العقد التليد في اختصار الدر النضيد = المعيد في أدب المفيد والمستفيد
العَلْمَوي
مقدمات
مقدمات مدخل ...
مقدمة التحقيق
بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة التحقيق: إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] . {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1] . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71] . أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار1.
مصادر ترجمة المؤلف: بدر الدين الغزى
مصادر ترجمة المؤلف بدر الدين الغزي: "904-984هـ": 1- الحسن بن محمد البوريني "1024هـ" تراجم الأعيان من أبناء الزمان 2/ 93-105. 2- نجم الدين الغزي "1061هـ" الكواكب السائرة في تراجم أعيان المئة العاشرة 3/ 3-10. 3- حاجي خليفة "1067هـ" كشف الظنون ص153-240-380-443-454-478-596-730-735-836-856-1260-1332-1617-1651. 4- شهاب الدين الخفاجي "1069هـ" ريحانة الألبا وزهرة الحياة الدنيا 1/ 138-144. 5- ابن العماد الحنبلي الدمشقي "1089هـ" شذرات الذهب في أخبار من ذهب 10/ 593-595. 6- محمد بن سليمان الروداني "1094هـ" صلة الخلف بموصول السلف ص26، 27. 7- محمد بن علي الشوكاني "1250هـ" البدر الطالع ص768-769. 8- جورجي زيدان "1914م" تاريخ آداب اللغة العربية 3/ 323. 9- إسماعيل باشا البغدادي "1920م" هدية العارفين 6/ 254. 10- إسماعيل باشا البغدادي "1920م" إيضاح المكنون 1/ 5-314-343، 2/ 105-497-658-659.
11-أديب تقي الدين الحصني "1940م" منتخبات التواريخ لدمشق 2/ 589. 12- كارل بروكلمان "1956م" تاريخ الأدب العربي 2/ 473-474. 13- خير الدين الزركلي "1976م" الأعلام 7/ 59. 14- د. عمر فروخ "1987م" معالم الأدب العربي 1/ 485-489. 15- عمر رضا كحالة "1988م" معجم المؤلفين 11/ 270-271. 16- فهرس المؤلفين بالظاهرية "الثبت" 29/ 1-31/ 2. 17- فهرس المخطوطات المصورة في معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية 2/ القسم الثاني/ 248-252. 18- الكتبخانة "فهرست الكتب العربية المحفوظة بالكتبخانة الخديوية" 7/ 531.
مصادر ترجمة صاحب المختصر عبد الباسط العلموي
مصادر ترجمة صاحب المختصر عبد الباسط العلموي: "981هـ": 1- نجم الدين الغزي "1061هـ" الكواكب السائرة في تراجم المئة العاشرة 2/ 284. 2- حاجي خليفة "1067هـ" كشف الظنون ص487. 3- جورجي زيدان "1914م" تاريخ آداب اللغة العربية 3/ 323. 4- كارل بروكلمان "1956م" تاريخ الأدب العربي 2/ 360، والمستدرك ص488. 5- خير الدين الزركلي "1976م" الأعلام 3/ 270-271. 6- عمر رضا كحالة "1988م" معجم المؤلفين 5/ 69-70. 4- فهرس المؤلفين بالظاهرية. 8- فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية: التاريخ وملحقاته 2/ 421. 9- فهرس المخطوطات المصورة في معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية 2/ 237.
رضي الدين أبو الفضل الغزي: 1- هو رضي الدين أبو الفضل محمد بن رضي الدين1 محمد بن أحمد بن عبد الله الغزي، ولد في عاشر ذي القعدة من سنة 862 "19/ 9/ 1458م" في دمشق ونشأ فيها. يَتِمَ رضي الدين أبو الفضل الغزي من أبيه وعمره نحو سنتين، فتولى تربيته زين الدين خطاب بن عمر بن مهنا الغزاوي بوصية من والد رضي الدين، فعُنِي برضي الدين عناية فائقة، ثم زوجه بابنة له. أخذ رضي الدين العلم عن نفر كثيرين، منهم: محمد بن أبي بكر بن قاضي شهبة "ت 874هـ"، وبرهان الدين إبراهيم بن عمر البقاعي "ت 885هـ"، وعن أبي العون الغزي، وعن برهان الدين الباعوني "ت 870هـ"، ومحمد البصروي، وأحمد بن برهان الدين الزرعي، ومحمد بن حامد الصفدي، وعن أبي بكر بن عبد الله بن قاضي عجلوان "ت 928هـ". وقضى رضي الدين هذا نحو أربع سنوات في مصر "917-921هـ" وجلس للتدريس فيها "الكواكب السائرة 1/ 248، 2/ 194، 413". وقد تولى التدريس في دمشق أيضا كما تولى القضاء فيها نيابة، ثم تقلده أصالة وكانت وفاته في دمشق في الرابع عشر من شوال من سنة 935 "24/ 6/ 1529م". 2- كان رضي الدين الغزي محدِّثا وفقيها ثم مشاركا في عدد من فنون العلم من النحو والبلاغة والمنطق والفلك والطب والملاحة والفلاحة. وكان أيضا متصوفا، ومعظم كتبه شروح على كتب للمتقدمين أو نظم لها شعرا، له:
شرح أرجوزة البارزي في المعاني والبيان، شرح عقيدة جمع الجوامع في الفقه لتاج الدين عبد الوهاب السبكي "ت 771هـ"، نظم عقائد "؟ " الغزالي "ت 505هـ"، نظم عقائد لبعض الفقهاء الحنفية، نظم نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر "في الحديث" لابن حجر العسقلاني "ت 852هـ"، نظم قلائد العقيان في مورِّثات الفقر والنسيان لإبراهيم الناحي، نظم رسالة السيد بن الشريف "محمد بن علي الجرجاني المتوفى سنة 838 للهجرة" في علمي المنطق والجدل، شرح على نظم هذه الرسالة، الإفصاح عن لب الفوائد والتلخيص والمصباح "في المعاني والبيان" شرح على الإفصاح ... إلخ، الجوهر الفريد في أدب الصوفي والمريد "ألفية"، ألفية في اللغة "نظم فيها "فصيح" ثعلب"، ألفية في علم الهيئة "الفلك"، ألفية في الطب، منظومة في علم الخط، كتاب في الملاحة، كتاب في الفلاحة. وكان له نظم أكثره في الحقائق "التصوف" وفي الحِكَم والنصائح، وهنالك جانب كبير منه في نظم قواعد عدد من العلوم. 3- مختارات من شعره: - قال رضي الدين الغزي في موقف الجهال من العلوم "شذرات الذهب 10/ 294": ما كان بكر علومي قط يخطبها ... إلا ذوو جدة بالفضل أكفاء1 وغض منه ذوو جهل معاذرة ... والجاهلون لأهل العلم أعداء2
وله في مثل ذلك: يا طالب العلم حقا ... اخرج إلى الله عنكا1 وإن خرجت فناد ... أستغفر الله منكا يا جاهلا وهو لأهـ ... ـل العلم لا يسلم2 ارجع إلى الحق وإن ... سئلت قل لا أعلم - وأرسل محمد بن جمعة المصري "ت 914هـ" لغزا إلى رضي الدين الغزي "الكواكب السائرة 1/ 36، 37" فأجاب رضي الدين بقصيدة أولها: يا سيدا حاز الفضائل وانفرد ... بمعارف قد جد فيها واجتهد ما زلت تبدي كل حين تحفة ... بعجائب من بحر عرفان تمد3 أرسلت لي لغزا بديعا وصفه ... عقدته بنوادر لا تنتقد في اسم تركب من حروف أربع ... معلومة مثل الطبائع في العدد4
فردين مع زوجين..... ... ..................... - وله قصيدة في التوسل جاء فيها "الكواكب السائرة 1/ 35": إلهي، إن أسأت بغير علم ... فإني فيك قد أحسنت ظني إلهي، إنني أخشى وأرجو ... أمانا منك فامنن لي بأمن إلهي، غير بابك في أموري ... إذا ما ضقت ذرعا لم يسعني1 إلهي، مثلما أحسنت بدءا ... ففي العقبى بحقك لا تسئني إلهي، من يعين إلى وصولي ... إلى ما ترتضى إن لم تعني
محمد بدر الدين الغزي: 1- هو محمد بدر الدين بن محمد بن محمد بن عبد الله بن بدر الدين بن عثمان بن جابر الغزي، ولد في الرابع عشر من شهر ذي القعدة من سنة 904 "23/ 6/ 1459م". بدأ محمد بدر الدين الغزي تلقي العلم على والده، ثم على نفر من العلماء في دمشق وفي مصر في أثناء رحلة إليها رافق فيها أباه "نحو 916-921هـ"، وبرع في فنون العلوم وهو صغير، فلما عاد إلى دمشق تصدر فيها للتدريس وعمره فيما قال ابنه نجم الدين: سبع عشرة سنة، وقد أصبح أيضا شيخ القراء في الجامع الأموي في دمشق، وتولى إمامة المقصورة، وأخيرا تولى إفتاء الشافعية بدمشق. وحج محمد بدر الدين الغزي سنة 952 للهجرة "1546م" من طريق القاهرة "الكواكب السائرة 3/ 45، 62، 67"، وقد اتفق له أن شُرد عن دمشق مدة لا تعرف زمنها ولا مداها. وفي مطلع شهر شوال من سنة 984 نزل به مرض فمات به في السادس عشر من ذلك الشهر "27/ 12/ 1576م". 2- كان بدر الدين الغزي عفيف النفس لا يأخذ شيئا على الفتاوى "احتياطا من أن تشتبه الهدية بالرشوة" كما كان كريما محسنا إلى تلاميذه، ثم إنه لزم العزلة في آخر أيامه؛ إذ كان -منذ أول عصره- ميالا إلى الصوفية "وقد بلغ في التصوف درجة علية ولبس الخرقة". وبدر الدين الغزي مشارك في عدد كبير من فنون العلم: في التفسير والحديث والفقه واللغة والنحو والبلاغة، وهو ناظم كثير النظم ومصنف كثير التصنيف، قيل: زادت مصنفاته على مائة "وأكثرها منظومات وشروح وحواشٍ".
فمن تصانيفه: منظومة في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم - فتح المغلق في تصحيح ما في الروضة1 من الخلاف المطلق - منظومة في شرح الخصائص يوم الجمعة وشرحها - جواهر الذخائر في الكبائر والصغائر "منظومة" - منهل الوُرَّاد في قراءة الأوراد وتحفة الملوك لمن أراد تحرير السلوك في "التقوى وطلب رضا الله" - شرح التوضيح "في النحو" لابن هشام الأنصاري2 - ثلاثة شروح على الألفية3 - نظم الآجرومية لابن آجروم "وهي أول تآليفه" - شرح شواهد التلخيص "تلخيص المفتاح لجلال الدين القزويني المتوفى سنة 739 للهجرة في المعاني والبيان، وقد لخص فيه شرح عبد الرحيم العباسي المتوفى سنة 963 للهجرة" - منظومة في موافقات سيدنا عمر "ابن الخطاب" للقرآن العظيم وشرحها - المطالع البدرية في المنازل الرومية "ترجمة حياته" - التنقيب عن ابن النقيب - الدر النضيد في أدب المفيد والمستفيد4 - أسباب النجاح في آداب النكاح - فضل الخطاب في وصل الأحباب - المراح في المزاح - المنظوم الكبير في مائة ألف وثمانين ألف بيت من الشعر "راجع: الكواكب السائرة 3/ 6 السطر الخامس عشر" - شرح الصدور بشرح الشذور5 - تفاسير الثلاثة: المنظومان الكبير والصغير6.
3- مختارات من آثاره: - قال محمد بدر الدين الغزي مقاطع من الشعر منها: بالخط والجاه، لا بفضل ... في دهرنا المال يستفاد كم من جواد بلا حمار ... وكم حمار له جواد1 من رام أن يبلغ أقصى المنى ... في الحشر مع تقصيره في القرب2 فليخلص الحب لمولى الورى ... والمصطفى فالمرء مع من أحب3 - كان بين بدر الدين الغزي وعبد الرحيم العباسي "ت 963هـ" إخوانيات "مراسلة بالشعر"؛ من ذلك أن عبد الرحيم العباسي كتب إليه يشكو الزمان "تراجم الأعيان 2/ 100": أرى الدهر يسعف جهاله ... فأوفر حظ به الجاهل وأنظر حظي به ناقصا ... أيحسبني أنني الفاضل
فكتب إليه بدر الدين الغزي مجيبا: أعبد الرحيم سليل العلا ... ويا فاضلا دونه الفاضل1 أتعتب دهرا غدا موقنا ... بأنك في أهله الكامل2 لو أبصروني راعيا وجه من ... أهوى، ودمعي جاريا سيلا3 لشاهدوا المجنون من عامر ... يرعى صباحا راجيا ليلى4 - وقال في آداب العشرة "آداب العشرة، ص11-17": ... اعلم أيها الأخ الصالح -أصلح الله شأننا- أن لأدب الصحبة وحسن العشرة أوجهًا، وأنا مبين منها ما يدل على أخلاق المؤمنين وآداب الصالحين ... فمن آداب العشرة: حسن الخلق مع الإخوان والأقران5 والأصحاب، اقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإنه قال -وقد قيل له: ما خير ما أعطي المرء؟: "حسن الخلق"، ومنها: تحسين ما يعاينه من عيوب إخوانه6 ... ومنها: معاشرة الموثوق بدينه وأمانته ظاهرا وباطنا ...
ترجمة مؤلف المختصر
ترجمة مؤلف المختصر: اسمه ونسبه: هو الشيخ عبد الباسط بن الشيخ شرف الدين موسى بن محمد بن إسماعيل العلموي الشافعي، ثم الموقت، رئيس المؤذنين في جامع دمشق الأموي، وكبير الوعاظ فيه. ولادته وأسرته وحياته: ولد سنة سبع وتسعمائة هجرية "709هـ"، وكان والده أحد الشهود القدماء المعدلين في دمشق، وخطيب جامع الحاجب1 بسوق صاروجا في دمشق. قال العلموي في مختصر تنبيه الطالب له: وبعده "أي بعد ابن قاضي عجلون2" خطب برهان الدين السوبيني3، ثم فرغ السوبيني لوالدي المرحوم شرف الدين موسى العلموي، أحد السادة الشهود المعدلين في دمشق سنة 857هـ، ثم استمر خطيبا به إلى سنة 921هـ، واختارني يومئذ، وكان سني أربع عشرة سنة "أي سنة 921هـ" خطيبا في الجامع المذكور فخطبت خطبة أملاها عليّ المرحوم محمد الضرير، الخطيب، الفصيح، الرجيح الدَّيِّن، المبارك المأنوس، فكتبتها منه، ثم خطبت بها يوم الجمعة من محرم بحضور
المملي والوالد وجماعة من أمراء المحلة، وحصل لي في ذلك اليوم خلعة صوف بلخشي، وأوصلني بعض الحاضرين ذهبا، والبعض دراهم، وحرصوني على ملازمة الخطبة، فما كان إلا القليل حتى وقعت الفتنة بين الجراكسة والعثمانية، فوصلت مع والدتي وابنتها وبعلها عبد الله القرعوني إلى القرعون، ومكثت هناك ثمانية أشهر في خلال ذلك أخطب إلى أن رجعت معهم سنة 923هـ، ثم استمريت إلى أن وخطتني اللحية وتكاملت في سنة 925هـ وخطبت بالجامع المذكور واستقليت به نزولا وفراغا من الوالد. إذن فالمؤلف العلموي استقل بالخطابة في جامع الحاجب بسوق صاروجا في دمشق نزولا وفراغا من والده؛ لذلك شملته بركة نصيحة العباد مع الوعظ لهم، فصار ذلك فيه حالا وحرفة -كما يقول هو عن نفسه- ثم تولى رئاسة المؤذنين في جامع دمشق الأموي بعد أبي البقاء ابن عفلقون في سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة. قال النجم الغزي1: كان له فضل في علم الميقات، وعلم النغمة والتلحين، وله إنشاءات وعظية يستعملها رؤساء المولد، وكان يعظ الناس يوم الخميس في رجب وشعبان ورمضان في "الجامع" الأموي. وقرأ على الوالد شيخ الإسلام أبي البركات بدر الدين الغزي، وعلى الوفائي. وفاة والده: "قال النجم الغزي"2 توفي والده بغتة سنة أربعين وتسعمائة هجرية. محنته: "قال النجم الغزي"3 احترقت داره وفيها أسبابه وكتبه سنة ستين وتسعمائة، وأخرجت عنه رئاسة المؤذنين للجلال الرملي قبل موته بمدة قريبة.
وفاته: توفي سنة إحدى وثمانين وتسعمائة هجرية في دمشق. "قال النجم الغزي"1 توفي سنة إحدى وثمانين وتسعمائة، وصلى عليه شيخ الإسلام والوالد "بدر الدين الغزي" إماما، ودفن بباب الفراديس. مصنفاته ومؤلفاته: لم يخلف العلموي كتبا كثيرة، على حد علمنا، والذي خلفه منها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وأغلبها اختصارا لكتب سابقيه، لكنها مفيدة في أبوابها وفنونها، وهي: 1- المعيد في أدب المفيد والمستفيد، وهو كتابنا هذا. 2- مختصر تنبيه الطالب وإرشاد الدارس إلى أحوال دور القرآن والحديث والمدارس "والأصل للنعيمي" حققه الدكتور صلاح الدين المنجد ونشره في دمشق سنة 1366هـ-1947م. 3- العقد التليد في اختصار الدر النضيد، ما زال مخطوطا في شستربتي "الرقم 3211" كما ذكر العلامة الزركلي في الأعلام 3/ 270-271. 4- مختصر طبقات الحنابلة، كما ذكر العلامة أمين التراث العربي أحمد عبيد. "قال العلامة أمين التراث العربي أحمد عبيد: ورأيت بخطه تعليقات وجيزة على مختصر طبقات الحنابلة اختصره الشمس النابلسي، وكتب في آخره ما يدل على أنه لخص هذا المختصر أيضا، كما رأيت له تعليقات أخرى على ذيل طبقات الحنابلة للحافظ ابن رجب، رحمهم الله تعالى".
العلموي وكتابه التلخيصي
العلموي وكتابه التلخيصي: المعيد في أدب المفيد والمستفيد: 1- النشرة القديمة لكتاب "المعيد في أدب المفيد والمستفيد": نشر الأستاذ العلامة أمين التراث العربي أحمد عبيد في دمشق سنة 1349هـ "1930م" كتاب "المعيد في أدب المفيد والمستفيد" للشيخ عبد الباسط بن موسى محمد العلموي "ت 981هـ-1573م". يقول الناشر: إنه عثر على نسخة وحيدة لذلك الكتاب "فألفينا فيه من الحث على العلم وبيان فضيلته وآدابه الظاهرة والخافية ما حبب إلينا نشره؛ ليطلع القراء منه على بعض ما كان للعلم وحملته عند السلف من شأن فيقدروهم حق قدرهم، وتشتد رغبتهم في السير على سنتهم ... "1. هدف الناشر كان إذن ما رآه في الكتاب من حث على العلم2، ثم من جهة ثانية، غرس تقدير السلف في نفوس القراء، ومن ثمة السير على السنن القديمة والمحافظة عليها ... أما هدفنا فمختلف: نحن نهتم بالغرض الأساسي، أي لموضوعه الذي هو التربية والتعليم والتأديب، وعلى ذلك فإن نشرتنا هذه تقصد إظهار القيمة الأساسية للكتاب، والغرض الذي من أجله كُتب؛ وذلك من خلال هذه الدراسة، ومن خلال ما قدمناه من ملاحظات سوف تراها منشورة خلال هذا الكتاب.
وهكذا سيظهر لنا أن الفكر التربوي في تاريخه الطويل عندما حافظ على وحدة واستمرارية، وتميز بشخصية تشابهت أبعادها عبر قرون مديدة وفي أماكن مختلفة، فكتاب المعيد في أدب المفيد والمستفيد، المكتوب في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، قل أن يختلف مع الكتب التي ألفها الغزالي وابن جماعة وزين الدين بن أحمد الزرنوجي وغيرهم. ذلك أن طرائق التعليم، وبُنى العملية التربوية، وموضوعات الدراسة أو برامجها، والنظرة للمعلم ولغاية التعليم، وهي كلها موضوعات نلقاها عند المفكرين المذكورين أعلاه دون كبير تغيير أو تطور واضح. يوفر لنا إذن كتاب العلموي فرصة لدراسة الفكر التربوي في القرن العاشر/ السادس عشر، وبذلك نقرأ أيضا فلسفة صنع الإنسان، والمطلوب من المربي، وصورة الرجل الكامل والمجتمع الفاضل بحسب تصور ذلك القرن من الزمان، وتلك القراءة مناسبة صالحة أو حقل خاص يتيح الدراسة التحليلية النقدية، والمنهج المقارن، والغايات الاستيعابية المعروفة في دراسة التاريخ والتطور ... 2- العلموي ملخصا أو مؤلفا لكتاب "العميد": عبد الباسط العلموي شيخ دمشقي "907-981" كان أبوه خطيب جامع الحاجب "سوق صاروجا، دمشق" خطب عبد الباسط في ذلك الجامع في الرابعة عشرة من عمره، ترك دمشق إلى القرعون، ثم رجع إلى بلده الأصلي، وتولى رئاسة المؤذنين في جامع دمشق الأموي "938هـ"، وكان يعظ فيه في مناسبات دينية. العلموي فقيه دمشق الأكبر، وواعظ ذو شهرة وقدرات، ومن المعروف -حتى اليوم- أنه لم يدرس بعد.
ويقول الناشر عبيد: إنه رأى "تعليقات وجيزة" بخط العلموي على "مختصر طبقات الحنابلة الذي اختصره الشمس النابلسي، وكتب في آخره ما يدل على أنه لخص هذا المختصر أيضا، كما رأيت له تعليقات أخرى على ذيل طبقات الحنابلة للحافظ ابن رجب"، وقد بينا ذلك خلال ترجمتنا له. ليس له إذن مؤلفات معروفة، ولا كثيرة، أما كتابه "المعيد" فهو تلخيص، بحسب ما ينبئنا، ثم بمعرفة بحسب ما يقول، ثم وبحسب معرفة صاحب الكتاب الموسع أو الأصلي الذي يحمل اسم: الدر النضيد للبدر الغزي. 3- البدر الغزي وملخصه العلموي: كتاب العلموي تلخيص لكتاب الغزي، وهذا الأخير فقيه وأصولي وعالم في الحديث والتفسير، وضع كتبا كثيرة، وله مائة وبضعة عشر كتابا، بحسب قول الزركلي في "الأعلام"، ثم إن بدر الدين الغزي الدمشقي "904-984" هو والد المؤرخ نجم الدين الغزي "صاحب الكواكب السائرة"، وكان قد خصص لتلامذته في دمشق رواتب وأكسية. كتاب "الدر النضيد" هو إذن أصل الكتاب الذي ندرسه هنا ونقدمه بنصه، وفي رأينا أن العلموي حتى وإن لخص فهو صاحب الآراء التي يقدمها، أو هو الموافق عليها والمتبني لها، سواء أطُبع الأصل أم لم يطبع، فالمهم هو الأفكار أو النظرية الواحدة الشاملة، وفي جميع الأحوال فإننا ننسب الأفكار، في دراستنا هذه إلى الملخص "العلموي" لا الغزي، هذا مع الإقرار للغزي بالفضل، وكثرة التآليف، والصبغة الزهدية الصوفية في أعماله المطبوعة النافعة، وفي الواقع فإن العلموي وإن لم يشر في تضاعيف كتابه إلا قليلا إلى كتاب "الدر النضيد"، فإنه قد جعل من العنوان "الذي هو المعيد" ما يدل على أنه يكرر
ويلخص، وذاك عنوان يذكر بكتاب زين الدين بن علي بن أحمد العاملي "الشهيد الثاني 966هـ" منية المريد في آداب المفيد والمستفيد1. 4- المخطوط وطبعته القديمة: قلنا: إن النشرة الأولى لكتاب المعيد قامت على نسخة وحيدة، كانت موجودة في حلب، ومكتوبة بخط العلموي نفسه "بقلم دقيق وكتب على هامش كثير من الصفحات عناوين لبعض المطالب ... ". ويقول الناشر: إنه اكتفى "في التصحيح بإثبات ما رأيناه صوابا دون الإشارة إلى الخطأ؛ لأننا رجعنا في ذلك إلى الأصول، التي نقل عنها مؤلف الأصل ... ". أما الحواشي فبعضها موجود في المخطوط، وبعضها الآخر والقليل أضافه السيد عبيد ، وهي كلها حواشٍ ذات نفع طفيف.
تحليل كتاب المعيد للعلموي
تحليل كتاب "المعيد" للعلموي: 1- تمهيد، اسمان للكتاب الملخص: ننطلق من سطور خطها العلموي وهي: "أما بعد، فهذه رسالة مختصرة جمعها العلامة شيخ الإسلام البدر محمد بن محمد بن محمد بن الرضي الغزي الشافعي -طال بقاؤه1- في فضيلة العلم والعالِم والمعلِّم والمتعلم والمفتي والمستفتي، وآداب كل منهم، ملخصا لها من مقدمة شرح المهذب لشيخ الإسلام المحيوي النووي، ومن غيرها من الكتب المعتبرة، وسماها بالدر النضيد في أدب المفيد والمستفيد2، واختصرها كاتبها مسميا لها بالعقد التليد في اختصار الدر النضيد3، أو تسمى بالمعيد في أدب المفيد والمستفيد4. قال5: "ورتبتها على مقدمة، وستة أبواب، وخاتمة" هل يترك هذا النص مجالا للظن بأنه العلموي هو أكثر من ملخص لعمل البدور الغزي؟ ربما يكون الجواب، حتى وإن كان إيجابيا، غير نافع لدراستنا هذه. 2- البنى الأساسية، الهيكل العام: رأى الأسلاف أن عملية التربية أو في الإفادة والاستفادة "التعلم والتعليم، الطلب والتحصيل ... إلخ" عمارة تقوم على ركائز محدودة وقوية التماسك فيما
بينها، كما لقد رأوا أن الهيكل التربوي العام بنية واحدة مترابطة الأجزاء ومتكاملة العناصر التي هي: العلم، ونقله بواسطة المعلم، وتلقيه عند المتعلم، ومن جهة أخرى فإن تلك العناصر تحييها روح واحدة، وتعزرها العصارة القديمة للفعل التربوي عند العلموي "وغيره ممن سبقه" الأقسام التالية: 1- الانطلاق من الإخلاص، أو طلب الصدق في العمل، فالمعلم أو المتعلم يجب أن يكون مؤمنا ببعض المبادئ كي يستطيع النجاح، بل وللبدء في عمله. 2- الإيمان بأن العلم "وطلبه والحث عليه" أهم ما في الوجود وصاحب الفضيلة الأكبر، والقيمة الأولى التي لا تنازع ولا تعادل. 3- تقسيم العلم إلى شرعي يستلزم علوما أخرى تتمرتب وتتفاوت قيمة.
وصف النسخة المخطوطة
وصف النسخة المخطوطة: يقول العلامة أحمد عبيد أمين التراث العربي: "عثرنا على هذه النسخة الوحيدة في مدينة حلب الشهباء، وهي مكتوبة بخط مختصرها المرحوم الشيخ عبد الباسط العلموي في "111" صفحة بالقطع المتوسط بقلم دقيق، وكتب على هامش كثير من الصفحات عناوين لبعض المطالب، وفي بعض الصفحات إيضاحات وتعليقات على الأصل أثبتناها بأسفل الصفحات، وإن كان بعضها لا يحتاج إليه، فكل ما هنالك منقول من خط المتخصر ... ". إذن فالنسخة كانت وحيدة في مدينة حلب الشهباء، وقد آلت هذه المخطوطة مع ما آل إليه من مخطوطات حلب إلى مكتبة الأسد، وغالبا هي من مخطوطات الأوقاف، أو مخطوطات المكتبة الأحمدية بحلب، وجمع المخطوطات في مكان واحد إقليمية ضيقة، وعصبية مقيتة، وبسبب ذلك بحثت عن هذه المخطوطة في مكتبة الأسد، كما كلفت بعض أصدقائي بمتابعة البحث عنها ورجعنا بعد طول البحث بخفي حنين؛ لأننا علمنا بأنها غير موجود في فهارس المكتبة، ولعلها مما لم يصنف أو يفهرس في المكتبة حتى الآن. لذلك اعتمدت في إخراجي لهذه الطبعة على الطبعة السابقة، راجيا العثور على الأصل حتى يكون العمل علميا وأكثر دقة، وقد صححت ما كان فيها من تصحيف وتطبيع، وراجعت من أجل ذلك أمهات الأصول، وتوصلت بمشيئة الله إلى وضع يدي على جميع الأصول التي نقل عنها مؤلف الأصل، وكنت أتابعه في ذلك حذو القذة للقذة. وقد كان العلموي المختصر، أو الغزي صاحب الأصل، ينقل حرفيا من الأصول التي ينقل عنها، وقليلا ما نجده يدلي بدلوه بين الدلاء، بل في غالب
الأحيان لا نجد له أي ملمح علمي، أو صورة متميزة خاصة به عمن ينقل عنه، وهذا ما سوف يلاحظه القارئ الكريم من خلال شروحنا وتعليقاتنا على هذا الكتاب. ولا يسعني في نهاية المطاف إلا أن أتقدم بالشكر الجزيل إلى كل من أعانني في إخراج هذا الكتاب، وأخص بالشكر أخي وصديقي وأستاذي العلامة الكبير الدكتور حاتم صالح الضامن على كرمه الحاتمي وأريحيته العلمية والأدبية، والحقيقة تقال: إن له في عنق كل من يعمل في حقل العلم والأدب والتراث فضلا ومنة. نسأ الله في أجله وملانا به، وجزاه خير الجزاء بما قدم للثقافة العربية عامة، والأدب والتراث العربي على وجه الخصوص، من أبحاث وتحقيقات، أنارت جوانب عظمة الأمة العربية في شتى مناحيها، وتباعد أزمانها، من أقصى مشرقها إلى أعماق مغربها. وأرجو من الله سبحانه وتعالى أن يكون عملي هذا أدنى إلى الكمال، وأقرب إلى الصواب، فإنه وحده المسئول، له الحمد والمنة ... {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. مروان العطية أبو ظبي 24 جمادى الثانية 1423هـ 1/ 9/ 2002م
النص المحقق
بسم الله الرحمن الرحيم النص المحقق: الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونسأله الخير كله، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته، وسلم تسليما كثيرا. أما بعد: فهذه رسالة مختصرة جمعها العلامة شيخ الإسلام البدر محمد بن محمد بن محمد بن الرضي الغزي الشافعي -طال بقاؤه- في فضيلة العلم والعالم والمعلم والمتعلم والمفتي والمستفتي وآداب كل منهم، ملخصا لها من مقدمة "شرح المهذب"1 لشيخ الإسلام المحيوي النووي2، ومن غيرها من الكتب المعتبرة، وسماها: بالدر النضيد في أدب المفيد والمستفيد3، واختصرها كاتبها مسميا لها: بالعقد التليد في اختصار الدر النضيد، أو تسمى بالمعيد والمستفيد. قال: ورتبتها على مقدمة وستة أبواب وخاتمة: المقدمة: في الأمر بالإخلاص والصدق وإحضار النية.
الباب الأول: في فضيلة الاشتغال بالعلم وتعلمه وتعليمه ونشره وحضور مجالسه، وتحذير من أَراد بعلمه غير الله، وتحذير من آذى عالما، وفيه ثلاثة فصول. الباب الثاني: في أقسام العلم الشرعي، وهي ثلاثة، ومراتبه، وهي ثلاثة. الباب الثالث: في آداب المعلم والمتعلم، وهو ثلاثة أنواع. الباب الرابع: في آداب الفتوى والمفتي والمستفتي، وهو أربعة أنواع. الباب الخامس: في شروط المناظرة وآدابها وآفاتها، وفيه فصلان. الباب السادس: في الأدب مع الكتب وما يتعلق بتصحيحها وضبطها ووضعها وحملها وشرائها واستعارتها وغير ذلك، وفيه مسائل. الخاتمة: في رقائق لطيفة مناسبة، وبالله التوفيق للعمل، والعصمة من الزلل.
المقدمة في الأمر بالإخلاص والصدق وإحضار النية
المقدمة: في الأمر بالإخلاص والصدق وإحضار النية: قال تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ، أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر: 2، 3] والآيات في الأصلين كثيرة1، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات ... " الحديث2. قال الشافعي3 رضي الله عنه: يدخل هذا الحديث في سبعين بابا من الفقه4. وقال هو وأحمد5: يدخل في هذا الحديث ثلث العلم6، قال البيهقي7:
معناه أن كسب العبد إنما يكون بقلبه ولسانه وبنانه1، فالنية أحد أقسام كسبه الثلاثة، وهي أرجحها لأنها تكون عبادة بإفرادها، بخلاف القسمين الباقيين، ولأن النية لا يدخلها فساد برياء ولا غيره بخلاف غيرها، وقيل: هو أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام2 وقد أوصلها الإمام النووي إلى الأربعين حديثا وجمعها في أربعينيته3، وكان السلف وتابعوهم من الخلف يستحبون استفتاح المصنفات ونحوها بهذا الحديث، وبه استفتاح المصنفات ونحوها بهذا الحديث، وبه استفتح البخاري4 كتابه الجامع الصحيح5 تنبيها للمطالع على حسن النية، وقال صلى الله عليه وسلم: "نية المؤمن أبلغ من عمله" رواه البيهقي في الشعب6، وفي رواية الإحياء7: "نية المؤمن خير من عمله". وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مخبرا عن جبريل عن الله -جل وعلا- أنه قال: "الإخلاص سر من أسراري استودعته قلب من أحببت من عبادي" 8 رواه
القشيري1 في الرسالة2 متصلا مسلسلا، وعرف الإخلاص فيها بأنه إفراد الحق تعالى في الطاعة بالقصد؛ أي: يريد بها التقرب إلى الله دون شيء آخر من الخلق من تصنُّع لهم أو محمدتهم أو محبتهم أو محبة مدحهم، وقال في تعريفه كلمات كثيرة، ونقولا غزيرة، وقال الفضيل بن عياض3: ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما4، وقال السري5: لا تعمل للناس شيئا، ولا تترك لهم شيئا، ولا تغط لهم شيئا، ولا تكشف لهم شيئا، وقال الجنيد6: الإخلاص سر بين الله وبين العبد لا يعلمه ملك فيكتبه، ولا شيطان فيفسده، ولا هوى فيميله. وقال الإمام القشيري: أقل الصدق استواء السر والعلانية، وقال غيره: من أراد أن يكون الله تعالى معه فليلزم الصدق، فإن الله تعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ
الصَّادِقِينَ} 1، وقال الحارث المحاسبي2: الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه، ولا يحب اطلاع الناس على مثاقيل الذر من عمله، ولا يكره اطلاعهم على السيئ من عمله، فإن كراهته لذلك دليل على حب الزيادة عندهم، وليس هذا من إخلاص الصديقين. وقيل: إذا طلبت الله بالصدق أعطاك مرآة تبصر فيها كل شيء من عجائب الدنيا والآخرة. وقيل: عليك بالصدق حيث تخاف أنه يضرك فإنه ينفعك، ودع الكذب حيث إنه ينفعك فإنه يضرك، وسئل فتح الموصلي3 عن الصدق فأدخل يده في كير الحداد وأخرج الحديدة المحماة ووضعها على كفه وقال: هذا هو الصدق. وقال الجنيد: الصادق يتقلب في اليوم أربعين مرة، والمرائي يثبت على حالة واحدة أربعين4 سنة، قال شيخ الإسلام النووي5: معناه أن الصادق يدور مع الشرع حيث دار، فإذا كان الفضل الشرعي في الصلاة مثلا صلى، أو في مجالسة العلماء أو الضيفان أو العيال أو قضاء حاجة مسلم أو جبر قلب مكسور ونحو ذلك فعل، أو في صوم أو قراءة أو ذكر أو أكل وشرب أو جد أو مزاح أو عزلة أو خلطة أو تنعم أو ابتدال ونحوها أتى به، فحيث رأى الفضيلة في شيء من هذا فعله، كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفعل6 ولا يرتبط بعادة ولا بعبادة مخصوصة كما يفعله المرائي، ولا شك في اختلاف أحوال الشيء في الأفضلية، فإن الصوم حرام يوم العيد، واجب قبله، مسنون بعده، ويندب تحسين اللباس يوم الجمعة والعيد، وخلافه يوم الاستسقاء وما أشبه ذلك. انتهى. وأقوالهم غير محصورة في ذلك، والله تعالى أعلم.
الباب الأول: في فضيلة الاشتغال بالعلم على ما تقدم في ترتيبه
الباب الأول: في فضيلة الاشتغال بالعلم على ما تقدم في ترتيبه الفصل الأول: في فضيلة الاشتغال بالعلم وتصنيفه وتعلمه وتعليمه ونشره وحضور مجلسه والحث على ذلك، وترجيح الاشتغال به على الصلاة والصيام ونحوهما من العبادات القاصرة على فاعلها: قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 114] {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} إلى قوله: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة: 7، 8] {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11] إلى غير ذلك من الآيات في الأصلين المذكورين سابقا. وقال صلى الله عليه وسلم: "من يرد الله به خيرا يفقه في الدين" 1، وقال صلى الله عليه وسلم لعلي2 رضي الله عنه: "فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم" 3، وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ4 لما بعثه إلى اليمن: "لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من الدنيا وما فيها"، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم
رضًى بما يصنع"1، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في حجرها، وحتى الحوت في الماء، ليصلون على معلمي الناس الخير" 2، وقال صلى الله عليه وسلم: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" 3، وقال صلى الله عليه وسلم: "من طلب علما فأدركه كتب الله له كفلين من الأجر، ومن طلب علما فلم يدركه كتب الله له كفلا من الأجر"4. وروى النووي بسند متصل بزكريا بن يحيى الساجي5 قال: كنا نمشي في أزقة البصرة إلى باب بعض المحدثين فأسرعنا في المشي وكان معنا رجل ماجن متهم في دينه فقال: ارفعوا أرجلكم عن أجنحة الملائكة كالمستهزئ، فما زال من موضعه حتى جفت رجلاه وسقط. وأسند أيضا إلى أبي داود السجستاني6 أنه قال: كان في أصحاب الحديث رجل خليع إلى أن سمع حديث: "إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًى بما يصنع" فجعل في نعليه مسمارين من حديد وقال: أريد أن أطأ أجنحة الملائكة، فأصابته الآكلة في رجله، وفي رواية: فشلت رجلاه ويداه وسائر أعضائه، وفي رواية: أنه تفسخت بنيته7.
وقال صلى الله عليه وسلم: "نوم مع علم خير من صلاة على جهل"1، وقال صلى الله عليه وسلم: "يقول الله عز وجل للعلماء يوم القيامة: إني لم أجعل علمي وحلمي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان فيكم ولا أبالي"2. وقال صلى الله عليه وسلم: "مجلس فقه خير من عبادة ستين سنة"3، وقال صلى الله عليه وسلم: "قليل العلم خير من كثير العبادة"4. وقال صلى الله عليه وسلم: "من غدا إلى المسجد لا يريد إلا ليتعلم خيرا أو ليعلمه كان له كأجر معتمر تام العمرة، ومن راح إلى المسجد لا يريد إلا ليتعلم خيرا أو يعلمه فله أجر حاج تام الحجة". وعن علي رضي الله عنه: العالم أفضل من الصائم القائم المجاهد، وإذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلم لا يسده إلا خلف منه، وعنه رضي الله عنه: كفى بالعلم شرفا أن يدعيه من لا يحسنه ويفرح إذا نسب إليه، وكفى بالجهل ذما أن يتبرأ منه من هو فيه، وعنه رضي الله عنه: أنه قال لكميل5 بن زياد: يا كميل، العلم خير من المال، العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والعلم حاكم، والمال محكوم عليه، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الإنفاق، وعنه: قيمة كل امرئ علمه.
وقال صلى الله عليه وسلم1: سمعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا جاء الموت طالب العلم وهو على هذه الحال مات شهيدا"2، وعن وهب بن منبه3: يتشعب من العلم الشرف وإن كان صاحبه دنيئا، والعز وإن كان مهينا، والقرب وإن كان قصيا، والغنى وإن كان فقيرا، والنبل وإن كان حقيرا، والمهابة وإن كان وضيعا، والسلامة وإن كان سقيما. وقال سهل بن عبد الله التستري4: من أراد النظر إلى مجالس الأنبياء فلينظر إلى مجالس العلماء، فاعرفوا لهم ذلك. وعن الشافعي وأبي حنيفة5: إن لم يكن الفقهاء العاملون أولياء الله فليس لله ولي، وقال الشافعي: طلب العلم أفضل من صلاة النافلة6، وقال: من طلب
الدنيا فعليه بالعلم، ومن طلب الآخرة فعليه بالعلم1، وقال: من لا يحب العلم لا خير فيه فلا يكن بينك وبينه معرفة ولا صداقة، وقال: من تعلم القرآن عظمت قيمته، ومن نظر في الفقه نبل قدره، ومن نظر في اللغة رق طبعه، ومن نظر في الحساب جزل رأيه، ومن كتب الحديث قويت حجته، ومن لم يصن نفسه لم ينفعه علمه. وقيل للإسكندر2: ما بال تعظيمك لمؤدبك أشد من تعظيمك لأبيك؟! فقال: لأن أبي سبب حياتي الفانية، ومؤدبي سبب حياتي الباقية. وقد حذفت كثيرا من الأحاديث وأسانيدها فراجعها إن افتقرت إليها، وإلا ففي ما رقمته كفاية لذلك. ولهم في فضل العلم أشعار كثيرة حسنة من عيونها ما روي عن علي رضي الله عنه "من البسيط": ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم ... على الهدى لمن استهدى أدلاء3 وقدر كل امرئ ما كان يحسنه ... والجاهلون لأهل العلم أعداء ففز بعلم ولا تجهل به أبدا ... فالناس موتى وأهل العلم أحياء وما جاء عن أبي الأسود الدؤلي4 رحمه الله تعالى "من البسيط":
العلم زين وتشريف لصاحبه ... فاطلب هديت فنون العلم والأدبا1 لا خير فيمن له أصل بلا أدب ... حتى يكون على ما زانه حدبا في بيت مكرمة آباؤه نخب2 ... كانوا الرءوس فأمسى كلهم ذنبا وخامل مقرف الآباء ذي أدب ... نال المعالي بالآداب والرتبا أمسى عزيزا عظيم الشأن مشتهرا ... في خده صعر قد ظل محتجبا العلم كنز وذخر لا نفاد له ... نعم القرين إذا ما صاحب صحبا قد يجمع المرء ما لا ثم يحرمه ... عما قليل فيلقى الذل والحربا وجامع العلم مغبوط به أبدا ... ولا يحاذر منه الفوت والسلبا يا جامع العلم نعم الذخر تجمعه ... لا تعدلن به درا ولا ذهبا
وما جاء عن الشافعي رضي الله عنه "مجزوء البسيط": حسبي بعلمي إن نفع ... ما الذل إلا في الطمع1 من راقب الله رجع ... عن سوء ما كان صنع ما طار طير وارتفع ... إلا كما طار وقع وما نسب لمحمد بن الحسن2 "من الطويل": تعلم فإن العلم زين لأهله ... وفضل وعنوان لأهل المحامد3 وكن مستفيدا كل يوم زيادة ... من العلم واسبح في بحار الفوائد تفقه فإن الفقه أفضل قائد ... إلى البر والتقوى وأعدل قاصد هو العلم الهادي إلى سنن الهدى ... هو الحصن ينجي من جميع الشدائد فإن فقيها واحدا متورعا ... أشد على الشيطان من ألف عابد
وما أنشد الشيخ قوام الدين حماد الصفاري1 الأنصاري لشيخه القاضي الخليل بن أحمد السجزي الحنفي2 "من الخفيف": اخدم العلم خدمة المستفيد ... وأدم درسه بفعل حميد3 وإذا ما حفظت شيئا أعده ... ثم أكده غاية التأكيد ثم علقه كي تعود إليه ... وإلى درسه على التأبيد وإذا ما أمنت منه فواتا ... فانتدب بعده لشيء جديد مع تكرار ما تقدم منه ... واقتناء لشأن هذا المزيد ذاكر الناس بالعلوم لتحيا ... لا تكن من أولي النهى ببعيد
إن كتمت العلوم أنسيت حتى ... لا ترى غير جاهل وبليد ثم ألجمت في القيامة نارا ... وتلهبت في العذاب الشديد وللزمخشري1 "من الوافر": وكل فضيلة فيها سناء ... وجدت العلم من هاتيك أسنى2 فلا تعتد غير العلم ذخرا ... فإن العلم كنز ليس يفنى وللإمام منصور التميمي3 أحد أئمة المذهب "من البسيط": عاب التفقه قوم لا عقول لهم ... وما عليه إذا عابوه من ضرر4 ما ضر شمس الضحى والشمس طالعة ... ألا يرى ضوءها من ليس ذا بصر
ولبعضهم "من الوافر": تفقه تستطيل على الرجال ... وتزهو في المحافل بالكمال1 إذا وقع القياس بكل علم ... فحال الفقه يعلو كل حال ومن طلب التفقه وانتحاه ... أناف برأسه تاج الجمال فخذ بالشافعي وقل بقول ... سديد عند مختلف المقال ففضل الشافعي على سواه ... كفضل الشمس قيست بالهلال ولآخر "من الخفيف": علم العلم من أتاك لعلم ... واغتنم ما حييت منه الدعاء2 وليكن عندك الغني إذا ما ... طلب العلم والفقير سواء ولآخر "من الطويل": وفي الجهل قبل الموت موت لأهله ... فأجسادهم بين القبور قبور3 وإن امرأ لم يحي بالعلم ميت ... فليس له حتى النشور نشور
ولآخر "من الطويل": تعلم فليس المرء يخلق عالما ... وليس أخو علم كمن هو جاهل1 وإن كبير القوم لا علم عنده ... صغير إذا التفت عليه المحافل ولآخر "من الكامل": صدر المجالس حيث حل لبيبها ... فكن اللبيب وأنت صدر المجلس2 وللمتنبي3 "من الوافر": ولم أرَ من عيوب الناس عيبا ... كنقص القادرين على التمام4
الفصل الثاني: في تحذير من أراد بعلمه غير الله تعالى
الفصل الثاني: في تحذير مَن أراد بعلمه غير الله تعالى نسأل الله العافية: اعلم أن ما ذكر في فضل طلب العلم إنما هو لمن أراد به وجه الله، لا لغرض من الدنيا، وإلا فهو مذموم. قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5] وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى: 20] وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا، كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: 18-20] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2، 3] وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 14] إلى غير ذلك من الآيات، ولا يخفى الحديث الذي فيه الثلاثة الذين أول مَن تسعر النار لهم يوم القيامة: المجاهد والعالم والقارئ، فهؤلاء جاء في حديث رواه مسلم1 أول مَن يدخل النار ويسحب كل منهم على وجهه حتى يُلْقَى في
النار؛ لقصدهم الرياء في أعمالهم: المجاهد ليقال شجاع، والعالم ليقال عالم، والقارئ ليقال قارئ1، اللهم خلصنا إلى الإخلاص. وقال صلى الله عليه وسلم: "من تعلم علما لغير الله فليتبوأ مقعده من النار" 2. وقال صلى الله عليه وسلم: "من طلب العلم ليجاري به العلماء، أو ليماري به السفهاء، ويصرف به وجه الناس إليه؛ أدخله الله النار" 3. وقال صلى الله عليه وسلم: "كل علم وبال على صاحبه يوم القيامة إلا من عمل به"4. وقال صلى الله عليه وسلم: "أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه"5. وقال صلى الله عليه وسلم: "مثل الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه، مثل الفتيلة يضيء للناس، ويحرق نفسه" 6. وقال صلى الله عليه وسلم: "من كتم علما مما ينفع الله الناس به في أمر الدين ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار"7. وقال صلى الله عليه وسلم: "ألا إن شر الشر شرار العلماء، وإن خير الخير خيار العلماء"8. وقال صلى الله عليه وسلم: "من قال أنا
عالم فهو جاهل" 1. وقال صلى الله عليه وسلم: "يظهر الدين حتى يجاوز البحار ثم يأتي من بعدكم أقوام يقرءون القرآن يقولون: من أقرأ منا؟ ومن أعلم منا؟ ثم التفت إلى أصحابه فقال: هل في أولئك من خير؟ قالوا: لا، قال: أولئك من هذه الأمة، وأولئك هم وقود النار" 2. وقال صلى الله عليه وسلم: "آفة العلم النسيان، وإضاعته أن تحدث به غير أهله"3. وقال صلى الله عليه وسلم: "واضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب"4. وعن عمر بن الخطاب5 -رضي الله عنه- يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "إن موسى لقي الخضر فقال: أوصني، فقال الخضر: يا طالب العلم، إن القائل أقل ملالة من المستمع، فلا تمل جلساءك إذا حدثتهم، واعلم أن قلبك وعاء فانظر ماذا تحشو به وعاءك، واعرف الدنيا وانبذها وراءك، فإنها ليست لك بدار، ولا لك فيها محل قرار، وإنها جُعلت بُلْغَة للعباد؛ ليتزودوا منها للمعاد، يا موسى وطن نفسك على الصبر تلق الحلم، وأشعر قلبك التقوى تنل العلم، ورض نفسك على الصبر تخلص من الإثم، يا موسى تفرغ للعلم إن كنت تريده، فإنما العلم لمن تفرغ له، ولا تكونن مكثارا بالمنطق مهذارا، إن كثرة المنطق تشين
العلماء، وتبدي مساوئ السخفاء، ولكن عليك بذي اقتصاد، فإن ذلك من التوفيق والسداد، وأعرض عن الجهال، واحلم عن السفهاء، فإن ذلك فضل الحلماء، وزين العلماء، إذا شتمك الجاهل فاسكت سلما، وجانبه حزما1 ... يابن عمران: لا تفتحن بابا لا تدري ما غلقه، ولا تغلقن بابا لا تدري ما فتحه. يابن عمران: من لا تنتهي من الدنيا نهمته، ولا تنقضي فيها رغبته كيف يكون عابدا؟ من يحقر حاله، ويتهم الله بما قضى له، كيف يكون زاهدا؟ يا موسى تعلَّم ما تعلَّم لتعمل به، ولا تعلمه لتحدث به، فيكون عليك بوره، ويكون لغيرك نوره"2. وعن هشام صاحب الدستوائي3 قال: قرأت في كتاب بلغني أنه من كلام عيسى: تعملون للدنيا وأنتم ترزقون فيها بغير عمل، ولا تعملون للآخرة وأنتم لا ترزقون فيها إلا بالعمل، وإنكم علماء السوء الأجر تأخذون، والعمل تضيعون، يوشك رب العمل أن يطلب عمله، وتوشكون أن تخرجوا من الدنيا العريضة إلى ظلمة القبر وضيقه، الله نهاكم عن الخطايا كما أمركم بالصيام والصلاة، كيف يكون من أهل العلم من سخط رزقه، واحتقر منزلته، وقد علم أن ذلك من علم الله وقدرته؟ كيف يكون من أهل العلم من اتهم الله فيما قضى له، فليس يرضي شيئا أصابه؟ كيف يكون من أهل العلم من دنياه آثر عنده من
آخرته وهو مقبل على دنياه، وما يضره أحب إليه مما ينفعه؟ كيف يكون من أهل العلم من يطلب الكلام ليخبر به، ولا يطلبه ليعمل به؟ 1 وعن علي رضي الله عنه: يا حملة العلم، اعملوا به فإنما العالم من عمل بما علم، ووافق علمه عمله، وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم يخالف علمهم عملهم، وتخالف سريرتهم علانيتهم، يجلسون حلقا فيباهي بعضهم بعضا حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه، أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله2. وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: تعلموا العلم وعلموه الناس، وتعلموا الوقار والسكينة، وتواضعوا لمن تعلمتم منه العلم، وتواضعوا لمن علمتموه العلم، ولا تكونوا جبابرة العلماء، فلا يقوم علمكم بجهلكم3. وعن ابن سيرين4: سبعة يهلكون بسبعة: أهل البادية بالجفاء، وأهل القرى بالجهل، والعرب بالعصبية، والدهاقين5 بالكبر، والسلاطين بالظلم، والتجار بالكذب، والعلماء بالحسد. وعن سفيان الثوري6 قال: بلغني أن الله تعالى يقول: إن أهون ما أصنع بالعالم إذا آثر الدنيا أن أنزع حلاوة مناجاتي من قلبه.
وعن مجاهد1: لا يتعلم من استحيا واستكبر2. وعن علي بن خشرم3: سكوت إلى وكيع4 قلة الحفظ فقال: استعن على الحفظ بقلة الذنوب5، ونظم بعضهم ذلك فقال: "من الوافر" شكوت إلى وكيع سوء حفظي ... فأرشدني إلى ترك المعاصي6 وقال اعلم بأن العلم فضل ... وفضل الله لا يؤتاه عاصي
الفصل الثالث: في تحذير من آذى أو انتقص عالما
الفصل الثالث: في تحذير مَن آذى أو انتقص عالما والحث على إكرام العلماء وتعظيم حرماتهم: قال تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج: 30] وقال تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] وقال تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر: 88] إلى غير ذلك من الآيات في الأصل. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب" رواه البخاري1. وعن الشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنه: إن لم يكن الفقهاء أولياء الله فليس لله ولي2. وعن ابن عباس3 رضي الله عنه: من آذى فقيها فقد آذى رسول الله، ومن آذى رسول الله فقد آذى الله عز وجل4. وقال صلى الله عليه وسلم: "ليس من أمتي من لم يحمل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويوف لعاملنا" 5.
وقال صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يستخف بهم إلا منافق: ذو الشيبة في الإسلام، وذو العلم، وإمام مقسط"1. وعن الإمام أحمد: لحوم العلماء مسمومة، من شمها مرض، ومن أكلها مات2. وقال الحافظ ابن عساكر3: اعلم أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصهم معلومة، وإن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب، بلاه الله قبل موته بموت القلب4 {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] .
الباب الثاني: في أقسام العلم الشرعي ومراتبه
الباب الثاني: في أقسام العلم الشرعي 1 ومراتبه الفصل الأول: في أقسام العلم الشرعي وهي ثلاثة: تفسير، وحديث، وفقه أما التفسير فهو معرفة معاني كتاب الله العزيز، وما أريد به، وهو قسمان: ما لا يعرف إلا بتوقيف، وما يدرك من دلالة الألفاظ بواسطة علوم أخر كلغة وغيرها، وقد جاء في فضله وآدابه أخبار وآثار1: منها ما ورد في قوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة: 269] قال: الحكمة القرآن والفكرة فيه2، وهذا عن ابن عباس، وفي رواية عنه: الحكمة المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه وأمثاله3. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعربوا4 القرآن والتمسوا غرائبه"5. وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه: لأن أعرب آية من القرآن أحب إلي من أن أحفظ آية6، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من قرأ القرآن فأعربه كان له عند الله أجر شهيد7،
وكان الصحابة يأخذون من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشر آيات، فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل1، وقال صلى الله عليه وسلم: "من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار"2، وفي رواية: "من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ"3، وفي رواية: "من قال في القرآن بغير ما يعلم جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار" 4. وأما الحديث ويرادفه الخبر على الصحيح فهو من أجل العلوم بعد القرآن5، وهو ما أضيف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قولا أو فعلا أو تقريرا أو صفة حتى الحركات والسكنات، واليقظة والنوم6، وقيل: أو أضيف إلى صحابي أو من دونه، والمشهور بين جماعة من الفقهاء أن ذلك أثر لا خبر7، ثم عِلْمُ الحديث ضربان: أحدهما: علم رواية8، وحدُّه بأنه علم مشتمل على نقل ما ذكر، وموضوعه ذات النبي -صلى الله عليه وسلم- من حيث أنه نبي، وغايته الفوز بسعادة الدارين.
