها تبرعٌ لم يتصل به القبض فلا يملك به الإعارة كالهبة. الدليل الثاني: أن المستعير لو ملك بالإعارة ذلك لملك الاعتياض عنها كالمشتري والموهوب (¬3). الترجيح الراجح أن العارية إباحة، وأن المستعير ليس له أن يعير إذا أطلق له المعير الإعارة. سبب الترجيح: 1. الأدلة المذكورة. 2. البقاء على الأصل، وهو حرمة مال غيره واحترامه، وحفظه من التصرف غير المأذون فيه. 3. أن في ذلك تحقيقًا لمصلحة الشارع في سد باب الخصومات، وحفاظًا على مبدأ الإحسان والبذل؛ لأن جواز إعارة المعار يجعل أرباب العواري يمتنعون عن العارية خشية ضياعها أو تلفها أو نقصها ونحو ذلك. تنبيه: إذا أعار المعير فتلفت العارية عند المستعير الثاني فاختلف العلماء في ضمان العارية (¬4). ¬

_ (¬1) الفروق للقرافي، الفرق الثلاثون 1/ 323، حاشية الدسوقي 3/ 433، بدائع الفوائد 1/ 4 - 5، تقرير القواعد، قاعدة 86 (2/ 283)، المدخل الفقهي العام 1/ 373. (¬2) بدائع الصنائع 6/ 339. (¬3) تكملة المجموع (الاستقصاء للماراني) 15/ 449. (¬4) مجمع الضمانات 1/ 164، الأوسط 11/ 365، المغني 7/ 347.

المبحث الخامس: إيداع الوديعة

المبحث الخامس: إيداع الوديعة، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الإيداع وحكمه. تعريف الإيداع الإيداع في اللغة: مصدر أودع يُودِع، واسم الشيء المودَع وديعة: فَعِيلة بمعنى مفعولة، من الوَدْع، وهو الترك والتخلية والسكون؛ لأنها متروكة عند المودَع (¬1). والإيداع في الاصطلاح: 1 - عند الحنفية: تسليط الغير على حفظ ماله (¬2). 2 - عند المالكية: توكيل بحفظ مال (¬3). 3 - عند الشافعية: العقد المقتضي للاستحفاظ (¬4). 4 - عند الحنابلة: توكيل في الحفظ تبرعًا (¬5). ومن الفقهاء من عرف الإيداع بالوديعة والعكس. حكم الإيداع الإيداع جائز بالإجماع (¬6)، أما الاستيداع -قَبول الوديعة لحفظها- ففيها أقوال: القول الأول: أنه مندوب، وهو مذهب الحنفية (¬7). القول الثاني: أنه مباح، وهو مذهب المالكية (¬8). القول الثالث: التفصيل، فإن كان يعجز عن حفظها ولا يثق بأمانة نفسه فلا يجوز له قبولها، وإن كان أمينًا قادرًا وليس غيره ممن يقوم مقامه تعيَّن عليه قَبولها، وإن كان أمينًا قادرًا ويوجد غيره من الأمناء فهو مندوب إليه، وهو مذهب الشافعية (¬9). ¬

_ (¬1) مقاييس اللغة، مادة ودع 6/ 96، تهذيب اللغة، مادة ودع 4/ 3858، المطلع ص 337، المصباح المنير، مادة ودع ص 536. (¬2) اللباب 3/ 489، وينظر در المنتقى 2/ 337، وفي دخول (ال) على (غير) تجوز؛ لأن الموغل في التنكير لا يعرَّف، وكذا (كل) و (بعض)، فهذه الثلاثة موغلة في التنكير. (¬3) حاشية الدسوقي 3/ 419. (¬4) نهاية المحتاج 6/ 109، وأشار الجويني لخلاف الشافعية في اعتبار الوديعة عقدًا. نهاية المطلب 11/ 375. (¬5) هداية الراغب 3/ 83. (¬6) مجمع الأنهر 2/ 338، الذخيرة 9/ 138، الفواكه الدواني 2/ 265، نهاية المطلب 1/ 375، المغني 9/ 256، كشاف القناع 9/ 402، وقد يعرض لها الوجوب كمن خاف فقد المال إلم يودعه. مواهب الجليل 7/ 269. (¬7) حاشية الطحطاوي 3/ 375. (¬8) مواهب الجليل 7/ 269. (¬9) الحاوي الكبير 8/ 356.

المطلب الثاني: حكم إيداع الوديعة

القول الرابع: أنه مندوب لمن علم من نفسه الأمانة ومكروه لغيره، وهو مذهب الحنابلة (¬1). أدلة مشروعية الوديعة (¬2) وجوازها: قول الله - سبحانه وتعالى -: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} النساء: (58)، وقوله - عز وجل -: ... {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} البقرة: (283)، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان» (¬3)، وقال -عليه الصلاة والسلام-: «أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك» (¬4)، فيلزم من الأمر بالأداء جواز الإيداع والاستيداع. المطلب الثاني: حكم إيداع الوديعة. صورة المسألة: إذا أودعت زيدًا وديعة ليحفظها، فهل يجوز له أن يدفعها لغيره وديعة ليحفظها؟ تحرير محل النزاع: أولًا: إذا أودعها عند من يحفظ ماله في العادة، كخادمه وزوجته، فإن هذا لا يدخل في الإيداع حقيقةً، وإنما يسمى إيداعًا تجوزًا، وإنما هو حفظٌ بالعقد الأول، وقد أجازه جمهور العلماء إذا لم يمنعه المودِع من ذلك وكان من يحفظ ماله أمينًا (¬5)، خلافًا للشافعية (¬6). ثانيًا: إذا دفعها لمن يحفظ مال المودِع عادةً فإن هذا لا يدخل في الإيداع أصلًا، ولكن قد يشتبه به، بل هو من الرد فإذا كان مَن دفعه إليه أمينًا ولم يمنعه المودِع من ذلك فهو جائز عند ¬

_ (¬1) كشاف القناع 9/ 403. (¬2) ليشمل الإيداع والاستيداع. (¬3) رواه البخاري، كتاب الإيمان، باب علامة المنافق (1/ 16) (ح 33)، ومسلم، كتاب الإيمان (1/ 56) (ح 211). (¬4) رواه أبوداود، كتاب البيوع، باب في الرجل يأخذ حقه من تحت يده (5/ 393 - 395) (ح 3534 - 3535)، والترمذي، أبواب البيوع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، باب، (2/ 542 - 543) (ح 1264)، وأحمد (24/ 150) (ح 15424)، وقال الشافعي: (هذا الحديث ليس بثابت عند أهل الحديث) سنن البيهقي 10/ 271 وقال أحمد: (هذا حديث باطل، لا أعرفه من وجه يصح) العلل المتناهية لابن الجوزي (ح 973)، وبيَّن طرقه وعللها وقال: (هذا الحديث من جميع طرقه لا يصح)، وأنكره أبو حاتم في "العلل" (3/ 594 مسألة 1114)، وقال الترمذي: (حسن غريب)، وقال السخاوي: (أعل ابن حزم حديث أبي هريرة وكذا ابن القطان والبيهقي ... وقال ابن ماجه: (وله طرق ستة كلها ضعيفة) قلت: لكن بانضمامها يقوى الحديث) المقاصد الحسنة ص 51، وصححه الحاكم (2/ 46) وابن السكن، كما في "التلخيص الحبير" 5/ 2085، وصححه الألباني. الإرواء 5/ 381، السلسلة الصحيحة ح 423. (¬5) خلاصة الدلائل 1/ 556، بداية المجتهد مع الهداية 8/ 153، المغني 9/ 260. (¬6) الوجيز 1/ 463 - 464، حاشية البيجوري 2/ 118.

جمهور العلماء (¬1). ثالثًا: إذا أودعها عند غير من يحفظ ماله أو مال المودِع في العادة، وهو ما يسميه الفقهاء الإيداع عند الحاكم أو نائبه أو الأجنبي ففيه حالتان: الحالة الأولى: أن يكون إيداع الوديعة لغير عذر، وفيها أقوال: القول الأول: ليس للمودَع أن يودِع لغير عذر (¬2)، وهو مذهب الحنفية (¬3) والمالكية (¬4) والشافعية (¬5) والحنابلة (¬6)، وأجازه بعضهم بإذن المودِع (¬7). القول الثاني: يجوز للمودَع أن يودع مطلقًا، وهو قول ابن أبي ليلى (¬8) وتخريج في مذهب الحنابلة (¬9). القول الثالث: يجوز إيداعها للحاكم مع الإقامة وعدم العذر، وهو قول للحنابلة (¬10). الأدلة: أدلة القول الأول: الدليل الأول: أن المودِع أَمَرَه أن يحفظها بنفسه بمقتضى الإيداع، ولم يرض بغيره، ولا يجوز التصرف في مال غيره إلا بإذنه أو قرينة على إذنه. الدليل الثاني: القياس على ما لو نهاه عن إيداعها، بجامع مخالفة المودِع. المناقشة: ليس في إيداع الوديعة مخالفة للإيداع المطلق، فيوجد فرقٌ مؤثرٌ بين مخالفة نهيه ومخالفة الإيداع المطلق. الجواب: دل الأصل المستقر في العرف ومقتضى القرائن على أن التصرف في الوديعة بإيداعها مخالفة للمقصود من الإيداع، وهو الحفظ، كما لو استعملها أو نقلها. الدليل الثالث: تفاوت الذمم، وتقدير الأمانات راجع لاجتهاد المودع، وقد لا يرضى أن ¬

_ (¬1) بدائع الصنائع 6/ 328، مجمع الضمانات 1/ 211، الذخيرة 9/ 162، الإنصاف 16/ 27. (¬2) وهذا يفيد المنع، وظاهره التحريم، والله أعلم. (¬3) المبسوط 11/ 122، بدائع الصنائع 6/ 328، الاختيار 3/ 26. (¬4) المدونة 6/ 26 - 27، بداية المجتهد 8/ 153، الفواكه الدواني 2/ 267. (¬5) نصّ الشافعية على أنه يضمن، وهذا يدل على المنع. المهذب 15/ 393،384، نهاية المطلب 11/ 376 - 380، 394، كفاية الأخيار ص 383. (¬6) الإنصاف 16/ 27 - 28، الروض المربع 7/ 318، شرح منتهى الإرادات 4/ 240. (¬7) نهاية المحتاج 6/ 113، ولا ينبغي أن يختلف فيه. (¬8) المبسوط 11/ 122، وقد نصّ ابن أبي ليلى أنه لا ضمان عليه، فيما نُقل عنه. الإشراف 6/ 331 - 332، المغني 9/ 259. (¬9) الفروع 7/ 213، الإنصاف 16/ 27، وذكر في الإنصاف أنه أعم من القول التالي. (¬10) الإنصاف 16/ 28.

يطلع على ماله غير مَن أودعه. الدليل الرابع: القياس على ما لو أودعه دابةً فركبها أو ثوبًا فلبسه أو كيسًا مشدودًا أو صندوقًا ففتحه، فإنه يضمنه بذلك لتعديه، فكذا إذا أودعها (¬1). أدلة الأقوال الأخرى: الدليل الأول: أن المطلوب من المودَع إحراز الوديعة وحفظها، وقد أحرزها عند غيره وحفظها. المناقشة: لم تطب نفس المودِع بأن يحفظها عند غيره، والذمم تتفاوت. الدليل الثاني: أنه يحفظ مالَ نفسِه بإيداعه، فإذا أودع الوديعة فقد حفظها بما يحفظ به مال نفسه، فجاز كما لو حفظها في حرز نفسه. المناقشة: يرد عليه ما ورد على الدليل السابق. الترجيح الراجح أنه ليس للمودَع أن يودع الحاكم أو الأجنبي لغير عذر. سبب الترجيح: ما ذكر من أدلة مع مناقشة غيرها. الحالة الثانية: أن يكون إيداع الوديعة لعذر كغرق أو حرق أو سفر، وفيها أقوال: القول الأول: يجوز إيداع الوديعة مطلقًا إذا كان لعذر، وهو مذهب الحنفية (¬2) والمالكية (¬3). القول الثاني: إن قدر على ردها لصاحبها أو وكيله المأمون فليس له أن يودعها، وإلا أودعها الحاكم (القاضي)، وإلا أودعها ثقة، وهو مذهب الشافعية (¬4) والحنابلة (¬5). القول الثالث: إلم يقدر على ردها لصاحبها أو وكيله المأمون أودعها حاكمًا أو ثقة، وهو قول للحنابلة (¬6). القول الرابع: لا يجوز إيداع الوديعة مطلقًا، وهو قول للحنابلة (¬7). القول الخامس: يراعي الأصلح في دفعها إلى الحاكم أو الثقة فإن استوى الأمران فالحاكم، ¬

_ (¬1) المقنع مع الشرح الكبير 16/ 36 - 39. (¬2) بدائع الصنائع 6/ 328، وذكر بعضهم نفي الضمان عند العذر وهو مستلزم للجواز. مجمع الضمانات 1/ 212، العناية 7/ 91، واستثنوا السفر فلم يعتبروه عذرًا. بدائع الصنائع. (¬3) بداية المجتهد 8/ 153، الفواكه الدواني 2/ 267، ونص آخرون على نفي الضمان. البيان والتحصيل 15/ 287. (¬4) كفاية الأخيار ص 383 - 384، وينظر: المهذب 15/ 384، الحاوي الكبير 8/ 358 - 360. (¬5) المغني 9/ 260، فتح الملك العزيز بشرح الوجيز 4/ 276، كشاف القناع 9/ 417. (¬6) المغني 9/ 261، الإنصاف 16/ 33. (¬7) الإنصاف 16/ 33.

وهو اختيار المرداوي الحنبلي (¬1). الأدلة: دليل القول الأول: أن إيداع الوديعة في حال العذر تعيَّنّ طريقًا لحفظها، والمقصود من الإيداع هو الحفظ، قال في "بداية المجتهد": (وبالجملة فعند الجميع أنه يجب عليه أن يحفظها مما جرت به عادة الناس أن تحفظ أموالهم، فما كان بيِّنًا من ذلك أنه حفظ اتفق عليه، وما كان غير بيّن أنه حفظ اختلف فيه) (¬2)، وبهذا يظهر وجه استثناء من استثنى السفر من الأعذار، وأنه النظر للعرف والمعتاد. المناقشة: 1. عدم التسليم أن الإيداع تعين طريقًا للحفظ على كل حال، فإن صاحبها إذا كان موجودًا أو من يقوم مقامه فردُّ الوديعة أولى من إيداعها ما أمكن، وإلا فما ذكرتموه صحيح. 2. القول بموجَب العلة المذكورة، وهي الجري مع المعتاد، فإن المتقرر في جميع الأعراف بل وفي الشرع أن حفظ الوديعة بردِّها أولى من حفظها بإيداعها وتعريضها لمزيد من الخطر المحتمل. وأظنّهم لا يخالفون في ذلك، وهو من باب (ويحمل إطلاقهم عليه)؛ للعلم بأنه مرادٌ لهم (¬3). دليل القول الثاني: دليل عدم جواز إيداعها مع وجود مالكها أو نائبه: أن دفعها إلى غير مالكها بغير إذنه من غير عذر في دفعها لغير المالك لا يجوز قياسًا على إيداعها من غير عذر أصلًا، ودليل دفعها إلى الحاكم إلم يقدر على ردها لمالكه أو نائبه أنه متبرع بإمساكها فلا يلزمه استدامته، والحاكم يقوم مقام صاحبها عند غيبته بحكم الولاية العامة، ودليل دفعها لأجنبي إن تعذر عليه دفعها للحاكم ما ذكره أصحاب القول الأول، أن الإيداع تعين حينئذٍ طريقًا لحفظها، وقد تعين هنا بالفعل. دليل القول الثالث: أن إيداعها للأجنبي قد يكون أحفظ للوديعة وأحب إلى صاحبها من رفعها إلى السلطان، خاصة إذا كان جائرًا. دليل القول الرابع: أنه دَفَع الوديعة إلى غير مالكها بغير إذنه، ولم يرض مالكها بغيره في حفظها، فتبقى عنده ولو تلفت بالعذر؛ لأنه أمينٌ، ولم يفرط ولم يتعد. ¬

_ (¬1) الإنصاف 16/ 33، والظاهر أن مراده: إذا لم يقدر على ردها لصاحبها أو وكيله. (¬2) 8/ 153، وينظر نهاية المطلب 11/ 382، 388 - 389. (¬3) ينظر مثلا: الإنصاف 26/ 403.

المناقشة: إذا لم يودعها حال الخطر فقد فرط في الحفظ؛ لأن العبرة بالمقصود لا بالألفاظ، بل لو نهاه مالكها عن إيداعها -وكان إيداعها متعينًا لحفظها- لوجب عليه أن يودعها، قال في "نهاية المطلب": (وليعلم الناظر أن كل حكم يُتلقى من لفظٍ في تعامل الخلق، وللناس في ذلك القبيل من التعامل عرف فلن يحيط بِسِرِّ ذلك الحكم من لم يحط بمجاري العرف، فإن الألفاظ المطلقة في كل صنف من المعاملة محمولة من أهلها على العرف فيها، فإذًا إذا قال: احفظ الوديعة في هذا البيت، ولا تنقله منه. فالعرف يقتضي حمل هذا القول على تعيين مقدار الإحراز بالبيت المعين، فإن فُرضت ضرورة فهي خارجة عرفًا عن موجَب القول، فإن العاقل لا يحتكم على المستحفِظ المتبرع بما يؤدي إلى إتلاف مِلكه، فهذه التقييدات لا يفهم منها في الإيداع تعريض الوديعة للتلف، وكذلك لو كانت الضرورة في نفس المؤتمن فلا يفهم أرباب العقول من قول المالك التماسَه من المودَع تعريض نفسه للهلاك أو ما في معناه لمكان وديعته ... ولا يتمارى في هذا ذو لب) (¬1). دليل القول الخامس: هو الجمع بين دليل القول الثاني والثالث مع إعمال القاعدة الفقهية العامة في اعتبار المصالح وتكميلها وتقديم الأعلى منها عند التزاحم. الترجيح الراجح أن المودَع إذا قدر على رد الوديعة لصاحبها أو وكيله المأمون حال العذر فليس له أن يودعها، وإذا لم يقدر يفعل الأصلح من إيداعها للحاكم (القاضي) أو الأجنبي إذا تعين الإيداع لحفظها، ويشترط في المودع الثاني الأمانة (¬2). أسباب الترجيح: 1. ما سبق من أدلة ذلك ومناقشة ما عداها. 2. أن في ذلك جمعًا بين مصلحة المودِع في حفظ وديعته ومصلحة المودَع في دفع الضرر عنه، والمصلحة العامة باستمرار الإيداع بين الناس وعدم الإحجام عنه خوف العوارض المانعة من الحفظ. ¬

_ (¬1) 11/ 388 - 389، ينظر: مجموع الفتاوى 31/ 143 - 159، إعلام الموقعين 3/ 209 - 210، 4/ 316 - 318، فائدة: إذن كتبت بالتنوين في "نهاية المطلب"، وهو قول نُسب للمازني، وذهب الفراء إلى أنها إن عملت كُتبت بالنون وإلم تعمل كتبت بالتنوين، وقيل عكسه، والأكثرون على أنها بالنون مطلقًا، إلا في القرآن الكريم؛ لأنها حرف عند الجمهور، مثل أن ولن، والتنوين لا يدخل على الحروف، ونونها جزء الكلمة، وللفرق بينها وبين إذا الظرفية. رصف المباني ص 155، المحكم 10/ 99. (¬2) مجمع الضمانات 1/ 210، درر الحكام 2/ 277، مع ما سبق من المراجع فكلهم يذكرون أن يودع (أمينًا) أو (ثقةً) ونحوهما، والمراد حسب الحال والمستطاع.

3. أن فيه توسطًا بين القول المجيز للإيداع مطلقًا والمانع منه مطلقًا، وأخذًا بما عند كلٍّ منهما من أوجه الصواب وطرحًا لأوجه الخطأ. تنبيه: اختلف العلماء في ضمان الوديعة إذا تلفت عند المودَع الثاني (¬1). ¬

_ (¬1) تحفة الفقهاء 3/ 276، خلاصة الدلائل 1/ 557، مجمع الأنهر 2/ 343، حاشية الدسوقي 3/ 423، الأوسط 11/ 310، حاشيتا قليوبي وعميرة 3/ 182، المغني 9/ 259 - 262، الروض المربع 7/ 319.

المبحث السادس: وقف الوقف

المبحث السادس: وقف الوقف، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الوقف وحكمه. تعريف الوقف الوقف في اللغة السكون والمكث، قال في "مقاييس اللغة": (الواو والقاف والفاء أصلٌ واحدٌ يدل على تمكّث في الشيء) (¬1) يقال: وَقَفَ الدار: حَبَسه، كأوقفه، وهي لغة رديئة (¬2). الوقف في الاصطلاح: 1 - عند الحنفية: حبس العين عن التمليك مع التصدُّق بمنفعتها (¬3). 2 - عند المالكية: جعل منفعةِ مملوكٍ -ولو بأجرة- أو غلَّته لمستحق بصيغة مدة ما يراه المحبِّس (¬4). 3 - عند الشافعية: حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح موجود (¬5). 4 - عند الحنابلة: تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة على بِرٍّ أو قُربة (¬6). حكم الوقف الوقف مندوب بالكتاب والسنة والإجماع. قال - سبحانه وتعالى -: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} يس: (12)، مما قيل في آثارهم: ما أثروا من سنة حسنة أو سيئة يعمل بها بعدهم (¬7). وعن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أصاب أرضًا بخيبر فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستأمره فيها فقال: يا رسول الله إني أصبت أرضًا بخيبر لم أصب مالًا قطُّ أنفس عندي منه، فما تأمر به؟ قال: «إن شئت حبَّست أصلها وتصدقت بها» قال: فتصدق بها عمر أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وتصدق بها في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متموِّل (¬8). ¬

_ (¬1) مادة وقف 6/ 135. (¬2) المصباح المنير، مادة وقف، ص 549، القاموس المحيط، مادة وقف، ص 860. (¬3) التعريفات ص 248، الاختيار 3/ 40. (¬4) الشرح الصغير 2/ 296 - 297 مع حاشيته للصاوي (بلغة السالك). (¬5) نهاية المحتاج 5/ 255. (¬6) الروض المربع 7/ 432، واختاره د. سالم بن ناصر الراكان. استثمار الوقف ص 41،39. (¬7) زاد المسير 7/ 9. (¬8) رواه البخاري، كتاب الشروط، باب الشروط في الوقف (3/ 198 - 199) (ح 2737)، ومسلم، كتاب الوصية (5/ 73 - 74) (ح 4224).

المطلب الثاني: حكم وقف الوقف من قبل الموقوف عليه

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له» (¬1) والصدقة الجارية المستمرة، وهي الوقف، ونقل غير واحدٍ الإجماع على مشروعيته (¬2). المطلب الثاني: حكم وقف الوقف من قِبل الموقوف عليه (¬3). صورة المسألة: إذا وقف فهد عقارَه على أخيه سعد، فهل يحق لسعد أن يقف هذا العقار الموقوف عليه على المساكين أو على أخيه خالدٍ؟ فالوقف الأول لابد أن يكون على معيَّن يملك، كسعدٍ في المثال المذكور، والثاني قد يكون على جهةٍ أو على معين. الحكم: لم ينص العلماء -فيما أعلم- على حكم هذه المسألة؛ لذا أذكر الاحتمالات فيها تخريجًا على قولهم فيمن ينتقل إليه مِلك الوقف (¬4). تحرير محل النزاع المخرَّج: إذا كان الوقف على جهة لا يتصور فيها الملك -سواء قيل باشتراط كونها جهة قربة أو لا- فإن الوقف يكون حقًّا لله - سبحانه وتعالى - ولا يملكه أحدٌ من الناس بالاتفاق (¬5)، وعليه فلا يمكن إعادة وقفه، وإذا كان على معين يملك ففيه احتمالان: ¬

_ (¬1) رواه مسلم، كتاب الوصية (5/ 73) (ح 4223) من حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، وكثر عزو الحديث له بلفظ: (إذا مات ابن آدم) فقد تكون نسخة. (¬2) الجامع الكبير للترمذي 3/ 53 (عند ح 1375)، نهاية المطلب 8/ 339، المغني 8/ 185 - 186، حاشية البيجوري 2/ 77، يُلاحظ أن الإجماع والاختلاف المشار إليهما في "مراتب الإجماع" لابن حزم ص 173، و"المفهم" للقرطبي 4/ 600 - 601، و"تحفة الفقهاء" للسمرقندي 3/ 647 إنما هو في ما يصح وقفه وما لا يصح وقفه، ولزوم الوقف وعدمه، وليس في حكم الوقف أصالةً. كما يلاحظ أن ما ذُكر من خلاف شريح في مشروعية الوقف مسبوق بإجماع من قبله؛ لذا ردّ عليه مالك والشافعي وغيرهما، وأن ما ذُكر في عددٍ من المصنفات عن أبي حنيفة مثل ذلك لا يصح؛ لأنه لا يخالف في المشروعية إنما في اللزوم. المبسوط 12/ 34، بدائع الصنائع 6/ 346، الموافقات 5/ 86، سير أعلام النبلاء 8/ 109، وردُّ الأئمة على شريح في "الأم" 4/ 52 وما بعدها، و"التاج والإكليل" 7/ 626. (¬3) وقف الوقف إضافة تحتمل معنيين: وقف الواقف للوقف، وهو مبني على لزوم الوقف، فمن قال بلزومه -وهم جمهور العلماء- يمنع الواقف من الرجوع فيه، وعليه فإنه لا يملك أن يقف ما وقفه، ونصَّ على ذلك بعض المالكية -كما سأشير إليه إن شاء الله-، ومن قال بعدم لزومه -وهو قول أبي حنيفة- لم يمنعه من الرجوع ومِن ثَم له أن يقفه على غيره بعد الرجوع، ومحل البحث المعنى الثاني، وهو وقف الموقوف عليه للوقف، من إضافة المصدر إلى اسم المفعول. وقول القائل: (من قِبَل كذا) استعمال فصيح، وارد في السنة وفي كلام التابعين والعلماء كافة. (¬4) وقد ذكر ابن رجب اثنتي عشرة فائدة مبنية على هذه المسألة في قواعده (3/ 359 - 365) مثل زكاة الوقف ونفقة الوقف وولاية الأمة الموقوفة، ويمكن إضافة هذه الفائدة إليها. (¬5) مجموع الفتاوى 31/ 233: (وأما المسجد ونحوه فليس ملكًا لمعين باتفاق المسلمين، وإنما يقال: هو ملك لله. وقد يقال: هو ملك لجماعة المسلمين).

الاحتمال الأول: لا يملك الموقوف عليه أن يقف، وهو مذهب المالكية تخريجًا على قولهم إن مِلك الواقف لا يزول بالوقف (¬1)، وهو قولٌ للشافعي (¬2)، وهو مذهب الحنفية والشافعية تخريجًا على قولهم إن مِلك الواقف يزول عن الوقف ويكون حقًا لله - سبحانه وتعالى - (¬3)، وكلاهما قول لأحمد (¬4). الاحتمال الثاني: يملك الموقوف عليه أن يقف، وهو مذهب الحنابلة تخريجًا على قولهم إن مِلك الوقف ينتقل إلى الموقوف عليه (¬5)، وهو قولٌ للشافعي (¬6). الأدلة: أدلة الاحتمال الأول: الدليل الأول: قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن شئت حبَّست أصلها وتصدقت بها» (¬7). وجه الاستدلال: أن التحبيس: المكث والسكون، فأصلها ثابت لم ينتقل عما كان عليه، وعليه فليس للموقوف ما يحبسه أصلًا. المناقشة: 1. المراد بالحديث الحبس عن التصرف المؤثر، فلا يباع ولا يوهب ولا يورث، وليس أن يكون مملوكًا للواقف، بدليل أنه لا يرجع فيه ولا يتصرف فيه بما ينافي الوقف، فمن حُبِّس عليه يجوز له أن يحبس المنفعة على غيره بما لا ينافي الوقف أيضًا. 2. أن الثمرة انتقلت للموقوف عليه باتفاقٍ فملكها، فكان له أن يقفها كما يجوز له أن يأكلها أو يعيرها أو غير ذلك. الدليل الثاني: أن الوقف إزالةُ مِلكٍ عن العين والمنفعة على وجه القربة فينتقل إلى الله - عز وجل - ¬

_ (¬1) الذخيرة 6/ 327، مواهب الجليل 7/ 626، بلغة السالك 1/ 229، وجاء في "الشرح الصغير" (2/ 297 مع حاشيته للصاوي): (وما تعلق به الحبس لا يحبس) ونسبه للخرشي، وهو يفيد المنع وصياغته صياغة قاعدة، لكنه لم يقصد بها مسألتنا وإنما وردت في ثنايا كلامه. (¬2) نهاية المطلب 8/ 341. (¬3) بدائع الصنائع 6/ 350 قال: (يزول الموقوف عن مِلك الواقف، ولا يدخل في مِلك الموقوف عليه، ولكنه ينتفع بغلته)، فتح القدير 5/ 40، مجمع البحرين ص 468 - 469، نهاية المطلب 8/ 341، مغني المحتاج 2/ 502، نهاية المحتاج 5/ 275، وقد نصّوا على أن المالك حقيقةً لكل شيء هو الله - سبحانه وتعالى -، وإنما سمي العبد مالكًا توسعًا، كما في "فتح القدير" و"مغني المحتاج" و"نهاية المحتاج". (¬4) المغني 8/ 186 - 189. (¬5) المغني 8/ 186 - 189، الفروع 7/ 343، كشاف القناع 10/ 34، تقرير القواعد 3/ 359، وقد لا يلزمهم ذلك؛ لأن مِلك الموقوف عليه للوقف ليس تامًّا، فلهم أن يقولوا: ينتقل الملك للموقوف عليه ولا يملك بيعه ولا هبته ولا وقفه. (¬6) نهاية المطلب 8/ 341، المهذب 17/ 203. (¬7) سبق تخريجه ص 203.

قياسًا على العتق، فلم يبق في يد الموقوف عليه ما يقفه. المناقشة: 1. أن العتيق قد خرج بالعتق عن المالية بخلاف الموقوف. 2. أن امتناع التصرف في الرقبة لا يمنع الملك، كأم الولد. الدليل الثالث: أن الوقف على مَن لا يملك كالمساجد والقناطر وسائر القُرب لا ينتقل فيها الملك للموقوف عليه، فكذلك من يملك؛ لأنه أحد نوعي الوقف. المناقشة: الوقف على المساجد ونحوها وقف على المسلمين إلا أنه عُيّن في نفعٍ خاص بحيث لا يمكن أن يصرف لغيره، وليس كذلك الوقف على المعين. الدليل الرابع: أن وقف الوقف يلزم منه مخالفة شرط الواقف الأول، فإذا قال: هذا وقف على زيد ثم على المساكين، وجاز لزيد أن يقفه فإنه سيمنع المساكين حقهم ويخالف مقصود الواقف الأصلي. المناقشة: ليس كل وقفٍ فيه شرط يلزم مخالفته، ومتى وُجد فيشترط في الوقف الثاني ألا ينافيه. الجواب: أنه إذا وقفه على غيره فقد خالف الشرط شاء أم أبى؛ لأن الواقف وقفه على معين لا على غيره. أدلة الاحتمال الثاني: الدليل الأول: عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: حملت على فرس في سبيل الله، فأضاعه الذي كان عنده، فأردت أن أشتريه منه وظننت أنه بائعه برخص، فسألت عن ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم واحد، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه»، رواه البخاري، كتاب الهبة، باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته (3/ 164) (ح 2623)، ومسلم (5/ 63) (ح 4164)، قال ابن قدامة: (وهذا يدل على أنه ملكه، لولا ذلك ما باعه) المغني 13/ 43، فإذا جاز له أن يبيعه بإقرار النبي - صلى الله عليه وسلم -، جاز له أن يوقفه. الدليل الثاني: حديث أنس أن أبا طلحة - رضي الله عنهما - تصدق بحديقته بيرحاء على ذوي رحمه، قال: (وكان منهم أبيّ وحسّان، قال: وباع حسان حصته منه من معاوية، فقيل له: تبيعُ صدقةَ أبي طلحة؟ فقال: ألا أبيع صاعًا من تمر بصاع من دراهم؟) (¬1). ¬

_ (¬1) رواه البخاري، كتاب الوصايا، باب مَن تصدّق إلى وكيله ثم رَدَّ الوكيل إليه (4/ 8) (ح 2758)، وأصله دون محل الشاهد عند مسلم، كتاب الزكاة (3/ 79) (ح 2315). ودخول الباء على المبدل المتروك خلاف اللغة المشهورة.

وجه الدلالة: أن حسَّان - رضي الله عنه - موقوف عليه، وقد باع نصيبه من الوقف، فإذا جاز بيعه جاز وقفه، ويدلّ على أن صدقة بيرحاء كانت وقفًا إنكارُ مَن أنكر عليه بيعه لها، وفهمُ العلماء ذلك، ومنهم البخاري، حيث قال: (باب إذا أوقف أو أوصى لأقاربه، ومَن الأقارب؟ وقال ثابت عن أنس: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي طلحة: «اجعله لفقراء أقاربك» فجعلها لحسان وأبيّ بن كعب) (¬1). المناقشة: 1. أن هذا فعلٌ لم يقرّه عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه كان بعد وفاته، ولم يوافقه عليه الصحابة (¬2). 2. أن بيع حسان - رضي الله عنه - يدل على أن أبا طلحة - رضي الله عنه - ملَّكهم الحديقة، ولم يجعلها وقفًا عليهم، وهذا يعكِّر على من استدل بشيءٍ من الحديث في مسائل الوقف، إلا شيئًا يتفق فيه الوقف والصدقة، ويحتمل أن أبا طلحة شرط جواز البيع لمن احتاج، وقد أجاز بعض العلماء هذا الشرط (¬3). الدليل الثالث: أن الوقف سبب يزيل مِلك الواقف، وقد وُجد إلى من يصح تمليكه على وجه لم يُخرِج المال عن ماليته، فوجب أن يَنقل الملك إليه كالهبة والبيع، فإذا ملكه من انتقل إليه جاز أن يقفه. المناقشة: هذا يلزم الحنفي والشافعي، أما المالكي فلا يوافق على المقدمة الأولى المفيدة زوال ملك الواقف. الدليل الرابع: أن الوقف والحبس راجع للأصل، والثمرة طَلْقٌ، والمِلك فيها تامٌّ، للموقوف عليه التصرف فيها بجميع التصرفات وتورث عنه، فيجوز له أن يقفها، قياسًا على ثمرة الأرض المستأجرة. الترجيح أولًا تصوُّر وقوع المسألة مبني على جوازه عقلًا، وهو كذلك، فلا يمنع أن يوجد فقير ليس له مال، ويسمع بما في الوقف من فضل، ثم يوقف عليه، فيسأل: هل له أن يقف هذا الوقف؟ ويقول: إذا جاز لي أن آكله وأن أصرفه على أولادي فلماذا لا أقدمه لحياتي؟ يعني لآخرته. ¬

_ (¬1) صحيح البخاري (الجامع الصحيح) 4/ 6. (¬2) ينظر مثلا: سنن أبي داود (4/ 503 - 505) (ح 2878 - 2879)، ومصنف عبد الرزاق (10/ 374 - 378) (ح 19414 - 19418)، المغني 8/ 192، مجموع الفتاوى 28/ 588 - 589، 30/ 246، 31/ 262. (¬3) ينظر فتح الباري 6/ 713.

وقد وقع ذلك في عهد أبي العباس ابن تيميّة وسئل عنه (¬1)، والوقوع دليل الجواز وزيادة. فيقال: لا بد من التفصيل في ذلك فإن أريد وقف ثمرة الوقف دون أصله فالراجح أنه يجوز ذلك للموقوف عليه بحيث لا ينافي الوقف الأول وشروطه، فإن قلنا إن الملك ينتقل للموقوف عليه فواضح، ويكون ملكًا ناقصًا (¬2)، وإن قلنا إن الملك يكون للواقف فلا شك أن ملك الثمرة والغلة على هذا القول لا يبقى للمالك -الواقف-، بل ينتقل للموقوف عليه فيجوز له وقفه، ويكون الباقي في ملك الواقف العين (الأصل، الرقبة)، وإن قلنا: إنه يخرج عن ملك الواقف ولا يدخل في ملك الموقوف. فالمراد أنه يكون حقًا لله -جل جلاله- ووقفه أيضًا يجعله حقًا لله - عز وجل - فلا يتنافى مع ذلك؛ لأن حق الله - سبحانه وتعالى - له متعلَّق، كما أن الزكاة حق لله - سبحانه وتعالى - ويستحقه الأصناف الثمانية، فكذلك الوقف هو حق لله - سبحانه وتعالى - ويستحقه الموقوف عليه فيملك أن يقفه، ومخالفة شرط الواقف بذلك ليس مسلَّمًا؛ لأن العبرة بالمقاصد والحقائق، ومراد الواقف أن تعود فائدة الوقف للموقوف عليه، وهذا ما حصل، وإن أريد وقف أصل الوقف فالراجح أنه لا يوقف؛ للإجماع الذي نقل ابن قاضي الجبل: أنه لا يجوز بيع درهم خالص بدرهم خالص إذا كان من مال اليتيم؛ لعدم ثبوت المصلحة في هذا التصرف وانتفاءِ الرجحان في هذا العقد، وقال: (وكذلك ينبغي أن يكون في مال الوقف إذا لم يكن في ذلك مصلحة مطلوبة) (¬3)، وهل وقف الموقوف عليه مصلحة مطلوبة للوقف؟ يظهر أنها مصلحة، ولكنها مرجوحة، فالمشغول لا يشغل، والأسبق أحق، ولا مسوِّغ لتغيير الوقف ما دام قائمًا يمكن الاستفادة منه في ما وقف لأجله، وبهذا يتضح سبب الترجيح. ¬

_ (¬1) مجموع الفتاوى 31/ 262. (¬2) مجموع الفتاوى 29/ 178 - 180: (وأصل ذلك أن الملك هو القدرة الشرعية في الرقبة، بمنزلة القدرة الحسية، فيمكن أن تثبت له القدرة على تصرفٍ دون تصرف شرعًا ...) فيتصرف في الثمرة أو المنفعة كالسكنى دون الرقبة. (¬3) المناقلة والاستبدال بالأوقاف والإفصاح بما وقع في ذلك من النزاع والخلاف ص 47 - 48، بواسطة استثمار الوقف، وينظر في التصرف في الوقف: استثمار الوقف ص 63 - 76، 89 - 99، 128 - 132.

المبحث السابع: هبة الموهوب

المبحث السابع: هبة الموهوب، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الهبة وحكمها. تعريف الهبة الهبة لغةً العطية (¬1)، وهي بمعنى الهدية. واصطلاحًا: 1 - عند الحنفية: تمليك عين بلا عوض (¬2). 2 - عند المالكية: تمليك من له التبرع ذاتًا تنقل شرعًا بلا عوض لأهل بصيغة أو ما يدل (¬3). 3 - عند الشافعية: تمليك لعين بلا عوض في حال الحياة تطوعًا (¬4). 4 - عند الحنابلة: تمليك جائز التصرف مالًا معلومًا، أو مجهولًا تعذر علمه، موجودًا مقدورًا على تسليمه غير واجب في الحياة بلا عوض (¬5). وتعريف الحنفية والشافعية بالنظر لحقيقة الهبة، وتعريف المالكية والحنابلة يجمع الشروط في كل مذهب منهما. حكم الهبة الهبة مندوبة بالإجماع (¬6)، وكذلك قَبولها، ومما يدل عليها عموم أدلة الإحسان والمعروف، والأدلة المذكورة في المطلب الثاني. المطلب الثاني: هبة الموهوب. صورة المسألة: إذا وهبتَ لزيد هبة فهل يجوز له أن يهبها أو يلزمه أن يستعملها بنفسه أو يبقيها عنده ونحو ذلك وألا يهبها لغيره؟ الحكم: هبة الموهوب جائزة إذا كانت تامة سواء كان الموهوب له ابنًا للواهب أو لم يكن (¬7)؛ للأدلة ¬

_ (¬1) تهذيب اللغة، مادة وهب 4/ 3961، المصباح المنير، مادة وهب ص 553. (¬2) مجمع الأنهر 2/ 352. (¬3) الشرح الصغير 2/ 312 (لأهلٍ) أي لمستحقٍّ. (¬4) مغني المحتاج 2/ 512. (¬5) كشاف القناع 10/ 117. (¬6) الاختيار 3/ 48، بداية المجتهد مع الهداية 8/ 203 - 204، الفواكه الدواني 2/ 241، نهاية المطلب 8/ 407، مغني المحتاج 2/ 511، نهاية المحتاج 5/ 287. (¬7) قال ابن عبد البر: (... فهذا كله يدل على أن الهبات لا تتم إلا بالقبض، وقد أجمعوا على ثبوت مِلك الواهب، واختلفوا في زواله من جهة الهبة بالقول وحده، فهو على أصل مِلك الواهب حتى يجمعوا، ولم يجمعوا إلا مع القبض) التمهيد 18/ 548، وفي مجمع الأنهر 2/ 353: (وتتم الهبة بالقبض الكامل) والمراجع في هذا كثيرة، وهو مذهب جمهور العلماء.

اللاحقة، وهذا متفق مع قواعد الشرع وكلام الفقهاء، ولم ينصوا عليه -فيما أعلم-، وهذا مقتضى كون الهبة تمليكًا في المذاهب الأربعة، كما سبق في التعريف، وبهذا يُعلم خطأ العبارة الشائعة (الهدية لا تهدى ولا تباع). الأدلة: الدليل الأول: عن سهل - رضي الله عنه - أن امرأة جاءت النبي - صلى الله عليه وسلم - ببردة منسوجة فيها حاشيتها ... قالت: نسجتُها بيدي فجئت لأَكْسُوَكَها. فأخذها النبي - صلى الله عليه وسلم - محتاجًا إليها فخرج إلينا وإنها إزاره، فحسَّنها فلانٌ فقال: اُكسنيها، ما أحسنها. [وفي رواية قال: «نعم» فجلس ما شاء الله أن يجلس ثم رجع فطواها وأرسل بها إليه] قال القوم: ما أحسنتَ، لبسها النبي - صلى الله عليه وسلم - محتاجًا إليها ثم سألته وعلمت أنه لا يرد. قال: إني والله ما سألته لألبسه، إنما سألته لتكون كفني. قال سهل: فكانت كفنه (¬1). وجه الاستدلال: أن هذه البردة وُهبت للنبي - صلى الله عليه وسلم - ثم وهبها الرجلَ. الدليل الثاني: عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: (رأى عمر حلة على رجل تباع ... فأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها بحللٍ فأرسل إلى عمر منها بحلة، فقال عمر: كيف ألبسها وقد قلت فيها ما قلت؟ قال: «إني لم أكسكها لتلبسها، تبيعها أو تكسوها» فأرسل بها عمر إلى أخٍ له من أهل مكة قبل أن يسلم (¬2). وجه الاستدلال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهب الحلة لعمر - رضي الله عنه - فوهبها عمر لأخيه، ومن وجه آخر: يحتمل أنها وُهبت للنبي - صلى الله عليه وسلم - فوهبها لعمر - رضي الله عنه -. الدليل الثالث: عن علي- رضي الله عنه - قال: أهدى إليّ النبي - صلى الله عليه وسلم - حلة سِيَراء فلبستها فرأيت الغضب في وجهه فشققتها بين نسائي (¬3). وجه الاستدلال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهب الحلة لعلي - رضي الله عنه - فوهبها علي لنسائه. ¬

_ (¬1) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب من استعدّ الكفن في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم ينكر عليه (2/ 78) (ح 1277)، والرواية المذكورة بين [] في صحيح البخاري، كتاب البيوع، باب ذكر النساج (3/ 61) (ح 2093)، وكتاب اللباس، باب البرود والحبرة والشملة (7/ 146) (ح 5810)، والسائل سعد بن أبي وقاص (توفي سنة 55) أو عبد الرحمن بن عوف (توفي سنة 32) - رضي الله عنهما -. فتح الباري 4/ 16. (¬2) رواه البخاري، كتاب الهبة، باب الهدية للمشركين (3/ 164) (ح 2691)، ومسلم، كتاب اللباس والزينة (6/ 137) (ح 5401)، وعند مسلم (6/ 141 - 142) (ح 5419) من حديث جابر -رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعمر: (إني لم أعطكه لتلبسه إنما أعطيتك تبيعه) فإذا جاز له بيعه جاز له إهداؤه. (¬3) رواه البخاري، كتاب الهبة، باب هدية ما يكره لبسها (3/ 163) (ح 2614)، ومسلم، كتاب اللباس والزينة (6/ 142) (ح 5420)، ومعنى سيراء: نوع من البرود يخالطه حرير كالسيور. النهاية، مادة سير، ص 459.