الثاني: علم دراية1، وهو المراد عند الإطلاق2 والذي كلامنا هنا فيه، ويحد أنه علم تعرف به معاني ما ذكر ومتنه، ورجاله، وطرقه، وصحيحه، وسقيمه، وعلله، وما يحتاج إليه فيه ليعرف المقبول منه والمردود، وموضوعه الراوي والمروي من حيث ذلك، وغايته: معرفة ما يقبل من ذلك ليعمل به، وما يرد منه ليجتنب، ومسائله ما ذكر في كتبه من المقاصد. ومما جاء في فضله وآدابه من الأخبار قوله صلى الله عليه وسلم: "ليبلغ الشاهد الغائب، فإن الشاهد عسى أن يبلغ مَن هو أوعى له منه" 3، وفي رواية: "رب مبلغ أوعى من سامع" 4، وقوله: "نضر 5 الله امرأ سمع مقالتي فوعاها"، وفي رواية: "سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه" 6، وقوله: "من أدى إلى أمتي حديثا تقام به سنة أو تثلم به بدعة فله الجنة"7، وقوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم ارحم خلفائي" قيل: من خلفاؤك؟ قال: "الذين يأتون من بعدي فيروون أحاديثي ويعلمونها الناس"8، وقوله
صلى الله عليه وسلم: "من حفظ على أمتي أربعين حديثا من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة فقيها وكنت له شافعا"1، وقوله صلى الله عليه وسلم: "من تعلم حديثين اثنين ينفع بهما نفسه أو يعلمهما غيره فينتفع بهما كان خيرا من عبادة ستين سنة"2، وقوله صلى الله عليه وسلم: "من رد حديثا بلغه عني فأنا مخاصمه يوم القيامة، فإذا بلغكم عني حديث فلم تعرفوه فقولوا: الله أعلم"3، وقوله صلى الله عليه وسلم: "من حدث عني حديثا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" 4، وقوله صلى الله عليه وسلم: "من بلغه عن الله فضيلة فلم يصدقها لم ينلها"5، وقوله صلى الله عليه وسلم: "من كذب علي متعمدا أو رد شيئا أمرت به فليتبوأ بيتا في جهنم"6، وقوله صلى الله عليه وسلم: "من بلغه عني حديث فكذب به فقد كذَّب ثلاثة: الله، ورسوله، والذي حدث به"7. وقال أبو سعيد الخدري8: مذاكرة الحديث أفضل من قراءة القرآن9، وقال علي: تذاكروا الحديث فإنكم إلا تفعلوا يندرس10، وقال
ابن مسعود1: تذاكروا الحديث فإن ذكر الحديث حياته2، وكان أنس بن مالك3 إذا حدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثا ففرغ منه قال: أو كما قال صلى الله عليه وسلم4، وكان قتادة5 يستحب ألا تقرأ الأحاديث التي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا على الطهارة6، وكان الأعمش7 إذا أراد أن يحدث على غير طهر تيمم8، وكان السلف يكرهون أن يحدثوا على غير طهر9، وكان ثابت10 إذا حدث11
دعا بطيب فمسح بيديه وعارضيه، وكان مالك1 إذا أراد أن يحدث توضأ وجلس على صدر فراشه وسرح لحيته وتمكن في جلوسه بوقار وهيبة، فقيل له في ذلك فقال: أحب أن أعظم حديث رسول صلى الله عليه وسلم، وكان يكره أن يحدث في الطريق، أو وهو قائم2، إلى غير ذلك من فعالهم المحمودة، وتوقيراتهم المشهورة المعدودة، نفعنا الله بهم وبعلومهم. وأما الفقه وأصله في اللغة الفهم3، وقيل: فهم الأشياء الدقيقة، وقيل: التوصل إلى علم غائب بعلم مشاهد، وهو في الاصطلاح المقصود: علم بحكم شرعي فرعي مكتسب من دليل تفصيلي، سواء كان من نصه أو استنباطا منه، وهذا أحسن ما قيل في حده، وموضوع الفقه أفعال المكلفين من حيث عروض الأحكام المذكورة لها، واستمداده من الكتاب والسنة والإجماع والقياس وسائر الأدلة المعروفة، وفائدته امتثال أوامر الله تعالى واجتناب نواهية المحصلان للفوائد الدنيوية والأخروية، ومحل هذا كله أصول الفقه. ومما ورد في فضل الفقه وآدابه أخبار؛ منها: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" 4، وخبر: "فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد"5، وقوله صلى الله عليه وسلم: "خصلتان لا تجتمعان في منافق: حسن سمت، ولا فقه 6 في
الدين" 1، وقوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل العبادة الفقه، وأفضل الدين الورع"2، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إذا جلسوا كان حديثهم الفقه إلا أن يقرأ رجل سورة، أو يأمر بقراءة سورة3. إذا علمت ذلك فاعلم أن القسمين الأولين4 هما أصلان للثالث؛ لأن استمداده منهما ومن مضمونهما استنبط واستخرج ولكنه فضل عليهما؛ لأنه النتيجة والمقصود منهما غالبا؛ ولذلك كان من الفقهاء الحكام والمفتون، لا من المفسرين والمحدثين الخالين عن الفقه، وسيظهر لك من الفصل الثاني ما يدل لذلك، ثم ما عدا ما ذكر من العلوم ليس بعلم شرعي، ولكن بعضها من توابعه والنافع فيه كعلم النحو والتصريف واللغة والحساب النافع في قسمة المواريث ونحو ذلك. وأما علم أصول الفقه فلا يُنفى عن الشرع، بل هو أُسُّ الفقه والمعول عليه فيه، وأما علم أصول الدين فهو من أهم العلوم وأعظمها والمقصود هو ما يتعلق بمعرفة الله تعالى وصفاته، وما يجب له، ويمتنع عليه، وما يرد به على المبتدعة، بخلاف الخوض في الكلام والجدل وإقامة الشبه ونحو ذلك فهو مذموم حرام، بل هو بالجهل أشبه منه بالعلم، بل الجهل خير منه وأسلم، وعليه يحمل التحذير منه الوارد عن السلف، وسيأتي ذلك في الفصل الثاني، والله تعالى أعلم.
الفصل الثاني: في مراتب أحكام العلم الشرعي وما ألحق به
الفصل الثاني: في مراتب أحكام العلم الشرعي 1 وما أُلحق به وهي ثلاثة: فرض عين، وفرض كفاية، وسنة: المرتبة الأولى: فرض العين، وهو أن يعلم المكلَّف ما لا يتأدى الواجب الذي تعين عليه إلا به، وعليه حمل جماعات حديث: "طلب العلم فريضة على كل مسلم"2، وحمله آخرون على الكفاية. واعلم أن المكلَّف به على كل عبد عاقل بالغ ثلاثة أقسام: اعتقاد، وفعل، وترك، فأما الاعتقاد الذي هو أولها وأهمها: فاعلم أن أول واجب على من ذكر تعلم كلمتي الشهادة وفهم معناهما وهما قوله: لا إله إلا الله محمد رسول الله، واعتقاد ما يجب لله، وما يجوز له، وما يستحيل عليه، وغير ذلك مما يتعلق بواجب الإسلام والعقائد، ويكفي في ذلك بعد النطق بكلمتي الشهادة وفهم معناهما التصديق بكل ما جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واعتقاده اعتقادا جازما سليما من كل شك واختلاج ريب واضطراب نفس، ولا يتعين على من حصل له هذا تعلم أدلة المتكلمين والخوض والنظر فيها والبحث عنها، هذا هو الصحيح الذي أطبق عليه السلف والفقهاء والمحققون من المتكلمين، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يطالب أحدا بشيء سوى ما ذكر، وكذلك الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة فمن بعدهم من الصدر الأول، بل الصواب للعوام وجماهير المتفقهين والفقهاء الاقتصار على ما ذكر والكف عن الخوض في دقائق الكلام.
وقد بالغ1 إمامنا الشافعي -رحمه الله تعالى- في تحريم الاشتغال بعلم الكلام أشد مبالغة، وأطنب2 في تحريمه وتغليظ العقوبة لمتعاطيه إلى أن قال: لأن يلقى اللهَ العبدُ بكل ذنب ما خلا الشرك خير له من أن يلقاه بشيء من الكلام3. وقد صنف الإمام الغزالي في آخر أمره كتابه الذي سماه: إلجام العوام عن علم الكلام4، وذكر أن الناس كلهم عوام في هذا الفن من الفقهاء وغيرهم إلا النادر، فإذا اعتقد من ذكر ما ذكر كما ذكر فقد أدى واجب الوقت، فإن مات عقب ذلك مات مطيعا غير عاص، فإن خطر له شك في المعاني التي تدل عليها كلمتا الشهادة أو غيرها من أصول العقائد مما لا بد من اعتقاده ولم يزل شكه إلا بتعلم دليل من أدلة المتكلمين وجب عليه تعلم ما يتوصل به إلى إزالة الشك، ولو مات من لم يخطر له ذلك قبل أن يعتقد أن كلام الله قديم وأنه مرئي، وأنه ليس محلا للحوادث، ونحو ذلك مما يذكر في المعتقدات فقد مات على الإسلام إجماعا؛ إذ ليس له معارض لذلك ليضل. فرع5: اختُلف في آيات الصفات وأخبارها: هل يخاض فيها بالتأويل أم لا؟ فقال قائلون: تؤول على ما يليق بها، وهو مذهب الخلف، وهو أشهر المذهبين للمتكلمين، وقال آخرون: لا تؤول بل يمسك عن الكلام في معناها ويوكل علمها إلى الله تعالى، ويعتقد مع ذلك تنزيه الله، وانتفاء صفات الحادث
فيقال: نؤمن بأن الرحمن على العرش استوى، ولا نعلم حقيقة معنى ذلك، والمراد: أنا نعتقد أن الله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشوري: 11] وأنه منزه عن الحلول، وهذا مذهب السلف وجماهيرهم وهو الأسلم؛ إذ لا يطالب الإنسان بالخوض في ذلك، فإذا اعتقد التنزيه فلا حاجة إلى الخوض والمخاطرة، والله تعالى أعلم1. وأما الفعل2 فنقول: إذا أقر من ذكر بالشهادتين وقلنا: إنه أدى واجب الوقت وصار مطيعا، ثم وجب عليه صلاة مثلا تجدد عليه بدخول وقتها تعلم الطهارة والصلاة، أو كان له مال يزكي وجب بتمام النصاب إن اعتبر، ومضى الحول إن اشترط، تعلم ما يجب في الزكاة الحاضرة، أو دخل عليه رمضان تجدد بسببه تعلم الصوم وما يجب أو يحرم فيه، ولا يلزمه تعلم ذلك قبل وجوب ذلك الشيء، نعم لو صبر إلى دخول الوقت مثلا ولم يتمكن من تمام تعلمها مع الفعل في الوقت يلزمه التعلم وهو الصحيح الذي جزم به النووي، كما يلزم السعي إلى الجمعة لمن بعد منزله قبل الوقت، وتعلم كيفية الواجب بعد الوجوب على الفور إن كان على الفور، وعلى التراخي إن كان على التراخي كالحج، وينبغي للعلماء أن ينبهوه أن الحج على التراخي على كل من وجد الزاد والراحلة ... إلى آخر الشروط، ثم إن الذي يجب من ذلك كله عينا هو ما يتوقف أداء الواجب عليه غالبا، دون ما يطرأ نادرا كسجود السهو وتعجيل الزكاة، فإن وقع وجب التعلم حينئذ، وفي تعلم أدلة البقلة أوجه؛ أحدها: فرض عين، والثاني: كفاية، وأصحها فرض كفاية إلا أن يريد سفرا لا يكثر فيه من يعلمها فيتعين لعموم الحاجة حينئذ3. وأما البيع والنكاح4 ونحوهما وشبههما مما لا يجب أصله، فيتعين على من
أراده تعلم كيفيته وشرطه، وقيل: إن لم يعلم ذلك فيحرم الإقدام عليه قبل معرفة شرطه وهذا أصح، وكذا يقال في صلاة النافلة: يحرم التلبس بها على من لا يعرف كيفيته، ولا يقال: يجب تعلم كيفيتها. ومما يجب1 معرفة ما يحل ويحرم من المأكول والمشروب والملبوس ونحوهما مما لا غنى غالبا، وكذلك أحكام عشرة النساء لمن له زوجة، وحقوق المماليك لمن له ذلك، ونحو ذلك. وأما الترك فيجب على من ذكر علم ذلك بحسب ما يتجدد في الحال، وقد يختلف بحال الشخص؛ إذ لا يجب على الأبكم تعلم ما يحرم من الكلام، ولا على الأعمى تعلم ما يحرم من النظر، ولا على البدوي تعلم ما يحل الجلوس فيه من المساكن، فذلك أيضا واجب بحسب ما يقتضيه الحال. ومما يُلْحَق بالتروك أو الأفعال تفقد القلب بعد العلم بما مر، فهو فرض عين، فيلزم من ذكر أن يتعلم ما يرى نفسه محتاجة إليه من تطهير القلب من المهلكات ومعالجة المرديات كالرياء، والحسد، والعجب وشبهها. فرع2: يجب على الآباء والأمهات ونحوهم كالقيم والوصي تعليم الصغار ما سيتعين عليهم بعد البلوغ، فيعلمونهم الطهارة والصلاة والصيام، ويعرفونهم تحريم الربا والزنا واللواط والسرقة وشرب المسكر والكذب والغيبة، وأنهم بالبلوغ يدخلون في التكاليف، ويستحب ما زاد على هذا من تعليم قرآن وفقه وآداب، ويعرفونهم ما يصلح به معاشهم؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6] أي: علموهم ما ينجون به من النار، وهذا ظاهر، وقال صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ ومسئول عن رعيته" 3، ثم أجرة تعليم
الواجب، وكذلك تعليم المستحب من قرآن وغيره في مالهم، فإن لم يكن فعلى من تلزمه نفقتهم من نحو أب وإن علا، ثم أم وإن علت، هذا في الأسبوع الأول، وأما الثاني ففي ماله على الأصح، والثاني في مال الولي لعدم الضرورة إليه1، واعلم أن الشافعي والأصحاب إنما جعلوا للأم مدخلا في وجوب التعليم لكونه من التربية وهي واجبة عليها، إذا وجبت عليها النفقة. المرتبة الثانية 2: فرض الكفاية قسمان: الأول ما لا بد للناس منه في إقامة دينهم من العلوم الشرعية كحفظ القرآن والأحاديث وعلومهما، والأصول والفقه والنحو والتصريف واللغة، ومعرفة رواة الحديث وأحوالهم، والإجماع والخلاف. والثاني: ما ليس علما شرعيا، ويحتاج إليه في قوام الدنيا كالطب والحساب وما في معناهما؛ إذ ذاك ضروري في صحة الأبدان، والآخر في المعاملات وقسم التركات ونحو ذلك، وإذا قام بها واحد سقط الفرض عن الباقين. واختُلف في تعلم الصنائع التي هي سبب مصالح الدنيا كالخياطة والفلاحة، فالأظهر كما قال النووي هي فرض كفاية، ويعم فرض الكفاية جميع المخاطبين، وإذا قام به جمع تحصل الكفاية ببعضهم، فكلهم سواء في حكم القيام بالفرض في الثواب وغيره، فإذا صلى على جنازة جمع ثم جمع ثم
جمع، فالكل يقع فرض كفاية، ولو أطبقوا كلهم على تركه أثم كل من لا عذر له ممن علم بذلك وأمكنه القيام به، ولا يأثم من لم يتمكن لكونه غير أهل أو لعذر، ولو اشتغل شخص بالفقه، وظهرت نجابته فيه ورُجي فلاحه وتبريزه فوجهان؛ أحدهما: يتعين عليه الاستمرار لقلة من يحصل له هذه المرتبة، وأصحهما: لا يتعين؛ لأن الشروع لا يعين المشروع فيه عندنا إلا في الحج والعمرة والجهاد وصلاة الجنازة، ولو خلت البلدة عن مُفْتٍ فقيل: يحرم المقام بها، والأصح لا إن أمكن الذهاب إلى مفتٍ، وإذا قام بالفتوى إنسان في مكان سقط به فرض الكفاية إلى مسافة القصر من كل جانب، واعلم أن للقائم بفرض الكفاية مزية على القائم بغرض العين؛ لأنه أسقط الحرج عن الأمة. قلت: لأن القائم بفرض الكفاية اتخذه لنفسه فرض عين وشغل نفسه به فلذلك أسقط الإثم عن الباقين. المرتبة الثالثة 1: النفل: الذي هو من الفضائل لا الفرائض، وهو كالتبحر في أصول الأدلة والإمعان فيها وراء القدر الذي يحصل به فرض الكفاية، وكالتعمق في دقائق الحساب وحقائق الطب، وكتعلم العامي نوافل العبادات لغرض العمل، لا ما يقوم به العلماء من تمييز الفرض من النفل، فإن ذلك فرض كفاية في حقهم، والله أعلم. فصل 2: قد ذكرنا مراتب العلم الشرعي، ومن العلوم الخارجة عنه ما هو محرم أو مكروه أو مباح، فالمحرم كتعلم السحر فإنه حرام على المذهب الصحيح، وبه قطع الجمهور؛ كالفلسفة، والشعبذة3، والتنجيم، وعلوم الطبائعيين، وكل ما كان سببا لإثارة الشكوك، وتتفاوت في التحريم.
الباب الثالث: في آداب المعلم والمتعلم
الباب الثالث: في آداب المعلم والمتعلم النوع الأول: آدابهما في نفسهما وآدابهما في جلس الدرس القسم الأول: آدابهما في نفسهما وآدابهما في مجلس الدرس ... الباب الثالث: في آداب المعلم 1 والمتعلم النوع الأول: آدابهما في نفسهما، وآدابهما في مجلس الدرس فأما آدابهما في نفسهما: فمنها: أول ما يجب على كل منهما أن يقصد وجه الله بأشغاله واشتغاله لا لمال ولأجرة، أو شهوة، أو سمعة، أو تمييز عن الأشباه، أو تكثر بالمشتغلين عليه، أو المختلفين إليه، ولا يشين علمه أو تعليمه بشيء من الطمع في رفق يحصل من تلميذ، أو خدمة، أو مال، وإن قل ولو على صورة الهدية التي لولا اشتغاله لما أهداها إليه، كما أن المتعلم لا يشين طلبه بطمع في شيء يعطيه له الشيخ، أو أن ينزل اسمه في طلبة العلم لينال شيئا من معلوم أو غيره، ودليل هذا كله ما مر في تحذير مَن أراد بعلمه غير الله، وقد تقدم في أول الفصل الثاني من الباب الأول1. قال سفيان بن عيينة2: كنت قد أوتيت فهم القرآن، فلما قبلت الصرة من أبي جعفرر سُلبته3، وقد صح عن الشافعي أنه قال: وددت أن الناس انتفعوا بهذا العلم، وما نسب إلَيَّ شيء منه4، وقال رضي الله عنه: ما ناظرت أحدا وأحببت أن يخطئ5، وقال رضي الله عنه: ما أوردت الحق والحجة على أحد
فقبلها مني إلا هبته واعتقدت مودته، ولا كابرني على الحق أحد ودافع الحجة إلا سقط من عيني1، وعن أبي يوسف2: يا قوم، أَرِيدوا بعلمكم الله، فإني لم أجلس مجلسا قط أنوي فيه أن أتواضع إلا لم أقم حتى أعلوهم، ولم أجلس مجلسا قط أنوي فيه أن أعلوهم إلا أقم حتى أُفْتَضَح3. ومنها: أن يكون كل منهما قوي اليقين، الذي هو رأس مال الإيمان كله، قال صلى الله عليه وسلم: "اليقين الإيمان كله"4، وقال صلى الله عليه وسلم: "تعلموا اليقين"5. ومنها: أن يحافظ6 على القيام بشعائر الإسلام، وظواهر الأحكام كإقامة الصلوات في مساجد الجماعات، وإفشاء السلام للخواص والعوام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى بسبب ذلك، صادعا بالحق عند السلاطين باذلا نفسه لله، لا يخاف فيه لومة لائم، ذاكرا قوله تعالى: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان: 17] . وكذلك يقوم7 بإظهار السنن، وإخماد البدع، ويقوم لله في أمور الدين وما فيه من مصالح المسلمين على الطريق المشروع، والمسلك المطبوع، ولا
يرضى من أفعاله الظاهرة والباطنة بالجائز منها، بل يأخذ بالأكمل؛ فإن العلماء هم القدوة وإليهم المرجع في الأحكام، وهم حجة الله على العوام، وقد يراقبهم للأخذ عنهم من لا ينظرونه، ويقتدي بهديهم من لا يعلمونه، إذا لم ينتفع العالم بعلمه فغيره أبعد عن الانتفاع به، كما قال الشافعي: ليس العلم ما حفظ، العلم ما نفع1؛ ولهذا عظمت زلة العالم لما يترتب عليها من المفاسد لاقتداء الناس به. ومنها: أن يتخلق كل منهما بالمحاسن2 التي ورد الشرع بها من الزهد والسخاء والجود وطلاقة الوجه من غير خروج إلى حد الخلاعة، وكظم الغيظ، وكف الأذى عن الناس، واختماله منهم، وأن يتنزه عن دنيء الأكساب طبعا، ومكروهها شرعا، كالحجامة، والدباغة، والصياغة، وملازمة الورع والخشوع، والسكينة والوقار، والتواضع وإفشاء السلام، وإطعام الطعام، والإيثار وترك الاستئثار، والإنصاف وترك الاستنصاف، وشكر المتفضل، والسعي في قضاء الحاجات، وبذل الجاه والشفاعات، والتلطف بالفقراء، والتحبب إلى الجيران والأقرباء، ومجانبة الإكثار من الضحك والمزاح3؛ فإنه يقلل الهيبة ويسقط الحشمة كما قيل: من مزح استخف به، من أكثر من شيء عُرف به4. ومنها: أن يُلزم نفسه الخوف والْحَزَن والانكسار والصمت، ويظهر الخشية
على هيئته وكسوته، لا ينظر إليه ناظر إلا ويكون نظره مذكرا بالله، وتكون صورته دليلا على علمه، قال عمر رضي الله عنه: تعلموا العلم، وتعلموا للعلم السكينة والحلم، وتواضعوا لمن تَعَلَّمون منه، وليتواضع لكم من يتعلم منكم، ولا تكونوا من جبابرة العلماء، فلا يقوم علمكم بجهلكم1، وفي الخبر: إن من خيار أمتي قوم يضحكون جهرا من سعة رحمة الله، ويبكون سرا من خوف عذابه، أبدانهم في الأرض وقلوبهم في السماء، أرواحهم في الدنيا وقلوبهم في الآخرة2. ومنها: ملازمة الآداب الشرعية القولية والفعلية، الظاهرة والخفية، كتلاوة القرآن وذكر الله بالقلب واللسان، والدعوات والأذكار آناء الليل وأطراف النهار، ومن3 نوافل العبادات من الصلاة والصيام وحج البيت الحرام والصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، فمحبته4 وإجلاله وتعظيمه -صلى الله عليه وسلم- واجب، فكان الإمام مالك إذا ذُكر النبي -صلى الله عليه وسلم- يتغير وجهه وينحني5، وكان جعفر بن محمد6 إذا ذُكر النبي -صلى الله عليه وسلم- اصفر7، وكان القاسم8 إذا ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- يجف لسانه في
فيه هيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم1، وينبغي إذا تُلي2 القرآن أن يتفكر في معانيه وأوامره ونواهيه، وليحذر من نسيانه بعد حفظه، وأن يقرأ القرآن في كل سبعة أيام3، فهو ورد حسن، ويقال: من قرأ القرآن في كل سبعة أيام لم ينسه قط4، وأن يكون له ورد راتب كل يوم لا يُخل به. ومن الآداب: التنظيف بإزالة الأوساخ، وقص الأظفار، وإزالة الشعور المطلوب زوالها، واجتناب الروائح الكريهة، وتسريح اللحية، وليجتهد في الإخلاص في التوبة والدوام عليها من الأفعال الذميمة5، وليلازم الأفعال الحميدة الظاهرة والباطنة، والمقامات العلية، والأحوال السنية، وأعلاها محبة الله الجامعة لكل فائدة، المجنبة لكل خصلة فاسدة، وكذلك محبة رسوله -صلى الله عليه وسلم- واتباعه، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} الآية [آل عمران: 31] . ومنها: أن يطهر6 نفسه من الخبائث الباطنة، من مساوئ الأخلاق ومذموم الأوصاف؛ كالحسد والرياء والإعجاب واحتقار الناس والغل والبغي والغضب لغير الله والغش إلى غير ذلك من تعدد أوصاف خبائث النفس، فكما لا تصح الصلاة التي هي وظيفة الجوارح إلا بتطهير الأحداث والأخباث، فكذلك لا تصح عبادة الباطن إلا بعد طهارته من خبائث الأخلاق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بني الدين على النظافة"7، والقلب منزل الملائكة، ومهبط أثرهم، وقال
صلى الله عليه وسلم: "لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب" 1، والصفات الرديئة في القلب كلاب نابحة، ونور العلم لا يقذفه الله في القلب إلا بواسطة الملائكة {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا} 2 [الشورى: 51] وقال ابن مسعود: ليس العلم بكثرة الرواية، إنما العلم نور يقذف في القلب3، ووعظ بعضهم فقال: طهروا قلوبكم من الأغيار تصلح لنزول القرآن والأنوار، طهر المنزل حتى ينزل، ومن حصل له الساكن طابت له المساكن، ومن لم تُفتح له المنازل رضي بسكنَى المزابل "من المديد": إن بيتا أنت ساكنه ... غير محتاج إلى السرج4 ومريضا أنت عائده ... قد أتاه الله بالفرج وجهك المأمول حجتنا ... يوم تأتي الناس بالحجج وكان الشبلي5 يقول "من المقتضب":
اطلبوا لأنفسكم ... مثل ما وجدت أنا1 قد وجدت لي سكنا ... ليس يشبه السكنا إن دنوت قربني ... أو بعدت عنه دنا وقد ابتُلي بعض أصحاب النفوس الخبيثة من فقهاء الزمان بكثير من هذه الصفات الذميمة إلا من عصمه الله، وأدوية ذلك مستوفاة في كتب الرقائق ومن أنفعها كتاب الرعاية2 للمحاسبي3. ومن أدوية الحسد أن يعلم أن حكمة الله اقتضت جعل هذا الفضل في هذا الإنسان، فلا يعترض ولا يكره، فإن اعترض وكره فسُنة الله في مثل هذا جرت أن يسلبه حالته التي أنعم بها عليه وأن يزيد محسوده نعما لشكره وتواضعه وعدم غضبه لنفسه، وما أحسن ما قال الإمام المعافي بن زكريا الموصلي4 "من المتقارب":
ألا قل كان لي حاسدا ... أتدري على من أسأت الأدب1 أسأت على الله في فعله ... لأنك لم ترض لي ما وهب فجازاك عني بأن زادني ... وسد عليك وجوه الطلب ولأبي حنيفة رحمه الله في الحسد "من البسيط": إن يحسدوني فإني غير لائمهم ... قبلي كثيرا أهالي الفضل قد حسدوا2 فدام بي وبهم ما بي وما بهم ... ومات أكثرنا غيظا بما يجد ومن أدوية الرياء أن يعلم أن الخلق لا يقدرون على نفعه ولا ضره بما لم يقدره الله تعالى عليه، فلا يتشاغل بمراعاتهم فيتعب نفسه، ويرتكب سخط الله مع أن الله يطلعهم على نيته وسريرته في ريائه لهم وخوفه منهم. ومن أدوية الإعجاب أن يعلم أن علمه وفهمه وجودة ذهنه وفصاحته وغير ذلك من النعم فضل من المنعم جل وعلا وهو معه عارية وأمانة، وأن معطيه إياها قادر على سلبها منه في طرفة عين، كما سلب بلعام3 ما علمه في طرفة عين، نسأل الله السلامة.
ومن أدوية الاحتقار1 التأدب بما أدب الله تعالى به عباده، قال تعالى: {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} [الحجرات: 11] وقال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] فربما كان هذا الذي دونه أطهر قلبا، وأخلص نية، وأزكى عملا، كما قيل: إن الله تعالى أفَى ثلاثة في ثلاثة: وليه في عباده، ورضاه في طاعته، وغضبه في معاصيه2، ثم إن المحتقر لا يعلم بماذا يختم له، ففي الصحيح: "إن إحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة ... " 3 الحديث، نسأل الله العافية من كل داء. ومنها: أن يتجنب مواضع التهم، فإنه يعرض نفسه وعرضه للوقوع في الظنون المكروهة، فإن اتفق له وقوع شيء من ذلك لحاجة أخبر من شاهده وأصحابه بحقيقة ذلك الفعل؛ لئلا يأثموا بظنهم الباطل، ولئلا ينفروا عنه، قال تعالى: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12] ومن هذا الحديث الصحيح: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال للرجلين لما رأياه يتحدث مع صفية4 فوليا: "على رسلكما إنها صفية"، ثم قال: "إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم فخفت أن يقذف في قلوبكما شيئا"، وروي: "فتهلكا" 5.
ومنها: أن يكون1 زاهدا في الدنيا غير مبالٍ بفواتها مقتصدا في مطعمه وملبسه وأثاثه ومسكنه غير مترفه تشبيها بالسلف، ويتأكد في حق الطالب أن يقلل علائقه من أشغال الدنيا، ويبعد عن الأهل والوطن، فإن العلائق شاغلة وصارفة، قال تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب: 4] ونقل يحيى بن معاذ الرازي2: إنه كان يقول لعلماء الدنيا يا أصحاب العلم قصوركم قيصرية، وبيوتكم كسروية، وأثوابكم طاهرية، وأخفافكم جالوتية، ومراكبكم قارونية، وأوانيكم فرعونية، ومآثمكم جاهلية، ومذاهبكم شيطانية، فأين المحمدية؟ 3 وقوله: طاهرية بالطاء المهملة نسبة لطاهر بن الحسين4 المتولي على خراسان، وأقل درجات العالم أن يستقذر المتعلق بالدنيا، فهو أولى باستقذارها في حق نفسه، وعن الشافعي رضي الله عنه: لو أُوصي لأعقل الناس صرف إلى الزهاد، فليت شعري من أحق من العلماء بزيادة العقل وكماله؟ 5 وقال يحيى بن معاذ6: لو كانت الدنيا تبرًا يفنى، والآخرة خزفا يبقى، لكان ينبغي للعاقل إيثار الخزف الباقي على التبر الفاني، فكيف والدنيا خزف فان، والآخرة تبر باق7.
ومنها: أن يكون منقبضا عن الملوك وأبناء الدنيا لا يدخل إليهم صيانة للعلم كما صانه علماء السلف، فمن فعل ذلك فقد عرض نفسه لما لا قبل له به ولا طاقة، وخان أمانته، فإن العلم أمانة عنده، قال تعالى: {لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 27] وقال تعالى: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} الآية [المائدة: 44] إلى غير ذلك من الآيات، وقال صلى الله عليه وسلم: "العلماء أمناء الرسل على عباده ما لم يخالطوا السلطان، فإذا فعلوا ذلك فقد خانوا الرسل فاحذروهم واعتزلوهم"1. وعن ابن مسعود رضي الله عنه: من أراد أن يكرم دينه فلا يدخل على السلطان ولا يخلون بالنسوان ولا يخاصمن أهل الأهواء2، قال الأوزاعي3: ما شيء أبغض إلى الله تعالى من عالم يزور أميرا، وقال حذيفة4 رضي الله عنه: إياكم ومواقف الفتن، قالوا: وما هو؟ قال: أبواب الأمراء، يدخل أحدكم على الأمير فيصدقه في الكذب ويقول ما ليس فيه، فإن دعت إلى ذلك ضرورة أو مصلحة دينية فلا بأس5، وعلى هذا يحمل ما جاء عن بعض السلف في المشي إلى الملوك
وولاة الأمر على أنهم قصدوا بذلك حصول الأغراض الدنيوية المساعدة للأحوال الدينية، فاعلمه، والله أعلم. ومنها: أن يكون شديد التوقي من محدثات الأمور، وإن اتفق عليها الجمهور1 فلا تغتر بإطباق الخلق على ما حدث بعد الصحابة، وكن حريصا على التفتيش عن سير الصحابة وأعمالهم، أكانوا مهتمين بالتصدير والمناظرة، والقضاء والولاية، وتولي الأوقاف والوصايا، ومال الأيتام، ومخالطة السلاطين ومجاملتهم في العشرة، أو في الخوف والحزن، والتفكر والمجاهدة، إلى غير ذلك من علوم الباطن. واعلم يقينا أن أعلم أهل الزمان أشبههم بالصحابة وأعرفهم بطريقهم، فعنهم أُخذ الدين، قال علي رضي الله عنه: خيرنا أتبعنا لهذا الدين2، وقال ابن مسعود: أنتم في زمان خيركم فيه المسارع في الأمور، وسيأتي بعدكم زمان يكون خيركم المتثبت المتوقف؛ لكثرة الشبهات3، وقال حذيفة رضي الله عنه: أعجب من هذا أن معروفكم اليوم منكر زمان قد مضى، وأن منكركم معروف زمان قد يأتي، وأنكم لا تزالون بخير ما عرفتم الحق، وكان العالم فيكم غير مُستَخَف به4. قال الغزالي5 وقد صدق: فأكثر معروفات هذه الأعصار منكرات في عصر الصحابة؛ إذ من غرر المعروف في زماننا تزيين المساجد، وإنفاق الأموال العظيمة في عمارتها، وبسط البسط الرفيعة فيها، ولقد كان يعد فرش البواري
في المسجد بدعة، وقيل: إنه من محدثات1 الحجاج2، فقد كان الأولون قل ما يجعلون بينهم وبين التراب حاجزا. ومن ذلك الاشتغال بدقائق الجدل والمناظرة، ويعدونه من أجل علوم الزمان، ويزعمون أنه من أعظم القربات، وقد كان ذلك من المنكرات. ومن ذلك التقشف في النظافة، والوسواس في الطهارة، وتقدير النجاسة البعيدة في نجاسة الثياب مع التساهل في حل الأطعمة وتحريمها. ومن ذلك3 التلحين في الأذان والقراءات، والتباهي بذلك إلى غير ذلك من النظائر، ولقد صدق ابن مسعود -رضي الله عنه- حيث قال: أنتم اليوم في زمان، الهوى فيه تابع للعلم، وسيأتي عليكم زمان يكون العلم تابعا للهوى4، وكان هشام يقول: لا تسألوهم اليوم عما أحدثوا، فإنهم أعدوا له جوابا، ولكن سلوهم عن السُّنَّة فإنهم لا يعرفونها، وقال الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي5 في كتابه: الأحاديث الموضوعة6 بعد ذكره لحديث في قراءة الفاتحة وآيات منها: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} عقيب الصلاة، هذا حديث موضوع كنت
سمعته في زمن الصبي فاستعملته نحوا من ثلاثين سنة لحسن ظني بالرواة، فلما علمت أنه موضوع تركته، فقال لي قائل: أليس هو استعمال خير؟ فقلت: استعمال الخير ينبغي أن يكون مشروعا، فإذا علمنا أنه كذب خرج عن المشروعية. انتهى1. ومنها: أن تكون عنايتهما بتحصيل العلم النافع في الآخرة، المرغب في الطاعة، متجنبين العلوم التي يقل نفعها، ويكثر فيها الجدال، والقيل والقال، روي أن رجلا جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: علمني من غرائب العلم2، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما صنعت في رأس العلم؟ " قال: وما رأس العلم؟ قال: "هل عرفت الرب؟ " قال: نعم، قال: "وما صنعت من حقه؟ " قال: ما شاء الله، قال: هل عرفت الموت؟ قال: نعم، قال: "وما أعددت له؟ " قال: ما شاء الله، قال: "اذهب فأحكم ثم تعال نعلمك من غرائب العلم"3. وينبغي أن يكون التعليم من جنس ما روي عن حاتم الأصم4 تلميذ شقيق البلخي5 أن شقيقا قال له: منذ كم صحبتني؟ قال حاتم: منذ ثلاثة وثلاثين سنة، فقال: ما تعلمت مني في هذه المدة؟ قال: ثمان مسائل، فقال شقيق: إنا لله وإنا إليه
راجعون، ذهب عمري معك ولم تتعلم إلا ثمان مسائل! فقال: يا أستاذ لم أتعلم غيرها، ولا أحب أن أكذب، فقال: هات هذه الثمان مسائل حتى أسمعها، فذكرها، والقصة مشهورة في كثير من الكتب1 وهي مشتملة: الأولى على محبة الحسنات، والثانية على مدافعة هوى النفس، والثالثة على الصدقة، والرابعة على النسبة للتقوى، والخامسة على ترك الحسد، والسادسة على مصادقة الخلق وعداوة الشيطان، والسابعة على ملازمة الطاعة وترك الذل للخلق بسبب المعيشة، وترك الحرام، والثامنة على التوكل على الله تعالى؛ فقال شقيق بعدما قرأ حاتم الثمان مسائل: يا حاتم وقفك الله، إني نظرت في علم التوراة والإنجيل والزبور والفرقان فرأيته يدور على هذه الثمان مسائل، اللهم توفيقا للعمل الصالح واجتنابا للطالح. ومنها: أن يكون اهتمامه بعلم الباطن، ومراقبة القلب، ومعرفة طريق الآخرة وسلوكه، وصدق الرجاء في انكشاف ذلك من المجاهدة والمراقبة، فإن المجاهدة تفضي إلى المشاهدة في دقائق علوم القلب، وتنفجر منه ينابيع الحكم الخارجة عن العد والحد من طريق مفتاح الإلهام، ومنبع الكشف لا بالكتب المدونة، فكم من متعلم طال تعلمه ولم يقدر على مجاوزة مسموعه بكلمة، وكم من مقتصر على المهم في التعلم فتح الله عليه من لطائف الحكم ما تحار فيه عقول ذوي الألباب؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم"2، وفي بعض الكتب3 السالفة: يا بني إسرائيل لا تقولوا: العلم في السماء من ينزل به، ولا في الأرض من يصعد به، ولا من وراء البحار من يأتي به، العلم محصور في قلوبكم، فتأدبوا بين يدي تأدب الروحانيين، وتخلقوا إليَّ تخلق الصديقين أظهر العلم من قلوبكم حتى يغطيكم ويغمركم.
ومنها: أن يبحث عما يفسد الأعمال، ويشوش القلب، ويهيج الوسواس، ويثير الشر، فإن أصل الدين التوقي من الشر؛ ولذلك قيل: اعرف الشر لا للشر، لكن لتوقيه، ومن لا يعرف الشر من الناس يقع فيه1، وقيل لحذيفة رضي الله عنه: نراك تتكلم بكلام لا يسمع من غيرك من الصحابة! فمن أين أخذته؟ قال: خصني به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان الناس يسألونه عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه، وعلمت أن الخير لا يسبقني، وقال مرة: فعلمت أن من لا يعرف الشر، لا يعرف الخير، فكان عمر وعثمان وأكابر الصحابة يسألونه عن الفتن العامة والخاصة، وكان يُسأل عن المنافقين فيخبر بأعداد من بقي، ولا يخبر بأسمائهم، وكان عمر يسأله عن نفسه: هل يعلم بها شيئا من النفاق، فبرأه من ذلك، وكان -أعني عمر رضي الله عنه- إذا دُعي إلى جنازة نظر، فإن حضر حذيفة صلى عليها وإلا ترك، وكان حذيفة -رضي الله عنه- يُسمى صاحب السر بالسين المهملة2. ومنها: وهو من أعظم الأسباب المعينة على الاشتغال والفهم وعدم الملالة، أكل القدر اليسير من الحلال الذي لا شبهة فيه، قال الشافعي رضي الله عنه: ما شبعت منذ ست عشرة3 سنة، وسبب ذلك أن كثرة الأكل جالبة لكثرة الشرب، وهي جالبة للنوم والبلادة، وفتور الحواس والكسل، هذا مع ما فيه من الكراهة الشرعية، والتعرض لخطر الأسقام البدنية كما قيل "من الوافر":
عدوك من صديقك مستفاد ... فلا تستكثرن من الصحاب1 فإن الداء أول ما تراه ... يكون من الطعام أو الشراب وقد جمع بعض الحكماء في كثرة الأكل خمسين آفة، ونظمها مولانا وسيدنا وشيخنا شيخ الإسلام والد المصنف2 -رحمه الله وأبقى خلقه- فقال "من البسيط": في كثرة الأكل يا ذا العقل والنظر ... خمسون آفة كن منها على حذر توليد سقم وثقل ثم طول كرى ... ووصمة النفس مع غم ومع بطر وقسوة وعمى قلب تؤثره ... وهزل روح ونقص الخوف والحذر وقلة العقل مع جهل مكثره ... وقلة الشكر والإخلاص والخفر وشهوة تنمو مع ترك الحياء كذا ... نسيان علم وذكر الموت في العمر وحب دنيا وشح والبقاء كذا ... حب الشياطين فقد الصبر مع ضجر
وذم حكمة أيضا والعداوة مع ... تهييج عادة أشواق مع الأشر وبغض مولاه مع هدم العبادة مع ... فقد البهاء وحرج الدين بالغير والضحك أيضا وإذهاب الحلاوة من ... قلب وإبدال صفو منه بالكدر وترك ذكر وإذهاب اليقين كذا ... ترك افتقار وآداب لمعتبر وترك الأعمال والإكثار من حسد ... والبعد من جنة والقرب من سقر ثم التغفل ينمو والفضول كذا ... وللشياطين تسليح على البشر كذاك تفريق صحب وارتكاب معا ... صلي الله جل وهذا غاية الخطر وفي رسائل إخوان الصفاء لها ... شرح بذا الحصر واف غير مختصر وهاك في هذه الأبيات جملتها ... تلخصت فأتت في النظم كالدرر ولبعضهم في بعض فوائد الجوع "من الكامل": في الجوع عشر فوائد عن حصرها ... عجز البيان وباء بالتقصير من بعضها كسر الهوى وبكسره ... فوز الفتى بعوارف التحبب
وصفا القلوب وحفظها في سيرها ... من علة التكدير والتأثير وإدامة السهر الذي هو مقصد ... في شرع أهل الجد والتشمير وسلامة الجسد الذي هو مركب ... للقصد من علل ومن تغيير وهو المذكر بالفقير وحاله ... ولرب خير جاء في التذكير وبه على الإيثار تحصل مكنة ... تبدو لطائفها لكل بصير وعلى العبادة أي عون للفتى ... في ضمنه بل أيما تيسير وبه انحسام مواد كل ضرورة ... يأتي من الشيطان للتغرير والمرء ذو مؤن وفي تقليله ... طرح لما يدعو إلى التكثير فأجع فؤادك للوفا متعرضا ... واسلك سبيل محقق وخبير واعلم بأن الجوع في شرع الولا ... مفتاح باب الفتح عن تحرير والأولى أن يكون ما يأخذه من الطعام والشراب ما ورد: "بحسب ابن آدم
لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفَسه"1، وأما زيادته على ذلك فهي من الإسراف، وقد قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا} [الأعراف: 31] قال بعض العلماء: جمع الله بهذه الكلمات الطب كله2. ومنها: أن يقلل استعمال المطاعم3 التي هي من أسباب البلادة، وضعف الحواس كالتفاح الحامض، والباقلا، وشرب الخل، كذلك ما يكثر استعماله البلغم المثقل للبدن، والمبلد للذهن ككثرة الألبان والسمك وأشباه ذلك. وينبغي أن يستعمل ما جعله الله تعالى سببا لجودة الذهن كمضع اللبان والمصطكي على حسب العادة، وأكل الزبيب بكرة والجلاب ونحو ذلك مما ليس هذا موضع شرحه4. وينبغي أن يجتنب ما يولد النسيان بالخاصية كأكل سؤر الفأر، وقراءة ألواح القبور، والدخول بين جملين مقطورين، والشق بين الغنم والمعز، وليقرأ سورة "إيلاف قريش" إذا دخل في الشياه؛ لقوله تعالى: {وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش: 4] وإلقاء القمل ونحو ذلك من المجربات، ونحو ذلك من المحذرات الواردة، وللحافظ البرهان الناجي5 في ذلك كتاب "قلائد العقيان فيما يورث
الفقر والنسيان"1 جمع فيه فأوعى، وقد اختصره المرحوم شيخنا الرضي والد المصنف شيخ الإسلام في أرجوزة سماها "نظم القلائد2". ومنها: أن يقلل نومه ما لم3 يلحقه ضرر في بدنه وذهنه، ولا يزيد في نومه في اليوم والليلة على ثمان ساعات، وهو ثلث الزمان، فإن احتمل حاله أقل منها فعل، ولا بأس أن يريح نفسه وقلبه وذهنه وبصره إذا كَلَّ باستراحة وتنزه وتفرج في المستنزهات بحيث يعود إلى حاله، ولا يضيع عليه زمانه، ولا بأس بمعاناة المشي، ورياضة البدن4 به، فقد قيل: إنه ينعش الحرارة، ويذيب فضول الأخلاط، وينشط البدن، ولا بأس بالوطء الحلال إذا احتاج إليه، فقد قال الأطباء: إنه يخفف الفضول، وينشط ويصفي الذهن إذا كان عند الحاجة إليه باعتدال، ويحذر كثرته كل الحذر، فإنه يضعف السمع والبصر والعصب والحرارة والهضم، ويحدث غير ذلك من الأمراض المردية، وهو كما قيل: ماء الحياة يصب في الأرحام5. ومنها: أدعية وفوائد وردت يستعان بها على حفظ القرآن والعلم، فينبغي مراعاتها، وإن كان غالبها ضعيفا6 عن ابن عباس مرفوعا7: "من سره أن يودعه
الله -عز وجل- القرآن وحفظ أصناف العلوم فليكتب هذا الدعاء في إناء نظيف، أو في صحفة قوارير بعسل وزعفران وماء مطر، ويشربه على الريق، وليصم ثلاثة أيام، وليكن إفطاره عليه، ويدعو به في أدبار الصلوات المكتوبة: اللهم إني أسألك بأنك مسئول لم يسأل مثلك، أسألك بحق محمد -صلى الله عليه وسلم- رسولك ونبيك، وإبراهيم خليلك وصفيك، وموسى كليمك ونجيك، وعيسى كلمتك وروحك، وأسألك بصحف إبراهيم وتوراة موسى، وزبور داود، وإنجيل عيسى، وفرقان محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين، وأسالك بكل وحي أوحيته، وبكل حق قضيته، وبكل سائل أعطيته، وأسألك بأسمائك التي دعا بها أنبياؤك فاستجبت لهم، وأسألك باسمك المخزون المطهر، الطاهر المبارك المقدس، الحي القيوم ذي الجلال والإكرام، وأسألك بأسمائك: الواحد الأحد الصمد الفرد الوتر، الذي ملأ الأركان كلها، وأسألك باسمك الذي وضعته على السماوات فقامت، وأسألك باسمك الذي وضعته على الأرضين فاستوت، وأسألك باسمك الذي وضعته عل الجبال فرست، وأسألك باسمك الذي وضعته على النهار فاستنار، وأسألك باسمك الذي تحيي به العظام وهي رميم، وأسألك بكتابك المنزل بالحق، ونورك التام: أن ترزقني حفظ القرآن، وحفظ أصناف العلوم، وتبثها في قلبي، وأن تستعمل بها بدني في ليلي ونهاري أبدا ما أبقيتني يا أرحم الراحمين1. وروي عن بكر بن خنيس2 قال: من أحب أن يقرأ القرآن، ولا ينسى منه شيئا -بإذن الله عز وجل- فليقل: اللهم افتح علينا
رحمتك، وانشر علينا رحمتك، وعن سنيد1 قال: من أحب ألا ينسى شيئا فليقل: {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 32] وقال بعض الصالحين: إذا قرأت شيئا ثم قمت عنه فقل: اللهم إني أستودعك ما قرأته فاردده عليَّ وقت حاجتي إليه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم2. وغسل الرأس يزيد في الحفظ، وتركه ينقص من الحفظ، ومن أراد أن يحفظ العلم فعليه بخمس خصال: صلاة الليل ولو ركعتين، والدوام على الوضوء، والتقوى في السر والعلانية، وأن ينوي بأكله القوة على الطاعة، والسواك في كل صلاة وعند تغير الفم، ومن كتب آية الكرسي في كفه اليسرى بيده اليمنى سبع مرات بزعفران في كل مرة يلحسها بلسانه لم ينسَ شيئا أبدا، ومن قال أربعين مرة مساء: اللهم اجعل نفسي نفسا طيبة طائعة حافظة تؤمن بلقائك وتقنع بعطائك، وترضى بقضائك لم ينس شيئا أبدا، ومن قال عند رفع ما يقرأه: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم عدد كل حرف كتب ويكتب أبد الآبدين ودهر الداهرين، فإنه لا ينسى منه شيئا أبدا، ومما يفيد للحفظ قولك عقب كل صلاة: آمنت بالله الواحد الأحد، الحق المبين لا شريك له وكفرت بما سواه. انتهى.
القسم الثاني: آدابهما في درسهما واشتغالهما
القسم الثاني: آدابهما في درسهما واشتغالهما 1 فمنها: ألا يزال كل منهما مجتهدا في الاشتغال قراءة ومطالعة وتعليقا ومباحثة ومذاكرة وفكرا وحفظا وإقراء وتصنيفا إن تأهل لهما، ووظائف الأوراد في كل الأحوال. ومنها: ألا يخل بوظيفته من حضور درس ومذاكرة وقراءة ونحوها ولو لعروض مرض خفيف، أو ألم لطيف، وليستشف بالعلم وليشتغل بقدر الإمكان كما قيل "من البسيط": إذا مرضنا تداوينا بذكركم ... ونترك الذكر أحيانا فننتكس2 هذا والحكايات عن السلف في ارتكابهم الأهوال في طلب العلم مشهورة، مدونة في كتب التواريخ والسير ومسطورة3. حكى الإمام عبد الحميد بن عيسى الخسروشاهي4 تلميذ الإمام فخر الدين
الرازي1 عن جلالة الإمام واجتهاد طلبته2: أنه صحب طلبة الإمام في ثلج أبيض، ونوء بات ياسمينه على الأرض ينفض، والثلج قد أبطل كل حركة وكيف لا وهو بلا شك كافور، والسحائب عم عطاؤها في البلد، فساوى بين مستفل الأرض وشرفات السور، وهمتهم مع ذلك لم تخمد نيرانها، ولم تفتر عن سماع كلام الإمام آذانها، وإن عامت الأرض لكثرة الماء، وعمت الجدران سحائب السماء، وأبت همتهم: أن تبطل فوائد الإمام، ولو بطلت منهم الحواس الخمس، ونفوسهم أن تغيب عن كلماته وإن غابت تحت الغمام عين الشمس، ووضعوا على رءوسهم كساء يمنع وصول المطر، وفتحوا المحصول3 وشرع واحد يقرأ ثم واحد، والإمام لا يدني رأسه من الكوة إلا لمن يرتضيه، فمنهم من يجيبه، ومنهم من يقرأ إلى آخر درسه والإمام لا يلتفت إليه، ولا ينظر فيه، تمرينا منه رحمه الله لهم على الآداب، وتعريفا لمقدار العلم، وإن اقتحم ذو العزيمة الأهوال وظن أن همته تعلو على السحاب. ومنها: أن يجتهد ألا يحضر مجلس الدرس إلا متطهرا من الحدث والخبث ومطيبا بدنه وثوبه، قاصدا بذلك تعظيم العلم، وتبجيل الشريعة، وإن كان في مسجد نوى في ابتداء جلوسه الاعتكاف. ومنها: ألا يسأل أحدا تعنتا وتعجزا، فإنه لا يستحق جوابا، وسيأتي النهي عن ذلك.
ومنها: أن يتصور ويتأمل ويهذب ما يريد أن يورده، أو يقرره أو يسأل عنه قبل إبرازه والتفوه به؛ ليأمن من صدور هفوة، أو زلة، أو وهم، أو انعكاس فهم، لا سيما إن كان هناك من يخشى منه أن يصير ذلك عليه وصمة، ويجعله عند نظرائه ومن يحسده وسمة، والله هو الموفق، وهو اللطيف الخبير. ومنها: ألا يستنكف من التعلم والاستفادة1 ممن هو دونه في منصب أو سن أو نسب أو شهرة أو دين أو في علم آخر، بل يحرص على الفائدة ممن كانت عنده، فقد كان كثير من السلف يستفيدون من تلاميذهم ما ليس عندهم، قال الحميدي2 وهو تلميذ الشافعي: صحبت الشافعي من مكة إلى مصر فكنت أستفيد منه المسائل، وكان يستفيد مني الحديث3، وقال أحمد بن حنبل: قال لنا الشافعي: أنتم أعلم بالحديث مني، فإذا صح عندكم الحديث فقولوا لي حتى آخذ به4، وقد ثبت في الصحيحين5 وغيرهما رواية جماعة من الصحابة عن التابعين وروى جماعات من التابعين عن تابع التابعين، وهذا عمرو بن شعيب6 ليس تابعيا، وقد روى عن أكثر من سبعين من التابعين، وأبلغ من هذا ما ثبت في الصحيحين7 من أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرأ: {لَمْ يَكُنِ
الَّذِينَ كَفَرُوا} [البينة: 1] على أُبي بن كعب1 -رضي الله عنه- وقال: "أمرني الله أن أقرأ عليك" 2، هذا وقد استنبط العلماء من هذا الحديث فوائد3: الأولى: بيان التواضع من الفاضل بقراءته على المفضول، قال صلى الله عليه وسلم: "الكلمة الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها التقطها"، وفي رواية: "فهو أحق بها"4، وقال سعيد بن جبير5: لا يزال الرجل عالما ما تعلم، فإذا ترك العلم وظن أنه قد استغنى واكتفى بما عنده، فهو أجهل ما يكون، وأنشد بعضهم "من الطويل": وليس العمى طول السؤال وإنما ... تمام العمى طول السكوت على الجهل6 الثانية: ألا يستحي من السؤال عما لا يعلم، وعن مجاهد: لا يتعلم العلم مستحٍ ولا مستكبر7.
الثالثة: الانقياد إلى الحق بالرجوع عند الهفوة، فالرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل. الرابعة: ترك المراء والجدال، وجعل الأخبار الواردة في ذلك نصب عينيه، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا زعيم ببيت في ربض 1 الجنة، وببيت في وسط الجنة، وببيت في أعلى الجنة، لمن ترك المراء وإن كان محقا، وترك الكذب وإن كان مازحا، وحسَّن خلقه" 2، والأخبار في ذلك كثيرة، والله أعلم.
النوع الثاني: آداب يختص بها المعلم وقد يشاركه في بعضها المتعلم
النوع الثاني: آداب يختص بها المعلم وقد يشاركه في بعضها المتعلم القسم الأول: آدابه في نفسه وتقدم منها جملة في الآداب المشتركة ... النوع الثاني: آداب يختص بها المعلم، وقد يشاركه في بعضها المتعلم: قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187] وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا} [البقرة: 159] وفي الصحيح: "ليبلغ الشاهد الغائب" 1، ويتعين على طالب العلم ألا ينتصب للتدريس حتى تكمل أهليته، واعلم أن آدابه تنقسم إلى ثلاثة أقسام: آدابه في نفسه، وآدابه مع طلبته، وآدابه في درسه. القسم الأول: آدابه في نفسه 2 وتقدم منها جملة في الآداب المشتركة ونذكر هنا ما يختص بها غالبا: فمنها: أنه يتعين على طالب العلم ألا ينتصب للتدريس حتى تكمل أهليته ويشهد له به صلحاء مشايخه، ففي الخبر الصحيح3: "المتشبع بما لم يُعطَ كلابس ثوبي زور"، وقال الشبلي: من تصدر قبل أوانه فقد تصدى لهوانه4، وعن أبي حنيفة: من طلب الرئاسة في غير حينه لم يزل في5 ذل ما بقي.
ولبعضهم1 "من الطويل": تصدر للتدريس كل مهوس ... جهول تسمى بالفقيه المدرس2 فحق لأهل العلم أن يتمثلوا ... ببيت قديم شاع في كل مجلس لقد هزلت حتى بدا من هزالها ... كلاها وحتى استامها كل مفلس ومنها: ألا يطلب على تعليمه أجرا، ولا يقصد به جزاء ولا شكورا، قال تعالى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الأنعام: 90] . ومنها: ألا يذل العلم، ولا يذهب به إلى مكان ينسب إلى من يتعلمه منه وإن كان المتعلم كبير القدر، بل يصون العلم عن ذلك كما صانه السلف وأخبارهم في هذا كثيرة مشهورة مع الخلفاء وغيرهم، قال الزهري3: هوان العلم أن يحمله العالم إلى بيت المتعلم4، فإن دعت ضرورة وحسنت فيه نية صالحة فلا بأس، وعليه يحمل ما جاء عن بعض السلف من ذلك، وقد أجاد القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني5 في معنى ذلك "من الطويل":
يقولون لي فيك انقباض وإنما ... رأوا رجلا عن موقف الذل أحجما1 أرى الناس من داناهم هان عندهم ... ومن أكرمته عزة النفس أكرما وما كل برق لاح لي يستفزني ... ولا كل من لاقيت أرضاه منعما وإني إذا ما فاتني الأمر لم أبت ... أقلب كفي إثره متندما ولم أقضِ حق العلم إن كان كلما ... بدا طمع صيرته لي سلما إذا قيل هذا منهل قلت قد أرى ... ولكن نفس الحر تحتمل الظما ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي ... لأخدم من لاقيت لكن لأخدما أأشقى به غرسا وأجنيه ذلة ... إذن فاتباع الجهل قد كان أحزما ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظموه في النفوس لعظما ولكن أهانوه فهان ودنسوا ... محياه بالأطماع حتى تجهما
ومنها -وقد مر معناه: أن يكون عاملا بعلمه غير مناقض فعله قوله؛ ولذلك قيل "من الكامل": لا تنهَ عن خلق وتأتيَ مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم1 قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة: 44] . قال علي رضي الله عنه: قصم ظهري عالم متهتك، وجاهل متنسك، فالجاهل يغش الناس بتنسكه، والعالم ينفرهم بتهتكه، ولبعضهم في معنى ذلك "من الكامل": فساد كبير عالم متهتك ... وأكبر منه جاهل متنسك2 هما فتنة للعالمين عظيمة ... لمن بهما في دينه يتمسك ومنها: أن يستحضر في ذهنه التعليم آكد العبادات؛ ليكون ذلك حاثا له على النية الصالحة، والنفع العام للطلبة، ولا ينبغي أن يمتنع من تعليم أحد لكونه غير صحيح النية3، فالامتناع من تعليمهم يؤدي إلى تفويت كثير من العلم مع أنه يرجى ببركة العلم تصحيحهما إذ أنس بالعلم، وقد قالوا: طلبنا العلم لغير الله فأبَى أن يكون إلا لله4، معناه: كانت عاقبته أن صار لله.
القسم الثاني: آداب المعلم مع طلبته
القسم الثاني: آداب المعلم مع طلبته ... القسم الأول: آداب المعلم مع طلبته 1: فمن ذلك إذا لمح في المتعلم خيرا، وآنس فيه رشدا، ينبغي له أن يؤدبه على التدريج بالآداب السنية، والشيم المرضية، والدقائق الخفية، ويعوِّده الصيانة في جميع أموره الكامنة والجلية، فيحرضه بالأقوال والأفعال على الإخلاص والصدق وحسن النيات، ومراقبة الله تعالى في جميع اللحظات، وأن يداوم على ذلك حتى الممات، ويعرفه أن بذلك تنفتح عليه أبواب المعارف، وتنفجر من قلبه ينابيع الحكمة واللطائف، ويوفق للإصابة في قوله وفعله. ومن ذلك أن يرغبه في العلم2، ويذكره بفضائله وفضائل العلماء، وأنهم ورثة الأنبياء، وأنهم على منابر من نور يغبطهم الأنبياء والشهداء، ونحو ذلك مما ورد في فضل3 العلم والعلماء من الآيات والأخبار، والآثار والأشعار، ويرغبه مع ذلك بتدريج على ما يعين على تحصيله من الاقتصار على الميسور، وقدر الكفاية من الدنيا، والقناعة بذلك عن شغل القلب بالتعلق بها، وتفريق الهم بسببها. ومن ذلك أن يحب له ما يحب لنفسه4، ويكره له ما يكره لنفسه من الشر، ففي الصحيحين: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" 5
وعن ابن عباس رضي الله عنه: أكرم الناس عليَّ جليسي الذي يتخطى الناس حتى يجلس إليَّ، لو استطعت ألا يقع الذباب عليه لفعلت1، ويعتني بمصالحه2 كاعتنائه بمصالح نفسه وولده، ويجعله كولده في الشفقة عليه، والاهتمام بمصالحه. وربما3 وقع منه نقص وسوء أدب في بعض الأحيان، فيبسط له عذره بحسب الإمكان، وينبهه على ما صدر منه بنصح وتلطف، لا بتعنيف وتعسف، قاصدا بذلك حسن تربيته، وتحسين خُلُقه، وإصلاح طويته. ومن ذلك أن يزجره4 عن سوء الأخلاق، وارتكاب المحرمات والمكروهات، أو ما يؤدي إلى فساد حال، أو ترك اشتغال، أو إساءة أدب، أو عشرة من لا يليق، ونحو ذلك بطريق التعريض والتلويح، لا بطريق التصريح، وبطريق الرحمة، لا بطريق التوبيخ والنقمة، فإن التصريح يرفع حجاب الهيبة، ويورث الجرأة على الهجوم بالخلاف، ويهيج الحرص على الإصرار، وينبهك على هذا قصة آدم وحواء عليهما السلام، وهو قوله تعالى: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ، فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} [البقرة: 35، 36] وفي سورة طه: {فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} [طه: 121] وقد ورد: لو مُنع الناس عن فت البعر لفتوه، وقالوا: ما نهينا عنه إلا وفيه شيء5، ولبعضهم "من الكامل": النفس تهوى من يجور ويعتدي ... والنفس مائلة إلى الممنوع
ولكل شيء تشتهيه طلاوة ... مدفوعة إلا عن المدفوع وانظر إرشاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتلطفه مع الأعرابي الذي بال في المسجد1، ومع معاوية بن الحكم2 لما تكلم في الصلاة3 فإن انزجر لذكائه بالإشارة فذاك، وإلا نهاه سرا، فإن لم ينته نهاه جهرا، ويغلظ القول عليه إن اقتضاه الحال لينزجر هو وغيره، ويتأدب به كل سامع، فإن لم ينته فلا بأس حينئذ بطرده والإعراض عنه إلى أن يرجع، وكذلك يتعهده بإفشاء السلام وحسن التخاطب في الكلام، وبالجملة فكما يعلمهم مصالح دينهم، لمعاملة الله يعلمهم مصالح دنياهم، لمعاملة الناس ليكمل لهم فضيلة الحالتين، وبالله التوفيق. ومن ذلك ألا يتعاظم على المتعلمين، بل يلين لهم القول، ويتواضع لهم، قال تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 215] وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله أوحى إلَيَّ أن تواضعوا" 4، والأحاديث في التواضع ولين الجانب كثيرة5، وهذا التواضع لمطلق الناس، فكيف بهؤلاء الذين كأولاده مع
ملازمتهم واعتمادهم عليه في طلب العلم، ومع ما هم عليه من حق الصحبة، وحرمة التردد، وشرف المحبة، وصدق التودد، وفي الخبر عنه صلى الله عليه وسلم: "علموا ولا تعنفوا؛ فإن المعلم خير من المعنف"1، وعنه صلى الله عليه وسلم: "لِينُوا لمن تعلمون ولمن تتعلمون منه"2. ومن ذلك أن يوقر طلبته ويعظمهم، ويحسن خُلقه معهم، ويرحب بهم إذا لقيهم، ويعاملهم بالبشاشة وطلاقة الوجه، ويحسن إليهم بعلمه وماله وجاهه بحسب التيسير، وينبغي3 أن يخاطب كلا منهم -لا سيما الفاضل للتمييز- بكنيته ونحوها من أحب الأسماء إليه، وما فيه من تعظيم وتوقير. ففي الخبر عن عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكني أصحابه إكراما لهم4، وجاء كثيرا مخاطبته لأبي بكر -رضي الله عنه- بالصديق5 فإن ذلك ونحوه أشرح لصدورهم، وأبسط لسؤالهم، وكان البويطي6 يدني القراء ويقربهم إذا طلبوا العلم، ويعرفهم فضل الشافعي، وفضل كتبه، ويقول: كان الشافعي يأمر بذلك ويقول: اصبروا للغرباء وغيرهم من التلاميذ7، وقيل: كان أبو حنيفة أكرم الناس مجالسة وأشدهم إكراما لأصحابه8، وإذا غاب أحدهم غيبة زائدة عن
العادة سأل عنه، فإن لم يخبر عنه أرسل إليه أو قصد منزله بنفسه وهو أفضل، وإن كان مريضا عاده، أو في غم خفض عنه، أو مسافرا تفقد أهله، وتعرض لقضاء حوائجهم ووصلهم بما أمكن. ومن ذلك ينبغي أن يستعلم أسماء طلبته، وحاضري مجلسه وأنسابهم، ومواطنهم وأحوالهم، وأن يكون سمحا ببذل ما حصله من العلم، سهلا بإلقائه، متلطفا في إفادة طالبيه، مع إرشاد إلى المهمات، وتحريض على حفظ ما يبذله لهم من الفوائد، ولا يدخر عنهم ما يحتاجون إليه، أو يسألون عنه؛ لأن ذلك ربما يوحش صدورهم، وينفر قلوبهم، وكذلك لا يلقي لهم شيئا لم يتأهلوا له؛ لأن ذلك يبدد أذهانهم، ويفرق أفهامهم، فإن سأله الطالب من ذلك شيئا فيعرفه أن ذلك يضره، وأنه لم يمنعه شحا، بل شفقة ونصحا، ثم يرغبه في التحصيل ليتأهل لذلك، وقد روي في التفسير قوله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} [آل عمران: 79] إنه الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره1. ومن ذلك صد المتعلم أن يشتغل بفرض الكفاية قبل الفراغ من فرض العين، وفرض عينه: إصلاح ظاهره وباطنه. ومن ذلك أن يكون حريصا على تعليم الطلبة، مهتما بذلك، مؤثرا ذلك على حوائجه ومصالحه، ويفهم كل واحد بحسب فهمه، ولا يبسط له الكلام بسطا لا يضبطه حفظه، ولا يقصر به عما يحتمله بلا مشقة، ويخاطب كلا على قدر درجته وفهمه وهمته، فيكتفي للحاذق بالإشارة، ويوضح لغيره بالعبارة، ويكررها لمن لا يفهمها إلا بتكرار، ويبدأ بتصوير المسألة، ثم يوضحها بالأمثلة، ويقتصر على ذلك من غير دليل ولا تعليل، فإن سهل عليه الفهم فيذكر له الدليل والتعليل، والمأخذ منه والمدرك، ويبين أسرار حكم المسألة وعللها
وتوجيه الأقوال، ويبين الفرق بين المسألتين، ومأخذ الحكمين، ويبين ما يتعلق بالمسألة من النكت اللطيفة، والألغاز الظريفة، والأمثال والأشعار واللغات وما يرد عليها، أو على عبارة ممليها، وينبه على غلط من غلط فيها من حكم أو تخريج فيقول مثلا: هذا هو الصواب أو الصحيح، وأما ما ذكره فلان فغلط أو ضعيف، قاصدا بذلك النصيحة لا التنقيص لمصنفه. ومن ذلك أن يذكر لهم قواعد الفن التي لا تنخرم مطلقا، أو غالبا مع مستثنياتها أن لو كانت كقولنا: إذا اجتمع سبب ومباشرة، قدمنا المباشرة على السبب في الضمان، وإن اليمين على المدعى عليه إذا لم تكن بينة إلا في القسامة، وإذا اجتمع قولان: جديد وقديم، فالعمل بالجديد إلا في مسائل معدودة المشهور منه أربع عشرة مسألة، وأوصلها ابن الملقن1 إلى أكثر من ثلاثين ويذكرها أو ما حضره منها، وإن من قبض شيئا لغرضه لا يقبل قوله في الرد إلى المالك، ومن قبضه لغرض المالك قبل قوله في الرد إليه لا إلى غيره2، وإن الحدود تسقط بالشبهة، وإن الاعتبار في اليمين بالله تعالى أو الطلاق أو العتاق أو غيرها بنية الحالف إلا أن يكون المستحلف قاضيا فاستحلفه بالله لدعوى اقتضته فالاعتبار بنية القاضي، أو نائبه المستحلف إن كان الحالف يوافقه في الاعتقاد وإلا فوجهان، وإن كل يمين على نفي فعل الغير فهي على نفي العلم إلا من ادعي عليه أن عبده جنى فيحلف على البت على الأصح، أو بهيمته جنت فيحلف على البت قطعا، وإن السيد لا يثبت له مال في ذمة عبده
ابتداء، وفي ثبوته دواما وجهان، وكل عبادة يخرج منها بفعل منافيها ومبطلها إلا الحج والعمرة، وكل وضوء يجب فيه الترتيب إلا وضوءا تخلله غسل الجنابة1، وإن ما لا يجب التعرض له في العبادة جملة ولا تفصيلا لا يضر الخطأ فيه، وما يجب التعرض له تفصيلا أو جملة يضر الخطأ فيه: الأول: كخطأ الإمام في تعيين تابعه لا يضر. والثاني: كخطئه من الصوم إلى الصلاة، أو من صلاة فرض معين إلى غيره. والثالث: كخطأ المأموم في تعيين الإمام. وإن إشارة الأخرس2 كنطقه إلا في أربع مسائل: الشهادة في الأصح، وإبطال الصلاة، وانعقاد اليمين، وإذا حلف لا يكلم زيدا فأشار إليه، وإن إشارة الناطق القادر على العبارة لغو إلا في أربع مسائل: الأمان، وإشارة الشيخ في رواية الحديث، وقوله: أنت طالق هكذا وأشار بأصابعه، وإذا سُلم على المصلي يرد بالإشارة، نص عليه في القديم3، وأشباه ذلك. وكذلك يبين4 له جملا مما يحتاج إليه وينضبط من أصول الفقه؛ كترتيب الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع والقياس والاستصحاب عند من يقول به، وأنواع الأقيسة ودرجاتها، وحد الأمر والنهي والعموم والخصوص وغيرها، وأحكام ذلك وقواعده، وجملا من5 أسماء المشهورين من الصحابة فمن بعدهم من العلماء والأخيار، وتراجمهم ووفياتهم، وضبط المشكل من أنسابهم وأسمائهم والمشتبه من ذلك، والمختلف والمؤتلف، ونحو ذلك، وجملا من
الألفاظ اللغوية والعرفية المتكررة في الفقه ضبطا لمشكلها، وخفي معانيها فيقول: هي مفتوحة، أو مضمومة، أو مكسورة، مخففة أو مشددة، مهموزة أو لا، عربية أو أعجمية أو معربة، وهي التي أصلها عجمي وتكلمت فيها العرب، مصروفة أم لا، مشتقة أو لا، مشتركة أم لا، مترادفة أم لا1. وأن المهموز والمشدد يخففان أم لا، وأن فيها لغة أخرى أم لا، ويبين ما ينضبط من قواعد التصريف ونحو ذلك، وإذا وقعت مسألة غريبة لطيفة، أو مما يسأل عنه في المعاياة نبه عليها، وعرفهم حالها، ويكون تعليمه إياهم كل ذلك تدريجا شيئا فشيئا، فيجتمع لهم مع طول الزمان جمل كثيرة2، والله أعلم. ومن ذلك أن يحرضهم على الاشتغال في كل وقت، ويطالبهم بإعادة محفوظاتهم، فمن وجده حافظا مراعيا لمحفوظاته ومهماته وقواعده أثنى عليه وأشاع ذلك، ومن وجده مقصرا عنفه وأعاده له ليحفظه حفظا راسخا3. ومن ذلك ينبغي له أن يطرح على أصحابه ما يراه من مستفاد المسائل ويختبر بذلك أفامهم، ودليل ذلك ما رواه الشيخان عن ابن عمر4 -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن من الشجر شجرة ... " 5 الحديث.
ومن ذلك إذا فرغ من شرح درس فلا بأس بطرح1 مسائل تتعلق به على الطلبة، وإعادة ذكر ما أشكل منه؛ ليمتحن بذلك فهمهم وضبطهم لما شرحه لهم. فمن ظهر استحكام فهمه شكره، ومن لم يفهم تلطف في إعادته، والمعنى: أنه ربما استحى من قوله: لم أفهم، وسبب هذا: إما رفع كلفة الإعادة على الشيخ، أو لضيق الوقت، أو حياء من الحاضرين، أو كي لا تتأخر قراءة بعضهم بسببه؛ ولذلك قيل2: لا ينبغي للشيخ أن يقول للطالب: هل فهمت؟ إلا إذا أمن من قوله نعم قبل أن يفهم، وينبغي للشيخ3 أن يأمر الطلبة بالمرافقة في الدروس، وإعادة ما وقع من التقرير بعد فراغه ليثبت في أذهانهم، وإذا فهم الشيخ فائدة من البعض في البحث وإن كانت من صغير فينصفه بها، ويشكره عليها، فإن ذلك من بركة العلم، ولا يظهر الشيخ للطلبة تفضيل4 بعضهم على بعض لا سيما إذا تساووا في الصفات: من سن أو فضيلة، أو تحصيل أو ديانة، فترجيح بعضهم على بعض مما يوغر الصدور، فإذا ظهرت فضيلته يثني عليه في حد ذاته من غير تصريح بأن فلانا أفضل من فلان، فاعلم ذلك. ومن ذلك أن يقدم في التعليم5 الأسبق فالأسبق إذا ازدحموا، ولا يقدمه بأكثر من درس إلا برضى الباقين، ويختار إذا كانت الدروس في كتاب واحد باتفاق منهم وهو المسمى بالتقسيم أن يبدأ في كل يوم بدرس واحد منهم، فإن الدرس الأول ربما حصل فيه من النشاط والتقرير ما لا يحصل في الباقي إلا إذا
علم من نفسه عدم الملالة، وبقاء النشاط، فيرتب الدروس ترتيب الكتاب، وإن رأى مع ذلك تقديم الأسبق ليحضر المتأخر على التقدم كان حسنا، ولا يقدم أحدا في نوبة غيره، ولا يؤخره عن نوبته إلا إذا رأى في ذلك مصلحة، فإن سمع بعضهم لغيره في نوبته فلا بأس، وإن جاءوا معا وتنازعوا أقرع كما سيأتي إن شاء الله في القسم الثالث من النوع الثالث. ومن ذلك إذا سلك الطالب فوق ما يقتضيه حاله، وخاف ضجره أوصاه بالرفق بنفسه، وكذلك إذا ظهر له منه نوع سآمة أو ضجر أمره بالراحة، ولا يشير على الطالب بتعلم ما لا يحتمله فهمه أو سنه، ولا كتاب يقصر عنه ذهنه، فإن استشاره من لا يعرف حاله في قراءة فن مشكل أو كتاب مشكل لم يشر عليه بشيء حتى يجرب ذهنه، ويعلم حاله، فإن لم يحتمل الوقت التأخير أشار عليه بكتاب سهل من الفن المطلوب، فإن رأى فهمه جيدا نقله إلى كتاب يليق بذهنه؛ لأن نقل الطالب الذكي يزداد به فهمه واجتهاده وانبساطه، ونقل الطالب غير الذكي يكل فهمه ونشاطه، ولا يمكن الطالب من الاشتغال في فنين أو أكثر إذا لم يضبطهما، بل يقدم الأهم فالأهم، وإذا غلب على ظنه أنه لا يفتح عليه في ذلك الفن أشار عليه بتركه والانتقال إلى غيره مما يرجى فلاحه فيه، وإذا كان الشيخ متكفلا ببعض العلوم، فلا يقبح للطالب باقي العلوم التي لا يحسنها؛ إذ من عادة معلم اللغة تقبيح الفقه، ومعلم الفقه تقبيح علم الحديث والتفسير، بل يوسع على الطالب طريق التعلم مطلقا. ومن ذلك ألا يتأذى ممن يقرأ عليه إذا قرأ على غيره، قال النووي: وهذه مصيبة يبتلى بها جهلة المعلمين لغباوتهم، وفساد نيتهم وإرادتهم بالتعليم غير وجه الله، وهذا إذا كان المعلم الآخر أهلا، فإن كان فاسقا أو مبتدعا أو كثير الغلط فليحذره من الاغترار به، والله يعلم المفسد من المصلح، والله تعالى أعلم.
القسم الثالث: آدابه في درسه
القسم الثالث: آدابه في درسه ... الفصل الثالث: آدابه في درسه 1: فمنها: إذا عزم على التدريس أن يتطهر من الحدث والخبث، فلا يلقي الدرس إلا على الطهارة، وأن ينظف ويطيب بدنه وثوبه، ويختار له لبس البياض، ولا يعتني بفاخر الثياب، ولا يقتصر على خلق ينتسب صاحبه إلى قلة مروءة، وأن يتطيب ويسرح لحيته، ويزيل كل ما يشينه. كان الإمام مالك -رضي الله عنه- إذا جاءه الناس لطلب الحديث اغتسل وتطيب ولبس ثيابا جددا ووضع رداء على رأسه، ثم يجلس على منصة، ولا يزال يبخر بالعود حتى يفرغ وقال: أحب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم2. ومنها: قال ابن جماعة3: يصلى ركعتي الاستخارة وينوي نشر العلم وتعليمه وبث الفوائد الشرعية، والاجتماع على ذكر الله، وإذا خرج من بيته للدرس فيدعو بما ورد في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيقول: "اللهم إني أعوذ بك أن أَضِل أو أُضَل، أو أَزِل أو أُزَل، أو أَظْلِم أو أُظْلَم، أو أَجْهَل أو يُجْهَل عليَّ، عز جارك، وجل ثناؤك، ولا إله غيرك" 4، ثم يقول: "باسم الله وبالله
حسبي الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، اللهم ثبت جناني، وأدر على الحق لساني"1، ويديم ذكر الله تعالى إلى أن يصل إلى المجلس، فإذا وصل يسلم على مَن حضر، ويصلي ركعتين "إن لم يكن وقت كراهة"2، فإذا كان مسجدا تأكدت الصلاة وإن كان وقت كراهة، ثم يجلس بوقار وسكينة وتواضع وخشوع، والأولى أن يكون مستقبل القبلة3 كيف اتفق لا مقعيا إلا قعاء4 المكروه في الصلاة ولا مستوفزا5، ولا رافعا إحدى رجليه على الأخرى، ولا مادا رجليه أو إحداهما من غير عذر، وأن يصون بدنه عن الزحف والتنقل عن مكانه، ويديه عن العبث والتشبيك بهما، وعينيه عن تفريق النظر بلا حاجة، ويتقي المزاح وكثرة الضحك؛ فإنه يقلل الهيبة ويسقط الحشمة6. ومنها: أن يحسن خلقه مع جلسائه ويوقر فاضلهم بعلم أو سن أو صلاح أو شرف أو نحو ذلك، ويرفعهم في المجلس على حسب تقديمهم في الإمامة ويكرمهم بحسن السلام، وطلاقة الوجه، والبشاشة والابتسام وبالقيام لهم على سبيل الاحترام7، ولشيخ الإسلام محيي الدين في الترخيص في كتاب مستقل8
شفى فيه الغليل، وأتى فيه بواضح الدليل، وأجاب عما يوهم كراهته، نفع الله ببركاته. ومنها: أن يقدم تلاوة القرآن العظيم في البحث والتدريس، ثم إن كان في مدرسة اتبع شرطها، ويدعو عقيب القراءة لنفسه وللحاضرين وسائر المسلمين1 بعد أن يدعو للعلماء الماضين، ومشايخه ووالديه والحاضرين ولواقف المكان، وكان بعضهم يؤخر ذكر نفسه في الدعاء عن الحاضرين تأدبا والكل حسن، وقد عمل قوم بالأول، وقوم بالثاني2. انتهى. ويستحب لهم إذا اجتمعوا للعلم قراءة سورة، وكان الحافظ الشهاب ابن حجر3 يستفتح مجلس إملائه بسورة الأعلى، وسُئل عن الحكمة في قراءتها فقال: تبعت في ذلك شيخنا العراقي4 ومناسبتها: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى} [الأعلى: 6] وقوله: {فَذَكِّرْ} [الأعلى: 9] وقوله: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى} [الأعلى: 18] . ويستحب إذا اجتمع صاحبان أن يقرآ قبل التفرق سورة العصر، ولمن رأى ما يحب أن يقول: الحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، أو يكره: الحمد لله
على كل حال، أو أعجبه شيء: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، ولمن أتاه خبر صالح: اللهم لك الحمد شكرا، ولك المن فضلا، ولمن غضب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ولمن قام من مجلسه: سبحان الله وبحمده، وفي رواية: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، وفي رواية: اللهم تب علي واغفر لي ثلاثا، وفي رواية: سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين1. ومنها: إذا تعددت الدروس2 أن يقدم أشرف العلوم وأهمها، فيقدم التفسير ثم الحديث ثم الفقه، ثم الأصول أصول الدين ثم أصول الفقه ثم المذهب ثم الخلاف أو النحو أو الجدل، وبعضهم أخَّر الجدل عن الخلاف، وكان بعضهم يختم درسه3 برقائق تفيد تطهير الباطن، فإن كان في مدرسة لواقفها في الدروس شرط اتبعه ولا يخل بما هو أهم ما بنيت له تلك البنية ووقفت لأجله. ومنها: ألا يطيل4 مجلسه تطويلا يملهم أو يمنعهم فهم الدرس وضبطه؛ لأن المقصود إفادتهم وضبطهم، فإذا صاروا إلى هذه الحالة فات المقصود، ولا يقصره تقصيرا يخل، فيراعي المصلحة في التطويل والتقصير. ومنها: ألا يدرس5 وبه ما يزعجه ويذهب استحضاره؛ كمرض أو جوع أو عطش6 أو مدافعة حدث أو شدة فرح أو غم أو غضب أو نعاس أو قلق، ولا
في حال برده المؤلم، وحره المزعج، فربما أجاب أو أفتى بغير الصواب، ولأنه لا يتمكن مع ذلك من استيفاء النظر، ولا يكون في مجلسه ما يؤذي الحاضرين؛ بل يكون واسعا مصونا من الحر والبرد والريح والغبار والدخان ونحو ذلك. ومنها: ينبغي مراعاة1 مصلحة الجماعة في تقديم وقت الحضور وتأخيره في النهار، وأفتى بعض أكابر العلماء أن المدرس إذا درس قبل طلوع الشمس أو أخره إلى بعد الظهر لم يستحق معلوم التدريس إلا أن يقتضيه شرط الواقف لمخالفته العرف المعتاد، ولا يرفع صوته زيادة على الحاجة، ولا يخفضه خفضا يمنعهم من كمال الفهم2، روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الله يحب الصوت الخفيض ويبغض الصوت الرفيع"3، قال أبو عثمان محمد4 بن الإمام الشافعي رضي الله عنهما: ما سمعت أبي يناظر أحدا قط فرفع صوته5؛ أي: لم يرفع فوق العادة6، فإن حضر فيهم ثقيل السمع، فلا بأس بعلو صوته بقدر ما يسمعه7. ومنها: أن يصون مجلسه من اللغط، وعن رفع الأصوات، وسوء الأدب في المباحثة واختلاف جهات البحث8، قال الربيع9: كان الشافعي إذا ناظره أحد
في مسألة فغدا إلى غيرها يقول: نفرغ من هذه المسألة ثم نعود إلى ما تريد1، والقصد من البحث ظهور الحق، وحصول الفائدة، واستفادة البعض من البعض لا القيام مع النفوس والجدل والمماراة، فإن ذلك مذموم شرعا، فلا يليق بأهل العلم تعاطي المناقشة بالمنافسة والشحناء؛ لأن ذلك يورث العداوة والبغضاء، بل يجب الاجتماع على الحق، عملا بقول الله تعالى: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [الأنفال: 8] وليزجر من تعدى في بحثه، وظهر منه سوء أدب، أو لدد2، أو ترك إنصاف بعد ظهور الحق، أو أكثر الصياح بغير فائدة، أو أساء أدبه على غيره من الحاضرين أو الغائبين، أو ترفع في المجلس على من هو أولى منه، أو نام، أو تحدث مع غيره، أو ضحك، أو استهزأ بأحد3، وينبغي أن يكون له نقيب فطن كيس درب يرتب الحاضرين ومن يدخل عليه على قدر منازلهم، ويوقظ النائم، وينبه الغافل، ويأمر بسماع الدروس والإنصات لها4. ومنها: أن يلازم5 الإنصاف في بحثه وخطابه، ويسمع السؤال من مورده على وجهه، وإذا عجز السائل عن تقرير ما أورده لحياء ونحوه عبَّر الشيخ عن مراده، وبين وجه إيراده، ثم يجيبه عن ذلك السؤال، ويفهمه إياه على أحسن منوال، وينبغي أن تيودد لغريب حضر عنده لينشرح صدره، فإن للقادم دهشة6.
ومنها: إذا أقبل بعض الفضلاء وقد شرع في مسألة أمسك عنها حتى يجلس وإن جاء في أثناء بحثها أعادها له1. ومنها: إذا سُئل عن شيء لا يعرفه، أو عرض في الدرس ما لا يعرفه فليقل: لا أعرفه، أو لا أتحققه، أو لا أدري2، ولا يستنكف عن ذلك، فمن علم العالم أن يقول فيما لا يعلم: لا أعلم والله أعلم، قال ابن مسعود رضي الله عنه: يأيها الناس، من علم شيئا فليقل به، ومن لا يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن تقول لما لا تعلم: الله أعلم، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86] وقال عمر رضي الله عنه: نهينا عن التكلف، وقال علي رضي الله عنه: إذا سئلتم عما لا تعلمون فاهربوا، قالوا: كيف الهرب؟ قال: تقولون الله أعلم، وقال ابن عباس: إذا ترك العالم لا أدري أُصيبت مقاتله3، وقد نظمه الإمام أبو بكر4 بن دريد فقال "من الطويل":
ومن كان يهوى أن يُرى متصدرا ... ويكره لا أدري أصيبت مقاتله1 وقال ابن عمر -رضي الله عنه- وقد سئل عن شيء: لا أدري، ثم أتبعها فقال: أتريدون أن تجعلوا ظهورنا لكم جسورا في جهنم أن تقولوا: أفتانا بهذا ابن عمر2، وقال ابن عمر أيضا: العلم ثلاثة: كتاب ناطق، وسنة ماضية، ولا أدري3، وقال بعضهم: تعلم لا أدري فإنك إن قلت لا أدري علموك حتى تدري، وإن قلت أدري سألوك حتى لا تدري، قال شيخ الإسلام النووي كغيره: واعلم أن معتقد المحققين أن قول العالم لا أدري لا يضع منزلته بل هو دليل على عظم محله وتقواه وكمال معرفته؛ لأن المتمكن لا يضره عدم معرفته مسائل معدودة بل يستدل بقول لا أدري على تقواه، وأنه لا يجازف في فتواه، وإنما يمتنع من لا أدري من قل علمه وقصرت معرفته وضعف تقواه؛ لأنه يخاف لقصوره أن يسقط من أعين الحاضرين، وهذه جهالة منه؛ فإنه بإقدامه على الجواب فيما لا يعلمه يبوء بالإثم العظيم، وهو مجازف لجهله وقلة دينه، وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: "المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور" 4، وقد أدب الله تعالى العلماء بقصة موسى والخضر -عليهما السلام- حين لم يرد موسى العلم إلى الله تعالى لما سُئل: هل أحد في الأرض أعلم منك؟ 5
ومنها: ما جرت به العادة أن يقول المدرس عند ختم كل درس: والله أعلم1، قال ابن جماعة2: الأولى أن يقال قبل ذلك كلام يشعر بختم الدرس كقوله: وهذا آخره، أو ما بعده يأتي، ونحو ذلك؛ ليكون قوله: والله أعلم خالصا، لذكر الله ولقصد معناه، قال3: ولهذا ينبغي أن يستفتح كل درس بـ"بسم الله الرحمن الرحيم" ليكون ذاكرا لله في بدئه وخاتمته. ومنها4: ينبغي للمدرس أن يمكث قليلا بعد قيام الجماعة؛ لئلا يزدحموا عند خروجهم، ولأنه إن كان في نفس أحد بقايا سؤال تأخر وسأله.
النوع الثالث: آداب يختص بها المتعلم
النوع الثالث: آداب يختص بها المتعلم القسم الأول: آدابه في نفسه ... النوع الثالث: آداب يختص بها المتعلم: وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام: آدابه في نفسه، وآدابه مع شيخه، وآدابه في مجلس درسه. القسم الأول: آدابه في نفسه 1: منها: أن يطهر قلبه من الأدناس ليصلح لقبول العلم وحفظه، ويقصد بتعلمه وجه الله والعمل وإحياء الشريعة، قال صلى الله عليه وسلم: "إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" 2، قالوا: تطييب القلب للعلم كتطييب الأرض للمزارعة، فبذلك ينمو وتظهر بركته، وإلا فلا
ينمو ولا يزكو؛ كالزرع في أرض بور غير مطيبة، وقال سهل بن عبد الله1: حرام على قلب أن يدخله النور وفيه شيء مما يكره الله عز وجل. ومنها: أن يغتنم التحصيل وقت الفراغ والنشاط2 وحال الشباب وقوة البدن ونباهة الخاطر، وقلة الشواغل قبل عوارض البطالة وارتفاع المنزلة، روينا عن عمر رضي الله عنه: تفقهوا قبل أن تُسَوَّدوا -أي: تصيروا سادة- فتستحيوا من التعلم3، قال الشافعي رضي الله عنه: تفقه قبل أن ترأس، فإذا رأست فلا سبيل إلى التفقه4، وجاء في الخبر: مثل الذي يتعلم العلم في صغره كالنقش على الحجر، ومثل الذي يتعلم العلم في كبره كالذي يكتب على الماء5، وقال ابن عباس رضي الله عنه: ما أوتي عالم علما إلا وهو شاب6، وهذا باعتبار الغالب، وإلا فمن كَبِرَ لا ينبغي له أن يحجم عن الطلب، فإن الفضل واسع والكرم وافر، وقد قال الله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 282] وقال تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} [القصص: 14] وقال تعالى: {فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا} [الشعراء: 21] إلى غير ذلك، وقصة القفال7 واشتغاله في كبره بالعلم
مشهورة معلومة مسطورة1، فيا هذا احذر التسويف في شبابك والكسل، وسد على كبرك باب الرجاء والأمل، واغتنم ما بقي من عمرك، وما أحسن قول من قال "من البسيط": بقية العمر عندي ما لها ثمن ... وإن مضى غير محمود من الزمن يستدرك المرء فيها ما أفات ويحـ ... ـيي ما أمات ويمحو السوء بالحسن ومنها: أن2 يقطع ما يقدر عليه من العلائق الشاغلة، والعوائق المانعة عن تمام الطلب وكمال الاجتهاد، ويرضى3 بما تيسر من القوت، وبما ستر مثله من اللباس وإن كان خلقا، فالبصبر على ضيق العيش ينال سعة العلم، وتنفجر ينابيع الحكمة4، قال الشافعي رضي الله عنه: لا يطلب أحد هذا العلم بالملك وعز النفس فيفلح5، وقال أيضا: لا يدرك العلم إلا بالصبر على الذل، وقال أيضا: لا يصلح طلب العلم إلا لمفلس6، ونقل الخطيب البغدادي7 عن بعضهم قال: لا ينال هذا العلم إلا من عطل دكانه، وخرب بستانه، وهجر إخوانه، ومات أقرب أهله فلم يشهد جنازته8، وهذا كله وإن كان فيه مبالغة فالمقصود
به أنه لا بد فيه من جمع القلب واجتماع الفكر1، وقيل: أمر بعض المشايخ طالبا بنحو ما رواه الخطيب فكان آخر ما أمره به أن قال: اصبغ ثوبك كي لا يشغلك فكر غسله2، ومما يقال عن الشافعي -رضي الله عنه- أنه قال: لو كلفت شراء بصلة لما فهمت مسألة3، وقال إمام الحرمين4 رحمه الله "من الطويل": أخي لن تنال العلم إلا بستة ... سأُنبيك عن تفصيلها ببيان5 ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة6 ... وتلقين أستاذ وطول زمان فالعلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك، وقد قيل على رواية وعُزبة: يشتغل بحقوق الزوجة عن إكمال طلب العلم، واحتج بحديث: "خيركم بعد المائتين كل خفيف الحاذ"، قيل: يا رسول الله، ومن خفيف الحاذ؟ قال: "من لا أهل له ولا مال"7، قال سفيان الثوري: من تزوج فقد ركب البحر، فإن وُلد له فقد
كُسر1 به، وعن إبراهيم بن أدهم2: من تعود أفخاذ النساء لم يفلح3، وعن بشر الحافي4: من لم يحتج إلى النساء فليتقِ الله ولا يألف أفخاذهن5، قال النووي6 رحمه الله: وهذا كله موافق لمذهبنا إن لم يحتج إلى النكاح استحب له تركه، وكذا إن احتاج وعجز عن مؤنته، وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد7 -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء" 8، وقال صلى الله عليه وسلم: "الدنيا خضرة حلوة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الله واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت من النساء" 9.
ومنها: أن يتورع في جميع1 شأنه، ويتحرى الحلال في طعامه وشرابه ولباسه ومسكنه؛ ليستنير قلبه ويصلح لقبول العلم، ولا يقنع لنفسه بظاهر الحل شرعا مهما أمكنه التورع، ولم تلجئه حاجة بل يطلب الرتبة العلية، ويقتدي بالسلف2 الصالح في التورع عن كثير مما كانوا يفتون بجوازه، وأحق من اقتُدي به في ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث لم يأكل التمرة التي وجدها في الطريق خشية أن تكون من الصدقة3. وينبغي له أن يستعمل الرُّخَص في مواضعها عند الحاجة إليها ووجود سببها ليُقتدى به، فإن الله تعالى يحب أن تُؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه4. ومنها: أن يترك العشرة5، فإن تركها من أهم ما ينبغي لطالب العلم، ولا سيما لغير الجنس، وخصوصا لمن كثر لعبه وقلت فكرته، فإن الطبع سراق، وآفة العشرة ضياع العمر بغير فائدة، وذهاب العرض والدين والمال، ولا يخالط طالب العلم إلا من يفيده أو يستفيد منه، فإن عاشر من يضيع عمره معه بلا فائدة فليتلطف في قطع عشرته قبل تمكنها، فإن الأمور إذا تمكنت عسرت إزالتها6، ومن الجاري على ألسنة الفقهاء بل هو من القواعد: الدفع أسهل من الرفع7، فإن احتاج إلى المصاحبة فليكن الصاحب صالحا دينا تقيا ورعا ذكيا، كثير الخير قليل الشر، حسن المداراة، قليل المماراة، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه، وإن احتاج واساه، وإن ضجر صبَّره8، ومما ينسب إلى الإمام علي بن أبي طالب "من مجزوء الوافر":
فلا تصحب أخا الجهل ... وإياك وإياه1 فكم من جاهل أردى ... حليما حين واخاه يقاس المرء بالمرء ... إذا ما هو ما شاه وللشيء على الشيء ... مقاييس وأشباه ولبعضهم "من الرجز": إن أخاك الصدق من كان معك ... ومن يضر نفسه لينفعك2 ومن إذا ريب زمان صدعك ... شتت شمل نفسه ليجمعك ومنها: الحِلْم والأناة والصبر جهده مطلقا في كل أحواله، وأن يكون حريصا على التعلم مواظبا عليه في جميع أوقاته: ليلا ونهارا، حضرا وأسفارا، ولا يذهب شيئا من أوقاته في غير العلم إلا بقدر الضرورة؛ لأكل ونوم قدرا لا بد منه، واستراحة يسيرة لإزالة الملل وأداء حق الزوجة3، ومؤانسة الزائر وتحصيل القوت وغيره مما يحتاج إليه، وليس بعاقل من أمكنه درجة ورثة الأنبياء ثم فوتها.
ففي صحيح مسلم عن يحيى بن أبي كثير1: لا يستطاع العلم براحة الجسم2، وفي الحديث: "حفت الجنة بالمكاره" 3. وكما قيل "بيت رجز": ولا بد دون الشهد من إبر النحل4 وكما قيل "من البسيط": لا تحسب المجد تمرا أنت تأكله ... لن تبلغ المجد حتى تعلق الصبرا5 ومنها: أن تكون همته عالية، فلا يرضى باليسير مع إمكان الكثير، ولا يسوف في اشتغاله، ولا يؤخر تحصيل فائدة وإن قلت، وعن الربيع6 قال: لم أرَ الشافعي آكلا بنهار، ولا نائما بليل لاهتمامه بالتصنيف7. ومنها: أن يحذر في ابتداء أمره من الاشتغال في الاختلاف8 بين العلماء
مطلقا في العقليات1 والسمعيات2، فإنه يحير الذهن ويدهش العقل، بل يتقن أولا كتابا واحدا في فن واحد أو كتبا في فنون كما مر إن احتمل عقله ذلك3، ولا ينتقل من كتاب حتى يتقنه4، ويحذر من التنقل من كتاب إلى كتاب قبل إتقانه من غير موجب، فإنه علامة الضجر وعدم الفلاح5، أما من تحققت أهليته وتأكدت معرفته فالأولى له ألا يدع فنا من العلوم المحمودة ولا نوعا من أنواعها إلا وينظر فيه يطلع به على مقاصده وغايته، ثم إن ساعده العمر طلب التبحر فيه، وإلا اشتغل بالأهم فالأهم6، فإن العلوم متقاربة وبعضها مرتبط ببعض، والشخص يعادي ما يجهله، ولبعضهم "من الطويل": تفنن وخذ من كل علم فإنما ... يفوق امرؤ في كل فن له علم فأنت عدو للذي أنت جاهل ... به ولعلم أنت تفقهه سلم
وللخليل1 بن أحمد في أخيه لما تعقب عليه فن الشعر "من الكامل": لو كنت تعلم ما أقول عذرتني ... أو كنت أجهل ما تقول عذلتكا2 لكن جهلت مقالتي فعذلتني ... وعلمت أنك جاهل فعذرتكا الناس أعداء لما جهلوا، قال تعالى: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} [الأحقاف: 11] قال الغزالي3: العمر لا يتسع لجميع العلوم، فالحزم أن يأخذ من كل علم أحسنه، ويصرف همته وجل عمره في العلوم النافعة في الآخرة، وأشرف العلوم وغايتها علم معرفة الله، وهو بحر لا يدرك غوره، وأقصى درجات البشر فيه رتبة الأنبياء، ثم الأولياء، ثم الذين يلونهم. ومنها: ألا يحمل نفسه في الاشتغال ما لا طاقة له به مخافة الملل والسآمة؛ بل يكون أمره قصدا، وهذا باختلاف الناس، وكل إنسان أبصر بنفسه4.
القسم الثاني: آدابه مع شيخه وقدوته وما يجب عليه من تعظيم حرمته
القسم الثاني: آدابه مع شيخه وقدوته وما يجب عليه من تعظيم حرمته ... الفصل الثاني: آدابه مع شيخه وقدوته، وما يحب عليه من تعظيم حرمته 1: فمنها: ينبغي للطالب أن يقدم النظر ويستخير الله فيمن يأخذ العلم منه، ويكتسب حسن الأخلاق والآداب منه، وليكن ممن كملت أهليته، وظهرت ديانته، وتحققت معرفته، وعرفت عفته، واشتهرت صيانته وسيادته، وظهرت مودته وحسن تعليمه، ولا يرغب الطالب فيمن زاد علمه ونقص ورعه أو دينه، فعن السلف: هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم2. قالوا: ولا يأخذ العلم ممن كان أخذه له من بطون الكتب من غير قراءة على شيوخ أو على شيخ حاذق له معرفة تامة ولو بعلم واحد ومشاركة في بعض العلوم خوفا من التصحيف والغلط، وقال الشافعي: من تفقه من بطون الكتب ضيع الأحكام3، وقيل: من تفقه من بطون الكتب بدل الأحكام، ومن طب من بطون الكتب قتل الأنام، وليحذر4 من أن يتقيد الطالب بالمشايخ المشهورين، وترك الأخذ عن الخاملين، فقد عد الغزالي5 ذلك من الكبر على العلم، وجعله عين الحماقة؛ لأن الحكمة ضالة المؤمن يلتقطها حيث6 وجدها، ويغتنمها حيث ظفر بها، ويتقلد المنة ممن ساقها إليه، وربما يكون الخامل له بركة ونفع فيحصل به تمام النفع7. ومنها: أن ينظر معلمه بعين الاحترام، والإجلال والإكرام، ويعتقد فيه كمال
الأهلية فإن ذلك ينفعه1، وكان بعض السلف2 إذا توجه إلى شيخه تصدق بشيء وقال: اللهم استر عيب معلمي عني، ولا تذهب بركة علمه3 مني، وقال الشافعي رضي الله عنه: كنت أصفح الورقة بين يدي مالك -رحمه الله- صفحا رفيقا هيبة له لئلا يسمع وقعها4، وقال الربيع: والله ما أجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إلَيَّ هيبة له5، وقال حمدان بن الأصبهاني6: كنت عند شريك7 فأتاه بعض أولاد الخليفة المهدي فاستند إلى الحائط وسأله عن حديث فلم يلتفت إليه وأقبل علينا، ثم عاد فعاد شريك بمثل ذلك، فقال ابن الخليفة: أتستخف بأولاد الخلفاء؟ قال: لا ولكن العلم أجل عند الله من أن أضيعه8، فجثى على ركبتيه فقال شريك: هكذا يُطلب العلم9، روي أن يحيى بن سعيد10 القطان كان يصلي العصر ثم يستند إلى أصل منارة مسجده، فيقف بين يديه: علي بن المديني11
والشاذكوني1، وعمرو بن2 علي، وأحمد بن حنبل3، ويحيى بن معين4 وغيرهم يسألونه عن الحديث وهم قيام على أرجلهم إلى أن تحين صلاة المغرب لا يقول لواحد منهم اجلس ولا يجلسون هيبة له وإعظاما، قلت: وهذا القيام بين يديه لله لا له، وإنما لما خصه الله من العلم وهيبته ومنحته، فلا يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: "من أراد أن يتمثل الناس له قياما فليتبوأ مقعده من النار" 5؛ لأنه لا يحب ذلك لنفسه؛ وإنما للسر المودع فيه من العلم، ولتهذيب أخلاق الطلبة وصونهم عن التكبر وتخلقهم بالتواضع6، والله أعلم. ومنها: أن يعرف للمعلم7 حقه، ولا ينسى له فضله ويتواضع8 له ويذل
ويعلم أن ذله لشيخه عز، وخضوعه له فخر، وتعظيم حرمته مثوبة، والتشمير في خدمته شرف، قال صلى الله عليه وسلم: "تعلموا العلم، وتعملوا للعلم السكينة والوقار وتواضعوا لمن تعلمون منه"1، وأخذ ابن عباس -رضي الله عنهما- مع جلالته ومزيته بركاب زيد بن ثابت2 -رضي الله عنه- وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا3، ويقال: إن الشافعي -رحمه الله- عوتب على تواضعه للعلماء فقال "من الطويل": أهين لهم نفسي فهم يكرمونها ... ولن تكرم النفس التي لا تهينها4 ومنها: ألا ينكر عليه، ولا يتأمر عليه، ولا يشير عليه بخلاف رأيه فيرى أنه أعلم بالصواب منه "من الطويل": وإن عناء أن تعلم جاهلا ... فيزعم جهلا أنك منك أفهم5 بل ينقاد إليه في أموره كلها، ويلقي إليه زمام أمره، ويذعن لنصحه، ويتحرى رضاه، ولا يختار إلا اختياره، ويأتمر بأمره، ولا يخرج عن رأيه، وليدع رأيه، فخطأ مرشده أنفع له من صوابه في نفسه، وفي قصة موسى والخضر تنبيه على ذلك6، وبالجملة فيكون معه كالمريض مع الطبيب الماهر الناصح، بل هذا أولى لتفاوت ثمرتيهما، والله أعلم.
ومنها: أن يبجله في خطابه في غيبته وحضوره، ولا يخاطبه بتاء الخطاب وكافه، ولا يناديه من بُعْد، بل يقول: يا سيدي1 ويا أستاذي، أو يأيها العالم أو الحافظ، ويخاطبه بصيغة الجمع نحو ما تقولون في كذا، وما رأيكم في كذا، وقلتم رضي الله عنكم، وأجزتم رضي الله عنكم، ولا يسميه في غيبته باسمه إلا مقرونا بما يشعر بالتعظيم كقوله: قال الشيخ أو شيخنا أو سيدنا أو شيخ الإسلام أو حجة الإسلام ونحو ذلك2، فمراعاة حرمته وهديه في غيبته وبعد موته، فلا يغفل عن الدعاء له مدة حياته، ويرد غيبته ويغضب لها، فإن عجز عن ذلك قام وفارق المجلس3 الذي يُغتاب فيه شيخه، ويراعي ذريته وأقاربه بعد موته، ويتعاهد زيارة قبره والاستغفار له والترحم عليه والصدقة عنه، ويسلك مسلكه، ويراعي في الدين عادته، ويقتدي بحركاته وسكناته في عباداته وعاداته، ويتأدب بآدابه4، ويشكر الشيخ إذا نصحه في أمر نقيصة صدرت منه، وعلى فضيلة نبهه عليها وشوهدت منه، ويعد ذلك من نعم الله عليه من الشيخ باعتناء الشيخ به ونظره إليه. ومنها: أن يصبر على هفوة تصدر من شيخه أو جفوة أو سوء خلق، ولا يصده ذلك عن ملازمته وحسن عقيدته واعتقاد كماله، ويتأول أفعاله التي ظاهرها مذموم على أحسن تأويل، فما يعجز عن ذلك إلا قليل التوفيق، ويبدأ هو عند جفوة الشيخ بالاعتذار والتوبة والاستغفار5، وينسب الموجب إليه، ويوقع العتب عليه، فإن ذلك أبقى لمودة شيخه، وأحفظ لقلبه، وأنفع في الدنيا والآخرة6، فمن صبر على ذل التعليم آل أمره إلى عز الدنيا والآخرة، ومن لم
يصبر بقي عمره في غاية الجهالة1، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ذللت طالبا فعززت مطلوبا2، ولبعضهم "من الكامل": فاصبر لدآئك إن أهنت طبيبه ... واصبر لجهلك إن جفوت معلما3 إن المعلم والطبيب كلاهما ... لا ينصحان إذا هما لم يُكْرَما قال الشافعي رضي الله عنه: قيل لسفيان بن عيينة: إن قوما يأتونك من أقطار الأرض تغضب عليهم يوشك أن يذهبوا ويتركوك فقال للقائل: هم حمقاء إذن إن تركوا ما ينفعهم لسوء خلقي4. ومنها: ألا يدخل5 على الشيخ في غير المجلس العام بغير إذنه، سواء كان الشيخ وحده أو معه غيره، فإن استأذن ولم يأذن له انصرف، ولا يكرر الاستئذان، فإن لم يعلم الشيخ يكرر ثلاثا أو ثلاث طرقات للباب، وليكن طرق الباب خفيفا بقدر ما يسمع، وإن أذن وكانوا جماعة تقدم أفضلهم وأسنهم للدخول، ثم يسلم الأفضل فالأفضل. ومنها: أن يجتهد على أن يسبق في الحضور إلى المجلس قبل حضور الشيخ ويحمل نفسه على ذلك وإن انتظره على باب داره ليخرج ويمشي معه إلى المجلس فهو أولى، ولا يتأخر بحيث يجعل الشيخ في انتظاره، فإن فعل ذلك من غير ضرورة عرض نفسه للذم، وإذا دخل6 على الشيخ فليدخل كامل الهيئة
فارغ القلب من الشواغل، منشرح الصدر، صافي الذهن، لا في حال نعاس أو غضب أو جوع أو عطش، متطهرا نظيفا متسوكا مزيلا روائحه الكريهة، ولا يقرأ على الشيخ عند شغل قلبه وملله ونعاسه وجوعه وعطشه واستيفازه وألمه وقائلته ونحو ذلك مما يمنعه من استيفاء الشرح، ومتى1 دخل على الشيخ في غير المجلس العام وعنده من يتحدث معه فسكتوا عن الحديث، أو دخل الشيخ ليصلي أو يقرأ أو يطالع أو يكتب ولم يبدأه بكلام فليسلم ويخرج سريعا إلا أن يأمره الشيخ بالمكث2، فإذا مكث فلا يطيل المكث خشية أن يدخل في عموم من شغل مشغولا بالله أدركه المقت في الوقت، وإذا حضر مكان الشيخ فلم يجده انتظره ولا يفوت على نفسه درسه، وإن كان نائما صبر حتى يستيقظ3، وروي أن ابن عباس -رضي الله عنهما- كان يجلس في طلب العلم على باب زيد بن ثابت وهو نائم فيقال له: ألا نوقظه لك؟ فيقول: لا4، وكذلك كان السلف يفعلون5. ومنها: ألا يطلب6 من الشيخ وقتا يقرأ فيه وهو عليه مشق، أو لم تجر عادته بالإقراء فيه وإن كان رئيسا؛ لما فيه من الترفع والحمق على الشيخ والطلبة، وربما استحى الشيخ منه وأقرأه وعطل غيره بسببه فلا يفلح، فإن أشار الشيخ عليه بوقت خاص فلا بأس7، وأن يجلس بين يديه8 متأدبا بسكون وإطراق رأس وخضوع وتواضع وخشوع وجلوس الافتراش أو التورك، ويحسن هنا الإقعاء المستحب على وجه في الجلوس بين السجدتين في الصلاة، وهو أن يفترش قدميه ويجلس على بطونهما، ويتعاهد تغطية أقدامه وإرخاء ثيابه9.