الدليل الرابع: عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كانت في بريرة ثلاث قضيات كان الناس يتصدقون عليها وتهدي لنا [وفي رواية: فتهدي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -] فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «هو عليها صدقة ولكم هدية فكلوه» (¬1). وجه الاستدلال: يتم بمقدمتين: الأولى: أن الصدقة لابتغاء الثواب، والهبة أو الهدية للتودد والإكرام، وكلاهما تمليك عين بلا عوض (¬2)؛ لذا قال في "الذخيرة": (لا تفترق الصدقة والهبة إلا في حكمين ... وإذا تقرر اشتراك الصدقة والهبة بما عدا هذين الحكمين فليكن الكلام عليهما واحدًا)، وفي "الروض المربع": (والصدقة -وهي ما قُصد به ثواب الآخرة- والهدية -هي ما قُصد به إكرامًا وتوددًا ونحوه- نوعان من الهبة حكمهما حكمها في ما تقدم) (¬3). والثانية: أن بريرة - رضي الله عنها - تُصدِّق عليها، والصدقة في معنى الهبة، فوهبت للنبي - صلى الله عليه وسلم -. الدليل الخامس: عن أم عطية - رضي الله عنها - قالت: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - على عائشة - رضي الله عنها - فقال: «عندكم شيء» قالت: لا، إلا شيء بعثت به أم عطية من الشاة التي بعثْتَ إليها من الصدقة. قال: «إنها قد بلغت محلها» (¬4). وجه الاستدلال: كالدليل السابق. الدليل السادس: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أُتي بطعام سأل عنه أهدية أم صدقة فإن قيل: صدقة. قال لأصحابه: «كلوا» ولم يأكل، وإن قيل: هدية. ضرب بيده - صلى الله عليه وسلم - فأكل معهم (¬5). وجه الاستدلال: أن هذه الهدية أهديت للنبي - صلى الله عليه وسلم - فأهدى منها النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه، فإنهم يأكلون معه؛ لذا جاء في رواية: (فأمر أصحابه فأكلوا وأكل معهم) (¬6). ¬

_ (¬1) رواه مسلم، كتاب الزكاة (3/ 121) (ح 2487)، والزيادة عند ابن ماجه، كتاب الطلاق، باب خيار الأمة إذا أعتقت (3/ 223) (ح 2076)، وأصل الحديث في البخاري أيضًا في مواضع كثيرة منها (3/ 155) (ح 2577)، وينظر فتح المغيث (1/ 75). (¬2) الذخيرة 6/ 223، تكملة المجموع 17/ 272، المغني 8/ 239 - 240،264، المطلع ص 352، وفرقُ الهدية عن الهبة أن الهدية يُتقرب بها إلى المهدى إليه بخلاف الهبة. الفروق اللغوية ص 189. (¬3) 7/ 522. (¬4) رواه البخاري، كتاب الهبة، باب قبول الهدية (3/ 156) (ح 2579)، ومسلم، كتاب الزكاة (3/ 120) (ح 2490)، وفي أول الحديث عند مسلم: (بعث إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشاة من الصدقة فبعثت إلى عائشة منها بشيء). (¬5) رواه البخاري، كتاب الهبة، باب قبول الهدية (3/ 155) (ح 2576)، ومسلم، كتاب الزكاة (3/ 120 - 121) (ح 2491). (¬6) رواه أحمد (39/ 127) (23722) من حديث ابن عباس عن سلمان - رضي الله عنهم -.

الدليل السابع: عن أنس - رضي الله عنه - قال: لما قدم المهاجرون المدينةَ من مكة وليس بأيديهم -يعني شيئًا- وكانت الأنصار أهل الأرض والعقار فقاسمهم الأنصار على أن يعطوهم ثمار أموالهم كل عام ويكفوهم العمل والمؤنة، وكانت أمه أم أنس أم سليم ... فكانت أعطت أمُّ أنسٍ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عذاقًا فأعطاهن النبي - صلى الله عليه وسلم - أم أيمن مولاته أم أسامة بن زيد (¬1). وجه الاستدلال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهب الهبة لأم أيمن - رضي الله عنها -، فإن قيل: هذه عارية كما سبق وليست هبة؟ قيل: قال في "البدائع": (وهبة المنفعة تمليكها من غير عوض، وهو معنى العارية) (¬2). الدليل الثامن: عن عائذ بن عمرو المزني - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من عرض له شيء من هذا الرزق من غير مسألة ولا إشراف فليتوسع به، فإن كان عنه غنيًا فليُوجهه إلى من هو أحوج إليه منه» (¬3). الدليل التاسع: عن أنس - رضي الله عنه - قال: أهدي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - التمر فأخذ يهدّيه. رواه الدارمي (ح 2106)، وقال عقبه: (يُهَدِّيه يعني يرسله هاهنا وهاهنا). الدليل العاشر: أنه مال ملكه ملكًا تامًا بطريق مباح صحيح فجاز له جميع التصرفات المشروعة والجائزة -ومنها الهبة- كإهداء الموروث والمشترى والمنفعة المستأجرة (¬4). ¬

_ (¬1) رواه البخاري، كتاب الهبة، باب فضل المنيحة (3/ 165) (ح 2630)، ومسلم، كتاب الجهاد والسير (5/ 162) (ح 4603). (¬2) بدائع الصنائع 6/ 184. (¬3) رواه أحمد (34/ 247،244) (ح 20642،20647، 20648)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (5/ 182 - 183) (ح 3276) قال عنه المنذري: (إسناد أحمد جيد قوي) وتعقبه الألباني ولكنه صححه، وقال محققو المسند: (صحيح لغيره) وقال محقق الشعب: (ولكن فيه انقطاع). الترغيب والترهيب (ح 1254)، الثمر المستطاب 1/ 151، صحيح الترغيب والترهيب (ح 850). (¬4) وهناك أدلة أخرى، فإن قيل: هذا أمر لا خلاف فيه فلا داعي لكثرة الأدلة. قيل: كثير مما هو متقرر في الشريعة ولا خلاف فيه حصل من بعض الناس القدح فيه وإيراد الشبه عليها مع الاستدلال بها، وهذه المسألة شائعة كما ذكرت -الهدية لا تهدى ولا تباع-.

المبحث الثامن: إيصاء الوصي (الموصى) وتوصية الموصى له والموصي

المبحث الثامن: إيصاء الوصي (الموصَّى) وتوصية الموصى له والموصي، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الإيصاء والوصية وحكمهما. تعريف الوصية والإيصاء في اللغة الإيصاء مصدر أوصى يوصى، والتوصية مصدر وصَّى يوصِّي، وهما بمعنى واحد (¬1)، وهو وصل شيء بشيء (¬2). وفي الاصطلاح الوصية هي: 1 - عند الحنفية: تمليكٌ مضافٌ إلى ما بعد الموت عينًا أو منفعةً (¬3). 2 - عند المالكية: عقد يوجب حقًا في ثلث عاقده يلزم بموته أو نيابة عنه بعده (¬4). 3 - عند الشافعية: تبرع بحق مضاف ولو تقديرًا لما بعد الموت، وليس التبرع بتدبير ولا تعليق عتق (¬5). 4 - عند الحنابلة: الأمر بالتصرف بعد الموت، أو التبرعُ بالمال بعد الموت (¬6). وقد نص على التفريق بين الوصية والإيصاء في الاصطلاح الحنفية والشافعية، فالوصية ما سبق والإيصاء العهد إلى من يقوم على مَن بعده (¬7)، أو إقامة غيره مقامه في التصرف بعد الموت (¬8)، والإيصاء في اللغة يشمل حال الحياة والموت، وفي الاصطلاح خاص بما بعد الموت. حكم الوصية والإيصاء: الأصل في حكمهما الاستحباب المؤكد، وقد تعرِض لها الأحكام التكليفية الأخرى، وإنما تجب على من عليه حق فيوصي بأدائه، لقوله - سبحانه وتعالى -: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} البقرة:180 وقال - صلى الله عليه وسلم -: «ما حقُّ امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده» (¬9) وانعقد الإجماع ¬

_ (¬1) مختار الصحاح، مادة وصى، ص 622، تهذيب اللغة، مادة وصى 4/ 3902، تهذيب الأسماء واللغات ص 812. (¬2) مقاييس اللغة: مادة وصى 6/ 116. (¬3) نتائج الأفكار 8/ 416، مجمع الأنهر 2/ 691. (¬4) حاشية الدسوقي 4/ 422، بلغة السالك 2/ 465، وهذا تعريف يشمل الوصية والإيصاء كما في "مواهب الجليل" 8/ 513. (¬5) مغني المحتاج 3/ 52، نهاية المحتاج 6/ 48. (¬6) شرح منتهى الإرادات 4/ 439، الروض المربع 7/ 541، وهذا تعريف يشمل الوصية والإيصاء. (¬7) نتائج الأفكار 8/ 416، حاشية ابن عابدين 10/ 352، مغني المحتاج 3/ 52، نهاية المحتاج 6/ 48. (¬8) الموسوعة الفقهية الكويتية 7/ 205، 43/ 221. (¬9) رواه البخاري، كتاب الوصايا، باب الوصايا (4/ 2) (ح 2738)، ومسلم، كتاب الوصية (5/ 70) (ح 4204).

المطلب الثاني: حكم إيصاء الوصي وتوصية الموصى له والموصي

على استحبابها وجوازها (¬1). المطلب الثاني: حكم إيصاء الوصي وتوصية الموصى له والموصي، وفيه ثلاثة أفرع: الفرع الأول: إيصاء الوصي. صورة المسألة: إذا أوصى إلى رجلٍ بتصرفٍ-مثل أن يبيع أرضه أو يقضي دينه أو يقوم بأمور عياله- فهل للوصي أن يوصي غيره؟ تحرير محل النزاع: إذا أذن له أن يوصي جاز عند جمهور العلماء خلافًا لقولٍ في مذهب الشافعية -وليس هو المذهب عندهم (¬2) -، وإذا أطلق ولم يأذن له ولا نهاه ففيه قولان: القول الأول: جواز إيصاء الوصي، وهو مذهب الحنفية (¬3) والمالكية (¬4) ورواية عند الحنابلة (¬5). القول الثاني: عدم جواز إيصاء الوصي، وهو مذهب الشافعية (¬6) والحنابلة (¬7). القول الثالث: إذا غلب على الظن أن القاضي يسند إلى من ليس أهلًا أو كان ظالمًا يجب إيصاء الوصي، وهو قول الحارثي الحنبلي (¬8). الأدلة: دليل الجواز عند الإذن: أنه رضي باجتهاده واجتهاد من يختاره للتصرف، فجاز قياسًا على ما لو اختارهما، وأنه مأذون له في الإذن في التصرف، فجاز له أن يأذن لغيره كالوكيل إذا أُمر بالتوكيل أو أُذن له به. ودليل المنع مع الإذن: بطلان إذنه بالموت. المناقشة: أن الإيصاء يكون في الحياة وفي الموت-والأصل الثاني عند الإطلاق-، والحق ¬

_ (¬1) الهداية مع شروحها 8/ 419، التمهيد 19/ 10، الفواكه الدواني 2/ 206، تهذيب الأسماء واللغات ص 812، مغني المحتاج 3/ 52، المغني 8/ 390، شرح منتهى الإرادات 4/ 439، 520، ونُقل عن قومٍ وجوبها كما في بعض هذه المراجع، فيبقى الإجماع على المشروعية. (¬2) نهاية المحتاج 6/ 102، تكملة المجموع 17/ 595، الشرح الكبير 17/ 481، شرح منتهى الإرادات 4/ 522، أما الحنفية والمالكية فيرون الجواز مع الإطلاق -كما سيأتي- فمع الإذن أولى؛ لذا قال في المغني 8/ 558: (وهذا قول أكثر أهل العلم، وحكي عن الشافعي أنه قال في أحد القولين: ليس له أن يوصي). (¬3) الاختيار 5/ 68، حاشية ابن عابدين 10/ 447. (¬4) نص عليه مالك في "المدونة "7/ 25، الذخيرة 7/ 167، التاج والإكليل 8/ 566. (¬5) المغني 8/ 558، الإنصاف 17/ 483، وعزاه في "الأوسط" 8/ 179 للثوري. (¬6) المهذب 17/ 593، نهاية المطلب 11/ 363. (¬7) الإنصاف 17/ 483، كشاف القناع 10/ 317، وعزاه في "الأوسط" 8/ 179 لإسحاق. (¬8) الإنصاف 17/ 482، وينظر مجموع الفتاوى 30/ 49.

الفرع الثاني: توصية الموصى له

للموصي وإذنه معتبر. أدلة حالة الإطلاق: دليل القول الأول: أن الموصي أقامه مقام نفسه فجاز له أن يوصي كالأب إذا انتقلت له الولاية. المناقشة: انتقال الولاية من الابن إلى الأب له مستند شرعي ظاهر، فهو أقرب العصبة، وأعلمهم-غالبًا- بمصلحة المولى عليه، ولا يوجد مثل هذا في وصي الوصي، مع مخالفته للأصول-كالوكالة ونحوها-. أدلة القول الثاني: الدليل الأول: أن الوصي يتصرف بإذن من الموصي فلا يملك الإيصاء بدونه كالوكيل. الدليل الثاني: أن الوصي لم يرض بتصرف الثاني. دليل القول الثالث: يمكن أن يستدل له بأن تصرفات الوصي مقيدة بالنظر والمصلحة لمن في وصايته، فإذا كان الإيصاء من مصلحتهم جاز وإلا لم يجز؛ لعموم القواعد الشرعية وأدلة اعتبار المصالح واجتناب المفاسد. الترجيح الراجح أن الأصل عدم جواز إيصاء الوصي إلا إذا اقتضت المصلحة ذلك، بناء على نظر الوصي. سبب الترجيح: -مع ما تقدم من الأدلة- أن نظر الوصي معتبر، ولا توجد أدلة قاطعة مانعة، وإنما هو ترجيح، والترجيح نسبي، ولكل حادثة أحكامها. الفرع الثاني: توصية الموصى له. صورة المسألة: إذا أوصى لرجل بشيء من ماله فهل للموصى له أن يوصي بهذا الشيء لغيره؟ وهذا فيما إذا كانت الوصية لمعيّن يمكن صدور القَبول منه. الحكم: حكم هذه المسألة مبني على أن التوصية لا تكون إلا بما يملك أن يوصي به، وعلامَ يثبت ملك الوصية؟ وقد اختلف العلماء في حصول ملك الموصى له المعيّن للوصية (الشيء الموصى به) على أقوال: القول الأول: أن ملك الموصى له يثبت بالقبول بعد الموت، وهو مذهب الحنفية (¬1) ¬

_ (¬1) الهداية 8/ 432، نتائج الأفكار والعناية 8/ 430، الاختيار 5/ 65، مجمع الأنهر 2/ 693، وعزاه ابن قدامة في "المغني" 8/ 419 لأهل العراق.

والحنابلة (¬1)، وهو قولٌ للمالكية (¬2) وقولٌ للشافعية (¬3). القول الثاني: أن الملك موقوف مراعى بعد الموت، فإن قَبِلَ الموصى له تبيّنا أن الملك حصل بالموت، وإن رَدّ تبينا أن الملك لم يحصل، وهو مذهب المالكية (¬4) والشافعية (¬5) ووجه عند الحنابلة (¬6). القول الثالث: أن الملك يحصل بالموت، وهو قول للمالكية (¬7) وقول للشافعية (¬8) ووجه عند الحنابلة (¬9)، وقول زفر (¬10). الأدلة: أدلة القول الأول: الدليل الأول: أن الوصية تمليك عينٍ لمعينٍ فيفتقر إلى القبول، فلا يسبق الملك القبول كسائر العقود (¬11). الدليل الثاني: أن القبول من تمام سبب الملك، والحكم لا يتقدم سببه (¬12). الدليل الثالث: أن القبول معتبر بالاتفاق، إنما الكلام في أثره وفائدته، وكل تمليك اعتُبر القبول فيه وجب أن يكون القبول مؤثرًا في تحصيل الملك فيه؛ حتى لا يتقدم حصول الملك عليه، وإدخال الأشياء قهرًا في أملاك الناس من غير ولايةٍ بعيدٌ عن قاعدة الشريعة، وإن ثبت ¬

_ (¬1) المغني 8/ 419، الإنصاف والشرح الكبير 17/ 239، شرح منتهى الإرادات 4/ 451. (¬2) حاشية الدسوقي 4/ 224. (¬3) المهذب 17/ 406. (¬4) الذخيرة 7/ 152، عقد الجواهر الثمينة 3/ 411، التاج والإكليل 8/ 517، حاشية العدوي 2/ 226، منح الجليل 4/ 645. (¬5) نهاية المطلب 11/ 204 - 205، المهذب 17/ 406، نهاية المحتاج 6/ 71. (¬6) المغني 8/ 419. (¬7) نص خليل في " مختصره ": (وقبول المعيّن شرطٌ بعد الموت فالملك له بالموت) وهذا يحتمل القولين الأول والثاني، وقال بعض المالكية بالثالث كما في "حاشية الدسوقي" 4/ 424، و"مواهب الجليل" 8/ 518، وقد حصل اضطراب في نسبة مذهب الحنفية والمالكية إليهما في هذه المسألة، وهذا ما ظهر لي -والله أعلم-، يقارن بالموسوعة الفقهية الكويتية 43/ 269، الروض المربع بتحقيق المشايخ 7/ 557، وإنما استثنى الحنفية مسألةً واحدةً: أن يموت الوصي ثم يموت الموصى له قبل القَبول فيدخل الموصى به في ملك ورثة الموصى له استحسانًا والقياس أن تبطل. مجمع البحرين ص 827، نتائج الأفكار 8/ 432. (¬8) نهاية المطلب 11/ 204. (¬9) الإنصاف 17/ 239، نص عليه أحمد. (¬10) بدائع الصنائع 8/ 220. (¬11) شرح منتهى الإرادات 4/ 451. (¬12) شرح منتهى الإرادات 4/ 451.

لهم الخيار في الرد (¬1). وفي ذلك تعريض بالقول بأن الوصية كالميراث تُملك قهرًا، وهو نصٌّ عن أحمد ووجه لأصحابه، وهو القول الثالث في المسألة (¬2). الدليل الرابع: أن الموصى له لو مات قبل موت الموصي بطلت الوصية، ولو كانت تثبت بمجردها لانتقلت لورثته، وهذا قول جمهور العلماء (¬3)، خلافًا للحسن وعطاء (¬4)، ودليل الجمهور أن الوصية عطية بعد الموت. وما سبق من الأدلة -الأول والثاني والثالث- في اعتبار القبول، وهذا الدليل -الرابع- في اعتبار كونه بعد الموت مع حياة الموصى له. دليل القول الثاني: ما سبق من أدلة القول الأول، ولكن القبول في الوصية ليس على قياس القبول في سائر العقود، وللموت أثرٌ بيّن في اقتضاء تحصيل الملك، فالمتوجه ربط الملك بالقبول في معرض التبين والاستناد لا في حقيقة الملك. أدلة القول الثالث: الدليل الأول: أنه ملك يقتضيه الموت مع تقدم الإيصاء، فشابه الملك الذي يقتضيه التوريث، غير أنا نسلط الموصى له على الرد إن أراده حتى لا يدخل على اللزوم في ملكه ما لا يريده (¬5). المناقشة: 1. أن هذا بعيد عن قواعد الشريعة -كما سبق-، والميراث مستثنى من القياس، وما خرج عن القياس فعليه غيرُه لا ينقاس، والمقصود أن الموت له أثرٌ ولكنّ الأصلَ في كل تمليك عدا الإرث وجودُ القَبول. 2. وجود فارق بين الفرع والأصل بأن ملك الوارث للتركة حصل بإلزام من له ولاية الإلزام، وهو الله -سبحانه وتعالى-، فدخلت التركة ملكه من غير قبول، وهذا الإلزام لا وجود له في الوصية، فلابد فيها من قبول. الدليل الثاني: أن القبول لو كان له أثر لوجب أن يتصل بالإيجاب، فلما لم يكن كذلك، بل كان القبولُ المتصل بالإيصاء في حياة الموصي ساقطَ الأثر، دل على أن عماد الملك الموت بعد ¬

_ (¬1) نهاية المطلب 11/ 205. (¬2) الإنصاف 17/ 239 - 240. (¬3) بطلان الوصية، حاشية ابن عابدين 10/ 355، مواهب الجليل 8/ 518، المهذب 17/ 407، الإنصاف 17/ 241. (¬4) المغني 8/ 413. (¬5) نهاية المطلب 11/ 205، فائدة: مما يوافق الميراث في هذا الحكم: نصف الصداق، فإنه يدخل في مِلك المطلق قبل الدخول حكمًا عند الجمهور. المغني 10/ 122، نهاية المطلب 13/ 42.

الإيصاء (¬1). المناقشة: أن اشتراط اتصال القبول بالإيجاب هو الأصل، ولكن حق الموصى له لا يثبت بالموت نظرًا لطبيعة العقد، فالوصية تمليك بعد الموت، وقياسًا على العقود التي اختُلف في اشتراط اتصال القبول بالإيجاب فيها، وهي: الوقف على معين والوكالة والكفالة والحوالة والجعالة والضمان (¬2). الترجيح الراجح ثبوت الملك بالقبول بعد الموت، وأنقل كلام الشيخ ابن عثيمين في هذه المسألة من "الشرح الممتع": (والمسألة محتملة، فكلام المؤلف - رحمه الله - له قوة (¬3)؛ لأن ملك الموصى له للموصى به ملك مراعى، فإن قبل فهو ملكه من حين زال ملك الموصي عنه، وملك الموصي يزول عنه بالموت، والمذهب له وجهة نظر أيضًا؛ لأنه لم يثبت ملكه إياه إلا بالقبول، فكيف يكون نماء ملك غيره له؟ فالمسألة مترددة بين هذا وهذا، والقاضي إذا تحاكم الورثة والموصى له عنده يرجح ما يراه راجحًا، والأولى والأحسن والأحوط أن يصطلح الورثة والموصى له في مثل هذه الحال) (¬4). وعليه فيجوز للموصى له أن يوصي بما أُوصي له به بعد القبول، ومما يرجح هذا القول أن في الأخذ به خروجًا من الخلاف، فإنه على كل احتمال إذا أوصى بعد الموت والقبول فقد أوصى في ما يملك، إلا أن يقال: الوصية تتضمن قبولًا حكميًا، وبه يتبين سبب الترجيح. تنبيه: إذا قلنا بأن الملك لا يثبت إلا بالقبول، فلمن يكون الملك بعد الموت وقبل القبول؟ على قولين: الأول: يكون للورثة، وهو مذهب الحنابلة (¬5) ووجه للشافعية (¬6)، والثاني: يبقى الملك للميت وهو وجه للشافعية وللحنابلة (¬7). ¬

_ (¬1) نهاية المطلب 11/ 205. (¬2) ينظر صيغ العقود في الفقه الإسلامي ص 414 - 440. (¬3) وهو أن الملك مراعى كما قال الشافعية، حيث قال: (ويثبت الملك به -أي بالقبول- عقب الموت) وينظر: الروض المربع 7/ 558، ويحتمل أن يكون قول صاحب الزاد موافقًا لمذهب الحنابلة. (¬4) الشرح الممتع 11/ 149. (¬5) شرح منتهى الإرادات 4/ 451. (¬6) نهاية المطلب 11/ 206. (¬7) المرجع السابق، وتقرير القواعد 3/ 372، ومن المسائل التي نُصَّ فيها على ثبوت مِلكٍ لميت: ملك الميت للكفن، عند بعض الفقهاء. البيان 12/ 450، المغني 12/ 456، الإنصاف 26/ 525.

الفرع الثالث: حكم توصية الموصي بالوصية

الفرع الثالث: حكم توصية الموصي بالوصية. بادئ ذي بدء لا يجوز للإنسان أن يوصي بأكثر من الثلث، فإن فعل فصحة الوصية في ما زاد موقوفة على إجازة الورثة (¬1)، ولا يجوز أن يوصي لوارث إلا بإجازتهم (¬2)، ويجوز له أن يغيِّر وصيته ويرجع عنها (¬3)، وبناء على ذلك إذا أوصى الموصي بعينٍ من ماله، مثل أن يوصي بمكتبته أو سيارته، أو بجزءٍ مشاعٍ، مثل أن يوصي بخُمس ماله أو ثلثه، ثم رجع عن تلك الوصية وأوصى بغيرها ناسخًا لها فالعبرة بالوصية الثانية، أما إذا لم يرجع بل أراد أن يزيد في الوصية أو يوصي ثانيةً مع بقاء الأولى فلا تخلو الوصية الجديدة من أن تكون للموصى له الأول، أو تكونَ لغيره معه، فإن كانت لغيره معه اشتركا في الثلث بقدر نصيبهما، فلو وصى للأول بثلث ماله وللثاني بثلث ماله قسم الثلث بينهما نصفين، ولو أوصى للأول بثلث ماله وللثاني بسدس ماله قسم الثلث بينهما، للأول ثلثا الثلث وللثاني ثلثه، ولم يقدَّم بعضُهم على بعض؛ لأن ما تقدم وما تأخر يلزم في وقت واحد، وهو بعد الموت، وهذا قول فقهاء المذاهب الأربعة (¬4)، وإن كانت الوصية الثانية للأول لا لغيره فإن كانت الوصيتان متفاوتتين فله أكثرهما، وهو مذهب الحنفية (¬5) والمالكية (¬6)، وزاد الحنفية: (ما لم يتجاوز الثلث، ولا عبرة بالزائد وإن أجازته الورثة)، وإن كانتا متساويتين فله أحدهما -مثل أن يقول: أوصيت له بالسدس، ثم يقول في الوصية الثانية: أوصيت له بالسدس. فله السدس وليس السدسان-، وهو مذهب الحنفية (¬7)، ورواية عن مالك، وفي قولٍ للمالكية: له مجموعهما (¬8). ¬

_ (¬1) حاشية ابن عابدين 10/ 358، الفواكه الدواني 2/ 208، المهذب 17/ 355،365 - 366، شرح منتهى الإرادات 4/ 445، ونُقل الإجماع عليه، ولكن شذت طائفة فلم تجزه مطلقًا. ينظر: الاستذكار 6/ 280،282. ط. إحياء التراث العربي، شرح صحيح البخاري لابن بطال 8/ 152، التوضيح لابن الملقن 17/ 193. (¬2) نُقل الإجماع عليه في "الأوسط " 8/ 22، و"التوضيح" 17/ 201، وينظر حاشية ابن عابدين 10/ 389،391. (¬3) نُقل الإجماع على جواز الرجوع في الوصية إلا العتق. الأوسط 8/ 161، التمهيد 19/ 31، واستثنى المالكية الوصية التي قال عنها: (لا رجوع لي فيها) فلا تبطل بالرجوع العام حتى ينص عليها. مواهب الجليل 8/ 521 - 522، وينظر الموطأ 2/ 309 - 310. (¬4) أصول السرخسي 1/ 132 - 133، خلاصة الدلائل 2/ 408، حاشية ابن عابدين 10/ 383، المدونة 7/ 100، مواهب الجليل 8/ 526 - 527، الفواكه الدواني 2/ 210، الأم 4/ 118، المهذب 17/ 440، الشرح الكبير والإنصاف 17/ 259، شرح منتهى الإرادات 4/ 497، كشاف القناع 10/ 227، وهو قول جمع من السلف. مسند الدارمي (ح 3252 - 3258). (¬5) حاشية ابن عابدين 10/ 389،391. (¬6) الذخيرة 7/ 63، التاج والإكليل مع مواهب الجليل 8/ 527 - 528. (¬7) حاشية ابن عابدين 10/ 389/391. (¬8) مواهب الجليل 8/ 528.

الأدلة: دليل من قال له أحدهما: جواز إرادة التأكيد بذلك، ولأن المعرفة أعيدت معرفة (¬1). دليل من قال له مجموعهما: أنها وصيتان فوجب العمل بهما جميعًا. الترجيح الراجح أنه إن دل دليل على إرادة التأكيد فله أحدهما، وإلا فله المجموع؛ عملًا بالوصيتين ولأن الأصل في الكلام التأسيس. ¬

_ (¬1) مواهب الجليل 8/ 528، حاشية ابن عابدين 10/ 389/391، مرادهم أن كلمة (السدس) معرفة فلما أعيدت كانت (ال) الثانية عهدية، فلا تدل على سدس جديد.

المبحث التاسع: إعتاق الرقيق

المبحث التاسع: إعتاق الرقيق، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف العتق والرِّقِّ وحكمهما. تعريف العتق والرق في اللغة العتق خلاف الرق، وهو الحرية (¬1)، وله معانٍ أخرى، والرق بكسر الراء الملك وهو العبودية (¬2)، والمراد عبودية خاصة وإلا فالعبودية المطلقة لله وحده -سبحانه-. وفي الاصطلاح العتق تحرير الرقبة (¬3) أو قوة حكمية يصير بها أهلًا للتصرفات الشرعية (¬4) أو رفع الملك الحقيقي الكائن لمسلم عن آدمي حي من غير تحجير منفعته (¬5). والرِّقُّ عجز حكمي شُرِع في الأصل جزاءً عن الكفر (¬6). حكم العتق والرق أجمع العلماء على صحة العتق وأنه من القربات (¬7)، وشرع ربنا - عز وجل - العتق في كفارة القتل والأيمان والظهار والوطء في رمضان، وفيه فضلٌ عظيمٌ، ويَعرِض له أحكام أخرى، كما في "المغني"، والرق جائز؛ لأنه شرط وجود العتق. المطلب الثاني: حكم إعتاق الرقيق (¬8)، وفيه خمسة أفرع: الفرع الأول: إعتاق القِنّ. صورة المسألة: القِنُّ هو العبد الخالص، فهل يجوز له أن يعتق؟ تحرير محل النزاع: أما إعتاق نفسه فقال في "المغني": (لا يملك العبد أن يعتق نفسه) (¬9)، ولا يُقبل خلافٌ في هذا، إلا أن يملِّكه سيده؛ لأن العتق من خصائص المالك، وعتق العبد لما لا يملك من الغصب، والعبد لا يملك نفسه، ونُقل الإجماع في عتق الغاصب أن للسيد أن يزيله ويأخذ عبده (¬10)، وأما إعتاقُ العبدِ غيرَه فمبني على مسألة: هل يملك العبد؟ فعلى القول ¬

_ (¬1) المحكم، مادة العين والقاف والتاء 1/ 177، تهذيب الأسماء واللغات ص 668. (¬2) مختار الصحاح، مادة رقق ص 231، المصباح المنير، مادة رقق ص 196. (¬3) مواهب الجليل 8/ 446، المغني 14/ 344. (¬4) التعريفات ص 150، دستور العلماء 2/ 216، القاموس الفقهي ص 242. (¬5) مواهب الجليل 8/ 446. (¬6) التعريفات ص 114. (¬7) المغني 14/ 344، المحلى 9/ 183، مراتب الإجماع ص 260، رحمة الأمة في اختلاف الأئمة ص 581. (¬8) المراد وقوع العتق من الرقيق، فخرج عتيق المولى؛ لأنه أصبح حرًا بالعتق، كما في مسألة القضاة، والعتق فرع الرق، ولكن الرق ليس بعقد فدخوله في البحث للشبه، فهو إعتاق ما من شأنه أن يُعتَق. (¬9) 14/ 397. (¬10) التوضيح لابن الملقن 32/ 38، والأولى أن يقال: إنه عتق لا يقع أصلا فلا حاجة إلى إزالته، وملك السيد باق.

بأنه يملك له أن يعتق، وعلى القول بأنه لا يملك فليس له ذلك. فأما إذا لم يملّكه سيده فجمهور أهل العلم على أن العبد لا يملك (¬1)، خلافًا للظاهرية، ومنهم ابن حزم (¬2). واستدل الظاهرية بدخول العبد في عموم قوله - سبحانه وتعالى -: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} البقرة: (29) وبقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من ابتاع عبدًا وله مال فماله للذي باعه إلا أن يشترط المبتاع» (¬3). وجه الدلالة أنه قال: «وله مال» فدل أن العبد يملك، وبأن ابن عمر - رضي الله عنهما - كان يأذن لعبيده في التسري (¬4)، ونقل في "الجوهر النقي": (ولا يعرف لهما من الصحابة مخالف) (¬5)، ولولا أنهم يملكون لما جاز لهم التسري؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - لم يبح الفرج إلا بنكاحٍ أو ملكِ يمينٍ. ومناقشة هذه الأدلة أن عموم الآية الأولى مخصوص بالعبد، وأن الحديث يراد به ما بيد العبد من مال سيده، وأن إضافة الملك إليه مجاز كما يقال: غنم الراعي وسرج الدابة وباب الدار، بدليل قوله: «فماله للذي باعه» فكيف يكون له مال وماله بعينه في تلك الحال لسيده إذا باعه؟ وأما أثر ابن عمر ومن معه - رضي الله عنهم - فقد جاء عن ابن عمر - رضي الله عنهما - خلافه (¬6)، وعلى فرض جواز التسري فلا يلزم منه أن العبد يملك ملكًا تامًا، قال أبو العباس ابن تيمية: (وقول القائل: يملكه صاحبه أو لا يملكه. في ذلك وفي نظائره، كقوله: العبد يملك أو لا يملك ¬

_ (¬1) بدائع الصنائع 2/ 373، الأم 4/ 53 قال: (كما كان محرمًا أن يملك العبد بشيء أبدًا) وقال: (ولا يكون العبد مالكًا بحال) السنن للبيهقي 7/ 152، الاستذكار 16/ 150، المغني 6/ 259، 7/ 193، 9/ 123، وعزاه لعامة أهل العلم. (¬2) المحلى 9/ 216، الاستذكار 16/ 149، المغني 6/ 259، وهو قول للمالكية. حاشية الدسوقي 4/ 363، الفواكه الدواني 2/ 217. (¬3) رواه البخاري، كتاب الاستقراض، باب الرجل يكون له ممر أو حائط في شرب أو نخل (3/ 115) (ح 2379) واللفظ له، ومسلم، كتاب البيوع (5/ 17) (ح 3905) وليس فيه (وله مال)، ولفظ: (من باع عبدًا وله مال) رواه أحمد (ح 4552) وأبو داود (ح 3433) والنسائي (ح 4636) والترمذي (ح 1244) وابن ماجه (ح 2211 - 2212). (¬4) رواه ابن أبي شيبة، كتاب النكاح، ما قالوا في العبد يتسرى من رخص فيه (9/ 109) (ح 16535)، ورواه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - والحسن ونافع والنخعي وعمر بن عبد العزيز والشعبي وعطاء، ورواه عن ابن عمر البيهقي، كتاب النكاح، باب ما جاء في تسري العبد (7/ 152). (¬5) 7/ 152، المراد ابن عمر وابن عباس - رضي الله عنهم -. (¬6) رواه البيهقي، الموضع السابق، ونقل توجيه الشافعي لأثر ابن عمر وابن عباس، وينظر توجيه ابن عبد البر في "الاستذكار" (16/ 150)، وممن كره تسري العبد: الحكم وابن سيرين، وحماد والنخعي -في قولٍ عنه-. مصنف ابن أبي شيبة، كتاب النكاح، من كره أن يتسرى العبد (9/ 110) (ح 16545 - 16549) وينظر المغني 14/ 478 - 479.

وأهل الحرب هل يملكون أموال المسلمين أو لا يملكونها، والموقوف عليه هل يملك الوقف أو لا يملكه؟ إنما نشأ فيها النزاع بسبب ظن كون الملك جنسًا واحدًا تتماثل أنواعه، وليس الأمر كذلك، بل الملك هو القدرة الشرعية، والشارع قد يأذن للإنسان في تصرف دون تصرف، ويملكه ذلك التصرف دون هذا، فيكون مالكًا ملكًا خاصًا، ليس هو مثل ملك الوارث، ولا ملك الوارث كملك المشتري من كل وجه، بل قد يفترقان، وكذلك ملك النهب والغنائم ونحوهما قد خالف ملك المبتاع والوارث) (¬1)؛ لذا قال في "تقرير القواعد": (إن العبد يثبت له ملك قاصر بحسب حاجته إليه، وإذا لم يثبت له الملك المطلق التام ... كما أثبتنا له في الأمة ملكًا قاصرًا يبيح التسري بها دون بيعها وهبتها على ما سنذكره، وهذا اختيار الشيخ تقي الدين) (¬2) أي ابن تيميّة. وأدلة الجمهور عديدة منها قوله - سبحانه وتعالى -: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} النحل: (75)، وفي آية 71 نوعُ دلالةٍ كذلك، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «فماله للذي باعه»، وحصول الإجماع من الأمّة على أن لسيد العبد أن ينتزع منه ما بيده من المال من كسبه ومن غير كسبه (¬3)، ولأن سيده يملك عينه ومنافعه، فما حصل بذلك يجب أن يكون لسيده كبهيمته (¬4). وقد استدل بعض الحنفية بحديث لا أصل له: (لا يملك العبد ولا المكاتب شيئًا إلا الطلاق) (¬5). وأما إذا ملَّكه سيده فجمهور أهل العلم على أنه لا يملك أيضًا للأدلة السابقة، وذهب مالك في قولٍ والشافعي في القديم (¬6) وابن قدامة وابن شاقلا وابن عقيل من الحنابلة (¬7) إلى أنه يملك؛ لأن المانع من الملك هو حق سيده وقد أذن، ولأدلة قياسية كثيرة مع ما سبق من أدلة الظاهرية. وعليه فليس للعبد القن أن يعتق عند الجمهور مطلقًا، وله أن يعتق عند الظاهرية مطلقًا، ¬

_ (¬1) مجموع الفتاوى 31/ 243. (¬2) 3/ 336. (¬3) الاستذكار 16/ 150. (¬4) المغني 6/ 259 - 260. (¬5) بدائع الصنائع 2/ 373، وذكره كثير من المصنفين من الحنفية، قال في "نصب الراية" (4/ 165) (ح 6950): (غريب). (¬6) الموطأ 1/ 384، 2/ 338، ونسبه لهما في "المغني" 6/ 260، وجاء في "الفواكه الدواني" 2/ 165 عن حديث (من باع عبدًا وله مال): (إسناد المال للعبد يقتضي أنه يملك، وهو كذلك) إلخ. (¬7) المغني 6/ 260، 11/ 106، تقرير القواعد 3/ 332.

الفرع الثاني: إعتاق المبعض

وقال ابن حزم: (وعتق العبد وأم الولد لعبدهما جائز) (¬1)، وعند مالك ومَن معه له أن يعتق إذا ملّكه سيده احتمالًا؛ لأنه قد يُشتَرط مع الملك الإذن في الإعتاق؛ لأن تبرعات العبد قدر زائد على سائر تصرفاته؛ لذا نص المالكية على عدم جواز عتق العبد بغير إذن سيده وأنه موقوف على إجازة سيده (¬2)، وعليه فإن العبد لا يكفر الظهار بالعتق (¬3). الفرع الثاني: إعتاق المبعَّض. صورة المسألة: من كان بعضه حرًّا وبعضه عبدًا هل له أن يعتق؟ الحكم: القول الأول: أنه كالعبد القن لا يعتق إلا بإذن سيده، وإن أعتق فهو موقوف على إجازة سيده، وهو قول المالكية (¬4). القول الثاني: أنه إن أعتق في يومه الذي له فيصح، وإن أعتق في يوم سيده فهو موقوف على إجازة سيده، وهو احتمال مبني على سائر أكسابه وأنه يملك بجزئه الحر جميع أنواع الملك (¬5). الفرع الثالث: إعتاق المكاتب. صورة المسألة: إذا كاتب العبد سيده -عَقَدَ معه عقدًا يلتزم العبد بموجبه بدفع عوض منجم، ويلتزم السيد بعتقه إذا أتم دفع العوض- فهل يجوز للمكاتب أن يعتق غيره؟ الحكم: القول الأول: لا يجوز للمكاتب أن يعتق إلا بإذن سيده، وهو مذهب الجمهور (¬6)، وحكى ابن رشد الإجماع عليه (¬7). القول الثاني: يصح ويقف على إذن سيده، وهو قول للحنابلة (¬8). القول الثالث: أنه موقوف على آخِر أمر المكاتب، فإن أدى المكاتبُ عتق معتَقُه وإلا رق، ¬

_ (¬1) المحلى 9/ 216. (¬2) مواهب الجليل 8/ 450. (¬3) المغني 11/ 56، 106. (¬4) مواهب الجليل 8/ 450. (¬5) المغني 14/ 361 - 362. (¬6) حاشية ابن عابدين 9/ 175، مواهب الجليل 8/ 450، واستثنى المالكية ما لو أجاز السيد، المهذب 18/ 48، نهاية المطلب 19/ 444، المغني 14/ 480. (¬7) بداية المجتهد 8/ 376. (¬8) المغني 14/ 480.

الفرع الرابع: إعتاق أم الولد

وهو قول للحنابلة (¬1). القول الرابع: يصح عتق المكاتب مطلقًا، وهو قول ابن حزم (¬2). ودليل المنع أنه تبرَّعَ بماله بغير إذن سيده فيبطل كالهبة، وأنه تصرفٌ يمنع حق السيد فيبطل كسائر ما يمنع حقه. ودليل من أجاز أنه أولى من القن بالجواز، وهو يرى صحة عتق القن. الفرع الرابع: إعتاق أم الولد. صورة المسألة: الأمة التي ولدت لسيدها هل يجوز لها أن تعتق غيرها؟ الحكم: القول الأول: مقتضى قول جمهور العلماء أنها لا تملك حتى تعتق؛ لأنها في حكم الإماء إلا في مسائل مخصوصة ليس العتق منها (¬3). القول الثاني: لا يجوز لها أن تعتق بغير إذن سيدها، فإن فعلت فهو موقوف على إجازته، وهو مذهب المالكية (¬4). القول الثالث: يجوز لأم الولد أن تعتق، وهو قول ابن حزم (¬5). الفرع الخامس: إعتاق المُدَبَّر وتدبيره. صورة المسألة: المُدَبَّر هو المعلَّق عتقُه بموت سيده (¬6)، وسبب تسميته بذلك أن حريته تحصل دبر حياة سيده، وهو جائز بالإجماع (¬7)، فهل يصح تدبير المدبر أو عتقه؟ الحكم: المدبر عبدٌ خالصٌ ما دام سيده حيًّا، لكنه خُصَّ بأحكام، وتبين حكم إعتاق القن في الفرع الأول، وتدبير المدبر فرعٌ عن إعتاقه. ولم أرجح في هذا المبحث؛ لأن الترجيح فرع الحاجة، وبحث المسألة جاء تتميمًا للموضوع. وقد يُحتاج لترجيح في هذه المسائل لقياس أو تخريج مسائل أخرى عليها. ¬

_ (¬1) المغني 14/ 480. (¬2) المحلى 9/ 244. (¬3) فتح القدير 3/ 444، المهذب 18/ 116 - 117، الشرح الكبير مع الإنصاف 19/ 435. (¬4) مواهب الجليل 8/ 450. (¬5) المحلى 9/ 216. (¬6) خلاصة الدلائل 2/ 93، الفواكه الدواني 2/ 211، نهاية المطلب 19/ 307، المغني 14/ 412، (¬7) الفواكه الدواني 2/ 211، الإعلام لابن الملقن 10/ 419، التوضيح له 14/ 358، المغني 14/ 412.

المبحث العاشر: مكاتبة المكاتب

المبحث العاشر: مكاتبة المكاتب، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف المكاتبة وحكمها. تعريف المكاتبة المكاتبة والكتابة في اللغة من الكتب، وهو الجمع (¬1)، ومعناه أن يكاتبك عبدك على نفسه بثمنه فإذا أداه عتق (¬2)، وهو معناه في الاصطلاح، كما جاء: 1 - عند الحنفية: تحرير المملوك يدًا حالًا ورقبةً مآلًا (¬3). 2 - عند المالكية: عتق المكلف الرشيد عبده منجمًا (¬4). 3 - عند الشافعية: عقد عتق بلفظه بعوض منجم نجمين فأكثر (¬5). 4 - عند الحنابلة: إعتاق السيد عبده على مال في ذمته يؤدّى مؤجلًا (¬6)، وقيل: بيع سيدٍ عبده نفسَه على وجه مخصوص (¬7). حكم المكاتبة المكاتبة مشروعة بالإجماع (¬8)؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} النور: (33)، وحديث بريرة - رضي الله عنها - (¬9)، فإذا طلب العبد المكاتبة استُحب لسيده أن يجيبه عند أكثر العلماء (¬10)، وأوجبه عطاء (¬11) وعمرو بن دينار (¬12) وداود (¬13) وابن حزم (¬14)، وهو رواية عن الإمام أحمد (¬15)، قال ابن عبد البر: ({وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ ¬

_ (¬1) مقاييس اللغة، مادة كتب (5/ 158). (¬2) مقاييس اللغة، مادة كتب (5/ 159)، القاموس المحيط، مادة كتب ص 128. (¬3) الدر المختار مع حاشية ابن عابدين 9/ 165. (¬4) الفواكه الدواني 2/ 214، وينظر مواهب الجليل 8/ 480. (¬5) مغني المحتاج 4/ 683، وينظر كفاية الأخيار ص 689. (¬6) المغني 14/ 441. (¬7) هداية الراغب 3/ 169، وينظر كشاف القناع 11/ 65. (¬8) الإجماع لابن المنذر ص 150، مراتب الإجماع ص 263، الإقناع في مسائل الإجماع 2/ 128، حاشية ابن عابدين 9/ 167، الذخيرة 11/ 247، الفواكه الدواني 2/ 215، نهاية المطلب 19/ 335، مغني المحتاج 4/ 683، المغني 14/ 442، كشاف القناع 11/ 66. (¬9) متفق عليه، وسبق تخريجه ص 211. (¬10) حاشية ابن عابدين 9/ 167، الموطأ 2/ 344، مواهب الجليل 8/ 480، كفاية الأخيار ص 689، المغني 14/ 442. (¬11) رواه البخاري تعليقًا مجزومًا به (3/ 151)، (قبل ح 2560)، وينظر فتح الباري 6/ 395. (¬12) المغني 14/ 442. (¬13) المغني 14/ 442. (¬14) المحلى 9/ 222. (¬15) المغني 14/ 442، فائدة: قال محقق المذهب الحنبلي في الفقه والأصول أبو الحسن المرداوي في هذه المسألة في "الإنصاف" 19/ 191: (وهي مستحبة، هذا المذهب مطلقًا بلا ريب، وعليه جماهير الأصحاب ... وعنه واجبة، إذا ابتغاها من سيده أجبر عليها بقيمته) وقال في "التحبير" 5/ 2185: (حملُ الآية - {فكاتبوهم} - على الوجوب هو الصحيح من مذهب أحمد وأصحابه)، والمذهب ما في "الإنصاف" كما في المراجع التي ذكرها فيه، وكما في "كشاف القناع" 11/ 66، بل كما في "التحبير" أيضًا 5/ 2250، و"التحبير" متأخرٌ عن "الإنصاف" في التصنيف.