ولا يستند1 بحضرة الشيخ إلى حائط أو مخدة، ولا يعطي الشيخ جنبه ولا ظهره، ولا يجعل يديه ماسكة وراء ظهره، ولا يضع رجله أو يده أو شيئا من بدنه أو ثيابه على ثياب الشيخ أو وسادته أو سجادته، قال بعضهم: ومن تعظيم الشيخ ألا يجلس إلى جانبه ولا على مصلاه، وإن أمره شيخه بذلك فلا يفعله إلا إذا جزم عليه جزما تشق عليه مخالفته، فيمتثل أمره ثم يعود إلى ما يقتضيه الأدب2، هذا وقد تكلم الناس في أي الأمرين أولى: امتثال الأمر، أو سلوك الأدب3، وكان مذهب أبي بكر وعلي -رضي الله عنهما- الثاني، ومذهب عبد الرحمن4 بن عوف ومعاذ بن جبل -رضي الله عنهما- الأول، وقصصهم مشهورة، قال شيخ الإسلام البدر بن جماعة5: والذي يترجح التفصيل، فكل على قدر مقامه، فأبو بكر وعلي مقامهما المراجعة في الأمر، وعبد الرحمن ومعاذ بن جبل مقامهما امتثال الأمر لا المراجعة، وأيضا صاحب الأدب جبره حاصل، وصاحب امتثال الأمر قد يقصد جبره وإظهار احترامه والاعتناء به. ومنها: أن يلقى السمع وهو شهيد لما يلقيه الشيخ، بحيث لا يُحوِجه إلى إعادة الكلام6، ولا يلتفت عنه يمينا ولا شمالا وفوقا وتحتا وأماما ووراء من غير ضرورة، ولا يضطرب لصيحة يسمعها، ولا يتكلم بيديه إلى وجه الشيخ وصدره ولا يعبث بهما، ولا يضع يده على لحيته أو فمه، أو يعبث بها في أنفه، ولا يشبك أصابعه، ولا يكثر التنحنح من غير حاجة، ولا يبصق ولا يمتخط ولا
ينخع ما أمكنه، إذا كان كذلك فليأخذها بمنديل ونحوه من فمه، ولا يتجشأ ولا يتمطى، ولا يكثر التثاؤب، وإذا تثاءب ستر فاه بعد رده جُهده، وإذا عطس خفض صوته جهده وستر وجهه بمنديل ونحوه، ويكون ساكنا مطمئنا وقورا وقرا، وذلك لا يخفى على من له أدنى أدب طبيعي. ومن تتمات ما نحن فيه: أنه لا يسارر في مجلس شيخه ولو في مسألة، ولا يغمز أحدا، ولا يكثر كلامه بغير ضرورة، ولا يحكي ما يُضحك منه أو ما يتضمن سوء أدب، ولا يتكلم بما لم يسأله شيخه عنه، ولا يسأل شيخه ما لم يستأذنه أولا، ولا يضحك من غير عجب دون الشيخ، فإن غلبه الضحك تبسم بغير صوت، ولا يغتب أحدا في مجلسه، أو ينم له عن أحد، أو يوقع بينه وبين أحد ينقل ما يسوؤه كاستنقاص به وتكلم فيه، أو يقول له: فلان يود أن لو أقرأ عليه كالحاث له في أمره، وتركت ذلك لأجلك، ففاعل ذلك مع كونه ارتكب مكروها أو حراما أو كبيرة مستحق للزجر والإهانة، والطرد والإبانة، وقد جاء عن علي رضي الله عنه: إن من حق العالم ألا تكثر عليه السؤال، ولا تعنته في الجواب، ولا تلح عليه إذا أعرض، ولا تأخذ بثوبه إذا كسل، ولا تشيرن إليه بيدك، ولا تغمزه بعينك ولا تغمز بعينك غيره، ولا تسار في مجلسه، ولا تطلب زلته، وإن زل فاقبل معذرته، وألا تقول: قال فلان خلاف قولك، وأن تحفظه شاهدا وغائبا، وأن تعم القوم بالسلام، وأن تخصه بالتحية، وأن تجلس بين يديه، وعليك أن توقره لله تعالى، وإن كانت له حاجة سبقتَ القوم إلى خدمته، وألا تمل من طول صحبته، وإنما هو كالنخلة تنتظر متى يسقط عليك منها منفعة1. ومنها: أن يحسن خطابه مع الشيخ ما أمكنه2، ولا يقول له: لِمَ؟ ولا
نسلم، ولا من نقل هذا؟ ولا أين موضعه؟ ولا يقل المحظوظ والمنقول غير هذا وشبه ذلك، فإن أراد استفادة أصله أو من نقله، فيراجعه بلطف في مجلس آخر بحسن الأدب ولطف العبارة، وأذا أصر الشيخ على قول أو دليل ولم يظهر له، أو أصر الشيخ على خلاف الصواب سهوا، فلا يغير وجهه أو عينيه أو يشير إلى غيره كالمنكر لما قاله، بل يأخذه ببشر ظاهر وإن لم يكن الشيخ مصيبا لغفلة أو سهو أو قصور نظر في تلك الحال، فإن العصمة في البشر للأنبياء عليهم السلام1، وليحذر من مفاجأة الشيخ2 بصورة رد عليه مثل أن يقول له: أنت قلت فيقول: ما قلت؟ فحاصله إذا فاجأه أو أراد أن يرد عليه فليكن بألطف عبارة ولو في غير ذلك المجلس؛ كأن يقول: هل تلمحتم جوابا عن ذلك الإشكال أو على ذلك التعقب؟ وإذا سبق لسان الشيخ إلى تحريف كلمة ألا يضحك ولا يستهزئ ولا يعيدها كأنه يتنادر بها عليه، ولا يغمز غيره ولا يشير إليه بل ولا يتأمل ما صدر منه ولا يدخله قلبه، ولا يصغى إليه بسمعه، ولا يحكيه لأحد، فإن اللسان سباق والإنسان غير معصوم، وفاعل شيء مما ذكر مع شيخه معرض نفسه للحرمان، والبلاء والخسران، مستحق للزجر والتأديب، والهجر والتأنيب، والله أعلم. ومنها3: ألا يسبق الشيخ إلى شرح مسألة أو جواب سؤال منه أو من غيره، لا سيما إلا إذا كان من غيره وتوقف الشيخ، ولا يساوقه فيه، ولا يظهر معرفة به أو إدراكه له قبل الشيخ، إلا أن يعلم من الشيخ إيثار ذلك منه، أو عرض الشيخ عليه ذلك ابتداء والتمسه منه فلا بأس به حينئذ، ولا يقطع على الشيخ كلامه ولا يسابقه، وإذا سمع الشيخ يذكر حُكْما في مسألة أو فائدة
مستغربة أو يحكي حكاية أو ينشد شعرا وهو يحفظ ذلك أن يصغي إليه إصغاء متسفيد متعطش إليه فرح به كأنه لم يسمعه1 قط، قال عطاء2: إني لأسمع الحديث من الرجل وأنا أعلم به منه فأريه من نفسي أني لا أحسن منه شيئا3، وعنه قال: إن الشاب ليتحدث بحديث فأستمع له كأني لم أسمعه، ولقد سمعته قبل أن يولد4، فإن5 سأله الشيخ عند الشروع في ذلك عن حفظه للحديث أو للمسألة فلا يجيب بلا لما فيه من الكذب، ولا يجيب بنعم لما فيه من الاستغناء عن الشيخ، بل يقول: أحب أن أستفيده، أو عهدي به بعيد، فإن علم من حال الشيخ أنه يسره ألا يراد امتحانا لضبطه وحفظه وتحصيله فلا بأس بذلك6، ولا ينبغي أن يكرر ما يعلمه، ولا استفهام ما يفهمه، فإنه يضيع الزمان، وربما أضجر الشيخ، قال الزهري7: إعادة الحديث أشد من نقل الصخر8 ولا ينبغي أن يقصر في الإصغاء والتفهم، أو يشغل ذهنه بفكر أو حديث ثم يستعيد الشيخ ما قاله؛ لأن ذلك إساءة أدب، بل يكون مصغيا لكلامه حاضر الذهن لما يسمعه من أول مرة، وكان بعض المشايخ لا يعيد لمثل هذا إذا استعاده، ويَزبُره عقوبة له، أما إذا لم يسمع كلام الشيخ لبعده أو لم يفهمه
مع الإصغاء إليه والإقبال عليه، فله أن يسأل الشيخ إعادته أو تفهيمه بعد بيان عذره بسؤال لطيف1. ومنها: ألا يسأل عن شيء2 في غير موضعه، ففاعل ذلك لا يستحق جوابا، إلا أن يعلم من حال الشيخ أنه لا يكره ذلك، ويغتنم سؤاله عند طيب نفسه وفراغه، ويتلطف في سؤاله ليحسن في جوابه، قال صلى الله عليه وسلم: "الاقتصاد في النفقة نصف المعيشة، والتودد إلى الناس نصف العقل، وحسن السؤال نصف العلم"3. ومنها: ألا يستحي4 من السؤال عما أشكل عليه، بل يستوضحه أكمل استيضاح، فمن رق وجهه رق علمه، ومن رق وجهه عند السؤال، ظهر نقصه عند اجتماع الرجال، وقال ابن شهاب: العلم خزائن ومفتاحه المسألة5، وإذا قال له الشيخ: أفهمت؟ فلا يقل نعم قبل أن يتضح له المقصود من المسألة إيضاحا جليا؛ لئلا يكذب ولا يستحي من قوله لم أفهم6؛ لأن استثباته يحصل له مصالح عاجلة وآجلة7، فمن العاجلة: حفظ المسألة وسلامته من الكذب وإظهار فهم ما لم يكن فهمه، واعتقاد الشيخ اعتناءه بالعلم ورغبته وكمال عقله وورعه ونصحه لنفسه، ومن الآجلة ثبوت الصواب في قلبه دائما، وعن الخليل ابن أحمد: منزلة الجهل بين الحياء والأنفة8. ومنها: أن يكون ذهنه حاضرا مع الشيخ9، فإن أمره بشيء بادر إليه ولم يعاوده فيه، وإذا ناوله شيئا تناوله التلميذ باليمين، وإذا تناول هو شيئا تناوله
باليمين، وإذا ناول هو شيخه شيئا ناوله باليمين، وإن كان ورقة كفُتيا أو قصة مثلا نشرها ثم دفعها إليه، ولا يدفعها مطوية إلا إذا علم أو ظن إيثار الشيخ لذلك. وإذا أخذ من الشيخ ورقة بادر إلى أخذها منشورة قبل أن يطويها ويتربها ثم يطويها، وإذا ناول الشيخ كتابا ناوله إياه مهيأ لفتحة من غير احتياج إلى إدارته، وكذا إن كانت مطالعته في موضع معين يهيئه له ولو بالتقريب، ولا يحذف إليه الشيء، ولا يمد يده إلى حاجة إذا كان بعيدا عنها كأن يتكئ لجنبه ليأخذ ذلك الشيء، بل يقوم إليه ولا يزحف زحفا، وإذا وضع بين يديه دواة فليضعها مفتوحة، وإذا ناوله سكينا1 فلا يصوب إليه رأس نصلها ولا نصابها، بل يناوله إياها عرضا؛ لأنه إن ناوله نصلها فقلة أدب من حيث إنه أشار إليه بنصل السكين، وإن ناوله نصابها يخشى على يد المناول من انفتال الحد إلى أصبعه، فالأولى العرض، وليكن الحد في العرض إلى جهته قابضا على طرف النصاب، مما يلي النصل ليأخذ هو بأول النصاب، وإن ناوله سجادة2 ليصلي عليها نشرها أولا، والأدب أن يفرشها عند قصد ذلك، قال ابن جماعة: وإذا فرشها ثنى مؤخر طرفها الأيسر كعادة الصوفية3، فإن كانت مثنية جعل طرفها إلى يسار المصلي، وإن كان فيها صورة محراب تحرى به القبلة إن أمكن4، ولا يجلس بحضرة الشيخ على سجادة، ولا يصلي عليها إذا كان المكان طاهرا5، وإذا قام بادر القوم إلى أخذ السجادة وإلى الأخذ بيده أو عضده إن احتاج6، وإلى تقديم نعله إن لم يشق ذلك على الشيخ، ويقصد بذلك كله
التقرب إلى الله تعالى وإلى قلب الشيخ1، وقيل: أربعة لا يأنف الشريف منهن وأن كان أميرا: قيامه من مجلسه لأبيه، وخدمته للعالم الذي يتعلم منه، والسؤال عما لا يعلم، وخدمته للضيف2. ومنها: أن يقوم بقيام الشيخ ولا يجلس وهو قائم، ولا يضطجع وهو قائم أو قاعد، بل ولا يضطجع بحضرته مطلقا إلا أن يكون وقت نوم ويأذن له، ويقوم له كلما ورد عليه ولو تكرر لزيادة التوقير والإعظام والاحترام، وقد تقدم أن شيخ الإسلام النووي ألف كتابا في مسألة القيام3. ومنها: إذا مشى مع شيخه ليلا فليكن أمامه4، أو نهارا فليكن وراءه إلا أن يقتضي الحال خلاف ذلك لزحمة أو غيرها5، وليتبع في ذلك عادة أهل البلد، فمتى خالف نسب لقلة الأدب، ومما ينسب لشيخ الإسلام البرهان6 بن جماعة ما لفظه: فائدة من عادة الفقراء المشي خلف الشيخ، ومن عادة الفقهاء المشي بين يدي الشيخ، وقد ورد في الحديث أن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا يمشون بين يديه ولا يدع أحدا يمشي خلفه ويقول: "دعوا ظهري للملائكة" 7. قلت: ولهذا ترى الدولة يكون رئيسهم وكبيرهم وراء القوم، وهذا أصله. ومن فعل عكس ذلك من الأكابر فمراده ألا يتشبه بمن هو أكبر منه؛ ولكن
تفوته السنة، ولا يخفى الفرق بين صدر الصحابة ورئيسهم، ولا بين من تأخر عنهم خصوصا في زماننا؛ لأن الصحابة ورئيسهم -صلى الله عليه وسلم- كان كأحدهم لا يتميز من بينهم بزيادة ثوب فاخر ولا فرس مسومة، ولا تقدم القوم عليه بمسافة ليمشي وحده مما يُفعل في زماننا من ذلك من تقدم الفرسان ثم المشاة ثم السعادة، ثم الانفراد، وهذا عين الجبروت، فأصله سنة ولكن انقلب ذلك إلى طريق البدعة، اللهم إلا أن يقصد بذلك رهبة العصاة والطغاة والغادرين فلا بأس وهو أعلم بالنيات، والمطلع على الطويات. ويتعين تقدم التلميذ على الشيخ ليلا ونهارا في المواضع المجهولة1 الحال كالوحل والوجَل والحوض والمواضع الخطرة، ولا يمشي2 إلى جانبه إلا لحاجة أو إشارة منه، ويعرفه بمن يقصده وهو ماشٍ من الأعيان إن لم يعلم به، ويؤثره بجهة الظل في مشيه في الصيف، وفي الشتاء بجهة الشمس، ولا يمشي بين الشيخ3 وبين من يحدثه الشيخ، ويتأخر عنهما أو يتقدم ولا يتسمع، فإن أدخلاه في حديثهما فليدخل من الجانب الآخر عن يمينه أو يساره ليكون الشيخ وسطا، وإذا مشى مع الشيخ اثنان فليكن الأسن عن يمينه، وإذا صادف الشيخ في الطريق بدأه بالسلام، ويقصده إن كان بعيدا ولا يناديه، وإذا رافقه لا يشير ابتداء بالأخذ في طريق حتى يستشيره4، والله أعلم.
القسم الثالث: في آداب درسه وقراءته وما يعتمده مع شيخه ورفقته حينئذ
القسم الثالث: في آداب درسه وقراءته وما يعتمده مع شيخه ورفقته 1 حينئذ: فمنها: أن يبتدئ أولا من وفقه الله تعالى بحفظ كتاب الله العزيز حفظا2 متقنا فهو أصل العلوم وأهمها، وكان السلف لا يُعلِّمون الحديث والفقه إلا لمن حفظ القرآن، وإذا حفظه فليحذر من الاشتغال عنه بغيره من العلوم كالحديث والفقه اشتغالا يؤدي إلى نسيان شيء منه أو تعريضه للنسيان، بل يتعهد دراسته وملازمة ورد منه كل يوم أو أيام أو جمعة دائما أبدا كما تقدم3، وقال ابن جماعة4: ويجتهد بعد حفظه على إتقان تفسيره وسائر علومه5. انتهى. ثم يحفظ في كل فن مختصرا6 يجمع فيه بين طرفيه، ويقدم الأهم فالأهم، ومن أهمها الفقه والنحو والتصريف، ثم الحديث وعلومه والأصول، ثم الباقي على ما تيسر، ثم يشتغل باستشراح محفوظاته على المشايخ7، وليحذر من الاعتماد على الكتب ابتداء، بل يعتمد من الشيوخ في كل فن أكثرهم تحقيقا فيه وتحصيلا منه وأحسنهم8 تعليما، فإن أمكن شرح دروس في كل يوم فعل وإلا اقتصر على الممكن من درسين وثلاثة، وإذا اعتمد شيخا وكان لا يتأذى بقراءة ذلك الفن على غيره فليقرأ على ثان وأكثر ما لم يتأذوا،
فإن تأذى المعتمد عليه اقتصر الطالب عليه وراعى قلبه فهو أقرب إلى انتفاعه، ولا يقرأ في كتب لا يحتملها عقله ولا تصوره، والمطالعة في التصانيف المتفرقة يضيع الزمان ويفرق الذهن، بل يعطي الكتاب الذي يقرأه والفن الذي يأخذه كليته حتى يتقنه1. ومنها: أن يعتني بتصحيح درسه الذي يتحفظه قبل حفظه تصحيحا متقنا2 على شيخه أو على غيره ممن يكون أهلا لذلك، ثم يكرر عليه بعد حفظه تكرارا جيدا، ثم يعين له أوقاتا للمواضي ليرسخ رسوخا تاما، ولا يحفظ ابتداء من الكتب؛ لأنه ربما يقع في التحريف والتصحيف، ويحضر معه الدواة والسكين للتصحيح، ويضبط ذلك لغة وإعرابا، وإذا رد عليه الشيخ لفظه وظن أو علم أن رده خلاف الصواب راجعه برفق لاحتمال سهوه، أو في مجلس آخر لاحتمال أن يكون الصواب مع الشيخ، وهذا لا يفوت على التلميذ بخلاف ما يفوت كأن يكتب الشيخ على رقعة فتوى على خلاف الصواب، وكون السائل غريبا أو بعيد الدار أو مشنعا تعين تنبيه الشيخ في الحال بإشارة أو تصريح، فإن تركه ذلك خيانة للشيخ، فيجب نصحه بلطف، وإذا وقف على مكان في الكتاب المحفوظ منه كتب قبالته بلغ العرض أو التصحيح3، ويبدأ بالدرس الأهم بالأهم من العلوم. ومنها: أن يذاكر بمحفوظاته ويديم الفكر فيها ويعتني بما يحصل فيها من الفوائد، ويقسم أوقات ليله ونهاره4، ويغتنم ما بقي من عمره5، وأجود الأوقات للحفظ الأسحار، وللبحث الإبكار، وللكتابة وسط النهار، وللمطالعة
والمذاكرة الليل1، وقال الخطيب2: أجود أوقات الحفظ الأسحار3، ثم وسط النهار، ثم الغداة، وحفظ الليل أنفع من حفظ النهار، ووقت الجوع أنفع من وقت الشبع4، وأجود أماكن الحفظ الغرف وكل موضع بعيد عن الملهيات، قال: وليس بمحمود الحفظ بحضرة النبات والخضرة والأزهار وقوارع الطرق وضجيج الأصوات؛ لأنها تمنع من خلو القلب5 غالبا. ومنها: أن يبكر بدرسه لخبر: "بورك لأمتي في بكورها" 6، ولخبر: "اغدوا في طلب العلم فإني سألت ربي أن يبارك لأمتي في بكورها، ويجعل ذلك يوم الخميس"7 رواه الطبراني بسند ضعيف8، وفي رواية: "بورك لأمتي في بكورها يوم سبتها وخميسها"9، وجاء في الخبر أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "اطلبوا العلم يوم الإثنين فإنه ييسر لطالبيه"10، وروى بعضهم في يوم الأربعاء خبر: "ما من شيء
بدئ يوم الأربعاء إلا وقد تم"1، ونقل عن أبي حنيفة -رضي الله عنه- أنه كان يوقف بداية الاشتغال على يوم الأربعاء2، ورأيت كثيرا من مشايخنا يتحرون الابتداء يوم الأحد، فينبغي مزيد الاعتناء بهذه الأيام وهذه الأوقات إلا أن تجري عادة الشيخ بغير ما ذكر، فلا يعترض عليه3. ومنها: أن يبكر4 بسماع الحديث ولا يهمل الاشتغال به وبعلومه، والنظر في إسناده ورجاله ومعانيه وأحكامه وفوائده ولغته وتواريخه، ويعتني أولا5 بصحيحي البخاري ومسلم، ثم ببقية الكتب الأعلام الأصول المعتمدة في هذا الشأن كموطأ مالك6 وسنن أبي داود7 والنسائي8 وابن ماجه9 وجامع الترمذي10 ومسند الشافعي11، ويعتني بالدراية عن الرواية12، قال الشافعي رضي الله عنه: من نظر الحديث قويت حجته، ولأن الدراية هي المقصود بنقل الحديث وتبليغه13. ومنها: أن يعتني برواية كتبه التي قرأها أو طالعها لا سيما محفوظاته، فإن الأسانيد أنساب الكتب، وأن يحترص على كلمة يحفظها من شيخه أو شعر
ينشده أو ينشيه أو مؤلَّف يؤلفه ليروى ذلك عنه، ويجتهد على روايات الأمور المهمة كالفقه والفوائد النفسية والمسائل الرقيقة، والفروع الغريبة وحل المشكلات والفروق في الأحكام المتشابهات من جميع الأنواع ويعلق ذلك بالكتابة، قال صلى الله عليه وسلم: "قيدوا العلم"، فقال عبد الله بن عمرو بن العاص: وما تقييده؟ قال: "كتابته"1، وكان رجل من الأنصار يجلس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فيسمع منه الحديث فيعجبه ولا يحفظه، فشكى ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال صلى الله عليه وسلم: "استعن بيمينك" وأومأ بيده2 أي: خط، وعن عمر رضي الله عنه: قيدوا العلم بالكتاب3، وعن معاوية بن قرة4 قال: كان يقال: من لم يكتب علمه لم يعد علمه علما، وروي عن الحسن بن علي5 رضي الله عنهما أنه دعا بنيه وأخيه فقال: إنكم صغار قوم ويوشك أن تكونوا كبار قوم آخرين فتعلموا العلم، فمن لم يستطع منكم أن يحفظه فليكتبه وليضعه في بيته6. وينبغي بل يتعين7 أن تكون همته في طلب العلم عالية، فلا يكتفي بقليل العلم مع إمكان كثيره، ولا يقنع من إرث الأنبياء بيسيره، ولا يؤخر تحصيل فائدة تمكن منها، ولا يشغله الأمل والتسويف عنها، فإن للتأخير آفات، ولأنه
إذا حصَّلها في الزمن الحاضر نفعته في الزمان الآت1، ويغتنم وقت2 الفراغ والنشاط، ويجتهد في الاستنتاج والاستنباط، قبل عوارض البطالة، وموانع الرئاسة والملالة، وليحذر كل الحذر من نظر نفسه بعين الكمال، والاستغناء عن المشايخ؛ فإن ذلك من فعل الجهال3، ويلازم حلقة شيخه في التدريس والإقراء، فإنه لا يزيده التحصيل إلا خيرا، كما قال علي -رضي الله عنه- وقد سلف: ولا تشبع4 من طول صحبته؛ فإنما هو كالنخلة تنتظر متى يسقط عليك منها منفعة، ولا يقتصر5 على سماع درسه فقط فإن ذلك من قصور الهمة، بل يعتني بسائر الدروس شرحا وتعليقا ونقلا إن احتمل ذهنه حتى كأن كل درس منها له. وأما دروس التقسيم فشأنها كدرس واحد، فمن لم يطق ضبطها لا يصلح لدخوله فيها، وإذا حضر6 مجلس الشيخ فيسلم على الحاضرين بصوت يسمعهم ويخص الشيخ بمزيد تحية، وكذا يسلم إذا انصرف، قال ابن جماعة: وعد بعضهم حلق العلم في حال أخذهم العلم من المواضع التي لا يسلم فيها، وهذا عليه العمل لكن محله في شخص واحد مشتغل بحفظ درسه، وإذا سلم7 فلا يتخطى رقاب الحاضرين إلى قرب الشيخ إن لم تكن منزلته، بل
يجلس حيث انتهى به المجلس كما ورد في الحديث1، فإن قدمه الشيخ والحاضرون فليتقدم لانتفاع الحاضرين بمذاكرته مع الشيخ أو لكبر سنه أو لصلاح2. ومنها: أن يحرص على قربه من الشيخ ليفهم منه بلا مشقة بشرط ألا يرتفع على أفضل منه3، ولا يؤثر بقربه من الشيخ إلا من هو أولى منه، ولا يقرب من يتسبب فيه إلى قلة أدب، وإذا سبق التلميذ إلى مكان في مجلس الدرس وألفه كان أحق به، فليس لغيره أن يقيمه منه، ولا يبطل حقه بانقطاعه يوما أو يومين مثلا لضرورة إذا حضر، والكلام فيه كالكلام في محترف إذا ألف مكانا من شارع، والمسألة مشروحة في محلها من كتب الفقه، واعلم أنه إذا كان الشيخ في صدر المكان فأفضل الجماعة أحق بما على يمينه ثم شماله، وقد جرت العادة4 في مجالس التدريس بجلوس المتميزين قبالة وجه المدرس والمبجلين من معيد5 وزائر عن يمينه يساره6، وينبغي أن يتأدب7 مع رفقته
وحاضري مجلس شيخه، فإن تأدبه معهم تأدب مع الشيخ واحترام له، ولا يقيم أحدا من مجلسه ولا يزاحمه ولا يقبل من يؤثره بمجلسه، عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقام الرجل من مجلسه ويجلس فيه آخر، ولكن تفسحوا وتوسعوا1، وكان ابن عمر -رضي الله عنهما- إذا قام له الرجل من مجلسه لم يقعد فيه، ولا يجلس وسط الحلقة ولا قدام أحد بلا ضرورة2، وينبغي أن يكون حراما شديدا؛ لأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعن من جلس وسط الحلقة3. ومنها: ألا يجلس بين أخوين أو أب وابن أو قريبين أو متصاحبين إلا برضاهما معا، قال ابن عمر رضي الله عنهما: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يجلس الرجل بين الرجلين إلا بإذنهما4، وإذا جاء قادم أن يرحبوا له ويوسعوا له ويتفسحوا لأجله ويكرموه بما يكرم به مثله5، ولا يخرج عن بنية الحلقة بتقدم أو تأخر، ولا يتكلم أثناء درس غيره أو درسه بما لا يتعلق به أو يقطع عليه بحثه، ولا يشارك أحد من الجماعة أحدا في حديثه6، قال بعض الحكماء: من الأدب ألا يشارك الرجل في حديثه وإن كان أعلم به منه7، وأنشد الخطيب في هذا المحل8 "من الرجز": ولا تشارك في الحديث أهله
وإن عرفت فرعه وأصله1 ومنها: إذا أساء بعض الطلبة أدبا على غيره لم ينتهزه غير الشيخ إلا بإشارته2، وإن أساء أحد أدبا على الشيخ تعين على الجماعة انتهاره ورده والانتصار للشيخ بقدر الإمكان وفاء لحقه3، وإذا أراد القراءة على الشيخ يراعي نوبته4 تقديما وتأخيرا. روي أن أنصاريا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يسأله، وجاء رجل من ثقيف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أخا ثقيف، إن الأنصاري قد سبقك بالمسألة فاجلس كيما نبدأ بحاجة الأنصاري قبل حاجتك"5 ولا يؤثر بنوبته غيره، فإن الإيثار بالقرب مكروه6، وقال الخطيب: يستحب للسابق أن يقدم على نفسه من كان غريبا للتأكد حرمته7، وكذلك8 إذا كان للمتقدم حاجة ضرورية وعلمها المتقدم يستحب له تقديمه عليه، وتحصيل النوبة بتقديم الحضور، ولا يسقط حقه بذهابه إلى ما يضطر إليه من قضاء حاجة وتجديد وضوء إذا عاد بعده، وإذا تساويا وتنازعا أقرع بينهما، ومعيد المدرسة إذا شرط عليه إقراء أهلها فيها في وقت، فلا يقدم عليهم الغرباء بغير إذنهم، ويكون جلوسه9 بأدب مع شيخه، ويحمل كتابه بنفسه ولا يضعه حال القراءة مفتوحا، بل يحمله بنفسه بيديه، ويقرأ منه بعد الاستعاذة والبسملة والصلاة على النبي -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- ثم يدعو للشيخ10 ولوالديه ومشايخه وللعلماء ولنفسه ولسائر المسلمين، وكذلك يفعل كلما شرع في قراءة
درس أو مطالعة أو مقابلة في حضور الشيخ أو غيبته، ويترحم1 على صاحب الكتاب عند قراءته، وإذا فرغ من الدرس دعا للشيخ أيضا، فإن ترك الطالب الاستفتاح بما ذكرنا جهلا أو نسيانا ذكره الشيخ أو علمه إياه، فإنه من أهم الآداب، وقد ورد الحديث الحسن في ابتداء الأمور المهمة: "باسم الله وبحمده"2. ومنها: أن يذاكر من يرافقه من مواظبي مجلس الشيخ بما وقع فيه من الآداب والفوائد والضوابط والقواعد وغير ذلك، ويعيدوا كلام الشيخ فيما بينهم3، وينبغي الإسراع بها بعد القيام من المجلس قبل تفرق الأذهان وتشتت الخواطر4، قال بعض الحكماء: من أكثر المذاكرة بالعلم لم ينسَ ما علمه5، وقال الشاعر "من الطويل": إذا لم يذاكر ذو العلوم بعلمه ... ولم يستفد علما نسي ما تعلما6 فكم جامع للكتب في كل مذهب ... يزيد مع الأيام في جمعه عمى وأجود الأوقات للمذاكرة الليل كما قال بعضهم7، وكان جماعة يبتدئون من العشاء فربما لم يقوموا حتى يسمعوا أذان الصبح8، فإن لم يجد الطالب من يذاكره ذاكر نفسه بنفسه ليعلق ذلك بخاطره إذا كرره، فإن تكرار المعنى على القلب كتكرار اللفظ على اللسان، فإذا امتثل ذلك وتكاملت أهليته، واشتهرت
فضيلته اشتغل بالتصنيف، والجمع والترصيف، لاكتسابه من النهاية حلة التشريف1. فصل: في التصنيف 2 ينبغي لمن كملت أهليته، وتمت فضيلته أن يعتني بالتصنيف، ويجد في الجمع والتأليف، محققا مسائله، مثبتا نقوله واستنباطه، متحريا إيضاح العبارة وإيجازها، ولا يوضح إيضاحا ينتهي إلى الركة، ولا يوجز إيجازا ينتهي إلى المحق والاستغلاق، ولا يطول تطويلا يؤدي إلى الملالة، ويجتنب الأدلة الضعيفة، والتعليلات الواهية، ويبين المشكلات، ويجيب عن التعقبات ويفك العضلات، ويستوعب معظم أحكام ذلك الفن، ويستعمل القواعد والنوادر، فبذلك يظهر له حقائق العلم ودقائقه ويثبت عنده العلم ويرسخ إن أكثر التفتيش والمطالعة، والتنقيب والمراجعة، والاختلاف من كلام الأئمة ومتفقه وواضحه ومشكله وصحيحه وضعيفه وراجحه، إلى غير ذلك، من سلوك هذه المسالك، فبذلك يتصف المحقق بصفة المجتهدين، ويرتفع عن درجة الجمود والتقليد، وينخرط في سلك الأئمة المحقين، قال الخطيب البغدادي: التصنيف يثبت الحفظ، ويذكي القلب، ويجيد اللسان، ويكسب جميل الذكر، وجزيل الأجر، ولا يشرع في تصنيف ما لم يتأهل له؛ فإن ذلك يضره في دينه وعلمه وعرضه، وليحذر من إخراج تصنيفه من يده إلا بعد تهذيبه وترداد نظره فيه، وينبغي أن يكون اعتناؤه من التصنيف بما لم يسبق إليه أكثر، والمراد أن لا يكون هناك مصنف يغني عن مصنفه في جميع أساليبه، فإن أغنى عن بعضها فليصنف من جنسه ما يزيد زيادات يختلف بها مع ضم ما فاته من الأساليب، وليكن تصنيفه
فيما يعم الانتفاع به ويكثر الاحتياج إليه، وليعتنِ بعلم المذهب فإنه من أعظم الأنواع نفعا، وبه يتسلط المتمكن على المعظم من باقي العلوم، قال صاحب الأحوذي: ولا ينبغي لمصنف يتصدى إلى تصنيف أن يعدل إلى غير صنفين: إما أن يخترع معنى، أو يبتدع وضعا ومبنى، وما سوى هذين الوجهين فهو تسويد للورق والتحلي بحلية السرق، وهذا لا ينافي ما ذكره بعضهم من أن رتب التأليف سبعة: استخراج ما لم يسبق إلى استخراجه، وناقص في الوضع يتمم نقصه، وخطأ يصحح الحكم فيه، ومستغلق بإجحاف الاختصار يشرح أو يتمم بما يوضح استغلاقه، وطويل يبدد الذهن طوله يختصر من غير إغلاق ولا حذف لما يخل حذفه بغرض المصنف الأول، ومتفرق يجمع أشتات تبدده على أسلوب صحيح قريب، ومنثور غير مرتب يرتب ترتيبا يشهد صحيح النظر أنه أولى في تقريب العلم للمتعلمين من الذي تقدم في حسن وضعه وترتيبه وتبويبه، فهذا كالشرح لما ذكره صاحب الأحوذي والله أعلم، قال العلامة الشيخ بدر الدين بن جماعة: ومن الناس من ينكر التصنيف والتأليف في هذا الزمان على من ظهرت أهليته ولا وجه لإنكار إلا التنافس، وإلا فمن تصرف في ورقة ومداده بكتابة ما شاء من أشعار وحكايات مباحة أو غير ذلك لا ينكر عليه، فلم إذا تصرف بتسويد ما ينتفع به من علوم الشريعة ينكر ويستهجن؟ أما من لا يتأهل لذلك فالإنكار عليه متجه. ومما نقل عن فعل الأئمة من آداب التصنيف أنه كان المزني1 إذا فرغ من مسألة من المختصر صلى ركعتين، وكان أبو إسحاق الشيرازي2 شيخ أبي
الوفاء بن عقيل1 لا يخرج إلى فقير إلا إذا أحضر النية، ولا يتكلم في مسألة إلا إذا قدم الاستعانة بالله تعالى، ولا صنف مسالة إلا بعد أن صلى ركعات، وما روي عن الشيخ أبي إسحاق أيضا أنه قال لبعض من يخدمه: جعلت على نفسي أنني كلما صنفت مسألة في المذهب أو المهذب قرأت مائة مرة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثم سألت الله أن يعيد بركتها على تلك المسألة ورغبت إليه في الانتفاع بها، وكان الشيخ أبو إسحاق يصلي ركعتين عند فراغ كل فصل من المهذب2، وكان ابن الأرغياني3 من كبار أئمتنا ما يعلق شيئا من المذهب إلا على طهارة4، وكان الإمام محمد بن إسماعيل البخاري لا يضع حديثا في كتاب الصحيح إلا اغتسل وصلى ركعتين5. وقد جرت عادة أئمتنا بعقد مجلس أو عمل وليمة عند ختم كتاب معتبر يؤلفونه أو يحفظونه، وأصل ذلك أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- تعلم البقرة في بضع عشرة سنة6، وفي رواية: اثنتي عشرة سنة، فلما ختمها نحر جزورا شكرا
لله تعالى1، وقد اتفق ذلك للحبر شيخ الإسلام ضياء الدين عبد الملك إمام الحرمين عند ختم كتابه الحفيل الجليل المسمى بنهاية المطلب2، فإنه عقد مجلسا لتتمته حضره الأئمة والكبار، وختم الكتاب على رأس الإملاء والاستملاء وتبجح الحاضرون، لذلك وضع وليمة لحاضري مجلسه، حكاه جماعة منهم ابن السبكي3 في طبقاته4، ولما فرغ شيخ الإسلام ابن حجر شرحه على البخاري المسمى بفتح الباري5 عمل وليمة حافلة بالمكان الذي بناه المؤيد6 خارج القاهرة بين كوم الريش ومنية الشيرج، ويسمى بالتاج والسبع وجوه في يوم السبت 8 شعبان سنة 842، وكان المصروف في الوليمة على ذلك نحو خمسمائة دينار7، سئل الإمام أبو عبد الله التلمساني8 عن كثرة تصانيف هذه الأمة واشتغالها بالتصنيف فقال: هذا من فوائد تحريم الخمر عليها وهو قول بديع، ومما يلحق بذلك ختم إقراء الكتب أيضا، وهي سنة كثير من العلماء المعتبرين الورعين، وفي ذلك مصالح وحكم لطيفة تنوف عن الحصر والضبط، والله يعلم المفسد من المصلح.
الباب الرابع: في أدب المفتي والفتوى والمستفتي
الباب الرابع: في أدب المفتي والفتوى والمستفتي مدخل ... الباب الرابع: في أدب المفتي، والفتوى، والمستفتي 1: ولنقدم على المقصود مقدمة فنقول: اعلم أن الإفتاء عظيم الخطر، كبير الموقع، كثير الفضل؛ لأن المفتي وارث الأنبياء، وقائم بغرض الكفاية، لكنه معرض للخطأ والخطر؛ ولهذا قالوا: المفتي موقِّع عن الله1، وقد ورد في آدابه والتوقف فيه والتحذير منه من الآيات والأخبار والآثار أشياء كثيرة نورد هنا جملة من عيونها: قال الله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} الآية [النساء: 176] وقال تعالى: {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} الآية [يوسف: 46] وقال في التحذير: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} الآية [النحل: 116] إلى غير ذلك من الآيات. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبضه بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا فسُئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا" 2، وقال صلى الله عليه وسلم: "من أفتى بفتيا من غير ثبت -وفي لفظ: بغير علم- فإنما إثمه على من أفتاه" 3، وقال صلى الله عليه وسلم: "أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار"4، وقال صلى الله عليه وسلم: "أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل قتل نبيا أو قتله نبي ورجل يضل الناس بغير علم أو مصور يصور التماثيل" 5، وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى6 قال: أدركت
عشرين1 ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول، وقال البراء2: لقد رأيت ثلاثمائة من أهل بدر ما فيهم من أحد إلا وهو يحب أن يكفيه صاحبه الفتيا3، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: من أفتى الناس في كل ما يسألونه فهو مجنون4، وعن أبي حصين التابعي5 -رضي الله عنه- قال: إن أحدكم ليفتي في المسألة ولو وردت على عمر بن الخطاب لجمع لها أهل بدر6، وعن محمد بن المنكدر7 أن العالم بين الله وبين خلقه، فلينظر كيف يدخل بينهم، وعن
ربيعة قال: قال ابن خلدة1: يا ربيعة، أراك تفتي الناس، فإذا جاءك الرجل يسألك فلا يكن همك أن تخرجه مما وقع فيه، ولتكن همتك أن تتخلص مما يسألك عنه2. وعن عطاء بن السائب التابعي3: أدركت أقواما ليُسأل أحدهم عن الشيء فيتكلم وإنه ليُرْعَد، وعن عكرمة4 قال: قال ابن عباس رضي الله عنه: انطلق فأفتِ الناس وأنا لك عون، فمن جاءك يسألك عما يعنيه فأفته، ومن سألك عما لا يعنيه فلا تفته؛ فإنك تطرح عن نفسك ثلثي مؤنة الناس، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا سأله عن شيء فقال له: لا تسأل عما لم يكن؛ فإني سمعت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يلعن من سأل عما لم يكن، وعن معاوية قال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الأغلوطات5، وعن ثوبان6 مرفوعا: "سيكون أقوام من أمتي
يتعاطون فقهاؤهم عضل المسائل أولئك شرار أمتي"1، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكره المسائل ويعيبها2، وعن ابن مسعود: عسى رجل أن يقول: إن الله أمر بكذا ونهى عن كذا، فيقول الله له: كذبت3، وعن يحيى بن سعيد قال: كان ابن المسيب4 لا يفتي فتيا إلا قال: اللهم سلمني وسلم مني5، وقال الشافعي: ما رأيت أحدا جمع الله فيه من آلة الفتيا ما جمع في ابن عيينة، وما رأيت أسكت منه على الفتيا6، وعن مالك أنه ربما كان يسأل عن خمسين مسألة فلا يجيب في واحدة منها، وكان يقول: من أجاب في مسألة فينبغي قبل الجواب أن يعرض نفسه على الجنة والنار وكيف خلاصه ثم يجيب7، وسئل عن مسألة فقال: لا أدري، فقيل: مسألة خفيفة سهلة، فغضب وقال: ليس من العلم خفيف، أما سمعت قول الله تعالى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5] فالعلم كله ثقيل8، وسئل الإمام مالك عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنتين وثلاثين منها: لا أدري9، وسئل الإمام أبو حنيفة -رضي الله عنه- عن تسع مسائل فقال فيها: لا أدري! 10 وهي: ما الدهر فيما إذا حلف لا يكلم فلانا الدهر؟ ومحل
أطفال المشركين1، ووقت الختان، وإذا بال الخنثى من الفرجين2، والملائكة أفضل أم الأنبياء؟ ومتى يصير الكلب معلَّما3؟ وسؤر4 الحمار، ومتى يطيب لحم الجلالة؟ 5 وهل يجوز نقش جدار المسجد من غلة الوقف؟ 6 وعنه رضي الله عنه: لولا الفَرَق من الله تعالى أن يضيع العلم ما أفتيت، يكون لهم المهنأ وعليَّ الوزر7، وعن القاسم بن محمد بن أبي بكر8 -رضي الله عنهم- أنه سئل عن شيء فقال: لا أحسنه، فقال السائل: إني جئت إليك لا أعرف غيرك، فقال القاسم: لا تنظر إلى طول لحيتي وكثرة الناس حولي، والله ما أحسنه، فقال شيخ من قريش جالس إلى جنبه: يابن أخي الزمها، فوالله ما رأيتك في مجلس أنبل منك اليوم، فقال القاسم: والله لأن يقطع لساني أحب إلي أن أتكلم بما لا علم لي به9، وعن الحسن بن محمد بن شرفشاه الأستراباذي10 صاحب المقدمة في النحو11 وشروحها الثلاثة التي أشهرها المتوسط12 أنه كان مدرسا
بمدرسة بماردين1 تسمى مدرسة الشهيد، فدخلت عليه يوما امرأة فسألته عن أشياء مشكلة في الحيض فعجز عن الجواب، فقالت له: أنت عذبتك واصلة إلى وسطك، وتعجز عن جواب امرأة؟ فقال لها: يا خالة، لو علمت كل مسألة يسأل عنها لوصلت عذبتي إلى قرن الثور2، وأقوالهم في هذا كثيرة3، وقد أسلفنا منها نبذة في آداب المعلم4، قال الصيمري5 والخطيب6: كل من حرص على الفتيا وسابق إليها وثابر عليها قل توفيقه واضطرب في أموره، وإذا كان كارها لذلك وأحال الأمر فيه على غيره كانت المعونة له من الله تعالى أكثر، والصلاح في جوابه أغلب، واستدلا بقوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح: "لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها" 7.
النوع الأول: في الأمور المعتبرة في كل مفت
النوع الأول: في الأمور المعتبرة في كل مفتٍ مدخل ... النوع الأول: في الأمور المعتبرة في كل مفت، وفي تقسيم المفتين، ما أنفرد به كل واحد من الأحكام1 وفيه فصلان:
الفصل الأول: في الأمور المعتبرة في كل مفت
الفصل الأول: في الأمور المعتبرة في كل مفتٍ: اعلم أن شرط المفتي كونه مسلما مكلفا عدلا ثقة مأمونا متنزها عن أسباب الفسق وخوارم المروءة، فقيه النفس، سليم الذهن، رصين الفكر، صحيح التصرف والاستنباط، قوي الضبط متيقظا، سواء فيه الحر والعبد، والمرأة والأعمى والأخرس إذا كتب أو فهمت إشارته، قال أبو عمرو1: وينبغي أن يكون كالراوي في أنه لا يؤثر فيه قرابة وعداوة، وجر نفع ودفع ضر؛ لأن المفتي في حكم مخبر عن الشرع بما لا اختصاص له بشخص فكان كالراوي لا كالشاهد، وفتواه لا يرتبط بها إلزام بخلاف القاضي2. وذكر صاحب الحاوي3 أن المفتي إذا نابذ في فتواه شخصا معينا صار خصما معاندا، فترد فتواه على من عاداه كما ترد شهادته، واتفقوا على أن الفاسق لا تصح فتواه، ونقل الخطيب فيه الإجماع4، نعم يجب عليه أن يعمل لنفسه باجتهاده، وأما المستور الظاهر العدالة ولم تختبر عدالته باطنا، ففيه وجهان كالوجهين في صحة النكاح بحضور المستورين والأصح الجواز، قال الصيمري5
والخطيب: وتصح فتاوى أهل الأهواء والخوارج ومن لا نكفره ببدعته ولا نفسقه، واستثنى الخطيب الشراة والرافضة الذين يسبون السلف، والقاضي كغيره في جواز الفتيا بلا كراهة على الصحيح، وقيل: تكره في مسائل الأحكام، ونقل عن شريح1 أنه قال: أنا أقضي ولا أفتي2، قالوا: وينبغي أن يكون المفتي ظاهر الورع مشهورا بالديانة الظاهرة، والصيانة الباهرة3. فرع: قال الخطيب: ينبغي للإمام أن يتصفح أحوال المفتين4، فمن صلح أقره، وإلا منعه وأمره ألا يعود، وتواعده بالعقوبة على العود، وطريق الإمام إلى معرفة من يصلح للفتوى أن يسأل علماء وقته، ويعتمد أخبار الموثوق بهم، ثم روى بإسناده عن مالك -رحمه الله- قال: ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك5، وفي رواية: ما أفتيت حتى سألت من هو أعلم مني هل يراني موضعا لذلك؟ 6 وقال أيضا: لا ينبغي لرجل أن يرى نفسه أهلا لشيء حتى يسأل من هو أعلم منه، وما أفتيت حتى سألت ربيعة ويحيى بن سعيد فأمراني بذلك، ولو نهياني انتهيت7.
الفصل الثاني: في تقسيم المفتين
الفصل الثاني: في تقسيم المفتين قال أبو عمرو1: المفتون قسمان: مستقل وغيره. فالمستقل شرطه مع ما ذكرناه أن يكون قيما بمعرفة أدلة الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع والقياس وما التحق بها على التفصيل، وقد فصلت في كتب الفقه فتيسرت ولله الحمد، وأن يكون عالما بما يشترط في الأدلة ووجوه دلالتها وبكيفية اقتباس الأحكام منها، وهذا يستفاد من أصول الفقه، عارفا من علوم القرآن والحديث والناسخ والمنسوخ والنحو والتصريف واللغة، واختلاف العلماء واتفاقهم بالقدر الذي يتمكن معه من الوفاء بشروط الأدلة والاقتباس منها، ذا دربة وارتياض في استعمال ذلك، عالما بالفقه ضابطا لأمهات مسائله وتفاريعه حافظا لها، فمن جمع هذه الأوصاف فهو المفتي المطلق المستقل الذي يتأدى به فرض الكفاية؛ لأنه يستقل بالأدلة بغير تقليد وتقييد بمذهب أحد2، قال ابن الصلاح3: وما شرطنا من حفظه لمسائل الفقه لم يُشترط في شيء من الكتب المشهورة لكونه ليس شرطا لمنصب الاجتهاد؛ لأن الفقه ثمرته وهي تتأخر عنه، وشرط الشيء لا يتأخر عنه، ثم لا يشترط أن يكون جميع الأحكام على ذهنه، بل يكفيه كونه حافظا للمعظم متمكنا من إدراك الباقي على قرب لما مر عن مالك وغيره4.
تنبيه: هل يشترط في المفتي أن يعرف من الحساب ما يصحح به المسائل الحسابية الفقهية؟ فيه خلاف والأصح اشتراطه1. تنبيه آخر: إنما يشترط اجتماع العلوم2 المذكورة فيما مر في مفتٍ مطلق في جميع أبواب الشرع، فأما مفت في باب خاص كالمناسك والفرائض فيكفيه معرفة ذلك الباب، كذا قطع به الغزالي وصاحبه ابن برهان3 وغيرهما، ومنهم من منعه مطلقا، وأجازه ابن الصباغ4 في الفرائض خاصة، والأصح جوازه مطلقا. القسم الثاني: المفتي الذي ليس بمستقل ومن دهر طويل عُدم المفتي المستقل، وصارت الفتوى إلى المنتسبين إلى أئمة المذاهب المتبوعة، والآن قد اقتصروا على الأربعة المذاهب في هذه البلاد، وللمفتي المنتسب أربعة أحوال: الحالة الأولى: ألا يكون مقلدا لإمامه لا في المذهب ولا في دليله لاتصافه بصفة المستقل، وإنما ينسب إليه لسلوكه طريقه في الاجتهاد، وادعى الأستاذ أبو إسحاق هذه الصفة لأصحابنا، فحكي أن أصحاب مالك وأحمد وداود5، وأكثر الحنفية أنهم صاروا إلى مذاهب أئمتهم تقليدا، قال: والصحيح
الذي ذهب إليه المحققون أن أصحابنا إنما صاروا إلى مذهب الشافعي لما وجدوا طرقه في الاجتهاد والقياس أسد الطرق ولم يكن لهم بد من الاجتهاد سلكوا طريقه فطلبوا معرفة الأحكام بطريق الشافعي لا أنهم قلدوه، وذكر أبو علي السنجي1 نحو هذا فقال: اتبعنا الشافعي دون غيره؛ لأنا وجدنا قوله أرجح الأقوال وأعدلها لا أنا قلدناه2، قال شيخ الإسلام النووي3: وهذا الذي ذكراه موافق لما أمرهم به الشافعي ثم المزني في أول مختصره وغيره بقوله مع إعلامهم نهيه عن تقليده وتقليد غيره، قال ابن الصلاح4: ودعوى انتقاء التقليد عنهم مطلقا لا يستقيم ولا يلائم العلوم من حالهم أو حال أكثرهم، وحكى بعض أصحاب الأصول منا أنه لم يوجد بعد عصر الشافعي مجتهد مستقل، ثم فتوى المفتي في هذه الحالة كفتوى المستقل في العمل بها والاعتداد بها في الإجماع والخلاف5. تنبيه: إذا كان رجل مجتهد في مذهب إمام كما ذكر ولم يكن مستقلا بالفتيا عن نفسه، فهل له أن يفتي بقول ذلك الإمام؟ وجهان: أحدهما: نعم، ويكون متبعه مقلدا للميت لا له. والثاني: لا؛ لأنه مقلد له لا الميت، والسائل إنما أراد الاستفتاء على قول الميت. والأول أصح وعليه ما نقل عن القفال في فتاويه أنه قال في مسألة بيع صاع من صبرة مجهولة الصيعان: نص الشافعي على الجواز وعندي لا يجوز، فقيل:
كيف كان يفتي هذه المسألة؟ فقال: على مذهب الشافعي فإن من يسألني إنما يسأل عن مذهب الشافعي لا عن مذهبي1. الحالة الثانية: أن يكون مجتهدا مقيدا في مذهب إمامه2، مستقلا بتقرير أصوله بالدليل، غير أنه لا يتجاوز في أدلته أصول إمامه وقواعده وشرطه، عالما بالفقه وأصوله وأدلة الأحكام تفصيلا، بصيرا بمسالك الأقيسة والمعاني، تام الارتياض في التخريج والاستنباط، قيما بإلحاق ما ليس منصوصا عليه لإمامه بأصوله، ولا يعرى عن شوب تقليد له لإخلاله ببعض أدوات المستقل بأن يخل بالحديث أو العربية، وكثيرا ما أخل بهما المقيد، ثم يتخذ أصول إمامه أصولا يستنبط منها كفعل المستقل بنصوص الشرع، وربما اكتفى في الحكم بدليل إمامه، ولا يبحث عن معارض كفعل المستقل في النصوص، وهذه صفة أصحابنا أصحاب الوجوه، وعليها كان الأئمة من أصحابنا أو أكثرهم، والعامل بفتوى هذه مقلد لإمامه لا له؛ لأن معوله على صحة إضافة ما يقول إلى إمامه لعدم استقلاله بتصحيح نسبته إلى الشارع بلا واسطة إمامه، قال بعضهم: والظاهر اشتراطه معرفته بما يتعلق بذلك من حديث ونحو ولغة3. انتهى. ثم ظاهر كلام الأصحاب4 أن من هذا حاله لا يتأدى به فرض الكفاية، قال ابن الصلاح: ويظهر5 تأدي الفرض به في الفتوى، وإن لم يتأد في إحياء العلوم التي منها استمداد الفتوى؛ لأنه قام فيها مقام إمامه المستقل فهو يؤدي إليه ما كان يتأدى به الفرض حين كان حيا قائما بالفرض منها، وهذا مفرع على الصحيح وهو جواز تقليد الميت، ثم قد يستقل المقيد في مسألة أو باب خاص كما
تقدم، وله أن يفتي بما لا نص فيه لإمامه بما يخرجه على أصوله، هذا هو الصحيح الذي عليه العمل، وإليه منزع المفتين من مدد طويلة، ثم إذا أفتى بتخريجه فالمستفتي مقلد لإمامه لا له، هكذا قطع به إمام الحرمين في كتابه الغياثي1، قال ابن الصلاح2: وينبغي أن يخرج هذا على خلاف، حكاه الشيخ أبو إسحاق وغيره أن ما يخرجه أصحابنا هل يجوز نسبته إلى الشافعي؟ والأصح أنه لا ينسب إليه، ثم تارة يخرج من نص معين لإمامه، وتارة لا يجده فيخرج على أصوله بأن يجد دليلا على شرط ما يحتج به إمامه فيفتي بموجبه، فإن نص إمامه في مسألة على شيء ونص في مسألة تشبهها على خلافه فخرج من أحدهما إلى الآخر سمى قولا مخرجا، وشرط هذا التخريج ألا يجد بين نصيه فرقا، فإن وجده وجب تقريرهما على ظاهرهما، ويختلفون كثيرا في القول بالتخريج في مثل ذلك لاختلافهم في إمكان الفرق، قال شيخ الإسلام النووي: وأكثر ذلك يمكن فيه الفرق وقد ذكروه3. انتهى. وقد بسطت الكلام على القول المخرج في غير هذا الكتاب. الحالة الثالثة: ألا يبلغ رتبة أصحاب4 الوجوه لكنه فقيه النفس، حافظ مذهب إمامه، عارف بأدلته، قائم بتقريرها، ويصور ويحرر ويقرر ويمهد ويزيف ويرجح، لكنه قصر عن أولئك لقصوره عنهم في حفظ المذهب والارتياض في
الاستنباط أو معرفة الأصول ونحوها من أدواتهم، وهذه صفة كثير من المتأخرين إلى أواخر المائة الرابعة المصنفين الذين رتبوا المذهب وحرروه وصنفوا فيه تصانيف فيها معظم اشتغال الناس اليوم ولم يلحقوا الذين قبلهم في التخريج، أما فتاويهم فكانوا يتبسطون فيها تبسط أولئك أو قريبا منه، ويقيسون غير المنقول عليه غير مقتصرين على القياس الجلي، وربما تطرق بعضهم إلى تخريج قول واستنباط وجه أو احتمال، وفتاويهم مقبولة، ومنهم من جمعت فتاويه، ولا تبلغ في التحاقها بالمذهب مبلغ فتاوى أصحاب الوجوه1. الحالة الرابعة: أن يقوم بحفظ المذهب2 ونقله وفهمه في الموضحات والمشكلات ولكن عنده ضعف في تقرير أدلته، وتحرير أقيسته، فهذا يعتمد نقله وفتواه فيما يحكيه من مسطورات مذهبه من نصوص إمامه، وتفريع المجتهدين في مذهبه وتخريجهم، وله فيما لا يجده منقولا إذا وجد في المنقول ما هو في معناه بحيث يدرك بغير كبير فكر وتأمل أنه لا فرق بينهما [جاز] 3 أن يلحقه به ويفتي به، وكذا ما يعلم اندراجه تحت ضابط ممهد في المذهب، وما ليس كذلك يجب إمساكه عن الفتوى فيه، ومثل هذا يقع نادرا في حق المذكور؛ إذ يبعد -كما قال إمام الحرمين- أن تقع مسألة لم ينص عليها في المذهب ولا هي في معنى المنصوص ولا مندرجة تحت شيء من ضوابط المذهب، وشرطه كونه فقيه النفس إذا حفظ وافر الفقه، قال ابن الصلاح4: وينبغي أن يكتفي في حفظ المذهب في هذه الحالة والتي قبلها بكون المعظم على ذهنه، فيتمكن لدربته من الوقوف على الباقي على قرب5. انتهى.
فصل 1: هذه أصناف المفتين وهي خمسة2، وكل صنف منها يشترط فيه حفظ المذهب، وفقه النفس، فمن تصدى للفتيا وليس بهذه الصفة فقد باء بأمر عظيم، ولقد قطع إمام الحرمين وغيره بأن الأصولي الماهر التصرف في الفقه لا يحل له الفتوى لمجرد ذلك، ولو وقعت له واقعة لزمه أن يسأل عنها، ويلتحق به المتصرف النظار البحاث من أئمة الخلاف وفحول المناظرين؛ لأنه ليس أهلا لإدارك حكم الواقعة استقلالا لقصور آلته، ولا من مذهب إمام لعدم حفظه له على الوجه المعتبر. فإن قيل: من حفظ كتابا أو أكثر في المذهب وهو قاصر لم يتصف بصفة أحد ممن سبق ولم يجد العامي في بلده غيره هل له الرجوع إلى قوله؟ فالجواب: إن كان في غير بلده مفتٍ يجد السبيل إليه وجب التوصل إليه بحسب إمكانه، فإن تعذر ذكر مسألته للقاضي، فإن وجدها بعينها في كتاب موثوق بصحته وهو ممن يقبل خبره نقل له حكمها بنصه، وكان العامي فيها مقلدا صاحب المذهب، قال ابن الصلاح3: هذا وجدته في ضمن كلام بعضهم والدليل يعضده، وإن لم يجدها مسطورة بعينها لم يقسها على مسطورة عنده وإن اعتقد أن لا فارق بينهما؛ لأنه قد يتوهم ذلك في غير موضعه. فإن قيل: هل لمقلد أن يفتي بما هو مقلد فيه؟
قلنا: قطع أبو عبد الله الحليمي1 وأبو محمد الجويني2 وأبو المحاسن الروياني3 وغيرهم بتحريمه4، وقال القفال المرزوي: يجوز. قال أبو عمرو ابن الصلاح5: وقول من منعه معناه لا يذكره على صورة من يقوله عند نفسه، بل يضيفه إلى إمامه الذي قلده، فعلى هذا: من عددناه من المفتين المقلدين ليسوا مفتين حقيقة، لكن لما قاموا مقامهم وأدوا عنهم عدوا معهم وسبيلهم أن يقولوا مثلا: مذهب الشافعي كذا ونحو ذلك، ومن ترك منهم الإضافة فهو اكتفاء بالمعلوم من الحال عن التصريح به، ولا بأس بذلك إذن، وذكر الماوردي6 فيما إذا عرف حكم حادثة بنَى على دليلها ثلاثة أوجه: أحدها: يجوز أن يفتي ويجوز تقليده؛ لأنه وصل إلى علمه كوصول العالم. والثاني: يجوز إن كان دليلها كتابا أو سنة، ولا يجوز إن كان غيرهما. والثالث: لا يجوز مطلقا وهو الأصح، والله أعلم.