المطلب الثاني: حكم مكاتبة المكاتب

الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ} ولم يختلف علماء السلف أن ذلك على الندب لا على الإيجاب) (¬1). المطلب الثاني: حكم مكاتبة المكاتب. صورة المسألة: إذا كاتب العبدُ سيده فملك العبدُ المكاتب عبدًا آخر فهل يملك أن يكاتبه؟ الحكم: اختلف في هذه المسألة على قولين: القول الأول: ليس للمكاتب أن يكاتب بغير إذن سيده، وهو مذهب الشافعية (¬2) والحنابلة (¬3). القول الثاني: للمكاتب أن يكاتب بلا إذن، وهو مذهب الحنفية (¬4) والمالكية (¬5) وابن حزم (¬6). الأدلة: دليل القول الأول: أن المكاتبة من جنس العتق، وليس له أن يعتق. أدلة القول الثاني: الدليل الأول: عموم أدلة المكاتبة فإنها تشمل كل المالكِين، والمكاتب مالك لعبده. الدليل الثاني: أن المكاتب لا يمنع من التجارة ومِن كل ما فيه معاوضة؛ لأنه يستعين بذلك في أداء كتابته، ومن ذلك مكاتبته لعبده. ولم أرجح في هذا المبحث أيضًا؛ لأن الترجيح فرع الحاجة. ¬

_ (¬1) التمهيد 18/ 428، وفيه ما فيه. (¬2) المهذب مع التكملة 18/ 48 - 53، مغني المحتاج 4/ 703. (¬3) المغني 14/ 483، كشاف القناع 11/ 82، وينظر تقرير القواعد 2/ 530. (¬4) الاختيار 4/ 36، حاشية ابن عابدين 9/ 174. (¬5) المدونة 4/ 54، بداية المجتهد 8/ 378، الذخيرة 11/ 320،292، بشرط عدم المحاباة. الموطأ 2/ 345. (¬6) المحلى 9/ 244.

المبحث الحادي عشر: إقطاع المقطع

المبحث الحادي عشر: إقطاع المقطَع، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الإقطاع وحكمه. تعريف الإقطاع الإقطاع في اللغة مصدر أقطع، ومادة القطع ترجع للإبانة، ومنه قطع لسانه: أسكته بإحسانه إليه، وأقطعه قطيعةً أي طائفةً من أرض الخراج، والإقطاع يكون تمليكًا وغير تمليك (¬1)، وهو كذلك في الاصطلاح إلا أنهم يصوغونه بلسان أهل الشرع، فمن ذلك: 1 - تمليك الخراج مع بقاء رقبة الأرض لبيت المال (¬2). 2 - تسويغ الإمام من مال الله شيئًا لمن يراه أهلًا لذلك (¬3). 3 - ما يخص به الإمام بعض الرعية من الأرض الموات فيصير أولى به ممن لم يسبق إلى إحيائه (¬4). 4 - قيام الإمام بتوزيع الأراضي الموات أو نحوها بين الأفراد الممتازين من الرعية سواء أكان تمليكًا أم استغلالًا أم إرفاقًا ليقوموا باستثمارها وبعث النشاط والحياة فيها (¬5). حكم الإقطاع الإقطاع من حيث الأصل جائز (¬6)، قال الترمذي: (والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم في القطائع، يرون جائزًا أن يُقطِع الإمام لمن رأى ذلك) (¬7)، وله أنواع عديدة، وهي في الجملة ترجع إلى ثلاثة أنواع: إقطاع تمليك وإقطاع إرفاق (إمتاع- انتفاع) وإقطاع استغلال (استثمار)، والتمليك إما أن يكون إقطاع موات أو عامر أو معادن، ويمكن تقسيم إقطاع الإرفاق نحو هذا التقسيم (¬8)، وقسموا إقطاع الاستغلال إلى عُشر ¬

_ (¬1) القاموس المحيط، مادة قطع ص 752 - 753، لسان العرب، مادة قطع 10/ 153 - 154. (¬2) حاشية ابن عابدين 6/ 303، وذكر أن للإمام أن يُملِّك الأرض كما يملك المال ولا يختص ذلك بالخراج كما في التعريف الذي نقله. (¬3) فتح الباري 6/ 183، وحكاه عن القاضي عياض، وأنه قال: وأكثر ما يستعمل في الأرض. (¬4) فتح الباري 6/ 183. (¬5) الإقطاع في الإسلام ص 35. (¬6) المبسوط 23/ 12، حاشية ابن عابدين 6/ 302، إكمال المعلم 6/ 76، 245، الاستذكار 3/ 27 - 28، ط. إحياء التراث العربي، نهاية المطلب 8/ 305، 319 - 320، المهذب 16/ 715، مغني المحتاج 2/ 472، المغني 8/ 162، الروض المربع 7/ 354. (¬7) الجامع الكبير للترمذي (3/ 58) (ح 1380). (¬8) المراجع السابقة، وينظر: الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 209 - 227،227 - 235، الأحكام السلطانية للماوردي ص 248 - 255، حاشية الدسوقي 4/ 68، المستدرك على مجموع الفتاوى 3/ 227.

وخَراج. والأصل في الإقطاع السنة المطهرة والإجماع، فمن ذلك: 1. عن أنس - رضي الله عنه - قال: أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقطع البحرين-وفي روايةٍ: دعا الأنصار ليقطع لهم بالبحرين- فقالت الأنصار: حتى تُقطِع لإخواننا من المهاجرين مثل الذي تُقطِع لنا. قال: «سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني» (¬1). 2. عن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - قال: أقطعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمر بن الخطاب أرض كذا وكذا (¬2). 3. روى البخاري تعليقًا بصيغة الجزم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقطع الزبير أرضًا من أموال بني النضير، عقب حديث أسماء - رضي الله عنهما -: (وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) (¬3). 4. عن وائل بن حجر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطعه أرضًا بحضرموت (¬4)، وفي رواية: فأرسل معي معاوية أن أعطها إياه -أو قال: أَعْلِمْها إياه- قال: فقال لي معاوية: أردفني خلفك. فقلت: لا تكون من أرداف الملوك. قال: فقال: أعطني نعلك. فقلت: انتعل ظل الناقة. قال: فلما استُخلف معاوية أتيته فأقعدني معه على السرير فذكرني الحديث. فقال سماك: فقال: وودت أني كنت حملته بين يدي (¬5). ¬

_ (¬1) رواه البخاري، كتاب المساقاة، باب القطائع (3/ 114) (ح 2376)، والرواية المذكورة عنده في باب كتابة القطائع (3/ 114) (ح 2377). (¬2) رواه أحمد (3/ 205) (ح 1670)، والبيهقي، كتاب آداب القاضي، باب ما يقول في لفظ التعديل (10/ 124)، ومع استبعاد سماع عروة بن الزبير -المولود عام 23 - من عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - -المتوفى عام 32 - ، وينظر في روايته عنه: علل الدارقطني 4/ 292، المطالب العالية ح 1225، وما سمعه عروة من والده -المتوفى عام 36 - قليل فكيف بغيره؟ (¬3) رواهما البخاري، كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعطي المؤلفة قلوبهم وغيرهم (4/ 95) (ح 3151)، وينظر ما رواه أبو داود (ح 3072) وأحمد (10/ 485) (ح 6458) عن ابن عمر - رضي الله عنهما - بمعناه و"التلخيص الحبير" 4/ 1959. (¬4) رواه أبو داود، كتاب الخراج والفيء والإمارة، باب ما جاء في إقطاع الأرضين (4/ 663) (ح 3058)، والترمذي، أبواب الأحكام عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، باب ما جاء في القطائع (3/ 58) (ح 1381)، وصححه الترمذي وابن حبان (ح 7205) وابن قدامة وابن الملقن. المغني 8/ 162، البدر المنير 7/ 69، التلخيص الحبير 4/ 1958. (¬5) رواه أحمد (45/ 212) (ح 27239) وابن حبان، كتاب إخباره - صلى الله عليه وسلم - عن مناقب الصحابة (16/ 182) (ح 7205)، والبيهقي، كتاب إحياء الموات، باب إقطاع الموات (6/ 144)، ورواه مختصرًا الدارمي، كتاب البيوع، باب القطائع (3/ 1702) (ح 2651)، قال البخاري: (وطعن مَن لا يعلم في وائل بن حجر أن وائل بن حجر من أبناء ملوك اليمن، وقدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأكرمه وأقطع له أرضًا وبعث معه معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه -) ثم أسند الحديث بالرواية المختصرة السابقة وقال: (وقصة وائل مشهورة عند أهل العلم، وما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمره وما أعطاه معروف بذهابه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مرة بعد مرة) كتاب رفع اليدين ص 101 - 104.

المطلب الثاني: حكم إقطاع المقطع

5. عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقطع بلال بن الحارث المزني معادن القَبَلية جلسيّها وغوريّها وحيث يصلح للزرع من قُدْس، ولم يعطه حق مسلم، وكتب له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى محمد رسولُ الله بلال بن الحارث المزني، أعطاه معادن القَبَلية جليسها وغوريها وحيث يصلح للزرع من قُدْس ولم يعطه حق مسلم» (¬1) وفي رواية: أنه أقطع لبلال بن الحارث العقيق أجمع (¬2). 6. عن ابن عباس - رضي الله عنهما - مرفوعًا: «عاديّ الأرض لله ولرسوله ثم هي لكم» قال أحد الرواة: وما يعني؟ قال: تُقطِعونها للناس (¬3)، ونُقل الإجماع على صحة الإقطاع (¬4). المطلب الثاني: حكم إقطاع المقطَع. صورة المسألة: إذا أقطع الإمام أو نائبه أرضًا لشخصٍ معيَّنٍ فهل يحق للإمام أن يقطع هذه الأرض لشخص آخر؟ الحكم: إقطاع المقطع يتم على مرحلتين: الأولى: استرجاع الإقطاع، والثانية: إقطاعه غير المقطع ¬

_ (¬1) رواه أبو داود، كتاب الخراج والفيء والإمارة، باب ما جاء في إقطاع الأرضين (4/ 667) (ح 3062)، وأحمد (5/ 7) (ح 2785) واللفظ له، والبيهقي، كتاب إحياء الموات، باب كتابة القطائع (6/ 144)، وقال ابن عبد البر بعد رواية الحديث عند مالك: (وكثيرٌ مجتمعٌ على ضعفه لا يحتج بمثله) التمهيد 8/ 294، وسبق كلام البخاري والترمذي والبيهقي في هذه الترجمة، وللحديث شاهد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في "جامع معمر" (11/ 9) (ح 19753)، والغور: ما انخفض من الأرض، والجلس: ما ارتفع منها، وقُدْس بضم فسكون: جبل معروف، أو موضع مرتفع يصلح للزراعة، والقَبَلية: ناحية قرب المدينة، وقيل: بين نخلة والمدينة، كما في "النهاية" ص 160،682،730، 736. (¬2) رواه أبو عبيد في "الأموال" ص 320 (ح 680)، والحاكم، كتاب الزكاة (1/ 404) وصححه، ولكن فيه الحارث بن بلال بن الحارث، قال عنه في "التقريب" (ترجمة 1013): (مقبول): قلت: ولم يصححه ابن خزيمة في صحيحه (4/ 44) (ح 2323) وإنما قال: (إن صح الخبر، فإن في القلب من اتصال هذا الإسناد)، وليس للحارث إلا هذا الحديث الواحد، ورواه البيهقي، كتاب إحياء الموات، باب من أقطع قطيعة أو تحجر أرضًا ثم لم يعمرها أو لم يعمر بعضها (6/ 148 - 149). (¬3) رواه مرسلًا عن طاوس أبو عبيد في "الأموال" ص 319 (ح 677)، واللفظ له، والبيهقي، كتاب إحياء الموات، باب لا يترك ذمي يحييه ... إلخ (6/ 143)، ورواه البيهقي عن طاوس عن ابن عباس موقوفًا، وفيهما ليث بن أبي سليم، ورواه من وجهٍ ثالثٍ عن طاوس عن ابن عباس مرفوعًا بنحوه ثم قال: (تفرد به معاوية بن هشام مرفوعًا موصولًا) وقد حاول ابن التركماني تضعيف معاوية، ونقل كلام ابن الجوزي فيه، ولكنه من رجال مسلم، وقال الذهبي في "المغني" (2/ 310) ردًا على ابن الجوزي: (ما تركه أحد) ولكن هذا الحديث مما أنكر عليه، كما في"المهذب" للذهبي 5/ 2277، التلخيص الحبير 4/ 1952، وأعله ابن القيم وابن عبدالهادي بالإرسال. أحكام أهل الذمة ص 484، التنقيح 3/ 83، وعادي الأرض: قديمها، قال في "النهاية" ص 598: (وكل قديم ينسبونه إلى عاد، وإلم يدركهم). (¬4) البيان 7/ 493.

الأول. واسترجاع الإقطاع راجعٌ لاجتهاد الإمام، قال في "كشاف القناع": (ما لم يَعُد الإمام فيه، أي في إقطاعه؛ لأنه كما أن له اجتهادًا في الإقطاع له اجتهادٌ في استرجاعه) (¬1) وتصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة (¬2)، فلا يجوز له أن يسترجعه بغير حق، قال في "حاشية ابن عابدين": (مطلب: ليس للإمام أن يخرج شيئًا من يد أحدٍ إلا بحق ثابت معروف) (¬3)، ومنع الاسترجاع بعض المالكية، جاء في "التاج والإكليل": (ولا بن رشد ما نصه: ما اقتطع أمير المؤمنين من أموال المسلمين التي يجوز له بيعها بإقطاعه حكمٌ لا يجوز له الرجوع فيه في حياة المقطع ولا بعد وفاته، وهو مال من ماله بنفس الإقطاع، يورث عنه كسائر ماله، وهو قول ابن القاسم ...) (¬4) وفي "مواهب الجليل": (الإقطاع حكم من أحكام الأئمة لا ينقض) (¬5). ومن أدلة الجواز-بالإضافة لما سيأتي ولما أشار إليه في "كشاف القناع"- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطع أبيض بن حمال المازني - رضي الله عنه - ثم استرده لما تبين له رجحان مفسدة ذلك على مصلحته (¬6). وما رواه أبو عبيد عن أسماء - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقطع الزبير أرضًا بخيبر فيها شجر ونخل. وهو حديث مسندٌ كما ذكر (¬7)، وقال: (أما إقطاع النبي - صلى الله عليه وسلم - الزبير أرضًا ذات نخل وشجر فإنا نراها الأرض التي أقطعها الأنصاري فأحياها وعمرها ثم تركها بطيب نفس منه فقطعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للزبير، وهو مفسّر في حديث ابن سيرين ... ولا أعرف لإقطاعه أرضًا فيها نخل وشجر وجهًا غير هذا) (¬8)، وحديث ابن سيرين هو: (أقطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

_ (¬1) 9/ 461. (¬2) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 278، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 104. (¬3) 6/ 285. (¬4) 6/ 400. (¬5) 8/ 144، نقله عن القرافي. (¬6) الحديث رواه أبو داود، كتاب الخراج والفيء والإمارة، باب ما جاء في إقطاع الأرضين (4/ 670) (ح 3064)، والترمذي، أبواب الأحكام عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، باب ما جاء في القطائع (3/ 56) (ح 1380) وقال: (غريب)، وابن ماجه، الرهون، باب إقطاع الأنهار والعيون (3/ 530) (ح 2475)، ورواه النسائي في "الكبرى"، كتاب إحياء الموات، الإقطاع (2/ 885) (ح 5732 - 5736)، وأبو عبيد في "الأموال" ص 321 (ح 686)، علته سُمي بن قيس عن شُمير بن عبد المدان اليماني، وهما مجهولان، ولكن له طرق أخرى عند النسائي والدارقطني، وقد ضعفه ابن القطان وصححه ابن حبان والضياء المقدسي وقواه ابن الملقن. صحيح ابن حبان (ح 4499)، سنن الدارقطني 2/ 683، بيان الوهم والإيهام 5/ 80 - 81، البدر المنير 7/ 75، التلخيص الحبير 4/ 1961، سلسلة الأحاديث الضعيفة (10/ 1/340) (ح 4799). (¬7) رواه في "الأموال" ص 319 (ح 679)، وينظر ما سبق ص 229. (¬8) الأموال ص 323.

رجلًا من الأنصار يقال له سليط وكان يذكر من فضله أرضًا، قال: فكان يخرج إلى أرضه تلك، فيقيم بها الأيام، ثم يرجع، فيقال له: لقد نزل من بعدك من القرآن كذا وكذا، وقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كذا وكذا، قال: فانطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إن هذه الأرض التي أقطعتنيها قد شغلتني عنك فاقبلها مني، فلا حاجة لي في شيء يشغلني عنك، فقبلها النبي - صلى الله عليه وسلم - منه، فقال الزبير: يا رسول الله، أقطعنيها. قال: فأقطعها إياه) (¬1) وهو محل الشاهد فإقطاعه - صلى الله عليه وسلم - لأرضٍ سبق أن أقطعها كان بعد استرجاعه، وهذا الاسترجاع بوجه الحق، كما هو ظاهر، وإنما قدمت حديث أسماء - رضي الله عنها -؛ لأنه مسند وحديث ابن سيرين مرسل (¬2). أما إقطاعه للمقطع الثاني بعد الاسترجاع فدليله عموم أدلة الإقطاع، أما إن أقطعه لآخر دون استرجاع فهذا من الظلم والعدوان، وهو مثل الاسترجاع بغير حق (¬3). إذا تقرر ذلك جاز إقطاع المقطع بعد استرجاعه بجملة من الشروط، وهي: 1 - عجز المقطع الأول عن الاستغلال أو عن الإحياء إن كان إقطاع تمليك، وهذا على مذهب الشافعية (¬4) والحنابلة (¬5)، أما عند المالكية (¬6) فإنه يملك الأرض بمجرد الإقطاع وليس بالإحياء، واختاره ابن عابدين من الحنفية (¬7). ودليل الاشتراط حديث الحارث بن بلال بن الحارث عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقطعه العقيق أجمع، فلما كان عمر - رضي الله عنه - قال لبلال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقطعك لتحجره -وفي نسخة: لتحجزه- عن الناس، لم يقطعك إلا لتعمل، فأقطع عمر بن الخطاب للناس العقيق (¬8)، وعن عبد الله بن أبي بكر قال: جاء بلال بن الحارث المزني إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستقطعه أرضًا طويلةً عريضةً، فلما وَلي عمر قال له: يا بلال إنك استقطعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرضًا طويلةً عريضةً قطعها لك، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ليمنع شيئًا يُسألُه، وإنك لا تطيق ما في يديك. قال: ¬

_ (¬1) الأموال ص 319 (ح 678). (¬2) ولعل مراد مَن تقدم من المالكية أن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد، ولكن متى قام السبب -كما في هذه النصوص- فإنه يكون مثل الاجتهاد المخالف للنصوص أو الإجماع فيسوغ نقضه، وهذا التوجيه على ضوء ما ذُكر من أدلة، وقد قال ابن النحاس: (وكذا يجب أن يُتأول للعلماء، ولا يتأول عليهم الخطأ العظيم، إذا كان لما قالوه وجه). كتاب الناسخ والمنسوخ ص 216، وإلم يكن ما نحن فيه خطأ عظيما إلا أن الشاهد في التأول. (¬3) ينظر مجموع الفتاوى 30/ 127، 170، 173، 247. (¬4) المهذب 16/ 715، مغني المحتاج 2/ 472. (¬5) المغني 8/ 163 - 164، كشاف القناع 9/ 460. (¬6) الشرح الصغير 2/ 295، حاشية الدسوقي 4/ 68. (¬7) حاشية ابن عابدين 6/ 303. (¬8) رواه أبو عبيد والحاكم والبيهقي، سبق تخريجه ص 230.

أجل. قال: فانظر ما قويت عليه منها فأمسكه وما لم تطق فادفعه إلينا نقسمه بين المسلمين. فقال: لا أفعلُ واللهِ، شيءٌ أقطعنيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال عمر: والله لتفعلن. فأخذ منه ما عجز عن عمارته فقسمه بين المسلمين (¬1)، وعن طاوس وعن رجل من أهل المدينة قال: قطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العقيق لرجل واحد، فلما كان عمر كثر عليه فأعطاه بعضه وقطع سائره للناس (¬2). 2 - إنذار الإمام المقطع الأول بعد مضي مدة الإمهال، وهو ظاهر من فعل عمر - رضي الله عنه - في الآثار السابقة (¬3). 3 - أن يكون المقطع الثاني مستحقًا للإقطاع. 4 - أن يكون المقطع الثاني قادرًا على الإحياء أو الاستغلال (¬4). ... ¬

_ (¬1) رواه البيهقي، الموضع السابق (6/ 149). (¬2) رواه معمر، باب قطع الأرض (11/ 9 - 10) (ح 19753) وإرساله ظاهر، وما جاء عن عمر في قصة أخرى أنه قال: (لو كانت قطيعة مني أو من أبي بكر لم أردّها ولكنها قطيعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنا أردها؟) استفهام إنكاري، كما عند ابن زنجويه في "الأموال" (ح 1062) فهو مع إرساله لا يعارض ما هنا؛ لأن بلال قد اشتُرط عليه أن يعمر فلم يعمر كما في بعض الروايات. (¬3) الاختيار 3/ 66 - قياسًا على الإحياء-، المغني 8/ 164، مغني المحتاج 2/ 471 - 472. (¬4) المهذب 16/ 715، مغني المحتاج 2/ 473، المغني 8/ 165، كشاف القناع 9/ 460.

الفصل الثالث عقود التوثقة المضافة إلى مثلها

الفصل الثالث عقود التوثقة المضافة إلى مثلها، وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: رهن المرهون. المبحث الثاني: كفالة الكفيل وضمان الضمين (الضامن). المبحث الثالث: إعادة التأمين.

المبحث الأول: رهن المرهون

المبحث الأول: رهن المرهون، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الرهن وحكمه. تعريف الرهن الرهن لغةً الدوام والثبوت والحبس، في "اللسان": (رَهَنَ الشيءُ رهنًا دام وثبتَ) (¬1). والرهن اصطلاحًا: 1 - عند الحنفية: حبس شيءٍ مالي بحق يمكن استيفاؤه منه (¬2). 2 - عند المالكية: مالٌ قبضُه توثقٌ به في دين (¬3). 3 - عند الشافعية: جَعلُ عينِ مالٍ متمولةٍ وثيقةً بدينٍ ليستوفي منها عند تعذر وفائه (¬4). 4 - عند الحنابلة: توثقة دينٍ بعينٍ يمكن أخذه أو بعضه منها أو من ثمنها عند تعذر الوفاء من غيرها (¬5). 5 - توثقة دينٍ بعينٍ أو دينٍ أو منفعةٍ يمكن استيفاؤه أو بعضه منها أو من بعضها (¬6). حكم الرهن الرهن جائز بالكتاب والسنة والإجماع؛ لقوله - سبحانه وتعالى -: {وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} سورة البقرة:283، ورَهَنَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - درعه عند يهودي (¬7)، وانعقد الإجماع على جوازه (¬8). المطلب الثاني: حكم رهن المرهون، وفيه فرعان: الفرع الأول: رهن المرهون من طرفٍ ثالثٍ. صورة المسألة: لها صورتان -وإن كان الحكم واحدًا-: الصورة الأولى: الرهن المباشر (الحقيقي- الحيازي). إذا رهن زيد جوالًا عند سعد، فزيد المدين هو الراهن، وسعد الدائن هو المرتهن، فهل ¬

_ (¬1) لسان العرب، مادة رهن 17/ 50، وينظر: مقاييس اللغة، مادة رهن 2/ 452، تهذيب اللغة، مادة رهن 2/ 1491. (¬2) الدر المختار مع حاشية ابن عابدين 10/ 79 - 80، حاشية الطحطاوي 4/ 234. (¬3) شرح حدود ابن عرفة ص 409، الشرح الكبير للدردير 3/ 231 مع الدسوقي. (¬4) نهاية المحتاج 4/ 138، وفي "فتح الباري" أكثر اختصارًا 6/ 325. (¬5) الإقناع 2/ 309، كشف المخدرات 1/ 319. (¬6) ينظر الشرح الممتع 9/ 118 - 119. (¬7) رواه البخاري، كتاب الرهن، باب من رهن درعه (3/ 142) (ح 2509)، ومسلم، كتاب البيوع (5/ 55) (ح 4114). (¬8) الإجماع لابن المنذر ص 138، حاشية ابن عابدين 10/ 79، مجمع الأنهر 2/ 584، الذخيرة 8/ 75، نهاية المطلب 6/ 71، نهاية المحتاج 4/ 138، حاشية البيجوري 1/ 689، المغني 6/ 443، كشاف القناع 8/ 150، نيل الأوطار 4/ 128.

لأحدهما أن يرهن هذا الجوال حقيقةً عند طرف ثالثٍ دائنٍ لأحدهما، بأن يجعل الجوال في يد الطرف الثالث رهنًا؟ وتصوّر ذلك فيما إذا كان الراهن للطرف الثالث هو سعد ظاهرٌ؛ لأن الأصل أن يكون الرهن في يده، وقد يكون في يد أمينٍ يرتضيانه، أما كون الراهن الثاني هو زيد فهذا متصور على قول من لا يشترط القبض للزوم الرهن. الصورة الثانية: الرهن الرسمي (التأميني-السائل-الساذج-الذمة السائلة). أصل الرهن قد يكون مباشرًا وقد يكون سائلًا، وكذلك رهن المرهون، والمراد بالثاني ما يوجد في أنظمة كثير من البلاد الإسلامية، وهو رهن لا يقبض فيه المرتهن المرهون، ويبقى في يد الراهن، ولكن يحق للمرتهن المطالبة باستيفاء الدين منه عند حلوله، ويكون توثيق الدين بقبضه على وثائق الملكية للعين المرهونة، فالراهن وإن كان قادرًا على الانتفاع بالمرهون إلا أنه لا يملك نقل ملكيتها لطرف ثالث حتى يفتك الرهن السائل بتسديد الدين (¬1)، وهذا قد يقع لبعض الجهات الاعتبارية -أكثر من غيرها- فهل لها أن ترهن هذه العين الباقية في يدها بتكرار تسليم المستندات في كل عملية رهن، إذا لم يُحكم النظام المنع من ذلك؟ يرجع حكم الرهن السائل لمسألة اشتراط القبض للزوم الرهن، فجمهور العلماء من الحنفية (¬2) والشافعية (¬3) والحنابلة (¬4) وابن حزم (¬5) على اشتراطه، ونُقِل الإجماع عليه (¬6)، وذهب المالكية إلى عدم اشتراطه (¬7)، وذهب بعض الحنابلة للتفصيل فالمرهون المكيل أو الموزون لا يلزم إلا بالقبض وغيرهما على روايتين كالقولين السابقين (¬8). وقد ذهب بعض المعاصرين لجوازه، وذكر توجيه ذلك بأمور منها: أن قبض المستندات يقوم مقام قبض الرهن، وأن مقصود الرهن توثيق الدين، وهو حاصلٌ بهذا الرهن مع تحقيق مصلحة الراهن أيضًا، وأن القبض الحقيقي يتعذر في التجارة الدَّوْلِيّة في حالاتٍ كثيرةٍ (¬9). ¬

_ (¬1) بحوث في قضايا فقهية معاصرة لمحمد تقي العثماني ص 18 - 21، المعايير الشرعية، معيار الضمانات ص 59. (¬2) تحفة الفقهاء 3/ 50. (¬3) الوجيز 1/ 330. (¬4) كشاف القناع 8/ 168. (¬5) المحلى 8/ 88. (¬6) الإجماع لابن المنذر ص 138. (¬7) الذخيرة 8/ 124،100، وفي "المدونة" ما يفهم منه موافقة الجمهور 6/ 303،302،298،297. (¬8) المغني 6/ 446. (¬9) الفقه الإسلامي وأدلته 6/ 4237 - 4238، بحوث في قضايا فقهية معاصرة لمحمد تقي العثماني ص 18 - 21، وقد مثَّل العثماني للرهن الرسمي برهن السيارة، والأنظمة على أنه لا يرد إلا على عقار. المدخل لدراسة الأنظمة ص 194، ولكنه تمثيل للتوضيح، وقد يصح في أنظمة دول أخرى. كما أن القبض قد يتعذر أيضًا في بعض المعاملات المعاصرة.

تحرير محل النزاع: أولا: في حال الإذن: إذا أذن المرتهن للراهن في الرهن جاز ويفسخ الرهن الأول (¬1)؛ لأن المرتهن تنازل عن حقه ورجعت العين لمالكها، وهو الراهن. وأما المرتهن فلا يجوز له أن يرهن ولا يصح (¬2)؛ لأنه لا يملك الرهن، ولأنه متى كان الحق دينًا فالانتفاع بالرهن يؤول إلى الربا؛ لأنه قرضٌ جر نفعًا، وفي قولٍ عند الحنابلة يصح ذلك ويصير الرهن عارية عنده (¬3). ثانيا: في غير حالة الإذن هل يجوز للراهن أو المرتهن أن يرهن الرهن؟ على قولين: القول الأول: لا يجوز ولا يصح، وهو مذهب الحنفية (¬4) والشافعية (¬5) والحنابلة (¬6). القول الثاني: أما رهن الراهن فإذا كانت قيمة المرهون أكثر من الدين جاز أن يرهن ما زاد عن الدين رهنًا ثانيًا برضا المرتهن الأول، وهو مذهب المالكية (¬7)، أما رهن المرتهن فقال مالك في من ارتهن رهنًا فباعه أو رهنه: (إنه يرده حيث وجده فيأخذه ربه ويدفع ما عليه فيه، ويتبع الذي اشتراه الذي غَرَّه فيلزمه بحقه) (¬8)، وهذا يفيد موافقة الجمهور. الأدلة: أما وجه الجواز مع الإذن فواضح وسبق نحوه مرارًا، وأما في غير حالة الإذن فما يلي: أدلة القول الأول: الدليل الأول: أما الراهن فلا يجوز له أن يرهن المرهون؛ لتعلق حق المرتهن به، قال في"الأشباه والنظائر": (المشغول لا يشغل، ولهذا لو رهن رهنًا بدينٍ ثم رهنه بآخر لم يجز في الجديد) (¬9). ¬

_ (¬1) نصَّ عليه بعض الفقهاء وهو مقتضى مذهب سائرهم: نهاية المحتاج 4/ 155، الفروع 6/ 396، كشاف القناع 8/ 176، قال في "المغني" 6/ 483: (وإن أعتقه بإذن المرتهن فلا نعلم خلافًا في نفوذ عتقه على كل حال) ويحتمل إلحاق الرهن به، وفي "المعايير الشرعية"، معيار الضمانات ص 59 جواز إيقاع أكثر من رهن على عين بشرط علم المرتهن اللاحق. (¬2) بدائع الصنائع 6/ 230، البيان 6/ 33، واستثنى الحنفية ما إذا رهن المرتهن وأجازه الراهن، ويُنظر المراجع التالية. (¬3) تقرير القواعد 1/ 263،260. (¬4) بدائع الصنائع 6/ 231، وذكر أن الراهن بالخيار إن شاء ضمَّن المرتهن الأول وإن شاء ضمَّن الثاني، حاشية ابن عابدين 10/ 130، حاشية الطحطاوي 4/ 247. (¬5) الأم 3/ 154، الوجيز 1/ 331، نهاية المحتاج 4/ 155. (¬6) المغني 6/ 448، المحرر 1/ 490، كشاف القناع 8/ 175. (¬7) المدونة 6/ 321، الشرح الكبير 3/ 237 مع الدسوقي، الشرح الصغير 2/ 110 مع الصاوي. (¬8) المدونة 6/ 327، قارن بكتاب الرهن في الفقه الإسلامي ص 613 - 614. (¬9) الأشباه والنظائر في قواعد وفروع الشافعية ص 334.

وأما المرتهن فلا يجوز له أن يرهن المرهون؛ لأن الحق الثابت له هو الحبس، ولا يملك أن يتصرف فيه بغير ذلك، قياسًا على هبة الرهن والتصدق به، جاء في "المقدمات الممهدات": (وأجمع أهل العلم على أن المرتهن ليس له الانتفاع بشيء من الرهن سوى الحيوان) (¬1) وذكر أن الخلاف في الحيوان إنما هو في حلبه وركوبه. الدليل الثاني: أن الراهن لم يرضَ بحبس غيره (¬2)، وهذا في رهن المرتهن. الدليل الثالث: قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن الراهن ممنوع من بيع الرهن وهبته وصدقته وإخراجه مِن يد مَن رهنه حتى يبرأ من حق المرتهن) (¬3)، والرهن مقيس على هذه العقود، ويلزم منه إخراج الرهن من يد المرتهن، وهو المعنى في الأصل، وهذا في رهن الراهن. الدليل الرابع: أنه تصرفٌ يبطل حقَّ المرتهن من الوثيقة غير مبني على التغليب والسراية فلم يصح بغير إذن المرتهن، كفسخ الرهن (¬4). دليل القول الثاني: أما رهن المرتهن فيُستدل لهم بما استدل به أصحاب القول الأول، أما رهن الراهن فبناءً على مذهبهم في عدم اشتراط قبض الرهن للزومه، فما زاد عن الدين من قيمة الرهن باقٍ في ملك الراهن فله أن يتصرف فيه بما يشاء. المناقشة: أن المالكية وإلم يشترطوا القبض لكنهم يرون أنه متى حصل القبض لزم استدامته (¬5) كالحنفية (¬6) والحنابلة (¬7) وخلافًا للشافعية (¬8)، وعليه فلن يتمكن المرتهن الثاني من توثيق حقه؛ لفوات المحل بقبض الأول. الترجيح الراجح أنه لا يجوز ولا يصح للراهن ولا للمرتهن أن يرهن المرهون مطلقًا، سواء أكان الدين الأول أقل من قيمة المرهون أم لا، وسواء أكان الرهن بيد المرتهن أم لا، إلا إذا أذن المرتهن للراهن بالرهن؛ لأن الحق له وأسقطه، وينفسخ بذلك الرهن الأول. أسباب الترجيح: ¬

_ (¬1) المقدمات الممهدات لابن رشد الجد 2/ 370، وينظر "المعايير الشرعية"، معيار الضمانات ص 60، البند 4/ 6. (¬2) بدائع الصنائع 6/ 231. (¬3) الإجماع ص 138. (¬4) المغني 6/ 483، والمقصود عدم صحة كل تصرف يمنع التوثّق باستثناء عتق المرهون؛ لأنه مبني على ما ذُكر. (¬5) الذخيرة 8/ 124. (¬6) تحفة الفقهاء 3/ 50. (¬7) الإنصاف 12/ 397. (¬8) البيان 6/ 21.

الفرع الثاني: رهن المرهون من المرتهن (الزيادة في الدين)

1. ما تقدم من الأدلة مع مناقشة دليل القول الآخر. 2. أنّ في هذا القول سدًّا لذريعة النزاع والاختلاف المتوقع بين المرتهنين. 3. تفاوت الذمم، والراهن لم يرضَ بذمة المرتهن الجديد. الفرع الثاني: رهن المرهون من المرتهن (الزيادة في الدين). صورة المسألة: إذا رهن زيد عقارًا عند سعد، فزيد المدين هو الراهن، وسعد الدائن هو المرتهن، فهل لزيد أن يستدين دينًا آخر من سعد ويجعل ذلك العقار بعينه رهنًا عن الدين الجديد الثاني، فيضمُّه إلى الأول في الاستيثاق بالرهن الأول؟ الحكم: فيه قولان: القول الأول: لا يجوز رهن المرهون للمرتهن، ولو كانت قيمة الرهن كافية للدينين، ولو كانا من جنس واحد، فإن فعل فيبطل الثاني دون الأول، وهو مذهب الحنفية (¬1) والشافعية (¬2) والحنابلة (¬3) وابن حزم (¬4). القول الثاني: يجوز رهن المرهون للمرتهن، فيكون رهنًا للدينين، وهو مذهب المالكية (¬5) والقول القديم عند الشافعية (¬6) وقول أبي يوسف (¬7) والمزني (¬8) وابن قيم الجوزية (¬9). الأدلة: أدلة القول الأول: الدليل الأول: أن هذا رهنُ مرهونٍ، ورهن المرهون لا يجوز، قياسًا على ما لو رهنه لطرفٍ آخر (¬10). المناقشة: بالمنع من إلحاق الفرع بالأصل، فليست العلة في منع رهن المرهون لطرف آخر ¬

_ (¬1) العناية 8/ 241، حاشية ابن عابدين 10/ 149 - 150. (¬2) الأم 3/ 154، نهاية المطلب 6/ 132، البيان 6/ 34. (¬3) كشاف القناع 8/ 153، الروض المربع 6/ 396. (¬4) المحلى 8/ 101. (¬5) حاشية الدسوقي 3/ 237، بشرط تساوي الأجلين ورضا الحائز للرهن سواء كان المرتهن الأول أو أمينًا غيره. (¬6) الحاوي الكبير 6/ 88، نهاية المطلب 6/ 132. (¬7) الأوسط 10/ 542، العناية 8/ 241، الاختيار 2/ 66. (¬8) نهاية المطلب 6/ 132. (¬9) الفروسية ص 299 - 300، ونُسب لابن تيميّة. اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية الفقهية 7/ 75. (¬10) نهاية المطلب 6/ 132.

كونه رهنًا لمرهون، بل لتفاوت الذمم، وحفظًا لحق المرتهن الأول، فإذا كان هو المرتهن الجديد فالذمة واحدة، والتوثق موجود، ولا منازع له في الوثيقة (¬1). الدليل الثاني: أنه تعلق بجملة الرهن كل جزءٍ من أجزاء الدين الأول، فلم يبق فيه موضعٌ لتعلُّق حقٍّ آخر بخلاف الضمان، فإن محله الذمة، وهي متسعة لكل دينٍ يَرِد عليها (¬2)، ودليله أنه لو قضى الحق الأول إلا جزءًا يسيرًا لتعلق به الرهن. المناقشة: 1.أن هذا الحكم ليس متفقًا عليه، فعن أبي حنيفة رواية أنه إذا رهن شيئين بحق فتلف أحدهما كان الباقي رهنًا بما يقابله من الحق لا بجميعه (¬3). الجواب: أن أبا حنيفة ليس ممن يعهد عنه روايتان (¬4)، وأن هذا مخالف للإجماع (¬5). الرد: لأبي حنيفة - رحمه الله - روايتان في عدد من المسائل، كما هو حال سائر الأئمة (¬6). 2. أنه لا أثر للفرق بينهما بسعة الضمان وضيق الرهن؛ لأن لهما أن يوسّعاه أضعاف ما هو متعلق به بأن يُغير الرهن (¬7). 3. أن الحق الثاني لا ينافي الحق الأول، فيمكن أن يتعلق الحقان بهذا المرهون. الدليل الثالث: أنها زيادة لا تلحق بالعقد فلا تصح، قياسًا على الزيادة في الثمن بعد لزوم البيع (¬8). المناقشة: أنه تعليل بمحل النزاع، فللمخالف أن يقول: إنها زيادة تلحق بالعقد فتصح قياسًا على زيادة الرهن (¬9)، وهذا أصلٌ أقرب من القياس على البيع. أدلة القول الثاني: الدليل الأول: قال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن للراهن أن يزيد المرتهن رهنًا مع رهنه أو ¬

_ (¬1) الفروسية ص 301 - 302. (¬2) الفروسية ص 300، وفيه جواب عن دليل أو إيراد مقدر: قياس الرهن على الضمان. (¬3) الفروسية ص 300. (¬4) الواضح لابن عقيل 2/ 219. (¬5) الأوسط 10/ 541، أن من أدى بعض المال وأراد إخراج بعض الرهن فليس له ذلك .... إلخ (¬6) وكلام ابن عقيل في "الواضح" لعله أغلبي، ومن أمثلة نسبة الروايتين لأبي حنيفة: حاشية ابن عابدين 6/ 370، 10/ 156 - 157، شرح النووي على مسلم 3/ 435 - 436، 6/ 222، الإعلام لابن الملقن 5/ 54، المغني 11/ 423، 447، 512، 12/ 269. (¬7) الفروسية ص 300. (¬8) كشاف القناع 8/ 153. (¬9) يتضح بالدليل الأول للقول الثاني.

رهونًا) (¬1)، فكذلك يجوز أن يزيد المرتهن الراهن دينًا مع دينه أو ديونًا، قال الجويني في"نهاية المطلب": (فإذا لم يمتنع هذا في أحد الجانبين-وحكم العقود التساوي- لم يمتنع في الجانب الآخر، ولما منعنا الزيادة في الثمن بعد لزوم العقد منعناها في المثمن) (¬2) أي في عقد البيع. المناقشة: أن الدين مستغرق للرهن وليس الرهن مستغرقًا للدين، بدليل سقوط الدين بكل الرهن وسقوط الرهن لا بكل الدين، ولذلك جاز دخول رهنٍ ثانٍ على أولٍ في دين واحد، ولم يجز دخول دينٍ ثانٍ على أولٍ في رهنٍ واحدٍ (¬3). الجواب: عدم التسليم بالمقدمة الأولى، فالاستغراق المذكور حكمي، والنظر في الاستغراق الحقيقي الخارجي، فإن كانت قيمة الرهن أكبر من قدر الدين الأول فليس الدين مستغرقًا للرهن حينئذٍ، ولو لم يستغرقهما معًا، يكفي أن يكون توثقةً لجزء من الدين الجديد. الدليل الثاني: قال ابن قيم الجوزية: (لما ملكا تغيير العقد ورفعه ثم جعل الرهن وثيقة بالدينين مَلَكَا أن يجعلاه وثيقة بهما مع بقاء العقد، وأي فائدة أو مصلحة حصلت لهما بتغيير العقد وفسخه وتعريض الحق للضياع بإبطال الرهن، ومعلوم أن الشارع لا يشرع ما هو عبث لا مصلحة فيه، فيقول إذا أردتما الزيادة في الدين فافسخا عقد الرهن وأبطلاه ثم زيدا فيه، فتغيير صفته أسهل عليهما وأقل كلفةً وأبين مصلحةً) (¬4). الترجيح الراجح جواز رهن الرهن من المرتهن ولو لم يفِ الرهن بالدينين معًا. أسباب الترجيح: 1. قوة الأدلة ومناقشة ما يعارضها. 2. استناده للأصل في العقود والمعاملات. 3. أن الشارع لا يشرع ما هو عبث لا مصلحة فيه، مثل أخذ الرهن ثم إعادته ليكون عن الدينين -كما يقوله أصحاب القول الأول-، وهذا مثل خلع الخف الأيمن ثم لبسه إذا أدخله قبل أن يغسل قدمه اليمنى (¬5)، ومثل رد اللقمة إلى السفرة ثم أخذها إذا قدمها له ضيف ¬

_ (¬1) الأوسط 10/ 541، الإجماع ص 138، ومخالفة زفر قد تكون لاحقة للإجماع وقد تكون سابقة. (¬2) 6/ 132. (¬3) الحاوي الكبير 6/ 90. (¬4) الفروسية ص 301. (¬5) الروض المربع 1/ 320 - 321.

آخر دون إذن المضيف (¬1). تنبيه: يشتبه بهذه المسألة ما لو كان للمدين الراهن رهنٌ بدين عند الدائن المرتهن، فطلب منه دينًا آخر فاشترط الدائن رهنًا آخر يستوعب ثمنه الدينين أو عرض المدين ذلك عليه، فمن العلماء من أجازه؛ لعموم أدلة مشروعية الرهن، ومنهم مَن منعه لشبهة الربا، جاء في"المدونة": (أرأيت إن ارتهنت من رجل جارية، قيمتها خمسمائة درهم بخمسمائة درهم أسلفته إياها، ثم جاءني بعد ذلك فقال: أسلفني خمسمائة أخرى. فقال: لا، إلا أن ترهنني جاريتك فلانة الأخرى بجميع الألف -وقيمتها ألف درهم- قال مالك: لا خير في هذا؛ لأن هذا قرض جر منفعة؛ ألا ترى أنه أقرضه على أن زاده في سلفه الأول رهنا) (¬2) وجاء في"المغني": (إذا كان له على رجل ألف فقال: أقرضني ألفًا بشرط أن أرهنك عبدي هذا بألفين. فنقل حنبل عن أحمد أن القرض باطل، وهو مذهب الشافعي؛ لأنه قرض يجر منفعة، وهو الاستيثاق بالألف الأول، وإذن بطل الرهن، فإذا قيل: أليس لو شرط أنه يعطيه رهنًا بما يقترضه جاز؟ قلنا: ليس هذا قرضًا جر منفعة؛ لأن غاية ما حصل له تأكيد الاستيفاء لبدل ما أقرضه وهو مثله، والقرض يقتضي وجوب الوفاء، وفي مسألتنا شرط في هذا القرض الاستيثاق لدينه الأول فقد شرط استيثاقًا لغير موجب القرض، ونقل أن القرض صحيح، ولعل أحمد حكم بصحة القرض مع فساد الشرط كيلا يفضي إلى جر المنفعة بالقرض، أو حكم بفساد الرهن في الألف الأول وحده وصححه فيما عداه) (¬3). ¬

_ (¬1) الآداب الشرعية لابن مفلح 3/ 332. (¬2) 6/ 359، وينظر 6/ 353،215. (¬3) 6/ 508، الشرح الكبير 12/ 470، وبنحوه في "الحاوي الكبير" 6/ 246.

المبحث الثاني: كفالة الكفيل وضمان الضمين (الضامن)

المبحث الثاني: كفالة الكفيل وضمان الضمين (الضامن) (¬1)، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف الكفالة والضمان وحكمهما، وفيه فرعان: الفرع الأول: تعريف الكفالة وحكمها. تعريف الكفالة الكفالة لغةً التحمل والالتزام والضمان (¬2). واصطلاحًا: 1 - عند الحنفية: ضم ذمة الكفيل إلى ذمة الأصيل في المطالبة مطلقًا (¬3)، وقالوا: ضم الذمة إلى الذمة في المطالبة (¬4)، والأول أوضح والثاني سالم من الدور. 2 - عند المالكية: إحضار ذات المدين وقت الحاجة إليه (¬5). 3 - عند الشافعية: التزام إحضار المكفول أو جزءٍ شائعٍ منه أو ما لا يبقى بدونه كرأسه أو قلبه أو روحه حيث كان المتكفل بجزئه حيًا (¬6). 4 - عند الحنابلة: التزام رشيد إحضار مَن عليه حق مالي لربه (¬7). 5 - ضم ذمة الكفيل إلى ذمة المكفول عنه في التزام إحضاره (¬8). حكم الكفالة من حيث الأصل (¬9). فيه قولان: القول الأول: جواز الكفالة وصحتها، وهو مذهب عامة أهل العلم ومنهم الأئمة ¬

_ (¬1) ومثلها في الحكم كفالة المكفول إذا كان في حق واحد، وقد قال في "القبس" (18/ 564) في أثناء مفاقهة: (الكفالة تبرعٌ باتفاق) ولاشك أن الكفيل متبرع بكفالته-في الأصل- ولكن كون العقد توثقة أمرٌ ظاهر، فليست تبرعًا محضًا، بل فيها المعنيان جميعًا، قال في "الاختيار"2/ 166: (وهي عقد وثيقة وغرامة)، وقال في "المدخل الفقهي العام"1/ 646: (تصنف العقود بهذا النظر صنفين أيضًا: عقود أصلية ... وعقود تبعية ... كالرهن والكفالة، فالرهن والكفالة كلاهما توثيق لغيره، فلا ينعقدان ابتداءً إذا لم يكن في مقابلهما حقٌّ آخر ثابت أو متوقع). (¬2) المطلع ص 298، المصباح المنير، مادة كفل ص 437، القاموس المحيط، مادة كفل ص 1053. (¬3) حاشية ابن عابدين 7/ 589. (¬4) الهداية 5/ 389. (¬5) الفواكه الدواني 2/ 374، ويسمونها حمالة. (¬6) نهاية المحتاج 4/ 283. (¬7) الروض المربع 6/ 441. (¬8) نظرية الضمان الشخصي ص 219. (¬9) أي كفالة النفس بغض النظر عن نوع الحق (موضوع الكفالة).

الأربعة (¬1). القول الثاني: منع وبطلان الكفالة بالبدن، وهو قولٌ للشافعي (¬2) وقول الظاهرية (¬3). الأدلة: أدلة القول الأول: الدليل الأول: قول الله - سبحانه وتعالى -: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} يوسف: (66) وجه الدلالة: التزم أبناء يعقوب - عليه السلام - بإحضار أخيهم وهذا معنى الكفالة بالنفس، قال القرطبي: (هذه الآية أصل في جواز الحمالة بالعين والوثيقة بالنفس) (¬4) وقد استدل بها كثير من أهل العلم (¬5). الدليل الثاني: قوله - سبحانه وتعالى -: {قَالُوا يَاأَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} يوسف: (78) وجه الدلالة: أن إخوة يوسف - عليه السلام - طلبوا منه أن يأخذ واحدًا منهم مكان أخيهم، وذلك في معنى الكفالة بالنفس إذا قيل إنهم أرادوا إرجاع أخيهم ليوسف - عليه السلام - فطلبوا ما طلبوا ليثق بهم، كما أفاده القرطبي ثم قال: (وجمهور الفقهاء على جواز الكفالة في النفس) (¬6). الدليل الثالث: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه ذكر رجلًا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار فقال: (ائتني بالشهداء أشهدهم. فقال: كفى بالله شهيدًا. قال: فائتني بالكفيل. قال: كفى الله كفيلًا. قال: صدقت. فدفعها إليه إلى أجل مسمى) (¬7). وجه الدلالة: قال في"فتح الباري": (وفيه طلب الشهود في الدين وطلب الكفيل به ... ووجه الدلالة منه على الكفالة تحدث النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك وتقريره له، وإنما ذكر ذلك ليُتأسى به ¬

_ (¬1) بدائع الصنائع 6/ 8، مختصر القدوري ص 181، الذخيرة 9/ 191، التاج والإكليل 7/ 57، كفاية الأخيار ص 321، نهاية المحتاج 4/ 283، وفيهما: (المذهب صحة كفالة البدن)، المغني 7/ 96 - 97، كشاف القناع 8/ 248. (¬2) المهذب 14/ 434، 435 مع تكملة المجموع، نهاية المطلب 7/ 16، نهاية المحتاج 4/ 283. (¬3) المحلى 8/ 119 - 122 أما الكفالة الجائزة عندهم فهي الكفالة بالمال (الضمان) 8/ 110. (¬4) الجامع لأحكام القرآن 9/ 191. (¬5) الذخيرة 9/ 191، المغني 7/ 97، كشاف القناع 8/ 248، نظرية الضمان الشخصي ص 221. (¬6) الجامع لأحكام القرآن 9/ 204. (¬7) رواه البخاري تعليقًا بصيغة الجزم، كتاب الكفالة، باب الكفالة في القرض والديون بالأبدان وغيرها (3/ 95) (ح 2291)، ووصلها في الأدب المفرد (ح 1128)، وأحمد (ح 8587)، وابن حبان (ح 6487).

فيه، وإلا لم يكن لذكره فائدة) (¬1). الدليل الرابع: عن أبي أمامة - رضي الله عنه - مرفوعًا: «الزعيم غارم» (¬2). وجه الدلالة: أن الزعيم الكفيل (¬3). الدليل الخامس: حكي الإجماع عليه (¬4)، وقال في "المبسوط": (وعليه عمل القضاة من لدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا) (¬5). الدليل السادس: القياس على الضمان في التوثيق، والقياس على الهبة والقرض والعارية في الإحسان والمعروف. أدلة القول الثاني: الدليل الأول: أن الكفالة اشتراط لما ليس في كتاب الله وهو باطل (¬6). المناقشة: الأصل في الشروط الجواز والصحة، وليس في كتاب الله - سبحانه وتعالى - ما يمنعها، وهذا من باب التنزل فقد سبق ذكر أدلة الجمهور. الدليل الثاني: أنه إذا أُلزِم الكفيلُ الغرامةَ عن المكفول الغائب فهذا ظلم وجور؛ لأنه لم يلتزم ذلك، وإلم يلزم بطل معنى الكفالة (الضمان بالنفس) (¬7). الجواب: أننا نطالبه بإحضاره ونلزمه بذلك، فإلم يحضره لزمه ما عليه من دين؛ لأنه التزمه بعقد الكفالة إلا إذا اشترط خلاف ذلك (¬8). ¬

_ (¬1) فتح الباري لابن حجر 6/ 76. (¬2) رواه أبو داود، كتاب البيوع، باب في تضمين العارية (5/ 417) (ح 3565)، والترمذي، أبواب البيوع، باب ما جاء في أن العارية مؤداة (2/ 544) (ح 1265)، وابن ماجه، أبوب الصدقات، باب الكفالة (3/ 482) (ح 2405)، وأحمد (36/ 628) (ح 22294) قال الترمذي: (حسن) وصححه ابن حبان والقرطبي والألباني، وحسنه البيهقي وابن الملقن، وقال ابن حجر: (وضعفه ابن حزم بإسماعيل، ولم يصب) وقال ابن كثير: (هذا من أصح أحاديث إسماعيل بن عياش؛ لأن شيخه في هذا شامي، وهو حجة إذا روى عن الشاميين عند الجمهور). تفسير القرطبي 1/ 341، البدر المنير 6/ 707، إرشاد الفقيه 2/ 58، التلخيص الحبير 4/ 1873، الإرواء 5/ 245. (¬3) البدر المنير 6/ 710، وفي الباب أحاديث أخرى، ينظر ما علقه البخاري في الموضع السابق. (¬4) الاختيار 2/ 166، فتح القدير 5/ 389، الذخيرة 9/ 191. (¬5) المبسوط 19/ 196، قال ابن قيم الجوزية: (وهذه قاعدة من قواعد الشرع عظيمة النفع أن كل ما يعلم أنه لا غنى بالأمة عَنه ولم يزل يقع في الإسلام ولم يعلم من النبي - صلى الله عليه وسلم - تغييره ولا إنكاره ولا من الصحابة فهو من الدين) بدائع الفوائد 4/ 1423، ودليله ما رواه مسلم (1/ 9) مرفوعًا: (سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم). (¬6) المحلى 8/ 119. (¬7) المحلى 8/ 119. (¬8) المدونة 6/ 240، الروض المربع 6/ 447 - 448.

الفرع الثاني: تعريف الضمان وحكمه

الدليل الثالث: أن الكفالة بالنفس فيها ضمانٌ لما عليه في الذمة بعقد فلم يصح للغرر. المناقشة: أن إحضار المكفول أمر معلوم مضبوط، ولو كان فيه جهالة فهي مغتفرة؛ لأنها يسيرة (¬1)، فإن تعذر إحضاره ضمن ما في ذمته (¬2)، وضمان المال (وتسمى كفالة غرم وأداء) مجمع عليه كما سيأتي (¬3). الترجيح الراجح جواز وصحة الكفالة؛ لما تقدم من الأدلة ولأنه قول الأئمة الأربعة، واجتماعهم مرجِّح وإلم يكن حجة. الفرع الثاني: تعريف الضمان وحكمه. تعريف الضمان الضمان لغةً الالتزام والكفالة والغرامة (¬4)، أصلها من الضمن وقيل من الضم، فعلى الأول قال في "مقاييس اللغة": (الضاد والميم والنون أصل صحيح، وهو جعل الشيء في شيءٍ يحويه ... والكفالة تسمى ضمانًا من هذا) (¬5) واختاره في "المطلع"؛ لأن ذمة الضامن تتضمن الحق، ولأن ذمة الضامن تصير في ضمن ذمة المضمون عنه، وعلى الثاني فذمة الضامن تنضم إلى ذمة المضمون عنه (¬6). والضمان اصطلاحًا: الضمان في اصطلاح أهل الشرع له إطلاقان: إطلاقٌ عام، وهو بمعنى إعطاء مثل الشيء إن كان من المثليات أو قيمته إن كان من القيميات لأسبابٍ معلومةٍ (¬7)، أو التزامٌ بتعويض مالي ¬

_ (¬1) نظرية الضمان الشخصي ص 228،225. (¬2) الروض المربع 6/ 447. (¬3) ص 249. (¬4) المحكم، مادة ضمن 8/ 214، المصباح المنير، مادة ضمن ص 297، القاموس المحيط، مادة ضمن ص 1212. (¬5) مادة ضمن 3/ 372. (¬6) المطلع ص 297 - 298. (¬7) المادة رقم 416 من مجلة الأحكام العدلية، درر الحكام 1/ 448. فائدة: وضابط المثلي والقيمي عند الحنفية وابن تيمية أن كل ما يوجد له مثل في الأسواق بلا تفاوت يعتدُّ به: فهو مثلي، وما ليس كذلك فقيمي، ونحوه عن الزهري والعنبري وداود، وعند الجمهور أن المثلي كل مكيل أو موزون يصح فيه السلم، وليس فيه صنعة مباحة، والقيمي ما ليس كذلك. درر الحكام 1/ 121، حاشية ابن عابدين 9/ 310 - 311، التمهيد لابن عبد البر 5/ 129، حاشية الدسوقي 3/ 446، معالم السنن 3/ 178، المغني 7/ 344، 361، شرح منتهى الإرادات 4/ 158، مجموع الفتاوى 30/ 332، الإنصاف 15/ 259.

عن ضررٍ للغير (¬1). وإطلاق خاص، وهو بهذا المعنى باب من أبواب الفقه، وهو المراد بالبحث، فالضمان العام يكون بعقدٍ وبغير عقد بسبب من أسباب الضمان المعروفة، فيدخل في العقود بمعناها العام، والضمان الخاص عقد من العقود، وبعض الفقهاء يطلق الضمان والكفالة على كلٍّ من الضمان بالمال وبالنفس دون تفريق، وبعضهم يخص الضمان بالمال والكفالة بالنفس، وهذا يوافق قول أبي هلال العسكري: (الفرق بين الكفالة والضمان: أن الكفالة تكون بالنفس والضمان يكون بالمال، ألا ترى أنك تقول: كفلتُ زيدًا. وتريد إذا التزمتَ تسليمه، وضمنتُ الأرض. إذا التزمتَ أداء الأجر عنها، ولا يقال: كفلتُ الأرض؛ لأن عينه لا تغيب فيحتاجَ إلى إحضارها، فالضمان التزام شيء عن المضمون، والكفالة التزام نفس المكفول به، ومنه كفلتُ الغلام إذا ضممتَه إليك لتعوله، ولا تقول: ضمنتُه؛ لأنك إذا طولبت به لزمك تسليمه، ولا يلزمك تسلُّم شيءٍ عنه، وفي القرآن: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} ولم يقل ضمنها، ومن الدليل على أن الضمان يكون للمال والكفالة للنفس أن الإنسان يجوز أن يضمن من لا يعرفه ولا يجوز أن يكفل من لا يعرفه؛ لأنه إذا لم يعرفه لم يتمكن من تسليمه، ويصح أن يؤدي عنه وإلم يعرفه) (¬2). وتعريف عقد الضمان: 1 - عند الحنفية: ضم ذمة الكفيل-أي الضامن- إلى ذمة الأصيل في المطالبة (¬3). 2 - عند المالكية: شغل ذمةٍ أخرى بالحق (¬4). 3 - عند الشافعية: التزام دين أو إحضار عينٍ أو بدنٍ (¬5). 4 - عند الحنابلة: التزام ما وجب على غيره مع بقائه، وما قد يجب (¬6). حكم الضمان الضمان عقد جائز صحيح؛ لقوله - سبحانه وتعالى -: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} يوسف: (72) (¬7)، وعن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بجنازة ليصلي عليها فقال: «هل عليه من دين» قالوا: ¬

_ (¬1) المدخل الفقهي العام 2/ 1035، وسبق التنبيه على دخول (ال) على (غير) ص 174. (¬2) الفروق اللغوية ص 233. (¬3) فتح القدير 5/ 389 وهو تعريف للضمان والكفالة، ينظر 5/ 429،311. (¬4) مختصر خليل مع مواهب الجليل 7/ 30. (¬5) حاشيتا قليوبي وعميرة 2/ 323، وهو تعريف للضمان والكفالة. (¬6) الروض المربع 6/ 426. (¬7) سبق كلام القرطبي وابن كثير في كونه أصلًا في الضمان.

المطلب الثاني: حكم كفالة الكفيل وضمان الضمين

لا. فصلى عليه، ثم أتي بجنازة أخرى فقال: «هل عليه من دين» قالوا: نعم. قال: «صلوا على صاحبكم» قال أبو قتادة: عليَّ دينُه يا رسول الله. فصلَّى عليه (¬1). فضمن أبو قتادة - رضي الله عنه - دين الميت، ولما تقدم من أدلة مشروعية الكفالة وجوازها، ولانعقاد الإجماع على ذلك (¬2). المطلب الثاني: حكم كفالة الكفيل وضمان الضمين. صورة المسألة: أما كفالة الكفيل فأن يكفل الأول الثاني، فالأول كفيل والثاني مكفول، فيكفل الثالثُ الأول، فالثالث كفيل الكفيل، وهكذا، أما ضمان الضمين -فعيلٌ بمعنى فاعل- فمثل ذلك. الحكم: كفالة الكفيل وضمان الضمين جائزان صحيحان في المذاهب الأربعة (¬3). قال في"حاشية ابن عابدين": (يصح كفالة الكفيل) (¬4)، وقال في "شرح الخرشي": (وصح ضمان الضامن وإن تسلسل) (¬5)، وقال في "العزيز شرح الوجيز": (وتجوز الكفالة ببدن الكفيل كما يجوز ضمان الضامن) (¬6)، وقال في "المغني": (وإن ضمن الضامن ضامن آخر صح ... والكفالة كالضمان في هذا المعنى جميعه) (¬7). فإن كان الكفيل الثاني أو الضامن الثاني هو المكفول الأول أو المضمون عنه الأول بنفس الدين فقد أجازه الحنفية (¬8) وذهب المالكية إلى التفصيل (¬9)، ¬

_ (¬1) رواه البخاري، كتاب الكفالة، باب من تكفل من ميت دينًا فليس له أن يرجع (3/ 96) (ح 2295). (¬2) الإجماع لا بن المنذر ص 141، مراتب الإجماع ص 113 - 114، مجمع الأنهر 2/ 130، بداية المجتهد مع الهداية 8/ 99، الفواكه الدواني 2/ 373، نهاية المحتاج 4/ 275، تكملة المجموع 14/ 369، المغني 7/ 71، كشاف القناع 8/ 225. (¬3) المبسوط 19/ 203، فتح القدير 5/ 436، مجمع الأنهر 2/ 143، حاشية الدسوقي 3/ 343 - 344، بلغة السالك 2/ 160 - 161، المهذب 14/ 403 مع تكملة المجموع، كشاف القناع 8/ 236، شرح منتهى الإرادات 3/ 385، 397. (¬4) 7/ 596. (¬5) 6/ 23. (¬6) 5/ 163، 166. (¬7) 7/ 87 - 88. (¬8) فتح القدير 5/ 436، مجمع الأنهر 2/ 143. (¬9) الشرح الكبير 3/ 341، وفيه: (أن يتداين رجلان دينا من رجل أو رجلين ويضمن كل منهما صاحبه فيما عليه لرب الدين فيمنع إذا دخلا على ذلك بالشرط لا على سبيل الاتفاق، إذ لا تلوم، واستثنى من المنع قوله (إلا في اشتراء شيء) معين (بينهما) شركة، ويضمن كل منهما الآخر في قدر ما ضمنه فيه فإنه جائز، (أو) في (بيعه) أي بيع شيء معين بينهما، كما لو أسلمهما شخص في شيء وتضامنا فيه، (كقرضهما) أي اقتراضهما نقدا أو عرضا بينهما على أن كل واحد منهما ضامن لصاحبه فيجوز (على الأصح)؛ لعمل السلف، بشرط أن يضمن كل صاحبه في قدر ما ضمنه الآخر فيه وإلا منع).

أما الشافعية (¬1) والحنابلة (¬2) فلا يجوزون ذلك. الأدلة: الدليل الأول: أن الدين ثابت في ذمة الضامن الأول فصح ضمانه، وجاز قياسًا على سائر الديون (¬3)، وكذلك الكفالة بالنفس في الدين. الدليل الثاني: أن الدين ثابت في ذمة الضامن الأول فصح ضمانه وجاز قياسًا على الضمان الأول (¬4)، وكذلك الكفالة. الدليل الثالث: أن الأصل في المعاملات الجواز والصحة، ولم يرد ما يمنع ذلك من نص أو إجماع أو قياس، ولا يزيد ذلك العقد إلا توثيقًا. أما الصورة الثانية، والتي يكون فيها طرفان كلٌّ منهما كفيل أو ضامن للآخر فأدلتها: أدلة القول بالجواز: أولا: الأدلة السابقة، فهي تشمل بعمومها هذه الصورة. ثانيا: أن كل واحد منهما أصيل في نصف الدين وضامن في النصف الآخر، ولا معارضة بين ما عليه بحق الأصالة وما عليه بالضمان، فالأول دين والثاني مطالبة (¬5). أدلة القول بالمنع: أولا: أن الضمان يقتضي إلزامه الحق، والحق لازم له فلا يتصور إلزامه ثانيا (¬6). ثانيا: أن المضمون عنه والمكفول به أصل، فلا يجوز أن يصير الأصل فرعًا والفرع أصلا (¬7). ثالثا: القياس على الشهادة، حيث لا يقبل من شاهد الأصل أن يكون أحد شاهدي الفرع؛ لأن الأضعف لا يَرِدُ على الأقوى. ¬

_ (¬1) المهذب 14/ 403. (¬2) المغني 7/ 88، ونصَّ على أنه إن ضمن عنه دينًا آخر أو كفله في حق آخر جاز؛ لأنه ليس فرعا له في ذلك، كشاف القناع 8/ 230. (¬3) المغني 7/ 87. (¬4) المهذب 14/ 403. (¬5) فتح القدير 5/ 436. (¬6) المغني 7/ 88. (¬7) المغني 7/ 88،89، المهذب 14/ 403.

تنبيهات: الأول: اختلف العلماء فيما يتعلق ببراءة المكفول عنه والمضمون عنه عند تعدد الكفلاء والضامنين (¬1). الثاني: لو تكفل بالرجل كفيلان جاز أن يكفل كل واحد منهما صاحبَه، فيكون كفيلا عن المكفول به وعن الكفيل الآخر، فيكون فيها ثلاثة أطراف، أما في الضمان فلا يجوز، والفرق بينهما أن الكفالة التزام بإحضار بدنه لا بما في ذمته، فيلزمه إحضار المكفول به والكفيل، أما الضمان فإنه يستفاد به حق المطالبة، ولا فائدة في هذا الضمان لأن الحق ثابت في ذمته بالضمان الأول الذي عن الأصيل (¬2). الثالث: من الصور المعاصرة لكفالة الكفيل وضمان الضمين تعزيز الاعتماد المستندي والاعتماد الظهير، والاعتماد المستندي هو تعهد مصرفي بالوفاء مشروط بمطابقة المستندات للتعليمات (¬3)، وتعزيز الاعتماد هو ضم ذمة المصرف إلى ذمة المصرف المصدر للاعتماد، من حيث التزام المصرفين أمام المستفيد بشروط الدفع في الاعتماد (¬4)، والاعتماد الظهير هو الاعتماد الصادر بضمان اعتماد آخر (¬5)، عندما يصدر للعميل الاعتماد المستندي من المصرف لصالح طرف ثالث، وهو المستفيد، فإن المصرف يكون وكيلًا وضامنًا للعميل، وبالتعزيز يقوم مصرف آخر بضمان هذا المصرف. ومنها خطاب الضمان الخارجي، سواء قيل إنه وكالة وضمان كالاعتماد المستندي أو ضمان فقط، وخطاب الضمان تعهد من المصرف بكفالة العميل (ضمانه) ضمانًا لوفاء العميل بالتزامه أمام طرف ثالث (¬6)، فإذا ضم المصرف إليه خطابًا آخر فهو خطاب الضمان الخارجي، وهو من ضمان الضمين. ¬

_ (¬1) ينظر بالإضافة للمراجع السابقة: المدونة 6/ 249، الموسوعة الفقهية 34/ 309، نظرية الضمان الشخصي ص 492، الكفالات المعاصرة 1/ 128. (¬2) المغني 7/ 88 - 89، تكملة المجموع 14/ 406. (¬3) المعايير الشرعية، المعيار الشرعي للاعتمادات المستندية ص 240، البند رقم 2/ 1، المعاملات المالية المعاصرة لشبير ص 280. (¬4) المعايير الشرعية ص 255، ملحق ج، وجاء في ص 250: (مستند جواز التعهد من البنك المعزز ... أنه من قبيل ضمان الضامن (كفالة الكفيل) وهي صحيحة). (¬5) المعايير الشرعية ص 241، البند رقم 2/ 3/2. (¬6) ينظر: موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة ص 641، فقه النوازل لبكر أبو زيد، خطاب الضمان 1/ 201.

المبحث الثالث: إعادة التأمين

المبحث الثالث: إعادة التأمين، وفيه مطلبان: المطلب الأول: تعريف التأمين وحكمه. تعريف التأمين التأمين في اللغة مصدر أمّن يؤمّن، وهو مضعَّف أَمِن، وأصل هذه المادة يرجع إلى ضد الخوف، وإلى الاطمئنان (¬1). أما التأمين في الاصطلاح فله اعتباران، الأول التأمين باعتباره نظامًا، والثاني التأمين باعتباره عقدًا، ولا انفكاك بينهما، فالنظام يرتب ويقعّد مجموعة عقود التأمينات؛ لذا ذكر الباحثون أن علماء القانون يميزون بين نظام التأمين باعتباره فكرةً ذاتَ أثر اقتصادي واجتماعي وعقد التأمين باعتباره تصرفًا قانونيًا ينشاء حقوقًا بين طرفين (¬2). والذي يعنينا في هذا البحث-العقود المضافة إلى مثلها- التأمين باعتباره عقدًا، وقد عُرّف بتعاريف أشهرها: 1. عقد بموجبه يحصل أحد المتعاقدين-وهو المؤمَّن له، في نظير مقابل يدفعه- على تعهد بمبلغ يدفعه له أو للغير إذا تحقق خطر معين المتعاقدُ الآخر-وهو المؤمِّن- الذي يدخل في عهدته مجموعة من هذه الأخطار يجري المقاصة فيما بينها طبقًا لقواعد إحصائية (¬3). 2. نظام مالي يلتزم فيه المؤمن بدفع مبلغ مالي أو إيراد مرتب أو أي عوض مالي آخر للمستفيد عند وقوع الحادث المرغوب فيه أو غير المرغوب فيه مدة معينة مقابل دفع المستأمن قسط التأمين بصفة دورية أو دفعة واحدة (¬4). وقد عَرَّف التأمين باعتباره عقدًا أو تطبيقًا بأنه نظام؛ لأن منه ما هو عقد مالي، كما في التأمين التجاري، ومنه ما هو تكافل أو تكافل اجتماعي، كما في التأمين التعاوني والاجتماعي. ¬

_ (¬1) مختار الصحاح، مادة أمن ص 37، المصباح المنير، مادة أمن ص 31، القاموس المحيط، مادة أمن ص 1176، مفردات ألفاظ القرآن ص 90، والتأمين الاصطلاحي يهدف لتحصيل الأمن والطمأنينة؛ لذا كان معنى التوثقة فيه ظاهرًا من هذا الجانب؛ ولذا عُد من الضمانات في "المعايير الشرعية" ص 61، البند 7/ 4، ومنه ما يدخل في التبرعات، وهو التأمين التعاوني، ومنه ما يدخل في المعاوضات، وهو التأمين التجاري، ودخول إعادة التأمين في الكتاب من حيث إن إعادة التأمين يرادف تأمين المؤمِّن. (¬2) التأمين الاجتماعي في ضوء الشريعة الإسلامية ص 29 - 36، المعاملات المالية المعاصرة لشبير ص 28، القمار حقيقته وأحكامه ص 491. (¬3) التأمين الاجتماعي ص 32، التأمين التعاوني: بحث في مجلة الجمعية الفقهية السعودية العدد 3 ص 435، مجلة البحوث الإسلامي العدد 19، ص 17. (¬4) التأمين الاجتماعي ص 35.

وقد تنوعت العبارات في تعريف التأمين، بعضها يختص بالتأمين التجاري وبعضها يختص بالتأمين التعاوني، وأنواع التأمين الأخرى ترجع لأحد هذين النوعين (¬1)، وهما: التأمين التجاري، وأشهر تعريف له: عقد يلزم الطرف الأول-المؤمِّن كشركة التأمين- بمقتضاه أن يؤدي إلى الطرف الثاني-المؤمَّن له كالفرد- أو إلى المستفيد الذي اشتُرط التأمين لصالحه مبلغًا من المال أو إيرادًا مرتبًا أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع حادث أو تحقق الخطر المبين بالعقد، وذلك في نظير مبلغ من المال يدفع أقساطًا أو دفعة واحدة من المؤمَّن له للمؤمِّن (¬2). التأمين التعاوني-ويسمى التبادلي-، وقد عرف بتعاريف كثيرة متفقة في الحقيقة، منها: عقد جماعي يقوم بموجبه كل مشترك بدفع مبلغ من المال على سبيل التبرع؛ لتعويض الأضرار التي قد تصيب أيًا منهم عند تحقق الخطر المؤمن عليه (¬3). والفروق بينهما متعددة، منها أن المؤمن له في التأمين التعاوني متبرع، وليس الربح هدفًا له في مقابل الضمان، والفائض من الأرباح يكون مخزونًا احتياطيًا أو يكون حقًا للمشتركين المؤمن لهم وليس حقًا للمؤسسين للشركة، كما هو الحال في التأمين التجاري (¬4). حكم التأمين تبين بما سبق صورة التأمين التجاري وصورة التأمين التعاوني، أما التأمين التعاوني فقد حكى جمعٌ عدم الخلاف بين علماء العصر على جوازه (¬5)، وذكر بعض الباحثين فيه خلافًا على قولين ورجح التحريم (¬6)، ولعل مردّ ذلك لتحقيق المناط في الواقع التطبيقي لعقد التأمين التعاوني، فإن كان عقد معاوضة فهو في حقيقته تأمين تجاري مستتر باسم التأمين التعاوني، وإن ¬

_ (¬1) ويرى بعض الباحثين أن التأمين الاجتماعي قسيمٌ لهما، وكذلك الخيري. (¬2) عقود التأمين ص 16، التأمين الإسلامي للقره داغي ص 14، الربا والمعاملات المصرفية ص 403، المعاملات المالية المعاصرة ص 89، موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة ص 365، القمار حقيقته وأحكامه ص 491. (¬3) العقود المالية المركبة ص 289، التأمين التعاوني: بحث ضمن مجلة الجمعية الفقهية السعودية العدد 3 ص 449، المعايير الشرعية، المعيار الشرعي للتأمين الإسلامي، ص 450. (¬4) المعايير الشرعية ص 446، التأمين التعاوني 3/ 451 - 455، تقييم تطبيقات وتجارب د. رياض الخليفي، ملتقى التأمين التعاوني، محرم 1430، ص 11 - 15، قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي ص 295، وتأتي فروق أخرى ص 261. (¬5) قرارات الهيئة الشرعية بمصرف الراجحي 1/ 77 قرار رقم 40، المعايير الشرعية ص 445، المعاملات المالية المعاصرة ص 85 - 86، التأمين التعاوني 3/ 471، التأمين الإسلامي للقره داغي ص 167، التأمين بين الحظر والإباحة ص 233 - 234. (¬6) التأمين للثنيان ص 273 - 284، التأمين في الشريعة والقانون لشوكت عليان ص 191، وينظر التأمين على رخصة قيادة السيارات، ضمن مجلة البحوث الفقهية المعاصرة العدد 60 ص 114.

كان عقد تبرعٍ محضٍ أو تبرعٍ متبادَلٍ يغتفر فيه الغرر فهو تأمين تعاوني حقيقي، وعلى ضوء ذلك ينظر في الحالات المعينة بغض النظر عن مسمياتها (¬1). ومن أبرز أدلة إباحة التأمين التعاوني حديث أبي موسي الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن الأشعريِّين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم» (¬2). وجه الدلالة: أن دفع الأشعريين لما عندهم تبرع، واقتسامه فيما بينهم مواساة، وذلك عند وقوع خطر محتمل، فلما كان القصد منه الإحسانَ وليس المعاوضةَ اغتفر فيه الغرر والتفاضل بين ما يدفعه وما يأخذه كل واحدٍ منهم، ومن جهة أخرى فإن فيه تبرعًا في مقابل تبرع أو تبرع مشروط بتبرعٍ شرطًا عرفيًا، ولم يجعله ذلك في حكم المعاوضة؛ لأن المقصود منه التعاون لا الربح (¬3). أما التأمين التجاري فاختلف فيه على أقوال أشهرها ثلاثة: القول الأول: التحريم مطلقًا. وهو قول جمهور العلماء، منهم ابن عابدين (¬4)، وقرار المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي بمكة (¬5)، وهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية (¬6)، والمجمع الفقهي الإسلامي بالرابطة بمكة (¬7)، ومجمع الفقه الإسلامي الدَّولي المنبثق من المنظمة بجدة (¬8)، ¬

_ (¬1) ينظر: العقود المالية المركبة ص 298 - 299. (¬2) رواه البخاري، كتاب الشركة، باب الشركة في الطعام والنهد والعروض ... (3/ 138) (ح 2486)، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة - رضي الله عنهم - (7/ 171) (ح 6408). (¬3) وينظر في أدلته وأسس العمل به فتاوى اللجنة الدائمة 15/ 287 - 292، المعايير الشرعية ص 437، البند رقم 5. (¬4) حاشية ابن عابدين 6/ 268 - 269، ويصحَّح في ص 269: (قلت: ليست مسألتنا من هذا) سقطت كلمة (ليست)، مجموعة رسائل ابن عابدين 2/ 177، وابن عابدين (ت 1250/ 1836 م) من علماء الحنفية، وقد نص على التحريم بقوله: (لا يحل) واشتهر عنه ذلك، وبعض المبيحين للتأمين التجاري يقول: (فأجاب بجوابٍ خلاصته الكراهة) ولا داعي لهذا، كان بالإمكان أن ينقل قوله أو يختصره بأمانة ثم يبّين ما يراه بدليله، وما ذكره ابن عابدين من تفصيلٍ بعد نصه على المنع متعلق بمعاملة الحربيين، وتعود نشأة التأمين العالمي لعام 1666 م، ينظر في تاريخ التأمين ونشأته: عقود التأمين ص 11 - 13، التأمين الاجتماعي ص 220 - 224، الربا والمعاملات المصرفية ص 404، المعاملات المالية المعاصرة ص 88، موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة ص 370، من أجل تأمين إسلامي ص 11 - 16. (¬5) المنعقد عام 1396، فقه النوازل للجيزاني 3/ 267، موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة ص 380، القمار حقيقته وأحكامه ص 495. (¬6) قرار رقم 5/ 10، بتاريخ 4/ 4/1397، أبحاث هيئة كبار العلماء 4/ 306. (¬7) في دورته الأولى بتاريخ 10/ 8/1398، فقه النوازل 3/ 275، موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة ص 380. (¬8) القرار رقم 9 (9/ 2) بتاريخ 10 - 16/ 4/1406، مجلة مجمع الفقه الإسلامي ع 2 ج 2 ص 731.

وفتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (¬1)، ومن لا يحصى من العلماء (¬2). القول الثاني: الإباحة في الجملة (¬3). وهو قول محمد بن الحسن الفاسي (¬4) وقرار الهيئة الشرعية بمصرف الراجحي (¬5) وقول عددٍ من العلماء المعروفين (¬6). القول الثالث: الإباحة إلا التأمين على الحياة. وهو قول عبد الله بن زيد آل محمود (¬7) وغيره. الأدلة: أدلة القول الأول: الدليل الأول: قال - عز وجل -: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)} البقرة: (188). وجه الدلالة: أن المؤمَّن له قد يحصل على تعويض كبير حال وقوع الخطر أو الحادث يفوق كل الأقساط التي دفعها، وقد لا يقع الخطر أصلًا فيضيع عليه كل ما دفعه ويكون من نصيب المؤمن. المناقشة: الآية لم تعين الباطل الممنوع في المعاملات، فالخلاف قي تحقيق المناط، ولا نسلّم أن التأمين داخلٌ فيه، قال القرطبي: (وهذه الآية متمسك كل مؤالفٍ ومخالفٍ في كل حكمٍ يدّعونه لأنفسهم بأنه لا يجوز) (¬8). ¬

_ (¬1) فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 15/ 8، 241 - 320، ولكثرة الفتاوى لم أذكر أرقامها. (¬2) مجموع فتاوى عبد العزيز بن باز 19/ 312 - 315، 28/ 120، 123، الغرر في العقود ص 50، الربا والمعاملات المصرفية ص 425، وينظر: موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة ص 381، 395، التأمين الاجتماعي ص 305، 316، المعاملات المالية المعاصرة ص 98، التأمين الإسلامي للقره داغي ص 120 - 137، 162. (¬3) فمنهم من يرى الجواز مطلقًا ومنهم مَن يقيّد ذلك بقيود مختلفة. (¬4) الفكر السامي ص 775 - 784، وخصّه بالتأمين على الأموال وذكر أنه لا حاجة للكلام عن التأمين على الأنفس (الحياة)، وهذا لا يعتبر قولًا بتحريم التأمين على الحياة كما فهمه بعض الباحثين، ويصحَّح في ص 777: (فعلى الفقهاء ألا يجمدوا في أحكامهم) سقطت كلمة (لا). (¬5) قرارات الهيئة الشرعية بمصرف الراجحي 1/ 76 - 78، قرار رقم 40، ويقال: إنهم رجعوا عنه. (¬6) منهم عبد الله صيام وعبد الوهاب خلاف ومصطفى الزرقاء، ينظر: مجلة المجمع ج 2 ع 2 ص 611، موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة ص 382، التأمين الاجتماعي ص 311، المعاملات المالية المعاصرة ص 105، المدخل الفقهي العام 1/ 623 - 624. (¬7) أحكام عقود التأمين ص 63. (¬8) الجامع للأحكام القرآن 2/ 337، آية البقرة.

الجواب: قال القرطبي بعده: (فجوابه أن يقال له: لا نُسلّم أنه باطل حتى تبينه بالدليل وحينئذٍ يدخل في هذا العموم) وقال في آية النساء: (قوله-تعالى-: (بِالْبَاطِلِ) أي بغير حق ... ومِن أَكْلِ المال بالباطل بيعُ العربان، وهو أن يأخذ منك السلعة أو يكتري منك الدابة ويعطيك درهمًا فما فوق، على أنه اشتراها أو ركب الدابة فهو من ثمن السلعة أو كراء الدابة، وإن ترك ابتياع السلعة أو كراء الدابة فما أعطاك فهو لك، فهذا لا يصلح ولا يجوز عند جماعة فقهاء الأمصار من الحجازيين والعراقيين؛ لأنه من باب بيع القمار والغرر والمخاطرة وأكل المال بالباطل بغير عوضٍ ولا هبةٍ، وذلك باطلٌ بإجماع) (¬1) وبغضِّ النظر عن حكم بيع العربون فما أشبه التأمين التجاري بما ذكره القرطبي (¬2). الدليل الثاني: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر (¬3). وجه الدلالة: قال ابن الأثير: (هو ما كان له ظاهر يغرّ المشتري وباطن مجهول، وقال الأزهري: بيع الغرر ما كان على غير عهدة ولا ثقة، وتدخل فيه البيوع التي لا يحيط بكُنْهِهَا المتبايعان من كل مجهول) (¬4) وهذا ينطبق تمامًا على التأمين التجاري، فكلا طرفي العقد لا يدري عند إنشائه ما سيأخذ ولا ما سيعطي، سواء أكان التأمين على الأشخاص أم على الأشياء أم على المسؤولية (¬5). المناقشة: قال الفاسي: (إنه لا بيع فيها ولا معاوضة، وإنما هو شيء تافه يدفعه الإنسان كتبرع لشركةٍ تضعه في صندوقها الذي هو كصندوق احتياطي ثم تكون ملزمة بالتعويض على الدافع إذا أصابته كارثة مقابل ما أخذته منه، فشبهها بالتبرع أقرب وأقوى من شبهها بالبيع) (¬6) فالتأمين ليس عقد معاوضة والغرر فيها يسير، وقال النووي: (قال العلماء: مدار البطلان بسبب الغرر والصحة مع وجوده على ما ذكرناه، وهو أنه إذا دعت الحاجة إلى ¬

_ (¬1) 5/ 143 - 144، وينظرص 145. (¬2) ينظر في بيع العربون: مصنف ابن أبي شيبة (ح 23656 - 23664)، سنن أبي داود (ح 3502)، سنن ابن ماجه (ح 2192) سنن البيهقي 5/ 343، موسوعة شروح الموطأ 16/ 122، التلخيص الحبير (4/ 1767)، بداية المجتهد 7/ 293، المجموع 10/ 495 - 497، المغني 6/ 331، تقرير القواعد 3/ 312، مجموع فتاوى ابن باز 19/ 62 - 63، بحوث في الاقتصاد الإسلامي للمنيع ص 145 - 169. (¬3) رواه مسلم، كتاب البيوع (5/ 3) (ح 3808). (¬4) النهاية في غريب الحديث ص 666. (¬5) وينظر قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي ص 263 - 266، التأمين الإسلامي للقره داغي ص 141 - 146. (¬6) الفكر السامي ص 776، يلاحظ أن التعبير الشائع (كتبرع) (كصندوق) -في هذا الصدد- لحن.

ارتكاب الغرر ولا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقة أو كان الغرر حقيرًا جاز البيع وإلا فلا) (¬1) وهذه معاملة عمت بها البلوى لاتساع نطاق الأعمال التجارية والصناعية والزراعية برًا وبحرًا (¬2). الجواب: أن المراد بالبيع في الحديث المعاوضة في اصطلاح الفقهاء، أو المعاوضات ملحقةٌ بالبيع؛ لأنها في معناه، والتأمين التجاري عقد معاوضة، يلتزم بموجبه الطرف الأول بدفع أقساط، ويلزم بموجبه الطرف الثاني بدفع مبلغ في وقت مجهول؛ لأنه مربوط بأمر قد يقع وقد لا يقع، فلا شك في دخوله في الحديث، فإذا كان الدفع على جهة التبرع فهذا تأمين تعاوني وليس تجاريًا، أما كون المدفوع شيئًا تافهًا فهذا زعمٌ يكتنفه أمران: الأول: أن الواقع يكذبه. الثاني: أنه لو سلّمنا ذلك، وكان واقع الشيخ كما ذكره، فإن الغرر اليسير المغتفر ما كان تابعًا، أما أن يكون هو المقصود بالعقد ولا يتبع غيره فلا يجوز، وبالنظر في سياق كلام النووي المشار إليه نجد أنه مثّل بأساس الدار وشراء الحامل مع احتمال أن الحمل واحد أو أكثر وذكر أو أنثى وكامل أو ناقص وشراء الشاة في ضرعها لبن وشراء الجبة المحشّوة وإلم ير حشوها وإجارة الدار شهرًا، مع أنه قد يكون ثلاثين يومًا وقد يكون تسعة وعشرين، ونقل الإجماع في كل ذلك على الجواز، وهو كما ترى (¬3). الدليل الثالث: أن التأمين التجاري يقوم على الميسر والقمار والمراهنة؛ لما فيه من المخاطرة التي يعلق خروج كل طرفٍ فيها غانمًا أو غارمًا على أمر تخفى عاقبته، فبقدر ربح أحد الطرفين تكون خسارة الآخر، ولما فيه من الغرم بلا جناية ولا تسبب فيها، ومن الغنم بلا مقابل أو بمقابل غير مكافئ. المناقشة: عقد التأمين جِدٌّ والقمار ضرب من اللهو والعبث. الجواب: علة فساد عقود المعاملات بالميسر هي الاحتمال والغرر، وليست اللعب والهزل، وهذه العلة متحققة في التأمين التجاري (¬4). الدليل الرابع: أن عقد التأمين التجاري يشتمل على ربا الفضل والنسيئة أو الثاني فقط، فإن شركة التأمين (المؤمِّن) إذا دفعت للمؤمَّن له أكثر مما دفعه فهذا ربا الفضل والنسأ، فإذا ¬

_ (¬1) المجموع 10/ 396. (¬2) الفكر السامي ص 776، وتمامه: (ولا تخلو مملكة في العالم من هذه المعاملة ولا يستغنى عنها فيما أظن). (¬3) وينظر: الفروق للقرافي 1/ 284 الفرق 24، 3/ 1051 الفرق 193، الفواكه الدواني 2/ 124، مجموع الفتاوى 29/ 25 - 26، زاد المعاد 5/ 727،724. (¬4) القمار حقيقته وأحكامه ص 506 - 519.

دفعت له مثل ما دفع فهذا ربا النسيئة، والربا محرم بالنص والإجماع. المناقشة: 1.عدم التسليم؛ لأن المعاوضة بين نقودٍ يدفعها المؤمن له من جهة وبين منفعةٍ تحصل له في المقابل، وهي تحمل تبعة الكوارث وضمان رفع أضرارها وتخفيفها، وهذه المنفعة لا تتضمن العلل الربوية، وليست من الأصناف الستة التي يجري فيها الربا (¬1). الجواب: أن العبرة بالحقائق لا بالألفاظ التي يُعبَّر بها عنها، فما هي هذه المنفعة التي تتحملها شركة التأمين (المؤمن)؟ هي دفع المقابل النقدي عن الخسائر، والواقع أكبر دليل، وعليه فالمعاملة نقد بنقد مع تفاضل ونسأ أو الثاني فقط، بالإضافة إلى أن شركات التأمين تستثمر أموال المؤمِّنين في البنوك الربوية أو تقوم بإعادة التأمين لدى من يستثمرها فيها. الرد: يمكن فصل عقْد التأمين عن الربا بأن تجعل الأموال فيه مما لا يجري الربا بينها بأن يدفع الأقساط نقدًا ويكون التعويض سيارة أو خدمات طبية أو نحوهما (¬2). 2.أن المؤمِّن قد لا يدفع شيئًا، فإذا لم يقع الخطر المتفق على التعويض بسببه لن يكون ثَم نقود في مقابل نقود. الجواب: العبرة بكون العقد من الربا، وقد أُبرم، لا بالالتزام به. الدليل الخامس: أن التأمين التجاري من بيع الدين بالدين، لأن الأقساط التي سيدفعها المؤمن له دينٌ في ذمته، ومبلغ التعويض الذي سيدفعها المؤمن دين في ذمته، فيحرم قياسًا على تأجيل عوض المسلَم فيه، وهو محرم بالإجماع (¬3)، وهذا الدليل لا ينطبق إلا على العقود التي يكون قسط التأمين فيها مؤجلًا (¬4). في أدلة أخرى هذه أبرزها. أدلة القول الثاني: الدليل الأول: أن الأصل في المعاملات الحل والصحة، ولم يرد دليل بمنعها بعينها لا في الكتاب ولا في السنة ولا في الإجماع، ولا يُعلم أحد من المتقدمين تكلم فيها؛ لكونها حدثت قريبًا، فيجري فيها الخلاف في حكم الانتفاع بالأشياء قبل ورود الشرع، ومذهب جمهور ¬

_ (¬1) أبحاث هيئة كبار العلماء 4/ 124، موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة ص 389، الربا والمعاملات المصرفية ص 421. (¬2) التأمين على رخصة قيادة السيارات إلزامًا: ضمن مجلة البحوث الفقهية المعاصرة، العدد 60 ص 106. (¬3) المغني 6/ 410، مجموع الفتاوى 20/ 512. (¬4) عقود التأمين ص 87 - 88، المعاملات المالية المعاصرة ص 103 - 104.