فصول 1: لا يجوز لمجتهد أن يقلد مجتهدا ليعمل أو يفتي أو يقضي به لتمكنه من الاجتهاد الذي هو أصل التقليد، ولا يجوز العدول عن الأصل الممكن إلى بدله كما في الوضوء والتيمم، وقيل: يجوز له التقليد فيه لعدم علمه به الآن، وقيل: يجوز للقاضي لحاجته إلى فصل الخصومة المطلوب نجازه بخلاف غيره، وقيل: يجوز تقليد من هو أعلم منه، وقيل: يجوز عند ضيق الوقت وخوف الفوت لما يسأل عنه، وقيل: يجوز فيما يخصه دون ما يفتي به غيره. والأصح جواز الاجتهاد للنبي -صلى الله عليه وسلم- ووقوعه؛ لقوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال: 67] {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: 43] عوتب على استبقاء أسرى بدر بالفداء2، وعلى الإذن لمن ظهر نفاقهم في التخلف عن غزوة تبوك3، والعتاب لا يكون فيما صدر عن وحي، فيكون عن اجتهاد، والأصح أن اجتهاده لا يخطئ، وليس العتاب المار في الآيتين لكونه صدر عن خطأ، بل للتنبيه على ترك الأولى إذ ذاك، والأصح أن الاجتهاد جائز في عصره -صلى الله عليه وسلم- وأنه وقع؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- حكَّم سعد بن معاذ4 في بني قريظة فقال: تقتل مقاتلهم وتسبي ذراريهم5، فقال صلى الله عليه وسلم: "لقد حكمت بحكم الله" 6،
والأصح أن لله تعالى في مسائل الاجتهاد حكما معينا قبل الاجتهاد، وأن عليه إمارة، وأن المجتهد مكلف بإصابته، وأن المخطئ لا يأثم بل يؤجر لبذله وسعه في طلبه، قال صلى الله عليه وسلم: "من اجتهد وأصاب فله أجران، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد، فإن قصر أثم" 1، واعلم أن للمصيب في العقليات أجرا واحدا قطعا، وهو من صادف الحق فيها لتعينه في الواقع، والمخطئ فيها آثم إجماعا بل كافر إن نفى الإسلام كله أو بعضه، وللمصيب في نقليات فيها قاطع من نص أو إجماع واحد قطعا، وقيل على الخلاف فيما لا قاطع فيه، والراجح فيه أنه واحد للخبر المار. النوع الثاني: في أحكام المفتي وآدابه:
النوع الثاني: في أحكام المفتي وآدابه
النوع الثاني: في أحكام المفتي وآدابه وفيه مسائل 1: إحداها2: الإفتاء في أصله فرض كفاية، فإذا سئل وليس في الناحية غيره تعين عليه الجواب، وإلا فإن كان فيها غيره وحضر فالجواب في حقهما فرض كفاية، وإن لم يحضر إلا واحد فوجهان: أصحهما لا يتعين لما سبق، والثاني يتعين، وهما كالوجهين في مثله في الشهادة، ولو سأل عامي عما لم يقع لم يجب جوابه. الثانية3: إذا تغير اجتهاده وعلم المقلد من مستفتٍ وغيره برجوعه عمل
بقوله الثاني، فإن لم يكن عمل بالأول لم يجز العمل به، وإن كان عمل قبل رجوعه وجب نقضه إن خالف دليلا قاطعا، فإن كان في محل اجتهاد لم يلزمه نقضه؛ لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد، نعم لو نكح المجتهد امرأة خالعها ثلاثا لرأيه الخلع فسخا مثلا، أو أمسك امرأة رأى أنها لم تطلق منه ثم تغير اجتهاده لزمه مفارقتها احتياطا للإبضاع، وكذا لو فعل المقلد ذلك ثم تغير اجتهاد مقلده على الصحيح، ولو قال مجتهد آخر: أخطأ بك من قلدته فلا أثر لقوله وإن كان أعلم إن كانت مسألة اجتهادية، وإذا كان يفتي على مذهب إمام معين فرجع لكونه بأن له مخالفة نص مذهب إمامه وجب نقضه ولو كان في محل الاجتهاد أيضا؛ لأن نص إمامه في حقه كنص الشارع في حق المجتهد المستقل، أما إذا لم يعلم المستفتي برجوع المفتي فكأنه لم يرجع في حقه، ويلزم المفتي إعلامه برجوعه قبل العمل، وكذا بعده حيث يجب النقض، وإن عمل بفتواه في إتلاف ثم بان أنه أخطأ وخالف القاطع فعن الأستاذ أبي إسحاق كما حكاه ابن الصلاح أنه يضمن إن كان أهلا للفتوى1، وإلا فلا لأن المستفتي قصر، قال شيخ الإسلام النووي: وهو مشكل وينبغي أن يخرج الضمان على قولي الغرور المعروفين في بابي الغضب والنكاح وغيرهما أو يقطع بعدم الضمان؛ إذ ليس في الفتوى إلزام ولا إلجاء. انتهى. الثالثة2: إذا أفتى في حادثة ثم حدثت مثلها، فإن ذكر الفتوى الأولى ودليلها بالنسبة إلى أصل الشرع إن كان مستقلا أو إلى مذهبه إن كان منتسبا أفتى بذلك بلا نظر، وإن ذكرها ولم يذكر دليلها ولا طرأ ما يوجب رجوعه فقيل: له أن يفتي بذلك، والأصح وجوب تجديد النظر، ومثله القاضي إذا حكم بالاجتهاد ثم وقعت المسألة، وكذا تجديد الطلب في التيمم والاجتهاد في
القبلة وفيهما الوجهان، قال القاضي أبو الطيب1 في تعليقه في باب استقبال القبلة: وكذا العامي إذا وقعت له مسألة فسأل عنها، ثم وقعت له فيلزمه السؤال ثانيا، يعني على الأصح قال: إلا أن تكون مسألة يكثر وقوعها، ويشق عليه إعادة السؤال عنها فلا يلزمه ذلك، ويكفيه السؤال الأول للمشقة. الرابعة2: يحرم أن يتساهل في الفتوى كأن يسرع ولا يتثبت قبل استيفاء الفكر والنظر فيها، أو تحمله أغراض فاسدة على تتبع الحيل المحرمة أو المكروهة والتمسك بالشبه طلبا للترخيص لمن يروم نفعه، أو التغليظ على من يروم ضره، فإن تقدمت معرفته بالمسئول عنه فلا بأس بالإسراع، وعلى هذا يحتمل ما نقل عن الماضين من المبادرة أحيانا، أو صح قصده فاحتسب في طلب حيلة لا شبهة فيها ليخلص بها المستفتي من ورطة يمين ونحوها، فذلك حسن وعليه يحمل ما جاء عن بعض السلف من نحو هذا، وكفاه دليلا قوله تعالى لأيوب: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} [ص: 44] لما حلف ليضربن امرأته مائة جلدة3، وقد قال سفيان الثوري: إنما العلم عندنا بالرخصة من ثقة، فأما التشديد فيحسنه كل أحد4، ومن الحيل التي فيها شبهة ويذم فاعلها، الحيلة السريجية5 في مسألة الطلاق، وعن بعض العلماء: لا يعمل بها إلا فاسق، ومن عرف بالتساهل لم يجز أن يُستفتى6.
الخامسة1: ينبغي ألا يفتي في حال يغير خلقه، وشغل قلبه، ويمنعه من التأمل كغضب وجوع وعطش، وحزن وفرح غالب، ونعاس وملالة، ومرض مقلق وحر مزعج، وبرد مؤلم، ومدافعة الأخبثين ونحو ذلك، فإن أفتى في بعض هذه الأحوال معتقدا أنه لم يمنعه من درك الصواب صحت فتواه مع الكراهة لما فيه من المخاطرة، فإنه يعتقد أنه حقق المسألة والأمر بخلافه. السادسة2: الأولى للمتصدي للفتوى أن يتبرع بذلك، ويجوز أن يأخذ عليه رزقا من بيت المال، وإلا أن يتعين عليه وله كفاية فيحرم على الصحيح، ثم إن كان له رزق لم يجز أخذ أجرة أصلا، وإلا فليس له الأخذ من أعيان المستفتين على الأصح كالحاكم3، قال الشيخ أبو القاسم القزويني4 من أصحابنا: له أن يقول: يلزمني أن أفتيك قولا لا بكتابة، فإن استأجره عليها جاز وكره، ثم على هذا فينبغي ألا يأخذ إلا قدر أجرة كتابة ذلك القدر ولو لم يكن فتوى، قال الصيمري والخطيب: لو اتفق أهل البلد على أن يجعلوا له رزقا من أموالهم ليتفرغ لهم جاز5. وأما الهدية فيجوز6 قبولها له بخلاف الحاكم، قال ابن الصلاح: ينبغي أن تحرم إن كانت رشوة على أن يفتيه بما يريد، وعلى الإمام أن يفرض من بيت
المال لمن نصب لتدريس الفقه والفتوى في الأحكام ما يغنيه عن التكسب والاحتراف، روي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه أعطى كل رجل ممن هذه صفته مائة دينار في السنة1. السابعة2: لا يجوز أن يفتي فيما يتعلق بالألفاظ كالأيمان والإقرار والوصايا ونحوها إلا من كان من أهل بلد اللافظ أو خبيرا بمرادهم في العادة فتنبه له فإنه مهم. الثامنة3: لا يجوز لمن كانت فتواه نقلا لمذهب إمام إذا اعتمد الكتب أن يعتمد إلا على كتاب موثوق بصحته، وبأنه مذهب ذلك الإمام، وقد تحصل له الثقة من نسخة سقيمة في بعض المسائل إذا كان الكلام منتظما وهو فطن لا يخفى عليه موضع الإسقاط والتغيير، قال شيخ الإسلام4: لا يجوز لمفت على مذهب الشافعي إذا اعتمد النقل أن يكتفي بمصنف ومصنفين ونحوهما من كتب المتقدمين وأكثر المتأخرين؛ لكثرة الاختلاف بينهم في الجزم والترجيح، وهذا مما لا يتشكك فيه من له أدنى أُنس بالمذهب، بل قد يجزم نحو عشرة من المصنفين بشيء وهو شاذ بالنسبة إلى الراجح في المذهب، ومخالف لما عليه الجمهور. التاسعة: سيأتي قول الشافعي5: إذا صح الحديث فهو مذهبي6، وهذا من قواعده التي انفرد بها، وإذا قلت قولا فأنا راجع عن قولي قائل بذلك
الحديث، وفي لفظ: فاضربوا بقولي الحائط، وهو صريح في أن مذهبه ما دل عليه الحديث لا قول المخالف له، فيجوز الفتيا بالحديث على أنه مذهبه، ولكن ليس لكل فقيه أن يعمل بما يراه حجة من الحديث حتى ينظر هل له معارض أو ناسخ ونحو ذلك أم لا إن كان أهلا للاجتهاد، ويسأل من يعرف ذلك ممن هو أهل، فإن لم يجد أحدا يسأله، ووجد في قلبه حزازة من مخالفة الحديث، فالمختار أنه إن لم يكن أهلا للاجتهاد في المذهب لم يجز له العمل به؛ لاحتمال أن يكون قد خفي عليه هذا، وقد قيل لابن خزيمة1: هل تعرف سُنة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحلال والحرام لم يودعها الشافعي كتابه؟ قال: لا2، والله أعلم. العاشرة3: يجوز للمفتي المنتسب إلى مذهب أن يفتي بمذهب آخر في مسألة إن كان مجتهدا فأداه اجتهاده إلى المذهب الآخر فيها، أما غير المجتهد فلا يجوز أن يفتي بغير مذهب مقلده، إن كان المذهب أوسع وأسهل، وإن كان أحوط فالظاهر الجواز، ثم عليه بيان ذلك في فتواه. الحادية عشرة4: ليس للمفتي والعامل على مذهب الشافعي في مسألة ذات قولين أو وجهين أن يفتي أو يعمل بما شاء منهما من غير نظر، بل عليه في القولين أن يعمل بالمتأخر منهما إن علمه، وإلا فبالذي رجحه الشافعي، وإلا لزمه البحث عن أرجحهما، فإن كان أهلا للترجيح استقل به متعرفا ذلك من
نصوص الشافعي ومآخذه وقواعده، وإلا فلينقله عن الأصحاب الموصوفين بهذه الصفة وإلا توقف، أما الوجهان1 فيعرف أرجحهما بما سبق إلا أنه لا اعتبار بالمتأخر إلا إذا وقعا عن شخص واحد، وإن كان أحدهما منصوصا للشافعي والآخر مخرجا فالمنصوص راجح غالبا، ولو وجد من ليس أهلا للترجيح خلافا في الأرجح اعتمد ما صححه الأكثر والأعلم والأروع، فإن تعارض أعلم وأورع قدم الأعلم، فإن لم يبلغه عن أحد ترجيح اعتبر صفات الناقلين للقولين، والقائلين للوجهين، فما رواه البويطي والمزني والربيع المرادي مقدم عند أصحابنا على ما رواه الربيع الجيزي2 وحرملة3، ويترجح أيضا ما وافق أكثر أئمة المذهب، وكذا ما وافق من القولين مذهب أبي حنيفة على الصحيح إن لم يجد مرجحا بما سبق، ولو تعارض جزم مصنفين فتعارض الوجهين، ولو جزم ثالث مساوٍ لأحدهما بخلافهما رجحناهما عليه، ونَقْلُ العراقيين لنصوص الشافعي وقواعد مذهبه ووجوه المتقدمين أتقن وأثبت من نقل الخراسانيين غالبا، ومما ينبغي أن يرجح به أحد القولين أكون الشافعي ذكره في بابه ومظنته والآخر مستطردا في باب آخر، ووجوه الترجيح كثيرة لا يسع هذا المختصر استيعابها. الثانية عشرة: يكره للمفتي أن يقتصر في جوابه على ذكر الخلاف كقوله: في المسألة قولان، أو وجهان، أو روايتان، أو خلاف، أو يقول يرجع إلى رأي
القاضي ونحو ذلك، فإنه ليس بجواب، ومقصود المستفتي بيان ما يعمل به فينبغي أن يجزم بما هو الراجح، فإن لم يظهر له انتظر ظهوره، أو امتنع من الإفتاء في ذلك كما كان جماعات من كبار أصحابنا يمتنعون من الإفتاء في حنث الناسي1، وقيل: يأخذ بالأحوط. الثالثة عشرة: يجوز له أن يفتي وهناك أفضل منه إذا كملت أهليته، فقد كانت جماعة من الصحابة يفتون على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منهم الخلفاء الأربعة -رضي الله عنهم2- وجماعة من التابعين يفتون على عهد الصحابة، منهم: سعيد بن المسيب3. وقد أخبر شيخنا شيخ الإسلام تقي الدين بن قاضي عجلون4 من أخيه شيخ الإسلام نجم الدين5 أنه جمع أسماء الذين أفتوا في عهد سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قوله "من الطويل": لقد كان يفتي في زماننا نبينا ... مع الخلفاء الراشدين أئمة6
معاذ وعمار وزيد بن ثابت ... أبي ابن مسعود وعوف حذيفة ومنهم أبو موسى وسلمان حبرهم ... كذاك أبو الدرداء وهو تتمة وأفتى بمرآة أبو بكر الرضي ... وصدقه فيها وتلك مزية
النوع الثالث: في آداب الفتوى
النوع الثالث: في آداب الفتوى: وفيه مسائل 1: إحداها2: يلزم المفتي أن يبين الجواب بيانا يزيل الإشكال، ثم له الاقتصار على الجواب شفاها، فإن لم يعرف لسانه كفاه ترجمة ثقة واحد، وله الجواب كتابة وإن كانت على خطر، وكان القاضي أبو حامد3 كثير الهرب من الفتوى في الرقاع4. الثانية5: أن تكون عبارته واضحة يفهمها العامة، ولا يزدريها الخاصة، وليحتزر عن القلاقة والاستهحان، وإعراب غريب أو ضعيف، وذكر غريب لغة، ونحو ذلك. الثالثة6: إذا كان في المسألة تفصيل لا يطلق الجواب فإنه خطأ، ثم له
أن يستفصل السائل إن حضر، ويعيد السؤال في رقعة أخرى إن كان السؤال في رقعة ثم يجيب، وهذا أولى وأسلم، وله أن يقتصر على أحد الأقسام إذا علم أنه الواقع للسائل، ثم يقول هذا إذا كان الأمر كذا، وله أن يذكر الأقسام في جوابه، ويذكر حكم كل قسم، لكن هذا كرهه أبو الحسن القابسي1 من أئمة المالكية وغيره وقالوا: هذا تعليم للناس الفجور، وإذا لم يجد المفتي من يسأله فصل له الأقسام، واجتهد في بيانها. الرابعة2: إذا كان في الرقعة مسائل فالأحسن ترتيب الجواب على ترتيب السؤال، ويجوز ترك الترتيب، ويشبه معنى قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ} الآية [آل عمران: 106] ، وليس أدبا كون السؤال بخط المفتي، ويجوز أن يكون بإملائه، وكان الشيخ أبو إسحاق أحيانا يكتب السؤال على ورق له، ثم يكتب الجواب، وليس له أن يكتب الجواب على ما علمه من صورة الواقعة، فإن أراد خلافه قال: إن كان الأمر كذا فجوابه كذا، وليصبر المفتي على تفهم الجواب للمستفتي، فثوابه على ذلك جزيل، وليكن تأمله للرقعة شافيا3، ويعتني في آخر الكلام أشد فإن السؤال في آخرها، وقد يتقيد جميع الكلام بكلمة في آخرها ويغفل عنها، قال الصيمري: وينبغي أن يكون توقفه في المسألة السهلة كالصعبة ليعتاده، وكان محمد بن الحسن4 يفعله، وإذا وجد فيها كلمة مشتبهة
سأل المستفتي عنها ونقطها وضبطها، وإن وجد لحنا فاحشا أو خطأ يحيل المعنى أصلحه، وإن رأى بياضا في أثناء سطر أو آخره خط عليه أو شغله؛ لأنه ربما قصد المفتي بالإيذاء فيكتب في البياض بعد فتواه ما يفسدها كما يقال: إنه كتب إلى القاضي أبي حامد: ما تقول فيمن مات وخلف بنتا واحدة وابن عم؟ فأجاب: للبنت النصف والباقي لابن العم، فأُلحق بموضع البياض وأبا وغلط في الجواب، ويستحب1 أن يقرأها على حاضريه المتأهلين لذلك ويشاورهم ويباحثهم برفق وإن كانوا تلامذته للاقتداء بالسلف، ورجاء ظهور ما يخفى عليه، إلا أن يكون فيها ما يقبح إبداؤه، أو يريد السائل كتمانه، وليكتب2 الجواب بخط واضح وسط لا دقيق خاف، ولا غليظ جاف، بقلم صحيح غير جاف، واستحب بعضهم ألا تختلف أقلامه خوفا من التزوير ولئلا يشتبه خطه، وإذا كتبه أعاد نظره فيه خوفا من اختلال وقع فيه وإخلال ببعض المسئول عنه، ويختار أن يكون ذلك قبل كتابة اسمه وختم الجواب. الخامسة3: إذا كان هو أول من يجيب على السؤال فجرت العادة قديما وحديثا بأن يكتب في حاشية الناحية اليسرى من الرقعة، ولا يكتب فوق البسملة بحال، ويستحب عند إرادة الإفتاء أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويسمي الله تعالى، ويصلي على محمد -صلى الله عليه وسلم- ويدعو ويقول: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي، يَفْقَهُوا قَوْلِي} [طه: 25-28] ونحو ذلك، وجاء عن مكحول4 ومالك أنهما كانا لا يفتيان حتى يقولا: لا حول ولا
قوة إلا بالله، وعن بعضهم أنه كان بعد الاستعاذة يقول: {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} الآية [البقرة: 32] {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} الآية [الأنبياء: 79] ويصلي ويسلم على محمد وآله وصحبه وسائر النبيين والصالحين، ويدعو: اللهم وفقني وسددني واجمع لي بين الصواب والثواب، وأعذني من الخطأ والحرمان آمين، فإن لم يأتِ بذلك عند كل فتوى فليأتِ به عند أول فتوى يفتيها في يومه مضافا إليه سورة الفاتحة وآية الكرسي وما تيسر، فمن ثابر على ذلك كان موفقا في فتاويه. انتهى. وقال بعضهم: ويستحب أن يكتب في أول فتواه الحمد لله، أو الله الموفق، أو حسبنا الله، أو حسبي الله، أو الجواب وبالله التوفيق، ونحوه وحذفه آخرون. قال الصيمري: لو عمل ذلك فيما طال من المسائل واشتمل على فصول وحذف في غيرها كان حسنا، قال شيخ الإسلام النووي: المختار قول ذلك مطلقا، وأحسنه الابتداء بالحمد لله لحديث: "كل أمر ذي بال ... "1، ويقوله بلسانه ويكتبه ويختم جوابه كما قال الصيمري بقوله: والله أعلم، أو بالله التوفيق، وليكتب بعده: كتبه أو قاله فلان بن فلان الفلاني، فينتسب إلى ما يعرف به من قبيلة أو بلد أو صفة أو غير ذلك ثم إلى مذهبه، فإن كان مشهورا بالاسم فلا بأس بالاقتصار عليه، وإذا تعلقت الفتوى بالسلطان يدعو له بالصلاح أو التوفيق أو التسديد ونحو ذلك، ويكره الدعاء له بطول البقاء كما قاله شيخ الإسلام النووي نقلا عن أبي جعفر النحاس2، قال بعضهم: هي تحية الزنادقة3، وفي
صحيح مسلم في حديث أم حبيبة1 -رضي الله عنها- إشارة إلى أن الأولى ترك نحو هذا الدعاء بطول البقاء وأشباهه2، قال بعضهم: يكتب المفتي بالمداد دون الحبر خوفا من الحك، قال: والمستحب الحبر لا غير، قال شيخ الإسلام النووي: لا يختص واحد منهما بالاستحباب بخلاف كتب العلم، فالمستحب فيها الحبر؛ لأنها تراد للبقاء، والحبر أبقى. السادسة3: ينبغي أن يختصر جوابه غالبا بحيث تفهمه العامة فهما جليا، قال صاحب الحاوي4: يجوز أو لا يجوز، أو حق أو باطل، وحكي عن القاضي أبي حامد أنه كان يختصر غاية ما يمكن، واستفتي في مسألة آخرها يجوز أم لا؟ فكتب لا، وبالله التوفيق5. السابعة6: قال الصيمري والخطيب: إذا سئل عمن قال: أنا أصدق من محمد بن عبد الله، أو الصلاة لعب، وشبه ذلك أي مما يقتضي إراقة دمه فلا يبادر بقوله: هذا حلال الدم، أو عليه القتل، بل يقول: إن ثبت هذا بإقراره أو ببينة استتابه السلطان، فإن تاب قبلت توبته وإلا فعل به كذا وكذا وأشبع القول في ذلك، وإن سئل عن شيء يحتمل الكفر وعدمه قال: يسأل هذا القائل فإن قال: أردت كذا فالجواب كذا، أو كذا فالجواب كذا، وإن سئل عمن قتل أو قلع عينا أو غيرها احتاط وذكر شروط القصاص، وإن سئل عمن فعل ما يقتضي تعزيزا ذكر ما يعزر به فيقول: ضربه السلطان ما بين كذا وكذا ولا يزاد على كذا
انتهى كلامهما، قال ابن الصلاح1: ولو كتب عليه القصاص أو التعزير بشرطه فليس ذلك بإطلاق، بل تقييده بشرطه يحمل الوالي على السؤال عن شرطه والبيان أولى، وهذا يجري في كثير من المسائل المحتاجة إلى شرط، قال الصيمري وابن الصلاح2: وإذا سئل عن ميراث فليست العادة أن يقول: يشترط في الإرث عدم الرق والكفر وغيرهما من موانع الميراث، بل المطلق محمول على ذلك بخلاف ما إذا أطلق الإخوة والأخوات والأعمام وبنيهم فلا بد أن يقول في الجواب من أبوين أو أب أو أم، وإذا سئل3 عن مسألة عول كالمنبرية4 وهي زوجة وأبوان وبنتان فلا يقل: للزوجة الثمن ولا التسع؛ لأنه لم يطلقه أحد من السلف، بل يقول: له الثمن عائلا وهو ثلاثة أسهم من سبعة وعشرين، أولها ثلاثة أسهم من سبعة وعشرين، أو يقول ما قاله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: صار ثمنها تسعا، وإذا كان في المذكورين في رقعة الاستفتاء من لا يرث أفصح بسقوطه قال: وسقط فلان، وإن كان يسقط في حال دون حال قال: وسقط فلان في هذه الحالة أو نحو ذلك لئلا يتوهم أنه لا يرث بحال، وإذا سئل5 عن إخوة وأخوات وبنين وبنات فلا ينبغي أن يقول: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] فإن ذلك قدر يشكل على العامي بل يقول: يقتسمون التركة على كذا وكذا سهما كل ذكر سهمان ولكل أنثى سهم مثلا هكذا قال الصيمري، قال الشيخ أبو إسحاق6: ونحن نجد في تعمد العدول عنه حزازة في النفس لكونه لفظ القرآن العزيز وأنه قل ما يخفى معناه على أحد7، وينبغي
أن يكون في جواب مسائل المناسخات شديد التحرز والتحفظ وليقل فيها: لفلان كذا وكذا بميراثه من أبيه ثم من أمه ثم من أخيه، قال الصيمري: وكان بعضهم يختار أن يقول: لفلان كذا وكذا سهما بميراثه عن أبيه كذا وعن أمه كذا وعن أخيه كذا قال: وكل هذا قريب، قال الصيمري وغيره: وحسن أن يقول: تقسم التركة بعد إخراج ما يجب تقديمه من دين أو وصية إن كانا1. الثامنة2: ينبغي أن يلصق الجواب بآخر الاستفتاء ولا يدع فرجة لئلا يزيد السائل شيئا يفسدها، وإذا كان موضع الجواب ملصقا كتب على موضع الإلصاق، وإذا ضاق موضع الجواب فلا يكتبه في ورقة أخرى، بل في ظهرها أو حاشيتها وهي أولى في أرجح الوجوه، وثالثها سواء والأمر قريب، وإذا ظهر للمفتي3 أن الجواب خلاف غرض المستفتي فليقتصر على مشافهته بالجواب بلا كتابة، وليحذر أن يميل في فتواه مع المستفتي أو خصمه، ووجوه الميل كثيرة لا تخفى، فمنها أن يكتب في جوابه ما هو له، ويترك ما هو عليه، وليس له أن يبدأ في مسائل الدعوى والبينات بوجوه المخالص منها، ولا يعلم أحدهما ما يدفع به حجة صاحبه كي لا يتوصل بذلك إلى إبطال حق، وله أن يسأله عن حاله فيما ادعى عليه، فإذا شرحه له عرفه بما فيه من دافع وغير دافع، قال الصيمري: وينبغي للمفتي4 إذا رأى للسائل طريقا يرشده إليه وينبهه عليه، يعني ما لم يضر غيره ضررا بغير حق، قال كمن حلف لا ينفق على زوجته شهرا يقول: أعطها من صداقها أو قرضا أو بيعا ثم تبرئها منه، وكما حكي أن رجلا قال لأبي حنيفة: حلفت أن أطأ امرأتي في نهار رمضان ولا أكفر ولا أعصي5
فقال: سافر بها1، قال الصيمري: إذا رأى المفتي المصلحة أن يفتي العامي بما فيه تغليظ وتشديد وهو مما لا يعتقد ظاهره وله فيه تأويل جاز ذلك زجرا وتهديدا في مواضع الحاجة حيث لا يترتب عليه مفسدة، كما روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه سأله رجل عن توبة القاتل فقال: لا توبة له2، وسأله رجل آخر فقال: له توبة، ثم قال: أما الأول فرأيت في عينيه إرادة القتل فمنعته، وأما الثاني فجاء مستكينا قد قتل فلم أقنطه، وكذا إن سأله رجل فقال: إن قتلت عبدي هل علي قصاص؟ 3 فواسع أن يقول: إن قتلت عبدك قتلناك؛ لأن القتل له معان4، ولو سئل عن سب الصحابة هل يوجب القتل؟ فواسع أن يقول: روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من سب أصحابي فاقتلوه" 5 ويفعل ذلك زجرا للعامة ومن قل دينه ومروءته6. التاسعة7: يجب على المفتي أن يقدم الأسبق من رقاع الفتوى، كما يفعله القاضي في الخصوم، فإن جاءوا دفعة أو جهل السابق أقرع لم يحصل إيثار ومهايأة، والصحيح تقديم امرأة ومسافر شد رحله ويتضرر بتخلفه عن الرفقة ونحوهما وإذا رأى المفتي خط غيره في فتوى ممن هو من أهلها وإن كان دونه ووافق ما عنده كتب تحت خطه: الجواب صحيح أو جوابي كجوابه ونحو
ذلك، وله أن يذكر الحكم بعبارة أخصر وأرشق، وأما إذا رأى فيها خط من ليس أهلا للفتوى1 فقال الصيمري: لا يفتي معه؛ لأن في ذلك تقريرا لمنكر، بل له أن يضرب عليه وإن لم يأذن صاحب الرقعة2، وله انتهار السائل وزجره وتعريفه قبح ما فعله، ولا يحبس الرقعة عنده، وإن رأى فيها اسم من لا يعرفه سأل عنه، فإن لم يعرفه فله الامتناع، والأولى أن يشار على صاحبها بإبدالها، فإن أبى أجابه شفاها3، قال ابن الصلاح: وإذا خاف4 فتنة من الضرب على فتيا العادم الأهلية ولم تكن خطأ عدل إلى الامتناع من الفتيا معه، فإن غلبت فتاويه على فتاويه لتغلبه بجاه أو تلبيس بحيث صار امتناع المتأهل من الفتيا معه مضرا المستفتين فليفت معه، فإن ذلك أهون الضررين، أما إذا وجد فتيا من هو أهل في مذهبه وهي خطأ فلا يجوز له الامتناع من الإفتاء، وليقطع الرقعة بإذن صاحبها، أو يكتب صواب جوابه عند ذلك، قال صاحب الحاوي: لا يسوغ لمفتٍ إذا استفتى أن يتعرض لجواب غيره برد ولا تخطئة، ويجيب بما عنده من موافقة أو مخالفة5. العاشرة6: إذا لم يفهم المفتي السؤال أصلا، ولم يحضر صاحب الواقعة، فقال الخطيب: ينبغي له أن يرشد المستفتي إلى مفتٍ آخر إن كان، وإلا فيمسك حتى يعلم الجواب، وإذا كان في رقعة الاستفتاء مسائل فهم بعضها دون بعض أجاب عما فهم وسكت عن الباقي، وإذا فهم من السؤال صورة وهو يحتمل
غيرها فلينص عليها في أول جوابه فيقول: إن كان قد قال كذا أو فعل كذا وما أشبه ذلك فالأمر كذا وكذا، وإلا فكذا وكذا، وليس1 بمنكر أن يذكر المفتي في فتواه حجة مختصرة قريبة من آية أو حديث، ومنعه بعضهم2 فرقا بين الفتيا والتصنيف3، وفصَّل الصيمري فقال: لا يذكر الحجة إن أفتى عاميا ويذكرها إن أفتى فقيها4، قال شيخ الإسلام النووي5: وهذا التفصيل أولى فقد يحتاج المفتي إلى أن يشدد ويبالغ فيقول: هذا إجماع المسلمين، أو لا أعلم في هذا خلافا، أو من خالف هذا فقد خالف الواجب وعدل عن الصواب أو الإجماع، أو فقد أثم أو فسق وعلى ولي الأمر أن يأخذ بهذا ولا يهمل الأمر على حسب ما تقتضيه المصلحة ويوجبه الحال. قال ابن الصلاح6: وليس للمفتي إذا استُفتي في شيء من المسائل الكلامية أن يفتي بالتفصيل، بل يمنع مستفتيه وسائر العامة من الخوض في ذلك أو في شيء منه وإن قل، ويأمرهم بأن يقتصروا على الإيمان جملة من غير تفصيل ويقولوا فيها وفي كل ما ورد من آيات الصفات وأخبارها المتشابهة: إن الثابت فيها في نفس الأمر هو اللائق فيها بجلال الله، ونَكِلُ علم تفصيله إلى الله، فهذا ونحوه هو الصواب من أئمة الفتوى، وهو سبيل السلف، وهو أصون وأسلم للعامة، وإذا عزر ولي الأمر من حاد عن هذه الطريقة فقد تأسى7 بعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في تعزير صَبِيغ8
الذي كان يسأل عن المتشابهات على ذلك، والمتكلمون من أصحابنا معترفون بصحة هذه الطريقة وأنها أسلم لمن سلمت له، واستُفتي الغزالي في كلام الله فكان من جوابه1: وأما الخوض في أن كلام الله حرف وصوت أو ليس كذلك فهو بدعة، وكل من يدعو العوام إلى الخوض في ذلك فليس من أئمة الدين، وإنما هو من المضلين، وقال في رسالة له: الصواب للخلق كلهم إلا الشاذ النادر سلوك مسلك السلف في الإيمان المرسل، والتصديق المجمل بكل ما أنزله الله وأخبر به رسوله -صلى الله عليه وسلم- من غير بحث وتفتيش، والاشتغال بالتقوى ففيه شغل شاغل، وإذا سئل فقيه عن مسألة في تفسير القرآن فإن كانت تتعلق بالأحكام أجاب عنها وكتب خطه بذلك، كمن يسأل عن الصلاة الوسطى والقرء ومن بيده عقدة النكاح، وإن كانت ليست من مسائل الأحكام كالسؤال عن "الرقيم"2 والنقير3 والتقطمير4 والغسلين5 رده إلى أهله، ووكله إلى من نصب نفسه له من أهل التفسير، ولو أجابه شفاها لم يستقبح، قال شيخ الإسلام النووي رحمه الله: ولو قيل إنه يحسن كتابته للفقيه العارف لكان حسنا، وأي فرق بينه وبين مسائل الأحكام، والله تعالى أعلم6.
النوع الرابع: آداب المستفتي وصفته وأحكامه
النوع الرابع: آداب المستفتي وصفته وأحكامه وفيه مسائل 1: إحداها: في صفة المستفتي2، كل من لم يبلغ درجة المفتي فيما يسأل عنه من الأحكام الشرعية، فهو مستفتٍ مقلد من يفتيه، والمختار في التقليد أنه قبول قول من يجوز عليه الإصرار على الخطأ بغير حجة على عين ما قبل قوله، ويجب على الاستفتاء إذا نزلت به حادثة، فإن لم يجد ببلده من يستفتيه وجب عليه الرحيل إلى من يفتيه وإن بعدت داره، وقد رحل خلائق من السلف في المسألة الواحدة الليالي والأيام3. والثانية4: يلزم المستفتي أن يستفتي من عرف علمه وعدالته، فإن جهلت فالأصح الاكتفاء بستارته، ولو جهل علم لزمه البحث عنه، ولا يجوز له استفتاء من انتسب للعلم وانتصب للتدريس والإقراء، وإذا وجب البحث فهل يفتقر إلى عدد التواتر أم يكفي عدل أو عدلان احتمالان صحح الغزالي الثاني، والذي قاله الأصحاب أنه يجوز استفتاء من استفاضت أهليته، وإذا اجتمع اثنان فأكثر ممن يجوز استفتاؤهم فله استفتاء من شاء منهم على الصحيح، قال أبو عمرو بن الصلاح: متى اطلع على الأوثق فالأظهر أنه يلزمه تقليده، كما يجب تقديم أرجح الدليلين وأوثق الراويين، فعلى هذا يلزمه تقليد أورع العالمين، وأعلم الورعين، فإن جهل حالهم تخير، والأصح جواز تقليد الميت مطلقا،
لأن المذهب لا تموت بموت أصحابها؛ ولهذا يعتد بها بعدهم في الإجماع والخلاف، ولأن موت الشاهد قبل الحكم لا يمنع الحكم بشهادته بخلاف فسقه. الثالثة1: هل يجوز للعامي أن يتخير ويقلد أي مذهب شاء ليأخذ برخصه وعزائمه؟ قال الشيخ أبو إسحاق: ينظر إن كان منتسبا إلى مذهب معين بُني على أن العامي له مذهب أم لا وجهان، أصحهما عند القفال نعم فلا يجوز مخالفته، والثاني لا لأن المذهب لعارف الأدلة، فيجوز أن يستفتي من شاء من شافعي وحنفي وغيرهما، قال شيخ الإسلام النووي2 وغيره: ليس له أن يتبع أي مذهب شاء بمجرد التشهي والميل إلى ما وجد عليه آباءه، أي ونحوهم كأهل بلده، وليس له التمذهب بمذهب أحد من أئمة الصحابة وغيرهم من الأولين وإن كانوا أعلم وأعلا درجة ممن بعدهم؛ لأنهم لم يتفرغوا لتدوين العلم وضبط أصوله وفروعه لاشتغالهم بجهاد الكفار لإعلاء كلمة الإسلام، فليس لأحد منهم مذهب3 محرر، وإنما قام بذلك من جاء بعدهم من الأئمة الناخلين المهذبين لمذاهب الصحابة والتابعين، والقائمين بتمهيد أحكام الوقائع قبل وقوعها، الناهضين بإيضاح أصولها وفروعها كمالك وأبي حنيفة وغيرهما، ولما كان الشافعي4 قد تأخر عن هؤلاء الأئمة في العصر، ونظر في مذاهبهم ومذاهب من قبلهم نحو نظرهم في مذاهب من قبلهم، فسبرها وخبرها وانتقدها واختار راجحها، ووجد من قبله قد كفاه مؤنة التصوير والتأصيل فتفرع للاختيار والترجيح والتكميل والتنقيح، مع كمال معرفته وبراعته في العلوم وترجحه في
ذلك على من سبقه، ثم لم يوجد بعده من بلغ محله في ذلك، فكان مذهبه أولى المذاهب بالاتباع والتقليد1، وهذا مع ما فيه -رضي الله عنه- من الإنصاف والسلامة من القدح في أحد الأئمة، فمذهبه جلي واضح، إذا تأمله العامي وغيره منصفا قاده إلى اختيار مذهب الشافعي والتمذهب به2. انتهى ما قالوه. وقولهم رحمهم الله: ثم لم يوجد بعده من بلغ محله في ذلك مما لا يمتري فيه ولا يماري فيه المنصف، وهذا ومن قواعده: إذا صح الحديث فهو مذهبي3، وفي رواية: فاضربوا بقولي الحائط4، وفي رواية عنه: إذا رأيتم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الثبت فاضربوا على قولي وارجعوا إلى الحديث وخذوا به فإنه قولي، وليست هذه القاعدة لأحد غيره، أما الحنفية والمالكية فلا يخرجون عن أقوال إمامهم ونُقُول أصحابهم قيد شبر، وأما الحنابلة فإنهم وإن أخذ مجتهد وهم كما ذكروا بأصح الأدلة فهم مقيدون برواية عن إمامهم توافقه، وإلا فلا يعدون ذلك من المذهب، بل اختيار من ذلك المجتهد، وأما الشافعي -رضي الله عنه- فيترك نصه الصريح لصحة الحديث، ويكون ما صح فيه الحديث مذهبه لقاعدته المقررة، وناهيك بها وحدها، ومن أشهر الأئمة بعده الإمام داود الظاهري والإمام أحمد -رضي الله عنهما- وهما من أتباعه وتلامذته بلا شك، وهما لم يصحبا الشافعي في مصر حين اتسع علمه وألف الكتب الجديدة التي هي مذهبه الآن، وإنما أخذا عنه الكتب القديمة، والإمام أحمد هو أحد رواة كتابه القديم المسمى بالحجة5، فهما لم ينظرا إلا في الكتب القديمة مع حسن اعتقادهما
للشافعي، ونحن نجد أكثر الأقوال القديمة موافقة قول الإمام أحمد، هذا وقد قال صلى الله عليه وسلم: "قدموا قريشا"، وفي رواية: "ولا تَقْدُمُوها" 1، والشافعي من أشرف قريش من بني المطلب2، وقال صلى الله عليه وسلم: "أما بنو هاشم وبنو المطلب فشيء واحد" وشبك بين أصابعه3، وسوى صلى الله عليه وسلم بينهما في التقديم في الغنيمة وفي سهم وذي القربى دون غيرهم من بني عمهم مع سؤالهم له، وقال صلى الله عليه وسلم: "الأئمة من قريش" 4 وقال صلى الله عليه وسلم: "الناس تبع لقريش في الخير والشر" 5، وفضل قريش على غيرهم مجمع عليه، وصح حديث: "عالم قريش يملأ الأرض علما" 6، وحديث: "يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها" 7، وفي لفظ آخر: "يبعث الله في رأس كل مائة سنة رجلا من أهل بيتي يبين لهم أمر دينهم" 8، وممن ذكره الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه، وقال عقيبه9: نظرت في سنة مائة فإذا هو رجل من آل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمر بن عبد
العزيز1، ونظرت في رأس المائة الثانية فإذا هو رجل من آل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- محمد بن إدريس الشافعي2، وهذا ثابت عن الإمام أحمد سقى الله عهده3، ومن كلامه: إذا سئلت عن مسألة لا أعلم فيها خبرا قلت فيها بقول الشافعي؛ لأنه عالم قريش4، وذكر الحديث وتأوله عليه، وهو -رضي الله عنه- المتميز في الاستنباط من الكتاب والسنة ومعرفة الناسخ والمنسوخ وغير ذلك من أحكام القرآن وغيره، وأول من صنف في أصول الفقه قطعا، واشتغل في العربية عشرين سنة مع أنه عربي اللسان من أفصح العرب وأبلغها، ويُحتج بقوله كما يحتج بقول امرئ القيس5 والنابغة6 وغيرهما، واجتمع فيه شرف النسب، وشرف المولد، وشرف المنشأ، وشرف المحل7، رضي الله عنه وأرضاه وحشرنا في زمرته آمين.
الرابعة1: حيث دونت المذاهب وقلنا بلزوم التقليد لمن يعتقده أفضل من غيره، أو مساويا له لا مفضولا، فهل للمقلد أن ينتقل من مذهب إلى مذهب إن قلنا بالتخير ينبغي أن يجوز كما لو قلد في القبلة هذا أياما، وهذا أياما، وكذلك لو لم نخيره، بل ألزمناه بالبحث وتغير ظنه، ولو قلد مجتهدا في مسائل وآخر في مسائل أخرى، واستوى المجتهدان عنده أو خيرناه جاز ما لم يؤد إلى تتبع الرخص، ومنع الأصوليون منه مطلقا للمصلحة، أما تتبع الرخص فهو أن يختار من كل مذهب ما هو أهون عليه فهو حرام، وفي فسقه بذلك خلاف. الخامسة2: قال الخطيب البغدادي: إذا لم يكن في الموضع الذي فيه المستفتي إلا مفت واحد فأفتاه لزمه فتواه، وقال السمعاني3: لم يلزمه العمل به إلا بالتزامه، ويجوز أن يقال: يلزمه إذا أخذ في العمل به، وقيل: إذا وقع في نفسه صحته، قال السمعاني: وهذا أولى الأوجه4، قال في الروضة5: من سأل مفتيا ولم تسكن نفسه إلى فتياه هل يلزمه أن يسأل ثانيا وثالثا لسكن نفسه أم له الاقتصار على الأول وهو القياس وجهان6. انتهى.
وإذا استفتي فأجيب ثم حدثت تلك الواقعة مرة أخرى فهل يلزمه تجديد السؤال؟ وجهان: أحدهما: نعم، لاحتمال تغير رأي المفتي. والثاني: لا، قال النووي: وهو الأصح؛ لأنه قد عرف الحكم الأول، والأصل استمرار المفتي عليه. وله أن يستفتي بنفسه، وأن يبعث ثقة يعتمد خبره أو رقعة، وله الاعتماد على خط المفتي إذا أخبره من يثق بقوله إنه خطه، أو كان يعرف خطه، ويكفي ترجمان واحد إذا لم يعرف لغته1، والله أعلم. السادسة2: ينبغي للمستفتي أن يتأدب مع المفتي ويبجله في خطابه وجوابه، وإذا خاطبه لا يومئ بيده إلى وجهه، ولا يقل ما تحفظه في كذا؟ أو ما مذهب إمامك في كذا؟ وإذا أجابه لا يقل هكذا أنا قلت، ولا يقل إن كان جوابك موافقا لمن كتب فاكتب وإلا فلا تكتب، ولا يسأله وهو قائم أو مستوفز أو مشغول بما يمنعه من تمام الفكر، ولا يطالبه بدليل، فإن أحب أن تسكن نفسه بسماع الحجة طلبها في مجلس آخر أو في ذلك المجلس بعد قبول الفتوى مجردة، قال ابن السمعاني3: لا يمنع من طلب الدليل، وإنه يلزم المفتي أن يذكر له الدليل إن كان مقطوعا به، وإلا فلا لافتقاره إلى اجتهاد يقصر فهم العامي عنه، قال شيخ الإسلام النووي: والصواب الأول4، وينبغي أن يبدأ من المفتين بالأسن الأعلم الأولى فالأولى إن أراد جمع الأجوبة في رقعة، فإن أراد إفراد الأجوبة بدأ بمن شاء، وتكون رقعة الاستفتاء واسعة ليتمكن المفتي من استيفاء الجواب5.
السابعة1: ينبغي أن يكون كاتب الرقعة ممن يحسن السؤال مع إبانة الخط واللفظ وصيانتهما عما يتعرض للتصحيف، ويبين موضع السؤال، وينقط مواضع الاشتباه ويضبطها، قال الصيمري: يحرص أن يكون كاتبها من أهل العلم2، وكان بعض الفقهاء3 ممن له رياسة لا يفتي إلا في رقعة كتبها رجل بعينه من أهل العلم ببلده، ولا يدع الدعاء في الرقعة لمن يستفتيه في أولها وآخرها كقوله: ما تقول رحمك الله، أو سددك الله، أو وفقك الله، وإن جمع ضميره للتعظيم فلا بأس، وإن كانوا جماعة يقول: رحمكم الله سددكم الله وفقكم الله رضي الله عنكم، وفي آخرها أفتونا مأجورين أو مثابين، أو ولكم جزيل الأجر والثواب، ونحو ذلك، وإذا لم4 يجد صاحب الواقعة مفتيا ولا من ينقل له حكمها لا في بلده ولا في غيره، فالصحيح أنه غير مكلف فلا يؤاخذ بشيء يصنعه فيها والله أعلم، ومنه نسأل التوفيق والعصمة والهدى والرضوان والرحمة.
الباب الخامس: في شروط المناظرة وآدابها وآفاتها
الباب الخامس: في شروط المناظرة وآدابها وآفاتها مدخل ... الباب الخامس: في شروط المناظرة وآدابها وآفاتها ملخصا من كتاب فاتحة العلوم1 لحجة الإسلام الغزالي، ولنقدم على ذكرهما مقدمة في بيان سبب إقبال الخلق على المناظرة. اعلم2 أن الأعصار قد اختلفت في إقبال الخلق على أنواع العلوم، فالخلافة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تولاها الخلفاء الراشدون، وهم أئمة مستقلون بالفتوى، كانوا لا يستعينون بالفقهاء إلا في وقائع نادرة، وكان الإسلام في زمانهم على طراوتهم3، ولم يكن لهم رغبة في العلم إلا لله تعالى، لا جرم4 كان اشتغالهم بمهمات الدين، ومراقبة القلب وملازمة التقوى، وطلب علم القرآن والحديث للعمل والهداية لا للرياء والرواية5، فأقبلوا على الله بكنه5 همتهم. فلما انقضى عصرهم تولى الخلافة أقوام لا استقلال لهم بعلم الفتوى، واتسعت الولاية فاحتاجوا إلى القضاة والفقهاء المستقلين بالفتاوى والأقضية، وكان قد بقي من علماء التابعين من هو على الطراز الأول في ملازمة صفو الدين من الشوائب، وكانوا إذا طُلبوا هربوا، فاضطر الخلفاء إلى إكرامهم والإلحاح في طلبهم. فرأى أهل تلك الأعصار عز العلماء بذلك فأكبوا على طلب علم الفتاوى توصلا إلى نيل العز والجاه، وكثرت الرغبة في علم المذهب واتسع [بيداء
العلم] 1 وأكب الناس عليه، ثم عرضوا أنفسهم على الولاة وتعرفوا إليهم، وطلبوا الولايات والصلات منهم، فمنهم من حرم، ومنهم من أكرم2. ولم يخل المكرَم3 عن ذل الطلب4، فأصبح المطلوب طالبا، والهارب الراهب راغبا، إلا من وفقه الله تعالى في كل عصر من علماء دينه المعرضين عن السلاطين وولاياتهم وأموالهم، ومن فضل الله تعالى أنه لم يخل عصر منهم. وقد كان أكثر الإقبال في ذلك العصر على علم الفتاوى والأقضية، وهو المسمى الآن بعلم المذهب، ثم نبعت طائفة المتكلمين من المعتزلة5 وغيرهم، وظهر من الصدور والخلفاء من مال إلى البحث عن العقائد وإلى التعصب فيه، وأقبلوا على من اشتغل بذلك العلم، فأكب الناس على الكلام وأكثروا فيه التصانيف، ورتبوا فيه طرق المجادلات والمناقضات، وزعموا أن غرضهم الذب6 عن الدين والنضال عن السنة كما زعم من قبلهم أن غرضهم الاستقلال بالفتوى ليتميز الحلال من الحرام. ثم ظهر بعد ذلك من الصدورمن لم يستصوب7 الخوض في أصول العقائد لما فيه من الفتنة فأعرض عن المتكلمين، وأقبل على التعصب للمذاهب في الفروع، وأقبل على من يناظر في الفقه وبيان الأولى من مذهب أبي حنيفة
والشافعي -رضي الله عنهما- خاصة، فترك الناس الكلام وانثالوا1 على المسائل الخلافية بين أبي حنيفة والشافعي خاصة. وزعموا أنهم إنما يفعلون ذلك لله تعالى، وغرضهم استنباط دقائق الشرع وبيان مآخذ الأحكام، وأكثروا فيه التصانيف ورتبوا طرق المجادلات، وأعرضوا عن الخلاف مع مالك وأحمد بن حنبل وسفيان مع أنهم كانوا يخالفون في جملة من الأحاديث، والبحث عن معاني الأحاديث وما لا يصح منها وما يصح أهم في مآخذ الأحكام، ولكن كانت رغبتهم بحسب ميل [الولاة و] 2 الصدور للتوسل إلى الصلات والولايات3، فلم يشتغلوا إلا بما يروج4 عندهم، ثم لم يسكتوا عن قولهم إنه لا باعث لهم إلا الدين وإحياء الشرع، ولو مالت نفوس أرباب الولايات إلى الخلاف مع أحمد بن حنبل ومع مالك وغيرهم لاشتغلوا بالبحث عن مذاهبهم ومناقضاتهم. قال: فهكذا كان ترتيب الأعصار إلى الآن، ولا ندري ما قدره الله تعالى فيما بعد من الأعصار، فهذا هو الباعث على الإكباب على الخلافيات والمناظرة لا غير5. انتهى. هذا ما كان في زمن الغزالي، وأما في عصرنا هذا فقد قصرت الهمم، وراج الجهل وذووه، فلا إكباب لمن ينتسب للعلم على شيء مما تقدم، ولكن ربما وقع بينهم مناظرات ومناقضات لائقة بحالهم، ونحن إنما اتبعنا
الإمام الغزالي في ذكر أمرها تنبيها على شروطها وآفاتها لاحتمال وقوعها فليعلم. قال الغزالي1 بعد ذكره الباعث على الإكباب على الخلاف والمناظرة المذكورة: فقل ما ترى رجلا يتعلم الخلاف خوفا من أن يقال له يوم القيامة: لم تتعلم الخلاف؟ وما من أحد إلا ويخاف أن يقال له يوم القيامة: لم لم تخلص في علمك وعملك؟ ولم راءيت الناس بطاعتك، يا فاجر ويا غاوي2 يا فاسق يا مرائي؟ كما ورد في الخبر أن المرائي ينادى بهذه الألقاب3، ومع ذلك لا يتعلم علم الإخلاص، وطريق الحذر من الرياء، وما يجري هذا المجرى من صفات القلب، فانظر الآن من يتعلم لخوف الآخرة ما أهم ما يشتغل به. انتهى.