العلماء على أن جميع المعاملات على الصحة حتى يقوم دليل على الفساد (¬1). المناقشة: 1. إذا سُلّم هذا الاستدلال بهذا الوجه لكان كل أمرٍ حادثٍ مباحًا؛ لافتقاره إلى نص يخصه، ولا نص، لذا كان المنهج المسدد الموفق الذي سار عليه الصحابة والتابعون والأئمة الأربعة المتبعون إعمال ألفاظ النصوص بلا مغالاة وجمود، وفهم معانيها والسير معها بلا مصادمةٍ لظواهر وصرائح النصوص. وبالنظر للمعاني الجوهرية والموازنة بين المصالح والمفاسد وتحقيق مقاصد الشريعة واستحضار الواقع في محل النظر نصل إلى نتيجة واضحة، ليس هذا موضع بسطها (¬2). 2. عدم التسليم بأن واحدًا من المتقدمين لم يتطرق لهذه المسألة، بل لو قيل بأن المنع هو مذهب الحنفية والمالكية لما كان بعيدًا، فابن عابدين عمدة في مذهب الحنفية وقد نص على التحريم في مطلبٍ مشهور سبق التنويه به، وجاء في "المدونة" عن أشهب: (ألا ترى أنه لا يصلح أن يقول الرجل للرجل: اضمن لي هذه السلعة إلى أجل ولك كذا. لأنه أعطاه ماله في ما لا يجوز لأحد أن يبتاعه؛ ولأنه غرر وقمار، ولو علم الضامن أن السلعة تموت أو تفوت لم يرض أن يضمنها بضِعف ما أعطاه، ولو علم المضمون له أنها تسلم لم يرض أن يضمِّنها إياه بأقل مما ضمّنه إياها به أضعافًا، بل لم يرض بدرهم واحد، ألا ترى أنها إن سلمتْ أخذ الضامن من مال المضمون مالًا باطلًا بغير شيءٍ أخرجه، وإن عطبتْ غرم له قيمتها في غير مالٍ ملكه) (¬3) فإذا كان الحكم المعتمد في مذهبٍ ما يثبت بمجرد التخريج فكيف بالنص على الحقيقة؟ لم يبق إلا التسمية، وذكر اسم العقد لا يؤثر بعد اندراجه في عموم الصورة والحكم. الدليل الثاني: أن التأمين التجاري فيه مصالح عظيمة، والحاجة إليه شديدة، ومن مصالحه تخفيف أعباء المخاطر بين المستأمنين ومنح الأمان والاطمئنان لهم، وتحقيق الربح للمؤمن وتنمية المشاريع الاقتصادية للدولة. المناقشة: ¬

_ (¬1) الفكر السامي ص 777 - 778، وينظر في المسألة الأصولية: العدة 4/ 1248، الإحكام لابن حزم 1/ 58، روضة الناظر 1/ 134، مجموع الفتاوى 21/ 538 - 539، المستدرك على مجموع الفتاوى 2/ 7 (من المسوّدة)، شرح الكوكب المنير 1/ 322 - 328، والراجح أنه لا يوجد زمان يصح وصفه بأنه قبل ورود الشرع. (¬2) ينظر حقيقة شركات التأمين للدكتور سليمان الثنيان، قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي للدكتور سامي السويلم ص 259 - 310. (¬3) المدونة 4/ 351، وينظر: التأمين الإسلامي للقره داغي ص 144، التأمين بين الحظر والإباحة لسعدي أبو جيب ص 26 - 27.

1. أن مضار التأمين التجاري أعظم من مصالحه، والعبرة بالغالب (¬1)، ومن هذه المضار إفساد ذمم الناس بافتعال الحوادث أو التساهل في أخذ الحيطة أو غير ذلك، وتسلط فئة من أثرياء التأمين على عامة الناس وفقرائهم، واستنزاف ثروات البلاد وإرسالها للخارج بإعادة التأمين، وبالاستثمار في بلاد الكفار بدلًا من إقامة الصناعات والمشاريع النافعة (¬2). ووجود المصالح ليس كافيًا في التحليل، فالخمر فيها منافع، كما قال الله - سبحانه وتعالى -: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} البقرة: (219). 2. أن هذا الأمان لا حقيقة له من وجوه عديدة، منها: أن شركة التأمين التجاري تلتزم عند التعاقد بتعويض المؤمن له إذا وقع الخطر من مجموع اشتراكات المشتركين، وهو ما يعتبر غطاءً للعقد، لكنها تستخدم الغطاء ذاته لكل مستأمن (مؤمن له) مع كونه قد لا يفي بذلك، وهو مشغول بالعقد مع المتعاقد الأول، فهو بمثابة رهن المرهون، فعقد الرهن الثاني لم يصادف عند إبرامه محلًا قابلًا، ولا يفيد الراهن غلبة ظنه بوفاء الدين دون حاجة للرهن في تسويغِ رهنٍ لمرهونٍ واحدٍ لأكثر من دائن، فكذلك لا يفيد شركة التأمين غلبة ظنها بعدم الحاجة للتعويض لأغلب المشتركين (¬3). 3. أنه يمكن تحقيق هذه المصالح بالتأمين التعاوني المشروع دون التعرض للمفاسد اللازمة للتأمين التجاري. الدليل الثالث: قياس التأمين التجاري على التأمين التعاوني، فهما يتفقان في الإجراءات ومراحل التنفيذ، وكل المشتركين في التأمين يقصدون الربح، ولا أحد يشترك في التأمين التعاوني بقصد التعاون على البر واحتساب الأجر، ولا فرق بينهما في الحقيقة (¬4)، والتبرع في ¬

_ (¬1) مفتاح دار السعادة 2/ 355، 362 - 363. (¬2) حقيقة شركات التأمين، الربا والمعاملات المصرفية ص 414 - 415. (¬3) قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي ص 276. (¬4) يقول د. مصطفى الزرقا: (وقد بينت في كتبي وبحوثي في المجمع الفقهي أن التمييز بين تأمين تجاري وتأمين تعاوني خرافة، وأن هذا التمييز الوهمي هو نتيجة عدم الإدراك لحقيقة التأمين وواقعها).فتاوى التأمين ص 49، التأمين بين الحلال والحرام ص 19، وفي مقابل ذلك قال د. علي القره داغي في كتابه "التأمين الإسلامي" ص 224 - 225: (وقد قرأت بدقة كُتبَ أو بحوثَ معظم الذين حاولوا هدم الجدار الفاصل بين التأمين التجاري والتأمين التعاوني الإسلامي، فوصلت إلى أن حكمهم بعدم التفرقة بينهما يعود إلى عدم اطلاعهم على الجانب العملي للشركة التي تدير التأمين التعاوني والشركة التي أنشئت لأجل الاسترباح بأنشطة التأمين، فلم تكن هناك رؤية واضحة في تنظيم العلاقات بين الشركة والمشتركين وحساب التأمين ونحو ذلك، والله أعلم) وقال د. سامي السويلم في "قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي" ص 261: (فبالرغم من كثرة ما كتب عن التأمين إلا أن الفرق بين التأمين التجاري والتعاوني قد التبس على كثيرين إلى درجة التسوية بينهما ونفي الفارق المؤثر).

التأمين التعاوني قابله تبرع آخر مشروط فصار بذلك معاوضة كالتأمين التجاري (¬1). المناقشة: 1. بالإضافة لما سبق من الفروق الجوهرية بينهما يقال: إن قاعدة التأمين التجاري تعويض الأقلية من أقساط الأكثرية، ولهذا يمتنع تعويض الجميع، والطرق الإحصائية لحساب القسط التأميني قائمة على أساس أن نسبة ضئيلة من الأفراد يصابون بالخطر، فلو أخطأت الإحصاءات في الواقع وأصيب الأكثر بالخطر ستواجه شركة التأمين التجاري الإفلاس أو البحث عن مصادر أخرى للتمويل (¬2)، وهذا ما لا يوجد مثله في التأمين التعاوني فإن أساسه رأب الصدع بما تحصّل من أقساط المشتركين، فإذا زاد الخطر عن ذلك فإن المؤمن لا يضمن ولا يلزم بالتعويض عن القدر الزائد، كما أن الفائض عندما لا تحصل أخطارٌ وحوادث يعود إلى جميع المشتركين في التأمين التعاوني، لا إلى المؤسسين كما في التأمين التجاري، حيث يهدفون إلى الاسترباح بالفرق بين أقساط التأمين والتعويضات المدفوعة مقابل التزامها بالتعويض. 2. أن القائلين بإباحة التأمين التجاري يقرون أنه إذا اقتصر على الفرد المعين فهو غرر وقمار، لكنهم يجيزونه مع مجموعة كبيرة من الناس، وهذا ينافي قاعدة الشرع، فإن العقد المحرم لا تندفع مفسدته بانضمامه إلى مثله، وتكثيرُه تكثيرٌ للمفسدة وإيغال في التحريم، ولو كان التعاقد مع بقية المستأمنين شرطًا لصحة العقد أصبح العقد جماعيًا لا ثنائيًا، ولم يعد العقد مقتصرًا على تنظيم العلاقة بين المستأمن والشركة -كما هو حال التأمين التجاري- بل ينظم العلاقة بين مجموع المستأمنين والشركة، وهذا هو التأمين التعاوني (¬3). 3. التبرع المشروط في التأمين التعاوني لا يدخله في المعاوضات المالية المحضة بل هو كالنهد (¬4)؛ لأن قصد المؤمن له التبرع، والقصد أمر باطن لا يمكن الحكم عليه دون قرينة. 4. كون التأمين التعاوني يماثل التأمين التجاري في الإجراءات والمباداء الإحصائية في التأمين ونحو ذلك لا محذور فيه؛ لأن العلة في المنع من التأمين التجاري ليس شيئًا من هذه الأمور. وما ذكر ينجر على قياس التأمين التجاري على نظام التقاعد. الدليل الرابع: قياس التأمين التجاري على أصول مختلفة منها: ¬

_ (¬1) الخطر والتأمين لرفيق المصري ص 99،62،59 وينظر ص 51 - 56. (¬2) قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي ص 272، 298. (¬3) قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي ص 286 - 288. (¬4) ينظر في تفصيل ذلك: المرجع السابق ص 55، التأمين الإسلامي للقره داغي ص 222 - 225، وينظر للفائدة ص 201 - 222.

أولًا: الحراسة وأهل الخفارة، وجه ذلك أن الحارس يتقاضى مالًا بموجب عقد مقابل خطرٍ محتملٍ، فقد يأتي لص وقد لا يأتي، ولم يقل أحدٌ بتحريم ذلك، فكذلك التأمين التجاري. المناقشة: 1. أن المعاوضة على الحراسة معاوضة على درء الخطر بالعمل، فاللص قد يرى الحارس فلا يقدم على السرقة أصلًا، فليس وجود الحارس كعدمه، أما شركات التأمين فتقوم على المعاوضة على آثار الخطر دون الحماية من وقوعه فالأول دفعٌ والثاني رفعٌ، والدفع أقوى من الرفع. 2. أن الحراسة إجارة خاصة استوفى فيها المؤجرُ منفعة الأجير، فقد بذل الحارس جهده واستقطع من وقته لهذا العمل ما استحق به الأجرة. 3. إذا استأجر رجلٌ أجيرًا ليوصله بسيارته للجامع ليصلي الجمعة -مثلًا- فوجد الصلاة قد فاتته فهل يقول قائل: إن الأجير لا يستحق أجرة التوصيل لأن المقصود قد فات؟ كذلك الحارس، فعدم وقوع السرقة لا يبطل حقه في الأجرة لوجود العمل المعقود عليه، لكن ما العمل الذي تقوم به شركات التأمين؟ إصدار بطاقة التأمين؟! ثانيًا: ضمان خطر الطريق، فإذا قال شخصٌ لآخر: اسلك هذا الطريق، فإنه آمن، فإن أصابك شيء فأنا ضامن. لزمه ما التزم، وجه القياس أن في كلٍّ منهما ضامنًا لخطر مجهول، فضامن الطريق لا يعرف مدى الخطر الذي يحتمل وقوعه بالسالك، وكذلك المؤمن لا يعرف مقدار الخطر الذي سيقع للمؤمن له، كما أنه لم يتسبب فيه. المناقشة: 1. لا يصح نسبة هذا الحكم للحنفية (¬1)، وإذا صُحح تنزلًا فقد نصوا على عدم صحة القياس؛ لأن مسألة الأصل يكون الغارّ فيها عالمًا بالخطر والمغرور غير عالمٍ وفي مسألة الفرع كلاهما لا يعلم (¬2)، بمعنى أن سبب الضمان في خطر الطريق أن الضامن غرَّه بسلوك الطريق الخطر. 2. عدم التسليم بحكم الأصل فكلاهما ممنوع للنهي عن بيع الغرر، وهذان منه. 3. أن الالتزام في مسألة ضمان خطر الطريق من طرفٍ واحدٍ -ضمان بلا عوض- وفي التأمين من الطرفين (¬3). ¬

_ (¬1) الربا والمعاملات المصرفية ص 408 - 409. (¬2) حاشية ابن عابدين 6/ 268 - 270. (¬3) المعاملات المالية المعاصرة ص 111.

ثالثًا: العاقلة، فإذا قتل قاتلٌ بغير عمد تحملت عاقلته، كما هو مقرر في موضعه، ووجه القياس أن نظام العاقلة والتأمين التجاري يشتركان في تخفيف أثر المصيبة وتوزيع العبء المالي على جميع المشاركين، وكلاهما إلزامي، الأول بالشرع والثاني بالعقد. المناقشة: أن نظام العاقلة قائم على التكافل والتعاون لا على الربح، والعاقلة يربطها بالجاني روابط أسرية لا تباع ولا تشترى، ولها أثرها عليه فإن جنايته قد تكون بسببهم إما لسوء التربية أو عدم الردع والكف أو شعوره بالقوة لانتمائه لهم، والعاقلة لا تتحمل إلا بما تحصل به المواساة، فالفقير منهم لا يدفع شيئًا (¬1)، أما المؤمن في التأمين التجاري فملزم بالدفع؛ لأنه مبني على الضمان لا على المواساة (¬2)، والتأمين التعاوني هو الذي يشبه نظام العاقلة. رابعًا: عقد الموالاة، وهو أن يتفق شخصان على التناصر والتوارث وتحمل كل منهما جنايات والتزامات الآخر، ووجه القياس أن في كلا العقدين مخاطرة فلا يدري أي المتعاقدين يموت أولًا فيرثه الآخر، ولا يدرى ما الالتزامات والجنايات التي تعرض لكل منهما، وكذلك الحال في التأمين التجاري (¬3). المناقشة: عقد الموالاة منسوخ (¬4)، وعلى فرض إحكامه فالمقصود منه تنمية أواصر المحبة والأخوة والتعاون لا الربح (¬5). في أدلة أخرى. دليل القول الثالث: استدلوا بأدلة الفريق الأول على تحريم التأمين على الحياة وبأدلة الفريق الثاني على جواز التأمين على الأموال. الترجيح وبين يدي الترجيح أقول: إن الترجيح في الأمور العامة لا بد أن يرتبط بالواقع علميًا وعمليًا، فإصدار الحكم دون تصور صحيح وفهم للواقع خطأ، (وأكثر أغلاط الفتاوى من ¬

_ (¬1) قال في "الأوسط" 13/ 346: (وكل من أحفظ عنه من أهل العلم: لا يلزم الفقير من ذلك شيئًا). (¬2) فتاوى اللجنة الدائمة 15/ 285، الربا والمعاملات المصرفية ص 412 - 413، المعاملات المالية المعاصرة ص 105 - 106، 111. (¬3) التأمين الاجتماعي ص 309 - 310. قال أحمد طه السنوسي: (عقد المولاة يكون نصًا صريحًا في التأمين من المسؤولية) وتعجب مصطفى الزرقا من توارد الخواطر بينه وبين السنوسي في هذا الاستدلال، وقال: (ورأيت في هذا التوارد دليلًا على صحة الملاحظة). المعاملات المالية المعاصرة ص 107 - 108. (¬4) رواه البخاري، كتاب الكفالة، باب قول الله -تعالى-: (والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) (3/ 95 - 96) (ح 2292) موقوفًا على ابن عباس - رضي الله عنهما - وهي قراءة من عدا عاصم وحمزة والكسائي وخلف. (¬5) التأمين الإسلامي للقره داغي ص 152، الربا والمعاملات المصرفية ص 417 - 418.

التصور) (¬1)، وإعطاء حكمٍ لا يمكن أن يلتزمه المكلف أيضًا خطأ؛ لأن الشريعة ليس فيها تكليف بمحال، وكثير من البحوث والاجتهادات لا تجد نصيبًا من التطبيق وخوض غمار التغيير ولا ترى النور، وذلك لأمورٍ هذا منها، وفي كثير من دول العالم تقوم مراكز البحوث والدراسات بدور أصيل في التغيير وصناعة القرار؛ لأنها من الواقع وإليه، فإذا وجدت مشكلة أمنية رفعت -بعد الرصد السليم- لمراكز البحوث والدراسات الأمنية، وعلى ضوء نتائجها تقدم الحلول القابلة للتنفيذ، ثم تقوم الجهة المسؤولة بتنفيذها مع المتابعة المرحلية لمعرفة جدوى الحلول واختبار مناسبتها، وقل مثل ذلك في المشاكل الصحية والاجتماعية وغيرها. إن التأمين من العقود المنتشرة والملّحة في هذا العصر، ومن أكثر المسائل بحثًا ودراسة في العالم الإسلامي، وبعض الأقوال في حكم التأمين وفي حكم إعادة التأمين هي حلول وقتية، جاءت تحت ضغط الواقع؛ لذلك أخذت حكم الضرورة والترخص المؤقت، وتشكلت قناعات على ضوء ما فرضه العصر، رغم أن البدائل السليمة للتأمين التجاري كثيرة ومتيسرة ومجرَّبة -ولله الحمد- (¬2)، ولا يعجز الفقه الإسلامي عن وضع الحلول السليمة لكل نازلة، مع القناعة التامة أن ما يجري التعامل به في العالم مما هو مخالف للشريعة ضررٌ محضٌ، ولو اغتر بعضنا ببريقه، وأنهم يعترفون دائمًا وأبدًا بصلاحية الحل الإسلامي الذي يجب أن يبقى أصيلًا مواكبًا. وأستشهد بما جاء في مقدمة "فتاوى التأمين": (وقد ثار الجدل سابقًا-ولا يزال- بشأن مشروعية التأمين التقليدي الذي كان وحده في المجال -كما يظهر من بعض الفتاوى-، ولكن الكفة رجحت أخيرًا إلى تأييد وتعزيز التأمين الإسلامي التعاوني، يدل على ذلك المسارعة لإنشاء تلك الشركات وتحول بعض شركات التأمين التقليدي إلى الالتزام بالأحكام الشرعية وتعاون شركات إعادة التأمين التقليدية مع شركات التأمين الإسلامية بتطوير تطبيقاتها تجاهها) (¬3)، مما يعني أن الحل الإسلامي قادر على أن يفرض نفسه في سائر مجالات الحياة، التأمين وغيره، والحمد الله رب العالمين. الراجح تحريم التأمين التجاري بجميع أنواعه مطلقًا. ¬

_ (¬1) الفكر السامي ص 781. (¬2) ينظر مثلًا: المعاملات المالية المعاصرة ص 113 - 140، قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي ص 294 - 310، التأمين وأحكامه للثنيان ص 285 - 343. (¬3) فتاوى التأمين من الأمانة العامة للهيئة الشرعية بمجموعة دلة البركة ص 3، وينظر في تفوق المصارف الإسلامية على المصارف التقليدية: بحوث في فقه البنوك الإسلامية 2/ 545.

المطلب الثاني: حكم إعادة التأمين

أسباب الترجيح: 1. ما تقدم من أدلةٍ ومن مناقشة لأدلة القول بالجواز. 2. أنه قول أغلب العلماء باعتبار الاجتهاد الجماعي والفردي. 3. أنه مبني على قاعدة درء المفاسد والموازنة بينها. 4. أن التأمين التجاري ليس له أصلٌ سليمٌ يمكن إلحاقه به. المطلب الثاني: حكم إعادة التأمين. صورة المسألة: أن يقوم المؤمن (شركة التأمين) بالاتفاق مع شركة أخرى تتعهد بمقتضاه الشركة الثانية بتحمل جزءٍ من العقد الذي التزمت به الشركة الأولى لبعض المشتركين (المؤمن لهم) مقابل مبلغ تدفعه للشركة الثانية، فشركة إعادة التأمين هي شركة تأمين لكن أفرادها شركات تأمين أخرى. فتسمى الشركة الأولى المؤمَّن لها: الهيئة المعيدة للتأمين أو الهيئة المعطية أو الهيئة المضمونة أو الهيئة الأصلية أو المؤمن المباشر، وتسمى الشركة الثانية المؤمِّنة: هيئة إعادة التأمين أو الهيئة المشترية أو الهيئة المتنازل لها أو الهيئة الضامنة (¬1). نشأة إعادة التأمين. ظهرت أول شركة لإعادة التأمين عام 1846 م أو 1853 م وهي شركة كولونيا الألمانية (في كولن) وتلاها عام 1863 م الشركة السويسرية لإعادة التأمين، ثم شركة ميونغ لإعادة التأمين التي أنشئت عام 1883 م ثم توالت الشركات، ويقول خبراء التأمين إن شركات التأمين لا يمكن أن تستمر في أداء خدمتها إلا إذا أعادت التأمين في شركات إعادة التأمين؛ لذا يسمى إعادة التأمين العمود الفقري لكل شركة تأمين؛ لأن له أهمية كبرى في أسواق التأمين العالمية، إذ ما من شركة تأمين مهما كان مركزها المالي إلا وهي آخذة بنصيبها منه (¬2). أنواع إعادة التأمين: 1. اتفاقية المشاركة: أن تشترك شركة إعادة التأمين مع شركة التأمين المباشر في دفع التعويضات بالمحاصة في جميع عمليات الشركة المباشرة، أو بالمحاصة في العمليات الخاصة بنوعٍ من أنواع التأمين التي تباشرها الشركة المباشرة مثل التأمين الصحي أو تأمين المسؤولية. 2. اتفاقية الفائض: أن تقوم شركة التأمين المباشرة بتغطية قدر من العمليات حسب ¬

_ (¬1) أبحاث هيئة كبار العلماء 4/ 67، المعاملات المالية المعاصرة ص 124. (¬2) أبحاث هيئة كبار العلماء 4/ 67، التأمين الإسلامي للقره داغي ص 375، المعاملات المالية المعاصرة ص 124، موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة ص 376.

طاقتها ثم تعهد بموجب الاتفاق إلى شركة إعادة التأمين بالمخاطر التي تجاوز (تفيض عن) طاقتها. 3. إعادة التأمين في ما يجاوز حدًّا متفقًا عليه بين شركة التأمين المباشرة وشركة إعادة التأمين، ولو كان هذا الحد في طاقة الشركة المباشرة، فما جاوز هذا الحد من العمليات تعهد به إلى شركة إعادة التأمين (¬1). وهناك تقسيمات أخرى ولكن الحكم واحد في جميع الصور. الحكم: حكم إعادة التأمين كحكم التأمين، فإذا كان التأمين تعاونيًا وكانت إعادة التأمين كذلك جازت، وإن كان أحدهما تجاريًا لم تجز. وقد صدر بهذا قرار مجمع الفقه الإسلامي الدَّولي المنبثق عن المنظمة بجدة (¬2)، وهو المنصوص عليه في بحث اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء الذي اعتمدته هيئة كبار العلماء في قرارها عن التأمين (¬3)، وتتابع عليه الباحثون (¬4). ونص قرار المجمع: 1: أن عقد التأمين التجاري ذي القسط الثابت الذي تتعامل به شركات التأمين التجاري عقد فيه غرر كبير مفسد للعقد، ولذا فهو حرام شرعًا. 2: أن العقد البديل الذي يحترم أصول التعامل الإسلامي هو عقد التأمين التعاوني القائم على أساس التبرع والتعاون، وكذلك الحال بالنسبة لإعادة التأمين القائم على أساس التأمين التعاوني ا. هـ وقد أجازت هيئة الرقابة الشرعية لمصرف فيصل الإسلامي (شركة التأمين السودانية، في الفتوى رقم 3،5) والهيئة الشرعية للشركة الإسلامية القطرية للتأمين تعامل شركات التأمين الإسلامية مع شركات إعادة التأمين التجارية للضرورة حتى تقوم شركات إعادة تأمين إسلامية (¬5)، ولا يعد هذا قولًا ثانيًا في المسألة، فقد وجدت شركات إعادة التأمين التعاوني ¬

_ (¬1) موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة ص 376 - 377، التأمين الإسلامي للقره داغي ص 377 - 378. (¬2) قرار رقم 9 (9/ 2) بتاريخ 10/-16/ 4/1406، مجلة مجمع الفقه الإسلامي ع 2 ج 2 ص 731. (¬3) أبحاث هيئة كبار العلماء 4/ 306،67. (¬4) التأمين الإسلامي ص 376، المعاملات المالية المعاصرة ص 126،124، قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي ص 278. (¬5) فتاوى التأمين من الأمانة العامة للهيئة الشرعية بمجموعة دلة البركة ص 233 - 250، التأمين الإسلامي للقره داغي ص 382 - 384.

(الإسلامية) وانتهت مرحلة الضرورة، وقد قيِّد الجواز المؤقت أيضًا بالقيود الآتية: 1/ تقليل النسبة التي تدفع من الأقساط لشركات إعادة التأمين التجارية إلى أدنى حد ممكن-القدر الذي يزيل الحاجة-، عملًا بقاعدة الحاجة تقدر بقدرها، وهذا التقدير متروك للخبراء في المصرف. 2/ عدم تقاضي عمولة من شركة إعادة التأمين التجاري؛ لأن التعامل محصور بين شركة التأمين الإسلامية وشركة إعادة التأمين التجارية بعقدٍ مستقل، وليس للمشتركين في شركة التأمين الإسلامية صلة بشركة إعادة التأمين التجارية، وتعقد شركة التأمين الإسلامية الاتفاقيات على أساس صافي الأقساط ولا تأخذ عمولة من شركة إعادة التأمين، وهو المعمول به في عرف شركات إعادة التأمين. 3/ ألا تدفع شركة التأمين الإسلامية فائدة عن الاحتياطات التي تحتفظ بها، خلافًا للمعمول به في عرف شركات إعادة التأمين، حيث تحتجز (تحتفظ) شركة التأمين الأصلية جزءًا من الأقساط التي تستحقها شركة إعادة التأمين في مقابلة الأخطار وتدفع عنها فائدة لشركة إعادة التأمين، فشركة التأمين الإسلامية بين ألا تحتفظ بأي احتياطات أو أن تحتفظ بها دون دفع فائدة أو أن تتفق مع شركة إعادة التأمين على استثمار الشركة الإسلامية لهذه الاحتياطات بالطرق المشروعة وتدفع لشركة إعادة التأمين نسبة من الربح (¬1). 4/ عدم تدخل شركة التأمين الإسلامي في طريقة استثمار شركة إعادة التأمين لأقساط إعادة التأمين المدفوعة لها، وعدم المطالبة بنصيب في عائد استثماراتها وعدم المسؤولية عن الخسارة التي تتعرض لها. 5/ أن يكون الاتفاق مع شركة إعادة التأمين لأقصر مدة وأن ترجع شركة التأمين الإسلامي لهيئة الرقابة الإسلامية كلما أرادت تجديد الاتفاقية مع شركة إعادة التامين (¬2). ¬

_ (¬1) المراد من ذلك أن شركة إعادة التأمين تقدم أموالًا لشركة التأمين الأصلية تسمح لها بالاحتفاظ بها تحت مسمى (احتياطات الأخطار غير المنتهية) فهذه الأموال مملوكة لشركة إعادة التأمين، ففي حالة احتفاظ شركة التأمين الأصلية بهذه الأموال فإن شركة إعادة التأمين تطالبها بفائدة ربوية عن هذه الأموال، ولشركة التأمين الأصلية أن تتفق مع شركة إعادة التأمين على اعتبار هذه الأموال قرضًا فيكون مضمونًا لشركة إعادة التأمين، ويكون من حق شركة التأمين الأصلية استثماره لصالحها، أو أن تتفق معها على اعتبارها رأس مال مضاربة والعامل شركة التأمين الأصلية وتستحق شركة إعادة التأمين نسبة من الربح غير مقطوعة. (¬2) فتاوى التأمين ص 239 - 242، وتتكون هيئة الرقابة الشرعية لمصرف فيصل الإسلامي السوداني من المشايخ: الصدّيق الضرير-رئيس الهيئة-وعوض الله صالح وحسن عبد الله وخليفة بابكر ويوسف العالم-أعضاءً-. التأمين الإسلامي للقره داغي ص 382.

ومن الشركات الإسلامية لإعادة التأمين: - الشركة الإسلامية للتأمين وإعادة التأمين في البحرين. - بيت إعادة التأمين التونسي السعودي في تونس. - شركة التكامل بإعادة التكافل الإسلامية في البهاما (¬1). والمؤمل فيها وفي مثيلاتها أنها قائمة على مبدأ التأمين الإسلامي السليم من المحظورات والشبه، ونتطلع للمزيد من الشركات السليمة. ومما يؤيد ما ذكرته من أن هذا لا يُعد قولًا ثانيًا ما جاء في"قرارات وتوصيات ندوات البركة للاقتصاد الإسلامي" تحت عنوان التعامل مع شركات التأمين: (لا يجوز التعامل مع شركات التأمين غير الإسلامية في ظل انتشار شركات التأمين وإعادة التأمين الإسلامية، حيث انتشرت شركات التأمين الإسلامية وكذلك شركات إعادة التأمين الإسلامية، مما ترتب عليه زوال الحاجة التي جاز معها التعامل مع شركات التأمين غير الإسلامية) (¬2). أما الأدلة فما تقدم من أدلة جواز التأمين التعاوني وتحريم التأمين التجاري، ويلاحظ أن شركة التأمين الأصلية عليها أن تنص في عقدها على تعاملها بإعادة التأمين؛ لأن التبرع بالتبرع لا بد فيه من علم وإذن المتبرع الأصلي، ولو إذنًا عرفيًا لا نصيًا، فإن التأمين التعاوني الأول تضمن تبرع المؤمَّن له في أمر معين، وإعادة التأمين تعاونيًا يتضمن إعادة التبرع بهذا التبرع فكان لا بد من ذكره في العقد (¬3). ولا حاجة لشركات التأمين التعاونية لإعادة التأمين ابتداءً؛ لأنها لا تضمن الأخطار كلها بإطلاق -كما تسير عليه شركات التأمين التجارية- فلا يلزمها أن تدفع فوق ما بحوزتها من أموال المشتركين، لكنها يجوز لها التعامل بإعادة التأمين تبرعًا منها، ويكون في ذلك تحصيل ثقة المشتركين، فحينئذٍ عليها أن تنص عليه كما سبق، والله أعلم. ¬

_ (¬1) قرارات وتوصيات ندوات البركة، رقم القرار 4/ 3، ندوة البركة الرابعة عام 1407. (¬2) رقم القرار 4/ 3، ندوة البركة الرابعة عام 1407. (¬3) وقد وجدت بعد ذلك ما يشهد لهذا في باب الوليمة، ينظر كشاف القناع 12/ 48، والآداب الشرعية 3/ 333.

خاتمة

خاتمة أذكر فيها أبرز النتائج لهذا البحث، فأقول -وبالله التوفيق-: إن العقود لها إطلاقان -شرعًا واصطلاحًا-، إطلاق عام، بمعنى الالتزام، وإطلاق خاص، بمعنى ارتباط الإيجاب بالقبول أو ما يقوم مقامهما بمثله. الأصل في العقود الجواز والصحة، وهذه القاعدة الأولى التي ترجع لها عامة العقود المضافة إلى مثلها. من القواعد التي يمكن أن يُردَّ إليها أغلب العقود المضافة إلى مثلها: 1. أن الأصلَ في العقود اللازمة تحصيلُ العمل المعقود عليه ولو قام به غير المعقود معه، والأصل في العقود الجائزة أن يقوم المعقود معه بالعمل بنفسه. 2. أن الملك التام يُسوِّغ مطلق التصرف، أما الملك الناقص (ملك المنافع) فيسوِّغ نقل الملك فيها بمثل العقد الأول إذا كان لازمًا -كالإجارة-، بشرط ألا يكون المتعاقد الجديد أكثر ضررًا في الاستيفاء. 3. إذا تضمن العقد الثاني المضاف إلى مثله ضررًا بالمتعاقد الأول الذي لم تنقطع عُلَقُه بالمعقود عليه لم يجز ولم ينفذ إلا بإذنه أوبتدارك الضرر بالضمان ونحوه. 4. كل عقد أضيف إلى مثله وكان حيلة على محرم فهو محرم. 5. كل عقد أضيف إلى مثله يشترط لصحته ما يشترط لصحة العقد الأصلي. العقود المضافة إلى مثلها على ثلاثة أضرب: الضرب الأول: العقود الجائزة أو ما كان الأصل فيها الجواز، إما بالإجماع وإما على الراجح بعد الدراسة، والترجيح نسبي: فبيع المشتري للمبيع بعد القبض جائز، وإقالة الإقالة -بمعنى العودة إلى العقد- جائزة، واستصناع الصانع والمقاولة من الباطن الأصل فيهما الجواز بشروط مفصَّلة في البحث، ومن ذلك جواز إجارة الأجير من يقوم بالعمل المطلوب منه إلا مع وجود شرط أو قرينة على خلاف ذلك، ويجوز للمستأجر أن يؤْجِر الشيء المستأجَر بمثل أجرتها أو أقل أو أكثر، فإن أَجَرَها على المُؤْجِر اشترط ألا يكون حيلةً على بيع العينة؛ لأن بيع المنافع عينةً كبيع الأعيان، ويجوز أن يضارب بتقبّل رأس مالٍ من طرف ثالث إذا لم يتضرر الأول، ويجوز أن يساقي أو يزارع طرفًا ثالثًا إذا لم يتضرر الأول، ويجوز لكلٍّ من المحال والمحيل أن يحيل على دين الحوالة؛ لأنه دينٌ ثابت مستقر، ويجوز للمتورِّق أن يتورق من البائع الأول أو من غيره، إلا في حالة واحدة، وهي أن يكون التورق الثاني من البائع الأول بقصد سداد الدين الأول بحيث ينتج

عن ذلك زيادة في الدين، ومنها: جواز استدانة المدين مطلقًا، سواء أكان موسرًا أم معسرًا، لحاجة نفسه أوغيره، محجورًا عليه أو غير محجور، ولا يجب عليه أن يستدين لقضاء حق الغرماء، وله أن يُقرِض المال المقتَرَض، كما يجوز إبضاع المبضَع إذا أذن له رب المال إذنًا صريحًا أو حكميًا، بشروط مذكورة في البحث، وتجوز هبة الموهوب، ويجوز للموصى له أن يوصي بما أوصي له به بعد القَبول، كما يجوز للموصي أن يوصي بعد الوصية زيادةً على الوصية الأولى، سواء أوصى للأول، أم لآخر فيشتركان في الثلث، ويجوز للإمام أن يقطع المقطع إذا استرجعه من الأول بحق بشروط مفصّلة في البحث، وتجوز الزيادة في دين الرهن، وهو رهن الرهن من المرتهن، ولو لم يفِ الرهن بالدَّينَين، ويجوز ضمان الضمين كما تجوز كفالة الكفيل. الضرب الثاني: العقود الممنوعة أو ما كان الأصل فيها المنع، إما بالإجماع وإما على الراجح بعد الدراسة، والترجيح نسبي: بيع البائع للمبيع غير جائز مطلقًا، قبل لزوم البيع وبعده، وبيع المشتري للمبيع قبل قبضه غير جائز مطلقًا، وإجارة المؤجِر العين المؤجَرة غير جائزة ولا تصح، ومن ذلك عدم جواز مضاربة المضارب بدفع رأس المال لطرف ثالث إلا بإذن رب المال إذنًا صريحًا أو حكميًا، ولا تجوز مساقاة المساقي ولا مزارعة المزارع بدفع الأرض لطرفٍ ثالث يعمل بدلًا عنه إلا بإذن رب المال إذنًا صريحًا أو حكميًا، ولا يجوز أن يسلم في المسلَم فيه بعينه قبل قبضه، مع جواز أن يسلم في مثله بشرط عدم الربط بين العقدين، والأصل عدم جواز إعارة المعار إذا أطلق المعير الإعارة؛ لأنها إباحة، فإن صرَّح بالإذن أو المنع عُمل بمقتضى التصريح، ومنه عدم جواز إيصاء الموصى (الوصي) إلا إذا اقتضت المصلحة ذلك، وعدم جواز رهن المرهون لطرف جديد (ثالث) وعدم صحته، سواء في ذلك الراهن والمرتهن وسواء أكان الدين الأول أقل من قيمة المرهون أم لم يكن، وسواء أكان الرهن بيد المرتهن أم لم يكن إلا إذا أذن المرتهن للراهن بالرهن فيجوز ويفسخ الرهن الأول. الضرب الثالث: العقود التي في حكمها تفصيل، وإن كانت العقود السابقة لا يخلو بعضها من تفصيل لكنَّ الأصل فيها ما ذُكر: وهي الجعالة على الجعالة وتوكيل الوكيل وإيداع الوديعة ووقف الموقوف وإعادة التأمين، أما جعالة على الجعالة فإن كان العمل المتعاقد عليه جعالةً يراد به استحداث نتيجة جديدة كتعليم علم وبناء حائط وخياطة مخيط فإن كان لمعين تعيينًا مقصودًا فلا تصح الجعالة الثانية على هذا العمل، وإن كان لغير معين أو كان التعيين غير مقصود فتصح، وإن كان العمل المتعاقد عليه مما يراد إيجاده بإطلاق من غير تعيين فاعل كرد الضائع فتصح الجعالة على الجعالة

فيه، وأما توكيل الوكيل فمتى اقترن بالوكالة تصريح بالنهي أو الإذن في التوكيل عُمل بمقتضى التصريح، وإذا أطلق وقامت قرينة الإذن مثل ألا يكونَ الوكيل ممن يباشر عمل الوكالة بنفسه عادةً فيجوز له التوكيل، وإن كان -مع الإطلاق- يعجز عن مباشرة العمل بنفسه جاز له التوكيل في ما يعجز عنه، فإن كان قادرًا وهو ممن يباشر مثله هذا العمل فلا يجوز له التوكيل، وأما إيداع الوديعة عند غير من يحفظ مال المودِع أو المودَع عادةً فإن كان لغير عذر فليس للمودع أن يودع وإن كان لعذر كخوف الغرق والحرق فإن قدر على رد الوديعة لصاحبها أو وكيله المأمون فليس له أن يودع، وإلم يقدر فله أن يودع، ويقدّر الأصلح فيمن يودعها عنده، وأما وقف الموقوف من قبل الموقوف عليه فإما أن يرجع للعين الموقوفة، أي: الأصل، فلا يجوز ذلك؛ لأن المشغول لا يشغل، وإما أن يراد ثمرة الوقف وغلته فيجوز للموقوف عليه المعيَّن أن يقفها بحيث لا ينافي الوقف الأول وشروطه، وأما إعادة التأمين فيجوز إن كان التأمين الأصلي تعاونيًا وكانت إعادته كذلك، أما إن كان أحدهما تجاريًا فلا يجوز. فتلخص لنا واحد وعشرون عقدًا جائزًا، وعشرة عقود ممنوعة، وخمسة عقود فيها تفصيل، فهذه ستةٌ وثلاثونَ بالتفصيل، وترجع في الإجمال إلى خمسةٍ وعشرينَ عقدًا. هذا، ولله در ابن الوردي -رحمه الله- إذ يقول: فالناس لم يُصنِّفوا في العلمِ ... حتى يكونوا هدفًا للذمّ ما صنَّفوا إلا رجاءَ الأجرِ ... والدعواتِ وجميلِ الذكر لكن فديتُ جسدًا بلا حسدْ ... ولن يُضيعَ اللهُ حقا لأحدْ واللهُ عند قولِ كل قائلِ ... وذو الحِجا من نفسه في شاغل والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

ثبت تراجم الأعلام

ثبت تراجم الأعلام الوارد ذكرهم في صلب البحث - إبراهيم بن عُليّة الجهمي: إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن مِقسم الأسدي، أبو إسحاق ابن علية، كان جهميًا يقول بخلق القرآن، وصفه بالضلال الشافعيُّ وأحمد، وقال ابن عبد البر: (له شذوذ كثيرة، ومذاهب عند أهل السنة مهجورة)، له مصنفات في الفقه تشبه الجدل، منها "الرد على مالك"، نقضه عليه أبو جعفر الأبهري، وقال الذهبي: (كان من كبار الجهمية، وأبوه إسماعيل شيخ المحدثين إمام) سير أعلام النبلاء 10/ 24، توفي سنة 218. تاريخ بغداد 6/ 512، لسان الميزان 1/ 21. - ابن أبي ليلى: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قاضي الكوفة، ضعيف في الحديث، وهو من الفقهاء، ويلتبس على كثير من أهل العصر بوالده، وأبوه تابعي ثقة، توفي سنة 148. المجروحين لابن حبان 2/ 252، طبقات الفقهاء 1/ 85. - ابن الأعرابي: محمد بن زياد الهاشمي، أبو عبد الله اللغوي، له مصنفات أدبية، توفي سنة 231. سير أعلام النبلاء 10/ 687. - ابن القطان: علي بن محمد بن عبد الملك ابن القطان الفاسي، محدث ناقد، له"بيان الوهم والإيهام"و"الإقناع في مسائل الإجماع" وغيرهما، توفي سنة 628. سير أعلام النبلاء 22/ 306، طبقات الحفاظ ص 498. - ابن المنذر: أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر بن الجارود النيسابوري، الحافظ الفقيه صاحب التصانيف السيارة، ومنها "الأوسط" و"الإشراف على مذاهب العلماء" و"الإجماع" و"تفسير القرآن الكريم" و"الاقتصاد في الإجماع والخلاف"، توفي سنة 318. سير أعلام النبلاء 14/ 490، طبقات الفقهاء الشافعيين 1/ 216. - ابن جزي الكلبي: أبو القاسم محمد بن أحمد بن جُزي الكلبي الغرناطي، من أشهر مصنفاته "التسهيل في علوم التنزيل" و"القوانين الفقهية"، توفي سنة 741. الفكر السامي ص 573. - ابن جماعة: البدر محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الحموي القاضي، محدث فقيه شافعي، له"تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم" و"تنقيح المناظرة في تصحيح المخابرة" وغيرهما، توفي 733. البداية والنهاية 18/ 357، طبقات الشافعية الكبرى 9/ 139. - ابن حزم: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الفارسي الأصل ثم الأندلسي القرطبي، الحافظ الفقيه الأديب الظاهري، إمام الظاهرية، له تصانيف أشهرها "المحلى" و"مراتب الإجماع" و"طوق الحمامة في الألفة والأُلاف" و"الإحكام" في أصول الفقه و"الإيصال"، توفي سنة 456. سير أعلام النبلاء 18/ 184، معجم فقه ابن حزم الظاهري ص 9. - ابن خزيمة: محمد بن إسحاق بن خزيمة السُّلمي، أبو بكر النيسابوري، إمام الأئمة في عصره، قال أبو علي النيسابوري: (لم أر مثل ابن خزيمة) وقال ابن حبان: (وما رأيت على أديم الأرض من كان يحسن صناعة السنن ويحفظ الصحاح بألفاظها، ويقوم بزيادة كل لفظة زاد في الخبر ثقةٌ، حتى كأن السنن نصب عينيه إلا محمد بن إسحاق بن خزيمة- رحمة الله عليه- فقط)، توفي سنة 311. المجروحين لابن حبان 1/ 87، طبقات علماء الحديث 2/ 441، البداية والنهاية 15/ 9. - ابن رجب: عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، محدث فقيه متقن متفنن، من مصنفاته "تقرير القواعد وتحرير الفوائد" و"ذيل طبقات الحنابلة" و"فتح الباري في شرح صحيح البخاري" و"جامع العلوم والحكم"، توفي سنة 795 هـ. مقدمة الذيل 1/ 11، الدرر الكامنة 2/ 321 - 322 ترجمة 2276. - ابن رزين: عبد الرحمن بن رَزين الحُوّاري الحَوْراني ثم الدمشقي، فقيه حنبلي، توفي سنة 656. الذيل على طبقات الحنابلة 4/ 39، المنهج الأحمد 4/ 280. - ابن رشد الحفيد: أبو الوليد محمد بن أحمد ابن رشد (الحفيد)، من فقهاء المالكية، من أشهر كتبه "بداية المجتهد ونهاية المقتصد"، ولا يميّز بينه وبين جدّه إلا بقولك "الحفيد" أو "الجد" أو بذكر صفته مثل: صاحب البداية للحفيد، وصاحب البيان أو المقدمات للجد، فكلاهما: القاضي المالكي أبو الوليد محمد بن أحمد ابن رشد القرطبي، ت 595. الفكر السامي ص 562، اصطلاح المذهب عند المالكية ص 340. - ابن سريج: أحمد بن عمر بن سريج القاضي، أبو العباس البغدادي، إمام فقيه شافعي مجدد، توفي 306. سير أعلام النبلاء 14/ 201، طبقات الشافعية الكبرى 3/ 21. - ابن سيرين: محمد بن سيرين، أبو بكر الأنصاري البصري، مولى أنس - رضي الله عنه -، تابعي إمام علامة في تعبير الرؤى، توفي 110. سير أعلام النبلاء 4/ 606، طبقات علماء الحديث 1/ 151.

- ابن شاقلا: أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عمر بن حمدان البزار، فقيه حنبلي، قال البعلي: (شاقْلا بالشين المعجمة والقاف الساكنة بعد الألف، وآخرُه ألفٌ ساكنة، هكذا قيدناه عن بعض شيوخنا، وكذا سمعته من غير واحد منهم، والله أعلم)، توفي سنة 369. طبقات الحنابلة 3/ 227، المنهج الأحمد 2/ 283، المطلع ص 545. - ابن عابدين: محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز الدمشقي، فقيه حنفي، صاحب "رد المحتار على الدر المختار" المعروف بحاشية ابن عابدين، توفي سنة 1252. مقدمة حاشية ابن عابدين 1/ 9، الأعلام للزركلي 6/ 42. - ابن عباس - رضي الله عنهما -: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم -، صحابي ابن صحابي، ترجمان القرآن وحبر الأمة، ومن المكثرين من رواية الحديث، مناقبه كثيرة، توفي سنة 68. الاستيعاب 3/ 66، أسد الغابة 3/ 8. - ابن عبد البر: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النَّمَري القرطبي، حافظ المغرب وشيخ الإسلام، الإمام المحدث الفقيه المالكي، من أشهر مصنفاته"التمهيد" و"الاستذكار" و"الاستغناء"، توفي 463. طبقات علماء الحديث 3/ 324، سير أعلام النبلاء 18/ 153. - ابن عرفة: محمد بن محمد بن عرفة الورغمي، إمام تونس وعالمها وخطيبها وفقيهها، من كبار الفقهاء المالكية، من تصانيفه "المبسوط في الفقه" و"الحدود" في التعريفات الفقهية، وقد حذر علماء المالكية من أخذ المذهب عنه؛ لأنه بنى فروعًا على قواعد أصولية وأدخلها في المذهب، ومسائل المذهب لا تجري جميعها على قواعد الأصول؛ لذا قال أبو العباس القباب (ت 779 هـ) لابن عرفة عن تصانيفه: ما صنعت شيئًا! فقال ابن عرفة: ولم؟ قال: (لا يفهمه المبتدي ولا يحتاج إليه المنتهي)، وقال عنه وعن ابن الحاجب وابن بشير وابن شاس إنهم أفسدوا المذهب، واعتبر الشاطبي ذلك محض النصيحة (الموافقات 1/ 148 مع هامش 3 تحقيق مشهور حسن سلمان) ونحوه في الفكر السامي ص 701 - 702، وهذه فائدة أحببت ألاّ أخلي البحث منها، وابن عرفة من السادة المالكية وممن توسع في العلوم العقلية، توفي سنة 803. الفكر السامي ص 582، الديباج المذهب ص 337، الأعلام للزركلي 7/ 43. - ابن عقيل: علي بن عقيل بن محمد بن عقيل أبو الوفاء الحنبلي البغدادي، من أئمة الحنابلة، من تلاميذ القاضي أبي يعلى، من مصنفاته "الفنون" و"الواضح في أصول الفقه"، توفي سنة 513. الذيل على طبقات الحنابلة 1/ 316، المنهج الأحمد 3/ 78. - ابن عمر - رضي الله عنهما -: عبد الله بن عمر بن الخطاب، أبو عبد الرحمن القرشي العدوي، صحابي وابن صحابي، أكثر الصحابة رواية للحديث بعد أبي هريرة - رضي الله عنهم - كان معروفًا بشدة الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والاحتياط والورع عن الإفتاء، توفي سنة 73 وقيل 74. أسد الغابة 3/ 42، الإصابة (ترجمة 4856) 6/ 290. - ابن قاضي الجبل: أحمد بن الحسن بن عبد الله بن أبي عمر بن قدامة أبو العباس القاضي المقدسي الدمشقي، تلميذ ابن تيمية وصاحب "الفائق"، وله: نبيي أحمد وكذا إمامي ... وشيخي أحمد كالبحر طامي واسمي أحمد ولذاك أرجو ... شفاعة أشرف الرسل الكرام توفي سنة 771. المنهج الأحمد 5/ 135، المدخل المفصل لبكر أبوزيد 1/ 466، وليس هو المترجم له في "الذيل" 4/ 377. - ابن قدامة: أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الجُمّاعيلي الدمشقي الصالحي، إمام الحنابلة، جمع بين الفقه والحديث وسائر الفنون، وله مصنفات متعددة مباركة، وأشهرها "المغني" شرح مختصر الخرقي، ومنها "العمدة" و"الكافي" و"المقنع" كلها في الفقه الحنبلي على التدرج، و"روضة الناظر وجُنة المُناظر في أصول الفقه" و"لمعة الاعتقاد" و"ذم التأويل" و"كتاب التوابين"، توفي سنة 620. الذيل على طبقات الحنابلة 3/ 281، البداية والنهاية 17/ 116. - ابن قيم الجوزية: أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي ثم الدمشقي، تلميذ أبي العباس ابن تيمية، وهو إمام مجتهد، بحر في العلوم النقلية والعقلية، له من المصنفات الشيء الكثير، منها "زاد المعاد" و"إعلام الموقعين" و"مدارج السالكين"، توفي سنة 751. (ابن قيم الجوزية حياته - آثاره - موارده). - ابن كثير: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، مفسر محدث مؤرخ، فقيه شافعي، من تصانيفه المشهورة "تفسير القرآن العظيم" و"البداية والنهاية"، توفي سنة 774. طبقات الحفاظ ص 533، مقدمة البداية والنهاية.

- ابن مسعود - رضي الله عنه -: عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي، سادس من أسلم من الصحابة وأول من جهر بالقرآن بمكة، وكان صاحب السواد والسواك والنعلين وهاجر الهجرتين وأثنى - صلى الله عليه وسلم - على قراءته القرآن، توفي سنة 32. أسد الغابة 3/ 74، الإصابة (ترجمة 4976) 6/ 373. - ابن مفلح: محمد بن مفلح بن محمد بن مفرّج المقدسي الصالحي، أبو عبد الله الراميني، فقيه حنبلي بارع، من تلاميذ ابن تيمية-رحمهما الله-، قال المرداوي بعد أن ذكر تصانيف كثيرة للحنابلة: (واعلم أن من أعظم هذه الكتب نفعًا وأكثرها علمًا وتحريرًا وتحقيقًا وتصحيحًا للمذهب كتاب الفروع) وهو لابن مفلح، توفي سنة 763. الإنصاف 1/ 23، المنهج الأحمد 5/ 118. - ابن نُجَيم: زين العابدين بن إبراهيم بن محمد بن نجيم المصري، -وقيل: زين الدين، وفي "حاشية ابن عابدين": (زين بن إبراهيم بن نجيم، وزين اسمه العَلَمي) يعني أنه ليس لقبًا، -وإن كان العلم يشمل الاسم والكنية واللقب، كما يُفهم من الأبيات الأولى في باب العلم من ألفية ابن مالك- أصولي فقيه حنفي، له "الأشباه والنظائر" و"فتح الغفار بشرح المنار" و"البحر الرائق شرح كنز الدقائق"، توفي سنة 970. حاشية ابن عابدين 1/ 60، هدية العارفين 1/ 378، الأعلام للزركلي 3/ 64. - أبو العباس ابن تيمية: أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيميّة الحراني، إمام مجتهد مطلق مجدِّد، كان يكره أن يقال عنه تقي الدين، ولكنه اشتهر بذلك وبشيخ الإسلام، بحرٌ في العلوم النقلية والعقلية، له من المصنفات الشيء الكثير حتى قال الذهبي: (لعل تصانيفه في هذا الوقت تكون 4000 كراس أو أكثر) منها "درء تعارض العقل والنقل" و"منهاج السنة النبوية" و"الاستقامة"، توفي سنة 728. الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية. - أبو بكر الحصني الشافعي: أبو بكر بن محمد بن عبد المؤمن الحسيني الدمشقي، فقيه شافعي، له مصنفات، توفي سنة 829. مقدمة كفاية الأخيار، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 4/ 77. - أبو بكر ابن أبي شيبة: عبد الله بن محمد العبسي الكوفي، الحافظ الثبت صاحب "المصنف" و"المسند"، قلت: وهو أكثر شيخ روى عنه مسلم في "صحيحه"، روى عنه 1540 حديثًا، توفي سنة 235. طبقات علماء الحديث 2/ 84، طبقات الحفاظ ص 192. - أبو ثور: إبراهيم بن خالد أبو عبد الله الكلبي البغدادي، مفتي العراق، توفي سنة 240. طبقات الفقهاء ص 101، سير أعلام النبلاء 12/ 72. - أبو جعفر محمد الباقر (محمد بن علي الباقر): محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي من آل بيت المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، الإمام التابعي الثبت، كان يصلي في اليوم 150 ركعة، توفي سنة 114 وقيل 118. سير أعلام النبلاء 4/ 401، طبقات علماء الحديث 1/ 199، تقريب التهذيب (ترجمة 6151). - أبو خيثمة زهير بن حرب النسائي: أبو خيثمة زهير بن حرب بن شداد النسائي الحافظ محدث بغداد، قلت: وهو أكثر شيخ روى عنه مسلم في "صحيحه" بعد أبي بكر ابن أبي شيبة، فقد روى عنه 1281 حديثًا، توفي سنة 234.طبقات علماء الحديث 2/ 89، طبقات الحفاظ ص 194. - أبو داود: سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير الأزدي، أبو داود السجستاني، صاحب "السنن"، إمام مشهور وهو من مشايخ الترمذي، توفي سنة 275. طبقات علماء الحديث 2/ 290، طبقات الحفاظ ص 265. - أبو سلمة ابن عبد الرحمن: اختُلف في اسمه فقيل اسمه كنيته، وقيل: إسماعيل، وقيل: عبد الله، قال ابن عبد البر: (وهو الأصح عند علماء النسب)، وهو تابعي من المكثرين من رواية الأحاديث، توفي سنة 94 وقيل 104. كتاب الاستغناء في معرفة المشهورين من حملة العلم بالكنى لابن عبد البر 2/ 908، تقريب التهذيب (ترجمة 8142). - أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه -: سعد بْن مالك من الخزرج، أَبُو سَعِيد الأنصاري الخدري، وهو مشهور بكنيته، وهو من المكثرين من الرواية عنه - صلى الله عليه وسلم -، وأول مشاهده الخندق، وغزا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثنتي عشرة غزوة، توفي سنة 74. أسد الغابة (2/ 213). - أبو محمد الأصيلي: عبد الله بن إبراهيم الأصيلي، من فقهاء المالكية، تفقه بالأندلس والقيروان، توفي سنة 392. طبقات الفقهاء ص 166، سير أعلام النبلاء 16/ 560، الفكر السامي ص 470.

- أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه -: عبد الله بن قيس بن سُليم بن حضّار الأشعري، كان حسن الصوت بالقرآن، استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - على بعض اليمن واستعمله عمر - رضي الله عنه - على البصرة، وكان هو الذي فقّه أهل البصرة وأقرأهم، توفي سنة 50، وقيل غير ذلك. أسد الغابة 3/ 62، الإصابة (ترجمة 4920) 6/ 339. - أبو هريرة - رضي الله عنه -: عبد الرحمن بن صخر الدوسي، قال ابن عبد البر: (اختلفوا في اسم أبي هريرة واسم أبيه اختلافًا كثيرًا لا يحاط به ولا يضبط في الجاهلية والإسلام) وقد حصر ذلك ابن حجر والسخاوي، وهو مُسنِد الإسلام، وأكثر الصحابة رواية للحديث، كان يسبح في اليوم 12000 تسبيحة، ولي إمرة المدينة مرات، توفي سنة 57 وقيل 59. تقريب التهذيب (ترجمة 8426)، الاستيعاب 4/ 323، فتح المغيث 4/ 209. - أبو هلال العسكري: الحسن بن عبد الله بن سهل اللغوي الأديب، له عدة مصنفات منها "الأمثال" و"الفروق اللغوية"، توفي بعد الأربعمائة. طبقات المفسرين ص 33. - أبو يعلى: القاضي محمد بن الحسين الفراء، أبو يعلى البغدادي، إمام الحنابلة في زمانه، مصنفاته كثيرة منها "العدة في أصول الفقه" و"شرح الخرقي" و"ذم الغناء"، توفي سنة 458. تاريخ مدينة السلام 3/ 55، المنهج الأحمد 2/ 354. - أبو يوسف: القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري الكوفي، من أصحاب أبي حنيفة ومن شيوخ محمد بن الحسن، توفي سنة 182. سير أعلام النبلاء 8/ 536، البداية والنهاية 13/ 615، الجواهر المضية في طبقات الحنفية 3/ 611. - أبيض بن حمال: أبيض بن حمال بن مرثد بن ذي لحيان المأربي السبائي، نسبة لمأرب اليمن، لم يذكروا سنة وفاته. أسد الغابة 1/ 53، الإصابة 1/ 51. - إسحاق: إسحاق بن إبراهيم بن مَخلد الحنظلي، ابن راهويه المروزي، ثقة مجتهد، قرين أحمد ابن حنبل، توفي سنة 238. تقريب التهذيب (ترجمة 332)، البداية والنهاية 14/ 354. - أسلم: أسلم القرشي العدوي مولاهم، أبوزيد، تابعي حبشي بجاوي، توفي سنة 80. سير أعلام النبلاء 4/ 98، طبقات الحفاظ ص 24. - أسماء - رضي الله عنها -: أسماء بنت أبي بكر الصديق عبد الله بن عثمان التيمية القرشية، أم عبد الله بن الزبير ذات النطاقين، أخت عائشة لأبيها - رضي الله عنهم -، طال عمرها وعميت في آخره، توفيت سنة 73. أسد الغابة 5/ 209، الإصابة 13/ 128، الإعلام 10/ 80 - 81. - الأثرم: أحمد بن محمد بن هانئ الطائي، أبو بكر الأثرم، من أصحاب الإمام أحمد، ومن المحدثين، توفي بعد سنة 260. طبقات الحنابلة 1/ 162، المنهج الأحمد 1/ 240. - الأسود النخعي: الأسود بن يزيد بن قيس بن عبد الله النخعي، أخو مليكة أم إبراهيم النخعي، وابن أخي علقمة، تابعي جليل، توفي سنة 75. طبقات الفقهاء ص 79، البداية والنهاية 12/ 255. - الأوزاعي: عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي، أبو عمرو الشامي الفقيه، ثقة إمام، توفي سنة 157. تقريب التهذيب (ترجمة 3967)، البداية والنهاية 13/ 443. - البتي: عثمان بن مسلم البتي البصري، من فقهاء الكوفة، توفي سنة 143. سير أعلام النبلاء 6/ 148، تقريب التهذيب (ترجمة 4518). - البخاري: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، أبو عبد الله الجعفي مولاهم، إمام المحدثين في زمانه وأول من صنَّف في ... الصحيح، وصحيحه أصح الكتب المصنفة، وله من المصنفات "الأدب المفرد" و"جزء رفع اليدين" وغيرهما، توفي سنة 256. هدي الساري، البداية والنهاية 14/ 526. - البردعي: أحمد بن الحسين أبو سعيد الحنفي، من أصحاب الطحاوي، قتل في وقعة القرامطة مع الحاج سنة 317. حاشية ابن عابدين 7/ 503، الفوائد البهية في تراجم الحنفية ص 80. - البغوي: أبو محمد الحسين بن مسعود الفرّاء البغوي، مفسر محدث فقيه شافعي، له"شرح السنة" و"مصابيح السنة" و"معالم التنزيل"، توفي سنة 516. طبقات الشافعية الكبرى 7/ 75، طبقات الحفاظ ص 456. - الجوري: علي بن الحسن الجوري القاضي الفارسي، أحد أصحاب الوجوه عند الشافعية، له "المرشد" و"شرح مختصر

المزني". طبقات الشافعية الكبرى 3/ 457. - الجويني: عبد الملك بن عبد الله بن يوسف، أبو المعالي النيسابوري، إمام الحرمين، فقيه شافعي بارع، من مصنفاته "الورقات" و"البرهان" وغيرهما في أصول الفقه، و"نهاية المطلب" و"الرسالة النظامية"، توفي سنة 478. طبقات الفقهاء الشافعيين 2/ 466، طبقات الشافعية الكبرى 5/ 165. - الحارث بن بلال: الحارث بن بلال بن الحارث المزني المدني، مقبول. تقريب التهذيب (ترجمة 1013). - الحارثي: أبو محمد مسعود بن أحمد بن مسعود بن زيد الحارثي البغدادي ثم المصري القاضي، فقيه حنبلي، توفي سنة 711. ذيل طبقات الحنابلة 4/ 387، طبقات الحفاظ ص 519. - الحاكم الشهيد: محمد بن محمد بن أحمد المروزي البلخي، الشهير بالحاكم الشهيد، له "الكافي" وهو أصل المبسوط للسرخسي، و"المنتقى" و"المختصر"، قتل في سنة 344. الفوائد البهية في تراجم الحنفية ص 185. - الحسن بن حي: الحسن بن صالح بن صالح بن حي -حيان- بن شُفَي، أبو عبد الله الهمداني الكوفي، فقيه عابد، توفي سنة 167 وقيل 169. سير أعلام النبلاء 7/ 361، طبقات علماء الحديث 1/ 320، تقريب التهذيب (ترجمة 1250). - الحسن: الحسن بن أبي الحسن البصري، واسم أبيه يسار، رأس التابعين، ثقة فقيه فاضل مشهور، توفي سنة 110. تقريب التهذيب (ترجمة 1227)، سير أعلام النبلاء 4/ 564. - الحكم: الحكم بن عُتَيبة، أبو محمد الكندي الكوفي، فقيه محدث، توفي سنة 115. سير أعلام النبلاء 5/ 208، تقريب التهذيب (ترجمة 1453). - الخطابي: حَمْد بن محمد أبو سليمان الخطابي البستي، محدث لغوي، من تصانيفه "معالم السنن" على سنن أبي داود، و"أعلام الحديث" على صحيح البخاري، و"غريب الحديث" و"العزلة"، توفي سنة 388. طبقات علماء الحديث 3/ 214، طبقات الحفاظ ص 404. - الداودي: أبو جعفر أحمد بن نصر الداودي الأسدي، فقيه مالكي متقن، له شرح على الموطأ وشرح على صحيح البخاري، و"الإيضاح في الرد على القدرية"، توفي سنة 402. الفكر السامي ص 474. - الروياني: أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الشافعي، يحكى عنه قوله: (لو احترقت كتب الشافعي لأمليتها من حفظي)، توفي 502. سير أعلام النبلاء 19/ 260 الفكر السامي ص 658. - الزبير - رضي الله عنه -: الزبير بن العوام بن خويلد القرشي الأسدي أبو عبد الله، ابن عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أحد العشرة والستة، هاجر الهجرتين، وأول من سلَّ سيفًا في سبيل الله - سبحانه وتعالى -، شهد كل المشاهد، قتل سنة 36. أسد الغابة 2/ 209، الإصابة 4/ 17. - الزركشي: محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي المصري، فقيه شافعي، من تصانيفه "شرح جمع الجوامع للسبكي" و"المنثور في القواعد" و"البحر المحيط في أصول الفقه"، توفي سنة 794. طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة الدمشقي 3/ 227. - الزهري: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري، أبو بكر القرشي المدني، عَلَم الحفاظ، متفق على جلالته وإتقانه، توفي سنة 124. طبقات علماء الحديث 1/ 181، طبقات الحفاظ ص 49. - السيوطي: أبو بكر عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، فقيه شافعي نحوي مصنف في سائر الفنون، وكتبه كثيرة جدًا منها "الدر المنثور في التفسير بالمأثور" و"الأشباه والنظائر" في الفقه وفي النحو وله عدة ألفيات، توفي سنة 911. الفكر السامي ص 675. - الشارح: هو لقب مشهور لصاحب الشرح الكبير على المقنع في مذهب الحنابلة، وهو أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي، ابن أخي الموفق عبد الله -صاحب المغني-، فقيه حنبلي، توفي سنة 682. الذيل على طبقات الحنابلة 4/ 172، المنهج الأحمد 4/ 317. - الشعبي: عامر بن شراحيل الشعبي، أبو عمرو الهمداني، تابعي مشهور، توفي سنة 104. سير أعلام النبلاء 4/ 294، البداية والنهاية 13/ 10.

- الصفار: يحتمل أحد اثنين: الأول: إسماعيل بن أحمد بن إسحاق، أبو إبراهيم الصفار، من علماء الحنفية، كان قوالًا بالحق، توفي سنة 461. الفوائد البهية في تراجم الحنفية ص 46. الثاني: إبراهيم بن إسماعيل، أبو إسحاق الصفار، من علماء الحنفية، توفي سنة 574. الفكر السامي ص 519، الفوائد البهية ص 7. - الضحاك بن مزاحم: الضحاك بن مزاحم الهلالي، أبو محمد الخراساني البلخي السمرقندي، تابعي جليل من علماء التفسير، توفي سنة 105 وقيل 106. سير أعلام النبلاء 4/ 598، البداية والنهاية 12/ 732. - الضحاك: الضحاك بن مخلد الشيباني، أبو عاصم النبيل البصري، ثقة ثبت، توفي سنة 212. طبقات علماء الحديث 1/ 523، التقريب ترجمة (2977). - الطبري: أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري الإمام، اشتُهر بشيخ المفسرين، قال ابن خزيمة: (ما أعلم على أديم الأرض أعلم من ابن جرير)، صاحب تفسيره"جامع البيان"و"اختلاف العلماء"و"تهذيب الآثار"و"تاريخ الأمم"، توفي 310. طبقات المفسرين ص 82، سير أعلام النبلاء 14/ 267. - العلاء السمرقندي: محمد بن أحمد السمرقندي، أبو بكر صاحب التحفة، وهي "تحفة الفقهاء" التي شرحها الكاساني بالبدائع، فقال الفقهاء في عصره: شرح تحفته وزوّجه ابنته. توفي سنة 539. مقدمة تحفة الفقهاء 1/ 12، الفوائد البهية ص 158. - العيني: محمود بن أحمد القاضي الحنفي المصري، البدر العيني، نسبة لعين تاب، فقيه حنفي محدث، من مصنفاته "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" و"البناية شرح الهداية" و"نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار"، توفي سنة 855. الفوائد البهية ص 207 - 208. - الغزالي: محمد بن محمد بن محمد الطوسي، أبو حامد الغزالي، بتشديد الزاي، ضبطه به ابن الأثير والنووي والمرتضى الزبيدي وابن السمعاني والسبكي والسخاوي، وهو المعتمد على خلافٍ فيه، وهو إمام شافعي بارع، له تصانيف عديدة منها "إحياء علوم الدين " و "المستصفى في أصول الفقه" وفي الفقه: "الوجيز" و"الوسيط" و"البسيط" توفي سنة 505. طبقات الشافعية الكبرى 6/ 191، فتح المغيث 2/ 511 - 512. - الفاسي: محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي المالكي، صاحب الفكر السامي، توفي سنة 1376. ترجم المؤلف لنفسه في كتابه ص 6. - القاساني: أبو بكر محمد بن إسحاق، حمل العلم عن داود وخالفه في مسائل كثيرة من الأصول والفروع، توفي بعد الثلاثمائة. طبقات الفقهاء ص 176، تبصير المنتبه لابن حجر 3/ 1147. - القاسم: القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي، ثقة محدث فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة، توفي سنة 106. تقريب التهذيب (ترجمة 5489)، البداية والنهاية 13/ 23. - القرطبي: أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري الأندلسي القرطبي المالكي، مفسر فقيه صاحب "الجامع"، توفي سنة 671. مقدمة الجامع. - الكاساني: أبو بكر بن مسعود بن أحمد العلاء الكاساني الحلبي، فقيه حنفي صاحب "بدائع الصنائع"، توفي سنة 587. مقدمة البدائع 1/ 4، الفكر السامي ص 519. - الكرخي: عبيد الله بن الحسين بن دَلَّال، أبو الحسن الكرخي البغدادي، شيخ الحنفية، له "أصول الكرخي"، توفي سنة 340. الفوائد البهية في تراجم الحنفية ص 108، سير أعلام النبلاء 15/ 426، البداية والنهاية 15/ 209. - الليث: الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي المصري، إمام حافظ فقيه، توفي سنة 175. طبقات علماء الحديث 1/ 331، طبقات الحفاظ ص 101. - الماوردي: أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب، إمام شافعي، من أشهر مصنفاته "الحاوي" و"أدب الدنيا والدين" و"الأحكام السلطانية" توفي 450. طبقات الشافعية الكبرى 5/ 267، طبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير 1/ 418. - المرداوي: أبو الحسن علي بن سليمان بن أحمد المرداوي السعدي ثم الصالحي، نسبته إلى مَرْدا بفتح الميم، من أعمال نابلس في فلسطين، شيخ مذهب الحنابلة في زمانه ومصححه ومنقحه، فقيه أصولي، له من المصنفات "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف" شرح للمقنع و"التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع" مختصر من الإنصاف و"التحرير" وشرحه "التحبير" في

أصول الفقه وغيرها، توفي سنة 885. المنهج الأحمد 5/ 290، مقدمة التحبير 1/ 30. - المزني: إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل أبو إبراهيم المزني، صاحب الشافعي، من مصنفاته "المنثور" و"الترغيب في العلم" و"الوثائق" توفي سنة 264. طبقات الشافعية الكبرى 2/ 93، سير أعلام النبلاء 12/ 492. - النخعي: إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي، أبو عمران الكوفي، ثقة فقيه، من الطبقة الصغرى من التابعين، توفي سنة 96. تقريب التهذيب (ترجمة 270)، سير أعلام النبلاء 4/ 520. - النووي: أبو زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي الحزامي، فقيه محدث لغوي زاهد جامع الفنون، من أئمة الشافعية، جمع بين العلم والعمل والبركة مع قصر العمر، له من المصنفات الشيء الكثير، من أشهر ذلك "المجموع شرح المهذب" و"المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" و"الأذكار"، توفي سنة 676. طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 8/ 395، ترجمة تلميذه ابن العطار له: مقدمة المجموع 1/ 417. - أم عطية - رضي الله عنها -: نسيبة بنت الحارث وقيل بنت كعب الأنصارية، غزت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبع غزوات تخلفهم في الرحال، لها أحاديث، ولم يذكروا سنة وفاتها. أسد الغابة 5/ 473، الإصابة (ترجمة 12309) 14/ 450. - أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أنس بن مالك بن النضر الأنصاري النجّاري الخزرجي، أبو حمزة البصري، خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن المكثرين من رواية الحديث، وآخر الصحابة - رضي الله عنهم - موتًا بالبصرة، توفي سنة 93. الاستيعاب 1/ 198، أسد الغابة 1/ 148. - إياس بن معاوية: إياس بن معاوية بن قرة المزني القاضي، تابعي مشهور، توفي سنة 121. أخبار القضاة ص 199، سير أعلام النبلاء 5/ 155. - بلال بن الحارث المزني - رضي الله عنه -: بلال بن الحارث بن عُصم المزني، أبو عبد الرحمن المدني ثم البصري، صحابي، توفي سنة 60. أسد الغابة 1/ 364، الإصابة (ترجمة 738) 1/ 604. - ثابت بن الضحاك - رضي الله عنه -: ثابت بن الضحاك بن خليفة بن ثعلبة الأشهلي، من صغار الصحابة - رضي الله عنهم - شهد الحديبية وبايع تحت الشجرة، توفي سنة 45. الاستيعاب 1/ 280، أسد الغابة 1/ 260. - جابر - رضي الله عنه -: جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السَّلَمي، صحابي ابن صحابي، غزا تسع عشرة غزوة، من المكثرين من رواية الحديث، توفي بالمدينة سنة 78. تقريب التهذيب (ترجمة 871 مع الكاشف للذهبي)، الإصابة (ترجمة 1032) 2/ 120. - حُضين بن المنذر: حُضين بن المنذر الرقاشي، لقبه أبو ساسان وكنيته أبو محمد، ثقة، وكان من أمراء علي - رضي الله عنه - يوم صفين، توفي على رأس المائة. تقريب التهذيب (ترجمة 1397). - حكيم بن حزام - رضي الله عنه -: حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد القرشي الأسدي، صحابي جليل، ولد في جوف الكعبة، وشهد حنينًا، وعاش مائة وعشرين سنة شطرها في الجاهلية وشطرها في الإسلام-أي في عهد الإسلام، فقد أسلم وعمره 74 سنة-، توفي سنة 50 أو 54. الإصابة (ترجمة 1810) 2/ 605، تقريب التهذيب (ترجمة 1470). - حماد بن أبي سليمان: حماد بن مسلم الأشعري مولاهم، أبو إسماعيل الكوفي، شيخ أبي حنيفة، رمي بالإرجاء، وهو فقيه صدوق له أوهام في الرواية، توفي سنة 120. سير أعلام النبلاء 5/ 231، تقريب التهذيب (ترجمة 1500). - حميد بن عبد الرحمن: حميد بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري، من ثقات المدنيين، توفي سنة 105 وقيل 95. البداية والنهاية 12/ 666، تقريب التهذيب مع الكاشف (ترجمة 1552). - خديجة - رضي الله عنها -: خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى الأسدية القرشية، أم المؤمنين، وأولى أزواجه - صلى الله عليه وسلم -، وأول مُصدِّق بالبعثة -وفيه تفصيل مشهور-، وكانت تدعى في الجاهلية الطاهرة، توفيت قبل الهجرة بثلاث سنين. الاستيعاب 4/ 379، زاد المعاد 1/ 102 الإصابة (ترجمة 11219). - داود: داود بن علي بن خلف الأصبهاني، أبو سليمان الظاهري، إمام أهل الظاهر، توفي سنة 270. سير أعلام النبلاء 13/ 97، طبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير 1/ 172. - رافع بن خديج - رضي الله عنه -: رافع بن خديج-بفتح الخاء المعجمة- بن رافع الأنصاري الأوسي، من صغار الصحابة - رضي الله عنهم - وله أحاديث، توفي سنة 74. أسد الغابة 2/ 160، سير أعلام النبلاء 3/ 181.

- ربيعة: ربيعة بن أبي عبد الرحمن فروخ التيمي مولاهم، أبو عثمان مفتي المدينة، شيخ مالك، توفي سنة 136. طبقات الفقهاء ص 50، سير أعلام النبلاء 6/ 89. - زفر: زفر بن الهذيل بن قيس العنبري البصري، من أصحاب أبي حنيفة، توفي سنة 158. سير أعلام النبلاء 8/ 38، الفوائد البهية في تراجم الحنفية ص 750. - زيد بن أسلم: أبو عبد الله العدوي مولاهم، مولى عمر - رضي الله عنه -، تابعي ثقة، ظهر له أكثر من 200 حديث، توفي 136. سير أعلام النبلاء 5/ 316، تقريب التهذيب (ترجمة 2117). - زيد بن ثابت - رضي الله عنه -: زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان الأنصاري النجّاري الخزرجي، من فقهاء الصحابة الراسخين في العلم وممن جمع القرآن وكتب المصحف بأمر أبي بكر - رضي الله عنه -، توفي سنة 45. الاستيعاب 2/ 111، أسد الغابة 2/ 235. - سالم: سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، تابعي، من الفقهاء السبعة-على قولٍ-، ومن المكثرين من الحديث، توفي سنة 106. البداية والنهاية 13/ 21، تقريب التهذيب (ترجمة 2176). - سعد - رضي الله عنه -: سعد بن أبي وقاص مالك بن وهب بن عبد مناف القرشي الزهري، أبو إسحاق أحد العشرة المبشرين بالجنة وآخرهم موتًا، وأول من رمى بسهم في سبيل الله - سبحانه وتعالى - وكان مجاب الدعوة، توفي سنة 55. الاستيعاب 2/ 171، الإصابة (ترجمة 3206) 4/ 285. - سعيد بن المسيِّب: سعيد بن المسيب بن حزْن القرشي المخزومي، أبو محمد المدني، ويجوز في المسيب كسر الياء وفتحها، تابعي كبير وأحد الفقهاء السبعة، توفي في سنة الفقهاء 94. سير أعلام النبلاء 4/ 217، البداية والنهاية 12/ 471، فتح المغيث 4/ 22. - سعيد بن جبير: سعيد بن جبير الأسدي مولاهم الكوفي، تابعي ثقة ثبت فقيه، قُتل بين يدي الحجاج سنة 95. تقريب التهذيب (ترجمة 2278)، سير أعلام النبلاء 4/ 322. - سفيان الثوري: سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، أبو عبد الله الكوفي، ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة، توفي 161. تقريب التهذيب (ترجمة 2445)، البداية والنهاية 13/ 489. - سليمان بن داود الهاشمي: سليمان بن داود بن داود بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي العباسي، أبو أيوب البغدادي، فقيه ثقة إمام، توفي سنة 219. سير أعلام النبلاء 10/ 625، تقريب التهذيب (ترجمة 2552). - سليمان بن يسار: سليمان بن يسار الهلالي مولاهم المدني، تابعي وأحد الفقهاء السبعة، توفي سنة 107. سير أعلام النبلاء 4/ 444، تقريب التهذيب (ترجمة 2619). - سهل بن سعد - رضي الله عنهما -: سهل بن سعد بن مالك الساعدي، أبو العباس الخزرجي له أحاديث، آخر الصحابة موتًا بالمدينة -على قولٍ-، توفي سنة 88 أو 91. الاستيعاب 2/ 224، أسد الغابة 2/ 390. - شريح: شريح بن الحارث بن قيس القاضي الكوفي، أبو أمية الكندي، من أشهر القضاة في الإسلام، توفي سنة 78. سير أعلام النبلاء 4/ 100، البداية والنهاية 12/ 281. - شعيب: شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص القرشي السهمي، صدوق ثبت سماعه من جده - رضي الله عنه -. سير أعلام النبلاء 5/ 181، تقريب التهذيب (ترجمة 2806) - شهر بن حوشب: شهر بن حوشب الأشعري الشامي، مولى أسماء بنت يزيد بن السكن - رضي الله عنها -، صدوق كثير الإرسال والأوهام، كما قال في التقريب، توفي 112. سير أعلام النبلاء 4/ 372، تقريب التهذيب (ترجمة 2830). - صفوان - رضي الله عنه -: صفوان بن أمية بن خلف القرشي الجمحي، تأخر إسلامه إلى ما بعد فتح مكة، وشهد حنينًا والطائف، وكان أحد أشراف قريش في الجاهلية وأحد المُطعمِين، كان يقال له سِدَاد البطحاء، توفي سنة 42، وقيل غير ذلك. الاستيعاب 2/ 274، أسد الغابة 2/ 452. - صهيب - رضي الله عنه -: صهيب بن سنان بن مالك الربعي النَّمرَي، أبو يحيى الرومي؛ لأن الروم سبوه صغيرًا، أسلم مع عمار في وقتٍ واحدٍ بعد بضعة وثلاثين نفسًا، توفي سنة 38. أسد الغابة 2/ 461، سير أعلام النبلاء 2/ 17.

- طاوس: طاوس بن كيسان اليماني، أبو عبد الرحمن الحميري مولاهم، فقيه محدث من التابعين، من كبار أصحاب ابن عباس - رضي الله عنهما -، توفي سنة 106. البداية والنهاية 13/ 21، تقريب التهذيب (ترجمة 3009). - طلحة - رضي الله عنه -: طلحة بن عبيد الله بن عثمان القرشي التيمي، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الثمانية السابقين إلى الإسلام وأحد الستة أصحاب الشورى، مشهودٌ له بالشجاعة، قتل سنة 36. الاستيعاب 2/ 316، الإصابة (ترجمة 4288) 5/ 417. - ظهير - رضي الله عنه -: ظهير بن رافع بن عدي الأنصاري الأوسي، بضم الظاء، عم رافع ووالد أُسيد - رضي الله عنهما -، شهد العقبة الثانية، لم يُذكر له سنة وفاة. الاستيعاب 2/ 329، أسد الغابة 2/ 503، الكاشف ص 293، الإصابة (ترجمة 4350) 5/ 467. - عائذ بن عمرو المزني - رضي الله عنه -: عائذ بن عمرو بن هلال المزني، أبو هبيرة البصري، صحابي بايع تحت الشجرة، توفي سنة 61. أسد الغابة 2/ 532، تقريب التهذيب (ترجمة 3118). - عائشة - رضي الله عنها -: الصِّدِّيقة بنت الصِّدِّيق عائشة بنت أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما -، أم المؤمنين، وأفقه نساء العالمين، تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكرًا قبل الهجرة بسنتين، وتوفي عنها وعمرها 18 سنة، توفيت سنة 57. الاستيعاب 4/ 435، أسد الغابة 5/ 341. - عبد الرحمن الضرير: أبو طالب عبد الرحمن بن عمر بن أبي قاسم البصري الضرير، فقيه حنبلي، من مصنفاته "الحاوي الصغير" و"الحاوي الكبير" و"الواضح في شرح مختصر الخرقي" من تلاميذ ابن الجوزي والمجد ابن تيمية، توفي سنة 684. الذيل على طبقات الحنابلة 4/ 194، المنهج الأحمد 4/ 327. - عبد الرحمن بن أبي ليلى: عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري المدني ثم الكوفي، تابعي ثقة، والد القاضي محمد، توفي سنة 83. البداية والنهاية 12/ 348، تقريب التهذيب (ترجمة 3993). - عبد الرحمن بن الأسود: عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، تابعي ثقة، قال الشعبي: (أهلُ بيتٍ خُلقوا للجنة)، توفي سنة 99. سير أعلام النبلاء 5/ 11، تقريب التهذيب (ترجمة 3803). - عبد الرحمن بن الأصم المعتزلي: أبو بكر، شيخ المعتزلة، كان ثمامة بن أشرس يتغالى فيه ويطنب في وصفه، له تفسير وكتاب "خلق القرآن" و"الرد على الملحدة" و"الرد على المجوس" و"الحركات" وغيرها، توفي سنة 201. سير أعلام النبلاء 9/ 402، الفهرست لابن النديم ص 214. - عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه -: عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف القرشي الزهري، أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى، وممن هاجر الهجرتين، توفي سنة 32. وفيها توفي أبو ذر وأبو الدرداء وابن مسعود. الاستيعاب 2/ 386، الإصابة (ترجمة 5202) 6/ 543. - عبد الرحمن بن يزيد: عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي، أبو بكر الكوفي، أخو الأسود، تابعي ثقة، توفي سنة 83. سير أعلام النبلاء 4/ 78، تقريب التهذيب (ترجمة 4043). - عبد الله بن زيد آل محمود: عبد الله بن زيد بن عبد الله بن محمد بن راشد، وآل محمود ينتسبون إلى آل حامد من الأشراف، ولد في حوطة بني تميم عام 1329، وهو رئيس المحاكم الشرعية والشئون الدينية بقطر، ومن تلاميذ الشيخ محمد بن إبراهيم، من مؤلفاته "بدعة الاحتفال بالمولد" و"أحكام عقود التأمين"، توفيَ في قطر سنة 1417. علماء نجد (رقم 441)، جمهرة أنساب الأسر المتحضرة في نجد 2/ 728، مشاهير أعلام المسلمين ص 146. - عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -: عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل القرشي السهمي، صحابي ابن صحابي، من علماء الصحابة، توفي 65. تقريب التهذيب (ترجمة 3499)، الاستيعاب 3/ 86. - عبد الله بن عمرو بن عوف المزني المدني: والد كثير، مقبول. تقريب التهذيب مع الكاشف (ترجمة 3503). - عبد الله بن معقل: عبد الله بن معقل بن مقرِّن المزني، أبو الوليد الكوفي، تابعي ثقة، توفي سنة 88. تهذيب الكمال (ترجمة 3586)، سير أعلام النبلاء 4/ 206. - عروة البارقي - رضي الله عنه -: عروة بن عياض بن أبي الجعد البارقي، صحابي جليل استعمله عمر على قضاء الكوفة قبل أن يستقضي شريحًا. الاستيعاب 3/ 175، الإصابة (ترجمة 6455) 8/ 178. - عروة بن الزبير: عروة بن الزبير بن العوام الأسدي، أبو عبد الله المدني، فقيه محدث من التابعين وأحد الفقهاء السبعة، توفي عام الفقهاء سنة 94. سير أعلام النبلاء 4/ 421، تقريب التهذيب (ترجمة 4561).

- عطاء: عطاء بن أبي رباح، واسم أبي رباح أسلم، القرشي مولاهم المكي، تابعي مشهور ثقة فقيه فاضل، توفي سنة 114. سير أعلام النبلاء 5/ 79، تقريب التهذيب (ترجمة 4591). - عكرمة: عكرمة البربري، أبو عبد الله القرشي المدني، مولى ابن عباس - رضي الله عنهما -، تابعي مكثر مفسر، قال الذهبي فيه: (فالذين أهدروه كبار والذين احتجوا به كبار) توفي سنة 104. سير أعلام النبلاء 5/ 12، طبقات علماء الحديث 1/ 167. - علقمة: علقمة بن قيس بن عبد الله النخعي، أبو شبل الكوفي، عم الأسود وعبد الرحمن، -وهما خالا إبراهيم النخعي، فيقال لعلقمة: خال إبراهيم؛ لأنه عم أمه مليكة وعم أخواله، والقياس أن يقال عم إبراهيم كما في بعض المراجع؛ لأن أعمام الأصول أعمام للفروع، وهو عم أمه-، قال الذهبي: (فهؤلاء أهل بيت من رؤوس العلم والعمل)، مخضرم مشهور، توفي سنة 62. طبقات الفقهاء ص 79، سير أعلام النبلاء 4/ 50،53، تقريب التهذيب (ترجمة 4681). - عمار بن ياسر - رضي الله عنهما -: عمار بن ياسر بن عامر بن مالك، أبو اليقظان العنسي، كان من أوائل من أسلم، بعد بضعة وثلاثين، وعذب في الله - سبحانه وتعالى - عذابًا شديدًا، قتلته الفئة الباغية يوم صفين عام 37. الاستيعاب 3/ 227، أسد الغابة 3/ 308، سير أعلام النبلاء 1/ 406. - عمر بن عبد العزيز: عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص القرشي الأموي الأشج، أمير المؤمنين، كان خليفةً زاهدًا مجتهدًا عالمًا مضربَ المثل في العدل، وفي كثير من أبواب الفضل، توفي سنة 101. سير أعلام النبلاء 5/ 114، البداية والنهاية 12/ 676. - عمرو بن دينار: عمرو بن دينار المكي، أبو محمد الأثرم الجمحي مولاهم، ثقة ثبت، توفي سنة 126. سير أعلام النبلاء 5/ 300، تقريب التهذيب (ترجمة 5024). - عمرو بن شعيب: عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، أبو عبد الله القرشي السهمي، صدوق احتج به عامة المحدثين، توفي سنة 118. سير أعلام النبلاء 5/ 165، تقريب التهذيب (ترجمة 5050). - عمرو بن عوف المزني - رضي الله عنه -: جد كثير بن عبد الله، وهو عمرو بن عوف بن زيد أبو عبد الله، أحد البكائين، وكان قديم الإسلام، وأول مشاهده الأبواء، وقيل الخندق، توفي في آخر عهد معاوية - رضي الله عنه -. أسد الغابة 4/ 394، الإصابة (ترجمة 5952) (7/ 434). - فاطمة بنت قيس: فاطمة بنت قيس بن خالد القرشية الفهرية - رضي الله عنها -، أخت الضحاك، صحابية لها أحاديث، ولم يذكروا سنة وفاتها. زاد المعاد 5/ 475، الإصابة (ترجمة 11744) 14/ 112. - قتادة: قتادة بن دِعامة السدوسي، أبو الخطاب البصري، ولد أكمه، كان من أحفظ الناس ومن المفسرين، توفي سنة 117. طبقات علماء الحديث 1/ 196، طبقات الحفاظ ص 54. - كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني المدني: راوٍ ضعيف أفرط من نسبه إلى الكذب، قَبِل حديثه بعض الأئمة. المجروحين لابن حبان 2/ 226، تقريب التهذيب (ترجمة 5617). - مجاهد: مجاهد بن جبر المكي، أبو الحجاج المخزومي مولاهم، تابعي ثقة إمام في التفسير، توفي سنة 104. سير أعلام النبلاء 4/ 449، تقريب التهذيب (ترجمة 6481). - محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: ابن أبي ليلى. - محمد بن الحسن: محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني، أبو عبد الله الكوفي، من أصحاب أبي حنيفة، وله الكتب التي أُخِذ منها ظاهر الرواية عند الحنفية، منها "السير الكبير" و"السير الصغير"، توفي سنة 189. عقود رسم المفتي لابن عابدين، سير أعلام النبلاء 9/ 134. - محمد بن الحسن الفاسي: الفاسي. - محمد بن الحنفية (محمد بن علي بن أبي طالب): محمد بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبو القاسم المدني، من آل بيت المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، ثقة من التابعين، توفي سنة 80 وقيل بعدها. سير أعلام النبلاء 4/ 110، البداية والنهاية 12/ 313، الكاشف (ترجمة 6157). - محمد بن علي الباقر: أبو جعفر محمد الباقر.