الفصل الأول: في بيان شروط المناظرة
الفصل الأول: في بيان شروط المناظرة 1: اعلم أن المناظرة في أحكام الشرع من الدين أيضا، ولكن لها شروط ومحل ووقت. فمن اشتغل بذلك في وقته ومحله وقام بشروطه فقد اقتدى بالصحابة -رضي الله عنهم- فإنهم تشاوروا في مسائل، وبالسلف الصالحين كالشافعي ومحمد بن الحسن وغيرهما، فإنهم تناظروا في مسائل، وما تناظروا إلا لله ولطلب ما هو حق عند الله تعالى2، وقد مر قول المذكورين وغيرهما في ذلك، وسيأتي ذكر نبذة يسيرة من عيون مناظرتهم آخر هذا الباب إن شاء الله تعالى، ولمن يناظر لله وفي الله علامات: الأولى: ألا يشتغل به من لم يتفرغ عن فرض العين؛ لأن غايته أنه فرض كفاية، فيكون كمن ترك الصلاة المفروضة، واشتغل بنسج الثياب ويقول: غرضي بذلك ستر عورة من يصلي، فيقال له: كذبت لو أردت ذلك لصليت أولا لنفسك، ثم نظرت إلى صلاة غيرك. الثانية: ألا يرى فرض كفاية آخر أهم من المناظرة ويتركه، فإن المناظر طلب مآخذ الشرع لينال رتبة الاجتهاد، وهذا من فروض الكفايات، فإن رأى فرض كفاية معطلا لا قائم به فلا يشتغل بما قام به جماعة. وعلم الأحاديث في هذا العصر من فروض الكفايات ولا قائم به وقد أشرف
على الاندارس وهو أصل الدين، فمن يهمل ذلك ويزعم أنه يتعلم الخلاف لله فهو كمن ترك جماعة من الناس عطاشا مشرفين على الهلاك وهو قادر على أن يسقيهم ما يحييهم به فاشتغل بتعلم صناعة الحجامة، وفي الحجامين كثرة وزعم أن غرضه القيام بفرض الكفاية؛ إذ لو خلا البلد عن الحجامين لتعرضوا للهلاك. ومن جملة فروض الكفاية التي لا قائم بها لا سيما الآن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد يكون المناظر في مجلس مناظرته مشاهدا للحرير ملبوسا ومفروشا وهو لا ينكره، ويناظر في دباغ جلد الكلب والتوضي بنبيذ التمر ونحو ذلك مما لا يتفق قط، بل يجري منه ومن غيره في مجلس المناظرة من الغيبة والإيحاش1 والإيذاء ما يعصي به القائل والمستمع ولا يلتفت قلبه إلى شيء من ذلك، ثم يزعم أنه يناظر لله تعالى، فانظر هل كانت مشاورة الصحابة ومناظرة السلف من هذا الجنس؟ الثالثة: أن يكون المناظر مجتهدا يفتي برأيه لا بمذهب أبي حنيفة والشافعي -رحمهما الله تعالى- حتى إذا بان له الحق على لسان خصمه انتقل إليه، كذلك كانت مناظرة السلف، فأما من لا يجتهد فليس له مخالفة صاحب مذهبه، فأي فائدة له في المناظرة وهو لا يقدر على تركه إن ظهر ضعفه، ولو كانت مباحثته عن محل القولين والوجهين لكان أحرى وأنفع، فإنه ربما يفتي به، ولكن ميله إلى إظهار اتساع علمه في إفحام خصمه2 وإظهار ضعف كلامه. الرابعة: أن يناظر في واقعة مهمة، أو في مسألة قريبة من الوقوع، فما خاض الصحابة في المشاورة إلا بعد وقوع الواقعة لا قبله إلا في الفرائض لعلمهم بأن ذلك لا بد من وقوعه عن قرب، وقد مر النهي عن المسائل قبل وقوعها، ولا
ترى المناظر يهتم بتمييز ما تعم به البلوى1 كطلاق السكران وتخليل الخمر وكون الخلع2 فسخا أو طلاقا عما لا تعم به من التوضي بنبيذ التمر، ودباغ جلد الكلب، وذكاة الحمار، ونحو ذلك. الخامسة: أن تكون المناظرة في الخلوة أحب إليه منها في المحفل3 والصدور4، فإن الخلوة أجمع للهم وأحرى بصفاء الفكر، وفي حضور الخلق ما يحرك دواعي5 الرياء والحرص على الإفحام ولو بالباطل، وأنت تعلم كسلهم عن الجواب عن المسألة في الخلوة، وتنافسم في المسألة في المحفل. السادسة: أن يكون في طلب الحق كمنشد6 ضالة يكون شاكرا متى وجدها، ولا يفرق بين أن تظهر على يده أو على يد غيره فيرى رفيقه معينا لا خصما، ويشكره إذا عرقه الخطأ وأظهر له الحق كما لو أخذ طريقا في طلب ضالته فنبهه غيره عليها أنها في طريق آخر، والحق ضالة المؤمن يطلبه كذلك، فحقه إذا ظهر الحق على لسان خصمه أن يفرح به ويشكره لا أنه يخجل ويسود وجهه ويربد لونه7، ويجتهد في مجاحدته8 ومدافعته جهده9. فقد ردت امرأة على عمر -رضي الله عنه- وهو في خطبته على ملأ من الناس فقال:
صدقت، أصابت امرأة وأخطأ رجل1. ورد رجل على علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فقال: أصبتَ وأخطأتُ {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} 2. وسئل أبو موسى الأشعري3 -وكان أمير الكوفة4- عن رجل قاتل عن سبيل الله فقتل فقال: هو في الجنة، وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- حاضرا فقال: أعد على الأمير فلعله لم يفهمه، فأعاد الجواب فقال ابن مسعود: وأنا أقول: إن أصاب الحق فقتل فهو في الجنة، فقال أبو موسى: لا تسألوني عن شيء وهذا الحبر5 بين أظهركم6. ولو اعتُرض الآن بمثل هذا على أقل فقيه لأنكر واستبعد وقال: هذا لا يحتاج إلى ذكره فإنه معلوم وإن لم يذكر، وما يجري هذا المجرى، والله أعلم. السابعة: لا يمنع معينه من الانتقال من دليل إلى دليل، ومن سؤال إلى سؤال، بل يورد ما يحضره ويخرج من كلامه جميع دقائق الجدل هكذا كانت مناظرة أهل الدين، فأما قوله: هذا لا يلزمني وقد تركت كلامك الأول وليس لك ذلك، فهذا محض عناد، بل الرجوع إلى الحق أبدا يكون مناقضا للباطل فيجب قبوله، وأنت ترى المناظرات في المحافل تنقضي بمحض المجادلات
حتى يقيس المستدل على أصل فيطالب بعلته فيذكرها، فيطلب بالدليل على علة الأصل فيقول: هذا ما ظهر لي فإن ظهر لك ما هو أولى منه فاذكره، فيصر المعترض ويقول: أعرفه ولا أذكره ولا يلزمني ذكره، وينقضي المجلس في الإصرار1 على العناد، وقوله: أعرفه ولا يلزمني ذكره مع سؤال عنه كذب على الشرع، فإنه إن كان يعرف وقصده تعجيز خصمه فهو فاسق كذاب عصى الله تعالى. وإن كان صادقا فقد فلق بإخفائه ما عرفه من أمر الشرع وقد سأله أخوه المسلم ليفهمه وينظر فيه ليرجع إليه عند قوته، ويظهر له أمره ويخرجه عن ظلمة الجهل عند ضعفه، ولا خلاف أن إظهار ما علم من الدين واجب عند السؤال، ومن كتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار، فانظر في مناظرات السلف هل سمعت فيها مثل ذلك؟ أو إنكارا على من انتقل من آية إلى خبر، ومن أثر إلى خبر، بل ذكر الله تعالى في مناظرة إبراهيم عليه السلام: {إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} [البقرة: 258] ، فانتقل إلى دليل آخر لما رأى الأول لا يدركه فهمه، والله أعلم. الثامنة: أن يناظر مع من هو مستقل بالعلم ليستفيد منه إن كان يطلب الحق، والغالب أنهم يحترزون من مناظرة الفحول2 والأكابر خوفا من ظهور الحق على لسانهم، ويرغبون فيمن دونهم طمعا في ترويج الباطل عليه، ووراء هذه الشروط والآداب شروط وآداب دقيقة، ولكن في هذه الثمانية ما يهديك إلى من يناظر لله وإلى من يناظر لعلة.
واعلم أن من لا يناظر الشيطان، وهو على قلبه مُسْتَوْلٍ وقد شهد الله له بالعداوة، وأنه لا يزال يدعوه إلى هلاكه، ثم يناظر في مسائل للمخطئ فيها أجر واحد وللمصيب أجران، فهو ضحكة للشيطان، وعبرة للمخلصين، وذلك يشمت1 الشيطان به لما غمسه في ظلمات الآفات كما نعد ونفصلها.
الفصل الثاني: في آفات المناظرة وما يتولد منها من مهلكات الأخلاق
الفصل الثاني: في آفات المناظرة وما يتولد منها من مهلكات الأخلاق مدخل ... الفصل الثاني: في آفات المناظرة وما يتولد منها من مهلكات الأخلاق 1 اعلم أن المناظرة الموضوعة لقصد الغلبة والإفحام والمباهاة والتشوف لإظهار الفضل هي منبع جميع الأخلاق المذمومة عند الله المحمودة عند عدوه إبليس، ونسبتها إلى الفواحش الباطنة من الكبر والعجب ونحوهما نسبة الخمر إلى الفواحش الظاهرة من الزنا والقتل وغير ذلك، وكما أن من خُير بين الشرب وبين سائر الفواحش فاختار الشرب استصغارا له، فدعاه ذلك إلى ارتكاب سائر الفواحش، فكذلك من غلب عليه حب الإفحام والغلبة في المناظرة وطلب الجاه والمباهاة دعاه ذلك إلى إضمار الخبائث كلها. فمنها: الحسد، قال صلى الله عليه وسلم: "الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب"2، ولا ينفك المناظر منه فإنه تارة يغلب وتارة يُغلب وتارة يحمد في كلامه، وتارة يحمد كلام غيره، ولذلك قال ابن عباس3: خذوا العلم حيث وجدتموه، ولا تقبلوا أقوال الفقهاء بعضهم في بعض؛ فإنهم يتغايرون كما تتغاير التيوس في الزريبة4. ومنها: الكبر والترفع على الناس، قال صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" 5 أي: لا يدخل الكبر مع صاحبه إلى الجنة، ولا تنفك
المناظرة عن التكبر على الأقران والأمثال والترفع فوق المقدار حتى إنهم ليتقاتلون على القرب من الصدور. ومنها: الحقد، ولا تكاد تنفك المناظرة عنه لا سيما لمن حرك رأسه في كلام خصمه أو رجحه عليه، قال صلى الله عليه وسلم: "المؤمن غير حقود"1، وورد في ذم الحقد ما لا يخفى. ومنها: الغيبة2، وقد شبهها الله تعالى بأكل الميتة3، ولا يزال المناظر مثابرا عليها، فإنه لا يخلو عن حكاية كلام صاحبه في معرض التهجين4 والذم والتوهين5، وربما يحرف كلامه فيكون كاذبا ملبسا، وقد يصرح باستجهاله واستحماقه، والغيبة أشد من الزنا كما ورد في الخبر. ومنها: تزكية النفس، قال تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32] ولا يخلو المناظر عن تزكية نفسه تصريحا أو تعريضا بنفي غيره وتهجين كلام غيره. ومنها: التجسس وتتبع العورات، قال الله تعالى: {وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12] قال صلى الله عليه وسلم: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه، لا تتبعوا عورات المسلمين، فمن تتبع عورة مسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته" 6، ولا يخلو المناظر عن طلب عثرات7 الأقران والخصوم.
المناظرة عن التكبر على الأقران والأمثال والترفع فوق المقدار حتى إنهم ليتقاتلون على القرب من الصدور. ومنها: الحقد، ولا تكاد تنفك المناظرة عنه لا سيما لمن حرك رأسه في كلام خصمه أو رجحه عليه، قال صلى الله عليه وسلم: "المؤمن غير حقود"1، وورد في ذم الحقد ما لا يخفى. ومنها: الغيبة2، وقد شبهها الله تعالى بأكل الميتة3، ولا يزال المناظر مثابرا عليها، فإنه لا يخلو عن حكاية كلام صاحبه في معرض التهجين4 والذم والتوهين5، وربما يحرف كلامه فيكون كاذبا ملبسا، وقد يصرح باستجهاله واستحماقه، والغيبة أشد من الزنا كما ورد في الخبر. ومنها: تزكية النفس، قال تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: 32] ولا يخلو المناظر عن تزكية نفسه تصريحا أو تعريضا بنفي غيره وتهجين كلام غيره. ومنها: التجسس وتتبع العورات، قال الله تعالى: {وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12] قال صلى الله عليه وسلم: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه، لا تتبعوا عورات المسلمين، فمن تتبع عورة مسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته" 6، ولا يخلو المناظر عن طلب عثرات7 الأقران والخصوم.
الإعادة، هذا وقد سوى الله تعالى بين من افترى على الله كذبا، وبين من كذب بالحق لما جاءه، فقال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ} [العنكبوت: 68] . ومنها: الرياء وملاحظة الخلق واستمالة قلوبهم وصرف وجوههم، والرياء هو الداء العضال1. فهذه عشر خصال من أمهات الفواحش الباطنة2، ويتولد منها من الرذائل بل من كل واحدة عشرة أخرى لا نطيل بذكرها وتفصيل آحادها، مثل الغضب والأنفة والبغضاء والطمع وحب المال والجاه، ليتمكن من الغلبة والمباهاة والأشر والبطر، وتعظيم الأغنياء والسلاطين، والتردد إليهم، والأخذ من حرامهم، واستحقار الناس، والفخر والخيلاء، ومغايظة3 الأقران بالتجمل بالخيول والمراكب والملابس المحظورة، والخوض فيما لا يعني، وكثرة الكلام، وخروج الخشية من القلب، واستيلاء الغفلة حتى في عباداته، واستغراق العمر في العلوم التي تعين في المناظرة مع أنها لا تنفع في الآخرة، وتحسين العبارة، وتسجيع اللفظ، وحفظ النوادر للمباهاة، إلى غير ذلك، والمناظرون يتفاوتون فيها على حسب درجاتهم، ولهم درجات شتى، واعلم أن هذه الرذائل لازمة للمشتغل بالتذكير والوعظ إذا كان قصده طلب القبول، وإقامة الجاه، ونيل العز والثروة، وهي لازمة للمشتغل بعلم المذهب والفتاوى إذا كان طلبه القضاء وولاية الأوقاف والتقدم على الأقران، وهي لازمة لكل من يطلب العلم لغير وجه الله، فالعلم لا يهمل العالم بل يهلكه ويشقيه، أو يسعده ويقربه من الله ويدنيه.
فإن قلت: في المناظرة فائدتان: إحداهما: ترغيب الناس في العلم؛ إذ لولا حب الرئاسة لاندرست العلوم، وفي سد بابها ما يفتر هذه الرغبة. والأخرى: أن فيه تشحيذ1 الخاطر وتقوية النفس لدرك مأخذ الشرع. فتقول: صدقت لم نذكر ذلك لسد باب المناظرة، بل ذكرنا شروطها وآفاتها ليحترز المناظر عن الآفات بعد مراعاة الشروط، ثم يستدر2 فوائدها من الرغبة في العلم لوجه الله لا للدنيا، نسأل الله العافية. ولنختم الكلام في هذا الباب بذكر مناظرات نفيسة من عيون مناظرات السلف تكملة للفائدة وتبركا بأنفاسهم، حشرنا الله في زمرتهم، آمين.
مناظرة بين الشافعي ومالك رضي الله عنهما
مناظرة بين الشافعي ومالك رضي الله عنهما 1: وهي سبب إذن مالك له بالإفتاء وسنه أربع عشرة سنة. نقل الدميري4 في حياة الحيوان2وغيره أن الشافعي كان جالسا بين يدي مالك فجاء رجل فقال لمالك: إني رجل أبيع القمري6 وإني بعت في يومي هذا قمريا فرده عليَّ المشتري وقال: قمريك ما يصيح فحلفت له بالطلاق أنه لا يهدأ من الصياح، فقال له مالك: طلقت امرأتك ولا سبيل لك عليها، وكان الشافعي يومئذ ابن أربع عشرة سنة، فقال لذلك الرجل: أيما أكثر: صياح قمريك أو سكوته؟ فقال: لا، بل صياحه، فقال: لا طلاق عليك، فعلم بذلك مالك
فقال: يا غلام من أين لك هذا؟ 1 فقال: لأنك حدثتني عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن2 عن أم سلمة3 أن فاطمة بنت قيس4 قالت: يا رسول الله، إن أبا جهم5 ومعاوية6 خطباني، فقال: "أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه"، وقد علم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أبا جهنم كان يأكل وينام ويستريح، وقال: لا يضع عصاه عن عاتقه على المجاز7، والعرب تجعل أغلب الفعلين كمداومته، ولما كان صياح قمري هذا أكثر من سكوته جعلته كصياحه دائما، فتعجب مالك من احتجاجه وقال له: أفتِ فقد آن لك أن تفتي، فأفتى في ذلك السن رضي الله عنهما.
مناظرة بين الشافعي ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما
مناظرة بين الشافعي ومحمد بن الحسن رضي الله عنهما 1: قال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم2: حدثنا الشافعي قال: ذكرت لمحمد بن الحسن الدعاء في الصلاة فقال لي: لا يجوز أن يدعى في الصلاة إلا بما في القرآن وما أشبهه، قال: قلت له: فإن قال رجل: اللهم أطعمني قثاء وبصلا وعدسا وارزقني ذلك أو أخرجه لي من أرضي، أيجوز ذلك؟ قال: لا، قلت: فهذا في القرآن، فإن كنت إنما تجيز ما في القرآن خاصة فهذا فيه، وإن كنت تجيز غير ذلك فلم حظرت شيئا شيئا وأبحت شيئا؟ قال: فما تقول أنت؟ قلت: كل ما جاز للمرء أن يدعو به في غير صلاة فجائز أن يدعو به في الصلاة، بل أستحب ذلك؛ لأنه موضع يرجى سرعة الإجابة فيه، والصلاة القرآن والدعاء، والنهي عن الكلام في الصلاة هو كلام الآدميين بعضهم لبعض في غير أمر الصلاة، قال ابن السبكي3: في المناظرة رد على الشيخ أبي محمد في منعه الدعاء بجارية حسناء.
مناظرة بينهما أيضا وهي مشهورة
مناظرة بينهما أيضا وهي مشهورة 1: وقد رويناها من طريق الحميدي وملخصها2: قال له محمد بن الحسن: ما تقول في رجل غضب من رجل ساجة فبنى عليها بناء أنفق فيه ألف دينار، ثم
جاء صاحب الساجة أثبت بشاهدين عدلين أن هذا اغتصب هذه الساجة1 وبنى عليها هذا البناء، ما كنت تحكم؟ قال الشافعي: أقول لصاحب الساجة يجب أن تأخذ قيمتها، فإن رضي حكمت له بالقيمة، وإن أبى إلا ساجته قلعتها له ورددتها عليه، قال محمد: فما تقول في رجل اغتصب من رجل خيط إبريسم فخاط به بطنه، فجاء صاحب الخيط فأثبت بشهادة عدلين أن هذا اغتصب هذا الخيط أكنت تنزع الخيط من بطنه؟ فقال الشافعي: لا، فقال محمد: الله أكبر تركت قولك، فقال الشافعي: لا تعجل أخبرني لو لم يغصب الساجة من أحد وأراد أن يقلع هذا البناء عنها أيباح له ذلك أم يحرم عليه؟ فقال محمد: بل يباح، فقال الشافعي: أفرأيت لو كان الخيط خيط نفسه فأراد أن ينتزعه من بطنه أمباح له ذلك أم محرم؟ فقال محمد: بل محرم، فقال الشافعي: فكيف تقيس مباحا على محرم؟ فقال محمد: أرأيت لو أدخل غاصب الساجة في سفينة ولجج في البحر أكنت تنزع اللوح من السفينة؟ فقال الشافعي: بل آمره أن يقرب سفينته إلى أقرب المراسي إليه ثم أنزع اللوح وأدفعه إلى صاحبه، فقال محمد: أليس قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" 2؟ قال الشافعي: هو أضر بنفسه لم يُضر به، ثم قال الشافعي: ما تقول في رجل اغتصب من رجل جارية فأولدها عشرة كلهم قد قرءوا القرآن وخطبوا على المنابر وحكموا بين المسلمين، فاثبت صاحب الجارية بشاهدين عدلين أن هذا اغتصبها منه، ناشدتك الله بماذا كنت تحكم؟ قال: أحكم بأن أولاده أرقاء لصاحب الجارية، فقال الشافعي: أيهما أعظم ضررا: أن تجعل أولاده أرقاء أو تقلع البناء عن الساجة؟
مناظرة بين الشافعي وإسحاق بن راهويه رضي الله عنهما
مناظرة بين الشافعي وإسحاق بن راهويه 1 رضي الله عنهما 2: روي عن إسحاق قال: كنا بمكة والشافعي بها، وأحمد بن حنبل أيضا بها، وكان أحمد يجالس الشافعي وكنت لا أجالسه، فقال لي أحمد: يا أبا يعقوب، لم لا تجالس هذا الرجل؟ فقلت: ما أصنع به وسنه قريب من سننا؟ كيف أترك ابن عيينة وسائر المشايخ لأجله؟ فقال: ويحك إن هذا يفوت وذلك لا يفوت3. قال إسحاق: فذهبت إليه فتناظرنا في كراء بيوت أهل مكة، وكأن الشافعي تساهل في المناظرة، وأنا بالغت في التقرير، ولما فرغت من كلامي وكان معي رجل من أهل مرو فالتفت إليه وقلت: مردك هكذا مردك لا كمالي نيست، يقول بالفارسية: هذا الرجل ليس له كمال4، فقال لي: أتناظر؟ قلت: للمناظرة جئت، فقال الشافعي: قال الله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ} [الحشر: 8] ، فنسب الديار إلى مالكها أو إلى غير مالكها؟ وقال النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة5: "من أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن" 6 فنسب الديار إلى أربابها أم إلى غير أربابها؟ واشترى عمر بن الخطاب
دارا للسجن من مالك أو من غير مالك؟ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وهل ترك لنا عقيل من دار؟ " 1 قال إسحاق: فقلت: الدليل على صحة قولي أن بعض التابعين قال به، فقال الشافعي لبعض الحاضرين: مَن هذا؟ فقيل: إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، فقال الشافعي: أنت الذي يزعم أهل خراسان أنك فقيههم، قال إسحاق: فقلت: هكذا يزعمون، فقال الشافعي: ما أحوجني أن يكون غيرك في موضعك فكنت آمر بعرك أذنيه، أقول لك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت تقول: قال عطاء وطاوس2 والحسن3 وإبراهيم4، وهل لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة؟ فقال إسحاق: اقرأ {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} [الحج: 25] فقال الشافعي: هذا في المسجد خاصة، وفي رواية قال إسحاق: لما عرفت أني أفحمت قمت، ثم يحكي عن إسحاق أنه إذا ذكر الشافعي كان يأخذ لحيته بيده ويقول: واحيائي من محمد بن إدريس، يعني من هذه المناظرة، ولا سيما من قوله: مردك لا كمالي نيست5.
مناظرة بينهما أيضا
مناظرة بينهما أيضا 1: روينا أن إسحاق بن راهويه ناظر الشافعي -أحمد بن حنبل حاضر- في جلود الميتة إذا دبغت، فقال الشافعي: دباغها طهورها، فقال إسحاق: ما الدليل؟ فقال الشافعي: حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد2 الله عن ابن عباس عن ميمونة3 أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر بشاة ميتة فقال: هلا انتفعتم بجلدها؟ قال إسحاق: حديث ابن عكيم4 كتب إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل موته بشهر ألا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب5 أشبه أن يكون ناسخا لحديث ميمونة؛ لأنه قبل موته بشهر6، فقال الشافعي: هذا كتاب وذاك سماع، قال
إسحاق: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب إلى كسرى1 وقيصر2 وكان حجة عليهم عند الله، فسكت الشافعي، فلما سمع ذلك أحمد بن حنبل ذهب إلى حديث ابن عكيم وأفتى به، ورجع إسحاق إلى حديث الشافعي فأفتى بحديث ميمونة، قال السبكي بعد ذكره هذه المناظرة3: وقد يظن قاصر الفهم أن الشافعي انقطع فيها مع إسحاق، وليس الأمر كذلك، ويكفيه مع قصور فهمه أن يتأمل رجوع إسحاق إلى الشافعي، فلو كانت حجته قد نهضت على الشافعي لما رجع، قال: ثم تحقيق هذا أن اعتراض إسحاق فاسد الوضع لا يقابل بغير السكوت، وذلك أن كتاب عبد الله بن عكيم كتاب عارضه سماع ولم يتيقن أنه مسبوق بالسماع وإنما ظن ذلك ظنا لقرب التاريخ، ومجرد هذا لا ينهض بالنسخ، أما كتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى كسرى وقيصر فلم يعارضها شيء بل عضدها القرائن وساعدها التواتر الدال على أن هذا النبي -صلى الله عليه وسلم- جاءنا بالدعوة إلى ما في الكتاب، فلاح بهذا أن السكوت من الشافعي تشكيك على إسحاق بأن اعتراضه فاسد الوضع فلم يستحق عنده جوابا، وهذا شأن الخارج عن البحث عن الجدليين فإنه لا يقابل بغير السكوت، ورب سكوت أبلغ من نطق.
مناظرة بين الشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما
مناظرة بين الشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما 1: حكي أن أحمد ناظر الشافعي في تارك الصلاة فقال له الشافعي: يا أحمد، ما تقول إنه يكفر؟ قال: نعم، قال: إذا كان كافرا فبِمَ يسلم؟ قال: يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، قال الشافعي: فالرجل مستديم لهذا القول لم يتركه،
قال: يسلم بأن يصلي، قال: صلاة الكافر لا تصح ولا يحكم بإسلامه بها، فانقطع أحمد وسكت.
مناظرة جرت بحرة الشافعي رضي الله عنه
مناظرة جرت بحرة الشافعي رضي الله عنه ... مناظرة جرت بحضرة الشافعي رضي الله عنه 1: حكي أن الفضل بن الربيع2 قال للشافعي: أحب أن أسمع مناظرتك مع الحسن بن زياد اللؤلؤي3، فقال الشافعي: ليس هو في هذا الحد، ولكني أحضر بعض أصحابي حتى يكلمه بحضرتك، ثم أحضر الشافعي رجلا كوفيا كان على مذهب أبي حنيفة، ثم صار من أهل مذهب الشافعي، فلما دخل اللؤلؤي قال الكوفي: إن أهل المدينة ينكرون على أصحابنا بعض أقوالهم فأريد أن أسألك عنه، فقال اللؤلؤي: قل، فقال الكوفي: ما تقول في رجل قذف محصنة وهو في الصلاة؟ فقال: صلاته فاسدة، فقال: ما حال طهارته؟ قال: طهارته باقية، قال: ما تقول: إن ضحك في صلاته؟ قال: يعيد الطهارة والصلاة، فقال الكوفي: قذف المحصنات في الصلاة أيسر من الضحك فيها؟ قال: فوثب اللؤلؤي وأخذ نعله ومضى وقال: وضعنا في هذا، فضحك الفضل بن الربيع، فقال الشافعي: ألم أقل لك إنه ليس في هذا الحد.
مناظرة جرت بحضرة الشافعي وأقام هو الحجة فيها
مناظرة جرت بحضرة الشافعي وأقام هو الحجة فيها: حكي أن بشر المربسي1 دخل يوما على الشافعي وعنده رجل من أهل المدينة، وكان الشافعي عليلا متكئا مضطجعا، فناظر بشر المدني في إفراد الإقامة فقال: أجمعنا على أنه إذا ثنى الإقامة فقد أتى بالإقامة، واختلفنا في أنه إذا أفردها هل أتى بها؟ فيجب أن نأخذ بالمتفق ونترك المختلف قال: فتحير المدني، فاستوى الشافعي عند ذلك وقال: إن كان ما قلت صحيحا فقد لزمك أن تقول بالترجيع في الأذان؛ لأنا قد اتفقنا على أن الأذان مع الترجيع صحيح واختلفنا في صحته بدونه، فسكت بشر حتى ظهر للكل انقطاعه، ثم عاد الشافعي إلى اضطجاعه.
مناظرة بين أبي العباس أحمد بن سريج وأبي بكر محمد بن داود رحمهم الله
مناظرة بين أبي العباس أحمد بن سريج وأبي بكر محمد بن داود رحمهم الله ... مناظرة بين أبي العباس أحمد بن سريح 1 وأبي بكر محمد بن داود 2 رحمهما الله 3 حُكي أنهما اجتمعا، فاحتج ابن داود على أن أم الولد تُباع، قال: اجتمعنا على أنها إن كانت أمة تباع، فمن ادعى أن هذا الحكم يزول بولادتها، فعليه الدليل، فقال له ابن سريج: واجتمعنا أنها إن كانت حاملا لا تباع، فمن ادعى أنها تباع إذا انفصل الحمل فعليه الدليل فبهت أبو بكر. مناظرة بينهما أيضا 4: وهي من ألطف المناظرات، روينا عن أبي الحسن عبد الله بن أحمد بن محمد الداودي5 قال: كان أبو بكر محمد بن داود وأبو العباس بن سريج إذا حصلا في مجلس القاضي أبي عمر -يعني محمد بن يوسف6- لم يجر بين اثنين
فيما يتفاوضانه أحسن مما يجري بينهما، وكان ابن سريج كثيرا ما يتقدم أبا بكر إلى الحضور في المجلس، فتقدمه أبو بكر يوما فسأله حدث من الشافعيين عن العود الموجب للكفارة في الظهار1 ما هو؟ فقال: إنه إعادة القول ثانيا وهو مذهبه ومذهب داود، فطالبه بالدليل فشرع فيه، ودخل ابن سريج واستشرحهم ما جرى فشرحوه، فقال ابن سريج لابن داود أولا: يا أبا بكر، أعزك الله هذا قول مَن مِن المسلمين تقدمكم فيه؟ فاستشاط2 أبو بكر من ذلك وقال: أتقدر من اعتقدت أن قولهم إجماع في هذه المسألة إجماع عندي؟ أحسن أحوالهم أن أعدهم خلافا وهيهات أن يكونوا كذلك، فغضب ابن سريج وقال: أنت يا أبا بكر بكتاب الزهرة3 أمهر منك في هذه الطريقة، فقال أبو بكر: وبكتاب الزهرة تعيرني؟ والله ما تحسن أن تستتم قراءته قراءة من يفهم، وإنه لمن أحد المناقب إذ كنت أقول فيه "من الطويل": أكرر في روض المحاسن مقلتي ... وأمنع نفسي أن تنال محرما4 وينطق سرى عن مترجم خاطري ... فلولا اختلاسي رده لتكلما رأيت الهوى دعوى من الناس كلهم ... فما إن أرى حبا صحيحا مسلما
فقال له ابن سريج: أوتفخر عليَّ بهذا القول وأنا الذي أقول "من الكامل": ومساهر بالغنج من لحظاته ... قد بت أمنعه لذيذ سناته1 صبا بحسن حديثه وعتابه ... وأكرر اللحظات في درجاته حتى إذا ما الصبح لاح عموده ... ولي بخاتم ربه وبراته فقال ابن داود لأبي عمر: أيد الله القاضي قد أقر بالبيت على الحالة التي ذكرها وادَّعى البراءة مما توجه، فعليه إقامة البينة، فقال ابن سريج: من مذهبي أن المقر إذا أقر إقرارا وناطه2 بصفة كان إقراره موكولا إلى صفته، فقال ابن داود: للشافعي في هذه المسألة قولان، فقال ابن سريج: فهذا القول الذي قلته اختياري الساعة.
مناظرة بين إمام السنة الشيخ أبي الحسن الأشعري وأبي علي الجبائي في أن أسماء الله توقيفية
مناظرة بين إمام السنة الشيخ أبي الحسن الأشعري 1 وأبي علي الجبائي 2 في أن أسماء الله توقيفية 3: دخل رجل على الجبائي فقال: هل يجوز أن يُسمى الله تعالى عاقلا؟ فقال الجبائي: لا؛ لأن العقل مشتق من العقال وهو المانع، والمنع في حق الله محال، فامتنع الإطلاق، قال الشيخ أبو الحسن: فقلت له: فعلى قياسك لا يسمى الله سبحانه حكيما؛ لأن هذا مشتق من حَكَمة اللجام، وهي الحديدة المانعة للدابة عن الجموح4، ويشهد لذلك قول حسان بن ثابت5 رضي الله عنه "من الوافر": فنحكم بالقوافي من هجانا ... ونضرب حين تختلط الدماء6 وقال الآخر "من الكامل": أبني حنيفة حكموا سفهاءكم ... إني أخاف عليكم أن أغضبا7
أي نمنع بالقوافي من هجانا، وامنعوا سفهاءكم، فإذا كان اللفظ مشتقا من المنع، والمنع على الله محال، لزمك أن تمنع إطلاق حكيم عليه سبحانه وتعالى، قال: فلم يحر جوابا إلا إنه قال: فلم منعت أنت أن يسمى الله عاقلا وأجزت أن يسمى حكيما؟ قال فقلت له: لأن طريقي في مأخذ أسماء الله تعالى الإذن الشرعي دون القياس اللغوي فأطلقت حكيما لأن الشرع أطلقه، ومنعت عاقلا لأن الشرع منعه، ولو أطلقه الشرع لأطلقته، قال ابن السبكي1: وقع في هذه المناظرة في إنشاد البيت "حكموا" بالكاف، وهو المشهور في روايته، وكنت أجوز أن يكون "حلموا" باللام لمقابلته بالسفهاء، ثم رأيت في كتاب الكامل2 للمبرد3 رحمه الله، وهذا البيتان لجرير4 "من الكامل": أبني حنيفة نهنهوا سفهاءكم ... إني أخاف عليكم أن أغضبا5 أبني حنيفة إنني إن أهجكم ... أدع اليمامة لا تواري أرنبا
مناظرة بينهما أيضا في الأصلح والتعليل
مناظرة بينهما أيضا في الأصلح والتعليل 1: سأل الشيخ -رضي الله عنه- أبا علي فقال: ما قولك في ثلاثة: مؤمن وكافر وصبي؟ فقال: المؤمن من أهل الدرجات، والكافر من أهل الدركات2، والصبي من أهل النجاة، فقال الشيخ: فإذا أراد الصبي أن يرقى إلى أهل الدرجات هل يمكن؟ قال الجبائي: لا، يقال له: إن المؤمن إنما نال هذه الدرجة بالطاعة وليس لك مثلها، قال الشيخ: فإن قال التقصير ليس مني، فلو أحييتني كنت عملت الطاعات بعمل المؤمن، قال الجبائي: يقول له الله: كنت أعلم أنك لو بقيت لعصيت ولعوقبت، فراعيت مصلحتك وأَمَتُّك قبل أن تنتهي إلى سن التكليف، قال الشيخ: فلو قال الكافر: يا رب علمت حاله كما علمت حالي فهلا راعيت مصلحتي مثله؟ فانقطع الجبائي. ومناظرات الأصحاب وغيرهم في سائر العلوم لا تكاد تنحصر، وهذه النُّبذة التي اخترناها كافية في هذا المختصر.
في الأدب مع الكتب التي هي آلة العلم
الباب السادس: في الأدب مع الكتب التي هي آله العلم وما يتعلق بتصحيحها وضبطها ووضعها وحملها وشرائها وعاريتها ونسخها وغير ذلك 1: وفيه مسائل2: الأولى: ينبغي لطالب العلم أن يعتني بتحصيل الكتب المحتاج إليها في العلوم النافعة ما أمكنه شراء3 أو إجارة أو عارية؛ لأنها آلة التحصيل، ولا يجعل تحصيلها وجمعها وكثرتها حظه من العلم، ونصيبه من الفهم، وقد أحسن القائل "من المتقارب": إذا لم تكن حافظا واعيا فجمعك الكتب لا ينفع4 وإن أمكنه تحصيلها شراء فلا يشتغل بنسخها5؛ لأن الاشتغال أهم من النسخ، ولا يرضى بالاستعارة مع إمكان تحصيله ملكا أو إجارة6. الثانية: يستحب إعارة الكتب لمن لا ضرر عليه فيها ممن ضرر منه بها، وكره عاريتها قوم، والأول هو الأصح المختار لها فيه من الإعانة على العلم مع ما في مطلق العارية من الفضل والأجر، روينا عن وكيع: أول بركة الحديث إعارة الكتب7، وعن سفيان الثوري: من بخل بالعلم ابتلي بإحدى ثلاث: أن ينساه، أو يموت فلا ينتفع به، أو تذهب كتبه8، وقال رجل لأبي العتاهية9:
أعرني كتابك، فقال: إني أكره ذلك، فقال: أما علمت أن المكارم موصولة بالمكاره؟ فأعاره1. وكتب الشافعي إلى محمد بن الحسن رضي الله عنهما "مجزوء الرجز": قولا لمن لم ترعيـ ... ـنا من رآه مثله2 ومن كأن من رآ ... هـ قد رأى من قبله العلم ينهي أهله ... أن يمنعوه أهله لعله يبذله ... لأهله لعله وإذا استعار كتابا فلا يبطئ به من غير حاجة، وإذا طلبه المالك فيحرم عليه حبسه3، ويصير غاصبا له، وقد جاء في ذم الإبطاء برد الكتب المستعارة عن السلف أشياء كثيرة نظما ونثرا رويناها في كتاب الخطيب الجامع لأخلاق الراوي والسامع4، منها عن الزهري: إياك وغلول الكتب5، وهو حبسها عن أصحابها، قال الخطيب: وبسبب حبسها امتنع غير واحد من إعارتها6.
الثالثة: لا يجوز أن يصلح كتاب غيره بغير إذن صاحبه1. قلت: وهذا محله في غير القرآن. فإن كان مغلوطا أو ملحونا فليصلحه، غاية ما في الباب إن لم يكن خطه مناسبا، فليأمر من يكتب ذلك بخط حسن، ولا يحشيه ولا يكتب شيئا في بياض فواتحه أو خواتمه إلا إذا علم رضا صاحبه، ولا يعيره غيره، ولا يودعه لغير ضرورة حيث يجوز شرعا، ولا ينسخ منه بغير إذن صاحبه، فإن كان الكتاب وقفا على من ينتفع به غير معين فلا بأس بالنسخ منه مع الاحتياط2، وأنشد بعضهم "من الخفيف": أيها المستعير مني كتابا ... ارض لي فيه ما لنفسك ترضى3 وإذا نسخ من الكتاب أو طالعه فلا يضعه مفروشا على الأرض4، بل يجعله مرتفعا، وإذا وضع الكتب مصفوفة فلتكن على شيء مرتفع غير الأرض لئلا تندى فتبلى، ويراعى الأدب في وضعها باعتبار علومها، فيضع الأشرف أعلى الكل، فإن استوت كتب في فن فليراع شرف المصنف5 فيجعله أعلى، وليجعل المصحف الكريم أعلى الكل، والأولى أن يكون في خريطة ذات عروة في مسمار ونحوه في حائط طاهر نظيف في صدر المجلس، ثم كتب الحديث
الصرف كالبخاري ومسلم، ثم تفسير القرآن، ثم تفسير الحديث، ثم الفقه، ثم أصول الدين، ثم أصول الفقه، ثم النحو والتصريف، ثم أشعار العرب، ثم العروض وما في معناه ونحو ذلك، ولا يضع ذوات القطع الكبير فوق ذوات القطع الصغير كي لا يكثر تساقطها، وينبغي أن يكتب اسم الكتاب1 عليه في حرف عرضه ويجعل رءوس الترجمة إلى مرد الجلد المقابل للسان لئلا تصير الكتابة معكوسة، ويراعى في صف الكتب حسن الوضع، بأن يجعل الحبكة في ناحية، والمجلد الآخر يجعل حبكته في الناحية الأخرى، فتكون الكتب قائمة بلا اعوجاج، وإلا فيتعوج الصف ضرورة؛ لأن جهة اللسان من كل كتاب أعلى من جهة الحبكة؛ لأن جهة الحبكة مضغوطة مقموطة، ولا يجعل الكتاب خزانة للكراريس وغيرها2، ولا مخدة، ولا مروحة، ولا مستندا، ولا متكئا، ولا مقتلة للبق، ولا يطوي حاشية الورقة وزاويتها كما يفعله كثير من الجهلة، وإذا ظفر فلا يكبس ظفره بحيث يهشم الورقة ولو3 مآلا، وإذا استعار4 كتابا فينبغي أن يتفقده عند إرادة أخذه ورده من ورقة محتاج إليها ونحوها، وإذا اشترى كتابا نظر أوله وآخره ووسطه وترتيب أبوابه وكراريسه واعتبر صحته، ومما يغلب على الظن في صحته ما أشار إليه الشافعي أن يرى فيه إلحاقا أو إصلاحا، فإنه شاهد له بالصحة، قال بعضهم: لا يضيء الكتاب حتى يظلم، يريد إصلاحه5. الرابعة: إذا نسخ شيئا من كتب العلم الشرعية فينبغي أن يكون على طهارة6 مستقبل القبلة، طاهر البدن والثياب والحبر والورق، ويبتدئ كل كتاب بكتابة: بسم الله الرحمن الرحيم، وإن كان مصنفه تركها كتابة فليكتبها هو، ثم ليكتب
قال الشيخ، أو قال المصنف، ثم يشرع في كتابة ما صنفه المصنف، وإذا فرغ من كتابة الكتاب أو الجزء فليختم الكتابة بالحمدلة والصلاة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وليختم بقوله: آخر الجزء الأول أو الثاني مثلا ويتلوه كذا وكذا1 إن لم يكن أكمل الكتاب، فإن أكمله فليقل: تم الكتاب الفلاني، ففي ذلك فوائد كثيرة، وكلما كتب اسم الله تعالى أتبعه بالتعظيم مثل: تعالى، أو سبحانه، أو عز وجل، أو تقدس، أو تبارك، ويتلفظ بذلك، وكلما كتب اسم النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب بعده الصلاة عليه والسلام2، وجرت عادة السلف والخلف بكتابة صلى الله عليه وسلم3، ولعل ذلك لموافقة الأمر في الكتاب العزيز في قوله4: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا} [الأحزاب: 56] ، ولا يختصر الصلاة في الكتابة، ولا يسأم من تكريرها كما يفعله بعض المحرومين من كتابة: صلعم أو صلع أو صلم أو صم أو صلسلم، فإن ذلك مكروه5 كما قال العراقي ويقال: إن أول من كتب صلعم قطعت يده6، واعلم أن أجر كتابة الصلاة بكمالها عظيم، وهو من أكبر الفوائد العاجلة7، وإذا مر بذكر أحد من الصحابة كتب رضي الله عنه، أو رضوان الله عليه، أو مر بذكر أحد من الأئمة لا سيما الأعلام وهداة الإسلام8 كتب رحمه الله، أو
رحمة الله عليه، أو تغمده الله برحمته، ولا يكتب الصلاة والسلام لغير الأنبياء والملائكة إلا لاختصاص ذلك عرفا وشرعا بالأنبياء والملائكة عليهم السلام، ومتى سقط من ذلك شيء فلا يتقيد به، بل يثبته مع النطق به، واختار أحمد بن حنبل إسقاط الصلاة والسلام والترضي والترحم رواية مع نطقه بذلك، وإفراد الصلاة عن السلام مكروه وعكسه كذلك كما قاله النووي1. الخامسة: لا يهتم المشتغل بالمبالغة في حسن الخط2، وإنما يهتم بصحته وتصحيحه، ويجتنذب التعليق جدا، وهو خلط الحروف التي ينبغي تفرقتها، والْمَشْق وهو سرعة الكتابة مع بعثرة الحروف، قال عمر رضي الله عنه3: "شر الكتابة المشق، وشر القراءة الهذرمة، وأجود الخط أبينه". ولا يكتب الكتابة الدقيقة؛ لأنه ربما لم ينتفع به وقت حاجة الانتفاع به من كبر وضعف بصر، ثم محله فيمن عجز عن ثمن ورق، أو حمله في سفر، فيكون معه خفيف المحمل فلا كراهة في ذلك ولا منع للعذر، والكتابة بالحبر أولى من المداد كما مر، وينبغي ألا يكون القلم صلبا جدا فيمنع سرعة الجري، ولا رخوا فيسرع إليه الحفي. قال بعضهم4: إذا أردت أن تجود خطك فأطل جلفتك وأسمنها، وحرف قطتك وأيمنها، ولتكن السكين حادة جدا لبراية الأقلام وكشط الورق، ولا تستعمل في غير ذلك، وليكن ما يقط عليه القلم صلبا، وهم يحمدون القصب الفارسي اليابس جدا، والآبنوس الصلب الصقيل5. ويراعي من آداب الكتابة ما ورد عن بعض السلف، فعن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معاوية، ألق الدواة وحرف القلم وانصب الباء وفرق السين ولا تعور الميم
وحسن الله ومد الرحمن وجود الرحيم وضع قلمك على أذنك اليسرى فإنه أذكر لك"1. وعن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كتبت بسم الله الرحمن الرحيم فبين السين فيه" 2. والأحاديث في ذلك كثيرة، وأقوال السلف فيه شهيرة3، وعن جابر4 رضي الله عنه: إذا كتب أحدكم كتابا فليُتربه فإنه أنجح للحاجة5، وعن أبي هريرة6 -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب"7. السادسة: كرهوا في الكتابة8 فصل مضاف اسم الله تعالى منه كعبد الله أو عبد الرحمن أو رسول الله، فلا يكتب عبد أو رسول آخر السطر، والله أو الرحمن أو رسول أول السطر الآخر لقبح صورة الكتابة، وهذه الكراهة للتنزيه، وظاهر إيراد الخطيب9 وغيره أنه للتحريم، فيجب اجتنابه، وفي الاقتراح أنه من الآداب، ويلتحق بذلك كما قال العراقي في أسماء النبي -صلى الله عليه وسلم- وأسماء
الصحابة -رضي الله عنهم- كقوله: سابُّ النبي -صلى الله عليه وسلم- كافر1، وقوله: قاتل ابن صفية2 في النار يعني الزبير بن العوام3 رضي الله عنه، فلا يكتب ساب أو قاتل في آخر السطر وما بعده أول سطر آخر، فهو قبيح جدا في صورة الكتابة حرام، خصوصا في النطق به من أول السطر ما لم ينطق بما في آخر السطر، وكذلك مما يُستقبح فيه الفصل ولو كان لغير متضايفين كقول سيدنا عمر -رضي الله عنه- في شارب الخمر الذي أتى به النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو ثمل، فقال عمر: أخزاه الله ما أكثر ما يؤتي به4، فلا يكتب فقال في آخر سطر: وعمر وما بعده في أول آخر، أما إذا لم يكن في شيء من ذلك بعد اسم الله، أو اسم نبيه، أو اسم الصحابة مثلا فلا بأس بالفصل، ومع ذلك فجمعهما أولى، بل صرح بعضهم بالكراهة في فصل نحو أحد عشر لكونهما بمنزلة اسم واحد، وكرهوا تبعيض الكلمة المركبة تركيبا مزجيا أو إضافيا، ونحو ذلك. السابعة: عليه مقابلة كتابه بأصل صحيح موثوق به5، فالمقابلة متعينة
للكتاب الذي يرام النفع به، قال عروة بن الزبير1 لابنه هشام2 رضي الله عنهم: كتبت؟ قال: نعم، قال: عرضت كتابك؟ أي على أصل صحيح، قال: لا، قال: لم تكتب3، وقال الإمام الشافعي ويحيى بن أبي كثير: من كتب ولم يعارض -أي يقابل- كمن دخل الخلاء ولم يستنجِ4، وإذا صحح الكتاب بالمقابلة على أصل صحيح أو على شيخ، فينبغي أن يعجم المعجم، ويشكل المشكل، ويضبط الملتبس، ويتفقد مواضع التصحيف5، أما ما يفهم بلا نقط ولا شكل فلا يعتنِ به لعدم الفائدة، فإن أهل العلم يكرهون الإعجام والإعراب إلا في الملتبس والمشتبه، ومن كلام بعض البلغاء: أعجام الخط يمنع من استعجامه، وشكله من إشكاله6، وقال بعضهم: رب علم لم تعجم فصوله، فاستعجم محصوله7، وقيل: ينبغي الإعجام والشكل للمكتوب كله المشكل وغيره لأجل المبتدئ في ذلك الفن، وصوبه القاضي عياض؛ لأن المبتدئ لا يميز ما يشكل مما لا يشكل8، ولا صواب الإعراب من خطئه، ولأنه ربما يكون الشيء واضحا عند قوم مشكلا عند آخرين، بل ربما يظن لبراعته المشكل واضحا، ثم قد يشكل عليه بعد، وربما وقع النزاع في حكم مستنبط من حديث يكون
متوقفا على إعرابه كحديث: "ذكاة الجنين ذكاة أمه" 1، فالجمهور كالشافعية والمالكية وغيرهما لا يوجبون ذكاته بناء على رفع ذكاة أمه بالابتدائية والخبرية وهو المشهور في الرواية، والحنفية وغيرهم يوجبونها على نصب ذكاة الثانية على التشبيه أي يذكى مثل ذكاة أمه2، وكحديث: "لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه" 3، فالجمهور ومنهم أئمة المذهب يجزمون بعتقه عليه بمجرد دخوله في ملكه بناء على رفع فيعتقه، وهو المشهور في الرواية، ويكون الضمير عائدا على المصدر المحذوف4 الذي دل عليه الفعل، تقديره: فيعتقه الشراء؛ لأنه بنفس الشراء حصل العتق من غير احتياج إلى لفظ، ويؤيد ذلك الرواية الأخرى: "فيعتق عليه" 5، والأخرى: "فهو حر" 6، وظن داود الظاهري أن الرواية بنصب فيعتقه عطفا على فيشتريه، فيكون الولد هو المعتِق، فقال: لا بد من إنشائه، ولا يعتق بمجرد الملك7، وعلى كل حال فيتأكد ضبط الملتبس من الأسماء؛ إذ لا يدخلها قياس ولا قبلها ولا بعدها شيء يدل عليها8، وإذا احتاج إلى ضبط المشكل في الكتاب، وبيانه في الحاشية قبالته فعل؛ لأن الجمع بينهما أبلغ في الإبانة، وإذا كتب كلمة مشكلة من القلم لسواد كثير فيه ونحوه أوضحها في الحاشية، وكتب فوقها "بيان" أو "ن" وله أن يكتبها في الحاشية بصورتها، وله أن يكتبها مقطعة الأحرف بالضبط ليأمن اللبس والاشتباه9، وله أن يضبطها بالحروف كقوله: بالحاء المهملة، والدال
المهملة، والتاء المثناة، والثاء المثلثة، ونحو ذلك، كما جرت عادة السلف في ذلك، ومما يلتحق بضبط المعجم أن يكتب في باطن الكاف المعلقة كافا صغيرة أو همزة، وفي باطن اللام هكذا "لام" ولا يكتب صورة لام هكذا "لـ"1. الثامنة: ينبغي أن يكتب2 على ما صححه وضبطه في الكتاب وهو في محل شك عند مطالعته أو طرف احتمال "صح" صغيرة ويكتب فوق ما وقع في التصنيف أو في النسخ وهو خطأ "كذا" صغيرة أي هكذا رأيته، ويكتب في الحاشية "صوابه كذا" إن كان يتحققه، أو "لعله كذا" إن غلب على ظنه أنه كذلك، أو يكتب على ما أشكل عليه ولم يظهر له وجهه ضبة، وهي صورة رأس صاد مهملة مختصرة من صح هكذا "صـ" فإن صح بعد ذلك وتحققه فيصلها بحاء فتبقى "صح" وإلا كتب الصواب في الحاشية كما تقدم، قيل: وأشاروا3 بكتابة الصاد أولا إلى أن الصحة لم تكمل، وإلى تنبيه الناظر فيه على أنه متثبت في نقله غير غافل، فلا يظن أنه غلط فيصلحه، وقد تجاسر بعضهم فغيَّر ما الصواب إبقاؤه4، والله أعلم. التاسعة: إذا وقع5 في الكتاب زيادة، أو كتب فيه شيء على غير وجهه تخير فيه بين ثلاثة أمور؛ الأول: الكشط6، وهو سلخ الورق بسكين ونحوها ويعبر عنه بالبَشْر وبالحك، وسيأتي أن غيره أولى منه، لكن هو أولى في إزالة
نقطة أو شكلة، الثاني: المحو1 وهو الإزالة بغير سلخ إن أمكن، وهو أولى من الكشط، قال ابن الصلاح: وتتنوع طرقه، الثالث: الضرب2 عليه وهو أجود من الكشط والمحو، لا سيما في كتب الحديث، وعن بعضهم3: كان الشيوخ يكرهون حضور السكين مجلس السماع؛ لأن الروايات مختلفة، فعسى أن يبشر شيئا يكون صحيحا، فيحتاج إلى إثباته ثانيا. وفي كيفية الضرب خمسة أقوال4 مشهورة؛ أحدها: أن يصل بالحروف المضروب عليها، ويخلط بها خطا ممتدا، ثانيها5: أن يجعل الخط فوق الحروف منفصلا عنها منعطفا طرفاه على أول المبطَل وآخره كالباء المقلوبة ومثال هكذا. ثالثها6: أن يكتب لفظة "لا" أو لفظة "من" فوق أوله، ولفظة "إلى" فوق آخره، ومعناه من هنا ساقط إلى هنا، رابعها7:" أن يكتب في أول الكلام المبطل وفي آخره نصف دائرة ومثاله هكذا. خامسها8: أن يكتب في أول المبطل وفي آخره صفرا وهو دائرة صغيرة سميت بذلك لخلو ما أشير إليه بها من الصحة كتسمية الحُساب لها بذلك الخلو موضعها من عدد ومثاله هكذا5، وإذا تكررت9 كلمة أو أكثر سهوا ضرب على الثانية لوقوع الأولى صوابا في موضعها، إلا إذا كانت الثانية أجود صورة وأدل على القراءة، وكذا إذا كانت الأولى آخر سطر، فإن الضرب عليها أولى صيانة لأول السطر، وبالجملة10 فصيانة أول السطور وآخرها متعين
إلا أن مراعاة أولها أولى، وإذا كان المكرر1 مضافا ومضافا إليه، أو موصوفا وصفة، أو مبتدأ وخبرا، أو متعاطفين، فمراعاة عدم التفريق بالضرب أولى إذا كان آخر سطر كي لا يفرق بين شيئين بينهما ارتباط؛ إذ مراعاة المعاني أولى من مراعاة تحسين الصورة في الخط، قاله القاضي عياض، وإذا صحح2 الكتاب على الشيخ أو في المقابلة علم على موضع وقوفه ببلغ أو بلغ العرض أو غير ذلك مما يفيد معناه، فإن كان ذلك في سماع الحديث كتب بلغ في الميعاد الأول والثاني إلى آخرها، فيعين عدده، فإنه مفيد جدا. العاشرة: وينبغي3 أن يفصل بين كل كلامين أو حديثين بدارة، أو قلم غليظ ولا يصل الكتابة كلها على طريقة واحدة؛ لما فيه من عسر استخراج المقصود، ورجحوا الدائرة على غيرها، وعليها عمل غالب المحدثين4 وصورتها هكذا. وجرت5 عادة المحدثين باختصار ألفاظ في كتبهم، فمن ذلك حدثنا اختصرها بعضهم على ثنا، وبعضهم على نا، وبعضهم على دثنا، ومن ذلك أخبرنا اختصرها بعضهم على أنا، وبعضهم على أرنا، وبعضهم على أبنا، ومن ذلك حدثني اختصرها بعضهم على ثني، وبعضهم على دثني، وأما أخبرني وأنبأنا وأنبأني فلم يختصروها، ومن ذلك قال الواقعة في الإسناد بين رواته اختصرها بعضهم قافا مفردة هكذا "ق" وقد جمعها بعضهم بما يليها هكذا "قثنا" يعني قال حدثنا، قال العراقي: وهو اصطلاح متروك، ومن هذا القبيل ما يوجد في كتب الأعاجم6 من اختصار المطلوب على المط، واختصار محال على مح، وباطل
على بط، وحينئذ على وح، وفحينئذ على فح، وإلى آخره على إلخ، والمصنف على المصد، ونحو ذلك. ومن ذلك ما يختصر1 جميعه مع النطق به كلفظ يحدث في قولهم في الإسناد سمعت فلانا عن فلان فتقول: يحدث عن فلان وهو كثير، ومن ذلك لفظة قال إذا كُررت كما في صحيح البخاري2 ثنا صالح بن حيان3 قال: قال عامر الشعبي4، فتحذف أحداهما خطا لا نطقا5، ومن ذلك لفظة "أنه" في مثل حدثنا فلان أنه سمع فلانا يقول، نبه عليه الحافظ ابن حجر في فتح الباري6، وقل من7 نبه عليه، والله أعلم. ومن ذلك ما يختصر8 بعضه، وينطق بالبعض الباقي على صفته، والمشهور منه حاء التحويل عند انتقال من سند إلى غيره فيكتب هكذا "ح" مفردة مهملة مقصورة لفظا، وهي مختصرة من تحويل، أي من سند إلى سند آخر، وقيل: مختصرة من حائل لأنها حالت بين الإسنادين9، وقيل: من قولهم الحديث وهو المنقول عن أهل المغرب، وقيل من صح، قال ابن الصلاح: وقد كتب مكانها بدلا عنها
صح صريحة1، واختلف2 في النطق بها، فالأصح أنه ينطق بها في القراءة كما كتبت كذلك مفردة، وقيل: لا ينطق بها، وقيل: ينطق بأصلها المختصرة منه وهو الحديث أو صح فليعلم3 ذلك، ومن ذلك4 ما يختصر بعضه ولا يتعين فيه قراءة ذلك البعض ولا أصله، وهو الرموز إلى اصطلاح خاص بذلك الكتاب كما يرسم كثير من كتب الحديث المختصرة5 للبخاري "خ" ولمسلم "م" وللترمذي "ت" ولأبي داود "د" وللنسائي "ن" ولابن ماجه القزويني "جه" أو "ق" ولابن حبان "حب" وللدارقطني "ط" ونحو ذلك وهو كثير، ومن ذلك رمز العجالة والعمدة لابن الملقن6 للإمام مالك "م" ولأبي حنيفة "ح" ولأحمد "أ" ونحو رموز الوجيز والحاوي للأقوال والأوجه والمذاهب وغير ذلك وهي مشهورة7، ومن فعل شيئا من ذلك أو من غيره في تأليف بيَّن اصطلاحه فيه، ولا مشاححة في الاصطلاح فبيان الاصطلاح في ديباحة الكتاب ليفهم الخائض فيه معانيها، وقد فعل ذلك جماعة من الأئمة لقصد الاختصار ونحوه8 والله أعلم، ولا بأس9 بحواشي الكتاب من فوائد متعلقة به ولا يكتب في آخره "صح" بل ينبه عليه بإشارة للتخريج بالهندي مثلا، وبعضهم يكتب على أول المكتوب في الحاشية "حـ" ولا ينبغي أن يكتب إلا الفوائد المهمة المتعلقة
بذلك الكتاب والمحل مثل تنبيه على إشكال أو احتراز أو رمز أو خطأ ونحو ذلك1، ولا يسوده بنقل المسائل والفروع الغريبة، ولا يكثر الحواشي كثرة يظلم منها الكتاب، ولا بأس بكتابة الأبواب والتراجم والفصول ونحو ذلك بالحمرة؛ فإنه أظهر في البيان وفي فواصل الكلام، وله في كتابه شرح ممزوج بالمتن أن يميز المتن بكتابته بالحمرة أو يخط عليه خطا منفصلا عنه ممتدا عليه، والكتابة بالحمرة أحسن؛ لأنه قد يمزج بحرف واحد، وقد تكون الكلمة الواحدة بعضها متن وبعضها شرح، فلا يوضح ذلك بالخط إيضاحه بكتابة الحمرة، ونحو ذلك كثير في كتب الفقه2، وذلك ليسهل في المطالعة عند قصدها، والله تعالى أعلم.