- محمد بن سلمة: أبو عبد الله الفقيه البلخي، من فقهاء الحنفية، توفي سنة 278. الفوائد البهية في تراجم الحنفية ص 168. - مسروق: مسروق بن الأجدع بن مالك الهمداني الوادعي، أبو عائشة الكوفي، تابعي فقيه محدث، توفي سنة 63. سير أعلام النبلاء 4/ 63، تقريب التهذيب (ترجمة 6601). - معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: معاذ بن جبل بن عمرو الأنصاري الخزرجي، كان من فقهاء الصحابة - رضي الله عنهم - ومن أجمل الرجال، بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - لليمن، توفي سنة 18. أسد الغابة 4/ 142، الإصابة (ترجمة 8074) 10/ 202. - مكحول: أبو عبد الله مكحول الشامي، فقيه محدث من التابعين، توفي سنة 113. الكاشف مع التقريب (ترجمة 6875)، البداية والنهاية 13/ 67. - موسى بن طلحة: موسى بن طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي، أبو عيسى المدني المهدي، تابعي ثقة، توفي سنة 103. سير أعلام النبلاء 4/ 364، تقريب التهذيب (ترجمة 6978). - ميمون بن مهران: ميمون بن مهران الجزري، أبو أيوب الكوفي الرقي، فقيه ثقة، توفي سنة 117. سير أعلام النبلاء 2/ 71، تقريب التهذيب (ترجمة 7049). - نافع: نافع المدني، أبو عبد العدوي مولاهم، مولى ابن عمر - رضي الله عنهما - تابعي من المكثرين من الرواية ومن الحفاظ، توفي سنة 117. طبقات علماء الحديث 1/ 175، طبقات الحفاظ ص 47. - هشام بن هبيرة: هشام بن هبيرة بن فضالة الليثي وقيل الضبي، من قضاة البصرة، توفي سنة 72. أخبار القضاة ص 189، الثقات لابن حبان (ترجمة 5937). - وائل بن حُجر - رضي الله عنه -: وائل بن حجر بن ربيعة بن وائل الحضرمي، صحابي جليل من أبناء ملوك اليمن، توفي في ولاية معاوية - رضي الله عنهم -. أسد الغابة 4/ 305، الإصابة 11/ 312. - يحيى بن يحيى الليثي: يحيى بن يحيى بن كثير الليثي مولاهم القرطبي، أشهر من روى الموطأ، صدوقٌ فقيه قليل الحديث وله أوهام، ذكره ابن حجر تمييزًا، توفي 234. التعريف بأصحاب مالك لابن عبد البر ص 63، البداية والنهاية 14/ 339، تقريب التهذيب (ترجمة 7669). - يعلى بن أمية - رضي الله عنه -: يعلى بن أمية التميمي الحنظلي، ويقال يعلى بن مُنْية، وهي أمه، وقيل: جدته، عمل لعمر وعثمان ثم صار من أصحاب علي - رضي الله عنهم -، وتأخر موته عن عام 47. أسد الغابة 4/ 361، الإصابة (ترجمة 9399) 11/ 447، فتح المغيث 4/ 332.

المصادر والمراجع

المصادر والمراجع - أبحاث هيئة كبار العلماء، إعداد الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية (ج 4)، دار القاسم، ط.1، 1421. - أبحاث هيئة كبار العلماء، إعداد الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء (ج 5)، طبع ونشر رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء، ط.1، 1422. - ابن قيم الجوزية حياته - آثاره - موارده، تأليف بكر بن عبد الله أبو زيد، دار العاصمة، ط.2، 1423. - إجماعات ابن عبد البر في العبادات جمعًا ودراسة، تأليف عبد الله بن مبارك آل سيف، دار طيبة، ط.1، 1420. - إحكام الأحكام في شرح عمدة الأحكام، تأليف محمد بن علي بن وهب القشيري المنفلوطي المعروف بابن دقيق العيد، اعتنى به حسان عبد المنان، بيت الأفكار الدولية. - أحكام الأوراق التجارية في الفقه الإسلامي، تأليف د. سعد بن تركي الخثلان، دار ابن الجوزي، ط.1، 1425. - أحكام الشركات في الفقه الإسلامي المالكي، تأليف محمد سكحال المجاجي، المكتب الإسلامي، ط.1، 1422. - أحكام القرآن، تأليف أبي بكر محمد بن عبد الله ابن العربي، تحقيق علي البجاوي، دار الفكر. - أحكام أهل الذمة، تأليف أبي عبد الله محمد ابن قيم الجوزية، تحقيق سيد عمران، دار الحديث، 1426. - أخبار القضاة، تأليف وكيع: محمد بن خلف القاضي، مراجعة سعيد محمد اللحام، دار عالم الكتب. - اختلاف الأئمة الأربعة (مخطوطة محققة باسم الإجماع عند أهل السنة الأربعة)، تأليف الوزير يحيى بن هبيرة، قام بإخراجه د. محمد محمد شتا أبو سعد، مكتبة العبيكان، ط.1، 1423. - اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية الفقهية (ج 6، 7)، تأليف عبد الله بن مبارك آل سيف، كنوز إشبيليا، ط.1، 1430. - اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية، تأليف ابن عبد الهادي المقدسي والبرهان إبراهيم بن محمد بن قيم الجوزية، تحقيق سامي ابن محمد جاد الله، دار عالم الفوائد، ط.1، 1424. - أدب الكاتب، تأليف عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، تحقيق محمد الدالي، مؤسسة الرسالة، ط.2، 1420. - إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، تأليف أبي العباس أحمد بن محمد القسطلاني الشافعي، ضبطه وصححه محمد الخالدي، دار الكتب العلمية، ط.1، 1416. - إرشاد الفقيه إلى معرفة أدلة التنبيه، تأليف إسماعيل بن كثير الدمشقي الشافعي، تحقيق بهجت يوسف أبو الطيّب، مؤسسة الرسالة، ط.1، 1416. - إرشاد أولي البصائر والألباب لمعرفة الفقه بأقرب الطرق وأيسر الأسباب، تأليف عبد الرحمن بن ناصر السعدي، دار الضياء، ط.1، 1427. - إرواء الغليل، تأليف محمد ناصر الدين الألباني، ط.2، المكتب الإسلامي، 1405. - استثمار الوقف، تأليف د. سالم بن ناصر الراكان، مكتبة المعهد العالي للقضاء، بحث ماجستير، 1422. - أسد الغابة في معرفة الصحابة، تأليف العز علي بن محمد الجزري ابن الأثير، تحقيق مأمون خليل شيحا، دار المعرفة، ط.1، 1418. - اصطلاح المذهب عند المالكية، تأليف د. محمد إبراهيم علي، دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث، حكومة دبي، ط.1، 1421. - أصول السرخسي، تأليف أبي بكر محمد بن أحمد السرخسي، تحقيق أبو الوفا الأفغاني، دار الكتب العلمية، ط.1، 1414، وفي ضبط السرخسي وجهان: الأول فتح السين والخاء وإسكان الراء، والثاني فتحهما وإسكان الخاء، نسبة إلى سرخس من خراسان، قال ياقوت الحموي (معجم البلدان 5/ 37): (سرخس بفتح أوله وسكون ثانيه وفتح الخاء المعجمة)، وقال الفيروز آبادي (القاموس المحيط ص 550): (سرخس بفتح السين والراء)، وقال القرشي (الجواهر المضية 4/ 228): (والسين على كل حالٍ مفتوحة، ولم يصنع القاضي أبو بكر ابن العربي شيئا بكسرها)، وقال ابن عابدين في "عقود رسم المفتي" سائرًا على الوجه الثاني: أقوى شروحه الذي كالشمس ... مبسوط شمس الأمة السَّرَخسي.

- إعلام الموقعين عن رب العالمين، تأليف أبي عبد الله محمد ابن قيم الجوزية، تحقيق مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن الجوزي، ط.1، 1423. - إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، تأليف أبي عبد الله محمد ابن قيم الجوزية، تحقيق خالد العلمي، دار الكتاب العربي، ط.4، 1421. - إكمال المعلم بفوائد مسلم، تأليف القاضي عياض بن موسى بن عياض اليحصبي، تحقيق د. يحيى إسماعيل، دار الوفاء، ط.1، 1419. - الإجماع، تأليف أبي بكر محمد بن المنذر النيسابوري، تحقيق د. أبو حماد صغير حنيف، مكتبة الفرقان، ط.2، 1420. - الأحكام السلطانية والولايات الدينية، تأليف أبي الحسن علي بن محمد الماوردي، تحقيق د. أحمد مبارك البغدادي، دار ابن قتيبة، ط.1، 1409. - الأحكام السلطانية، تأليف القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين الفراء البغدادي الحنبلي، تحقيق محمد حامد الفقي، دار الكتب العلمية، 1421 (مصورة). - الإحكام، تأليف أبي محمد علي بن أحمد بن حزم الظاهري، بلا تاريخ ولا ناشر، وزعته إدارة الإفتاء بالرياض. - الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، أبو الحسن علي البعلي الحنبلي، تحقيق أحمد الخليل، دار العاصمة ط.1, 1418. - الاختيار لتعليل المختار، تأليف عبد الله بن محمد بن مودود الموصلي الحنفي، ط. دار الدعوة. - الآداب الشرعية، تأليف أبي عبد الله محمد بن مفلح المقدسي، حققه شعيب الأرناؤوط وعمر القيام، مؤسسة الرسالة، ط.4، 1426. - الأدب المفرد (مع فضل الله الصمد)، تأليف محمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق يوسف البكري، دار المعالي، ط.1، 1420. - الاستحسان، تأليف د. يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين، مكتبة الرشد، ط.1، 1428. - الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار وشرح ذلك كله بالإيجاز والاختصار، تأليف أبي عمر يوسف بن عبد البر، دار إحياء التراث العربي، ط.1، 1421. - الاستذكار، تأليف أبي عمر يوسف بن عبد البر، تحقيق عبد الله التركي، مركز هجر، ط.1، 1426. - الاستقصاء شرح المهذب (مع تكملة المجموع)، تأليف الماراني، دار الكتب العلمية، ط.1، 1423. - الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تأليف أبي عمر يوسف بن عبد البر القرطبي، تحقيق عادل عبد الموجود وجماعة، دار الكتب العلمية، ط.2، 1422. - الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان، تأليف زين الدين بن إبراهيم ابن نجيم الحنفي، تخريج زكريا عميرات، دار الكتب العلمية، ط.1، 1419. - الأشباه والنظائر في النحو، تأليف عبد الرحمن السيوطي، تحقيق د. عبد العال سالم مكرم، دار عالم الكتب، ط.3، 1423 - الأشباه والنظائر في قواعد وفروع الشافعية، تأليف عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق محمد محمد تامر وحافظ عاشور حافظ، دار السلام، مصر، ط.2، 1424. - الأشباه والنظائر، تأليف عبد الوهاب بن علي السبكي، تحقيق عادل عبد الموجود وعلي معوض، دار الكتب العلمية، 1422. - الإشراف على مذاهب العلماء، تأليف أبي بكر محمد بن المنذر النيسابوري، تحقيق أبي حماد صغير الأنصاري، مكتبة مكة الثقافية، ط.1، 1428. - الإشراف على مسائل الخلاف (مع الإتحاف بتخريج أحاديث الإشراف على مسائل الخلاف)، للقاضي عبد الوهاب البغدادي، دار البحوث والدراسات الإسلامية، ط.1، 1420. - الإصابة في تمييز الصحابة، أحمد بن حجر العسقلاني، تحقيق د. عبد الله التركي، دار هجر، ط.1، 1429. - الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، تأليف عمر بن علي بن الملقن الأنصاري، تحقيق عبد العزيز المشيقح، دار العاصمة، ط.1،

1421. - الأعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستغربين والمستشرقين، تأليف خير الدين الزِّرِكلي، دار العلم للملايين، ط.15، 2002 م. - الإفادات والإنشادات، تأليف أبي إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي صاحب الموافقات والاعتصام، تحقيق د. محمد أبو الأجفان، مؤسسة الرسالة، ط.2، 1406. - الأقطاع في الإسلام، تأليف محمد بن أحمد الشمراني، مكتبة المعهد العالي للقضاء، بحث ماجستير بقسم الفقه المقارن، 97/ 1398. - الإقناع في مسائل الإجماع، تأليف أبي الحسن ابن القطان، تحقيق حسن الصعيدي، دار الفاروق الحديثة، ط.1، 1424. - الإقناع لطالب الانتفاع، تأليف أبي النجا موسى بن أحمد الحجاوي، تحقيق د. عبد الله التركي، دار هجر، ط.1، 1418. - الأم، تأليف الإمام محمد بن إدريس الشافعي، دار المعرفة (مصور). - الإنصاف في معرفة الخلاف، تأليف أبي الحسن علي المرداوي الحنبلي، مع الشرح الكبير، تحقيق د. عبدالله التركي، دار عالم الكتب، 1426. - الأوسط من السنن والإجماع والاختلاف، تأليف أبي بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، تعليق أحمد بن سليمان بن أيوب، دار الفلاح، ط.1، 1430. - الإيجاب والقبول بين الفقه والقانون، تأليف دبيان بن محمد الدبيان، مكتبة الرشد، ط.1، 1426. - البجيرمي على الخطيب، حاشية سليمان بن محمد بن عمر البجيرمي الشافعي على تحفة الحبيب على شرح الخطيب للشربيني، دار الكتب العلمية، ط.1، 1417. - البحر الرائق، تأليف أبي البركات عبد الله النسفي، ضبطه زكريا عميرات، دار الكتب العلمية، ط.1، 1418. - البحر المحيط، تأليف محمد بن بهادر الزركشي الشافعي، مراجعة عمر الأشقر، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتية، ط.2، 1413. - البداية والنهاية، تأليف إسماعيل بن كثير الدمشقي، تحقيق عبد الله التركي، دار هجر، ط.1، 1417. - البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير، تأليف عمر بن علي الأنصاري الشافعي المعروف بابن الملقن، تحقيق مصطفى أبو الغيط وآخرين، دار الهجرة للنشر والتوزيع، ط.1، 1425. - البناية في شرح الهداية، تأليف محمود بن أحمد العيني الحنفي، دار الفكر، ط.2، 1411. - البيان في مذهب الإمام الشافعي، تأليف يحيى بن أبي الخير العِمراني اليمني، اعتنى به قاسم محمد النوري، دار المنهاج. - البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل في مسائل المستخرجة، تأليف أبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي (الجد)، تحقيق د. محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، ط.2، 1408. - التاج والإكليل لمختصر خليل، تأليف محمد بن يوسف المواق، مع مواهب الجليل، ضبطه زكريا عميرات، ط.1، 1416. - التأمين الاجتماعي في ضوء الشريعة الإسلامية، تأليف د. عبد اللطيف محمود آل محمود، دار النفائس، ط.1، 1414. - التأمين الإسلامي، تأليف ا. د. علي محيي الدين القره داغي، ط. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر، ط.1، 1431. - التأمين التعاوني (بحث محكَّم ضمن مجلة الجمعية الفقهية السعودية العدد 3)، ا. د. عبد الله بن عبد العزيز العجلان، 1429. - التأمين بين الحظر والإباحة، تأليف د. محمد بن أحمد الصالح، ط.1، 1425. - التأمين بين الحظر والإباحة، تأليف سعدي أبو جيب، دار الفكر، ط.1، 1403. - التأمين بين الحلال والحرام، د. عبد الله بن سليمان المنيع، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، محاضرة ألقيت في 17/ 6/1423. - التأمين على رخصة قيادة السيارات إلزامًا والتزامًا (بحث محكَّم من مجلة البحوث الفقهية المعاصرة العدد 60)، تأليف ا. د.

سعد بن ناصر الشثري، 1424. - التأمين في الشريعة والقانون، تأليف د. شوكت عليان، دار الشواف، ط.3، 1416. - التأمين وأحكامه، تأليف د. سليمان بن إبراهيم بن ثنيان، دار ابن حزم، ط.1، 1424. - التتبع (مطبوع مع الإلزامات بعنوان: التتبع والإلزامات. وهما كتابان)، تأليف أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني، تحقيق مقبل الوادعي، دار الكتب العلمية، ط.2، 1405. - التحبير شرح التحرير، تأليف أبو الحسن المرداوي، تحقيق د. عبد الرحمن الجبرين ود. عوض القرني ود. أحمد السراح، مكتبة الرشد، ط.1، 1427. - الترغيب والترهيب من الحديث الشريف، تأليف عبد العظيم بن عبد القوي المنذري، تحقيق إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، ط.1، 1417. - التعريف بأصحاب مالك، تأليف أبي عمر يوسف بن عبد البر، تحقيق أحمد المزيدي، مكتبة الأنصار. - التعريفات، تأليف علي الجرجاني الحنفي، ط.1، دار الكتب العلمية, 1421. - التلخيص الحبير، تأليف أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق محمد الثاني بن موسى، أضواء السلف، ط.1، 1428. - التمهيد، تأليف أبي عمر يوسف بن عبد البر، تحقيق د. عبد الله التركي، مركز هجر، ط.1، 1426. - التنقيح المُشْبِع في تحرير أحكام المقنع، تأليف أبي الحسن علي المَرداوي الحنبلي، تحقيق د. ناصر السلامة، مكتبة الرشد، ط.1، 1425. - التوضيح لشرح الجامع الصحيح، تأليف عمر بن علي بن الملقن الأنصاري الشافعي، تحقيق دار الفلاح للبحث العلمي وتحقيق التراث، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بقطر، ط.1، 1426. - الثقات، تأليف محمد بن حبان البستي، مكتبة نزار مصطفى الباز، ط.1، 1425. - الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب، تأليف محمد ناصر الدين الألباني، غراس للنشر والتوزيع، ط.1، 1422. - الجامع الصحيح (صحيح البخاري) (الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه)، تأليف أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق محمد الناصر، دار طوق النجاة (مصورة اليونينية)، ط.1، 1422. - الجامع الصحيح (صحيح مسلم)، تأليف مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، دار الجيل (مصورة عن الطبعة العامرة). وينظر: صحيح مسلم، في حرف الصاد. - الجامع الكبير (سنن الترمذي)، تأليف محمد بن عيسى الترمذي، تحقيق د. بشار عواد معروف، دار الغرب، ط.2، 1998. - الجامع لأحكام القرآن (تفسير القرطبي)، تأليف أبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، تحقيق عبد الرزاق المهدي، دار الكتاب العربي، 1424. - الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية، جمعه محمد عزير شمس وعلي العمران، دار عالم الفوائد، ط.3، 1427. - الجامع لشعب الإيمان، تأليف أحمد بن الحسين البيهقي، أشرف على تحقيقه مختار أحمد الندوي، مكتبة الرشد، ط.2، 1425. - الجواهر المضية في طبقات الحنفية، تأليف عبد القادر بن محمد القرشي الحنفي، تحقيق د. عبد الفتاح الحلو، مؤسسة الرسالة، ط.2، 1413. - الجوهر النقي، تأليف علي المارديني ابن التركماني الحنفي، الطبعة الهندية بهامش سنن البيهقي. - الحاوي الصغير في الفقه على مذهب الإمام أحمد، تأليف عبد الرحمن بن عمر الضرير البصري الحنبلي، تحقيق د. ناصر ين سعود السلامة، مكتبة الرشد، ط.1، 1428. - الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه، وهو شرح مختصر المزني، تأليف أبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري، تحقيق علي معوض وعادل عبد الموجود، دار الكتب العلمية، ط.1، 1414. - الحيل الفقهية، تأليف د. صالح بن إسماعيل بوبشيش، مكتبة الرشد، ط.1، 1426. - الخدمات الاستثمارية في المصارف وأحكامها في الفقه الإسلامي، تأليف د. يوسف بن عبدالله الشبيلي، دار ابن الجوزي، ط.1، 1425.

- الخطر والتأمين، تأليف د. رفيق يونس المصري، دار القلم، ط.1، 1422. - الداء والدواء، تأليف محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق وتخريج محمد الإصلاحي وزائد النشيري، دار عالم الفوائد، ط.1، 1429. - الدر المختار في شرح تنوير الأبصار (مع حاشية ابن عابدين)، تأليف محمد بن علي الحصكفي، تحقيق عبد المجيد طعمة حلبي، دار المعرفة، ط.1، 1420. - الدر المنظوم من كلام المصطفى المعصوم، تأليف أبي عبد الله مُغْلَطاي بن قَلِيح البَكْجري الحنفي التركي المصري -بضم الميم وإسكان الغين المعجمة وفتح اللام في اسمه، وفتح القاف أول اسم أبيه وكسر ثانيه-، إشراف ومراجعة محمد عوامة، بلا تاريخ طبع ولا ناشر، تاريخ المقدمة 1414. - الدراية في تخريج أحاديث الهداية، تأليف أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، صححه وعلق عليه عبد الله اليماني المدني، دار المعرفة (مصورة). - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، تأليف أبي الفضل أحمد بن حجر العسقلاني، دار الجيل، 1414. - الذخيرة، تأليف أحمد بن إدريس القرافي، تحقيق ا. محمد بو خبزة وغيره، دار الغرب الإسلامي، ط.1، 1990 م. - الذيل على طبقات الحنابلة، تأليف عبد الرحمن بن رجب الحنبلي، تحقيق عبد الرحمن العثيمين، مكتبة العبيكان، ط.1، 1425. - الربا والمعاملات المصرفية في نظر الشريعة الإسلامية، تأليف د. عمر بن عبد العزيز المِترك، اعتنى بإخراجه بكر بن عبد الله أبو زيد، دار العاصمة، ط.3، 1418. - الرهن في الفقه الإسلامي، تأليف د. مبارك بن محمد الدعيلج، ط.1، 1420. - الروض المربع شرح زاد المستقنع، تأليف منصور بن يونس البهوتي، تحقيق د. خالد بن علي المشيقح وآخرين دار الوطن، ط.1، 1424. - الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي، تأليف محمد بن أحمد الأزهري، تحقيق مسعد السعدني، دار الطلائع. - السلم والمضاربة، د. زكريا محمد القضاة، دار الفكر، ط.1، 1984 م. - السنن (سنن ابن ماجه)، تأليف أبي عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه القزويني، تحقيق شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة العالمية، ط.1، 1430. - السنن الكبرى (سنن البيهقي)، تأليف أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق جماعة من العلماء منهم المعلمي في بعض الأجزاء، ط. مجلس دائرة المعارف العثمانية (الطبعة الهندية)، 1352. - السنن الكبرى، تأليف أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، تخريج جاد الله بن حسن الخداش، مكتبة الرشد، ط.1، 1427. - السيرة النبوية، تأليف عبد الملك بن هشام، تحقيق مصطفى السقا وإبراهيم الأبياري وعبد الحفيظ شلبي، دار إحياء التراث العربي، ط.1، 1415. - الشرح الصغير (مع بلغة السالك)، تأليف أحمد بن محمد بن أحمد الدردير، دار المعرفة، 1398 (مصورة). - الشرح الكبير (مع حاشية الدسوقي)، تأليف أبي البركات أحمد الدردير المالكي، دار الفكر (مصورة). - الشرح الكبير على المقنع، تأليف عبد الرحمن بن محمد بن قدامة المقدسي، تحقيق عبد الله التركي، دار عالم الكتب، 1426. - الشرح الممتع على زاد المستقنع، تأليف محمد بن صالح العثيمين، دار ابن الجوزي، ط.1، 1428. - الصاحبي، تأليف أحمد بن فارس اللغوي، تحقيق السيد أحمد صقر، دار إحياء الكتب العربية. - الطبقات الكبرى، تأليف محمد بن سعد، تحقيق إحسان عباس، دارصادر، ط.1، 1418. - الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، تأليف أبي عبد الله محمد ابن قيم الجوزية، تحقيق نايف الحمد، دار عالم الفوائد، ط.1، 1428. - العدة في أصول الفقه، تأليف القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين الفراء البغدادي الحنبلي، تحقيق د. أحمد بن علي سير المباركي،

ط.3، 1414. - العزيز شرح الوجيز، المعروف بالشرح الكبير، تأليف أبي القاسم عبد الكريم الرافعي الشافعي، تحقيق علي معوض وعادل عبد الموجود، دار الكتب العلمية، ط.1، 1417. - العقد من الباطن، تأليف د. سامي بن عبد العزيز الماجد، رسالة دكتوراة بقسم الفقه من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد ابن سعود. - العقود المالية المركبة، تأليف د. عبد الله بن محمد العمراني، دار كنوز إشبيليا، ط.1، 1427. - العلل، تأليف أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني، تحقيق وتخريج د. محفوظ الرحمن السلفي، وأكمله محمد بن صالح الدباسي، دار طيبة والتكملة لدار ابن الجوزي، ط.3، 1424، والتكملة ط.1، 1427. - العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، تأليف عبد الرحمن بن علي بن الجوزي التيمي، تحقيق ا. إرشاد الحق الأثري، إدارة العلوم الأثرية، 1399. - العناية على الهداية، تأليف محمد بن محمود البابرتي الحنفي، دار عالم الكتب (مصوَّرة)، 1424. - الغرر على الطرر والنوادر، جمع محمد خير رمضان يوسف، دار البشائر الإسلامية، ط.1، 1425. - الغرر في العقود وآثاره في التطبيقات المعاصرة، تأليف د. الصدّيق محمد الأمين الضرير، ط. البنك الإسلامي للتنمية، ط.1، 1414، وهو غير كتابه "الغرر وأثره في العقود". - الغش وأثره في العقود، تأليف د. عبد الله بن ناصر السّلْمي، دار كنوز إشبيليا، ط.1، 1425. - الفتاوى الهندية، لمجموعة من علماء الهند، دار إحياء التراث العربي ط.4، 1406 (مصورة). - الفروسية المحمدية، تأليف أبي عبد الله محمد ابن قيم الجوزية، تحقيق زائد النشيري، دار عالم الفوائد، ط.1، 1428. - الفروع، تأليف محمد بن مفلح المقدسي، تحقيق د. عبد الله التركي، مؤسسة الرسالة، ط.1، 1424. - الفروق اللغوية، تأليف أبي هلال الحسن بن عبد الله العسكري، علق عليه محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، ط.3، 1426. - الفقه الإسلامي وأدلته، تأليف ا. د. وهبه الزحيلي، دار الفكر، ط.8، 1425. - الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، تأليف محمد بن الحسن الفاسي، المكتبة العصرية، ط.1، 1427. - الفوائد البهية في تراجم الحنفية، تأليف أبي الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي، دار المعرفة 1324. - الفواكه الدواني، تأليف أحمد بن غنيم النفراوي الأزهري المالكي، المكتبة العصرية، ط.1، 1425. - ألفية السيوطي (في علوم الحديث)، تأليف عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تصحيح أحمد شاكر، مكتبة ابن تيمية، ط.1، 1429. - القاموس الفقهي لغةً واصطلاحًا، سعدي أبو جيب، دار الفكر، ط.2، 1408. - القاموس المحيط، تأليف محمد بن يعقوب الشيرازي الفيروزابادي، مؤسسة الرسالة، ط.6، 1419. - القبس، تأليف أبي بكر محمد بن عبد الله ابن العربي المالكي، تحقيق د. عبد الله التركي، مركز هجر، ط.1، 1426. - القرارات النحوية والتصريفية لمجمع اللغة العربية بالقاهرة، تأليف خالد بن سعود العصيمي، دار التدمرية، ط.1، 1423. - القمار حقيقته وأحكامه، تأليف د. سليمان بن أحمد الملحم، دار كنوز إشبيليا، ط.1، 1429. - القواعد الكلية (النورانية)، تأليف أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، تحقيق وتعليق محيسن المحيسن، مكتبة التوبة، ط.1، 1423. - القوانين الفقهية، تأليف أبي القاسم محمد بن أحمد بن جُزي الكلبي، تحقيق د. محمد القياتس ود. سيد الصباغ، دار الأندلس الجديدة، ط.1، 1429. - الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل، تأليف أبي محمد عبد الله بن قدامة المقدسي، المكتب الإسلامي، ط.2، 1399. - الكافي في فقه أهل المدينة المالكي، تأليف أبي عمر يوسف بن عبد البر النَّمَري القرطبي، دار الكتب العلمية، ط.2، 1413. - الكامل في ضعفاء الرجال، تأليف أبي أحمد عبد الله بن عَدي الجرجاني، تحقيق عادل الموجود وعلي معوض، دار الكتب

العلمية، ط.1، 1418. - الكفالات المعاصرة، تأليف د. عبد الرحمن بن سعود الكبير، ط. 1، 1424. - الكفاية في علم الرواية، تأليف أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، تحقيق د. أحمد عمر هاشم، دار الكتاب العربي، ط.2، 1406. - اللباب في شرح الكتاب، تأليف عبد الغني الغنيمي الميداني، تحقيق أ. د. سائد بكداش، دار البشائر الإسلامية، ط.1، 1431. - المبدع في شرح المقنع، تأليف إبراهيم بن مفلح الحنبلي، المكتب الإسلامي، ط.3، 1421. - المبسوط، تأليف أبي بكر محمد بن أحمد السرخسي، تحقيق محمد حسن الشافعي، دار الكتب العلمية، ط.1، 1421. - المجموع شرح المهذب، تأليف يحيى بن شرف النووي، تحقيق عادل عبد الموجود وجماعة، وتكملة المجموع لهم، دار الكتب العلمية، ط.1، 1423. - المحرر، تأليف أبي البركات ابن تيمية الحراني، تحقيق د. عبد الله التركي، مؤسسة الرسالة، ط.1، 1428. - المحرر في الحديث، تأليف محمد بن أحمد بن عبد الهادي، تحقيق عادل الهدبا ومحمد علوش، دار العطاء، ط.2، 1422. - المحكم والمحيط الأعظم، تأليف علي بن إسماعيل بن سِيْده المرسي، تحقيق عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية، ط.1، 1421. - المحلى، تأليف أبي محمد علي بن أحمد بن حزم الأندلسي الظاهري، تحقيق أحمد محمد شاكر، مكتبة المعارف (مصورة). - المحيط البرهاني في الفقه النعماني، تأليف محمود بن أحمد البخاري الحنفي، دار إحياء التراث العربي، ط.1، 1424. - المدخل الفقهي العام، تأليف مصطفى أحمد الزرقا، دار القلم، ط.2، 1425. - المدخل لدراسة الأنظمة، تأليف د. عبد الرزاق الفحل ومجموعة من أعضاء هيئة التدريس بكلية الاقتصاد والإدارة بجامعة الملك عبد العزيز، دار الآفاق للنشر والتوزيع. - المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل، تأليف بكر بن عبد الله أبوزيد، دار العاصمة، ط.1، 1417. - المدونة الكبرى، جمع سحنون بن سعيد التنوخي، تحقيق حسان عبد المنان ومحمود القيسية، مؤسسة النداء، ط.1، 1426. - المستدرك على الصحيحين، تأليف أبي عبد الله الحاكم النيسابوري، النصر الحديثة مصورة عن الطبعة الهندية (دائرة المعارف)، 1341. - المستدرك على مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية، جمعه محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، ط.1، 1418. - المستوعب، تأليف محمد بن عبد الله السامري الحنبلي، تحقيق عبد الملك بن عبد الله دهيش، دار خضر، ط.1، 1420. - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، تأليف أحمد الفيومي، عناية: عادل مرشد. - المصنف، تأليف أبي بكر عبد الله بن أبي شيبة الكوفي، تحقيق محمد عوامة، دار القبلة، ط.1، 1427. - المصنف، تأليف عبد الرزاق الصنعاني، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، ط.2، 1403. - المضاربة في الشريعة الإسلامية، تأليف عبد الله بن حمد الخويطر، دار كنوز إشبيليا، ط.1، 1427. - المضاربة للماوردي: علي بن محمد الماوردي البصري الشافعي (مستلّ من الحاوي الكبير مع تحقيق)، تحقيق عبد الوهاب حواس، دار الأنصار. - المطالب العالية بزوائد المساند الثمانية، تأليف الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تنسيق ا. د. سعد بن ناصر الشثري، دار العاصمة، ط.1، 1419. - المطلع على ألفاظ المقنع، تأليف محمد البعلي، تحقيق محمد الأرناؤوط وياسين الخطيب، مكتبة السوادي، ط.1، 1423. - المعاملات المالية المعاصرة، تأليف د. محمد عثمان شبير، دار النفائس، ط.6، 1427. - المعايير الشرعية 1428، هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، دولة البحرين. - المعجم الأوسط، تأليف أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق قسم التحقيق بدار الحرمين، منشورات دار الحرمين بالقاهرة، 1415.

- المعلم بفوائد مسلم، تأليف أبي عبد الله محمد بن علي المازري، تحقيق محمد الشاذلي النيفر، دار الغرب الإسلامي، ط.2، 1992. - المغني في الضعفاء، تأليف محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، عني بطبعه عبد الله بن إبراهيم الأنصاري، إدارة إحياء التراث الإسلامي بقطر. - المغني، تأليف أبي محمد عبد الله بن قدامة المقدسي، تحقيق د. عبد الله التركي ود. عبد الفتاح الحلو، دار عالم الكتب، ط.4، 1419. - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، تأليف أبي العباس أحمد بن إبراهيم القرطبي، تحقيق محيي الدين مستو وآخرين، دار ابن كثير، ط.2، 1420. - المقاصد الحسنة، تأليف أبي الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي، صححه وعلق عليه عبدالله الصديق وخرجه عبد اللطيف حسن، دار الكتب العلمية، ط.1، 1424. - المقدمات الممهدات، تأليف أبي الوليد ابن رشد الجد، دار الغرب الإسلامي، ط.1، 1408. - المقنع، تأليف أبي محمد عبد الله بن قدامة المقدسي، تحقيق د. عبد الله التركي، دار عالم الكتب، 1426. - المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، تأليف أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، تحقيق محمد ومصطفى ابنا عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، ط.1، 1412. - المنتقى شرح موطأ مالك، تأليف أبي الوليد سليمان الباجي، تحقيق محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، ط.1، 1420. - المنتقى لابن الجارود (مع غوث المكدود)، تأليف عبد الله بن علي بن الجارود النيسابوري، دار الكتاب العربي 1423. - المنثور في القواعد، تأليف محمد بن بهادر الزركشي الشافعي، تحقيق محمد حسن إسماعيل، دار الكتب العلمية، ط.1، 1421. - المنفعة في القرض، تأليف د. عبد الله بن محمد العمراني، دار ابن الجوزي، ط.1، 1424. - المنهاج (مع مغني المحتاج)، تأليف يحيى بن شرف النووي، اعتنى به محمد خليل عيتاني، دار المعرفة، ط.2، 1425. - المنهج الأحمد في تراجم أصحاب الإمام أحمد، تأليف عبد الرحمن العليمي الحنبلي، تحقيق عبد القادر الأرناؤوط وحسن مروة، دار صادر، ط.1، 1997 م. - المهذب في اختصار السنن الكبير (اختصار السنن الكبرى للبيهقي)، تأليف محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق دار المشكاة للبحث العلمي، دار الوطن للنشر، ط.1، 1422. - المهذب مع تكملة المجموع، تأليف أبي إسحاق الشيرازي، تحقيق عادل عبد الموجود وجماعة، دار الكتب العلمية، ط.1، 1423. - الموافقات، تأليف أبي إسحاق إبراهيم الشاطبي، تحقيق مشهور حسن سلمان، دار ابن عفان، ط.1، 1424. - الموسوعة الفقهية الكويتية، ط. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، ط.1، 1419. - الموضوعات من الأحاديث المرفوعات، تأليف عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، تحقيق د. نور الدين جيلار، أضواء السلف، ط. 1، 1418. - الموطأ، تأليف الإمام مالك بن أنس الأصبحي، رواية أبي مصعب الزهري المدني، تحقيق وتعليق د. بشار عواد معروف ومحمود خليل، مؤسسة الرسالة، ط.3، 1418. - الموطأ، تأليف الإمام مالك بن أنس الأصبحي، رواية محمد بن الحسن الشيباني، مؤسسة الأهرام للنشر والتوزيع، 1998. - الموطأ، تأليف الإمام مالك بن أنس الأصبحي، رواية يحيى بن يحيى الليثي الأندلسي، تحقيق وتخريج د. بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، ط.2، 1417. - النكت على كتاب ابن الصلاح، تأليف أبي الفضل أحمد بن حجر العسقلاني، تحقيق د. ربيع بن هادي عمير، دار الراية، ط.3، 1415.

- النهاية في غريب الحديث والأثر، تأليف أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري بن الأثير، إشراف علي بن حسن بن عبد الحميد الحلبي، دار ابن الجوزي، ط.1، 1421. وابن الأثير (ت 606) هو مؤلف "جامع الأصول"، وأخوه السابق المؤرخ العز صاحب "أُسد الغابة" (ت 630)، وأخوهم الثالث الأديب أبو الفتح الضياء نصر الله صاحب "المثل السائر" (ت 637): بنو الأثير الذين كانوا ... ثلاثة ضمهم إخاء مؤرخ عالم أديب ... العز والمجد والضياء - الهداية شرح بداية المبتدي، تأليف علي المرغيناني الحنفي، دار عالم الكتب (مصوَّرة)، 1424. - الوجيز في فقه الإمام الشافعي، تأليف أبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزّالي - بتشديد الزاي-، تحقيق علي معوض وعادل عبد الموجود، دار الأرقم بن أبي الأرقم، ط.1، 1418. - الوسيط في المذهب، تأليف محمد بن محمد بن محمد الغزَّالي، تحقيق أحمد محمود إبراهيم، دار السلام، ط.1، 1417، والغزالي بتشديد الزاي، ضبطه به النووي وابن السمعاني وابن الأثير والمرتضى الزبيدي والسبكي، وهو المعتمد على خلاف فيه. ينظر طبقات الشافعية الكبرى بهامشه 6/ 191 - 192. - أنوار البروق في أنواء الفروق، تأليف أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي، تحقيق ا. د. محمد أحمد سراج وا. د. علي جمعة، دار السلام، مصر، ط.1، 1421. - بحر الدم فيمن تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم، تأليف يوسف بن حسن بن عبد الهادي، تحقيق د. وصي الله بن محمد بن عباس، دار الراية، ط.1، 1409. - بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة، تأليف محمد سليمان الأشقر ود. محمد عثمان شبير ود. ماجد أبو رخية ود. عمر سليمان الأشقر، دار النفائس، ط.1، 1418. - بحوث في الاقتصاد الإسلامي، تأليف د. عبد الله بن سليمان المنيع، المكتب الإسلامي، ط.1، 1416. - بحوث في الاقتصاد الإسلامي، تأليف د. علي القره داغي، وزارة الشؤون الإسلامية في قطر، ط.1، 1431. - بحوث في فقه البنوك الإسلامية،، تأليف د. علي القره داغي، وزارة الشؤون الإسلامية في قطر، ط.1، 1431. - بحوث في قضايا فقهية معاصرة، تأليف محمد تقي العثماني، دار القلم. - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، تأليف أبي بكر بن مسعود الكاساني، تحقيق محمد خير طعمة حلبي، دار المعرفة، ط.1، 1420. - بدائع الفوائد، تأليف محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق علي العمران، دار عالم الفوائد، ط.1، 1425. - بداية المجتهد ونهاية المقتصد (مع الهداية في تخريج أحاديث البداية)، تأليف أبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد الحفيد، دار عالم الكتب، ط.1، 1407. - بلغة السالك لأقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك (حاشية الصاوي)، تأليف أحمد بن محمد الصاوي المالكي، دار المعرفة، 1398 (مصورة). - بداية المبتدي (مع الهداية)، تأليف علي المرغيناني الحنفي، دار عالم الكتب، 1424 (مصورة). - بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الحكام، تأليف علي بن محمد ابن القطان الفاسي، دراسة وتحقيق د. الحسين آيت سعيد، دار طيبة، ط.1، 1418. - بيع التقسيط وأحكامه، تأليف سليمان بن تركي التركي، دار إشبيليا، ط.1، 1424. - تاريخ مدينة السلام وأخبار محدّثيها وذكر قُطّانها العلماء من غير أهلها ووارديها، تأليف الحافظ أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، تحقيق د. بشار عواد معروف، دار الغرب الإسلامي، ط.1، 1422. - تبصير المنتبه بتحرير المشتبه، تأليف أبي الفضل أحمد بن حجر العسقلاني، تحقيق محمد علي النجار، المكتية العلمية، بيروت. - تبيين الحقائق على شرح كنز الدقائق، تأليف عثمان بن علي الزيلعي، ط.1، المطبعة الأميرية ببولاق، 1315.

- تجريد العناية في تحرير أحكام النهاية، تأليف أبي الحسن علي البعلي الحنبلي ابن اللحام، تحقيق د. ناصر السلامة، مكتبة الرشد، ط.1، 1425. - تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، تأليف محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري، اعتنى به عادل عبد الموجود وعلي معوض، دار إحياء التراث العربي، ط.3، 1422. - تحفة الفقهاء، تأليف علاء الدين محمد بن أحمد السمرقندي الحنفي، تحقيق د. محمد عبد البر، مكتبة دار التراث، ط.3، 1419. - تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج، تأليف عمر بن علي بن الملقن الأنصاري الشافعي، تحقيق ودراسة عبد الله اللحياني، دار حراء للنشر والتوزيع. - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، تأليف عبد الرحمن السيوطي، تحقيق نظر الفاريابي، مكتبة الكوثر، ط.4، 1418. - تصحيح الفروع (مع الفروع)، تأليف علي بن سليمان المرداوي، تحقيق د. عبد الله التركي، مؤسسة الرسالة، ط.1، 1424. - تفسير الطبري (جامع البيان عن تأويل آي القرآن)، تأليف أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، تحقيق د. عبد الله التركي، دار هجر، ط. 1، 1422. - تفسير القرآن العظيم، تأليف أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، تحقيق سامي السلامة، دار طيبة، ط.1، 1422 - تقريب التهذيب، تأليف أبي الفضل أحمد ابن حجر العسقلاني، اعتنى به حسان عبد المنان، بيت الأفكار الدولية. - تقرير القواعد وتحرير الفوائد (قواعد ابن رجب)، تصنيف عبد الرحمن بن رجب الحنبلي، تحقيق مشهور حسن آل سلمان، ط.2، 1419. - تقييم تطبيقات وتجارب التأمين التعاوني، بحث مقدم في ملتقى التامين التعاوني، د. رياض الخليفي، الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل. - تكملة المجموع، تأليف علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي، وأتمه: المحققون: عادل عبد الموجود وجماعة، دار الكتب العلمية، ط.1، 1423. - تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق، تأليف أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي، تحقيق سامي بن محمد جاد الله وعبد العزيز الخباني، دار أضواء السلف، ط.1، 1428. - تنقيح المناظرة في تصحيح المخابرة، تأليف محمد بن إبراهيم بن جماعة الحموي الشافعي، تحقيق د. علي عزوز، دار ابن حزم، ط.1، 1427. - تهذيب الأسماء واللغات، تأليف يحيى بن شرف النووي، تصحيح وتخريج عادل مرشد وعامر غضبان، مؤسسة الرسالة العالمية، ط.1، 1430. - تهذيب التهذيب، تأليف أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي، اعتناء إبراهيم الزيبق وعادل مرشد، مؤسسة الرسالة، ط.1، 1421. - تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تأليف أبي الحجاج يوسف المزي، تحقيق د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، ط.1، 1422. - تهذيب اللغة، عنون له خطأ بـ (معجم تهذيب اللغة) تأليف محمد بن أحمد الأزهري، تحقيق رياض زكي قاسم، دار المعرفة، ط.1، 1422. قال الذهبي في السير 16/ 316: (وله كتاب تهذيب اللغة المشهور) وقال ابن كثير في الطبقات 1/ 288: (له مصنفات كثيرة، منها تهذيب اللغة) وقال السبكي في طبقاته 3/ 63: (صاحب تهذيب اللغة). - تهذيب سنن أبي داود مطبوع مع مختصر سنن أبي داود، تأليف ابن قيم الجوزية، تحقيق محمد حامد الفقي، دار المعرفة، بيروت. - جامع العلوم والحكم، تأليف عبد الرحمن بن رجب البغدادي، تحقيق أيمن بن عارف الدمشقي وصبحي رمضان، دار طيبة، ط.1، 1424. - جامع معمر (مع مصنف عبد الرزاق)، تأليف معمر بن راشد البصري، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي،

ط.2، 1403. - جمهرة أنساب الأسر المتحضرة في نجد، تأليف حمد الجاسر، دار اليمامة، ط.3، 1421. - جواهر الإكليل شرح مختصر العلامة الشيخ خليل، تأليف صالح الأُبّي الأزهري، المكتبة الثقافية، بيروت (مصورة). - حاشية ابن عابدين وتكملتها (رد المحتار على الدر المختار)، تأليف محمد أمين بن عمر بن عابدين الدمشقي، تحقيق عبد المجيد طعمة حلبي، دار المعرفة، ط.1، 1420. - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، تأليف محمد بن عرفة الدسوقي المالكي، دار الفكر ودار إحياء الكتب العربية لعيسى البابي الحلبي (مصورتان صورة متفقة). - حاشية الشهاب على تفسير البيضاوي، تأليف شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر الخفاجي المصري الحنفي، دار صادر، بيروت. - حاشية الشيخ إبراهيم البيجوري على شرح العلامة ابن القاسم الغزي على متن الشيخ أبي شجاع، فقه شافعي، ضبطه وصححه عبد السلام شاهين، دار الكتب العلمية، ط.2، 1420. - حاشية الطحطاوي على الدر المختار، تأليف أحمد الطحطاوي الحنفي، دار المعرفة، 1395 (مصورة). - حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني، فقه مالكي، تأليف علي بن أحمد الصعيدي العدوي، تحقيق يوسف البقاعي، دار الفكر، 1414. - حاشيتا قليوبي وعميرة على شرح المحلي لمنهاج الطالبين في فقه الشافعية، تأليف أحمد بن أحمد بن سلامة القليوبي وأحمد البرلسي، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط.3، 1375. - حِلْية الأولياء وطبقات الأصفياء، تأليف أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني، دار الكتب العلمية، ط.1، 1409 (مصورة). - خلاصة الدلائل في تنقيح المسائل، تأليف حسام الدين علي بن مكي الرازي الحنفي، تحقيق أحمد ابن علي الدمياطي، مكتبة الرشد، ط.1، 1428. - در المنتقى في شرح الملتقى (بهامش مجمع الأنهر)، تأليف محمد بن علي الحصني وهو العلاء الحصكفي الحنفي، دار إحياء التراث العربي، 1319. - دراسات في أصول المداينات، تأليف د. نزيه حماد، دار الفاروق، ط.1، 1411. - درة الغواص في أوهام الخواص، تأليف القاسم بن علي الحريري، تحقيق عبد الحفيظ القرني، دار الجيل، ط.1، 1417. - درر الحكام شرح مجلة الأحكام، تأليف علي حيدر، دار عالم الكتب، 1423. - دستور العلماء (جامع العلوم في اصطلاحات الفنون)، تأليف عبد النبي بن عبد الرسول الأحمد نكري، دار الكتب العلمية، ط.1، 1421. - دليل السالك للمصطلحات والأسماء في فقه الإمام مالك، تأليف د. حمدي عبد المنعم شلبي، مكتبة ابن سينا. - ذكر أسماء من تُكلم فيه وهو موثوق، تأليف محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق وتعليق محمد شكور المياديني، مكتبة المنار، ط.1، 1406. - ذم الهوى، تأليف أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، تحقيق خالد العلمي، دار الكتاب العربي، ط.2، 1419. - رؤوس المسائل الخلافية بين جمهور العلماء، أبو المواهب الحسين العكبري الحنبلي، تحقيق د. ناصر السلامة ود. خالد الخشلان، دار اشبيليا، ط.1، 1421. - رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، تأليف محمد بن عبد الرحمن العثماني الشافعي، تحقيق وتعليق علي الشربجي وقاسم النوري، مؤسسة الرسالة، ط.1، 1414. - رصف المباني في شروح حروف المعاني، تأليف أحمد المالقي، تحقيق ا. د. أحمد الخراط، دار القلم، ط.3، 1423. - رواة المراسيل (مع تقريب التهذيب)، تأليف أبي زرعة أحمد بن عبد الرحيم العراقي، اعتنى به حسان عبد المنان، بيت الأفكار.