الخاتمة
الخاتمة: في رقائق لطيفة مناسبة: في ذكر شيء من الرقائق المستظرفات والأشعار الرائقة والحكايات: نختم بها الكتاب على عادة الأئمة والحفاظ، كما قال شيخ الإسلام النووي، واقتداء به في بعض مؤلفاته ... أسند مولانا شيخ الإسلام صاحب الأصل فسح الله في أجله، وبلغه غاية أمله، عن شيخه الشيخ زين الدين زكريا الأنصاري1 بسنده المتصل إلى الشيخ أبي بكر الآجري2 قال: كان ابن المبارك3 كثيرا ما يتمثل بهذه الأبيات "من الخفيف": اغتنم ركعتين زلفى إلى اللـ ... ـه إذا كنت فارغا مستريحا4
وإذا ما هممتَ بالنطق بالبا ... طل فاجعل مكانه تسبيحا وبالسند الذي ذكره إلى الطائي1 بسند الطائي إلى المزني قال: دخلت على الشافعي في مرضه الذي مات فيه فقلت: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت من الدنيا راحلا، ولإخواني مفارقا، ولسوء أفعالي ملاقيا، وبكأس المنية شاربا، فوالله ما أدري أروحي إلى الجنة تصير فأهنيها، أو إلى النار فأعزيها؟ 2 وأنشد "من الطويل": ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي ... جعلت رجائي نحو عفوك سلما3 تعاظمني ذنبي فلما قرنته ... بعفوك ربي كان عفوك أعظما فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل ... تجود وتعفو منه وتكرما وبالسند المشار إليه إلى ابن السبكي بسنده إلى القاضي أبي الطيب الطبري قال: أنشدني بعضهم للشافعي رضي الله عنه "من البسيط": كل العلوم سوى القرآن مشغلة ... إلا الحديث وإلا الفقه في الدين4
العلم ما كان فيه قال حدثنا ... وما سوى ذاك وسواس الشياطين وروي أن الشافعي -رضي الله عنه- كان بمكة يقول1: سلوني عما شئتم أخبركم عنه من كتاب الله، فقيل له: ما تقول في المحرم يقتل الزنبور؟ فقال: بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] ، وحدثنا سفيان بن عيينة بن عبد الملك بن عمير2 عن ربعي بن حراش3 عن حذيفة بن اليمان4 -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر" 5، وحدثنا سفيان بن عيينة عن مسعر بن كدام6 عن
قيس بن مسلم1 عن طارق بن شهاب2 عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه أمر بقتل المحرم الزنبور3. من هذا ما روي عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه لعن الواصلة والمستوصلة4 وقال: ما لي لا ألعن من لعنه الله؟ فقالت امرأة: قرأت كتاب الله فلم أجد فيه ما تقول، فقال: إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} 5 [الحشر: 7] ، وإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لعن الواصلة والمستوصلة، ذكره البخاري وغيره6، وفي هذا زيادة في الاستدلال، وهو أن من لعنه رسول الله فقد لعنه الله لقوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4] . وروى البيهقي في المدخل7 بسنده إلى الفريابي8 قال: قال المزني أو الربيع الشك منه: كنا يوما عند الشافعي بين الظهر والعصر إذ جاء شيخ عليه جبة صوف وعمامة صوف وإزار صوف وفي يده عكازه قال: فقام الشافعي وسوى ثيابه واستوى جالسا، قال: وسلم الشيخ وجلس، وأخذ الشافعي ينظر
إلى الشيخ هيبة له، إذ قال له الشيخ: أسأل؟ قال الشافعي: سل، قال: إيش الحجة في دين الله؟ فقال الشافعي: كتاب الله، قال: وماذا؟ قال: وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: وماذا؟ قال: واتفاق الأمة، قال: من أين قلت اتفاق الأمة؟ قال: من كتاب الله، قال: من أين في كتاب الله؟ فتدبر الشافعي ساعة، فقال الشيخ: قد أجلتك ثلاثة أيام ولياليها، فإن جئت بحجة من كتاب الله عز وجل في الاتفاق وإلا تب1 إلى الله عز وجل، قال: فتغير لون الشافعي، ثم إنه ذهب فلم يخرج ثلاثة أيام ولياليهن قال: فخرج في اليوم الثالث في ذلك الوقت يعني بين الظهر والعصر وقد انتفخ وجهه ويداه ورجلاه وهو مسقام، فجلس فلم يكن بأسرع من أن جاء الشيخ فسلم وجلس فقال: حاجتي، فقال الشافعي: نعم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم قال الله عز وجل: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115] ، لا يصليه على خلاف المؤمنين إلا وهو فرض فقال: صدقت، فقام وذهب، فقال الشافعي لما ذهب الرجل: قرأت القرآن في كل يوم وليلة ثلاث مرات حتى وقفت عليه، قال ابن السبكي: يجوز أن يكون هذا الشيخ الخضر عليه السلام، وقد فهمه الشافعي حين أجله واستمع له، وأصغى لإغلاظه في القوم واعتمد على إشارته2. وبالسند المشار إليه إلى ابن السبكي3 بسنده إلى الشيخ أحمد بن محمد بن أبي الفراتي4 سمعت الشيخ أبا عبد الرحمن السلمي5 يقول: قلت مرة
للأستاذ أبي سهل الصعلوكي1 في كلام يجري بيننا: لِمَ؟ فقال لي: أما علمتَ أن من قال لأستاذه: لم لا يفلح أبدا؟ وقال الأستاذ المذكور لأبي عبد الرحمن المذكور: عقوق الوالدين يمحوه الاستغفار، وعقوق الأستاذ لا يمحوه شيء. وبالسند المذكور إلى ابن السبكي بسنده إلى أبي أحمد منصور بن محمد الأزدي2 أنشد لنفسه "من البسيط": عليك نفسك فانظر كيف تصلحها ... وخل عن عثرات الناس للناس3 فالذم للناس للمحصي معايبهم ... والحمد عندهم للغافل الناسي ومن شعر منصور المذكور "مجزوء الكامل": إن شئت أن تدعى أخا الـ ... كرم السليم من العيوب4 فاصبر على خمس بها ... يبدو النقي من المشوب
كف الأذى واخفض جنا ... حك واجتنب فخم الذنوب واغرس أصول العرف واجـ ... ـن بها مودات القلوب واعجل إلى الإنصاف طلـ ... ـق الوجه مأمون القطوب وبهذا السند إلى القاسم السقطي1 يقول: سمعت أبا الحسين الآجري2 يقول "من السريع": يمنعني عن عيب غيري الذي ... أعرفه فِيَّ من العيب3 عيوبهم بالظن مني لهم ... ولست من عيبي في ريب إن يك عيبي غاب عنهم فقد ... أحصى عيوبي عالم الغيب ففيم شغلي بسوى مهجتي ... أم كيف لا أنظر في حيي لو أنني أسمع من واعظ ... إذن كفاني واعظ الشيب
قلت: ومما ينسب للإمام الشافعي رضي الله عنه "من الطويل": عجبت لمن يبكي على عيب غيره ... دموعا ولا يبكي على عيبه دما1 وأعجب من هذا يرى عيب غيره ... صغيرا وفي عينيه من عيبه عمى وبالسند المذكور إلى ابن السبكي بسنده إلى شهدة بنت أحمد بن الفرج الإبري2 سماعا قالت: سمعت القاضي الإمام عزيزي يعني المعروف بشَيْذَلة3 من لفظه سنة 490 يقول: اللهم يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة، افعل بي ما أنت أهله، إلهي أذنبت في بعض الأوقات، وآمنت بك في كل الأوقات، فكيف يغلب بعض عمري مذنبا جميع عمري مؤمنا؟ إلهي لو سألتني حسناتي لجعلتها لك مع شدة حاجتي إليها وأنا عبد، فكيف لا أرجو أن تهب لي سيئاتي مع غناك عنها وأنت رب، فيا من أعطى خير ما في خزائنه وهو الإيمان به قبل السؤال، ولا تمنعنا أوسع ما في خزائنك وهو العفو مع السؤال، إلهي حجتي حاجتي وعدتي فاقتي فارحمني، إلهي كيف أمتنع بالذنب من الدعاء، ولا أراك تمتنع مع الذنب من العطاء، فإن غفرت فخير راحم أنت، وإن عذبت فغير ظالم أنت، إلهي أسألك تذللا فأعطني تفضلا4.
ومن شعر مولانا المرحوم شيخنا شيخ الإسلام الرضي، والد المصنف مولانا شيخ الإسلام البدر1 "من الوافر": إلهي سيدي ربي أغثني ... وخذ بيدي ومن بعد أجرني إلهي قد جنيت وأي عبد ... ضعيف الخلق مثلي ليس يجني إلهي ليس أجدر بالخطايا ... وبالتقصير والزلات مني إلهي لو أتيت بكل ذنب ... فلا أولى بعفو منك عني إلهي أنت ذو صفح جميل ... وجود واسع وعظيم من إلهي ما عصيت بغير علم ... ولا أبدا أطعت بغير إذن إلهي أن أطع فبمحض فضل ... وإن أعصي فمن نقصي ووهني إلهي ما لعبد حجة في ... تحمله الجناية والتجني إلهي إن حجتك التي قد ... علا برهانها من غير طعن
إلهي ليتني لو كنت عبدا ... بلا خطأ وهل يجدي التمني إلهي ليتني لا كنت إذ لم ... أطعك وليت أمي لم تلدني إلهي إن خوفي زاد لولا ... رجائي مت من هم وحزن إلهي من يناقش في حساب ... يعذب منه يا ربي أقلني إلهي أنت قهار رحيم ... بحقك منك يا ذخري أعذني إلهي ليس إلا أنت ربي ... فلا أبدا بغيرك تمتحني إلهي إن أسأت بغير علم ... فإني فيك قد أحسنت ظني إلهي أنت قد حققت فقري ... إليك وليس شيء عنك يغني إلهي إنني أخشى وأرجو ... أمانا منك فامنن لي بأمن إلهي غير بابك في أموري ... إذا ما ضقت ذرعا لم يسعني إلهي قد رجعت إليك عما ... سواك فلا إلى غير تكلني
إلهي مثلما أحسنت بدءا ... ففي العقبى بحقك لا تسؤني إلهي من يعين على وصولي ... إلى ما ترتضي إن لم تعني إلهي من سواك يزيل همي ... ومن أدعوه مضطرا يجبني إلهي أغن يا رب افتقاري ... فإنك أنت من يغني ويقني إلهي أنت قد أوليت فضلا ... عظيما قط لم يخطر بذهن إلهي لست أحصي ما به قد ... منحت من العطاء بلا تعن إلهي إنني عبد رضي ... فمن صفو الرضا ربي أذقني إلهي مع رضاك السقم برء ... ونار جهنم جنات عدن إلهي زد بعلم الشرع فقهي ... ومن علم الحقيقة رب زدني وبسند مولانا شيخ الإسلام المصنف من شيخه شيخ الإسلام أبي يحيى زكريا إلى أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله، الرجل يحب قوما ولما يلحق بهم؟ 1 فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "المرء مع من أحب" 2، وهذا الحديث
ورد من طرق كثيرة في وقائع كثيرة في غالبها التصريح بحب الله ورسوله، ولفظ بعضها: $"أنت مع من أحببت"1، وللعلامة شيخ الإسلام شهاب الدين ابن حجر "من السريع": وقائل هل عمل صالح ... أعددته يدفع عنك الكرب2 فقلت حسبي خدمة المصطفى ... وحبه فالمرء مع من أحب قال مولانا شيخ الإسلام البدر المصنف "من السريع": من رام يبلغ أقصى المنى ... في الحشر مع تقصيره في القرب3 فليخلص الحب لمولى الورى ... والمصطفى فالمرء مع من أحب ولشيخ الإسلام الرضي والده "من الخفيف": إن تكن عن حال الذين اجتباهم ... ربهم عاجزا وتطلب قربا4 حب مولانا والذين اصطفاهم ... تبق معهم فالمرء مع من أحبا وبسند مولانا المصنف المشار إليه من شيخه العلامة قاضي القضاة برهان
الدين بن أبي شريف المقدسي1 إجازة عن الزين القبابي2 إجازة "ح"، وعن شيخ الإسلام والده عن شيخه الحافظ البرهان البقاعي3 بسند البقاعي إلى أبي عبد الله محمد بن مسلم بن وارة الرازي4 يقول: حضرت مع أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي5 عند أبي زرعة الرازي6 وهو في النزع، فقلت لأبي حاتم: تعالَ حتى نلقنه الشهادة، فقال أبو حاتم: إني لأستحيي من أبي زرعة أن ألقنه الشهادة؛ ولكن تعالَ نتذاكر الحديث، فلعله إذا سمعه يقول، فبدأت فقلت:
حدثنا أبو عاصم النبيل1 ثنا عبد الحميد بن جعفر2 فأرتج عليَّ الحديث حتى كأني لم أسمعه ولا قرأته، فبدأ أبو حاتم فقال: حدثنا محمد بن بشار3 ثنا أبو عاصم النبيل عن عبد الحميد بن جعفر فأرتج عليه حتى كأنه ما قرأه ولا سمعه، فبدأ أو زرعة -رضي الله عنه- فقال: حدثني محمد بن بشار ثنا أبو عاصم النبيل ثنا عبد الحميد بن جعفر عن صالح بن أبي عريب4 عن كثير بن مرة5 عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله، وخرجت روحه مع الهاء قبل أن يقول دخل الجنة" 6، وذلك في سنة اثنتين وستين ومائتين. وبسنده المذكور إلى أحمد بن محمد أبي العباس الرازي قال: رأيت أبا زرعة -يعني الرازي رضي الله عنه- في المنام فقلت: يا أبا زرعة، ما فعل الله بك؟ قال:
لقيت ربي عز وجل فقال: يا أبا زرعة، إني أوتى بالطفل فآمر به إلى الجنة، فكيف من حفظ السنن على عبادي، تبوأ من الجنة حيث شئت، قال: ورأيت أبا زرعة مرة أخرى في المنام كأنه يصلي في السماء الرابعة بالملائكة فقلت: يا أبا زرعة، بم نلت أن تصلي بالملائكة؟ قال: برفع اليدين1، وبه إلى الحافظ عبد الغني2 بسنده إلى سفيان الثوري -رضي الله عنه- وقد رآه قبيصة3 في المنام فقال له قبيصة: ما فعل الله بك؟ فقال "من الطويل": نظرت إلى ربي عِيَانًا فقال لي ... هنيئا رضائي عنك يابن سعيد4 لقد كنت قواما إذا أظلم الدجى ... بعبرة مشتاق وقلب عميد فدونك فاختر أي قصر تريده ... وزرني فإني عنك غير بعيد وبسند المصنف من شيخه شيخ الإسلام أبي يحيى الأنصاري، والعلامة المحقق أبي إسحاق المقدسي5 بسند كل منهما إلى شيخ الإسلام أبي
الحسن1 السبكي بسنده وسند ابنه إلى عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر بمجلسين، أحد المجلسين يدعون الله تعالى ويرغبون إليه، والآخر يتعلمون العلم ويعلمونه فقال: "كلا المجلسين خير وأحدهما أفضل من الآخر، أما هؤلاء فيتعلمون ويعلمون الجاهل فهم أفضل، وأما هؤلاء فيدعون الله ويرغبون إليه إن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم، وإنما بعثت معلما"، ثم جلس معهم2. قال ابن السبكي: لا أعرف حديثا اجتمع فيه رواية الأبناء عن الآباء بعدد ما اجتمع في هذا، إلا ما أخبرنا به أبو الحسن محمد بن محمد بن الحسن بن نباتة الفارقي المصري3 المحدث بقراءتي عليه بسنده المجرد عن الأبناء والآباء إلى رزق الله بن عبد الوهاب التميمي4 إملاء، سمعت أبي أبا الفرج عبد الوهاب5 يقول: سمعت أبي أبا الحسن عبد العزيز6 يقول: سمعت أبي أبا
بكر الحارث1 يقول: سمعت "أبي أسدا، يقول: سمعت أبي الليث، يقول2: سمعت" أبي سليمان، يقول: سمعت أبي الأسود3، يقول: سمعت أبي سفيان يقول: سمعت أبي يزيد يقول: سمعت أبي أُكينة4 يقول: سمعت أبي الهيثم يقول: سمعت أبي عبد الله5 يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما اجتمع قوم على ذكر الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة 6 ". قال المصنف: أخبرنا شيخ الإسلام، قاضي القضاة، زين الدين أبو
يحيى زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري، تغمده الله برحمته إجازة، قال: أخبرنا العز أبو محمد الحنفي1 إذنا عن الصلاح بن أبي عمر2 وغيره عن الفخر بن البخاري3 عن فضل الله بن أبي سعد النوقاني4 عن الإمام أبي محمد البغوي5، أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي6 أنا
أبو إسحاق الثعلبي1 أخبرني ابن فَنْجَوَيه2 ثنا أحمد بن جعفر بن حمدان3 ثنا إبراهيم بن سهلويه4 ثنا علي بن محمد الطنافسي5 ثنا وكيع عن ثابت بن أبي صفيه6 عن الأصبغ بن نباتة7 عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه قال: من
أحب1 أن يكتال له بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه من مجلسه {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 180-182] . قال مصنفه نفع الله بعلمه، وأيده بحلمه: هذا آخر ما تيسر تعليقه من هذا الكتاب، نفع الله به المسلمين ببركة الكريم الوهاب، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، واختم لنا منك بخير، وأصلح لنا شأننا كله، وافعل ذلك بإخواننا وأحبابنا وسائر المسلمين. علقه مختصرا لنفسه، ثم لمن شاء الله من بعده، المفتقر إلى رحمة ربه القوي، عبد الباسط بن موسى العلموي، ثم الموقت الواعظ بالجامع الأموي، لطف الله به بجاه النبي المصطفوي.
الفهارس العامة
الفهارس العامة: 1- فهرس الآيات القرآنية: رقمها رقم الصفحة الآية 2- سورة البقرة 32 103 {سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم} 32 201 {سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا} 35، 36 114 {وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين، فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه} 44 112 {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم} 159 19 {الذين يكتمون ما أنزلنا} 258 227 {إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب} 269 63 {يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة لقد أوتي خيرا كثيرا} 282 132 {واتقوا الله ويعلمكم الله} 3- سورة آل عمران 31 85 {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} 79 117 {ولكن كونوا ربانيين} 106 199 {يوم تبيض وجوه} 187 109 {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه}
رقمها رقم الصفحة الآية 4- سورة النساء 11 203 {للذكر مثل حظ الأنثيين} 115 273 {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} 176 173 {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة} 5- سورة المائدة 44 91 {يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون} 6- سورة الأنعام 90 110 {قل لا أسألكم عليه أجرا} 7- سورة الأعراف 31 100 {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا} 8- سورة الأنفال 8 128 {ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون} 27 91 {لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون}
رقمها رقم الصفحة الآية 46 37 {إن الله مع الصابرين} 67 189 {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} 9- سورة التوبة 43 189 {عفا الله عنك لم أذنت لهم} 12- سورة يوسف 46 173 {يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات سمان} 15- سورة الحجر 88 59 {واخفض جناحك للمؤمنين} 16- سورة النحل 116 173 {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام} 17- سورة الإسراء 18-20 53 {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا، ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا، كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا}
رقمها رقم الصفحة الآية 20- سورة طه 25، 28 200 {رب اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي} 114 41 {وقل رب زدني علما} 121 114 {فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما} 21- سورة الأنبياء 79 201 {ففهمناها سليمان} 22- سورة الحج 25 238 {سواء العاكف فيه والباد} 30 59 {ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه} 32 59 {ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب} 24- سورة النور 63 60 {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} 26- سورة الشعراء 21 132 {ففررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكما} 215 115 {واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين}
رقمها رقم الصفحة الآية 28- سورة القصص 14 132 {ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما} 29- سورة العنكبوت 68 232 {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين} 31- سورة لقمان 17 82 {واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور} 33- سورة الأحزاب 4 90 {ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه} 56 255 {صلوا عليه وسلموا} 35- سورة فاطر 28 41 {إنما يخشى الله من عباده العلماء} 37- سورة الصافات 180-182 288 {سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين}
رقمها رقم الصفحة الآية 38- سورة ص 44 192 {وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث} 86 129 {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين} 39- سورة الزمر 2، 3 35 {فاعبد الله مخلصا له الدين، ألا لله الدين الخالص} 9 41 {قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون} 42- سورة الشورى 20 53 {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب} 51 86 {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا} 46- سورة الأحقاف 11 140 {وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم} 49- سورة الحجرات 11 89 {لا يسخر قوم من قوم} 12 230 {ولا تجسسوا} 12 89 {إن بعض الظن إثم}
رقمها رقم الصفحة الآية 13 89 {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} 53- سورة النجم 3، 4 230 {وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى} 32 230 {فلا تزكوا أنفسكم} 32 89 {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن أتقى} 58- سورة المجادلة 11 41 {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات} 59- سورة الحشر 7 271 {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} 8 237 {للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم} 61- سورة الصف 2، 3 53 {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} 66- سورة التحريم 6 74 {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا}
رقمها رقم الصفحة الآية 73- سورة المزمل 5 176 {إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا} 87- سورة الأعلى 6 125 {سنقرئك فلا تنسى} 9 125 {فذكر} 18 125 {إن هذا لفي الصحف الأولى} 89- سورة الفجر 14 53 {إن ربك لبالمرصاد} 98- سورة البينة 5 53 {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء} 7، 8 41 {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية، جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه} 106- سورة قريش 4 100 {وآمنهم من خوف} 112- سورة الإخلاص 1 168 {قل هو الله أحد}
فهرس الأحاديث النبوية
2- فهرس الأحاديث النبوية: رقم الصفحة الحديث حرف الهمزة 55 1- "آفة العلم النسيان، وإضاعته أن تحدث به غير أهله". 212 2- "الأئمة من قريش". 173 3- "أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار". 36 4- "الإخلاص سر من أسراري استودعته قلب من أحببت من عبادي". 231 5- "إذا تعلم الناس العلم وتركوا العمل وتحابوا بالألسن وتباغضوا بالقلوب وتقاطعوا في الأرحام لعنهم الله عند ذلك فأصمهم وأعمى أبصارهم". 44 6- "إذا جاء الموت طالب العلم وهو على هذه الحال مات شهيدا". 257 7- "إذا كتبت بسم الله الرحمن الرحيم فبين السين فيه". 160 8- "استعن بيمينك وأومأ بيده أي خط". 173 9- "أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل قتل نبيا أو قتله نبي ورجل يضل الناس بغير علم أو مصور يصور التماثيل". 54 10- "أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه". 158 11- "اطلبوا العلم يوم الإثنين فإنه ييسر لطالبيه". 63 12- "أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه". 158 13- "اغدوا في طلب العلم فإني سألت ربي أن يبارك لأمتي في بكورها". 69 14- "أفضل العبادة الفقه، وأفضل الدين الورع". 271 15- "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر".
رقم الصفحة الحديث 152 16- "الاقتصاد في النفقه نصف المعيشة والتودد إلى الناس نصف العقل وحسن السؤال نصف العلم". 54 17- "ألا إن شر الشر شرار العلماء، وإن خير الخير خيار العلماء". 212 18- "أما بنو هاشم وبنو المطلب فشيء واحد، وشبك بين أصابعه". 234 19- "أما معاوية فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه". 107 20- "أمرني الله أن أقرأ عليك". 94 21- "أن رجلا جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: علمني من غرائب العلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما صنعت في رأس العلم؟ قال: وما رأس العلم؟ قال: هل عرفت الرب؟ قال: نعم، قال: وما صنعت من حقه؟ قال: ما شاء الله، قال: هل عرفت الموت؟ قال: نعم قال: وما أعددت له؟ قال: ما شاء الله، قال: اذهب فأحكم ثم تعال نعلمك من غرائب العلم". 239 22- "ألا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب". 89 23- "إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة". 57 24- "إن أهون ما أصنع بالعالم إذا آثر الدنيا أن أنزع حلاوة مناجاتي من قلبه". 89 25- "إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم فخفت أن يقذف في قلوبكما شيئا". 131 26- "إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب".
رقم الصفحة الحديث 115 27- "إن الله أوحى إلي أن تواضعوا". 173 28- "إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبضه بقبض العلماء حتى إذا لم يُبق عالما اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا". 42 29- "إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في حجرها، وحتى الحوت في الماء، ليصلون على معلمي الناس الخير". 127 30- "إن الله يحب الصوت الخفيض ويبغض الصوت الرفيع". 41 31- "إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى بما يصنع". 84 32- "إن من خيار أمتي قوم يضحكون جهرا من سعة رحمة الله، ويبكون سرا من خوف عذابه، وأبدانهم في الأرض وقلوبهم في السماء، أرواحهم في الدنيا وقلوبهم في الآخرة". 120 33- "إن من الشجر شجرة". 115 34- "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس". 108 35- "إنا زعيم ببيت في ربض الجنة، وببيت في وسط الجنة، وببيت في أعلى الجنة، لمن ترك المراء وإن كان محقا، وترك الكذب وإن كان مازحا، وحسن خلقه". 280 36- "أنت مع من أحببت". 35 37- "إنما الأعمال بالنيات". 53 38- "أول من يدخل النار ويسحب كل منهم على وجهه".
رقم الصفحة الحديث حرف الباء 99، 100 39- "بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه". 123، 124 40- "باسم الله وبالله حسبي الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، اللهم ثبت جناني، وأدِرْ على الحق لساني". 85 41- "بني الدين على النظافة، والقلب منزل الملائكة ومهبط أثرهم". 158 42- "بورك لأمتي في بكورها". 158 43- "بورك لأمتي في بكورها يوم سبتها وخميسها". حرف التاء 144 44- "تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة والوقار وتواضعوا لمن تعلمون منه". 82 45- "تعلموا اليقين". 189 46- "تقتل مقاتلهم وتسبى ذراريهم". حرف الثاء 53، 54 47- "ثلاثة أول من تسعر النار لهم يوم القيامة: المجاهد ليقال شجاع، والعالم ليقال عالم، والقارئ ليقال قارئ". 60 48- "ثلاثة لا يستخف بهم إلا منافق: ذو الشيبة في الإسلام، وذو العلم، وإمام مقسط". حرف الحاء 229 49- "الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب".
رقم الصفحة الحديث 138 50- "حفت الجنة بالمكاره". حرف الخاء 68 51- "خصلتان لا تجتمعان في منافق: حسن سمت، ولا فقه في الدين". 134 52- "خيركم بعد المائتين كل خفيف الحاذ، قيل: يا رسول الله، ومن خفيف الحاذ؟ قال: من لا أهل له ولا مال". حرف الدال 154 53- "دعوا ظهري للملائكة". 135 54- "الدنيا خضرة حلوة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الله واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت من النساء". حرف الراء 65 55- "رب مبلغ أوعى من سامع". حرف السين 175 56- "سيكون أقوام من أمتي يتعاطون فقهاؤهم عضل المسائل أولئك شرار أمتي". حرف الطاء 42 75- "طلب العلم فريضة على كل مسلم". حرف العين 212 85- "عالم قريش يملأ الأرض علما". 89 59- "على رسلكما إنها صفية". 91 60- "العلماء أمناء الرسل على عباده ما لم يخالطوا السلطان، فإذا فعلوا ذلك فقد خانوا الرسل فاحذروهم واعتزلوهم".
رقم الصفحة الحديث 116 61- "علموا ولا تعنفوا فإن المعلم خير من المعنف". حرف الغين 230 62- "الغيبة أشد من الزنا". حرف الفاء 67 63- "فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد". 41 64- "فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم". حرف القاف 212 65- "قدموا قريشا، وفي رواية: ولا تقدموها". 43 66- "قليل العلم خير من كثير العبادة". 160 67- "قيدوا العلم، قلت: وما تقييده؟ قال: كتابته". حرف الكاف 54 68- "كل علم وبال على صاحبه يوم القيامة إلا من عمل به". 284 69- "كلا المجلسين خير وأحدهما أفضل من الآخر أما هؤلاء فيتعلمون ويعلمون الجاهل فهم أفضل، وأما هؤلاء فيدعون الله ويرغبون إليه إن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم، وإنما بعثت معلما". 74 70- "كلكم راع ومسئول عن رعيته". 107 71- "الكلمة الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها التقطها، وفي رواية: فهو أحق بها". حرف اللام 41 72- "لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من الدنيا وما فيها".
رقم الصفحة الحديث 86 73- "لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب". 178 74- "لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها". 236 75- "لا ضرر ولا ضرار". 113 76- "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". 260 77- "لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه". 229 78- "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر". 189 79- "لقد حكمت بحكم الله". 65 80- "اللهم ارحم خلفائي" قيل: من خلفاؤك؟ قال: "الذين يأتون من بعدي فيروون أحاديثي ويعلمونها الناس". 123 81- "اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي، عز جارك، وجل ثناؤك، ولا إله غيرك". 65، 109 82- "ليبلغ الشاهد الغائب". 59 83- "ليس من أمتي من لم يحمل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويوف لعاملنا". 116 84- "لينوا لمن تعلمون ولمن تتعلمون منه". حرف الميم 285 85- "ما اجتمع قوم على ذكر الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة". 135 86- "ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء". 158، 159 87- "ما من شيء بدئ يوم الأربعاء إلا وقد تم". 230 88-" المؤمن غير حقود".
رقم الصفحة الحديث 109، 130 89- "المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور". 132 90- "مثل الذي يتعلم العلم في صغره كالنقش على الحجر ومثل الذي يتعلم العلم في كبره كالذي يكتب على الماء". 54 91- "مثل الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه، مثل الفتيلة يضيء الناس، ويحرق نفسه". 43 92- "مجلس فقه خير من عبادة ستين سنة". 279 93- "المرء مع من أحب". 59 94- "من آذى فقيها فقد آذى رسول الله، ومن آذى رسول الله فقد أذى الله عز وجل". 59 95- "من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب". 190 96- "من اجتهد وأصاب فله أجران ومن اجتهد وأخطأ فله أجر واحد فإن قصر أثم". 65 97- "من أدى إلى أمتي حديثا تقام به سنة أو تثلم به بدعة فله الجنة". 143 98- "من أراد أن يتمثل الناس له قياما فليتبوأ مقعده من النار". 237 99- "من أغلق بابه فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن". 173 100- "من أفتى بفتيا من غير ثبت –وفي لفظ: بغير علم- فإنما إثمه على من أفتاه". 66 101- "من بلغه عن الله فضيلة فلم يصدقها لم ينلها". 66 102- "من بلغه عني حديث فكذَّب به فقد كذَّب ثلاثة: الله، ورسوله، والذي حدث به".
رقم الصفحة الحديث 66 103- "من تعلم حديثين اثنين ينفع بهما نفسه أو يعلمهما غيره فينتفع بهما كان خيرا من عبادة ستين سنة". 54 104- "من تعلم علما لغير الله فليتبوأ مقعده من النار". 64 105- "من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ". 66 106- "من حدث عني حديثا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين". 66 107- "من حفظ على أمتي أربعين حديثا من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة فقيها وكنت له شافعا". 66 108- "من رد حديثا بلغه عني فأنا مخاصمه يوم القيامة فإذا بلغكم عني حديث فلم تعرفوه فقولوا الله أعلم". 205 109- "من سب أصحابي فاقتلوه". 257 110- "من صلى علي في كتاب لم تزل الملائكة تستغفر له ما دام اسمي في ذلك الكتاب". 54 111- "من طلب العلم ليجاري به العلماء، أو ليماري به السفهاء، ويصرف به وجه الناس إليه أدخله الله النار". 42 112- "من طلب علما فأدركه كتب الله له كفلين من الأجر، ومن طلب علما فلم يدركه كتب الله له كفلا من الأجر". 95 113- "من عمل بما علم ورثه الله علم ما لم يعلم". 43 114- "من غدا إلى المسجد لا يريد إلا ليتعلم خيرا أو ليعلمه كان له كأجر معتمر تام العمرة، ومن راح إلى المسجد لا يريد إلا ليتعلم خيرا أو يعلمه فله أجر حاج تام الحجة". 55 115- "من قال أنا عالم فهو جاهل". 64 116- "من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار".
رقم الصفحة الحديث 64 117- "من قال في القرآن بغير ما يعلم جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار". 282 118- "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله، وخرجت روحه مع الهاء قبل أن يقول دخل الجنة". 54 119- "من كتم علما مما ينفع الله الناس به في أمر الدين ألجمه الله يوم القيامة بلجام نار". 66 120- "من كذب علي متعمدا أو رد شيئا أمرت به فليتبوأ بيتا في جهنم". 41، 68 121- "من يرد الله به خيرا يفقه في الدين". 212 122- "الناس تبع لقريش في الخير والشر". حرف النون 65 123- "نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها". 65 124- "نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره". 43 125- "نوم مع علم خير من صلاة على جهل". 36 126- "نية المؤمن أبلغ من عمله". 36 127- "نية المؤمن خير من عمله". حرف الهاء 239 128- "هلا انتفعتم بجلدها". حرف الواو 55 129- "واضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ والذهب". 238 130- "وهو ترك لنا عقيل من نار".
رقم الصفحة الحديث حرف الياء 164 131- "يا أخا ثقيف إن الأنصاري قد سبقك بالمسألة فاجلس كيما نبدأ بحاجة الأنصاري قبل حاجتك". 256، 257 132- "يا معاوية ألق الدواة حرف القلم وانصب الباء وفرق السين ولا تعور الميم وحسن الله ومد الرحمن وجود الرحيم وضع قلمك على أذنك اليسرى فإنه أذكر لك". 230 133- "يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه لا تتبعوا عورات المسلمين فمن تتبع عورة مسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته". 212 134- "يبعث الله في رأس كل مائة سنة رجلا من أهل بيتي يبين لهم أمر دينهم". 212 135- "يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها". 55 136- "يظهر الدين حتى يجاوز البحار ثم يأتي من بعدكم أقوام يقرءون القرآن يقولون: من أقرأ منا؟ ومن أعلم منا؟ ثم التفت إلى أصحابه فقال: هل في أولئك من خير؟ قالوا: لا، قال: أولئك من هذه الأمة وأؤلئك هم وقود النار". 43 137- "يقول الله عز وجل للعلماء يوم القيامة: إني لم أجعل علمي وحلمي فيكم إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان فيكم ولا أبالي". 82 138- "اليقين الإيمان كله".
فهرس الأعلام والأقوام والجماعات
3- فهرس الأعلام والأقوام والجماعات: حرف الهمزة آدم عليه السلام: 114 الآدميين: 235 أئمة الخلاف: 187 أئمة الدين: 208 أئمة الفتوى: 207 أئمة المالكية: 119 أئمة المذهب: 149، 182، 260 إبراهيم عليه السلام: 102، 227 إبراهيم بن أدهم: 135 إبراهيم بن سهلويه: 287 إبراهيم النخي: 238 إبليس: 229 أبناء الدنيا: 90 ابن الأرغياني: 168 ابن برهان: 182 ابن جماعة: 123، 131، 148، 153؛ 154، 156، 161، 167 ابن حبان: 265 ابن حجر: 125، 169، 264، 280 ابن خزيمة: 195 ابن خلدة: 175 ابن الخليفة المهدي: 142 ابن داود: 243، 245 ابن السبكي: 169، 235، 247، 270، 273، 274، 284 ابن سريج: 243، 245 ابن سعيد: 283 ابن السمعاني: 215 ابن سيرين: 57 ابن شهاب: 110، 151 ابن الصباغ: 182 ابن صفية: 258 ابن الصلاح: 181، 183، 184، 186، 191، 193، 203، 206، 207، 262، 264 ابن عباس رضي الله عنه: 59، 63، 101، 114، 129، 132، 144، 146، 147، 174، 205، 229، 239 ابن عساكر: 60 ابن عكيم: 239 ابن عمر رضي الله عنه: 120، 130، 163، 175 ابن عمران: 56 ابن عيينة: 176 ابن فنجويه: 287 ابن ماجه "القزويني" 159، 265 ابن المبارك: 269
ابن مسعود: 67، 91، 93، 129، 176، 198، 226، 272 ابن المسيب: 176، 198 ابن الملقن: 118، 265 أبو أحمد "منصور بن محمد الأزدي": 274 أبو إسحاق: 182، 185، 191، 199، 203، 210 أبو إسحاق الثعلبي: 287 أبو إسحاق الشيرازي: 167 أبو إسحاق المقدسي: 283 أبو بكر الآجري: 269 أبو بكر بن الحارث: 284، 285 أبو بكر بن دريد: 129 أبو بكر الصديق: 63، 98، 116، 148، 271 أبو بكر "محمد بن داود" 243 أبو جعفر المنصور: 81 أبو جعفر النحاس: 81 أبو جهم: 234 أبو حاتم "محمد بن إدريس الرازي" 281 أبو حامد القاضي: 198، 202 أبو الحسن الأشعري: 246، 248 أبو الحسن السبكي: 284 أبو الحسن عبد العزيز: 284 أبو الحسن "عبد الله بن أحمد بن محمد الداودي": 243 أبو الحسن القابسي: 199 أبو الحسن "محمد بن محمد بن الحسن بن نباتة الفارقي المصري": 284 أبو الحسن الآجري: 275 أبو الحصين التابعي: 174 أبو حنيفة النعمان: 44، 59، 88، 109، 116، 159، 176، 196، 204، 211، 221، 224، 241، 265 أبو داود السجستاني: 42، 159، 565 أبو الدرداء: 198 أبو زرعة الرازي: 281 أبو سعيد الخدري: 66 أبو سفيان الأموي: 237 أبو سلمة بن عبد الرحمن: 234 أبو سهل الصعلوكي: 274 أبو الطيب القاضي الطبري: 192، 270 أبو عاصم النبيل: 282 أبو العباس "أحمد بن سريج": 243 أبو العباس الرازي "أحمد بن محمد": 282 أبو عبد الرحمن السلمي: 273 أبو عبد الله التلمساني: 169
أبو عبد الله "محمد بن مسلم بن وارة الرازي": 281 أبو عبد الله الحليمي: 188 أبو العتاهية: 251 أبو عثمان "محمد ابن الإمام الشافعي": 127 أبو علي الجبائي: 246 أبو علي السنجي: 183 أبو عمر "محمد بن يوسف": 243 أبو عمرو بن الصلاح: 179، 181، 188، 209 أبو الفرج ابن الجوزي: 93 أبو الفرج عبد الوهاب: 284 أبو القاسم السقطي: 275 أبو القاسم القزويني: 193 أبو المحاسن الروياني: 188 أبو محمد: 235 أبو محمد البغوي: 286 أبو محمد الجويني: 188 أبو موسى الأشعري: 198، 226 أبو هريرة: 257 أبو الوفاء بن عقيل: 176، 168 أبو يحيى الأنصاري: 283 أبو يحيى زكريا: 279 أبو يعقوب: 237 أبو يوسف القاضي: 82 أبي بن كعب: 107، 198 الأحبار: 91 أحمد بن إبراهيم الشريحي "أبو سعيد": 287 أحمد بن جعفر بن حمدان: 287 أحمد بن حنبل: 35، 60، 106، 143، 182، 211، 221، 231، 236، 239، 240، 256، 265 أحمد بن سريج: 243 أحمد بن محمد بن أبي الفرات: 273 أحمد بن محمد "أبو العباس الرازي": 282 أخو الخليل بن أحمد: 140 أرباب الولايات: 221 أسامة بن زيد: 135 إسحاق بن إبراهيم الحنظلي: 237 إسحاق بن راهويه: 237، 239 أسد بن الليث: 285 أسرى بدر: 189 الإسكندر: 45 الأسود بن سفيان: 285 الأصبغ بن نباتة: 287
أصحاب الحديث: 42 أصحاب الرسول: 174 أصحاب العلم: 90 أصحاب النبي: 154 أصحاب الوجوه: 184 الأطباء: 101 أطفال المشركين: 177 أعرابي: 115 الأعمش: 67 أكينة: 285 أم حبيبة: 202 أم سلمة: 234 إمام الحرمين: 134، 169، 185، 186 الإمام عزيزي "شيذلة": 276 امرأة: 178، 191، 204، 205، 226، 233، 272 امرؤ القيس: 213 أمير الكوفة: 226 أمير المؤمنين: 203 الأنبياء: 44، 113، 137، 140، 150، 160، 173، 177، 256 أنس بن مالك: 67، 279 الأنصار: 174 أنصاري: 164 أهل الأهواء: 91، 180 أهل البادية: 57 أهل بدر: 174 أهل البلد: 154، 193، 194، 210 أهل البيت: 212 أهل التفسير: 208 أهل الجنة: 89 أهل خراسان: 238 أهل الدرجات: 248 أهل الدركات: 248 أهل الدين: 226، 229 أهل الزمان: 92 أهل السماوات: 42 أهل العلم: 45، 55، 110، 111، 216، 231، 259 أهل القرى: 57 أهل المحامد: 47 أهل المدينة: 242 أهل مرو: 237 أهل المغرب: 264 أهل مكة: 237 الأوزاعي: 91 أولاد الخلفاء: 142
أولياء الله: 50، 59 أيوب عليه السلام: 192 حرف الباء البخاري: 35، 59، 159، 168، 254، 264، 265، 272 بدر الدين بن جماعة: 148، 67 البراء: 174 البرهان البقاعي: 281 البرهان بن جماعة: 154 برهان الدين بن أبي شريف المقدسي: 281 البرهان الناجي الحافظ: 100 بشر الحافي: 135 بشر المدني: 242 بشر المريسي: 242 بعض أصحاب الأصول: 183 بعض البلغاء: 259 بعض الحكماء: 163، 165 بعض السلف: 192، 257 بعض الصالحين: 103 بعض العلماء: 100 بعض الفقهاء: 216 بعض المحدثين: 42 بكر بن خنيس: 102 بنو إسرائيل: 95، 135 بنو حنيفة: 246، 247 بنو قريظة: 189 بنو المطلب: 212 بنو هاشم: 212 البويطي: 116، 196 البيهقي: 35، 272 حرف التاء الترمذي: 159، 265 تقي الدين بن قاضي عجلون: 197 حرف الثاء ثابت: 67 ثابت بن أبي صفية: 287 ثوبان: 175 حرف الجيم جابر: 257 جارية: 236 الجبائي: 246، 248 جبريل: 247 جرير: 247 جعفر بن محمد: 84 جماعات من التابعين: 106، 197 جماعة من الأئمة: 265 جماعة من الصحابة: 106، 197
جماعة من الفقهاء: 64 الجنيد: 37 حرف الحاء حاتم الأصم: 94 الحارث المحاسبي: 38 الحاكم: 193 الحجاج: 93 حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: 91، 96، 198، 271 حرملة: 196 حسان بن ثابت الأنصاري: 246 الحسن البصري: 238 الحسن بن زياد اللؤلؤي: 241 الحسن بن علي: 160 الحسن بن محمد بن شرفشاه الاستراباذي: 177 حماد الصفاري الأنصاري "قوام الدين": 48 حمدان بن الأصبهاني: 142 الحميدي: 106، 235 الحنابلة: 211 حنفي: 210 الحنفية: 211، 260 حوى "عليها السلام" 114 حرف الخاء الخراسانيين: 196 الخضر: 55، 144، 273 الخطيب البغدادي: 133، 158، 163، 166، 178، 179، 193، 202، 206، 214، 252، 257 الخلفاء: 110، 219، 220 الخلفاء الأربعة: 197 الخلفاء الراشدون: 71، 197، 219 الخلق: 37، 88، 112، 225 الخليل بن أحمد الفراهيدي: 140، 152 الخليل بن أحمد السجزي الحنفي القاضي: 48 الخوارج: 180 حرف الدال الدارقطني: 265 داود "عليه السلام": 102 داود الظاهري: 182، 211، 260 الدميري: 233 حرف الذال ذوي الألباب: 95 ذوو القربى: 212
حرف الراء الرافضة: 180 الربانيون: 91، 106 ربعي بن حراش: 271 الربيع: 127، 138، 142، 196، 272 الربيع الجيزي: 196 الربيع المرادي: 196 ربيعة: 175، 180 رجل كوفي: 241 رجل من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم: 212 رجل من الأنصار: 160 رجل من أهل المدينة: 242 رجل من أهل مرو: 237 رجل من ثقيف: 164 رزق الله بن عبد الوهاب التميمي: 284 رسول الله صلى الله عليه وسلم: 35، 36، 38، 41، 42، 44، 54، 59، 60، 61، 62، 68، 71، 82، 84، 85، 89، 91، 94، 95، 96، 106، 108، 115، 116، 123، 129، 134 حرف الزاي الزبير بن العوام: 258 زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري: 269، 286 زكريا بن يحيى الساجي: 42 الزمخشري: 49 الزنادقة: 201 الزهري: 110، 151، 234، 239، 252 زيد بن ثابت: 144، 147، 198، 257 الزين القبابي: 281 حرف السين السبكي: 240 السري: 37 سعد بن معاذ: 189 سعيد بن جبير: 107 سفيان بن الأسود الدؤلي: 285 سفيان الثوري: 57، 134 سفيان بن عيينة: 81، 146، 271 السقطي: 275 السلف: 36، 68، 69، 71، 72، 91، 104، 106، 141، 156، 180، 192، 200، 203، 207، 208، 209، 223، 227، 233، 253، 255، 256 سلمان: 198 سليمان عليه السلام: 201
سليمان بن الأسود: 285 السمعاني: 214، 215 سُنَيد: 103 سهل بن عبد الله التستري: 44، 132 حرف الشين الشاذكوني: 143 الشافعي: 35، 44، 47، 59، 72، 75، 81، 83، 96، 106، 116، 127، 132، 138، 141، 142، 146، 159، 176، 183، 184، 185، 188، 194، 195، 196، 211، 212، 213، 223، 224، 231، 233، 235، 236، 237، 240، 241، 242، 245، 252، 254، 259، 270، 272، 273، 276 شافعي – شافعيين – شافعية: 210، 242، 260 الشبلي "أبو بكر": 86، 109 الشراة: 180 شريح الكندي: 180 شريك: 142 شقيق البلخي: 94 شهدة بنت أحمد بن الفرج الإبري: 276 شيخ الإسلام صاحب الأصل بدر الدين الغزي: 280 شيخ الإسلام والد المصنف: 97، 101، 277، 279 شيخ من قريش: 177 الشيخان: 120 شيذلة "الإمام عزيزي": 276 حرف الصاد صاحب الأحوذي: 167 صاحب الحاوي: 179، 201، 206 صالح بن أبي عربي: 282 صالح بن حيان: 264 صبيغ بن عسل: 207 الصحابة: 64، 71، 92، 96، 106، 119، 155، 197، 205، 210، 223، 224، 225، 258 صفية - أم الزبير بن العوام: 258 صفية - أم المؤمنين: 89 الصلاح بن أبي عمر: 286 الصيمري: 178، 193، 199، 202، 203، 204، 206، 207، 216 حرف الطاء الطائي: 270 طارق بن شهاب: 272 طاهر بن الحسين: 90 طاوس: 238
الطبراني: 158 حرف العين عائشة - أم المؤمنين رضي الله عنها: 116 عامر الشعبي: 264 عبد الباسط بن موسى العلموي: 288 عبد الحميد بن جعفر: 282 الإمام عبد الحميد بن عيسى الخسروشاهي: 104 عبد الرحمن "علم": 257 عبد الرحمن بن صخر الدوسي "أبو هريرة": 257 عبد الرحمن بن أبي ليلى: 173 عبد الرحمن بن عوف: 148 عبد الغني الحافظ: 283 عبد الله "علم": 257 عبد الله بن أحمد بن محمد الداودي: 243 عبد الله التميمي: 285 عبد الله بن عكيم: 239 عبد الله بن عمر: 284 عبد الملك بن عمير: 271 عبيد الله بن عبد الله: 239 عثمان: 96 العراقي: 125، 255، 257، 263 العراقيون: 196 العرب: 57، 77، 120، 234، 254 عروة بن الزبير: 259 العز أبو محمد الحنفي: 186 عطاء: 151، 238 عطاء بن السائب التابعي: 175 عقيل: 238 عكرمة: 175 علي بن أبي طالب: 41، 43، 45، 57، 66، 92، 112، 129، 136، 148، 161، 203، 226، 287 علي بن خشرم: 58 علي بن عبد العزيز الجرجاني "القاضي": 110 علي بن محمد الطنافسي: 287 علي بن المديني: 142 عمار: 198 عمر بن الخطاب: 55، 57، 63، 84، 96، 129، 132، 160، 168، 174، 194، 207، 237، 256، 258، 271 عمر بن عبد العزيز: 213 عمرو بن شعيب: 106 عمرو بن علي: 143 عوف: 198 عياض "القاضي": 259، 263
عيسى: 56، 102 حرف الغين الغزالي: 72، 92، 140، 141، 182، 208، 219، 221 حرف الفاء فاطمة بنت قيس: 234 فتح الموصلي: 38 الفخر بن البخاري: 286 فخر الدين الرازي: 104، 105 الفريابي: 272 الفضل بن الربيع: 241 فضل الله بن أبي سعد النوقاني: 286 الفضيل بن عياض: 37 الفقهاء: 44، 64، 216، 219، 229 حرف القاف القاسم: 84 القاسم بن محمد بن أبي بكر: 177 قبيصة: 283 قتادة: 67 قريش: 100، 212 القشيري: 37 القفال المروزي: 132، 183، 188، 210 قيس بن مسلم: 272 قيصر: 240 حرف الكاف كثير بن مرة: 282 كسرى: 240 كميل بن زياد: 43 الكوفي: 241 حرف اللام اللؤلؤي: 241 الليث بن سليمان: 285 حرف الميم مالك: 68، 84، 123، 142، 159، 176، 180، 181، 182، 200، 210، 221، 233، 234، 265 المالكية: 211، 260 الماوردي: 188 المبرد: 247 المتنبي: 51 مجاهد: 58، 107 المحاسبي: 87 محمد صلى الله عليه وسلم: 33، 71، 102، 103، 200، 201، 202، 240، 288 محمد بن أبي بكر: 177 محمد بن إدريس الرازي "أبو حاتم": 281 محمد بن إدريس الشافعي: 213
محمد بن إسماعيل البخاري: 168 محمد بن بشار: 282 محمد بن الحسن الشيباني: 47، 19، 223، 235، 236، 252 محمد بن داود: 243 محمد بن سهل: 47 محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: 235 محمد بن محمد بن الحسن بن نباتة الفارقي المصري "أبو الحسن": 284 محمد بن محمد بن محمد بن الرضي الغزي الشافعي: 33 محمد بن مسلم بن وارة الرازي: 281 محمد بن المنكدر: 184 محمد بن يوسف: 243 المحيوي النووي: 33، 125 المزني: 167، 183، 196، 270، 272 مسعر بن كدام: 271 مسلم بن الحجاج القشيري: 53، 138، 159، 202، 253، 265 معاذ بن جبل: 41، 108، 148، 198، 282 المعافي بن زكريا الموصلي: 87 معاوية بن أبي سفيان: 175، 234، 256 معاوية بن الحكم: 115 معاوية بن قرة: 160 المعتزلة: 220 مكحول: 200 منصور التميمي: 409 منصور بن محمد الأزدي: 274 المهدي "الخليفة": 142 المؤيد: 169 موسى "النبي": 55، 102، 130، 144 ميمونة: 230 حرف النون النابغة: 213 الناس: 38، 42، 51، 54 النبيون: 91 نجم الدين بن قاضي عجلون: 197 النسائي: 159، 265 النووي: 33، 36، 42، 73، 75، 88، 122، 130، 154، 185، 191، 202، 207، 208، 210، 215، 256، 269 حرف الهاء هداة الإسلام: 255 هشام: 93 هشام صاحب الدستوائي: 56 هشام بن عروة بن الزبير: 259
الهيثم بن عبد الله: 285 حرف الواو وكيع: 58، 251، 287 وهب بن منبه: 44 حرف الياء يحيى بن أبي كثير: 138، 259 يحيى بن سعيد: 176، 180 يحيى بن سعيد القطان: 142 يحيى بن معاذ الرازي: 90 يحيى بن قعين: 143 يزيد بن أكينة: 285 يوسف النبي: 173
فهرس الكتب المذكورة في متن الكتاب
4- فهرس الكتب المذكورة في متن الكتاب: رقم الصفحة اسم الكتاب 93 1- الأحاديث الموضوعة لابن الجوزي 36 2- إحياء علوم الدين 36 3- الأربعين النووية 72، 208 4- إلجام العوام عن علم الكلام للغزالي 95، 102 5- الإنجيل 167 6- تحفة الأحوذي 124، 154 7- الترخيص في الإكرام بالقيام لذوي الفضل والمزية من أهل الإسلام للنووي 192 8- التعليقة لابن الطيب الطبري 95، 102 9- التوراة 159 10- جامع الترمذي 36 11- الجامع الصحيح للبخاري 252 12- الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي 179، 202، 206 13- الحاوي 211 14- الحجة للشافعي 233 15- حياة الحيوان للدميري 33 16- الدر النضير في أدب المفيد والمستفيد 37 17- الرسالة القشيرية 87 18- الرعاية للمحاسبي 214 19- الروضة 95، 102 20- الزبور 159 21- سنن ابن ماجه 159 22- سنن أبي داود
رقم الصفحة اسم الكتاب 159 23- سنن النسائي 33 24- شرح المهذب 177 25- شروح المقدمة في النحو للاستراباذي 36 26- شعب الإيمان للبيهقي 102 27- صحف إبراهيم 106، 109، 113، 123، 130، 138، 159، 168، 264 28- صحيح البخاري 106، 109، 113، 123، 130، 138، 159 29- صحيح مسلم 169 30- طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 33 31- العقد التليد في اختصار الدر النضيد 265 32- العمدة لابن الملقن 185 33- الغياثي لإمام الحرمين 219 34- فاتحة العلوم للغزالي 183 35- فتاوى القفال 169، 264 36- فتح الباري لابن حجر العسقلاني 95، 102 37- الفرقان 100، 101 38- قلائد العقيان فيما يورث الفقر والنسيان للبرهان الناجي 105 39- المحصول في علم الأصول لفخر الدين الرازي 183 40- المختصر للمزني
رقم الصفحة اسم الكتاب 272 41- المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي 159 42- مسند الشافعي 33 43- المعيد في أدبي المفيد والمستفيد 177 44- المقدمة في النحو للحسن بن محمد بن شرفشاه الاستراباذي 168 45- المهذب للشيرازي 159 46- موطأ الإمام مالك 101 47- نظم القلائد 169 48- نهاية المطلب
فهرس الأشعار والأرجاز