- روضة الطالبين وعمدة المفتين، تأليف يحيى بن شرف النووي، المكتب الإسلامي، ط.3، 1412. - روضة الناظر وجُنة المُناظِر في علم الأصول، تأليف أبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي الحنبلي، تحقيق ا. د. سعد بن ناصر الشثري، مكتبة العبيكان، ط.1، 1422. - زاد المسير في علم التفسير، تأليف أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي القرشي البغدادي، المكتب الإسلامي، ط.4، 1407. - زاد المعاد في هدي خير العباد، تأليف أبي عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، ط.3، 1419. - سؤالات أبي عبيد الآجري أبا داود السجستاني في الجرح والتعديل، المجيب أبو داود سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني، صاحب السنن، تحقيق محمد علي العمري، عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية في المدينة النبوية، ط.1، 1403. - سلسلة الأحاديث الصحيحة، تأليف محمد ناصر الألباني، مكتبة المعارف، 1415. - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة، تأليف محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، ط.1، 1422. - سنن أبي داود، تأليف أبي داود سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني، تحقيق شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة العالمية، 1430. - سنن الدارقطني، تأليف علي بن عمر الدارقطني، تحقيق عادل عبد الموجود وعلي محمد معوض، دار المعرفة، ط.1، 1422. - سنن النسائي (المجتبى)، تأليف أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، اعتنى به عبدالفتاح أبو غدة، دار البشائر الإسلامية، ط.4، 1414 (مصورة). - سير أعلام النبلاء، تأليف محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق شعيب الأرناؤوط وجماعة، مؤسسة الرسالة، ط.11، 1422. - شرح ابن عَقيل (على ألفية ابن مالك في النحو والصرف)، تأليف عبد الله بن عَقيل المصري، دار الفكر، 1405. - شرح الخَرَشي على مختصر خليل، تأليف أبي عبد الله محمد بن عبد الله الخرشي المالكي، ط.2، المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق، 1317، الخرشي بفتحتين كما هو بخطه. الأعلام للزركلي 6/ 241، وضبطه بعض علماء المالكية النسابين بكسر فسكون، وبعضهم بضم ففتح. دليل السالك للمصطلحات والأسماء في فقه الإمام مالك ص 111 - 112. - شرح الزركشي على مختصر الخرقي، تأليف محمد بن عبد الله الزركشي الحنبلي، تحقيق د. عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين، مكتبة العبيكان، ط.1، 1413. - شرح الكوكب المنير، تأليف محمد بن أحمد الفتوحي ابن النجار الحنبلي، تحقيق د. محمد الزحيلي ود. نزيه حماد، 1418. - شرح النووي على مسلم (المنهاج بشرح صحيح مسلم بن الحجاج)، تحقيق عرفان حسونة، دار إحياء التراث العربي. - شرح حدود ابن عرفة، تأليف محمد الأنصاري الرصاع، تحقيق د. محمد أبو الأجفان والطاهر المعموري، دار الغرب الإسلامي، ط.1، 1993 م. - شرح صحيح البخاري، تأليف علي بن خلف ابن بطال، ضبط وتعليق ياسر بن إبراهيم، مكتبة الرشد، ط.2، 1423. - شرح علل الترمذي، تأليف عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، تحقيق د. نور الدين عتر، دار العطاء، ط.4، 1421. - شرح منتهى الإرادات، تأليف منصور بن يونس البهوتي، تحقيق د. عبد الله التركي، مؤسسة الرسالة، ط.2، 1426. - صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، تأليف علي بن بلبان الفارسي، تحقيق شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، ط.3، 1428 (أصل الصحيح لمحمد بن حبان البستي). - صحيح ابن خزيمة، تأليف محمد بن إسحاق ابن خزيمة، تحقيق د. محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، ط.2، 1412. - صحيح الترغيب والترهيب، تأليف محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف بالرياض، ط.5. - صحيح مسلم، تأليف مسلم بن الحجاج النيسابوري، دار السلام، ط.2، 1421 (عزوت له أرقام الأحاديث فقط).

- صيانة صحيح مسلم، تأليف عثمان بن الصلاح الشهرزوري الشافعي، اعتنى به د. أحمد حاج محمد عثمان، دار الغرب الإسلامي، ط.1، 1428. - صيغ العقود في الفقه الإسلامي، د. صالح بن عبد العزيز الغليقة، دار كنوز إشبيليا، ط.1، 1427. - طبقات الحفاظ، تأليف عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، دار الكتب العلمية، ط.1، 1403. - طبقات الحنابلة، تأليف القاضي محمد بن أبي يعلى الفراء البغدادي الحنبلي، تحقيق د. عبد الرحمن العثيمين، مكتبة العبيكان، ط.1، 1425. - طبقات الشافعية الكبرى، تأليف عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي، تحقيق د. عبدالفتاح الحلو ود. محمود الطناحي، دار هجر، ط.2، 1413. - طبقات الشافعية، تأليف أبي بكر بن أحمد بن قاضي شهبة الدمشقي، صححه د. عبد العليم خان، طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بالهند، ط.1، 1399. - طبقات الفقهاء الشافعيين، تأليف أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، تحقيق د. أحمد عمر هاشم د. محمد زينهم، مكتبة الثقافة الدينية، ط.2، 1430. - طبقات الفقهاء، تأليف أبي إسحاق الشيرازي الشافعي، تصحيح ومراجعة خليل الميس، دار القلم. - طبقات المفسرين، تأليف عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، دار الكتب العلمية. - طبقات علماء الحديث، تأليف محمد بن أحمد بن عبد الهادي الدمشقي الصالحي، تحقيق أكرم البوشي وإبراهيم الزيبق، مؤسسة الرسالة، ط.2، 1417. - طلبة الطلبة، تأليف عمر بن محمد النسفي، تحقيق نصر الدين التونسي، شركة القدس، القاهرة، ط.1، 1429. - طلبة الطلبة، تأليف عمر بن محمد النسفي، دار الطباعة العامرة، 1311. - عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة، تأليف عبد الله بن نجم بن شاس، تحقيق د. محمد أبو الأجفان وأ. عبد الحفيظ منصور، دار الغرب الإسلامي، ط.1، 1415. - عقد المضاربة دراسة في الاقتصاد الإسلامي، تأليف د. إبراهيم فاضل الدبو، دار عمار، ط.1، 1418. - عقود التأمين، تأليف ا. د. محمد بلتاجي، دار السلام، مصر، ط.1، 1429. - عقود رسم المفتي، تأليف محمد أمين ابن عابدين. - علل الترمذي الكبير، رتبه على كتاب الجامع أبو طالب القاضي، تحقيق السيد صبحي السامرائي والسيد أبو المعاطي النوري ومحمود الصعيدي، دار عالم الكتب، ط.1، 1409. - عمدة القاري شرح صحيح البخاري، تأليف البدر محمود بن أحمد العيني الحنفي، دار إحياء التراث العربي، ط.1، 1424. - غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام، تأليف محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، ط.4، 1414. - غريب الحديث، تأليف أبي عُبيد القاسم بن سلّام -بتشديد اللام- الهروي، تحقيق د. محمد عبد المعيد خان، دائرة المعارف العثمانية، ط.1، 1384. - فتاوى التأمين، مجموعة دلة البركة، الأمانة العامة للهيئة الشرعية، جمع وتنسيق د. عبد الستار أبو غدة ود. عزالدين محمد خوجة. - فتاوى الاستصناع والمقاولات والسلم، مجموعة دلة البركة، جمع وفهرسة وتصنيف د. أحمد محيي الدين أحمد، مراجعة د. عبد الستار أبو غدة، ط.1، 1419. - فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع وترتيب أحمد بن عبد الرزاق الدويش، طبع ونشر رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء، ط.2، 1425. - فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، جمع وترتيب وتحقيق محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، ط.2. - فتح الباري شرح صحيح البخاري، تأليف أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق نظر الفاريابي، دار طيبة، ط.1، 1426. - فتح الغفار بشرح المنار، تأليف زين العابدين بن إبراهيم بن نجيم الحنفي المصري، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، 1355.

- فتح القدير مع تكملته وحواشيه (عُنوِن له خطًا: شرح فتح القدير)، تأليف محمد بن عبد الواحد السيواسي ابن الهمام الحنفي، دار عالم الكتب (مصوَّرة)، 1424. - فتح الملك العزيز بشرح الوجيز، تأليف علي بن البهاء البغدادي الحنبلي، تحقيق ا. د. عبد الملك بن دهيش، ط.1، 1423. - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث، تأليف أبي الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي الشافعي، تحقيق د. عبد الكريم الخضير ود. محمد الفهيد، دار المنهاج، ط.1، 1426. - فقه النوازل، تأليف محمد بن حسين الجيزاني، دار ابن الجوزي، ط.2، 1427. - فقه النوازل، قضايا فقهية معاصرة، تأليف بكر بن عبد الله أبو زيد، مؤسسة الرسالة، ط.1، 1422. - فواتح الرحموت بشرح مسلَّم الثبوت، تأليف عبد العلي السهالوي اللكنوي، ضبطه وصححه عبد الله محمود عمر، دار الكتب العلمية، ط.1، 1423. - في فقه المعاملات المالية والمصرفية المعاصرة، تأليف د. نزيه حماد، دار القلم، ط.1، 1428. - فيض القدير شرح الجامع الصغير، تأليف محمد المدعو بعبد الرؤوف المناوي، دار المعرفة، لبنان، ط.2 (مصورة). - قرارات الهيئة الشرعية بمصرف الراجحي 1431، دار كنوز إشبيليا ط.1. - قرارات وتوصيات ندوات البركة للاقتصاد الإسلامي من الندوة الأولى حتى الندوة الثلاثين، إعداد د. عبد الستار أبو غدة، ط.1، 1431. - قضايا في الاقتصاد والتمويل الإسلامي، تأليف د. سامي بن إبراهيم السويلم، دار كنوز إشبيليا، ط.1، 1430. - قوادح الاستدلال بالإجماع، تأليف ا. د. سعد بن ناصر الشثري، دار كنوز إشبيليا، ط.2، 1425. - قواعد الوسائل في الشريعة الإسلامية، تأليف د. مصطفى بن كرامة الله مخدوم، دار إشبيليا، ط.1، 1420. - كتاب الاستغناء في معرفة المشهورين من حملة العلم بالكنى، تأليف أبي عمر يوسف بن عبد البر النَّمَري القرطبي، تحقيق د. عبد الله مرحول السوالمة، دار ابن تيمية، ط.2، 1412. - كتاب الإعلام بمثلث الكلام، تأليف محمد بن عبد الله بن مالك النحوي صاحب الألفية، المطبعة الجمالية، مصر، ط.1، 1329. - كتاب الأموال، تأليف أبي عبيد القاسم بن سلّام، تحقيق ا. د. محمد عمارة، دار السلام، مصر، ط.1، 1430. - كتاب الضعفاء ومَن نُسب إلى الكذب ووضع الحديث ومَن غلب على حديثه الوهم ومَن يُتهم في بعض حديثه ومجهول روى ما لايتابع عليه وصاحب بدعة يغلو فيها ويدعو إليها وإن كانت حاله في الحديث مستقيمة، تأليف أبي جعفر محمد بن عمرو العقيلي، تحقيق حمدي السلفي، دار الصميعي، ط.1، 1420. - كتاب العلل، تأليف عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الحنظلي الرازي، تحقيق فريق من الباحثين بإشراف د. سعد الحميد ود. خالد الجريسي، ط.1، 1427. - كتاب المجروحين من المحدثين، تأليف محمد بن حبان البستي، تحقيق حمدي السلفي، دار الصميعي، ط.1، 1420. - كتاب الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، تأليف محمد بن أحمد الصفار النَّحْوي، المعروف بأبي جعفر النحاس، رواية أبي بكر الأدفوي النحوي، المكتبة العلّامية، مصر، 1357. - كتاب رفع اليدين في الصلاة، تأليف محمد بن إسماعيل البخاري، تخريج بديع الدين الراشدي، دار ابن حزم، ط.1، 1416. - كشاف القناع عن الإقناع، تأليف منصور بن يونس البهوتي الحنبلي، تحقيق لجنة متخصصة في وزارة العدل بالمملكة العربية السعودية، وزارة العدل، ط.1، 1426. - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، تأليف مصطفى بن عبد الله الشهير بحاجي خليفة، دار إحياء التراث العربي. - كشف المخدرات والرياض المزهرات شرح أخصر المختصرات، تأليف عبد الرحمن بن عبد الله البعلي الدمشقي الحنبلي، دار النبلاء، ط.1، 1416. - كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار، تأليف أبو بكر بن محمد الحصني الحسيني، تحقيق عبد القادر الأرناؤوط، دار البشائر،

ط.1، 1418. - لسان العرب، تأليف محمد بن مكرم بن منظور المصري الخزرجي، دار عالم الكتب (مصورة عن بولاق)، 1424. - لسان الميزان، تأليف أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار الفكر، ط.1، 1407. - مجلة مجمع الفقه الإسلامي، نسخة حاسوبية صادرة من المجمع، الإصدار 2007، النسخة 2.5، والقرارات الحديثة من الموقع الرسمي للمجمع. - مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، تأليف عبد الله بن محمد الحنفي داماد أفندي، دار إحياء التراث العربي، 1319 (مصورة). - مجمع البحرين وملتقى النيرين، تأليف أحمد بن علي ابن الساعاتي الحنفي، تحقيق إلياس قبلان، دار الكتب العلمية، ط.1، 1426. - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، تأليف أبي الحسن علي بن أبي بكر الهيثمي، بتحرير العراقي وابن حجر، مؤسسة المعارف، بيروت، 1406. - مجمع الضمانات في مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعماني، تأليف أبي محمد ابن غانم البغدادي، دراسة وتحقيق ا. د. محمد أحمد سراج وا. د. علي جمعة، دار السلام، ط.1، 1420. - مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع وترتيب: عبد الرحمن بن قاسم، ط. مجمع الملك فهد، 1416. - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، تأليف عبد العزيز بن عبد الله بن باز، طبع ونشر رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء، ط.1، 1422. - مجموعة رسائل ابن عابدين، تأليف محمد أمين أفندي الشهير بابن عابدين. - مختار الصحاح، تأليف محمد بن أبي بكر الرازي، تحقيق حمزة فتح الله وترتيب محمودخاطر، مؤسسة الرسالة، ط.11، 1426. - مختصر خلافيات البيهقي، تأليف أحمد بن فرخ اللخمي الإشبيلي الشافعي، تحقيق ودراسة د. إبراهيم الخضيري، مكتبة الرشد، ط.1، 1417. - مختصر القدوري، تأليف أحمد بن محمد البغدادي الحنفي، تحقيق أ. د. سائد بكداش، دار البشائر الإسلامية، ط.1، 1431. - مختصر المزني، تأليف إسماعيل بن يحيى المزني، دار المعرفة. - مختصر خليل (مع مواهب الجليل)، تأليف خليل بن إسحاق المالكي، ضبطه زكريا عميرات، ط.1، 1416 هـ. - مراتب الإجماع، تأليف أبي محمد علي بن حزم الظاهري، عناية حسن إسبر، ط.1، دار ابن حزم، 1419. - مراتب المدلسين (مع تقريب التهذيب)، تأليف أبي الفضل ابن حجر، اعتنى به حسان عبد المنان، بيت الأفكار الدولية. - مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود، تأليف عبد الرحمن السيوطي، تحقيق د. محمد آل إبراهيم، ط.1، 1430. - مسند الإمام أحمد بن حنبل، للإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، تحقيق شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، ط.2، 1429. - مسند الدارمي، تأليف أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، تحقيق حسين سليم أسد الداراني، دار المغني، ط.1، 1421. - مشاهير أعلام المسلمين، تأليف علي نايف الشحود، طبعة حاسوبية. - معالم السنن (مع مختصر سنن أبي داود)، تأليف أبي سليمان الخطابي، تحقيق محمد حامد الفقي، دار المعرفة. - معجم البلدان، تأليف أبي عبد الله ياقوت الحموي البغدادي، دار إحياء التراث العربي. - معجم فقه ابن حزم الظاهري، تأليف محمد المنتصر الكتاني، مكتبة السنة بالقاهرة، ط.1، 1414. - معجم مصطلحات أصول الفقه، تأليف علاء الدين ابن نجم، مكتبة الرشد، ط.1،1425. - معرفة علوم الحديث وكمية أجناسه، تأليف أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، تحقيق أحمد بن فارس السلوم، دار ابن حزم، ط.1، 1424.

- مغني المحتاج، تأليف محمد بن الخطيب الشربيني، اعتنى به محمد خليل عيتاني، دار المعرفة، ط.2، 1425. - مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، تأليف محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، تحقيق عبد الرحمن بن قائد، دار عالم الفوائد، ط.1، 1432. - مفردات ألفاظ القرآن، تأليف الراغب الأصفهاني، تحقيق صفوان عدنان داودي، دار القلم، ط.3، 1423. - مقاييس اللغة (عُنوِن له خطًا: معجم مقاييس اللغة)، تأليف أحمد بن فارس، تحقيق عبدالسلام هارون، دار الجيل، 1420. - منح الجليل على مختصر العلامة خليل، تأليف محمد عِلّيْش، مكتبة النجاح، ليبيا. - من أجل تأمين إسلامي معاصر، تأليف أبي المجد حرك، دار الهدى للنشر والتوزيع، ط.1، 1413. - مواهب الجليل شرح مختصر خليل، تأليف محمد الحطاب الرعيني، ضبطه زكريا عميرات، ط.1، 1416 هـ. - موسوعة الإجماع لشيخ الإسلام ابن تيمية، جمع وترتيب د. عبد الله بن مبارك آل سيف، مكتبة الرشد، ط.1، 1430. - موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة والاقتصاد الإسلامي، تأليف ا. د. علي أحمد السالوس، دار الثقافة، ط.7، 1426. - موسوعة القواعد الفقهية، تأليف محمد صدقي البورنو، مؤسسة الرسالة، ط.1، 1424. - موسوعة شروح الموطأ: التمهيد والاستذكار، تأليف أبي عمر يوسف بن عبد البر، والقبس لابن العربي، تحقيق د. عبد الله التركي، مركز هجر، ط.1، 1426. - ميزان الاعتدال في نقد الرجال، تأليف محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق علي بن محمد البجاوي، دار المعرفة. - نتائج الأفكار في كشف الرموز والأسرار، تكملة فتح القدير، تأليف أحمد قاضي زاده الحنفي، دار عالم الكتب (مصوَّرة)، 1424. - نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار، تأليف البدر محمود بن أحمد العيني الحنفي، تحقيق ياسر بن إبراهيم، إصدارات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر، ط.1، 1429. - نصب الراية لأحاديث الهداية، تأليف عبد الله بن يوسف الزيلعي، تحقيق محمد عوامة، دار القبلة، ط.1، 1418. - نظرية الضمان الشخصي (الكفالة)، تأليف د. محمد بن إبراهيم الموسى، مكتبة العبيكان، ط.1، 1419. - نهاية المحتاج، محمد الرملي الشافعي الصغير، دار إحياء التراث العربي، ط.1، 1426. - نهاية المطلب في دراية المذهب، تأليف عبد الملك بن عبد الله الجويني، تحقيق ا. د. عبد العظيم الديب، وزارة الشؤون الإسلامية القطرية، ط.2، 1430. - نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار، تأليف محمد بن علي الشوكاني، تحقيق أنور الباز، دار الوفاء، ط.2، 1423. - هداية الراغب لشرح عمدة الطالب لنيل المآرب، تأليف عثمان بن أحمد النجدي ابن قائد، تحقيق د. عبد الله التركي، مؤسسة الرسالة، ط.1، 1428. - هدية العارفين في أسماء المؤلفين وآثار المصنفين، تأليف إسماعيل باشا البغدادي، طُبع بعناية وكالة المعارف الجليلة، استانبول، 1951.

الفهارس

فهرس الآيات اسم السورة الآية ... رقمها ... الصفحة سورة الفاتحة {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)} ... 2 ... 130 سورة البقرة {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} ... 178 ... 139 {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} ... 180 ... 213 {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ... 188 ... 255 {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} ... 219 ... 260 {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} ... 198 ... 85 {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} ... 275 ... 28 154 85 {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} ... 280 ... 173 {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} ... 282 ... 171 170 143 154 {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} ... 283 ... 197 {وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} ... 283 ... 236 222 سورة النساء {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} ... 101 ... 82 {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)} ... 114 ... 188 {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ} ... 29 ... 176

176 181 {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} ... 58 ... 193 سورة المائدة {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} ... 1 ... 21 {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} ... 2 ... 139 {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً} ... 48 ... 129 {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} ... 89 ... 18 سورة الأنعام {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} ... 145 ... 21 {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} ... 151 ... 21 سورة التوبة {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ... 91 ... 186 سورة يوسف {قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} ... 72 ... 129 {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93)} ... 93 ... 174 سورة النحل {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} ... 75 ... 223 سورة الكهف {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا (19)} ... 19 ... 174 {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} ... 95 ... 116 {قَالُوا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)} ... 94 ... 115 ... {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} ... 116 ... 96 سورة الحج {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} ... 77 ... 140 188 سورة النور

{وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} ... 33 ... 226 سورة القصص {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)} ... 26 ... 48 سورة الروم {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} ... 38 ... 172 سورة يس {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} ... 12 ... 203 سورة الجمعة {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} ... 10 ... 85 سورة الطلاق {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى (6)} ... 6 ... 47 سورة المزَّمل {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} ... 20 ... 82 85 سورة الماعون {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)} ... 7 ... 190

فهرس الأحاديث والآثار

فهرس الأحاديث والآثار ابدأ بنفسك فتصدق عليها 172 أد الأمانة إلى من ائتمنك 197 إذا ابتعت طعامًا فلا تبعه حتى تستوفيه 36 إذا أُتي - صلى الله عليه وسلم - بطعام سأل عنه أهدية أم صدقة 211 إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقًا 175 إذا أديت زكاة مالك قد قضيت ما عليك 189 إذا أسلفت في طعام فحل الأجل (ابن عباس) ........................................... 37 إذا أسلفت في شيء فلا تأخذ إلا رأس مالك (ابن عمر) ................................. 37 إذا تبايعتم بالعينة ...................................................................... 158 إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة 204 إذا استقمت بنقد وبعت بنقد فلا بأس به (ابن عباس) .................................. 159 أشهد أن السلف المضمون إلى أجل قد أحله الله (ابن عباس) .................... ....... 143 أقطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا من الأنصار يقال له سليط 231 إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله 130 إن الأشعريين إذا أرملوا ............................................................... 254 أن أبا طلحة تصدق بحديقته بيرحاء على ذوي رحمه (أنس) ............................. 206 أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى من جابر جمله 44 أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اصطنع خاتماً من ذهب 116 أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاه ديناراً يشتري له به شاة 51 أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطع الزبير أرضاً من أموال بني النضير 229 أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطعه أرضاً بحضرموت 229 أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيعتين في بيعة 57

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ربح ما لم يضمن 57 أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قفيز الطحان 108 أن امرأة جاءت النبي - صلى الله عليه وسلم - ببردة ......................................................... 210 أن خديجة بنت خويلد كانت امرأة تاجرة 85 أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقطعه العقيق أجمع ... فلما كان عمر كثر عليه فأعطاه بعضه وقطع سائره للناس 232 أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها 100 أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تباع السلع حيث تبتاع 41 أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المزارعة 103 أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع المضطر ................................................ .. 158 إن شئت حبَّست أصلها وتصدقت بها 203 إن كان بنقد فلا بأس، وإن كان بنسيئة فلا خير فيه (عطاء) .............................. 159 إن من أعظم المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم .............................. 21 إنما البيع عن تراضٍ 181 إنما كان الناس يؤاجرون على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - على الماذيانات 99 أنه - صلى الله عليه وسلم - ذكر رجلا من بني إسرائيل ...................................................... 245 أنهم كانوا يؤاجرون محاقلهم على الربع وعلى الأوسق من التمر والشعير 108 إني قد بعثتك إلى أهل الله وأهل مكة فانههم أن يبيعوا ما لم يقبضوا 43 إني كنت اصطنعته وإني لا ألبسه 116 إني لم أكسكها لتلبسها، تبيعها أو تكسوها 210 أهدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لي حلة سيراء فلبستها فرأيت الغضب في وجهه 210 آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب 197 بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى محمد رسول الله .................................. 230

بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيباً 28 بعنيه .................................................................................... 28 بل مؤداة .............................................................................. 190 ثلاثٌ فيهن البركة 85 ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة 48 جلد النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعين وجلد أبو بكر أربعين وعمر ثمانين وكل سنة وهذا أحب إلي 182 الجمل جملنا ............................................................................. 45 الخازن المسلم الأمين الذي ينفذ 174 خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف 55 الخراج بالضمان 63 خرج عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب في جيش إلى العراق 86 رهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - درعه عند يهودي 236 الزعيم غارم .......................................................................... 246 سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني 229 عادي الأرض لله ولرسوله ............................................................ 230 فإذا اشتريت بيعاً فلا تبعه حتى تقبضه 42 الفضل للأول (ابن عمر) .......................................................... 61،71 قاتل الله اليهود 24 كان العباس بن عبد المطلب إذا دفع مالًا مضاربةً اشترط على صاحبه 84 كل معروف صدقة 188 كنا أكثر الأنصار حقلاً، كنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه 99 لا إلا أن تطوّع 188 لا بأس أن يقول للسلعة هي بنقد بكذا ونسيئة بكذا، ولكن لا يفترقا إلا عن رضا (ابن

عباس) ............................................................................... 160 لا بل عارية مضمونة 189 لا تبع ما ليس عندك 51 لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم واحد، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه ......... 206 لا تفعلوا ازْرَعوها أو أزْرِعوها أو أمسكوها 102 لا يبيع بعضكم على بيع بعض 50 لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه 176 لما قدم المهاجرون المدينةَ من مكة وليس بأيديهم 192 لو جعلته قراضا (عبد الرحمن بن عوف) ................................................ 86 ليس في المال حق سوى الزكاة 189 ما أدركت الصفقة حيا مجموعا فهو من مال المبتاع (ابن عمر) ............................ 44 ما بالمدينة أهل بيت هجرة إلا يزرعون على الثلث والربع (الباقر) ....................... 100 ما حقُّ امرئ مسلم له شيء يوصي فيه 213 ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي حقها 190 ما من مسلم يقرض مسلمًا قرضًا 171 مري غلامك النجار يعمل لي أعواداً أجلس عليهن 117 المسلمون على شروطهم 54 مطل الغني ظلم 140 من ابتاع طعاماً فلا يبعه حتى يقبضه 36 من ابتاع عبداً وله مال فماله للذي باعه 222 من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع 31 من أسلف في شيء ففي كيل معلوم ........................... ......................... 144 من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره ......................................... ........ 146

من اشترى طعاماً فلا يبعه حتى يكتاله 36 من أقال مسلماً أقال الله عثرته 77 من عرض له شيء من هذا الرزق من غير مسألة ولا إشراف فليتوسع به 212 من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه 131 من كانت له أرض فليزرعها 103 نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الغرر 109 نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المخابرة 103 نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر 109 نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع ما ليس عندك 51 هل عليه من دين؟ ..................................................................... 248 هو عليها صدقة ولكم هدية فكلوه 211 وأحسب كل شيء بمنزلة الطعام (ابن عباس) ........................................... 36 ولا أحسب كل شيء إلا مثله (ابن عباس) .............................................. 36 وما يدريك أنها رقية 130

فهرس الإجماعات

فهرس الإجماعات جواز البيع .............................................................................. 28 عدم جواز بيع البائع لما قد باعه وعدم صحته ............................................ 29 بيع المرء ما لا يملك ولم يُجِزْه مالكه ومع عدم كون البائع حاكمًا ولا مُتَنَصِّفًا من حق له أو مجتهدًا في مالٍ قد يئس ربه منه باطل ..................................................... 29 إذا وجب البيع وتفرقا عن المجلس من غير خيار فليس لأحدهما الرد إلا بعيب ........... 29 أن البيع كما ذكرنا -أي ابن حزم-، وقد تفرقا عن موضع التبايع بأبدانهما افتراقًا غاب كل واحد منهما عن صاحبه مغيبَ تركٍ لذلك الموضع، وقد سلَّم البائع ما باع إلى المشتري سالمًا لا عيب فيه، دلَّس أو لم يدلس، وسلم المشتري إليه الثمن سالمًا بلا عيب، فإن البيع قد تمَّ ... 29 تحريم بيع الطعام قبل قبضه ............................................................ 33 جواز عتق المملوك المشترى قبل قبضه ................................................. 41 الفتيا بالحكم المبني على مَدرك بعد زوال مَدركه خلاف الإجماع ......................... 45 جواز الإجارة ......................................................................... 48 والقول بوقف العقود عند الحاجة متفق عليه بين الصحابة ............................. 51 يجوز للمستأجر أن يؤجر ما استأجره بمثل الأجرة بلا نزاع ............................. 57 أن يكون المستأجر الثاني مثله أو دونه في الانتفاع والضرر .............................. 59 أن له أن يقيل المسلم جميع المسلم فيه .............................................. 74،79 الإقالة إذا كان فيها نقصان أو زيادة أو تأخير أنها بيع .................................... 76 جواز الإقالة ........................................................................... 77 جواز المضاربة (القراض) .............................................................. 84 المضارب لا يضارب مع عامل آخر إذا لم يأذن رب المال ................................. 87 وإن أذن رب المال أن يضارب بمال غيره جاز ............................................ 91

وإلم يأذن ولم ينه ولم يكن عليه ضررٌ جاز ............................................... 91 أجمعوا على فساد المزارعة التي تكون حصة أحدهما فيها أو حصة كل واحد منهما منفردة بالتعيين بوجه من الوجوه ............................................................... 96 إجماع الصحابة على جواز المزارعة ..................................................... 100 أجمعوا على فساد المساقاة التي تكون حصة أحدهما فيها أو حصة كل واحد منهما منفردة بالتعيين بوجه من الوجوه ............................................................. 107 جواز المساقاة ......................................................................... 108 اتفق أهل المذاهب الأربعة على جواز الاستصناع بشروط السلم، ولعله إجماع ........... 115 الإجماع العملي على جواز الاستصناع مطلقا ............................................ 116 جواز عقد المقاولة ..................................................................... 125 جواز المقاولة من الباطن ............................................................... 125 جواز وصحة الجعالة في رد العبد أو الأمة إذا أبقا ...................................... 128 الإجماع العملي على جواز الجعالة مطلقا ................................................ 131 الجعالة عقد جائز وليس لازما ........................................................ 131 جواز الحوالة .......................................................................... 139 جواز السلم ........................................................................... 144 تحريم بيع المسلم فيه قبل قبضه ......................................................... 146 جواز التورق .......................................................................... 157 جواز الشراء لأجلٍ بغرض التجارة أو الانتفاع أو القنية ................................ 157 تحريم بيع الدين بالدين ................................................................ 165 من استقرض شيئا فقد ملكه، وله التصرف فيه كسائر ملكه ............................ 173 جواز الوكالة .......................................................................... 175 الوكالة عقد جائز لا لازم .............................................................. 175

لا يجوز للوكيل التوكيل إذا نهاه موكله عن التوكيل ..................................... 176 إذا أذن الموكل للوكيل في التوكيل إذنا خاصا صريحا جاز ذلك له ....................... 176 يجوز توكيل الوكيل في ما لا يعمله مثله ................................................ 177 جواز توكيل الوكيل عند وجود الإذن الحكمي ........................................ 178 مشروعية الإعارة .............................................................. 187،189 جواز إعارة المستعير للعارية إذا أذن له المعير ........................................... 191 عدم جواز إعارة المستعير للعارية إذا منعه المعير من ذلك ............................... 191 للمستعير استعمال العارية في ما أذن له فيه المعير ........................................ 191 جواز خلو الإعارة من الأجل ......................................................... 193 جواز الإيداع ........................................................................ 196 يجب على المودع حفظ الوديعة بما جرت به عادة الناس في حفظ أموالهم ................ 200 مشروعية الوقف ..................................................................... 204 الوقف على جهة لا يتصور منها المِلك كالمساجد لا يكون مِلكا لأحد من الناس ........ 204 لا يجوز بيع درهم خالص بدرهم خالص إذا كان من مال اليتيم ....................... 208 استحباب الهبة مندوبة ............................................................... 209 الأصل ثبوت ملك الواهب على الهبة، وانتقالها لملك الموهوب له بالقبض .............. 209 مشروعية الوصية والإيصاء .......................................................... 213 القبول معتبر في تملك الوصية ......................................................... 216 صحة الوصية في ما زاد على الثلث موقوف على إجازة الورثة .......................... 219 لا تجوز الوصية لوارث إلا بإجازة الورثة ............................................. 219 جواز الرجوع في الوصية إلا العتق ................................................... 219 صحة العتق ......................................................................... 221 للسيد أن يزيل عتق الغاصب ويأخذ عبده ............................................ 221

أن لسيد العبد أن ينتزع منه ما بيده من المال من كسبه ومن غير كسبه ................... 223 لا يجوز للمكاتب أن يعتق إلا بإذن سيده .............................................. 224 جواز التدبير ......................................................................... 225 مشروعية المكاتبة .................................................................... 226 جواز الرهن ......................................................................... 236 نفوذ عتق الراهن للعبد المرهون إذا كان بإذن المرتهن .................................. 238 اشتراط القبض للزوم الرهن ........................................................ 237 المرتهن ليس له الانتفاع بشيء من الرهن سوى الحيوان ................................ 239 الراهن ممنوع من بيع الرهن وهبته وصدقته وإخراجه مِن يد مَن رهنه حتى يبرأ من حق المرتهن ............................................................................... 239 من أدى بعض المال وأراد إخراج بعض الرهن فليس له ذلك ........................... 241 للراهن أن يزيد المرتهن رهنًا مع رهنه ................................................. 241 الكفالة تبرع .......................................................................... 244 جواز الكفالة ......................................................................... 246 جواز الضمان ......................................................................... 249 جواز التأمين التعاوني ................................................................. 253 بيع القمار والغرر والمخاطرة وأكل المال بالباطل بغير عوضٍ ولا هبةٍ، باطل ............. 256 جواز بيع الدار مع اغتفار الغرر في أساسه ............................................. 257 جواز شراء الحامل مع اغتفار الغررفي الحمل جنسًا وعددًا وصفةً ...................... 257 جواز شراء الشاة التي في ضرعها لبن واغتفار الغرر في ذلك ........................... 257 جواز شراء الجبة المحشوة واغتفار الغرر في حشوها ................................... 257 جواز إجارة الدار شهرا واغتفار الغرر في تمام الشهر ونقصانه .......................... 257 تحريم الربا ............................................................................ 258

فهرس الفوائد

تحريم تأجيل عوض المسلَم فيه ................................................... 258 لا يلزم الفقير الذي من العاقلة شيءٌ من الديات التي تلحقهم .................... 263 فهرس الفوائد حذف همزة التسوية (الاستفهامية) مع أو وأم المعادلة سائغ ........................ 18 لا يكاد ينصرف مجموع الفتاوى لغير فتاوى ابن تيمية .............................. 18 لم يأت من المصادر على تِفعال إلا حرفان: تبيان وتلقاء، والباقي بالفتح، بخلاف الأسماء كتمساح .......................................................................... 21 إن الشرطية وأن المصدرية -إذا كانت ناصبة- إذا جاء بعدهما (لا) أو (لم) أدغمتا ولم تظهر النون ............................................................................ 23 متابعة تامة بين البخاري ومسلم في صحيحيهما .................................... 24 المنهج الراجح في أحاديث المدلسين ............................................... 38 اشتراط ثبوت اللقي وعدم الاكتفاء بإمكانه أو بالمعاصرة مذهب جمهور العلماء ..... 38 تعريف مفهوم المخالفة ........................................................... 41 عبد الله بن لهيعة بن عقبة المصري - رحمه الله - ضعيف في الرواية مطلقًا، ولكنه يعتبر به ..... 44 أثر العوائد والأعراف على الفتوى ................................................. 45 تعريف ابن عرفة المالكي للإجارة ونقل تلميذه الأُبي عنه ........................... 47 لا يعتبر في الإجماع وفاق القدرية -ومنهم المعتزلة- والخوارج والرافضة ............ 48 تسمية الحكم التكليفي بهذا الاسم الغالب والأشهر، ولابن تيمية نظر في ذلك ...... 48 وجه ذكر الدليل القياسي الموافق للدليل النصي في كتب الخلاف تقوية الدليل النصي، 58 هل روى قتادة عن أحد من الصحابة غير أنس - رضي الله عنه - ................................. 61 وقاعدة الإمام أحمد أن ما أفتى به الصحابة لا يخرج عنه إذا لم يكن في الباب شيءٌ يدفعه 64 قول ابن تيميّة: وإلى ساعتي هذه ما علمت قولًا قاله الصحابة ولم يختلفوا فيه إلا وكان القياس معه ............................................................................... 64

قول ابن تيمية: العلم بصحيح القياس وفاسده من أجل العلوم، وإنما يعرفه من كان خبيرًا بأسرار الشرع ومقاصده ................................................................ 64 ابن حزم لا يرى حجية قول الصحابي .................................................. 64 في بعض المعاجم اللغوية معان غير لغوية ............................................... 82 المضاربة والقراض اسمان لعقد واحد، ولكل منهما وجه ................................ 83 قول ابن حزم: كل أبواب الفقه ليس فيها باب إلا وله أصل في القرآن والسنة نعلمه حاشا القراض .............................................................................. 84 قول ابن تيميّة: ليس في الشريعة ما يخالف القياس ...................................... 89 أقوال العلماء المرجوع عنها لا تنسب إليهم إلا مع بيان ذلك ............................ 91 في تهجي حرف (ز) لغات: الزاء - الزاي - الزِّي، والزين لحن ........................ 95 قول الشافعي: الأمر إذا ضاق اتسع ................................................... 102 فائدة في السنة المطلقة والمقيدة بسبب .................................................. 104 قول أبي حنيفة في المزارعة: إن الناس لا يأخذون بقولي في المنع .......................... 104 النهي عن تسمية العنب كرمًا .......................................................... 106 جواز العطف قبل ذكر المضاف إليه في العربية مثل قولك: جواز وصحة البيع ........... 115 الأصل في النسبة أن تكون لمفرد، وعليه يقال: الدَّوْلي ................................... 115 ملك الأرض أربعة أنفس، مؤمنان وكافران ........................................... 116 ليس للجعالة بابٌ مستقل في كتب الحنفية ............................................. 128 تحرير محل النزاع في شرع من قبلنا ..................................................... 129 في مؤنة 3 لغات ...................................................................... 133 منصوصات المزني كنصوص الشافعي عند الشافعية ................................... 141 تجريد المعنى من العبارات الخادعة ثم عرضه على الأدلة سبب للحكم السليم من التأثيرات الجانبية ......................................................................... 156 - 157

دخول (ال) على (غير) تجوز .......................................................... 174 ليس في الرواة من اسمه حُضَين بالمعجمة إلا أبا ساسان حضين ابن المنذر .............. 182 كتابة إذن بالنون مطلقا ............................................................... 201 مما يدخل في الملك قهرًا كالميراث ...................................................... 217 ما خرج عن القياس فعليه غيره لا ينقاس ............................................. 217 مسائل يثبت فيها المِلك للميت ........................................................ 218 قول ابن النحاس: وكذا يجب أن يُتأول للعلماء، ولا يتأول عليهم الخطأ العظيم، إذا كان لما قالوه وجه ............................................................................ 232 هل للإمام أبي حنيفة روايتان؟ ........................................................ 241 قاعدة من قواعد الشرع عظيمة النفع .................................................. 246 ضابط المثلي والقيمي .................................................................. 247 لا يوجد زمان يصح وصفه بأنه قبل ورود الشرع ....................................... 259 قول الفاسي: أكثر أغلاط الفتاوى من التصور .................................. 263 - 264 قول ابن خزيمة (ت 311) عن الطبري (ت 310): (ما أعلم على أديم الأرض أعلم منه)، وقول ابن حبان (ت 354) عن ابن خزيمة: (ما رأيت على أديم الأرض من يحسن صناعة السنن ويحفظ الصحاح بألفاظها ... إلا ابن خزيمة) ............................... 277،272 ابن رشد الجد وابن رشد الحفيد من المتفق والمفترق ..................................... 272 تحذير بعض المالكية من ابن عرفة في معرفة المذهب المالكي ............................. 273 أبيات لابن قاضي الجبل ............................................................... 273 أبو بكر ابن أبي شيبة أكثر شيخ روى له مسلم في صحيحه (1540 حديثًا)، ويليه زهير بن حرب (1281 حديثًا) ................................................................ 272 أبو هريرة - رضي الله عنه - يسبح في اليوم 12000 تسبيحة، ومحمد الباقر يصلي في اليوم 150 ركعة .......................................................................... 274، 277

علقمة (ت 62) عم الأسود (ت 75) وعبد الرحمن (ت 83)، وهما خالا إبراهيم (ت 96)، والأسود والد عبد الرحمن (ت 99)، كلهم نخعيون، قال عنهم الشعبي: (أهل بيت خلقوا للجنة)، وقال الذهبي: (أهل بيت من رؤوس العلم والعمل) ............. 280،278،275 قول الروياني: (لو احترقت كتب الشافعي لأمليتها من حفظي) ........................ 276 الأكثر على تشديد الزاي في اسم أبي حامد الغزالي ...................................... 277 سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - آخر العشرة المبشرين بالجنة موتًا ............................... 279 ضبط اسم السرخسي ................................................................. 283 التمييز بين ابن الأثير المحدث وابن الأثير المؤرخ وابن الأثير الأديب ................... 291 أخطاء في أسماء الكتب ................................................... 297،295،292 ضبط اسم الخَرَشي المالكي ............................................................ 294

§1/1