5- فهرس الأشعار والأرجاز: الصفحة البحر الأشعار والأرجاز قافية الهمزة ولآخر: 50 الخفيف علم العلم من أتاك لعلم واغتنم ما حييت منه الدعاء وليكن عندك الغني إذا ما طلب العلم والفقير سواء ولهم في فضل العلم أشعار كثيرة حسنة من عيونها ما روي عن علي رضي الله عنه: 45 البسيط ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم على الهدى لمن استهدى أدلاء وقدر كل امرئ ما كان يحسنه والجاهلون لأهل العلم أعداء ففز بعلم ولا تجهل به أبدا فالناس موتى وأهل العلم أحياء قال حسان بن ثابت رضي الله عنه: 246 الوافر فنحكم بالقوافي من هجانا ونضرب حين تختلط الدماء قافية الباء قال الإمام المعافي بن زكريا الموصلي: 88 المتقارب ألا قل لمن كان لي حاسدا أتدري على من أسأت الأدب أسأت على الله في فعله لأنك لم ترضَ لي ما وهب
الصفحة البحر الأشعار والأرجاز فجازاك عني بأن زادني وسد عليك وجوه الطلب قال مولانا شيخ الإسلام البدر المصنف: 280 السريع من رام أن يبلغ أقصى المنى في الحشر مع تقصيره في القرب فليخلص الحب لمولى الورى والمصطفى فالمرء مع من أحب قال شهاب الدين بن حجر: 280 السريع وقائل هل عمل صالح أعدته يدفع عنك الكرب فقلت حسبي خدمة المصطفى وحبه فالمرء مع من أحب وما جاء عن أبي الأسود الدؤلي رحمه الله تعالى: 46 البسيط العلم زين وتشريف لصاحبه فاطلب هديت فنون العلم والأدبا لا خير فمن له أصل بلا أدب حتى يكون على ما زانه حدبا في بيت مكرمة آباؤه نخب كانوا الرءوس فأمسى كلهم ذنبا وخامل مقرف الآباء ذي أدب نال المعالي بالآداب والرتبا أمسى عزيزا عظيم الشأن مشتهرا في خده صعر قد ظل محتجبا
الصفحة البحر الأشعار والأرجاز العلم كنز وذخر لا نفاد له نعم القرين إذا ما صاحب صحبا قد يجمع المرء مالا ثم يحرمه عما قليل فيلقى الذل والحربا وجامع العلم مغبوط به أبدا ولا يحاذر منه الفوت والسلبا يا جامع العلم نعم الذخر تجمعه لا تعدلن به درا ولا ذهبا ولشيخ الإسلام الرضي والده: 280 الخفيف إن تكن عن حال الذين اجتباهم ربهم عاجزا وتطلب قربا حب مولانا والذين اصطفاهم تبق معهم فالمرء مع من أحبا وهذان البيتان لجرير: 247 الكامل أبني حنيفة نهنهوا سفهاءكم إني أخاف عليكم أن أغضبا أبني حنيفة إنني إن أهجكم أدع اليمامة لا تواري أرنبا 97 الوافر عدوك من صديقك مستفاد فلا تستكثرن من الصحاب فإن الداء أول ما تراه يكون من الطعام أو الشراب
الصفحة البحر الأشعار والأرجاز ومن شعر منصور المذكور: 274، 275 مجزوء الكامل إن شئت أن تدعى أخا الـ ـكرم السليم من العيوب فاصبر على خمس بها يبدو النقي من المشوب كف الأذى واخفض جنا حك واجتنب فخم الذنوب واغرس أصول العرف واجـ ـن بها مودات القلوب واعجل إلى الإنصاف طلـ ـق الوجه مأمون القطوب أبا الحسين الآجري يقول: 275 السريع يمنعني عن عيب غيري الذي أعرفه فيَّ من العيب عيوبهم بالظن مني لهم ولست من عيبي في ريب إن يك عيبي غاب عنهم فقد أحصى عيوبي عالم الغيب ففيم شغلي بسوى مهجتي أم كيف لا أنظر في جيبي لو أنني أسمع من واعظ إذن كفاني واعظ الشيب
الصفحة البحر الأشعار والأرجاز قافية التاء وقد أخبر شيخنا شيخ الإسلام تقي الدين بن قاضي عجلون عن أخيه شيخ الإسلام نجم الدين أنه جمع أسماء الذين أفتوا في عهد سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قوله: 197، 198 الطويل لقد كان يفتى في زماننا نبينا مع الخلفاء الراشدين أئمة معاذ وعمار وزيد بن ثابت أبي ابن مسعود وعوف وحذيفة ومنهم أبو موسى وسلمان حبرهم كذاك أبو الدرداء وهو تتمة وأفتى بمرآه أبو بكر الرضي وصدقه فيها وتلك مزية قال ابن سريج: 245 الكامل ومساهر بالغنج من لحظاته قد بت أمنعه لذيذ سناته صبا بحسن حديثه وعتابه وأكرر اللحظات في وجناته حتى إذا ما الصبح لاح عموده ولي بخاتم ربه وبسراته قافية الميم 86 المديد إن بيتا أنت ساكنه غير محتاج إلى السرج
الصفحة البحر الأشعار والأرجاز ومريضا أنت عائده قد أتاه الله بالفرج وجهك المأمول حجتنا يوم تأتي الناس بالحجج قافية الحاء كان ابن المبارك كثيرا ما يتمثل بهذه الأبيات: 269، 270 الخفيف اغتنم ركعتين زلفى إلى اللـ ـه إذا كنت فارغا مستريحا وإذا ما هممت بالنطق بالبا طل فاجعل مكانه تسبيحا قافية الدال ولأبي حنيفة رحمه الله في الحسد: 88 البسيط إن يحسدوني فإني غير لائمهم قبلي كثيرا أهالي الفضل قد حسدوا فدام بي وبهم ما بي وما بهم ومات أكثرنا غيظا بما يجد قال أحمد بن محمد أبو العباس الرازي: 283 الطويل نظرت إلى ربي عيانا فقال لي هنيئا رضائي عنك يابن سعيد لقد كنت قواما إذا أظلم الدجى بعبرة مشتاق وقلب عميد فدونك فاختر أي قصر تريده وزرني فإني عنك غير بعيد
الصفحة البحر الأشعار والأرجاز وما أنشد الشيخ قوام الدين حماد الصفاري الأنصاري لشيخه القاضي الخليل بن أحمد السجزي الحنفي: 48، 49 الخفيف اخدم العلم خدمة المستفيد وأدم درسه بفعل حميد وإذا ما حفظت شيئا أعده ثم أكده غاية التأكيد ثم علقه كي تعود إليه وإلى درسه على التأبيد وإذا ما أمنت منه فواتا فانتدب بعده لشيء جديد مع تكرار ما تقدم منه واقتناء لشأن هذا المزيد ذاكر الناس بالعلوم لتحيا لا تكن من أولى النهى ببعيد إن كتمت العلوم أنسيت حتى لا ترى غير جاهل وبليد ثم ألجمت في القيامة نارا وتلهبت في العذاب الشديد وما نسب لمحمد بن الحسن: 47 الطويل تعلم فإن العلم زين لأهله وفضل وعنوان لأهل المحامد وكن مستفيدا كل يوم زيادة من العلم واسبح في بحار الفوائد
الصفحة البحر الأشعار والأرجاز تفقه فإن الفقه أفضل قائد إلى البر والتقوى وأعدل قاصد هو العلم الهادي إلى سنن الهدى هو الحصن ينجي من جميع الشدائد فإن فقيها واحدا متورعا أشد على الشيطان من ألف عابد قافية الراء قيل: 138 البسيط لا تحسب المجد تمرا أنت تأكله لن تبلغ المجد حتى تعلق الصبرا ولآخر: 50 الطويل وفي الجهل قبل الموت موت لأهله فأجسادهم بين القبور قبور وإن امرأ لم يحي بالعلم ميت فليس له حتى النشور نشور وشيخنا شيخ الإسلام والد المصنف رحمه الله وأبقى خلقه فقال: 97، 98 البسيط في كثرة الأكل يا ذا العقل والنظر خمسون آفة كن منها على حذر توليد سقم وثقل ثم طول كرى ووصمة النفس مع غم ومع بطر وقسوة وعمى قلب تؤثره وهزل روح ونقص الخوف والحذر
الصفحة البحر الأشعار والأرجاز وقلة العقل مع جهل مكثره وقلة الشكر والإخلاص والخفر وشهوة تنمو مع ترك الحياء كذا نسيان علم وذكر الموت في العمر وحب دنيا وشح والبقاء كذا حب الشياطين فقد الصبر مع ضجر وذم الحكمة أيضا والعداوة مع تهييج عادة أشواق مع الأشر وبغض مولاه مع هدم العبادة مع فقد البهاء وحرج الدين بالغير والضحك أيضا وإذهاب الحلاوة من قلب وإبدال صفو منه بالكدر وترك ذكر وإذهاب اليقين كذا ترك افتقار وآداب لمعتبر وترك الأعمال والإكثار من حسد والبعد من جنة والقرب من سقر ثم التغفل ينمو والفضول كذا وللشياطين تسليح على البشر كذاك تفريق صحب وارتكاب معا صي الله جل وهذا غاية الخطر وفي رسائل إخوان الصفاء لها شرح بذا الحصر واف غير مختصر وهاك في هذه الأبيات جملتها تلخصت فأنت في النظم كالدرر
الصفحة البحر الأشعار والأرجاز وللإمام منصور التميمي أحد أئمة المذهب: 49 البسيط عاب التفقه قوم لا عقول لهم وما عليه إذا عابوه من ضرر ما ضر شمس الضحى والشمس طالعة ألا يرى ضوءها من ليس ذا بصر ولبعضهم في بعض فوائد الجوع: 98، 99 الكامل في الجوع عشر فوائد عن حصرها عجز البيان وباء بالتقصير من بعضها كسر الهوى وبكسره فوز الفتى بعوارف التحبير وصفا القلوب وحفظها في سيرها من علة التكدير والتأثير وإدامة السهر الذي هو مقصد في شرع أهل الجد والتشمير وسلامة الجسد الذي هو مركب للقصد من علل ومن تغيير وهو المذكر بالفقير وحاله ولرب خير جاء في التذكير وبه على الإيثار تحصل مكنة تبدو لطائفها لكل بصير وعلى العبادة أي عون للفتى في ضمنه بل أيما تيسير وبه انحسام مواد كل ضرورة يأتي من الشيطان للتغرير
الصفحة البحر الأشعار والأرجاز والمرء ذو مؤن وفي تقليله طرح لما يدعو إلى التكثير فأجع فؤادك للوفا متعرضا واسلك سبيل محقق وخبير واعلم بأن الجوع في شرع الولا مفتاح باب الفتح عن تحرير قافية السين كما قيل: 104 البسيط إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحيانا فننتكس ولآخر: 51 الكامل صدر المجالس حيث حل لبيبها فكن اللبيب وأنت صدر المجلس 110 الطويل تصدر للتدريس كل مهوس جهول تسمى بالفقيه المدرس فحق لأهل العلم أن يتمثلوا ببيت قديم شاع في كل مجلس لقد هزلت حتى بدا من هزالها كلاها وحتى استامها كل مفلس
الصفحة البحر الأشعار والأرجاز وبالسند المذكور إلى ابن السبكي بسنده إلى أبي أحمد منصور بن محمد الأزدي أنشد لنفسه: 274 البسيط عليك نفسك فانظر كيف تصلحها وخل عن عثرات الناس للناس فالذم للناس للمحصي معايبهم والحمد عندهم للغافل الناسي قافية الصاد وعن علي بن خشرم: شكوت إلى وكيع قلة الحفظ فقال: استعن على الحفظ بقلة الذنوب، ونظم بعضها ذلك فقال: 58 الوافر شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وقال اعلم بأن العلم فضل وفضل الله لا يؤتاه عاصي قافية الضاد 253 الخفيف أيها المستعير مني كتابا ارض لي فيه ما لنفسك ترضى قافية العين وما جاء عن الشافعي رضي الله عنه: 47 مجزوء البسيط حسبي بعلمي إن نفع ما الذي إلا في الطمع من راقب الله رجع عن سوء ما كان صنع
الصفحة البحر الأشعار والأرجاز ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع 251 المتقارب إذا لم تكن حافظا واعيا فجمعك للكتب لا ينفع ولبعضهم: 114، 115 الكامل النفس تهوى من يجور ويعتدي والنفس مائلة إلى الممنوع ولكل شيء تشتهيه طلاوة مدفوعة إلا عن المدفوع قافية الكاف ولبعضهم: 137 الرجز إن أخاك الصدق من كان معك ومن يضر نفسه لينفعك ومن إذا ريب زمان صدعك شئت شمل نفسه ليجمعك وللخليل بن أحمد في أخيه لما تعقب عليه فن الشعر: 140 الكامل لو كنت تعلم ما أقول عذرتني أو كنت أجهل ما تقول عذلتكا لكن جهلت مقالتي فعذلتني وعلمت أنك جاهل فعذرتكا
الصفحة البحر الأشعار والأرجاز 112 الكامل فساد كبير عالم متهتك وأكبر منه جاهل متنسك هما فتنة للعالمين عظيمة لمن بهما في دينه يتمسك قافية اللام وكتب الشافعي إلى محمد بن الحسن رضي الله عنهما: 252 مجزوء الرجز قولا لمن لم ترعيـ ـنا من رآه مثله ومن كأن من رآ هـ قد رأى من قبله العلم ينهى أهله أن يمنعوه أهله لعله يبذله لأهله لعله وأنشد الخطيب في هذا المحل: 163، 164 الرجز ولا تشارك في الحديث أهله وإن عرفت فرعه وأصله ولآخر: 51 الطويل تعلم فليس المرء يخلق عالما وليس أخو علم كمن هو جاهل وإن كبير القوم لا علم عنده صغير إذا التفت عليه المحافل
الصفحة البحر الأشعار والأرجاز وقد نظمه الإمام أبو بكر بن دريد فقال: 130 الطويل ومن كان يهوى أن يرى متصدرا ويكره لا أدري أصيبت مقاتله وأنشد بعضهم: 107 الطويل وليس العمى طول السؤال وإنما تمام العمى طول السكوت على الجهل ولبعضهم: 50 الوافر تفقه تستطيل على الرجال وتزهو في المحافل بالكمال إذا وقع القياس بكل علم فحال الفقه يعلو كل حال ومن طلب التفقه وانتحاه أناف برأسه تاج الجمال فخذ بالشافعي وقل بقول سديد عند مختلف المقال ففضل الشافعي على سواه كفضل الشمس قبست بالهلال قافية الميم القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني في معنى ذلك: 111 الطويل يقولون لي فيك انقباض إنما رأوا رجلا عن موقف الذل أحجما أرى الناس من داناهم هان عندهم ومن أكرمته عزة النفس أكرما
الصفحة البحر الأشعار والأرجاز وما كل برق لاح لي يستفزني ولا كل من لاقيت أرضاه منعما وإني إذا ما فاتني الأمر لم أبت أقلب كفي إثره متندما ولم أقض حق العلم إن كان كلما بدا طمع صيرته لي سلما إذا قيل هذا منهل قلت قد أرى ولكن نفس الحر تحتمل الظما ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي لأخدم من لاقيت لكن لأخدما أأشقى به غرسا وأجنيه ذلة إذن فاتباع الجهل قد كان أحزما ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ولو عظموه في النفوس لعظما ولكن أهانوه فهان ودنسوا محياه بالأطماع حتى تجهما قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: 276 الطويل عجبت لمن يبكي على عيب غير هـ دموعا ولا يبكي على عيبه دما وأعجب من هذا يرى عيب غيره صغيرا وفي عينيه من عيبه عمى وأبو بكر محمد بن داود: 244 الطويل أكرر في روض المحاسن مقلتي وأمنع نفسي أن تنال محرما
الصفحة البحر الأشعار والأرجاز وينطق سري من مترجم خاطري فلولا اختلاسي رده لتكلما رأيت الهوى دعوى من الناس كلهم فما إن أرى حبا صحيحا مسلما قال الشافعي: 270 الطويل ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي جعلت رجائي نحو عفوك سلما تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوك أعظما فما زلت ذا عفو من الذنب لم تزل تجود وتعفو منه وتكرما 165 الطويل إذا لم يذاكر ذو العلم بعلمه ولم يستفد علما نسي ما تعلما فكم جامع للكتب في كل مذهب يزيد مع الأيام في جمعه عمى ولبعضهم: 146 الكامل فاصبر لدائك إن أهنت طبيبه واصبر لجهلك إن جفوت معلما إن المعلم والطبيب كلاهما لا ينصحان إذا هما لم يكرما
الصفحة البحر الأشعار والأرجاز 139 الطويل تفنن وخذ من كل علم فإنما يفوق امرؤ في كل فن له علم فأنت عدو للذي أنت جاهل وبه ولعلم أنت تفقهه سلم 144 الطويل وإن عناء أن تعلم جاهلا فيزعم جهلا أنه منك أفهم 112 الكامل لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم وللمتنبي: 51 الوافر ولم أر من عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام قافية النون وكان الشبلي يقول: 87 المقتضب اطلبوا لأنفسكم مثل ما وجدت أنا قد وجدت لي سكنا ليس يشبه السكنا إن دنوت قربني أو بعدت عنه دنا وللزمخشري: 49 الوافر وكل فضيلة فيها سناء وجدت العلم من هاتيك أسنى
الصفحة البحر الأشعار والأرجاز فلا تعتد غير العلم ذخرا فإن العلم كنز ليس يفنى الشافعي رحمه الله عوتب على تواضعه للعلماء فقال: 144 الطويل أهين لهم نفسي فهم يكرمونها ولن تكرم النفس التي لا تهينها 133 البسيط بقية العمر عندي ما لها ثمن وإن مضى غير محمود من الزمن يستدرك المرء فيها ما أفات ويحـ ـيي ما أمات ويمحو السوء بالحسن شيح الإسلام الرضي، والد المصنف مولانا شيخ الإسلام البدر: 277-279 الوافر إلهي سيدي ربي أغثني وخذ بيدي ومن بعد أجرني إلهي قد جنيت وأي عبد ضعيف الخلق مثلي ليس يجني إلهي ليس أجدر بالخطايا وبالتقصير والزلات مني إلهي لو أتيت بكل ذنب فلا أولى بعفو منك عني إلهي أنت ذو صفح جميل وجود واسع وعظيم مَنِّ إلهي ما عصيت بغير علم ولا أبدا أطعت بغير إذن
الصفحة البحر الأشعار والأرجاز إلهي إن أطع فبمحض فضل وإن أعصي فمن نقصي ووهني إلهي ما لعبد حجة في تحمله الجناية والتجني إلهي إن حجتك التي قد علا برهانها من غير طعن إلهي ليتني لو كنت عبدا بلا خطأ وهل يجدي التمني إلهي ليتني لا كنت إذ لم أطعك وليت أمي لم تلدني إلهي إن خوفي زاد لولا رجائي مت من هم وحزن إلهي من يناقش في حساب يعذب منك يا ربي أقلني إلهي أنت قهار رحيم بحقك منك يا ذخري أعذني إلهي ليس إلا أنت ربي فلا أبدا بغيرك تمتحني إلهي إن أسأت بغير علم فإني فيك قد أحسنت ظني إلهي أنت قد حققت فقري إليك وليس شيء عنك يغني إلهي إنني أخشى وأرجو أمانا منك فامنن لي بأمن
الصفحة البحر الأشعار والأرجاز إلهي غير بابك في أموري إذا ما ضقت ذرعا لم يسعني إلهي قد رجعت إليك عما سواك فلا إلى غير تكلني إلهي مثلما أحسنت بدءا ففق العقبى بحقك لا تسؤني إلهي من يعين على وصولي إلى ما ترتضي إن لم تُعني إلهي من سواك يزيل همي ومن أدعوه مضطرا يجبني إلهي أغن يا رب افتقاري فإنك أنت من يغني ويقني إلهي أنت قد أوليت فضلا عظيما قط لم يخطر بذهن إلهي لست أحصى ما به قد منحت من العطاء بلا تعن إلهي إنني عبد رضي فمن صفو الرضا بي أذقني إلهي مع رضاك السقم برء ونار جهنم جنات عدن إلهي زد بعلم الشرع فقهي ومن علم الحقيقة رب زدني
الصفحة البحر الأشعار والأرجاز وقال إمام الحرمين رحمه الله: 134 الطويل أخي لن تنال العلم إلا بستة سأنبيك عن تفصيلها ببيان ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة وتلقين أستاذ وطول زمان قال: أنشدني بعضهم للشافعي رضي الله عنه: 270، 271 البسيط كل العلوم سوى القرآن مشغلة إلا الحديث وإلا الفقه في الدين العلم ما كان فيه قال حدثنا وما سوى ذاك وسواس الشياطين قافية الهاء الإمام علي بن أبي طالب: 137 مجزوء الوافر فلا تصحب أخا الجهل وإياك وإياه فكم من جاهل أردى حليما حين واخاه يقاس المرء بالمرء إذا ما هو ما شاه وللشيء على الشيء مقاييس وأشباه
فهرس المصادر والمراجع
6- فهرس المصادر والمراجع: 1- أبجد العلوم لصديق بن حسن القنوجي تحقيق: عبد الجبار ذكار، دار الكتب العلمية، بيروت 1978م. 2- الإبهاج في شرح المنهاج لعلي بن عبد الكافي السبكي تحقيق: جماعة من العلماء، دار الكتب العلمية بيروت 1404هـ. 3- إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين للزبيري، دار الفكر، بيروت. 4- الإتقان للسيوطي تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم مكتبة ومطبعة المشهد الحسيني 1387هـ-1967م. 5- إجمال الإصابة في أقوال الصحابة، لخليل بن كيلكدي العلائي تحقيق: محمد سلمان الأشقر جمعية إحياء التراث الإسلامي الكويت 1407هـ. 6- الإحكام في أصول الأحكام للآمدي علي بن أبي علي تحقيق: عبد الرزاق عفيفي الناشر علي الحمد الصالحي 1387هـ. 7- إحياء علوم الدين للغزالي دار المعرفة بيروت بدون تاريخ "مصور بالأوفست عن الطبعة المصرية الأولى" + فهارس وملحقات. 8- آداب الشافعي ومناقبه لأبي حاتم الرازي تحقق: عبد الغني عبد الخالق مكتبة التراث الإسلامي حلب 1373هـ. 9- آداب الفتوى والمفتي والمستفتي لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي تحقيق: بسام عبد الوهاب الجابي، دار الفكر دمشق 1408هـ. 10- أدب الإملاء والاستملاء للإمام أبي سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني مطبعة بريل ليدن 1952م. 11- أدب الدنيا والدين للماوردي تحقيق: مصطفى السقا دار الكتب العلمية بيروت 1398هـ-1978م. 12- الأدب المفرد للبخاري تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي طبع القاهرة 1375هـ. 13- الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى لأبي العباس أحمد بن خالد الناصري السلاوي تحقيق: جعفر الناصري ومحمد الناصري دار الكتب، الدار البيضاء 1997م. 14- الاستيعاب في أسماء الأصحاب لابن عبد البر، طبع على هامش الإصابة لابن حجر العسقلاني مطبعة السعادة 1238هـ.
15- أسد الغابة، لابن الأثير الجزري تحقيق: محمد إبراهيم البنا، ومحمد أحمد عاشور، ومحمد عبد الوهاب فايد دار الشعب القاهرة 1393هـ. 16- الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة لملا علي القاري تحقيق: محمد الصباغ دار الأمانة، مؤسسة الرسالة بيروت 1971م. 17- الإصابة لابن حجر العسقلاني طبع مصر 1358هـ-1939م. 18- إعانة الطالبين للسيد البكري بن السيد محمد شطا الدمياطي أبو بكر دار الفكر بيروت. 19- اعتقاد أهل السنة والجماعة لهبة الله بن الحسن بن منصور اللالكائي أبو القاسم تحقيق: أحمد سعد حمدان دار طيبة، الرياض 1402هـ. 20- الأعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين لخير الدين الزركلي دار العلم للملايين بيروت 1979م. 21- إعلام الموقعين لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب الدمشقي تحقيق: طه عبد الرءوف سعد دار الجيل بيروت 1973م. 22- الأم لمحمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله، دار المعرفة بيروت 1393هـ. 23- الأمثال السائرة من شعر المتنبي للصاحب بن عباد تحقيق: الشيخ محمد حسن آل ياسين مكتبة النهضة بغداد 1965م. 24- الأمثال والحكم لمحمد بن أبي بكر الرازي تصحيح وتعليق: فيروز حريرجي تقديم: شاكر الفحام، المستشارية الثقافية الإيرانية دمشق 1987م. 25- اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي تحقيق: محمد ناصر الدين الألباني المكتب الإسلامي 1984م. 26- إنباء الغمر بأبناء العمر لابن حجر العسقلاني تحقيق: حسن الحبشي القاهرة 1998م. 27- إنباه الرواة على أنباه النحاة للقفطي تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم القاهرة 1369هـ-1950م. 28- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل لعلي بن سليمان المرداوي أبو الحسن تحقيق: محمد حامد الفقي دار إحياء التراث العربي بيروت.
29- إيضاح الوقف والابتداء لأبي بكر الأنباري تحقيق: د. محيي الدين رمضان دمشق 1971م. 30- إيقاظ همم أولي الأبصار لصالح بن محمد بن نوح العمري دار المعرفة بيروت 1398هـ. 31- الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث لابن كثير تأليف أحمد محمد شاكر دار الكتب العلمية بيروت 1983م. 32- البحر الرائق شرح كنز الدقائق لزين بن إبراهيم بن محمد بن محمد بن بكر دار المعرفة بيروت. 33- البداية والنهاية لابن كثير مطبعة السعادة، القاهرة 1351-1358هـ. 34- البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع لمحمد بن علي الشوكاني تحقيق: د. حسين عبد الله العمري دار الفكر، دمشق 1998م. 35- البيان والتعريف إبراهيم بن محمد الحسيني تحقيق: سيف الدين الكاتب دار الكتاب العربي، بيروت 1401هـ. 36- تاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان، مصر 1913-1914م. 37- تاريخ بغداد للخطيب البغدادي القاهرة 1349هـ. 38- تبصير المنتبه بتحرير المشتبه لابن حجر العسقلاني تحقيق: علي محمد البجاوي القاهرة 1383هـ. 39- التحبير في المعجم الكبير أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني تحقيق: منيرة ناجي سالم. 40- تحفة الأحوذي لمحمد بن عبد الرحمن المباركفوري دار الكتب العلمية، بيروت. 41- تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف للمزي تحقيق: عبد الصمد شرف الدين الهند 1389هـ-1965م. 42- تدريب الراوي لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف مكتبة الرياض الحديثة. 43- التدوين في أخبار قزوين لعبد الكريم بن محمد الرافعي القزويني تحقيق: عزيز الله العطاردي دار الكتب العلمية بيروت 1987م.
44- التذكرة بمعرفة رجال الكتب العشرة لأبي المحاسن العلوي الحسيني، تحقيق: د. رفعت فوزي عبد المطلب مكتبة الخانجي، القاهرة 1997م. 45- تذكرة الحفاظ للذهبي، تصحيح عبد الرحمن اليماني، حيدر آباد الهند 1395هـ "وبذيله ثلاثة ذيول للحسيني والمكي والسيوطي". 46- تذكرة الموضوعات لمحمد طاهر بن علي الهندي الفتني، الناشر: أمين دمج بيروت. 47- الترغيب والترهيب للمنذري تحقيق: مصطفى محمد عمارة القاهرة 1961م. 48- تعليم المتعلم في طريق التعلم للزرنوجي تحقيق: صلاح محمد الخيمي ونذير حمدان دار ابن كثير بيروت 1985م. 49- تغليق التعليق لابن حجر العسقلاني تحقيق: سعيد عبد الرحمن موسى القزحي المكتب الإسلامي بيروت، دار عمار، عمان الأردن 1405هـ. 50- تفسير ابن كثير، مطبعة الاستقامة بالقاهرة 1373هـ-1954م. 51- تفسير البغوي المسمى "معالم التنزيل للفراء البغوي الشافعي" تحقيق: خالد عبد الرحمن العك ومروان سوار دار المعرفة بيروت 1986م. 52- تفسير الطبري المسمى "جامع البيان في تأويل القرآن" لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري دار الكتب العلمية بيروت 1412-1992م. 53- تفسير القرطبي المسمى " الجامع لأحكام القرآن" دار الكتاب العربي القاهرة 1378هـ-1958م. 54- التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير لابن حجر العسقلاني تحقيق: السيد عبد الله هاشم اليماني الباكستان 1384هـ-1964م. 55- التمثيل والمحاضرة لأبي منصور الثعالبي تحقيق: عبد الفتاح محمد الحلو دار إحياء الكتب العربية، القاهرة 1381هـ-1961م. 56- التمهيد لابن عبد البر، لأبي عمرو يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي ومحمد عبد الكريم البكري وزارة عموم الأوقاف والشئون الإسلامية المغرب 1387هـ. 57- تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة لابن عراق الكناني تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، مكتبة القاهرة.
58- تهذيب الأسماء لأبي زكريا بن شرف بن مري بن حسن بن حسين بن حزام دار الفكر بيروت 1996م. 59- تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني حيدرآباد، الهند دائرة المعارف العثمانية 1325-1327هـ. 60- تهذيب الكمال في أسماء الرجال، دمشق دار المأمون للتراث، نسخة مصورة عن مخطوط دار الكتب المصرية 1402هـ، وطبعة ثانية تحقيق: بشار عواد معروف مؤسسة الرسالة، بيروت 1400هـ. 61- توالي التأسيس بمعالي ابن إدريس لابن إدريس لابن حجر العسقلاني تحقيق: عبد الله القاضي دار الكتب العلمية بيروت 1406هـ-1986م. 62- ثمار المقاصد في ذكر المساجد يوسف بن عبد الهادي تحقيق: محمد أسعد طلس مكتبة لبنان 1975م. 63- جامع الأصول في أحاديث الرسول لابن الأثير الجزري تحقيق: عبد القادر الأرناءوط طبع دمشق 1389هـ-1969م. 64- جامع بيان العلم وفضله لأبي عمر يوسف بن عبد البر تحقيق: أبي الأشيال الزهيري دار ابن الجوزي 1422هـ. 65- جامع العلوم والحكم لأبي الفرج ابن رجب الحنبلي دار المعرفة بيروت 1408هـ. 66- الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي تحقيق: د. محمد عجاج الخطيب، مؤسسة الرسالة بيروت 1417هـ-1996م. 67- الجواهر المضية في طبقات الحنفية لأبي الوفاء القرشي الحنفي تحقيق: عبد الفتاح محمد الحلو دار هجر 1993م. 68- حاشية ابن عابدين لمحمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي دار الفكر بيروت 1386هـ. 69- حاشية البجيرمي لسليمان بن عمر بن محمد البجيرمي المكتبة الإسلامية ديار بكر تركيا. 70- حاشية الدسوقي لمحمد عرفة الدسوقي تحقيق: محمد عليش دار الفكر، بيروت. 71- الحث على حفظ العلم لابن الجوزي تحقيق: مروان العطية دار الهجرة، دمشق 1409هـ-1988م.
72- حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأحمد بن عبد الله الأصفهاني الشافعي تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا دار الكتب العلمية بيروت 1997م. 73- حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء لسيف الدين محمد بن أحمد الشاشي القفال تحقيق: د. ياسين أحمد إبراهيم دلادكة مؤسسة الرسالة بيروت، دار الأرقم، الأردن 1400هـ. 74- حواشي الشرواني لعبد الحميد الشرواني دار الفكر، بيروت. 75- حياة الحيوان الكبرى لكمال الدين محمد بن موسى الدميري مصر 1292هـ. 76- خزانة الأدب لابن حجة الحموي تحقيق: د. كوكب دياب دار صادر بيروت 2001م. 77- حفظ المقريزي "الموعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" مصر، بولاق 1270هـ-1854م. 78- دلائل النبوة للبيهقي تحقيق: عبد المعطي قلعه جي دار الكتب العلمية بيروت 1405هـ-1985م. 79- ديوان أبي الأسود الدؤلي لأبي سعيد الحسن السكري تحقيق: محمد حسن آل ياسين دار الكتاب الجديد بيروت 1974م. 80- ديوان أبي الطيب المتنبي بشرح أبي البقاء العكبري تحقيق: مصطفى السقا وإبراهيم الإبياري وعبد الحفيظ شبلي مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر 1956م. 81- ديوان الإمام علي لنعيم زرزور دار الكتب العلمية بيروت 1985م. 82- ديوان الشافعي تحقيق: د. إحسان عباس دار صادر بيروت 1996م. 83- ديوان الشافعي تحقيق: محمد عفيفي الزعبي دار النور بيروت 1971م. 84- ديوان شعر الإمام أبي بكر بن دريد الأزدي تحقيق: السيد محمد بدر الدين العلوي مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر القاهرة 1365هـ-1946م. 85- ديوان عبد الله بن المبارك تحقيق: سعد كريم الفقي دار اليقين مصر 2000م. 86- ديوان المعاني لأبي هلال العسكري القاهرة، مكتبة القدسي 1352هـ. 87- الذيل التام على دول الإسلام للذهبي لشمس الدين السخاوي تحقيق: حسن مروة مكتبة دار العروبة الكويت دار ابن العماد بيروت 1992م.
88- ذيل الدرر الكامنة لابن حجر العسقلاني تحقيق: د. عدنان درويش القاهرة، معهد المخطوطات العربية 1992م. 89- الرحلة في طلب الحديث للخطيب البغدادي للإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت تحقيق: نور الدين عتر دار الكتب العلمية بيروت 1975م. 90- الرسالة القشيرية لأبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري تحقيق: خليل عمران المنصور دار الكتب العلمية بيروت 2001م. 91- روضة الطالبين وعمدة المفتين للنووي المكتب الإسلامي بيروت 1405هـ. 92- روضة الناظر وجنة المناظر لأبي محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي تحقيق: د. عبد العزيز عبد الرحمن السعيد جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض 1399هـ. 93- ريحانة الألبا وزهرة الحياة الدنيا لشهاب الدين الخفاجي تحقيق: عبد الفتاح محمد الحلو القاهرة، عيسى البابي الحلبي 1967م. 94- الزهد الكبير للبيهقي تحقيق: عامر أحمد حيدر بيروت 1408هـ-1987م. 95- الزهد لابن أبي عاصم تحقيق: عبد العلي عبد الحميد حامد دار الريان للتراث القاهرة 1408هـ. 96- الزهد لابن المبارك عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي أبو عبد الله تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي دار الكتب العلمية، بيروت. 97- الزهد وصفة الزاهدين لأبي سعيد أحمد بن محمد بن زياد بن بشر بن درهم تحقيق: مجدي فتحي السيد دار الصحابة للتراث طنطا 1408هـ. 98- سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد للإمام محمد بن يوسف الصالحي الشامي تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد معوض. 99- سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها للشيخ ناصر الدين الألباني المكتب الإسلامي 1399هـ. 100- سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة للشيخ محمد ناصر الدين الألباني المكتب الإسلامي 1398هـ. 101- سنن ابن ماجه 207-275 تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي دار إحياء التراث العربي 1975م.
102- السنن الأبين لمحمد بن عمر، أبو عبد الله الفهري تحقيق: صلاح بن سالم المصراتي مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة المنورة 1417هـ. 103- سنن الترمذي "الجامع الصحيح" تحقيق: عزت عبيد الدعاس حمص، دار الدعوة 1385هـ-1965م. 104- السنن الصغرى لأبي بكر البيهقي أحمد بن حسين تحقيق: محمد ضياء الرحمن الأعظمي مكتبة الدار، المدينة المنورة 1989م. 105- السنن الكبرى للبيهقي لأبي بكر البيهقي حيدر آباد دائرة المعارف العثمانية، الهند 1344-1355هـ. 106- سير أعلام النبلاء للإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي تحقيق: مجموعة من المحققين مؤسسة الرسالة بيروت 1981م. 107- السيل الجرار لمحمد بن علي بن محمد الشوكاني تحقيق: محمود إبراهيم زايد دار الكتب العلمية بيروت 1405هـ. 108- شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي مكتبة المقدسي القاهرة 1370-1371هـ. 109- شرح ألفية العراقي للشيخ عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم العراقي تحقيق: محمد بن الحسين العراقي الحسيني طبع المطبعة الجديدة سنة 1354هـ. 110- شرح الحماسة لأبي علي أحمد بن محمد المرزوقي تحقيق: عبد السلام هارون مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر القاهرة 1967م. 111- شرح زبد ابن رسلان، محمد بن أحمد الرملي الأنصاري، دار المعرفة، بيروت. 112- شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك لمحمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني دار الكتب العلمية بيروت 1411هـ. 113- شرح المضنون به علي غير أهله لابن عبد الكافي العبيدي مكتبة دار البيان بغداد، دار صعب، بيروت. 114- شرح النووي على صحيح مسلم لأبي زكريا يحيى بن شرف بن مري النووي دار إحياء التراث العربي 1393هـ. 115- شعب الإيمان، لأحمد بن الحسين البيهقي 384-458هـ تحقيق: محمد السعيد بن بسيوني زغلول دار الكتب بالعلمية بيروت 2000م.
116- صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان الفارسي تحقيق: شعيب الأرناءوط مؤسسة الرسالة بيروت 1408هـ-1988م. 117- صحيح البخاري للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي، رحمه الله تحقيق: د. مصطفى ديب البغا دار ابن كثير، ودار اليمامة 1990م. 118- صحيح الجامع الصغير وزيادته للشيخ الدين الألباني المكتب الإسلامي 1406هـ. 119- صحيح مسلم للإمام أبي الحسن مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري 206-261هـ تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي دار إحياء التراث العربي بيروت 1954م. 120- صفوة الصفوة لعبد الرحمن بن يعلى بن محمد أبو الفرج تحقيق: محمد فاخوري ومحمد رواسي قلعه جي دار المعرفة بيروت 1979م. 121- صلة الخلف بموصول السلف محمد بن سليمان الروداني تحقيق: د. محمد حجي دار الغرب الإسلامي بيروت 1988م. 122- ضعيف الجامع الصغير وزيادته للشيخ محمد ناصر الدين الألباني المكتب الإسلامي سنة 1399هـ. 123- الضوء اللامع للسخاوي طبع مصر 1353هـ-1355هـ. 124- طبقات ابن سعد تحقيق: إحسان عباس دار صادر بيروت 1380هـ. 125- طبقات الحفاظ لجلال الدين السيوطي تحقيق: علي محمد عمر القاهرة، مكتبة وهبة 1973م. 126- طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين أبي نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي 727-771هـ تحقيق: عبد الفتاح محمد الحلو ومحمود الطناحي دار إحياء الكتب العربية 1976م. 127- طبقات الفقهاء للشيرازي الشافعي تحقيق: إحسان عباس دار الرائد العربي، بيروت 1970م. 128- الطيوريات من انتخاب أبي طاهر السلفي الأصبهاني تحقيق: مأمون الصاغرجي ومحمد أديب الجادر دار البشائر، دمشق 2001م. 129- العبر في خبر من غبر الذهبي تحقيق: صلاح الدين المنجد مطبعة حكومة الكويت 1966م.
130- علل الحديث لابن أبي حاتم الرازي تحقيق: محب الدين الخطيب مكتبة المثنى بغداد "طبعة مصورة عن طبعة القاهرة الأولى سنة 1343هـ". 131- العلل المتناهية في الأحاديث الواهية لعبد الرحمن بن علي بن الجزري تحقيق: خليل الميس دار الكتب العلمية بيروت 1403هـ. 132- عون المعبود لمحمد شمس الحق العظيم آبادي، أبو الطيب دار الكتب العلمية بيروت 1415هـ. 133- غاية النهاية لابن الجزري تحقيق: برجستراسر، الخانجي، القاهرة 1932م. 134- غاية النهاية في طبقات بالقراء لأبي الخير محمد بن محمد بن الجزري تحقيق: براجستراسر مكتبة الخانجي مصر 1351هـ-1932م. 135- فاتحة العلوم للغزالي خرج أحاديثه عدنان أبو شامة دمشق دار الفجر. 136- فتاوى ابن الصلاح في التفسير والحديث والأصول والعقائد إدارة الطباعة المنيرية 1348هـ. 137- فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني 773-852هـ تحقيق: محب الدين الخطيب ومحمد فؤاد عبد الباقي وقصي محب الدين الخطيب دار الريان للتراث القاهرة 1986م. 138- الفردوس بمأثور الخطاب لأبي شجاع شيرويه بن شهردار ابن شيرويه الديملي الهمذاني تحقيق: السعيد بن بسيوني زغلول دار الكتب العلمية بيروت 1986م. 139- فضائل القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي تحقيق: مروان العطية ومحسن خرابة ووفاء تقي الدين دار ابن كثير دمشق 1415هـ-1995م. 140- الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي تحقيق: إسماعيل الأنصاري دار الكتب العلمية بيروت 1400هـ-1980م. 141- فوات الوفيات لابن شاكر الكتبي تحقيق: إحسان عباس دار صادر بيروت 1393هـ. 142- فيض القدير، شرح الجامع الصغير للعلامة المناوي دار المعرفة، بيروت. 143- القبس الحاوي لزين الدين عمر بن أحمد بن علي بن محمود الشماع الحلبي تحقيق: حسن مروة، خلدون حسن مروة، دار صادر، بيروت 1998م.
144- قواطع الأدلة في الأصول لأبي المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني تحقيق: محمد حسن إسماعيل الشافعي دار الكتب العلمية بيروت 1997م. 145- الكامل في التاريخ لابن الأثير دار صادر بيروت 1385هـ. 146- كتاب العلم وآداب العالم والمتعلم تصنيف الإمام محيي الدين يحيى بن شرف النووي تحقيق: عبد الله بدران دار الخير دمشق 1993م. 147- كتاب المجموع شرح المهذب للشيرازي للإمام أبي زكريا محيي الدين بن شرف النووي، الجزء الأول حققه: محمد نجيب المطبعي مكتبة الإرشاد، جُدَّة 1980م. 148- كشاف القناع عن فتن الإقناع لمنصور بن يونس بن إدريس البهوتي تحقيق: هلال مصلحي، مصطفى هلال، دار الفكر بيروت 1402هـ. 149- كشف الخفاء ومزيل الإلباس للشيخ إسماعيل بن محمد العجلوني الجراحي، تحقيق: أحمد القلاش، مكتبة التراث الإسلامي حلب. 150- كشف الظنون عن أسامي الكتب الفنون لحاجي خليفة طبع إستانبول 1941م. 151- الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي حيدرآباد الدكن 1357هـ. 152- كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال للبرهان فوري الهندي تحقيق: بكري حياني وصفوت السقا، مؤسسة الرسالة بيروت 1405هـ-1985م. 153- الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة لنجم الدين الغزي تحقيق: جبرائيل سلمان جبور المطبعة الأمريكية 1945م. 154- اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للسيوطي القاهرة 1352هـ. 155- اللمع في أصول الفقه لأبي إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي دار الكتب العلمية بيروت 1405هـ-1985م. 156- المجازات النبوية للشريف الرضي تحقيق: مروان العطية ومحمد رضوان الداية دمشق 1408هـ-1987م. 157- المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين لابن حيان البستي، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، دار الوعي حلب 1396هـ. 158- مجلة معهد المخطوطات العربية المجلد العاشر الجزء الأول ص167-184، 1384-1964م.
159- مجمع البحرين في زوائد المعجمين الأوسط والصغير لأبي بكر الهيثمي تحقيق: محمد حسن إسماعيل الشافعي دار الكتب العلمية بيروت 1998م. 160- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد الهيثمي بتحرير العراقي وابن مجر، مكتبة القدسي القاهرة 1351هـ. 161- محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء لأبي القاسم حسن بن محمد الراغب الأصبهاني، منشورات دار مكتبة الحياة. 162- المحلى لعلي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهر تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي، دار الآفاق الجديدة، بيروت. 163- مختصر تنبيه الطالب وإرشاد الدارس إلى أحوال دور القرآن والحديث والمدارس تحقيق: صلاح الدين المنجد، دمشق 1366هـ-1947م. 164- المدهش لابن الجوزي المؤسسة العالمية، بيروت 1973م. 165- مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع للبغدادي تحقيق: علي محمد البجاوي دار إحياء الكتب العربية القاهرة 1373هـ. 166- المسائل والأجوبة في الحديث والتفسير لابن قتيبة الدينوري تحقيق: مروان العطية ومحسن خرابة دار ابن كثير دمشق 1410هـ-1990م. 167- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري طبع حيدرآباد الدكن 1341هـ. 168- المستصفى في علم الأصول للغزالي أبي حامد محمد بن محمد تحقيق: محمد مصطفى أبو العلا شركة الطباعة الفنية المتحدة، مصر. 169- مسند ابن الجعد لأبي الحسين علي بن الجعد بن عبيد الجوهري البغدادي تحقيق: عامر أحمد حيدر، مؤسسة نادر، بيروت 1410هـ-1990م. 170- مسند أبي يعلى الموصول للإمام أحمد بن علي بن المثنى التميمي تحقيق: حسين سليم أسد دار المأمون للتراث 1984م. 171- مسند الإمام أحمد بن حنبل "164-241هـ" مؤسسة الرسالة، بيروت. 172- مسند البزار، أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله مؤسسة علوم القرآن بيروت، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة 1409هـ. 173- مسند الدارمي "سنن الدارمي" للإمام الحافظ أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام الدارمي تحقيق: حسين سليم أسد الداراني.
174- مسند الربيع بن حبيب بن عمر الأزدي المصري تحقيق: محمد إدريس وعاشور بن يوسف، دار الحكمة، بيروت، مكتبة الاستقامة سلطنة عمان 1415هـ. 175- مسند الشهاب محمد بن سلامة القضاعي تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، مؤسسة الرسالة، بيروت 1985م. 176- مصابيح السنة للفراء البغوي تحقيق: د. يوسف عبد الرحمن المرعشلي ومحمد سليم إبراهيم سمارة وجمال حميدي الذهبي دار المعرفة، بيروت 1987م. 177- مصباح الزجاجة لأحمد بن أبي بكر بن إسماعيل الكناني تحقيق: محمد المتقي كشناوي، الدار العربية، بيروت 1403هـ. 178- مصنف ابن أبي شيبة تصحيح: عار عمر الأعظمي حيدر آباد الدكن، الهند نشر السيد علي يوسف صاحب مطبعة قريب 1386هـ. 179- المصنوع في معرفة الحديث الموضوع لعلي بن سلطان محمد الهروي القاري تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة مكتبة الرشد، الرياض 1404هـ. 180- المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية لابن حجر العسقلاني تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي وزارة الأوقاف الكويت 1392هـ. 181- المعجم الأوسط لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني تحقيق: أيمن صالح شعبان وسيد أحمد إسماعيل دار الحديث القاهرة 1996م. 182- المعجم الصغير للطبراني تحقيق: محمود شكور محمود الحاج أمرير المكتب الإسلامي بيروت ودار عمار، عمان 1985م. 183- المعجم الكبير للطبراني تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي بغداد "سلسلة إحياء التراث" 1398-1404هـ. 184- مغني المحتاج محمد الخطيب الشربيني، دار الفكر، بيروت. 185- المغني والشرح لابن قدامة المقدسي، مطبعة المنار القاهرة 1341هـ. 186- مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة 1399هـ. 187- المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة للشيخ محمد عبد الرحمن السخاوي تحقيق: محمد عثمان الخشت دار الكتاب العربي 1985م.
188- مقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث لأبي عمرو الشهرزوري تحقيق: صلاح محمد عويضة دار الكتب العلمية، بيروت 1995م. 189- مقدمة شرح صحيح مسلم للإمام النووي، بشرح وتعليق وتحقيق: د. خليل إيراهيم ملا خاطر المدينة المنورة، دار المدينة المنورة 1998م. 190- مناقب الشافعي للبيهقي تحقيق: السيد أحمد صقر، القاهرة 1970م. 191- منتخبات التواريخ لدمشق للحصني دار الآفاق الجديدة بيروت 1399هـ. 192- المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي، طبع حيدرآباد الهند 1357هـ-1358هـ. 193- المنهل الروي في مختصر علوم الحديث النبوي لبدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة تحقيق: د. محيي الدين عبد الرحمن رمضان دار الفكر، بيروت 1986م. 194- موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان للهيثمي تحقيق: محمد عبد الرزاق حمزة المكتبة السلفية القاهرة 1399هـ. 195- الموافقات في أصول الشريعة لإبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي تحقيق: عبد الله دراز دار المعرفة، بيروت. 196- مواهب الجليل لمحمد بن عبد الرحمن المغربي أبو عبد الله دار الفكر بيروت 1398هـ. 197- موضح أوهام الجمع والتفريق للخطيب البغدادي تحقيق: عبد المعطي أمين قلعه جي دار المعرفة بيروت 1407هـ. 198- ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، مكتبة عيسى البابي الحلبي القاهرة 1383-1384هـ. 199- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لابن تغري بردي دار الكتب المصرية القاهرة 1348-1375هـ. 200- نزهة النفوس والأبدان في تواريخ الزمان للخطيب الجوهري علي بن داود الصيرفي تحقيق: د. حسن حبشي، دار الكتب 1970م. 201- نصب الراية لعبد الله بن يوسف أبو محمد الحنفي الزيلعي تحقيق: محمد يوسف البنوري، دار الحديث مصر 1357هـ.
202- نظم العقبان في أعيان الأعيان لجلال الدين السيوطي طبع نيويورك 1927م. 203- نكت الهميان في نكت العميان للصفدي تحقيق: أحمد زكي بك طبع القاهرة 1329هـ-1911م. 204- نوادر المخطوطات "مجموعة رسائل نادرة" تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون القاهرة لجنة التأليف والترجمة والنشر 1374هـ. 205- نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار للإمام الشوكاني تحقيق: عصام الدين الصبابطي دار الحديث القاهرة 1413هـ-1993م. 206- هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين لإسماعيل باشا البغدادي إستانبول 1955م. 207- الوسيط لأبي حامد الغزالي تحقيق: أحمد محمود إبراهيم ومحمد محمد تامر، القاهرة، دار السلام 1417هـ. 208- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان دار صادر 1977م. 209- يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر للثعالبي النيسابوري تحقيق: د. مفيد محمد قميحة دار الكتب العلمية بيروت 2000م.
فهرس الموضوعات
6- فهرس الموضوعات: فهرس موضوعات كتاب المعيد في أدب المفيد والمستفيد: الصفحة الموضوع 5 الإهداء 7 مقدمة التحقيق 8 مصادر ترجمة المؤلف: بدر الدين الغزي 10 مصادر ترجمة صاحب المختصر: عبد الباسط العلموي 11 رضي الدين أبو الفضل الغزي 15 محمد بدر الدين الغزي 19 ترجمة مؤلف المختصر 22 العلموي وكتابه التلخيصي المعيد في أدب المفيد والمستفيد 26 تحليل كتاب "المعيد" للعلموي 28 وصف النسخة المخطوطة 33-288 النص المحقق 33 مقدمة المؤلف 35 المقدمة، في الأمر بالإخلاص والصدق وإحضار النية الباب الأول: 39 في فضيلة الاشتغال بالعلم وفيه ثلاثة فصول 41 الفصل الأول: في فضيلة الاشتغال بالعلم وتصانيعه وتعلمه وتعليمه ونشره وحضور مجلسه، والحث على ذلك، وترجيح الاشتغال به على الصلاة والصيام ونحوهما من العبادات القاصرة على فاعلها 53 الفصل الثاني: في تحذير من أراد بعلمه غير الله تعالى 59 الفصل الثالث: في تحذير من آذى أو انتقص عالما، والحث على إكرام العلماء وتعظيم حرماتهم الباب الثاني: 61 في أقسام العلم الشرعي ومراتبه، وفيه فصلان، ثم فصل لطيف
الصفحة الموضوع 63 الفصل الأول: في أقسام العلم الشرعي وهي ثلاثة: تفسير وحديث وفقه 71 الفصل الثاني: في مراتب أحكام العلم الشرعي، وما ألحق به 71 المرتبة الأولى: فرض العين 72 فرع: اختلف في آيات الصفات وأخبارها، هل يخاض فيها بالتأويل أم لا؟ 74 فرع: يجب على الآباء والأمهات ونحوهم تعليم الصغار 75 المرتبة الثانية: فرض الكفاية 76 المرتبة الثالثة: النقل 76 فصل: قد ذكرنا مراتب العلم الشرعي، ومن العلوم الخارجة عنه ما هو محرم أو مكروه أو مباح الباب الثالث: 78 في آداب المعلم والمتعلم، وهي ثلاثة أنواع 81 النوع الأول: في آدابهما في نفسها، وآدابهما في مجلس الدرس 104 القسم الثاني: آدابهما في درسهما واشتغالهما 109 النوع الثاني: آداب يختص بها المعلم، وقد يشاركه في بعضها المتعلم، وهي ثلاثة أقسام 109 القسم الأول: آدابه في نفسه 113 القسم الثاني: آداب المعلم مع طلبته 123 القسم الثالث: آدابه في درسه 131 النوع الثالث: آداب يختص بها المتعلم، وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام 131 القسم الأول: آدابه في نفسه 141 القسم الثاني: آدابه مع شيخه وقدوته، وما يجب عليه من تعظيم حرمته 156 القسم الثالث: في آداب درسه وقراءته، وما يعتمده مع شيخه ورفقته حينئذ 166 فصل في التصنيف
الصفحة الموضوع الباب الرابع: 170 في آداب المفتي والفتوى والمستفتي، وفيه أربعة أنواع 173 ولنقدم على المقصود مقدمة 178 النوع الأول: في الأمور المعتبرة في كل مفت، وفي تقسيم المفتين وما انفرد به كل واحد من الأحكام، وفيه فصلان 179 الفصل الأول: في الأمور المعتبرة في كل مفت 180 فرع: ينبغي للإمام أن يتصفح أحوال المفتين 181 الفصل الثاني: في تقسيم المفتين 187 فصل: هذه أصناف المفتين 189 فصول: لا يجوز للمجتهد أن يقلد مجتهدا 190 النوع الثاني: في أحكام المفتي وآدابه، وفيه مسائل 198 النوع الثالث: في آداب الفتوى، وفيه مسائل 209 النوع الرابع: آداب المستفتي وصفته وأحكامه، وفيه مسائل الباب الخامس: 217 في شروط المناظرة وآدابها وآفاتها، وفيه فصلان 223 الفصل الأول: في بيان أسباب شروط المناظرة 229 الفصل الثاني: في آفات المناظرة وما يتولد منها من مهلكات الأخلاق 233 مناظرة بين الشافعي ومالك رضي الله عنهما 235 مناظرة بين الشافعي ومحمد بن الحسن 237 مناظرة بين الشافعي وإسحاق بن راهويه رضي الله عنهما 239 مناظرة بينهما أيضا 240 مناظرة بين الشافعي وأحمد بن حنبل رضي الله عنهما 241 مناظرة جرت بحضرة الشافعي
الصفحة الموضوع 242 مناظرة جرت بحضرته وأقام هو فيها الحجة 243 مناظرة بين أبي العباس بن سريج وأبي بكر بن داود 246 مناظرة بين إمام السنة الشيخ أبي الحسن الأشعري وأبي على الجبائي في أن أسماء الله توفيقية 248 مناظرة بينهما أيضا في الأصلح والتعليل الباب السادس: 249 في الأدب مع الكتب التي هي آلة العلم وما يتعلق بتصحيحها وضبطها ووضعها وحملها وشرائها وعاريتها ونسخها وغير ذلك، وفيه مسائل 268 الخاتمة في ذكر شيء من الرقائق المستطرفات والأشعار الرائقة والحكايات الفهارس العامة: 291 1- فهرس الآيات القرآنية 301 2- فهرس الأحاديث النبوية 315 3- فهرس الأعلام والأقوام والجماعات 329 4- فهرس الكتب المذكورة في متن الكتاب 335 5- فهرس الأشعار والأرجاز 359 6- فهرس المصادر والمراجع 377 7- فهرس الموضوعات